الفاطميات : مشاعر الولاء في قصائد الزهراء عليها السلام

المجلد 1

هوية الكتاب

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرُ اَلْوَلاَءِ في قَصَائِدَ الزّهرَاءِ عليها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلاَوَلُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشرو التوزيع

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولي

1426 ه_ - 2005 م

ص: 1

اشارة

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرُ اَلْوَلاَءِ في قَصَائِدَ الزّهرَاءِ عليها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلاَوَلُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشرو التوزيع

ص: 2

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولي

1426 ه_ - 2005 م

دارالعلوم التحقيق والطباعة والنشر والتوزيع(1)

ص: 3


1- المكتبة: حارة حربك -بئر العبد- شارع السيد عباس الموسوي -الهاتف: 01/545182- 03/473919- ص. ب: 13/6080 المستودع: حارة حريك -بئر العبد- مقابل البنك اللبناني الفرنسي-تلفاكس: 01/54165 www.daraloloum.com E-mail: daraloloum@hotmail.com

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَ بِّ الْعَالَمِينَ ﴿2﴾ الرَّ حْمَنِ الرَّ حِيمِ ﴿3﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿4﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿5﴾ اهْدِنَا الصِّرَ اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿6﴾ صِرَ اطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿7﴾

ص: 4

الإهداء

إِلَيْكَ... يَا فَلَذِهُ الْإِنْسَانُ الرَّسُولُ... الَّذِي اسْتَطَالَ رَاسَهُ نَحْوَ اَلسَّمَاءِ فَلاَمَسَهَا فَإِذَا كُلُّ أَبْوَابِ رحمتها وَ نِعْمَتِهَا وَ هُدَاهَا مَفْتُوحَةً إِلَيْكَ عَلَي الرَّحَابِ...

إِلَيْكَ... أَيُّهَا الْكَوْثَرُ عليها السلام الصَّيْبُ الَّذِي اهْتَزَّتْ لَهُ بَرَكاتُ الأَرْضِ خَيْراً وَصِدْقاً و براءةً... إِلَيْكَ... أَيَّتُهَا الْحَوْراءُ الإِنسِيَّةُ عليها السلام... يا نُورَ الوُجُودِ وَنَشيجَهُ الْحَزِينَ...

إلَيك... أَيَّتُهَا المَهضُومُهُ المَقْهُورُهُ... أَيَّتُها المَجهولُهُ قَدْراً و الْمَدْفُونُهُ سِرّاً...

إِيهٍ يَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ... ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرَي وَ لا فُتُوناً يَتَرَدَّدُ ذلِكَ اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي يَرْوِي بِهِ التَّأْرِيخُ أَنْبَاءُ مِسْمَارٍ وَ بَابٌ... و سَقَطَ جَنِينٌ... وَ حُمْرَةُ خَدٍ وَ عَينٍ... وَ قُرْطٌ مَنْثُورٌ... وَ نَفْئَةُ قَلْبٍ مصدوع مَوْجُوعٌ... ثُمَّ ذبولٌ... فغيَّاب فِي التُّراب...

إيهِ يا سَيِّدَتي... كانَ وَلا زالَ أَنينُكَ وَ حَنِينُكَ الهَادِفُ الشَّجِيُّ مِلءَ كُلِّ أُذُنٍ وَ قَلْبُ.

يَا فَاطِمُه... يَا مَنْ ذَكَرَكَ عِطْرَ اَلْحَيَاةِ... أَيَّتُهَا الْمَفْطُومُهُ بِالْجَلاَلِ وَ اَلْجَمَالِ... أَيَّتُهَا الحانيه الآسِيَةُ... هَا هِيَ أَخْزَّائُنَا وأَشْوَاقُنَا نَنْشُرُها دُموعاً مُقْفَّاةً... وَ نَنْظُمُهَا شُعُوراً وزَفَراتٍ نَرفَعُهَا لِرِحَابِ الْوَاسِعِ الْفَسِيحِ... و نَعْلَمُ أَنَّك أهْلٌ لِلقَبولِ وَ إن لَم نَكُن نَحنُ أهلاً لِلقَبولِ.

هَا هِيَ... يَا سَيِّدَتِي وَرِيقَاتُ ولائِي... جَمَعْتُهَا عَلَي ضَعَتِي وَ قِلَّةَ باعِي... أَضَعُها بَيْنَ يَدَيْكَ الْحانِيَةَ لِتَكُونَ شَفِيعِي عِنْدَكَ... وَ كُلِي أَمَلٌ وَ رَجَاءَ أَنْ تَقْبَلِيها مِنِّي بَعْدَ أَنْ تَقْبَلِينِي... فَهَا هِيَ بَيْنَ يَدَيْكِ سَيِّدَتِي... اقبَليها قَبْلَ أَن يَطْوِيَنِي المُؤتُ... وَيَطُوحَ بِها النِّسْيانُ...

المؤَلّف

ص: 5

ص: 6

تقريظ

(بحر السريع)

بِحُبِّ طه كُلِّ أَوْقَاتِيٍ *** أَدْرَأ ْأَفْوَاجُ اَلْمُلِمَّاتِ

لي خافَقٌ يُعلِنُ لِلمُرتَضي *** و البَضعَةُ اَلطُّهْرُ مُوَالاَتِي

وَ مَقُولٌ يُعْرَّبُ لِلْمُجْتَبَي*** عَنْ فَرْطُ حُبِّي لاَ مُحَابَاتِي

تَخَذْتَ مِنْ حُبِّ حُسَيْنٍ سُدِّي *** حِينَكَتْ بِهِ لَحْمُهُ رَايَاتِي

بِحُرْمَةِ اَلسَّجَّادِ ثُمَّ اِبْنُهُ *** اَلْبَاقِرُ أدْنُو بِمُنَاجَاتِي

بِجَعْفَرٍ ثُمَّ سَليلُ التَّقِيِّ *** الْكَاظِمِ تَقْضِئُ كُلُّ حَاجاتٍ

وَ بِالرِّضَا اَلْعَالِمِ كَهْفِ اَلْوَرَي *** اِدْفَعْ أَمْوَاجَ اَلْبَلِيَّاتِ

وَ لِلْجَوَادِ فِي اَلْحَشَا جَذْوُهُ *** تَرُوئُ بِأَشْجَانِي وَآهَاتِي

لِلْعَسْكَرِيَّيْنِ أَسَي قَدْ ثَوَي *** فِي اَلْقَلْبِ تَنْبِي عَنْهُ أَنَاتِي

وَ الْحُجَّةُ المُنْتَظَرُ الْمُرْتَجي *** لِلثَّأْرِ والنَّصِّ بِهِ آتٍ

بِشِرَاكٍ يَاشِيخَ عَلَيَّ لَنَا *** سَادَاتُ حَقٌ خَيْرُ ساداتٍ

وَ أَنْتَ يَا خَيْرَ نَصِيرٍ لَهُمْ *** خُذْهَا فَذِي مِنْهُمْ مُوَاسَاتِي

وَ إِنَّمَا سَفَرُكَ فِي مَا أَرَي *** يُسْفِرُ عَنْ أَجْمَلِ آيَاتٍ

بنشر صَوْتِ اَلْعَدْلِ يَا شيْخنَا *** يَأْمُرُنَا رَبُّ اَلسَّمَاوَاتِ

كَأَنَّ أَمْرَ اَلْوَحْيِ (تاريخه) *** (اكتُب كِتابَ الفاطميّات)

الأستاذ جابر الكاظمي

19/ شوال / 1418ه

ص: 7

تأريخ التقريظ لكتاب الفاطميات

هذا كتابٌ ماله مشبه *** من دهرنا الماضي ولا الآتي

جاء من الشعر بأعجوبة *** أو قل بآيات و آيات

ماجال فيه الطرَّف إلا كما *** جال من الحسن بجنات

من تابح الزهراء يهفوله *** في كل حرف بالمناجاة

و من قلاها لها هداهُ الهدي *** مَلَّ ووالي عابدي اللات

و مذ رايت الله قد خصّه *** بفيضه من السماوات

و أن أهل البيت سُرُّوا به *** لما به من المواساةِ

أرخت «قد سّرعلي حيدر *** أهل الكسا بالفاطميات»

الشيخ قيس العطار

1418 ه. ق

ص: 8

كلمة الديوان

أول الكلام

لكل حديث بداية ونهاية... إلّا الحديث عن فاطمة عليها السلام، و من يتصل بها بنبوة أو إمامة. فإن الكلام عنهم لا نهاية له. و كلما أمعن المتحدث أن يلمَّ بجوانب الكلام حتي يصل إلي خاتمة في المطاف لايصل يوما إلي ساحل... إذ كلما يتصوّر -المتحدِّث- عنهم أنه وصل إلي نهايته يجد أنه لا زال في البداية.

إن هذا الشيء عجيب... ربما لا تدركه عقولنا الناقصة و ربما لا تستوعب عمقه في يوم من الأيام ولكنها أيضاً لا تملك إلا أن تصدِّق بهذا عندما تسمع كلمات السماء تشير إلي بعض جوانب العظمة فيها «سلام الله عليها».

فمثلنا و نحن نتحدث عن فاطمة عليها السلام كمثل من وقف يتأمل في الفضاء الواسع الرحيب ليعرف جوهره أو ليكتشف ما به من أسرار وخفايا... فإنّه كلّما أمعن النظر وحدّق طويلاً و استنفد كل ما بعينه من قدرة علي الرؤية و الإبصار فإنه لا يصل إلي حدود أو سدود سوي تموّجات النور المتوهِّج في عيون الكواكب...

فهو يري النور فيحركه و ينبهر به و ربما يصفه أو ينسبه لمصدره و لكن دون أن يعرف جوهره المكنون وراء إشراقه...

و هكذا حينما نتحدث عن فاطمة الحوراء الإنسية عليها السلام... فكلَّما ندِّقق و نمعن النظر تأملاً وتفكيراً لا نتمكن أن نري حقيقةَ

ص: 9

أو جوهراً غير أنوار الزهراء عليها السلام الساطعة التي تحرّكنا و تشدّنا و تبهرنا ... و تمزّق ظلمات القلوب و الضمائر فينا، و عندها لا نملك إلاّ أن نؤمن بأن وراء هذا النور سراً خفياً وعالماً عميقاً أمامنا لانتمكن أن نعرفه ولكن نعرف صفته و مصدره ...

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام:

لِمَ سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ الزهراء عليها السلام زَهْرَاءَ ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٌ خَلَقَهَا مِن نُورِ عَظَمَتِهِ فَلَمَّا أَشْرَقَتْ أَضَاءَتِ السَّمَوَاتُ و الأَرضُ بِنُورِهَا وَغُشِيَتْ أَبْصَارَ الْمَلائِكَةِ و خَرَّتَ المَلائِكَةُ لِلَّهِ سَاجِدِينَ وَ قَالُوا:

إِلَهُنَا وَسِيدَنَا مَا هَذَا اَلنُّورُ ؟ فَأَوْحَي اللَّهُ إِلَيْهِمْ: هَذَا نُورٌ مِن نُورِي و أَسْكَنْتُهُ فِي سَمَائِي خَلَقْتُهُ مِن عَظَمَتِي أُخْرِجُهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍ مِن أنبِيائِي أُفَضِّلُهُ عَلي جَميعِ الأَنْبِيَاءِ وأُخرِجُ مِن ذَلِكَ النُّورِ أئِمَّةً يَقُومُونَ بِأَمْري يَهدُونَ إلي حَقِّي وأَجْعَلُهُمْ خُلَفَائِي فِي أَرْضِي بَعْدَ انْقِضَاءِ وحْيِي.(1)

هذا نور الزهراء... نور فاطمة عليها السلام... و عظمته، فلا غرابة إذا اعترفنا بعجزنا عن إدراكه، ليس لنقص فيه بل لنقص فينا، و عجز في مداركنا و حواسنا عن الوصول إلي عالم المعني و إدراك الماورائيات...

و نبقي هكذا نولد علي حبها عليها السلام و نقتفي خطاها و نموت علي ذكرها دون أن نفهمها كما ينبغي أو نعرفها كما يحق...

فنحن و فاطمة عليها السلام... نحن و بحر عميق أو فضاء رحيب لا نملك إلاّ أن نذعن لهذا السر العجيب و نؤمن بمزاياه و خصوصياته التي تفوق مزايا البشر و إن لم نتوصل لم و لن نتوصل إليه يوماً.

و هذا ليس نسجاً من الخيال، و الكلام المجرد نعبّر به عن مشاعرنا تجاه السيدة الطاهرة - أم النبوة و الإمامة عليها السلام - أم أبيها عليها السلام؛ بل هو حقيقة كونية موجودة في هذا الكون الرحب يحس آثارها القريب و البعيد دون أن يتوصّل إلي كنهها وجوهرها .

و ذلك لأنها سلام الله عليها قطب من أقطاب دائرة الإمكان و لا

ص: 10


1- البحار ج43، الباب الثاني ، الحديث 5، الصفحة 12 - طبعة بيروت.

يمكن أن يستوعبها غير المعصوم عليهم السلام لأن الضيّق المحدود لا يمكن أن يحيط بالواسع كما قالوا في عجز مدارك الإنسان عن الوصول إلي حقيقة الخالق سبحانه لأن اللامتناهي الوجود يستحيل أن يحيط به المتناهي أو يدرك كنهه. (1)

بل هي أيضاً: أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام السابقين علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و درجتها المعنوية أسمي و أرفع كما دلّت علي ذلك الأدلة الخاصة.

و هي أيضاً أفضل من أولادها عليهم السلام كما قال مولانا الحسين عليه السلام: أُمِّي خَيْرٌ مِنِّي. (2)

بل هي حجة علي كل أولادها الطاهرين كما قال مولانا الإمام الحسن العسكري عليه السلام: وَ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْنَا. (3)

كما هي سيدتهم وقدوتهم عليهم السلام كما قال مولانا الحجة و صاحب الأمر عجل الله تعالي فرجه الشريف: وَفِي إِبْنَةُ رَسُولِ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .(4)

و من كان كذلك لا يتمكن الإنسان العادي المحدود أن يصل إلي معرفته كما ينبغي ...

قيل في الخصائص الفاطمية:

وَ لَعَمري فَحَسَرَ عَن إِدْراكِها كُلُّ إِنْسَانٍ عَارِفٍ و قَصَّرَ عَن وَصْفِهَا و إِحْصائِها لِسانَ كُلِّ مَحصٍ وَ وَاصِفٍ وَ الْكِلْ بِضُروبِ فَضائِلِها مُعْتَرِفونَ و علي بَابِ كَعْبَةَ فَوَاضِلُها مُعْتَكِفونَ وَ خَصَّها اللَّهُ مِن وَ صائِفِ فَضلِهِ وَ شَرائِفِ نَبْلِهِ بِأَكمَلِ ما أعَدَّهُ لِغَيرِها مِن ذَوي النُّفوسِ القُدسِيَّةِ وَ الأعراقِ الزَّكِيَّةِ وَ الأخلاقِ

ص: 11


1- من الواضح: أن المعصومين عليهم السلام ليسوا كالباري تعالي في اللاتناهي و اللامحدودية بل هم مهما بلغوا من السعة في السمات و القدرات فهم بالنتيجة ضمن عالم الإمكان المفصول عن عالم الواجب بدرجات لاحد لها و لاحصر. و إنما المقصود سعتهم الوجودية في قبال سائر المخلوقات.
2- الإرشاد المفيد ص232 طبعة بيروت.
3- تفسير أطيب البيان ج 13 ص 225
4- البحار ج53 ، باب31 ج9 ص178 طبعة بيروت.

الرَّضِيَّةُ و الحُكمُ الإلهِيَّةُ و سَطَعَ صُبْحُ النُّبُوَّةِ بِطَلْعَتِها اَلْحَمِيدَةِ وَ غَرَتْهَا اَلرَّشِيدَةُ فَلَهَا الكَمَالاتُ الإنْسانِيَّةُ ومَلِكَاتُ الْفَضَائِلِ النَّفسانِيَّةِ كَأنَّ طِينَتَهَا قَدْ عُجِنَتْ بِمَاءِ الْحَيَاةِ وَعَيْنُ الفَضلِ في حَظِيرَةِ الْقُدُسِ فَهِيَ نُورُ الْحَقِّ وحَقِيقَةُ الصِّدْقِ وَ آيَةُ الْعَدْلِ فَتَعالَي مَجْدُها وَ تَوَالي إِحْسانِها. (1)

و من هنا... فإنها عليها السلام تملك الولاية كالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و الأئمة الطاهرين عليهم السلام بتفويض من الله سبحانه و منحه.

و هي أيضاً ... كسائر المعصومين عليهم السلام ... مجري الفيض الإلهي لهذا العالم.

كما إنّها العلة الغائية اولتي لها أو لمحبتها خلق الله سبحانه العالم...

و أيضاً هي...كسائرهم عليهم السلام... سبب دوام الفيض الإلهي علي الكون و علة استمراره بقاءً...

و غير ذلك من مقامات معنوية خاصة منحها الله سبحانه لها و لهم بما لم يمنحه لأي أحد سواهم عليهم السلام. و هذا من المعاني العميقة التي قامت عليها الأدلة العقلية و النقلية التي بحثها علماء الحكمة والكلام في كتبهم الخاصة...

ولكن... لتقريب بعض هذا المعني إلي الأذهان سأقوم بنقل بعض الأخبار الواردة عن المعصومين عليهم السلام -أمناء الله سبحانه علي سرِّه- و هي تتحدث عن فاطمة عليها السلام و مقاماتها الرفيعة كي نفهم بعض ذلك بقدرنا لا بقدرها...

ص: 12


1- الكوكب الدري، ج1، الشيخ محمد مهدي الحائري، ص120، طبعة النجف.

من خصائص فاطمة عليها السلام

اشارة

طبعاً... لا أريد أن أتحدث عن الزهراء عليها السلام و ما حوته -الصديقة الكبري عليها السلام- من الكمالات الهائلة التي لم يكن بإمكان أحد منّا أن يستوعبها أو يدرك بعضها إلّا من خلال ما قاله عنها أهل البيت عليهم السلام... و لكن اقتباساً من بعض كلماتهم عليهم السلام سأحاول أن أشير إلي بعض ما ذكروه عن مقامها و عظمتها و كمالاتها حسب فهمنا القاصر...

الحوراء الإنسية

ليست الزهراء «سلام الله عليها» بالمرأة العادية التي تعيش أيامها في المطبخ و أسواق الملابس و المحلي و غيرها من المواطن التي ألفتها المرأة العادية فألفت ثقافتها و عاشت بمستواها في الغالب.

بل كانت عليهم السلام فوق ذلك كله فهي إلي جانب إنسانيتها الرفيعة تحمل خصائص الملائكة و صفات الحور المترفعة عن الدنيا و شؤونها و اهتماماتها...

بل تفوق حتي الملائكة و الحور... ذلك لأن الملائكة و أخواتها ترفّعن عن الدنيا و لذائذها قهراً بمقتضي صنعها و جبلّتها الأولي التي لا تميل إلي الدنيا و رغائبها المادية...

بينما الزهراء «سلام الله عليها» و هي الإنسانة... تعيش كسائر الناس في الدنيا... بما فيها من لذائذ و مغريات... ولكنها تأبي إلاّ أن تتنزّه عن دناءة هذه الدنيا و تترفّع عن خسَّتها بالعلم و الإرادة و الاختيار...

فهي إنسانة جسداً و لكنها ملك و حوراء روح و نفساً و ضميراً...

ص: 13

فكانت بذلك إنسانة... وكانت حوراء فقال عنها أبوها صلي الله عليه و آله و سلم المتحدث بلسان الغيب: فَاطِمَةُ عليها السلام حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ. (1)

ومن هنا حملت «سلام الله عليها» صفات الحور العين و اتسمت بسماتها ... فكما أن الحور العين لاتطمث كانت هي أيضاً «سلام الله عليها» طاهرة من الطمث و قد وردت في مجاميعنا الروائية أخبار عديدة تدل علي ذلك:

ففي حديث روي عن رسول الله صلي الله عليه و آله عن مصادر العامة يقول صلي الله عليه و آله: إِبْنَتِي فَاطِمَةُ عليها السلام حَوْرَاءَ آدَمِيَّةٌ لَمْ تَحُضْ وَ لَمْ تَطْمَثْ.(2)

فكانت بذلك طاهرة مطهَّرة من كلِّ دنس مادي و معنوي و هذه ميزة فريدة امتازت بها مولاتنا عليها السلام علي بنات حوّاء.

البتول

و إظهاراً لهذا المقام الرفيع و المنزلة السامية التي امتازت بها علي سائر النساء و ردت الأخبار في تسميتها بالبتول... لتبتّلها عن الطمث كما روي القندوزي: وَ إنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام البَتُولُ لِأَنَّها تَبَتَّلَت مِنَ الحَيضِ وَالنِّفاسِ.(3)

و روي الكشفي الحنفي عن أم سلمة أنها سلام الله عليها: سُمِّيَتْ فاطِمَةُ عليها السلام بَتُولاً لِأنَّها تَبَتَّلَتْ و تَقَطعَتْ عَمَّا هُوَ مُعتاد الْعَوْرَاتِ في كُلِّ شَهْرٍ.(4)

و البتول كما في رواية الحاكم: الَّتي لَمْ تَرَ مَرَّةً قَطُّ أَيْ لَمْ تَحِضْ فَإِنَّ اَلْحَيْضَ مَكْرُوهٌ فِي بَنَاتِ اَلْأَنْبِيَاء.(5)

و لاغرابة في ذلك أبداً... إذ أن الله سبحانه جعل لمخلوقاته قوانين و سنناً هي عليهم السلام خاضعة لهذه القوانين لاتملك منها حيلة... و بهذه

ص: 14


1- ناسخ التواريخ، ج 3، ص 12، طبعة قم 1378 ه_.
2- راجع كنز العمال، ج 13، ص 94. و تاريخ بغداد، ج 13، ص 331 و غيرها من المصادر و هي كثيرة.
3- ينابيع المودة، ص 260 طبعة اسلامبول.
4- المناقب المرتضوية، ص119، طبعة بومباي.
5- راجع أرجح المطالب، و راجع كشف الغمة للأربلي، ج 2، ص 90، طبعة بيروت .

القوانين والسنن ينتظم نظام الكون ويسري نحو هداه و كماله...

فمثلاً: النار قانونها الإحراق و هو سنَّة الله سبحانه في النار.

و سنَّة الله في النبات أنه يبذر في مكان و زمان وفق ظروف طبيعية خاصة ملائمة ، فينمو و يكبر حتي يثمر...

و سنَّة الله في الشمس أنها تطلع في كل صباح و تغيب في كل مساء التعطي الحرارة و النور و نحو ذلك...

و الإنسان أيضاً لم يخرج عن هذه السنن و القوانين الكونية فطبيعته الجسمية و حالاته النفسية و الروحية أيضاً خاضعة لقوانين و سنن لا تشطّ عنها... إلّا إذا أراد الله سبحانه أن تتخلّف بعض هذه القوانين لمصالح خاصة و هذا ما أراده الله سبحانه لأوليائه...

حيث عكس فيهم «القانون» فجعل القوانين و السنن الطبيعية هي الخاضعة لهم و المحكومة بإرادتهم بإذنه تبارك و تعالي و ليس العكس و ذلك لحكم و مصالح خاصة و هو الذي يسميه علماء الكلام -بالمعجزات و الكرامات- في خرق قوانين الطبيعة.

فالنار التي قانونها الإحراق جعلها الله سبحانه و تعالي برداً و سلاماً علي وليّه إبراهيم الخليل عليه السلام.

و شجرة اليقطين التي تحتاج إلي زمان و ظروف خاصة لكي تزرع ثم تنمو و تكبر حتي تصبح شجرة حسب قوانين النبات و سننها الكونية جعلها الله سبحانه تنبت و تورق و تنتشر أغصانها الوارفة لوليِّه يونس عليه السلام في فترة لاتعد بالحسبان.

و قانون النطفة وتحوّلها إلي جنين في رحم طواه الأم الذي يستغرق ستة أشهر أو تسعة أشهر ليكتمل في أطواره وأدواره جعله الله سبحانه المريم ابنة عمران عليه السلام بتسع ساعات أو ست ساعات فقط بلا مسّ بشر.(1)

ص: 15


1- راجع مجمع البيان في تفسير سورة مريم.

و علي غرار هذا تصدر المعجزات في خرق قوانين الطبيعة عن أولياء الله سبحانه و بهذا ترتفع الغرابة عن إمكان نقاء الحوراء الإنسية عليها السلام من دم الحيض و النفاس...

فإنَّ الحيض الذي تراه المرأة عادة في كلّ شهر ما هو إلاّ دم فاسد تخزّن في جسم المرأة ليصبح فيما بعد غذاء للجنين في حالة الحمل، حتي إذا لم تنعقد نطفته نبذه الرحم إلي الخارج بواسطة الدورة الشهرية... لأنه إذا بقي في رحم المرأة يضرها و يسبب لها الأذي الروحي و البدني... كما بناكر ذلك الأطباء.

قال تعالي: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ اذي .(1)

ولكونه أذي... أسقط الله سبحانه عنها بعض التكاليف الشرعية و وضع لها بعض الأحكام الخاصة...

فالصلاة و الصيام ساقطة عنها أيام الدورة الشهرية مع ملاحظة أنَّ عليها قضاء الصيام فيما بعد و حرّم عليها اللبث في المساجد ودخول المسجد الحرام و النبوي و غير ذلك من الأحكام التي ذكرها الفقهاء في الكتب الفقهية.

ومن الواضح أن أحكام الحيض تجري علي النفاس أيضاً «للحكم والأسباب نفسها»...

فالنساء بشكل عام خاضعات لهذا القانون التكويني محكومات بسننه... ولكن لا غرابة إذا تخلَّف هذا القانون في فاطمة عليها السلام بعد أن كانت حوراءَ أنسية وسيدة نساء العالمين عليها السلام و قدوتهنّ في الدين والدنيا كما أكدّت ذلك الروايات... و جعلتها من خصائصها الخاصة عليها السلام.

عن الحافظ السيوطي : ومِنْ خَصَائِصِ فَاطِمَةَ عليها السلام أَنَّهَا كَانَتْ لا تَحِيضُ وَكَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ طَهُرَتْ مِنْ نِفَاسِهَا بَعْدَ سَاعَةٍ حَتَّي لاَ تَفُوتَهَا صَلاَةٌ .(2)

ص: 16


1- سورة البقرة، الآية 222.
2- فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص139.

عن أبي بصير عن مولانا الصادق عليه السلام قال: حَرَّمَ اَللَّهُ عَزَّ وَجِل علي عَلي اَلنِّسَاءِ مَا دَامَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام حَيَّةً -أَيْ عَلَي قِيدِ اَلْحَيَاةِ- قُلْتُ و َكَيْفَ ؟ قَالَ: لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ لاَ تَحِيض. (1)

المنقطعة إلي ربّها

ومن هنا ذكر علماء اللغة أيضاً في وجه تسميتها بالبتول وجهاً آخر مستفاداً مما ورد في بعض الروايات... فقالوا:

إِنَّهَا سُمِّيَتْ بُتُولاً لانقطاعها عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَضْلاً وَ دِيناً .

قال ابن منظور في لسان العرب: البتلِ: اَلْقَطْعُ... و َسئْلُ أَحْمَدُ بْنُ يحْيي عَنْ فَاطِمَةَ رِضْوَانُ اَللَّهِ عَلَيْهَا بِنْتُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم: لِمَ قِيلَ لَهَا اَلْبَتُولُ؟ فَقَالَ: لاِنقِطَاعِهَا عَن نِساءِ أهْلِ زَمَانِهَا و نِساءِ الأُمَّةِ عِفافَةً وَ فَضلاً وَ ديناً وَحَسباً.(2) و مثل هذا قاله ابن الأثير في النهاية أيضاً.(3)

أقول: و من معاني البتول أيضاً: اَلاِنْقِطَاعُ عَنِ اَلدُّنْيَا إِلَي اَللَّهِ سبحانه و هذا المعني أيضاً جاء في بعض كتب اللغة و هو ما قيل عن فاطمة عليها السلام لانقطاعها عن الدنيا إلي الله عزّوجل.(4)

فإنّ التبتّل: الانقطاع عن الدنيا إلي الله تعالي و الإخلاص له سبحانه. فيقال للعابد «متبتّل» إذا ترك كلَّ شيء و أقبل علي العبادة لأنه قطع كل شيء إلا أمر الله و طاعته، قال تعالي: واذكُرِ اسمَ رَبِّكَ وَ تَبَتَّلْ إليهِ تَبْتِيلاَوُهُ.(5) أي أخلص له إخلاصاً.

و تعني الآية الشريفة: في ضمن ما تعنيه اذكر ربِّك بأسمائه «تعالي» التي إذا تعدت بالدعاء بها... تقطعك من كل ما سواه.

ص: 17


1- فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص139.
2- راجع المصدر، ج11 ص43، طبعة بيروت.
3- راجع النهاية ج1 ص94، طبعة قم بإيران.
4- لسان العرب ج 11 ص 43 بتصرف.
5- سورة المزمل، آية 8.

و في مفردات الراغب الأصفهاني: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً أي انقطع في العبادة و إخلاص النية انقطاعاً يختص به.

و سميّت فاطمة الزهراء عليها السلام بالبتول لإنقطاعها إلي عبادة الله عزوجل فقد كان دأبها العبادة و الانقطاع إلي الله سبحانه.

روي عن مولانا جعفر بن محمد عليه السلام الي عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام عن فاطمة الصغري عن الحسين بن علي عليه السلام عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: رَأَيْتُ أُمِّي فاطِمة عليها السلام قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ اَلْجُمُعَةِ فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً و سَاجِدَةً حَتَّي انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبحِ و سَمِعَتُهَا تَدْعُو لِلمُؤمِنينَ و المُؤمِناتِ و تُسَمِّيهِمْ و تُكْثِرُ الدُّعاءَ لَهُمْ ولا تَدْعُو لِنَفسِها بِشَيءٍ... فَقُلْتُ لَهَا : يَا أُمَّاهْ لِمَ لاَ تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ اَلْجَارَ ثُمَّ الدَّار.(1)

و روي عن الحسن البصري: مَا كَانَ فِي هَذِهِ اَلْأُمَّةِ أَعْبَدُ مِنْ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَقُومُ حَتَّي تَوْمَ قَدَمَاهَا.(2)

و في البحار عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: مَتَي قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا جَلَّ جلاَلُهُ زهي نُورها لِمَلاَئِكَةِ اَلسَّمَاءِ كَمَا يَزْهُو نُورُ الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الأَرْضِ و يَقولُ اللَّهُ عَزَّ وَجلٌ لِمَلاَئِكَتِهِ:

يَا مَلاَئِكَتِي اُنْظُرُوا إِلَي أَمَتِي؛ فَاطِمَةَ عليها السلام سَيِّدَةِ إِمَائِي قَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيَّ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهَا مِنْ خِيفَتِي و قَدْ أَقْبَلَ بِقَلْبِهَا علَي عِبَادَتِي؛ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَمِنْتُ شِيعَتَهَا مِنَ اَلنَّار. إلي آخر الحديث.(3)

و في كتاب «عدة الداعي» لصاحب الكرامات أحمد بن فهد الحلّي: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام اَلَّتِي تَنْهَجُ فِي اَلصَّلاَةِ مِنْ خِيفَةِ اَللَّهِ و النهج -بفتح النون و الهاء- تتابع النفس.(4)

ص: 18


1- كشف الغمة، ج 2، ص 94.
2- فاطمة من المهد إلي اللحد، ص258.
3- راجع المصدر نفسه، ص259.
4- المصدر نفسه .

و لهذه المزايا و الخصوصيات صارت «سلام الله عليها» محل العناية الإلهية...

فأحبها الله سبحانه... و أحبّها رسوله الكريم صلي الله عليه و آله و سلم... و لأنها كانت خالية من نواقص البشر و دناءاتهم فلا تحب إلاّ بميزان و لاتبغض إلاّ بميزان ، صارت معيار حبهما و بغضهما... فإذا أحبَّت شيئاً أحبه الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و إذا أبغضت شيئاً أبغضه الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم. حتي قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام:

إِنَّ اللَّهَ يَغضَبُ لِغَضَبٍك وَ يَرْضَي لِرِضاك .(1)

إنَّ اللَّهَ عَزَّوَجِل يَغضَبُ لِغَضَبِ فَاطِمَةَ و َيَرضي لِرِضَاها.(2)

و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أَيضاً:

فَاطِمَةُ عليها السلام بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا فَقَدْ أَغْضَبَنِي.(3)

و قال أَيضاً :

فاطِمَةُ عليها السلام بَضْعَةٌ مِنّي يُؤْذِينِي مَنْ آذَاهَا ويَسُرُّنِي مَا أسَرَّهَا.(4)

ومن الواضح أن حبّ الله سبحانه و حبّ رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و ليس كحبّنا نحن -البشر- يتحرك للعاطفة و يتفاقم لفرطها فنرضي لرضا المحبوب و نغضب لغضبه بلا موازين... لأننا قد نحب و نبغض بلا معرفة أو وعي الجوهر المحبوب و حقيقته و ربما أحببنا ما لا يليق بالحب استسلاماً للعواطف... و ربما أبغضنا من هو جدير بالحب، استسلاماً للعواطف أيضاً.

ص: 19


1- و قد روي الحديثين طائفة من أقطاب العامة : راجع: مستدرك الصحيحين للنيسابوري، ج3، ص153، طبعة حيدر آباد لعام، 1324 و وصفه أنه حديث صحيح الإسناد. و أسد الغابة الابن الأثير، ج5، ص522، طبعة مصر لعام، 1285. و الإصابة لابن حجر، ج8، ص109. و كنز العمال للمتقي الهندي، ج6، ص219. و ميزان الاعتدال للذهبي، ج2، ص72 و غيرها من المصادر.
2- و قد روي الحديثين طائفة من أقطاب العامة: راجع: مستدرك الصحيحين للنيسابوري، ج3، ص153، طبعة حيدر آباد لعام، 1324 و وصفه أنه حديث صحيح الإسناد. و أسد الغابة الابن الأثير، ج5، ص522، طبعة مصر لعام، 1285. و الإصابة لابن حجر، ج8، ص109. و كنز العمال للمتقي الهندي، ج6، ص219. و ميزان الاعتدال للذهبي، ج2، ص72 و غيرها من المصادر.
3- ينابيع المودة، ص171. و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص198 و صحيح الترمذي، ج2 ص319.
4- ينابيع المودة، ص 171. و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص198 و صحيح الترمذي، ج2 ص319.

أما حب الله «سبحانه» و حب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فهو يرجع إلي المعرفة بما للمحبوب من المواهب و الخصوصيات التي يستحق بها كل هذا الحب... و بغضهما أيضاً خاضع (للقانون نفسه).

ومن هنا أيضاً: صار حبها و بغضها عليها السلام ميزاناً للإيمان و الكفر... و معياراً لتمييز الحق من الباطل...

فاطمة عليها السلام قطب البيت

في بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي سلام الله عليه... لا توجد امرأة أشرف و لاأعظم من فاطمة عليها السلام... بل علي وجه الأرض أبداً. بعد أن جعل الله سبحانه فاطمة عليها السلام أمّاً لأبيها و اختار لها علياً زوجاً و اختارها له زوجة...

قال مولانا الصادق عليه السلام: لَوْلاَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالي خَلَقَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيّاً عليه السلام مَا كَانَ لَهَا كُفْوٌ عَلَي ظَهْرِ اَلْأَرْضِ مِنْ آدَمَ فَمَا دُونَهُ.(1)

و في خبر ابن مسعود عن النبي، قال: إِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وَتَعالي أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَ فَاطِمَةَ عليها السلام مِنْ عَلِيٍ عليه السلام.(2)

و لهذا كان بينهم مدرسة... في كل ما للحياة من معني و حاجة...

و هذا لا يجري في مقياس الجسد و مظاهره فقط و إن كانوا بمقاييسه أيضاً هم الأفضل و الأكمل إلاّ أن العناية الكبري منصرفة إلي الروح والمعني.

و لعّلك تجد إشارة أخري في كلمات رسول الله صلي الله عليه و آله تسوق أنظار المسلمين إلي هذا البيت الطاهر... تدعوهم إلي التزكية و التربية و التعلم... من أهل هذا البيت عليهم السلام.

و أيضاً... في حديث المباهلة -بقصّته المفصَّلة و دلالاته القوية المتينة -قد لا نجد تصويراً أكبر لسموّ فضلهم و رفيع مكانتهم و عظيم منزلتهم في هذا القول الشريف: لَو عَلِمَ اللَّهُ أنَّ في الأَرضِ أكرَمَ مِن عَلِيٍ و فَاطِمَةَ و الْحَسَنُ و الْحُسَيْنُ عليهم السلام لَأَمَرَنِي أَنْ أُبَاهِلَ بِهِم.(3)

ص: 20


1- راجع ينابيع المودة، ص179.
2- الصواعق المحرقة، ص107.
3- راجع تفسير العياشي و مجمع البيان و البرهان و الصافي في تفسير آية المباهلة.

و هذا التعبير بدلالاته القوية ينشيء في نفوسنا صوراً شتي للقيم و الفضائل تكشف عن مقاماتهم الرفيعة في العالم الروحاني... و هذا هو الشرف العظيم الذي تخشع له القلوب والضمائر .

و بهذا يتوصّل الإنسان مهما أوتي من فهم... أن عقله لا يتصوّر مثالية و لا عبقرية أرفع من مثاليتهم و عبقريتهم.

فهم الأكملون في مقاييس الفضل و السبق و معايير الشرف و الإيمان بل من أي النواحي أتيتهم تجدهم المُكَمَّلين المقرّبين...

ففي حياة علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و في حياة ولديهما عليهم السلام إلتقت و شائج الفضائل و المثل العليا مذ تفتّحت أكمام حياتهم و عرفوا هذا الوجود .

و إذا نظرنا إليهم من البداية إلي النهاية لرأيناهم يتقلَّبون بين أحضان الفضيلة و قد أسدلت عليهم بُردها تلفّهم من الفرع إلي القدم فلا يساويهم في سموّهم أحد و لا يدانيهم مخلوق.

و لا جرم إن كانوا كذلك وقد تربّوا في البيت الذي خرجت منه الدعوة إلي الإسلام و كفلهم صاحب الدعوة الإسلامية... ربيب الوحي ومختار الله وحبيبه صلي الله عليه و آله و سلم.

وليس عجباً بعد هذا إن كان في كل ناحية من نواحي حياتهم ملتقي للفضائل... فإن لهذه التربية أثراً فعّالاً في صبغهم بالصبغة المثالية و توجيههم إلي الفضيلة و الكمال.

حقاً... لقد كان كل واحد منهم بحكم التربية و بحكم الوراثة معجزة خالدة انفصلت من جسم رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم لتكون معجزة في صميم الحياة.

و إن حياة كل واحد منهم تتصل بحياة رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم و وجوده الكامل يتصل بوجوده صلي الله عليه و اله وسلم المثالي و فضائله تتصل بفضائله من الساعة الأولي التي انفصلوا فيها من وجود واستقروا في وجود آخر.

إن عرضاً موجزاً لحياتهم كفيلٌ بأن يرينا أنه بعد النبّوة لا نجد فواصل أخري بين كمال وجوده صلي الله عليه و اله وسلم و كمال وجودهم وأنَّ الله تعالي أعدَّهم للإنسانية في أعلي مثالية كما أعد رسول الله صلي الله عليه و اله وسلم من قبل.

ص: 21

والحق... أنهم المعجزة الخالدة التي كشف الزمن عنها فجاؤوا في وسط المعترك الهائج و ليسوا منه و جاؤوا بين طرفي الزمن و ليسوا من الزمن و إنما هم إشعاعة من نور الله سبحانه أفاضه علي هذا الوجود و علي هذه الإنسانية المعذَّبة يشقّ الطريق ليهديها في كل أجيالها إلي الخير و السعادة و إلي المثل العليا من الكمالات النفسية... و من هنا جعلهم قدوة لنا و للبشرية أجمع.(1)

و بهذا يتجلّي لنا الإنسان الذي يسمو في كفة الميزان في معادلات التقييم... فالراجح هو الذي تحفُّ بشخصه أعلي القيم و أقدسها و ذلك باكتساب أمثل الصفات و أزكاها و التي هي الأخري تجعله فريداً وحيداً في السمات و الخصوصيات و بالتالي ينال مقام القرب من الله سبحانه فتكون إنسانيته أكمل و منزلته أعلي و أرفع و بذا ينال درجات الولاية و يرقي عن مستوي السنن و القوانين الطبيعية للكون و الحياة. فيصبح حبّه حبّ الله سبحانه و بغضه بغض الله أيضاً... و هذا ما تجده... في بيت علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام...

فعلي عليه السلام: في كل ناحية من نواحي الإنسانية ملتقي بسيرته.(2)

و قد ورث بحكم مولده و مرباه مناقب النبّوة و مواهب الرسالة و بلاغة الوحي و صراحة المؤمن.(3)

و قد تجمّعت فيه أخلاق محمد صلي الله عليه و اله وسلم و محمد صلي الله عليه و اله وسلم إنسان تجمعت في إنسانيته صفات روحية جعلته أفضل مخلوق و أشرف مخلوق و فوق كل مخلوق.(4)

من سمات علي عليه السلام

فعلي عليه السلام تالي محمد صلي الله عليه و آله و سلم ... و فرعان لشجرة واحدة هذا للنبّوة و هذا للإمامة لم يعرف الإسلام قط أصدق إسلاماً ولا أشدّ إيماناً منه.

ص: 22


1- المباهلة عبد الله السبتي، ص1-2 بتصرف.
2- عبقرية الإمام علي عليه السلام للعقاد نقلاً عن المباهلة للسبتي.
3- تاريخ الآداب العربية للزّيات نقلاً عن المصدر نفسه .
4- المباهلة للسبتي، ص72 - 73.

و لم يملأ الإيمان أعماق قلب مسلم قط كما ملأ قلبه عليه السلام فكان يؤثر الآخرة علي الأولي و يعمل لإرضاء ربه و إرضاء نبيّه و إرضاء شعبه ...

وصفه ضرار أمام معاوية -ألد أعدائه- فأجاد الوصف و أذعن معاوية إلي الحق الدامغ و قال:

كَانَ وَ اللَّهُ بَعِيدَ اَلْمَدْي شَدِيدَ اَلْقُوَي يَقُولُ فَصّلاً وَ يْحَكُمْ عدلاً يَتَفَجَّرُ العِلْمُ مِن جَوَانِبِهِ و تَنْطِقُ الحِكْمَةُ مِن لِسانِهِ يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنيا و زَهْرَتِهَا و يَأْنَسُ بِاللَّيْلِ و وَحْشَتِهِ وَ كانَ غَزِيرَ الدَّمعَةِ طَويلَ الفِكْرَةِ يُعْجِبُهُ مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشُنَ و مِنَ الطَّعَامِ ما جَشِبَ و َكَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا يُجِيبُنَا إِنْ سَأَلْنَاهُ و يَأْتِينَا إِذَا دَعَوْنَاهُ و نَحْنُ و اللَّهِ مَعَ قُرْبِنَا مِنهُ و قُرْبِهِ مِنَّا لا نَكادُ نُكَلِّمُهُ هَيْبَةً لَهُ يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ و يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ لا يَطْمَعُ القَوِيُّ في باطِلِهِ وَ لا يَيْأَسُ الضَّعِيفُ مِن عَدْلِهِ وَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ يَا مُعَاوِيَةُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ و قَدْ أَرْخَيَ اللَّيْلُ سُدُولَهُ و غَارَتْ نُجُومُهُ قَابِضَاً عَلَي لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ وَ يَبكي بُكاءَ الْحَزِينِ وَ هُوَ يَقُولُ : إِلَيْكَ عَنّي يا دُنْيَا غُرِّي غَيْرِي أَلِيّ تَعَرَّضْتِ أم إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فَإِنِّي قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثَاً لا رَجْعَةَ لِي فِيكِ فَعُمُرُكِ قَصِيرٌ و خَطَرُكِ كَبِيرٌ وَ عَيْشُك حَقِيرٌ... ثُمَّ قالَ عليه السلام آوِ آه مِن قِلَّةِ الزَّادِ و بُعْدِ السَّفَرِ و وَحْشَةِ الطَّرِيقِ ثُمَّ بَكَي ضِرَارَ و بَكَي مُعَاوِيَةَ وَ قَالَ: رَحِمَ اَللَّه أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام كَانَ وَ اللَّهِ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَكَيْفَ حُزْنُكَ عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ قَالَ حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حَجْرِهَا فَهِيَ لاَ تَرْقَي لَهَا دَمْعَةٌ وَلاَ تَسْكُنُ لَهَا زَفْرَة.(1)

هذا هو علي في كفّة الميزان... فهل يرجح عليه أحد أم هل يساويه أحد في صحبه أو صحب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ؟

و حسبه فضلاً... أن يكون مع القرآن و القرآن معه... و أن يكون مع الحق و الحق معه يدور معه كيفما دار هذا في الدنيا و في الآخرة فهو عنوان صحيفة المؤمن.(2)

و أما فاطمة عليها السلام

كفؤ علي عليه السلام... ولولاها «سلام الله عليها»، لما كان كفؤٌ له «سلام الله

ص: 23


1- المجالس السنية، ج 3، ص 104 .
2- في كل هذه المعاني جاءت الروايات و قد ذكرها العلامة المجلسي في البحار فراجع.

عليها» و لولاه عليه السلام لما كان كفؤ لها... و حسبنا دلالة علي سمو الشرف و عظم المنزلة أنها كفؤ علي عليه السلام...

قال الشاعر:

المصطفاه اصطفاه الله بارئها *** وما ارتضاه لغير المرتضي الارب

لو لم يكن لم يكن كفوا لها أحد *** و تلك كفوله في الفضل والحسب(1)

و حسبها أن تكون مختارة الله سبحانه ليباهل بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نصاري نجران... و من أجل هذا الاختيار نفهم التفضيل المطلق علي سائر النساء بدون مشاركة لأن العقل لا يفهم الاختيار مع التساوي في الفضيلة و المشاركة في الكمال و إلاّ لزم الترجيح بلا مرجّح و هو مستحيل علي الحكيم... فلا بدّ إذن من أفضلية و أكملية ليقع الاختيار صحيحاً طبق العقل.

و إذا كانت «سلام الله عليها» قد اختارها الله سبحانه مع من اختار فما ذلك إلاّ من سموّ القدس و غلبة الروحانية في الإنسانية الطاهرة المهذَّبة و إذا غلبت الروحانيّة فقد تكاملت المثل العليا في النسوية العالمية.

و علي قدر نشأة النواميس الروحيّة في النفس البشرية تسمو الإنسانية و ترتفع إلي منزلتها السامية التي أعدّت لها في المكان الأرفع.

و حيث تجمّعت القوي الروحيّة و النواميس القدسية في هذا الملاك النسوي الطاهر فقد تهيّأت النفس للمثل العليا و خرقت المألوف و المعتاد في اطّرادها البشري حتي تستحيل إلي معجزة في كمال الوجود و كمال الفضيلة.(2)

و لهذا كانت فاطمة سلام الله عليها... أم النبوة و الإمامة بعد أن تجمّعت في كيانها النسوي فضائل روحية و كمالات نفسية رفعتها في الإنسانية إلي أرقي الدرجات التي يمكن أن ترتفع إليها إمرأة... فكانت

ص: 24


1- الكوكب الدري، ج1، المازنداني الحائري، ص153 طبعة النجف.
2- المباهلة للسبتي، ص 76 بتصرف .

صورة فريدة للكمال الإنساني في جانبه النسوي و مدرسة إنسانية كاملة تجمّعت في شخصها كل معاني العظمة و الفضيلة و الشرف و الكمال بل سمت في كل مجال...

فكانت خير بنت لأبيها...

و خير زوجة لزوجها...

و خير أم لبنيها...

و خير قدوة لأمثالها...

و من أجل ذلك كلّه... و أكثر... كانت جديرة بأن تمثّل القمة في مستوي الكمال البشري في بُعده النسوي... و من أجل ذلك أيضاً صارت سيّدة نساء العالمين كما وصفها المتحدث بلسان الغيب صلي الله عليه و آله و سلم.(1)

قالت عائشة و هي تزفّ فاطمة سلام الله عليها إلي علي عليه السلام مع سائر نساء النبي و نساء المهاجرين و الأنصار ليلة العرس:

يا نسوةُ استترنَ بالمعاجر *** و اذكرنَ ما يَحسُنُ في المَحاضرِ

و اذكرنَ ربَّ الناس إذ يخصُّنَا *** بدينه مع كلّ عبد شاكر

و الحمدلله علي أفضاله *** و الشكرُلله العزيز القادر

سرنَ بها و الله أعلي ذكرها *** و خصّها منه بطهرٍ طاهر

و أخذت حفصة تنشد في مدحها أيضاً في نفس الليلة و المناسبة :

فاطمة خيرُ نساءِ البشر *** و مَن لها وجهٌ كوَجهِ القمر

فضّلك اللهُ علي كلِّ الوري *** بفضلِ مَن خُصَّ باي الزُمر

زوجك الله فتّي فاضلاً *** أعني علياً خيرَ مَن في الحَضر

فَسرنَ جاراتي بها إنّها *** كريمةٌ بنتُ عظيم الخطر (2)

ص: 25


1- روي ابن سعد في الطبقات الكبري، ج8، ص28 طبعة بيروت: حديثا عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و قال: «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين»... و قد روي الحديث طائفة أخري من أعلام العامة أيضاً.
2- فاطمة من المهد إلي اللحد للقزويني، ص 196.

في مدرسة علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام

تمَّ الزواج المبارك بين أعظم غصنين لأعظم رسالة هبطت علي الأرض...

فماذا كان الصداق؟ هل الكثير من الأموال... و أنواع الملابس... و الأطعمة و الأشربة؟... كلاّ... و لا القصر العاجي و لا هذا و لا ذاك... أبداً... وحُقَّ له أن يكون هكذا... لأن الذي سمت فيه الروحانية... و تجلّي فيه القدس و الطهارة و عذوبة القيم... يأبي أن يعيش في حضيض المادة و دناءتها التي تخدع و لا تخصب، يأبي أن تصفّده الدنيا التي تغرّ و تضر و تمر بأصفادها فتحدّ من سموّه و رفعته... الذي سمي فيه المعني يأبي إلاّ أن يعيش المعني أيضاً و يتعامل مع الحياة هكذا أيضاً.

أعود وأسأل ماذا كان الصداق؟ كان الصداق درعاً حطمية... شاركت الإمام في جهاده في سبيل الله سبحانه وصدّت عنه سيوف الأعداء و رماحهم المغموسة بالكفر و النفاق و العداوة للدين... هذه الدرع التي حمت الإمام في أشد المواقف و أصعبها لتحفظه من المكاره و الآلام هي الأخري ... صارت مهراً لفاطمة عليها السلام.

هذه الدرع باعها علي عليه السلام بأربعمائة و ثمانين درهماً و أتي بالمبلغ و وضعه بين يدي النبي صلي الله عليه و آله... وزَّع النبي المال علي النحو التالي:

160 درهماً لشراء العطور و كلَّف بلالاً بشرائها.

160 درهماً لشراء الثياب.

66 درهماً لمتاع البيت.

96 درهماً دفعها إلي أمّ سلمة لتبقيه لديها.

و قد اختار هيئة من الصحابة لشراء الثياب و المتاع كان منهم أبوبكر و عمار بن ياسر فاشتروا جهاز العرس و هو كالتالي: (1)

1- قميص بسبعة دراهم !

ص: 26


1- أخذنا التفاصيل عن كتاب فاطمة أم أبيها للسيد فاضل الميلاني، ص 55 - 57.

2- خمار بأربعة دراهم!

3- قطيفة سوداء خيبرية!

4 - سرير ملفوف بشريط من الخوص!

5- فراشان من خيش مصر، حشو أحدهما ليف وحشو الآخر من صوف الغنم!

6- أربع مرافق (مُتكَات) من أدم الطائف حشوها «إذخر» و هو نبات طيِّب الرائحة.

7- ستر رقيق من الصوف!

8- حصير هجري!

9- رحي يد.

10 - مخضب من نحاس لغسل الثياب !

11 - قربة صغيرة !

12 ۔ قدح من خشب !

13- قرية صغيرة لتبريد الماء !

14- مطهرة «إناء مزفّت» !

15- جرَّة خضراء!

16- أكواز من خزف!

17- بساط من الجلد!

18- عباءة قطوانية!

هذا هو الجهاز... فحملته الهيئة إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وضعته أمامه فجعل صلي الله عليه و آله و سلم يقلّبه بيده و يقول: (بَارَكَ اَللَّهُ لِأَهْلِ اَلْبَيْتِ؛(1) اَللَّهُمَّ بَارِكْ لِقَوْمٍ جُلُّ آنِيَتِهِمُ الخزف .(2)

ص: 27


1- بيت الأحزان للشيخ عباس القمي، ص17.
2- الإمام علي رجل الإسلام المخلّد. عبد المجيد لطفي، ص60.

أما الإمام عليه السلام فماذا كان إعداده لبيت الزوجية؟ كان كما يلي:

- فرش حجرة النوم بالرمل الناعم.

- نصبَ خشبة من حائط إلي حائط.

- إهاب كبش و مخدّة ليف وضعها علي الأرض.

- منشفة علّقها علي الحائط.

- وضع علي الأرض قربة ماء و منخلا لنخل الدقيق.(1)

هذا هو جهاز الزوجية لأطهر بيت عرفته الإنسانية علي طول التاريخ أنجب لها طاهراً بعد طاهر يربّون أجيالها علي القدس و الطهارة.

و هذه هي الصورة المثلي لواقعية الإسلام... و مناهجه السهلة السمحة في التعامل مع الحياة و التخفيف عن كاهل الأزواج بالنسبة للمهور و الإعداد لتكوين الأسرة السعيدة ... و هو الحل الحاسم لكثير من المشاكل الروحية و الجنسية التي يضج بها العالم المتمدّن اليوم.

فأين مجتمعنا الإسلامي اليوم من هذا؟

فاطمة عليها السلام لا في بيتها

و بعد ذلك كلّه... فهي عليها السلام غير علي عظمتها و علّو منزلتها و سموّ درجتها عاشت في بيتها مع زوجها و أولادها كأيّ امرأة أخري... لتكون أسوة و قدوة لأجيال النساء... تعال لنسمع ما يقوله علي عليه السلام عنها و هو الأعرف بها في البيت...

قال علي عليه السلام لرجل من بني سعد: ألا أحدّثك عنّي و عن فاطمة عليها السلام؟

إنّها كانت عندي و كانت من أحبّ أهل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم...

- و إنّها استقت بالقِربة حتي أثَّر في صدرها.

- و طحنت بالرحي حتي مجلت -يداها ثخن جلدها-.

- و كسحت البيت حتي اغبرَّت ثيابها.

ص: 28


1- الإمام علي رجل الإسلام المخلّد. عبد المجيد لطفي، ص60.

- و أوقدت النار تحت القِدر حتي دكنت -اغبرّت و اتّسخت- ثيابها.

فأصابها من ذلك ضرر شديد... فقلت لها:

لو أتيتِ أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرَّ ما أنتِ فيه من هذا العمل،

فأتت النبي صلي الله عليه و آله و سلم فوجدت عنده حُداثاً -جماعة يتحدثون- فاستحت فانصرفت.

قال: فعلم النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنّها جاءت لحاجة...

قال: فغدا علينا و نحن في لفاعنا -لحاف- فقال:

السلام عليكم، فسكتنا (1) و استحيينا لمكاننا، ثم قال: السلام عليكم فسكتنا. ثم قال: السلام عليكم... فخشينا إن لم نردّ عليه أن ينصرف و قد كان يفعل ذلك ثلاثاً فإن أذن له و إلا انصرف...

فقلت: و عليك السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ادخل .

فلم يعدُ أن جلس عند رؤوسنا فقال:

يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد صلي الله عليه و آله و سلم؟

قال: فخشيت إن لم تجبه أن يقوم... قال:

فأخرجت رأسي فقلت: أنا -و الله- أخبرك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم!

إنها استقت بالقربة حتي أثّر في صدرها وجرّت بالرحي حتي مجلت يداها و كسحت البيت حتي اغبرّت ثيابها و أوقدت النار تحت القِدر حتي دكنت ثيابها فقلت لها:

لو أتيتِ أباكِ فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنتِ فيه من العمل.

فقال صلي الله عليه و آله و سلم:

أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟

ص: 29


1- الظاهر أن السلام إذا كان للاستئذان لا يجب ردّه و الله العالم . راجع فاطمة من المهد إلي اللحد للقزويني، ص 261.

إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين... و احمداً ثلاثاً و ثلاثين... و كبّرا أربعاً و ثلاثين.

قال: فأخرجت عليها السلام رأسها فقالت:

رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم... رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم... رضيت عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم.(1)

فلزمت «صلوات الله عليها» هذا التسبيح بعد كل صلاة و نسب إليها هذا التسبيح فيقال: تسبيح فاطمة عليها السلام.

و عن قرب الإسناد عن مولانا الصادق عليه السلام أنه قال:

يَا أَبَا هَارُونَ إِنَّا نَأْمُرُ صبيانَنا بِتَسْبِيحِ فَاطِمَةَ عَلَيها السلام كَما نَأمُرُهُم بِالصَّلاةِ فَالْزَمْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عَبْدٌ فَشَقِيَ . (2)

و في مجمع البيان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

مَنْ سَبَّحَ تَسْبِيحَ فَاطِمَةَ عليها السلام لاَ فَقَدْ ذَكَرَ اَللَّهَ ذِكْراً كَثِيرَاً.(3)

و الروايات في فضل تسبيح فاطمة «سلام الله عليها» كثيرة و مختلفة في كيفيتها و في بعضها... التكبير ثم التحميد ثم التسبيح... و هو الأشهر و الأقوي عند فقهائنا الأعاظم.

عطاء و إيثار

و قد اتضح مما تقدم... أن مولاتنا الصديقة سلام الله عليها مع جلالة قدرها و عظم شأنها و شرف نسبها كانت تقوم بأعمال البيت و تدير أموره بنفسها و كان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و هو الصديق الأكبر سلام الله عليه يعينها علي ذلك أيضاً ففي جامع الأخبار عن علي عليه السلام قال:

دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ و سَلَّمَ وَ فَاطِمَةُ عليها السَّلاَم جَالِسَةٌ عِنْدَ اَلْقِدْرِ وَ أَنَا أُنَقِّي اَلْعَدَس

ص: 30


1- راجع المصدر ص 260 - 265 و قد نقلنا الرواية مع بعض التوضيح.
2- المصدر نفسه.
3- راجع ج 8 تفسير الآية و راجع المصدر السابق.

قَالَ: يَا أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسولَ اللَّهِ صلي الله عليه و آله. قَال: اِسْمَعْ مِنِّي و مَا أَقُولُ إِلاَّ مِن أَمْرِ رَبِّي مَا مِن رَجُلٍ يُعِينُ امْرَأَتَهُ فِي بَيْتِهَا إِلاَّ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعرَةٍ عَلي بَدَنِهِ عِبادَةُ سَنَةٍ صِيامٍ نَهَارُها و قِيامٍ لَيْلُها... إلي آخر الحديث.(1)

وهكذا... نري في بيت فاطمة عليها السلام، أروع صور التعاون و المحبة و المواساة، و البساطة في العيش، كما نري البيت، المدرسة...

فمع أنها بنت النبي عليها السلام و وعاء رضا الله سبحانه و غضبه، فقد بدأت تمارس وظائف البيت من أول يوم حلت زوجة فيه و دأبت علي ذلك أياماً طوالاً حتي وهبها الله الحسن والحسين عليهم السلام.

لكن مسؤولية البيت و مسؤولية الزوج و مسؤولية الأولاد... و إضافة إلي مسؤولية المجتمع و نشر الأحكام و تعليم النساء الدين و الأخلاق... صباح مساء، كل ذلك جعلها ترجو رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في استئجار خادمة لها تعينها في بعض شؤون المنزل...

فأنفذ لها جارية للخدمة سماها «فضّة»... و لما حصلت علي خادمة لم تخلد إلي الراحة أبداً بل و زّعت الوظيفة و جعلت يوماً لها و يوماً لخادمتها في إدارة شؤون البيت. فيا لروعة الإسلام و عظمة الإنسانية فيه...

ابنة رسول الله عليها السلام... المرأة الأولي في الإسلام و الزوج القمة... تأبي أن تترك العمل إلي الخادمة... و تأبي أن تكون السيّدة التي لا تهمها شؤون الزوج و الأولاد... دون أن تسهر عليها... و تتفاني في سبيلها...

إنّها بذلك... جسَّدت أروع الصور للزوجة الحريصة... و الأم المسؤولة... و في الوقت نفسه المواسية لمن هو دونها في المقام و الشرف. و لهذا كانت أجواء البيت نقيّة هادئة تزيّنها العواطف و يحكمها الحب و التفاهم و يعيش في أكنافها الوئام ففي البحار عن المناقب قال علي عليه السلام:

فَوَاللَّهِ مَا أَغْضَبْتُهَا وَ لاَ أَكْرَهْتُهَا عَلَي أَمْرٍ حَتَّي قَبَضَهَا الله عزّوجل

ص: 31


1- المصدر نفسه.

ولا أَغْضَبْتَنِي ولا عَصَتْ لِي أَمراً لَقَد كُنتُ أَنظُرُ إلَيْهَا فَتَنْكَشِفُ عَنِّي الهُمُومُ وَالأَحْزانُ .(1)

وفي تفسير العياشي عن مولانا الباقر عليه السلام:

إِنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ ضَمِنَتْ لِعَلِيٍ عليهِ السَّلامُ عَمَلَ الْبَيْتِ و الْعَجِينَ وَ الْخُبْزَ و قُمَّ الْبَيْتَ و ضَمِنَ لَهَا عَلِيٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ما كانَ خَلفَ البابِ: ثِقَلُ الحَطَبِ و أن يَجيءَ بِالطَّعامِ.(2)

وفي هذه القصة التي رواها الأربلي في «كشف الغمة» من الدلالات ما يغنينا عن مزيد من البيان لأخلاق فاطمة عليها السلام و أسلوبها في التعامل داخل البيت... و من هذا نعرف مستوي السمو في المرأة و كيف تصبح المرأة مدرسة . قال : أصبح علي عليه السلام ذات يوم فقال:

يَا فَاطِمَةُ عليها السلام عِنْدَكِ شَيْءٌ تُغَذِّينِيهِ ؟

قَالَتْ لا وَالَّذي أكرَمَ أبِي بِالنُّبُوَّةِ و أكْرَمَك بِالوَصِيَّةِ ما أصبَحَ الْيَوْمَ عِنْدِي شَيْءٌ أُغَذِّيكَاهُ و مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ مُنْذُ يَوْمَيْنِ إِلآ شَيْءٍ كُنْتُ أُوثِرُكَ بِهِ عَلَي نَفْسِي و عَلَي ابْنَيَّ هَذَيْنِ حَسَنٍ وَحُسَينٍ عليهم السلام.

فَقَالَ عَلِيٌ عليه السلام: يَا فَاطِمَةُ عليها السلام أَلا كُنْتِ أعلمتني فَأَبْغِيكُمْ شَيْئاً ؟

فَقَالَتْ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ عليه السلام إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ إِلَهِي أَنْ تُكَلِّفَ نَفْسَكَ مَا لاَ تَقْدِرْ عَلَيْهِ.(3)

وفي هذا خير عبرة... و نموذج لنسائنا اليوم!!

هذا غيض من فيض من سيرة الصديقة الكبري عليها السلام... و تعاملها مع الحياة...

و أما عن علومها و بلاغتها و جهادها و صبرها... و سائر ما جمعه لنا التاريخ عنها من فضائل و خصوصيات فلا يسع لها هذا المجال... فراجع في ذلك كتب الروايات و التاريخ .

ص: 32


1- راجع المصدر، ص 212 - 213.
2- راجع المصدر ص212 - 213.
3- كشف الغمة، ج2، ص95 و الحديث طويل إكتفينا بنقل محل الشاهد.

فاطمة عليها السلام محور الكمال

الاشارة

في حديث الكساء جعلها ربها «سبحانه وتعالي» محورا للمعصومين سلام الله عليهم تدور عليه أفلاك النبوة و الإمامة... و ذلك عندما قال الأمين جبرئيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال عزّوجل : هم أهل بيت النبّوة و موضع الرسالة... هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها.

فقد جعلها «سبحانه» المحور في تعريفهم و الإشارة إليهم فهي مركزهم و قطب رحاهم أجمعين عليهم الصلاة و السلام.

ولعل السرّ في ذلك يكمن في وجوه منها:

أولا: إنَّ الملائكة كانوا قد عرفوا فاطمة حين كانوا في الظلمة ثم ببركة نور فاطمة رأوا النور.

و لعلّ في حديث جابر الذي نقله عن مولانا الصادق عليه السلام المتقدم إشارة إلي هذا المعني .

ثانياً: أو لعلّ السرّ هو نفس مفاد الحديث القدسي المتقدم:

لَوْلاَكَ لَمَا خَلَقْتُ الْأَفْلاكَ وَ لَولا فَاطِمَةُ عليها السلام لَمَّا خَلَقْتُكُمَا .(1)

بلحاظ أنَّها عليها السلام غاية الغايات كما تقدم.

ثالثاً: وربّما يكون السرّ ما ورد في الحديث الشريف عن مولانا الصادق عليه السلام: هِيَ الصِّدِّيقَةُ الكُبري عليها السلام وَعَلي مَعرِفَتِها دَارَتِ اَلْقُرُونُ اَلْأُولَي.(2)

ص: 33


1- عوالم العلوم، ج11، باب3، ح1، ص29 الطبعة الثانية .
2- أمالي الطوسي، ج2، ص280 طبعة قم و راجع البحار، ج43، ص105. حديث19 طبعة بيروت.

و الصديق علي وزن فعّيل للمبالغة و هو المداوم علي التصديق بما يوجب الحق و في الخبر: فَاطِمَةُ عليها السلام صِدِّيقَةً و لَمْ يَكُنْ بَعْلُهَا إِلاَّ صِدِيقَةٌ وَ مَريَمَ عليها السلام كانَت صِدِّيقَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَي: «وَ أُمُّهُ صِدِيقَةٌ»(1) إِلاَّ أَنَّ فَاطِمَةَ عليها السلام هِيَ الصِّدِّيقَةُ الكبْري.(2)

و قد قرَّر الله سبحانه لنظام الكون محاور و أقطاباً و سيَّر المخلوقات بحركة دورانية حول القطب فكل مجموعة منها تدور حول قطبها و محورها بمعني أنَّها ترجع إلي حيث ابتدأت في مسيرها الأول...

و هذه الحركة لا تختص بأجزاء الكون الصغيرة دون الكبيرة و لا العكس... كلاَّ... فإنَّ نظام الكون و حركته ابتداءً من الذرّة إلي المجرّة كلها متشابهة المسير و الحركة متطابقة النظام مما يدلّل علي وحدة الخالق و حكمته...

فالذرّة نواتها قطب رحاها و تدور حول القطب الالكترونات التي تحمل الشحنات السالبة بأعدادها الخاصة و مداراتها الخاصة و بسرعة خاصة و نظام خاص أيضاً كما ثبت في علم الذرّة.

و كذلك نظام الأفلاك يجري علي القانون و النظام نفسه... فالشمس و القمر و الكواكب يدور كل واحد منها حركة دورية حول القطب...

و هكذا ماء البحار تبخّره الشمس نهاراً فيصعد إلي السماء ثم ينزل منها إلي البحار ثانية بشكل أمطار... و هكذا سائر المخلوقات من الأشجار و الحيوانات تبتديء من الأرض و تنتهي إلي الأرض بما فيها الإنسان أشرف مخلوقات الله سبحانه.

و قد أشار القرآن الحكيم إلي هذه الحقيقة في الخلق فقال: وَاللَّهِ أَنْبَتَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ نَبَاتَاً.(3)

فالإنسان نبات ينبت في الأرض القريبة بلحاظ نطفة الأب التي تنشأ من الأرض و ثمارها.

ص: 34


1- سورة المائدة، آية: 75.
2- الكوكب الدري للمازنداني الحائري، ص 127.
3- سورة نوح، الآية : 17.

أو الأرض الأبعد بلحاظ رحم الأم. لأن النطفة تنبت في رحم الأم و بمجاز الأوّل ترجع إلي الأرض لأن رحم الأم خلق هو الآخر من الأرض.

و علي أيِّ حال... ينبت الإنسان نباتاً في الأرض فإذا مات عاد ثانية إلي الأرض و مِنها خَلَقْناكُم و َفيها نُعِيدُكُم .(1)

و هكذا الأمر في المعنويات أيضاً. فعندما نقول إنهم عليهم السلام محور الكون بمعني أنهم سبب إضافته.

و لذلك صاروا قطب رحي الوجود و عليهم تدور القرون و فاطمة سلام الله عليها هي محور هذا القطب العظيم. وَ عَلَي مَعْرِفَتِها دارَتِ القُرونُ الأولَي.(2)

هذا بالنسبة للكون بشكل مطلق و أما بالنسبة للبسر بشكل خاص فإنهم ليسوا فقط محور خلقه و وجوده بل هم أيضاً محور هداه و كماله...

فكلّ مجالات البشر للوصول إلي الكمال، لتدور حول قطب كمالهم عليهم الصلاة و السلام و تقتبس منه ما تقدر.

و هذا ليس بالأمر المستحيل و ذلك لأن الله سبحانه جعل للماديات مخازن يستمد من خزينها الآخرون...

فالشمس مخزن النور و الحرارة و الدفء يستمد العالم منها هذه العناصر الأساسية للحياة.

و البحار مخازن المياه و الأرض مخزن التراب و الجبال مخازن المعادن و الفلزات و الأزهار مخازن العطور... و هكذا...

وَللَّهُ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالأرضِ.(3)

فكذلك جعل الله سبحانه المعنويات هكذا. فالأم مخزن العاطفة و الحب و الرحمة و الأب مخزن الشفقة و هكذا.

ص: 35


1- سورة طه، الآية: 55.
2- تقدم مصدره.
3- سورة المنافقون، الآية: 7.

و لعلّه من هنا أيضاً صارت فاطمة الزهراء عليها السلام -أمّ أبيها- لأنه كان يلمس فيها الحنان و الدفء و العطوفة التي تحنو بها الأم علي ولدها.

فهي بضعة منه جسداً و فلذة منه تكويناً إلاّ أنه منها سكناً و عطفاً و حناناً و لهذا تواترت الأخبار بأنه كان إذا أراد السفر كان آخر عهده بفاطمة عليها السلام و إذا رجع كان أوّل عهده بها.

لأنّها «سلام الله عليها» خزانة العاطفة و الحب و الرحمة.

و أهل البيت عليهم الصلاة و السلام خزانة علم الله سبحانه و أخلاقه و آدابه... و كلّ البشرية تستمد منهم مختلف العلوم و المعارف و الكمالات الإنسانية.

إذ كلّ علم و معرفة يعود إليهم و كل كمال هم مصدره و منبعه كما في الروايات المتضافرة و لهذا صاروا قدوة للبشر. لأنهم قطب رحي الكمال المعنوي في الكون.

ماذا تعني فاطمة عليها السلام؟

و بعد كلّ ما تقدم من مقامات لا يبقي مجال للاستغراب إذا قلنا بأننا لا ندرك من فاطمة «سلام الله عليها» سوي أنوارها القاهرة التي تخرق حجب النفس فتبهرنا كمالاتها السامية.

و عندها لا نملك إلاّ أن نؤمن بعظمتها دون أن نعرف سرَّها الغيبي المكنون حق المعرفة و هذا الأمر لا يختص بإنسان دون إنسان بل كل ما علي الأرض من البشر -سوي المعصومين عليهم السلام- لا يدركون سرَّ العظمة في فاطمة عليها السلام و لا بوسعهم استيعاب مضامينها الرفيعة كما ينبغي.

كيف؟ و قد سمّاها ربها فاطمة عليها السلام لما فطم الناس عن معرفتها.(1)

و في الآخرة تفطم شيعتها و محبيها من نار جهنم.(2)

و هي بين الدنيا و الآخرة منفطمة عن الطمث و الشر و كل منقصة بشرية...

ص: 36


1- تفسير فرات الكوفي، ص218 طبعة النجف و ص581 من طبعة طهران.
2- البحار، ج43 باب2 ص12 ح3.

بل و قد فطمها سبحانه بالعلم بالميثاق.(1)

و أيضاً شق الله سبحانه لها اسماً من أسمائه الحسني فهو الفاطر و هي الفاطمة عليها السلام.(2)

و بهذا كله و بغيره صارت سلام الله عليها قطب رحي الوجود الذي دارت عليه سنن التكوين... و عليها دارت القرون الأولي.

و من هنا... أصبحت سلام الله عليها وعاء مشيئة الله و رضاه و غضبه فيغضب الله لغضب فاطمة عليها السلام ويرضي لرضاها عليها السلام في الدنيا والآخرة.(3)

قال الشاعر:

مشكاةُ نوِر الله جَلَّ جلالُه *** لَمّا تنزّلت أكثرت كثراتُها

هي قطب دائرة الوجود و نقطة *** زيتونة عمَّ الوري بركاتُها

هي أحمدُ الثاني و أحمد عصرِها *** هي عنصر التوحيدِ في عرصاتِها(4)

ص: 37


1- البحار، ج43 باب2، ص13 ح9.
2- المصدر السابق، ص 15.
3- المصدر السابق، الباب3 ح2 ص19.
4- الكوكب الدري، ص120.

فاطمة عليها السلام في الشعر والأدب

رغم كل ما تقدم من معان و أسرار عن مقام الصديقة سلام الله عليها و عظمتها عند الله سبحانه و دورها الكبير في هذا الكون الرحيب فإن الأدباء عمومة والشعراء منهم علي الخصوص كانوا و ما زالوا يترنّمون باسم فاطمة عليها السلام مدحاً و رثاءَ.

إن الشعراء مهما أُوتوا من قدرة علي الخيال و الإبداع و الإلهام... و هم الذين صوّروا لنا الكثير و ربطوا بين حقائق الكون و نفذوا برؤيتهم الخارقة إلي بطون الأشياء و أضفوا عليها سحراً و إبداعاً من صنع خيالهم وعبّروا في كثير من الأحيان من المظاهر الخارجية إلي البطون و من المادة إلي المعني و استطاعوا أن يصوّروا لنا المعاني المجرّدة الغائبة عن الحس و يقرّبوها إلي الفهم و الإدراك...

و بكلمة:

إنَّ الشعراء الذين و ظّفوا الشعور لربط عناصر الكون و استخدموا الذوق لإكتشاف الحقائقِ و تصويرها... هم أيضاً فطموا عن معرفة فاطمة عليها السلام و عجزوا في الوصول يوماً إلي ساحل بحرها.

فهم مهما أوغلوا في التأمّل و سرحوا في الخيال وعمّقوا النظرة تبقي نظراتهم جوّالة في هذا العالم الغيبي العجيب، فلا يتمكنون أن يبصروا فيه ، سوي إشراقات روحية باهرة يخطف ضوؤُها الأبصار.

و عندها لا يملكون إلاّ أن يفجّروا مواهبهم الخلاّقة لتصوير هذا النور

ص: 38

الساطع و ذكر سماته و خصوصياته مدحاً و ثناءً و حباً و شوقاً دون أن يصلوا إلي جوهره المكنون.

و من هنا... فإن الشعراء عندما ينظمون الشعر في أهل البيت عليهم الصلاة و السلام لا يهدفون منه اكتشاف هذا السر الإلهي العظيم و قد اعترفوا بعجزهم عن ذلك.

ص: 39

دوافع الشعراء

اشارة

و إنما ينظمون الشعر في أهل البيت عليهم الصلاة و السلام بدوافع عديدة سنذكر بعضها علي التوالي:

الأول: دافع العقيدة

الأول: دافع العقيدة :

بمعني إبراز العقيدة و نشرها في مقابل العقائد الأخري.

و كان هذا الدافع الأكثر حظاً في العصور الأولي من الهجرة نظراً التموّج العقائد و رواجها الكثير في ذلك الوقت و الذي كانت من ورائه السياسة في أغلب الأحيان حتي انقسمت الأمة الإسلامية إلي مذاهب و مسالك عديدة و كل مذهب له أنصاره و مفكروه و مروّجوه.

و من الواضح... أنّه في ذلك الزمان كان الشعر و الشعراء يحتلان مكان الصدارة في المجتمع لأنّهما المرآة العاكسة للأوضاع و أفضل وسيلة إعلامية لترويج المباديء و الأفكار فما من حدث أو مبدأ أو دين إلاّ و استخدم الشعر سلاحاً و الشعراء أنصاراً له دعماً لنفسه و تشهيراً بأعدائه.

و لذلك كان الشعراء يمثّلون واجهة المذاهب و موجّهي المجتمع...

و قليلاً ما تجد للشعراء موقفاً بعيداً عن الأوضاع و الحياة الاجتماعية و السياسية التي يعايشونها...

فأكثر الأحداث كان للشعراء فيها موقف و فكرة... خاصة في ذلك الوقت. حيث مواسم إزدهار الشعر و شموخ حضارته و نبوغه.

ص: 40

شعراء العقيدة

شعراء العقيدة:

وقد برز في ذلك الزمان بالذات رجال من كبار شعراء العرب و الإسلام ، بلغوا قمة الأدب العربي بلاغةً و فصاصة، كالكميت بن زيد الأسدي و السيد الحميري و الفرزدق و العبدي و دعبل الخزاعي و أمثالهم من الرعيل الأول...

اعتنقوا التشيّع مذهباً و امتداداً لخط النبوّة و آمنوا بأهل البيت عليهم الصلاة و السلام إيماناً واضحاً وقوياً فوقفوا يبرّزون عقيدتهم و يظهرونها علي العقائد الأخري التي كان الحكّام يرّوجونها و يسخّرون من أجل نشرها الكثير الكثير من الشعراء و أهل الأدب ... و كان هدفهم في ذلك ترويج التشيّع و نشر مبادئه السامية بين الناس أو الذبّ و الدفاع عنه أمام شبهات المبطلين... و خاصة قضية الولاية و الإيمان بالأئمة عليهم السلام و قد ذكر العلامة الأميني في الغدير الكثير منهم و هنا نشير إلي بعضهم علي عجالة...

الكميت الأسدي

الكميت الأسدي:

أبو المستهل الكميت الأسدي المولود سنة (60 ه_) و المتوفي سنة (126 ه_) و يجد الباحث في خلال السيَر شواهد واضحة علي أن الرجل لم يتخَّذ شاعريته وما كان يتظاهر به من التهالك في ولاء أهل البيت عليهم السلام وسيلة لما تقتضيه النهمة و موجبات الشره من التلمّظ بما يستفيده من الصلات و الجوائز أو الحصول علي رتبة أو راتب و لو أراد لوصل بعد أن انهالت الدنيا و مغرياتها علي الأمويين و أخذوا يرتعون فيها ما يشاؤون... و لكنّه يلوي بوجهه عنهم إلي أناس مضطهدين مقهورين و يقاسي من جرّاء ذلك الخوف و الاختفاء تتقاذف به المفاوز و الحزون ليس من الممكن أن يكون ما يتحداه إلا خاصة فيمن يتولاهم و هذا هو شأن الكميت مع أئمة الدين عليهم السلام فقد كان يعتقد فيهم اعتقاد المؤمن الحق الذي يؤمن بأنهم وسائله إلي المولي سبحانه و واسطة نجاحه في عقباه و أن موّدتهم أجر الرسالة الكبري...

و من شعره الذي قاله شارحاً أوضاع زمانه و عقيدته بأهل البيت عليهم السلام قوله:

فقل لبني أميّةَ حيث حَلُّوا *** و إن خفتَ المهنَّدَ و القطيعا

ص: 41

ألا أفِّ لدهر كنت فيه *** هدانا طائعالكم مطيعا

أجاعَ الله من أشبعتموه *** و أشبعَ مَن بِجورِكم أُجيعا

ويلعَنُ فأمته جهاراً *** إذا ساسَ البريةَ و الخليعا

بمرضيّ السياسةِ هاشميِّ *** يكونُ حياً لأمّته ربيعا

و ليثاً في المشاهد غير نكسِ *** لتقويم البرية مستطيعا

يقيم أمورَها و يذبّ عنها *** و يتُرك جَّدبها أبداً مرِيعا

و لشدة ولاء الكميت لأهل البيت عليهم السلام و تمسّكه الصادق بمذهبهم كان يحظي بمكانة خاصة عندهم و كانوا يدعون له أيضاً.

روي الشيخ الأكبر الصفّار في «بصائر الدرجات» بإسناده عن جابر قال:

دخَلت عَلَي الْبَاقِرِ عَلَيه السلام فَدَخَلَ الْكُمَيْتُ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْشُدُكَ؟ فَقَالَ: أنشد فَأَنْشَدَهُ قَصِيدَةً فَقَال: يَا غُلاَمُ؟ أَخْرِجْ مِنْ ذَلِكَ اَلْبَيْتِ بَدْرَةً فَادْفَعْهَا إِلَي اَلْكُمَيْتِ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أنشدُكَ أُخْرَي؟ فَأَنْشَدَهُ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ؟ أَخْرِجْ بَدْرَةً فَادْفَعْهَا إلَيْهِ. فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاك و اللَّهِ مَا أُحِبُّكُم لِعَرَضِ الدُّنيَا وَ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إلاَّ صِلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم وَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ اَلْحَقِّ فَدَعَا لَهُ البَاقِر عليه السلام.

و كان أهل البيت عليهم السلام لا يردّدون شعره و يكلّمونه في الرؤي الخاصة التي كان يراها هو أو أصحابه...

روي الكراجكي في كنز الفوائد صفحة 154 بإسناده عن هناد بن السري قال:

رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في المنام فقال لي: يا هناد، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: أنشدني قول الكميت:

ويوم الدوّح دوح غديرخمِّ *** أبان له الولاية لو أطيعا

قال : فأنشدته . فقال لي: خذ إليك يا هنّاد ؟ فقلت : هات يا سيدي ؟ فقال عليه السلام :

وَ لَم أرَ مثل ذاك اليوم يوماً *** و لم أرَ مثله حقاً أضيعا

و قال المرزباني في معجم الشعراء 348 : مذهب الكميت في التشيّع

ص: 42

و مدح أهل البيت عليهم السلام في أيام بني أمية مشهور.

و قال السندوي: كان الكميت من خيرة شعراء الدولة الأموية و كان عالماً بلغات العرب و أيامهم و من خير شعره و أفضله الهاشميات و هي القصائد التي ذكر فيها آل بيت الرسول سلام الله عليهم بالخير.

و روي أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني ج15 صفحة124 بإسناده عن محمد بن علي النوفلي قال: سمعت أبي يقول: لمّا قال الكميت الشعر كان أوّل ما قال الهاشميات فسترها ثم أتي الفرزدق بن غالب فقال له : يا أبا فراس؟ إنّك شيخ مضر و شاعرها و أنا ابن أخيك الكميت قال له: صدقت أنت ابن أخي فما حاجتك؟

قال: نفث علي لساني فقلت شعراً فأحببت أن أعرضه عليك فإن كان حسناً أمرتني بإذاعته وإن كان قبيحاً أمرتني بستره و كنت أوّلي من ستره عليَّ .

فقال له الفرزدق: أمّا عقلك فحسن و إنّي لأرجو أن يكون شعرك علي قدر عقلك فأنشدني ما قلت فأنشده:

طربت و ما شوقاً إلي البيض أطربُ.

قال فقال لي: فيمَ تطرب يا بن أخي؟ فقال : و لا لعباً منّي و ذوالشيب يلعب؟!

فقال : بلي يا بن أخي؟ فالعب فإنّك في أوان اللعب فقال:

و لم يلهني دار و لا رسم منزل *** و لم يتطرَّبني بنان مخضَّب

فقال: ما يطربك يا بن أخي؟ فقال:

و لا السانحات البارحات عشيّة *** أمرَّ سليم القرن أم مرَّ أعضب

فقال: أجل لا تتطيَّر فقال:

ولكن إلي أهل الفضائل و التقي *** و خير بني حوّاء والخير يُطلبُ

فقال: و من هؤلاء ؟ و يحك... قال:

إلي النفر البيض الذين بحبِّهم *** إلي الله فيما نابني أتقرَّب

ص: 43

قال: أرحني و يحك مَن هؤلاء؟! قال:

بني هاشم رهط النبي فإنّني *** بهم و لهم أرضي مراراً و أغضب

خفضت لهم مني جناحي مودّة *** إلي كنف عطفاه أهل و مرحب

و كنت لهم من هؤلاء وهؤلا *** محباً علي أنّي أذمُّ و أغضب

و أرمي و أرمي بالعداوة أهلها *** و إني لأوذي فيهم و أؤنّب

فقال له الفرزدق: يا بن أخي ؟ أذع ثم أذع فأنت والله أشعر من مضي و أشعر من بقي.

و روي الكشّي في رجاله صفحة 136 بإسناده عن زرارة قال: دخل الكميت علي أبي جعفر عليه السلام و أنا عنده فأنشده:

من القلب متيَّم مستهام *** غير ماصبوةِ و لا أحلام؟

فلما فرغ منها قال للكميت: لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما دمت تقول فينا.

و قال المسعودي في مروج الذهب ج2 صفحة 195: قدم الكميت المدينة فأتي أبا جعفر عليه السلام فأذن له ليلاً و أنشده فلما بلغ الميمية قوله:

و قتيل بالطفّ غودر منهم *** بين غوغاء أمَّة و طغام

بَكَي أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام ثُمَّ قالَ: يَا كُمَيْتُ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَالٌ لَأَعْطَيْنَاكَ ولَكِنْ لَك مَا قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلي الله عليه و آله و سلم لِحَسَّان بْنِ ثَابِتٍ: لاَ زِلْتُ مُؤَيَّدَا بِرُوحِ اَلْقُدُسِ مَا ذَبَبْتَ عَنَّا أَهْلَ اَلْبَيْتِ عليهم السلام فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَأُتِيَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ اَلْحَسَنِ بن علي عليه السلام فأنشده فَقَالَ يَا أَبا اَلْمُسْتَهِلِّ إِنَّ لِي ضَيْعَةٍ أَعْطَيتَ فِيهَا أرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ و هَذَا كِتَابُهَا و قَدْ أَشْهَدْتُ لَكَ بِذلِكَ شُهودٌ و نَاوَلَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي إنِّي كُنْتُ أَقُولُ الشَّعْرَ فِي غَيْرِكُمْ أُرِيدُ بِذَلِكَ الدُّنْيَا و لا و اللَّهِ مَا قُلْتُ فِيكُمْ إِلاَّ لِلَّهِ و مَا كُنْتُ لأَخَذَ علَي شَيْءٍ جَعَلْتُهُ لِلَّهِ مالاً و لا ثَمَناً فَأَلَحَّ عَبْدُ اللَّهِ عَلَيهِ و أَبِي مِن إِعْفَائِهِ. فَأَخَذَ الْكُمَيْتُ الْكِتَابَ و مَضَي فَمَكَثَ أَيَّاماً ثُمَّ جَاءَ إِلَي عَبْدِ اَللَّهِ عليه السلام فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَابْنَ رَسُولَ اللَّهِ عليه السلام؟ إنَّ لِي حَاجَةً. قالَ: وَ ما هِيَ و َكُل حاجَةٍ لَكَ مَقْضِيَّةً قالَ: و كائِنَةُ مَا كانَتْ؟ قال: نِعَمْ.

قال: هذا الكتاب تقبله و ترتجع الضيعة و وضع الكتاب بين يديه

ص: 44

فقبله عبد الله و نهض عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فأخذ ثوباً جلداً فدفعه إلي أربعة من غلمانه ثم جعل يدخل دور بني هاشم و يقول:

يَا بَنِي هَاشِمٍ؟ هَذَا اَلْكُمَيْتُ قالَ فِيكُمُ الشِّعرُ حِينَ صَمَتَ النَّاسُ عَنْ فَضْلِكُمْ و عَرَضِ دَمِهِ لِبَني أُمَيَّةَ فَأَثِيبُوهُ بِمَا قَدَرتُم . فَيَطرَحُ اَلرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِن دَنانيرَ و دَرَاهِمَ... و أَعْلَمَ النِّسَاءَ بِذلِكَ فَكَانَتِ المَرْأَةُ تَبْعَثُ مَا أَمْكَنَهَا حَتَّي أَنَّهَا لتخلع الحَليَّ عن جَسَدِها فَاجْتَمَعَ مِنَ الدَّنَانِيرِ والدَّرَاهِمِ مَا قِيمَتُهُ مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا إِلَي الْكُمَيْتِ فَقَالَ:

يَا أَبَا الْمُسْتَهِلِ أَتَيْنَاكَ بِجُهْدِ المُقلِ ونَحْنُ فِي دَوْلَةِ عَدُوِّنَا و قَدْ جَمَعَنَا هَذَا اَلْمَالَ و فيهِ حلِيَّ اَلنِّسَاءِ كَمَا ترَي فَاسْتَعِنْ بِهِ عَلَي دَهْرِكَ.

فَقالَ بِأَبي أَنْتَ وأُمِّي قَدْ أَكْثَرْتُمْ و َأَطْيَبْتُم وَ مَا أَرَدْتُ بِمَدْحِي إِيَّاكُمْ إِلاَّ اللَّهُ وَ رَسولُهُ و لَمْ أَكُ لآخُذَ لَكُمْ ثَمَناً مِنَ الدُّنيا فَاردُدْهُ إلي أَهْلِهِ .

فَجَهَدَ بِهِ عَبْدُ اَللَّهِ أَنْ يُقَبِّلْهُ بِكُلِّ حِيلَةٍ فَأَبَي.(1)

و أنت إذا تأملت في هذه الشواهد تجد المصداقية الكبيرة لما ذكرنا سابقاً.

السيد الحميري

السيد الحميري المتوفي سنة 173 ه_.

لقد فاق الكثير من الشعراء بالجد و الاجتهاد في الدعاية إلي مبدئه القويم و الإكثار في مدح العترة الطاهرة و ساد الشعراء ببذل النفس و النفيس في تقوية روح الإيمان في المجتمع و إحياء ميّت القلوب ببث فضائل آل الله و نشر مثالب مناوئيهم و مساويء أعدائهم قائلاً:

أيا رب إنِّي لم أرد بالذي به *** مدحتُ علياً غير وجهك فارحم

و قال كما قال أبو الفرج: لا يخلو شعره من مدح بني هاشم أو ذمِّ غيرهم ممن هو عنده ضدّ لهم.

ص: 45


1- أكثر هذه الشواهد نقلناها عن كتاب الغدير للعلامة الأميني، ج 2 ص180 فما بعد ، طبعة النجف.

و قال ابن المعتز في طبقاته -صفحة 7-: «كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث و الأخبار و المناقب في الشعر لم يترك لعلي بن أبي طالب عليه السلام فضيلة معروفة إلاّ نقلها إلي الشعر و كان يملّه الحضور في محتشد لا يُذكر فيه آل محمد «صلوات الله عليهم» و لم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم عليهم السلام».

روي أبو الفرج عن الحسن بن علي بن حرب بن أبي الأسود الدؤلي قال: «كنّا جلوسا عند أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيد فجاء فجلس و خضنا في ذكر الزرع و النخل ساعة فنهض فقلنا : يا أبا هاشم ممَّ القيام؟ فقال:

إنّي لأكره أن أطيل بمجلس *** لا ذكر فيه لفضل آل محمد

لا ذكر فيه لأحمد و وصيّه *** و بنيه ذلك مجلس نطف(1) ردي

إن الذي ينساهم في مجلس *** حتي يفارقه لغير مسدّد

وكان إذا استشهد شيئاً من شعره لم يبدأ بشيء إلاَّ بقوله:

أجد بآل فاطمة البكورُ *** فدمع العين منهمر غزير(2)

و من شعره في إظهار عقيدته و ولائه قوله:

إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد *** و لا عهده يوم الغدير مؤكدا

فإنّي كمن يشري الضلالة بالهدي *** تنصّر من بعد الهدي أو تهودّا

و مالي و تيماً أوعديّاً و إنّما *** أولو نعمتي في الله من آل أحمدا

تتم صلاتي بالصلاة عليهم *** و ليست صلاتي بعد أن أتشهدا

بكاملة إن لم أصلّ عليهمُ *** و أدعولهم ربّاً كريماً ممجدا

بذلت لهم ودّي و نصحي و نصرتي *** مدي الدهر ما سمّيت يا صاح سيّدا

و إن أمرأ يُلحي علي صدق وُدّهم *** أحقُ و أولي فيهمُ أن يفنَّدا

فإن شئت فاختر عاجل الغم ضّلةَ *** و إلاّ فأمسك كي تصان و تحمدا

و في حديث موته له مكرمة خالدة تذكر مدي الدهر و تقرأ في صحيفة التاريخ مع الأبد و تكشف عن أنّ الذين يقفون إلي جانب الحق والإيمان ينالون حظوظهم الوفيرة في الدنيا و الآخرة قال بشير بن عمار:

ص: 46


1- النطف: النجس.
2- الأغاني، ج7 ص299 - 299.

حضرت وفاة السيد في الرميلة ببغداد فوجه رسولا إلي صف الجزّارين الكوفيين يعلمهم بحاله و وفاته فغلط الرسول فذهب إلي صف الممسوسين فشتموه و لعنوه فعلم أنه قد غلط فعاد إلي الكوفيين يعلمهم بحاله و وفاته فوافاه سبعون كنفاً قال: و حضرنا جميعاً و إنه ليتحسَّر تحسُّراً شديداً و إن وجهه لأسود كالقار و ما يتكلّم إلا أن أفاق إفاقة و فتح عينيه فنظر إلي ناحية القبلة جهة النجف الأشرف ثم قال:

يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بوليّك؟ قالها ثلاث مرات مرة بعد أخري، فتجلّي و الله في جبينه عرق بياض فما زال يتسع و لبس وجهه حتي صار كله كالبدر و افترّ السيد ضاحكاً و أنشأ يقول:

كذب الزاعمون أنَّ علياً *** لن ينجّي محبّه من هنات

قد و ربّي دخلت جنة عدن *** و عفالي الإله عن سيئاتي

فابشروا اليوم أولياء عليِّ *** و تولّوا علياً حتي الممات

ثم من بعده تولّوا بنيه *** واحدة بعد واحد بالصفات

ثم أتبع قوله هذا: أشهد أن لا إله إلا الله حقاً حقاً و أشهد أن محمداً رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حقاً حقاً و أشهد أن علياً أميرالمؤمنين عليه السلام حقاً حقاً أشهد أن لا إله إلا الله ثم غمّض عينيه فكأنّما كانت روحه حصاة سقطت.(1)

و فيما تقدم من شواهد دليل يعضد ما تقدم ذكره.

العبدي الكوفي

العبدي الكوفي : و هو من شعراء أهل البيت الطاهر سلام الله عليهم المتزلفين إليهم بولائه المقبولين عندهم لصدق نيته و انقطاعه إليهم و هو من أكثر من مدحهم و تفجّع علي مصائبهم و لم نجد في غير آل الله له شعراً.(2)

استنشده الإمام الصادق عليه السلام من شعره كما في رواية الكليني في روضة الكافي بإسناده عن أبي داود المسترق عنه قال : دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام فقال: قولوا لأمّ فروة : تجيء فتسمع ما صنع بجدّها. قال:

ص: 47


1- نقلنا أكثر هذه الشواهد عن الغدير، ج2 ص213- 275.
2- الغدير ج2 ص294.

فجاءت فقعدت خلف الستر. ثم قال: فأنشدنا، قال: فقلت:

فروُجودي بدمعك المسكوب...

قال: فصاحت و صحّن النساء فقال أبوعبد الله عليه السلام: الباب. فاجتمع أهل المدينة علي الباب فبعث إليهم أبوعبد الله عليه السلام قال: صبياً لنا غشي عليه فصحنَ النساء.

و قد عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام و لم تك صحبته مجرد ألفة معه أو محض اختلاف إليه أو أن عصراً واحداً يجمعهما لكنه حظي بزلفة عنده منبعثة عن صميم الودّ و خالص الولاء و عن إيمان لا تشوبه أيةُ شائبة حتي أمر الإمام عليه السلام شيعته بتعليم شعره أولادهم و قال: إِنَّهُ عَلَي دِينِ اَللَّهِ.

روي الكشي في «رجاله» بإسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يَا مَعْشَرَ اَلشِّيعَةِ عَلِّمُوا أولادكم شِعْرَ اَلْعَبْدِيِّ فَإِنَّهُ عَلَي دِينِ الله.

و ينّم عن صدق مهجته و استقامة طريقته في شعره و سلامة معانيه عن أي مغمز أمر الإمام عليه السلام إيّاه بنظم ما تنوح به النساء في المأتم كما رواه الكشي.(1) و من شعره في إظهار عقيدته قوله:

بلّغ سلامي قبراً بالغريِّ حوي *** أو في البريّة من عجمٍ و من عرب

و اجعل شعارك الله الخشوعَ به *** وناد خير وصيّ صنوّ خير نبي

إسمع أبا حسن إن الألي عدلوا *** عن حكمك انقلبوا عن شرّ منقلب

إلي آخر أبياته...

دعبل الخزاعي

دعبل الخزاعي الشهيد في سنة 246 ه.

كان شاعراً مفلقاً مخلصاً في ولاء أهل بيت عليهم السلام العصمة صلوات الله عليهم أجمعين أشهر من نار علي علم.

ص: 48


1- راجع رجال الكشي، ص254. و راجع الغدير أيضاً.

قال عنه العلامة الآميني: فما ظنّك برجل كان يُسمع منه و هو يقول: أنا أحمل خشبتي علي كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحداً يصلبني عليها.

و قيل للوزير محمد بن عبد الملك الزّيات: لِمَ لا تجيب دعبلاً عن قصيدته التي هجاك فيها؟ قال: إنّ دعبلاً جعل خشبته علي عنقه يدور بها يطلب من يصلبه بها منذ ثلاثين سنة و هو لا يبالي كل ذلك من جرّاء ما كان ينافح و يناضل في الذب عن البيت النبوّي الطاهر و التجاهر بموالاتهم و الوقيعة في مناوئيهم لا يقرُّ به قرار فلا يقلّه مأمن و لا يظله سقف منتجع.

ما زال مطارداً من خلفاء الوقت و أعداء العترة الطاهرة و مع ذلك كلّه فقصائده تلهج بها الركبان و تزدان بها الأندية و هي مسرّات للموالين و محفظات للأعداء و مثيرات للعهن و الضغائن حتي قتل علي ذلك شهيداً.(1)

و هذه ناحية واسعة النطاق تحمل في طياتها الشواهد الكثيرة و الأدلة القوية علي صدق إيمانه و قوة عقيدته و التهالك في سبيل نصرتها و الذب عنها...

عن يحيي بن أكثم قال: إنَّ المأمون أقدم دعبل رحمه الله و أمنّه علي نفسه فلمّا مثل بين يديه و كنت جالساً بين يدي المأمون فقال له: أنشدني قصيدتك الرائية فجحدها دعبل و أنكر معرفتها فقال له: لك الأمان عليها كما أمّنتك علي نفسك فأنشده جملة من الأبيات حتي قال:

كم من ذراعٍ لهم بالطف بائنةٍ *** و عارضٍ بصعيد التُربِ منعفرِ

أمسيِ الحسينُ و مسراهم لمقتلهِ *** و هم يقولون هذا سيّد البشر

يا أمة السوءِ ما جازيتِ أحمد في *** حُسن البلاءِ علي التنزيل و السور

خلّفتموه علي الأبناء حين مضي *** خلافة الذئب في إنفاذ ذي بقر

قال يحيي: و أنفذني المأمون في حاجة فقمت فعدت إليه و قد انتهي إلي قوله :

لم يبقَ حيِّ من الأحياءِ نَعلَمهُ *** من ذي يمانٍ و لا بكر و لا مُضَر

إلا وهم شركاءٌ في دمائهم *** كما تشارك أيسارٌ علي جزر

ص: 49


1- الغدير، ج 2، ص 399 بتصرف.

قتلاً وأسراً و تخويفاً و منهبةً *** فعل الغزاة بأرض الروم و الخزر

أري أميّة معذورينَ إن قَتلوا *** و لا أري لبني العبّاس من عُذرِ

حتي قال:

أربِع بطوسٍ علي قبرِ الزكيّ بها *** إن كنت تَربَعَ من دينٍ علي وَ طر

قبرانِ في طوسَ خير الناس كلِّهمُ *** و قبر شرّهم هذا من العِبَرِ

ما ينفع الرِّجس من قرب الزكي و لا *** علي الزكي بقربِ الرجسِ من ضررِ

هيهات كلُّ امرئٍ رهنٌ بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذرِ

قال: فضرب المأمون عمامته الأرض و قال: صدقت و الله يا دعبل.(1)

قال أبو الفرج في الأغاني: قصيدة دعبل:

مدارسُ آيات خلت من تلاوة *** و منزلُ وحي مقفر العرصات

من أحسن الشعر و فاخر المدائح المقولة في أهّل البيت عليهم السلام قصد بها علي بن موسي الرضا عليه السلام بخراسان قال : دخلت علي علي بن موسي الرضا عليه السلام فقال لي: أنشدني شيئاً مما أحدثت فأنشدته:

مدارس آيات خلت من تلاوة...

حتي انتهيت إلي قولي:

إذا وتروا مدّوا إلي واتريهم *** أكفّاً عن الأوتار منقبضات

قال: فبكي... و أومأ إلي الخادم كان علي رأسه: أن اسكت. فسكت فمكث ساعة ثم قال لي: أعد. فأعدت حتي انتهيت إلي هذا البيت أيضاً فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الأولي و أومأ الخادم إليَّ : أن اسكت و هكذا الأمر تكرر ثلاث مرات حتي انتهي إلي آخر القصيدة فقال لي: أحسنت ثلاث مرات.

ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه و لم تكن دفعت إلي أحد بعد و أمر لي من في منزله بحلي كثير أخرجه إليَّ الخادم... إلي آخره.(2)

ص: 50


1- الأغاني، ج 18، ص 57.
2- راجع المصدر نفسه؛ ص29.

و قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء: قصيدته التائية في أهل البيت عليهم السلام من أحسن الشعر و أسني المدائح قصد بها علي بن موسي الرضا عليه السلام بخراسان ( و ذكر حديث البردة التي خلعها عليه الإمام الرضا عليه السلام بعد إنشاد القصيدة) ثم قال: و يقال إنه كتب القصيدة في الثوب و أحرم فيه و أوصي بأن يكون في أكفانه.

و عن دعبل الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي علي الرضا عليه السلام:

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

قال لي الرضا عليه السلام: أفلا ألحق البيتين بقصيدتك؟! قلت: بلي يا بن رسول الله عليه السلام، فقال:

و قبر بطوسٍ يا لها من مصيبة *** ألحّت علي الأحشاء بالزفرات

إلي الحشر حتي يبعث الله قائماً *** يفرّج عنا الهمَّ و الكربات

و قد ألحقهما الإمام عليه السلام بعد قول دعبل:

و قبر ببغداد لنفس زكية *** تضمّنها الرّحمن في الغرفات

قال دعبل : ثم قرأت باقي القصيدة فلما انتهيت إلي قولي :

خروج إمام لا محالة خارجٌ *** يقوم علي اسم الله و البركات

بكي الرضا عليه السلام بكاءً شديداً ثم قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك أتعرف من هذا الإمام؟! قلت: لا، إلاّ أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً و عدلاً...

فقال: إنَّ الإمام بعدي ابني محمد عليه السلام و بعد محمد ابنه علي عليه السلام و بعد علي ابنه الحسن عليه السلام و بعد الحسن ابنه الحجة القائم عجل الله فرجه الشريف و هو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره... إلي آخر الحديث.(1)

و الحديث عن شعر العقيدة طويل و طويل لا مجال للتفصيل فيه هنا و ما ذكرناه كان من باب المثال.

و من كل ما تقدم من شواهد و دلالات تجد عمق الولاء و شدّة

ص: 51


1- الغدير، ج 2، ص 355.

الحماس من أجل المذهب و العقيدة و أن أهل البيت سلام الله عليهم شجّعوا هذا اللون من الشعر لنصرة مذهبهم و ترويج مبادئهم في قبال المباديء المنحرفة التي روّجها الحكّام للتغطية علي التشيّع و محاولة منهم الإطفاء نور أهل البيت عليهم السلام.

و لهذا كان ترويج العقيدة و إبرازها في النظم المقفّي من أكبر الدوافع عند الشعراء الكبار في القرن الأول و الثاني و الثالث الهجري دفاعاً عن المذهب و مناصرة لزعمائه من آل الرسول سلام الله عليهم أجمعين.

الثاني: دافع الولاء و المحبة

الثاني: دافع الولاء و المحبة:

و أيضاً... كان الشعراء ينظمون عنهم عليهم السلام از بدافع التعبير عن عواطفهم و مشاعرهم حباً و ولاءً و تأثراً بما اتسموا به عليهم السلام من مزايا و فضائل و خاصة تجاه سيدة النساء التي دارت عليها سنن التكوين و التشريع و براءة من أعدائها عليها الصلاة و السلام الذين اتسموا بكل خصال الشر و القبح الإنساني.

إن الشاعر الذي يتذوّق الجمال في الكون و يفتّش عن مظاهره و خفاياه ثم يهريق ما بمخزونه من طاقة في الفن و التصوير من أجل مغازلته و التغنّي به كيف لا يستقطبه كمال فاطمة المعنوي؟!

و كيف لا يتحرّك شعوره المرهف تجاه هذه العظمة و هذا و الجمال؟!

إنّ الشاعر الذي يستفز مشاعره بلبل غرّيد علي غصن شجرة أو وردة غانية علي فم الشلال فتفيض عليه صوراً ساحرة فاتنة كيف لا تفيض عليه آيات الجمال و الجلال في فاطمة سحراً و عذوبة؟!

إنّ الشاعر الذي يبهره ضوء القمر في الليل الداجن كيف لا تبهره أنوار أهل البيت عليم السلام الساطعة؟!

و كيف يطيق الوقوف صامتاً تجاه هذا الطهر و الكمال و لا يعلن عن انفعاله و حبه و عشقه؟!

و كيف تجفّ شاعريته عند مظاهر القدس و ألوان العظمة و آيات البهاء فلا يغازلها و يسكب عليها عواطفه و أحاسيسه؟!

ص: 52

من الواضح... أنّ الشاعر إذا كان شاعراً حقاً يسوقه الجمال و تأسره العاطفة لا يمكنه أن يَغضَّ نظره عن أسرار آل محمد سلام الله عليهم أجمعين . أو يتغافل عنها... و لا يمكنه أبداً -إذا كان شاعراً حقاً- أن يتعامي عن مظاهر الجمال و الكمال فيهم عليهم الصلاة و السلام.

و قد خلقهم الله أنواراً فجعلهم بعرشه محدقين وطهرّهم من كل منقصة و صاغ أرواحهم القدسية صياغة ربّانية فكانوا أنوار هدايته و محالّ عظمته و آيات جماله و مظاهر كماله.(1)

إنّ الشاعر الحق كالفراش العاشق دوّار عن جمال الحياة و سحر الطبيعة يهفو إليه في الحقول و المزارع... في نور الصباح... و في نسيم السحر... في خرير الماء... و حفيف الشجر... فكيف يتغاضي عن جمال الطبيعة الخلاّب؟!

إذن الشاعر... مهما أوتي من نبوغ و قدرة علي الوحي و الإلهام فإنه و إن فطم عن معرفتها عليهم السلام و لم يبلغ غورها... إلا أنه لا يمكنه أن يتجاهل أسرار العظمة فيها ولا بدَّ له أن يشيد بمظاهر جمالها و كمالها و هي آية جمال الله سبحانه و كماله إلاّ إذا أراد أن يلغي شاعرّيته أو يتسافل بشعوره!!

و من هنا كان الأدباء و الشعراء و ما زالوا -علي اختلاف مذاهبهم و عقائدهم ينظمون في الحب و الولاء و إبداء التعاطف رثاءً أو مدحاً و تمجيداً بها عليها الصلاة والسلام.

روي الأربلي في كشف الغمة: أنَّ بعض الوّعاظ ذكر فاطمة سلام الله عليها و ما وهبها الله من مزايا الجمال و الكمال و الفضائل العالية فاستخفّه الطرب فأنشد:

خجلاً من نور بهجتها *** تتواري الشمس بالشفق

و حياءً من شمائلها *** يتغطّي الغصن بالورق

ص: 53


1- هذه المضامين وردت في الزيارة الجامعة الكبيرة عن الإمام الهادي عليه السلام فراجع مفاتيح الجنان.

قال: فشقَّ كثير من الناس ثيابهم و أوجب وصفها بكاءهم و انتحابهم تأثراً و شوقاً.(1)

و روي أنس بن مالك قال: سألت أمي عن صفة فاطمة عليها السلام فقالت: كانت كأنّها القمر ليلة البدر أو الشمس كفّرت غماماً أو خرجت من السحاب.(2)

قال المرحوم السيد كاظم القزويني قدس سره:

إنَّ عَظَمَةَ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سلام الله عَلِيٍها و فَضَائِلِهَا وَ مَزَايَاهَا وَ مَصَائِبِهَا وَ ما رَأَت مِنَ الضَّغَطِ و الْكَبَتِ و الاِضْطِهَادِ كانَتْ كَافِيَةً لِتَهْيِيجِ العَوَاطِفِ اَلْجِيَاشَةِ تُجَاهَهَا فَلاَ عَجَبَ إِذَا طَفِقَ اَلشُّعَرَاءُ يَنْثُرُونَ مَدَائِحَهم لِلسَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ سلام الله عليها بِمُخْتَلَفِ اللُّغاتِ وَ يُعَبِّرونَ عَن شُعورِهِم وَ حُبِّهِم وَ مَوَدَّتِهِم و ذَلِكَ حِينَمَا اهْتَزَّتْ ضَمَائِرُهُمْ فَتَفَتَّحَتْ قَرَائِحُهُمْ و فَاضَتْ أَحَاسِيسُهُمْ فَطَفِقُوا يُثْنُونَ عَلَي السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ اَلزَّهْرَاءِ سلام الله عَلَيها أحسَنَ الثَّناءِ وَ يَرِثونَها بِأوجَعِ الرّثاءِ .

و أيُّ شَاعِرٍ يُشْعِرُ بِآلامِ السَّيِّدَةِ فاطِمَةَ سلام الله عليها و لا يُهَيِّجُ شُعورَهُ ؟ وَ أيُّ إِنْسَانٍ يُدْرِكُ مَواهِبَ السَّيِّدَةِ الزَّهْراءِ سلام الله عليها وَ مَزاياها وَلا يُعَبِّرُ عَن مَشاعِرِهِ ؟ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شُعُورُهُ مُتَحَجِّرَاً أو إِدْرَاكُهُ مُعْطٍلاً أَوْ أَحَاسِيسُهُ رَاكِدَةً جَامِدَةً .

إِنَّ جمالَ حَياةِ السَّيِّدَةِ الزَّهراءِ يَأخُذُ بِمَجامِعِ قَلبِ كُلِّ حَرٍ وَ كُلُّ قَلبٍ حَرٍ سَليمٍ .(3)

حقاً كان للشعراء المخلصين مواقف نبيلة تجاه مولاتنا فاطمة «سلام الله عليها» في هذا المجال و خاصة شعراء القرون الأخيرة حيث نظموا أروع مشاعر الحب و الولاء بأجمل تعبير و صبّوها في مصب الشعر مدحاً و رثاء.

أقول: و كشواهد عملية لما ذكرنا من تأثّر الشعراء علي اختلاف أذواقهم و مشاربهم بمزايا الزهراء سلام الله عليها و آيات الكمال و الجمال فيها و انشدادهم إليها حتي اعتصروا مهجهم و عواطفهم لمدحها و إظهارها أنقل لك بعض النماذج من شعراء عدة عاشوا في بلدان و عصور مختلفة.

ص: 54


1- كشف الغمة، ج2، ص90، طبعة بيروت بتصرف.
2- البحار، ج43، الباب1، ح7، ص6.
3- فاطمة الزهراء من المهد إلي اللحد، ص 664 بتصرف.

(شعر الولاء)

قال السيد عبد اللطيف فضل الله:

هتفَ البيانُ بمولدِ الزهراءِ *** سرِّ الوجود و شمس كلِّ سماءِ

فرأي الجلالَ علي تواضع قدسه *** تنحطُّ عنه مدارِكُ العقلاء

شمخَ الأديمُ بفاطم و تطاولت *** غبراؤه فيها علي الخضراء

برأَ العوالمَ و اصطفاها ربُّها *** مما اصطفاه بها مع الأمناء

فتجسّمت في الأرضِ منه رحمةٌ *** و شفاعةٌ للناسِ يوم جزاء

حتي قال:

و الاكِ ربُّك إذ رضعَتِ ولاءِه *** وحباكِ منه ولايةَ الأشياء

جبلت بأسرارِ السما و تكوّنت *** مما يساق العرش في لَألاءِ

آلاوُها ملءُ الزمانِ و بيتُها *** في الكائناتِ أساسُ كلّ بناءِ

حوراءُ إذ رِفعَ الإلهُ لواءَها *** كرماً وضمَّ الخلقَ تحتَ لواء

و بري مناقبها و قال لعزّها *** كوني بلا عدَّ و لاإحصاء

قلنا لها سرِّ يُصانُ و جوهرٌ *** فوقَ الأنامِ وطينِهم و الماء

نشأَت بظلِّ اللهِ لم يَعلُق بها *** دنَسٌ و لا وقَعت علي الأخطاءِ

إلي آخر القصيدة (1) و سيأتيك بعض الشرح لهذه القصيدة في حرف الهمزة فانتظر.

و أنشد شيخ الفقهاء و الفلاسفة الشيخ محمد حسين الأصفهاني قائلاً:

ص: 55


1- المجالس السنية، ج5، ص132 ط بيروت.

جوهرةُ القدسِ من الكنز الخفي *** بدَت فأبدت عالياتِ الأحرف

و قد تجَلّي من سماءِ العظمَة *** في عالم السماءِ أسمي كلمة

بل هي أمُّ الكلماتِ المُحكَمة *** في غيب ذاتِها فكانت مُبهَمة

أمُّ أئمةِ العقولِ الغرِّ بلْ *** أمُّ أبيها و هو علّةُ العلل

تمثلتْ رقيقة الوجود *** لطيفةَ جُلَّتْ عن الشُهود

تَصوَّرتْ حقيقة الكمال *** بصورةِ بديعة الجَمال

فإنّها قطبُ رحي الوجودِ *** في قوْسَي النزولِ و الصعود

مصونةٌ عن كلّ رسمٍ وَسِمَه *** مرموزةٌ في الصحفِ المُكَرَّمة

إلي آخر القصيدة .(1)

و أنشد السيد محمد جواد فضل الله:

مجدكِ الشمسُ ينطفي إن تبدّتْ *** كلُّ نجمٍ من حولها ويبيدُ

النبوّاتُ دوحةٌ أنت منها *** ألَقٌ مشرق و نفحٌ ودوُد

كيف يَرقي لشأو عزك مجد *** وبكِ المجدُ تاجُه معقودُ

نفحةٌ من مجهرٍ صاغها اللهُ *** مثالاً للطُهرِ كيف يُريد

وحباهامنه الجلالُ إهاباً *** يتداني عن نَعمتِهِ التمجيدُ

رفع اللهُ شأنَها فتباهتْ *** باسمِها في الجنانِ حُورٌ و غِيْدُ

إلي آخر القصيدة.(2)

و أنشد المرجع الديني الكبير المرحوم السيد الميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره الشريف):

درةٌ أشرقتْ بأبهي سَناها *** فتلألأ الوري فيا بشُراها

لمعٍ الكونُ من سنا نورٍ قدسٍ *** بسنا نوره أضاءَ طُواها

يا لها لمعةٌ أضاءتْ فأبدتْ *** لمعاتٍ أهدي الأنامَ هداها

إلي آخر القصيدة.(3)

ص: 56


1- فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص668.
2- المجالس السنية، ج 5، ص 134 ط بيروت.
3- راجع معارف الرجال للشيخ حرز الدين، ج 3، ص 166.

و أنشد الخطيب اللامع الشيخ جعفر الهلالي:

أتي يؤمُ البتولةِ و هوعيدُ *** فطابَ بذكرِ مولِدها القصيدُ

بدتْ كالشمس تَغْمُر كل أفقٍ *** من الدنيا و قد سَعَدَ الوُجود

هي الزهراءُ فاقَتْ كلِّ أنثي *** لها فضلٌ فهل تُوفي الحدودُ ؟

أبوها سيِّد الكونين (طه) *** و (حيدُرة) لها بَعْلٌ مجيدُ

و شبلاها هما الحسنُ المصفّيِ *** و ذاك حسينُها السبطُ الشهيدُ

ولاها الدينُ و الإيمانُ حقاً *** و تلكَ هي السعادةُ و السعوُد

أبنتَ المصطفي وفاك شعري *** بمدحتهِ و إن غَضِبَ الحَسُود

شربتُ ولاكِ من لبنِ زكئِّ *** تُغَذَّيني به أمِّ وَلُود

و ذاك من الإله عظيمُ فضلٍ *** و من عندي له شكري يَزيدُ

فباسمِكِ قد أذعتْ بكلِّ نادِ *** تزاحَم عند ساحته الحُشودُ

سأبقي ماحييتُ ولي وصال *** بحبّك لا أزلُّ و لا أحيدُ

و قد حوي الديوان العديد من قصائد المدح الفريدة في نوعها كما سيمر عليك فانتظر.

ص: 57

(شعر الرثاء)

اشارة

و أما في الرثاء فقد تجاوز الشعر حدّ العدّ و الحصر كما ستري في الديوان و قد ضم حوالي (600) قصيدة جاء الكثير منها في الرثاء و هنا نذكر بعض النماذج...

أنشد الشيخ محسن أبوالحبّ الكبير الحائري مقارناً بين الزهراء البتول و مريم العذراء عليهم السلام الي قائلاً:

إن قيل حوّا قلتُ فاطمُ فخرُها *** إن قيلَ مريمُ قلتُ فاطمُ أفضلُ

أفهل لَحّوا والدٌ كمحمدٍ ؟ *** أم هلْ لمريمَ مثل فاطمَ أَشبُلُ

كلِّ لها حينَ الولادةِ حالةٌ *** منها عقولُ ذوي البصائرِ تَذْهَلُ

هذي لنخلتِها التجتْ فتساقطتْ *** رُطباً جَنياً فهي منه تأكُلُ

وضعتْ بعيسي و هي غيرُ مروعةٍ *** أنّي و حارسُها السريُّ الأبسلُ

و إلي الجدارِ و صفحةِ البابِ التجتْ *** بنتُ النبي فأسقطتْ ما تَحمِلُ

سقطتْ و أسقطتِ الجنينَ و حولَها *** من كلِّ ذي حسبٍ لئيمِ جَحْفلُ

هذا يُعَنّفها وذاك يدُعُّها *** ويَردُّها هذا و هذا يَرْكلُ

و أمامَها أسدُ الأسودِ يقوده *** بالحبلِ قنفذُ هل كهذا مُعضِلُ

و لسوف تأتي في القيامةِ فاطمٌ *** تشكو إلي ربّ السماءِ و تُعَوِلُ

و لَتَرفعنَّ جنينَها و حنينَها *** بشكايةٍ منها السما تَتزلزلُ

ربّاه ! ميراثي و بعلي حقَّه *** غَصبوا و أبنائي جميعاً قُتّلوا

ولدايْ ذا بالسمّ أمسي قلبُه *** قِطَعاً و هذا بالدماءِ مُغَسَّلُ (1)

ص: 58


1- فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد القزويني، ص675 - 676 ط بيروت.

و أنشد آخر فقال:

بأبي الّتي ماتتْ و ما *** ماتتْ مكارمُها السنيّة

بأبي التي دُفِنَتْ وعُفّي *** قبرُها السامي تَقِيَّة

و أنشد بعض أشراف مكة قصيدة جاء فيها :

وأَتتْ فاطمةٌ تطالب بالإرثِ *** من المصطفي فما وّرثاها

ليت شعري لِمْ خُولِفَتْ سننُ *** القرآنِ فِيها ؟ و اللُه قد أعلاها

نُسِخَتْ آيةُ المواريث منها *** أم هما بعدَ فرضِها بَدّلاها ؟

أم تري آية المودّة لم تأتِ *** بودّ الزهراءِ في قُرْباها

بنتُ من؟ أمُّ من؟ حليلةُ من؟ *** ويلٌ لِمَنْ سنَّ ظلمَها و آذاها(1)

و قال آخر:

فمضتْ و هي أعظم الناسِ وَجْداً *** في فمِ الدهر غصةٌ من جَواها

وثَوَتْ لا يَري النسا لها مثوّي *** إلي قَدس يضمُّه مَثْواها

و ستقرأ الكثير من ذلك فانتظر.

الثالث: دافع النصرة

و كان الشعراء ينظمون بدافع النصرة لأهل البيت عليهم السلام و الندبة لهم أيضاً و ذلك لأنه بنصرتهم تتجسّد نصرة الدين و المبدأ الحق و بندبتهم يندبون حقوقهم الضائعة و دماءهم المهدورة بأيدي الظلم و الظالمين.

و من الواضح... أن كل صاحب ضمير و قلب صفيّ ينصر أهل الحق و يندب مأساتهم و إن لم يتمسك بهم كأئمة عليهم السلام و أولياء.

و في التاريخ الكثير الكثير من الشعراء و الأدباء الذين وقفوا يدافعون عن أهل البيت عليهم السلام و ينتصرون لظلاماتهم و يهاجمون أعداءهم الذين أعماهم الهوي و أغواهم الشيطان فصادروا حقوقهم و سحقوهم تحت سنابك الخيل أو خلف قضبان السجون!! كما ستري...

ص: 59


1- المصدر السابق نفسه.

فشعراء الشيعة الذين يندبون أهل البيت عليهم السلام و ينظمون فيهم قصائد الشعر ليس لغرض أن يقال بأن أهل البيت عليهم السلام عندهم أولياء و أتباع يبكونهم و ينصرونهم... كلاّ... إنّ أهل البيت عليهم السلام صاروا لأصحاب الضمائر و ذوي المباديء الحرّة الشريفة و المواقف النبيلة رمزاً عميق الدلالة و المضمون لكّل معاني القيم الإنسانية و هذه الدرجات الرفيقة من السمو يعشقها حتي أعداؤهم و يشهدون لهم بذلك.

و لعل كتب التاريخ و الأدب مشحونة باعترافات الكثير من أعدائهم بفضلهم و مكانتهم السامية في القلوب و الضمائر .

و بعض مخالفيهم نظم فيهم شعراً رائعاً بما يدلّل علي مكانتهم السامية، و محبوبيتهم عند الجميع ، و لعلّ من أفضل الشواهد علي ذلك القصيدة الجلجلية التي نظمها عمرو بن العاص في مدح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام و هو يخاطب صاحبه و رفيق دربه و شريكه في مخططاته، معاوية بن أبي سفيان.

يقول فيها:

معاويةٌ الحقَّ لاتَجهَل *** و عن سبيلِ الحقِّ لا تَعْدِل

إلي آخر الأبيات:

و قد نقلها العلامة الأميني في الغدير(1) و غيرها من القصائد المؤثرة التي لها وقع في النفوس .

كما نظم فيهم بعض زعماء المذاهب و أئمتها بما يعدّ من مفاخر الشعر الولائي كقصيدة ابن أبي الحديد المعتزلي العينية، و ما نظمه الشافعي في ذلك صار أشهر من نار علي منار.

قال النبهاني: روي السبكي في طبقاته بسنده المتصل إلي الربيع بن سليمان المرادي صاحب الإمام الشافعي قال: خرجنا مع الشافعي في مكة نريد مني فلم ينزل و ادياً و لم يصعد شعباً إلاّ و هو يقول:

ص: 60


1- راجع المصدر السابق؛ ج 2 ط، طهران، ص 116.

يا راكباً عُجْ بالمحصَّبِ من مني *** و اهتفْ بساكنِ خيفها و الناهِضِ

سحراً إذا فاضَ الحجيجُ إلي مني *** فيضاً كملتطمِ الفراتِ الفائضِ

إن كانَ رفضاً حبُّ آل محمدٍ *** فليشهدِ الثقَلانِ أنّي رافضي

بل صرّح بشعره أنَّ محبة أهل البيت عليهم السلام من فرائض الدين فقال:

يا آلَ بيتِ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حبُكُمُ *** فَرْضٌ من اللِه في القرآنِ أَنزلهُ

كفاكمُ من عظيمِ الشأنِ أنَّكم *** مَنْ لم يصلِّ عليكم لا صلاةَ له(1)

و جاء في الصواعق المحرقة لابن حجر صفحة 101 و للشيخ شمس الدين ابن العربي قوله:

رأيت ولائي آل طه عليهم السلام فريضةً *** علي رغمِ أهلِ البُعْدِ يُورِثُني القُرْبي

فما طلبَ المبعوثُ أجراً علي الهدي *** بتبليِغَه إلا المودَّةَ في القُرْبي

هذا الحب الذي هو شعبة من شعب الإسلام ظاهرة عواطف وأسي عميقة علي ما أصاب أهل البيت عليهم السلام من كوارث و ما تعرّضوا له من نكبات في مختلف الأوطان و العصور الإسلامية، ما جعل الحديث عنها شجي كل نفس ولوعة كل قلب.

إنَّ المبالغة في التنكيل بهم و الظلم و الحيف و الإعتداء الذي وقع عليهم جعل الحزن و الأسي عليهم أعم و التأثر لمصابهم أوجع هذه العواطف غير المشوبة و لا المصطنعة أضفت علي الشعر الشيعي و كل ما قيل في أهل البيت عليهم السلام لوناً حزيناً باكياً يمور بجيشان العواطف الصادقة الثائرة، ذلك لدمهم المطلول و هذا لحقهم الممطول و بين هذا و ذاك فخر يفرع في السماء بريق و مجد يطاول الأجيال.

يقول محمد بن هانيء الأندلسي في قصيدة له:

غَدوْا ناكِسي أبصارِهمْ عن خليفةٍ *** عليم بسرِّ اللهِ غير معلَّمِ

و روح هدي في جسم نورِ يَمُدُّهُ *** شعاعٌ من الأعلي الذي لم يُحْسَمِ

إمامُ هُديً ما التفَّ ثوب نبوّة *** علي ابنِ أبي منه باللِه أعلمِ

ص: 61


1- أدب الطف، ج1، ص20.

بكُمْ عزَّ ما بينَ البقيعِ و يثربٍ *** و نُسِّك ما بينَ الحطيمِ و زمزم

فلا بَرِحَتْ تَتْري عليكم من الوري *** صلاةُ مصلِّ أو سلامُ مسَلِّمِ(1)

هذا بالنسبة لأصحاب الأدب بشكل عام و أما أدباء الشيعة فقد صارت ظلامات أهل البيت عليهم السلام شغلهم الشاغل و استمّروا يندبونهم ليل نهار و يتوجّعون لما أصابهم علي أيدي الأعداء ليس فقط لنيل الثواب المؤكَّد في الآخرة... و ليس فقط لإبراز العقيدة و التولّي لهم و التبرّي من أعدائهم... بل لأنَّ المظلومية عند أهل البيت عليهم السلام سلاح عظيم رفعه الشيعة علي طول التاريخ للمطالبة بحقوق أئمتهم عليهم السلام المهضومة و التي هي الأخري تشكِّل حقوق الإنسانية جمعاء .

و الملاحظ... إن ما نظمه الشعراء الشيعة علي طول التاريخ و ما زالوا ، يدلّ بوضوح أنه يعكس الاستنكار الصارخ المقرون بالتوجّع و الندبة علي الظلم و الظالمين في كل زمان و مكان .

ص: 62


1- أدب الطف، ج 1، ص 20 - 21.

فاطمة و الحسين عليهما السلام قضية واحدة

و قد صار أهل البيت «عليهم الصلاة و السلاَّم» و خاصة مولاتنا فاطمة «سلام الله عليها» و الحسين «عليه السلام» الرمز لهذه الظلامات و الشعار الذي تلخّصت فيه كل المطالب المشروعة لهم...

كما تحوّل من قابلهما -فاطمة و الحسين «عليهما السلام»- الرمزالأكبر للجور و العدوان و ستتضح لك أسباب ذلك .

إنَّ كلمتي الزهراء و الحسين عليهما السلام لم تبق عندنا فقط في الدائرة العلمية و المذهبية الخاصة و ما فيها من دلالات عميقة علي الولاية و الإمامة كما تقدم . بل أصبحت كلمة فاطمة عليها سلام لا تمثِّل رمز المظلومية و شعار الحزن و الندبة لحقوق مهضومة و كرامات مهدورة بأيدي لا تتورع عن التلبّس بالدين و التظاهر بمظاهره... كما أن فاطمة سلام الله عليها لا تتورع من أن تدّعي أنَّها خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم في الأرض، و هكذا الحسين عليه السلام أيضاً صار كأمِّه سلام الله عليها رمز الحزن و البكاء و المصيبة التي يتوجع لأجلها كل قلب بالإضافة إلي كونه رمز الإباء و التضحية و الفداء قال الشاعر:

أَنْسَتُ رزّيتُكمْ رزايانا الّتي *** سَلفتْ و هوَّ نتِ الرزايا الآتيةْ

و فَجائعُ الأيامِ تبقي مدةً و تزولُ *** وَ هْيَ إلي القيامةِ باقيةْ

و هذه الحقيقة نحسّها من خلال أدب الشيعة و كلمات أدبائهم .

فلقد كان الأدب الحقيقي الصادق و ما زال الصورة الحية التي تجسد أصدق تجسيد عقلية الأمة و عقيدتها و عواطفها... و رؤيتها المستقبلية...

ص: 63

و قد مضي علي ظلامات أهل البيت عليهم السلام قرون مديدة و من ذلك اليوم و إلي اليوم تجد أجيال الشعراء . فضلاً عن العلماء و الخطباء و كل أهل الفضل -من قوميات شتي ينظمون الشعر في ندبهم و نصرتهم سواء بالفصحي أو العامية.

و رغم تطور الحياة و تبدل أحوالها و تغيير الكثير فيها فإنَّ نصرة أهل البيت عليهم السلام و الدفاع عنهم و التعاطف مع قضاياهم لا زالت باقية ينوح عليها، و يتأسي بها محبّوهم، و مناصروهم جيلاً بعد جيل...

بل إن العواطف الجيّاشة تجاه أهل البيت عليهم السلام و مظلوميتهم تنمو و تكبر و تشتد من عصر إلي عصر و من جيل إلي آخر رغم كلّ الحاقدين... و رغم كلِّ شيء.

و لا أظنّ أن البشرية جمعاء عرفت أناساً قيل فيهم من الشعر و الأدب نصرة و دفاعاً و تضامناً كما قيل في آل محمد «صلوت الله عليهم أجمعين»...

قال الشاعر:

وما فاتني نصرُ كمْ باللسان *** إذا فاتني نصرُكمْ باليدِ

و قال عبد الحسيب طه في «أدب الشيعة»:

و الواقع أن قتل الحسين عليه السلام علي هذه الصورة الغادرة -و الحسين عليه السلام غني عن التعريف ديناً و مكانة بين المسلمين- لا بد أن يلهب المشاعر و يرهف الأحاسيس و يطلق الألسن و يترك في النفس الإنسانية أثراً حزيناً دامياً و يجمع القلوب حول هذا البيت المنكوب.

و هال الناس هذا الحادث الجلل -حتي الأمويين أنفسهم- فأقضّ المضاجع و أذهل العقول و ارتسم في الأذهان و صار شغل الجماهير الشاغل، و حديث النوادي.

تجاوبتِ الدنيا عليك مآتماً *** نواعيك فيها للقيامة تهتفُ

فما تجد مسلماً إلّا و تجيش نفسه لذلك الدم المهدور وكأنّه هو الموتور!! أجل... فلا تختص بذلك فئة دون فئة و لا طائفة دون طائفة

ص: 64

وكأنَّ الشاعر الذي يقول:

حبُّ آل النبيِّ خالطَ قلبي *** كاختلاطِ الضيا بماءِ العُيونِ

إنما يترجم عن عاطفة كلّ مسلم و هل التشيّع إلا حب آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و من هذا الذي لا يحب آل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرة؟ ملامكَ في آل النبيِّ فإنّهمْ *** أحِبايَ ما داموا و أهلُ تقاةِ(1)

و قال السيد جواد شبّر في أدب الطف:

ما عرف التاريخ من أوّل الناس حتي يومهم هذا أنَّ شخصاً قيل فيه من الشعر و النثر كما في الحسين بن علي عليه السلام فقد رثاه كل عصر و كل جيلِ بكل لسان في جميع الأزمان و وجد الشيعة مجالاً لبث أحزانهم و متنفّساً لآلامهم عن طريق رثاء الحسين عليه السلام سيّما و هذه الفرقة محارَبة من كل الحكومات و في جميع الأدوار.

و مما ساعد علي ذلك؛ أنَّ فاجعة الطف هي الفاجعة الوحيدة في التاريخ بمصائبها و فوادحها.(2)

و قال محسن علي المعلّم:

نجد الشعر الحسيني قد تجاوز الحدود و السدود و لم يعد وقفاً علي شيعته و أوليائه القائلين بإمامته بل شاركهم الشعور ذوو الأفكار الحرة المتنوّرة من المسلمين و المسيحيين و سواهم و بالفصيح من العربية و غيرها من اللغات و اللهجات الأخري و لم يقتصر فيض الشعر الزاخر علي جوانب الأسي و بواعث الحسرة و الشجن، و إنما شمل ملكات الإمام العظيمة و مكامن شخصيته و مواطن عظمته.(3)

أقول: شاركت الزهراء سلام الله عليها ولدها الحسين عليه السلام في كثرة الندب و الرثاء

ص: 65


1- أدب الطف، ص 19.
2- المصدر السابق نفسه، ص 21.
3- الحسين في موكب الخالدين، ص200.

كما قد لا توجد أبداً قضية كقضيتهما معاً عليهم السلام حَظَيِتْ بمثل هذا الاهتمام الكبير من قبل الشعراء و الأدباء أبداً.

و هذا الاهتمام لم ينشأ من مكانتهما فقط لأن كلَّ أئمة أهل البيت عليهم السلام يحظون بمكانتهم السامية عند الله «سبحانه» و عند الناس...

و ليس فقط لوجود حبّ الحسين و الزهراء عليهما السلام في قلوب أهل الحق.

كلاّ... فإنّ جميع أئمة أهل البيت عليهم السلام حبّهم فرض و موالاتهم دليل صفاء القلب و نزاهة الضمير و صدق الإيمان... بل لأنَّ ظلامة الزهراء و ظلامة الحسين «عليهما السلام» كمَّلت إحداهما الأخري و صارتا حلقة واحدة تضمّنت ظلامات الجميع... فظلامة الزهراء سلام الله عليها كانت فاتحة الظلامات علي آل الرسول عليهم السلام بمآسيها المفجعة...

و ظلامة الحسين عليه السلام كانت الأكثر وقعا في شدّتها و فظاعتها هذا أولاً.

و ثانياً... لأنّ ظلامة الزهراء سلام الله عليها تشكّل ظلامة النبوّة و أوّل خطوة خطاها القوم للابتعاد عن منهاج الإسلام و اغتصاب الخلافة الشرعية و الاعتداء علي بيت النبوّة بلا جهل و لا قصور بل إنَّ القوم هتكوا حرمتها و سحقوا حقوقها و قتلوها علماً و عمداً و عن سابق إصرار -و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعدُ لم يهجع في قبره- و لذا كانت أول خطوة في طريق الظلم و الجور في تاريخ المسلمين التي جرَّت الويلات تلو الويلات علي المسلمين حتي اليوم.

و أما ظلامة الحسين عليه السلام فقد شاركت الظلامة الأُولي -ظلامة فاطمة الزهراء سلام الله عليها- في القتل والتعدّي عن علم و عمد و سابق إصرار كما قالوا له:

«نقتلك و نعلم أنَّك ابنُ فاطمة سلام الله عليها... ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم »!!

ولكن زادت هذه علي الأولي بالدناءة و الخسَّة و الشمولية فتلخَّصت فيها كل ظلامات الأنبياء و الأئمة و الأولياء... لوجود الشبه الكبير بين واقعة الطف و وقائع أنبياء الله و أوليائه في الهتك و السحق...

و من هنا ربط الشعراء بين القضيتين معاً و اعتبروا الثانية امتداداً

ص: 66

للأولي فشدّدوا أكثر علي هاتين القضيتين... ليس لنكران ما دهي سائر الأئمة عليهم السلام من ظلم و جور إذ كلُّهم مظلوم مقهور...

ولكن لأنَّ هاتين الظلامتين تضمَّنتا ظلاماتهم و أكثر، كانوا عليهم السلام يركّزون علي هذا البعد و يربطون ما يجري عليهم بما جري علي الحسين عليه السلام و كانوا يقولون ( لاَ يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَاعبدالله).(1)

فالترابط وثيق جداً بين القضيتين ليس عند الشعراء فقط بل الأمر هكذا أيضاً في الآخرة كما سنري من خلال الشواهد.

ص: 67


1- راجع أمالي الصدوق، ص 78.

الشعراء بين فاطمة و الحسين عليهما السلام

سلَّط شعراء الشيعة و غيرهم أيضاً قديماً و حديثاً الأضواء علي الترابط الوثيق بين السقيفة و كربلاء و ساقوا ما جري علي الحسين عليه السلام في كربلاء مساق ما جري في المدينة بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي الزهراء البتول سلام الله عليها.

و اعتبروا الحادثين حادثاً واحداً في الأهداف و الدوافع -و هم علي حق في ذلك- إذ لا فاصلة بين الاعتداء علي الزهراء عليها السلام و غصب حقها سلام الله عليها و الاعتداء علي الحسين عليه السلام و لو كان القوم في الحادثة الأُولي هجموا علي الزهراء سلام الله عليها و أحرقوا دارها و أسقطوا جنينها ثم قتلوها بتلك الطريقة الشنيعة...

و بكلمة: لو كان أولئك الذين هجموا علي الزهراء عليها السلام حاضرين يوم الطف لقادوا بأنفسهم خيول بني أمية لسحق الحسين عليه السلام و أهل بيته و أضرموا في خيامهم النار.

و لو حضر أعداء الحسين عليه السلام و الأوائل يضربون الزهراء عليها السلام و يغصبون حقوقها لما قصّروا هم عن ذلك أبداً و هكذا.

لأنّ طبيعة العدوان واحدة و الذي لدية استعداد لسحق النبوّة و يسعي لإطفاء نورها مستعد أيضاً لسحق الإمامة و إطفاء نورها إذ لا فاصلة بين المقامين بل أحدهما امتداد للآخر، و مكملاً له...

و بين يديَّ الآن جملة وافرة من المنظومات الأدبية الرفيعة لشعراء عاشوا في قرون مختلفة و في بلدان مختلفة حكموا بتلك الصلة و هذا الامتداد لخط الظلم و العدوان.

ص: 68

سنقرأ الكثير منها في هذا الديوان وسنتعرف علي أذواق مختلفة لشعراء مختلفين إتفقوا جميعهم علي هذه النتيجة. سأنقل إليك بعض النماذج منها:

يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في هذا الصدد نظماً:

تاللهِ ما كربلا لولا سقيفتُهم *** و مثلُ ذا الفرعِ ذاك الأصلُ يُنْتِجُه

و في الطفوفِ سقوطُ السبطِ منجدلاً *** من سقطِ محسن خلفَ البابِ منهجُه

و بالخيامِ ضرامُ النارِ من حطبِ *** ببابِ دارِ ابنةِ الهادي تَأَجُّجُه(1)

و يقول الحاج جواد بدقت الحائري :

عُقِدت بيثربَ بيعةٌ قضيت بها *** للشركِ منه بعد ذاكَ ديونُ

بُرِقيِّ منبرِه رُقِيْ في كربلا *** صدرٌ و ضُرِّجَ بالدماءِ جبينُ

لولا سقوطُ جنينِ فاطمةٍ سلام الله عليها لما *** أودي لها في كربلاءَ جنينُ

و بكسرِ ذاك الضلع رُضَّتْ أضلٌ *** في طيِّها سِرُّ الإلهِ مَصوُن

و كما لفاطمَ رنَّةٌ من خلفِهِ *** لبناتِها خلفَ العليلِ رنينُ

و بزجرِها بسياط قنفذَ و شَجتْ *** بالطفِّ من زجرٍ لهنَّ متُونُ

و بقطعهمْ تلكَ الأراكةَ دونها *** قُطِعَتْ يدٌ في كربلا و وتينُ(2)

و السيد محمد مهدي القزويني الحائري في قصيدته يقول :

تاللِه ما كربلا لولا سقيفتُهمْ *** فإنّها ارتضعتْ من ثديِها محضا

و حقّ فاطمةٍ من سقطِ محسِنها *** حسينها خَرَّ مطروحاً علي الرَمْضا

بيومِ رضّ ضُلوعٍ الطُهْرِ فاطمةٍ سلام الله عليها *** جسمُ الحسين علي بَوْغائِها رُضضا

و الشيخ محمد حسين الأصفهاني أنشد :

و ما رماه إذ رماه حرملةْ *** و إنَّما رماه مَنْ مَهَّد لَهْ

سهمٌ أتي من جانبِ السقيفةْ *** و قوسُه علي يَدِ الخليفةْ(3)

ص: 69


1- مقتل الحسين عليه السلام للمقرم، ص 490.
2- ديوان الحاج جواد بدقت - مخطوط.
3- ديوان شعراء الحسين عليه السلام، ج 1، ص 97.

و قال الحاج هاشم الكعبي :

تاللهِ ما سيفُ شمرِ نالَ منك و لا *** يدا سنانٍ جلَّ الّذي ارتكبوا

لولا الألي أغضبوا ربَّ العُلا وأبوْا *** نصَّ الولاءِ و حقَّ المرتضي غَصبوا

أصابكَ النَفَرُ الماضي بما ابتدعوا *** و ما المسبِّبُ لو لم ينجحِ السببُ

ولا تزال خيولُ الحقدِ كامنةً *** حتي إذا أبصروها فرصَةً و ثَبوا

فأدركَ الكلُّ ما قد كانَ يطلبُه *** و القصدُ يُدْرِكُ لمّا يمكنُ الطَلبُ

كفِّ بها أمَّك الزهراءَ قد ضَربُوا *** هي الّتي أختَك الحورا بها سَلبُوا

و أنّ نارَ وغّي صاليت جمرتها *** كانتْ لها كفُّ ذاك البغيِ تَحتطِبُ

فليَبْكِ يومَك مَنْ يَبكْيه يومَ غَدَوْا *** بالصنوِ قوداً و لبنتَ المصطَفي ضَربوا

تاللهِ ما كربلا لولا السقيفةُ و الأ *** حياءُ تدري و لولا النارُ ما الحطبُ

و الخطيب السيد صالح الحلي يقول :

قَبساً به بابَ البتولةِ أجَّجوا *** منه بعرصةِ كربلا نيرانُ(1)

و للشيخ محمد خليفة أبيات يقول فيها :

إنّي أقولُ و لستُ أولَ قائلٍ *** قولاً ثوابتُ صدقِه لاتُنْكَرُ

تاللهِ ما قَتلَ الحسينَ سوي الأُلي *** قدماً علي الهادي عَحتوا و استكبروا

هُمْ أسّسوا فبنَتْ بنو حربٍ و قد *** هدَموا الرشادَ و للضلالةِ عَمّروا (2)

و للشيخ كاظم السبتي أبيات جاء فيها :

فإنَّ يداً مُدَّتْ إلي هتكِ زينبٍ *** يَدٌ هتَكتْ من قبلِ زينبَ أَمَّها

و كفّاً بها قادوا علياً لبيعةٍ *** ثقالُ الرواسي لا تقاومُ جُرْمَها

بها صارَ زين العابدينَ مقيَّداً *** يكا بُد ضِغنَ الشامتينَ و هَضْمَها

و له أيضاً :

فهتكُ بناتِ الوحي عن هتكِ فاطمٍ *** و طفلُ حسينِ كانَ فرعاً عن السقطِ

و إنَّ سياطاً ألبستْهُنَّ أسوِراً *** الموروثةٌ عن دملجِ الطُهْرِ و القرطِ(3)

ص: 70


1- الأنوار القدسية، ص 82.
2- شعراء الحلة، ج 5، ص 186.
3- الكوكب الدري، ص 259.

والسيد مهدي ابن السيد داود الحلي يقول :

اليومَ من إسقاطِ فاطمَ محسناً *** سقطَ الحسينُ عن الجوادِ صريعا

اليومَ جرَّدت السقيفةُ سيفَها *** فغدا به رأسُ الحسين قطيعا(1)

أقول: و ليس الشعراء و حدهم و جدوا الترابط بين ظلم الزهراء و قتل الحسين «عليهما السلام» و ثيقاً لا ينفك بل حتي الولاة و أصحاب الحكم أنفسهم الذين مارسوا هذا الظلم...

روي البلاذري قال :

لما قتل الحسين عليه السلام كتب عبدالله بن عمر إلي يزيد بن معاوية :

أمَّا بَعدُ... فَقَد عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجِلَتِ المُصِيبَةُ وَحَدَثَ في الإِسلامِ وَحَدَثٌ عَظيمٌ وَلا يَومَ كَيَومِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ.

فكتب إليه يزيد:

أمَّا بَعْدُ يَا أَحْمَق فَإِنَّنَا جِئْنَا إِلَي بُيُوتٍ مُنَجَّدَةٍ وَ فُرُشٍ مُمَهَّدَةٍ وَ وسائد منضدةٍ فَقَاتَلْنَا عَنْهَا فَإِنْ يَكُنِ اَلْحَقُّ لَنَا فَعن حقِّنا قاتَلْنَا...

و إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِغَيْرِنَا فَأَبُوك أَوَّلُ مَن سينَ هذا و ابْتُزَّ وَ استَأْثَرَ بِالحَقِّ علي أهلِهِ.(2)

يقول التيجاني السماوي:

لو قدر لعلي عليه السلام أن يقود الأمة ثلاثين عاماً علي سيرة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم العّم الإسلام و لتغلغلت العقيدة في قلوب الناس أكثر و أعمق و لما كانت فتنة صغري و لا فتنة كبري... و لا كربلاء و لا عاشوراء... إلي آخر كلامه.(3)

ص: 71


1- الروضة الندية، ص 200.
2- البحار، ج 45، ص 328.
3- راجع كتاب مع الصادقين.

فاطمة و الحسين عليهما السلام في المحشر

ليس اتصال السقيفة بكربلاء جاء بذوق الشعراء و نتاج مشاعرهم الجيّاشة تجاه ظلامة فاطمة و الحسين عليهما السلام بلِ أخذ الشعراء هذا المعني في الروايات العديدة التي ربطت بين الحدثين معاً ليس في الدنيا فقط بل تجد الربط وثيقاً حتي يوم القيامة ...

اليوم الذي تري فيه الناس سكاري و ما هم بسكاري و لكنَّ عذاب الله شديد اليوم الذي تذهل فيه المرضعات عما أرضعن...

اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه... «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ».(1)

في هذا اليوم الذي لا يفكر فيه الناس بسوي النجاة و الخلاص مما قدموا و أخّروا ... في هذا اليوم العصيب يظهر الترابط أكثر بين قضية فاطمة سلام الله عليها و قضية الحسين عليه السلام . فتحشر «سلام الله عليها» مطالبة بحق الحسين عليه السلام و دمه المهدور...

فلماذا فاطمة عليها السلام؟ و لماذا بدم الحسين عليه السلام ؟

لعل هذا من الأسرار التي ربما نتوصل إلي بعض تفسيرها و قد لا نصل أيضاً كما قدمنا...

إنّ الروايات التي جاءت متحدّثة عن هذا الموقف كثيرة ننقل منها رواتيين...

ص: 72


1- سورة عبس، آية: 37.

قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (تُحْشَرُ ابْنَتي فَاطِمَةُ عليها السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَها ثِيابٌ مَصْبُوغَةٌ بِالدِّمَاءِ تَتَعَلَّقُ بِقائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَتَقُولُ يا عَدْلُ يَا حَكِيمُ احْكُمْ بَيْني وَبَيْنَ قاتِلِ وَلَدِي...).

قال علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (وَيْحَكُمُ اَللَّهُ لاِبْنَتِي وَ رَبِّ الكعبة).(1)

و في رواية أخري: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم : (يُمثَّلُ لِفاطِمَةَ عليها السلام رَأسُ الحُسَينِ عليه السلام مُتَشَحِّطَةً بِدَمِهِ فَتَصيحُ وَا وَلَداهْ وا ثَمَرَةَ فُؤَادَاهْ فَتَصْعَقُ المَلائِكَةُ لِصَيْحَةِ فَاطِمَةَ عليه السلام ويُنَادِي أهْلَ القِيَامَةِ قَتَلَ اللَّهُ قاتِلَ وَلَدِكِ يا فاطِمَةُ عليها السلام).

فيقول الله «عزّوجل» ذلك: (افعَل بِهِ وَبِشيعَتِهِ وَأحِبَّائِهِ وَأتباعِهِ) إلي آخر الرواية.(2)

قال الشاعر :

لا بدّ أن ترِدَ القيامةَ فاطمٌ *** و قميصُها بدمِ الحسينِ عليه السلام مُلَطّخُ

ويلٌ لمنْ شُفعاؤُه خُصَماؤُه *** والصُوْرُ في يومِ القيامةِ يُنْفَخُ

ص: 73


1- الكوكب الدري، ص 83.
2- المصدر السابق نفسه.

أهل البيت عليهم السلام و الشعر

اشارة

إنَّ أئمة الهدي أنفسهم «سلام الله عليهم أجمعين» و نظراً لظروف الإرهاب القاسية التي كانوا يعيشونها دائماً مع جبابرة الأمويين و العباسيين... و نظرا لسياسة العنف و القتل التي كانوا يمارسونها ضدهم و ضد أتباعهم حتي قضوا جميعاً قتلاً و تشريداً...

و جدوا أن من أفضل الطرق للدفاع عن الحق و نصرة مبادئه و الذب عن حياض الدين هو الشعر و منظومات الشعراء...

لأن الشاعر في ذلك الزمان كان يمثل أقوي وسيلة إعلام للتوعية و التثقيف و نشر الفكرة و نصرة الدين و بيان الحقوق المهدورة بأيدي الظالمين.

خاصة و أنَّ الحكّام أنفسهم وظَّفُوا الوسيلة نفسها -الشعر و الشعراء- الترويج مبادئهم الباطلة و تلميع وجوههم المظلمة بالمساويء و التزلّف إليهم مدحاً و تمجيداً طمعاً في المال أو الشهوة أو المناصب.

فشجع الأئمة عليهم السلام في الشعر و الشعراء و دفعوهم نحو الإكثار من النظم بهدف:

1- نشر الحق و نصرة مبادئه .

2- تخليص الشعراء من أيدي الظالمين ليستخدم الشعر في أهدافه الرفيعة في التعليم و التهذيب و خدمة الأغراض النزيهة.

3- فضح الظالمين و التحريض عليهم و لغيرها من الأسباب .

ص: 74

و قد عدّوا عليهم السلام الشعر الهادف المربّي و المعلّم الناصر للحق مقبولاً و من الطاعات التي ينال عليها صاحبها الأجر و الثواب في الآخرة...

قال الإمام الصادق عليه السلام : (مَنْ قَالَ فِينَا بَيْتاً مِنَ اَلشِّعْرِ بَنَي اَللَّهُ لَهُ بَيْتاً فِي اَلْجَنَّةِ) .(1)

و قال عليه السلام: (مَن قالَ في الحُسَينِ عليه السلام شَعرَةً فَبَكي وَ أبكي غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ووجَبَتْ لَهُ اَلْجَنَّةُ).(2)

كما أن ناصرهم و المتعاطف معهم عليهم السلام كان يحظي بدعائهم و عنايتهم فضلاً عن المكانة السامية التي يحتلها في نفوسهم.

كما جاء في دعائهم للكميت و دعبل و الحميري و أضرابهم في تلك العصور التي قلّ فيها الناصر و كمَّت أفواه الناس و غلَّت أيديهم عن نصرة التشيع و مذهب أهل البيت عليهم السلام.

و لم يعد يجسر أحد من الشعراء علي المجاهرة بحبه لهم و وقوفه إلي جانب قضاياهم لشدة الضغط إلآّ الشاذ الذي ينظم البيت و البيتين، اللذين تنطلق بهما شاعريته و تفيض بهما عاطفته سراً و في تقية شديدة.

و لم يكن الحال في الدور العباسي بأفضل من العصر الأموي في ذلك...

حتي أن الذكريات الحسينية و النوح علي مأساة كربلاء مرَّت بردح من الزمن و هي لا تقام إلاّ تحت الغطاء في زوايا البيوت مع غاية التحفظ و السرية...

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين:

(كَانَتِ الشُّعَرَاءُ لا تقْدِمُ عَلَي رِثَاءِ اَلْحُسَيْنِ عليه السلام مَخَافَةٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَ خَشْيَةً مِنْهُم) .(3)

و قال السيد المقرم في المقتل:

ص: 75


1- عيون أخبار الرضا للصدوق، ج 1، ص4.
2- رجال الكشي، ص 289.
3- أدب الطف، ج 1، ص 22.

(بما أنَّ ذكري أهل البيت عليهم السلام قوام الدين و روح الإصلاح و بها تدرّس تعاليمهم و يقتفي أثرهم طفق الأئمة المعصومون عليهم السلام يحثّون مواليهم بنشر ما لهم من فضل كثير و ما جري عليهم من المصائب و لا قوة في سبيل إحياء الدين من كوارث ومحن لأنّ فيه حياة أمرهم و رحم الله من أحيا أمرهم و دعا إلي ذكرهم).

و قد تواتر الحثّ من الأئمة عليهم السلام علي نظم الشعر فيهم مدحاً و رثاء بحيث عدَّ من أفضل الطاعات و في ذلك قالوا عليهم السلام: من قال فينا بيتاً من الشعر بني الله تعالي له بيتاً في الجنة.

و في آخر: (حتي يؤيَّد بروح القدس . و في ثالث : بني الله له بيتاً في الجنة مدينة يزوره فيها كل ملك مقرَّب و نبي مرسل).(1)

شواهد تاريخية

استأذن الكميت علي الصادق عليه السلام في أيام التشريق ينشده قصيدته فكبر علي الإمام أن يتذاكروا الشعر في الأيام العظام «أيّام الحج» و لمّا قال له الكميت: إنها فيكم، أنس أبوعبد الله عليه السلام... حيث إنه من الذكر اللازم لأنه فيه إحياء أمرهم و هو إحياء للدين و نصرة لمبادئه... ثم دعا بعض أهله فقرب ثم أنشده الكميت فكثر البكاء و لما أتي علي قوله:

يُصِيبُ به الرامونَ عن قوسِ غيرِهمْ *** فيا آخراً أسْدي له الغيَّ أوَّلُ

رفع الصادق عليه السلام يديه و قال: «اللهم اغفر للكميت ما قدَّم و أخَّر و أسرّ و أعلن و أعطه حتي يرضي».(2)

و دخل جعفر بن عفان علي الصادق عليه السلام فقال له: (إنك تقول الشعر في الحسين عليه السلام و تجيده) قال: نعم. فاستنشده فلمّا قرأ عليه بكي حتي جرت دموعه علي خديه و لحيته و قال له: (لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون قولك في الحسين عليه السلام و إنّهم بكوا كما بكينا . و لقد أوجب الله لك الجنة) ثم قال عليه السلام:

ص: 76


1- مقتل الحسين للمقرم، ص 112 طبعة قم.
2- الأغاني، ج 15، ص 118.

(من قال في الحسين شعراً فبكي و أبكي غفر الله له و وجبت له الجنة).(1)

و هكذا فقد صبغت مأساة الحسين عليه السلام و الزهراء عليها السلام و لا تزال تصبغ أدب الشيعة بالحزن العميق و التوجّع لما حلّ بالإسلام و المسلمين جرّاء ما دهاهما من مصائب و محن فرثوهم رثاءً مؤلماً موشّحاً بالدموع حتي غطي الكثير من أعمالهم الأدبية و محافلهم و أنديتهم... و الذي يحسّه المرء و هو يطالع ما كتب في هذا المجال اللوعة و المضاضة و التأسّف علي الأحداث يحسّ إلي جانبها أيضاً بالاستنهاض و الثورة لأنها صادرة عن نفوس شاعرة متوثّبة صارخة بوجه الظلم و الطغيان و الفساد و الاستبداد مندّدة بأولئك الظلمة الذين قادوا الناس إلي البؤس و الشقاء... و ستجد مثل هذا الكثير من خلال مطالعتك للديوان...

ص: 77


1- رجال الكشي، ص 187.

من شعر الزهراء عليها السلام

و أيضاً فإن الأئمة الطاهرين «عليهم الصلاة و السلام» أنشدوا الشعر بأنفسهم في سبيل التربية و التعليم و نصرة مبادئهم الحقة و دفاعا عن حقوقهم المهدورة وظلاماتهم. و فضحة لأعدائهم... أعداء الله.

و بعضه كان من إنشائهم غلق و بعضه كانوا ينشدونه عن غيرهم.

وقد مرّ العديد من الشواهد في نظم الشعر أو تطعيم قصائد الشعراء كما في قصيدة دعبل عندما قرأها علي الإمام الرضا عليه السلام و غيرها و قد جمع العلامة الأميني في الغدير الكثير من هذه الشواهد... كما جمع الشعر المنسوب إلي مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام في ديوان خاص اسمه «ديوان الإمام علي عليه السلام» و قد حوي العديد من الأبيات الشعرية الرفيعة في مختلف شؤون الإنسان و الحياة.

و أما ما ورد عن الصديقة الطاهرة «سلام الله عليها» من الشعر المنظوم في رثاء النبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و إظهار الحب و الولاء له و شرح ما جري من الأحداث عليها بأيدي الصحابة...

أقول: ما ورد عنها «سلام الله عليها» إنشاداً أو إنشاءً و كله يكشف عن عمق المعني و شدّة العاطفة الجيّاشة فكثير أنقل إليك بعض عينّاته:

في رثاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت:

إنَّ حزني عليكَ حزنٌ جديدُ *** و فؤادي و الله صَبّ عنيدُ

كلُّ يومٍ يزيدُ فيه شُجوني *** و اكتئابي عليكَ ليس يَبيدُ

جَلَّ خَطَّبي و بان عنّي عزائي *** فبُكائي كلَّ وقتٍ جديدُ

ص: 78

إنَّ قلباً عليك يألفُ صبراً *** أوعزاءً فإنّه لجلِيدَ(1)

و في رثائه أيضاً قالت :

قلَّ صبري و بانَ عنّي عَزائي *** بعدَ فَقدي لِخاتمِ الأنبياءِ

عينُ يا عينُ اسكبي الدمعَ سحَاً *** ويكِ لا تبخلي بفيضِ الدماءِ

يا رسولَ الإلهِ يا خيرةَ اللهِ *** و كهفَ الأيتام و الضعفاء

قد بكتكَ الجبالُ و الوحشُ جمعاً *** و الطيرُ و الأرضُ بعد بكي السماءِ

و بكاكَ الحجونُ و الركنُ *** و المشعرُ يا سيّدي مع البطحاءِ

و بكاكَ المحرابُ و الدرسُ *** للقرآن في الصبحِ معلناً و المساءِ

و بكاكَ الإسلامُ إذ صار في *** الناسِ غريباً في سائرِ الغُرَباء

لوتري المنبرَ الذي كنتَ تعلوه *** عَلاه الظلامُ بعدَ الضياءِ

يا إلهي عجل وفاتي سريعاً *** فلقد نغص الحياة يا مولائي(2)

و عندما دنت منها الوفاة و أخذت توصي وصاياها لمولانا أميرالمؤمنين عليه السلام قالت في ضمن ما قالت:

و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... أوصيك يا أبا الحسن عليه السلام بولدي الحسن و الحسين عليهما السلام و لا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين بالأمس فقدا جدهما و اليوم يفقدان أمهما فالويل لمن يقتلهما ثم أنشأت تقول:

ابكِني إن بكيتَ يا خيرَهادِ *** واسبلِ الدمعَ فهو يومُ الفراقِ

يا قرينَ البتولِ أوصيكَ بالنسلِ *** فقد أصبحاحليفَ اشتياقِ

ابكِني و ابكِ لليتامي و لا *** تنسَ قتيلاً لعدي بطفِّ العراقِ

فارَقُوا أصبحوا يتامي حَياري *** أخلفوا اللهَ فهو يومُ الفراقِ

ثم دعت بأولادها فودعتهم جميعاً و تهيأت للقاء ربها إلي آخرالرواية .(3)

ص: 79


1- الكوكب الدري، ج 1، ص 240.
2- المصدر السابق، ص 241.
3- المصدر السابق، ص 246.

و بعد غصب الخلافة و فدك و وقوف الزهراء عليها السلام للذب عن القضيتين، خطبت عدّة خطب بليغة و فريدة، لم يشهد لها تاريخ الأدب نظيراً... كان منها الخطبة التي ألقتها العامّة الناس، حرّضتهم و شكتهم و بصّرتهم ببعض الخفايا التي تستَّر عليها القوم و في خاتمة الخطبة عطفت علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثةُ(1) *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخِطبُ

إنّا فقدناكِ فقد الأرض و ابلَها *** و اختلّ قومُكَ فاشهدهم فقد نكُبوا

أبدي رجالُ لنا نجوي صدوِرِهمْ *** لمّا مضيتَ و حالت دونك التُرَبُ

تجّهمتْنا رجالُ و استخفّ بنا *** لما فقدت و كلُّ الإرث مغتصب

وكنت بدراً و نوراً يستضاء به *** عليك تَنزلُ من ذي العزّةِ الكتُب

و كان جبريلُ بالآياتِ يُؤنِسُنا *** فقد فُقدتَ و كلِّ الخير محتجبُ

فليتَ قبلكَ كان الموت صادَفَنا *** لمّا مضيتُ و حالت دونك الكثبُ

إنا رُزتنا بما لم يرز ذو شجَّنِ *** من البريةِ لاعجم و لا عربُ

قال صاحبُ «بلاغات النساء»: فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً و لا باكية، من ذلك اليوم.(2)

و في البحار نقلاً عن المناقب، قال : أنشدت الزهراء سلام الله عليها و بعد وفاة أبيها عليه السلام.

وقد رُزئنا به محضاً خليقتُه *** صافي الضرائبِ و الأعراقِ و النسب

و كنتَ بدراً و نوراً يُستضاء به *** عليك تنزلُ من ذي العزةِ الكتب

و كان جبريلُ روحُ القدسِ زائرنا *** فغابَ عنَّا وكلُّ الخيرِ محتجب

فليتَ قبلك كان الموتُ صادفَنا *** لما مضيتَ و حالتْ دونك الحجب

إنا رُزئنا بما لم يرز ذو شجن *** من البريةِ لا عجم و لا عرب

ضاقتْ عليَّ بلادٌ بعد ما رحُبَتْ *** وسِيمَ سبطاكَ خسفاً فيه لي نصَب

فأنت و اللهِ خيرُ الخلقِ كلِّهمُ *** و أصدقُ الناس حيث الصدقُ و الكذب

فسوفَ نبكيك ما عشنا و ما بقيت *** منّا العيونُ بتهمالٍ لها سكب

ص: 80


1- الهنبثة هنبثة: اختلاط القول.
2- المجالس السنية، ج 5، ص113 - 114.

عن الباقر عليه السلام قال: ما رئيتُ فاطمة عليها السلام ضاحكة قط منذ قبض رسول الله صلي الله عليها حتي قبضت.(1)

و قالت عليه السلام أيضاً:

اغبرَّ آفاقُ السماءِ فكُوِّرَت *** شمسُ النهارِ و أَظلمَ العَصرانِ

و الأرضُ من بعدِ النبي كئيبةٌ *** أسفاً عليه كثيرةُ الأحزانِ

فليَبكِهِ شرقُ البلادِ و غربُها *** و ليَبكِه مُضَرٌ وكل يَمانِي

و ليبكِهِ الطَؤدُ الأشمُّ وجوده *** و البيتَ والأستارُ و الأركانِ

يا خاتمَ الرسلِ المبارك ضوؤُه *** صلي عليكَ منزّلُ القرآنِ(2)

و لها أيضاً حينما أخذت قبضة من تراب قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و شمتها قالت: قل للمغيَّب تحتَ أطباقِ الثري *** إن كنتَ تسمعُ صرختي و ندائيا

ماذا علي مَن شمَّ تربةَ أحمدٍ *** أن لا يشمَّ مدي الزماني غواليا

صُبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنَّها *** صُبَّت علي الأيّامِ عدنَ لياليا

قد كنتُ ذات حمّي بظلّ محمدٍ *** لا أَختشي ضيماً و كان حِمَي ليا

فاليومَ أخشعُ للذليلِ و أتّقي *** ضَيمي و أدفعُ ظالمي بردائيا

فإذا بكت قُمرِيةٌ في لَيلِها *** شجناً علي غُصنِ بكيتُ صباحيا

فلأجعلنَّ الحزنَ بعدكَ مؤنسي *** و لأجعلنَّ الدمعَ فيك و شاحيا(3)

و لها أيضاً و قد لحقت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لتخلّصه من القوم فلم تتمكن فعدلت إلي قبر أبيها و أشارت إليه بنحيب و حرقة قلب قائلة:

نفسي علي زفراتِها محبوسةٌ *** يا ليتها خرجت مع الزفراتِ

لاخيرَ بعدَكَ في الحياةِ و إنّما *** أبكي مخافةَ أَن تَطُولَ حياتي(4)

و انعطفت بعد خطبتها علي قبر أبيها شاكية

ص: 81


1- البحار، ج43، الباب7، ص199، حديث27، ط بيروت.
2- الفصول المهمة، ص 132.
3- نهاية الأرب، ج18، ص403 - وفاء الوفاء، ج1، ص145 - المشرع الروي، ص88 - الدر المنثور، ص360.
4- بيت الأحزان للقمي، ص 48.

قد كنت ذات حميةٍ ما عشتَ لي *** أعشي البراح وأنتَ كنتَ جناحي

فاليومَ أخضعُ للذليل و أتقي *** منه و أدفعُ ظالمي بالراح

و إذا بكت قُمرِيةٌ شَجناً لها *** ليلاً علي غُصنِ بكيتُ صباحي(1)

و لها أيضاً في أبيها صلي الله عليه و آله و سلم:

إذا ماتَ يوماً ميِّتٌ قلَّ ذكرُه *** و ذكرُ أبي مذ ماتَ و اللهِ أزيَدِ

تذكّرتُ لمّا فرّق اللهُ بيننا *** فعزّيتُ نفسي بالنبيِّ محمدٍ

فقلتُ لها إنّ المماتَ سبيلُنا *** و من لم يمت في يومِه ماتَ في غدٍ(2)

و أنشأت في الرثاء أيضاً قائلة :

إذا اشتَّد شوقي زرتُ قبرَك باكياً *** أنوح و أشكو لا أراكَ مجاوبي

فيا ساكنَ الغبراءِ عَلّمَتني البُكا *** وذكركَ أنساني جميعَ المصائب

فإن كنتَ عنّي في الترابِ مغيَّباً *** فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ(3)

و في كل ما تقدم من شعرها إنشاداً أو إنشاءً تحس الثورة و الصرخة العارمة انتصاراً للحق ...

كما تحس العاطفة الجيّاشة لما حلّ بالمسلمين و قبلهم الإسلام جرّاء تخلّف أصحاب أبيها عن بيعتهم و ارتدادهم عمّا أوصاهم به الرسول صلي الله عليه و آله و سلم...

ص: 82


1- أعلام النساء فاطمة الزهراء عليها السلام، ص 127 علي محمد دخيل.
2- بيت الأحزان، ص 71.
3- المصدر السابق نفسه.

كلمات في عظمة فاطمة عليها السلام

إن كلمات المشاهير و العلماء الأعلام و المؤلفين في الصديقة سلام الله عليها قد ملأت الكتب، قد يتمكن المتتبع لها أن يجمع منها كتاباً مستقلاً نسجِّل منها:

1- قالت عائشة لمن سألها أيّ الناس أحبّ لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ؟

قلت: فاطمة عليها السلام.

قيل: من الرجال ؟

قالت: زوجها، إن كان ما علمت صوّاماً قواماً.(1)

و قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً و حديثاً برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من فاطمة عليها السلام و كانت إذا دخلت عليه قام إليها فقّبلها و رحّب بها و كذلك كانت هي تصنع به.(2)

و قالت أيضاً: ما رأيت قط أحداً أفضل من فاطمة «سلام الله عليها» غير أبيها .(3)

و قالت أيضاً: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة سلام الله عليها إلا أن يكون الذي ولدها.(4)

و عن جميع بن عمير قال: دخلت مع أمي علي عائشة فسمعتها من

ص: 83


1- سير أعلام النبلاء، 2/ 92.
2- المصدر السابق نفسه.
3- الإصابة، 4/ 366.
4- سير أعلام النبلاء، 2/ 95.

وراء الحجاب و هي تسألها عن علي فقالت: تسألين عن رجل ما أعلم رجلاً أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من علي و لا في الأرض امرأة كانت أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من امرأته.(1)

2- قال أبو نعيم الأصبهاني:

من ناسكات الأصفياء و صفيّات الأتقياء ، فاطمة رضي الله تعالي عنها، السيدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول صلي الله عليه و آله و سلم، ألوط أولاده بقلبه لصوقاً و أولهم بعد وفاته به لحوقاً. كانت عن الدنيا و متعتها عازفة و بغوامض عيوب الدنيا و آفاتها عارفة.(2)

3 - قال علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري -ابن الأثير:

كانت فاطمة «سلام الله عليها» تكنّي أم أبيها و كانت أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم -إلي أن قال- و انقطع نسل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلاّ منها.(3)

4 - قال زين العرب عن شرح المصابيح:

إنَّ فاطمة سميت بتولاً لإنقطاعها عن نساء الأمة فضلاً و ديناً و حسباً.(4)

5 - قال الهروي من الغريبين:

سميت مريم عليها السلام بتولاً لأنها بتلت عن الرجال و سمّيت فاطمة عليها السلام بتولاً لأنها بتلت عن النظر.(5)

6- قال عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد:

و أكرم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليها السلام إكرامة عظيمة، أكثر مما كان الناس يظنونه و أكثر من إكرام الرجال لبناتهم، حتي خرج بها عن حد حب الآباء للأولاد، فقال بمحضر الخاص و العام مراراً لا مرّة واحدة و في مقامات

ص: 84


1- المستدرك علي الصحيحين، 3/ 156.
2- حلية الأولياء، ج2، ص39.
3- أسد الغابة، ج 5، ص 520.
4- أعلام النساء، ج4، ص127.
5- المناقب، ج3/ 110.

مختلفة لا في مقام واحد: إنّها سيدة نساء العالمين و إنها عديلة مريم بنت عمران عليها السلام و إنّها إذا مرّت في الموقف نادي مناد من جهة العرش: يا أهل الموقف غضّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمد عليها السلام و هذا من الأحاديث الصحيحة و ليس من الأخبار المستضعفة و إن إنكاحه علياً إيّاها ما كان إلاّ بعد أن أنكحه الله تعالي إيّاها في السماء، بشهادة الملائكة. و كم قال لا مرة: (يُؤْذِينِي ما يُؤْذِيهَا و يُغْضِبُنِي مَا يُغْضِبُهَا و إِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا).(1)

7- قال علي بن الصباغ المالكي:

هي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، بنت من أنزل عليه («سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي) ثالثة الشمس و القمر، بنت خير البشر، الطاهرة الميلاد، السيدة بإجماع أهل السداد.(2)

8- قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي :

إنَّها عليها السلام غير قد خصَّت بفضل سجايا منصوص عليها بانفرادها و فضّلت بخصائص مزايا صرح اللفظ النبوي بإيرادها و ميّزت بصفات شرف تتنافس الأنفس النفيسة في آحادها و ألبست شرف صفات غادرت ملابس الشرف دون أيرادها و بين أولادها دخلت في عداد من خصَّهم الله تعالي من القرآن الكريم بإنزال آيات يلزم فرض اعتقادها ... الخ.(3)

9- قال شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي:

سيدة نساء العالمين سلام الله عليها في زمانها، البضعة النبوية، و الجهة المصطفوية ، أم أبيها، بنت سيّدة الخلق رسول الله صلي الله عليها، أبي القاسم محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلي الله عليه و آله و سلم، القرشية الهاشمية، أم الحسنين. مولدها قبل المبعث بقليل... و قد كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم يحبها و يكرمها و يسرّ إليها. و مناقبها غزيرة و كانت صابرة، دينة، خيّرة، قانعة، شاكرة لله.(4)

ص: 85


1- شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 193.
2- الفصول المهمة، ص 128.
3- مطالب المسؤول، ص20.
4- سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 88.

10 - قال أحمد الشرباصي:

فاطمة البتول الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلوات الله عليه وآله و أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أفضل نساء الدنيا و سيدة نساء الجنة في الآخرة.(1)

11 - قال الدكتور علي إبراهيم حسن :

و حياة فاطمة عليها السلام هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ، نلمس فيها ألوان العظمة، فهي ليست كبلقيس، أو كيلو باطرة، استمدت كل منهما عظمتها من عرش كبير و ثروة طائلة و جمال نادر و هي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش و تتحدي الرجال و لكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلي العالم و حولها هالة من الحكمة و الجلال، حكمة ليس مرجعها الكتب و الفلاسفة و العلماء و إنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات و المفاجآت، و جلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء و إنما من صميم النفس.

و لعل عظمة فاطمة عليها السلام هي التي جعلت عائشة تقول: لم أجد من هو أحسن من فاطمة عليها السلام إلا أباها صلي الله عليه و آله و سلم.

و قال: و كما كانت في حياتها عظيمة كانت في موتها عظيمة أيضاً، فهي أوّل عربية مسلمة جعل لها نعش صنعته لها أسماء بنت عميس و كانت قد رأت مثله في الحبشة.

و قال أيضاً: و تركت فاطمة «رضي الله عنها» أثر كبيراً في الإسلام و يكفي أنه سمّيت علي اسمها تلك الدولة الفاطمية ، كما أنّ الجامع الأزهر اشتق اسمه منها أيضاً.(2)

12 - قالت الدكتورة بنت الشاطيء :

أحب بنات الرسول إليه و أشبهه به في خلق و خُلقُ، آثرها الله بما لم يؤثر به شقيقاتها الثلاث (زينب و رقية و أم كلثوم) فكتب لها أن تكون

ص: 86


1- نفحات من سيرة السيدة زينب، ص 17.
2- نساء لهنّ في التاريخ الإسلامي نصيب، ص 46 - 48.

وحدها الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة و المنبت الطيّب الدوحة الأشراف من آل البيت عليهم السلام.(1)

13 - قال سليمان كتاني:

و فاطمة عليها السلام العفيفة كانت ابنة الصفة في النبي صلي الله عليه و آله و سلم -الصفة المخصبة بعبقرية الخلق و التوليد- لقد كان جسدها النحيل وعاء لروح شفّت حتي اندغمت بالمصدر الذي بزغ منه أبوها.(2)

ص: 87


1- بطلة كربلاء، ص 13.
2- فاطمة وتر في غمد، ص 137.

ملاحظات أخيرة

هذه بعض النقاط البارزة التي كان ينبغي الإشارة إليها من قريب أو بعيد عن الزهراء سلام الله عليها و ما يرتبط بها من مقامات و شؤون في الحكمة و الأدب و الشعر ذكرناها كمدخل إلي الديوان الذي بين يديك -عزيزي القاريء- تحدثنا عنها تيمّناً و تبرّكاً بذكرها «سلام الله عليها» و إبرازاً لبعض الجوانب التي ربّما تكون قد خفيت علي البعض.

و قبل أن أتركك تعيش في رحاب الزهراء فاطمة سلام الله عليها و تتفاعل مع ما جادت به قرائح الشعراء عنها مدحاً و رثاءً أري من الضروري الإشارة إلي بعض الملاحظات باختصار سريع.

أولاً: ولدت فكرة تأليف هذا الكتاب علي أثر كلمة ألقاها سماحة آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي «دامت بركاته» علي جمع من المؤمنين و أشار فيها إلي مظلومية السيدة الزهراء سلام الله عليها و كذلك قلة الكتب المؤلفة حول شخصيتها عليهم السلام... مقارنة بالكتب التي ألّفت حول آخرين لا يمثلون شيئاً يستحق الذكر في قبال عظمة الزهراء سلام الله عليها و علوّ مقامها و شموخ منزلتها فعقدت العزم علي إعداد هذا الكتاب كمساهمة متواضعة منّي في خدمة الزهراء سلام الله عليها و إحياءً لذكرها بين الناس.

ثانياً: كان في النية أن نجمع كل ما قيل عنها «سلام الله عليها» في الشعر مما توفر في المصادر ثم يبوّب الديوان بشكل موسوعة أدبية تضم ما قيل فيها من المدح و الرثاء معا ابتداء من القرن الأول الهجري و إلي يومنا هذا مع تفصيل تراجم الشعراء الذين نظموا فيها «سلام الله عليها» علي غرار كتاب - أدب الطفّ - للسيد جواد شبر...

ص: 88

و ما زال هذا العزم و التصميم يتحرك في النفس و يشكل دافعاً قوّياً نحو إنجازه إلاّ أن صعوبة العمل و ما يتطلبه من جهد كبير و وقت طويل ... مضافاً إلي القلق الذي يساورني مخافة أن يضيع ما جمعته من قصائد و أشعار كلاَّ أو بعضا و ما يمكن أن يسبّبه من خسارة معنوية للمكتبة الإسلامية عموماً و الأدب الشيعي علي الخصوص، دفعني إلي القيام بنشر القصائد المتوفرة عندنا أولاً بشكل ديوان خاص حتي إذا سنحت فرصة أكبر و فراغ أوسع أنجزت فكرتي الأولي و أعددت القصائد بشكل موسوعة أدبية كاملة عما جاء عنها «سلام الله عليها». فجاء هذا الكتاب و هو كما تراه بين يديك يضم حوالي (600) قصيدة لشعراء شتي عاشوا في عصور و أمصار مختلفة متباعدة أو متقاربة.

و هو... يمثل مسيرة طويلة و متكاملة في الشعر و الأدب مثَّل الآراء و المواقف علي مر العصور و الأدوار و واكب ما جري فيها من تغييرات و أطوار و عايش مختلف الظروف السياسية الحرجة و المنفتحة...

ابتداءً من الشعر العقيدي الذي غطّي علي الشعر في القرون الأولي كما ذكرنا فيما تقدم إلي الشعر الولائي إلي شعر النصرة الذي يعد اليوم أكثر أنواع الشعر رواجاً في الأندية و المحافل... نظراً لشدة الظلامات التي يتعرّض لها المجتمع البشري اليوم جرّاء السياسة الاستعمارية و الحكومات الديكتاتورية المتمكنة علي رقاب المسلمين و التي تسوقهم بالحديد و النار و تسومهم سوء العذاب و نظراً لحاجة المجتمع الجديد إلي مبادئهم عليهم السلام و تعطّشه لسيرتهم العادلة عليهم السلام التي أبعدتها السياسات عن الساحة عن علم و سابق تخطيط...

و علي أي حال... فقد جاءت بعض القصائد في الديوان في مدحها «سلام الله عليها» و بعضها جاء في رثائها... كما أنّ بعض القصائد جاءت خاصة بالزهراء سلام الله عليها و بعضها ألمحت إليها في بعض أبياتها...

و قد رتّبتها حسب حرف الرويّ و حركته متبعاً في هذا العمل سنن الذين صنّفوا في مثل هذا العمل و قواعد التحقيق و مناهجه، فابتدأت بقافية الألف ثم انتقلت إلي قافية الباء و هكذا.

و في كل قافية اتبعت الترتيب المعروف فبدأت بالهمزة الساكنة منتقلاً

ص: 89

إلي المفتوحة فالمضمومة، فالمكسورة. و لجأت في ترتيب كل قسم من هذه الأقسام علي الترتيب العروضيّ، ففي القافية الساكنة مثلاً رتبت القصائد: البحر الطويل، فالمديد، فالبسيط، فالوافر، فالكامل... و هكذا إلي آخر الأبحر، متبعاً في ذلك الطريقة العلمية المعروفة. فليس تقديم شاعر أو تأخير آخر في الديوان دليلاً علي قوة المقدَّم وضعف المؤخَّر...

كما لا يعني أهمية القصيدة السابقة علي الثانية اللاحقة... كلّا... و إنما ضرورة النظم و التبويب و تسلسل الحروف الهجائية الطبيعي هي التي أملت علينا هذا النوع من النظم و هذا اللون من التقديم و التأخير...

ثالثاً: تسهيلاً للقاريء و بياناً لبعض الحقائق حَشَّيت علي الأبيات التي تحتاج إلي بعض التوضيح سواء من الناحية الأدبية و اللغوية أو من الناحية التاريخية أو الروائية أو الاعتقادية أو غيرها... بعد شكل كلمات القصائد شكلاً كاملاً.

و أملي من سيدتي و مولاتي «سلام الله عليها» أن تقبل مني هذا العمل الضئيل و الجهد المتواضع... و تسدّده و تعفو عن زلّاته و عثراته...

كما آمل من أصحاب الفضل و الأدب أن يقوّموا ما فاتني في ذلك فإني أعترف سلفاً بأن هذه المحاولة لا تخلو من قصور...

و من الله أستمد العون و التوفيق.

و من سيدتي الصديقة الكبري سلام الله عليها أرجو العناية و الرضا... و السلام عليها و علي آبائها و أبنائها الطاهرين و رحمة الله و بركاته.

26 من ربيع الأول لعام 1416 ه

المؤلف

الشيخ علي حيدر المؤيد

ص: 90

قافية الألف

اشارة

ص: 91

ص: 92

(1) بنت النبي صلي الله عليه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ إبراهيم بري

نَشَأَت بِيَثرِبَ طفلةٌ زَهراء سلام الله عليها *** في وَجهِها، وَجهُ النَّبِيَّ تَراءَي(1)

نَشَأَت بِيَثرِبَ فَهيَ أَطهَرُ نَجمَةٍ *** تَهَبُ الشُّعَاعَ و تَمنَحُ الأَضواءَ

بِنتُ عَلَي صَدرِ النبيِّ تَرَعرَعَت *** و نَمَت كَزَنبَقَةِ الرُّبي فَيحاءَ

بِنْتِ اَلنَّبِيِّ وَ يَا لهَا مِنْ حُرَّةٍ *** تَلِدُ اَلْكُمَاةَ وَ تَنْجُبُ اَلشُّهَدَاءُ

الرَّافِعِين اِلي اَلنُّجُومُ لِواءَهُمْ *** اِكْرَمْ بِمَنْ رَفَعُوا اَلْخُلُودَ لِوَاء

بذلوا لِرَيِّ اَلظَّامِئِينَ كَوُؤْسِهِمْ *** وَ قَضَوْا عَلَيَّ شَفَةَ اَلْكُوؤُس ظِمَاءً

وَ سِوَاهُمْ حَسَبُ اَلرِّيَاءِ مُكَارِماً *** حَاشَا اَلْمَكَارِمِ أَنْ تَصِيرَ رِيَاءَ

قَوْمٍ لَهُمْ تَخِذُوا اَلشَّهَادَةَ رَأْسَهَا *** وَ تَسِيرُ تَحْتَ ظِلاَلِهِمْ خُيَلاءَ(2)

فَتَحُوا بِسَاحَاتِ اَلْجِهَادِ صُدُورَهُمْ *** حَتِّي تُلاَقِي اَلطَّعْنَةَ اَلنُّجَلاَءَ(3)

ص: 93


1- و يمكن تصحيح ذلك بإعراب طفلة علي أنها حال منصوبة و زهراء سلام الله عليها صفتها لموافقتها مع القافية إلَّا أنه لا يخلو من ضعف و الله العالم و في تشبهها بأبيها صلي الله عليه و آله و سلم انظر في الأدب المفرد للبخاري، ص 244. عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً من الناس أشبه بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم كلاماً و لا حديثاً و لا جلسة من فاطمة. و في مرآة الجنان لليافعي، ص 6. و كانت إذا دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم رحّب بها و كانت أشبه الناس بأبيها في مشيها و حديثها.
2- خُيَلاء : أي مسيرة خُيَلاء و هي مشية فيما نوع من الكبر.
3- طعنة نجلاء: واسعة.

وَ جَراحِهِم كَم مِن شِفاهُ جِراحُهُم *** فَجُر أطِلَّ عَلَي الدُّنيِّ(1) وَ أضاءَ

وُ دَماؤُهُم ... إنِّي لَمَحْتُ دِمَاءَهُم *** تَجْرِي عَنِ اَلدِّينِ اَلْحَنِيفِ فِدَاءٌ

لَمْ يُنحَّنوا يُؤُمَّا لِصَوْلَةٍ ظالِمٍ *** كَلَّا وَ لاَلَبِسُوا الْهَوانَ رِداءً

وَ اِذَا اَلْمُرُوءَةَ فِي اَلنُّفُوسِ تَجَسَّدَتْ *** لَمْ تَلْقَ أَنْذَالاً وَ لاَ جَبْنَاءَ

نشات بيثرَتْ، فَهِيَ اطهر شَمْعَةٌ *** ذَابَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا شَذِي وَ سَنَاءٌ

وَ حياتهَا برِبِّي اَلنُّبُوَّةِ وَ رْدَةٌ *** بَيْضَاءَ حَيَّ اَلْوَرْدَةِ اَلْبَيْضَاءِ

حَي الامام الزَّوْجِ وَ الْبَطَلِ اَلَّذِي *** دَحَرَ الْمُلُوكَ وَ دَحْرَجَ اَلاِمْرَاةِ

وَ اَللَّهِ شَاءَ بَانَ تَمُوتُ حَزِينَةً *** وَ اَللَّهُ يَفْعَلُ مَا اِرَادَ وَ شَاءَ

أعرفتها سلام الله عليها؟ أَعْرَفْتُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله و سلم؟ *** فَاتلُ الصَّلاةَ وَ كَرِّمِ الزَّهْراء سلام الله عليها

ص: 94


1- الدَّنا: الدنيا.

(2) نبع المكارم

(بحر الخفيف)

الشيخ إبراهيم النصيراوي

جدّد العهد يا نشيد الولاء *** هاتفاً بالوليدة الزهراءِ

هي نبع من المكارم يزهو *** خصُّ للأرض من عيون السماءِ

تتباهي بها السماوات فخراً *** و تغنّت بها ربي الغبراءِ

لاكيوم الزهراء يوم بهيّ *** دائم العطر من أريج الثناءِ

و الأهازيج باسمها تتعالي *** و هي فوق المديح و الإطراءِ

فكأنّي بكل قلب ينادي *** ولدت بنت سيد الأنبياءِ

***

جدّد العهد يا نشيد الولاء *** فهي حسبي و غايتي و رجائي

كل عرق جري بجسمي حيٌ *** حبُّها فيه لا مسيل الدماءِ

إنّ قلباً خلا من الحب يوماً *** ليس يُنمي لهذه الأحياءِ

كلما جلتُ خاطراً تهتُ فيها *** بسناهايغيب كل سناءِ

حشدت نفسها الملائك زحفاً *** خُلقت بيت بلهفة و انحناءِ

علّها أن تري سناء وجوه *** خُلقت قبل خلق هذا الفضاءِ

تتمنّي بأن تظلّ عكوفاً *** و لتحظي بحمل فضل الرداءِ

هكذا البضعة الزكية كانت *** منبت اليُمن منبت الآلاءِ

غطت الشمس شمسها فأنارت *** هذه الأرض من سني الزهراءِ

هي أنثي و خلفها ألف معني *** كل معني به مدي للخفاءِ

ص: 95

إنّها المرأة التي قيل فيها *** ما علي الأرض مثلها في النساءِ

هي سرٌ حسبها إنّ فيها *** نزل الوحي هاتفاً بالثناءِ

ليس يرقي لفضلها أي فضل *** من أبينا و أُمّنا حواءِ

ص: 96

(3) لذ بالبتول

(بحر الكامل)

الأستاذ أحمد فهمي محمد

لُذْ بِالبَتُولِ وَنادِ بِالزَّهراءِ *** وَ اضْرَعْ لِرَبِّكَ خيفةٌ بِدُعاءِ(1)

وَ ارْفَعْ لِفاطِمَةَ اللِّواءَ فَاِنَّها *** بِنْتُ الرَّسُولِ سَلِيلَةُ الحَنَفاءِ(2)

حُورِيَّةٌ انْسِيَّةٌ فَطَرْتَ عَلَيَّ *** خَلْقٌ سَمّاً فِي الذِّرْوَةِ اَلْعَلْيَاءِ

فَاقَتْ نِسَاءُ اَلْعَالَمِينَ وَ انَّها *** يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ تزْدَهي بِسَنَاءٍ

وَ اَللَّهُ يَغْصِبُ حِينَ تَغْصَبُ فَاطِمُ *** وَ اَللَّهُ يُرْضِي فِي مَقامِ رِضاءِ

شَهِدَ الْخَلَائِقُ اِنَّها لَكَرِيمَةٌ *** وَ هِيَ اَللِّيَادُ لَنَا مِنَ الاواءِ(3)

وَ هِيَ الْوَسِيلَةُ لِلنَّجاةِ وَ عِصْمَةٌ *** وَ ذَخِيرَهِ الْعَانِي مِنَ الضَّرَّاءِ(4)

وَ لَهَا الشَّفَاعَةُ فِي اَلْعُصَاةِ وَ جَنَّةٌ *** وَ لَنَا بِهَا الزلفي لِيَوْمِ لِقَاءٍ(5)

فَاللَّهُ يَنْفَعُنَا بِهَا وَ بِنَسْلِهَا *** حَتِّي نَصِيرُ بِهِمْ مَعَ اَلسُّعَدَاء

ص: 97


1- لُذْ: عُذْ و الجأ.
2- الحُنَفاء: جمع حنيف: و هو المائل من شرِّ إلي خير و الحنيف: المسلم الذي يتحنّف عن الأديان، أي يميل إلي الحق و فيه أقوال عديدة، محصَّلها ما ذكرناه. انظر لسان العرب.
3- لاذَ به يلوذُ لَوذاً و لُوذاً و لَوذاً و لياذاً : لجأ إليه و عاذ به و لاوَد ملاوَذَةً و لِواذاً و لياذاً: استتر، عن اللسان. و اللأواء: الشدّة و المشقة.
4- العصمة: الرحمة و الحفظ و الملجأ و منه قوله تعالي: «وَلاَ عَاصِمَ اَلْيَوْمَ مِن أَمْرِ الله» و قوله : «و اعْتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعاً» سورة آل عمران/ آية : 103. و العاني: العبد و الخاضع و الأسير و منه قوله تعالي: «وَ عَنَتِ اَلْوُجُوهُ لِلْحَيِّ اَلْقَيُّومِ» سورة طه/آية : 111.
5- الشفاعة: كلام الشفيع لمالك الأمر في حاجةٍ يسألها لغيره و في أمور الآخرة هي السؤال من الله سبحانه للتجاوز عن الذنوب و المعاصي و الجنة معروفة لكن لعلها بضمّ الجيم فتكون بمعني الحصن و الدِّرع و الزُّلفي: القُربة و القرب و الدنوّ و منه قوله تعالي: «وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ» سورة الشعراء/آية:90 أي: قُرْبت.

(4) الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ أحمد الوائلي(*)(1)

ص: 98


1- (*) هو الخطيب الكبير الدكتور الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون بن سعيد ابن حمود الليثي الوائلي. و أسرة الوائلي من الأسر العربية العريقة في النجف الأشرف و قد أنجبت العديد من الشخصيات العلمية و الأدبية و الثقافية أمثال الشاعر إبراهيم الوائلي و الدكتور فيصل الوائلي و غيرهما من أعلام الأسرة . و لد الوائلي في مدينة النجف الأشرف يوم الجمعة، 17/ ربيع الأول سنة 1342 ه. و قد استخرج اسمه من القرآن الكريم عندما تفاءل والده متيمناً بكتاب الله «سبحانه» لاختيار اسمه فكانت الآية السادسة من سورة الصف ««وَإِذْ قَالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...» و كان وقعها مطابقاً لمقتضي الحال حيث كانت ولادته في السابع عشر من شهر ربيع الأول ذكري مولد سيد الأنبياء محمد صلي الله عليه و آله و سلم و ذكري مولد حفيده الإمام جعفر الصادق عليه السلام فسماه أحمد. و لما درج ابتدأ تعليمه في مكاتب القرآن الكريم بتعلّم القراءة و الكتابة، ثم التحق بالمدارس الرسمية و واصل دراسته في مدارس منتدي النشر في النجف الأشراف حتي تخرج من كليتها عام (1962 م) محرزاً درجة البكالوريوس في اللغة العربية و العلوم الإسلامية، ثم أكمل مرحلة الماجستير في جامعة بغداد، ثم تقدم لّنيل درجة الدكتوراه في كلية العلوم بجامعة القاهرة فنالها علي أساس أطروحته و إلي جانب دراسته الأكاديمية و بلوغه أعلي المستويات اتجه إلي الدراسة (الحوزوية) فقرأ مقدمات العلوم العربية و العلوم الدينية العقلية و النقلية متتلمذاً علي أساتذة الحوزة في النجف منهم الشيخ علي ثامر و الشيخ عبد المهدي مطر و الشيخ علي سمّاكة و الشيخ هادي القرشي و السيد حسين مكي العاملي و الشيخ علي كاشف الغطاء و السيد محمد تقي الحكيم و الشيخ محمد حسين المظفر و الشيخ محمد رضا المظفر و الشيخ محمد تقي الإيرواني و قد مضي في دراسة العلوم الحوزوية حتي تأهل فيها بالكامل.

(1) كَيْفَ يَدُونُو الي حشاي اَلدَّاءِ *** وَ بِقَلْبِيَ اَلصِّدِّيقَةُ اَلزَّهْرَاءُ

مَنِ اِبُوهَا وَ بَعْلِهَا وَ بَنَوْهَا *** صَفْوَةَ مَا لِمِثْلِهِمْ قُرَنَاءُ

ص: 99


1- أما خطابته الحسينية فإنه بدأ يتدرّج في مراتبها منذ أوائل حياته و قد ارتقي المنبر الحسيني وهو لا يزال في العقد الأول من عمره واستمر في الخطابة أكثر من نصف قرن، و يعتبر الشيخ أحمد الوائلي خطيباً حسينياً بكل معني الكلمة لأنه خدم المنبر الحسيني لأطول فترة بالقياس إلي سائر الخطباء و بقدرات و مواهب خطابية هائلة و من منطلق العلم و الثقافة الأمر الذي أظهر للمنبر الحسيني قيمة أكبر و أوجد له معطيات متجدّدة. إن الأستاذ الوائلي رمز من أبرز رموز المنبر الحسيني و واجهة من واجهات جامعة النجف الأشرف و مؤسس المدرسة المعاصرة للخطابة الحسينية و العميد الفعلي لسلك الخطابة العربية فهو الذي لم يضارعه خطيب في قوة شخصيته و تأثير أسلوبه و سحر بيانه، لذا انتسب لمدرسته جيل من نوابغ الخطباء و استفادت من مناهجه الطلائع اللامعة من أرباب الفن المنبري. و المترجم له من الخطباء القلائل الذين لم يخفقوا أو يتعثّروا في مسيرة حياتهم المنبرية، فلقد بقي محافظاً علي المستوي الرفيع لخطابته طيلة هذه الفترة الزمنية حتي أصبح مقياساً المستوي الخطيب الناجح فإذا ما أرادت الجما، هير أن تقوّم خطيباً بارعاً تقول إنه كالوائلي و خلاصة القول أنه الخطيب الرائد الذي أنسي من قبله و أتعب من بعده. و المترجم له شاعر مجيد يمتاز شعره بفخامة الألفاظ و بريق الكلمات و إشراقة الديباجة، إذ يعتني كثيراً بصياغة قصائده، فهو شاعر محترف مجربّ و من الرعيل المتقدم من شعراء العقيدة ، شاعر ذو لسانين فصيح ودارج، و قد أجاد وزأبدع بكليهما. كما اهتم المترجم له، منذ شبابه بالنشاطات الثقافية ذات المنحي الديني فقد انتسب إلي (منتدي النشر) و هي مؤسسة ثقافية دينية متميزة في النجف الأشراف أسّسها المرحوم الشيخ محمد رضا المظفر أحد أساطين العلم و الفضيلة بمساندة و مشاركة رجال الفكر و العلم في الحوزة العلمية في النجف الأشرف فقد دخلها الخطيب الوائلي في البداية تلميذاً ثم أصبح أستاذاً فيها إلي أن شغل منصب الأمين العام لها في مطلع السبعينيات، ثم انتخب رئيساً لها في منتصف السبعينيات. أتحف الأستاذ الوائلي المكتبة الإسلامية بآثاره العلمية القيمة فمؤلفاته المطبوعة: 1- هوية التشيّع. 2 - من فقه الجنس. 3- أحكام السجون. 4 - نحو تفسير علمي للقرآن. 5- ديوان شعر الأول و الثاني. 6- استغلال الأجير ... و كتب أخري في طريقها إلي الطبع. توفي بتاريخ 2003/7/14م ودفن في مدينة النجف الأشرف.

أُفُقٌ يَنْتَمِي إِلَي أُفُقِ اَللَّهِ *** و ناهِيكَ ذَلِكَ اَلْإِنْتِمَاءُ

وَ كِيَانٌ بَنَاهُ أَحْمَدُ خَلْقاً *** وَرعتهُ خَدِيجُةُ اَلْغَرَّاءُ

وَ عَلِيٌ ضَجِيعُهُ بِالرُّوحِ *** صَنَعْتَهُ وَ بَارَكَتْهُ السَّماءُ

اَيْ دَهْماءُ جَلَّلْتَ اُفْقَ الاِسْلامِ *** حَتّي تُنَكِّرِ الْخُلَصاءُ(1)

اَطْعَمُوكِ اَلْهَوَانَ مِنْ بَعْدِ عِزِّ *** وَ عَنِ الْحُبِّ نابَتِ البَغْضَاءُ

أَأْضِيعَتْ الاءُ احْمَدَ فِيهِمْ *** وَ ضُلاَّلٌ أَنْ تجْحَدَ الالاءُ(2)

اولم يَعْلَمُوا بَانَكَ حُبُّ الْمُصْطَفِي *** حِينَ تَحْفَظُ الاباء(3)

أُفَاجِرُ اَلرَّسُولَ هَذَا وَ هَذَا *** لِمَزِيدٍ مِنَ اَلعطاء اَلْجَزَاءَ؟

اَيُّهَا اَلْمُوسع اَلْبَتُولَةُ هَضْماً *** وَيْكَ مَا هَكَذَا يَكُونُ اَلْوَفَاءُ(4)

بِلُغَةٍ خَصَّهَا النَّبِيُّ لِذِي الْقُرْبِي *** كَمَا صَرَّحَتَ بِهِ الانْبَاءَ(5)

لَاتُسَاوِي جَزَاءً لِمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ *** اُعْطَتْهُ اُمَّكِ السُّمَحَاءُ(6)

ص: 100


1- أراد بالدهماء : الداهية و الفتنة. لكن المعروف أنها الدُهيماء بالتصغير . و جل بمعني عمَّ و غطي : و منه قولهم: جلل المطرُ الأرضَ.
2- الآلاء: النِّعم.
3- الحِبّ، بكسر الحاء: الحبيب المحبوب.
4- ويكَ : كلمة تعجب مركبة من ويّ و كاف الخطاب. و قيل : هي ويلك، أو ويحك أو ويبك مخففة.
5- روي الحافظ الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل، قال: أخبرنا أبو سعد السعدي بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: لما نزلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» دعا فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً و العوالي، و قال صلي الله عليه و آله و سلم: هذا قسم قسمه الله لكِ و لعقبك. قد يجدنا القاريء النبيه نتعمّد ذكر روايات علماء العّامة و هو بالضبط ما عاهدنا عليه أنفسنا. لأنّه أقوم للحجّة و أقوي للاحتجاج، و إلاّ فإن هذه القضايا ممّا قام عليها الإجماع عند أصحابنا الإماميّة، و امتلأت بالتنصيص عليها الأسفار و مع ذلك كله فلك أن تراجع غير ما ذكرناه في شواهد التنزيل و الذهبي في ميزان الاعتدال و الدر المنثور و منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد و ينابيع المودة للقندوزي و غيرهم و فيما ذكرنا الكفاية.
6- كانت السيدة خديجة سلام الله عليها عندما تزوجت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد جعلت كل ما لديها من مال و هو كثير جداً -تحت تصرف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يضعه حيث يشاء دون الرجوع إليها لاستئذانها، و قد صرفه النبي صلي الله عليه و آله و سلم في سبيل الدعوة إلي الله و نصر الإسلام، فكان مال خديجة سلام الله عليها و سيف أبي طالب أهم معينين لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أثناء الدعوة في مكة، فلما تمّ فتح حصون خيبر استسلم بقية اليهود و جاؤوا يصالحون النبي و آل إليه ملك فدك فنحلها لابنته فاطمة سلام الله عليها مقابل مال أمها علي رأي.

ثُمَّ فِيهَا اَلْيَّ مَوَدَّةِ ذِي الْقُرِّبِي *** سَبِيلٌ يَمْشِي اَلاِتِّقِيَاءُ

لَوْ بِهَا اَكْرَمُوكِ سُرَّ رَسُولُ اَللَّهِ *** يَا وَيْحَ مِنِ اليهِ أساءُوا

أَيْذَادُ اَلسِّبْطَانِ عَنْ بُلْغَةِ الْعَيْشِ *** وَ يُعْطِي تُراثَهُ اَلْبُعَدَاءُ؟(1)

وَ تَبِيتُ الزَّهْرَاءُ غَرْثِي وَ يُغذُّني *** مِنْ جَنَاهَا مَرْوَانُ وَ اَلْبَغْضَاءُ؟(2)

أَتْرُوحُ اَلزَّهْرَاءَ تَطْلُبُ قُوتاً *** وَ اَلَّذِينَ اِسْتَرْفَدُوا بِهَا أَغْنِيَاءُ(3)

نُهَنِي يَا بِنَةَ اَلنَّبِيِّ عَنِ اَلْوَجْدِ *** فَلاَ بَرِحَتْ بِكِ اَلْبُرْحَاءُ(4)

وَ أرِيحِي عَيْناً وَ إِنْ أَذْبَلَتْهَا *** دَمْعَةٌ عِنْدَ جَفْنِهَا خَرْسَاءُ

وَ اِنْطَوِيَ فَوْقَ أضلعٍ كَسَرُوهَا *** فَهِيَ مِن بَعْدِ كَسْرِهِمْ أَنْضَاءُ(5)

ص: 101


1- أيذاد : أيُدفَع.
2- غرثي: جائعة وجوعي . وجناها : ثمارها و حاصلها.
3- استرفدوا: استعانوا. و الرَّفد: المعونة و العطاء.
4- نهنهي: كفي و الوجد: الحزن و الفعل: وجد، بفتح الجيم و كسرها، عن اللحياني، إلّا أن الفعل يتعدي بالباء، فتقول وجدت به وجداً، عن المصباح المنير. و برحت به بُرّحَت: آذته أذّي شديداً و البُرَحاء - كالعلماء: الشدة و الأذي و الشرَّ.
5- أنضاء : جمع نِضْوِ، و هو المهزول. و إنّما سمّي السهم نضواً أو نضياً لكثرة ما وقع عليه من البري و النحت و الموصوف بالأنضاء هنا هو الأضلاع. و قد نقل الشهرستاني في الملل و النحل، عن النّظام المعتزلي أستاذ الجاحظ قوله: إن عمر ضرب بطن فاطمة سلام الله عليها يوم البيعة، حتي ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها و ما كان في الدار غير علي عليه السلام و فاطمة سلام الله عليها و الحسن و الحسين عليهما السلام. و في العقد الفريد لابن عبد ربه، ج2، ص250 و تاريخ أبي الفداء، ج1، ص156 و أعلام النساء، ج3، ص127: «و بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب و قال لهم : فإن أبوا فقاتلهم و أقبل عمر بقبسٍ من نار علي أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة سلام الله عليها، فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة. و في الإمامة والسياسة، ج1، ص13 و تاريخ الطبري، ج3، ص 198: دعا بالحطب و قال: والله لتُحَرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلي البيعة، أو لتخرجن إلي البيعة أو لأحرقنها علي من فيها. فيقال للرجل: إن فيها فاطمة عليها السلام فيقول: و إن!! و قال شاعر النيل، حافظ إبراهيم في قصيدته المعروفة بالعمريّة: و قولةٍ لعلي قالها عمرُ *** أكرمْ بسامعها أعظِم بمُلقيها حرَّقت دارَك لا أبقي عليك بها *** إن لم تبايع و بنت المصطفي فيها ما كان غير أبي حفص يفوه بها *** أمام فارس عدنان و حاميها و أخرج أبوبكر الجوهري في كتابه (السقيفة) من حديث أبي لهيعة عن أبي الأسود: أن عمر و أصحابه اقتحموا الدار، و فاطمة سلام الله عليها تصيح و تناشدهم الله و أخرج أيضاً في نفس الكتاب، عن الشعبي حديثاً قال فيه: فانطلق عمر و خالد بن الوليد إلي بيت فاطمة سلام الله عليها، فدخل عمر و وقف خالد بالباب. و ابن خرداذبه في الغرر ذكر أن زيد بن أسلم قال: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلي باب فاطمة سلام الله عليها حين امتنع عليّ و أصحابه عن البيعة، فقال عمر لفاطمة سلام الله عليها: أخرجي من البيت أو الأحرقنّه و من فيه! قال: في البيت علي عليه السلام و فاطمة سلام الله عليها و الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم. فقالت فاطمة سلام الله عليها أفتُحرق عليّ و علي ولدي؟؟ فقال: إيْ والله، أو ليخرجن و ليبايعن! و لا شك أنّ ما ذكرناه هنا ليس إلاّ الدخان المتعالي الذي يحكي الغليان و تصاعد ألسنة النيران. و في روايات أهل البيت عليهم السلام ذكر أسماء آخرين قد شاركوا في ارتكاب هذه الجريمة العظمي، من أمثال قنفذ بن عمير التميمي، و المغيرة بن شعبة و غيرهما. و سوف تأتي -إن شاءالله- بعض إشارات إلي ذلك، فيما يأتي من قصائد.

وَ تُنَاسَيْ ذَاكَ اَلْجَنِينَ اَلْمَدمَّي *** وَ إِنِ اسْتَؤْحِشَتْ لَهُ الأَحشاءُ

وَجَبَينٌ مُحَمَّدٌ كَانَ يَرْتَاحُ *** إِلَيْهِ مُبَارَكٌ وَضَّاءٌ

لَطَمَتْهُ كُفٌّ عَنِ الْمَجْدِ و النَّخْوَةِ *** فِيهَا عَهِدْتُهَا شَلاءُ

وَ سَوارٌ عَلَيَّ ذِرَاعَيْك مِنْ سَوْطٍ *** تَمَطَّتْ بِضَرْبِهِ اللُّؤماءُ(1)

فِي حَشَايَا الظَّلَامِ فِي مَخْدَعِ اَلزَّهْرَاءِ *** آهِ وَ لَوْعَةٌ وَ بُكاءُ

وَ هِيَ فَوْقَ الْفِرَاشِ نِضْوٌ مِنَ اَلاِسْقَامِ *** كَالْغُصْنِ جَفَّ عَنْهُ اَلْمَاءُ

ألرَزَايَا اَلسَّوْدَاءَ لَمْ تَبْقَ مِنْهَا *** غَيْرَرُوحٌ أَلوي بِهَا اَلْإِعْيَاءُ(2)

وَ مُسْجِّي مِنْ جِسْمِهَا وَ سَمْتِهُ *** بِالنُّدُوبِ اَلسِّيَاطُ كَيْفَ تَشَاءُ(3)

وَ كَسِيْرٌ مِنَ اَلضُّلُوعِ تَحَامَّتْ *** أَنْ يَرَاهُ اِبْنُ عَمِّهَا فيُساءُ(4)

فَاسْتَجَارَتْ بِالْمَوْتِ وَ الْمَوْتُ لِلرُّوحِ *** الَّتي آدها الْعَذَابُ شِفَاءُ(5)

ص: 102


1- الشاعر يشير إلي الذين ضربوها بالسوط علي يدها حتي أصبحت كالدملج، كما جاء في الروايات، و الدملج: السواد.
2- وألوي بها: ذهب بها و أهلكها.
3- المسجَّي: الممدّد و هو صفة لاسم مقدّر يرجع في روحه إلي الجسم و السمة: العلامة. الندوب: جمع نَدَب، أو نَدبة - كلاهما بفتح الدال: و هو أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد.
4- تحامت: تحاشت و حاذرت.
5- آدها: دهاهاو أثقلها و عظم عليها.

وَبِجَفْنِ الزَّهْرَاءِ طَيْفٌ تُبْدِي *** فِيهِ وَجْهَ اَلْحَبِيبِ وَ اَلسِّيمَاءُ(1)

وَ ذِرَاعاً خَدِيجَةَ وَ اِبْتِهَالُ اَلْأُمِّ *** تَشْتَاقُ فَرْخهَا وَ دُعَاءٍ(2)

فَتَمَشَّتْ بِجِسْمِهَا خَلَجَاتٌ *** وَ مَشَي فِي جُفُونِهَا إِغْمَاءُ(3)

وَ بَدَتْ فِي شِفَاهِهَا هَمْهَماتٌ *** لِعَلِيَّ فِي بَعْضِهَا إِيصَاءٌ(4)

بِيَتِيمَيْنِ وَ اِبْنَتَيْنِ وَ يَاللامُ *** نَبَضَ بِقَلْبِهَا الأبْنَاءَ

ووِصَايَا نِمَّتَ عَنِ الْهَضْمِ والْعَتْبِ *** رُوَتُهَا مِن بَعدِهَا أسْمَاءُ(5)

ثُمَّ مَاتَتْ وَ لَهَي فَمَا أَقْبَحَ اَلْخَضْرَاءَ *** مِمَّا جَنَوْهُ وَ الْغَبْراءُ(6)

سُجِّيتْ فِي فِرَاشِهَا وَ عَلِيِّ *** وَ بَنُوهُ عَلَي الْفِرَاشِ اِنْحِنَاءُ

وَ تَلاَقَتْ دُمُوعُهُمْ فُؤْقَ صَدْرٍ *** كَانَ لِلْمُصْطَفَي عَلَيْهِ ارتِماءٌ

وَ عَلَيَّ بِدَمْعٍ يَقْتَضِيهِ *** اَلْحُزْنُ سَكْباً وَ تَمْنَعُ اَلْكِبْرِيَاءَ

ص: 103


1- السيماء: العلامة و اللام هنا عهدية قامت مقام المضاف إليه، فكأنه قال: و سيماؤه و منه قوله تعالي: «سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»- الفتح: آية 29.
2- يقال: ابتهل في الدعاء: إذا اجتهد فيه و الابتهال: التضرع و الاجتهاد في الدعاء و إخلاصه لله «عزّوجل» عن اللسان و الفرخ في أصل اللغة، ولد الطائر، لكنه قد استُعمل في كل صغير من الحيوان و النبات و غيرها. بما في ذلك الإنسان و منه خطاب سيد الشهداء عليه السلام لقبر جدّه: أنا الحسين بن فاطمة عليه السلام، فرخّك و ابن فرختك و سبطك الذي خلّفتني في أمّتك.
3- أصل الاختلاج: الحركة و الاضطراب و الخلج بالتحريك: أن يشتكي الرجل لحمه و عظامه من عمل يعمله أو طول مشي و تعب، قاله ابن منظور و قال ابن الأعرابي: الخُلْجُ: التعبون و الخُلْجُ: المرتعدون الأبدان.
4- الهمهمة: الكلام الخفيّ.
5- الهضم و الهضيمة: الظلم، و هضيم و مهتضم: مظلوم و المراد من أسماء: هي أسماء بنت عميس الخثعمية، كانت تحت جعفر بن أبي طالب، ثم من بعده تزوجها أبوبكر، ثم من بعده آلت إلي عليّ عليه السلام و قد كانت من المؤمنات و المواليات لأميرالمؤمنين عليه السلام و الحواريّات اللاتي كانت علاقتهن بآل بيت النبوة صلي الله عليه و آله و سلم علاقة اعتقاد و إيمان راسخ.
6- الوَلَه: الحزن الشديد و قيل: هو ذهاب العقل و التحيّر من شدّة الوجد أو الحزن أو الخوف أو السرور و المعني الأول هو المراد ولا يخفي أنّ في البيت إقواءً، لأن المفروض انعطاف الغبراء علي الخضراء، ولكن يمكن دفع ذلك بالقول بالاستيناف و أنّها مرفوعة علي الابتداء، بتقدير: و الغبراءُ كذلك ما أقبحها.

فَاحْتَوَيَ فَاطِمَاً إِلَيْهِ وَ نادي *** عزَّيا بَضْعَةَ اَلنَّبِيِّ اَلْعَزَاءَ(1)

وَ تَوَلِّي تَجْهِيزَهَا مِثْلَمَا أَوْ *** صُتَّهُ مِنْ حَيْنَ مُدَّتِ اَلظَّلْمَاءُ

وَ عَلَيَّ اَلْقَبْرُ ذابَ حُزْناً وَ نَدَّتْ *** دَمْعَةٌ مِنْ عُيُونِهِ وَ كِفَاءُ(2)

ثُمَّ نَادِي: وَدِيعَةٌ يَا رَسُولَ اَللَّهِ *** رُدَّتْ وَ عَيْنُهَا حَمْرَاءُ(3)

ص: 104


1- عزَّ: قلَّ وندر. و منه الحديث : المؤمنة أعزَّ من المؤمن و المؤمن أعزَّ من الكبريت الأحمر.
2- ندّت: شدت و طفرت. وَ وَكَف الدمعُ: سال قليلاً قليلاً.
3- إشارة إلي خطاب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للنبي الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم و بعد دفنه للزهراء عليها السلام إذ فاضت عيناه و قال: السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عني و عن ابنتك النازلة في جوارك و السريعة اللحاق بك قلَّ يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن صفّينك صبري... إلي أن قال: فلقد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة إلي آخر كلامه عليه السلام. راجع نهج البلاغة، الخطبة 193.

(5) دار الوحي

(بحر الوافر)

الأستاذ بشار كامل الزين

بدارِ الوحي ياخير النساء *** حظيت بكل آيات الثناءِ

تجمّعتِ الفضائلُ فيك حتي *** كسَتكِ بنفسها مثل الرداءِ

فإنّك بنتُ خير نساء أرض *** تولّت دينها قبل النساء

و من بيتِ النبوة بيتِ طه *** نشأت عي ابتهالات الدعاءِ

حباكِ الله نعمتَهُ و ساماً *** به قد صرت من أهل الكساءِ

فنلتِ الحبّ و التقديس منّا *** لأنّ الله خصّك بالنداءِ

و عطفُ أبيك ما جاراه عطفٌ *** عليك مع المحبة و الرجاءِ

أم أبيك من سمّاك هذا؟ *** سوي من كان يحنث في حراءِ

أطعتِ أبا و مبعوثاً رسولاً *** لينعم بالسعادة و الهناءِ

و ينشر دعوة الإسلام حتي *** تعمَّ العالمين علي السواءِ

و زوَّجَكَ النبي إلي علي *** ربيبِ المصطفي بطل الفداءِ

فكنت المرأةَ المُثلي لزوج *** كريمِ الخلقٍ مشهودِ الولاءِ

و كنت الأم للحسينِ أماً *** سقت أبناءها وَحْي السماءِ

و ربتهم علي نورٍ و تقوي *** و إيمانٍ و خلقٍ مستضاءِ

أبنت الأكرمين و أهل بيت *** لهم في الدهر مأثرة العطاءِ

ولادتُكِ الضياءُ أليس يعني *** ضياءً للأمومة و الوفاءِ

أبا الزهراء يا روحاً مفدّي *** بفاطمة هنيئاً للنساءِ

ص: 105

و ترفع زينب الحوراء صوتاً *** يهز قواعد البغي المرائي

***

و هاهي كل إمرأة تراها *** تساهم في الصمود و في البقاءِ

لتعطي من حضارتها مثالاً *** يقوم علي الطهارة و الصفاءِ

و ترجعُ صورة الإسلام عنها *** بصدقِ أمانة و عري انتماءِ

و تجعل يوم فاطمة مناراً *** لدنيا العالمين بلا ادعاء

وعذراً أهل بيت الحق عذراً *** إذا القلب اشتكي بعضَ العناءِ

و يا زهراءَ أمتناهنيئاً *** لمن أنجبتِ من أهل الفداءِ

لقد دار الزمان وعاد يحدو *** بثوراتِ النبوة و السماءِ

***

ص: 106

(6) زواج علي عليه السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ بولس سلامة(*)(1)

عَادَ إِثرَ الوقيعةِ البِكْرِ لَيْتٌ *** رَمَقَتْهُ القُلُوبُ بِالإِيماءِ(2)

ص: 107


1- (*) ولد الأستاذ بولس سلامة في قضاء جزين إحدي مدن لبنان الجنوبية سنة 1910 م. و درس الحقوق في الجامعة اليسوعية و عمل قاضياً في سنة 1928 م و نظمه معروف بسلاسة الألفاظ و عذوبتها و رقَّتها الوجدانية و جمال التراكيب و العبارات و الجمل و هذا ما يتلمّسه القاريء إذا تأمل أبياته . و يعد بولس سلامة، من مشاهير الأدباء البارعين و من الرعيل المتقدم من شعراء العرب فهو من عباقرة العصر الذين ذاعت شهرتهم في كل مكان. له آثار و مؤلفات عديدة نذكر منها: 1- أيام العرب - ملحمة. 2- عيد الغدير - ملحمة إسلامية. تناول فيها سيرة أهل البيت «عليهم السلام» في ما يتصل بهم و قد أنتج هذه الملحمة علي فراش الألم كما يُذكر و ذلك بإقتراح من المرحوم العالم الجليل السيد عبد الحسين شرف الدين «عليه الرحمة» و الجدير بالذكر أن الأستاذ المترجَم له كان مسيحي العقيدة كجورجي زيدان الذي كتب (تاريخ التمدن الإسلامي) و جورج جرداق الذي كتب موسوعته البارعة في الإمام علي «عليه السلام» (صوت العدالة الإنسانية) و سليمان كتائمي الذي كتب عدة كتب في أهل البيت «عليهم السلام» التي حاز بعضها الجائزة الأولي في مسابقات الكتابة و كان من أهمها (الإمام علي عليه السلام نبراس و متراس) و (فاطمة سلام الله عليها وترّ في غمد). توفي الأستاذ بولس سلامة في العام (1979 م) عن عمر يناهز التاسعة و الستين.
2- الوقيعة البكر: بدر الكبري علي أغلب التقادير، جمعاً بين الروايات. فإنّ المشهور في ولادة الإمام الحسن عليه السلام هو النصف من رمضان سنة ثلاث للهجرة، فإذا حذفت منها تسعة أشهر كان انعقاد النطفة في ذي الحجة سنة اثنتين للهجرة، كما ذكره غير واحد. مضافاً إلي أنهم ذكروا بين الزواج و الدخول قرابة شهر ينقص أو يزيد، فيصادف ذلك رجوعهم من بدر الكبري في أواخر شهر رمضان، أو في أوائل شهر شوال سنة اثنتين للهجرة.

سَارَ خَلْفَ اَلنَّبِيِّ غَيْرَ حَفيِّ *** بِالرَّيَاحِينِ فِي أَكُفِّ اَلْإِمَاءِ(1)

قَادِمَاتٍ مِنْ يَثْرِبَ بِالْمَثَانِي *** بِالزَّغَارِيدِ طَلْقَةً بِالْغِنَاءِ(2)

نَاقِرَاتِ اَلدُّفُوفِ بِالرَّاحِ حُمْراً *** فَالْعَذْرَايُ فِي مَوْسِمِ الْحِنَّاءِ(3)

سارَ وَ اَلْوَجْهُ حَائِرٌ كِشَرِيدٍ *** ضَلَّ فِي اَللَّيْلِ مَوَاطِنَ الانواءِ(4)

عَابِساً تَارَةً وَ طوراً تَنَمُّ اَلْعَيْنُ *** عَنْ بَهْجَةٍ وَ طِيفِ هَنَاءِ

يَلْمِسُ اَلدِّرْعَ فَيْئَهُ وَ هِيَ كَنْزٌ *** لِفَقِيرٍ لَمْ يَلْتَفِتْ لِلثَّرَاءِ(5)

أَترَاهُ يَفِي بِمَهْرٍ عَرُوسٍ *** أَمْ تَرَاهُ يُردُّ رَدَّ جَفَاءِ؟

وَ اِبُوهَا لَوْ رَامَ عَدْلَ صَدَاقٍ *** مَالُ قَارُونَ ظَلَّ دُونَ اَلْوَفَاءِ

دُونَ ماتُسحِقُّ ايوانُ كسْرِي *** وَ اَلْآلِي وَ حُلِيُّةُ اَلزُّبَاءِ(6)

وَ لَوْ انَّ الدَّهْناءَ تِبْرٌ لَكانَتْ *** بَعضَ شَيْءٍ بِجَانِبِ اَلزَّهْرَاءِ(7)

بَضْعَةٌ مِنْ أَبٍ عَظِيمٍ يَرَاهَا *** نُورَ عَيْنَيْهِ مُشْرِقاً فِي رِدَاءٍ(8)

فَهِيَ أَحَلِي فِي جَفْنِهِ مِنْ لَذِيذِ الْحِلْمِ *** غِبَّ الْهُجُودِ وَ اَلْإِعْيَاءِ(9)

وَ هِيَ قُطْبُ اَلْحَنَّانِ فِي صَدْرِ طهَ *** وَ اِخْتِصَارُ اَلْبَنَاتِ وَ اَلْأَبْنَاءِ

غَيَّبَ اَلْمَوْتُ مِنْ خَدِيجِةَ وَجْهاً *** فَاِذا فَاطِمٌ مُعِينُ اَلْعَزَاءِ(10)

ص: 108


1- غير حفيّ به: غير آبهٍ و ملتفتٍ إليه و أصل الحَفاء و الحفاوة: الاهتمام المبالَغ فيه.
2- المثاني: واحدها مثني، من أوتار العود و في الصحاح في تفسير المثناة: أنها التي تُسمَّي بالفارسيّة دو بَينْي و هو الغناء، انظر اللسان. و رجلٌ طِلقُ اللسان، بفتح الطاء و كسرها: فصيح اللسان و الإطلاق الترك و الإرسال و فلكّ القيد.
3- ناقرات: ضاربات. و الراح: جمع راحة و هي الكفّ و حمراً: كناية عن الاختضاب بالحناء.
4- الأنواء: جمع نَوء و هو سقوط النجم.
5- الفيء: الغنيمة. و فيئَهُ: منصوبة علي البدل.
6- الزّباء: هي زنوبيا ملكة تدمر و العرب تسميها الزّباء.
7- الدهناء : الفلاة و هي موضع كلّه رمل، انظر لسان العرب و التُبْرُ: الذهب.
8- البضعة: القِطعة و الفلذة.
9- غِبَّ: بعد، أو عند. قال الشاعر: غِبَّ الصباح يحمدُ القومُ السري. و الهجود: النوم.
10- معين: تحتمل فتح الميم و ضمِّها، لأنَّها بالفتح تعني الظاهر الذي تراه العين جارياً علي وجه الأرض و بالضم تعني المساعد و الظهير. و علي الأوّل تكون ذكري له عن الفقيدة الحنون و علي الثاني تكون بمثابة الطاقة التي تلهمه الصبر و العزاء.

تُحْسَبُ اَلْكَوْنَ بِسَمِّهةً مِنْ أَبِيهَا *** فَهِيَ أَمْ تَذُوبُ فِي اَلْإِضَاءِ

هَا لَهَا مَايِنَالُهُ مِنْ عَذَابٍ *** وَ اِمْتِدَادِ اَلْكُفَّارِ فِي اَلْأَسْوَاءِ

وَ تراهُمُ يَرْمُونَهُ بِحِجَارٍ *** أو يَكَبُّونَهُ عَلَي اَلدَّقُعَاءِ(1)

فَجِرَاحٌ كَانَهُنَّ شِفَاءٌ *** شَاكِيَاتٌ لِلَّه فَرْط اَلْبَلاَءِ(2)

فَاطِمٌ تَمْسَحُ الْجِرَاحَ بِعَيْنٍ *** حِينَ تَنْهَلُّ اِخْتُهَا بِالْبُكَاءِ

جَاءَ بَيْتُ اَلنَّبِيِّ وَ اَلْقَلْبُ خَفَقٌ *** فَهُوَ فِي مِثْلِ رَجفةِ البُردَاءِ(3)

قَالَ: «اِنِّي ذَكَرْتُ فَاطِمَةٌ عليها السلام» وَ انْبَثَّ *** صَوْتٌ مُكَبَّلٌ بالحياءِ(4)

فَأَجَابَ اَلنَّبِيُّ: أَبْشر عَلِيّاً *** خَيْرُ صهْرٍ مَشْيُ عَلِيٍ الغبراء

بِيعَتُ اَلدِّرْعُ فِي اَلصَّدَاقِ و زُفَّت *** لِعَلِيّ سَلِيلَةُ اَلْأَنِيبَاءِ

هُوَ خَيْرُ اَلْأَزْوَاجِ عَفَّةَ ذَيْلٍ *** وَ هِيَ خَيْرُ اَلزَّوْجَاتِ مِنْ حَوَّاءِ(5)

ص: 109


1- الدقعاء: الأرض: ومن هذا القبيل قولهم: فقير مدّقع، أي: ألصقه الفقر بالتراب.
2- مراد الشاعر: حين تنهل عينها الأخري بالبكاء.
3- البُرَداء: الحمَّي مع البرد.
4- جاء عليٌّ عليه السلام يخطب فاطمة عليها السلام و من أبيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم. ولكنّه ما بلغ الباب حتي أخذته الرهبة فقد ذكر أن أبابكر جاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يطلب منه فاطمة عليها السلام فلم يفز منه بغير أن أجاب: أنتظر بها القضاء و كذلك كان جواب النبي صلي الله عليه و آله و سلم لعمر و بعد تردد كثير دخل عليٌّ عليه السلام علي مربيه و ابن عمّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقال له النبي صلي الله عليه و آله و سلم باسماً: ما حاجة ابن أبي طالب عليه السلام؟ فغالب الفتي حياءه هنيهة ثم أجاب: ذكرت فاطمة عليها السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. -مرحباً و أهلاً! بهذا تمّت خطبة علي عليه السلام و بمثله و أيسر منه تمّ زواجه الذي كان أغلي أمنيات الحياة عنده و حمل الشاب درعه التي أفاءتها عليه (بدر) فباعها بسوق المدينة بدراهم دفعها إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مهر ابنته و اجتمع في دار النبيَّ صلي الله عليه و آله و سلم ليلة الزفاف، أهله و الكثرة من صحبه المهاجرين و الأنصار يحتفلون، فقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فيهم يخطبهم بما اقتضاه المقام و قال في ختام حديثه: «إنّ الله تعالي أمرني أن أزوِّج فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام و أُشهدكم أني زوجتُ فاطمة عليها السلام من علي عليه السلام، علي أربعمائة مثقالّ فضة، إن رضي بذلك علي السنّة القائمة و الفريضة الواجبة» من كتاب (علي بن أبي طالب عليه السلام) لعبد الفتاح عبد المقصود، ج1، من ص67 إلي ص 69، نقلناه باختصار. راجع فاطمة سلام الله عليها في الأحاديث النبوية، من ص84 إلي ص94، تحت عنوان الفصل السابع زواج فاطمة الزهراء عليها السلام من علي بن أبي طالب عليه السلام.
5- العفّة: الكفّ عما لا ينبغي و لا يجمل و عفة الذيل: كناية عن بلوغ الغاية في الطهارة و التحصّن.

فِي نِقَاءِ اَلسَّحَابِ خَلْقاً وَ طُهْراً *** فِي صَفَاءِ اَلزَّنَابِقِ الْعَذْرَاءِ(1)

و يَضُمُّ النَّبِيُّ تَحْتَ جَناحَيهِ *** المُدِيدَينِ مُنِيَّةَ الاخشاءِ

فَعَلَي وَ زَوْجُهُ مِنهُ بَعْضُ *** شَمْيَّةِ الْكُلِّ شِيمَةَ الأجْزاءِ

رَفْرَفَ اَلسَّعْدُ فَوقَ كوخٍ حَقِيرٍ *** لَمْ يُدَنَّسْ بِقَسْوَةِ اَلْأَغْنِيَاءِ

إِنْ تَكُنْ قِسْمَةُ الْغَنِيِّ مَتَاعاً *** فَالْإِلَهُ الرَّحْمَنُ لاأَتَّقِياءُ

ذَلِكَ الْبَيْتِ بَعْدَ (غَمْدَانَ) بَاقٍ *** ذِكْرُهُ يَمْلَأُ اَلزَّمَانَ اَلنَّائِيَ(2)

وَ يُحَوِّلُ الْقَصْرُ الْمُنِيفُ رَمَاداً *** فَيَذُوبُ اَلْهَبَاءُ إِثْرَ اَلْهَبَاءِ(3)

وَ يَصُونُ الْخُلُودُ دَارَ شَريفٍ *** زَيَّنْتُهَا بِسَاطَةِ اَلْفُقَرَاءِ

مرَّ عَامٌ فَاسْتَقْبَلَ اَلْكُوخُ طِفْلاً *** بَثَّ فِيهِ البهاءُ كُلَّ البهاءِ(4)

فَدُعَاءُ الأَبُ الغَضَنفَرُ (حَرْباً) *** يَحْسُبُ اَلْحَرْبَ أَنْبَلَ اَلْأَسْمَاءِ(5)

(حَسنٌ) قَالَ جِدَّهُ فَالْتِمَاعُ *** اَلْحُسَنِ فِيهِ تدفُّقُ اَلْأَلاَءِ

ص: 110


1- الزنابق: جمع زنبق و هو نبات من فصيلة الزنبقيات، زهرته من أجمل الأزهار، تفوح منها رائحة ذكية، لونه أبيض، يرمز إلي الطهارة. انظر المنجد و العذراء: التي لم تُمسَّ بعد.
2- غمدان: هو القصر المعروف بهذا الاسم في اليمن و قد بلغ من الزخرف و الأناقة ما بلغته حضارة الأقدمين في فن البناء.
3- المنيف: الشاهق.
4- أغلب الروايات و أشهرها علي أن ولادة الإمام الحسن عليه السلام كانت في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث للهجرة.
5- روي الصدوق بإسناده عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن علي بن الحسين عليه السلام عن أسماء بنت عميس، قالت: قبلتُ جدتك فاطمة عليها السلام عن الحسن والحسين عليهما السلام، فلمّا ولد الحسن عليه السلام جاء النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا أسماء، هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقةٍ صفراء، فرمي بها النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قال: يا أسماء، ألَمْ أعهد إليكم أن لا تلفّوا المولود في خرقةٍ صفراء، فلففته في خرقةٍ بيضاء، فدفعته إليه، فأذّن في أذنه اليمني و أقام في اليسري، ثم قال لعليّ عليه السلام: بأيّ شيءٍ سميت ابني؟ قال: ما كنت أسبقك باسمه يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قد كنت أحبّ أن أسمّيه حرباً. فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ولا أسبق أنا باسمه ربي. ثم هبط جبرئيل، فقال : يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، العلي الأعلي يقرئك السلام و يقول: عليٍّ منك بمنزلة هارون من موسي، ولا نبيّ بعدك، سمّ ابنك هذا باسم ابن هارون. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ما اسم ابن هارون؟ قال : شبّر. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: لساني عربي. قال جبرئيل: سمَّه الحسن، فسماه الحسن عليه السلام.

حال حؤلٌ فلاحَ فَجْرٌ جَدِيدٌ *** وَ صَبيِّ مغلَّبٌ بِالسَّنَاءِ(1)

وَ عَلِيٌّ يَكادُ يَدْعُوهُ (حَرْباً) أَلْفَ *** اَللَّيثُ لَذَّةَ اَلْهَيْجَاءِ

فَيُجِيبُ اَلنَّبِيَّ هَذَا حُسَيْنٌ *** هُوَ سِبْطَي وَ خَامِسٌ فِي اَلْكِسَاءِ(2)

وَ عَلَتْ جَبْهَةُ اَلنَّبِيِّ طُيُوفٌ *** كوشاحِ اَلْغَمَامَةِ اَلدَّكْنَاءِ(3)

لَمْحُ الْغَيْبِ يَا لُهَوْلَ اللَّيَالِي *** مُرْعِدَاتٍ بِالنَّكْبةِ اَلدَّهْيَاءِ(4)

وَ كَأَنَّ الْجُفُونَ تَنْطِقُ هَمْسَاً *** «يَا الهَ اَلسَّمَاءِ صُنْ أَبْنَائِي»

ص: 111


1- السناء: النور و الضياء.
2- ولد الحسين عليه السلام علي المشهور في ثالث شعبان، بناءً علي اختيار المفيد و الطوسي في مسار الشيعة و المصباح و هو موافق أيضاً للتوقيع الشريف. و ثمة رأي آخر يقول: إنه عليه السلام ولد في آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة و قد اختاره المفيد و الشيخ أيضاً في المقنعة و التهذيب و الشهيد في الدروس و البهائي في توضيح المقاصد، و الشيخ جعفر الكبير في كشف الغطاء و هذا الاحتمال الثاني يوافق ما رواه الكليني في الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: كان بين الحسن و الحسين عليهما السلام طهرّ و كان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشراً حيث أراد بالطهر مقدار أقلّ زمان الطهر و هو عشرة أيّام. ولكن هذا الرأي الثاني إنّما يتوجه عند القول بوقوع التصحيف في السنة، فكتبت سنة ثلاث بدل سنة إثنتين. ثم إنه قد روي في تسمية الإمام الشهيد عليه السلام كما روي في تسمية أخيه الزكي عليه السلام ففي رواية الصدوق عن جابر: فلما ولد الحسين عليه السلام جاء إليهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم ففعل به كما فعل بالحسن عليه السلام و هبط جبرئيل علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: إن الله عزَّوجل يقرئك السلام و يقول لك : إنّ علياً عليه السلام منك بمنزلة هارون من موسي، فسمِّه باسم ابن هارون، قال: و ما كان اسمه؟ قال: شبير. قال: لساني عربي، قال : فسمُه الحسين عليه السلام، فسمَّاه الحسين عليه السلام.
3- قال القمي في الأنوار البهية، ص 85: و روي أن الله تعالي هنا النبي صلي الله عليه و آله و سلم بحمل الحسين عليه السلام و ولادته و عزّاه بقتله، فعرفت فاطمة سلام الله عليها فكرهت ذلك، فنزلت «حملته أمُّه كرهاً و وضعته كرهاً و حمله و فصاله ثلاثون شهراً». و نقل العلامة الحائري في شجرة طوبي، روايةً مفصّلةً بهذا المضمون.
4- الداهية: المصيبة و الدهياء: الشديدة. و النكبة: المصيبة أيضاً.

(7) حِمي الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبو زكي)

فِي اسْتَقَرَّ وَلاؤُكُمْ بِدِمَائِي *** يَا خَيْرَ مَنْ عَاشُوا عَلَيَّ اَلْغَبْرَاءِ(1)

يَا خَيْرَ مَنْ خَلَقَ الإِلَهُ بِأَرْضِهِ *** وَ تَظَلَّلُوا بِغَمامَةٍ وَ سَماءِ

مِنْ نُورٍ وَجْهٍ قَدِّسَتْ أَسْرَارُهُ *** أَرْوَاحَكُمْ صيغَتْ مِنْ آلالاَءِ

وَ تَغَلْغُلِ اَلْخُلْقُ اَلْعَظِيمُ بِنَهْجِكُمْ *** وَ إنسابَ كَالْأَنْوَارِ فِي اَلْأَرْجَاءِ

وَ أَصَابَنِي طَلِّ شَفِيفٌ سَاحِرٌ *** مِنْ فَيْضِهِ فَتَعَطَّرَتْ اِحْشَائِي(2)

فَغَدَا وَلاءُ الْمُصْطَفَي فِي مُهجَتي *** وَلآلِهِ الأطهارِ طُهْرُ وَلائِي

بِاللَّحْمِ بِالْعَظْمِ اَلدَّقِيقِ بِمُقْلَتِي *** بِوَجِيبِ قَلْبِي هَائِماً بِدُعَائِي(3)

وَ بِعُمْقِ ذَرَّاتِي بِرُوحِ مَشَاعِرِي *** بِجَمِيلِ إِحساسِي اَلشَّذَا وَ هَوَائِيَّ

وَ بِمِلْحِ زَادِي وَ اِزْدِحَامِ خَوَاطِرِيٍ *** وَ بَطِيفٌ احلامي اَلْحِسَّانِ وَ مائِي

بِشَهِيقِ أَنْفَاسِيٍ وَ رَجَعَ زَفِيرُهَا *** بِخُشُوعٍ رُوحِي فِي اَلدُّعَا وَ بُكَائِي

فِي أَنْتِي فِي اَللَّيْلِ، فِي غَسَقِ اَلدُّجِيِّ *** فِي هُدْآةِ الإِنْسانِ وَ الْإِشْيَاءُ(4)

فِي لَمْحَةِ اَلتَّفْكِيرِ تُعَبِّرُ خَاطِرِي *** فِي بُرْهَةِ اَلْإِحْسَاسِ وَ الْإِيحاءِ

فِي الطَّيْفِ فِي الْأَحْلامِ فِي كَبِدِ اَلْكَرِي *** فِي حَرْفَيِ اَلْمَنْطُوقِ فِي آرَائِي(5)

ص: 112


1- الغبراء: الأرض.
2- طلّ: المطر الضعيف أو الندي. شفيف: رقيق.
3- وجيب: خفقان.
4- الغسق: أول ظلمة الليل. الدجي: الظلمة.
5- الكري: النعاس.

حَتِّي تَشْرَبَ خَافِقِي بِوَلاَئِكمْ *** وَ حَلَلْتُمُ في مُفرَداتِ بِنائي(1)

فَغَدَوْتُ مِنْ فَرْطِ الْمَوَدَّةِ هَائِماً(2) *** أَرْجُو الحاقَّ بِزُمْرَةِ اَلسُّعَداءِ

يَا أَحْمَدُ الْمُخْتَارُ جِئْتَ بِمَنْهَجٍ *** وَ بِشِرْعَةٍ مَحْمُودَةٍ سَمْحَاءَ

وَ بضيفمٍ كرّار سَاحَاتِ اَلْوَغْي *** وَ مُفُوَّةٍ ذِي لَهْجَةٍ عَصَمَاءِ(3)

آخِيْتُهُ فِي اَلدِّينِ وَ اَلدُّنْيَا وَ فِي *** حَمْلِ الرِّسَالَةِ وَ ارْتِفَاعِ لِوَاءِ(4)

أَبوانِ لِلنَّاسِ الْكِرَامُ وَ أَنْتُمَا *** لِلْمُؤْمِنِينَ لْأَكْرَمُ اَلشُّفَعَاءِ

وَ كَذا أُتِيتَ بِفَاطِمٍ وَ بِنُورِها *** وَ بِسِرِّهَا الْمَكْنُونِ وَ الْمِعْطاءِ

فَتَجاوَبَتْ كُلُّ السَّماواتِ العَليُّ *** بِالْحَمْدِ لِلرَّحمنِ ذِي النَّعْماءِ

هِيَ كوثرٌ أَعْطَاكَهُ مُتَكَرِّماً *** لِتَقَرَّ عَيْنُكَ يَا أَبَا اَلزَّهْرَاءِ(5)

وَ لَسَوْفَ تُرْضِي بِالعليِّ وَ فَاطِمٍ *** وَ بشُبَّرٍ وَ شَبِيرَ تَحْتَ الْكِساءِ(6)

وَ بِرُوحِهِ مُسْتَأْذِناً فِي جَمْعِكُمْ *** وَ بِآيَةِ التَّطْهِيرِ وَ الإسْراءِ

وَ بِهَلْ أُتِيَ حِينَ مِنَ اَلدَّهْرِ اَلَّذِي *** كُنْتُمْ بِهِ فِي الحَضْرَةِ اَلْعُلْيَاءِ

وَ بِعَمَّ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ اَلنَّبَا *** ذَاكَ الْعَظِيم اللَّيثِ فِي الْبَأْساءِ

وَ الدَّمْعَةِ الْحَرِيِّ الْمُرْوعَةِ اَلَّتِي *** مِنْ فَرَّطَ خَشْيَتِهَا تُذِيبُ اَلرَّائِيَ

وَ بانَّةِ اَلثَكْلِي يَكَادُ نَحِيبُهَا *** يَسْتَلُّ أَجْزَاءً مِنَ اَلْأَحْشَاءِ

هُوَ آيَةٌ مَجْهُولَةٌ فِي خَلْقِهِ *** هُوَ نُقْطَةُ مَعْلُومَةٌ فِي الْبَاءِ

يَا أَيُّهَا الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ *** كَالنُّورِ فَاطِمَةُ، كَبُحْرِ سَخَاءِ

جَاءَتْ كَمَا الْفَجْرُ اَلْبَهِيُّ كَمَا اَلسَّمَا *** كَالْعِطْرِ كَالْأَحْلاَمِ، كَالْأَضْوَاءِ

ص: 113


1- خافقي: قلبي.
2- هائماً: الهيام: أشد العطش.
3- ضيغم: الفارس الشجاع. الكرّار : المهاجم. الوغي: الحرب. لهجة عصماء: خالية من الخطأ.
4- لواء: الراية.
5- كوثر : من أسماء الجنة. لتقرّ عينك: لترتاح عينك.
6- شبّر و شبير: الحسن و الحسين عليهما السلام

جَاءَتْ بِنُورِ اَللَّهِ يَمْشِي حَوْلَهَا *** فَتَصَوَّرَتْ كَالْبَدْرِ في الظَّلْماءِ

تَدْعُو اَلْخَلاَئِقَ لِلنَّجَاةِ بِهَدْيِ مَنْ *** بَعَثَ الإ لَهُ لِرَحْمَةٍ وَ هناءٍ

وَ تَرُدُّ كَيْدَ اَلشَّانِئِينَ لِنَحْرِهِمْ *** وَ لِمَنْ تَعوَّدَ دَيْدَنَ اَلْإِيذَاءِ(1)

وَ تَكُونُ أَمّاً لِنَبِيِّ تَصُونُهُ *** مِنْ كُلِّ هَمٍ نازِلٌ وَ بَلاءِ(2)

وَ تُذِيقُهُ العطفُ الْحَنَّانَ تَوَدُّداً *** لَوْ يَشْتَكي مِن وُطَاةِ الإعْياءِ

أَوْ مِنْ تَجَنِّي اَلنَّاسِ فِي أَحْجَارَهُمْ *** وَ مُقَالِلَهُمْ وَ تَكَالُبَ اَلاِعْدَاءِ

أَوْ مِنْ جُرُوحٍ قَدْ أَصَابَتْ جِسْمَهُ *** فَتَشَكَّلَتْ مِنْ زرقة وَ دِمَاءٍ

فَتَضَمَّدَ اَلْجُرْحُ اَلْكَرِيمَ بِرُوحِها *** وَ تَكَادُ تَفْدِي اَلْجُرْحَ بِالْأَبْنَاءِ

وَ تَنِثُّ مِنْ عَبَقِ اَلشُّعُورِ لآلِئاً *** وَ تَسِيلُ هُمَا مُوجَعاً بِرَجَاءِ

أَنْ يَسْتَجِيبَ اَللَّهُ فِي مَلَكُوتِهِ *** لِدُعَائِهَا فِي سَيِّدِ اَلْبَطْحَاءِ(3)

وَ تروح تَبْكِي فِي ظُلاَمَةٍ مُرْسَلٍ *** لَمْ يَلْقَ مِنْ قَوْمٍ سوي الضّرّاء

وَ تُهِيمُ شَوْقاً لِلْإِلَهِ تَعَبُّداً *** وَ تَذُوبُ شِعْراً فِي جَمِيلِ ثَنَاءِ(4)

فَتَخَالُهَا فِي اَلشَّوْقِ أملاكُ اَلسَّمَا *** فَاضَتْ لِبَارِئِها الي اَلْعَلْيَاءِ

يَا خَيْرَ إِمْرَأَةٍ عَلَي طُولِ المَدي *** مِنْ مَرْيَمَ اَلْعُذْرَا الي حَوَّاءِ

يَا بَضْعَةُ اَلْهَادِيَ وَ زَوْجِ الْمُرْتَضِي *** وَسَلِيلَةَ اَلْأَظْهَارِ وَ النُّجَبَاءِ

يا مِن أَقَرَّ اَلْقَوْمُ فَضْلَ مَقَامِهَا *** حَتِّي مِنَ الْكُفَّارِ وَ اَلْأَعْدَاءِ

يَا مَنْ يَقُومُ الرُّوحُ جِبْرِيلٌ عَلَيَّ *** تَأْمِينُ خِدْمَتِهَا بِلاَ إِبْطَاءِ

سَلْمَانَ خَادِمُهَا وَ مريم شَأْنُهَا *** فِي خِدْمَةِ الإِنْسِيَّة اَلْعَذْرَاءِ

وَ مَلاَئِكَ اَلرَّحْمَنِ جَمْعٌ طَائِعٌ *** وَ اَلْحُورُ طَوْعُ بَنَانِهَا كَإِمَاءِ

ص: 114


1- الشانئين: المبغضين.
2- كان الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم يُلقبها عليها السلام غير أمُّ أبيها.
3- البطحاء: المسيل الواسع الذي يتكوّن من رمل ودقاق الحصي - و يراد به هنا المكّةالمكرمة.
4- تهيم: تحبّ.

اَللَّهِ مَسْرُورٌ إِذَا مَا اِسْتَبْشَرْتْ *** وَ يُسْرُّ للحوريَّة اَلْحَوْرَاءِ

وَ إِذَا يُكدِّرُهاحقودٌ مُبْغِضٌ *** فَاللَّهُ يُبْغُضُ عُصْبَةَ اَلْعَنَاءِ

يَرْضَي وَ لِمَا تَرْضِي وَ يَغْضَبُ ساخِطاً *** لِوْ شابَها شَيْءٌ مِنَ الْبَلْواءِ

وَ تَنَزَّهْتْ عَن كُلِّ رِجسٍ مُضْمَرٍ *** أَوْ ظاهِرٍ، عَنْ مُجْمِلِ الْأَخْطَاءِ

إِنِّي اِسْتَجَرْتُ مِنَ الْجَحِيمِ وَ نَارُهَا *** مِنْ مَائِهَا اَلْمَغْلِيِّ فِي الْأَمْعَاءِ

وَ سَلاَسِلٍ سَبْعِينَ فِي عَرَصَاتِهَا *** وَ تَقْطُّعِ الأَوْصَالِ و الأجْزَاءِ

مِن كِيِّ وَجْهِي فِي أَوارِ لَهِيبِها *** وَمِنَ الْخُلُودِ بِقعْرِها وَ شَقَائِي

وَ تَباعَدٍ عَن رَحْمَةٍ مَن خالِقِي *** بِجِنانِهِ وتَصَرُّمٍ و تَنائي(1)

إنِّي أَعُوذُ مِنَ الشُّرُورِ تُخِيفُنِي *** وَ أَلُوذُ مِنْهَا فِي حِمي الزَهراءِ

يا مَنْ بَعَثْتَ إِلَي الوَرِيِّ بِمُحَمَّدٍ *** وَ بِآلِهِ الْأَطْهَارِ وَ اَلشُّرَفَاءِ

وَجَعَلْتَهُمْ أَقْطابَ نُورٍ سامِقٍ *** يُنْبُونَ خَلْقَكَ صادِقَ الْأَنْباءِ

يَهدُونَهُمْ لِلْمَكْرُمَاتِ وَ لِلْعُلاَ *** وَيُوَحِّدُونَ صُفُوفَهُمْ بِإِخَاءِ

وَ لِيُطْفِئُوا نَارَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ *** فَيَضْرَعُ عِطْرُ اَلْؤَدِّ فِي اَلْأَحْيَاءِ

وَ تَرِدُّ شَارِدَةٌ إِلَي جَمْعٍ لَهَا *** وَيؤُوبُ لِلأهلِ اَلْأَ حُبَّةِ نَائِي

وَوَعَدْتَ مَنْ يَهْوَي اَلرَّسُولَ و آلَهُ *** بِجِنَانِ خُلْدٍ رَائِقٍ فَيْحَاءِ(2)

وَ جَعَلْتَ مَنْ وَالَي عَلِيّاً آمِناً *** وَ عَدَدْتَهُ مِنْ مَعْشَرِ الصُّلَحاءِ

حَرَّمْتَ نَارَكَ اَنْ تَمَسَّ مُوَادِداً *** لبتُولِ آلِ اَلْمُصْطَفَي اَلْغَيْدَاءِ(3)

فَأَنَا بِسُورِكَ أَحْتِمِي يَا سَيِّدِي *** خَالٍ مِنَ اَلْحَسَنَاتِ دُونَ مُرَاءِ

أَرْجُو اغْتِرَافاً مِنْ بِحَارِ نَعِيمِهَا *** وَ لَأَنْتَ تَعْرِفُنِي مِنَ الْفُقَرَاءِ

و قَرْنَتُ مَا أَرْجُو بِذِكْرِ حَدِيثِهَا *** كَيْ تَرْتَقِي نَحْوَ العُلا نَجْوائي

رَبَّاهُ إِنِّي مُذْنِبٌ، و مُقِصِّرٌ *** وَ خَفِيفُ وَزنٍ في دُنِيِّ العُلَماءِ

ص: 115


1- تضرُم: تقطع.
2- فيحاء: واسعة.
3- الغيداء: ليّنة الأعطاف.

فَحَشَرْتُ نَفْسِي فِي رِكَابٍ أُحِبَّهٍ *** لِحَلِيلَةِ الْمَوالِي مَعَ الشُّعَراءِ

وَ نَظَمْتُ عَقْداً مِنْ نَفِيسٍ جَوَاهِرِي *** و َنَحْتُّهُ صِدْقاً بِدُونِ رِيَاءٍ

كَيْ يَكْتُبَ الْمَكَانِ عَنِّي أَنَّنَيَ *** قَدْ قُلْتُ شِعْراً فِي هَوِيِّ اَلزَّهْرَاءِ

يَا صَحْبُ لَوْ تَدْرُونَ أَيُّ ثَرَاءِ *** فِي نِعْمَةٍ تَعْدُو عَلَيَّ اَلْإِحْصَاءِ

فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا وَ فِي تِلْكَ اَلَّتِي *** تَاتِي قَرِيباً فِي ديارِ ثَواءِ(1)

لِلصَّادِقِينَ بِحُبِّهِمْ لِلْمُصْطَفِي *** ولآَلِهِ الأخْيَارِ وَ الْحُلَمَاءِ

فَتَمَسَّكُوا بِالْعِلْمِ وَ اَلْعَمَلِ الَّذِي *** يُرْضِي الْإِلَهَ مَوَدَّةِ الكُرَمَاءِ

لاَتَجْعَلُو مَعْنِي التَّشَيُّعَ خَالِياً *** مِنْ مَسْلَكٍ مُتَوَافِقِ الْإِيحَاءِ

فَلَنَحْنُ مَرْصُودُونَ فِي أَعْمَالِنَا *** وَ الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً وَ فِجَائِي

لَاتَحْسَبُوا أَنَّ النَّعِيمَ بِدَائِمٍ *** فَلَرُبَّ بيتٍ غَصَّ بِالنُّدَمَاءِ

دَارَتْ دَوَائِرُ دَهْرِهِ فِي لَحْظَةٍ *** فَغَدَا خَرَاباً مُوحِشَ الْأَفْنَاءِ(2)

وَ اَلْمَالِ فِي اَلدُّنْيَا قَلِيلٌ، نَافِذٌ *** وَ كَذَا اَلْبَنُونَ وَ سَالِفُ الْآبَاءِ

وَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحاتُ هِيَ اَلَّتِي *** تُبْقِي وَ لَيْسَ تَعَدُّدُ اَلْأَهْوَاءِ

فَتَنَافَسُوا فِي اَلْخَيْرِ يَصْفُو عَيْشُكُمْ *** حَتّي وَلَوْ أبْتُمْ اليَّ الصَّحْرَاءِ(3)

وَ تَعَاهَدُوا بِالْحَبِّ بَيْتَ اَلْمُصْطَفَيِّ *** وَ اِسْتَكْثِرُوا فِي ذَاكِ بِالْإِنْمَاءِ

وَ اَللَّهِ أَنَا رَاحِلُونَ لِحَتْفِنَا *** وَ سَنَرْتَدِي الْأَكْفَانَ فِي اَلْغَبْرَاءِ(4)

فَتَزَوَّدُوا بِمُحِبِّةٍ لِأُلِي النَّهْيِ *** اَلسَّادَةِ اَلْأَطْهَارِ وَ اَلرُّحَمَاءِ

يَا شَيَّعَهُ اَلْمُخْتَارُ قُولُوهَا مَعِي *** مَرْحِي بِيَوْمِ وِلاَدَةِ اَلزَّهْرَاءِ

ص: 116


1- ثواء: إقامة.
2- الأفناء: ساحات أمام البيوت.
3- أبْتُمْ: عدتم و رجعتم.
4- الغبراء: الأرض.

(8) سيدة النساء عليها السلام

بحرالكامل)

الشيخ جاسم الخاقاني

مَولايَ يا بنَ المُرتضي *** يَا سِبْطَ خَيْرِ الأنبيا

وَ ابنَ البتولَةِ فاطِم *** الزَّهْرَاء سيّدَةِ النّسا

وَ أخَا الزّكيِّ المُجتَبَي *** و أبَا الهُداةِ الأذِكِيا

يا من بتُربَةِ قَبْرِه *** يُشفي السَّقِيمُ مِنَ البَلا

وَ يُجابُ تَكْرِيماً لَدَيْهِ *** بِمَنْ تَوَسَّلَ بِالدُّعا

وَ اِفاكَ عَبْدُكَ جَاسِمٌ *** بِقَبَائِحٍ مِلْءَ الْفَضَا

مَنِعَتْ عَنِ النَّوْمِ اَلْجُفُونَ *** وَأَوْدَعْت جِسْمِي اَلْعَنَا

وَ اَلْعَبْدُ مُحْتَاجُ لفضْلِ *** الأكرمِينَ اَلْأَغْنِيَا

فَبِحَقِّ مَنْ ضَمَّ اَلْكِسَا *** وَ نَجْلِ مِنْ تَحْتِ اَلْكِسَا

كُنْ لِي كَفِيلاً فِي الْأُمُورِ *** وَ شَافِعاً يَوْمَ اَلْجَزَا

أَسْمَعْتَ مَا قَدْ جَاءَ فِي *** خَبَرِ اَلْكِسَا مِمَّنْ رَوِيَ

عَنْ جَابِرٍ وَ سِوَّاهُ مِنْ *** زُمَلاَئِهِ أَهْلُ التُّقي

عَن فَاطِم اَلزَّهْرَاءِ *** بِضعَةِ خَيْرِ مَنْ وَطِيءِ اَلثَّرِي

قَالَتْ أُتِيَ يَوْمٌ مِنَ اَلْأَيَّامِ *** بِالْفَضْلِ امْتَلَا

و إِذَا أَنَا بِأَبِي *** نَبِيٍ الْخَافِقَيْنِ الْمُصْطَفَي(1)

ص: 117


1- الخافقين: المشرق و المغرب لأن الليل والنهار يخفقان فيهما.

فِي بَيْتِ وَحْيِ اَللَّهِ فَاجانِي *** فَطَابَ لِي اَللِّقَا

وَ عَلَيَّ سَلَّمٌ ثُمَّ لِي *** فِي جِسْمِهِ ضَعْفاً شَكّاً

فَأَجَبْتُه يَا وَالِدِي *** بِاللَّهِ عُدْتَ مِنَ اَلضَّنَا(1)

فَدَعَا أَلاَ قُومِي فَغَطِّينِي *** بُنيَّةُ بِالْكَسَا

أَعْنِي الْيَمَانِيَّ اَلَّذِي *** نَسَجَتْهُ أَنْوَالُ الْهَدْيِ(2)

فَحَظِيَ اَلْكِسَاءُ وَ مَا اَلَّذِي *** أَدْرَاكَ مَا فيهِ حظي

غطَّي اَلنَّبِيَّ اَلْمُصْطَفِي *** عَظُمَ اَلمُغَطِّي وَ الغطا

فَنَظَرْتُ وَجْهَ أَبِي اَلْوَسِيمِ *** وَ قَدْ تَهَلَّلَ بِالضِّيا

كالبَدْرِ لاَ بَلْ وَجهُهُ *** مِن حُسْنِهِ خَجِلَت ذُكا(3)

وَ شَمِمْتُ رَائِحَةَ اَلنَّبِيِّ *** تَضوع مِسْكاً قَدْ ذَكَا

قَالَتْ سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ *** فَأَتَانِي اَلْحَسَنُ اَلرِّضَا

وَ عَلِيَّ سَلم قَائِلاً *** يَا أُمِّ يَا سِتَّ اَلنَّسَا

إِنِّي أَشَمُّ لَدَيْكِ رَائِحَةً *** بِها عَبَقَ الفَضَا

كَأَرِيجِ جَدِّيَ اَلْمُصْطَفَي *** اَلْهَادِي خِتَامِ اَلْأَنْبِيَا

فَأَجَبْتُ هَذَا جَدُّكَ اَلْهَادِي *** اَلنَّبِيُّ اَلْمُجْتَبِي

تَحْتَ الكسَا فَأُتِيَ لَهُ *** وَ اَلْقَلْبُ يَهفُو لِلحْمي

وَ عَلَي اَلنَّبِيِّ اَلْمُصْطَفِي *** صَلَّي وَ صَلَّي لِلْعُلاَ

مُسْتَأْذِناً مِن جَدِّهِ *** رَبِّ الْمَفَاخِرِ وَ اَلنَّدِي

فِي أَنْ يَضُمَّ كِسَاءَهُ *** بَدْرَيْنِ في تَمِّ ثَنَا

فَدَعَا بِهِ يَا مَرْحَباً *** اَلْآنَ أَدْرَكَتُ اَلْمَنِي

قَالَتْ كَرِيمَةُ خَيْرُ مَنْ *** وَطَأَ اَلْجَنَادِلَ وَ اَلْحَصَي(4)

ص: 118


1- الضنا: المرض و الضعف و الهزال.
2- أنوال: جمع النّؤل و هو خشبة الحائك أو آلته يُنَسج عليها و يُلَفّ عليها الثوب وقت النسيج.
3- ذكا: اسم علم للشمس.
4- الجنادل، الصخر العظيم.

وإِذا أَنَا بِابْنِي الحُسَينِ *** أعز خَافٍ قَدْ مَشِي

قَدْ جَاءَ يَخْطِرُ مَاشِياً *** أَرَايَتُ عَسالَ اَلْقَنَا(1)

فَهُنَاكَ حَيَاني و كَانَ اَلرَّدُّ *** وِفِّقاً فِي الْجِزْيِ

فَانْصَاعَ يَسْأَلُنِي وَ قَدْ *** مَلَأَ اَلسُّرُورُ بِهِ اَلْحَشَا

أُمَّاهُ مَا لجوارِحِي *** تَحْوِي المَسرَّة وَ اَلْهَنَا

إِنِّي أَشَمُّ لَدَيْكَ رَائِحَةً تضُوعُ *** إلي السَّما(2)

فَأَشَرْتُ هَذَا اَلْمُصْطَفِي *** تَحْتَ اَلْكِسَاءِ مَعَ اَلرِّضَا

فَدَنَا لَهُ مُسْتَأْذِناً *** فَحَبَاهُ أَحْمَدُ مَا حبا(3)

أُتْرِي اَلنَّبِيَّ يَرِدُّهُ *** لاَ وَ اَلْمَعَالِيَ و الوَفَا

قَالَتْ حَبِيبُهُ خَيْرِ مَنْ *** لَبَّي و أَفْضَلُ مَنْ سَعِي

وَ إِذَا أَنَا بِأَبِي الْهُدَاةِ *** الْأُؤْصِياءُ الأَصْفيا

فِي الْبَيْتِ شَرَّفْنِي *** وَ أَهْدِي لِيْ التَّحِيَّةَ وَ الثَّنا

وَ عَلَيْكَ تَسْلِيمُ اَلْمُهَيْمِنِ *** لاَ اِنْقِطَاعَ وَ لاَ انْتِها

وَ دَعَا أَشُمُّ لَدَيْكِ *** رَائِحَةً تُعْطِّرُ لِلْفَضَا

مَا خِلْتُهَا إِلاَّ أرِيجَ *** أَخِي اَلنَّبِيِّ اَلْمُجْتَبِي

فَأَشَرْتُ لِلْهَادِي، إِذَا *** غُصِنَ عَلَيَّ اَلْغُصْنِ أنحني

حَيَاهُ لَكِنْ كُلُّ شَخْصٍ *** مِنْهُمَا نِعْمَ الفَتَي

مُسْتَأْذِناً مِنْ صِهْرِهِ *** بَلْ خَيْرِ أَصْهَارِ اَلْوَرِي

فِي أَنْ يَضُمَّهُمَا الكسَا *** فَهَمَّا بِفَضْلِمِهِمَا سَوا

فَأَجَابَ مُنْشَرَحَ اَلْفُؤَادِ *** قَرِيرَ عَيْنٍ باللِّقَا

قَالَتْ وَحِيدَةُ خَاتَمُ اَلرُّسُلِ *** اَلْكِرَامُ اَلْأَصْفِيَا

ص: 119


1- عَسَال القنا: هزّاز الرمح.
2- تضوع: تنتشر رائحته.
3- حباه: أعطاه إيّاه بلا جزاء.

فَغَطْتُهُمْ وَ دَنَوْتُ مِنْهُمْ *** بِالتَّحِيَّةِ وَ الثَّنا

فَدَعَوْتُ شَرَّفَنِي بِإِذْنِكَ *** فِي قِرانِكَ يَا أَبَا

فانا أَعُدُّ الْبُعْدَ شِبْراً ***عَنْكَ مِنْ مُرِّ اَلْجَفَا

فَدَعَا بِنِيَّةُ فَاقْرَبِي *** مَرَحِي بِدَاعٍ قَدْ دَعَا

فَدَعَا الإ لهُ بِخَلْقِهِ *** وَ أَهابَ فِي كُلِّ الْوَري

فَوَ عِزَّتِي اَلْعَظمِيُّ وَ مَنْ *** فِي قَدْرِهَا غيْرِي دري

لَوْلاَ اَلْأُلِي تَحْتَ اَلْكَسَا *** وَ كَفَّي بِهِمْ فَخْراً كَفَي

لَمْ أَخْلُقِ اَلْقَمَرَ اَلْمُنِيرَ *** وَ لاَ اَلنُّجُومَ وَ لاَ ذُكّا

كَلاَّ وَ لَمْ أُدْحِ اَلْبَسِيطَ *** وَ لاَ نَهَارٌ قَدْ أَضَا(1)

كَلا وَ لَمْ أُخْرِجْ جَمِيعَ *** اَلْخَلْقِ مَنْ كَتَمَ اَلْفَنَا

فَدَعَاهُ جِبْرِيلُ اَلْأَمِينُ *** وَ ذَلَّ فِي ذَاكَ الحِمَي(2)

مَنْ هُم بِحَقِّكَ سَيِّدِي *** فَلَهُمْ أَرَي قَلْبِي صَغا

فَأَجَابَهُ الزَّهْرَاءُ وَالِدَّةُ *** اَلْكِرَامِ اَلْأَوْصِيَا

وَ اَلْمُرْتَضِي وَ ابناهُما *** وَ أَبُوجَمِيع اَلْأَزْكَيَا

فَهُنَالِكَ اِشْتَاقَ اَلْأَمِينُ *** لِقُرْبِهِمْ وَ دَعَا اَلْوَحْي(3)

يا سَاعَةً قَدْ تُوجَتْ *** بِالْبِشْرِ إِذْ هَبَطَ اَلنَّدَا

كُنْ سَادِساً لَهُمْ فَكَمْ *** عَبْدٍ لِمَوْلاَهُ دَنَا

يَا بِشْرَ جِبْرِيلَ اَلْأَمِينِ *** وَ مَا لَهُ الباري سَخَا

هَذَا اَلهُبُوطِ هُوَ الصُّعُود *** مِنَ السَّمَاءِ إِلَي الثَّري

فَهُنَاكَ قَالَ اَلْمُرْتَضِي *** لِأَخِي عُلاهُ الْمُصْطَفِي

قُلْ لِي فَدَتْكَ اَلنَّفْسُ مَا *** لِجُلُوسِنَا قَلَّ الْفِدَا

ص: 120


1- لم أدحُ البسيط: دحا أي بسط و البسيط الأرض الواسعة.
2- الحمي: القرب.
3- الوَحا : السيد الكبير - الملك.

عِنْدَ الإلَهِ مِنَ الْكَرَامَةِ *** وَ الحَفاوَةِ وَ الْحِبا(1)

فَأَجَابَهُ ومَنِ اصْطَفانِي *** بِالرِّسَالَةِ وَاجْتَبِيْ

مَا دَارَ ذِكَرُ حَدِيثَنا *** فِي مَجْلِسٍ بَيْنَ الملاَ

إِلاَّ قَضَي حَاجَاتِهِمْ *** رَبِّ تَمْدَّحَ بِالندَا

إِنْ كَانَ فِيهِمْ مُشتَكٍ *** أُؤْمِبْتَلِي كُشِفَ اَلْبَلا

أَمَّا اَلْمَدِينُ فدينُهُ *** عَنْهُ يُحَطُّ وَ إِنْ عَلا

وَ أَعَادَ قَوْلَتَهُ اَلنَّبِيُّ *** وَ كَانَ أَصْدَقَ مَن رَوِيَ

مَا دَارَ ذَكَرُ حَدِيثَ مَجْلِسِنَا *** إِلَي يَوْمِ اَللِّقَا

إِلاَّ وَحْفَّ بِجَمْعِهِمْ *** شَوْقاً لهم جُندُ اَلسَّمَا

يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ بِأَنْ *** يُمْحِيَ لَهُمْ كُلُّ الخَطَا

فَاللَّهُ أَكْرَمُ غَافِرٍ *** وَ اللَّهِ أَعْظَمُ مَنْ عَفَا

فَدَعَا اَلْوَصِيُّ إِذَنْ فَقَدْ *** فُزْنَا وَ فَازَ اَلْأَولِيَا

بِوَلاَئِنَا وَ هُمْ بِنَا *** سُعِدُوا إِلَيَّ يَوْمِ اَلْجَزَا

ص: 121


1- الجبا: العطاء من غير جزاء.

(9) هتف البشيرُ

(بحر الكامل)

الأستاذ جعفر الجعفر

تاهَتْ بِبِنْتِ نَبِيِّها الخَضْراءُ *** وَ اسْتَبْشَرَتْ بِقُدُومِهَا الْغَبْرَاءُ

هَلَّتْ فَهَلَّكَ الْمَلَائِكُ كُلُّهُمْ *** وَ تَهَلَّلَ الإِصْبَاحُ وَ الإمْساءُ

وَ كَأَنَّمَا الْإِسْعَادُ يَوْم مَجِيئِهَا *** وَ لِذَا اَلْوُجُودَ تَرَنَّمٌ وَ ثَنَاءٌ

فَالْبَرْقُ أُؤْمَضُ لِلَولِيدَةِ نُورُهُ *** وَ تَقَهقَهَتْ بِرُعُودِهَا الأَنْواءُ

وَ تخضَّبتْ سُحُبُ الغَمَامِ بِعِطْرِهَا *** وَ تَمَخَّضتْ بِعَبِيرِهَا اَلْأَرْجَاءُ

و اسْتَمْطَرَتْ مَاءَ الْوُرُودِ سَمَاؤُنَا *** خَيْراً يُبَشِّرُ بالْأُلي(1) قَدْ جَاؤُوا

وَ كَأَنَّمَا اَلْأَفْلاَكُ بَعْضُ عَبِيدِهَا *** وَ كَأَنَّمَا هَذِي اَلنُّجُومُ إِمَاءُ

فَالرُّوحُ جِبْرِيلٌ بِمُقَدَّمِ رَكِبِهَا *** وَ عَلَيَّ الشّمالِ مَلائِكٌ نُجَبَاءُ

وَعَلَي الْيَمِينِ مُحَمَّدٌ جَذَلاً بِهَا *** يَغْشَاهُ مِنْ لألائِها لِأَلاَءُ(2)

وَ اَلْأَرْضُ قَدْثَقَلْتْ بِها وَ كَأَنَّمَا *** هَبَطَتْ عَلَيْهَا بِالْجَلالِ سَمَاءُ

وَتَسَاءَلَتْ مِن ذا الَّذِي سَفَرَ اَلدَّجِي*** بِقُدُومِهَا وَ اخْضَرَّتِ الغَبْرَاء

هَتَفَ الْبَشِيرُ مُبَارَكاً ومُهْنِّئاً *** وَلَدَتْ لِطه البَضعَةُ الزهراءُ

بَزَغَتْ كَعَيْنِ اَلشَّمْسِ عِنْدَ مَجِيئِهَا *** وَ اَلشَّمْسُ لَوْلاَ نُورُهَا ظَلْمَاءُ

زَهْرَاءُ يُعْمِي نُورُهَا حُسَّادَهَا *** وَ يُنِيرُ قَلْبَ مُحِبِّهَا وَ يُضاءُ

ص: 122


1- الألي: بمعني الذين.
2- جذلاً: فرحاً. لألاءَ: البرق و اللمع و هنا بمعني الإشراق.

حُورِيَّةٌ قُدسِيَّةٌ صِدِّيقَةٌ *** حَارَتْ بِوَصْفِ جِلاَلِهَا اَلْفُصَحَاءُ(1)

فَكَأَنَّما قَدَّسُ اَلْإِلَهُ مُحَمَّدٌ *** وَ كَأَنَّمَا مِنْ قُدْسِهِ إِسْرَاءُ

وَ كَأَنَّمَا اَلْمِشْكَاةُ أَعْيَا(2)كُنْهُهَا *** عُشْرُ اَلْعُقُولِ وَ خَابَتِ اَلْحُكَمَاءُ(3)

بَاهِيَ بِهَا رِبِّي اَلْمَلاَءَكِ كُلَّهُمْ *** فَلِذَا اَلسُّجُودِ لِأَجْلِهَا إِطْرَاءُ

يَا أَنْتَ يا قُطْبُ لآِلِ مُحَمَّدٍ *** سِرُّ اَلسُّجُودُ لِأَجْلِهَا إِطْرَاءُ

يَا أَنْتَ يا قُطْبُ لآِلِ مُحَمَّدٍ *** سِرّ اَلْوُجُودِ وَ سِينُهُ وَ اَلرَّاءُ(4)

أَنْتَ اَلْبَتُولُ فَمَا لِمَرْيمَ وَالِدٌ ***كَمُحَمَّدٍ كَلاَّ وَ لا الْأَبْنَاءُ

وَ لَأَنْتَ أَمْ لِلنَّبِيِّ وَ آلِهِ *** وَ لَأَنْتَ لِلسِّرِّ الْمَصُونِ وِعاهُ

وَ لَأَنْتَ فِي يَوْمِ اَلْكِسَاءِ مَدَارُهُمْ *** وَ لَأَنْتَ نُورٌ للْكساءِ بَهَاءُ

وَ اَللَّهِ قَالَ وَ بَعْدَ ذِكْرِ مُحَمَّدٍ *** هُمْ فَاطِمُ وَ اَلْبَعْلُ وَ اَلْأَبْنَاءُ

هِيَ فَاطِمٌ مِنْ فاطر شَقَّ اسْمُهَا *** فَالْأَرْضُ قَدْ فَطِرَتْ بِها وَسماءُ(5)

ص: 123


1- عوالم العلوم، ج 11، ص 39. عن علل الشرائع: القطان عن السكري عن الجوهري عن عمر بن عمران عن عبيد الله بن موسي العبسي عن جبلة المكي عن طاوس اليماني عن ابن عباس قال: دخلت عائشة علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقبّل فاطمة عليها السلام فقالت له: أتحبها يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال أما لو علمت حبّي لها لازددت لها حباً - إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم- فلما أن هبطت إلي الأرض واقعت خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء أنسية فإذا اشتقت إلي الجنة شممت رائحة فاطمة عليها السلام و في ص66، عن أمالي الصدوق و علل الشرائع و الخصال: ابن المتوكل عن السعد آبادي عن البرقي عن عبد العظيم الحسني عن الحسن بن عبد الله بن يونس، عن يونس بن ظبيان قال: قال أبوعبد الله عليه السلام لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّوجل: فاطمة عليها السلام و الصّديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضية و المحدّثة و الزهراء. إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.
2- أعيا: أتعب و أكَلَّ.
3- الظاهر أنه إشارة إلي العقول العشرة التي يري بعض الحكماء أنهم وسائط الفيض الوجودي من عالم الوجوب إلي عالم الإمكان. راجع عن ذلك الأسفار للملا صدرا و شرح المنظومة للسبزواري.
4- تقدمت الإشارة إلي أنها «عليها الصلاة و السلام» قطب أهل البيت عليهم السلام في و المحور الذي يقوم عليه عالم التكوين بإذن الله «تعالي» و السين و الراء الحرفان اللذان اجتمعا في حكمة سرَّ فهي السرَّ الذي أودعه الله «سبحانه» في هذا الوجود تكويناً و اللّه العالم.
5- في إشارة إلي حديث الكساء -و الشطر الثاني عن البحار، ج 43، ص 15، قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام: شقّ الله لك اسماً من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة عليها السلام.

لَوْ مَرَّ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ظِلُّهَا *** غَضَّتْ لَهُ أَبْصَارَهَا الأرجَاءُ(1)

فَعَلي الْأَلِي مِنْ حُبِّهَا سَرَّاءُ *** وَ عَلَي العَدِيُّ مِن بُعْضِها ضَرَّاءُ

لَكَ فِي اَلْقُلُوبِ مِنَ الصَّمِيمِ تَحِيَّةٌ *** يَجْرِي بِهَا لَكَ فِي الدِّمَاءِ وَلَاءُ

لَوْلَاكَ مَا خُلَقَ الْوُجُودُ وَ لَابَري *** رَبِّي الأَنامَ وَ لاَبَدَّتْ أشْياءُ

لَوْلاكَ لاَجْتُثَّتْ شُجِيرَةُ أَحْمَدٍ *** وَ لَمَّا أُتِيَ مِنْ صُلْبِهِ اَلنُّجَبَاءُ

لَوْلاَكَ مَا كَانَ الْكِسَاءُ يَضُمُّهُمْ ***كَلاَّ وَ لاَ ضَمَّ اَلنَّبِيَّ كِسَاءُ(2)

طَهُرْتْ بِهَا و بآلها أُمَّ اَلْقُري *** وَ تَطَهَّرَتْ مِنْ مَكَّةَ اَلْبَطْحَاءُ(3)

لِمَ لاَ وَ هَذِي اَلشَّمْسُ مِنْ أَنْوَارِهَا *** وَ مِنَ الشُّمُوسِ أَرِي الْوُجُودَ يُضَاءُ

إِذ إِنَّهَا اَلمَرْأَةُ يَعْكسُ صَفْوُهَا *** نُورَ اَلْأَلَهِ فَتَنْجَلِي اَلظَّلْمَاءُ

إِذْ لَوْ تَجَلَّي بَعْضُ نُورِكَ فَاطِمٌ *** لَتَدْكْدَكَتْ فِي طُورِهَا سَيْنَاءُ

فَلَكَ اَلْفَخَّارُ فَأَنْتِ كَوْثَرُ أَحْمَدٍ *** نَسْلُ اَلْأَمِينِ وَ نَسْلُكِ اَلْأُمَنَاءُ(4)

فَتَفَاخَرَتْ بِكِ أُمُّ عيسي مَرْيَمٌ *** وَ تَفَاخَرَتْ بِكِ أُمُّنَا حَوَّاءُ

وَ لَقَدْ أَقُولُ لِمَنْ يَرُومُ مَدِيحَهَا *** أَوْ مَا قَصَرْتَ ورَدَّكَ اَلْأَعْيَاءُ

ص: 124


1- البحار، ج 43، ص 219. عن أمالي الصدوق: الطالقاني عن محمد بن جرير الطبري عن الحسن بن عبد الواحد عن إسماعيل بن علي السدّي عن منيع بن الحجاج - إلي- عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة عليها السلام علي ناقة من نوق الجنة -إلي قوله- و جبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلي صوته: غضوا أبصاركم حتي تجوز فاطمة بنت محمد عليها السلام -إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم- فإذا النداء من قبل اللّه جل جلاله: أين ذرية فاطمة عليها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتتقدمهم فاطمة عليها السلام حتي تدخلهم الجنة.
2- إشارة إلي حديث الكساء و قد تقدم ذكرها مع أسانيدها.
3- البطحاء: المسبل الواسع الذي رمل.
4- عن فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي، ص193. قال العلامة القزويني (في تفسير قوله تعالي «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» -إلي قوله تعالي- «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» و وجه المناسبة أن الكافر شمت بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و حين مات أولاده و قال إن محمداً صلي الله عليه و آله و سلم أبتر فإن مات مات ذكره، فأنزل الله هذه السورة علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم كأنه تعالي يقول إن كان ابنك قد مات فإنا أعطيناك فاطمة عليها السلام و هي و إن كانت واحدة و قليلة ولكن الله سيجعل هذا الواحد كثيراً.

لا لاَتَقُلْ مَاتَصْنعُ الشُّعَرَاءُ *** لَا بَلْ فَقُلْ مَا تَصْنَعُ الْحُكَمَاءُ

حُبِّي لَكُمْ آلُ الرَّسُولِ ذَخِيرَتِي *** يُؤْمَا بِهِ لَاتَنْفَعُ الشُّفَعاءُ

وَ تَذَلُّلِي فِي حُبِّكُمْ هُوَ مَسْعَدِي *** هُوُمَنْجَدِيٌ يَا أَيُّهَا اَلسُّعَدَاءُ

صَادَ إِلَي رَشْفِ اَلْحَقِيقِةِ مِنْهُمْ *** إِذْ نَحْنُ حَؤُلُ حِيَاضِهِنَّ ظِماءُ

ظَماٌ لِمَن يَرْتَوِي مِن حُبِّهِمْ *** وَ هُمُ الْمَعِينُ و غَيْرُهُم أقْذَاءُ(1)

أخْلَصْتُ فِي حُبِّي لَهُمْ فَجَعَلْتُهُ *** وَ تَرأ لَكُم يَا أَيُّهَا اَلشُّفَعَاءُ

شَمِلَتْكُمْ يَؤُمُّ اَلْكِسَاءَ تَحِيَّةٌ *** لُؤْلاَكُمْ لِكِسَا اَلْؤُّجُودَ عَمَّاءُ

آتُونَ إِذْ لاَ شِيءَ قَبْلَ وُجُودِكُم *** بَاقونَ لَوْعُمَ الوُجُودَ فَنَاءُ

وبِإِسْمِكُمْ غُفِرَتْ لآِدَمَ زِلَّةٌ *** سَل آدَماً مِنْ غَيْرُهُم أسْمَاءُ(2)

مِعْراجُنا لِرِضا الإلهِ وَدادَهِم *** وَ تَقَرُّبي فِي حُبِّهِمْ إِسْرَاءُ

وهُمُّ الْمَشِيئِةُ و الفُيُوضُ فُيوضُهُمْ *** فَاللَّهُ قَدْ شَاءَ اَلَّذِي قَدْ شَاؤُوا

مِنْ جُودِكُمْ هَذَا اَلْوُجُودَ بِمَا حَوَي *** فؤُجودُهُ لِؤُجُودِكُمْ أُسْدَاءُ(3)

إِذْ كَانَ فِي عَدَمٍ قُبَيْلَ وُجُودِكُمْ *** يَطْوِيهِ قَبْلَ وُجُودِكُمْ إِخْفَاءُ(4)

ص: 125


1- أقذاء: جمع قذّي و القذي جمع قذاة و هو ما يقع في العين و الماء و الشراب من تراب أو تبن أو وسخ و غير ذلك (عن لسان العرب).
2- لعلة إشارة إلي قوله تعالي: «فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» البقرة، 37. في الدر المنثور ج ا، ص90 - 91، طبعة بيروت قال: أخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: سأل بحق محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام والحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام إلا تبت عليّ فتاب عليه.
3- أسداء: جمع سداة أي اللحمة في نسيج الثوب (مختار الصحاح) و معنا ههنا وُجدَ الوجود لوجود أهل البيت «عليهم السلام»، و هم أصل الوجود.
4- عن عوالم سيدة النساء، ج 1/11، ص 22، عن فرائد السمطين: بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال: لما خلق اللّه تعالي آدم أبو البشر و نفخ فيه من روحه إلتفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسَة أشباح سجّداً و ركّعاً. قال آدم: يا رب! هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنة و لا النار و العرش و الكرسي و لا السماء و لا الأرض و لا الملائكة و لا الإنس و لا الجن. فأنا المحمود و هذا محمد و أنا العالي = و هذا علي و أنا الفاطر و هذه فاطمة عليها السلام و أنا الإحسان و هذا الحسن عليه السلام و أنا المحسن و هذا الحسين عليه السلام. آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري و لا أبالي يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم و بهم أهلكهم فإذا كان لك إليّ حاجة فيهؤلاء توسل... إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.

جَاؤُوا بِصُورَتِنَا لَنَا لَكِنَّهُمْ *** أُسَمي فَمَا فَوْقَ السَّمَاءِ سَمَاءُ

جُعِلْتْ مِنَ اَلْمَاءِ اَلْحَيَاةُ لِخَلْقِنَا *** وَ هُمُ الحَياةُ لِخَلْقِنَا وَ الْمَاءُ

مِنْ عَاذِلِي فِي حُبِّهِمْ مِن لاَئِمِي؟ *** والنَّفْسُ فِي مَنْ قَدْ عَشِقْتُ فِدَاءُ

دَعْنِي إِذَا اِشْتَغَلَ اَلْفُؤَادُ بِذِكْرِهِمْ *** سُكْرِي بِهِمْ بَلْ حُبُّهُمْ صَهْبَاءُ(1)

إِنِّي اِتَّخَذْتُ سَبِيلَهُمْ لِي شِرْعَةً *** لاَ بِالْأَلِيِّ ظَلَمُوهُمْ وَ أَساؤُوا

أَعْنِي اِبْنَ آكِلَةِ الْكُبُودِ(2) وَ وَ زَغَةٌ(3) *** مِمَّنْ لَهُمْ فِي السَّاقِطَاتِ نَمَاءُ(4)

أَعْنِي الَّذِينَ تَأْبَوْا فِي غَدْرِهِمْ *** مَعَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أُمَنَاءُ

وَ وَعَوْهُ لَكِنْ عَيْنُهُمْ عَمْيَاء *** سَمِعُوهُ لَكِنْ أُذُنُهُمْ صَمَّاءُ

إِنَّ اَلْجَزَاءَ مَوَدَّةٌ فِي آلِهِ *** أَكَذا يُرَدُّ إِلَي اَلرَّسُولِ جَزَاءً(5)

ص: 126


1- صهباء: يرُمز بها إلي لون الخمرة - و يشير الشاعر هنا إلي حبّه و عشقه الصوفي لأهل البيت «عليهم السلام» حتي أسكره هذا الحب، كما تُسكر الخمرة الندماء.
2- آكلة الكبود: إشارة إلي (هند) زوجة أبي سفيان و أم معاوية آكلة كبد الحمزة عم النبي صلي الله عليه و آله و سلم في وقعة أحد.
3- وزغة: وزغ دويبة و في التهذيب : الوزغ سوام أبرص (لسان العرب).
4- جاء في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 2، ص 257، عن (تاريخ بغداد ج 3، ص 290) روي بسنده عن عبد الله قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام قال : رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و عند الصفا وهو مقبل علي شخص في صورة الفيل و هو يلعنه فقلت: ومن هذا الذي يلعنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال : هذا الشيطان الرجيم، فقلت: و اللّه يا عدو اللّه لأقتلنك و لأريحن الأمة منك. قال: ما هذا جزائي منك. قلت : و ما جزاؤك مني يا عدو اللّه؟ قال: واللّه ما أبغضك أحد قط إلاّ شاركت أباه في رحم أمه. قال الخطيب: وهكذا رواه القاضي أبو الحسين الأشناني عن إسحاق بن محمد النخعي و هو إسحاق الأحمر و قد روي في البحار، ج 8، ص290، عن ابن شهر آشوب ما هو أعظم من ذلك فراجع.
5- عن فضائل الخمسة في الصحاح الستة، ج 2، ص 75، عن مستدرك الصحيحين، ج 3، ص172 روي بسنده عن علي بن الحسين عليه السلام قال خطب الحسين بن علي عليه السلام حين قتل علي عليه السلام فحمد اللّه و أثني عليه -إلي قوله- و أنا من أهل البيت عليهم السلام الذين افترض الله مودتهم علي كل مسلم فقال تبارك و تعالي لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت عليهم السلام (أقول) و ذكره المحب الطبري في ذخائره، ص138 و ابن حجر في صواعقه، ص136. ولكن ورد عن زينب بنت عقيل بن أبي طالب سلام الله عليها و هي تندب الحسين عليه السلام ما يكشف عن هذا الجزاء قالت: ماذا تقولون إن قال النبي لكم *** ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي *** منهم أساري و منهم ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم *** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 4، ص 46، و اللهوف لابن طاوُس ص 96، و مثير الأحزان لابن عامر ص 51، و نور الأبصار، ص 146، وأيضاً مقتل المقرم، ص336.

وَكأنَّماكَسْرُ الضُّلوعِ تَقَرُّبُ *** وَكَأَنَّمَا قَتَلُ الحُسَينِ وَفاءُ

دَعْهُمْ يَخُوضُوا بِالضَّلاَلَةِ إِنَّهُمْ *** بِجَهَنَّمَ بَل هُمْ لَها حَصْبَاءُ(1)

هذا جَزَاؤُهُم ولكِنَّ اللِّظِي*** فِي أضْلُعِي وَلَظَي اَلْعُيُونِ بُكَاءُ

لاَ تَنْطَفِي اَلْحَسَرَاتُ مِنْهُ عَلَي اَلْمُدَي *** إِلاَّ بِثَارٍ طَالَ مِنْهُ ثَوَاءُ

عَجِّلْ إِمَامِي فَالْمَصَائِبُ أَزْمَنَتْ *** فِينَا وَ لَيْسَ لجرْحِهنَّ بِرَاءُ(2)

قُولِي لَهُ يَابنَتُ طه إِنَّنَا *** فِينَا لِأَجْلِكُمْ ضَنّي وَ شَقَاءُ

عُدْنَا كَمَا اَلْإِسْلاَمُ فِينَا لَمْ يَكُنْ *** ضَيْمٌ وَ لَهْوٌ مِحْنَةٌ وَ غَنَاءُ

ص: 127


1- حصباء: حصي و الحقب كلّ ما يرمي في النار كالحطب.
2- استغاثة بصاحب العصر «عجل الله تعالي فرجه الشريف» الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إنه الإمام القائم بالحق يحيي به اللّه الأرض بعد موتها و يظهر به دين الحق علي الدين كله و لو كره المشركون. و في البحار، ج 51، ص 50، عن تفسير علي بن إبراهيم: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» سورة براءة 34 إنها نزلت في القائم من آل محمد عجل الله تعالي فرجه الشريف و هو الإمام الذي يظهره الله علي الدين كله فيملأ الأرض قسطاً و عدلاَ كما ملئت ظلماً و جوراً و هذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله. و في البحار أيضاً ج 53، ص17 فيما يكون عند ظهوره «عجل الله تعالي فرجه» برواية المفضل ابن عمر. أقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن الحسين بن حمدان عن محمد بن إسماعيل و عليّ بن عبد الله الحسني عن أبي شعيب و محمد بن نصير عن عمر بن الفرات عن محمد بن المفضل عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق عليه السلام هل للمأمور المنتظر المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف من وقت موقت يعلمه الناس؟ ... إلي قوله ... ثم تبتديء فاطمة عليها السلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر و أخذ فدك ... إلي كل المصائب التي جرت عليها عليه السلام.

وَاَلْمُسْلِمُونَ أرِي تَشَتَّتَ أَمْرُهُمْ *** فتفشت اَلْفَحْشَاءُ وَ اَلْبَأْسَاءُ

نَالَتْ مَعاوِلُهُم بَقَايَا دِينِنَا *** فَاسْفَعْ بَقِيَّةَ رَبِّنا مَنْ سَاؤُوا(1)

وَ اِدْرِكْ أَيَا أَمَلَ اَلشُّعُوبِ فَإِنَّنَا *** جَذَتْ أيادينا اليَد اَلْجَذَّاءُ(2)

مَلَّ اَلتَّصَبُّرِ أَضْلُعِي فَمَتِي نُرِي *** عِلْمَ اَلْهِدَايَةِ بِالْهُدَاةِ يُضَاءُ

ص: 128


1- فاسفع: سفعَ و سفعته النار و السموم إذا لفحته لفحاً يسيراً فغيّرت لون البشرة.
2- الجذّاء : المقطوعة - المكسورة.

(10) روح النبي

(بحر الكامل)

الأستاذ حسن أحمد العامر(*)(1)

يَمَّمْتُ ذِكْرِي مَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ *** فَطَفِقْتُ أنظمُ لِلْمَدِيحِ ثَنائِي(2)

وَ شَحَذْتُ فِكْرِي طَالِباً نَفْخَ اَلْهَدْيِ *** وَ مَزِيدِ أَلْطَافٍ لِسَبِّكَ وَلاَئِي

وَ وقفتُ فِي بَهْوِ اَلْبَتُولَةِ رَامِقاً *** فَرْعَ اَلنُّبُوَّةِ مَجْمَعَ الْآلاء

مُتسائِلاً فِي شَأْنِهَا كَمْ قِيلَ مِنْ *** شَعْرٍ وَ مِنْ نَثْرٍ وَ مِنْ إِطْرَاءِ

حُبّاً لَهَا وَ لَكُمْ أشادوا بِاسْمَعِهَا *** فِي صَدْرِ كُلِّ فَرِيضَةٍ وَ نِدَاءِ

قَالُوا اَلْكَثِيرُ وَ لَمْ يُؤَدُّوا حَقَّهَا *** وَ مَضَوْا لِيُبْقِيَ ذِكْرَهَا بِضِيَاءِ

ص: 129


1- (*) هو الاستاذ حسن بن أحمد بن سليمان بن إبراهيم العامر. ولد في الكويت سنة (1961م) الموافق (13/رجب/1980ه). نشأ و تربي في ظل أسرته نشأة صالحة كريمة. أخذ دراسته الأولية في مدارس الكويت، من الابتدائية و المتوسطة حتي الثانوية و بعدها التحق بجامعة الكويت و تخرّج منها بشهادة بكالوريوس بالمحاسبة. أحبّ الشعر وتعشّقه في سن مبكرة؛ و أول قصيدة قالها و هو لم يتجاوز العشرين من العمر و هو متأثر بروح الولاء لأهل البيت عليهم السلام و نظمه ذائب في فلكهم عليهم السلام و يشترك شاعرنا في الاحتفالات و التجمعات التي تقام في الكويت بمناسبة الأحداث التي مرّت فيها حياة المعصومين عليهم السلام وله الدور الفاعل في إلقاء قصيدته بالمناسبة و دائماً يلقي القبول و الاستحسان من الحضور و هذا دليل علي حسن نظمه و إخلاصه وتواضعه. و للمترجم له محاولات في التأليف، فله ديوانه الخاص الذي جمع نظمه الكثير و أيضاً له مجموعة شعرية لمختلف الشعراء و الأدباء سماها ب- (صفوة الأشعار في مرائي الاطهار) و غيرها من المؤلفات و كلها لم يطبع. ولا يزال منكباً علي نشاطه الديني و الثقافي في مختلف المجالات؛ زاد الله في توفيقه.
2- يمّمتُ: قصدت.

يَبقَي لِيَبْقَيَ ذِكْرُ آلِ مُحَمَّدٍ *** نَبْعَ الْعَطَاءِ وَ قَائِماً بِبَقَاءِ

وَ مَسَائِلَ اَلتَّارِيخِ أَيْن نَظِيرُهَا *** حَتَّي يُقَاسَ بِأَنْمُلِ اَلزَّهْراءِ

أَزَكِيَّةِ اَلْحَسَبَيْنِ هَلْ لَكَ مَشَبَّةٌ *** فِي الْخافِقَيْنِ(1) بِأَرْضِهِ وَ سَمَاءِ

أَمْ أَنَّكَ النُّورُ الْفَرِيدُ وَ مَا لَهُ *** مِثْلٌ يُنَافِسُهُ بِلا اسْتِثْناءِ

رُكْنِ الْفَضِيلَةِ أَنْتِ يَا مَيْمُونَةُ *** وَ مآلُ كُلِّ سَجِيَّةٍ حَسناءِ

تُفَّاحَةُ الْفِرْدَوْسِ سرُّ مُحَمَّد *** ثَمَرُ اَلْجِنَانِ وَ نَسَمَةُ اَلْعَليَاءِ(2)

وَ رَبِيبَةِ اَلْوَحْيِ الْمُعلي ذِكْرُهُ *** وَ كَرِيمَةٌ سُلَّتْ مِنَ الْكُرَمَاءِ

وَ رُوحُ اَلنَّبِيِّ اَلْهَاشِمِيِّ وَ رُوحُهُ *** وَ نَصِيبُهُ الْبَاقِي مِنَ اَلْأَبْنَاءِ(3)

وَ عَلَيهِ صَلُّوا فَالصَّلاةُ تَحيَّة *** تُهْدِي لِحَضْرَةِ سَيِّدِ اَلْأُمَنَاءِ

هِيَ تَاجُ فَخْرٍ فَوْقَ رَأْسِ المُرتَضِي *** بَاقٍ عَلَيْهِ بِرِفْعَةٍ وَ بَهَاءِ

كَمْ زُيِّنَتْ فَوْقَ اَلْجَبِينِ بِضُؤْئِهَا *** هَامُ اَلْإِمَامَةِ بِالسَّنَا اَلْوَضَاءُ(4)

طَهُرَتْ مِنَ الإِشْكَالِ طُهْراً مُطْلَقاً *** مَعْصُومَةً خَلُصَتْ مِنَ اَلْأَسْوَاءِ

مَا مَسَّهَا الاّ الجَلالُ مُطَهَّراً *** فَهِيَ الجَلِيلَةُ زهْرَةُ الزَّهْرَاء

ص: 130


1- الخافقين: المشرق و الغرب.
2- لعله إشارة إلي ما ذكرناه من أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما أسري به وعرج إلي السماء فكان من ربه قاب قوسين أو أدني تجوّل به جبرئيل عليه السلام في الجنة و أطعمه من رطبها و في رواية أخري ناوله تفاحة فأكلها فتحولت نطفة في صلبه فلما هبط إلي الأرض واقع زوجته خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام. انظر تاريخ الخطيب البغدادي، ج5، ص87 ح2481، و مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص383.
3- إشارة إلي قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم في حديث له حول فاطمة عليها السلام : هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله تعالي. أخرج الحديث ابن البطريق في كتابه العمدة، برقم 769. و في حديث آخر تروية فاطمة الزهراء عليها السلام عندما نزل قوله تعالي : «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا» رغب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن أقول له: يا أبه، فكنت أقول يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فأعرض عليَّ مرة أو اثنتين أو ثلاثاً ثم أقبل عليّ فقال: يا فاطمة عليها السلام إنها لم تنزل فيك و لا في نسلك و أنت منيّ و أنا منك و هناك الكثير من الأحاديث المتضمنة هذا المعني مثل قوله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام بضعة منيّ - فاطمة عليها السلام شحنة منيّ - فاطمة عليها السلام شعرة منيّ- إلخ.
4- الهام والهامّة: الرأس.

وَ ضَمِيمَةُ اَلْمَجْدِ اَلْمُقَدَّسِ وَ اَلَّتِي *** نَظَمَتْ عُقُودَ العِزِّ نَظْمَ إِبَاءِ

أُمِّ اَلنُّبُوَّةِ كَهْفَهَا وَ مَلاَذُهَا *** وَ مُقَامُ كُلِّ شَرِيعَةٍ بَيْضَاءِ

لَوْلاَهَا مَا كَانَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفِي *** نَالَ الظُّهُورَ بِعَالِمِ الْأَسْمَاءِ(1)

وَ لَمَّا غَدَا اَلْمُخْتَارُ يُعْرَفُ قَدْرُهُ *** فِي غَابِرِ الأزمانِ بِالْعَيَاءِ

مِنْ حَيْثُ كَانَتْ نُورَ عالَمِها اَلَّذِي *** عُرِفَتْ بِهِ اَلْأَسْمَاءُ بِالْأَشْيَاءِ

مَعَنِي يُشفُّ مِنَ اَلْحَدِيثِ موضَّحاً *** شَأْنَ اَلَّتِي فاقَتْ علَي اَلْعَذْرَاءِ(2)

لَوْلاَ اَلرَّسُولُ مُحَمَّدٌ وَ وَصِيُّهُ *** مَا كَانَتِ الْأَفْلاكُ غَيْرَ هَبَاءٍ

وَ بِفَاطِمٍ كَانَ السَّنَاءُ عَلَيْهِمَا *** وَكَستهُمَا حُلَلاً مِنَ الأَضْوَاءِ(3)

وَ بِهَا تَكْأمُنُّ كُلُّ غَايَاتِ اَلْمُنِي *** لمّا بَراهَا بَارِيءُ اَلْأَحْيَاءِ(4)

فَخَرَتْ بِها الْجَوْزاءُ حِينَ تسنَّمَتْ *** هَامُ الْمَجْرَّةِ فَوْقَ كُلِّ سَماءِ(5)

وَ تَحَيَّرَتْ فِيهَا الْعُقُولُ وَ أَدْهَشْتْ *** لِفَضَائِلِ جُلَّتْ لَدَيِ الْفُضَلاَءِ

فَرِضَاهَا مِرْآةُ اَلرِّضَا وَ عَلاَمَةٌ *** لِرِضَا إِلَهِ الْكَوْنِ وَ اَلْأَنْحَاءِ

فَهِيَ الْوَدِيعَةُ وَ الْمُطِيعَةُ وَ الشَّفِيعَةِ *** وَ الرَّفِيعَةِ مُلْتَقَي الْأَسْمَاءِ(6)

وَ هِيَ النَّبِيلَةُ وَ اَلْجَلِيلَةِ مَحْتِداً *** وَ دَلِيلُ كُلِّ مَعَاشِرِ النُّبَلاءِ(7)

وَ هِيَ اَلْبَصِيرَةُ قَدْ أَحَاطَتْ عَيْنُهَا *** بِجَزِيءِ كُلِّ خَلِيَّةٍ بِخَفَاءِ

ص: 131


1- لعله إشارة إلي الحديث القدسي عن الله «عزّوجل»: (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا عليّ عليه السلام لما خلقتك و لولا فاطمة عليها السلام لما خلقتكما). انظر فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي نقلاً عن كشف اللآليء لصالح بن عبد الوهاب العرندس و عن ملتقي البحرين.
2- يُشَفّ: يُتبَّنُ منه، يُستخْلَصُ. يُنْظَرُ ما وراءَه...
3- الإشارة إلي الحديث المنسوب للرسول صلي الله عليه و آله و سلم (يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا علي لما خلقتك و لولا فاطمة لما خلقتكما).
4- برأها: خلقها.
5- تستنمت: ركبتْ و عَلتْ.
6- صح في الأخبار أن لفاطمة عليها السلام عشرين اسمة كل اسم يدل علي فضيلة ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة و نقل عنه ذلك ابن شهر آشوب في مناقبه، ج3، ص409. راجع بيت الأحزان للشيخ عباس القمي، ص26.
7- محتداً: أصلاً.

عِرْفَانُهَا قُطْبٌ يَدُورُ بأُفقِهِ *** حِقَبُ اَلدُّهُورِ بِرَهْبَةٍ وَ رَجاءِ(1)

وَ لِمَنْ حَظِيَ مِنْ حُبِّها بِشَعِيرَةٍ *** نَالَ اَلْمُنِي وَ كَرَامَةَ اَلْكُرَمَاءِ

وَ اَللَّهِ لَوْلاَ فَاطِمٌ وَ مُقَامُهَا *** لِمَ تَقْتُرُنْ حَاءٌ لَنَا بِالْيَاءِ(2) (3)

وَ لَما عَرَفْنَا دِينَ أَحْمَدَ وَ الْهُدَي *** و لَمَا سَلَكْنَا مَسْلَكَ الأُمَنَاءِ

وَ لَكَانَتِ اَلْأَحْكَامُ خَلْقاً كَالَّذِي *** يَتْلُوا اَلنِّسَاءُ بنيةَ الشُّعَرَاءِ

رَكَعْتْ أَسَاطِينَ الْعُلُومِ لِفَضْلِهَا *** وَ تَقَهّقَرْتْ بِمَخَافَةٍ وَ حَيَاءِ

أَنِّي وَ قَدْ عَجَزُوا بِزَعْمٍ نُفُوذِهِمْ *** عَنْ حِلِّ فَاءٍ بِاسْمِهَا وَ اَلطَّاءِ

فَتَعَالَيْ رَبِّ قَدْ حَبَاكَ مُعَاجِزاً *** عَرَجَتْ إلهيا أَنْفُسُ اَلْعُرَفَاءِ

هِيَ سِرٌ سِرِّ لَوْ يَفُوزُ بِبعضهِ *** عَقْلٌ لَطَارَ مُحَلَّقاً بِجَلاَءِ

وَ لَسارَ فَوْقَ الْمَاءِ مُمْتَثِلاً لَهُ *** أَجْزَاءُ كُلِّ حَبِيبَةٍ فِي الْمَاءِ

يَا صَفْحَةَ الْأُفُقِ الْمُضِيءِ تَلَأْلَأَتْ *** فِيهَا نُجُومُ مَكَارِمٍ بِصَفَاءِ

لِلنَّاظِرِينَ وَ لاَ مِسَاسَ تَهَابُهُ *** وَ اَلْأُفُقُ يَخْشِيُ مِسْاسَ لِرَّاءِ

ص: 132


1- ورد في الخبر (هي الصديقة الكبري عليها السلام وعلي معرفتها دارت القرون الأولي) انظر بحارالأنوار ج43، ص10 - 12.
2- اقتران الحاء بالياء يشكل كلمة حي و المقصود لولا مقام فاطمة الزهراء عليها السلام عند ربها لم تكتب لنا الحياة ولا كنا من الأحياء.
3- اقتران الحاء بالياء يشكل كلمة (حي) و لعل المقصود لولا فاطمة الزهراء عليها السلام ومقامها عند ربها لم تكتب لنا الحياة و دليل ذلك ما ورد في أحاديث كثيرة منها الحديث القدسي الذي أوردناه تحت رقم (3) و حديث الكساء المروي في عوالم العلوم للشيخ البحراني و ينقله عنه صاحب مفاتيح الجنان بسند صحيح عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء عليها السلام ثم يروي حديث الكساء الذي اقترن بآية التطهير و أوردناه سابقاً حتي يصل إلي قوله تعالي في الحديث: يا ملائكتي و يا سكان سماوات إني ما خلقت سماء مبنية و لا أرضاً مدحية و لا قمراً منيراً ولا شمساً مضيئة و لا فلكاً يدور و لا بحراً يجري و لا فلكاً يسري إلاّ في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرئيل: يا رب و من تحت الكساء فقال «عزّوجل»: هم أهل بيت النبوة عليهم السلام و معدن الرسالة هم فاطمة عليها السلام و أبوها و بعلها و بنوها... إلخ. و بما أن أهل بيت النبوة عليهم السلام هم الواسطة في خلق الخلق بإذن الله «سبحانه» و إرادته و فاطمة عليها السلام هي المحور في ذلك كما تقدم ذكر الشاعر في بيته ذلك و الله أعلم.

شَمْسِ الْحَقِيقَةِ أَنْتِ يَا مَيْمُونَةً *** وَ سَنَاؤُكِ الْأَلْطافُ فِي الْأَحْياءِ

مِنْ وَجْهِكَ الْأَنْوارُ تُشْرِقُ كَيْفَ مَا *** تهوِينَ يَا رَمْزَ اَلْعَلِي كَذُكَاءِ

مَنْ أَبْيَض زَاهٍ وَ أَصْفَرَ فَاقِعٍ *** يَتْلُوهُ أَحْمَرُ إِذْ دَنَتْ لِمَسَاءِ

وَ تَلُوحُ فَوْقَ هَيَاكِلِ اَلتَّوْحِيدِ مِنْ *** إِشْرَاقِكَ اَلْأَنْوَارُ فِي الأرْجَاءِ

أزْجَاجَةَ الْمِصْبَاحِ فِي مَشْكَاتِهِ *** وَالْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ في الأجْواءِ(1)

لِلَّهِ أَنْتِ فَكَمْ حَوَيْتِ فَضَائِلاً *** أَرْخَي عَلَيْهَا اَلْغَيْرُ ثَوْبَ خَفَاءِ

وَ بِرْغْمِ هَذَا قَدْ بَدَا مَا قَدْ بَدَا *** أَثْرَي العقُول بِنفحِكِ اَلْمِعْطَاءِ

فَتَنَافَسَ الْعُلَمَاءُ فِي إِظْهَارِهَا *** وَ تَسَابَقَ الشُّعَرَاءُ فِي اَلْإِطْرَاءِ

وَ كَمْ تَشَرِّفَ فِي مَديحِكِ ناظِمٌ *** قَصْدَ الْمَنِي بِقَصِيدَةٍ غَرَّاءِ

وَ إِلَيْكَ قَدْ سَطَّرتُ رَمْزَ مَحَبَّتِي *** لِأَفُوزَ فِي يَومِ اللّقا بِجَزَاءِ

وَ لِأَجْلِ مُؤَلِّدِكِ الشَّرِيفِ تَنَزَّلتْ *** مِنْ عَالَمِ اَلْأَلْفَاظِ وَ اَلْأَسْمَاءِ

هَجَرِيَّةٌ طَابَتْ وَ طَابَ نَشِيدُهَا ***حَسَنِيَّةً مَا شَوَّهَتْ بَرِيَاءِ(2)

فَتَقبَليها تُخَفَةً مِنْ فَيْضِكُمْ *** تُهَنِّي اَلسُّرُورَ حُلَّةٍ حَسْنَاء(3)

وَ خِتَامُهَا صَلُّوا علَي خَيْرِ النِّسَّا *** وَ عَلَي اَلنَّبِيِّ وآله الأمناءِ

ص: 133


1- إشارة إلي قوله تعالي في سورة النور الآية (35): «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ»، و قد وردت الأخبار الكثيرة من طرف أهل البيت عليهم السلام و غيرهم أن أظهر مصاديق هذه الآية هم أهل بيت النبوة عليهم السلام كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أن المشكاة هي فاطمة الزهراء عليها السلام. انظر تفسير نور الثقلين، ج 3، ص 602 و تفسير الميزان، ج 15، ص 141.
2- هَجرية أي من هَجَر و هَجَر اسم يطلق سابقاً علي القطيف و الإحساء و البحرين و الآمد يعني منطقة الإحساء فقط.
3- في الأصل: و حلةَ حسناءِ و هو تصحيف واضح.

(11) بَيتُكِ السَّامِي

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

عِزُّ اَلْعَزَاءِ عَلَيْكَ يَا زَهْرَاءُ *** فَلَقَدْ دَهَتْكَ مُصِيبَةٌ شَنْعَاءُ(2)

ص: 134


1- (*) هو الشيخ حسن بن عبد الله بن حسين البحراني القيسي، ولد في البحرين سنة (1940م) الموافق (1360 ه) في قرية الدية. نشأ و ترعرع في ظل أسرته و تحت رعاية والده و نال منه التربية الصالحة و منذ صغره كان مولعاً بالعلم و الأدب فأخذ دراسته الابتدائية في البحرين و في سنة (1960م) هاجر إلي مدينة العلم النجف الأشرف لينهل من معين الحوزة العلمية فيها، فتتلمذ علي المدرسين مثل الشيخ جعفر الإيرواني و الشيخ حبيب الغروي و الشيخ عباس الدرازي و غيرهم من الأساتذة، فدرس النحو و الصرف و المعاني و البيان و الفقه و الأصول و بعد أن أخذ قسطاً وافراً من العلم و الفضل عاد إلي البحرين موطن آبائه و أجداده و لم يكتف بطلب العلم، فاتصل بالعالم الجليل السيد علوي ابن السيد أحمد الغريفي ليزداد منه معرفةً و علماً. و المترجم له، صاحب موهبة كبيرة في مجال المنبر الحسيني، فهو بحق خطيب بارع و منطيق فذ يرقي المنبر بكل جدارة و كفاءة، و قد شاهدته في الكويت يصعد المنبر و يجيد فنون الخطابة بأسلوبه القديم متأثراً بأستاذه في الخطابة «ملا أحمد بن رمل» بطل المنبر الحسيني و شيخنا القيسي، أحب الشعر و شغف به، و ابتدأ بقرض الشعر و عمره ثلاث عشرة سنة و أول قصيدة نظمها في الإمام موسي بن جعفر « عليه السلام» و هو مكثر في النظم، ولعّله لا تفوته مناسبة دينية إلاّ وله فيها قطعة شعرية. و للمترجم له مؤلفات كثيرة منها 1- الدعوات المستجابة في التوبة والإنابة (خمسة مجلدات)، 2 - الشذرات النورانية جزءان 3 - شرح القصيدتين في رثاء العباس و الحسين عليهما السلام، 4 - تفسير الأحلام في الرؤيا و المنام، 5- كنوز المدح و الرثاء، 6- العترة الطاهرة، 7- خير المساعي تخميس قصيدة دعبل الخزاعي، و لا يزال مكباً علها خدمة أهل البيت «عليهم السلام».
2- عزَّ: قلَّ، فكاد لا يوجد و منه الحديث: المؤمنة أعزّ من المؤمن، و المؤمن أعز من الكبريت الأحمر و الشناعةُ: الفظائع و الشنعاء: الفظيعة.

قُومِي اِلْبَسِي ثَوْبَ اَلْمُصِيبَةِ وَ اعولي *** حَزْناً فَدَهْرِكِ لَوْعَةٌ وَ بُكَاءٌ

نَصَبَتْ لَكَ الْأَعْداءُ حِقْداً كامناً *** اَللَّهُ مَانْصَبتْ لِكِ اَلْأَعْداءُ!

قَدْ أَسْقَطُوا مِنْكَ الْجَنِينَ وَهَشَّمُوا *** اَلْأَضْلاَعَ فِي عُرْضِ اَلْجِدَارِ وَ جَاؤُوا(1)

بِالنَّارِ لِلْبَابِ الشَّرِيفِ لِيُحْرِقُوا *** بَيْتاً بِهِ اَلْقُرْآنُ وَ اَلْأُمَنَاءُ

تَاللَّهِ لاَ أَنْساكِ حِينَ تَجْمَعتْ *** بِفِنَاءِ دَارِكِ خِفْنَةٌ لُؤْماءُ

وَ تَقَحَّمُوا فِي بَيْتِكِ اَلسَّامِي اَلَّذِي *** هُوَ دُونَهُ فِي قَدْرِهِ اَلْجَوْزَاءُ

لَطمُوكِ لَطْمَةً حَاقِدٍ مِنْ شَرِّهِمْ *** لِلَّهِ يَا لِكِ لطمةً شُنْعَاءُ (2)

اَللَّهِ يَا لَكَ لَطْمَةً بَكَتِ اَلسَّمَاءُ *** لَهَا دَماً وَ ارْتَجَّتِ الْأَرْجَاءُ

يَا وَخِزَةَ الْمِسْمَارِ صوبتِ العُلا *** فَأَصابَ قَلْبَ اَلدِّينِ مِنْكِ الدُّاءُ

صَوَّبْتَ فَاطِمَةَ اَلْبَتُولِ بِصَدْرِهَا *** مَا أَنْتَ الاّ طَعْنَةٌ نجلاءُ

وَقَعَتْ عَلَيَّ قَلْبِ اَلْهُدْي فَإِذَا اَلْهَدْيُ *** بَاكٍ وَ تِلْكَ دُمُوعُهُ حَمْراءُ

صَوَّبْتِ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ بِضَرْبَةٍ *** فَالصَّدْرُ مِنْكِ تَسِيلُ مِنْهُ دِمَاءُ

وَ احْسَرْتَاه لِمَا أَصَبْتِ فَإِنَّهُ *** لَبِعِينٍ رَبِّ اَلْبَيْتِ يَا زَهْرَاءُ

حُتِّي مِنَ الدُّنْيَا خَرَجتِ كَثِيبَةً *** تَبْكِي عَلَيكِ الشِّرعةُ الْغَرَّاءُ

وَ تَتَّبِعُوا أَبْنَاكِ أَيْ تتَّبُعٍ *** فَإِذَا هُمْ حَرْبٌ لَهُمْ بَلاءُ

حَتي اذادُوهُم بِكُلِّ تَنُوفَةٍ *** تَنْتَابُهُم دُونَ اَلْمَلاَ لَأْوَاءُ (3)

مَا جُزْتُ أَرْضاً أَوْ نَزَلْتُ بِقِيعَةٍ *** إِلاَّ لمحنتِهِم بِهَا أَصْدَاءُ

فَبِأَرْضِ سامرا وَ بَغْدَادٍ وَ فِي *** طُوسَ لَهُمْ حَفَرٌ بِهَا أَشْلاَءُ(4)

ص: 135


1- عُرض الجدار: ناحيته. هشموا: بالغوا في الكسر.
2- يجوز نصب لطمة بناءً علي إرجاع لطمة إلي التعجب بقوله: يا لك و علي هذا يكون النصب علي نزع الخافض، لأن الأصل يا لك من لطمةٍ. و أما رفع شنعاء فهو علي النعت المقطوع.
3- دُوهُمْ: من (المداهمة) و هو الهجوم السريع المباغت. التنوفة: من التَّنَف و الجمع تَنائفُ: الأرض القفر؛ البعيدة الماء؛ المفازة؛ التي لا ماء بها من الفلوات و لا أنيس و إن كانت معشبة. لسان العرب و اللأواء: المشقّة و الشدّة و ضيق المعيشة.
4- في سامّراء يرقد الإمامان العاشر و الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام و هما: علي بن محمد النقي الهادي و الحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) و في بغداد الإمامان السابع و التاسع منهم «عليهما السلام» و هما: موسي بن جعفر الكاظم و محمد بن علي الجواد( عليهما السلام) و في طوس كذلك مثوي الإمام الثامن من الأئمة الإثني عشر و هو علي بن موسي الرضا عليه السلام.

وَ اعْطِفْ عَلَي وادِيَ الْغَرِيِّ فَاِنَّهُ *** فِيهِ الْوَصِيُّ الطّاهِرُ الْوَضَّاءُ(1)

وَ بِأَرْضِ طَيْبَةَ وَ اَلْبَقِيعِ تُرِي لَهُمْ *** حُفَراً يَهِيجُ لِشَجوهَا الإبْكَاءُ(2)

لِلَّهِ أَقْمَارُ السَّمَاءِ تَجَرَّعتْ *** سُمّاً فَهُمْ دُونَ اَلْمَلاَ غُرَبَاء

سَمّا تَذُوبُ لَهُ اَلصُّخُورُ وَ وَقْعَهُ *** نَارٌ لَهَا وَسَطَ اَلْقُلُوبِ ذَكَّاءُ(3)

و بِكَربِلاَ طُعْمَ اَلْأَسِنَّةِ وَ الْقَنَا *** أَمْسِي اَلْحُسَيْنُ وَ مَا لَهُ رُحَمَاءُ(4)

طُعْمَ اَلسُّيُوفِ وَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ *** صَرْعِي وَ مَا لَهُمُ هُنَاكَ غِطَاءُ

جَرَعُوا اَلْحُتُوفَ عَلَي ظَمّا وَ بِجَنْبِهِمْ *** شَاطِي اَلْفُرَاتِ بِهِ يَلُوحُ الْماءُ(5)

يا آلَ أَحْمَدَ رُزُؤُكُمْ تَبْكِي لَهُ *** شُهُبُ السَّماءِ وَ تَنْحَبُ اَلْغَبْرَاءُ

ثُمَّ اَلصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ مَا يَمَمتْ *** عِيسٌ وَ فِيهَا تَرْتَمِي اَلصَّحْرَاءُ(6)

ص: 136


1- هو أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام و هو أول أئمة أهل البيت عليهم السلام.
2- طيبة (علي وزن شيبة): هي المدينة المنورة و البقيع مقبرة بالمدينة مشهورة و يقال لها أيضاً: بقيع الغرقد -بالغين المعجمة- و الغرقد: شجر له شوك كان ينبت هناك فذهب و بقي الاسم لازماً للموضع و ذكر ابن منظور في اللسان: أنّ من الأسماء التي وضعها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ليثرب: طَيْبَة و طابة و طيبِّة و المطيِّبة و الجابرة و المجبورة و الحبيبة و المحبَّبة.
3- الذَّكاء للنار: شدّة و هجها و منه قولهم: أحرقني ذكاؤها.
4- الطُّعم، بضم الطاء و سكون العين: الطعام، عن المصباح المنير.
5- الحُتُوف علي وزن صُفوف: جمع حتف، و هو الموت و جرعوا: يمكن أن تُقرأ مبنّية للمجهول أو المعلوم و الأولي للمعني أنسب، ولكن العادة جرت علي قراءة الفعل حينئذٍ بالتشديد.
6- يمَّمَت: قصدت. عيس: الواحد أعيس و الواحدة عيساء الإبل البيِض يخالط بياضها سوادٌ خفيف و هي كرام الإبل.

(12) درةُ المجد

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ زَكِيٌ مُهَيْمِنْ *** وَ تَرَاهُ فِي اَلْعِلْمِ وَ الْحِلْمِ مُمْعَنْ

لَيْسَ فِيهِمْ الاّ الوليُّ المُؤمِنْ *** ثُمَّ سَلْنِي عَنْ أُمِّهِمْ و اسْتَمِعْ مِنيَ

وَصفاً مَا لَيْسَ فِيهِ خَفَاءُ

إنَّها بَضعَةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدْ *** وَ هيَ بَحرُ العِلمِ الّذي مَا لَهُ حَدّ

وَ رِضَاهَا مِنْ رِضاها تَأكدْ *** هِيَ أَمْ نَظِيرُهَا لَيْسَ يُوجَدْ

إِنَّهَا الطُّهْرُ فاطِمُ الزَّهْراءُ(2)

ص: 137


1- (*) مرت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- في البيت إشارة إلي أمور خمسة تتصف بها ابنة المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم و هي: أ- كونها بضعة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو ليس محل شاهد، بل أراد الشاعر بذلك الكناية عن أحاديث رضاها و أذاها و قد أورد الهمذاني في كتابه فاطمة الزهراء عليها السلام بهجة قلب المصطفي ص47- 50 قرابة عشرين حديثاً تشبه ما نقلناه و قد نقل ذلك عن كثب أعيان العامة و أئمتهم منها صحيحا البخاري و مسلم و المستدرك عليهما و مسند أحمد و كنز العمال و طبقات ابن سعد و نور الأبصار للشبلنجي و إرشاد الساري و هامشه و فيض القدير و مثله يمكن مراجعة فضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروزآبادي، ج3، ص151 و ما بعدها. ب- وصفها بالعلم غير المحدود و يشهد لذلك كونها محدّثة و حديث مصحفها الذي كان الأئمة عليهم السلام يرجعون إليه و كونها معصومة عليه السلام و العصمة لا تتأتّي إلاّ بمعرفة الصحيح و ارتكابه و تشخيص الخطأ و الباطل و اجتنابه و ذلك أوضح مراتب العلم و أعلاها. و في الأحاديث أن آل البيت المعصومين عليهم السلام كانوا «يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن» كما في فضائل ابن شاذان، ص80 - 82 و البحار، ح163/56، باب23 و في عوالم العلوم والمعارف ج11، ص 6 - 7. ج- أن الله سبحانه يرضي لرضاها و هو من أجلي مظاهر =القداسة و العصمة و لك أن تراجع (2/ 5) و (4/7) و (8/12) و (6/18). د- أنها أمّ لا كسائر الأمهات، فراجع ينابيع المودّة ص 227، قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم : ألا أدلكم علي خير الناس أبا و أماً؟ قالوا: بلي يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. قال الحسن و الحسين عليهما السلام أبوهما عليّ ... (إلي أن قال :) و أمّهما فاطمة سيدة نساء أهل الجنة عليها السلام. ه- أن من أسمائها الطاهرة و الزهراء و فاطمة عليها السلام.

لَوْ سَأَلْتَ اَلْقُرْآنَ سَطْراً فسطرا *** فَهُوَ فِي فَضْلِهَا يُشِيدُ وَ يُقِرَّا

وَ بِهِ قَدْ عَلْتَ مَقَاماً وَ قَدَرا *** وَ كَفَي بِالْقُرْآنِ مَدْحاً وَ فَخْرا

وَ لَنِعْمَ الْإِفْصَاحُ وَ اَلْإِطْرَاءُ(1)

دِرَّةُ اَلْمَجْدِ قدْرُهَا كانَ سَامِي *** هِيَ قُطْبُ اَلْعُلاَ وَ قُطْبُ النِّظَامِ

هِيَ ذَاتُ اَلْكَمَالِ وَ اَلْإِعظَامِ *** هِيَ أَمِ اَلْهُدَاةِ أَمِ اَلْمَيَامِين

وَ نِعْمَ اَلْأَمَاجِدُ اَلنُّجَبَاءُ(2)

هَذِهِ فاطمٌ حَبِيبَةُ طهَ *** إِنْ تَكُنْ قَدْ شَكَكْتَ فِي عُلْيَاهَا

ص: 138


1- يصعب حقاً تحديد أعداد الآيات التي نزلت في حق سيدة النساء عليها السلام، بشكل خاصّ بها أو عامِّ لها و لأهل البيت جميعاً، بحيث يندر أن توجد سورة من سور القرآن الكريم و هي خالية من آية أو آيتين علي الأقل تصرحّان بفضلهم و تناديان بحسن بلائهم و تقدُّم حقّهم علي سائر المسلمين. ومن نافلة القول: أن هذا الأمر لا يختص بالشيعة الإمامية، بل يشاركهم في ذلك علماء العامة أيضاً، حتي لقد جمع بعض الأعلام الآيات النازلة بحق الزهراء عليها السلام و أهل البيت عليهم السلام من طرق العامة فقط، فبلغت أكثر من مائتين و خمسين آية، موزَّعة علي قرابة سبعين سورة من سُوَر الكتاب العزيز.
2- في البيت إشارة إلي ثلاث خصال لها عليها السلام؛ و هي: أ- أنها قطب النظام و مركز العلا و المقصود: هي مع أبيها و بعلها و بنيها، و يمكن أن يراجع ذيل حديث الكساء المتواتر و قدم خلقهم و توسّل الملائكة و النبيّين بهم. ب- أنها متصفة بالكمال و العظمة و قد ورد في فرائد السمطين للجويني، ج 2، ص 68 عن النبي عليهم السلام: «و لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة عليها السلام، بل هي أعظم، إن فاطمة عليها السلام بنتي خير أهل الأرض عنصراً و شرفاً و كرماً» مع ملاحظة أن الحسن و الكمال هنا واحد. ج- . أنها أم الأئمة الميامين (عليهم السلام) و هو من أوضح الواضحات التي لا تحتاج إلي دليل و شاهد، بل هو مورد اتفاق المؤالف و المخالف و إجماع أهل القبلة أجمعين.

فَانْظُرِ اَللَّهَ مَا اَلَّذِي أَعْطَاهَا *** ثُمَّ سَلْ هَلْ أَتِيَ وَ عَمَّا حَبَاهَا

رَبَّنَا وَ هُوَ قَادِرُ مَا يَشَاءُ

كَمْ حَفَاهَا بِمِدْحَةٍ وَ مَزَايَا *** وَ حَبَاهَا مِنْهُ بِحُسْنِ اَلسَّجَايَا

وَ بِهَاكُمْ أَبَانَ مِنْهُ وَصَايَا *** وَ هُوَ مُعْطِي اَلْأَرْزَاقِ مُنْشِي اَلْبَرَايَا

وَ لَدَيْهِ اَلْإِنْعَامُ وَ اَلنَّعْمَاءُ

ص: 139

(13) أبكي عَلَيكِ

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

عُرِّجْ بِتُرْبَةِ فَاطِمِ اَلزَّهْرَاءِ *** وَ انْدُبْ وَ نَادِ بِخِرْقَةٍ و بكاءِ

وقُلِ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَنْ أَصْبَحَتْ *** أَرْزاؤُها مِنْ أَعْظَمِ الْأَرْزَّاءِ

يَا مَنْ عَلَيْها الْحُزْنُ صَبَّ كَأَنَّهُ *** سُحُبُ اَلسَّمَاءِ وَ قَدْ هَمَّتْ بِالْماءِ

ما زُرْتُ قَبْرَكَ طالِباً لِمَثُوبَةٍ *** اِلاّ انْدَفَعْتُ بِحُرْقَتِي وَ بُكائِي

وَ تَفَجَّرَتْ عَيْنَايَ دَمْعاً هَامِياً ***كَالسَّيْلِ إِذْ يَجْرِي عَلَي اَلْبَطْحَاءِ(2)

وَ تَسَعَّرتْ نَارُ الجَوَي بِحُشَاشَتِي *** وَ أَنُوحُ كَالْقَمَرِيِّ وَ اَلْوَرْقَاءِ(3)

أَبْكِي عَلَيكَ كَثيبَةً مُستَوْحِشاً *** بَعدَ النَّبِيِّ عَلَيْكِ كُلُّ ثَواءِ(4)

وَ مِنَ الشِّجاءِ تُخاطِبِينَ دِيارَهُ *** وَ اَلْقَلْبُ مِنْكِ يَنُوءُ بِالْأَرِزَّاءِ(5)

تَدعِينَهَا يا دَارُ أَيْنَ مُحَمَّدٌ؟ *** فَمُحَمَّدٌ عَنِّي وَ عَنْكِ نَائِي

ص: 140


1- (*) مرت ترجمة الشاعر سابقاً.
2- هَمَتْ عينهُ هَمْياً و همُيِّاً و هَمَياناً: صبَّت دمعها، أو سال دمعها، لسان العرب.
3- سَعَّر الحرب و النار: أو قدهما وهيّجهما و تستمرت: استوقدت ومنه قوله تعالي: «وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ». و الجوي: الحُرقة و شدّة الوجد من عشق أو حزن و الحُشاشة: روح القلب و رمق حياة النفس، أو هي بقية الروح في المريض. و القُمرَيّ: طائر يشبه الحمامَ القُمرَ البيض و القمْريَّةُ و الورقاء: ضربان من الحمام. قيل : و ذلك يشير إلي لونيهما، فالورقاء بمعني السمراء و القمرّية بمعني البيضاء و الجمع وُرْقّ و قُمْرّ و قماري.
4- التَّواء: طول المقام، عن اللسان و هو الموت، عن المنجد.
5- الشجا: مقصورة، الهمُّ و الحزن و المدّ للضرورة. انظر المنجد وينوء بالأرزاء: ينهض بها بثقل و مشقّة. و الأرزاء: جمع رُزْء و هو المصيبة.

يَا دَارُ كُنْتِ مُضِيئَهةً بِضِيَائِهِ *** وَ اَلْيَوْمَ قَدْ غُشِيتِ بِالظَّلْمَاءِ

لاَ تَرْتَجِي يَا دَارُ عَوْدَةَ عَائِدٍ *** مِنْهُ وَ لاَ تَرْدِيدَ أَيَّ نِدَاءِ

مَاتَ اَلنَّبِيُّ فَأَعْوِلِي يَا دَارَنَا *** مَا فِيكِ الاّ وَحْشَةُ الاصداءِ

أَلْيَوْمَ ماتَ أَبِي وَ مَنْ عَمَّ الوَرِي *** بِالْفَضْلِ وَ اَلْإِحْسَانِ وَ اَلنَّعْمَاءِ

مَاتَ اَلَّذِي نُسْقِي اَلْغَمَامَ بِوَجْهِهِ *** وَ نُعَمُّ بِالْأَنْدَاءِ وَ اَلْأَنْوَاءِ(1)

تَاللَّهِ يَا أُمَّ اَلْحُسَيْنِ مُصابُكمْ *** رُزْءٌ يُقْصِّرُ جُمْلَةَ اَلْأَرِزَّاءِ

عَنْهُ، فَلَيسَ هُنَاكَ رِزْءٌ مِثْلُهُ *** أَبَداً لَدَي الأَرِزَّاءِ وَ اَللَّأْوَاءِ

أَبْكِيكِ مَغْشِيّاً عَلَيْكَ كَسِيرَةِ اَلضِّلْعَيْنِ *** مُلْقَاةً عَلَي الْغَبْراءِ

دَخَلُوا عَلَيْكَ اَلدَّارَ جَهْراً عُنْوَةً *** قَسْراً وَ أَنْتِ بِهَا بِغَيْرِ رِدَاءِ

أَبْكِيكِ وَالمِسمارُ أمسي نَافِذاً *** فِي الصَّدرِ وَ هُوَ مُضَرَّجٌ بِدِماءِ(2)

أَبْكِيكَ خَلفَ الْمُرْتَضِي تَدَعِينَهُمْ *** وَ اَلْقَلْبُ غَصَّ بلوعَةٍ وَ شُجَاءِ

ص: 141


1- الأنداء: جمع ندّي و هو البلل و القطر و الغيث. و الأنواءُ: جمع نوء و هو المطر، أو إشارة إلي وضع مخصوص للنجم يلازمه هطول المطر. أو هو سقوط نجمٍ في الغرب و طلوع آخر في الشرق و من هناك عبّروا عنه بالنَّوء.
2- المستحصل من مجموع النصوص، من مصادر الفريقين أن الاعتداء من قبل القوم، علي الزهراء عليها السلام و أمير المؤمنين عليه السلام قد جري في صور متعدّدة: الأولي: ضرب بضعة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باليد و السوط و نعل السيف و قد نسبت النصوصُ كُلَّ ذلك إلي عمر و قنفذ و المغيرة بن شعبة و في بعضها أن قنفداً إنما تجرّأ علي ذلك بأمر أبي بكر و في بعضها أنه بإيعاز و أمر من عمر، بحيث إن ذلك الضرب أحدث في جسدها الحراج و الندوب و الدماليج إلي أن وافاها الأجل متأثرةً بالجراحات و الأوجاع. الثانية: إحراق باب بيتها سلام الله عليها، أو التهديد بإحراقه، وقد صرّحت النصوص بجمع الحطب و الجزل علي باب بيتها و تهديد عمر بالإحراق و قد نبّهه من اجتمعوا معه بأن في الدار فاطمة عليها السلام، فقال: و إن . بل إن الزهراء عليها السلام قد ناشدته عدم الإقدام، لكنه كان مصرّاً علي أن يخرجوا و يبايعوا أبابكر مكرهين. الثالثة: إسقاط الجنين و هو المحسِن، أو المحسَّن و قد نسبته النصوص بصراحة تارة إلي عمر و أخري إلي قنفذ ابن عمه و ثالثة إلي المغيرة بن شعبة و لا يبعد أن يكون الإجهاض قد نتج عن فعل الثلاثة جميعاً. الرابعة: اقتحام الدار بالسلاح، من دون استئذان، مع تصريح سيدة نساء العالمين لهم بأنها تحرّج عليهم دخول بيتها. لكن النصوص تتفاوت في عدد المقتحمين لبيت الرسالة و العصمة، علي أن القدر المتيّقن منه كونهم عشرة أو ما يقرب من ذلك و لعلّ ما يوضّح ذلك قول بعض الروايات: «أن عمر و أصحابه اقتحموا الدار و فاطمة عليها السلام تصيح وتناشدهم الله» و في أخري: «فانطلق قنفذ فاقتحم الدار هو و أصحابه بغير إذن فبادر علي إلي سيفه ليأخذه فسبقوه إليه، فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه، فقبضوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود» و في ثالثة: «فجاء عمر في عصابة فيهم فلان و فلان فاقتحموا الدار، فصاحت فاطمة عليها السلام و ناشدتهم الله...» و قد أتينا في الهامش السابع عشر من القصيدة الثالثة عشرة علي ذكر اثني عشر رجلاً من القوم الذين هاجموا البيت و اقتحمه أكثرهم، إن لم يكن كُلّهم، فراجع. الخامسة: العصر من وراء الباب و الإدماء و قد نسبته النصوص التي بأيدينا إلي قنفذ بن عمير و المغيرة بن شعبة و عمر علي الأقلّ و لئن كان ثمة ترديد في البين فإنّه راجع إلي تحديد الباب الذي وقعت بوسيلته الجريمة. فهل هو باب الدار كلها، أم باب حجرة الزهراء عليها السلام نفسها؟ حيث يفهم من بعض النصوص الأول و من بعضها الآخر الثاني. السادسة: كسر الضلع و قد نصت عليها بعض النصوص بصراحة و وضوح. حيث ورد في بعضها : «فألجأها قنفذ إلي عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها». هذا كله بخصوص ما جري بحقّ الزهراء عليها السلام و أما ما جري بحق أميرالمؤمنين عليه السلام في تلك الواقعة، فهو اغتصاب الخلافة و اقتحام بيته و انتهاك حرمته و التهديد بإحراق بيته وإخراجه ملبّياً و سوقه من بيته إلي المسجد سوقاً عنيفاً و تهديده بالقتل إن لم يبايع. و كما هو واضح فإن ما قمنا به هنا هو فرز الأحداث و توضيحها بشكل ممنهج، لكي يتسنّي للقاريء ملاحظة ذلك، عند ذكرها منثورة بين الهوامش. مضافاً إلي كتاب السقيفة و فدك لأبي بكر الجوهري الصفحات 44، 45، 50، 51، 60، 69، 70، 71، 72 و غيرها و بيت الأحزان للمحدث القمي، نقلاً عن: المجلد الثامن من البحار بطبعته القديمة ص 222، 223، 224، 231 و غيرها من الصفحات . السابعة: الشتم و الإهانة قولاً و فعلاً بحقّها عليها السلام و قد صرّحت النصوص بصدوره من عمر ابن الخطاب علي وجه الخصوص و من أبي بكر و غيره علي وجه العموم. أما عمر فقد ذكرت مصادر الفريقين مع شيءٍ من التفاوت أنه حينما جاء مصحوباً بعصابته يريد هتك حرمة بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم و كانت فاطمة عليها السلام وراء الباب و دقّ الباب دقاً عنيفاً، فقالت له فاطمة عليها السلام: يا عمر مالنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه؟! قال: افتحي الباب و إلاّ أحرقناه عليكم! فقالت: يا عمر أما تتقي الله «عزّوجل» تدخل عليّ بيتي و تهجم علي داري... فأبي أن ينصرف. ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة عليها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فرفع السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت: يا أبتاه! وحينما طالبت فاطمة عليها السلام أبابكر بفدك و العوالي و سائر حقوقها، فرأي نفسه محجوجاً أمامها و قرّر أن يكتب لها ذلك، إذ جاء عمر مسرعاً و هو يقول: يا خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لاتكتب لها حتي تقيم البينة بما تدّعي! و لمّا جاءت بعلي عليه السلام و أم أيمن و الحسنين عليهما السلام يشهدون، قال عمر: أم أيمن امرأة أعجمية لا تفصح و أما علي عليه السلام فيجر النار إلي قرصه، فرجعت فاطمة عليها السلام مغتاظة فمرضت... إلخ. ومرة تذكر الروايات أنها (عليها السلام) حجت أبابكر فكتب لها بذلك كتاباً، فلقيها عمر، فسألها، فقالت: كتاب كتبه لي أبوبكر، فجرّ عمر منها الكتاب و بصق فيه و خرّقه. و في رواية : أنه طلب الكتاب منها فامتنعت، فرفسها برجله و أخذ الكتاب منها قهراً و بصق فيه و خرّقه و قال: هذا فيء للمسلمين... فقالت: بقرت كتابي بقرالله بطنك. و عندما جاء هو (عمر) و أبوبكر يزعم طلب الصفح و العفو من فاطمة عليها السلام بعد كل الذي ارتكباه بحقّها... و كان منها عدم الصفح، فجعل أبوبكر يبكي، لكن عمر صار يقول: تجزع يا خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من قول امرأة. و أما أبوبكر فليس أدلّ علي إهانته لها من ردّها حين طالبت بحقّها و هي الصدّيقة الطاهرة عليها السلام التي أذهب الله عنها الرجس و طهّرها تطهيراً و كذلك ردّ و كلاءها في فدك و حيطانها السبعة و أوضح من ذلك أمره لقنفذ بن عمير أن يهجم علي دارها و إن لم تأذن، ثم المزها و بعلّها (صلوات الله عليهما) في خطبته المعروفة بعد أن خرجت في طلب حقّ علي عليه السلام في الخلافة.

ص: 142

خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي مَا لَكُمْ يا عُصْبَةٌ *** رَوَّعْتُمْ بِفِعَالِكُمْ أَبْنَائِي(1)

رَجَعُوا إِلَيْكَ بِالسِّياطِ وَ آلَمُوا *** مِنْكَ الْمُتونَ بِقَسْوَةٍ وَ عَنَاءِ

لَطَمُوا عُيُونَكِ يَا لَهَا مِنْ لَطْمَةٍ *** قَدْ أَوْرَثَتْهَا حُمْرَةً بعماءِ

يَا بِنْتَ أَحْمَدَ مَا ذَكَرْتُ مُصَابَكُمْ *** الاّ غَصَصْتُ بلوعَةٍ وَ بُكَاءِ

صَلِّيَ عَلَيْكِ اَللَّهُ مَا قَمَرٌ بَدَا *** وَ بِنُورِهِ أجَلي دُجِّيُّ اَلظَّلْمَاءِ

ص: 143


1- إشارة إلي موقفها و صرختها في المسجد التي حالت بها دون أن يقدم القوم علي قتل علي عليه السلام، فراجع.

(14) حياة الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن الصفار (*)(1)

رَوْعُةُ اَلْحَقِّ وَ اَلْعَفَافِ تَجَلَّتْ *** مَنْ مُحْيَا اَلصِّدِّيقَةِ اَلزَّهْرَاءِ

ص: 144


1- (*) هو الشيخ حسن ابن الحاج موسي ابن الشيخ رضي ابن الحاج علي ابن محمد بن حسن ابن فردان الصفار التاروتي. ولد في القطيف في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية في الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة (1377 ه)، نشأ بها نشأة طيبة و تربّي في كنف والده الصالح و شبّ علي حب العلم و الأخلاق الحسنة. و المترجّم له تعلّم القرآن في مدرسة أهلية ثم انضم إلي المدارس الحكومية (الابتدائية و المتوسطة). ولدت له رغبة شديدة جداً لممارسة الخطابة و هو في عنفوان شبابه و قد تعلّق بخدمة أهل البيت «عليهم السلام» و نصرتهم فحالفه التوفيق و ذاع صيته و اشتهر اسمه حتي بات يعدّ بطلاّ من أبطال المنبر الحسيني الشريف و علماً من أعلام الخطابة و بالإضافة إلي قدرته الخطابية فإنه يحظي بتقدير العلماء و الأدباء في القطيف و غيرها و له جمهور منقطع النظير. أما دراسته الحوزوية الدينية فقد بدأها في بلاده القطيف ثم هاجر إلي النجف الأشرف في عام (1391 ه) و تتلمذ علي أفاضل الأساتذة هناك ثم انتقل إلي قم المشرفة و واصل نشاطه الدراسي عبر حلقاتها العلمية كما تلقّي بعض الدراسات الإسلامية في الكويت علي أفاضل الأساتذة و العلماء. أقام المترجم له في عمان/ مسقط ثلاث سنوات ممارساً لنشاطه الديني و الفكري و كان إمام جماعة للمؤمنين هناك من سنة (1394 ه - 1397 ه). ثم عاد إلي القطيف سنة (1397 ه) منشغلاً بإمامة الجماعة و إلقاء المحاضرات و الإصلاح الاجتماعي. و شيخنا الصفار له إسهامات فعّالة و ناشطة في تشييد المؤسسات الدينية و الثقافية و الاجتماعية في مختلف البلدان و الدول و يُعدّ الآن من رموز و قيادات الحركة الإسلامية و أحد العلماء و المفكرين الإسلاميين. و للمترجم له عدد كبير من المؤلفات المطبوعة و المخطوطة نذكر منها: ا- ولكل أمة رسول صلي الله عليه آله و سلم/ ترجم إلي اللغة السواحلية. 2 - الصوم مدرسة الإيمان. 3 - الحسين و مسؤولية الثورة/ ترجم إلي اللغة الفارسية. 4 - رؤي الحياة في نهج البلاغة/ ترجم إلي اللغة الفارسية. 5 - المرأة مسؤولية و موقف/ ترجم إلي اللغة الإنكليزية . 6- المرأة العظيمة و غيرها. و لا يزال الشيخ الصفار يمارس دوره الثقافي و الاجتماعي علي مختلف الأصعدة.

بُضْعِةُ اَلْمُصْطَفِي وَ زَوَّجُ عَلِيِّ *** وَ هِيَ أُمُّ اَلْأَئِمَّةِ اَلْأُمَنَاءِ

وَ عَلَي صَدْرِهَا وَ سَامَاتُ مَجْدٍ *** مِنْ أَبِيهَا لَكِنْ بِأَمْرِ اَلسَّمَاءِ

فَاطِمٌ بَضْعِتي وَ يَرْضَي لَهَا اَللَّهُ *** وَ يُرِدي مَنْ نَالَهَا بِأَذَاءِ(1)(2)

هِي سِتُّ اَلنِّسَاءِ فِي كُلِّ عَصْرٍ *** لاَ عَلَي مَرْيَمٍ وَ لاَ حَوَّاءِ(3)

لَيْسَ يَعْني بِذَا مجرَّدَ حُبِّ *** إِنَّمَا الحُبُّ سُلِّمُ الاِقْتِدَاءِ

نَبَتَتْ فِي رَبِّي الْكِفاحِ فَمَا مَرَّتْ *** عَلَيْهَا دَقِيقَةٌ بَرْخَاءِ

فَتَحَتْ عَيْنَهَا عَلَي مَشْهَدِ اَلْوَحْيِ *** كَذَا سَمِعُهَا بِنُطْقِ اَلسَّمَاءِ

وَ تَرَي اَلْوَالِدَ اَلْحَنُونَ يعانِي *** مَنْ أَذَي قُؤمِهِ أَشَدَّ اَلْعَنَاءِ

أَلَّفَتْ نَفْسُهَا الْجِهَادَ فَصَارَ *** اَلْحَقُّ مِنْهَا يَجْرِي بِمَجْرَي اَلدِّمَاءِ

وَ لِهَذَا قَامَتْ بِأَعْظَمِ دُورٍ *** تَنْشُرُ اَلْوَعْيَ فِي صُفُوفِ اَلنِّسَاءِ(4)

وَ اعْتَدَّتْ بَيْنَهُنَّ فِي أُحَدٍ تَبْكِي *** حَمْزَةُ اَلْخَيْرِ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ(5)

لَمْ تَزَلْ تَخدِمُ الشَّريعَةَ حَتّي *** خَطَفَ المَوتُ خاتَمَ الأنبياءِ

ص: 145


1- يُردي: يهلك.
2- يشير الشاعر إلي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يسرني ما أسرّها و إن الله «تبارك وتعالي» ليغضب لغضب فاطمة عليها السلام و يرضي لرضاها.
3- إشارة إلي أنها «سلام الله عليها» سيدة نساء العالمين جميعاً. انظر: تاريخ التواريخ، ج 3.
4- إشارة إلي خطبتها عليها السلام في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله وسلم عند مطالبتها بفدك عند ذهابها مع مجموعة من نساء المهاجرين و الأنصار و كذا خطبتها عندما زارتها مجموعة من نساء المهاجرين و الأنصار في مرضها «سلام الله عليها».
5- اغتدتْ: جاءت في الصباح الباكر.

فاجؤُوهَا بِالإِنْقِلاَبِ وَ وَلَّوْا *** أَمْرَهُمْ غَيرَ سَيِّدِ الْأَوْصِيَاءِ

حُمِلَتْ رَايَةَ اَلْجِهَادِ إِلَي الْمَسْجِدِ *** تَدْعُو بِمَحْضَرِ (اَلْخُلَفَاءِ)(1)

أَنْذَرْتُهُمْ بِأَنَّهُمُ بَدَوؤا اَلسَّيْرَ *** بِعُنفٍ عَلِي طَرِيقِ الشَّقاءِ

يَا حَيَاةَ الزَّهْراءِ أَنْتِ كِتابٌ *** كُلُّ حَرْفٍ فِيهِ مَشَعُ ضِياءِ

كُلُّ سَطْرٍ مِنْهُ طَرِيقُ نَضَّالٍ *** لِلْمَعَالِي وَ مَنْبَعٌ لِلصَّفَاءِ

يَا بِنَةَ الْمُصْطَفِيَ اَلصِّرَاعُ طَوِيلٌ *** بَيْنَ خَطِّ اَلْهُدي وَ خَطِّ الْمِرَاءِ(2)

لَمْ نَزَلْ فِي سَعَادَةٍ وَ هناءٍ *** حَيْثُ إِنَّا مِنْ شِيعَةِ الزَّهْراءِ(3)

ص: 146


1- إشارة إلي الخطبة الجليلة التي ألقتها عليها السلام في المسجد النبوي وما لهذه الخطبة من أدلة و حجج علي القوم و إنذار.
2- خطّ المراء: خطّ الجحود.
3- لعل هذا إشارة إلي شفاعة الزهراء عليها السلام لمحبيها و شيعتها يوم القيامة.

(15) البضعة الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ حسن طراد العاملي(*)(1)

ص: 147


1- (*) الشيخ حسن طراد ولد في بلدة معركة، إحدي قري جبل عامل جنوب لبنان سنة (1931م) و بدأ دراسته الحوزوية بعد أن طوي مرحلة من الدراسة في المدرسة العصرية و أصبح مستعداً لتلقّي الدروس العلمية الحوزوية المعهودة و بدأ بدراسة المقدمات المعلومة الممهّدة لتلقّي ما يترتب عليها و يُؤخذ بعدها مباشرة و هو ما يسمي بالسطوح و بعدها تأتي مرحلة بحث الخارج و بعد انهائه مرحلة المقدمات المذكورة في وطنه لبنان علي يد أفاضل علمائه سافر إلي النجف سنة (1954م) و طوي مرحلة السطوح المعهودة أصولاً علي يد سماحة حجة الإسلام المرحوم السيد إسماعيل الصدر (قد سرّه العالي)، حيث درس علي يده كتابي الكفاية بجزئيها - و الرسائل خلال أربع سنوات تقريباً- و فقهاً كتابي اللمعة و المكاسب علي يد حجة الإسلام الشيخ محمد تقي الجواهري فرج الله عنه خلال أربع سنوات تقريباً و بعد أن أنهي مرحلة السطوح بدراسة الكتب المذكورة بدأ مرحلة بحث الخارج العالي أصولاً و فقهاً علي يد أستاذه آية الله العظمي السيد أبي القاسم الخوئي (قد سرّه العالي)، مدة ثلاث عشرة سنة تقريباً و أصولاً علي يد أستاذه آية الله العظمي الشهيد محمد باقر الصدر (قد سرّه العالي)، خلال المدة المذكورة، و بعد ذلك طُلبَ منه الحضور إلي لبنان ليملأ الفراغ الذي حصل بوفاة عمه السببي حجة الإسلام «المغفور له» الشيخ حسين معتوق (قد سرّه العالي)، فلبي الطلب و ملأ الفراغ بالقيام بالدور الذي كان يمارسه «رحمه اللَّهُ» بإقامة صلاة الجماعة و إلقاء الخطبة التوجيهية ظهر يوم الجمعة، مع سائر المهام التي يقوم بها رجل العلم الديني عادة و أضاف المترجم له لتلك المهمام إعطاءه الدروس الحوزوية ابتداء بأصول المظفر و مروراً بالكفاية و الرسائل و المكاسب و انتهاء ببحث الخارج في علم الأصول و قد أنهي القسم الأول منه و هو مباحث الألفاظ و سيشرع قريباً إن شاء الله تعالي، بالبحث حول القسم الثاني منه و هو بحث الامارات و الأصول العملية، شرع بالتأليف مؤخراً نتيجة ظروف استثنائية حالت دون مبادرته له أول حضوره من النجف سنة (1981 م) صدر من مؤلفاته: (1) الجزء الأول من وحي الإسلام، (2) فلسفة الصيام في الإسلام، (3) فلسفة الحج في الإسلام، صدرت خلال سنتين تقريباً و سيصدر له كتاب رابع و هو (فلسفةالصلاة في الإسلام) بعونه تعالي و توفيقه. بدأ بنظم الشعر و هو ما يزال في المرحلة الأولي من مراحل دراسته العصرية و ساهم في إلقائه في بعض المناسبات الاجتماعية رثاء و مدحاً و تهنئة و بعد سفره إلي النجف استمر علي النظم و المشاركة في المناسبات الدينية و الاجتماعية و بقي علي ذلك بعد عودته إلي وطنه ولكن في إطار محدود مقتصراً علي المناسبات الجليلة و بمقدار لا يتجاوز حد المقطوعة غالباً، ركّز في شعره علي الجانب التربوي الإصلاحي في أغلب المناسبات و قد أشار إلي ذلك بالمقطوعة التالية: لستُ أهوي القريضُ فناً و وزناً *** فاقداً روحَ حِكمةِ الإيمانِ قمةُ الشعرِ حكمةٌ تتجلّي *** في سَناها حقائِقُ العِرفانِ تبعثُ النقدَ في العقولِ وتَجلُو *** غَيهَبَ الجهلِ، عن سمَا الأزمانِ إن هذا سرُّ السمُوِّ لشعرِ *** نرتئيه لا روعةُ الأوزانِ و كان لأهل البيت عليهم السلام - عامة و سيد الشهداء عليه السلام خاصة- النصيب الأوفي من شعره حيث كان و ما يزال ينظم مقطوعات مختصرة معبّرة ومربيّة من وحي مناسبات ولادتهم أو شهادتهم و فيما يلي بعض ما نظم من وحي عاشوراء مشيداً ومقدراً تضحية سيد الشهداء. من وحيِ عاشوراءَ أَشرَق كوكبُ *** للحقِّ يَجلُو غَيهَبَ الظلماء ويُنيرُ دَربَ التضحياتِ لثائرٍ *** رَفَضَ الخُضوعَ لزُمرةِ الأعداءِ

غَابَتْ فَغَابَ شُعَاعُهَا اَلْوِضَاءُ *** شَمْسٌ تَنَارُ بِضَوْئِهَا اَلْأَجْوَاءُ

وَ تَضاءُ آفاقُ اَلْعُقُولِ لِتَزْدَهِي(1) *** بِضِيَائِهَا اَلْأَفْكَارُ وَ اَلْآرَاءُ

بِنْتِ اَلنَّبِيِّ اَلْمُصْطَفِي زَوْجُ الْوَصِيِّ *** المرتضي وَ البَضعةُ اَلزَّهْرَاءُ

أُمِ اَلْهُدَاةِ اَلطَّاهِرِينَ وَ كُلُّهُمْ *** مِثْلٌ تُشَعُّ وَ رِفْعَةٌ وَ سَنَاءُ

هُمْ عِلَّةُ الْإِيجادِ لَوْلا نُورُهُمْ *** مَا كَانَ خَلَقٌ وَ اِسْتَقَامَ بِنَاءُ

مِنْ أَجْلِهِمْ سَجَدَتْ مَلاَئِكُةُ اَلسَّمَا *** لِأَبِيهِمُ وَ تَجَلَّتِ الاسماءُ

الْكَوْنُ جِسْمٌ جَامِدٌ وَ مُحَمَّدٌ *** وَ الْآلُ رُوحٌ طَاهِرٌ وَ نَمَاءُ

وَ هُم سفِين نَجَاةِ مَنْ لَزِمَ اَلْهُدْيَ *** نَهْجاً وَ وجَّهَ سَيرِهُ الْأُمَنَاءُ

وَ هُمْ كِتَابٌ نَاطِقٌ لَمْ يَتَضِحْ *** لَوْلاَهُ وَحَيٌ صَامِتٌ وَ نِدَاءُ

وَ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي زَمَانٍ غيابهمْ *** بِهَدْيِ اَلْأَنَامِ السَّادةُ الْعَمَاءُ

أَقْوَالَهُمْ قَوْلُ اَلْإِمَامِ وَ نَهْجُهُ *** وَ نَهْجُ اَلرَّسُولِ وَ مَا بِذَاكَ خَفَاءُ

ص: 148


1- الإزدهاء: هو الإشراق والإضاءة.

وَ بسيرنا فِي نَهْجِهِمْ نُحْيِي لَهُمْ *** ذِكْرَاهُمُ وَ هِيَ السَّنَا الْوَضاءُ

هِيَ لَيْسَ تُحْيِي بِالْبُكاءِ وَ اِنَّما *** تُحْيِي سِناها عِفَّةٌ وَ حَيَاءُ

وَ تضامنٌ يَحْمِي اَلْهُدْيَ وَ تعاونٌ *** يَمْحُو الشَّقَا وَ مَوَدَّةٌ وَ إِخاءُ

مِن أَجْلِ ذَا قَتْلَ اَلْحُسَيْنُ وَ بَعْدَهُ *** أَبْنَاؤُهُ وَ اَلصَّفْوَةُ اَلصُّلَحَاءُ

فَاِذَا مَضَيْنَا فِي الطَّرِيقِ تَحَقَّقَتْ *** أَهْدَافُهُ وَ اِنْهَارَتِ الْأَعْدَاءُ

وَ إِذَا أُكْتَفِينَا بِالْمُظَاهِرِ دُونَ أَنْ *** نَجِّنِي مُرَاداً رَامَهُ الشُّهَدَاءُ(1)

لاَنَسْتَفِيدُ وَ لا نُحَقِّقُ مُقصَداً *** كَلاَّ وَ هَل يُحيِي الرَّمِيمَ بُكَاءُ؟(2)

فَلنَعتَصِمْ بِهَديِ السَّما وَلَنَتَحِدْ *** صَفاً يَهابُ صَمُودَه الْخُصَمَاءُ

لَنَحْرِّرِ الوطنَ اَلسَّلِيبَ بِوَحْدِةٍ *** نَجِّنِي بِها مَا نَبْتَغِي وَ نَشَاءُ

وَ إِذَا عرا وَطَنَّاً نُقْدِسُه ظَمّا *** تَرْوِيهِ مِنْ جِسْمِ اَلشَّهِيدِ دِمَاءُ

وَ إِذَا تَدَنسَ بِاحْتِلاَلٍ غَادِر *** تَجْلُوهُ مِنَّا ثَوْرَةٌ وَ فِدَاءُ(3)

ص: 149


1- رامه: قصده.
2- الرميم: البالي من العظم.
3- تجلوه: من الجل، . و و الخروح من البلد (مختار الصحاح، ص 108).

(16) و مَضَت الي الرحمن

(بحر الكامل)

السيد حسين الشامي(*)(1)

قَلْبِي يَذُوبُ عَلَيَّ اَلزَّهْرَاءِ *** وَ مَدَامِعِي تَجْرِي دَماً بسخاءِ

حُزْناً عَلَيَّ اَلطُّهْرِ اَلْبَتُولَةِ إِنَّها *** رَحَلَتْ بِقَلْبٍ غَصَّ بِالْبَلْوَاءِ

ص: 150


1- (*) هو السيد حسين ابن السيد إبراهيم ابن السيد بركة الموسوي الشامي. ولد في مدينة الشامية (العراق) سنة (1372 ه) الموافق (1953 م). نشأ و ترعرع في ظل أسرته و ربِّي تربية صالحة و أخذ دراسته الابتدائية و المتوسطة و الثانوية في مدينة الشامية. و بعدها انتقل إلي النجف الأشرف ليرتشف من معين العلم و الفقه و الأدب و المنطق. فقطع شوطاً في مقدمات العلوم الحوزوية علي يد الأفاضل من العلماء، فكان منهم السيد كاظم الحكيم و السيد كمال الحكيم و السيد كاظم الحائري و السيد محمود الهاشمي و الشيخ حسن طراد العاملي و غيرهم. و في سنة (1400 ه) (1980 م) هاجر إلي إيران و استقرَّ في مدينة قم المقدسة ليواصل دراسته الحوزوية فحضر درس الخارج عند آية الله السيد كاظم الحائري و عند آية الله السيد محمود الهاشمي، فأخذ قسطاً وافراً من العلم و الفضل و أخيراً استقرّ في لندن، و مارس دوره الديني مبلغاً و مرشداً إلي الحق و الفضيلة و هو اليوم محل تقدير المثقفين و الأدباء، أحبَّ الشعر و شغف به و جعل يقرض الشعر فأجاد في النظم، فشارك في الندوات الدينية و الأدبية فكان له قصب السبق - و هو يجيد الشعر علي النهجين الشعبي و القريض و للمترجَم له عدد كبير من المؤلفات المطبوعة و المخطوطة منها: 1- التوازن في الشخصية الإسلامية. 2 - أزمة العراق -رؤية من الداخل- 3 - الزمن في حركة العاملين. 4 - تهذيب التفسير الكبير -للفخر الرازي- في سبع مجلدات. 5- ديوان بعنوان (مناجاة القلب). ما يزال مثابراً في دورة الثقافي و الديني.

رَحَلْتْ بِحَسْرَتِهَا وَ ظَلَّ وَ رَاءَهَا *** سِرُّ الجَوي وَ اَلْجَمْرُ فِي الْأَحْشَاءِ(1)(2)

وَ مَضَتْ إِلَي اَلرَّحْمَنِ تَشْكُو أُمَّةً *** نَقَضَتْ عُهُودَ الشرعةِ اَلْغَرَّاءِ(3)

تَدْعُو أَبَاهَا وَ هِيَ تَعْلَمُ أَنَّهُ *** أَدْرَي بِمَا فَعَلَتْ يدُ الطُّلقاءِ(4)

أَبَتِي أَتُسَلَّبُ نِحْلَتِي(5) مِنِّي وَ فِي *** بَيِّتي تُشَبُّ مَوَاقِدُ اَلْبَغْضَاءِ؟!(6)

أبتِي أَلاَّ تَدْرِيَ بِمَا فَعَلَ اَلْعِدَي *** فِينَا وَ قَدْ جَارُوا عَلَي أَبْنَائِي؟!

مِنْ بَعْدِ أَنْ حَمَلُوا اَلْإِمَامَ مُبَايِعاً *** وَ هُوَ الْوَصِيُّ و أَوَّلُ الْخُلَفاءِ

و نَسُوا وَصَاياكَ الَّتِي وَصَّيْتَهُمْ *** فِيهَا بِخُمِّ فِي غَديْرِ اَلْمَاءِ(7)

أَوْ لَمْ تَقُلْ: هَذَا عَلَيٌ فِيكُمْ *** خَلْفِي وَ مَنْ عَادَاهُ مِنْ أَعْدَائِي

أبَتِي أَضَاعُوا اَلْعَهْدَ ثُمَّ تَكْشفَتْ *** أَحْقَادُهُمْ بِالشَّرِّ وَ الضَّرَّاءِ

صَعِدُوا عَلَي بَابِ اَلنَّبِيِّ كَأَنَّهُمْ *** يُحْيَوْنَ ثَارَاتٍ لَدَي اَلْآبَاءِ

قَدْ قِيلَ: فِيهِ فَاطِمُ! قَالوا و إنْ *** فَاليَوْمَ نُحَرِّقُهَا عَلَي الزَّهْرَاءِ(8)

ص: 151


1- الجوي: الحرقة و شدّة الوَجدْ من الحزن.
2- يشير الشاعر في هذين البيتين إلي ما لاقت الزهراء عليها السلام من حزن وبلاء بعد وفاة والدها النبي صلي الله عليه و آله و سلم. راجع كتاب صحيح البخاري، ج 4، ص 1619، وأمالي الصدوق، ص121، ح رقم 5، و مناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 119 و ص 322 و كتاب عوالم العلوم، ج 2، ص 787.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلي شكواها إلي الله يوم القيامة من جور ما أصابها وأصاب ذريتها. راجع مقتل الخوارزمي، ج 1، ص 52 و البحار، ج 43، ص 221 و ص 219 ۔ 220 نقلاً عن أمالي الصدوق.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلي مناداة أبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لما أصابها من ظلم و أذي عليه السلام. راجع كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص 208 و كتاب مؤتمر علماء بغداد، ص135.
5- نحلتي: النحلة بكسر النون أو ضمّها الهبة و العطيّة و مهر المرأة (المنجد 795).
6- يشير الشاعر في هذا البيت إلي سلب نحلتها فدك و حرق دارها عليها السلام راجع كتابا مسند أحمد، ج 1، ص 9، و ج 1، ص 13 و السنن الكبري، ج 6، ص 300، كما في عوالم العلوم، ج 2، ص 129 و ج 2، ص 631.
7- غدير: نهر، القطعة من الماء يُفادرها السيل.
8- يشير الشاعر في هذا البيت إلي ما روي من أنّ عمر بن الخطاب أقبل بالنار علي دار فاطمة عليها السلام ليحرقها فقيل له إن فيها فاطمة فقال و إن. راجع كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة، ج 1، ص 12.

أَبَتَاهْ غَاضِبَةً أَظَلُّ عَلَيْهِمُ *** وَيَظَلُّ حَتَّي اَلْحَشْرِ صَوْتُ بُكَائِي(1)

ص: 152


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلي سخط فاطمة عليها السلام علي من آذاها. ففي كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة، ج 1، ص 14 حين جاء أبوبكر و عمر لاسترضاء فاطمة عليها السلام، قال: قالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة عليها السلام من رضاي و سخط فاطمة عليها السلام من سخطي، فمن أحبَّ فاطمة عليها السلام أحبّني فقد أحبني و من أرضي فاطمة عليها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني، قال : نعم سمعناه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم لأشكوكما إليه ... إلخ. و في كتاب دلائل الإمامة للطبري، ص 45، قال : و كان رجلان من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم سألا أمير المؤمينن عليه السلام أن يشفع لهما فسألها فأجابت و لما دخلا عليها قالا لها: كيف أنتِ يا بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقالت بخير بحمد الله ثم قالت لهما أما سمعتما من النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله؟ قالا بلي قالت : و اللَّه لقد آذيتماني فخرجا من عندها و هي ساخطة عليهما و ذكره الصدوق في علل الشرائع، ج 1، ص 220 - 222 و في البحار، ج 36/ 308.

(17) الإنسية الحوراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الطرفي(*)(1)

هِيَ إِنْسِيَّةٌ نِمَتْهَا اَلسَّمَاءُ *** بَارَكَتْهَا اَلْخَضْرَاءُ وَ اَلْغَبْرَاءُ(2)

ص: 153


1- (*) هو الشيخ حسين إبن الشيخ عبدالعالي بن محمد الطرفي و هو من أسرة مشايخ بني طرف الكرام. ولد في (بستان) و هو من توابع مدينة الأهواز جنوب إيران في الثالث من شهر شعبان سنة (1356 ه) الموافق 3/ 3/ 1937 م فنشأ في جوّ من الفضيلة و العلم و كان برعاية والده المرحوم الشيخ عبد العالي الطرفي فأخذ منه تعليمه الأوّلي في القراءة و الكتابة و تعلم قراءة القرآن الكريم و هو ابن سبع سنين. هاجر المترجم له مع والده إلي النجف الأشرف في عام (1366 ه) و هو ابن عشر سنين فدرس المقدمات من النحو و الصرف و الفقه و كانت مدة إقامته فيها أربع سنوات. ثم غادرها راجعاً إلي إيران، فأقام في مدينة قم المقدسة لتكميل مراحله الدراسية في حوزتها، فأكمل السطوح العالية ثم حضر بحث الخارج فلازم درس آية الله الشيخ هاشم الآملي وآية الله السيد علي الفاني في قم وآية الله الشيخ محمد الكرمي في الأهواز. حتي برع فاضلاً يشار له بالبنان وراح يرتقي منبر الوعظ و الإرشاد لرغبة أكيدة من والده في أن يسجل اسم ولده في سجل خدمة الحسين «عليه الصلاة و السلام» و كان حقاً مثالاً للولد البار بأبيه حيث استجاب لرغبته و صار من الخطباء الناجحين. و قد رأيته في الكويت يرقي المنبر و الحق أنه بطل في الخطابة و العلم و له نظم جيد رائع، بدأت بواكيره و هو في الخامسة عشرة من العمر. و لم تنحصر خدمات الشيخ الجليل بالمنبر و الشعر و إنما له دور جيد في بناء المؤسسات الدينية. إبتدأ المترجم له بقرض الشعر و هو في الخامسة عشرة من عمره. فقد شارك أخاه الأكبر حجة الإسلام الشيخ صالح الطرفي في تأسيس مسجد في إحدي مناطق الأهواز، ثم انفرد بإحداث حسينية في مدينة البستان حيث قضي فيها ثمان عشرة سنة من عمره قضاها بالوعظ و الإرشاد و بعد أن نشبت الحرب العراقية الإيرانية انتقل إلي مدينة الأهواز ليمارس دوره الديني و التبليغي هناك ما يزال يؤدي وظائفه الدينية و التربوية . و لشيخنا الطرفي إنجازات ثقافية مخطوطة في التاريخ و التفسير و السيرة و الأخلاق و له ديوان شعر. عسي اللّه أن يهييء له ظروفاً مناسبة لتجد مخطوطاته طريقها إلي الطبع.
2- الخضراءُ: السماء: صفة غلبت غلبة السماء. و الغبراءُ: الأرض، بنفس التقريب و في الحديث: ما أظلّت الخضراءُ و لا أقلت الغبراءُ أصدقَ لهجةً من أبي ذرٌ. انظر لسان العرب و الحديث منه أيضاً.

تُحْفَةُ اَللَّهِ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اَللَّهِ *** فَهِيَ الإنسيةُ اَلْحَوْرَاءُ(1)

بَشَّرَ اَلْمُصْطَفَي خَدِيجَةَ لَمَّا *** بَشَّرَتْهُ المَلائِكُ الْأُمَنَاءُ(2)

أَنَّهَا اَلنَّسْلَةُ اَلَّتِي بَارَكَ اللهُ *** عليها فَنَسْلُهَا اَلْأَوْصِيَاءُ

أَنَّهَا الْبَضْعَةُ الْبَتُولُ وَ رَيْحَانَةُ *** قَلْبِي وَ فَاطِمُ اَلزَّهْرَاءُ

حَدَّثَتْ أُمَّهَا جَنِيناً فَأَلَّفَتْ *** أُمُّهَا فِي حَدِيثِهَا مَا تَشَاءُ(3)

وُجِدَتْ سَلوةً بِهَا عَنْ جَفَاءٍ *** سَمَنَهَا فِيهِ مِنْ قُرَيْشٍ نِسَاءُ(4)

ص: 154


1- و عن ابن عباس، كما في بحار الأنوار 5/43 - 6/ ح 5، قال: دخلت عائشة علي رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقبّل فاطمة عليها السلام، فقالت : أتحبّها يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال : أما والله، لو علمتِ حبّي لها لازددتِ لها حبّاً، إنه لما عُرجِ بي إلي السماء الرابعة ... إلي أن يقول: فإذا أنا برطبِ ألين من الزبد و أطيَب رائحةً من المسك و أحلي من العسل، فأخذتُ رطبةً فأكلتُها فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا أن هبطتُ إلي الأرض واقعتُ خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء إنسيّة، فإذا اشتقت إلي الجنة شممتُ رائحة فاطمة عليها السلام. و قد روي هذا الحديث مع بعض الاختلاف: الخطيب البغدادي في تاريخه، ج 5، ص 87 و الخوارزمي في مقتل الحسين، ص 63 و محب الدين الطبري في ذخائر العقبي، ص 43 و الدمشقي في ميزان الاعتدال، ج 1، ص 38، و العسقلاني في لسان الميزان، ج 5، ص 160، و القندوزي في ينابيع المودة و الزرندي في نظم درر السمطين، و الشيخ شعيب المصري في الروض الفائق، ص 214.
2- انظر روضة الواعظين، للفتال النيسابوري ص124، كما رواه أيضاً الدهلوي في تجهيز الجيش، ص 99، عن كتاب مدح الخلفاء الراشدين.
3- انظر الروض الفائق لشعيب بن سعد المصري، ص 216، و نزهة المجالس العبد الرحمن الشافعي، ج 2، ص 227، و فيه : قالت أمها خديجة (رضي الله عنها): لما حملت بفاطمة عليها السلام كانت حملاً خفيفاً، تكلمني من باطني. و روي الدهلوي: أنه لمّا حملت خديجة سلام الله عليها بفاطمة عليها السلام كانت تكلمها في بطنها و كانت تكتمها عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فدخل عليها يوماً و وجدها تتكلّم و ليس معها غيرها، فسألها عمن كانت تخاطبه، فقالت: ما في بطني، فإنه يتكلم معي. قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أبشري يا خديجة سلام الله عليها... إلخ.
4- فقد رووا أن القرشيين و لا سيّما نساءهم كنّ قد اعتزلن خديجة و قاطعنها و شدَّدن عليها، بسبب اختيارها لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم زوجاً و شريكاً و هو قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فيها: «واللّهِ لقد آمنت بي إذ كذّبني الناس و آوتني إذ رفضني الناس». راجع الإصابة لابن حجر بترجمة خديجة سلام الله عليها و ذخائر العقبي لمحبّ الدين الطبري و نزهة المجالس للصفوري الشافعي و ينابيع المودّة اللقندوزي.

وَ تَبَاهَتْ بِهَا خَدِيجَةُ إِذْ قَدْ *** وَلَدَتْ مِنْ تَغَارُ مِنْهَا ذَكَاءُ

وَلَدَتْ مَنْ بِهَا لِشِيعَتِهَا اَلْبُشَرِي *** لِيَوْمٍ تُرْجِي لَهُ الشُّفَعاءُ

وَ تُلْقِّي بِهَا اَلنَّبِيُّ عَطَاءً *** وَ تَوَالَتْ بِها لَهُ اَلْآلاَءُ

وَ فَهِيَ اَلْكَوْثَرُ اَلَّذِي قَالَ عَنْهُ اَللَّهُ *** فِيمَا أَتِيَ لَنَا، لاَ اَلْمَاءُ(1)

يَا لبُشْرِي الْكَمَالِ إِذْ لَقِيتهُ *** قَرَّ عَيْناً بِهَا وَطَّابَ اللِّقاءُ

إِذْ بِها تَمَّ أرْبَعاً عَدَدَ الْكَمْلِ *** مِنْ بَيْنِ مَنْ نَمَتْ حَوَّاءُ(2)

ص: 155


1- إشارة إلي قوله تعالي: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» سورة الكوثر: 1. وأكثر المفسرين علي أن المراد هو كثير الخير من كل شيء و من ذلك كثير الذرية. فالكوثر علي وزن (فَوعل) بمعني الكثير المبالّغ في كثرته. قال أمير الإسلام الطبرسي في تفسير مجمع البيان: و قد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة عليها السلام حتي لا يحصي عددهم و اتصل إلي يوم القيامة مددهم 510. و قال السيد صادق الشيرازي، في كتابه (فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن) عند تعرضه لسورة الكوثر: أخرج أصحاب العديد من التفاسير (من أهل العامة) نزول هذه السورة بشأن فاطمة الزهراء بنت الرسول عليها السلام و إليك عدداً منها: منهم البيضاوي في تفسيره، عند تفسير كلمة الكوثر، قال: و قيل أولاده و منهم الفخر الرازي في تفسيره الكبير، قال: الكوثر أولاده صلي الله عليه و آله و سلم، لأن هذه السورة إنما نزلت علي من عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعني: أنه يعطيه نسلاً يبقون علي مرّ الزمان، فانظرْ كَمْ قُتل من أهل البيت، ثم العالم ممتليء منهم و لم يبق من بني أميّة في الدنيا أحدٌ يُعبأ به. و منهم شيخ زادة في حاشيته علي تفسير البيضاوي و منهم شهاب الدين في حاشيته علي تفسير البيضاوي و منهم عثمان بن حسن المشتهر ب- (كوسة زادة) في كتابه المسمّي بالمجالس، ص 222، و منهم العلامة أبوبكر الحضرمي في كتابه القول الفصل، ص457 و منهم غير هؤلاء 510.
2- إشارة إلي حديث الرسول صلي الله عليه و آله و سلم: «كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران سلام الله عليها و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون سلام الله عليها و خديجة بنت خويلد سلام الله عليها و فاطمة بنت محمد عليها السلام» و طبعاً هذا الحديث قد استفاضت فيه النقول و تعدّدت به الطرق و من الفريقين أيضاً و إن اختلفت التعابير فيها. ففي بعضها: أفضل نساء أهل الجنة أربع و بعضها: خير نساء العالمين أربع و بعضها حسبك من نساء العالمين و ما أشبه. راجع مسند أحمد، ج 2، ص 293 و صحيح البخاري كتاب بدء الخلق و باب علامات النبوّة في الإسلام و سنن الترمذي، ج 2، ص 306 باب مناقب الحسنين عليه السلام و مستدرك الصحيحين، ج 3 ص 156 و حلية الأولياء، ج 2، ص 42، و الاستيعاب لابن عبدالبر في ترجمة خديجة و الزهراء سلام الله عليهما، و أسد الغابة لابن الأثير، ج 5، ص 574، و ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري، ص 49، و الفصول المهمة، ص 129، و كنز العمال للمتقي الهندي، ج 6 ص 217 و غيرهم .

وَ تَبَاهِي بِهَا اَلْجِمَالُ بِقسمَيْةِ *** فَأَضْحِي لَهَا اَلسَّنِي وَ اَلسَّنَاءُ(1)

وَ تَبارَتْ غُرُّ اَلْخِصَالِ إِلَيْهَا *** فَاسْتَوَتْ عِنْدَهَا و جِلَّي اَلْحَيَاءُ(2)

حُشَدَتْ عِنْدَهَا و رَفَّ لَوْاهَا *** وَ بِكَفِّ اَلزَّهْرَاءِ ذَاكَ اَللِّوَاءُ(3)

وَ تَغَذَّتْ بِالْوَحْيِ يَأْتِي أَبَاهَا *** فَهِيَ لَوْلاَهُ وَ اَلنَّبِيُّ سَوَاءُ

وَ اِسْتَعَاضَتْ بِاللَّهِ عَمَّنْ سِوَاهُ *** إِذْ بِهِ -جَلَّ- عَنْ سِوَاهُ غَنَاءُ

وَ اِزْدَرَّتْ عَيْنُها الْحُطَامَ فَمَا *** فَازَتْ لَدَيْهَا بِنَظْرَةٍ أهواءُ(4)

أيْضيرُ اَلزَّهْرَاءَ أَنْ تَرْتَدِيَ *** اَلصُّوفَ وَ يُبْكِي سَلْمَانَ هَذَا اَلرِّدَاءُ

وَ هِيَ مِنْ أَسْبَقِ اَلْعِبَادِ إِلَي *** اَللَّهِ تَعَالَي، وَ مَنْ عَدَاهَا وَرَاءُ

وَ اُصْطُفِيَ اَللَّهُ للبتولِ عَلِيّاً *** وَ اِصْطَفَاهَا لَهُ فَتَمَّ اَلْعَلاَءُ

فَهِيَ لَوْلاَهُ لَمْ تَعُدْ ذَاتَ كُفْؤٍ *** حَيْثُ مَا فِي الْوَرِي لَهَا أَكْفَاءُ

زُوِّجَتْ فِي السَّماءِ وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ *** فَالْحُورُ لِلْبَتُولِ إماءُ(5)

ثُمَّ زُفَّتْ إلَيَّ عَليِّ عَلِي اَلشَّهْبَاءِ *** تَمْشِي بِجَنْبِهَا أَسْمَاءُ(6)

وَ نِسَاءُ النَّبِيِّ يَهْزِجنَ بُشَراً *** و الْهُتَافَاتُ مَرْحَةٌ وَ ثَنَاءُ

أَدْخَلْتْ بَيْتَهَا وَ قَدْ كَلَّلتْهَا *** مِنْ أَبِيهَا يَدٌ لَهُ بَيْضَاءُ

مَدَّهَا بِالدُّعَاءِ لِلطُّهْرِ *** لِلصِّهْرِ ليُنمِي اَلْبَنِينَ هَذَا اَلبنَاءُ

فَاسْتَجَابَ اَللَّهُ اَلدُّعَاءَ فَأَنْمِي *** الحسنَينِ اَلسِّبْطَيْنِ ذَاكَ اَلدُّعَاءُ

فَبَطَّهُ وَ صِهْرِهِ وَ بِسِبْطَيْهِ *** وَ بِالطُّهْرِ تُكْشِفُ اَللَّأْوَاءُ

ص: 156


1- السَّنا، مقصور: حدُّ منتهي ضوء البرق. والسناء، ممدود: من المجد و الشرف.
2- الغُرَّة: البياض الرفعة و المقدَّم و منه سمِّيت الجبهة غُرَّة و الليالي الغُرّ: البيض. و فلانّ غُرَّة من غُرَر قومه: أي شريف من أشرافهم و أسيادهم و جلَّي: غطي و غشي و تقدَّم، انظر لسان العرب.
3- رفَّ: خفق و اهتز.
4- ازدرتْ: احتقرت و استخّفت به.
5- أزلفت : قُرِّبت.
6- الشهباء: فرس أبيض يتخللّه السواد.

(18) عرس الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(*)(1)

عُرْسُ اَلنَّبُؤَةِ شَاعَ فِي اَلْبَطْحَاءِ *** فَحُدَّتْ لَهُ اَلْأَمْلاَكُ بِالْجَوْزَاءِ(2)

ص: 157


1- (*) هو الأستاذ سعيد بن الحاج عبد الحسين بن محمد بن يوسف بن حسين ابن الشيخ سلمان العسيلي الرشافي العاملي. ولد في جنوب لبنان في قرية (رشاف) من جبل عامل قضاء بنت جبيل سنة (1348 ه) الموافق لسنة (1929 م) و منذ القديم امتاز جبل عامل بإنجابه للعلماء و رجالات الفكر و الفقه و الأصول و التفسير و التاريخ و الحكمة و الأخلاق، و لا غرو إذا قيل إن ثلث علماء الشيعة هم من جبل عامل -و هذا هو ثمرة يانعة لجهاد الصحابي الجليل (أبي ذر الغفاري) الذي بذر في هذه الأرض الطاهرة معاني الخير و الصلاح «والبَلَدُ الطَّيِّبُ يُخرِجُ نَباتَهُ بِإِذنِ رَّبه». و شاعرنا الكريم من هذه الأرض الطيبة المعطاءة ، نشأ و ترعرع في ظل والده و بعد أن بلغ السابعة من عمره ابتدأ خطواته التعليمية الأولي في كتاتيب القرآن الكريم يتعلم القراءة و الكتابة. ثم قام بقرض الشعر و هو في سن العاشرة و لاعجب في ذلك فإن والده كان شاعراً مجيداً و قد ورث ذلك منه و سار علي نهجه و الولد سر أبيه. تدرّج المترجَم له في سلّم الشعر حتي أصبح شاعراً معروفاً، ثم أخذ ينشر بعض قصائده في بعض المجلات الأدبية بإسم الشاعر الحزين و هذا اللقب أطلقه عليه بعض الشعراء لما اتسّم به شعره من شفافية ورقة و رنة حزن و ذلك بسبب حادثتين ألمّتا به كانت الأولي فقدان والده بحادثة أليمة و الثانية مقتل ولده البالغ من العمر أربعة عشر عاماً بحادث سيارة مؤسف. و علي أي حال فقد جمع المترجَم له نظمه في ديوان باسم (الشاعر الحزين) ضمّن فيه عدة قصائد غزلية و وطنية مستوحاة من واقع الأحداث الأليمة التي تعرض لها جنوب لبنان، كما صدر لشاعرنا الحزين ملحمة باسم (مولد النور) و هي ملحمة عربية إسلامية تاريخية تتناول التاريخ الإسلامي منذ بدء بنيان الكعبة و حتي وفاة الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم. توفي الحاج سعيد العسيلي «رحمه الله» تاركاً وراءه تراثاً شعرياً إسلامياً رائعاً فجزاه الله عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء.
2- البطحاء: الحجاز. و هي في الأصل: المسيل الواسع فيه الرمل و دقاق الحصي. الجوزاء برج في السماء.

وَالزَّهْرُ غَنِي وَ الورودَ تَمَايَلَتْ *** فَرَحاً وَ سَادَ اَلْكَوْنَ حُسْنُ غِنَاءِ

وَ مَوَاكِبُ الأحلامِ شِبْهُ عَرائِسِ *** مَجْلُوَّةٍ تَسْعَي إِلَي النَّعْماءِ

وَ الْهَيْنَمات(1) عَلَي النَّسِيمِ تَمَاوَجَتْ *** بِالنُّورِ تَجلُو شِدَّةَ الظَّلْمَاءِ

وحَناً عَلَيْها البَدْرُ مِن عَلْيَائِهِ *** لَهفا عَلَي مَا جَدَّ مِنْ أَنْبَاءِ

مُتَسَائِلاً عَنْ فَرْحَةٍ أَنْوَارَهَا *** شَمِلَتْ بِطَاحَ اَلْأَرْضِ وَ اَلْعَلْيَاءِ

و إِذَا شِفَاهُ الْهَيْنَمَاتِ تُجِيبُهُ *** بِسِمَاتُهَا فِي رِقَّةٍ وَ صَفاءِ

اَلْيَوْمَ عُرْسُ اَلْكَوْنِ بَيْنَ رُبُوعِنَا *** فِينَا يُقَامُ بِمَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ

هِيَ فَاطِمٌ صِغري بَنَاتِ مُحَمَّدٍ *** وَ قَرِينَةِ الكرارِ فِي الْهَيْجَاءِ

قَبْلَ النُّبُوَّةِ كَانَ مَوْلِدُهَا وَ قَدْ *** فَاقَتْ عَلَيَّ الأَشْباهِ وَ الْقَرْنَاءِ(2)

فَزَكَتْ عَلَي كُلِّ النِّساءِ طَهَارَةً *** وَ فَصَاحَةٌ وَ سَمَّتْ عَلِي اَلْعَذْرَاءِ

وَ عَلِي أمِّ مُوسي ثُمَّ بِنْتِ مُزَاحِمٍ *** وَ عَليَّ نِساءِ الكَونِ مِن حَوَّاءِ

وَعَلِي الصِّبَا ضَمَّ الرَّسولُ جُفُوفَهُ *** حِرْصاً عَلَيْهَا مِنْ يَدِ الْغُرَبَاءِ

وَ تَمَرَّغَ الْخِطَابُ فِي أَعْتَابِهِ *** و عَتِيقُ وَ الْخِطَابُ فِي الْخُطَبَاءِ(3)

ص: 158


1- الهينمات: الأصوات الخفية.
2- قيل إنها ولدت عليه السلام قبل النبوة بخمس سنين و عمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و خمس و ثلاثون سنة و كانت قريش تبني الكعبة و في رواية طبقات ابن سعد و الاستيعاب أنها ولدت سنة 41 من مولد النبي صلي الله عليه و آله و سلم و في شرح البخاري للعجلوني أنها ولدت قبل البعثة بسبع سنين و هي صغري بناته صلي الله عليه و آله و سلم. و راجع في ذلك أيضاً كتاب البحار، ج 43، ص 7 و قد فصّل المرحوم السيد كاظم القزويني «أعلي الله مقامه» في كتابه فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد، ص 61 ذلك و أشار إلي وجوه الاختلاف في الروايات.
3- تمرّغ: تقلَّب - تردّد. عتيق هو اسم أبي بكر و الخطاب هو عمر بن الخطاب و كان كل منهما قد طلبها لنفسه زوجة فيجيبه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أنتظر بها القضاء و يذهب علي عليه السلام يتكفّأ في مشيته علي غرار مشية الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و لم يطل مقامه في حضرته حتي قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باسماً ما حاجة ابن أبي طالب؟؟ و يجيب عليّ في حياءِ ظاهر ذكرت فاطمة عليها السلام يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ويردّ النبي صلي الله عليه و آله و سلم مرحباً و أهلاً و بهذه البساطة تمت الخطبة، راجع عبد الفتاح عبد المقصود، ج 1، ص 69 و صفوة الصفوة، ج 2، ص 9 و فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 3، ص 122، أعلام الوري ص 81 و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 141.

لَكِنَّمَا قَدْ كَانَ رَدُّ مُحَمَّدٍ *** لَهُما بِكُلِّ مَهابَةٍ وَ بَهاءِ

إِنِّي لَمنْتَظِرٌ بِفَاطِمَةَ الْقَضَا *** و قَضَاءِ رَبِّ اَلْعَرْشِ خَيْرُ قَضاءِ

وَ إِذَا بِوَحْيِ اَللَّهِ جَاءَ وَ حُكْمُهُ *** فَصْلٌ لِيَخْمُدَ حُرَّةَ الْغَلَوَاءِ(1)

زَفَّ الكَرِيمَةَ لِلْكَرِيمِ لِأَنَّها *** سِتُّ النساءِ لِسَيِّدِ اَلْبُلَغَاءِ

وَ اَلْبَحْرُ أَولِي أنْ يَضُمَّ عِبَابَهُ *** لَمَعَانِ تِلْكَ اَلدِّرَّةِ اَلْغَرَّاءِ(2)

وَ جَهَازُهَا لِلْعُرْسِ كَانَ وِسَادَةً *** مَحْشُوَّةً بالليفَةِ الْبَيْضَاءِ(3)

وَ رَحْي لِأَجْلِ الطَّحْنِ يَأْكُلُ كَفَّهَا *** بِقَسَاوَةٍ تَبْدُو بِغَيْرِ حَيَاءِ

وَ اَلْقِرْبَةُ الحُبْلَي تُحُزُّ بِنَحْرِها *** وَ السَّيْرُ فَوْقَ حَرَارَةِ الرَّمْضَاءِ

عاشَتْ عَلَيَّ ضَنْكِ(4) الْحَياةِ بِزُهْدِهَا *** وَ الزُّهْدِ مَوْرُوثٌ عَنِ الْآبَاءِ

لَوْ شَاءَتِ اَلدُّنْيَا وَ طيب مناخِهَا *** لَأَتَتْ إِلَيْهَا دُونَ أَيِّ عَيَاءِ(5)

لَكِنَّهَا سَارَتْ عَلَي خَطَّ اَلَّذِي *** قَدْ طَلَّقَ اَلدُّنْيَا بِغَيْرِ عَنَاءِ

ص: 159


1- الغُلواء : الزيادة و الارتفاع .
2- عُبابه: كثرة الموج و ارتفاعه.
3- كان ذلك بعد وقعة بدر و أما جهازها فكان و سادة من أدم يعني جلد حشوها ليف و رحاءان و قد جرّت الرحي حتي أثّرت في يدها و حملت القربة حتي أثّرت في نحرها و عاشت علي شرف قدرها عيشة ضنك و فقر راجع عبد الفتاح عبد المقصود، ج 1، ص 66 و أعلام النساء، ج 4، ص108، و قيل إنها لما تزوجت بكت فقال لها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ما لك تبكين يا فاطمة عليها السلام فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علماً و أفضلهم حلماً و أولهم سلماً و جاء في البحار، ج 43، ص 94 - ومن قوله عليه السلام- ثم قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الدراهم بكلتا يديه فأعطاه أبابكر و قال: ابتع لفاطمة عليها السلام ما يصلحها من ثياب و أثاث البيت و أردفه بعماربن ياسر -إلي قوله- فكان مما اشتروه: قميص بسبعة دراهم و خمار بأربعة دراهم و قطيفة سوداء خيبرية و سرير مزمل بشريط و فراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف و حشو الآخر من جز الغنم و أربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر و ستر من صوف و حصير هجري و رصّ للسيد و مخضب من نحاس و سقاء من أدم... - إلي قوله- فلما عرض المتاع علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم جعل يقلبّه بيده و يقول بارك الله لأهل البيت و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- ضنك الحياة: ضيقها.
5- عياء: عجز.

وَ مَضَتْ عَلَيَّ دَرْبُ الْحَياةِ تَشُقُّهُ *** شَقّاً وَ تَنْجِبُ خِيرَةَ الأَبْنَاءِ

وَ هُمُ الأئمةُ لِلْوَري مَفْرُوضَةٌ *** طَاعَاتُهُمْ بِمَحَبَّةٍ وَ وَلاَءِ

لَكِنَّ صَفْوَ حَيَاتِهَا لَمَا يَدُمْ *** وَ الصَّفْوُ يُعَقِّبُهُ كَثِيرُ شَقَاءِ

وَ إِذَا بِعَاصِفَةٍ تُهْزُّ كِيَّانَهَا *** وَ تُذِيبُ فِيهَا فِلْذَةَ الْأَحْشَاءِ

هِيَ فَقَدْ وَالَدَهَا اَلْكَرِيمِ وَ مَنْ بِهِ ***كَانَتْ تجابِهُ غَارَةَ اَلْأَعْدَاءِ

كَانَتْ قُبَيْلَ الإحتضارِ بِقُربِهِ *** تَبْكِي وَ تَنْدُبُ شِدَّةَ اَلْأَرِزَّاءِ

وَ إِذا بهَمْسَتِهِ تُدغدِغُ أُذُنَهَا *** فَتَبَسَّمَتْ فَرَحاً لِخيْر رَجَاءِ(1)

عَلِمْتْ يَقِيناً أَنَّها مِن بَعْدِهِ *** سَتَسِيرُ إِثْرُ اَلْكَوْكَبِ اَلْوَضَّاءِ

لِلَّهِ يَا ذَاكَ اَلْبَنَانَ وَ طَالَمَا *** مَسَحَ الأسي عَنْ رَاكِبِ اَلْقَصْوَاءِ(2)

حَرُمَتْ أَرَاضِيَهَا بِقَوْلِ رِوَايَةٍ *** فِيهَا تَفَرَّدَ واحِدُ الآراءِ

فَدَكٌ وَ لَمْ يَشْهِدْ عَلَي حِرْمانِها *** مِنْهَا وَ لَو إِثْنَانِ مِن شُهَداءِ(3)

وَ عِداكَ عَنْ سَلْبِ الوَصِيِّ حُقُوقَهُ *** وَ عَدَاوَةٍ بانَتْ بكلِّ جَلاءِ

كَم كافَحتْ مِن أَجْلِهِ وَ تَحَمَّلَتْ *** ظُلْمَ اَلسِّيَاسَةِ فِي عَظِيمِ بَلاءِ(4)

نَفَثَتْ صُدُورَ الظُّلَمِ كُلَّ سُمُومِها *** عَلْناً كَمَثَلِ الْحَيَّةِ الرَّقْطاءِ(5)

ص: 160


1- قيل إنها عليه السلام كانت تبكي فأسرّ لها صلي الله عليه و آله و سلم و أنها أول أهله لحاقاً به فتبسمت. راجع عبد المقصود، ج 1 ص 123 و فضائل الخمسة، ج 3، ص 191. رواه عن (صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق) في باب علامات النبوّة في الإسلام روي بسنده عن عائشة قالت: دعا النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة عليها السلام ابنته في شكواه الذي قبض فيه فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارها فضحكت قالت: فسألتها عن ذلك فقالت: سارني النبي صلي الله عليه و آله و سلم فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته عليهم السلام أتبعه فضحكت. (أقول) ورواه في باب مرض النبي صلي الله عليه و آله و سلم بطريق آخر و قال : إني أول أهل بيته عليهم السلام يتبعه فضحكت، و رواه مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة في باب فضائل فاطمة، و راجع أيضاً صحيح مسلم المجلد 5 ص 55، ط مؤسسة عز الدين، بيروت الحديث (2450) تجد مثل هذا.
2- القصواء: و هي القصية... الناقة الكريمة النجيبة.
3- راجع كتاب فدك لعبد الفتاح عبدالمقصود، و كتاب فدك للسيد محمد باقر الصدر.
4- إشارة إلي ما وقع عليها عليهم السلام من الظلم والجور.
5- نفثت صدور الظلم: ألقت و رمت ما فيها. الحيّة الرقطاء: السوداء المشوبة بالنقط البيضاء أو البيضاء بالنقط السوداء.

ضَرَبَتْ بِسَوْطِ اَلظُّلْمِ فَوْقَ بَنَانِهَا *** فَبَدَا بِهِ أَثَرٌ مِنَ اَلْإِيذَاءِ

هَذِي اَلْمَصَائِبُ لَوْ تَحَوَّلَ ثِقْلُهَا *** عَنَّا إِلَيَّ طَوْدٍ كَطودِ حراءِ(1)

حَتْماً لَكَانَ اَلطَّوْدُ دكَّ أَسَاسُهُ *** وَ تَهَدَّمَتْ أَرْكَانُ كُلِّ بناءِ

وَ اشْتَدَّتِ الْأَحْزَانُ بَيْنَ ضُلُوعِهَا *** إِذْ لَمْ تَجِدْ فِي اَلنَّاسِ أَيْ عَزاءِ

وَ إِذَا بِعِلَّتِهَا تَزِيدُ وَ دَمْعُهَا *** تُخْفِيهِ خَوْفَ شِماتِهِ اَلرُّقَبَاءِ

مُنِعَتْ مِن التَّصريحِ عَنْ أَحْزانِها *** بِالنَّوْحِ أَوْ بِالدمْعَةِ اَلْحَمْرَاءِ(2)

كانَتْ تُغَادِرُ بَيْتَهَا مَقْهُورَةً *** مَظْلُومَةً نَحْوَ البَقِيعِ النائي

وَ إِذَا استبدَّ بِهَا الأسَي خَرجَتْ إلي *** قَبْرٌ يُوَارِي سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ

هُوَ حَمْزَةٌ عَمُّ اَلرَّسُولِ وَ إِبْنُ مَنْ *** يَسْقِي حَجِيجَ اَللَّهِ عَذْبَ اَلْمَاءِ

وَ لَبَيْتُ أحزان بَنَاهُ حَلِيلُهَا *** قَرُبْتْ وَ بَانَ اَلْأَمْرُ بَعْدَ خَفَاءِ

قَالَتْ: أَمِيرُالْمُوْمِنِينَ وَصِيَّتِي *** فَأَجَابَهَا وَ أَنَا اَلسَّمِيعُ اَلرَّائِي

قَالَتْ وَ حَقِّكَ مَا كَذَبْتُ عَلَيْكَ فِي *** شَيءٍ وَ لاَ أَدْنِي مِنَ اَلْأَشْيَاءِ

كلاَّ وَ لَا خَالَفْتُ مِنْكَ أَوَامِراً *** صَدَرَتْ وَ لاقابَلْتُهَا بِجَفَاءِ

أُوصِيكَ أَنْ لاَ يَشْهَدْنَّ جَنازَتي *** أَحَدٌ تَعَمَّدَ فِي اَلْوَرِيِّ إِيذائِي(3)

ص: 161


1- حراء: جبل بأعلي مكة.
2- قيل إن المدينة ضجت لبكاء فاطمة عليها السلام و لذلك كانت تخرج إلي البقيع و هو مكان قرب سجده و فتبكي هناك و لم يرض أهل المدينة عن ذلك حتي أخذت تخرج إلي أحد قرب قبر الحمزة فتبكي هناك بعيدة عن أهل المدينة في بيت أحزان بناه لها علي عليه السلام و ما يزال هذا البيت يزار حتي الآن و قد أشرنا إلي ذلك في الهامش رقم (4) من القصيدة رقم (9) انظر عوالم العلوم، ج2/11، ص 783 عن كفاية الأثر: بإسناده عن محمود بن لبيد قال لما قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كانت فاطمة عليها السلام تأتي قبور الشهداء و تأتي قبر حمزة و تبكي هناك. إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.
3- يقول عبد الفتاح عبد المقصود، ج 1، ص 193 إن أبابكر و عمر انطلقا و استأذنا علي فاطمة عليها السلام فأبت في أول الأمر استقبالهما و توسط لهما عليّ ففعلت و بعد حديث طويل من أجل فدك قالت أرأيتما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تعرفانه و تعملان به فأجابا نعم قالت نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول رضا فاطمة عليها السلام من رضاي و سخط فاطمة عليها السلام من سخطي فمن أحب فاطمة عليها السلام فقد أحبني ومن أرضي فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني؟ قالا قد سمعناه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فرفعت وجهها و كفيها إلي السماء و راحت تقول في حرارة، فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت رسول الله لأشكونكما إليه، و لذلك أوصت أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يدعهما يشهدان جنازتها. راجع مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 318 و إسعاف الراغبين علي هامش نور الأبصار ص 189 و فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 3، ص 151 و 155 و 157.

تَجَلْبَبِ(1) اللَّيلِ الْبَهِيمِ لِنَقْلِي *** وَ اُخْفِ اَلْجَنَازَةَ وَ اِسْتَجِبْ لِنِدَائِي

وَ بَكَتْ وَ أَبْكِي مُقلَتيهِ فِرَاقُهَا *** وَ تَعَانَقَا بالدمعَةِ اَلْخُرَاسَاءِ(2)

وَ كَأَنَّ دَمْعَتَهَا تَقُولُ لَهُ إِذَا *** مَا مُتُّ فَاذْكُرُونِي بِكُلِّ مَسَاءِ

وَ مَشَتْ بِرَكْبِ اَلْخَالِدِينَ تَسِعُّ فِي *** نُورِ اَلتُّقيِّ لِلْجَنَّةِ الْخَضْرَاءِ

زهْرَاءُ يَا أُمَّ اَلْحُسَيْنِ قَصِيدَتِي *** فِيكَ تُعْبِّرُ عَنْ عَظِيمِ وَلائِي

يَامِنٌ زَرَعَتِ اَلْوَعْيَ بَيْنَ محَاجِرِي *** فَأَزَاحَ عَنْهَا ظُلْمَةَ اَلْعَشْوَاءِ(3)

إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ قَصَائِدِي *** ذُخْرَ اَلْيومِ تَعَاسَتِي وَ شَقَائِي

ص: 162


1- تجلبب الليل البهيم: أي خذ من الليل المظلم جلباباً لتشييع جنازتي.
2- الخرساء: التي لم يسمع لها صوت.
3- محاجري : محاجر العين ما دار بها. العشواء: الظلمة. و الركب العشواء أي الذين يسيرون في أمورهم عن غير هدي.

(19) مختارة الرب

(بحر الخفيف)

الشيخ سعيد الشيخ علي العوامي

عَمَّ فَيْضُ اَلْجَلاَلِ اَلرُّحَمَاءِ *** بِوِلاَدَةِ البتولةِ اَلزَّهْرَاءِ

حُسِرَ اَلنَّاظِرُونَ عَنْ دَرْكِ مَعَنَا *** هَا و هُمْ قَبْلُ سَادَةُ النُّظَرَاءِ

وَ لِسَانُ اَلْعِرْفَانِ عَنْ وَصْفِهَا رُدَّ *** كَلِيلاً وَ لَمْ يَكُنْ ذَاعِياءِ

فَتَرِي الْكُلَّ عَنْ ضُرُوبِ مَزَايَا *** هَا عَلِيُّ ظَهْرِ قَلْبِهِمْ فِي اسْتِوَاءِ

وَ عَلِيٌ بَابُ كَعْبَةِ اَلْفَضْلِ مِنْهَا *** عُكَّفاً مِنْ قُصَيِّهَا وَ اَلنَّائِي

خَصَّهَا اَللَّهُ مِنْ وَظَائِفِ علياهُ *** قُرباه أَشْرَفَ اَلْأَسْمَاءِ

أَيْنَ مَنْ قَدَّسَ الْمَلِيكُ لَهُ اَلنَّفْسُ *** أَلاَ فَهِيَ بَضْعَةُ الْأَوْلِيَاءِ

بَضْعَةٌ اَلْمُصْطَفَي اَلْعَرِيقَةُ فِي اَلْأَصْلِ *** وَ مَنْ قَدْ عَلَتْ عَلاً لِلسَّمَاءِ

وَ لَمَنْ حُكْمَهَا وَ أَحْكَامَهَا الْغُرَّ *** قَدِ اخْتَارَ جُمْلَةُ الحُكَمَاءِ

إِنَّ صُبْحَ الْإِرْسَالِ يَسْطَعُ نُوراً *** عَنْ عَلا طَلْعَةِ الهَدْيِ الغَرَّاءِ

طُرَّةُ الْإِصْطَفَا وَ مُخْتَارَةُ اَلرَّبِّ *** وَ مَعْنِي اَلسِّيمَاءِ فِي اَلْأَزْكِيَاءِ(1)

فَغَدَا هَدْيُهَا يَعُمُّ الْبَرَايَا *** وَ عَلاَ جُودُهَا عَلَيَّ اَلْجَوْزَاءِ

مَلِكَاتُ اَلنُّفُوسِ عَنْهَا تَبَدَتْ *** وَ كَمَالُ اَلْإِنْسَانِ فِي الْإِجْتِبَاءِ

عُجِنَتْ طَيِّبَةُ الْبَتُولِ بِمَاءِ اَلْقُدْسِ *** وَ اَلْعِلْمِ وَ اَلْهَدْيِ وَ اَلْحَيَاءِ

ص: 163


1- السيماء: العلَامة و الهيئة.

فَهِيَ نُورُ اَلْحَقِيقَةِ اَلَّتِي لَوْلاَ *** هَا لَمَا اَلْعَدْلُ كَانَ بالأولاءِ(1)

فَتَعَالَيْ لَهَا التَّمجُّدُ و الْفَضْلُ *** وَكفُّ الْحُسنَي وَ كُفُّ الْحِبَاءِ

فَاطِمٌ كُفْوُ خِيَرَةِ الخَلْقِ طُرّاً *** أُمُّ طه أُمُّ الكِتابِ اَلسَّمَائِي

طَهُرَتْ مِنْ دَنَائِسٍ وَ رِفَاثٍ *** فَزَكَتْ كَالْأُصُولِ فِي اَلْأَبْنَاءِ(2)

وَ كَفَاهَا اَلْجَلِيلُ يَغْضَبُ فِيهَا *** أَيْ وَ يُرْضِي لِمَنْ لَهَا فِي الرِّضَاءِ

فَهِيَ رَبِّ لِكُلِّ فَضْلٍ وَ نَعْتٍ *** وَ هِيَ جَفْرٌ لِكُلِّ رَمْزِ بَلاَءِ(3)

عَصَبَتْ رَأْسَهَا بِفَقْدِ رَسُولِ اَللَّهِ *** وَ اَلدَّهْر خَلَّفَهَا بالعَنَاءِ

فَلِكُلِّ اَلْمُوَحِّدِينَ جَمِيعاً *** أنعي فُقْدَانِ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ

إِنَّ نَفْساً تَعَلَّقَتْ بِوْلَاهَا *** قَدْ أُسِيلَتْ بِفَقْدِهَا فِي اَلْوَلاَءِ

أَسَفاً كَيْفَ ضَمَّهَا اَلتُّرْبُ لَيْلاً *** وَ هِيَ تَقْضِي أَسَي بِوَجْهِ اَلدَّنَاءِ(4)(5)

ص: 164


1- لعل الشاعر يقصد بكلمة الأولاء: الأقدمين و لعل الأولاء مأخوذة من الأول أي المال و المرجع في النهاية و لعلها كناية عن مولانا صاحب العصر عجل الله تعالي فرجه الشريف إذ ستؤول الأمور إليه في نهاية المطاف فيملأ الأرض قسطاً و عدلاً و الله أعلم.
2- رفاث: فحش.
3- جفَرْ: (جَهَرَ) جنباه: إتسعّا.
4- أوصت فاطمة الزهراء عليها السلام قبل وفاتها زوجها الإمام علي عليه السلام بأن يغسلها و يدفنها ليلاً لكيلا يحضر جنازتها أبوبكر و عمر بن الخطاب فعمل الإمام سلام الله عليه بوصيتها و بعد أن جاء القوم إليه ليشاركوا في الجنازة صرفهم و في الليل غسلها و كفنها ثم خرج معه الحسن و الحسين عليهما السلام و العباس بن عبدالمطلب عمه و سلمان الفارسي و أبوذر الغفاري و المقداد و أخوه عقيل بن أبي طالب و عمار بن ياسر و دفنوها ليلاً، و روي أن الإمام علي عليه السلام رش أربعين مع قبرها عليه السلام حتي لا يبيّن قبرها من غيره فيصلوا عليها و عنده سأل الأصبغ بن نباتة الإمام عليه السلام لم دفنت فاطمة عليها السلام ليلاً أجابه قائلاً: إنها كانت ساخطة علي قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام علي من يتولَاهم أن يصليَ علي أحد من ولدها. انظر مناقب ابن شهر آشوب، ج 3، ص 412، أمالي الصوري، ص 562.
5- لعل الشاعر يقصد بكلمة الدناء: الدنيا.

(20) بنت الهادي

(بحر مشطور الخفيف)

الأستاذ سلمان الربيعي (أبوأمل)(*)(1)

مُولِدُ الزهْراءِ *** مَصْدَرُ لَالَاءِ

يَوْمَ بِنْتِ الْهادِي*** أَجْمَلُ اَلْأَعْيادِ

فَارْتَشِفْ يَا صَادِي *** جُرْعَةَ اَلصَّهْبَاءِ(2)(3)

شَعَّ فِي اَلْأَكُونِ *** كَوْكَبُ اَلْإِيمَانِ

مُنْقِذُ اَلْإِنْسَانِ *** مِنْ دُجْيِّ اَلظَّلْمَاءِ

ص: 165


1- (*) هو الأستاذ سلمان بن عاصي الرّبيعي، الشهير ب- (أبي أمل الربيعي). ولد في مدينة الحلّة سنة (1370 ه) الموافق (1951 م) نشأ و ترعرع في مدينة العلم و الأدب الحلة الفيحاء، فأكمل دراسته المتوسطة، ثم ترك الدراسة لظروفه العائلية و مع كل ذلك لم ينفكَ عن مواصلة العلم و الفضيلة. قام بقرض الشعر سنة (1989 م) و نشر الكثير من قصائده في الصحف العراقية و عبر الإذاعة و التلفزيون الإيراني و المعروف أن شعره من النوع الفاخر في المدح و الرثاء في حق أهل البيت عليهم السلام. و لشاعرنا مؤلفات شعرية، منها: الديار المحجوبة -علي أعتاب الديار- طيف الوطن. و ما يزال ينظم في شؤون الشعر و الأدب، ممارساً دوره كشاعر متغرّب عن وطنه و يعيش حنينه و آهاته.
2- صادي: من الصدئ و هو العطش الشديد.
3- الصهباء: الخمر التي يميل لونها إلي الصغار (المعجم الوسيط، ج 1، ص 529).

زغْرَدَتْ أَشْعَارِي *** لاِبْنَةِ الْمُخْتَارِ

زَوْجَةِ اَلْكَرَارِ *** أَصْدَقَ الإِطْرَاءِ

إِنَّ مَنْ أَرْضَاهَا *** فَهُوَ أَرْضِي اَللَّهَ

جَاءَ ذَا عَنْ طه *** أَشْرَفَ اَلْآبَاءِ

حُبُّهَا فِي قَلْبِي *** حَيْثُ يَمْحُو ذَنْبِي

يَوْمَ أَلْقِيَ رَبِّي *** فُزْتُ بِالسَّراءِ

حُبُّهَا أَهْدَانِي *** أَجْمَلَ اَلْأَلْحَانِ

وَ هُوَ فِي وِجْدَانِي *** حَلَّ وَ اَلْأَعْضَاءِ

دَعْ كَلاَمَ اَلنَّاسِ *** شَابَ مِنِّي رَاسِي

قُمْ و قَدِّمْ كَاسِي *** مِنْ يَدٍ مِعْطَاءِ

لَاتَدَعْ خَفَاقِي *** فِي ضِرَامِ بَاقِ(1)

وَ اِسْقِنِي يَا سَاقِي *** مِنْ نَمِيرِ اَلْمَاءِ(2)

لِلْهَدْيِ أَعْلاَمُ *** زَانَهَا اَلْإِسْلاَمُ

كُلُّنَا خُدَّامُ *** نَحْنُ لِلزَّهْرَاءِ

ص: 166


1- الخفّاق: الكثير الخفق و أراد القلب
2- نمير الماء: الزاكي من الماء.

(21) فخر النساء

(بحر الكامل)

السيد سلمان هادي آل طعمة (*)(1)

مَرْحِي بِإِشْرَاقِ اَلسَّنَا اَلْوَضَاءِ *** غَمَرَ الْحَيَاةَ بِرُونَقٍ وَ بَهَاءِ

وَ أَطَلَّ كَالْأَلَقِ مُرَتِّلاً *** آيَاتِهِ بِالْحَمْدِ وَ اَلنَّعْمَاءِ

ذِكْرِي تُطِلُّ عَزِيزَةً وَ كَأنَّهَا *** شَمْسُ اَلضُّحِي تَفْتَرُّ بِالْأَضْوَاءِ

ص: 167


1- (*) هو السيد سلمان ابن السيد هادي آل طعمة، ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1354 هه 1935 م). و أسرة آل طعمة أسرة عريقة و معروفة في كربلاء و قد أنجبت العديد من الخطباء و العلماء و الأدباء و كتب التراث و التراجم تذكر الكثير منهم. ترعرع المترجم له و نشأ في كنف والده المغفور له السيد هادي آل طعمة فأحسن تربيته حيث غرس في نفسه حب الفضيلة و الصلاح و أول دراسته كانت في مدارس كربلاء الابتدائية و المتوسطة ثم الثانوية و أكمل دراسته إلي أن تخرج من كلية التربية بجامعة بغداد سنة (1970 م) و عيّن مدرساً في كربلاء المقدسة. أحبَّ الشعر و شغف به فكان يطالع الدواوين الشعرية و كتب الأدب و يجالس الشعراء و الأدباء و يشترك في الندوات الأدبية و الشعرية التي تقام في كربلاء و أخذ يقرض الشعر علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة، فأجاد في كثير من النصوص التي كتبها بدافع من شعوره الديني و عرف في نظمه بكتابة القصيدة العمودية . و للمترجم له عدد كبير من المؤلفات المطبوعة و المخطوطة و أشهرها تراث كربلاء - و شعراء كربلاء و كربلاء في الذاكرة و خطباء كربلاء و تاريخ مرقد الحسين و العباس و رجال الفكر في كربلاء و عشائر كربلاء و الشعراء الشعبيين في كربلاء و كثير من الكتب التي تشيد بتاريخ و تراث كربلاء في الماضي، أقول إن الأستاذ السيد سلمان آل طعمة خدم مدينة كربلاء بكل ما استطاع و قد سخّر قلمه و مواهبه لخدمتها و إحياء تراثها و إظهار معالمها التاريخية و الحضارية و هذا دور كبير و خدمة عظيمة لمدينة تتعاضد المخططات علي محو اسمها و تعطيل دورها الروحي و المعنوي في العالم الإسلامي و الإنساني فأسأل المولي الجليل أن يزيد في توفيقه و يحسن عاقبته.

في كُلِّ قلبٍ نَشوَةٌ وَ مَسَرَّةٌ *** وَ بِكُلِّ بَيْتٍ فَرَحَةٌ لِلِقاءِ

وَ اَلشَّوْقُ يُسْرِجُ كُلَّ قَلْبٍ هائِمِ *** نُوراً يَفيضُ بِعِزَّةٍ قُعَسَاءِ(1)

اَللَّيْلُ يُوغَرُ بِالمَسِيرِ كَأَنَّهُ *** شَلاّلُ ضَوْءٍ فَاضَ بِالإِرْوَاءِ

وَ تَأَلَّقَتْ آفَاقُ مَكَّةَ فجَاةً *** بِمَحَاسِنِ اَلْأَنْوَارِ وَ اَلْأَبْهَاءِ(2)

وَ اَلطَّيْرُ مِنْ شَوْقٍ يزغْردُ حَالَماً *** مِثْلَ اِنْهِمَارِ اَلدِّيمَةِ اَلْوَطْفَاءِ(3)

فَإِذَا الْقُلُوبُ الْواجِماتُ تَرَنَّحَتْ *** سُكْرَي بِطِيبِ الجنَّةِ الْفَيْحاءِ(4)

بُشْرَي بِفَاطِمَةٍ سَلِيلَةِ أَحْمَدٍ *** فَخْرِ النِّساءِ وَ تَحِيَّةِ اَلْعَلْيَاءِ

مَا أَوْرَعَ الذِّكري تَفِيضُ بَشَاشَةً *** وَ هَوّي يَفُوحُ كَنَسْمَةٍ عَذْرَاءِ

هَبَطَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا مكارمُ جَمَّةٌ *** بِالْفَضْلِ تَعْلُو هامَةَ اَلْجَوْزَاءِ

يَا بِنْتَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَ مَوْئِلاً *** لِلْعِزِّ لِلتَّقَوي وَ نَبْعِ عَطاءِ

كَم مِن يَدٍ لَكِ بِالنَّدِيِّ مَشْهُودَةٍ *** تَجْتَاحُ كُلُّ جَرائِرِ اَلدُّخَلاَءِ؟

لَكَ مثْلَما لِمُحَمَّدٍ و َقَفاتُهُ *** تَهْدِي اَلْوَرِيَّ لِلشِّرْعةِ اَلسَّمْحَاءِ

سَلَبُوكِ إِرْثاً وَ هُوَ مَلِكُ مُحَمَّدٍ *** (فدكَ) غَداً نَهَباً إِلَيَّ اللَّوْمَاءِ(5)

وَ عَدَا عَلَيْكَ الْمُشْرِكُونَ وَ إِنَّهُمْ *** مَنْ ظَلَمَهُمْ جُبِلوُا عَلَيَّ الْأَوْرِزَاءِ

أَوْ لَمْ تَكُونِي قُدْوَةً لِنِسَائِنَا *** وَ مُلاَذكُلِّ اَلْإِنْسِ مِنْ حَوَّاءِ؟

ص: 168


1- قعساء: ثابتة منيعة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي النور الذي ملأ آفاق مكة حين ولادة الزهراء عليها السلام. راجع كتاب مشارق الأنوار، ص 85، و البحار، ج 16، ص 81، و عوالم العلوم، ج 1 ص 58 - 59، و في كتاب عوالم العلوم، أيضاً، ج 1، ص 56 عن كتاب الروض الفائق، ص 214 مثله.
3- الديمة الوطفاء: المطر المنهمر.
4- الواجمات : وَجَمَ أي سكت و عجز عن التكلم من شدّة الغيظ أو الخوف، أو عبس وجهه و أطرق لشدة الحزن، ترتّحت: تمايلتْ. الفيحاء: الواسعة.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلي سلب القوم فدك من فاطمة عليها السلام. راجع كتاب مسند أحمد ج 1 ص 9، و ج 1 ص 13، و السنن الكبري ج 6 ص 300. و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 16، ص 232، كما في كتاب عوالم العلوم، ج 2 ص 626، و ج 2 ص 631.

يَا دَوْحَةَ الشَّرَفِ الْعَظِيمِ مُضِيئَةً *** وَ مَنَارَةً للهِمَّةِ الشِّماءِ

تَارِيخُكَ الوَضَّاءُ نُورٌ مُشْرِقٌ *** مَتَالِقٌ فِي اَللَّيْلَةِ اَلظَّلْمَاءِ

مَا زَالَ فِينَا سَاطِعاً مُتَوَهِّجاً *** يَجْلُو ظَلامَ دُجْنَةٍ سَوْدَاءِ(1)

ذِكْرَاكَ سَفْرٌ لِلْمَاثِرِ وَ اَلْإِبَا *** يَهْدِي اَلْوَرَي لِمَحَجَّةٍ بيْضاءِ

مِيلادُكَ اَلْمُعْطارُ مُصْدَرُ رَحْمَةٍ *** سَيَظَلُّ رَمْزَ مَوَدَّةٍ وَ إِخَاءِص: 169


1- جنة : ظلام.

(22) باركوا اليوم للبشير

(بحر الخفيف)

الشيخ صادق الشيخ جعفر الهلالي

طالَ شوقِي فصاغَهُ إنشائِي *** لحنَ حب بمولدِ الزهراءِ

خيرُ بشري لأحمدَ حين وافت *** و هي قدسٌ من لطفِ رب السماءِ

يوم أسرت خديجة الطهر فخراً *** فاطمياً بروضة الأنبياءِ

بضعةُ المصطفي و ليس سواها *** أوجبَ اللَّه وُدَّهُمْ بالولاءِ

و حباها الهادي الأمينُ و ساماً *** يوم سادتْ علي عموم النساءِ

قَصَّرَ الشعرُ كيف يرقي مقاماً *** شاءه الله رحمة الاقتداءِ

منحَ اللَّه من حباها فطاماَ *** فيه منجي من اللظي و البلاءِ

من يرومُ الولاء نصاً و روحاً *** و اقتداءً يجزي بخير جزاءِ

أيُّ بنتٍ تُدعي بأم أبيها *** و تراه قد خصها بحباءِ

فهي من خافقيه نبضٌ و شجنٌ *** و نسيجٌ من فيضه المعطاءِ

من سواها غيرُ البتولة تدعي *** فاطمُ بنت سيد الأنبياءِ

***

هلَّ الصبحُ في سمانا ابتهالاً *** شرفاً شادَ لحنَه إنشائي

و كسا الأرضَ بهجةً و رخاءً *** من جلالِ الوليدةِ الحوراءِ

فاضَ منها علي البرية نورٌ *** ملأَ الكونَ بالسَّنا الوضاءِ

من سيرقي سُموَّها و عُلاها *** و هي شمسٌ قد أزهرتْ بسناءِ

فيطيبُ القصيدُ فيها نَسيِماً *** أحمدياً بمُهْجتي و غنائي

ص: 170

حين راح الشعورُ يغمرُ حباً *** و ولاءً بفرحة الأصفياءِ

إن يوم الزهراء تسعدُ فيه *** أمة الحق و الهدي بحباءِ

و زهورُ الزهراءِ تورق نشوي *** زاهراتٍ بالروضة الغناءِ

تتناغي تألقاً و انسجاماً *** شدها الشوق في جميل اللقاءِ

و طيور البطحاء ترقص عشقاً *** في زغاريد لحنها الحسناءِ

فهو عيدٌ لفاطمَ تهدي *** صلواتٌ فاضت بكل عطاءِ

***

بنتُ طه قد نوَّرت في سمانا *** قبساتٌ من فيضها بجلاءِ

لاحُ منها فجرٌ تبسَّم فيه *** قمرٌ شعَّ في سما الظلماءِ

وببيتُ الإيمانِ نجمان منها *** قد أطلّا من نفحةِ الأوصياءِ

فرعُ ذاك الوصي سبطا نبيِّ *** جاءَ بالحقِ خاتم الأنبياءِ

و كذا زينبٌ عقيلةُ طهر *** كأبيها في قمةِ البُلغاءِ

و هي فيها من أُمِّها نبضاتٌ *** في جهادٍ و رفعةٍ و وفاءِ

في تُقاها كانتْ لأمٍ بتول *** و أبٍ كان سيد الأتقياءِ

أخذتها كرامة و اتصالاً *** باقتداء من آلها الأصفياءِ

باركُوا اليوم للبشيرِ سروراً *** حلِّ فيه بمولدِ الزهراءِ

ص: 171

(23) فيض الوجود

(بحر الخفيف)

الأستاذ عباس مرتضي عيّاد العاملي(*)(1)

مُزْقِي صَمْتَ أَحْرُفِي وَ اَلسَّمَاءَ *** وَ اسْكُبِي اَلشَّعْرَ فِي دَمِي وَ اَلضِّيَاءَ

وَ انْثُرِي غَابَةَ اَلْجَرَّاحِ بِرُوحِي *** وَ أَحِيلِيهَا دوحةً خَضْرَاءَ

لَكَ حَرْفُ اَلْقَصِيدِ يَنْشُرُ فَرْعَيْهِ *** فَيَكْسِي نِصَارَةً وَ بَهَاءَ

يَتَغَاوَيُ عَلَيَّ صِفَافِ اَلْمَعَانِي *** وَ هِيَ نشوي، وَ يَغْمِزُ اَلْعَيَاءَ(2)

وَ يَشِفُّ الْحَرْفَ الْحَرُونَ لَعِيَّاك *** وِلَاءٌ يَسِيلُ فِيهِ صَفَاءَ(3)

فَيَرِقُّ اَلْإِلَهُ فِي جَامِ قَلْبِي *** لِأُغْنِّي الصدِّيقَةَ اَلزهْرَاءَ(4)

هَفهفِي يَا أَمِيرَةَ اَلْعِفَّةِ اَلسَّحَاءِ *** فِي مَرْتَعِ اَلْجَلاَلِ اِنْتِشَاءَ

ص: 172


1- (*) هو الأستاذ عباس ابن الشيخ مرتضي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ موسي آل عياد. وآل عياد من الأسر المعروفة في لبنان (جبل عامل) و لها مكانتها المرموقة و قد أنجبت العديد من العلماء العاملين. ولد المترجم له سنة (1391 ه) الموافق (1972 م) من أبوين صالحين كريمين، فقاما بتربيته أحسن قيام وغذّيانهِ بأخلاقهما الفاضلة، فكوّنا منه إنسانا فاضلاً محبوباً. و أول دراسته كانت في مدارس لبنان الابتدائية و المتوسطة ثم الثانوية و أكمل دراسته إلي أن تخرج في جامعة بيروت العربية قسم المحاسبة بشهادة بكالوريوس. أحب الشعر و شغف به و في سنّة الخامسة عشرة من عمره قام بقرض الشعر، شارك في الحفلات الدينية التي تقام في مسجد و حسينية الإمام علي «عليه السلام» في الخندق الغميق و غيرها فهو مولع في مدح ورثاء أهل البيت «عليهم أفضل الصلاة و السلام»، «زاد الله في توفيقه».
2- يغمز : تغامز القوم، أشار بعضهم إلي بعض بأعينهم أو بأيديهم.
3- الحرون: حرنّ فلان بالمكان -لزمه فلم يفارقه و معناه هنا الحرف أو الكلمة التي تستعصي علي الشاعر أو القائل.
4- الجام: الكأس: أو الإناء من الفضة. الأولي عن المنجد و الثانية عن اللسان.

مَا عَفَافُ اَلنِّسَاءِ؟ مَدْي لِلْعَفِّ *** يَكْسُو عُرْيَ اَلزَّمَانِ حَيَاءَ

يَتَمَادِي مَعَ اَلخُلُودِ رُؤُاهُ *** بِالنَّوَامِيسِ مُخْصَبَاً مِعْطَاءَ

الْقَداَسَاتُ أَنْتِ صُغْتِ هُدَاهَا *** فَهِيَ أِنْدِي ظِلاًّ وَ أَبْهِي سَنَاءَ

أَنْتِ فَيْضُ اَلْوُجُودِ يأتلِقُ اَللَّهُ *** بِبُرْدَيْكِ مُشرِقاً وَضَاءَ

أَنْتَ أَمُّ اَلْوَقَارِ بَلْ أَمُّ طه *** ذَابَ فِيهَا حُبّاً وَ ذَابَتْ وَفَاءَ(1)

ص: 173


1- يكاد يكون الحديث عن الحب العجائبي المتبادل بين الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ابنته الزهراءعليه السلام... صلوات الله و سلامه عليهما، من أركان الحديث عن شخصية سيدة النساء عليها السلام. حيث يستدل به الأعلام علي عصمتها و علي شدة قبح أذاها و علي إبراز مكانتها الفريدة و علي ذلك دارت القرون الأولي و أجمع أهل القبلة و أطبقوا، عامهم و خاصَّم و المخالف منهم قبل المؤالف. فمن ذلك ما رووه عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قوله: «فاطمة عليها السلام روحي التي بين جنبي» و قوله: «أحبّ الناس إليّ فاطمة عليها السلام» و قوله : «خير بناتي فاطمة عليها السلام» و قوله : «فاطمة عليها السلام أم أبيها» و قوله : «فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها أو يريبني ما أرابها و يقبضني ما يقبضها و يبسطني ما يبسطها و يسرّني ما يسرّها» و مثل قوله : «من أحبّ فاطمة عليها السلام ابنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار» و قوله : «حبّ فاطمة عليها السلام ينفع في مائةٍ من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة...» و مثل قول ابن عمر: إن النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم قبّل رأس فاطمة عليها السلام و قال: «فداك أبوك، كما كنتِ فكوني». و عن عائشة؛ في ذخائر العقبي: أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم قبل يوماً نحر فاطمة عليها السلام، فقلت له: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فعلت شيئاً لم تفعله؟ فقال : يا عائشة، إني إذا اشتقت إلي الجنة قَبَلت نحر فاطمة عليها السلام. و عن عائشة أيضاً، كما في ينابيع المودّة، أنها قالت: كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم إذا قدم من سفرِ قَبَل نحر فاطمة عليها السلام و قال : منها أشمّ رائحة الجنة. و في الاستيعاب: عن أبي ثعلبة الخشني، قال : كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إذا قدم من غزو أو سفر، بدأ بالمسجد فصلّي فيه ركعتين، ثم يأتي فاطمة عليها السلام، ثم يأتي أزواجه. و في مستدرك النيسابوري بطريقه إلي أبي ثعلبة الخشني أيضاً أنه قال : قدم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من غزاةِ له، فدخل المسجد فصلي فيه ركعتين، فكان يعجبه إذا قدم من سفرِ أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين ثم خرج فأتي فاطمة فبدأ بها، فاستقبلته، فجعلت تقبّل وجهه و عينيه و تبكي، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ما يبكيك؟ قالت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أراك قد شحب لونك. و في تاريخ بغداد : عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ما لك إذا جاءت فاطمة عليها السلام قَبَلتها حتي تجعل لسانك في فيها و في لسان الميزان: مثله. إلي غير ذلك من الروايات و الأخبار التي لها أوّل و ليس لها آخر. مع أن الذي ذكرناه ليس إلاَّ نبذة مختصرة جدّاً من كتب الجمهور و أما ما يرويه الثقاة من شيعتها و محبيها فإنه يختصر الإسلام كله، بل و القرآن بأجمعه في حبَّها و أبيها و بعلها و بنيها، وولايتهم و معاداة عدوهم. و لك إن شئت أن ترجع إلي كتب القوم الذين ذكروا أضعاف أضعاف ما ذكرنا، و إليك بعضها: (1) الصحيح للبخاري، ج 5، (2) صحيح مسلم، ج 7، (3) صحيح الترمذي، ج 13، (4) الخصائص للنسائي، (5) المستدرك للنيسابوري، ج 2، (6) حلية الأولياء لأبي نعيم، ج 3، (7) تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر ج 1، 9، (8) الفائق للزمخشري ج 1، (9) مقتل الحسين للخوارزمي، (10) المناقب للخوارزمي، (11) التذكرة لسبط ابن الجوزي، (12) تفسير ابن كثير، (13) البداية و النهاية لابن كثير، ج 7، (16) مجمع الزوائد للهيثمي، ج 9، (10) الجامع الصغير للسيوطي، (16) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي، (17) كنز العمال للمتقّي الهندي، ج 13، ج 5 - المطبوع بهامش المسند، (18) كنوز الحقائق للمناوي، (19) ينابيع المودة للقندوزي، (20) أعلام النساء لعمر رضا كحالة، ج 3، (21) مقتل الحسين لابن الموفق، (22) مودة القربي للهمداني، (23) مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي، ج 3، (24) و تحفة الأشراف للحافظ المزي، ج 2، (25) ذخائر المواريث للنابلسي الدمشقي، ج 1، نظم درر السمطين للزرندي، (27) تاريخ ابن عساكر، ج 2، (28) إرشاد الساري، ج 6، (29) الإتحاف للزبيدي، ج 6، (30) تاريخ الإسلام للذهبي و غيرها كثير من كتب القوم و أكثر من كتاب الأصحاب و إنما لم نذكر الصفحات مقابل الكتب بسبب تعدّدها.

هَامَ فِي وَحْشَةِ اَلْحَنَّانِ طَوِيلاً *** فَجَلَوْتِ الأُمُومةَ اَلشِّمَّاءَ(1)

وَ حَبَاهُ(2) اَلْإِلَهُ نُعَمِي اَلْبَنَوَّاتِ *** فَكُنْتِ الريحانةَ الْحَوْرَاءِ(3)

هَاكِ مِيلاَدَكَ اَلسَّنِيَّ فَيَا قَلْبُ *** دَعِ الشَّمْسَ تَحْجُبِ الْآلاءَ

إِنَّ قَلْبَ اَلرَّسُولِ يَبْتَسِمُ بهِ *** بَعْدُ هَلْ تَرِي ظَلماءَ

هاكِ مِيلادَكِ اَلنَّدِيَّ يَمُدُّ *** اَلطُّهْرُ ظِلاًّ بِرَبْعَةِ كَيْفَ شَاءَ

ص: 174


1- إشارة إلي الحديث المتقدم عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في حق الزهراء عليها السلام: «فاطمة عليها السلام أم أبيها». و قد تعدّدت الآراء في تفسيرها و أوضحها ثلاثة علي ما عثرنا عليه أ- أنها صارت له بمثابة الأم، بعد أمه آمنة و بعد فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام ب - مبالغة في حقّها لأن أم كلَّ شيءٍ أصله، كما تقول : أم الكتاب و أم القري و أم العلوم ج-- أن ذلك جاء احترازاً عن تخيّل وجود فضل النساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم عليها، لما كانت نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم أمهاتٍ للمؤمنين، فهن أمهات لها، فجاء قول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كرفع لها عليهن و تقديمٍ لها دونهن، لأنها قد تبوّأت بذلك مكاناً أعلي و أشمخ و لكلِّ من هذه التفسيرات شواهد تعضده.
2- حباه: أعطاه إياها من غير مقابل.
3- راجع ما نقلناه في ولادتها و سبب تسمياتها و ألقابها.

وَ رَبيعُ العَفافِ يُتَّلِعُ(1) جَيِّداً(2) *** وَ يَزِفُّ اَلْأَنْدَاءَ وَ اَلْأَشِدَّاءَ

هَاكِ مِيلاَدُكِ اَلزُّهْيَّ تُهادِي *** فِيهِ حَوَّاءُ مَريَمَ اَلْعَذْرَاءَ(3)

يَسْتَبِيحُ اَلْخَيَّالُ سِحْراً نَدِيّاً *** فَيُثِيرُ القَصائِدَ العَصْمَاءَ

إِيه أُمَّ الْحُسَيْنِ مَا فَتِيءَ اَلرَّفْضُ *** دَماً يَجْرِي فِي الْعُرُوقِ إِبَاءَ

وَ تَشَكِّي الْمَيْدَانُ مِنْ غُرْبَةِ اَلشَّوْطِ *** فَخُضْنَاهُ غَضْبَةً وَ اِنْتِخَاءَ

هَكَذَا دَأْبُنَا... نُنَاغِي دِمانَا *** وَ يُنَاغِي(4) عَدُوُّنَا اَلصَّهْبَاءَ(5)

أَسْكَرَتْهُمْ ثَمَالَةُ الصَّمْتِ ذُلاً *** فَجَلَوْنَا الْحُرِّيَّةَ الْحَمْرَاءَ

مَرْحَباً يَا أَسِي اَلْكَرَامَاتِ مَا انفَكَّ *** عُلانَا يُنَادِمُ اَلْأَرِزَّاءَ

نَحْنُ نَسْلُ الجِراحِ لَسْنَا نُبَالِي *** بِالَّذِي جِئْتَ لَوْعَةً وَ شَقَاءَ

قَدعَرَفْنَا عَلَي حَوَاشِيكَ لِلنَّصْرِ *** زَهَاءً وَ لِلْعِمْرَاكِ صَفَاءَ

إِنَّنَا فِي يَدَيْكَ نحْفِرُ شَمْسَ اَلْمَجْدِ *** حَفَراً وَ نَبْهَرُ اَلظَّلْمَاءَ

ثُمَّ مَا هُمَّ أَنْ تُنِيرَ دُرُوباً *** أَنْفُسٌ قَدْ هَوَتْ بِهَا شُهَدَاءَ

مِنْ دِمَاهُمْ لِلْخُلْدِ نُبْدِعُ فَجْراً *** كَانَ فِيهِ أُفُقُ اَلْفِدَاءِ مُضَاءَ

إِنَّنَا فِيهِمْ بَلَغْنَا مُنَانَا *** وَسَقَيْنَا سَمْعَ اَلْمَعَالِي صَدَاءَ(6)

كَذَبَ اَلْقَبْرُ لَيْسَ فِي اَلْقَبْرِ مَوْتٌ *** حُجُبُ اَلْغَيْمِ لاَ تُمِيتُ ذكاءَ(7)

زَرَعُوا فِي التُّرَابِ وَ التُّرَبُ خِصْبٌ *** وَحَصَدْنَا الكرامَةَ اَلشِّمَاءَ

تِلْكَ عَادَاتُنَا، فَإِمَّا حَيَاةٌ *** مُدَّ فِيهَا شُمُوخُنَا اَلْأَفْيَاءَ

ص: 175


1- يتلع: يمد عنقه.
2- جيداً: عنقاً.
3- يمكن أن تراجع ذخائر العقبي للطبري، ص 44 و ينابيع المودة للقندوزي، ص 198، ا و وسيلة المآل للحضرمي و نزهة المجالس للصفوري، ج 2، ص 227.
4- يناغي: يغازل.
5- الصهباء: المرأة التي يخالف بياض شعرها حمرة - اليوم البارد.
6- كان حق الصدي أن يقصر و إنما مدّه لضرورة الشعر.
7- ذُكاء: الشمس.

تَتَفَانَيَ قُلُوبُنَا فِي هَوَاهَا *** أَوْ نَرَي اَلْمَوْتَ عَادَةً حَسْنَاءَ

يا ابْنَةَ الْمُصْطَفَي وَ عِنْدَكِ وَافَانِي*** فَأَشْرَفْتُ كَيْ أَزُفَّ الْوَلاءَ

أَتَحَدَّي بِهِ خُطُوبَ اللَّيَالِي *** وَ أُضِيءُ اَلْخَوَاطِرَ اَلسَّوْدَاءَ

وَ عَلَي مُقْلَتِيَّ عَربَدَ لَيْلٌ *** جَامِعُ اَلرُّعْبِ فَاسْكُبِي اَللَّأْلاَءَ

وَ مَرَايَا اَلْجَبِينِ تَعْكِسُ أَلْوَانَ *** انْزُوَائِي فَهَلْ كَشَفْتِ انزواءَ

أَرْهَفَتْنِي مَسَالِكُ الْعُمْرِ حَتِّي *** جِئْتُكِ الْيَوْمَ أَغْسِلُ الْإِعْياءَ(1)

ص: 176


1- في الأصل: أرهفتني بالفاء بنقطة واحدة، أي شحذتني و السياق يقتضي أن تكون بالقاف بنقطتين، بمعني: أتعبتني و أعيتني، لكي تنسجم مع غسل الإعياء.

(24) في رحاب الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الجبار الساعدي(*)(1)

ص: 177


1- (*)الشيخ عبد الجبار بن عبد الرضا بن محسن الغراوي الساعدي. عالم و كاتب و شاعر. ولد في قلعة صالح - العمارة سنة 1369 ه و نشأ في الكحلاء. دخل المدارس الرسمية و تخرّج فيها. هاجر إلي النجف سنة 1387 ه للدراسة و طلب العلم، فقرأ الأوليات الأدبية و الشرعية علي بعض الفضلاء، ثم حضر الأبحاث العالية - فقهاً و أصولاً ۔ علي السيد أبي القاسم الخوئي و السيد نصر الله المستنبط و الشيخ محمد تقي الراضي. نال إجازات شرعية و روائية عن أعلام الدين بلغت «22» إجازة و قد اطّلعت عليها كلّها و فيها بالغ الإطراء علي علمية المترجم له و أدبه و له مشايخ كثيرون بالرواية ذكرتهم في كتابي «الثبت الجديد في معرفة المشايخ الأسانيد» و أجازني إجازة عامة برواية الحديث و غيره. نظم الشعر مبكّراً و أجاد فيه و نشر منه في الصحف العراقية و العربية و ارتاد النوادي الأدبية و شارك بها و له مقالات قيّمة نشرت في مجلة «العدل» النجفية و مجلة «العرفان» اللبنانية و صحيفة «المنار» البغدادية و غيرها. نال عضوية «رابطة الأدب الحديث» بالقاهرة و عضوية «اتحاد الأدباء و الكتاب العراقيين» و «اتحاد المؤرخين العرب» و«الجمعية الفلسفية» في بغداد و الهيئة الإدارية ل- «جمعية التحرير الثقافي» في النجف و الهيئة الإدارية ل- «لجمعية التوجيه الديني» في النجف و أمين مكتبتها. مؤلفاته: طبع له. الدعاء في المعتقد الشيعي، القرآن في نظر الشيعة. دموع الكحلاء -مجموعة شعرية- ديوان السيد حسن الياسري تحقيق. القاسم بن الإمام موسي بن جعفر عليه السلام. ناعية الطف السيد حيدر الحلي، الإمام الخنيزي من أعلام مدرسة الفقه الشيعي، الوفاء في شعر الشيخ عبد الغني الخضري، سليل الإمام الكاظم العلوي الغريب، أثر التربية الإسلامية في حياة الفقيد الجلالي، سطور من حياة أهل البيت عليهم السلام. فلسفة الصوم في الإسلام. ملامح من شاعرية السيد محمد سعيد الحبوبي. نغم الولاء -مجموعة شعرية- و المخطوطة: لمعة من علوم القرآن. تقريرات الفقه و أصوله. وقفة مع بعض مسائل المكاسب. من حديث الفقاهة الصادقية. دروس في التربية. في رحاب الإسلام.

ماذا أَقُولُ بمولدِ الزَّهراءِ *** فهيَ البتولُ ومنتهي العلياءِ

صاغَ الإلهُ من الجلال كيانها *** فَتَأَلَّقْتْ تسمُو علي الجوزاء

هيَ عفةً و نزاهةً و قداسةً *** تمشي علي أرضٍ من اللألاء

لولا عليُّ ينبرِي لزواجِها *** ما صادَفَتْ أحداً من الأكفاءِ

نوران قد قَرَنا فؤاداً بهجةً *** غَمَرا الوجودَ بمشرقِ الأضواءِ

والكُلُّ مفتقرٌ إلي نوريهما *** حتي الذي في الصخرةِ الصمَّاءِ

سرَّ تقاصَر عن بلوغِ قراره *** فكرٌ الحصيفِ و حكمةُ الحكماءِ

كلّا و لا أهلُ الكلامِ و من لَهُمْ *** وَلَعٌ بحبِّ تفلسفِ الآراءِ

قَدْ خاطبَ النعمانُ يوماً جعفراً *** و هوَ المعينُ لحكمةٍ وعطاءِ

ارجعْ لربِّك يا بن ثابتَ تائباً *** فالدينُ ليسَ بقولةِ العقلاءِ

لا وجهَ تذهبُ للقياسِ مقارناً *** إن القياسَ مقالةُ السفهاءِ

فهناكَ أسرارٌ لعمرِي جمة *** تبقي رهينةَ محبسٍ و غطاءِ

و عليُّ و الزهراءُ أعظمُ ملغزاً *** و عميقُ سرِّ موغلٍ بجفاءِ

فهما شعاعُ القدسِ من ملكُوِتها *** ليمدّ كُلَّ عوالِمِ الأحياءِ

دعْ عنكَ كلَّ تحذلقٍ و تمنطقٍ *** و اتركْ حديثَ مقالةِ العُلماءِ

أتراكَ تدركُ سرّهم و مقامهم؟ *** جنبْ قواكَ مغبة الإعياءِ

أتظنُ زهراءَ الأنامِ كغيرها *** ممن وُلِدْنَ لأُمِّنا حواءِ؟

ورددتْ قولي إنّها من آدمٍ *** و الأصلُ يُنْمي للثري و الماءِ

فأجبتهُ أو ما دريتَ بفاطمٍ *** أنسيةٌ من معدنِ الحوراءِ؟

هي شعلةُ النورِ المبينِ توهجاًّ *** لتزيحَ عنا حندسَ الظَلماءِ(1)

فبِها و شِبلَيْها اللذين تَوَقَّدا *** بدراً بليلِ غمائمِ الأهواءِ

ص: 178


1- حندس الظلماء: الظلمة الشديدة.

للصح مَالَ زَكيُّهَا لِيَصُونَهَا *** مِمَّا أُتِيَ مِنْ زُمْرَةِ الطُلَقَاءِ

أَمَّا دِمَاءُ أَبِي عَلِيِّ إنهَا *** تَدْعُوا لِكُلِّ فَضْلِيَّةٍ و علاءِ

وَ بِبَعْلِهَا اَلزَّاكِي اَلرَّشِيدِ صِرَاطُنَا *** لِنَكُونَ مِنْ أَهْلِ الحِجا السعَدَاءِ

وَ بِأَحْمَدَ اَلْهَادِي اَلْأَمِينِ نَبِيِّنا *** أَزَكي الخَلِيفَةِ خَاتَمِ اَلْأُمَنَاءِ

لِتَتِمَّ فِي يَوْمِ اَلْحِسَابِ نَجَاتُنَا *** رَغْماً عَلَيَّ أَهْلِ اَلْعُمْيِ اَلْأَعْدَاءِ

ص: 179

(25) تربة الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي(*)(1)

ص: 180


1- (*) الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ ابراهيم ابن الشيخ صادق العاملي يتصل نسبه بآل يحيي القبيلة المعروفة في (جبل عامل)، ولد في النجف الأشرف في حدود سنة (1282ه) و بعد بضعة أشهر من ولادته عاد به والده إلي لبنان (جبل عامل) و بعد وفاة والده عاد إلي النجف لتحصيل العلوم العقلية و النقلية في الحوزة العلمية في النجف الأشرف و ذلك بعد أن تعلمَّ المقدمات علي العلماء في جبل عامل فتتلمذ علي أساتذة كبار منهم الشيخ محمد حسين الكاظمي و الأخوند ملا محمد الشربياني و مرزا حبيب الله الرشتي و مرزا حسين الخليلي الطهراني و الآخوند ملا محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) و المجدد ميرزا حسن الشيرازي في سامراء و قد شهد العالمان الكبيران الأخوند الخراساني صاحب الكفاية و ميرزا حسين الخليلي له بالاجتهاد . و المترجَم له علم معروف و عالم تضلّع في سائر العلوم و تخصص في الفقه حتي أصبح من الفقهاء المشتهرين و كان يتوقّد ذكاءً و يتفجَّر فضلاً مع حسن أخلاق و طلاقة وجه. و أيضاً كان المترجم له من أشهر مشاهير أدباء عصره، عالم كبير و شاعر مبدع لم ينازع في فضله، أديب ينتمي الادب منه إلي أهله فهو عريق أباً عن جد في العلم و في الشعر و له شعر كثير في مدح أهل البيت «عليهم السلام» و رثائهم و كلها من الشعر العالي المقبول. و لما عاد إلي جبل عامل و ذلك بالزام من كبار أساتذته إجابة منهم لطلب جمهور من العامليين و كللّوه بإجازاتهم و شهاداتهم له ليرقي منصب الاجتهاد. و عندما استقرّ في النبطية أسسَّ حسينية هي أم الحسينيات في الجنوب اللبناني، و ولاؤه أهل البيت عليهم السلام يذكر فيشكر و نجد بلدة النبطية - اليوم - من معاقل أهل البيت «عليهم السلام» فالمآتم و المواكب و الشعائر المختلفة التي تقيمها الحسينية هي ركن من أركان التشيع و لا عجب فهو من أسرة شعارها الولاء لآل رسول الله «عليهم أفضل الصلاة والسلام». ومن فضل الله علي المترجم له أن نجِّي بسعيه طائفة كبيرة من المسلمين من سوقهم إلي ساحة الحرب العامة الطاحنة و هذا الموقف مشهود له. و أما تصانيفه وتأليفه فتزيد علي العشرين كتاباً منها (المواهب السنية في فقه الامامية) مجلدان و له منظومة فقهية استدلالية تبلغ أربعة آلاف بيت و منظومة كلامية تبلغ الفي بيت و غير ذلك من المحاضرات و المناظرات مطبوعة و مخطوطة. توفي في النبطية في (12) ذي الحجة الحرام (1361 ه) و دفن إلي جانب الحسينية التي أسسها في حياته. فرثاه الشعراء بقصائد أعربت عن مقامه الرفيع و أبَّنته الصحافة و الأدباء بشتَّي أساليب الحزن و الألم. و خلف المترجم له ثلاثة أنجال كلهم من أهل الأدب و الفضل هم الشيخ حسن و الشيخ محمد تقي و الاستاذ عبد الرضا.

يا زائراً أرضَ البقيعِ وصيَّةً *** عني تُقبِّلُ تربةَ الزهراءِ

فإذا تشابَهتِ القبورُ بعطرِها *** فَتَتَبَّع التعريفَ بالأرزاءِ

كلُّ الأئمةِ حولَها قد غُيِّبُوا *** بالسُّمِّ و هيَ بغُصَّةٍ و جَفاءِ

عَفِّر خُدودَكَ بِالتُّرَابِ فَرُبَّمَا *** أُفْضِي إِلَيْكَ بِفَادِحِ اَلْأَنْبَاءِ

قَبْرُ الْبَتُولَةِ لَوْ شَمِمْتَ تُرَابَهُ *** أَشْجَاكَ صَوْتٌ مُفعَمٌ ببكاءِ

أَبَتَاهُ قَوْمُكَ مَا وَفَوْا بِوَصِيَّةٍ *** أَبَتَاهُ بِعْدَاكَ أَيْتَمُّوا أَبْنَائِي(1)

قَادُوا اِبْنُ عَمِّي كَالْأَسِيرِ أَمَامَهُمْ *** وَ أَجَابُوا بِالشَّتْمِ الْفَظِيعِ نِدَائِي

خَلُّوا اِبْنَ عَمِّي أَوْ لَأَكْشِفَ لِلدُّعا *** رَأْسِي وَ أشكُو لِلْإِلَهِ بَلائِي(2)

كَسَرُوا ضُلُوعِي وَ الْجَنِينُ بِعَصْرَةٍ *** قَدْ أَسْقَطُوهُ وَ لَوَّعُوا أَحْشَائِي

رَكْلاً وَ ضَرْباً بِالسِّيَاطِ وَ أَحْرِقُوا *** دَارِي فَهَلْ أَوْصَيْتَ فِي إِيذَائِي؟

ص: 181


1- في بحار الأنوار ج 43 ص 54: عن مجاهد قال: خرج النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو آخذ بيد فاطمة عليها السلام فقال : من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد عليها السلام و هي بضعة منّي و هي قلبي و روحي التي بين جنبيّ من أذاها فقد أذاني ومن أذاني فقد أذن الله.
2- في تفسير العياشي، ج 2، ص67 في حديث طويل «... فلما انتموا إلي الباب فرأتهم فاطمة عليها السلام أغلقت الباب في وجوههم و هي لا تشك الّا يدخل عليها إلّا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره ثم دخلوا فأخرجوا علياً ملبياً فزجت فاطمة عليها السلام فقالت: أتريد أن ترمِّلني من زوجي و الله لئن لم تكف عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنّ جيبي و لآتينّ قبر أبي و لأصيحنّ إلي ربي»...

(26) حب الزهراء عليها السلام

(بحر المتدارك)

الشيخ عبد الستار الكاظمي (*)(1)

فِي قَلْبِي حُبُّ اَلزَّهْرَاءِ *** يُنْجِينِي مِنْ كُلِّ بَلاَءِ

فِي رُوحِي كَنْزٌ لَوْلاَءٍ *** بَاقٍ فِي مُدِّ اَلْإِبْقَاءِ

أَسْمَاءُ اَلطُّهْرِ مَعَانِيهَا *** طَالَتْ عِرْفَانَ اَلْحُكَمَاءِ

هِيَ نُورٌ نُبُوِّيُّ صِيغَتْ *** فِي بَدْءِ زَمَانِ اَلْإِنْشَاءِ

ص: 182


1- (*)هو الشيخ عبد الستار بن جليل بن كرم بن راهي البديري الكاظمي ولد في مدينة الكاظمية سنة (1372) الموافق (1953) م في وسط حافل بالعلماء و الأدباء و المواكب الحسينية من أسرة حسينية معروفة بالشعر والأدب. نشأ منذ صغره متشوّقاً لطلب العلم و الفضيلة و كانت بداية دراسته في مدارس الكاظمية الابتدائية و المتوسطة ثم الثانوية و أكمل دراسته إلي أن نال شهادة الماجستير في الأدب العربي و التحق بأستاذه الحافظ الأديب صفاء الشلبي و لازمه عامة واحداً و درس عنده النحو و فنون الأدب العربي و درس عند الشيخ الغراوي حتي هاجر إلي سورية سنة (1980 م) و بقي فيها إلي سنة (1982 م)، ثم سافر إلي قم المقدسة لينهل من كبار الأساتذة دروس الفقه و الأصول و التفسير، كما أنه درس في الحوزة بعض العلوم مثل المنطق و النحو و الصرف و البلاغة. و للمترجم باع طويل في مجال المنبر الحسيني الشريف، إذ إنه خطيب بارع ومنطيق فذّ له يرقي المنبر بكل جدارة في المناسبات الدينيّة. أحبّ الشعر و شغف به و ابتدأ بقرض الشعر سنة (1973) م علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة و عُرِف في نظمه بكتابة القصيدة العمودية و قد أنتجت قريحته الخصبة ديواناً بإسم (حديث القافية) في جزأين و هما في طريقهما إلي الطبع. و مما يذكر أنه أيضاً ينظم الشعر (النبطي) الشعبي الدارج و هو من الشعراء المطبوعين في اللغة الفصحي و أغالب نظمه في أهل البيت «عليهم السلام».

فَالْإِنْسِيَّةُ فِي مَوْلِدِهَا *** حَوْرَاءُ جِنَانٍ خَضْرَاءِ(1)

أُمُّ أَبِيهَا شَمْسُ هُدَاهَا *** تُشْرِقُ مِن بُرْجِ الْعَلْيَاءِ

فِي مَكَّةَ مِن نُورٍ وُلِدتْ *** زَهْراءٌ أَيَّةُ زَهراءِ(2)

شَرَّفْتِ اَلدُّنْيَا فِي مَجْدٍ *** أُحْيِي دَائِرَةَ اَلْأَحْيَاءِ

أُولاَهَا ذُو اَلْعِزَّةِ قَدْراً *** يَتَسَامَي فِي طِيبِ نَقَاءِ(3)

بَقِيَتْ فِي مَعْنَاهَا فَرْداً *** قُرْآنِياً فِي اَلْآلاَءِ(4)

جَوْهَرَةُ الْأَسْمَاءِ الْحَسَنِي *** فِيها أَسْرارُ الْأَسْمَاءِ

وَ عَلَيْهَا يَا رَبِّ صَلِّ *** فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءِ

ص: 183


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلي كون الزهراء سلام الله عليها حوراء إنسية. راجع كتاب أمالي الصدوق مجلس 24 ص 100 و في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج 12، ص 331 قال: عن ابن عباس قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابنتي فاطمة حوراء عليها السلام آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سماها فاطمة عليها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار و في البحار، ج 43، ص 4، قال : نقلاً عن أمالي الصدوق و عيون أخبار الرضا عن الرضا عليه السلام قال : قال النبي عليه السلام، لما عرج بي إلي السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحول ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلي الأرض و اقعت خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلي رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة عليها السلام.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي نور ولادة الزهراء. راجع كتاب مشارق الأنوار ص 85 و البحار، ج 16، ص 81 و عوالم العلوم، ج 1، ص 58 - 59.
3- أولاها: جعلها و إلية عليه.
4- الآلاء: النعم.

(27) القرار الظالم... و الدفاع البطولي الفذ

اشارة

(بحر الرمل)

الأستاذ عبد العباس الأسدي(*)(1)

الرواية

روي عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه، أنه لما أجمع أبوبكر

ص: 184


1- (*) هو الأستاذ عبد العباس مصطفي محمد علي الأسدي الكربلائي ولد سنة 1954 م في كربلاء المقدسة. أكمل دراسته الأكاديمية و أنهي المراحل الابتدائية و المتوسطة و الثانوية في كربلاء المقدسة. و هاجر إلي إيران عام 1981 م و سكن مدينة قم المقدسة و ابتدأ الدراسة الحوزوية فيها و تتلمذ مراحل المقدمات علي الأساتذة الكرام: آية الله السيد محمد رضا الشيرازي و آية الله السيد أحمد الخاتمي و حجة الإسلام والمسلمين العلامة الخطيب السيد محمد باقر الغالي و المرحوم آية الله السيد محمد كاظم المدرسي و العلامة الحجة السيد عباس المدرسي و قد حضر بحوث سماحة آية الله العظمي السيد محمد الشيرازي (قدس سره) و آية الله العظمي السيد صادق الشيرازي (حفظه الله) و عمل في مجال التحقيق في مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام و التدريس مدرسة الباقر و الصادق عليه السلام و قد درس المقدمات و التجويد و فن الخط العربي. أحب الشعر و مارس نظم الشعر في مختلف الأصعدة و قد ألف ديوان شعر باسم ديوان الأسدي و هو يتضمن ثلاثة أنواع من الفنون الشعرية، الشعر الفصيح و الحر و الدارج و له كتاب آخر قد طبع باسم ملحمة الزهراء و هو عبارة عن ثلاثة فصول الأول حول الرسالة و الخلافة و الثاني حول فدك و الثالث هو عبارة عن ترجمة شعرية لخطب فاطمة الزهراء عليها السلام. و له مؤلفات أخري لم يتم طبعها حتي الآن ترجمة الثورة الحسينية بالشعر الدارج و تخميس كتاب الأنوار القدسية للعلامة الشيخ محمد حسين الأصفهاني . و هو الآن لا يزال مستمر في نظمه للشعر ومواكبة مع الشعراء.

علي منع فاطمة فدك و بلغها ذلك:

رُوِيتْ مَسْنُودَةً دُونَ خَطَاءِ *** عَنْ كَرِيمٍ مِنْ سَلِيلٍ الْكُرمَاءِ

هُوَ «عِبْداللَّهِ وَ اِبْنُ اَلْحَسَنِ» *** نَسَبٌ كَالشَّمْسِ مِن دُونِ خَفَاءِ

قَدْ رُوِيَ: مُسْتَنِداً عَنْ فِدَاكٍ *** قِصَّةَ اَلْغَدْرِ وَ آثَارَ اَلْجَفَاءِ

سَانِداً ذَاكَ اِلي آبَائِهِ *** وَ هُمْ فِي النَّقْلِ نِعَمَ الْأُمَنَاءِ

إِنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ «الصَّديقُ» فِي *** أَمْرِهِ مَنْعُ اَلْبَتُولِ مِنْ حِبَاءِ

فَدَكِ أَرْضٌ حَبَاهَا سَيِّدٌ *** بِنْتِهِ اَلزَّهْرَاءَ مِنْ خَيْرِ اَلنِّسَاءِ

نَفْلَةٌ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً *** وَ هُوَ عِنْدَاللَّهِ خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)

أَبْلِغُوا فَاطِمَةَ فِي مَنْعِهَا *** فَدَكاً مِنْ دُونِ حَقِّ أَوْ رِعَاءِ

الزهراء عليها السلام تخرج للدفاع عن حقّها

لاثت خمارها علي رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخترم مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. حتّي دخل علي أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم.

عِنْدَهَا لاثَتْ خِمَاراً وَسَعَتْ *** فِي اشتمال زانَها ثَوْبُ النَّقاءِ

أَقْبَلَتْ فِي لُمَةٍ قَدْ ضَمَّهَا *** خَيْرُ أحفادٍ وَ مِن خَيْرِ النِّسَاءِ

سَتَرَتْ نَفْساً وَ أَبْدَتْ عِفَّةً *** تَطَأُ الْأَدْيَالُ صَوْتاً لِلْحَيَاءِ

لَايَجِدُهَا طَاعِنٌ فِي مَشْيَةٍ *** دُونَ أَنْ يَصْدِرَ عَهْداً بالبراءِ

مِشيَةٌ مَا تَخْتَرِمْ كَيْفِيَّةً *** عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ مِنْ دُونِ اِقْتِفَاءِ

دَخَلَتْ حتي تَدَانَتْ فَاطِمٌ *** مِنْ «أَبِي بَكْرٍ» بَعْزَّ وَ إِبَاءِ

وَ هُوَ قَدْ كَانَ بِحَشَدٍ هَاجَرُوا *** وَ بِهِمْ مَنْ نَاصِرُوا دِينِ اَلسَّمَاءِ

دخولها علي أبي بكر

فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثمَّ أنَّت أَنَّةً أجهش القوم بالبُكاء،

ص: 185


1- نفلة: عطيّة.

فارتجَّ المجلس، ثمَّ أمهلت هنيئة، حتي إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم. إفتتحت الكلام بحمد الله و الثّناء عليه،

فَأُنِيطَتْ دُونَ بِنْتِ اَلْمُصْطَفِي *** بِمُلاَءَاتٍ أحالَتْ عَنْ تَرَاءِ

جَلَسْتْ هَوْناً... وَ أَنَّتْ أَنَّةً *** أَجْهَشَ اَلْقَوْمُ جَمِيعاً بِالْبُكَاءِ

وَ لَهَا اِرْتَجَّتْ زاوياً مَجْلِس *** كَادَ مِنْهَا يَنْطوِي صَرْحُ اَلْبِنَاءِ

أَمْهَلَتْ أُمُّ أَبِيهَا لَحْظَةً *** لِتُقِرَّ اَلنَّاسَ فِي حِينِ اِسْتِوَاءِ

سَكَنَ اَلْقَوْمُ وَ مِنْ أنشجةٍ *** تَرَكَتْ فِي اَلْقَلْبِ آثَارَ اَلْعَياءِ

هَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ مِنْ مُعْضِلٍ *** وَ كَأَنَّ اَلنَّارَ رَشَّتْهَا بِمَاءِ

بَدَأَتْ فَاطِمَةُ فِي قَوْلِهَا *** تَحْمِدُالِلَّهَ وَ تُضْفِي بِالثَّنَاءِ

الحمد و الثناء

و الصلاة علي رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلمَّا أمسكوا عادت في كلامها، فقالت عليه السلام: الحمدلِلَّهِ علي ما أَنعم و له الشكر علي ما ألهَمَ و الثّناء بما قدَّم، من عموم نعمٍ ابتدأها و سبوغ آلآءٍ أسداها.

ثُمَّ صَلَّتْ بَعْدَهَا ذَاكِرَةً *** خَيْرَ مَبْعُوثٍ، رَسُولَ الْأُمَنَاءِ

فَإذَا اَلْقَوْمُ أَعَادُوا فِي اَلْبُكَا... *** بَعْدَ أن فَلَّ بِهِمْ عَزْمُ اَلرُّغَاءِ

أَمْسكُوا... عَادَتْ وَ فِي خُطْبَتِهَا *** هِيَ قَدْ قَالَتْ وَ هَمَّتْ فِي دهَاءِ

نِعَمٌ... أَحْمَدُ رَبِّي وَ لَهُ الشُّكرُ *** عَلَي الهامِهِ مِلْءَ الجَواءِ

و با قَدَّمَ رَبِّي أَسَدِهِ *** لِعُمُومِ نِعَمٍ حَمْدَ اَلرَّجَاءِ

نِعَمٌ رَبِّي ابْتَداهَا رَحْمَةً *** مِنْهُ لِي دائِمَةً مُنْذُ ابْتِدَاءِ

وَلَالَاءٍ أَتَتْ سَابِغَةٌ *** رَبِّي أَسْدَاهَا وَ مِنْ دُونِ خَفَاءِ

و تمام مننٍ والاها، جمَّ عن الإحصاء عددها و نأي عن الجزاء أمدها و تفاوتَ عن الإدراك أبدها و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتِّصالها،

مِنَنٌ تَتْري وَ رَبِّي رَبُّها *** هُوَ قَدْ تَمَّمَها لِي بِالْعَطاءِ

مِنَنٌ تَكْثُرُ فِي إِحْصَائِهَا *** عَدَدَ اَلْأَرْقَامِ مِنْ دُونِ اِحْتِوَاءِ

ص: 186

مِنَنٌ نَائِيةٌ حَتِّي غَدَتْ *** هِيَ فِي اَلْآمَادِ تَنْأَي عَنْ جَزَاءِ

مِنَنٌ مَاحِضَةٌ فِي غَوْرِهَا *** لَيْسَ تُدْرِكُهَا أَسَارِيرُ الذَّكَاءِ

مِنَنٌ بِالشُّكْرِ تَنْمُو سَعَةً *** وَ هِيَ تَزْدَادُ نَمَاءً فِي اَلْأَدَاءِ

نَدَبَ اَللَّهُ لَهَا مَنْ يَبْتَغِي *** وَ ارْفَ الْخَيْرِ وَ مِدْرارَ النَّماءِ

أَنْ يُؤَدِّيَ اَلشُّكْرَ إِذْ فِي شُكْرِهِ *** سَيَزِيدُ اَللَّهُ مِنْ النَّعماءِ

عرفانها

و اسْتحمد إلي الخلائق بإجزالها و ثني بالنّدب إلي أمْثالها و أشهد أنّ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وحده لا شريك له. كلمةٌ جعل الإخلاص تأويلها و ضمَّن القلوب موصولها. و أنار في التفكير معقولها الممتنع من الأبصار رؤيته،

وَ هُوَ اَللَّهُ الَّذِي أَسْتَحْمَدَهَا *** فِي ضَمِيرِ الْخَلْقِ مَؤْفُورَ الْإِتَاءِ

وَ ثَن بِالنَّدْبِ فِي أَمْثَالِهَا *** لِيَكُونَ اَلْخَيْرُ مِنْهُمْ فِي حِذَاءِ

ثُمَّ قَالَتْ فَاطِمٌ فِي قَوْلِهَا: *** «كَلِمَةُ التَّوْحيدِ» تَجْسِيدُ اَلرِّفَاءِ(1)

جَعَلَ اَلْإِخْلاَصَ فِي تَأْوِيلِهَا *** مَنْ لَهُ اَلْأَمْرُ و آثَارُ اَلْقَضَاءِ

ضَمَّنَ اَلْقَلْبَ وَ مِنْ مَوْصُولَهَا *** وَحَّدُوهُ وَ اسْتَلانُوا لِلرِّضَاءِ

وَ أَنَارَ اَلْفِكْرَ فِي مَعْقُولِها *** وَ لَهُ دَانَ جَمِيعُ الْعُقَلَاءِ

وَ هُوَ الْمُمْتَنِعُ عَنْ رَوِيَّةٍ *** تَعْجِزُ اَلْأَبْصَارُ إِدْرَاكَ اَلسَّنَاءِ

ومن الألسُنِ صفته و من الأوهام كيفيتّه، إبتدع الأشياء لا من شيءِ كان قبلها و أنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ إمتثلها، كونها بقدرته و ذرأها بمشيَّتِهِ ، من غير حاجةٍ منه إلي تكوينها و لا فائدةٍ في تصويرها، وَ أَكَلَ اللَّهُ عَنْ أَوْصافِهِ *** أَلْسُنَ الْخُلُقِ وَ أَوْتارَ الْحَوَّاءِ

وَ مِنَ الْأَوْهَامِ عَنْ كَيْفِيَّةٍ *** قَدْ تَعَالَي... فَهُوَ فَرْدٌ فِي الْعَلاءِ

ص: 187


1- الرفاء: الصلاح.

أَبْدَعَ اَلْأَشْيَاءَ مِنْ شَكْلَةٍ *** هِيَ كَانَتْ قَبْلَهَا مُنْذُ إبتداءِ

وَ بلاَ أَمْثِلَةٍ أَنْشَأَهَا *** جَلَّ أَنْ يَحْتَاجَهَا فِي الإحتذاءِ

كَوَّنَ الْأَشْياءَ فِي قُدْرَتِهِ *** ذَرَأَ الْأَشْيَاءَ مِنْ دُونِ اقْتِدَاءِ

خَلَقَ اَلْأَشْيَاءَ إِذْ شَاءَ فَلاَ *** حَاجَةٌ مِنْهُ إِلَيْهَا فِي اَلْبَدَاءِ

وَ بِلاَ فَائِدَةٍ صُوَّرَهَا *** فَهْيَ لاَ تُغْنِيهِ شَيْئاً فِي ثَرَاءِ

إلاَّ تثبيتاً لحكمته و تنبيهاً علي طاعته و إظهاراً لقدرته و تعبداً لبرّيته و إعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثّواب علي طاعته،

دُونَ أَنْ يُثْبِتَ فِي حِكْمَتِهِ *** سُنَنَ اَلْخَلْقِ لِفَهْمِ الْحُكَمَاءِ

وَ لِتَنْبِيهٍ عَلَيَّ طاعَتَهٍ *** أَلْهَمَ الأَحْياءَ مَيْسُوءرَ اَلرِّضَاءِ

وَ أَبَانَ وَ هُوَ فِي قُدْرَتِهِ *** لِذَوِي الْأَلْبابِ مَنْظُومَ الرَّقَاءِ

وَ الْبَرَايَا رَامَ أَنْ يَأْتِينَهُ *** عَابِدَاتٍ دُونَ شَكِّ أَوْ رِثَاءِ(1)

وَ لِإِعْزَازٍ لِمَا أَلْهَمَهُمْ *** لدعاويهِ هَداهُمْ فِي الدُّعاءِ

وَ أَعَزَّ اَلْخَلْقِ فِي دَعْوَتِهِ *** وَ بِهَا اَلْإِعْزَازُ رَاسٍ بِالْحَوَّاءِ

جَلَّ اَللَّهُ ثَوَابَ خَلْقِهِ *** إِنْ أَطَاعُوهُ عَلَيَّ قَدرَ الْوَلاءِ

و وضع العقاب علي معصيته، زيادة لعباده من نقمته و حياشةً لهم إلي جنَّتِهِ و أشهد أنَّ أبي (محمداً صلي الله عليه و آله و سلم) عبده و رسوله، إختاره وانْتجبه قبل أن إجتبله و اصْطفاهُ قبل أن ابْتعثه،

وَ لِمَنْ يَعْصِيهِ مِنْهُمْ نَارُهُ *** كعِقَاب مَوْضِعِ يَوْمِ اَلْجَزَاءِ

سَنَّهَا صَوْناً وَ ذُوداً لَهُمَا *** مِنْ نَقَّامٍ طَائِلاَتٍ لِلرِّعَاءِ(2)

وَ حِيَاشَاتٍ لَهُمْ فِي رَحْمَةٍ *** لِجنَانٍ وَاسِعَاتٍ فِي الرَّهاءِ

وَ أَنَا أَشْهَدُ مِنْ أَنَّ أَبِيْ *** أَحْمَدُ اَلنَّاسِ نَبِيُّ الصُّلَحَاءِ

هُوَ عَبْدٌ وَ رُسُولٌ لِلَّذِي *** خَلَقَ الْأَكْوَانَ مِنْ غَيْرِ عَنَاءِ

ص: 188


1- رثاءِ: الرياءو هو الكذب.
2- الرِّعاء: الرعية و هي عامة الناس.

وَ هُوَ أَخْتَارَ أَبِي مِنْ قَبْلِ أَنْ *** فِي اَلْجَبَلاَّتِ يُوَازَي بِانْتِفَاءِ

وَ اِصْطَفَاهُ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ *** أَوْ يُسَاوِيهِ نَبِيٌ فِي اِصْطِفَاءِ

إذ الخلائق بالغيب مكنونة و بستر الأهاويل مصونة و بنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالي بمآئل الأمور و إحاطة بحوادث الدهور و معرفة بمواقع المقدور،

وَ إِذَا اَلنَّاسُ وَ مَا خُلِقُوا *** بِالْمَغِيبَاتِ كُنُونٌ فِي الْخَوَاءِ

وَ بِسِتْرٍ مِنْ أَهَاوِيلِ الْقَنَا ***كَانَ فِيهِ الصَّوْنُ مِنْ حُكْمٍ الْفَنَاءِ

وَ هِيَ كَانَتْ لَمْ تَزَلْ مَقْرُونَةً *** بِنِهَايَاتِ عُدُومٍ فِي خَفَاءِ

وَ لَعِلْمِ اَللَّهِ فِي مَائِلٍ *** لِأُمُورِ اَلْخَلْقِ أُنْدِي فِي اَلرَّخَاءِ

وَ هُوَ الْقَائِمُ فِي إِحَاطَةٍ *** لَيْسَ أَحْدَاثٌ سَتَبْقِي فِي الْخَفاءِ

أَبَدَ اَلدَّهْرِ سِنّاً مَعْرِفَةٍ *** مِنْهُ يَحْوِي مَا بِلِيلٍ وَ ضِحَاءِ

أَوْ بِأَزْمَّانِ أُمُورٍ صَرْفَةٍ *** قَدْ قَضَاهَا قَبْلُ فِي مَحْضِ اَلْقَضَاءِ

البعثة و أسبابها

ابتعثهُ الله إتماماً لأمره و عزيمةً علي إمضاء حكمه و إنفاذاً لمقادير حتمه، فرأي الأمم فِرقاً في أديانها،

بَعَثَ اَللَّهُ أَبِي فِي دَعْوَةٍ *** وَ بِهِ إِتْمَامُ أَمْرِ السُّفَرَاءِ

وَ أَتَتْ مِنْهُ بِهِ عَزِيمَةٌ *** لِقَضَاءٍ هُوَ إِمْضَاءُ اَلْمَضَاءِ

وَ بِهَا أَمْضِي مَبَانِي حُكْمِهِ *** وَ بَدَتْ شَاخِصَةً لِلْحُكَمَاءِ

وَ لِإِنْفَاذِ اَلْمَقَادِيرِ اَلَّتِي *** هُوَ قَدْ حَتَّمَهَا حَتْمَ الْفَنَاءِ

أَرْسَلَ اَللَّهُ أَبِي «مُحَمَّداً» *** وَ بِهِ ثَارَ عُقُولَ اَلْأَذْكِيَاءِ

حِينَ كَانَ اَلنَّاسُ فِي أَدْيَانِهِمْ *** فِرَقاً يَشْكُّونَ أَمْرَاضَ الْخَوَاءِ

قَدْ رَآهُمْ أُمَماً عَاكِفَةً *** سَبَرُوا فِي اَلغَيِّ أَقْصي اَلْهَدَوَاءِ

عكَّفاً علي نيرانها و عابدة لأوثانها، منكرة اللَّه مع عرفانها، فأنار اللَّهُ

ص: 189

بمحمَّدٍ صلي الله عليه و آله و سلم ظلمها و كشف عن القلوب بهمها و جلي عن الأبصار غممها،

حَيْثُ كَانُوا عُكَّفاً مِن جَهْلِهِمْ *** حَوْلَ أصْنامٍ ومِيقَادِ الصَّلاءِ(1)

أنْكَرُوا اللَّهَ عَلَي مَعْرِفَةٍ *** فَهُوَ فِي إِحجِيَةٍ بَرْقُ اَلْجَلاَءِ

قَدْ تَجَلَّي اَللَّهُ فِي إدراكهمْ *** إِنَّهُ اَلْوَاهِبُ أَنْفَاسَ اَلسَّدَاءِ

فَأَنَارَ اَللَّهُ فِيهِمْ «بِأَبِي» *** ظُلَمَ الشَّرْكِ ضُرَّ الْعَمْيَاءِ

كَشَفَ اَللَّهُ «بفَضْلٍ» بُهَمَاً *** عَنْ قُلُوبٍ مشْقلاتٍ بِالْبَلاَءِ

وَ جَلَي اَللَّهُ عَنِ اَلْأَبْصَارِ فِي *** أُمَم تَاهَتْ بِمَسْتُورِ الْعَيَاءِ

غُمْماً كَانَتْ بِهَا حَائِرَةً *** أُمَمٌ فِي ثِقلِ جَهْلٍ و ضَرَاءِ

حديثها عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم... دعوته و وفاته

و قام في النَّاس بالهداية و بصَّرهم من العماية و هداهم إلي الدَّين القويم و دعاهم إلي الصراط المستقيم، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة،

و «أَبِي» قَامَ بِجِدِّ هَادِيَّاً *** يَرْشُدُ النَّاسَ لِأسْبَابِ اَلشِّفَاءِ

و لَقَدْ أَنْقَذَهُمْ مِن هُوَّةٍ *** لِلغَوَاياتِ بِها حَرَّ الطِّلاءِ

وَ بِنُورِ الِلِّهِ قَد بَصَّرَهُمْ *** مِن عَمَّيَّاتٍ... لمِشْكاةِ الضِّياءِ

و هَدَاهُمْ لِطَرِيقٍ وَاضِحٍ *** يَسْعَدُ النَّاسُ بِدِينٍ لِلسَّمَاءِ

وَ دَّعَاهُمْ لِسَبِيلٍ قَيِّمٍ *** لَيْسَ فيهِ ضَرَرٌ لِلعُقَفَاءِ(2)

ثُمَّ إنَّ اللَّهَ مِنْ رَأْفِتهِ *** وَ اخْتِيَارٍ مِنْهُ فَاضٍ بِالرِّباءِ(3)

قَبَضَ اَللَّهُ «أَبِي» فَاخْتَارَهُ *** رَأْفَةً فِيهِ إِلَي أَعْلَي اَلْعَلاَءِ

و اختيار و رغبة و إيثار

فمحمَّدٌ صلي الله عليه و آله و سلم من تعب هذه الدَّار في راحة، قد حفّ بالملائكة الأبرار و رضوان الرِّبِّ الغفّار و مجاورة الملكِ الجبِّار،

ص: 190


1- الصلاء: من الصلي و هو الإدخال في النار.
2- العقفاء: من التعقيف و هو التعويج.
3- الرباء: من التربية.

دُونَ سَخَطٍ مِنْهُ أَو عَنْ غَضَبٍ *** بَلْ بِإِيثَارٍ و شَوْقٍ لِلِقَاءِ

«فَأبِي» مِن تَعَبِ الدُّنْيَا سَلا *** فَهُوَ فِي رَاحَةِ صَفْوٍ و َهْنَاءِ

و هُوَ قَدْ حُفَّ بِأمْلَهِك السَّمَا *** و هُمُ الْأَبْرَارُ حَقّاً... فِي اَلْخَلاَءِ

قَدْ عَلاَ «اَلرُّوْحُ» بِرُوحٍ طَاهِرٍ *** حُفَّ بِالرِّضْوانِ مِن رَبِّ السَّمَاءِ

وَ هُوَ الغَفَّارُ وَ الجَبَّارُ لا *** مَلِكٌ إِلاَّهُ فِي حُكْمِ اَلسَّوَاءِ

«فَأبِي» فِي حِفْظٍ رَبِّ مَاجِدٍ *** فِي ثَوَابٍ رَاتعٍ بَيْنَ الْوِضَاءِ

صَلَّي اللَّهُ علي أبي، نَبِيّهِ وَ أَمينِهِ عَلَي الوَحيِ وَ صَفيِّهِ وَ خِيَرَتُهُ مِن الخَلقِ وَ رَضِيِّهُ و السَّلامُ عَلَيهِ و رَحمَةُ اللَّهِ و َبَرَكاتُهُ

ثُمَّ صَلَّتْ «فاطِمُ» قائِلَةً: *** صَلَوَاتُ الَّه حَاطَتْ بِالْهَوَاءِ

خَصَّهَا اَللَّهُ عَلَي رُوحِ أَبِي *** بَعْدَ أَنْ صَلَّي عَلَيْهِ فِي ثَنَاءِ

فَأَبِي كَانَ نَبْيّاً صَادِقَاً *** وَ أَمِينَ اللَّهِ فِي وَحْيِ اَلسَّمَاءِ

وَصَفِيَّ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ و قَد *** خَصَّهُ خِيَرَتُهُ فِي الإرتْضَاءِ

و سَلامُ اللَّهِ يَبْقَي أَبَداً *** «لِأَبِي» فِي كُلِّ صُبْحٍ و مَساءٍ

وَ عَلَيْهِ رَحَمَاتُ اللَّهِ قَدْ *** نَزَلَتْ لَيْلاً و سَادَتْ لِلضَّحَاءِ

وَ حُوتُهُ بَرَكَاتُ اَللَّهِ فِي *** عَيْشِهِ وَ اَلمؤتَ تَتْرَي للْنَهَاءِ

خطابها بالحضور وإشعارهم بالمسؤولية

ثمَّ التفتتْ إلي أهل المجلس و قالت: أنتم -عباد الله- نصب أمره و نهيه و حملة دينه و وحيِهِ،

ثُمَّ قَرَّتْ فَاطِمٌ و الْتَفَتَتْ *** ثُمَّ قَالَتْ لِجُمُوعِ الجُلَساءِ

أَنْتُمْ كُنْتُمْ «عِبَادَ اَللَّهِ» قَدْ *** خَصَّكُم لِلدِّينِ فِي حُكْمِ اَلْفَلاَءِ(1)

نَضَبُ أَمْرِ اللَّهُ مَنْصُوبُونَ فِي *** مِثْلِ هَذَا الْحَالِ رُوَّادَ الإِبَاءِ

و النَّوَاهِي مِنْهُ فِي أغْناقِكُم *** حَيثُ كَتَنُم في حُضُورٍ وَ ثَراءِ

ص: 191


1- الفلاء: من الفلاة، و هي الصحراء القفر التي ليس فيها ماء.

أَنْتُمْ شَاهَدْتُّمُ أَحْكَامَكُم *** فِي نُزُولِ اَلْوَحْيِ مِنْ رَبِّ السَّماءِ

وَحَمَلْتُمْ حُكْمَ دِينِ اَللَّهِ فِي *** سُورِ اَلْقُرْآنِ مِنْ حِينِ اَلنِّدَاءِ

حِينَمَا «جِبْرِيلُ» قَدْ أوحي بِهَا *** «لِأَبِي» أَؤْرَدَكُمْ عَذْبَ اَلرَّوَاءِ

و أمناء الله علي أنفسكم و بلغاؤه إلي الأمم، زعيم حقّ له فيكم، و عهدٌ قدّمه إليكم و بقيّة استخلفها عليكم،

أُمَنَاءُ اَللَّهِ فِي أَحْكَامِه *** كَيْ تُؤَدُّوهَا لِأَيْدِي اَلْأُمَنَاءِ

بَلاَءُ اَلدِّينِ اَللَّنَاسِ بِمَا *** هَوَحَقِّ وَ ائْتِمانٌ لِلإِدَاءِ

أَنتُمْ عاصرْتُمْ اَلْهَادِي اَلَّذِي *** هُوَ قَدْ أَلْزَمُكُمْ عَهْدَ اَلْوَفَاءِ

تَارِكاً فِيكُمْ إِلَيْكُمْ خَلَفاً *** مِثلَمَاخَلَّفَ كُلُّ الأنْبِيَاءِ

و عَلِيِّ كانَ مَعهُوداً لَهُ *** فِيكُمْ إِمْرَةُحَقِّ اَلْأَوْصِيَاءِ

وَ هوعَهْدٌ كانَ قَدْ قَدَّمُه*** لَكُمْ مَنْ كَانَ مَعْهُودَ الْهَنَاءِ

و هَواستخْلَّفَ فِيكُم ثِقَلَهُ *** مَن بِهِم تُحْكُمُ آياتُ الوَلاءِ

حديثها عن القرآن

كتاب الله الناطق و القرآن الصادق و النور الساطع و الضياءاللَّامع، بيَّنةٌ بصائرهُ، منكشفةٌ سرائره، متجلِّيةٌ ظاهره، مغتبطٌ به أشياعه.

«آلُ بَيْتِ اَلْمُصَطَّفي» مِنْ ثِقَلِهِ *** وَ «كتابِ اللَّهِ» مِن ثِقَلِ السَّمَاءِ

و هَوالنَاطِقُ و الصَّادِقُ لَمْ *** يُخَفَ نُؤْرٌ فيهِ أو نَفعُ الضِّواءِ

وَ هُوَ الضَوءُّ المُضِيءُكُلَّمَا *** ظُلَمْةٌ حَلَّتْ غَزَاهَا بِالضِّياءِ

فِيهِ لِلنَّاسِ بَدَتْ بَيْنَةٌ *** حُجَجُ اَللَّهِ بَصِيرَاتُ اَلْقَضَاءِ

وَ بِهِ اَلْأَسْرَارِمُهُمَا خَفِيتْ ***كَشْفَ اَلرَّبُّ بِهِ سِرَّ الخَفاءِ

وَ لِقَدْجَلَّي بِهِ ظَاهِرُهُ *** و بِه قَدْصِيبَ نَفَعٌ بِالْجَلاءِ

وَ بِه مُغتَبِطٌ أشياعُهُ *** وَبه نالُوا سَعَاداتِ الرِّضاءِ

قائدٌ إلي الرضوان اتّباعه، مؤدِّ إلي النجاة استماعه، به تنال حججُ

ص: 192

اللَّهِ المنوَّرة و عزائمه المفسَّرة و محارمه المحذَّرة و بيِّناته الجالية و فضائله المندوبة،

وَإِلَي «الرِّضْوَانِ» فِي اتِّبَاعِهِ *** قَائِدٌ أَتِبَاعَهِ نَحْوَ الْوِقَاءِ

ومُؤَدِّ لَنَجَاةٍ آكِدٍ*** مِن صَغّي لِلذَّكْرَ، فِي يَومِ الجَزاءِ

و تَنَالُ حُجَجُ اللَّهِ بِهِ *** و بِهَا الأَنْوَارُ شَئِعَتْ في ضَوَاءِ

وَ بِهِ مَا فَرَضَ اَللَّهُ بَدَا *** مِنْ فَرِيضَاتٍ بها عَزْمُ اَلسَّوَاءِ

وَ بِهِ مَاحَرَّمَ اَللَّهُ وَ قَدْ *** حَذَّرَ اَلنَّاسَ بِمَا بَعدَ الفَناءِ

بَيِّناتٌ قدْ بِدَتْ جَالِبَةً *** لِذَوِي الأَفْهَامِ مِن غَيْرِ كِفَاءِ

وَ فَضِيْلَتُ بِهِ مَندُوبَةٌ *** تاقَهَا مَن آثَرُوا دِينَ اَلسَّمَاءِ

ذكرها لعلل الأحكام و فلسفتها

و رُخصة الموهوبة و شرائعه المكْتوبة، فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشِّرك و الصّلاة تنزيهاً لكم من الكبر و الزكاة تزكية اللنَّفس و نماءً في الرزق و الصيام تثبيتاً للإخلاص،

رُخَصٌ فيهِ أَتتْ مَؤهُوبَةً **** مِن كَرِيمٍ داحِضٍ ثِقْلِ الْعَنَاءِ

وَ بِهِ ماشَرَّعَ الرَّبُّ زَهَا *** وَغَدَا مَكْتُوبِ حُكْمُ اَلرَّجَاءِ

جَعَلَ اَلْإِيمَانَ تَطْهِيرَاً لَكُمْ *** مِنْ و بَالِ اَلشِّرْكِ فِي هَذَا اَلْوَلاَءِ

وَ صَلاَةً جَعَلَ اَلتَّنْزِيهَ مَنْ ***كِبَرٍ فِيهَا أَمَاناً مِنْ بَلاَءِ

وَ زَكاةً هِي لِلنَّفْسِ غَدَتْ *** لَكُمْ مِنْ كِبَرٍ خَيْرَ اَلشِّفَاءِ

وَ صِيَاماً جَعَلَ اَللَّهُ بِهِ *** عَمَدَ اَلْإِخْلاَصِ رَاسٍ فِي اِسْتِوَاءِ

وَ حَجَّ تَشْيِيدَاً لِلدِّينِ تَنْسيقاً للَّقلوبِ وإِطَاعَتَنَا نِظَاماً للمِلَةِ وإِمامَتَنا أَمَاناً لِلْفُرْقَةِ واجْلِهَادِ عِزّاً لِلإِسْلامِ والصَّبْرَ مَعونَةً عَلَي اسْتِيجَابِ الأَجرِ

وأَدَاءَ الْحَجِّ تَشَيبُّداً بَدَا *** هو لِلذَّينِ بِه حِفْظُ اَلْإِخَاءِ

وَ لِتَنْسيقِ قُلُوبٍ فِضَّةٍ *** سُنَنُ الْعَدْلِ أَتَتْكُمْ لِلْإِدَاءِ

ص: 193

وَلْآلِ الْمُصْطَفَي الطَّاعَةُ قَدْ *** جُعِلَتْ مِنْهَا نِظَاماً لِلْوَلاَءِ

وَ أَمَاناً مِنْ تَنَامِيَّ فِرْقَةٍ *** إِصْطَفَي اَللَّهِ إِمَاماً لاِهْتِدَاءِ

فَلَهُمْ فِي النَّاسِ أَسْمِي طَاعَةٍ *** لِرَسُولٍ وَ إِمَامٍ فِي الْبَدَاءِ

وَ جِهَادُ الْكُفْرِ عِزّاً ظَاهِراً *** فِيهِ لِلْإِسْلامِ فِي نَهْجِ السَّماءِ

وَ لِمَن يُسَلِّمُ لِلَّهِ ومَنْ *** يَسْتَدِيمُ الصَّبْرَ فِي الْبَلاءِ

والأمر بالمعروف مصلحة للعامة و برّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد و القصاص حقناً للدماء و الوفاء بالنّذر تعريضاً للمغفرة.

جَعَلَ اَللَّهُ لَهُ مَعُونَةً *** هِيَ بِالْأَجْرِ تَفِي عِنْدَ اَلْعَطَاءِ

وَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْمعروفِ فِي *** كُلِّ حَالٍ شادَ صَرْحاً للبنَاءِ

حَيْثُ فِيهِ لِلْعُمُومِ سَعَةٌ *** وَ بِهِ ملصحَةٌ لِلسُّعَداءِ

وَ لِبِرِّ الْوالِدَيْنِ وَ مَنَعَةٌ *** و رِقَايَاتٌ مِنَ اَلسُّخطِ اَلْمُضَاءِ

وَ لِمنْماةِ عَشِيرٍ عَدَداً *** صِلَةُ اَلْأَرْحَامِ سُنَّتْ لِلنَّمَاءِ

وَ لِأَحْكَامِ قِصَاصٍ حِكْمَةٌ *** ي جَاءَتْ حَاقِنَاتٍ لِلدِّمَاءِ

وَ وَفاءَ النَّذْرِ تَغْرِيضاً لِمَنْ *** يَطْلُبُ اَلْغُفْرَانَ مِنْ رَبِّ اَلسَّمَاءِ

و توفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس و النهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس و اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة و ترك السرقة إيجا باًل للعفة و حرَّم الشَّركَ إخلَاصاً له بِالرُّبوبية، فاتّقوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ و لاتَموتنَّ إلا وَ أنتم مسلِمون.

وَ وَفَاءَ اَلْكَيْلِ وَ اَلْمِيزَانِ قَدْ *** جَاءَ تَغْيِيراً لِبَخْسٍ وَ رِمَاءِ(1)

وَ لِتَنْزِيهِ عَيْنُ اَلرِّجْسِ نَهَي *** عَنْ شَرَابِ اَلْخَمْرِ دَفْعاً لِلْعَيَاءِ

وَ اجْتِنَابِ القذفِ سِتْراً صَائِناً *** عَنْ لِعَانٍ و هِيَ صَوْناً لِلنِّسَاءِ

ص: 194


1- رماء: الربا.

وَ لِتَرْكِ اَلسَّرِقَةِ اِخْتَارَ لَهَا *** حِكْمَةَ اَلْإِيجَابِ فِي عَفِّ الروَاءِ

حَرِّمَ اَلشِّرْكَ لِإِخْلاَصٍ لَهُ *** بِالرُّبُوبِيَّةِ فِي آيِ اَلسَّمَاءِ

فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ فِي *** كُلِّ حَالٍ؛ حَقَّ تَقْوَي فِي الْخَلَاءِ

إِرْتَضَي الْإِسْلامِ دِيناً لَكُمْ *** لاَتَمُوتُنَّ عَلَي غَيْرِ اهْتِدَاءِ

تذكرتها و إنذارها لهم

وَ أطيعوا الله فيما أمركم به و نهاكم عنه، فإنه إنّما يخشي الله من عباده العلماء.

وَ أَطِيعُوا اَللَّهَ فِيمَا جَاءَكُمْ *** فِيهِ مِنْ أَمْرٍ ونَهْيٍ فِي ارْتِضَاءِ

إِنمَايَخْشَاهُ عَبْدٌعالِمٌ *** نَاسِكٌ فِي كُلِّ شَأْنٍ بِاتِّقَاءِ

ص: 195

خطبتها عليها السلام في المسجد

إني فاطمة عليها السلام و أبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم

ثم قالت: أيها الناس! إعلموا إنِّي فاطمة عليها السلام! و أبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم، أقول عوداً و بدءاً و لا أقول ما أقول غلطاً و لا أفعل ما أفعل شططاً(1)، لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم؛

ثُمَّ قَالَتْ أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِعْلَمُوا *** إِنَّنِي فاطمةٌ قَوْلَ مَضَاءِ

وَ أَبِي الْهَادِي الْبَشِيرُ أحمَد *** أشْرَفُ الْخَلْقِ بِأَرْضٍ وَ فضَاءِ

وَ أَقُولُ فِيهِ عُوداً وَ إِذَا *** قُلْتُ كَانَ الْعُؤَدُ فِيهِ كَابْتِدَاءِ

لاَ أَقُولُ مَا أَقُولُ غَلَطاً *** أَوْ بِفِعْلٍ شَطِّ مِني فِي ازدِهَاء

فَلِقَدْ جَاءَ رَسْؤُلٌ لَكُمُ *** هُوَمِنْ أَنْفُسَكُمْ مُنْذُ اِبْتِدَاءِ

وَ عَلَيْهِ مَا غَنْتُّمْ عِزَّ فِي *** كُلِّ مَامِنِهُ أَتَاكُمْ مِنْ شَقَاءِ

حِرْصِهُ عَلَيكُم وَ لَكُم *** لِتَكُونُوا سادَةً في الإِرتِقَاءِ

ذكرها لأوصافه و تبليغه لرسالته

بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزوه(2) و تعرفوه تجدوه أبي دن نسائكم و أخا ابن عمَّي دون رجالكم و لنعم المَعزيُّ إليه صلي الله عليه و آله و سلم فبلَّغ بالرّسالة،

وَ رَؤُوفٌ وَ رَحِيمٌ كَانَ بِالا*** مُؤمِنينَ حاملاً وَحْيَ السَّمَاءِ

ص: 196


1- شططاً: شطط: القدر في كل شيء بدون زيادة.
2- تعزوه: تنسبوني إليه.
ذكرها لأوصافه و تبليغه لرسالته

إِنْسبُوهُ تَعْرِفُوهُ عِلْماً *** هو في كُلِّ عُلْوِّ وَ مَضَاءِ

تَجِدُوهُ فِي اَلْمَسَانِيدِ أَبِي *** نَسَبٌ لِي هُوَمِنْ دُونَ النِّسَاءِ

و لِقَذْكَانَ اخَاهُ لِلْمُرْتَضَي *** و هُوَ مِن دُونِ الرِّجَالِ فِي إِزَاءِ

«يَوْمَ آخاهُ» وَ لَمْ يَصْلُحْ لَهُ ***كُفواً إلاَّهُ في يَوْمِ الإِخاءِ

و لنِعمَ العَبْدُ و الْمُغْرِيُّ لَهُ *** إِذْكَالشَّمْسِ نُورُ اَلْإِنْتِمَاءِ

فَرَسُولُ اَللَّهِ قَدْبَلَغَ مَا *** قُدْتَلَقَاهُ بِإِيحَاءِ اَلسَّمَاءِ

صادعاً بالنِّذارة(1)، مائلاً علي مَدرَجَة المشركين، ضارباً ثبجهم،(2) آخذاً بأكظامهم،(3) داعياً إلي سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة، يكسر الأصنام و ينكتُ الهامَ، حتي انْهزمَ الجمع،

أَظْهُرِ الإِنْذَارَ والتَّخْوِيفَ فِي ***كُلِّ حَالٍ صَادِعاً دُونَ اخْتِفَاءِ(4)

مَائِلاً كَانَ عَلَي مُدْرَجَةٍ *** شادَهَا الشِّركُ بِظُلْمٍ و عَنَاءِ

ضَارِباً لِلْمُشْرِكِينَ ثَبَجَهُمْ *** آخِذاً مِنْهُمْ بِأَكْضَامٍ بِذَاءِ

دَاعِياً كَانَ أَبِي فِي حِكْمَةٍ *** لِسَبِيلِ رَبِّهِ دَغْوَي اِهْتِدَاءِ

وَ دَعَاهُمْ هُو فِي مُؤْعِظَةٍ ***حُسْنُهَا شَادَبِهَا حَتَّي اَلسَّمَاءِ

يَكْسِرُ الاِصِنَامَ كَسَراً مَا حِقاً *** يَنْكُتُ اَلْهَامَ وَ يُلْقِيهِمْ بِدَاءِ

فِي سَبِيلِ اَللَّهِ حَتِّي جَمَعَهُمْ *** هُزِمُوا قَهْراً وَ فِرُّواً مِنْ رَجَاءِ

ذكرها لإنجازاته

وولُّوا الدُّبر،(5) حتَّي تفرَّي(6) اللّيل عن صبحه و أسفر الحقّ عن

ص: 197


1- النذارة: من الإنذار، و هو الإبلاغ.
2- ثبجهم: (الثَبَج) بالفتحتين ما بين الكاهل إلي الظهر و ثبج كل شيء وسطه.
3- أكظامهم : أخذ بكظام الأمر: ملكه متوثقاً منه.
4- صادعاً: (الصدع) التكلم جهاراً.
5- و لَّوا الدّبر : إنهزموا في القتال.
6- تفرّي: إنشقَّ.

محضة(1) و نطق زعيم الدَّين و خرست شقاشق(2) شياطين، وطاح و شيظ(3) النفاق و انحلَّت عقد الكفر و الشقاق و فهتم بكلمة الإخلاص و نفر من البيض الخماص،(4)

وَ تَوَلَّوْا ثُمَّ وَلَّوْا دُبُرَهُمْ *** لَيْسَ تُؤْوِيهِمْ مَعَاقِيلُ اَلشَّقَاءِ

ذَاكَ حتي مُذْ تَفَرَّي اللَّيْلُ عَنْ *** صُبْحِهِ فَانْقَادَ كُرْهاً للضِّياءِ

أَسفَرَ الحَقُّ بِهِ عَنْ مَخْضِهِ *** وَ زَعِيمُ اَلدِّينِ يَنْطِقْ فِي سَوَاءِ

عِنْدَهَا قَدَ خْرَسَتْ شِقْشِقَةٌ *** وَ لَقَدْطَاحَ و شَيظٌ فِي عَنَاءِ

عَقْدَ الْكَفْرَبَهْ انْحَلَّتْ كَذَا *** مِنْ خِلافٍ و شِقَاقٍ وخَطَاءِ

و لَقَدَ فَهْتُمْ بِ- «لا» فِي أَلْسُنٍ *** كَلِمَةُ الإِخْلاَصِ فِيهَا كَالذَّكَاءِ

أَنْتُمْ كُنْتُمْ... وَ فِيكُمْ نَفِرٌ *** مِنْ خِمَاصِ النَّاسِ بِيضٌ مِن وَضَاء

ذكرها لحالتهم قبل البعثة

و كنتم علي شفا حفرة من النَّار، مذقة(5) الشَّارب و نهزه(6) الطامع و قبسة(7) العجلان و مؤطيءُ الأقدام، تشربون الطّرق(8) و تقتاتون القِدَّ(9) و الورق، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم النّاس من حولكم،

ومِنَ النَّارِ لَقَدْ كُنْتُم عَلَي *** شُرُفاتٍ مِن شَفَاها في إزاءِ

مُذْقَةُ الشَّارِبِ كُنتُم وَ لِمن *** طامِعٌ فِيكُم نَهيزاتُ الرَّهاءِ(10)

ص: 198


1- محضه: المحض، الخالص.
2- شقاشق: شقشقة: ضجة أو فتنة ثارت ثم هدأت.
3- و شيظ : الوشيظ: التابع.
4- الخماص: مفردها (خميص) و يقال خمص الجوع فلاناً: أضعفه و أدخل بطنه في جوفه.
5- مذقة: (المذقة) الطائفة من اللبن الممزوج بالماء.
6- نهزة: فرصة.
7- قبسة العجلان: قبس النار قبساً: أوقدها و طلبها.
8- الطرق : بالفتح و(المطروق) ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.
9- القد: (تقدّد) الشيء: تشقّق ويبس.
10- الرهاء : المكان الواسع المستوي.

فَبْسَةُ اَلْعَجْلاَنِ كُنْتُمْ وَ لِهمْ *** مُوْطِيءُ اَلْأَقْدَامِ أَصْبَحْتُمْ بِذَاءِ

تَشْرَبُونَ الطَّرْقَ تَفْتَاتُونَ مِنْ *** قَدْ حَيَوَانٍ وَ أوذاقِ إِتَاءِ(1)

قَدْ ذُلِلْتُمْ وَ خَسِئْتُمْ بَعْدَ مَا *** فِي رِيَاضِ الْعِزِّ كُنْتُمْ فِي انْتِشَاءِ

وَ تَخَافُونَ اِخْتِطَافَ النَّاسِ اَنْ *** يَخْطِفُوا مِنْكَمْ حُقُوقاً فِي دَهَاءِ

لَيْسَ مَنْ يُرْجِعُ مَا ضَاعَ لَكُمْ *** وَ هُمْ لاَ يَرْهَبُونَ مِنْ جَزَاءِ

ذكرها لمعاناته

فأنقذكم الله تعالي بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم بعد اللّتيّا و الّتي،(2) بعد أن مُنِيَ بِبُهَم الرّجال، و ذؤبان العرب(3) و مردة أهل الكتاب، كلّما أو قدوا نَاراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرنُ الشّيطان،

بِأَبِي أَنْقُدَكُمْ رَبِّي وَ مِنْ *** بِهُدَاهُ اَلْخَلْقِ يَنْجُو بِاقْتِدَاءِ

ذَاكَ مِنْ بَعْدِ اللَّتَيَّا وَ اَلَّتِي *** بَعْدَ أَن كَانَ أَبِي فِي اَلْإِبْتِلاَءِ

قَدْ مُنِّي مِنْ بُهِم اَلنَّاسِ وَ مِنْ *** كُلِّ ذوبَانٍ قُرَيْشِ بِالْعَدَاءِ

وَ عُتَاةٍ مَرَّدٍ قَدْ أَجَّجُوا *** ضِدَّهُ اَلْحَرْبَ بِمَكْرٍ وَ جَفَاءِ

وَ هُمْ مِنْ أَهْلِ أَدْيَانٍ مَضَتْ *** مِنْ يَهُودٍ وَ نصارَي بُلْهَاءِ

كُلَّمَا قَدْ أَوْقَدُوا نَارَ اَلْوَغْي *** أَطْفَا اَللَّهُ لَهُمْ نَارَ اِهْتِدَاءِ

أَوْ إِذَا مَا نَجْمَ فِي أُفُقِكُمْ *** قَرْنُ شَيْطَانٍ بِأَرْضٍ وَ سَمَاءِ

ذكرها لمواقف عليّ عليه السلام

أو فغرت فاغرةُ من المشركين، قذف أخاه في لهواتها،(4) فلا ينكفيء حتّي يطأ صماخها(5) بأخمص و يخمد لهيبها بسيفه، مكدوداً في ذات اللَّه،

ص: 199


1- إتاء: الريع والغلّة.
2- اللتيا و التّي: فلان يلت و يعجن: إذا كان ثرثاراً و يعيد فيما يقول. بهم: البهمة: الصخرة الصلدة الملساء.
3- ذؤبان: جمع ذئب.
4- لهواتها: (اللّهو) : يقال فلان لهو عن الخير: كثير اللّها عنه.
5- صماخها: (صمخه) صمخاً : أصاب صماخه، رأسه.

مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله.

أَوْ إِذَا مَا فَغَرَتْ فَاغِرَةٌ *** لِقَوِيِّ اَلشِّرْكِ بِهَا مُكْمَنُ دَاءِ

قَذَفَ اَلْهَادِي أَخَاهُ حَاسِماً *** فِي لَهَاةِ اَلْحَرْبِ وَ اَلنَّارِ اَلصَّلاَءِ

أَبَداً لاَ يَنْكَفِيءُ حُتِّي يَطَأُ *** صَمْخَهَا بِالرَّجُلِ مِنْ دُونِ سَدَاءِ

وَ لَهِيبِ اَلْحَرْبِ قَدْ أَحْمَدَهَا *** هُوَ فِي سَيْفٍ بِهِ حُكْمُ اَلسَّوَاءِ

كَانَ مَكْدُوداً بِذَاتِ اَللَّهِ فِي *** أَمْرِهِ مُجْتَهِداً دُونَ ازدِهَاءِ

هُوَ بِالْقُرْبِ قَرِيبٌ إِنَّهُ *** مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي حُكْمِ اَلْإِخَاءِ

سَيِّداً كَانَ وَ فِي أَمْرِ اَلسَّمَا *** هُوَ عِنْدَ اَللَّهِ خَيْرُ اَلْأَوْلِيَاءِ

تذكرهم بمواقفهم المتخاذلة

مشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً و أنتم في رفاهية من العيش و ادعون فاكهون آمنون، تربصون بنا الدوائر و تتوكّفون الأخبر و تنكصون عند النَّزال و تفرَّون من القتال،

هُوَ قَدْ كَانَ مُجِدّاً كَادِحاً *** نَاصِحاً شِمَّرَ أَكَامَ اَلرِّدَاءِ

فِي رَفَاهِيَةِ عَيْشٍ أَنْتُمُ *** وَ ادِعُونَ فِي صَبَاحٍ وَ مَسَاءِ

فَاكِهُونَ آمِنُونَ كُنْتُمْ *** قَدْ تَرَبَّصْتُم بِنا عَقِبِي الضَّرَّاءِ

قَدْ تَوَكَّفْتُمْ عَلَيَّ اَلْأَخْبَار كَي *** لاَ يَفُوتَنَّكُمُ خُبَرُ اَلْفَنَاءِ

وَ نَكَصْتُمْ فِي النَّزالاتِ وَ كَمْ *** قَدْ فَرَرْتُمْ مِنْ قِتَالِ اَلْأَدْعِيَاءِ

تخبرهم عن نفسياتهم و رجوعهم إلي الجاهلية

فلمّا اختار الله لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم: دار أنبيائه و مأوَي أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، و سَمُلَ جلباب الدَّين و نطق كاظم الغاوين،

ذَاكَ لَمَّا أَخْتَارُ رَبِّي لِأَبِي*** جَنَّةَ اَلْخُلْدِ وَ دَارَ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 200

جَنَّةُ الفِرْدَوسِ مَأْوَاهُ وَ قُدْ *** خَصَّهُ اَللَّهُ بِمَأْوي اَلْأَصْفِيَاءِ

وَ دَعَاهُ اَللَّهُ لِمَّا اِخْتَارَهُ *** لِلْكَرَامَاتِ أَجَابَ لِلدُّعَاءِ

عِنْدَهَا قُذْ ظَهَرَتْ فِيهِ عَلَي *** آلِهِ اَلْأَطْهَارِ آثَارُ الْجَفَاءِ

فِي عَدَاوَاتِ نِفَاقٍ ظَهَرَتْ *** بِحُسِيْكَاتِ نِفَاقٍ وَ بغاءِ

سَمُلَ اَلدِّينُ وَبَانَ ضَعْفُهُ *** مِن جَلاَبِيبِ اِنْدَارَسٍ وازْدَراءِ

كَاظِمُ الْغَاوِينَ فِيكُمْ قَدْ بَدَا *** نَاطِقاً مِنْ بَعْدِ خَوْفٍ وَ خَفَاءِ

وَ نبغ خامل اَلْأَقلِّين و هدر فنيق الْمبطلِينَ فَخَطَر فِي عرصَاتكُمْ وَ أَطْلع اَلشَّيْطان رأْسهُ من مغرزِه هاتفاً بكم فأَلْفاكم لدعوتهِ مستجيبينَ و للغِرَّة فيه ملاحظينَ ثُمَّ استنهضَكم فوجدَكم خفافَاً،

نَبَغَ خَامِلُ قُلِّ بَيْنَكُمْ *** هُوَ لَمْ يُعْرَفْ بِجَمْعِ اَلنَّبْهَاءِ

وَ فَنِيقُ الْكُفْرِ أَمْسِي هَادِراً *** يَمْلَأُ بِأَصْداءِ اَلْجَوَاءِ

خَطَرَ مِنْكُمْ وَ فِيمَا بَيْنَكُمْ *** بِعِرَاصٍ لَكُمْ بِالْكِبْرِيَاءِ

أَطْلَعَ اَلشَّيْطَانُ مِن معْرِزِهِ *** رَأْسِهُ يَهْتِفُ فِيكُمْ مِنْ إِزاءِ

هُوَ أَلْقاكُمْ لِدَعْواهُ الَّتِي *** قَدْ دَعَاكُمْ مُسْتَجِيبِينَ اَلدُّعَاءِ

وَ لِغَرَّاتٍ لَهُ أَغْرَاكُمْ *** فِيهِ لأحظتُم لَهُ حَسْنَ اَلرِّفَاءِ

ثُمَّ لمَّا للهَوي اِسْتَنْهَضَكُمْ *** وَجَدَ مِنْكُمْ خِفَافاً فِي اَلرَّجَاءِ

تحذّرهم من إطاعة الشيطان و سوء العواقب

و أحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير أبلكم و أوردتم غير شربكم، هذا و العهد قريب و الكَلِمُ رحيب و الجرح لمّا يندمل و الرّسول لمّا يُقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة.

هُوَ قَدْ أَحْمَسَكُمْ فِي أَمْرِهِ *** ثُمَّ أَلْفَاكُمْ غُضَاباً فِي عَيَاءِ

فوسَمْتُم إِبِلاً لَيْسَتْ لَكُمْ *** وَ فَعَلْتُمْ مُنْكَراً فِي الْإِرْتِضَاءِ

ص: 201

وَ لَقَدْ أَوْرَدْتُمُوهَا فَلْتَةً *** غَيْرَ شِرْبٍ لَكُمْ دُونَ دُهَاءِ

ذَاكَ و الْعَهْدُ قَريبٌ وَ بِهِ *** كَلِّمُ الْفَوْتِ رَحِيبٌ فِي رِمَاءِ

وَ بِهِ اَلْجُرْحُ عَمِيقٌ نَازِفٌ *** وَ هُوَ لَمَّا يَنْدَمِلْ مُنْذُ اَلْفَنَاءِ

وَ رَسُولُ اَللَّهِ لَمْ يُقْبَرْ وَ قَدْ *** إنْقَلَبْتُمْ مِنْ وِدَادٍ لِلْجَفَاءِ

و بِداراً قَد زَعَمتُم أَنَّهُ ***كَانَ ما حَلَّ لِخَوْفٍ وَ بَلاَءِ

ألا: في الفتنة سقطوا و إن جهنّم محيطة بالكافرين، فهيهات منكم ! و كيف بكم؟ و أني تؤفكون(1) و كتاب الله بين أظهركم،

فِتْنَةٍ حَلَّتْ... أَلاَ فِي فِتْنَةٍ *** سَقَطُوا فِيهَا عَلَيَّ غَيْرَ اِهْتِدَاءِ

سَقَطُوا فِيهَا وَ إِنَّ اَلنَّارَ قَدْ *** وَرَدُوا فِيهَا إِلَي يَوْمِ الْجَزَاءِ

هِيَ حَاطَتْهُمْ بِضُرِّ دَائِمٍ *** وَ عَذَابٍ وَ ضَرَّاءٍ و شقاءِ

عَجَباً... هَيْهَاتَ مِنْكُمْ مَا جَرِيَ ***كَيْفَ أَقْدَمْتُمْ بِظُلْمٍ فِي عَيَاءِ؟

بِجِنَايَاتٍ أَتَتْنَا غِيلَةً *** كَيْفَ لاَقَتْ بِكُمْ مُنْذُ ابْتِداءِ؟!

كَيْفَ... أَنِّي تُؤْفَكُونَ عَنْ هَدًي *** لِضَلاَلٍ وَ ظَلاَمٍ وَ رِثَاءِ؟!

وَ كِتَابُ اَللَّهِ عزَّ شَأنُهُ *** بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ نُورٌ اِهْتِدَاءِ

دعوتهم للتفكّر بالقرآن و الرجوع إليه

أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة، و زواجره(2) لايحة و أوامره واضحة و قد خلفتموه وراء ظهوركم،

وَ بِهِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ظَاهِرٌ *** لاَ ارْتِيابَ فِيهِ أَوْ نَقَصَ الضِّيَاءِ

وَ بِهِ أَحْكَامُهُ زَاهِرَةٌ *** هِيَ كَالنُّورِ كآثَارِ الذَّكَاءِ

ص: 202


1- تؤفكون: الإفك: الكذب.
2- زواجره: الزجر: المنع والنهي.

وَ بِهِ أَعْلامُهُ باهِرَةٌ *** تَخْطِفُ اَلْأَبْصَارَ أَمْوَاجُ اَلسَّنَاءِ

وَ نَوَاهِيهِ اَلَّتِي تَزْجُرُكُمْ *** عَنْ هَوًي لاَئِحَةٌ لِلْعُقَلاَءِ

وَ بِهِ طَاعَتُنَا ظَاهِرَةٌ *** أَوْضَحَ اَللَّهُ بِهَا أَمْرَ اَلْوَلاَءِ

وَ لَقَدْ خَلَّفْتُمُوهُ رَغْبَةً *** عَنْهُ خَلْفَ اَلظُّهْرِ فِي سِرِّ اَلْخَفاءِ

لَيْسَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ قَولهُ *** لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ لِلْجَزاءِ!!

أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظَّالمين بدلاً و من يبتغي غير الإسلام ديناً، فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين، ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها،

أَتَرَيَّدُونَ بِهَذَا رَغْبَةً *** عَنْهُ كَالْكَافِرِ مِنْهُ فِي بِرَاءِ

أَمْ بِغَيْرِ الذِّكْرِ فِيكُمْ رَغْبَةٌ *** تَحْكُمُونَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اهْتِدَاءِ

بِئْسَ لِلظَّالِمِ فِي ذَا بَدَلاً *** إِذْ أَخَذتُم مِنْهُ أحْكامَ السَّمَاءِ

ثُمَّ لَمَّا تَلْبَثُوا فِي فِتْنَةٍ *** هِيَ كَالنَّاقَةِ فَرَّت مِن رِشَاءِ

هِيَ لاتَنْسَاقُ إِلاَّ رَيْثَ أَنْ *** تَنْتَهِيَ نِفرتُها... بَعدَ اِهْتِدَاءِ

أَو تَسْكُنُ أو إِذَا يُسْلَسُ لَكُمْ *** بَعْدُ مِنْهَا قِيَادٌ فِي ارْتِضَاءِ

فِتْنَةٍ ثَارَ وَ شَاعَتْ بَيْنَكُمْ *** وَ تَمَادَيْتُمْ بَغْيِّ وَ جَفَاءِ

تألّمها و توجّعها من مواقفهم

ثمّ أخذتم تورن و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ و إطفاء أنوار الدّين الجليّ و إخماد سنن النّبيّ الصّفي،

هِيَ كَالْجَمْرَةِ كَانَتْ نَارُهَا *** تَخْتَفِي لَوْلاَكُمْ مَنْذُ اِبْتِدَاءِ

ثُمَّ أَنْتُمْ قَدْ آثَرْتُمْ نَارَهَا *** وَ أَخَذْتُمْ تَنْفُخُونَ فِي اَلصَّلاَءِ

جَمْعَكُمْ أُورِي بِهَذَا وَقَدْتَهَا *** وَ تُهَيِّجُونَ بِهَا دُونَ روَاءِ

هَتَفَ اَلشَّيْطَانُ فِيمَا بَيْنَكُمْ *** فَاسْتَجَبْتُمْ لِهُتَافٍ رَغْوَاءِ

ص: 203

وَسَعَيْتُمْ مُسْتَجِيبِينَ لَهُ *** دَعْوَةً مِنْهُ رَمَتْكُمْ بِالْبَلاءِ

وَ لِإِطْفَاءِ هَدْيِ الدِّينِ اَلْجَلِيْ *** كَانَ مَسْعَاكُمْ لَهُ مَحْضَ اِعْتِدَاءِ

وَ لِإِخْمَادِ هُدْي مَا جَاءَكُمْ *** مِنْ نَبِيِّ كانَ خَيْرَ الأَصْفِياءِ

تسرون حسواً في ارْتغاء و تمشون لأهله و وُلدِهِ في الخَمَرِ و الضَّرَّاء و نصبر منكم علي مثل حزَّ المُدَي،

أَنْتُمْ كُنْتُمْ تُسِرُّونَ بِهَا *** وَ حَسَوْكمْ حُسْوْكُمْ فِي إِرتِغَاءِ

قُلْتُمْ شَيْئاً وَ جَاءَ فِعْلُكُمْ *** بِخِلاَفِ اَلْقَوْلِ مِنْكُمْ بِادِّعَاءِ

فَأَقَمْتُمْ وَ تَدَّ اَلْبَاطِلِ فِي *** أُمَّةٍ رامَتْ قوانين اَلسَّمَاءِ

قَدْ حَكمتُمْ وَ اِدَّعَيْتُمْ فِتْنَةً *** وَ عَزَلْتُمْ مَنْ لَهُمْ فَصْلُ الْقَضَاءِ

آل بَيْتِ اَلْوَحْيِ تَمْشُونَ لَهُمْ *** وَ لأَهْلِيهِمْ بِضُرٍ و ضَرَّاءِ

وَ لِأَوْلادٍ لَهُ فِي خَمْرٍ *** قَدْ سَعَيْتُمْ لَهُمْ فِي اِعْتِدَاءِ

وَ صَبَرْنَا مِنْكُمْ مَا صَابَنَا *** مثل حَزِّ لِلْمُدْي صَبِرَ اِرْتِضَاءِ

تحذرهم من مغبة حكمهم بعدم وراثتها

و وخز السّنان في الحشي و أنتم - الآن - تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهليّة تبغون؟ و من أحسن من اللَّهِ حكماً لقوم يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلي تجلّي لكم كالشّمس الضّاحية أنّي ابنته،

أَوْ كَمَثْلِ الْوَخْزِ مِنْ طَعْنِ الْعَدَي *** بِسِنَانٍ فِي اَلْحَشْي أَوْ بِالْحَشَاءِ

أَنْتُمُ اَلْآنَ زَعَمْتُمْ أَنْ لاَ *** إِرْثَ لِلْهَادِي لَنَا... مَحْضَ اِفْتِرَاءِ!

أَفْحِكُمُ الْجَاهِلِيِّينَ ارْتَضَوْا *** أَمْ هُمْ يَبْغُونَ حُكْمَ الْجَهْلاءِ؟!

وَ مِنَ اَلْأَحْسَنُ حُكْماً لِلْوَرَي *** مِن إِلَهِ اَلْخَلْقِ ربِّ الْحُكَمَاءِ

صَادِرٌ مِنْهُ لِقَوْمٍ أَيْقَنُوا *** وَ هُمْ مِنْهُ عَلِي خَيْرِ اهْتِداءِ

أَفَلاَ يَعْلَمُ كُلٌ مِنْكُمُ *** حَقَّنا فِي نَسَبٍ أَوْ فِي حِبَاءِ؟

ص: 204

قَدْ تَجْلِي لَكُمُ أَنِّي اِبْنَتُهْ *** وَ بَدَا ذَاكَ كشمْسٍ فِي ضُحَاءِ

توبّخهم علي سكوتهم

أيُّها المسلمون! أأُغلب علي إرثيه؟

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُ مَنْ كَانَ هُنَا *** حَاضِراً قَوْلِيَ أَوْ يَأْتِيَ وَرَائِي!

كَيْفَ أُغْلِبْ فِي حُقُوقٍ هِيَ لِي *** نَصَّهَا اَللَّهُ عَلَيْنَا بِالسَّوَاءِ

هُنَّ آيَاتٌ أَتَتْ بَيِّنَةً *** فِي اَلْمَوَارِيثِ تُشِعٌ كَالسَّنَاءِ

لَكِنَّ اَلْأَعْدَاءُ بَزُّوا نِحْلَتِيْ *** فَغَدَتْ نَارَ سَعِيرٍ فِي اَلْمِعَاءِ

كَيْفَ أَبتَزُّ مَوَارِيثَ أَبِي *** بِحُضُورٍ مِنْكُمْ فِي ذَا الْبَلَاءِ؟

لَيْسَ فِيكُمْ مِنْ يَقِينِي كَيْدَهُمْ *** وَ يَفِي لِي فِي مَصَادِيقِ الْوَلَاءِ!

وَ أَنَا مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّنِي *** إِبْنَةُ اَلْمَأْمُونِ آيَاتُ اَلسَّمَاءِ

ص: 205

خطابها عليها السلام لأبي بكر في المسجد

أثرت أباك ولا أرث أبي

يا بن أبي قحافة!

أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي؟!!

ثُمَّ كَنَّت(1) فَاطِمٌ فِي قَوْلِهَا *** لِأَبِي بَكْرٍ وَ أَخَفَتْ بِأَهْتِدَاءِ

إِسمَهُ أَوْ مَا يُكَنُّوهُ بِهِ *** وَ لَمَنْ يُنْسَبُ نَادَتْ في دَهَاءِ

حَيْثُ كَانَ اَلْبَعْضُ مِنْهُمْ عَالِماً *** أَنَّهُ كَانَ عَلِيٌ غَيْرِ سَوَاءِ

بِأَبِيهِ -أَيْ- أبي قُحَافَةٍ! *** خَاطَبَتْهُ بِخِطَابِ اَلْبُلَغَاءِ

أُتْرِي آيَةُ ذَكَرٍ أُنْزِلَتْ *** تَمْنَعُ اَلْإِرْثَ بِدَسْتُورِ اَلسَّمَاءِ؟!

تَمْنَعُ اَلْأَبْنَاءَ مَا قَدْ تَرَكَتْ *** لَهُمُ اَلْآبَاءُ شَيْئاً مِنْ حِبَاءِ

أيُ أَيِّ فِي كِتَابِ اَللَّهِ أَنْ *** تَرِثُ اَلْآبَاءَ دُونِي فِي خَفَاءِ

لقد جئت شيئاً فريّاً !!

أفَعَلَي عمدٍ تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟

إذ يقول: «وورث سليمان داوُد» و قال فيما اقتص من خبر زكريّا - إذا قال:

وَ لَقَدْ جِئْتَ فَرِياً حِينَمَا *** جِئْتَ شَيْئاً دُونَ تَشْرِيعِ السَّمَاءِ

وَ بِهِ كَذَّبْتَ قُرْآناً بِهِ *** فِي صَرِيحِ اَللَّفْظِ إِرْثُ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 206


1- كنّت: من الكناية.

أفعَنْ عَمْدٍ تَرَكتُم خَلْفَكُمْ *** مَا بِهِ نُورُ اِهْتَدَاءٍ وَ شِفَاءِ

وَ نَبَذْتُمْ ذَلِكُمْ مِنْ دُونِ أَنْ *** -تَأْسَفُوا- قَوْلاً وَ فِعْلاً فِي وَرَاءِ

إِذْ يَقُولُ اَللَّهُ فِيهِ ذِكْراً *** وَ هُوَ اَلنُّورُ وَ مِنْ دُونِ اِنْطِفَاءِ

فِي سُلَيْمَانَ وَ فِي و رَيْثِهِ *** مِنْ أَبِيهِ إِرْثَ مالٍ وَ فَثَآءِ

وَ كَمَا اقْتَصَّ مِنَ اَلْأَخْبارِ عَنْ *** زَكَرِيَّا حِينَ ناجِي بِالدُّعَاءِ

دلائلها عليها السلام في الإرث

«فَهَب لي من لدنك ولياً يرثني و يرث من آل يعقوب» و قال: «أُولُوا اَلْأَرْحَامِ بَعْضٌهمْ هُوَ أُولِي ببَعْض فِي كتاب الله» و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» و قال: «إنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَي الْمُتَّقِينَ» و زعمتم أن لا حظوة لي! و لا إرث من أبي! أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم تقولون: أن أهل ملَّتين لا يتوارثان؟

أَنْ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ... وَارِثاً *** يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ثَرَائِي

أَوْ «أُولُوا اَلْأَرْحَامِ بَعْضٌ مِنْهُمْ *** هُوَ أُولِي...» فِي قَوَّانِينَ اَلسَّمَاءِ

أَوْ «يُوصِّيْكُمْ...» أَوْ «إِنْ تَرَكَ...» *** وهما نَصِّ بِإِرْثِ اَلْأَقْرِبَاءِ

وَ زَعَمْتُمْ أَنْ لاَ حُظْوَةَ لِي *** مِنْ أَبِي فِي اَلْإِرْثِ أَوْ سَهْمَ حِبَاءِ

أفخصصتُمْ بِشَرْعِ اَللَّهِ أَنْ *** خَصَّكُمْ دُونَ عَظِيمِ اَلْأَنْبِيَاءِ؟!

أَمْ قُولُونَ: بِأَنِّي وَ أَبِي *** مُلْتَانِ مَا لَهَا أَصْلُ اَلرِّفَاءِ؟!

أَوْلَسْتُ وَ أَبِي مِنْ مِلَّةٍ *** وَ كِلاَنَا دينُهُ دِينَ اهْتِداءِ؟!

أولست و أبي...

أولست و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمِّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك،

مِلَّةً وَاحِدَةٌ أدْيانُنا *** وَ هِيَ الحقُّ ازْدَهَتْ لِلحُكمَاءِ

أَمْ عَلِمْتُمْ بِكِتَابِ اَللَّهِ مَا *** لَمْ يَصِلْ مِنْهُ لِخَيْرِ اَلْأَوْصِيَاءِ؟!

ص: 207

بِخُصُوصٍ مِنْهُ أو فِي عَمِّهِ *** مِن عَلِيِّ الْحَقِّ خَيْرُ الأَوْصِيَاءِ!

أَفَأَنْتُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ *** مِنْ أَبِي أَمْ مِنْ عَلِيِّ الْأُمَنَاءِ؟!

و هُمَا لِمَ بِمَنْعَانِي فَدَكاً *** حَيْثُ لَامَانِعَ فِي حُكْمِ السَّمَاءِ

يَا أَبَا بَكْرٍ فَخُذْهَا غَاصِباً *** بِخِطَامٍ وَ زِمَامٍ وَ رِشَاءِ

هِيَ تَلْقَاكَ بِحَشْرٍ لَكَ فِي *** يَوْمِ حَقٍ عِنْدَ جَبَّارِ اَلسَّمَاءِ

تهديدها له بيوم الجزاء

فنعمَ الحكم الله و الزعيم محمّد صلي الله عليه و آله و سلم و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لاينفعكم إذ تندمون و لكلّ نبأٍ مستقر،

هُوَ نَعَمْ الْحَكَمُ المَرجُوُّ لِي *** بَعْدَمَا نَنْقَلُ عَنْ دَارِالْفَنَاءِ

وَ زَعِيمُ اَلْخَلْقِ فِيهَا أَحْمَدٌ *** وَ اَلْمُحَامِي عَنْ حُقُوقِ اَلضُّعَفَاءِ

وَ بِهَا مَوْعِدُنَا اَلْآتِيَ اَلَّذِي *** فِيهِ يُقْضِي فِي مَوازِينِ اَلْقَضَاءِ

يَخْسَرُ الْمُبْطِلُ فِيهِ مَا ادُّعِي *** يَوْمَ حَشْرِ اَلنَّاسِ مِنْ دُونِ وَقَاءِ

سَاعَةٌ يَخْسَرُ فِيهَا مُبْطِلٌ *** وَ بِهَا لاَ شَيْءَ يَلْغِي بِالْفِدَاءِ

حَيْثُ لاَ يَنْفَعُكُمْ فِيهَا إِذا *** مَا نَدِمْتُمْ، أَوْ دَعَوْتُمْ بِدُعاءِ

وَ لِكُلِّ مُسْتَقَرٌ وَ بِهِ ***كُلُّ ذِي اَلْأَنْبَاءِ مِنْ دُونِ خَفَاءِ

كلامها مع الأنصار

«فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم».

ثمَّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت:

يا معشر النَّقِيبَة،

سَوْفَ يَدْرِي فِيهِ كُلِّ مِنْكُمْ *** مِنْ سَيَأتِيهِ عَذَابٌ فِي اَلنَّهَاءِ

وَ لِمَنْ يُخْزِيهِ رَبِّي فِي غَدٍ *** وَ يَحِلُّ فِي عَذَابٍ لِلسَّمَاءِ

بِعَذَابٍ دَائِمٍ لاَ تَنْطَفِي *** نَارُهُ فِي الصُّبْحِ أَوْ عِنْدَ الْمَساءِ

هَدَّدْتُهُمْ فاطِمُ فِيما ادَّعَتْ *** بِعَذابٍ مُسْتَمِرٍ وَ ضَرَّاءِ

ص: 208

وَهِيَ دَعْوَي مَا بِهَا مِنْ كَذِبٍ *** أطلقتْهَا فاطمٌ خَيْرُ اَلنِّسَاءِ

ثُمَّ دَارَتْ طَرفَهَا فَاطِمَةُ *** نَحْوَ أَنْصَارٍ وَ قَالَتْ بِإِهْتِدَاءِ

أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ اَلْأَنْصَارِ مَنْ *** كُنْتُمْ لِلدِّينِ خَيْرِ اَلنُّجَبَاءِ

ما هذه الغميزة في حقّي

و أعضاد الملّة و حضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقِّي؟ و السِّنَةٌ ظُلامِتِي؟ أما كان «رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم» أبي يقول:

وَ لَهُ أَعضَادُ عِزِّ شَامِخٍ *** كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ آفَاقَ اَلرَّجَاءِ

وَحَضِنْتُمْ و حَفِظْتُمْ شِرْعَةً *** هِيَ لِلإِسْلامِ رُوحٌ مِنْ نَهَاءِ

وَ غَمَزْتُمْ عَنْ حُقُوقِي فُجْأَةً *** مَا بِكُمْ فِي غَفْلَةٍ أَمْ فِي عَمَاءِ؟؟

وَ فَتَرْتُمْ عَنْ ظُلاَمَاتِيَ اَلَّتِي *** هِيَ لِلْأَعْيَانِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءِ!

كَيْفَ كُنْتُمْ أَنْتُمْ فِي سُنَّةٍ *** وَ تَرَكْتُمْ نَجْدَتِي بَعْدَ اِهْتِدَاءِ؟!

أَوْ مَا كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ مَنْ *** قَدْ عَرَفْتُمْ نُطْقَهُ وَحْيُ السَّمَاءِ؟!

قَالَهَا: فِي جَمْعِكُمْ عَنْ حَقِّنَا... *** أَولِسْنَا نَحْنُ مِنْ ذِي الأَقْرِبَاءِ؟

سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة

«المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم و عجلانَ ذا إهَالة و لكم طاقة بما أحاول و قوّة علي ما أطلب و أُزاول،

إِنَّمَا الْمَرْءُ يُكْرَّمْ حَيْثُمَا *** يُحْفَظُ الْبَاقُونَ مِنْهُ فِي وَلَاءِ

أَوْ مَا كَانَ مِنَ الْإِكْرَامِ أَنْ *** تَحْفَظُونِي بَعْدَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ

عَجَباً... سُرْعَانَ مَا أَحْدَثْتُمُ *** وَ تَعَدَّيْتُمْ بَهَتَكٍ وَ اِعْتِدَاءِ

وَ لَهَا عَجْلاَنَ ذَا إِهَالَةٍ *** قَدْ تآمرتُم عَلَيْنَا فِي اَلْخَفَاءِ

أَلْكُمْ طَاقَةُ إِسْعَا فِي بِمَا *** أَنَا قَدْ حَاوَلتُ رِدَّاً لِلْحِبَاءِ

أَلْكُمَ فِيما طَلَبْتُ قُوَّةً *** وَ لَمَّا زَاوَلْتُ عَزْمَ اَلْأَقْوِيَاءِ؟

أَمْ تَخَاذَلْتُمْ بِصَمْتٍ ضَعَةً *** وَ وَصَمْتُمْ عَارَهَا فِي اَلضُّعَفَاءِ

ص: 209

و أزيلت الحرمة عند مماته

أتقولون: مات «محمّد صلي الله عليه و آله و سلم».

فخطب جليل، أستوسع وهنه و استنهر فتقه و انفتق رتقه و اظلمّتِ الأرض لغيبتهِ،

أَتَقُولُونَ لِمَنْ زَكَّاكُمْ... *** مَاتَ مَنْ كَانَ أَخْيَرَ الْأَنْبِيَاءِ

وَ اِسْتَبَحْتُمْ بَعْدَهُ فِي قَوْلِكُمْ: *** -مَاتَ- مَا سَاءَ لَكُمْ يَوْمَ اَلْجَزَاءِ

آه... فَالْخَطْبُ جَلِيلٌ وَقْعُهُ *** وَعَظِيمُ أَمْرِ مَوْتِ اَلْعُظَمَاءِ

وَ بِهِ اسْتَنْهَرَ جُرْحٌ فَتْقُهُ *** وَ عَدَا يَغْزُو عَلَيْنَا كُلُّ دَاءِ

وَ اِنْفِتَاقُ اَلْجُرْحِ أَوْدِي رَتَقَهُ *** أَنْ نُعانِيَ اَلدَّاءَ مِنْ دُونِ شِفَاءِ

وَ اِدْلَهِمَّ اَلْكَوْنُ وَ اَلْأَرْضُ بِهِ *** حِينَ غَابَ اَلنُّورُ عَنْ هَذَا اَلْفَضَاءِ

و كسفت النّجوم لمصيبته و أكدَتِ الآمال و خشعت الجبال و أضيع الحريم و أُزيلتِ الحرمة عند مماتهِ، فتلك -والله- النّازلة الكبري و المصيبة العظمي لا مثلها نازلة،

وَ نُجُومُ اَللَّيْلِ فِي قَلْبِ اَلسَّمَا *** كَسَفَتْ حُزْناً وَ أَمْسَتْ فِي عَزاءِ

لِمُصَابٍ زَلْزِلَ الْعَرْشُ بِهِ *** وَ بِهِ أَكَّدَتْ مَوَازِينُ اَلرَّجَاءِ

وَ بِهَذَا الخَطْبِ حُزْناً خَشَعَتْ *** رَاسِيَاتُ اَلْأَرْضِ مِنْ هَذَا اَلنَّعَاءِ(1)

وَ أُضيعَتْ حُرَمٌ مَنْ بَعْدِهِ *** وَ أُزِيلَتْ حُرْمَةٌ بَعْدَ اَلْفَنَاءِ

تِلْكَ -وَاَللَّهِ- أَتَتْ نَازِلَةٌ *** كَانَتْ الكبري عَلَي هَذَا اَلقِوَاءِ

وَ هِيَ الْفَاجِعَةُ اَلْعَظْمِي اَلَّتِي *** لَيْسَ يُثْنِيهَا سُرُورٌ فِي اِنْتِهَاءِ

لاَ... وَ لاَ حَلَّتْ بِنَا نَازِلَةٌ *** -مِثْلَهَا- أَبْقَتْ لَنَا ثِقْلَ اَلْغِنَاءِ

ولا بائقةٌ عاجلة، أعلن بها كتاب اللّه -جل ثناؤُه- في أفنيتكم، في ممساكم ومصْبحكم، هتافاً، و صراخاً و تلاوةً و ألحاناً و لقبله ما حلَّ

ص: 210


1- راسيات الأرض: الجبال.

بأنبيائه و رسله، حكمٌ فصل و قضاءٌ حتمي،

لاَ... وَ لاَ بَائِقَةٌ عَاجِلَةٌ *** أَحْكَمَتْ فِيهَا أَسَاليبُ الدَّهاءِ

أَعْلَنَ اَللَّهُ بِهَاجِلَّ اِسْمُهُ *** بِكِتَابٍ مُنْزَلٍ مُنْذُ ابْتِدَاءِ

وَ تَلَوْتُمْ مِنْهُ فِي مُمْسَاكُمْ *** وَ بِصُبْحٍ مِنْهُ فِي كُلِّ فناءِ

فَهُوَ الْهاتِفُ وَ الصَّارِخُ فِي *** كُلِّ يَوْمٍ بَيْنَكُمْ بِالْعُقَلاءِ

وَ هُوَ اَلْمَقْرُوءُ فِي تِلاَوَةٍ *** وَ بألحانٍ بِهَا جَذَبُ اِهْتِدَاءِ

وَ لَقَدْ أَخْبَرَكُمْ مَنْ قَبْلِهِ *** مَا برُسلٍ حَلَّ أَوْ بِالْأَنْبِيَاءِ

حُكْمُ فَصْلٍ وَ قَضَاءٍ مُحْتَمٍ *** فِيهِ تَصْدِيقُ قَضَاءٍ بِقَضَاءِ

الإنقلاب علي الأعقاب

«وما محمّد صلي الله عليه و آله و سلم إلا رسول قد خلت من قبله الرّسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم»،

سُنَّةُ الْمَوْتِ ارْتَضَاهَا رَبُّنَا *** لِجَمِيعِ اَلنَّاسِ حَتي اَلْأَنْبِيَاءِ

لَمْ يُنْجِّ اَللَّهُ مِنْهَا مُرْسَلاً *** وَ بِهَا يُقْهَرُ كَلاِّ بِالْفَنَاءِ

وَ أَتَتْنَا آيَةٌ بَيِّنَةٌ *** أحْكَمَتْ حُجيَّةً بِالْإِدْعَاءِ

حَيْثُ قَالَ اَللَّهُ فِي قُرْآنِهِ *** قَوْلَ صِدْقٍ حُكْمَ فَصْلٍ وَ سَنَاءِ

فِي «ومَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ...» وَ قَدْ *** كَانَ لِلْخَلْقِ رَسُولاً لِلسَّمَاءِ

«قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ...» اَلَّتِي *** قَدْ مَضَتْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ اَلْبَقَاءِ

«أَفَان مَّاتَ» بِحَتْفٍ «أَوْ قُتِل *** إِنْقَلَبْتُمْ» عَنْهُ فِي أَقْصَي اَلْوَرَاءِ

«ومن ينقلب علي عقبيه ، فلن يضرَّالله شيئاً و سيجزي اللَّه الشاكرين»

إِنْقَلَبْتُمْ وَ عَلَيَّ أَعْقَابِكُمْ *** قَدْ رَجَعْتُم بِشَنَارِ اَلْعُقَبَاءِ(1)

وَ مِنَ الْيَوْمِ عَلَي أَعقَابِهِ *** يَنْقَلِبْ عَنْهُ يُرِي سُوءَ الجَزاءِ

«لَنْ يَضُرَّ اَللَّهَ شَيْئاً» إِنَّمَا *** ضَرَرٌ الْخُلَفِ وَ بَالٌ فِي اَللِّقَاءِ

ص: 211


1- شنار: عار.

ما حَقُّ مَن يَكتُمُ الحَقَّ ومَنْ *** حَرَّفَ الدّينَ لِمَالٍ وُ ترَاءِ

«وَ سَيَجْزِيِ اَللَّهُ...» مَنْ كَانَ لِمَا *** نَالَهُ بِالشُّكْرِ خَيْراً بِالْجَزاءِ

وَ هلَ الشَّاكِرُ الاّ مَن بَقِي *** حافِظاً لِلْحَقِّ حَقّاً فِي الوَلاءِ؟

ناصِراً لِلدِّينِ وَالحَقِّ وَ مَنْ *** نَصَّ فيهِمْ ذَكَرُهُ بِالإقتِداءِ

أأَهضم تراث أبي..؟

إيْهاً... بني قِيْلة! أأهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأي و مسمع و منتدي و مجمع، تلبسكم الدّعوة، و تشملكم الخبرة و أنتم ذو العدد و العدَّة،

يَا بَنِي قَيْلَةَ إِيهاً مِنْكُمْ... *** قَدْ تَخَطِّي عَنْكُمْ عَقَدُ اَلرَّجَاءِ

أَأْنَا أَهْظَمُ فِي إِرْثِ أبِي *** فِي حُضُورٍ مِنْكُمْ لا فِي خَفَاءِ

و بِمَرْأَي مِنِّي أنْتُمْ كُنْتُمُ *** قُدْسْمِعْتُمْ وَ وَعَيْتُمْ لادِّعائِي

كُنْتُمُ فِي مَجْمَعٍ فِي مُنْتَدَي *** ضَمِنا، إِذْ فِيهِ أعْلَنْتُ نِدائِي

فِيهِ مَا تُلْبِسُكُمْ مِنْ حَقِّنَا *** دَعْوَةً تَشْمَلُكُمْ مِثْلُ الرِّدَاءِ

خِبْرَةٌ فِيهَا خُصَصْتُمُمْ وبِهَا *** شَمِلَتْكُم عِلْمُها شِبْهُ اَلرِّدَاءِ

وَ لَهَا أَنْتُمْ ذَووالْعْدَةِلا *** نَقْصَ فِي أَعْدَادِكُمْ أو فِي الرِّفاءِ

توافيكم الدعوة فلا تجيبون!

و الأداة و القوّة و عندكم السلاح و الجُنَّة، توافيكم الدّعوة فلاتجيبون!، و تأتيكم الصّرخة فلا تعينون!، و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير و الصّلاح و النّخبة الّتي انتخبت،

وَ ذَوُو اَلْقُوَّةِ أَنْتُمْ وَ لَكُمْ *** فِي مَرَامِيهَا أَدَاةٌ مِنْ ثَرَاءِ

وَ سِلاحٌ عِنْدَكُمْ مَا بَعْضُهُ *** جُنَّةٌ مِنَحُ كُلِّ كَرْبٍ وَ بَلاَءِ

إِنَّ تَوَافِيَكُمْ بِنَصْرِ دَعْوَتِي *** لاَ تُجِيبُونَ جَمِيعاً لِدُعَائِي!

لاَ تُعِينُونِي إِذَا مَا صَرْحَةٌ *** مِنِّي تَاتِيكُمْ بِظُلْمٍ وَ عَنَاءِ!

وَوَصَفْتُمْ أَنْتُمْ فِي خَوْضِهَا *** بِكِفَاحٍ وَ سَفَكْتُمْ لِلدِّمَاءِ

ص: 212

وَ عُرِفْتُمْ بِصَلَاحٍ وَارِفٍ *** و بِخَيْرٍ فِي مَلاءٍ وَ خَلاَءِ

وَ نُخْبَةٌ لِلْحَقِّ حِينَ انتُخِبَتْ ***كُنْتُمْ أَنْتُمْ لَهُ أُسَّ الرَّجَاءِ

و أنتم موصوفون بالكفاح

و الخيرة الَّتِي اختيرت، قاتلتم العرب و تحمّلتهم الكدَّ و التّعب و ناطحتم الأُّمم و كافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون،

وَ لَهُ اخْتِيرَتْ بِحَقِّ خِيَرَةٌ *** مِنْكُمْ ذَوْداً و صَوْناً لِلْقَضَاءِ

وَ لَهُ قَاتَلْتُمُ اَلْعَرَبَ فَمَا *** ضَعُفَتْ فِيكُمْ مَقَادِيمُ اَلْفِتَاءِ

وَ تَحَمَّلْتُمْ لَهُ الْكَدَّ وَ فِي *** ذلِكم هدَّدَكُمْ سَيْلُ اَلْعَيَاءِ

وَ لَهُ نَاطِحتُمْ مِنْ فَوْرِكُمْ *** أُمَماً رَاقَتْ بِكُمْ ذُلَّ اَللِّفَاءِ(1)

وَ لَهُ كَافَحْتُمُ الشُّجْعَانَ مَنْ *** بم اَلْقَوْمٍ بِمِصْرٍ وَ قُوَاءِ

وَ لَهُ لاَ نَبْرَحُ اَلْهَادِينَ فِي *** سُنَنٍ لِلْخَيْرِ فِي حُكْمِ اَلسَّمَاءِ

وَ لَهُ نَامِرُكُمْ فِي طَاعَةٍ *** وَ لَنَا تَصْغُونَ دُوماً لِلنِّدَاءِ

دارت بنا رحي الإسلام

نأمركم فتأتمرون، حتَّي دارت بنا رَحَي الإسلام و درَّ حُلبُ الأيَّام و خضعت ثغرة الشِّرك و سكنت فورة الإفكِ(2) و خُمدت نيران الكفر،

وَ تُطِيعُونَ وَ لاَ نَبْرَحُ أَوْ *** تَبْرَحُونَ طَائِعِينَ فِي وَلاَءِ

وَ اِسْتَمَرَّ الْأَمْرُ فِي خَيْرٍ فَمَا *** مَالَ مِنْهُ لِأَهَاوِيلَ اَلشَّقَاءِ

ذَاكَ حُتِّيَ اَلْأَمْرُ فِينَا وَ بِنَا *** سَادَ فِي نَظْمٍ وَ فِي سير اِهْتِدَاءِ

وَ رَحِيَ اَلْإِسْلاَمِ دارتْ وَ لَهُ *** حَلْبُ الْأَيَّامِ دَرَّتْ بِالْعَطاءِ

وَ ثَغْرَةُ الشِّرْكِ إِذا ما خَضَعَتْ *** وَ رِقابَ الْكُفْرِ ذَلَّتْ لِلسِّناءِ

ص: 213


1- اللّفاء: الخسيس من الشيء و كل شيء يسير حقير فهو لَفاء.
2- الإفك: الكذب.

وَ لَهُ قَد سَكَنَتْ مِنْ فَوْرِها *** فَوْرَةُ الإِفْكِ وَ قَرَّتْ كَالرُّخاءِ

خُمِدَتْ نِيْرَانُ كُفْرٍ بَعْدَما *** سَجِّرَتْ مِنْ فِيْحِ حِقْدٍ وَ عِدَاءِ

فَاَنَّي حِرتُم بعد البيان؟

و هدأت دعوة الهرج و استوسق نِظام الدِّين، فَاَنَّي حِرتُم بعد البيان؟ و أسررتم بعد الإعلان؟ و نكصتم بعد الإقدام؟ و أشركتم بعد الإيمان؟

هَدَأَتْ دَعْوَةُ إفك بَاطِلٍ *** هَرَجُ الدَّعْوَةِ فِي أَيْدِي الْفَنَاءِ

وَ لَهُ اسْتَوْسِقَ أَمْرُ الدِّينِ فِي *** كُلِّ نَظْمٍ وَ اِجْتِمَاعٍ و اسْتِوَاءِ

بَعْدَمَا كَانَ شَتَاةً أَمْرُهُ *** وَ شُمُوسُ الْحَّقَّ كَانَتْ فِي اِنْطِفَاءِ

كَيْفَ وَ الْآنَ... وَ أَنِّي حِرْتُم *** عَنْ بيان بَعْدَهُ عَنْ ذَا السَّنَاءِ؟!

وَ بِهِ أَسْرَرْتُمُ اَلْحَقَّ وَ قَدْ *** بَانَ فِيهِ لَكُمْ نُورُ اهْتِدَاءِ؟!

وَ نَكَصْتُمْ بَعْدَ إِقْدَامٍ لَكُمْ *** كَانَ لِلْإِسْلَامِ ضَرْباً مِنْ وِقَاءِ

وَ لَقَدْ أَشْرَكْتُمْ مِنْ بَعْدَما *** ذَلَّلَ الْإِيمَانُ أَسْبَابَ الْإِخَاءِ

ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم و همّو بإخراج الرّسول و هم قد بدؤوكم أوّل مرَّةٍ، أفتخشونهم؟

و قَطَعْتُمْ لُحْمَةَ اَلْإِيمَانِ فِي *** نَصْرِ أَهْلِ اَلْفِسْقِ في هذا اَلْوَلاَءِ

وَ لَقَدْ خَالَفْتُمْ اَلْحَقَّ بِمَا *** قَدْ نَكَثْتُمْ فيهِ أَمْرَ الْأَنْبِياءِ

وَ بِهِ خالَفْتُمْ «الْهادِيَ» الَّذِي *** حَثَّكُمْ نَصْرُ أَصْحَابِ اَلْكِسَاءِ

هَؤُلاَءِ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ *** قَاتِلُوهُمْ وَانْصُرُونَا فِي وَلاَءِ

وَ هُمْ هَمُّوا بِإِخْرَاجٍ لَكُمْ *** وَ بإِخْرَاجِ رَسُولٍ لِلسَّمَاءِ

وَ هُمْ قَدْ بَدَؤُوكُمْ أَوَّلاً *** بِقِتَالٍ وَ أَصَرُّوا فِي جَفَاءِ

أَفْتَخِشُونَهُمْ فِي مَعْرِكٍ *** وَ تَفِرُّونَ جَمِيعاً لِلْوِرَاءِ؟

الخلود إلي الدنيا و إبعاد من هو أحق بالبسط و القبض

فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. ألاّ: قد أري أن قد أخلدتّم

ص: 214

إلي الخفض(1) و أبعدتّم من هو أحقّ بالبسط و القبض و خلدتم إلي الدّعة و نجوتم من الضِّيق بالسعة، فمججتم(2) ما وعيتم و دسعتم(3) الّذي تسوَّغتم.

إِذْنِ: اَللَّهُ أَحَقُّ خَشْيَةً *** مِنْهُمْ ظاهرٍ أو فِي خَفَاءِ

وَ بِدِينِ اَللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُمْ *** مُؤْمِنِينَ فَاسْتَجِيبُوا لِلنِّدَاءِ

قَدْ أَرِيَ قَدْ خَلَّدْتُمْ دَعَةً *** لرِياضِ الخَفْضِ فِي عَيْشِ الهَناءِ

وَ لِذَا أُبْعِدتُمْ مِن حَقُّهُ *** هُوَ فِي بسطٍ وَ قَبِضٍ فِي اَلْعَلاَءِ

وَ خُلِّدْتُمْ بَعدَهُ فِي دَعَةٍ *** وَ نَسِيتُمْ مَنْ لَهُ حَقُّ اَلْوَفَاءِ

وَ نَجَوْتُمْ مِنْ مَعَاشٍ ضِيقٍ *** لِمَعَاشٍ وارفٍ جَمِّ اَلرَّخَاءِ

فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُم أَمْرَهُ *** و دَسَعْتُمْ مَا تُسَوَّغْتُمْ لِدَاءِ

الخذلان و الغدر

فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً، فإنّ الله لغني حميد ألآ: قد قلت ما قلت علي معرفةٍ منِّي بالخذلة الَّتي خامرتكم(4) و الغدرة الّتي استشعرتها قلوبكم.

فَإِنَّ اَلْيَوْمَ جَمِيعاً تَكْفُرُوا *** أَنْتُمُ أَوْ مَنْ بِأَرْضٍ وَ سَمَاءِ

فَهُوَ اَللَّهُ غَنِيِّ عَنْكُمُ وَ حَمِيدٌ فِي اِبْتِدَاءٍ وَ اِنْتِهَاءِ

وَ أَنَا قَدْ قُلْتُ مَا قُلْتَ عَلَي *** بَالَغِ اَلْعِرْفَانِ فِي هَذَا اَلْوَنَاءِ

وَ عَلَي عِلْمٍ وَ فِي مَعْرِفَةٍ *** مِنِّي بالخذلَةٍ فِي هذَا اَلْخَوَاءِ

خَذْلَةٌ قَدْ خَامَرَتْكُمْ وَ لَها *** قَدْ رَكَنْتُمْ وَ فَرَرْتُمْ فِي دَهَاءِ

وَ قُلُوبٍ عَمِيَتْ فَاسْتَشْعَرَتْ *** غِدْرَةً قَدْ لَبِسَتْهَا كَالرِّدَاء

ص: 215


1- الخفض: الدعة و الراحة.
2- مججتم: (مجّ) الشراب من فيه: رمي به.
3- دسعتم: الدسعة : الدُفعة.
4- خامرتكم: المخامرة: المخالطة.

وَ لِعرْفَانِي بِكُمْ لاَ أَرْتَجِي *** مِنْكُمْ نَصْراً وَ لاَ حَقَّ اَلْوَفَاءِ

حجّتها عليهم

و لكنّها فيضة النّفس و نفثة الغيظ و خور القنا و بثّة الصّدر و تقدمة الحجّة.

فَيْضَةٌ لَكِنَّهَا مَأْلُومَةٌ *** وَ بِهَا اَلنَّفْسُ أَفَاضَتْ فِي مِلاَءِ

نَفْثَةُ الْغَيْظِ وَ خَوْرٌ فِي اَلْقَنَا *** بِهِمَا ضَاقَتْ مَسَامَاتُ الجَوَاءِ

بَثَّةُ الصَّدْرِ وَ مِنْ كِتْمانِها *** ضَاقَتِ النَّفْسُ بِهِمْ وَقْوَاءِ

وَ لأَمْرِ الصَّدْرِ اَلدِّينُ قَولي حُجَّةٌ *** وَ بَيانِي مُلْزَمٌ يَوْمَ الْجَزاءِ

لَيْسَ يُرْضِي بَعْدَهُ مِنْ غَافِلٍ *** أَوْ جهولٍ رَبُّنَا عُذْرَ اَلْجَفَاءِ

لَيْسَ بَعْدَ الْيَوْمِ قَولٌ نافِعٌ *** لَيْسَ يُجْدِي بَعْدَهُ كُلُّ فِدَاءِ

حُجَّتِي قَائِمَةٌ فِي جَمْعِكُمْ *** أَنَّا قَدْ قَدِمْتُهَا لِلْعُقَلاَءِ

نتائج الخذلان و الغدر

فدونكموها، فاحتقبوها دبرة الظّهر، نقبة الخُفِّ، باقية العار، موسومة بغضب اللّه و شنار الأبد، موصولة بنار اللّه الموقدة،

فَخُذُوا اَلْإِمْرَةَ مِنَّا عَنْوَةً *** وَ اِنْصُبُوا فِيهَا شُخُوصَ اَلْخُلَفَاءِ

إِمْرَةً دُونَكُمُوهَا... فَأذنوا *** بَعْدَ هَذَا اَلْيَوْمِ فَي حَرْبِ السَّمَاءِ

هيَ ذِي فَاحْتَقِبُوهَا نَاقَةً *** دِبِرَةَ الظَّهْرِ لِجُرْحٍ وَ دِمَاءِ

لَمْ تَلْ بَاقِيَةَ اَلْعَارِ فَلاَ *** خِزْيُهَا يَفْنِي بِدُنْيَاً وَ فَنَاءِ

عُلِمْتْ فِي غَضَبِ اَللَّهِ وَ قَدْ *** عُلِمَتْ مَوْسُومَةٌ بِاللَّعَنَاءِ

وَ شَنَارِ الْأَبَدِ الْآتِي غَداً *** لَمْ تَزَلْ مُوْصُولَةً دُونَ خَفَاءِ

وَ بِنَارِ اَللَّهِ مُسْتَوْقَدَةً *** هِيَ فِي عَارٍ وَ نَارٍ وَ صَلاَءِ

اَلَّتِي تَطْلَّعُ علي الأفئدة، فبعين اللّه ما تفعلون، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».

ص: 216

نَارُهَا مُوقَدَةٌ سَجَّرَهَا *** لِعَذَابِ اَلْخِزْيِ جَبَّارُ السَّمَاءِ

وَ عَلِيٌ اَلْأَفْئِدَةِ اَلنَّارُ الَّتي *** تَطْلِعْ غَيْضاً بِصُبْحٍ وَ مَسَاءِ

فَبِعَيْنِ اَللَّهِ مَا كَانَ وَ مَا *** تَفْعَلُونَ ظَاهِرٌ دُونَ خَفَاءِ

وَ اَلَّذِينَ ظَلَمُونَا حَقَّنَا *** سَوْفَ يَزْدَادُونَ عِلْماً فِي اَلْجَزَاءِ

أَيْ حَالٍ فِي غَدٍ مُنْقَلَبٌ *** هُمْ لَهُ يَنْقَلِبُونَ بِالْفَناءِ

فِي جُحْتُمَ و عَذَابٍ دَائِمٍ *** وَ سَعِيرٍ فِيهِ آثَارُ الْبَقَاءِ

سَتَصِيرُونَ إِلَيْهِ نَكْساً *** فِيهِ مِنْ خِزْيٍ و عَارٍ وَ عَنَاءِ

فاعملوا إنَّا عاملون

و أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعملوا إنَّا عاملون و انتظروا إنَّا منتظرون.

وَ أَنَا بِنْتُ نَذِيرٍ لَكُمْ *** لِشَنَارٍ و عَذَابٍ وَ فَنَاءِ

فَاعْمَلُوا مَا شِئْتُمُ مِنْ ظُلْمِنَا *** لَيْسَ يَبْقِي الْحَقُّ دَوماً فِي خَفَاءِ

وَ لَهُ نَعْمَلُ إِنَّا وَ بِهِ *** وَجَبَ الصَّبْرُ عَلَيْنَا فِي الْبَلَاءِ

بَعْدَ ذَا فَانْتَظِرُوا وَ أَفْعَالَكُمْ ***كَيْفَ يَحُدُوها فَناءٌ مِنْ فَنَاءِ

وَ لِأَجْرِ الصَّبْرِ إِنَّا نَنْتَظِرْ *** وَ بِهِ فَوْزٌ وَ بُشَرِي فِي اَللِّقَاءِ

كُلُّنَا مُنْتَظِرُونَ فِي غَدٍ *** أَجْرَ أَعْمَالٍ لَنَا يَوْمَ الْجَزاءِ

أَيُّنَا يُخْزِي وَ يُنْجِي حِينَهُ *** وَ بِهِ يَحْكُمُ جَبَّارُ اَلسَّمَاءِ

ص: 217

جواب أبي بكر

ذكره لصفات أبيها

فأجابها «أبوبكر» (محمد بن عثمان) و قال: يابنة رسول الله ! لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، علي الكافرين عذاب أليماً،

بَعْدَ ذَا قَالَ «أَبُوبِكْرٍ» لَهَا: *** مَادِحاً يُضفِّي عَلَيْهَا بِالثَّنَاءِ

وَ عَلِي خَيْرُ نَبِيِّ مُرْسَلٍ ***كَانَ وَصْفاً زَاهِراً مِثْلَ اَلسَّنَاءِ

وَ هُوَ اَلْخَصْمُ اَلْأَلَدُّ وَ لِذَا *** صَاغَ ذَا فِي ضَلِّ مَكْرٍ وَ دَهَاءِ

قَالَ: يَا بِنْتَ رَسُولِ اَللَّهِ قَدْ *** كَانَ بِالنَّاسِ أَبُوكِ كَالْفَضَاءِ!

هُوَ لِلْمُؤْمِنِ قَدْ كَانَ أَباً *** وَ بِهِ كَانَ عَطُوفاً كَالْهَوَاءِ

وَ بِهِ كَانَ كَرِيماً وَ بِهِ *** هُوَ قَدْ كَانَ رَوْؤُفاً فِي اَلْقَضَاءِ

وَ بِهِ كَانَ رَحِيماً وَ لِمَنْ *** آثَرَ الْكُفْرَ عَذَاباً كَالصَّلاَءِ

اعترافه بنَسَبها و زوجها ومكانتهم

و عقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النِّساءِ و أخا إلفكِ دون الأخِلَّاء، آثره علي كلّ حميم و ساعده علي كلّ أمر جسيم، لا يحبّكم إلَّا كلّ سعيد و لا يبغضكم إلا كلّ شقيَّ،

وَ عِقَاباً عَظُمَ الْخِزْيُ بِهِ *** وَ عَظِيماً فِي إِبْتِدَاءٍ وَ اِنْتِهَاءِ

أَنْ عَزَوْنَاهُ وَ جدْنَاهُ لَكَ *** هُوَ قَدْ كَانَ أَباً دُونَ اَلنِّسَاءِ

وَ أَخَا إِلْفِكِ قَدْ كَانَ لَهُ *** نَعَمٌ خَلِّ فِي خَلاءٍ وَ مَلاءِ

وَ عَلِيَّ كُلِّ حَمِيمٍ هُوَ قَدْ *** آثَرَ الخَلَّ «عَلِيّاً» فِي الإِخاءِ

ص: 218

هُوَ قَدْ سَاعَدَهُ فِي كُلَّمَا *** حَلَّ مِنْ أَمْرٍ جَسِيمٍ وَ بَلاَءِ

لَيْسَ إِلاَّ كُلِّ ذِي سَعْدٍ هوِي *** حُبَّكُمْ يَا آلَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ

وَ لَعَنَ أَبْغَضَكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَا *** لَيْسَ إِلاَّ كانَ أشقي اَلْأَشْقِيَاءِ

اعترافه بصدق قولها

فأنتم عترة رسول الله الطّيّبون و الخيرة المنتجبون، علي الخير أدلَّتنا و إلي الجَنَّة مسالكنا و أنتِ يا خيرة النساء و ابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك،

لِرَسُولِ اَللَّهِ أَنْتُمْ عِتْرَةٌ *** طَيِّبُونَ كَمَلٌ حَتَّي اَلنَّهَاءِ

خِيَرَةٌ مُنْتَجَبُونَ وَ لَنَا *** أَنْتُمْ فِي اَلْخَيرِخَيْرُ اَلنُّجَبَاءِ

أَنْتُمُ الهادُون لِلْخَيْرِ لَنَا *** و أَدِلاَّءِ بِعِلْمٍ و اهْتِداءِ

وَ إِلَيَّ الْجَنَّةِ أَنْتُمْ قادَةٌ *** وَ طَرِيقُ الْفَوْزِ حُبُّ الْأَصْفِيَاءِ

مسْلكُ الْجَنَّةِ وَ اَلْفَوْزِ وَ مَا *** عَدَّهُ اَللَّهُ بِكُمْ سَهْلُ اَللِّقَاءِ

أَنْتِ يَا فَاطِمُ مِنْ خَيْرِ النَّسَا *** وَ ابْنَةُ الْمَبْعُوثِ خَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ

أَنْتِ فِي قَوْلِكِ لِي صَادِقَةٌ *** لَيْسَ مِينٌ قَطُّ فِي ذَا اَلْإِدْعَاءِ(1)

اعترافه بعقلها و حقّها

سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقكِ و لامصدودة عن صدقك، و للِّه ما عدوت رأيَ رسولِ اللّه صلي الله عليه و آله و سلم !!! و لاَعملت إلاَّ بإذنه و إنَّ الرَّائِدَ لا يُكَذِّبُ أهله و إنِّي أُشهد الله و كفي به شهيداً،

أَنْتِ فِي وَفْرَةِ عِلمٍ وَحَجا *** فِيهِمَا سَابِقَةُ كُلِّ اَلنِّسَاءِ

غَيْرُ مَرْدُودَةِ حَقِّ عِنْدَنَا *** وَ لَكَ حَقِّ عَلَيْنَا بِالْوَفاءِ

وَ عَنِ الصِّدْقِ فَلا مصدودَة *** شَأنُكِ اَلصِّدْقُ بِجَمْعٍ وَ خَلاَءِ

أَنَا وَلَلُهُ -بِحُكْمٍ وَ قَضَا- *** مَاعَدَوتُ رَأْيَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ!!!

ص: 219


1- ميْن: (المَيْن): الكذب.

عَمَلِي هَذَا بِإِذْنٍ مِنْهُ لِي *** مَاعَمَلْتُ دُونَ إِذْنٍ وَ اِقْتِفَاءِ

أَبَداً لاَ يَكْذِبُ اَلرَّائِدُ إِنْ *** عُدَّ مِنْ أَهْلٍ لَهُ فِي الإنتماءِ

أُشْهِدُ اَللَّهَ بِأَمْرِي وَ كفِّي *** إِنَّهُ فِي اَلْأَمْرِ نِعْمَ اَلشُّهَدَاءِ

الإدعاء الكاذب

أنِّي سمعت رسول الله يقول: «نحن معاشر الأنبياء، لا نورّث ذهبا و لَا فضّة و لَا داراً و لا عقاراً؛ وإنَّما نورّث الكتاب و الحكمة و العلم و النبّوة و ما كان لنا من طعمة فلوالي الأمر بعدنا، أن يحكم فيه بحكمه».

إِنَّنِي فِي ذَا سَمِعْتُ قَوْلَةً *** لِرَسُولِ اَللَّهِ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ

إِذْ يَقُولُ: -وَ هُوَ الاصادِقُ فِي *** كُلِّ قَوْلٍ قالَهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ

لَانُوَرِّثْ ذَهَباً أَوْ فِضَّةً *** أو عَقَاراً... نَحْنُ جَمَعَ اَلْأَنْبِيَاءَ!

إنَّما نَحنُ نُوَرِّثْ بَعْدَنَا *** حِكْمَةً تَنْضَجُ فَهُمُ اَلْحُكَمَاءِ!

أَوْ كتاباً نَافِعاً فِي كُلَّمَا *** خُصَّ مِن عِلْمٍ وَ نُورٍ و شِفَاءِ!

أَوْ نُبُوءَاتٍ ومَاكَانَ لَنَا *** بَعْدَنَا مِن طُعْمَةٍ أَوْ مِنْ حِبَاءِ!

فَلِوَالِي الْأَمْرِ يَحْكُمُ فِيهِ مَا *** يَجِدُ الْحُكْمَ بِهِ كَالْأُمَرَاءِ!

صرف الأموال المغتصبة في الجهاد

و قد جعلنا ما حاولته في الكُراع و السّلاح، يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفّار و يجالدون المردة الفجّار و ذلك بإجماع من المسلمين !! لم أنفرد به وحدي و لم أستبدّ بما كان الرأي فيه عندي و هذه حالي و مالي؛ هي لَكِ و بين يديكِ؛ لا تزوي عنكِ و لا تدَّخر دونكِ، أنتِ سيدة أمّة أبيكِ،

وَ جَعَلناما بِنَا حَاوَلْتِهِ *** فِي كُرَاعٍ وَ سِلاَحٍ وَ كِرَاءِ

وَ بَهَا قَدْ جَهَّزُوا مَنْ أَسْلَمُوا *** لِقِتَالٍ وَ جِهَادٍ... بِسَخَاءِ!

و لِكُفَّارٍ وَ فُجَّارٍ بِهَا ***جَالدوا مَنْ حَادَ عَنْ دِينِ اَلسَّمَاءِ

وَ بإجماع... وَ مَا ذَاكَ سِوَي *** رَأْيُ مَنْ أَسْلَمَ، فِي أَمْرِ اَلْحَبَاءِ!!

ص: 220

أنَا فِيهِ لَسْتُ وَحْيَ قَاطِعاً *** حُكْمَ فَرْدٍ مُسْتَبِدٍ بِالْقَضَاءِ

هَذِهِ حَالِي ومَالِي هِيَ ذِي *** عَنْكَ لاَ تُزْوِي بِعُسْرٍ وَ رَخَاءِ!(1)

دُونَكِ لاَ شَيءَ حَتماً يُدَّخَر *** أَنْتَ فِي الْأُمَّةِ مِنْ خَيْرِ اَلنِّسَاءِ

محاولته لتطييب خاطرها

الشجرة الطيّبة لبنيكِ، لا يُدفع ما لَكِ من فضلك و لا يوضعُ في فرعك وأصلكِ، حكمك نافذ فيما ملكت يَدايَ، فهَل ترين أن أُخُالف في ذلكَ أبَاكِ صلي الله عليه و آله و سلم.

لِبَنِيكِ أَنْتِ كُنْتِ شَجَراً *** طابَ مِنْهَا أَصْلُهَا فِي الإِنْتِمَاءِ

فَلَكَ مَالَكَ مِنْ فَضْلٍ فَلَا *** يَدْفَعُ الْفَضْلُ... لَكِ حَتِّي النَّهَاءِ

لَا وَ لَايُوضَعُ فِي فَرْعٍ وَ لاَ *** لَكِ فِي أَصْلٍ نَقِيِّ كَالسَّنَاءِ

حُكْمُكِ فِيما مَلَكَتُ نَافِذٌ *** هُوَ قَطْعِيِّ كَحُكْمِ اَلْأُمَرَاءِ

أَفْهَلْ تَرْضَيْنَ فِي ذَاكَ لَنَا *** أَنْ نُخَالِفْ فِيهِ خَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ

ص: 221


1- تُزوي : زوي الشيء: جمعه و قبضه.

جواب فاطمة الزهراء عليها السلام لأبي بكر

ردّ الإدعاء بالبيان و البرهان و الحجة

فقالت عليها السلام: سبحان اللّه... ما كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم عن كتاب اللّه صادفاً(1) و لا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتّبع أثره و يقفو سُوَرَهُ، أَفَتَجْمعون إلي الغدر؛ اعتلا لاً عليه بالزور.

فَأَجَابَتْ فَاطِمٌ مِنْ عَجَبٍ *** ثُمَّ قَالَتْ فِي هُدُوءٍ وَ اهْتِدَاءِ

-لِأَبِي بَكْرٍ- فَسُبْحَانَ الَّذِي *** مَرْجِعُ اَلْخَلْقِ إِلَيْهِ فِي اَلنَّهَاءِ

عَنْ كِتَابِ اَللَّهِ مَا كَانَ أَبِي *** صَادِفاً عَنْهُ بِلَيْلٍ وَ ضِحَاءِ

وَ لِأَحْكَامٍ أَتَتْهُ فِيهِ لاَ ***كَانَ يَوْماً فِي خِلاَفٍ وَ عَدَاءِ

بَلْ أَبِي كَانَ يُؤَدِّي مَا بِهِ *** وَ لَقَدْ كَانَ لَهُ فِي أَقْتِفَاءِ

وَ لآثَارٍ لَهُ أَوْ سُورٍ *** كَانَ يَقْفُو مَا بِهَا مِنْ أَهْتِدَاءِ

أفإجماعٌ إِلَي اَلْغَدْرِ لَكُمْ *** وَ عَلَيْهِ الزُّورُ زِدْتُمْ فِي اِفْتِرَاءِ؟!

هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً

و هذا بعد وفاته شبيهٌ بما بُغِي لهُ من العوائل في حياتهِ، هذا كتاب اللّه حكماً عدلاً و ناطقاً فصلاً يقول: «يرثُنِي و يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»، «وَوَرَثَ سُلَيمَانُ دَاوُدَ»، فبَّين (عزّوجلّ) فيما وزَّع من الأقساط،

كُلُّ هَذَا بَعْدَما فَارَقَنَا *** فِيهِ بِالْمَوْتِ أَمِيرٌ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 222


1- صادفاً: معرضاً.

هُوَ ذَا بَغْيٌ لَكُمْ فِي مَوْتِهِ *** يَشْبِهُ اَلْبَغْيَ لَهُ مُنْذُ اِبْتِدَاءِ

فَرَسُولُ اَللَّهِ لاَقِي مِنْكُمُ *** مِنْ أَذِيَ فِي عُمُرِهِ، أَوْ مِنْ بَلاَءِ

وَ كِتَابُ اَللَّهِ هَذَا حُكْماً *** نَاطِقاً فَصْلاً وَ عَدْلاً فِي الْقَضَاءِ

وَ هُوَ الْقائِلُ فِي حُكْم لَهُ *** وَاضِحٍ فِي اَلْإِرْثِ إِرْث الْأَنْبِيَاءِ

فِي سُلَيْمَانَ وَ فِي تَوْرِيثِهِ *** مِنْ أَبِيهِ بَيْنٌ شِبْهُ اَلضِّيَاءِ

بَيَّنَ اَللَّهُ تَعَالَي شَأْنُهُ *** كُلَّ أَقْسَاطِ فُرُوضٍ وَ حِباءِ

بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً

و شرّع من الفرائض و الميراث؛ ما أزاح علّة المبطلين و أزال التظنِّي والشُّبهات في الغابرين كلَّا، بل سوَّلت لكم أنفسكم أمراً، فصبرٌ جميلٌ، و اللّه المستعان علي ما تصفون.

وَ بِهِ قَدْ شَرَعَ اَلْمِيرَاثَ مِنْ *** فَرْضِ إِرثٍ لِذُكُورٍ و نِسَاءِ

مَا أَزاحَ عِلَّةَ المُبطِلِ في *** كُلِّ قَولٍ بَاطِلٍ أوْ إِفْتِرَاءِ

وَ أَزالَ الظَّنَّ وَ اَلشُّبْهَةَ فِي *** حِكْمِهِ فِي الْغَابِرِينَ لِلنَّهاءِ

لَيْسَ فِي اَلْأَمْرِ عَلَيْكُمْ لَبْسَةٌ *** بَلْ تَنَكَّرْتُم لِإِرْثِ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)

سَوَّلَتْ أَنْفُسُكُمْ أمراً بِذا *** لَيْسَ غَيْرُ الْمَكْرِ فِيهِ وَ اَلدهَاءِ

لَيْسَ إِلاَّ اَلصَّبْرُ أَحَجِّي وَ عَلَي *** مِثْلِ هَذَا لَجَمِيلٌ لِي بَلاَئِي

وَ هُوَ اَللَّهُ قَدِيرٌ وَ بِهِ ***مُستَعانِي بِبَلاَءٍ وَ رَخَاءِ

وَ عَلَي مَا تَصِفُونَ اَلْيَوْمَ لاَ *** أَرْتَضِي إِلاَّهُ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ

ص: 223


1- لُبسة: شُبهة.

جواب أبِي بكر لها

لا أبعد صوابكِ

فقال أبوبكرٍ: صدق الله و صدق رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و صدقت ابْنتُهُ، أنتِ معدن الحكمة و موطن الهدي و الرحمة و ركن الدِّين و عين الحجّة، لا أُبعد صوابكِ و لاَ أُنكرُ خطابكِ، هؤُلَاء المسلمون بيني وبينك، قلَّدونِي ما تقلَّدتُ؛

وَ «أَبُوبَكْرٍ» لِذَا قَالَ لَهَا: *** صَدَقَ اللَّهُ وَخَيرُ الأنبِياءِ!!

و بَذا قَدْ صَدَقَتْ إبْنَتُهُ *** مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ أَنتَ والذّكاءِ

مَوْطِنُ الرَّحِمِةِ أَنْتِ وَ اَلْهُدْي *** أَنْتَ رُكْنُ اَلدِّينِ فِي هَذَا اَلْبِنَاءِ

أَنْتِ لِلْحُجَّةِ عَيْنٌ أَنَا لاَ *** أُبْعِدُ مِنْكَ صَوَاباً فِي اَلْقَضَاءِ

لاَ وَ لاَ أَنْكِرُ مِنْكَ خُطْبَةً *** وَ خِطَاباً شَافِياً فِيهِ شِفَائِي

هَؤُلاَءِ وَ هُمْ مَنْ أَسْلَمُوا *** بَيْنَنَا نَحْنُ جَمِيعاً بِالْإِزَاءِ

وَ هُمْ قَدْ قَلَّدُونِي ما بِهِ *** قَدْ تَقَلَّدْتُ بِحُكْمِ الفُهَماءِ

إلقاء اللوم علي المسلمين

و باتِّفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابرٍ و لا مستبدٍ، لا مستأثرٍ و هُم بذَلِكَ شهودٌ.

إِنْفاقٌ مِنْهُمْ قَدْ قَادَنِي *** أَنْ أَخَذْتُ مَا أَخَذْتُ مِنْ حِبَاءِ

غَيْرَ مَا مُسْتَأْثِرٍ فِيهِ وَ لاَ *** مُسْتَبِدِّ فِيهِ فِي شرعِ اَلْقَضَاءِ

غَيْرَ مَفْتُونٍ وَ لَا مُكَابَرٍ *** فِيهِ فَاسْتَفْتَوْا جَمِيعَ الشُّهَدَاءِ

وَ هُمْ أَيْضاً شُهُودٌ وَ هُنَا *** حَضَرُوا جَهْراً وَ مِنْ دُونِ خَفَاءِ

ص: 224

فاطمة الزهراء عليها السلام توجه الخطاب إلي الحاضرين

بَل رانَ عَلي قلوبكم

بل رانَ(1) عَلي قلوبكم

فالتفتت فاطمة عليها السلام إلي النّاس و قالت: معاشر النَّاس المسرعة إلي قيل الباطل، المغضية علي الفعل القبيح الأسر، ««أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَي قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟» كلاَّ .. بل رانَ علي قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم،

وَ إِلَي الناسِ الحُضُورِ الْتَفَتتْ *** فَاطِمٌ فِي كُلِّ عِزٍ و إباءِ

ثُمَّ قَالَتْ: مَعْشَرَ اَلنَّاسِ اَلْأَلِي *** تَشْرَعُ اَلْيَوْمَ لَقِيلٍ وَ افْتِراءِ

هِيَ لِلْبَاطِلِ أَوْ أَقْوَالِهِ *** شَاأَنَهَا مُسْرِعَةٌ فِي ذَا اَلْعَيَاءِ

وَ عَلَيَّ فِعْلٍ قَبِيحٍ خَاسِرٍ *** هِيَ ذِي مُغْضِيَةٌ دُونَ حَيَاءِ

هَا هُوَ القُرْآنُ حَقٌ أَفَلا *** فيهِ يُدَبِّرُ عَقْلُ الْفُهَمَاءِ

أَمْ عَلَيْهِ وَ عَلَي أَحْمَازِهِمْ *** قَفِلَتْ أَقْفَالُهَا فِي ذَا اَلْجَفَاءِ

فِيهِ بَلْ رَانَ عَلَي قُلُوبُكُمْ *** مَا أَسَأْتُمْ فِي جَفَاءٍ وَ قَضَاءِ

جزاء الأعمال السّيئة و عواقبها

فأخذ بسمعكم و أبصاركم و لبئس ما تأوَّلتم و ساء ما به أشرتم و شرّ ما به إعتضتم، لتجدُّنَّ -واللّه- محمله ثقيلاً و غيّه وبيلاً،(2) إذا كُشف لكم الغطاءُ؛ وبان ما ورائه الضرَّاء،

أَخَذ اللَّه لِهَذَا سَمْعَكُمْ *** وَ بِأَبْصَارِكُمْ فِي اَلإِنْتهَاءِ

ص: 225


1- ران: الصدأ.
2- وبيلاً: وبيل، أي ثقيل وخيم.

بِئْسَ مَا أَحْدَثْتُمْ أَوْ مَا بِهِ *** قَدْ تَأَوَّلْتُمْ لِأَحْكَامِ السَّمَاءِ

وَ لَقَدْ سَاءَ بِحُكْمٍ مَا بِهِ *** قَدْ أَشَرْتُمْ دُونَ حَقِّ أَوْ رِعَاءِ

شَرِّ مَا مِنْهُ بِهِ إِعْتضْتُمُ *** وَ خَسِرْتُمْ فِيهِ أَسْبَابَ الْوَلاَءِ

تَجِدْنَّ فِي غَدٍ -واللَّهُ- ما *** يَثْقُلُ الْحَمْلُ بِهِ يَوْمَ الْجَزَاءِ

غَيُّهُ كَانَ وَبِيلاً عِنْدَمَا *** يَكْشِفُ الحَقُّ بِكَشفٍ للْغِطَاءِ

وَ يُبَينُ مَا بِهِ السِّتْرُ اخْتفي *** وَ هُوَ الضَّرَّاءُ مِنْكُمْ فِي الْوَرَاءِ

وبذا لكم من ربكم؛ ما لم تكونوا تحسبون و خسر هنالك المبطلون.

و بَدَا مِنْ رَبِّكُمْ فِيهِ لَكُمْ *** مَنْ بِهِ لَمْ يَكُ فِيهِ بِالْهَتَدَاءِ

لَمْ تَكُونُوا تَحْسَبُونَ غَيَّهُ *** هَا هِيَ اَلنَّارُ لِحَرْقٍ وَ صَلاَءِ

إِنَّمَا اَلْمُبْطِلُ فِيهِ خَاسِرٌ *** خَسِرَ اَلْمُبْطِلُ مِنْ بَعْدِ اِهْتِدَاءِ

ص: 226

رجوعها إلي الدار و كلامها مع زوجها

ثُمَّ انكْفَاَتْ عليهم السلام

ثُمَّ انكْفَاَتْ عليهم السلام و أمير المؤمنين عليه السلام يتوقَّع رجوعها إليه و يتطلّع طلوعها عليه، فلمّا استقرّت بها الدّار؛ قالت لِأمير المؤمنين عليه السلام: يابن أبِي طالب، اشتملت(1) شملة الجنين و قعدتَ حجرة الظّنيِن، نقضت قادمة الأجدل،(2)

رَجَعَتْ فَاطِمَةٌ و اِنْكَفَأَتْ *** بِعَدَمَا دَانَتْ جَمِيعَ الْخُلَفَاءِ

وَ عَلِيَّ كَانَ فِي الدَّارِ لَهَا *** يَتَطَلَّعْ لِرُجُوعٍ وَ انْكِفاءِ

وَ بِهَا الدَّارُ إِذَا مَا سرَّ مِنْ *** أَوْبَةٍ قَرَّتْ بِهَا وَسَطَ الْفِنَاءِ

حِينَهَا قَالَتْ لِمَا قَدْ نَالَهَا *** «لِأَمِيرِاَلْمُؤْمِنِينَ»، مِنْ بَلاَءِ

أَنْتَ يَا اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ *** اِشْتَمَلَتْ كَجَنِينٍ في غِشاءِ

وَ قَعَدَتَّ حُجْرَةَ الْمَظْنُونِ مَنْ *** بِهِ التُّهَمَةُ حَلَّتْ فِي الْقَضَاءِ

وَ نَقَضْتَ مِنْ مَقَادِيمٍ بِهَا *** كُلُّ طَيْرٍ طَائِرٌ فِي ذَا الْفَضَاءِ

كلمة عتاب لها مع عليّ عليه السلام

فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة؛ يبتزّني نحلة أبي، و بلغة إبني، لقد أجهر في خصامي و ألفيته الألدَّ في كلامي،

وَ بِهَا الْأَجْدَلُ فِي تَحْلِيقِهِ *** يَخْرِقُ الْأَبْعادَ فِي جَوْفِ السَّماءِ

ص: 227


1- إشتملت: إشتملّ بثوبه: تلقّف.
2- الأجدل : الصقر.

صِرْتَ أَلْآنَ لِأَمْرٍ أَغرَلاً *** مِن سِلاحٍ وَ كُرَاعٍ وَلِواءِ

هُوَ ذَا إبنُ أَبِي قُحَافَةٍ *** بَزَّنِي نِحلةَ خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ

هُوَ ذَا يَبْتَزُّنِي إِرْثَ أَبِي *** وَ لِإِبْنِيَّ مَعَاشاً فِي اِكْتِفَاءِ

وَ لَقَدْ أَجْهَرَ فِي خُصُومَتِي *** وَ خِصامِي دُونَ خَوْفٍ و خَفَاءِ

وَ لَقَدْ ألْفَيْتُهُ اللُّدَّ الَّذِي *** فِي كَلامِي كَانَ لِجَاً بِالْهَرَاءِ

وَ هُوَ الْحَاكِمُ وَ الشَّاهِدُ فِي *** كُلِّ دَعْوَي سَاقَهَا عِنْدَ اَلْقَضَاءِ

تخبره بالموقف

حتَّي حبستني قيلة نصرها و المهاجرة وصها و غضَّتِ الجماعة دوني طرفها، فلاَ دافع و لا مانع، خرجتُ كاظمة، وعدتُ راغمة،

حَبَسَتْنِي قَيلَةٌ عَنْ نَصْرِهَا *** وَ هِيَ الْيَوْمَ عَليَّ غيرِ اهتِداءِ

دِينُها دِينُ مُلُوكٍ إِنَّهَا *** عَدَلَتْ عَنَّا إِلَيَّ سُوءِ وَلاَءِ

وَ لَإِسْعا فِي وَ وَصْلِي اِمْتَنِعُوا *** مِنْ بِهِمْ هَاجَر خَيْرُ اَلْأَنْبِيَاءِ

دُونِيَ اَلطُّرْفُ غَدَتْ مَغْضُوضَةً *** مِنْ جَمَاعَاتٍ بِهِمْ كانَ رَجائِي

لَيْسَ لِي فِي الْأَمْرِ غَيْرِي دَافِعٌ *** لَيْسَ غَيْرِي مَانِعٌ لِلْإِعتداءِ

قَدْ خَرَجْتُ مِنْ هُنَا كَاظِمَةٌ *** كُلَّ آلاَمِي وَ حُزْنِي وَ بَلائِي

ثُمَّ عُدْتُ بَعْدَها رَاغِمَةً *** دُونَ حَقِّ وَ حُقُوقٍ وَ وَلاَءِ

ليتني متُ قبل هينتي

أضرعت خدَّكَ، يوم أضعتَ حدَّكَ، إفترست الذئَاب و افتَرشتَ التراب، ما كففتَ قائِلاً؛ ولا أغنيتَ باطلاً و لا خيار لي، ليتني متُّ قبل هينتي، و دونَ ذِلَّتِي،

وَ لَقَدْ أَضْرَعْتَ أَنْتَ اَلْيَوْمَ في *** خَوضِها خَدَّكَ شِبْهَ اَلْجُلَسَاءِ!

وَ تَرَكْتَ حَدَّكَ اَلْقَاهِرَ فِي *** طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ جَاءَتْ بِالْبَلاَءِ!

إفتَرسْتَ لِذِئَابٍ قَبْلَ ذَا *** فِي حُرُوبِ اَلْأَمْسِ لَجَّتْ بِالدِّمَاءِ

ص: 228

وَ اِفْتَرَشَتَ اَلْأَرْضَ مِنْ بُؤْسٍ وَ مِنْ *** فَاقَةٍ شَبَهَ جُلُوسِ اَلْفُقَرَاءِ

ماكَفَفْتَ قَائِلاً عَنِّي وَ لاَ *** بَاطِلاً أَغْنَيْتَ عَنِّي فِي بَلاَئِي

لَيْسَ لِي فِي ذَا خِيَارٌ إِنَّنِي *** لَا اخْتِيَارَ لِي بِجَنْبِ اَلْأَقْوِيَاءِ

لَيْتَنِي قَدْ مِتُّ قَبْلَ هِينَتِي *** دُونَ ذُلِّي فِي اِفْتِرَاءٍ وَ عِدَاءِ

مات العمد و وهنّ العضد

عذيري اللَّه منك عادِياً و منك حَامِياً، وَيلايَ في كلِّ شارق، مات العمد و وهنَ العضد؛ شكواي إلي أبي و عَدوايَ إلي ربِّي، اللَّهُمَّ أنتَ أَشدُّ قُوَّةً وَ حولاً،

فِنْتَةٌ فِيهَا عُذِيرِي اللَّهِ مِنْك *** عَادِياً فِيهَا ومِنْكَ فِي احْتِمَاءِ

شِدَّتِي... وَيْلاَيَ مِنْهَا كُلَّمَا *** شَرِقَتْ شَمْسٌ وَ غَابَتْ فِي مَسَاءِ

مَاتَ لِلدِّينِ لِشَأْنٍ عَمدٌ *** وَ هُنَّ العَضُدُ بِهِ يَوْمَ اللِّقَاءِ

عَمْدُ اَلدِّينِ أَبِي «مُحَمَّدٌ» *** وَ عَلِيٌّ عَضَدٌ صَعْبُ اَلْوَفَاءِ

لِأَبِي شَكْوَايَ عَدوايَ إِلَي *** رَبِّي لاَ أَعْدُوهُ فِي هَذَا اَلْقَضَاءِ

أَنْتَ اَللَّهُمَّ رَبِّي وَ لِذَا *** فِي أُمُورِي لَكَ أَصْبُو فِي دُعاءِ

أَنْتَ في هذا أَشَدُّ قُوَّةً *** أَنْتَ فِي حَوْلٍ مُبِيرٌ الأَشْقياءِ

نهنهِي عن وجدك

وأحدُّ بأساً تنكيلاً، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: لاَويلَ عليكِ، الويل الشانئَكِ، نهنهِي(1) عن وجدّكِ يا بنَةَ الصَّفوَةِ و بقية النّبؤَّةِ، فما و نيتُ عن ديني و لا أخطَأتُ مقدوري، فإن كنتِ تريدينَ البلغة فرزقُكِ مضمون،

وأَحَدُّ مِنهُم بَأْساً وَ في *** قُوَّةِ اَلتَّنْكِيلِ غَيْثٌ مِنْ بَلاَءِ

وَ عَلِيُّ عِنْدَهَا قَالَ لَهَا: *** لاَ عَلَيْكِ اَلْوَيْلُ يَا خَيْرَ اَلنِّسَاءِ

هَا هُوَ اَلْوَيْلُ لِشَانِيكِ فَلاَ *** تَحْزَنِي يَا بِنْتَ خَيْرِ اَلْأَنْبِيَاءِ

ص: 229


1- نهنهي: كُفّي.

نَهنِهِي عَنْ وَجْدِكِ اَلْآنَ فَلاَ *** تَأْسَفِي يَا أبنةَ نِعْمَ الْأَصْفِيَاءِ

أَنْتِ يا فاطِمُ مِنْ بَقِيَّةٍ *** لِلنَّبُوَّاتِ لَها كُلُّ الثَّناءِ

مَا وَنَيْتُ اليَومَ عَن دِينِي ولا *** إِنَّنِي أَخْطَأْتُ مَقدُوري بِداءِ

أَنْتِ إِنْ كُنْتِ تُرِيدِينَ بِهِ *** بُلْغَةً فَالرِّزْقُ مَضْمُونُ اَلْبَقَاءِ

حسبي الله

وكيفلكِ مأمون و ما أُعِدَّ لَكِ خيرٌ ممَّا قُطِعَ عنكِ، فاحتسبي اللَّهَ.

أَوَ لَيْسَ اَللَّهُ فِي ذَا كَافِلاً *** رِزْقَ مَا فِي اَلْأَرْضِ أَوْ مَا فِي اَلسَّمَاءِ؟

وبِهِ اَللَّهُ تَعَالَي شَأْنُهُ *** هُوَ مَأْمُونٌ بِهِ مُنْذُ ابْتِداءِ

وَ لَكِ ما قَدْ أَعَدَّ عِنْدَهُ *** لَكِ فِيهِ الْأَجْرُ فِي يَوْمِ اَلْجَزَاءِ

عِزَّةٌ فَخْرٌ شُمُوخٌ نِعْمَةٌ *** وَ بِهِ خُلدُ بَقَاءٍ بِبَقَاءِ

كُلُّهُ أَفْضَلُ مِمَّا قَطَعُوا *** عَنْكِ مِنْ إِرْثٍ وَ حَقِّ وَ حِبَاءِ

وَ بِهِ فَاحتَسِبِي اللَّه اَلَّذِي *** لِرِضَاهُ اَلصَّبْرُ يَحْلُو فِي اَلْبَلاَءِ

هِيَ لِلَّهِ وَ لِلدِّينِ ارْتضتْ *** بَعْدَ ذَا وَ اِمْتَثَلْتْ أَمْرَ اَلسَّمَاءِ

فقالت: حسبيَ اللَّهُ.

وأمسكَتْ.

التسليم لأمر الإمام عليه السلام

بامتثالٍ لِعَلِيِّ زَوْجَهَا *** ووَصيِّ هُوَ خَيْرُ الأوصياءِ

ثُمَّ قَالَتْ: حَسْبِيَ اَللَّهُ فَلَمْ *** يَسْتَمِعْ مِنْهَا كَلاَماً لِلنَّهاءِ

ص: 230

(28) أي ذنب لفاطم عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(1)

ص: 231


1- هو الشيخ عبد العظيم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ علي سعد الدين التوبلي الربيعي . و آل الربيعي من الأسر العريقة لها شهرتها فأصلها من (تغلب) و هي من قبائل (ربيعة) سكنت البحرين، كما في كتب النسب و أسرة المترجَم له استوطنت قرب (توبلي) في البحرين، ثم هاجرت هذه الأسرة الكريمة إلي خوزستان جنوب إيران. ولد الأديب الفذ الشيخ عبد العظيم في (النصار) التابعة لمدينة عبادان الإيرانية في الحادي عشر من شهر ذي القعدة لسنة (1323) هجرية. فصادفت ولادته ذكري مولد الإمام الرضا عليه السلام فتفاءل والده الشيخ حسين به خيراً و أرّخ ولادته ببيتين قائلاً: الفال كان لها يسرّ المصطفي *** من حيث كانت بالسيادة تنطق و إذا ولدتَ بليلة ولد الرضا *** أرّختها: «عبد العظيم يوفق» 1323 ه- ترعرع المترجم له و نشأ في كنف والده و نال منه التربية الصالحة و غرس في نفسه حبّ الفضيلة و العلم و الأدب و بدأ تحصيله العلمي علي يديه، حتي قطع شوطاً في المقدمات ثم بعد ذلك ارتحل إلي مدينة العلم و الأدب النجف الأشرف و بقي فيها أكثر من عشرين عاماً يرتشف من نمير العلم و الأدب فأنهي الكتب الدراسية المنهجية المقررة في الحوزة علي يد الأفاضل من علمائها فكان منهم الشيخ محمد الصغير وآية الله السيد جواد التبريزي و العالم الكبير المرجع الأعلي السيد أبو الحسن الأصفهاني و آية الله السيد محمد رضا آل ياسين و آية الله الشيخ باقر الزنجاني و آية الله الشيخ آغا ضياء العراقي. هذا من جانب و أما من جانب مكانته العلمية و الأدبية فهو من أشهر أدباء عصره و من الشعراء الذين رمقهم أخدانهم، فقد أجاد النظم في مختلف أبواب الشعر كالوصف و الغزل و النسيب و المدح و الرثاء و شعره ليس بالمتكلّف المعقّد فهو سريع البديهة ذو قريحة فياضة و أيضاً يجيد النظم الشعبي أي (الحسچة. شملت قصائده مدايح و مراثي أهل البيت «عليهم السلام» فهو يعتبر بحق شاعراً من شعراء أهل البيت «عليهم السلام» منه في المدح و الرثاء. آثاره العلمية والأدبية: 1- كتاب السياسة الحسنية في جزأين مطبوع. 2- الطريقة الوسطي. 3- وفاة الإمام الرضا «عليه السلام». 4- متن ألفية الربيعي -منظومة في علم النحو. 5- منظومة في العقائد. 6- منظومة في المنطق. 7- رباعيات الربيعي و هي (444) رباعية في المواعظ و النصائح و الحكم و الأمثال. 8- ديوان الربيعي في القريض. 9- ديوان الربيعي في الشعر الشعبي. و له كتب مخطوطة في اللّغة و التاريخ وبعض الحواشي و التعليقات علي الكتب العلمية . وفاته - لبّي نداء ربه في الثامن من جمادي الثانية سنة (1339 هجرية) الموافق (1979 م) في مسقط رأسه في النصار و دفن فيها و قد رثاه الشعراء بقصائدهم. و قيل في تاريخ وفاته: عبد العظيم أخو العلي *** خطبي به خطب جسيم عاش الحياة مجاهداً *** أرخَ «و قد رحل العظيم» 1399 ه-

إِنَّ داراً حَدِيثُ الكِسَاءِ*** دَارُ مَجدٍ سَمَت عَلَي الجَوزاءِ(1)

ص: 232


1- نذكر هنا حديث الكساء، لأنه كثير التكرار في ما لدينا من القصائد و ليكون إليه المرجع كلما صارت الحاجة إلي ذلك، فنقول : إن المراجِع الألفاظ هذا الحديث و أسانيده ليعجب من كثرة شهرته و يفاجاً بإطباق المفسرين و المحدِّثين و المؤرخين و أصحاب الصحاح من أهل القبلة عليه، حتي إنه غدا من الضروريّات التي لا تقبل المماحكة و الجدال. فقد أخرج مسلم في باب فضائل أهل البيت من صحيحه ج 2 ص 331 عن عائشة قولها: خرج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم غداة و عليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليٍّ فأدخله ، ثم قال: و«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»- سورة الأحزاب: آية 33. و أخرج هذا الحديث نفسه أحمد بن حنبل في مسنده، و ابن جرير في تفسير الطبري عن أبي سعيد الخدري الصحابي الجليل و أم سلمة زوجة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، قالت : لما نزلت آية «َإِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ»-الأحزاب : 33- دعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم عليّاً عليه السلام و فاطمة عليها السلام وحسناً عليه السلام وحسيناً عليه السلام، و وضع عليهم كساءً و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيراً. قالت: أم سلمة: ألستُ منهم؟ قال: أنتِ إلي خيره» و مثله في تفسير البحر المحيط للأندلسي و التسهيل للحافظ و الدر المنثور للسيوطي و غيرها من التفاسير و أخرج الواحدي في كتابه أسباب النزول بسنده إلي أم سلمة ذكرت أن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمةٍ فيها حريرة، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي لي زوجَك و ابنيك. قال: فجاء عليِّ عليه السلام و الحسن و الحسين عليهما السلام فدخلوا، فجلسوا يأكلون من تلك الحريرة و هو علي دكَّان و تحته كساء خيبري، قالت: و أنا في الحجرة أصليّ، فأنزل اللَّه تعالي: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» -الأحزاب : 33- قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثم أخرج يديه فألوي بهما إلي السماء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي و حامّتي فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. قالت: فأدخلتُ رأسي البيت، فقلت : أنا معكم يا رسول اللَّه صلي الله عليه و آلهو سلم؟ قال: آئلٌ إلي خير، آئل إلي خير. و روي ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة حديثاً قريباً من حديث الواحدي، ثم ذيّله بقوله: و قال بعضهم في ذلك شعراً: أنّ إن النبيّ محمداً و وصيَّهُ *** و ابنيه و ابنته البتول الطاهرة أهل العباء فإنني بولائِهم *** أرجو السلامة و النجا في الآخرة و قد نقل السيد القزويني في كتابه فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد عشرين مصدراً من مشاهير مؤلفات علماء العامّة و حفَّاظهم و مفسِّريهم و محدِّثيهم، كما ذكر الشيخ الأمين الأنطاكي في كتابه لماذا اخترت مذهب الشيعة مذهب أهل البيت عليهم السلام: عن العلامة البحراني في غاية المرام أنه ذكر أكثر من مائة و عشرين حديثاً في حصر أصحاب الكساء الظاهرين بأهل البيت عليهم السلام، من دون نساء النبي صلي الله عليه و آله و سلم، ثلثها تقريباً من طرق أهل السنة و الجماعة. وفي كتاب العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج 11 ص 930، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؛ قال : سمعت فاطمة عليها السلام أنها قالت: «دخل عليِّ أبي رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم و في بعض الأيّام، فقال: السلام عليك يا فاطمة عليها السلام، فقلت : و عليك السلام. فقال: إني لأجدُ في بدني ضعفاً، فقلت له: أعيذكَ باللَّه يا أبتاه من الضعف. فقال: يا فاطمة عليها السلام، إيتيني بالكساء اليماني فغطّيني به. قالت فاطمة صلي الله عليه و آله و سلم: فأتيته بالكساء اليماني فغطّيته به، و صرتُ أنظر إليه، و إذا وجهه يتلألأ كأنّه البدر في ليلة تمامه و كماله. قالت فاطمة عليها السلام: فما كانت إلاّ ساعة و إذا بولدي الحسن عليه السلام قد أقبل و قال: السلام عليك يا أمّاه، فقلت: و عليك السلام يا قُرّة عيني و ثمرة فؤادي، فقال لي: يا أمّاه إني أشمّ عندك رائحةً طيبةً؛ كأنّها رائحة جدِّي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت: نعم يا ولدي، إن جدِّك نائم تحت الكساء، قالت: فأقبل الحسن عليه السلام نحو الكساء و قال : السلام عليك يا جدّاه، السلام عليك يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، أتأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء؟ فقال : و عليك السلام يا ولدي و صاحب حوضي، قد أذنتُ لك، فدخل معه تحت الكساء. قالت: فما كانت إلاّ ساعة، و إذا بولدي الحسين عليه السلام قد أقبل، و قال : السلام عليك يا أمّاه. فقلت : و عليك السلام يا قُرّة عيني و ثمرة فؤادي. فقال لي: يا أمّاه، إني أشمّ عندك رائحةً طيبةً كأنَّها رائحة جدِّي رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت: نعم يا بنيّ، إن جدِّك و أخاك تحت الكساء. قالت: فدنا الحسينُ نحو الكساء، فقال: السلام عليك يا جدّاه، السلام عليك يا من اختاره الله، أتأذن لي أن أكون معكما تحت هذا الكساء؟ فقال : وعليك السلام يا ولدي وشافع أمتي، قد أذنت لك ، فدخل معهما تحت الكساء، قالت فاطمة : فأقبل عند ذلك أبو الحسن علي بن أبي طالب علي ، وقال : السلام عليك يا بنت رسول الله ، فقلت : وعليك السلام يا أبا الحسن، يا أمير المؤمنين، فقال: يا فاطمة، إني إشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة أخي وابن عمي رسول الله ، فقلت: نعم، ها هو مع ولديك تحت الكساء، فأقبل أمير المؤمنين علي نحو الكساء ، وقال : السلام عليك يا رسول الله ، أتأذن لي أن أكون معكم تحت هذا الكساء؟ قال لي: وعليك السلام يا أخي وخليفتي وصاحب لوائي، قد أذنت لك، فدخل علي غلي تحت الكساء. ثم أتت فاطمة وقالت : السلام عليك يا أبتاه ، السلام عليك يا رسول الله ، أتأذن لي أن أدخل معكم تحت الكساء؟ قال لها : وعليك السلام يا بنتي ويا بضعتي، قد أذن للي، فدخلت فاطمة غير معهم، فلما اكتملوا واجتمعوا جميعا تحت الكساء ، فأخذ رسول الله ؟ بطرفي الكساء ، وأومي بيده اليمني إلي السماء، وقال : اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاتي، وحامتي، الحممهم لحمي، ودمهم دمي، يؤلمني ما يؤلمهم، يحرجني ما يحرجهم، أنا حرب لمن اختاره الله لي أن أكون معكما تحت هذا الكساء؟ فقال: و عليك السلام يا ولدي و شافع أمتي، قد أذنت لك، فدخل معهما تحت الكساء، قالت فاطمة عليها السلام: فأقبل عند ذلك ابوالحسن علي بن أبي طالب عليه السلام و قال: السلام عليك يا بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت: و عليك السلام يا أبا الحسن، يا اميرالمؤمنين عليه السلام، فقال: يا فاطمة عليها السلام، إني إشمّ عندك رائحة طيّبةً كأنَّها رائحة أخي و ابن عمي رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، فقلت: نعم، ها هو مع ولديك تحت الكساء، فاقبل أميرالمؤمنين عليه السلام نحو الكساء و قال:السلام عليك يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، أتاذن لي أن أكون معكم تحت هذا الكساء؟ قال لي: و عليك السلام يا أخي و خلفتي و صاحب لوائي، قد أذنت لك، فدخل علي عليه السلام تحت الكساء. ثم أتت فاطمة و قالت: السلام عليك يا أبتاه، السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أتاذن لي أن أدخل معكم تحت الكساء؟ قال لها: و عليك يا بنتي و يا بضعتي، قد أذنتُ لكِ، فدخلت فاطمة عليها السلام معهم، فلمّا اكتملوا و اجتمعوا جميعاً تحت الكساء، فأخذ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بطرفي الكساء و أومي بيده اليمني إلي السماء و قال: اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي و خاصَّتي و حامّتي، لحمُهم لحمي و دمُهم دمي، يؤلمني ما يؤلمهم، يحرجني ما يحرجهم، أنا حربٌ لمن حاربهم و سلمٌ لمن سالمهم و عدوٍّ لمن عاداهم ومحبٌّ لمن أحبَّهم، إنّهم مني و أنا منهم، فاجعل صلواتِك و بركاتِك و رحمتِك و غفرانَّك و رضوانك علي و عليهم و أذهب عنهم الرجس و طهِّرهم تطهيراً. قال اللَّه عزوجل: يا ملائكتي ويا سكّان سماواتي، إني ما خلقتُ سماءً مبنية و لا أرضاً مدحيّةً و لا قمراً منيراً و لا شمساً مضيئة و لا فلكاً يدور و لا بحراً يجري و لا فلكاً تسري إلاّ في محبّة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرئيل: يا رب و من تحت الكساء؟ فقال اللّه «عزوجل»: هم أهل بيت النبوة عليهم السلام و معدنُ الرسالة و هم: فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها . فقال جبرئيل: يا رب أتأذن لي أن أهبط إلي الأرض لأكون معهم سادساً؟ فقال اللّه «عزوجل»: قد أذنتُ لك. فهبط الأمين جبرئيل، فقال : السلام عليك يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، العليّ الأعلي يقرؤك السلام و يخصّك التحية و الإكرام و يقول لك : و عزتي و جلالي، إني ما خلقتُ سماءً مبنية و لا أرضاً مدحيةً و لا قمراً منيراً و لا شمساً مضيئةً و لا فلكاً يدور و لا بحراً يجري ولا فلكاً تسري إلاّ لأجلكم و قد أذن لي أن أدخل معكم تحت الكساء، فهل تأذن لي أنت أن أدخل يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: و عليك السلام يا أمين يا وحي اللّه، قد أذنتُ لك، فدخل جبرئيل معهم تحت الكساء، فقال لهم: إن اللّه عزوجلّ قد أوحي إليكم و يقول : و«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» -الأحزاب : 33- فقال علي بن أبي طالب عليه السلام قال : يا رسول اللّه صلي الله عليه و آله و سلم، أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند اللّه، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: و الذي بعثني بالحق نبياً و اصطفاني بالرسالة نجياً، ما ذُكر خبرنا هذا في محفلِ من محافل أهل الأرض و فيه جمع من شيعتنا ومحبّينا إلاّ و نزلت عليهم الرحمة و حفّت بهم الملائكة و استغفرت لهم إلي أن يتفرّقوا، فقال علي عليه السلام: إذا واللَّهِ فُزنا و شيعتنا فازوا و ربِّ الكعبة. فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: و الذي بعثني بالحق نبياً و اصطفاني بالرسالة نجياً، ما ذُكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض و فيه جمعٌ من شيعتنا ومحبيِّنا و فيهم مهموم إلاّ و فرَّج اللّه همّه و لا مغمومٌ إلاّ و كشف الله غمَّه و لا طالب حاجةٍ، إلاّ و قضي اللّه حاجته، فقال علي عليه السلام: إذاً و اللَّه فُزّنا و سعِدنا و كذلك شيعتنا فازوا و سَعِدوا، في الدنيا و الآخرة.

ص: 233

ص: 234

مَا جَرَيَ بَعْدَ أَحْمَدٍ لِذَوِيهَا *** مِنْ جَلِيلِ اَلْمُصَابِ وَ الْأَرْزَّاءِ

كَبَسُوا بَابَهَا بِجَزَلٍ وَ نَارٍ *** وَ عَلَتْ ثَمَّ ضَجَّةُ اَلْغَوْغَاءِ(1)

أَيُّ ذَنْبٍ لِفَاطِمٍ يَوْمَ لاذَت *** خَلْفَ بَابٍ عَنْ عِفَّةٍ وَ حَيَاءِ

فَلِمَاذَا اتَّكِيَ عَلَي الْبَابِ عَمْداً *** عاصِراً جِسْمَهَا بِكُلِّ اِعْتِدَاءِ

كَسَرُوا ضِلْعَهَا، وَ قَدْ نَبَتَ *** الْمِسْمَارُ فِي اَلثَّدْيِ نَابِعاً بِالدِّمَاءِ

أَسْقَطَتْ مُحَسِّناً جَنِينَ حَشاهَا *** إِنَّ قَلْبَ اَلْإِنْسَانِ بِالْأَحْشَاءِ(2)

ثُمَّ قَادَرُوا بِالْحَبْلِ قَسْراً عَلِيّاً *** وَ هُوَ يَدْعُو بِسَيِّدِ اَلشُّهَدَاءِ(3)

ص: 235


1- الجزل: الحَطَبُ بالضمّ، عن المصباح المنير . و الجَزْل: الحطبُ اليابس و قيل: الغليظ. و قيل: ما عَظَم من الحطب و يَبس ثم كثر استعماله، حتي صار كلُّ ما كثر جزلاً و في الحديث: اجمعوا لي حَطَباً جزْلاً، أي: غليظاً قويّاً، عن لسان العرب. و ثَمَّ، بنصب الثاء: بمعني هناك للتبعيد، بمنزلة هنا للتقريب و الغوغاء: الكثير المختلَط من الناس، أو السفلة من الناس و المتسرِّعين إلي الشرّ و قد تستعمل الغوغاء بمعني الجلبة و اللغط. راجع اللسان و المنجد.
2- تقدّم ما نقلناه عن النظّام المعتزلي، من كتاب الملل و النحل في الهامش 12 للقصيدة الرابعة و ما عن الجوهري في كتاب السقيفة، و ابن خردذابة في الغرر كلّ ذلك في نفس الهامش المذكور، من أنّ الذين هجموا علي الدار، بقيادة الثاني، كانوا جماعةً متعدِّدين و الظاهر من بعض الروايات، أنهم لم يشاركوا في إضرام النيران في الحطب فقط، بل و اعتدوا أيضاً بما أوتوا من شراسة و وحشيّة علي بضعة المصطفي و سيّدة النساء، ضرباً و شتماً و عصراً بالباب ، حتي أسقطت جنينها الذي في بطنها و تكسّرت أضلاعها و امتلأ جسمها بالندوب و الأورام.
3- في حديث الهجوم علي الدار، قال ابن قتيبة، في الإمامة و السياسة ج 1 ص 30، 31: فأخرجوا عليّاً عليه السلام فمضوا به إلي أبي بكر، فقالوا له: بايع! فقال : إن أنا لم أفعل فَمَه؟ قالوا: إذاً. واللَّه الذي لا إله إلا هو -نضرب عنقك. قال: إذاً تقتلون عبداللَّه، و أخا رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و في المصدر: «فلحقّ عليّ عليه السلام بقبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ يصيح و يبكي و ينادي: «يا ابن أم إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني». و روي العياشي في تفسيره ج 2 ص 67 : فقال: «أخرجوه من منزله ملبَّباً و مرَوا به علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم، فقال: «يا ابن أمّ...». سورة الأعراف/ آية 150. فقال له عمر: بايع. قال علي عليه السلام: فإن أنا لم أفعل فَمه؟ قال له عمر: إذن أضرب و اللَّه عنقك! فقال له علي: إذن -واللَّه- أكون عبداللّه المقتول و أخا رسول اللّه.

يَا أَخِي جَعْفَرٌ وحَمَزَهُ عَمِّي *** أدرِكونِي يا سَادَةَ اَلْبَطْحَاءِ

ثَوْتِ اَلطُّهْرِ وَ هِيَ مُغْمي عَلَيْهَا *** بُزْهَةٍ لَمْ تُفِقْ مِنَ الإِغْمَاءِ(1)

أَخْرَجُوا بَعْلَهَا وَ حِينَ أَفَاقَتْ *** تَبِعَتُهُمْ بِصَرْخَةٍ وَ بُكَاءِ(2)

ثُمَّ حالَتْ بَيْنَ اَلْوَصِيِّ وَ قَوْمٍ *** أَخَذُوهُ بِقيدِ شِبْهِ اَلسَّبَاءِ(3)

كَيْفَ لاَ تَهْبِطُ اَلسَّمَاءُ لِأَرْضٍ *** أَيُّ عُذْرٍ تَرَاهُ لِلْخَضْرَاءِ

مُذْغَدَتْ تَلْتَوِي عَلَيَّ بُضْعُةِ الْهَادِي *** سِيَاطُ اَلذُّحُولِ وَ الْبَغْضاءِ(4)

وَ مَحَوْا عَيْنَها بِلَطْمِةِ كَفِّ *** جَلَّلَتْهَا بِحُلَّةٍ حَمْرَاءِ(5)

كُلُّ مَا كَانَ يَوْمَ ذَاكَ نَوَاةٌ *** لِمُصَابِ اَلْحُسَيْنِ فِي كربلاَءِ

فَبِضلْعِ اَلزَّهْرَاءِ كَمْ صَدْرِ قُدسٍ *** رَضَتِ اَلْخَيْلُ فِي ثَرْيِ اَلرَّمْضَاءِ

خَرَجَتْ فَاطِمٌ لِقَبْرِ أَبِيهَا *** تَشْتَكِي لاَ كزينب اَلْحَوْرَاءِ

ص: 236


1- ثوت: أقامت. و الثَّواء: طول المقام و ثُوي الرجل: قُبر، لأن ذلك ثواءٌ لا أطول منه و ثوي : هلك. انظر لسان العرب.
2- أخرج أبوبكر الجوهري في كتاب السقيفة، عن الشعبي حديثاً قال فيه : فانطلق عمر و خالد بن الوليد إلي بيت فاطمة، فدخل عمر و وقف خالد علي الباب،... إلي أن قال : و كان معه جمع كثير أرسلهم أبوبكر ردءاً لعمر و خالد. ثم قال عمر لعلي: قم فبايع . فتلكّاً و احتبس، فأخذ بيده فقال: قم، فأبي، فحملوه و دفعوه إلي خالد كما دفعوا الزبير و ساقهما عمر و من معه من الرجال سوقاً عنيفاً و اجتمع الناس ينظرون و امتلأت شوارع المدينة بالرجال، فلما رأت فاطمة ما صنع عمر صرخت و ولولت و اجتمع معها نساء كثير من الهاشميات و غيرهن، فخرجت إلي باب حجرتها فنادت: يا أبابكر ما أسرع ما أغرتم علي أهل بيت رسول اللّه صلي اللّه عليه و آله و سلم! واللّه لا ألقي عمر حتي ألقي اللّه ... و لك أن تنظر شرح النهج للمعتزلي ج 2 ص 57 و قبلها و بعدها، و العقد الفريد ج 4 ص 335 طبعة طبقة التأليف و النشر في مصر و الشافي للمرتضي ج 3 ص 240 نقلاً عن البلاذري، بتحقيق السيد عبد الزهراء الخطيب و الاحتجاج للطبرسي ص 212.
3- السباء: السبي والأسر.
4- الذحول: جمع الذَّحل و هو الحقد و الثأر.
5- جلَّلتها : غِطَّتَهَا و الحُلَّة: الثوب و المراد التشبيه.

هَذِهِ بَيْنَ لُمَّةٍ مَنْ نِسَاهَا *** تِلكَ مَا بَيْنَ جَحْفَلِ اَلْأَعْدَاءِ(1)

هَذِهِ أَجْهَشَ الوَرَي لِبُكاها *** تِلْكَ قاسَتْ شَمَاتَةَ الْخُصَمَاءِ(2)

إِنَّ رُزءَ الحُسَينِ رُزءٌ عَظيمٌ *** ما لَهُ مَشَبَّةٌ مِنَ الأرزاءِ

ص: 237


1- الجحفل: الجيش الكثير، إذا كان فيه خيل، عن اللسان.
2- الأولي الزهرَاء و الثانية زينب الكبري بنت أميرالمؤمنين عليهم السلام أجمعين.

(29) حديث الكساء

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

قَدْ رَوِينَا عَنْ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ *** بَضْعَةِ المصطَفي حَدِيثَ اَلْكِسَاءِ

دَخَلَ الْبَيْتَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَيْهَا *** وشَكَا اَلضَّعْفَ سَيِّدُ اَلْأَنْبِيَاءِ

قُلْتُ: يَا وَالِدِي أُعِيذُكَ بِاللَّهِ *** مِنَ اَلضَّعْفِ وَ اَلضَّنِي وَ اَلْعَنَاءِ(2)

قَالَ: هَاتِي لِيَ الْكِسَاءَ اَلْيَمَانِيَّ *** وَ حَسْبِي بِأَنْ يَكُونَ عِطَائي

فامتَثَلْتُ الأَمْرَ الكَريمَ وَأَبْصَرْتُ *** مَحياهُ مُشرِقاً بِالْبَهاءِ(3)

ولِضِيقِ الخِنَاقِ فِي اَللَّفْظِ قَالَتْ: *** وَجْهُهُ اَلْبَدْرُ كَامِلاً فِي اَلضِّيَاءِ(4)

ثُمَّ لَمْ تَمْضِ سَاعَةً فَغَشَّانِي *** اَلْحَسَنُ اَلطُّهْرُ بِالسَّلامِ الفجائي

وَ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ قُرَّةَ عَيْنِي *** وَسُويدا اَلْفُؤَادِ فِي الْأَحْشَاءِ(5)

وَ انْثَنِي سَائِلاً فَقَالَ: أَمْسِكٌ *** عِنْدَ أُمِّي يَضُوعُ فِي اَلْأَرْجَاءِ(6)

أَمْ تَرَانِي شَمِمْتُ رَائِحَةَ مَنْ *** نَفَخَ طَيبَ المحبُوِّ بِالإِصْطفاءِ(7)

ص: 238


1- (*)مرت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- الضَّني: بالفتح: المرض و بكسر الضاد: الأوجاع المخيفة.
3- المحيَّا: الوجه. قيل: سُمّي بذلك لأنه يَخصُّ بالذكر عند التسليم، فيقال : «حبّي الله وجهك» انظر المنجد. البهاء: الحسن.
4- الخِناق، بكسر الخاء: العُنُق و ضيق الخناق كناية عن الانحصار و القصور.
5- سويداء الفؤاد: حبَّته. عن المنجد.
6- يضوع: ينتشر ويتحرّك و يستخدم في الرائحة الطيبة.
7- نَفَح الطَّيبُ نفحاً ونفوحاً: أرج و فاح. و نفحت الريح: هبّت. المحَبوِّ: المعطي شيئاً بلاجزاء.

قُلْتُ: هَذَا اَلنَّبِيُّ يَا مَنْ بِهِ قَدْ *** بَاهَلَ اَللَّهُ سَائِرَ اَلْأَبْنَاءِ

نَامَ تَحْتَ الكِسَا فَجَاءَ إِلَيْهِ *** مَعَ أَسْنِي تَحِيَّةٍ وَ ثَنَاءِ(1)

قائِلاً: يا حَبِيبَ قَلْبِي فَحَقِّقْ *** بِدُخُولِي مَعَ الْحَبِيبِ رَجَائِي

فَاسْتَجَابَ النَّبِيُّ بِالْإِذْنِ فَوراً *** إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُجِيبَ النِّدَاءِ

حَضْنَ اَللَّيْثُ شِبْلَهُ، قَالَتِ اَلطُّهْرُ: *** فَجَاءَ اَلْحُسَيْنُ فِي اَلْأَثْنَاءِ

قَائِلاً: يَا ابْنَةَ اَلْكِرَامِ سَلاَمٌ *** وَ صَلاةٌ عَلَيْكِ سِتَّ اَلنِّسَاءِ(2)

وَ عَلَيْكَ اَلسَّلاَمُ فِلَذَّةُ قَلْبِي *** بَلْ فُؤَادِي يَمْشِي عَلَيَّ اَلْغَبْرَاءِ

وَ أَعَادَ اَلسَّوَالَ: عِنْدَكَ طِيبٌ *** عَبِقَتْ فِيهِ سَائِرُ اَلْأَنْحَاءِ(3)

أَكْبَرُ اَلظَّنِّ أَنَّهُ طِيبُ جَدِّي *** مُصْطفَي الْفَضْلِ مِنْ بَنِي حَوَّاءِ

قُلتُ: ذَا جَدُّكَ اَلنَّبِيُّ قَرِيناً *** لِأَخِيكَ اَلزَّكِيِّ تَحْتَ اَلْكِسَاءِ

فَمَضَيَ نَحْوَ جَدِّهِ عَنْ غُرَامٍ *** ثُمَّ حَيَّاهُ سَيدالشُهَدَاءِ

قائِلاً: هَل يَجُودُ بِالْإِذْنِ جَدِّي *** فَهُوَ لِلجُودِ مَعْدِنٌ وَ اَلسَّخَاءِ

أَنْ يَكُونَ اَلْحُسَيْنُ تَلْوَ أَخِيهِ *** ثانِيَ اثنيْنِ، ثَالِثَ اَلْقَرْنَاءِ

أُتْرِي اَلْمُصْطَفِي يَرُدُّ حُسَيْناً *** لاَ وَ ذِي الْعَرْشِ صَاحِبِ اَلْكِبْرِيَاءِ

أَشْرَقَ اَلْفَرْقَدَانِ فِي ذِي اَلسَّمَاءِ *** وَ اِسْتَمَدَّا سِنَاهُمَا مِنْ ذَكَاءِ(4)

قَالَتِ اَلطُّهْرُ اَلْفَاطِمُ اَلزَّهْرَاءُ *** وَ كَفَانَا بِفَاطِمِ اَلزَّهْرَاءِ!

ثُمَّ جَاءَ اَلْوَصِيُّ خَيْرُ البرايَا *** ألف أهْلاً بِسَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ

ثُمَّ حَيَّاً بِكُلِّ وُدِّ وَ شَوْقٍ *** مَا أُحَيلَي تَحِيَّةَ اَلْأَكْفَاءِ

ص: 239


1- أسني: أعلي وأفضل.
2- سِتَّ النساء: سيّدة النساء. أُدغمت الدال في التاء لتقارب مخرجيهما.
3- عِبق الطيب: انتشرت رائحته وفاحت. و (في) من قوله فيه سببيّة بمعني الباء.
4- الفرقدان : نجمان متجاوران، أحدهما أصغر من الآخر، يشكّلان قاعدة لنعش الدبّ الأصغر. يُهتدي بهما و بالجُدي لمعرفة الشمال و ذكاء: اسم علم للشمس، لا يتعرّف و لا يُنوّن و المراد من الفرقدين: الحسنان ومن ذكاء الرسول «صلوات الله عليهم أجمعين».

وَ هِيَ رُدَّتْ عَلَيْهِ رَدّاً جَمِيلاً *** وَ هُمَا؟ مَنْ هُمَا مِنَ اَلْبُلَغَاءِ

نَفَحَ اَلطِّيبُ فاستهَامَ ادكاراً *** لِشِذَاهُ مِنْ قِبَلِ عَهْدِ حِرَاءِ(1)

قَالَ: يافاطمٌ أَرَائِحَةٌ مِنْ *** طِيبِ خُلْقِ اَلنَّبِيِّ رَبِّ اَلْعَلاَءِ

قُلْتُ: هَذَا أَبِي وَ سِبْطَاهُ ضَاؤُوا *** تَحْتَ هَذَا اَلْكِسَاءِ أُفُقَ اَلسَّمَاءِ

هُوَ صِنْوُ اَلنَّبِيِّ لَمْ تَرَ صنواً ***كَانَ عَن صِنْوِهِ مِنَ البُعَداءِ(2)

فَأُتِيَ لِلنَّبِيِّ يَدْفَعُهُ اَلشَّوْقُ *** وَ حَيّاً بِدَافِعٍ مِنْ وَلاَءِ

قَائِلاً: يَا حَبِيبَ قَلْبِي سَمْعاً *** لِنِدائِي وَ لا تَرُدَّ دُعَائِي

عَجِّلِ الْإِذْنَ بِالدُّخُولِ عَلَيْكُمْ *** يا فَدَتَكُمْ نَفْسِي وَ قُلَّ فِدَائِي

أَخْرِجِ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ عَلِيّاً *** يَوْمَ سَدَّ اَلْأَبْوَابَ، دُونَ مِرَاءِ(3)

أتُرَاهُ يَرِدُّهُ اَلْيَوْمَ، كَلاَّ *** إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مِنَ الْقُرْبَاءِ

خَفَراً فِي الكِسَاءِ وَافي، ولَكِن فَرَطاً *** كانَ لَيْلَةَ الإسراءِ(4)

ص: 240


1- استهام: ذهب فؤاده و خُلِبَ عقله من الحبّ أو غيره. الشذا: قوّة رائحة المسك.
2- الصِّنو: الأخ الشقيق و في الحديث: عمّ الرجل صنو أبيه، لسان العرب.
3- المراء: الجدال و التردّد. و أما عن حديث سدّ الأبواب إلاّ باب علي عليه السلام فقد قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة : «و سَدّ الأبواب إلاّ باب عليّ عليه السلام، فيدخل المسجد جُنبأ و هو طريقه ليس له طريق غيره» و أخرج ابن عساكر الدمشقي باباً كاملاً في تاريخه تحت عنوان: «أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم سدّ أبواب المهاجرين و الأنصار الشارعة في المسجد، إلا باب علي عليه السلام و قد ورد في ذلك أخبار صحيحة عن جمّ غفير من عظماء الصحابة.» ثم شرع في سرد تلك الأحاديث و نقل المحقق المحمودي بهامش ابن عساكر ما لا يُحصي كثرةٌ، من الطرق و الأسانيد، لهذا الحديث من الفريقين و نحن نشير إلي بعضه فقط. قال : رواه النسائي في الحديث (41) من كتاب الخصائص و تجده في منتخب كنز العمال للطبراني بهامش مسند أحمد و كذلك أورده الحاكم في مستدركه، ج 3 ص 125، و رواه ابن عساكر أيضاً في الجزء (222) من أماليه و الطبري في ذخائر العقبي، ص 76 و رواه في مجمع الزوائد ج 9 ص 115، و الحاوي للفتاوي للسيوطي و الحلبي في السيرة، ج 3 ص 374، و رواه المجلسي في الباب (72) من بحار الأنوار، ج 3 ص 19 ط 2، و في الغدير، ج 3 ص 205 عن الطبراني و الهيثمي، و رواه في الباب (99) من المقصد الثاني من غاية المرام، ص 639 عن تسعة وعشرين طريقاً.
4- خَفَره خفْراً وخفَراً: أجاره و حماه و أمَّنه. و الفرَط، بفتح الراء: هو المتقدِّم قومه و منه الحديث الشريف: «أنا فَرَطكم علي الحوض».

غِبْطَتْهُم وَ حُقَّ لَو غَطَبَتْهُمْ *** فَاطِمُ اَلْفَضْلِ فَاطِمُ اَلْعَلْيَاءِ

فَأَتَتْ نَحْوَهُمْ وَ أَبْدَتْ سلاماً *** إِبْتِداءً، لَكِنْ لِغَيْرِ اِنْتِهَاءِ

طَلِبَتْ بالدُّخُولِ إِذْنَ أَبِيهَا *** سَيِّدِ اَلْمُرْسَلِينَ وَ اَلْأَنْبِيَاءِ

أَيَضِيقُ اَلْكِسَاءُ عَنْهَا، وَ كَمْ قَدْ *** وَسِعْتَهَا مِنْ آيَةٍ فِي اَلثَّنَاءِ

وَاتْلُ آيَ اَلتَّطْهِيرِ وَ آيَةَ الْقُرْبِي *** تر اَلْأَمْرَ وَاضِحاً لِلرَّائِي(1)

وَ لَكُمْ لِفَّهُمْ وَ نَوَّهَ فِيهِمْ *** أَحْمَدٌ فِي عَبَاءَةٍ أَوْ عَبَاءِ(2)

حَسَدَتْ ذَلِكَ اَلْكِسَاءَ سَمَاءٌ *** زُيِّنَتْ بِالْبُدُورِ وَ الْجَوْزَاءِ

كَيْفَ لاَ وَ هُوَ مِنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ *** كانَ عَرْشُ اَلْمَلِيكِ وَ اَلْوُزَرَاءِ(3)

صَفْوَةَ اَللَّهِ زُبدَةَ اَلْمَخْضِ لِمَّا *** خَلَقَ اَللَّهُ سَائِرَ اَلْأَشْيَاءِ(4)

وَ هُمُ الْمَجْدُ رَبُّهُ قَدْ بَنَاهُ *** لِبِنَةً فَوْقَ لَبِنَةٍ فِي الْبِنَاءِ

وَ هُمْ عِلَّةُ الْوُجُودِ وَ لَوْلاَ *** هُمْ الظَلَّ الْوُجُودُ رَهْنَ فَنَاءِ

وَ رَأَيْتَ النُّجُومَ فِي فَلَكٍ لَمْ *** تَسْرِ وَ الْفُلْكَ مَا جَرَتْ فِي اَلْمَاءِ(5)

يَوْمَ نَادِي اَلْإِلَهِ كُلَّ مَلاكٍ *** وَ بِسُكَّانِ أَرْضِهِ وَ السَّمَاءِ

فَوَمَجْدِي وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي *** وَ أَنَا الْعِزُّ وَ الْفَخَارُ رِدَائِي

ص: 241


1- آية القربي هي قوله تعالي: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» - الإسراء/ آية 26 - أو هي: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»- الشوري: 23 - أو غيرهما، و هي كثير أطبق المخالف قبل المؤالف علي نزولها بحق الزهراء و بقية أهل بيت النبي «صلوات الله عليهم أجمعين». ولكن قوله : واتلُ آي التطهير؛ كان الأولي أن لا يذكره، لأن كل حديث الكساء إنما هو تمهيد لنزول آية التطهير، فلا يستدل بها قبل نزولها.
2- العباءة و العباء: هما بمعني واحد. و هو إشارة إلي أن الرسول «صلي الله عليه وآله و سلم» لم يصدر منه تغطية هؤلاء الخمسة بالكساء أو العباء، مرّة واحدة، أو مرتين، بل حدث ذلك مراراً و تكراراً.
3- كيف لا تحسد السماءُ ذلك الكساءَ ، و قد كان نوراً في ساق العرش، أو يريد أن ذلك و الكساء كان يمثل بنفسه عرشَ المليك، و في ذلك تشبيه بليغ.
4- المخض: اللبن إذا حرِّك و استخرج زبده.
5- الفُلك، بالضم: السفينة، و بالفتح مدار النجوم و الأجرام السماوية.

ما خَلَقْتُ السَّماءَ وَ الْأَرْضَ إِلاَّ *** حُبَّ أَهْلِ الْكِسَاءِ مِنْ أُمَنَائِي

حُبُّ أهْلِ اَلْكِسَاءِ وَ اَلْعِلَلِ اَلْخَمْسِ *** وَ هَل تَعْلَمُونَ مَنْ هؤلاءِ؟

هَؤُلاَءِ اَلزَّهْرَاءُ ثُمَّ أَبُوهَا *** وَ عَلِيٌّ وَ اِبْنَاهُمُ أَصْفِيَائِي

فَدَعَاهُ اَلْأَمِينُ: رَبِّ فَعَجِّلْ *** لِي بِالْإِذْنِي يَا وَلِيَّ اَلْعَطَاءِ

فَكَفانِي فَخْراً بِأَنِّي فِيهِمْ *** سادِساً كُنْتُ سَاعَةَ اَلْإِحْصَاءِ

فَأَتَاهُ اَلْإِذْنُ الْكَرِيمُ و حَقّاً *** موسِمُ اَلْبِشْرِ سَاعَةٌ مِنْ لِقَاءِ

عَلِمَ اَلرُّوحُ أَنَّهُ بهبوطٍ *** لَهُمُ حَازَ غَايَةَ الإرتقاءِ(1)

فَانْتُهِيَ لِلَّذِي قَدِ اخْتَارَهُ مِنْ *** خَلْقِهِ ذُو النَّوَالِ والْآلاءِ(2)

وَ حَبَاهُ تَحِيَّةَ، مَنْ تَرَاهُ *** غَيْرَ هَذَا اَلرَّسُولِ أَهْلِ اَلْحِبَاءِ

وَ أَعَادَ اَلثَّنَا عَلَيْهِ مِنَ اَللَّهِ *** و كانَ الشَّكورَ لِلنَّعْمَاءِ

قَائِلاً: إِنَّ رَبَّكَ اَلْحَقَّ آلي *** بعُلاهُ وَ مَجْدِهِ اللاَّنهَائِي(3)

أَنَّهُ مَا بَرِيَ الخَليقَةُ إِلاَّ *** لَكُمُ وَحْدَكُمْ بِلا استِثناءِ(4)

وَ حَبَانِي بِإِذْنِهِ بِدُخُولِي *** مَعَكُمْ، فَأَحِبُنِي بِإِذْنِ ثَنَائِي

صَدْرَ اَلْإِذْنُ مِنْ نَبِيِّ عَظِيمٍ *** فَاكْتَسِيَ الرُّوحُ حُلَّةَ السَّرَّاءِ

و لَقَدْ عَادَ فَخْرُهُ وَاضِحاً فِي *** عَالَمِ اَلْأَمْرِ، كَامِلاً فِي الجَلاءِ

قَصَبَ اَلسَّبِقِ حَازَهَا فِي سباق اَلْفَخْرِ*** عِنْدَ الْأَمْلَاكِ وَ السُّفَرَاءِ

وَ تلا آيَةً مِنَ الْوَحْيِ فِيهِمْ *** طَهَّرْتْهُمْ جَهْراً مِنَ الْأَسْواءِ(5)

ص: 242


1- الروح: الروح الأمين هو جبرئيل عليه السلام.
2- النوال: العطاء-. الآلاء: النعم.
3- آلي: أقسم.
4- بري: خلق.
5- هي آية التطهير المتقدمة: «وَإِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»- الأحزاب / 33-.

و لَقَدْ ثَابَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهَا *** كُلَّ صُبحٍ مُكَرَّراً وَ مَساءِ(1)

وَإِذا بِالوَصِيِّ يَسأَلُ طهَ *** وَ هُوَ وَاللَّهِ سَيِّدُ الفُصَحاءِ

وَ لَكُم عَالِمٌ يُسائِلُ، حَتِّي *** يَنْجَلِي اَلْأَمْرُ خَالِصاً عَنْ خَفَاءِ

أَيُّ فَضْلٍ لنا بِمجلِسنَا هَذَا *** لَدَي اَلْحَقِّ قَاسِمِ اَلْأَنْصِبَاءِ

فَأَجَابَ اَلنَّبِيُّ هَذَا حَدِيثٌ *** إِنْ جَرِيَ فِي مَحَافِلِ اَلْأَحْيَاءِ

نَزَلَتْ طِيْلَةَ اِجْتِمَاعٍ عَلَيْهِمْ *** رَحِمَةُ اَللَّهُ أَرْحَمِ اَلرُّحَمَاءِ

وَ بِهِمْ أَحْدَقَتْ مَلائِكَةُ اللَّهِ *** وَ قَدْ أَسْعَفْتُهُمْ بِالدُّعَاءِ

و قَدِ اسْتَغْفَرُوا الإلهَ لَهُمْ إِذْ *** نَحْنُ كُنَّا لَهُمْ مِنَ اَلشُّفَعَاءِ

فَأَجَابَ اَلْكُرَّارُ فزنَا وَ فَازَتْ *** شِيعَةُ خَيرُ شِيعَةٍ سَعَدَاءِ

ثُمَّ قَالَ الْهَادِي: وَمَنْ قَدْ *** حَبَانِي بِاخْتِيَارِي لِوَحْيِهِ وَ اِجْتِبَائِي

إِنَّ ذكرِي حَدِيثِ مَجْلِسِنَا هَذَا *** دَوَاءٌ لِجُمْلَةِ اَلْأَدْوَاءِ

حَيْثُمَا يَجرِ فِي أُنَاسٍ و فِيهِمْ *** مُبْتَلٌي كَانَ دَافِعاً لِلْبَلاءِ

وإِذَا كانَ فِيهِمْ رَبُّ غَمِّ *** زَالَ مَا نَابَهُ مِنَ اَلْغَمَّاءِ

وَ إِذَا كَانَ فِيهِمْ ذُو اِحْتِيَاجٍ *** قُضِيتُ حَاجُهُ بِخَيْرِ قَضَاءِ

عِنْدَهَا قَالَ حَيْدَرٌ: قَدْ سَعِدْنَا *** وَ إِلَهٌ لِلْكَعْبَةِ اَلْغَرَّاءِ

وَ كَذَا شِيعَةٌ لَنَا سَعِدُوا فِي *** هَذِهِ اَلدَّارِ ثُمَّ دَارِ اَلْجَزَاءِ

ص: 243


1- أخرج الإمام أحمد في مسنده ج 3 ص 259 عن أنس بن مالك : أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و كان يمرّ ببيت فاطمة عليها السلام ستّة أشهر إذا خرج إلي الفجر، فيقول: الصلاة يا أهل البيت ؛ و«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»- الأحزاب : 33-. و أخرجه الواحدي في تفسير الآية في أسباب النزول ص 267، و ابن جرير في تفسيره الكبير ، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم، و ابن مردويه، و الطبراني، و غيرهم، في ما ذكرنا الكفاية و الشفاية، علي أننا لم نذكر هنا إلاّ بعض ما أثبته العامّة في كتبهم المعتبرة، أما أصحابنا أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، فلا يكاد يخلو منه سفر من أسفارهم يتعرّض إلي الحادثة.

(30) و حسبك فخراً

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الكريم آل زرع(*)(1)

لك يا بضعةَ النبيِّ الوفاءُ *** من محبِّ لا يعتريهِ جفاءُ

مُزِجتْ ذاتُهُ بحبِّكِ حتي *** كان منها كما يكونُ البِنَاءُ

فاستوي في جنانِهِ منهُ نهرٌ *** صُبَّ فيه من الجَلالِ بهاءُ

و جري فهو في الحنايا عروجُ *** السماءِ و ما عليها سماءُ

و هُوَ في كونهِ مدامةَ حسنٍ *** رَشَفَتْ من نميرِها الأعضاءُ

***

فإذا مقلةٌ تنمُّ عن الحُبِّ *** و قلبٌ يُسْتافٌ منهُ الصفاءُ(2)

و مُحيّاً يفيضُ منهُ جمالُ *** العشقِ عذباً مُسْتَعْذَباً و السناءُ

يا بنةَ المصطفي و حسبُكَ فخراً *** إنِكِ الطهرُ فاطمُ الزهراءُ

لكِ وجهٌ لو أبصرتْهُ ذكاءٌ *** أدركتْ ماهو الضياءُ ذكاءُ

حزتِ أسمي الصفاتِ يابنةَ طه *** بعضهُا بعدُ لم تحزْها النساءُ

***

ص: 244


1- (*) هو الشاعر الشيخ عبد الكريم بن مبارك آل زرع: ولد في تاروت، القطيف سنة (1381 ه_)، يعمل حالياً في شركة أرامكو، و لا يزال أيضاً يواصل دراسته الحوزوية في القطيف و من نتاجه الأدبي القيم ديوان شعر (مخطوط) أكثره في أهل البيت عليهم السلام، و هو أحد النشطين بالمشاركة في النوادي الأدبية و الدينية.
2- يُستاف: يُشمُّ.

كَلَّ في مدحِكِ اليراعُ و مَن *** رام مَحُالاً أودي بهِ الإعياءُ

و كليلُ الجناحِ يستصعبُ *** السَّفْحَ و تعلُوه قمةٌ شمّاءُ

ما عسي أن أقولَ فيمَن أبوُها *** خيرُ من شرُفَتْ بهِ العلياءُ

***

سيدُ الكونِ باسمهِ قد تباهَي *** الرّسُلُ و الأنبياءُ و الأولياءُ

ما عساني أقولُ في بعلك *** الطهرِّ علي و في يديهِ القضاءُ

هو للمصطفي وصيِّ و عنهُ *** صغَرَ الأوصياءُ و الأنبياءُ

هو قلبُ الوجودِ و هو إمامِي *** و أميري إن عدَّتِ الأُمراءُ

و بنوكِ الأُلي أضاؤوا زمَاناً *** أَلَيْلاً في ضميرِهِ إغفاءُ(1)

و أحالُوا جدبَ العواطفِ خصباً *** فانتشي العدلُ و استقامُ الإخاءُ

***

و من النبع يُستقي و من *** النور علي كلِّ ظُلمةٍ يستضاءُ

فهُمُ النورُ و الحياةُ و شيءٌ *** ليس يُدريِ لكنَّه معطاءُ

يابنةَ المصطفي ألفِنا الرزايا *** غيرَ أنا من حُبِّكُم سعداءُ

و صَبِرنا و كُلُّ صبرٍ جهادٌ *** و هَتَفْنا أَن مَنِكُمُ لابَراءُ

دونَهُ سادتي تُسالُ الدماءُ *** دونَه الروحُ إنَّ روحي فِداءُ

إنَّ هذا من الجِهادِ يسيرٌ *** زرعتْهُ في قلبِنا كَرْبَلاءُ

كيفَ أسْعي و لستُ أملكُ شِعري *** لوغشانِي مدَحٌ لَكُمْ و ثناءُ؟

و إذا الذكرُ خصَّكُم بمديحٍ *** ماعسي أن تُنَمْنِمَ الشُّعَراءُ

يا بنةَ المصطفي عليكِ سلامي *** ماتغنتْ بعشِّها و رقاءُ(2)

***

ص: 245


1- أليل: شديد الظلمة.
2- الورقاء: الحمامة التي يضرب لونها إلي الخضرة.

(31)نطق الكتاب بفضلها

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الكريم النايف(*)(1)

ذَابَتْ لِفَرَطِ صَبَابَتِي أَحْشَائِي *** فَلِذَالِكَ طَالَ تَلَهُّفِي وَ بُكَائِي(2)

وَ تَكَادُ بِالزَّفَرَاتِ تُخْرُجُ مُهْجَتِي *** مِمَّا بها بتنفُّس الصُّعداءِ(3)

يا عاذِلي كُفَّ اَلْمَلاَمَ وَ خَلِّنِي *** دَنِفاً أُكَابِدُ مِحْنَتِي وَ بَلاَئِي(4)

مَا هَاجَنِي ظَعْنٌ الأَحِبِّةِ مُذْ نَاي *** بُعْداً عَنِ اَلْأَوْطَانِ وَ الْأَحْيَاءِ(5)

لَكِنَّمَا وَجدِي لِبَضْعَةِ أَحْمَدٍ *** وَ لَمَّا جَنَتْ مِنْهَا يَدُ اللُّؤماءِ(6)

ص: 246


1- (*) هو الشيخ عبد الكريم إبن الملا كاظم بن نايف القسي الحائري، هو شاعر مجيد ذائع الصيت و خطيب نادي بالحق، فكان ذا صوت جهوري رخيم، و هو صريح الرأي يجهر به دون وجلٍ أو خوف، و هذا الأمر أعطي محاضراته و خطبه و قصائده قيمة عالية و اهتماماً بالغاً لدي جمهوره و مستمعيه، فكان لها الأثر البالغ في نفوسهم و عقولهم، فإذا كان للشعر تأثيره في قلوب عشاق هذا الأدب، فكيف به إذا كان مرفقاً بصراحة الرأي، و قول الحق دون أدني وجل أو خوف. و قد سافر إلي أقطار الخليج كالبحرين و الكويت و قطر و عمان و الإحساء و القطيف، فاشتهر أمرهُ وذاع صيته و سمت منزلته ، و قد ألمّ إلماماً واسعاً بتاريخ الشعر. توفي في كربلاء عام (1365 ه_) و دفن في الصحن الحسيني الشريف.
2- الصَّبَابة: الشوق و رقَّة الهوي و الولَعُ الشديد.
3- الزَّفرُ و الزَّفيرُ: أن يملأ الشخص صدره غمّاً ثم يخرجه مع النفس، فيُقالِ: زَفره و الزَّفرةُ و الزُّفرة: التنفس و الاسم الزَّفرة و الجمع زفرات. و الصُّعَداء هو التنفُّس بتوجع، و هو التنفّس الممدود.
4- يا عاذِلي: يا لائمي. ورُجُل دَنِفٌ: براه المرض حتي أشرف علي الموت.
5- الطعن، بسكون العين و فتحها: السفر و الرحيل، و قد يطلق علي المسافرين و الأثاث، من هودج و غيره، إذا كان في هيئة السفر، و نأي: ابتعد.
6- الوَجد: الحزن.

وَ هِيَ اَلَّتِي نَطَقَ اَلْكِتَابُ بِفَضْلِهَا *** فِي سُورَةِ اَلرَّحْمَنِ وَ اَلْإِسْرَاءِ(1)

مَا أَتْعَبَ اَلْمُخْتَارَ بَعْدَ وَفَاتِهِ *** غَيْرُ اَلْبَتُولَةِ فَاطِمَ اَلزَّهْرَاءِ

أَوصَي جَمِيعَ اَلْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهَا *** إذ إِنَّهَا الحَوْراءُ وَ خَيرُ نِساءِ

وَ تَبَدَّلَت تِلكَ الوَصِيَّةُ بَعدَهُ *** مُذْ عُوَّضَتْ بِالحِقدِ وَ البَغضاءِ

ص: 247


1- من سورة الرحمن، نزل فيها و في أهل بيتها عليهم السلام قوله تعالي: و«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَان * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» سورة الرحمن: 19 - 21. كما روي ذلك فقيه الشافعية، جلال الدين السيوطي في تفسير الدر المنثور، عن ابن عباس، فالبرزخ النبي صلي الله عليه و آله و سلم و البحرين علي و فاطمة عليهما السلام و اللؤلؤ و المرجان الحسن و الحسين عليهما السلام و رواه في مجمع سلمان الفارسي و سعيد بن جبير ، و سفيان الثوري. و من سورة الإسراء نزل فيها خمس آيات: 5-6، 26، 28، 57. الخامسة و السادسة رواهما العلامة البحراني في تفسير البرهان، عن إمام العامّة أبي جعفر محمد بن جرير. و السادسة و العشرون ذكرها الثعلبي في تفسيره عن السدي عن أبي الديلمي، و رواها الحافظ الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل. و أما الثامنة و العشرون فقد رواها في إحقاق الحق، ج 3 ص 550 عن مناقب الكاشي، عن الشيخ أبي بكر بن مؤمن الشيرازي بسنده عن أبي ذرّ الغفاري، قال : إن هذه الآية نزلت في عليِّ و فاطمة عليهما السلام، حيث أهدي ملك الحبشة إلي رسول الله عَشرَ إماء. و أما السابعة و الخمسون فقد رواها الحافظ الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل، ج 1 ص 343 بإسناده عن عكرمة في قوله تعالي: «أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ» الإسراء: آية 57؛ قال: هم النبي صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام.

(32) سرُّ الوجود

(بحر الكامل)

السيد عبد اللطيف فضل اللَّه

هَتفَ البَيانُ بِمَولِدِ الزَّهْراءِ *** سِرِّ الْوُجُودِ وَ شَمْسِ كُلِّ سَماءِ(1)

وَ مَضَي عَلي اَلْجَوْزَاءِ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ *** مُتَرَنِّحاً مِنْ نَشْوَةِ الخُيَلاءِ(2)

وردَ اَلبِحَار اَلْهُوجَ يَسْبُرُ غَوْرَهَا *** وَ يَعِبُّ مِنْهَا قَطْرَةً مِنْ مَاءِ(3)

فَرَأْي اَلْجَلاَلَ عَلَيَّ تَواضُعِ قُدْسِهِ *** تَنْحَطُّ عَنْهُ مَدَارِكُ الْعُقَلاءِ

شَمْخَ الْأَدِيمُ بِفَاطِمٍ وَ تَطَاوَلَتْ *** غَبرَاؤُهُ فِيهَا عَلِي الخَضرَاءِ

بَرَأَ الْعَوَالِمَ وَ اصْطَفَاهَا رَبُّهَا *** مِمَّا اصْطَفَاهَ بِها مِنَ الأُمَناء

فَتَجَسَّمَتْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُ رَحْمَةٌ *** وَ شَفَاعَةٌ لِلنَّاسِ يَوْمَ جَزَاءِ

صَدِيقَةٌ مَاكَانَ لَوْلاَ حَيْدَرٌ *** يُلْفِي لَهَا أَحَدٌ مِنَ اَلْأَكْفَاءِ(4)

ص: 248


1- البيان: ما بين به الشيء من الدلالة و غيرها و البيان: الفصاحة و اللَّسَن. و لعلّ المراد به هنا هو الشعر و قد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سئل عن فاطمة عليها السلام لم سميت الزهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض. علل الشرائع، ج1 و بحار الأنوار ج 43.
2- مترنحاً: من ترنَّح بمعني تطاول و ترفَّعَ أو تمايل من سكر. الخُيَلاء: العُجب و الكبر.
3- الهُوج: جمع هائج أي مضطرب . يسبر : يمتحن ليعرف مقدار غورها. غورها: قعرها. يعبّ: يكثر موجه و يرتفع.
4- في البحار؛ نقلاً عن عيون أخبار الرضا 3/225/1 بعد ذكر السند: عن أبي الحسن علي ابن موسي الرضا عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال : قال لي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي عليه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة عليها السلام، و قالوا : خطبناها إليك فمنعتنا وزوّجت عليّاً عليه السلام، فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم و زوّجته، بل اللَّه منعكم و زوّجه، فهبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، إنَّ اللّه جل جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لما كان لفاطمة عليها السلام ابنتك كفوٌ علي وجه الأرض، آدم فمن دونه

عَبَرَتْ كَهَيْنَمَةِ اَلنَّسِيمِ وَ وَاجَهَتْ *** كَدَرَ اَلْحَيَاةِ وَ أَهْلَهَا بِصَفَاءِ(1)

لَمْ يَكْشِفِ النَّاسُ الْبَلاءَ وَ لاَ اِرْتَوَوْا *** إِلاَّ بِطَلْعَةِ وَجْهِهَا الوضَاءِ

يَا أُخْتَ نُسَّاكِ اَلْمَلاَئِكِ بِالْهُدْيِ *** وَ ذُبَالَةَ الْأَنْوَارِ مِنْ سَيْنَاءِ(2)

يَا لَمْحَةَ اَلْفِرْدَوْسِ حَطَّ بِطُهْرِها *** خُلدُ اَلْبَقَاءِ عَلَي صَعِيدِ فِنَاءِ

يَا صَفْحَةً بَيْضَاءَ مِنْ إِنْكَارِهَا *** آبَ اَلْوَرِيُّ بِصَحِيفَةٍ سَوْدَاءِ

يَا غَيْبَ سِرِّ لَوْ أَخَذْتُ بِبَعْضِهِ *** طَرَفاً مِنَ الإِعْجازِ وَ الْإِلْجَاءِ

لَمَشَيْتُ فِيهِ عَلَي اَلْهَوَاءِ إِذَا اُبْتُدِي *** عِيسي يَسِيرُ عَلِيٌ نَمِيرِ الْماءِ(3)

وَ اَلاَكَ رَبُّكِ إِذْ رَضَعْتِ وَلاءَهُ *** وَ حَبَاكِ مِنْهُ وَلَايَةَ الْأَشْيَاءِ(4)

فَإِذَا دَعَوْتَ فَأَنْتِ فِي سُلْطَانِهِ *** كَالرُّوحِ حِينَ تُهِيبُ بِالْأَعْضَاءِ(5)

إِنَّ الَّذِي مَسَخَ الْأَمانَةَ وَ انْطُلِي *** بِدِمَاءِ مِنْ ضَحَّي مِنَ اَلشُّهَدَاءِ

وَ طَوَيَ عَدَوَاةَ آلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ *** نَاراً ذَكَّتْ بِجَوَانِحِ اَلْبَعْضَاءِ(6)

فَأَحَالَهَا للَّهُ حَرْباً طَوَّحَتْ *** بِابْنِ اَلنَّبِيِّ مُوَزَعَ اَلْأَشْلاَءِ(7)

ص: 249


1- الهينمة: الكلام الخفي لا يفهم، و المراد هنا: مداعبة النسيم اللطيفة العابرة.
2- الذُّبالة: الفتيلة التي تُسرج للإضاءة. قال الشاعر: بتُّ كأني ذبالةٌ نصبت *** تضيء للناس و هي تحترقُ
3- النمير : النامي و الزاكي و الكثير و الوفير.
4- حباك: أعطاك من غير مقابل.
5- تهيب: يريد تحلّ. و لم نعثر لها علي معني كهذا فيما لدينا من مراجع، و لعله قاسها علي الإهاب بمعني الجلد الذي يُتلبّس به، لكنّهم لم يذكروا للإهاب فعلاً، فكأنه اجتهادٌ شخصيّ منه. و لربما تهيب بالأعضاء: تدعوها من أهاب الراعي بغنمه صاح بها لتقف أو الترجع و أهاب بصاحبه: دعاه لفعل أمر ما و لعل هذا أليق من المعني الأول بمقصود الشاعر و ربما يكون أقرب إلي معني البيت و بذلك يصبح معني البيت أن الزهراء عليها السلام إذا دعت كل ما في سلطان الله -و كل شيء في الوجود هو في سلطان الله- استجاب لها كما تستجيب الأعضاء للروح إذا دعتها لأي أمر، إذ لا حياة للأعضاء بلا روح لذا هي تأتمر بأمرها و تستجيب لها.
6- ذكت النار: أشتد لهيبها.
7- طوّحت الحرب به : قذفته. و الأشلاء: جمع شلو و هو العضو و موزَّع الأشلاء: مقطَّع الأعضاء.

ثَقُلَتْ عَلَي اَلْأَكْوَانِ وَطَاةُ رِجْسِهِ *** فِيهَا فَدَارَتْ دَوْرَةَ اَلْإِعْيَاءِ

وَحَدَتْ بِهِ لِلْحَشْرِ لَعْنَةُ رَبِّهِ *** تَسرِي مَعَ اَلْإِصْبَاحِ وَ اَلْإِمْسَاءِ(1)

يَا يَوْمَ أَحْمَدَ هَلْ لِخَطْبِكَ إِذْ هَوَتْ *** فِيهِ اَلْأَنَامُ بِفِتْنَةٍ عَمْيَاءِ

قُلِبَ اَلْوُجُودُ وَ أَصْبَحَتْ أَبْنَاؤُهُ *** مَقْلُوبَةَ الْإِحْسَاسِ وَ اَلْآرَاءِ

فَاعْتَاضَ عَنْ فَوْقٍ رَوَاسِبَ تَحْتَهِ *** وَعَنِ اَلْأَمَامِ لِأَهْلِهِ بِوَرَاءِ

كَمْ فِي فُؤَادِكِ فَاطِمُ مِنْ غُصَّةٍ *** تُوهِي فُؤَادَ اَلصَّخْرَةِ اَلصَّمَّاءِ؟(2)

أَبْهَذِهِ الدُّنْيَا عَزَاءٌ قَائِمٌ *** وَ بِدَارِ رَبِّكِ فِي أَمْضِّ عَزَاءِ

اَلصَّبْرِ ضاقَ لِما صَبَرْتِ عَلَي الأَذي *** وَ سَخِّيْتِ لِلْأَعْداءِ أَيَّ سَخاءِ

قَدِمْتِ مِنْ حَسَنٍ ضَحِيَّةَ سُمِّهِم *** وَ مِنَ اَلْحُسَيْنِ السِّبطِ كَبشَ فِدَاءِ(3)

وَ مِنَ اَلْوَصِيِّ عَلِي اَلرِّسَالَةِ خَائِضاً *** مِنْ حَرْبِهِمْ قِدُماً بِبَحْرِ دِمَاءِ(4)

طَفَرُوا إِلَي المُلِكِ الْعَضُوضِ وَ غَلَّفُوا *** وَجْهَ اَلنَّهَارِ بِلَيْلَةٍ ظَلْمَاءِ(5)

وُلِدُوا مِنَ الدَّاءِ اَلْغُضَالِ فَلَمْ يَكُنْ *** إِلاَّ زَوَالُهُمْ شِفَاءَ الدَّاءِ

نَظَرُوا الْمَوَدَّةَ فِي الْكِتَابِ فَلَمْ يَرَوْا *** غَيْرَ السُّيُوفِ مَوَدَّةَ الْأَبْنَاءِ(6)

ص: 250


1- حدت به: ساقته و تبعته و لزمته.
2- توهي: تضعف- الصّماء: الصلب المتين.
3- أجمع المؤرخون علي أن الإمام الحسن المجتبي عليه السلام مات مسموماً، سمّته جعدة بنت الأشعث بن قيس و قد كانت زوجته و ذلك بمكيدة خبيثة دبرِّها معاوية بن أبي سفيان، بعد أن وعدها أن يزوّجها بابنه يزيد، ثم لم يفِ لها بما وعد، فخسرت الدنيا و الآخرة و أما شهادة الإمام السبط أبي عبد الله الحسين عليه السلام بكربلاء، فأشهر من أن توضَّح في بضعة سطور.
4- إشارة إلي ما واجهه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من الناكثين في معركة الجمل، و القاسطين في صفين، و المارقين في النهروان.
5- العضوض: الشديد، القوي.
6- لأن القرآن يجعل عليهم مودة أهل البيت عليهم السلام فرضّ عين، و ذلك قوله سبحانه :«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» -الشوري/ آية : 23 - و قد روي العلامة البحراني عن مسند أحمد بن حنبل، بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال : لما نزل قوله تعالي: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ...»... الآية، قالوا: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة عليهما السلام و ابناهماعليهم السلام. وقد أخرج هذا النص مشاهيرعلماء السنة في أسفارهم، و قد عدُّوه من المسلمات عندهم. أقول: القرآن هكذا يأمرهم، فلم يكن منهم إلاّ أن أعملوا السيوف في رقاب عترة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام و قرابته، حتي خلّفوهم بين قتيل و مسموم و شريد.

مِنْ صَفْوَةٍ طَافَ اَلْهُدَي بِفِنَائِهَا *** مُتَمَسِّكاً بِالكَعْبَةِ الغَرَّاءِ

جُبِلَتْ بِأَسْرَارِ السَّما وَ تَكَوَّنَتْ *** مِمَّا بِسَاقِ اَلْعَرْشِ مِنْ لألاءِ(1)

غَرَّاءُ مِنْ صُلْبِ اَلنُّبُوَّةِ وَ اَلْهُدْي *** طَلَعَتْ عَلَيَّ اَلدُّنْيَا طُلُوعَ ذُكاءِ

هِيَ صَوْتُ نَاقُوسِ اَلسَّمَاءِ وَ لاَ ترِي *** فِي الاَرْضِ غَيْرَ تَجَاوُبِ الأَصْدَاءِ

ص: 251


1- في معاني الأخبار، عن الصادق عليه السلام، أنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: خلق الله نور فاطمة عليها السلام قبل أن يخلق الأرض و السماء. فقال بعض الناس: يا نبّي اللّه ، فليست هي إنسيّة؟ فقال: فاطمة حوراء إنسية عليها السلام، خلقها الله «عزوجل»، من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلمّا خلق الله «عزّوجّل»، آدم، قيل : يا نبّي الله ! و أين كانت فاطمة عليها السلام؟ قال: كانت في حقّةٍ تحت ساق العرش. قالوا: يا نبيِّ الله ! فماذا كان طعامها؟ قال: التسبيح و التهليل و التمجيد. فلمّا خلق الله ، عزّوجّل، آدم، و أخرجني من صلبه، و أحبّ اللّه، عزّوجلّ، أن يخرجها من صلبي، جعلها تفاحة في الجنة و أتاني بها جبرائيل، فقال لي: السلام عليك و رحمة الله و بركاته يا محمد، قلت : و عليك السلام و رحمة الله حبيبي جبرائيل. فقال: يا محمّد: إنَّ ربَّك يقرئك السلام، قلت: منه السلام و إليه يعود السلام، قال: يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، إنّ هذه تفاحة أهداها اللّه عزّوجلّ، إليك من الجنة. فأخذتها و ضممتها إلي صدري . قال : يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، يقول الله ، جلّ جلاله، كُلها . ففلقُتها، فرأيت نوراً ساطعاً و فزعتُ منه. فقال : يا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، ما لك لا تأكل؟ كُلها و لا تخف، فإنّ ذلك النور للمنصورة في السماء، و هي في الأرض فاطمة عليها السلام قلت: حبيبي جبرائيل، و لم سُميت في السماء المنصورة، و في الأرض فاطمة عليها السلام؟ قال: سُميت في الأرض فاطمة، لأنها فطمت شيعتها من النار، و فُطم أعداؤها عن حبِّها، و هي في السماء المنصورة، و ذلك قول اللَّه «عزّوجلّ»: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ» -الروم: آية 4- 5 يعني نصر فاطمة عليها السلام لمحِّبيها . لقد نقلنا هذا الحديث بطوله هذا حتي لا نحتاج إلي تكرار فيما بعد، بل نكتفي بالرجوع إليه. علي أن الأحاديث في هذا المجال لا تحصي كثرة، و هي ليست من مختصّات الشيعة و أتباع مذهب آل البيت عليهم السلام، بل نقلها و أمثالها علماء السنة و الجماعة أيضاً. و نحن نقتصر للتدليل علي ذلك بذكر رواية واحدة من كتب العامة ، و علي المستزيد أن يراجعها في مظانّها، فقد روي العسقلاني في لسان الميزان، ج 3 ص 246 بإسناده عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أنه لمّا خلق الله آدم وحوّاء تبخترا في الجنة و قالا: من أحسن منِّا؟ فبينما هما كذلك، إذ هما بصورة جاريةٍ لم يُّرِ مثلها، لها نور شعشعانيّ يكاد يطفي الأبصار. قالا: يا ربّ، ما هذه؟ قال: صورة فاطمة عليها السلام سيدة نساء ولدك . قال : ما هذا التاج علي رأسها ، قال: عليٍّ بعلها. قال: فما القرطان؟ قال: ابناها، وجد ذلك في غامض علمي، قبل أن أخلقك بألفي عام.

وَ فُيُوضُ أَلْطَافٍ سَحَابَةُ صَيْفِهَا *** وَطفَاءُ مُغْدِقَةٌ عَلَي اَلْأَحْيَاءِ(1)

وَ سَفِينَةُ الطُّوفَانِ لَيْسَ بِخَائِبٍ *** مَنْ بَاتَ مَشدُوداً لَهَا بِوَلاَءِ(2)

آلاؤُهَا مِلْءُ اَلزَّمَانِ وَ بَيْتُها *** فِي الكائِنَاتِ أَسَاسُ كُلِّ بِنَاءِ

وَ كَأنَّمَا كَانَتْ لِهَيْكَل كَوْنِهَا *** قَلْبُ الْحَنَّانِ بهِ وعَيْنَ رَجَاءِ

حَوْرَاءُ إِذْ رَفَعَ الإلهُ لِواءُها *** كرَماً وَ ضَمَّ اَلْخَلْقَ تَحْتَ لِوَاءِ(3)

وَ يُرِي مَنَاقِبَهَا وَ قَالَ لَعِزِّهَا *** كُونِي بِلاَ عَدِّ وَ لاَ إِحْصَاءِ

قُلْنَا لَهَا سِرٌّ يُصانُ وَ جَوْهَرٌ *** فَوْقَ الأَنامِ وَ طينِهِم وَ الْمَاءِ

وَ لَرُبَّمَا وُلِدَ التُّرابُ بِمَهْدِهِ *** مَنْ كَانَ فِي اَلْمَلَكُوتِ رَمْزَ علاءِ

وُلِدْتُ لِطُهْرِ مُحَمَّدٍ فَكَأَنَّمَا *** آيُ الْكِتَابِ بِمَهْبِطِ الْأَحْيَاءِ

وَ كَأَنَّ مَا فِيهَا حَقِيقَةُ ذَاتِهِ *** غَيْرَ اَلنُّبُوَّةِ أَفْرَغَتْ بوْعاءِ

فَإِذا الهُدَي مِنْ كُلِّ أُفُقٍ مُشْرِقٌ *** وَ الكَونُ أَضْوَاءٌ عَلَيَّ أَضْوَاءِ

شَرَّفَتْ فَحَكَّ اَلْعَرْشُ منْكِبُ عِزِّهَا ***كَرَماً وَداسَتْ مَنْكِبَ الجوزاءِ(4)

بابٌ بِلاَ نِدِّ تَرَاهُ وَ لَنْ يُرِيَ أَحَدٌ يُطَاوِلُهَا مِنَ اَلْأَبْنَاءِ

ص: 252


1- سحابة وطفاء: مسترخية لكثرة مائها . و الغَدق، علي وزن الفَلق: الماء الكثير، أو المطر الكبير القطِّر. و المغدِق : مُفعِلٌ منه أكّده به. (لسان العرب).
2- إشارة إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم: إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق و هوي. و قد أجمع علماء الإسلام من الفريقين علي صحة هذا الحديث الشريف: و أنه من الأحاديث المستفيضة التي كادت أن تبلغ حدّ التواتر. قال العلامة الأنطاكي: قد أورده من أعلام الفريقين ما يربو عددهم علي المائة، من الحفّاظ و أئمة الحديث و أهل السير و التواريخ في مؤلفاتهم و مجاميعهم و صحاحهم و مسانيدهم، أمثال مسند أحمد، صحيح مسلم، تاريخ الطبري، الصواعق المحرقة، نور الإبصار للشبلنجي، و الحمويني في فرائد السمطين، و الطبراني في الأوسط و غيرهم كثير.
3- كما ورد عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: أن ابنتي فاطمة حوراء عليها السلام لم تحض و لم تطمث (كما في مناقب المغازلي؛ ص411 و ينابيع المودة ج 2) و هناك روايات أخري في هذا المعني رواها علماء العامة أيضاً.
4- منكب الجوزاء، و يقال لها: إبط الجوزاء أو منكب الجبار: نجمة حمراء كبيرة واضحة، تقع بين الشعري الشامية و بين الدبَران في الثور. و عادة يضرب بها العرب المثل في العلوّ.

عُلوِيَّةُ اَلنَّفَحَاتِ مِنْ أَنْوَارِهَا *** بَيْتُ النُّبُوَّةِ مُشْرِقُ الْأَنْحَاءِ(1)

حَرَمٌ يَطُوفُ بِهِ و يَخْدِمُ أهْلَهُ *** الرُّوحُ الأَمينُ مُنَبِّيءُ الأَنْباءِ(2)

نَشأَتْ بِظِلِّ اَللَّهِ لَمْ يَعْلَقْ بِهَا *** دَنَسٌ وَ لاَ وَقَعَتْ عَلَي الأخطاءِ(3)

حَتي إِذَا طُمِسَ الْهُدَي وَ تَبَرَّمَتْ *** مِنْ حَماةٍ طُبِعَتْ عَلَي الْأَسْوَاءِ(4)

رَفَعَتْ إِلَيهِ دُعاءَهَا فَكَأَنَّمَا *** رَكِبَ الْبُراقَ بِلَيْلَةِ الإِسْراءِ(5)

ص: 253


1- النفحات جمع نفحة، و هي هبة الريح، و هي أيضاً العطيّة.
2- شبَّه الزهراء عليها السلام بالكعبة المشرّفة لكل منهما حرم يُطاف به. الناس يطوفون بالكعبة (بيت الله) للحج، و جبريل عليه السلام يطوف بحرم الزهراء عليها السلام(وبيت النبوة) للخدمة و الأنس و الوحي، و الروح الأمين: جبرائيل عليه السلام، الذي نزل بالوحي علي قلب النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بقي يتردد علي بيت الزهراء عليها السلام يعزّيها و يسليها عن وفاة أبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.
3- إشارة إلي عصمتها ورطهارتها من الرجس و المعصية، و بذلك نزلت النصوص من الكتاب و السنة الشريفين منها آية التطهير : «و إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»-سورة الأحزاب/ آية 33- التي أجمع أعمدة الفريقين علي أنها نزلت في فاطمة عليها السلام و أبيها و بعلها و بنيها. و منها حديث الكساء المشهور، و منها قوله : «إن الله يرضي لرضا فاطمة عليها السلام و يغضب لغضبها». و ليس يعني كلُّ ذلك شيئاً سوي العصمة و التطهير من الرجس و الدنس.
4- تبرَّمت: ضجرت و ضاقت ذرعاً. و الحمأُ و الحمأة: الطين الأسود المنتن، و هو كناية عن شخصٍ بعينه أو أشخاص كذلك، اقتباس من قول الله «عزوجل»: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» سورة الحجر / آية: 26.
5- البُراق علي وزن غُراب: ورد ذكرها في الإسراء و المعراج، و أنها وسيلة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و في رحلته الإعجازية، سمّيت بذلك لنصوع لونه وشدّة بريقه ، و قيل: لسرعة حركته شبّهه فيها بالبرق.

(33) ابنة النور

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المجيد أبو المكارم(*)(1)

أَصْبَحَ اَلْكَوْنُ ضَاحِكاً بِالْهِنَاءِ *** مُستَنِيراً بِنُورِ سِتِّ النِّساءِ

زُهْرَةِ الكَوْنِ بِالقُداسَةِ جاءَتْ *** تَحْمِلُ النُّورَ مِن إلهِ السَّماءِ

ص: 254


1- (*) هو الشيخ عبد المجيد ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد أبي المكارم العوامي بالقطيفي. ولد في العوامية بالقطيف سنة (1344) ه_ من أبوين صالحين كريمين قاماً بتربيته أحسن قيام فغذّياه بأخلاقهما الفاضلة و سماتهما النبيلة. والمترجَم له من أسرة علمية عريقة في القطيف، إذ كان أبوه و جدّه و كثير من سائر أفراد أسرته من أهل الفضل و العلم و التقي الذين لهم مكانتهم الرفيعة و في هذه الأجواء المفعمة بأريج العلم و التقي و الولاء نشأ و ترعرع و أخذ مباديء علومه علي يد علماء القطيف أولاً، ثم هاجر إلي مدينة العلم النجف الأشرف، و بقي هناك مجّداً في تحصيل ضالّته المنشودة، فما رجع إلي وطنه إلاّ و هو كأمثل رجل من رجالات العلم، و يعدّ في القطيف من العلماء البارزين أصحاب الفضل و المكانة الاجتماعية. و يُعد من الخطباء الناجحين حيث يرقي المنبر بكل جدارة و شجاعة و قوة و هو رمز من رموز المنبر الحسيني هناك. كما و يعدّ المترجم له أيضاً من الشعراء الذين يجيدون مختلف أغراض الشعر كالوصف و الغزل و المدح و الرثاء، له قريحة فيّاضة، و يجيد النظم الشعبي الدارج المعروف (بالنبطي). و من آثاره القيمة 1- المنح الإلهية في المجالس العاشورائية . 2- هداية المسترشدين في أصول الدين . 3- دليل المسلمين في أعمال مكة و المدينة. 4 - المرائي الإسلامية في رثاء العترة النبوية. و ما يزال المترجَم له يمارس دوره الديني و الثقافي في القطيف.

هِيَ تُفَّاحَةٌ مِنَ اَلْخُلْدِ كَانَتْ *** بادِّخار إِلَي رَسُولِ اَلْوَلاَءِ(1)

قَبْلَ خَلقِ اَلْأَكُونِ أَوْجَدَهَا اَللَّهُ *** كَسَاهَا مِنْ نُورِهِ اَلْوَضَّاءِ(2)

إِنَّ ذَا جَبْرَئِيلُ قَدْ جَاءَ يُبْدِي *** مِنْ إِلَهِ اَلنَّعْمَاءِ وَ اَلْإِيحَاءِ

هِيَ تِلْكَ الْبَتولُ بَضْعَةُ طه *** وَ اِبْنَةُ اَلنُّورِ سَيِّدِ اَلْأَنْبِيَاءِ

هِيَ رُوحُ اَلْوِصَالِ بَيْنَ أَبِيهَا *** وكَذَا اَلْبَعْلِ سَيِّدِ الْأَوْصِيَاءِ

هِيَ أُمُّ اَلْهُدَاةِ فِي كُلِّ آنٍ *** رَبَّةُ اَلْخَدْرِ دُونَ كُلِّ مُرَاءِ

هي سِتُّ اَلنَّسَا بِأَصْرَحِ قَوْلٍ *** قَدْ أَتَانَا مِنْ أَفْصَحِ الْفُصَحَاءِ

إِذْ يَقُولُ المختارُ قَوْلاً صَرِيحاً *** وَ هوَ إِذْ ذَاكَ سَيِّدُ اَلْبَطْحَاءِ

إِنَّ أُمَّ اَلْمَسِيحِ سَيِّدَة الْبَعْضِ *** فَجَاءَتْ بِأَوْحَدِ الْحُكَمَاءِ

وَ اِبْنَتِي فَاطِمٌ لَسْتُّ لِكُلِّ *** مِنْ لَدُنْ آدَمٍ إِلَي الإنتهاءِ(3)

وَ كَذَا يَغْصِبُ اَلْإِلَهُ وَ يرْضي *** لِرِضَا بِنْتِ أَحْمَدَ الزهْراءِ(4)

ص: 255


1- إشارة إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم لبعض نسائه أنه لما عرج بي إلي السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فتحوّل ذلك نطفة في صلبي فلمّا هبطت إلي الأرض و اقعت خديجة سلام الله عليها فحملت بفاطمة عليها السلام، ففاطمة عليها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلي رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي. راجع مستدرك الحاكم، ج 3 ص 156، قريب من لفظ هذا الحديث، مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 383، ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري، ص 36 و كنز العمال ج 13 ص 94.
2- لعله إشارة إلي ما ورد عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن اللّه تبارك و تعالي خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام فهي أرواحنا فقيل له: يا بن رسول الله عليه السلام و من الأربعة عشر؟ فقال: محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام... إلي آخر الأئمة من ولد الحسين عليه السلام راجع بحار الأنوار، ج 15 ص23، إثبات الهداة، ج 1 ص 517، و الحكم الزاهرة، ج 1 ص 108.
3- إشارة إلي قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم لفاطمة عليها السلام: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين قال : فأين مريم العذراء ابنة عمران، قال لها: أي بنية تلك سيدة نساء عالمها و أنت سيدة نساء العالمين و في لفظ آخر: سيدة نساء أهل الجنة من الأولين و الآخرين. انظر مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 370، و صحيح مسلم بشرح النووي، ج 16 ص 605.
4- إشارة لقول النبي صلي الله عليه و آله و سلم و هو يخاطب فاطمة عليها السلام: يا فاطمة عليها السلام إن اللّه «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضي لرضاك. انظر ذخائر العقبي للطبري، ص 39، و الحكم الزاهرة ص 94.

وَلَدَتْهَا خَدِيجَةٌ وَ هِيَ طُهْرٌ *** أَبْعَدَتْ عَنْ قَذَارَةِ اَلْجَهْلاَءِ

لاَ وَ لاَ اَلْمُشْرِكَاتُ جِئْنَ إِلَيْهَا *** وَقْت وَضْعِ البَتولَةِ اَلْعَذْرَاءِ

أَقْبَلَتْ وَقْتَ وَضْعِهَا طَاهِرَاتٌ *** حِينَ جَاءَتْ وِلاَدَةُ اَلْحَوْرَاءِ

أَقْبَلَتْ مَرْيَمٌ و حَوّا وَ آسٍ *** وَكَذَا سَارَةُ عَلِي اِسْتِحْيَاءِ(1)

قَبِلُوا فَاطِماً وَلِيدَةَ طه *** فَانْبَرَتْ فَاطِمٌ مِنَ الْأَحْشَاءِ

لَمْ تَمُسهَا كَفٌّ مِنَ الشِّرْكِ كَلاَّ *** مُذْ أُحِيطَتْ بِعِصْمَةٍ وَ وِلاَءِ

حَيْثُ إِنَّ اَلرَّسُولَ كَانَ يُنَادِي *** بَضْعَتِي فَاطِمٌ حَبَاهَا حِبَائِي

وَ أَذَاهَا أَذِيَّتِي وَ هُوَ كُفْرٌ *** وَ نِفَاقٌ أُتِيَ مِنَ الْحَمْقاءِ

حَيْثُ يُؤْذِي الإِلَهَ رَبَّ الْبَرايا *** خالِقُ الخَلقِ مُسْدِلَ اَلنَّعْمَاءِ

فَهِيَ سِتٌّ لِكُلِّ أُنْثِي بِحَقِّ *** وَ مِنَ اَلرِّجْسِ طَهِّرَتْ بِاصطِفَاءِ(2)

ص: 256


1- عندما جاء المخاض أم المؤمنين خديجة الكبري سلام الله عليها و اشتد عليها الطلق لم تشعر إلاّ بأربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم أرسلهن اللّه إليها ليلين منها ما يلي النساء عن الولادة وهنّ سارة و آسيا بنت مزاحم و مريم بنت عمران و كلثوم أخت موسي بن عمران عيلهم السلام فوضعت فاطمة الزهراء عليها السلام ميمونة مباركة زكية و قد أشرق نورها حتي شمل بيوت مكة... و قد وردت هذه الرواية بألفاظ متقاربة في أمالي الصدوق ص 476 و مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 388.
2- أ- عن أسماء بنت عميس أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال لها حين ولدت الزهراء عليها السلام: يا أسماء إن فاطمة عليها السلام حورية إنسية أما علمت أن فاطمة طاهرة مطهرة، و في لفظ آخر: إن فاطمة عليها السلام حوراء إنسية و قد وضعت الزهراء عليها السلام الإمام الحسن عليه السلام بعد العصر و طهّرت من نفاسها فاغتسلت وصلّت المغرب لذلك سميت بالزهراء كذلك سمّيت فاطمة البتول لأنها تبتّلت من الحيض و النفاس. انظر ذخائر العقبي ص44 و ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 1 ص260. ب . عندما نزلت آية التطهير و هي قوله تعالي: و«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» الأحزاب 33، جمع النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الإمام علي عليه السلام و فاطمة الزهراء عليها السلام و ابنيهما الحسن والحسين عليهم السلام و جلّلهم بكسائه ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم و طهّرهم تطهيراً. قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية المباركة «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» أي يذهب السوء و الفحشاء يا أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم و يطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيراً و مُقتضي ما أوردناه أن فاطمة الزهراء عليها السلام التي شملتها آية التطهير مطهّرة من السوء و الفحشاء و الدنس... إلخ. راجع مسند أحمد بن حنبل، ج 1 ص 330 و ج 11 ص 25، و مستدرك الحاكم، ج 3 ص 133 ، و الصواعق المحرقة، ص 143 و ص 229. ج - وهناك أيضاً قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين و إنها لتقوم في محرابها فيسلِّم عليها سبعون ألف ملك من المقربين و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم بنت عمران فيقولون: يا فاطمة عليها السلام «إن اللَّه اصطفاك و طهّرك و اصطفاك علي نساء العالمين» انظر مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 309، بحار الأنوار، ج 43 ص 49.

فَبِهَا يُقْتَدِي دَوَاماً تَمَاماً *** لَمْ تَرُعْهَا نَوَائِبُ اَلْغَوْغَاءِ(1)

خَلَدَ اَللَّهُ ذِكْرَهَا بِاعْتِصامٍ *** طولِ أَيَّامِها لِيَوْمِ الْجَزاءِ

عُنْصُرٌ طابَ ذِكرُهُ كُلَّ حِينٍ *** شَرَفاً وَ ارتقَي عَلَيّ الْجَوْزَاءِ

يَا نِسَاءَ اَلدُّنَا تَعْلَمْنَّ مِنْهَا *** سِيرَةَ اَلْحَقِّ سِيرَةَ الْوَلِيَاءِ

أَيُّهَا اَلنِّسْوَةُ اَلْعَفِيفَاتُ قُرْباً *** وَالْتِصاقاً بِالْغَادَةِ وَ الحسناءِ

لاَ يَغُرَّنَّكُنَّ يَوْماً شَبَابٌ *** قَدْ تَصَدّي لَكِنَّ بِالْإِغْوَاءِ

جَعَلوُكنَّ فِي اَلزَّمَانِ دَوَاماً *** فِتْنَةَ الإنحطاطِ بِالْأَزْيَاءِ

سَلبُوكُنَّ لِلسُّتُورِ اِغْتِرَاراً *** فَغَدَوْتُنَّ رَغْبَةَ اَلْأَدْعِيَاءِ

قَدْ نَزَعتُنَّ لِلْحَيَاءِ ابْتِدَاراً *** رَغْبَةً فِي زَخَارِفِ اَلدَّهْيَاءِ(2)

فَنَزَلَتُنَّ مِنْ صِفَاتٍ عَوَالٍ *** لِهوانِ الْحَياةِ بِالْكِبْرِيَاءِ

وَ مَشِيْتُنَّ بِالتَّهَتُّكِ جَهْراً *** لِذِئَابِ الْفَسَادِ وَ الْبَأْسَاءِ

فَتَعَرَتْ بِنْتُ اَلْهَوَاءِ وَ أَضْحَتْ *** فِي حَضِيضٍ وَ أَعِينِ الإِزْدرَاءِ

صِرْن يَلْحَظْنَهَا بِطَرَفٍ عَنِيفٍ ***كلحاظِ اَلثَّعَالِبِ اَلْجَوْفَاءِ

أَيُّهَا النِّسْوَةُ اَلْكِرَامُ حِذَاراً *** لاَ تَكُونَنْ كَدِمْنَةٍ خَضْرَاءِ

فَاقْتَبَسْنَ مَكَارِماً وَ سَلاَماً *** وَ اِكْتَسَيْنَ مَلاَبِسَ اَلْعُقَلاَءِ

كَيْفَ لاَ تَلْبَسُ اَلنِّسَاءُ مِثَالاً *** عَابِقاً طُولَ وَقْتِهِ بِالْوَفَاءِ

أَعِنْ ذَاكَ اَلْمِثَالَ زَهْرَةَ قُدَّسٍ *** هِيَ بلقيسةُ اَلْهَدْيُ وَ اَلْوَلاَءِ

هِيَ بَدْرُ الْإِيمَانِ فِي كُلِّ وَقْتٍ *** هِيَ شَمْسٌ بَدَتْ عَلَيَّ الْبَيْدَاءِ(3)

ص: 257


1- نوائب: نوازل و مصائب.
2- الدهياء: الأمر المنكر.
3- البيداء : الفلاة، الصحراء.

نُورُهَا عَمَّ فِي اَلْبَرَايَا جَمِيعاً *** وَ قَدْ شَعَّ فِي دَجْيِّ اَلظَّلْمَاءِ

شَابَهْتُ فِي اَلنُّزُولِ سَبْعَ الْمَثَانِي *** فَوْقَ قَلْبِ المختارِ بِالْإِيحَاءِ

فَغَدَتْ بِنْتُ أَحْمَدٍ أُمْ طه *** هِيَ زَهْر اؤُنَا وَ خَيْرُ النِّسَاءِ

وَ غَدَا الْكَوْنُ كَاسِياً بِالْمَعَالِي *** مَرِحاً يَوْمَ مَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ

فَهِيَ مِصْبَاحُ لُؤْلُو مُسْتَنِيرٍ *** وَ بَنُوهَا مَعَارِجُ الإِرْتِقَاءِ

سُمِّيَتْ فَاطِماً وَ قَدْ فُطِمَتْ مِنْ *** كُلِّ رَجْسٍ بِآيَةٍ نَورَاءِ

فَتُرِي آي إِنَّمَا إِذْ أَبَانَتْ *** مَايَرِيدَ اَلْإِلَهُ مِنْ نَعْمَاءِ

هُوَ اِذْهَابُ كُلِّ رِجْسٍ قَبِيحٍ *** عَنْ أُولِي اَلْبَيْتِ سَادَةِ اَلْأَصْفِيَاءِ

وَ لَهَا شِيعَةٌ أُقْلِيْتْ مِنَ النَّارِ *** وَلَّاهَا فِي الْحَشْرِ خَيرُ ولاءِ(1)

قُلْ لِمَنْ حَارَبَ اَلْبَتُولَ سَيَجْزِي *** بِجَحِيمٍ فِي اَلْحَشْرِ يَوْمَ اَلْعَطَاءِ

حِينَ تَاتِي اَلْبَتُولُ فِي يَوْمِ حَشْرٍ *** تَشْتَكِي عِنْدَ خَالِقِ اَلْأَشْيَاءِ

يَا إِلَهِي أَنْتَ اَلْمُحْكِمُ فِي مَنْ *** سَاءَنِي جَاحِداً لِكُلِّ وَلاَءِ

يَا إِلَهِي ظُلِمْتُ حِقْداً وَ عَدْوّاً *** مِنْ أُنَاسٍ تَجَمْهِرُوا فِي إِذَانِي

غَصَبُوا نِحْلَتِي وَ بَزّوا حُقُوقِي *** أَسْقَطُوا مُهْجَتِي مِئْنَ الْأَحْشاءِ(2)

أَشْعِلُوا نارَهُمْ عَلَيَّ بابِ دارِي *** أَحْرَقُونِي وَ لَمْ أَزَلْ فِي عَنَاءِ

آلَمَتْنِي سِياطُهُمْ فَوْقَ مَتْنِ *** كَلَّمُوهُ وَ لَمْ يُرَاعُوا حِبَائِي

هَجَمُوا مَنْزِلِي عَلَيَّ عِنَاداً *** عَصَرُونِي بِالْبَابِ دُونَ مِرَاءِ

كَسَرُوا أَضْلُعِي وَ قَادُوا لِبَعْلِي *** وَ بِصَدْرِي اَلْمِسْمَارُ أَجْرِي دِمَائِي(3)

ص: 258


1- إشارة إلي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أتدرين يا فاطمة عليها السلام لم سميت فاطمة فقال علي عليه السلام: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لم سميت فاطمة عليها السلام؟ فقال: إن اللّه عزوجل فطمها و ذريتها من النار يوم القيامة و في لفظ آخر لأنها فطمت و شيعتها من النار و في لفظ ثالث: فطم ابنتي فاطمة و ولدها و من أحبهم من النار فلذلك سميت فاطمة عليها السلام. انظر مناقب المغازلي الشافعي ص 221 ح 403 ، مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 377، وكنز العمال ج 6 ص 219.
2- بّزوا: سلبوا، أخذوا بجفاء و قهر.
3- إشارة إلي حادثة الهجوم علي دار الزهراء عليها السلام و إضرام النار بالباب بعد أن عصرها عمر اين الخطاب بين الحائط و الباب. انظر كتاب سليم بن قيس، ص249، و بحار الأنوار ج 53 ص 19.

لَمْ يُرَاعُوا وَصِيَّةَ اَلطُّهْرِ طه *** بَلْ تَعَدَّوْا لِطَوَرِهِمْ فِي جَفاءِ(1)

فَإِلَيْكَ الشَّكوِيُّ إِلَهُ الْبَرايا *** وَ بِكَ الْحَسَبُ يا مُجِيبَ الدُّعَاءِ(2)

فَهُنَاكَ اَلْإِلَهُ يَصْدِرُ حَكْماً *** بِانْتِقَامٍ لِكُلِّ فَرْدٍ مُرَاءِ

لَيْسَ إِلاَّ الْجَحِيمُ مَأْوِي عِدَاها *** بِخُلُودٍ لَهُمْ وَ طُولِ بَقَاءِ

فَخُذِي بَضْعَةَ الرَّسُولِ سَلاَماً ***مِنْ فَتّي مُبْتَغٍ لَكَ بِالْوَفاءِ

هُوَ عَبْدُ المَجِيدِ وَابنُ عَلِيِّ *** أَبْتَغِي نِعمَةً وَ خَيرَ جَزَاءِ

طَالِباً صِحَّةً بِطُولِ حَيَاتِي *** مُسْتَمِيتاً بِخِدْمَةِ اَلزَّهْرَاءِ

طَالِباً مُذَوِّداً سَلِيماً وَ قَلْباً *** مُسْتَنِيراً بِنُورِ ذِي النَّغْمَاءِ

و عَلَيْكِ أمَّ الْهُدَاةِ صَلاةٌ *** تَذكُّ نُوراً عَلَيَّ ضياءِ ذَكاءِ

وَ عَلِي الطُّهْرُ مِنْ بَنيكِ جَمِيعاً *** حُجَجُ الْكَوْنِ سَادَةِ الْأَوْلِيَاءِ

وَ عَلِي البَعلِ سَيِّدي وإمامي *** مَا غَدَا الكَوْنُ باسْماً بِالرِّضاءِ

وَ عَلِيٌ سَيِّدِ اَلْأَنَامِ جَمِيعاً *** مَا غَداً الدَّهْرُ ضَاحِكاً بَهِنَاءِ

هُوَ نُورُ اَلْأَكْوَانِ شَمْسُ البرايَا *** سَيِّدُ اَلرُّسْلِ خَاتَمُ اَلْأَنْبِيَاءِ(3)

ص: 259


1- إشارة إلي وصية النبي صلي الله عليه و آله و سلم أهل بيته عليه السلام قائلاً: يحفظ المرء في ولده. و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: أذكركم اللّه في أهل بيتي، و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: استوصوا بأهل بيتي خيراً. انظر خطبة الزهراء عليها السلام في الاحتجاج للطبرسي، ج 1 ص 131 و حديث الغدير في صحيح مسلم ج 4 في كتاب الفضائل و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 230. و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة و أحبوني لحب الله و أحبوا أهل بيتي لحبي. و قوله صلي الله عليه و آله و سلم: لا يؤمن عبد حتي أكون إليه أحبّ من نفسه و تكون عترتي أحب إليه من عترته. انظر الصواعق المحرقة لابن حجر، ص230. و هناك أحاديث كثيرة في هذا المجال نتركها لمظانها.
2- مِذوَداً: لساناً.
3- المرائي الإسلامية في رثاء العترة النبوية، ص 44.

(34) شمسُهُ الزهراءُ

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المجيد فرج الله(*)(1)

فِي المَدي... حَيثُ تُجثَمُ الظَّلماءُ *** والسُّباتُ العَميقُ دنياخَواهُ(2)

حِلْمٌ رَفَّ فِي اَلسَّمَاءِ رَبِيعاً *** أَحْمَدِيّاً... وَ شَمْسُهُ زَهْرَاءُ

رَاتِقٌ... فِي عُيُونِهِ هَمْسَةُ النُّورِ *** و فَيضٌ و رَحْمَةُ خَضْرَاءُ

فِي فِجَاجِ الصُّخُورِ يَرسُمُ دَرْباً *** لِلهُدي وهُوَ رَوْضَةٌ غَنَاءُ

يَاخُذُ الرُّوحَ فِي مَدَاهُ لتحيا *** فِي رُبُوعِ اَلاِلَهِ كَيْفَ يَشاءُ

أَيَ عُلاهَا الْعَظِيمُ، أَوْقِفْ سُرانا *** لَحظَةً كَيْ يُطِلَّ مِنْكَ سَنَاءُ

كُمْ مَشَيْنَا عَلَيَّ الْجراحِ وَ هَذِي اَلرُّوحُ *** غَضَبِي وَ لَمْ يُنْكِّسْ لِواءُ

وَ عَبرنَا التُّخُومَ... في كُلِّ جَذْرٍ *** رَفَّ مِنَّا حُبِّ وَرَقَّ حُدَاءُ(3)

وَ اتَّيْنَاكَ... لَمْ نَصِلْ... وَ جَوانا *** يَتَفَشَّي لَهيبُهُ وَ الرَّجَاءُ

فَلِمَاذَا؟ وَالأُمْنِيَّاتُ عَطَاشِي *** و النَّدَي يابِسٌ... وَ أنْتَ الماءُ

و اِذا طَيْفُكَ اَلرَّحِيمُ تناءَي *** ومشاويرُ خَطْوِنَا عَرْجَاءُ

خَلْفَ هَذَا اَلْجَحِيمٍ شَبَّتْ رُوَاهَا *** نَاعِمَاتٍ يُفِيضُ مِنْهَا النَّقَاءُ

ص: 260


1- (*) شاعر معاصر ولد في إحدي قري جنوب العراق (1387 ه_)، من أسرة علمية أدبية معروفة، له ثلاث مجاميع شعرية مائلة للطبع في ديوان واحد، و مجموعة قصصية و رواية جاهزتان للطبع، و كتاب عن حياة الإمام السجاد الا بعنوان (ضفة النور) مخطوط، و كتاب عن (قصائد الشاعر علاء الدين الحلي) مخطوط.
2- تجثم: تجلس. و الخَواء: الفضاء، الفراغ.
3- التخوم : الحدود .

هَا هُنَا تُخْنَقُ الرِّئَاتُ و تُمحَي *** من وَجِيبِ(1) الْقُلُوبِ تِلْكَ الدِّمَاءُ

وَلَدَيْهَا تحيَا ازاهيرُ نبِضٍ *** فَتَّقَتهَا مِنْ طُهْرِهَا أَندَاءُ

هَهْنَا حَسْرَةُ اَلزِّمَادِ تَلُوتْ *** في اِنْكِسَارَاتِهَا خُطّي عَمْيَاءُ

وَلَدِي قُدْسِهَا حَمَائِمُ نُورٍ *** تِهِبُ الدِّفءَإِذ يَطُولُ الشِّتاءُ

و النِّداءاتُ اقْبِلوا... إنَّ قَلْبِي *** حِينَ يَعْوِي الْهَجِيرُ ظِلٌ وَ ماءُ

اَنَا مِنْكُمْ... اِلَيْكُمْ... اَنْزِفُ الْجُرْحَ *** لِتَحْيَوا... ما مَسَّنِي اَعْياءُ

لَسْتُ اِرْضِي اِلاّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَللهِ *** شَرَاعَاً... حتِّي يَصِحَّ اَلْوَلاَءُ(2)

ص: 261


1- وجيب: خفوق
2- في إشارة إلي وجوب مودتهم (عليهم الصلاة والسلام المشار إليها في تفسير قوله سبحانه وتعالي«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» الشوري/ 23.

(35) أم أبيها عليها السلام

(بحر الخفيف)

السيد عبد المحسن فضل الله (*)(1)

أُغْمِضُ اَلطَّرْفَ فَالسِّنِينُ وَرَائِي *** تَرْوِي أَحْدَاثَهَا عَلَي اِسْتِحْيَاءِ

ص: 262


1- (*) السيد عبد المحسن إبن العلامة الحجة السيد صدر الدين إبن السيد محمد إبن السيد محيي الدين فضل الله، عالم، فقيه، أصولي، محقق، أديب، مرهف، شاعر مبدع، ينتسب إلي عائلة فضل الله التي تنتسب إلي الإمام الحسن عليه السلام. ولد (قده) في النجف الأشرف سنة (1350 ه_ 1932 م) و عاد به والده، إلي بلدته عيناثا في جبل عامل و عمره أربعة أشهر، و توفي والده و له من العمر تسع سنوات، تعلّم القراءة و الكتابة و القرآن الكريم في المكتب في بلدته عيناثا ثم الخط في مكتب آخر، ثم انتقل إلي المدرسة الرسمية في بنت جبيل لمدة ثلاث سنوات، غادر بعدها إلي النجف الأشرف ليبدأ دراسة المقدمات و السطوح ابتداءً من القطر وانتهاء بالرسائل والمكاسب، وحضر قسما من شرح منظومة السبزواري في الفلسفة علي يد الشيخ محمد تقي صادق، ومن أساتذته خارجة في بعض أبواب الفقه: السيد علي الفاني، و الشيخ عباس الرميثي، و السيد محسن الحكيم برهة قصيرة، و حضر دروس السيد أبو القاسم الخوئي فقها و أصولا، ما ينوف علي العقدين من الزمن، وحاز علي مرثية الاجتهاد في وقت مبكر من حياته كما تنطق به كتاباته الفقهية و الأصولية. بعد ثلاث وعشرين سنة في النجف الأشرف عاد إلي لبنان سنة (1388 ه_/ 1969 م) اليقيم في بلدة خربة سلم في جبل عامل، ليبدأ منها حياة مليئة بالجهاد، و التوجيه و الإرشاد، و النشاط الاجتماعي المشهود، فتربي علي يديه جيل من الشباب الإسلامي كان له فيما بعد الدور الفعال في مجالات عدة علي مستويات العمل الإسلامي. و من معالم حياته البارزة دورة القيادي الفعّال في إشعال روح الثورة ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وصموده في منزله في خربة سلم الذي كان محط رجال المجاهدين الذي تعرض للقصف مرات عدة ما أدي إلي إصابة زوجته إصابة سببت لها الشلل و توفيت بعد ثلاث سنوات، و أصيب سريره بصاروخ خارق بعد مغادرته له بوقت قصير، و تعرّض مدخل منزله لانفجار دمّر ما دمّر. إضافة إلي جهاده المميز (قده) كانت له نشاطات اجتماعية مشهودة، منها علي سبيل المثال إنشاء جمعية التضامن الإسلامي، و إنشاء المشروع الخيري الاجتماعي سنة (1977 م) (تابع للجمعية) و يتكوّن من عدة طوابق ضمّت حسينية و مشغلاً للخياطة. وقاعة محاضرات، و مكتبة عامة و حوزة علمية، و مشاريع أخري لم تتم لأسباب عديدة للمقدس السيد عبد المحسن فضل اللّه مؤلفات عدة في الفقه و الفلسفة و الأدب و غيرها هي: مستند الفقيه، بلغة الطالب في شرح المكاسب، كتاب الشركة، كتاب الوصية، الإسلام و أسس التشريع الإسلامي، نظرية الحكم و الإدارة عند الإمام علي «عليه السلام» في عهده للأشتر، ولاية الفقيه، دليل الفتوي، بحوث فلسفية، الإسلام شكلاً و مضموناً، ديوان شعر أسماء (السراب) إضافة إلي تعليقات أصولية متفرقة. توفي (قده) في الثالث و العشرين من شهر شعبان سنة (1412 ه)، السادس و العشرين من شباط (1992 م) بعد أن ألمَّ به مرض عضال أقعده الفراش في المستشفي فاقد النطق و الحركة، و دفن قده في مقبرة خربة سلم.

فَالقَلِيلُ اَلْقَلِيلُ مِنْهُ كَفِيلٌ *** أَنْ يُرِيَكَ الأُلِي بِكُلِّ جَلاَءِ

كَيْفَ قَامَتْ عَلَيَّ اَلضَّلاَلَةِ تَبنِي *** هَيكَلاً أُسُّه عَلَيَّ اَلْبَغْضَاءِ(1)

لِلْبَتُولِ اَلطَّهُورِ وَيْحَ أُنَاسٍ *** أَغْضِبُوا اَللَّهَ فِي أَذِيِّ اَلزَّهْرَاءِ(2)

وَ هِيَ مَعَنِي قَد عَبَّرَ اَللَّهُ عَنْهُ *** بِانبِثَاقِ اَلْهُدْيِ مِنَ اَلْأُمَنَاءِ

هِيَ مَعني مِن فَوْقِ مَا يُدْرِكُ الْفِكْرُ *** سُمُّواً وَ شَمْسُ كُلِّ سَمَاءِ

هِيَ تَسْبِيحَةٌ مِنَ اَللَّهِ فِي اَلْأَرْضِ *** أنارتْ حَنادِسَ اَلظَّلْمَاءِ

هي قُدْسُ النَّبِيِّ أُمُّ أَبِيهَا *** وَ مُضِةُ اَلنُّورِ بَيْنَ طِينٍ وَ مَاءِ(3)

ص: 263


1- أسّه: أساس و أصل بنائه. و مضة: لمعة خفيفة.
2- المشار إلي قول رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إن فاطمة عليها السلام شعرة مني فمن آذي شعرة مني فقد آذاني و من آذاني فقد آذي الله و من آذي الله لعنه ملءُ السماوات و الأرض. و نحو ذلك من أحاديث متواترة. انظر كشف الغمة، ج 1 ص 467، البحار ج 43 ص 54. و عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال : يا فاطمة عليها السلام إن الله يغضب لغضبك و يرضي لرضاك. و قريب من لفظ الحديث في البخاري، ج 2 ص 3510 باب مناقب قرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم ص 1272. أمالي الصدوق ص 314، و مستدرك الحاكم ج 3 ص 153 ، و كنز العمال ج 6 ص 219 و ج 11 ص 111.
3- إشارة إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم كني فاطمة الزهراء عليها السلام أم أبيها و من معاني ما جاء في تفسير هذه الكنية هو: (حيث إن زوجاته أمهات للمؤمنين و الزهراء عليها السلام أم النبي صلي الله عليه و آله و سلم؟ و كذلك لما أولته من الرعاية و الحنان لأبيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم. و انظر مناقب ابن شهر آشوب، ج3، و فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد.

هِيَ حُبُّ اَلنَّبِيِّ رَجَعَ صَدَاهُ *** فَاطِمُ بَضْعَتِي ولاها وَلاَئِي(1)

هِيَ مِنْ حَاطَتِ اَلنَّبِيِّ بِعَطْفِ *** فَاقَ عَطفَ الآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ

وَ هِيَ مَنْ خَصَّهَا ارْتِفاعاً عَنِ الْأَرْضِ *** بِرمْزِ الْأَمْلاكِ فِي اَلْغَبْرَاءِ

زَفَّهَا نَحْوَهُ بِمَوْكِبِ قُدسٍ *** بَزَّ شَأْواَ فَصَاحَةَ اَلْبُلَغَاءِ(2)

وَ هِيَ مَنْ أَنْزَلَ اَلْمُهَيْمِنُ فِيهَا *** آيَةَ اَلطُّهْرِ فِي ءَتَمِ أَدَاءِ

وَ هِيَ سَيْفُ اَلْإِلَهِ بِاهِلَ فِيهِ *** أَحْمَدُ اَلشِّرْكَ حَاسِراً فِي اَلْعَرَاءِ(3)

وَ هِيَ أُمُّ اَلْكِسَاءِ ضَمَّ سَنَاءُ *** خَيْرَ كُلِّ اَلْوَرِي بِلاَ اِسْتِثْنَاءِ

هَذِهِ فَاطِمُ وَ بَعْضُ عُلاَهَا *** فَاسْأَلُوهَا عَنْ فَاضِحِ اَلْأَنْبَاءِ

طَلَبَتْ إِرْثَهَا كَمَا أَمَرَ اَللَّهُ *** فَرُدَّتْ بِفِرْيَةِ اَلْأَدْعِيَاءِ(4)

ص: 264


1- إشارة إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم: فاطمة عليها السلام بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها... و في حديث آخر: فاطمة عليها السلام بضعة مني من سرّها فقد سرّني و من ساءها فقد ساءني فاطمة عليها السلام أعز الناس عليَّ. و في لفظ آخر: أعز البرية عليّ. راجع مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 380، و الصواعق المحرقة، ص 190، إثبات الهداة، ج 2 ص 397، الحكم الزاهرة، ج 1 ص 94. و قريب من لفظ هذا الحديث في صحيح البخاري، ج 2 ص 1285 ج 3556 باب مناقب فاطمة ومناقب قرابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم ص 1272 ح 3510.
2- بزّ: غلب.
3- إشارة إلي مباهلة النبي صلي الله عليه و آله و سلم نصاري نجران فبعد أن نزل قوله تعالي: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ» آل عمران/ 61. عند ذلك خرج النبي للمباهلة و معه الإمام علي عليه السلام و سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام و الحسن والحسين عليهما السلام قائلاً لهم إذا دعوت فأمنوا ولكن نصاري نجران امتنعوا عن المباهلة عندما رأوا أهل البيت عليهم السلام و قد خرجوا للمباهلة فقبلوا الصلح و الجزية بعد أن نصحهم الأسقف قائلاً: يا معشر النصاري إني لأري وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقي علي وجه الأرض نصراني إلي يوم القيامة. راجع مسند أحمد بن حنبل، ج 1 ص 101، و صحيح مسلم ج 4، و صحيح الترمذي، ج 5 ص 301 ح 2999 وج 4 ص 293، و كتاب فضائل الصحابة باب فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، و الصواعق المحرقة لابن حجر، ص 645.
4- المقصود قول فلان: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. فِرية : كذب و افتراء.

أَتْرَاهَا وَ اَلطُّهْرُ كُلُّ معانيهَا *** اِفْتِرَاءً تَفُوَّهُ بِالْحَوْبَاءِ؟(1)

ألفُ حَاشَا أَنْ تَفْتَرِيَ اِبْنَةُ طه *** فَهِيَ أَدْرِي بِشِرْعَةِ اَلْأَنْبِيَاءِ

يَا بْنَ تَيْمٍ مَنْ أَنْتَ كَيْ تزدريها *** خَسِيءَ اَلْقَوْلُ أَنْ تَكُونَ نِدَائِي

خَسِئَتْ أُمَّةٌ تامَّرَ فِيها *** فِئَةٌ أُسَّسَتْ عَلَي الْبَغْضاءِ

يَا لِعَارِ اَلْأَحْدَاثِ صُغرِي مَرَامِيهَا *** اِنْتِقَاضُ اَلشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ

قَسْماً بِالنَّبِيِّ لَوْلا اِخْتِشَائِي *** مِنْ ضِيَاعِ الحقيقةِ اَلْغَرَّاءِ

لَطَوَيْتُ اَلْحَدِيثَ عَنْ أَيِّ فِعْلٍ *** سَجَّلَتْهُ صَحَائِفُ اَلْأَعْدَاءِ(2)

ص: 265


1- الحوباء: يريد الحوب و هو الإثم و الذنب، أما الحوباء فهي النفس لأنها موطن الحاجات التي قد تدفع للإثم و توقع في الذنب.
2- شرح خطبة الزهراء و أسبابها، ص 377 للشيخ نزيه القمي.

(36) ملحمة أهل البيت عليهم السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي(1)

ص: 266


1- هو الشيخ عبد المنعم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ حسن ابن الشيخ عيسي ابن الشيخ حسن، الشهير بالفرطوسي. و آل فرطوس أسرة كبيرة ممتدة الأطراف، و هم من قبيلة عربية يقطن معظمها في محافظة العمارة و فيهم المترجم له، و قسم في المنتفك، و قسم في ناحية الشنافية، و ترجع في النسب إلي آل غربي. ولد في النجف الأشرف سنة (1335 ه) و نشأ و ترعرع في كنف والده ونال منه التربية الصالحة، و منذ نعومة أظفاره تعّشق العلم و درس علي أساتذة عصره من أرباب الفضيلة، فأخذ الفقه و الأصول علي السيد محمد باقر الشخص الاحسائي و اشترك في بحث الخارج عند السيد الخوئي (قدس) و اختلف إلي درس الشيخ محمد عن الخراساني في الأصول. و يعد الشيخ الفرطوسي من أصحاب الفضيلة العالية و من مشاهير الأدباء و الشعراء في جامعة النجف العلمية، و له آثار علمية تعرب عن مقدرته و طول باعه في تلك العلوم نذكر منها: 1 - شرح الاستصحاب من رسائل الشيخ الأنصاري، يقع في ألف صفحة. 2- شرح الجزء الأول من كفاية الأصول، يقع في ثمانمائة صفحة. 3- شرح مقدمة المكاسب إلي بحث المعاطاة. 4- شرح شواهد مختصر المطول. 5- منظومة في علم المنطق في حاشية ملاّعبدالله. 6 - ديوان شعر يقع في أربعة أجزاء جزءان منه في آل البيت عليهم السلام و جزءان في الاجتماعيات. 7 - الوجدانيات من شعره مجموعة ذات ألوان وصفيّة. 8- كما نظم رواية الفضيلة لمصطفي المنفلوطي. و الجدير بالذكر أن المترجَم له كان من المكثرين في النظم، و نظم أكثر شعره في أهل البيت «عليهم السلام» و قد نظم ملحمة كبيرة تضمنت تاريخ الإسلام و سيرة المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام سمّاها (ملحمة أهل البيت «عليهم السلام») تقع في ثمان مجلدات، و قد بلغت أبياتها إلي أكثر من خمسين ألف بيت بقافية واحدة (الهمزة) أخذنا منها ما هو في شأن الزهراء عليها السلام و ها هي بين يديك. و أما شاعرية الفرطوسي فإنها غنية عن المدح و التعريف بعد أن حاز إعجاب كل من سمعه فهذه الأندية الأدبية والحفلات الدينية تشهد بذلك، فهو ينبوع ثرّ و معين لا ينضب ، جزل اللفظ، مليح المعني، حسن السبك و الإيقاع، قرض الشعر علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة فأجاد و أبدع و اتسم نظمه بالقصائد العمودية، و يعد من الرعيل المتقدم من شعراء العقيدة البارزين. وفاته: اختاره الله و دعاه إليه فلبي النداء في (دبي) سنة (1404 ه_) و حُمل جثمانه إلي مسقط رأسه النجف الأشرف ، و دفن بجوار سيد الأوصياء، أمير المؤمنين «عليه السلام».

مولد الزهراء عليها السلام

يَا أَخَا اَلْمُصْطَفِي أَرْفُّ وَلاَئِي *** لَكَ بُشْراً فِي مُوْلِدِ الزَّهْرَاءِ(1)

وُلَدَتْ وَ اَلْعَفَافُ يَنْضَحُ مِنْهَا *** مُسْتَفِيضاً عَلَي بَنِي حَوَّاءِ

وَكَسَاهَا مِنَ الْقَدَّاسَةِ بُرْداً *** أَيْنَ مِنْهُ قَدَّاسَةُ اَلْعَذْرَاءِ

هِيَ أُمُّ اَلسِّبْطَيْنِ بَضْعَةُ طهَ *** زَوْجَةُ اَلْمُرْتَضِي وَ خَيْرُ اَلنِّسَاءِ

هي تُفَّاحَةٌ حَبَاهَا لِطَّهِ *** مِنْ جِنَانِ اَلْخُلُودِ رَبِّ السَّمَاءِ

حَوِّلَتْ نُطْفَةٌ بِأَطْهَرِ صُلْبٍ *** هُوَ أَصْلٌ لِلصَّفْوَةِ اَلْأُمنَاءِ

هي صِدِّيقَةُ اَلنِّسَاءِ تَسَامَتْ *** بعُلاَهَا مِنْ نَسْلَةٍ حَوْرَاءِ

حَدَّثَتْ أُمَّهَا وَ كَانَتْ جَنِيناً *** فِي حشاهَا بِأَصْدَقِ اَلْأَنْبَاءِ(2)

وَ تَجَلَّت شَمْساً بِأُفُقِ هُدَاهَا *** يَتَوَارَي مِنْهَا حَبينُ ذُكَاءِ(3)

ص: 267


1- جلاء العيون ج 1 ص 122 (من الأصل).
2- راجع ينابيع المودّة للقندوزي، ص 198، و ذخائر العقبي، ص 44. فهذه مصادر سبعة من طرق الجمهور. و أما من طرق أصحابنا فإننا نذكر. علي سبيل المثال لا غير -خمسة مصادر فيها الكفاية و الشفاية، و هي: أمالي الصدوق، ص 475، إحقاق الحق للتستري، ج 10 ص 12، بحار الأنوار، ج 16 ص 80، الأنوار البهية للمحدث القمي، ص 46، الدمعة الساكبة للبهبهاني ج 1 ص 238.
3- انظر أمالي الصدوق، ص 475 و روضة الواعظين، ج 1 ص 143، و مدينة المعاجز، ص 635 ط قديم و عوالم العلوم للبحراني، ج 11 ص 14 و الأنوار البهية للقمي، ص 47 و الدمعة الساكبة للمولي البهبهاني، ج 1 ص 239 و الروض الفائق لشعيب بن سعد المصري، ص 214.

هِيَ رَيْحَانَةُ اَلرَّسُولِ وَ كَانَتْ *** مِنْهُ طِيباً تَفُوحُ بِالْأَشْذَاءِ(1)

هِيَ روحٌ مَا بَيْنَ جَنْبَيْهِ كَانَتْ *** تَرْتَدِي مِن حِنَانِهِ بِرِدَاءِ

فَطَمَ اَللَّهُ مِنْ لظَي اَلنَّارِ فِيهَا *** كُلُّ مُولًي لَهَا مِنَ اَلْأَوْلِيَاءِ(2)

قَالَ طه: دَخَلْتُ جَنَّةَ عَدْنٍ *** فِي عُرُوجِي بِلَيْلَةِ اَلْإِسْرَاءِ

فَتَنَاوَلْتُ رطْبَةً هِيَ كَانَتْ *** نُطْفَةً لِلزَّكِيَّةِ اَلْحَوْرَاءِ

وَ هِيَ كانَتْ تَدَّعِي اَلْبَتُولَ لِطُهْرٍ *** نَزَّهَتْ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ اَلدِّمَاءِ(3)

ص: 268


1- في إحقاق الحق للتستري، ج 10 ص 185، عن عائشة، قالت: كان النبي صلي الله عليه و آله و سلم و إذا قدم من سفرٍ قبّل نحر فاطمة، و قال: منها أشمّ رائحة الجنة.
2- تاريخ بغداد، ج 13 ص 331، ذخائر العقبي ص 26، و الصواعق المحرقة، ص 230، و كنز العمال، ج 13 ص 94، وإسعاف الراغبين المطبوع هامش نور الأبصار، ص 191، و ينابيع المودة للقندوزي، ص 194، و مودة القربي، ص 101، و الفيض القدير، ج 1 ص206، و نزهة المجالس ج 2 ص 226، و منتخب كنز العمال؛ هامش المسند، ج 5 ص 97، و شرح جامع الصغير ص 328، و غيرها من كتب الجمهور. ومن جانبنا : صحيفة الإمام الرضا عليه السلام ص23، و عيون أخبار الرضا، و معاني الأخبار ، وعلل الشرائع، ج 1 ص 178، و أمالي الطوسي، ج 1 ص 300، و إحقاق الحق للتستري، ج 1 ص 16، و سفينة البحار للقمي تحت لفظة «سمو»، و فضائل الخمسة، ج 3 ص 153. علي أن هناك تفاسير أخري أيضاً وردت في الروايات، و من الفريقين، لتسمية بضعة الرسول بفاطمة عليها السلام. فبعضها تذكر أنها عليها السلام سميّت بذلك لأنها فُطمت من الشرّ، و بعضها لأنّها عليها السلام فُطمت الناس بولادتها من أن يطمعوا في وراثة أبيها عليها السلام، و ثالثة: لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها عليها السلام و رابعة : لأنّ الله فطمها من الطمث، و فطهما بالعلم، و خامسة: لأن الله اشتق لها اسماً من اسمه، فهو الفاطر و هي فاطمة عليها السلام. فالأقوال و التفاسير علي هذا ستّة. و لا تنافي بينها، بل يمكن التوفيق فيما بينها جميعاً، و القول: بأن كلَّ واحدٍ منها يحكي مصداقاً من المصاديق . و لا بعد في ذلك. و في الهامش العاشر سوف يأتي أحد الوجوه لتوضيح القول الخامس المذكور، فلاحظ. لظي: لهب.
3- البتلُ والبتكُ و البتعُ و البترُ و البتُّ لغةً: القطع، و إن اختلفت صورته و تفاوتت درجته. و تبتّل إلي الله تبتيلاً: انقطع إليه انقطاعاً. و البتول المنقطعة، و سميت مريم العذراء سلام الله عليها بتولاً الانقطاعها عن الرجال إلي الله، و قد تعدّدت التفسيرات لتسمية فاطمة الزهراء عليها السلام بتولاً: أ- لانقطاعها عن نساء زمانها عفافاً و فضلاً و حسباً و ديناً كما عن مجمع البحرين، و لسان العرب، و النهاية لابن الأثير. ب - لانقطاعها عن الدنيا إلي اللّه «سبحانه»، كما عن أهل اللغة السابق ذكرهم. ج - لتكامل حسنها بلحاظي الكلّ و الأجزاء، كما عن لسان العرب. د- لانقطاعها عمّا هو معتاد العورات و الدماء التي تعرض النساء كل شهر، كما عن إحقاق الحق، ج 10 ص 25، و مودة القربي، ص 103، و المناقب المرتضوية، ص 119. ه_- تعودها كل ليلةٍ بكراً، كما عن إحقاق الحق، و المناقب المرتضوية و مودة القربي أيضاً. و- لانقطاعها عن الحيض و النفاس كما في معاني الأخبار، ص 64، و ذخائر العقبي، ص 26، و إحقاق الحق، ص 224، و بحار الأنوار، ج 43 ص 7، 16، 19، و ينابيع المودة، ص 260، و أخبار الدول، ص87، و غيرها. ز- لانقطاعها عن النظير، كما في المناقب لابن شهر آشوب، نقلاً عن الغريبين لعبيد الهروي. والتفاسير -كما هو واضح- تؤول إلي معني واحد مشترك. نعم المعنين الثالث و الخامس لا يستغنيان عن توجيه، إلاّ أنّ الرأي الخامس منصوص عليه في الروايات، فلاحظ. يجدر هنا أن نشير إلي أن التناسب الواضح بين البت و البتر و البتع و البتك و البتل، بحيث يقرّب جداً إرجاع بعضها إلي بعض... إن هذا التناسب من شأنه أن يوضح التفسير الخامس التسمية الزهراء عليها السلام بفاطمة، فراجع الهامش الثامن من هذه القصيدة.

وَ هِيَ فِي اَلْعَرْشِ قَبْلَ آدَمَ كَانَتْ *** قَبَساً زَاهِراً لِأَهْلِ اَلسَّمَاءِ(1)

وَ هِيَ كَانَتْ تَزْهُو سِنّاً لِعَلِيِّ *** وَازدِها كَالفَرقدِ اَلْوَضَّاءِ(2)

فَطَمْتَ مِنْ جَمِيعِ شَرِّ وَ طَمِثٍ *** يَعْتَرِيهَا وَ قُدِّسَتْ بِالثَّنَاءِ(3)

فَوَلاَّهَا بَرَاءَةٌ لِلْمَوَالِي *** مِنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ يَوْمَ الْجَزَاءِ(4)

وَ تَلَقَّتْ حَوَادِثاً وَ عُلُوماً *** مِنْ حَدِيثِ الْمَلاَئِكِ الْأُمَنَاءِ

هَاكِ يَا بَضْعَةَ اَلرَّسُولِ نَشِيدِي *** مُسْتَفِيضاً مِنْ بِسَمَتِي وَ بُكائِي

أَنَا أَرْجُو مِنْكَ اَلشَّفَاعَةَ فِيهِ *** يَوْمَ بَعْثِي مَشْفُوعَةً بِالشِّفَاءِ

رَطْبَةً مِنْ سِدْرَةِ اَلنُّورِ

وَ اِبْنُ عَبَّاسٍ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ *** مُسْتَفِيضٍ عَنْ خَاتَمِ الْأَصْفِيَاءِ(5)

ص: 269


1- البحار، ج 43 ص 17، 44.
2- البحار، ج 43 ص 11، 16. تزهو: تشرق و تضيء. الفرقد: نجمٌ قريب من القطب الشمالي يُهتدي به.
3- طمث: دنس، فساد دم، حيض، ريبه.
4- راجع تاريخ بغداد، ج 13 ص 331، و ذخائر العقبي، ص 26، و كنز العمال، ج 13 ص 101، وينابيع المودّة ص 194، 240، منتخب كنز العمّال، ج 5 ص 97، و نزهة المجالس ج 2، ص 226، و غيرها كثير.
5- جلاء العيون، ج 1 ص 121 «من الأصل».

أنَّ طه قَدْ كَانَ يُكْثِرُ -حُبّاً *** مِنْهُ- تَقْبِيلَ بِنْتِهِ اَلزَّهْرَاءِ

سَأَلْتْ مِنْهُ عَائِشٌ: أَيُّ سِرِّ *** قَدْ دَعَاهُ لِفَرَطِ هَذَا اَلْوَلاَءِ؟

قَالَ: إِنِّي أَبْصَرْتُ سِدْرَةَ نُورٍ *** بِجِنانِ الْفِرْدَوْسِ فِي اَلْإِسْرَاءِ

وَ هِيَ مِمَّا قَدْ أَنْعَمَ اَللَّهُ فِيهِ *** بِجِنَانِ الخُلُودِ للأَتقياءِ

فَتَنَاوَلْتُ رُطَبَةً مِنْ جُنَاهَا *** قَدْ حَبَانِي فِيهَا بِأَسْنِي حِبَاءِ

وَ هِيَ كانَتْ أَرَقَّ لِيناً مِنَ اَلزُّبْدِ وَ أَحلِي *** مَن شَهِدَةٍ فِي الْغِذَاءِ(1)

كَوَّنَتْ نُطْفَةُ الزَّكِيَّةِ مِنْهَا *** فَهِيَ أَزَكِّي إِنسِيَّةٍ حَوْرَاءِ

أَنَا مِنْهَا أَشَمُّ رَائِحَةَ اَلْجَنَّةِ *** مَهْمَا قَبَّلْتُهَا فِي اللِّقَاءِ(2)

تُفَّاحَةً مِنْ شَجَرَةٍ طوبي

وَ أَتِيَ جَبْرَئِيلُ يَوْماً لطَّهَ *** فِي حَدِيث عَنْ صَادِقِ اَلْأُمَنَاءِ(3)

قَالَ: هَذي تُفَّاحَةٌ لَكَ تُهْدِي *** بَعْدَ أَسْنِي تَحِيَّةٍ وَ ثَنَاءِ

شَقَّها الْمُصْطَفي فَأَشْرَقَ نُورٌ *** وَ هِيَ فِي كَفِّهِ عَظِيمُ اَلضِّيَاءِ

قَالَ: مَاذَا؟ فَقَالَ: كُلْهَا فَهَذَا *** هُوَ نُورُ الزَّكِيَّةِ الزَّهْرَاءِ

قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ قَدْ كَانَ *** و مِنْ قَبْلِ آدَمٍ فِي وِعَاءِ

وَ هِيَ تُسَمِّي فِي الْأَرْضِ فَاطِمَةً لُطْفاً *** وَ تُسَمِّي مَنْصُورَةٌ فِي اَلسَّمَاءِ

فَطَمَ اَللَّهُ بِالْمَحَبَّةِ مِنْهَا *** مِنْ لَظَي اَلنَّارِ سَائِرَ اَلْأَوْلِيَاءِ

ص: 270


1- شهدة : العسل ما دام لم يعصر من شمعة.
2- و رواه في علل الشرائع، و شبيه منه في المناقب لابن المغازلي، ص 357 رقم 406، و مقتل الخوارزمي، ص 68، و ذخائر العقبي، ص 36، و ميزان الاعتدال للذهبي، ج 1 ص 541 رقم 2022، و لسان الميزان، ج 2 ص 297، و رواه في البحار عن ابن عباس أيضاً، ج 43 ص 5، ج 16 ص 78 - 80، و ينابيع المودة، ص 197، و راجع أيضاً العيون و الأمالي للصدوق، و الاحتجاج للطبرسي. إلاّ أنّ بعض المصادر تسند الخبر إلي عمر بن الخطاب و غيره.
3- جلاء العيون، ج 1 ص 122 (من الأصل). و المراد بصادق الأمناء، هو الإمام أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.

مِثْلَ مَا عَنْ ولائِهَا بَعْدَ بُغْضٍ *** فَطَمَ اَللَّهُ سائِرَ اَلْأَعْدَاءِ

وَ بِهَا يُنْصَرُ اَلْمُحِبُّ فَيَحْظِي *** بِجِنَانِ الْخُلُودِ يَومَ الجزاءِ

يَفْرَحُ اَلْمُؤْمِنُونَ بِالنَّصْرِ مِنْهُ *** حِينَ تُمْسِي لَهُمْ مِنَ الشُّفَعاءِ(1)

ساعَةُ مَوْلِدِ الزَّهْراءِ

وَ تجلي عَنْ صَادِقِ اَلْقَوْلِ نُوراً *** خَيْرَ نَصِّ عَنْ خِيَرَةِ اَلْآباءِ(2)

حِينَمَا زُوَّجَتْ خَدِيجَةُ طه *** هِجْرَتَهَا مِنْهُمْ جَمِيعُ اَلنِّسَاءِ

وَرَاهَا يَوْماً تُحْدُثُ لِمَّا *** قَدْ أَتَاهَا فِي سَاعَةِ اَلْإِلْتِقَاءِ

قَالَ مِنْ ذا تُحدِّثِينَ؟ فَقَالَتْ: *** إِنَّ هَذَا اَلْجَنِينَ فِي أَحْشَائِي

لَمْ يَزَلْ مُؤْنِسِي بِخَيْرِ حَدِيثٍ *** قَالَ: بُشْراكِ في عَظِيمِ الهَنَاءِ

إِنَّها النَّسْلَةُ الزَّكِيَّةُ مِنِّي، *** كُلُّ نَسْلِي مِنْهَا بِحُكْمِ الْقَضَاءِ

وَ هِيَ أُمُّ الأئمةِ اَلْغُرِّ مَنْ هُمْ *** بَعْدَ وَحْيِي فِي أُمَّتِي خُلَفَائِي

وَ بِيَوْمِ اَلْمِيلاَدِ وَافَتْ إِلَيْهَا *** أَرْبَعٌ مِنْ نِسَاءِ دَارِالْبَقَاءِ

أُخْتِ موسي بِزَوْجِ فِرْعَوْنَ تُتَّلِي *** وَ بِزَوْجِ اَلْخَلِيلِ وَ اَلْعَذْرَاءِ

قُلْنَ: لَا تَحْزَنِي و قِرِّي فَإِنَّا *** لَكِ رُسُلٌ مِنْ صاحِبِ الكِبْرياءِ

نَتَوَلَّي مِنْكَ، الَّذِي تَتَوَلاَّهُ *** جَمِيعَ النِّساءِ، دُونَ عَنَاءِ

فَتُجْلِي نُورَ اَلنُّبُوَّةِ مِنْهَا *** عِنْدَ وَضْعِ الزهرا بِأَجَلِي بَهَاءِ

وَ أَتَتْهَا عَشْرٌ مِنَ اَلْحُورِ تَسْعِي *** بِأَبَارِيقَ مِنْ جِنَانِ اَلسَّمَاءِ

ص: 271


1- و قد ورد في معاني الأخبار عن الصادق أيضاً، و في علل الشرائع عن الباقر عليه السلام و في أمالي الصدوق ابن عباس ص 477، و في تاريخ بغداد ج 5 ص 87 عن عائشة ، و في البحار نقلاً عن علل الشرائع عن جابر بن عبد اللّه، و كذلك في تأويل الآيات ج 1 ص 236، 237. و لك أن تنظر الحديث و نظائره في ذخائر العقبي، ص 36، 44، و ميزان الاعتدال ج 3 ص 539، و في لسان الميزان ج 5 ص 160، و وسيلة المال في الباب الثالث، ص 149، و الروض الفائق، ص214.
2- جلاء العيون، ج 1 ص 123، (من الأصل).

وَ بِمَاءٍ مِنْ كَوْثَرِ اَلْخُلْدِ زَاكٍ *** طَهُرَتْ فِيهِ وَ هُوَ أَطْهَرُ مَاءِ

وَ دَنَتْ إِحْدَاهُنَّ فاستنطقَتها *** فَأَجابَتْ بِلَهْجَةِ اَلْفُصَحَاءِ

حِينَ أَدَّتْ لَهُنَّ خَيْرُ سَلامٍ *** وَ أَبَانَتْ أَسْمَاءَ تِلْكَ النِّسَاءِ

وَ بِنَصِّ الشَّهَادَتَيْنِ أَقَرَّتْ *** لِأَبِيها الْهادي وَ رَبِّ الْعَطاءِ

وَ بِفَضْلِ الأَئِمَّةِ اَلْغُرِّ طُرّاً *** مِنْ بَيْنِهَا وَ سَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ

فَتَعَالَتْ وَ اَلْحُورُ فِي بُشريَّاتٍ *** بشريَّاتِ اَلملاَئِكِ اَلْأُمَنَاءِ

وَ رَأَوْا فِي اَلسَّمَاءِ مَا لَمْ يَرَوْهُ *** مِنْ سِنَا قَبْلَ مَوْلِدِ اَلزَّهْرَاءِ(1)

ص: 272


1- الصدوق في أماليه، بطريقه إلي المفضل بن عمر؛ قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة؟ فقال: نعم، إن خديجة لمّا تزوج بها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هجرتها نسوة مكة، فكنّ لا يدخلن عليها و لا يسلُّمن عليها فاستوحشت خديجة سلام الله عليه لذلك، و كان جزعها و غمُّها حذراً عليها، فلما حملت بفاطمة عليها السلام كانت فاطمة عليها السلام تحدّثها من بطنها و تصبّرها و كانت تكتم ذلك من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فدخل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يوماً، فسمع خديجة سلام الله عليها حدث فاطمة عليها السلام، فقال لها يا خديجة سلام الله عليها، من حدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدِّثني و يؤنسني، قال: يا خديجة سلام الله عليها هذا جبرئيل يخبرني (يبشرني) أنها أُنثي، و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و إن اللّه «تبارك وتعالي» سيجعل نسلي منها، و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاؤه في أرضه بعد انقضاء وحيه. فلم تزل خديجة سلام الله عليها علي ذلك إلي أن حضرت ولادها، فوجّهت إلي نساء قريش و بني هاشم: أن تعالين لتلين منيّ ما تلي النساء من النساء، فأرسَلنَ إليها: أنت عصيتنا، و لم تقبلي قولنا، و تزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له، فلسنا نجيء و لا نلي من أمرِك شيئاً، فاغتمّت خديجة سلام الله عليها لذلك، فبينا هي كذلك؛ إذ دخل عليها أربع نسوةٍ سُمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لمّا رأتهنّ. فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة سلام الله عليها فأرسلنا ربُّك إليك، و نحن أخواتك ؛ أنا سارة، و هذه آسية بنت مزاحم، و هي رفيقتك في الجنة، و هذه مريم بنت عمران، و هذه كلثوم أخت موسي بن عمران بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء ، فجلست واحدة عن يمينها، وأخري عن يسارها، و الثالثة بين يديها، و الرابعة من خلفها ، فوضعت فاطمة طاهرة مطهّرة، فلمّا سقطت إلي الأرض؛ أشرق منها النور حتي دخل بيوتات مكة، و لم يبقَ في شرق الأرض و لا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، و دخل عشر من الحور العين؛ كُلُّ واحدةٍ منهن معها طست من الجنة، و إبريقٌ من الجنة ، و في الإبريق ماءٌ من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسّلتها بماء الكوثر و أخرجت خُرقتين بيضاوين أشدّ بياضاً من اللبن، و أطيبَ ريحاً من المسك و العنبر ، فلفّتها بواحدة و قّنعتها بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليها السلام بالشهادتين، و قالت : أشهد أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، سيدُ الأنبياء، و إن بعلي سيدُ الأوصياء، و ولدي سادة الأسباط، ثم سلّمت عليهن، و سمَّت كُلَّ واحدة منهن بإسمها، و أقبلن يضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليها السلام و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك. و قالت النسوة: خُذيها، يا خديجة سلام الله عليها، طاهرة مطهرة، زكيّة ميمونة، بورك فيها و في نسلها، فتناولتها فرحةً مستبشرة، و ألقمتها ثديها فدرّ عليها، فكانت فاطمة عليها السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، و تنمو في الشهر كما ينمو الصبيُّ في السنة (أمالي الصدوق المجلس السابع والثمانون، ح 1 ص475). و يمكن لك أن تراجع أيضاً: بحار الأنوار ج 16 ص 79، 80، و ج 43 ص 2، 3. بطريقه في الاثنين إلي المفضل بن عمر، و في مصباح الأنوار بطريقه إلي حمّاد. و انظر أيضاً دلائل الإمامة للطبري، ص 9، و المستدرك علي الصحيحين ج 3 ص 161، و ذخائر العقبي، ص 44، و ينابيع المودة للقندوزي، ص 198، و تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر، ج 1 ص294، و وسيلة المال ص 77، و نزهة المجالس ج 2 ص 227.

أسماؤها المباركة

إِنَّ أَسَمَاءَهَا اَلْكَرِيمَةَ مِنْهُ *** تِسْعَةٌ وَهِيَ أَكْرَمُ اَلْأَسْمَاءِ(1)

ص: 273


1- جلاء العيون، ج 1 ص 135، (من الأصل). و في أمالي الصدوق، المجلس السادس و الثمانين ح 18، بسنده إلي يونس بن ظبيان، قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: الفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله «عزوجل» ؛ فاطمة و الصدِّيقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية و المرضيّة و المحدّثة و الزهراء. و في المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 133: و أسماؤها علي ما ذكره أبو جعفر القمي: فاطمة، البتول، الحصان، الحرّة، السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكيّة، الراضية، المرضية ، المحدثة، مريم الكبري، الصديقة الكبري. و يقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية. و نحن نذكر هنا اثني عشر اسماً لها -و الاسم هنا يعمّ اللقب أيضاً- مشفوعةً بما فيه الكفاية من مصادر الفريقين، مضافاً إلي ما سبق و إن ذكرناه متفرقاً في حواشي الكتاب. 1۔ فاطمة عليها السلام: مقتل الحسين للخوارزمي، و إحقاق الحق، ج 1، ج 19، بحار الأنوار 43 تاريخ سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام باب 2 أسماؤها و بعض فضائلها، ص 10 - 19، والعوالم، ج 11 ص 68 - 74، و ينابيع المودة، ص 24، بطريق جابر، و ص 194 بطريق سلمان، و ص 397 بطريق أبي هريرة، و نور الأبصار ص 52، و وسيلة المآل باب 3 ص 150، و فيض القدير ج 1 ص168، و استجلاب ارتقاء الغرف من باب الحث علي حبهم ص 65. 2 - الراضية: تفسير سورة الضحي من الدّر المنثور، نقلاً عن العسكري في المواعظ ، و ابن لال، و ابن مردويه، وابن النجار . و راجع مسند فاطمة للحافظ السيوطي، ص 110. و راجع المناقب لابن شهرآشوب، و جلاء العيون للمجلسي، و الأمالي للصدوق كما تقدم في بداية الحاشية. 3- المرضية : يمكن مراجعة أحاديث رضاها و غضبها، و دلائل الإمامة ص 8، 10 و الأمالي و الخصال و العلل للصدوق، و راجع المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 133، و نوادر المعجزات ص 84، و أهل البيت ص 112. 4 - الزهراء: علل الشرائع، ص 71 ب 143، و كنز الفوائد، ج 2 ص 610 ح 7، و مناقب ابن شهرآشوب ج 3 ص 110، و الفضائل لابن شاذان ص 172، و إرشاد القلوب و إحقاق الحق، ج 10 ص 244، 309، ج 19 ص 16، و بحار الأنوار، ج 40 ص 44 ، ج 43 ص 11، 12، 16، 17، 52، 56، و العوالم ج 11 ص 21، 22 و المحتضر ص 133. و انظر أيضاً مستدرك الحاكم، ج 3 ص 161، و الشرف المؤبد للحافظ السيوطي، و نزهة المجالس، ج 2 ص 222، و إتحاف السائل، ص 24، و إسعاف الراغبين؛ بهامش نور الأبصار، ص 172 ، و أخبار الدول، ص 87، و الفتوحات الربانية، ج 2 ص 50. 5- البتول: دلائل الإمامة، ص 54، و العلل 181 ح 1، و معاني الأخبار ص 64 ح 17، و روضة الواعظين ص 18، و المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 110 عن أبي صالح في كتاب الأربعين، و ذخائر العقبي ص 26، و لسان العرب مادة بتل، و مصباح الكفعمي، ص 659، و إحقاق الحق ج 10 ص 25، 244، و بحار الأنوار ج 43 ص 7، 16، 19، و العوالم، ج 11 ص 79 - 81، و ينابيع المودة، ص 260، و كذلك النهاية و مجمع البحرين، و انظر المناقب المرتضوية، ص 119، و أخبار الدول ص 87، و مودة القربي ص 103، 78، و الفتوحات الربانية، ج ص 50، و إتحاف السائل، ص 95، و أرجح المطالب، ص 241. 6- الطاهرة: التاريخ الكبير، ج 1 ص391، و أمالي الطوسي ج 1 ص 391، و المناقب الابن شهر آشوب ج 3 ص 110، و مختصر تاريخ دمشق ص 42، و إحقاق الحق ج 10 ص 309، و بحار الأنوار ج 43 ص 19، 20 باب 3 - مناقبها و بعض أحوالها عليها السلام 153، و يمكن مراجعة تفاسير آية التطهير و أحاديث سد الأبواب و أمثالها، عوالم العلوم، ج 11 ص 82، 95، و انظر تاريخ آل محمد ح 421، و مصباح الأنوار ص 222، و أخبار الدول ص 42. 7- الذكية : دلائل الإمامة ص 8، 10، و أمالي الصدوق المجلس 87، ح 1، و الخصال و العلل للصدوق، و الخرائج و الجرائح ج 2 ص 524 ح 1، و المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 133، مدينة المعاجز ص 135 ح 376، عوالم العلوم ج 11 ص 55 - 57، و مصباح الأنوار، و أهل البيت لتوفيق أبو علم ص 112، 115، ونزهة المجالس ص 2. 8- المحدَّثة : بصائر الدرجات ص 151 - 161، دلائل الإمامة للطبري ص 27 - 28 الأمالي و الخصال للصدوق، و العلل 216/1- 217 ح 1 و 2 باب 146 - العلة التي من أجلها سميت فاطمة عليها السلام محدّثة و مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 133، بحار الأنوار ج 43 ص 78 - 80، و الغدير ج 5 ص 42، 49، و نوادر المعجزات ص 84، و فيض القدير ج 4 ص 507 «حول وجود المحدثين في الأمة» وأهل البيت لأبي علم ص 112. 9 - المنصورة : تفسير فرات، ومعاني الأخبار ص 396 ح 53، و ميزان الاعتدال ج 2 ص 400 ح 4243، ج 3 ص 438 ح 7070، لسان الميزان ج 3 ص 267، و البرهان ج 3 ص 258 ح 6، و بحار الأنوار ج 43 ص 4، 18، و العوالم ج 11 ص 39، 86، 87. 10 - الصديقة: الكافي، ج 1 ص 458 ح 2، و علل الشرائع، ج 1 ص 184 ح 1، و أمالي الطوسي، ج 2 ص 280، الرياض النضرة، ج 2 ص 202، و الوسائل ج 2 ص 714 - 715، و بحار الأنوار، ج 22 ص 490، 491 ج 43 ص 105، و مرآة العقول، ج 5 ص315، و العوالم، ج 11 ص 91، و الغدير، ج 2 ص 305. 11 - المباركة: دلائل الإمامة ص 8، 10، كما راجع أمالي الصدوق، و المناقب لابن شهرآشوب، ج 3 ص 133، و بحار الأنوار، ج 43 ص 2، 22 «و راجع ما جاء في الهوامش عن لفظ الكوثر فإنه يعني الكثير الطيب و المبارك» و مصباح الأنوار، و مشارق الأنوار، ص 85، و نوادر المعجزات، ص 84، و أهل البيت لأبي علم ص 112. 12 - الحوراء الإنسية: و قد يجعلان اثنين لا واحداً: تفسير فرات ص 10، 73 عن سلمان، و دلائل الإمامة برواية أسماء بنت عميس ص 53، و راجع علل الشرائع، ج 1ص 183 ح 2 عن ابن عباس، و معاني الأخبار ص 396 ح 53، و تاريخ بغداد بروايته عن عائشة و ابن عباس، و في المناقب للمغازلي ص 396 ح 416، و كشف الغمة ج 1 ص 459 عن حذيفة، و ذخائر العقبي ص 26، 36، و ميزان الاعتدال ج 1 ص 81، ولسان الميزان ج 5 ص 190، وإحقاق الحق ج 4 ص 361، وفي تفسير البرهان ج 3 ص 258 ح 6، و بحار الأنوار ج 43 ص 5 ح 5، و إسعاف الراغبين، ص 118، و ينابيع المودة، ص 194، 197، 260، و المحتضر ص 135 عن ابن عباس، ودرّ بحر المناقب ص 65 عن عمار، و وسيلة المآل ص 78، و الروض الفائق ص 214، و أرجح المطالب ص 239، و الشرف المؤبد ص 54، و في تاريخ آل محمد برواية جابر و في محاضرة الأوائل ص 88. هذا، و قد سرد الشاعر (ره) تسعة من هذه الأسماء، بعد أن رواها عن كتاب جلاء العيون، و هي بترتيبه (مرضية، صديقة، طاهرة، زكية، مباركة، محدثة، فاطمة، زهراء) . و لا يخفي ما في الروايات من التجوّز في الاسم بما يعمّ اللقب، بل حتي الكنية. مضافاً إلي أن بعض هذه الأسماء يمكن أن تقرأ بأكثر من صورة، نتيجة انعدام الضبط والحركات منها. مثل المحدثة التي يمكن أن تقرأ باسم المفعول أو اسم الفاعل، و الأمر يصدق أيضا علي مثل الطاهرة و المطهرة، و الراضية و المرضية. و لا يبعد احتمال صحة القراءات جميعاً، لما فيها من نسبة الكمالات الزهراء البتول عليها السلام، و هي التي حازت علي كل خير، بل لوجود الأخبار التي تنسب تلك الصفات جميعاً إليها.

ص: 274

فَهِيَ «مَرْضِيَّةٌ» لِرَبِّ الْبَرايا *** رَضِيت مِنْهُ حَكِيمِ اَلْقَضَاءِ

وَ هِيَ «صِدِّيقَةٌ» بِمَا جَاءَ مِنْهُ *** عُصِمَتْ مِنْ مائِمِ الأَخْطاءِ

طَهُرَتْ مِنْ جَمِيعِ رِجْسٍ خَبِيثٍ *** وَ تَزَكَّت فِي جُمْلَةِ الأزكِياءِ(1)

ص: 275


1- رجس: عمل قبيح، وسوسة الشيطان.

وَ هِيَ قَدْ بُورِكَتْ بِمَا قَدْ حَبَاهَا *** رَبُّهَا مِنْ مَوَاهِبٍ وَ عَلَاءِ

وَ هِيَ قَدْ حَدِّثَتْ بِعِلْمِ غَزِيرٍ *** مِنْ حَدِيثِ المَلائِكِ الأَصفِياءِ

فُطِمَتْ بالعُلُومِ مِن كُلِّ شَرِّ *** وَ مِنَ الطَّمْثِ فِي جَمِيعِ الدِّمَاءِ

وَ هِيَ كَانَتْ تُشَعُّ أنوَرَ قُدُسٍ *** وَ جَلاَلٍ لِسَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ

وَ هِيَ عِنْدَ الصَّلاةِ يَزْهَرُ نُورٌ *** مُسْتَضِيءٌ مِنْهَا لِأَهْلِ السَّمَاءِ

مِثْلُ مَا لِلْأَنَامِ فِي اَلْأَرْضِ يَزْهُو *** خَيْرُ نَجْمٍ مِنَ اَلسَّمَا وَضَّاءِ

وَ جَمِيعُ الْمَلَائِكِ اَلْغُرِّ تُغْشِي *** مِنْهُ أَبْصَارُهُمْ بِأَسنَي بَهَاءِ

فَيَقُولُونَ: أَيُّ شَيْءٍ نَرَاهُ؟ *** فَيَقُولُ الْبَارِي لَهُمْ فِي النِّدَاءِ

هُوَ نُورٌ مِنْ نُورِ قُدْسِي وَ عِزِّي *** وَ سَناءٌ خَلَقْتُهُ مِنْ ضِيائِي

ثُمَّ أَوْدَعْتُهُ بِصُلْبِ نَبِيِّي *** أَحمَدٍ وَ هُوَ أَفْضَلُ الأَنْبِياءِ

ثُمَّ أَخرَجتُهُ وَ أَخْرَجَ مِنْهُ *** نُورَ أَزَكِّي أئمَّةٍ أُمَناءِ

خُلَفَائِي عَلَي اَلْخَلاَئِقِ طُرّاً *** بَعْدَ طه وَ خِيَرَةِ اَلْخُلَفَاءِ

تسميتها بفاطمة عليها السلام

فَطَمَ اَللَّهُ فَاطِماً مِنْ لَظَاهَا *** وَ بَنِيهَا سُلاَلَةَ اَلأزكِيَاءِ(1)

فَتَسَمَّت بِفَاطِمٍ وَ هُوَ حَقّاً *** لعَلاها مِنْ أَفْضَلِ اَلْأَسْمَاءِ

من أحبَّ أهل بيتي دخل الجنة

أَخَذَ المُصطفي اَلنَّبِيُّ بِكَفِّي *** حَسَنٍ وَ اَلْحُسَيْنِ أَخذَ اصْطِفَاءِ

قَالَ: هَذَانِ وَ اَلزَّكِيَّةُ مِنَّا *** وَ هِيَ بِنْتِي وَ سَيِّدُ الأَوْصِيَاءِ

مِنْ أَحَبَّ اَلْجَمِيعَ مِنْهُمْ وَ وَالِي *** كُلَّ فَرْدٍ مِنْهُمْ بِخَيْرِ وِلاءِ

نَالَ بَعْدَ الدُّخُولِ جَنَّة عدنٍ *** دَرَجاتٍ لِخَاتَمِ الأصفياءِ

ص: 276


1- رواه ابن حجر في الصواعق، ص 91، و جلاء العيون، ج ا ص 227.

شرف الزكية

قَالَ لِلْبَضْعَةِ اَلزَّكِيَّةِ طه: *** أَنْتَ فِي أُفُقِ رِفْعَةٍ وَ عَلاَءِ

وَلَدَاكِ سِبطَا هُدًي وَ عَلِيٌّ *** زَوْجُكِ اَلطُّهْرُ سَيِّدُ اَلْأَوْلِيَاءِ

عَمُّ طه أَبِيكِ حَمْزَةُ فِينَا *** أَسَدُ اَللَّهِ سَيِّدُ اَلشُّهَدَاءِ

وَ ابْنُ عَمِّي لَهُ جَنَاحَانِ يَجْرِي *** بِهِمَا بَيْنَ صَفْوَةِ اَلْأُمَنَاءِ

وَ أَبُوكَ الْمُخْتَارُ بَيْنَ اَلْبَرَايَا *** خَاتَمُ اَلرُّسُلِ أَفْضَلُ الأَنْبِيَاءِ

وَ الإِمامُ الْمَهْدِيِّ بِالْحَقِّ مِنَّا *** صَاحِبُ الْعَصْرِ آخِرُ الْأَزْكِيَاءِ

زواج الصدّيقة الزهراء عليها السلام

زُوِّجَتْ فِي اَلسَّمَاءِ طُهْراً وَ يُمْناً *** وَ عَلاءً بِسَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ(1)

ص: 277


1- بالاستقراء نجد أربعة ألسنة في الروايات الشريفة تجاه تزويج الصديقة الطاهرة عليها السلام من أميرالمؤمنين عليه السلام: أ- أن زواجهما قد تمّ في السماء قبل الأرض و له تفاصيل كثيرة من نثار وأفراح وتهانٍ. ب- أن زواجهما في الأرض قد تمّ بأمر السماء. ج- أنّ اللّه «سبحانه» لم يخلق غير عليٍّ كفواً لفاطمة و أنه «سبحانه» أو كل أمر التزويج إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الناس، ما عدا فاطمة عليها السلام فإن أمرها إلي اللّه. و هو يؤول بالنتيجة إلي حصول القران بأمر السماء. د . أن زواج الزهراء عليها السلام من علي عليه السلام قد تمّ برضاها بعد أن خطبها الناس و أشاحت بوجهها عنهم. و واضحٌ أنه لا تنافي بين هذه الأقوال جميعاً، بل إن بعضها يعضد بعضاً، و إنما فرزناها بهذه الصورة؛ تبعاً لما هو موجود في الروايات و الأخبار، و طلباً للدقة و الفائدة. أما القولان الأخيران فقد سبقت الإشارة إليهما وإلي بعض مصادرهما. و نحن نقتصر هنا علي القولين الأولين مع ما عثرنا لهما من المصادر من كتب الفريقين. القول الأول: زواجهما في السماء: صحيفة الرضا عليه السلام ص 172 ح 108، و الكافي ج 1 ص 461 ح 10، و أمالي الصدوق المجلس 46 ح 2، و عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 59، و كنز الفوائد ج 1 ص 236 ح 16، و مناقب ابن المغازلي ص 342 ح 394، و المناقب لابن شهر آشوب ج 2 ص 182 و ج 3 ص 125، و الاحتجاج، ج 1 ص 157، و كشف الغمة، ج 1 ص 472، و الوافي، ج 3 ص 743 ح 1، و إحقاق الحق ج 25 ص 427، و مدينة المعاجز، ج 3 ص 422، و بحار الأنوار، ج 36 ص 361، ج 43 ص 98، 104، 110، 142، و جلاء العيون، ج 1 ص 173 (من الأصل)، و عوالم العلوم ج 11 ص 365 فما بعدها، و ينابيع المودة، ص 177، و إثبات الهداة، ج 1 ص 544، وآل محمد ص 23، و نزهة المجالس ج 2 ص 223، و رشفة الصادي ص 9، و الأنس الجليل ص 173. يُمناً: بركةً. القول الثاني: زواجها بأمر السماء: الكافي ج 5 ص 568 ح 54، غيبة النعماني، ص 57 ح 1، الخصال باب 8، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1 ص 177، ج 2 ص 59، من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 393 ح 4382، كنز الفوائد ج 1 ص 236 ح 16 ، أمالي الطوسي ج 1 ص 154، المناقب لابن المغازلي ص 101، مكارم الأخلاق ص 209، مناقب الخوارزمي ص 62، المقتل للخوارزمي ج 1 ص 80، تذكرة الخواص ص 316، ذخائر العقبي ص 86، كشف الغمة ج 1 ص 153، إرشاد القلوب ص 232، لسان الميزان ج 6 ص 125، الفصول المهمة ص 277، الصراط المستقيم ج 2 ص 238، مسند فاطمة للسيوطي بروايته عن أنس ص 42، 87، كنز العمال ج 16 ص 287، إحقاق الحق ج 6 ص 46، و ج 9 ص 264، و ج 15 ص 166، وسائل الشيعة ج 14 ص 49 ح 5، مدينة المعاجز ج 3 ص 422، ح 3، بحار الأنوار للمجلسي ج 36 ص 272، 361 و ج 37 ص 41، و ح3 ص 92، 97، 104، 144، و ج 51، ص 67، عوالم العلوم ج 11 ص 365 فما بعدها، ينابيع المودة ص 80، 211، 490، جواهر العقدين، أخبار الدول وآثار الأول للقرماني، ص 42، رشفة الصادي للحضرمي ص 9، 43، وسيلة المآل ص 82، 85، الأنوار المحمدية ص 70، مضار الابتداع للشيخ علي الأزهري ص 211، مودة القربي ص 92، كفاية الطالب باب 78 ص 298 - 299، علي ما في الينابيع ص 436، أرجح المطالب ص 254، 262، البيان في أخبار آخر الزمان ص 81، المقتضب لابن عياش ص 29، ترجمة الإمام علي عليه السلام بتاريخ ابن عساكر الدمشقي ج 1 ص 231، ص 241 بطريقين، كفاية الأثر ص 63، الطرائف ص 134 ح 212 و غير هذه المصادر كثير.

كَانَ جِبْرِيلُ خَاطِباً لِعَلِيٍّ *** بَضْعَةَ الطُّهْرِ مِنْ كَرِيمِ اَلْعَطَاءِ

وَ جَمِيعُ الْمَلاَئِكِ الْغُرِّ كَانُوا *** فِي زِوَاجِ الزَّهرَا مِنَ اَلشُّهَدَاءِ

نَثَرَتْ فِي اَلزِّفَافِ لِلْحُورِ طُوبِي *** مَا عَلَيْهَا بِغِبْطَةٍ وَ هناءِ(1)

دِرَراً مِنْ كَرَامَةٍ وَ جَمَاناً *** تَتَهَادَي بِهِ لِيَوْمِ الْجَزاءِ(2)

وَ أَتَاهَا أَنِ احمِلي بِرِقَاقٍ *** خُطَّ فِيهَا بَرَاءَةُ الْأَوْلِيَاءِ(3)

ص: 278


1- غبطة: أن يعظم الشيء في عين الإنسان، ويتمنّي مثله دون أن يريد زوال النعمة عنه.
2- جُمانا : جمع جمانة و هي اللؤلؤة.
3- الرَّقُّ مثل الصّكّ : الصحيفة التي يُكتب عليها، و منه قوله تعالي: «وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ» و أراد بالرِّقاق جمع رقّ. و في الرواية عن طريق بلال بن حمامة كما جاء في تاريخ بغداد: «إن اللّه لمّا أراد أن يزوّج عليّاً عليه السلام فاطمة عليها السلام أمر ملكاً أن يهزّ شجرة طوبي فهزَّهاي فنثرت رقاقاً -يعني صكاكاً- و أنشأ اللّه ملائكةً التقطوها. فإذا كانت القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلا يرون محبّاً لنا أهل البيت محضاً إلاّ دفعوا إليه منها كتاباً براءة له و من النار من أخي و ابن عمي و ابنتي...» (ج 4 ص 210). و في رواية لسان الميزان، ج 6 ص 125 و غيره: كلمة «رقاعاً» بدل «رقاقاً».

كُلِّ رَقِّ قَدْ كَانَ بِاسْمِ مُحِبِّ *** بَعْدَ تَمْيِيزِ سَائِرِ اَلْأَسْمَاءِ

أَوْ كُلَّ اَللَّهُ حِينَ أَعْطَاهُ فِيهِ *** مَلكاً حَافِظاً لِيَوْمِ اَلْبَقَاءِ

فَهُوَ يُعْطِي عِتْقاً مِنَ اَلنَّارِ لُطْفاً *** وَ امْتِنَاناً مِنْهُ لِأَهْلِ الْوَلَاءِ

مَهْرُهَا اَلنِّيلُ وَ اَلْفُرَاتُ وَ جَيْحُونَ *** وَ بَاقي وَ اَلْأَنْهَارُ فِي اَلْحَصْبَاءِ(1)

مَهْرُهَا الْأَرْضُ لاَ يَحِلُّ اغْتِصَاباً *** كُلَّ شَيْءٍ بِها لِأَهْلِ الْعَداءِ

مَهْرُها الْأَكْبَرُ الشَّفاعَةُ يَوْمَ *** الْحَشْرِ مِنْها لِلشِّيعَةِ الأَزْكِياءِ(2)

ص: 279


1- جيحون و في المعاجم: جيحان نهر يعرف اليوم أيضاً باسم «آمودريا»، ومصبُّه في بحر و آرال. الحصباء: الأرض كثيرة الحصي.
2- تتضافر الروايات، ومن الطرفين: علي أنه كان لمهرها، كما كان لزواجها، حصتان؛ سماويَّة و أرضية. أمّا مهرها في السماء فقد أجمع الفريقان علي حصوله، و علي رسم حدوده و معالمه، مع وجود تفاوتٍ يسير في ألسنتها، لكنه غير مؤثر بعد استفاضة الأخبار في ذلك و من الفريقين. و الأمر نفسه صادق تماماً بالنسبة لمهرها عليها السلام في الأرض. و تعميماً للفائدة، و تتميماً للدقة: عملنا علي فرز مفردات صداقها عليها السلام و إسناد كل جزءٍ منه إلي مصادر الخاصّة و العامّة، عسي أن يُسهم ذلك في كشف بعض الحقيقة، ونفي كثيرٍ من الوهم. أولا: مهرها في السماء. أ- الشفاعة يوم القيامة: تاريخ بغداد، ج 4 ص 210، مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 346، كشف الغمة ج 1 ص 507، إحقاق الحق ج 10 ص 367، ج 19 ص 127، 129، عوالم العلوم ج 11 ص 462 و غيرها، نزهة المجالس ج 2 ص 225، المحاسن المجتمعة ص 194 (مخطوط)، أخبار الدول ص 88، تجهيز الجيش ص 102 (مخطوط) السبعيّات ص 78. ب - شجرة طوبي تنثر الرقاق (الرقاع)، كل واحدٍ منها صكُّ أمانٍ من النار، فالملائكة يلتقطونها ثم يعطوها يوم القيامة لمحِّبي فاطمة عليها السلام و أهل البيت «صلوات الله عليهم أجمعين»: تاريخ بغداد ج 4 ص 210. المقتل للخوارزمي ج 1 ص 60، و المناقب للخوارزمي 246، الخرائج و الجرائح 536 ح 11، أسد الغابة في ترجمة سنان بن شفعلة الأوسي أيضاً، كشف الغمة ص 352، الإصابة لابن حجر في ترجمة سنان بن شفعلة (شمعلة) الأوسي، لسان الميزان ج 6 ص 125، الصواعق المحرقة ص 103، وإحقاق الحق ج 10 ص 388، و ج 15 ص 472، و ج 18 ص 180، 512، و ج19 ص 32، البرهان ج 2 ص 295 ح 27، بحار الأنوار ج 43 ص 124، العوالم ج 11 ص405، رشفة الصادي ص 9، 43، أرجح المطالب ص 254، وسيلة المآل ص 85، نزهة المجالس ج 2 ص 223 و تجدها في غير هذه المصادر أيضاً. ج_ - شجرة طوبي تنشر الحلي و الحلل و الدرة و المرجان و الياقوت و اللؤلؤ، و الحور يلتقطنه و يتهادين به فيما بينهنّ إلي يوم القيامة، و يتباهين به ويقلن: هذا نثار فاطمة عليها السلام: دلائل الإمامة للطبري ص 20.18، حلية الأولياء ج 5 ص 59، تاريخ بغداد ج 4 ص 128، 210، مناقب ابن شهر آشوب ج 1 ص 242، و ج 3 ص 346، الإقبال لابن طاوس ص 468، كشف الغمة ج 1 ص 472، مدينة المعاجز ج 2 ص 337 ح 589، ينابيع المودة ص 196، نزهة المجالس ج 2 ص 223، الفتاوي الحديثة لابن حجر المكي ص 124، إثبات الهداة ج 3 ص 131 ح 51، كفاية الطالب الباب 79 ص 300 وسيلة المآل ،ص 85، 86. د- و مهرها الجنة و النار، فتدخل أولياءها الجنة و أعداءها و مبغضيها النار : أمالي الطوسي ج 2 ص 28، بحار الأنوار ج 43 ص 105، 112. ه_- مهرها نصف الدنيا، أو خمس الدنيا (الأرض): دلائل الإمامة للطبري ص 18، الكافي للكليني ج 5 ص 378 ح 7، بحار الأنوار ج 43 ص 144. و - مهرها الأرض فمن مشي عليها مبغضاً لها و لأهل بيتها مشي عليها حراماً: الفردوس ج 5 ص 409 ح 8316، المناقب للخوارزمي ص 235، كشف الغمة ج 1 ص 472، إحقاق الحق ج 7 ص 278، بحار الأنوار ج 43 ص 141، 145. نقلاً عن صاحب الفردوس بروايته عن ابن عباس، ينابيع المودة ص 236، 264، مصباح الأنوار ص 229 (مخطوط)، المحتضر ص 133 ، أرجح المطالب ص 253، مقتل الحسين ج 1 ص 66. ز- مهرها خمس الأرض و ثلث، أو ثلث الجنة: دلائل الإمامة للطبري ص 18 ، مناقب ابن شهر ج 1 ص 242، مدينة المعاجز ج 2 ص 337 ح 589، بحار الأنوار ج 43 ص 113، إثبات الهداة ج 3 ص 131 ح 51. و ما في البحار نقله عن كتاب الجلاء و الشفاء. ح- خمس الأرض، أو رُبعها و بعض أنهارها (دجلة - نهروان - و الفرات و بلخ و النيل): دلائل الإمامة ص 18، الكافي ج 5 ص 378 ح 6، 7، وص 377، أمالي الطوسي ج 2 ص 28، إحقاق الحق ج 10 ص 368، مدينة المعاجز ج 2 ص 337 ح 589، بحار الأنوار ج 43 ص 92، 105، 112، 113، 144، مودة القربي ص 92، فرائد السمطين ج 1 ص 94 ح 64، الجنة العاصمة ص 100. ثانياً مهرها في الأرض: *مهما تختلف الأخبار في تحديد صداق البتول الزهراء عليها السلام في الأرض، إلاّ أنها اختلافات يسيرة غير جوهريّة. فهي جميع تصرّح ببساطة المهر وقلّته. و إن تفاوتت الأقوال بين كونه أربعمائة درهم أو خمسمائة، أو أربعمائة و ثمانين درهماً. أو أربعمائة مثقال فضة. *ثم إن الظاهر من روايات الفريقين أن المهر كانت قيمة لدرع أمير المؤمنين عليه السلام و كانت تدعي الحطميّة، و يبدو للمتتبع أن بعض الأخبار أدخلت بعض مفردات جهاز الزهراء عليها السلام فجعلته شيئاً زائداً مضافاً إلي الدرع، مع أن الظاهر هو أن الدرع لمّا بيعت أقبض الرسول قبضه من ثمنها إلي أحد الصحابة أو بعضهم ليشتري بها ما يصلح الزهراء عليها السلام و بيت زوجيتّها. *أن كثرة التأكيد علي أن مهر السنة هو خمسمائة درهم، يستبعد ما تذكره بعض الأخبار من أن قيمة الدرع الحطميّة كانت ثلاثين درهماً. *إن أحد مظاهر عظمة الزهراء عليها السلام يتمثل في استهانتها الشديدة بالدنيا، و عدم اكتراثها بالمادّة. حتي أنها بناءً علي بعض الروايات طلبت من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أن لا يكون مهرها مادياً أبداً. و تساءلت: ما الفرق بيني إذن و بين سائر النساء إن كان مهري معدوداً بالدراهم والأموال. لكنّها حكمة اللّه التي أبت إلا أن تُظهر عظمة الزهراء عليها السلام و هي سيدة النساء بزهدها في الدنيا ، و بمقامها العجائبي في السماء و الآخرة. *و قد ذكر الشاعر بأنّ مأخذ الخبر الذي ترجمه شعراً هو كتاب جلاء العيون ج 1 ص 64. و لمن أراد الاستزادة يمكن له أن يرجع إلي مصادر أخري مثل : مسند أحمد ج 1 ص 80، و مناقب ابن المعتزلي ص347 ح 399، و الفضائل ص 134 ح 198، و ذخائر العقبي ص 27، و مجمع الزوائد ج 9 ص 205، تاريخ الخميس ج 1 ص 362، كنز العمال ج 7 ص 113، و السيرة النبوّية لزيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 7، و فضائل الخمسة ج 2 ص 142، و منتخب كنز العمال المطبوع بهامش المسند ج 5 ص 99، و محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ج 4 ص 477، و سنن أبي داود ج 1 ص 490 بطريقين، و رشفة الصادي ص 9، و وسيلة المآل ص 82، و الأنوار المحمدية ص 70 و مضار الابتداع ص 211، و غيرها كثير.

ص: 280

قَالَ طه لِفَاطِمٍ وَ عَلِيِّ *** لَيْلَةَ اَلْعُرْسِ بَهْجَةً بِاللِّقَاءِ

أَلِفَ اَللَّهُ بالمحبَّةِ دُنْيَا *** بَيْنَ قلْبيكُما بِغَيْرِ جَفَاءِ

بَارَكَ اَللَّهُ بِالسَّلاَمَةِ يُمَنَّاً *** لَكُما فِي سَعَادَةٍ وَ هناءِ

رَبِّ طَهِّرْهُمَا مِنَ الرِّجْسِ طَيِّباً *** مِثْلَ تَطْهِيرِ خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ

فَهُمَا فِي الْوَلَاءِ مِنِّي و إِنِّي *** مِنْهُمَا فِي مَوَدَّتِي و وَلَائِي(1)

ص: 281


1- الطبقات الكبري ج 8 ص 23، النهاية ج 2 ص 440، تذكرة الخواص ص 317، الرياض النضرة ص 182، ذخائر العقبي ص 29، مجمع الزوائد ج 9 ص 210، الخصائص ص 114، السيرة الحلبية ج 2 ص 207، بحار الأنوار ج 43 ص 137، عوالم العلوم ج 11 ص 393، 394، 412، وسيلة النجاة ص 220، الإحقاق ج 10 ص 416 - 417، منتخب كنز العمال ج 5 ص 31، وسيلة المآل ص 4، رشفة الصادي ص 10، ترجمة الإمام علي عليه السلام في تاريخ ابن عساكر ج 1 ص 245 ح 311 و غيرها.

تحفةٌ في زواج النُّورين

وَ اِبْنُ مَسْعُود فَي حَدِيثٍ شَرِيفٍ *** قَدْ رَوَاهُ خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ(1)

قَالَ طه: قَدْ جَاءَنِي جَبْرَئِيلٌ *** فَحَبَانِي بُشَراً بِخَيْرِ حِبَاءِ

عِنْدَ تَزْوِيجِي الزَّكِيَّةَ بِنْتِي *** مِنْ عَلِيٍّ بِأَمْرِ رَبِّ اَلسَّمَاءِ

خَلَقَ اَللَّهِ جَنَّةً قَدْ بَرَاهَا *** وَ بَنَاهَا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءِ

سَقْفُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ زينتهُ *** قَصَبَاتٌ تَزْهُو بِخَيْرٍ اِزْدِهَاءِ

بَيْنَ هَاتِي وَ تِلْكَ مِنْهَا بتِبْر(2) *** دِرَّةٍ شَذَّرَتْ بِأَبهِي صَفَاءِ

وَ تَسَامَتْ بِهَا بِأَتقَنِ صُنعٍ *** غُرَفٌ مُستَطَيلَةٌ فِي اَلْبِنَاءِ

أُنشِئَتْ مِنْ زُمُرُّدِ و جُمَانٍ *** وَ لُجَيْنٍ(3) وَ ذَهَبَةٍ حَمْرَاءِ

فَجَرَتْ تَحْتَهَا الْعُيُونُ وَ فَاضَتْ ***كُلُّ أَنْهَارِها بِأَعْذَبِ مَاءِ

وَ صُنُوفِ اَلْأَشْجَارِ صَفَّتْ وَ حَفَّتْ *** بَهْجَةً فِي ضِفَافِهَا اَلْخَضْرَاءِ

وَ بَنِيَ اَللَّهِ فِي اَلضِّفَافِ مِنَ اَلدُّرِّ *** قبَاباً مُوَاجَةً بِالضِّيَاءِ

فَرَشَتْ سُنْدُساً وَ فَتَقَ مِسْكٌ *** فِي ثَراها بِإِطِيبِ اَلْأَشْذاءِ

وَ أُعِدَّتْ أَرَائِكُ اَلدُّرِّ فِيهَا *** وَ أُقيمَتْ بِها حَسانُ الْأَمَاءِ

وَ ازْدَهَتْ كُلُّ قُبَّةٍ مَنْ عَلاَهَا *** حِينَ خَصَّتْ بِاللِّطْفِ حَورَاءِ

قُلْتُ: هَذَي النُّعمي لِمَنْ قَدْ بَرَاهَا *** وَ حَبَاهَا يَا خِيَرَةً اَلْأُمَنَاءِ؟

ص: 282


1- تجد نظير ذلك في البحار ج 43 ص 102 ضمن الحديث 12، و ص 13 فما بعدها،جلاء العيون ج 1 ص 141 (من الأصل)، و تجده أيضاً في عيون أخبار الرضا، و الأمالي للصدوق، و تفسير فرات بن إبراهيم، و أمالي الطوسي. و قد نقل الحديث أو نظيره عن ابن مسعود أيضاً الخطيب البغدادي والبلاذري في التاريخ، و أبو نعيم في الحلية ، والعكبري في الإبانة. و نقل مثله ابن بطّة و ابن المؤذن و السمعاني في كتبهم بالإسناد عن ابن عباس و أنس بن مالك. و رواه ابن مردويه عن علقمة، و عبد الرزاق بإسناده إلي أمّ أيمن، و رواه بعض هؤلاء و غيرهم عن خبّاب بن الأرتّ.
2- تبر: ما كان من الذهب غير مضروب أو مصوغ، أو في تراب معدنه.
3- جمان: لؤلؤ. لُجَين: فضّة.

قَالَ هَاتِيكَ تُحْفَةٌ قَدْ حَبَاهَا *** لِعَلِيِّ وَ البَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ

غَيْرُ مَا قَدْ أَعَدَّ رَبُّ الْعَطَايَا *** لَهُمَا مِنْ كَرَامَةٍ وَ عَطَاءِ

زفافُ الصدِّيقة عليها السلام

وَ اِبْنُ عَبَّاسٍ لَيْلَةَ اَلْعُرْسِ مِنْهَا *** قَالَ فِيمَا رَوَيَ لَنَا فِي هِنَاءِ(1)

كَانَ طه قُدَّامَهَا يَتَهَادَي *** بِمَحْيَا مُنَوَّرٍ بِالضِّيَاءِ

وَ بيُمنَي جِبْرِيلَ مَنهَا وَ يُسْرِي *** كَانَ مِيكَالُ خِيَرَةُ اَلْأُمَنَاءِ

وَ وَرَاءَ الْبَتُولِ سَبْعُونَ أَلْفاً *** مِنْ خِيارِ المَلائِكِ اَلْأَصْفِيَاءِ

يُنْشدون التَّسبيحَ وَ اَلْحَمْدَ حَتِّي *** مَطْلَعُ اَلْفَجْرِ مِنْ عَظِيمِ الثناءِ(2)

قَالَ لَوْلاَ عَلِيٌّ مَا كَانَ بَعْلٌ *** هُوَ كُفوٌ لِلْبَضْعَةِ اَلزَّهْراءِ(3)

ص: 283


1- مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 354. كشف الغمة ج 2 ص 91. و حول مشاركة الملائكة في زفاف الزهراء و زواجها، و لاسيّما جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، ومحمود، و نسطائيل (سبطائيل)، و صرصائيل، و راحيل: تاريخ بغداد ج 5 ص7، ذخائر العقبي ص 32، لسان الميزان ج 6 ص 125، والبحار ص 123، 124، 127، 128 و غيرها. و يمكن مراجعة عوالم العلوم للبحراني ج 11 ص 379، و الدمعة الساكبة ج 1 ص 268 فما بعدها، و المقتل لأبي المؤيد ص 66، و المناقب لأبي المؤيد أيضاً ص 239، و وسيلة المال ص 85، 86، ونزهة المجالس ج 2 ص 223، و الفتاوي الحديثيّة لابن حجر المكي ص 124، و الرشفة ص 43، وراجع المطالب ص 254.
2- أمالي الطوسي، تاريخ بغداد ج 5 ص 7، كشف الغمة، ذخائر العقبي ص 32، بحار الأنوار ج 43 ص 104 كما عن البحار في الأحاديث 32، 30، 39، مقتل الحسين عليه السلام لأبي المؤيد، ص 66، و المناقب لأبي المؤيد ص 239، وسيلة المال ص 86. *الكافي ج 1 ص 461 ح 10، الفقيه ج 3 ص 393 ح 4383، أمالي الطوسي ج 1 ص 43 ح 15، التهذيب ج 7 ص 470 ح 90، مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 29، بشارة المصطفي ص 328، الوسائل ج 14 ص 49 ح 6، كتاب المحتضر ص 133، 136، مصباح الأنوار ص 228 (مخطوط)، العيون ج 1 ص 177 ج 3، 4.
3- بحار الأنوار ج 43 ص 107 ح 22، نقلاً عن المناقب لابن شهر آشوب. و قد ذكرناه في الهامش الثاني من القصيدة الأولي نقلاً عن البحار أيضا الذي نقله عن عيون أخبار الرضا عليه السلام. و راجع فردوس الأخبار ج 3 ص 418 ح 5170، كشف الغمة ج 1 ص 472، و إحقاق الحق ج 7 ص 2، و ج 17 ص 35، كنوز الحقائق ص133 وانظر البحار أيضاً ج 43 ص 92، 97، 141، 145، و ج 103 ص 375 ح 17، مودة القربي ص 57، ومقتل الحسين ج 1 ص 6.

شجرةُ طوبَي

قَالَ طه: قَدْ جَاءَنِي جَبْرَئِيلٌ *** فَرِحاً فِي سَنَابِلٍ خَضْرَاءِ(1)

وَ حَبَانِي قَرَنْفُلاً فَاحَ طَيباً *** عَابِقَ النَّشْرِ مِنْ جِنَانِ اَلْبَقَاءِ(2)

قَالَ هَذَا مِمَّا الْتَقَطْنَاهُ بُشْراً *** فِي زَوَاجِ الزَّكِيَّةِ اَلزَّهْرَاءِ

عِنْدَ تَزْوِيجِهَا مِنَ اَللَّهِ فَخْراً *** وَجَلاَلاً بِسيِّدِ اَلأَوصِيَاءِ

إِنَّ رَبِّي أوحِيَ لِرضْوانَ: زَخْرَفْ *** جَنَّةَ اَلْخُلْدِ زِينَةً فِي بَهَاءِ

وَ دَعَا اَلرِّيحَ أَنْ تَهُبَّ عَلَيْنَا *** فِي عَبِيرٍ مُعَطَّرٍ بَرَخَاءِ

وَ تَجَلَّتْ فِيهَا سَحَابَةُ نُورٍ *** أَمْطَرَتْ أَرْضَهَا بأسنَي حِبَاءِ

فَالْتَقَطْنَا مَا أَنْعَمَ اَللَّهُ فِيهِ *** نَحْنُ وَ اَلْحُورُ مِنْ نُثَارِ اَلْهَنَاءِ

وَ لطُوبِي نادِي: اِحْمِلِي بِرِقَاقٍ *** مُنْجِيَاتٍ لِلشِّيعَةِ الأزكِياءِ(3)

كُلُّ صَكِّ قَدْ خُطَّ بِاسْمٍ ولِيٍّ *** وَ مُحِبٍّ مِنْ سائِرِ اَلْأَوْلِيَاءِ

فِيهِ خَطَّتْ بَرَاءَةٌ مِن لِظَاهَا *** لِلْمُحِبِّينَ عِنْدَ يَوْمِ اَلْجَزَاءِ

أَوْدَعَ اَللَّهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا *** بِيَدِي حَافِظٍ مِنَ الْأُمَناءِ

فَإِذَا قَامَتِ الْقِيَامَةُ نَادِي *** بِاسْمِهِ بَيْنَ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ

فَهُوَ يُعْطي كِتابَهُ بِيَمِينٍ *** آمَنَ النَّفْسَ مِنْ عَظِيمِ اَلْبَلاَءِ

زواج علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام في السماء

قَالَ طه وَ قَدْ أَتَاهُ عَلِيٌّ *** خَاطِباً لِلزَّكِيَّةِ اَلزَّهْرَاءِ:(4)

ص: 284


1- بحار الأنوار ج 43 ص 102ح 12 نقلاً عن أمالي الصدوق، جلاء العيون ج 1 ص173.
2- قرنفلاً: شجرة من فصيلة الأسيات.
3- تاريخ بغداد ج 4 ص 210، كشف الغمة ج 2 ص 85، لسان الميزان ج 6 ص 125، بحار الأنوار ج 43 ص 139 ح 35، و كذلك ص 124، جلاء العيون ج 1 ص 179، رشفة الصادي ص 9، 43، وسيلة المال ص 85، نزهة المجالس ج 2 ص 223، أرجح المطالب ص 254.
4- حلية الأولياء ج 5 ص 59. و في تاريخ بغداد ج 4 ص 128، و في المناقب ج 3 ص 348، بحار الأنوار ج 43 ص 127 ح 32 و كذلك ص 107 ح 22 نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب. و في الجنة العاصمة ص 100 و في المقتل لأبي المؤيد ص 64 و في مناقبه ص 235، و في وسيلة المآل ص 85 و لك أن تراجع أيضاً ما نقلناه حول «مهرها في السماء» و لا سيّما النقطة (ج_) منه، و في الهامش السابع و العشرين من هذه القصيدة نفسها.

إِنَّ جِبْرِيلَ مِنْ إِلَهِ اَلْبَرَايَا *** جَاءَنِي فِي حريرةٍ بَيْضَاءِ

وَحبَانِي بُشَرِي مِنَ اَللَّهِ كَانَتْ *** خَيْرَ بَشْرِي مَزْفُوفَةٍ وَ حِبَاءِ

قَالَ: رَبِّي قَدْ زَوَّجَ اَلنُّورَ بِالنُّورِ *** عَلِيّاً مِنْ فَاطِمٍ فِي اَلسَّمَاءِ

حِينَ نَادِي رَاحِيلُ: زَوْجَهُ مِنْهَا *** بِحُضُورِ المَلاَئِكِ اَلْأَصْفِيَاءِ

سَوْفَ يُحْبِي أزكِّي إِمَامَيْنِ مِنْهَا *** مِنْ خِيارِ الأَئِمَّةِ الْأَزْكِياءِ

جَنَّةِ الْخُلْدِ زِينَةٌ تَتَحَلّي *** بِهِما مِنْ نَضَارَةٍ وَ ازْدهاءِ

فَرَقِيَ عِنْدَ بَيتِهِ الطَّاهِرِ الْمَعْمُورِ *** بِالنُّسُكِ مِنْبَراً مِنْ بَهَاءِ

وَ غَدَا خَاطِباً بِخَيْرِ خَطَّابٍ *** عَجَزَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ اَلْخُطَبَاءِ

قَالَ: فِيهِ زَوَّجتُ فاطم يُمْناً *** لِعَلِيٍّ بِأَمْرِ رَبِّ اَلْعَطَاءِ

وَ هُوَ فِي هَذِهِ الحريرةِ خطَّ *** اَلْعَقْدَ بُشْراً فِي مِزْبَرٍ مِنْ ضِيَاءِ(1)

بَعْدَ خَتْمٍ لَهُ بِخَاتَمِ مِسْكٍ *** عَاطِرٍ فِي سَعَادَةٍ وَ هَنَاءِ

وَ هُوَ أوحي؛ اِحْمِلِي لِسِدْرَةِ طُوبِي *** فِي زِوَاجِ اَلنُّورَيْنِ خَيْرَ نَمَاءِ

حُلَلاً مِنْ كَرَامَةٍ وَ حُلِيّاً *** وَ انثُريها نُعَمِي بِخَيْرِ فَنَاءِ

وَ لِحُورِ اَلْجِنَانِ أَوحِي: اَلْقَطِيهَا *** فَتَسَابَقْنَ فِي صَعِيدِ اَلْبَقَاءِ

لاِلْتِقَاطِ اَلنُّعَمِي و هُنَّ بِبَشَرٍ *** يَتَهادَيْنَهَا لِيَوْمِ الْجَزَاءِ

بَعْدَ تَزْيِينِ جَنَّةِ الْخُلْدِ فِيمَا *** قَدْحَبَاهَا مِنْ زِينَةٍ وَ اِزْدِهَاءِ

قُمَّ فَزَوَّج فِي اَلْأَرْضِ بَضعَةَ طه *** مِنْ عَلِيٍّ بِأَمْرِ رَبِّ اَلْقَضَاءِ

صَداقُ الزهراء عليها السلام

وَ صَداقُ الزهراءِ دِرعُ حَدِيدٍ *** وَ هُوَ مِهْرٌ مِنْ سَيِّدِ اَلْأَوْصِيَاءِ

وَ مِنَ اَللَّهِ مَهْرُهَا كُلُّ نَهَرٍ *** قَدْ جَرِيَ فَوْقَ تُرْبَةِ اَلْحَصْبَاءِ

ص: 285


1- مِزبَر: قلم.

وَ لَهَا الْأَرْضُ قَدْ مُشِيَ فِي حَرَامٍ *** فَوْقَهَا كُلُّ نَاصِبٍ بِالْعَدَاءِ

وَ هِيَ قَدْ أُمِرَتْ بِجَنَّةِ عَدْنٍ *** وَ لَظَي اَلنَّارِ مِنْ إِلَهِ السَّمَاءِ

تُدْخِلُ الْجَنَّةَ الْمُحِبَّ وَ تُلْقِي *** فِي لَظَي النَّارِ سَائِرَ اَلْأَعْدَاءِ

وَ بِدَارِ اَلْبَتُولِ سِدْرَةُ طُوبِي *** حَبْوَةً مِنْهُ عِنْدَ يَوْمِ الْجَزَاءِ(1)

وَ لَهَا أَفْضَلُ الشَّفَاعَةِ مِنْهُ *** وَ هِيَ فِي الْحَشْرِ خِيَرَةُ الشُّفَعَاءِ

ص: 286


1- أمالي الصدوق ص 236 ح 2. انظر البحار ج 8 ص 137 ح 49، و ج18 ص 408 ح 118، و ج 43 ص 99 ح 11، و تفسير علي بن إبراهيم 652. و تفسير البرهان ج 4 ص 247 ح 2. و معالم الزلفي للسيد هاشم البحراني ص 397.

فضائل الصَّدِّيقةِ فاطمة عليها السلام

خُلقوا من نورِ اللَّه

قَالَ إِنِّي وَ فَاطِمَا وَ عَلِيّاً *** مَعَ سِبْطَيَّ سَاعَةَ الإنشَاءِ(1)

قَدْ خُلِقْنَا مِن نُورِهِ ثُمَّ كَانَتْ *** عَصْرَةُ النُّورِ خِلقَةَ الْأَوْلِياءِ

فَتَوَالي التَّسْبِيحَ مِنَّا وَ مِنْهُمْ *** وَ تَعالَي التَّكبيرُ لِلأتقِياءِ

قَبْلَ خَلْقِ اَلسَّمَاءِ وَ اَلْأَرْضِ طُرَّا *** وَ جَمِيعِ المَلائِك الأزكياءِ

فَلَنَحْنُ الْمُوَحِّدُونَ خُضُوعاً *** قَبْلَ تَوْحِيدِ سائِرِ الأشْياءِ

قَدَّسَتْهُ الْمَلَائِكَ الْغُرُّ حَمْداً *** بَعْدَ تَقْدِيسِنَا لَهُ و الثناءِ

خدمة الملائكة لفاطمة عليها السلام

قَالَ سَلْمانُ: قَدْ أَتَيْتُ عَلِيّاً *** بَعْدَ أَمْرٍ مِن خاتَمِ الأنبياءِ(2)

ص: 287


1- كشف الغمة ج 2 ص 85. وانظر ما تقدم في (27/22، 29، 30).
2- في المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 116 : أبو علي الصولي في أخبار فاطمة، و أبوالسعادات في فضائل العشرة عن أبي ذر الغفاري، قال: بعثني النبي أدعو عليّاً، فأتيت بيته و ناديته فلم يجيبني فأخبرت النبي، فقال: عُدْ إليه فإنه في البيت، فأتيت و دخلت عليه، فرأيت الرحي تطحن و لا أحد عندها... فأخبرت النبي بما رأيت فقال : يا أبا ذرّ لا تعجب فإن الله ملائكة سيّاحين في الأرض موكّلين بمعونة آل محمد. ثم روي بطريق الحسن البصري و ابن إسحاق، عن عمّار و ميمونة : أنّ كليهما قالا: وجدت فاطمة عليها السلام نائمة و الرحي تدور، فأخبرت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم بذلك فقال : إن الله علم ضعف أمته، فأوحي إلي الرحي أن تدور فدارت. ثم قال : و قد رواه أبو القاسم البستي في مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام، و أبو صالح المؤذن في الأربعين، عن الشعبي بإسناده عن ميمونة، وابن فيّاض في شرح الأخبار. أما خبر سلمان الوارد في الشعر فقد رواه ابن شهر آشوب أيضاً بطريق الإمام الباقر عليه السلام قال: بعث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سلمان إلي فاطمة عليها السلام؛ قال : فوقفت بالباب وقفة حتي سلّمت فسمعت فاطمة عليها السلام تقرأ القرآن من جوّا و تدور الرحي من برّا ما عندها أنيس. و في آخر الخبر : فتبسّم رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله و سلم و قال : يا سلمان ابنتي فاطمة عليها السلام ملأ الله قلبها و جوارحها إيماناً إلي مشاشها، تفرّغت لطاعة الله، فبعث الله ملكاً اسمه زوقائيل -و في آخر جبرئيل- فأدار لها الرحي و كفاها اللَّه مؤونة الدنيا مع مؤونة الآخرة. و واضح من تعدد الروايات و الرواة و اختلاف أوضاع البيت و أحوال الزهراء عليها السلام: أن الواقعة أيضاً تعدّد وقوعها. الخرائج و الجرائح ص 530، ح 6، 531، ح 7، و قد رواها العسقلاني في لسان الميزان ج 5 ص65، بطريق ميمونة، و في البحار ج 43 ص 28، 29، 45 بطرق سلمان و أبي ذر و غيرهم، و العلامة أبو المؤيد في مقتل الحسين ص68، بطريق ميمونة. و في الرياض النضرة ج 2 ص 222، و ذخائر العقبي ص 98، و الصواعق المحرقة ص 105، و إحقاق الحق ج 18 ص 211، 484، و إسعاف الراغبين ص 173 و ينابيع المودة ص 216، 278، و أرجح المطالب ص 686، و الإشراف علي فضل الأشراف ص 97، و وسيلة المآل ص 136، و مناقب العشرة ص 25 من طريق أحمد و الملآ في سيرته، و رواه في الثاقب في المناقب ص 291 ح 249 بطريق أسامة بن زيد.

فَسَمِعْتُ اَلزَّهْرَاءَ عِنْدَ اَلْمُصَلِّي *** تَذْكُرُ اَللَّهَ فِي جَمِيلِ اَلدُّعَاءِ

وَ رَأَيْتُ اَلرَّحِي تَدُورُ اِنْفِرَاداً *** دُونَ شَخْصٍ تَرَاهُ مُقْلَةُ رَائِي

فَسَأَلْتُ اَلنَّبِيَّ عَنْهَا فَأُوحِي: *** إِنَّ بِنْتِي مِنْ سَيِّدَاتِ اَلنِّسَاءِ

عَلِمَ اَللَّهُ ضعفَهَا فَحَبَاهَا *** خَدَماً مِنْ عِبَادِهِ الْأُمَنَاءِ

تَتَأَدي لَها الْمَعُونَةُ مِنْهُمْ *** حِينَ تَحْتَاجُهَا بِخَيْرِ أَدَاءِ

وَ هُمْ يَحْرُسُونَ مِنْ كُلِّ كَيدٍ *** بَضْعَةَ اَلْمُصْطَفِي وَ كُلِّ بَلاَءِ

يَغْضَبُ اَللَّهُ لِلْبَتُولِ وَ يَرْضي *** لِرِضَاهَا عَنْ خَاتَمِ اَلْأَصْفِيَاءِ

فَضْلِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ

قَالَ طه فِي فَضْلِهَا وَ عَلَاهَا *** مَا كَفَاهَا عَنْ مِدْحَةِ الشُّعَرَاءِ

سَيِّدَاتِ النِّسَاءِ فِي الْخَلْقِ طُرّاً *** أَرْبَعَ قُدسَتْ بِأَعْلِي اَلثَّنَاءِ

زَوْجِ فِرْعَوْنَ وَ اَلْبَتُولُ تَلِيهَا *** أُمُّهَا إِثْرَ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ

وَ الْبَتُولِ الزَّهْرَاءِ أَفْضَلُ قَدْراً *** وَجَلاَلاً مِنْ سَيِّدَاتِ اَلنِّسَاءِ

يَغْضَبُ اَللَّهُ حِينَ تَغْضَبُ سَخَطاً *** وَرِضَاهَا رِضًا لِرَبِّ اَلسَّمَاءِ

ص: 288

وَكَفَاهَا فِي الْفَضْلِ مَا جَاءَ فِيهَا *** مِنْ صَرِيحِ الْقُرآنِ خَيْرَ اكْتِفَاءِ

فَهيَ مِمَّنْ قَدْ بَاهَلَ اللَّهُ فِيهِمْ *** وَ قَدَ نَجْرَانَ عِنْدَ وَقتِ الدُّعَاءِ

وَ بِآيِ الْقُرْبَي الْمَوَدَّةُ أَضْحَتْ *** وَ هُيَ فَرْضٌ لَهَا مَعَ الأَقْرِبَاءِ

و بآي الإطعَامِ نَجْمُ عُلاهَا *** قَدْتَجَلَّي نُوراً بِأفَقِ الْعَلاَءِ

وَ بَآيِ وَبِاي التَّطْهِيرِ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ *** قَدْتَزَكَّتْ فِي جُمْلَةِ الأَزْكِيَاءِ

وَ أَحَادِيثُ فَضْلِهَا لَيْسَ تُحْصَي *** وَ كَفَاهَا مِنْهَا حَدِيثُ الْكِسَاءِ

عبادة الزهراء عليها السلام

و َهْيَ كَانَتْ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ نُسْكاً *** وَ صَلاةً فِي خَشْيَةٍ وَ بُكَاءِ(1)

ص: 289


1- روي في دلائل الإمامة ص 56 و الزمخشري في ربيع الأبرار ص 195، عن الحسن البصري قوله: «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة عليها السلام. كانت تقوم حتي تورَّم قدماها». و في علل الشرائع بطريق يصل إلي الإمام الحسن عليه السلام قال: رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتي اتضح عمود الصبح. و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسمّيهم و تكثر الدعاء لهم، و لا تدعو لنفسها بشيء. فقلت لها: يا أُمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟! فقالت: يا بنيّ، الجار ثم الدار». المصدر ج 1 ، ص181، ح1، و رواه أيضاً عنه في البحار ج 43 ، ص 82 ، ح 3 و ص 181 و ح 89 و ص 313، و ج 93 ص 388، و في مصباح الأنوار ص 226 (مخطوط). و في أمالي الصدوق عن ابن عباس قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين... متي قامت في محرابها بين يدي ربها «جل جلاله» ظهر نورها لملائكة السموات كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض «المصدر 99 - 101» المجلس الرابع و العشرون . و في ص 394 (المجلس الرابع و السبعون) يقول صلي الله عليه و آله و سلم: و إنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين، و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم سلام الله عليها، فيقولون يا فاطمة عليها السلام! «إن الله اصطفاك وطهّركِ و اصطفاك علي نساء العالمين.» و في علل الشرائع بطريق يصل إلي الإمام الصادق عليه السلام: «كان يُزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فُرُشهم؛ فيدخل ذلك النور إلي حجراتهم بالمدينة، فتبيضّ حيطانهم فيعجبون من ذلك، فيأتون النبي صلي الله عليه و آله و سلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلي منزل فاطمة عليها السلام، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها و من وجهها، فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة عليها السلام. فإذا انتصف النهار وترتّبت للصلاة زهر نور وجهها بالصفرة، فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفر ثيابهم و ألوانهم... فإذا كان آخر النهار، و غربت الشمس، احمّر وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً و شكراً للَّه «عزّ وجل»، فكانت تدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمّر حيطانهم، فيعجبون من ذلك... فيرونها جالسةٌ تسبّح اللَّه و تمجّده و نور وجهها يزهر بالحمرة الحديث. المصدر ج 1، ص 180، ح2. و إحقاق الحق ج 10 ص 244، و تجده في البحار ج 43، ص 11،ح .2. كما تجد نظيراً لذلك في صحاح الجوهري (في لفظة خرم) و قال الجزري في حديث سعد: ما خرمت من صلاة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم شيئاً، أي تركت و الدلائل ص 4 و روضة الواعظين ص 180، و بشارة المصطفي ص 218 و نور الثقلين، ج 1، ص 381 ح 135 ، و الوسائل ج 5 ص 69 ح 5 ، كما تجد نظيراً لذلك في البحار ج 43 ص24، 181، و ج 37 ص 84 ح 52 ، و ج 89 ص 273 و ج 313 و ج 93 ص 388 و تأويل الآيات ج 1 ص 111 ح 17 ، و إثبات الهداة ج 1 ص 538 ح 166 ، و ج 3 ص 410 ح 288 ، و غاية المرام ج52 ح 32، 288 ، و أهل البيت ص124. و راجع أيضاً كتاب دلائل الإمامة ص 48، والدلائل ص4، و ربيع الأبرار ج 2 ص 104، و المقتل للخوارزمي ص 80 ح 1 ، و الوسائل ج 5 ص 69 ح 5، و الثاقب في المناقب ص 290 ، 291 ح 249، 254.

وَ رِمَتْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ جَهْداً *** قَدَمَاهَا مِنْهَا لِفَرْطِ العَنَاءِ

وَ هْيَ كَانَتْ تُعَانُ فِي جَبْرَئِيلٍ *** حِينَ تَأْتِي بِوِرْدِهَا فِي اخْتِشَاءِ

فَيَهُزُّ الْمَهْدَ الَّذِي كَانَ فِيهِ *** طِفْلُهَا رَاقِداً بِوَقْتِ الأَدَاءِ(1)

فاطمةُ عليها السلام بضعةٌ مِنِّي

قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ: فَاطِمُ مِنِّي *** بَضْعَةٌ مُعْلِناً بِغَيْرِ خَفَاءِ

مَنْ جَفَاهَا فَقَدْ جَفَانِي، فَوَيْلٌ *** لِشَقِيِّ أَسَاءَهَا بِالْجَفَاءِ

وَ رِضَاهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ رِضَائِي *** حَيْثُ أَضْحَي إِيذاؤُهَا إِيذَائِي

لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهَا *** فَجَفَتْهُ بِنْتُ الْهُدَي بِاسْتِيَاءِ

الزهراء عليها السلام بهجة قلبي

قَالَ: إِنَّ الزَّهْرَاءَ بَهْجَةٌ نَفْسِي *** وَ عَلِيّاً مِنْ نَاظِرَيَّ ضِيَائِي(2)

ص: 290


1- انظر مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 68 ، مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 116 ، و لسان الميزان ج 5 ص 65 ، و بحار الأنوار ج 43 ص 45 ، و عوالم العلوم ج 11 ص 193 ، و مقصد الراغب ص 115 (مخطوط).
2- مقتل الخوارزمي ج 1 ص 59.

291

ثَمَرَاتُ الْفُؤادِ سِبْطَايَ حَقّاً *** حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ مِنْ أَصْفِيَائِي

وَ جَمِيعُ الأَئِمَّةِ الْغُرُمِنْهَا *** هُمْ لِرَبِّ الْعُلَا مِنَ الأُمَنَاءِ

وَ هُمْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْبَرَايَا *** مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادِ حَبْلُ الرَّجَاءِ

قَدْ نَجَا مَنْ بِهِمْ تَمَسَّكَ حُبّاً *** وَ اعْتِصَامَاً مِنْكُمْ بِخَيْرِ وَلَاءِ

وَ تَرَدَّي مَنْ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْهُ *** حَائِداً عَنْ مَنَاهِجِ الإِهْتِدَاءِ(1)

النبي صلي الله عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام في جنّة الخلد

قَالَ إِنِّي وَ بَضْعَتِي وَ عَلَيّاً *** مَعَ سِبْطَيَّ صَفْوَةُ الأَزْكِيَاءِ(2)

نَسْكُنُ الْخُلْدَ فِي مَكَانٍ أَمِينٍ *** وَاحِدٍ كُلُّنَا بِيَوْمِ الْجَزَاءِ

حبّ النبيّ صلي الله عليه و آله و سلم للزهراء عليها السلام

سُئِلَتْ عَنْ أَحَبِّ شَخْصٍ إِلَيْهِ *** بَعْضُ أَزْوَاجِ سَيْدِ السُّفَرَاءِ(3)

ص: 291


1- تردّي: هلك.
2- مقتل الخوارزمي ج 1 ص 57.
3- في صحيح الترمذي ج 5 ص701 ح3874 كل منهما بسنده إلي جميع بن عمير التميمي، قال: قالت عمتي لعائشة و أنا أسمع: للَّه أنت مسيرك إلي علي عليه السلام ما كان؟! قالت: دعينا منكِ إنه ما كان من الرجال أحبّ إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من علي عليه السلام، و لا من النساء أحبّ إليه من فاطمة عليها السلام، أمالي الطوسي ج 1 ص 254. و قد ذكر هذا الخبر أيضاً جمع غفير من محدّثي الفريقين، فانظر خصائص النسائي ص 109، و العقد الفريد ج 2 ص 194، و مستدرك الحاكم ج 3 ص 154، 157 ، و الاستيعاب ج 2 ص 751، و تاريخ بغداد ج 11 ص 430، و في شواهد التنزيل ج 2، ص38، ح684، و ربيع الأبرار ص152، ومقتل الخوارزمي ج 1 ص 57، و مناقب آشوب ج 3 ص 331. ورواه في أسد الغابة ج 5 ص 522 ، و الرياض النضرة ج 2 ص 162 ، و ذخائر العقبي ص 35 و المستطرف ج 1 ص 127، و الصواعق المحرقة ص 72، و في كنز العمال، 15 ص 127، و إحقاق الحق ج 8 ص 668، 674 ، ج 10، ص 169، ج 17، ص315، 316، ج 19، ص97، 101، ج25، ص125، و في البحارج 40، ص37، ح12، ص 120 ح 7 ، ج 43 ص 23، ح18، و عوالم العلوم ج 11 في باب أنها أحب الناس إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ص 161 فما بعدها. و رواه في ينابيع المودة ص 204، 166، 172، و أعلام النساء ج 3 ص 1117، و الإتحاف ص 9 و أرجح المطالب ص 224، 504 ، و مقصد الراغب ص 32، (مخطوط) و تاريخ دمشق ج 2 ص 164 ، 168 ، و المختار ص 56، و تاريخ الإسلام ج2 ص 198، وجامع الأصول ج 1 ص 81، و قرة العينين ص 166، ومودة القربي ص101، و منال الطالب ص 23 ، و نظم دُرر السمطين ص 177 ، و تاريخ آل محمد ص 152 و جمع الفوائد ج 2 ص 233 ، و وسيلة المآل ص ،78 و تيسير الوصول ص 159 ، و مشكاة المصابيح، ج 3 ص 258 ، و تجهيز الجيش ص 252 و 375 (مخطوط)، و حسن الأثر ص292، و ذخائر المواريث ج 4 ص 198 ، و تلخيص المستدرك ج 3 ص 157 ، و روضة الأحباب 644 ، و في كتاب العثمانية ص 310، و في مناقب أهل البيت عليهم السلام ص30 عن عائشة.

فَأَجَابَتْ: مِنَ الرِّجَالِ عَلِيٌّ *** وَ هْيَ كَانَتْ لَهُ أَحَبَّ النِّسَاءِ(1)

مَا رَأَتْ مُقْلَتَايَ أَصْدَقَ مِنْهَا *** أَبَداً بَعْدَ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

كَانَ يُعْطِي مَكَانَهُ حِينَ تَأْتِي *** وَ هُوَ طَلْقٌ لَهَا بِكُلِّ احْتِفَاءِ

وَيَشُمُّ الزَّهْرَا وَ يَسْتَافُ مِنْهَا *** نَفَحَاتٍ مِنْ جَنَّةِ الأَنْقِيَاءِ(2)

تسبيحُ الزهراء عليها السلام

قَدْ حَبَاهَا التَّسْبِيحَ طَهَ بَدِيلاً *** وَ هُوَ يُنْمَي لِلْبَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ(3)

حِينَ قَالَتْ مِنَ الْعَنَا لأَبيها: *** أبغني مِنْ حباكَ بَعْضَ الإِمَاءِ

إِنَّ كَفِّي مِنَ الرَّحَي عِنْدَ طَحْنِي *** مَجِلَتْ مِنْ مَشَقَّةٍ وَعَنَاءِ(4)

قَالَ فِي فَضْلِهِ وَ نَاهِيكَ فِيهِ *** عَقِبَ الْفَرْضِ صَادِقُ الأَزْكِيَاءِ:

إِنَّ تَسْبِيحَها أَحَبُّ لِنَفْسِي *** هُوَ مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ فِي الأَدَاءِ(5)

ص: 292


1- المراد: فاطمة الزهراء عليها السلام من الضمير في قوله: و هي.
2- استاف: شمَّ.
3- يُنمي (بالبناء للمجهول): يُنسب.
4- مجلت: تقرّحت من العمل و ظهر فيها المَجْل، و هو أن يكون الجلد و اللحم ماءٌ، من كثرة العمل.
5- في مسند أحمد بن حنبل بإسناده عن شهر، قال: سمعت أم سلمة تحدّث، زعمت أن فاطمة عليها السلام جاءت إلي نبي اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم تشتك إليه الخدمة، فقالت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، لقد مجلت يدي من الرحي، أطحن مرّة و أعجن مرّة، فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، إن يرزقكِ اللَّه شيئاً يأتِكِ، و سأدلّك علي خيرٍ من ذلك، إذا لزمتِ مضجعكِ فسبحي اللَّه ثلاثاً و ثلاثين و كبَّري ثلاثاً و ثلاثين و احمدي أربعاً و ثلاثين، فذلك مائة، فهو خير لكِ من الخادم... الخبر، ج 6، ص 298. و في ج 1 ص 106 : قال صلي الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام و فاطمة عليها السلام: «ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بلي. فقال:كلمات علمنيهن جبرئيل... إذا أويتما إلي فراشكماً فسبَّحا ثلاثاً و ثلاثين و احمدا ثلاثاً و ثلاثين و كبَّرا أربعاً و ثلاثين.» هذا و قد نُسبت هذه التسبيحات إلي الزهراء عليها السلام، فقيل: تسبيح الزهراء و السبب واضح. و الذي اشتهر عندنا متواتراً هو الابتداء بالتكبير أولاً أربعاً و ثلاثين مرة، ثم التحميد فالتسبيح أخيراً، سواءً بعد الصلاة، أو عند النوم. و قد رويت هذه الواقعة في أمهات كتب الفريقين، و بطرق متعددة و إن اختلفت اختلافاً طفيفاً غير ذي بال، فقد وردت في أكثر الصحاح عند الجماعة و شروحاتها، فضلاً عن سائر مجاميعهم الأحاديثيّة و الأمر أكثر وضوحاً و اشتهاراً في معاجمنا و كتبنا الروائية. و نحن نرشد إلي جملة من مصادر الطرفين لمن أراد الاستزادة. فليُراجع كتاب الذكر و الدعاء لمسلم في باب التسبيح أوّل النهار عند النوم، و صحيح ابن داوُد باب التسبيح عند النوم، و صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي بن أبي طالب، و في كتاب الخمس من صحيح البخاري أيضاً في باب الدليل علي أن الخمس لنوّاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و في مسند أحمد بن حنبل بسنده عن شهر ج 6 ص 298، و بسنده عن علي عليه السلام ج 1 ص 106 ، و في صحيح مسلم ج 4 ص 2091 ح 2727 ، و في علل الشرائع في باب علة تسبيح فاطمة عليها السلام، و في مستدرك الحاكم ج 3 ص 151 ، و في حلية الأولياء ج 1 ص 69 ، و في السنن الكبري ج 7 ص 293 ، و في تاريخ بغداد ج 3 ص 23 ، ج 12 ص 22، و في النهاية ج 1 ص 247، و في التذكرة ص 321، و في كشف الغمة ج2 ص85، و في ذخائر العقبي ص 49، 105 ، و في البداية و النهاية ج 6 ص 332، و في مجمع الزوائد ج10 ص327، و في الثغور الباسمة في مناقب سيدتنا فاطمة عليها السلام ص 2 ، و في مسند فاطمة عليها السلام للسيوطي ص100 و 107 و في كنز العمال ج 15 ص 502، 504 ، و في السيرة النبوية لزيني دحلان «المطبوع بهامش السيرة الحلبية» ج 2 ص10 و بحار الأنوار ج 43 ص85، و في إسعاف الراغبين ص 189 ، و في جلاء العيون ج 1 ص 107 ، و في عوالم العلوم 11 ص 280 فما بعد، و في ينابيع المودة ص 200 ، و في أعلام النساء ج3 ص 1202 ، و في عمة القاري في شرح البخاري ج 15 ص36، ج 22 ص 288، و في فتح الباري في شرح البخاري ج 11 ص 102 ، و في إرشاد الساري ج 5 ص 204 ، و ج 6 ص139 ، و في صفة الصفوة ج 2 ص 4، و في منال الطالب ص 33، و في شرح السنّة ج 5 ص 108 و في زاد المسلم ص 121 ، و في تفريح الأحباب 408، و في آل محمد ص 189، و في نظم دُرر السمطين ص 192، و في الشافي للمؤيد ص 55 ، و في الفتح الكبيرج 1 ص36 ، و في أرجح المطالب ص 147 ، 148، 149، و في مطالب السؤل ص9 ، و في رموز الأحاديث ص 163 و في الإرشاد و التطريز ص 210 ، و في الفائق ج 3 ص 8، و في مشكاة المصابيح ج 1 ص 732 ، و في النزاع و التخاصم ص 58 ، و في تاج العروس ج 3 ص 33 و في أمالي يحيي بن موفق باللَّه ج 1 ص 246، و في الإحقاق ج 25 ص 345، 346 ، و في الدمعة الساكبة للبهبهاني ج 1 ص 289، 290.

ص: 293

علي عليه السلام أَعزُّ و فاطمة عليها السلام أحبُّ النبيِّ صلي الله عليه و آله و سلم

قال طه: أعَزُّ أَنْتَ لِنَفْسِي- *** لِعَلِيٍّ - مِنْ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ

وَ الْبَتُولُ الزَّهْرَا أَحَبُّ لِنَفْسِي، *** وَ هْيَ بِنْتِي، مِنْ سَائِرِ الأَقْرِبَاءِ(1)

جفنة من الجنّة

وَ أَتَانَا مِنَ النُّصُوصٍ حَدِيثٌ *** مُسْتَفِيضٌ عَنْ سَيْدِ الأَوْصِيَاءِ

قُلْتُ: لِلْبَضْعَةِ الزَّكِيَّةِ يَوْماً *** أَطْعِمِينا مِنْ رِزْقِ رَبِّ السَّمَاءِ

فَأَجَابَتْ: عَلَّ يَوْمَانِ قَدْ مَرًا *** بَعْدَ إِيثارِكُمْ بِغَيْرِ غِذَاءِ

فَحَبَانِي الإِلهُ دِينَارَتِبْرِ *** وَ هُوَ قَرْضٌ إِلَي زَمَانِ الرَّخاءِ

فَلَقِيتُ الْمِقْدَادَ في الدَّرْبِ يَصْلَي *** فِي لَظَي الْحَرِّ مِنْ لَهِيبِ ذُكَاءِ

قَال: إِنِّي خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ أَهْلِي *** وَ هُمُ يَصْرُخُونَ جُوعاً وَرَائِي

فَحَبَاهُ الدِّينار لِلَّهِ زُلْفَي *** بَعْدَ حُزْنٍ لِحَالِهِ وَ بُكَاءِ

وَ أَتَي مَسْجِدَ النَّبِيِّ يُصَلِّي *** فَأَتَاهُ النَّبِيُّ بَعْدَ الأَدَاءِ

قَالَ: إِنِّي ضَيْفٌ عَلَيْكَ فَأَحْنَي *** رَأْسَهُ مُطرقاً لِفَرْطِ الْحَيَاءِ

فَرَأَي الْمُصْطَفَي بِبَيْتِ عَلِيِّ ***حِينَ وَافَي لِلْبَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ

جَفْنَةً لِلطَّعَام مَلأَي لَدَيْهَا *** وَ هيَ تَذْكُو بِأَطْيَبِ الأَشْذَاءِ(2)

ص: 294


1- انظر الخصائص ص 125 ، و أسد الغابة ج 5 ص 522 و التذكرة لابن الجوزي ص 316 ، 125 5 522 ، و كشف الغمة ج 2 ص 75، و ذخائر العقبي ص 29 ، و البداية و النهاية ج 7 ص 341 ، و الجامع الصغير للسيوطي ص 169، و الصواعق المحرقة ص 114 ، و كنز العمال ج 13 ص 94، و إحقاق الحق ج 7 ص 17، و ج 17 ص 104، و في بحار الأنوار ج 43 ص 38، و في عوالم العلوم ج 11 ص 164 ، 165 ، و في ينابيع المودة ص 196، منتخب كنز العمال «المطبوع بهامش المسند ج 5 ص 93، 97» و نظم دُرر السمطين للرزندي ص 138، جامع العلوم للقرشي علي ما في مناقب الكاشي ص 138، المحاسن المجتمعة للصفوري ص 188 ، الفائق للزمخشري ج 1 ص 269، و رواه ابن حنبل في الفضائل ص 134 ج 198، و ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق ج 1 ص 228 ، و في فرائد السمطين ج 2 ص 91 ح 60 ، و وسيلة المآل ص 85 ، و نزهة المجالس ج 2 ص 222.
2- جفنة: قصعة كبيرة.

وَ الْبَتُولُ الزَّهْرَاءُ لِلَّهِ تَدْعُو *** عِنْدَ مِحْرَابِهَا بِأَزْكَي دُعَاءِ

قَالَ: هَذِي مِنْ جَنَّةِ الْخُلْدِ وَافَتْ *** لَكُمَا خَيْرُ تُحْفَةٍ وَ عَطَاءِ

وَ هُوَ أَجْرُ الدِّينارِ لِلَّهِ وَافَي *** لَكُمَا فَاهْنَآ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ

وَ لَهُ الشُّكْرُ نِعْمَةً وَ امْتِنَاناً *** وَ هُوَ لُطْفاً أَهْلٌ لِكُلِّ ثَنَاءِ

قَدْ أَرَانِي فِي بَضْعَتِي مَا رَآهُ *** زَكَرِيَّا في مَرْيَمَ العَذْرَاءِ

الصِّدِّيقة عليها السلام ترتدي ثوبَ الكرامةِ

قَالَ طه: وَ يُحْشَرُونَ عُرَاةً *** عِنْدَ وَصْفِ الْمَعَادِ لِلْحَوْرَاءِ(1)

لَيْسَ يَرْنُو بَعْضٌ لِبَعْضٍ، فَقَالَتْ: *** واحَيَائِي مِنْ خَالِقِ وَ احِيَائِي(2)

فَأَتَاهُ قَدْ اسْتَحَي اللَّهُ مِنْهَا، *** حِينَ وَافَي إِلَيْهِ وَحْيُ السَّمَاءِ

فَهْيَ تُكْسَي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِتْراً *** مِنْهُ ثَوْبَيْ كَرَامَةٍ وَحباءِ

كرامة الله لأهل بيت النبوة عليهم السلام

قال طه لِفَاطِمِ وَ عَلِيٍّ *** وَ هُوَ فِي الْبَابِ لَمْ يَجُزْ لِلْفَنَاءِ(3)

حِينَ وَافَي لِبَيْتِهِمْ وَ هُوَ يَتْلُو *** آيةَ الفَضْلِ مِنْ سِجِلِّ الْعَلَاءِ

ص: 295


1- تفسير فرات بن إبراهيم ص 21 و في تفسير العياشي ج 1 ص 171 ح 41 ، و أمالي الطوسي ج 2 ص 228 ، و كشف الغمة ج 1 ص 469، و في ذخائر العقبي ص 45، و بحارالأنوار ج 43 ص 31 ح 38 ، و ص 59 ح 51 ، ج 96 ص147 ح 25، و في العوالم ج 11 ص 212 ح 9 ، و ص 222 ح 19 ، وينابيع المودة ص 199 ، و كفاية الطالب ص 367، و وسيلة المآل ص 89 ، و في أهل البيت ص 122، و في فضائل سيدة النساء ص6 (مخطوط)، و في المعيار و الموازنة ص 236، و في توضيح الدلائل كما عن الإحقاق، و في الإحقاق ج 10 ص 323 و ج18 ص 50 و ج 19 ص 120، و في مصباح الأنوار ص8 و ص226 (مخطوط) و في تأويل الآيات ج 1 ص 108 ح 15. و روي نحوه أيضاً تفسير فرات ص 83 ، و في دلائل الإمامة ص 51، و في سعد السعود ص 90 ، و في مدينة المعاجز ج 1 ص 329، و في البحار ج 21 ص19 و ج 43 ص 76.
2- يرنو: يُديم النظر بسكون الطّرف.
3- كشف الغمة ج 2 ص 122 ، 123 ، و البحار ج 43 ص 55 و فاطمة الزهراء عليها السلام بهجة قلب المصطفي ص 620.

قَدْ رَآنِي بَعْدَ اطلاعَةِ عِلْمٍ *** فَاصْطَفَانِي رَبِّي مِنَ الأَنْبِيَاءِ

وَ تَجَلَّي بِعِلْمِهِ لِعَلِيٍّ *** فَارْتَضَاهُ مِنْ سَائِرِ الأَوْصِيَاءِ

وَ هُوَ أَوْلَي خَدِيجَةً حِينَ أَوْلَي *** بنت طه سِيَادَةً فِي النِّسَاءِ

وَ اجْتَبي الْمُجْتَبَي بِجَنَّةِ عَدْنٍ *** سَيِّداً مِثلَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ

وَ رَأَي الْعَرْشَ مُشْرِقَاً مِنْ مُحَيَّاً *** حَسَنٍ وَ الْحُسَيْنِ بِالإِزْدِهَاءِ

فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُزَيِّنَ حُسْناً *** بِهِمَا وَجْهَهُ بِخَيْرِ دُعَاءِ

فَاسْتَجَابَ الدُّعَاءَ مِنْهُ فَكَانَا *** حَوْلَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ أَسْنَي ضِيَاءِ

نور عليٍّ عليه السلام و فاطمة عليها السلام

وَ تَجَلِّي عَنْ خَاتَمِ الرُّسلِ نَصٌّ *** مُسْتَنِيرٌ كَالفَرْقَد الْوَضَّاءِ

قَدْ رَوَاهُ الْمُخَالِفُونَ فَرَوَّي *** كُلَّ ظَامٍ مِنْ مَنْهَلِ الإرْتِوَاءِ

إنَّ أَهْلَ الْجِنَانِ يُشْرِقُ فِيهِمْ *** خَيْرُ نُورٍ يَزْهُو بِخَيْرِ سَنَاءِ

فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، قُلْتُ صِدْقاً *** في صريحِ الْكِتَابِ دُونَ افْتِرَاءِ

لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَ لا زَمْهَرِيرٌ *** أَيِّ شَيْءٍ أَوْفَي بِهذا الْبَهَاءِ(1)

فَيَجِيءُ النَّدَاءُ لِلْخَلْقِ مِنْهُ: *** لَيْسَ هذا السَّنا بِنُورِ ذُكَاءِ

إِنَّ عَبْدَيِّ فَاطِماً وَ عَلِيّاً *** ضَحِكَا مِنْ تَعَجُبِ وَ هَنَاءِ

فَتَجَلِّي فِي جَنَّةِ الخُلْدِ نُوراً *** بَرْقُ تَغْرَيْهِمَا بِأَسْنَي ضِيَاءِ(2)

بشارةٌ للنبي صلي الله عليه و آله و سلم في فضل الزهراء عليها السلام

قَالَ: فِي بَضْعَتِي وَ سِبْطَيِّ وَافَي *** مَلَكٌ فِي بِشَارَةٍ وَحِبَاءِ(3)

ص: 296


1- زمهرير: شدّة البرد.
2- مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 67.
3- قال ابن شهر آشوب في المناقب ج 3 ص 109 : و جاء في كثير من الكتب منها: كشف الثعلبي و فضائل أبي السعادات في معني قوله «لا يرون فيها شمساً و لا زمهريراً» أنه قال ابن عباس: بينا أهل الجنة في الجنة بعد ما سكنوا رأوا نوراً أضاء الجنان، فيقول أهل الجنة، يا ربّ إنك قد قلت في كتابك المنزَل علي نبيّك المرسل: «لا يرون فيها شمساً»، فينادي منادٍ: ليس هذا نور الشمس و لا نور القمر و إنّ فاطمة عليها السلام و عليّاً تعجَبا من شيء فضحكا، فأشرقت الجنان من نورهما. و انظر أيضاً نزهة المجالس ج 2 ص 225، و المحاسن المجتمعة ص201.

أَنَّ سِبْطَيَّ سَيِّدَاكُلِّ نَشَءٍ *** وَ شَبَابِ فِي جَنَّةِ السُّعدَاءِ

وَ هُوَ أَعْطَي سِيَادَةً بِنْتَ طه؛ *** مَثْلَ سِبْطَيْ مُحَمَّدٍ في النِّسَاءِ

أحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَحُرِّمَتِ النَّارُ *** عَلَيْهَا كَمَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ

مِثْلَما حُرِّمَتْ عَلَي كُلِّ زَاكٍ *** مِنْ بَنِيهَا سُلالَةِ الأَزْكِيَاءِ

إن أُصِيبَتْ أُصِبْتُ فِيمَا دَهَاهَا *** إِنَّ إِيَذَاءَ بَضْعَتِي إيذائي

قَالَ طه: عِنْدَ الصِّرَاطِ يُنَادَي *** مِنْ ذُرَي عَرْشِهِ بِخَيْرِ نِدَاءِ

طَاطِئُوا مِنْكُمُ الرُّؤُوسَ وَ غُضُّوا *** كُلَّ أَبْصَارِكُمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ(1)

لِتَجُوزَ الصَّرَاطَ بَضْعَةُ طه *** فِي عُبُورٍ لِجَنَّةِ الأَتقِياءِ

حِينَ تَأْتِي وَ الْحُورُ سَبْعُونَ أَلفاً *** مِنْ جَلالٍ تَحُفُّ بِالزَّهْرَاءِ

حبُّ فَاطِمَةَ عليها السلام ينفعُ في مواطنَ

إِنَّ حُبَّ الزَّهْرَاءِ يَنْفَعُ حَقاً *** أَهْلَهُ فِي مَوَاطِنِ لِلْبَلاءِ(2)

وَ أَقَلُّ الأَهْوَالِ مِنْهَا بَلاءً *** ساعَةُ الْمَوْتِ عِنْدَ وَقْتِ الْفَنَاءِ

وَ عَذَابُ الْقُبُورِ وَ الْحَشْرُ مِنْهَا *** وَ عُبُورُ الصَّرَاطِ يَوْمَ الْبَقَاءِ

ص: 297


1- طأطئِوا : إخفضِوا.
2- جاء في فرائد السمطين ج 2 ص 607 بسنده عن سلمان قال : قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: يا سلمان من أحبّ فاطمة عليها السلام بنتي فهو في الجنة معي، و من أبغضها فهو في النار. يا سلمان! حبُّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت، و القبر، و الميزان و المحشر ،و الصراط و المحاسبة؛ فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيتُ عنه، و من رضيتُ عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه ابنتي فاطمة غضبتُ عليه و من غضبتُ عليه غضب اللَّهُ عليه. يا سلمان! ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين عليّاً، ويلٌ لمن يظلم ذريتها و شيعتها . و رواه ابن شاذان في المائة منقبة ص 126، المنقبة 61، و في إحقاق الحق ج 10 ص 166و في البحار ج 27 ص116 ح 94 و في عوالم العلوم ج 11 ص172 و انظر مثله في ينابيع المودة ص 263 ، و في مقتل الحسين ص 59، و مودة القربي ص 116، و في غاية المرام ص 18 ح 17.

وَ حِسَابُ الْعِبَادِ وَالْوَزْنُ عَدْلاً *** عِنْدَ وَضعَ الْمِيزَانِ يَوْمَ اللقاءِ

لَيْسَ يُنْجِي الْعِبَادَ بِالأَمْنِ مِنْهَا *** غَيْرُ حُبِّ الزَّكِيَّةِ الحَوْرَاءِ

بغْضَبُ اللَّهُ وَ الرَّسُولُ إِذا ما *** غَضِبَتْ عِنْدَ سَاعَةِ الإِيذَاءِ

وَ رِضَا اللَّهِ وَ الرَّسُولِ مَنُوطٌ *** بِرِضَاهَا عَنْ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ

قَالَ: وَيْلٌ حَقّاً لِمَنْ ظَلَمُوهَا *** وَ بَنِيهَا وَ سَيَّدَ الأَوْصِيَاءِ

مَنْ أَسَاؤوا بِالظُّلُمِ حِينَ أَسَاؤوا *** بَعْدَنَصْبِ لِلشَّيعَةِ الأَزْكِيَاءِ

صورةُ الزهراءِ عليها السلام في الجنَّةِ

قَال طه: لَمَّا تَبَخْتَرَ فِيهَا *** آدَمُ مِثلَ زَوْجِهِ حَوَاءِ(1)

حِينَ قَالاً: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقاً *** هُوَ أَزْكَي مِنّا بِوَقْتِ الْقَضَاءِ

وَ هُمَا فِي الْجِنَانِ كانا فَشَعَّتْ *** صُورَةٌ فِي شَمَائِلِ الزَّهْرَاءِ

لِفَتَاةٍ قِرْطَانِ فِي أُذُنَيْهَا *** تَحْتَ تَاجِ فِي رَأْسِهَا مِنْ بَهَاءِ

وَ أُجِيبا: هَاتِيكَ بَضْعَةُ طه، *** حِينَ قالا: مَنْ ذِي؟ لِرَبِّ السَّمَاءِ

وَلَدَاهَا الْقِرْطَانِ وَالتَّاجُ حَقًّاً *** بَعْلُها وَ هُوَ سَيِّدُ الأَنْقِيَاءِ

وَ هُمُ وُلدُكُمْ وَ كَانُوا بِأَلْفَيْ *** سَنَةٍ قَبْلَكُمْ سَناً مِنْ ضِيَائِي

قُبَّةٌ منَ الياقوت

وَ بِيَوْمِ الْمَعَادِ يُخْلَقُ مِنْ أَحْ *** جَارٍ أَصْفَي يَاقُوتَةٍ حَمْرَاء(2)

ص: 298


1- لسان الميزان، ج 3، ص 346 ح 1409، و قد روي عنه الإحقاق ج 7 ص 20، و نظير ذلك في علل الشرائع ج 1 ص 132 ح 2 و عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 306 ح 67 ، و المعاني 56، 124 ، و الجواهر السنية ص 245 و تفسير البرهان ج 1 ص 89 ح 15، و البحار ج 11 ص 164 ح 9 ، و ج 16 ص 362 ح 62 ، و نزهة المجالس ج2 ص 223 ، و في كشف اليقين ص30، و مصباح الأنوار ص 241، و تأويل الآيات ج 1 ص48 ح 22، و إثبات الهداة ج 4 ص 165 ح 492، و حلية الأبرار ح 4961. تبختر: مشي مشية المتكبر المعجبب بنفسه.
2- جلاء العيون ج 1 ص 129. و نظير ذلك الخوارزمي مقتل الحسين ص 71، و ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 129 ، و الزرندي في نظم درر السمطين ص183.

قُبَّةٌ ما لَهَا عِمَادٌ مُقِيمٌ *** فَهُيَ بَيْتٌ مُعَلَّقٌ فِي الْقَضَاءِ

لِلْبَتُولِ الزَّهْرَاءِ تَسْكُنُ فِيهَا *** وَ هْيَ تَزْهُو لِلْخَلْقِ يَوْمَ الْبَقَاءِ(1)

فَيَقُولون حِينَ تُشْرِقُ فِيهِمْ: *** إِنَّ هَذِي الأَنْوَارَ لِلزَّهْرَاءِ

فاطمة عليها السلام يوم الحشر

قَالَ طه: إِنِّي لأَوَّلُ شَخْصٍ *** عَنْهُ تَنْشَقُّ تُرْبَةُ الْغَبْرَاءِ(2)

وَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ تَنْشَقُ بَعْدِي *** عَنْهُ يُتْلَي بِسَيْدِ الأَوْصِيَاءِ

وَ لِقَبْرِ الْبَتُولِ يَأْتِي فَيَبْنِي *** جَبْرَئِيلٌ بِهِ قِبَابَ عَلاءِ

وَ أَبُو الصُّورِ حَامِلٌ بِيَدَيْهِ *** حُلَلاً تَكْتَسِي بِهَا مِنْ بَهَاءِ

وَ يُنَادِي بِهَا: لِحَشْرِكِ قُومِي *** إِنَّ هذا ميعادُ يَوْم الْجَزَاءِ

فَتَقُومُ الزَّهْرَاءُ مِنْهُ بِأَمْنٍ *** وَ هْيَ مَسْتُورَةٌ بِأَضْفَي رِدَاءِ

ثُمَّ يُؤْتَي لَهَا بِخَيْرِ نَجِيبٍ *** يَتَغَشَّي مِنْ نُورِهِ بِغِشَاءِ

تَعْتَلِيهِ محفَّةٌ مِنْ نظارٍ *** هِيَ فَوْقَ النَّجِيبِ خَيْرُ وِطَاءِ

آخذاً بِالْخِطَامِ وَهُوَ جُمَانٌ *** مَلَكٌ مِنْ أَكَارِمِ الأَصْفِيَاءِ(3)

وَ عَلَي جَانِبَيْهِ سَبْعُونَ أَلفاً *** مِنْ خِيَارِ الْمَلائِكِ الأُمَنَاءِ

وَ تُوافِي خَدِيجَةٌ تَقْتَفِيها *** مَرْيَمُ إِثْرَ أُمِّهَا حَوَاءِ

بأُلُوفٍ مِنْ حُورِ جَنَّةِ عَدْنٍ *** تَتَهَادَي أَمَامَهَا كَالإِمَاءِ

بِيَدَيْهَا مَجَامِرُ التِّبْرِ تَذْكُو *** دُونَ نَارٍ بِالْعُودِ وَ الأَشْذَاءِ

وَ يُنَادَي بِمَحْشَرِ النَّاسِ: غُضُّوا، *** فَتُغَضُّ الأَبْصَارُ مِنْ كُلِّ رَائِي

لِتَجُوزَ الصِّرَاطَ بَضْعَةُ طَه *** وَ هْيَ تَسْرِي فِي حِشْمَةٍ و َاحْتِفَاءِ

لاَ يَرَاهَا سِوَي الْخَلِيلِ أَبِيهَا *** وَ عَلِيِّ وَ خَاتَمِ الأَنبيَاءِ

ص: 299


1- تزهو تشرق و تضيء.
2- انظر البحار ج 8 ص 53 - 55.
3- الخطام الحبل الذي يُجعَل في عنق البعير و يثني في خطمه، كلّ ما يوضع في عنق البعير ليقاد به جُمان: لؤلؤ.

منبرٌ من نورِ للزهراءعليها السلام

وَ يُقِيمُ الرَّحْمنُ مِنْبَرَ نُورٍ *** تَرْتَقِيهِ فِي رِفْعَةٍ وَ عَلَاءِ(1)

وَ تَحُفُّ الْمَلائِكُ الْغُرُّ فِيهَا *** وَ تُنَادَي: اسْألِي، بِخَيْرِ نِدَاءِ

وَ قَمِيصَ الْحُسَيْنِ قَدْ نَشَرَتْهُ *** بِيَدَيْهَا مُضَرَّجاً بِالدِّمَاءِ

فَتُنَادِي: يَا رَبِّ فِي قَاتِلِيهِ *** أَنْتَ عَدْلٌ فَاحْكُمْ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ

فَيُجَلِّي فِي الْحَشْرِ و النَّاسُ تَرْنُو*** عُنُقٌ مِنْ سَعِيرِ دارِ الْبَلاءِ

يَلْقُطُ الْقَاتِلِينَ مِنْهُ فَيُلْقِي *** فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ رَهْطَ الشَّقَاءِ

وَ يُنَادَي: اسْأَلِي، فَتَهْتِفُ: نَسلِي *** يَا إِلهِي وَ شِيعَتِي أَوْلِيَائِي

فَيَقُولُ الإلهُ: شُفْعَتِ فِيهِمْ *** إِنَّ وَعْدِي حَقٌّ بِغَيْرِ امْتِرَاءِ

فَخُذِيهِمْ لِجَنَّةِ الْخُلْدِ طُراً *** بَعْدَغُفْرَانِ سَائِرِ الأَخْطَاءِ

وَ تَجُوزُ الزَّهْر لجَنَّةِ رَضْوَي *** فِي بَنِيهَا وَ الشَّيعَةِ الأَنْقِيَاءِ

وَ تُهَيَّالَهُمْ مَوَائِدُ دُرِّ *** وجُمَانٍ مَصْفُوفَةٍ لِلْعَذَاءِ

فَهُمُ يَنْعَمُونَ فِيهَا بِأَمْنٍ *** وَ يُهَنَّوْنَ فِي عَظِيمِ الْهَنَاءِ

وَ جَمِيعُ الْعِبَادِ فِي الْحَشْرِ تَبْقَي *** دُونَهُمْ فِي حِسَابِ يَوْمِ الْبَقَاءِ

شفاعةُ فاطمة عليها السلام

هِيَ حَقٌّ لِلْمُصْطَفَي وَعَلِيَّ *** وَ بَنَيهِ وَ الْبَضْعَةِ الْحَوْرَاءِ(2)

وَ جَزَاءٌ لِمُؤْمِنٍ يَرْتَضِيهِ *** حِينَ يُمْسِي مِنْ صَفْوَةِ الأَوْلِيَاءِ

جَاءَ «مَنْ أَنْكَرَ الشَّفَاعَةَ مِنَا *** لَيْسَ مِنَّا» عَنْ خَاتَمِ الأُمَناءِ

ص: 300


1- انظر البحار، ج 8 ص 53-55 عن ابن عباس و نظير ذلك في المجالس المفيد ص 84، و نقل عنه البحار ج 43 ص224 ح11، و جلاء العيون ج 1 ص 228، 230، و عوالم العلوم ج 11 ص 1173 و نحو ذلك ما ذكره الهمذاني في مودة القربي ص 104، و العُنُق: الجماعة الكثيرة من الناس أو الطائفة. و جاء القوم عُنقاً عُنُقاً، أي: طوائف. قال الأزهري: إذا جاؤوا فِرَقاً، كلُّ جماعةٍ منهم عُنُقٌ.
2- بحار الأنوار ج 8 ص 51 -52. و حق اليقين ج 2، ص188.

وَ عَلِيُّ هُوَ الشَّفِيعُ الْمُرَجَي *** سَاعَةَ الْحَشْرِ عِنْدَ رَبِّ السَّمَاءِ

وَ تَرَي النَّاسَ كَالسُّكارَي وَ مَا هُمْ *** بِسُكَارَي لَكِنْ لِعُظمِ البَلاءِ

كُلُّ فَرْدٍ يَصِيحُ رَبِّيَ نَفْسِي *** غَيْر طه وَآلِهِ الشُّفَعَاءِ

وَ هْيَ مَهْرُ الزَّهْرَا مِنَ اللَّهِ حَقًّاً *** فِي زَوَاجِ الْوَصِيِّ بِالزَّهْرَاءِ

حِينَ تُعْطَي فِي حَشْرِهَا كُلَّ فَضْلٍ *** وُعِدَتْ فِيهِ مِنْ إِلَهِ الْعَطَاءِ

يَوْمَ تَأْتِي عَلَي نَجِيبٍ كَرِيمٍ *** تَتَهَادَي فِي مَوْكِبٍ مِنْ بَهَاءِ

تَقْتَفِيهَا سَبْعُونَ أَلْفاً مِنْ الْحُور *** حَوَالَيْ رِكَابِهَا كَالإِمَاءِ

وَ تُغَضُّ الأَبْصَارُ عَنْهَا احْتِشَاماً *** حِينَ تَجْتَازُ مِنْ بَنِي حَوَاءِ

وَ تُنَادِي «أُرِيدُ يُعْرَفُ قَدْرِي» *** حِينَ يَأْتِي لَها «اطْلُبِي» فِي النّداءِ

فَتُوَفَّي لَهَا الشَّفَاعَةُ فِيمَنْ *** تَبْتَغِيهِ مِنْ رَبِّهَا بِسَخَاءِ

تَلقُطُ الأَوْلِيَاءَ كَالطَّيْرِ لِلْحَبِّ *** انْتِفَاءً مِنْ زُمْرَةِ الأَشْقِيَاءِ

وَ يُنَادَي بِمَنْ تُشَفَّعُ فِيهِ *** مِنْ مُحِبٍّ وَ شِيعَةٍ أَصْفِيَاءِ

حِينَ يُلْقَي فِي روعِهِمْ أَنْ يَمِيلُوا *** بِالْتِفَاتٍ عَنْ جَنْبِهِمْ لِلْوَرَاءِ

«أُدْخُلُوا الْحَشْرَ لِلشَّفَاعَةِ حَتَّي *** يَعْرِفَ القَدْرَ مِنْكُمُ كُلُّ رَائِي

مَنْ كَساكُمْ لِحُبِّهَا فَخُذُوهُ *** أَوْسَقَاكُمْ لَهُ بِشَرْبَةِ مَاء»

قَالَ:«واللهِ -جَعْفَرٌ- لَيْسَ يَبْقَي *** فِيهِ إِلا مُشَكِّكٌ أَوْ مُرَائِي»

وقوفُها علي شفيرِ جهنَّم

وَ لَهَا وَقْفَةٌ عَلَي النَّارِ فِيهَا *** نَفَحَاتٌ لِلشِّيعَةِ الأَزْكِيَاء(1)

يَوْمَ يُؤْتَي بِمُؤْمِنٍ مُسْتَحِقٍّ *** لِعَذَابِ السَّعِيرِ يَوْمَ الْجَزَاءِ

خُطَّ فَوْقَ الْجَبِينِ مِنْهُ «مُحِبٌّ» *** وَ هْيَ كَانَتْ سِيمَاءَ أَهْلِ الْوِلَاءِ(2)

فَتُنَادِي: «يَا رَبِّ وَعْدُكَ حَقٌّ *** لَيْسَ فِيهِ خُلْفٌ بِوَقْتِ الْوَفَاءِ

ص: 301


1- جلاء العيون ج 1 ص 128.
2- سيماء: علامة وهيئة.

أنتَ َأعْطَيْتَنَا الشَّفَاعَةً فَضْلاً *** وَ امْتِنَاناً فَجُدْ لَنَا بِالْعَطَاءِ»

فَيَجِيءُ النَّدَاءُ: «شُفُعَتِ فِيهِ *** فَخُذِيهِ لِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ

إِنَّ وَعْدِي حَقٌّ وَ قَدْ كَانَ أَمْرِي *** فِيهِ لِلنَّارِ مِنْ حَكِيمِ الْقَضَاءِ

لَيْسَ إِلا لِتَشفَعِي فِيهِ عِنْدِي *** رِفْعَةً فِي كَرَامَةٍ و َاحْتِفَاءِ

فَيَرَي الْخَلْقُ وَ الْمَلائِكُ طُرّاً *** أَنْتِ عِنْدِي مِنْ أَكْرَمِ الشُّفَعَاءِ»

توسُّلُ إبليسَ بالنبيِّ صلي الله عليه و آله وآلِهِ الطاهرين عليهم السلام

قَالَ، وَ الصَّادِقُ الزَّكِيُّ أَمِينٌ *** فِي حَدِيثٍ عَنْ صَادِقِ الأُمَنَاءِ(1)

«قَدْ تَوَارَتْ بَعْدَ الظُّهُورِ لِطه *** ذَاتُ خِدْرِ مِنْ خَيْرَاتِ النِّسَاءِ

حِينَ غَابَتْ لأُخْتِهَا فِي ازْدِيار *** وَ هْيَ تُسْمَي مِنْ قَبْلُ فِي عَفْرَاءِ(2)

وَ هْيَ كَانَتْ لِلجِنِّ تَحْمِلُ عَنْهُ *** حُجَجاً مِنْ دَلائِلِ الإهْتِدَاءِ

قالَ عِنْدَ الإِيابِ مِنْهَا إِلَيْهِ: *** حَدِّثِينِي عَنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ

فَأَجَابَتْ: أَبْصَرْتُ شَيْئاً عَجِيباً *** فِي غِيَابِي يَا خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

قَدْ رَأَيْتُ الشَّيْطَانَ فِي الْبَحْرِ يَدْعُو*** رَبَّهُ فَوْقَ صَخرَةٍ بَيْضَاءِ

سَائِلاً عَفْوَهُ بِحُرْمَةِ طه *** وَ عَلِيَّ وَ ابْتَيْهِ و َالزَّهْرَاءِ

فَسَأَلْتُ الشَّيْطَانَ وَ الْعُجْبُ بَادٍ: *** أَيُّ شَيْءٍ تَرْجُو بِهَذَا الدُّعَاءِ

قَالَ: أَبْصَرْتُ نُورَهُمْ قَبْلَ سَبْعٍ *** مِنْ أُلُوفِ السِّنِينَ عِنْدَ السَّمَاءِ

قَبْلَ إِيجَادِ آدم قَدْ تَحَلَّي *** عَرْشُ رَبِّي بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ

فَهُمُ عِنْدَ رَبِّهِمْ حِينَ كَانُوا *** لِلْبَرَايَا مِنْ أَكْرَمِ الشَّفَعَاءِ

حُلَةٌ وحُليٌّ مِنَ الجِنَّةِ

و َرِجَالُ الْيَهُودِ جاؤوا لطه *** لِحُضُورِ الزَّهْرَا بِعُرْسِ هَنَاءِ(3)

ص: 302


1- كشف الغمة ج 2 ص 91-92.
2- عفراء: أرض بيضاء.
3- روي أن اليهود كان لهم، عرس فجاؤوا إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و قالوا: لنا حق الجوار، فنسألك أن تبعث فاطمة بنتك إلي دارنا حتي يزدان عرسنا بها و ألحّوا عليه، فقال: إنها زوجة علي بن أبي طالب و هي بحكمه، و سألوه أن يشفع إلي عليّ عليه السلام في ذلك. و قد جمع اليهود الطمّ و الرمّ كناية عن الكثر الذي لا يحصي أو عن كل ما أوتوا من ملك و قدرة -من الحلي و الحُلّل، و ظنّ اليهود أن فاطمة تدخل في بذلتها - أي ما تبتذله كل يوم- و أرادوا استهانة بها. فجاء جبرئيل بثياب من الجنَّة و حليّ و حللٍ لم يرَ الراؤون مثلها، فلبستها فاطمة و تحلّت بها، فتعجّب الناس من زينتها و ألوانها و طيبها فلمّا دخلت فاطمة دار اليهود سجدت لها نساؤهم يقبّلن الأرض بين يديها. و أسلم بسبب ما رأوا خلقٌ كثير من اليهود. انظر الخرائج و الجرائِح ص 538 ح 14، و البحار ج 43 ص 30 ح 37 و جلاء العيون ج 1 ص140.

وَ هُمُ يَقْصُدُونَ نَقْصَ عُلاها ***حِينَ تَأْتِي فِي بِزَّةِ الْفُقَرَاءِ

فَأَتَاهَا بِحُلَّةِ وَحُلِيِّ *** جَبْرَئِيلٌ مِنْ جَنَّةِ الأَنْقِيَاءِ

فَارْتَدَتْهَا وَ أَقْبَلَتْ تَتَهَادَي *** فِي جَلالٍ وَ رَوْعَةٍ و َبَهَاءِ

وَ نِسَاءُ الْيَهُودِ بَيْنَ يَدَيْهَا *** سِرْنَ عِنْد اسْتِقْبَالِهَا كَالإِمَاءِ

وَ هَوَيْنَ الجَمِيعُ حِينَ تَجَلَّتْ *** سُجَّداً لِلزَّكِيَّةِ الحَوْرَاءِ

وَ بِفَضْلِ الْبَتُولِ أَسْلَمْنَ طَراً *** مَعَ بُقْيَا رِجَالِ تِلْكَ النِّسَاءِ

شكوي الزهراء عليها السلام

قَالَ: تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِنْتِي *** بِثِيَابِ مَصْبُوغَةٍ بِالدِّمَاءِ(1)

ص: 303


1- في عيون أخبار الرضا عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: تُحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بالدماء تتعلّق بقائمة من قوائم العرش، تقول: يا عدل احكُمْ بيني و بين قاتل ولدي، قال علي بن أبي طالب عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: و يحكم الله لابنتي وربّ الكعبة. المصدر ج 2 ص 8 ح 21. و في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: عن علي عليه السلام رفعه: إذا كان يوم القيامة نادي منادٍ من بطنان العرش: يا أهل القيامة أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمدٍ صلي الله عليه و آله و سلم مع قميصٍ مخضوب بدم الحسين عليه السلام، فتحتوي علي ساق العرش، فتقول: أنت الجبار العدلّ اقض بيني و بين من قتل ولدي، فيقضي الله لبنتي و ربّ الكعبة، ثم تقول: اللهم اشفعني فيمن بكي علي مصيبته فيشفّعها الله فيهم. المصدر ص 260. و في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي قال: قال سليمان بن يسار: وجُد حجر مكتوب عليه: لا بدّ أن ترد القيامة فاطمٌ *** و قميصُها بدم الحسين ملطخُ ويل لمن شفعاؤه خصماؤه *** و الصور في يوم القيامة ينفخ و للاستزادة لك أن تراجع صحيفة الرضا عليه السلام ص 89 ح 21 ، و مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 108، و البحار ج 43 ص220 ح2 و3 ، و العوالم ج 11 ص 1173-1174، و ينابيع المودة أيضاً ص 231 و مثير الأحزان ص 81 و مودة القربي ص 104، و آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم ص26 ح162 ، و الإحقاق ج 10 ص 142 ،و نظم درر السمطين ص219، و فرائد السمطين ج 2 ص 266 ح 534 ، و إثبات الهداة ج 1 ص 549 ح 181.

وَ بِإِحْدَي قَوَائِمِ الْعَرْشِ مِنْهَا *** تَعْلَقُ الْكَفُّ بَعْدَ طُولِ الْبُكَاءِ

وَ تُنَادِي: يَا عَدْلُ يَا رَبِّيَ احْكُمْ *** أَنْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدَاءِ

وَ هُمُ قَاتِلُو الْحُسَيْنِ سَلِيلِي *** سِبْطِ طه وَ سَيّدِ الشُّهَدَاءِ

قَالَ: وَاللَّهِ يَحْكُمُ اللَّهُ حَقَّاً *** لابْنَتِي فِيهِمُ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ

حُبُّهَا جَنَّةٌ وَ بُغْضها نارٌ

قَالَ: مَنْ أَبْغَضَ الزَّكِيَّةَ بِنْتِي *** دَخَلَ النَّارَ صُحْبَةَ الأَشْقِيَاءِ(1)

وَ مُحِبُّ الزَّهْرَاءِ يَدْخُلُ حَقًّا *** فِي جِنَانِ الْمَأْوَي مَعَ الصُّلَحَاءِ

رَحي فاطمة عليها السلام تُديرها الملائكةُ

أَرْسَلَ الْمُصْطَفَي أَبا ذَرَّيَوْماً *** لِعَلِيَّ يَدْعُوهُ خَيْرَ دُعَاءِ

فَأَتَي بَيْتَ فَاطِمِ وَ عَلِيٍّ *** عَظَمَ اللَّهُ قَدْرَهُ بِالْعَلَاءِ

وَإِذَا بِالرَّحَي بِغَيْرِ مُدِيرٍ *** تَتَوَالَي بِالطَّحْنِ وَسْطَ الفِنَاءِ

أَخْبَرَ الْمُصْطَفَي بِهَذَا فَأَوْحَي: *** إِنَّ لِلَّهِ خِيرَةَ الأُمَنَاءِ

أَصْفِيَاءٌ مِنَ الْمَلَائِكِ غُرٌّ *** وَ كُلُوا فِي مَعُونَةِ الأَصْفِيَاءِ

ص: 304


1- مقتل الحسين لأخطب خوارزم ج 1 ص 159.

ما ورد في القرآن في فضلها عليه السلام

قولُه «تعالي»: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)» (الرحمن / 19)

قَدْ تَجَلَّتْ فِيهَا مِنَ الذِّكْرِ آيٌ *** فَأَبَانَتْ عَلْيَاءَهَا بِجَلاَءِ

جاءَ بَعْضٌ فِيهَا انْفِرَاداً وَ بَعْضٌ *** جَاءَ فِيهَا فِي جُمْلَةِ الأَوْلِيَاءِ

قَالَ: إِنَّ الْبَحْرَيْنِ فَاطِمُ فِيهَا *** قَدْ أَتَانَا وَ سَيْدُ الأَوْصِيَاءِ

بَحْرُ عِلْمٍ و َلِلنُّبُوَّةِ بَحْرٌ *** مَا يَزَالآنِ فِي أَتَمُ الْتِقَاءِ

بَيْنَ هذا وَ ذَاكَ مِنْ دُونِ بَغْيِ *** بَرْزَخٌ وَ هُوَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ

مِنْهُمَا تُصْطَفي اللَّآلِي و َالْمَرْجَانُ *** عِنْدَ الخُرُوج خَيْرَ اصْطِفَاءِ

حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ صَفْوَةُ طه *** وَ جَمِيعُ الأَئِمَّةِ الأَصْفِيَاءِ

فَبِأَيِّ الآلاءِ يَكْفُرُ فِيمَا *** قَدْ أَتَاهَا مُكَذِّبٌ بِافْتِرَاءِ

وَ هْيَ حَقّاً وِلايَةُ الْحَقِّ فِيهَا *** لِعَلِيَّ وَ الْحُبُّ لِلزَّهْرَاءِ

قولُه «تعالي»: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ» (آل عمران / (61)

وَ هْيَ تُعْنَي بِالنَّصِّ دُونَ سِوَاهَا ***حِينَمَا بَاهَلُوا بِلَفْظِ النِّسَاءِ(1)

وَ بِآيِ النَّظَهِيرِ بَانَ عُلاهَا *** وَ بِآي الإِطْعَامِ لِلْفُقَرَاءِ

ص: 305


1- باهلوا: تلاعنوا.

قوله تعالي: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي» (آل عمران/195)

قَالَ فِي الذِّكْرِ: لا يُضَيَّعُ عِنْدِي *** عَمَلُ الْعَامِلِينَ دُونَ جَزَاءِ

ذَكَراً كَانَ -وَ هُوَ يَعْنِي عَلِيّاً- *** أَمْ لأُنْثَي كَالْبَضْعَةِ الْحَوْرَاءِ(1)

حِينَ مِنْ مَكَةٍ لِيَشْرِبَ لَيْلاً *** هَاجَر نَحْوَ خَاتَمِ السُّفَرَاءِ

قوله «تعالي»: «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ و َالْأُنْثَي إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّي» (الليل / 4)

وَ لَقَدْ خَصَّ فَاطِماً وَ عَلِيّاً *** بِهِمَا اللَّهُ مِنْ بَنِي حَواءِ

إِنَّمَا سَعْيُكُمْ جَمِيعاً لَشَتَّي *** عِنْدَ دَارِ الدُّنْيَا لِدَارِ الْبَقَاءِ

إِنَّ مَنْ أَحْسَنُوا لَهُمْ خَيْرُ حُسْنَي *** بَعْدَمَا آمَنُوا بِرَبِّ الْعَطَاءِ(2)

قولُه «تعالي»: «فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتِ» (البقرة / 37)

فَتَلَقَّي مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ *** زَاكِيَاتٍ تَقَدَّسَتْ بِالْعَلَاءِ(3)

ص: 306


1- في مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 102، عن عمار بن ياسر في قوله «تعالي»: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي» قال: فالذكر علي عليه السلام و الأنثي فاطمة عليها السلام، وقت الهجرة إلي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في الليلة و انظر البحار أيضاً ج 43 ص 32 ضمن الحديث 39، و عوالم العلوم ج 11 ص97.
2- المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 102، عن الباقر عليه السلام في قوله تعالي:«و ما خلق ذَكَرٍ و أُنْثَي» فالذكر:أمير المؤمنين عليه السلام، و الأنثي: فاطمة عليها السلام. و انظر البحار ج 43 ص 32 ، و العوالم ج 11 ص98.
3- في (فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن) ص17: روي العلامة الحافظ ابن المغازلي (الشافعي) في مناقبه -بإسناده المذكور- عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس: سأل النبي صلي الله عليه و آله و سلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه؟ قال صلي الله عليه و آله و سلم: سأله بحق محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و الحسن و الحسين عليهم السلام إلا ما تبت عليِّ عليه السلام «فتاب عليه». و أخرج نحواً منه علاّمة الشوافع السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج 1 ص 60. و انظر الحديث أيضاً في المستدرك ج 1 ص 372 ح 8 و 9، و تفسير البرهان ج 1 ص 89 ح 15 ، و بحار الأنوار ج 26 ص 325 ح 8 ، و مصباح الأنوار ص 241، و إثبات الهداة ج 4 ص 165 ح 492، و في كشف اليقين ص 30 ، و تأويل الآيات ج 1 ص 48 ح 22. و مثل ذلك أيضاً في تفسير العياشي ج 1 ص 41 ح 27 ، و في تفسير البرهان ح 1 ص 87 ح 10 ، و في البحار ج 11 ص 187 ح 39 ، و ج 26 ص 326 ح 9، و في العوالم ج 11 ص 28 و 29 ، و غاية المرام ص 392 ح 4.

وَ هْيَ بِنْتُ الْهَادِي وَ سِبْطَاهُ حَقًّاً *** وَ عَلِيٌّ وَخَاتَمُ الأَصْفِياءِ

قوله «تعالي»: «لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً» (النور / 63)

وَ لَقَدْ هَابَتِ الرَّسُولَ فَنَادَتْ: *** يَا رَسُولَ الإِلهِ وَقتَ النَّدَاءِ

حِينَ وَافَي: لا تَجْعَلُوا كَدُعَاءِ *** الْبَعْضِ مِنْكُمْ مُحَمَّداً فِي الدُّعَاءِ

لا تُنَادُوهُ يا مُحَمَّدُ جَهلاً *** بِاسْمِهِ مِثْلَ سَائِرِ الأَسْمَاءِ

قَالَ: قُولِي عِنْدَ النَّدا: أَبَتَاهُ *** فَهُوَ أَدْعَي ما بَيْنَنَا لِلْوَلاَءِ

فَهيَ مَا أُنْزِلَتْ بِعِشْرَةِ طه *** وَ ذَراريه خيرة النجباءِ

إِنَّمَا أُنْزِلَتْ بِقَوْمٍ جُفَاةٍ *** مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ غِلْظَةٍ وَجَفَاءِ(1)

قوله «تعالي»: «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً و َقُعُوداً» (آل عمران/ 191)

يَذْكُرُونَ اللَّهَ الْعَظِيمَ قِيَاماً *** وَ قُعُوداً مِنْ خِيفَةٍ وَ رَجَاءِ(2)

ص: 307


1- في البحار، عن القاضي أبي محمد الكرخي، في كتابه عن الصادق عليه السلام: قالت فاطمة عليها السلام: لمّا نزلت: «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً» (النور /63) رهبتُ رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن أقول له يا أبة فكنت أقول: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فأعرض عني مرّةً أو اثنتين أو ثلاثاً، ثم أقبل عليّ عليه السلام فقال: يا فاطمة عليها السلام إنها لم تنزل فيك، و لا في أهلك و لا في نسلك، أنتِ منّي و أنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء و الغلظة من قريش أصحاب البذخ و الكبر. قولي عليها السلام يا أبة، فإنها أحيي للقلب و أرضي للربّ. المصدر 31/43 - 39/37 تاريخ سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام باب مناقبها و بعض أحوالها عليها السلام. و مثله في مناقب ابن المغازلي ص 364 ح 411 ، و مناقب ابن شهر آشوب ج 3 ص 102، و في تفسير نور الثقلين ج 3 ص 628 ح265 و في تفسير البرهان ج 3 ص 154 ح 1 عن المناقب الفاخرة في العترة الطاهرة، و في بحار الأنوار ح 43 ص 32، و في العوالم ج11 ص 98 و99 و 250 و 807 و 863.
2- وفي تفسير كنز الدقائق ج 3 ص 296 ، عن أمالي الطوسي 463 - 472 ح 1031 «المجلس السادس عشر بإسناده إلي أبي عبيدة، عن أبيه و ابن أبي رافع يحكيان ذهاب علي عليه السلام من مكة إلي المدينة ملتحقاً بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم... ثم سار ظاهراً فاهراً حتي نزل ضجنان، فتلوم بها قدر يومه و ليلته... فظل ليلته تلك هو و الفواطم -فاطمة بنت أسد و فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و فاطمة بنت الزبير- طوراً يصلون و طوراً يذكرون الله قياماً و قعوداً و علي جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتي طلع الفجر، فصلي صلي الله عليه و آله و سلم بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله و الفواطم كذلك... حتي قدموا المدينة و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالي: «الذين يذكرون الله قياماً و قعوداً و علي جنوبهم» الآيات إلي قوله «من ذكر أو أنثي»... «بعضكم من بعض» يعني: علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام... الخبر. و انظر البحار ج 43 ص 33 و المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 102 و قد ورد فيها: و كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يهتم لعشرة أشياء فآمنه اللَّه منها و بشَره بها -إلي أن قال: و لابنته حال الهجرة فنزلت: «الذين يذكرون الله قياماً و قعوداً»... آل عمران: 191 و قد نقل عنها في العوالم ج 11 ص 102.

هِيَ فِي هِجْرَةِ الزَّكِيَّةِ وَافَتْ *** حِينَ وَافَتْ لِطَيْبَةَ الْغَرَّاءِ

قولُه «تعالي»: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ» (آل عمران/ 43)

طَهَّر اللَّهُ مَرْيَماً وَ اصْطَفَاهَا *** وَ اجْتَبَاهَا فَضْلاً بِخَيْرِ اجْتِبَاءِ(1)

سَيْدَاتُ النِّسَاءِ أَرْبَعٌ فِيما *** قَدْ أَنَانًا عَنْ خَاتَمِ الأُمَنَاءِ

وَ البَتُولُ الزَّهْرَاءُ أَعْظَمُ فَضْلاً *** وَ جَلالاً مِنْ سَيِّدَاتِ النِّسَاءِ

قولُه «تعالي»: «لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» (الزمر/65)

قَالَ طه فِي سَارِقٍ مُتَعَدٍّ *** قُطِعَتْ كَفُهُ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ(2)

ص: 308


1- في أمالي الصدوق ص 99-101، ح 2 المجلس الرابع و العشرون بسنده إلي ابن عباس؛ قال: و أما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين، (إلي أن يقول): و يقول الله «عز وجل» لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلي أمتي فاطمة عليها السلام سيدة إمائي قائمة بين يديَّ ترتعد فرائصها من خيفتي، و قد أقبلت بقلبها علي عبادتي، أشهدكم أني قد آمنتُ شيعتها من النار... (إلي أن يقول): فعند ذلك يؤنسها الله «تعالي» ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت ،عمران سلام الله عليها، فتقول: يا فاطمة عليها السلام «إن الله اصطفاك و طهَّركِ و اصطفاكِ علي نساء العالمين» يا فاطمة عليها السلام «اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين»... الحديث. و انظر كذلك إرشاد القلوب ص 295، و البحار ج 43 ص 172 ح 13 ج 14 ص 205 ح 22 و ج 28 ص 38 ح 1، و العوالم ج 11 ص 546-547، و غاية المرام ص 48 ح10، و فرائد السمطين ج 2 ص 34 ح 371 ، و المحتضر ص 109.
2- المناقب لابن شهر آشوب، صحيح الدارقطني: إن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم أمر بقطع لصّ، فقال اللصّ: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، قدّمته في الإسلام، و تأمره بالقطع ؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: لو كانت ابنتي فاطمة عليها السلام فسمعت فاطمة عليها السلام فحزنت، فنزل جبرئيل بقوله: «لئن أشركت ليحبطنَّ عملك» (الزمر/65) فحزن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فنزلت الآية : «لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا» (الأنبياء/22) فتعجب النبي من ذلك، فنزل جبرئيل و قال : كانت فاطمة عليها السلام حزنت من قولك، فهذه الآيات لموافقتها لترضي، المناقب ج 3 ص 106، و نور الثقلين ج 4 ص497 ح 102، و البحار ج 43 ص 43 و العوالم ج 11 ص 97.

هُوَ لَوْ كَانَ فَاطِماً لَقَطَعْنَا *** يَدَهَا بَعْدَ سِرْقَةٍ وَاعْتِدَاءِ

وَ تَنَاهَي لَهَا الْحَدِيثُ فَأَشْجَي *** نَفْسَهَا قَوْلُ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

فأَتَاهُ: لَتَحْبَطَنَّ لَئِنْ أَشْرَكْتَ *** مِنْكَ الأَعْمَالُ فِي الإِبْتِدَاءِ

فَاغْتَدَي الْمُصْطَفَي حَزِيناً فَوَافَي *** جَبْرَئِيلٌ لَهُ بِوَحْيِ السَّمَاءِ

تَفْسُدُ الأَرْضُ وَالسَّمواتُ لَوْ كَانَ *** إِلَهُ ثَانٍ مِنَ الشُرَكَاء

قَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ رَبَّ الْبَرَايَا *** بِالْبَتُولِ الزَّهْرَا مِنَ الرُّحَمَاءِ

أنْزَلَ الآيَتَيْنِ فِيها لِتَرْضَي *** بَعْدَحُزْنٍ أَصَابَهَا وَ اسْتِيَاءِ

فَامْتَلَتْ نَفْسُ خَاتَمِ الرُّسُلِ عُجْباً *** لِمَقامِ الصِّدِّيقَةِ الزَّهْرَاءِ

قولُه «تعالي»: «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً» (المزمل / 9)

إِنَّهُ اللَّهُ لا إِلَهَ سِوَاهُ *** قَدْ تَعَالَي عَنْ سَائِرِ النُّظَرَاءِ(1)

وَ هُوَ رَبِّ لِلْمَشْرِقَيْنِ عَظِيمٌ *** فَاتَّخِذْهُ مِنْ خِيرَةِ الْوُكَلاءِ

آيةٌ أُنْزِلَتْ لِبَضْعَةِ طه *** وَ عَلِيٌّ بِغَزْوَةٍ مُتَنائِي

فَتَمَنَّتْ لَهَا وَكِيلاً أَمِيناً ***حَافِظاً بَعْدَ سَيّدِ الأَوْصِيَاءِ

فَأُجِيبَتْ: لَكِ الإِلهُ وَكِيلٌ *** وَ كَفِيلٌ مِنْ أَحْسَنِ الْكُفَلاءِ

ص: 309


1- مناقب ابن شهرآشوب: روي أن فاطمة عليها السلام تمنّت وكيلاً عند غزاة عليِّ عليه السلام فنزل «رب المشرق و المغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً» (المزمل/9) المصدر ج 3 ص 106 ، و البحار ج 4 ص 43، و العوالم ج 11 ص99.

قولُه «تعالي»: «وَإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ» (التكوير/7)

وَ إِذَا مَا النُّفُوسُ مِنْ بَعْدِ حَشْرٍ *** زُوجَتْ فِي الْجِنَانِ يَوْمَ اللقَاءِ(1)

جَاءَ فِيهَا لِكُلِّ بَرِّ وَلِيٍّ *** أَرْبَعٌ مِنْ نِسَاءِ دُنْيَا الْفَنَاءِ

يَتَلَقَّي التَّزْوِيجَ فِيها امْتِنَاناً *** حِينَ يُحْبَي مِنْهُ بِخَيْرِ حِبَاءِ

غَيْرَ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِمِمّا *** قَدْ أُعِدَّتْ لَهُ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ

مَا عَدَا الْمُرْتَضَي الْوَصِيَّ عَلِيّاً *** رِفْعَةً لِلزَّكِيَّةِ الحَوْرَاءِ

مَا لَهُ غَيْرُ فَاطِمٍ أَيُّ زَوْجٍ *** مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا بِيَوْمِ الْبَقَاءِ

وَ لَهُ مِنْ عَرَائِسِ الْحُورِ مَا لا *** قَطُّ يُحْصِيهِ غَيْرُ رَبِّ الْقَضَاءِ

ص: 310


1- المناقب لابن شهر آشوب بسنده في قوله «تعالي»: «وإذا النفوس زوّجت» (التكوير/7) قال: ما من مؤمن يوم القيامة إلاّ إذا قطع الصراط زوّجه الله علي باب الجنة بأربع نسوة من نساء الدنيا، و سبعين ألف حوريّة من حور الجنة، إلا علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنه زوج البتول فاطمة عليها السلام في الدنيا، و هو زوجها في الآخرة في الجنة ليست له زوجة في الجنة غيرها من نساء الدنيا، لكن له في الجنان سبعون ألف حوراء، لكلّ حوراء سبعون ألف خادم. المصدر ج 3 ص 106. و في البحار ج 43 ص 154، سبعون ألف خادم المصدر ج 3 ص106 ، و في تفسير البرهان ج4 ص 341 ، و في البحار ج 43 ص 154، و في العوالم ج 11 ص 504. في دلائل الإمامة في مسندها عليه السلام و نظرتُ إلي الجواري و حسنهن، فقلت: لمن أنتن؟ فقلن: لكِ و لأهل بيتك و لشيعتك، فقلت: أفيكنَّ من أزواج ابن عمي أحد؟ قلن: أنت زوجته في الدنيا و الآخرة، و نحن خدمك و خدم ذريتك. و شبيه ذلك أيضاً ما ورد في تفاسير سورة الدهر، حيث ذكر فيها جميع أصناف النعيم ما عدا الحور، و ما ذلك إلا إجلالاً لفاطمة عليها السلام.

حَدِيثُ الكساء

قَدْ رَوَي جَابِرٌ حَدِيثاً شَرِيفاً *** عَنْ لِسَانِ الزَّكِيَّةِ الزَّهْرَاءِ

قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ بَضْعَةٌ طه *** لِي قَالَتْ يَوْماً بِكُلِّ جَلاَءِ

جَاءَنِي وَالِدِي فَسَلَّمَ، حُبّاً *** وَ اشْتِيَاقاً، عَلَيَّ عِنْدَ اللقَاءِ

قَالَ: إِنِّي أُحِسُّ ضَعْفاً بِجِسْمِي *** وَ نُحُولاً فِي سَائِرِ الأَعْضَاءِ

قُلْتُ: إِنِّي أُعِيذُ جِسْمَكَ مِمّا *** قَدْ عَرَاهُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَلَاءِ

قَالَ: جِيئِي بِذَا الْكِسَاءِ الْيَمَانِيِّ *** وَ غَطَّي جِسْمِي بِهَذَا الْكِسَاءِ

وَ لَقَدْ جِئْتُ بِالْكِسَاءِ الْيَمَانِيِّ *** وَ غَطَيْتُهُ بِخَيْرِ غِطَاءِ

وَ أَتَي بَعْدَ سَاعَةٍ نُورُ عَيْنِي *** حَسَنٌ وَ هُوَ سَيِّدُ الأَزْكِياءِ

قالَ: إِنِّي أَشَمُّ طيباً زَكِياً *** هُوَ مِنْ طِيبِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

قُلْتُ: تَحْتَ الْكِسَاءِ جَدُّكَ طه *** فَأَتَاهُ مُسلّماً باحْتِفَاءِ

قَائِلاً: يا جَدَّاهُ هَلْ لِي إِذْنٌ *** فِي دُخُولِي بظلِّ هذَا الْغِشَاءِ

وَ عَلَيْكَ السَّلامُ صاحِبَ حَوْضِي *** قَالَ: فَادْخُلْ مَعِي بِدُونِ إِبَاءِ

وَ مَضَتْ سَاعَةٌ فَوافَي حُسَينٌ *** ثَمَرُ الْقَلبِ سَيْدُ الشُّهَدَاءِ

قَالَ: إِنِّي أَسْتَافُ أَطْيَبَ رِيحٍ *** هُوَ مِنْ طِيبِ خَاتَمِ السُّفَراءِ(1)

قُلْتُ: تَحْتَ الْكِسَاءِ جَدُّكَ هذا *** وَ أَخُوكَ الزَّاكِي بِخَيْرِ وِطَاءِ

قَالَ بَعْدَ السَّلام: يَا جَدُّ هَلْ لِي *** مِنْكَ إِذْنُ الدُّخُولِ بَعْدَ اصْطَفَاءِ

قَالَ: فَادْخُلْ يَا خَيْرَ سِبْطٍ شَفِيعٍ *** لِلْمُحِبِّينَ عِنْدَ يَوْمِ الْجَزَاءِ

ص: 311


1- أستاف: أشتمّ.

وَ مَضَتْ سَاعَةٌ فَجَاءَ عَلِيٌّ *** سَيِّدُ الْمُؤْمِنِينَ و َالأَوْصِيَاءِ

قَالَ: يَا بِنْتَ خَاتَمِ الرُّسُلِ طه *** بَعْدَ أَزْكَي تَحِيَّةٍ وَ وِلاءِ

أَنَا أَسْتَافُ مِنْ أَخِي وَ ابْنِ عَمِّي *** سَيِّدِ الرُّسُلِ أَطْيَبَ الأَشْذَاءِ

قُلْتُ: تَحْتَ الْكِسَاءِ صِنَوكَ طه *** مَعَ شِبْلَيْكَ يَا أَبَا الأَنْقِيَاءِ

فَتَدَانَي مُسْتَأْذِناً نَحْوَ طه *** بَعْدَ تَسْلِيمِهِ بِخَيْرِ اعْتِنَاءِ

قَالَ: فَادْخُلْ خَلِيفَتِي وَ وَصِيِّي *** مَعَنَا يا أَخِي وَ رَبَّ لِوَانِي

وَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ أَطْلُبُ إذناً *** مَعَهُمْ فِي الدُّخُولِ فِي الانْتِهَاءِ

قَالَ: يا بَضْعَتِي وَ بِنْتِيَ كُونِي *** مَعَنَا يَا سَلِيلَةَ النُّقَبَاءِ

وَ اكْتَمَلْنَا تَحْتَ الْكِسَاءِ فَأَوْمَي *** آخِذا جَانِبَيْهِ نَحْوَ السَّماءِ(1)

قَائِلاً: هؤلاء -رَبِّي- جَمِيعاً *** أَهْلُ بَيْتِي وَ خِيرَةُ الأَصْفِيَاءِ

لَحْمُهُمْ -رَبِّيَ الْمُعَظَّمَ- لَحْمِي *** وَ كِرَامُ الدِّمَاءِ مِنْهُمْ دِمَائِي

أنَا سِلْمٌ لِمَنْ يُسَالِمُ حَقّاً *** أَهْلَ بَيْتِي حَرْبٌ لأَهْلِ الْعِدَاءِ

مُبْغِضٌ شَانِيءٌ لِمَنْ أَبْغَضُوهُمْ *** وَ مُحِبْ لِلشَّيعَةِ الأَوْلِيَاءِ

رَبِّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمُ بَرَكَاتٍ *** مِنْكَ تُتْلَي بِرَحْمَةٍ وَ رَجَاءِ

رَبِّ طَهُرْهُمْ جَمِيعاً وَ أَذْهِبْ *** عَنْهُمُ الرِّجْسَ يَا إِلهَ الْعَطَاءِ

قَالَ: يَا سَاكِنَ السَّمَاواتِ طُرّاً ***(رَبُّنَا) لِلْمَلائِكِ الأُمَنَاءِ

يَا عِبَادِي وَ عِزَّتِي وَ جَلالِي *** وَ أَنَا اللَّهُ صَاحِبُ الْكِبْرِيَاءِ

مَا خَلَقْتُ الأَرْضَ الْوَسِيعَةَ *** دَحْواً مَا رَفَعْتُ السَّما بِخَيْرِ بِنَاءِ(2)

فَلَكٌ لَمْ يَكُنْ يَدُورُ وَ فُلْكٌ *** لَمْ يَكُنْ سَارِياً بِلُجَّةِ ماءِ(3)

دُونَ بَحْرٍ يَجْرِي وَ بَدْرٍ مُنِيرٍ *** وَ ذُكَاءٍ مُضِيئَةٍ بِضِيَاءِ

كُلُّ هَذا قَدْ كَانَ مِنِّي لِغُرِّ *** خَمْسَةٍ جُلَّلُوا بِهَذَا الْكِسَاءِ

ص: 312


1- أومي: أشار.
2- دَحُواً : بَسْطاً.
3- لُجة ماء: مُّعظَمُ ماء.

قَالَ: «يَا رَبِّ مَنْ هُمْ؟» جَبْرَئِيلٌ *** طُلْتَ مَجْداً بِعِزَّةٍ وَ إِبَاءِ

قَالَ: هُمْ مَعْدِنُ النُّبُوَّةِ عِنْدِي *** فَاطِمُ بِنْتُ خَاتَمِ الشُّفَعَاءِ

وَ أَبُوهَا وَ بَعْلُهَا وَبَنُوها *** أَصْفِيَانِي وَ خِيرَةُ الْخُلَفَاءِ

قَالَ: هَلْ بِالنُّزُولِ لِي مِنْكَ إِذْنٌ *** لأَكُونَنَّ سَادِسَ الأَصْفِياءِ

قَالَ: إِنِّي لَقَدْ أَذِنْتُ، فَأَهْوَي *** جَبْرَئِيلَ لِتُرْبَةِ الْغَبْرَاءِ

وَ أَتَي الْمُصْطَفَي وَ قَصَّ عَلَيْهِ ***كُلَّ مَا قَالَهُ إِلَهُ الْعَطَاءِ

قَالَ: فَادْخُلْ، فَقَدْ أَذِنْتُ بِهَذَا، *** مَعَنا يا أَمِينَ وَحْيِ السَّمَاءِ

قالَ: إِنَّ الإِلهَ أَوْحَي إِلَيْكُمْ *** وَ حَبَاكُمْ مِنْ فَضْلِهِ بِحِبَاءِ

آيةٌ في التَّطهيرِ أَذْهَبَ فِيها ***كُلَّ رِجْسَ عَنْكُمْ وَ كُلَّ امْتِرَاءِ

فَرَنَا الْمُرْتَضَي وَ قَالَ لِطه: ***ما لِهَذَا جُلُوسنَا مِنْ عَلَاءِ

قَالَ طه: وَ حَقِّ رَبِّ الْبَرَايَا *** مَنْ حَبَانِي فَضْلاً بِهَذا الثَّنَاءِ

وَ اجْتَبَانِي مِنَ الْعِبَادِ نَبِيّاً *** وَ نَجِياً بِأَحْسَنِ الإِجْتِباءِ

مَا جَرَي ذِكْرُنَا بِهَذَا بِحَفْلٍ *** وَ اجْتِمَاعِ لِلشَّيعَةِ الصَّلَحَاءِ

قطُّ إلا وَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ *** رَحَمَاتٍ تَفِيضُ بِالنَّعْمَاءِ

وَ بِهِمْ حَفَّتِ الْمَلَائِكُ طُرّاً *** فِيهِ يَسْتَغْفِرُونَ دُونَ انْقِضَاءِ

لَهُمُ مُدَّةَ الْجُلُوسِ إِلَي أَنْ *** عَنْهُ يَنْفَضُّ سَائِرُ الْجُلَسَاءِ

قَالَ: فُزْنَا وَفَازَ كُلُّ مُحِبِّ *** وَ مُوَالٍ لَنَا مِنَ الأَوْلِيَاءِ

قال طه: عَوْداً عَلَي الْبَدْءِ مِنْهُ: *** وَ الَّذِي اختارنِي بِخَيْرِ انْتِقَاءِ

مَا أَتَي مِنْهُمُ بِمَجْمَع خَيْرٍ *** ذِكْرُ هذا الْحَدِيثِ طُولَ البَقَاءِ

كَانَ فِيهِ ذُو حَاجَةٍ أَو هُمُومِ *** أَوْغُمُومِ مَقْرُونَةٍ بِالْعَنَاءِ

قَطُّ إِلا وَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ *** وَ قَضَي حَاجَهُ بِخَيْرِ قَضَاءِ

قَالَ: فُزْنَا وَ اللَّهِ حُسْنَي وَ فَازُوا *** فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ دَارِ اللِّقَاءِ

ص: 313

صحيفة فاطمة الزهراء عليها السلام

قَدْ تَجَلَّي عَنْ جَابِرٍ خَيْرُ نَصٍّ *** فِيهِ لِلظَّامِئِينَ خَيْرُ رُوَاءِ

قَالَ: أَبْصَرْتُ فِي يَدَيْ بِنْتِ طه *** حِينَ وَافَيْتُها بِوَقْتِ اللقَاءِ

خَيْرَ لَوْحٍ مِنَ الزُّمُرُّدِ زاهٍ *** أَخْضَرٍ مُشْرِقٍ بِأَسْنَي بَهَاءِ

قُلْتُ: يَا بَضْعَةَ النَّبِيِّ أَبِينِي *** أَيَّ شَيْءٍ هذا بِأَبْهَي جَلاءِ

فَأَجَابَتْ: لَوْحٌ أَتَي جَبْرَئِيلٌ *** لأبي فِيهِ مِنْ إِلَهِ الْعَطَاءِ

فَحَبَانِي بِهِ أَبِي حَيْثُ فِيهِ *** ذِكْرُ أَسْمَاءِ وُلْدِيَ الأُمَنَاءِ

لِيَعُمَّ السُّرُورُ وَ الْبِشْرُ نَفْسِي *** فَتَصَفَّحْتُهُ بِخَيْرِ اقْتِفَاءِ

وَكَتَبْتُ النَّصَّ الَّذِي خُطَّ فِيهِ *** بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ بَيْضَاءِ

وَ أَنَا أُشْهِدُ الإلة بِهذا *** صادِقاً بِالْمَقَالِ دُونَ افْتِرَاءِ

إنَّ هَذَا اللَّوْحَ الْكَرِيمَ كِتَابٌ *** مُنْزَلُ مِنْ جَلالِ رَبِّ السَّمَاءِ

لِسَفِيرِ الْبَارِي وَ خَيْرِ دَلِيلٍ *** وَ حِجَابٍ لَهُ وَ خَيْرِ ضِيَاءِ

يَا نَبِيِّ الْهُدَي مُحَمَّدُ عَظِّمْ *** بَعْدَ شُكْرِ لِنِعْمَتِي أَسْمَائِي

إِنَّنِي اللَّهُ لا إِلَهَ سِوَاهُ *** قَاصِمُ الْجَبَارِينَ مِنْ خُصَمَانِي

وَ مُذِلُّ لِلظَّالِمِينَ هَوَاناً *** بَعْدَ عِزِّ دَيانُ يَوْم الْجَزَاءِ

كُلُّ مَنْ خافَ غَيْرَ عَدْلِي وَ يَرْجُو *** غَيْرَ فَضْلِي عَذَّبْتُهُ بِبَلائِي

فَتَوَكَّلْ عَلَيَّ وَحْدِي وَ اعْبُدْنِي *** إِلهاً فَرْداً بِلا شُرَكَاء

و أَنَا مَا اسْتَكْمَلْتُ عَهْدَ نَبِيِّ *** عِنْدَ بَعْثَي لِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ

قَطُّ إلأ وَ قَدْ جَعَلْتُ وَصِيّاً *** خَلَفاً بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ

وَ أَنَا قَدْ جَعَلْتُ شَخْصَكَ مَنْاً *** أَفْضَلَ الأَنْبِيَاءِ وَ الأَصْفِيَاءِ

مِثْلَما قَدْ جَعَلْتُ خَيْرَ وَصِيٌّ *** لَكَ فِي الْخَلْقِ أَفْضَلَ الأَوْصِيَاءِ

وَ بِشِبْلَيْكَ بَعْدَهُ وَ بِسِبْطَيْكَ *** امْتِنَاناً أَكْرَمْتُهُ بِسَخَاءِ

حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ خَيْرُ إِمَامَيْنِ *** هُمَا بَعْدَ سَيِّدِ الأَنْقِيَاءِ

وَ جَعَلَتُ الزَّكِي مَعْدِنَ عِلْمِي *** حَسَناً وَ هُوَ مُجْتَبَي الأَزْكِيَاءِ

ص: 314

وَ جَعَلْتُ الْحُسَيْنَ خَازِنَ عِلْمِي *** بَعْدَهُ وَ هُوَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ

وَ بِأَسْمَي شَهَادَةٍ خُصَّ مِنِّي *** قُرِنَتْ فِي سَعَادَةٍ وَ عَلَاءِ

مَعَهُ الْكِلْمَةُ البَلِيغَةُ رُشْداً *** وَ لَهُ خَيْرُ حُجَّةٍ بَيْضَاءِ

لِلْبَرَايَا مُعَاقِبٌ وَ مُثِيبٌ *** مِنْهُ فِي خَيْرِ عِتْرَةٍ نُجَبَاءِ

سَيْدُ الْعَابِدِينَ أَوَّلُ نَدْبٍ *** مِنْهُمُ وَ هُوَ زِينَةُ الأَوْلِيَاءِ(1)

وَ ابْنُهُ بَاقِرُ الْعُلُومِ لِحُكْمِي *** مَعْدِنٌ شِبْهُ خَاتَمِ الأَصْفِيَاءِ

بَعْدَهُ جَعْفَرٌ سَيَهْلِكُ فِيهِ *** كُلُّ بَاغِ ذِي رِيبَةٍ وَ رِيَاءِ

حُقَّ قَوْلٌ مِنِّي لأُكْرِمَ مَثْوَي *** جَعْفَرٍ في كَرَامَةِ وَ اعْتِلاَءِ

كُلُّ شَخْصِ قَدْ رَدَّ -كُفْراً- عَلَيْهِ *** رَدَّ -كُفْراً- عَلَيَّ دُونَ اهْتِدَاءِ

الأسُرَّنَّ نَفْسَهُ مِنْ حُبُورٍ *** بِجَمِيعِ الأَشْيَاعِ وَ النُّصَرَاءِ(2)

بَعْدَهُ اخْتَرْتُ ِللإِمَامَةِ -مُوسَي *** وَ هُوَ فِي عَهْدِ فِتْنَةٍ عَمْيَاءِ

حَيْثُ فَيْضِي وَ حُجَّتِي لَنْ يَزُولا *** بِانْقِطَاعِ مِنَ الوَرَي وَ انْقِضَاءِ

لَيْسَ يَشْقَي الأَتبَاعُ مِنْهُ جَمِيعاً *** فَهُمُ فِي هُدَي بِدُونِ شَقَاءِ

كُلُّ فَرْدِ مِنَ الْبَرِيَّةِ غَيّاً *** لَهُمُ جَاحِدٌ مِنَ الْكِبْرِيَاءِ

بَعْدَ تَغْيِيرِ آيةٍ مِنْ كِتابِي *** فَهُوَ بَاغِ عَلَيَّ بِالإِفْتِرَاءِ

وَ عَليٌّ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ عَلَيْهِ *** أَنَا أَلْقَيْتُ كُلفَةَ الأَنْبِيَاءِ(3)

وَ هْوَ عَبْدِي وَ نَاصِرِي وَ وَلِيِّي *** مَنْ لَهُ الإِضْطِلاعُ فِي أَعْبَائِي

كُلُّ فَرْدٍ مُكَذِّبٌ فِيهِ كُفْراً *** وَ هُوَ فِي الْعَدْ ثَامِنُ الشُّفَعَاءِ

فَهُوَ حَقاً مُكَذِّبٌ دُونَ رَيْبٍ *** لِجَمِيعِ الأَئِمَّةِ الصَّلَحَاءِ

وَ هُوَ يَجْنِي عَلَيْهِ عِفْرِيتُ طَاغٍ *** مُتَعَدِّ بِالْقَتْلِ شَرِّ اعْتِدَاءِ

ص: 315


1- النَّدبُ، و الجمع ندوب ونُدَباء: السريع إلي الفضائل و الظريف النجيب، الخفيف في الحاجة، لأنه إذا نُدب إليها خف لقضائها.
2- الحُبُور: السرور.
3- الكُلفة: الثقل و العبء.

دَفَنُهُ فِي مَدِينَةٍ قَدْبَنَاهَا *** جَنْبَ شَرِّ الطَّغَاةِ وَ الأَشْقِيَاءِ(1)

لأقرَّنَّ بَعْدَهُ الْعَيْنَ مِنْهُ *** بِابْنِهِ وَ هُوَ خِيرَةُ الْخُلَفَاءِ

مَوْضِعِ السِّرِّ مَعْدِنِ الْحُكْمِ مِنِّي *** وَارِثِ الْعِلْمِ وَ هُوَ خَيْرُ وِعَاءِ

حَجَّتِي فِي الْوَرَي مُحَمَّدُ حَقّاً *** وَ هُوَ عِنْدِي مِنْ صِفْوَةِ النُّجَبَاءِ

قَدْ جَعَلْتُ الْمَثْوَي الْمُبَارَكَ مِنْهُ *** فِي جِنَانِ الأَبْرَارِ وَ الأَتقِيَاءِ

بَعْدَ تَشْفِيعِهِ بِسَبْعِينَ شَخْصاً *** يَسْتَحِقُّونَ نَارَ يَوْمِ الْجَزَاءِ(2)

وَ أَنَا فِي سَعَادَةٍ أَرْتَضِيهَا *** سَوْفَ أَقْضِي فِي سَاعَةِ الإِنْتِهَاءِ

لابْنِهِ نَاصِرِي عَلِيٍّ وَلِيِّي *** وَ هُوَ لِلْوَحْي خِيرَةُ الأُمَنَاءِ

أُخْرِجُ الخَازِنَ الأَمِينَ لِعِلْمِي *** حَسَناً مِنْهُ خِيرَةُ الأَصْفِيَاءِ

وَ أَنَا بِابْنِهِ لَأَكمِلُ أَمْرِي *** رَحْمَةً لِلْعِبَادِ دُونَ انْقِضَاءِ

مَنْ تَجَلَّي كَمَالُ مُوسَي عَلَيْهِ *** وَ لِعِيسَي عَلَيْهِ خَيْرُ بَهَاءِ

وَ عَلَيْهِ وَ هُوَ الْمُغَيَّبُ يَبْدُو *** صَبْرُ أَيُّوبَ فِي أَتَمِّ جَلاءِ

وَ هُوَ فِي الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ مِنْهُ *** سَيُذَلُّ الأَبْرَارُ مِنْ أَوْلِيَائِي

وَ هُمُ يُقْتَلُونَ صَبْراً إِلَي أَنْ *** تُصْبَغَ الأَرْضُ مِنْهُمُ بِالدِّمَاءِ

وَيُهَادَوْنَ بِالرُّؤُّوس ضَلالاً *** مِنْهُمُ بَعْدَ سَاعَةِ الإِعْتِدَاءِ

وَ يَشِيعُ الْوَيلُ اكْتِثَاباً وَ يَعْلُو *** مِنْهُمُ بِالْبُكَارَنِينُ النِّسَاءِ

بَعْدَ خَوْفٍ مِنْهُمْ أُولَنكَ حَقّاً *** أَوْلِيَائِي وَ خِيرَةُ الصُّلَحَاءِ

(1) ما ورد هو أن الذي بناها العبدُ الصالح ذو القرنين. و أن الإمام الرضا عليه السسلام قد دفن إلي

جنب هارون العباسي، كما يقول دعبل الخزاعي :

قبران في طوس خير الناس كُلِّهمُ *** و قبرُ شرِّهمُ، هذا مِنَ العِبَر

ص: 316


1- و أما بيت القصيدة التي نحن بصددها فثمة انفكاك واضح بين شطريها. و كأنه يحكي عن وجود سِقط فيها، لأنه ليس المراد قطعاً أن الإمام الرضا عليه السلام قد دُفن في مدينة هو بناها بنفسه جنب قبر شرّ الأشقياء و الطغاة، فلاحظ.
2- في بعض النسخ أنه عليه السلام شفَّع في سبعين ألفاً من أصحابه المستحقين لدخول النار.

أَكْشِفُ الإِصْرَ وَ الزَّلازِلَ فِيهِمْ *** رافعاً كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْياءِ(1)

وَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ مِنِّي عَلَيْهِمْ *** صَلَواتُ فِي رَحْمَةٍ وَ رَجَاءِ(2)

ص: 317


1- الإصر : الثقل الذنب.
2- خبر اللوح الذي ينص علي أسماء الأئمة الاثني عشر عليهم السلام: و هو من الأحاديث المشهورة، المسطورة في كتب الأصحاب، و بطرق عديدة، و نُقول مستفيضة، فقد رواها في (إكمال الدين و إتمام النعمة) وحده بما يقرب من عشرة طرق و مثله في العيون، و في الاحتجاج بطريقين، و في غيبة الطوسي و أماليه بأربعة طرق كما رواها المفيد أيضاً الاختصاص و النعماني في الغيبة و الكليني في الكافي و الصدوق في الخصال و العاملي في الصراط المستقيم. و قد رواه عن هؤلاء أيضاً المجلسي في البحار ج 36 ص 195 ، و البحراني في العوالم ج11 ص843-852 تحقيق و استدراك الأبطحي و القمي في السفينة ج1 ص 532 تحت عنوان جابر بن عبد الله الأنصاري و خبر اللوح و أغلب من تأخر من خواص المحدَّثين. و قبل أن أذكر الحديث بنصه، أودّ أن أؤكد كما هي العادة: أنّ هذا الحديث قد ورد جله أو بعضه، مع بقاء روحه في أمهات مسانيد العامة و صحافهم منذر عيلهم الأوّل و حتي العصور المتأخرة، و بطرق عديدة و مستفيضة أيضاً. فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده ج 1 ص 398 عن الشعبي عن مسروق قال : كنّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود و هو يقرئنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم كم تملك الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحدٌ منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم، و لقد سألنا رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، فقال : اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل. و أخرجه هو أيضاً في مسنده، بطريق آخر، ص 406. و أخرج أيضاً في ج في ج 5 ص 89 ، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم يقول في حجة الوداع: لا يزال هذا الدين ظاهراً علي من ناوأه، و لا يضره مخالف و لا مطارق حتي يمضي من أمتي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش. و قد قال أحمد شاكر في هامش الحديث الأول: «إسناده صحيح» و جدير بالذكر أن أحمد ابن حنبل إمام الحنابلة، كان من المعاصرين للكاظم ،والرضا والجواد، والهادي من أئمة أهل البيت مما يعني شهرة حديث الأئمة الاثني عشر عند الجمهور منذ القرن الثاني الهجري أي قبل اكتمال عدّة المعصومين الاثني عشر عليهم أفضل الصلاة والسلام، بل الظاهر من ملاحظة أسانيدهم شهرته قبل ذلك أيضاً وقد أورد العلامة السيد حسن الصدر في (الدررالموسوية) حديث اثني عشر خليفة من طرق أحمد بن حنبل من أربعة و ثلاثين طريقاً، كما رواه البخاري في صحيحه ج 4 في كتاب الأحلام و في باب مناقب قريش و في باب الأمراء من قريش، و مسلم في صحيحه 2 ص 79، وسنن الترمذي ج 2، و مستدرك الحاكم ج 4 ص ،501 و ابن الأثير في البداية و النهاية ج 6 ص 248 و مجمع الزوائد ج 5 ص 190، و السيوطي في تاريخ الخلفاء، و الصواعق المحرقة باب 11، الفصل 2 و كنز العمال ج13 ص27، و ينابيع المودة ب 65، 76، 77 95، كما ذكر ذلك العلامة الأنطاكي في «مذهب الشيعة» ص179. و أبو داود في سننه ج 2 ص 443، و في جامع الأصول ج 4 ص 45-46، و انظر أيضاً فتح الباري ج 16 ص 338 ،339، 341، و في فرائد السمطين كما عن القندوزي في الينابيع. و في هذا الأخير تصريح بأسماء الاثني عشر سلام الله عليهم جميعاً. خبر اللوح الأخضر: في إكمال الدين و عيون أخبار الرضا عليه السلام، بسندهما عن عبد الرحمن بن سالم عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام؛ قال: قال أبي عليه السلام لجابر بن عبد الله الأنصاري: إنّ لي إليك حاجة، فمتي يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها ؟ فقال له جابر: في أيّ الأوقات شئت، فخلا به أبي عليه السلام. قال له يا جابر، أخبرني عن اللوح الذي رأيته في يَدَيْ أمي فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ما أخبَرَتْكَ به أُمّي، وما كان في ذلك اللوح مكتوباً. فقال له: جابر أشهد بالله، أني دخلت علي أمّك فاطمة عليها السلام في حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أهنئها بولادة الحسين عليه السلام فرأيت في يدها لوحاً، أخضر ظننت أنه زمُرّد، و رأيت فيه كتابةً بيضاء شبيهة بنور الشمس. فقلت لها: بأبي أنت و أمي، يا بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؛ ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا اللوح أهداه الله «عزّ وجلّ» إلي رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و فيه اسم أبي، و اسم بعلي، و اسم ابنيَّ و أسماء الأوصياء من ولدي فأعطانيه أبي ليسرّني بذلك. قال جابر: فأعطتنيه أُمُّك فاطمة عليها السلام، فقرأته و انتسخته. فقال لي أبي عليه السلام يا جابر، فهل لك أن تعرضه عليَّ عليه السلام؟ فقال: نعم، فمشي معه أبي عليه السلام، حتي انتهي إلي منزل جابر، فأخرج إلي أبي صحيفة من رقَ (جلد)، و قال عليه السلام: يا جابر، انظر في كتابك لأقرأه عليك. فنظر، جابر، فقرأه أبي عليه السلام، فما خالف حرفٌ حرفاً. قال جابر: فأشهد بالله، أني هكذا رأيته في اللوح مكتوباً «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من الله العزيز الحكيم، لمحمّد صلي الله عليه و آله و سلم نوره و سفيره و حجابه، و دليله نزل به الرّوحُ الأمين من عند ربّ العالمين؛ عظَّم يا محمَّد صلي الله عليه و آله و سلم أسمائي، و اشكر نعمائي، و لا تجحد آلائي. إنّي أنا اللّهُ لا إلهَ إلاّ أنا؛ قاصمُ الجبارين، و مبيرُ المتكبرين، و مذلُّ الظالمين، و ديَّانُ يوم الدين. إنّي أنا الله، لا إلهَ إلا أنا؛ فمن رجا غيرَ فضلي، أو خاف غيرَ عذابي عذبته عذاباً لا أعذَبُه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبُد و عليَّ فتوكَّلْ. إنِّي لم أبعث نبياً، فأُكْمِلَتْ أيامه و انقضت مدته، إلا جعلتُ له وصيّاً، وَ إنِّي فضّلتك علي الأنبياء، و فضّلتُ وصيّكَ علي الأوصياء، و أكرمتك بشبليك بعده، و بسبطيكَ الحسن و الحسين، فجعلت حسناً معدِنَ علمي بعد انقضاء مدّة أبيه. و جعلتُ حسيناً خازِنَ ،و حيي و أكرمتُه بالشهادة و ختمتُ له بالسعادة، فهو أفضل من استُشهدَ، و أرفعُ الشهداء درجةً عندي و جعلتُ كلمتي التامَّة معه، و الحجَّةَ البالغة عنده، بعترتِهِ أُثيب و أعاقب. و أولهم عليّ سيّد العابدين عليه السلام، و زينُ أوليائي الماضين. و ابنُهُ شبيه جدِّه المحمودِ صلي الله عليه و آله و سلم؛ محمد الباقرُ لعلمي عليه السلام، و المعدنُ لحكمتي. سيهلِكَ المرتابون في جعفر عليه السلام؛ الرادَّ عليه كالرّاد عليَّ، حق القولُ مني لأكرمنَّ مثوي جعفر عليه السلام، و لأسُرَّنّهُ في أشياعه، و أنصاره، و أوليائه. و انتجبتُ بعدَهُ موسي فتنةً، و انتجبتُ بعده عمياءِ حَندِس، لأنّ خيطَّ فرضي لا ينقطعُ، و حُجّتي لا تخفي و إنّ أوليائي لا يشقون أبداً. ألا وَ مَنْ جَحَدَ واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومَنْ غيَّر آيةً من كتابي فقد افتري عليٍّ عليه السلام، و ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسي و حبيبي و خيرتي. ألا إنَّ المكذَّبَ بالثامِن مكذِّبٌ بكُلِّ أوليائي و عليٍّ عليه السلام وليِّي و ناصري، و مَنْ أضعُ عليه أعباء النُّبوّةِ، و أمتَحِنُه بالاضطلاع بها، يقتُلُه عفريت مستكبرٌ، يُدفنُ بالمدينة التي بناها العبدُ الصالح ذو القرنين إلي جنب شرِّ خلقي. حقَّ القولُ منّي لأُقِرَّنَّ عينه بمحمدٍ عليه السلام ابنِه، و خليفته من بعده، فهو وارث علمي، و معدنُ حكمتي، و موضع سرِّي، و حجَّتي علي خلقي، جعلتُ الجنّة مثواه و شفّعته في سبعين ألفاً من أهل بيته عليهم السلام كلُّهم قد استوجبوا النار. و أختِمُ بالسعادة لابنه عليٍّ عليه السلام وليِّي و ناصري و الشاهِدِ في خلقي، و أميني علي وحيي. أخرجُ منه الداعيَ إلي سبيلي، و الخازن لعلمي الحسنَ. ثُمَّ أُكمِلُ ذلك بابيه، رحمةً للعالمين، عليه كمالُ، موسي و بهاء عيسي عليهما السلام، و صبر أيوب عليه السلام، ستذُلَّ أوليائي في زمانه، و يتهادَونَ برؤوسهم كما تُهادي رؤوسُ التَّركِ و الديلم، فيُقتلون و يُحرقون، و يكونون خائفين مرعوبين وَجِلين تُصبغ الأرضُ من دمائهم، و يفشو الويل و الرنينُ في نسائهم. أولئك أوليائي حقاً، بهم أدفع كُلّ فتنةٍ عمياءِ حِنْدِس، وَ بِهِمْ أكشفُ الزلازل و أرفَعُ الآصار و الأغلال «أولئك عليهم صلواتٌ من ربِّهم و رحمةً و أولئك هُمُ المهتدون». قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو لم تسمع في دهرك إلاّ هذا الحديث لكفاك، فصُنْهُ إلا عن أهله.

ص: 318

ص: 319

خطبة الزهراء عليها السلام في مسجد الرسول صلي الله عليه وآله و سلم

بضعةُ المصطفي

بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي وَ نَاهِيكَ فِيهَا *** مِنْ بَتُولٍ زَكِيَّةٍ زَهْرَاءِ(1)

ص: 320


1- في كتاب الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص253، تحت عنوان احتجاج فاطمة الزهراء عليها السلام علي القوم لمّا منعوها فدكاً و قولها لهم عند الوفاة في الإمامة: روي عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه عليهم السلام: أنّه لمّا اجتمع أبو بكر و عمر علي منع فاطمة عليها السلام فدكاً، و بلغها ذلك، لاثت خمارها علي رأسها و اشتملت بجلبابها، و أقبلت في لمة حفدتها، و نساء، قومها تطأ ذيولها ما تخرمُ مشيتُها مشيةَ أبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، حتي دخلَت علي أبي بكر، و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم، فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثم أنَت أنّةً أجهش القومُ لها بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثمّ أَمْهَلَتْ هنيئةً حتي إذا سكن نشيج القوم، و هدأت فورتُهم افتتحت الكلامَ بحمدِ اللهِ تعالي، و الثناءِ عليه، و الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فعادَ القومُ في بكائهم، فلما أمسكوا عادتْ كلامها ، فقالت عليها السلام: الحمدُ لِلَّهِ علي ما أنعم، و له الشكرُ علي ما أَلْهَم و الثناء بما قدَمَ، من عموم نِعَمِ ابتدأها و سبوغ آلاءِ أسداها، و تمام مِنَن أولاها، جمَّ عن الإحصاء عددُها، و نأي عن الجزاء أمدُها، و تفاوتَ عن الإدراك أبَدِّها و ندبهم لاستزادتِها بالشكر لاتصالها، و استحمدَ إلي الخلائق بإجزالها، و ثنّي بالنُّدبِ إلي أمثالها. و أشهدُ أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، كلمةٌ جعل الإخلاصَ تأويلها، و ضمَّن القلوب موصولَها، و أنار في التفكّر معقولها ؛ الممتنعُ من الأبصار رؤيتُه، و من الألسن صفته، و من الأوهام كيفيتُه، ابتدعَ الأشياء لا مِنْ شيءٍ كان قبلها، و أنشأها بلا احتذاء أمثلةِ امتثلها كوَّنها بقدرته و ذرأها، لمشيّته من غير حاجةٍ منه إلي تكوينها، و لا فائدةٍ له في تصويرها إلاّ تثبيتاً لحكمتِه، و تنبيهاً علي طاعتِهِ، و إظهاراً لِقُدرتِهِ، و تعبداً لبريّته و إعزازاً لدعوته، ثمَّ جعل الثواب علي طاعتِهِ، و وضعَ العقابَ علي معصيتِهِ، زيادةً لعبادِهِ عن نقمتِهِ، و حياشةً لهم إلي جنَّته. و أشهدُ أنّ أبي محمداً النبي الأمي صلي الله عليه و اله و سلم عبدُه و رسولُه، اختارَهُ و انتجَبه قبل أن أرسلَهُ، و سمّاهُ قبل أن ،اجتباه و اصطفاهُ قبل أن ابتعثه إذ الخلائق بالغيب مكنونةً، و بستر الأهاويل مصونةٌ، و بنهايةِ العدمِ مقرونةٌ، علماً من اللهِ تعالي بمآيلِ الأمورِ، و إحاطةً بحوادث الدهور، ومعرفةً بمواقعِ المقدورِ. ابتعثهُ اللَّهُ إتماماً لأمره، و عزيمة علي إمضاء حُكمِهِ، و إنفاذاً لمقادير حتمِه، فرأي الأُمَمَ فرقاً في أديانها، عُكَفَاً علي نيرانها عابدةً ،لأوثانها منكرةً لِلَّهِ معَ عرفانها، فأنارَ اللَّهُ بأبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم ظُلَمَها ، و كشف عن القلوب بُهَمَها و جلَي عَنِ الأبصار غُمَمَها، و قامَ في الناس بالهدايةِ، فأنقذهم من الغوايةِ، و بصَّرهم من العمايةِ و هداهم إلي الدين القويمِ، و دعاهم إلي الصراط المستقيم. ثمّ قبضَهُ اللَّهُ إليهِ قبضَ رأفةٍ و اختيار، و رغبةٍ و إيثار، فمحمَّدٌ صلي الله عليه و آله و سلم من تعبِ هذه الدار في راحةٍ، قد حُفَّ بالملائكة الأبرار، و رضوانِ الربِّ الغفّار، و مجاورة الملِكِ الجبّار، صلّي اللَّهُ علي أبي نبيِّهِ، و أمِينِهِ علي الوحي، و صفيه في الذِّكر، وخيرتِهِ من الخلق و رضيَّه، و السلام عليه ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه . ثمّ التفتت عليهم السلام إلي أهل المجلس و قالت: أنتم عبادَ اللَّهِ نصبُ أمره و نهيه، و حَمَلَةُ دينِهِ و أمناءُ اللَّهِ علي أَنْفُسِكم، و بُلَغاؤه إلي الأمم، و زعمتم حقَّ لكم، للَّه فيكم عهد، قدّمه إليكم، و بقيّة استخلفها عليكم: كتاب اللَّه الناطق، و القرآن الصادق، و النور الساطع، و الضياء اللامع، بيّنة بصائره منكشفة سرائره منجلية ظواهره مغتبط به أشياعه، قائد إلي الرضوان أتباعه مؤدّ إلي النجاة استماعه به تنال حجج الله المنورّة، و عزائمه المفسّرة و محارمه المحذرة و بيّناته الجالية و براهينه الكافية و فضائله المندوبة و رخصه الموهوبة، و شرائعه المكتوبة. فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، و الزكاة تزكية للنفس و نماءً في الرزقِ، و الصيام تثبيتاً للإخلاص و الحج تشييداً للدين و العدل تنسيقاً للقلوب، و طاعتنا نظاماً للمِلَّة، و إمامتنا أماناً من الفرقة و الجهاد عزّاً للإسلام و ذلاً لأهل الكفر و النفاق و الصبر معونة علي استيجاب الأجر، و الأمر بالمعروف مصلحة للعامة، و برّ الوالدين وقاية من السخط وصلة الأرحام منسأة في العمر و منماة للعدد، و القصاص حقناً للدماء، و الوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، و توفية المكاييل و الموازين تغييراً للبخس و النهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس و اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، و ترك السرقة إيجاباً للعفّة و حرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية فاتّقوا الله حق تقاته، و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون و أطيعوا الله فيما أمركم به و ما نهاكم عنه، فإنّه إنّما يخشي الله من عباده العلماء ثم قالت أيّها الناس اعلموا : إنّي فاطمة و أبي محمّد صلي الله عليه و آله و سلم، أقول عوداً و بدواً و لا أقول ما أقول غلطاً، و لا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فإن تعزوه وتعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، و أخا ابن عمّي دون رجالكم، و لنعم المعزي إليه صلي الله عليه و آله و سلم، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة ماثلاً عن مدرجة ،المشركين ضارباً ثَبَجهم آخذاً بأكظامهم، داعياً إلي سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة، يكسر الأصنام، و ينكث الهام، حتي انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتي تفرّي الليل عن صبحه و أسفر الحق عن محضه و نطق زعيم الدين و خرست شقاشق الشياطين، و طاح و شيظ النفاق، و انحلّت عقد الكفر و الشقاق، و فهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً و كنتم علي شفا حفرة من النار، مذقة الشارب و نهزة الطامع و قبسة العجلان، و موطيء الأقدام، تشربون الطَرَق، و تقتاتون القدّ أذلةَ خاسئين صاغرين، تخافون أن يتخطَّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك و تعالي بأبي محمد صلي الله عليه وآله و سلم بعد اللّتيا و التي، و بعد أن مني ببهم الرجال و ذوبان العرب و مردة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفي حتي يطأ صماخها بأخمصه و يخمد لهبها بسيفه مكدوداً ذات الله، مجتهداً في أمر الله قريباً من رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجداً كادحاً، لاتأخذه في الله لومة لائم، و أنتم في رفاهية من العيش، و ادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، و تتوكَّفون الأخبار و تنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال. فلما اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، مأوي أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النّفاق، و سمل جلباب الدين، و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الأقلّين و هدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، و للعزّة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، و أحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم و وردتم غير مشربكم. هذا و العهد قريب و الكلم ،رحيب و الجرح لمّا يندمل، و الرّسول لمّا يُقْبَر؛ ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، و كيف بكم، و أنّي تؤفكون! و كتاب الله بين أظهركم أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة، و زواجره لايحة و أوامره واضحة و قد خلفتموه وراء ظهوركم، أرَغْبَةً عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلاً، و من يتّبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها ثم أخذتم تورون و قدتها و تهيجون جمرتها، و تستجيبون لهتاف الشيطان الغويّ، و إطفاء أنوار الدين الجليّ و إهماد سنن النبي الصفيّ، تشربون حسواً في ارتغاء و تمشون لأهله و ولده في الخمرة و الضراء و نصبر منكم علي مثل حزّ المدي و وخز السنان في الحشا، و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا، أفَحُكم الجاهليّة تبغون و من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟!! أفلا تعلمون؟ بلي، قد تجلّي لكم كالشمس الضاحية : أنّي ابنته. أيها المسلمون! أأُغلَبُ علي إرثيه يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب اللَّه أن ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً علي اللَّه و رسوله! أفعلي عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ»، و قال فيما اقتصّ من خبر يحيي بن زكريا عليه السلام، إذ قال: «نَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آل يَعْقُوبَ»، و قال أيضاً: «وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ»، و قال: «يُوصيكُمُ اللَّهَ في أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيْين»، و قال: «إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَي الْمُتَّقِين»، و زعمتم: أن لا حظوة لي و لا إرث من أبي و لا رحم بيننا أفخصَّكم الله بآية من القرآن أخرج أبي محمداً صلي الله عليه و آله و سلم منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل الملّتين لايتوارثان؟ أولست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمّي؟ فدونكها مخطوطة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحُكَم الله، و الزعيم محمد صلي الله عليه و آله و سلم و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون و لا ينفعكم ما قلتم إذ تندمون و لكل نبأ مستقرّ و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم. ثم رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت لهم: يا معشر النقيبة و أعضاد الملة و حضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي و السنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم أبي يقول: «المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم، و عجلان ذا إهالَةً و لكم طاقة بما أحاول، و قوة علي ما أطلب ،و أزاول أتقولون مات محمّد صلي الله عليه وآله و سلم؟ فخطب جليل استوسع وهنه و استنهر فتقه، و انفتق رتقه، و أظلمت الأرض لغيبته و كسفت الشمس و القمر، و انتثرت النجوم لمصيبته، و أكدت الآمال و خشعت الجبال و أضيع الحريم و أزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبري، و المصيبة العظمي، لا مثلها نازلة و لا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه، في أفنيتكم، في ممساكم، و مصبحكم، يهتف في أفنيتكم هتافاً، و صراخاً و تلاوةً و ألحاناً، و لقبله ما حلّ بأنبياء الله و رسله، حكم فصل و قضاء حتم: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»، إيه بني قيلة، أَأَهَضَمُ تراث أبي؟ و أنتم بمرأيَ منّي و مسمع؟ و منتديَّ و مجمع؟ تلبسكم الدعوة، و تشملكم الخبرة و أنتم ذوو العدد و العدة، و الأداة و القوة و عندكم السلاح و الجُنّة توافيكم الدعوة فلا تجيبون، و تأتيكم الصرخة فلا تغيثون و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير و الصلاح و النخبة التي انتخبت والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت. قاتلتم العرب و تحملتم الكد و التّعب، و ناطحتم الأمم، و كافحتم البهم، لا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتّي إذا دارت بنا رحي الإسلام، و درَّ حلب الأيّام و خضعت ثغرة الشّرك، و سكتت فورة الإفك و خمدت نيران الكفر، و هدأت دعوة و المرج و استوسق نظام الدين، فأنّي حرتم بعد البيان؟ و أسررتم بعد الإعلان؟ و نكصتم بعد الإقدام و أشركتم بعد الإيمان؟ بؤساً لقوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم، و همّوا بإخراج الرسول و هم بدأوكم أوّل مرّة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. ألا و قد أري أن قد أخلدتم إلي الخفض و أبعدتم من هو أحق بالبسط و القبض، و خلوتم بالدعة و نحوتم بالضيق من السعة فمججتم ما وعيتم، و دسعتم الذي تسوغتم فإن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعاً فإن الله لغنيّ حميد. ألا و قد قلت ما قلت هذا علي معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم و الغدرة التي استشعرتها قلوبكم، و لكنّها فيضة النفس و نفثة الغيظ و خور القناة و بثّة الصدر، و تقدمة لحجّة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر نقبة الخف باقية العار، موسومة بغضب الله و شَنار الأبد، و موصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع علي الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون، و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعلموا إنّا عاملون، و انتظروا إنّا منتظرون. فأجابها أبوبكر عبداللَّه بن عثمان و قال: يا بنت رسول اللَّه عليها السلام! لقد كان أبوك صلي الله عليه و آله و سلم بالمؤمنين عطوفاً كريماً، و رؤوفاً رحيماً، و علي الكافرين عذاباً أليماً، و عقاباً عظيماً، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، و أخا الفك دون الأخلاء، آثره علي كلّ حميم، و ساعده في كلّ أمر، جسيم لا يحبّكم إلاّسعيد و لايبغضكم إلاّ شقي بعيد، فأنتم عترة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الطَّيبون، و الخِيرَة المنتجبون علي الخير أدلّتنا و إلي الجنّة مسالكنا، و أنتِ يا خيرة النساء، و ابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقّك، و لامصدودة عن صدقك و اللَّه ما عدوت رأي رسول اللَّه، و لا عملت إلاّ بإذنه، و إنّ الرائد لا يكذب أهله و إنّي أشهد الله و كفي به شهيداً، أنّي سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً و لافضةً و لاداراً و لاعقاراً و إنّما نورّث الكتاب و الحكمة و العلم و النبوّة و ما كان لنا من طعمة فَلِوَلِي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه» و قد جعلنا ما حاولته في الكراع و السلاح، يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفار، و يجالدون المردة الفجّار، و ذلك بإجماع من المسلمين، لم أنفرد وحدي، و لم أستبدّ بما كان الرأي عندي، و هذه حالي و مالّي، هي لك و بين يديك، لانزوي عنكِ، و لاندّخر دونكِ، و أنتِ سيّدة أُمّةِ أبيكِ، و الشجرة الطيَّبة لبنيكِ، لا ندفع مالكِ من فضلكِ، و لانوضع من فرعك و أصلِك حكمكِ نافذ فيما مَلَكَتْ يداي فهل ترين أنَّي أخالف في ذلك أباك الله صلي الله عليه و آله و سلم. فقالت عليه السلام: سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن كتاب الله صادفاً و لا لأحكامه مخالفاً ! بل كان يتّبع أثره و يقتفي سوره، أفتجمعون إلي الغدر اعتلالاً عليه بالزور و البهتان و هذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكماً عدلاً، و ناطقاً فصلاً يقول: «يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» و يقول: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ داوُدَ»، فبيّن الله عزّ وجلّ فيما وزّع من الأقساط و شرع من الفرائض و الميراث و أباح من حظ الذكران، و الإناث ما أزاح به علّة المبطلين و أزال التظنّي و الشبهات في الغابرين، كلاً بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل و الله المستعان علي ما تصفون. فقال لها أبوبكر: صدق الله و صدق رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و صدقت ابنته عليها السلام أنتِ معدن الحكمة و موطن الهدي و الرحمة، و ركن الدين، و عين الحجّة، و لا أبعد صوابكِ، و لا أنكر خطابكِ، هؤلاء المسلمون بيني و بينك قلدوني ما تقلدتُ، و باتفاق منهم أخذتُ ما أخذتُ، غير مكابر و لامستبد و لامستأثر، و هم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة عليها السلام إلي الناس و قالت : معاشر المسلمين المسرعة إلي قيل الباطل المغضية علي الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبّرون القرآن أم علي قلوب أقفالها؟ كلاً بل ران علي قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم و أبصاركم و لبئس ما تأوّلتم و ساء ما به ،أشرتم و شرّ ما منه اغتصبتم! لتجدن و الله محمله ثقيلاً، و غبه ،وبيلاً ، إذا كشف لكم الغطاء، و بان ما ورائه من البأساء و الضراء، و بدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون و خسر هنالك المبطلون. ثم عطفت علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت: قد كان بعدك أنباء وهنبئة *** لوكنت شاهدها لم تكثر الخطب إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها *** و اختلّ قومك فاشهدهم و لاتغب و كلّ أهل له قربي و منزلة *** عند الإله علي الأدنين مقترب أبدت رجال لنا نجوي صدورهم *** لما مضيت و حالت دونك الترب تَجَهَّمَتْنَا رجال واستخفّ بنا *** لما فقدت وكلّ الإرث مغتصب و كنت بدراً و نوراً يستضاء به *** عليك ينزل من ذي العزّة الكتب و كان جبريل بالآيات يؤنسنا *** فقد فقدت و كل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا *** لما مضيت و حالت دونك الكتب إنّا رزينا بما لم يُرزَ ذو شجن *** من البريّة لاعجم و لاعرب ثم انكفأت عليها السلام و أميرالمؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه، و يتطلع طلوعها عليها السلام، فلما استقرت بها الدار، قالت لأميرالمؤمنين عليه السلام: يا ابن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، و قعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي و بلغة ابني! لقد أجهد في خصامي و ألفيته الدَّ في كلامي حتّي حبستني قيلة نصرها و المهاجرة ،وصلها و غضّت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع و لامانع، خرجت كاظمة وعدت راغمة، اضرعت خدَّك يوم أضعت حدّك، افترست الذئاب و افترشت التراب، ما كففت قائلاً، و لاأغنيت طائلاً و لاخيار لي ليتني متّ قبل هنيئتي و دون ذلّتي عذيري الله منك عادياً و منك حامياً، ويلاي في كلّ شارق! ويلاي في كل غارب! مات العمد، و وهن العضد، شكواي إلي أبي! و عدواي إلي ربّي! اللهم أنت أشدّ منهم قوة و حولاً، و أشدّ بأساً و تنكيلاً. فقال لها أميرالمؤمنين عليه السلام: لا ويل لك يا بنت سيد النبيين صلي الله عليه و آله و سلم بل الويل لشانئك، ثم نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة و بقية النبوّة فما و نيت عن ديني و لاأخطأت مقدوري، فإن كنتِ تريدين البلغة فرزقك مضمون و كفيلكِ مأمون و ما أعدَّ الله لكِ أفضل ممَّا قُطِعَ عنكِ، فاحتسبي الله. فقالت عليها السلام: الله و نعم الوكيل و أمسكت. مصادر الخطبة: قال السيد عبد الزهراء الخطيب في تعليقه علي كتاب الشافي في الإمامة للشريف المرتضي ج 4 ص71 : «خطبة الزهراء عليها السلام في شأن فدك رواها الخلف عن السلف من العلويين في جميع الأجيال إلي زمن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام. وكان مشايخ آل أبي طالب يروونها عن آبائهم، و يعلمونها أبناءهم. عبقة من أريج الرسالة. كما أخرجها من أثبات الرواة غير الشيعة، فقد روي ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655 ه_) فصولاً منها ضمن جملةِ من أخبار فدك، و ما جري في شأنها، و قال في مقدمة ذلك: «الفصل الأول: فيما ورد من الأخبار و السِّيّر المنقولة من أفواه أهل الحديث و كتبهم، لا من كتب الشيعة و رجالهم لأنا مشترطون علي أنفسنا أن لا نحفل بذلك» (شرح النهج ج 16 ص210). ثم نقل أسانيد لهذه الخطبة تنتهي إلي زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام، و الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام و زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام و إلي عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، مضافاً إلي الأسانيد الأخري التي ينتهي بعضها إلي عروة بن الزبير عن خالته أم المؤمنين عائشة» انتهي. و في كتاب الشافي المذكور ج 4 ص 76 قال المرتضي (ت 436 ه): «وأخبرنا أبو عبد الله المرزباني، قال: حدثني علي بن هارون، قال: أخبرني عبد الله بن أحمد بن أبي طاهر، عن أبيه؛ قال: ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي كلام فاطمة عليها السلام عندما منع أبي بكر إيَّاها فدكاً، و قلت له: إنّ هؤلاء أنه مصنوع، و أنه كلام أبي العيناء، لأنّ الكلام منسوق البلاغة، فقال لي: رأيت يزعمون مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم، و يعلمونه أولادهم. و قد حدَّثني به أبي عن جدَّي يبلُغُ به فاطمة عليها السلام علي هذه الحكاية، و رواه مشايخ الشيعة و تدارسوه بينهم قبل أن يولد جد أبي العيناء، و قد حدّث الحسين بن علوان عن عطيّة سمع عبد الله بن الحسن ذكر عن أبيه هذا . ثم قال أبوالحسين: و كيف يُنكَرُ هذا من كلام فاطمة عليها السلام (إلي أن قال)... ثمَّ ذكر الحديث بطوله علي نسقه» انتهي ما عن الشاهد. و قال المعتزلي في شرح النهج ج 16 ص210، «و جميع ما مورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (ت بعد 322 ه_) في السقيفة و فدك ... و أبوبكر الجوهري هذا عالمٌ محدِّث، كثير الأدب، ثقة ورع، أثني عليه المحدِّثون و رووا مصنفاته». ثم نقل الخطبة عنه بعد ذلك. و قد نقل الخطبة من كتاب السقيفة و فدك للجوهري أيضاً أبوالحسن الإربلي (ت 693 ه_) في كتابه كشف الغمة ج 2 ص 106 بروايته عن عمر بن شبة (ت 262ه_). كما أشار إليها المسعودي في مروج الذهب، كما رواها في (بلاغات النساء) أبوالفضل أحمد بن أبي طاهر، المعروف بابن طيفور (ت380ه_)ص 12-14، بطريقين، و انظرها أيضاً في دلائل الإمامة ص31، عن العباس بن بكار، عن حرب بن ميمون، عن زيد ابن علي، عن آبائه، و في أمالي الطوسي (ط- قديم) ج 2 ص 69، و في المناقب لابن شهر آشوب ج 2 ص 50 ، و في إحقاق الحق ج10 ص296 ، و في البحار ج 8 ص109 (ط حجرية) و في البحار ح 43 ص148 ح 4 و في عوالم العلوم ج 11 ص 652، و في أعلام النساء ج 3 ص1208، و رواها في مصباح الأنوار ص 247 (قطعة) عن زيد ابن علي، عن أبيه ، عن عمته زينب بيت علي عليه السلام. و في الغدير ج 7 ص 195، و في الطرائف ص 263 نقلاً عن كتاب الفائق عن الأربعين، عن عائشة. مضافاً إلي أنه كان لها منذ الرعيل الأول و ما يزال إلي هذا اليوم عناية خاصَّة من قبل الأعلام، لدراستها و تحقيقها و شرح معانيها و بيان ألفاظها، فلتراجع في مظانَّها.

ص: 321

ص: 322

ص: 323

ص: 324

ص: 325

ص: 326

كُلُّهُمْ قَدْ وَعَوْا مَقَالَةَ طه *** فِي عُلاهَا وَ مَا لَها مِنْ عَلاءِ

هذِهِ بَضْعَتِي رِضَايَ رِضَاها *** وَ اسْتِيَاءُ الزَّهْرَاءِ عَيْنُ اسْتِيَائِي(1)

عَجَباً فِي الْبَتُولِ كَيْفَ أَضَاعُوا *** ذِمَّةَ الْمُصْطَفَي بِغَيرِ وَفَاءِ

كَيْفَ شَحُّوا وَ أَحْمَدٌ قَدْ حَبَاهَا *** فَدَكا نِحْلَةً بِكُلِّ سَخَاءِ(2)

مَنَعُوهَا عَنْ إِرْثِهَا مِنْ أَبِيهَا *** دُونَ ما حُجَّةٍ وَ دُونَ اخْتِشَاءِ

غَصَبُوا حَقَّهاجِهاراً فَأَبْدَوْا *** كُلَّ ما أَضْمَرُوا لَهَا فِي الْخَفَاءِ

أَنْكَرُوا فَرْضَ إِرْثِهَا مِنْ أَبِيها *** وَ هْيَ كَانَتْ مِنْ أَقْرَبِ الأَقْرِبَاءِ

حِينَ صَدُّوا بِدْعَةٍ وَ نِفَاقٍ *** فَدَكاً عَنْ سَلِيلَةِ الأَنْبِيَاءِ

وَ هْيَ مِمَّا أَفَاءَهُ اللَّهُ لُطفاً *** لأَبِيهَا مُحَمَّدٍ مِنْ عَطَاءِ(3)

نَاشَدَتْهُمْ بِاللَّهِ عَهْداً فَعَهْداً *** أَنْ يُفِيقُوا مِنْ سَكْرَةِ الْجُهَلاَءِ

فَتَعَامَوْا عَنِ الْهِدَايَةِ جَهلاً *** حِينَ صَمُّوا عَنْ مَنْطِقِ الْعُقَلاءِ

بَعْدَ رَدُّ مِنْهُمْ بِمَا أَثبَتَتْهُ *** أَنَّهَا نِحْلَةٌ بِغَيْرِ ادْعَاءِ

وَ عَلِيٌّ وَ أُمُّ أَيْمَنَ لِلزَّهرَاءِ ***كَانَا مِنْ خِيرَةِ الشُّهَدَاءِ

وَ كَفَي حُجَّةً عَلَي عَهْدِ طه ***بِيَدَيْهَا كَانَتْ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ

غَيْرَ أَنَّ النُّفُوسَ بَالْغَيِّ مَرْضَي *** مِنْ قَدِيمِ وَ مَا لَهَا مِنْ شِفَاءِ

فَأَتَتْهُمْ بِحُجَّةٍ قَدْ تَجَلَّتْ *** وَ هُيَ أَذْكَي تَوَقُداً مِنْ ذُكَاءِ

وَ اسْتَثَارَتْ نُفُوسَهُمْ فَرَأَتْهَا *** وَ هُيَ مَوْتَي فِي صُورَةِ الأَحْيَاءِ

ص: 327


1- استياء: إحزان، فعل ما يكرهه به.
2- شحّوا: بخلوا و حرصوا.
3- أفاءه: جعله فيئاً، و الفيء الغنيمة أو الخراج.

حِينَ وَافَتْ وَ الْمُسْلِمُونَ حُضُورٌ *** تَتَهَادَي فِي لُمَّةٍ مِنْ نِسَاءِ

وَ أُنيطَتْ مُلاءَةٌ، ثُمَّ أَنَّتْ *** مِنْ أَذَاهَا فَأَجْهَشُوا لِلْبُكَاءِ(1)

فَاسْتَفَاضَتْ مِنْهَا بِمَسْجِدِ طه *** نَفَحَاتٌ مِنْ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

في بَليغٍ مِنَ الْخِطَابِ حَكِيمٍ *** قَصُرَتْ عَنْهُ أَلسُنُ الْبُلَغَاءِ

بَدأت بِالصَّنَاءِ لِلَّهِ فِيهِ *** لِسُبُوعَ أَسْدَي مِنَ الآلاءِ(2)

وَ أَقَرَّتْ بِمَا لَهُ مِنْ أَيَّادٍ *** بَعْدَ تَوْحِيدِها لِرَبِّ السَّمَاءِ

ثُمَّ صَلَّتْ عَلَي النَّبِيِّ أَبِيهَا *** خَاتَمِ الرُّسُلِ سَيِّدِ الأُمَنَاءِ

وَ أَفَاضَتْ بِالْقَوْلِ بَعْدَ نَشِيجِ *** مُتَعَالٍ وَ أَدْمُعِ خَرْسَاءِ(3)

فَلَهُ الْحَمْدُ مُنْعِماً بِالْعَطَايَا *** مُلهماً بِالصِّوَابِ وَ الاهْتِدَاءِ

مُسْتَفِيضاً بِكُلِّ مَا هُوَ أَسْدَي *** لِلْبَرَايَا مِنْ مِنَّةٍ وَ عَطاءِ

وَ حَبَاهُمْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ عَمِيمٍ *** وَ نَوَالٍ فِي سَاعَةِ الإِبْتِدَاءِ(4)

جَمَّ مِنْ كَفْرَةِ الْمَوَاهِبِ مِنْهُ *** كُلُّ عَدٍّ لَهَا عَنِ الإِحْصَاءِ(5)

وَ تَنَاءَي عَن الْجَزَاءِ عُلاهَا *** أَمَداً لَمْ يُنَل بِأَيِّ جَزَاءِ(6)

قَطُّ لاَ تُدْرِكُ الْخَلَائِقُ مِنْهَا *** أَبَداً مِنْ تَفَاوُتٍ وَ تَنَائِي

نَدَب الخَلْقَ لاسْتِزَادَةِ هذا *** مِنْهُ بِالشُّكْرِ بُغْيَةَ الإِلْتِقَاءِ(7)

وَ اسْتَحَقَّ الثَّنَاءَ وَ الحَمْدَ مِنْهُمْ *** بَعْدَ إِجْزَالِهَا عَلَي الأَوْلِيَاءِ(8)

ص: 328


1- في الخطبة: «فنيطت دونها ملاءة»: أي عُلِّقت بينها و بين القوم مُلاءة (بالضم و المدّ) و هي الستر و الحجاب.
2- في الخطبة «و سُبُوعَ آلاءِ أسداها»:أي لكمالِ و وفرةِ نعمٍ أولاها و أعطاها.
3- النشيج: البكاء مع الصوت.
4- في الخطبة: «جَمَّ عن الإحصاء عددُها»: بلغ حدّاً من الكثرة بحيث لم تَعُد تحصي.
5- نوال: عطاء.
6- في الخطبة «و نأي عن الجزاء أمدُها»: أي بلغت نِعَمُ اللَّهِ حدّاً من البعد (و الكثرة) بحيث لا يمكن مقابلتها و جزاؤها.
7- نَدَب : طلب و دعا.
8- إجزالها: إكثارها و إنزالها بشكل وفيرٍ و جزيل.

وَ هُوَ ثَنَّي لِنَدْبِهِمْ مِنْ سَخَاءٍ *** لِجَمِيعِ الأَمْثَالِ وَ النُّظَرَاءِ

كلمةُ التوحيد

وَ هُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ سِوَاهُ *** جَلَّ عِزّاً عَنْ سَائِرِ الشَّرَكَاءِ

كَلْمَةٌ بِالإِخْلَاصِ يَظْهَرُ مِنْهَا *** كُنْهُ تَأْوِيلِهَا بِدُونِ خَفَاءِ

وَ هُوَ قَدْ ضَمَّنَ الْقُلُوبَ يَقِيناً *** مِنْهُ مَوْصُولَهَا بِدُونِ امْتِرَاءِ

وَ أَنَارَ الْعُقُولَ بِالْفِكْرِمِنْهَا *** فَأَضَاءَتْ مَدَارِكُ الْعُقَلاءِ

لَيْسَ يَنْقَادُ وَصْفُهُ لِلِسانٍ *** لاتَرَاهُ بِالْعَيْنِ رُؤْيَةُ رَائِي

لَيْسَ تَدْرِي الأَوْهَامُ بَعْدَ قُصُورٍ ***كَيْفَ أَضْحَي مِنْ سَائِرِ الأَنْحَاءِ(1)

خلقُ الكائنات

أَبْدَعَ الكائِنَاتِ مِنْ دُونِ شَيْءٍ *** سَابِقِ قَبْلَهَا مِنَ الأَشْيَاءِ

وَ بَرَاهَا مِنْ دُونِ أَيِّ مِثالٍ *** قَدْ بَدَا فَاحْتَذَاهُ خَيْرَ احْتِدَاءِ(2)

كَوَّنَ الْكَائِنَاتِ حِينَ بَرَاهَا *** وَ هُوَ عَنْ خَلْقٍ مِثْلِهَا فِي غِنَاءِ

إِنَّمَا رَامَ أَنْ يُثَبِّتَ مِنْهُ *** حِكْمَةً تَسْتَبِينُ لِلْحُكَمَاءِ(3)

وَ لإِظْهَارِ قُدْرَةِ الصُّنْعَ مِنْهُ *** وَ لِتَنْبِيهِهِمْ عَلَي الاهْتِدَاءِ

كُلُّ هذا تَعَبداً لِلْبَرَايَا *** مَعَ إِعْزَازِهِ لأَهْدَي دُعَاءِ

جَاعِلاً لِلْمُطِيع مِنْهُمْ ثَوَاباً *** وَ عِقاباً لِمَنْ عَصَي فِي الْجَزَاءِ

لِيَذُودَ الْعِبَادَ عَنْ كُلِّ سُخْطٍ *** وَ يُحَاشُوا لِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ(4)

ص: 329


1- الأوهام: العقول.
2- احتذاه: اقتدي به، و قلّده.
3- رامَ: قصد.
4- في الخطبة : «و حياشةَ لهم إلي جنّته»: محاصرة و قيادةً و دفعاً لهم إلي جنّته. و حُشْتُ الصيد أحُوشُه: إذ جئتُهُ من حواليه لأصرفه إلي الأحبولة و الفخّ. يذود: يصدّ و يمنع و يدفع.

الشهادةُ بالنبوة

و أَنَا لِلنَّبِيَّ أَشْهَدُ حَقًّا *** أَنَّهُ كَانَ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ

قَبْلَ أَرْسَالِهِ اجْتَبَاهُ وَ سَمَّي *** إِسْمَهُ قَبْلَ سَاعَةِ الإِجْتِبَاءِ

وَ اصْطَفَاهُ الإِلهُ قَبْلَ ابْتِعَاثٍ *** لِلْبَرَايَا بِأَحْسَنِ الإِصْطِفَاءِ

حِينَمَا كَانَتِ الْخَلَائِقُ بِالْغَيْبِ *** احْتِجَاباً مَكْنُونَةٌ بِغِطَاءِ(1)

وَ بِسِتْرِ مِنَ الأَهَاوِيلِ صِينَتْ *** وَ تَغَشَّتْ مَقْرُونَةٌ بِالْفَنَاءِ(2)

بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُ بِما سَوْفَ يَأْتِي *** شَامِل من حوَادِثِ الآناءِ

عَارِفاً فِي مَوَاقِع تَتَجَلَّي *** لِجَمِيعِ الأُمُورِ فِي الإِنْتِهَاءِ

بَعَثَ الْمُصْطَفَي لِيُكْمِلَ فِيهِ *** كُلَّ أَمْرِ مِنْهُ وَكُلَّ مُشَاءِ

وَ لإِمْضَاءِ حُكْمِهِ فِي الْبَرَايا *** نافذاً في عَزِيمَةٍ وَ مَضاءِ

وَ لإِنْفَاذِ ما يُقَدَّرُ حَتْماً *** مِنْ إِشَاءَاتِهِ وَ كُلِّ قَضَاءِ

فَرَأَي هذِهِ الْخَلائِقَ طُرّاً *** فِرَقاً فِي الأَدْيَانِ دُونَ الْتِقَاءِ

يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ وَ النَّارَ كُفْراً *** بَعْدَ عِرْفَانِهِمْ لِرَبِّ السَّمَاءِ

فَأَنَارَ اللَّهُ اهْتِدَاءً وَ رُشْداً *** بِأبِي كُلَّ ظُلْمَةٍ عَمْيَاءِ

وَ مَحَا فِيهِ مِنْ قُلُوبِ البَرَايَا *** بُهَمَ الشِّرْكِ بَعْدَ كَشفِ الْغِطَاءِ(3)

ص: 330


1- مكنونة: مستورة.
2- في الخطبة: «و بستر الأهاويل مصونة» و الأهاويل جمع أهوال و الأهوال جمع هول. و معني الهول كما في لسان العرب: المخافة من الأمر لا يدري ما يهجم عليه. و الهول: الفزع و الهول: العَجب. و هوّلت المرأة: إذا تزينت و الهُولَة من النساء: التي تُهول الناظر من حسنها. و التهاويل الزينة و معني العبارة علي هذا لا يخلو من غموض. و لعلّ المراد يُفهم من السياق الذي قبلها و بعدها. و إضافة الستر إلي الأهاويل يحتمل معنيين؛ الستر بها، و الستر منها، و كون الخبر هو الصيانة يرجّح المعني الثاني. فيكون المعني -علي ما يسبق إلي وهمنا- أن الخلائق كانت مستورة مصونة من الأهاويل التي علم الله بحصولها فيما بعد لعلمه «تعالي» بما تؤول إليه الأمور، و لإحاطته «سبحانه» بما سيحصل عن حوادث الدهور. و للعلامة المجلسي (رحمة الله عليه) تفاسير أخر ذكرها في البحار، و نقلها عنه الأعلام في كتبهم. و لعلّ هذا المعني الذي ذكرناه هو الذي ذهب إليه الناظم في ملحمته.
3- بُهَم الشرك: سواده -مشكلات أمورة.

وَ جَلاً عَنْ عُيُونِهِمْ حِينَ ضَلَّتْ *** عُمَماً لِلْعَمَي بِأبْهَي جَلاَءِ

وَ لَقَدْ قَامَ بِالْهِدَايَةِ فِيهِمْ *** لَهُمُ مُنْقِذاً مِنَ الإِغْوَاءِ

وَ حَبَاهُمْ بَصِيرَةٌ بَعْدَغَيٍّ *** وَ هَدَاهُمْ لِلدِّينِ خَيْرَ اهْتِدَاءِ

وَ دَعَاهُمْ لِمَنْهَجٍ مُسْتَقِيمٍ *** بَعْدَ زَيْعٍ عَنْ مَنْهَجِ الإِسْتِوَاءِ(1)

قبضُ رحمةٍ و اختيار

وَ تَوَفَّاهُ رَبُّهُ حِينَ أَدَّي *** مَا عَلَيْهِ لِلنَّاسِ خَيْرَ أَدَاءِ

قايضاً رُوحَهُ اختياراً لِطه *** مِنْهُ فِي قَبْضِ رَحْمَةٍ وَ ارْتِضَاءِ

فَهُوَ أَضْحَي فِي رَاحَةٍ وَ نَعِيمٍ *** مِنْ بَلاءِ الدُّنْيَا وَ كُلْ عَنَاءِ

حُفَّ مِنْ رَبِّهِ الْكَرِيم امتناناً *** بِالرِّضَا وَ الْمَلائِكِ الأُمَنَاءِ

وَ اسْتَفَاضَ اللُّظفُ الْعَمِيمُ عَلَيْهِ *** رَغَداً فِي جِوَارِ رَبِّ السَّمَاءِ

فَصَلاَةُ الْبَارِي عَلَي خَيْرِ هَادٍ *** وَ أَمِين لَهُ مِنَ الأَصْفِيَاءِ

وَ رَنَتْ نَحْوَهُمْ وَ قَالَتْ بِلُطْفٍ: *** يَا عِبَادَ الإِلهِ، لِلْجُلَسَاءِ

كتابُ اللَّهِ

أَنْتُمُ الْيَوْمَ نُصْبُ أَمْرٍ وَنَهْيٍ *** بِاليَمَارِ مِنْكُمْ لَهُ وَ انْتِهَاءِ(2)

حَامِلُو دِينِهِ وَ أَكْرَمِ وَحْيٍ *** لَكُمُ مُنَزَلٍ بِخَيْرِ ضِيَاءِ

أُمَناءٌ عَلَي الرِّسَالَةِ مِنْهُ *** لِلْبَرَايَا مِنْ خِيرَةِ الْبُلَغَاءِ

وَ زَعِيمٌ فِيكُمْ عَلَي الْحَقِّ مِنْهُ *** بَعْدَعَهْدٍ أَوْحَاهُ ربُّ الْقَضَاءِ

وَ بَقَايَا مِنَ الرَّشَادِ عَلَيْكُمْ *** خُلِّفَتْ وَ هْيَ أَكْرَمُ الْخُلَفَاءِ

وَ هْيَ ذِكْرُ اللَّهِ الْحَكِيمِ كِتَابٌ *** نَاطِقٌ صَادِقٌ بِدُونِ افْتِرَاءِ

وَ سَناً سَاطِعٌ وَ نُورٌ مُبِينٌ *** لَكُمُ لاَمِعُ بِخَيْرِ اهْتِدَاءِ(3)

ص: 331


1- زَيْغ: ميلٌ عن الحقّ.
2- في الخطبة: «أنتم عباد الله نُصْبُ أمرِهِ ونَهيِهِ»، أي: منصوبون لأمره و نهيه.
3- السنا: النور.

قَدْ أُبينَتْ مِنْهُ الْبَصَائِرُ كِشْفاً *** وَ تَبَدَّتْ أَسْرَارَهُ بِجَلاء

وَ تَجَلَّتْ ظَوَاهِرُ الْحَقِّ صِدْقاً *** لَكُمُ مِنْهُ بَعْدَ كَشفِ الْغِطَاءِ

قَائِدٌ لِلرِّضْوَانِ مَنْ شَايَعُوهُ *** بِاتِّباع لِنَهْجِهِ وَ اقْتِدَاءِ

وَ مُؤَدٍّ إِلَي النَّجَاةِ اسْتِمَاعاً *** وَ انْقِيَاداً لَهُ بِدُونِ إِبَاءِ

حُجَجُ اللَّهِ فِيهِ تُدْرَكُ نَيْلاً *** بَعْدَ قَصْدٍ لِلْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ

وَ جَمِيعُ الْعَزَائِمِ الْغُرُ مِنَهُ *** بَعْدَ تَفْسِيرِهَا مِنَ الْعُلَمَاءِ

وَ صُنُوفُ الْمَحَارِمِ اللاءِ فِيهَا *** قَدْ تَجَلَّي التَّحْذِيرُ لِلأَوْلِيَاءِ

وَ بَرَاهِينُهُ الَّتِي قَدْ كَفَتْكُمْ *** مِنْهُ بِالْبَيِّنَاتِ خَيْرَ اكْتِفَاءِ

وَ عَظِيمٌ مِنَ الْفَضَائِلِ يَتْلُو *** رُخصاً أُعْطِيَتْ بِخَيْرِ عَطَاءِ

الشرائعُ المكتوبةُ

وَ حَكِيمٌ مِنَ الشَّرَائِعِ مِمَّا *** كُتِبَتْ فِيكُمُ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ

فَهُوَ قَدْ طَهَّرَ الْعِبَادَ مِنَ الشَّرْكِ *** بِنُورِ الإِيمَانِ وَ الإهْتِدَاءِ

وَ بِفَرْضِ الصَّلاَةِ فِي الْخَلْقِ مِنْهُ *** أَبْعَدَ الْخَلْقَ عَنْ عَمَي الْكِبْرِيَاءِ

وَ هُوَ زَكَّاكُمُ بِخَيْرِ زَكَاةٍ *** وَ هْيَ مِنْكُمْ لِلرِّزْقِ خَيْرُ نَمَاءِ

وَ أَقَرَّ الإِخلَاصَ بِالصَّوْمِ فِيكُمْ *** بَعْدَتَثْبِيتِهِ بِغَيْرِ انْتِفَاءِ

و أَقَامَ الإِسْلاَمَ بِالْحَجِّ فِيكُمْ *** بَعْدَ تَشْبِيدِهِ بِخَيْرِ بِنَاءِ

وَ لَقَدْ نَشقَ الْقُلُوبَ بِعَدْلٍ *** شَامِلٍ فِيكُمُ بِدُونِ اعْتِدَاءِ

وَ مُوالاةُ آل طه نِظَامٌ *** مُسْتَقِيمَ لِمِلَّةِ الْحُنَفَاءِ

وَ أَمَانٌ إِمَامَةُ الْحَقِّ مِنَّا *** مِنْ جَمِيعِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْتِقَاءِ

وَ كَرِيمُ الْجِهَادِ لِلدِّينِ عِزٌّ *** مِنْهُ وَ الصَّبْرُ مُوجِبْ لِلْجَزَاءِ

وَ عَلَيْكُمْ قَدْ أَوْجَبَ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ *** رَعْياً لِصَالِحِ الأَوْلِيَاءِ

وَ وِقاءٌ مِنْ سُخْطِ رَبِّ الْبَرَايَا *** كَانَ بِرُّ الْبَنِينَ لِلآبَاءِ

ص: 332

وَ صَلاتُ الأَرْحَامِ مَنْسَأَةُ العُمْرِ *** وَ مَنْمَاتُهُ بِأَزگي نَماءِ(1)

وَ الْقِصَاصُ الْمَفْرُوضُ خَيْرُ حَيَاةٍ *** وَ هُوَ حَقْنٌ مِنْهُ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ(2)

وَ وَفَاءُ الْعِبَادِ بِالنَّذْرِ تَعْرِيضٌ *** لِغُفْرانِ سَائِرِ الأَخْطَاءِ

وَ اعْتِدَالُ الْمِيزَانِ فِي الْوَزْنِ تَغْيِيرٌ *** لِبَخْسِ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشّرَاءِ

وَ نَهَي عَنْ تَنَاوُلِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً *** عَنِ الرِّجْسِ سَاعَةَ الإِنْتِهَاءِ

وَ حِجَاباً لَهُمْ عَنِ اللَّعْنِ مِنْهُ *** كَانَ تَحْرِيمُهُ لِقَذْفِ النِّسَاءِ(3)

وَ اجْتِنَابُ الْعِبَادِ عَنْ سَرِقَاتٍ *** لِيُصَانُوا فِي عِفَّةٍ وَ حَيَاءِ

وَ وُجُوبُ الإِخْلاص لِلَّهِ تَبْعِيدٌ *** عَنِ الشِّرْكِ لِلْوَرَي وَ الرِّيَاءِ

فَاتَّقُوهُ وَ رَاقِبُوا اللَّهَ فِيمَا *** فَرَضَ اللَّهُ أَحْسَنَ الإِنّقَاءِ

لاَ تَمُوتُوا الأَ عَلَي دِينِ طه *** أنْتُمُ يا مَعَاشِرَ الْحُنَفَاءِ

وَ أَطِيعُوا فِي الأمْرِ وَالنَّهي طُرّاً *** خَالِقَ الْخَلْقِ فِي أَتَمِّ اخْتِشَاءِ

وَ هُوَ فِي ذِكْرِهِ الْمُبَارَكِ أَوْحَي *** لَيْسَ يَخْشَي البَارِي سِوَي الْعُلَمَاءِ

أنا فاطمةُ عليها السلام و أبي محمدٌ صلي الله عليه و آله و سلم

ثُمَّ قَالَتْ: أَعُوذُ بِالْقَوْلِ فِيكُمْ *** مِثْلَمَا قُلْتُ سَاعَةَ الإِبْتِدَاءِ

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّنِي بِنْتُ طه *** وَ أَبِي الظُّهْرُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ

وَ أَنَا لا أَقُولُ مَا قُلْتُ فِيكُمْ *** غَلطاً مِنْ ضَلالةٍ وَ افْتِرَاءِ

وَ فِعَالِي وَ لاَ تَكُونُ فِعَالِي *** شَطَطاً عَنْ مَنَاهِجَ الإِسْتِوَاءِ(4)

قَدْ أَتَاكُمْ هَادٍ عَزِيزٌ عَلَيْهِ *** مَا عَنِتُّمْ فِيكُمْ مِن الرُّحَمَاءِ

ص: 333


1- منسأة: المنسأة هي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي، كأنه يدفع بها الشيء.
2- حقن: صَوْن.
3- قذف النساء: اتهامهنّ بريبة.
4- شططاً: ظلماً و جوراً.

هُوَ فِيكُمْ حَقّاً أَبِي حِينَ يُعْزَي *** دُونَ ما كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ نِسَاءِ(1)

وَ أَخٌ صَادِقُ الْوِلاء ابْنُ عَمِّي *** دُونَ بَاقِي رِجَالِكُمْ فِي الإِخَاءِ

قَدْ أتَي صَادِعاً نَذِيراً إِلَيْكُمْ *** بِالرِّسالاتِ مِنْ إِلَهِ السَّمَاءِ(2)

مَائِلاً عَنْ مَدَارِج الشِّرْكِ عَدْلاً *** مُسْتَقِيماً فِي مَسْلَكِ الإِهْتِدَاءِ

ضارباً بَعْدَ أَخْذِهِ الْكَظمَ مِنْهُمْ *** شَبَحَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ انْثِنَاءِ(3)

داعِياً بالْهُدَي وَ بِالْوَعْظِ رُشْداً *** لإلهِ الْوَرَي بِخَيْرِ دُعَاءِ

وَ هُوَ مَا زَالَ ثَابِتَ الْعَزْمِ حَتَّي *** هُزِمِ الْجَمْعُ مُدْبِراً لِلْوَرَاءِ

وَ تَجَلَّي عَنْ صُبْحِهِ اللَّيْلُ وَ الْحَقُّ *** تَفَرَّي عَنْ مَحْضِهِ بِجَلاَءِ(4)

و غَدا الدِّينُ نَاطِقاً وَ اسْتَكَانَتْ ***وَ هْيَ خَرْسَي شَقَاشِقُ الْجُهَلاَءِ(5)

وَ تَرَدَّي وَ شِيظُ كُلِّ نِفَاقٍ *** وَ انبَرَتْ كُلُّ عُقْدَةٍ لِلرِّيَاءِ(6)

وَ نَطَقْتُمْ بِالْحَقِّ فِي خَيْرِبِيضٍ *** مِنْ خِمَاصِ الْبُطُونِ دُونَ امْتِلاءِ(7)

وَ قَدِيماً كُنْتُمْ عَلَي نَهْجِ هُلْكِ *** وَ شَفَا حُفْرَةٍ لِنَاءِ الشَّقَاءِ

مُذقَةَ الشَّارِبِينَ فِي كُلِّ شِرْبٍ *** نُهْزَةَ الطَّامِعِينَ عِنْدَ الرَّجَاءِ(8)

ص: 334


1- يُعزي: يُنسب.
2- صادعاً: مُظهِراً.
3- العَظمُ (مثل (القلم) مخرجُ النَّفْسِ من الحلق. و الثَّبج (علي وزن الدرَج): وسط الشيء و معظمه.
4- تَفرّي: انشق. و المحضُ: الخالص.
5- شقاشق، جمع شقشقة، و هي شيء كالرئة يُخرجها البعير من فيه إذا هاج.
6- قال المجلسي: الوشيظ بالمعجمتين : الرُّدَّل والسفَلَةُ من الناس. و عن الجوهري: هم حشو الناس. و قوله: و انبرت كلُّ عقدة للرياء، في الخطبة: «و انحلت عقدةُ الكفر و الشقاق».
7- البيضُ: جمع أبيض و هو خلاف الأسود. و الخماص: جمع خميص، و هو الجائع، الدقيق البطن كناية عن الجوع و العفة.
8- المُذْقَة -بضم الميم- هي شربةٌ من اللبن الممزوج بالماء؛ قال الراجز: حتي إذا جاء الظلام و اختلط *** جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط و مذقة الشارب:شربته و النهزة الفرصة.

قُبْسَةٌ لِلعَجْلاَنِ مِنْ كُلِّ سَارٍ *** مَوْطِناً لِلأَقْدَام دُونَ وَقَاءِ(1)

طَرَقاً تَشْرَبُونَ وَالْقِدَّ فِيهِ *** أَنْتُمُ تَفْتَاتُونَ عِنْدَ الْغِذَاءِ(2)

لَيْسَ فِيكُمْ غَيْرُ الأَذِلَّةِ ذُلاً *** أَبَداً خَاسِئِينَ دُونَ إِبَاءِ

وَ تَخَافُونَ أَنْ تُنَالُوا اختطافاً *** وَ هَوَاناً مِنْ كُلِّ دانٍ وَ نَائِي

فانقذَكُمُ اللَّهُ بمحمد صلي الله عليه وآله و سلم

فَكَفَّاكُمْ مُحَمَّدٌ -حِينَ أَضْحَي *** لَكُمُ مُنْقِدَاً- عَظِيمَ الْبَلاءِ

بَعْدَ بَلْوَي مَرِيرَةٍ بِرِجَالٍ *** بُهم مِنْ عُتَاةِ رَهْطِ الشَّقَاءِ(3)

وَ ذِنَابِ الأَعْرَابِ بَعْدَ غُوَاةٍ *** مِنْ أَهَالِي الْكِتَابِ أَهْلِ الْعِدَاءِ

فَهَدَاكُمْ بَعْدَ الَّتِي وَ اللَّتَيَّا *** مِنْ عَمَاكُمْ إِلَي صِرَاطٍ سَوَاءِ

كُلَّما أَوْقَدُوا مِنْ الْحَرْب ناراً *** أُخمِدَتْ مِنْ هُدَاهُ بِالإنْطِفَاءِ

أَوْ بَدَا نَاجِماً مِنَ الشِّرْكَ قَرْنٌ *** لِلأَعَادِي فِيكُمْ عَظِيمُ الْعَنَاءِ(4)

قَذَفَ الْمُرْتَضَي أَخَاهُ بِأَحْمَي *** لَهَوَاتٍ مِنْ جَمْرَةِ الْهَيْجَاءِ

فَأَتَاهَا وَ لَيْسَ يَرْجِعُ إِلاَّ *** وَ هُيَ بَرْدٌ فِي سَاعَةِ الإِنْكِفاء(5)

وَ اطِئاً وَقَدَهَا بِأَخْمَصِ حَقٍّ *** حَامِلاً في الإلهِ كُلَّ بَلاءِ(6)

وَ مُجِدّاً فِي أَمْرِهِ غَيْرَ وَانٍ *** وَ قَرِيباً مِنْ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

كَادِحاً نَاصِحاً لِرَبِّ الْبَرَايَا *** سَيِّداً فِي عِصَابَةِ الأَوْلِيَاء

ص: 335


1- قبسة العجلان: الشعلة من النار إذا أخذها الرجل و هو مستعجل. و هو مثل يضرب للحقارة و الاستعجال.
2- الطَّرَقُ (وزن المَطَر): ماء السماء الذي تبول فيه الإبل و تبعر و القِدُّ: قطعة جلد غير مدبوغ و يحتمل أن يكون بمعني القديد و هو اللحم المجفف في الشمس، لا يقربه عادة إلا من افترسه الجوع.
3- البُهَمُ: الشجعان.
4- الناجم: الظاهر القرنُ: الطائفة و الجماعة و الأتباع.
5- بَرْدٌ: باردة.
6- الوقْد: اللَّهَب. و الأخمص (علي وزن أبيض): باطن القدم.

وَ هُوَ فِي اللَّهِ لَيْسَ تَأْخُذُ فِيهِ *** لَوْمَةُ اللائِمينَ طُولَ الْبَقَاءِ

حينَ أَنْتُمْ فِي رِغْدَةٍ وَ أَمَانٍ *** أَبَداً وَادِعُونَ بَعْدَ الهَنَاءِ

تَرْقُبُونَ الإيقاع وَ الْفَتْكَ فِينَا *** كُلَّ حِينِ غَدْراً بِدُونِ وَفَاءِ

أَبَداً تَنْكُصُونَ عِنْدَ نِزالٍ *** وَ تَفِرُّونَ عِنْدَ وَقْتِ اللقَاءِ

وَحينَ اختارَ اللَّهُ نبيَّه صلي الله عليه و آله و سلم

وَ مُمُذِ اخْتَارَ خَالِقُ الْخَلْقِ زُلْفَي *** خَيْرَ دَارٍ لِخَاتَمِ الأَصْفِيَاءِ

نَبْغَ الْخَامِلُ الغَوِيُّ نَشَاطاً *** وَ تَجَلَّتْ حَسِيكَةُ لِلرِّيَاءِ(1)

وَ اعْتَدَي بَالِياً وَ كَانَ قَشِيباً *** قَبْلَ هذا لِلدِّينِ خَيْرُ رِدَاءِ(2)

وَ اعْتَلَي هادِراً فَنِيقُ ضَلالٍ *** بَعْدَنُطقِ لِكَاظِمِ الأَشْقِيَاءِ(3)

وَ الْخَبِيثُ الشَّيْطَانُ أَطْلَعَ فِيكُمْ *** رَأْسَهُ هَاتِفاً بِشَرٌ نِدَاءِ

فَرَآكُمْ لِدَعْوَةِ الْكُفْرِمِنْهُ *** مُسْتَجِيبِينَ عِنْدَ وَقْتِ الدُّعَاءِ

وَ خِفافاً عِنْدَ النُّهُوضِ ضَلالاً *** وَ غِضَابَاً لَهُ بِدُونِ رِضَاءِ

فَنَهَضْتُمْ وَ الْكَلْمُ بَعْدُ رَحِيبٌ *** وَ كَفَرْتُمْ وَ الْعَهْدُ لَيْسَ بِنَائِي(4)

قَبْلَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّسُولَ وَ يُلْفَي *** جُرْحُنَا فِيهِ مَائِلاً لِلشَّفَاءِ

حَذَرَ الْفِتْنَةِ الَّتِي قَدْ زَعَمْتُمْ *** وَ لَعَمْرِي سَقَطْتُمُ فِي الْبَلاءِ

فَابْتِعاداً لَكُمْ وَ هَيْهَاتِ أَنَّي *** أَنْتُمُ تُؤفَكُونَ دُونَ ارْعِوَاءِ(5)

ص: 336


1- الحسيكة: العداوة.
2- قشيبا: القشيب؛ هو الجديد أو النظيف أو الأبيض.
3- الفنيق: الفحل المكرَّم من الإبل، الذي لا يركب و لا يهان، لكرامته علي أهله. و الكاظم: الساكت.
4- الكَلْمُ: الجرح. رحيب: واسع.
5- تؤفكون من أفك أي كذب، صرف و قلّب رأيه، ضعف عقله. ارعواء: كفّ.

نَبَنتُم كتابَ اللَّهِ

وَ كِتَابُ الْبَارِي أَمَامَ الْمَاقِي *** وَ نَبَذْتُمْ أَحْكامَهُ لِلْوَرَاءِ(1)

وَاضِحَاتٌ مِنْهُ الأَوَامِرُ جَهْراً *** وَ النَّوَاهِي لَكُمْ بِدُونِ خَفَاءِ

باهِرَاتٌ أَعْلَامُهُ زَاهِرَاتٌ *** كُلُّ أَحْكَامِهِ إِلَي كُلِّ رَائِي

لاَئِحَاتٌ مِنْهُ الزَّوَاجِرُ رَدْعاً *** لَكُمُ دُونَ خِيفَةٍ وَ انْتِهَاءِ

قَدْ رَغِبْتُمْ عَنْهُ عَمِّي وَ حَكَمْتُمْ *** بِسِوَاهُ مِنْ شِدَّةِ الإفتراءِ

بئْسَ لِلظَّالِمِينَ مِنْكُمْ نَكَالاً *** بَعْدَ زَيْغٌ عَنْ مَنْهَجِ الإِسْتِوَاءِ

وَ الَّذِي يَبْتَغِي سِوَي الْحَقِّ دِيناً *** فَمِنَ الْخَاسِرِينَ يَوْمَ الْجَزَاءِ

ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا قَلِيلاً إِلَي أَنْ *** سَلِسَتْ فِي الْقِيَادِ دُونِ إِبَاءِ(2)

فَأَخَذْتُمْ تُورُونَ جَمْرَةَ حِقْدٍ *** وَ تُهِيجُونَ كَامِنَ الْبَغْضَاءِ

تَسْتَجِيبُونَ رَغْبَةً وَ انْقِيَاداً *** لِهُتَافِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّدَاءِ

وَ لإِطْفَاءِ نُورِ دِينٍ جَلِيٍّ *** وَ لاهُمَالِ سُنَّةِ الأَصْفِيَاءِ

تَشْرَبُونَ الشَّرَابَ حَسْواً فَحَسْواً *** حِينَمَا تَشْرَبُونَهُ فِي ارْتِغَاءِ(3)

وَ تَسِيرُونَ بِالْعَدَاءِ لأَهْلِ *** الْبَيْتِ فِي الْخَمْرِ ضِلَّةً وَ الضَّرَاءِ(4)

بَعْدَ صَبْرٍ مِنْهُ عَلَي مِثْلِ حَزّ السَّيْفِ *** مِنْكُمْ وَ الْوَخْزِ فِي الأَحْشَاءِ

وَ زَعَمْتُمْ بِأَنَّنَا لَمْ نُوَرَّثْ *** أَيَّ إِرْثٍ مِنْهُ وَ أَيَّ حِبَاءِ

أَفَحُكْماً لِلْجَاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ *** وَ هَذَا عَهْدٌ عَنِ الدِّينِ نَائِي

ص: 337


1- المآقي: العيون.
2- سلست: لانت. و القِياد (مثل الزناد): ما تُقَاد به الدابة من حبلٍ و غيره.
3- الحسو: هو الشربُ شيئاً فشيئاً. الإرتغاء: شربُ الرغوة، و هو اللبن المشوب بالماء.
4- الخَمرُ (بالتحريك علي وزن قمر): كُلّ ما أظلك و سترك و غطّاك من شجر و غيره. و منه الخمار: الذي يستر رأس المرأة و يغطيها. و قد سكن الميم في البيت اضطراراً. و الضَّراء (وزان النّماء): الشجرُ الملتفَّ في الوادي.

أَتَرَي مَنْ يَكُونُ أَحْسَنَ حُكْماً *** وَ قَضَاءٌ مِنْ حُكْمِ رَبِّ الْقَضَاءِ

قَدْ تَجَلَّي بَلَي لَدَيْكُمْ بِأَنِّي *** بِنْتُ له كَطِلْعَةٍ مِنْ ذُكَاءِ

تقريعُ الأنصارِ

وَ رَمَتْ لِلأَنْصَارِ بِالطَّرْفِ مِنْهَا *** ثُمَّ قَالَتْ بِحَسْرَةٍ وَرِثَاءِ:

أَنْتُمُ مَعْشَرُ النَّقِيبَةِ وَ الْحَزْمِ *** وَ أَعْضَادُ مِلَّةِ الْحُنَفَاءِ(1)

وَ رُعَاةُ الإِسْلامِ بَعْدَ احْتِضَانٍ *** مِنْكُمُ لِلإِسْلامِ فِي الإِبْتِدَاءِ

أَفَلَسْتُمْ آوَيْتُمُ وَ نَصَرْتُمْ *** وَ بَنَيْتُم لِلدِّينِ خَيْرَ بِنَاءِ؟

كَيْفَ يَعْرُو هذا التَّعْافُل مِنْكُمْ *** وَ التَّغَاضِي مِنْ رَقْدَةٍ وَ انْطِوَاءِ؟(2)

أَيُّ شَيْءٍ هَذِي الْغَمِيزَةُ مِنْكُمْ *** عَنْ حُقُوقِي بِدُونِ أَيِّ ارْعِوَاءِ؟(3)

مَا لَكُمْ عَنْ إِغَاثَتِي أَيُّ عُذْرٍ *** بَعْدَتَقْصِيرِكُمْ بِوَقْتِ النّدَاءِ!

أَوَ مَا قَالَ: يُحْفَظُ الْمَرْءُ -طه- *** حِينَ يُرْعَي فِي وُلْدِهِ النُّجبَاءِ؟

بَيْدَ عَجْلانَ ذا إِهَالَةَ أَنْتُمْ *** قَدْ خَلَقْتُمْ إِفكاً بِدُونِ بِطَاءِ(4)

وَ لَكُمْ طَاقَةٌ عَلَي رَدْ حَقِّ *** وَ اقْتِدَارٌ لِنُصْرَةِ الأَزْكِيَاء

أَتَقُولُونَ: ماتَ محمدُ صلي الله عليه و آله و سلم؟!

أَتَقُولُونَ أَنْتُمُ: مات طه؟! *** وَ لَعَمْرِي خَطبٌ جَلِيلُ الْبَلاءِ

وَاسِعٌ وَهُنُهُ الْعَظِيمُ رَحِيبٌ *** دُونَ رَتْقٍ لِفَتْقِهِ الْمُتَرَائِي(5)

ص: 338


1- النقيبة: الفتية. أعضاد: أعوان.
2- يعرو: يصدُرُ بقصد. عراه يعروه: قصده. انظر المصباح المنير للفيومي. و كأنّ الشاعر يقصد بقوله يعرو: يحصل و يحدث. و تكرّر منه ذلك بعد ثمانية أبيات و في مواضع أُخر. لكننا لم نعثر فيما لدينا من معاجم علي هذا المعني لكلمة يعرو.
3- الغميزة: المطعن، العيب، المطمع، ضعف في العقل أو العمل.
4- سُرعانَ ذا إهالةً: مَثَلٌ يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته. و نصب إهالةً علي التمييز أو الحالية.
5- وهنُه: خرقه.

وَ لَهُ الأَرْضُ أَظْلَمَتْ بَعْدَ كَسْفٍ *** لِسَنَا بَدْرِهَا وَ نُورُ ذُكَاءِ

وَ عَرا فِي النُّجُومِ مِنْهُ انْتِثَارٌ *** حِينَ أَكْدَي عَلَيْهِ كُلُّ رَجَاءِ(1)

وَ بَدَا فِي الْجِبَالِ مِنْهُ خُشُوعٌ *** وَ أُضِيعَ الحَرِيمُ دُونَ وَقَاءِ

تِلْكَ وَ اللَّهِ كُرْبَةٌ لا تُضَاهَي *** وَ هُيَ أَدْهَي مُصِيبَةٍ عَشْواءِ(2)

أعْلَنَ الذِّكْرُ بِالتِّلاوَةِ فِيهَا *** هَاتِفاً فِيكُمُ بِكُلِّ فِنَاءِ

وَ هُوَ حُكْمٌ حَتْمٌ وَ فَصْلُ قَضَاءِ *** حَلَّ قِدْماً فِي سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ:

أفَإِنْ مَاتَ أَوْ أُصِيبَ انْقَلَبْتُمْ *** بَعْدَ طه ضَلالَةً لِلْوَرَاءِ؟!(3)

بني قيلة

يَا بَنِي قَيْلَةٍ أَأَهْضَمُ إِرْثي *** مِنْ أَبِي جَهْرَةً بِشَرِّ اعْتِدَاءِ(4)

وَ بِمَرْأَي أَنْتُمْ وَ مَسْمَعَ مِنِّي *** فِي مَكَانٍ دَانٍ بِدُونِ تَنَائِي

وَ لَكُمْ عُدَّةٌ وَ خَيْرُ عَدِيدٍ *** وَ سِلاحٌ وَ سَطوَةُ الأَقوياءِ

لاتُغِيثُونَ صَرْخَةٌ مِنْ صَرِيخٍ *** لا تُجِيبُونَ عِنْدَ وَقْتِ الدُّعَاءِ

أَفَلَسْتُمْ وُصِفْتُمُ بِصَلاحٍ *** وَ عُرِفْتُمْ فِي نَجْدَةٍ وَ إِبَاءِ؟

خَيْرُ جُنْدِ وَ نُخْبَةٍ قَدْ حُبِيتُمْ *** لِبَنِي أَحْمَدٍ بِخَيْرِ اصْطِفَاءِ

أَوَلَسْتُمْ قَاتَلْتُمُ الْعُرْبَ كَدّاً *** وَ تَحَمَّلْتُمُ عَظِيمَ الْعَنَاءِ؟

وَ قَدِيماً كَافَحْتُمُ دُونَ وَهْنٍ *** أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ بِمَضَاءِ

حَيْثُ كُنّا وَ حَيْثُ كُنْتُمْ جَمِيعاً *** مَعَنَا فِي تَعَاوُنٍ وَ الْتِقَاءِ

قَطُّ لا تَبْرَحُونَ فِي كُلِّ حِينٍ *** بِالتِمَارٍ لأَمْرِنَا وَ انْتِهَاءِ

ص: 339


1- أكدي: أجدب. و أكدي فلان: بخل أو قل خيرُه.
2- عشواء: ظلمة.
3- «و ما محمد إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتِل انقلبتم علي أعقابكم». (آل عمران آية 144).
4- بنو قيلة : الأوس و الخزرج.

أَفَأَنْتُمْ جُبْناً تَفِرُّونَ عَنَّا *** بِفِرَاقٍ مِنْكُمْ بِدُونِ اتَّقَاءِ؟

حينَ دَارَتْ رَحَي الرَّشَادِ وَ دَرَّتْ *** حَلْبَةُ الدَّهْرِ فِي مَعِينِ الرَّوَاءِ

وَ اسْتَكَانَتْ لِلشِّرْكِ ثَغْرَةُ غَيِّ *** خَضَعَتْ ذِلَّةً بِدُونِ إِبَاءِ

وَ عَرَي فَوْرَةَ الضَّلالِ سُكُوتٌ *** وَ تَلاشَتْ نارُ الْعَمَي بِانْطِفَاءِ

وَ نِظَامُ الدِّينِ اسْتَتَمَّ كَمَالاً *** بَعْدَ فَوْضَي عَمَّتْ بِكُمْ وَ شَقَاءِ

كَيْفَ حُزْتُمْ بَعْدَ الْبَيَانِ وَ صِرْتُمْ *** بَعْدَ إِعْلَائِكُمْ بِهَذَا الْخَفَاءِ؟(1)

وَ نَكصْتُمْ بَعْدَ النُّهُوضِ نُكُولاً *** وَ رَجَعْتُمْ لِلشِّرْكِ بَعْدَ اهْتِدَاءِ؟

فَشَنَاراً لَكُمْ وَ بُؤْساً لِقَوْمٍ *** نَكثُوا عَهْدَهُمْ بِدُونِ وَفَاءِ(2)

أَفَتَخْشَوْنَهُمْ مِنْ الرُّعْبِ خَوْفاً *** وَ هُوَ أَوْلَي بِالْخَوْفِ وَ الإِخْتِشَاءِ؟!

فَاعْمَلُوا إِنَّكُمْ سَتُجْزَوْنَ عَدْلاً *** أَجْرَ أَعْمَالِكُمْ بِيَوْمِ اللقَاءِ

أَفَأَخْلَدْتُمُ إِلَي الْخَفْضِ لَهْواً *** بَعْدَ جِدِّ فِي دِينِكِمُ وَ عَنَاءِ؟(3)

وَ دَفَعْتُمْ عَنْهَا الَّذِي هُوَ أَحْرَي *** مِنْ سِواهُ فِي مَنْصِبِ الْخُلَفَاءِ

وَ هُوَ أَوْلَي بِالْبَسْطِ وَ الْقَبْضِ مِنْهُمْ *** بَعْدَفُقْدَانِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

وَ نَجَوْتُمْ بِالضّيقِ مِنْ كُلِّ وُسْعٍ *** وَ خَلَوْتُمْ فِي رِغْدَةٍ وَ هَنَاءِ

مَا وَعَيْتُمْ مَجَجْتُمُ وَ دَسَعْتُمْ *** مَاتَسَوَّغْتُمُ مِنَ الإِرْتِوَاءِ(4)

إِنْ كَفَرْتُمْ وَ مَنْ عَلَي الأَرْضِ طُرّاً *** فَهُوَ عَنْ سَائِرِ الْوَرَي فِي غَنَاءِ

وَ أَنَا قُلْتُ كُلَّ ذَلِكَ رَدْعاً *** لَكُمْ عَنْ ضَلالَةِ الْكِبْرِيَاءِ

ص: 340


1- حزتُم: ضممتم حقَّنا إليكم.
2- شناراً: عاراً و عيباً.
3- أخلدتم: رَكَنتُم ومِلْتُم و الخفض: سعة العيش.
4- الدِّسْعُ من البعير: القيء و إخراج جرَّته إلي فيه، و هو ما يُسمَّي بالاجترار. و تسوَّغتم الشراب. شربتموه في سهولة و يُسر. مججتم: رميتم من فمكم.

بَعْدَ عِلمٍ مِنِّي بِخِذْلَةِ كُفْرٍ *** خَامَرَتْكُمْ وَ رِغْدَةٍ وَ رِيَاءِ(1)

غَيْرَ أَنِّي مِنْ نَفْثَةِ الغَيْظِ أُدْلِي *** بِبَيَانِي وَ شِدَّةِ الْبُرَحَاءِ(2)

وَ لِحُزْنٍ مِنْ فَيْضَةِ النَّفْسِ يَطْغَي *** وَ لِتَقْدِيمِ حُجَّةِ بَيْضَاءِ

دُونَكُمْ بِالشَّنَارِ فَاحْتَقِبُوهَا *** نَقْبَةٌ دَبْرَةٌ بِدُونِ وِطَاءِ

وَ هْيَ مَوْسُومَةٌ مِنَ اللَّهِ بِالسُّخْطِ *** سَتَبْقَي عاراً بِدُونِ انْقِضَاءِ

وَ عَذَابُ الْجَحِيمِ أَسْوَأُ عُقْبَي *** وَ مَآلاً لَكُمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ

سَيَرَي الظَّالِمُونَ أَيَّ الْقِلَابٍ *** لَهُمُ عِنْدَ سَاعَةِ الإِنْتِهَاءِ

وَ أَنَا لِلْبُغَاةِ بِنْتُ نَذِيرٍ *** مِنْ شَدِيدِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْبَقَاءِ

(1)

(2)

(3) احتقبوها: احتملوها علي ظهوركم و الدَّبَر -بالتحريك- في البعير: جراحة بظهره تحدث من الرحل. و النَّقَب (بالتحريك): رِقّة في خف البعير. قال عبد اللَّه بن كسيبة لعمر بن الخطاب و هو يرتجز، كما جاء في حاشية شرح ابن عقيل، برواية المرزباني:

أقسم بالله أبوحفصٍ عُمَرْ *** ما مسَّهامن نقب و لادَبَر

فاغفر له اللهم إن كان فَجَرْ

ص: 341


1- الخذلة (بالخاء المعجمة): ترك النصر و خامرتكم: خالطتكم.
2- نفئة الغيض: هو التنفس العالي الذي يخرجه المحزون لتسكين حزنه، و إطفاء نائرة غضبه. و البُرَحاء (بوزن علماء): الشدة و الأذي و الشرّ.

احتجاج الزهراء عليها السلام أبي بكر

وَ تَنَاهَي بِهَا الْحَدِيثُ فَقَالَتْ *** وَ هْيَ تُدْلِي بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ

لأَبِي بَكْرَ وَ هُوَ يُصْغِي إِلَيْهَا *** بَيْنَ حَشْدٍ مِنْ مَجْمَعِ الْجُلَسَاءِ:

أبِدِينِ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ جَاءَتْ *** لِلْبَرَايَا شَرَائِعُ الأَصْفِيَاءِ

أَنْتَ تُعْطَي إِرْثاً وَ أُمْنَعُ إِرْثِي *** مِنْ أَبِي دُونَ سَائِرِ الأَبْنَاءِ؟

مَا لَكُمْ قَدْ تَرَكْتُمُ الذِّكْرَ عَمْداً *** وَ هُوَ يَبْدُو أَمَامَكُمْ مِنْ وَرَاءِ؟

أَخُصِصْتُمْ بِآيَةٍ أَخْرَجَتْنَا *** دُونَ بَاقِي الأَبْنَاءِ وَ الآبَاءِ؟

أَمْ بِحُكْمِ الْكِتَابِ أَعْلَمُ أَنْتُمْ *** مِنْ عَلِيِّ و أَحْمَدٍ فِي القَضَاءِ؟

أَتَقُولُونَ: أَهْلَ شَرْعَيْنِ كَانَا، *** أَفَلَسْنَا مِنْ مِلِّةِ الْحُنَفَاءِ؟

هَا هُوَ الذِّكْرُ شَاهِدٌ وَ لِسَانٌ *** نَاطِقٌ صَادِقٌ بِغَيْرِ افْتِرَاءِ

حِينَ أَضْحَي مِيراثُ دَاوُدَ فِيهِ *** لِسُلَيْمَانَ دُونَ أَيِّ خَفَاءِ

وَ لِيَحْيَي الْمِيَراتُ مِنْ زَكَرِيَّا *** وَ هُوَ أَمْسَي وَلِيَّهُ فِي الدُّعَاءِ

قَالَ: هَبْ لِي يَا رَبِّ مِنْكَ وَلِيّاً *** وَارِثاً لِي فَأَنْتَ رَبُّ الْعَطَاءِ

قَالَ فِيهِ يُوصِيكُمُ لِلبَرَايَا *** فِي اقْتِسَامِ المِيرَاثِ بَعْدَ الْفَنَاءِ

مِثْلَ حَظِّ لِلأُنْثَيَيْنِ يُكَافَي *** ذَكَرٌ مِنْ بَنِيكُمُ فِي الْعَطَاءِ

وَ الْوَصَايَا لِلْوَالِدَيْنِ بِخَيْرٍ *** حِينَ يَبْقَي خَيْرٌ وَ لِلأَقْرِبَاءِ

وَ جَمِيعُ الأَرْحَامِ أَوْلَي بِبَعْضٍ *** بَعْضُهُمْ فِي كِتَابِ رَبِّ الْقَضَاءِ

أَفَلا تَكْتَفُونَ فِيمَا أَتَاكُمْ *** مِنْهُ نَصّاً وَ فِيهِ خَيْرُ اكْتِفَاءِ

فَتَحَمَّلْ أَعْبَاءَها سَوْفَ تَأْسَي *** حِينَ مِنْهَا تَنُوهُ بِالأَعْبَاءِ(1)

ص: 342


1- ناء بالأمر: نهض به مثقلاً.

يَوْمَ تَلْقَاكَ عِنْدَحَشْرِ وَ نَشْرٍ *** مُنْقَلاً بالأَوْزَارِ يَوْمَ اللقَاءِ

فَالزَّعِيمُ النَّبِيُّ وَ الْحَكَمُ اللَّهُ *** وَ نِعْمَ الْمِيعَادُ يَوْمُ الْجَزَاءِ

جوابُ أبي بكر

فَتَصَدَّي مِنْهُمْ أَبُوبَكْرَ رَدّاً *** لاحتجاج الزَّهْرَاءِ دُونَ ارْعِواءِ

قَالَ: يَا بِنْتَ أَحْمَدٍ كَانَ طه *** بِرِجَالِ الْهُدَي مِنَ الرُّحَمَاءِ

وَ عَلَي الْكَافِرِينَ كَانَ عِقاباً *** وَ عَذَاباً صَباً عَظِيمَ الْبَلاءِ

إِنْ عَزَوْنَاهُ فِي انْتِسَابِ وَجَدْنَاهُ *** أَبَاكِ مِنْ دُونِ بَاقِي النِّسَاءِ

وَ أَخَا إِلفِكِ الْحَمِيمٍ عَلِيَّ *** دُونَ بَاقِي الأَصْحَابِ وَ الرُّفَقَاءِ

آثَرَ الْمُرْتَضَي عَلَي كُلِّ خِلِّ *** وَ اغْتَدَي عَوْنَهُ عَلَي الْخُصَمَاءِ

لايُوَالِيكُمُ سِوَي السُّعَدَاءِ *** لَيْسَ يَقْلِيكُمُ سِوَي الأَشْقِيَاءِ(1)

أَنْتُمُ عِترَةُ النَّبِيِّ اجْتَباكُمْ *** رَبُّكُمْ لِلْوَرَي بِخَيْرِ اجْتِبَاءِ

وَ أَدِلاؤُنَا عَلَي الْخَيْرِ رُشْداً *** وَ طَرِيقٌ لِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ

أَنْتِ يَا خِيرَةَ النِّسَاءِ مَقاماً *** وَ ابْنَةَ الْحَقِّ خِيرَةُ الأَصْفِيَاءِ

لاتَقُولِينَ غَيْرَ صِدْقٍ وَ حَقٍّ *** لَيْسَ فِيهِ مِنْ رِيبَةٍ وَ افْتِرَاءِ

غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنِ الْحَقِّ ظُلْماً *** وَ اغْتِصَاباً مِنْ سَائِرِ الْحُنَفَاءِ

وَ أَنَا مَا عَدَوْتُ سُنَّةَ طه *** وَ تَحَدَّيْتُ رَأيَهُ بِالْقَضَاءِ

وَ أَنَا رَائِدٌ: أَيَكْذِبُ حَقاً *** رَائِدٌ أَهْلَهُ بِأَيِّ افْتِرَاءِ؟!

وَ أَنَا أُشْهِدُ الإِلهَ بِصِدْقٍ *** وَ هُوَ بِالْحَقِّ خِيرَةُ الشُّهَدَاءِ

إِنَّنِي قَدْ سَمِعْتُ مِنْ فَمِ طه *** قَالَ: إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ

كُلُّ فَرْدٍ يُوَرْتُ العِلْمَ مِنَّا *** لِبَنِيهِ وَ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ

كُلَّ مِيراثِ فِضَّةٍ وَ نُضارٍ *** قَدْ تَرَكْنَا يَكُونُ لِلأَوْلِيَاءِ(2)

ص: 343


1- يقليكم: يغضبكم.
2- النُّضار: الذهب و الفضة، و قد غلب علي الذهب.

فَوَلِيُّ الأُمُورِيَحْكُمُ فِيهِ *** حِينَ يَقْضِي بِحُكْمِهِ فِي اسْتِوَاءِ

وَ رَأَيْنَا بِأَنْ يَكُونَ سِلاحاً *** وَ كُرَاعاً لأُمَّةِ الْحُنَفَاءِ(1)

فَوَضَعْنَاهُ فِيهِمَا كَسِوَاهُ *** لِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَ الأَشْقِيَاءِ

وَ أَنَا مَا انْفَرَدْتُ فِيهِ بِرَأْيِي *** مُسْتَقِلاً عَنْ سَائِرِ الآرَاءِ

حَيْثُ قَامَ الإِجْمَاعُ مِنْهُمْ عَلَيْهِ *** بِاتِّفَاقِ مَا بَيْنَهُمْ وَ الْتِقَاءِ

وَ أَنَا فِي يَدَيْكِ حَالِي وَ مَالِي *** فَاحْكُمِي فِيهِمَا بِكُلِّ مُشَاءِ

لَيْسَ يُزْوَي عَلَيْكِ: مِنْيَ شَيْءٌ *** لِحِجَابٍ مُحَصِّنِ وَ وِقَاءِ(2)

وَ لأَنْتِ الأُمُّ الزَّكِيَّةُ طُهراً *** وَ سُمُواً لِوُلْدِكِ الأَزْكِيَاءِ

وَ لَكِ الْعِزُّ وَ السَّيَادَةُ فِينَا *** شَرَفاً بَعْدَ فَضْلِكِ الْمُتَرَائِي

دُونَ وَضْعِ لِلأَصْلِ وَ الْفَرْعِ طُرّاً *** مِنْكِ بَعْدَ الْعُلُوّ وَ الإِرْتِقَاءِ

كُلُّ حُكْمِ عَلَيَّ يَصْدُرُ مَاضٍ *** نَافِذٌ مِنْكِ سَاعَةَ الإِمْضَاءِ

أتُريدينَ أَنْ أُخَالِف طه *** بِالَّذِي تَطْلُبِينَ دُونَ اهْتِدَاءِ؟!

ردها عليها السلام علي أبي بكر

فَأجابَتْ: سُبْحانَ رَبِّ البَرايَا *** لَمْ يَكُنْ قَطُّ خاتَمُ الأَصْفِياءِ

صادِفاً عَنْ كِتَابِهِ مُسْتَحِلاً *** بَعْضَ أَحْكَامِهِ بِدُونِ اخْتِشَاءِ(3)

فَهُوَ طُولَ الحَيَاةِ مَا زَالَ يَقْفُو *** أَثَرَ الذِّكْرَ فِي أَنمُ اقْتِفَاءِ

أَمَعَ الْغَدْرِ تَجْمَعُونَ ضَلالاً *** قَوْلَةَ النُّورِ سَاعَةَ الإفتراءِ

مِثْلَمَاكِدْتُمُوهُ حَيَّاً فَهذا *** هُوَ كَيْدٌ لَهُ عَقِيبَ الْفَنَاءِ

فَكِتَابُ الإِلَهِ هَذا لَعَمْرِي *** حَكَمٌ عَادِلٌ بِفَضْلِ الْقَضَاءِ

كُلُّ نَصٌ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ *** مِنْكُمُ أَحَقُّ بِالإمْتِرَاءِ

وَ هُوَ أَوْحَي مِيرَاثَ دَاوُدَ حَقًّا *** لِسُلَيْمَانَ دُونَ أَي مِرَاء

ص: 344


1- الكُراع (بوزن سعاد): اسم لجماعة الخيل خاصة. انظر مجمع البحرين.
2- يُزوي : يُنحي و يمنعّ.
3- صادفاً: معرضاً و صادّاً.

قَالَ: هَبْ لِي مِنْ آلِ يَعْقُوبَ بَعْدِي *** يَرِثُ الفَضْلَ خِيرَةُ الأَوْلِيَاءِ

وَ أَبَانَ اللَّهُ الْفَرَائِضَ طُرّاً *** فِي الْمَوَارِيثِ دُونَ أَي خَفَاءِ

عِنْدَ تَوْزِيعِهِ السَّهَامَ بِعَدْلٍ *** لِذَوِيهَا بِدُونِ أَيِّ اعْتِدَاءِ

مَا أَزَاحَ الرَّحْمَنُ فِيهِ جَلِيّاً *** شُبُهَاتِ الْعَمَي بِدُونِ غِشاءِ

إِنَّما سَوَّلَتْ لَكَ النَّفْسُ أَمْراً *** فَاصْطِبَاراً عَلَي عَظِيمِ الْبَلَاءِ(1)

فَتَلاَ قَائِلاً أَبُوبَكْرَ جَهْراً *** قَوْلَها فِي صَرَاحَةٍ وَ جَلاءِ:

صَدَقَ اللَّهُ وَ الرَّسُولُ وَ حَقَّاً *** صَدَقَتْ بِنْتُ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

مَعْدِنُ الْحِكْمَةِ الْبَلِيغَةِ رُكْنُ *** الدِّين عَيْنُ الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ

غَيْرُ مسْتَنْكَرٍ خِطَابُكِ فِينَا *** دُونَ قَوْلٍ مِنِّي صَوَابُكِ نَائِي(2)

هَا هُمُ الْمُسْلِمُونَ قَدْ قَلدُونِي *** فَتَقَلَّدْتُ مَنصِبَ الخُلَفَاءِ

و أخَذْتُ الَّذِي أَخَذْتُ بِشُورَي *** وَ اتَّفَاقٍ وَ هُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ

غَيْرَ مُسْتَأْثِرِ بِمَا كَانَ مِنِّي *** دُونَهُمْ فِي بِدَايَةٍ وَ انْتِهَاءِ

وَ هْيَ قَالَتْ لَهُمْ عَقِيبَ الْتِفَاتٍ: *** مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَ الْحُنَفَاءِ

كَيْفَ أَسْرَعْتُمُ عَقِيبَ التَّغَاضِي *** عَنْ قَبِيحِ الْفِعَالِ لِلإِفْتِرَاءِ؟!

أَفَلا تَقْرَأُونَ قُرْآنَ رَبِّي *** أَنْتُمُ فِي تَدَبَّرٍ وَ اهْتِدَاءِ؟!

أَمْ عَلَي تِلْكُمُ الْقُلُوبِ مِنَ الرِّيبَةِ *** أَقْفَالُ ضِلَّةٍ وَ امْتِرَاءِ؟!

بَلْ عَلَيْهَا قَدْ رَانَ مَا قَدْ أَسَأْتُمْ *** مِنْ قَبيح الأَفْعَالِ وَ الأخطاء(3)

أخِذاً عِنْدَ ذَاكَ بِالسَّمْعَ مِنْكُمْ *** وَ جَميع الأَبْصَارِ بَعْدَ غِطَاء

سَاءَ وَاللَّهِ مَا بِهِ قَدْ أَشَرْتُمْ *** وَ اغْتَصَبْتُمْ فِي سَاعَةِ الإِعْتِدَاءِ

عَنْ قَرِيبٍ يَكُونُ حِمْلاً عَلَيْكُمْ *** بَعْدَ غِبِّ مِنْ أَثْقَلِ الأَعْبَاءِ

عِنْدَ كَشفِ الْغِطَاءِ وَ السِّتْرِ عَنْكُمْ *** حِينَمَا تُصحِحُونَ دُونَ وقَاءِ

بئْسَ لِلظَّالِمِينَ فَالنَّارُ مَثْوًي *** وَ مَقَرِّ لَهُمْ بِيَوْمِ الْبَقَاءِ

ص: 345


1- سوّلت: زيّنت و سهلتْ و هوّنت.
2- في الخطبة: «لا أُبْعِدُ صوابَكِ، و لاأُنْكِرُ خطابَكِ».
3- ران: غلب أو جَنُثَ و غثّ.

لَمْ تَزَلْ تَقْرَعُ الْمَسَامِعَ مِنْهُمْ *** مُرْتَجَاتٍ بِالْيَأْسِ دُونَ رَجَاءِ

وَ تَهُزُّ الْمَشَاعِرَ الصُّمَّ لَكِنْ *** وَجَدَتْهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ(1)

ثُمَّ قَامَتْ عَنْهُمْ لِقَبْرِ أَبِيهَا *** تَشْتَكِي مَا أَصَابَهَا مِنْ بَلاءِ

وَ اسْتَكَانَتْ لِرَبِّهَا بِانْقِطَاعٍ *** وَ أَنَتْ بَيْتَهَا بِدُونِ غَنَاءِ(2)

ص: 346


1- الصَّماء: الصلبة، المتينة.
2- بدون غَناء: بدون جدوي.

عليْ و الزهراء عليهم السلام

عِتابُها لأميرالمؤمنين عليه السلام

وَ عَلِيٌّ تَطلُّعاً وَ انْتِظاراً *** لِرُجُوعِ الزَّهْرَا مِنَ الرُّقَبَاءِ

فَرَنَتْ نَحْوَهُ بِطَرْفٍ حَزِينٍ *** بَيْنَ شَكْوَي مَرِيرَةٍ وَ بُكَاءِ

وَ أُثِيرَتْ مِنْهَا الشُّجُونُ وَ قَالَتْ: *** عَتَباً يَا ابْنَ سَيِّدِ الْبَطَحَاءِ

قَدْ تَوَارَيْتَ فَاشْتَمَلْتَ احْتِجَاباً *** شَمْلَةً لِلْجَنِينَ خَلْفَ غِطَاءِ(1)

مِنْ تَوَانٍ قَعَدْتَ دُونَ نُهُوضٍ *** حُجْرَةٌ لِلظَّنِين دُونَ غَنَاءِ(2)

وَ لَقَدْ خَانَ فِيكَ مِنْ دُونِ رِيشٍ *** أَعْزَلٌ عَنْ مَنَالِ كُلِّ رَجَاءِ

بَعْدَمَا قَدْ نَقَضْتَ قَادِمَةَ الأَجْدَلِ *** مِنْ جَانِبَيْكَ دُونَ بِنَاءِ(3)

كَيْفَ تُغْضِي عَنِّي وَ هَذَا فُلانٌ *** بَزَّنِي نِحْلَتِي بِغَيْرِ اتِّقَاءِ؟(4)

أَنَا أَلْفَيْتُهُ الأَلَدَّ عِدَاءً *** فِي خِصَامِي مِنْ سَائِرِ الْخُصَمَاءِ(5)

ص: 347


1- اشتملت: التففت و التحفت بالشَملة و الشَملة -بفتح الشين المعجمة-:كساء يُشتَمَل به. و بكسرها: هيئة الاشتمال.
2- في الخطبة «وقعدت حُجرةَ الظنين». أي و اعتزلت و نزلت منزلة الظنين و المتّهم و الخائف، الذي يخاف المطالبة بحقِّه. توانٍ: فتور و تقصير و عدم الاهتمام.
3- في الخطبة: «نقضت قادمةَ الأجدل، فخانكَ ريشُ الأعزل» و الأجدل هو الصقر، و الأعزل كناية عن ضعاف الطير، التي لاسلاح و لاشوكة لها فكأنها تقول؛ لطالما رهبك الأبطال بعد أن بطشت بهم، و اليوم يتهجّم عليك حتي الذين لا علاقة لهم بالشجاعة و البطولة. و خانك: من الخيانة و قال السيد كاظم القزويني: و في نسخة: رخاتك: أي انقض عليك. و قال الجوهري: خات البازي و اختات: أي انقض علي الصيد ليأخذه.
4- تُغضي: تصدّ الطرف. بزّني: سلبني.
5- الألدَّ: الشديد الخصومة، أو هو الأشدّ خصومة.

هَذِهِ قَيْلَةٌ مِنَ الْغَدْرِ عَنِّي *** حَبَسَتْ نَصْرَهَا بِغَيْرِ وَفاءِ(1)

وَ قَلانِي الْمُهَاجِرُونَ جَمِيعاً *** بَعْدَ قَطع لِوَصْلِهِمْ بِجَفَاءِ(2)

وَ لَقَدْ غَضَّتِ الجَمَاعَةُ دُونِي *** طَرْفَهَا مِنْ غَضَاضَةٍ وَعِدَاءِ

أَنَا لا دافِعُ بَقِيتُ وَلأَمَانِعَ *** عَنِّي يَصُدُّ كُلَّ اعْتِدَاءِ

وَ أَنَا قَدْ خَرَجْتُ كَاظِمَة الْغَيْظ *** بِنَفْسِي مِنْ شِدَّةِ الإِسْتِيَاءِ

وَ لَقَدْ عُدْتُ مِنْهُ رَاغِمَةَ الأَنْفِ *** هَوَاناً مِنْ سَطوَةِ الْكِبْرِيَاءِ

حِينَمَا قَدْ أَضَعْتَ خَدَّكَ صَبْراً *** فَتَبَقَّيتَ دُونَ أي وقَاءِ

وَ افْتَرَشْتَ التُّرَابَ وَ افْتَرَسَتْ غَابَكَ *** هَذِي الذَّئَابُ دُونَ اتَّقَاءِ

قائِلاً: مَا كَفَفْتَ بَعْدَ تَغَاضِ *** طَائِلاً مَا أَغْنَيْتَ أَيَّ غَنَاءِ

ليْتَ أَنِّي قَدْمُتُّ مِنْ دُونِ ذُلِّي *** وَ اضْطِهَادِي مِنْ قَبْلِ يَوْمٍ فَنَائِي

وَ عَذِيرِي مِنْهُ إِلَهُ الْبَرَايَا *** عَادِياً بَعْدَ مِحْنَتِي وَ بَلَائِي(3)

وَ لِنَفْسِي مِنْهُ وَ أَنْتَ كَفِيلِي *** خَيْرَ حَامٍ فِي سَاعَةِ الإِحْتِمَاءِ

أَنَا وَيْلاَيَ عِنْدَ كُلِّ صَبَاحٍ *** أَنَا وَيُلايَ عِنْدَ كُلِّ مَسَاءِ

عَضُدِي قَدْ وَهَتْ وَ قدْ مَاتَ مِنِّي *** عَمَدِي فَاعْتَدَيْتُ دُونَ وَقَاءِ(4)

أنَا عَدْوَايَ لِلإِلَهِ وَ شَكُوايَ *** لِحُزْنِي بِخَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ(5)

أَنْتَ رَبِّي أَشَدُّ حَوْلاً وَ بَأْساً *** وَ نَكَالاً مِنْهُمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ(6)

قَالَ وَ هُوَ الصَّبُورُ: لا وَيْلَ حَقَّاً *** لَكِ لَكِنْ وَيْلٌ لِأَهْلِ الْعِدَاءِ

نَهْنِهِي يا بنَةَ النُّبُوَّةِ عَنْ وَجْدِكِ *** صَبْراً فِي سَلْوَةٍ وَ عَزَاءِ(7)

ص: 348


1- قَيَلة: ناقة تحلب في وسط النهار.
2- قلاني قَلاءً وقَلّي: أبغضني. و المراد: جفاني.
3- العذير: النصير و العادي: الخصم المتجاوز.
4- وَهَتْ: ضعفت.
5- العدوي: طلبك إلي والٍ لينتقم لك ممّن ظلمك.
6- نكالاً: النكال، اسم ما يُجعَل عبرةً للغير.
7- نهنهي: أي: كُفّي عن حزنك، و خففي من غضبك، بمعني كفكفي.

أنَا وَ اللَّهِ مَا وَنَيْتُ عَنِ الدِّينِ *** بِيَوْم وَ لاَعَدَوْتُ قَضَائِي(1)

وَ إِذَا كُنْتِ تَبْتَغِينَ بِهَذَا *** بُلْغَةٌ مِنْ حُطَامِ دَارِ الْفَنَاءِ(2)

فَهُوَ لِلرِّزْقِ ضَامِنٌ وَ كَفِيلٌ *** لَكِ فِيهِ مِنْ خِيرَةِ الأُمَنَاءِ

وَ الَّذِي قَدْ أُعِدَّ خَيْرٌ وَ أَبْقَي *** لَكِ مِمّا زَوَوْا بِدارِ الْبَقَاءِ(3)

فَأَجَابَتْ وَ أَمْسَكَتْ: هُوَ حَسْبِي *** وَ كَفَي جَازِياً بِرَبِّ السَّمَاءِ

ص: 349


1- و نَيْتُ (مثل أوَيْتُ): ضَعُفتُ و كَلَلْتُ وَ فَتَرْتُ.
2- البُلغة بالضم: ما يُتبلغ به من العيش.
3- زوَوْا: سلبوا.

خطبة الزهراء عليها السلام

في نساء المهاجرينَ و الأَنصارِ(1)

قُلْنَ يَا بَضْعَةَ النَّبِيِّ الْمُزَكَّي: *** كَيْفَ أَصْبَحْتِ بَعْدَ هَذَا الْعَنَاءِ؟

ص: 350


1- خطبة الزهراء عليها السلام في نساء المهاجرين و الأنصار: مصادر الخطبة: و هذه الخطبة أيضاً كسابقتها من الأخبار المشهورة عند الفريقين، تضمنتها بطون الكتب التاريخية و المذهبيّة و الأدبيّة، و قد عكف أهل كل فنّ بالدراسة و الضبط، لما وجدوه فيها -وصاحبتها- من المادّة الغنية، التي تشبع تطلّعهم، و تجيب عن أسئلتهم. و قد رواها الشيخ الصدوق (ت (381) في كتاب معاني الأخبار ص 354 بسند ينتهي إلي فاطمة بنت الحسين عليها السلام. كما رواها هو أيضاً بإسناده الذي ينتهي إلي عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، يروي عن أبيه أميرالمؤمنين عليه السلام. كما رواها الطوسي (ت 460) في أماليه ص 238 (بالطبع القديم) بإسناده الذي يصل إلي ابن عباس قال: دخلن نسوة من المهاجرين و الأنصار... ثم أورد الخطبة مع اختلاف يسير. و رواها أبومنصور الطبرسي (من أعلام القرن السادس) في كتاب الاحتجاج ج 1 ص 286 عن سويد بن غفلة. كما رواها العلامة الإربلي (ت (693) في كتاب كشف الغمة 2 ص 118. و نقلها المجلسي (ت 1111) في البحار ج 43 ص 159، و كذلك فعلٍ تلميذه البحراني في كتاب العوالم ج 11 ص 286. هذا و قد رواها من الجمهور أيضاً كلِّ من ابن طيفور (ت280) في بلاغات النساء ص 19 بسنده عن عطيّة العوفي. كما رواه الجوهري (ت322) في كتاب السقيفة و فدك بإسناده عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام و ابن رستم الطبري (من أعلام القرن الرابع) ص39. كما رواها ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 655) في شرح نهج البلاغة ج 16 ص 233، عن كتاب سقيفة الجوهري. و نقلها أيضاً عمر رضاً كحالة في أعلام النساء ج 4 ص 123 . و انظر أيضاً إحقاق الحق ج 10 ص 306 و نفحات اللاهوت ص 124. خطبتها في نساء المهاجرين و الأنصار و أما متن الخطبة، فإننا ننقلها من كتاب الاحتجاج للطبرسي، تبعاً للناظم (رحمة الله عليه) لتوافق تسلسل الأبيات. قال الطبرسي في ج 1 ص 286-292: و قال سويدُ غفلة: لما بن مرضت سيدتنا فاطمة «سلام الله عليها» المرضةَ التي توفيت فيها؛ اجتمعت إليها نساء المهاجرين و الأنصار ليَعُدْنَها، فقلن لها: كيف أصبحتِ من علّتك يا ابنة محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فَحَمِدَتِ الله، و صلَّت علي أبيها صلي الله عليه و آله و سلم، ثم قالت: أصبحتُ و اللَّهِ، عائفةٌ لدنياكن، قالية لرجالكنّ، لفظتهم بعد أن عجمتُهم، و شنأتهم بعد أن سبرتُهم، فقُبحاً لغلول الحدّ و اللعب بعد الجدّ، و قرع الصفاة، و صدع القناة، و ختل الآراء، و زلل الأهواء، و بئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللَّهُ عليهم، و في العذاب هم خالدون. لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، و حملتها أوقتها، و شننتُ عليهم غاراتها، فجدعاً و عقراً و بُعداً للقوم الظالمين. ويحهم! أَنَّي زعزعوها عن رواسي الرسالة و قواعد النبوة و الدلالة، و مهبط الروح الأمين، و الطبين بأمور الدنيا و الدين؟ ألا ذلك هو الخسران المبين! و ما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام؟! نقموا و اللَّهِ منه نكير سيِفِه، و قلة مبالاته لحتِفِه، و شدّةَ و طأته، و نكال ،وقعِتِهِ، و تنمُّره في ذات اللَّه. و تاللَّهِ، لو مالوا عن المحجّةِ اللايحة، و زالوا عن قبول الحجّة الواضحة، لردّهم إليها و حملهم عليها، و لسار بهم سيراً سُجُحاً، لا يكلمُ خشاشُه، و لا يكلُّ سائرهُ، و لايملُّ راكبُه، و لأوردَهُم منهلاً نميراً صافياً ،رويّاً، تطفح ضفّتاه و لايترنّقُ جانباه، و لأصدرَهُم بطاناً، و نصح لهم سرّاً و إعلاناً، و لم يكُن يتحلّي من الغني بطائل، و لايحظي من الدنيا بنائل غير ريّ الناهل و شبعة الكافل، و لبانَ لَهُمُ الزاهِدُ من الراغب، و الصادقُ من الكاذب؛ «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَي آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» -آية 96 الأعراف- «وَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ» -آية 51 الزمر-. ألا هلُمّ فاستمِع! و ما عشتَ أراك الدهرُ عجباً !! و إن تعجب فعجَبٌ قولُهُم! ليت شعري إلي أيّ سنادٍ استندوا؟! و إلي أيّ عماد اعتمدوا؟! و بأيّة عروِةِ تمسّكوا؟! و علي أيةِ ذريّةٍ أقدموا و احتنكوا؟! لبئس المولي و لبئس العشير و بئس للظالمين بدلاً. استبدلوا، و اللَّهِ الذُّنابي بالقوادم، و العَجُز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يُحسبون أنهم يُحسنون صنعاً، «أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ» آية 12: البقرة. وَ يْحَهُم! «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَي فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»؟! -آية 35 يونس- أما لعمري لقد لَقِحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً، و ذُعافاً مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، و يعرف التالون غِبَّ ما أسَّس الأوّلون، ثمَّ طيبوا عن دنياكم أنفُساً، و اطمئنوا للفتنة جأشاً، و أبشروا بسيف صارم و سطوة معتدٍ غاشم و بهزج شامل و استبدادٍ من الظالمين، يدعُ فيئكم زهيداً، و جمعكم حصيداً؛ فيا حسرةً لكم! و أنّي بكم، و قد عميت عليكم، «أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ»؟! هود/ آية 28. قال سويد بن غفلة فأعادت النساء قولها عليها السلام علي رجالهنّ، فجاء إليها قومٌ من وجوه المهاجرين و الأنصار معتذرين و قالوا: يا سيدة النساء عليها السلام، لو كان أبوالحسن ذكر لنا هذا الأمْرَ قَبْلَ أن تُبرِمَ العهد، و نُحْكِمَ العقد، لما عدلنا عنه إلي غيره. فقالت عليه السلام: إليكم عنّي، فلا عُذَر بعد تعذيركم، و لاأمرَ بعد تقصيركُمْ.

ص: 351

فَأَجَابَتْ: أَصْبَحْتُ وَ اللَّهِ مِمّا *** قَدْ دَهَانِي قَدْ عِفْتُ دُنْيَا الْفَنَاءِ

وَ قَلَيْتُ الرِّجَالَ مِنْكُنَّ لَفْظاً *** بَعْدَعَجْمٍ لَهُمْ وَ حُسْنِ بَلاءِ(1)

فَشَناراً لِلَّعْبِ مِنْ بَعْدِ جِدٍّ *** وَ قُلُولٍ لِلْحَدِّ بَعْدَ الْمَضَاءِ(2)

وَ لِصَدْعِ الْقَنَاةِ دُونَ الْيَتَامٍ *** وَ لِقَرْعِ الصَّفَاةِ دُونَ ارْتِخَاءِ(3)

وَ لِزَيْعَ الأَهْوَاءِ دُونَ اعْتِدَالٍ *** وَ لِخَتْلِ الأَفْكَارِ وَ الآرَاءِ(4)

بِئْسَ ما قَدَّمُوا مِنَ الْخِزْيِ كُفْراً *** بَعْدَ سُخْطِ الْبَارِي لِيَوْمِ الْجَزَاءِ

وَ لعَمْرِي قَلدْتُهُمْ حِينَ مَالُوا *** عَنْ هُدَي الحَقِّ ربقة الأسراءِ

وَ بِنُصْحِي حَمَّلْتُهُمْ حِينَ صَمُّوا *** وَ عَمُوا عَنْهُ أَوْقَةَ الأَعْبَاءِ(5)

وَ شَنَنْتُ الْغَارَاتِ حَرْباً عَلَيْهِمْ *** غَارَةٌ بَعْدَ غَارَةٍ شَعْوَاءِ(6)

وَيْحَهُمْ عَنْ مَهَابِطِ الْوَحْيِ أَنَّي *** زَعْزَعُوهَا وَ مَعْدِنِ الأَنْبِيَاءِ(7)

وَ رَوَاسِي الإيمانِ وَ الْعَدْلِ مِنَّا *** وَ الطَّبِينُ الْخَبِيرُ فِي كُلِّ دَاءِ(8)

فِي جَمِيعِ الأُمُورِ دِيناً وَ دُنْيَا *** دُونَ جَهْلٍ فِيهَا وَ دُونَ اخْتِفَاءِ

إِنَّ هَذَا الْخِطْءَ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ *** لَهُوَ شَرُّ الخُسْرَانِ دُونَ اخْتِشَاءِ

لَيْتَ شِعْرِي وَ مَا الَّذِي نَقِمُوهُ *** مِنْ عَلِيٌّ بَعْدَ الأَذَي وَ الْعَنَاءِ

نَقِمُوا مِنْ عَلِي بَأْساً شَدِيداً *** وَ جِهَاداً فِي اللَّهِ دُونَ رَخَاءِ

وَ نَكِيراً مِنْ سَيْفِهِ وَنَكَالاً *** صَارِماً فِي تَنَمُّر وَ إباءِ

ص: 352


1- لَفَظَهُ: رماه و عجمه اختبره.
2- الفُلول جمع فلٍّ و هو الثِّلْم. و المضاء: القطع. تقول سيف ماضٍ قاطع و فلول السيف أثلامه.
3- الصدْعُ: الشَّق. و القناة الرّمح. و القرْعُ: الضرب. و الصفاة: الصخرة الملساء.
4- ختْلُ الأفكار: زيفها و خداعها.
5- الأوقةُ: الثقل.
6- شعواء: متفرقة ممتدّة.
7- زعزعوها: حرّكوها تحريكاً شديداً.
8- الطبين: الفطن العالم و الحاذق العارف.

قِلةُ الخَوْفِ وَ الْمُبَالَاةِ زُهْداً *** مِنْهُ فِي حَتْفِهِ بِيَوْمِ اللِّقَاءِ

وَيَمِيناً لَوْ أَنَّهُمْ بَعْدَكُفْرٍ *** وَ ضَلالٍ مَالُوا عَنِ الإِسْتِوَاءِ

لَهَدَاهُمْ إِلَي الْمَحَجَّةِ رُشْداً *** فَاسْتَقَامُوا بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ

وَ لَسَارُوا وَ سَارَبِالْقَوْمِ سَيْراً *** سُجُحاً فِي مَنَاهِجِ الإِهْتِدَاءِ(1)

لايُصَابُ الْخِشَاسُ مِنْهُ بِكَلْم *** دُونَ عُنْفٍ مِنْهُ وَ دُونَ الْتِوَاءِ(2)

لاَيَمَلُ الْمَسِيرَ فِيهِ عَنَاءً *** أَوْ يَكِلُّ السّارِي بِهِ مِنْ عَيَاءِ(3)

وَ سَقَاهُمْ مِنْ مَنْهَلِ الْحَقِّ وِرْداً *** عَذباً سَائِغاً لِفَرْطِ الصَّفَاءِ

تَطْفَحُ الضِّفَّنَانِ مِنْهُ مَعِيناً *** خَالِصاً مِنْ تَرَنُّقِ الأَقْذَاءِ

وَ لَعَادُوا عِنْدَ الصُّدُورِ بطاناً *** بَعْدَ شَبْع القاوِي بِخَيْرِ امْتِلاءِ

مَعَ رُشْدِ لَهُمْ وَ نُصْحِ مُبِينٍ *** مِنْهُ يَبْدُو فِي الْجَهْرِ شِبْهَ الْخَفَاءِ

وَ هُوَ فِي الْعَيْشِ لَمْ يَكُنْ يَتَحَلَّي *** مِنْهُ فِي طَائِلِ بِطُولِ الْبَقَاءِ

لَيْسَ يَحْظَي بِنَائِلٍ قَطُّ مِنْهَا *** بَعْدَ زُهْدٍ عَنْ نَيْلِهِ وَ جَفَاءِ

غَيْرَ رَيِّ لِنَاهِلٍ حِينَ يَظْمَي *** مَعَ شَبْعٍ لِكَافِلٍ مِنْ غِذَاءِ(4)

وَ تَجَلَّي عَنِ الْمَطَامِعِ زُهْدٌ *** لَهُمُ صَادِقٌ بِغَيْرِ افْتِراءِ

قَالَ: لَوْ آمَنُوا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ *** بَرَكَاتٍ مِنَ الثَّرَي وَ السَّمَاءِ

غَيْرَ أَنَّ الْقُرَي بَغَتْ فَاسْتَحَقَّتْ *** بَعْدَجَحْدِ النَّعْمَاءِ سُوءَ الْجَزَاءِ

وَ بِحَقِّ لَوْ عِشْتَ أَبْصَرْتَ أَمْراً *** عَجَباً فِي الزَّمَانِ دُونَ انْقِضَاءِ

أيُّ عُذْرٍ لَهُمْ بِمَا اكْتَسَبُوهُ *** مِنْ عَظِيمِ الإِجْرَامِ وَ الأخْطَاءِ

أَفَلا يَعْلَمُونَ مَا اجْتَرَمُوهُ *** مِنْ حَرَامِ فِي عِشْرَةِ الأَزْكِيَاءِ؟

حِينَمَا اسْتَبْدَلُوا الْقَوَادِمَ مِنّا *** بِالدُّنَابَي مِنْهُمْ بِغَيْرِ ارْعِوَاءِ(5)

ص: 353


1- السير السُّجُح: السهل اللَّيِّن.
2- الخشاش (علي وزن الذِّراع): عُود يُجعل في عظم أنف البعير. كَلم: جُرح.
3- العياء (علي وزن الحياء): التعب.
4- الكافل: الذي يصل الصيام و لم يُصب غذاءً ولا عشاءً.
5- القوادم: قوادم الرَحْلِ أوائله ذنابي: أواخر.

وَ اسْتَعَاضُوا عَنْ كَاهِلِ الدِّينِ كُفْراً *** وَ ضَلالاً بِالْعَجْزِ دُونِ اهْتِدَاءِ(1)

فَابْتِعاداً لِمَنْ أَسَاوُوا وَظَنُّوا *** أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ دُونَ انِّقاءِ

وَيْحَهُمْ لِلرَّشَادِ مَنْ كَانَ يَهْدِي؟ *** مَنْ سِوَاهُ أَحَقُّ بِالإِقْتِدَاءِ؟

مَا لَهُمْ يَحْكُمُونَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ *** بَعْدَ جَهْلٍ مِنْهُمْ بِعَدْلِ الْقَضَاءِ!

فَانْتِظاراً فَسَوْفَ تُنْتِجُ مِمَّا *** لَقِحَتْ كُلَّ فِتْنَةٍ عَشْوَاءِ

وَ سَيُمْلَي مِنْهَا نَجِيعاً عَبِيطاً *** وَ ذُعافاً فِي الْحَلْبِ كُلُّ إِنَاءِ(2)

وَ يَرَي الآخَرُونَ مِمَّا بَنَاهُ *** لَهُمُ الأَوَّلُونَ غِبَّ الْبِنَاءِ(3)

وَ لْتَطِيبُوا عَن الْحَيَاةِ نُفُوساً *** وَ اسْتَعِدُّوا لِلْفِتْنَةِ الْعَمْيَاءِ

وَ ابْشِرُوا لِلدَّمَارِ فِيكُمْ بِسَيْفٍ *** صَارِمِ لاَ يُفَلُّ بَعْدَ الْمَضَاءِ

وَ بِحُكْمٍ لِغَاشِمٍ مُتَعَدٍّ *** مُسْتَبَدٍّ مِنْ سَطوَةِ الأُمَرَاءِ

يَقْتَفِيهِ مِمَّا تُثِيرُ الْبَلايَا *** هَرَجٌ شَامِلٌ بِشَرِّ اقْتِفَاءِ

يَدَعُ الفَيءَ وَ الْجُمُوعَ زَهِيداً *** وَ حَصِيداً مِنْكُمْ بِحَدٍّ الْفَنَاءِ

مَا لَكُمْ عُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ فَبُعْداً *** لَكُمُ مِنْ مَعَاشِرٍ جُهَلاءِ

كَيْفَ تُهْدَوْنَ لِلصَّوَابِ رَشَاداً *** بَعْدَ كُرْهِ مِنْكُمْ لِكُلِّ اهْتِدَاءِ

فَأَعَادَتْ تِلْكَ النِّسَاءُ عَلَيْهِمْ *** مَا وَعَتْهُ مِنْ خُطبَةِ الزَّهْرَاءِ

فَأَتَاهَا مِنْهُمْ رِجَالٌ وَ قَالُوا *** بَعْدَ عُذْرِ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَيَاءِ

لوْ عَلِمْنَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبْرَمَ الْعَهْدُ *** بِهَذَا مِنْ سَيّدِ الأَوْصِيَاءِ

مَا عَدَلْنَا عَنْهُ، فَقَالَتْ: إِلَيْكُمْ *** بَعْدَ هَذَا عَنِّي لِفَرْطِ التَّنَائِي

أَيُّ عُذْرٍ لَكُمْ بِمَا كَانَ مِنْكُمْ *** بَعْدَتَعْذِيرِكُمْ بِغَيْرِ انْتِهَاءِ

وَ حُصُولِ التَّقْصيرِ حِينَ تَجَلَّي *** لَكُمُ الأَمْرُ فِي أَتَمُ جَلاءِ

ص: 354


1- الكاهل: مقدَّم الظهر ممّا يلي العُنُق. و العَجْزُ: مؤخَّر الشيء.
2- الدّمُ العبيط: الخالص الطريّ و النجيع: الدم. و الذُّعاف السَّم الذي يقتل من ساعته.
3- الغِب والمغبَّة: العاقبة.

احتجاج الصديقة فاطمة عليها السلام بحديثِ الغديرِ

وَ احْتِجَاجُ الزَّهْرَاءِ خَيْرُ احْتِجَاجٍ *** فِيهِ أَدْلَتْ بِالْحَقِّ خَيْرُ النِّسَاءِ

بِحَدِيثٍ مُسَلْسَلٍ قَدْ تَجَلَّي *** فِي حَدِيثِ الْغَدِيرِ أَبْهَي جَلَاءِ

حِينَ قَالَتْ نَقْضاً لِمَا أَبْرَمُوهُ *** دُونَ رُشْدٍ مِنْ بَيْعَةِ الْخُلَفَاءِ:

أَنَسِيتُمْ وَ الْعَهْدُ غَيْرُ بَعِيدٍ *** قَوْلَ طه فِي سَيِّدِ الأَوْصِيَاءِ

يَوْمَ خُمِّ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ حَقّاً *** فَعَلِيٌّ مَوْلاَهُ دُونَ افْتِرَاءِ

وَ مَقَالَ النَّبِيِّ وَ هُوَ صَرِيحٌ *** لِعَلِيِّ فِي إِمْرَةِ الْحُنَفَاءِ

أَنْتَ مِنِّي كَمَالِمُوسَي بِحَقِّ *** كَانَ هَارُونُ خِيرَةَ الْوُزَرَاءِ

عِنْدَ إِبْقَانِهِ بِغَزْوِ تَبُوكٍ *** خَلَفاً فِي الْمَدِينَةِ الْغَرّاءِ(1)

ص: 355


1- قال الأميني في كتاب الغدير ج1 ص 196، تحت عنوان احتجاج الصدّيقة فاطمة بنت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم: قال شمس الدين أبو الخير الجزريّ الدمشقي المقريء الشافعيَ (ت (833) في كتابه أسني المطالب في مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام و ألطف طريقِ وقع لهذا الحديث «يعني حديث الغدير» و أغربه ما حدّثنا به شيخنا خاتمة الحفاظ ( ثم ذكر السند الذي ينتهي إلي أم كلثوم بنت فاطمة عليها السلام) عن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم و رضي عنها؛ قالت: أنسيتم قول رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم يوم غدير خمٍّ: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ و قوله صلي الله عليه وآله و سلم: أنت بمنزلة هارون من موسي؟ و هكذا أخرجه الحافظ الكبير أبوموسي المديني في كتابه المسلسل بالأسماء. و قال: هذا الحديث مسلسل من وجه... الخ. و في حاشية الحديث كتب الأميني قائلاً: ذكره له السخاوي في الضوء اللامع ج 9 صر 256، و الشوكاني في البدر الطالع ج 2 ص 297. و تجد مثله في عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2 ص64 ح278، و الضوء اللامع ج 9 ص 256، و إحقاق الحق ج 6 ص 282، و في البحار ج8 ص40، و ص 203 (طبع قديم) و ج 36 ص 352 ح224، ج38 ص112 ح 49، و عوالم العلوم ج 11 ص 875 -877، و ينابيع المودة ص250 و شبيه له في كفاية الأثر ص197، و غاية المرام ص 96 ح 39، و أرجح المطالب ص448، و ص471، و إثبات الهداة ج3 ص340 ح121 و ذكر الصدوق (ت 381 ه_) نظيراً له في كتاب الخصال ج1 ص173، و ذكر مثله الطبرسي (من أعلام القرن السادس) ج1 ص105. و مثله أيضاً في مسند الإمام الرضا عليه السلام ج 1 ص133.

فَدَك

فَدَكٌ قَرْيَةٌ مِنَ النَّخْلِ كَانَتْ *** فِي مَكَانٍ عَنْ يَثْرِبٍ غَيْرِ نائي(1)

قَطُّ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهَا بِخَيْلٍ *** وَ رِكَابِ فِي البَدْهِ وَ الإِنْتِهَاءِ(2)

فَهْيَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّفَايَا لِطه *** وَ الصَّفَايَا لِخَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ(3)

وَ هْيَ مِمَّا أَفَاءَ فِيهَا عَلَيْهِ *** رَبُّهُ مِنْ كَرَامَةٍ وَ عَطَاءِ

فَهْيَ مِلْكُ لِخَاتَمِ الرُّسُلِ مَحْضٌ *** خَالِصٌ دُونَ سَائِرِ الْحُنَفَاءِ

صَالَحَ الْمُصْطَفَي الْيَهُودَ عَلَيْهَا *** لِيَكُونُوا فِيهَا مِنَ الأُمَنَاءِ

فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ وَ حَبَاهَا *** نِحْلَةً لِلزَّكِيَّةِ الزَّهْرَاءِ

حِينَما أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: وَآتُوا *** حَقَّ أَدْنَي الأَرْحَامِ وَ الأَقْرِبَاءِ

فَدَعَاهَا وَ قَالَ: هَذا عَطَاءٌ *** لَكِ مِنِّي بِأَمْرِ رَبِّ السَّمَاءِ

وَ هْيَ كَانَتْ فِي عَهْدِهِ بِيَدَيْهَا *** خَيْرَ مِلْكٍ لَهَا وَ خَيْرَ حِباءِ

قَدْ أَقَامَتْ وَكِيلَهَا وَ هُوَ حَيٌّ *** وَ اسْتَقَلَّتْ تَصَرُّفاً فِي النَّمَاءِ

وَ أَبُوبَكْرِ حِينَ خُلْفَ فِيهِمْ *** بَعْدَفُقْدَانِ خَاتَمِ السُّفَرَاءِ

طَرَدَ الْعَامِلَ الْمُوَكَّلَ فِيهَا *** لابْنَةِ الْمُصْطَفَي بِأَقْسَي جَفَاءِ

وَ أَنَتْ عُنْوَةً لِمَسْجِدِ طه *** وَ هُيَ تَسْعَي فِي لُمَّةٍ مِنْ نِسَاءِ

وَ أَبَانَتْ مَا جَاءَ فِي الذِّكْرِ نَصَاً *** فِي الْمَوَارِيثِ مِنْ حَكِيمِ الْقَضَاءِ

وَ أَقَامَتْ مَا حَجَّهُ -فَأَتَاهَا- *** بَعْدَ دَحْضٍ بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ

ص: 356


1- الغدير ج16 ص368حول سبب نزول قوله تعالي: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ».
2- أوجفوا الخيل: جعلوها تعدو عدواً سريعاً.
3- صفايا: جمع صفَيَة، و هي من الغنائم ما يجعله الرئيس لنفسه.

بِحَدِيثٍ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ *** آيَةٌ قَطُّ فِي كِتَابِ السَّمَاءِ

وَ سِوَاهُ لَمْ يَرْوِهِ فَهُوَمِمَّا *** خُصَّ فِيهِ مِنْ بِدْعَةٍ وَ افْتِرَاءِ(1)

وَ لَقَدْ خَاصَمَتْهُ أُخْرَي فَقَالَتْ: *** نِحْلَةٌ مِنْ أبِي بِأَقْوَي ادَّعَاءِ

وَ أَقَامَتْ شُهُودَهَا فَحَبَاهَا *** مِنْهُ صَكّاً بِهَا بِغَيْرِ وَفَاءِ

حِينَمَا فِي يَدَيْهِ بَعْدَ انْتِزَاعٍ *** عُمَرُ شَقَّهُ بِوَقْتِ اللِّقَاءِ(2)

وَ اسْتَمَرَّتْ فِي الْمَنْعِ حَتَّي تَوَلَّي *** عُمَرٌ بَعْدَهُ عَلَي الْحُنَفَاءِ

فَحَبَاهَا لِأَهْلِهَا دُونَ مَنْعٍ *** بَعْدَ دَفْعِ مِنْ أَوَّلِ الْخُلَفَاءِ(3)

تضاربُ الآراءِ مِنْ وُلاةِ الأمورِ في فَدَكَ

وَ عَجِيبٌ هَذَا التَّضَارُبُ فِيهَا *** مِنْ وُلاةِ الأُمُورِ في الآرَاءِ(4)

ص: 357


1- ذكر الحديدي في شرح النهج ج16 ص220: أن حديث النبي صلي الله عليه و آله و سلم «لا نورث ذهباً و لافضة...» إلخ لم يروه أحد غير أبي بكر.
2- الغدير ج7 ص194 عن السيرة الحلبية؛ ذكر أن عمر شقّ صكَ فاطمة عليها السلام.
3- الغدير ج195 ذكر أن عمر بن الخطاب ردّ فدكاً لأهل البيت عليهم السلام، نقله عن البخاري ج5 ص102.
4- فدك و الحاكمون: لقد صادر أبو بكر فدكاً من الزهراء عليها السلام بحجّة الحديث الذي تفرَّد به أبوبكر بشهادة شيخ المعتزلة. ثم جاء عمر ليبقيها فترة أربع سنوات أو أكثر عنده، ثم قرّر يردّها، ولكن لا لفاطمة عليها السلام التي قضت شهيدة واجدة عليه و علي صاحبه، بل للهاشميين جميعاً في سبيل إشعال النزاع بين علي عليه السلام و بين العباس، الذي جاء عمر أيضاً يطالبه بالإرث. و عجيب أمر هذا الإرث النبوي صلي الله عليه و آله و سلم الذي يحرم في سنة و يحلّ في سنة أخري! لكن عليّاً يترفّع عن قبولها لأسباب ليست تخفي علي ذوي الألباب (انظر العوالم ج 11 ج 765 فما بعدها). ثم يأتي عثمان، فيجعلها منحة ملكيّة صافية إلي ابن عمّه و زوج ابنته مروان بن الحكم. (انظر سنن البيهقي ج 6 ص 301 ، و الغدير ج 7 ص195.) و حينما تسلّم عليّ الخلافة؛ لم يشغل نفسه بفدك، و استمرّ علي موقفه كما كان أيّام الشيخين . و قال الجوهري في كتاب السقيفة و فدك ص103: «فلما ولي الأمرَ معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثَها، و أقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثَها، و أقطع يزيد بن معاوية ثلثها، و ذلك بعد موت الحسن بن علي عليه السلام. فلم يزالوا يتداولونها حتي خُلصت كلّها لمروان بن الحكم أيام خلافته، فوهبها لعبد العزيز ابنه، فوهبها ابنه عبد العزيز لابنه عمر بن عبد العزيز. فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، كانت أوَّلَ ظُلامةٍ ردَّها، دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، و قيل: بل دعا علي بن الحسين عليه السلام فردّها عليه. و كانت بيد أولاد فاطمة عليها السلام مدة ولاية عمر بن عبد العزيز، فلمّا ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم، فصارت في أيدي بني مروان -كما كانت- يتداولونها، حتي انتقلت الخلافة عنهم . فلما ولي أبو العباس السفاح ردّها المهدي ابنُه علي وُلدِ فاطمة عليها السلام، ثم قبضها موسي بن المهدي، و هارونُ أخوه، فلم تزَلْ في أيديهم حتي ولي المأمون، فردّها علي الفاطميين... فقام دعبل إلي المأمون فأنشده الأبيات التي أوّلها : أصبحَ وجه الزمان قد ضحكا *** برد مأمون هاشم فدكا فلَمْ تَزَلْ في أيديهم حتي كان في أيّام المتوكّل، فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار، و كان فيها إحدي عشرة نخلة غرسها رسولُ اللهِ صلي الله عليه و آله و سلم بيده، فكان بنو فاطمة عليها السلام يأخذون ثمرها، فإذا قدِمَ الحُجّاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم، فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل فصرم عبدُالله بن عمر البازيار ذلك التمر ؛ وجّه رجلاً يقال له بشران بن أبي أميّة الثقفي إلي المدينة فصرمه (أي قطعه)، ثم عاد إلي البصرة ففُلج (أي أصيب بالشلل). و هكذا صارت قضيّة فدك: قضية الخلافة المغتصبة، و علامة فارقة تلاحق الظلم الأوّل و المصادرة الأولي، لا تزول، بل و لاتتبدّل مع تبدّل الأيّام و تجدّد البشر. و كلُّ ذلك من أجل أن يظهر كذب الحديث المفتري و حق الخلافة المغتصبة. للاستزادة؛ انظر فتوح البلدان ص38-41، و تاريخ اليعقوبي ج3 ص48 ، و العقد الفريد ج2 ص323، و معجم البلدان ج6 ص344، و شرح النهج للمعتزلي ج16 ص217، و تاريخ ابن كثير ج 9 ص200، و تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 168، و تاريخ خلفاء ص154، و أعلام النساء ج 3 ص1211، جمهرة رسائل العرب ج 3 ص510 ، مضافاً إلي كثير من المصادر الخاصة كالبحار و الغدير و العوالم و الاحتجاج و دلائل الصدّق، و غيرها.

فَهيَ إِنْ كَانَ نِحْلَةً وَ نَصِيباً *** مِنْ فُرُوضِ الْمِيرَاثِ لِلأَوْلِيَاءِ

كَيْفَ صُدَّتْ عَنْ أَهْلِهَا وَ هْيَ حَقٌّ *** مِنْ أَبِي بَكْرِ سَاعَةَ الإِبْتِدَاءِ؟!

وَ هْيَ إِنْ كَانَ مِثْلَ مَا قَالَ فَيْئاً *** كَيْفَ تُعْطَي مِنْ آخَرِ بِسَخَاءِ؟!

وَ اصْطَفَاهَا عُثْمَانُ بَعْدَ انْتِزَاعٍ *** وَ حَبَاهَا مَرْوَانَ دُونَ اختِشَاءِ

حِينَ أَضْحَي مِنْ آلِ أَحْمَدَ أَوْلَي *** بِمَوَارِيثِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

وَ طَرِيدُ النَّبِيِّ لاَ شَكٌّ أَوْلَي *** عِنْدَ عُثْمَانَ مِنْ بَنِي الأَزْكِيَاءِ

وَ هْيَ مِمّا تُنْعَي عَلَيْهِ وَ كَانَتْ *** عَامِلاً مِنْ عَوَامِلِ الإسْتِيَاءِ

وَ تَوَلَّي ابْنُ هِنْدَفِيمَنْ تَوَلَّي *** بَعْدَ هَذَا ظُلْماً مِنَ الأمَراءِ

فَحَبا ثُلثَهَا يَزِيداً وَ ثُلْثاً *** لابن عُثْمَانَ دُونَ أَي اتِّقَاءِ

ص: 358

وَ اجْتَبَاهَا مَرْوَانُ حِينَ تَوَلَّي *** مُسْتَقِلاً لَهُ بِشَرِّ اجْتِبَاءِ

وَ حَبَاهَا عَبْدَالْعَزِيزِ فَكَانَتْ *** بِيَدَيْهِ مِلْكاً لِيَوْمِ الْفَنَاءِ

وَ اصْطَفَاهَا مُسْتَخْلِصاً بِالْفِرادٍ *** عُمَرُ أَمْرُهَا بِخَيْرِ اصْطِفَاءِ

وَ حَبَاهَا فِي الْمُلْكِ حِينَ تَوَلَّي *** لَبَنِي فَاطِمٍ بِخَيْرِ حِبَاءِ

بَعْدَ رَفْعِ السِّبَابِ وَ الشَّتْم مِمَّنْ *** أَبْدَعُوهُ عَنْ سَيّدِ الأَوْصِيَاءِ

وَ إِلَيْهِ الرَّضِيُّ بِالشِّعْرِ أَوْحَي *** يَا ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَ الرِّثَاءِ(1)

وَ تَعَدَّي ابْنُ عَاتِكٍ بَعْدَ أَخَذٍ *** فَحَوَاهَا يَزِيدُ دُونَ إِبَاءِ

وَ اسْتَمَرَّتْ فِي آلِ مَرْوَانَ حَتَّي *** أَذْهَبَ اللَّهُ دَوْلَةَ الطَّلَقَاءِ

وَ أَعَادَ السَّفّاحُ مَا كَانَ مِنْهَا *** أَخَذُوهُ لِلْعِترَةِ النَّجَباءِ

وَ رُجُوعُ الْمَنْصُورِ فِيهَا رُجُوعٌ *** وَ نُكُوصٌ عَنْ مَسْلَكِ الإِسْتِوَاءِ

وَ عُدُولُ الْمَهْدِي عَنْهَا اعْتِدَالٌ *** وَ اسْتِوَاءٌ فِي مَنْهَج الإهْتِدَاءِ

وَ تَمَادَي مُوسَي وَ هَارُونُ فِيهَا *** وَ تَعَامَي الأَمِينُ بِالإقْتِدَاءِ

وَ تَهَادَي الْمَأْمُونُ حِينَ أُعِيدَتْ *** لِذَوِيهَا فِي عَهْدِهِ بِلِوَاءِ

وَ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ أَخْذٍ *** جَعْفَرٌ مُعْلِنَاً بِنَصْبِ الْعِدَاءِ(2)

وَ حَبَا عَبْدُ اللَّهِ مَنْ قَدْنَمَاهُ *** عُمَرُ الْبَازِيَارُ شَرَّ انْتِمَاءِ

وَ تَعَدَّي ظُلْماً فَأَرْسَلَ شَخصاً *** صَرَمَ النَّخْلَ فِي يَدِ الإِعْتِدَاءِ

فَعَرَاهُ بَعْدَ الْجُذَاذِ انْتِقَاماً *** فَلَجٌ فَاتِكٌ بِأَعْظَمِ دَاءِ(3)

جَدَّ مِنْهَا مَا قَامَ مِنْ نَخَلاتٍ *** هِيَ مِنْ غَرْسِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

كَانَ أَبْنَاءُ فَاطِمٍ وَ عَلِيٌّ *** تَجْتَنِي تَمْرَهَا لِأَهْلِ الْوِلَاءِ

ص: 359


1- إشارة إلي قول الشريف الرضي (رحمة الله عليه) في عمربن عبدالعزيز: يا بن عبد العزيز لو بَكَتِ العينُ *** فتي من أُمَيَّةٍ لَبَكَيْتُك غيرَ أني أقولُ: إنك قد طبتَ *** و إنْ لم يَطِب و لم يزكُ بيتُك.
2- هو المتوكِّل العباسي.
3- الجُذاذ: القطع و الكسر. فَلجٌ: شلل.

فَإِذَا جَاءَ مَوْسمُ الْحَج جَاؤوا *** وَ أَفَاضُوا فِيهَا عَلَي الْحُنَفَاءِ

فَيَعِيشُونَ مِنْهُمُ بِالْهَدَايَا *** حِينَ تُهْدَي لَهُمْ بِكُلِّ سَخَاءِ

بابُ دارِ فاطمة عليها السلام

وَ أَتَوا باب دارِها دُونَ إِذْنٍ *** وَ عَلِيٌّ فيهَا رَهِينُ الفِناءِ

وَ بِأَيْدِيهِمُ مِنَ الْحِقْدِ يَذْكُو *** قَبَسٌ مُضْرَمٌ بِنَارِ الْعَدَاءِ(1)

قِيلَ: فِي الدَّارِ فَاطِمٌ بِنْتُ طه! *** قَالَ شَخْصٌ: «وَإِنْ» بِغَيْرِ اخْتِشَاءِ

أخرِقُوهُ وَ بِنتُ أَحْمَدَ حَسْرَي *** تَخْتَفِي خَلْفَهُ بِغَيْرِ رِدَاءِ

فَجَرَي ما جَرَي عَلَي بِنْتِ طه *** وَ هْيَ تَدْعُو وَرَاءَهُ بِبُكَاءِ

مِنْ حَدِيثِ الْمِسْمَارِ وَ الضّلْعِ مِنْهَا *** وَ سُقُوطِ الْجَنِينِ اثْرَ الدِّمَاءِ

وَ أَحَاطُوا بِالْمُرْتَضَي فَأَضَاعُوا *** ذِمَّةَ الْمُصْطَفَي بِغَيْرِ وَفَاءِ

حِينَ قَادُوهُ بِالْحَمَائِل ظُلْماً *** وَ ضَلالاً مِنْهُم بِغَيْر اهْتِدَاءِ

وَعَدَتْ خَلْفَهُ وَ عَادُوا فَبِئْساً *** لَهُمُ مِنْ ثَلاَثَةٍ أَشْقِيَاءِ

المُوهَا بِقَسْوَةٍ وَ جَفَاءٍ *** دُونَمَا رَحْمَةٍ وَ دُونَ وَلاَءِ

بَيْنَ وَكُزِ بِنَعْلِ سَيْفِ وَ لَظمٍ *** بَانَ فِي جَفْنِ عَيْنِهَا الْحَمْرَاءِ(2)

وَ سِيَاطٍ تُلْوَي عَلَي عَضُدَيْهَا *** مِنْ يَدَي قُنْفُذٍ بِأَقْسَي جَفَاءِ

وَ أَتَوْا بِالْوَصِيِّ مَسْجِدَطه *** وَ هْيَ بِالْبَابِ أَمْسَكَتْ لِلدُّعَاءِ

قِيلَ: بَايِعْ فَقَالَ: إِنْ لَمْ أُبَايِعْ؟ *** قِيلَ: تُجْزَي بِالْقَتْلِ شَرَّ جَزَاءِ!

قَالَ: هَلْ تَقْتُلُونَ لِلَّهِ عَبْداً *** وَ أَخَاً لِلرَّسُولِ مَحْضَ الإِخَاءِ؟

فَأَجَابُوهُ: أَنْتَ لِلَّهِ عَبْدٌ *** لا أَخٌ لِلرَّسُولِ، دُونَ حَيَاء،

فَأَرَادَتْ كَشْف الْقِنَاعِ فَهَبَّتْ *** شَرُّرِيحٍ عَلَيْهِمُ سَوْدَاءِ(3)

ص: 360


1- يذكو: يشتعل.
2- وكز: ضرب دفع.
3- في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص 118 : أبو جعفر الطوسي في «اختيار الرجال» عن أبي عبد الله عليه السلام، عن سلمان الفارسي: أنّه لمّا استُخرج أمير المؤمنين عليه السلام من منزله، فاطمة عليها السلام حتي أتت إلي القبر، فقالت: خَلُّوا عن ابن عمَّي، فوالذي بعثَ محمّداً صلي الله عليه و آله و سلم بالحق، لئن لم تُخلوا عنه لأنشرنّ شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم علي رأسي، و لأصرخنّ إلي اللَّه، فما ناقة صالح بأكرم علي اللَّه من ولديَّ. قال سلمان: فرأيتُ واللَّهِ أساس حيطان المسجد تقلّعت من أسفلها، حتي لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ؛ فدنوت منها و قلتُ: يا سيدتي و مولاتي! إنّ اللَّه تبارك و تعالي، بعث أباك رحمةَ، فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان، حتي سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا. و قد رواها في تاريخ اليعقوبي ج2 ص126، و كذلك في البحار عن المناقب أيضاً، ج3 ص47 ، و في العوالم ج11 ص231 ،232، و في مشارق أنوار اليقين ص 86 مثله. و قد نقل السيد كاظم القزويني أشباهاً لذلك عن العياشي، و الاحتجاج و تاريخ اليعقوبي في كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد ص333.

قَلَعَتْ مِنْ أَسَاسِ مَسْجِدِ طه *** كُلَّ حِيطَانِهِ وَ كُلَّ بِنَاءِ

فَاسْتَغَالُوا بِالْمُرْتَضَي فَأَغِيثُوا *** بَعْدَ يَأْسٍ مِنْهُمْ بِخَيْرٍ رَجَاءِ

فَأَتَاهَا سَلْمَانُ يَعْدُو وَ أَوْحَي *** بَعْدَ أَمر مِنْ سَيْدِ الأَوْصِيَاءِ:

بَعَثَ اللَّهُ رَحْمَةً وَ نَجَاةً *** لِلْبَرَايَا أَبَاكِ بَعْدَ الشَّقَاءِ

لاَتَكُونِي يَا بِنْتَ خَيْرِ الْبَرَايَا *** بَعْدَ فُقْدَانِ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

سَبَباً فِي هَلَاكِ أُمَّةِ طه *** وَ مَثاراً لِسُخْطِ رَبِّ السَّمَاءِ

فَأَجَابَتْ: لَنْ أَتْرُكَ الْبَابَ حَتَّي *** يَتْرُكُوا حَيْدَراً بِلا إِيذَاءِ

وَ إِذَا بِالصَّيَاحِ فِيهِمْ: دَعُوهُ *** وَ اتْرُكُوهُ لَهَا، مِنَ الحُنَفَاءِ

فَأَتَاهَا وَ قَالَ حِينَ رَآهَا: *** كَيْفَ أَصْبَحْتِ يَا ابْنَةَ الأَزْكِيَاءِ

فَأَجَابَتْ: إِنْ كُنْتَ كُنْتُ بِخَيْرٍ *** أَوْ بِشَرٍّ عَلَي صَعِيدٍ سَوَاءِ

وَ أَتَتْ بَيْتَهَاعَلِيلَةَ نَفْسٍ *** قَدْ أُصِيبَتْ مِنْهُمْ بِأَعْظَم دَاءِ

لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً ظَلَمَتْهَا *** وَ سَقَتْهَا صَبْراً كُؤُوسَ الْفَنَاءِ

الشيخان علي باب فاطمة

وَ أَتَاهَا الشَّيْخَانِ بَعْدَ هَنَاتٍ *** ظَلَمَاهَا فِيهَا بِغَيْرِ ارْعِوَاءِ

وَ هُمَا عَائِدَانِ وَ هْيَ بِحَالٍ *** لَيْسَ يُرْجَي لِسُقْمِهَا مِنْ شِفَاءِ

وَ أَرَادَا إِذْنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا *** فَأَبَتْ نَفْسُهَا أَشَدَّ الإِبَاءِ

ص: 361

فَتَعَصَّي عَلَيْهِمَا الأمْرُ حَلاً *** فَاضِلاً عَمِّي بِغَيْرِ اهْتِدَاءِ

فَاسْتَغَانَا بِغَوْثِ كُلِّ طَرِيدٍ *** وَ اسْتَجَارا بِسَيّدِ الأَوْصِيَاءِ

فَأَتَاهَا وَ قَالَ: إِنَّ فُلاناً *** وَ فُلاناً تَظَلَّلا بِرِدَائِي

يَطْلُبَانِ الدُّخُولَ مِنْكِ بِإِذْنِ *** جَعَلانِي فِيهِ مِنَ الشُّفَعَاءِ

فأَبَتْ أَنْ تَجُودَ فِيهِ فَأَوْحَي *** مِنْ حَنَانِ لَهَا بِلَحْنِ الوِلاءِ

إِنَّنِي قَدْ ضَمِنْتُ إِذْ كَلَّمَانِي *** لَهُمَا الإِذْنَ قَبْلَ ذَا مِنْ حَيَائِي

فَأَجَابَتْ: فَأَذَنْ لِمَنْ شِئْتَ وَامْنَعْ *** أَنْتَ مَنْ شِئتَ دُونَ أَي اتِّقَاءِ

إِنَّمَا الْحُرَّةُ الَّتِي تَصْطَفِيهَا *** لَكَ زَوْجُ وَ أَنْتَ رَبُّ الْفِنَاءِ

فَاسْتَطارا بُشْراً بِما أَدْرَكَاهُ *** بَعْدَ يَأْسٍ أَوْدَي بِكُلِّ رَجَاءِ

ثُمَّ قَالا: جِئنَاكِ يَا بِنْتَ طه *** نَطْلُبُ الْقُرْبَ مِنْكِ بَعْدَ الثَّنَائِي

وَ نَرُومُ الْغُفْرَانَ وَ الْعَفْوَ عَمّا *** قَدْ مَضَي آنفاً مِنَ الأَخْطَاءِ(1)

بَعْدَ تَقْصِيرِنا بِحَقِّكِ ظُلْماً *** وَ عِنَاداً فِي الْبَدْءِ وَ الإِنْتِهَاءِ

فَتَوَلَّتْ بِوَجْهِهَا وَ هْيَ غَضْبَي *** عَنْهُمَا نَحْوَ حَائِطٍ فِي الْبِنَاءِ

وَ أَجَابَتْ: إِنِّي لأَسْأَلُ حَقّاً *** فَأَجِيبًا صِدْقاً بِغَيْرِ افْتِرَاءِ

هَلْ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ طه بِحَقِّي *** لَكُمَا مِثلَ سَائِرِ الْحُنَفَاءِ

فَاطِمٌ بَضْعَتِي وَ بهْجَةُ نَفْسِي *** وَ هْيَ مِنّي إيذاؤُها إيذائِي

يَغْضَبُ اللَّهُ حِينَ تَغْضَبُ سُخْطاً *** وَ رِضَاهَا رِضاً لِرَبِّ السَّمَاءِ

فَأَجَابًا: إِنَّا سَمِعْنَا مِرَاراً *** كُلَّ هَذَا مِنْ خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ

فَرَنَتْ لِلسَّمَاءِ شَكْوَي وَ قَالَتْ *** بَعْدَ نَشْرِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ:

رَبِّيَ اشْهَدْ بِأَنَّ بَكْراً وَ عَمْراً *** آذَيانِي وَ أَجْهَدا فِي عِدَائِي

فَاذْهَبَا فِي كَرَاهَةٍ لَسْتُ أَرْضَي *** أَبَداً عَنْكُمَا لِيَوْمِ الْبَقاءِ

وَ سَأَشْكُو إِلَي أَبِي مَا دَهَانِي *** عُنْوَةٌ مِنْكُمَا بِوَقْتِ اللَّقَاءِ

ص: 362


1- نروم: نقصد نطلب.

فَاسْتَمَرَّتْ حَتَّي فَضَتْ بِنْتُ طه *** وَ هْيَ غَضْبَي عَلَيْهِمَا مِنْ جَفَاءِ(1)

حُرمةُ المظلومة عليها السلام

دَخَلُوا الْخِدْرَ وَ هْيَ حَسْرَي عَلَيْهَا *** فَاسْتَهَانُوا بِحُرْمَةِ الزَّهْرَاءِ(2)

عَصَرُوهَا فَأَسْقَطُوا خَيْرَ حَمْلٍ *** مِنْ حَشَاهَا بِقَسْوَةٍ وَ جَفَاءِ

كَسَرُوا ضِلْعَهَا بِعَصْرَةِ بَابٍ *** ضَرَّجَتْ صَدْرَهَا بِقَيْضِ الدِّمَاءِ

لَطَمُوا خَدَّهَا بِكَفْ عِنَادٍ *** نَشَرَتْ قُرْطَها عَلَي الحَصْبَاءِ(3)

سَوَّدُوا مَتْنَهَا ضَلالاً وَ كُفْراً *** بسِياطِ الشَّحْنَاءِ وَ الْبَغْضَاءِ(4)

أَخْرَجُوا بَعْلَها عَلِيّاً مِنَ الْبَيْتِ *** فَأَضْحَي يُقَادُ كَالأَسَرَاءِ

وَ هْيَ تَعْدُو وَرَاءَهُ وَ هْيَ تَدْعُو *** بِحَنِين وَ صَرْخَةٍ وَ بُكَاءِ

مَا رَعَوْهَا وَ هْيَ الْوَدِيعَةُ فِيهِمْ *** بَعْدَ طه مِنْ سَيّدِ الأُمَناءِ

مَا أَجَارُوا بِنْتَ الْهُدَي حِينَ جَارُوا *** فَأَضَاعُوا ذِمَامَ كُلِّ وَفَاءِ(5)

أَيُّ ذَنْبٍ جَنَتْهُ بَضْعَةٌ طه *** فَجَزَوْهَا ظُلْماً بِأَقْسَي الْجَزَاءِ

لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَبَاحَ حِماها *** مُسْتَطِيلاً بِالْجَوْرِ وَ الإِعْتِدَاءِ

وفاتها عليها السلام

لَمْ تَزَلْ بَعْدَهُ عَلِيلَةَ جِسْمٍ *** لِقَلِيلِ السَّلْوَي وَ طُولِ الْبَلاءِ

وَ هْيَ يُغْشَي مِنَ السَّقَامِ عَلَيْهَا *** كُلَّ حِينٍ مِنْ كَثْرَةِ الإِغْمَاءِ

ص: 363


1- صحيح البخاري ج4 ص96 روي عن عائشة أن فاطمة عليها السلام غضبت علي أبي بكر فهجرته و ماتت و هي مهاجرة له. و انظر ما تقدّم حول غضبها علي الشيخين، و امتناعها عن مقابلتهما، و موتها و هي غاضبة عليهما، غير راضية عليهما؛ في (6/18).
2- انظر كشف الغمة ج2 ص119.
3- الحصباء: الأرض ذات الحصي.
4- الشحناء: العداوة امتلأت منها النفس.
5- الذُّمام (علي وزن الشَّراع): الحق و العهد و الحرمة.

لَمْ تُفَارِقْ فِرَاشَهَا مِنْ نُحُولٍ *** قَدْ بَرَاهَا ضَعْفاً وَ طُولِ عَنَاءِ

وَ هْيَ تَبْكِي ليلاً نهاراً أَبَاهَا *** بِدُمُوع الذِّكْرَي بِغَيْرِ انْتِهَاءِ

قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمَ سُوءٍ بُغاةً *** مَنَعُوها عَنْ الأسَي و َ الْبُكَاءِ

أَخْرَجُوهَا مِنْ بَيْتِهَا حِينَ ضَجُّوا *** لِعَلِيٍّ مِنْ كَثْرَةِ الإِسْتِيَاءِ

فَاسْتَظَلَّتْ ظِلَّ الأَرَاكَةِ لَكِنْ *** قَطَعُوهَا بِقَسْوَةٍ وَعِدَاءِ

فَأَقَامَ الْوَصِيُّ بَيْتاً وَسَمَّاهُ *** بِبَيْتِ الأَحْزَانِ وَ الأَرْزَاءِ

فَهْيَ تَأْوِي إِلَيْهِ كُلَّ نَهَارٍ *** ثُمَّ تَأْتِي لِبَيْتِهَا فِي الْمَسَاءِ

لَمْ تَزَلْ دَأبَهَا النِّياحَةُ حَتَّي *** أَسْلَمَتْهَا إِلَي قِسِيِّ الْفَنَاءِ(1)

حِينَ أَوْصَتْ بِكُلِّ مَا طَلَبَتْهُ *** سَاعَةَ الْمَوْتِ سَيْدَ الأَوْصِيَاءِ(2)

ص: 364


1- قسي الفناء: أقواس الموت.
2- في الكافي بسنده الواصل إلي أبي بصير، قال: قال أبو جعفر عليه السلام ألا أقرئك وصية فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: بلي. فأخرج حُقاً أو سفطاً، فأخرج منه كتاباً، فقرأه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة عليها السلام بنت محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أوصت بحوائطها السبعة: العواف، و الدلال، و البرقة و المثيب، و الحسني و الصافية و ما لأم إبراهيم إلي علي بن أبي طالب عليه السلام، فإن مضي عليّ عليه السلام فإلي الحسن عليه السلام، فإن مضي الحسن عليه السلام فإلي الحسين عليه السلام، فإن مضي الحسين عليه السلام فإلي الأكبر من ولده شهد الله علي ذلك و المقداد بن الأسود و الزبير بن العوّام، و كتب علي بن أبي طالب عليه السلام. المصدر ج 7 ص48 ج 5. و رواه أيضاً بطريق آخر. و في دلائل الإمامة ص42، و في الفقيه ج4 ص 244، و في التهذيب ج 9 ص 145، و روي نظيره الإربلي في كشف الغمة ج 1 ص 499 ، و في البحار ج 43 ص 185 و 235، و مثله أيضاً في مصباح الأنوار ص 262، و غيرها. علي أن هذه الطائفة من الأخبار إنما تذكر طرفاً من وصاياها عليها السلام و إلاّ فإنّ لها مجموعة من الوصايا أوصت بها أميرالمؤمنين عليه السلام، منها ما يرتبط بها هي بعد موتها و منها ما يرتبط بذريتها و أبنائها و منها ما يتعلّق بمالها و صدقاتها و غير ذلك. و قد لخصها السيد المقرّم في كتاب وفاة الصدّيقة الزهراء عليها السلام، و نحن ننقلها هنا من كتابه. قال (رحمة الله عليه) بعد وصية البساتين و الحوائط السبعة: و أوصت لأزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم لكل واحدة منهنّ اثنتا عشرة أوقية و لنساء بني هاشم مثل ذلك، و لأمامة بنت أبي العاص (ابنة أختها) بشيء (دلائل الإمامة ص42) و أوصت لأم كلثوم إذا بلغت ما في المنزل (مصباح الأنوار- مخطوط) ثم أوصت أمير المؤمنين أن يتخّذ لها نعشاً رأت الملائكة صوّروا صورته و وصفته له و أن لا يشهد أحدٌ جنازتها ممّن ظلمها، و لا أن يصلّوا عليها، و أن يتزوّج بأمامة ابنة أختها زينب سلام الله عليها السلام لتقوم بخدمة ولدها (روضة الواعظين ص130، و مناقب ابن شهر آشوب ص130). و من وصيّتها له إذا أنزلها في القبر، و سوّي التراب عليها أن يجلس عند رأسها قبالة وجهها، و يُكثر من تلاوة القرآن و الدعاء، فإنها ساعة يحتاج الميّت فيها إلي أنس الأحياء (مصباح الأنوار و كشف اللثام للفاضل الهندي)، و أن لا يُعلم بموتها إلا أم سلمة و أم أيمن و عبد الله بن العباس، و سلمان المقداد، و أباذر و عمّار و حذيفة. (دلائل الإمامة ص44) انتهي. و في بعض المصادر أنها استثنت أيضاً فضة خادمتها و في بعض الروايات أنها أوصته فقط بأن لا يشهد جنازتها أحدٌ ممن ظلمها و لم تحدّد أشخاصاً بأعينهم للمباشرة في مراسم التشييع، إلا أن التكتم الذي كانت تستدعيه الواقعة و مشاركة أفراد قلائل هم المذكورون بإضافة بريدة و عقيل، يوحي بأرحميّة أخبار الاستثناء، فلاحظ و أن يدفنها إذا هدأت العيون، و نامت الأبصار (روضة الواعظين181).

وَ قَضَتْ نَحْبَها وَ فِي عَضُدَيْهَا *** أَثَرٌ مِنْ سِيَاطِهِمْ مُتَرَائِي

فَأَتَتْ رَبَّهَا بِضِلْعِ كَسِيرٍ *** مِنْ حَشَاهَا وَ مُقْلَةٍ حَمْرَاءِ

فَبَكَاهَا الْوَصِيُّ شَجُواً لأَمْرِ *** كَتَمَتْهُ عَنْهُ وَ عَنْ كُلِّ رَائِي

وَ أَتَي لِلْبقيع بِالنَّعْشِ لَيْلاً *** بِعِدَادٍ مِنْ صَحْبِهِ الأَتقِيَاءِ

وَ أَهَالَ الثَّرَي عَلَيْهَا وَ عَفَّي *** قَبْرَهَا فِي غَيَاهِبِ الظُّلْمَاءِ(1)

وُقوفُ أميرالمؤمنين عليه السلام علي قبرِ فاطمة عليها السلام

قَدْ بَكَاهَا حَتَّي تَفَجَّرَ وَجْداً *** وَ حَنِيناً عَلَي نَشِيجَ الْبُكَاءِ(2)

ص: 365


1- أهال الثري: صبّ التراب. غياهب: ظلمات.
2- في الكافي للكليني (ت329) بسنده إلي أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام، قال: لمّا قُبضت فاطمة عليها السلام دفنها أميرالمؤمنين عليه السلام سرّاً و عفي علي موضع قبرها. ثم قام فحوّل وجهه إلي قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ثم قال: السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عنّي، و السلام عليك عن ابنتك و زائرتك و البائتة في الثري ببقعتك، و المختار لها اللَّهُ سرعةُ اللحاق بك. قلَّ يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن صفيّتك صبري و عفا عن سيّدة نساء العالمين تجلدي، إلاّ أنّ في التأسي لي بسنّتك في فُرقتك، موضعَ تعزِّ، فلقد و سّدتُك في ملحودة قبرك، و فاضت نفسك بين نحري و صدري بلي، و في كتاب اللَّه لي أنعم القبول؛ إنا للَّه وإنَّا إليه راجعون، قد استُرجعت الوديعة، و أخذت الرهينة و اختُّلست الزهراء عليها السلام، فما أقبح الخضراءَ و الغبراءَ. يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أما حزني فسرمد، و أما ليلي فمسهّد، و همَّ لا يبرح عن قلبي، أو يختارَ اللَّهُ لي دارَك التي أنت فيها مقيم، كَمَدٌ مقيح، و همَّ مهيَج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلي الله أشكو. و ستنبئك ابنتُك بتظافر أمتك علي هضمها، فأحفها السؤال و استخبرها الحال، فكم من غليل معتلجٍ بصدرها، لم تجد إلي بئّه سبيلاً، و ستقولُ، و يحكمُ اللَّهُ، و هو خيرُ الحاكمين. و السلام عليكما سلام مودّع لا قالٍ و لا سئم. فإن أنصرف فلا عن ملالة، و إن أُقِمْ فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين. واهاً، واهاً و الصبر أيمن و أجمل، و لولا غلبةُ المستولين لجعلتُ المقام و اللبث لزاماً معكوفاً، و لاأعولت إعوال الثكلي علي جليل الرزيّة. فبعينِ اللَّهِ تُدفَن ابنتك سَراً، و تهضم حقَّها، و تمنّعُ إرثها، و لم يتباعد العهدُ، و لم يَخلَقْ منكَ، الذكر، و إلي الله يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المشتكي، و فيك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أحسنُ العزاء، ج1 ص458 ح3. و مثله في نهج صلّي الله عليك و عليها السلام و الرضوان المصدر ج1 ص458 ح3. و مثله في نهج البلاغة جمعه الشريف الرضي (ت406) الخطبة (202)، و مجالس المفيد (ت413) ص 281، و في روضة الواعظين للفتال النيسابوري (من أعلام القرن السادس) ص 183، و في المناقب لابن شهر آشوب (ت588). و تجده في كشف الغمة للإربلي (ت 693) و لذلك نظائر أيضاً (مع بعض الاختلاف) في دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص 47، و أمالي الطوسي ج1 ص109، و بشارة المصطفي ص258، و في إحقاق الحق ج10 ص 481 ، و في البحار ج 43 ص 193 و 210، و غيرها و العلوم ج 11 ص 1121 فما بعدها و أعلام النساء ج3 ص1221.

وَ رَثَاهَا بِالدَّمْعِ مِنْ مُقْلَتَيْهِ *** مُسْتَهِلاً وَ الدَّمْعُ خَيْرُ رِثَاءِ

حِينَ وَارَي فِي تُرْبَةِ الْأَرْضِ شَمْساً *** عَنْ عُلاَهَا تَنْحَطُّ شَمْسُ السَّمَاءِ

وَ هُوَ يَدْعُو وَ قَبْرُ أَحْمَدَ يَبْدُو*** نُصْبَ عَيْنَيْهِ عِنْدَ وَقْتِ الدُّعَاءِ

وَاضِعاً كَفَّهُ عَلَي الْقَلْبِ مِمَّا *** قَدْ عَرَاهُ مِنْ مِحْنَةٍ وَ ابْتِلاءِ

قَائِلاً لِلنَّبِيِّ بَعْدَ اكْتِئَابِ *** وَ خِطَابِ لَهُ بِأَشْجَي نِدَاءِ:

وَ عَلَيْكَ السَّلاَمُ عَنِّي وَ عَنْهَا *** يَا رَسُولَ الْهُدَي وَصِنْوَ الاخَاءِ

هذِهِ الْبَضْعَةُ الزَّكِيَّةُ بَاتَتْ *** مِنْكَ فِي خَيْرِ بُقْعَةٍ وَ فِنَاءِ

وَ لَهَا اخْتَارَ رَبُّهَا بِكَ قُرْباً *** سُرْعَةَ الإِلْتِحَاقِ بَعْدَ الثَّنَانِي

قَلَّ يَا سَيِّدَ النَّبِيِّينَ صَبْرِي *** حُزناً عَنْ سَلِيلَةِ الأَنْبِيَاءِ

وَ عَفَي عَنْ صَفِيَّةِ الْوَحْي بَعْدَ *** البُعْدِ مِنّي تَجَلدِي وَ عَزَائِي

وَ لَقَدْ رُدَّتِ الوَدِيعَةُ مِنِّي *** بِاخْتِلاسِ الصِّدِّيقَةِ الزَّهْرَاءِ(1)

ص: 366


1- باختلاس: الاختلاس هو سلب الشيء بمخاتلة و عجلة.

مَا أَشَدَّ الْغَبْرَاءَ فِي الْقُبْح عِنْدِي *** بَعْدَهَا مَنْظَراً مَعَ الخَضْرَاءِ

وَ بِعَيْنِ الإلهِ يُعْصَبُ جَهْراً *** حَقَّهَا بَعْدَ دَفْنِهَا بِالْخَفَاءِ

أَحْفِهَا السُّؤْلَ وَ اخْتَبِرْهَا تباعاً *** عَنْ جَمِيعِ الأَحْوَالِ عِنْدَ اللِّقَاءِ

كُمْ غَلِيلٍ فِي صَدْرِهَا مُسْتَثِيرٍ *** لَمْ تُطِقُ بَئَّهُ لِعِظم البَلاءِ

وَ اخْتَبِرُهَا عَنْ غَصْبٍ حَقِّي وَ ظُلْمِي *** وَ انْتِهَاكِي مِنْ أُمَّةِ الْحُنَفَاءِ

هذِهِ النَّفْتَةُ الْحَزِينَةُ شَكْوَي *** لَكَ حَتَّي أَلْقَاكَ يَوْمَ الْبَقَاءِ

وَ تَنَاءَي بِالْجِسْمِ عَنْهَا وَ أَبْقَي *** قَلْبَهُ عِنْدَهَا أَسَي وَ هُوَ نَاءِ

فضلُ زيارتِها عليها السلام

قَدْ رَوَتْ بَضْعَةُ النَّبِيِّ حَدِيثاً *** مُسْتَنِيراً عَنْ خَاتَمِ الأَنْبِياءِ(1)

أَنَّ مَنْ زَارَهَا وَ زَارَ أَبَاهَا *** فِي حَيَاتَيْهِمَا وَ بَعْدَ الْفَنَاءِ

بَعْدَ تَسْلِيمِهِ عَلَيْهَا ثَلاثاً *** فَازَ أَجْراً بِجَنَّةِ الأَنْقِيَاءِ

وَ تَجَلَّي لَنَا حَدِيثٌ شَرِيفٌ: *** أَنَّ مَنْ زَارَهَا بِخَيْرِ دُعَاءِ(2)

غَفَرَ اللَّهُ كُلَّ ذَنْبٍ عَلَيْهِ *** وَ حَبَاهُ بِجَنَّةِ السُّعَدَاءِ

ص: 367


1- في المناقب لابن شهرآشوب: يزيد بن عبد الملك، عن أبيه، عن جده؛ قال: دخلت علي فاطمة عليها السلام، فبدأتني بالسلام، ثم قالت ما غدا بك؟ قال: قلتُ: طلب البركة. قالت: أخبرني أبي، و هوذا من سلَّم عليه، أو عليَّ ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة. قلت لها: في حياته و حياتك؟ قالت: نعم و بعد موتنا. المصدر ج3 ص139 و رواه في مزار المفيد ص154 ح6 ، و في التهذيب ج 6 ص 9 ح 11 و ابن المغازلي في المناقب ص363 ح410 و وسائل الشيعة ج 10 ص287 ح1، و في البحار ح43 ص185، و ج100 ص194، و المزار الكبير ص3 ح9 (مخطوط).
2- مفتاح الجنان للسيد محسن الأمين ج 3 ص 20 و 23.

(37) صداق البتول

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الواحد مظفر (*)(1)

مَاءُ الفراتِ صَداقٌ لِلْبَتُولَةِ قَدْ *** صَحَ الحَدِيثُ وَ جَاءَتْ فيه أَنْباءُ

ص: 368


1- (*) هو الشيخ عبد الواحد بن أحمد بن حسن بن جواد بن حسين بن باقر مظفر. و آل مظفر أسرة عريقة بالعلم و الفضل لها مكانتها المرموقة و لها فروع عديدة في مدن في الأهواز وخرّمشهر من جنوب إيران و أكثرهم يقطن البصرة و نواحيها كالقرنة و المدينة و كربلاء و النجف و الحيرة و عفك و بغداد و الكاظمية و قسم منهم يسكنون حلب و قد اتصل بعضهم ببعض، و قد هاجر مظفر بن عطاء الله جدّ الأسرة الأعلي من مدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قبل القرن العاشر الهجري. و قد نبغ من هذه الأسرة الكريمة أعلام كثيرون منهم العالم الفذ الشيخ مهدي مظفر في البصرة، و العلامة آية الله الشيخ محمد رضا مظفر صاحب التصانيف و المؤلفات العلمية، و العالم المجاهد الشيخ محمد سعيد مظفر الذي عاصرناه في كربلاء و كان شيخاً جليلاً صاحب همة عالية و مواقف جليلة في تعظيم الشعائر الدينية و هناك أعلام آخرون جاء ذكرهم في كتب التراجم و الرجال. ولد المترجم له في النجف الأشرف سنة(1310ه_)، و نشأ بها و أخذ مقدمات العلوم أساتذة عصره، كما اختلف علي حلقات مشاهير العلماء في الفقه والأصول كشيخ الشريعة، و الشيخ علي ابن الشيخ باقر آل صاحب الجواهر، و الشيخ مهدي المازندراني، و الشيخ ميرزا حسين النائيني و السيد أبو الحسن الأصفهاني، و الشيخ أحمد كاشف الغطاء، و الشيخ آغا ضياء الدين العراقي، و الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، و قد كتب تقريرات الإمام النائيني في الأصول. و قد نقل صاحب شعراء الغري علي الخاقاني أن المترجم له، (عالم متقن و باحث محقق واسع الاطلاع تحلّي بالخلق الإسلامي الرفيع، و اتّصف بخلال فاضلة من هدوء في النفس علي عفة وحشمة و اتزان يلفت النظر. و من أبرز ميزاته الوداعة المفرطة و النشاط الذي يرافق الشباب و الصدق الذي يميز الخبيث من الطيب، و التواضع الذي يحبّه كل إنسان نبيل). و المترجم له أسّس مكتبة شخصية له ضمّت مجموعة كبيرة من الكتب القيمة كما خلّف آثاراً علمية و أدبية مطبوعة منها: 1-بطل العلقمي- في ثلاثة أجزاء 2-سفير الحسين مسلم بن عقيل 3-قائد القوات العلوية-مالك الأشتر-4- البطل الأسدي حبيب بن مظاهر 5- سلمان المحمدي الفارسي 6 -وفاة النبي صلي الله عليه و آله و سلم 7- الأمالي المنتخبة. و أما آثاره المخطوطة فهي: 1-الميزان الراجح 2-السياسة العلوية 3-مستدرك مقاتل الطالبيين 4- أعلام النهضة الحسينية 5-كشف المستور 6-الأساليب الخلابة 7-علي بن الحسين الأكبر عليه السلام 8- سكينة بنت الحسين 9-نزهة الأبصار 10-فارس ذو الخمار-مالك بن نويرة- 11- معراج النبي صلي الله عليه و آله و سلم 12- ولادة النبي صلي الله عليه وآله و سلم. أما شعره: فكان يقرض الشعر بين فترات متقطّعة و لم يكن هدفه الأول أن يعتني و يتوسع في أغراضه و نواحيه و بالرغم من ذلك فقد اجتمع عنده مجموعة كبيرة من القصائد و الأبيات بما قد يطلق عليه -ديوان-.

وَ الأمْ عِنْدَ جَمِيع النَّاسِ إِنْ فُقِدَتْ *** تَحْوِي مَوارِينَها لا رَيْبَ أَبْناءُ(1)

فَلِلْحُسَيْنِ مِنَ الزَّهْرَاءِ فَاطِمَةٍ *** إِرْثٌ وَ يُحْرَمُ وَ هُوَ الوارِث الماءُ

يَمُوتُ ظَامِي الحَشا وَ الغَاصِبُونَ لَهُ *** مِنْهُ رواءٌ و تُرْوَي المَعْزُ وَ الشَّاءُ

هذا عَجِيبٌ و نُكْرٌ سَهَّلَتْهُ لهم *** سَقِيفَةُ الغَدْرِ حتي اسْتَفْحَلَ الدَّاءُ

عاشَتْ أمَيَّةُ و الإِجْرامُ سُنَّتُها *** وَ مُنْكَراتُ أفاعِيلٍ وَ أَسْواءُ

تَمْضِي العُصُورُ و في الأجيالِ قد نُشِرَتْ *** صَحِيفةٌ لأُمَيَّ السُّوءِ سَوْداءُ

تِلْكَ القُرَي وَ هْيَ أَنْفالٌ لِوالِدِهِ(2) *** نَصَّ الجليُّ وما في النَّصِّ إخْفاءُ

قَدِ احْتَوَتْ وَ هْيَ غَنَّاءٌ جُيُوشَكُمُ *** وَ تَحْتَوِي جَيْشَهُ بَيْدَاءُ جَرْداءُ(3)(4)

ص: 369


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلي كون نهر الفرات كان صداقاً لفاطمة عليها السلام. انظر كتاب دلائل الإمامة للطبري ص18. و في البحار ج43 ص113 قال: و في الجلاء و الشفاء في خبر طويل عن الباقر عليه السلام، و جعلت نحلتها من عليّ خمس الدنيا و ثلث الجنة و جعلت الأرض أربعة أنهار: الفرات و نيل مصر و نهروان و نهر بلخ، فزوّجها أنت يا محمد بخمسمائة درهم تكون سنَّةَ لأمتك.
2- لأمي: تخفيف أميّة.
3- أنفال: غنائم، هبات، زيادات.
4- بيداء جرداء: فلاة لا نبت فيها.

370

(38) قدوة النساء

(بحر الكامل)

الشيخ عفيف النابلسي (*)(1)

زهراء يا بيت العُلي الوَضَّاءِ *** يَا نَجْمَةَ السَّارِي بكلِّ مساءِ

يا صَفْحَةَ المجدِ الأثيلِ و غرَّةَ الصبحِ *** المنير و نفحةَ الأشذاءِ

يا دَرَّةَ الشَّرق التي من نُورِها *** شمسُ الحَقيقَةِ تزدهي بضياءِ

من ذا يجولُ بسردِ قصتكِ التي *** تذرُ الخيالَ مهشَّمَ الأعضاءِ

***

و من المحدّثُ عن غرارِ مناقبٍ *** جلَّت عن التعدادِ و الإحصاءِ

أعفيفُ و هو طريدُ منبركِ الذي *** رسمته آياتُ الثنا بثناءِ

يوم الغديرِ و يومُ مولدِ أحمدٍ *** فخرِ البريةِ سيدِ الأمناءِ

ماذا أسمَّي إذ تُنكر شاعرٌ *** قد كَانَ معرفةً بحبلِ ولاءِ

عشتُ الهوي و الشعرَ في مدح الأُلي *** ملأوا الدُّني بالفضل و الإعطاءِ

ص: 370


1- (*) الشيخ عفيف بن محمد النابلسي، فاضل عامل، ولد في بلدة البيسارية، سنة (1941 م)، التحق بمعهد الدراسات الإسلامية في صور، ثم هاجر إلي النجف الأشرف عام (1971 م) لمتابعة دراسته، حيث تتلمذ علي علمائها، و في عام (1983 م) تأسست هيئة علماء جبل عامل علي يد السيد عبد المحسن فضل اللَّه و كان الشيخ عفيف أحد أركانها و قد صار رئيساً لها. هجر بلدته إلي حارة صيدا في مدينة صيدا إثر الأحداث المؤسفة التي جرت بين حركة أمل وحزب اللَّه سنة (1989 م) ، قام ببناء (مشروع فاطمة الزهراء) في صيدا يحتوي علي مسجد و حسينية و مكتبة و مركز تبليغ و حوزة علمية و مدرسة عصرية و بيت للعالم و قاعة للمحاضرات. له: (حياة الإمام الرضا عليه السلام)، (حياة الإمام الكاظم عليه السلام)، (ديوان شعر) و مؤلفات أخري.

ايذادُ من كانتْ لهُ في حُبِّكمْ *** نعْمُ الحياةِ بواحةِ غناءِ

فالصمتُ أجدرُ للمُذادِ عن الذي*** قد قِيلَ لولا هيبةُ الزهراءِ

ولدتْ ببيتِ الدِّين و الإيحاءِ *** و ترعرتْ في منبتِ العلياءِ

فتضوَّعَ الكونُ الفسيحُ النائِي *** و المجدُ مضمخ الأرجاءِ

و الزهرُ أمسي في غنَّي و ثراءِ *** من عطرِ تلكَ الطفلةِ الحوراءِ

يا بضعةَ الهادي النبيِّ محمدٍ *** يا خيرةَ النسوانِ من حواءِ

من ذا يضاهِيكِ و فيك هل أتي *** قرآنُ في آياتهِ البيضاءِ

جاهدتِ في الإسلام حقَّ جهادِهِ *** و رفعتِ أكبرَ رايةٍ ولواءِ

وعبدتِ ربكِ لا لخوفٍ من لظي *** كلّا و لاللجنة الخضراءِ

فلذا ارتقيتِ عندَربكِ منزلاً *** ماكان قبلُ لمريمَ العذراءِ

ولدتْ فعمتْ سائرَ الأرجاءِ *** لآلاءةٌ تطفوُ علي لآلاءِ

و انسابَ نورُ الطهرِ في البطحاءِ *** حتي تقشعَ حندسُ الظلماءِ

و غدتْ شباباً طيبَ الأنداءِ *** تزدانُ بالإصباحِ و الإمساءِ

و يلفُّها نورُ النبوةِ و الهُدي *** حتي ارتقتْ عن منكبِ الجوزاءِ

جاءَ الصحابةُ خاطبين لفاطم *** و المهرُ ما تبغي من الصفراءِ

زجرتْ غنيَّ المالِ لم تأبَهْ بهِ *** حتي تردَّي ناكصاً لوراءِ

و هناكَ قد شاعَ الحديثُ بيثربٍ *** عن فاطم عن ربةِ الخْيلاءِ

لم تعرفِ الخُيلاءَ بضعةُ أحمدٍ *** إلا بعزةِ دينِها المعطاءِ

لكنها تبغِي كفاءةَ من أتي *** ديناً و عِلماً واسعَ الأنحاءِ

حتي دَري ربُّ الفصاحِة حيدرٌ *** فأتي النبيَّ بلهجةِ استحياءِ

يبغي الزواج بفاطم خيرِ النسا *** شمسِ الهوي في الليلةِ الليلاءِ

دخلَ النبيُّ و عادَ مسروراً بما *** أوحتْ إليهِ سكتةُ البلغاءِ

الله أكبرُ يالفرحةِ أحمدٍ *** رضيتْ علياً سيدَ الأكفاءِ

ما المهرُ عندكَ يا عليُّ أجَابَهُ *** و رَعِي و سَيْفِي ناضِحي و سِقائي

ص: 371

و بدا النبيُّ مفصلاً حالاتِه *** السيفُ يفري مهجةُ الأعداءِ

و الناضحُ المقوامُ للإرواءِ *** و الورعُ يكفِي مهرَها لرضائِي

و إذا النساءُ تعيِّرُ الزهراءَ في *** زوجِ الفضيلةِ أفقرِ الفقراءِ

فيبتُّها الهادي النبيُّ محمدٌ *** سحرَ الكلامِ الغضِ في الإيماءِ

هذا عليُّ خيرُ من وطِيءَ الثري *** فضلاً و أفضَلُ من غدا بسماءِ

و تعودُ راضيةً بما قد قالَهُ *** فخرُ الأنام و سيدُ البطحاءِ

بعثَ النبيُّ جماعةُ ليجَّهزوا *** بيتَ التُّقي و يسارِعوا لأداءِ

حتي يزفَّ لصاحبِ العلياءِ *** طهراً بيوم سعادةِ و هناءِ

خطبَ النبيُّ بخطبةِ الزهراءِ *** أكرِمْ بخطبةِ أشرفِ الخطباءِ

نزلتْ ملائكةُ السما بهناءِ *** تمشي بموكبِ سيدِ الفصحاءِ

الله أكبرُ يا لهُ من موقفٍ *** جبريلُ قائدُ ناقةِ الزهراءِ

دخلتْ لبيتِ السيدِ المعطاءِ *** خيرُّ النسا في موكبِ الإسراءِ

فاهتزتِ الأرجاءُ في الأصداءِ *** من ذكرِ اسمِ اللَّهِ و الآلاءِ

يا يومَ يمُنِ المصطفي في غرسةٍ *** ملأتْ رياضَ الكونِ بالنَعماءِ

يكفيكِ يا زهراءُ أنكِ مصدرٌ *** للخيرِ و الإيثارِ و الأضواءِ

أوَ لَمْ تكونِي قدوةً لنساءِ *** أَوَلَستِ أمَّ السادةِ النُجباءِ

أَوَلَسْتِ أولَّ من أذيقَ مرارةَ *** الحرمانِ في أوضاعهِ السوداءِ

أَوَلَسْتِ أول من أهيضَ جناحُهُ *** بعدَ النبيِّ بذِلِةِ و شقاءِ

أَوَلَسْتِ من مُنِعَت بُكاها جهرَةَ *** حتي غصصتِ بدمعةِ و بكاءِ

أَوَلَسْتِ أول ثائرٍ في وجهِ من *** خنقَ العدالةَ خنقةً للشاءِ

لو كانَ يتركُها لعترةِ أحمدٍ *** العالِمِينَ بشرعةِ سمحاءِ

لازدانتِ الدنيا الفسيحةُ و ازدهتْ *** من نورِ تلك الشرعةِ الغراءِ

و لما رَأينا فاطماً قدأجهَضَتْ *** طفلاً لها من ضربةِ الأعداءِ

و لما رَأينا طُغمةَ تطفُو علي *** بيتِ النبيِّ بواسعِ الإثراءِ

ص: 372

إيهٍ بني الإسلامِ أيَّ أئمةٍ *** صارُوا لديكم أورعَ الخلفاءِ

المثبتِينَ إلي أميةَ شامَهَم *** و الطارِدين الصدقَ في الصحراءِ

و الغاصبِين محمداً في آلهِ ***و المرجعِين لحفنةِ الطُّلقاءِ

و الناكثينَ لبيعةٍ في عنقهم *** و القاسطينَ المارِقين لراءِ

ما نكبةُ الإسلامِ إلا حادثٌ *** جعلَ الإمامَ يغضُّ في الأقذاءِ

إني لأذكرُ كيفَ عادت فاطم *** نحوَ الإمام بلوعةٍ و عزاءِ

تستنهضُ الهممَ التي ما أبطأتْ *** عن نصرةِ الملهوفِ و الضعفاءِ

لكن لحفظِ الدين آسي ساكتاً *** كَئ لا يصابَ بفتنةٍ رعناءِ

و يذبَّ عنهُ ما استطاعَ بجهره *** من زَجِّ كذابٍ إلي غوغاءِ

من حسنِ رأيِ في ردودِ ملمةٍ *** من كشفِ لبسٍ في حدودِ قضاءِ

لكن فوا أسفاهُ ثمةَ بايعوا *** تحتَ السقيفةِ عن دهاً و ذكاءِ

كي لا يعيدُوا للإمام تراثَهُ *** بل بالغُوا في البعدِ و الإقصاءِ

من يومهِا أمسي يزيدٌ حاكماً *** خدنَ القرودِ و عاشقَ الصهباءِ

من يومهِا قتلَ الحسينَ وآله *** في كربلاءَ و جملةَ الشرفاءِ

و مضي التخلفُ و الأسي ينتابنا *** و رجعتُ أسألُ خاطري عن دائِي

ما بالُنا بالأمسِ آسادُ الحمي *** و اليومَ مثلُ النعجةِ الجرباءِ

أو لَمْ تكنْ روحُ الأخوةِ بيننا *** تسري برقتِها إلي الأحشاءِ

أو لَمْ يكُنْ إسلامُنا يدعُو إلي *** صدقِ و إخلاصٍ و صدقَ إباءِ

فأجابَ أنَ القومَ قد عمَدُوا *** إلي حبِّ الظهورِ و رفعةِ و رياءِ

أوَلا تري شعباً يجوعُ و عصبةَ *** تغدُو بأترفِ نعمةِ و ثراءِ

و بناؤهم أنَّ الحسابَ لغيرِهم *** و الربَّ غيرَ محاسبِ الزعماءِ

قومٌ نما الشيطانُ في أحضانِهم *** فاستوثقُوا الأعمالَ بالشَّحْنَاءِ

إن ما دعُوا من أجلِ شعبٍ أصبحُوا *** يتلونونَ تلونَ الحرباءِ

ما همَّهُم أمرُ الشعوبِ و إنما *** هم الأميرِ بغضةِ هيفاءِ

ص: 373

تركوا الألوفَ بلا مساكنَ شرداً *** و قضي بأنعمِ ليلةِ حمراءِ

إما بوكر دعارةٍ ملعونةٍ *** أو حانةٍ في شارعِ الحمراءِ

يتسابقونَ إلي الدعارِة حشداً *** كالبهمِ تهوي نحوَ منهلِ ماءِ

لبنانُ أيَّ حضارةٍ و بنوكَ قد *** عاثُوا و عاشُوا لذةً الفحشاءِ

إن المعاركَ لا تنالُ بشاطيءٍ *** أو زينةٍ من كاعبٍ حسناءِ

أمَّنْ ثغورك قبلَ شاطِئِكَ الذي *** جَمَّلَتْ ما جَمَّلَتْ من إنشاءِ

لو كانَ ثغرُك آمناً ما حمِّلت *** ميسٌ و حولا أفدحَ الأرزاءِ

يا عُربُ إن القدسَ تدعوكم إلي *** لم الصفوفِ و وحَدةِ و إخاءِ

ما بالُكُمْ روحُ الخلافِ تنوشُكُم *** من كلِ قاحلةٍ إلي غنّاءِ

ما بالُكُمْ صَرَعي حوانيتِ النوي *** فَمَتي نعين موعداً للقاءِ

أَوَ لَمْ تصغ أسماعكم أصواتَ من *** أمسُوا ظماءَ في هجيرِ عراءِ

لا تدَّعُوا أن الزعامةَ ضربت *** فالشعْبُ مسؤولٌ عن الزعماءِ

يا فتيةَ الإسلامِ إن حماكُم *** يدعوكُم للنهضةِ الشمّاءِ

لتشمِّروُا عن ساعدِ العزمِ الذي *** دكَ الحصونَ بهمةِ قعساءِ

إن الذينَ يثبَّطون عن الوغي *** عينُ الخيانةِ همسةُ الجبناءِ

إياكُم أن تسمعُوا لمقالِهم *** فيه سمومُ الحيةِ الرقطاءِ

ما ماتَ من لبّي النداءَ لواجبٍ *** ما عاشَ من أمسَي مع الإرشاءِ

ما حرَرَتْ أرضاً علي أبنائِها *** إلا دمِا الأحرارِ و الشهداءِ

ص: 374

(39) شع نور الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

ص: 375


1- (*) هو الشيخ ملّا علي بن محمد بن علي بن حسن بن علي بن موسي ابن الشيخ علي ابن الشيخ عبد النبي ابن الشيخ رمضان الدعبلي الخزاعي ينتهي نسبه إلي دعبل بن علي الخزاعي -رضوان الله عليه- شاعر الإمام الرضا عليه السلام. ولد في مدينة الهفوف عاصمة الاحساء سنة (1247) ه) و نشأ في أسرة علمية كريمة فغذّته بأخلاقها النبيلة و صنعت منه إنساناً فاضلاً كريماً. تتلمذ المترجَم له في الحكمة علي العالم الفاضل الشيخ محمد آل بوخمسين المتوفي سنة (1316) ه_ حتي أصبح من رجالات العلم و الفضل و حقاً إذا قيل عنه إنه علم من أعلام الأدب و خطيب من خطباء المنبر الحسيني الشريف، و لهذا غلب عليه لقب (الملاَ) و هو لقب يطلق علي ذوي الفضل و المكانة العلمية. و إلي جانب فضله و علمه و تفوّقه الخطابي، يعد الملَا علي شاعراً مجيداً له نظم كثير جله في أهل البيت عليهم السلام كما يحظي ببديهة شعرية فائقة حتي أنه يرتجل القصيدة التي تبلغ المائة بيت و أكثر و ينشدها و كأنه يقرأها في صحيفة و ليس ينظمها نظماً كما يعد ثاني اثنين حملا لواء الشعر و الخطابة الحسينية بتفوق و مهارة مع الأديب الكبير الشيخ عبد الله بن علي الوائلي الشهير بالصائغ، فكل من الاثنين شاعر مكثر، و لشدّة التقارب بينهما في النظم شكلاً و مضموناً قد يتعذر أحياناً التمييز بين شعرهما حتي أنك قد تقرأ القصيدة لأحدهما فتظن أنها للآخر و بالعكس. نقل ابن المترجَم له الشيخ الملّا عيسي عن والده قائلاً: قرأ ذات يوم بعد صلاة الصبح، خطيب اسمه ملّا صادق قصيدة للسيد حيدر الحلي مطلعها: لتلوِ لوي الجيد ناكسة الطَّرفِ *** فهاشمها بالطف مهشومة الأنف فأعجب بها الوالد و لم يكن قد سمعها من قبل، فطلب من الخطيب أن يمليها عليه فاعتذر و في اليوم التالي سبق والدي الخطيب إلي المنبر و قرأ قصيدة كان قد نظمها علي غرار قصيدة السيد حيدر مطلعها: بني هاشم بالطف مصباحكم أطفي *** و شلّ حسام البغي منكم يد العرف و هي قصيدة طويلة، فأعجب بها الخطيب فطلب نسخها من الوالد فلبّي له حاجته. نظم المترجَم له الشعر بالنهجين الفصيح و الدارج المعروف (بالنبطي) فكان يلامس شغاف القلب بأسلوب رصين و أخيراً قام حفيد شاعرنا المترجَم له، الحاج عبد الكريم بن الملّا عبد الله آل رمضان بطبع ديوان جدّه الشيخ ملّا علي آل رمضان سنة (1413ه_). لبيّ نداء ربّه عن عمر ناهز الخامسة و السبعين سنة (1323 ه) و بقيّت أشعاره تشغف الأسماع و نِعمَ ما قال الشاعر: أخو العلم حيّ خالد بعد موته *** و أوصاله تحت التراب رميم و ذو الجهل ميت و هو يمشي علي الثري *** يظن من الأحياء و هو هشيم.

شَعَّ نُورُ الْبَتُولِ سِتِّ النِّسَاءِ *** فَاغْتَدَي الكَوْنُ مُشْرِقاً بِالسَّنَاء(1)

شَعَّ نُورُ الزَّهْرَاءِ فَازْدَهَتِ الدُّنُيَا *** بِأَنْوَارِ غُرَّةِ الزَّهْرَاءِ

هِيَ شَمْسُ الْفَضْلِ الَّتِي كَانَ جِبْرِيلُ *** لَهَا خَادِماً بِغَيْرِ امْتِرَاءِ

هِيَ شَمْسٌ جَلَّتْ عَنِ الْمِثَلِ وَ النَّدِّ *** وَ قَدْ ضَمَّها شَرِيفُ الكِسَاءِ

أَيُّ شَمْسٍ تَأَلَّقَتْ فِي سَمَاءِ *** الْمَجْدِ فَانْجَابَ حِنْدِسُ الظُّلْماءِ(2)

زَهْرَةٌ قَدْ تَفَتَّحَتْ عَنْ كِمَامٍ *** طَابَ مِنْهَا الجَنَي لِطِيبِ النَّمَاءِ(3)

دَوْحَةٌ قَدْ تَرَسَخَتْ فِي صَمِيمِ *** الْمَجْدِ قَدْ حَلَّقَتْ عَلَي الْجَوْزَاءِ(4)

وَلَدَتْهَا خَدِيجَةُ الطُّهْر ذَاتُ *** الصَّوْنِ ذَاتُ العَفَافِ ذَاتُ الْحَياءِ

هِيَ بِنْتُ النَّبِيِّ أَكْرَمِ خَلْقِ اللَّهِ *** مِن آدم و مِنْ حوَّاء

هِيَ ذَاتُ الشَّأْنِ الْجَلِيلَةُ عِنْدَ *** اللَّه أُمُّ الأئِمَّةِ النُّجَباءِ

هِيَ مَنْ قَالَ سَيِّدُ الرُّسُلِ فِيهَا: *** فَاطِمٌ بَضْعَنِي رِضَاهَا رِضَائِي

ص: 376


1- الستّ: السيدة. و السناء: النور و الضياء.
2- إنجاب: انكشف. و الحِندِس: الليل الشديد الظلمة، أو هو الظلمة نفسها.
3- كِمام: جمع كِمَّ، و هو الغلاف الذي يُحيط بالزهر أو التمر أو الطَّلع فيستره ثم ينشقَ عنه. و الجني: ما يقطف من كل ثمرة. و النَّماء: النِّتاج.
4- صميم المجد: خالصه و محضه و هو يستعمل للواحد و الجمع. تقول: رجل صميم، و رجال صميم و الجوزاء برج في السَّماء يتوسط برج الثور و برج السرطان، أو هي النجمة الحمراء اللامعة فوق كوكبة الجبّار، و قد تسمّي منكب الجبار أو إبط الجبار أو منكب الجوزاء أو إبطها.

سُمِّيَتْ فَاطِماً لِتَفْطِمَ فِي الْحَشْرِ *** مِنَ النَّارِ كُلَّ أَهْلِ الْوَلاءِ(1)

بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي وَ مَنْ صُفْيَتْ مِنْ *** كُلِّ عَيْبٍ وَ قُرِّبَتْ بِاصْطِفَاءِ(2)

عُصِمَتْ طُهُرَتْ مِنَ الرِّجْسِ وَ الذَّنْبِ *** وَ آيُّ التَّطْهيرِ فِي الشُّهَدَاءِ(3)

نُورُها مِنْهُ تَسْتَمِدُّ ذُكَا وَ الْبَدْرُ *** بَلْ كُلُّ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ(4)

مَنْ تَوَالَي بِهَا سَيُحْبَي حِبَاهُ *** يَوْمَ حَشْرِ الوَرَي وَ أَيَّ حِبَاءِ(5)

ص: 377


1- من الروايات الكثيرة: سُمّيت فاطمة عليها السلام، لأنّ اللَّه تعالي فطمها و فطم من أحبّها من النار. انظر سفينة البحار للمحدث القمي تحت لفظة (سمو). و في معاني الأخبار، عن الصادق عليه السلام، أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم سأل جبرئيل عليه السلام: قلت: حبيبي جبرئيل عليه السلام، و لم سُمّيت في السماء المنصورة، و في الأرض فاطمة عليها السلام؟ قال : سُمِّيت في الأرض فاطمة عليها السلام، لأنها فطمت شيعتها من النار، و فُطِم أعداؤها عن حُبِّها... إلخ . و انظر كلمة الرسول الأعظم للسيد حسن الشيرازي ص80.
2- و في كلمة الرسول الأعظم ص81 ، نقلاً عن ناسخ التواريخ ج3، «فاطمة عليها السلام سيّدة نساء العالمين، من الأولين و الآخرين و إنها لتقوم في محرابها، فيسلَّم عليها سبعون ألف مَلَكٍ من المقَّربين، و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم عليه السلام، فيقولون: يا فاطمة عليها السلام إنّ الله اصطفاكِ و طهَّركِ و اصطفاكِ علي نساء العالمين.
3- سورة الأحزاب آية/ 33. ثم إن من يقرأ الآية، و لاسيّما عند مقارنتها مع عبارات حديث الكساء، لا يعتريه أدني شك في أنها تفيد -فيما تفيد- عصمة الخمسة من أصحاب الكساء «صلوات الله عليهم»، و منهم الزهراء عليها السلام. قال الإمام شرف الدين في الكلمة الغرّاء في تعليقه علي الآية: إن الآية دلّت علي عصمة الخمسة، لأنّ الرجس فيها عبارة عن الذنوب، كما في الكَشاف و غيره، و قد تصدّرت بأداة الحصر، و هي إنّما فأفادت أن إرادة الله «تعالي» من أمرهم مقصورة علي إذهاب الذنوب عنهم و تطهيرهم منها و هذا كنه العصمة و حقيقتها. ثم نقل عن النبهاني في أوّل كتابه الشرف المؤبد أنه أورد هذه الآية، فنقل عن جماعة من الأعلام ما يدلّ علي أنهم أيضاً قد فهموا منها عصمة أهلها عليها السلام. منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره و الإمام النووي و الأزهري و الشيخ محيي الدين بن عربي في فتوحاته، الباب 29 منها، فراجع.
4- ذُكا: الشمس.
5- تعدّدت الروايات التي تذكر موقف الزهراء عليها السلام في المحشر، بيوم الحساب، وقد أشرنا فيما سبق إلي بعض منها في الهامش الثاني عشر من القصيدة الثانية. و في مودّة القربي للهمذاني ص104، قال رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم:إذا كان يوم القيامة نادي منادٍ من بطنان العرش: يا أهل القيامة أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد عليها السلام مع قميص مخضوب بدم الحسين؛ فتحتوي علي ساق العرش، فتقول: أنت الجبّار العدل، اقض بيني و بين من قتل ولدي، فيقضي الله بسنّتي و رب الكعبة. ثم تقول: اللهم أشفعني فيمن بكي علي مصيبته،فيشفعها فيهم. و في غير مصدر ممّا ذكرنا أنها عليها السلام، بعد النداء من وراء الحجار ترد المحشر علي ناقة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم العضباء، فتمرّ و معها سبعون ألف جارية من الحور العين، أو من الملائكة،كالبرق اللامع. و في بحار الأنوار ج8 ص51-52/ ح59: «فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت، فيقول اللَّه: يا بنت حبيبي، ما التفاتك، و قد أمرتُ بكِ إلي جنتي؟ فتقول: يا ربّ أحببتُ أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم فيقول اللَّه: يا بنت حبيبي، إرجعي، فانظري من كان فيه قلبه حبِّ لكِ، أو لأحدٍ من ذريتَّك، خُذي بيده فأدخليه الجنة!». و في المصدر: قال أبو جعفر الباقر عليه السلام للجابر بن عبد الله الأنصاري: واللَّه يا جابر، إنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبيّها، كما يلتقط الطير الحبّ الجيِّد من الحبّ الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة، يُلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله تعالي: يا أحبائي ما التفاتكم و قد شفَّعت فيكم فاطمة عليها السلام بنت حبيبي؟ فيقولون: يا ربّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم! فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا و انظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة عليها السلام، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة عليها السلام، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة عليها السلام، انظروا من سقاكم شربةً في حبّ فاطمة عليها السلام. انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة عليها السلام فخذوا بيده و أدخلوه الجنة. و في عاشر البحار ينادي جبرئيل بأعلي صوته: غضوا أبصاركم حتي تجوز فاطمة بنت محمد عليها السلام، فلا يبقي يومئذٍ نبي، و لارسول و لاصدِّيق و لاشهيد إلا غضّوا أبصارهم حتي تجوز فاطمة عليها السلام... فإذا النداء من قبل اللَّه جلّ جلاله: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي، و اشفعي تُشَفَّعِي، فو عزّتي و جلالي لا جازني ظُلم ظالم، فتقول: إلهي و سيدي: ذريّتي و شيعتي، و شيعة ذريتّي و محبّي، و محبِّي ذريَّتي. فإذا النداء من قبل اللَّه «جلّ جلاله»: أين ذريّة فاطمة و شيعتها و محبوها و محبّو ذريتها؟ فيُقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فتقدمهم فاطمة عليها السلام حتي تدخلهم الجنة». ومن الجدير بالذكر أنّ أبا العلاء المعرّي، المعدود في طبقات الحنفية لابن أبي الوفاء القرشي، قد ألّف كتابه رسالة الغفران و محور كتابه الذي يزيد علي المائتين صفحة: هو أن الجميع لا يردون الفردوس إلا بجواز من فاطمة عليها السللام و أبيها و بعلها و بنيها، و في الكتاب تضمين لأمثال حديث الغضّ كثير، فليراجع.

أَشْبَهَتْ فِي الكَلَامِ مَنْطِقَ طَهَ *** وَ بِمَشْيِ تَحْكِيهِ فِي السِّيمَاءِ(1)

ص: 378


1- في العقد الفريد لابن عبد ربه ج3: قالت عائشة: «ما رأيت أحداً من خلق اللَّه أشبه حديثاً و كلاماً برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من فاطمة عليها السلام. و ذكر هذا الخبر الطوسي في الأمالي و نقله عنه المجلسي في البحار و القمي في السفينة. و أخرج البخاري في صحيحه ج4 ص64 بطريقه إلي عائشة، قالت: إنّا كنّا أزواج النبي صلي الله عليه و آله و سلم عنده جميعاً لم تغادر منّا، واحدة، فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي لا و اللَّه ما تخفي مشيتها من مشية رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فلما رآها رحّب و قال: مرحباً بابنتي ثم أجلسها... الخ. و قد أخرجه أيضاً مسلم في صحيحه و الترمذي في صحيحه، و صاحب الجمع بين الصحيحين، و صاحب الجمع بين الصحاح الستة، و الإمام أحمد من حديث الزهراء عليها السلام في مسنده و ابن عبد البر في الاستيعاب و ابن سعد في الطبقات، في ترجمتها و في باب ما قاله النبي في مرضه أيضاً.

فَعَلَيْهَا مِنَ الإِلهِ صَلاةٌ *** وَ سَلامٌ فِي صُبْحِها وَ الْمَسَاءِ

ص: 379

(40) الجوهر الفرد

(بحر الخفيف)

ملّا علي الرمضان الخطي

لَمْ يَكُنْ بَعْدَ مَوْتِهِ أَحَدٌ أَعْظَمَ *** حُزْناً في عَالَم الأحياءِ

كَالْبَتُولِ الزَّهْرا عَلَي فَقْدِ ذَاكَ *** الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ سَيِّدِ الأَنْبِياءِ

حَبَسَتْ نَفْسَها عَلَي النَّوْح لا تَفْتُرُ *** مِنْهُ فِي صُبْحِها وَالْمَساءِ

وَ هيَ كانَت فِي واسِع العُذْرِ لَوْ *** أَنَّهُمْ أَنْصَفُوا لَها فِي القَضَاءِ(1)

حَيْثُ إِنَّ الْفَقِيدَ كَانَ عَظِيماً ***كَيْفَ لا وَ هُوَ سَيِّدُ الْعُظَماء

لَمْ تَزَل هكذا إِلَي أَنْ تَأَذَّي*** مِنْ بُكاها كُلٌّ مِنَ الأَعْداءِ(2)

كَمْ عَلَي الْمُسْلِمِينَ أَوْصَي رَسُولُ اللَّهِ *** فِي أَهْل بَيْتِهِ الأُمَنَاءِ

وَ خُصُوصاً بها يُنادِي عَلَي أَنَّ *** أَذاها يَكُونُ فِيهِ أَذَائِي

وَ عَلَي أَنَّ فِي رِضاها رِضَا اللهِ *** إِلَهِي وَفي رِضاها رِضَائِي

أَتَرَي الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدُ أَرْضَوْ*** هَا فَعَاشَتْ مَسْرُورَةّ بِا لرِّضاء

أمْ لَها أَسْخَطُوا وَقَدْ أَسْقَطُوا بَلْ *** مَنَعُوها مِنَ الْبُكا وَالنُّعَاءِ(3)

ص: 380


1- إشارة إلي تبرمهم من بكائها عليها السلام.
2- إشارة إلي تبرمهم من بكائها عليها السلام.
3- إشارة إلي إضرام النار وإسقاط الجنين، في الهجوم علي الدار ،وغصب فدك منها واغتصاب الخلافة من أميرالمؤمنين عليه السلام. و في الإمامة و السياسة للدينوري ج 1 ص20، و أعلام النساء ج3 ص134 : «إنّ عمر قال لأبي بكر :انطلق بنا إلي فاطمة عليها السلام، فإنّا قد ،أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا علي فاطمة عليها السلام فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلّماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلي الحائط فسلّما عليها، فلم تردّ عليهما السلام ...(إلي أن يقول الراوي) فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ فقالا: نعم. فقالت: نشدتكما اللَّه، ألم تسمعا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة عليها السلام من رضاي و سخط فاطمة عليها السلام من سخطي، و من أرضي فاطمة عليها السلام فقد أرضاني، و من أسخط فاطمة عليها السلام فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. قالت: أشهد الله و ملائكته أنّكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيتُ النبي صلي الله عليه و آله و سلم لأشكونكما إليه. (إلي أن يقول الراوي) وهي -أي فاطمة عليها السلام- تقول: «واللَّه لأدعونَّ عليكما في كلِّ صلاة أصليها». و في علل الشرائع: أنهما جاءا فاطمة عليها السلام كراراً و مراراً، و هي تأبي أن تأذن لهما، فراجعا عليّاً في ذلك. فدخل علي عليه السلام عليها، فقال: يا بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيتِ، و قد تردّدا مراراً كثيرة وردَدْتِهما و لم تأذني لهما، و قد سألاني أن أستأذن لهما عليك، فقالت: و اللَّه لا آذن لهما، و لا أكلمهما كلمةً من رأسي حتي ألقي أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه و ارتكباه منّي. قال علي عليه السلام: فإني ضمنتُ لهما ذلك. قالت: إن كنت قد ضمنتَ لهما شيئاً فالبيت بيتُك، و النساء تتبع الرجال، لا أخالف عليك بشيء، فأذن لمن أحببتَ، و لمَّا أن دخلا عليها، لم ترد عليهما السلام و جعلت تحوّل عنهما وجهها كراراً و مراراً إلي أن دار حوار شبيه بما ذكره ابن قتيبة و صاحب أعلام النساء.

غَصَبُوا إِرْثَها وَ نِحْلَتَها وَ ارْتَكَبُوا *** ما يَجِلُّ مِن إيذاءِ

رَبَّعُوها وَ لَمْ يُرَاعُوا لِقُرْباهُ *** وَ لَمْ يَحْفَظُوهُ في الأَبْناءِ

كَمْ دَعَتْ بِالْوَصِيِّ وَ اسْتَصْرَخَتْ لَوْ *** مَا عَلَيْهِ مَنْ حِكْمَةِ الإِيصَاءِ

أَحْفَظَتْهُ فَجَرَّدَ السَّيْفَ فِعْلاً *** وَ ارْتَدَي أَصْفَرَ الْقبا لِلْفِناء(1)

وَ إِذا بالآذانِ: أَشْهَدُ طهَ *** هُوَحَقاً رَسُولُ رَبِّ السَّمَاءِ

فَدَعا: إِنْ لَمْ تَصْبِرِي أَضَع السَّيْفَ *** وَ لاتَسْمَعِي لهذا النِّداءِ

فَرَأَتْ سَيْفَهُ وَ تَحْتَ شَبَاهُ *** كُلُّ أَرْواحِ مَنْ عَلَي الْغَبْراءِ(2)

فَدَعَتْ يا بْنَ عَمِّ إِنِّي عَلَي مَا *** حَلَّ بِي قَدْ صَبَرْتُ يا مَوْلائِي

فَدَعاهايَا خَيْرَصَابِرَةٍ يَا *** صَفْوَةَ اللهِ مِنْ بَنِي حَوَّاءِ

إيهِ يا بَضْعَةَ الرَّسُولِ وَ أُمَّ *** السَّادَةِ الطَّاهِرِينَ وَ الأمَناءِ

ص: 381


1- الحفيظة: الغضب، و الذب عن المحارم كما في لسان العرب، قال: و الحفيظة: الغضب لحُرمةٍ تُنتهك من حرماتك. و أحفظته أثارت حفيظته لذلك. و الفناء بكسر الفاء: الساحة و بفتحها الهلاك و المراد القتال.
2- الشباة من كل شيء: حدّه. و التاء حُذفت اضطراراً. و الغبراء: الأرض.

كُلُّ جَارٍ عَلَيْكِ لا عَنْ هَوَانٍ *** أَنْتِ فِي الْحَشْرِ أَكْرَمُ الشُّفَعَاءِ(1)

لَسْتُ أَنْسَي وَقْتاً بِهِ رَجَعَتْ *** باكِيَةَ الْعَيْنِ عَنْ يَدٍ صَفْراءِ(2)

وَ فُؤادٍ قَدْ ذابَ دَمْعاً بِنارِ *** الْحُزنِ مِمَّا قاسَتْ مِنَ الأَرْزَاءِ

وَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ مَرَّتْ وَشَمَّتْ *** لِشَراهُ وَ أَجْهَشَتْ بِالْبُكاءِ

وَ غَدَتْ وَ هيَ تُنْشِدُ الشَّعْرَ تَشْكُو *** لأَبيهَا مَا مَرَّ مِنْ بُرحاءِ(3)

ما عَلَي مَنْ غَدَا يَشَمُّ تُراباً *** مِنْ ضَرِيح لِخاتَمِ الأنبياءِ

أبَتَا قَدْ صُبَّتْ عَلَيَّ رَزَايَا *** لَوْ عَلَي الصُّبْحَ لَمْ يَكُنْ ذا ضِياءِ

قُلْ لِمَنْ غَيْبَ الثَّرَي شَخْصَهُ لَوْ *** تَسْمَعُ الْيَوْمَ صَرْخَتِي وَ نِدَائِي

ص: 382


1- لمّا خطبت فاطمة عليها السلام خطبتها في المسجد أمام أبي بكر و عمر، و جموع المهاجرين و الأنصار و غيرهم، فرأت منهم الخذلان و الظلم و التفرّج جاءت لأبي الحسن عليه السلام تستصرخه، و تستثير فيه الحمية، و تعرّف الأجيال مظلوميتها و مظلوميتّه. قال الراوي: ثم انكفأت، و أميرالمؤمنين عليه السلام يتوقّع رجوعها إليه، و يتطلّع طلوعها عليه، فلما استقرت بها، الدار قالت لأميرالمؤمنين عليه السلام. «يا ابن أبي طالب عليه السلام ! اشتملت شِملة الجنين، و قعدت حِجرة الظنين نقضتَ قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتَزَني نحلة أبي، و بُلغة ابنتي! لقد أجهدَ في خصامي و ألفيتُه الدَّ من كلامي، حتي جلستني قيلةُ نصرَها، و المهاجرةُ وصلَها، و غضَّت الجماعة دوني طرفَها، فلا دافع و لامانع، خرجتُ كاظمةً، وعُدتُ راغمة أضرعتَ خدَّكَ يوم أضعت حدَّك، افترستَ الذئابَ و افترشت التراب، ما كففت قائلاً و لاأغنيت طائلاً و لاخيار لي. ليتني مِتُّ قبل هنيئتي، و دون ذلَّتي، عذيريَ الله منك عادياً و منك حامياً، ويلايَ في كلّ شارقٍ! ويلاي في كلِّ غارب! مات العَمَدُ، و وهن العضُد شكواي إلي أبي! و عدواتي إلي ربّيَ! اللهم أنت أشدُّ بأساً و تنكيلاً». فقال لها أميرالمؤمنين عليه السلام: «لا ويلَ لكِ يا بنت سيد النبيين، بل الويلُ لشانِئِك، ثم نهنِهي عن وجدِكِ يا ابنة الصفوةِ، و بقيّة النبوّة، فما ونيتُ عن ديني ولا أخطأتُ مقدوري فإن كنتِ تريدين البُلغة فرزقكِ مضمون، و كفيلكِ مأمون، و ما أَعدَّالله لكِ أفضلُ ممّا قطِع عنكِ، فاحتسبي الله» فقالت عليه السلام: «حسبيَ اللَّه و نعم الوكيل» و أمسَكَتْ انتهي موضع الشاهد. و لك أن تراجع مناقب ابن شهر آشوب ج1 ص382 ط إيران و الاحتجاج للطبرسي ج1 ص280 و بعدها، و بحار الأنوار للمجلسي ج43 ص148.
2- يد صفراء: ليس فيها شيء، خالية.
3- البُرَحاء، مثل عُلَماء: الأذي.

جَبَلاً كُنْتَ لِي أَلُوذُ بِظِلِّ *** مِنْهُ وَ الْيَوْمَ صِرْتَ تَحْتَ الثَّراءِ(1)

أَنْتَ كَهْفِي وَ أَنْتَ فَخْرِي وَ عِزّي *** وَ جَمَالِي وَ أَنْتَ رُكْنُ بَقائِي

أَنْتَ رُوحُ الْحَياةِ تَسْرِي بِجِسْمِي *** أَنْتَ يا طَلْعَةَ الْبُدُورِ ضِيائِي

قَدْ فَقَدْناكَ فَقْدَ وابِلِها الأَرْضَ *** فَعادَتْ قَفْرًا مِنَ الإِنْداءِ(2)

أَبْرَزَتْ عُصْبَةٌ خَبايا صُدُورٍ *** طُوِيَتْ سابقاً عَلَي الشَّحْناءِ

وَ اسْتَخَفُّوا بِنا وَ قَدْ غَصَبُونَا *** إِرْثَنا وَ هُوَ نِحْلَةُ الأَنْبِياءِ(3)

ص: 383


1- هذا البيت و الأبيات الثلاثة قبله اقتبسها الشاعر من أبيات للزهراء عليها السلام ذكروا أنها رثت بها أباها صلي الله عليه و آله و سلم.
2- و ابلها: مطرها الشديد.
3- هذا البيت و البيتان اللذان قبله اقتبسها الشاعر أيضاً من أبياتٍ أخري لها عليها السلام قالتها بعد خطبتها الكبري في المسجد أمام أبي بكر و عمر وحشد المهاجرين و الأنصار، بعد أن رأت الخذلان بادياً للعيان، و يئست من وجود الناصر و المعين. قال الراوي، كما في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص279، و شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص211 و بحار الأنوار للمجلسي ج8 ص108 فما بعد، من الطبع القديم: «عطفت علي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم و قالت»: قد كان بعدَكَ أنباء و هنبئةٌ *** لوكُنتَ شاهَدها لم تَكثُر الخُطَبُ إنَّا فقدناكَ فقد الأرض وابلَها *** و اختل قومُك فاشهدهم فقد نكبُوا و كُلُّ أهل له قُربي و منزلة *** عند الإلهِ علي الأدنين مقتربُ أبدت رجالٌ لنا نجوي صدورهِمُ *** لما مضيت و حالت دونك الكُتُب تجهّمتنا رجال و استخفّ بنا *** لما فُقدت و كلّ الإرث مغتصَبُ و كنت نوراً و بدراً يُستضاء به *** عليك تنزلُ من ذي العزّة الكُتُبُ و كان جبريلُ بالآيات يؤنسُنا **** فقد فُقدتَ، وكلّ الخيرِ مُحتَجبُ فليت قبلك كان الموتُ صادقَنا *** قوم تمنّوا، فأعطوا كلَّ ما طلبوا سيعلم المتولي ظَلْمَ حامتِنا *** يوم القيامة أنّي سوف ينقلبُ فقد لقينا الذي لم يلقه أحدٌ *** من البرية لاعُجْم و لاعَرَبُ فسوف نبكيكَ ما عشنا و مابقيت *** لنا العيون بتهمال له سَكِبُ و انظر أمالي المفيد ص33 و الشافي في الإمامة للمرتضي ج4 ص75 و ما بعدها و الطرائف لابن طاوس ص75، كشف الغمة للإربلي ص146. هذا، و ينبغي لفت الأنظار إلي أن بعض هذه المصادر تنسب الأبيات المذكورة للزهراء عليها السلام نفسها و بعضها الآخر يقول: إنها عليها السلام تمثّلت بها حسب، و إنها منسوبة لهند بنت أثاثة، أو صفية بنت أثاثة، أو أم مسطح بنت أثاثة، أو صفية بنت عبد المطلب. ثم إنهم قد اختلفوا أيضاً في عدد الأبيات، ففي الشافي أنها ثلاثة أو خمسة، و تابعه ابن أبي الحديد في شرح النهج، و في الطرائف لابن طاوس أربعة، و في بلاغات النساء بيتان و في أمالي الشيخ المفيد و احتجاج الطبرسي تسعة و في اللمعة البيضاء شرح خطبة الزهراء عليها السلام ص356 أربعة عشر، و في مناقب ابن شهر آشوب ج1 ص382، ستّة، كما أنهم اختلفوا كذلك في بعض ألفاظها و ترتيبها.

وَ لَقَدْ أَنْشَدَتْ لِشِعْرِ مِنَ الْحُزْنِ *** وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الشُّعَراءِ

«بانَ صَبْرِي وَ بَانَ عَنِّي عَزائِي *** بَعْدَ فَقَدِي لِخَاتَمِ الأَنْبِياءِ

عَيْنُ يا عَيْنُ اسْكُبِي الدَّمْعَ حُزْناً *** وَيكِ لا تَبْخَلِي بِفَيْضِ الدِّمَاءِ»

إِفْخَرِي وَيْكِ تُرْبَةٌ حَلَّ فِيها *** صَفْوَةُ اللهِ مِنْ جَمِيعِ الْوَرَاءِ(1)

«يا رَسُولَ الإلهِ يا خِيرَةَ اللهِ *** وَ كَهْف الأيتامِ وَ الضُّعَفَاءِ

قَدْ بَكَتكَ الجِبالُ وَ الْوَحْشُ وَالطَّيْرُ *** جَمِيعاً وَ كُلُّ مَنْ فِي السَّماءِ

و بكاكَ الحَجُونُ وَ الرُّكْنُ وَ الْمَشْعَرُ *** يا سَيِّدِي مَعَ الْبَطْحاءِ

و بكاكَ الْمِحْرَابُ و الدرْسُ وَ الْقُرْآنُ *** فِي الصُّبْح مُعْلِناً وَ الْمَسَاءِ

لَوْ تَرَي الْمِنْبَرَ الَّذِي كُنْتَ تَعْلُوهُ *** عَلاهُ الظَّلامُ بَعْدَ الضّياءِ

يا إِلهِي عَجِّلْ إِلَيَّ وَفاتِي *** قَدْ بَغَضْتُ الْحَياةَ يا مَوْلائِي»(2)

ص: 384


1- الوَراء: أصله الوري مقصوراً و إنما جاء به ممدوداً بالهمزة للضرورة.
2- الأبيات التي بين القوسين قد نقلها الشاعر نصاً من أصل تسعة أبيات ورد في الرواية أنها صلي الله عليه و آله و سلم قالتها علي قبر أبيها النبي صلي الله عليه و آله و سلم، في الأسبوع الثاني من وفاته. ففي البحار ج43 ص175 أنه جاء في الخبر المروي عن فضّة مولاة الزهراء عليها السلام، و الخبر طويل: فجلست سبعة أيام لايهدأ لها أنين، و لايسكن منها الحنين كلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأوّل، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تُطق صبراً إذ خرجت ،و صرخت فكأنها من فم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تنطق... إلي أن قالت: ثم زفرت زفرة و أنت أنّة كادت روحها أن تخرج، ثم قالت: قلَّ صبري و بان عني عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء عينُ يا عينُ اسكُبي الدمع سحَاً *** ويكِ لا تبخلي بفيض الدماءِ يا رسول الإلهِ يا خيرة اللَّه *** و كهف الأيتام و الضعفاءِ قد بكتك الجبال و الوحش جمعاً *** و الطير و الأرض بعد بكي السماءِ وبكاك الحجونُ و الركنُ و المشعُر*** يا سيدي مع البطحاءِ وبكاك المحرابُ و الدرس للقرآن *** في الصبح معلناً و المساءِ وبكاك الإسلام إذ صار في الناسِ *** غريباً من سائر الغُرباءِ لو تري المبنر الذي كنت تعلوه *** علاهُ الظلامُ بعد الضياءِ يا إلهي عجِّل وفاتي سريعاً *** فلقد تبغضتُ الحياة يا مولائي

ثُمَّ صَارَتْ ضَجِيعَةَ الأَلم الْقَاضِي *** عَلَي نَفْسِهَا بِوِرْدِ الْفَناءِ(1)

مكَنَتْ أَرْبَعِينَ يَوماً بِأَنَّاتِ *** أَسَاهَا وَ لَمْ تَزَلْ فِي الْبُكاءِ(2)

أَحْبَسَتْ نَفْسَها عَلَي الْحُزْنِ سَبْعاً *** ثُمَّ أَبْدَتْ في ثامِنٍ للنُّعاءِ(3)

ص: 385


1- الوِرْد: ما يُورَد، و يؤتي و المراد: الموت و علي هذا، فالإضافة بيانَيَة.
2- قال المحقق الفاضل، السيد المقرّم في كتابه «وفاة الصدّيقة الزهراء عليها السلام» ص120: «اختلفوا في وفاة الصديقة عليها السلام علي أقوّال تزيد علي العشرة الأول: أنّها بقيت بعد أبيها صلي الله عليه و آله و سلم خمسة 4 و سبعين يوماً و هو المختار، لأنه المشهور بين المؤرّخين و به جاءت الرواية عن الصادق عليه السلام، كما في الكافي للكليني و الاختصاص للشيخ المفيد، و معالم الزلفي للسيد هاشم البحراني. الثاني: بقيت أربعين يوماً، كما في كتاب سليم بن قيس ص203، و مروج الذهب للمسعودي ج1 ص403 ، و نسبه إلي الرواية في كشف الغمة ص149، و في تاريخ القرماني: هو الأصح. الثالث: توفيت لثلاثٍ خلون من جمادي الآخرة، كما ذكره الكفعمي في المصباح و الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد ص554 ، و السيد ابن طاوس في الإقبال، و رواه أبوبصير عن الصادق عليه السلام كما في البحار، و إليه يرجع ما في مقاتل الطالبيين ص19 من أنّ الثلاثة أشهر هو الثابت من رواية أبي جعفر الباقر عليه السلام. الرابع: توفيت في العشرين من جمادي الآخرة، كما في دلائل الإمامة ص 46. الخامس: اثنين و سبعين يوماً، كما ذكره ابن شهر آشوب في المناقب ج2 ص112. السادس : بقيت مائة يوم كما ذكره ابن قتيبة في المعارف ص62. السابع: بقيت ستين يوماً، كما رواه الشيخ هاشم في مصباح الأنوار، عن أبي جعفر عليه السلام. الثامن: بقيت ستّة أشهر، ذكره ابن حجر في الإصابة، بترجمة فاطمة عليها السلام. التاسع : بقيت أربعة أشهر، ذكره ابن حجر في الإصابة أيضاً. العاشر: بقيت ثمانية أشهر، كذلك ذكره ابن حجر في الإصابة. الحادي عشر:بقيت خمسة و تسعين يوماً، كما في البحار، و الإصابة نقلها الأخِر عن الدولابي في كتاب الذرَيَة الطاهرة. الثاني عشر: ثلاث خلون من شهر رمضان، ذكره مناقب الخوارزمي ج1 ص83، و نور الأبصار ص42، و الإصابة لابن حجر في الترجمة» انتهي مع بعض التغييرات السطحية.
3- حبَس: و حبِّس و أحبَس المالَ علي كذا: وَقَفه عليه.

أَبَتا مَنْ إِلَي المُصَلَّي وَ لِلقِبلَةِ *** مَنْ لِلْحَزِينَةِ الثَّكلاءِ

وَ ارَبِيعَا إِلَي الأَرَامِلٍ وَ الأَيْتامِ*** وَ الْبائِسِينَ وَ الضُّعَفَاءِ

ضَعُفَتْ قُوَّتِي وَ قَرَّبَ نَفْسِي *** لِلْمَنايا شَمَاتَةُ الأَعْدَاءِ

أبَتا لاأَنْساكَ ما غَرَّدَتْ قُمْرِيَّةٌ *** فَوْقَ دَوْحَةٍ خَضراءِ(1)

ثُمَّ لَمَّا رَأَتْ بِأنْ قَدْ دَنا ما *** كانَ يَجْرِي حَتْماً عَلَي الأَحْياءِ

أَوْصتِ الْمُرْتَضَي عَلَي أَنَّ دَفْنِي *** فِي ظَلامٍ كَيْ لا تَرَي أَعْدَائِي(2)

ثُمَّ نادَتْ أَسْماءَ: هاتِي حَنُوطِي *** لي سَرِيعاً أَلا اسْكُبِي لِلْماءِ

ناولِينِي ثِيابِي الْجُدُدَ البِيضَ *** فَقَدْ جاءَني نَذِيرُ القَضاءِ

ثُمَّ قالَتْ: تَعَاهَدِينِي فَإِنِّي *** سَأُناجِي بِخَلْوَةٍ مَوْلائِي

فَإِذا ساعَةٌ مَضَتْ لِي وَ لَمْ أَخْرُجُ *** ثَلاثاً فَأَعْلِنِي بِالنَّدَاءِ

فَإِذَا لَمْ أُجِبْ نِداكِ فَرُوحِي *** قَدْ تَوَلَّتْ فِي زُمْرَةِ السُّعَدَاءِ

صَنَعَتْ أَسْما الَّذِي أَمَرَتْها *** ثُمَّ نَادَتْ: يَا بِنْتَ خَيْرِ الْوَرَاءِ

لَمْ تُجِبْهَا فَأَقْبَلَتْ فَرَأَتْها *** مَيْتَةً ثُمَّ أَعْلَنَتْ بِالْبُكَاءِ

فَاطِمٌ أَبْلِغِي أَباكِ سَلامِي *** أَقْرِئِيهِ تَحِيَّتِي وَ ثَنَائِي

وَ إِذَا بِالسِّبطَيْنِ قَدْ أَقْبَلا *** أَسْمَاءُ مَا بَالُ أُمِّنا فِي كَرَاءِ(3)

فأَجَابَتْ: مَاتَتْ، فَمُذْ سَمِعاهَا *** أَعْلَنَا بِالْبُكا لِسِتِّ النِّساءِ

فَأَتَي الْمُرْتَضَي وَ جَهَّزَهَا بِاللَّيْلِ *** وَفُقَ الْوَصِيَّةِ الْغَرَّاءِ(4)

ص: 386


1- قمرية: ضربٌ من الحمام حَسن الصوت.
2- راجع البحار ج43 ص148 و انظر أيضاً (9/9).
3- الكَرَي: النوم، و إنّما مدّها بالهمزة لتناسب القافية و قد أجازوا ذلك في الشعر.
4- انظر روضة الواعظين للنيسابوري، و مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص138، و كشف الغمة للإربلي ج2 ص129 و بحار الأنوار ج43 باب شهادتها و غسلها و دفنها، و فاطمة الزهراء عليها السلام بهجة قلب المصطفي للرحماني الهمداني ص550-551 و غيرها من الصفحات، و فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد كاظم القزويني ص610، و غيرها من المصادر و في ما ذكرنا كفاية.

أَسَفاً لابْنَةِ الرَّسُولِ قضت *** بِالضَّغْطِ وَ الضَّرْبِ مِنْ يَدِ الأَعْدَاءِ(1)

وَ إِلَي اليَوْمِ لَمْ يَبِنْ قَبْرُهَا بَلْ *** ذلِكَ الْقَبْرُ راحَ رَهْنَ خَفَاءِ(2)

ص: 387


1- انظر كتاب سليم بن قيس ص134 ، و البحار ج 8 ص229-241 و أيضاً ج53، ص18، 19، و نوائب الدهور للعلامة الميرجهاني ص194. و لاسيّما قول أميرالمؤمنين عليه السلام: إن قنفذاً هو الذي ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني و بينهم، فماتت «صلوات الله عليها»، و إن أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج.
2- انظر كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام بهجة قلب المصطفي الفصل الحادي و الثلاثين و غيرها. راجع كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلي اللحد للسيد القزويني ص630، تحت عنوان (القبر المجهول)، و راجع البحار للعلامة المجلسي ج43 باب ما وقع عليها عليها السلام من الظلم و انظر أيضاً مجالس المفيد و أماليه و أمالي الصدوق و دلائل الإمامة للطبري، و في كتاب سليم بن قيس برواية أبان بن أبي عياش و عيون المعجزات للسيد المرتضي، هذا إلي كثيرٍ غيرها من المصادر علي أننا ذكرنا في طيّات الهوامش مجموعة من كتب العامة المعتبرة عندهم تنصّ أو تشير إلي تغييب القبر و خفاء مكانه الواقعي، فراجع.

(41) أشرقت الحياة

(بحر الكامل)

السيد علي الحكيم (*)(1)

شَمَخَتْ فَبانَ الطُّورُ مِنْ عَليائِهَا *** وَ زَهَتْ فَشَعَّ النورُ من سَنائِها

وَ بَدَتْ فَأشْرَقَتِ الحَيَاةُ لِوَجهِهَا *** فَشَذَا رُجُوعِ الكونِ من فَيْحَائِها

هِيَ آيةُ الفِردَوس بل من نُورِها *** الفِردَوسُ قَد خُلِقَتْ وَ لُطفِ سَنائِها

و تبَلَّجت بين الشُّموسِ سَوَاطِعَاً *** شَمسُ الهدايةِ مِنْ سَنَا أَسْمَائِها(2)

مِنْ نُورٍ عِصمَتِها الخِصَالُ تكاملَتْ *** فَمَنَازِلُ الرّضْوَانِ بَعْضُ بهائِها

هِيَ مَهبِطُ الآياتِ مَنْ مِنْ أجلِها *** الاياتُ قَد نَزَلَتْ وَ في أرجَائِها؟

هي منبتُ الأصلِ الكَرِيم وَ فَرعُهُ *** أُمُّ البشيرِ و بنتُهُ بِوَفَائِها

هي حكمةُ اللهِ التي قد أُودِعَتْ *** سِرَّ الوُجُودِ رِضَاؤُهُ برضائِها

وَ لِرايةِ الإسلام مَنهلُ عِصمةٍ *** بجلالها تُهدي الوري وَ وَلائِها

ص: 388


1- (*) هو السيد محمد علي بن السيد راضي الحكيم من مواليد عام1966م كربلاء المقدسة. ولد في بيئة دينية و في وسط عائلة عريقة و معروفة في العلم و الأدب حيث إن والده السيد راضي و جدّه السيد مهدي الحكيم كانا من العلماء و الفضلاء في كربلاء المقدسة. أكمل دراسته الأكاديمية في مرحلة الثانوية و التحق بالركب الحوزوي اتباعاً لوالده و جدّه حيث أكمل مرحلة السطوح في الحوزة العلمية بطهران و من ثم في قم المقدسة. و من أساتذته العلامة آية الله الشيخ أحمد المجتهدي و آية الله السيد محمد ضياء آبادي في طهران، و سماحة آية الله العظمي الحاج السيد صادق الشيرازي، عشق الشعر منه ابتدأ و شرع دروسه الحوزوية و له قصائد نظمها في قم المقدسة في المناسبات الدينية العديدة و لازال يواصل الشعر في مجال أهل البيت عليهم السلام وفقه الله و إيانا لخدمة الدين و الشريعة العزاء.
2- تبلّجت: أشرقت و أضاءت.

وَ كَواكِبُ الأفلاكِ لولا نُورُها *** الوَضَاءُ ما شَعَّتْ لنا بضيائِها

وُلِدَتْ بِبَطحاء الكرَامَةِ فَانْجلي *** حَمدُ المَلائِكِ مِنْ عَظِيمِ ثَنائِها

فأجَابَتْ الأَرضُ السَّماءَ فَخُورَةً *** إنَّ فاطِمُ الزهراءُ خَيرُ نِسَائِها

وَ الدَّوحَةُ العَلياءُ يَرمُقُها العُلا *** وَ الذِكرُ يَحكي عَن جَني خَضرائِها

و التينِ وَالزَّيْتُونِ وَ البَلَدِ الذي *** سَعدَت به الدُّنيا علي ظلمائِها

فكأنَّما دارُ البتُولِ وَ قَد بَدا *** نُورُ النُّبُوَّةِ مُشرقاً بفنائِها

فَالفَجرُ بَرقٌ مِن وميضٍ عُيُونها *** و الليلُ قَوْساً حَاجِبِ بِسَمَائِها(1)

فَاقْرَأْ كِتَابَ اللهِ وَاتْلُ آيَةً *** قَد خُصَّ أحمدُ في جَميع عَطَائِها

إِنَّا قَدْ أَعطَيْنَاكَ مِنّا كوثراً *** سَعُدَ الذي يُسقي بِبَارِدِ مَائِها

فَاقَتْ خِصَالَ المُكْرُمَات لأنَّها *** نُورُ الإِمَامَةِ شَعَّ من لَأَلائِها(2)

أضْحَتْ لآياتِ الهدَاية مُوئِلاً *** راياتُها عُقِدَت بركبِ لِوائِها

فإليكِ نلجاً بعدَ مَا بَلَغَ النَّوي *** مُهَجَ القُلُوبِ وَ أنتِ بَلسمُ دائِها

هي طلعةٌ تحكي السَّماءَ بِشَمْسِها *** لابلْ جِنانُ الخُلدِ من آلائِها(3)

يا دَوحَةَ الذاتِ المَهيِمنِ ظلّلي *** أُفُقُ الرّعيّة قد ذَوَتْ برعائِها(4)

و اشفي صُدورَ الوَجدِ من كُرُبَاتِها *** وَاروي ربوعاً بعدَ فَرطِ ظِمائِها(5)

صلِّي عَليَكِ اللَّه ما بَقيتْ سَمَاً *** أو سَبّحَ الأملاكُ في أرجَائِها

ص: 389


1- و ميض: لمعة.
2- لألاء: ضوء لامع.
3- تحكي: تشابه.
4- ذوتْ: ذبلتْ و نشف ماؤها.
5- الوَجْد: الحزن، المحبّة الفرحة.

(42) بضعة المصطفي

(بحر الخفيف)

الحاج علي حمدان الرياحي

أي يوم يَجِلُّ فِيهِ العزاءُ *** وَمُصابٍ يَطِيبُ فيهِ الْبُكاءُ

ِمثلُ يَوْمٍ مُرَزَّا مُسْتَحَمِّ *** أَغرَبَتْ في سَمائِهِ الزَّهْراءُ(1)

لا السَّماواتُ بَعْدَها مُشرِقاتٌ *** حِينَ تَخْبُو وَلا الضّياءُ الضّياءُ

يَشْحَدُ الْبَدْرَ مِنْ مَطالِعِها النُّورَ *** وَتَمْتَاحُ مِنْ سَناها ذكاءُ(2)

أَتُرَي شَفَّها بعَادُ أَبِيها *** فَاسْتَحَمَّ الجَوَي وَحَنَّ اللِّقاءُ(3)

بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي وَأُمُّ أَبِيها *** وَشَذاهُ وَالنَّفْحُ وَاللأْلاءُ(4)

أَمُّ أَسْباطِهِ وَخَيْرِ الْبَرايا *** والثُّراثُ الأَجَلُّ والآلاءُ(5)

قَصَّرَ الخَافِقَانِ عَنْها عَطَاءً *** وَوَنَي عَنْ لَحاقَها الأَنْبِياءُ(6)

قَبَّلَ الْمُصْطَفَي يَدَيْها وَمَا كَانَ ***لِغَيْرِ الزَّهْراءِ هذا العَطَاءُ(7)

ص: 390


1- مرزّاْ : يريد كثير المصائب. والمستحمُّ المشتدّ . واْ غربت: أتت الغرب، غربت.
2- تمتّاح: تغترف، و تطلب. و سناها: ضياؤها.
3- شفَّها: أنحلها، من النحول و الضعف. استحمَّ: اشتد. و الجوي: الحرقة و شدّة الوجد. و حنّ اشتاق. و في الكلام استعارة واضحة.
4- الشذا: قوة ذَكاء الرائحة. النفح: نشر الرائحة الطيّبة.
5- الآلاء: النعم.
6- وني: ضعُف.
7- في سفينة البحار للقمي، باب الفاء بعده الطاء، نقلاً عن أمالي الطوسي: عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: كانت -تعني فاطمة عليه السلام -إذا دخلت عليه- أي: رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم- رحَّب بها و قبَّل يديها و أجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحّبت به و قبّلت يديه.

مَبْعَثُ النُّورِ و الأَئِمَّةِ مِنْها *** شُهُبٌ ما مَضَي الزَّمانُ -وضاءُ

يا ابْنَةَ المُصْطَفَي وَ خيْرِ البَرَايَا *** فَقْدُكِ الْفَقْدُ و المُصابُ العياءُ(1)

عَاجَلَتكِ الْمَنُونُ يَابْنَةَ طَة *** فِي ربيع الشَّبابِ وَ الْبَلْواءُ(2)

ص: 391


1- العياء: أي صعب لا دواء له كأنه أعيي الأطباء.
2- المشهور بين أصحابنا الإماميّة علي أنها عليها السلام حين ودّعت هذه الدار الفانية كان لها من العمر ثماني عشرة سنة أو تزيد قليلاً، و عند جمهور العامّة علي أن عمرها كان ثماني و عشرين سنة. و مردّ الاختلاف إلي سنة ميلادها، فمن قال: إن ولادتها كانت قبل المبعث النبوي بخمس سنين أو أكثر أو أقل جعل عمرها قرابة الثلاثين. و من قال : إنها وُلدت بعد البعثة بذلك المقدار؛ فقد جعله في حدود الثماني عشرة سنة و لعلّ هذا الأخير له ما يؤيّده من الشواهد التاريخيّة و الروائيّة. فقد روي الفريقان -كما تقدم في (13/1)، و (2/8)- أنّها إنّما ولدت بعد حادث المعراج و أكل الرسول لفاكهة الجنة قبل انعقاد نطفتها، و هذا لا يتلاءم مع ولادتها قبل مبعثه الشريف صلي اللَّه عليه و آله و سلم. كما روي الفريقان أيضاً -كما تقدّم في (3/8، 4)- أنها عليها السلام كانت تحدّث أمها في بطنها، و أن رسول اللَّه بشّرها بعد أن أخبرته خديجة سلام الله عليها بذلك، و هذا أيضاً لا و أخبار ولادتها قبل البعثة و النبوّة. مضافاً إلي أخبار معاداة نساء قريش لخديجة سلام الله عليها، حين ولادتها وما ذلك إلا بسبب دين الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الجديد. انظر (5/8). علي أن أخبار طلب يدها من أبيها العظيم، لم يسبق لها مثيل فيما قبل الهجرة، بل ما قبل غزوة بدر الكبري. فالمذكور المرويّ أن الخلفاء الثلاثة، و عبد الرحمن بن عوف، و آخرين، جاؤوا الرسول صلي الله عليه و آله و سلم خاطبين له ابنته الصديقة عليها السلام في فتراتٍ متقاربة، حتي أن ابن عوف بالغ في المهر و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و مع ذلك ردّه، حتي جاء أميرالمؤمنين عليه السلام و تمّ له ما أراد. فإذا كانت قد قاربت العشرين من العمر و هي علي ما هي عليه من الصفات، أفما كان من المنطقي أن تتابع عليها الخُطَّاب حتي قبل الهجرة، و هو أمرٌ لا نجد له عيناً و لاأثراً في المصادر، بل كان من المنطقي أيضاً بلوغها ذلك السنّ أن يكون لها يوميات ومواقف مع أمها الجليلة التي لم تفارق الحياة إلّا قبل الهجرة الشريفة بقليل، مع أنه لا وجود لذلك كله في كتب السيرَ و التراجم و الروايات. فكل ذلك -إذن- يؤيّد و يشهد إن لم نقل: يدلّ- علي أن ولادتها كانت بعد البعثه النبويّة بسنين. نعم يبقي هنا إشكال ذكره بعض الأعلام، و جعله قرينة علي ولادتها قبل ذلك، و هو: أن عمر خديجة قبل المبعث بخمس سنين كان قد بلغ خمسين سنة، و هو أعلي سنٍّ صالح للولادة. لكن ذلك قابل للتأمل، فإنّ الروايات في ذلك مختلفة، و ما عليه مشهور أصحابنا أن سن اليأس في القرشية و النبطيّة لا يحصل إلّا مع بلوغ الستين، و في غيرهما الخمسين و معلوم أن خديجة كانت من أنصع القرشيين نسباً. راجع شرائع الإسلام للمحقق الحلي، و جواهر الكلام للنجفي، و الحدائق للبحراني، و العروة الوثقي لليزدي و مستمسك العروة للحكيم، كل ذلك في كتابي الطهارة و الطلاق.

عَنْ أَحِبَّاءَ أَكْرَمِينَ صِغارٍ *** شَفَها الْفَقْدُ وِ اسْتَحَالَ الدَّواءُ

حَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ فِي حَوْمَةِ الْيُتْمِ *** وَ صَبْرٌ يَفُتُّ فِيهِ الْعَزَاءُ(1)

و بناتٌ مُدَلَّهاتٌ حَيارَي *** حَانِيَاتٌ لأُمِّهنَّ ظِماءُ(2)

هُنَّ يَنْدُيْنَ وَ السَّماواتُ تَبْكِي *** وَ بِطُوبَي تُرَدَّدُ الأَصْدَاءُ(3)

وَ الإِمَامُ الأجَلُّ يَرْزَحُ لِلْخَطبِ *** وَ يَجْتَرُّ مِنْ حَشَاهُ البَلاءُ(4)

يَنْدُبُ الدُّرَّةَ الْوَحِيدَةَ فِي الْكَوْنِ *** وَ فِي الْمَوْتِ لا يُفِيدُ المضاءُ

يَتَلَظَّي مَرَارَةٌ وَ اكْتِئاباً *** وَ يُنادِي وَ لايُفيدُ النّداءُ

أيْنَ مِنِّي رَيْحانَتِي وَ مَلاذِي *** وَ دَوَاءُ الْخُطُوبِ إِنْ حَلَّ دَاءُ؟

أيْنَ مِنّي أُمُّ الأَئِمَّةِ وَ الْبَضْعَةُ *** مِنْ خَيْرِ مُرْسَلٍ و السَّناءُ؟

أَيْنَ بِنْتُ النَّبِيِّ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ *** أَيْنَ التُّقَي و َأَيْنَ الْحَياءُ؟

أَيْنَ رَيْحَانَةُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ *** وَ أَيْنَ النَّدَي وَ أَيْنَ السَّخاءُ؟

أَيْنَ مِنِّي زَيْنُ الْخَلائِقِ وَ الْحُسْنُ *** وَ أَيْنَ الحِجَي وَ أَيْنَ الْعَلاءُ؟

أيْنَ مِنّي طِيبُ الْحَيَاةِ وَ لُقْياها *** و أَيْنَ السُّرُورُ وَالنَّعْمَاءُ؟

أَيْنَ مَنْ تَزْهَرُ الشُّمُوسُ بَمرآها *** وَ تَمْتَاحُ خَطْوَها الُجَوْزَاءُ؟(5)

ص: 392


1- حومة اليُتم: ما يحوم اليُتم حوله. مركزه. دائرته.
2- مدلَّهات: مشدوهات، ذاهبات العقل من عظم الحادث.
3- طوبي: شجرة في الجنة. و روي عن سعيد بن جبير أنه قال: طوبي اسم الجنة بالحبشيّة. انظر لسان العرب.
4- يرزح: يلصق بالأرض من شدة التعب و الهزال بحيث لا يتمكن من النهوض.
5- من أسمائها الزهراء عليها السلام، و قد روي الصدوق في علل الشرائع ص71 باب143، و روي المجلسي (رحمة الله عليه) في ج1 من البحار عن أمالي الصدوق (رحمة الله عليه) عن ابن عباس أن رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم قال: و أما ابنتي فاطمة عليها السلام فإنها سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين، و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبيَّ، و هي الحوراء ،الإنسية، متي قامت في محرابها بين يدي ربّها -جل جلاله- زهر نورها لملائكة السموات، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض. و رواه أيضاً في علل الشرائع ص71 باب143. و في المختصر للحسن بن سليمان ص133 ط النجف: من حديث الصادق عليه السلام: سُمِّيت الزهراء عليها السلام، لأن نورها اشتقّ من نور عظمة الله «سبحانه»، و لمّا أشرق نورها غشيَ أبصار الملائكة فخرّوا إلي الله سجّداً و قالوا: إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحي إليهم: هذا نور من نوري أسكنته في سمائي و في البحار ج10 ص7، عن إرشاد القلوب أنَّ رسول صلي الله عليه و آله و سلم، الله قال: خلق الله نور فاطمة عليها السلام كالقنديل، و علّقه بالعرش فزهرت السماوات السبع، و الأرضون السبع، فمن أجل هذا سمِّيت بالزهراء عليها السلام.

أَيْنَ سِرُّ الْجَمَالِ فِي عَالم التَّكْوِينِ *** أَبْنَ الإِعْجَازُ أَيْنَ الصَّفاءُ؟

أَيْنَ مِنِّي قَرِينَةٌ عَقِمَ الدَّهْرُ *** بِبَعْضِ مِنْ حُسْنِها وَ النِّساءُ؟

أَيْنَ مِنِّي جَلالُها وَ عُلاها *** أَيْنَ مِنِّي صَبَاحُها وَ الْمَسَاءُ؟

أَيْنَ -وَ الأَيْنُ مَا أرَدِّدُ- تَبْقَي *** وَ يَمُوتُ الْقُرْطَاسُ وَ الإِنْشَاءُ

دَوْحَةُ الْمُرْتَضَي وَ أُمُّ الْمَعَالِي *** وَ الضُّحَي وَ الْفَرِيدَةُ الْعَصْمَاءُ؟(1)

يَا لَذِكْرَي تَجِيشُ فِي عَالَمِ الْحِسِّ *** وَ نارٍ لَمْ يَقْتَرِ بْهَا انْطِفَاءُ!(2)

وَ الَّذِي نَالَ عَثُّهُ بِنْتَ طَة *** لَقِيَتْهُ الآباء و الأبناءُ(3)

يا ابْنَةَ المُصْطَفَي وَ لِلذِّكْرَياتِ *** الكُفْرِ لَفَحٌ يَعُسُّ فِيهِ اكْتِواءُ(4)

ما عَسَانِي مُحَدِّثاً وَ بِنَفْسِي *** غُصَّةٌ يَسْتَحِمُّ فِيها اجتِلاءُ(5)

لَمْ يُفِدْنا مِنَ التَّحَدُّثِ عَنْها *** مَا عَرَفْنَاهُ وَ الْغَباءُ الْغَبَاءُ

وَ الْمَصَابِيحُ فِي الدَّياجير تَبْدُو *** وَ الْمَنارَاتُ، وَ الْعَماءُ الْعماءُ(6)

شَغَلَتْنَا مَتَارِفُ الْبَذْحَ وَ الزَّهْوِ *** وَ الْوَتْ بِحِسْنا الأهواءُ(7)

ص: 393


1- الدوحة: الشجرة العظيمة، المتسعة و المظلّة العظيمة، و الفريدة العصماء: القصيدة التي لامثيل لها و لانظير و الفريدة: أيضاً الدُّرَّة اليتيمة.
2- تجيش: تتفاعل و تتدفق (من المنجد).
3- الغُنّة : البُلغة اليسيرة من العيش.
4- اللَّفح: هبة ريح حارّة، بعكس النفح و هو هبة الريح الباردة. و يعش فيه: يطوف ليلاً فيه، و المراد هنا: يلازمه و يتضمنّه.
5- إجتلاء: إجتلاها: بمعني أي نظر إليها (مختار الصحاح).
6- الدياجير: الظُلمات.
7- أَلْوَتْ بنا: مالت بنا، أسقطتنا.

وَغَدَوْنَا نُقِرُّ ما يَفْرِضُ الْعَيْشُ *** وَ نُصْغِي كَأَنَّنا البَّبّغاءُ(1)

إيهِ يا نَفْسُ وَ الْهَوَي أَزَلِيٌّ *** فِي فُؤادِي نَباتُهُ وَ النَّماءُ(2)

لَيْسَ مِنْ بَعْدِ أَحْمَدٍ وَ بَنِيهِ *** فَادِحٌ ما يَهُزُّ أَوْ دَهْياءُ(3)

فَبِقَلْبِي مِنْ كَرْبِهِمْ كُلُّ كَرْبٍ *** وَ مِنَ الْحُبِّ دَوْحَةٌ غَنَّاءُ(4)

وَ عَزائِي مِنْ كَرْبِهِمْ صِدْقُ عِلْمِي *** أَنَّهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمُ أَمَراءُ

غَيْرَ أَنَّ الْخُطُوبَ تُبْكِي وَ تُدْمِي *** وَ تَهُزُّ الْقُلُوبَ حَيْثُ تَراؤوا(5)

وَ هُمُ فَوْقَ ما يُصَوِّرُ ذِهُنٌ *** وَ يَخُطُ الكُتَابُ و الفُقَهاءُ

مَعْجِزاتٌ مِنَ الإِلهِ ضَواح *** وَ هُمُ مِنْ جَلالِهِ أَجزاءُ(6)

قَبْلَ بَدْءِ التَّكْوِينِ وَ الْكَوْنُ عُدْمٌ *** وَ لَهُمْ فَوْقَ عَرْشِهِ أَسْماءُ(7)

ص: 394


1- البَبَّغاء: و البَبغاء، و البَبْغاء: طائر معروف يسمع كلام الناس فيعيده.
2- أزليّ : قديم، دائم الوجود لا نهاية له و لامبتدأ.
3- الفادح: الخطب و الأمر الصعب و الفادحة: المصيبة و الداهية الدهياء: المصيبة الشديدة.
4- و الغنّاء: العامرة الكثيرة الشجر.
5- قوله: تراؤوا الأصل فيها تراءَوا بفتح الهمزة بعد الألف، و إنّما ضمَّها حذراً من الإقواء أو السِّناد في القافية. و قد يجوز (تراءوا) بفتح الهمزة كما ورد مثله في قول الشاعر: يا أيُّها الناسُ افهموا و تفهّموا *** لاتغفلوا مات النبيُّ محمَّدُ إنّ الذين بكوهُ عند فراقهِ *** جَزَعاً عليه قد اهتدي و قد اهتدوا فراجع كتاب (الكافي في علم القوافي) لأبي بكر ابن السِّراج ص99 تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية.
6- ضواحٍ: واضحات بيِّنات مفردها ضاحية، و المذكر ضاحٍ.
7- تقدّم ما نقلناه عن معاني الأخبار ، وما عن لسان الميزان ج 3 ص 246 في (13/1)، و ما عن بحار الأنوار، و تاريخ بغداد، و ميزان الاعتدال، و درر السمطين و غيرها في (2/8)، فراجع. و في كتاب تأويل الآيات ج 2 ص 509، قال صلي الله عليه واله : «أنا و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام كنّا في سرادق العرش نسبّح اللَّه فسبَّحت الملائكة بتسبيحنا، قبل أن يخلق اللَّه«عز وجل»آدم بألفي عام، فلمّا خلق اللَّه «عز وجل» آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، و لم يُؤمروا بالسجود إلّا لأجلنا». و نظير ذلك، بل أعظم منه كثير، فراجع كشف الغمة ج ا ص456 و كتاب العوالم للبحراني حول الصدّيقة الزهراء، وهكذا مقتل الخوارزمي :ومقتضب الأثر، وغيبة الطوسي، وتاريخ بغداد ج2 ص509.

وَ بِهِمْ آدمٌ تَوَسَّلَ للهِ *** وَ نُوحٌ مِنْ بَعْدُ وَ الأَنْبِياءُ(1)

وَ نَجَتْ فِيهِمُ سَفِينَةُ نُوحٍ *** وَ بِأَسْمَائِهِمْ أُجِيبَ الدُّعاءُ(2)

ص: 395


1- في البحار ج26 ص325 كتاب الإمامة ح8 روي بسنده إلي ابن عباس (رضي الله عنه): أن آدم لمّا أسجد اللَّه «عزّوجل» له الملائكة تداخله العجب، فقال: يا ربّ خلقت خَلقاً أحبّ إليك مني؟ (إلي أن قال): ثم قال الله «عزّ وجل»: نعم، ولولاهم ما خلقتك، فقال: يا ربّ فأرينهم، فأوحي اللَّه إلي ملائكة الحُجُب أن ارفعوا الحُجُب، فلمّا رفعت إذا آدم عليه السلام بخمسة أشباح، قدّام العرش. فقال: يا ربّ، من هؤلاء قال: يا آدم، هذا محمد نبيِّي صلي الله عليه و آله و سلم، و هذا أميرالمؤمنين عليه السلام ابن عم نبيِّي و وصيّه، و هذه فاطمة عليها السلام ابنة نبيِّي و هذان الحسن و الحسين عليهما السلام ابنا علي عليه السلام و ولدا نبيِّي. ثم قال: يا آدم، هم وُلدك ! ففرح بهم. فلما اقترف الخطيئة قال: يا ربّ، أسألك بمحمّد صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام لمّا غفرت لي، فغفر اللَّه له بهذا، فهذا الذي قال الله عزّ وجل: «فَتَلَقَّي آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»سورة البقرة آية: 37... إلخ. و روي مثله أيضاً أبوجعفر الصدوق في الخصال ح 8 من باب الخمسة ص270. و قد تقدّم نظير ذلك في لسان الميزان فراجع (13/1).
2- في عقبات الأنوار، مجلّد حديث السفينة أن نوحاً عليه السلام «سمَّر المسامير كلّها في السفينة إلي أن بقيت خمسة مسامير، فضرب بيده إلي مسمار منها، فأشرق في يده و أضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء» و أن تلك المسامير الخمسة كانت بأسماء الخمسة الطاهرين من أصحاب الكساء. ويجدر بالذكر أن جماعة من علماء الآثار المختصين بالآثار القديمة في بلاد السوفييت كانوا ينقبّون في منطقة بوادي قاف و ذلك في تموز عام (1951م)، و إذا بهم يعثرون علي قطع متناثرة من أخشاب قديمة بالية نخرة، ممّا دفعهم إلي المزيد من الحفر و التنقيب، فوقفوا علي أخشاب أخري متحجّرة و كثيرة، كانت بعيدة في أعماق الأرض. و من بين تلك الأخشاب عثروا علي خشبة مستطيلة الشكل طولها (14) بوصة وعرضها (10) بوصات سبّبت دهشتهم و استغرابهم، حيث لم تتغيّر، فلم تتسوّس ولم تتآكل كغيرها من الأخشاب. و في أواخر سنة (1952م) اكتمل التحقيق حول هذه الآثار، فظهر أنّ اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة النبي نوح عليه السلام، و أن الأخشاب الأخري هي أخشاب جسم سفينة نوح عليه السلام و بعد الانتهاء من عمليات التنقيب المذكورة عام (1953م) شكَّلت الحكومة السوفييتية لجنة قوامها سبعة من أهم علماء الآثار واللغات القديمة و هم: 1-سولي نوف، أستاذ الألسن بجامعة موسكو. 2-إيفاهان خينو: عالم الألسن القديمة في كليَّة لولوهان بالصين، 3-ميثانن لوفارتك، مدير الآثار القديمة 4- تانمول گورف (أو كَورت)، أستاذ اللغات في كلية كيغزو 5- دي راكن أستاذ الآثار القديمة في معهد لينين 6- إيم أحمد كولاد مدير التنقيب و الاكتشافات العام 7- ميجر كولتوف، رئيس جامعة ستالين. و بعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة و الحروف المنقوشة عليها، اتفقوا علي أنّ هذه اللوحة كانت من نفس جنس الخشب الذي صُنعت منه سفينة نوح عليه السلام، و أنه كان قد وضع هذه اللوحة في سفينته للتبرّك و الحفظ. و كانت حروف اللغة الأثرية قد ترجمها إلي الإنجليزية العالم البريطاني إيف ماكس أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانشستر، و هذا تعريبها مقابلاً لنصها الإنجليزي: يا إلهي و معيني O my God my helper برحمتك خذ بيدي (ساعدني) Keep my hands with merey و بالطاهرين من خلقك And With you holy bodies محمد صلي الله عليه و آله و سلم و إيليا (علي عليه السلام) Mohamed, Alia و شبّر و شبير و فاطمة عليها السلام Shabbar, Shabbir, Fatma الذين هم جميعاً عظماء They are all Biggest and مكرمون Honowrables و قد قام العالم لأجلهم The word established for them فأغثني بحقِّ أسمائهم Help me by their names إنك تهدي إلي الصراط المستقيم You can reform to right و أخيراً بقي هؤلاء العلماء في دهشة كبري أمام عظمة هذه الأسماء الخمسة، و منزلة أصحابها عند اللَّه تعالي، حيث توسّل بها نوح عليه السلام إليه تعالي. علي أن اللغز الذي لم يستطع تفسيره أي واحدٍ منهم هو عدم تفسّخ هذه اللوحة، رغم مرور آلاف السنين عليها. و هذه اللوحة موجودة الآن في متحف الآثار القديمة في موسكو. انتهي. نقلناه بتمامه من كتاب التكامل في الإسلام للأستاذ أحمد أمين العراقي، مع بعض التغيير في العبارات التي لا تؤثر في المعني فراجع ج7 ص48 إلي ص50 -تحت عنوان أسماء مباركة توسّل بها نوح عليه السلام- و ما بعدها. و قد نقلها الأستاذ أمين عن مجلة (البذرة) النجفية في عددها الثالث و الرابع بتاريخ شوال و ذي القعدة (1385 ه_). و الأخيرة ترجمته من كتاب «إيليا»، و الذي نشرته دار المعارف الإسلامية بلاهور (باكستان). أقول: و كذلك وجدنا الخبر في كتاب (علي عليه السلام وبياميران) باللغة الفارسية من ص 35 فما بعدها. و ذكر المترجم أنه نقل الخبر من عدة مصادر، منها (Star of Bartania) الشهرية المطبوعة بلندن و منها: مجلة (Manchester Sunlight و منها مجلة (London Weekly) و غيرها. و في الكتاب المذكور تصوير واضح للوحة المباركة.

و بِهِمْ أَنْقَذَ الإِلهُ ابْنَ مَتَّي *** وَ اسْتَجارَ الْخَلِيلُ وَ الْعَذْراءُ

أعْلَي هَؤُلاء نَبْكِي وَ نَبْكِي *** وَ بِأَسْمَائِهِمْ يُتاحُ الرَّجاءُ

يا ابْنَةَ المُصْطَفَي وَ لِلذِّكْرَياتِ *** الْغُرْ نَفحٌ يَطِيبُ فِيهِ الْغِناءُ

حَسْبِيَ الحُبُّ وَ الْهَوَي هَاشِمِيٌّ *** فِي مَالِي وَ أَنْتُمُ الشُّفَعاءُ

ص: 396

وَ شُهُودِي عَلَيَّ دِيوانُ شِعْرِي *** وَ سَيَزْدادُ ما اسْتَمَرَّ البقاءُ

هذِهِ بِنْتُكَ الْجَلِيلَةُ فِي الشَّامِ *** مَحَجٌ وَ رَوْضَةٌ فَيْحَاءُ(1)

بَيْتُها الْبَيْتُ وَ الْمَنارَاتُ فِيهِ *** وَ الضُّحَي وَ الْجَلالُ وَ الْكِبْرِياءُ

زَيْنَبٌ وَ الْجَلالُ وَ الأَلَقُ الضَّاحِي *** وَ لَأُلاءُ قُدْسِها وَ الْبَهاءُ(2)

يَتَهاوَي لِتُرْبِها شَامِخُ الأَنْفِ *** وَ تَحْنُو لِلَثْمِهِ الْخُيَلاءُ

دَائِبُ النَّفْحٍ بَيْنَ آتٍ وَ غادٍ *** وَ الْبَرايا عَبِيدُها وَ الإِماءُ(3)

مِنْ خُراسانَ مِنْ ذَرَي السِّنْدِ وَ الْهِنْدِ *** وَ أَقْصَي ما تَعْمُرُ الأَرْجاءُ(4)

فَإِلَيْهَا هُنا يُراحُ وَ يُغْدَي *** وَ لَها هُهُنا يُزَفُّ الْعَزاءُ(5)

ص: 397


1- في كشف الغمّة ص456، قال: «لما خلق اللَّه إبراهيم كشف عن بصره، فنظر في جانب العرش نوراً فقال: إلهي و سيدي ما هذا النور؟ قال: يا إبراهيم عليه السلام، هذا نور محمد صفوتي، قال: إلهي وسيدي و أري نوراً إلي جانبه؟ قال: يا إبراهيم عليه السلام هذا نور عليٍّ عليه السلام ناصر ديني، قال: إلهي و سيدي و أري نوراً ثالثاً يلي النورين؟ قال: يا إبراهيم عليه السلام، هذا نور فاطمة عليها السلام تلي أباها و بعلها ...» و للحديث تتمة يمكن مراجعتها في المصدر المذكور، و في العوالم ص13 فما بعدها، و في مقتل الخوارزمي، و تجد نظير ذلك أيضاً في علل الشرائع، أو دلائل الإمامة أو تأويل الآيات و مقتضب الأثر ، و الغيبة لشيخ الطائفة و في الخصال، باب الخمسة الحديث84 ، يروي الصدوق بسنده إلي المفضّل بن عمر أنه سأل الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجل: ««وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ» ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه، و هو أنه قال: يا ربّ أسألك بحق محمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام إلا تبت عليَّ، فتاب الله عليه، إنه هو التواب الرحيم... إلي آخر الرواية إلي آخر الرواية و هي طويلة. و يمكن القول باختصار و بضرس قاطع: إنه قد ورد في الأخبار بتضافر أنهم عليهم السلام كانوا وسيلة الأنبياء و المرسلين، بل و الملائكة المقربين عليهم السلام، لنجاح مسائلهم، و إجابة طلباتهم. و للتوسع يراجع كتاب «أهل البيت في سفينة نوح عليه السلام» للكاتب محمد إبراهيم القزويني، و كتاب العوالم و دلائل الإمامة و غيرها.
2- هي العقيلة زينب الكبري عليه السلام الروضة: الأرض المخضّرة بأنواع النبات. الفيحاء: الواسعة (من فاح يفيح) أو هي ذات النشر و الرائحة الطائرة (من فاح يفوح).
3- الألق الضاحي، و اللألاء، و البهاء: بمعني واحد تقريباً، و هو النور و اللمعان.
4- دائب النفح: دائم الرائحة العطرة، أو الريح الطيّبة.
5- يُراح و يغدي: الرواح العشي، و الغدوّ الصباح الباكر أو ما بين طلوع الفجر و طلوع الشمس.

(43) قضت مكضومة

(بحر الكامل)

الشيخ علي ابن الشيخ

محمد آل سيف الخطّي

أفبعدَ فاطمةَ البتول و دفنها *** بالليل عينٌ لا تجوُد بمائِها(1)

أم نفسُ من يهوي ولاها ترتِدي *** بِرِدَّي لها من بعدِ طول عنائِها

لابلْ جديرٌ بعدَ و شكِ عنائِها *** حزناً مذيبَ النفسِ عن أقصائِها

فلقد قضَتْ مكظومةً و تراثُها *** ترنُوه شزراً في يدي أعدائِها(2)

مضروبةً بالسوطِ حتّي إنها *** أبدت نحيباً من عظيمٍ أذائِها

مسقوطةً لجنينِها تُبدي أسَّي *** لأنينِها وجداً علي أبنائِها

فلتْبِكها عينُ المحبِ بمدمعٍ *** جارٍ كعين السُّحبِ في إجرائها

ص: 398


1- ماء العين: الدمع.
2- شزراً: نظر بمؤخر العين و قيل: هو نظر علي غير استواء أو عن يمين و شمال، أو تنظر نظرة غضب إلي تراثها المنهوب.

(44) تعج فاطمة عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ علي شرارة (*)(1)

رُزْهءٌ أَطَلَّ فَجَلَّ في الأرزاءِ *** زَفَراتُها هَبَّتْ علي الغبراءِ(2)

ص: 399


1- (*) هو الشيخ علي ابن الشيخ حسن شرارة. و آل شرارة أسرة علمية و دينية أصلها من جنوب لبنان -بنت جبيل- و لهم شخصيات علمية و أدبية و ثقافية و لهم هناك أثر كبير في توجيه الناس نحو الخير و الصلاح و قد اشتهر من بين أفرادها المترجم له الذي ولد في حدود سنة 1267ه. وصف المترجم له أحد معاصريه قائلاً : كان شيخاً كبيراً معتدل القامة و كان صبيح الوجه يخضِّب لحيته بالحناء يرتدي العمّة البيضاء. و هو يقيم في إحدي حجرات الصحن الحيدري في النجف الأشرف من جهة باب القبلة. و يجتمع عنده العلماء و الشعراء الذين عاصروه كالسيد جعفر الحلي و السيد محمد سعيد الحبوبي و الشيخ محمد جواد الشبيبي و الشيخ عبد الحسين الحويزي و السيد إبراهيم الطباطبائي و الشيخ محمد السماوي و أضرابهم. و كان أديباً بارعاً و هو من الشعراء المكثرين طرق أبواب الشعر و نظم في الأئمة عليهم السلام ورثي أعلام عصره و كان له علاقة و ثيقة بالمرجع الديني الكبير الإمام المجدد السيد ميرزا حسن الشيرازي و كان مراسلاً له في قصيدة قالها في حاجة له ورثي السيد المجدد أيضاً بقصيدة رائعة أثبتها الخاقاني في شعراء الغري. و قيل إنه كان يكثر من الجدل و النقاش العلمي حول معرفة مغازي الأبيات التي يعسر فهمها علي الأدباء و كثيراً ما كان يقصر نقاشه علي شعر الشريف الرضي ويتوسَّع في توضيح أبياته و كشفها بأسلوب لا يخلو من خيال و توجيه مبتكر يسنده بلباقته المعروفة، و كان رقيقاً يرصد النكتة و يبدع فيها و يقسو إذا حضرت المناسبة حتي نفسه و لعلّه هو مصداق لقوله صلي الله عليه و آله و سلم الله (المؤمن حزنه في قلبه و بشره في وجهه). و افته المنية عام 1335ه و دُفن في صحن الإمام أميرالمؤمنين عليه اسلام. و ذكره جمع من كبار الكتّاب أمثال الشيخ الطهراني في «نقباء البشر» و ترجم له صاحب «ماضي النجف و حاضرها» و الخاقاني في «شعراء الغري» و السيد جواد شبّر في «أدب الطف» و غيرهم.
2- الرزء جمعها أرزاء: المصيبة العظيمة و المقصود بها هنا وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.

يا نَكْبةً عَمَّتْ علي كلِّ الوَري *** عَمَّتْ علي الآفاقِ و الأرجاءِ

وَ مُلِمَّةٌ ضاقَتْ لها سَعَةُ الفَضا *** شَطَّتْ شَوارِدُها علي الجوزاءِ

وَدُجُنَّةٌ سُدِلّ الظلام بها علي *** كلِّ الأنامِ وعمَّ بالظَّلْماءِ(1)

فَغَدالَهَا الإِسْلامُ ثاكِلَ غُرَّةٍ *** وَالمُسْلِمُونَ بَكَوْهُ أيَّ بُكاءِ

اليَوْمَ أَضْحَي الدَّينُ يَبْكِيهِ أَسًي *** وَبَكَتْ لَهْ أَمْلاكُ كُلِّ سَماءِ

اليَوْمَ أَوْحَشَ مِنْهُ والخُطَبُ الَّتِي *** كَبُرَتْ بَلاغَتُها عَلَي الخُطَباءِ

باللهِ رُزْءُ محمَّدٍ أوْهَي(2) القُوَي *** وَطَوَي الضُّلُوعَ وَمَسَّ في الأحْشاءِ

اليَوْمَ قَدْ ثَكِلَتْ أباها فَاطِمٌ *** نَكِلَتْ أباها أَرْأَفَ الآباءِ

مَنْ ذا يُعَزّي المرتَضي في المُصْطَفَي *** وَالأَنْبِيا في سَيَّدِ الأُمَناءِ

مَنْ ذا يُعَزّي المجتبي في جَدِّهِ *** الحسنَ الزَّكيَّ وسيِّدَ الشُّهَداءِ

وَمَهابِطَ الوَحْيِ الَّتِي قَدْ عُطِّلَتْ *** وَلِرُزْئِهِ عَمَّتْ حِمَي البَطْحاءِ

وَتَعِجُّ فَاطِمَةٌ بِقَلْبِ وَالِهٍ *** وَحَشاً مُسَجَّرَةٍ بِلا إِطفاءِ(3)

أَبَتَاهُ قد أَصْبَحْتُ نَهْبَ حَوادِثٍ *** هَتَكَتْ صُرُوفُ الدَّهْرِ سِرَّ غواءِ

دارَتْ عَلَيَّ النَّائِباتُ بأسْرِها *** لم يَبْقَ لي جَلَدٌ علي البَلْواءِ

قَدْ كُنْتَ مِصْباحَ الوَرَي لِرَعِيَّةٍ *** تَجْلُو الظَّلامَ بِطَلْعَةٍ غَرَّاءِ

من للأرامِلِ واليَتَامَي كَافِلاً *** إذْ كُنْتَ تَكْفُلُها عَنِ البَأْساءِ

من ذا يَفُلُّ عِثَارَ رَكْبٍ ذاهِلٍ *** فَيُقِيلُ عَثْرَتَهُ بِلا إغضاءِ(4)

ص: 400


1- الدجنّة : جمعها دجنّات: الظلمة الغيم المطبق الريان المظلم.
2- أوهي القوس: أضعفها.
3- تعجّ: ترفع صوتها بالبكاء علي أبيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. مشجرة محميّة مشتعلة.
4- فلَّ الشيءَ: أخذ منه جزءا ً، و العثار: ما عُثِرَ به، الشر، المكروه، المهلكة، وفلَّ العثار، منع أسبابه أو قلَّلَ منها ، و الركب الذاهل: أمة النبي صلي الله عليه و آله و سلم بعد وفاته، ويقيل عثرته: ينهضه من سقوطه.

(45) بشراك يا دينا عليها السلام

( بحرالسريع)

الحاج علي الفراتي (*)(1)

أشرقتِ الدُّنيا معُ السماءِ *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ

***

أشرقتِ الدُّنيا وسبعُ العُلي *** وغمُّ أهلِ الكونِ قد جَلا(2)

بمولدِ البضعةِ سرِّ الولا *** طابَ الهنا وعيشنا قدحَلا

وغنّتِ الطيورُ بالهناء *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ

***

قد ولدتْ بضعةُ خير الوري *** ونورها عمَّ السما والثَرَّي

جلالُها في الكونِ لن يُخصرا *** و للإياء والعُلي مظَهْرا

قد زانَها الإلهُ بالكِساءِ *** بمولد الصدّيقةِ الزهراءِ

***

ص: 401


1- (*) هو الشاعر الحاج علي الفراتي وُلد في كربلاء المقدسة عام (1349ه_) وسط عائلة عجنت بماء الولاء العلوي ، فهو أخ لشاعر وأب لشاعر أيضاً. تلقي دروسه الأولي في القراءة و الكتابة و دروس القرآن الكريم لدي مشايخ عصره، و تأثر بشعراء كربلاء منذ صغره منهم، الشيخ كاظم المنذور، و له دواوين شعرية مطبوعة بكافة أطوار وأذواق الشعر الحسيني، بعنوان (حسينيات الفراتي) و ما زال الشاعر يزجي قريحته لآل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بعاطفة صادقة وإيمان حار.
2- جلا: إنزاح.

بُشراكِ يا دنيا ببنتِ الرسولْ *** فاطمةَ الزهراءِ أصلِ الأصولْ

و إنّها البتولُ نعمَ البتولْ *** بفضلها الظلامُ سيزولْ

عالِمةٌ و منَهَلُ الرَّجاءِ *** بمولدِ الصدّيقة الزهراءِ

***

رِاضِيةٌ رَضِيَّةٌ مرضيةْ *** رَقِيَّةٌ تَقيَّةٌ نَقيّةْ

أَصيلةٌ جليلةٌ أَبيَّةْ *** أمُّ أبيِها و هيَ الزَّكِيَّةْ

شَفِيعةٌ في عَرصةِ الجزاءِ *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ(1)

***

بُشري نزفُّ لنبيِّ الأنامْ *** جاءت إلي الوجودِ شمسُ الوئامْ(2)

بنورهِا حقاً يزولُ الظلامْ *** وفضلها علي الوري مُستدامْ

ونورُها قدعمَّ في الأرجاءِ *** بمولدِ الصدّيقةِ الزهراءِ(3)

***

سَلْ هل أَتّي و سورةَ الكوثرِ *** ومجدَهَا في البرَّ والأبحُرِ

كريمةُ في السرِّ والظاهرِ *** وقطبُ هذا الألَقِ الباهرِ

ونورُها قد شعَّ في الفضاء ِ *** بمولدِ الصدّيقهِ الزهراءِ

***

ربّي بحقِ ثالثِ الأنوارِ *** سلميةِ أحمدِ المختارِ

و بعلِها حيدرِ الكرارِ *** نجِّي مُحِبِّيها من الأخطارِ

وَرُدَّنا لأرضِ كربلاءِ *** بمولِد الصدّيقةِ الزهراءِ

ص: 402


1- عرصة: جمعها عرصات و هي.
2- الأنام: البشرية. الوئام: التوافق.
3- الأرجاء: جهات الكون.

(46) في آية التطهير

(بحر الكامل)

الشيخ علي منصور المرهون

حُقَّ البكاءُ لِفاطِمَ الزَّهْراءِ *** بِنْتِ النَّبيِّ كَرِيمةِ الآباءِ

بنتِ النبيِ حليلُها خيرُ الوري *** أبناؤُها هُمْ خِيْرَةُ الأَبناءِ

كلُّ النسا مِن دونِها فضلاً و لا *** مثلُ البتولةِ من بني حوّاءِ(1)

في آيةِ التطهيرِ فاقرأْ فَضْلَها *** تُعطيكَ درساً ظاهرَ الأَنْباءِ

في (قُل تَعَالَوا) فاقرأَنَّ مَنَاقِباً *** تُنْبِيكَ حَقاً عن عَظِيمِ وِلاءِ(2)

آيُ المودّةِ لاِيُشَكُّ بأَنَّها *** فَرَضَتْ مَحَبَّتَها بلا إخْفاءِ(3)

ص: 403


1- انظر الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء، للإمام شرف الدين العاملي، و فيه يورد الأدلة القاطعة من الكتاب و السنة نقلاً من كتب العامة المعتبرة. و انظر فضائل الخمسة من الصحاح الستة و غيرها عند السنة و الجماعة للفيروزآبادي فصل الزهراء «سلام الله عليها» و انظر فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن للسيد صادق الشيرازي و غيرها.
2- إشارة إلي آية المباهلة. تُنبيك: أصله تُنبئك، بمعني تُخبرك.
3- هي قوله تعالي في سورة الشوري: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» سورة الشوري/آية23. و قد روي العلامة البحراني عن صحيح البخاري في تفسير الآية المذكورة، بإسناده المتصل بابن عباس أنه سأل عن قوله تعالي: «إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» فقال سعيد بن جبير : قربي آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم. و روي هو أيضاً عن مسند أحمد بن حنبل بسندٍ متصل بسعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: لما نزل قوله تعالي:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًاً...» سورة الشوري/ آية: 23، قالوا يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من قرابتُك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلي الله عليه و آله و سلم؟ علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و ابناهما عليهم السلام. و أخرج هذا النص بهذا السند أيضاً إبراهيم بن معقل النسفي الحنفي في تفسيره بهامش تفسير الخازن ج4 ص94. و أخرج مثله الحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص368، و نحوه ابن الصباغ المالكي في مقدمة الفصول المهمة و الشافعي الحمويني الجويني في فرائد السمطين ج1 الباب الثاني و الخوارزمي الحنفي في كتابيه المقتل و المناقب و الزمخشري في الكشاف و استدل علي اعتباره بروايات كثيرة، و قد نصّ عليه الكثير من المفسِّرين و المؤرِّخين و المحدثين منهم الطبري في تفسير جامع البيان، و أبونعيم في حلية الأولياء ج3 ص201، و كذلك الإمام الرازي في التفسير، و محب الدين الطبري في ذخائر العقبي ص25، ابن جحر الهيثمي -علامة الشوافع في مجمع الزوائد ج7 ص103، و السيوطي في الدر المنثور عند تفسير الآية و المتقي الهندي في كنز العمال ج1 ص218، و العلامة الشبلنجي في نور الأبصار ص101، و كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام في القرآن.

نُورُ النُّبُوَّةِ نُورُها مِنْهُ سَمَتْ *** أَنْوَارُ ساداتِ الوَرَي الأُمناءِ

هي بَضْعَةُ المُخْتَارِ يَرْضَي إِنْ رَضَتْ *** يَوْماً وَ يَسْخَطُ إِنْ دَعَتْ بِعَناءِ

أَجْرُ الرِّسالةِ في مَوَدَّةِ فاطمٍ *** وَ عَلِيِّ الكرارِ و الخُلفاءِ(1)

لكِنَّ أَصْحابَ النَّبِي لَمْ يَرْقُبُوا *** في آله إلاَّ فَأَيُّ ولاءِ(2)

عادَوْهُمُ آذَوْهُمُ حتي اغْتَدَتْ *** أَجْسادُهُمْ غَرَضاً لِكُلِّ بَلاءِ

هذِي البَتُولَةُ رُوِّعَتْ ما بَيْنَهُمْ *** مِنْ بَعْدِهِ مِنْ قَبلُ جَفَّ ثَرَاء(3)

ما انْصَفُوا أَعْداؤُها إِذْ أَوْدَعوا *** في قَلْبِها حُرَقاً مِنَ الأَرْزاءِ

قَدْ زَوِّرُوا في مَنْعِها ما أَحْدَثُوا *** بدعاً تَدُومُ عَلَي الوَرَي بِبَلاءِ(4)

سامُوا(5) ابْنَةَ المختارِ فيما بَيْنَهُمْ *** ذلاً، هواناً، مِحْنَةً بِجَفَاءِ

ص: 404


1- روي الزمخشري في الكشاف، في سبب نزول آية المودة الآنف ذكرها، رواية جاء فيها: أن الأنصار فاخروا بعض بني هاشم، فعاتبهم النبي صلي الله عليه و آله و سلم بذلك، فجثوا علي الركب، و قالوا: أموالنا و ما في أيدينا الله و لرسوله، فنزلت الآية، فقرأها عليهم. و المراد من الخلفاء هم عترة الرسول و أهل بيته المعصومون.
2- الإلُ: العهد و القرابة.
3- ثراء: أي إنه لذو عدد و كثرة مال.
4- هذا البيت و ما قبله و ما بعده إشارة إلي حادث السقيفة و فدك و الهجوم علي الدار وإضرام النار.
5- ساموا: أي اذاقوها الذل و العذاب و ظلموها حقَّها.

(47) مولد الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الحاج علي يوسف المتروك (*)(1)

طَائِرُ الْبِشْرِ فِي رُبَي الْبَطْحَاءِ *** يَتَغَنَّي بِمَوْلِد الزَّهْرَاءِ(2)

وَ تَنَادَتْ جِبَالُ مَكَّةَ زَهْواً *** حِينَ هَلَّتْ بِنُورِهَا الْوَضَّاءِ(3)

هَلَّ بِالْيُمْنِ مُتْرَعاً بِالأَمَانِي *** وَ تَعَالَي النَّداء تِلْوَ النَّداءِ(4)

ص: 405


1- (*) هو الأستاذ الفاضل الحاج علي ابن الحاج يوسف ابن الحاج علي المتروك. ولد المترجَم له بالكويت سنة (1352 ه_) الموافق لعام ( 1934م) و بحكم بيئته و سلفه الصالح نشأ علي حب الخير و الفضيلة. و أسرة المتروك من الأسر المعريقة المعروفة في الكويت. درس المترجَم له في المدرسة المباركية و التحق بالمعهد البريطاني لدراسة اللغة الإنجليزية، و كذلك بالمعهد التجاري في الكويت إلي جانب تثقيف نفسه بكتب اللغة و الأدب و التاريخ. تدرّج في عدة وظائف و آخر وظيفة كان يشغلها هي مدير عام أملاك الدولة بدرجة وكيل وزارة و في سنة (1972م) ترك العمل الوظيفي لينصرف إلي العمل التجاري الحرّ. و هو يعدّ نموذجاً للخلق الرفيع و النفس العالية و محبوباً عند مختلف الطبقات أزْيَحي الطبع ذكياً رقيق الأسلوب معروفاً في الأوساط وفيّاً مع أصدقائه و معارفه، و قد تعرّفت عليه في ديوان المرحوم الحاج محمد قبازرد «تغمّده اللَّه بواسع رحمته» فوجدته مثالاً للفضيلة و الخير. و المترجم له أديب و شاعر مرموق يقرض الشعر، و له إلمامات أدبية و إطلالات في بعض الصحف اليومية عبر مقالات سياسية بين الحين و الآخر. كما أن للأستاذ المتروك ديواناً عامراً للضيافة يرده الخاص و العام في كل أسبوع ليلتين هما (السبت و الثلاثاء) و أكثر روّاده من الطبقة المثقفة و أصحاب الوجاهة و أهل الخير.
2- البطحاء: مسيل الوادي فيه دقاق الحصي و المراد مكة، لاشتهار بطحاء مكة، و شيخ البطحاء أو الأباطح هو أبوطالب.
3- زهواً: فخراً.
4- اليُمن: البركة. مُترَعاً: مملوءاً.

وَ الصَّبَاحُ الْجَمِيلُ أَوْرَقَ مِنْهُ *** كُلُّ أَزْهَارِ دَوْحِهِ الْمِعْطَاءِ

بَضْعَةُ الْمُصْطَفَي عَنِ الْوَصْفِ جَلَّتْ *** وَ سَمَتْ فَوْقَ هَامَةِ الْجَوْزَاءِ(1)

فِيكِ يَحْلُو النَّشِيدُ حُلْوَ الْمَعَانِي *** وَ يَعُمُ الضِّيَاءُ عالِي السَّناءِ(2)

وَ تُعِيدُ الأَيَّامُ أَصْدَاءَ وَحْي *** فِيهِ بِالْفَضَلِ خُصَّ أَهْلُ الْكِسَاءِ

سَيِّدُ الخَلْقِ وَ الْهُدَاةُ الْمَيَامِينُ *** مِنَ الغُرِّ آلِهِ النُّجَباءِ(3)

مَنْ تَخَلَّي عَنْهُمْ تَخَلَّي عَنِ اللَّهِ *** كَمَنْ باتَ هَائِماً بِالعَرَاءِ(4)

مَا تَلَوْنَا الكِتَابَ إِلاَّ وَ كَانَتْ *** فِيهِ للآلِ وَ مَضَةٌ لِلثَّنَاءِ(5)

تَتَجَلَّي الأَسْرَارُ فِي مَا رَوَيْتُمُ *** وَ سَلَكْتُمُ فِي الْبَدْءِ وَ الإِنْتِهَاءِ

نَحْنُ مِنْ طِينَةِ الْوِلَاءِ خُلِقْنَا *** وَ سَتُطْوَي أَعْمَارُنَا بِالوِلاءِ(6)

ص: 406


1- الجوزاء: نجمة يضرب بها المثل في العلو و الارتفاع.
2- السناء: النور و الضياء.
3- الميامين: جمع ميمون و هو المبارك. و الغرّ: البيض الكرام، النجباء: و هو الفاضل النفيس في نوعه.
4- هائماً: ذاهباً لا يدري أين يذهب. العراء: الصحراء.
5- و مضة: لمعة البرق.
6- إشارة إلي أخبار الطين، التي تقضي بأن طينة الشيعة و الموالين هي من طينة الأئمة و المعصومين عليهم السلام. راجع بحار الأنوار ج 22/15 / ح35 و 36 تاريخ نبينا صلي الله عليه و آله و سلم باب بدء خلقه و ما يتعلق بذلك، و ج61 ص45، و ج67 ص127، و سفينة البحار، تحت لفظة طيئة.

(48) أم الأئمة عليها السلام

(بحر الكامل)

السيد غياث آل طعمة (*)(1)

قَدْ كانَ فِي أَرْضِ الحِجَازَ عَناءُ *** فَدَمٌ يُراقُ و تُستَباحُ نِساءُ

وَ النَّاسُ لا أَمْنٌ فَيَهْدَأَ بَالُهُمْ *** بَلْ قاتِلٌ وَ مُضَرَّجٌ وَ فِداءُ

إِذْ مَنَّ رَبُّ النَّاسِ بِالنُّورِ الَّذِي *** مِنْ بَعْضِهِ تَتَنَوَّرُ الأَرْجاءُ

بَعَثَ النَّبِيَّ بِشِرْعَةٍ بَنَّاءَةٍ *** قَدْ قال فِيها: إِنَّهَا سَمْحَاءُ

ص: 407


1- (*) هو السيد غياث ابن السيد جواد ابن السيد حسين ابن السيد جواد ابن السيد حسون ابن السيد أمين ابن السيد جواد ابن السيد أحمد ابن السيد يحيي آل طعمة من آل فائز الموسوي الحائري. ولد المترجم له في مدينة كربلاء المقدسة في يوم الاثنين (1956/4/21م) الموافق لسنة (1375ه_) و نشأ بها، أكمل دراسته الابتدائية و المتوسطة و الإعدادية في مدارسها ثم أكمل دراسته في كلية الإدارة و الاقتصاد بجامعة بغداد. و في سنة 1980 م غادر العراق إلي إيران، و عمل في مؤسسة آل البيت عليهم السلام و اشترك ضمن العمل الجماعي في تحقيق بعض كتب الحديث و الفقه (كمستدرك الوسائل) و (وسائل الشيعة) و (جامع المقاصد) و(منتهي المطلب) و غيرها. و في سنة (1986م) وفّق بحمد الله لأن يسلك خدمة المنبر الحسيني و ما يزال و يسأل الله التوفيق لذلك. و قد ظهرت موهبته الخطابية أكثر عندما هاجر من إيران إلي الأراضي البريطانية و صار من الخطباء المعروفين فيها. تعلق مترجمنا بالشعر منذ الصغر و خاصة الشعر الذي يختص بأهل البيت عليهم السلام، و كان يهوي نظمه خاصة عندما يحلّق المرء في آفاق شعر الفطاحل كالكميت و أبي فراس و السيد حيدر الحلي من المتأخّرين و أضرابهم و قد انحصر أغلب نظمه المتواضع في هذا المجال، و طبع له مؤخراً ديوان... و لايزال يمارس دوره الخطابي و الثقافي في مختلف الأبعاد؛ وفّقه الله لكل خير و سدّد خطاه.

فَدَعَاهُمُ فَتَكَالَبُوا لِجَهَالَةٍ *** وَ النَّاسُ مَا جَهلُوا لَهُ أَعْدَاءُ(1)

فَإِذَا الأَمِينُ بِلا أَمانٍ يُرْتَجَي *** بَلْ قَسْوَةٌ حَفَّتْ بِهِ وَ جَفَاءُ(2)

لَكِنَّهُ يَأْوِي لِحِصْنِ خَدِيجَةٍ *** فَيَزُولُ عَنْهُ الهَمُّ وَ الإِعْياءُ

وَ تَشاطرا مُرَّ الحياةِ وَحُلْوَها *** مِنْهَا العَطا وَ مِنَ النَّبِيِّ ذَماءُ(3)

للهِ كَدُّهُمَا، وَ ما مِنَ غايةٍ *** الأهُ وَ العِشقُ العظيمُ عَطاءُ

فَحَباهُما الرَّحْمَنُ خَيْرَ هَدِيَّةٍ *** ثَمَرُ الجِنانِ بِناؤُها المِعْطاءُ

وَ غَدَتْ أنيسَةَ أُمّها في بَطْنِها *** تُجْلِي الهُمُوم فَيُسْتَطَابَ هَناءُ

حَتّي أَضَاءَ الكونُ بالقَبْسِ الذي *** سَرَّ النَّبِيَّ فَوَجْهُهُ وَضَّاءُ

وَ اليَومَ قَرَّتْ أَعْيُنٌ إِذْ أُخَبِرَتْ *** وُلِدَتْ لِتَنْثُرَ خَيْرَهَا الزَّهْراءُ

زَهْراءُ طَهَ، مَنْ تَدَبَّرَ أَمْرَها *** سَيَحارُ، فَهيَ عَلَي العُقُولِ عَماءُ

سِرِّ خَفِيُّ الكُنْهِ ما أدراكَ مَنْ *** بنتُ الرسول؟ وَ هَلْ كذاك نَماءُ؟

هِيَ مُلتقي الأنوارِ و السِّرُّ الَّذِي *** فُتِقَتْ بِهِ أَرْضٌ لَنا وَ سَماءُ

هيَ نَفْحُ قُدْس قد أُديِفَ بطيئَةٍ *** فَإذا بها إنْسِيَّةٌ حَوْراءُ(4)

هِيَ بَضْعَةُ المُخْتارِ و النُّورُ الَّذِي *** لَوْلا عَلِيٌّ ما لَهُ أَكْفاءُ

وَ هِيَ الَّتِي خَيْرُ الرِّجالِ بِبابِها *** خَدَمٌ وَ ساداتُ النِّساءِ إِماءُ(5)

إنْ تَرْضَ يَرْضَ اللَّهُ، أَوْ غَضِبَتْ عَلَي *** عَبدِ فَلَيْسَ سِوَي الهَلاكِ جَزَاءُ

أُمُّ الأَئِمَّةِ و المناقبُ جَمَّةٌ *** أَيُحِيطُ عَلْياءَ البَتُولِ ثَناءُ؟

لكِنَّنِي أَرْجُو النَّجاةَ بِذِكْرِها *** فَظِلالُها يَوْمَ الجَزاءِ وَقاءُ(6)

فَعَسَي تَمُنُّ بِنَظْرَةٍ فَوْزِي بِها *** حَتْمٌ، فَلَيْسَ بِغَيْرِ ذاكَ نَجاءُ

ص: 408


1- مقتبس من قول أميرالمؤمنين عليه السلام: «الناس أعداء ما جهلوا» نهج البلاغة، الكلمة 172 من قصار الكلمات.
2- الجَفاء: قساوة القلب.
3- الذَّماء: السعي و الحركة.
4- أُديف: خُلِطَ.
5- أمثال سلمان و أسماء بنت عميس.
6- العوالم ج 11 في أبواب وقوفها في الحشر، و كيفية خروجها علي الأشهاد و تعلّق المحبين بأذيال مرطها و ردائها.

(49) سر الوجود

(بحر الخفيف)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(1)

كَيْفَ أَسْلُو وَ نَكْبَتِي فَقْماءُ *** وَ بِقَلْبِي أَحاطَتِ الأَرْزاءُ(2)

خَلَّني و الْبُكا وَ إِنْ كُنْتُ أَدْرِي *** لَيْسَ يُجْدِي بَعْدَ الحَبِيبِ البُكاءُ

ص: 409


1- (*) هو العلامة الشيخ فرج بن حسن بن أحمد بن حسين بن محمدعلي بن محمد بن عبداللَّه بن فرج بن عبد اللَّه بن عمران القطيفي. ولد في القطيف ليلة الجمعة في الثاني من شهر شوال سنة (1321 ه) وقد أرَّخَ ميلاده بأبيات قالها في المناجاة: رَجَوْك غفراناً كما قد أتي *** في مولدي تاريخه (اغفر لي) و (آل العمران) أسرة معروفة في القطيف لها مكانتها المرموقة في أوساط القطيفيين، و قد تخرّج منها عدد كبير من رجالات الفضل و العلم الذين يحظون بمكانة مرموقة، من بين هؤلاء نبغ شيخنا المترجم حيث ولد و ترعرع في أحضان أسرته الفاضلة، فنشأ نشأة صالحة كريمة، و تعشّق العلم منذ نعومة أظفاره فدرس علي أساتذة عصره أصحاب الفضيلة علماء بلاده القطيف، و في سنة (1356 ه_) هاجر إلي مدينة العلم و الأدب (النجف الأشرف) و بقي فيها زمناً يرتشف منها، فأنهي الكتب المنهجية المقررّة في الحوزة علي يد فطاحلها و عباقرتها ، ثمَّ عادَ إلي وطنه و هو يحمل شهادات عالية من علماء النجف تشهد له بطول الباع وسعة الاطلاع و الفضل و الفضيلة و الورع و التقي و الصلاح وكيلاً من قبلهم، و كانت له شهرة واسعة في القطيف فكان مرجع الرأي العام و موئل القاصدين من ذوي التدين و طالبي الحقيقة فكان يعدّ من أنفع رجالات الدين في مجال العلم و الخدمة الاجتماعية. اشتغل بالتدريس و التأليف حتي نتج من قلمه الكثير النافع من التأليف القيّمة كان من أهمها موسوعته (الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية) و ديوانه المسمي ب_«الروض الأنيق» و هو في أهل البيت عليهم السلام مدحاً و رثاءً.
2- نكبتي: مصيبتي و فقماء عظيمة، من تفاقم الأمر بمعني تعاظم.

عزَّ مِنّي العَزَا وَ هَل بَعْدَ فَقْدِي *** سَيْدَ الرُّسُلِ سَلْوَةٌ وَ عَزاءُ(1)

يا فَقِيداً مِنْ بَعْدِهِ انقَطَعَ الوَحْيُ *** وَ عِلْمُ الغُيُوبِ وَ الأَنْباءُ

وَ اسْتَحالَتْ أَيَّامُنا البِيضُ سُوداً *** بَعدَما أَزْهَرَتْ بِهِ الظَّلْماءُ(2)

و انْتَنَتْ بَعْدَهُ العقولُ بِتَيْهاءِ *** ضلال تَصُدُّها الأَهواءُ(3)

ضَلَّ قَوْمٌ بالانْقِلابِ علي *** الأعْقابِ مِنْ بَعْدِهِ و لِلْجَهْلِ فاؤوا(4)

بعدما أَوْضَحَ الهُدَي وَ أَبانَ الحَقَّ *** فَالْحَقُّ ما عَلَيْهِ غِطَاءُ

لاتَسَلْ عَنْ تَفْصِيلِ ماكانَ فَالاً *** لسُنُ في شَرحِ حالِهِ خَرْساءُ

وَ ابْكِ شَجُواً لِفَقْدِهِ فَهُوَ رُزُءٌ *** صَغُرَتْ فِي قُبالَتِهِ الأَرْزاءُ(5)

ماتَ سِرُّ الوُجُودِ خَيْرُ البَرَايَا *** فَلْتَمُتُ بَعْدَ مَوْتِهِ الأَحْياءُ

إِنَّما قَرَّتِ السَّما بارتقا الرُّوحِ *** وَ قَرَّتْ بجسمِهِ الغَبْراءُ(6)

لستُ أنْسَي البتولَ إِذْ أَقْبَلَتْ *** لِلْقَبْرِ تَنْعَي وَ لَيْسَ يُجْدِي النُّعاءُ(7)

أخَذَتْ مِنْ صَعِيدِهِ وَ هُوَ مِسْكٌ *** عَطَّرَ الخافِقَيْنِ منهُ الذَّكاءُ(8)

ثُمَّ شَمَّتَهُ وَ هيَ تُنْشِدُ (ماذا) *** راقَ ذاكَ الإنشادُ و الإنشاءُ(9)

ص: 410


1- عزّ العزاء: فقد الصبر و السلوي. و السلوي و السلوةَ و السلوان: الصبر و التسلي.
2- أزهرت: أنارت و أضاءت.
3- تيهاء: متاهة و تيه.
4- فاؤوا: رجعوا.
5- الشجو: الهم و الحزن الأرزاء:جمع رزيّة، و هي المصيبة.
6- الغبراء: الأرض.
7- تنعي: تدعو بموت الميّت و تُشعر به، من نعاه يَنْعاه نعياً و نُعياناً. و أمّا النُّعاء: فهو صوت السَّنور، جاءت من نعا ينعو بمعني صات. و إنما لجأ الشاعر إلي «النُّعاء» اضطراراً، و هو يريد بها النعي و النُّعيان.
8- صعيده: ترابه أو قبره. و الذَّكاء للريح و العطر: شدة رائحته. الخافقين: المشرق و المغرب.
9- في الفصول المهمة ص132، و الدر المنثور ص360 و غيرهما: أن الزهراء عليها السلام بعد أن دفن و الدها الرسول العظيم صلي الله عليه و آله و سلم، أخذت قبضةً من تراب قبره الشريف و شمّتها، و أنشأت تقول : ماذا علي من شمَّ تربةَ أحمدٍ *** أنْ لا يشمّ مدي الزمان غواليا صُبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنها *** صُبَّت علي الأيّام صرنَ لياليا و في كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد القزويني ص311 و سفينة البحار للقمي تحت لفظة (رثا) نقلاً عن (الدر النظيم) للشيخ جمال الدين الشامي: أنها سبعة أبيات مع ما نقلناه، و اختار المحقق في المعتبر، و الشهيد الأوّل في الذكري البيتين المذكورين فقط. أما رواية السفينة و القزويني، مع تفاوت بينهما يسيرٍ في جعل البيت الأوّل هو البيت الأخير أو الأوّل، فهي: قل للمغيَّب تحت أثواب الثري *** إنْ كنت تسمع صرختي و ندائيا صُبَّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنَّها *** صُبَّت علي الأيّام صرن لياليا قد كنتُ ذات حميَ بظلِّ محمدٍ *** لاأخشَ من ضيم، و كان حمي ليا فاليوم أخضعُ للذليل و أتَّقي *** ضيمي، و أدفعُ ظالمي بردائِيا فإذا بكت قُمريَّةٌ في ليلِها *** شَجَناً علي غُصْن بَكَيْتُ صباحيا فلاجعلنَّ الحزنَ بعدَك مؤنسي *** و لأجعلنَّ الدمعَ فيك و شاحِيا ماذا علي من شمَّ تربة أحمدٍ *** أنْ لا يشمَّ مدي الزمان غواليا

أَبَتا يا حِمّي بِهِ يَلْجَأُ اللأجِي *** وَ بَدْراً بِنُورِهِ يُسْتَضاءُ

غِبْتَ عَنَّا فَأَظْلَمَ الْعَصْرُ لَمّا *** غِبْتَ عَنّا وَ اغْبَرَّتِ الأَرْجاء

وَ عَلَيْنا صُبَّتُ خُطُوبٌ لو الشُّمُّ *** وَعَتْها عادَتْ وَهُنَّ هَباءُ(1)

لَستُ أَهْوَي إِلالِقاكَ سريعاً *** ليتَ شِعري متي يَكونُ اللَّقاءُ

لَسْتُ أسْلُوك أو تُرِيني المُحَيَّا *** كَيْفَ أَسْلُو وَ نَكْبَتِي فَقْماءُ(2)

ص: 411


1- وعتها: حملتها و تحملتها من قولهم: حمل الوعاء الماء و الخطوب: المصائب و الأمور العظيمة، و الجبال السمّ: العالية منها.
2- المحيّا: الوجه و الألف و اللام وقعتا موقع المضاف إليه المحذوف فكأنه قال: أو تُريني مُحيَّاك.

(50) الطهر البتول عليها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي (*)(1)

ص: 412


1- (*)هو الشيخ كاظم ابن الحاج محمد صالح ابن الحاج عبد الحسين المطر الاحسائي. ولد في مدينة البصرة سنة (1312 ه_) و نشأ في أحضان الفضيلة و التقي تتجاذبه السمات الهاشمية من جهة الأم فأمه سيدة علوية هاشمية تنتمي إلي عائلة الغريفي المعروفة بالعلم و الفضل و التقي و الأدب و تتجاذبه السمات الحسينية من جهة الأب فأبوه الحاج ملا محمد صالح ابن الحاج عبد الحسين المطر، كان خطيب الخطباء في عصره ممن يشار إليهم بالبنان في مدينة البصرة و جميع أنحاء العراق و في أقطار الخليج العربي كالبحرين و عُمان و الإمارات. فهو قدوة الخطباء و عَلَمٌ من أعلام الأدب و لاغرو إذاً لو كان مترجمنا شاعراً عظيماً بعد العراقة الوراثية و التعزيزات الدراسية. درس علي فطاحل العلماءكالعلامة الكبير السيد عدنان السيد شبر الغريفي البحراني، و الشيخ عيسي الشيخ صالح الجزائري، و كان يذهب إلي النجف الأشرف بين الفينة و الفينة يستنير من علمائها خصوصاً العلامة الشيخ محمد رضا الياسين كما كان يستلهم علمه من علماء الاحساء كالعلامة الشيخ موسي بوخمسين و العلامة السيد ناصر الاحسائي. بدأ المترجم له حياته المنبريّة مع والده الحاج ملا محمد صالح ثم مع الخطيب الحاج ملا محمد حمزة العمراني و هو من المشهورين في البصرة في فن المنبر بالإضافة إلي ما كان معروفاً به من مكارم الأخلاق ثم مع خاله السيد سعيد إبن السيد محمد الغريفي و هو من الخطباء المبرزّين في المحمرة. و تفنن في الخطابة و ما لبث أن ذاع صيته و انتشر ذكره انتشار الطيب و صارت له صولات و جولات في سباق الفن و الأساليب المنبريّة مع قرنائه المميّزين كالحاج ملا أحمد الرمل و الحاج محمد عياش و الحاج ملا خضير «رحمهم الله جميعاً». و في البصرة لازم العلامة الشيخ حبيب بن قرين العالم المجتهد الذي رافقه إلي الأحساء و كان يتلقّي منه معارفه ملازماً له فترة وجوده هناك ثم قرّر أن يقيم في الأحساء إقامة دائمة جلب أثناءها أبناءه من البصرة ليعيشوا معه هناك. بدأ نظم الشعر في حياته الأدبية منذ حداثة سنه بعامل الوراثة. إذ أن أبوه من خيرة الشعراء و عامل الدراسة فامتاز شعره بالرصانة و الطبعية فتفنن بأنواع النظم و له الشيء الكثير في الغزل و النسيب و الوصف و المدح و الرثاء باستخدام شتي البحور و الأوزان من موشّح ومذيّل و بند و له الكثير من التخميس و التشطير و له مساجلات شعرية مع الشيخ محمد صالح قفطان و السيد عباس شبر و الشيخ عبد الكريم الممتن و الشيخ حسن الجزيري و الشيخ هادي الخفاجي خطيب كربلاء و كثير شعره في أهل البيت عليهم السلام و طبع له ديوان باسم (قلائد و فرائد) و مما لا ينكر أنه تخرج عليه عددَّ من الخطباء فتتلمذ علي يديه من أولاده الخطيب الحاج ملا جواد و الحاج ملا محمد صالح و من غيرهم ملا عباس بالمحمرة و الخطيب الحاج ملا طاهر الموسي و الخطيب ملا طاهر البحراني و غيرهم. و افاه الأجل في9/17/ 1390 ه_ عن عمر تجاوز السبعين عاماً.

ضَحِكَتْ بُرُوقُ الخِصْبِ بِالفيحاءِ *** فَهَمَتْ جُفُونُ غَمَامِها بِبُكاءِ(1)

وَ تَبَسَّمَتْ تِيكَ الرُّبُوعُ إِذِ اكْتَسَتْ *** مِنْهَا الرُّبي بِغَلائِلٍ خَضْراءِ(2)

رَقَصَتْ غُصُونُ الدَّوْحِ و التَّصْفِيقِ *** لِلأَوْراقِ إِذْ عَزَفَ النَّسِيمُ هَوائِي(3)

فشدا الهَزارُ و رَجَعَ القُمْرِيُّ *** بِالتَغْرِيدِ وَ التَّلْحِينِ لِلْوَرْقاءِ(4)

وَ خَمائِلُ الأَزْهَارِ طَرَّزَ وَشْيَها *** غَضُّ الأقاحِ بِصِبغةٍ حَمْراءِ(5)

وَ عَلَي مُنَضَّدَةِ الرَّياحِينِ اسْتَطالَ *** الْوَرْدُ فِي خَبَرٍ عَنِ الشُّعَرَاءِ(6)

ص: 413


1- الفَيْحُ: خِصب الربيع في سعة البلاد و الفيحاء: الواسعة. و همت: صبّت دمعها عن اللحياني و قيل: سال، دمعها و كذلك كُلّ سائل من مطر و غيره. انظر لسان العرب.
2- الربوع: الأحياء، و المواضع الخصيبة. و الرُّبي: جمع ربوة، بالتثليث في الباء: كلّ ما ارتفع من الأرض، و قد يُراد بها الديار. و بالغلائل أراد الغَلات و الغِلال جمع غلة و هي: الدخل من كراء دارِ و فائدة أرض و نحو ذلك، راجع المنجد.
3- الدَّوْح: جمع دَوْحَة و هي الشجرة العظيمة المتسعة.
4- شدا و رجَّع: غَنَّي. و القُمري و الأنثي قُمرية، الجمع قُمْرٌ و قماريّ: نوع من الحمام حسن الصوت و الهزار: طائر شبيه بالعندليب، أو هو نفسه، يضرب به المثل في حُسن الصوت و الورقاء: صفة الحمامة.
5- الخمائل: جمع خميلة: الشجر الكثيف الملتف و الأقاح، و قد يقال: الأقاحي: جمع أقحوان و هو نبت البابونج أو القُرَّاص، قال الجوهريّ: هو نبت طيّب الريح، حواليه ورق أبيض، و وسطه أصفر و الغضُّ: الطريُّ الناعم. و قد يجوز رفع (غضّ) علي أنه فاعل و (وشيَها) هو المفعول، و العكس أيضاً محتمل.
6- التنضيد: التنسيق و الترصيف و الإحكام و الخَبْرُ: الزَّرعِ أو الأرض التي ينبت فيها الزرع و الشجر، و لعلّ من ذلك كلمة (خيبر)، أو هما معاً فرعان لأصلٍ واحدٍ و المخابرة المزارعة، انظر لسان العرب علي أنني أحتمل وقوع التصحيف في كلمة (خبر)، فالمعني بناءً علي إثباتها ركيك و لايخلو من إغراب و تكلَف.

إيه رُبُوعَ أَحِبَّتِي وَ رَبيعَها *** الزَّاهِي وَمُزْهِرَ أُفُقِها اللأُلاء

ياما أُحَيْلاها أُويْقاتاً مَضَتْ *** فَضَّيْتُها برياضِكِ الغَنَّاءِ(1)

حَيْثُ الْهَوَي طَلْقُ العِنانِ إِذِ الصَّبا *** غَضٌّ، وَ عَنِّي الدَّهْرُ ذُوإغضاءِ(2)

حَيْثُ الرَّبِيعُ وَ وَرْدُهُ قَدْ أَشْبَهَتْ *** خَدَّ الحَبِيبِ بِحُمْرَةِ اسْتِحْياءِ

ما بَيْنَ نَدْمانِي غَداةَ أَدارَها *** صِرْفاً وَ ما مُرْجَتْ بِغَيْرِ هَناءِ(3)

حَتَّي كَأَنَّا وَ الشَّهِيَّ حَدِيثُهُ *** فِي ذِكْرِ مَوْلِدِ فاطِمَ الزَّهراءِ

مَوْلاتِنا الطُّهرِ البَتُولِ وَ بَضْعَةِ *** الهادِي الرَّسُولِ سُلالَةِ الأُمَناءِ

سَكَنِ الإِمامِ عَليَّ الضَّرْغَامِ أُمَّ *** المُصْطَفَيْنَ السَّادَةِ الأُمَناءِ

عِقْدٌ بِهِ انْتَظَمَتْ فَرائِدُ جَوْهَرِ*** الفَرْدِ الْعَلِيِّ وَ فِيهِ عَقْدُ وَلاءِ(4)

مشكاةُ نُورٍ كُلُّ نُورٍ فَرْعُهُ *** فِيهِ جَلاءُ غَياهِبِ الظُّلْماءِ(5)

ص: 414


1- الرياض: جمع روضة، و هي الأرض المخضرَّة بأنواع النبات. و الغنّاء: العامرة الكثيرة الشجر.
2- الإغضاء: الصدود، و إطباق الجفنين عن رؤية الشيء.
3- ما بين: مقلوب بينما. و الندمان الشريك الذي قد أدمن معه الشراب، و كثيراً ما يتغني الشعراء بهذه الكلمة و مقصودهم منها في الغالب علي غير حقيقتها، و الصرف، بكسر الصاد: الخمر الخالص، أو الخالص من كلّ شيء، و بفتح الصاد: التوزيع و التقليب و منه: تصريف الرياح و السحاب.
4- الجوهر: مصطلح فلسفي يعني الشيء الذي يقوم بذاته و لايفتقر إلي غيره، في مقابل العَرَض الذي يفتقر إلي غيره ليقوم به. و يستعمل علماء الكلام المسلمون الجوهر الفرد للدلالة علي الجوهر البسيط، و هو الجزء الذي لا يتجزأ، و لايصح عندهم إطلاق الجوهر الفرد علي الله «سبحانه»، لأنهما يستلزمان الجسميّة و الجزئية (الموسوعة العربية الميسرة) و المظنون أن الشاعر أراد بجوهر الفرد معني: الأصل المنفرد بذاته. و الفرائد: الجواهر النفائس. و العِقد، بكسر العين: القلادة، و هو بفتحها العهد و الميثاق.
5- المشكاة: الكوّة في البيت لانافذة لها، بحيث يوضع فيها المصباح عادة، أو هي المصباح نفسه. و المعنيان المذكوران هنا وردا في تفسير قوله «سبحانه»: «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ» -سورة النور: آية 35. و الجلاء: الكشف. و الغياهب: جمع غيهب و هو الشديد السواد من الخيل و الليل، أو هو الظلمة نفسها.

للهِ نُورٌ قَدْ تَجَلَّي قَدْسُهُ *** يُمْناً وَ فَضْلاً عَمَّ كُلَّ مَسَاءِ(1)

حَتَّي إِذا شاءَ الإِلهُ نُزُولَهُ *** مِنْ صُلْبِ مَنْ هُوَ عِلَّةُ الأَشْياءِ

أَحْشَاءَ سَيِّدَةِ النِّساءِ خَدِيجَةٍ *** شَرَفاً لَها اسْتَدْعَاهُ كُلُّ وِعاءِ

فَإذا بها أُنْثَي، وَ ما فِيمَا بَرَي *** إِلاّ الْبَطِينُ لَها مِنَ الأكْفاءِ

يَهْنِيكِ أُمَّ الْمُؤْمِنينَ وَلِيدَةٌ *** سُدْتِ النِّساءَ بِها بِلا استِثْناءِ(2)

جنتِ العِبادَ بِخَيْرِ شافِعَةٍ لَهُمْ *** فِيهَا افْخَرِي حَتَّي عَلَي الشُّفَعاءِ

يا بِنْتَ أَكْرَمِ مُرْسَلٍ مُزَّمِلٍ *** مُدَّثِّرٍ بِرِداءِ كُلِّ عَلاءِ(3)

أنا واثقٌ بِالفَوْزِ فِي حُبِّي لَكُمْ *** وَ الصَّفَحُ مِنْكُمْ قابلٌ دَعْوائِي

ص: 415


1- قدسُه: مكانته و عظمته. و المقصود من النور المتجلي هي الزهراء عليها السلام.
2- يَهنيكِ: دُعاء بمعني: لِيَسُرَّكِ.
3- المزَّمِّل و المتزمّل: هو المشتمل بثيابه، الملتف بها. و المدَّثَر و المُتَدثْر: المتغطي بالثياب، و الدثار: الثوب الذي يُستدفأ به، أو يتغطّي به النائم. و مُدثّر برداء كلِّ علاء: إشارة إلي حديث الكساء، و نظائره.

(51) سيدة النساء عليها السلام

(بحر الوافر)

الشيخ كاظم السبتي (*)

خُذِي يَا عَيْنُ وَيحَكِ بِالبُكاءِ *** عَلي الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ النِّساءِ

(*) هو الخطيب الشيخ كاظم ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي ابن الشيخ سبتي السهلاني الحميري، اشتهر بلقب (سبتي).

ولد في النجف الأشرف عام (1258 ه) من أبوين كريمين، توفي عنه والده و هو صغير، فنما و ترعرع في أحضان أمه فأحسنت تربيته و لما أحسّت منه الذكاء و الفطنة أودعته عند السيد حسن السلطاني الصائغ ليتعلم مهنة حرة تساعده علي الحياة، ولكنه رغب عن صياغة الذهب و الفضة إلي صياغة الكلام و مجوّد النظام و سرعان ما مالت به نفسه لطلب العلم فأخذ ينهل منه برغبة و شوق فدرس المقدمات و ساعدته لباقته و حسن نبراته علي تعاهد الخطابة و ارتقاء المنبر، ليصبح في المستقبل من أقطاب الخطابة الذين تدور عليهم رحي المنبر الحسيني الشريف.

فأرهف إحساسه و ألهب شعوره اليقظ و هو بعد لم يبرح مكتب أستاذه، و لما أن قوي طموحه و اشتد ولعه بفن الخطابة و النياحة علي سيد الشهداء عليه السلام إلتحق بأحد مشاهير الذاكرين و استمر مصاحباً له يتغذي بعلمه و يلتقط صوراً من فنه تساعده علي الوصول إلي هدفه السامي.

انكبّ شيخنا المترجم له علي الدروس العلمية و الأدبية و استقي علومه و معارفه من مشاهير علماء عصره، و قد أبدع في توظيف ما تعلمّه في خدمة المنبر الحسيني حتي عدّ «رحمه الله» المجدّد لفن الخطابة، إذ كان أصحاب المنبر ذلك اليوم يكتفون في خطاباتهم علي رواية المقتل و أحداثه يوم عاشوراء، و إذا بخطيبنا يروي خطب الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام عن ظهر الغيب فتعجَب الناس و اعتبروه فتحاً كبيراً في عالم الخطابة، ثم قام يروي السيرة النبوية و سيرة أهل البيت عليهم السلام كما يروي سيرة الأنبياء عليهم السلام و قصصهم في خطابات مركّزة وقوية، فتفوّق في هذا الأسلوب الجديد حتي أدي إلي اشتهاره في الأوساط العراقية و ربما تجاوز ذلك إلي البحرين و الكويت و إيران و سوريا.

فكان أول خطيب استطاع أن يتجوّل في المواضيع الأدبية و يحلّل أحداث التاريخ المغرض الذي كتبته أقلام السلاطين كما ينتزع من المباحث الدينية صوراً يستفيد منها المجتمع.

و من سماته في الخطابة استيلاؤه علي مشاعر السامع حتي يملكها و يوجّهها نحو الهدف الذي رسمه.

و يمكن الشيخ السبتي بقوة إلمامه و سحر بيانه أن يحظي بمكانة مرموقة لدي أعلام عصره مما حدا بهم أن يصرِّحوا في حقه بكلمات لم يصرّحوا بمثلها لأحد غيره مما يكشف عن قدرته العلمية و لياقته القدسية في هذا المجال.

فقد قال فيه الفقيه الأكبر الشيخ محمد طه نجف المتوفي عام (1323 ه) في الفاتحة التي أقامها العلامة المجاهد السيد علي الداماد، لبعض أعلام عصره: (ما قدّر الله قتل الحسين حتي سبق في علمه «عزّ وجل» أن يخلق الشيخ كاظم فيكون ذاكراً له و للشهداء معه ليؤسس عزّاً و عظمة للمنبر الحسيني، و إني لا أراه علي المنبر إلا ملكاً أنزله الله بصورة البشر).

و قال فيه أحد أساتذته الفقهاء و قيل انه المازندراني: (إن الله «تعالي» في خلقه لعناية إذ شوّق الشيخ كاظم بمهنة القراءة علي الحسين ليظهر بعض من جدّ في طلب العلم، و لولا ذلك لكان الشيخ أظهر أهل عصره من أقرانه من العلماء و أشهرهم اليوم). و ذكره صاحب الحصون فقال: (فاضل معاصر و أديب محاضر و شاعر ذاكر تزهو بوعظه المنابر).

و أوجز كلمة بليغة قالها فيه الخطيب الشهير السيد صالح الحلي (رحمة الله عليه) (الشيخ كاظم هو الرجل الوحيد الذي يقول و يفهم ما يقول).

أجاب مترجمنا داعي الحق يوم الخميس آخر ربيع الأول سنة (1342ه) و دفن في الصحن الحيدري قرب إيوان العلامة شيخ الشريعة.

ص: 416

صِلِي بِبُكاتِكِ الهادِي النَّبِيَّا *** وَ خَيْرَ الناس كلِّهِمُ عَلِيا

وَ وَاسِي بِدَمْعِكِ الحَسَنَ الزَّكِيَّا *** عليها و الشهيدَ بِكَرْبَلاءِ

***

لفادِحِ رُزيها بِالْقَلْبِ جُرْحُ *** دُمُوعُ العَيْنِ مِنْهُ دَماً تَسِحُّ(1)

وَ فِيهِ لِزَنْدِ ذاكَ الرُّزْءِ قَدْحُ *** فَيُذْكِي فِي الصَّباحِ وَ في المَساءِ(2)

***

أَلا شَلَّت يَدٌ مُدَّت إِلَيْها *** بِسَوطِ جَفاءٍ يُؤْلِمُ مَنْكِبَيْها

أَيَسْلُو القَلْبُ مَنْ أَبْكَي عَلَيها *** شرارُ الناس خيرَ الأنبياء

ص: 417


1- سَحِّ: سال و انسحَّ: انصبَ، وسحَ الماءَ يسحّه: صبّه يصبّه.
2- الزَّند، مثل عَبْد: العُود الأعلي الذي يقتدح النار، و الجمع أزنُدٌ و أزنادٌ و زُنُودٌ و زنادٌ.

لَضَلَّ شِرارُ قَوْمٍ جَرَّعُوها *** كُؤُوسَ الحَتْفِ وَ الهادِي أَبُوها

سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ لَوْ أَنْصَفُوها *** لَقامَ بنصرِها دانٍ ونائِي

***

يُؤَرِّتُها المُصابُ وَ هُمْ رُقُودُ *** وَ يَجْحَدُها اللَّيْيمُ وَ هُمْ شُهُودُ(1)

ص: 418


1- إشارة إلي بكائها الذي تبرّم منه المتخاذلون عن نصرتها في استرجاع حقِّها الذي جحدها إيّاه الشيخان، و لاسيِّما فدك: و التي لم تكن تعني في الواقع غير الخلافة. فقصة فدك باختصار: أنها منطقة غنيّة خصيبة كانت تحت أيدي اليهود بينها و بين المدينة المنوّرة مسافة ثلاثة أيّام، و عرفها في مجمع البحرين بأنها منطقة و اسعة تضرب بأجرانها ما بين جبل أحد و دومة الجندل و عريش مصر و سيف البحر. و بعد أن فتح اللَّه خيبر بقيادة أميرالمؤمنين عليه السلام، صالح أهل فدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي النصف، أو عليها كلّها -كما عن الجوهري و غيره- فقبل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم منهم، فكانت له صلي الله عليه و آله و سلم خالصةَ، لأنها مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. ثم لمّا نزل جبرئيل بقوله تعالي:«وَآتِ ذَا الْقُرْبَي حَقَّهُ» الإسراء/ 26 أمر الرسول صلي الله عليه وآله و سلم بأن يدفعها إلي فاطمة عليها السلام. و شدّد صلي الله عليه وآله و سلم علي أن تبادر الزهراء عليها السلام بالتصرف فيها و يشهد بذلك القاصي و الداني، فكانت عليها السلام تتصرّف فيها أربع سنوات في حياة أبيها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. و قد نصّوا علي أن وكيلها فيها كان يجيء لها كل سنة بين ألفاً و السبعين ألفاً من الدنانير، فكانت تفرّقها علي الفقراء من بني هاشم و المهاجرين و الأنصار بحيث لم يكن يبق عندها ما يسع نفقة يومها هي مع أولادها. ولكن ما كاد الرسول صلي الله عليه وآله و سلم يودّع دار الفناء، و علي عليه السلام مشغول بتجهيزه و تكفينه عليه السلام، حتي فوجئت سيدة النساء عليها السلام بأبي بكر و عمر يطردان وكيلها و عمّالها من فدك و يستوليان عليها، فجاءت سلام الله عليها إلي أبي بكر تطالبه بفدك علي أنها نحلة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فطالبها أبوبكر بالبينة! فجاءت بعلي و بالحسن و الحسين عليهم السلام و بأم أيمن التي شهد لها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بأنها امرأة من أهل الجنة، فشهدوا لها بذلك، فردّ أبو بكر الشهود، و كذلك عمر، بحجة أن علياً يجرّ إلي نفسه! و أن أم أيمن أعجميَة لا تفصح أو أنها صالحة ولكنّها لا تغني شيئاً، و في رواياتٍ أنه ردّ أم سلمة و أسماء بنت عميس أيضاً بحجة ميلهما إلي آل البيت عليهم السلام. فلم تسكت الزهراء عليها السلام، و طالبت بحقَها ثانية علي أنه سهم ذي القربي، فأفحم أبوبكر، و كتب لفاطمة عليها السلام بذلك كتاباً، لكنّ عمر انتهب الكتاب منها عليه السلام و مزّقه و بصق فيه، و قال لأبي بكر معاتباً: و ماذا تنفق -إذن- علي المسلمين و قد حاربتك العرب. ثم جاءت الزهراء عليها السلام ثالثة، و طالبت بفدك علي أنها إرثها من أبيها صلي الله عليه و آله و سلم فأجابها أبوبكر بأنه سمع من أبيها صلي الله عليه و آله و سلم قوله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث و إن ما تركناه فهو صدقة. و هكذا فإنهما قد ضيّقا عليها كل تضييق، و سدَا بوجهها كل باب تفتحه، مع أن في كلّ واحد من أساليبها حجةً واضحةً عليهما، فلمَا لم تجد من ذلك جدوي، أعلنت عن غضبها عليهما، و اتخذت من أسلوب البكاء سلاحاً آخر لمواجهة استبدادهما و ظلمهما، لا سّيما بعد أن نحل جسمها و انهدّ ركنها و أظلمت الدنيا في عينيها، بسبب حادث الهجوم علي الدار وإضرام النار، و فراق أبيها الحبيب صلي الله عليه و آله و سلم ، و تبدل قلوب الأمة عليها، التي لولا أبوها النبي صلي الله عليه وآله وسلم، و زوجها عليه السلام المكدود في ذات الله للبثوا في ضلالهم القديم فصارت تلجأ إلي بيتٍ في البقيع عند قبور الشهداء تبكي أباها محترقة القلب، فيغشي عليها ساعة بعد ساعة. وما زالت علي تلك الحال حتي تأذّي شيوخ المدينة و سألوا أميرالمؤمنين عليه السلام أن يجعل فاطمة عليها السلام تختار إما الليل أو النهار للبكاء، فإنّ أحداً منهم لايهنأ بالنوم في الليل! و لمّا أخبرها عليهاالسلام بطلبهم قالت يا أبا الحسن عليه السلام، ما أقلّ مكوثي بينهم ! و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم! فواللَّه لا أسكت ليلاً و لا نهاراً ! أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم! هنالك بني لها أبو الحسن عليه السلام بيتاً من جريد النخل سُمي بيت الأحزان، فكانت تخرج إليه في الصباح بصحبة الحسنين فلا تزال بين القبور باكية حتي يقبل الليل، فيذهب الإمام عليه السلام خلفها، و يأتي بها إلي المنزل. للاستزادة يمكن مراجعة كتاب الإمامة و السياسة للدينوري ص14، و فتوح البلدان للبلاذري ص37 ، و روضة الواعظين للفتال ص130 ، و الخرايج للراوندي ص9، و الاحتجاج للطبرسي، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16، وكشف الغمة للعلامة الإربلي ج 2، والسيرة الحلبية ج 3ص400 ، و كتاب البحار ج43 المخصص عن فاطمة الزهراء عليها السلام، و ج11 من العوالم المختص بها كذلك و كتاب قادتنا كيف نعرفهم للسيد الميلاني ج 4 منه و فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر، و فاطمة عليها السلام من المهد إلي اللحد للقزويني ، و كتاب فاطمة عليها السلام أم أبيها للميلاني، و فاطمة عليها السلام وتر في غمد السليمان كتاني، وكتاب وفاة الصدّيقة الزهراء عليها السلام للمقرم ، و شرح خطبة الزهراء عليها السلام للشيخ المنتظري، و غيرها مما يعرف من مطاوي ما ذكرنا.

سَقِيمُ القَلْبِ أَضْنَتْهُ الحُقُودُ *** وَداءُ الحِقْدِ أَعْظَمُ كُلِّ داءِ(1)

***

أحِنُّ لَها وَلِي قَلْبٌ مَرُوعُ *** وطَرْفٌ تُسْتَهَلُ بِهِ الدُّمُوعُ

أفاطِمَةٌ تُرَضُّ لَها ضُلوعُ *** بِعَيْنِ اللّهِ جَبَّارِ السَّماءِ

***

تَحِنُّ لِما رَأَتْهُ مِنَ الصَّغَارِ *** فَما هَدَأَتْ بِلَيْلِ أَوْ نَهارِ(2)

ص: 419


1- انظر «دوافع منع فاطمة عليها السلام عن فدك» في كتاب فاطمة الزهراء عليها السلام أم أبيها، لفاضل الحسيني الميلاني ص172، مثلاً. أضنته: هزلته و أنحلته و أضعفته.
2- تحنُّ: تصوِّت و تبكي. و الحنين: الشديد من البكاء.

فَيا عَجَبا وَ حُكْمُ اللهِ جارِ *** أَيَجْري هكذا صَرْفُ القَضاءِ

***

يُقادُ الضَّيْغَمُ الكَرَّارُ قَهْرا *** و تُهْضَمُ بَضْعَةُ المُختارِ جَهْرا(1)

وَ تُدْفَنُ في ظَلامِ اللَّيلِ سِرًا *** فَلا بَرِحَ الظلامُ بِلا ضِياءِ(2)

ص: 420


1- الضَّيغَم: الأسد و الكرّار: كثير الهجوم، و هو صفة من صفات أميرالمؤمنين عليه السلام.
2- روي الواقدي بإسناده عن عكرمة، قال: سألت ابن عباس: متي دفنتم فاطمة عليها السلام؟ قال: دفنّاها بليل بعد هدأة. قال: قلت: فمن صلي عليها؟ قال: علي عليه السلام. و روي مثله القاضي أبو بكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه عن الزهري، و ذكر في كتابه في مكان آخر أيضاً: أن أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام دفنوها ليلاً و غيَبوا قبرها. و روي سفيان بن عيينة و عبد الله بن أبي شيبة مثل ذلك. و ذكره البلاذري في تاريخه، و قد نقل المرتضي في الشافعي رواية الطبري له في التاريخ ج3 ص240 حوادث سنة 11، و نقل كلَّ ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ج16 عند شرح كتاب أميرالمؤمنين عليه السلام إلي عثمان بن حنيف.

(52) حبيبة أحمد صلي الله عليه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ كامل الدرمكي

خَلِّ الحَزِينَ بِهَمِّهِ وَ بَلائِهِ *** وَ بِوَجْدِهِ وَ حَنِينِهِ وَ بُكَائِهِ

لا تَعْذِلِ المحزون تَجرَحْ قَلْبَهُ *** فَالْبَيْنُ أَوْرَي النّارَ فِي أَحْشَائِهِ(1)

ص: 421


1- لا تعذل: لا تلُمْ. الْبَيْن: الفراق و الموت. أوري أوقد في هذا البيت و الأبيات التي تليه ربما يشير الشاعر إلي ما جاء في أمالي الصدوق/ط مؤسسة الأعلمي بيروت في ص99 المجلس الرابع و العشرون قال حدثنا علي بن أحمد بن موسي الدقاق بسنده عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس، قال إن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان جالساً ذات يومٍ إذ أقبل الحسن عليه السلام فلما رآه بكي ثم قال إلي أين يا بني فما زال يدنيه حتي أجلسه علي فخذه اليمني، ثم أقبل الحسين عليه السلام فلما رآه بكي ثم قال إلي أين يا بني فما زال يدنيه حتي أجلسه علي فخذه اليسري، ثم أقبلت فاطمة عليها السلام فلما رآها بكي ثم قال غليّ إليَّ يا بنية فأجلسها بين يديه ثم أقبل أميرالمؤمنين عليه السلام فلما رآه بكي ثم قال إليَّ يا أخي ما زال يدنيه حتي أجلسه إلي جنبه الأيمن فقال له أصحابه يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما تري واحداً من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم تسرُّ برؤيته؟ فقال صلي الله عليه و آله و سلم: و الذي بعثني بالنبوة و اصطفاني علي جميع البرية إني و إيّاهم لأكرم الخلق علي الله «عزّوجل» و ما علي وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم، علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه أخي و شقيقي و صاحب الأمر بعدي و صاحب لوائي في الدنيا و الآخرة و صاحب حوضي و شفاعتي و هو مولي كل مسلمٍ و إمام كل مؤمن و قائد كل تقي و هو وصيّي و خليفتي علي أهلي و أمتي في حياتي و بعدّ موتي، محبّه محبّي و مبغضه مبغضي و بولايته صارت أمتي مرحومة و بعداوته صارت المخالفة له ملعونة وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتي أنه ليزال عن مقعدي و قد جعله الله له بعدي ثم لا يزال الأمر به حتي يضرب علي قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس و بينات من الهدي و الفرقان، و أما ابنتي فاطمة عليها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية متي قامت في محرابها بين يدي ربها «جلّ جلاله» ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض و يقول الله «عزّ وجلّ» لملائكته «يا ملائكتي انظروا إلي أمتي فاطمة عليها السلام سيدة إمائي قائمة بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي و قد أقبلت بقلبها علي عبادتي أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها (وكسرت جنبتها) و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله عليه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلا تغاث فلا تزال بعد محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة و تتذكر فارقي أخري و تستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن ثم تري نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها «الله تعالي» ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران عليها السلام فتقول يا فاطمة عليها السلام إن الله اصطفاك و طهرَّك و اصطفاك علي نساء العالمين يا فاطمة عليها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين، ثم يبتدي بها الوجع فتمرض فيبعث الله «عزّ وجل» إليها مريم بنت عمران تمرضها و تؤنسها في علّتها، فتقول عند ذلك يا رب إني قد سئمت الحياة و تبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي، فيلحقها الله «عزّوجل» بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي عليهم السلام فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلل من أذلها و خلّد في نارك من ضرب جنبها حتي ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين، و أما الحسن عليه السلام فإنه ابني و ولدي و بضعة منّي و قرّة عيني و ضياء قلبي و ثمرة فؤادي و هو سيد شباب أهل الجنة و حجة الله علي الأمة أمره أمري و قوله قولي من تبعه فإنه مني و من عصاه فليس مني و إني لما نظرت إليه تذكرت ما يجري عليه من الذل بعدي فلا يزال الأمر به حتي يقتل بالسم ظلماً و عدواناً فعند ذلك تبكي الملائكة السبع الشداد -إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم- و أما الحسين عليه السلام فإنه مني و هو ابني و ولدي و خير الخلق بعد أخيه و هو إمام المسلمين و مولي المؤمنين -إلي قوله صلي الله عليه و آله و سلم-كأني أنظر إليه و قد رمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً ثم يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً ثم بكي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و بكي من حوله و ارتفعت أصواتهم بالضجيج ثم قال صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقول اللهم إني أشكو إليك ما يلقي أهل بيتي عليهم السلام بعدي ثم دخل منزله.

إِنَّ الشَّقَاءَ علي الحَزِينِ مُسَلَّطٌ *** لا يَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ في إِخْفَائِهِ

يَكْفِيكَ عن عَذْلِ الْحَزِينِ سِقامُهُ *** قَدْ مَلَّتِ العُوَادُ مِنْ إِيْتَائِهِ(1)

و تَجَمَّعَتْ كُلُّ الأَطِبّا حَوْلَهُ *** وَ تَفَرَّقُوا لَمْ يَظْفَرُوا بِشِفَائِهِ

وَ تَعَاهَدُوا كُتُباً لَهُمْ مَخْرُونَةً *** عَجِزُوا وَ مَا قَدَرُوا علي اسْتِشْفَائِهِ

فَهْوَ المَحَنُ(2) لِما تَضَمَّنَ صَدْرُهُ *** يُخْفِي لَعَلَّ العَذْلَ في إِخْفَائِهِ

يُخْفِي مِنَ الأعْداءِ مَا فِي نَفْسِهِ *** وَ يُذِيعُهُ سِرًّا إلي أُمَنَائِهِ

ص: 422


1- العوّاد: من يعود المريض (صيغة المبالغة).
2- المحن: التي يمتحن بها الإنسان من بليَةَ، و ربما كانت تصحيف المِجَن، و هو الترس.

فَاسْتَخْبَرُوهُ ذوو البصائرِ والتَّقَي *** عَمَّا يُجِنُّ لِيَعْلَمُوا بِأَذَائِهِ

قالوا له يا صاح باللَّهِ انْبِئْنْ *** وَ بِجُمْلَةِ النّعماءِ من آلائِهِ

ما ذا الّذي تَشْكُوهُ مِنْ أَلَمِ وَ مَا *** تُخْفِي لَعَلَّ البِرَّ في إِبْدَائِهِ

قَالَ: اسْمَعُوا: اللَّهُ أكرمُ عَادِلٍ *** لايُنْكَرُ المقدورُ من إمضائِهِ

لو نالَ رضْوَي بعضَ ما قَدْ نِلْتَهُ *** هَدَّ البلاءُ لصَخْرِهِ و صَفَائِهِ(1)

وَ اللَّهِ ما أَجْرَي الدِّمَا مِنْ مُقْلَتِي *** إِلاالحسينُ مُغَسَّلاً بِدِمَائِهِ

أبْكِي لَهُ أَمْ لِليَتَامَي حَوْلَهُ *** أَمْ لِلجَوَادِ أَنُوحُ أَمْ لِنِسَائِهِ

أَمْ أَسْكُبُ الدَّمْعَ الْمَصُونَ لِفِتْيَةٍ *** عَافُوا الحَيَاةَ وَ طِيبَها لِفِدَائِهِ

فَكَأَنَّهُ طَوْدٌ هَوَي وَ كَأَنَّهُمْ *** أَعْجَازُ نَخْلٍ جُثَّمٌ بِفِنَائِهِ(2)

يا عينُ سُحّي للغَرِيبِ و اسْكُبِي *** وَ تَعَوَّدِي سَهَرَ الدُّجَي لِنِعَائِهِ(3)

وَ ابْكِي لِزَيْنَبَ إِذْ رَأَتْهُ مُجَندَّلاً *** فَوْقَ الصَّعِيدِ مُعَفَّراً بِدِمَائِهِ

عُرْيَانَ مَبْتُولَ الجَبِينِ مُجَرَّحاً *** واحَسْرَتَاهُ لِقتلِهِ وَ عَرَائِهِ(4)

لَهُفِي لَهُ وَ الشَّمْرُ يَقْطَعُ رَأْسَهُ *** وَ خُيولُهُمْ تَجْرِي عَلي أَعْضَائِهِ

وَ المُهْرُ يَنْدُبُهُ وَ يَلْثِمُ نَحْرَهُ *** وَ يَقُولُ عَارِي السَّرْج في بَيْدَائِهِ

قُتِل الحسينُ وَ سُبْيَتْ نِسْوَاتُهُ *** وَ غَداً يُبَاحُ الْمُحْتَمِي بِحِمَائِهِ

فَلأَبْكِيَنَّكَ يَا بْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** حَتَّي يَذُوبَ القَلْبُ عن أَفضَائِهِ

وَيَزِيدُنِي حُزْناً وَ يُسْهِرُ مُقْلَتِي *** خَبَرٌ رَوَي الصُّدُّوقُ مِنْ رُوّائِهِ

إسْنَادُهُ عَنْ ابْنِ عباس التَّقي *** أكْرِمُ بهِ وَ بِزُهْدِهِ وَ تُقائِهِ

قَالَ: اجْتَمَعْنَا وَ النَّبِيُّ جَلِيسُنَا *** وَ شُعَاعُهُ يَعْلُو عَلَي جُلَسَائِهِ

قَدْ طُيِّبَتْ كُلُّ البِقَاعِ بِطِيبِهِ *** وَ تَلامَعَتْ حِيطَانُها بِضِيَائِهِ

في غِبْطَةٍ بِالقُرْبِ منهُ فَبَيْنَمَا *** بَعْضُ يُهَنِّيءُ بَعْضَنَا بِوِلائِهِ(5)

ص: 423


1- رَضوي: اسم جبل بين المدينة و ينبع.
2- طود: جبل عظيم، جُثّم: متلبدة بالأرض.
3- سُحْي : صُبي صباً غزيراً. الدّجي: الظلام.
4- مبتول: بَتَلَ: قطع و أبان.
5- غبطة: غبطه أي عَظُمَ في عينه و تمنّي مثل حاله دون أن يريد زوالها عنه.

فَإذا بِسِبْطَيْهِ الكِرَامِ وَكَفَّ ذا *** في كَفَّ ذا يُسْرَاهُ في يُمْنَائِهِ

وَ هُما يَجُرّانِ الذُّيُولَ غَوَافِلاً *** كُلٌّ يَصُولُ بِجِدِّه وإبَائِهِ

فَرآهُمَا الهادي النَّبِيُّ بِنِعْمَةٍ *** فَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ مِنْ صُعَدَائِهِ(1)

فَتَظَاهَرَتْ زَفَراتُهُ وَ تَحَادَرَتْ *** عَبَرَاتُهُ سَحْاً لِعُظمِ بَلائِهِ(2)

حُزناً وَ قَالَ بحُرْقَةٍ وَ كَابَةٍ *** وَ دُمُوعُهُ كَالسَّيْل في إِجْرَائِهِ

يَعْرُزُ عَلَيَّ وَ مَنْ تَوَالي مِلَّتِي *** مِنْ كُلِّ بَرِّ ماحِضِ بِوِلاَئِهِ(3)

ما يَلْقِيَانِ مِنَ الإِهَانَةِ وَ الأَذَي *** بَعْدِي وَ قَلْبِي وَ الِهُ بِشَجَائِهِ

فَدَعَاهُمَا فَتَسَاقَطا في حِجْرِهِ *** فَرَحاً بِهِ وَ لَذادَةٌ بِلِقَائِهِ

فَتَرَشَّفَ الحَسَنَ الزكي وَ ضَمَّهُ *** مُتَرَشِّفَ الشَّفَتَيْنِ لَثْمَ لَمَائِهِ(4)

و أتي إلي نَحْرِ الحُسَيْنِ وَ شَمَّهُ *** وَ الدَّمْعُ يَسْقِيهِ بِسَاكِبٍ مَائِهِ

فَبَكَي الحسينُ وَسَرَّهَا فِي نَفْسِهِ *** وَ غَدا يُهَرُولُ مُسْرِعاً بِخُطَائِهِ

نَحْوَ الْبَتُولِ فَسَاءَها مَا سَاءَهُ *** فَاسْتَعْبَرَتْ وَ تَحَسَّرَتْ لِبُكَائِهِ

فَاتَتْ تُقَبِّلُهُ وَ تَمْسَحُ دَمْعَهُ *** وَ دُمُوعُهَا كَالغَيْثِ فِي إِهْمَائِهِ(5)

وَ تَقُولُ و العَبَرَاتُ تَسْبِقُ نُطقَهَا *** يَا مَنْ حَيَاتِي أُرْدِفَتْ بِبَقَانِهِ

ماذا الّذي يُبْكِيكَ يا مَنْ حُبُّهُ *** في القلبِ مُشْتَمِلٌ علي إِفْصَائِهِ؟(6)

قَالَ الحُسَيْنُ: كَأَنَّ جَدِّي مَلَّنِي *** ما كُنْتُ قبلُ مُعَوَّداً لِجَفَائِهِ

جِئْنَا أَنَا وَ أَخِي إِلَيْهِ نَزُورُهُ *** فَدَعَا الزَّكِيَّ وَ شَمَّهُ في فَائِهِ

وَ أَتَي إلي نَحْرِي وَ أَعْرَضَ عَنْ فَمِي *** إِعْرَاضَ مَنْ أَبْدَي عَظِيمَ جَفَائِهِ

ص: 424


1- الصعداء: التنفس الطويل من همَّ أو تعبِ.
2- زفراته: أنفاسه الحّارة. تحادرت عبراته: انحدرت دموعه. سخاً: صباً متتابعاً غزيراً.
3- ماحض: ما حضه الود: أخلصه إياه.
4- لَثْم: تقبيل. لَمائه: لَماء: سواد في باطن الشفة.
5- إهمائه: سيلانِه وصبّه.
6- افصائهِ: تفصّي: تخلّص من الضيق و البلية.

وَ أَنَا أَظُنُّ بِأَنَّ ما فِيَّ لَمِنْ *** شَيْءٍ يَخَافُ الجَدُّ مِنْ لُقْيَانِهِ

فَتَخَمَّرَتْ سِتُ النِّسَاءِ وَ يَمَّمَتْ *** نَحْوَ النَّبِيِّ شَجِيَّةٌ لِشَجَائِهِ(1)

في الذِّيل عائِرَةً وَ مَعْهَا إِبْنُهَا *** فَرَآهُمَا المُخْتَارُ وَسُطَ خِبَائِهِ

يَبْكُونَ قَالَ لَهُمْ فَمَا هذَا البُكا *** يا صَفْوَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ خُلَصَائِهِ

قَالَتْ حبيبي كيف تَكْسِرُ خَاطِرِي *** لِمَ لا تُقَبِّلُ شُبَّراً كأَخَالِهِ

قال النبيُّ لَها بِقَلْبِ مُوجَعِ *** سِرٍّ أَخافُ عَلَيْكِ مِنْ إِبْدَائِهِ

قَالتْ بِحَقِّكَ يا أَبَاهُ أَبِنْهُ لِي *** وَ بِحَقِّ مَنْ أُنْشِئْتُ في نَعْمَائِهِ

فَبَكَي وَ أَطْرَقَ سَاعَةٌ مُسْتَرْجِعاً *** وَ الدَّمْعُ يَسْقِيهِ بِسَاكِبِ مَائِهِ

فَتَعَاهَدَتْهُ فَقَالَ رَبِّي عَالِمٌ *** وَ الكُلُّ في تَدْبِيرِهِ وَ قَضَائِهِ

أَمَّا تَرَشْفُ شُبَّرِ في فيهِ قَدْ *** ظُلْماً يَذُوقُ السُّمَّ مِنْ أَعْدَائِهِ

وَ تَرَشُّفِي نَحْرَ الحسينِ فَإِنَّهُ *** بِالسيفِ يُنْحَرُ نَازِخاً بِظِمَائِهِ(2)

فَجَعَلْتُ أَلْئِمُ ذا بموضعِ سُمِّهِ *** وَ أَشمُّ ذَا فِي نَحْرِهِ لأَذَائِهِ(3)

فَتَحَسَّرَتْ سِتُّ النِسَاءِ بِحُرْقَةٍ *** أَسَفاً عَليهِ وَ لَوْعَةٌ لِعَزَائِهِ

فَأَتَتْ تُقَبلُهُ وَ تَلْثُّمُ نَحْرَهُ *** وَ الجَيْبُ قَدْ مَزَقَتْهُ عن أَقْصَائِهِ

يا قُرَّةَ العَيْنَيْنِ يا ثَمَرَةَ الحشا *** هَلْ في زَمَانِي أَمْ زَمَانِ آبَائِهِ

إِنْ كانَ في زَمَنِي أَقَمْتُ عَزَاءَهُ *** وَ صَبَعْتُ ثَوْبِي مِنْ نَجِيعِ دَمَائِهِ(4)

وَ نَشَرْتُ شَعْرِي فَوْقَ كِتْفِي شامِلاً *** وَ نَدَبْتُهُ يا أَبَ في يُتْمَائِهِ

قالَ النَّبِيُّ إِذَا مَضَيْنَا كُلُّنَا *** دار المنونِ عليهِ قُطبَ رَحَائِهِ

بئسَ الزمَانُ وَ مَنْ تَوَلَّي أَمْرَهُ *** فَالغَوْثُ كُلُّ الغَوْثِ مِنْ وِلائِهِ

ص: 425


1- تخمّرتُ: لبست الخمار، و الخمار ما تستر به المرأة رأسها أو الستر عموماً يمّمتْ: قصدتْ.
2- ترشّفي: الترشّف: المصّ بالشفتين.
3- ألثم: أقبّل.
4- نجيع: من الدم ما كانَ يضرب إلي السواد، و قال الأصعمي: هو دم الجوف خاصّة (مختار الصحاح).

قَالَتْ بِأَيِّ الْأَرْضِ يُقْطَعُ رَأْسُهُ *** وَ بِأَيِّ شَهْرٍ كَانَ كَوْنُ فَنَائِهِ

قَالَ النَّبِيُّ يَكُونُ ذَا بِمُحَرَّمٍ *** فِي يَوْمِ عَاشُورا شَنِيعُ نِعَائِهِ

وَ يَكُونُ مَصْرَعُهُ المَهُولُ بِكَرْبَلاً *** وَ مَصَارِعُ الأَنْصَارِ فِي صَحْرَائِهِ

قَالَتْ غَرِيباً؟ قَالَ أَعْظَمُ غُرْبَةً *** قَالَتْ وَحِيداً؟ قَالَ مِنْ نُصَرَائِهِ

فَبَكَتْ وَ قَالَتْ واشَمَاتَةَ حَاسِدِي *** واصَفْوَةَ الجَبَّارِ مِنْ خُلَصَائِهِ

مَنْ ذا يُغَسْلُهُ وَ يَحْمِلُ نَعْشَهُ *** مَنْ ذَا يُوَارِي جِسْمَهُ بِثَرَائِهِ

مَنْ يَكْفُلُ الأَيْتَامَ بَعْدَ وَفَاتِهِ *** مَنْ ذايُقِيمُ ماتماً لِعَزَائِهِ

فَبَكَي الحُسَيْنُ وَ قَالَ رُزْئِي فَادِحٌ *** فَتَصَارَخُوا أَهْلُ العَبا لِبُكَائِهِ

فَأَتَي الأَمِينُ إلي الأَمِينِ يَقُولُ قَدْ *** أَوْحَي إِلهُ العَرْشِ في أَنْحَائِهِ

أنْ قُلْ لِسَيّدِةِ النِّسَاءِ بِأَنَّنِي *** أُنْشِي كِرَاماً شيعةً لِعَزَائِهِ

النَّاهِضِينَ إلي منازلِ كَرْبَلا *** الخَائِضِينَ غُبَارَهَا لِهَوَائِهِ

السَّاكِبينَ دُمُوعَهُمْ لِمُصَابِهِ *** المُظْهِرِينَ الحُزنَ عَنْ أَقْصَائِهِ

يَتَوَالَدُونَ فَيَنْسِلُونَ أَطايباً *** حَتَّي يَصِيرَ الحقُّ في ولائِهِ

وَ يَقُومَ قَائِمُ آل بيت مُحَمَّدٍ *** وَ يَطِيرَ طيرُ النَّصْرِ فَوْقَ لِوَائِهِ

قَالَ الحُسَيْنُ فَمَا يَكُونُ جَزَاؤُهُمْ *** عِنْدَ الإِلَهِ غَدَاةَ يَوْمِ جَزَائِهِ؟

قَالَ النَّبِيُّ أَنَا أَكُونُ شَفِيعَهُمْ *** وَ أُجِيبُ كُلاً مِنْهُم بِنِدَائِهِ

قَالَ الوَصِيُّ أَنَا الَّذِي أَسْقِيهِمُ *** يَوْماً يَفِرُّ المَرْهُ مِنْ أَبْنَائِهِ

قَالَتْ حَبيبَةُ أَحْمَدٍ فَوَحَقِّ مَنْ *** رُبِّيتُ مُذْ أُنْشِئْتُ في نَعْمَائِهِ

فَلأَندِبَنَّ وَ شَعْرُ رَأْسِيَ نَاشِرٌ *** وَ الجَيْبُ مَمْزُوقٌ إِلي أَقْصَائِهِ

حَتَّي يُشَفْعَنِي إِلهِي فِيهِمُ *** وَ يَمُدَّ كلاً مِنْهُمُ بِرِضَائِهِ

قَالَ الحُسَيْنُ وَ حَقٌّ مَنْ خَلَقَ الوَرَي *** طَراً وَ سَقَّفَ أَرْضَهُ بِسَمَائِهِ

لاأَدْخُلُ الجَنّاتِ حَتَّي يَدْخُلُوا *** وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَا بِهدَائِهِ

يا أَيُّهَا الرُّوَّارُ مَشْهَدَ كَرْبَلا *** كُلُّ يُقَصِّرُ مِنْكُمُ لِخَطَائِهِ

فَلِكُلِّ عَبْدِ حَجَّةٌ مَبرورةٌ *** فِي كُلِّ مَا يَخْطُوهُ مِنْ مَسْعَائِهِ

ص: 426

وَ لَكُمْ بِمَا أَنْفَقْتُمُ مِنْ دِرْهَم *** في جُنَّةٍ حرصاً علي إيتائِهِ

في جَنَّةِ الفردوس ألفُ مدينةٍ *** في قصْرِهَا الإِعْلَائِهِ

وَ لِمَنْ بَكَاهُ تَفَجُعاً لِمُصَابِهِ *** وَ تَأَسْفاً بالحُزْنِ عَنْ أَقصائِهِ

في الحَشْرِ قَصْرٌ لا يُقَاسُ عُلُوُّهُ *** دُرِّ وَ مَرْجَانُ بِحُسْنِ جَزَائِهِ

وَ جَمِيعُ أَمْلاكِ السَّمَا يَسْتَغْفِرُوان *** لَكُمْ وَ مِنْ ظِلَّ لَكُمْ بِسَمَائِهِ

يَا رَبِّ مُدَّ الدرمكيَّ بِسُوْلِهِ *** عَجَلاً وَ بَلْعُهُ جميل رَجَائِهِ

صَلّي الإله علي النبيِّ مُحَمَّدٍ *** و علي الكِرامِ الغُرِّ من أَبْنَائِهِ

الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ مِنَ الخَنَاسُفُنِ *** النَّجَاةِ لِمَنْ حَظي بولائِهِ(1)

ص: 427


1- الخَنا: الفحش، الزني.

(53) بضعة المختار

(بحر الكامل)

المهندسة كوثر شاهين

أَيْقِظَ أيقظ حُرُوفَ الشَّعْرِ ذاكَ وَلائِي *** لِلْمُصْطَفَي الهادِي غَدِي وَ رَجائِي

في مَوْلِدِ الزَّهْراءِ جِئْتُ مُصَلَّياً *** أَدْعُو بِحَرْفِ الخالِقِ المِعطاءِ

(إِنَّا) يَقُولُ اللهُ في تَنْزِيلِهِ *** بالحرف: (أعطيناك) من لألاءِ

نُوراً تَجِدْهُ بفاطم مُحَمَّدٌ *** (بالكوثر) الظُّهْرِ الهُدَي لِلرَّائِي(1)

سبطاكَ خَيْرُ الخَلْقِ بين مَلائِكَ *** في جَنَّةٍ مِنْ خِيرَةِ الأَبْناءِ

وَ أَبُوهُما نُورٌ لفاطِمَ مُذْحَبا *** في حِجْرِك المشفُوعِ بالأَعباءِ

نُورانِ في رَأْسٍ لآدمَ ثُمَّ في *** جَدٌ أرادَ النَّذْرَ بالإيفاءِ

نذراً كإسماعيل يَفْدِي قَلْبَهُ *** مِئةٌ تُنِيخُ بقاحِلِ الصَّحْراءِ(2)

و يَعُودُ عبد اللهِ يَحْمِلُ (نُورَهُ) *** وَ أَخُوهُ عَمُّكَ جاهزاً بِنِداءِ

وَ الكَعْبَةُ الزَّهْرَاءُ تَشْهَدُ مَوْلِداً *** لِلنُّورِ (صِنْؤُكَ) رائعاً بِعَلاءِ

سَمَاهُ رَبُّكَ بِالعَلي مُناجِياً *** وَ أَبا تُرابِ قُلْتَ بالإيلاءِ

فَهُوَ القَسِيمُ الحقِّ يَوْمَ المُلْتَقَي *** وَ هُوَ الوَصِيُّ العِلْمُ، بابُ وَلاءِ

ص: 428


1- تشير الشاعرة في هذين البيتين إلي ما ورد من أن الكوثر، أولاد رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم من فاطمة عليها السلام. ففي كتاب التفسير الكبير للرازي قال: «الكوثر أولاده صلي الله عليه وآله و سلم لأن هذه السورة إنما نزلت رداً علي من عابه صلي الله عليه وآله و سلم بعدم الأولاد فالمعني: أنه يعطيه نسلاً يبقون علي مر الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت عليهم السلام ثم العالم ممتليء منهم، و لم يبق من بني أُمية في الدنيا أحد يعبأ به». راجع التفسير الكبير ج32 ص124.
2- تنيخ: تُقيم.

زَوَّجْتَهُ الزَّهْراءَ تَحْنُو مِثْلَما *** أُمِّ رَؤُومٌ تَرْتَجِي بإباءِ(1)

وَ لِفَاطِمِ قُلْتَ: انْظُري خَيْرَ الأُلي *** مِنْ رَبِّ عَرْشِ ناظِرٍ بِسَماءِ

هذا أبوكِ اخْتارَهُ لِرِسالَةٍ *** وَ اخْتَارَ زَوْجَكِ حَامِيَ الفُقَراءِ(2)

وَ الدِّينِ و القُرآنِ والآي الذي *** قَدْ جاءَ جِبريلٌ بخير أداءِ

يا بَضْعَةَ المُختارِ يا أُمَّ الهُدَي *** يا أُمَّ زَيْنَبَ كَيْفَ لي وَ وَلائي؟(3)

لِلْعِترةِ الأَطْهارِ يَسْرِي في دَمِي *** أَخْنَط حَرْفاً و الدُّمُوعُ دِمائي

في (القف) في (أحْدٍ) و(مُؤْتَةً) أوبما *** لاقَيْتِهِ يَوْماً بظُلمِ بَلاءِ

ناديت يا أبتاهُ فَانْظُرْ نَحْوَنا *** وَ الأَرْضُ مادَتْ كُلُّها لِنِداءِ(4)

وَ المُحْسِنُ المَعْصَومُ مَنْ سَمَّاهُ في *** رَحِم حَبيبُ اللَّهِ في العَلْياءِ

أَجْهَضْتِ وَاوَيْلاهُ مِنْ ظُلْمٍ سَرَي *** وَ النَّارُ حَوْلَ الدَّارِ بالأَرْجاءِ(5)

فَبَكَتْ سَماءٌ وَ الشُّعَابُ وَ مَا بِها *** أَلَماً لِصَوْتِ نِدَائِكِ البَكَاءِ

كَالطَّيْرِ مَجْرُوحاً غَدَتْ زَهْراؤُنَا *** بِفَجِيعَتَين تلاقَتا وَعَناءِ

ص: 429


1- رؤوم: عطوف.
2- تشير الشاعرة في هذين البيتين إلي اختيار الله تعالي محمد صلي الله عليه و آله و سلم للرسالة و علياً للإمامة كما قاله رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم لفاطمة عليها السلام. ففي حديث في البحار ج43 ص99 في ضمن الحديث قال: «فقال لها رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم له يا فاطمة عليها السلام أما علمت أن الله أشرف علي الدنيا فاختارني علي رجال العالمين ثم اطّلع فاختار علياً عليه اللسام علي رجال العالمين ثم اطّلع فاختارك علي نساء العالمين».
3- تشير الشاعرة في هذا البيت إلي كون الزهراء عليها السام بضعة رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم. راجع كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص 328، و البخاري في صحيحه في كتاب النكاح في باب ذب الرجل عن ابنته و حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم ج2 ص40، و كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص184.
4- تشير الشاعرة في هذا البيت إلي مناداة الزهراء عليها السلام لأبيها صلي الله عليه و آله وسلم بعد ما حلّ بها من المصائب. راجع كتاب سليم بن قيس ص208 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 مادَت:دارت.
5- تشير الشاعرة في هذين البيتين إلي إسقاط المحسن عليها السلام و إحراق الدار. راجع كتاب سليم بن قيس ص40، و كتاب الاحتجاج ج1 ص109 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135.

مَوْتِ النَّبِيِّ بِبَيْتِ أَحْزَانٍ غَدَتْ *** وَ فَجِيعَةِ الخِذْلانِ بَعْدَ وَلاءِ(1)

وَ الُوهُ قال محمدٌ لِمَنِ ابْتَغَي *** نُورَ الجِنانِ فَحُبُّهُ إحْيائِي

و المُبْغِضُونَ لَهُمْ جَهَنَّمُ مَوْئِلاً *** و اللَّهُ يُبْغِضُهُمْ بِكُلِّ قَضاءِ

وَ عْشَاءَ دَرْبٍ كَمْ خَطَوْتِ سَبِيلَها(2) *** وَ وَرِثْتِ نُورَ النُّور و الآباءِ

كي تُفْر عين الحَقَّ في السِّبْطَيْنِ في *** أُمِّ المَصائِبِ زَيْنَبٍ لَيْلاءِ

سَمَّاكِ سَيِّدةَ النِّساءِ طَهُورَةٌ *** زَهْراءُ أَنْتِ مَحَجَّتِي و رجائي(3) (4)

ص: 430


1- تشير الشاعرة في هذين البيتين إلي حزن الزهراء عليها السلام و بكائها و بناء بيت الأحزان لها. راجع كتاب بحار الأنوار ج43 ص177 ضمن حديث طويل.
2- وعثاء: عَسيرة السلوك (المنجد907).
3- تشير الشاعرة في هذا البيت إلي كون الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين راجع مسند أحمد حنبل ج6 ص282 و صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب علامات النبوّة و حلية الأولياء ج2 ص40 ، و ذكره القرطبي في الاستيعاب ج4 ص375 في هامش الإصابة، و أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 ، و ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري ص44.
4- فاطمة الزهراء في ديوان الشعر العربي ص342.

(54) دوحة النور

(بحر الخفيف)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

صِلَةُ الأَرْضِ ضُوعِفَتْ بِالسَّماءِ*** أَمْ هِيَ الأَرْضُ مَصْدَرُالأَضْوَاءِ

أَمْ جِنَانُ الخُلُودِ أُزْلِفَتِ الْيَوْمَ *** بِزَهْو الأَضْوَاءِ وَ الأَشْداءِ(1)

أَمْ تَجَلَّي الإِلَهُ بِالرَّحْمَةِ الْكُبْرَي *** وَ هذَي مَبَاهِجُ الأَحْبَاءِ(2)

وَ إِذَا بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ تَجَلَّي*** فَجَمَالُ الْخَصْرَا عَلَي الْغَبْرَاءِ

كُلُّ هَذَا بَدَا وَفِي مَهْبِطِ الْوَحي *** ابْتِهَاجُ بِمَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ

دَوْحَةُ النُّورِ فِي مَخَاضٍ عَلَي الأَرْضِ*** بِأَرْضِ الوِلايَةِ العَصْمَاءِ

أَزِفَتْ ساعَةُ اللقاءِ وَقَرَّتْ ***عَيْنُ خَيْرِ الْوَرَي بِخَيْرِ النِّساءِ(3)

وَ عَلاَ البِشْرُ وَجْهَ خَيْرِ النَّبِيِّي *** بِمَرْأَي الْبَتُولَةِ الْعَذْرَاءِ

وَ إِذَا افْتَرَّ ثَغْرُطهَ سُرُوراً *** عَمَرَ الْبِشْرُ سَائِرَ الأَشْيَاءِ

أَذِنَ اللَّهُ بِاللَّقَاءِ وَجَاءَتْ ***صِلَةُ الأَوْصِيَاءِ بِالأَنْبِيَاءِ

وَ قَرِيباً يَبْدُو إِذَا مَرَجَ الْبَحْريْنِ *** لِلنَّاسِ لُؤلُؤُ الأَصْفِيَاءِ(4)

وَ بِسِبْطَيْ خَيْرِ النَّبِيِّينَ يَغْدُو*** خَمْسَةٌ فِي الْوُجُودِ أَهلَ الْكِسَاءِ

ص: 431


1- الأشداء، جمع شدو، مثل نحو وأنحاء بمعني الإنشاد، و الأصوات الدالة علي البهجة و السرور.أو هي الأشذاء بالذال المعجمة ،مثل صدي و أصداء. و الشذا: شدّة ذكاء الريح الطيّبة، أو هو المسك. راجع اللسان.
2- الأحباءُ: أراد بها جمعَ حَبوٍ، وهو العطاء.
3- أزفت: اقتربت.
4- مَرَجَ: إختلط.

وَ يُضِيءُ الْوُجُودَ سِلْسِلَةُ النُّورِ *** وَ تَجْلُو غَيَاهِبُ الظَّلْمَاءِ(1)

إِنَّهُ الْبَيْتُ فِي تَكَامُلِ أَهْلِيهِ *** كَمَالُ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ

وَ عَلَي الأَرْضِ لِلنُّبُوَّةِ دَوْرٌ *** سَتَلِيهِ وِلايَةُ الأَوْلِيَاءِ

غُرِسَ الدَّينُ بِالنَّبِيِّ عَلَي الأَرْضِ *** وَ يُرْعَي بِآلِهِ النُّقَبَاءِ(2)

بِعَلِيَّ وَ وُلدِهِ سِبْطَي الرحْمَةِ *** يُرْعَي وَ التَّسْعَةِ الْعُصَمَاءِ

وَ عَلَي النَّاسِ حُجَّةُ اللَّهِ تَمَّتْ *** بِقِيَامِ الْحُّفَّاظِ وَ الأُمَنَاءِ

كَمٌلَ الدَّينُ بِالْوَصِيَّةِ وَالنِّعْمَةُ *** تَمَّتْ بِسَيِّدِ الأَوْصِياءِ

وَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ قَدْ رَضِيَ *** الإِسْلَامَ عَيْناً بِالْبَيْعَةِ الْعَصْمَاءِ(3)

هِيَ للإِعْتِصَامِ بِاللَّهِ حَبْلٌ *** عِصْمَةًمِنْ عِبَادَةِ الأَهْوَاءِ

بَبْعَةُ الأَمْنِ وَ الأَمَانِ مِنَ الْفُرْقَةِ *** وَ الْخَيْرُ فِي اخْتِيَارِ السَّمَاءِ

فَهَنِيئاً لِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعاً *** بالرَّضا و الكَمَالِ وَ النَّعْمَاءِ

ص: 432


1- جلا يجلو: وضح، و كشف و خرج، يأتي لازماً و متعدّياً. و لذلك نصبت الغياهب و رفعت.
2- النقيب: عريف القوم و المقدَّم عليهم. و منه قوله تعالي : «وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً».
3- العصماء: المُلَزَمة.

(55) خيرُ النساء عليها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد جواد المطر (*)(1)

أسعِفيني بقيضكِ المعطّاءِ *** إِنَّهُ سُلَّمي إلي العليَاءِ

قَدرَسَا مركَبِي علي شَطّكِ إلّا *** مِنِ سَاقَتْهُ عَاصِفَاتُ وَلائِي

فَامنيحني إذْنَ اللجُوءِ وَجُودِي ***بِهِبَاتٍ قُدسيّةِ الأرجَاءِ

وَ هَبِيني عِنَايَةً يَرتَعُ الفِكرُ بِرو*** ضَاتِهَا شَذا الإريحاءِ

وَ اعصَميني مِنَ العِثَارِ(2) فَفيهِ *** عَثرَ الجَمُّ من مَطَا الشُّعَرَاءِ

عَلَّ دِفقَاً مِنَ الوَلالَكِ مِنّي*** يَتَجلّي بهِ علَيكِ ثَنَائي

لَكِ يمُنُّ عَمُّ البَسيطةَ بِالإشراقِ *** نُوراً مُذْ شَعَّ بِالبطحَاءِ

وَ سَرَتْ في جِبالها الشُّمِّ أنغَامُ *** نَشيدٍ بِشَيْقِ الأنبَاءِ

وَ تَعَالَتْ مِنَ الحطيمِ(3) هُتافَاتُ *** عِنَاقٍ لِلكَعبَةِ العَصمَاءِ

ص: 433


1- (*) هو الخطيب الشيخ محمد جواد المطر، النجل الثاني للخطيب الشيخ كاظم المطر بن الحاج محمد صالح المطر الأحسائي. ولد في البصرة في الثالث عشر من شهر رجب ام (1349 ه_) ، و في البصرة قضي أيام طفولته ، دور صباه حتي منتصف عقده الثاني ، انتقل مع أسرته إلي الأحساء، حيث الموطن الأصلي لقبيلة (الفضول) التي ينتمي إليها ، و منذ ذالك الوقت ما زال مقيماً في مدينة الهفوف في الأحساء. تعلم الخطابة منذ كان يافعاً في البصرة علي يد الخطيب الملا جاسم الحاج علي الدوغجي ، ثم و اصل الخطابة علي يد والده الشيخ كاظم و قرض الشعر مبكراً ، و ابتدأ نظم الشعر الشعبي و له من العمر ثلاث عشرة سنة، و أول قصيدة شعبية قالها في مخاطبته الإمام المهدي (عج).
2- العِثار: الزَّلل.
3- الحطيم: جدار حجر الكعبة و قيل ما بين الركن و زمزم و المقام سمّي بذلك لانحطام الناس عليه لازدحامهم.

صَافَحَ الركنُ زَمزماً وَبَدا*** البِشْرُضَحُوكاً علي مُحيَّا الماءِ

حِينَمَا الرُّوحُ سَاقَهُ أمْرُبَارِيهِ*** لِيَحلو سرَّ ابْتهاجِ السَّماءِ

بِتَهَانٍ رَفَّتْ علي المصطفي*** المختَارِ يُمناً بالمولدِ اللأ لائي فاسْتَهلَّتْ أفراحُهُ نَاطِقَاتٍ*** وَطَوَتْ غيمَةً مِنَ الإعيَاءِ

وَاستَثارَتْ كَوامِنَ البَهجَةِ الكُبري*** فَلاحَتْ بالطَّلعَةِ الغَرَّاءِ

أبشِرِي يَا خَديجةَ الخَيرِ قَدجِئتِ*** بِها قُدوَةٌ لخيرِ النِّسَاءِ

فَهِيَ البضعَةُ البتُولُ وَمِنْها*** حَاملو مشعَلِ الهُدي الوَضَّاءِ

يا إبنة النُّورِ يَا سَليلَةَ إصلاح*** بِهِ تَمَّ منهَجُ الأنبِيَاءِ

لَكِ غَرسٌ مِنَ العَفَافِ عَبوقُ*** الزَّهرِ مِعطاءُ وَارفُ الأفيَاءِ

وَمَعينٌ مِنَ الكَرامَةِ وَالقُدسِ*** وَفَوقٌ بَالعزَّةِ القَعسَاءِ

وَبِنَاءٌ أساسُهُ الظُّهْرَ في الناس*** متينُ التَّصميمِ والإنشَاءِ

كُلّ مَا زانَ مِنْ أكاليل مجدٍ*** وَكَمَالٍ وَعَفَّةٍ وَنَقَاءِ

طعنتهُ حُرّيّةُ حَتَّي*** عَادمما بهِ نَزيفُ الدّمَاءِ

وإذا مَنْ كَسَيتها الظُّهرَ بِالأمسِ*** وَنزّهتِهَا عَنِ الارتمَاءِ

أرخَصَتْ تلكُمُ الكَرامَةَ بِالز يفِ*** وَأبَتْ مَخْمورةَ الآراءِ

جَرَّدتهَا كَفُّ التَبرُّجِ أغلَي*** زينَةٍ مُذْ سَمَتْ بِتَاج الحيَاءِ

حَسِبَتْ عَرضَها المفَاتِنَ لِلإغرا*** رُقيّاً إلي الذُّري الشَّقَاءِ

فَتَهَاوَتْ عَقيبَ عِزَّةِ دِينِ اللَّهِ*** وَالصَّونِ في حَضيضِ الشَّقَاء

هكذا قَد أُضيَ جُهدُكِ يَا مَهْرَاءُ*** إلاَّ لَدي فَتَاةِ الإِبَاءِ

لجأتْ تِلكَ للقضا فَحَماهَا *** و استظلّتْ بِالشرعَةِ السَّمحَاءِ

لم يُزعزع إيمانَهَا الصَّلدَ(1) *** أبواقُ نَعِيقٍ لِطُعَمَةٍ عَميَاءِ

لم يَرُقُها سَفَاسِفٌ(2) غَلَفُوهَا *** بِغِلافِ الحضارَةِ الشَّوهَاءِ

ص: 434


1- الصَّلْد: الصلب المتين.
2- سفاسف: الأمور الرديئة الحقيرة.

435

تَخذَتْ مطرَفَ الصَّلاح وِشَاحاً *** وَ تَردَّتْ مِنَ الهُدي برِدَاءِ

أَرْضَعَتْها الأمُّ الرؤوم ولاءّ *** و أبوها قد صَانَها بِوَلاءِ

غَذَّياها روحَ المكارم حتَّي *** تَوَّجَاهَا بِها جَلِيْلَ البَهَاءِ

رَسَّخا في فُؤَادِهَا الغَضُ دَرْساً *** خَالِداً مِنْ فَضَائِلٍ و عَلاءِ

علماهَا نَهْجَاً لفاطمة الطُّهْرِ *** و دَرْساً لزَيْنَب الحوراءِ

و صلاحُ الأبناءِ إنْ صَلُحَ الأصْلُ *** مِنَ الأمهاتِ و الآباءِ

ص: 435

(56) بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

ما انْفَكَ صَوْتُ تَزَفُرِي وَ بُكَائِي *** يَعْلُو لِجانِبِ حَسْرَتِي وَ عَنائِي(2)

وَ كَذاكَ آهاتِي تَوَقَدُ فِي الْحَشَا *** جَمْراً لِرُزْءِ الْبَضْعَةِ الزَّهْراءِ

ص: 436


1- (*) هو الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ موسي المنصوري. ولد في النجف الأشرف سنة (1354 ه_) و نشأ في ظل والده فورث منه الكمال و الجلال و السماحة و الفصاحة و قام بتعليمه و الاهتمام به حيث بعثه للتعلّم بالطريقة المألوفة آنذاك، فضمّه إلي معلّمي القرآن الكريم، فأخذ القراءة و الكتابة علي يد المرحوم الشيخ محمد كاظم الشيخ يحيي الأسدي، ثم درس اللغة العربية عند والده الشيخ موسي المنصوري و السيد سعيد العدناني و أكمل السطوح بمدرسة المرحوم السيد عدنان البحريني الغريفي و خصوصاً علي أيدي ولديه السيد حسن و السيد محمد علي. و المترجم له، أخذ الخطابة عن والده الشيخ موسي و السيد سعيد العدناني و كان مثابراً علي الخدمة الحسينية. و يُعد الشيخ المنصوري ذا خبرة واسعة في المنبر و فنونه، و قد استفاد منه الكثير من خطباء المنبر الحسيني فوجدوه نميراً عذباً يبذل كل ما لديه و ما لديه نافع بحق. أحبّ المترجم له الشعر و شغف به و أنشده و هو يقرض الشعر منذُّ صغره علي اختلاف فنونه و أوزانه و تناول أغراض الشعر المألوفة و قد عرف في نظمه بكتابة الشعر الفصيح و الدارج و قد أجاد و أبدع في كليهما. و للمترجم له عدد كبير من المؤلفات نثرية و شعرية طبع منها: 1- ديوان السعيد في رثاء السبط الشهيد. 2- ميراث المنبر . 3- مفاتيح الدموع. و سيواصل طباعة الباقي من كتبه و دواوينه و اللَّه الموفق و المسدد.
2- التزفر و الزفير: النفس الممتد إذا خرج حاراً مصحوباً بالصوت، و يخرج عادةً من المكلوم المتوجع.

اسفاً عَلَيْها قَدْ قَضَتْ أَيَّامَها *** بَعْدَ النَّبِيِّ بِغُصَّةٍ وَ شَجَاءِ

كَسَرُوا لَها ضِلْعاً بِهِ قَدْ كَسَّرُوا *** يَوْمَ الظُّفُوفِ أَضَالِعَ الأَبْناءِ(1)

فَبَنَتْ عَلَي مانَالَها بِأَنِينِها *** تُحْيِي اللَّيَالِ قَرِينَةَ الْوَرْقاءِ(2)

وَ لِقَبْرِ والدِها تَرُوحُ وَ تَشْتَكِي *** هَمَّ الْفُؤادِ وَ ما بِهِ مِنْ داءِ

وَ تَقُولُ: يا خَيْرَ الْعِبادِ سَجِيَّةً *** أَصْبَحْتُ لا أَقوَي عَلَي الأَرْزَاءِ

أبتاهُ مِيراثِي زَوَوْهُ وَ أَسْقَطُوا *** حَمْلِي وَ ها أَنَا قَدْ سَيْمْتُ بَقائِي(3)

إذ لا أَرَي أَجَلاً تَطُولُ سِنِينُهُ *** الأَكَسُمُ الْحَيَّةِ الرَّقْطاءِ

ص: 437


1- في رواية سليم بن قيس الهلالي عن سلمان المحمدي (رضي الله عنه)، أنه قال: فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع؟... إلي أن قال: فقال أبوبكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: أرسل إليه قنفذاً و كان عبدا فظاً غليظاً جافياً، من الطلقاء، أحدَّ بني تميم [كذا في المصدر بالتشديد] -فأرسله، و أرسل أعواناً. فانطلق، فاستأذن، فأبي عليٍّ عليه السلام أن يأذن له، فرجع أصحاب قنفذ إلي أبي بكر و عمر، و هما في المسجد، و الناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا. فقال عمر: إن هو أذن لكم و إلاّ فادخلوا عليه بغير إذنه. قال: فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليها السلام أحرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذني، فرجعوا و ثبت قنفذ، فقالوا : إنّ فاطمة عليها السلام قالت كذا وكذا فحرّجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها، فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء؟ ثم أمر أناساً حوله، فحملوا حطباً، و حمل معهم عمر، فجعلوه حول منزله و فيه علي عليه السلام و فاطمة عليها السلام و ابناهما عليهم السلام. ثم نادي عمر بأعلي صوته، حتي أسمع علياً عليه السلام: واللّشه لتخرجنّ و لتبايعنّ خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، أو لأضرمنَّ عليك بيتك ناراً. إلي أن قال: إن خرج، و إلاّ فاقتحم عليه الدار، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم بالنّار. قال: فانطلق قنفذ فاقتحم الدار، هو و أصحابه بغير إذن، فبادر علي عليه السلام إلي سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه فقبضوه، و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة عليها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط علي عضدها !! ، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج، من ضرب قنفذ إيّاها . فأرسل أبوبكر إلي قنفذ اضربها فألجأها إلي عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش، حتي ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها» فراجع الكتاب المذكور ص29 فما بعدها. و روي عنه ثقة الإسلام الكليني (رحمة الله عليه) في الكافي ج 8 ص343 ح 541، و نقله أبومنصور الطبرسي في الاحتجاج ج1 تحت الرقم 38 ، و نقله المجلسي (رحمة الله عليه) في البحارج28 ص261، 282 و ما بينهما.
2- الورقاء: الحمامة التي يضرب لونها إلي الخضرة، و تُشبه بها النفس.
3- زووه: منعوه إيّاه.

ما بَيْنَ قَوْمِ ما رَعَوْا مَنْ فِيهِمُ *** أَوْصَيْتَهُمْ يا أَشْرَفَ الآباءِ

هذَا ابْنُ عَمِّكَ وَ الْحَوادِثُ جَمَّةٌ *** أَمْسَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ فِيهِ عَزائِي

إِنْ رَدَّهَا فِي صَبْرِهِ فَبِقَلْبِهِ ***مَا لَيْسَ يُطفَي حَرُّهُ بِالْماءِ

أبتاهُ لَوْ شاهَدْتَ ما عانَيْتُهُ *** مِمَّنْ عَدَوا وَ تَقَصَّدُوا إيذائي

لَبَكَتْ دماً عَيْناكَ لِي وَ تَتَابَعَتْ *** حَسَراتُ قَلْبِكَ مِنْ عَظِيمِ بَلائِي

جِسْمِي ذَوَي، رُكْنِي هَوَي، قَلْبِي حَوَي *** أَلَماً يُهَدِّدُنِي بِقُرْبِ فَنائِي(1)

لَمْ يَبْقَ مِنْ شَيْءٍ يُهَيِّجُ لَوْعَتِي *** إِلأَوَقَامَ بِفِعْلِهِ أَعْدَائِي

قَدْ حَاوَلُوا مَنْعِي البُكَاءَ بِزَعْمِهِمْ *** يُؤذِيهِمُ حَنِّي وَ شَجوُ نِدائي(2)

حَتَّي بُكايَ عَلَيْكَ رامُوا(3) قَطعَهُ *** مِنِّي وَ هذا أَبْسَط الأشياءِ

وَ لِبَيْتِ أَحْزَانِي الْبَعِيدِ تَوَجَّهُوا *** بِمَعاوِلٍ وَاسَتْهُ لِلْغَبراءِ(4)

وَ تَعَمَّدُوا قَطعَ الأَراكَةِ عُنْوَةٌ *** ظُلْماً وَ ذا أَمْرٌ يُثيرُ شَجائِي(5)

فَبَقِيتُ لابيتاً و لاظلاً وَ لا *** مِنْ طاقَةٍ عِنْدِي لِحَمل ردائِي

فَعَلَيْكَ أَلفُ تَحِيَّةٍ وَ تَحِيَّةٍ *** حَتَّي يَحِينَ إِلَي الْجَلِيلِ لِقائِي(6)

ص: 438


1- ذوي: ذُبل و ضعف، و الركن القوّة.
2- الحنين: الشديد من البكاء و الطرب. و الشاعر إنما أراد ذلك بقوله يؤذيهم حَنِّي علي أنّ الحنّ علي وزن المنّ، لم يرد مصدراً بهذا المعني، بل بمعني الصدّ و الصرف. تقول: حَنَّ عنّي شرّه حنّا: أي صرفه. ولكن قد يجوز تصحيح ذلك من باب أنه أراد: «تؤذيهم حنّتي» علي أنها مصدر هيئة، ثم حذف التاء للضرورة، و هو كثير في الشعر.
3- راموا: قصدوا.
4- واسته: ساوته. و كان الأولي أن يُعدِّيها بالباء. قال ابن منظور: و الوسي الاستواء.
5- عنوة: أخذ الشيء قهراً و قسراً.
6- ممّا استفاضت به الأخبار أن بكاءها علي أبيها و ندبتها له قد بلغا مبلغاً عُدَّت عليها السلام معه من البكائين الخمسة : هي، و آدم، و يعقوب و يوسف و السجاد عليهم السلام أجمعين. و لنا أن نقرأ صفحة واحدة من يوميات بكائها و أحزانها لندرك ما انطوت عليه من الشجون و المواجع، مع ما عُرفت به عليه السلام من قوة الصبر و التحمّل. ففي حديث فضة المنقول في البحار ج 174/43-15/178 تاريخ سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام باب7- ما وقع عليها عليها السلام من الظلم نقرأ: و لم يكن في أهل الأرض... أشدَّ حزناً، و أعظم بكاءً و انتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام، و كان حزنها يتجدّد و يزيد و بكاؤها يشتد. فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين، و لايسكن منها الحنين، و كلّ يوم جاء كان بكاؤها يزيد أكثر من اليوم الأول، فلمّا كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن فلم تُطقْ صبراً، إذ خرجت و صرخت، فكأنها من فم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تنطق، فتبادرت، النسوان و خرجت الولائد و الولدان، و ضجّ الناس بالبكاء و النحيب، و جاء الناس من كلّ مكان و أُطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء، و خُيّل إلي النسوان أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد قام من قبره و صارت الناس في دهشةٍ و حيرة لما قد رهقهم، و هي تنادي و تندب أباها: «و أبتاه، واصفيّاه، وامحمَّداه، وا أبا القاسماه، و اربيع الأرامل و اليتامي! من للقبلة والمصلّي؟ و من لابنتِك الوالهة الثكلي؟». ثم أقبلت تعثر في أذيالها و هي لا تبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعتها، حتي دنت من قبر أبيها محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فلمّا نظرت إلي الحجرة وقع طرفُها علي المأذنة، فقصُرت خُطاها و دام نحيبها و بُكاها، إلي أن أُغمي عليها فتبادرت النسوان إليها، فنضحن الماء عليها، و علي صدرها و جبينها، حتي أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها؛ قامت و هي تقول: «رُفِعت قوّتي، و خانني جَلَدي، و شمت بي عدوَّي، و الكَمَدُ قاتلي، يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم. بقيتُ و الهةً ،وحيدة و حيرانة فريدة، فقد انْخَمَدَ صوتي، و انقطع ظهري، و تنقِّص عيشي، و تكدَّر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدَّك أنيساً لوحشتي، و لاراداً لدمعتي، و لامعيناً لضعفي. فقد فني بعدَك محُكَم التنزيل، و مهبط جبرائيل، و محل ميكائيل. انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب و تعلَّقت دوني الأبواب، فأنا للدنيا بعدك قالية، و عليك، ما تردَّدَت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك، و لاحزني عليك». ثم نادت: يا أبتاه واأبتاه، ثم قالت: إنَّ حزني عليك حزن جديد *** و فؤادي واللَّه صبٌّ عنيدُ كلّ يوم يزيد فيه شجوني *** و اكتئابي عليك ليس يبيدُ جلّ خطبي فبان عني عزائي *** فبكائي في كل وقتٍ جديدُ إن قلباً عليك يألف صبراً *** أو عزاء فإنه لجليدُ! ثم نادت يا أبتاه انقطعت بك الدنيا ،بأنوارها، و زوت زهرتها، و كانت ببهجتك زاهرة، فقد اسودّ نهارها، فصار يحكي حنادسها و رطبها و يابسها! يا أبتاه! لا زلت آسفةً عليك إلي التلاقِ يا أبتاه، زال غمضي منذ حَقَّ الفراق! يا أبتاه من للأرامل و المساكين؟ و من للأمة إلي يوم الدين؟ يا أبتاه، أمعيناً بعدك من المستضعفين، يا أبتاه أصبحت الناس عنّا معرضين! و لقد كُنّا بك معظَّمين غير مستضعفين! فأيُّ دمعةٍ لفراقِك لاتنهمل؟ و أيّ حزنٍ بعدك عليك لا يتّصل؟ و أيّ جفنٍ بعدَك بالنوم يكتحل؟ و أنت ربيع الدين، و نور النبيين، فكيف الجبال لا تمور، و البحار بعدك لا تغور، و الأرض كيف لم تتزلزل؟! رُميت -يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم- بالخطب الجليل، و لم تكن الرزيّة بالقليل! و طُرِقْتُ -يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم بالمصاب العظيم، وبالفادح المهول! بكتك -يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم- الأملاك، و وقفت الأفلاك، فمنبرك بعدك مستوحِش، و محرابُك خالٍ من مناجاتك، و قبرُك فرحٌ بمواراتك، و الجنّة مشتاقة إليك و إلي دُعائك و صلاتك. يا أبتاه صلي الله عليه و آله و سلم، ما أعظم ظلمة مجالسك! فوا أسفاه عليك إلي أن أقدِمَ عاجلاً عليك. و أُثكِلَ أبو الحسن المؤتمن، أبو ولديك عليه السلام، الحسن و الحسين عليهما السلام، و أخوك و وليٌّك عليه السلام، و حبيبُك، و من ربّيته صغيراً، و آخيته كبيراً، و أحلي أحبابك و أصحابك إليك، من كان منهم سابقاً و مهاجراً و ناصراً! و الشُّكل شاملُنا ! و البكاء قاتلُنا ! و الأسي لازمُنا ! ثم زفرت و أنت أنّةً كادت روحها أن تخرج، ثم قالت: قلّ صبري و بان عنّي عزائي بعد فقدي لخاتم الأنبياء صلي الله عليه و آله و سلم (الأبيات). قالت فضة: ثم رجعت إلي منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها».

ص: 439

ص: 440

(57) فاطم الطهر عليها السلام

(بحر الخفيف)

السيد محمد الشيرازي (*)(1)

ص: 441


1- (*) هو المرجع الديني الكبير السيد محمد ابن السيد الميرزا مهدي ابن السيد ميرزا حبيب الله الحسيني الشيرازي . ينتمي إلي أسرة (الشيرازي) المعروفة وهي أسرة علم و أدب وفضل وورع وزهد و قد برز فيها خلال القرنين الأخيرين مجموعة من مشاهير الفقهاء و المراجع العظام أحدهم المترجم له . ولد في النجف الأشرف في محلة العمارة يوم الخامس عشر من ربيع الأول سنة (1347 ه) . وقد اعتني والده الفقيه الكبير و الزاهد العارف بتربيته كثيراً و صرف مجهوداً كبيراً في ذلك حتي جعل منه الوريث المعنوي لشخصيته . هاجر مع والده إلي مدينة كربلاء المقدسة في سنة (1355ه). تجلّت فيه سمات النبوغ والعظمة منذ نعومة أظفاره فتعشّق العلم و الفضيلة و حفظ القرآن الكريم، ودرس مقدمات العلوم الدينية من الفقه و الأصول و الكلام و المعاني و غيرها لدي أساتذة عصره المعروفين و منهم العالم المربّي الشيخ جعفر الرشتي، و الفقيه المحقق الشيخ يوسف الخراساني، و العالم الكبير السيد ميرزا هادي الخراساني، و نابغة عصره السيد زين العابدين الكاشاني، و العالم الفقيه السيد محمد طاهر البحراني و غيرهم. ثم قرأ خارج الفقه و أصوله علي والده الفذ، و علي العالم الأصولي الكبير آية الله العظمي السيد محمد هادي الميلاني، فكان واسع الفهم، دقيق النظم، قوي المنطق و الحجة. إستقلّ بعد وفاة والده بتدريس (خارج) الفقه و أصوله في (كربلاء) فكانت له حلقة درس حافلة بالعلماء الأفاضل، و عندما هاجر إلي(الكويت) في عام (1391ه) و اصل تدريسه للخارج طوال تسعة أعوام قضاها في الكويت إلي جانب قيامه بمسؤولياته المرجعية الثقيلة. و عندما حلّ في مدينة قم المقدسة عام (1399ه) استمر في إلقاء بحث الخارج، حيث يحضر في حلقة درسه المجتهدون والعلماء الأفاضل ويغترفون من معين علمه الغزير. وقد امتاز بحثه بعمقه العلمي واستيعابه لآراء الفطاحل مقروناً بقوة البيان. و قد ناهزت مؤلفاته في شتي المواضيع العلمية -من فقه و أصول و فلسفة و تفسير وغيرها - الثمانمائة كتاب بين مطبوع و مخطوط و هو أمر غريب قلّ أن يتفق لأحدٍ قبله. و لانشغاله الدائم بإدارة أمور المرجعية و تربية العلماء مضافاً إلي التأليف الكثير لم يجد فرصة سانحة لنظم الشعر إذ هو من المقلّين جداً و لم ينظم قوافيه إلا في النادر. و من أهم مؤلفاته الموسوعة الفقهية التي يربو عدد أجزائها في الوقت الراهن علي المئة وعشرين مجلداً، و تعدّ أكبر موسوعة فقهية استدلالية في تاريخ الفقه وهي تدلّ علي غزارة علمه وقوّة اجتهاده و تضلّعه في الفروع و الأصول بما لم يسبق له نظير. و قد قرضها الكثير من المجتهدين العظام، و اعتبرها بعض جهابذة الحوزات العلمية دليلاً علي (أعلميته). و أما عطاؤه الفكري و الثقافي فهو معين لا ينضب للطلبه و الدارسين و أصحاب الفكر و القلم، إذ كان بحق مجدداً في القرن المعاصر وكتبه العديدة في مختلف مجالات الحياة تكشف عن كفاءته وقدرته الفائقة . و إلي جانب عطائه الثقافي و العلمي له اهتمام كبير بتأسيس المؤسسات الدينية في مختلف بقاع العالم. و هو مضافاً إلي كل ذلك مجاهد لا يلين... فقد قاوم التيارات الإلحادية طيلة حياته... و لمسيرة حياته خدمات جليلة و تفاصيل لايسع المجال هنا لذكرها، ومن المناسب أن نقول هنا إن المترجم له تعرّض لأقسي المصاعب في جهاده المتواصل... و لكنه تلقّاها صابراً محتسباً... و له في آبائه الطاهرين من أئمة أهل البيت«عليهمالسلام» خير قدوة و أسوة ... و بالله الأمل . .. و هو المستعان. و هكذا كان المترجم له إلي أواخر حياته مجتهداً مجاهداً و عالماً عاملاً حتي و افته المنيّة في قم المقدسة في الثاني من شهر شوّال سنة (1422ه) و دفن إلي جوار جدّته السيدة فاطمة المعصومةعليهما السلام فقدّس الله سرّه و حشره مع أجداده الطاهرين.

تَبْهَرُ الكَوْنَ من سَناكِ ذُكَاءُ*** وَلِعالي بِناكِ تَعْلُو السَّماءُ

فاطِمَ الظُّهْرِ يا سنايا ابنةَ المُخْتار*** مِنْ نُورِكِ اسْتَفادَ الضّياءُ

كَوْكَبَ الصُّبحِ قد أَلَقتِ بنِاءً*** لا يُجارِيكِ كَوْكَبٌ وَضَاءُ(1)

أَنْتِ بَحْرُ النَّدَي وَمَنْبَعُ فَضْلٍ*** مِنْ نَداهُ تُسْتَمْطَرُ الأَنْواءُ(2)

قالَ طَةَ بأنَّ فاطِمَ بَضْعُ*** مِن فُؤادِي، وإنها الزَّهْراءُ

وَرِضاها رِضَي الإِلَهِ تَعالي*** وَأَذاها لِرَبِّها إيذاءُ(3)

ص: 442


1- ألَق يألِقُ الْقاً: لمع و أضاء.
2- الأنواء، و مفردها النَّوء: العطاء، و المطر، و النجم. و قيل معني النوء: سقوط النجم من المنازل في المغرب و طلوع مقابله في المشرق. و كانت العرب تقول: مُطِرنا بنوء الثريا، أو بنوء الديران.
3- أخرج البخاري و مسلم، كما في ترجمة الزهراء عليها السلام من الإصابة و غيرها -عن المسور قال:«سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم» يقول علي المنبر : «فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يريبني ما رابها». و نقل النبهاني في كتابه الشرف المؤبّد، عن البخاري بسنده إلي رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم قال: «فاطمة عليها السلام بضعة مني يغضبني ما يغضبها» قال النبهاني: و في رواية: «فمن أغضبها فقد أغضبني». و راجع أيضاً مسند أحمد ج2 ص442، و سنن ابن ماجة ج1 ص644 و الإمامة و السياسة لابن قتيبة ص14، و المناقب باب (61) فضل فاطمة عليها السلام ج5 ص698 ح 3867 و حلية الأولياء ج2 ص40، و الإصابة ج4 ص366، و كنز العمال ج12 ص107 و 112 و الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122 و غيرها من كتب العامة المعتبرة، و قد تركنا ذكر مصادره من كتب أصحابنا لوضوحه عندهم.

أنتِ بِنْتُ الرَّسُولِ زَوْجُ عَلِيَّ *** وَ بَنُوكِ الأَئِمَّةُ الأمَناءُ

قد أَبَانَ النَّبِيُّ فَضْلَكِ إِذْما *** خاطِباً، جاءَ نَحْوَهُ الكُبَراءُ

(هَل أَتَي) فيكُمُ أَتَتْ مِنْ إله العَرْشِ*** ما طأُطَأَتْ لَهُ العُظَمَاءُ

أَنْتِ قُطْبُ المُطَهَّرِينَ جَمِيعاً *** حِينَما لَفَّكُمْ فَخاراً،كساءُ(1)

وَدَعاكِ الرَّسُولُ حِينَ أَتاهُ *** مِنْ نَصَارَي، مُباهِلِينَ غُثَاءُ(2)

ص: 443


1- لاحظ تعبير السماء عمّن يكون أهل الكساء قال الله تعالي: «هم فاطمة عليها السلام و أبوها و بعلها و بنوها عليهم السلام» حيث صارت مركزاً و محوراً للمطهَّرين جميعاً.
2- إشارة إلي نزول آية المباهلة فيها و في أبيها و بعلها و بنيها عليهم السلام و هي قوله تعالي في الآية (61) من سورة آل عمران: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ». قال الإمام شرف الدين: أجمع أهل القبلة، حتي الخوارج منهم، علي أن النبي صلي الله عليهم و آله و سلم لم يدع للمباهلة من النساء سوي بضعته الزهراء عليها السلام. و من الأبناء سوي سبطيه و ريحانتيه من الدنيا، و من الأنفس إلاّ أخاه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسي فهؤلاء هم أصحاب هذه الآية بحكم الضرورة التي لا يمكن محوها، لم يشاركهم فيها أحد من العالمين 510. و حديث المباهلة باختصار: إن نصاري نجران وفد كبار علمائهم علي رسول اللَّه صلي الله عليهم و آله و سلم، و جادلوه و جادلهم، و قامت عليهم الحجة فلم يقبلوا، ثم احتكموا في النهاية إلي الملاعنة و المباهلة، فيلعن كلَّ منهما المبطل فتحلّ اللعنة عليه، و اتفقوا علي يوم سُويً يجتمعون فيه لذلك، فجاء الرسول بأصحاب الكساء، و اختصهم من دون نسائه و رجال بني هاشم و قريش. فلما رأي وفد نصاري نجران تلك الوجوه النيّرة عرّفوا أنّ العذاب نازل عليهم إذاً لا محالة، فتراجعوا وصالحوا علي الجزية. قال الأمين الأنطاكي: إن حديث المباهلة معروف مشهور، و قد ذكره المفسِّرون و المحدِّثون و أهل السِّير والأخبار، و كلّ من أرّخ حوادث السنة العاشرة للهجرة، و هي سنة المباهلة. وانظر مسلم في صحيحه، و ابن حنبل في مسنده، و القندوزي في ينابيع المودّة، و الشبلنجي في نور الأبصار و الطبري في ذخائر العقبي و الكنجي الشافعي في كفاية الطالب، و الحاكم في المستدرك، و أبونعيم في دلائل النبوة، و البغوي في معالم التنزيل و الذهبي في ذيل مستدرك الحاكم، و ابن الأثير الجزري في أسد الغابة، و سبط ابن الجوزي في التذكرة، و ابن حجر العسقلاني في الإصابة و الشيخ محمد الشافعي في مطالب السؤول. و أكثر أهل التفاسير -إن لم يكن كلّهم- هذا من طرق السنّة حسب، و أمّا أصحابنا الإمامية فيمكن القول إن كل كتبهم التي تعرّضت لأحداث السنة العاشرة، و لمناقب أحد أصحاب الكساء قد ذكرت ذلك. غُثاء: الزبد، البالي من ورق الشجر المخالط للزبد.

لَكِ في (إِنَّما) الطَّهارةُ لكِنْ *** لَهُما في (تظاهرا) إِزْراءُ(1)

صَلَوَاتُ البارِي عَلَيْكِ دواماً *** وَ سَلامٌ مِنْ عِندِهِ وَ ثَناءُ

ص: 444


1- (إنّما) إشارة إلي آية التطهير و حديث الكساء، و قد تقدّمت في أكثر من مورد. و أما (تظاهرا) فإشارة إلي قوله تعالي في الآية (4) من سورة التحريم: «وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ عَسَي رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ». فقد أخرج البخاري في المظالم ،و الغصب باب الغرفة العليّة المشرّفة بسنده المتصل بابن عباس قال: لم أزل حريصاً علي أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله لهما: «إِنْ تَتُوبَا إِلَي اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا...» الآية: 4 التحريم... إلي أن قال فقال عمر: واعجبا لك يا ابن عباس، عائشة و حفصة. و رواه ابن سعد في طبقاته ج 8 ص 138، و أحمد في مسنده ج1 ص33 ومسلم في صحيحه و الترمذي في صحيحه ج2 ص231 و ابن جرير الطبري في تفسير للآية، بطريقين، و السنن للدارقطني كتاب الطلاق، و راجع مستدرك الصحيحين للحاكم ج2 ص493، و البيهقي في سننه ج 7 ص37 ، و المتقي في كنز العمال ج1 ص209 و الأوسط للطبراني و غيرها.

(58) خامسة الكساء

(بحر الوافر)

السيد محمد صالح البحراني (*)(1)

ص: 445


1- (*) هو السيد محمد صالح إبن عدنان إبن السيد علوي إبن السيد علي ابن السيد عبد الجبار القادوني الموسوي البحراني، يتصل نسبه بالامام موسي بن جعفر (عليه السلام). ولد المترجم له في بلاد القديم من قري البحرين في الخامس من ربيع الأول سنة (1338ه). و أخذ دراسته الابتدائية في البحرين ثم اتصل بالشيخ محمد علي المدني الذي كان وصي أبيه فدرس عنده القواعد العربية. و في عام (1356ه) بعثته حكومة البحرين ليكمل دراسته الدينية في مدينة (لكنهو) بالهند، و مدينة لكنهو كانت مركزاً للعلم والعلماء في فترة من الفترات، و كان يقطن فيها علماء كبار أمثال السيد مير حامد حسين الهندي صاحب كتاب (عبقات الأنوار) و لاتزال مكتبته الكبيرة هناك زاخرة بالمخطوطات النادرة مضافاً إلي مكتبات أخري و مساجد و مدارس علمية مثل مدرسة الواعظين. تتلمذ المترجم له عند العالم الجليل السيد علي تقي اللكنهوي، و قد درس هناك الفقه و المنطق و الأصول و الكلام و تعلم اللغة الهندية و الانكليزية، و بعد أن تمرّس في الثقافة الدينية عاد إلي البحرين و هو متعّطش إلي المزيد من العلم، فالتحق بالعالم الجليل الشيخ عبد الحسين الحلي -و هو إذ ذاك قاضي القضاة في البحرين- و تخرّج علي يده في علم الأصول. و لمّا أتمّ دراسته الدينية من نواحيها الشاملة علي يد علماء عصره في الهند و البحرين رغب في أن يسلك مسلك الخطابة المنبرية ليكون من خطباء المنبر الحسيني، مديراً للمجالس و المنابر التي هي ما لا يحصي عدداً في البحرين فابتدأ بها سنة (1363ه_) حتي أصبح من خطباء البحرين المرموقين، و هو يمتاز بقوة الحافظة و حسن التعبير و فصاحة اللفظ و جمال الصوت، و هو يجمع بين القديم و الحديث. و أما أدبه و شعره، فهو يجيد الشعر و النظم بقسميه (الدارج) و(الفصيح) ففي الدارج له ديوانه (مصاريع العبرة) في مجلدين و في الفصيح ديوانه (عرائس الجنان) في خمسة أجزاء. و شعره ذو طابع ديني و عقيدي كما له عدة مؤلفات طبع بعضها، و البعض في طريقها إلي الطبع منها : 1- مراجع بني الاسلام في تاريخ النبي صلي الله عليه و آله و سلم و البيت الحرام. 2- مصابيح الإفهام عن الحج و البيت الحرام. 3- معارج الإنابة في أعمال المدينة و أعمال مكة. 4- فجائع الاسلام في واقعة الطف. 5- مختارات الخطيب من الرثاء و النسيب. 6- مذكرات الخطيب. 7-مطالع الأنوار. 8- مراقي الوصول لمعالي الرسول. 9- فرائد المرجان في خصائص شهر رمضان. 10- عقود الجمان في وقائع شهر رمضان. 11- حصائل الفكر في أحوال الامام المنتظر«عليه السلام». 12- معالم اليقين في مناقب أمير المؤمنين «عليه السلام». 13- مواقع الحيرة في مصارع الغيرة. 14- رياض الإمامة. 15- ديوان عرائس الجنان. 16- ديوان مصاريع العبرة. و ما يزال متواصلاً في عطائه.

لأَهْلِ الأَرْضِ فَاقَتْ وَ السَّماءِ*** فَخُصَّتْ بِاسْمِ سَيِّدَةِ النّساءِ

وَ أَيْدِي النُّسْكِ ثَوْبَ تُفَّي كَسَتْها *** فَعادَتْ وَ هُيَ خامِسَةُ الكِساءِ(1)

لَها أعلاقُ يُثني كُلَّ حينٍ*** فَما بِثَناكَ تَصْنَعُ أَوْ ثَنائِي(2)

بِخِدْمَتِها الْمَلائِكُ قَدْ تَبَاهَتْ *** فَخِدْ ماتُ الوَرَي تِلْوَ الهباءِ

وَمَنْ في الذِّكْرِ مِدْحَتُها اسْتَقَلَّتْ *** فَخَيْرُ المَدْحِ فِيها كالهَبَاءِ

لَها لَمْ تُدْرِكِ القُرَباءُ مَعْنًي *** فَأَنَّي عِلْمُهُ للأَقْصِياءِ(3)

ص: 446


1- النُّسك: العبادة و الطاعة، و كلّ ما تُقَرِّب به إلي الله تعالي.
2- أعلاق جمع عِلْق: النفيسُ من كل شيء ، كالمال الخطير و الثوب النفيس. قيل: سُمِّي به لتعلّق القلب به، انظر لسان العرب. و الثناء: الحمد و المدح و الثنيُ : العطفُ و اللُّي و الطُّي وردُّ بعض الشيء علي بعضه. و علي هذا يُستبعد إرادة المعني المذكور من الأعلاق. و قال اللحياني: الإعلاق، بكسر الهمزة: وقوعُ الصيد في الحبل، و العلق: الحبل و الرشاء. و علي هذا فيكون الإعلاق مصدراً من العّلق و هو الحبل، أي حبل الفضل و الطهارة، و هو يتناسب مع قوله: يُثني كل حين، و المعني الدقيق في قلب الشاعر.
3- القُرباء، مثل عُلَماء حُكماء: لم تُسمع كجمع، و لعلّه اجتهادُّ منه.

فَسَلْ سَلْمَانَ عَنْها كَمْ رَأَي مِنْ *** مَنَاقِبُ لَهْيَ آيُّ الأَنْبِياءِ(1)

وَ عَنْها أُمَّ أَيْمَنَ سَلْ فَكَمْ قَدْ *** رَأَتْ مِنْ آيَةٍ وَ هُدَي سَناءِ(2)

فَمِنَ مَهْدٍ يَهُزُّ بِغَيْرِ كَفِّ *** وَ كَفِّ مُدَّ عَنْها بِالدُّعاءِ

وَ كَفِّ تَطْحَنُ البُرَّ اقتِداءً *** بِمَنْ هِيَ خَيْرُ أَهْل الإقْتِداءِ(3)

وَ سَلْ آيَ الكِتابِ فَكَمْ وَفتْها *** بِما هِيَ نَسْتَحِقُّ مِنَ الْوَفاءِ

وَ هَلْ خُصَّتْ بِشُكْرِ السَّعيِ إلاَّ *** صِيامُ ثَلاثَةٍ رُفِقَتْ بِماءِ

وَ هَلْ في (هَلْ أَتَي)الجَبَّارُ أَثْنَي *** لِغَيْرِ مَنِ احْتَوَوا جُمَلَ الثَّناءِ(4)

وَ هَلْ عَرَفتْ لِهذا الْفَضْلِ شَأْناً *** جُفاةٌ جَاهَرُوهُمْ بِالعِداءِ

لقَدْ أَدَّوا لأَحْمَدَ مَا اقْتَضاهُمْ *** عَلَي أَجْرِ الرِّسالَةِ مِنْ جَزاءِ

فَنَادَي: لاأُرِيدُ عَلَيْهِ أَجْراً *** سِوَي خَيْرٍ مَوَدَّةُ أَقْرِبائِي(5)

بِأَنْ لَمْ يَتْرُكوا لِذَوِيهِ حَقَّاً *** فَما اغتصبوه حَسْواً في ارْتِقاءِ(6)

فَمَنْ مِنْ بَعْدِهِ بِالْحُكْمِ أَوْصَي *** لَهُ وَ أقامَهُ عَلَمَ الوِلاءِ

ص: 447


1- راجع مثلاً كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص222، و تجد إشارة إلي ذلك في تاريخ اليعقوبي ج2 ص126، و في تفسير العياشي ج2 ص67.
2- تجد بعض ذلك في سفينة البحار ج8 تحت لفظة (يمن)، و في كتاب مائة أوائل من النساء لسليمان سليم عبد التواب بترجمة بركة بنت ثعلبة ص169، و في كتاب وفاة الصدّيقة الزهراءعليهما سلام للعلامة المقرّم.
3- انظر المناقب لابن شهر آشوب، ج3 ص116 و ما بعدها. طبع النجف 1375 ه_ كل ذلك عن الحسن البصري ،و ابن إسحاق، و أبي علي الصولي في أخبار فاطمة عليها السلام، و أبي السعادات في فضائل العشرة، و كذلك الثعلبي في تفسيره، و ابن المؤذن في الأربعين بإسنادهما عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللَّه. و انظر ذخائر العقبي ص45- 47، و البحار ج43 ص45، 63 و فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي ص99 نقلاً عن لسان الميزان ج5 65 .كما روي نظائر ذلك عن أنس بطريق عائشة و عن كعب الأحبار.
4- إشارة إلي الآيات التي نزلت فيها و في علي و الحسنين عليهم السلام.
5- إشارة إلي آية المودّة.
6- إشارة إلي ما جري عليها من مصائب و رزايا في فدك و السقيفة و الهجوم علي الدار وما تخلّل كل ذلك من تفاصيل. حسوا: شرباً شيئاً بعد شيء.

نَفَوْهُ عَنْ ولايتِهِ و سامُوهُ *** أَنْ يَرْضَي بِحُكْمِ الإِعْتِداءِ(1)

وَ بَضْعَتُهُ الَّتِي مازالَ يُوصِي *** بِها بِالْحِفْظِ دونَ رَياءِ

سَقَوْها مِنْ كُؤُوسِ الظُّلْمِ ما *** لايَقُومُ بِحَمْلِهِ أَعْلَي حِراءِ(2)

فَحَتَّي إِرثَها مُنِعَتْ عِناداً *** وَ مِنْ نَدْبٍ عَلَيْهِ وَ مِنْ بُكاءِ

وَ كانَتْ لافْتِجاعٍ فِيهِ ثَكْلي*** فَعَزَّوْهَا بِهِ خَيْرَ الْعَزاءِ!

أحاطُوا بَيْتَها جزلاً وَ هَمُّوا *** بِنارِ الجَزْل حَرْقاً لِلْفِناءِ(3)

وَ لَمّا أَنْ أَتَتْ لِلْبابِ فَتْحاً *** لِتُبْصِرَ ما يُرِيدُ أُولُو الشَّقاءِ

إِذَا هُمْ يَهْجُمُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ *** عَلَيْها وَ هْيَ حَسْرَي عَنْ رِداءِ

فَرامَتْ عَنْهُمُ بِالبابِ سِتْراً *** فَنالُوها بِهِ شَرَّ البَلاءِ

بِضَغْطٍ نالَ مِنْهُ الصَّدْرُ رَضَاً *** وَ أُسْقِطَ حَمْلُها خَلْفَ البِناءِ(4)

ص: 448


1- إشارة إلي حديث الغدير، و حديث الدار يوم الإنذار، و حديث المنزلة الذي يدلّ علي أن لأميرالمؤمنين عليه السلام كلّ ما لرسول اللَّه صلي اللَّهُ عليه و آلهِ و سلم ما خلا النبوّة، و حديث الولاية في قتال بني زبيدة مع خالد... و غيرها كثير لا يحصي كثرة. و من شاء فليراجع كتاب المراجعات، و فيه يذكر الإمام شرف الدين مآخذ كل ذلك من كتب الجمهور المعتبرة. ساموه: عرضوه و ذكروا ثمنه.
2- أعلي حراء، كناية عن الجبل الذي فيه غار حراء. و قال ابن منظور: حِرَاء، بالكسر و المد: جبل بمكة، معروف، يذكّر و يؤنث، و ينصرف و يمتنع.
3- الجزل: الحطب.
4- في كتاب سقيفة الجوهري، كما عن شرح نهج البلاغة للمعتزلي : أنّ عمر و أصحابه اقتحموا الدار، و فاطمة عليها السلام تصيح و تناشدهم اللَّه. و من مجموع كُتُب منها ذُكر، ومنها غُرر ابن خرد ذابة و منها كنز العمّال للمتقي، و منها الإمامة و السياسة للدينوري، و غيرها من كتب العامّة، و أمثال الاحتجاج، و الغدير، و سليم بن قيس، و الشافي في الإمامة، و غيرها من كتب أصحابنا الإمامية... أقول: من مجموع هذه الكتب يمكن ذكر بعض الذين وردت أسماؤهم في الهجوم علي الدار و اقتحام الباب، و هم: 1- عمر بن الخطاب العدوي. 2- المغيرة بن شعبة. 3- قنفذ بن عمير التميمي. 4- سلمة بن أسلم. 5- زيد بن أسلم. 6- أسيد بن حضير الأوسي. 7- خالد بن الوليد. 8- سلمة بن سلامة بن وقش، و هذا و أُسيد من بني عبد الأشهل. 9- ثابت بن قيس بن شمَّاس من بني الحارث بن الخزرج. 10- محمد بن مسلمة و هو الذي كسر سيف الزبير في واقعة الدار. 11- زياد بن لبيد الأنصاري، و غيرهم. فأما أخبار الهجوم و اقتحام البيت و إضرام النار و التهديد به فقد تواترت به الأخبار، و من الفريقين. و قد تقدّمت رواية الملل و النحل عن النظام المعتزلي أن عمر في اقتحامه للبيت ضرب فاطمة عليهما السلام في بطنها حتي أسقطت جنينها.

وَ جُرَّ الْمُرْتَضَي بِالْحَبْلِ صَبْراً *** فَهَوَّنَ مَا احْتَسَتْهُ مِنَ البَلاءِ

وَ لَمْ تَسْطِعْ جُلُوساً دُونَ أَنْ قَدْ*** سَعَتْ فِي رَدُّهِ بَيْنَ النِّساءِ

تُنادِي القَوْمَ خَلُّوا الْمُرْتَضَي أَوْ *** رَفَعْتُ يَدِي عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ

فَماعَطَفُوا لَها إِلاّ بِسَوْطٍ *** تُقَنِّعُها بِهِ أَيْدِي الجَفاءِ

فَما وَهَنُوا بِهِ حَتَّي كَسَوْها *** كِسا سُقْم تَعاضَلَ عَنْ شِفاءِ(1)

وَمِنْهُ أُلْقِيَتْ فِي الفَرْشِ نِضْواً *** تُكابِدُ كُلَّ ذِي كَمَدٍ وَداءِ(2)

فَلا تَهْدا مِنَ الآلامِ سُقْماً *** وَ لا فَقْد أَقَلَّ مِنَ الْبُكاءِ(3)

يُقاسِي قَلْبُها سُمَّيْنِ: سُمّاً *** لِفَقْدِ أَبِ، وَسُمّاً مِنْ جَفاءِ

وَ يَصْلَي جِسْمُها ضَرْباً وَ ضَعْفاً *** وَ ضَغْطاً مُسْقِطاً حَمْلَ النَّماءِ

فَعاشَتْ وَ هْيَ ثَكْلَي فِي اهْتِضَامِ *** وَ ماتَتْ وَ هْيَ حَرَّي في اصْطِلاءِ(4)

قَضَتْ فِي النُّسِكِ طُولَ العُمْرِحَتَّي *** قَضَتْ بِسُجُودِها نَحْبَ البَقاءِ(5)

بِنَفْسِي مَنْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَقْضِي *** جَمِيعَ حَياتِها الفَخْرَ النَّهائي

ص: 449


1- تعاضل عن الشفاء: امتنع عنه و منه، فلا شفاء و لادواء. و منه المرض العضال.
2- النُّضو: المهزول، و سُمي السهم نِضواً لكثرة ما وقع عليه من البري و النحت. و الكَمَدُ، علي وزن قَمَر: الهمّ و الحزن المكتوم، بما يصاحب ذلك من تغيرّ اللّون و ذهاب صفائه. و كابَدَ : قاسي.
3- لا يخلو البيت من تصحيف.
4- حرَّي: عطشي، مؤنّث حرّان، و عادة ما توصف الكبد، فيقال: كبدّ حرّي. و منه حديث علي عليه السلام: أأبيتُ مبطاناً و حولي أكبادُّ حرّي؟ هذا هو الأصل، ولكن الحرّ من الحرارة، و قد يوصف الصدر المحزون المملوء همُاً بالحرارة أيضاً، فيقال: هي حرّي: أي صدرها مملوء بالهموم و الأحزان. و الاصطلاء بالشيء: مقاساة حَرُّ الشيء.
5- النحب: لّه معانٍ عديدة، منها الموت ،و الأجل، و المدّة و الوقت. قضي نحبه: مات.

(59) إيذاؤها ايذائي

(بحر الكامل)

الحاج محمد علي الحاج حسين (*)(1)

هذه القصيدة في (رثاء الزهراء «سلام الله عليها»)بنت النبي المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم تنبعث من قلب ذاب من غصص الرزايا التي جرت عليها. و هي البضعة الطاهرة عليها السلام. سيّدة نساء العالمين. فاطمة عليها السلام. أم أبيها:

غُصص المصائب ألهبت أحشائي *** فأشرتُ نحوكَ سيّد الشهداء

إن كنت أنت أبَا الرَّزايا كُلّها *** قتلاً و نهباً ثمّ سَبي نِساءِ

فالأمُّ في تلك الفواجِع فاطمٌ *** عانّت صنوف الظُّلم و الإيذَاءِ

إنّي جريحُ القَلب تنزفُ مُقلتي *** و أقولُ في ذكري البتولِ رثائي

أولم تكنِ بنتُ النبيِّ المُصطفي *** أُمّاً له في أصدقِ الأنباءِ؟

ص: 450


1- (*) هوالأستاذ الحاج محمد علي ابن الحاج حسين أبو الحسن الحلّاق الحريّ. ولد في كربلاء المقدسة سنة 1939م. بدأ الدراسة الابتدائية في المكاتب التي كانت متعارفة في ذلك الوقت فتعلّم القراءة و الكتابة من المرحوم الحاج السيد مرتضي المعروف ب_ (آقا معلم) ثم تتلمذ أبواب الحساب و الرياضيات عند المرحوم الشيخ حسن في إحدي حجرات الصحن الشريف و قد حفظ أجزاءً من القرآن الكريم علي يد المرحوم الحافظ الشيخ فاضل الحلي و تعلم كتاب الأدب و الشعر من الفضلاء و الشعراء و هم: المرحوم الحاج الشيخ مرتضي الكشوان الكربلائي و المرحوم السيد مرتضي الوهاب و الشهيد الحاج السيد حسن الشيرازي، و المرحوم الحاج الشيخ هادي الخطيب الخفاجي الكربلائي، و المرحوم الشيخ عبد الرضا الصافي رحمهم الله جميعاً. و له هواية شديدة في مطالعة الكتب الدينية و الأدبية. و له العديد من القصائد في مختلف المناسبات الدينية و مدحاً و رثاءً في حق أهل البيت عليهم السلام و لايزال مستمراً في مجال الشعر و الشعراء.

و خليلة الضرغامِ حيدرةَ الّذي *** أفني جُموعَ عساكرِ الأعداءِ

زهراءُ سيدةُ النساء رضيّة *** حوراءُ طاهرةُ من الأرداءِ(1)

و هي التقيّةُ و البتولُ زكيّةٌ *** صديقةُ مرضيّةُ الآراءِ

هي نورُه مَشكاةِ الهُدي و سراجُها *** هي مركزُ الإشعاعِ و الأضواءِ

من نورِها تبدُو البدوُر منيرةً *** منها الشَّمُوسُ تشعُّ في الأرجاءِ

فجلالُهَا و بهاؤُها و كمالُها *** عكستْ جلالَ اللَّهِ ذي الآلاءِ

إنّ السّخاوةَ قد غَدتْ بمذلّةٍ *** تحنُوأمامَ نوَالِها المِعطاءِ

***

في الذّكر آياتٌ تنصُّ بشأنها *** و بفضلِها بالمدح و الإطراءِ

عُنيتْ بآيةِ قل تعالَوْا نبتهلْ *** بنسائِنَا و بخيرةِ الأبناءِ

و بآية التطهير بان كمالُها *** ظَهُرتْ من الأرجاسِ و الأقذاءِ(2)

و بهل أتي نصٌّ جليٌّ واضحٌ *** حازتْ بكلِّ فضيلةٍ و ثناءِ

و بآي فلا لاأبتغِي لرسالتي *** شيئاً من الصَّفراءِ و البيضاءِ

إلَّا المودّة في ذوِي القُربي و هُم *** نسلُ الوصيِّ و عترةُ الزَّهراءِ

هي أصلُ أغصانٍ تُضيء فروُعها *** أنوارَ أعلامِ التّقي النّجباءِ

***

و صريحُ أقوال الرّسول تواترتْ *** (هي بضعتي إيذاؤها إيذائي)

قُمْ من ضريحِكَ يا أبي و انظرْ إلي *** السّبطين قد لاذا من الغَوغاءِ

وكأنّنا أُسراءُ ديلَمَ بينَهُم *** أبتاهُ فانظُرْ ما جنوهُ إزائي

عَمَدُوا بكسرِ الضلعِ بين جِدارِها *** و البابِ حتي رُوِّضتْ أعضائِي

أبتاهُ قد سقَطّ الجنينُ و لم أجدْ *** من يستجيبُ لنخوتِي و رجائِي

ص: 451


1- الأرداءِ: مفردها رديّة: و هي الفعل الشائن.
2- الأقذاء: جمع قذي: و هي الأوساخ.

أبتاهُ أدركني بمقتلِ(مُحسنٍ) *** يا وَيْلَهَم قد قطعُوا أحشائِي

هذا ابنُ عمِّكَ كالأسيرِ موثَّقاً *** و الوغُد يدفعُه بَلا استحياءِ

أبتاهُ إني قد سئِمْتُ مَعِيشَةً *** بالذُّلِّ بينَ معاشرِ الخُبثَاءِ

أبتاهُ فاجلِبنِي لجنبكَ مسرِعاً *** إذ لا أُطيقُ شماتَةَ الأعداءِ

وإليكَ ربّي قد شكوتُ ظلامَتِي *** عجِّل وفاتِي يا مُجيبَ دعائِي

حتي استجابَ سميعُها فاستُشهِدَتْ *** مرضوضَةَ الجنبَاتِ لِلعلياءِ

رَحلَتْ و فيها لوعةٌ مكنونةٌ *** ليذوبَ من آهاتِهَا الصّمَّاءِ

في بيتِها هَبَطَ الأمينُ لينضوي *** تحتَ الكساءِ بمجمعِ العُظماءِ

هي كوثرٌ تهبُ الحياةَ ليرتوي *** مِنها الوُجودُ بسَلبيلِ المَاءِ

إن الحياةَ رهينةٌ بوجُوِدها *** أُمُّ الأئمةِ و هي خيرُ نساءِ

***

ما بالُ بنتِ المُصطفي تَبكي إذاً؟ *** في كُلِّ أضحيةٍ و كلّ عِشاءِ

جاءتْ إلي قبرِ الحبيب لتشتكِي *** ظلمَ الطغاةِ و قسوةَ الخُلفاءِ

أَبَتَاهُ من لي بعدَ شخصِكَ ملخاٌ *** أشكُو إليه مظالِمَ الأعداءِ؟

ما إن تقمَّصَك المنونُ فإنّهُم *** قد أظهَرُوا أحقادَهُم بِجفائِي

خانُوا الأَمَانَة و العهُودَ ليمنعُوا *** إرثي و كانَ سروُرهُم إيذائِي

أَبَتاهُ قد شَنُّوا عَلَيَّ هَجُومَهُم *** و بفعِلِهم قد أرْعَبُوا أبنَائي

وبنارِ حقدِهُمُ الدَّفين تعمّدُوا *** في حرقِ داري و استُبيحَ خِبائي

أَبَتاهُ هذي زينبٌ مرعوبةُ *** ذُهلِتْ لتلِكَ الهجمةِ النَّكراءِ

تشكُو إلي البارِيِ مظالمَ حبترٍ *** و خليلِهِ و الظُّغمةِ اللُّؤمَاءِ

و الصّبرُ أظهرَ عجزَهُ عن صبرِها *** صَبَرَتْ علي البأساءِ و الضّراءِ

***

يا عينُ ذوبي و انثُري لمُصيبةِ *** الزهراءِ فهي رزيَّتِي و رَثائي

ص: 452

يا للهوانِ علي الزّمانِ لعُصبةٍ *** غدَرَتْ بآلِ محمّدِ الأُمناءِ

ما ذنب أهل البيت عترةِ أحمدٍ *** سُحقاً لقومٍ مسَّهُم بِعداءِ

يا ربُّ فالعنْ غاصبيِهم حقَّهُم *** لعناً بكُلِّ صبيحةٍ و مَساءِ

و ابعَث إلي رُوحِ النَّبي وآله *** عنّي السلامَ فإنّهُم شُفعائِي

***

ص: 453

(60) نور البضعة الزهراء عليها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ محمد علي الزهيري (*)(1)

(الصديقة الزهراء عليها السلام):

قد فجّرَ الشوقُ العظيمُ ولائِي *** متدفقاً كالنَّبْعِ من أعضائِي

و استلهمتْ نبضاتُ قلبي نغمةٌ *** فعزفتُها أنشودةً لنِدائي

طرِبَ الفؤادُ لها فهام بسحرِها *** فتحيَّرَ الإلهامُ في إيحائِي

و الروحُ ترقُصُ حولَ قلبي نشوةً *** و الفكر يرسُمُ و المِدادُ دمائِي

و العينُ قد سُحِرَتْ فلا بصرٌ بها *** و كأَنَّها في ليلةِ ظلماءِ

فإذا العيونُ تفتحتْ بخواطرِي *** و القلبُ أبصرَ من شغافِ صفائِي

فنظرتُ و الأشواقُ لما تنجلِي *** ما بين نشوةِ فرحتي و بكائِي

الكونُ يا للكونِ أشرقَ ساطعاً *** نوراً غدا كالدرةِ البيضاءِ

و خليقةُ الرحمن بين مهلِّلِ *** و مقدِّس و مسبِّحٍ بدعاءِ

فسألتُ قالوا قد أطلَّ علي الوري *** في الأرضِ نورُ البضعةِ الزهراءِ(2)

ص: 454


1- (*) الأستاذ محمد علي بن فاضل بن ياسين عبدين الزهيري. ولد في النجف سنة 1383ه_ و نشأ بها دخل المدارس الرسمية، و تخرج من كلية الهندسة قسم البناء و الإنشاءات، و يتكسب حالياً بالأعمال الحرة. أخذ بعض المقدمات الأدبية علي الشيخ علي السهلاني، و أحبَّ الأدب، و له قراءات أدبية و شعرية متنوّعة، فقد نظم الشعر الفصيح و «العامي». و شارك به في الأندية الأدبية، و له منه ديوان ضخم، أكثره في مدح و رثاء آل البيت الأطهار عليهم السلام.
2- الوري: الخلائق.

بُشراكَ يا خيرَ الأنامِ بمولد *** الإيمانِ و العرفانِ و العلياءِ

بشراكَ يا دوحَ الفضيلة كوثرٌ *** قد جاءَ فياضاً علي الأرجاءِ

فلتفرحِ الدنيا و ما حَمَلتْ وما *** في العالمينَ و بينَ كلِّ سماءِ

اللَّهُ ماذا أزهرَتْ بنوالها *** تزهُو به من عزةٍ قَعْساءِ

و يطوفُ جبرائيلُ حولَ فنائها *** فبخٍ لروحٍ حولَ أيَّ فناءِ(1)

و فيالقُ الأملاكِ تربضُ حولَهُ *** للَّه منْ شرفٍ ومن إعلاءِ

بابُ الإلهِ تقدّستْ بجدارِةِ *** و تشرّفتْ نُزُلاً بخيرِ نساء

لابنتَ عمرانٍ كفاطمَ رِفعةً *** لاسارةً لا مُرتقي حواءِ

سرُّ الإلهِ و أمرُهُ و نواله *** قد جاءَها من أشرف الآباءِ

و بها تقدَّس ذاكَ سرُّ وجودِها *** حملتْهُ في زهوِ إلي الأبناءِ

فغَدَوْا سراةً للهُدي من فاطِمٍ *** غذَتْهُمُ من نقطةِ للباءِ

***

للَّهِ من شرفٍ تقدَّس وصْفُهُ *** أدني سلالمُهُ علا الجوزاءِ(2)

قد أشرقَتْ نوراً بقدسِ صِفاتِها *** من قبلِ خلقِ اللَّهِ للأشياءِ

فرأَي عُلاها آدمٌ متحيِّراً *** لماتجلَّتْ عندَ كشفِ غطاءِ

تاجٌ عليها ذاكَ نور محمدٍ *** سرُّ الوجودِ و مصدُر الآلاءِ

و قلادةٌ يا للقلادةِ! نورُها *** المُرَتْضَي و الكفؤَ للأكفاءِ

و غدا لها قرطانِ شبلا قدُسِها *** حَسَنٌ وَ آخَرُ سيدُ الشهداءِ

سَجَدَتْ لهذا النورِ كلُّ ملائِك *** الرحمنِ و الأكوانِ بالإيماءِ

خلقتْ بألفي عامِ كل صحائفِ *** الألواحِ و الميزانِ و الإنشاءِ

قف: لا تسَلْ عنها خلاصةَ سرِّها *** جلبابُها للكونِ بُردُ ضياءِ

ص: 455


1- فبخ: بخ: كلمة تقال للتهنئة.
2- الجوزاء: و هي أبعد مجرّة كونية عن الأرض.

هيَ فوقَ عرشِ اللَّه يسطُعُ نورُها *** مذكانَ عرشُ اللَّهِ فوقَ الماءِ

***

جمعتْ لأضداد المكارمِ و النَّدي *** من عفّةٍ و صلابةٍ و نقاءِ

فيها النبوةُ و الإمامةُ أَشرقتْ *** ماذا تقولُ بلاغةُ البلغاءِ

لكنني أرنُو لكوثرِ فيضها ***كي أرتقي في مِدحتي و ثنائِي

مالي سوي أم الأئمةِ شافعٌ *** في يومِ حشري عدَّتي و رجائِي

و ببابِها قد جئتُ التمسُ الندي *** بابٍ عَقَدتُ لهُ رداءَ لوائِي

إن صابني دَهِري مسكتُ له عُري *** و إذا مرضْتُ ففيهِ كانَ شفائِي

قُولي أيا زهراءُ معني قد حوي *** خمساً من الأشباحِ تحتَ كساءِ

المُصطفي و المُرتضي و أبناهما *** و شفيعَتِي حرزي من الأعداءِ

ص: 456

(61) ابنة المختار

(بحر الرمل)

السيد محمد علي العلي (*)(1)

أتْرِعِ(2) الكأسَ مديحاً و ثَناءَ *** و أَدِرْها كي تُوفِّينا الرواءِ

غَمَرَتْنا فرحةُ العيدِ فقدْ *** رَفَّتِ الذكري علي الدنيا لِواءَ

ص: 457


1- (*) هو السيد محمد علي ابن السيد هاشم العلي. ولد في النجف الأشرف سنة (1355 ه_) في وسط حافل بالعلماء و الأدباء أبطال الفقه و الأصول و التفسير و التاريخ و الحكمة و الأخلاق، فنشأ في أحضان الفضيلة برعاية والديه فنال منهما التربية الصالحة منذ صغره، و كان من عشاق العلم و الأدب، و قد بدأ دراسته في الاحساء في سنة (1366 ه_) إلا أنه هاجر إلي النجف الأشرف برفقة والده سنة (1367 ه_) و أكمل دراسته فيها آخذاً أساتذة الحوزة علومه حتي قطع شوطاً كبيراً كما حضر بحث الخارج عند المرجع الديني السيد الخوئي و الشهيد السيد محمد باقر الصدر «قدس سرهما». و يعد المترجم له من الفضلاء المعروفين في منطقة الاحساء، حيث يباشر التدريس في حوزتها. و أما في مجال الشعر فقد كان منذ صغره هاوياً للشعر و الأدب و قد أخذ يقرض الشعر و هو في السابعة من عمره و كان لا يتعدّي نظمه الأبيات المعدودة. و كانت أول قصيدة أنشدها بشكل متكامل في مولد الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم مطلعها: بُوْرِكْتِ آمنةُ به مولودا *** بدراً تسامي في الكمال وجودا و هو ينظم في أهل البيت عليهم السلام فقط و قد جمع قصائده في دواوين سمّاها: 1- أفراح الولاء. 2- الدموع . 3- الشجاعة. 4- اللوعة. و له كتاب اسمه الأربعين، و سيواصل مسيرته الثقافية و الدينية بكل جدارة و اقتدار «زاد الله في توفيقاته».
2- أثرع: املاً.

و استحالَ العيدُ في أَعْماقِنا *** مَوْجَةً تَحْفُقُ للزَّهرا وَلاءَ

ها تَري القلبَ و قد رَفَّ لها *** و استثارَ الفكرَ نَظْماً و أداءَ

فَاهْزَج الذكري بأنغامِ الوَلا *** و أفِضْها في شَذا العِظَرِ هَناءَ

وَ اقْرَأ التاريخَ في واقِعِها *** آيةٌ تَبْعَثُ للقلبِ اهتداءَ

حيثُ تَزْكُو النفسُ في نَيِّرِها *** و بها تَجْلُو عن العينِ العَماءَ

فلقدْ أَعْقَبَها البُعْدُ عِشاءً *** فَاهْدِها من كوكبِ الزهرا جَلاءَ

ليلةَ العيدِ و يا فَخْرَ الدُّنا *** ساعةَ البِشْرِ ويا صُبْحاً أَضاءَ

صَوِّرِي الحفلَ أَعِيدِي مَجْدَهُ *** صَوِّرِي الإبْداعَ في حيثُ تَراءَي

صَوْرِي الزَّهراءَ بَدْراً قَدْ جَلا *** سُحُبَ الغيبِ و أَذْكاها ضياءَ(1)

صَوِّرِيها وَرْدَةٌ فاحَ بها *** عَبَقُ الطَّيبِ و قد عَمَّتْ شَذاءَ

فَتَهادَيْنَ(2) بها في شَغَفٍ *** سيداتُ الحَفْلِ يَنْشُدْنَ الشَّدَاءَ

صَوِّريها مُصْحَفاً يَلْتُمْنَهُ(3) *** في وَقارِ الحُبِّ إذ دارَ اعتناءَ

صَوِّرِي أُمَّ الهَنا في بَهْجَةٍ *** وَ هْيَ تَتْلُو الذكرَ اللهِ ثَناءَ

صَوِّرِي المختارَ إِذْ تَعْمُرُهُ *** فَرْحَةُ الحُبِّ فَيُولِيها احتِفاءَ

وَ يُحَلِّيها باسمِ فاطِمٍ *** شَقَّهُ اللهُ لها منه ابتداءَ

يابنة المختارِ مَجْداً وَعَلاءً *** يا بنةَ المختارِ طُهْراً و نَقَاءَ

يا بنةَ المختارِ فِكْراً ثاقباً *** يا بنةَ المختارِ هَدْياً و عَطاءَ

يا بنةَ المختارِ رُوحاً حُرَّةً *** يا بنةَ المختارِ عَزْماً وَ مَضاءَ

هكذا يَعرضكِ الواقِعُ لا *** يَبْتَغِي زُوراً و لايَبْغِي افْتِراءَ

هكذا الحالُ يقص العُلَماء *** و إلي الذَّرْوَةِ يُعْلِي الجُهَلاءَ

ص: 458


1- أذكاها: أوقدها.
2- تهادين: أهدي بعضهنّ إلي بعض.
3- يلثمنه: يقبّلنَهُ.

أمِنَ الإنصافِ تَقْضِينَ بها *** كَمَداً(1) في غَمْرَةِ الحُزْنِ انْطِواءَ(2)

و يعيشُ البِشرَ أقوامٌ لهم *** قَعَدَ الدهرُ فأَضفي وأفاءَ

و علي الحرمانِ تَطوِينَ و قد *** و سَّعوا كَفَّاً و عاشُوهُ ثَراءَ(3)

وَ زَكَي الأمنُ لهم حتّي غدا *** مُحْكَمُ الأمرِ لهم شاؤوا فَشاءَ

و أتاكِ الشرُّ للبيتِ و ما *** حَفِظَ البيتَ و لاأَضْفَي حِماءَ

حيثُ وَفَاكِ علي أرْجافِهِ(4) *** ويحَ ذاكَ البابِ ما صَدّ الأذاءَ

ثم لم يُرْضِهِ خِذْلانٌ و قدْ *** أَرْسَلَ المسمارَ للصدرِ اعتِداءَ(5)

ص: 459


1- كمداً: مرض القلب - تغيرّ اللون.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي حزن الزهراء عليها السلام و كمدها. راجع كتاب صحيح البخاري ج4 ص1619، و أمالي الصدوق ص121 ح رقم5، و مناقب ابن شهرآشوب ج3 ص119 و ص322 و بحار الأنوار ج43 ص156 ، و عوالم العلوم ج2 ص787.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلي المرارة التي تحملتها الزهراء عليها السلام من أجل حلاوة الآخرة... راجع كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص41 ، و كتاب ذخائر العقبي لمحب الدين الطبري ص50. فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام: قال كان أميرالمؤمنين عليه السلام يحتطب و يستقي و يكنس و كانت فاطمة عليها السلام تطحن و تعجن و تخبز. و في كتاب فاطمة عليها السلام بهجة قلب المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم ص189 الراضية إن فاطمة الزهراء عليها السلام و كانت راضية بما قُدِّر لها من مرارة الدنيا و مشقاتها و مصائبها و نوائبها. و عنه أيضاً عن علي بن أعبد قال: قال لي عليّ «رضي الله عنه»: ألا أحدثك عني و عن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلي قال: إنها جرّت بالرحي حتي أثرّ في يدها و استقت بالقربة حتي أثر في نحرها و كنست البيت حتي اغبرَّت ثيابها و أوقدت القدر حتي دكنت ثيابها و أصابها في ذلك ضرّ و للحديث بقية أخذنا موضع الحاجة.
4- أرجافة: الإرجاف: الخبر الكاذب المثير للفتن و الإضطراب.
5- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلي هجوم القوم علي البيت و إلي دخول مسمار الباب في صدرها عليها السلام. راجع كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208 و ص36 و ص38 و ص40. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و كتاب العوالم585/2/11 كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: (و لمّا جاءت فاطمة عليها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة عليها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتي أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة عليها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله عليه السلام) عن مؤتمر بغداد ص135. و قال الفيلسوف المحقق آية الله العظمي الشيخ محمد حسين الأصفهاني (قد): و لست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار و راجع أيضاً مأساة الزهراء عليها السلام ج1 ص353.

(62)كعبة المجد

(بحر الخفيف)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

بارِكي حَفْلَنا هَبِيهِ ارْتِقاءَ *** إِنَّنامِنْكِ نَسْتَمِدُّ العَلاءَ

بارِكي حَوْزَةَ العُلُومِ بِجُهْدٍ *** فَهْيَ لَوْلاكِ لَمْ تَرِفَّ لواءَ

بارِكينا فَإِنَّنا لِمَعِينِ الفَضْلِ *** مِنْ كَفْكِ لَنَشْكُو الظَّمَاءَ

وَ هَبينا مِنْ كَفْكِ اللُّطْف في *** الدُّنْيَا و َيَوْمَ الحِسابِ مِنْهُ النَّجاءَ

ليْلَةُ العِيدِ حانَ وَقْتٌ لها *** الذِّكْرَي فَهَيّا لِرَبْعِها إسراءَ

جَدْدِي مَوْكِبَ الهَناءِ أَعِيدِي *** فَرْحَةَ البِشْرِ تَمْلأُ الأجواءَ

عَطِّري الحَفْلَ بِالمدِيِح لأهْلِ *** البَيْت لا الشِّعرَ نَعُمَةً و غِناءَ

هاكِ مِنّا القُلُوبَ أَجْنِحَةَ الطَّيْرِ *** إذا ما خَفَقْنَ فيكِ وَلاءَ

إيهِ يا ساعَةَ الكَرامَةِ عَوْداً *** لِمراسيمَ لا تَمَلُّ لِقاءَ

إيهِ يا سَاعَةَ الكَرامَةِ عَوْداً *** لِنُجُومٍ مَلأْنَ فيكِ السَّماءَ

إيهِ يا ساعَةَ الكَرامَةِ عَوْداً *** لِزَغارِيدَ تَبْعَثُ الأَضداءَ

لأُلِئِي يا أَشِعَّةَ النُّورِ حتّي *** يستحيلَ الرَّبْعُ الكَرِيمُ ضِياءَ

وَ أَزحْ يا ستارُ عَنْ ساحَةِ *** القُدْسِ فَقَدْ مَلَّتِ العيونُ المَلاءَ

أنْتَ يا طَوْقَها المُدِرَّ جَلالاً *** مِنْ نِساءٍ أَقَمْنَ فيك حماءَ

ص: 460


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.

مِلْ فَدَتْكَ النُّفُوسُ عَنْ *** كَعْبَةِ المَجْدِ لِتُعْطِي عُيُونَنا اسْتِجْلاءَ

هذِه فاطِمٌ تَجَلَّتْ كَوَجْهِ *** الشَّمْسِ قَدْ عَادَ مُشْرِفاً وَضّاءَ

وَ هُيَ ذِي رَبَّةُ الكَمالِ أَراها *** بَسَطَتْ كَفَّها تُريدُ الثناءَ

بِمَقَالٍ مِنْها الشفاءُ تُعاطِيهِ *** مراراً فلا تَمَلُّ الدُّعاءَ

رَبِّ أَنْعَمْتَ مَنْ تُراها كَمِثْلِي *** سَعِدَتْ إذ وَهَبَتْنِي الزَّهْراءَ

لاوَحَقِّ السَّماءِ يا أُمُّ ما *** فُزْنَ نِسَاءٌ وَ إِنْ عَظُمْنَ حِباءَ(1)

مِثْلَما فُرْتِ غَيْرَ أُمِّ رَسُولِ اللهِ *** حازَتْهُ سَبْقَةً و ابتداءَ

أَنْجَبَتْ لِلرَّسُولِ وَ هُوَ أَبُوالطُّهْرِ *** لها الفَخْرُ مِنْ عُلاه انتماءَ

غَيْرَ أُمِّ الوصيِّ وَ هُوَ قَرِينٌ *** عَدِمَتْ غَيْرَ شَخْصِهِ الأَكْفَاءَ

قَدْ تَشاطَرْتُمُوهُ صَرْحَ *** الكَمالاتِ وَ مِنْكُنَّ قامَ فِيهِ بِناءَ

وَ أَتتْ فاطِمٌ لِتُكْمِلَ ذاكَ *** الصَّرْحَ في حَيْثُ أَنْجَبَتْ أبناءَ

أخْتُ يا مَبْعَثَ السَّعادَةِ إمّا *** رُمْتِهِ الدِّينَ مَنْهَجاً بَنَّاءَ

أُخْتُ يا مَنْبَعَ القَداسَةِ إِنْ *** أَحْسَنتِ في نَهْجِها البَتُولَ اقْتِداءَ

فَخْرَةَ الجيلٍ إِن سَعِدْتِ فَأَصْفَيْتِ *** عَلَي مَظْهَر السُّلُوكِ حَياءَ

وَ لكِ الفَخْرُ بالبَتُولِ فَقَدْ *** أَضْفَتْ علي المَجْدِ عِفَةً وَ إباءَ

فَلَكِ فيه حادثٌ لابْنِ مكتومَ *** اعتبارٌ يُسلِّطُ الأَضْواءَ

يَوْمَ جَاءَ النَّبِيُّ يَطرُقُ لِلْبابِ *** وَ لِلطُّهْرِ زَوْرَةً قَدْ شاءَ(2)

فأجابَتْ بالإِذْنِ منها وَلكِنْ *** عَلَمتْهُ مُصَاحِباً قَدْ جَاءَ

فأَرادَتْ لها الحِجابَ فَرَاحَتْ *** تعِطِهِ عن دُخولِهِ أرْجاءَ

ورآها في الدَّارِ حِين رآها *** وَ هُيَ وَسْطَ الحجابِ تَقْضِي انْطِواءَ

قالَ أَعْمَي هذا ابنُ مَكْتُومَ *** يابنتُ أجابَتْ فلم أكُنْ عَمْياءَ

ص: 461


1- حباء: عطية مهر المرأة (المنجد في اللغة ص115 مادة حبو).
2- زَوْرَة: الزيارة، أو المرّة الواحدة (مختار الصحاح؛ ص278 باب زوْر).

هكَذا تَبْرُزُ الكَرامَةُ و *** العِفَّةُ شَأْنَ أُجِلُّهُ إِطراءَ(1)

وَ سُؤالُ الرَّسُولِ مَا الخَيرُ *** لِلْمَرْأَةِ في حِينِ سَاقَهُ إنشاءَ

فأَجابَتْ أَنْ لايَراها *** رَجُلٌ لا و لاتَراهُ ابتداءَ

وَ يَهُزُّت الرَّسُولَ بِالفَخْرِ هذا *** القولُ إذْ كَانَ حِكْمَةً نَجْلاءَ(2) (3)

ص: 462


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات السبعة إلي قول الزهراء عليها السلام حين دخول ابن أم مكتوم -كما في بعض التواريخ- عليها مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إن لم يكن يراني فإني أراه. و في كتاب إحقاق الحق للتستري ج10 ص258 قال: عن علي بن الحسين عليه السلام ان فاطمة بنت رسول الله عليها السلام استأذن عليها أعمي، فحجبته فقال لها النبي صلي الله عليه و آله و سلم: لِمَ حجبته، و هو لا يراك؟ فقالت: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إن لم يكن يراني فأنا أراه و هو يشم الريح، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم أشهد أنك بضعة مني. و ذكره في البحار ج43 ص91.
2- نجلاء: واسعة.
3- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلي قول الزهراء عليها السلام حين سُئلت ما خير للنساء. ففي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص40-41 قال: «عن أنس قال قال رسول الله صلي الله عليه و اله و سلم ما خير للنساء فلم ندر ما نقول فسار علي إلي فاطمة عليها السلام فأخبرها بذلك، فقالت فهلا قلت له خير لهن أن لا يرين الرجال و لايروهن فرجع فأخبره بذلك فقال له من علمك هذا قال فاطمة عليها السلام. قال إنها بضعة مني». و رواه الهندي في كنز العمال عن الحسن البصري عن علي عليه السلام في ج16 ص601 رقم الحديث 46011 في باب ترغيبات النساء و ترهيباتهن. و ذكره التستري في ملحقات إحقاق الحق ج10 ص257.

(63) في رحاب الطهر

(بحر الخفيف)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

هَلَّلَتْ بِاسْمِ عِيدِكِ الأجواءُ *** يا سَماءً وَ أَيْنَ مِنْكِ السَّماءُ

أَيْنَ مِنْكِ السَّمَاءُ شَأناً و فَضْلاً *** وَ لأَنْتِ الفخارُ و العَليا

أَيْنَ مِنْكِ كَوَاكِبُ الأُفْقِ فِيها *** أَيْنَ مِنْكِ العَيُّوقُ و الجَوْزَاءُ

أَيْنَ مِنْكِ نُجومُها في ائْتِلاقٍ *** أَيْنَ مِنْكِ السِّماكُ(2) وَ الزَّهْراءُ

أين منكِ الشمسُ المنيرةُ في *** الضوءِ و أنتِ الإشراقُ و الأَضْواءُ

كَيْفَ يَدْنُو إِشْرَاقُها مِنْكِ في *** النُّورِ وَ أَنْتِ المُضِيئَةُ الزَّهْراءُ(3)

إِنَّ بَدْرَ السَّمَاءِ يَسْتَلْهِمُ النُّورَ*** مِنَ الشَّمْسِ إِذ به وضاءُ

وَضِياكِ يَمُدُّ في عالمِ القُدْسِ *** مِنَ المُصْطَفَي وَ فِيكِ الجَلاءُ

أُفُقُ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ وَ أَنْتِ *** فَوْقَ أَرْضِ القُلُوبِ مِنْكِ اعْتِلاءُ

تُشْرِقُ الشَّمْسُ في السَّمَاءِ لِتُعْطِي *** الأَرْضَ نُوراً فَتُذْكِها الأَضْواءُ

وَ لأَنْتِ إِذا بَزَغْتِ فَمِنْكِ *** فَوْقَ أَرْضِ القُلُوبِ يَسْرِي اهتداءُ

مَبْعَثُ النُّورِ مِنْكِ فِيهِ حَيَاةُ *** النَّفْسِ إذ فِيهِ لِلْهُدَي إيواءُ

ص: 463


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- السماك: ما سُمِكَ به الشيء أي رُفع -و السِماكان هما الكوكبان النيرّان، يقال لأحدهما السِماك الرامح، و للآخر السِماك الأعزل.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلي إشراق نور الزهراء عليها السلام. راجع كتاب مشارق الأنوار ص85 و البحار ج16 ص81 في ذيل حديث طويل، و كتاب عوالم العلوم ج1 ص58-59.

فَلَكُمْ دُونَكِ مِنَ البُعْدِ آفاقٌ *** تَعالَتْ أَنْ يَطْوِها الإسْراءُ

أيْنَ مِنْها إِدْراكُكِ في سباقٍ *** بَعُدَتْ دونَ سَبْقِها الأَجْواءُ

فَمِنَ المُصْطَفَي تَوَلُّدُكِ الميمونُ *** رُوحُ الجَلالِ وَ هُوَ البَداءُ

وَ عَلِيٍّ إذ كانَ بَعْلاً مقامٌ *** لم تُشارِكْ في شَأنَهُ العَذراءُ

وَ لَكِ في السُبْطَيْنِ آيَةٌ قُدْس *** ما احْتَوَي كُنةَ ذاتِها الإطراءُ(1)

عَقَدَ المَجْدُ فوقَ مَفْرِقِكِ الوَ *** ضَاء تاجاً يَضِيقُ عنه الثَّناءُ

أَنْتِ يا ساعَةَ الوُجُودِ الَّذِي *** جَلَّي فَضاءَتْ مِنْ نُورِهِ البَطْحاءُ

حَدِّثِينا حَدِيثَكِ فيه شوقٌ *** منْهُ تَحْلُو في ذِكْرِها الأَنْباءُ

عَطَّري الحَفْلَ في شَهِيَّ فُصولٍ *** منْهُ تَحْلو في ذِكْرِها الأَنْباءُ

حَدِّثِينا عَنِ الرَّسُولِ عَنِ البَسْمَةِ *** تَعْلُوهُ حِينَ جَلَّ الحباءُ

حَدِّثِينا عَنْ فاطِم حِينَ تَلْقاهُ *** وَ في كَفِّهِ لَها إيماءُ

وَ تَراها تَهْتَزُّ بِشْراً إلي *** لُقْياهُ إِذْ شاقَها لَهُ الإِيواءُ

وَ تَمُرُّ الشَّفاهُ تَلْتُمُ بالحبِّ *** جَبيناً يَشِعُّ فيهِ السَّناءُ(2)

و تري الإِصْبعَ الكَرِيمَ علي *** الثَّغْرِ وَ لِلنُّطْقِ مِنْ هُداهُ ابْتِداءُ

و تراها خدِيجَةٌ وَ هْيَ أُمِّ *** أَدْرَكَتْ حِلْمَها وَ حَقَّ الهَناءُ

يَرْقُصُ القَلْبُ بَهْجَةً وَ لَهذا *** في اخْتِلافِ الشَّفاهِ مِنْهَا ثَناءُ

تَحْمَدُ الله أن تُحَقِّقَ ما تَصْبُوهُ *** إِذْ جَلَّ بِالبَتُولِ العَطاءُ

يا بَتُولَ النساء يا مَنْ تَسامَتْ *** في كَمَالٍ فَجَلَّ ذاكَ العَلاءُ

وَقْفَةٌ في رحابِكِ الطاهِرِ *** الأَقْدَسِ إِذْ فيهِ تُدْرَكُ الآلاءُ

و ابتهالاً إِلَيْكِ مِنْ خَالِصِ *** القَلْبِ لأمرِ يَحِقُّ فيهِ الرَّجاءُ

ص: 464


1- كُنه: كُنه الشيء جوهره و أصله و حقيقته و قدره و غايته (المنجد 701).
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلي محبة النبي صلي الله عليه و آله و سلم للزهراء عليها السلام و تقبيله إياها. راجع كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 و كتاب ذخائر العقبي ص36، و الهيثمي أيضاً في مجمع الزوائد ج8 ص42 ، و البحار ح43 ص42.

أو إنّ الحَيَاةَ لَيْسَتْ ضَماناً *** فَبِنا كَمْ تُطوّحُ البَلْواءُ

وَ لإبْلِيسَ ألْفُ أَلْفِ يَمِينٍ *** لَوَّحَتْ وَ هُوَ شَأْنُهُ الإِغْوَاءُ

وَ خُبُوطٌ يَمُدُّها لاضطيادٍ *** كَثُرَتْ فَهيَ فِتْنَةٌ عَمْياءُ

وَ هَبي أَنَّنا نَجَوْنَا فَلَنْ نُخْدَعَ *** فِيما تُعِدُّهُ الأعْداءُ

و سَريْنا علي الطريقِ لِنَهْجِ *** الحقِّ نَقْفُوهُ لنْ يَكونَ شقاءُ

أَيْنَ يومُ الوَعِيدِ وَ المَوقِفُ *** المُخْرِجُ حين الحسابُ و البَأساءُ

أَيْنَ هَوْلٌ يشيبُ ناصِيةَ الطَّفْلِ *** و تُلْهِي المرضعةَ الضَّراءُ

وَ كِتابٌ لَمْ أَدْرِ ما فِيهِ يَحْوِي *** طالَعَتْنِي أوراقُهُ السَّوْداءُ

و به يَخْرَسُ اللسانُ وَ يُبدو *** مِنْ أَكُفَّ و أَرُجلٍ إدْلاءُ

كَيْفَ ِلي وَ النَّجاءُ إِنْ لم تَنَلْنِي *** بجليلٍ مِنْ لُطْفِها الشَّفَعاءُ

فَاحْسِبينا يا أُمُّ فيمَنْ تُنَجِّيهِ *** مِنَ الهَوْلِ لَقْطَةٌ غَرّاءُ

حِينَ يَمْتَدُّ كَفَّكِ و بِأَمْرِ *** اللهِ تَجْرِي من فيضهِ النَّعْمَاءُ

وَ هُوَ جارٍ لَكِ مِنَ اللهِ تكريماً *** و في شَأْنٍ فَضْلِكِ إِبْداءُ(1)

أنتِ يا أخْتُ و الزَّمانُ تَعالي *** في طِرازٍ فَكُلُّ يَوْمٍ قُباءُ

أفَتُغْرِيكِ حَياةُ خادعةٌ؟ *** عن حِمَي الصَّوْنِ دامَةٌ شَمْطاءُ(2)

وَ قَمِيصُ يَشفُ عن ناعِم *** الجِسمِ فيبدُو و كُلُّهُ إِغْراءُ

فِتْنَةٌ يَسْتَلْمِذُها الطَّائِشُ *** النَّزْقُ و لَم يُدْرِ في اللَّذِيِذِ الدّاءُ(3)

اتضيعُ الحياةُ ما بَيْنَ مكياجٍ *** وَ ثَوْبٍ تُعِدُّهُ الأزياءُ؟

أكَذا سُنَّةُ الحَياةِ فَيَلُهُو *** عاقِل تَسْتَخِفُهُ الأهواءُ؟

ص: 465


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلي ما للزهراء عليها السلام من كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج1 ص150، و البحار ح43 ص219 ص65 ضمن حديث طويل.
2- الشمطاء: التي خالط بياض شعر رأسها سواد.
3- يستلمذ: يأكل بأطراف فمه. النَزْقُ: النشاط و الطيش و الخفّة عند الغضب.

أفلا يَعْنيكِ العَفافُ أَلا *** يُدْنِيكِ في الطُّهْرِ لِلْبَتُولِ اقْتِداءُ

فَلَكِ مِنْ سُلوكِها الطَّيِّبِ *** المَأْخَذِ صَوْنٌ وَ عِفَّةٌ شَمَّاءُ

وَ حِجابٌ يَزِينُكِ في وَقارٍ *** وَ هُوَ الدَّرْعُ و الحِمَي و الوِقاءُ

عَنْ عُيُونٍ يَريقُها يَخْطَفُ *** المَجْدَ فَيَبْدُو مِنْ لَحْظِها إِزْرَاءُ

إيهِ يا حَوْزةَ العُلُومِ و حَسْبِي *** في بيانِي عَنْ نَعْتِكِ الإيماءُ

أَفَتَحْظَي بالمَكْرُمَاتِ و تُغطي *** المَجْدَ بِالعَدْلِ أُمَّةٌ خَرْساءُ

تَرَكَت وَاجِبَ البَيانِ لأمرٍ *** عِندَهُ لَيْسَ يُحْمَدُ الإغضاءُ

أَفَهَلْ تُدْرِكُ المَعالِي أَكُفٌّ *** عَنْ مَجارِي مَنالِها شَلاًءُ

فَحَذارِ مِنْ خُدْعَةِ النَّفْسِ أَنْ *** نَلْهُو فَيَنْهارَ مَقْصِدٌ بَنَّاءُ

وَ يَضيعَ الزَّمانُ في تافِهِ الفِعْلِ *** و تَحْكِيهِ صُورةٌ شَوْهاءُ

وَ يَعُودَ التَّحْصِيلُ لَقْلَقَةَ *** الألسُن قَوْلاً و كُلُّه أَخْطاءُ

فَلَدَيْنا مِنْ واجِبِ نُثْقِلُ *** الكاهِلَ منه في حَمْلِهِ الأَعْباءُ

فَهُنا الجهلُ أطبقَ الأُمَّةَ و قد *** طالَ في لَيْلِهِ بها الإِغْفاءُ

تَتَمَنَّي لَوْمَدَّها بارِقُ العِلم *** بِنُورِ يُجْلَي بِهِ الإعشاءُ

فَيَزُولُ السُّباتُ عَنْها وَ تَحْيَي *** بِنَشاطٍ من جِسْمِها الأَعْضاءُ

وَ هُنَاكُمْ تَجَمَّعَتْ و قَدِ اسْتَعْصَتْ *** عَنِ الحلِّ قضايا يُرْجَي لها الإنْهاءُ

فلهذا يَحْلُو النَّشاط و تُذْكِي *** جَمْرَةُ العَزمِ إِنْ دَهَي إعْياءُ

كُلُّ يَوْمٍ يَمُرُّ مِنْ زَهْرَةِ العُمْرِ *** فَناءٌ وَ عَزَّ مِنَّا الفَناءُ

دُونَ أَنْ تَنْقَضِيْ الحَياةُ بِشَيْءٍ *** حَقَّ مِنّا في مِثلِهِ الإفناءُ

عَزَّ أَنْ يُشْتَرَي بِبَخْسٍ *** وَ نُعْطِيهِ رَخِيصاً إِذْ حقُهُ الإِبقاءُ

ص: 466

(64) ليس يعلوها عَلاءُ

(بحر الوافر)

الأستاذ محمد محمد الجنبيهي

لَعَجْزِي عَن مَدِيحِكُمُ الثَّناءُ *** وَ ما بِعَطائِكُمْ يُحْكَي العطاءُ

وَ مِنْكُمْ حَيَّرَ الأَلْبابَ وصفٌ *** وَ يُغْنِي عَن مَدِيحِكُمُ العَباءُ(1)

أَيا آلاً لِخَيْرِ الخَلْقِ َطراً *** أَهَلْ أَنتُمْ وَمَنْ عَظُمُوا سَواءُ؟!

و دونَ الدُّونِ أَعْظَمُ مَنْ رَأَيْنا *** وَ لَوْلا حُبُّهُ لَكُمُ يُسَاءُ

وَ أَصْلُ النّورِ فِيكم مِن رسولٍ *** لذلك يُبْهجُ الدُّنيا الضِّياءُ

وَ وَاسِطَةٌ لِفَخرِكُمُ «بتولٌ» *** و أنتمْ أَنْجُمٌ وَ هِيَ السَّماءُ(2)

و«فاطِمُ» ما رأَيْنا مِن مَثِيلٍ *** لَها مِنْ رَبَّةٍ جَلَّ الوِلاءُ

فكُلُّ الخَلْقِ بَعْدَكُمُ عَطَاءً *** لِرَأْسِ الخَلقِ عِنْدَكُمُ انْحِناءُ

وَ أَفكارُ البَرِيَّةِ فِيكِ حارَتْ *** وَ يُدْهِشُهُمْ إِذَا نَظَرُوا البهاءُ

ص: 467


1- العباء: ضربٌ من الأكسية. و هو إشارة إلي حديث الكساء المشهور، الذي نزلت فيه آية التطهير:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاً» سورة الأحزاب، آية: 33.
2- معاني الأخبار ص396 ح53 ، و بحار الأنوار نقلاً عن علل الشرائع، بإسناد العلوي عن علي عليه السلام أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم سئل: ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تقول: إن مريم عليها السلام بتول و فاطمة عليها السلام بتول، فقال له: البتول: التي لم ترَ حمرةً قطٌ، أي لم تحض، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء. و في مصباح الأنوار: عن علي عليه السلام مثله. و قال في النهاية : امرأةٌ بتول: منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم، و بها سمّيت مريم عليها السلام أم عيسي، و سميت فاطمة عليها السلام البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً. و قيل: لانقطاعها عن الدنيا إلي اللَّه تعالي. (فاطمة الزهراء عليها السلام في الأحاديث النبوية).

وَما لِلنَّاسِ إِلا قَوْلُ حَقٍّ *** إِلهُ الخَلقِ يَخْلُقُ مَنْ يَشَاءُ

فأصلُكِ مِن جِنانِ الله خَلقاً(1) *** وَ أصْلُ الخلقِ هُم طينٌ وَماءُ(2)

و أقرَضْتِ الإلَهَ نَعِيمٌ عَيْشِ *** وَ كَمْ يَسْمُو بِسَيِّدَتي العَناءُ

يفَقرِكِ قد رضيتِ طويلَ عُمرٍ *** و عندَ اللَّهِ يَهنِيكِ العَناءُ

و لِلرَّحْمنِ أملاك تَصَدَّتْ *** لِرِزْقِكَ، مِنْهُمُ دارت رَحاءُ(3)

ص: 468


1- قال عليه السلام: ليلة أسري بي دخلت الجنة فأعطاني جبرئيل تفاحة ففاطمة عليها السلام من عصير تلك التفاحة.
2- بحار الأنوار 4/5/43 نقلاً عن علل الشرائع، بعد ذكر السند، عن جابر بن عبد الله، قال: قيل: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إنك تلثم ،فاطمة عليها السلام، و تلزمها و تدنيها منك و تفعل بها ما لا تفعله بأحدٍ من بناتك؟ فقال: إن جبرئيل أتاني بتفّاحة من تفاح الجنة، فأكلتها فتحوّلت ماءً في صلبي، ثم واقعت خديجة، فحملت بفاطمة عليها السلام، فأنا أشمّ منها رائحة الجنة. و انظر أيضاً تأويل الآيات ج1 ص236، 237. هذا، و قد استفاضت الروايات في ذلك، و إن اختلفت في صنف الفاكهة التي أكلها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فبعضها تذكر مطلق الفاكهة و بعضها تذكر التفاح و ثالثة تنص علي الرطب و رابعة تصرّح بالسفرجل، و خامسة تقول: «فأطعمني من جميع ثمارها، و سادسة: فأدناني جبرئيل من شجرة طوبي و ناولني من ثمارها فأكلته». و سابعة: «تجعله طبقاً فيه عذق من رطب و عنقود من عنب». و لعلّ الوجه في هذا التفاوت: كونه صلي الله عليه و آله و سلم قد أكل أكثر من ثمرة من ثمار الجنة، خصوصاً مع وجود الأخبار التي تفيد حصول المعراج مرات عديدة، بل و جمعاً أيضاً مع الأخبار التي تحكي حصول عملية الأكل في الأرض لا في السماء، و هو مما يؤيد حصول الأكل في الأرض بعد الجنات، والله العالم. و لقد رأي بعض الأعلام وجهاً آخر للجمع فيما بينها، بعد أن لاحظ الميزة الخاصّة في أشجار الجنان ،و ثمارها، بمعني أنه ليس من البعيد أن تكون الثمرة من شجرة واحدة ولكن هذه الثمرة قد يصدق عليها هذا الاسم أو ذاك: أو هما معاً. و لك أن تراجع أيضاً الكافي، إعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه، عيون المعجزات، روضة الواعظين، مقتل الخوارزمي ص63 ، كشف الغمة، ذخائر العقبي ص36، ميزان الاعتدال ج2 ص26، مجمع الزوائد ج2 ص202، لسان الميزان ج4 ص36، كنزالعمال ج13 ص94، ينابيع المودة 197 و غيرها.
3- الأخبار في ذلك كثيرة، كما أنها تذكر صوراً متعددة لنزول الرزق و الطعام علي سيّدة النساء عليها السلام، منها علي سبيل المثال، ما ذكره الزمخشري في الكشاف 427/1 تفسير سورة آل عمران، قال عند ذكر قصة زكريا و مريم عليهما السلام: و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أنه جاع في زمن قحط، فأهدت له فاطمة عليها السلام رغيفين و بضعة لحم آثرته بها، فرجع بها إليها، فقال: هلمي يا بنَيَة فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً و لحماً، فبهتت و علمت أنّها نزلت من عند الله فقال لها صلي الله عليه و آله و سلم أنّي لكِ هذا ؟ فقالت: هو من عند اللَّه إنّ اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب. فقال عليه الصلاة والسلام: الحمد للَّه الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل، ثم جمع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين عليهم السلام و جميع أهل بيته عليهم السلام فأكلوا عليه حتي شبعوا و بقي الطعام كما هو، و أوسعت فاطمة عليها السلام علي جيرانها.

وَ سُخْطُكِ مُغْضِبٌ رَبَّ البَرايا *** بِعَطفِكِ في الوَرَي يحلو الرِّضاءُ(1)

و عند مُباهلاتٍ من رسولٍ *** يُحَصِّنُ فخَرَكُم منه الكِساءُ(2)

وَ يَمْنَعُ زَوْجَةً تَرْجُو دُخُولاً *** فكُلُّ النَّاسِ في فَضْلِ وَراءُ

و عنكُمْ (هَل أتي) للنَّاسِ تُنْبِي *** و هل يُخْفِي ضِياءَكُمُ الخِباءُ(3)

ص: 469


1- فقد استفاض عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قوله: «فاطمة عليها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يسرّني ما سرها. و إنّ الله تبارك و تعالي ليغضب لغضب فاطمة عليها السلام و يرضي لرضاها عليها السلام». و أن هذا المعني قد تواتر عند الفريقين جميعاً انظر كتاب فاطمة عليها السلام في الأحاديث النبوية صلي الله عليه و آله و سلم ص95 ح88 و حاشيته.
2- إشارة إلي آية المباهلة و حديث الكساء و سيأتي ذكرهما فيما بعد.
3- هي أم سلمة (رضي الله عنه). و قد كان من أمرها أنّها لمّا رأت فاطمة عليها السلام و أباها و زوجها و بنيها «صلوات الله عليهم» قد دخلوا تحت الكساء، و دعا لهم رسول الله بالبركة و التطهير، و نزلت آية التطهير، أحبّت أن تدخل معهم تحت الكساء، لكنّ الرسول جذب منها الكساء في رفق، و قال لها: إنّك إلي خير. إنّك إلي خير. و سيأتي أن هذا الحديث الشريف قد رواه مضافاً إلي الشيعة جمهور العامة، و كبار محدّثيهم و مفسّريهم و أئمتهم. هي إحدي و ثلاثون آية من سورة الدهر، نزلت بكاملها في حق الزهراء عليها السلام و بعلها و بنيها عليهم الصلاة و السلام من قوله تعالي: «هَلْ أَتَي عَلَي الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» إلي قوله «سبحانه»: «وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» . قال الطبرسي في مجمع البيان 404/10: قد روي الخاص و العام أن الآيات من هذه السورة، و هي قوله:«إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ» إلي قوله: «وَكَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا»سورة الإنسان آية: 5-22. نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و جارية لهم تسمي فضة، و هو المروي عن ابن عباس و مجاهد و أبي صالح و القصة طويلة جملتها أنهم: قالوا: مرض الحسن و الحسين عليهما السلام فعادهما جدّهما صلي الله عليه و آله و سلم و وجوه العرب، و قالوا: يا أبا الحسن عليه السلام لو نذرت علي ولديك نذراً، فنذر صوم ثلاثة أيّام إن شفاهما الله «سبحانه»، و نذرت فاطمة عليها السلام كذلك، و كذلك فضة، فبرءا و ليس عندهم شيء، فاستقرض عليّ عليه السلام ثلاثة أصوع من شعير من يهودي و روي أنه أخذها ليغزل له صوفاً، و جاء به إلي فاطمة عليها السلام، فطحنت صاعاً منها فاختبّزته، و صلّي عليّ عليه السلام المغرب، و قربته إليهم فأتاهم مسكين يدعو لهم، و سألهم فأعطوه، و لم يذوقوا إلا الماء، فلما كان اليوم الثاني أخذت صاعاً فطحنته و خبزته و قدمته إلي عليّ عليه السلام فإذا يتيم بالباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلاّ الماء، فلمّا كان اليوم الثالث عمدت إلي الباقي فطحنته و اختبزته و قدمته إلي عليّ عليه السلام، فإذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلا الماء، فلما كان اليوم الرابع، و قد قضوا نذورهم أتي علي عليه السلام و معه الحسن و الحسين عليهما السلام إلي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و بهما ضعف فبكي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و نزل جبرئيل عليه السلام بسورة هل أتي. و قد روي ذلك، بل و أدقّ منه، من علماء العامّة أيضاً علماء العامة أيضاً جمَّ غفير، منهم العلامة الآلوسي في روح المعاني و القرطبي، و نظام الدين النيسابوري ،و الخازن و البغوي و الحافظ الكلبي الغرناطي في تفاسيرهم، و أخرجه عالم الأحناف الحافظ القندوزي، عن البيضاوي و الآلوسي في ينابيع المودة.

أرادَ الله تطهيراً لآلٍ *** فطابَ لِقَلْبِكُمْ منه الصَّفاءُ

فَلا حَيضٌ يُلَوْتُ مَن تعالَت *** يدومُ لِرَبِّها منها الدُّعاءُ

و مَا مَنَعَ النَّفاسُ لأيِّ طُهرٍ *** لِبَضْعَةِ مَن بِهِ عَمَّ السَّناءُ(1)

وَ عَنْهُ تَعَجباً قال المُفَدّي: *** أمِثلُ (بتولنا) فيكُم نساءُ

و(جَبْرائيلُ) يرجو كُلَّ قُرْبٍ *** لِسُدَّتِكُمْ فَيَهْنِيهِ ارتقاءُ(2)

و هذا فَخُرُكُمْ لا فَخْرُمُلْكٍ *** و إِنَّ المُلكَ في الدُّنيا شقاءُ

نَعَمْ أَنتُمْ مُلُوكٌ في نَعِيمٍ *** وَ يَنْعِمُكُمْ لِرَبِّكُمُ الولاءُ

و أَنْتُمْ سادةٌ لِلْخَلْقِ جَمعاً *** وَ لَيْسَ لِفَضْلِكُمْ فينا انتهاءُ

فسادةُ قَومِنا (حَسَنُ) (حُسَيْنٌ) *** وَ (فَاطِمُ) لَيْسَ يَعْلُوهَا عَلاءُ

ص: 470


1- السناء: الضياء، و المجد و الشرف و الرفعة.
2- في حديث الكساء، بعد أن اجتمع الخمسة تحت الكساء قال الله عزّ وجل: يا ملائكتي و سكان سمواتي، إني ما خلقتُ سماءً ،مبنيّة، و لاأرضاً، مدحيّة، و لاقمراً منيراً، و لاشمساً مضيئة، و لافَلَكاً يدور و لابحراً يجري، و لافُلكاً تسري إلاّ في محبّة هؤلاء الخمسة، الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرئيل: يا ربّ من تحت الكساء؟ فقال الله عزّ وجل: هم أهل بيت النبوة عليهم السلام و معدن الرسالة؛ هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها عليهم السلام. فقال جبرئيل: يا ربّ، أتأذن لي أن أهبط إلي الأرض لأكون لهم سادساً؟ فقال اللَّه عزّوجل: قد أذنت لك. فهبط الأمين جبرئيل، فقال: السلام عليك يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم العليّ الأعلي يقرئك السلام، و يخصّك بالتحّية و الإكرام و يقول لك: و عزتي وجلالي! إني ما خلقت سماء مبنية، و لاأرضاً مدحيّة، و لافَلَكاً يدور، و لابحراً يجري، و لافُلكاً تسري إلاّ لأجلكم، و قد أذن لي أن أدخل معكم تحت الكساء فهل تأذن لي أن أدخل يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ فقال: و عليك السلام يا أمين وحي الله، قد أذنتُ لك. فدخل جبرئيل معهم تحت الكساء. (عوالم العلوم ج11 ص930).

و في عَرَصاتِ حَشْرٍ لِلْبَرَايَا *** بِغَضَّ الطَّرْفِ قَدْ جاءَ النِّداءُ(1)

فَبِنْتُ (محمَّد صلي الله عليه و آله و سلم) جاءَتْ صِراطاً *** وَ أَنْوَارُ الإِلهِ لَهَا الغِطَاءُ

بِها مِثْلي اسْتَعاذَ مِنَ الْخَطايا *** و مِن أفنائِها مُنِعَ الشَّقاءُ

ومأزومٌ بها يرجورخاءً *** وَ لِلْمَرْضَي لَقَدْ ضُمِنَ الشِّفاءُ(2)

فلا يَعْصي الزَّمَانَ لَها طَبِيبٌ *** و لا يُخْشَي بِحُبِّهِمُ البَلاءُ

فهم حِصْنٌ منيعٌ لِلبرايا *** و هُمْ فيهِمْ لِمِحْنَتِهِمْ وِقاءُ

و كلُّ الخيرِ يُسْبِغُهُ إِلهِي *** لِمَنْ يُدْنِيهِمُ مِنْهُمْ رَجَاءُ

هُمُ النَّهرُ الَّذي يَجْرِي دَوَاماً *** وَمِنْ عَذْبٍ لَهُ يُرْجَي ارْتِوَاءُ

وَيُحْشَرُ مَنْ أَحَبَّ كِرامَ قَوْمٍ *** بِدارٍ لَيْسَ يَدْنُوها العَناءُ

فَيَرْفُلُ في نَعِيمٍ مِنْ خُلُودٍ *** وَ ذَاكَ لِحُبِّ سَادَتِنا الجَزاءُ(3)

(عَلَيْهِم دائماً أبداً صَلاةٌ *** من الباري المُهَيْمِنِ وَالثَّناءُ)

ص: 471


1- روي الحاكم النيسابوري في المستدرك ج3 ص153 ، بإسناده عن علي عليه السلام، قال: سمعت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول: إذا كان يوم القيامة نادي منادٍ من وراء الحجاب: يا أهل الجمع غُضُّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد صلي الله عليه و آله حتي تمرّ. و رواه الشافعي في المناقب، و ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص523، و ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة، و الذهبي في ميزان الاعتدال ج2 ص18، و الهيثمي في مجمع الزوائد و ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان و ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة، و السيوطي في الخصائص، و المتقي في كنز العمال، و القندوزي في ينابيع المودة و الشبلنجي في نور الأبصار، و الزرندي في نظم درر السمطين و الجامع الصغير و التعقيبات، و الكناني المصري في تنزيه الشريعة المرفوعة، و النبهاني في الفتح الكبير، و جواهر البحار، و الملا علي القاري في جمع الوسائل، و الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف، و الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص212، و الهمذاني في مودة القربي ص104، و رواه غير هؤلاء كثير من علماء العامة. و في ما ذكرناه كفاية و زيادة.
2- أَزَم أُزوماً (مثل سقط سقوطاً) علي الشيء: عضّ عليه، و أزم الزمان: اشتدّ بالقحط، و الأزمة اسم منه. و المتأزّم: المتألِّم لأزمة الزمان. المأزوم: الذي يقع في شدّة.
3- يرفل في ثيابه: إذا أطالها و جرّها متبختراً. و ذلك كناية عن التنعُّم في العيش والتبسّط فيه.

(65)يا مولاتي يا فاطمة عليها السلام أغيثيني

(بحر الخفيف)

السيد مرتضي القزويني(1)

ص: 472


1- (*) هو السيد مرتضي ابن السيد محمد صادق ابن السيد محمد رضا ابن السيد هاشم الموسوي القزويني و ينتهي نسبه إلي الإمام موسي الكاظم عليه السلام ولد في كربلاء المقدسة في ربيع الأول سنة (1349 ه_) -الموافق في مارس سنة (1930م). و أسرة القزويني أسرة علم و فضل و أدب استوطنت كربلاء المقدسة في القرن الثاني عشر الهجري، وخرّجت عدداً كبيراً من العلماء و الخطباء و الشعراء. نشأ المترجم له نشأة دينية في ظل والده آية الله السيد محمد صادق القزويني، و منذ نعومة أظفاره عشّق العلم و الكمال و درس علي أساتذة عصره في الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، فقرأ النحو و الصرف و البلاغة علي العلامة الكبير الشيخ جعفر الرشتي، و اللمعة الدمشقية عند العالم الفقيه الشيخ محمد الخطيب، و الأصول عند آية الله الفقيه السيد محمد حسن القزويني صاحب (الإمامة الكبري)، ثم حضر بحوث الخارج عند كل من الفقيه الشيخ يوسف الخراساني و المرجع الورع السيد الميرزا مهدي الشيرازي و المرجع الفقيه السيد محمد هادي الميلاني. و للمترجم له إجازات من عدد من كبار العلماء الأفاضل، منهم: العالم المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين، و المرجع الكبير السيد محمد هادي الميلاني، و العالم الجليل الشيخ آقابزرك الطهراني صاحب (الذريعة). و إلي جانب دراسته العالية مارس الخطابة و ارتقي المنبر في أوائل العقد الثاني من عمره و تتلمذ علي يد خاله العلامة الخطيب السيد محمد صالح القزويني حتي برع و تخصّص بفن الخطابة فنال شهرة واسعة و هو اليوم من خطباء المنبر الحسيني الذين يشار إليهم من قريب و من بعيد. و هو أحد الأساتذة الذين تخرّج علي يده عدد كبير من العلماء و الخطباء و الأدباء، و تشهد له الحوزات العلمية بكفاءته علي التدريس في الفقه و الأصول و المعاني و البيان و علم النحو و الصرف و غير ذلك. و أستاذنا المترجم له برع في نظم الشعر في صباه و تطرّق إلي فنونه و أغراضه فنظم الشعر في مقتبل عمره ومن أوائل نظمه قصيدته في رثاء المرجع الكبير السيد آقاحسين القمي سنة (1947م) و أكثر نظمه في أهل البيت عليهم السلام. آثاره العلمية ومؤلفاته: 1- إلي الشباب. 2- الزواج و الأسرة. 3- خالد بن الوليد في الميزان. 4- السير إلي الله. 5- صفحات في تاريخ الحركة الإسلامية في العراق. 6- ديوان شعره. وحياة المترجم له ، حافلة بالجهاد والتضحية وفي هذا الطريق لقيَ الكثير من المتاعب و الآلام فكان مما لاقاه أنه سُجن وأُبعد إبّان المد الأحمر الشيوعي في العراق، و ممّا يمتاز به أنه يتحلي بجرأة قوية، و من مواقفه الخالدة أنه ذهب إلي عبد الكريم قاسم رئيس الجمهورية العراقية آنذاك، معلناً عن موقفه و موقف الحوزات العلمية الشيعية من قانون الأحوال الشخصية و غيره من القوانين المناقضة للشريعة الإسلامية، و مراراً شاهدته وسمعته في المجالس و علي المنابر بكل صراحة معلناً فتوي السيد الحكيم (الشيوعية كفر و إلحاد) و في عهد البعثيين اضطر بسبب الضغوط المتزايدة إلي ترك العراق و الهجرة إلي الكويت ثم إلي إيران، و في عام (1985م) هاجر إلي الولايات المتحدة لممارسة دوره الديني و الفكري، و قد أسس هناك: 1- المعهد الإسلامي في جنوب كاليفورنيا . 2- مسجد الزهراء عليها السلام 3- مدرسة مدينة العلم و هي أول مدرسة إسلامية في كاليفورنيا . 4- ساهم في إنشاء مسجد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مدينة سن دياكو ، و هو يحاضر باللغات الثلاث العربية و الفارسية و الإنكليزية.

سَاورتْني الهمُومُ و اللأواءُ *** وَ غَزَتْني الأسقَامُ وَ الأدواءُ(1)

فَلِمَنْ أشتَكي هُمومِي ومَمَّنْ *** أطلُبُ العَونَ حَيثُ ضَاقَ الفَضَاءُ

بِتُّ ليلي لا يَألفُ النَّومُ عَيني *** فلياليَّ كُلُّها سَوداءُ

ضَاقَ صَدري من قَسْوَةِ الهمّ حَتَّي *** كَادَ يَخبُو(2) مِنَ الشّفاءِ الرَّجَاءُ

لَمْ أَجِدْ بَلْسَماً يُخفّفُ عنّي *** لَوعَتي أو يكُونُ فيهِ الدَّوَاءُ

غَيرَ قُطب الوُجُودِ زِينَةِ عَرشِ اللَّهِ *** وَ المنتهي إليها الثنَاءُ

ص: 473


1- اللأواء: الشدّة.
2- يخبو: يخمد و يسكن و يطفيء.

هِيَ سِرٌّ تحارُ فيها البرايَا *** هِيَ ضَوءٌ لاذتْ بهِ الأضواءُ

هِيَ فَخرٌ لِلكائِنَاتِ جميعاً *** هِيَ - يا صَاحِ - فَاطمُ الزهراءُ

***

فأبُوهَا سَمَتْ بِهِ الأنبيَاءُ *** وَ بَنُوهَا الأئمَّةُ الأصفيَاءُ

بعلُها فَاخَرتْ بهِ الأوصيَاءُ *** فَضلُها طأطأتْ لهُ العُظَمَاءُ

هِيَ بدرُ الدُّجَي وَ نفحَةُ قُدسٍ *** قد تجلّي في كُنهها الكبريَاءُ

هِيَ شمسُ الضُّحَي وَ لمحَةُ قبسٍ *** قَد تجلّي بِصدرِها اللألاءُ

خصّها اللَّهُ ربُّنا بِمزايا *** لم يَنَلْها الأبرَارُ وَالأوليَاءُ

وَ حبَاهَا بِالمجتَبي وَ حُسَينٍ *** حَيثُ لم يُحْبَ مِثلَها الأَنبِيَاءُ

أذهبَ الله ربُّنَا الرجسَ عَنْهُم *** أهلُ بَيتٍ قَدِ احتواها الكِسَاءُ

***

حرّ قلبي لها لما قَد أضَاعَ ال_ *** _قَومُ من حقّها وَ ما قَد أساؤوا

ليتَ شِعري نَسوا وَصَايَا أبِيها *** فَعصَوا أمرَهُ وَ قَلّ الوفَاءُ

مَنْعُوا أَرثَها الذي كَانَ مِن ربّها *** عَطاءاً وكَانَ مِنهُمْ جَفَاءُ

أغْضَبُوهَا وَ أغْضَبُوا الله فيها *** نَقَضُوا عَهْدَهُم وَ بِالظُّلمِ بَاؤوا

غَصَبُوا نِحلةً حَباهَا أبوهَا *** كذّبوا قولَها و بَالكذبِ جَاؤوا

ظلمُوا بَعلَها الوَصِيّ وَ قَادُو *** هُ بِتلبِيبِهِ وَحُمَّ البَلاءُ(1)

أحرَقُوا بابَها المعظَّمَ شَأناً *** بكَتِ الأرضُ عِنْدَهَا وَ السَّمَاءُ

أحرَقُوهُ وَ خَلفَهُ بِنتُ طه *** وَ هْيَ حَسْرَي وَ قَد عَلاهَا البُكَاءُ

كَسَرُوا ضِلْعَها بِعَصرِهُمُ البَا *** بَ فَنَادَتْ وَ لا يُجَابُ النّداءُ

أسقَطُوا مُحسِناً فَطَاحَتْ وَ صَاحَتْ *** وَ عَليها مِنْ ذِي الجَلالِ بَهاءُ

ص: 474


1- أخذه بتلبيبه: أخذه بطوقه.

وَ إذا حَيدَرٌ يُلَبّي نِداهَا *** فأحَاطوا بهِ وَ هُمْ دُخَلاءُ

عَجَباً لِلذَّئَابِ تَقْتَادُ لَينَاً *** أفلَيْتٌ يقتَادُهُ الجبنَاءُ ؟!

فَدَعَتْهُمْ خَلّوا ابنَ عمّي وإلاّ *** نَالكُم مِنْ عَذابِ رَبّي بَلاءُ

هُم يَدُعُّونَهُ بِعُنْفٍ وَ تَحمِيهِ *** بِعطفٍ وَ الله منهُمْ بَرَاءُ(1)

لَوّعُوها بِالسَّوطِ ضَرباً فَمَاتَتْ *** وَعَلَي المتنِ بُقعَةٌ زَرقَاءُ

أبهذا أوصَي أبوهَا وَ هَذا *** لِلرَّسُولِ الأمينِ كَانَ جَزاءُ ؟!

أفَبِنْتَ النَّبِيّ تُظْلَمُ قَسراً ؟! *** تِلْكَ وَ اللَّهِ طِخْيَةٌ عَمْيَاءُ(2)

أفبِنْتَ النَّبِي تُدفَنُ سِرّاً ؟! *** تِلكَ وَ اللَّهِ محنَةٌ نَكْرَاءُ

هي أوصَتْ ألاّ يُصلُّوا علَيها *** لايُشيّعْ جُثْمانَها الأعداءُ

سَلْ إذا زُرتَ طيبَةً عَنْ ثَراهَا *** أينَ قَبرُ البتُولِ أينَ الثّواءُ ؟!

أينَ ضَاعَتْ وَ كَيفَ أوصَتْ بِأنْ لا *** يحضُرَ الظَّالمونَ وَ الغُربَاءُ ؟!

هِيَ كَانَتْ غَضْبي علي ظالميها *** وَ اسْتَمَرّتْ حَتي يَحينَ الجَزَاءُ

و إذا زُرتَ بَيتَها فَتَذكَّرْ : *** هَجَمةُ القَومِ هَجمَةٌ شَنْعَاءُ

ذاكَ بَيْتُ كَانَ الرَّسُولُ يُوافيهِ *** وَ فيهِ مَودّةٌ وَ صَفَاءُ

ذاكَ بَيتٌ لم يَأتِ جِبريلُ إلاّ *** بَانَ منْهُ مَحبَّةٌ وَ وَلاءُ

ذاكَ بَيتٌ قَد طَهّرَ الله مَنْ فيهِ *** هُمُ الأتقيَاءُ وَ الأصفِيَاءُ

فيهِ يَأوي محمَّدٌ وَ عَلِيٌّ *** وَلَدَاهُ وَ فَاطِمُ الزَّهرَاءُ

هَتكُوا قُدسَهُ وَ قَد بَانَ مِنْهُمْ *** لِذَوِيهِ ضَغينَةٌ وَعِداءُ(3)

بَذَرُوا بَذرَةَ الشَّقاقِ وَ سَنّوا *** سُنّةَ الظُّلمِ كَي يَسُودَ الشَّقَاءُ

دنّسُوا حُرمَةَ الخِلافَةِ حَتَّي *** نالَها الأدعِيَاءُ وَ الطُلَقَاءُ

سَلَبُوا الحقَّ مِنْ أولي الأمرِ غَصْبَاً *** لِيَسُودَ الدَّهِمَاءُ وَ الغَوغَاءُ(4)

ص: 475


1- يدعّونه: يدفعونه دفعاً قويّاً و عنيفاً و بجفوة.
2- طخية: مصيبة.
3- ضغينة: حقد.
4- الدهماء: السواد.

كَمْ أُثيرتْ مِنْ أجلِ ذاكَ حُرُوبٌ *** طَاحِنَاتٌ وَ كَم أريقَتْ دِمَاءُ

سَارَ آبا ؤهُمْ علي مَنْهَجِ الظُّلْم *** وَ سَارَتْ مِنْ بَعدِهَا الأَبنَاءُ

بدّلُوا النُّورَ بِالظَّلامِ فَسَادَتْ *** ظُلمَةٌ وَ اكْفَهرّتِ الظَلمَاءُ(1)

وَفَشَا في الأنَامِ قَتلٌ وَ سَلَبٌ *** وَ اعتِقَالٌ و فِتنَةٌ و اعتِداءُ

كُلُّ هَاتيك في رِقَابِ أُناسٍ *** أسَّسُوا مَا عَلَيهِ قَامَ بِنَاءُ

فَابتِدَاءُ الطُّغيانِ قَد كَانَ مِنْهُمْ *** وَ إِلَيهِمْ يَعُودُ مِنْهُ انْتِهَاءُ

ص: 476


1- اكفهّرتْ: اشتدّ ظلامها.

(66) قطوف طوبي

(بحر الكامل)

السيد مسلم الجابري (*)(1)

ص: 477


1- (*) السيد مسلم الجابري هو الدكتور السيد مسلم ابن السيد هاشم ابن السيد علي الجابري . و آل (الجابري) من الأسر العلوية العريقة لها مكانتها المرموقة، و لها فروع عديدة في مدن مختلفة كالنجف الأشرف و بغداد و البصرة و العمارة و في جنوب إيران في (المحمرة) خرمشهر و الأهواز و غيرها و يعرفون بالسادة «الجابريين»، أنجبت العدد الكثير من رجالات العلم و الأدب و السياسة. ولد الدكتور السيد مسلم الجابري: في قرية تسمي «الخيين» من توابع خرمشهر، و كانت ولادته في سنة (1364 ه_) الموافق (1944م) فنشأ و تربي في ظل أسرته، و تحت رعاية والديه العلوييْن الصالحيْن، ونال منهما التربية الصالحة. ومنذ صغره كان يعشق العلم و الأدب و الفضيلة، و بدأ دراسته العلمية أولاً بالقرآن الكريم علي يد والدته ، فحفظ آيات من الذكر في سن مبكرة وحفظ أدعية من الصحيفة السجادية و نصوصاً من الأدب و التاريخ و الشعر، و لله در القائل: الأمُ مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق و عندما انتهي من دراسة القرآن الكريم سارع والده إلي تعليمه اللغة العربية و أصول العقيدة و الفقه بالمستوي المناسب لسنّه. ثم انتقل المترجم له، إلي مدينة المحمرة ليأخذ دروسه العالية من الفقه و الأصول و علوم اللغة العربية من الأساتذة هناك كآية الله العظمي الشيخ محمد طاهر الخاقاني، و آية الله الشيخ سلمان الخاقاني الذي كان له دور عظيم بعد والده في صقل مواهبه الأدبية، و انتقل أيضاً إلي مدينة الأهواز حيث كان فيها مجموعة كبيرة من المجتهدين و في طليعتهم آية الله الشيخ محمد طه الكرمي الذي كان مميزاً في ذوقه و إبداعه الأدبي و العلمي، و سلوكه الأخلاقي، و حضر بحث الشخصية الممتازة في الأهواز المرجع الديني الكبير آية الله العظمي السيد مير علي البهبهاني فكان المترجم له يأخذ من هؤلاء الفطاحل في الفكر الديني، علومه و معارفه و من هنا كان أساس دراسته الأولية قوياً و محكماً ما أهله للدراسات العليا. هاجر السيد المترجم له إلي مدينة العلم النجف الأشرف بحثاً عن أفق أوسع في الثقافة الدينية . و كان من حسن حظه أن التحق بكلية الفقه حيث التقي بحشد من الأساتذة المبرزين يومئذ كالأستاذ السيد محمد تقي الحكيم، و العلامة الشيخ عبد المهدي مطر، و الأستاذ الدكتور السيد مصطفي جمال الدين و غيرهم، و كان نشاطه الثقافي في كلية الفقه ملموساً فإنه كان يشارك في الحفلات التي تنظمها الكلية، و كانت له نصوص شعرية ملفتة للنظر دالة علي نبوغه الفكري. و بعد تخرّجه من كلية الفقه غادر إلي بغداد ليكمل ثقافته الجامعية، و منها انتقل إلي جامعات فرنسا للمزيد من الثقافة الحديثة و سجّل بحثاً في جامعة (السوربون) و قدم رسالة تحت عنوان (مدرسة النجف الجديدة في أصول الفقه) و منحوه درجة شرف عليا. و بعدها عاد إلي إيران يمارس التدريس في جامعة طهران و الأهواز. و للمترجم له دور في عالم الخطابة ، حيث مارسها في سن مبكرة بعد أخذ مقدماتها من والده الذي كان يتمتع بموهبة أدبية و شعرية و خطابية، و استقلّ في مجالسه، و هو في العشرين من عمره في البصرة و غيرها من المدن العراقية و الإيرانية، و قد إلتقيت بالدكتور الخطيب السيد مسلم الجابري في الكويت و هو يرقي المنبر في حسينية السيد علي الموسوي سنة (1995م) فوجدته خطيباً ذا كفاية و مقدرة و هو محقق في محاضراته المنبرية. و للمترجم له مؤلفات نافعة تشمل المعالجات التاريخية و الاجتماعية منها: 1- الإمام علي عليه السلام: الرؤية و التجربة. 2- فعل الشعر: مقالان يدوران حول التجربة الشعرية. 3- مسرحية شعرية تحت عنوان: طائر النار. 4- الإرادة و الفعل (دراسة في أسس المجتمع الإسلامي) . 5- ترجمة رسالة (أسرار الصلاة) للشهيد الثاني باللغة الفرنسية معدّة للنشر. و ما يزال الدكتور السيد مسلم الجابري يمارس دوره الثقافي و الديني في مختلف المجالات زاد الله في توفيقه.

النُّورُ فاضَ بمكّةٍ فَأَضاءَها *** فَلْتَنْسُجِ البَطْحاءُ منهُ رِداءَها(1)

وَالكَعْبَةُ الغَرّاءُ يَغْسِلُ وَجْهَها *** بِالْعِطْرِ مَا سَاقَي الهَوي بَطْحاءَها

قَمَرُ السَّماءِ أَطَلَّ مِنْ عَلْيَائِهِ *** وَهَفا إِلَيْها لاثِماً عَلْياءَها(2)

وَ تَها تَفَتْ زُهْرُ النُّجومِ بِرَمْلِها *** شَوْقٌ يُهَدْهِدُ بالجَوي حَصْباءَها(3)

ص: 478


1- يشير الشاعر إلي نورها عليها السلام و بشري ولادتها.
2- هفا: أسرع. لاثماً: مقبّلاً. علياء: كلّ مكان مشرف أو السماء.
3- يهدهد: يحرّك كما تحرّك الأُمُّ طفلها لينام. الجوي: الحرقة و شدّة الوَجْد من العشق أو الحزن. حصباءَها: الحصي.

ما كَوّلَ إِلاْ وَ أَوْجَعَ قَلْبَهُ *** فَاخْتَارَ قَلْبُ محمدٍ زَهْراءَها(1)

يَا كَعْبَةَ اللَّهِ اهْتِفِي وَ تَعَطَّفِي *** حَتَّي يَزُورَ العِطْرُ فيكِ فِناءَها

وَ تَبَرَّجِي فَرَحاً بِزَهْرَةَ دَوْحَةٍ *** باهَتْ بها أَرْضُ الحجازِ سَماءَها

أَقْسَمْتُ لَوْ مُدَّتْ عليهِ غُصُونَها *** لَكَسَتْ بِوارِفِ ظِلّها صَحْراءَها(2)

وَ لَسالَ وادِيها يُرَوِّي عَذْبَهُ *** دُنْيا تُساقِي الظَّامئينَ رُواءَها

و اللَّيْلُ هَلْ يَدْرِي سَيَخْلَعُ لَوْنَهُ *** للنُّورِ لَوْلاقَي هناكَ ذُكاءَها

هذِي الحِجارةُ في شَوامِخِ مَكَةٍ *** خَشَعَتْ وَشَاطَرَتِ السَّما نَعْماءَها

وَ لَو أنَّها اسْطاعَتْ تَذُوبُ مَحبَّةً *** لَسَعَتْ يُغَيِّرُ شَوْقُها أَسْماءَها

نامَتْ قُرَيْشٌ عَنْ تَمَلْمُلِ لَيْلَةٍ *** نَصَّتْ عَلي الحَرَمِ المنبعِ خِباءَها(3)

وَ تغافَلَتْ مُضَرٌ عَنِ الأَفْقِ الَّذِي *** غَطَّي بِخُضْرَةِ مَوْجِهِ حَمْرَاءَها

لِتُزَفَّ قافِلَةٌ تَطَامَنَ(4) خَطْوُها *** فَسَرَتْ وَرَدَّدتِ الجبالُ حُدَاءَها

الأَعْيُنُ الحَيْرَي يُصارعُ بَأْسَها *** حُلُمٌ أَلَمَّ لِيَسْتَرِدَّ رَجاءَها

في واحَةٍ غَنَّاءَ تَمْنَحُ ظِلَّها *** لِلظَّامِئِينَ علي الطَّرِيقِ وماءَها

للهِ بَضْعَةُ أَحْمَدٍ مِنْ نُورِهِ *** لَمَعَتْ فَأَهْدَي أُفْقُهُ لأْلاءها(5)

وَافَتْكَ تَخْتَرِقُ القُرُونَ كَنَجْمَةٍ *** تَنْأَي فَتُهْدِي لِلْعُيُونِ ضِياءَها

مَهْمَا تَرامَي الأُفْقُ حَوْلَ وَ مِيضِها *** عَبَرَتْهُ تَطْرُدُ بِالسَّنا ظَلْماءَها(6)

مَرَّتْ بِطُوبَي فَاسْتَفَزَّ حَنِينَها *** ظِلٌّ يُرافِقُ في النَّعِيمِ بَهاءَها

وَتَوَسَّمَتْ في مَوْكِبٍ مَرَّتْ بِهِ *** كَفّاً لِطه زُهْدَها وَ عَطَاءَها

ص: 479


1- كوَّلَ: تكوّل القوم: تجمّعوا علي فلان و أقبلوا بالشتم و الضرب و لم يقلعوا.
2- وارفه الظل: ممتدّة و متّسعة.
3- تململ: تقّلب علي فراشه مرضاً أو غمّاً. خباءَها: خيمتها.
4- تطامن: سكن.
5- لأْلاء: السراج، الضوء.
6- وميضها: لمعانها. السنا: الضوء.

بِالأَمْسِ أَخْلَدَ رَكْبُهُ في ظِلِّها *** وَ مَضَي يَخُوضُ مِنَ الْجِنانِ فَضاءَها

نالَتْ ُيداهُ فَأَثْقَلَتْهُ ثِمارُها *** وَمَشَتْ خُطاهُ فَزَيَّنتْ خَضْراءَها

وَدَنَتْ خديجَةُ تَسْتَظِلُّ بِكَوْثَرٍ *** مِنْ رَحْمَةٍ تُزْجِي إِلَيْهِ صَفَاءَها(1)

في لَيْلَةٍ غَرّاءَ لَوْمَدَّتْ يداً *** نَحْوَ النُّجُومِ تَناوَلَتْ زَرْقاءَها

يَسْرِي ابنُ عبدِ اللهِ في مَلَكُوتِها *** فَتَري بِمَجْرَي رُوحِهِ إِسْراءَها

ما غابَ هَمْسُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَمْعِها *** تُصْغِي فَيَمْلأُ صَوْتُهُ إِصْغاءَها

وَ الصُّبْحُ يُشْرِق في جَبِينِ مُتَوَّجٍ *** بِالنُّورِ يَنْضَحُ بِالعَبِيرِ مَسَاءَها

أَدَرَتْ خَدِيجَةُ إِذْ تُوَدِّعُ لَيْلَةً *** وَ الوَجْدُ يَخْضِبُ بِالسَّنا أَحْناءَها(2)

أنَّ الجِنانَ قَدِ انْحَنَيْنَ كَرامَةً *** لِلسّرِّفاسْتَوْدَعْنَهُ أَحْشاءها

وَ بِأَنّ كَفَّ محمَّدٍ قَطَفَتْ لها *** في الخُلْدِ مِنْ زَهَراتِهِ عَذْراءَها

وَ بِأَنَّ ما ضَمَّتْ عليهِ ضُلُوعَها *** حوراءُ غادَرَتِ الجنانَ وراءَها

ما زاغَ طَرْفُ محمدٍ عن سِدْرَةٍ(3) *** في قابِ قَوْسَيْنِ استَشَفَّ سَناءَها

سِرُّ النُّبُوَّةِ فاضَ في أَغْصانِها *** عَبِقاً وَ خالَطَ نَشْرُهُ أَنداءَها(4)

وَ تَنَزَّلَتْ لِلأَرْضِ مِنْهُ كَتائِبٌ *** عَقَدَتْ ملائِكَةُ السَّمَاءِ لِواءَها

يا سِرَّ فاطِمَ ما مَرَرْتَ بِخاطِرٍ *** إلاّ و أهْدَتْهُ السَّماءُ حَباءَها

أَلْبَسْتَ شِيعَتَها رِداءَ كَرامَةٍ *** وَجَلَوْتَ سِفْرَ مَآثِرٍ أبناءَها

تلكَ الّتي أعْطَتْ فَنَطّرَتِ الثَّرَي وَسَمَتْ فجازَ سموُّها جَوْزَاءَها

للعلمِ ما عَقَدَتْ عليهِ ضُلوعَها *** والطُّهْرِ ما مَدَّتْ عليه كساءَها

ما موقفٌ وَقَفَتْهُ بعدَ محمد *** تُعْمِي بصائِبِ رأيِها خُصَماءَها(5)

ص: 480


1- تزجي: تسوقه أو تدفعه برفق.
2- و الوجْدُ يخضب بالسنا أحناءها: الوجد: المحبة أو الفرح. يخضب: يلوّن. بالسّنا: بالضوء. أحناءها: كلّ ما فيه اعوجاج من البدن.
3- سِدْرة: سدرة المنتهي. شجرة نبق عن يمين العرش.
4- عَبق: إنتشار رائحة الطيب. نشره: طيّب الريح. أنداءها: أشياء يتطيّب بها كالبخور.
5- إشارة إلي احتجاجها بشأن اغتصاب فدك منها و إفحامها لخصومها.

إلا و كانَ الغُرُّ مِنْ أَبْنائِها *** وَ بَناتِها مِنْ بَعْدِها خُلَفَاءَها

يَحْيَا بِها مَيْتُ البِلادِ فَإِنْ طَغَي *** جَدْبٌ أَراقَتْ كَالرَّبِيعِ دِماءَها(1)

وَهَبَتْ لأُمَّتِها قِطافَ حَيَاتِها *** وَ مَضَتْ تُعانِقُ كَرْبَهَا وَ بَلاءَها

عُرْسُ الشَّهادَةِ ما تَحَفَّزَ ثَائِرٌ *** إلا أعادَ عَلَيْهِ عاشُوراءَها

فَإِذا تَعَشَرَ مَوْكِبٌ فِي زَحْفِهِ *** زَفَّتْ إلي سُوحِ الجهادِ فداءَها

مَرَّ الخلود بها فَقَارَبَ خَطْوَهُ *** وَ مَشَي إليها يَصْطَفي شُهَداءَها

يا صَفْوَةَ اللهِ الَّتي مُدَّتْ لها *** كَفُّ العِنايَةِ فَاصْطَفَتْ آبَاءَها

وَ الرُّوحُ في أُفُقِ السَّمَاءِ مُنَزِّلٌ *** يَرْوِي لِبَضْعَةِ أَحْمَدٍ أَنْباءَها

تَرْضَي فَيَرْضَي اللهُ في مَلَكُوتِهِ *** وَ يَسُوءُ قَلْبَ مُحَمَّدٍ ما ساءَها

وَ تَقُومُ ما قامَ النَّبِيُّ بِلَيْلِهِ *** يُخْفِي النَّشِيجُ(2) عَنِ الظَّلامِ نِدَاءَها

تَرْجُو وَ وَعْدُاللهِ يَمْلأُ قَلْبَها *** وَ يَهُدُّ خَوْفُ وَعِيدِهِ أَعْضَاءَها

ما أَوْمَأَتْ نَحْوَ السَّمَاءِ تَضرُّعاً *** إلا وَ سابَقَ دَمْعُها إيماءَها

فإذا تَجَلَّي للسَّمَاءِ جَبِينُها *** بَدْراً تَساقَطَتِ النُّجُومُ إزاءَها

و أضاءَ مِحْرابٌ تَكَنَّف(3) دكنَهُ *** لَيْلٌ أَحَبَّ الله فيهِ لِقاءَها(4)

يا قِصَّةٌ لِلْمَجْدِ رَدَّدَ بَعْدَها *** تاريخُ أُمَّةِ أَحْمَدٍ أَضداءَها

خَلَدَتْ عَلَي مَرّ العُصورِ فَمَا وَ هَي(5) *** صَرْحُ مِنَ التَّقْوَي أطالَ بقاءَها

كَفُّ لِأَحْمَدَ شَيَّدَتْ أَرْكَانَهُ *** فَرَعَتْ لها عَيْنُ الإله بناءَها

وَ شَرِيعَةٌ لِلْحُبِّ كَوْثَرُ نَبْعُها *** يَجْرِي فَيَمْنَعُ وِرْدَهُ غُرَباءَها

عَهْدٌ لفاطِمَ في ضمائِرِ عُصْبَةٍ *** نَسِيَتْ لَهُ عِنْدَ الوَفاءِ وَفاءَها

ص: 481


1- جَدْب: مكان ماحل غير خصب.
2- النشيج: الصوت الذي يخالط البكاء.
3- تكنّف: أحاط. دكنّه: ميلان لونه إلي السواد.
4- لعله إشارة إلي قول الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله و سلم في علة تسميتها بالزهراء عليها السلام.
5- و هي: ضعف.

حَشَدَتْ علي باب الوَصِيِّ وَ عَبَّاتْ *** أَضْغَانَها(1) و استَنْفَرَتْ غَوْغَاءَها(2)

ما كانَ أَقْساها تُرَوْعُ بَضْعَةً *** من أحمدٍ فَرَض الإلهُ وَلاءَها

و لَقَدْ جَفَتْ حتي تَلَبّدَ أُفْقُها *** بِالظُّلمِ و اشْتَكَتِ البَتُولُ جَفاءَها

أَيكونُ حبُّ مُحَمَّدٍ في قَلْبِهِ *** مَنْ ماتَ حَيْراناً تكنُّ عِداءَها

غَضِبَتْ وَ كانَ اللَّهُ شَاهِدَ سِرِّها *** مُذْ أَعْلَنَتْ لِلْعَالَمِينَ عَناءَها(3)

وَدَعَتْ عليهِ بُعَيْدَ كُلِّ فريضةٍ *** و لقد أجابَ اللهُ فيهِ دُعاءَها؟

فَلَئِنْ بَكَي يَوْماً وَ طالَ شَفَاؤُهُ *** مِنْ هَجْرِها، فَلَقَدْ أطال بكاءَها

ص: 482


1- أضغانها: أحقادها و أبغاضها غوغاء: الكثير المختلط من الناس أو السفلة من الناس و المتسرعين إلي الشرّ.
2- عن بحار الأنوار ج53 ص17 في حديث المفضّل بن عمر عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام -إلي قوله- ثم تبتدي فاطمة عليها السلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر -إلي قوله عليه السلام- و تقص عليه قصة أبي بكر و إنفاذه خالد بن الوليد و قنفذاً و عمر بن الخطاب و جمعه الناس أميرالمؤمنين عليه السلام من بيته إلي البيعة في سقيفة بني ساعدة، و قول عمر اخرج يا علي عليه السلام إلي ما أجمع عليه المسلمون و إلا قتلناك إلي آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة.
3- يشير الشاعر إلي غضبها «سلام الله عليها» علي أبي بكر و عمر و رفضها السماح لهما بمقابلتها و إرضائها و تذكيرها لهم بعاقبة من تغضب عليه و حديث الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في هذا المعني. و قد جاء في تاريخ الطبري ج2 ص619 ط مؤسسة الأعلمي بيروت و في حديث طويل عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أنه دخل إلي أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه -إلي قوله- فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عليها السلام عن شيء و إن كانوا غلقوه علي الحرب... إلي آخر الحديث و قد أخذنا موضع الحاجة.

(67) مصائب الزهراء عليها السلام

(بحر الخفيف)

السيد هاشم الهاشمي

رَحَلَتْ لِلإِلَهِ تَشْكُو أُناساً *** جرّعُوا الطُّهْرَ أَعظَم الأَرْزاءِ(1)

أَوَ لَمْ يَسْمَعُوا الرَّسُولَ وَ كَمْ قال *** بِأَنَّ الزَّهراءَ خَيْرُ النِّساءِ؟

إِنَّ مَنْ أَغْضَبَ البَتُولَ فَقَدْنَا *** صَبَ رَبِّ العِبادِ شَرَّ عِداءِ(2)

كم حديثٍ له عن الطُّهْرِ عَمَّا *** قَدْ حَباها الإلهُ خَيْرَ حباءِ

كم ثناءٍ لِلَّهِ فيها فما يُجْدِي *** ثَناءُ الأقلامِ و الشُّعراءِ(3)

كم لها مِنْ مَناقِبٍ قد تسامتْ *** بِعُلاها علي بني حوَاءِ

قَدْ رعاها النَّبِيُّ يُرْفِدُها عِلْماً *** وَ طُهْراً من مَنْهَلِ الإيحاءِ

وُلِدَتْ من سَنا السَّماءِ و عاشَتْ *** بِهُداها وَ زُوِّجَتْ في السَّماءِ

و تلاقي النُّورانِ في الخُلْدِ كي *** يَخْلُدَ نورُ الشَّرِيعَةِ السَّمْحاءِ

وَ تَلاقَي النُّورانِ فِي الخُلْدِ وَ امْتَدَّ *** لِبُقْيا الأَئِمَّةِ الأُمَناءِ

إِنَّهُمْ غايةُ الخَلِيقَةِ لَوْلاهُمْ *** لَدَبَّ الفَنَاءُ في الأَشياءِ(4)

وَ النَّبِيُّ العَظِيمُ أَنْقَذَ جِيلاً *** مِنْ دُجي الجاهليَّةِ الجَهْلاءِ(5)

ص: 483


1- الأرزاء: المصائب.
2- العداء: العداوة.
3- الثناء: المديح و إطراء المحاسن. يُجدي: ينفع، و المراد هنا أنه لم ينفع في وصف عظيم مناقب الزهراء عليها السلام لَجَلل قدرها.
4- دَبَّ: مشي، و المراد هنا: حَلَّ الفناءُ بالأشياء.
5- الدُّجي: الليل المظلم. الجَهْلاء: الجاهلة. هو ألم الضرب و الحرقة.

حَلَّقُوْا بالهْدَي إلي ذِرْوَةِ المَجْدِ *** وَ كَانُوا فِي هُوَّةٍ عَمْياءِ

هَلْ جَزَاءُ الإِحْسانِ أنْ يَمْنَعُوا *** الزَّهراءَ عَنْ سَكْبٍ دَمْعِها وَ البُكاءِ؟

كَيْفَ لا تَذْرُفُ الدُّمُوعَ وَ قدْ غابَ *** أبوها وَ كَهفُها في البَلاءِ؟

كانَ نِعْمَ الملاذَ يَمْسَحُ عَنْها *** غُصَصَ الدَّهْرِ باليَدِ البَيْضاءِ(1)

كانَ ظِلاًّ تاوِي إليْهِ إذا *** اشْتَدَّتْ عليها لَوَاعِجُ الضَّرَّاءِ(2)

لَقِيَتْ بَعْدَهُ مَصائِبَ شَتَّي *** مِنْ قُلُوبِ مَلِيئةٍ بِالعِداءِ(3)

وَثَبَ القَوْمُ يَطْلُبُونَ أذي العترةِ *** ثَارَ الأَوْثَانِ وَ الآباءِ(4)

غَصَبُوا حَقَّها وَ حَقَّ عَلِيٍّ *** وَ تَناسَوا أمجادَ آلِ العَباءِ(5)

جَحَدُوا بَيْعَةَ الغَدِيرِ بِغَدْرٍ *** بَعْدَما قَدَّمُوا عُهُودَ الوَلاءِ(6)

أسفروا عَنْ تَامُر كَتَمُوهُ *** عَنْ نَبِيِّ الهُدَي بِوَجْهِ الرِّياءِ(7)

أَشْعَلُوا نارَهُمْ بِبابِ ابنةِ المُخْتارَ *** نارَ الأطماعِ و البَغْضاءِ

دَخَلُوا دَارَها فَلاذَتْ وَراءَ البابٍ *** سِتْراً من أَعْيُنِ الأَعداءِ

عَصَروها لِيَكْسِرّ البابُ صَدْراً *** قَدْ حَوَي سِرَّ خَاتَمِ الأَنْبِياءِ

أَسْقَطَتْ «مُحْسِناً» إلي الأَرْضِ مَيْتاً *** وَ تَرامَتْ خَضِيبةً بالدِّماءِ

عَجَباً كم أبادَ لِلْكُفْرِ جَمْعاً *** بحُسام يُرْدِي العِدا بِمَضاءِ(8)

قَيَّدَتْهُ وَصِيَّةٌ من رسولِ اللَّهِ *** حِفْظاً لِلشِرْعَةِ الغَرَّاءِ(9)

ص: 484


1- الغُصَص: جمع غُصَّة و الغُصَّة هي الحزن و الهَمّ.
2- اللواعج: هنا بمعني الشدائد و المصائب، و اللُعْج: هو ألم الضرب و الحرقة.
3- شَتَّي: أنواع و أصناف مختلفة.
4- وَثَبَ: قَفَزَ.
5- آل العباء: أصحاب الكساء.
6- الولاء: الطاعة و الاتّباع.
7- أسفروا: كشفوا.
8- الحسام: السيف.
9- الغَرَّاء: الصافية لا شائبة فيها البيضاء: الخالصة.

رَأتِ الطُّهرُ كيف فَرَّقَ ليلُ الجهلِ *** جيلاً عَنْ سَيْدِ الأَوْصِياءِ

نَهَضَتْ وَ الجِراحُ تَنْزِفُ منها *** وَ جَرَتْ خَلْفَهُمْ بِكُلِ عَناءِ

صَرَخَتْ فيهمُ دَعُوهُ و إلا *** سوف أَشْكُو إِلي الإلَهِ بَلائِي

فأتاها اللَّعِينُ بالسَّوْطِ ليُسكتَ *** مِنْها صَوْتاً شَجِيَّ النِّداءِ(1)

إِنَّ آلامَها ستَشْهِدُ يَوْمَ الحَشْرِ *** ماذا لاقَتْ في الخَفاءِ

سَوْفَ يَسْتَفْسِرُ الجَمِيعُ مَدَي الدَّهْرِ *** لماذا قَدْ ألْحِدتْ في الخَفاءِ

آه لَوْلا جُرْحُ البَتُولَةِ ما كانَتْ *** جِرَاحُ الحُسَيْنِ في كَرْبَلاءِ

ص: 485


1- شَجِيَّ : حزين.

(68) صديقة النساء

(بحر الخفيف)

لأحد الشعراء

يا أخا المُصطفي أزفُّ وَلائي *** لك بشراً في مَولِدِ الزَّهراءِ

وُلِدَتْ و العفَافَ يَنضَحُ منْها *** مُستفيضاً علي بني حَواءِ

و كسَاهَا مِنَ القَداسَةِ بُرْداً *** أين مِنهُ قَداسةُ العَذراءِ

هي أُمّ السبطين بَضعَةُ طه *** زَوجَةُ المُرتَضَي وَ خَيرُ النّساءِ

هِيَ تُفَّاحَةٌ حَبَاهَا لِطه *** مِنْ جِنَانِ الخُلُودِ رَبُّ السّماءِ(1)

حُولَتْ نُطفَةٌ بِأطهَرِ صُلبٍ *** هُوَ أصلِّ لِلصَّفوَةِ الأمنَاءِ

هِيَ صِدِّيقَةُ النساءِ تَسَامَتْ *** بِعُلاهَا مِن نَسلَةٍ حَوراءِ

حَدَّثَتْ أَمَّها وَ كَانَتْ جَنيناً *** في حشَاهَا بِأصدَقِ الأنباءِ

هِيَ ريحانةُ الرَّسُولِ وَ كَانَتْ *** منهُ طيباً تَفُوحُ بالأشذاءِ

هِيَ رُوحٌ مَا بَينَ جَنبَيهِ كَانَتْ *** تَرتَدِي من حَنَانهِ بِرداءِ

فطَمَ اللَّهُ مِن لظي النَّارِ فيها *** كلُّ مولّي لهَا مِنَ الأوليَاءِ

قَالَ طه: دخلتُ جنّةَ عَدنٍ *** في عُروجي بِليلَةِ الإسرَاءِ

فَتنَاولتُ رطبةً هِيَ كَانَتْ *** نُطفَةً للزكيَّةِ الحَورَاءِ

وَ هيَ كَانَتْ تُدعي البتُولَ لِطُهرٍ *** نُزِّهَتْ فيه من جَميعِ الدِّمَاءِ

وَ هيَ في العَرشِ قَبلَ آدَمَ كَانَتْ *** قَبَسَاً زاهِراً لأهلِ السَّمَاءِ

ص: 486


1- حباها: أعطاها بلا مقابل.

وَ هْيَ كَانَتْ تَزهُو سَنَا لِعليّ *** و ازدهاراً كَالفَرقَدِ الوَضَاءِ(1)

قُطِمَتْ مِنْ جَميع شَرِّ و طَمثٍ *** يعتريها و قُدَّسَتْ بِالثَّنَاءِ

قولاها بَرَاءةٌ لِلمُوالِي *** مِن عَذاب الجحيم يومَ الجَزَاءِ

وَ تَلقَّتْ حَوادِثاً وَ عُلُومَاً *** مِن حديثِ المَلائِكِ الأمنَاءِ

هَاكِ يَا بضعَةِ الرَّسولِ نَشيدِي *** مُستفيضاً مِن بَسمَتِي وَ بُكَائِي

أنا أرجو منكِ الشَّفَاعَة فيهِ *** يَومَ بعثي مَشفُوعَةً بِالشّفاء

ص: 487


1- الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يُهتدي به.

ص: 488

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الشعراء

2- فهرس التراجم

3- فهرس القصائد و البحور

4- فهرس الموضوعات

ص: 489

ص: 490

1- فهرس الشعراء

الإسم ... المقطوعة

الشيخ إبراهيم بري ... (1)

الشيخ إبراهيم النصيراوي ... (2)

الأستاذ أحمد فهمي ... (3)

محمد الشيخ أحمد الوائلي ... (4)

الأستاذ بشار كامل الزين ... (5)

بولس سلامة ... (6)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبوزكي) ... (7)

الشيخ جاسم الخاقاني ... (8)

الأستاذ جعفر الجعفر ... (9)

الأستاذ حسن أحمد العامر ... (10)

الشيخ حسن البحراني القيسي ... (11) (12) (13)

الشيخ حسن الصفار ... (14)

الشيخ حسن طراد العاملي ... (15)

السيد حسين الشامي ... (16)

الشيخ حسين الطرفي ... (17)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي ... (18)

الشيخ سعيد الشيخ علي العوامي ... (19)

الأستاذ سلمان الربيعي (أبو أمل) ... (20)

السيد سلمان هادي آل طعمة ... (21)

الشيخ صادق الشيخ جعفر الهلالي ... (22)

الأستاذ عباس مرتضي عيّاد العاملي ... (23)

الشيخ عبد الجبار الساعدي ... (24)

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي ... (25)

ص: 491

الشيخ عبدالستار الكاظمي ... (26)

الأستاذ عبدالعباس الأسدي ... (27)

الشيخ عبدالعظيم الربيعي ... (28) (29)

الشيخ عبدالكريم آل زرع ... (30)

الشيخ عبدالكريم النايف ... (31)

السيد عبداللطيف فضل اللَّه ... (32)

الشيخ عبدالمجيد أبوالمكارم ... (33)

الشيخ عبدالمجيد فرج الله ... (34)

السيد عبدالمحسن فضل الله ... (35)

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ... (36)

الشيخ عبد الواحد مظفر ... (37)

الشيخ عفيف النابلسي ... (38)

الشيخ ملا علي آل رمضان ... (39)

ملاّ علي الرمضان الخطي ... (40)

السيد علي الحكيم ... (41)

الحاج علي حمدان الرياحي ... (42)

الشيخ علي ابن الشيخ محمد آل سيف الخطي ... (43)

الشيخ علي شرارة ... (44)

الحاج علي الفراتي ... (45)

الشيخ علي منصور المرهون ... (46)

الحاج علي يوسف المتروك ... (47)

السيد غياث آل طعمة ... (48)

الشيخ فرج العمران القطيفي ... (49)

الشيخ كاظم بن المطر الإحسائي ... (50)

الشيخ كاظم السبتي ... (51)

الشيخ كامل الدرمكي ... (52)

المهندسة كوثر شاهين ... (53)

لأحد الشعراء ... (68)

الحاج محمد آل رمضان الإحسائي ... (54)

الشيخ محمد جواد المطر ... (55)

فهرس الشعراء

ص: 492

الشيخ محمد سعيد المنصوري ... (56)

السيد محمد الشيرازي ... (57)

السيد محمد صالح البحراني ... (58)

الحاج محمد علي الحاج حسين ... (59)

الأستاذ محمد علي الزهيري ... (60)

السيد محمد علي العلي ... (61) (62) (63)

الأستاذ محمد محمد الجنبيهي ... (64)

السيد مرتضي القزويني ... (65)

السيد مسلم الجابري ... (66)

السيد هاشم الهاشمي ... (67)

ص: 493

2- فهرس التراجم

الشيخ أحمد الوائلي ... 98

الأستاذ بولس سلامة ... 107

الأستاذ حسن أحمد العامر ... 129

الشيخ حسن البحراني القيسي ... 134

الشيخ حسن الصفار ... 144

الشيخ حسن طراد العاملي ... 147

السيد حسين الشامي ... 150

الشيخ حسين الطرفي ... 153

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي ... 157

الأستاذ سلمان الربيعي (أبو أمل) ... 165

الأستاذ سلمان بن هادي آل طعمة ... 167

الأستاذ عباس مرتضي عياد العاملي ... 172

الشيخ عبدالجبار الساعدي ... 177

الشيخ عبدالحسين آل صادق العاملي ... 180

الشيخ عبدالستار الكاظمي ... 182

الأستاذ عبدالعباس الأسدي ... 184

الشيخ عبد العظيم الربيعي ... 231

الشيخ عبدالكريم آل زرع ... 244

الشيخ عبدالكريم النايف ... 246

الشيخ عبدالمجيد أبو المكارم ... 254

الشيخ عبدالمجيد فرج اللَّه ... 260

السيد عبدالمحسن فضل اللَّه ... 262

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي ... 266

ص: 494

الشيخ عبدالواحد مظفر ... 368

الشيخ عفيف النابلسي ... 370

الشيخ ملا علي آل رمضان ... 375

السيد علي الحكيم ... 388

الشيخ علي شرارة ... 399

الحاج علي الفراتي ... 401

الأستاذ علي يوسف المتروك ... 405

السيد غياث آل طعمة ... 407

الشيخ فرج العمران القطيفي ... 409

الشيخ كاظم بن المطر الاحسائي ... 412

الشيخ كاظم السبتي ... 416

الشيخ محمد جواد المطر ... 433

الشيخ محمد سعيد المنصوري ... 436

السيد محمد الشيرازي ... 441

السيد محمد صالح البحراني ... 445

الحاج محمد علي الحاج حسين ... 450

الأستاذ محمد علي الزهيري ... 454

السيد محمد علي العلي ... 457

السيد مرتضي القزويني ... 472

السيد مسلم الجابري ... 477

ص: 495

3- فهرس القصائد والبحور

-الألف-

نشأت بيثرب طفلة زهراء *** في وجهها وجه النبي تراءي 93

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

جدّد العهد يا نشيد الولاء *** هاتفاً بالوليدة الزهراء 95

(المقطوعة 2/ بحر الخفيف)

لذ بالبتول و ناد بالزهراء *** و اضرع لربك خيفة بدعاء 97

(المقطوعة 3/ بحر الكامل)

كيف يدنو إلي حشاي الداء *** و بقلبي الصديقة الزهراء 98

(المقطوعة 4 / بحر الخفيف)

بدار الوحي يا خير النساء *** حظيت بكل آيات الثناء 105

(المقطوعة 5/ بحر الوافر)

عاد إثر الوقيعة البكر ليث *** رمقته القلوب بالإيماء 107

(المقطوعة 6/ بحر الخفيف)

في استقر و لا ؤكم بدمائي *** يا خير من عاشوا علي الغبراء 112

(المقطوعة 7/ بحر الكامل)

مولاي يابن المرتضي *** يا سبط خير الأنبيا 117

(المقطوعة 8/ بحر الكامل)

تاهت ببنت نبيها الخضراء *** و استبشرت بقدومها الغبراء 122

(المقطوعة 9/ بحر الكامل)

يمّمت ذكري مولد الزهراء *** فطفقت أنظم للمديح ثنائي 129

(المقطوعة 10/ بحر الكامل)

عزّ العزاء عليك يا زهراء *** فلقد دهتك مصيبة شنعاء 134

(المقطوعة 11/ بحر الكامل)

ص: 496

كل فرد منهم زكي مهيمن *** و تراه في العلم و الحلم ممعن 137

(المقطوعة 12/ بحر الخفيف)

عرج بتربة فاطم الزهراء *** و اندب و ناد بحرقة و بكاء 140

(المقطوعة 13/ بحر الكامل)

روعة الحق و العفاف تجلّت *** من محيّا الصديقة الزهراء 144

(المقطوعة 14/ بحر الخفيف)

غابت فغاب شعاعها الوضّاء *** شمس تنار بضوئها الأجواء 147

(المقطوعة 15/ بحر الكامل)

قلبي يذوب أسّي علي الزهراء *** و مدامعي تجري دماً بسخاء 150

(المقطوعة 16/ بحر الكامل)

في إنسية نمتها السماء *** باركتها الخضراء و الغبراء 153

(المقطوعة17/ بحر الخفيف)

عرس النبوة شاع في البطحاء *** فحدت له الأملاك بالجوزاء 157

(المقطوعة 18/ بحر الكامل)

عم فيض الجلال بالرحماء *** بولادة البتولة الزهراء 163

(المقطوعة 19/ بحر الخفيف)

مولد الزهراء *** مصدر الآلاء 165

(المقطوعة 20/ بحر الخفيف)

مرحي بإشراق السنا الوضاء *** غمر الحياة برونق و بهاء 167

(المقطوعة 21/ بحر الكامل)

طال شوقي فصاغه إنشائي *** لحن حب بمولد الزهراء 170

(المقطوعة 22/ بحر الخفيف)

مزّقي صمت أخرفي و المساء *** و اسكبي الشعر في دمي و الضياء 172

(المقطوعة 23/ بحر الخفيف)

ماذا أقول بمولد الزهراء *** فهي البتول و منتهي العلياء 177

(المقطوعة 24/ بحر الكامل)

يا زائراً أرض البقيع وصية *** عني تقبل تربة الزهراء 180

(المقطوعة 25/ بحر الكامل)

في قلبي حب الزهراء ***ينجيني من كل بلاء 182

(المقطوعة 26/ بحر المتدارك)

ص: 497

رويت مسنودة دون خطاء *** عن كريم من سليل الكرماء 184

(المقطوعة 27/ بحر الرمل)

إن داراً بها حديث الكساء *** دار مجد سمت علي الجوزاء 231

(المقطوعة 28/ بحر الخفيف)

قد روينا عن فاطم الزهراء *** بضعة المصطفي حديث الكساء 238

(المقطوعة 29/ بحر الخفيف)

لك يا بضعة النبي الوفاء *** من محب لا يعتريه جفاء 244

(المقطوعة 30/ بحر الخفيف)

ذابت لفرط صبابتي أحشائي *** فلذاك طال تلهفي و بكائي 246

(المقطوعة 31/ بحر الكامل)

هتف البيان بمولد الزهراء *** سر الوجود و شمس كل سماء 248

(المقطوعة 32/ بحر الكامل)

أصبح الكون ضاحكاً بالهناء *** مستنيراً بنور ست النساء 254

(المقطوعة 33/ بحر الخفيف)

في المدي... حيث تجثم الظلماء *** و السّبات العميق دنيا خواء 260

(المقطوعة 34/بحر الخفيف)

أغمض الطرف فالسنين ورائي *** تروي أحداثها علي استحياء 262

(المقطوعة 35/ بحر الخفيف)

يا أخا المصطفي أزف ولائي *** لك بشراً في مولد الزهراء 266

(المقطوعة 36/ بحر الخفيف)

ماء الفرات صداق للبتولة قد *** صح الحديث و جاءت فيه أنباء 368

(المقطوعة 37/ بحر البسيط)

زهراء يا بيت العلي الوضّاء *** يا نجمة الساري بكل مساء 370

(المقطوعة 38/ بحر الكامل)

شع نور البتول ست النساء *** فاعتدي الكون مشرقاً بالسناء 375

(المقطوعة 39/ بحر الخفيف)

لم يكن بعد موته أحد أعظم *** حزناً في عالم الأحياء 380

(المقطوعة 40/ بحر الخفيف)

شمخت فبان الطّور من عليائها *** و زهت فشعّ النور من سنائها 388

(المقطوعة 41/ بحر الكامل)

ص: 498

أي يوم يجل فيه العزاء *** و مصاب يطيب فيه البكاء 390

(المقطوعة 42/ بحر الخفيف)

أفبعد فاطمة البتول و دفنها *** بالليل عين لا تجود بمائها 398

(المقطوعة 43/ بحر الكامل)

رزء أطلّ فجل في الأرزاء *** زفراتها هبت علي الغبراء 399

(المقطوعة 44/ بحر الكامل)

أشرقت الدنيا مع السماء *** بمولد الصديقة الزهراء 401

(المقطوعة 45/ بحر السريع)

حق البكاء لفاطم الزهراء *** بنت النبي كريمة الآباء 403

(المقطوعة 46/ بحر الكامل)

طائر البشر في ربي البطحاء *** يتغني بمولد الزهراء 405

(المقطوعة 47/ بحر الخفيف)

قد كان في أرض الحجاز عناء *** فدم يراق و تستباح نساء 407

(المقطوعة 48/ بحر الكامل)

كيف أسلو و نكبتي فقماء *** و بقلبي أحاطت الأرزاء 409

(المقطوعة 49/ بحر الخفيف)

ضحكت بروق الخصب بالفيحاء *** فهمت جفون غمامها ببكاء 412

(المقطوعة 50/ بحر الكامل)

خذي يا عين ويحك بالبكاء *** علي الزهراء سيدة النساء 416

(المقطوعة 51/ بحر الوافر)

خلّ الحزين بهمه و بلائه *** و بوجده و حنينه و بكائه 421

(المقطوعة 52/ بحر الكامل)

أيقظ حروف الشعر ذاك ولائي *** للمصطفي الهادي غدي و رجائي 428

(المقطوعة 53/ بحر الكامل)

صلة الأرض ضوعفت بالسماء *** أم هي الأرض مصدر الأضواء 431

(المقطوعة 54/ بحر الخفيف)

أسعفيني بفيضك المعطاء *** إنه سلّمي إلي العلياء 433

(المقطوعة 55/ بحر الخفيف)

ما انفك صوت تزفري و بكائي *** يعلو لجانب حسرتي و عنائي 436

(المقطوعة 56/ بحر الكامل)

ص: 499

تبهر الكون من سناك ذكاء *** و لعالي بناك تعلو السماء 441

(المقطوعة 57/ بحر الخفيف)

لأهل الأرض فاقت و السماء *** فخصت باسم سيدة النساء 445

(المقطوعة 58/ بحر الوافر)

غصص المصائب ألهبت أحشائي *** فأشرت نحوك سيد الشهداء 450

(المقطوعة 59/ بحر الكامل)

قد فجّر الشوق العظيم ولائي *** متدفقاً كالنبع من أعضائي 454

(المقطوعة 60/ بحر الكامل)

أترع الكأس مديحاً و ثناء *** و أدرها كي توفّينا الرواء 457

(المقطوعة 61/ بحر الرمل)

باركي حفلنا هبيه ارتقاء *** إننا منك نستمد العلاء 460

(المقطوعة 62/ بحر الخفيف)

هلّلت باسم عيدك الأجواء *** يا سماء و أين منك السماء 463

(المقطوعة 63/ بحر الخفيف)

لعجزي عن مديحكم و الثناء *** و ما بعطائكم يحكي العطاء 467

(المقطوعة 64/ بحر الوافر)

ساورتني الهموم و اللأواء *** و غزتني الأسقام و الأدواء 472

(المقطوعة 65/ بحر الخفيف)

النور فاض بمكّة فأضاءها *** فلتنسج البطحاء منه رداءها 477

(المقطوعة 66/ بحر الكامل)

رحلت للإله تشكو أناساً *** جرّعوا الطهر أعظم الأرزاء 483

(المقطوعة 67/ بحر الخفيف)

يا أخا المصطفي أزفّ ولائي *** لك بشراً في مولد الزهراء 486

(المقطوعة 68/ بحر الخفيف)

ص: 500

4- فهرس الموضوعات

الإهداء ... 6

تقريظ ... 7

تأريخ التقريظ لكتاب الفاطميات ... 8

كلمة الديوان ... 9

أول الكلام ... 9

من خصائص فاطمة عليها السلام ... 13

الحوراء الإنسية عليها السلام ... 13

البتول عليها السلام ... 14

المنقطعة إلي ربّها ... 17

فاطمة عليها السلام قطب البيت ... 20

من سمات علي عليه السلام ... 22

وأما فاطمة عليها السلام ... 23

في مدرسة علي و فاطمة ... 26

فاطمة عليها السلام في بيتها ... 28

عطاء و إيثار ... 30

فاطمة عليها السلام محور الكمال ... 33

ماذا تعني فاطمة عليها السلام ... 36

فاطمة عليها السلام في الشعر و الأدب ... 38

دوافع الشعراء ... 40

الأول: دافع العقيدة ... 40

شعراء العقيدة ... 41

ص: 501

الكميت الأسدي ... 41

السيد الحميري ... 45

العبدي الكوفي ... 47

دعبل الخزاعي ... 48

الثاني: دافع الولاء و المحبة ... 2

(شعر الولاء) ... 55

(شعر الرثاء) ... 58

الثالث: دافع النصرة ... 59

فاطمة و الحسين عليهما السلام قضية واحدة ... 63

الشعراء بين فاطمة و الحسين عليهما السلام ... 68

فاطمة و الحسين عليهما السلام في المحشر... 72

أهل البيت عليه السلام والشعر ... 72

شواهد تاريخية ... 76

من شعر الزهراء عليها السلام ... 78

كلمات في عظمة فاطمة عليها السلام ... 83

ملاحظات أخيرة ... 88

قافيةٌ الألف

(1) بنت النبي ... 93

(2) نبع المكارم ... 95

(3) لُذ بالبتول ... 97

(4) الزهراء عليهماالسلام ... 98

(5) دار الوحي ... 105

(6) زواج علي عليهماالسلام ... 107

(7) حمي الزهراء عليهماالسلام ... 112

(8) سيدة النساء ... 117

(9) هتف البشيرُ ... 122

ص: 502

(10) روح النبي... 129

(11) بَيْتُكِ السَّامِي ... 34

(12) درةُ المجد ... 137

(13) أبكي عَلَيْكِ ... 140

(14) حياة الزهراء عليها السلام ... 144

(15) البضعة الزهراء عليها السلام ... 147

(16) ومَضَت إلي الرحمن ... 150

(17) الإنسية الحوراء ... 153

(18) عرس الزهراء عليهاالسلام ... 157

(19) مختارة الرب ... 163

(20) بنت الهادي ... 165

(21) فخر النساء ... 167

(22) باركوا اليوم للبشير ... 170

(23) فيض الوجود ... 172

(24) في رحاب الزهراء عليهاالسلام ... 177

(25) تربة الزهراء عليهاالسلام ... 180

(26) حب الزهراءعليهاالسلام ... 182

(27) القرار الظالم.. والدفاع البطولي الفذ ... 184

الرواية ... 184

الزهراء عليهاالسلام تخرج للدفاع عن حقها ... 185

دخولها علي عليه السلام أبي بكر... 185

الحمد والثناء ... 186

عرفانها ... 187

البعثة وأسبابها ... 189

حديثها عن النبي عليه السلام دعوته ووفاته ... 190

واختيار ورغبة وإيثار ... 190

ص: 503

خطابها بالحضور وإشعارهم بالمسؤولية ... 191

حديثها عن القرآن ... 192

ذكرها لعلل الإحكام و فلسفتها ... 193

تذكرتها وإنذارها لهم ... 195

خطبتها عليهاالسلام في المسجد ... 192

إنّي فاطمة عليها السلام و أبي محمّد صلي اللهِ والهِ وسلم ... 196

ذكرها لأوصافه وتبليغه لرسالته ...197

ذكرها لإنجازاته ...197

ذكرها لحالتهم قبل البعثة ... 198

ذكرها لمعاناته ... 199

ذكرها لمواقف عليّ عليه ُالسلام ... 199

تذكرهم بمواقفهم المتخاذلة ... 200

تخبرهم عن نفسياتهم و رجوعهم إلي الجاهلية ... 200

تحذّرهم من إطاعة الشيطان و سوء العواقب ... 201

دعوتهم للتفكّر بالقرآن و الرجوع إليه ... 202

تألّمها و توجّعها من مواقفهم ... 203

تحذّرهم من مغبة حكمهم بعدم وراثتها ... 204

توبّخهم علي سكوتهم ... 205

خطابها لأبي بكر في المسجد ... 206

أترث أباك و لا أرث أبي ... 206

لقد جئت شيئاً فرياً! ... 206

دلائلها في الإرث ... 207

أولست وأبي ... 207

تهديدها له بيوم الجزاء ... 208

كلامها مع الأنصار ... 208

ما هذه الغميزة في حقّي ... 209

ص: 504

سرعان ما أحدثتم، و عجلان ذا إهالة ... 209

وأُزيلت الحرمة عند مماته ... 210

الإنقلاب علي الأعقاب ... 211

أأهضم تراث أبي...؟ ... 212

توافيكم الدعوة فلا تجيبون! ... 212

و أنتم موصوفون بالكفاح ... 213

دارت بنا رحي الإسلام ... 213

فَأَنَّي حِرْتُم بعد البيان؟ ... 214

الخلود إلي الدنيا و إبعاد من هو أحقّ بالبسط و القبض ... 214

الخذلان و الغدر ... 215

حجّتها عليهم ... 216

نتائج الخذلان و الغدر ... 216

فاعملوا إِنَّا عاملون ... 217

جواب أبي بكر ... 218

ذكره لصفات أبيها ... 218

اعترافه بتَسَبها و زوجها و مكانتهم ... 218

اعترافه بصدق قولها ... 219

اعترافه بعقلها، و حقّها ... 219

الإدعاء الكاذب ... 220

صرف الأموال المغتصبة في الجهاد ... 220

محاولته لتطييب خاطرها ... 221

جواب فاطمة الزهراء عليها السلام لأبي بكر ... 222

ردّ الإدعاء بالبيان و البرهان و الحجة ... 222

هذا كتاب اللَّه حكماً عدلاً ... 222

بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً ... 223

جواب أبي بكرٍ لها عليها السلام... 224

ص: 505

لا أُبعد صوابك ... 224

إلقاء اللوم علي المسلمين ... 224

فاطمة الزهراء عليها السلام توجّه الخطاب إلي الحاضرين ... 225

بَل رانَ عَلي قلوبكم ... 225

جزاء الأعمال السيئة و عواقبها ... 225

رجوعها إلي الدَّار و كلامها مع زوجها ... 227

ثُمَّ انْكَفَأَتْ عليه السلام ... 227

كلمة عتاب لها مع عليّ عليه السلام ... 227

تخبره بالموقف ... 228

ليتني متُ قبل هينتي ... 228

مات العمد، و وهنّ العضد ... 229

نهنهي عن وجدكِ ... 229

حسبي اللَّه ... 230

التسليم لأمر الإمام ... 230

(28) أي ذنب لفاطم عليها السلام ... 231

(29) حديث الكساء ... 238

(30) و حسبكِ فخراً ... 244

(31) نطق الكتاب بفضلها ... 246

(32) سرُّالوجود ... 248

(33) ابنة النور ... 254

(34) شمسُهُ الزهراء عليها السلام ... 260

(35) أم أبيها عليها السلام ... 262

(36) ملحمة أهل البيت العلم عليهم السلام ... 266

فضائل الصديقة فاطمة عليها السلام ... 287

ما ورد في القرآن في فضلهاعليها السلام ... 305

حَدِيثُ الكِسَاء ... 311

ص: 506

خطبة الزهراء عليها السلام في مسجد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ... 320

احتجاج الزهراء عليها السلام علي أبي بكر ... 342

عليٌّ و الزهراء عليهما السلام ... 347

خطبة الزهراء عليها السلام ... 350

احتجاج الصِّدِّيقةِ فاطمة عليها السلام بحديث الغديرِ ... 355

(37) صداق البتول ... 368

(38) قدوة النساء ... 370

(39) شع نور الزهراء عليها السلام ... 375

(40) الجوهر الفرد ... 380

(41) أشرقت الحياة ... 388

(42) بضعة المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم ... 390

(43) قضت مكضومة ... 398

(44) تعج فاطمة عليها السلام ... 399

(45) بشراك يا دنيا عليها السلام ... 401

(46) في آية التطهير ... 403

(47) مولد الزهراء عليها السلام ... 405

(48) أم الأئمة ... 407

(49) سرّ الوجود ... 409

(50) الطهر البتول عليها السلام ... 412

(51) سيدة النساء عليها السلام ... 416

(52) حبيبة أحمد ... 421

(53) بضعة المختار ... 428

(54) دوحة النور ... 431

(55) خيرُ النساء ... 433

(56) بعد النبي صلي الله عليه و آله و سلم ... 436

(57) فاطم الطهر ... 441

ص: 507

(58) خامسة الكساء عليها السلام ... 445

(59) إيذاؤها إيذائي ...450

(60) نور البضعة الزهراء عليها السلام ... 454

(61) ابنة المختار ... 457

(62) كعبة المجد ... 460

(63) في رحاب الطهر ... 463

(64) ليس يعلوها عَلاءُ ... 467

(65) يا مولاتي يا فاطمة عليها السلام أغيثيني ... 472

(66) قطوف طوبي ... 477

(67) مصائب الزهراء عليها السلام ...483

(68) صدّيقة النساء ...486

الفهارس العامة ... 489

1- فهرس الشعراء ... 491

2- فهرس التراجم ... 494

3- فهرس القصائد و البحور ... 496

4- فهرس الموضوعات ... 501

ص: 508

المجلد 2

هوية الکتاب

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرِ اَلْوَلاَءِ فِي قَصَائِدِ اَلزَّهْرَاءِ علیها السلام

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبِ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدَ

اَلجُزْءُ الثَّانِي

دارالعلوم لتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى

1426 ه_ - 2005م

ص: 1

اشارة

ص: 2

اَلْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبِ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدَ

اَلجُزْءُ الثَّانِي

دارالعلوم لتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى

1426 ه_ - 2005م

دارالعلوم لتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

المكتبة : حارة حريك - بئر العبد - شارع السيد عباس الموسوي - الهاتف: 01/545182 - 03/473919 - ص.ب : 13/6080

المستودع: حارة حريك - بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - تلفاكس: 01/541650

www.daraloloum.com. Email: daraloloum@hotmail.com

ص: 4

الفاتحة

بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * ايَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ علَيْهِمْ وَلَا الضَّالِينَ

ص: 5

ص: 6

تقريظ

(بحر السريع)

حَيَّ أبا أحمد في حفظه *** تراث أمجاد و سادات

بالكلم الطيب أعماله *** يرفعها نحو السموات

و هو كميت العصر في جمعه *** أعاد مجد «الهاشميات»

ينصر آل المصطفى حافظاً *** تراثهم من شر آفات

مهاجرٌ فرّق أيّامه *** يجمع منها خير أشتات

مخدرات السرّ قداسكنت *** من رائع الشعر بأبيات

فيها من الروعة ما سحره *** ينسيك سحر الأصمعيات

أكرم به من سابق جائلٍ *** منن أدب الآل بساحات

يا ذاكر الزهراء سجّل له *** سبقاً على الحاضر و الآتي

أهلاً فارخ (و بعلي أتى *** يصحب ركب الفاطميات)

السيد مسلم الجابري

1418ه_

ص: 7

تقريظ

(بحر البسيط)

دوّنتَ ما قيل شعراً في مَعاليها *** و أين للشعرِ أن يَرقى مراقيها

أَنْعِمُ بها و هي الزهراءُ فاطمةٌ *** و مَن فضائلها قد عزَّ مُحصيها

قد صاغها اللهُ من مكنونِ حكمتهِ *** في عالَم الذرِّ نوراً جلَّ باريها

ما يَبْلغُ الشعرُ في الزهراءِ ممتدحاً *** و هل تُنالُ الثريّا في تساميها

قد فاز و اللهِ في الدارين مغتبطاً *** مَنْ أصبحَ اليومَ يُدعى منْ محبّيها

في كل قطرِ لأهلِ البيت مقبرةٌ *** حضيرة القدسِ ما كانتْ تُضاهيها

قد أصبحت كعبةً يهفو لها ولهاً *** من الخلائقِ قاصيها ودانيها

ألم تكنْ آيةُ التطهير قد نزلتْ؟ *** بحقهم إنْ تناسى اليومَ ناسيها

أينَ المودّةُ في القُربى و قد حُرِقَتْ *** دارٌ و فاطمةٌ بنتُ الهدى فيها

أين الوفاءُ و أينَ الدين من زُمَرٍ *** أضحتْ إلى اليومِ من أعدى أعاديها

ألم يقلْ بضعتي الزهراءُ يُؤلِمني *** ما كانَ يُؤلمها يوماً و يؤذيها

و هذه كتبُ التاريخِ مسندةٌ *** عن النبي لسانُ الحقِّ يَرْوِيها

فالجاهليةُ ما زالتْ تناصِبُها *** شرِّ العداءِ و نارُ الحَقْدِ تُذْكِيها

قَدَّمْ (أبا أحمدٍ) في خيرِ مُكتسبٍ *** تَرْجو به اللهَ تنويراً و تفقيها

فهذه خيرُ آياتٍ تُقدِّمُها *** من البيانِ إلى الزهراءِ تُهْدِيها

أحمد الشيخ محمد السماوي

ص: 8

قافیة الباء

اشارة

ص: 9

ص: 10

(1) أكبرتُ ذكراكِ

(بحر البسيط)

الشيخ إبراهيم النصيراوي

أَكْبَرْتُ ذِكْراكِ لا يرقى لَهَا أدبي *** فَيْضٌ مِنَ الوَحْيِ أَمْ سِرٌّ مِنَ العَجَبِ

في كُلِّ عام لَهُ لَحْنٌ عَلَى وَتَرٍ *** يَرِثُ في مَسمَعِ الدُّنيا بلا نَصَبِ

أكْبَرْتُ فيكِ حياةً ما لها شَبَهٌ *** كَالأنبياءِ حَوَتْ مِنْ أفْضَلِ الرُّتَبِ

يا رَحْمَةً لِوُجُودِ الكَوْنِ أَجْمَعِهِ *** وما سِواكُمْ لِهَذا الفَيْضِ مِنْ سَبَبِ

يا أُمَّ جِيلٍ تَخَطّى كُلَّ داجِيَةٍ *** حَتّى تَفَرَّدَ مِشكاةً مِنَ الشُّهُبِ(1)

بِنْتُ النَّبِيِّ وَ حَسْبِي أَنها خُلِقَتْ *** وِتْراً(2) لِطه وَ لَمْ تُشْفَعْ لأي نَبِيِّ

أَكْبَرتُ ذكراكِ أَنّ الحَرْفَ يُعْجِزُهُ *** أَنْ يَسْتَطِيلَ لِأُفْقِ مُشْرِقٍ رَحِبِ

ماذا سَأَكْتُبُ وَ الآيات ظاهِرةُ *** وَ الحَقُ حَقٌّ وَإِنْ قَدْ دِيفَ(3) بالكَذِبِ؟

هل تُحْجَبُ الشَّمْسُ عَنْ أَنوَارٍ طَلْعَتِها *** كَلاً و أَنْوَارُها تَبْدُو مَعَ الحُجُبِ؟

***

يا لَيْلَةً بِجُمادَى كُنْتُ أَحْسَبُها *** كَلَيْلَةِ القَدرِ فِي فَيْضٍ وَ فِي أَرَبٍ(4)

ص: 11


1- داجية: ظلام.
2- وِتْراً: فرداً.
3- ديف: خُلط (المنجد 229).
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى يوم ميلاد الزهراء علیها السلام ففي كتاب دلائل الإمامة ص 10 قال: عن أبي بصير عن أبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام قال: ولدت فاطمة علیها السلام في جمادى الأخرى يوم العشرين منه سنة خمس و أربعين من مولد النبي صلی الله علیه و آله و سلم فأقامت بمكة ثمان سنين و بالمدينة عشر سنين و بعد وفاة أبيها خمساً و سبعين يوماً و قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة. و ذكره المجلسي في كتابه البحار ج43 ص9.

عجِبْتُ كَيْفَ سُرُورُ الأَرْضِ إِذْ وَضَعَتْ *** خَدِيجَةٌ بِنْتَها فِي مَرْبَعٍ جَدِبِ(1)

تَرَفْعَتْ عَنْ نِساءِ الْأَرْضِ تَحْضُنُها *** فَخَصَّها بِنِسَاءٍ طِبْنَ في النَّسَبِ

هِيَ البَتُولَةُ صاغَ اللَّهُ نُطْفتَها *** وَ قَالَ: كُونِي فَكانَتْ خَيْرَ ذِي حَسَبِ(2)

أم الأئمةِ مَنْ يُحْصِي فَضائِلَها *** أَنَّى وَ قَدْ مُلِئَتْ في وَصْفِها كتُبي!

وَإِنَّ بَعْضَ مَعانِيها يُرى عَجَباً *** وَ بَعْضَ أوصافِها في غايَةِ العَجَبِ

تَجَرَّعَتْ من خُطوبِ الدَّهْرِ أفظَعَها *** كأنّها خُلِقَتْ لِلْوَجْدِ و النُّوَبِ(3) (4)

ص: 12


1- يشير الشاعر إلى السرور و البهجة التي عمّت الأرض بميلاد الزهراء علیها السلام ففي مشارق الأنوار ص85 قال: من أسرار فاطمة علیها السلام مولدها الشريف ما رواه أصحاب التواريخ، إن خديجة لما حضرتها الولادة بعث الله «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوتٍ و أباريق و ماء من حوض الكوثر و جاءتها مريم بنت عمران و سارة و آسية بنت مزاحم علیهم السلام، بعثهن الله يعنها على أمرها فلما و ضعتها أشرقت الدنيا و امتلأت منها الأقطار بالطيب و الأنوار وفاح عطر العظمة و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق نوراً و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا. و ذكره في دلائل الإمامة ج16 ص80. و ذكره في دلائل الإمامة ص9 قال: «فوضعت خديجة فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور».
2- يشير إلى ما ورد في الحديث من أن الزهراء علیها السلام بتولة لأنها تبتّلت من الحيض و النفاس. ففي كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 قال: عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إنما سميت فاطمة البتول علیها السلام لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء». و في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن كتاب مودة القربى ص78 ط لاهور، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت كل ليلة، معناه، ترجع كل ليلة بكراً و سميت مريم علیها السلام بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً».
3- يشير الشاعر إلى ما لاقت الزهراء علیها السلام من المصائب و الآلام في حياتها. منها غصبهم فدك و قد مرت الإشارة إليه نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626. و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد بن حنبل و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و السيرة الحلبية ج3 ص387. و انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40 و 208 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.
4- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص133.

(2) أمنا الزهراء علیها السلام

(بحر السريع)

الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن الدمستاني

يَا نَاقِصَ العَقْلِ البَلِيدِ الغَبِي *** وذا الفؤَادِ الطائِشِ المَرْعَبِ(1)

حَامَ طُولُ النَّوْحِ وَ المَنْدَبِ *** لِدَارِسِ المُنْزِلِ و المَلْعَبِ

***

تَبْكِي أَنَاساً حَتْفُهُم غَالَهُمْ *** مُسْتَعْبِراً تَسألُ أَطلَالَهُمْ(2)

و فِتْيَةً قَطَّعَ أوْصَالَهُمْ *** صَرْفُ الرَّدَى بِالنّابِ و المِخْلَبِ

***

ما لكَ حَزناً لِلْبُكَا مُدْمِنُ *** عَلى طُلولٍ مَا بِهَا قَطِنُ

ما ذاك إلا سَفَهٌ بَيِّنُ *** لايَبْلغ المرءُ إلى مَطْلَبِ

***

كَمْ مِنْ جَهولٍ دمعُهُ قَدْ حَكَى *** لَواطِفَ المُزْنِ وَ وَجْداً شَكَى(3)

لايَحْسُنُ النَّوْحُ وَ طُولُ البُكَا *** الأعَلَى الأظهَارِ آلِ النَبي

***

هُمْ أَوْضَحُ الآي عَلَى صِدْقِهِ *** مُشَارِكُوهُ مُوضّحُو طُرْقِهِ

ص: 13


1- البليد:ضد الذكي و الفطن. الطائش: المتهور.
2- حتفهم: الحتف الموت، غالهم: اغتالهم و أخذهم غيلة.
3- المُزْن: جمع مزنة: دفعة المطر.

هُمْ حُجَجُ الله عَلَى خَلْقِهِ *** طُرّاً مِنَ الحُضَرُ و الغُيَّبِ

***

قَالَ رَسُولُ اللَّه في حَقِّهِمْ *** مُؤكَّدَاً يُوْصِي عَلَى بِرهِمْ

بُكاؤهُمْ وَ النَّوْحُ في رُزْنِهِمْ *** يُكفِّرُ الذُّنْبَ عَنِ المذْنِبِ

***

وَحَيْثُ كانُوا للبَلَا مَرْكَزَا *** كَانَ بُكَاهُمُ المَحِبَا مُنْجِزَا

وَ يَبْلُغُ المَرْءُ بِيَوْمِ الجَزَا *** إلى النَّعِيمِ الأدْوَمِ الأطيَبِ

***

هُمْ أَفْضَلُ الخَلْقِ وَ خَيرُ المَلَا *** الأَقْرَبُونَ الأنْجَبُونَ الأُلى

بلائهُمْ أعْظَمُ كلِّ البَلا *** لأنّهُ الأقْرَبُ للأقرَبِ

***

ما منهُمُ الأمُصَابٌ بِذِي *** كُفْرِشَديدٍ وَ لِسَانٍ بَذِي(1)

أما رَسُولَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي *** حَوْصِرَ في الشَّعبِ بِلا مُوجِبِ

***

فَطَالَمَا جَارَ عَلَيْهِ العِدَا *** وَ عَرَّضُوهُ لِسِهَامِ الرّدَى

وَ أَوْعَدُوهُ القَتْلَ حَتَّى غَدَا *** مُسْتَتِراً في الغارِ بالعَنْكَبِ

***

كُمْ ذِي نِفَاقٍ حَسَداً عانَهُ *** تَشَرَّدَ الكفّارُ أَعوانهُ

وَكَسَرُوا في الحَرْبِ أسْنانَهُ *** وَ هَدَّمُوا مِنْ تَغْرِهِ الأَشْنَبِ

ص: 14


1- بذي: لسانه بذي: فاحش.

***

كَمْ نَقَضُوا أَمْراً لَهُ أَبْرَمَا *** وَ حَلَّلُوا شَيْئاً لَهُ حَرَّمَا

و اغْتَصَبُوا حَقَّ عَلَيَّ وَ مَا *** لَهُ مِنَ الإمْرِةِ و المُنْصِبِ(1)

***

تَعَاقَدُوا أَلا يُطِيعونَهُ *** وَ قَلّدُوا أَمْرَهُمُ دُونَهُ

و اسْتَضْعَفُوهُ إذْ يَقُودُونَهُ *** مُلَبَّباً يُعْزَلُ عَنْ مَنْصِبِ

***

قَدْ أَظْهَروا إسْلامَهُمْ حِيلَةً *** بالكفْرِ و الإِلحَادِ مَوْصُولَةً

ثمّ اسْتَباحُوادَمَهُ غِيلَةً *** بِسَيْفِ أَشْقَى كَافِرٍ مُذْنِبِ(2)

***

وَآثَرُوا الدُّنْيا و أخبَاثَها *** قَدْ آمَنُوا الأُخْرَى و أَحْدَاثَهَا

و اغْتَصَبُوا الزَّهْرَاءَ مِيراثها *** وَ خَالَفُوا مَا قَالَ فِيها النّبِي(3)

ص: 15


1- في كتاب سليم بن قيس، ص40. لما انتهي بعلي علیه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر و قال: له بايع ودع عنك هذه الأباطيل... فقال له علي علیه السلام: فإن لم افعل ما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلاً و صغاراً. فقال: إذا تقتلون عبد الله و أخاً رسوله. قال أبوبكر: أما عبد الله فنعم و أما أخا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فما نقر بهذا قال أتجحدون أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم آخى بيني و بينه؟ قال: نعم.
2- غِيْلة: غدراً. استباحوا: انتهلوا.
3- في صحيح البخاري، كتاب فرض الخمس باب فرض الخمس: عن عائشة قالت: إن فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم سألت أبابكر الصديق بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أن يقسم لها ميراثها من ترك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ومما أفاء الله عليه. فقال لها أبوبكر: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة» فغضبت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فهجرت أبابكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت و عاشت بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ستة أشهر.... قالت: و كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك و قال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يعمل به إلّا عملت به فإني أخشى أن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي و العباس فأما خيبر و فدك فامسكها عمر و قال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانتا لحقوقه التي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولي الأمر منهما على ذلك إلى اليوم. و علق التيجاني السماوي على هذا الحديث قائلاً: رغم أن الشيخين البخاري و مسلم نمّقا هذه الرواية و اختصراها لئلا تنكشف الحقيقة للباحثين و هذا من معروف لديهما توحياه للحفاظ على كرامة الخلفاء الثلاثة. و الذي غيّره البخاري و مسلم من الحقيقة هو ادعاء فاطمة علیها السلام بأن أباها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أعطاها فدك نحلة في حياته فليس هي من الإرث و على فرض أن الأنبياء لا يورثون كما روى أبوبكر ذلك عن النبي الله صلى الله عليه و آله و سلم و كذبته فاطمة الزهراء علیها السلام و عارضت روايته بنصوص القرآن الذي يقول و ورث سليمان داود فإن فدك لا يشملها هذا الحديث المزعوم لأنها نحلة و ليست هي من الإرث في شيء. فاسألوا أهل الذكر/ التيجاني/ ص 183 184.

سُحْقاً لَهُمْ قَدْ أَثَرُوا مَا يَضُرْ *** حَتَّى أَضَلُّوا النَّاسَ عَبْدَاً وَ حُرْ

و الحَسَنُ الزاكي أذاقوْهُ مُرُ *** المَوْتِ إِذْ سَموهِ في المشْرَبِ

***

كمْ بَدْرُ تَمَّ في الوَرَى ازْهَرَا *** قَدْغَيّبوهُ في طِبَاقِ الثّرى

وَ أَعْظَمُ الأرزاءِ أَمْرٌ جَرَى *** في كَرْبَلا مِنْ فَادِحٍ أَعْصَبِ(1)

***

مَا بَعْدَهُ كانَ وَ لَاقَبْلَهُ *** خَطبٌ عَظِيمٌ فَادِحٌ مِثْلُهُ

مَا وَلَدَتْ أمُّ الرَزَايَا لَهُ *** مِنْ مُشْبِهِ في سَالِفِ الأعْقُبِ

***

كَمْ مِنْ كُبودٍ مِنْهُ قَدْ أَحْرِقَتْ *** وَ أَعْيُنِ في دَمْعِهَا أُغْرِقَتْ

غَدَاةَ سِبْطَ المُصْطَفَى أَحْدَقَتْ *** بِهِ جنودُ الكفْرِ في مَوْكِبِ

ص: 16


1- فادح: الخطب الفادح: العظيم الشديد.

لَمْ يَبْصِرُوا نَهْجَ هَدَىً مِنْ عَمَى *** كَلَّا وَ لَاخَافُوا إِلَهَ السَّما

عِدْتُهُمْ سَبْعونَ أَلْفاً وَمَا *** لَهُمْ سِوَى الإِلْحَادِ مِنْ مَذْهَبِ

إلى أن يقول:

قَدْ ضَيْفُوا في الأسْرِ أَغْلَالَهَا *** وَ غَيّروا بالضَرْب أَحْوَالَها

وَ زَيْنَبٌ تَدْعُو لِمَانَالَهَا *** يَاغِيْرَةَ اللَّهِ لَنَا فَاغْضَبِي

***

يَا جدَّنَا فَقْدُ أَخِي مَضَنِي *** وَ ثِقْلُ ما بِي مِنْ أسَىً كظّني(1)

يَا أمَّنَا الزهراءَ إِنْ تَحْزَنِي *** لِفَقْدِ شَيْءٍ فَاحْزَنِي و انْدُبِي

***

يا أمّنَا قَدْ سَبّ عِرضي البَذِي *** و أسْهَر الأحزَانَ طَرْفي القَذِي

قَدْ وَقَعَ اليومَ عَلَيْنَا الَّذِي *** تَخْشَيْنَه مِنْ قَبْلِ أَنْ تَذْهَبِي

***

فَرخُكِ يَا زَهْراءُ و الملْتَجَى *** وَ كَنْزُنا الغَالي و كَهفُ الرَجَا

عَزيزُكِ المأمولُ و المرتَجَى *** و غَايَةُ البُغْيَةِ و المطْلَبِ(2)

***

يا أمّنا الزَهْرا عَلَيْهِ اعْتَدَى *** وَسُلِّطَ اليومَ عَلَيْهِ العِدَا

أَخِيْ حُسَيْنٌ وَ عَزِيزِي غَدَا *** يُذْبَحَ ذَبْحَ الشَاةِ في المقْصَبِ

***

يا أمْنَاهَا رَأْسُه في القَنَا *** يُسْرَى بِهِ جَهْراً وَ يُسْرَى بِنَا

و السيِّدُ السجَّادُ مَا بَيْنَنَا *** فِي الأَسْرِ فَوْقَ الأَعْجَفِ الأَجْرَبِ(3) ذ

ص: 17


1- مضَّني: أجهدني و أتعبني، كظَّني: أغاظني أشد الغيظ.
2- البُغْية: الغاية و المراد.
3- الأعجف: البعير الهزيل.

(3) زهراء علیها السلام تشفع

(بحر الكامل)

الدكتور أسعد علي

المُقْتَدِي بِمُحَمَّدٍ مَس الأدَبْ *** وَ كِتابُهُ ما مَسَّه إلا النُّجُبْ(1)

لامَوْتَ لِلصَّافِي بِحُبِّ مُحَمَّدٍ *** وَ آلِهِ... فكُنِ الصَّفَاءَ جَرَى بِحُبْ

لتقيمَ حَوْلَ الشَّاطِنَينِ حَضارَةً *** فُرقانُ أَمرِكَ: بالتَّروِّي... وَ انتَخِبْ(2)

لَيْسَ التُّرابُ كَما يُظَنُّ قَضِيَّةً *** إنَّ القَضِيَّةَ أنْ تُرى بالحُبِّ أَبْ

وَ الشَّعْرُ يَنْبُعُ من صَداقَةِ صادِقٍ *** عَذْباً يُوثَّرُ بِالبَعِيدِ فَيَقْتَرِبْ

عَرَبيُّ مَعْنِّى يَسْتَقِيمُ وُجُودَنا *** فَتُفَتِّحُ الأقوام أعيُنَها لِرَبْ

أَتَظُنُّ يُبْصِرُ جَنَّتَيْكَ ذَوُو العَمَى *** لُغَةُ الأُسُودِ... بَغِيضُها: ذئبُ و دُبْ

عَمِيَتْ قُلُوبُ الواقِعِينَ بأَسْرِهِ *** إبْلِيسُ لَبَّسَ مَن تَرى كَأَبِي لَهَبْ

فَاصْعَدْ بِقَلْبِ حُروفنا... عَظُمَ الرَّجَا *** حَسَني إبداع البراعَةِ بالنَّسَبْ

بَيْتُ البَدِيعِ عَلى الذُّرى مُتَنَزِّهٌ *** بِعَبِيدِهِ مِثْلُ المُنى أدباً و طِبْ

في مُرتقى «إفِرِسْتَ» تُسْفِرُ مُقْلَةٌ *** فترى بها الإبداعَ يَفْتَرِشُ الدَّابْ(3)

و تَرَى تُغُورَ الشَّمْسِ تَنْفُخُ شُعْلَةً *** في الثَّلْجِ تَجْعَلُهُ نُهُوراً مِنْ ذَهَبْ(4)

وَ تَراكَ مُنْجَذباً إلى ذَوْبِ الكَرَى *** و يَذُوبُ عنكَ الجِسْمُ و الفِتَنُ الكُرَبْ(5)

ص: 18


1- النُّجُب: جمع نجيب، و هو الفاضل النَّفيس.
2- انْتَخِبُ: اخْتَرْ.
3- الدَّأْب: هنا بمعنى: الجدَّ و النشاط.
4- ثغور الشمس، أي مسالكها و طرقها.
5- الكَرَى: النعاس. الكُرَب: الشدائد.

و يَسِيلُ سَيْلٌ ياؤُه مَدْعُومَةٌ *** تَلِدُ السَّماواتِ السَّوافِرَ في السُّحُبْ

وَ تَعِيشُ عَيْنَ حياتِها في جَذْبَةٍ *** حَتَّى «بِبِرْمُودًا» يدومُ المُنجذبْ

وَ تَكونُ في صَيْرُورَةٍ تَرْوِي المَدَى *** بِحَنِينِ آدَمَ مُدَّ في الضّلْع الأقَبْ(1)

رَحْمَنُ آلاءٍ يُمَوْجُها الجَنَى *** في الشَّمْسِ و القَمَرِ الشُّعُوبُ لها رُتبْ

أسبوعُ تَوْحِيدٍ يُصَحِّحُ رُؤْيَةً *** زاغَتْ بها الأَبْصارُ عن نَجْمٍ ثَقَبْ

وَ لِصِحَّة الرُّؤْيا نُدَرِّبُ عالماً *** فإذا الربيعُ بِرُوح يُشْرِينَيْنِ شَبْ

وإذا الخَرِيفُ مَوَائِدٌ صَيْفِيَّةٌ *** و إِذا الشَّتاءُ شَرابُ جَنَّاتٍ سُكِبْ

بَيْنَ المَدِينَةِ وَ الشَّام لنا قِبَبْ *** لِلْحِجْرِ صالِحُها و ناقَتَهَ احتَلَبْ(2)

فَخُذوا الكؤوسَ وَ رنِّموا في مولدٍ *** قَدِمَ الحَبِيبُ وَ رَحْمَةُ الهادي الطَّرَبْ

يا مَنْ شَرِيعَتُهُ السَّعادةُ كُلُّها *** حَيَوانُ جنَّتِكَ الثَّرَيَّاتُ الهُدُبْ(3)

وَ جَمالِ عَيْنِكَ لا يُقالُ ضِياؤُه *** فَهُوَ الحَياةُ بِذاتِها قَلْبِي انْجَذَبْ(4)

وَ رَأَيْتُ متَّسَعِي بِتِسْع جِنانِها *** و رَقِيتُ سِتَّ جهاتِها فَوْقَ الطَّلَبْ

حَسَنٌ يُرَبِّي طِفْلَةً لِعَلِيِّها *** ليكون باقِرُها البقاءَ المُسْتَحَبْ

حَضَّتْ بَرَاعَتُكَ العُيونَ جَمِيعَها *** عَيْنُ الأُلوهةِ فِي العِبادِ هي النَّسَبْ(5)

شيراز أو يافا وَطَيْبَةُ أو مِنّى *** في اللَّيْلِ كالأَخَوَاتِ يَأْسُوها العَتَبْ(6)

جَدَّ المُجِدُّ بِحَزْمِهِ مِنْ مازحٍ *** وسَطا سَحابُ العاشِقِينَ من اللَّعِبْ(7)

سَيَموتُ كُلُّ العالمينَ و تَزْدَهِي *** رَوْضاتُ جَنَّاتٍ بِمَعَناكَ المُحِبْ

ص: 19


1- الأقب من الخيل: الضامر البطن الدقيق الخصر.
2- صالحها: هو النبي صالح صلي الله علیه و آله و سلم، و الناقة هي ناقة النبي صالح علیه السلام و آيته.
3- الهُدب: الواحدة هُدْبة: شَعَر أشفار العينين.
4- لايُقال: لايُزال.
5- حَضَّتْ: حَثَّت.
6- شيراز: مدينة في إيران، و طيبة هي المدينة المنورة و منى في مكة. يأسوها: يداويها.
7- اللَّعِب: عكس الجدِّ.

حَيَوِيَّةُ الإِكْسِيرِ تَجْرِي بِالوَرَى *** عَنْ جَعْفَرٍ في الكيمياء وَ قُلْ تَثِبْ(1)

قَامُوسُ فِقْهٍ بِالبَيانِ مُعَلِّمٌ *** بِحُرُوفِهِ الأرْقَامَ مِنْ كُلِّ سَبَبْ

حُرِّنَمابِیمارِهِ لِمُحَمَّدٍ *** شِرَعُ الفُصُولِ المُجْمِلاتُ لِمَنْ يُحِبْ

زَيْنُ العِبادَةِ وَ الصَّدِيقُ بِصِدْقِهِ *** فَرَدَا جَناحَيْكَ المَرَاقِي فاشرَيبْ

فَبِكُلِّ بُرْجٍ تَسْتَرِيح لِشَمْسِهِ *** ابْراجُ جِبْرِيلٍ وَ عِيسَى مُرْتَحَبْ

حُسْنُ القَرابَةِ أَنْ تَظَلَّ مُدانِياً *** وَ مُباعِداً مِثْلَ الشُروقِ وَ قَدْ غَرُبْ

جَرَّت قَرَابَتُهُ المَوَدَّةَ بَيْنَنا *** فَالغَيْبُ يُصْحَبُ وَ الشَّهَادَةُ تَغْتَرِبْ(2)

وَعْيُ السَّعادَةِ أَمْرُه... فإذا رَأى *** هِبَةَ المَشِيئَةِ قَالَ لِلْوَاعِي اكْتَسِبْ

أَرَأَيْتَ زَمْزَمَ ادْمُعاً مِنْ هاجرٍ *** أكَفاكَ إسْمَاعِيلُ وَالِدَهُ حَسَبْ(3)

ستَقُولُ افَيدَةُ الشُّهُورِ سِرارَها *** وَ أَراكَ مُبْتهجاً بِسابعِها رَجَبْ

بَقَراتُ يُوسُفَ وَ الكَواكِبُ لا تَهَبْ *** حُلُمٌ يُؤَوِّلُهُ الذَّكِيُّ المُنتَجَبْ

سَارِيكَ بالمِرْآةِ صُورَتَكَ الَّتِي *** يَصْبُو إِلَيْهَا بِالمَثانِي كُلُّ صَبْ(4)

وَ يَقُولُ «لَقَمَانُ» التَّخاطِرُبَيْنَنَا *** لُغَةُ الصُّقُور لِغَيْرِ ما جُرَذٍ وَ ضَبْ

وَ النَّرْجِسُ الأحْنَى يُضَوِّعُ سِرَّهُ *** لِحِسابِ وَارِثِهِ الوَفِيِّ وَ يَحْتَسِبْ

أيُّوبُ يَصْبِرُ وَ البشارَةُ بِشْرُهُ *** ذو الكِفْلِ لُغْزٌ لا يُحَلُّ بِلا طَلَبْ

وَ بِمَجْمَع البَحْرَيْنِ مَن أدُّوا الرُّؤى *** لِنَرَى... وَ ذُو القَرْنَيْنِ يَلتَمِس السَّبَبْ

حَلَّ السَّلامُ بِمُهْجَتِي مُسْتَوْطِناً *** فَرَضِيتُ لِلرَّوْضَاتِ مَنْزِلَها الأَحَبْ

سُفُنٌ تَطُوفُ على مُحِيطٍ مَهْدُهُ *** وسِعَ السَّماواتِ الزَّواهِرَ بِالشُّهُبْ

وَ رَأَيْتُ جِدَّةَ مَوْلِدَيْنِ «بِيُوسُف» *** وَ «الكَهْفِ» فَاسْتَوْلَى على «الجنَّ» العَجَبْ

ص: 20


1- جعفر: هو الإمام جعفر الصادق علیه السلام.
2- تغترب: تُصْبِحُ غريبة.
3- هاجر: هي إحدى زوجات النبي إبراهيم علیه السلام و هي أم إسماعيل علیه السلام.
4- الصب: المُتيّم العاشق.

وَ أَلِفْتُ نُوحاً وَ المَعارِج بالضُّحَى *** وَ سَرَى بنا قَلمُ الفُتُوحِ المُقْتَضَبْ(1)

تَتَمَوَّجُ الحُسْنَى عَن الأحَدِ الَّذِي *** صَمَدَتْ مَوَاهِبُهُ لِتَادِيَةِ الحِسَبْ

وَ يُزَوِّجُ الأَزْواج ذو زُهْدٍ بما *** فُتِنُوا... و ذاك لأنه الحُرُّ العَزَبْ

الأكْرَمُ الباقي يُعلَّمُ جودُهُ *** عَسَلَ البَيانِ ... وَ قُوتُهُ يُحْيِي العَصَبْ(2)

فإذا طهُرتَ مَسَسْتَهُ... تَقْوَى بِهِ *** وَ تَشِفُّ سُلْطاناً... وَ لَنْ يَصِلَ الجُنُبْ(3)

أيُرازُ بِالدُّرِّ الحَصَى في كُليَةٍ *** كُليّة الأمراض...؟ تعرف... لا تُجِبْ(4)

النَّحْلُ أضْوَانِي فَحُنَّ بِسَبْعَتِي *** وَدَعِ الرَّحِيمَ وَ رَهْطَهُ لا تَحْتَجِبْ(5)

وَ بِطُهْرِ بَكَّةَ أو بِطَيْبَةَ مَوْطِنٌ *** لِلشَّمْسِ أو مَشْفَى الطَّبِيبَةِ فَاسْتَطِبْ

إنَّا قَتَلْنَا القِرْدَ يُؤذِي كَعْبَةً *** بأظافِرِ السِّكِّينِ يَحْتَفِرُ المِكَبْ

وَ بَصُرْتُ بِالْوَعْيِ الحَبِيبَ مُحَمَّداً *** وَ النَّفْسُ مُلْهِمَةُ التَّفَوُّرِ وَ الحَبَبْ

ضَمَّ الكبيرُ صَغِيرَهُ فَتَقَارَبا *** وَ رَأَيْتُ فَوْقَ الطُّورِ لُقماناً يَثِبْ

تَمْضِي العُصُورُ عن التَّحَرُّرِ مَطَلَبْ *** وَ لَدُنْكَ بِالقُرْآنِ حُرِّزَ مَن صُلِبْ

عَذُبَ الحَبِيبُ عُذُوبَةٌ كَوْنِيَّةً *** وَ قَرَأْتُ مِنْ كُلِّ القُلُوبِ بهِ الكُتُبْ

وَ لِذاكَ وَحَّدْتُ المَشاغِلَ حِرْفَةً *** أجْلُو بها طِينَ البِلادِ المُلْتَزِبْ(6)

لِتَشفَّ عَنْ ماءِ الحَياةِ صُحُورُهُ *** وَ تُضِي أَعْمَاقُ التَّوَحُدِ بالشُّعَبْ(7)

قالوا... وَ قُلْنا... وَ النَّسِيمُ مُجَدَّدٌ *** لِلْمُقْتَدِي حُلَلَ الصَّفاءِ بِلا تَعَبْ

فَشَرابُهُ الصَّافِي مُقَطَّرَةُ القُوى *** و غِذَاؤُه النَّامِي عَلَى القُدُّوسِ لُبْ

ص: 21


1- المقتضب: المختصر.
2- العَصَب: واحدُ الأعصاب و هي الأوعية الدموية، و الأوردة و الشرايين.
3- الجُنُب: من كان على جنابة و هو غير طاهر.
4- أَيُراز رازَ رَوْزاً الحَجَر: وزَنَهُ ليعرف ثقله و -الدينار وزنه ليعرفَ قدره.
5- الرجيم: هو الشيطان و رهطه: أتباعه و بطانته لاتحتجب: لا تختبىء.
6- الملتزب: هو الطين الصلب.
7- الشُّعَب: مفردها شُعبة.

وَ كَما تُفَكَّرُ تَسْتَحِيلُ... فَكُنْ شذّى *** وَ سَنِّى... و لاتَكُ غاسِقاً إِمَّا وَقَبْ

إنِّي اسْتَعَذْتُ بِذِي الجَلالِ لِذِي رِضّى *** فيما نَقُولُ... وَ مَنْ تَشَكَّكَ فيهِ: «تَبْ»...(1)

وَ النَّجْمُ... ما ثُقِبَ الدُّجَى الاَّ بِهِ *** لِيَكُونَ شَلّالُ المَنائِرِ مُنْسَكِبْ

وَ عُطارِدِي أَوْفَى الوفاء لِزُهْرَةٍ *** وَ كَما تَرَى فَابْنُ السَّماءِ كذا يُحَبْ(2)

لابَأْسَ... تَأْتَلِقُ الشُّموعُ بِمَوْلِدٍ *** وَ الشَّمْسُ حَاضِرَةٌ... و بالحُبِّ المَصَبْ

وَ يَقُولُ بي عَنْ قَائِلٍ مِنْ فَنَّهِ *** بِلُغَاتِ أَهْلِ الْأَرْضِ أَوْجَبَهَا المُحَبْ

القَلْبُ في كُلِّ الصُّدُورِ مُوَحّدٌ *** أهلَ القُلُوبِ وَ مَنْ يُكَابِرُ قَدْ كَذَبْ

سَاهَرْتُ رَعْدَكَ وَ البُرُوقَ وَمَا طَراً *** بَيْنَ الرَّبِيعَيْنِ الأذانُ دَعَا... وَ صَبْ

إنَّ الصَّحارِي في بديع قراءتي *** رِيٌّ صحا... فإذا الرِّمالُ غِنِّي خَصُبْ

مَوَّارَةٌ بِمُرُونَتِي إِبْدَاعُها *** قَلَبَ الثَّرى إرثاً لِذِي حَقِّ وَجَبْ(3)

بَدَوِیُّهُ بِدَوِّيهِ جذَبَ الهُدَى *** فَالخِصْبُ عَمَّ... فَلَا جَفَافَ وَ لَاسَغَبْ(4)

أَسْطُورَةُ الصَّحْرَاءِ وَ الصَّلَواتُ عَنْ *** نَبَأٍ تُحَدِّثُ بِالتُمُورِ وَ بالعِنَبْ

عَيْنَانِ طَابَقَتا برُؤيَتِنَا المَدَى *** وَ القَلْبُ آدَمُ وَ الفُتُوحَاتُ اقتَرِبْ

مُتَطَوّعٌ لِلْخَيْرِ «مِريخي» وَ فِي *** «زُحَلِي» ابْتَنَيْتُ «لِمُشْتريك» المُطَّلبْ

هَجَرُوا الكِتابَ مُحَمَّدٌ يَشْكُو العَرَبْ *** وَ بِيَاءِ «قومي» شافِعٌ... يا ربِّ: تُبْ

جَهِلوا القِرَاءَةَ مِن بِدايةِ أَمْرِهِمْ *** وَ لَذاكَ نُقْرِثُهُمْ عَلَى مَهَلٍ يَرُبّ(5)

تَعَبُ الرَّسولِ مُقَدَّسَ قُرْبانُهُ *** لِيُرِيحَ كَوْناً كَادَ يَأْكُلُهُ اللَّهَبْ

أمَراؤُهُ أَهْوَاؤُهُمْ أُمَرَاؤُهُمْ *** يا مَن يُريدُ القَمْحَ مِنْ ذَاكَ الحَطَبْ

ص: 22


1- تَبْ: التباب هو الخسران، وَ تَبَّ خَسِرَ.
2- عطارد: كوكب سيّار لزهرة: يقصد كوكب الزُّهرة.
3- موَّارة: مار يمورُ موراً البحرُ: ماج و اضطَرَب.
4- سَغَب: السَّغَب: المجاعة.
5- يَرُبّ: رَبَّ رَبِّاً الأمر: أصلحَهُ، و رَبَّ رَبّاً القومَ: ساسَهم.

مُتَحَوِّلُ بالصَّبْرِ عَاشِقُ أُمَّة *** شَرُفَتْ معانيها بِأَنْفُسِهِ العُرُبْ

مَنْ شاءَ يَتَّبِعُ النَّبِيَّ بِعِلْمِهِ *** عَنْ رَبِّهِ فَلِسانُهُ المُوحَى سَرَبْ

لَيْسَ العُرُوبَةُ أَنْ نُطَاوِلَ بالدُّمَى *** أَوْ بِالدِّمَاءِ فَفَوْقَ ذَلِكَ مُقْتَرَبْ

إنَّ التَّعارُفَ مَنْهَجٌ ذو نِعْمَةٍ *** جَنَّاتُهُ فَرَحُ الوُجُودِ المُرْتَقَبْ

رُتَبُ العُرُوبَةِ وَحْدَةٌ لُغَوِيَّةٌ *** فَاقْرَأْ بِرَبِّكَ أَحْرُفَ الأُمِّ الكُتُبْ

أَرَأَيْتَ مَعْنى العَيْنِ صافٍ وَحْيُهُ *** مُتَدَفَقٌ... يُغْنِي... يُوَحْد... يَنشعِبْ؟

مَن كانَ آدَمُ جَدَّه... أَوْ أُمُّهُ *** حَوَّاءَ... نال أُخوَّةً ما لم يُشَبْ

إِبْلِيسُ شَائِبَةُ التَّقارُبِ بَيْنَنَا *** يُغْرِي بِأَحْقادِ الفَواحِشِ وَ الغَضَبْ

فَتَذَكَّرِ الرَّحْمَنَ و الرَّحِمَ التي *** وَصَلَتْ بأم لاتَخونُ وَ لاتُسَبْ

سَأُشِيعُ في حِبْرِي اخْضِرَاراً أحمراً *** لِيَشِفَّ أَزْرَقُهُ بِأَصْفَرَ ذِي بَيَاضٍ مُنْتَقِبْ

حُجَجِي: المَشارِقُ وَ المَغَارِبُ كُلُّها *** وَ لِيُوسُفٍ سَعْيُ الحُسَيْنِ... وَ لَوْ بِجُبْ(1)

قالَ النَّبِيُّ بِمَنْ يَقُودُ عِيالَهُ *** وَ يَسُوقُ -نَفْعاً فِيهِمُ هَذَا الأَحَبْ

فَفَهِمْتُ في كُلِّ العُصُورِ رِسالَةً *** عُلْيا بِخاتِمِها تُؤَكِّدُ فَضْلَ رَبْ

وَ رَبِيتُ في تأديبِهِ بَيْنَ الْوَرَى *** عَرَبِيَّ جَناتٍ تُنَاغِمُنِي بِابْ

إنَّ القَضِيَّةَ فِي فِلِسْطِينَ: الهُدَى *** وَ عَجَمْتُ مُعْجَمَهُ فَقَدَّرَ ما وَهَبْ

أَرَأَيْتَ بَابَ الباءِ آبَ لِغَايَةٍ *** حَضَنَتْ سماواتِ الرضى... تلك العَربْ(2)

عَذَبَتْ بِإِسْرَافِيلَ مُوسيقى النَّسَبْ *** رَقَصَتْ بِنَفْحَتِهِ الأصولُ بِلا حُجُبْ

أنَا بِابْن خادمة أطوفُ بِزَمْزَمٍ *** أسقي الظِّماءَ... وَ ذاكَ يَحْمِلُ ما كَسَبْ

دانوبُ نَهْرِكَ بَعْضُ زَمْزَمَ طولُهُ *** وَ كَذاك إبراهيمُ نِعْمَ المُنتَسَبْ

رُوحي بروح أبي التُّرابِ كَواعِبٌ *** عُذرِيَّةُ القاماتِ يَخْدِمُها النَّصَبْ

ص: 23


1- الحُب: البئر.
2- آبَ: عادَ و رجع.

حُورٌ بِرَاحَتِهِ الرِّياحُ يَمِينُها *** وَ يَسارُها فَهيَ الرَّحَى و الجِسْمُ حَبْ

قَمْحِيَّةٌ قُمْ حَيَّهِ... أَوْ حِنْطَةً *** حَنَّتْ سَنَابِلُها بطة المُنتَسِبْ

وَ تَكَادُ تُذهِلُني النَّسَائِمُ بُرْهَةً *** في بِرَّهِ فَأَرى الشَّرابَ مِنَ القَصَبْ

مِنْ أَيْنَ جاءَ بَنُو البلادِ... وَ مَنْ دعا *** بالنَّحْلِ ذا عَسَلٍ... وَ بِالبَقَرِ احتُلِبْ

فيّاضةٌ حلماتُ حُبِّكَ بالرُّؤى *** خِصْبُ الأمومَةِ كالغُيوبِ لها صَبَبْ(1)

عُدْنَا لِنَعْمَةِ آدمِ مَعَ زَوْجِهِ *** فِي جَنَّةٍ وَزَهَا التُّرابُ بِمَن خَطَبْ

اللَّهَ...! ما أسخَى الرَّحِيمَ... بِخُبْزِهِ *** عن فَتْحِ مائِدَةٍ لِوَزْنِكَ ألْفُ قِبْ(2)

ها الإضافةِ عَيْنُهُ فِي عَيْنِهِ *** وَ تَرَى بِوَاوِ العَظفِ كَوْثَرَهُ اللَّجِبْ(3)

سَيَقُولُ مَن يُتروا عَلى أَصْنامِهِمْ *** عَجَباً لِسَارٍ كَيْفَ يَخْتَرِقُ الحُجُبُ...؟

وَ نَقُولُ: يَنْتَصِرُ المُحَرِّرُ نَفْسَهُ *** وَ الحُرُّ لا يَخْتارُ إلا ما وُهِبْ

وَ الجَبْرُ بِالجَبَّارِ أعْظَمُ مُرْتَجَى *** وَ لِذا التَّجَدُّدُ لايَرَى ما اللَّهُ جَبْ

بِلْقیسُ تَدْنُو وَفْقَ نِيَّةِ آصَفٍ *** ليُرى سليمانُ الوَفَاءِ كَمَا يَجِبْ

وَ عَزِيزُ قَلْبِكَ في التَّرانيم السُّرى *** وَ حَكيمُ حُورك في الحِوارِ إذا قلب قُلِبْ

أَلَمُ المُصِرْ عَلَى المَوَدَّةِ مُرْتَقٍ *** بِمَصِيرِهِ مَلَا... وَ قُلْ أمل اللَّقَبْ

سوري سرار و ابتِدارُ مَعَارِجٍ *** وَ نَوادِرُ الصاحي... وَ هَلْ يَسْهُو الأربْ(4)

شُعَراءُ طَهَ وَ الطَّواسِينِ ابْتَنَوا *** قِصَصَ الحُروفِ المُعْجِزَاتِ فَقِفْ وَ لُبْ(5)

فِصْحُ المَسِيحَ بِمَوْلِدِ الهَادِي جَذَبْ *** صَوْتاً بِبَكَّةَ يُستديمُ هوى الحِقَبْ

أنَّاتُ باك بالطَّهارةِ تُجْتَلَى *** بِقِيامَةِ المَعْنَى الهَياكِلُ تَضْطَرِبْ

ص: 24


1- صَبَبْ: من الصَبابه: رقّة الشوق و حرارته.
2- قِبْ: القِبُّ (بالكسر) العظم الناتيء بين الألیتین.
3- اللَّجِب: يُقالُ بحرٌ ذو لَجَبٍ إذا سُمِعَ اضطراب أمواجه.
4- الأرب: من الأريب و هو العاقل.
5- لُبّ: كُنْ لبيباً، و اللبيب هو العاقل و لُبّ: أقِمْ، من الإقامة.

وَ تَرَى اللُّغَاتِ بِأَحْرُفٍ قُدْسِيَّة *** كَالغَيْم يَدْمَعُ بِاليَنابيع انْسَرَبْ

وَ أكادُ الْمَسُ مَنْ يُدَغْدِغُ مُزْنَةً *** لِتَبُوحَ بِالمَطَرِ الصَّدُوقِ وَ تَعْتَشِبْ

فَالمَرْجُ مُنْبَسِطُ الرّضى يَدُهُ الهُدَى *** وَ يَدَاهُ حاضِنَتانِ مَهْدُكَ ذو لَعِبْ

جَنَّاتُهُ تَدْنُو وَ لِلأَقْصَى قُرًى *** فَرَّتْ بِباقِرِكَ السَّبورِ المُشْرَئِبْ(1)

صُوَرُ البَرارَةِ إِلَّهُ عَنْ آلِهِ *** لِتَعِيش التُكَ الإِلهَ بِكُلِّ حُبْ(2)

وَ تَرَى التَّوَجُعَ وَ التَّلَنُّدَ وَحْدَةً *** فِي كُلِّ مَخْلُوقِ لِمَنْشَيْهِ أَرَبْ

توليبُ مُبْتَكِرِ زُنُوجَةَ لَوْنِهِ *** لِتَعِيش نُورَانِي تَرْجَمَةِ القُطبْ

وَ بِبُرْهَةٍ تَحْنُو الجنانُ وَ رَبُّها *** بِسَعادَةِ الإبداعِ تَعْمُرُ مَن رَهِب

ذوالكِفْل بِشرٌ لا يَزالُ كَعَهْدِهِ *** فَعَلامَ تَأْخُذُكَ المَخاوِفُ وَ الرِّيَبْ(3)

يَرْعَى الصَّداقة صادِقٌ مَعَ رَبِّهِ *** بِمَساطِرِ التَّصْحِيح أسْطُرُنا تُطَبْ(4)

فَاعِدْ بِأَعْيادِ المَساعِي هاجِراً *** وَ الصّخْرَ رَخْصاً باقتِداهَا يَنْقَلِبْ

فَتِّش عَلَى بَرَدَى وَسَائِلُ ثَغْرَهُ *** عَنْ رِيقِهِ بَعْدَ التَّعَوُّج بالمَصَبْ(5)

لُغَةُ اللُّغَاتِ هِيَ الصَّفَاءُ فَقَوْمَنْ *** بِفَمِ المَبادِي كَالمَنابِع مَن تُحِبْ

غَمَزَتْكَ ناضِجَةُ السَّفَرْجَلِ فَأَعْطِهَا *** طَرَفاً مِنَ الغَزَلِ البَرِيءِ المُسْتَطِبْ(6)

رَبِّ النُّبُوَّةَ في الضَّمائِرِ طِفْلَةً *** تَنْمُو كَمَا قَالَتْ رُقَيَّةُ وَ انْتَدِبْ

إنَّ المَطارَ فَسِيحَةٌ أقطارُهُ *** وَ الباسِلُونَ عَلَى الفَضاءِ لَهُمْ دُرَبْ

مَوْلايَ رِفقاً بِالرَّفِيقِ وَ داوِهِ *** صَبُورُ إبراهيمَ لا يَرْضَى الهَرَبُ

زَهْرَاءُ تَشْفَعُ لِلْفَقِيرِ وَ سَارَةٌ *** قَيُّومُ حَيْكَ يا حَكِيمُ المُجْتَذَبْ

ص: 25


1- السَّبور: الذي يسبر الأغوار، أي ينظر في داخل الأشياء.
2- إِلَّهُ: الإلُّ: العهد، و إلُّهُ: عهدُهُ.
3- الرَّيَب: الشكوك.
4- تُطب: تُسْتَطاب.
5- الثغر: هو الفم و المراد هنا في «تَغْرَهُ» أي شواطئه.
6- المستطبَ: المستطاب.

أخَذَ الكُؤُوسَ مِنَ الفواطم مَن صَلُبْ *** بِالمُسْتَوَى القُدْسِيِّ لِلْعَذْراءِ أُبْ

أنا مِثْلَما تَهْوَى الصَّلاةَ صِلاتُنا *** في الجَنَّةِ العَذْراءِ مَن فِيهَا اغْتَرَبْ

رَوْضاتُ جَنَّاتِي عَلى مَدَّ الرُّؤى *** شَفَتاكَ مَقْرَبَةُ الصَّفاءِ بلا قِرَبْ

حُسْنٌ بِمُفْرَدِها البَشَائِرُ جُمْلَةٌ *** وَ يَكادُ يَطْفَحُ بِالمَعاجِزِ مَن شَرِبْ

اتَوَدُّ مَعْرِفَتي بذاتِكَ مُلْتَقَى *** سُبْحانَ رَبِّي بِالصَّمِيم لنا قِبَبْ

تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ الحِبالُ تَعَلَّقَتْ *** عُنقي... بِحَبْلِكَ قلتُ... فَانْفَتَلَتْ لِحُبْ

وَ الحَرْبُ دَارَتْ في مُسالَمَتِي رِضَى *** فَنُهّى بِزَيْنِ العابِدِينَ دعا... رَحُبْ

فَالْبَحْرُ طارَ إلى الفضاءِ وَأَمْطَرَتْ *** صَحْراءٌ مَدْيَنَ وَ ارْتَوَى الأرِبُ الوَصِب(1)

بَجَعُ البُحَيْرَةِ وَ الإِوَزُّ مَاذِنٌ *** رَفَعَتْ مَناقِيرَ الثَّناءِ لِمَنْ حَدَبْ

مَيْلُ الرِّمالِ لِمُزْنِ غَيْمِكَ مَوْكِبٌ *** قَدْ صارَ رِبَاً وَ اسْتَحالَ لِمَا وَكَبْ(2)

عادَتْ لِمَسْبحِها المَآذِنُ سُجَّداً *** جُمَعِي وَ أَسْبوعُ المَدَى الأَعْلَى سَحَبْ

فإذا حبالُ الخِصْبٍ وَاصِلَةُ النَّوَى *** فَكَأَنَّهَا عَمَدُ الغِنَى فِيمَن تَرِبْ

وَ كأَنَّ أَحْمَدَ ما يُقَالُ وَ يُنْتَوَى *** حَقٌّ بِمُطلَق ذاتِهِ العُليا انْتَصَبْ

أيَخِرُّ مُوسَى أَمْ يُصابِرُ خِضْرُهُ *** إِنِّي بآدَمَ قَدْ جَشَوْتُ عَلَى الرُّكَبْ

وَ بِكُلِّ حالٍ بانَ يَاسِينْ لَنا *** مِنْ فَوْقِ مُوسيقى على الطُّورِ الطَّرِبْ

وَ شَهِدْتُ بِلْقِيساً بِلَيْلَى قَلْبِها *** قَيْسٌ يُسَاقُ لِجِدّه بِيَدِ اللَّعِبْ

وَ مَسِيحُ عَذْرائِي بِبُولُسِهِ مَشَى *** لَمَّا انتقي في باب توما وانْقَلَبْ

أَيُقَالُ تَصْحِيحُ المَسارِليونُسٍ *** في نِينَوَى وَصَلَ الحَضَارَةَ بِالدَّابْ؟

لابَأْسَ مَن طَلَبُوا بِمَدْحِكَ بُرْدَةً *** بَلَغُوا بِكاظِمَة: الحَوائِجَ و اللَّقَبْ

وَعَدا نَشِيدِي مَنْ تأَمَّلَ ناقداً *** لِيَقِيسَ... أسْلُوبي البصائِرَ يَسْتَلِبْ

ص: 26


1- الأرب: المحتاج و الأرب: الماهر. الوصِب: المريض.
2- وكب: (المُوكِب) على وزن المْوضع: بابةٌ من السير (مختار الصحاح).

عَفْوَ البَدِيعِ لِمَنْ يَرَى الإبداع حُبْ *** وَ يَرَى شِفاء العالَمِينَ هُوَ الطَّلَبْ

المُبْحِرُونَ تَجَمَّعوا في بائنا *** و البَحْرُ أصْحَبُ ما يكونُ وَمَا نَضَبْ

وَ المُبْدِعونَ تَقَدَّمُوا في حائِهِ *** وَ تَصَيَّدوا الأصدافَ بالمَوْج الصَّخِبْ

وَ اللُّؤْلُؤُ المَحْمُولُ في أضدافِهِمْ *** لَمْ يَلمَحِ الفُقَراءُ مَخْبَأَهُ الخَرِبْ

فَالأَصْمَعِيُّ أصَمَّ أَعْمَى... و الرَّشِيدُ... *** و مَن رَأى لَعِبَ «الذُّبابِ» هو الأَدَبْ

وَ رَأى «الثآليل»... «البُصاق»: مُعَادِلاً *** لِمَذاقِهِ... أنَسُوا بِأَمَّتِنا الرُّطَبْ

مُتَحَوِّلٌ عَنْ ذَوْقِهِمْ في أَبْحُري *** هذا التَّمَوُّجُ فِي سَوَاكِنِه الخَبَبْ(1)

سَبَحَتْ على شُطَآنِها هِمَمُ الرُّؤى *** وَ المُطْلَقُ الصَّافِي على كَدِرٍ صَعُبْ

وَ هُوَ المُيَسَّرُ نِيَّةٌ لَكَ تُبْتَنَى *** فِي بُنْيَةٍ سَلِمَتْ مِنَ الكَلِمِ الكَذِبْ

مَلِكٌ تملك بالصَّداقةِ أَنْجُماً *** وَ هُوَ المُطَامِنُ كُوخَهُ بَيْنَ الخِرَبْ

طَهَّرْتُ نَفْسِي مِنْ ذُنوبِ تَعَلُّقِ *** بِالمُغْرِيَاتِ وَ طَوَّلُوا فِيهَا الذَّنَبْ

وَ قَدَرْتُ مُطلَقَ شَاعِرِينَ بِنَحْوَةٍ *** وَ أَصالة فاقَتْ عَلَى كُلِّ النَّسَبْ

وَ ذَبَحْتُ بِالحَرَمِ المُطَهَّرِ أَدْمُعِي *** وَ دِمَاءَ أَهْوَائِي ليَقْبَلَني النَّسَبْ

أُمِّي تَنامُ و تَسْتَفيقُ وَ وَجْهُها *** لِلْكَعْبَةِ العَذْراءِ لَمْ تُمْسَسْ بِسَبْ

أنا مِنْ أرومة مَنْ يَعُومُ على الشَّدَى *** لِيَبُثَّهُ لُطفَ الرِّياحِ إذا تَهبْ

وَ مِنَ الضّياءِ على العُيونِ أنا الرِّضَى *** يَرْنُو وَ يَسْخُو بِالرُّنُو مَتى وَجَبْ

وَعِيارُ شِعري بالكِتابِ وَ أُمِّهِ *** وَ صَفَاءُ رُوحِي نَفْخَةُ الباري وَهَبْ

خَشَعَتْ بِجَنَّتِنا السَّكِينَةُ رَحْمَةً *** وَ تَصابَحَ التُّعَساء في ذاتِ اللَّهَبُ

يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون بِأنَّنِي *** أجْنِي السَّعادَةَ لِلأعاجم و العَرَبْ

يَتَحَدَّثُ القُدُّوسُ في أَحْيَائِها *** وَ يُرِيكَ آيَاتِ التَّجَدُّدِ يابنَ أَبْ...

ص: 27


1- الخَبَبِ: ضَرْبٌ من العَدْو، يُقال: «يمشي خبباً». و الخَبَب السرعة. و الخَبَب: بحر من: بحور الشعر.

لِشُعَيْبِ مَدْيَنَ ما يقالُ وَ يُكْتَتَب *** بَيْنَ الشُّعُوبِ إذا تَنَصَّتَ أو خطَبْ

أرَأَيْتَ أجْنِحَةَ الحَدِيدِ بَصِيرَةً *** مَأواك بِالدَّارِ السَّلامِ قُوَى الكُتُبْ

مِثْلَ التَّفَكُرِ تَسْتَحِيلُ حقايقاً *** هَلْ تَسْتَحِي مِنْ أكرم الكُرَماء؟ طِبْ

أحَدٌ وَ جَنّاتُ السَّلام وَنُزْهَةٌ *** أَبَدِيَّةٌ فيها الحَياةُ كَمَا تُحَبْ

لَوْ كُنْتَ شاعِرَ أُمَّةٍ كَانَتْ لَهَا *** أُمَمٌ مِنَ الإبداع وَاحِدَةُ المَهَبْ

لكِنَّ خِدْمَتَنا الشَّرِيعَةَ عَارِشُ *** كُرْسِيُّهُ الحُسْنَى اتساعٌ مُجْتَذَبْ

جَذَابَةٌ غَمَرَاتُ عَيْنِكَ جَنَّةٌ *** لَكِنْ بِرَوْضاتِ القُلُوبِ لنا أَحَبْ

أنْهَارُ جَنَّاتٍ تَسِيلُ وَ نِعْمَةٌ *** لَيْسَتْ كَكَأْسٍ تُسْتَقَى مِنْ كَفٌ رَبْ

وَ مُحَمَّدٌ أَنْهارُهُ مَعْلُومَةٌ *** لِمَنِ اسْتَقى مِنْ بالِ صالِحِهِ و عَبْ

وَ الأَنْبِيَاءُ جَمِيعُهُمْ قَدْ أَقْبَلُوا *** يَدُهُ... يَداهُ... وَ الحَنَانُ أَلَمْ تَذُبْ؟

ثَلْجُ الذُّرَى مَلِكاتُ حُسْنٍ ذُوِّبَتْ *** في شَمْسِه فَالخِصْبُ أَعْرَاسٌ وَ حُبْ

مَرْجُ السَّنابِل رَاقِصٌ بِمُحَمَّدٍ *** وَ عَلَى الدَّوالِي وَ النَّخِيل جَنِّى قَرُبْ

أهْلاً بِكُلِّ ثِمَارِهِ تَدْنو غِنّى *** بِالنذرِ... أوْ تَعْلُو على جِذْعِ الرُّطَبْ

يا مَنْ يُرِيدُ مِنَ الحَياةِ صَلاحَها *** هذي يَدُ الاكْسِيرِ شافِيَةً بِطُبْ

امْلأُ بِهِ فَمَكَ الشَّرِيفَ وَ مَضْمِضَنُ *** بِحُرُوفِهِ كُلَّ الثَّنايا وَ اسْتَطِبْ

وَ اللَّهِ -وَ القَسَمُ العَظِيمُ سَعَادَةٌ *** لَيْسَتْ لِتَأكِيد- هُنا عَجَبُ العَجَبْ

هِبَةُ الهباتِ: بِرَحْمَةٍ خُتِمَ الهُدَى *** فَتَوَحَّدَتْ بِمُحَمَّدٍ فِرَقُ الشُّعَبْ

فَتِّش أصابِعَ مَنْ تَخَتَمَ قُدْوَةً *** أَوْ مَن تَخَتَّم لِلزَّواج وَ مَنْ خَطَبْ

أَوَلَيْسَ «خاتَمُ» جَمْعِهِمْ امْنُولَةٌ *** لِوَحِيدِ لَفْظٍ لَفَّ مُطْلَقَةَ النِّسَبْ؟

وَطَنُ الخُلُودِ مَحَبَّةٌ لِبَدِيعِهِ *** وَ سُلُوكُ اخْلاقِ الحَبِيبِ هُوَ الأَدَبْ

ص: 28

(4) وهج القباب

(بحر الكامل)

الأستاذ جاسم محمد الصحيح (*)(1)

وهجُ القُباب أم المصيرُ المُتعبُ *** ذاك الذي لك شدَّني يا يثربُ

فأتيتُ أرفُلُ في الشقاءِ يزفُّني *** ما بينَ أشباحِ المتاهةِ موكبُ

تتسكعُ الآهات بين جوانحي *** و الأبجديةُ في دمائي تنحبُ

و أجنّةُ الأحلامِ حين تهزُّها *** نجواكِ يرعشُ روحُها المتكهربُ

أثرى النخيلُ اليثربيةُ لم تزلْ *** تلكَ التي تلدُ الشموخ و تُنجبُ

أم شكَّها سهمُ الزمان فأينعتْ *** جُرحاً بهِ المستضعفونَ تخضَّبوا

و أتَوْكِ من حيثُ الرجولة لم يزلْ *** تاريخُها بدمِ الكرامةِ يشخبُ(2)

يتلمسونَ ثمالةَ الأملِ الذي *** كانت على يده الجراحةُ تُخصبُ

يا طيبةَ النصر المنوَّرِ مالوى *** أبطالَهُ عبرَ المجاهلِ غيهبُ(3)

فإذا السماءُ تصبُّ في خلجاتِهم *** حُلم النبوة جامحاً يتلَهَّب

حتى إذا صقلُوا تُرابك و ازدهت *** ممّا تناثرَ من سناهُ الأحقُبُ

ص: 29


1- (*) جاسم محمد أحمد الصحيح: ولد في الأحساء عام (1384) ه)، التحق بشركة أرامكو عام (1980م)، و أكمل دراسته فيها و بعث عبرها إلى أمريكا، حيث حصل على البكالوريوس في الهندسة الفنية الميكانيكية، بدأ نظم الشعر عام (1409 ه_)، و له علاقة وطيدة مع الشاعر السيد كاظم الطباطبائي الذي كان له الدور في صقل موهبته الشعرية، شارك في العديد من المناسبات و الاحتفالات الدينية، و نشر أغلب نتاجه الأدبي في صحيفة (اليوم) الصادرة في الدمام، المملكة العربية السعودية (معلومات خاصة).
2- شخب أوداجه دماً: قطعها فسالت.
3- الغيهب: شدة سواد الليل.

وقفُوا على حدِ الرماح منائراً *** تمتدّ في أُفقِ الحياةِ فيُعشبُ

يا طيبةَ النصرِ الذي في شوطِهِ *** أفنى فُتوتَهُ النضالُ الأشيبُ

و تنفستْ عبقَ الفتوحِ رسالةٌ *** فيها تصاهرتِ السماءُ و يعربُ

و افتكِ يرتجلُ الصلاُبة ساعدٌ *** منها و يبتكر العزيمةَ منكِبُ

و مذ اقتحمت بها الحياةَ على خطى *** طه يشدُّك للفلاحِ و يجذبُ

شحذَ الفداءُ يراعهُ بكِ و انبرى *** يسقيه من برِ الخلودِ و يكتبُ

حتى إذا يومُ الإخاءِ تفصَّمَتْ *** حلقاتُهُ وسطتْ عليهِ العقربُ

نسيتْ جوامحكِ العتاقُ نفيرَها ***و أنهارَ في دمكِ الصهيلُ الأشهبُ(1)

و بقيتِ للأجيالِ نبعَ صبابةٍ *** ماعاد كوثُرُه يفورُ و يغضبُ

و رنتْ تطالعُكِ الدهورُ فراعَها *** فتحٌ بماضيكِ المجيدِ مُعلَّبُ

هرَّيتهُ طيفاً بذاكرةِ المُنى *** يزهُو و هيهاتَ الفتوحُ تُهرَّب

نسلَ الغبارُ عليهِ ألف قبيلةٍ *** راحتْ تنازعُهُ البريقَ و تسلبُ

و يداكِ لا شمسٌ تغالبُ فيهما *** عصفَ الشتاءِ الجاهلي فتغلبُ

مديهما نحو الوراءِ و سلسلي *** يوم الأخاءِ و لملمي ما يسكبُ

و تحضني أرواحَنا بصفائِهِ *** يهتزّنبضُ حياتِنا المُتَخَشِّبُ

فسنصهرُ الأفق البعيدَ على لظى *** عزماتِنا حتى يذوبَ الكوكبُ

و سنكنسُ التاريخَ مما اسندت *** فيه الذئاب و ما رواه الثعلبُ

و نُقشّر الحقِّ المُغَلَّف بالدُّجى *** حتى يشع لُبابُه المُتَلَهِّبُ

و نعودُ نفترعُ النجومَ و حسبُنا *** فيما نؤملُ أن متنَكِ مركِبُ

ص: 30


1- الأشهب: الأبيض الذي يصدعُهُ سواد في خلاله، الصعب، المجدب.

(5) ميلاد البتول علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ جعفر الجعفر

أَتَسْأَلُنِي مَا نُورُ تِلْكَ الْكَواكِبِ *** هَلِ النُّورُ إِلاَّمِنْ نُجومٍ ثَواقِبِ؟

هَلِ النُّورُ إلا مِنْ سَمَاءِ مُحَمّدٍ *** تَجَلَّى بِالِ البَيْتِ آلِ الْمَناقِبِ

أَلَمْ تَرَ ميلادَ الْبَتُولِ بِمَكَّةٍ *** سعى نورُها في كلِّ بَيْتٍ وَ جانِبِ(1)

فَأَشْرَقَتِ الْأَنْوَارُ مِنْهَا عَلَى الدُّجى *** فَقَشَّعَ مِنْهَا النُّورُ أُفق الْغَيَاهِبِ

وَ أَشْرَقَ لِلْمَوْلُودِ وَجْهُ نَبينا *** فَأَشْرَقَ بِالْوَجْهَيْنِ وَجْهُ المَغَارِبِ

وَ أَيْنَعَتِ الْأَغْصانُ يَوْمَ مَجِيئِها *** كَمَا افْتَرَ لِلْمَوْلُودِ تَغْرُ السَّحَائِبِ

كَأَنِّي بِمَهْدِ لِلْبَتُولَةِ فَاطِمٍ *** تَطُوفُ بِهِ الْأَمْلاكُ فَوْقَ الْمَنَاكِبِ

وَراحَ لسانُ الدَّهْرِ يَنْطِقُ بِاسْمِها *** يَزُفُّ عَلَى الْأَرْجَاءِ بُشْرَى الْأَطايِبِ

وَ راحتْ لها الأفلاكُ تُسْدِي تَحِيَّةً *** يَرِنُّ صَداها في صَريرِ الْكَواكِبِ

أجَلْ إنَّها الزهراءُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ *** وَ تُحْفَتُهُ مِنْ خَيْرِ هَادٍ وَ وَاهِبِ(2)

أَجَلْ إِنَّهَا بِنْتُ النَّبِيِّ وَ أُمُّهُ *** وَ سَلْوَتُهُ عِنْدَ اشْتِدادِ النَّوائِبِ(3)

ص: 31


1- إشارة لما ورد في أمالي الصدوق ص476 في رواية عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام: فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور.
2- إشارة لما ورد في البحار ج36 ص73 ح24. في رواية ابن مسعود: فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء علیها السلام فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق و المغارب فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام.
3- و ذلك إشارة لما ورد في تهذيب التهذيب ج12 ص44. فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء.

أَجَلْ يا رَسُولَ اللَّهِ خُذْهَا هَدِيَّةً *** مُطَهَّرَةً من كلِّ رِجْسٍ وَ شَائِبِ

فَلَيْسَ لَها في العالَمِینَ كَمِثْلِها *** وَ لَيْسَ كَنورِ الشَّمْسِ نُورُ الْغَيَاهِبِ(1)

سَلامٌ وَ حتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ نورُها *** سَلامٌ عَلَى مَنْ نُورُها غَيْرُ غائِبِ(2)

إِلَيْكِ تَحيَّاتِي أَصُوعُ حُروفها *** مِنَ الْقَلْبِ تُرجى مِثْلَ زَخِّ السَّحائِبِ

مُعَطَّرةُ مِنّي إِلَيْكِ تَحِيَّتِي *** بِها نَفحُ طِيبٍ طيِّبٌ مِنْ أَطايِبِ

فَلَوْ قِيلَ في حبي لها أنتَ هائمٌ *** إلامَ غَرامٌ لَسْتَ عَنْهُ بِتَائِبِ

لقُلْتُ اغْرُبُوا عنّي فإِنَّ ودَادَها *** مِنَ اللهِ فرضٌ ذاكَ أَوْجَبُ واجِبِ(3)

يَهُزُّ لِذِكْراها فُؤادِي وَ تَنْجَلِي *** هُمومٌ بِقَلْبِي جَعْجَعَتْ بِالنَّوائِبِ

تُغنّي و بالميلادِ حُبّي لِفاطِمٍ *** وَ عَجَّتْ بِي الْأَشْوَاقُ وَ الشَّوْقُ جاذِبي

إلى مَنْ بها نورُ الإلهِ وَ سِرهِ *** وَ آيَتُه الكُبرى برَغْمِ النَّواصِبِ(4)

وَ لاغَرْوَ فَالزَّهْرَاءُ عَيْنُ مُحَمَّدٍ *** مُرَكَّبَةٌ مَا بَيْنَ جَفْنٍ وَ حاجِبِ

كَأَنَّ حَشا الْمُخْتارِ فِي جَنْبِ فَاطِمٍ *** كَأَنَّ حَشَاهَا فِيهِ بَيْنَ الْجَوانِبِ(5)

ص: 32


1- إشارة لما ورد في خصائص النسائي ص34 و قال: سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء العالمين.
2- إشارة لما ورد في تفسير فرات الكوفي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ». الليلة فاطمة علیها السلام، و القدر الله، فمن عرف فاطمة علیها السلام حقَّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر.
3- إشارة لما ورد في المناقب ج3 ص112، في كون الزهراء علیها السلام بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و مما جاء عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة مني من سرَّها فقد سرني و من ساءها فقد ساءني فاطمة علیها السلام أعز الناس عليَّ.
4- و ذلك إشارة في البحار ج37 ص87 ح54، عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم لهم بمنزلة سفينة نوح من ركبها نجا و من تركها غرق. أقول: و لايكون الركوب في سفينتهم إلّا بشرائط منها بمحبتهم و شفاعة الزهراء علیها السلام للمذنبين من أمة محمد صلى الله عليه وآله و سلم، إذ ورد في الخبر أن جبرئيل علیه السلام و معه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل الله مهر فاطمة علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبیها.
5- في العوالم ج11/ 1 ص148 عن أمالي الصدوق عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: يا علي علیه السلام إن فاطمة علیها السلام بضعة مني و هي نور عيني و ثمرة فؤادي يسوؤني ما ساءها و يسرني ما سرّها. و عن كتاب المختصر في الصفحة نفسها من العوالم بإضافة: «و هي قلبي الذي بين جنبي». و في مورد آخر من المصدر نفسه ص152 عن لسان العرب قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في حق فاطمة علیها السلام: منوط لحمها بدمي و لحمي.

كَفاهَا افْتِخاراً أَنَّ أَحْمَدَ َوالِدٌ *** كَفاهَا افْتِخاراً حَيْدَرٌ خَيْرُ صاحِبِ

كَفاها افْتِخاراً أَنْ تَكُونَ مَدارُهُمْ *** لِخَمْسَةِ أَصْحابِ الْكِسافِي الْمَراتِبِ(1)

كَفَاهَا افْتِخاراً أَنْ تُكَنِّي لِأَحْمَدٍ *** بِأُمِّ أبيها يا لَها مِنْ مَراتِبِ

كَفاهَا افْتِخاراً فَهِيَ كَوْثَرُ أَحْمدٍ *** وَ يُنْبُوعُ خَيْرِ مِنْهُ خَيْرُ الْمَشارِبِ(2)

كَفاهَا لها التَّسْبيحُ لَمْ يُحْصَ عَدُّهُ *** فما الجِنُّ تَحْصِيهِ و لاعَدُّ كاتِبِ

كَفانِيَ فَخْراً أنّني مِنْ عَبِيدِها *** كَفَانِيَ عِزّاً فَهْيَ أَقْصَى رَغائبي

صَلاةٌ عَلَيْها يَوْمَ أَشْرَقَ نورُها *** سَلَامٌ عَلَيْها وَاصِبٌ غَيْرُ نَاضِبِ(3)

هِيَ الْبَضْعَةُ الزَّهْرَاءُ بِضْعَةُ أَحْمَدٍ *** وَ فِلْذَةُ كَبِدٍ مِنْ جِنَاحٍ وَ جَائِبِ

سَفِينَتُها تُنْجِي الغريقَ مِنَ الرَّدى *** وَ تُبْحِرُ فيهِ عَنْ نُوبِ النَّوائِبِ

فَمَنْ مِثْلُها جَاءَتْ تُحَدِّثُ أُمَّهَا *** وَ تُؤْنِسُها بَيْنَ الْحَشا و الجَوانِبِ(4)

ص: 33


1- أشار إلى ذلك في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص294 في حديث الكساء في قول الله عزوجل: «ما خلقت سماء مبنية و لاأرضاً مدحية و لاقمراً منيراً... (إلى أن قال) إلّا المحبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرئيل: يا ربِّ و من تحت الكساء؟ فقال الله «عزوجل»: هم أهل بيت النبوة و معدن الرسالة و هم فاطمة علیها السلام و أبوها و بعلها و بنوها علیهم السلام. و في مورد آخر من الكتاب في ص86 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث (إلى أن قال) نور من نوري أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة علیهم السلام يقومون بأمري يهدون إلى حقي. و في البحار أيضا ج43 ص105. عن أبي عبد الله علیه السلام و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى. و يقدم في الجزء الأول كلام مفصل عن حديث الكساء مع مصادره فراجع.
2- ورد ذلك في تفسير «جامع الأخبار و الآثار» و قد نقلها في العوالم ج1/11 ص116 في تفسير «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا علي علیه السلام... و الماء من نهر يقال له الكوثر و هو لي و لك و لفاطمة علیها السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام و ليس لأحد فيه شيء.
3- واصب غير ناضب: دائم غير قليل أو نافدٍ.
4- عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم قال: أتاني جبرئيل بتفاحة من الجنة فأكلتها و واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام، فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حَدثني الذي في بطني. راجع ذخائر العقبى ص44 أيضاً.

وَ مَنْ مِثْلُها مِنْ جَنَّةِ الْخُلدِ حُدِّرَتْ *** وَ مَنْ بَعْدَ طه حُدِّرتْ في التَّرائِبِ(1)

فَجَاءَتْ كَمَا قالَ الْإِلهُ بِوَصْفِها *** كَمِشْكَاةٍ نورٍ نورُها غَيْرُ ناضِبِ(2)

وَمَنْ مِثْلُها وَ اللَّهُ بارَكَ عُرْسَها *** وَ جِبْرِيلُ مِنْ طه لَهَا خَيْرُ خاطِبِ(3)

وَ مَنْ مِثْلُها فِي الْخُلْدِتَم زِواجُها *** بِنُورِ عَلِيَّ فَوْقَ سَبْع حَواجِبِ(4)

وَ مَنْ مِثْلُها دَوَّى رَنينُ خطابِها *** لِتُخْرِسَ فيهِ كُلَّ باغٍ وَ ناعِبِ(5)

هِيَ الْفَلَكُ الدَّوَّارُ وَ الْقُطْبُ حَيْدَرٌ *** لإحدى وَ عَشْرٍ ثَاقِبِ بَعْدَ ثَاقِبِ(6)

ص: 34


1- و ذلك إشارة لما ورد في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: أتاني جبرئيل علیه السلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام. كما ورد في الدر المنثور للسيوطي في تفسير سورة الإسراء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: لما أُسري بي إلى السماء أُدخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أر في الجنة أحسن منها و لاأبيض ورقاً و لاأطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها فصارت نطفة من صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة علیها السلام.
2- و لعل ما ورد عن العوالم ج1/11 ص18 إشارة إليه عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فخلق نور فاطمة علیها السلام يومئذ كالقنديل و علقه في قرط العرش فزهرت السموات السبع، و الأرضون السبع.
3- و ذلك إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج 1/11 ص418. قال جبرئيل علیه السلام: ثم أوصى الله إليَّ أن أعقد عقدة النكاح، فإني زوجت أمتي فاطمة علیها السلام بنت حبيبي محمد صلي الله علیه و آله و سلم، عبدي علي بن أبي طالب علیه السلام فعقدت عقدة النكاح و أشهدت على ذلك الملائكة أجمعين.
4- لعله إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج 1/11 ص 449 عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم إن الله «تعالى» أمر بأن تفتح أبواب الجنان ففتحت و تغلق أبواب النيران فغلقت ثم زين الله «تعالى» العرش و الكرسي و شجرة طوبى و سدرة المنتهى (إلى أن قال) و يجلسوا لوليمة عرس فاطمة علیها السلام و أمر ملائكة السموات المقربين و الروحانيين و الكروبيين أن يجتمعوا تحت شجرة طوبى.
5- لعل الشاعر أراد أن يشير إلى خطبة الزهراء علیها السلام في مجلس عمر و أبي بكر بعد غصب الخلافة من أميرالمؤمنين علیه السلام و أشار إلى ذلك صاحب العوالم في ج1/11 ص652.
6- لعله إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج1/11 ص8 من الأحاديث القدسية: ألا يا ملائكتي و سكان جنتي اشهدوا أني قد زوجت فاطمة علیها السلام بنت محمد من علي بن أبي طالب رضاً مني بعضهما البعض إن من بركتي عليهما أني أجمعهما على محبتي و اجعلهما حجتي على خلقي، و عزتي و جلالي لأخلقن منهما خلقاً و لأنشئنَّ منهما ذرية أجعلهم خزائن في أرضي و معادن لحكمي بهم أحتج على خلقي بعد النبيين.

و إنَّ لها في الدَّهْرِ سورَةَ هَلْ أَتَى *** و مِنْ سُورةِ التَّطْهِيرِ نَفْيَ الشّوائِبِ(1)

وَ إنَّ لها جبريل قرَّبِوُدِّها *** فكانَتْ لَهُ القُرْبى بِحُبُّ الأَقاربِ(2)

وَ إنّ إلهي غَيْرُ راضِ لِسُخْطِها *** وَ إِنَّ إلهي لَوْ رَضَتْ غَيْرُ غاضِبِ(3)

مقامٌ لَها عِنْدَ الجَليلِ مُكَرَّمٌ *** تَصاغر عَنْهُ أُفْقُ أَسْمَى المَراتِبِ

فَصَلُّوا عَلَى الزَّهْراءِ يَوْمَ مَجِيئِها *** سَلامٌ عَلَيْها وَاصِلٌ غَيْرُ آیِبٍ

أتيتُ لكمْ وَ الذَّنْبُ أَثْقَلَ لُمْتِيْ *** وَ مِنّي أَرَى الْأَوْزَارَ هَدَّتْ مَناكِبي

إذا لَمْ تَكونوا سادَني عِنْدَ مَطْلَبِي *** هَوَيْتُ وَ لَمْ تَنْفَعْ سِواكُمْ مَطالِبِي

يَقِرُّ لَكُمْ قَلْبِي وَ سَمْعِي وَ ناظِرِي *** وَ عَقْلِي وَ جَفْنِي وَ الجَوى مِنْ جَوانِبِ

فَما لِي سِواكُمْ آلَ أَحْمَدَ رَغْبَةٌ *** و مالي سوى حُب لكمْ مِنْ مارِبِ

بِحُبِّ يقيني من لظى يَوْمٍ مَحْشَرِي *** وَ يَحْشُرُني في ظلِّ خَيْر الْحَبائِبِ(4)

فَزِدْ يا إلهي حُبَّهُمْ فَوْقَ رَغْبَتِي *** وَزِعُ يا إلهِي عَنْ عِداهُمْ رَغائِبِي

أولئكَ دِيني لَوْ سُئِلْتُ وَ مَذْهَبِي *** وَ (حِصني) بهم لا فِي أُلوفِ الْمَذاهِبِ(5)

ص: 35


1- و لعل ذلك إشارة لما ورد في المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص106 سئل عالم فقيل: إن الله «تعالى» قد أنزل (هل أتى) في أهل البيت و ليس شيء من نعيم الجنة إلا و ذكر فيه (إلا الحور العين). قال: ذلك إجلالا لفاطمة علیها السلام.
2- ورد ذلك في العوالم ج2/11 ص705 بنقله عن البخاري و مسلم و أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: لما نزل: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك الذين وجب علينا مودّتهم؟ قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.
3- و ذلك إشارة لما ورد في كنز العمال ج6 ص219 و لفظه: إن اللَّه عزوجل يغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها.
4- إشارة لما ورد في العوالم ج11/ 2 ص1161 قال أبو جعفر علیه السلام: و الله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء.
5- و لعل ما ورد في كتاب علم اليقين للكاشاني ج2/11 ص894 إشارة إلى بعض ذلك قالت الزهراء علیها السلام: ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا، فقال الله: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا».

تَقَرُّ عُيوني يَوْمَ لُقيا أحِبّتِي *** وَ يُثْلِجُ صَدْرِي مِنْ ضَيْىءٍ فيه لاهِبِ

وَ يَحْكِي كتابي يَوْمَ إذْ ذاكَ إِنَّنِي *** بِحُبِّ ولاتي ناجحٌ غير راسبِ

هنالِكَ نَلْقاهُمْ فَيَهْنَأُ بالُنا *** كفانا بِرُؤياهُمْ عَنِ الْخُلدِ راغِبِ

نُساقُ إِلَى الْمَوْلَى لِنُسْقَى بِشَرْبَةٍ *** بِكَأْسٍ دِهَاقٍ مِنْ لَذيذ المَشارِبِ

هَنِيئاً لِقَلْبِ قَدْ رَأى بَرْدَ حُبِّهِمْ *** فَحُبُّهِمُ كَالنُّورُ فِي الْقَلْبِ ذائِبِ

وَ إنْ مُتُّ في حُبِّ البَتُولِ وآلِها *** فَلا أَخْتَشِي في القَبْرِ سُوءَ الْعَواقِبِ(1)

سَلامٌ وَ حَتّى مَطلَعِ الفَجْرِ نورُها *** سَلامٌ مَنْ نورُها غَيْرُ غالِبِ

نَعَمْ هَكَذا الزهراء فيها عقيدتي *** فَلا تَعْجَبنْ مِمَّنْ أَتَوْا بِالعَجَائِبِ

نَعَمْ فَاعْجَبَنْ مِنْ حِلْمِ رَبِّي وَحُكْمِهِ *** أيضفَعُ ذاكَ النُّورَ أرْجَسُ ضاربِ(2)

وَ يَا عَجَباً مِنْ قائمٍ طالَ مُكْثُهُ *** أما حَثَّهُ ثَارٌ لام المصائبِ

أتَرْضى إمامِي شَوَّهُوا نَهْجَ أَحْمَدٍ *** بِما أَبْدَعَتْ في الدِّينِ أيدي النَّواصِبِ

بِعَيْنِكَ ذِي الأحداثِ تَنْفُثُ سُمَّها *** يَفُوقُ الأذَى مِنْهَا سُمُومَ العَقَارِبِ

كَأَنَّ لَهُمْ ثأراً غَداً يَستَفِرُّهُمْ *** كَثأرِ بَنِي مَرْوَانَ في آلِ طالِبِ

وَإِنَّكَ فينا حاضِرٌ غَيْرُ غَافِلٍ *** وَإِنَّكَ فينا شاهدٌ غَيْرُ غائبِ

مَتَى يَنْتَضِي السَّيْفُ الذي في يَمينِكُمْ *** فَتَكْشِفُ ضُرّاً بِالسُّيوفِ القَواضِبِ(3)

ص: 36


1- عن العوالم ج2/11 ص1181 قول الزهراء علیها السلام في المحشر «سلام الله عليها»: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي، ومحبّي ذريتي. فإذا النداء من قبل الله جل جلاله: أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبّوها و محبّو ذريتها؟ فيقبلون، و قد أحاط الرحمة ملائکة الرحمة، فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة.
2- لعل ما في إرشاد القلوب قصيدة للديلمي/ ص131 في حديث طويل إشارة إلى بعض ذلك حيث ورد (وركل -عمر- الباب برجله فرّده عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذني).
3- ينتضي: يُسَلُّ من غمده.

متى يَسْطَعُ الْحَقُّ الذي في جبينِكُمْ *** فَيَمحو دياجيراً لأثَم شاحِبِ(1)

رَجَوْتُكَ ربّي أَنْ تُفَرِّجَ كَرْبَنا *** بِتَعْجِيل أَمْرٍ فيه تَكْذِيبُ كاذِبِ

و اخْتِمُ قَوْلي بالصَّلاةِ عَلَيهِمُ *** وَ لاسيّما الزَّهْراءُ أمُّ النَّحائِبِ

ص: 37


1- دياجير: جمع ديجور، و هو الظلام.

(6)حبيبةُ طه علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

أصْفِياءٌ مُقامُهُمْ لا يُضَاهَى *** قَدْ عَلَوْا فِي الأنام قَدْراً وَجَاها(2)

ما ترى في الوَرى لَهُمْ أشباها *** أُمُّهُمْ فاطمٌ حَبيبَةُ طه(3)

حُبُّها في غَدٍ يَقِيكَ العَذابا

قَدْ عَلَتْ رُتْبَةً و جَلَّتْ مَحَلا *** إصطفاها الْإِلهُ عَزَّ وَجَلاً(4)

ص: 38


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جاء في مجمع الزوائد ج9 ص168 و زين الفتى، للحافظ العاصمي: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعلي علیه السلام: إن اللَّه عزوجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ثم اطَّلع الثانية فاختارك على رجال العالمين ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة علیها السلام على نساء العالمين. و جاء أيضاً في هذا المعنى في تاريخ بغداد ج1 ص259: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم علي حبيب الله و الحسن و الحسين علیهما السلام صفوة الله فاطمة علیها السلام خيرة الله على باغضيهم لعنة الله.
3- و قد أشير إلى هذا المعنى في كتاب (ينابيع المودة للقندوزي الحنفي) ص131 ط/ إسلامبول و ص291 ط/ انتشارات الشريف الرضي/ قم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم لو علم اللَّه تعالى أن في الأرض عباداً أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لأمرني أن أباهل بهم و لكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء و هم أفضل الخلق فلغبت بهم النصارى.
4- روي في مكانتها علیها السلام في مجمع النورين ص14 عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لعن الله تبارك و تعالى أنه قال: (يا أحمد لولاك ما خلقت الأفلاك و لولا علي لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما) و ذلك لأنها علیها السلام أم الأئمة النجباء الذين بهم ثبتت معالم الإسلام. و راجع تفسير البرهان ج1 ص392 ح5 . فهي أصل شجرة النبوة و الإمامة. كما ورد في تفسير ميزان الاعتدال ج1 ص234: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: أنا شجرة و فاطمة علیها السلام أصلها و علي علیه السلام لقاحها و الحسن و الحسين علیهما السلام ثمرها.

في مقامِ مِثْلِ الثَّرَيَّا وَ أَعْلَى *** بَضْعَةُ المُصْطَفَى تَرَى الذِّكْرَ يُتلى(1)

مُعْرباً عَنْ مَقامها إعْرابا

إنَّها لَلزَّهراءُ أُمُّ الكِرَامِ *** بِنْتُ له شفيعُ يَوْمِ الزحامِ(2)

فَضْلُها في الأنامِ عالٍ وَ سامِي *** خَصَّها بِالتَّطْهِيرِ رَبُّ الأنامِ

قَدْ سَمَتْ رِفْعَةً وَ عَزَّتْ جَنابا(3)

ص: 39


1- ربما يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد في لسان الميزان للعسقلاني ج3 ص346 عن الإمام الحسن بن علي العسكري علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم: لما خلق اللَّه آدم و حوّا تبخترا في الجنة و قالا: من أحسن منا؟ فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار، قالا: يا رب ما هذه؟ قال: صورة فاطمة علیها السلام سيدة نساء ولدك قال: ما هذا التاج على رأسها قال: علي علیه السلام بعلها. قال: فما القرطان. قال: ابناها علیهما السلام، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.
2- يوم الزحام: يوم القيامة.
3- العترة الطاهرة ص24.

(7) ذكر فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

أبْكِي وَ دَمْعِي عَلَى الْخَدَّيْنِ مُنْسَكِبُ *** وَ القَلْبُ مِنِّي بِنَارِ الْوَجْدِ مُلْتَهِبُ

وَ في الحَشَاشَةِ نِيرانُ الْجَواءِ ذَكَتْ *** لَمْ يُطْفِها عارِضٌ يَهْمِي وَ يَنْسَكِبُ(2)

تَمُرُّ بَيْنَ طُلُوعِي وَ الزَّفيرُ لَها *** يَعْلُو فَأَنْفاسُ نَفْسِي كُلُّها لَهَبُ

فَلا أنا بِلَذِيدِ العَيْشِ في رَغَدٍ *** مِنَ الحَيَاةِ وَ يَوْمِي كُلُّه صَحَبُ

و الليلُ إِنْ جَنَّ اذْكَى الْمَواقِدَ ما *** بَيْنَ الْجَوانِح مِنِّي فَالْحَشَا يَجِبُ

كَأَنَّنِي الْوُرْقُ إما لاحَ جُنْحُ دُجَى *** بِعَيْنِهِ راحَ فَوْقَ الدَّوحِ يَنْتَدِبُ

قالَ الْعَواذِلُ لي لَمَّا رَأَوْا شَجَنِي *** ماذا الْجَوى أنتَ طولُ الدهرِ تَنْتَحِبُ؟

أتَشْتَكِي نِعْمَةٌ فَارَقْتَ لَذَّتَها *** أَمْ تَشْتَكِي بُعْدَ أَحبَابٍ قَدِ اغْتَرَبُوا؟

أَمْ تَشْتَكِي مَنْزِلاً بَعْدَ الأنيسِ خَلا *** فَزادَ وَجْدَكَ ذاكَ المَنْزِلُ الْخَرِبُ؟

فَقُلْتُ كَلاً فما هاجَ الوَسَاوِسَ لي *** ذكرُ النَّوى وَ أُنَاسٌ دُونَنَا رَغَبُوا

لَكِنَّما قَدْ شَجَانِي ذِكْرُ فَاطِمَةٍ *** سِنًّ النِّسا إِذْ عَلَيْها صُبَّتِ الْكُرَبُ(3)

ذَكَرْتُها وَ هْيَ تَبْكِي فَقْدَ وَالِدِها *** قَدْ غَيَّبَتْ دونَها أَنْوَارَهُ التُّرَبُ(4)

ص: 40


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ذكتُ: اشتدّ لهيبها. يهمي: يسيل.
3- و ذلك إشارة لما ورد أسد الغابة ج5 ص522 في قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم: ألا ترضين أن في تكوني سيدة نساء العالمين.
4- إشارة لما ورد في كتاب الخصال للشيخ الصدوق في ج1 ص273 باب الخمسة حديث 15 حيث ورد عن الإمام الصادق علیه السلام: البكاؤون خمسة (إلى أن قال) أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى لها أهل المدينة.

تَبْكِي لَهُ وَيَتَامَاهَا مُوَلُولَةً *** وَ كُلُّهُمُ بِفِرَاقِ الجَدِّ مُكْتَيْبُ

لَهْفِي لَها حِينَ وَافَتْ قَبْرَ وَالدِها *** تَبْكِي و أَدْمُعُها في الْخَدَّ تَنْسَكِبُ(1)

تَقُولُ: يَا وَالدي يا خَيْرَ مُعْتَمَدِي *** وَ يا مَلاذِي إذا ما نابَتِ النُّوبُ

(قَدْ كانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَ هَنْبَئَةٌ *** لَوْ كُنْتَ شاهِدَها لَمْ تَكْثُر الْخُطَبُ)

(إِنَّا فَقَدْناكَ فَقْدَ الأَرْضِ وَابِلَها *** وَ اخْتَل قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نَكَبُوا )(2)

(أبْدَى رِجالٌ لَنَا نَجْوَى صُدورِهِمُ *** لَمّا مَضَيْتَ وَ حالَتْ دُونَكَ التُّرَبُ)

(تَهَضَّمَتْنا رِجَالٌ وَاسْتُخِفَّ بنا *** لَمّا فُقِدْتَ، وَ كُلُّ الإِرْثِ مُعْتَصَبُ)

(وَ كُنْتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضاءُ بِهِ *** عَلَيْكَ تَنْزِلُ مِنْ ذِي العِزَّةِ الْكُتُبُ)

(وَ كانَ جِبْرَئِيلُ بِالْآياتِ يُؤْنِسُنا *** فَقَدْ فُقِدْتَ وَ كُلُّ الخيرِ مُحْتَجَبُ)

ص: 41


1- في البحار/ للمجلسي / ج43 ص174 ح15 قال: ثم أقبلت تعثّر في أذيالها و هي تبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعها حتى دنت من قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها و دام نحيبها و بكاها و هي تقول: رفعت قوتي و خانني جلدي و شمت بي عدوّي و العمد قاتلي و انقطع ظهري و تنغص عيشي فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي فقد فني بعدك محكم التنزيل ومهبط جبرئيل انقلبت يا أبتاه بعدك الأسباب و تغلّقت دوني الأبواب... وورد في كتاب العوالم ج2/11 ص792. في باب مدة بقائها «صلوات الله عليها» بعد أبيها. حيث ورد أنها دنت من قبر أبيها محمد صلي الله علیه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها، و دام نحيبها و بكاؤها إلى أن أغمي عليها.
2- و في بعض النسخ: فاشهدهم فقد كذبوا. و هذة الأبيات الأخيرة المقوسة ممّا نسب إلى الزهراء علیها السلام. و الهنبئة: اختلاط في القول. و نقل هذه الأبيات عن فاطمة الزهراء علیها السلام بعد إيراد خطبتها التي أوضحت ما وقع عليها من الظلم و القهر و الإيذاء، و غصب حق الوصي و قهر الصديقة على فدك صاحب كتاب العوالم ج2/11 ص686 مع ذكره لمصادر كثيرة نقلت هذه الخطبة و ما تفوّهت و نطقت به من هذه الأبيات التي أشارت فيها إلى مظلوميتها «صلوات الله عليها» في تلك الصفحة. راجع أيضاً دلائل الإمامة/ للطبري/ ص35 حيث يقول: إن هذه الأبيات لصفية بنت عبد المطلب... تمثلت بها فاطمة الزهراء علیها السلام و في كشف الغمة ج1 ص480 : إن هذه الأبيات لهند ابنة أثاثة.

(فَلَيْتَ قَبْلَكَ كَانَ المَوْتُ صادَفَنا) *** (لَمّا مَضَيْتَ وَ حالَتْ دُونَكَ التُّرَبُ)

(إِنَّا رُزِئْنَا بِمَا لَمْ يُرْزَذُو شَجَنٍ) *** (مِنَ الْبَرِيَّةِ لا عُجْمٌ وَ لا عَرَبُ)(1)

ص: 42


1- كنوز المدح و الرثاء ص53.

(8) ضاق الفضاء

(بحر البسيط)

الشيخ حسن بن حمود الحلي(*)(1)

سَلْ أربعاً فَطَمتْ أكْنَافَها السُّحُبُ *** عَنْ ساكنيها مَتى عَنْ أُفْقِهَا غَرَبُوا

سرعان ما صاحَ طَيْرُ الْبَيْنِ بَيْنَهُمُ *** فَأَصْبَحُوا فِرَقاً عَنْ عَقْرِها عَزَبُوا(2)

ص: 43


1- (*)هو الشيخ حسن ابن الشيخ علي بن الحسين بن حمود الحلّي. ولد في النجف الأشرف سنة «1305ه»، و نشأ بها في كنف والده العالم الجليل و الفقيه الكبير الشيخ علي، هاجر والده من الحلة إلى النجف في سن الكهولة، و أكبّ على طلب العلم حتى نال درجة الاجتهاد. و لتقاه و ورعه كان موضع ثقة المجتمع على اختلاف طبقاته، فكان يقيم الصلاة في الصحن العلوي الشريف و كانت تأتم به مختلف الطبقات، حتى توفي في 7 شوال سنة «1344 ه»، و كان له ولدان فاضلان هما الحسن و الحسين علیهما السلام. أما الثاني و هو الأصغر فكان من المجتهدين العظام و ممن يشار إليه بالبنان، و قد توفي منذ فترة قريبة و كان يعد من المعمّرين. و أما الأول و هو المترجم له فقد كان من نوابغ عصره و من أشهر أساتذته الذين اتصل بهم و استفاد منهم في العربية و آدابها هو الشيخ محمد رضا الخزاعي و الشيخ عبد الحسين بن ملا قاسم الحلّي و السيد مهدي الغريقي البحراني و كان شاعرنا شديد الملازمة لحضور نادي العلّامة الجليل السيد محمد سعيد الحبوبي، الأمر الذي أعطاه قوة و مكانة أكثر في الشعر و الأدب. ترك خلفه آثاراً، منها رسالة في علم الصرف و هي اليوم عند ولده الشيخ أحمد، و ديوان شعره الذي جمعه ولده المشار إليه، و هو يقارب 1500 بيتاً و مرتب على حروف الهجاء، و من أشهر قصائده هذه القصيدة التي نقلناها من الديوان و هي مشهورة و محفوظة. توفاه الله يوم الثلاثاء 11ربيع الثاني سنة «1337ه_» المصادف 1 كانون الثاني سنة (1919م) و دفن في الصحن الحيدري، أمام الإيوان الذهبي.
2- عزبوا: بعدوا و غابوا.

سَرَتْ تَجُوبُ الفَيافي فيهِمُ النُّجُبُ *** وَلِي فُؤاد قَفا آثارِهِمْ يَجِبُ(1)

أَتْبَعْتُهُمْ ناظراً خَيْلُ الدُّموع بهِ *** تَسَابَقَتْ فَهْوَ دامِي الْغَرْبِ مُخْتَضَبُ(2)

أضْحَتْ مَنازِلُهُمْ لِلْوَحْشِ مُعْتَكَفاً *** فِيهِنَّ طَيْرُ الفَنا ينعى وَ يَنْتَحِبُ

لَمْ يَبْقَ منها سوى رَسْمِ وَ ذِي شَعَثٍ *** رَأْسٍ أَشَجِّ عَلَتْ مِن فَوْقِهِ الْكُثُبُ

وَ ذِي انْحِنَاءٍ كَجِسْم الصَّبُ تَحْسَبُهُ *** نُوناً بها عُجْمُ شِينِ الخَط قَدْ كَتَبُوا

أَوْهَتْ قَواعِدَها كَفَ الصَّنَا فَعَفتْ *** آثارُها وَ مَحَتْ سيماءَهُ النُّوبُ

وَقَفْتُ فيها وَ دَمْعُ العَيْنِ مُنْسَكِبٌ *** كَالْغَيْثِ وَ النَّارُ فِي الْأَحْشاءِ تَلْتَهِبُ

وَ بِي لَواعِجُ وَجْدِ لَوْ رَمَيْتُ بِها *** صَدْرَ الفَضا ضاقَ وَ هُوَ الواسِعُ الرَّحِبُ

حَيْرانُ أَقْبضُ في رَغْشِ الْبَنانِ حَشاً *** حَرّى أنا خَتْ بها الأَحْزَانُ و الكُرَبُ

و قائل ليَ رَفّه عَنْ حَشَاكَ وَلِي *** وَجدٌ إذا ما نَزا بِالقَلْبِ يَضْطَرِبُ

فَقُلْتُ لَمْ يَشْجَنِي نَأْيُ الْخَلِيطِ وَلا *** رَبْعٌ مَحَتْ رَسْمَهُ الأعْوَامُ و الحقُبُ

لكِنْ أذابَ فؤادي حادِثٌ جَلَلٌ *** تُنمى إِلَيْهِ الرَّزايا حِينَ تَنْتَسِبُ

يَوْمٌ قَضَى المُصْطَفَى في صُبْحِهِ وَ عَلَى *** الأَعْقَابِ مِنْ بَعْدِهِ أَصْحابُهُ انْقَلَبُوا(3)

قادُوا أخاهُ وَ رَضُوا ضِلْعَ بَضْعَتِهِ *** بِجَوْرِهِمْ وَ لَهَا الْبَغْضَاءَ قَدْ نَصَبُوا(4)

ص: 44


1- الفيافي: الصحاري التي لا ماء فيها.
2- الغَرْبُ: جمعه غروب هو عرق في العين.
3- يشير في هذا البيت إلى الآية المباركة:«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [سورة آل عمران الآية: 144].
4- في حديث طويل في البحار في ذيله: «وجمعت جمعاً كثيراً لا مكاثرة لعلي و لكن ليشد بهم قلبي و جئت و هو محاصر فاستخرجته من داره مكرهاً مغصوباً و سقته إلى البيعة سوقاً» ج 8 ص220 ط حجرية وعنه في كتاب الزهراء بهجة قلب المصطفى ص553. و ذكر مسألة رض الضلع سليم بن قيس في ص40 حيث قال: «وکان قنفذ لعنه الله» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط حین حالت بينه و بين زوجها أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضدة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها... إلخ راجع الاستيعاب ج2 ص460 و المستدرك من الصحيحين ج2 ص199 أيضاً. و في حديث طويل في البحار ج28 ص269. «فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبو بكر و عمر فوثب علي فأخذ بتلابيبه فصرعه... إلخ. و جاء في ج43 ص198 من البحار أيضاً، و ذكر ذلك الكليني ج6 ص18 و تفسير القمي في تفسير قوله «تعالى»: «زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ» [سورة آل عمران الآية: 185] و كامل الزيارات ص332 و ص333.

لَمْ انْسَهَا و هي تَنْعَاهُ وَ تَنْدبُهُ *** وَ قَلْبُها بِيَدِ الأَرْزَاءِ مُنْتَهَبُ

تَقُولُ يا والدي ضاقَ الْفَضاء بنا *** لَمّا مَضَيْتَ وَ حَالَتْ دُونَكَ التُّرَبُ

(قَدْ كانَ بَعْدَكَ أَنْبَاءٌ وَهَنْبئَةٌ *** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَها لَمْ تَكْثُرِ الْخُطَبُ)(1)

(إِنَّا فقدناكَ فَقْدَ الْأَرْضِ وابِلَها *** وَ اخْتَلَّ قَوْمُكَ فَاشْهَدْهُمْ فَقَدْ نَكَبُوا)(2)

نَفَوْا أخاكَ عَلِيّاً عَنْ خِلافَتِهِ *** وَ شَيْخَ تَيْمٍ عِناداً مِنْهُمُ نَصَبُوا

كَقَومٍ مُوسى أطاعُوا الْعِجْلَ وَ اعْتَزَلُوا *** هارونَ وَ السَّامِرِيُّ الرِّجْسَ قَدْ صَحِبُوا

وَيْلٌ لَهُمْ نَبَدُّوا القُرْآنَ خَلْفَهُمُ *** وَ مَزَّقُوهُ عِناداً بِئْسَ ما ارْتَكَبُوا

مَا رَاقَبُوا غَضَبَ الجِبَارِ حِينَ إلَى *** الْمُخْتارِ أَحْمَدَ قَوْلَ (الْهَجْر) قَدْ نَسَبُوا(3)

ألْغَوْا وَصاياه في أهْلِيهِ وَ انتَهَبُوا *** مِيراثَهُ وَ إِلى حِرْمَانِهِمْ وَثَبُوا(4)

ص: 45


1- هنبئة: الاختلاط في القول.
2- هذان البيتان المقوسان مما نسب إلى الزهراء علیها السلام و في كشف الغمة نسبت إلى هند بنت أثاثة.
3- من كتاب السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص450 طبعة دار إحياء التراث العربي قال: قال: البخاري حدثنا قتيبة حدثنا سفيان بن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: يوم الخميس و ما يوم الخميس اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله و سلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعده أبداً. فتنازعوا -و لاينبغي عند نبي تنازع- فقالوا ما شأنه أهجر؟.... الخ. و ذكره البخاري في صحيحه 279/2 و كتاب النهاية 255/4 و مصادر كثيرة أخرى.
4- وصايا النبي لعلي علیه السلام كثيرة منها وصيته يوم الغدير في صحيح الترمذي ج3 ص298، روي بسنده عن شعبة عن زيد بن أرقم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، و ذكره علي بن سلطان في مرقاته ج5 ص568 في الشرح عن الجوامع أنه روى الترمذي و النسائي و الضياء عن زيد بن أرقم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» نقلاً عن كتاب لفضائل الخمسة من الصحاح الستة و هناك روايات أخرى في الكتاب و منها في الرياض النضرة ج2 ص163: «علي مني بمنزلتي من ربي»، و ذكره في الصواعق ص106 ، و في تاريخ بغداد ج2 ص12 عن البراء: «علي مني بمنزلة رأسي من بدني» و منها في صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي علیه السلام قوله له: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» و ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء ج7 ص194 و كثير غيرها. أيضاً من كتاب فضائل الخمسة. و منها في صحيح الترمذي ج2 ص299 عن ابن عمر و يذكر حديث المؤاخاة بطرق كثيرة، و منها في طبقات ابن سعد ج1 القسم 1 ص124 بعد ذكره دعوة أربعين نفراً من بني عبد المطلب و إطعامهم و قوله لهم: من «يؤازرني على ما أنا عليه على أن يكون أخي و له الجنة» فقال: علي علیه السلام، فقلت: أنا يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و إني لأحدثهم سناً و أحمشهم ساقاً و سكت القوم ثم قالوا: يا أبا طالب ألا ترى ابنك، قال: دعوه فلن يألو ابن عمه خيراً و غيرها. هو أيضاً من كتاب فضائل الخمسة هذا بالنسبة لعلي علیه السلام أما أهل البيت علیهم السلام على العموم فالروايات لا تحصى منها أية المودة عن سعيد بن جبير قوله «تعالى»:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قال هي قربي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، تفسير ابن جرير الطبري ج25 ص16، و في كنز العمال ج6 ص217 قال: من أحب هؤلاء فقد أحبني و من أبغضهم فقد أبغضني يعني الحسن و الحسين و فاطمة و عليا علیهم السلام و كثير غيرها، و في كتاب فضائل الخمسة الصحاح الستة ج2 ص52، وصايا النبي صلي الله علیه و آله و سلم في أهل بيته علیهم السلام باب في قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم «إني تارك فيكم الثقلين»: عن «صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة في باب من فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام» روي بسنده عن يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا و حصين بن سبرة، و عمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً -إلى قوله- ثم قال: قام رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً مكة و المدينة فحمد الله و أثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال: أما بعد ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول صلي الله علیه و آله و سلم ربي فأجيب و إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به فحث على كتاب الله و رغب فيه، ثم قال: و أهل بيتي علیهم السلام، أذكركم الله في أهل بيتي علیهم السلام أذكركم الله في أهل بيتي علیهم السلام إلى آخر الحديث أخذنا موضع الحاجة. و في الكتاب نفسه ص53 عن (صحيح الترمذي ج2 ص308 ) روي بسنده عن أبي سعيد و الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. (أقول) و رواه ابن الأثير الجزري أيضاً في أسد الغابة (ج2 ص12) و السيوطي أيضاً في الدر المنثور في ذيل تفسير آية المودة في سورة الشورى و قال أخرجه ابن الأنباري في المصاحف. و في ص83 من (فضائل الخمسة ج 2) عن (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج2 ص146) روی بسنده عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: شفاعتي لأمتي من أحبّ أهل بيتي علیهم السلام و هم شيعتي.

ص: 46

جارُوا عَلَى ابْنَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَغَدَتْ *** عَبْرَى النَّواظِرِ حُزْناً دَمْعُها سَرِبُ(1)

وَجَرَّعُوها خُطُوباً لَوْ وَقَعْنَ علَى *** صُمٌّ الجِبالِ لأَضْحَتْ وَ هُيَ نَضْطَرِبُ

أَبَضْعَةُ الظُّهْرِ طَهُ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ *** بالبابِ يَعْصِرُهَا الطَّاغِي وَ مَا غَضِبُوا(2)

رَضُوا أَضَالِعَها أَجْرَوْا مَدامِعَها *** أَدْمَوْا نَواظِرَها مِيرَانَها غَصَبُوا(3)

ص: 47


1- و بيت الأحزان خير دليل على عبرات الزهراء علىها السلام علی رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بعد إيذاء القوم لها بناه لها الإمام علي علیه السلام نازحاً عن المدينة سمّي ببيت الأحزان، و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية، فلا تزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها. من كتاب فاطمة من المهد إلى اللحد ص584 .
2- في کتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: (لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... الخ، و راجع أيضاً كتاب مأساة الزهراء علیها السلام للعاملي ج1 ص353 و قال محمد حسين الأصفهاني من قصيدة له مشيراً إلى الحدث: و لست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار
3- قال السيوطي عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية: «وات ذا القربى حقه» [سورة الإسراء، الآية: 26] دعا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدك/ الدر المنثور ج5 ص273. و في كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفى ص395. و عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال علي علیه السلام الفاطمة علیها السلام انطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فجاءت إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال: النبي لا يورَّث. فقالت: ألم يرث سليمان داود فغضب و قال: النبي لا يورَّث. فقالت: ألم يقل زكريا: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سورة مريم، الآيتان 5 -6] . فقال: النبي صلي الله علیه و آله و سلم لا يورَّث. فقالت: ألم يقل: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» [سورة النساء، الآية:11]. فقال النبي لا يورث راجع كتاب فاطمة علیها السلام بهجة القلب المصطفى ص422. و في شرح نهج البلاغة ج16 ص274 لقي عمر بن الخطاب فاطمة علیها السلام آتية من عند أبي بكر، فقال لها: من أين جئت يا فاطمة علیها السلام؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطاني فدكاً و أن علياً علیه السلام و أم أيمن يشهدان لي بذلك فأعطانيها و كتب لي بها، فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدكاً و كتبت بها لها؟ قال:نعم، فقال: إن علياً يجرّ إلى نفسه و أم أيمن امرأة و بصق في الكتاب فمحاه و مزقه. و في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص106... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها-أي فاطمة علیها السلام- فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها. و في البحار للمجلسي ج43، ص175، ح15 . كانت فاطمة علیها السلام تبكي و تقول: رفعت قوتي و خانني جلدي و شمت بي عدوي... و انقطع ظهري و تنغص عيشي و تكدَّر دهري... انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب و تغلقت دوني الأبواب... يا أبتاه أمسينا بعدك المستضعفين يا أبتاه أصبحت الناس عنّا ،معرضين و لقد كنَّا بك معظّمين غير مستضعفين... إلى آخر قولها «سلام الله عليها». و في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص119: لما بويع اب أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة علیها السلام منها.

لِبَيْتِها وَ هْيَ حَسْرى في مَعاصِمها *** عَدَوْا فَلاذَتْ وَرَاءَ البَابِ تَحْتَجِبُ

فَالَمُوْا عَضُدَيْها في سِياطِهِمُ *** وَ أَسْقَطُوا حَمْلَها وَ المُرْتَضَى سَحَبُوا(1)

قادُوهُ بِالحَبْلِ قَهْراً وَ هْيَ خَلْفَهُمُ *** تَدْعُو وَ أَدْمُعُها كَالغَيْثِ يَنْسَكِبُ

يا قَوْمِ خَلُوا ابْنَ عَمِّي قَبْلَ أَنْ تَقَعَ *** الْخَضْرَاءُ فَوْقَ الشَّرِى وَ الْكُونُ يَنْقَلِبُ(2)

ص: 48


1- في كتاب الاحتجاج ج1 ص212: «فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط... إلخ. و راجع مأساة الزهراء علیها السلام ج1 ص299. «و روى المجلسي في البحار عن علي علیه السلام فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها و كسر ضلعها من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها». راجع أيضاً مرآة العقول ج5 ص320. و في كتاب الكافي: إن فاطمة علیها السلام لما أن كان من أمرهم ما كان أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها، ثم قالت: أما والله يا ابن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجده سریع الإجابة الكافي ج1 ص460 ، راجع مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص55 أيضاً. و في الوافي بالوفيات/ ج5 ص347: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت (المحسن) من بطنها، و في المناقب لابن شهر آشوب/ ج3 ص358. إن (محسناً) فسد من زخم قنفذ العدوي. و في الاحتجاج للطبرسي/ ج1 ص113: روي عن الصادق علیه السلام أنه قال: لما استخرج الإمام علیه السلام من منزله مليباً خرجت فاطمة علیها السلام خلفه فما بقيت امرأة هاشمية إلّا خرجت معها فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً لله صلي الله علیه و آله و سلم بالحق إن لم تخلوا عنه لأنشرنّ شعري و لأصرخن إلى الله تبارك و «تعالى».
2- و أشار اليعقوبي في تاريخه و بلغ أبابكر و عمر أن جماعة من المهاجرين و الأنصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب علیه السلام في منزل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأتوا في جماعة حتى هجموا على الدار فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: واللَّه لتخرجنَّ أو لأكشفنَ شعري و لأعجنَّ إلى الله فخرجوا فخرج من في الدار تاريخ اليعقوبي ج2 ص126، و ذكرها العاملي عنه في مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص200 ، و في البحار ج28 ص227، و تفسير العياشي ج2 ص67 قال: «فلما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره -و كان من سعف- فدخلوا على علي علیه السلام و أخرجوه مليباً». فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي واللَّه لئن لم تكفان عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي، فخرجت و أخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام متوجهة إلى القبر فقال علي علیه السلام لسلمان: يا سلمان أدرك ابنة محمد علیها السلام فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان... الخ راجع أيضاً فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى ص547.

فَقَنَّعُوها بِقَرْع الأَصْبَحِيَّةِ لا *** عَدَاهُمُ سَخَطُ الجِبارِ وَالْغَضَبُ

وَ وَشَّحُوا مَتْنَهَا بِالسَّوْطِ فَانْكَفَأَتْ *** لِدارِها وَ حَشاها مِلؤُهُ عَطَبُ

حَرَّى الفُؤَادِ يُرَوِّي الأرضَ مَدْمَعُها *** فَكُلَّما سالَ هذا ذاكَ يَلْتَهِبُ

قَدْ حارَبَ النَّوْمُ عَيْنَيْهَا وَ أَنْحَلَها *** فَرْطُ البُكَاءِ وَ أَضْنَى جِسْمَهَا التَّعَبُ

مَا بَارَحَتْ قَلْبَها الأَحْزَانُ ذاتُ حشاً *** حَرَّى إلى أنْ أُهِيلَتْ فَوْقَهَا التَّرَبُ

قَضَتْ وَ في جَنْبِها أَثَرَ السَّيَاطِ وَ في *** فُؤادِها لِلرَّزايا جَحْفَلٌ لَجِبُ(1)

ما شَيَّعُوا نَعْشَها السَّامي عُلا وَ لَقَدْ *** تَزاحَمَتْ خَلْفَها الأمْلاكُ تَنْتَحِبُ(2)

سَلُّوا ظُبَا الظُّلم مِنْ أَغْمَادِها فَغَدا *** في حَدِّهَا سِبْطُ طَهَ الظُّهْرِ يَعْتَصِبُ

ص: 49


1- جحفل لَجبُ: جيش ذو كثرة.
2- عن البحار ج43 ص183 عن تاريخ أبي بكر بن كامل قالت عائشة، عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما توفيت دفنها علي ليلاً و صلى عليها. و في تاريخ الطبري: إن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي و المقداد و الزبير، و في روايات أنه صلى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و في رواية و العباس و ابنه الفضل، و في رواية و حذيفة و ابن مسعود. الأصبغ بن نباتة أنه سأل أميرالمؤمنين علیه السلام عن دفنها ليلاً و قال: إنها كانت ساخطة على قوم کرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها... الحديث في ذلك طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

ثاوِ بِحَرُ هَجِيرِ الشَّمْسِ مُنْجَدِلاً *** تَظِلُّهُ السَّمْرُ وَ الهِنْدِيَّةُ القُضُبُ(1)

جالَتْ عَلَيْهِ العَوادِي بَعْدَ ما نَهَبَتْ *** أَشلاءه البيضُ وَ الْعَسّالَةُ السُّلُبُ(2)

يا ثاوياً بِمَحانِي الطَّفِّ قَدْ سَلَبُوا *** ثِيَابَهُ وَ كَسَتْ جُثْمَانَهُ الكُثُبُ

(تاللَّهِ ما سَيْفُ شِمْر نال مِنْكَ وَ لا *** يَدا سِنانٍ وَ إِنْ جَلَّ الَّذِي ارْتَكَبُوا)

(لَوْلا الأُولى أَغْضَبُوا رَبَّ العُلى وَ أَبَوْا *** نَصَّ الوَلاءِ وَ حَقَّ المُرْتَضَى غَصَبُوا)

(كَفُّ بِهَا أُمَّكَ الزَّهْرَاءَ قَدْ ضَرَبُوا *** هِيَ الَّتِي أُخْتَكَ الْحَوْرًا بِها سَلَبُوا)(3)

فَدُونَكُمْ يَا بَنِي الزَّهْرَاءِ مَرْثِيَةً *** إِنْ تُتْلَ شَجْواً فَقَلْبُ الصَّخْرِ يَنْشَعِبُ

أَرْجُو خَلاصِي بِهَا فِي يَوْم لا سَبَبٌ *** يُغْنِي سِواكُمْ وَ لامال و لاحَسَبُ

عَلَيْكُمُ صَلَوَاتُ اللهِ مَا طَلَعَتْ *** فِي الأُفُقِ شَمْسُ وَ لاحَتْ أَنْجُمٌ شُهُبُ(4)

ص: 50


1- منجدلاً: مرمياً على الأرض.
2- العسّالة: الرماح المضطربة.
3- الأبيات المقوسة من قصيدة للكعبي.
4- من كتاب شعراء الحلة ج1 ص312.

(9) خلوا ابن عمي

(بحر البسيط)

الشيخ حسن بن حمود الحلي (*)(1)

تخميس الشيخ جعفر الهلالي

و قد خمّس بعض أبيات القصيدة السابقة: الشيخ جعفر الهلالي

للَّهِ قَوْمٌ تَمادَوْا بَعْدَ مَا انْقَلَبُوا *** مُذْ فِي سَقِيقتهم لِلْغَدْر قَدْ نَصَبُوا

كأنَّ دُنْيا لَهُمْ مِنْ أَحْمَدٍ طَلَبُوا *** أَلْغَوْا وَصاياهُ فِي أَهْلِيهِ وَ انْتَهَبوا

ميراثَهُ وَ إلى حِرْمَانِهِمْ وَثَبُوا

قَدْ أَسْرَعَتْ تِلْكُمُ الأَصْحَابُ وَ اغْتَنَمَتْ *** مَوْتَ الرَّسُولِ وَ عَنْ حِقْدٍ لَهَا كَشَفَتْ

فَحُرْمَةُ الْآلِ فِيهِ قَطُّ مَا حَفِظَتْ *** جَارُوا عَلَى ابْنَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَغَدَتْ

عَبْرَى النَّواظِرٍ حُزناً دَمْعُها سَرِبُ

مِنْ بَعْدِهِ أَوْرَثُوهَا السُّقْمَ وَ الْعِلَلا *** فَكَابَدَتْ مِحَناً مِنْهَا الْفُؤادُ غَلا

قَدْ نَاصَبُوهَا العِدَا مُذْ شَخْصُهُ رَحَلا *** وَ جَرَّعُوها خُطوباً لَوْ وَقَعْنَ عَلَى

صُمّ الصُّخُورِ لَأَضْحَتْ وَ هُيَ تَضْطَرِبُ

شَأَتْ نِسَاءَ البَرايا في عَوالِمِها *** بِمَا تَضَافَرَ مِنْ دنيا مَكارِمِها

لَكِنّما الصَّحْبُ جَدُّوا في مَظَالِمِها *** لِبَيْتِها وَ هْيَ حَسْرى في مَعَاصِمِها

عَدَوْا فَلاذَتْ وَرَاءَ البابِ تَحْتَجِبُ

مِنَ الْفَضَائِلِ قَدْ حازَتْ جَوامِعَهَا *** وَ نُورُها لِلسَّمَا يُطْفِي لَوامِعَها

بِضَرْبِهَا الصَّحْبُ قَدْ نالَتْ مَطامِعَهَا *** رَضُوا أضالِعَها أَجْرَوْا مَدامِعَها

ص: 51


1- (*)مرت ترجمه الشاعر في القصيدة السابقة.

أَدْمَوْا نَواظِرَها مِيراثَهَا غَصَبُوا

تَنَكَّبُوا بَعْدَ طَهَ عَنْ صِراطِهِمُ *** وَ أَظْهَرُوا كُلَّ جَوْرٍ في نِشَاطِهِمُ

خانُوا بِبَضْعَته بَعْدَ اشْتِراطِهِمُ *** فَالَمُوا عَضُدَيْهَا فِي سِياطِهِمُ

وَ أَسْقَطُوا حَمْلَهَا وَ الْمُرْتَضَى سَحَبُوا

فَاطمٍ حِينَ أَبْدَى الْقَوْمُ خَلْفَهُمُ *** وَ حَكَمُوا في أبي السِّبْطَيْنِ جَلْفَهُمُ(1)

جَاؤُوا إلى الدَّارِ يَسْتَعْدُونَ حِلْفَهُمُ *** قادُوهُ بِالْحَبْلِ قَهْراً وَ هْيَ خَلْفَهُمُ

تَدْعُو وَ أَدْمُعُها كَالْغَيْثِ تَنْسَكِبُ

سَرَتْ وَراءَهُمْ سَعْياً بِغَيْرِ مَلَلْ *** مُذْ أَخْرَجُوهُ إِلَى الطَّاغِي بِدُونِ مَهَلْ

تَقُولُ وَ النَّارُ مِنْها فِي الفُؤادِ شُعَلْ *** يا قَوْمُ خَلُّوا ابنَ عَمِّي قَبْلَ أنْ تقَعَ

الخضراءُ فَوْقَ الثَّرى وَ الكَوْنُ يَنْقَلِبُ

ما راقبوا الله فيها لا وَلا الرُّسُلاً *** وَ لااسْتَجَابُوا لِصَوْتِ الحَقِّ حِينَ عَلا

رامُوا لِتَرْجِعَ لَكِنْ لَمْ يَرَوْا حِوَلا *** فَقَنَّعُوها بِضَرْبِ الأَصْبَحِيّةِ لا(2)

عَداهُمُ سَخَطُ الجَبَّارِ وَالْغَضَبُ

لَمَّا رَأَوْا أَنَّها بِالْقَرْع ما رَجَعَتْ *** وَ أَنْها خَلْفَهُمْ بِالْعَدْهِ ما فَتِئَتْ

عَادُوا لَهَا بِسِيَاطٍ مِنْهُمُ ارْتَفَعَتْ *** وَ وَشَحُوا مَتْنَها بِالسَّوْطِ فَانْكَفَاتْ

لِدارِها وَحَشاها مِلْؤُهُ عَطَبُ(3)

ص: 52


1- الجلف: الغليظ الجافي، الظالم.
2- الأصبحية: جمع الأصحبي، و هو السوط.
3- عطبُ: غضبُ.

(10) يوم السقيفة

(بحر الطويل)

حسن بن علي بن جابر الهَبَل

أَيُغْنِيكَ دَمْعٌ أَنْتَ فِي الرَّبِعِ ساكِبُهُ *** وَ قَدْ رحَلَتْ غِزْلانُهُ و رَبارِبُهْ(1)

تُهَوِّنُ أَمْرَ الحُبِّ مُدَّعِيا لَهُ *** وَما الحُبُّ أهْلُ أنْ يُهوَّنَ جَانِبُهْ

لِكُلِّ مُحِبْ كَأْسُ هَجْرٍ وَ فُرْقَةٍ *** فَإِنْ تَصْدُقِ الدَّعْوَى فَإِنَّكَ شَارِبُهْ

عَجِبْتُ لِصَبٌ يَسْتَلِذُ مَعَاشَهُ *** وَ قَدْ ذَهَبَتْ أَحْبَابُهُ وَ حَبائِبُهْ

فَلا حُبَّ مَهُما لَمْ يَبِتْ وَ هُوَ فِي الْهَوى *** قَرِيحُ الْمَآقي(2) ذاهِلُ القَلْبِ ذاهِبُهْْ

«وَمُكْتَيْبٍ يَشْكُو الزَّمَانَ وَ قَدْ غَدَتْ *** مَشارِفُهُ مَسْلُوكةً وَ مَغَارِبُهْ»

وَ مُلْتَزِمُ الأَوْطَانِ يَشْكُو هُمُومَه *** وَ قَدْ ضَمِنَتْ تَفْرِيجَهُنَّ رَكائِبُهُ

فَشُقَّ أَدِيمَ الخَافِقَيْنِ(3) مُجَرِّداً *** مِنَ الْعَزْمِ سَيْفاً لَاتَكِلُّ مَضَارِبُهْ

وَ حَسْبُكَ أَدْراعٌ مِنَ الصَّبرِ إنّها *** لَتُحْمَدُ في جُلِّ الخُطُوبِ عَوَاقِبُهْ

فَأَيُّ لَئِيمٍ مَا الزَّمانُ مُسَالِمٌ *** لَهُ وَ كَريمِ مَا الزّمانُ مُحارِبُهْ(4)

فَلا كَانَ مِنْ دَهْرِ بِهِ قَدْ تَسوَّدتْ *** عَلَى الْأُسدِ في آجامِهِنَّ ثَعَالِبُهْ

كَفَى بِالنَّبِيِّ المُصْطَفَى وَ بِالهِ *** فَهَلْ بَعْدَهُمْ تَصْفُو لِحُرِّ مَشارِبُهْ

دَعاكُلُّ باغ في الْأَنامِ وَ مُعْتَدٍ *** إلى حَرْبِهِمْ وَ الدَّهرُ جَمْ عَجَائِبُهْ

ص: 53


1- رباربه: جمعُ الرَّبْراب و هو القطيع من بقر الوحش.
2- قريح المآقي: جريح مجاري الدمع.
3- أديم الخافقين: كامل المشرق و المغرب.
4- كلمة (ما) في الصدر و العجز نافية بمعنى ليس.

فَكَمْ غَادِرٍ أَبْدَى السَّخائِمَ(1) وَ اغْتَدَتْ *** تَنُوشُهُمُ أَظْفَارُهُ وَ مَخالِبُهْ

سَيَلْقَوْنَ يَوْمَ الحَشْرِ غِبَّ فِعَالِهِمْ *** وَ كُلُّ امْرىءٍ يُجْزَى بما هُوَ كَاسِبُهْ(2)

أُهِينَ (أبوالسِّبْطَيْن) فِيهِمْ وَ (فاطمٌ) *** وَ أَهْمِلَ مِنْ حَقِّ القَرابَةِ وَاجِبُهْ(3)

تَجارَوْا عَلَى ظُلْم الوَصيَّ وَ رُبّما *** تَجارَى على الرَّحمن مَنْ لا يُراقِبُهْ

وَ لَمْ يُرْجِعُوا مِيراثَ بِنْتِ (مُحَمَّدٍ) *** وَ قَدْيُرجِعُ المَغْصُوبَ مَنْ هُو غَاضِبُةْ(4)

فَما كَانَ أَدْنَى ما أَذَوْها بِأَخْذِ مَا *** أَبوهالها دُونَ البَريَةِ وَاهِبةْ

ص: 54


1- السخائم: الضغائن، مفرده السخيمة.
2- ربما في البيت إشارة إلى ما ورد عن الهيثمي، رواه الهيثمي في مجمعه ج9 ص172 قال: (و عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خطبنا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فسمعته و هو يقول: أيها الناس من أبغضنا أهل البيت علیهم السلام حشره الله يوم القيامة يهودياً، فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و إن صام و صلى؟ قال: و إن صام و صلى و زعم أنه مسلم... الحديث). و ورد أيضاً في الصواعق المحرقة ص240 ط2 عام1965 مكتبة القاهرة -عنه صلي الله علیه و آله و سلم: (من سب أهل بيتي علیهم السلام فإنما يرتد عن الله و الإسلام و من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله و من آذاني في عترتي فقد آذى اللَّه، إن اللَّه حرم الجنّة على من ظلم أهل بيتي علیهم السلام أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم... الحديث) كما فيه إشارة إلى قوله «تعالى»: «الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» [سورة غافر، الآية: 17].
3- إشارة لما ورد في الصواعق المحرقة ص170 ، ج2/ عام1965 مكتبة القاهرة. في تفسير آية : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» عن ابن عباس أن هذه الآية لما نزلت قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.
4- في البيت إشارة لما ورد في الدر المنثور للسيوطي ج4 ص177 في تفسير آية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء، الآية : 26]. عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» دعا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً. و أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت الآية أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فاطمة علیها السلام فدكاً. و ورد أيضاً في صحيح البخاري ج3 باب كتاب الخمس/ ح2926 / عن عائشة قالت: إن فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم سألت أبابكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أن يقسم لها ميراثها ما ترك صلى الله عليه وآله و سلم مما أفاء الله عليه فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) فغضبت فاطمة علیها السلام فهجرت أبابكر فلم تزل مُهاجرته حتى توفيت... و قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك.

أَقاموا (فُلاناً) إماماً وَزُحْزِحَتْ *** إِلَى النَّاسِ عَنْ آلِ النَّبِيِّ مَناصِبُةْ

أَمَا لَوْ دَرَى (يَوْمُ السَّقِيفَةِ) مَا جَنَى *** لَشَابَتْ مِنَ الأَمْرِ الفَظِيعَ ذَوائِبُهْ

أَغَيْرَ (عَلِيٍّ )كَانَ بَعْدَ (مُحَمَّدٍ) *** لَهُ كَاهِلُ المَجْدِ الأَثِيلِ وَ غَارِبُهْ؟

وَمَنْ بَعْدَ (طة) كانَ أَوْلى بِإِرْثهِ *** أَأَصْحَابُهُ؟ قُولوا لنا: أَمْ أَقَارِبُهْ؟

وَ شَتّانَ بَيْنَ البَيْعَتَيْنِ لِمُنْصِفٍ *** إذا أُعْطِيَ الإنصافَ مَنْ هُوَ طالِبُهْ

فَبَيْعَةُ هَذا أَحْكَمَ اللَّهُ عَقْدَهَا *** وَ بَيْعَةُ ذاكُمْ فَلْتَةٌ قالَ صاحِبُهْ(1)

فَلا تَدَّعُوا إِجْمَاعَ أُمَّةِ (أحْمَدٍ) *** فَأَكْثَرُ مِمَّنْ شَاهَدَ الأَمْرَ غَائِبُهْ

وَ كُلُّ مُصَابِ نَالَ آلَ مُحَمَّدٍ *** فَلَيْسَ سِوى يَومِ السَّقِيفَةِ جَالِبُهْ(2)

ص: 55


1- قد مرَّ مراراً قول عمر بشأن خلافة أبي بكر إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى اللَّه المسلمين شرَّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
2- ديوان الهبل أمير شعراء اليمن ص117. تحقيق أحمد الشامي -الدار اليمنية للنشر و التوزيع- طبعة أولى 1983.

(11) صرت إلى الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ حسن الدمستانى (*)(1)

أطَلْتُ وُقُوفِي فِي مِنَى فَالْمَحَصَّبِ *** لتذكار آثارِ النَّبِيِّ المُهَذَّبِ

ص: 56


1- (*) هو الشيخ حسن ابن الشيخ محمد بن علي بن خلق بن إبراهيم بن حنيف الله الدمستاني البحراني. و الدمستاني نسبة إلى دمستان قرية من قرى البحرين و أرضها تحتضن رُفات العالم الرّباني الشيخ محمد بن عيسى صاحب الكرامة المعروفة في كتب التاريخ و على الألسنة بقصة (الرمانة) و قرية الدمستان بلدة استيطانه -أي استيطان الشيخ حسن- فغلبت نسبتها عليه و إلا فبلدته الأصلية (عالي حويص) و قبر أبيه الشيخ محمد معروف فيها. و المترجَم له، كان من أعيان العلماء و الفقهاء و على مستوى كبير من المعرفة و الاطلاع و هو شاعر عملاق قلما يوجد مثله في العلم و التقوى. و مع كل مؤهلاته العلمية و الثقافية كان يعمل بيده و يشتغل في الزراعة لكسب قوته، فهو بالإضافة إلى دوره التوجيهي في المجتمع ينفق على عياله من مصدر العمل و الكد. اشتهر المترجَم له عند الناس بشعره الممّيز في الرثاء الحسيني و بالخصوص قصيدته اللامية التي مطلعها: من يلهه المرديان المال و الأمل *** لم يدر ما المنجيان العلم و العمل و قصيدته المعروفة عند أهل الأدب ب_ (المربعة الدمستانية) التي أولها: احرم الحجاج عن لذاتهم بعض الشهور *** و أنا المحرّم عن لذاته كل الدهور فشعر الدمستاني رقيق و عميق تهز قوافيه الأفئدة، و تثير الأسى و الحزن في قلوب محبي أهل البيت علیهم السلام. أما آثاره العلمية و الثقافية فهي كثيرة منها: 1- الانتخاب الجيد لتنبيهات السيد -في علم الرجال . 2- تحفة الباحثين في أصول الدين -أرجوزة. 3- نفي الجبر و التفويض -منظومة. 4- رسالة في الجهر و الإخفات. 5- أوراد الأبرار في مأتم الكرار. 6- نيل الأماني ديوانه الشعري و غير ذلك من المصنفات. هاجر الدمستاني إلى (القطيف) و ذلك لبعض الوقائع التي نكبت بها البحرين و لعلها غزوة (اليعاربة) في سنة (1131ه) المصادف سنة (1718م). و افته المنية في دار هجرته القطيف في يوم الأربعاء الثالث و العشرين من شهر ربيع سنة (1181ه_)، و دفن في القطيف في المقبرة المعروفة ب_ (الحباكة). تغمده الله بواسع رحمته.

فَازْعَجَنِي شَوْقٌ إِلَيْهِ مُبَرِّحٌ *** و أَظرَبَنِي حَتَّى يَكَادُ يَطِيرُ بِي(1)

فَطِرْتُ مَعَ البَازِي عَلَى كُوْرِ نَاقَةٍ *** تَطِيرُ بِخُفَيها الحَصَى خَلْفَ مَنْكَبِي(2)

فَأمْسَيْتُ فِي خُمُ هِلالَ مُحَرَّمِ *** فَبِتُّ بِمِيقاتَيْنِ مُشْجٍ و مُظرِبِ

مَكَانُ سُرورٍ فِي زَمَانِ كَابَةٍ *** وَ ذَلِكَ ممَّا لَيْسَ يَخْفى على الغَبِي

وَ لَوْ قُلْتُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَاعِثُ الأَسَى *** لِكُلِّ وَلِيّ مخلِص لَمْ اكْذِبِ

وَ ذَاكَ بِأَنَّ النَصَّ لَمْ يَبْقَ مُبْرَماً *** كَمَا هُوَ بَلْ حَلّتْهُ أيْدِي التَّعَصُّبِ

وَ زُحْزِحَ رَبُّ الحقِّ عَنْ مُسْتَحَقِّهِ *** وَ قُرِّبَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بالمقربِ

وَ ذَلِكَ أصْلُ الخُلفِ في الدِّينِ و العَمَى *** عَنِ الحَقِّ و الإرْجَافِ في كُلِّ مَذْهَبِ(3)

وَ حُسْبانُ ظَنِّ المُخْطِئِينَ إصَابَةً *** وَ ظَنُّ مُصِيبِ الحَقِّ غَيْرَ مُصَوَّبِ

فَمِنْ ذَاكَ أَنِّي ظَلْتُ أَطْلُبُ طَيْبَةً *** وَ لَمْ يَنْحَرِفْ عَنْ ذَلِكَ القَصْدِ مَطْلبي

فَزُرْتُ بعاشور النَّبِيَّ فَرَاعَنِي *** ظهورُ شِعارِ العِيدِ في حَضْرَةِ النَّبِي

فَقُلْتُ وَ لَم أمْلِكُ مِنَ الغَيْظِ مَنْطِقِي *** ثُبُوراً و تَثْرِيباً لَكُمْ أَهْلَ يَثْرِبٍ(4)

مَتَى صَارَ عَاشُورَاءُ عِيداً لمُسْلِمٍ *** وَ قَدْ غَيْبَ الإِسْلامُ في جُنْحِ غَيْهَبٍ؟(5)

ص: 57


1- مُبرِّح: متعب و مؤذ أطربني: أفرحني.
2- البازي: طير من الجوارح يصاد به، المنكب: أعلى الظهر، الكتف.
3- الإرجاف: مفرد (أراجيف) و هي الأخبار.
4- ثبوراً: الثبور الهلاك و الاهلاك تثريب: لوم.
5- غيهب: الظلمة الشديدة.

وَ مَنْ يَجْعَلُ العَاشُورَ عِيداً عُقَيْبَ مَا *** جَرَى فِيهِ غَيْرُ النّاصِبِ المُتَعَصِّبِ؟

أَقَلْبُ رَسُولِ اللَّهِ ذُو فَرَحٍ بِمَا *** جَنَاءُ العِدَا أَمْ ذوأَسَى مُتَلَهِّبٍ؟

أَلا يَسْتَحِي مَنْ يَواسِيْهِ فِي الأَسَى *** عَلَى آلِهِ مَنْ ذِي عِيدٍ وَ مَلْعَبِ

لَقَدْ حَقَّ لِلْعِيدَيْنِ أَنْ يَتَحَوَلاَ *** إِلَى مَأْتَمَي حُزْنٍ وَ نَوْحٍ وَ مَنْدَبِ

أَمِنْ بَعْدِ ذَبْح السُبْطِ ظُلماً مِن القَفَا *** عَلَى ظَمَإِ يَلْتَذُّ مَوْلًى بِمَشْرَبٍ؟

وَ يَأْخُذُ حَظَاً مِنْ وِ سَادٍ وَ رَاسُهُ *** بِكَفِّ سِنَانٍ في سِنَانٍ مُكَعَبِ

وَ يَأْوِي إلى لِيْنِ الفِرَاشِ وَ جِسْمُهُ *** يُرَضُ بَرَكْضِ الخَيْلِ فِي بَطْنِ سَبْسَبِ

وَ أَخْفَيْتُ نَفْسِي دَاخِلاً في غِمَارِهِمْ *** وَ لَمْ آلُ جُهْداً في خَفَاءِ تَنَحُبِّي

وَ وَجْهُتُ وَجْهِي لِلنَّبِي مُعَزيّاً *** لَهُ بِابْنهِ الظَّامي الذُّبيحِ المُسَلَّبِ

وَ ظَلْتُ أَناجِيهِ خفياً وَ أَشْتَكِي *** مَلِيّاً و مدرار الدِّموعِ كصيِّبِ

لَكَ الأجْرُ يَا خَيْرَ الوَرَى بِابْتِكَ الَّذِي *** شُغِفْتَ بِهِ عَنْ كُلِّ مَالِكَ مُعْجِبِ(1)

إلى أن يقول:

وَ صِرْتُ إلى الزَّهْرَاءِ ابْكِي مُعزّيّاً *** لَهَا بِبَنِيها مُوْجِزَاً غَيْرَ مُطنِبِ(2)

لَكِ الأجْرُ يا بِنْتَ النّبي على الَّذِي *** رُزِيْتِ فَحَقُّ أنْ تَنوحِي وَ تَنْدُبِي

فَفَرْخُكِ يَا زَهْراءُ بالطف قَدْ قَضَى *** ذَبِيْحاً وَ لَمْ يَظْفَر بِمَاءٍ فَيَشْرَبِ(3)

وَ ظَلَّ اليَتَامَى تَسْتَعيتُ بِهِ فَلَمْ *** يُجِبُها فَظَلَّتْ تَسْتَغِيْتُ بِزَيْنَبِ

ص: 58


1- شغفت به: أولعت به الورى: الخَلْق أو الناس.
2- مطنب: الأطناب ضد الايجاز.
3- في مقتل الحسين للمقرم، ص282. قال هلال بن نافع: كنت واقفاً نحو الحسين علیه السلام و هو يجود بنفسه فوالله ما رأيت قتيلاً قط مضمخاً بدمه أحسن منه وجهاً و لاأنور... و لقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله... فاستقى في هذه الحال ماء فأبوا أن يسقوه. و قال له رجل: لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فقال علیه السلام أنا أرد الحامية! و إنما أرد على جدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و اسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

تُحاوِلُ خَوْف السبي و السلْبِ مُهْرَباً *** وَ قَدْ عَلِمَتْ أَنْ لَأتَ(1) سَاعَةً مَهْرَبِ(2)

فَسِيْقَتْ عَلَى عُجْفِ المَطَايَا حَواسِراً *** عَرَايا بِغَيْرِ الحُزْنِ لَمْ تَتَجَلْبَبِ(3)

وَ سِيقَ عَلِيُّ بْنُ الحُسينِ مُغَلغَلَاً *** عَلِيْلاً ذَلِيْلاً فَوْقَ أَعْجَفَ أجْربِ

فَيَا فَاطِمُ الزهراءُ حَقٌّ لَكِ البُكَا *** وَ حَبْسُ الرِّزَايَا فِي الفُؤَادِ المُرَعَبِ

و إِنْ تَتَسَلْيْ تَسْتَرِيْحِي فَإِنَّ مَنْ *** تَظَلُّ الرَزَايَا نُصْبَ عَيْنَيْهِ تَنْصِبِ

فَقَدْرُكِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَتَوَجْعِي *** وَ أَنْ تَصْبري سام عَلَى كُلِّ مَنْصِبِ

وَ أَمَّا مَوالِيْكُم فَمَوْعِدُ صَبْرِهِمْ *** ظَهُورُ الإمام القائم المترقَّبِ

و إغْمَادُ سَيْفِ الحقِّ في خُصَمَائِهِ *** وَصَلبُ طَوَاغِيْتِ النِفَاقِ بِيَثْرِبِ

أرَى حَسَناً مَولاهُ أيَّامَ صَلْبِهِم *** فَفِيهِ شِفَاءٌ للفؤادِ المعذِّبِ

أيَا مَنْ بِهِمْ فَاض الوجودُ على الوَرَى *** مِنَ المُبْدِىءِ الفِيّاضِ مُنُّوا بِمَطْلَبِي(4)(5)

ص: 59


1- لات: من المشبهات بليس بمعنى أن الساعة ليست ساعة مهرب.
2- لما قتل الحسين علیه السلام مال الناس على ثقله و متاعه و انتبهوا ما في الخيام و اضرموا النار فيها و تسابق القوم على حرائر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففررن حواسر مسلبات باكيات و إن المرأة لتسلب مقنعتها من رأسها و خاتمها من أصبعها و قرطها من أذنها و الخلخال من رجلها. ذكرها ابن الأثير/ في الكامل ج4 ص32 و الطبري ج6 ص260/ و مثير الأحزان/ لابن نما/ ص40.
3- في مقتل الحسين/ للمقرم/ ص344. بعث ابن زياد رسولاً إلى يزيد يخيره بقتل الحسين علیه السلام و من معه و إن عياله في الكوفة و ينتظر أمره فيهم فعاد الجواب بحملهم و الرؤوس معهم -و سرح في أثرهم علي بن الحسين علیه السلام مغلولة يديه إلى عنقه و عياله معه على حال تقشعر معها الأبدان.
4- مُنوُّا: أي أعطوني.
5- ديوان الدمستاني ص120.

(12) مسلماً و مودعاً

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي (*)(1)

رُؤياً لَها حَنَّ الحُسَيْنُ وَ ذَابَا *** وَ الشَّوْقُ أَلْهَبَ قَلْبَهُ إلها با

يا لَيْتَها دامَتْ عَلَيْهِ لأَنَّها *** قَدْ أَلْبَسَتْهُ مِنَ الهَناءِ ثِيابا

حُلْمٌ لَهُ رَدَّ الطُّفولَةَ بَعْدَما *** مَرَّ الزَّمانُ وَ رَأْسُهُ قَدْ شابا

هِي ذِي مَطالِعُ نُورٍ وَجْهِ مُحَمَّدٍ *** قَدْ أَقْبَلَتْ وَ اللَّيْلُ مِنْها غابا

وَ حَنانَهُ بَيْنَ الجُفُونِ كَأَنَّهُ *** بَرْقٌ يَضُمُّ بِجانحَيْهِ سَحابا

وَ عُذُوبَةٌ بكَلامِهِ وَ كَأَنَّها *** نَغَمٌ حَلا للسَّامِعِينَ وَطابا

وَ لَقَدْ تَأكَّدَ مِنْهُ بَعْدَ حَدِيثِهِ *** أَنَّ الزَّمَانَ لَهُ أَعَدَّ صِعابا

مِنْها تَمِيدُ ذُرَى الجِبَالِ وَ تَنْحَنِي *** هَوْلاً وَ تَبْتَلِعُ السُّهولُ هِضابا

وَاللَّهُ شَاءَ بِأَنْ تَكُونَ شَهادَةً *** بِالقَتْلِ تُحْيِي سُنَةٌ وَ كِتابا

وَ يَكُونَ مَذْبُوحاً بساحَةِ كَرْبَلا *** وَ رِياحُها تُسْقِي عَلَيْهِ تُرابا

وَ الظُّلْمُ يَنْشُرُ ظِلَّهُ مِنْ فَوْقِهِ *** وَ الجَوْرُ يَذْبَحُ إِخْوَةً وَ صِحابا

وَ الظَّالِمُونَ كَأَنَّهُمْ مِنْ حَوْلِهِ *** قَدْ أَصْبَحُوا بَعْدَ الصَّلالِ ذِئابا

ما دامَ قَدْ حَكمَ القَضا بِمَصِيرِهِ *** سَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ إِلَيْهِ أَجابا(2)

ص: 60


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- و استيقظ الحسين مرعوباً من رؤياه و قد ألمّت به تيارات الأسى و بات على يقين لا يخامره أدنى شك أنه لا بد أن يرزق الشهادة و بعد أن قصّ رؤياه الحزينة على أهل بيته طافت بهم الآلام و أيقنوا بنزول الرزء القاصم، فلم يكن في ذلك اليوم لافي شرق الأرض و لافي غربها أكثر غماً من أهل بيت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم راجع حياة الحسين ج2 ص260 و مقتل الخوارزمي ج1 ص187 و مقتل المقرم ص133.

مَرْحَى بِأمْرِ اللَّهِ وَ هُوَ مُقَدَّسٌ *** وَ عَلَيْهِ طاعَتُهُ وَ لَنْ يَرْتابا

وَ بَدَتْ عَلَى الثَّغْرِ الوَسِيم كابةٌ *** كَالغَيْمِ بَثَّ عَلَى التَّلالِ ضَبابا

هُوَ لا يَخافُ مِنَ المَنِيَّةِ بَعْدَما *** عَشِقَ الوَغَى و أَسِنَّةً وَ حِرابا

لكنَّ ما يَخْشَاهُ سَبْي حرائرٍ *** ما فَارَقَتْ طُول الحياة حِجابا

وَ غَدَتْ خواطِرُهُ تَهِيمُ مَعَ الأَسَى *** وَ الحُزْنُ فيه أَوْجَدَ الأَتُعابا(1)

وَ مَشَى لناحِيَةِ البَقيع يَقُودُهُ *** هَمُّ رآهُ مِنَ الزَّمانِ عُجابا(2)

وَ هُناكَ لِلزَّهْراءِ بَتْ هُمُومَهُ *** وَشَكَا مِنَ الألَمِ المَريرِ عَذابا

أمّاهُ جِئْتُ مُسَلْماً وَ مُوَدِّعاً *** قَبْلَ الرَّحِيلِ وَ لَنْ تَرَيْنَ إيابا(3)

أَمَاهُ مَنْ هَجَر الدِّيارَ فَإِنَّهُ *** لَيْسَ الغَريبُ وَ لَوْ رَأى أَغْرابا

إنّ الغريب مَنِ اسْتَكانَ لِذِلَّةٍ *** في قَوْمِهِ أَوْ فَارَقَ الأحْبابا(4)

ص: 61


1- خَطَرَ الأمرُ له: لاحَ في فكره و خَطرتِ الحوادث في باله و ببالِهِ: حدثت و اعترضت. الأسى: الحزن.
2- و توجه الحسين علیه السلام ليلاً إلى قبر أمه الزهراء علیها السلام في البقيع و ألقى عليه نظرة الوداع الأخيرة و تمثلت أمامه عواطفها الفياضة و شدّة حنوها عليه و قد ود أن تنشق الأرض لتواريه معها و انفجر بالبكاء ثم ودع القبر و انصرف إلى قبر أخيه الإمام الحسن علیه السلام، فأخذ القبر من دموعه و قد ألمت به الأحزان ثم رجع إلى منزله و هو غارق بالأسى و الشجون، راجع حياة الحسين علیه السلام ج2 ص261 و مقتل الخوارزمي ج1 ص187.
3- الإياب: العودة و الرجوع بعد الغياب.
4- كربلاء ص132.

(13) الزهراء علیها السلام بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي (*)(1)

جَلَّى غُبَارُ النَّقْعِ(2) شَرَّ هَزِيمَةٍ *** بِقُرَيْشَ فَارْتَدَّتْ عَلَى الأَعْقابِ

وَ عَلِيُّ عادَ مَعَ النَّبِيِّ لِيَثْرِبٍ *** لم يَخْشَ ضِغْنَ الكَافِرِ المُرْتَابِ

و لأنّ بَدْراً قَدْ أَفاءَتْ مَغْنماً *** لابَأْسَ إِذْ كَانَتْ بِخَيْرِ إيابِ

وَ هُوَ الذي لم يُبْقِ يَوْماً دِرْهَماً *** أو يَتَّخِذْ لِلْمَالِ أَي حِسابِ

وَ كأَنّها المِصْفاةُ كَانَتْ كَفُّهُ *** مَنْقُوبَةٌ لِلْمَالِ كَالمِيزابِ

قَدْ كانَ أَثْرَى ثَرْوَةٌ بِدَرَاهِم *** وَ تَعُدُّ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْحُسَابِ

فسَعَى لَها سِرّاً بِلَيْلٍ مُظْلِمٍ *** وَ نَهَارِهِ جَهْراً بِخَيْرِ عِقابِ

و عَلى ذَوِي الحاجاتِ أَنْفَقَها وَ قَد *** لاقَى مِنَ الإحسانِ خَيْرَ ثوابِ

إذْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ فِيهِ آيَةً *** قُدْسِيَّةٌ رُقِمَتْ بِخَيْر كِتابِ(3)

إنّ الّذينَ تَصَدَّقُوا في مالِهِمْ *** في لَيْلِهِمْ وَ نَهَارِهِمْ بِصَوابِ

سِرّاً عَلانِيَةً عَلى إِحْسانِهِمْ *** لَهُمُ الجِنانُ بِهَا وَ حُسْنُ مَآبِ

قَدْ كَانَ يَحْرِمُ نَفْسَهُ مِنْ كَسْبِهِ *** وَ الجُودُ مَوْرُوثٌ عَنِ الأَحْسَابِ

يَسْقِي الزَّرَاعَةَ لِلْيَهُودِ بِيَثْرِبٍ *** حَتَّى يُعانِي كَفَرَةَ الأَوْصَابِ(4)

ص: 62


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- النَّقْع: الغبار، أو اسم موضع قرب مكة.
3- الآية رقم (274) من سورة البقرة و هي: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَ عَلَانِيَةً». الخ انظر عبدالفتاح عبدالمقصود ج1 ص66.
4- الأوصاب: الوصب و هو المرض و الوجع الدائم و نحول الجسم، و قد يطلق على التعب و الفتور في البدن.

لكِنْ إذا نَقَدُوهُ كامِلَ أَجْرِهِ *** أَعْطاهُ لِلْمَحْرُومِ أَوْ لِمُصابِ

وَ يَبِيتُ مَعْ فَرْضِ الصَّلاةِ عَلَى الطَّوَى *** ما عاش في يَوْمِ بِزَهْوِ شَبابِ

ما غَرَّهُ مالٌ ولا هَرَجُ الصَّبا *** لِلَّهِ عاشَ رَهِينَةَ المِحْرابِ

وَ القُوتُ خُبُرِّيابِسٌ وَغِطَاؤُهُ *** وَبَرٌ وَ ثَوْبٌ نَسْجُهُ بِإِهابِ(1)

لَكِنَّهُ كانَ الحَنِينُ يَقُودُهُ *** نَحْوَ الزَّوَاجِ وَ نَحْوَ ذاتِ نقابِ

منْ غَيْرُها وَ هِيَ الَّتِي فِي ذِهْنِهِ *** خَيْرُ النِّساءِ وَ كُلِّ ذاتِ حِجاب

وَ لَطالَما قَدْ كانَ يَحْمِلُها على *** كَتِفَيْهِ بَيْنَ البِشْرِ وَ التّرحَابِ

وَ أَحَبَّ والدها المُعَظَّمَ قَبْلَها *** وَ الحُبُّ مَوْرُوتٌ لَدَى الأَحْبابِ

هي فاطِمُ الزَّهْراءُ بِنْتُ المُصْطَفَى *** خَيْرُ الأنام و نِعْمَةُ الوَهّابِ

هذا أبُوبَكْرِ أَتَاهَا خاطباً *** فَأَبَى عَلَيْهِ الْمُصْطَفَى بِجَوَابِ(2)

وَ قَدْ أتَى عُمَرُ لِيَخْطِبَها فَلَمْ *** يُسْعَدْ وَ إِنْ أَمْسَى مِنَ الخُطابِ(3) (4)

ص: 63


1- الإهاب: جلد كل شيء.
2- إشارة إلى مجيء أبي بكر الخطبة فاطمة علیها السلام فأبى الرسول صلي الله علیه و آله و سلم ذلك و قال: أمرها إلى اللَّه. فقد روي في المناقب/ ج2 ص30 أن أبابكر خطب إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فقال: انتظر لها القضاء، و روي أيضاً في المصدر نفسه ص380 أن أبابكر و عمر خطبا إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام مرّة بعد أخرى فردّهما.
3- إشارة إلى مجيء عمر بن الخطاب إلى الرسول صلي الله علیه و آله و سلم الخطبة فاطمة علیها السلام فأبى ذلك الرسول صلي الله علیه و آله و سلم فقد روي في مناقب المغازلي/ ص347 ح399 عن أنس بن مالك، قال: جاء أبوبكر إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقعد بين يديه، فقال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد علمت مناصحتي و قدمي في الإسلام، و إنّي و إنّي... قال: و ما ذاك؟ قال: تزوّجني فاطمة علیها السلام؟ قال: فسكت عنه، أو قال: فأعرض عنه. قال: فرجع أبو بكر إلى عمر فقال: هلكت و أهلكت. قال: وما ذاك؟ قال: خطبت فاطمة علیها السلام إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم هلال الهلال فأعرض عني. قال: مكانك حتى أتي النبي صلي الله علیه و آله و سلم فأطلب منه مثل الذي طلبت، فأتى عمر النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقعد بين يديه فقال: يا رسول الله قد علمت مناصحتي و قدمي في الإسلام و إنّي و إنّي ... قال: و ما ذاك؟ قال: تزوّجني فاطمة علیها السلام، قال: فأعرض عني. قال: فرجع عمر إلى أبي بكر ، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها فلم يردّ إليه جواباً. ثم خطبها عمر فلم يردّ إليه جواباً، ثم جمعهم فزوجها علي بن أبي طالب علیه السلام، و قيل: أقبل على أبي بكر و عمر، فقال: إن الله «عزوجل» أمرني أن أزوجها من علي علیه السلام و لم يأذن لي في إفشائه إلى هذا الوقت، و لم أكن لأفشي ما أمر الله «عزوجل» به.
4- إشارة إلى قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة مني، كما في كنز العمال ج6 ص220: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها أغضبني. و روى أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده ج4 ص328 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها و روى الترمذي أيضاً في صحيحه ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي -يعني فاطمة علیها السلام- بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها و يشير الشاعر أيضاً في نفس الشطر الشعري إلى قول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلى أن أمر فاطمة علیها السلام إلى الله «تعالى». و قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم ما زوّجت فاطمة علیها السلام إلا لما أمرني الله «عزوجل» بتزويجها.

كانَ الجَوابُ مِنَ الرَّسُولِ صَرَاحَةً *** لَهُمَا وَ إنْ كانا مِنَ الأَصْحاب

هِيَ بَضْعَةٌ مِنّي وَ أَنْتَظِرُ القَضا *** فيها بِوَحْي الخالق التَّوابِ

وَ عَلِيُّ يَخْشَى أَنْ يَعُودَ بِخَيْبَةٍ *** و يَرُدَّهُ الهَادِي عَلَى الأَعْقَابِ(1) (2)

ص: 64


1- إشارة إلى ما روي في كنزالعمال ج1 ص347 ح399 عن أنس بن مالك قال: فرجع عمر إلى أبي بكر، فقال: إنه ينتظر أمر الله فيها فانطلق بنا إلى علي علیه السلام حتى نأمره يطلب الذي طلبنا. قال علي علیه السلام: فأتياني و أنا أعالج فسيلاً، فقالا: ألا أتيت ابن عمّك تخطب ابنته؟ قال: فنّبهاني لأمر، فقمت أجرّ ردائي طرفاً على عاتقي و طرفاً على الأرض حتى أتيت النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد علمت قدمي في الإسلام و مناصحتي، و إنّي و إنّي... قال: وما ذاك يا علي علیه السلام؟ قال: تزوّجني فاطمة علیها السلام؟ قال: وما عندك ؟ قال: قلت عندي فرسي و درعي قال: أمّا فرسك فلا بدّ لك منها، و أما درعك فبعها. و في المصدر نفسه ص382 عن أنس: أن أبابكر خطب فاطمة علیها السلام إلى النبي و في بعض المصادر، فلما خطبها علي علیه السلام قال النبي: لقد أمرني بذلك ثم دعا الرسول صلي الله علیه و آله و سلم وجوه الصحابة فخطبهم خطبة طويلة و أخبرهم أن الله أمره أن الله أمره بتزويج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام. انظر الرياض النضرة ج2 ص183 و ذخائر العقبى ص29 و فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج2 ص133.
2- مولد النور ص270.

(14) صديقة خُلقت

(مجزوء الكامل)

سفيان بن مصعب العبدي الكوفيُّ

ألُ النَّبِيَّ مُحَمَّدٍ *** أهْلُ الفَضائلِ و المَنَاقِبْ

المُرْشِدونَ مِنَ العَمَى *** وَ المُنْقِذونَ مِنَ اللَّوازِبْ(1)

الصَّادِقُونَ النَّاطِقُونَ *** السَّابِقُونَ إلى الرّغائبْ(2)

ص: 65


1- اللوازب: جمع اللازب و هو الشدّة.
2- قوله: الصادّقون. إشارة إلى ما روي في قوله «تعالى»:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (سورة التوبة) من طريق الحافظ أبي نعيم و ابن مردويه و ابن عساكر و آخرين كثيرين عن جابر و ابن عباس: أي كونوا مع علي بن أبي طالب علیه السلام. و رواه الكنجي الشافعي في «الكفاية» ص111. و الحافظ السيوطي في (الدرَّ المنثور) 3 ص290. و قال سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص10: قال علماء السير: معناه: كونوا مع عليّ و أهل بيته قال ابن عبّاس: علي سيِّد الصادقين. قوله: السابقون إلى الرغائب إشارة إلى قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ». (سورة الواقعة) و أنَّها نزلت في علي علیه السلام أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس: أنَّها نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون. و حبيب النجّار الذي ذكر في يس. و علي بن أبي طالب علیه السلام. و كلّ رجل منهم سابق أُمَّته و عليّ أفضلهم. و في لفظ ابن أبي حاتم يوشع بن نون بدل حزقيل. و أخرج الديلمي عن عائشة. و الطبراني و ابن الضحاك و الثعلبي و ابن مردويه و ابن المغازلي عن ابن عبّاس: إنّ النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: السبِّق و في لفظ: السبّاق ثلاثة: السابق إلى موسى يوشع بن نون علیه السلام، و صاحب ياسين إلى عيسى علیه السلام و السابق إلى محمد صلي الله علیه و آله و سلم علي بن أبي طالب علیه السلام. و زاد الثعالبي في لفظه: فهم الصدّيقون و عليّ أفضلهم. و رواه محبُّ الدين الطبري في رياضه1 ص157، و الهيثمي في المجمع 9 ص102، و الكنجي في «الكفاية» ص46 بلفظ: سبَّاق الأُمم ثلاثةُ لم يشركوا بالله طرفة عين: عليِّ بن أبي طالب علیه السلام. و صاحب ياسين. و مؤمن آل فرعون. فهم الصدِّيقون و علي أفضلهم. ثمَّ قال: هذا سندُّ اعتمد عليه الدار قطني و احتجُّ به. و رواه باللفظ الأوّل الحافظ السيوطي في [الدرَّ المنثور] 6 ص154. و ابن حجر في «الصواعق» ص74. و سبط ابن الجوزي في «التذكرة» ص11.

فَوَلاهُمُ فَرْضٌ مِنَ الرَّحمنِ *** في القُرْآن واجِبْ(1)

ص: 66


1- قوله: فولاهُم فرضٌ من الرَّحمن *** في القرآن واجبٌ أشار به إلى قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» [الشورى: 23] توجد في الكتب و المعاجم أحاديث و كلمات عدّة حول الآية الشريفة لا يسعنا بسط المقال فيها غير أنا نقتصر بجملة منها. (أ) أخرج أحمد في المناقب. و ابن المنذر. و ابن أبي حاتم. و الطبراني. و ابن مردويه. و الواحدي. و الثعلبي. و أبو نعيم. و البغوي في تفسيره. و ابن المغازلي في المناقب بأسانيدهم عن ابن عباس قال: لَمّا نزلت هذه الآية قيل: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودَّتهم؟ فقال: عليٍّ و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. و رواه محبُّ الدين الطبري في «الذخائر» ص25، و الزمخشري في «الكشاف» 2 ص339. و الحموي في «الفرائد»، و النيسابوري في تفسيره، و ابن طلحة الشافعي في «مطالب السؤل» ص8 و صححه، و الرازيّ في تفسيره، و أبو السعود في تفسيره 1 (هامش تفسير الرازي)7 ص665، و أبو حيَّان في تفسيره 7 ص516، و النسفي في تفسيره (هامش تفسير الخازن 4 ص99 ، و الحافظ الهيثميَّ في «المجمع» 9 ص168، و ابن الصباغ المالكي في [الفصول المهمَّة] ص12، و الحافظ الكنجي في «الكفاية» ص31، و القسطلاني في «المواهب» و قال: ألزم الله مودَّة قرباه كافَّة بريَّته، و فرض محبَّة جملة أهل بيته المعظَّم و ذريَّته فقال «تعالى»: «ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشوى: 23]. و رواه الزرقاني في (شرح المواهب) 7 ص3 و 21، و ابن حجر في الصواعق ص101 و135، م -و السيوطي في [إحياء الميت] هامش «الإتحاف» ص239 ، و الشبلنجي في «نور الأبصار»،112، و الصبّان في «الإسعاف» هامش نور الأبصار ص105. (ب) أخرج الحافظ أبوعبد الله الملاً في سيرته: إنَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: إنَّ الله جعل أجري عليكم المودَّة في أهل بيتي وإنّي سائلكم غداً عنهم. و رواه محبّ الدين الطبري في «الذخائر» ص25، و ابن حجر في الصواعق ص102 و 136، و السمهودي في [جواهر العقدين]. (ت) قال جابر بن عبد اللَّه: جاء أعرابيِّ إلى النبيِّ صلي الله علیه و آله و سلم و قال: يا محمَّد صلي الله علیه و آله و سلم اعرض عليَّ الإسلام فقال: تشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده و رسوله. قال: تسألني عليه أجراً؟ قال: لا إلا المودة في القربى، قال: قرابتي أو قرابتك؟! قال: قرابتي. قال: هات، أبايعك فعلى من لايحبّك و لايحبّ قرابتك لعنة اللَّه. فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: آمين. أخرجه الحافظ الكنجي في «الكفاية» ص31 من طريق الحافظ أبي نعيم عن محمِّد بن أحمد بن مخلِّد عن الحافظ ابن أبي شيبة بإسناده. (ث) أخرج الحافظ الطبريِّ و ابن عساكر و الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل [لقواعد التفضيل] بعدِّة طرق عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنّ اللَّه خلق الأنبياء من أشجار شتّى و خلقني من شجرة واحدة فأنا صلي الله علیه و آله و سلم أصلها و عليّ علیه السلام فرعها، و فاطمة علیها السلام لقاحها، و الحسن و الحسين علیهما السلام ثمرها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، و من زاغ عنها هوى، و لو أنَّ عبداً عبد اللَّه بين الصفا و المروة ألف عام ثمَّ ألف عام ثمَّ ألف عام ثمَّ لم يُدرك صحبتنا أكبه الله على منخريه في النّار. ثم تلا: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». و ذكر الكنجي في «الكفاية» ص178. (ج) أخرج أحمد و أبي حاتم عن ابن عباس في قوله «تعالى»: «و من يقترف حسنة»: قال: المودَّة لآل محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و رواه الثعلبي في تفسيره مسنداً، و ابن الصبّاغ المالكي في «الفصول» ص13 و ابن المغازلي في «المناقب»، و ابن حجر في «الصواعق» ص101، و السيوطي في الدرِّ المنثور 6 ص7، و «إحياء الميت» -هامش الإتحاف ص239، و الحضرمي في «الرشفة» ص23، و النبهاني في [الشرف المؤبد] ص95. و أخرج أبو الشيخ بن حبّان في كتابه «الثواب» من طريق الواحدي عن علي علیه السلام قال: فينا أل حم آيةٌ لا يحفظ مودَّتنا إلا كلّ مؤمن. ثمَّ قرأ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». وذكره ابن حجر في «الصواعق» 101 و 136 ، و السمهودي في [جواهر العقدين]. (ح) عن أبي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام فحمد الله و أثنى عليه و ذكر أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه خاتم الأوصياء و وصي الأنبياء و أمين الصديقين و الشهداء ثمَّ قال: أيها الناس لقد فارقكم رجلّ ما سبقه الأولون و لايُدركه الآخرون لقد كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يُعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه و ميكائيل عن يساره فما یرجع حتّي يفتح الله عليه، و لقد قبضه الله في الليلة التي قُبض فيها وصيِّ موسى علیه السلام و عرج بروحه في الليلة التي عرج فيها بروح عيسى ابن مريم علیه السلام و في الليلة التي أنزل الله «عزّوجلَّ» فيها الفرقان و اللَّه ما ترك ذهباً و لافضَّة و ما فى بيت ماله إلا سبعمائة و خمسون درهماً فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادماً لأُمِّ كلثوم. ثمَّ قال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد علیه السلام ثمَّ تلا هذه الآية قول يوسف: «وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ». ثمَّ أخذ في كتاب اللَّه. ثمَّ قال: أنا ابن البشير، و أنا ابن النذير، أنا ابن النبيِّ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، و أنا ابن السراج المنير، و أنا ابن الّذي أرسل رحمة للعالمين و أنا من أهل البيت علیهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهِّرهم تطهيراً، و أنا من أهل البيت علیهم السلام الذين افترض الله «عزَّوجل» مودّتهم و ولايتهم فقال فيما أنزل على محمد صلي الله علیه و آله و سلم: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». (م) و في لفظ الحافظ الزرندي في [نظم درر السمطين] و أنا من أهل البيت الذين كان جبريل علیه السلام ينزل فينا و يصعد من عندنا و أنا من أهل البيت علیهم السلام الذين افترض الله «تعالى» مودتهم على كل مسلم و أنزل الله فيهم:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا». [واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت علیهم السلام]. أخرجه البزّار و الطبراني في الكبير. و أبو الفرج في مقاتل الطالبيين. و ابن أبي الحديد في شرح النهج 4 ص11. و الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص146. و ابن الصباغ المالكي في الفصول ص166 و قال: رواه جماعةٌ من أصحاب السير و غيرهم. و الحافظ الكنجي في الكفاية ص32 من طريق ابن عقدة عن أبي الطفيل. و النسائي عن هبيرة و ابن حجر في الصواعق ص101 و 136. و الصفوري في نزهة المجالس 2 ص231. و الحضرمي في الرشفة 43. (خ) أخرج الطبري في تفسيره 24 ص16 بإسناده عن السدي عن أبي الديلم قال: لمّا جيء بعليِّ بن الحسين (الإمام السجاد) رضي الله عنهما أسيراً فأقيم على درج الدمشق قام رجلِّ من أهل الشام فقال: الحمدللَّه الذي قتلكم و استأصلكم و قطع قرني الفتنة. فقال له عليِّ ابن الحسين رضي الله عنه: أقرأت القرآن؟ فقال نعم، قال: فقرأت أل حم؟ قال: قرأت القرآن و لم أقرأ أل حم. قال: ما قرأت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». قال: وإنَّكم لأنتم هم؟ قال: نعم. و رواه الثعلبي في تفسيره بإسناده. و أشار إليه أبو حيان في تفسيره 7 ص516. و أخرجه السيوطي في الدرّ المنثور 6 ص7. و ابن حجر في الصواعق 101 و136 عن الطبراني. و الزرقاني في شرح المواهب 7 ص20. (د) روى الطبري في تفسيره 24 ص16 و 17 عن سعيد بن جبير و عمرو بن شعيب أنهما قالا: قُربى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و رواه عنهما و عن السدّي أبوحيّان في تفسيره و السيوطي في هي الدر المنثور. قال الفخر الرازي في تفسيره 7 ص390 : و أنا أقول : آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم هم الذّين يؤول أمرهم إليه فكلُّ مَن كان أمرهم إليه أشدّ و أكمل كانوا هم الآل، و لا شكُّ أن فاطمة و عليّاً و الحسن و الحسين علیهم السلام كان التعلّق بينهم وبين رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أشدّ التعلّقات، و هذا كالمعلول بالنقل المتواتر، وجب أن يكونوا هم الآل. و قال المناوي: قال الحافظ الزرندي. لم يكن أحدٌ من العلماء المجتهدين و الأئمة المهتدين إلاَّ و له في ولاية أهل البيت علیهم السلام الحظُّ الوافر و الفخر الزاهر كما أمر اللَّه بقوله: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [م -وقفنا على نظم درر السمطين) للحافظ الزرندي فوجدنا الكلمة على ما حكاها (المناوي)]. و قال ابن حجر في الصواعق ص89: أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» عن ولايّة عليّ. علیه السلام و كأنَّ هذا هو مراد الواحدي بقوله: روي في قوله «تعالى»:«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ» أي عن ولاية عليّ علیه السلام و أهل البيت علیهم السلام لأنَّ الله أمر نبيه صلي الله علیه و آله و سلم أن يعرف الخلق أنَّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلا المودة في القُربى. و المعنى أنَّهم يُسألون هل و الوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلي الله علیه و آله و سلم أم أضاعوها و أهملوها؟ فتكون عليهم المطالبة و التبعة. و ذكر في الصواعق ص101 للشيخ شمس الدين بن العربي قوله: رأيت ولائي آل طه فريضة *** على رغم أهل البعد يورثني القربا فما طلب المبعوث أجراً على الهدى *** بتبليغه إلاّ المودَّة في القربى و ذكر ابن الصباغ المالكي في الفصول ص13 لقائل: هم العروة الوثقى لمعتصم بها *** مناقبهم جاءت بوحي و إنزال مناقب في شورى و سورة هل أتى *** و في سورة الأحزاب يعرفها التالي و هم آل بيت المصطفى فودادهم *** على الناس مفروض بحكم و إسجالِ و ذكر لآخر: هم القوم من أصفاهم الودَّ مخلصاً *** تمسَّك في أخراه بالسبب الأقوى هم القوم فاقوا العالمين مناقباً *** محاسنهم تُجلی و آثارهم تُروى موالاتهم فرضٌ وحُبّهمُ هدّى *** و طاعتهم ودُّ ووُدُّهم تقوى و ذكر الشبلنجي في نور الأبصار ص13 لأبي الحسن بن جبير: أُحبُّ النَّبيّ المصطفى و ابن عمِّه *** عليّاً و سبطيه و فاطمة الزَّهرا همُ أهل بيت أذهب الرجس عنهمُ *** و أطلعهم أُفق الهدى أنجماً زهرا موالاتهم فرضٌ على كلِّ مسلم *** و حبّهمُ أسنى الذخائر للأُخرى و ما أنا للصحب الكرام بمبغض *** فإنّي أرى البغضاء في حقِّهم كفرا

ص: 67

ص: 68

وَهُمُ الصِّراطُ فَمُسْتَقِيمٌ *** فَوْقَهُ ناجٍ وَ ناکِبْ(1)

ص: 69


1- ناكب: نكِبَ الرجل عن الطريق أي مال عنه. قوله: و هم الصراط فمستقیمٌ *** فوقه ناجٍ و ناكبْ أخرج الثعلبي في الكشف و البيان في قوله «تعالى»:«اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ». قال مسلم بن حيان: سمعت أبا بُريدة يقول: صراط محمد صلي الله علیه و آله و سلم وآله علیهم السلام. و في تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن السدّي عن أسباط و مجاهد عن عبد الله بن عبّاس في قوله «تعالى»: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ». قال: قولوا معاشر العباد أرشدنا إلى حبِّ محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام. و أخرج الحمّوي في «الفرائد» بإسناده عن أصبغ بن نباتة عن عليِّ علیه السلام في قوله «تعالى»: «وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ» [المؤمنين: 74] ، قال: الصِّراط ولايتنا أهل البيت علیهم السلام. و أخرج الخوارزمي في «المناقب»: الصراط صراطان: صراطُ في الدنيا. و صراطُ في الآخرة. فأما صراط الدنيا فهو عليّ بن أبي طالب علیه السلام و أما صراط الآخرة فهو جسر جهنم. مَن عرف صراط الدنيا جاز على صراط الآخرة. و يوضح معنى هذا الحديث ما أخرجه ابن عدي و الديلمي كما في «الصواعق» ص111 عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال: أثبتكم على الصراط أشدُّكم حبّاً لأهل بيتي علیهم السلام و لأصحابي. و أخرج شيخ الإسلام الحمّوي بإسناده في فرائد السمطين في حديث عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام قوله: نحن خيرةُ الله و نحن الطريق الواضح و الصراط المستقيم إلى اللَّه. فهم الصراط إلى اللَّه فمن تمسك بهم فقد اتَّخذ إلى ربِّه سبيلاً كما ورد فيما أخرجه أبو سعيد في شرف النبوَّة بإسناده عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أنا صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيتي علیهم السلام شجرة في الجنَّة و أغصانها في الدنيا، فمن تمسك بنا اتَّخذ إلى ربِّه سبيلاً. [ذخائر العقبي ص16].

صِدِّيقةٌ خُلِقَتْ لِصديقٍ *** شریفٍ في المناسِبْ(1)

ص: 70


1- قوله: صدِّيقةٌ: يعني به فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم سمّاها بها أبوها فيما أخرجه أبو سعيد في «شرف النبوة» عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم أنَّه قال لعليِّ علیه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يُؤتهنَّ أحدٌ و لاأنا: أوتيتَ صهراً مثلي و لم أُوت أنا مثلي. و أوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي علیها السلام و لم أُوت مثلها زوجة. و أوتيتَ الحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أُوت من صلبي مثلهما، ولكنَّكم منّي و أنا منكم. الرياض النضرة 2 ص202. و عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجةً من فاطمة علیها السلام إلا أن يكون الذّي ولدها علیهم السلام. حلية الأولياء 2 ص42، الاستيعاب 2 ص751، ذخائر العقبى ص44، تقريب الأسانيد و شرحه 1 ص150، مجمع الزوائد 9 ص201 و قال: رجاله رجال الصحيح. يعني به أميرالمؤمنين «صلوات الله عليه» و هو صدّيقُ هذه الأمة و ذلك لقبه الخاصّ، قال محبُّ الدين الطبري في رياضه: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم سمّاه صديقاً، و قال في ص155: قال الخجندي: و كان يلقِّب بيعسوب الأُمَّة و بالصدِّيق الأكبر. و هناك أخبار كثيرة نذكر بعضها. (أ) أخرج ابن النجَّار و أحمد في المناقب عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم الصدِّيقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون و حبيب النجَّار صاحب آل ياسين و علي بن أبي طالب علیه السلام. و أخرجه أبونعيم في المعرفة و ابن عساكر عن أبي ليلى و زادا في لفظهما: و هو أفضلهم. و أخرجه محبُّ الدين الطبري في الرياض 2 ص154، و الكنجي في الكفاية 47 بلفظ أبي ليلى و السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص152، و ابن حجر في الصواعق ص74 بلفظ ابن عبّاس و ص 75 بلفظ أبي ليلى. (ب) عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: إنَّ هذا أول من آمن بي، و هو أوَّل مَن يصافحني يوم القيامة، و هو الصديق الأكبر، و هذا فاروق هذه الأمَّة، يفرّق بين الحقِّ و الباطل، و هذا يعسوب المؤمنين. أخرجه الطبراني عن سلمان و أبي ذر و البيهقي و العدني عن حذيفة و الهيثمي في المجمع 9 ص102، و الحافظ الكنجي في الكفاية 79 من طريق الحافظ ابن عساكر و في آخره: و هو بابي الذي أوتى منه و هو خليفتي من بعدي. و ذكره باللفظ الأوَّل المتَّقي الهندي في إكمال كنز العمّال 6 ص56. (ت) عن ابن عباس و أبي ذرّ قالا: سمعنا النبي الله صلى الله عليه وآله و سلم يقول لعليّ علیه السلام: أنت الصدِّيق الأكبر، و أنت الفاروق الذي يفرق بين الحقِّ و الباطل. أخرجه محبُّ الدين في الرياض 2 ص155 و قال : و في رواية: و أنت يعسوب الدين. عن الحاكمي و القرشي في شمس الأخبار ص35 و فيه: و أنت يعسوب المؤمنين. و رواه مع الزيادة شيخ الإسلام الحموّي في الفرائد في الباب الرابع و العشرين. و ابن أبي الحديد عن أبي رافع في شرح النهج 3 ص257 و لفظه: قال أبورافع: أتيت أباذر بالربذة أُودِّعه فلما أردت الانصراف قال لي و لأناس معي: ستكون فتنةٌ فاتَّقوا الله و عليكم بالشيخ عليِّ ابن أبي طالب علیه السلام فاتَّبعوه، فإنّي سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول له: أنت أول من آمن بي، و أوَّل من يُصافحني يوم القيامة و أنت الصدّيق الأكبر، و أنت الفاروق الذي يفرق بين الحقّ و الباطل، و أنت يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الكافرين و أنت أخي و وزيري و خير أترك بعدي و تنجز موعدي و ذكره القاضي الإيجي في «المواقف» 3 ص276، و الصفوري في (نزهة المجالس) 2 ص205. (ث) عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال قال لي ربي «عزَّوجلَّ» ليلة أسرى بي: من خلفتَ على أُمَّتك يا محمّد صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: قلت يا ربّ أنت أعلم. قال: يا محمَّد صلي الله علیه و آله و سلم، انتجبتك برسالتي و اصطفيتك لنفسي، و أنت نبيّي و خيرتي من خلقي، ثمَّ الصدِّيق الأكبر الطاهر المطهر الّذي خلقته من طينتك و جعلته وزيرك و أبي سبطيك السيِّدين الشهيدين الطاهرين المطهَّرين سيّدي شباب الجنَّة: و زوجته خير نساء العالمين أنت شجرة و عليّ علیه السلام غصنها و فاطمة علیها السلام ورقها و الحسن و الحسين علیهما السلام ثمارها خلقتهما من طينة علييِّن و خلقت شيعتكم منكم، أنَّهم لو ضُربوا على أعناقهم بالسيوف ما ازدادوا لكم إلا حبّاً. قلت: يا ربّ ومَن الصدِّيق الأكبر؟ قال: أخوك عليِّ ابن أبي طالب علیه السلام. أخرجه القرشي في «شمس الأخبار» ص33. (ج) عن عليِّ علیه السلام أنَّه قال: أنا عبداللَّه و أخو رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و أنا الصديق الأكبر لايقولها بعدي إلا كذاب مفتر، لقد صلّيت قبل الناس سبع سنين. أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح. الخصائص ص3 بسند رجاله الثقات. و ابن أبي عاصم في «السنة». و حاكم في «المستدرك» 3 ص112 و صحَّحه. و أبو نعيم في «المعرفة». و ابن ماجة في سننه 1 ص57 بسند صحيح. و الطبري في تاريخه 2 ص213 بإسناد صحيح و العقيلي. و الخلعي. و ابن الأثير في «الكامل» 2 ص22. و ابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص257. و محبّ الدين الطبري في «الذخائر» ص60 ، و «الرياض» 2 ص155 و 158 و 167. و الحمّوي في «الفرائد» في الباب التاسع و الأربعين و السيوطي في «جمع الجوامع» كما في ترتيبه 6 ص394. و في طبقات الشعراني 2 ص55: قال عليِّ علیه السلام رضي عنه: أنا الصِّدِّيق الأكبر لايقولها بعدي إلا كاذب.

اخْتارَهُ و اخْتارها *** طُهُرَيْنِ مِنْ دَنَسِ المَعايِبْ(1)

ص: 71


1- عن معاذة قالت: سمعت عليّاً علیه السلام و هو يخطب على منبر البصرة يقول: أنا الصدِّيق الأكبر آمنت قبل أن يُؤمن أبوبكر و أسلمت قبل أن يسلم أبوبكر. أخرجه ابن قتيبة في «المعارف» ص73 و ابن أيّوب و العقيلي و محبُّ الدين في «الذخائر» ص58، و «الرياض» 2 ص 155 و 157 ، و ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص251 257 ، و السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص405.

إسْماهُما قُرِنا على سطرٍ *** يظل العَرْشِ راتبْ(1)

كان الإلهُ وَلِيَّها *** وَ أَمِينُه جِبْرِيلُ خاطبْ(2)

ص: 72


1- قوله : إسماهما قُرنا على سطرٍ *** بظلِّ العرش راتب أشار إلى حديث كتابة أسماء فاطمة و أبيها و بعلها و بنيها علیهم السلام في ظلِّ العرش و قد كتبت على باب الجنَّة كما أخرجه الخطيب البغدادي في تأريخه 1 ص259 عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلي الله علیه وآله و سلم: ليلة عُرّج بي إلى السماء رأيت على باب الجنَّة مكتوباً لا إله إلا الله، محمَّدٌ رسول الله صلي الله علیه وآله و سلم علي حبيب الله و الحسن و الحسين علیهما السلام صفوة ،الله، فاطمة علیها السلام خيرة الله، على مبغضيهم. لعنة الله. و رواه الخطيب الخوارزمي في مناقبه ص240. كما روي في الاختصاص ص91 في حديث طويل عن الإمام الكاظم علیه السلام أنه قال: (نحن مكتوبون على عرش ربنا: مكتوبون محمد خير النبيين و علي سيّد الوصيين صلي الله علیه وآله و سلم و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين).
2- قوله : كان الإله وليّه *** و أمينه جبريل خاطبْ إشارة إلى أنَّ الله تعالى هو زوّج فاطمة علیها السلام عليّاً علیه السلام و كان وليٍّ أمرها و خطب فيه الأمين جبرئيل علیه السلام كما ورد عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أيّها الناس، هذا عليٍّ بن أبي طالب علیه السلام أنتم تزعمون أنَّني أنا زوجته ابنتي فاطمة علیها السلام و لقد خطبها إليَّ أشراف قريش فلم جب، كلُّ ذلك أتوقع الخبر من السماء حتى جاءني جبرئيل ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال يا محمَّد صلى الله عليه و آله و سلم: العليُّ الأعلى يقرأ عليك السَّلام، و قد جمع الروحانيِّين و الكروبيِّن في وادٍ يُقال له: الأفيح. تحت شجرة طوبى و زوّج فاطمة علیها السلام علياً علیه السلام و أمرني، فكنت الخاطب و اللَّه «تعالى» الوليّ. الحديث. [ كفاية الطالب ص164]. و أخرج محبُّ الدين الطبري في «الذخائر» ص31 عن عليّ قال قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم؟ إِنَّ الله «تعالى» يقرأ عليك السَّلام، و يقول لك: إنّي قد زوَّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من عليٍّ بن أبي طالب علیه السلام في الملأ الأعلى فزوِّجها منه في الأرض. و أخرج النسّائي و الخطيب في تأريخه ج4 ص129 بالإسناد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أصاب فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم صبيحة العرس رعدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام إنّي زوجتك سيّداً في الدنيا و إنَّه في الآخرة لمن الصالحين. يا فاطمة صلى الله عليه و آله و سلم؟ إنّي لمّا أردت أن أملكك لعّلي أمر الله جبريل فقام في السَّماء الرابعة فصفَّ الملائكة صفوفاً ثمَّ خطب عليهم جبريل فزوجِّك من عليّ ثمَّ أمر شجر الجنان فحملت الحليّ و الحُلل ثمَّ أمرها فنثرته على الملائكة، فمن أخذ منهم يومئذ أكثر مما أخذ صاحبه أو أحسن أفتخر به إلى يوم القيامة. أُمّ سلمة: فلقد كانت فاطمة علیها السلام تفخر على النساء حيث أوّل من خطب عليها جبريل و ذكره الكنجي في «الكفاية» ص165 ثمَّ قال: حديثٌ حسنٌ عال رزقناه عالياً و محبّ الدين في «الذخائر» ص32. و روى الصفوري في نزهة المجالس 2 ص225 عن جبرئيل أنّه قال لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إِنَّ الله أمر رضوان أن ينصب منبر الكرامة على باب البيت المعمور و أمر ملكاً يُقال له: «راحيل» أن يصعده، فعلا المنبر و حمد الله و أثنى عليه بما هو أهله فارتجِّت السموات فرحاً و سروراً، و أوحى الله إليَّ أن أعقد عقدة النكاح، فإنّي زوَّجت عليّاً علیه السلام بفاطمة علیها السلام أمتي بنت محمد رسولي صلي الله علیه و آله و سلم، فعقدت و أشهدت الملائكة و كتبت شهادتهم في هذه الحريرة، و إنّي أمرت أن أعرضها عليك و أختمها بخاتم مسك أبيض و أدفعها إلى رضوان خازن الجنان. و هناك في هذا المعنى أخبارٌ كثيرةٌ.

وَ المَهْرُ خُمْسُ الأرضِ مَوْهِبَةً *** تَعالَتْ في المَوَاهِبْ(1)

وَ تَهَابُها مِنْ حَمْلِ طُوبَى *** طُببَتْ تِلْكَ المَناهِبْ(2)

ص: 73


1- قوله: و المهر خُمس الأرض مو *** هبة تعالت في المواهب أشار به إلى ما أخرجه شيخ الإسلام الحمّوي في (فرائد السمطين) في الباب الثامن عشر عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أنه قال لعليٍّ: يا عليُّ علیه السلام؟ إنَّ الأرض لِلَّه يورثها من يَشاءُ من عباده، و إنَّه أوحى إليَّ أن أزوجك فاطمة علیها السلام على خُمس الأرض، فهي صداقها فمن مشى على الأرض و هو لكم حرام عليه أن يمشي عليها.
2- قوله: و تهابها من حمل طوبی *** طیِّبت تلک المناهبْ أشار إلى حديث النثار المرويٍّ عن بلال بن حمامة قال: طلع علينا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ذات يوم و وجهه مسرورٌ كدارة القمر فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما هذا النور؟ قال: بشارةٌ أتتني من ربِّي في أخي وابن عمّي بأنَّ الله زوَّج عليّاً علیه السلام من فاطمة علیها السلام، و أمر رضوان خازن الجنان فهزَّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً -يعني صكاكاً- بعدد محبّي أهل البيت، و أنشأ تحتها ملائكة من نور و دفع إلى كلِّ ملك صكاكاً، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محبِّ لأهل البيت إلا دفعت له صكاً فيه فكاكه من النَّار، فصار أخي و ابن عمّي و بنتي فكّاك رقاب رجال و نساء أُمَّتي من النَّار. أخرجه الخطيب في تاريخه 4 ص210. و ابن الأثير في أسد الغابة 1 ص206. و ابن الصباغ المالكي في «الفصول المهمة». و أبوبكر الخوارزمي في «المناقب». و ابن حجر في «الصواعق» ص103. و الصفوري في نزهة المجالس 2 ص225 . و الحضرمي في «رشفة الصادي» ص28. و أخرج أبوعبد الله الملاً في سيرته عن أنس قال بينما رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل علیه السلام يخبرني أنّ الله زوجك فاطمة علیها السلام و أشهد على تزويجها أربعين ألف ملك و أوحى إلى شجرة طوبى: أن انثري عليهم الدرّ و الياقوت فنثرت عليهم الدرّ و الياقوت فابتدرت إليه الحور العين يتلَّقطن في أطباق الدرّ و الياقوت. فهم يتهادونه بينهم إلى يوم القيامة. و رواه محبّ الدين في «الذخائر» ص32. و في «الرياض» 2 ص184. و الصفوري في نزهة المجالس 2 ص223.

(15) دار فاطم علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ سلمان البلادي البحراني

هُوَ الدَّهْرُ بِالْأَعْمَالِ تَسْرِي رَكائِبُهُ *** كما كانَ بِالرِّجالِ تَسْعَى نَوائِبُةْ

تولَّعَ بِالسّاداتِ في كُلِّ كُرْبَةٍ *** فَما سَيِّدٌ إِلا رَمَتْهُ صَوائِبُهْ(1)

فَيا لَكَ دَهْراً لا يُنيمُ وَ لَمْ يَنَمْ *** تَنِمُّ عَلى الأَعْمارِ دَاباً رقائِبُةْ(2)

فَلَمْ تَمْتَنِعْ مِنْهُ حُصُونُ مَنِيعَةٌ *** وَ لامَلِكٌ قَدْ حَصَّنَتْهُ مَقَانِبُهْ(3)

وَ حَسْبُكَ مَوْتُ المُصْطَفَى خَيْرِ سَيْدٍ *** وَ مَنْ عَمَّتِ الْأَكْوانَ طُرّاً مَواهِبُهْ

قضى فَقضى مِنْ بَعْدِهِ الحَقُّ وَ اخْتَفَتْ *** بِأَسْتَارِ لَيْلِ الجَوْرِ مِنْهُ كَواكِبُهْ(4)

ص: 74


1- صوائبه: من الصواب و هو ضد الخطأ.
2- لايُنيم: لا يدع أحداً ينام.
3- مقانبه: جماعة من الخيل تجتمع للغارة، و المراد جيوشه.
4- لعله إشارة إلى ما روي في إطماس الحق و إظهار الفتن و الأباطيل و التعدّي على أهل البيت علیهم السلام بعد موت الرسول الكريم صلي الله علیه و آله و سلم و من جملة ما عن كامل الزيارات ص332 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم قيل له: إن الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك، قال: أسلم لأمرك يا رب، و لاقوة لي على الصبر إلاَّ بك، فما هنّ؟ إلى أن قال «تعالى»: و أما الثالثة: فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل: أما أخوك علي فيلقى من أُمَّتك الشتم و التضعيف و التوبيخ و الحرمان و الجهد و الظلم و آخر ذلك القتل، فقال: يا ربّ سلّمت، و قبلت و منك التوفيق و الصبر. و أما ابنتك فتظلم، و تُحرم، و يُؤخذ حقِّها غصباً الذي تجعله لها، و تُضرب و هي حامل، و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن، ثم يمسها هوان و ذل ثم لا تجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب، و تموت من ذلك ،الضرب، قلت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، قبلت يا رب و سلّمت و منك التوفيق. الحديث طويل أخذنا منه موضع الشاهد.

وَ جَلَّلَ ثَوْبُ الدِّينِ ثَوْبَ كُسُوفِها *** كَما خَسِفَتْ بَدْرَ الْوُجودِ غَيَاهِبُهْ

وَ أَذْرَتْ عُيُونُ الكائناتِ دَمُوعَها *** كَما وَ كَفَتْ مِنْهُ عَلَيْها سَحَائِبُهْ(1)

لَقَدْ أَظْهَرَتْ فِيهِ السَّقِيفةُ مُضْمَراً *** لإطفاء نُورِ اللَّهِ كَانَتْ مَنَاصِبُهْ(2)

كَما أَضْمَرتُ نيرانها مُسْتَطِيرَةً *** فَذا حَرُّها لِلدِّينِ عَمَّتْ لَوَاهِبُهْ

يِها صَمَّمُوا أَنْ يُحْرِقُوا دار فاطِمٍ *** وَ مِنْ نُورِهِ قَدْ نَوَّرَ الكَوْنَ ثاقِبُهْ(3)

ص: 75


1- أُذُرَتْ: أطارت و فرقت وَ كَفَتْ: سالت قليلاً قليلاً.
2- إشارة إلى ما تعاقدوا عليه في سقيفة بني ساعدة، كما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص94 في حديث طويل عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة، قال: و بايع جماعة الأنصار و من حضر من غيرهم، و علي بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما فرغ من ذلك و صلى على النبي صلي الله علیه و آله و سلم و الناس يصلون عليه من بايع أبابكر و من لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم و معهم الزبير بن العوام، و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و بنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبوبكر، و معه عمر وأبوعبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم خلقاً شتّى قوموا فبايعوا أبابكر فقد بايعته الأنصار و الناس فقام عثمان و عبد الرحمن بن عوف و من معهما فبايعوا و انصرف علي و بنو هاشم إلى منزل علي و معهم الزبير. قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين و سلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العفور فاكفونا شرّه، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره و أحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم و مضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا : بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس و ايم اللَّه لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضر إلا علي بن أبي طالب علیه السلام فقالوا له: بايع أبابكر. فقال علي علیه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و تأخذونه منّا أهل البيت علیهم السلام غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأعطوكم المقادة و سلّموا لكم الإمارة و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حياً و ميتاً و أنا وصيّه و وزيره و مستودع سره و علمه، و أنا الصدّيق الأكبر و الفاروق الأعظم، أول من آمن به وصدَّق و أحسنكم بلاءً في جهاد المشركين، و أعرفكم بالكتاب و السنة، و أفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب الأمور. الحديث.
3- إشارة إلى القوم الذين أحرقوا بيت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم في كتاب سليم بن قيس ص31 في حديث طويل عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه)، لما كان الليل حمل علي علیه السلام فاطمة علىها السلام علي حمار و أخذ بيده ابنيه الحسن و الحسين علیهما السلام فلم يدع أحداً أصحاب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم اللَّه حقَّه و دعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا و بذلنا له نصرتنا و كان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إيّاه و تركهم نصرته و اجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له و تعظيمهم إيّاه لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلاَّ و قد بايع، غيره و غير هؤلاء الأربعة و كان أبوبكر أرقّ الرجلين و أرفقهما و أدهاهما و أبعدهما غوراً، و الآخر أفظّهما و أغلظهما، و أجفاهما، فقال له أبوبكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، و هو رجل فظّ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله إليه، و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن على علي علیه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما جالسان في المسجد و الناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم، و إلاّ فادخلوا عليه بغير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة علیها السلام: أحرّج عليكم أن تدخلوا عليّ بيتي بغير إذن فرجعوا و ثبت قنفذ «الملعون»، فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت:كذا و كذا فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء! ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناها علیهم السلام ثم نادى عمر، حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنّ يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و إلاّ أضرمت عليك بيتك النّار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب، و إلا أحرقنا عليكم بيتكم فقالت: يا عمر أما تتّقي الله تدخل عليّ بيتي صلي الله علیه و آله و سلم؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت یا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف -و هو في غمده- فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم. فرفع السوط فضرب به ذراعها.

بهَا البِضْعَةُ الزَّهْرَاءُ أَلْقَتْ جَنِينَها *** بِضَغْطِ رَقَتْ أَوْجَ السَّمَاءِ نَوادِبُهْ(1)

فَيا لكِ ناراً طبق الكَونَ نَشْرُها *** فَدَبَّتْ عَلَى آلِ النَّبِيِّ عَقَارِبُهْ

ص: 76


1- إشارة إلى إسقاط جنين الزهراء علیها السلام بعد أن ضربوها، فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص37 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ، فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي علیه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود، و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ: اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

بِهَا الحَيْدَرُ الكَرَّارُ قِيدَ مُلَبَّباً *** وَ شَنَّتْ عَلَيْهِ فِي الحَياةِ حَرائِبُهْ

وَ عَمَّمَ مِنْهُ الرَّأْسَ سَيْفُ ابنِ مُلْجَمٍ *** فَغُودِرَ في المِحْرابِ وَ الدَّمُ حَاضِبُةْ(1)

بِهَا الحَسَنُ الزّاكِي تَقَطَّعَ قَلْبُهُ *** بسم فَمِنْهُ الدِّينُ قُطِّعَ جانِبُةْ(2)

كَما جَدَّهُ المختارُ قَطعَ قَلْبُهُ *** بِسُمٌ فَمِنْهُ الدِّينُ هُدَّتْ شَناخِبُةْ

وَ مِنْهَا طَمَتْ في كَرْبَلا لُجَّةُ البَلا *** عَلَى فُلْكِ نُوحٍ وَ امْتَطَى الْكَرْبَ رَاكِبُهْ(3)

ص: 77


1- إشارة إلى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام بسيف عبد الرحمن بن ملجم المرادي. ففي كنز العمال ج6 ص412 قال: عرضت على علي علیه السلام الخيل فمرَّ عليه ابن ملجم فسأله عن اسمه (نسبه) فانتمى إلى غير أبيه فقال له: كذبت حتى انتسب إلى أبيه فقال: صدقت أما إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حدثني أن قاتلي شبه اليهود و هو يهودي فأمضه و راجع ابن حجر في صواعقه المحرقة ص80 قال: فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها أكثر الخروج -يعني عليّاً علیه السلام- و النظر إلى السماء و جعل يقول: واللَّه ما كَذبْتُ و لاكُذَّبْتُ و إنها الليلة التي وعدت، فلما خرج وقت السحر ضربه ابن ملجم الضربة الموعود بها (الخ).
2- إشارة إلى يوم السقيفة التي بها انقلب الناس على أعقابهم و تجرؤوا على أهل البيت علیهم السلام و مهدت لقتلهم علیهم السلام يشير الشاعر إلى استشهاد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام و أن قتله كان من نتائج السقيفة ففي حلية الأولياء لأبي نعيم ج1 ص38 روی بسنده عن عمير بن إسحاق قال: دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده فقال: يا فلان سلني قال: لاوالله لانسألك حتى يعافيك الله ثم نسألك قال: ثم دخل ثم خرج إلينا فقال: سلني قبل أن لاتسألني فقال: بل يعافيك الله ثم أسألك، قال: لقد ألقيت طائفة من كبدي و إني سقيت السم مراراً فلم أسق مثل هذه المرة ثم دخلت عليه من الغد و هو يجود بنفسه و الحسين علیهم السلام عند رأسه. الحديث طويل. و روى صاحب مستدرك الصحيحين ج3 ص176 روی بسنده عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: سمت ابنة الأشعث بن قيس الحسن بن علي علیه السلام و كانت تحته و رُشيت على ذلك مالاً.
3- إشارة إلى واقعة كربلاء و استشهاد الإمام الحسين علیه السلام و أصحابه و أهل بيته علیهم السلام. و أن هذه الواقعة أيضاً من نتائج السقيفة. ففي تهذيب التهذيب ج2 ص347 قال: و قال عمار الدهني: مرَّ علي علیه السلام على كعب فقال: يقتل من ولد هذا رجل في عصابة لايجف عرق خيولهم حتى يردوا على محمد صلي الله علیهی و آله و سلم، فمرّ حسن عیله السلام فقالوا هذا قال: لا، فمرّ حسین علیه السلام فقالوا: هذا قال: نعم. (أقول) و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص193 باختلاف يسير في بعض الألفاظ و قال: رواه الطبراني و الروايات مستفيضة في ذلك.

فَمِنْ صَعْدَةِ الباغِينَ مِنْبَرَ أَحْمَدٍ *** عَلى صَعْدَةٍ رَأْس ابْنِهِ الْبَغْيُ ناصِبُةْ

وَ أَصْعَدَ شِمْراً فَوْقَ صَدْرِ ابن أحمدٍ *** وَ يَا طالما صَدْرُ النَّبِيِّ يُلاعِبةْ(1)

وَ سَيْفٌ لَهُ تِلْكَ السَّقِيفَةُ جُرِّدَتْ *** لَقَدْ جَرَّدَتْ رَأسَ الحُسَيْنِ ضَرائِبُهْ(2)

وَ جَزل ادَارُوهُ عَلَى دَارِ حَيْدَرٍ *** بهِ أُخرقَتْ في كَرْبَلاءَ مُضَارِبُهْ(3)

وَقَوْدُ الوَصِيِّ المُرْتَضَى بِنِجادِهِ *** يُقادُ بِهِ سَجَّادُهُ وَ نَجَائِبُهْ(4)

وَ جَيْشٌ عَلَى الكَرَارِ حُمَّتْ سُيُولُهُ *** لِقَتْلِ ابْنِهِ فِي الطَّفِّ جُرَّتْ كَتائِبُهْ

ص: 78


1- في الاستيعاب لابن عبد البر ج1 ص144 قال: سمعت أبا هريرة يقول: أبصرت عيناي هاتان و سمعت أذناي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بكفي حسين و قدماه على قدمي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وهو يقول: ترق ترق عين بقة، فرقي الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: افتح فاك ثم قال: اللهم أحبه فإني أحبه.
2- إشارة إلى تجرّؤ القوم الذين قتلوا الإمام الحسين علیه السلام و حزّوا رأسه بتجرؤ القوم الذين انقلبوا بعد موت النبي صلي الله علیه و آله و سلم على أعقابهم تحت سقيفة بني ساعدة، و تجاوزهم على بيت على و فاطمة علیهما السلام. من مستدرك الصحيحين ج3 ص176 في حديث طويل عن أم الفضل بنت الحارث قالت: فوضعته في حجره (و تعني الحسين علیه السلام) ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تهريقان من الدموع. قالت: فقلت: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم -بأبي أنت وأمي- ما لك؟ قال: أتاني جبريل علیه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا فقلت: هذا؟ فقال: نعم، و أتاني بتربة من تربته حمراء، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (أقول) و رواه أيضاً ص179 مختصراً.
3- إشارة إلى حرق القوم لبيت علي علیه السلام مما أدّى إلى تجرّؤ القوم في كربلاء لحرق خيام بنات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففي الكامل/ لابن الأثير/ ج4 ص32: لما قتل أبوعبدالله الحسين علیه السلام المال الناس على ثقله و متاعه و انتهبوا ما في الخيام و أضرموا النار فيها و تسابق على سلب حرائر الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففررن بنات الزهراء علیها السلام حواسر مسلبات باكيات. و الخبر طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- إشارة إلى ما روي من أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام قادوه بنجاده من بيته لكي يبايع و قد مهَّد ذلك إلى تجرّؤ القوم في كربلاء لسحب حفيده الإمام علي بن الحسين السجاد علیه السلام مكبّلاً بالحديد، فقد روي في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرّم ص316 ناقلاً خطبة الإمام علي ابن الحسين السجاد علیه السلام، وجيء بعلي بن الحسين علیه السلام على بعير طالع والجامعة في عنقه ويداه مغلولتان إلى عنقه و أوداجه تشخب دماً فكان يقول (الخ).

و إسقاط بِنْتِ المُصْطَفَى الظَّهْرِ مُحْسِناً *** بِهِ لِحُسَيْنِ أَسْقَطَ الطِّفْلَ ناشِبُهْ(1)

وَخُطْبَتُها في مَجْلِسٍ عِنْدَ حَبْتَرٍ *** بِهِ زَيْنَبٌ لاقَتْ يَزِيدَ تُخاطِبُهْ(2)

وَ مِنْ مَشْبِها تَرْجُو لِتَخْلِيص حَيْدَرٍ *** مَشَتْ زَيْنَبٌ نَحْوَ العَلِيل نَجانِبهْ(3)

ص: 79


1- إشارة إلى تجرؤ القوم الذين أسقطوا جنين الزهراء علیها السلام و قد مهد إلى تجرؤ من بعدهم لقتل رضيع الحسين علیه السلام في كربلاء. فقد روي: في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرّم ص272 و دعا بولده (أي الحسين علیه السلام ) الرضيع يودّعه، فأتته زينب علیه السلام بابنه عبد الله علیه السلام و أمه الرباب فأجلسه في حجره يقبله و يقول: بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم خصمهم ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة ابن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقى الحسين علیه السلام الدم بكفه و رمى به نحو السماء. و في تاريخ اليعقوبي/ ط النجف/ ج2 ص218: إن الحسين علیه السلام الواقف إذ أتي بمولود له ولد الساعة أذّن في أذنه و جعل يحنكه إذ أتاه سهم وقع في حلق الصبي فذبحه فنزع الحسين علیه السلام السهم من حلقه و جعل يلطخه بدمه و يقول: واللَّه لأنت أكرم على الله من الناقة و لمحمد صلي الله علیه و آله و سلم أكرم على اللَّه من صالح ثم أتى فوضعه مع ولده و بني أخیه.
2- إشارة إلى غصب الخلافة و حق الزهراء علیها السلام في فدك و في إرثها مما دعا الزهراء علیها السلام لأن تخطب أمام الخليفة الأول و الثاني و جمع من الناس بمطالبة حقها و نشر ظلامتها و قد تكرر هذا الموقف لزينب بنتها علیه السلام لأن تخطب أمام يزيد بن معاوية بعد مقتل أخيها الحسين علیه السلام و سبيها إلى يزيد و وقوفها في مجلسه و خطبتها لنشر ظلامة الحسين علیه السلام، و قد روي في الاحتجاج/ ج1 ص131، أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام لافدكاً و بلغها ذلك، لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها، و أقبلت في لمة حفدتها و نساء قومها، و تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثم أنت أنّة، أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم، و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها. و في المصدر نفسه روي في ص969، أنه لما دخل علي بن الحسين علیه السلام و حرمه على يزيد (لعنة الله) جيء برأس الحسين علیه السلام، و وضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده -إلى أن تقول الرواية- فقامت إليه زينب بنت علي بن أبي طالب علیه السللام و أمّها فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قالت: الحمد للَّه رب العالمين و صلى الله على جدّي سيد المرسلين، صدق الله سبحانه كذلك يقول، (الخ) الحديث و هو طويل أخذنا موضع الحاجة.
3- في تفسير العياشي ج2 في تفسير آية (65) من سورة الأنفال في حديث طويل فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي -والله- لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقّن جيبي، و لآتين قبر أبي، و لأصيحنّ إلى ربّي فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم، فقال علي لسلمان: أدرك ابنة محمد صلي الله علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفآن واللَّه إن نشرت شعرها و شقَت جيبها، و أتت قبر أبيها و صاحت إلى ربّها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها (و بمن فيها)، فأدرك سلمان (رضي الله عنه) فقال: يا بنت محمد علیها السلام، إن اللَّه إنما بعث أباك رحمة، فارجعي. فقالت: يا سلمان، يريدون قتل علي علیه السلام، ما على علي صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي صلي الله علیه و آله و سلم فأنشر شعري و أشق جيبي، و أصيح إلى ربي، فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة، و علي علیه السلام بعثني إليك، و يأمرك أن ترجعي إلى بيتكِ، و تنصرفي، فقالت : إذاً أرجع، و أصبر، و أسمع له، و أطيع. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و ربط الشاعر بين الحادثين للزهراء علیه السلام و زينب علیها السلام في هذا البيت فموقف زينب علیها السلام السجاد علیه السلام حيث أنه كان عليلاً علیه السلام في واقعة الطف و كيف وقفت تحميه. فقد روي في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرم ص325 في حديث طويل و التفت إلى علي بن الحسين علیه السلام (أي عبيد الله بن زياد) و قال له: ما اسمك قال: أنا علي بن الحسين علیه السلام فقال له أو لم يقتل الله علياً علیه السلام؟ فقال السجاد علیه السلام: كان لي أخ أكبر مني يسمى علياً علیه السلام قتله الناس فرد عليه ابن زياد بأن الله قتله. قال السجاد علیه السلام: اللَّه يتوفى الأنفس حين موتها و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله. فكبر على ابن زياد أن يرد عليه فأمر أن تضرب عنقه. لكنّ عمته العقيلة اعتنقته و قالت: حسبك يا ابن زياد من دمائنا ما سفكت و هل أبقيت أحداً غير هذا؟ فإن أردت قتله فاقتلني معه. و قد ذكر الحدث ابن جرير الطبري في المنتخب من الذيل ص89 ملحق بالتاريخ ج12 و أبو الفرج في المقاتل ص49 ط إيران و الدميري في حياة الحيوان بمادة بغل و المنتخب للطريحي ص238 المطبعة الحيدرية، و نسب قريش لمصعب الزبيري ص58. و انظر أيضاً الطبري ج6 ص263.

وَ لَمْ أنسَ مُهُمَا أَنْسَ فَاطِمَ إذْ دَعَتْ *** أَبَاهَا بِدَمْعِ أَفْرَحَ الطَّرْفَ ساكِبُهْ

لقَدْ كُنْتَ يا خَيْرَ الخلائقِ مَعْقِلاً *** تَحُلُّ عِقال النائباتِ جَوانِيةْ

بِنُورِكَ كَانَتْ تَسْتَضِيءُ أُولُو الحِجا *** فَبَعْدَكَ نُورُ الحَقِّ أَظْلَمَ لاحِبُهْ

وَ قَدْ أُثْكِلَتْ أُمُّ المَعَالِي وَ أَيَّمَتْ *** وَ خابَتْ بَنُو الآمال مما تُطالِبُةْ

تَهَضَّمَنَا القَوْمُ اللئَّامُ ببُغْضِهِمْ *** وَ أَدْرَكَ مِنا الوتْرَ مَنْ هُوَ طالِبُهْ

فَها نَحْنُ لَمَّا غِبْتَ عَنَا بِذِلَّةٍ *** يُجاذِبُنا صَرْفُ الْبَلا وَ نُجَاذِبُهْ

يَحِنُّ حَنِينَ الْهيمِ مَسْجِدُكَ الَّذِي *** بِنُورِ مُحَيَّاكَ اسْتَنَارَتْ مَحارِبُةْ

ص: 80

و مَخْطَبُكَ السّامِي أقامَ خُطُوبَهُ *** غَداةَ خَلا مِنْ أَوْجَ مَرْقَاهُ خَاطِبُهْ

وَ نادِيكَ مُذْ غَاضَ النَّدَى عَنْهُ صَوَّحَتْ *** رُباهُ كَأَنْ لَمْ يَغْنَ بِالأَمْسِ جَانِبُهْ

لَقَدْ تُرْبَتْ كَفُّ العَفَّاف وَ لَمْ تَنَلْ *** بِلالُ نَدى الاسراباً يُناوِبُهْ

أَتُحْيِي رُفاةٌ وَ الْحَيَاةُ تَفَشَّعَتْ *** بِعاصِفَةِ الْأَرْجَاءِ عَنْهُ سَحَائِبُهْ

فَوا ضَيْعَةَ الإسلام بَعْدَ كَفِيلِها *** وَ خَيْبَةَ مَنْ أَخْنَتْ عَلَيْهِ مَآرِبُهْ

وَ مِنْ أيْنَ تَعْلُو لِلْمَحامِدِ رايَةٌ *** وَ أَحَمَدُها في التُّرْبِ رُضَّتْ تَرائِبُهْ؟

وَ انّى بَنُو الحاجاتِ تَجْرِي سَفِينُها *** وَ زَاخِرُ مَجْراها بِفَقْدِكَ نَاضِبُهْ؟

أبِي فَتَحَتْ عَيْنُ الصَّلالِ لِظُلْمِنا *** بإغماض طَرْفٍ مِنْكَ فِينَا تُراقِبُهْ

فَذَا صِنْوُكَ الكَرَّارُ أَصْبَحَ صاغراً *** وَ نَازَعَهُ حَقَّ الخِلافَةِ غَاصِبُهْ

وَ سِبْطاكَ ما رَاعَوْا حُفُوقَكَ فِيهِما *** كَأَنَّكَ في أَجْرِ الْمَوَدَّةِ كاذِبهْ(1)

فَها مَدْمَعِي يَنْهَلُ كَالسُّحْبِ وابِلُه *** وَ عُمْرِيَ مِنْهُ زادُهُ وَ مَشارِبُهْ

وَ هَوَّنَ خَطبي أنَّ عُمْرِي مُنْقَضٍ *** وَ أَنَّ بُعَيْدَ الْمُلْتَقَى مُتَقارِبُهْ

وَ كَيْفَ بَقَاءُ الجِسْمِ مِنْ غَيْرِ رُوحِهِ *** وَ فِي القَلْبِ ما يُذْكِي لَظَى الْوَجْدِ لاهِبُهْ(2)

فَهذا هُوَ الرُّزْهُ العَظِيمُ الَّذِي بِهِ *** عَظِيمُ الْبَلَا يُنْسَى وَ تُسْلَى مَصَائِبُهْ

أيا سيِّد الرُّسُلِ الشَّفِيعَ لِمَنْ عَصَى *** أَغِثْ آبِقاً قَدْ أَوْبَقَتْهُ مَعَايِبُهْ

إذا خَفِّ مِيزاني بما كَسَبَتْ يَدِي *** فَتَقُلْهُ كَيْ لَا تَسْتَخِفَّ مَكاسِبُهْ

ص: 81


1- يصور لنا الشاعر عدم احترام القوم للسبطين الحسن و الحسين علیهما السلام بعد موت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و كأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم يبلغ بآية الموّدة في قرباه. فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي (رضي الله عنه) ص43 في حديث طويل يشير إلى بعض ذلك حيث يقول: فقام عمر فقال لأبي بكر -و هو جالس فوق المنبر-: ما يجلسك فوق المنبر و هذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك؟ (و يقصد الإمام علي علیه السلام ) أو تأمر به فتضرب عنقه!! و الحسن و الحسين علیهما السلام قائمان فلما سمعا مقالة عمر بكيا، فضمهما علیهما السلام إلى صدره فقال: لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- يذكي: يشعل، يؤجج.

فَحُبُّكَ يا مَوْلايَ أَحْمَدُ صالحٌ *** سَما فَسَمَا فَلْتَعْلُ مِنْهُ مَراتِبُهْ

عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ السَّلامُ سَلامُهُ *** تَروُحُ وَ تَعْدُو كُلَّ آنٍ رَكاتِبُهْ(1)

ص: 82


1- رياض المدح و الرثاء ص125 الشيخ حسن علي البحراني -مؤسسة البلاغ- بيروت- الطبعة الأولى.

(16) ريحانة المصطفى علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ صادق جعفر الهلالي

حَيّ البَتُولَةَ وَ ابْلُغْ بالسَّنا رُتَبا *** شِعْراً تُطَرِّزُ في قِرْطاسِهِ العَجَبا

كالشمس أشْرَقَ مِنْ إشْعَاعِها أَلقاً *** عَمَّ الوُجُودَ أَضَاءَ العَالَمَ الرَّحِبَا

هِيَ ابْنَةُ المُصْطَفَى وَ البَعْلُ حَيْدَرَةٌ *** ذكراً بها مَوْلِدُ الزهراءِ قَدْ كُتِبا

تاهَ الفَرِيضُ بِمَعْناها وَ مَا بَرُدَتْ *** قَوافي الشعرِ تَسْمُو عِزّةً وإبَا

يا بَهْجَةَ القَلْبِ لِلْهَادِي البَشِيرِ وَمَا *** رَیْحانَةٌ بِشَذّاها لُطْفُهُ انْسَكبا(1)

ص: 83


1- إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كلما اشتقت إلى الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة علیها السلام. ففي البحار ج43 ص4 نقلاً عن أمالي الصدوق و عيون أخبار الرضا عن الرضا علیه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل علیه السلام فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته فتحوّل ذلك نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة علیه السلام فحملت فاطمة علیها السلام ففاطمة علیها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلى الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة علیها السلام. و في ص5 نقلاً عن علل الشرائع عن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنك تلثم فاطمة علیها السلام و تلزمها و تدنيها منك و تفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك علیها السلام؟ فقال: إن جبرئيل علیه السلام أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحوّلت ماءً في صلبي ثم واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام فأنا أشم منها رائحة الجنة. و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص36 قال عن ابن عباس «رضي عنهما» قال: كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم لا يكثر القبل لفاطمة علیها السلام فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة فقال صلى الله عليه و آله و سلم إن جبريل علیه السلام ليلة أسري بي أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماءً في صلبي فحملت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فإذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة علیها السلام فأصبت من رائحتها جمیع تلك الثمار التي أكلتها. و في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 قال: عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أتاني جبريل بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام.

أُمِّ تَوَرَّدَ منها بالهُدى حَسَنٌ *** وَذَا الحُسَيْنُ إباءً يَزْدَهِي رُتَبا(1)

أُمُّ الأئمّةِ زَهْراءٌ وَقَدْ عَظُمَتْ *** عِنْدَ الإلهِ عُلُوّاً زاحَمَ الشُّهُبا(2)

بُورِكَتِ زَيْنَبُ أمَّ أَنْتِ صُورَتُها *** صَبْراً يُفَجُرُ مِنْ بُرُكَانِهِ لَهَبا

قَوافِي الشَّعْرِ في ذِكْرَاكِ أَبْعَثُهَا *** نَهْجاً به أرتجي الإشفاع و الحَدَبا(3)

ذَابَ الفُؤَادُ وَلاءً في مَوَدَّتِكُمْ *** فَهْوَ الغِذاءُ لينجي كلَّ مكتَسِبا

فَأَنْتُمُ سُفَنُ البارِي وَ جَنَّتُهُ *** يحبِّكُمْ نَبْلُغُ الآمال و الإرَبا(4)

ص: 84


1- يزدهي: يفتخر.
2- يشير الشاعر إلى منزلة الزهراءعلیها السلام عند اللَّه «تعالى» كما في كنز العمال ج12 ص110. قال: عن أبي يزيد المدني إن أول شخص يدخل الجنة فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم و مثلها في هذه الأمة مثل مريم علیها السلام في بني إسرائيل. و في كتاب ذخائر العقبى ص48 قال: عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «تحشر ابنتي علیها السلام القيامة و عليها حلة الكرمة قد عجنت بماء الحيوان فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها ثم تكسى حلة من حلل الجنة على ألف حلة مكتوب بخط أخضر أدخلوا ابنة محمد الله صلى الله عليه و آله و سلم الجنة على أحسن صورة و أكمل هيبة و أتم كرامة و أوفر حظ فتزف إلى الجنة كالعروس حولها سبعون ألف جارية». و في كنز العمال ج12 ص105 قال: عن أبي أيوب إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم و غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على الصراط، فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق. و ذكره محب الدين الطبري في ذخائره ص48. و ذكره ابن حجر الهيثمي في صواعقه ص190. و في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص161 قال: عن علي علیه السلام قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من وراء الحجاب يا أهل الجمع غضوا أبصاركم عن فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم حتى تمر فتمر و عليها ريطتان خضراوان». و ذكره محب الدين الطبري في ص48 و ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص523. و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص215.
3- الحدب: العطف.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون أهل البيت كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك. ففي كنز العمال ج12 ص94 ح34144 قال: عن أبي ذر ، إن مثل أهل بيتي علیهم السلام فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها هلك. و في كتاب ذخائر العقبي ص20 قال: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: مثل أهل بيتي علیهم السلام كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تعلق بها فاز و من تخلف عنها غرق. و ذكره الحاكم النيسابوري في مستدركه ص343.

فَبِاسْمِكِ اليَوْمَ قَدْ غَنّى القصيدُ شَداً *** بِهِ تَزاحَمَتِ الأَفْكَارُ ما وَجَبَا

يا أَمْ زَيْنَبَ يا لُطفا بهِ احْتَفَلَتْ *** دُنْيا الوُجودِ وَ لاصادِقاً عَذِبا

تَعَطَّرَ القَلَمُ المُهْرَاقُ في شَعَفٍ *** يَشْدُو علاكِ بذاك المَنْهَلِ الخَصِبَا

فَأَنْتِ سَيِّدَةٌ في العالَمِينَ عَلَى *** كُلِّ النِّساءِ تَهَاوَتْ دُونَكِ الرُّتَبا(1)

حُيِّيتِ يَابْنَةَ خَيْرِ الخَلْقِ قاطِبَةً *** شَمْساً لِتَكْشِفَ عَنْ آفَاقِنا الحُجُبا

***

يَسْتَأْذِنُ الدار إجلالاً و تَعْظِمَةً *** في ظِلّهِ تَسْكُنُ الزهراء و النُّجُبا(2)

ص: 85


1- ففي مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص156 قال: عن عائشة أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم هلال الهلال قال في مرضه الذي توفي فيه: «يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين علیها السلام و سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء المؤمنين»؟ و ذكره الهندي في كنز العمال ج12 ص110. و في ذخائر العقبي ص43 قال: عن عمران بن حصين أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم عاد فاطمة علیها السلام و هي مريضة فقال لها: كيف تجدينك يا بنية قالت إني وجعة و إني ليزيدني أني ما لي طعام آكله، فقال: «يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين» فقالت: يا أبت صلي الله علیه و آله و سلم فأين مريم بنت عمران علیها السلام قال: تلك سيدة نساء عالمها و أنت سيدة نساء عالمك». و ذكره ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص522. و ذكره أبو نعيم في حلية الأولياء ج2 ص40. و ذكره أحمد في ج6 ص282.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى استئذان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عند دخوله إلى دار فاطمة علیها السلام. ففي البحار ج43 ص62 نقلاً عن الكافي قال: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يريد فاطمة علیها السلام و أنا معه فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثم قال: السلام عليكم فقالت فاطمة عليها السلام يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أدخل أنا و من معي؟ قالت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ليس عليٍّ قناع فقال: يا فاطمة علیها السلام خذي فضل ملحفتك فقنعي بها رأسك ففعلت ثم قال: السلام عليكم فقالت: و عليك السلام يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أدخل؟ قالت: نعم ادخل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أنا و من معي قالت: أنت و من رسول صلي الله علیه و آله و سلم معك قال جابر: فدخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و دخلت أنا... الخ الحديث.

بها اسْتَضَاءَتْ رُبُوعُ الأَرْضِ وَانْتَشَرَتْ *** دنيا الوُجُودِ بِنُورِ المُصْطَفَى كُتُبا

يا بِنْتَ مُخْلِصَةِ الإِيمَانِ مَنْ بَدَلَتْ *** مِلْءَ اليَدَيْنِ لِنَصْرِ الحَقِّ ما وَجَبا

خَدِيجَةُ الظُّهْرُ زَوْجُ المُصْطَفَى حَفِلَتْ *** بالمَكْرُمَاتِ فَكَانَتْ مَوْقِفاً رَحِبا

بالمال واسَتْ وبالإيمانِ أوّلُ مَنْ *** قَدْبايَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ ما طُلِبا

وَ بِالبَنِينَ زَهَتْ بِالطُّهْرِ فَاطِمَةٌ *** نُورٌ يَشِعُّ على الأقمارِ ما غَرُبا

مُبارَكٌ لِرَسُولِ اللَّهِ مَولِدُها *** لُطْفٌ يَعُمُّ شَدَاهُ العُجمَ و العَرَبا

يَرْضَى الإِلهُ بما تَرْضاهُ فَاطِمَةٌ *** وَ مَا لَهَا غَضِبَتْ فاللَّهُ قَدْ غَضِبا(1)

قد خَصَّها اللَّهُ في فَضْلٍ و فِي كَرَمٍ *** فَأَشْرَقَتْ لتُسامي بِالهُدَى نَسَبا

و بارِكِ اليَوْمَ أُمَّ المُؤْمِنِينَ بها *** وَ انْشُرْ فَرِيضَكَ و ابْلُغْ مُنتَهَى الطَّربا

ص: 86


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما جاء في الحديث إن الله يرضى لرضى فاطمة علیها السلام و يغضب لغضبها عليها السلام. ففي كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص154 ح4730 قال: عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لفاطمة علیها السلام إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522 . و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378. و ذكره أيضاً في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص442. و ذكره المتقي الهندي في كتابه كنز العمال ج12 ص111 ح34238. و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبی ص39. و ذكره الحنفي القندوزي في كتابه ينابيع المودة ج1 ص203.

(17) بنت السماء

(بحر الوافر)

الأستاذ عباس مرتضى عياد العاملي (*)(1)

هَبِيني مُقْلَةً تَحْكِي السَّحابا *** لَعَلَّكِ تَغْسِلينَ بِها العِتابا

وَ صُوغِيني عَلى شَفَةِ اللَّيَالِي *** نَشِيداً لِلْأَسى يَشْكُو اغْتِرابا

وَ ضُمِّي جائِحَ الْأَمْلاكِ عَطْفاً *** فَها هَبَطَتْ تُشارِكُكَ الْمُصْابا

تَمُدِّينَ الضُّحى حِيناً بَهاءً *** وَ حِيناً مِنْ رَدّى مُدَّ اكْتِئابا

تَوَسَّدَتِ الدُّنا كَيْفَ الرَّزايا *** وَ ماجَتْ وَ هُيَ تَخْتَلِجُ اضْطِرابا(2)

تَهُزُّ إِليكِ عِطْفَ الشَّمْسِ خَجْلَى *** وَ يُوسِعُ دَمْعُها الجُلَّى انْسكابا

نَعَمْ... كرمى انكسَارِ الضّلْعِ تا هَتْ *** بِأُفْقِ الرُّوحِ تَسْتَهْوِي الغِيابا

وَ شَعَّتْ في ربيع الْخُلْدِ لمَّا *** رسولُ اللَّهِ اوْلاكِ اقْترابا

جَفانِي الْحَرْفُ يَا أُمَّ الْمَعاني *** و مَرأَى الضَّيْمِ يُضْنِينِي عَذَابا

وَ يُذْهِلُنِي زَئيرُ الصَّمْتِ حَتَّى *** تَمَلكَ خَافِقي بِالرُّعْبِ غابا

لِرُؤيا تَسْتَطِيلُ عَلى خَيالي *** فَتَفْجَعُنِي وَ تَسْلُبُني الصَّوابا

فَمَزَّقَتِ العُرُوقُ غَوى سُكُوتِي *** وَ صَاغَتْ لِي الْحُروفَ دماً مُذابا

و فَجرتِ القصِيدَ قصيدَ روحي *** تَمُدُّ النفسَ و الفكرَ انْجِذابا

أرى فَدَكاً من التنزيلِ يَشْكُو *** إلَى الرحمنِ جَذباً وَ اغْتِصابا

وَ تِلْكَ خِلافَةٌ أَمْسَتْ تُعَانِي *** تَكالُب عُصْبَةٍ ناباً فَنَابا

ص: 87


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ماجت: اضطربت.

أرى ناراً تُشَب بِدارِ وَحْيٍ *** لَهَا التاريخُ شَأن الطفلٍ شابا(1)

أرى ألماً لَدَى مِسْمارِحِقْدٍ *** بِصَدْرِ المصطفى يُوهِي اللُّبابا(2)

فَنَفَّضْتُ الجفونَ لَعَلَّ حِلْماً *** بخاطِرَتِي تَلَهَّى أَوْ سَرابا

ذَوَى أَمَلَي... نَعَمْ ذِي بِنْتُ طه *** وَرَاءَ البابِ يَسْتُرُها حِجَابا(3)

فَأَبْصَرتُ الزَّمانَ يَكُونُ غَيّاً *** عَلَى عَقِبَيْهِ يَنْقَلِبُ انْقِلابا

وَ ضَمَّتْنِي الرِّسَالَةُ مُذْ رَأَتْنِي *** يَلُفُّ جَناحِيَ الشَّكُّ ارْتِيابا

قشمتُ -وَ قَدْ تَبرَّجَتِ الأماني- *** مَعَ المَهْدِيِّ ثَاراً مُسْتَطابا

أيا أُمَّ الحُسَيْنِ وَ رُبَّ جُرْحٍ *** تَضَوَّعَ في الدُّجى عِطْراً مُذابا(4)

تُدَغْدِغُ بينَ أَنْغَامِ السَّواقِي *** فَأَسْكَرَ لَحْنُهُ الشُّمَّ الْهِضابا

تَساءَلَ سِنْدِيانُ اللَّيْلِ عنه *** و زَيْتُونُ الضُّحى زَفَّ الْجَوابا

تطلَّعَتِ التِّلالُ إلى عُلاهُ *** فَأَقْطرها دُعاءُ مُستَجابا

و نادَتْهُ الرَّوابِي و هي ظَمْآى *** فَأتْرعَ تُرْبَهَا الزَّاكِي شَرابا

أجابَ غياثُ وقتٍ مُسْتَحِيلٍ *** وَ قَدْ مَلَّتْ عُروبَتُهُ الدِّئابا

أتاهُ مِنْ عَلِيَّ... مِنْ حُسَيْنٍ *** لِيَكْسُو جَبْهَةَ الْعَلْيا إهابا

يُعَامِلُ حَيْثُمَا نَسَجَتْ وِصالِي *** وَ حَيْثُ تَرَى رِجالاتٍ غِضابا

ص: 88


1- انظر ما ورد في أعلام النساء ج4 ص114 و في العقد الفريد ج4 ص259 و في تاريخ الأمم و الملوك للطبري ج3 ص202 و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص19.
2- و قد أشير إلى هذا المعنى في كتاب (مؤتمر علماء بغداد، لشبل الدولة مقاتل بن عطية) ص135 (و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه، عصر عمر فاطمة علیها السلام و الباب عصرة شديدة، حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها، و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... الخ). كما ورد في صحيح البخاري ج5 ص21 و 29: أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني صلى الله عليه و آله و سلم فمن أغضبها فقد أغضبني. و نقل البخاري أيضاً عن أبي الوليد: أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني من آذاها فقد آذاني. يوهي: يضعف.
3- ذوي: ذبل.
4- تضوّع: انتشرت رائحته.

أيا بطل الجَنوبِ... أيا خُلودِي *** وَ يا قَمَرَ الْفِدى يَزْهُو مُهابا

عَلَى زَنْدَيْكَ مَلْحَمَةُ الْمَعَالِي *** فَضُمَّ الشَّمْسَ وَ اقْتَحَمِ الضَّبابا

وَ لُمَّ رُفاةَ يَعْرُبَ مِنْ خُنُوعٍ *** وَ أَمْطِرْ ساحَةَ الْمَجْدِ اَحْتِرابا(1)

فَطَوْعُ خُطاكَ تُزْرَعُ شاهِقَاتٌ *** وَ يُنْبِتُ دَرْبُكَ النَّصْرَ الغِلابا

أَمِيرَةَ عِفَّةِ الرَّحمنِ يا مَنْ *** بِبُرْدَيْهَا الْعَفَافُ زَهَا وَطَابا

و يا بِنْتَ السَّماءِ سَماءِطة *** أبِيدي في مَثُوبَتِكِ الْعِقابا

أنا مَنْ؟... مَنْ أنا؟ أنا تُرْبُ نَعْلٍ *** يُذَوِّبُ عندَ كَعْبَيْكِ الصَّعابا

(كَأَنَّ الْأُفُقَ في رأدِ الضُّحى كَمْ *** لَدَى نَعْلَيْكِ يَشْتَاقُ التُّرابا)

لتَوّاقٌ إلى تَعْفِيرِخَدٍّ *** فَآتِيني و إيّاهُ الطَّلابا

و في ذكراك أغْرِقْنِي دُموعاً *** لعلكِ تَغْسِلينَ بها العِتابا

ص: 89


1- خنوع: خضوع و ذلّ.

(18) بورك العرسُ

(بحر الرمل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي (*)(1)

أيُّ شَهْرٍ قَدْ أَظَلَّ المُسلِمينْ *** بالتّهَاني وَ بِمَرْفُورِ الثَّوابْ(2)

هُو شَهْرُ اللَّهِ رَبِّ العَالَمِينْ *** حَيِّ مَن يَعْرِفُ سِرَّ الانتِسابْ(3)

***

بَعْدَ بَدْرٍ لاحَ لِلعَيْنِ الهِلالْ *** وَ كِلا الأمْرَيْنِ في شَهْرِ الصِّيامْ

لاتَخَلَهُ جَاءَ نَقصاً عَنْ كَمالْ *** بَل هُما قَدْراً تَمامٌ في تمَام

قُمْ فَسَلْ مِنِّي مُجيباً للسُّؤال *** و إليهِ يَنتَهِي فَصْلُ الكَلامْ

يَوْمَ بَدرٍ كان نَصْر المُسلِمِينْ *** وَ لأعدائِهمُ ضَرْبُ الرِّقابْ

و بِتَالي العامِ جبريلُ الأمينُ *** بَشَّرَ المُختارَ فِي خَيْرِ شَبابْ

***

يَوْمَ بَدْرٍ كانَ لِلَّهِ الغَلَبْ *** بِعَليّ وَ بِأَجْنادِ السَّماءْ

وَ لَقَدْ كانَ لَهُ نِصْفُ السَّلَبْ *** غَيْرَ أنَّ النَّفْسَ عَنْهُ في غَنَاءْ(4)

وَ بِدِرْعٍ وَاحِدٍ عَنْهاانقَلَبْ *** وَ هُوَبِالأجْرِ حَفِيٌّ و الجَزاءْ

وسَلِ المُختارَ و الذِّكرَ المُبِينْ *** مَنْ دَعاه لاِتَّباعِ فَأجابْ

حَسْبُكَ اللَّهُ وَ فَخْرُ المُؤمِنينْ *** حَسِبَ المَجْدُ له ألْفَ حِسَابْ

***

ص: 90


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- موفور الثواب: كثير الثواب.
3- حيّ: قدم التحية.
4- غناء: أغني عنه: أجزاء و كفاه.

حَيَّ يَا رَبِّ وَضاعِفَ شَرَفاً *** بِضْعَةَ المُختارِ ما نَجْمُ بَزَغْ(1)

بَلَغَتْ بنتُ النَّبيِّ المُصْطَفَى *** مَبْلَغاً، مَنْ مِثلُها مَجْداً بَلَغْ

وإذا الأصحابُ كُلِّ ارْهَفا *** غَرْبَ عَزمِ و بامر ما نَبَغْ

خَطَبُوا بِضْعَةَ خَيْرِ المُرْسَلِينْ *** و لَقد رَدَّهُمُ ذاكَ الجَنَابْ(2)

وَرَقي يُنذِرُ كُل الخاطِبِينْ *** صاحِبُ المَنْبَرِ فِي فَصْلِ الخِطابْ

***

إيهِ يا مَن وَحْدَهُ قَدْ وُلِدا *** وَسَطَ الكَعْبَةِ مِن دُونِ مِراءْ(3)

ص: 91


1- بزغ النجم: طلع...
2- و الأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في ذخائر العقبى/ للطبري ص29-30-31 و غيره من المصادر: عن أنس بن مالك قال: خطب أبوبكر إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم ابنته فاطمة فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم يا أبابكر لم ينزل القضاء بعد. ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول مثل قوله لأبي بكر فقيل لعلي علیه السلام: لو خطبت إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم الا اهل الخليق أن يزوجكها. قال و كيف و قد خطبها أشراف قريش فلم يزوّجها؟ قال: فخطبتها فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم قد أمرني ربي «عزوجل» بذلك. قال أنس: ثم دعاني النبي صلي الله علیه و آله و سلم بعد أيام فقال لي: يا أنس أخرج أدع لي أبابكر و عمر و عثمان و عبد الرحمن و سعد بن أبي وقاص و طلحة و الزبير و بعدّة من الأنصار-قال: فدعوتهم فلما اجتمعوا عنده كلهم و أخذوا مجالسهم و كان علي غائباً في حاجة للنبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب في عذابه وسطوته النافذ أمره في سمائه و أرضه الذي خلق الخلق بقدرته و ميّزهم بأحكامه و أعزهم بدينه و أكرمهم بنبيه محمد صلي الله علیه و آله و سلم. إن الله تبارك اسمه و تعالت عظمته جعل المصاهرة نسباً لاحقاً و أمراً مفترضاً أوشج به الأرحام و الزم الأنام فقال عز من قائل: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا» فأمر اللَّه يجري إلى قضائه و قضاؤه يجري إلى قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» ثم إن الله «تعالى» أمرني أن أزوج فاطمة علیها السلام بنت خديجة من علي بن أبي طالب علیها السلام فاشهدوا أني قد زوّجته على أربعمائة مثقال فضّة إن رضي بذلك علي بن أبي طالب علیه السلام. ثم دعا بطبق من بسر فوضعت بين أيدينا ثم قال: انتبهوا فانتبهنا. فبينا نحن ننتبه إذ دخل علي علىه السلام النبي صلي الله علیه و آله و سلم فتبسم النبي صلي الله علیه و آله و سلم في وجهه ثم قال: إن اللَّه قد أمرني أن أزوجّك فاطمة علیها السلام على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذاك، فقال: قد رضيت بذلك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال أنس: فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم جمع الله شملكما و أسعد جدكما و بارك عليكما و اخرج منكما طيباً. قال أنس: فواللَّه لقد اخرج منهما الكثير الطيّب.
3- مراء: جدال...

قُمْ وَ بادِرٌ خاطِباً مِن أحْمَدا *** فاطماً كُفْوَكَ مِنْ كُلِّ النِّساءْ

فَكَما كُنْتَ بِذَيْنِ المُفْرِدَا *** مُفْرَداً زُوِّجُتَ مِنها في السماءْ

وَ لَكَمْ خَصَّكَ رَبُّ العالَمِينْ *** بِمَزايا دُونَ أدناها الحِسابْ

ليْسَ للشَّمْسِ سوى البَدرِ قَرينْ *** قم إذنْ و اكشِفْ عن الحقِّ النِّقاب

***

طَرَقَ البابَ عَليُّ وَ إذا *** برَسُولِ اللَّهِ يَدْعُو زَوْجَهُ

إفتَحِي البابَ أخي حيدرُ ذا *** مَن رقى مِن كلِّ مَجدٍ أوْجَهُ(1)

هُوَ فِي عَيْنِ المُعادينَ قَذا *** وَ هوَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً أَوْجَهُ(2)

مِنْ جَمِيعِ النّاسِ، وَ الحَبْلُ المَتِينُ *** ما أتى مُعْتَصِمٌ فيهِ فَخابْ

وَ هُوَ سِرُّ اللَّهِ خَيْرِ النّاصِرِين *** وَ هُوَ أَغْلَى النَّاسِ ذِكْراً في الكِتَابْ

***

دَخَلَ الهادي على خیرِ نذیرْ *** مُطْرِقاً بالرّاسِ منه خَجِلا

وَ لَقَدْ بَشَرَهُ خَيرُ بَشيرْ *** فأماطَ الهمَّ عنهْ وَجَلا(3)

جاءَ جبريلُ لهُ خَيرَ سَفيرْ *** عن إلهِ عَزَّ قدراً وَ عَلا

زوَّج النُّورَ منَ النُّورِ المبين *** فاطماً مِنْ حَيدرٍ عالي الجنابْ

فَلقَد زَوْجَه الرَّبُّ المُعين *** في السِّما مِن قَبْلِ أَرْضٍ و تُرابْ

***

وَ هُنا دارَ حِوارٌ في الكلامْ *** وَ كِلا الشَّخصين في القولِ أَجَادْ

قال ما تمْلكُ مِن هذا الحُطامْ *** قالَ صَمصاماً مُعَدّاً للجهادْ(4)

و بعيراً يستقي فيهِ الإمامْ *** ثُمَّ دِرْعاً حازَها بَعدَ الجِلاد

ص: 92


1- أوجه: أوج الشيء ذروته.
2- أوْجَه: من الوجاهة أي قدراً وجيهاً.
3- أماط: أزاح أو أزال جلا: أوضح و بيّن.
4- صمصاماً: الصمصام: السيف.

يَوم بَدَرٍ و هْو في النِّصفِ قَمين *** و هْو عَنها في غِنَّى يومَ الحرابْ(1)

إنَّه يبرزُ ليثاً مِن عَرِين *** و الحُسامُ العَصْب يُنضى عنِ قراب

***

عندَها ازيَّنتِ الحُورُ وَ قَدْ *** صَدَر الأمرُ مِن الرَّبِّ الجَليل

و على فاطمة الزهراعَقَدْ *** لِعليٍّ فَتَامَّل -جبرئيلْ

جَدَّ لِلفضْلِ وَ من جَدَّ وَجدْ *** و جَميلُ الفِعلِ عُقباه جميلْ

و إذا الأملاكُ كانوا الخاطِبين *** بوركِ العِرسُ بِلا أدنى ارتيابْ

وإذا باركَ خَيرُ المُرسَلين *** لِلعَروسين لَه الحَقُّ استجابْ

***

وَجَرى في العُرس ما لا يَخطُرُ *** أبداً في البالِ مِن فَضلِ الكريمْ

وَ نِتاج العرس منهُ أكبرُ *** و عظيمٌ مُنتجٌ كلَّ عظيمْ

حسنٌ مؤْلِدُه إذ يذكَرُ *** هامت العَليا وَ حَقِّ أنْ تَهيمْ

جاءَ عالي النَّفسِ وضَاحَ الجَبينْ *** يَنتَهي المَجدُ لَه من كلِّ بابْ

و لَقَدْ نالَ أميرُالمُؤمنينْ *** بإبنِهِ أقصى أمانيه العِذابْ

***

وَ لقَد بَشَّر فيهِ المُصطفى *** بِنْتَه الزَّهراءَ عن وَحيِ الإلهْ

و إذا من نُورِه اشتُقَّت ذُكا *** فَهَلِ الوَصْفُ مُحِيطٌ بِسناهْ

وَ لَقَدْ لُقب مِنْهُ بالرّضا *** وَ هُو بالسَّيِّد و السِّبطِ اجْتَباهْ

و هو الحُجَّةُ و البَرُّ الأمِين *** و من العليا له أعْلى نِصابْ

و هو من يُعجزُ وصفَ الواصفين *** غُرفةَ الكفّ من البحر العُبابْ(2)(3)

ص: 93


1- قمين: جدير. الحراب: هنا بمعنى الحرب.
2- العُباب: عباب البحر: موجه، و المعنى هنا أن كل محاولةَ لوصف شجاعته، كغرفة الكف من البحر العظيم الواسع.
3- ديوان الربيعي ص32 موشَّحة في مولد الإمام الحسن السبط علیه السلام لا أخذنا ما نحن بصدده.

(19) عاشت قليلاً

(بحر الكامل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

دَهْرٌ يَحارُ بِهِ ذَوُو الألبابِ *** لازالَ يأتينا بِكُلِّ عُجابِ

أَعْلَى رَواسِيهِ تَطُولُ وهادُهُ *** وَ عَلى الرُّؤْوسِ تَطاوُلُ الأَذْنَابِ(2)

أوَ مِثْلُ حَيْدَرَ، وَ هُوَ لَيْثٌ خادِرٌ *** يَلِجُ العَدُوُّ عَلَيْهِ وَسْطَ الغَابِ(3)

عَلِمُوا بِأَفْعَى بَأْسِهِ مَرْصُودَةً *** بِوَصِيَّةٍ نَفَذَتْ وَ سَبْقِ كتابِ(4)

فَتَواثَبُوا بَغْياً عَلَيْهِ وَ أَحْدَقُوا *** في دارِهِ بِالنّارِ وَ الأَخطابِ(5)

ص: 94


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الوهاد: الأرض المنخفضة.
3- خادر: ليتٌ خادرٌ أي أسدٌ لازمٌ لعرينه.
4- عن كتاب سليم بن قيس تقديم و تحقيق علاء الدين الموسوي ص20 «أقبل النبي صلي الله علیه و آله و سلم علي علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إنك ستلقى من قريش شدّة من تظاهرهم عليك و ظلمهم لك فإن وجدت أعواناً فجاهدهم فقاتل من خالفك بمن وافقك فإن لم تجد أعواناً فاصبر واكفف يدك و لاتلق بيدك إلى التهلكة» و راجع ينابيع المودة ص182 عن أبي يعلى الموصلي قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يا علي علیه السلام إنك ستبلى بعدي فلا تقاتلنَّ» و في التاريخ الكبير ج1 قسم/2 ص174 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم العلي: (إن الأمة ستغدر بك) راجع الكنى و الأسماء ج1 ص104 و تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج11 ص216 تجد غير ذلك.
5- في كتاب سليم بن قيس ص36: ثم أمر عمر ناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي علیه السلام و فاطمة علیها السلام و ابنيهما علیهما السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام و فاطمة علیها السلام واللَّه لتخرجنَّ يا علي علیه السلام و لتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وإلا أضرمتْ عليك النار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك فقال: افتحي الباب و إلاّ أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب و في البحار ج8 ص59 نقلاً عن ابن أبي الحديد قال: قال عمر وايم اللَّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء الناس عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم» و في العقد الفريد لابن عبد ربه ج2 ص252 جاء: إنَّ عمر بن الخطاب، جاء إلى بيت فاطمة علیها السلام بقبس من نار يريد أن يحرقه على من فيه فخرجت إليه فاطمة علیها السلام تقول: يا ابن الخطاب جئت تحرق دارنا؟ قال: نعم.

مَنْ ذَاكِرٌ بِنْتَ النَّبِيِّ ، وَ قَدْ رَاتْ ***حَرْقَ المَحَلِّ عَزِيمَةَ الأَصْحَابِ

لَمْ يَقْنَعُوا بِتَذَكَّرٍ، لَمْ يُقلِعُوا *** بِتَعَظُفِ، لَمْ يَرْجِعُوا بِعِتابِ

فَهُنالِكُمْ فَتَحَتْ لَهُمْ باباً لَهُ *** قَدْ كانَ جبريلٌ من الحُجَابِ

لَمْ يُمهِلُوها أَنْ تَلوُثَ خِمَارَها *** فَلِذالِكُمْ لاذَتْ وَرَاءَ البَابِ(1)

مَنْ عَاذِرِي مِنْ ذِكْرِ ما صَنَعُوا، وَ قَدْ *** هَاجَتْ هُناكَ ضَغَائِنُ الأحزابِ

اللَّهُ أكبرُ، مِثْلُ بَضْعَةِ أَحْمَدٍ *** تُسْقى كُؤُوسَ الذُّلّ وَ الأَوْصابِ

لَمْ أَنْسَها تَشْكُو إِلَيْهِ شُجُونَها *** وَ أَمَضٌ شَكْوَى المَرءِ لِلأحبابِ(2)

ص: 95


1- في كتاب سليم بن قيس ص39: «قال»: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله ما عليها من خمار فنادت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك -تنادي بأعلى صوتها- و قد صاغ الشاعر هذا المعنى في أبيات جاء فيها: قال سلیم قلت یا سلمان *** هل دخلوا و لم يك استئذان قال بلى و عزة الجبار *** و ما على الزهراء من خمار
2- في هذا البيت يشير إلى بكاء الزهراء علیها السلام عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و مناجاتها له بأشعارها و من تلك الأشعار قولها: اغبر آفاق السماء و كوّرت *** شمس النهار و أظلم العصران فالأرض من بعد النبي كثيبة *** أسفاً عليه كثيرة الرجفان فليبكه شرق البلاد و غربها *** و لتبكه مضر و كلِّ يمان يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه *** صلّى عليك منزّل القرآن و من أشعارها في شكواها لأبيها كما في أعيان الشيعة ج2 ص320: ماذا على من شم تربة أحمدٍ *** أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت عليَّ مصائب لو أنَّها *** صبت على الأيام صرنَ لياليا و مما نسب إليها في ذلك أيضاً قولها: إن حزني عليك حزن جديد *** و فؤادي والله صبِّ عنيد كل يوم يزيد فيه شجوني *** و اكتئابي عليك ليس يبيد جلَّ خطبي فبان عني عزائي *** فبكائي كل وقت جديد إن قلباً عليك يألف صبراً *** أو عزاءً فإنّه لجليد راجع البحار ج43 ص175، و جاء في البحار أيضاً ج43 ص156 قال: نقلاً عن کتاب الخرائج قال أبوعبدالله:«إن فاطمة علیها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً و كان دخلها حزن شديد على أبيها و كان جبرئيل علیه السلام يأتيها و يطيَّب نفسها و يخبرها عن أبيها و مكانه في الجنة و يخبرها ما يكون بعدها في ذريتها وكان علي علیه السلام يكتب». و راجع أيضاً الخصال للصدوق باب الخمسة -البكاؤون الخمسة.

أبتاهُ إِنَّ الجاهِلَيَّة أَظْهَرَتْ *** ما أَضْمَرَتْ في سالِفِ الأَحْقابِ

أبتاهُ أَدْرِكْنَا، فَقَوْمُك كُلُّهم *** مِن بَعدِكَ انْقَلَبُوا عَلَى الأَعْقابِ(1)

غَصَبُوا تُراثِي، لَبَّبُوا بَعْلِي، هَوَى *** مِن عَصرِهِمْ حَمْلي عَلَى الأَعْتَابِ(2)

ص: 96


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قوله «تعالى»: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [سورة آل عمران آية: 144]. كما ورد عن كتاب شرح خطبة الزهراء علیها السلام فقد روي عن صحيحي البخاري ومسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: ليردنَّ علي رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا اختلجوا دوني فلأقولن: أي ربّ أصحابي، فليقالن: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. و روي أيضاً عن الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي أو -قال من أمتي- فيحلؤون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي فيقول: لا علم لك بما أحدثوا بعدك ارتدّوا على أعقابهم القهقري. عن البحار ج28 ص22- 24.
2- لببوا: جرَّوا. و يشير الشاعر في الأبيات الثلاثة عن لسان الزهراء علیها السلام إلى غصب فدك منها و ادعائهم حديثاً عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة. و أخذهم الكتاب منها و تمزيقه بعد اعترافهم بأحقيتها لفدك و أخذهم الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام إلى البيعة مليباً مكرهاً. و في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص530 نقلاً عن كتاب البحار ج8 ص240-241: «فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا فوقّفتُ بعضادة الباب و ناشدتهم باللَّه و بأبي أن يكفّوا عنا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، و ركل الباب برجله فرده عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم... الخ. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص109. وحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».

كِتْفَيَّ قَدْ ضَرَبُوهما، قُرْطَيَّ قَدْ *** نَشرُوهُمَا، هَتَكُوا عَلَيَّ حِجابِي

كَسَرُوا ضُلوعِي، أثْبَتُوا المِسْمارَ في *** صَدْرِي، وَ شَقُوا بَعْدَ ذاكَ كِتابِي

وَ كَذَلِكَ انْكَفاتُ لِمَسْجِدِ أَحْمَدٍ *** مُدْغَصَّ بالأنصارِ وَ الأصحابِ(1)

خَطبَتْ فَأَوْقَرَتِ المَسَامِعُ وَعْظَها *** بحَكِيمٍ أَسْلُوبِ وَ فَصْلِ خِطَابِ

بِالنُّطقِ تُفْرِغْ عَنْ لِسَانِ المُصْطَفَى *** وَ لَرُبَّ نُورٍ كان ذا القابِ

إني وَدِيعَةُ أَحْمَدِما بَيْنَكُمُ *** ياقومُ فَارْعَوْا جانبي و جنَابِي

ص: 97


1- يشير الشاعر في الأبيات الثمانية إلى ذهابها إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خطبتها فيه، ففي البحار ج8 ص109- 112 ط الكمباني قال: روى عبد الله بن الحسن علیه السلام بإسناده عن آبائه علیه السلام أنه لما أجمع أبوبكر على منع فاطمة علیها السلام فدك و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمةٍ من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها مُلاءة فجلست ثم أنت أنّةً أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ثم أمهلت هنيئةً حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأتْ فورتهم افتتحت الكلام بحمدالله... الخ. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص131. ورد في خطبتها سلام الله عليها تنبيه القوم إلى تبديل أحكام الله بأحكام الشيطان و ظهور النفاق بعد الإيمان و الانقلاب على الأعقاب. فقد قالت علیه السلام: فلما إختار اللَّه لنبيه دار أنبيائه و مأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الأقلين و هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين -إلى قولها علیها السلام-: بئس للظالمين بدلاً «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»، ثم لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها ثم أخذتم تورون و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي و إطفاء أنوار الدين الجلي و إهمال سنن النبي صلي الله علیه و آله و سلم الصفي تشربون حسواً في ارتغاء و تمشون لأهله و ولده في الخَمَرِ و الضراء -إلى قولها سلام الله عليها- و قضاء حتم: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» [سورة آل عمران الآية: 144]. و الخطبة طويلة ذكرناها سابقاً.

الْمَرْءُ يُحفَظُ في بنيهِ و انْتُمُ *** ضَيَّعَتُمُ المُختارَ فِي الْأَعْقَابِ

أمِنَ المُرُوةِ أَنَّ إرثيَ مِنْ أَبِي *** يُزْوى وَ يُلغى كُلُّ ما أوصى بي؟(1)

أَيُرَدُّ نَصُّ الذُّكْرِ بِالمِيراثِ مِنْ *** جَاءِ كِذْبَةِ مُفْتَرٍ كَذَّابِ

أَرَضِيتمُ الدُّنيا عن الأخرى، وَ قَدْ *** غَرَّتْكُمُ بالمَنْظَر الخَلاّبِ

بأبي الّتي عاشَتْ قليلاً وَ هُيَ لَو *** لاَالْوَجْدُ قُلْتُ عَدِيمَةُ الأَتْرابِ(2)

من ذاكِرٌ أَهْلَ العَباءِ، وَ قَدْ قَضتْ *** خَطبٌ يَهُونُ لديهِ كلَّ مُصابِ؟

مَنْ مُسْعِفٌ بالنَّوْحِ قَلْبَ المُرْتَضَى *** مُذْجَرَّدَ الزَّهرا مِن الأَثْوَابِ؟

ماذا رأى في جَنْبِها فَنَحِيبُهُ *** بِتَتَابُعٍ وَ الدَّمعُ في تَسْكابِ؟

ألفى على المِصْباحِ بَعْضَ ضُلُوْعِها *** مَكسورةٌ مِن عَصْرِها بِالْبابِ

يا لَيْتَهُ ألفي حُسيناً عارياً *** رَضَتْ قَراهُ صَوافِنُ النِّصَّابِ(3)

وَ عَلَى القَنا يَتْلُو الكِتابَ كريمُهُ *** وَ يَصُونُ نِسوَتهُ عَلَى الأَقْتابِ(4)(5)

ص: 98


1- يزوى: يُمنع، يحتاز.
2- الأتراب: جمع ترب و هو الذي يولد مع الإنسان.
3- قراه: ظهره. و الصوافن: الخيل. روي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خرج و عليه مرط مرجِّل من شعر أسود موشى منقوش فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء الحسين علیه السلام فأدخله معه ثم جاءت فاطمة علیها السلام فأدخلها ثم جاء علي علیه السلام فأدخله ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» الزمخشري في تفسيره الكشاف ج1 ص193، و الإمام الرازي في تفسيره ج2 ص700 طبعة الأستانة، و ابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12، و سبط ابن الجوزي في تذكرة الأئمة ص244 و غيرها.
4- الأقتاب: مفرده القتب و هو الرَّحْل. روي عن زيد بن أرقم قال: كنت في غرفة لي فمرّوا عليَّ بالرأس (رأس الحسين علیه السلام) و هو يقرأ: «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» [سورة الكهف الآية: 9] فوقف شعري و قلت: واللَّه يا بن رسول اللَّه رأسك أعجب و أعجب الخصائص الكبرى ج2 ص125 و مقتل الحسين علیه السلام لأبي مخنف ص175، و صلب على شجرة فاجتمع الناس حولها ينظرون إلى النور الساطع فأخذ يقرأ: «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» ابن شهر آشوب ج2 ص188.
5- من ديوان الربيعي ج1 ص109.

(20) المفروض نصاً

(مجزوء الرّمل)

الشيخ عبد الغني الخضري

أَيُّ خَطب باغَتَ الأُمّةَ شِيباً و شَبابا(1)

فَاضَ بِالأَرْزَاءِ حَتَّى طَبَّقَ الدُّنيا مُصَابا

شَمِلَ البَحْرَ فَعَادَ البَحْرُ مِلْحاً وَيَبَابا(2)

وَ لَوَى البَرَّ فَعَادَ البَرُّ بِالرُّزْءِ خَرابا

مَلَةَ الكَوْنَ مِنَ الفادِحِ خَوْفاً وَ ارْتِيابا

مَادَتِ الأَرْضُ وَ مَادَ الأُفْقُ فَانْهَدَّ انْقِلابا(3)

وَ سُوارُ اللّيل تنقضُ شِهَاباً فَشِهابا(4)

فَالَّذِي نَدَّ لَهُ قَلْبٌ دَماً فاضَ مُذابا

وَ الّذي ارْتَدَّ له طَرْفٌ هَمَى بَحْراً عُبابا(5)

***

ما الذي اهْتَزَّتْ له البِيدُ سُهولاً و هِضابا؟

ص: 99


1- باغَتَ: فاجأ.
2- يَبابا: خراباً.
3- مادت: تَحّركت و اضطربت و زاغت و دارت.
4- سُوار: جدَّة.
5- همی: سال. عُباباً: العُباب معظم السيل، ارتفاع السيل و عُباب البحر: موجه.

وَ عَلَيْهِ دَوَّتِ الأقرانُ كَالأُسْدِ غِضابا

إِنَّهُ اليَوْمُ الَّذي وَسَّعَ لِلْأَحْزانِ بابا

جَدَّدَ الرُّزءَ الذي أعْقَبَ طه يَوْمَ غابا

وَ لَوَى حَيْدَرَ حَتَّى انْصَاعَ لِلرُّزءِ اضْطِرابا

غالَبَ الصَّبْرَ مِنَ السِّبْطَيْنِ فَاسْتَعْلَى غِلابا

وَبَكَتْ زَيْنَبُ حَتَّى اخْضَلَّتِ الأَرْضُ جَنَابا

إِنَّه اليَوْمُ الّذي أَضْفَى عَلَى الرُّشْدِ حِجابا

وَعَلَيْهِ عَنْ عُيُونِ الأهْلِ قَدْ لاتَ نِقابا(1)

إِنَّهُ اليَوْمُ الّذي ماتَتْ بِهِ الزَّهْرا اكتتابا

وَ عَلَيْها حَسْرَةٌ حَتَّى فُؤَادُ الصَّخرِ ذابا

***

ساءَ قَوْمٌ دُونَ ما تَبْغِيهِ قَدْ حَالُوا ذِئابا

فَصَبُوها إزْلَها المَفْرُوضَ نَصْاً و كِتابا(2)

ص: 100


1- لاثَ: غطّى و اكتنف.
2- أشار إلى غصب القوم لفدك من الزهراء علیها السلام و هي المفروضة لها كما في النصوص. لما نزلت: «وآت ذا القربى حقه» [الإسراء، الآية : 26]. دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً ذكره السيوطي في الدر المنثور عن أبي سعيد الخدري ج4 ص177 و ذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ج7 ص52. و ذكره الهندي في كنزه ج3 ص767 ح رقم 8696 عن أبي سعيد الخدري أيضاً. و في مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة قال: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم في هذا المال وإني والله لاأغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأبى أبوبكر يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علىها السلام أبي بكر في ذلك» إلى آخر الحديث. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 قال: عن مولى أم هانىء قال: دخلت فاطمة علىها السلام أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها، فقالت له:لئن مُتَّ اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي و أهلي، قالت فلم ورثتَ أنتَ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت : بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم أفعل حدثني رسول الله...الخ». و ذكره في السيرة الحلبية ج3 ص487. و ذكره الطبرسي في الاحتجاج، ج1 ص131- 144 مطولاً. و في صحيح مسلم/ ج3 ص1371 ح54 عن عائشة في حديث لها قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من خيبر و فدك -و صدقته بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك.

هاجَمُوا الدَّارَ وَ فِيها أَلْهَبُوا النَّارَ الْتِهابا(1)

ص: 101


1- إشارة إلى ما ورد في كتاب الاحتجاج ج1 ص109 قال: ضمن حديث طويل: «ثم أمر «يعني عمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي علیه السلام و فاطمة و ابناهما علیهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام والله لتخرجنَّ ولتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أو لأضر منَّ عليك بيتك ناراً، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلّا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً». و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 قال: زيادة على ما في الاحتجاج: فقالت فاطمة علیها السلام يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب و إلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت يا أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه و دخل...الخ. و في ص208 من كتاب سليم بن قيس قال: «ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ... إلى آخر الحديث. و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: «إن أبابكر بعد أن أخذ البيعة لنفسه الناس بالإرهاب و السيف و التهديد و القوة أرسل عمراً و قنفذاً و خالد بن الوليد و أبا عبيدة ابن الجراح و جماعة أخرى -من المنافقين- إلى دار علي و فاطمة علیهما السلام، و جمع عمر الحطب على باب فاطمة علیها السلام «ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: السلام عليكم أهل بيت النبوّة علیهم السلام و ما كان يدخله إلا بعد الاستئذان». و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه، عصر عمر بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة، فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وبضعته حتى أدموا جسمها.

كُمْ رَأَتْ مِنهم هَوَاناً وَ كَم انتابَتْ عَذابا

عَجباً! إِنْ سُئِلوا ماذا يَرُدّونَ الجَوابا؟

وَ إِذَا ما حُوسِبوا يُلاقُونَ الحِسابا؟(1)

ص: 102


1- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص225.

(21) بيت القدس

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الكريم صادق (*)(1)

هي فاطمٌ كَمْ لِلْمَصائِبِ صابَها *** جَرَعَتْ وَ كَمْ قَدْ كَابَدَتْ أَوْصابَها

نَقَلَ الزَّمانُ لها كِنَانَةَ نَبْلِهِ *** وَ رَمَى وَ فِي كُلِّ السِّهامِ أَصَابَها

أحْنَى أَضالِعَها عَلَى جَمْرِ الغَضًا *** أَجْرَى مَدامِعَها أَمَرَّ شَرَابَها

ص: 103


1- (*) الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ حسن صادق. ولد في الخيام من قضاء مرجعيون في جبل عامل من جنوب لبنان في سنة (1311ه_) الموافق (1890م). نشأ و تربى في أسرة علمية اشتهرت بالفضل و الأدب و برع من هذه الأسرة رجال كثيرون، و كان والده الشيخ حسن أحد رجال الدين المعروفين بالعلم و الورع و الزهد و التقوى و كان المترجم له أحد أفراد هذه الأسرة الكريمة. فأنهى دراسته الابتدائية في جنوب لبنان على يد خاله الشيخ عبد الحسين صادق، ثم هاجر إلى النجف الأشرف لدراسة العلوم الدينية في الحوزة العلمية، و ذلك في عام(1325ه_). أكمل دراسته الحوزوية في النجف الأشرف على أساتذته العلماء اللامعين فكان من أساتذته الشيخ محمد كاظم الأخوند الخراساني صاحب (الكفاية). و حضر درس الخارج على يدي المرجع الديني الكبير السيد أبي الحسن الأصفهاني و المرجع الديني الشيخ ميرزا حسين النائيني. ثم عاد إلى مسقط رأسه الخيام عام (1339ه_) بعد أن حاز على رتبة الاجتهاد من الأساتذة المذكورين و عرف بالصلاح و الفضل و التقوى، و قد وفق المترجم له لتأسيس و بناء حسينية الخيام بجوار المسجد الجامع الذي بناه خاله العالم الكبير الشيخ عبد الحسين صادق. لبي دعوة ربه في 4 آذار عام (1972م) و أقيمت له مجالس التأبين في جنوب لبنان. (1) نثل الكنانة: استخرج نبالها و نثرها. (2) الغضا: شجر جمره شديد الالتهاب لا ينطفىء بسرعة.

أَعْدَى عَلَيْها مَنْ أراعَ جَنابَها *** وَ جَنَابُ خَيْرِ الرُّسُلِ كَانَ جَنابَها

هِيَ بِنْتُ أَحْمَدَ مَنْ حِماه حمى لها *** وَ هِيَ الَّتي مَنْ هَابَ أحْمَدَ هابَها

هِيَ بِضْعَةُ الهادي وَ مَنْ إغضابُهُ *** في النَّصَّ مِنْهُ مُلازِمٌ إغْضابَها(1)

هِيَ أَمْ أَشبالٍ وَ لَبْوَةُ ضَيْغَمٍ *** مَنْ جَاءَ مُجْتَرِنَا وَ هَاجَمَ عَابَها

مَنْ قَادَ عُنْفاً بَعْلَها وَ هُوَ الَّذي *** كَمْ قادَ مِنْ غُلْبِ الرِّجالِ صِعابَها؟

هِيَ حِكْمَةٌ لِلَّهِ أَدْهَشَ سِرُّها *** أهْلَ الْعُقولِ مُبليلاً الْبابَها

مَنْ حَوْلَ بَيْتِ الْقُدْسِ جَاءَ مُجَمْعاً *** خطباً لِيُحْرِقَ لِلزَّكِيَّةِ بابَها؟(2)

ص: 104


1- إشارة إلى ما روي في كنز العمال للمتقي الهندي ج6 ص220: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها أغضبني، و ذكره المناوي أيضاً في القدير ج4 ص421 و قال: استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه و أنها أفضل من الشيخين و رواه النسائي أيضاً في خصائصه ص35 و روى الترمذي أيضاً في صحيحه ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد الله عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنها ابنتي فاطمة عليها السلام -بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.
2- إشارة إلى هجوم القوم على دار فاطمة علیها السلام و حرقهم بابها، فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص35 في حديث طويل عن سلمان، لمّا كان الليل حمل علي فاطمة علیها السلام على حمار و أخذ بيده ابنيه الحسن و الحسين علیهما السلام فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقّه و دعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا و بذلنا له نصرتنا و كان الزبير أشدّنا بصيرة فى نصرته، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إيّاه و تركهم نصرته و اجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له و تعظيمهم إيّاه لزم بيته فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا و قد بايع غيره و غير هؤلاء الأربعة، و كان أبو بكر أرق الرجلين و أرفقهما و أدهاهما و أبعدهما غوراً، و الآخر أفظهما و أغلظهما و أجفاهما، فقال له أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، و هو رجل فظّ غليظ جافّ من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله إليه، و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن علي علي عليه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما جالسان في المسجد و الناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم و إلا فادخلوا عليه بغير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا ، فقالت فاطمة علیها السلام: أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن فرجعوا و ثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت كذا وكذا، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء!! ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر، حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنّ يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، وإلاّ أضرمت عليك بيتك النار فقالت فاطمة علیها السلام يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلى آخر الحديث.

منْ عَنْوَةٌ وَلَجَ الْحِجَابَ على التي *** أَرْخَى عَلَيْهَا ذُو الجَلالِ حِجَابَها؟

مَنْ رَضَّها ضلعاً وَ أَوْسَعَ مَتْنَها *** ضَرْباً وَ سَوَّدَ بالسياط إهابها؟(1)

مَنْ صَدْرَها أَدْمَى و أَسْقَطَ حَمْلَها *** فَمَضَتْ تُقاسِي لِلْمَخَاضِ عَذَابَها؟(2)

مَنْ هَاجَ زَفْرَتَها وَ أَجْرَى دَمْعَها *** وَ ابْتَزَنِحْلَتَها وَ شَقَّ كِتابها؟(3)

ص: 105


1- إشارة إلى ضرب القوم لفاطمة الزهراء علیها السلام و كسرهم ضلعها. فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص37 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ «لع» فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و بادر علي إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ، اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام. الحديث طويل أخذنا منه موضع موضع الحاجة.
2- إشارة إلى إسقاط جنين الزهراء علیها السلام بعد هجوم القوم عليها فقد روي في البحار ج53 ص18 و أخذت النار في خشب الباب، و إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إيّاه و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صَفعة خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء، و تقول: وا أبتاه وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3- إشارة إلى اغتصاب القوم لفدك. فقد روي عن علي في شرح النهج ج16 ص274 قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر و قالت إن أبي أعطاني فدكاً و علي و أم أيمن يشهدان، فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحقّ قد أعطيتكها، و دعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها، فخرجت فلقيت عمر، فقال: من أين جئت يا فاطمة علیها السلام؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطاني فدكاً، و أن علياً علیه السلام و أم أيمن يشهدان لي بذلك، فأعطانيها و كتب لي بها، فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: اعطيت فاطمة فدكاً، و كتبت بها لها؟ قال: نعم فقال: إن علياً علیه السلام يجرُّ إلى نفسه و أم أيمن امرأة و بصق في الكتاب فمحاه و خرقه.

مَنْ رَدَّ حُجَّتَها وَ أَبْطَلَ إِرْثَها *** عَمْداً و أَغْلَظَ في الجِدالِ خِطابَها؟(1)

تَسْتَنْجِدُ الأصْحابَ وَ هْيَ كَطَالِبٍ *** في الْأَرْضِ رِيَّ ظَماً فَأَمَّ سَرابَها

وَ بِغَيْظها انْكَفَأَتْ تُناقِلُها الْخُطَى *** نَحْوَ الْوَصِيِّ لَهُ تَبُثُ عِتابَها

أَعَلِيُّ مَا عَهْدِي بِآسادِ الشَّرى *** تَعْنُو وَ تَلْوِي لِلذَّتَابِ رِقَابَها؟(2)

وَ مَتى بُغاثُ الطَّيْرِ صادَ عُقابَها *** لَمْ يَخْشَ مِنْسَرَها و لامِخْلابَها؟(3)

أعَلِيُّ هَلاً غَضْبَةً مُضَرِيَّةً *** رُعْباً تَهُزُّ مِنَ الجِبَالِ هِضابَها

هِيَ نِحْلَتِي ابْتُزَّتْ وَ ارْثي طُعْمَةً *** أَمْسى وَ عَيْنُكَ أَغْمَضَتْ أَهْدَابَها

أأَضامُ وَ الضَّرْعامُ وَسُطَ عَرِينَتِي *** جَاتٍ قَدِ افْتَرَضَتْ يَداهُ تُرابها؟

ص: 106


1- إشارة إلى رد حجة الزهراء علیها السلام في أمر فدك. جاء في الاختصاص للشيخ المفيد ص183 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك، فأتته فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر، ادعيت أنك خليفة أبي و جلست مجلسه و إنك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك و قد تعلم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم صدّق بها عليّ و أنّ لي بذلك شهوداً، فقال لها: إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال: ارجعي إليه و قولي له: زعمت أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث، و ورث سليمان داود، و ورث يحيى زكريا، و كيف لاأرث أنا أبي؟ فقال عمر: أنت معلّمة، قالت: و إن كنت معلّمة فإنما علّمني ابن عمي و بعلي علیه السلام. فقال أبوبكر: فإنّ عائشة تشهد و عمر أنهما سمعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هو يقول: إنّ النبي لايورّث فقالت: هذه أول شهادة زور شهدا بها في الإسلام. ثم قالت: فإنّ فدكاً إنما هي صدّق بها عليَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ولي بذلك بينة، فقال لها: هلمي ببينتك قال: فجاءت بأم أيمن و علي علیه السلام. فقال أبوبكر يا أم أيمن إنك سمعت من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول في فاطمة علیها السلام؟ فقالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: إن فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة. ثم قالت أم أيمن: فمن كانت سيدة نساء أهل الجنة تدّعي ما ليس لها ؟ و أنا امرأة من أهل الجنة ما كنت لأشهد إلا بما سمعت من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال عمر: دعينا يا أم أيمن من هذه القصص و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- آساد الشرى: أسد الشرى يضرب به المثل و الشرى يعني الجبل أو الطريق أو الناحية.
3- بغاث الطير: ضِعافها. و المِنْسَر هو الطير الجارح مثل المنقار لغير الجارح.

وَ صَفِيحَةُ الْهِنْدِيٌّ رَهْنَ قِرابِها *** أَمْسَتْ وَ مَا أَلْفَتْ، عَهِدَتْ قِرابَها

أَفَهَلْ وَهَتْ تِلْكَ العَزِيمَةُ مِنْ يَدٍ ***كَمْ لِلْمَعاقِلِ طَوَّحَتْ أَبْوابَها؟

حتَّى إِذَا نَفَثَاتُهَا مِنْ صَدْرِها *** أَنْهَتْ لهَا أَنْهَى الحكيم جُوابَها

يا بِنْتَ صَفْوَةِ رَبِّهِ وَ سُلالَةَ الأبرارِ *** مِنْ عَمرو العُلَى وَ لُبابَها

ما إنْ وَ نَيْتُ وَ لاجَبُنْتُ وَ لَمْ أَكُنْ *** خَوَّافَ مَعْرَكَةٍ وَ لاهيابَهَا

أَأَجَرِّدُ الماضِي وَ فِي تَجْرِيدِهِ *** تَقْوِيضُ أَبْنِيَةٍ رَفَعْتُ قِبابَها

أَأَجَرِّدُ الماضي فَتَمْضِي الْقَهْقَرَى عُصَبٌ *** تُوَلِّي دِينَها أَعقابَها؟

وَ لَكُمْ هُنالِكَ مِنْ عَقَارِبِ فِتْنَةٍ *** شالَتْ، لِتَنْفُثَ سُمَّها، أَذْنابُها

إنْ تَأْبَ ِإلاّ جَحْدَحَقِّكَ أُمَّةٌ *** مَلَكَتْ فَإِنَّ إِلَى الْمَلِيكِ إيابَها

هِيَ بُلْغَةٌ مَضمونةٌ لَكَ عِنْدَ مَنْ *** لِلظَّالمينَ لَقَدْ أَعَدَّ حِسابَها

فَاسْتَرْجِعِي يا بِنْتَ أَكْرَم سَيْدٍ *** وَ خُذِي مِنَ الرَّبِّ الجَلِيلِ ثَوابَها

وَلَدَيْهِ فَاحْتَسِبي ظُلامَتَكِ الّتي *** كادَتْ تُزَلْزِلُ لِلسّما أَقْطَابَها

فَاسْتَرْجَعَتْ و مَضَتْ بِغَلَّةِ مُهْجَةٍ *** حَرَّانةٍ لَفْحُ الزَّفيرِ أذابَها

أولِبِنْتِ مُحَمَّدِ مانابَها *** و الحادِثَاتُ لَها أَحَدَّتْ نابَها

هِيَ كالصَّلالِ مِنَ الرِّمالِ تَدافَعَتْ *** وَ ثَابُها مُسْتَتْبِعٌ مُنْسابَها(1)

ذَلَّتْ عَزيزةُ احْمَدٍ مِنْ بَعْدِ أَنْ *** جَاءَتْهُ دَعْوَةُ رَبِّهِ فَأَجابَها

وَ خِيَامُ ذاكَ العِزَّ قَدْ عَصَفَتْ بها *** رِيحُ الْخُطُوبِ وَ زَعْزَعَتْ أَطْنَابَها

هِيَ لَيْلَها شَغَلَتْ بِطُولِ حَنِينِها *** وَ نَهارَها و مَجِينَها و ذَهَابَها

مَعْصُوبَةً رَأْساً رَهِينَةَ عِلَّةٍ *** وَ السُّقْمُ يَمْلأُ وَ الضَّنا جِلْبَابَها

تَحْتَ الْأَراكَةِ نَوْحُها نَوْحُ الَّتي *** فَوْقَ الْأَراكَةِ رَجَعَتْ تنحابَها

وَ البَيْتُ لِلْأَحْزانِ تَسْقِي تُرْبَه *** دَمْعاً حَكَى مِنْ دِيمَةٍ تشكابَها

ص: 107


1- الصَّلال: من الطين هو اليابس الذي يصوّت كالحديد و من الحب ما صفي و نفي عنه التراب.

حَتَّى مَضَتْ مُتَفقداً مِحْرابَها *** تِلْكَ الَّتِي كَمْ لازَمَتْ مِحْرابَها

وَ تَفَقَدتْ مِنْهَا الدُّجُنَّةُ غُرَةً *** كَانَتْ، إذا الشُّهْبُ انْطَمُسْنَ، شِهَابَها

هِيَ نَجْمَةٌ سَطَعَتْ قَصِيراً عُمْرُها *** فَحَكَتْ بِأَسْحَارِ الدُّجى أَترابَها

وَ حَبِيبَةٌ عَجِلَتْ لِوَصْلِ حَبِيبِها *** وَ النَّفْسُ تَطْلُبُ دَائِماً أَحْبَابَها

لاقَتْ رَسُولَ اللَّهِ فَاجْتَمَعَا عَلى *** نَجْوى تَفُتُّ مِنَ الصُّخورِ صِلابَها

أبتاهُ بَعْدَكَ هَلْ عَلِمْتَ بِمَا جَرى *** وَ الْبُومُ بَعْدَكَ أَكْثَرَتْ تَنْعَابَها؟

وَ الطَّائرُ المَيْمُونُ أَخْفَتَ صَوْتَهُ *** وَ مَضى يَؤُمُّ مِنَ الْفَلَاةِ شِعَابَها

و يِدَفنِهَا وَ النّاسُ هُجَعُ نُوَّمٌ *** فِي لَيْلَةٍ سَدَلَ الظَّلامُ نِقابَها(1)

أدَّى وَصِيَّتَها وَصِيُّ مُحَمَّدٍ *** وَ اللَّهُ يَعْلَمُ و الوَرَى أَسْبَابَها

وَ عَلى ثَرى قَبْرِ الزَّكِيَّةِ أَرْخَصَتْ *** عَيْنَاهُ دَمْعَهُما فَبَلَّ تُرابَها

هَاجَتْ بهِ الزَّفَراتُ حَرَّى لَوْبها *** خَضْراءُ تَلْفَحُ أَحْرَقَتْ أَعْشَابَها

ما رِيع مِنْ خَيْرِ الوَرَى بِغِيَابِهِ *** حَتَّى عَلَى عَجَلٍ أُنِيل غِيابَها

وَ بِهَا لَهُ كانَ العَراءُ لِنَفْسِهِ *** فَمَضَتْ وَ جَرْعُ الْحُزْنِ أَصْبَحَ دَابَها(2)

ص: 108


1- إشارة إلى دفن فاطمة الزهراء علیها السلام بعد موتها ليلاً فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص213 ، قال ابن عباس (رضي الله عنه): فقبضت فاطمة علیها السلام من يومها، فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال و النساء، و دهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فأقبل أبو بكر و عمر يعزيان علياً علیه السلام و يقولان:يا أبا الحسن علیه السلام لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فلمّا كان في الليل دعا علي العباس و المقداد و سلمان و أبا ذر و عماراً، فقدم العباس فصلى عليها و دفنوها، فلمّا أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام فقال المقداد: قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- في رحاب الخيام ديوان الشيخ عبد الكريم صادق ص133.

(22) أعلى الورى نسباً

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الله بن معتوق (*)(1)

ص: 109


1- (*) هو العالم الفاضل الفقيه الشيخ عبد الله بن معتوق ابن الحاج درويش ابن الحاج معتوق ابن الحاج عبد الحسين ابن الحاج مرهون البحراني البلادي القطيفي التاروتي. ولد في بلاد آبائه وأجداده (تاروت) في حدود سنة (1274ه ، و تاروت من توابع القطيف الواقعة في المنطقة الشرقية في السعودية، فنشأ في حجر أبيه محباً للخير و ذويه، خفيف الروح قوي الهاجس حصيف الفكر. بدأ في طلب العلم سنة 1291 ه_) هو حينئذ ابن ثماني عشرة سنة تقريباً متتلمذاً على العلامة الشيخ علي ابن الشيخ حسن آل الشيخ سليمان البحراني القديحي، ثم على العالم الرباني الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح آل طعان البحراني، استمر في دراسته عندهم إلى أن هاجر إلى النجف الأشرف سنة (1295ه_) فأقام في العراق مدة تقرب من أربعين سنة أقام شطراً منها في النجف الأشرف لطلب العلم الديني ثم في كربلاء المقدسة لتكميل دروسه و في مجموع هذه المدة كان مثابراً مكباً على الدرس و التدريس و الحضور تحت منابر العلماء الأعلام من مجتهدي عصره حتى حصلت له ملكة الاجتهاد مع فضيلة عالية، و شهد له أهل الخبرة بذلك منح إجازات علمية كثيرة من العلماء العظام مثل السيد علي أصغر الغروي الخثائي و السيد أبي تراب و الشيخ محمد تقي ابن الشيخ أسد الله و السيد محمد الحسيني الكاشاني و الشيخ الميرزا موسى الحائري. و للمترجَم له مؤلفات قيُّمة و مصنفات ثمينة منها رسالة و جيزة في بيان ما هو الأصل في الاشتقاق موسومة بمنية المشتاق لتحقيق الاشتقاق كتبها جواباً لصاحب الفضيلة الشيخ محمد صالح آل طعان البحراني. و منها رسالة في أحكام الشكوك المتعلقة بالصلاة سماها سفينة المساكين لنجاة الشاكين لم تكتمل. ومنها رسالتان وجيزتان في الرضاع. و منها تعليقة مبسوطة على رسالة السيد هاشم الأحسائي. و بعد رحلة طويلة عاد إلى بلاده القطيف عالماً و فقيهاً و مرشداً و موجهاً، و بأخلاقه و سماحة نفسه أصبح الأب الروحي لذلك القطر عنده تحل المشاكل، و على يده تنتهي المنازعات، ثم كان القدوة لهم في الأخلاق و الآداب و الكمالات، و كان على درجة عالية من العبادة و التقوى. لبى دعوة ربَّه و لحق بالرفيق الأعلى ليلة الخميس غرّة جمادى الأولى سنة (1362ه) عن عمر قارب التسعين سنة و أقيمت له الفواتح و أبنه الشعراء و الخطباء...

يا سَيِّد الكَوْنِ يا أَعْلَى الْوَرَى نَسبا *** يا خَيْرَ مُنْتَجَبِ مِنْ خِيرَةِ النُّجَبا

يا مَنْ سَمَا في سَمَا الْعَلْيَاءِ مُرْتَقِياً *** حَتَّى عَلا نورُهُ الأَنوارَ و الحُجُبا

و فاخَر الأنبياءَ المرسلينَ بِما *** قَدْ خُصَّ مِمّا لَهُ اللهُ الكَرِيمُ حَبا(1)

كَفاهُ فَخُراً بأَنْ كانَ النَّبِيُّ لَهُ *** جَدّاً وَ فاطِمُ أُمّاً وَ الوَصِيُّ أَبا(2)

فما ترى شرفاً في كُلِّ مُنْتَسِبٍ *** مِنْهُمْ إلى شَرَفِ إلا لَه نَسَبا

عَلَيْهِمُ فَرَضَ البارِي وِ لايَتَهُ *** فَمَنْ تَقَرَّبَ منهم بِالْوَلا قَرُبا

و قَدْ أبَى اللَّهُ أَنْ يَغْشَى بِرَحْمَتِهِ *** مَنْ كَانَ فِي الخَلْقِ طُرّاً لِلْوَلاءِ أَبَى(3)

ص: 110


1- حبا: أعطى من غير جزاء.
2- ربما يكون البيت إشارة إلى مولانا صاحب الأمر «عجل الله تعالى فرجه» و نسبه إلى أهل البيت (عليهم الصلاة و السلام). و في هذا جاء في مسند أحمد ج1 ص99: «حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا حجاج و أبو نعيم قالا: حدثنا فطر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل، قال حجاج: سمعت علياً رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله «عزوجل» رجلاً منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. قال أبو نعيم: رجلاً منا». و في أسد الغابة لابن الأثير ج1 ص259-260 قال: «روى الأوزاعي عن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: سيكون بعدي خلفاء و من بعد الخلفاء أمراء و من بعد الأمراء ملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي علیهم السلام يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً». راجع البحار ج51 ص84 أيضاً و الروايات في ذلك مفصلة في كتب الفريقين لايسعها المجال.
3- قد يكون إشارة إلى وجوب محبتهم علیهم السلام و أنها نجاة من النار و في هذا ورد في البحار ج51 ص73 ح20 عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من أنكر القائم من ولدي في زمان غيبته مات ميتة جاهلية». و في تفسير الكشاف/ للزمخشري/ ج3 ص403 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: ألا و من مات على بغض آل محمد علیهم السلام جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللَّه... و في إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي/ ص34 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فلو أن رجلاً صفن بين الركن و المقام فصلى و صام ثم مات و هو مبغض لأهل بيت محمد علیهم السلام دخل النار... و الروايات في ذلك متضافرة في كتب الفريقين اقتصرنا نحن على الإشارة فقط.

فَما مِنَ الماءِ وَ الأَثْمَارِ مُرٌّ فَمِنْ *** بَعْضٍ وَ بِالْحُبِّ بَعْضُ طَابَ أَوْ عَذُبا(1)

وَ لَيْسَ يُوجَدُ مِنْ خَلْقٍ بِعَالَمِهِ *** إِلا وَ قَدْ كانَ في إيجادِهِ سَبَبا

فَمَنْ تَولاًهُ يَلْقَى خَيْرَ مُنْقَلَبٍ *** وَ مَنْ قَلاهُ(2) هَوَى في النَّارِ مُنْقَلِبا(3)

وَمَنْ أرادَ مُناجاةَ الْإِلَهِ وَ لَمْ *** يَمْدُدْ بِهِ سَبَباً لَمْ يَسْتَطِعْ طَلَبا

يا سَيِّداً كانَ في عَرْشِ الْجَلِيلِ لَهُ *** نُورٌ كَسا النَّيْرَيْنِ النُّورَ وَ الشُّهبا

يا آيَةَ الْحَقِّ حَقّاً يَا أَمانَتَهُ *** وَ البابُ وَ الوَجْهُ وَ السِّرُّ الَّذِي حُجِبا(4)

ص: 111


1- في كتاب البحار ج27 ص280 و ج63 ص197 قال: عن الرضا علیه السلام قال: أخبرني أبي عن أبيه عن جده أن أميرالمؤمنين علیه السلام أخذ بطيخة ليأكلها فوجدها مرة فرمى بها و قال: بعداً و سحقاً، فقيل: يا أميرالمؤمنين و ما هذه البطيخة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله تبارك و «تعالى» أخذ عقد مودتنا على كل حيوان و نبت فما قبل الميثاق كان عذباً طيباً و ما لم يقبل الميثاق كان مالحاً زعاقاً.
2- قلاه: أبغضه.
3- في ذخائر العقبى/ للطبري/ ص91-92. عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «يا علي علیه السلام طوبى لمن أحبك و صدق فيك، و ويل لمن أبغضك و كذب فيك». و في تذكرة الخواص/ للسبط الجوزي/ ص28. عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من أحب علياً علیه السلام فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله و من أبغض علياً علیه السلام فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض الله». و ربما يتضمن البيت الإشارة إلى مولانا صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أيضاً و أن ولايته تؤدي إلى خير منقلب و فيها ورد في كتاب البحار ج51 ص143 ح4 عن إكمال الدين عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال من أقرَّ الأئمة و جحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء و جحد محمداً صلى الله عليه و آله و سلم نبوّته. فقيل يا بن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ممن المهدي عج الله فرجه الشریف؟ من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه و لايحل لكم تسميته».
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الآية المباركة: «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»[ سورة الأحزاب، الآية: 72]. ففي كتاب تفسير نور الثقلين للحويزي ج4 ص311-312. عن أبي بصير قال: سألت أباعبدالله علیه السلام عن قول الله «عزوجل»: «إنا عرضنا الأمانة السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً» قال: «الأمانة الولاية». و إلى الآية المباركة من سورة البقرة: «ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ» [سورة البقرة الآية 58]. ففي نور الثقلين عن مجمع البيان: روي عن الباقر علیه السلام قال: قال الباقر علیه السلام نحن باب حطتكم» و في كتاب ذخائر العقبى ص77: قال: عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «أنا دار العلم و علي علیه السلام بابها» أخرجه البغوي في المصابيح الحسان و أخرجه أبوعمرو قال: أنا مدينة العلم و زاد، فمن أراد العلم فليأته من بابه. و في المستدرك على الصحيحين ج3 ص126 قال: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب. و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص114. و الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج4 ص348. و في كتاب البحار ج39 ص335 كما في أمالي الصدوق ص39 قال: عن النعمان بن سعد، عن أميرالمؤمنين علیه السلام قال: «أنا حجة اللَّه و أنا خليفة اللَّه، و أنا صراط اللَّه، و أنا باب اللَّه، و أنا خازن علم اللَّه، و أنا المؤتمن على سر اللَّه و أنا إمام البرية بعد خير الخليقة محمد نبي الرحمة صلى الله عليه و آله و سلم). و في ج39 ص349 أيضاً كما في كتاب معرفة أخبار الرجال ص138 قال عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال أميرالمؤمنين علیه السلام أنا وجه اللَّه و أنا جنب اللَّه و أنا الأوّل و أنا الآخر و أنا الظاهر و أنا الباطن و أنا وارث الأرض و أنا سبيل اللَّه و به عزمت عليه فقال معروف ابن خربود و لها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلو.

يا عُرْوَةَ اللَّهِ وَ الحَبْلَ المتينَ و مَنْ *** هُوَ الْكِتَابُ الذي في غَيْبِهِ كُتِبا(1)

وَ هُوَ الَّذِي نَزَلَ الْقُرآنُ فيهِ فَسَلْ *** حم يس عَمَّ المرسلاتِ سَبا

يَا خَاتَمَ الأوْصِياءِ الغُرِّيا خَلَفاً *** بهِ الخِلَافَةُ قامَتْ لا تَرَى عَقَبا

ص: 112


1- يشير في هذا البيت إلى قوله تعالى:«لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [سورة البقرة الآية: 256]. ففي كتاب تفسير نور الثقلين أيضاً ج1 ص264 قال: «و في باب ما كتبه الرضا علیه السلام للمأمون من محض الإسلام و شرائع الدين و إن الأرض لا تخلو من حجة الله «تعالى» على خلقه في كل عصر و أوان و إنهم العروة الوثقى و أئمة الهدى و الحجة على أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». و إلى قوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» [سورة آل عمران الآية: 103] ففي تفسير العياشي ج1 ص194: «عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال: آل محمد علیه السلام هم حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به فقال:«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» [سورة آل عمران الآية: 103].

يَا ناصِرَ الدِّينِ يا غَوْثَ الصَّرِيخِ و يا *** مُجِيبَ دَعْوَةِ مَنْ ناداهُ مُنْتَدِبا(1)

أنْتَ الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ العِبادَ بِهِ *** في آخِرِ الدَّهْرِ يَجْلُو عَنْهُمُ الكُرَبا(2)

وَ أَنْتَ مَنْ تَمْلأُ الدُّنْيا عَدالَتُهُ *** كَما مِنَ الْجَوْرِ قِدْماً نالَتِ النُّوَبا(3)

وَ لَيْسَ عِنْدِيَ شَكٍّ فِي حَياتِكَ بَلْ *** لَوْلا وُجُودُكَ فى ذا الكَوْنِ لأَنْقَلبا(4)

ص: 113


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الإمام صاحب العصر (عجل الله «تعالی» فرجه الشريف) خاتم الأوصياء. فقي البحار ج51 ص93 الباب الحادي عشر باب ما ورد من الأخبار في القائم عج الله فرجه الشریف قال: عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال:«قلت»: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أمنا آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم: المهديُّ أم من غيرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لا بل منّا يختم اللَّه به الدين كما فتح بنا و بنا ينقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشرك و بنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك و بنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم قال هذا حديث حسن عال رواه الطبراني في المعجم الأوسط و أبو نعيم في حليته و عبدالرحمن في عواليه. و في فرائد السمطين/ للجويني الشافعي/ ج2 باب16 ص335: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم المهدي عج الله فرجه الشریف من ولدي اسمه اسمي و كنيته كنيتي أشبه خلقاً و خلقاً تكون له غيبة و حيرة يغل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلما و جوراً.
2- ربما يشير الشاعر في هذا البيت إلى قوله «تعالى»: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» [سورة النور، الآية: 55] . ففي البحار ج51 ص54 ح34 عن الإمام زين العابدين علیه السلام أنها نزلت في المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) و في البحار أيضاً ج51 ح35 غيبة الطوسي بسنده عن الإمام محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي علیه السلام في قوله تعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» [سورة القصص الآية:5] قال هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم: فيعزهم ويذلُّ عدوهم.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الأحاديث المروية عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم و آل بيته علیهم السلام في أنه لا يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت ظلما وجوراً. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص99 روی بسنده عن علي علیه السلام يقول: «قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله «عزوجل» رجلاً منا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً و قد مرَّ في هامش رقم2 ص42 من هذه القصيدة مع حديث آخر نقلناه عن كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج1 ص559-260 و البحار ج51 ص84.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أن الأرض لاتبقى بغير إمام و إلا لساخت بأهلها. ففي كتاب الغيبة للنعماني ص89 قال: عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله المؤمن عن أبي هراشة عن أبي جعفر الباقر علیه السلام أنه قال: لو أن الإمام رُفع من الأرض ساعة لساخت بأهلها و ماجت كما يموج البحر «بأهله» و في المصدر ذاته: «عن أبي حمزة قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام أتبقى الأرض بغير إمام فقال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» و الأحاديث في ذلك متضافرة جداً لا تخفى على من راجع مظانها.

فَالغَوْتُ مِنْ عُصْبَةٍ ضَلَّتْ وَ قَدْ تَخِذَتْ *** مِنْ بَغْیِها وَ شَقاها دِينَكُمْ لَعِبا

وَ أَلْبَسَتْنَا بِمَا نَالَتْ وَ مَا ابْتَدَعَتْ *** ثَوْبَ الْأَسَى و عَلَيْنَا الدُّلَّ قَد ضُرِبا

وَ قَدْ أَبت أن ترى مِنْ نَسْلِكُمْ أَحَداً *** إلا أَنَالَتْهُ مِنْ طُغْيَانِهَا الْعَطَبَا(1)

وَ إِنْ نَسِيتُ فَلا أَنْسَى وَ حِلْمِكَ مَنْ *** بِكَفِّهِ أَمَّكَ الزَّهْراءَ قَدْ ضَرَبا(2)

وَ أَلْصَقَ الْبَابَ أخشاها وَ أَضْغَطها *** ظُلماً و أَسْقَطها يا عَظْمَ مَا ارْتَكَبا

وَ مَنْ عَلى ما حَباهَا اللَّهُ نازَعَها *** وَ إِرْثَهَا مِنْ أبيها المُصْطَفَى غَصَبا

وَرَدَّ شَاهِدَهَا الْعَدْلَ الَّذِي هُوَ فِي *** أُمِّ الْكِتَابِ عَلِيٌّ وَ افْتَرَى كَذِبا(3)

وَ مَنْ دَنا نَحْوَ بَيْتِ الْوَحْيِ مُجْتَرِنَا *** وَ قَدْ أَتَى بِجُمُوعِ جَمَّعَتْ حَطَبا

ص: 114


1- العطبا: العطب: الهلاك.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد على لسان فاطمة علیها السلام: «فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم... الخ» راجع عوالم العلوم ج2/11 ص574 و البحار ج8 ص240 طبعة حجرية. و في الاختصاص/ للمفيد / ص180 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل: فرفسها عمر برجله و كانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثم لطمها فكأني انظر إلى قرط في أُذنها حين نقفت.
3- ورد في السيرة الحلبية للحلبي ج3 ص487 «و قال لها هل لك بينة فشهد لها علي علیه السلام وأم أيمن فقال لها أبو بكر أبرجل وامرأة تستحقينها». و في الاحتجاج للطبرسي/ ج1 ص90 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل: جاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لِمَ منعتني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر من الله «تعالى»؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن و شهدت أن الله «عزوجل» أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «وات ذا القربى حقه» و جاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك... فقال عمر: يا علي علیه السلام دعنا من كلامك فإنا لانقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول و إلا فهو فيء للمسلمين لاحق لك و لالفاطمة علیها السلام فيه.

لِيَضْرِمَ النَّارُ فيهِ وَ هُوَ يَعْلَمُ مَنْ *** فِيهِ لِيَبْلُغَ مِنْ مَأْمُولِهِ أَرَبا(1)

يُرِيدُ إطفاء نور كانَ مُتَّقِداً *** و الله عمّا يُرِيدُ الظَّالِمُونُ أبَى(2)

وَلَيْتَهُمْ قَنِعُوا منها بِمَا ارْتَكَبُوا *** وَ إِنْ يَكُنْ جَلَّ في الإسلام مُرْتَكَبا

و لَمْ يَقُودُوا عَلِيّاً في حَمائِلِهِ *** فَوْدَ الأسير بِعَيْنِ اللَّهِ مُكْتَيْبا

مُلَبَّباً برداءِ الصَّبْرِ مُشْتَمِلاً *** مُسلّماً أَمْرَهُ لِلَّهِ مُحْتَسِباربما يشير الشاعر إلى إجبار علي علیه السلام على البيعة لأبي بكر و أخذه ملبباً و مقوداً بحبائل سيفه.

ففي كتاب سليم بن قيس ص37: «فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه، و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثُروه فألقوا في عنقه حبلاً و حالت بينه و بينهم فاطمة علیها السلام عند الباب فضربها قنفذ الملعون بالسوط... الخ.

و في ص208 من كتاب سليم بن قيس أيضاً: «فأخرج علي علیه السلام و اتبعه الناس و اتبعه سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و هم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخرجتم الضغائن التي في صدوركم؟ و قال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر أتيت على علیه السلام أخي رسول الله و وصيه و على ابنته فتضربها و أنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به؟ فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة و هو في عمده فتعلق به عمر و منعه من ذلك فانتهوا بعلي إلى أبي بكر ملبباً الخ.

يُدعى إلى بَيْعَةٍ كانَ الْأَحَقُّ بها *** مِنَ الأولى عَبدُوا الْأَوْثَانَ و الصُّلُبا(3)

ص: 115


1- إشارة إلى ما ورد في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12: «قال: و إن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي علیه السلام فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقتها على من فيها فقيل له يا أباحفص إن فيها فاطمة علیها السلام فقال: و إن... إلخ.
2- يشير الشاعر إلى قوله تعالى: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» [سورة التوبة، الآية: 32]. و ربما يتضمن البيت أيضاً ما ورد في ينابيع المودة/ للقندوزي الحنفي/ ص114 في حديث طويل عن سليم بن قيس قال: رأيت علياً علیه السلام في مسجد المدينة في خلافة عثمان وكان جماعة المهاجرين و الأنصار يتذاكرون فضائلهم و علي علیه السلام ساكت فقالوا: يا أبا الحسن علیه السلام تكلم فقال: يا معشر قريش و الأنصار أسألكم ممن أعطاكم الله هذا الفضل أبأنفسكم أم بغيركم؟ قالوا: اعطانا الله ومنَّ علينا بمحمد صلي الله علیه و آله و سلم. قال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: أنا و أهل بيتي علیهم السلام كنا نوراً نسعى بين يدي الله «تعالي» قبل أن يخلق الله «عزوجل» آدم بأربعة عشر ألف سنة؟ فقال أهل السابقة و أهل بدر و أحد نعم قد سمعناه...
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى عدم عبادة الإمام علي علیه السلام الأوثان و الصلبان قبل الإسلام في حين كان القوم قد عبدوا الأصنام في جاهليتهم على ديانة الشرك و بعضهم قد عبد الصلبان و ألَّه النبي عيسى ابن مريم علیه السلام. ففي كتاب تفسير الكشاف للزمخشري ج3 ص319 في تفسير قوله «تعالى»: «وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ» [سورة يس، الآية:20]. و عن تفسير الثعلبي ص238: «قال: ويروى عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين حزقيل مؤمن آل فرعون و حبيب النجار صاحب يس و علي بن أبي طالب علیه السلام و هو أفضلهم». و راجع كنز العمال ج6 ص365 قال عن حبة: إن علياً علیه السلام قال: اللهم إنك تعلم أنه لم يعبدك أحد من هذه الأمة قبلي و لقد عبدتك قبل أن يعبدك أحد من هذه الأمة ست سنين».

و أُشْرِبُوا الْعِجْلَ حُبّاً في قُلُوبِهِمُ *** وَ قَلْبُهُ غَيْرَ حُبِّ اللَّهِ ما شَرِبا(1)

و خالَفُوا أحْمَدَ المُخْتارَ حَيْثُ نَهَى *** مِنَ التَّخَلُّفِ عَنْهُ أَيْنَمَا ذَهَبا(2) (3)

ص: 116


1- و هي مقارنة مع اليهود في قوم موسى علیه السلام... قال الله تعالى في محكم كتابه: «وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظَالِمُونَ» [سورة البقرة، الآية: 92 و الآية: 93] بدايتها «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ». و يتضمن البيت كناية عن عدم إيمان القوم كما لم يؤمن قوم موسى من قبل.
2- يشير الشاعر إلى حديث النبي صلي الله علیه و آله و سلم الذي ذكر في كتاب مناقب آل أبي طالب قال: عن تاريخ الخطيب عن ثابت مولى أبي ذر قال: دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي و قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: علي علیه السلام مع و الحق مع علي علیه السلام و لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة. ج3 ص62. و في المناقب أيضاً: عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن هذا صراط مستقيماً فاتبعوه و لاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» سألت الله أن يجعلها لعلي ففعل. ج3 ص72. و في المناقب أيضاً قال: عن الرضاء علیه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى فليتمسك بحب علي بن أبي طالب علیه السلام. ج3 ص76 ففي البحار ج38 ص10 عن كتاب الروضة عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علي خير من أترك بعدي، فمن أطاعه فقد أطاعني، و من عصاه فقد عصاني. و في البحار ج38 ص119 عن أمالي الصدوق ص310 قال: عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إن اللَّه «عزوجل» نصب علياً علماً بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً و من أنكره كان كافراً و من جهله كان ضالاً و من عدل بينه و بين غيره كان مشركاً و من جاء بولايته دخل الجنة و من جاء بعداوته دخل النار.
3- الأزهار الأرجية ج2 ص201.

(23) دار فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

مِنَ الضّلالِ عَلَيْنا النَّصْبُ قَدْ وَثَبا *** لَمَّا اسْتَطَالَ وَ عَنّا كُنْتَ مُحْتَجِبا

وَ كَانَ سَيْفُكَ مَعْمُوداً لَدَيْكَ وَ لَمْ *** يَبْرَحْ يَمُجُّ دِمَاءَ حَدُّهُ غَضَبا(2)

يُرِيدُ يَوْماً به تُشْفَى غَلائِلُهُ *** مِنَ الضّرابِ إذا مِنْ غَمْدِهِ جُذبا

فَالغَوْثَ الغَوْثَ قَدْ ضاقَ الخِناقُ بنا *** فَكُفَّ عنا دَوَاعِي النَّصْبِ و الكُرَبا(3)

فَطَهِّرِ الأَرْضَ مِنْ أدْناسِهِمْ بِدِما *** أَرْجاسِهِمْ حِينَ فِيهِمْ تُثْبِتُ العَطَبا(4)

فَلَيْسَ يَطْهرُ وَجْهُ الأرْضِ بَعْدَهُمُ *** إلا إذا فَوْقَها سَيْلُ الدِّمَا انْسَكَبا

فَإِنَّ حِلْمَكَ عَنْهُمْ زادَهُمْ حَنَقاً *** عَلَيْكُمُ و أَرانا الذُّلَّ وَ الرَّهَبا(5)

فلا تَدَعْ لَهُمُ عَيْناً و لاأثراً *** وَ اجْتَثَّ دينَهُمُ حَتَّى يَكُونَ هَبا

فَهْذِهِ يَا بْنَ طه أَوْلِياؤُكُمُ *** فِيكُمْ تُكابدُ مِنْ أَعْداكُمُ الكُرَبا

يَرَوْنَ دِينَكُمُ مُلقَّى وَ شَرْعَكُمُ *** مُمَزَّقاً كانَ و الإسلامُ قَدْ ذَهبا

وَ الجَوْرَ مُجْتَمِعاً وَ الظُّلْمَ مُتَّسِعاً *** وَ الكُفْرَ مُرْتَفِعاً وَ النَّصْبَ مُنْتَصِبا

لمَّا على منبر الهادِي النَّبِيِّ أخُو *** تَيْم رَقَى وَ اجْتِراءٌ فَوْقَهُ خَطَبا

مِنْبَرِ وَ أَخَّرَ المُرْتَضَى عَنْ حَقِّهِ وَ نَفَى *** عَنْهُ خِلافَتَهُ حتّى بها احْتَقَبا(6)

وَ فاطِمٌ مَنَعُوها إِرْتَها فَدَكاً *** و أَسْقَطُوها جَنِيناً كانَ مُنْتَجَبا

ص: 117


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يمجُّ: يرمي.
3- النصبُ: الداء و البلاء و الكرب: الحزن يأخذ بالنفس.
4- الرجس: القَذَر.
5- الحنق: شدّة الغيظ.
6- احتَقَبَ زيداً على ناقتِهِ: أركبَهُ و راءَهُ و احْتَقَبَ الإثمَ: جَمَعَهُ كأَنّهُ احْتَمَلَهُ خلْفِهِ.

فَإِنَّ إسقاطها ذاكَ الجَنِينَ غَدا *** لقطع رأسِ حُسَيْنٍ بَعْدَها سَبَبا

فلَيْسَ أَرْدَى حُسَيْناً مَعْ بَنِيهِ سِوى *** مَنْ أُمَّكَ البِضْعَةَ الزَّهْرَاءَ قَدْ ضَرَبا

وَ أَوْقَدَ النَّارَ ظُلْماً مِن جَراءَتِهِ *** في بابِ مَنْزِلِ بَيْتِ الوَحْيِ فَالْتَهَبا

بَيْتٌ بِهِ تَهْبِطُ الأَملاكُ خاضِعَةٌ *** مِنَ السَّما فيه شَبَّ النارَ و الحَطَبا

وَ أَخْرَجَ المُرْتَضَى مِنْ دارِ فاطِمَةٍ *** مُلَبَّباً صابِراً للَّهِ مُحْتَسِبا

مِنْ خَلْفِهِ فَاطِمُ الزَّهْراءُ صارِخَةٌ *** وَ دَمْعُها فَوْقَ خَدَّيْها قَدِ انْسَكَبا

***

يابْنَ النَّبِيَّ زَعِيمِ الرُّسلِ مَنْ وَطِئَتْ *** فَوْقَ السَّما قَدَماهُ العَرْشَ وَ الحُجُبا

لَوْلا صَحِيفةُ أصْحابِ السَّقِيفةِ ما *** شِمْرٌ عَلى صَدْرِ سِبْطِ المُصْطَفَى رَكِبا

وَ لَا اسْتَباحَتْ بَنُو حَرْبٍ حَرَائِرَكُمْ *** وَ لا لَكُمْ نَهَبُوا يومَ الطُّفوفِ خِبا

وَ لا لَكُمْ ذَبَحُوا طِفْلاً به فَجَعُوا *** عَلَيْهِ أُمّا لَهُ في كَرْبَلا وَ أَبا

فَكُمْ لَكُمْ في مَحانِي الطَّلفِّ مِنْ قَمَرٍ *** تَنْجابُ عَنْهُ غَرَابیبُ الُّدجَى غربا(1)

وَ شَمْس خِدْرٍ تَمَنَّی البَدْرُ أَنَّ لَها *** يَكُونُ طُلنْبَ خِباً أَضْحَتْ بِغَیْر خِبا(2)

وَ أَنْجُمٍ مِنْ بَناتِ الرُّسُلِ قَدْ بَرَزَتْ *** مِنْ خِدْرِها إذْ غدا بِالنَّارِ مُلْتَهِبًا

قد أَلْبَسُوها من الأَقیَادِ أَسورَةٌ *** مِنْ بَعْدِما سَلَبُوها الدُّرَّ و الذَّهَبا

كُلُّ تُنادِي بِصَوْتٍ لَوْ تَوَجَّسَهُ *** طَوْدٌ تَزَعْزَعَ ذاكَ الطَّوْدُ وَانْقَلَبا:

يا راكباً فَوْقَ نِضْو في قَوائِمِهِ *** يَطْوِي أديمَ فَيا فِي البِيدِ و الهُضُبا

عُجْ بِالمَدِينَةِ وَ اصْرُخْ: يا بَنِي مُضَر *** فَفِی الطُّفُوفِ انْطَفا مِصْباحُكُمْ وَ خَبا

فَأَطْلِقُوا الخَيْلَ كالعِقْبانِ غَائِرةً *** وَ قَوِّمُوا فَوْقَها الخُرْصانَ و القُصُبا(3)

وَ اسْتَنْقِذُوا مِنْ يَدِ الأَعْدا حَرائِرَكُمْ *** فَقَدْ سَرَتْ وَ هْيَ أَسْرَى بَيْنَهُمْ غُرَبا

ص: 118


1- غرابيب: سود.
2- خِبا: خِباء حُذفت الهمزةُ لضرورة القافية.
3- الخرصان: (الخرّاص): الكذّاب. القُضُبا : (إقتضاب): يرتجال الكلام (مختار الصحاح).

فَطَاطِئوا رؤوسَكُمُ حُزْناً فَإِنَّ عَلَى *** رَأْسِ القنا رَأْسُ سِبْطِ المُصْطَفَى نُصِبا

وَ لاتُوَارُوا لَكُمْ مَيْتاً بحُفْرَتِهِ *** فَجِسْمُهُ قَدْ غدا فَوْقَ الثَّرَى تَربا

و لاتَمُدُّوا عَلى أزواجِكُمْ كِلَلاً *** فَزَيْنَبٌ خِدْرُها في كَرْبَلا انْتُهِبا(1)

ص: 119


1- دیوان ملا علي آل رمضان ص376.

(24) سادات البرايا

(بحر الوافر)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

عَجِيبُ الأَمْرِ مَنْ فَقَدَ الشَّبابا *** وَ مَفْرِقُ رَأْسِهِ الْمُسْودِّ شابا

وَ يَبْنِي الدُّورَ في الدُّنْيا وَ عَمّا *** قَلِيلِ يَسْكُنُ الْقَبْرَ الْخَرابا

وَ يَدَّرِعُ الْجَدِيدَ و عَنْ قَرِيبٍ *** مَعَ الديدانِ يَفْتَرِسُ التُّرَابا

و يَبْقَى رَهْنَ لَحْدِ لَوْ رآه *** بهِ أَبَواهُ مِنْ لُقياه هابا

وَ لَوْ ناداهُ ذُو رَحِمٍ قَرِيبٍ *** اليْهِ لَمْ يَرُدَّ لَهُ جَوابا

فَكَيْفَ يُجِيبُ و الدِّيدانُ تَرعى *** بِجِيفَتِهِ وَ لَوْ أَنْباهُ شابا

فَإِنَّ الْقَبْرَ يَدْعُو كُلَّ يَوْمٍ *** وَلكِنْ لاتَعُونُ لَهُ خِطابا

أنا بيتُ الَّذِي مَنْ حَلَّ فِيهِ *** تَناثَرَ لَحْمُ جُثَّتِهِ وذابا

أَنَا بَيْتُ بهِ الإِنْسانُ يَبْقَى *** وَ لَيْسَ يَرَى لَهُ عنِّي انْقِلابا

وَ يَنْظُرُ فيهِ ما كَسَبَتْ يَداهُ *** مِنَ الدُّنْيا نَعِيماً أَوْ عَذابا

و يَوْمَ الْبَعْثِ يُحْشَرُ فِي صَعِيدٍ *** يَخالُ تُرابه قِيراً مُذابا

تَقُومُ بهِ الْوَرَى وَ هُمُ سُكَارَى *** مِنَ الْأَجْدَاثِ تَضْطَرِبُ اضْطِرابا

وَ فِيهِ البِضْعَةُ الزَّهْراءُ تَأْتِي *** تُنادِي وَ هْيَ تَنْتَحِبُ انْتِحابا(2)

ص: 120


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى وقوف فاطمة الزهراء علیها السلام يوم القيامة و شكواها إلى الله مظلوميتها و مظلومية أبنائها من بعدها. ففي كتاب مقتل الحسن للخوارزمي ج1 ص52 قال عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول يا عدل يا جبار احكم بيني و بين قاتل ولدي، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فيحكم الله لابنتي ورب الكعبة. و في البحار ج43 ص221 ح7 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«إذا كان القيامة نصب لفاطمة علیها السلام قبة من نور و أقبل الحسين «صلوات الله عليه» رأسه في يده يوم فإذا رأته شهقت شهقة لايبقى في الجمع ملك مقرَّب و لانبي مرسل و لاعبد مؤمن إلا بكي لها...». و في كتاب البحار ج43 ص219 ح1 نقلاً عن أمالي الصدوق عن الباقر علیه السلام: «قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان القيامة تُقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة مدرّجة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرّد الأخضر ذنبها من المسك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان... حتى يقول و جبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم فلا يبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصديق و لاشهيد إلا غضّوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتنزخ بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم فتقول إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبي و محبي ذريتي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» أين ذرية فاطمة و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها فيقبلون و قد أحاط ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام علي حتى تدخلهم الجنة». و في كامل الزيارات/ لابن قولويه / ص334 في حديث طويل: عن أبي عبد الله علیه السلام... و أما ابنتك: فإني أوقفها عند عرشي فيقال لها: إن اللَّه قد حكمك في خلقه فمن ظلمك و ظلم ولدك فاحكمي فيه بما أحببت فإني أجيز حكومتك فيهم فإذا وقف من ظلمها أمرت به إلى النار... و أول من يحكم فيهم: محسن بن علي علیه السلام و في قاتله ثم في قنفذ فيؤتيان هو و صاحبه فيضربان بسياط من نار لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها و لو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتى تصير رماداً فيضربان بها...

و تَصْرُخُ صَرْخَةً منها الرواسي *** تَكُونُ لِعُظمٍ صَرْخَتِها سَرابا(1)

إلهي أيْنَ مَنْ هَتَكُوا حِجابي *** وَ بَزُوا نِحْلَتي مِنّي المتصابا؟

وَ قادُوا المُرْتَضَى الْكَرَارَ لَمّا *** أَخُوهُ المصطفى المُخْتارُ غابا؟

و في المِحْرابِ أرْداهُ المُرَادِي *** بِسَيْفِ قَدْ سُقِي سُمّاً مُذابا؟

وَ أَسْقِي المُجْتَبى سُمّاً نَقِيعاً *** بِأخشاهُ قَدِ الْتَهَبَ الْتِهابا؟

ص: 121


1- الرواسي: الجبال الراسخة.

وَ وَقْعَةُ كَرْبَلا أَدْهَى مُصاباً *** وَ أَعْظَمُ فَجْعَةً وَ أَمَرُّ صَابا؟

فإِنَّ أُميّةٌ أَرْوَتْ بها مِنْ *** دِمارَقَباتِ أَوْلادِي الْحِرابا(1)

فَقَدْ قَتَلُوا حُسَيْناً و اسْتَباحُوا *** نِساهُ و قَيَّدُوا مِنْها الرقابا

وَ شَبُّوا في مضاربها حَرِيقاً *** وَ لَمْ يُبقِ الْحَرِيقُ لها حِجابا

وَ ساقُوها عَلَى قَتَبِ الْمَطايا *** بها تَطْوِي المَفَاوِزَ و الشِّعابا

تُنادي: يا حَوادي، وَيْلَكُمْ قَدْ *** أَضرَّ بنا الْهَجِيرُ، وَ لَنْ تُجابا

سِوى بِلِسانِ كُلِّ سِنانِ رُمْحٍ *** مِنَ الأعْدا وَ هُمْ كانوا غِضابا

فَتَهْتِفُ: ياأَباحَسَن أَغِثنا *** فَإِنَّكَ غَوْثُ مَنْ أَضْحَى مُصابا

فَتِلْكَ بَناتُكَ الْخَفِراتُ أَسْرَى *** بِذُلُّ رُكْبَتْ نُوقاً صِعابا!

على الكيرانِ مِنْها بِالْأَيادي *** تُدافِعُ عَنْ مَناكِبها الضِّرابا(2)

قَدِ انْفَطَرَتْ ضَمَائِرُها وَ سالَتْ *** بِإهْراقِ الدُّمُوع دَماً مُذابا

بَني المختار ساداتِ الْبَرايا *** و مَنْ كانوا لِتَغْرِ الْفَيْضِ بابا

خُذُوا مِنْ قِنْكُمْ نَظماً مَلِيحاً *** بهِ يَرْجُو مِنَ الباري الثِّوابا(3)

وَ يَرْجُو الْفَوْزَ مِنكُمْ مَعْ بَنِيهِ *** وَ آبَاهُ إذا حَضَر الحِسابا

وَ مَنْ عَلِقَتْ بِحَبْلِكُمُ يَداهُ *** وَ فازَ بِنَيْلِ حُبِّكُمْ وَطابا

كذلك سالِمٌ كُونُوا لَهُ عَنْ *** لَظى سَفَرٍ مَعَ الآبا حِجابا

وَ تَغْشَاكُمْ صَلاةُ اللَّهِ مَا إِنْ *** بَدا بَدْرٌ بِجُنْحِ دُجَى وَغابا(4)

ص: 122


1- الحراب: جمع حربة و هي آلة للحرب من الحديد قصيرة محددة مثل الرمح.
2- الكيران: جمع الكور و هو رحل البعير.
3- القنَّة:جمع قَنن و قنَّة كل شيء أعلاه.
4- دیوان ملا علي آل رمضان ص111.

(25) فاطمة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(1)(*)

عَلامَكَ عَنْ سَمْتِ الرِّضا مُتَنَكِّبُ*** وَنَفْسُكَ فيما يَعْطِبُ العَقْلَ تَرْغَبُ؟

أَنَظرُقُ طَرْقَ اللَّهوِ دَأْباً وَلَمْ يَكُنْ*** لها في مَساعِي مَنْهَجِ الرُّشْدِ مَطْلَبُ ؟

وَكُلُّ أَمْرِى ءٍ يُرْخِي الْعِنَانَ لِنَفْسِهِ*** بِهِ في مَيادِينِ الْمَهالِكِ تَذْهَبُ

فَإِنَّ جَمالَ المَرْءِ عَقْلٌ يَزِينُهُ*** وَتَقْوَى بها مِنْ رَبِّهِ يَتَقَرَّبُ

وَحِلْمٌ وعِلْمٌ مُسْتَقَرٌّ وَعِفَّةٌ*** وَكَثْرَةُ آدابٍ بِهَا يَتَأَدَّبُ

وَحُسْنُ اعْتِقاداتٍ بِآلِ مُحَمَّدٍ*** هُداةٌ بِهِمْ يَرْضَى الإلهُ وَيَغْضَبُ

خَزائِنُ أسْرارٍ وَأبْحُرُ أَنْعُمٍ*** تَفِيضُ نَدًى مِنْهُ الخَلائِقُ تَشْرَبُ

يَنابِيعُ جُودِ لِلْمُهَيْمِنِ لَمْ تَزَلْ*** طَوامٍ وَمِنْ حافاتِها الْخَلْقُ تَشْرَبُ(2)

وَهُمْ أَنْجُمٌ كانَتْ بِهَا الخَلْقُ تَهْتَدِي*** إِلَى الْحقِّ إِلا أَنَّها لَيْسَ تَغْرُبُ(3)

كَلامُهُمُ نُورٌ وَقَوْلُهُمُ هُدًى*** وَرَأْيُهُمُ رُشْدٌ وَعِلْمٌ وَمَذْهَبُ

فَمِنْهُمْ نَبیٌّ أَوْضَحَ الدينَ لِلْوَرَى*** وَكَانَ عَلَيْهِ مِنْ دُجَى الشِّرْكِ غَيْهَبُ(4)

رَسُولٌ رَقَى السَّبْعَ السَّمَواتِ وَانْحَنَتْ*** لَهُ وَهُوَ يَرْقاها النَّبِيٌّ الْمُهَذَّبُ

ص: 123


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- طوامِ:طمى النهر ارتفع ماؤه وامتلأ.
3- في مستدرك الصحيحين ج3 ص149: روي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلی الله علیه وسلم: النجوم أمان لأهل الأرض من الفرق وأهل بيتي أمان من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس .وراجع ابن حجر أيضاً في صواعقه (ص 140).
4- غيهب: ظلمة.

إِلى أَنْ دَنا من ذِي الْجَلالِ وَقَد بَدا *** إِلَيْهِ مِنَ السِّرِّ الخَفِيُّ المُحَجَّبُ(1)

وَأَوْدَعَهُ الرَّحْمَنُ أَسْرَارَ عِلْمِهِ*** وَأَعْطَاهُ مِنْهُ ما يُريدُ وَيَطْلُبُ

وَمِنْهُمْ إمامٌ وَحَّدَ اللَّهَ حَيْثُ لَمْ *** يَكُنْ آدَمٌ في الكَوْنِ وَهُوَ لَهُ أَبُ

فَتى لِلْهُدى بَحْرٌ وَلِلْفَيْضِ مَصْدَرٌ*** وَلِلْمُصْطَفى نَفْسٌ وَلِلدِّين مَذْهَبُ(2)

وَقَدْ كَانَ في الأكوانِ كَالْقُطْبِ في الرَّحَى*** تَدُورُ عَلَيْهِ الفُلْكُ وَهُوَ مَرْكَبُ

ص: 124


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى الآية المباركة من سورة الإسراء«سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»آية1. وإلى الآيات المباركات من سورة النجم«عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى* «وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى* ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» الآيات (5- 9).
2- في (الصواعق المحرقة ص 93) قال : إن علياً علیه السلام احتج على أهلها فقال لهم: أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلی علیه واله وسلم في الرحم مني و من جعله صلی الله علیه واله وسلم نفسه و أبناءه أبناءه و نساءه نساءه غيري قالوا: اللهم لا. (الحديث). و عن السيوطي في الدر المنثور، في تفسير آية المباهلة في سورة آل عمران قال: عن جابر قال: قدم على النبي صلی الله علیه وآله و سلم العاقب و السيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد صلی الله علیه واله سلم قال:كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام قالا: فهات، قال حبّ الصليب و شرب الخمر و أكل لحم الخنزير قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى الغد، فغدا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و أخذ بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه و أقرا له فقال: و الذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً. قال جابر: فيهم نزلت: تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم الآية قال جابر أنفسنا وأنفسكم رسول الله صلی الله علیه واله سلم و عليّ و أبناءنا الحسن و الحسين و نساءنا فاطمة علیهم السلام، و في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص395 قال: إشارة إلى كونه نفس النبي صلی اللَّه علیه و آله و سلم (روي بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال افتتح رسول الله صلی اللَّه علیه وآله و سلم مكة ثم انصرف إلى الطائف فحاصرهم ثمانية أو سبعة ثم أوغل غدوة أو رواحة ثم نزل ثم هجر ثم قال: أيها الناس إني لكم فرط وإني أوصيكم بعترتي خيراً موعدكم الحوض والذي نفسي بيده لتقيمنَّ الصلاة ولتُؤتُنَّ الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلاً مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتليهم و ليسبين ذراريهم قال فرأى الناس أنه يعني أبا بكر أو عمر فأخذ بيد علي علیه السلام فقال: «هذا». مستدرك الصحيحين ج2 ص120 قال: هذا حديث صحيح الإسناد وذكره المتقي في كنز العمال ج6 ص405، وابن حجر في صواعقه ص 75، وذكره الهيثمي في مجمعه ج9 ص134.

فَيا عَجَباً هذا يُقادُ مُلَبَّباً *** إلى مُسْتَقَرٌّ في الصَّلالِ وَ يُسْحَبُ(1)

وَ فَاطِمَةُ الزَّهْراءُ يَدْخُلُ بَيْتَها *** عَلَيْها بلا إذنِ وَبِالسَّوْطِ تُضْرَبُ(2)

وَ تُضْغَط ما بَيْنَ الجدارٍ وَ بابِها *** وَ تُسْقِط حَمْلاً مِنْ حَشَاهَا وَ تُرْعَبُ(3)

وَ مَنْزِلُها بِالنَّارِيُورَى وَ لَمْ يَزَلْ *** بِهِ الرُّوحُ يَأْتِي بِالعُلُومِ وَ يَذْهَبُ(4)

فَأَقْسَمَ بالرَّحْمَنِ لَوْلا وَصِيَّةٌ *** مِنَ المُصْطَفَى مَا قِيدَ وَ هُوَ مُلبَّبُ(5)(6)

ص: 125


1- في كتاب بهجة قلب المصطفى ص547 و أخرجوا علياً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي والله لئن... إلخ.
2- انظر کتاب سليم بن قيس ص39. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و قد جاء فيه: «فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط».
3- عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه فاطمة علیها السلام بین الباب و الحائط عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها... الخ. و في الاحتجاج: «و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها» الاحتجاج ج1 ص109.
4- يشير الشاعر إلى ما مرَّ في قصيدة عبد العظيم الربيعي في كتاب سليم بن قيس ص36، و البحار ج8 ص59 و العقد الفريد ج2 ص252: «ثم أمر ناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهما السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً...». الخ.
5- ملبّب: مجرور. في کتاب سليم بن قيس ص154: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لعلي علیه السلام يا أخي إنَّك لست كمثلي إن اللَّه أمرني أن أصدع بالحق و أخبرني أنه يعصمني من الناس و أمرني أن أجاهد و لو بنفسي فقال: «فقاتل في سبيل الله لاتكلف إلا نفسك» و قال: «وحرض المؤمنين» و قد مكثت بمكة لم آمر بقتال ثم أمرني بالقتال لأنه لايعرف الدين إلاّ بي و في و لاالشرائع و لاالسنن و الأحكام و الحدود و الحلال و الحرام. و إن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به و ما أمرتهم فيك من ولايتك و ما أظهرت من محبتك متعمدين غير جاهلين مخالفة ما أنزل الله فيك فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم و إن لم تجد أعواناً فاكفف يدك و احقن دمك، و اعلم أنك إن دعوتهم لن يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة عليهم. إنك يا أخي لست مثلي إني قد أقمت حجتك و أظهرت لهم ما أنزل الله فيك و أنه لم يعلم أني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أن حقي و طاعتي واجبان حتى أظهرت ذلك فإني كنت قد أظهرت حجتك و أقمت بأمرك فإن سكت عنهم لم تأثم غير أنه أحبّ أن تدعوهم و إن لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك وتظاهرت عليك ظلمة قريش . فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم و نابذتهم و جاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى أن يقتولك و التقية من دين الله و لادين لمن لاتقية له و أن الله قضى الاختلاف بهم و الفرقة على هذه الأمة و لو شاء لجمعهم على الهدى و لم يختلف اثنان منهما و لامن خلقه و لم يتنازع في شيء من أمره و لم يجحد المفضول ذا الفضل فضله و لوشاء عجل النقمة و كان منه التغير حتى يكذب الظالم و يعلم الحق أين مصيره واللَّه جعل الدنيا دارالأعمال و جعل الآخرة دارالثواب و العقاب: «ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى» فقلت شكراً لله على نعمائه و صبراً على بلائه و تسليماً و رضاً بقضائه.
6- ديوان ملا علي آل رمضان ص57 و القصيدة في (95) بيتاً و قد أخذنا منها ما نحن بصدده.

ص: 126

(26) غيرة اللَّه

(بحرالخفيف)

الشيخ علي بن حسن الجشي

غَيْرَةُ اللَّهِ كَيْفَ تَسْطِيعُ صَبراً *** وَ لِشَّمْسِ الإسلام حانَ غُروبُ

بدأ الدِّينُ في الأنام غَرِيباً *** وَ أَراهُ قَدْ عَادَ وَ هُوَ غَرِيبُ(1)

شَبَّ عُمْرُ الهُدى عَن الطَّوْقِ فيكُمْ *** وَ طَريقُ الهُدى بكُمْ مَلْحُوبُ(2)

ما... لاتمَّ بشرعَلَيْهَا *** وَ... فَلَا عَدَتْهَا الخُطُوبُ

حَاوَلَتْ مَحْوَ دَعْوَةِ الحقِّ حتى *** تُظهِرَ الشَّرْكَ وَ الضَّلال ضَرُوبُ

كَتَبَتْ صَلَّها القَدِيمَ وَ قَالَتْ *** هَجَرَ المُصْطَفَى وَ ذاكَ عَجِيبُ(3)

وَ ابْتَغَتْ فُرْصَةَ اخْتِلاسِ فَلَمَّا *** حانَ مِنْ سيّدِ الهُداةِ المَغِيبُ

نَشَرَتْ ما طَوَى النِّفاقَ قَدِيماً *** وَ هُوَ فِي سِتْرِ كَيْدِها مَحْجُوبُ

ص: 127


1- إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «بدأ الإسلام غريباً ثم يعود كما بدأ فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس...» الحديث عن كنز العمال (1201) ج1 و ح (1192 و1193 و 1198 و 1199).
2- ملحوب: سالك و واضح.
3- إشارة إلى قول عمر بن الخطاب حين أمر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن يأتوا له بدواة و قلم ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، فقال عمر كلمته المشهورة «إن النبي ليهجر» راجع تذكرة. الخواص للسبط ابن الجوزي الحنفي ص62 ط الحيدرية، و ص36 ط إيران و سر العالمين و كشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي مطبعة النعمان ص21، و النهاية في غريب الحديث و الأثر ج5 حرف الهاء بعده الجيم ص226. و نقلت بعض المصادر بدلاً من يهجر عبارة: (أن النبي غلبه الوجع). راجع صحيح البخاري/ كتاب المرض/ باب قول المريض قوموا عني و المصدر نفسه ج1 كتاب العلم و كتاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم إلى كسرى و قيصر/ باب مرض النبي صلي الله علیه و آله و سلم و وفاته، وجه كتاب الجزية باب إخراج اليهود من جزيرة العرب.

وَ ادَّعَتْ مَنْصِبَ الْخِلافَةِ بَغْياً *** حَذَراً أَنْ يَفُوتَهَا الْمَطْلُوبُ(1)

وَ أَتَتْ تَطْلُبُ الوَلا مِنْ عَلِيّ *** وَ هُمْ يَعْلَمُونَ لايَسْتَجِيبُ

وَ لَعَمْرِي ما بُغْيَةُ الْقَوْمِ إلا *** لايُرَى لِلإِسْلامِ ثَمَّ رَقِيبُ

فَأَتَوْا دَارَهُ بِجَيْشِ ضَلالٍ *** زَعَمُوا أَنه بِهِ مَغْلُوبُ

وَ عَلاهُ مَا القَوْمُ كَفُوا وَلَكِنْ *** ذاكَ فِي سَابِقِ القَضَا مَكْتُوبُ

وَ أَرَادُوا أَنْ يُحْرِقُوها فَصاحَتْ *** فاطمٌ إِنَّ أَمْرَكُمْ لَمُرِيبُ(2)

ص: 128


1- حيث كانت هذه الجماعة تعلم بوجود نصوص في حق الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام سمعوها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بين تلميح إلى الخلافة و تصريح مثل حديث المنزلة و حديث الدار و حديث الغدير و كثير من التلميحات الأخرى و التصريحات الواضحة و مع كل ذلك ادعت منصب الخلافة لها بأحاديث واهية وأبعدت صاحب المنصب الإلهي و سننقل لك ما ورد في هذه الأحاديث الشريفة حديث المنزلة: راجع صحيح البخاري/كتاب المغازي/ باب غزوة تبوك، ج5 ص129. و صحيح مسلم ج2 باب فضائل علي علیه السلام ص324. و المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص109. و قول الرسول صلي الله علیه و آله و سلم العلي علیه السلام: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى علیه السلام إلا أنه لا نبي بعدي». و حديث الدار راجع شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1 ص371، ح514 و580 ، و تاريخ الطبري ج2 ص319-321 طبعة بيروت، و الكامل ج2 ص62، و تفسير الخازن لعلاء الدين الشافعي ج3 ص371 طبعة مصر، و ينابيع المودة الكتاب الحادي و الثلاثين ص122. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فأسمعوا له و أطيعوا». و حديث الغدير: فراجع كنز العمال ج6 ص403 و كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص63 و شواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص157 و راجع ترجمة الإمام علي في تاريخ مدينة دمشق/ لابن عساكر ج2 ص45، ح545: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في خطبة الوداع: «من كنت مولاه فهذا علي علیه السلام مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».
2- نقل ابن خيزرانة في غرره: «قال زيد بن أسلم كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السلام حين امتنع علي علیه السلام و أصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر لفاطمة علیها السلام: اخرجي من البيت و إلاأحرقته و من فيه. قال: و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم، فقالت فاطمة علیها السلام: تحرق على ولدي؟ فقال: إي والله أو ليخرجنَّ و ليبايعن. نهج الحق في ص271 و قال في هامشه هذا قريب مما رواه ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ص12، و ابن شحنة في تاريخه بهامش الكامل ج7 ص164 ، و أبو الفداء في تاريخه ج1 ص156، و ابن عبد ربه في العقد الفريد ج2 ص254، و اليعقوبي في تاريخه ج2 ص105.

أَوَ أو هَلْ مَنْصِبُ الوَلا لابن... *** وَ عَلَيْهِ أَسَامَةٌ مَنْصُوبُ؟(1)

أَنَسِيتُمْ نَصْبَ النَّبِيِّ عَليّاً *** يَوْمَ خُمَّ إِذْ قامَ وَ هُوَ خَطِيبُ(2)

لِمَ أضَعْتُمْ وَصيَّةَ اللَّهِ فينا *** و نَكَفْتُمْ وَ الْعَهْدُ مِنْكُمْ قَرِيبُ؟(3)

أكَفَرْتُمْ بِاللَّهِ يا قَوْمُ أَمْ ما *** قَالَهُ المُصْطَفَى لَكُمْ مَكْذُوبُ؟

فَارْعَرُوا لارَعَيْتُمُ وَ دَعُونَا *** فَعَتَتْ لَمْ يُفِدْ بِهَا التَّأْنِيبُ(4)

لاتَسَلْنِي ما نَالَ فاطِمَ لمَّا *** دَخَلُوا الدَّارَ فَالْخُطُوبُ شَعُوبُ(5)

وَ اسْتَدارُوا حَوْلَ الوَصِي وَ لَوْلا *** حِلْمُهُ ما أَفادَهَا التَّأْلِيبُ

أتَرَى يَرْهَبُ الحِمامَ عَلِيٌّ *** بَلْ عَلِيٌّ في صَدْرِهِ مَرْهُوبُ

ص: 129


1- يحتمل أن تكون الكلمة الساقطة من عجز هذا الشطر كلمة (آوى): بمعنى أوَهَلْ منصب الخلافة لابن آوى و الله العالم.
2- يشير إلى حديث الغدير الذي نصب الله فيه علياً علیه السلام إماماً للمسلمين و هو خبر مشهور بين المسلمين سنة و شيعة، و قد ذكر العلامة الأميني في كتابة الغدير عشرات المصادر لهذه الحادثة و في شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج1 ص157 ح211، و ص192 ح250. إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قد جمع الناس يوم غدير خم و ذلك بعد رجوعه من حجة الوداع و كان يوماً أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر و جمع الرجال و صعد عليها و قال مخاطباً: معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللهم بلى. قال: من كنت مولاه فعلي علیه السلام مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله.
3- لعله يشير هذا البيت إلى الآية المباركة من سورة الشورى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [آية، 23].
4- ارعوى: رجع عن الجهل أو رجع مطلقاً.
5- يشير في هذا البيت إلى هجوم القوم على بيت فاطمة علیها السلام و كسر الضلع و إسقاط الجنين وإحراق باب الدار و ما أصابها في ذلك اليوم. و قد أشارت المصادر العديدة إلى بعض تلك الأحداث كما يلي: إحراقهم دارها و هم فيها. [أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586]. و ضربها من قبل عمر [سليم بن قيس ص 37]. و ضربها بالسوط من قبل قنفذ [سليم بن قيس و الاحتجاج ج1 ص 109]. و اسقاط جنينها المحسن [شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص60] و كسر ضلعها [الاحتجاج ج1 ص210]. و شعوب علمٌ للمنية و هو اسم غير منصرف.

أَخْرَجُوهُ مُلَبَّباً لَيْتَ شِعْرِي ***كَيْفَ قِيدَ اللَّيْتُ الهُمامُ المَهِيبُ(1)

فَعَدَتْ خَلْفَهُ البَتُولَةُ تَدْعُو *** بِرَنِين لَهُ الصُّخُورُ تَذُوبُ(2)

اتُريدُونَ تَقْتُلُونَ عَلِيّاً *** لا وَ رَبِّي فَهُوَ السَّمِيعُ المُجِيبُ

فَدَعُوهُ أَوْ أَدْعُوَنَّ عَلَيْكُمْ *** ما ثَمُودُ أخرى بما قَدْ أُصِيبُوا

وَ زَوَوْا إِرثَها اعْتِداءَ فَجَاءَتْ *** وَ هْيَ عَبْرَى وَ دَمْعُهَا مَسْكُوبُ(3)(4)

ص: 130


1- «فانتهوا بعلي علیه السلام إلى أبي بكر ملبباً فلما بصر به أبوبكر صاح خلّو سبيله» راجع سليم بن يس- بتحقيق الأنصاري- ج2 ص862، و البحار ج28 ص297 و ج43 ص197. و أيضاً عن كتاب مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص88: «و أضرم النار ليحرق عليهم البيت و فيه فاطمة علیها السلام و جماعة من بني هاشم فأخرجوا علياً علیه السلام بحمائل سيفه يقاد نقلاً عن الفاضل المقداد. و أیضاً مأساة الزهراء علیها السلام ج2 ص47 في جواب علي على كلام معاوية حين أراد انتقاصه بكونه أُجبر على البيعة. قال علیه السلام: و قلتَ إني أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع و لعمري و اللَّه لقد أردتَ أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحتَ، و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه». قال المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً و ضغطوا سيدة النساء علیها السلام بالباب حتى أسقطت محسناً و أخذوه بالبيعة فامتنع و قال: لاأفعل فقالوا: نقتلك فقال: إن تقتلوني فإني عبد الله و أخو رسوله علیه ...» إثبات الوصية ص123.
2- و أخرجوا علياً علیه السلام ملبّباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي واللَّه لئن لم تكفّان لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتينَّ قبر أبي و لأصيحن إلى ربي فخرجت و أخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام متوجهة إلى القبر فقال علي علیه السلام لسلمان: یا سلمان أدرك ابنة علیها السلام محمد صلي الله علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان... الخ نقلاً عن الاختصاص للشيخ المفيد ص186 و تفسير العياشي ج2 ص67: «و الذي بعث أبي محمداً بالحق نبياً لئن لم تخلّوا عن ابن عمي لأضعنّ قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على رأسي و لأصرخنَّ إلى ربي صرخة ترون عواقبها فيكم جميعاً قبل أن تقوموا من مقامكم... الخ الاحتجاج للطبرسي ج1 ص113.
3- زَوَوا: منعوا احتازوا.
4- يشير في هذا البيت إلى قضية فدك إرث الزهراء علیها السلام من أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حيث روي عن السيوطي عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي فقال أبوبكر: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: إن اللَّه «عزوجل» إذا أطعم نبياً طعمة فهي للذي يقوم بعده. دلائل الصدق ج3 ص54. و عن عائشة: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة» إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال و إني والله لاأُغيّر من صدقة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم» فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت و عاشت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي علیه السلام ليلاً و لم يأذن بها أبا بكر و صلى عليها، و كان لعلي علیه السلام من الناس وجه في حياة فاطمة علیها السلام فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس الحديث... راجع صحيح البخاري ج5 ص177.

أَيُّها النَّاسُ راقِبُوا اللَّهَ فينا *** وَ ارْقُبُوا فَالْإِلهُ فِيكُمْ رَقِيبُ

أتَقُولُونَ غَابَ أَحْمَدُ عَنَّا *** وَ جَفَانَا حَمِيمُنا و القَرِيبُ

وَ أَبانَتْ ضَلَالَةُ الْقَوْمِ لَكِنْ *** لَمْ يَكُنْ فِيهِمُ رَشِيدٌ مُنِيبُ

ثُمَّ آبَتْ كَما أَتَتْ وَ هِيَ صِفْرُ الكَفِّ *** وَ لَهَى وَ حَقُها مَغْصُوبُ(1)

فَانْتَنَتْ بِالأسَى لِما قَدْ عَراها *** في حَنِين كَما تَحِنُّ النِّيبُ(2)

منَعُوها مِنَ البُكاءِ لِتَقْضِي *** كَمَداً و الْفُؤادُ مِنْهَا يَذُوبُ(3)

قُلْ لِبَيْتِ الأحْزانِ ما زالَ حُزْنِي *** لا وَ لاعَيْشِي الهَنِيُّ يَطِيبُ(4)

ص: 131


1- الولهى: الحزينة حزناً شديداً.
2- النيب: مفردها النيوب و هي الناقة المسنّة.
3- و في حديث طويل روي عن الصدوق عن البكائين قال فيه: (و أما فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة و قالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، و أما علي ابن الحسين علیه السلام فبكى... الخ الخصال باب الخمسة 273 و الأمالي ص121 و البحار ج43 ص155.
4- في البيت يشير إلى المكان الذي بناه الإمام علي علیه السلام لفاطمة علیها السلام خارج المدينة المسمى ببيت الأحزان و قد ذكر ابن جبير الرحالة بيت الأحزان هذا في رحلته. فقال وَيَلي القبة العباسية بيت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و يُعرف ببيت الأحزان يقال إنه الذي آوت إليه و التزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم راجع رحلة ابن جبير ص155 ط دار التراث العربي 1968م. و قال الأستاذ أبوعلم في رواية: إنّ علياً علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع سمي ببيت الأحزان و هو باقٍ إلى هذا الزمان و هو الموضع المعروف بمسجد فاطمة علیها السلام في جهة قبة مشهد الحسن و العباس علیه السلام، و إليه أشار ابن جبير. كتاب أهل البيت علیهم السلام لتوفيق أبوعلم ص167.

قُلْ لِتلكَ الضُّلُوعِ بَعْدَكِ قَلْبِي *** مَالَهُ جَابِرٌ فَدَتْكِ الْقُلُوبُ(1)

لَسْتُ أنسى وُقوفَها وَ هْيَ تَشْكُو *** لأبيها وَ لاتَراهُ يُجِيبُ(2)

غَصَبُوا حَيْدَرَ الخِلافَة ظُلْماً *** وَ تُراثِي لَدَيْهِمُ مَغْصُوبُ(3)

وَ جَنِيني قَدْ أَسْقَطُوهُ وَ ضِلْعِي *** کَسَرُوهُ وَ قَدْ عَلانِي الشُّحُوبُ(4)

وَ زَوَوْا نِحْلَتي وَ رَدُّوا شُهُودِي *** وَ جَفَوْنِي فَما لِصَوْتِي مُجِيبُ(5)

ص: 132


1- اشارة إلى حديث كسر الضلع، فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها... راجع كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 و كتاب مرآة العقول ج5 ص320.
2- و عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: «لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
3- أشار في البيت إلى أحقية منصب الخلافة لعلي للنصوص و الأحاديث الواردة في أحقيته لها كحديث الغدير و حديث المنزلة و حديث الدار و عشرات بل و ربما مئات من الروايات و الأحاديث في هذا الخصوص كما ذكرها صاحب كتاب الغدير و كما غصبوا الخلافة من علي غصبوا فدك تراث فاطمة علیها السلام منها ففي كتاب بهجة المصطفى للهمداني ص422 عن عائشة: إنَّ فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال... الخ راجع صحيح البخاري ج5 ص177.
4- الشحوب: تغيير اللون من جراء المرض. و يشير في البيت إلى ما قد روي عن علي علیه السلام فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و مرآة العقول ج5 ص320.
5- النحلة: هي العطية و الهبة. في كتاب عوالم العلوم ج2 ص632 رقم (24) قرب الإسناد عن محمد بن عبد الحميد و عبد الصمد بن محمد عن حنان بن سدير قال: سأل صدقة بن مسلم أبا عبد الله و أنا عنده فقال: مَن الشاهد على فاطمة علیها السلام بأنها لاترث أباها: قال شهد عليها عائشة و حفصة و رجل من العرب يقال له أوس بن الحدثان من بني نضر شهدوا عند أبي بكر بأن رسول الله قال: لا أورث فمنعوا فاطمة علیها السلام الميراثها من أبيها. قرب الإسناد ص99 و عنه البحار ج22 ص101 ح59. و في كتاب عوالم العلوم أيضاً ج2/11 ص631 رقم21: «عن أبي جعفر علیه السلام قال: دخلت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على أبي بكر فسألته فدكاً قال: النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث قالت قد قال: الله «تعالى»: «و ورث سليمان داود» فلمّا حاجّته أمر أن يكتب لها و شهد علي بن أبي طالب علیه السلام و أم أيمن قال فخرجت فاطمة علیها السلام فاستقبلها عمر فقال: من أين جئت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت من عند أبي بكر في شأن فدك قد كتب لي بها فقال عمر: هاتي فبصق فيه و محاه. و عوالم العلوم ج2/11 أيضاً ص633 ج27 عن الكشكول: قال عمر لفاطمة علیها السلام حين طالبت بفدك: دعينا من أباطيلك و احضرينا من يشهد لك بما تقولين فبعثت إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و أم أيمن و أسماء بنت عميس فأقبلوا إلى أبي بكر و شهدوا لها بجميع قالت و ادّعته فقال أما علي علیه السلام فزوجها علیها السلام و أما الحسن و الحسين ابناها علیهما السلام و أما أم أيمن فمولاتها و أما أسماء فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم و كل هؤلاء يجرون إلى أنفسه هم.

منَعُونِي مِنَ البُكاءِ وَ قَالُوا *** لِيَ آذَيْتِنَا فَحَصْبِي الحَصِيبُ(1)

وَ رَمَوْنَا بِكُلِّ خَظبٍ عَظِيمٍ *** وَ أُمُورٍ مِنْهَا الْجَنِينُ يَشِيبُ

يَا لَهَا مِنْ مَصَائِبِ تتوالی *** وَ رَزَايا لِلْجَامِداتِ تُذِيبُ

وَ بِها أَصْبَحَتْ خَلِيفَةً سُقمٍ *** دَابُهَا الْبَتُ و الأسى و النَّحِيبُ

نَسِيَتْ نَفْسَها وَ ما هِيَ فيهِ *** مِنْ أَذَى القومِ إذْ أَتَتْها شَعُوبُ

وَ قَضَتْ تَندُبُ الحُسَيْنَ بِشَجوِ *** وَ لِأَرْزاهُ دَمْعُها مَسْكُوبُ

عَجَباً تُدْفَنُ البَتُولَةُ سِرّاً *** وَ جِهاراً تُراتُها مَغْصُوبُ(2)

ص: 133


1- قالت عائشة: «عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي علیه السلام ليلاً و صلى عليها» راجع الذهبي في تاريخ الإسلام ج2 ص93 و السبكي في المنهل ج9 ص115 و أبو نعيم في الحلية ج2 ص42 و السيرة الحلبية ج3 ص361 و كثيراً من المصادرغيرها. و في ص1084 عن تاريخ الطبري: «إن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي علیه السلام و المقداد و الزبير. و في رواياتنا أنه صلى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة.
2- نقل من ديوان الشيخ علي الجشي ص82 و رياض المدح و الرثاء ص476 الشيخ حسين علي البحراني مؤسسة البلاغ بيروت الطبعة الأولى 1991.

(27) القبر الشريف

(بحر الكامل)

السيد عيسى الكاظمي

خَطبٌ يُذِيبُ مِنَ الصُّخور صلابَها *** وَ يُزيلُ مِنْ ثُمَّ الجِبالِ هِضابَها

فَلو أن ما قاسَيْتُ مِنْهُ صادَقَتْ *** صُمُّ الصَّفا مِعْشَارَهُ لأَذابَها

خَطبٌ لَهُ أَمْسَيْتُ أَصْفِقُ راحَتِي *** وَ ذَوُو المعالي مِنْهُ تَقْرِعُ نابَهَا

أجداثَ تَيْم لاسَقَتْ لَكِ حُفْرَةٌ *** دِيمُ السَّحَابِ و َيَا عَدِمْتِ رَبابَها

كلاً وَ لاريحُ الصَّبا لَكِ رَوَّحَتْ *** أَرْضاً وَ لارَوى العَمَامُ تُرابَها

قَدْ ضَمَّ تُرْبُكِ مَنْ عَلى إشْراكِها *** يَوْمَ السَّقِيفَةِ نَكَصَتْ أَعْقَابَها(1)

ص: 134


1- إشارة إلى انقلاب القوم على أعقابهم بعد موت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و اجتماعهم في سقيفة بني ساعدة لغصب الخلافة فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص94 في حديث طويل عن أبي المفضّل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة. قال: و بايع جماعة الأنصار و من حضر من غيرهم و علي بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلمّا فرغ ذلك و صلى على النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و الناس يصلون عليه من بايع أبابكر و من لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم و معهم الزبير بن العوام و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و بنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبوبكر و معه عمر و أبو عبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم خلقاً شتى قوموا فبايعوا أبابكر إلى أن يقول أبي المفضل فقال علي علیه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول و تأخذونه منّا أهل البيت علیهم السلام غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأعطوكم المقادة و سلّموا لكم الإمارة، و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حياً و ميتاً و أنا وصيّه و وزيره و مستودع سره و علمه و أنا الصديق الأكبر و الفاروق الأعظم أول من آمن به و صدقه و أحسنكم بلاء في جهاد المشركين و أعرفكم بالكتاب و السنة و أفقهكم في الدين و أعلمكم بعواقب الأمور.

اللَّهُ ممّا قَدْ جَنَتْ إِذْ قَدَّمَتْ *** مَنْ سادَ فِيهِ بَنُو الصَّلالِ قِبابها(1)

قَدْ أَخَرَتْ مَنْ كانَ غَامِضُ عِلْمِهِ *** لِمَدِينَةِ العِلْمِ الرَّفِيعَةِ بَابَها

فَأَتَتْهُمُ «الزهراءُ» تَطْلُبُ إِرْثَها *** وَ لَهُمْ أطالَتْ في الكلام خِطابَها(2)

فَغَدَتْ تُنَمِّقُ تَيْمُ مِنْ إِشراكِها *** أَخْبَارَ زُورٍ ما عَدَتْ كَذَّابَها

حَتَّى إذا لَمْ تَرْعَ ذِمَّةً أَحْمَدٍ *** فيها و لاراعَتْ لَها أَنْسَابَها

عَطَفَتْ عَلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ بِرَنَّةٍ *** تَشْكُو إِلَيْهِ مِنَ اللَّئامِ مُصابَها

وَ اللَّهِ ما أَدْرِي لأيِّ مُصِيبَةٍ *** تَشْكُو فَقَدْ هَدَّ القِوَى ما نابَها

أَلِعَصْرِها بِالبَابِ حَتَّى أَسْقَطَتْ *** أَمْ حَرْقِهَا يا للْبَرِيَّةِ بابَها؟(3)

أمْ لَطْمِها حَتَّى تَناثَر قُرْطُها *** وَ بِهِ تَقَصَّدَ عَيْنَها فَأَصابَها(4)

أَمْ ضَرْبِها حَتَّى تَكَسَّر ضِلْعُها *** ضَرْباً يَرُومُ بِهِ الزَّنِيمُ إيابَها(5)

أَمْ غَصْبِهِمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ نِحْلَةً *** أَمْ أَنَّهُمْ خَرَقُوا لِذاكَ كِتابَها(6)

ص: 135


1- قبابها: ضخامها و بكسر القاف القبة و هي بناء سقفه مستدير مقعَّر.
2- انظر الاختصاص ص178.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى واقعتين عظيمتين الأولى عصر الزهراء علیها السلام بين الحائط و الباب و الثانية هي حرق بابها بالنار و قد نقلناهما عن كتاب سليم بن قيس ص36.
4- إشارة إلى ضرب القوم لفاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم كما روي في البحار ج53 ص18.
5- الزَّنيم: اللئيم- الدعي. و منه إشارة إلى هجوم القوم على بيت الزهراء علیها السلام و كسرهم لضلعها و تقدم ما ورد عن ذلك في كتاب سليم بن قيس ص36 و عوالم العلوم ج2/11 ص556.
6- إشارة إلى غصب القوم الفدك فاطمة علیها السلام و كما روي في شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص274 عن علي علیه السلام قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر و قالت: إنّ أبي أعطاني فدكاً و علي علیه السلام و أم أيمن يشهدان فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحقّ، قد أعطيتكها، و دعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها فخرجت فلقيت عمر فقال: من أين جئت يا فاطمة علیها السلام؟ قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطاني فدكاً، و أن علياً علیه السلام و أم أيمن يشهدان لي بذلك، فأعطانيها و كتب لي بها، فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدكاً، و كتبت بها لها؟ قال: نعم فقال: إن علياً علیه السلام يجر إلى نفسه و أم أيمن، امرأة، و بصق في الكتاب فمحاه، و فرقه.

أمْ قَوْدِهِمْ لإمامِهِمْ بِنجادِهِ ***كَيْما يُبابِعَ جَهْرَةً أَذْنَابَها(1)

وَ الظُّهْرُ تَهْتِفُ خَلْفَهُمْ فى رَنَّةٍ *** مَلَأَتْ مِنَ البيدِ الْقِفَارِ رِحابَها

مَا عُذْرُهُمْ لِنَبِيِّهم فيها إذا *** ما قَدْ تَولّى فِي الْمَعَادِ حِسابها؟

يَوْمٌ بِهِ (الزَّهْرَاءُ) تَحْمِلُ (مُحْسِناً) *** سِقْطاً فَتَذْهَلُ لِلْوَرَى أَلْبابُها(2) (3)

ص: 136


1- إشارة إلى هجوم القوم على بيت علي علیه السلام و اقتيادهم له علیه السلام ليبايع. كما روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 في حديث طويل: ثم انطلق بعلي علیه السلام يعتل عتلاً (أي يجذب) حتى انتهى به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبو عبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل و المغيرة بن شعبة و أسيد بن حضير و بشير بن سعد و سائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح. الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
2- إشارة إلى شكوى الزهراء علیها السلام لأبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوم القيامة فقد روي في البداية الكبرى ص405 عن المفضل بن عمر بإسناده قال: سألت سيدي أبا عبد الله الصادق علیه السلام قال في حديث: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أميرالمؤمنين علیه السلام لابدَّ أن يطأ الأرض -والله- حتى يورثاها، أي -والله- ما في الظلمات و لافي قعر البحار، حتى لا يبقى موضع قدم إلاّ وطآه و أقاما فيه الدين الواصب إلى أن قال الإمام الصادق علیه السلام -ثم تبتدىء فاطمة علیها السلام بشكوى ما نالها من أبي بكر و عمر- إلى أن يقول الإمام علیه السلام و انتهار عمر لها و خالد بن الوليد و قولهم دعي عنك يا فاطمة علیها السلام حماقة النساء، فكم يجمع الله لكم النبوّة و الرسالة. و أخذ النار في خشب الباب، و أدخل قنفذ «العنه الله» يده يروم فتح الباب، و ضرب عمر لها بسوط أبي بكر على عضدها، حتى صار كالدملج الأسود المحترق، و أنينها من ذلك و بكائها، و ركل عمر الباب برجله، حتى أصاب بطنها، و هي حاملة بمحسن لستة أشهر و إسقاطها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. راجع حلية الأبرار ج2 ص652 و البحار ج53 ص17.
3- كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص59 عبد الرزاق الموسوي المطبعة الحيدرية -النجف سنة (1951م).

(28) الدرة البيضاء

(بحرالطويل)

الشيخ غلام حسين الغروي الأصبهاني

سَقَى اللَّهُ أَنْفَاسِي مِنَ السَّلْسَلِ العَذْبِ *** لِأَنْظُمَ أبْكاراً مِنَ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ

بِمِدْحَةِ بِنْتِ المُصْطَفَى يَنْجَلِي كَرْبِي *** وَ إِنَّ مَعَالِيها لَأَسْنَى مِنَ الشُّهْبِ

و في مَدْحِها القُرْآنُ بَلْ سَائِرُ الْكُتُبِ

فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْ ما أقُولُ وَ لاتَدْرِي *** فَسَلْ آيةَ (الوسطى) وَ سَلْ (لَيلَةَ الْقَدْرِ)

وَ سَلْ آيةَ (الْكُبْرى) وَ سَلْ سورةَ (الدَّهْرِ) *** وَ سَلْ آيَةَ (القُرْبَى) وَ سَلْ آيَةَ (الأَجْرِ)(1)

ص: 137


1- أقول لعل المراد من آية الكبرى ما ورد في البحار ج43 ص23 ح16 قال: «الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام في قوله: «إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ* نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ» [سورة المدثر، الآيتان 35 و36] قال: يعني فاطمة علیها السلام و أما سورة الدهر فقد جاء في تفسير الدر المنثور للسيوطي ج6 ص299 في ذيل تفسير قوله «تعالى»:«وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» [سورة الإنسان الآية 8] في سورة هل أتى قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ» الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام و فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص303. و عن الواحدي في أسباب النزول ص331 في بيان نزول قوله «تعالى»: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مسكيناً و يتيماً و أسيراً» في سورة هل أتى قال: قال عطاء عن ابن عباس: و ذلك أن علي بن أبي طالب علیه السلام آجر نفسه يسقي نخلاً بشيء من شعير ليلة حتى أصبح و قبض الشعير و طحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه يقال له الحريرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه إياه، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه و طووا يومهم فأنزلت فيه هذه الآية. و أما آية القربى و آية الأجر فقد ورد في كتاب تفسير العياشي ج2 ص287: «عن عطية العوفي قال: لما افتتح رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم خيبر و أفاء الله عليه فدك و أنزل عليه «وآت ذا القربى حقه» قال يا فاطمة علیها السلام لك فدك». و في قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى، آية: 23] قال الزمخشري في الكشاف ج3 ص467: روي «أنها لما نزلت قيل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام و في الصواعق المحرقة ص101 قال: روى أبوالشيخ و غيره عن علي «كرم الله وجهه»: فينا أل (حم) آية لا يحفظ مودتنا إلّا كل مؤمن ثم قرأ: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى».

وَ كَانَتْ لِطة المُصْطَفَى الرُّوحَ بِالْجَنبِ(1)

حباها أبوها بِالْكَرامَةِ وَ الْبِشْرِ *** رَبِيبَةُ حِجْرِ الْوَحْيِ وَ النَّهْي وَ الْأَمْرِ

مُحَدَّثَةٌ كَانَتْ تُحَدَّثُ بِالسِّرِّ *** وَ تُخْبِرُها جَهْراً مَلائِكَةُ الْغُرِّ(2)

وَ مِنْ نُورِها ضَوء المَشَارِقِ وَ الْغَرْبِ

هِيَ الدُّرَّةُ البَيْضاءُ فِي صَدَفِ النُّهى *** هِيَ الغُرَّةُ النَّوْراءُ في ظُلَمِ الدُّجى

وَ مِشْكاةُ أَنْوَارِ الهِدَايَةِ لِلْوَرَى *** بِأَبنائها الغُرِّ الْكِرامِ أُولي الحِجى(3)

ص: 138


1- في البحار ج43 ص54 ح48 عن مجاهد قال : «خرج النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بيد فاطمة علیها السلام فقال من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبيَّ فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله».
2- في البحار ج43 ص78 ح65: عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: إنما سميت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهرّك و اصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين إشارة إلى الآية 42 من سورة آل عمران) فتحدثهم و يحدثونها فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران علیه السلام؟ فقالوا: إنَّ مريم علیه السلام كانت سيدة نساء عالمها، و إنَّ الله جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين».
3- في كتاب المناقب لابن المغازلي ص317 عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن قوله تعالى: «كمشكاة فيها مصباح» قال: المشكاة فاطمة علیها السلام، و المصباح الحسن و الحسين علیهما السلام «الزجاجة كأنها كوكب دريٍّ» قال: كانت فاطمة علیها السلام كوكباً درّياً من نساء العالمين «يوقد من شجرة مباركة» الشجرة المباركة إبراهيم «لا شرقية و لاغربية» لايهودية و لانصرانية «يكاد زيتها يضيء» قال يكاد العلم أن ينطق منها «و لو لم تمسسه نار نور على نور» قال: فيها إمام بعد إمام «يهدي الله لنوره من يشاء» [سورة النور، الآية 35] يهدي الله «عزوجل» لولايتنا من يشاء.

تَشَرَّفَتِ الآباء في سالِفِ الْحِقَب

هِيَ الزَّهْرَةُ الزَّهْرَا تَجَلَّتْ تَكَرُّمَا *** هِيَ اللَّمْعَةُ النَّوْرا فَعَزَّتْ وَ إنّما(1)

هِيَ الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ في أُفُقِ السَّما *** تُضِيءُ لِسُكَانِ السَّمَاوَاتِ كُلَّما

تَقُومُ بِمِحْرَابِ تُناجِي إلَى الرَّبِّ(2)

هِيَ الآيةُ الكُبرى فَكَلَّتْ أُولي النُّهى *** عُقُولُهُمُ ما يَبْلُغونَ الْمُنْتَهى

مَكارِمُها العَلْياءُ أَنَّى لَهُمْ بِها *** وَكَيْوانُ عُلْياها لَأَعْلى مِنَ السُّهى(3)

فَفي فاطم حَارَتْ عُقُولُ ذَوِي اللُّبِّ

هِيَ الشَّمْسُ قَدْراً و الأَشِعَةُ ساتِرُ *** بِخِدْمَتِهَا حُورُ الْجِنانِ تُفاخِرُ

لها جارياتٌ مَرْيَمَ ثُمَّ هَاجَرٌ *** هِيَ الْقُطْبُ خِدْراً وَ النِّسَاءُ دَوائِرُ(4)

ص: 139


1- في البحار ج43 ص2 ح6 قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لِمَ سمّيت زهراء؟ فقال: «لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكوكب لأهل الأرض» و ذكره الطبري في كتابه دلائل الإمامة ص54 و ذكره أيضاً الشيخ الصدوق في علل الشرائع ج1 ص215 ح3.
2- في البحار ج43 ص16 ضمن ح14: عن أبي هاشم العسكري: سألت صاحب العسكر علیه السلام لِمَ سميت فاطمة الزهراء علیها السلام؟ فقال: كان وجهها يزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية و عند الزوال كالقمر المنير و عند غروب الشمس كالكوكب الدري». و في البحار أيضاً ج43 ص11 ح2، عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام يا بن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لِمَ سمّيت الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنها تزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فراشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة علیها السلام... الخ.
3- كيوان اسم لكوكب زحل بالفارسية.
4- في البحار ج43 ص104 ح5 . قال: لما زوّج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوجت علياً علیه السلام بمهر خسيس فقال: ما أنا زوجت علياً علیه السلام ولكن الله زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى أوحى الله إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدر و الجوهر و المرجان فابتدر الحور العين فالتقّطن فهنّ يتهادينه و يتفاخرن و يقلن هذا من نثار فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و في ص45 ح44 من الجزء نفسه أنَّ كليهما قالا: وجدت فاطمة علیها السلام نائمة و الرحى تدور فأخبرت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بذلك فقال: إن الله علم ضعف أمته فأوحى إلى الرحى أن تدور فدارت». «و روي أنها ربما اشتغلت بصلاتها و عبادتها فلربما بكى ولدها فرؤي المهد يتحرّك وكان ملك يحركه».

فَشَتَانَ ما بَيْنَ الدَّوائِرِ و القُطب

هِيَ بَضْعَةُ الهادي الرَّسُولِ المُمَجدِ *** وَ رَيْحَانَةُ المُخْتَارِ طَهُ مُحمَّدِ(1)

حَلِيلَةُ كَرَّارٍ حَبِيبَةُ أَحْمَدِ *** هِيَ الْعُرْوَةُ الوُثْقَى لِقَبْرِي وَ في غَدِ

شَفِيعَةُ مَنْ وَالى مِنَ الْعُجْمِ وَ الْعُرْبِ(2)

سفتباً لِمَنْ بِالدَّمْعِ أَسْجَمَ جَفْنَها *** وَ تَعْساً لِمَنْ بِالنَّارِ أَحْرَقَ وُكْنَها(3)

وَ سُحْقاً لِمَنْ بِالْعَصْرِ أَسْقَطَ ابْنَها *** وَ بُعْداً لِمَنْ بِالسَّوْطِ سَوَّدَ مَتْنَها

وَ في وَجْهِهَا الدَّمُ مِنَ اللَّطْم وَ الضَّرْبِ(4)

فَلَهْفِي عَلَيْها حِينَ أَبْدَتْ عَوِيلَها *** بِعَوْلَتِها تَنْسَى الْحَمامُ هَدِيلَها

ص: 140


1- في مجمع الزوائد ج2 ص206 عن أبي رافع عن المسور قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام شجنة مني يبسطني ما يبسطها و يقبضني ما يقبضها و إنه ينقطع يوم القيامة الأنساب و الأسباب إلّا نسبي و سببي.
2- ورد في كتاب كنز الفوائد للكراكجي ج1 ص150: «يا فاطمة البشرى فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك و شيعتك فَتُشَفَّعين».
3- أسجم: صبِّ.
4- في أنساب الأشراف/ للبلاذري/ ج1 ص556 قال: إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب فقالت: يا بن الخطاب أتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم، و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك. و في الملل والنحل/ للشهرستاني/ ج1 ص57 قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح احرقوا دارها بمن فيها و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. و في كتاب سليم بن قيس/ ص38: حالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين علي علیه السلام عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط و ترك أثراً في عقدها كمثل الدملج.

وَ كادَتْ لأطوادِ الْفَلا أَنْ تُزيلها *** فَما حال مَنْ تَلْقَى مَقوداً كَفِيلَها

وَ يا عَجَباً مِنْ قَسْوَرٍ قِيدَ لِلْكَلْبِ(1)

فَأَوْقَفَتِ الأفلاكُ مِنْ فَرْطِ دَهْشَةٍ *** وَ أَذْهَلَتِ الْأَمْلَاكُ مِنْ طُولِ زَفْرَةِ

تُنادِيهِمُ خَلُوا ابْنَ عَمِّي وَ مُهْجَتِي *** وَ إِنْ لَمْ تُخَلُّوا عَنْهُ أَشْكُو بِعَوْلَتِي

إلَى اللَّهِ يا أَهْلَ الضَّلالةِ وَ الرَّيْبِ(2)

فَأَوْمَتْ إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ وَ دَمْعُها *** يَسِيلُ سِجالاً(3) يَوْمَ قَدْ دِيسَ رَبْعُها

وَ نَادَتْ وَ نارُ الْغَيْظِ في القلبِ لَمْعُها *** أَتَدْرِي الرَّزايا قَدْ رَمانا فظيعُها

فَلِلَّهِ مِنْ رُزْءٍ عَظِيمٍ وَ مِنْ خَطبِ(4)

و أضاف الخطيب الشيخ جعفر الهلالي إلى الأبيات المتقدمة أصلاً و تخميساً:

أبِي لَمْ يُراعُوا بَعْدَ فَقَدِكَ عِمْرَةً *** وَ لَمْ يَحْفَظُوا لَمّا تَوارَيْتَ بَضْعَةً

كَأَنَّهُمُ لَمْ يَسْمَعُوا الأمر جَهْرَةً *** بِفَضلي، وَ قَدْ أَصْبَحْتُ فِيهِمْ أَسِيرةً

يَرُومونَ إذْلالي بما كَان مِنْ غَضَبِي

ص: 141


1- في كتاب سليم بن قيس ص38-39. بعد أن كاثروا الإمام علياً علیه السلام و ألقوا في عنقه حبلاً و انطلقوا به يعتل عتلاً حتى انتهيَ به إلي أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و سائر الناس حول أبي بكر.
2- في كتاب سليم بن قيس ص208: «فانطلق قنفذ فأخبر أبابكر فوثب عمر غضبان فنادى خالد بن الوليد و قنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً و ناراً ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي و فاطمة علیهما السلام و فاطمة علیها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها في وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى يا بن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه؟ قال: افتحي الباب و إلاأحرقناه عليكم فقالت: يا عمر أما تتّقي الله «عزوجل» تدخل عليّ بيتي و تهجم على داري؟ فأبى أن ينصرف ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام: و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه.
3- سجالاً: كثيراً.
4- شجرة طوبى ص33 ج2 الشيخ محمد مهدي الحائري منشورات مؤسسة الأعلمي بيروت.

(29) فرصة بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ محسن أبو الحب (الكبير)(*)(1)

مَتَى تُدْرِكُ النّارَ الَّذي أَنْتَ طَالِبُهْ*** مَتَى تَمْلِكُ الأَمْرَ الَّذِي أَنْتَ صَاحِبُهُ؟

لَقَدْ مَلأَ الدُّنْيا سَناكَ وَلَمْ يَلُج*** لِعَيْنِي يَوْماً مِنْ جَبِينِكَ ثاقبة

ص: 142


1- (*) الشيخ محسن بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب. ولد في كربلاء سنة (1235ه) و نشأ بها. و آل أبي الحب من الأسر العريقة في كربلاء المقدسة، و تصل بنسبها إلى قبيلة خثعم العربية كان المترجم له عالماً فاضلاً أديباً لامعاً، و بحاثة ثقة جليلاً، و من عيون الحفّاظ المشهورين و الخطباء البارعين، له القوة الواسعة في الرثاء و الوعظ و التاريخ و كان راثياً لآل الرسول و قرّة عين الزهراء البتول علیهاالسلام، فكان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرفاً في فنون الكلام. فإن مجالس الحسين علیهم السلام مدارس سيّارة و هي من أقوى الوسائل لنشر الأدب و قرض الشعر فلقد جاء في يوم الحسين علیهم السلام من الشعر و الخطب ما يتعذّر على الأدباء و المعنيين بالأدب جمعه أو الإحاطة به فجزى اللَّه أحسن الجزاء الخطيبين الكبيرين السيد جواد شبّر في أدب الطف والشيخ جعفر الهلالي في معجم شعراء الحسين علیهم السلام لما بذلاه من جهد كبير و عمل عظيم في هذا الميدان الحضاري حيث جمعا ما أمكن جمعه من شعر جاء في حق الحسين علیهم السلام و يومه العظيم. و شاعرنا الشيخ محسن أبو الحب نظّم فأجاد وأكثر من النوح و البكاء على سيد الشهداءعلیهم السلام و صوّر بطولة شهداء الطف تصويراً شعرياً مازال الأدباء و ما زالت مجالس العلماء تترشّفه و تستعيده و تتذوقه. و قد كتب عنه أخونا العزيز الأديب السيد سلمان هادي آل طعمة في موسوعته (شعراءكربلاء) وفي (خطباء كربلاء) أيضاً بعض الشيء بما لا يسعنا ذكره هنا. ودّع الحياة في ليلة الاثنين 20 ذي القعدة عام (1305ه)، و دفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد إبراهيم المجاب.

أَفِي كُلِّ يَوْمٍ فَاجِرٌ وَابْنُ فَاجِرٍ*** يُحَكَّمُ فينا بادِياتٍ معايِبُهْ

تَرُوحُ بِكَ الدُّنْيا وَتَغْدُو مُنِيرَةٌ*** وَيَمْلِكُها مَنْ لَيْسَ يَخْفَى مَثالِبهْ(1)

وَسَيْفُكَ مَسْئُونٌ وَجَأْشُكَ ثَابِتٌ*** وَسَيْبُكَ لا يَنْفَكُّ تَهْمِي سَحَائِبُة(2)

مَضَى وَمَضَى جِيلٌ وَجِيلٌ وَلَمْ يَقِرَّ*** بِرُؤيَاكَ يا مَنْ لا يَقُلُّ مَواهِبُهْ

إذا لاحَ صُبحِي رَوَّحَتْنا مَشَارِقُهُ *** وإِنْ جَنَّ لَيْلٌ أَطْرَبَتْنا مَغَارِبُهْ

نَعُدُّ اللَّيالي لَيْلَةً بَعْدَلَيْلَةٍ *** لَعَلَّ لها صُبْحاً تُنِيرُ غَياهِبُةْ(3)

وها أنا حَتَّى بَيَّضَ الشَّيْبُ عارِضي*** أطالبُ دَهْرِي فِيكَ ثُمَّ أُعاتبُهْ

رَجَوْنَاكَ أنْ تَسْتَأْصِلَ القَوْمَ قَبْلَ أَنْ*** يَعُوثَ بِكُمْ شَيْطانُ تَيْمٍ وَ صَاحِبُةْ(4)

وَحَاشَاكَ أنْ تَنْسَى بِأُمِّكَ مَا جَنَی*** زَنِيمُ عُدَيِّ يَوْمَ هَبَّتْ حَواصِبُةْ(5)

رَأَى فُرصَةً بَعْدَ النَّبِیِّ فَلَمْ يَزلْ*** يُراقِبُها مِنْ قَبْلِ ذا وَتُراقِبُهْ

فَجَاءَ وَلَمْ يَعْبَأُ بهاثمَ هكذا*** عَلَى إِثْرِهِ جَاءَتْ تَدُقُّ خَطَائِبهْ

فَأَحْرَقَ بَيْتاً كانَ جِبْرِيلُ حاجِباً*** لَهُ وَكَفَى جِبْرِيلُ أَنْ هُوَ حَاجِبُهْ(6)

وَهيَّجَ سِرْبَ الوَحْيِ مِن مُسْتَقَرُهِ*** فَعَاشَتْ بِهِ عُقْبانُهُ وَقَطَارِبُهْ(7)

ص: 143


1- مَثالبه: عيوبه.
2- جاش: قلب-صَدْر، و ثابت الجأش أي الشجاع.
3- غناهيه: ظلماته.
4- يعوث بكم: يصرفكم عنه حتّى تتحيّروا.
5- زنيم: لئيم، دَعيّ ، حواصبه: الرياح الشديدة التي تثير الحصباء و هي الحصی.
6- في كتاب سليم بن قيس/ ص36 بعد حديث طويل. و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیهما السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في إثبات الوصية /للمسعودي/ ص123. أقام أميرالمؤمنين علیه السلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم فتوجهوا إلى منزله وهجموا عليه و أحرقوا بابه و ضغطوا سيدة النساء الباب.
7- قطاربه:جمع القطرب و له معان كثيرة منها الذئب الأمعط ذكر الغيلان، صغار الكلاب، صغار الجن ،اللص، الجاهل، السفيه، الجبان، دويبة لا تستريح من الحركة.

وَ بَاتَ أمينُ اللَّهِ حَازِنُ وَحْيِهِ *** هُناكَ سليباً و ابنُ حَنْتُم سالِبُهْ

و أَصْبَحَ يَرْقَى مِنْبَرَ الوَحْي حاكماً *** عَلَى أَهْلِهِ بِالجَوْرِ ضَلَّتْ مَذاهِبهْ

خِلافَةُ يَوْمِ يَا لَقَوْمِي أَهْلَكَتْ *** مِنَ النَّاسِ جيلاً لَيْسَ يُحْصِيهِ حَاسِبُهْ

فَوَيْلُ أُمَّةٍ ماذا أعدَّ لِنَفْسِهِ *** إذا ما دعاه لِلْحِسابِ مُحاسبُهْ

أهذا رسولُ اللَّهِ أوصاهم به *** بأن لا ترى العَيْشَ القَرِيرَ أقارِبَهْ؟

أما بنْتُهُ تِلْكَ التي بات قَلْبُها *** يَشُبُّ إلى أعْلَى الكَواكِب لاهِبُهْ؟

أما ابْنُ أبيهِ ذاكَ وَ ابْنُ أُمِّه الَّذِي *** عَلَى حَقِّهِ أَمْسَى الزّنيمُ يُغَالِبُهْ؟

غَداةَ رآه مُفْرَداً وَ رَأَى لَهُ *** مِنَ الغَيِّ جَيْشاً لا تُحَدُّ كتائِبُهْ

وَ حارَبَهُ حَتَّى ذَوُوهُ وَ قَوْمُهُ *** وَ أَسْلَمَهُ حَتَّى أَخُوهُ وَ صاحِبُهْ

فَأَظهَر ما أَخْفَاهُ مِنْ حقِّهِ الَّذِي *** عَلَى مِثْلِهِ شَبَّتْ وَ شَابَتْ ذَوَائِبُهْ(1)

ألاَ عَقَمَتْ مِنْ قَبْلِ ذاكَ حُنَيْتِمٌ *** وَ جَفَّتْ عَلَى مَنْ أَرْضَعَتْهُ مَخالِبُهْ

أتَتْنَا بِما لَمْ تَأْتِ فيه بِغَيَّهِ *** طِلاع السَّما وَ الأَرْضِ لَستَ مَغَايِبُهْ

ألَمْ تَرَهُ كاللَّيْثِ أَصْحَر كاشِراً *** بِلَحْمِ رسولِ اللَّهِ تُدْمَى مَخالِبُهْ؟(2)

أَلا يَوْمَ بَدْرٍ كانَ مِنْهُ الَّذي بَدا *** وَأُحْدٍ إِذا شُدَّتْ عَلَيْهِ مَداهِبُهْ

مَتَى خافَتِ النّقعَ المُثَوَّرَ رَجُلُهُ *** مَتَى ثُلَّ فِي وَجْهِ الكَتِيبَةِ قاضِبُهْ(3)

لقَدْ كانَ حَرْباً لِلنَّبِيِّ وَ لَمْ يَزَلْ *** كَذلِكَ حتى اليَومَ جَدَّتْ رَواحِبُهْ

وَ قَدْ زَعَمُوا أَنَّ الفتُوحَ جَمِيعَها *** لَهُ وَ بِهِ الإسلامُ قَرَّتْ جَوانِبُهْ

نَعَمْ فَتَح الشَّرُّ الّذي كانَ قَبْلَ ذا *** تَقاصر کشری دُونَهُ وَ مَرازِبُهْ

أَلَمْ تَرَكَيْفَ اسْتَأَصَلَ مِثْلَ مَا اشْتَهى *** عَصَائِبَ وَحْيِ اللَّهِ بَغْياً عَصَائِبُهْ؟

أبا حَسَنٍ مَا كُنْتَ نُهْزَةَ آخِذٍ *** و لاأَنْتَ مِمَّنْ تُسْتَهانُ مَراتِبُهْ

ص: 144


1- ذوائبه: الذؤابة: الشعر المضفور من شعر الرأس.
2- أصحر: أغبر اللون إلى الحمرة. كاشراً: كاشفاً عن أسنانه.
3- النقع: الغبار. المثوَّر: الذي أثاره الهواء. ثُلَّ: انهدم.

كَأَنْ لَمْ تَكُنْ لِلْحَرْبِ أُمّاً وَ والِداً *** وَ لَمْ تَكُ يَوْماً فِيكَ تَزْهُو مَراكِبُهْ

فَمَا لَكَ وَ الزّهراءُ تُضْرَبُ ساكِتٌ *** و طِفْلُكَ مُلْقَى لا تُمَلُّ نَوَادِبُهْ؟

لَعَمْرِي رَأَيتُ الدِّينَ ضَاعَ وَ لَمْ يَفَعْ *** وَ أَنْتَ مُحَامِيهِ وَ أَنْتَ مُراقِبُهْ

فَكُنتَ مُحَامِيهِ أخيراً وَ أوْلاً *** نَعَمْ وَ إِلَيْكَ اليَوْمَ تُعْزَى مَناسِبُهْ

فَيَوْماً بِسَيْفٍ لاتَفِلُّ مَضَارِبُهْ *** وَ يَوْماً بِصَبْرِ لا تُذَمَّ عَواقِبُهْ

مَخَافَةَ أنْ يَعْدُوَ بِسُنَّةِ أَحْمَدٍ *** زَنِيمٌ بطُرْقِ الغَيّ طالَتْ مَلاعِبهْ

فَيَا أسَداً ما الأسْدُ الافرائِسٌ *** لَهُ افْتَرَسَتْهُ يا لَقَوْمي ثَعَالِبُهْ

كَأَنَّ صَفَايا المُلْكِ غَيْرُ مُبَاحَةٍ *** عَلَى غَيْرِ أَبْنَاءِ السَّفَاحِ أُطَالِبُهْ

نَعَمْ هَكذا مُذْ أَهبَطَ اللَّهُ آدَماً *** إلى أَنْ يَراهُ اللَّهُ قَدْ آبَ غائِبُهْ

وَ مَا هُوَ إلا أنتَ يا خَيْرَ مَنْ مَشَى *** وَ اكْرَمَ مَنْ فِيهِ تَخِبُّ رَكَائِبُهْ

أُعَزيكَ بالزَّهراءِ أُمِّكَ وَ ابنِها *** فَذا ابنُها سَارِقُ الوُجودِ وَشَارِبُهْ

وَجَدُّكَ مسحوباً بِمُجْمَلِ سَيْفِهِ *** كما سَحَبُ المَأْسور بالعُنْفِ ساحِبُهْ(1)

وَ دَاعيةً خَلّوا ابن عمّي وَ مَا لَهَا *** سِوَى اللَّهِ مَدْعُوٍّ هُناكَ تُخاطِبُهْ(2)

وَ وَاللَّهِ إنّ القَوْمَ ما كانَ هَمُّهُمْ *** سِوَى أَنَّ دِينَ اللَّهِ تُعْفَى مَراقِبُهْ

ص: 145


1- في الاحتجاج ج1 ص109: بعد أن اقتحموا دار فاطمة علیها السلام و خبطوا الإمام علياً علیه السلام ألقوا في عنقه حبلاً أسود و انطلقوا به ملبباً مقيداً حتى انتهوا به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه.
2- في الاختصاص/ للمفيد/ ص186. و أخرجوا عليّاً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر و عمر تريدان أن ترملاني من زوجي والله لئن لم تكفا عنه لأنشرنّ شعري و لأشقنّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنّ إلى ربي. و في تفسير العياشي ج2 ص67 قالت فاطمة علیها السلام: والذي بعث أبي محمداً صلي الله علیه و آله وسلم بالحق نبياً لئن لم تخلوا عن ابن عمي لأضعن قميص رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم على رأسي و لأصرخنّ إلى أبي صرخة ترون عواقبها فيكم جميعاً قبل أن تقوموا من مقامكم.

أصابوا عَلِياً يابن مُلجَم وَ ابنَهُ *** بِجَعْدَةَ والسُّم الذي هُوَ شَارِبُهْ

وَدَعْ عَنْكَ ما نال الحُسَيْنُ فإنّهُ *** أَجَلَّ وَ أَعْلَى أنْ تُعَدَّ مَصایِبُهْ

وَ مَاذا الذي أنْسَى وَ مَا أنا ذاكِرٌ *** وَ هَذا بأَعْلَى العَرْشِ يَزْعَقُ نادِبُهْ

و لاتَسْأَلَنْ مِنْ بَعْدِهِ كَيْفَ أَصْبَحَتْ *** حَلائِلُهُ بَيْنَ العِدى و نجائِبُهْ

ألا لاتَرى في كَرْبَلا غَيْرَ نَادِبٍ *** وَ آخَرَ مَحْلُولِ الوُطَاتِ تُجَاوِبُهْ(1)

وَ ذاتَ حِجَابٍ ما تَخالُ حِجَابَها *** عَلَيْهَا وَ لَمْ يَضْرِبْ لها السِّترَ ضَارِبُهْ

تَعُجُ وما يُجْدِي العَجِيجُ كأَنَّها *** زَماجِرُ رَعْدِ حَلَّلَتْهُ سَحائبُهْ(2)

ألَيْسَ عَلِيٌّ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** أخَاً وَ ابنَ عَمَّ حِينَ يَعْزُوهُ ناسِبُهْ؟

و هذا كتابُ اللَّهِ أَفْصَحُ ناطِقٍ *** عجائِبُهُ في مَدْحِهِ وَ غَرائِبُهْ

أيَخْفَى على مَنْ راقَبَ اللَّهَ قَدْرُهُ *** و ما هُوَ إِلا كالنَّبِيِّ مَنَاقِبُهْ

ص: 146


1- الوطات الوطأة: موضع القدم.
2- تعجّ: تصیح. زماجر: زمجرة كل شيء صوته.

(30) دوحة القدس

(بحر البسيط)

ملا محسن بن سلمان البحراني

الدَّهرُ شَقَّ جُيُوبَ الْفَخْرِ و الْحُجُبا *** عَلَى مُصيبة أم السادةِ النُقَبا

وَ أَصْبحَ الدِّينُ باكي الْعَيْنِ في ثَكَلٍ *** و الرّوحُ صاحَ بِصَوْتِ النَّعْيِ مُنْتَدِبا(1)

منادياً بَيْنَ أمْلاكِ السَّمَاءِ يَقُلْ *** بِنْتُ النَّبِيِّ قَضَتْ مَلْآنَةً كُرَبا

قَدْ جُرِّعَتْ غُصَصاً لَوْ أَنّها وَقَعَتْ *** على جبالٍ بِرَضْوَى هَدَّها رَهَبا(2)

وَيْلٌ لِظَّالِمِها وَيْلٌ لِغاصِبِها *** وَ حَوْلَ حُجْرَتِها قَدْ جَمَّعَ الْحَطَبا(3)

ص: 147


1- الروح: كناية عن جبرائيل (عليه الصلاة والسلام) كما في بعض الأخبار أو غيره من أشراف الملائكة.
2- رضوی: اسم جبل بين المدينة و ينبع.
3- و في ذلك إشارة لما ورد في ينابيع المودة للقندوزي/ طباعة انتشارات الشريف الرضي قم المقدسة ص314 عن نصر بن مزاحم عن زياد بن المنذر عن سلمان قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان من أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فهو معي في الجنة... يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها. ذكره أيضاً فرائد السمطين ج2 ص67. و في أعلام النساء ج4 ص114 (طباعة مؤسسة الرسالة للنشر و التوزيع) و في العقد الفريد ج4 ص259 (الناشر: الكتاب العربي 1983م): بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى بيت فاطمة علیها السلام فجاءهم عمر بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا. فقال: نعم. و في أعلام النساء قال: والذي نفس عمر بيده لتخرّجن أو لأحرقتها على من فيها فقيل: يا أبا حفص إن فيها فاطمة علیها السلام. فقال: و إن ... و مثله في تاريخ الأمم و الملوك للطبري (ج3 ص202 و في الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص19)

وَأَسْقَطَ الْحَمْلَ منها حينَ أَضْغَطها *** أو وفي صَدْرِها الْمِسْمارُ قَدْ نَشِبا(1)

وَ غُودِرَ الضّلْعُ مَكْسوراً فيا حُرَقِي *** شُبِّي و يا قَلْبِي الْمَحْزُونَ زِدْ لَهَبا

بَيْنَ الجِدارِ وَ بَيْنَ البابِ قَدْ وُضِعَتْ *** فَأَيْنَ عَنْها عَلِيَّ أفْضَلُ الْقُرَبا(2)

سَيْف الإلهِ رَفيعُ الْجاءِ حَيْدَرَةٌ *** أَهْكَذَا حَلَّ بِالزَّهْرَا وَ مَا وَ ثَبا

بَلْ أَخْرَجُوهُ مُقاداً فِي حَمائِلِهِ *** عَجِبْتُ مِنْ أَسَدٍ مِنْ غَابِهِ سُحِبا

تَباً وَ تَعْساً لِمَنْ قَادُوا إمامَهُمُ *** وَ هُوَ الْإمام الذي للحُكُم قَد نُصِبا

أيْنَ النَّبِيُّ يَرَى الْكَرَارَ بَيْنَهُمُ *** مُلَئِباً وَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ قَدْ جَلَبا(3)

وَ دَوْحَةُ الْقُدْسِ خَلْفَ الْقَوْمِ تَعْثُرُ فِي *** ذَيْلِ الْحِصانِ و تُجْرِي الدَّمْعَ مُنْسَكِبا(4)

وَ الزَّجْرُ رَوَّعَها و اللَّطْمُ المَها *** ومَتْنُها بسياط منهُمُ ضُرِبا

أو فَاَهٍ لِذاتِ الْفَخْرِ فاطِمَةٍ *** قاسَتْ و كابَدَتِ الْأَهْوَالَ وَ التَّعَبا

حتى قَضَتْ نَحْبَها بِالْهَضْم وَ هْيَ تَرَى *** ميراثها مِنْ أبيها المصطفى غُصِبا

فَأَيُّ بِنتِ نَبِيَّ بَعْدَوالِدِها *** قَهْراً تُهانُ و منها حَقُّها نُهبا

كَالظُّهْرِ فاطمةَ الزهراءِ قَدْ فَظَمَ *** البارِيِ مِنَ النارِ مَن مِنْ حُبِّها شَرِبا(5)

ص: 148


1- و فيه ورد أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح أحرقوا دارها بمن فيها و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. الملل و النحل للشهرستاني ج1 ص57 طباعة دار صعب بيروت عام (1986م)(1406ه_).
2- ورد في (اثبات الوصية للمسعودي) ص154-155 طباعة دار الأضواء بيروت عام 1988: فوجهوا إلى منزله (علي علیه السلام) فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً.
3- و قد أشير إلى هذا المعنى في الاختصاص للشيخ المفيد (رحمة الله علیه) ص184-187. أن القوم لما انتهوا إلى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره فدخلوا على علي علیه السلام و أخرجوه مليباً.
4- في الاختصاص للمفيد/ ص186: فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر و عمر أتريدان أن ترملاني من زوجي واللَّه لئن لم تكفّان عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي.
5- و في ذلك إشارة لما ورد في تاريخ بغداد ج12 ص331 روي بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار و ذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة ص96 و جاء في كنز العمال ج6 ص219: (إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها ومحبيها عن النار).

وَ حَقٌّ مَنْ رَفَعَ السَّبْعَ الشَّدادَ فَلَوْ *** لاَالصَّبْرُ ما أَحَدٌ مِنْ دارِها قَرُبا

لكنّها صَبَرتْ للَّهِ وَ احْتَسَبَتْ *** لِنَيْلِ شِيعَتِها مِنْ رَبِّهَا الْأَرَبا

لاغَرْوَ أنْ صَنَعَتْ أهلُ الضّلالِ بها *** ما أَحْزَنَ الشَّمْسَ وَ الأفلاك و الشُّهُبا

فَلَوْ دَعَتْ وَقَعَتْ بالقومِ صاعِقَةٌ *** تُزَلْزِلُ الْأَرْضَ وَ الْأَجْبَالَ و الْهُضُبا(1)

و كيف لا وَ هْيَ بنتُ المصطفى وَ بِها *** رَبُّ الأنام يُزِيلُ الكَرْبَ وَ النُّوَبا

لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ نُورِ خالِقِها *** فَالْفَخْرُ مِنْهَا وَ مِنْهَا الْعِزَّ إِنْ طُلِبا(2)

خَفِّفَ وَ قَصْرُ ولا تَبْغِ مُحاوَلَةً *** فَكُلُّ عِزّ بِهَذَا الْعِزَّ قَدْ نُسِبا

فَبَعْلُهَا المُرْتَضَى وَ المُجْتَبَى حَسَنٌ *** شِبْلُ لَها وَ حُسَيْنُ سَيِّدُ الغُرَبا

يا رَبِّ فَاغْفِرْ لِرائيها وَ قائِلِها *** وَ لِلشَّابِ الَّذِي لِلنَّظم قَدْ كَتَبا(3)

ص: 149


1- أشير إلى هذا المعنى في الكافي ج1 ص460 باب مولد الزهراء علیها السلام عن أبي جعفر و أبي عبدالله قالا: إن فاطمة علیها السلام لما أن كان من أمرهم ما كان أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ثم قالت: أما واللَّه يابن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له، لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجدهُ سريع الإجابة، و مثله ما ورد في الاختصاص للشيخ المفيد (رحمة الله علیه) ص186 فخرجت و أخذت بيد الحسن و الحسين علیه السلام متوجهة إلى القبر فقال علي السلمان: يا سلمان أدرك ابنة علیها السلام محمد صلي الله علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان فوالله لو فعلت لايناظر بالمدينة أن يخسف بها و بمن فيها.
2- و في ذلك إشارة لما ورد في البحار ج43 ص12 ح5 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنّ الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السموات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرت الملائكة الله ساجدين و قالوا إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى اللَّه إليهم هذا نور من نوري... الحديث.
3- دیوان شعلات الأحزان ص212.

(31) فرحة الدهر

(بحر البسيط)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

ذكرى هِيَ النُّورُ لِلْأَخِيالِ وَ الْحِقَبِ *** وَ فَرْحَةُ الدَّهرِ لِلْإِسْلامِ وَ الْعَربِ

ذِكْرَى لِمَنْ يَتَأَسَى بِالرَّسُولِ غَدَتْ *** عيداً إقامَتُهُ مِنْ أَشْرَفِ الْقُرَبِ

عيداً أفاض على الأيامِ بَهْجَتَهُ *** فَالدَّهْرُ في فَرَح وَ الْكَوْنُ فِي طَرَبِ

وَ أَحْمَدُ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ مُبْتَهِجٌ *** بِخَيْرِ مَوْلُودَةٍ جَاءَتْ لِخَيْرِ أَبِ

وَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ فِي أَرْجَائِهِ بَزَغَتْ *** شَمْسُ إِلَى الْيَوْمِ لَمْ تَأْفُلْ وَ لَمْ تَغِبِ

شَمْسُ الفَضائِلِ مَنْ أُمُّ الأئمة في *** أُمّ القُرى وَ رِحابِ البَيْتِ ذِي الحُجُبِ

جَاءَتْ مَعَ المِلَّةِ الغَرّا عَلَى قَدَرٍ *** لأَنَّها بِالهُدَى مَوْصُولَةُ السَّبَبِ

تَبَاركَ اللهُ ماذا للْهُدَى جَمَعَتْ *** في النَّفْسِ في الرُّوح في الآباء في العَقَبِ

زَهْراءُ قيلَ لَها مِنْ أَنَّهَا ازْدَهَرَتْ *** بِهَا الْجِنَانُ وَ ما أَحْلاهُ مِنْ لَقَبِ(1)

ص: 150


1- يشير الشاعر إلى سبب تسميتها بالزهراء علیها السلام فقد جاء في البحار ج43 ص12 الحديث رقم 5 عن علل الشرائع عن أبي عن محمد بن معقل القرميسيني بسنده عن جابر عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال: قلت: لم سميّت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء، فقال لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرَّت الملائكة الله ساجدين و قالوا: إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري و أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يهدون إلى حقي و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وصيي. و في مصباح الأنوار مثله عن أبي جعفر علیه السلام. و في کتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلوات الله عليها ص177 في الحديث الوارد عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم سميت الزهراء علیها السلام لأن نورها زهرت به السموات.

وَ فَاطِمٌ إِذْ مُوالُوها بِها فُطِمُوا *** لُطفاً مِنَ النَّارِ ذَاتِ الْحَرِّ وَ اللَّهَبِ(1)

تُكْنَى بِامّ أبيها يا لَهُ لَقَبٌ *** ثالث بهِ مِنْ أبيها أَشْرَفَ الرُّتَبِ(2)

وَ الْفَرْعُ يَحْمِلُ سِرَّ الْأَصْلِ وَ ابْنَتُها *** قُدْسُميت وَ بِأَمْرِ اللَّهِ زَيْنَ أبِ

وَ الفَاطِمِيةُ نُورٌ في تَسُلُسُلِها *** وَ نائِجُ النُّورِ نُورٌ غَيْرُ مُنْقَلِبِ

يا مَنْ بها مَرَجَ البَحْرَيْنِ و امْتَزَجَ النورانِ *** حَتَّى أَتَتْ بالسَّادةِ النُّجُبِ(3)

وَ مَعْدِنُ الطِيبِ فِي الدُّنْيا وَ مَصْدَرُه *** وَ كُلُّ ذِي طِيبَةٍ لولاكِ لَمْ يَطِبِ

عَظِيمُ قَدْرِكِ يا زَهْراء أكَدَهُ *** بِالفعل خَيْرُ الوَرى وَ القَوْلِ فِي الْخُطبِ(4)

ص: 151


1- إشارة لما ورد في الحديث عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: يا فاطمة علیها السلام تدرين لم سميت فاطمة؟ قال علي علیه السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم سمّيت فاطمة؟ قال: إن الله «عزّوجلّ» قد فطمها و ذريتها عن النار يوم القيامة راجع ذخائر العقبى ص26.
2- عن الاستيعاب لابن عبد البر ج2 ص752 ذكر عن جعفر بن محمد علیه السلام أنه قال: كانت كنية فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أم أبيها.
3- جاء في البحار ج43 ص320 الحديث39 عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام و اللفظ له في قوله: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» [سورة الرحمن الآية: 19] قال: علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه، و في رواية ««بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ»: رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» الحسن و الحسين علیهما السلام. و جاء في تفسير السيوطي (الدر المنثور ج6 ص140 قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»:قال علي وفاطمة علیهما السلام «بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» قال: الحسن والحسين علیهما السلام. و أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك في قوله «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» قال: علي و فاطمة علیهما السلام «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» قال: الحسن والحسين علیهما السلام. و في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى (صلوات الله عليها) ص633: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» يقول: أنا اللَّه أرسلت البحرين علي بن أبي طالب علیه السلام بحر العلم و فاطمة علیها السلام بحر النبوّة (يلتقيان) يتصلان أنا الله أوقعت الوصلة بَينهما.
4- عن أحمد بن حنبل في مسنده ج6 ص282 قال: سيدة نساء علیها السلام هذه الأمة أو نساء المؤمنين. و راجع ابن سعد في طبقاته ج2 ص40 قال: سيدة نساء علیها السلام هذه الأمة أو نساء العالمين. و رواه ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص522 و قال: سيدة نساء العالمين علیها السلام. و في صحيح الترمذي ج2 ص319. بسنده عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، قالت و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقبّلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبَلته و أجلسته في مجلسها. كما ورد في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم فصل في كمالها و منزلتها عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم ص107 عن الحسن علیه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أمر بسد أبواب المسجد و كانت الزهراء علیها السلام منتظرة لأمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها: إن الله «تعالى» أمرهم بسد الأبواب و استثنى منهم رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و إنما أنتم نفس رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في حديث محمد بن قيس قال: كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة علیها السلام و قوله لها فداك أبوك ثلاث مرات ص108.

وَ بِالْحَفاوَةِ كَمْ قَدْ قَامَ مُبْتَدِراً *** مُرَحَباً بِكِ في عالٍ مِنَ الرُّتَبِ

وَمَنْ دَعاهُ أبا الزهراتُمَثْلُه *** يَمِيلُ حاشَاهُ مِنْ زَهْوِ وَ مِنْ طَرَبِ

وَ كَيْفَ لايَزْدَهِيهِ كَوْنُ فَاطِمَةٍ *** بنتاً لَهُ وَ هْيَ نَبْعُ الكَوْثَرِ الْعَذب(1)

مِنها نُجومُ الهُدى المهدي خاتمةُ *** وَ زَوْج خيرٍ وَصِيَّ بِنْتِ خَيْرِ نَبِي(2)

للَّهِ دَركِ يا زَهْرا من امرأةِ *** بِها تَباهَى رِجالُ الفَضْل و الحَسَب

لولا ذَوُوكِ بما أُوتِيتِ مِنْ شَرَفٍ *** فاز الإناتُ عَلَى الذُّكْرَانِ بِالْغَلَبِ

فَالْبَعْلُ وَ الأب و الأبناءُ فِيكِ غَدَوْا *** مِنْ شِدَّةِ الفَخْرِ بَيْنَ العُجبِ و العَجَبِ

ص: 152


1- إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص116 في باب فضائلها المشتركة مع سائر الخمسة علیهم السلام و غيرهم في القرآن و ذلك في تفسير: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: و الماء من نهر يقال له: الكوثر... و هو لي و لك و لفاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و ليس لأحد فيه شيء. و في التفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير سورة الكوثر قال: الكوثر أولاده، لأن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان، و في «مجمع البيان»/للطبري في تفسير سورة الكوثر قال: قيل الكوثر هو الخير الكثير. و قيل: هو كثرة النسل و الذرية و قد ظهرت الكثرة في نسله من ولد فاطمة علیها السلام حتى لا يحصى عددهم و اتصل إلى يوم القيامة مددهم.
2- إشارة لما ورد في مجمع الزوائد ج9 ص168 باب في فضل أهل البيت علیهم السلام جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السللام: إن الله «عزوجل» اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالاته ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها بعلك و أوصى إليّ أن أنكحك إياه يا فاطمة علیها السلام و نحن أهل بيت علیهم السلام قد أعطانا اللَّه خصال -إلى أن قال-: و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك الحسن و الحسين علیهما السلام، و هما سیدا شباب أهل الجنة -إلى أن قال-: و إن منهما مهي هذه الأمة.

أمَّا مُوالُوكِ يا زَهْرَا فَرَأَیُهُمُ *** أنَّ الْوَلا لَكُمْ ضَرْبٌ مِنَ النَّسَبِ(1) (2)

ص: 153


1- إشارة لما ورد في بحار الأنوار ج39 ص309 في الباب87 في حب علي إيمان و بغضه كفر و نفاق س 5 إن اللَّه اختارهم بعلمه لنا من بين الخلق و خلقهم من طينتنا و استودعهم سرِّنا...
2- بمناسبة مولد الزهراء علیها السلام و ألقاها بنفسه في حسينية الشواف مجلة الموسم العدد 9-10 ص561 مجلد3-1991.

(32) ثياب المصاب

(بحر المتقارب)

الشيخ مُلا محمد بن علي

آل نتيف (*)(1)

إذا لَذَّ لي مَظعَمٌ أوْ شَرابْ *** بِشَهْرِ رَبِيعَ فَشَيْءٌ عُجابْ

فَانّى يَزُورُ لِقَلبي السُّرورْ *** وَ نارٌ بِأحْشاي ذاتُ الْتِهابْ

مُصابٌ أصابَ صَمِيمَ الفُؤَادْ *** فَفِي الْقَلْبِ باقٍ لِيَوْمِ الْمَآبْ

أَيَفْرَحُ قَلْبِي وَ طَة الرسولْ *** شَفِيعُ العِبَادِ ثَوى فِي التُّرابْ

بَكَتْهُ السَّماءُ وَ سُكَانُها *** جميعاً و ناحَ عَلَيْهِ الْكِتَابْ(2)

ص: 154


1- (*)هو الشيخ ملامحمد بن علي بن ضيف بن مهدي بن رضوان بن أحمد بن علي بن مكي (آل نتيف) و هو من أسرة يسري فيها هذا اللقب (آل نتيف) إلى أكثر من سبع طبقات، و هي به،معروفة و من بينهم الشيخ محمد كأنه علم في رأسه نار. ولد في القطيف سنة (1315ه ). و قد جمع المترجَم له في شخصيته المرموقة مكارم الأخلاق و مزايا المجد من كرم و خلق رفيع و محبة للناس و خضوع و خشوع و تواضع إلى غير ذلك من تلك المميزات الخاصة التي أهَّلته لأن يكون خالداً. و مكارم أخلاقه بين أقرانه ظاهرة، من مزايا حميدة و سجايا نبيلة في الصدق و حسن الحديث و الوفاء بالإخاء و صدق الوعد و طيب الضمير و المعاشرة و لين الجانب و تواضع النفس و رحابة الصدر و بسامة الثغر و ظرافة المجلس و خدمة الإنسانية و أداء حق المنبر، فهو خطيب ماهر و واعظ قدير و أديب كبير وبحّاثة مؤرخ يرقى المنبر فيمتلك قلوب المستمعين و يبعثها للنشاط و التشجيع و يتكلم مرشداً . توفي الشيخ محمد بن علي آل نتيف في (22) محرم سنة (1372ه_)، وقد تركت وفاته أثراً في البلاد وكأنما في شخصيته فقدت شخصيات، فهو فرد يعد بأفراد.
2- إشارة لما ورد في المستدرك على الصحيحين ج3 ص60 عن عبد الله بن مسعود: لما ثقل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قلنا: من يصلي عليك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فبكى و بكينا و قال: مهلاً غفر الله لكم و جزاكم عن نبيكم خيراً إذا غسلتموني و حنطتموني و كفنتموني فضعوني على شفير قبري ثم اخرجوا عني ساعة فإن أول من يصلي خليلي و جليسي جبرائيل و ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة ثم ليبدأ بالصلاة عليَّ رجال أهل بيتي علیهم اسلام ثم نساؤهم ثم ادخلوا أفواجاً أفواجاً و فرادى.

وَهَبَّتْ عليهِ رِياحُ الْخُسوفْ *** وَ هَمَّ البسيط على الانقِلابْ

و باتَ الأنامُ بِلا والدٍ *** تُقاسِي الْمَصَائِبَ مِنْ كلِّ بابْ

و كيف أذُوقُ الْهَنَا وَ الْبَتُول *** لَها رَفْلَةٌ(1) في ثيابِ الْمُصَابْ

تَحِنُّ حَنِيناً يُزِيلُ الجِبَالُ *** وَ دَمْعُ الْعُيونِ كَصَوْبِ السَّحابْ(2)

أَلَيْسَ بذا الشهر قامَ العُداةُ *** بنقض العُهُودِ مِنَ الْمُسْتَطابْ(3)

وَ فِيهِ(4) أُدِيرَ علَى بَيْتِها *** بِجَزل(5) وَ عَنْها أَمِيطَ الْحِجَابْ

أما كَسَرُوا فيهِ أَضْلاعُها *** بِالْحَبْل قادوا الإمامَ المُهابْ(6)

لَها اللَّهُ إِذْ خَرَجَتْ خَلْفَهُ *** لِتَخْلِيصِهِ بِأَسَى وَ انْتِحَابْ

تُنادِي دَعُوا مَنْ أَشادَ الْهُدَى *** بِحَدّ حُسام أَذَلَّ الرِّقابْ

ص: 155


1- الرّفلة: جرُّ الذيل.
2- و ذلك إشارة لما ورد في بحار الأنوار أيضاً ج43 ص157 ح6 و7 في حديث عن علي علیه السلام قال: غسلت النبي صلي الله علیه و اله و سلم في قميصه فكانت فاطمة علیها السلام تقول أرني القميص فإذا شمَّتَهُ غشي عليها. و في حديث آخر قالت: إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي صلي الله علیه و اله و سلم بالأذان... فلما بلغ إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم شهقت فاطمة علیها السلام و سقطت لوجهها و غشي عليها حتى ظن الناس أنها قد ماتت فقطع بلال أذانه و لم يتّمه.
3- إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص20 في حديث عن سلمان عن النبي صلي الله علیه و اله و سلم في مرضه الذي قبض فيه و قد أقبل على علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إنك ستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك و ظلمهم لك فإن وجدت أعواناً فجاهدهم فقاتل من خالفك بمن وافقك فإن لم تجد أعواناً فاصبر و اكفف يدك و لاتلق بيدك إلى التهلكة.
4- و لعّل أغير بدلاً عن أدير و في البيت إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص39 قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار فنادت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر.
5- جَزَلَ: جَزْلاً الشيء قطعه.
6- و ذلك إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص37 حيث انطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و ثار علي إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلاً.

فَما رُعِيَتْ إِذْ دَعَتْ في العدى *** فَعادَتْ وَ مِنْ ضَرْبها المتنُ عابْ(1)

وَ قَدْ لُطِمَتْ لَعْمَةً لَمْ تَزلْ *** عَلَى الخَدّ مِنْهَا بِظَهْرِ النِّقابْ(2)

وَ باتَتْ تَيْنُّ بِفَرْشِ السّقامْ *** حَلِيفَةَ وَجْد إذِ البَدْرُ غابْ

لِفَقْدِ الرَّسُولِ وَ سِقْطِ الجَنِينْ *** وَ كَسْرِ الضُّلوع وَ مَزْقِ الكِتابْ(3)

فَما وَقَعَةُ الطَّفْ لَوْلاً الأولى *** أماطُوا عَن الطُّهرِ ذاكَ الحِجابْ(4)

بِصَعْدَةِ مِنْبَرِ طة الأمينْ *** بِصَدْرِ الحُسَيْنِ رَقَى ابْنُ الضّبابْ

وَ مِنْ رَضِّهِمْ ضِلْعَ بِنْتِ الْهُدى *** بهِ رُضِّ أَضْلاع شِيبٍ وَ شَابْ(5)

وَ مِنْ قَتْلِهِمْ مُحْسِناً بِالطّفُوفِ *** بها کَمْ رَضِيعٍ بِسَهُم مُصابْ

و نارٍ تُوجَجُ في بَيْتِها *** وَراهَا ابْنُ سَعْدِ بِتِلْكَ الْقَبَابْ(6)

ص: 156


1- و أما عن كسر الضلع فورد في كتاب سليم بن قيس في كسر ضلع فاطمة علیها السلام ص40 فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها، فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها». إشارة لما ورد عن سليم بن قيس في كتابه ص37 باب ضرب الزهراء علیها السلام في جنبها و ذراعها حيث نقل عن سلمان «رضوان الله عليه» قال: دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر و هو في غمده فوجاً به جنبها، فصرخت: یا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم! لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر.
2- إشارة لما ورد في فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم صفحة560 قال عمر: أقبلت عليّ الزهراء علیها السلام بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خدّيها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها و تناثر إلى الأرض.
3- و ذلك إشارة لما ورد في عوالم الزهراءعلیها السلام ج2/11 ص574 في قولها ظلموني حقي، و أخذوا إرثي، و خرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك، و كذبوا بشهودي وهم -والله- جبرئيل و ميكائيل و أميرالمؤمنين علیه السلام و أم أيمن.
4- في الخصال/ للصدوق/ ج2 ص67. قال الصادق علیه السلام: لايوم كيوم محنتنا بكربلا، و إن يوم السقيفة، و إحراق النار على باب أميرالمؤمنين فاطمة و الحسن و الحسين و زينب علیهم السلام و فضة، و قتل محسن بالرفسة، أعظم و أدهى و أمر لأنّه أصل يوم العذاب راجع أيضاً نوائب الدهور ج3 ص194.
5- إشارة لما ورد في الاحتجاج ج1 شطر منه في صفحة97 عن الصادق علیه السلام سأله أبان بن تغلب في أنه هل أنكر أحد من الصحابة على أبي بكر في جلوسه مجلس رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم؟ فقا : نعم الذي أنكر عليه اثنا عشر رجلاً من المهاجرين. و كذلك في مورد آخر: فأفحم بعد أن حاججوه و لم يحر جواباً. ثم قال: و ليتكم و لست بخيركم أقيلوني أقيلوني. و ذلك في صفحة104 من نفس المصدر.
6- القباب: مفرده القبب من السيوف و نحوها القاطع.

وَ حَبْلِ بِهِ كُتِفَ المُرْتَضَى *** بهِ كَتَّفُوا زَيْنَبَاً وَ الرَّبابْ

وَ إِنْ خَرَجَتْ بَعْدَتَخْدِيرِها *** بِدَمْعِ سَفُوحٍ وَ قَلْبِ مُذابْ

أَلا بِابِيْ وَ رِثَتْ زَيْنَبٌ *** وَ زَادَتْ على أمِّها في المُصابْ

سَرَتْ في السِّبا ما لَها کافِلٌ *** بِحَالٍ فظيع يُزِيلُ الهِضَابْ

وَ مِنْ خَلْفِها آلها وَ العَلِيلُ *** لَهُنَّ صَجِيجٌ كَرَعْدِ السَّحَابْ

إذَا انْتَحَبَ الطِّفلُ مِنْ هَاشِمٍ *** يُقَنَّعُ بِالسَّوْطِ ذاك الشبابْ

فَما زَيْنَبُ الطّهْرُ أُمُّ الخُدورِ *** وَ قَطْعُ الفَیافِي وَ تِلْكَ الرّحابْ

تَرى رُوسَ إِخْوَتِها فِي الرِّماحْ *** قَدِاتَّخِذَتْ مِنْ دِمَاهَا الْخِضابْ

تُنادِيهِمُ إخْوَتِي هَلْ يَهُونُ *** عَلَيْكُمْ بِزَيْنَبَ ما قَدْ أصابْ

فَبالرغم مِنّي أرى رُوسَكُمْ *** وَ تَتْلُو الْكِتَابَ بِرُوسِ الحِرابْ

وَ حَقَّكُمُ لاعَرِفُتُ الهَنا *** وَ أَنْتُمْ بِعَيْنِي ذهاباً إيابْ

وَ عَيْنِيَ ما غُمِّضَتْ بَعْدَكُمْ *** وَ أَلْبَسُ حُزْنَا عَلَيْكُمْ ثِيَابْ

أيا إِخْوَتِي إِنَّ يَوْمَ الْفِراقِ *** أزالَ شُعوري و شَعْرِي أشابْ

أبَعْدَ الْأَحِبَّةِ عَيْش يَطِيبُ *** عَجِيبٌ لِمِثْلي إذا الْعَيْش طابْ

فَما عِشْتُ بَعْدَكُمُ فِي العَزاءْ *** إلى أنْ يُوسَّدَ خَدّي التُّرابْ

فَيا وَقْعَةً لا تَرى مِثْلَها *** مَتَى ذَكَرُوها فَكَفُّ الخِطَابْ

مِنَ المُصْطَفَى بَعْدَهُ آلُهُ *** لِقاؤُهُمُ بَدَدٌ في الشِّعابْ(1)

فَهاكُمْ مِنَ الْعَبْدِيا سادتي *** كَلاماً لَهُ أَدْمُعِي فِي انْصِبَابْ

مُحَمَّدُ يَرْجُوكُمُ في القيام *** خَدِينُ المَعَاصِي مِنْ كُلِّ بابْ(2)

أَلا أَنْتُمُ الْغَوْتُ سُفْنُ النَّجاةِ *** و لاكُمْ يُذِيبُ الذُّنوب الصِّعابْ

و لاسَهر اللَّيلَ مَنْ حادَ عَنْ *** ولاكُمْ فَفِي الحَشْرِ وَاللَّهِ خَابْ

سَلامٌ لَكُمْ دائماً ما أضاءُ *** بِأُفُقِ السَّمَاءِ هِلَالٌ وَ غَابْ(3)

ص: 157


1- بَدَدٌ: متفرّق.
2- خَدين: صديق.
3- من كتاب عبرة المؤمنين ص43.

(33) يوم الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد محمد جمال الهاشمي (*)(1)

ص: 158


1- (*) هو السيد محمد ابن السيد جمال ابن السيد حسن ابن السيد محمد علي الموسوي الگلبایگاني الشهير بالهاشمي. ولد في النجف الأشرف ليلة العشرين من المحرم سنة (1332ه_)، و نشأ نشأة دينية في ظل والده المرجع الديني الكبير السيد جمال الگلبايگاني، و منذ نعومة أظفاره كان متعشقاً للعلم و الأدب، فعني بتربيته و توجيهه، فكان أول دراسته أنه أدخله المدرسة العلوية الإيرانية في النجف فبقي فيها خمس سنوات فكانت نفسه تواقة إلى الدروس الحوزوية، فدخل المسجد الهندي حظيرة الروحيين و عمره لم يبلغ الثانية عشرة فأخذ النحو و الصرف و البلاغة و المعاني و البيان و الفقه و الأصول و أنهى جميع مراحل السطوح على أساتذة عصره في الحوزة العلمية في النجف الأشرف أمثال الشيخ عبد الأمير البصري و الشيخ شمس التبريزي و الشيخ محمد تقي الأصفهاني و الشيخ محمد رضا المظفر و الشيخ محمد تقي و الشيخ راضي و السيد الميرزا حسن البجنوردي و السيد موسى الجصاني، ثم تأهّل إلى دروس الخارج فحضر حلقة درس الأستاذ الكبير آغا ضياء الدين العراقي و المرجع الديني الأعلى السيد أبي الحسن الأصفهاني. و أخذ أهم علومه من والده الذي حاز على المرجعية الدينية بعد وفاة الإمام السيد أبي الحسن الأصفهاني، فرجع إليه الناس من هنا وهناك. و لقد حصل على إجازة الاجتهاد من الشيخ آغا ضياء الدين العراقي و السيد أبي الحسن الأصفهاني كما أجازه والده على الاجتهاد. و المترجم له كان يقيم صلاة الجماعة في الجامع الذي يلي الرأس الشريف في الساباط من الحرم العلوي الشريف خلفاً لأبيه عندما أقعد في داره بسبب المرض الذي لازمه، و تولى حل المسائل و المشاكل الشرعية التي كانت ترد على والده من مقلديه و قام بأدائها خير قيام. و كان المترجم له من أركان الجهاز المرجعي للفقيه المرجع السيد محسن الحكيم (رحمة الله علیه)، و دوره مشهود في ذلك و سيرته واضحة. و للمترجَم له مؤلفات كثيرة منها: 1-كتاب الزهراء علیها السلام، 2-تاريخ الأدب العربي، 3- الأدب الجديد، 4- الأدب القديم فيه تراجم لسبعمائة شاعر، 5- ديوان الهاشمي في جزأين، 6-الأوتار منظوم على وزن واحد، 7- الأنغام و هو خاص بالموشحات على مختلف أنواعها، 8- الأراجيز، 9- ملحمة الجيل و هي قصيدة تشتمل على سبعمائة بيت 10-الهاشميات عبارة عما قاله في آل البيت علیهم السلام من الثناء و الرثاء، و قد طبع له في الآونة الأخيرة كتاب بعنوان (مع النبي وآله) و لعله هو الهاشميات، 11- هكذا عرفت نفسي، 12- الأخلاق في ضوء القرآن و غيرها من الكتب العلمية و الأدبية و أكثرها لم تطبع. وافته المنية ولبى نداء ربه سنة (1397ه_ ) و دفن في النجف الأشرف.

أيُّ خَطبٍ يَبْكِي عَلَيْهِ خِطابي *** وَ مُصابٍ قَدْ شابَ شَهْدِي بِصَابِ(1)

أو يَوْمَ الزّهراء أيُّ فُؤادٍ *** عَلَوِيٌّ عَلَيْكَ غَيْرُ مُذَابِ(2)

: 159


1- الشهد: العسل الصاب: شجر مر.
2- إشارة إلى ما حدث للزهراء علیها السلام بعد وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ففي البحار ج43 ص197، باب ا وقع عليها من الظلم ج29. قال: توفي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس و أرتدوا و أجمعوا على الخلاف، و اشتغل علي برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى فرغ من غسله و تكفينه و تحنيطه و وضعه في حفرته، ثم أقبل على تأليف القرآن و شغل عنهم بوصية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل و أهل بيته علیهم السلام فابعث إليه فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له: یا قنفذ انطلق إلى عليّ علیه السلام فقل له: أجب خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فبعث مراراً و أبى علي علیه السلام أن يأتيهم. فوثب عمر غضبان و نادى خالد بن الوليد و قنفذاً فأمرهما أن يحملا حطباً و ناراً، ثمَّ أقبل حتى انتهى إلى باب علي و فاطمة «صلوات الله عليهما»، و فاطمة علیها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثمَّ نادى: يا ابن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا ما لنا و لك لا تدعنا و ما نحن فيه، قال افتحي الباب و إلا أحرقنا عليكم فقالت: يا تتقي الله «عزَّوجلَّ» تدخل على بيتي و تهجم على داري، فأبى أن ينصرف ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثمَّ دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت فرفع السَّوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه. فوثب عليَّ بن أبي طالب فأخذ بتلابيب عمر ثمَّ هزّه فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و همَّ بقتله فذكر قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وما أوصاه به من الصبر و الطاعة فقال: والذي كرَّم محمَّداً صلي الله علیه و آله و سلم بالنبوة يا بن صهاك لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي، فأرسل عمر يستغيث. فأقبلوا حتى دخلوا الدار فكاثروه و ألقوا في عنقه حبلاً فحالت بينهم و بينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه الله» فألجأها إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت علیها السلام من ذلك شهيدة. و ساق الحديث الطويل في الداهية العظمى و المصيبة الكبرى... إلى آخره.

لَكَ في الدَّهْرِ رَنّةٌ رَدَّدَتْها *** بِخُشُوعِ أَجْيالُهُ وَ اكْتِئَابِ

فَهيَ نَارٌ تُذْكِي القُرونَ وَ نورٌ *** رَف لألاؤُه عَلَى الأحْقابِ(1)

وَ هْيَ لَلْمَجْدُ فيهِ لِلسَّا *** لِكِ تَبْدُو الصِّعَابُ غَيْرَ صِعَابِ

غاب نورُ النَّبيِّ وَ انْقَطَعَ الْوَحْيُ *** وَ خارَتْ عَزائِمُ الآرابِ(2)

وَارْتَمى مَوْكِبُ الحَيَاةِ وَ جَاشَتْ *** نَزَعَاتُ النِّفاقِ في الأحْزَابِ(3)

ص: 160


1- الأحقاب: الدهور.
2- الآراب: جمع الأرب: الغاية أو الحاجة.
3- و الأبيات التي تليه تشير إلى بعض تفاصيل الأحداث، و قد لخص بعضها العلامة الأميني في الغدير في الكتاب و السنة و الأدب ج7 ص74، يقول: ما عساني أن أقول؟ و التأريخ بين يدي الباحث يدرسهُ بأنَّ كلَّ رجل من سواد الناس يوم ذاك كان يرى الفوز و السلامة لنفسه في عدم التحزُّب بأحد من تلكم الأحزاب المتكثرة، و ترك الاقتحام في تلك الثورات النائرة و كانت الخواطر تهدَّده بالقتل مهما أبدى الشقاق أو التحيز إلى فئة دون فئة بعدما رأت عيناه فرند الصارم المسلول، و سمعت أذناه نداء محزِّ (المحز الرجل الغليظ الكلام) يتوعد بالقتل،كلَّ قائل بموت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ويقول: لاأسمع رجلاً يقول: مات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا ضربته بسيفي أو يقول من قال: إنَّه مات علوت رأسه بسيفي، و إنما ارتفع إلى السماء عن تاريخ الطبري ج3 ص198، و شرح ابن أبي الحديد ج1 ص128 ، و تاريخ ابن كثير ج5 ص242، و تاريخ أبي الفداء ج1 ص156، و المواهب اللدنية للقسطلاني و غيرهم. یصيح: من قال نفس المصطفى قبضت *** علوت هامته بالسيف أبريها (لحافظ إبراهيم) بعدما تشازرت الأمة و تلاکمت و تكالمت، و قام الشيخان يعرض كلُّ منهما البيعة لصاحبه قبل أخذ الرأي عن أيُّ أحد كأنَّ الأمر دبر بليل فيقول هذا لصاحبه: ابسط يدك فلأ بايعك، و يقول آخر: بل أنت و كلُّ منهما يريد أن يفتح يد صاحبه و يبايعه و معهما أبو عبيدة الجراح حفار القبور بالمدينة يدعو الناس إليهما، (تاريخ الطبري ج3 ص199) و الوصي الأقدس و العترة الهادية و بنوهاشم ألهاهم النبيُّ الأعظم و هو مسجى بين يديهم و قد أغلق دونه الباب أهله و خلِّى أصحابه بينه و بين أهله فولوا إجنانه (طبقات ابن سعد ص121 ليدن ج2 من القسم الثاني) و مكث ثلاثة أيام لايدفن أو من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء أو ليلته فدفنه أهله و لم يله إلّا أقاربه دفنوه في الليل أو في آخره و لم يعلم به القوم إلا بعد سماع صديق المساحي و هم في بيوتهم من جوف الليل، و لم يشهد الشيخان دفنه صلي الله علیه و آله و سلم (أخرجه ابن أبي شيبة كما في كنز العمال ج3 ص140)... إلى آخر الكلام في باب و صمات الانتخاب. و قول حافظ إبراهيم شاعر النيل في القصيدة العمرية: مدَّت لها الأوس كفَّا كي تناولها *** فمدَّت الخزرج الأيدي تباريها و ظنَّ كلِّ فريق أن صاحبه *** أولى بها و أتى الشعناء آتيها و كان مما حدث بتدبير حزبي مسبق قول عمر: لاأسمع رجلاً يقول: مات رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم إلا ضربته بسيفي... أو يقول: من قال إنه مات علوت رأسه بسيفي و إنما ارتفع إلى السماء... راجع تاريخ الطبري ج3 ص198، و شرح ابن أبي الحديد ج1 ص128. و حين قام الشيخان يعرض كل منهما البيعة لصاحبه قبل أخذ الرأي عن أحد فيقول هذا لصاحبه: ابسط يدك فلأبايعك و يقول الآخر: بل أنت... راجع الطبري ج3 ص199. و حين رئي عمر بن الخطاب محتجراً يهرول بين يدي أبي بكر و قد نير حتى أزبد شدقاه راجع سيرة ابن هشام ج4 ص344. وحين أحاطوا بدار فاطمة علیها السلام و أخذ عمر بن الخطاب يصيح: واللَّه لتحرقن أو لتخرجن إلى البيعة. فيقال له: إن فيها فاطمة: فيقول: و إن... راجع الإمامة و السياسة ج1 ص13. حین أخذت الزهراء علیها السلام تصرخ و تولول تنادي: يا أبابكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم واللَّه لا أكلم عمر حتى ألقى اللَّه راجع شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص134 و ج2 ص19. و حين أخرجوا الإمام علياً ملبباً يُقاد إلى البيعة و يُدفع و يُساق سوقاً عنيفاً، و اجتمع الناس ينظرون و يقال له: بايع فيقول: إن أنا لم أفعل فمه؟ فيقال: إذن واللَّه الذي لا إله إلا نضرب عنقك. فيقول: إذن تقتلون عبد الله و أخا رسوله راجع الإمامة و السياسة ص13.

فَانْطَوى النُّورُ في ظَلام كَثِيفٍ *** نَشَرَتْهُ جرائم الانقلابِ

وَ انْمحَى الحيُّ و الصَّراحَةُ لَمّا *** سادَ عَهْدُ الصَّلالِ و الارِتيابِ

مَوْقِفٌ أَرْبَكَ العُصورَ فَأَخْفَتْ *** رَأْيَها فِي الْقُلوبِ و الأَهْدَابِ

غَضْبَةُ الحقِّ ثَوْرَةٌ تَجْرِف الباطلَ *** في مَوْجٍ عَزمِها الوَثَابِ

عَجَبٌ أَمْرُها و أَعْجَبُ مِنْهُ *** أَنَّهَا تَنْتَمِي لِذاتِ نِقابِ

وَإِذَا اللَّبْوَةُ الجَرِيحَةُ ثارتْ *** لَهَثَ المَوْتُ بَيْنَ ظُفْرِ وَ نابِ

شَمَّرَتْ لِلْجِهَادِ سَيّدةُ الإسلامِ *** عَنْ ذَيْلِ عَزْمِها الصَّخَابِ

ص: 161

وَ أَنَتْ ساحَةَ الجِهَادِ بِإِيمَانٍ *** يَرُدُّ السُّيُوفَ وَ هيَ نَوابِ(1)

حاكَمَتْ عَهْدَها المُدْمِيَّ بِقَلْبٍ *** وَاغِرٍ مِنْ شُجونِها لَهَابِ(2)

لَمْ تَدْعُ لِلْمُهَاجِرينَ وَ لِلْأَنْصَارِ *** رَأْياً إلا الْمَحَى كَالضَّبابِ(3)

ص: 162


1- نواب: غير قاطعة.
2- واغر: متوقد من الغيظ.
3- (خطبتها في مسجد النبي صلي الله علیه و آله و سلم) من البيت الثالث عشر إلى البيت السابع و العشرون من القصيدة في إشارة إلى حديث فاطمة الزهراء علیها السلام من الاحتجاج ج1 ص131 تحت عنوان: احتجاج فاطمة علیها السلام على القوم لما منعوها فدك و قولها لهم عند الوفاة بالإمامة. روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه علیهم السلام أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى دخلت على بكر وهو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنَّت أَنَّة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت: الحمدللَّه على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم... إلى آخر الخطبة و كلامها فاعملوا إنا عاملون و انتظروا إنا منتظرون. فأجابها أبوبكر عبد الله بن عثمان و قال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً رؤوفاً رحيماً و على الكافرين عذاباً أليماً... إلى قوله... و الله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لاعملت إلا بإذنه والرائد لايكذب أهله و إني أشهد الله و كفى به شهيداً أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: (نحن معاشر الأنبياء لانورث ذهباً و لافضة و لاداراً و لاعقاراً و إنما نورث الكتاب و الحكمة و العلم و النبوّة و ما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه)، و قد جعلنا ما حاولته في الكراع و السلاح يقاتل بها المسلمون و يجاهدون الكفار و يجالدون المردة الفجار و ذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي و لم أستبد بما كان الرأي عندي و هذه حالي و مالي هي لك وبين يديك لاتزوى عنك... إلى قوله: فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك صلى الله عليه و آله و سلم فقالت علیه السلام: سبحان الله ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن كتاب الله صادفاً و لا لأحكامه مخالفاً قولها: كلا بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فقال أبوبكر: صدق الله و صدق رسوله و صدقت ابنته أنت معدن الحكمة و موطن الهدى و الرحمة و ركن الدين و عين الحجة لاأبعد صوابك و لاأنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني و بينك قلدوني ما تقلدت و باتفاق منهم أخذتُ ما أخذت غير مكابر و لامستبد و لامستأثر و هم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة علیها السلام إلى الناس و قالت معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل (و في بعض النسخ قبول الباطل) المغضية على الفعل القبيح الخاسر... إلى آخر قولها (سلام الله عليها). و في الاحتجاج ج1 ص119 (احتجاج أمير المؤمنين علیه السلام على أبي بكر و عمر لما منعا فاطمة الزهراء علیها السلام فدكاً بالكتاب و السنة). عن حماد بن عثمان (ذو الناب عن أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا علیهم السلام عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى بويع فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر الله؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنة. فقال: بلى، قالت: فاشهد. إن الله «عزوجل» أوصى إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم «وآت ذا القربى حقه» فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله، فجاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتاباً و دفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك و شهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه و مزّقه و خرجت فاطمة علیها السلام تبكي. فلما كان بعد ذلك جاء علي علیه السلام إلى أبي بكر و هو في المسجد و حوله المهاجرون و الأنصار فقال: يا أبابكر لم منعت فاطمة علیها السلام ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ و قد ملكته في حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال أبوبكر: هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهوداً أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جعله لها و إلا فلاحق لها فيه فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين قال: لاقال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك أسأل البينة قال: فما بال فاطمة علیها السلام سألتها البينة على ما في يديها ، و قد ملكته في حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و بعده و لم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهوداً، كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟ فسكت أبوبكر فقال عمر: يا علي علیه السلام دعنا من كلامك فإنا لانقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول و إلا فهو فيء للمسلمين لاحق لك و لالفاطمة علیها السلام فيه، فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم. قال: أخبرني عن قول الله «عزوجل»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم. قال : فلو أن شهوداً شهدوا على فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جاءت بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيمه على نساء المسلمين قال: إذن كنت عند الله من الكافرين قال: و لم؟ قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة و قبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله و حكم رسوله صلي الله علیه و آله و سلم أن جعل لها فدكاً قد قبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها و أخذت فدكاً منها و زعمت أنه فيء للمسلمين، و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) فرددت قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: (البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه) قال: فدمدم الناس و أنكروا و نظر بعضهم إلى بعض و قالوا: (صدق واللَّه علي بن أبي طالب علیه السلام)، و رجع إلى منزله. و للحديث بقية: أخذنا منه موضع الحاجة و كمثال واحد على محو الحق و تعطيل الحدود و سيادة الضلال و الارتياب. و هناك قصص و روايات كثيرة جداً تشير إلى ما حدث...

ص: 163

وَ اسْتَعانَتْ بِالحَقِّ وَ الحَقُّ دِرْعٌ *** مِنْ أمانٍ و صارمٌ مِنْ صَوابِ

رَجَمَتْهُمْ بِالمُخْزياتِ فَابُوْا *** وَ هُمْ يَحْمِلونَ سُوء المآبِ

حُجَجٌ كَالنُّجُومِ يَنْثُرُها الحَقُّ *** وَ يَرْمِي الشَّهابَ اثْرَ الشَّهابِ

فَهيَ إمّا عَقَلَ وَ إما حديثٌ *** جاءَ عَنْ نَصْ سُنَّةٍ أَوْ كِتَابِ

فتهاوَتْ أخلامُهُمْ كَصُروحٍ *** شادَها الوَهْمُ عالياً في السَّرابِ

أهٍ لَوْلا ضَعْفُ النُّفُوسِ لَمَا *** اسْتَرجَعَ رَكْبُ الهُدى عَلَى الأَعْقَابِ

وَ لَمَا عَادَتِ الْإِمارةُ لِلْقَوْمِ *** وَ حَازوا إمامةَ المِحْرابِ

وَ اسْتَفَرْتْ هَوْجُ الْعَواصِفِ لَمّا *** قابَلَتْها سِياسَةُ الْإِرْهابِ

لاخطابٌ مِنْ عَاذِل لا جَوابٌ *** عَنْ سُؤال لاهَجْمَةٌ مِنْ عِتابِ

وَ مُذِ انْهَارَتِ الرِّجالُ وَ عَادوا *** بِتُلول مِنْ خِزْيِهِمْ وَ رَوَابِي

وَ اخْتَفَى النَّصُّ بالوَلايةِ لَمّا *** أَظْهَرَ الكَيْدُ فِكْرَةَ الانتِخَابِ(1)

ص: 164


1- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص116 عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن أبي رافع قال: إني لعند أبي بكر إذ طلع علي و العباس يتدافعان و يختصمان في ميراث النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم، فقال أبوبكر: يكفيكم القصير الطويل -يعني بالقصير علياً علیه السلام و بالطويل العباس- فقال العباس: أنا عم النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و وارثه، و قد حال علي بيني وبين تركته. فقال أبوبكر: فأين كنت يا عباس حين جمع النبي صلي الله علیه و آله و سلم بني عبد المطلب و أنت أحدهم فقال: (أيكم يوازرني و يكون وصيّي و خليفتي في أهلي ينجز عدتي و يقضي ديني) فأحجمتم عنها إلا علي علیه السلام، فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم هلال الاول: أنت كذلك؟ فقال العباس: فما أقعدك في مجلسك هذا تقدمته و تأمرت عليه؟ قال أبوبكر: اعذروني يا بني عبد المطلب. و روي في ص115 من نفس الكتاب عن أبي قحافة أنه كان بالطائف لما قبض رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم لأبي بكر فكتب ابنه إليه كتاباً عنوانه (من خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلى أبي قحافة. أما بعد فإن الناس قد تراضوا بي فإني اليوم خليفة الله فلو قدمت علينا كان أقرلعينك). قال: فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول صلي الله علیه و آله و سلم: ما منعكم من علي علیه السلام؟ قال: هو حدث السن و قد أكثر القتل في قريش و غيرها و أبوبكر أسن منه. قال أبوقحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر، لقد ظلموا علياً حقه و قد بايع له النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أمرنا ببيعته. و لعل الذي يؤكد ذلك ما رواه الطبري. و في صحيح البخاري في مناقب أبي بكر: أن أبابكر قال للأنصار في اجتماع السقيفة: نحن الأمراء و أنتم الوزراء و هذا الأمر بيننا و بينكم نصفاً من كشف الأيلمة -يعني الخوطة- و في شرح ابن أبي الحديد ج1 ص128: قال عمر يوم السقيفة: من بايع أميراً من غير مشورة المسلمين فلابيعة له و لابيعة للذي بايعه.

أَوْقَدَ الغَدْرُ في السَّقيفةِ ناراً *** عَلَقَتْ في مواكبِ الأَحْقَابِ

وَ تَلاشَى (الغَديرُ) إلا بقايا *** تَتَرامى بِها بُطونُ الشُّعَابِ(1)

ص: 165


1- إشارة إلى انقلاب القوم و اجتماعهم في سقيفة بني ساعدة فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص94 في حديث طويل عن أبي المفضّل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقات. قال: و بايع جماعة الأنصار و من حضر من غيرهم، و علي بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما فرغ من ذلك و صلى على النبي صلي الله علیه و آله و سلم و الناس يصلون عليه من بايع أبا بكر و من لم يبايع جلس في المسجد، فاجتمع عليه بنو هاشم و معهم الزبير بن العوام و اجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان و بنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف، فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبوبكر و معه عمر و أبوعبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم خلقاً شتی قوموا فبايعوا أبابكر فقد بايعته الأنصار و الناس، فقام عثمان و عبد الرحمن بن عوف و من معهما فبايعوا و انصرف علي و بنوهاشم إلى منزل علي و معهم الزبير. قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممن بايع فيهم أسيد بن حصين و سلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين، فقالوا لهم: بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس، فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العقور فاكفونا شره، فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره و أحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم و مضوا بجماعتهم إلى أبي بكر، فلما حضروا قالوا: بايعوا أبابكر فقد بايعه الناس، وايم اللَّه لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف. فلما رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق ممن حضروا إلا علي بن أبي طالب علیه السلام فقالوا له: بايع أبابكر. فقال علي علیه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه و أنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار و احتججتم عليهم بالقرابة من الرسول و تأخذونه منّا أهل البيت غصباً، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم، ألمكانكم من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأعطوكم المقادة و سلّموا لكم الإمارة، و أنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، أنا أولى برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حياً و ميتاً، و أنا وصيه و وزيره و مستودع سره و علمه و أنا الصديق الأكبر و الفاروق الأعظم أول من آمن به و صدّقه، و أحسنكم بلاءً في جهاد المشركين و أعرفكم بالكتاب و السنة، و أفقهكم في الدين، و أعلمكم بعواقب الأمور و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وَ تَوالَتْ مَنَاظِرٌ مُؤلِماتٌ *** مَثَلَتْها عَدَاوَةُ الأَصْحَابِ

مِنْ هُجُومِ الأَرْجاسِ بِالنَّارِ كَيْ *** تُحْرِقَ بَيْتَ الأَكارِمِ الأَطيَابِ

وَ انْكِسَارُ الضّلْعِ المُقَدِّسِ بِالضَّغْطِ *** وَ سِقْطُ الجَنِينِ عِنْدَ البابِ(1)

ص: 166


1- إشارة إلى هجوم القوم على بيت الإمام علي علیه السلام فقد روي في كتاب العوالم ج2/11 . ص558 عن كتاب سليم بن قيس ص35 في حديث طويل، فلما كان الليل حمل علي علیه السلام فاطمة علیها السلام على حمار و أخذ بيدي ابنيه الحسن و الحسين علیهما السلام فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا أتاه في منزله فناشدهم الله حقه و دعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة، فإنّا حلقنا رؤوسنا و بذلنا له نصرتنا و كان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس إيّاه و تركهم نصرته و اجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له و تعظيمهم إياه، لزم بيته فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا و قد بايع، غيره و غير هؤلاء الأربعة، و كان أبو بكر أرقَّ الرجلين و أرفقهما و أدهاهما و أبعدهما غوراً، و الآخر أفظهما و أغلظهما و أجفاهما، فقال له أبوبكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذاً، و هو رجل فظَّ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب فأرسله إليه و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن على علي علیه السلام فأبى أن يأذن لهم. فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما جالسان في المسجد و الناس حولهما، فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا فإن أذن لكم، و إلا فادخلوا (عليه) بغير إذن، فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة علیها السلام: أُحرّج عليكم أن تدخلوا عليَّ بيتي بغير إذن فرجعوا و ثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت:كذا و كذا فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء!! ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناها علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: والله لتخرجن يا علي علیه السلام و لتبايعنّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و إلا أضرمت عليك (بيتك) النار فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر، أما تتقي الله تدخل عليّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل، فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه، يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم، فرفع عمر السيف -و هو في غمده- فوجاً به جنبها فصرخت یا أبتاه! فرفع السوط فضرب به ذراعها إلى آخر ما حدث. و في كتاب العوالم ج11/ 2 ص556 عن سلمان الفارسي (رضي الله علیه) فكما في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و بادر علي علیه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبوبكر إلى قنفذ: اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام. الحديث طويل أخذنا منه أخذنا منه موضع موضع الحاجة.

وَ انْتِزَاعُ الوَصِي سَحْباً مِنَ الدَّارِ *** بِنَبَارِ ثَوْرَةِ الأعصابِ(1)

وَ اغْتِصَابُ الحَقِّ الصَّرِيح جهاراً *** بِاخْتِلافِ الأغذارِ لِلاغْتِصَابِ(2)(3)

ص: 167


1- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 في حديث طويل. ثم انطلق بعلي علیه السلام يعتل عتلاً حتى انتهى به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبوعبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل و المغيرة بن شعبة و أسيد بن حضير و بشير بن سعد و سائر الناس حول أبي بكر.
2- لعل مما يشير إليه ما في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص41 في حديث طويل عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: ثم أقبل عليهم علي علیه السلام فقال: يا معشر المسلمين و المهاجرين و الأنصار أنشدكم الله أسمعتم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعل الله يقول يوم غدير خم كذا و كذا، فلم يدع علیه السلام شيئاً قاله فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم علانية للعامة إلَّا ذكرهم إيَّاه، قالوا: نعم، فلما تخوّف أبوبكر أن ينصره الناس و أن يمنعوه، بادرهم، فقال: كل ما قلت حق، قد سمعناه بآذاننا و وعته قلوبنا ولكن قد سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول بعد هذا: إنا أهل بيت علیهم السلام اصطفانا الله و أكرمنا و اختار لنا الآخرة على الدنيا و إن اللَّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة صلي الله علیه و آله و سلم و الخلافة. فقال علي علیه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم شهد هذا معك؟ فقال عمر: صدق خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد سمعته منه كما قال و قال أبوعبيدة و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل: قد سمعنا ذلك من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال علي علیه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاقدتم عليها في الكعبة. إن قتل الله محمداً صلي الله علیه و آله و سلم أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت علیهم السلام فقال أبوبكر: فما علمك بذلك ما أطلعناك عليها؟ فقال علیه السلام: أنت يا زبير و أنت يا سلمان و أنت يا أباذر و أنت يا مقداد أسألكم بالله و بالإسلام، ما سمعتم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول ذلك، و أنتم تسمعون أن فلاناً و فلاناً -حتى عدهم هؤلاء الخمسة- قد كتبوا بينهم كتاباً و تعاهدوا فيه و تعاقدوا على ما صنعوا؟ فقالوا: اللهم نعم قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول ذلك لك أنهم قد تعاهدوا و تعاقدوا على ما صنعوا و كتبوا بينهم كتاباً إن قتلت أو مت أن يزووا عنك هذا يا علي علیه السلام، قلت: بأبي أنت و أمي يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فما تأمرني إذا كان ذلك أن أفعل؟ فقال لك: إن وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم و نابذهم و إن أنت لم تجد أعواناً فبايع و أحقن دمك. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3- من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام، ص146.

(34) قبض النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ محمد جمعة الكويتي(*)(1)

قَلْبي يُقِلُ أسّى طَما أهْدابي *** وَ يَسِيخُ مَتْنِي كارِها أَثوابي(2)

ص: 168


1- (*) هو الشيخ محمد ابن الحاج جمعة بن عبد الرضا الكويتي. ولد في الكويت سنة (1971م). نشأ و ترعرع في ظل أسرته و في كنف والديه و قد قاما بتربيته أحسن قيام و غذياه بأخلاقهما الفاضلة فكوّنا منه إنساناً محبوباً فاضلاً. و المترجَم له: أخذ دراسته في مدارس الكويت الابتدائية و المتوسطة و الثانوية، و بعدها اتجه إلى الدروس الحوزوية و ابتدأ في الكويت عند نخبة من أجلاء رجال الدين الأفاضل فدرس عند العلّامة السيد محمد باقر المهري، و عند العالم الفاضل السيد إبراهيم الزنجاني و عند آية الله الشيخ محمد الخاقاني، فكان مجداً في طلب العلم. و لرغبته الشديدة في طلب العلم هاجر إلى قم المشرّفة ليواصل نشاطه الدراسي هناك، فتتلمذ عند السيد جعفر علم الهدى و الشيخ عبد الله اللنكراني و السيد محمد رضا الجلالي و السيد عادل العلوي و الشيخ محمد باقر الإيرواني و السيد مهدي الروحاني. و المترجَم له له رغبة شديدة جداً في ممارسة الخطابة، و قد أخذ يتمرن عليها منذ صغره، و كانت بداياته في سنة (1986م) حتى صلب عوده و سمت منزلته الخطابية، و هو اليوم من الخطباء الناجحين، و قد ذاع صيته و اشتهر ذكره يرقى المنبر بكل جدارة في المناسبات الدينية، كما أحب الشعر وشغف به وابتدأ بقرضه سنة (1989م)، و هو ينظم بالفصحى و الدارج (النبطي). ومن آثاره القيمة: 1- مقتل الحسين علیه السلام برواية أهل السنة. 2- ربيبة الخدر السيدة زينب علیها السلام. 3- الحسين علیه السلام في الوجدان الشعري. 4- ديوان شعر. و له مساهمات في تحقيق الكتب التراثية كأسرار الشهادة و شرح الشافية، و غير ذلك. و لايزال المترجم له يمارس دوره الديني و الثقافي، نرجو له التوفيق و السداد.
2- طَمَا: مَلَأَ. أهدابي: جمع الهُدْبَة و هي شَعَر أشفار العينين. يسيخ: ينخسف.

مِنْ حادِثٍ فَضَ السُّلُوَّ كَابَةً(1) *** وَ أَلَجَّ بِالغِرْبانِ لِلتَنْعَابِ

قَدْ عَمَّني حُزْناً و أَبْكَى مُقْلَتِي *** وَ الوَجْدُ فيهِ قَدْ غَدا جِلْبابي

قُبِضَ النَّبيُّ فَعُودِرَتْ أَبْياتُه *** بِالجَزْلِ وَ النَّيرانِ وَ الأحْطابِ

عَصَرُوا البَتُولَةَ أَسْقَطُوها مُحْسِناً *** اللَّهُ ما اقترفتْ يدُ الأض الأصْحابِ(2)

هَجَمُوا وَ بَابُ البَيْتِ تَشْريفاً له *** قَدْ كانَ جبريلٌ مِنَ الحُجّابِ

هَتَكُوا حِماها وَ اسْتَباحُوا دارَها *** وَ تَجَرَّعَتْ غُصَصاً مِنَ الْأَوْصَابِ(3)

حتّى إذا ما المُطْمَئِنَةُ نَفْسُها *** قبضَتْ قَتِيلةً عُصْبَةِ الأَعْرَابِ

خَرَجَ الوَصِيُّ لِدَفْنِها لَيْلاً كَما *** أَوْصَتْ بِصُحْبَةِ نَيْفٍ أَنْجَابِ(4)

وَ عَلَى شَفِيرِ القَبْرِ صاحَ مُؤنُباً *** وَ دُموعُهُ تَحْكِي صَبيبَ رَبَابِ(5)

ما لي وَقَفْتُ عَلَى القُبورِ مُسَلْماً *** قَبْرَ الحَبيبِ فَلَمْ يَرُدَّ جوابي

أَحَبِيبُ ما لَكَ لا تَرُدُّ جَوابَنا *** أَنَسِيتَ بَعْدِي خِلْةَ الأَحْبَابِ

أحَبِيبُ عَهْداً فَالسُّلُوُّ مُحَرَّمٌ *** قَدْ هَدَّ أركاني مُصابُ البابِ

ص: 169


1- فضّ:كسر أو فرّق. السلو: نسيان الشيء بحيث طابت نفسه عنه و ذهل عن ذكره و هجره.
2- إشارة إلى هجوم القوم على بيت الزهراء علیها السلام و عصرها بين الحائط و الباب مما أدى إلى إسقاط جنينها. راجع كتاب عوالم العلوم ج2/11 ص568 و غيره.
3- الأوصاب: الأمراض و الأوجاع الدائمة و نحول الجسم.
4- إشارة إلى دفن فاطمة الزهراء علیها السلام ليلاً وذلك لوصيتها (سلام الله عليها) بذلك. فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص213، قال ابن عباس (رضي الله عنه) فقبضت فاطمة علیها السلام من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال و النساء، و دهشت الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فأقبل أبوبكر و عمر يعزيان علياً و يقولان له: يا أبا الحسن علیه السلام لاتسبقنا على ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فلما كان في الليل دعا علي علیه السلام العباس و المقداد و سلمان و أباذر و عماراً، فقدم العباس فصلى عليها، و دفنوها، فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام فقال المقداد: قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لاتصليا عليها. الحديث طويل أخذنا منه موضع موضع الحاجة.
5- تحكي: تشبه صبيب رباب: ما يُصَبّ من السحاب الأبيض.

(35) يا باب فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ محمد حسن سميسم (*)(1)

مَنْ مُبْلِعٌ عنّي الزمانَ عِتابا *** و مُقرّعٌ مِنّي له أبوابا؟

و مُذكَّرٌ ما راحَ مِنْ عَهدِ الصِّبا *** لوعاد رائقُ صفوه أو آبا؟(2)

أيَّامَ أَفتَرِشُ النَّعِيمَ أرائِكاً *** و أعبُّ بِالثعرِ الأنيقِ رِضابا(3)

ص: 170


1- (*)هو الشيخ محمد حسن ابن الشيخ هادي بن أحمد ابن الحاج محمد سميسم اللامي الطائي . و قد اشتهرت أسرة آل سمیسم بهذا اللقب لأن جدّها سميسم بن خمير كانت له الزعامة و الإمارة في بني لام و هو الذي نزح من الشام في حدود سنة 902ه و أسس مشيخة بني لام في محافظة العمارة (ميسان) في العراق، ثم انتشروا و تفرَّقوا في مختلف مدن العراق و قد نزح آل سميسم الذين منهم صاحب الترجمة إلى النجف الأشرف منذ قرابة قرن أو يزيد و فيها ولد المترجم له سنة (1279ه_) و نشأ بها فترعرع في مدارسها العلمية و ندواتها الأدبية يرعاه أبوه فتخرّج على أساتذة قديرين في العلوم الحوزوية من نحو و صرف و منطق و معانٍ و بيان و بديع و فلسفة و فقه و أصول و من أساتذته السيد علي الشرع و الشيخ محمد طه نجف و الشيخ علي رفيش. فكان المترجم له، يعد من أصحاب الفضل و الأدب الرفيع و من الشعراء اللامعين. له نوادر أدبية و شعرية جيدة و أكثر شعره في أهل البيت و له ديوان شعر طبع أخيراً باسم (سحر البيان وسمر) الجنان وافاه الأجل في «25» جمادى الأولى سنة (1343ه_) و كان لنعيه رنّة أسف على عارفيه و أبنه جماعة من الشعراء، منهم الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة رائعة.
2- الرائق: الخالص، وراق الماء تردّد و انصب و الريق هو الماء، و سمي بذلك للمعانه، الصفو: النقي الخالص من كل شيء، و في الماء ضد الكدر.
3- الأرائك: جمع أريكة: سرير مزين يضطجع عليه، عب الماء: شربه من غير تنفّس، الثغر: هنا الفم، الأنيق: الحسن، المعجب من أنق الشيء إذا صار أنيقاً.

وَ أَداعِبُ الظَّبياتِ حتّى خِلتَني *** مِن فَرْطِ ما آتي به تَلْعَابَا(1)

يا ويحَ دَهْرِي راحَ يَشْرَعُ لِلأسى *** مِنْ بعد ما ذُقْتُ النَّعِيمَ شَرابا(2)

دَهُرٌ تعامى عن هداهُ كأَنَّه *** أصحابُ أَحْمَدَ أشركوا مُذْ غابا

نَكَصُوا على الأعقاب بعد مماتِهِ *** سَيَرَوْنَ في هذا النكوص عِقابا(3)

سل عنهمُ القُرآنَ يَشْهَدُ فيهِمُ *** إن كنتَ لَمْ تَفَقَهُ لِذاك خِطابا(4)

فكَأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدوا خُمْاً وَ لا *** بَدْراً وَ لاأَحداً وَ لَا الأحزابا(5)

ص: 171


1- الظبيات: جمع ظبية و هي أنثى الغزال تشبه بها النساء التلعاب: الكثير اللعب أو المزاح أو المداعبة.
2- نزع إلى الشيء: ذهب إليه.
3- إشارة إلى قوله تعالى في سورة آل عمران آية 144: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» و في صحيح البخاري ج7 ص208 و ج4 ص94 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لأصحابه: «سيؤخذ بكم يوم القيامة إلى الشمال فأقول: إلى أين؟ فيقال: إلى النار والله فأقول: يا رب هؤلاء أصحابي فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك إنهم لايزالون مرتدين منذ فارقتهم فأقول: «سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي و لاأرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم» نكص على عقبيه: رجع عما كان عليه و الأعقاب جمع عقب و هو مؤخر القدم.
4- الضمير في (عنهم) يعود على معهود نفسي و هم أهل البيت علیهم السلام، فقه: الشيء إذا فهمه.
5- يشير في هذا البيت إلى واقعة غدير خم و تنصيب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم عليا علیه السلام لخليفة في حضور أكثر من ألف من الصحابة و بطولاته في معركة بدر و أحد والأحزاب و خيبر كالشمس في رابعة النهار. و قد ورد عن ذخائر العقبى للمحب الطبري ص74 و في الرياض النضرة ج2 ص190، قال: عن أبي جعفر محمد بن علي علیه السلام قال: نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان أن لاسيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي علیه السلام. و راجع كتاب أميرالمؤمنين علیه السلام لمحمد جواد الشَّرِّي: «إن الذين قتل علي علیه السلام يوم بدر أو شارك في قتلهم عشرون أو اثنان و عشرون و راجع سيرة ابن هشام ج1 ص708-713 و كتاب المغازي للواقدي ج1 ص152، مطبعة اكسفورد تجد عن ذلك الكثير. و عن كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج4 ص20 روى بسنده عن سعيد بن المسيب قال: لقد أصابت علياً علیه السلام يوم أحد ست عشرة ضربة كل ضربة تلزمه الأرض فما كان يرفعه إلاجبرئیل علیه السلام و في كنز العمال ج15 ص126 قال: «لما قتل علي يوم أحد أصحاب الألوية قال جبرئیل علیه السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن هذه لهي المواساة فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إنه مني و أنا منه فقال جبرئيل علیه السلام: و أنا منكما». و في مستدرك الصحيحين ج2 ص32 روی بسنده عن سفيان الثوري عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «المبارزة علي بن أبي طالب علیه السلام لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة». و رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج13 ص19 أيضاً. و أما خيبر ففي صحيح البخاري في باب الجهاد و السير، في باب ما قيل في لواء النبي صلي الله علیه و آله و سلم روى بسنده عن سلمة بن الأكوع قال: كان علي علیه السلام تخلف عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم في خيبر و كان به رمد فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «لأعطين الراية -أو قال: ليأخذن- غداً رجل يحب الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم -أو قال: يحبه الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم- يفتح الله عليه، فإذا نحن بعلي علیه السلام و ما نرجوه، فقالوا هذا علي علیه السلام، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ففتح الله عليه». و رواه مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة في باب من فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام. و راجع البيهقي أيضاً في سننه ج6 ص362، و أبونعيم أيضاً في حليته ج1 ص26: «قال ج6 سلمة: إن مرحباً اليهودي برز إليه مرتجزاً متحدياً فضربه علي ففلق رأسه فقتله و كان الفتح» راجع المستدرك للحاكم ج3 ص28-29. و عن كنز العمال ج6 ص398، قال: عن جابر بن سمرة قال: إن علياً علیه السلام حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون ففتحوها و إنه جرب فلم يحمله إلا أربعون قال: أخرجه ابن أبي شيبة. و الحديث عن ذلك طويل لا يسعه المجال.

وَ بِخَيْرٍ مَنْ راحَ يَرْقُلُ باللَّوَى *** مَنْ قَدْ مَرْحَب مَنْ أَزَالَ البابا(1)

وَ مَنِ اشترى للَّهِ نَفْسَ مُحَمّدٍ *** في نَفْسِهِ لمَّا دُعِي فأجابا(2)

ص: 172


1- اللوى: هو اللواء -بالمد- و هو الراية قد الشيء: إذا قطعه مستأصلاً.
2- ربما أشار بهذا إلى نوم الإمام مكان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم -و فدائه بنفسه- ليلة هجرة الرسول إلى المدينة. قال «تعالى»:«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ» [سورة البقرة الآية 207]. و قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 9 ص123: «و شرى علي نفسه لبس ثوب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم نام مكانه و كان المشركون يرومون رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فجاء أبوبكر و علي نائم قال أبوبكر يحسب أنه نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال له علي علیه السلام: إن نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم قد انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه، فانطلق أبوبكر فدخل معه الغار. قال: و جعل علي يُرمى بالحجارة كما كان يُرمى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو يتصورَّ قد لف رأسه في الثوب لايخرجه حتى أصبح ثم كشف رأسه فقالوا إنك للئيم كان صاحبك نرميه و لايتصوّر و أنت تتضوّر و قد استنكرنا ذلك... الخ.

مَنْ في الصّلاةِ يَرى الصَّلاتِ فَرِيضةً *** مَن نال خَاتَمَهُ الثمينَ جَوابا(1)

مَنْ بابُ حِطَّةَ غَيْرُ حَيْدَرَةٍ وَ مَنْ *** لِمَدِينَةِ المختار كانَ البابا(2)

ص: 173


1- الصلات: جمع و هي العطية و الإحسان و هو يشير إلى الحادثة المشهورة في التاريخ من تصدق الإمام علیه السلام بخاتمه و هو راكع في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و نزول قوله «تعالى»: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» [سورة المائدة الآية 55]. و في كتاب التفسير الكبير للرازي قال عن أبي ذر أنه قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء و قال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فما أعطاني أحد شيئاً و علي كان راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى و كان فيها خاتم فأقبل السائل حتى الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: «اللهم إن أخي موسى سألك فقال: «رب اشرح لي صدري» إلى قوله: «أشركه في أمري» [النور الآية 25 و 32]. فأنزلت قرآناً ناطقاً «سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا». اللهم و أنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم نبيك و صفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري و اجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشد به ظهري. قال أبوذر: فوالله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل علیه السلام فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم اقرأ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» [سورة المائدة الآية 55 إلى آخرها] ج12 ص26. و في تفسير الكشاف للزمخشري ج1 ص624 قال: إنها نزلت في علي «كرم الله وجهه» حين سأله سائل و هو راكع في صلاته فطرح له خاتمه. و في تفسير الطبري ج6 ص186 روي بسنده عن غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهداً يقول في قوله «تعالى»:«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام تصدق و هو راكع عن كتاب فضائل الخمسة ج2 ص20.
2- يشير في هذا البيت إلى كون علي و أهل البيت علیهم السلام هم باب حطة و إلى كون علي علیه السلام هو باب مدينة علم النبي فالأول ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج1 ص71 قال: أخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح و كباب حطة في بني إسرائيل. و الثاني: ذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ج9 ص117 قال: عن ابن عباس قال: قال رسول الله الله صلي الله علیه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها فمن أراد فليأته من بابه. و رواه ابن حجر العسقلاني في كتابه تهذيب التهذيب ج6 ص320 و ج7 ص427، عن ابن عباس، أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها... الخطة: الاسم من استخطه وزره. أي سأله أن يحط عنه وزره و باب خطة هو الباب الذي أمر بنو إسرائيل بدخوله و قيل هو الباب الثامن من بيت المقدس قال «تعالى»: «وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ» [سورة البقرة الآية 58] أي: ادخلوا الباب و اسجدوا لله شكراً و اطلبوا من الله أن يحط عنكم ذنوبكم. و قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: (إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له): أخرجه الطبراني في الأوسط والنبهاني في الأربعين و قال الإمام الباقر علیه السلام: (نحن باب حَّطتكم) التبيان ج1 ص263.

عَجَباً لِقَوْمٍ، أَخَروا مِقْدامَهُمْ *** بَعْدَ النبي و قدَّموا الأذنابا

قد أضمروها لِلْوَصيَّ ضَعَائِناً *** مُذْ دَخرَجُوها للنبيِّ دِبابا(1)

ليُنفّروا العَصْباءَ عَن درب الهُدى *** حَتَّى يَعُودَ الدِّينُ بَعْدُ يَبابا(2)

نَسَبُوا لَهُ هَجْراً لِخَوْفِ كِتابِهِ *** فَكَأَنَّهُم لايَسْمَعُونَ كِتابا(3)

ما كانَ يَنْطِقُ عَنْ هَواهُ وَ إِنَّما *** وَحْيٌ لَهُ يُحْيِي النَّبِيَّ خطابا(4)(5)

ص: 174


1- الضغائن جمع ضغينة و هي الحقد الدباب في الحقد الدباب: في الأصل هي صفة لمشية الناقة الكثيرة لأنها تدبّ دبيباً. و دبّ دبيباً: مشى على هيئته و لم يسرع و الدباب: جمع دبة، و هي الفعلة الواحدة من الدبيب.
2- نفرت الدابة: شردت و جزعت و العضباء: الناقة أو الشاة المشقوقة أذنها و الأعضب: من لا أخ له أو من لاناصر له، و المؤنث: عضباء، و هي هنا للكناية فتأمل، و العضباء ناقة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في البيت إشارة إلى تآمر بعض الصحابة على علي في زمن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ففي روضة الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام في قوله «تعالى»: «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ» [سورة المجادلة، الآية 7] قال: نزلت في فلان و فلان و أبي عبيدة الجراح و عبد الرحمن بن عوف و سالم مولى أبي حذيفة و المغيرة بن شعبة حيث كتبوا الكتاب بينهم و تعاهدوا و تواثقوا لئن مضى محمد لا تكون الخلافة في بني هاشم و لاالنبوّة أبداً فأنزل الله فيهم هذه الآية. الكافي ج8 ص179-180 كتاب الروضة.
3- الهجر الهذيان في النوم أو المرض، و أشار بهذا إلى الحادثة المعروفة عند مرض الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الذي مات فيه. و قول عمر بن الخطاب حين أمرهم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن يأتوا له بدواة و قلم ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً. فقال عمر كلمته المشهورة إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم ليهجر أو هجر، انظر صحيح البخاري ج1 ص279 و كتاب النهاية في غريب الحديث و الأثر ج4 ص255.
4- يشير في هذا البيت إلى قوله «تعالى»: «وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا يوحي» (3-4) من سورة النجم. و هو جواب لقولة عمر المشهورة و نسبة الهجر لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
5- و هذه أبيات ثلاثة نظمها الخطيب الشيخ جعفر الهلالي لإكمال فكرة القصيدة يقول فيها: و أمض ما يدمي الفؤاد من الأسى *** و يذيب من صم الصخور صلابا لما على بيت النبوة أقبلوا *** ظلماً كأن لهم بذاك طلابا عصروا ابنة الهادي و رضُّوا ضلعها *** لما عليها القوم ردّوا البابا

يا باب فاطِمَ لاطَرِقْتَ بِخِيفَةٍ *** وَ يَدُ الهُدَى سَدَلَتْ عَلَيْكَ حِجابا(1)

أَوَلَسْتَ أنتَ بكل آن مَهْبَط *** الأمْلاكِ فِيكَ تُقَبلُ الأعتابا(2)

أَوْهِ عَلَيْكَ فَمَا اسْتَطَعْتَ تَصُدُّهُم *** لما أتَوْكَ بَنُو الصَّلالِ غِضَابا(3)

نَفْسِي فِداكَ أَمَا عَلِمْتَ بِفَاطِمٍ *** وَقَفَتْ وَ رَاكَ تُوَبِّحُ الأَصْحَابَا(4)

أوَ ما رَفَقْتَ لِضِلْعِها لَمَّا انْحَنَى *** كَسْراً وَ عَنْهُ تَزْجُرُ الخِطَابا

أَوَ مَا دَرى المِسْمارُ حِينَ أَصابَها *** مِنْ قَبْلِهَا قَلْبَ النّبِيِّ أصابا

عتبى عَلَى الأغتاب أُسْقِطَ مُحْسِنٌ *** فيها وَ مَا انْهَالَتْ لِذاكَ تُرابا(5)

حتَّى تُوارِيهِ لِئَلَّا تَسْحَق الأَقْدَامُ *** مِنْهُ أضلُعاً وَ إهابا(6)

هُوَ أَوَّلُ الشُّهَدَاءِ بَعْدَ مُحَمّدٍ *** وَ يُرَى المُصَابَ عَلَى المُصَابِ صَوابا

ص: 175


1- أشار إلى الخوف و الرعب الذي أحدثه القوم حول الباب و إحراقه بالنار و دخول البيت بلا إذن في الوقت الذي كان الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لايدخل إلا بعد أن يستأذن و يسلم على أهل البيت علیهم السلام لأنه كان بيتاً مستوراً بحجاب الإيمان و الهدى.
2- في كتاب البحار ج43 ص78 ح65: عن أبي عبد الله علیه السلام يقول: إنما سميت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران علیها السلام فتقول: يا فاطمة علیها السلام: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» [سورة آل عمران الآيتان 42 و 43] فتحدّثهم و يحدّثونها فقالت لهم ذات ليلة أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم علیها السلام كانت سيدة نساء عالمها و إن الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها و سيدة نساء الأولين والآخرين.
3- أوه: مصدر من آه إذا شكا و توجع.
4- في كتاب سليم بن قيس ص208: ثم نادى يعني عمر يا بن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: ما لنا و لك ألا تدعنا و ما نحن فيه؟ قال: افتحي الباب و إلا أحرقناه عليكم. فقالت: يا عمر أما تتقي الله «عز وجل» تدخل عليَّ بيتي و تهجم على داري؟ فأبى أن ينصرف».
5- الأعتاب:جمع عتبة، و هي أسكفة الباب أو الدرجة الأولى منه.
6- الإهاب: الجلد.

ما اسْطَاعَ يَدْفَعُ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ *** فَمَضى لِأَحْمَدَ يَشْتَكِي الأَصْحابا

لَمَّا عَدَوْا لَلْبَيْتِ عَدُوةَ آمنٍ *** مِن لَيْث غابٍ حين داسوا الغابا

لَوْ يَنْظُرُون ذُباب صارم حَيْدرٍ *** لَرَأَيْتَهُمْ يَتَطايَرونَ ذُبابا(1)

لَكِنَّهُمْ عَلِمُوا الوَصِيَّةَ أَنَّها *** صَارَتْ لِصَارِمِهِ الصَّقيلِ قِرابا(2)

ص: 176


1- ذباب السيف: طرفه الذي يضرب به و يشار إلى ما في كتاب سليم بن قيس ص36: «ثم أمر ناساً حوله -يعني عمر- أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابنيهما علیهم السلام. ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنَّ يا علي علیه السلام و لتبايعنَّ خليفة رسول الله علیه السلام و إلّا أضرمت عليك النار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك فقال: افتحي الباب و إلاّ أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ علیه السلام بيتي. و في ص40 من الكتاب نفسه. و قد كان قنفذ لعنه الله حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه وبين زوجها- و أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها». و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: «و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص109. «انطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن إلى قوله و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها».
2- إشارة إلى وصية الرسول صلي الله علیه و آله و سلم العلي علیه السلام كما في كتاب سليم بن قيس ص154-155 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم العلي علیه السلام: «إن الناس يدعون ما أمرهم الله به و ما أمرتهم فيك من ولايتك و ما أظهرت من محبتّك متعمّدين غير جاهلين مخالفة ما أنزل الله فيك فإن وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم و إن لم تجد أعواناً فاكفف يدك و احقن دمك و اعلم أنك إن دعوتهم لن يستجيبوا لك فلا تدعنَّ أن تجعل الحجة عليك.» إنك يا أخي لست مثلي إنّي قد أقمت حجتك و أظهرت لهم ما أنزل الله فيك و إنه لم يُعلم أني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أن حقي و طاعتي واجبان حتى أظهرت ذلك فإني كنت قد أظهرت حجتك و قمت بأمرك فإن سكتّ عنهم لم تأثم غير أنه أحب أن تدعوهم و إن لم يستجيبوا لك و لم يقبلوا منك و تظاهرت عليك ظلمة قريش. فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم و نابذتهم و جاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى بهم أن يقتلوك و التقية من دين الله و لادين لمن لاتقية له.

فَهُنَاكَ قَدْ جَعَلُوا النَّجادَ بِعُنْقِ مَنْ *** مَدُّوالَهُ يَوْمَ (الغَدِير) رقابا(1)

سَحَبُوهُ وَ الزَّهْرَاهُ تَعْدُو خَلْفَهُ *** وَ الدَّمعُ أَجْرَتْهُ عَلَيْهِ سَحابا(2)

فَدَعَتْهُمُ خَلُوا ابنَ عَمِّي حَيْدَراً *** أوِ اكْشِفَن إلى الدعاء نِقابا

حارَبتُمُ الباري وَ آلَ نَبِيْهِ *** وَ عَصَيْتُمُ الأَعْوَادَ و المِحْرابا(3)

وَ نَكَنْتُمُ كَثَمُودَ، هَذا صَالِحٌ *** لِمَ تَسْحَبُونَ الصَّالِحَ الأَوَّابا(4)

ص: 177


1- النجاد: حمائل السيف. و يوم الغدير يوم شهير أشهر من أن يذكر و قد أكمل الحديث به الحجة الجليل صاحب الغدير فجاء بما يشفي الغليل.
2- نقبت النار: اتقدت و النجم: أضاء و كذا النور. و قد جاء في كتاب سليم بن قيس ص209 عن أبان بن عياش في رواية طويلة: «فلما نظر به أبوبكر صاح خلوا سبيله فقال علیه السلام: ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت علیهم السلام نبيكم يا أبابكر بأي حق و بأي ميراث و بأي سابقة تحث الناس إلى بيعتك ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال عمر: دع عنك هذا يا علي علیه السلام فوالله إن لم تبايع لنقتلنك. فقال علي علیه السلام: إذا والله أكون عبدالله وأخا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم المقتول فقال عمر: أما عبد الله المقتول فنعم، و أما أخو رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلا، فقال علي علیه السلام: أما والله لولا قضاء من الله سبق و عهد عهده إليَّ خليلي لست أجوزه لعلمت أينا أضعف ناصراً و أقل عدداً و أبوبكر ساكت لايتكلم -الخ. و في كتاب الإمامة و السياسة ج1 ص14 قولها لأبي بكر: والله لأدعون اللَّه عليك في كل صلاة أصليها و قولها: «والله لو لم تكفَّ عنه تعني علياً لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي». راجع كتاب البحار ج8 ص339 أيضاً.
3- و لعل ما ورد في كتاب مسند أحمد ج2 ص442. «عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: نظر النبي صلي الله علیه و آله وسلم إلى علي و الحسن و الحسين و فاطمة علیهم السلام فقال: أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم» يشير إلى بعض ذلك.
4- يشير الشاعر إلى نكث القوم البيعة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حيث بايعه في غدير خم من مئة ألف شخص و لم يكتفوا بذلك بل حاربوهم و آذوهم. و يشبُّه الشاعر هنا الإمام علياً علیه السلام بصالح النبي صلى الله عليه و آله و سلم الذي عقروا ناقته و نكثوا عهده، قال الله تعالى في كتابه الكريم: «فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» سورة الأعراف [الآية 77].

رَجَعُوا إِلَيْهَا بالسياطِ لِيُخْمِدوا *** نُورَ النّبيِّ السَّاطِعَ الثّقابا(1)

فَتَهَا فَتُوا مِثْلَ الفِرَاشِ وَ نُورُهَا *** قَدْ صارَ دونَهُمُ لَهَا جِلبابا(2)

ص: 178


1- في هذين البيتين إشارة إلى ما ذكره سليم بن قيس في ص208 عن أبان بن عياش في رواية طويلة: ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم، فوثب علي بن أبي طالب علیه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه و وجأ أنفه و رقبته وهم بقتله فذكر قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و ما أوصاه به من الصبر و الطاعة فقال له: والذي كرّم محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالنبوة -يابن صهاك- لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي. فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار و سلَّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة علیها السلام فحمل عليه بسيفه فأقسم على علي علیه السلام كف.
2- دیوان سحر البيان و سمر الجنان ص164.

(36) من قذ مرحباً؟

(بحر الكامل)

الشيخ محمد حسن سميسم (*)(1)

تخميس الشيخ قيس العطار

و قد خمّس القصيدة السابقة للشيخ سميسم الشيخ قيس العطار.

ذهب الشبابُ فما رأيتُ شبابا *** و بقيتُ أنظرُ شَيْبَتِي مرُتابا

و سألتُ نفسِي لم تردّ جوابا *** «مَنْ مُبْلِغْ عنّي الزمانَ عِتابا

و مقرّع مني له أبوابا»

أُفِّ لدهر كيف شاءَ تَقَلُّباً *** بالموجعات فلمْ يدَعْ لي مَهْرَبا

من مُرجعٌ لي من شَبابي الأطْيَبا *** و مذكَرُ ما راح من عهدِ الصِّبا

لو عادَ رائقُ صفوهِ أو آبا»

لجمعتُ من بيضِ الوجوهِ ملائكاً *** و لصُغتُ من صُفْرِ الرمالِ سبائكاً

و أعدتُ شيب الرأس أسودَ حالكاً *** أيام أفترشُ النعيمَ أرائكاً

و أعبُّ بالثغرِ الأنيقِ رِضابا»

***

ص: 179


1- (*)مرت ترجمته في القصيدة السابقة.

يا ليتَهُ عادَ الشباب و ليتني *** يوماً أعودُ لبيتِ حلِمي أبتِني

أيامَ كنتُ ورودَ عشقٍ أَجْتَنِي *** «و أداعب الظبياتِ حتّى خلتنِي

من فرطِ ما آتي به تلعابا»

***

قضيتُ بين «العل» عمري أو «عسىَ» *** و تركتُ ما قد كانَ لهوي بالنسا

دهري عَلَيَّ بُعيدَ تحنانٍ قسا *** «یاویح دهري راح يَنزعُ للأسى

من بعدما ذقتُ النّعيمَ شرابا»

***

قلبي عليلٌ لايفارِقُ أَنَّهُ *** مما عليه الدهر ظُلماً سَنَّهُ

ماذا ترجَّي قَيْسُ ويحكَ إِنَّهُ *** «دهرٌ تعامى عن هداهُ كأنَّهُ

أصحابُ أحمدَ أشركُوا مذ غابا»

***

قدبيَّتُو اللغدرِ عندَ حياتِهِ *** و تنكروُا ظلماً لحقِّ ولاتِهِ

نعساً لهُم لمْ يوعظُوا بعظاتِهِ *** «نکَصُوا على الأعقابِ بعد مماتِه

سَيَرَون في هذا النكوص عقابا»

***

عن أن يَرَوا شمس الحقيقةِ أظلمُوا *** لم يعرفِ الإسلامَ قلبٌ منهُمُ

لا تسألنّي ويكَ عنهم من هُمُ *** «سل عنهُمُ القرآن يشهدُ فيهمُ

إن كنتَ لم تفقهْ لذاكَ خطابا»

***

صبَّ الإلهُ عليهمُ سوطَ البلا *** و أحلَّهُم درك الجحيمِ الأسَفْلا

ص: 180

جحدُوا وصيَّ محمّدٍ حقّ الولا *** «فكأنّهم لم يشهَدوا خُمَّا و لا

أحُداً و لابَدراً و لاالأخزابا»

***

سلهُمْ ببدرٍ من عليهم قد هَوى *** و بيومِ أُحدٍ مَن أكفَّهُمْ لَوّى

و سل ابنَ ودَّ من لمهجتِهِ احتوى *** «و بخيبرٍ من راحَ يرفلُ باللوا

من قدّ مرحبَ من أزالَ البابا»

***

سلهُم أَلَمْ يكُ في الحُروب بأوحَدِ *** و بذي الفَقار يصوُلُ صولةَ محردِ

من غيرُهُ بالبُردِ فدّى مرتدِ *** «و من اشترى اللَّه نفس محمّدِ

في نفسهِ لمّا دُعي فأجابا»

***

سَل من بها ذهبُوا هناكَ عريضةً *** و قلوبُهُم رجفتْ تطيرُ مريضةً

و سلِ الأُلى كنزُوا الكنوزَ ربيضةً *** «مَن في الصلاةِ يَرى الصِلاتِ فريضةً

من نال خاتمُهُ الشريفُ جوابا»

***

من غيرُ حيدرةِ الإمامِ المؤتمنْ *** كان المحطّمَ عندَ مكّة للوثنْ

من ألفُ بابٍ للمعارفِ قد ضمَن *** «من بابُ حطةَ غيرُ حيدرةٍ و مَنْ

لمدينةِ المختارِ كانَ البابا»

***

نصبُوا الوضيعَ ابن الوضيعِ أمامَهم *** و على الظهورِ تحمَّلوا آثامَهُم

بُعداً لقومٍ ضيَّعوا أحلامَهُم *** «أعجبت ممن أخَّروا مقدامَهُم

بعد النبيّ و قدَّموا الأذنابا»

***

ملأوا القلوبَ من الغديرِ دَفائناً *** و تواطؤوا في أن يولُّوا خائناً

ص: 181

كتبُوا صحيفتَهُم تضجُّ شوائناً *** «قد أضمرُوها للوصيّ ضغائناً

مذ دحرجوُها للنبيِّ دبابا»

***

قدبيَّتُوهاخطةً فيها الردَّى *** متلثمين و واطؤُوا كُلَّ العِدى

صعدُوا لهرشي و هي شاسعةُ المدى *** «لينفِّروا العضباءَ في قطبِ الهدى

حتَّى يعودَ الدينُ بعدُ يبابا»

***

وثبُوا بمكرِهِمُ على محرابِهِ *** و سقَوْهُ سُمّاً قاتلاً من صابهِ

قالوا: لَيَهْجُرُ، و النبيُّ لِمابِهِ *** «نسبُوا له هجراً لخوفِ کتابهِ

فكأنّهم لايسمعُون كتاباً»

***

تلك النفوسُ المظلماتُ لها العمى *** من كُلِّ وغدٍ كالظّلامِ تجهَّما

أو ما تلُوا فيه قُراناً محكما *** «ماكان ينطقُ عن هواه وإنّما

وحيٌ يحيى لهُ النبيّ خطابا»

***

لُعنتْ جماعتُهُم بشرِّ سقيفةٍ *** قتلُوا البتولةَ و هي جِدُّ أسيفةٍ

هجمُوا على بابٍ هناك منيفةٍ *** «يا بابَ فاطمَ لاطُرقتَ بخيفةٍ

ويدُّ الهدى سَدَلت عليكَ حجابا»

***

يا بيتَ حامي الجار حيدرةً البطلْ *** النّورُ نورُ اللهِ فوقكَ قد هَطَلْ

إبليسُ كيفَ عليكَ مجترئاً أطلْ *** «أَوَلستَ أنت بكل آنٍ مهبطَ

الأملاكِ فيكَ تقبِّلُ الأعتابا»

***

ص: 182

يا بابَ مالَكَ لم تكنْ لتردَّهُمْ *** عن آلِ أحمدَ حينَ غُيِّب جدُّهُمْ

هجمُوا جموعاً ليسَ يحصى عدّهم *** «أوهاً عليك فما استطعتُ تصدُّهُمْ

لمّا أتوكَ بنُو الضلالِ غضابا»

***

و لقد سألتُ سؤال شَخصٍ عالِمِ *** یا بابُ حسبُك من عظيم جرائمٍ

كيف اندفعتْ بكفّ رجسٍ ظالمٍ *** «نفسي فداك أما علمتَ بفاطمٍ

وقفتْ وراك توبّحُ الأصحابا»

***

أَوَمَا كفاك عتيق منهُم ما جنى *** و ابن الوليدِ و قنفذُ ابن الفرتني

أوما كفاكَ قتلتَ ويحكَ محسناً *** «أو ما رققتْ لضلعِها لمّا انحنى

كسراً و عنه تزجُرُ الخطّابا»

***

صاحتْ فما سمعَ الشقيُّ خطابَها *** و بضربةِ السوطِ اللعين أجابَها

هبْ سوطَهُم لم يدرِ كيفَ ألابها *** «أو ما درى المسمارُ حين أصابها

من قبلِها قلبُ النبيّ أصابا»

***

فلتبكِ للزهراءِ منّا أعينٌ *** فالرزءُ رزءٌ للخليقةِ مُحزنٌ

سقطَ الجنينُ و ليس ثمَّ مكفِّنٌ *** «عتبي على الأعتاب فيها محسنٌ

ملقّى و ما انهالتْ عليهِ تُرابا»

***

يا بابَ مالكَ قد قرحتَ لنا المُقَلْ *** حين ابنُ حنتمةٍ لمحسن قد قَتلْ

ص: 183

ملا استَحَلْتَ لهُ تراباً أو أقَلْ *** «حتى تواريه لئلّا تسحقُ

الأقدامُ منه أضلعاً و إهابا»

***

قد غيِّبُوا بالقتلِ عترةَ أحمدِ *** كم فرقدٌ منهم أُغيب و فرقدِ

لهفِي لسقطٍ سيّدٍ مستشهدِ *** «هو أوّلُ الشهداءِ بعدَ محمّدِ

و یرى المصابَ على الصواب صوابا»

***

لما رأى الثانِي و سافل جُرمهِ *** و عتيقاً الملعونَ قاءَ لسمِّهِ

رَفَضَ الحياةَ ملفّعاً من دمَّهِ *** «ما اسطاعَ يدفعُ عن أبيهِ و أمّهِ

فمضى لأحمدَ يشتكي الأصحابا»

***

جدّاهُ أشكُو من قديم ضغائنٍ *** بصدورهمْ كانتْ كسلِّ كامِنِ

رجعوُا على الأعقاب ردّةَ خائنٍ *** لمّاعَدَوا للبيت عدوة آمنٍ

من ليث غابٍ حين داسُوا الغابا»

***

خانُوا الوصيَّ بشرِّ غدرٍ مضمَرٍ *** يا قُبِّحوا تعساً لهم من معشرٍ

والله لو نظرُوا لليثٍ مصحِرِ *** «لوينظِرِونَ ذبابَ صارمِ حيدرٍ

لرأيتهُم یتطايرون ذبابا»

***

أعليٌّ الكرّارُ يسمعُ أَنَّها *** و يرى السياطَ السودَ تؤلمُ متَنْها

لولا الوصيةُ كانَ زَلْزَلَ ركنّها *** «لكنّهم علَمُوا الوصيّةَ أنّها

صارت لصارمِهِ الصقيلِ قِرابا»

***

و ثبُوا على هارونَ و هو الممتحنْ *** و أبوفصيل كانَ عجلُهُم الوثَنْ

ص: 184

علمِوُا الوصيةَ قُيّدت لأبي الحسن *** «فهناكَ قد جعلُوا النجادَ بعنقِ مَنْ

مدُّوا لهُ يومَ الغديِرِ رقابا»

***

علمُوا عليّاً لا يجرِّدُ سيفَهُ *** فطغى عتيقٌ ثمّ أرسل جِلفَهُ

آهٍ لرزءٍ لستُ أبلُغُ وصفَهُ *** «سحبُوهُ و الزهراءُ تعدُو خلفَهُ

و الدمعُ أجرتهُ عليهِ سحابا»

***

ركضتْ تَعَثَّرُ بالدِّيولِ تعثراً *** من مقلتَيْها الدمعُ يجري أبحراً

صاحتْ لتُسْمِعَ حين صمُّوا معشراً *** «فدعتهم خلُّوا ابن عمّي حيدراً

أو أكشِفَنَّ إلى الدعاءِ نقابا»

***

سرعانَ ما خنتُم أبي بوصيّه *** و ثكلتُمُ دينَ الهُدى بعليّهِ

ويلٌ لأوّلِكُمْ و ويلُ دعيِّهِ *** «حاربتُمُ الباري و آل نَبِيّه

و عصيتُمُ الأعوادَ و المحرابا»

***

جئتُم و وجهُكُم قبيحُ كالحٌ *** و الفعلُ منكُم شرُّ فِعْلِ طالِحٌ

فعلام حدتُّم و المعبد واضحٌ *** «و نكثتُمُ كثمودَ، هذا صالحٌ

لِمْ تسحبونَ الصالحَ الأوّابا»

***

صاحتْ أما فيكُمْ حَلِيمٌ برشدُ *** أو ليس منكُمْ للإلهِ مُوَحْدُ

أوليسَ يُرعَى في ذويهِ محمّدُ *** «رجِعُوا إليها بالسياطِ ليخمُدُوا

نورَ النبيِّ الساطعَ النّقَابا»

***

ص: 185

هي عينُ وادي القدسِ ثَمَّ و طُورُهُ *** و شعاعُ نورِ الله حانَ ظهوُرُه

راموا تُهنَّك للنبيِّ ستورُهُ *** «فتهافتُوا مثل الفراشِ و نورُهُ

قد صارَ دونَهُمُ لها جِلبابا»

***

ص: 186

(37) باب الوصي

(بحر البسيط)

الشيخ محمد حسن سميسم(*)(1)

يا خاطِبَ العِزّ و العَلْياءِ في الخُطُبِ *** لاتكْشِف الكَرْبَ حتى تمشِي في الكُرَبِ(2)

كَراكِبِ النَّخْلِ يَعْلُوهُ بِكُرْبَتِهِ *** فَالكَفُّ في رُطَبٍ وَ الرِّجْلُ فِي كَرَبِ

وَ امِشِ إِلى العِزِّ مَشْيَ الليثِ مُقْتَنِصاً *** لامِشْيَةَ الخَوْدِ فِي لَهْوِ وَ فِي لَعِبِ(3)

و كَشِّرِ النّابِ إِن تَغْضَبْ بِقارِعَةٍ *** فَاللَّيْثُ يَبْسِمُ مَهْما حَلَّ في الغَضَبِ(4)

و اضْرِبْ بِكَفِّكَ وَ أَعْدِلْ كُلَّ ذِي عِوَجٍ *** فَالضَّرْبُ لِلْمُجْتَنِي ضَرْبٌ من الضَّرَبِ(5)

واطلُبْ بِنَفْسِكَ أَمْراً دونَهُ قَصُرَتْ **** آمَالُ قومٍ جَرَتْ في حَلْبَةِ الطَّلَبِ

واخْلَعْ جَلابِيبَ ذُلِّ قَدْ رَفَلْتَ بها *** و إنْ تَكُنْ مِنْ دِمَقْسٍ أو من الزَّغَبِ(6)

وَالْبَسْ جَلابِيبَ نَفْع البِيدِ مُتْرَفَةً *** مَنْسُوجَةً بِيمينِ الجُرْدِ و النُّجُبِ(7)

ص: 187


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- الخُطب: جمع خطب: و هو الأمر صَغَر أم كبر و غلب استعماله للأمر العظيم المكروه. و الأصل في جمعه أن يُقال «خطوب» و قد خفّفت الواو و نُطق بها فأبدلت بالضمة للوزن و القافية، الكرب: الغَم الذي يأخذ النفس، أو الحزن و المشقة و الجمع كروب، و كُرَبة: و هي نفس المعنى السابق.
3- الخَوْدِ: جمع خَوْد: و هي المرأة الشابة.
4- كَشَر عن أسنانه: كشف عنها و أبداها و كشّر السَبعُ عن نابه هرَّ للراش.
5- الضَّرب: هنا المِثل و الشَكل، الضَّرَب: العسل الأبيض الغليظ خاصة.
6- الجلابيب: جمع جلباب الملحفة أو القميص الواسع رفل في ثيابه: أطالها و جرّها مُتبختراً، الدمقس: الحرير الأبيض و الديباج، الزّغب: أول ما يبدو من الشعر أو الريش و قيل: الشعيرات الصّفر على ريش الفَرْخ.
7- النقع: الغبار، البيد: جمع بيداء و هي المفازة أو الفلاة، الجُّرد: أجرد و هو من الخيل السِّباق النُجُب: نجيب: و هو الفاضل النفيس و الكريم و النجيب من الخيل و الإبل هي عتاقها التي يُسابق عليها، و هو رأي الأزهري.

و لاتَبِت لَيْلَةً غافٍ على فُرُشٍ *** ما أَهنأَ النَّوْمَ فَوْقَ السَّرْجِ و القَتَب(1)

وَ فَوْقَ رَأْسِكَ بَيْتُ النَّفْع مُرْتَفِعاً *** مُشَيَّداً بِنَواصِي العُمرِ الشُزُبِ(2)

بَيْتُ وَ لَامِثْلُهُ بَيْتٌ بِبَادِيَةٍ *** عَالِ بِلا عَمَدٍ سَامِ بِلا طُنُبِ(3)

رَأسٍ على كُرَةِ الأرباح لا بثرىً *** فلم تَجَدْ فِيهِ مِنْ ذُل و لانَصَبِ(4)

فَالأَرْضُ لاارْتَضِيها مَنْزِلاً و أبي *** فَلَمْ أجِدُ في ثَراهَا موضِعاً لأبي

أَمَا تَرى آل وحْيِ اللَّهِ مذ سُلِبَتْ *** أَزْواحُهم نَزَلُوا فَوْقَ القَنَا السَّلِبِ(5)

إلى أن يقول:

أيَقْتُلُونَ ابْنَ وحْيٍ بينَ عَبْشِهِمُ *** و لانَرَى أُمَوِياً ماتَ بَيْنَ نَبِي

وَلَيْتَ شِعْرِي بِمَنْ سَيْقَتَ نِسَاؤُكُمْ *** حَسْرَى على كلِّ مَهْزُولِ المَطِي نِقَبِ(6)

وَ زَيْنَبُ مُذ رَأَتْ أَشلاءَ أخْوَتِهَا *** مَا بَيْنَ دَامٍ وَ مَنْحورٍ و مُستَلَبِ

قَامَتْ تُخاطِبُهُمْ و العِيسُ(7) قد حُدِيَت(8) *** بِمَدْح آل أبي سفيان بِالغَلَبِ

ص: 188


1- القَتَب: الرحل الذي يُجعل على الإبل.
2- النواصي: جمع ناصية و هي مقدم الرأس أو شعر مقدم الرأس إذا طال، الضُّمَّر:جمع ضامر و هو صفة للحصان و الضَّمرُ: الضامر الهضيم البطن اللطيف الجسم، الشُّزُب: جمع شازب: و هو الضامر من الخيل، و شزب شزباً و شزوباً إذا كان خشناً أو ضامراً يابساً.
3- العَمَد: جمع عماد و هو ما يُسند به، الطُّنب: حَبلِ الخِباء.
4- الأرياح: جمع ريح و تُجمع أيضاً رياح و أرواح، النَّصب: الهَمّ و التَّعَب.
5- القنا: جمع قناة: و هي الرمح، السَّلب: الطويل الخفيف.
6- حسری: جمع حسیر: اکلیل، الضعيف و التّلهف: الحزن على الشيء الفائت و التحسر النَّقب: البعير الرقيق الأخفاف و هي صفة غير مستحسنة عندهم، و النَّقب: جمع نُقبة: و هي أول الجَّرَب.
7- العيس: الإبل البيض يخالط بياضها سواد خفيف و أريد منه في الشعر مطلق الإبل، و الواحد أعيس و الواحدة عيساء جاء في مقتل الحسين للمقرم ص306-307 قال: ...فقلن النسوة. بالله عليكم إلا ما مررتم بنا على القتلى و لمّا نظرن إليهم مقطَّعي الأوصال قد طعمتهم سمر الرماح و نهلت من دمائهم بيض الصفاح و طحنتهم الخيل بسنابكها صحن و لطمن الوجوه و صاحت زينب علیها السلام يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم هذا حسين علیه السلام بالعراء مرمّل بالدماء مقطع الأعضاء و بناتك سبايا و ذريتك مقتلّه فابكت كل عدو و صديق... ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس و رفعته نحو السماء و قالت: الهي تقبّل منّا هذا القربان.
8- حُدِيت: بمعنى سيقت، من حدا الإبل و بالابل: ساقها و غنّى لها فهو حادٍ.

يَا أُخْوَتِي هَلْ رَأَيْتُم قَبْلَ ذَا رَحَلَتْ *** أُخْتٌ و أخوتُها صَرْعَى على الكُثُبِ

فَلَيْتَهُمْ وَقَفُوا حَتَّى أُوَدُعَكُمْ *** حتى أُغَسَلَكُم فِي ادْمُعِي السُكُبِ

فَلَيْتَهُمْ وَقَفُوا حتّى أكَفِّنَكُمْ *** في الصَّبْرِ في جَلَدي في العينِ في الهُدُبِ

فَلَيتَهُمْ وَقَفُوا حَتَّى أُوَارِيَكُمْ *** بينَ التَرَائِبِ لافي التُرْبِ و الرَّحَبِ(1)

وَ لَيْتَ شِعْرِي بِمَنْ قَادُوا عَلَيْكُمُ *** مُقَيَّداً يَشْتَكِي من نَهسَةِ القَتَبِ(2)

وَ لَيْتَ شِعْرِي بِمَنْ أَضْحَى رَضِيْعُكُمُ *** بِسَهْمِهِ رَاضِعاً عن ثَدْي مُحْتَلَبِ

وَ لَيْتَ شِعْرِي بِمَنْ دَاسُوا جُسَومَكُمُ *** بِكُلِّ بِرْذونَةٍ مَعْدومَةٍ النَّسَبِ(3)

لكِنَّ ذَا الأمر من ماضٍ تأسُّسُهُ *** يومَ السقيفَةِ مَبْنِيٌّ على الخَشَبِ

و لم يَكُنْ من بني حَمالَةِ الحَطَبِ *** وَ إنّما أصْلُهُ من حامِلِ الحَطَبِ

مَنْ أَضْرَمَ النّارَ في بابِ الوصيِّ و لَا *** بابٌ سِوَاهُ أتى وحْيٌ به لِنَبِي

لِيَقْلِبَ النّاسَ طُرّاً عن هِدَايَتِهِمْ *** لِأَنَّهُ عَادَ مَقْلُوبَاً عَلَى العَقَبِ

ص: 189


1- الترائب: جمع تَريبة: و هي أعلا الصّدر، و عظام الصّدر.
2- قصد بالعليل: الإمام زين العابدين علي بن الحسين علیه السلام. النهسة: من نهست الحية فلاناً. نهشته و نهس اللحم أخذه بمقدم أسنانه و نتفه. القتب: الرَّحل. و جاء في مقتل الحسين علیه السلام للمقرم/ ص305 قال: حين سيّروا السبايا كان معهم السجاد علي بن الحسين علیه السلام و عمره ثلاث وعشرون سنة و هو على بعير ضالع و قد أنهكته العلة.
3- البرذونة: و البرذون التركي من الخيل التي لا تستحسنها العرب. و نادى ابن سعد: الا من ينتدب إلى الحسين علیه السلام فيوطىء الخيل صدره و ظهره فقام عشرة، فداسوا بخيولهم جسد ريحانة الرسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و اقبل هؤلاء العشرة إلى ابن زياد يقدمهم أسيد بن مالك يرتجز: نحن رضضنا الصدر بعد الظهر *** بكل يعبوب شديد الأسر فأمر لهم بجائزة يسيرة. قال البيروني: لقد فعلوا بالحسين علیه السلام ما لم يفعل في جميع الأمم بأشرار الخلق من القتل بالسيف و الرمح و الحجارة و إجراء الخيل و قد وصل بعض هذه الخيول إلى مصر فقلّعت نعالها و سمّدت على أبواب الدور تبركاً و جرت بذلك السنّة عندها فصار أكثرهم يعمل نظيرها و يعلق على أبواب الدور. ذكرها: الطبري/ ج6 ص161 / مقتل الخوارزمي ج2 ص 39/ الآثار الباقية/ ص 329: كتاب التعجب/ للكراجكي ص46 ملحق بكنز الفوائد.

من ثَدْي فاطمةَ المِسْمارَ أَرْضَعَهُ *** و أَسْقَطَ الحَمْلَ مِنْهَا غَيْرَ مُرتَقِبِ

وَقَادَ حَيْدَرَ قَوْداً في حَمَائِلِهِ *** للهُ مِنْ حِكَمِ للَّهِ مِنْ إِرَبِ(1)

لايُنْقِصُ اللّيْثَ وَطّأ الكَلْبِ غابَتَهُ *** مَنْ يَأْمَن البَطْشِ أبْدَى سَوْءَةَ الأَدَبِ

أَتَعْجَبُ الكُفْرُ أَضْحَى فاتِكاً بِهُدَىً *** فَلَمْ تَزَلْ تُحْدِثُ الأَيَّامُ مِنْ عَجَبِ

سمْعاً بَنِي حَيْدَرٍ مَنْظُومَةً بِكُمُ *** مِنْ ثَغْرِ مَنْ حارَبَ التَبْسِيمَ مُكْتَيْبِ

أعَدَّهَا سَبَباً لِلْعَفُو عِنْدَكُمُ *** وَ عَفْوُكُمْ عَنْ مُوَالِيْكُمْ بِلا سَبَبِ

هَذِي قَصِيدةُ عِنْ كانَ مَطلَعُهَا *** يَا خَاطِبَ العِزّ و العلياءِ في الخُطُبِ(2)

ص: 190


1- و رُوِيَ أيضاً: «سَمْعاً بَنِي أَحْمَدٍ مَنْظُومَةٌ لَكُمُ *** لِأَنَّنِي عَنْ هُدَاكُمْ غَيْرُ مُنْقَلِبِ» وإرّب من أرب فهو أريب: أي عقل و صار بصيراً.
2- دیوان سحر البيان و سمر الجنان ص173.

(38) تنادي أباها

(بحر الطويل)

الشيخ محمد الخليلي

بُلوغُ الأماني في حِدادِ المَضَارِبِ *** وَ نَيْلُ المَعالِي فِي افْتِحَام المعَاطِبِ(1)

ومَا العِزُّ إلا أنْ تَرى المَوْتَ في الظُّبا *** مُنِّى وَ اكْتِسَابَ العِزْ أَسْنَى المَكَاسِبِ(2)

وَ كَيْفَ يَهابُ المَوْتَ مَنْ كانَ عالِماً *** بأنْ لَيْسَ مَنْجى مِنْهُ قَط لِهاربِ

وما المرءُ في الدُّنيا سوى ظِل شاخِصٍ *** تَفَيّا لَمْ تُبْصِرْ بِهِ غَيْرَ ذاهِبِ

كَفَى عِبَراً ماضي القرون أَهَلْ تَرى *** لِطالِبها الدُّنيا صَفَتْ في المَشارِبِ

فَأَيْنَ مُلوكُ الأَرْضِ كِسْرَى وَ قَيْصَرٌ *** وَ جُنْدٌ أَعَدُّوهُ لِرَدُ النَّوائِبِ

أصِخْ هَلْ تَعِي مِنْهُمْ إِذا ما دَعاهُمُ *** لِمُعْضِلَةٍ داعٍ لهمْ مِنْ مُجاوِبِ

وَ أَيْنَ مَبَانٍ شَيَّدُوها وَ أَوْصَدُوا *** جَوانِبَها عَنْ كلّ جاءٍ وَ ذَاهِبِ

تَطرَّقَها صَرْفُ البِلى فَأَبادَها *** فَلَسْتَ ترى مِنْ ذَاكَ غَيْرَ الخَرائِبِ

فَلَوْ كانَ لِلدُّنيا وَفَاءٌ لَما جَنَتْ *** عَلَى آلِ بيتِ الوَحْيٍ خَيْرِ الأطايبِ

رَمَتْ بَيْتَهُمُ بالمُرْجِفَاتِ وَ هَدِّمَتْ *** قواعِدَ ذاكَ البَيْتِ مِنْ كُلِّ جانِبِ(3)

فَلِلْمُصْطَفَى كَمْ جَرَّعَتْ غُصَصَ الْأَسَى *** وَ لِلْمُرْتَضَى كُمْ قَدْ دَهَتْ بالمَصائِبِ

تَرَى الدِّينَ مُنْهَدَّ البناء و طَالَما *** أشادَ مبانيهِ بِحَدِّ المَضارِبِ(4)

ص: 191


1- المعاطب: مواضع الهلاك.
2- الظبا: حد السيف.
3- المرجفات: الفتن.
4- أشار بهذا البيت إلى بطولات و مواقف الإمام علي علیه السلام المشهورة في نصرة الإسلام و الذب عن حرمته في الحروب التي خاضها الإسلام ضد الشرك في حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وضد الناكثين و القاسطين و المارقين بعد حياته حتى قيل: لولا حماية أبي طالب ومال خديجة و سيف علي علیه السلام لما قامت للإسلام قائمة و قد جاء في كتاب الاستراتيجية عند الإمام علي المحمد البستاني ص22-23 في معركة بدر قتل الإمام علي علیه السلام(35) مبارزاً. و في يوم أحد قتل كثيراً من المشركين من بينهم كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة و بقي مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في الفئة القليلة الباقية، بينما فر باقي المسلمين. و یوم الأحزاب برز إلى عمرو بن عبد ود العامري فقتله و قتل آخرين معه. و قتل يوم حنين أربعين رجلاً و فارسهم أبوجرزل . و في غزاة السلسلة قتل السبعة الأشداء. و في بني قريظة ضرب أعناق رؤساء اليهود. و يوم الفتح قتل فاتك العرب أسد بن غويلم. و في حرب خيبر قتل قائدهم وحباً وذا الخمار و عنكبوتاً.

فَلِلَّهِ مِنْ يَوْمٍ دَهَى الدِّينَ وَ الهُدَى *** يُقَادُ بِهِ الكَرَارُ قَوْدَ الجَنَائِبِ(1) (2)

وَمِنْ خَلْفِهِ تَعْدُو سُلالَةُ أَحْمَدٍ *** تُدِيرُ بِطَرْفٍ جَاهِدِ الدَّمْعِ ناضِبِ(3)

تُنَادِي أباها صَحْبُكَ اليَوْمَ أَصْبَحَتْ *** تُطالِبُ أَوْتَارَ السِّنينَ الذَّواهِبِ

وَاَلَتْ بأن تَسْتَأصِلَ الدِّينَ ضَلَّة *** وَ أَهْلِيهِ مِنْ كَهْلٍ وَ شَيْخٍ وَ شائِبِ

وَ لَمْ يَبْقَ مِنْ حامٍ لِشِرْعَةِ أَحْمَدٍ *** وَ لالِحدُودٍ سَنَّهَا مِنْ مُراقِبِ

أَرَادَتْ كما كانَ الوَرى جَاهِلِيَّةً *** تُعِيدُهُمْ رَغماً على كُلِّ غَاضِبِ

وَلَكِنْ قَضَى الباري لِشِرْعَةِ أحمدٍ *** عُلُوّاً و إعزازاً و نَسْخَ المَذاهِب(4)

إلى آخر القصيدة و هي 33 بيتاً.

ص: 192


1- الجنائب: الأفراس التي يسهل انقيادها.
2- عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 عن سلمان (رضي الله عنه) إلى قوله: ثم انطلق بعلي علیه السلام يقتل انتهى به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبوعبيدة ابن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل و المغيرة بن شعبة و أسيد بن خضير و بشير بن سعد و سائر الناس حول أبي بكر إلى قوله قال: فانتهوا بعلي علیه السلام إلى أبي بكر -إلى قوله- قال: و لما انتهوا بعلي علیه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر و قال له: بايع ودع عنك هذه الأباطيل، فقال له علي علیه السلام: فإن لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا: نقتلك ذلاً و صغاراً !!!
3- قد مرت إشارات مفصلة ذلك.
4- شعراء الغري ج1 ص456.

(39) همسة إلى الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

أفاطِمَةُ البَتُولُ وَ إِنَّ قَلْبِي *** تَمَيَّز بالهَوَى بَيْنَ القُلُوبِ

ص: 193


1- (*) هو السيد محمد رضا ابن السيد محمد صادق ابن السيد محمد رضا ابن السيد هاشم الموسوي القزويني. ولد في مدينة مشهد المقدسة سنة (1940م). و كان سبب ولادة السيد المترجَم له في مشهد هو أن والده آية الله السيد محمد صادق القزويني كان يزور إيران إبان الحرب العالمية الثانية برفقة عائلته و احتلت روسيا الجزء الشمالي من إيران و كانت مشهد جزءاً منها، فلم يسمح للسيد بالمغادرة إلى العراق، فولد السيد محمد رضا في مشهد إثر ذلك. و المترجَم له من أسرة عريقة في كربلاء متخصصة بالعلم و الأدب و ممتازة بالتقوى و الصلاح. ترعرع و نشأ في كنف أبيه فأحسن والده تربيته، حيث غرس في نفسه حب الفضيلة و الصلاح. أنهى دراسته القانونية في كربلاء، ثم انتقل إلى الجامعة المستنصرية في بغداد و من ثم تخرج من كلية التجارة عام (1963م) ، ثم انتقل للعمل في سلك البنوك حتى عام (1977م) حيث تحوّل إلى العمل التجاري. شارك بشكل فعّال في الحركة الأدبية في العراق و الكويت و بعض البلاد العربية الأخرى، و كان عضواً في منتدى النشر في النجف الأشرف فهو شاعر رقيق و أديب ذوّاقة، و يعدّ من مشاهير الشعراء و أعلام الأدب، شارك في ندوات أدبية و حفلات دينية و سياسية كثيرة، فكان له قصب السبق و كان أبرزها الحفلات التي أقامتها كربلاء أواخر الستينيات متصدّية لدورها الرِّيادي الديني إزاء تحديات التيارات المنحرفة. عرفته كما عرفه غيري هادىء الطبع لطيف المعاشرة أنيقاً و أحب شيء إلى نفسه الندوات الأدبية له في الشعر طريقة متميزة و أسلوب عذب رقيق، بدأ نظم الشعر و هو فتى لم يتجاوز العاشرة من عمره و قد استنفد شعره في أهل البيت علیهم السلام، و له في غيرهم شعر قليل. و له في الهجاء نمط يكاد ينفرد فيه حيث يجمع بين قوة الشعر و النكتة التي تُضحك الثکلي. و نثبت هنا نموذجاً من نظمه و هو بعيد عن كربلاء أرسلها إلى بعض أصدقائه الشعراء و هو متشوقّ إلى كربلاء المقدسة و هي أبيات من قصيدة طويلة: أحبتي و الهوى الجيّاش في كبدي *** يجرني لفِناكم عبر آهاتي لكلِّ فردٍ أرى في القلب زاويةً *** و موطني نُصب عيني خير مرآةِ لكنَّهُ رغم وسع الدار أنفرني *** و ضاق بي موطئاً حتى لأنّاتِ أشتاق هل تدركون الشوق لا قسماً *** و هل يُصوَّرُ شوقُ بالعباراتِ تلك المرابعُ ما أحلى المقام بها *** ما أجمل العمر فيها بضع ساعاتِ تلك البساتين و الهفاه أرقبها *** و في ضلوعي آثار الممرّات يجري الفراتُ بعيني كلّ أُمسيةٍ *** و وَجْنَتاي له أروى المَصبَّاتِ تلك المرابع لوتاه الغريبُ بها *** لاحت له قببِّ بين المناراتِ تختالُ بالنور في زهو ملوّحةً *** هنا الحسين و أصحاب الكراماتِ هنا ضريح أبي الفضل الذي عجزت *** عن وصف إيثاره أجلى الكتاباتِ و للمترجَم له ديوان شعر ضخم غیر مطبوع ، و هو الآن يقيم في إيران في مدينة مشهد المقدسة.

يُقارعُ في هَواكِ كُلَّ هَوْلٍ *** تَداوَلَهُ صِباهُ إلى المَشيبِ(1)

يُناجِيكِ إذا أضناه أمرٌ *** مُناجاةَ الحَبِيبِ مَعَ الحَبِيبِ(2)

وَ قَدْ عَوَّدْتِ إِيَّاهُ جَواباً *** أَيَجْدُرُ مَرَةٌ أَنْ لا تُجِیبيِ

أَيَقْنَطُ كَيْ يَسُرَّ عِداكِ يَوْماً *** فَإِنَّ جَفَاكِ بالأَمْرِ العَجِيبِ

فلا وَاللَّهِ لا يَنْتَابُ يَأْسٌ *** فؤاداً فيكِ يَنْبُضُ بالوَجيبِ(3)

تَعوَّدَ مِنْ عَطَائِكِ كُلَّ خَيْرٍ *** فَلَمْ يَعْبَأُ بِفَادِحَةِ الخُطوبِ

رَضِينَا أَنْ نُشَرَّدَ عَنْ ديارٍ *** فَوا أَسَفاً عَلَى الوَطنِ السَّليبِ

وَ أَنْ نَحيى بِذِكْركُمُ وَ نُحْيِي *** دياراً بالولاء بِكُلِّ طِيبِ

فَتَنْتَعِشُ الرُّبى وَ تَقولُ يَوْماً *** بأنَّ الفَضْلَ عادَ إلى الغَرِيبِ

ص: 194


1- يقارع: يضارب.
2- أضناه: أضعفه و هزله.
3- الوجيب: رجفان القلب و خفقانه و هو ضرب من السير.

(40) مرايا النبوءات

(بحر الخفيف)

محمد سعيد الأمجد

أي شعرٍ سينفتُ الروح في الشلو، *** فيرمى عن متنهِ الاكتئابا

أي سحرٍ مخبأ في عيونٍ *** تتشظى لتوقدَ الأكوابا

هنا أنا مقفلُ الحرائق في الثلج *** و رؤياي تستحيلُ حِرابا!

لستُ أشكو لغيرِ مقلة ذا البحرِ، *** فتستنفرَ الدموعَ جوابا

و أعاصِي الأمواجَ، فالرملُ عرسٌ *** يهزمُ الليلَ وجهُهُ و الضبابا

أتخطَى حرائقَ الأمِس، خجلى *** أمنياتِي، و استميتُ اغترابا

مثلُ بحارٍ... استوتْ لحظاتي *** قدراً يمنح السفينَ عُبابا

أدلجتْ في معابِر النور روحي *** و تهاوتْ تقبِّل المحرابا

صحتُ و الشعر موسويٌ هواه *** طلقٌ عانق السماء انتسابا

أنا أشواق طائرٍ متعبٍ *** حطِّ على نخلةِ الرجاءِ و آبا

امنحيني -يا حانة الصبح- همساتِ *** حنينٍ، فقد سئمتُ الشرابا

وقفَ القلبُ حائر النبض يستجدي *** سميم الأنفاسِ و الأصيابا

قلق الخطوبين أروقةِ *** الحب.. يغنِّي ويلثمُ الأعتابا

عتَّقَ الشعر في التوجّع كأساً *** فاحتساهُ الضميرُ شهداً وصابا(1)

و أتى غايةَ المرايا خجولاً *** و احتضاراته تثمُّ الرِحابا

ص: 195


1- عتق من عَتَقَ الشيءُ، إذا قَدُمَ و حَسُن الصاب: شجر ،مُرّ ، و قيل هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن.

فاعتراهُ الذهول و القلقُ الأخضرُ *** و الغيبُ ممسكين سحابا

هكذا تنبتُ السمارُ دم الورد، *** فیزهو فوق النضار قبابا

فاغترابُ الآمالِ ظلِّ شفيفُ الروح *** يحكي اغترابَها و العذابا(1)

حينما أُسرجتْ لها الخيلُ تقفو *** رشحاتِ الضياء و الأحبابا

فيراعُ التأريخ يحدُو خطى *** الركبِ ويتلُو فمُ الخلودِ الكِتابا

و سكبتِ الروحّ الزكيَةَ في عرسِ *** حضورِ المدى إليكِ، فغابا!

هذه أنتِ يا مرايا النبوءاتِ، *** فرشّي بالاخضرارِ اليبابا

أنت (معصومةُ) الجَناح، و قلبُ *** الكون يهوي لخفقتيكِ اغترابا

ص: 196


1- الشفيف: الرقيق.

(41) وديعة أحمد صلي الله علیه و آله و سلم

(مجزوء الكامل)

الشيخ محمد علي اليعقوبي (*)(1)

ص: 197


1- (*) الشيخ محمد علي اليعقوبي هو الشيخ محمد علي ابن الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر بن حسين اليعقوبي. ولد في النجف الأشرف في منتصف شهر رمضان سنة (1313ه) و نشأ برعاية والده الخطيب التقي و الواعظ الشهير الشيخ يعقوب. هاجر والده إلى الحلة الفيحاء فنشأ شيخنا اليعقوبي في مستهل صباه و مطلع شبابه في مدينة الأدب و الشعر و بعد أن بلغ التاسعة من عمره. ابتدأ خطواته التعليمية الأولى في مكاتب القرآن الكريم، فتعلم القراءة و الكتابة و كان أستاذه الأول السيد سلمان آل و توت ثم محمد حسن مبارك و لشدة فطنته و ذكائه كان أستاذه يعطيه القطع الشعرية المختارة كهائية الأزري الشهيرة ليحفظها عن ظهر قلب، كما كان والده الشيخ يعقوب يرى في ولده القابلية و الاستعداد و الرغبة في حفظ الشعر، فكان يختار له القصائد و الروائع الأدبية و يوصيه بحفظها ثم لينشدها في المسجد الذي كان يقيم فيه لجماعة العالم الجليل العلامة السيد محمد القزويني على حشد المصلين بعد أداء الفريضة فكان يقوم بذلك بتفوّق حيث كان يرى التشجيع و العناية من السيد القزويني و والده و سائر الناس. و كان لهذا التشجيع الأثر البالغ في نفسه، فأخذ يتردد على محافل العلماء و أندية الأدباء فصقلت تلك الأندية مواهبه و فتّحت أكمام قابلياته و حببت إليه الأدب فانصرف إليه حتى أصبح من أعلامه و أقطابه. كما أخذ المترجَم له دروسه في النحو و الصرف و المعاني و البيان و البديع على يد والده الشيخ يعقوب حتى برع في هذه العلوم، و نظراً لميله الشديد نحو المنبر و الخطابة و الإرشاد و الوعظ أعطاه اهتماماً كبيراً، و كان لمكانة والده في المنبر -حيث كان من الخطباء البارعين- الأثر الكبير في سلوكه مجال الخطابة: بابهِ اقتدى عديِّ في الكرم *** و من يشابه أبه فلما ظلم فكان والده يوليه العناية و الرعاية ليكون خطيباً ناجحاً فكان يهيء له المواضيع الدينية و المحاضرات الأخلاقية و التاريخية ليلقيها على المنبر و قد اختار له قراءة ديواني (الشريف الرضي) و (السيد حيدر الحلي) فعكف على قراءتهما حتى استوعب أغلب شعرهما فكان اليعقوبي يرقى المنبر الحسيني بكل جدارة و قوة و هو في سن مبكرة و في سنة (1329ه_) توفي والده فازدادت ملازمته للسيد محمد القزويني فغمره برعايته و أفاض عليه من علمه الغزير و أدبه الجم و ثقافته الواسعة حتى برع في الفقه و الأصول و تفسير القرآن الكريم و الأدب و اللغة و النقد و التاريخ فكان السيد القزويني مدرسته التي نشأ في حجرها و كان على يديه جلّ تحصيله العلمي و الأدبي. ذكره الخاقاني في شعراء الغري فقال: (عرفته منذ ربع قرن إنساناً مرح الروح لطيف المعشر رقيق الحديث مليح النكتة، قصاصٌ بارعٌ، و فكهٌ متينٌ متواضعٌ ما وسعه التواضعُ، يحب الامتزاج و يهوى الدعابة ألوانها، يحسن رواية الشعر و فهمه و ينتبه إلى كثير من دقائقه و هو ذكي). و وصفه الخطيب السيد داخل في معجم الخطباء ج 3 قائلاً: (الشيخ اليعقوبي هو الطاقة الملخّصة لجهود السابقين و التلخيص المختصر و العصارة المركزة و الخلاصة المكثّفة للأدب و الخطابة و التحقيق، حتى أصبح بحق (شيخ الخطباء) و لازمه هذا اللقب حتى إذ أطلق و لم يقيّد ينصرف إليه تلقائياً و يتبادر إلى شخصيته و يؤشر إلى اختصاصه به دون سواه بكفاءة و جدارة و استحقاق). و كان المترجَم له من المجاهدين ضد الاحتلال البريطاني شهدت جهاده مدن البصرة و السماوة و الرميثة و الناصرية و الحلة و غيرها و بعد انتهاء المعارك عاد إلى النجف الأشرف فألقى فيها عصا الترحال و بعد فترة وجيزة من تأسيس (جمعية الرابطة الأدبية) انتخبه أعضاؤها بالإجماع عميداً لها تقديراً لمكانته الأدبية و اعترافاً بمنزلته العلمية و بقي يتجدد انتخابه عميداً لها إلى أن لبى نداء ربه الكريم. أما آثاره العلمية و الأدبية فكثيرة نذكر منها : 1- المقصورة العلية و هي قصيدة تناهز (450) بيتاً و هي في سيرة الإمام علي علیه السلام. 2- عنوان المصائب في مقتل الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام. 3- الذخائر، و هو ديوان خاص في أهل البيت علیهم السلام. 4- البابليات في أربعة أجزاء عن شعراء و أدباء الحلة. كما جمع الكثير من نظم الشعراء التي كانت مبعثرة هنا و هناك مثل شعر السيد جعفر القزويني و الشيخ عبد الحسين شكر و الشيخ عباس الملا علي و الشيخ يعقوب و الشيخ محمد حسن المحاسن و الشيخ صالح الكواز و الحاج حسن القيم الحلي وحفظها من الضياع. و للمترجم مجموعة خطية أيضاً و يمتاز اليعقوبي في كل ما يقوله من نظم و نثر بالسهل الممتنع و لاتكاد تفوته مناسبة إلا و ينظم فيها فكان بحق أديباً بارعاً و خطيباً مفوهاً قليلاً ما يشهد من أمثاله. توفي في فجر يوم الأحد (21) جمادى الثانية (1385ه_) الموافق (17 / 10 / 1965م) مودعاً الحياة عن عمر يناهز الثلاثة و سبعين عاماً فنعته الأدباء و الشعراء و أحدث رحيله دویاً في أوساط العلماء و الخطباء و عمّت الناس موجة حزن و أسى جليلين.

ص: 198

تَرَكَ الصَّبا لَكَ وَ الصَّبَابَهْ *** صَبٌّ(1) كَفاهُ ما أَصَابَهْ

أنْسَتْهُ أيَّامُ الْمَشِيبِ *** هَوًى بهِ أَفْنَى شَبابَهْ

أَوَ بَعْدَ ما ذَهَبَ الشَّبابُ *** مُوَدِّعا يَرْجُو إيابهْ

وَ سَرى بهِ حادِي اللَّيالي *** لِلرَّدى يَحدُو رِكابَهْ

هَيْهاتَ دَأْبُكَ فِي الْهَوَى *** لَمْ يَحْكِ بَعْدَ اليَومِ دابهْ

لَيْسَ الْخَلِيُّ (2)كَمَنْ غَدًا *** رَهْنَ الْجَوى حِلْفَ الكآبهْ

ماشابَ لكِنَّ الحَوَادِثَ *** قَدْ رَمَتَهُ بِما أشابَهْ

(3)مِمَّا نابَهُ *** وَ الْوَجْدُ أَنْشَبَ فِيهِ نابَهْ

لَمْ يَدْعُهُ لِبَنِي الهُدى *** داعِي الأسَى إلا أَجَابَهْ

صَبَّ الإلهُ عَلَ لَى بَنِي *** صَخْرٍ وَ حِزْبِهِمُ عَذَابَهْ

لاجازَ بِالشَّامِ النَّسِيمُ *** وَ لاهَمَتْ فِيهِ سَحابَهْ

سَنُّوا بِها سَبَّ الْوَصِيِّ *** لَدَى الفَرائِضِ و الخطابَهْ

سَدُّوا عَلى الآلِ الْفَضَاءَ *** وَضَيَّقُوا فِيهِمْ رِحابَهْ

حَتّى قَضَوْا و الْمَاءُ حَوْلَهُمُ *** وَ مَا ذاقوا شرابَهْ

بِالطَّفِّ بَيْنَ مُصَفَّدٍ *** وَ مُجَرَّدِ سَلَبُوا ثِيَابَهْ

ضَرَبُوهُمُ بمُهَنَّدٍ *** شَحَدَّ الْأُولى لَهُمْ ذُبابَهْ(4)

وَ لَقَدْ يَعِزُّ عَلَى رَسُولِ *** اللَّهِ ما جَنَتِ الصَّحابَهْ

ص: 199


1- صبُّ: عاشقٌ ذو الولع الشديد.
2- الخليّ: الخالي من الهم.
3- أسوان: حزين.
4- شحذ: أَحَدَّ ذباب السيف: طَرَفُه الذي يُضْرَب به.

قَدْ مَاتَ فَانْقَلَبُوا عَلَى *** الْأَعْقَابِ لَمْ يَخْشَوْا عِقابَهْ

مَتَعُوا البَتُولَةَ أَنْ تَنُوحَ *** عَلَيْهِ أَوْ تَبْكِي مُصابَهْ(1)

نَعْشُ النَّبِيِّ أمامَهُمْ *** وَ وَرَاءَهُمْ نَبَذُوا كِتابَهْ

لَمْ يَحْفَظُوا لِلْمُرْتَضَى *** رَحِمَ النُّبُوَّةِ وَ الْقَرابَهْ

لَوْ لَمْ يَكُنْ خَيْرَ الْوَرى *** بَعْدَ النَّبِيِّ لَمَا اسْتَنابَهْ

قدْ أَطْفَأُ وا نُورَ الهُدى *** مُذ أضرَمُوا بالنَّارِ بابَهْ

أَسَدُ الإلهِ فَكَيْفَ قَدْ *** وَ لِجَتْ ذِتَابُ القَوْمِ غَابَهْ(2)

وَ عَدَوْا على بِنتِ الهُدَى *** ضَرْباً بِحَضْرَتِهِ الْمُهَابَهْ(3)

في أي حُكْمٍ قَدْ أباحُوا *** إرْثَ فاطِمَ وَ اغْتِصابَهْ

بَیْتُ النُّبوَّةِ بَیْتِها *** شادَتْ يَدُ الْبَارِي قِبابَهْ

أَذِنَ الْإِلهُ بِرَفْعِهِ *** وَ القَوْمُ قَدْ هَتَكُوا حِجَابَهْ

بِأَبِي أيي وَدِيعَةً أَحْمَدٍ *** جُرَعاً سَقاهَا الظُّلْمُ صابَهْ(4)

عَاشَتْ مُعَصَّبَةَ الْجَبِينِ *** تَئِنُّ مِنْ تِلْكَ الْعِصابَهْ

حَتَّى قَضَتْ وَ عُيُونُها *** عَبْرَى وَ مُهْجَتُها مُذابَهْ(5)

وَ أمَضُّ خَطبٍ في حَشا *** الإسلامِ قَدْ أَوْرَى الْتِهابَهْ

ص: 200


1- في الخصال ص272 ح15 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل قال: و أما فاطمة علیها السللام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر -مقابر الشهداء- فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- ولجت: دخلت.
3- ورد في كتاب سليم بن قيس ص38 في حديث طويل عن سلمان (رضي الله عنه)، فرفع عمر السيف -و هو في غمده- فوجأ به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها.
4- صابه: الصاب شجر مرَّ إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن.
5- المصدر السابق ص38 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام.

بالليل واراهَا الوَصِيُّ *** وَ قَبْرُها عَفَّى تُرابَهْ(1)(2)

ص: 201


1- في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363 عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لا يعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايُصلّيا عليها. قال: فدفنها علیها السلام علي علیه السلام ليلاً.
2- من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص140 عبد الرزاق الموسوي المطبعة الحيدرية -النجف سنة (1951م). و كتاب الذخائر ص11 نظمت القصيدة سنة (1345ه_).

(42) خطى الزهراء علیها السلام

(مجزوء الكامل)

الأستاذ محمود البستاني

يا غَرْسَةَ الهادي، وَ يَغْسِلُ راحَتيَّ. هَدِيرُ خُطْبَهْ

تَنْسَلُّ مِنْ رَشَح العُصُورِ... و في دَمِي، مَطَرٌ، وَ تُرْبَهْ

غَمَّسْتُ فيها، ما تَتِيهُ بهِ، هِضابُ الرُّوحِ، خِصْبَهْ

وَلْهَى، تُحَدِّقُ في العُصُورِ، وَ تَسْتَشِتُ رُؤى الأحِبَّهْ

و تَلُمُّ مَجْدَ الخُطبَةِ المَلْأَى شَذَى قُدسٍ، وَ رَهْبَهْ

اللَّهُ في هَدَراتِها أَلْمَحْتُ، مَوْكِبَهُ، وَ دَرْبَهُ

وَ مُحَمَّدٌ يَهتزُّ، يَسْفَحُ في ضَمِيرِ القَوْمِ عَتْبَهْ

وَ الجُرْحُ لَمَّا يَنْدَمِلْ إنّي أكادُ، أُحِسُّ نَدْبَهْ

و هَدَرْتِ شَامِخَةَ البَلاغَةِ و الخَنَاجِرُ مُشْرَئِيَّهْ(1)

حَرْفُ يَسِيلُ، وَ أَلْفُ مَعْذِرَةٍ وَ أَقْوَى أَنْ أَصْبَهْ!

حَرْفُ البَلاغَةِ، مِنْ سَماءِ اللَّهِ، وَ اسْتَجمَعْتُ شُهْبَهْ

لِتُرَنْجِيهِ عَلَى سَماعِ القَوْمِ مَلْحَمَةً وَ خُطبهْ

***

قَسَماً وَ أَوْدِيَةُ الحَيَاةِ ملاعِبٌ سَمْحَاءُ، رَحْبَهْ

ص: 202


1- مشرئبة: ممدودة الأعناق.

سَنَظَلُّ نَنْسُجُ مِنْ خُطى الزهراءِ أَلْفَ رُؤى محبَّهْ

بيضاءَ تَنْشُرُ جيلَ أُنثى يَحْضُنُ التاريخُ رَكْبَهْ

جِيلٌ يُمَوْسِقُ مِنْ هُدى الزَّهْراءِ مِشْعَلَهُ، وَ دَرْبَهْ

لاوَحْلَة الفَوْضَى، تُشِلُّ خُطى الحُقُوقِ المُسْتَتبّهْ

لِتُرَبِّه مَعْنَى يَغِيمُ صَدَاه في عَتَماتِ رَغْبَهْ

صُرِعَتْ بِأَبْوَابِ الشّراكِ وَ سَمَّرَتْها أَلْفُ عَتْبَهْ

البَهْرَجُ المَسْحُورُ طاووسٌ، يَجُرُّ ، يَجُرُّ ، ثَوْبَهْ(1)

وَهَجٌ عَلَى مُسْتَتَقَعٍ، وَ الأَعْيُنُ الحَوْلاءُ شُرْبَهْ

لا، لن نَعُلَّ بَهَارِجَ العُقْمِ البَلِيدِ، وَ لَنْ نُعَبَّهْ(2)

شَيْئاً إياحِيَّ الهَوى شَيْئاً إباحيَّ المَغَيَّهْ(3)

ص: 203


1- البَهْرج: الباطل، الرديء.
2- البليد: غير الذكي.
3- المغبة: العاقبة، عن كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص400.

(43)كأس الرزايا

(بحر الوافر)

الأستاذ منذر الساعدي

ألا يا دهرُ يكفِي الاغترابُ *** و مهلاً ليسَ يرحَمُنا العذابُ

نهَلنا الصابَ من كأس الرزايا *** و إن الحُلو في المأساةِ صابُ

مآسٍ مُذ وُلِدنا داهمَتنا *** و بَعدَ القَهرِ يصطفُّ الغيابُ

فما إن طابَ جُرحٌ مُستجدُّ *** بنا فغداً سينکوهُ مَصابُ

فبعدَ محمدٍ نورِ البرايا *** دهانا الخَطبُ ثم الاحترابُ

وطالَ الظلمُ آلَ البيتٍ طرَّا *** و ما احتُرمَ الرسولُ و لاالكتَابُ

بأهواءِ المُلوكِ يُقادُ شَعبٌ *** و مِن وحي الخليفة يُسترابُ

و يُخنقُ صوتُ مظلومٍ توالى *** و صوتُ المُترفِ الباغي يُجابُ

و يُصبُ حقٌّ مَن هزَمَ الأعادي *** و لايخشى و يخشاهُ الضرابُ

و أما مَن تَوارى في فرارٍ *** يُبايع بعدما اكتمل النصابُ

و تأتى الحكمَ أزلامُ قُساةُ *** و يقطرُ سمُّها المنقوعُ نابُ

فويلهُمُ بفاطمةِ استهانُوا *** و للشيطان داعيةٍ أجابُوا

أتيتكَ بفاطمةَ أشكُو و دمعي *** غزيرٌ لايفارقُهُ انسكابُ

أتيتكَ ليسَ عندي غير شعرٍ *** فلو يرثيكِ يرفعُهْ انتسابُ

فلا أرجو به عِزاً وجاهاً *** و لادنياً تزينها الرِّغابُ

ص: 204

(44) بنت الكرام

(بحر الكامل)

الأستاذ منذر الساعدي

دمع كغيثٍ هاطلٍ ينسابُ *** و تأثر و تحسّرٌ و عذابُ

تتوسدُ الأرواحُ صخرةَ همِّها *** و بنصلِ حزن لا يلينُ تصابُ

و الليلُ يبكي و النهارُ يجيبُهُ **** فهما بأحزانِ الجَوى الأصحابُ(1)

و أسودَّ وجهَ الأرضَ و اختلجَ الثَّرَى *** حقاً بكى بنت الكرام ترابُ

و صدى السماء تألُّم و توجعٌ *** فلذا التوجّع توجدُ الأسبابُ

اليومَ فاطمةٌ يعودُ مُصابُها *** فلكبر محنتِها يُعادُ مصابُ

فلكم تحيّرنا لَه إطلالة *** رغم التعدّي ما ارتداهُ حِجابُ

و لكم جَهَشنا بالبكاء لأجلِهِ *** و لأجلِ فاطمة القلوبُ تذابُ

فُجِعَ الرسول ببضعةٍ محبوبةٍ *** هي للفضائلِ و التُقى محرابُ

هي للنزاهة شعلةٌ وهّاجةٌ *** هي للطهارةِ و الجلالِ كتابُ

اليومَ يلعنُ من أساء لفاطمٍ *** فلقد أساءَتْ للبتولِ ذِئابُ

وغدٌ رجيمٌ غالها في ضِلعِها *** وجنى عليها ظالمٌ كذَّابُ

دُفِعَتْ بلاذنب و ان وقوعها *** هزَّ السماءَ لتحزنَ الأحبابُ

سيكون (للمسمار) ردّ في غد *** عمّاجَرى و به يحدّث بابُ

و ينال من آذى البتول قصاصه *** فعلى الأعادي لا يهونُ حسابُ

ص: 205


1- الجوى: حرقة القلب.

هجمُوا على الزهراءِ و هي ببيتها *** أفذا لما أوصى الرسول جَوابُ؟

أفذا جزاء للنبي وآلهِ *** في وجه بضعته تسلُّ حِرابُ؟

يا ويحَ من رضع الخساسةَ أولاً *** و على الدناءة شاب و هو شبابُ

الجرمُ و التقتيلُ من عاداتِهِ *** ودمُ الضحايا في يديه خِضابُ

لم ينتسبْ للحقِّ منذُ مجيئهِ *** و الدينُ في شرع الدنيء ثيابُ

حقاً لنذکرَها و نذکر فضلها *** أُمُّ الأئمةِ ذكرُها آدابُ

يا أيها اليومُ الذي نأسى به *** و لنابه للحزنِ يغرز نابُ

أرخى له الشعرُ الكئيبُ أعنّة *** و أتى إليه يجرُّه الإيجابُ

من لوعةِ الزهراءِ شِید بناؤه *** و بيانُه للوالهين خطابُ

إن رام شعري وصفَ بنتِ محمدٍ *** لابدّ أن يطفُو بهِ الإسهابُ

فيه أرومُ من البتولِ شفاعةً *** يومَ القيامة فالصديدُ شرابُ

أنا رازحٌ تحتَ الخطايا أرتجي *** غوثاً فهل ستغيثُنِي الأنسابُ؟

أم أن فاطمةَ ستسمعُ صرختي *** و نداءَ من أبدى الولاءَ يُجابُ

ص: 206

(45) سنا فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد مهند جمال الدين(*)(1)

أنتَ في البحرِ و القوافِي تَغِيبُ *** وسلَا قلبَكَ الشعورُ المجيبُ

تَرتَجِي الشارداتِ و هي حيارى *** أقتيلٌ بكَ الحِجي أم سليبُ

***

هل جفَتْكَ الحروفُ أم هدّكَ *** السعيُ إليها أم قدْ بلاكَ المشيبُ

لاربيعٌ يدعُو إليكَ الأقاحي *** أوصفاءٌ ترعى دماهُ القلوبُ

و الشعاعُ الذي عقدتَ عليه *** كلَّ فجرٍ مکفّنٌ محجوبُ

و الرجاءُ الذي علاكَ فضاهَ *** قد تعامى و صبحُهُ منهوبُ

و الأمانيُّ كلُّها قد تبدّتْ *** في فؤادٍ توطّنتهُ الكروبُ

و المقاديرُ محنةٌ و شقاءٌ *** و الرزايا و دمعُها المسكوبُ

وحشةٌ مالها ختامٌ و عمرٌ *** يتلوّى على السرابِ كثيبُ

كيف تطوِي النوى و أنتَ شقيٌّ *** و عليكَ الزمانُ وقتٌ مريبُ

و صريحٌ تغافَلَ القبرُ عنهُ *** و غريبٌ يبكِي عليهِ غريبُ

ص: 207


1- (*) هو الفاضل الشاعر السيد مهند ابن الشاعر الكبير المرحوم الدكتور السيد مصطفى جمال الدين ولد سنة (1395 ه_) في سوق الشيوخ إحدى مدن العراق الجنوبية، تخرّج من معهد التكنولوجيا ببغداد سنة 1407 ه، التحقّ بالحوزة العلمية في قم المقدسة (1412 ه_)، و من نتاجه الأدبي ديوان شعر (مخطوط)، و كتابات أخرى، و له مشاركات في النوادي الأدبية و الثقافية.

كيفَ تسري فيكَ الليالي و جَفنٌ *** راحَ في هذه الدموعِ يذوبُ

***

كيفَ تجرِي الحياةُ في خافقٍ *** لمّا يزَلْ في دمائه يستريبُ

و عجيبٌ عدا الربيعُ يغذّي *** قاحلاً سوف تغتديه الطيوبُ

أسَنَاءٌ عليكَ قد راحَ يلقى *** أم تولّى هذي الجراحَ طبيبُ

***

أم سقاكَ الإلهُ فيضاً من *** الحبِّ و شهداً كأنّهُ شؤبوبُ

ما تُرى أن يكونَ سحراً تغالى *** أم هوًى ضجَّ بالدماءِ يجيبُ

و سرى فيكَ ضوؤه يتمطّى *** فكأنّ الذي وقاكَ حبيبُ

حبُّ آلِ الرسولِ فيك هيامٌ *** أبداً قد سماعليه نسيبُ

فزها في الغصون نوراً بهياً *** يتحاشي أن يحتويهِ مغيبُ

مرحباً بالهوى إذا اجتاح قَلباً *** حجرياً و جمرُهُ مشبوبُ

ليس يهوى من فيه صرحٌ عمیدٌ *** شادهَ الوجدُ و السنى و اللهيبُ

و مصيرُ الخلودِ أن يترقّى *** لِسنى فاطم و ما يستطيبُ

هذه زهرةٌ بها صدحَ الكونُ *** و أغفَتْ على شذاها طيوبُ

أشرقتْ فانتمى السناءُ إليها *** و تباهى و نبعُهُ الموهوبُ

فبدتْ غرّةُ الصباحِ بوهجٍ *** يالها من براعةِ ما تصيبُ

تَتَمَلّي بوجهِ أحمدَ لمّا *** بشَرَ الروحُ قلبَه و الرقيبُ

***

هَتفت هذه الملائك للفجرِ *** فقد حلَّها الضياءُ العجيبُ

كشفتْ نجمةٌ لأخرى سروراً *** فالدياجي من غيِّها ستثوبُ

و لقد عانقتْ سناها الصحارى *** فاهتدَى قلبُها و غنَّى الوجيبُ

ص: 208

و بدا نورها و نورُ أبيها *** كنهارٍ شموسُه لاتغيبُ

***

و بميلادِها سَمَتْ رايُة *** الدين و فرَّتْ من العقولِ العيوبُ

و تسامتْ أنشودةٌ تتغنّى *** في شفاهِ الوجودِ و هي لعوبُ

أنتِ ترنيمةُ الأناشيدِ تهفُو *** أنتِ روحُ الخلودِ أنتِ اللهيبُ

جُنّةٌ أنتِ للصلاحِ حماها *** ساعدٌ يزدهِي و صوتٌ مهيبُ

وفتّی صافحتَّ سناهُ الثريّا *** و القصيُّ البيعدُ منه قريبُ

يا بنةَ المرسلين إنّا سلَکَنا *** لاحباً صدرُهُ سخيُّ رحيبُ

و انتهجنا من حبّه ما هدانا *** و صراطاً عاشتْ عليه الدروبُ

فعلى عُتمةِ الطريق ضياءٌ *** و شذاً ناعمٌ و قلبٌ طروبُ

مذهبُ الحقِ منهلٌ قد سقانا *** فيضَ نورٍ و قلبُه ملهوبُ

ما يبالي فقد دهتْهُ الدواهي *** و الكرَى يستبيحُنا و اللغوبُ

و هو يرعى فينا جفوناً تعامتْ *** و دماءً قد هدَّها التخريبُ

أيّها العاشقُون إنّا لنَصحُو *** و الدُّجى في عيوننا و المغيبُ

قدركِبْنا الرياحَ لكنْ وَصَلْنا *** لمتيهِ يضحُّ فيهِ النعيبُ

نصطلي بالعذابِ و الدمعُ فينا *** يتناهى لكنّهُ مكذوبُ

و شعاراتُ حولَها نتباکی *** و رؤانا عن ذلِها لاتؤوبُ

فالنعيمُ الذي عبرنا إليهِ *** بالأماني مخادعٌ مقلوبُ

و الضَياعُ الذي وصلنا إليه *** بعدَ جهدٍ نعيشُه تعذيبُ

***

فامنحينايامَن لها قد شدا *** حرفي و غنّى الفؤادُ و هو قطوبُ

من رؤّى تزدهي عليكِ صلاحاً *** و سلاماً يشدُّنا و يطيبُ

ص: 209

و اخذلي الانكسارَ فينا و بثِّي *** في دمانافيومُنا سيثوبُ

و انطوِيا سياطُ مادام نبتي *** جذورهُ في الدِّما عصيٌّ غضوبُ

***

سوفَ نصحُو يوماً و أضغاثُنا *** تُدمى و ثأرُ العيونِ فيها رهيبُ

ص: 210

(46) ما كربلا لولا السقيفة

(بحر البسيط)

الحاج هاشم الكعبي (*)(1)

عَدَتْكَ نَجْدٌ فَماذا أَنْتَ مُرْتَقِبُ *** يَدْنُو إليكَ الحِمَى أَمْ تُنْقَل الهُضُبُ

أَبَعْدَ انْ بنتَ عَنْها بتَّ تَرْقُبُهَا؟ *** فَاذْهَبْ فَلَيْسَ لكَ العُتْبَى وَ لاالعَتَبُ(2)

ص: 211


1- (*) الحاج هاشم إبن الحاج جردان بن إسماعيل الكعبي الدورقي. ولد في (الدورق) و هي من توابع محافظة الأهواز. و الكعبي نسبة إلى قبيلة كعب العربية التي تسكن في منطقة خوزستان من جنوب إيران. هاجر المترجَم له إلى مدينة كربلاء المقدّسة يدفعه إلى ذلك ولاؤه وحبه إلى آل البيت علیهم السلام و خصوصاً لسيدنا الإمام الحسين علیه السلام ليستنشق عبير روضته الطاهرة و ينهل من معين الحوزة العلمية العملاقة في كربلاء المقدّسة فحضر على علمائها الكبار عدة سنين حتى أصبح في الرعيل الأول من أهل الفضل و العلم و هو يعدّ من فحول الأدباء و الشعراء الذين رثوا أهل البيت علیهم السلام و خصوصاً الإمام الحسين علیه السلام فأكثر و أبدع و أجاد و كل شعره من الطبقة العالية الممتازة. مائة وستين و قد ذكر السيد شبّر في (أدب الطف) (يمضي على وفاة الشاعر الكبير أكثر من عاماً و شعره يعاد و يكرّر في محافل سيد الشهداء علیه السلام و يحفظه المئات من رجال المنبر الحسيني و هو مقبول مستملح بل نجد الكثير يطلب تلاوته و تكراره و كأن عليه مسحة قبول). له ديوان أكثره في أهل البيت علیهم السلام و من أشعاره «المقصورة» و كأنه عارض بها مقصورة ابن دريد و التي تنيف على مائتين و خمسين بيتاً. و كان شاعرنا الكريم، حاضراً في كربلاء يوم هجوم الوهابيين بقيادة سعود بن عبد العزيز آل سعود في يوم الغدير من عام 1216هجرية فشاهد بنفسه تلك الفضائح التي ارتكبها الوهابيون، و ما أحدثوا في المدينة المقدسة من نهب و سلب و قتل فتأثّر بالحادث غاية التأثير و نظم فيها قصيدته الميمية الرائعة و إليك مطلعها: أنت الملوم فمن يكون الألوما *** فلك الظما هيهات معسول اللمى توفي سنة (1231ه_).
2- العتبى: الرضى.

لَوْ كُنْتَ صادقَ دَعْوَى الحُب ما بَرِحَتْ *** بكَ المَطِيُّ وَ لازُمَّتْ بِكَ النُّجُبُ

أعرابُ بَادِيَةٍ تُبنى بُيُوتُهُمُ *** حَيْثُ العَوَامِلُ وَ الهِنْدِيَّةُ القُضُبُ(1)

لَمْ يَعْدُ مُلْكَهُمُ بَأْسٌ و لاكَرَمٌ *** وَ لاعَدُوٌّ لَهُمْ يَلْقى وَ لانَشَبُ(2)

تَجْرِي عَلَى العَكْسِ مِنْ قَوْلِي ظُعُونُهُمُ *** فَلَوْ سَرَتْ مُطْلَقاً ما فاتَنِي الأَرَبُ

فَكُلَّما قُلْتُ رِفْقاً بِالحَشَى عَنُفوا *** فَلَيْتَ لَوْ قُلْتُ بُعْداً بِالسُّرَى قَرُبوا

يَسْتَعْذِبُ القَلْبُ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ أَبَداً *** كَأَنَّهُمْ كُلّما قَدْ عَذَّبوا عَذِّبُوا

يا مُنْزِلاً بِمَحَانِي الطَّلفِّ لابَرِحَتْ *** سَقَى الصَّحَائِبُ مِنْكَ البانَ وَ الكُتُبُ

كمْ قُلْتُ نَجْداً وَ مَا أعني سِواكَ بِهِ *** وَ عُرْبُ نَجْدٍ وَ مَنْ فِي ضِمنِكَ العَرَبُ

إنّي وَ إِنْ عِنْكَ عاقَتْني بَدا قَدْرِ *** بِبَيْنِ جِسْمي فَقَلْبِي مِنْكَ مُقْتَرِبُ

لاتَحْسَبَنْ كُلَّ دانٍ مِنْك ذا كَلَفٍ *** الدَّارُ بِالجَنْبِ لَكِنَّ الهَوى جُنُبُ(3)

أَقَائِلُ أَهْلَ وُدّي إِنَّهُمْ عَزَبُوا *** عَنْ خَاطري إِنَّهُمْ عَنْ نَاظِرِي غَرُبُوا؟(4)

لا وَ الهَوَى لَيْسَ بُعْدُ الدَّارِ يَشْغَلُنِي *** عَنْهُمْ وَ لامِحْنَةٌ كَلاً وَ لاوَصَبُ(5)

يا سائِقَ الحرّةِ الوَجْنَاءِ أَنْخَلَهَا *** طَيُّ السُّرى و طواها الأَيْنُ وَ النَّصَبُ(6)

وَجْناء مَا أَلِفَتْ يَوْماً مَبارِكَها *** و لاانْتَنَتْ عِنْدَ تَعْرِيسٍ لَهَا رُكَبُ(7)

عَلامَةٌ بِضُرُوبِ السَّيْرِ أَقْرَبُها *** مِنْهَا إلَى رَأْيها التَّقْريبُ و الخَبَبُ(8)

تَأْبَى جَوانِبُها تَأْتِي مَبَارِكَها *** حُبُّ السُّرَى فكأنَّ الرَّاحِةَ التَّعَبُ

عُج بي إذا جِئْتَ غَرْبِيَّ الحِمَى و بدتْ *** مِنْهُ لِمُقْلَتِكَ الأعْلامُ و القُبَبُ

ص: 212


1- العوامل: الرماح ما يلي سنان الرمح القضب: جمع السيف اللطيف الدقيق.
2- النشب: المال.
3- الجنب: بضم الجيم و النون، و يقال: جار الجنب هو الذي جاورك.
4- غربوا: أي بعدوا.
5- الوصب: الوجع و المرض.
6- الأين و النصب: التعب.
7- تعريس: التعريس: نزول القوم في السفر من آخر الليل للاستراحة ثم يرحلون.
8- التقريب و الخبب: ضربان من ضروب المشي.

وَحَيَّ عنّي الأُولى أقمارُهُمْ طَلَعَتْ *** مِنْ طَيْبَةٍ وَلدَى كَرْبِ البَلا غَرُبُوا(1)

فَاعْجَبْ لَهُمْ كَيْفَ حلوا كَرْبَلاءَ وَ كَمْ *** كَانَتْ بِهِمْ تُفْرَجُ الغَمَّاءُ وَ الكُرَبُ(2)

ص: 213


1- إشارة إلى مقتل الإمام الحسين علیه السلام و أهل بيته علیهم السلام و أصحابه يوم كربلاء. فقد روي في مستدرك الصحيحين ج4 ص397 في كتاب تعبير الرؤيا، روى بسنده عن عمار بن عمار عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيما يرى النائم نصف النهار أشعثا و أغبراً معه قارورة فيها فقلت: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين علیه السلام و أصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم. قال: فأحصى ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك اليوم، و راجع أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده ج1 ص242 و قال: فحفظنا ذلك اليوم فوجدنا قتل ذلك اليوم. و راجع الخطيب البغدادي في تاريخه ج1 ص142 و ابن الأثير أيضاً في أسد الغابة ج2 ص 22 و ابن عبد البر أيضاً في استيعابه ج1 ص144 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام و ابن حجر أيضاً في إصابته ج2 ص17.
2- إشارة إلى كرم الحسين علیه السلام و ما كان يصنعه في التفريج عن هموم الناس و غمومهم و قد ورد عن ذلك الكثير منها ما روي في فضائل الخمسة ج3 ص332 نقلاً عن التفسير الكبير للفخر الرازي في ذيل قوله تعالى : «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» في سورة البقرة. قال: أعرابي قصد الحسين بن علي علیه السلام فسلم عليه و سأله حاجته و قال: سمعت جدّك يقول: إذا سألتم حاجة فاسألوها من أربعة إمّا عربي شريف أو مولى كريم أو حامل القرآن أو صاحب وجه صبيح، فأما العرب فتشرّفت بجدك، و أما الكرم فدأبكم و سيرتكم، و أما القرآن ففي بيوتكم نزل، و أما الوجه الصبيح فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: إذا أردتم أن تنظروا إلي فانظروا إلى الحسن و الحسين علیهما السلام فقال الحسين علیه السلام: ما حاجتك؟ فكتبها على الأرض. فقال الحسين علیه السلام: سمعت أبي علياً علیه السلام يقول: قيمة كل امرىء ما يحسنه و سمعت جدّي صلي الله علیه و آله و سلم يقول : المعروف بقدر المعرفة فأسألك عن ثلاث مسائل إن أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما عندي، و إن أجبت عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي و إن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي و قد حمل إليّ صرّة مختومة من العراق، فقال: سل و لاحول و لاقوة إلا باللَّه. فقال: أي الأعمال أفضل؟ قال الأعرابي: الإيمان بالله، قال: فما نجاة العبد من الهلكة، قال: الثقة بالله، قال: فما يزين المرء. قال: علم معه حلم، قال: فإن أخطأه ذلك؟ قال: فمال معه كرم. قال: فإن أخطأه ذلك؟ قال: فقر معه صبر، قال: فإن أخطأه ذلك؟ قال: فصاعقة تنزل من السماء فتحرقه، فضحك الحسين علیه السلام و رمى بالصرّة إليه. و منها ما ورد في بحار الأنوار ج44 ص987 ، ح16. عن عيون المعجزات للمرتضى «رحمة الله»: عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام لي جده علیه السلام. قال: جاء أهل الكوفة إلى علي علیه السلام فشكوا إليه إمساك المطر و قالوا له استسق لنا فقال للحسين علیه السلام: قم و استسق، فقام و حمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قال: اللهم معطي الخيرات و منزل البركات أرسل السماء علينا مدراراً و اسقنا غيثاً مغزاراً واسعاً غدقاً مجلَّلاً سحاً سفوحاً فجاجاً تنفس به الضعف من عبادك و تحيي به الميت من بلادك آمين ربّ العالمين، فما فرغ من دعائه حتى غاث الله غيثاً بغتة. و أقبل أعرابي من بعض نواحي الكوفة فقال: تركت الأودية و الآكام يموج بعضها في بعض.

فَأَيْنَ تِلْكَ البُدُورُ النَّمَّ لاغَرُبُوا *** وَ أَيْنَ تِلْكَ البُحورُ الفُعْمُ لانَضِبُوا(1)

قَوْمُ لَهُمْ شَرَفُ العَلْيَاءِ مِنْ مُضَرٍ *** وَ الْمَرْءُ يُؤْخَذُ فِي تَحْدِيدِه النَّسَبُ(2)

قَوْمٌ كَأوّلِهِمْ فِي الفَضْلِ آخِرُهُمْ *** وَ الفَضْلُ أنْ يَتساوى البَدْءُ وَ الْعَقَبُ(3)

ص: 214


1- نضب الماء: جفَّ.
2- إشارة إلى الإمام الحسين و أهل بيته علیهم السلام. فقد روى صاحب المستدرك على الصحيحين ج2 ص164 بسنده عن عاصم بن بهدلة قال: و اجتمعوا عند الحجاج فذكر الحسين بن علي علیه السلام فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النبي صلي الله علیه و آله و سلم و عنده يحيى بن يعمر فقال له: كذبت أيها الأمير، فقال: لتأتيني على ما قلت ببينة و مصداق من كتاب الله «عزوجل» أو لأقتلنك قتلاً فقال: «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى» إلى قوله «عزوجل» «وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ» [سورة الأنعام، الآية: 85] فأخبر الله «عزوجل» أن عيسى من ذرية آدم بأمه و الحسين بن علي علیه اللسام من ذرية محمد صلي الله علیه و آله و سلم بأمه. قال: صدقت فما حملك على تكذيبي في مجلسي قال: ما أخذ الله على الأنبياء ليبّينه للناس و لايكتمونه. قال الله «عزوجل»: «فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا» [سورة آل عمران الآية: 187] قال فنفاه إلى خراسان. و راجع البيهقي أيضاً في سننه في ج6 ص166. كما روي في حلية الأولياء لأبي نعيم ج7 ص314 بسنده عن جابر قال سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: ينقطع يوم القيامة كل سبب و نسب إلَا سببي و نسبي. و روى الهيثمي في مجمعه ج9 ص173 قال: و عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي و نسبي. و راجع فيض القدير للمناوي ج5 ص20 في المتن، كل و نسب منقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي. راجع كنز العمال للمتقي ج1 ص98 قال: عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و هو يقول على المنبر: ما بال رجال يقولون: رحم رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم لاتنفع يوم القيامة واللَّه إن رحمي لموصولة في الدنيا و الآخرة. و راجع ابن حجر أيضاً في صواعقه ص138 و زاد في آخره: وإني أيها الناس فرطكم على الحوض.
3- إشارة إلى ما روي في الصواعق المحرقة لابن حجر ص13 عن عائشة قالت: قال رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم: قال جبرئيل علیه السلام: قلّبت مشارق الأرض و مغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد صلي الله علیه و آله وسلم، و قلبت الأرض مشارقها و مغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم. و راجع المناوي أيضاً في فيض القدير ج4 ص499 في المتن. و روي في قصص الأنبياء للثعلبي ص14 قال: الباب الخامس في ذكر ما زين به الأرض و هي سبعة أشياء، الأزمنة و زيّن الأزمنة بأربعة أشهر (إلى أن قال) و الأمكنة و زينّها بأربعة أشياء (إلى أن قال) و زينّها أيضاً -يعني الأمكنة- بالأنبياء علیهم السلام، و زيّن الأنبياء بأربعة إبراهيم الخليل و موسى الكليم و عيسى الوجيه و محمد الحبيب علیهم السلام (إلى أن قال) و زيّنها أيضاً بال محمد صلي الله علیه و آله و سلم، و زيّنهم أيضاً بأربعة: علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. و روي في كنز العمال ج6 ص218 و لفظه : نحن أهل بيت علیهم السلام لايقاس بنا أحد و ذكره المناوي أيضاً كنوز الحقائق ص153، و المحب الطبري أيضاً في ذخائره ص17، و ذكره في الرياض النضرة أيضاً ج2 ص208 قال: قال رجل لأبي عمر: يا أبا عبد الرحمن فعلي علیه السلام، قال: ابن عمر: علي علیه السلام من أهل البيت علیهم السلام لايقاس بهم أحد (إلخ).

إلي أن یقول:

تَاللَّهِ ما سَيْفُ شِمْرِ نالَ مِنْكَ وَ *** لايَدا سِنانٍ وَ إِنْ جَلَّ الذي ارْتَكَبُوا

لولا الأولى أغْضَبُوا رَبَّ العُلا وَ أَبَوْا *** نَصَّ الوَلاء وَ لِحَقِّ المُرْتَضَى غَصَبُوا(1)

ص: 215


1- إشارة إلى عزل الإمام علي علیه السلام عن الخلافة التي أوصى بها الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فقد روى الهيثمي في مجمعه ج8 ص314 عن عبد الله بن مسعود. قال: استتبعني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلة الجن فانطلقت معه حتى بلغنا أعلى مكة فخط لي خطاً (و ساق الحديث إلى أن قال) قال: إني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إني وعدت أن يؤمن بي الجن و الإنس، فأما الإنس قد آمنت و أما الجن فقد رأيت قال: و ما أظن أجلي إلّا قد اقترب قلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ألا تستخلف أبابكر؟ فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ألا تستخلف عمر؟ فأعرض عني فرأيت أنه لم يوافقه فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ألا تستخلف علياً علیه السلام؟ قال: ذاك والذي لا إله إلا هو إن بايعتموه و أطعتموه أدخلكم الجنة اكتفيت. و راجع المناوي في كنوز الحقائق ص145 قال: من قاتل علياً علیه السلام بالخلافة فاقتلوه كائناً كان و راجع ابن حجر في صواعقه المحرقة ص75 قال: و في رواية أنه صلي الله علیه و آله و سلم قال في مرض موته: أيها الناس يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم، إلا إني مخلف فيكم كتاب ربي «عزوجل» و عترتي أهل بيتي علیهم السلام، ثم علي علیه السلام فرفعها فقال: هذا علي علیه السلام مع القرآن و القرآن مع علي علیه السلام لايفترقان حتى يردا علي الحوض فاسألوهما ما خلفت فيهما. و روى الطبري في تاريخه ج2 ص319-321 ط دار المعارف بمصر عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال لما نزلت هذه الآية: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»... (وفي آخر الحديث قال الرسول صلي الله علیه و آله و سلم): يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد أمرني أن أدعوكم فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي وخليفتي فيكم ((بعدي)؟ قال: فاصحبكم القوم عنها جميعاً، و قلت: و إني (أي علياً) لأحدثهم سناً... أنا يا نبي اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال: (أي الرسول صلي الله علیه و آله و سلم: إن هذا أخي و وصیي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا... إلخ. و راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي ج2 ص62-63 ط دار صادر في بيروت، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج13 ص210 و 244 و صححه ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل، و رواه أيضاً الحلبي الشافعي في سيرته الحلبية ج1 ص311 ط البهية بمصر و منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص41 و 42 ط الميمنية بمصر، و التفسير المنير لمعالم التنزيل للجاوي ج2 ص118 ط 3 مصطفى الحلبي، و تفسير الخازن لعلاء الدين الشافعي ج3 ص371-390 ط مصر.

أأصابَكَ النَّفَرُ المَاضِي بِمَا ابْتَدَعُوا *** وَ مَا المُسَبِّبُ لَوْ لَمْ يَنْجَحِ السَّبَبُ(1)

ص: 216


1- إشارة إلى ما صدر من بعد موت الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من أبي بكر و عمر و عثمان و أتباعهم، فقد روى الطبري في تاريخه ج3 ص430 ط دار المعارف بمصر و ج2 ص619 ط أخرى، قال أبوبكر في مرض موته: (أما أني لاآسى على شيء في الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن و ودت أني لم أفعلهن -إلى قوله- فأما الثلاثة التي فعلتها فوددت أني لم أكشف عن بيت فاطمة علیها السلام و تركته و لو أغلق على حرب...) راجع أيضاً مروج الذهب ج2 ص301 و الإمامة و السياسة ج1 ص18، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص130 و ج2 ص20 أوفست بيروت على ط1بمصر و ج 2 ص46-47 و ج6 ص51 ط مصر بتحقيق محمد أبو الفضل، و العقد الفريد ج4 ص268 لجنة التأليف و النشر و ج2 ص254 ط آخر، و كنز العمال ج3 ص135 و منتخب الكنز بهامش مسند أحمد ج2 ص271 و الأموال لأبي عبيدة ص131، و تاريخ الذهبي ج1 ص388. و روى صحيح البخاري كتاب الحدود باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت ج8 ص26، أوفست دار الفكر على ط أستانبول و ج8 ص210 ط مطابع الشعب و ج8 ص208 ط محمد علي صبيح و ج4 ص179 ط دار إحياء الكتب و ج4 ص119 ط المعاهد و ج4 ص125 ط الشرفية و ج8 ص140 ط الفجالة و ج4 ص110 ط الميمنية بمصر و ج8 ص8 ط بمبي بالهند و ج4 ص128 ط الخبرية بمصر، قال عمر بن الخطاب: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها. و رواه ابن هشام في السيرة النبوية صلي الله علیه و آله و سلم ج4 ص226 ط دار الجليل و ص338 ط آخرى و الصواعق المحرقة ص5 و 8 ط الميمنية بمصر و ص8 و12 المحمدية بمصر، ثم إن عائشة قالت في عثمان: اقتلوا نعثلاً فقد كفر، تعني عثمان، رواه تاريخ الطبري ج4 ص459، و الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزري الشافعي ج3 ص206، و تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي الحنفي ص61 و64 ، و الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص49 و فيه (فجر) بدل (كفر) ط مصطفى محمد بمصر و السيرة الحلبية لعلي برهان الدين الحلبي الشافعي ج3 ص286 ط البهية بمصر سنة 1320ه. و قول أبي بكر لعمر لما طلب منه عزل أسامة: ثكلتك أمك و عدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و تأمرني أن أنزعه، رواه تاريخ الطبري ج3 ص226 و الكامل ج2 ص335، و السيرة الحلبية ج3 ص209 ، و السيرة النبوية بهامش الحلبية ج2 ص340. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ ج1 ص164 «فلما فرغ من الكتاب -كتاب عهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر بن الخطاب- دخل عليه قوم من الصحابة فيهم فقالوا: ما أنت قائل لربك غداً و قد و ليت علينا فظاً غليظاً تفرّق منه النفوس و تنفض عنه القلوب. و في در بحر المناقب لابن حسنويه الموصلي الحنفي/ ص 60: «قال حادثة: ويحك يا عمر كيف تقدمتموه -يعني علياً علیه السلام- و قد سمعت ما قاله رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقال عمر: يا حادثة بأمر كان. فقلت: من اللَّه أم من رسوله صلي الله علیه و آله و سلم أم من علي علیه السلام؟ فقال: لابل الملك عقيم و الحق لابن أبي طالب علیه السلام».

و لا تَزالُ حُيُولُ الحِقْدِ كَامِنَةً *** حَتَّى إذا وَجَدُوها فُرصَةً وَ ثَبُوا(1)

فَأدْرَكَ الكُلُّ مَا قَدْ كانَ يَطْلُبُه *** وَ القَصْدُ يُدْرَكُ لما يُمكن الطَّلَبُ

كَفَّ بِها أُمَّكَ الزهراء قَدْ ضَرَبُوا *** هي التي أُخْتَكَ الحورا بِهَا سَلَبُوا(2)

وَ أَنْ نار وغى صالَيْتَ جَمْرَتَها *** أضْحَتْ لها كف ذاكَ البَغْيِ تَحْتَطِبُ

فَلْيَبْكِ يَوْمَكَ مَنْ يَبْكِيهِ يَوْمَ غَدَوْا *** بِالظُّهْرِ فَوْداً وَ بِنْتَ المُصْطَفَى ضَرَبوا

ص: 217


1- في بلاغات النساء/ لابن طيفور/ ص12-14 مما جاء في خطبة الزهراء علیه السلام: «فلما اختار لنبيه صلي الله علیه و آله و سلم دار أنبيائه و مأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين و نبع خامل الأقلين و هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً و أحمشكم فألفاكم غضاباً فوسمتم غير إبلكم و أوردتم غير مشربكم» إلى أن قالت: «ثم لم تلبثوا إلّا ريث أن تسكن نفرتها و يسلس قيادها ثم أخذتم تورون و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لنداء الشيطان الغوي و إطفاء أنوار الدين الجلي تسرون حسواً في ارتغاء و تمشون لأهله و ولده في الخمرَةِ و الضراء و نصبر منكم على مثل حز المدى و وخز السنان في الحشى...
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج في ضرب فاطمة الزهراء علیها السلام ج1 ص212 قال الطبرسي: فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط... إلى أن قال: فأرسل أبوبكر إلى قنفذ، لضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها، و رواه في مرآة العقول ج5 ص320، و روى سليم بن قيس الهلالي قال: فألجأها قنفذ «لعنه الله» إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتي ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة، راجع كتاب سليم بتحقيق محمد باقر الأنصاري ج2 ص588.

تَاللَّهِ ما كَرْبَلا لَوْلا السَّقِيفةُ وَ *** الأقوام تَعْلَمُ لَوْلا النَّارُ ما الحطب(1)(2)

ص: 218


1- إشارة إلى واقعة السقيفة التي اجتمع فيها القوم لينقلبوا عن بيعة الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام و النبي صلي الله علیه و آله و سلم مسجَّى. فقد روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص29 عن أبان ابن أبي عياش، عن سليم بن قيس، قال سمعت سلمان الفارسي قال: لما قبض النبي صلي الله علیه و آله و سلم و صنع الناس ما صنعوا، جاء أبوبكر و عمر و أبوعبيدة بن الجراح، فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجة علي علیه السلام. فقالوا: يا معشر الأنصار، قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من قريش، و المهاجرون خير منكم لأن الله بدأ بهم في كتابه و فضلهم، و قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: الأئمة من قريش. و قال سلمان: فأتيت علياً علیه السلام و هو يغسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أوصى عليا علیه السلام أن لا يلي غسله غيره فقال يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من يعينني على ذلك؟ فقال: جبرائيل فكان علي علیه السلام لايريد عضواً إلا قلب له. إلى أن قال سلمان الفارسي: فأخبرت عليا علیه السلام و هو يغسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بما صنع القوم، و قلت: إن أبابكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يرضون يبايعونه بيد واحدة و أنهم ليبايعونه بيديه جميعاً بيمينه و شماله. فقال علي علیه السلام: يا سلمان و هل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قلت: لا، إلّا إني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار و كان أول من بايعه المغيرة بن شعبة، ثم بشير بن سعيد، ثم أبو عبيدة ابن الجراح، ثم عمر بن الخطاب، ثم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل. قال: لست أسألك عن هؤلاء ولكن تدري من أول من بايعه حين صعد المنبر؟ قلت: لا ولكن رأيت شيخاً كبيراً يتوكأ على عصاه، بين عينيه سجادة شديدة التشمير صعد المنبر أول من صعد، و هو يبكي و يقول: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان أبسط يدك، فبسط يده فبايعه، ثم قال: (يوم كيوم آدم) ثم نزل فخرج من المسجد. فقال علي علیه السلام: يا سلمان أتدري من؟ قلت: لا و لقد ساءتني مقالته،كأنه شامت بموت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... فقال علي علیه السلام: فإن ذلك إبليس أخبرني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن إبليس و رؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إياي يوم غدير خم بأمر الله، و أخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم و أمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب إلى آخر الخبر. أقول معلوم: إن غصب الخلافة من علي علیه السلام و تجاوزهم على الزهراء علیها السلام هو الذي جرَّ من جاء بعدهم من أهل الدنيا للتجاوز على الحسن و الحسين و سائر الأئمة المعصومين عليهم الصلاة و السلام ... و لعل الحديث الشريف: (من سنَّ سنَّةَ سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة يتضمن في ضمن ما يتضمنه هذا المعنى والله العالم.
2- ديوان الشيخ هاشم الكعبي ص28، الدر النضيد ص30، رياض المدح و الرثاء ص339.

(47) الزهراء علیها السلام باسطة يديها

(بحر الوافر)

الشيخ يحيى الراضي

تَوَفَّدَ حِينَ بَلَّلَهُ انْسِيابُ *** فُؤاد شَب و انْتَفَضَ الحُبابُ(1)

تُلامِسُ جُرْحَهُ المَشْبُوبَ نارٌ *** فَيَسْرِي مِنْ جَوانِحِهِ الْتِهابُ

وَ يَنْهَمِرُ اللَّهِيبُ عَلَى جَرِيحٍ *** مِنَ الآهات لوّعه انسکَابُ

يَراهُ الظامِئونَ زُلال ماءٍ *** فَتَسْقِيهم بهِ الكأس الرُّضَابُ(2)

أَلا يَا أَيُّها العَطشانُ صَبْراً *** أفي الأقداح عَذْبٌ يُسْتَطابُ

أُنادِي، أَكْسِرُ الأَقْدَاحَ، أَدْنُو *** فَلا سَمْعُ هُنَاكَ وَ لاجَوَابُ

كُؤوسُ الإِثْمِ تَعْتَنِقُ ابْتِهَاجاً *** فَيَنْهَلُ مِنْ عُقُولِهِمُ الشَّرابُ

وَ تَمْتَصُّ الثمالَةُ ماءَ وَجْهٍ *** تَرَقْرَقَ في مَلامِحِهِ السَّرابُ

وَ مَنْ رَشَفَ السَّرابَ كَمَنْ تَرَوَّى *** بِمَوْجِ البَحْرِ يُضْنِيهِ العُبَابُ

فَيَا شَعْبَ الهَجِيرِ سَقاكَ طَيْفٌ *** مِنَ الأوْهامِ يُمْطِرُهُ السَّحابُ

تَمَادَى في حديثٍ أريحِيِّ *** عن الأسلافِ مَنْ شَادُوا وَ غَابُوا

هُمُ فَتَحُوا القِلاعَ وَ شَيَّدُوها *** تُزَخْرِفُها الجَماجِمُ وَ الرِّقابُ

وَ هُمْ سَلَبُوا الجِياعَ فُتات عَيْشٍ *** مِنَ الأَوْحَالِ تَأباه الكِلابُ

غِنَاءُ البُحْتُرِي يُرِيكَ فِيهِمْ *** عَباقِرَةٌ وَ إِنْ عَبْنُوا وَ خَابُوا

وَ ظِلُّ اللَّهِ في الدُّنيا و مَنْ *** لايُوَالِيهِمْ يُظَلّلُهُ عَذَابُ

ص: 219


1- الحباب: الفقاقيع التي تعلو الماء أو الخمر.
2- الرُّضاب: الرِّيق المرشوف، لعاب العسل و رغوته.

وَ إِنْ أَنْسَاكَ يا تاريخَ شَعْبٍ *** تَنَاسَاه الأباعِدُ و الصِّحابُ

فَلِلا مُجادٍ مِنْ صَمْتِي وَ بَوْحِي *** تَرانِيمٌ يُسَلْسِلُها انْتحِابُ

كأَنَّ الآة في نَوْح العَذارَى *** نَواعِيرٌ تَعِنُ فلا تُجَابُ

تَعَوَّدَتِ الفَضَاضَةَ مِنْ وُلُوعِ *** بِوَادِ الرُّوحِ يُسْلِيهِ اغْتِصَابُ(1)

فَرَاحَتْ وَ هُيَ غَاضِبَةٌ تَكُولٌ *** وَ فِي الأضلاع إغصارٌ يُهابُ

فَوَالَهُفِي عَلَى قَلْبِ جَرِيحٍ *** تَولّى نَهْشَهُ ظُفْرٌ وَ نَابُ

وَ يا لَهُفِي على ضِلْعِ تَوارى *** يُضَلِّلُ فَوْقَ مَصْرَعِهِ ارْتِيَابُ(2)

فَکَيْفَ يَتِمُّ جَبْرُ الكِسْرِ فينا *** وَ كَاسِرُهُ المُعَزّى وَ المُصابُ

وَ كَيْفَ يَجِفُّ نَزْفُ الجُرْحِ مِنَّا *** وَ لِلأضلاع اشْباهٌ تُصابُ

فَلَوْ كانَ العِداءُ كَمَا حَسِبْنا *** طَواهُ الأمْسُ ما طَاشَ الخِطابُ

وَ مَا غَنَّى عَلَى لَيْلَاهُ قَيْسٌ *** وَ لَمْ تَرْعَ ضَحاياها ذِئابُ

و ما دَقَّتْ طُبُول الأمْسِ تَدْعُو *** إلى تاراتِ أحْقاد تُجابُ

ولكِنَّ البداوةَ في بَنيِها *** كوشْمِ العارِ يَنْقُشُه احْترابُ(3)

فلا خَيْلٌ تَثُورُ و لاحَمامٌ *** يُرَفْرِفُ بِالسَّلام وَ لاغُرابُ

نَحُثُّ السَّيْرَ في خَطْرٍ مُدَمِّى *** إلى وَهْجِ الحَضارةِ لا نَهابُ

فأعْيانا اللُّهاثُ وَ مَا لَحِقْنا *** بِمَنْ بَلَغُوا أمانِيَهُمْ وَ طابُوا

وَ لَوْلا الشّامُ وَ اللَّيْثُ المُفَدَّى *** و أَشبالٌ يُؤَرِّفُها الطِّلابُ

لَما غَنَّيْتُ مَجْداً يَعْرُبيّاً *** لَهُ فِي كُلِّ خافِقَةٍ ضِرابُ

أنا ضَيْفٌ دِمَشْقِيٌّ تَغَنَّى *** بِحُبُّ الشَّامِ يَنْمِيهِ انْتِسَابُ

فَإِنْ تَقُلَتْ حُروفُ الشُّكْرِعَمًا *** بأعماقِي فَأَعْياها اضْطِرَابُ

ص: 220


1- اغتصاب: اغتصبَ الشيء: أخذه قهراً و ظلماً.
2- انظر كسر الضلع.
3- احتراب: احتربَ القومُ: أوقدوا نارَ الحرب.

لِسانِي ما تَعَوَّدَ مَدْحَ قَوْمٍ *** بِتَظريز الثناءِ وَ إِنْ أصابُوا

هَوَايَ النَّارُ تَكْوِي رُوحَ شَعْبٍ *** تُناغِيهِ الأَمَانِيُّ الكِذابُ

إذا ما لامسَ الوِجْدانَ عَتَبٌ *** فَإِنَّ الحُبُّ يَرْوِيهِ العِتابُ

وَيُورِقُ ما زَرَعْتَ رَدَاذُ دَمْعِ *** يُسَطِّرُ فَيْضَهُ الحُبُّ المُذَابُ

يُلَمْلِمُ ما تَناثَرَ مِنْ قُلُوبٍ *** مُعَلَّفَةٍ وَ آمَالٍ تُشَابُ

فيا شَعْبَ الوَلاءِ إِلَيْكَ نَجْوَى *** مِنَ الأعْماقِ يُبْدِيها انْجِذَابُ

هِيَ الأوْهامُ نَحْسَبُها يَقِيناً *** فَتَصْطَكُ النَّهَايَةُ وَ المَآبُ

يُسَفّهُ بَعْضُنَا بَعْضاً وَ يَهْذِي *** بما يُزْرِي شُيُوخَهُمُ الشَّبابُ

يَطُوفُ بنا الجَمَالُ فَنَزْدَرِيهِ *** وَ يُؤْنِسُنَا بِمَرآهُ اليَبَابُ(1)

وَ نَسْتَجْدِي الدُّمُوعَ عَلَى مُصابٍ *** مِنَ الماضِي ليُنْجِينَا ثَوَابُ

أَيَرْوِي الدَّمعُ آمال العطاشَی *** فَبِاللهِ مَبْكانا العُجاب؟

فإِنْ يَرْنُ الطَّرِيدُ إلى مَلاذٍ *** وَ ظِلُّ مُسْتَدِيم لا يُعَابُ

يَرى الزَّهْراءَ باسِطَةٌ يَدَيْها *** لِمَنْ َتاهُوا وَ مَنْ خَطِقُوا فَتَابوا(2)

بانداءٍ مُنَمْنَمَةٍ وَ عَطْفٍ *** وَ نُور لا يَضِلُّ بِهِ رِكابُ

أَلا قُومُوا إلى الزَّهْراءِ نَسْعَى *** إِلى أَحْضَانِ أشْواقِ تُجَابُ

إلى الأم الَّتِي تَرْعَى بَنِيها *** فَيَحْجُبَهُمْ عَنِ الأُمِّ اغْتِرَابُ

إلى ناعُورَةِ الزَّهْراءِ تَطْفُو *** على مَوْجَ القَصِيدِ فَيُسْتَطابُ

ص: 221


1- اليباب: الخراب.
2- انظر شفاعتها.

(48) بضعة خير الأنبياء

(بحر الرّمل)

الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر

أَيُّ رَأْسٍ بِالأسى لَمْ يَشبِ *** لابْنَةِ المُخْتَارِ نُورِ الْحُجُبِ

***

في الْبَرايَا مَنْ سِوى أُمِّ الْحُسَيْن *** لِلنَّبِيِّ المُصْطَفَى قُرَّةُ عَيْنِ

نُورُها قَدْ مَدَّ ضَوْءَ الْقَمَرَيْنُ *** وَ بِهِ أَزْهَرَ نُورُ الشُّهُبِ

***

مَنْ تَرى في الناس طُرّاً مِثْلَها *** أَوْجَبَ الله تعالى وَصْلها

وَبِنَصٌ مِنْهُ أَبْدَى فَضْلَها *** وَ هُيَ أُمُّ الأُمَاءِ النُّجُبِ

***

لَمْ تَزَلْ ذاتَ بُكاءٍ وَ حَنِينْ *** كلَّ صُبْحِ وَ مَسَاءٍ فِي رَبينْ(1)

يَصْدَعُ الصُّمَّ الصَّفَا مِنْهَا الأنينْ *** لِأَبِيهَا المصطفى خَيْر أَبِ

***

ص: 222


1- إشارة لما ورد في كتاب عوالم العلوم ج2/11 ص794 أقبل أمير المؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال لها: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك: إما أن تبكي أباك ليلاً و إما نهاراً، فقالت يا أبا الحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم.

فَقْدُها قَدْ هَدَّ رُكْنَ المُرْتَضَى *** وَ جَمِيلُ الصَّبر مِنْهُ قُوّضا(1)

وَدَّ لمَّا أَنْ قَضَتْ وَجْداً قضى *** للذي حَلَّ بِهَا مِنْ نُوَبِ

***

أسْبَلَتْ دَمْعَ أمير المُؤْمِنِينُ *** وَ أَذابَتْ قَلْبَ خَيْر الْمُرسَلينْ

كَيْفَ لَا تَهْمِي(2) دُمُوعُ المُسْلِمِينْ *** بِمُذابٍ عَنْ حَشَى مُنْسَكِبِ

***

قَلَّ لَوْ أَنَا نُذِيبُ الْمُهَجا *** جَزَعاً فِيها وَ وَجْداً وَشَجا

دُفِنَتْ سِراً مُذِ اللَّيلُ دَجا *** وَ هْيَ غَضْبى غَيْرَةَ اللَّهِ اغْضَبِي(3)

***

فيكِ يا بَضْعَةَ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءُ *** إِنَّني مِنْ عِلَلِي أَرْجُو الشّفاءْ(4)

وَ بِذِكْراكِ الدَّوا مِنْ كُلِّ داءْ *** وَ بِهِ الرَّاحَةُ عِنْدَ النَّصَبِ(5) (6)

ص: 223


1- و ذلك إشارة لما ورد في ذخائر العقبى (طبعة مصر) ص56 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال لعلي بن طالب علیه السلام: سلام عليك يا أبا الريحانتين فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتي عليك، فلما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال علي علیه السلام: هذا أحد الركنين، فلما ماتت فاطمة علیها السلام قال: هذا الركن الآخر.
2- لاتهمي: لاتسيل.
3- إشارة لما ورد في مصباح الأنوار ص256 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أمير المؤمنين علیه السلام فاطمة بنت محمد علیها السلام بالبقيع ورش الماء حول تلك القبور لئلا يعرف القبر. و بلغ أبابكر و عمر أن علياً علیه السلام دفنها ليلاً فقالا له: فلم لم تعلمنا -إلى أن قال-: فإنها استحلفتني بحق الله و حرمة رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و بحقها عليّ أن لاتشهدا جنازتها.
4- في سنن الترمذي ج2 ص319 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: (إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها) و عن أمالي الصدوق بنقل صاحب العوالم ج1/11 ص148 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: إن فاطمة علیها السلام بضعة مني و هي نور عيني وثمرة فؤادي.
5- النَّصَبَ: النصب بفتحتين و بضمتين الداء أو البلاء.
6- من ديوان الحاج يعقوب الحاج جعفر.

(49) يا طالباً فضلها

(بحر البسيط)

لأحد الأدباء

بُشرى لنَا مَعْشَرَ الأحباب بالطربِ *** وَ استَبْشِرُوا بِزَوَالِ الغَم وَ الكُرَبِ

يا نَفْسُ طيبي فقَدْ طابَ الزَّمانُ لنا *** وَ لْنَشْرَبِ الرَّاحَ كَيْ نَرْتاحَ مِنْ تَعَبِ

بُشْراكِ يا نَفْسُ مِنْ عِيدٍ ظَفِرْتِ بِهِ *** وَ النَّفْسُ مَيَالَةٌ لِلهْوِ وَ اللَّعِبِ

وَ كَيْفَ تَخْشَى مِنَ العُقْبِى فَفَاطِمَةٌ *** جاءَتْ لنا بِبَراةِ الفُظمِ فانْتدِبِ

وَ بِاسْمِها فاطِرُ الأفلاكِ قد فَطَما *** مُحِبَّها مِنْ سَعِيرِ الحَشْرِ وَالعَطَبِ(1)

ص: 224


1- إشارة إلى ما روي في عوالم العلوم ج1/11 ص68 عن المناقب لابن شهرآشوب: ابن شيرويه في الفردوس عن جابر الأنصاري: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إنما سميت ابنتي فاطمة علیها السلام، لأن الله فطمها و فطم محبّيها من النار، و رواه عنه ينابيع المودة ص240 عن سلمان، و إسعاف الراغبين ص118، و الصواعق المحرقة لابن حجر ص230 و مشارق الأنوار للحمزاوي ص107، و بشارة المصطفى ص131، و مودة القربى ص101 و إرشاد القلوب ص232، و رواه المغازلي في مناقبه ص65 عن الحسين بن علي علیه السلام. و روي أيضاً في عوالم العلوم ج1/11 ص68 من تاريخ بغداد بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية، لم تحض و لم تطمث، و إنما سُمِّيت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها ومحبّيها عن النار. و رواه منتخب كنز العمال ج5 ص97، و التحذير ص32 و مفتاح النجا ص100 (مخطوط)، و أخرجه في غالية المواعظ ص95، و الصواعق ص96، و رشفة الصادي ص47، و ذخائر العقبى ص26، و أرجح المطالب ص240 و250، و جميعها من طريق النسائي. و أخرجه في ينابيع المودة ص194 و وسيلة المآل ص78 ، و آل محمد ص97 من طريق الغسّاني. و روي أيضاً في معاني الأخبار و علل الشرائع: القطان عن السكري عن الجوهري عن مخدج بن عمير الحنفي، عن بشير بن إبراهيم الأنصاري عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن أبي هريرة قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله «عزوجل» فطم من أحبّها من النار. رواه أيضاً صاحب التحذير ص32 و ينابيع المودة ص397، عن جواهر العقدين و في آخره: (و ذريتها و محبيها و مفتاح النجا ص100 (مخطوط)، و نور الأبصار ص53، و تفسير آية المودة ص30. و في كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2 ص89: عن سبب تسميتها فاطمة علیها السلام. قال: روي عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوحى الله تبارك و «تعالى» إلى ملك فأنطق به لسان محمد فسماها فاطمة ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث. ثم قال أبو جعفر علیه السلام: واللَّه لقد فطمها الله تبارك و «تعالى» بالعلم و عن الطمث في الميثاق. و في رواية أخرى عن أبي هريرة، قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله «عزّوجل» فطم من أحبها من النار و عن أبي جعفر علیه السلام قال: لفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة علیها السلام بين عينيه محباً فتقول: إلهي و سيدي سميتني فاطمة علیها السلام و فطمت بي من تولاني و تولّى ذريتي من النار و وعدك الحق، و أنت لاتخلف الميعاد فيقول اللَّه «عزوجل» صدقت يا فاطمة علیها السلام إني سميتك فاطمة علیها السلام و فطمت بك من أحبّك و تولاك... إلى بقية الحديث.

مِنْ صُبْحِ غُرَّتِها لَيْلُ النَّوى انْسَلَخَتْ *** بِهَا اهْتَدَيْنَا إِلى الأَنْوارِ وَ الشُّهُبِ(1)

في أرضِ مكةَ شَمْسُ المَجْدِ قَدْ بَزَغَتْ *** يَا شَمْسَ أُفْقِ السَّمَا مِنْ ضَوْئِها اكتَسِبِي(2)

ص: 225


1- إشارة إلى ما روي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن الله جعل علياً علیه السلام و زوجته و أبناءه علیهم السلام حجج الله على خلقه و هم أبواب العلم في أمتي، من اهتدى بهم هُدي إلى صراط المستقيم. راجع شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني الحنفي ج1 ص58-59. عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: اهتدوا بالشمس، فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر، فإذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة، فإذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين. فقيل: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما الشمس و ما القمر و ما الزهرة و ما الفرقدين؟ قال: الشمس أنا، و القمر علي علیه السلام، و الزهرة فاطمة علیها السلام، و الفرقدان الحسن و الحسين -صلوات الله عليهم أجمعين- راجع الحافظ الحسكاني الحنفي في شواهد التنزيل ج1 ص58-59 و قريب من هذا في كنز العمال ج12 ص102 الحديث 34189 فراجع.
2- في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص179 عن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر علیه السلام: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام؟ فقال: كان وجهها يزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام من أول النهار كالشمس الضاحية و عند الزوال كالقمر المنير، و عند غروب الشمس كالكوكب الدرّيّ. أيضاً و روي عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سميّت (زهراء علیها السلام) ؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض. و عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السموات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة، و خرّت الملائكة الله ساجدين، و قالوا: إلهنا و سيّدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري و أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبيِّ من أنبيائي، و أفضله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري و يهدون إلى حقي، و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وصيي . و أيضاً عن أنس بن مالك قال: سألت أمي عن صفة فاطمة علیها السلام فقالت: كأنها القمر ليلة البدر، أو الشمس كُفرت غماماً، أو خرجت من السحاب، و كانت بيضاء بضةً. و عن أمالي الصدوق ص486 بسنده عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ فقال: نعم إن خديجة علیها السلام... إلى حديثه علیه السلام فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها (موضع) إلّا أشرق فيه ذلك النور... و تباشرت الحور العين، و بشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك... و للحديث بقية. و كذا في ص58 عن مشارق الأنوار نفس الحديث.

فلا أقولُ لَها إنْ كُنْتِ آفلةً *** تُضِيءُ دَهْراً بِوَجْهِ عَنْكِ مُحْتَجِبِ

باهَتْ بهِ الأرْضُونَ السَّبْعُ وَافْتَخَرَتْ *** عَلَى السَّماواتِ يَوْمَ الوَفْدِ في التُّرَبِ

يا طالباً فَضْلَها أقصِرْ خُطَاكَ فَما *** تَنَالُ مِنْهُ فَسرُّ اللَّهِ في الحُجُبِ

لو سُوِّدَتْ صُحُفُ الأفلاكِ ما بَلَغَتْ *** مِعْشَارَ عُشْرِ مَعالِيها بِلا كَذِبِ(1)

لِمُصْطَفَاهُ اصْطَفاها اللَّهُ بارِئُها *** وَ مَا ارْتَضَاهَا لِغَيْرِ المُرْتَضَى الأَرَبِ(2)

ص: 226


1- عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم في بعض فضائل فاطمة علیها السلام قال: و لو كان الحُسْنُ شخصاً لكان فاطمة علیها السلام، بل هي أعظم، إن فاطمة علیها السلام ابنتي خير أهل الأرض عنصراً و شرفاً و كرماً. و عن علي علیه السلام قال: دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جالس و الحسن علیه السلام عن يمينه و الحسين عن يساره علیه السلام و فاطمة علیها السلام بين يديه و هو يقول: يا حسن علیه السلام و يا أنتما كفّتا الميزان و فاطمة علیها السلام لسانه و لاتعدل الكفّتان إلا باللسان و لايقوم حسین علیه السلام، اللسان إلا على الكفتين... أنتما الإمامان و لأمّكما الشفاعة، رواه صاحب كشف الغمة ج1 ص506 ، و راجع فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم ص10.
2- ربما يشير إلى ما ورد في صحيح الترمذي ج2 ص319 بسنده عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها قبلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته و أجلسته في مجلسها . أقول: و رواه أبوداود أيضاً في صحيحه ج33 في باب ما جاء في الصيام ص223، و رواه الحاكم أيضاً في مستدرك الصحيحين ج4 ص272، و رواه البخاري أيضاً الأدب المفرد ص136، و ذكر العسقلاني في فتح الباري ج 9 ص200، أنه رواه ابن حبان أيضاً. ثم يشير الشاعر في نفس البيت إلى تزويج فاطمة الزهراء علیها السلام من علي علیه السلام بأمر الله «تعالى»، فقد روي في ذخائر العقبى للمحب الطبري ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام هذا جبريل يخبرني أن الله «عزوجل» زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك (الحديث) قال: أخرجه الملّا في سيرته. و روي في كنز العمال ج6 ص152 قال: إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام، قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود أقول: و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص204، و قال: رواه الطبراني و رجاله ثقات و ذكره المناوي أيضاً في فيض القدير في المتن ج2 ص215 و قال: رواه الطبراني عن ابن مسعود و هو حسن، و في كنوز الحقائق ص29، و ذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه ص74 و قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود. و لعل مما يشير إلى الاصطفاء بالتضمن ما ورد في إحقاق الحق/ للمرعشي/ ج18 ص457. عن علي بن أبي طالب علیه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: يا بنية إن الله سبحانه و «تعالى» اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار أباك فجعله نبياً، ثم اطلع الثانية فاختار منهم زوجك علياً فجعله لي أخاً و وصياً، ثم اطلع الثالثة فاختارك وأمك فجعلكما سيدتي النساء.

لَوْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يكنْ كُفُواً لَهَا أَحَدٌ *** وَ تِلْكَ كُفْ لَهُ في الفَضْلِ وَ الحَسَبِ(1)

لَوْانَّ الْمَجْدِ أُمّاً فهي بجدتها *** أوْ يَمَّمَ(2) الذّرْوَةَ العُليا مِنَ الحَسَبِ

ص: 227


1- و لعل مما يشير إلى بعض ذلك ما ورد في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى ص68 عن الأصبغ بن نباتة قال سمعت أميرالمؤمنين يقول: واللَّه لأتكلمنَّ بكلام لايتكلم به غيري إلا كذاب: ورثت نبي الرحمة و زوّجني خير نساء الأمة و أنا خيرالوصيين. و عن علي علیه السلام قال: فواللَّه ما أغضبتها و لاأكرهتها على أمر حتى قبضها الله «عزوجل»، و لاأغضبتني و لاعصت لي أمراً و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان. و في كشف الغمة ج1 ص472 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم : لولا علي علیه السلام لم يكن لفاطمة علیها السلام كفؤ.
2- يمَّم: قصد.

فَالأَوْلِيَاءُ لَهَا كَالْجُنْدِ وَ الحَشَم *** و الأنبياءُ لها كَالْعَيْنِ وَ الهُدُبِ(1)

وَ لَوْ دَرَتْ بِنْتُ عِمْرانَ الَّتِي احْتَضَنَتْ *** عِيسى لَخَرَّت لها في سَجْدَةِ الأَدَبِ(2)(3)

ص: 228


1- لعل مما يشير إلى بعض ذلك ما رواه الثعلبي في قصص الأنبياء ص14 قال: الباب الخامس في ذكر ما زيَّن به الأرض و هي سبعة أشياء: الأزمنة و زيّن الأزمنة بأربعة أشهر -إلى أن قال-: و الأمكنة و زيّنها بأربعة أشياء -إلى أن قال-: و زينّها أيضاً -يعني الأمكنة- بالأنبياء علیهم السلام و زيّن الأنبياء بأربعة: إبراهيم الخليل و موسى الكليم و عيسي الوجيه و محمد الحبيب علیهم السلام -إلى أن قال-: و زينها أيضاً بآل محمد صلي الله علیه و آله و سلم، وزينهم أيضاً بأربعة علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. و روي في كنز العمال ج6 ص218 و لفظه نحن أهل بيت علیهم السلام لايقاس بنا أحد قال: أخرجه الديلمي عن أنس، و ذكره المناوي أيضاً في كنوز الحقائق ص153، و المحب الطبري أيضاً في ذخائره ص17، و قال أخرجه الملا -أي في سيرته- و ذكره في الرياض النضرة أيضاً ج2 ص208 قال: قال رجل لابن عمر: أبا عبد الرحمن فعلي علیه السلام؟ قال ابن عمر: علي علیه السلام من أهل البيت علیهم السلام لايقاس بهم أحد (إلخ).
2- و مما يشير إلى أفضليتها «عليها الصلاة و السلام» على أم عيسى علیها السلام ما روي في كتاب عوالم العلوم ج1/11 ص122، عن ذخائر العقبى عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: أربع نسوة سيدات، سادات عالمهنّ: مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد علیهم السلام و أفضلهنّ عالماً فاطمة علیها السلام. و روي أيضاً في عوالم العلوم ص126 في حديث طويل عن الإمام الكاظم علیه السلام أنه قال: نحن مكتوبون على عرش ربِّنا: مكتوبون محمد خير النبيين صلي الله علیه و آله و سلم و علي سيد الوصيين علیه السلام و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين. و روي في عوالم العلوم أيضاً ص133 عن الهمداني عن علي عن أبيه عن محمد بن سنان عن المفضّل قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام: إنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم علیها السلام، كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين. و رواه صاحب دلائل الإمامة ص54، و روضة الواعظين ص180 و عنهما، و روى أيضاً عوالم العلوم بإسناد التميمي عن الرضا علیه السلام عن آبائه قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: الحسن و الحسين علیهما السلام خير أهل الأرض بعدي و بعد أبيهما و أمهما أفضل نساء أهل الأرض. راجع عن ذلك أيضاً: ذخائر العقبى ص42. و الاختصاص ص91. و معاني الأخبار ج1 ص107. و عيون أخبار الرضا ج2 ص62، حديث252.
3- شجرة طوبى ص32 ج2.

قافیة التاء

اشارة

ص: 229

ص: 230

(1) أفاطم علیها السلام لاأنساك

(بحر الطويل)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني(*)(1)

ص: 231


1- (*) هو الشيخ إبراهيم ابن الشيخ ناصر بن عبد النبي بن يوسف بن إبراهيم ابن الشيخ مبارك الهجيري التوبلي البحراني. ولد في قرية (توبلي) من البحرين سنة (1326ه_). و تلقى دراسته العلمية في النحو و الصرف و البلاغة و التجويد و الكلام و الفقه و المنطق على يد والده الشيخ ناصر ثم على يد أخيه الشيخ محمد بن ناصر و قرأ على الشيخ محسن العريبي الكوري علم الحساب و معالم الأصول، و بعد ذلك هاجر إلى النجف الأشرف و بقي فيها يرتوي من معين الحوزة العلمية و كان مثابراً و مواظباً جداً في الدروس حتى حضر بحث الخارج عند المرجع الأعلى السيد أبي الحسن الأصفهاني و بحث السيد محسن الحكيم و بحث الشيخ محمد رضا آل ياسين و كذلك بحث الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، و قد أجازه جماعة من العلماء منهم السيد أبوالحسن الأصفهاني و السيد محمد علي التبريزي و الشيخ عبد المحسن الخاقاني و الشيخ قاسم الخاقاني و غيرهم حتى نال درجة كبيرة في الفضل و العلم و كانت له شهرة واسعة في البحرين، و ذلك لبعض آرائه الفقهية التي انفرد بها فهو عالم فقيه و فاضل مثابر. و للمترجَم له آثار علمية تعرب عن مقدرته و طول باعه في تلك العلوم منها: 1-عمود الدين و هي رسالة فقهية. 2- بلاغ العابدين في (الفقه). 3- منار الهدى في (الفقه). 4- المختصر في هداية البشر في (الفقه). 5- الدليل الواضح في (مناسك الحج). 6-حاشية على أربعين البهائي. 7- علي علیه السلام و أولاده «سلام الله عليهم أجمعين». 8- علي علیه السلام ولي الله. 9- نهضة الحسين علي علیه السلام. 10-كتاب الأضداد. 11- السوانح النجفية (ديوان شعر). 12- ماضي البحرين و حاضرها. 13- المجربات في الطب. 14- الكليات في الحكم و الأمثال. 15- العقائد الحقة (شعر). 16-شرح قصيدته المسماة ب_ (نفاهة الخاطر). 17- تعليقه على ديوان أبي البحر الخطي. 18- النور المشرق في أحكام المنطق. و غيرها من الكتب. وفاته: انتقل إلى جوار ربه في (عالي) بالبحرين يوم الخميس الرابع من شهر رجب سنة (1399ه)و شيع تشییعاً مهیباً یلیق بمکانته و خدماته.

أَتَتْنِي مِنَ الحِبِّ الخَدِينِ ألُوكَةٌ *** مُغَلغَلَةٌ في القَلبِ تُنْفِي وَ تُثبتُ(1)

تَقُولُ تَثبَتْ لَوْ أَرَدْتَ زِيارَتِي *** وَ ما عَهْدُنا بِالوالِهِينَ تَتَبَّتُوا

وَ قَالَتْ أَطِلْ غِب الزيارَةِ وَاكْتَتِمُ *** فَلَوْ ذاعَ هَذا تَسْتَتِبُ وَ تَثْبُتُ(2)

وَ لاتَأْتِنَا إلا بِلَيْلِ دُجُنَّةٍ *** وَ اجْعَلْ خُطاك الهُونَ و الجَرُّ مُكْمَتُ(3)

فَإِنْ عَلى أبوابنا وهي غابةٌ *** أسوداً هَمُوساتٍ فَتُصْغِي وَ تُنْصِتُ

قرَأْتُ وَصاياها وَهاجَ بِي الجوى *** فَقُمْتُ وَ قُلْتُ الوَصْل أو أنا مَيِّتُ

فَجَرَّدْتُ عَزْمِي وَ امْتَطَيْتُ عَزِيمَتِي *** وَ أَوْصَيْتُ أَهْلِي بِالدّعاءِ أَنِ اقْنُتُوا

وَ سِرْتُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ أَشْتَدُّ تارَةٌ *** و أَرْجِعُ أُخْرَى اسْتَكِينُ وَ أُخْبِتُ

وَ نَكَّرْتُ هِنْدامِي و جِئْتُ مُبادِراً *** إلى بابها مُسْتَخْفِياً أَتَلَفْتُ

لَعلَّ الذي أَخْشاهُ عَاطَ بِرَقْبَةٍ *** وَ كَانَ عَشِيُّ السَّبْتِ يَنْسَى وَ يَسْبِتُ(4)

وَ أَخْرَسْتُ نَفْسِي لَوْ تَكُونُ طَلائِعٌ *** وَ يَسْتَخْبِرُونِي ما مُرادُكَ أَسْكُتُ

ص: 232


1- الألوكة: الرسالة.
2- غِبّ الزيارة: عاقبتها.
3- دُجّنة: ظلام.
4- عاط: طال.

وَ شَدَّدْتُ عَزْمِي لَوْ يَكُونُ هُنالِكُمْ *** رَقِيبٌ يُفاجي غُرَةَ الأَمْرِ أُفْلِتُ

وَ أَحْكَمْتُ فَنَّ العَسَ حَتَّى كَأَنَّنِي *** لَمِنْ أَهْلِهِ أَوْ صَادَفُونِي لَا ثَبَتُوا(1)

فَلَمَّا رَأَتْنِي حِينَ ذاكَ تَبسَّمَتْ *** وَ قَالَتْ أَتَيْتَ الآنَ وَ السَّيْفُ مُصْلَتُ

فَقُلْتُ لَها اللَّه اللَّه فِي دَمِي *** وَ لايَسْمَعُ الوَاشُونَ هذا فَيَشْمَتُوا

وَ لَسْتُ بِمَكْبُوتٍ مِنَ السَّيْفِ مُصْلَناً *** وَلَكِنّني مِنْ مَنْعِكِ الْوَصْل أُكْبَتُ

وَ هَلْ أَنْتِ كَالدّنيا تَجَمَّعَ أَهْلُهَا *** إِلَيْها فَلَمّا أَيْأَسَتْهُمْ تَشَتَّتُوا

وَ لاؤُكِ يا دُنْيَا فَأَنْتِ دَنِيَّةٌ *** وَ كَمْ باطِلٍ يُطْرَى بِخَيْرٍ وَ يُنْعَتُ

عَرَفْتُكِ يا هَوْجَاءُ زَوْجَةَ أَحْمَقٍ *** وَ مَا غَرَّنِي مِنْكِ الزُّهَا وَ التَّزَمُتُ(2)

فَإِنْ كَانَ مَنْ غَرَّيْتِ بُلْها فإنَّني *** أذَمِّمُ مِنْكِ التُّرَّهاتِ وَ أَمْقُتُ

تَعَاظَمَ أهْلُ الغَيْ حَتَّى تَحَكَّمُوا *** بِالِ رَسُولِ اللهِ ظُلماً و عَنتُوا

أزالُوهُمُ عَنْ حَقِّهِمْ وَ تَواثَبُوا *** عَلَيْهِمْ وَ غَتُّوهُمْ حُقُوقاً و عَمَّتُوا(3)

وَ رَضُّوا مِنَ الزَّهْرَاءِ جَنْباً و أَسْقَطُوا *** جَنِيناً وَ حَطُّوا مِنْ عُلاهَا وَ بَكَّتُوا(4)

وَ صَبُّوا عَلَى المَثْنَيْنِ مِنها سِياطَهُمْ *** وَ خَانُوا عُهودَ اللَّهِ فِيها وَ خَوَّتُوا(5)

وَ كَانَتْ مِنَ الهادِي الْوَدِيعَةَ فِيهِمُ *** فِيا بِئْسَ ما خانُوهُ فيها وَبَيَّتُوا

زَوَوْا حَقَّها بِالْغَضب إرْناً وَ نِحْلَةً *** سَحِيناً أدالَ اللَّهُ مِنْهُمُ وَ اسْحَتُوا(6)

ص: 233


1- العس: العاسّ هو الذي يطوف بالليل يحرس الناس و يكشف أهلّ الريبة.
2- هَوْجَاء: طويلة في الحمق و الطّيش و التسرّع.
3- غتّوهم: أخفوهم. عمَّتوا: قهروا.
4- انظر العوالم ج2/11 ص568 و البحار ج53 ص18.
5- خوّتوا: صوّتوا و قد تقدم أيضاً ذلك عن كتاب سليم بن قيس ص36 و العوالم ج2/11 ص556 عن سلمان الفارسي في حديث طويل فراجع.
6- زَوَوا: قبضوا و احتازوا و في البيت إشارة إلى ما روي في الاحتجاج ج1 ص119 عن عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله و اعتراضها (عليها الصلاة والسلام) عليه.

وَ قَادوا عَلِيّاً آخِذِينَ خِنَاقَهُ *** يَكَادُ بإصْغَاطِ التَّنَفسِ يُحْفَتُ

وَ لَمَّا أَهَاضَتْهُمْ بِدَفَع وَ ضَجَّةٍ *** أهاضَ بها سَوْطٌ يُضِجُّ وَ يُضمِتُ

إلى أَنْ قَضَتْ مَفْرُوحَةَ الْجَفْنِ وَ الْحَشا *** بِقَلْب يَصُلُّ الهَمُّ فِيهِ و يَنْكَتُ

وَ هُمُ قَتَلُوها لارعى اللَّهُ أمَّهُمْ *** وَ لاطابَ مِنْهُمْ في الوَشائجِ مُلْفِتُ(1)

وَ قَدْباتَ إبْناها بأَطْوَلِ لَيْلَةٍ *** يَبِيتُ بها مُضنَى الفُؤَادِ مُفَتَّتُ

و هَاجَ بِقَلْبِ المُرْتَضَى الحُزْنُ وَ الأسى *** كَأَنَّ حَشَاءُ بِالرَّزِيَّةِ تُسْلَتُ

أَفَاطِمُ لاأَنْسَاكِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ *** وَ هَلْ كَانَ مِثْلِي فِي فَقِيدَيْنِ يُقْلَتُ

فَما أَنَا إِلا كَالشَّكِينِ بِعُشْهِ *** وَ رَائِشُهُ الحانِي عَلَيْهِ مُكَفَّتُ(2)

أَأَنْسَاكِ لاأَنْسَاكِ وَ الحُزْنُ قاتِلي *** وَ يَوْمُكِ يَوْمٌ أكدَرُ الْوَجْهِ أمْقَتُ

إذا سَرَّ هذَا البَدْرُ أَظْلَمَ لَيْلُهُ *** و إنْ صَوَّحَ المَرْعَى مِنَ النَّاسِ أَسْنَتُوا(3)

فَما أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ إِنْ عَابَ بَدْرُها *** وَ ما أَكْدَرَ الْغَبْرَاءَ إِنْ جَفَّ مَنْبِتُ

فِداكِ الْوَرَى طُرّاً وَ قَلَّ لَكِ الْفِدَا *** وَ لكِنَّمَا الْآجال وَقْتٌ مُوَقَّتُ

أُصِيبَتْ بكِ الدنيا و أَظْلَمَ نُورُهَا *** وَ أَخْرَسَ منها ناطِقٌ أَوْ مُصَوّتُ

وَ عَجِّتْ عَلَيْكِ الكائناتُ بِنَوْحِها *** وَ تِلْكَ الجبالُ الشُّمُ تَدْرِي وَ تَنْحِتُ(4)

ص: 234


1- الوشائج: الأقارب المتصلة المشتبكة. و تقدم ما ورد عن ذلك من كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه).
2- كفَّت الشيء: ضمَّه.
3- صوّح يبس أو جفَّ. أسنتوا: أصابهم الجدب و القحط.
4- من كتاب المراثي الحسينية.

(2) قصة الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ أبوذر الشويلي

للشمس نورٌ ولي في عشق مولاتي *** نورٌ يُنزّه عن شأنِ الكُسُوفاتِ

نورٌ سعى من سعى، يُطفي توهُّجَهُ *** بفيهِ مُذْ سنَّ حُكماً للظُلاماتِ

لكنْ أبى اللَّهُ إلا أن يتمَّ لهُ *** في قلبِ كلِّ محبٍ نورُ مشكاةِ

فاسكبْ معي صاحِبي إن كنتَ مدّخِراً *** دمعَ العيونِ و لاتبخلْ بدَمْعاتِ

إنَّ الجراحَ كثيراتُ و آلمُها *** جُرحٌ لقدّيسةِ الأوصافِ و الذاتِ

تُدعى بأمِّ أبيها عمرَ والدِها *** فلندْعُها بعدَه أُمَّ الجُراحاتِ

***

فطالما هاجَ بي شوقٌ فأنشُرُهُ *** شِعراً و يطويهِ بَضٌ من خيالاتي

ماذا ترَى أحرفٌ صفراء خاويةٌ *** في فِي(1) شويعر صيغت بعض أبياتٍ

تحكِي لنا قصةَ الزهراءِ و هي دمٌ *** ينزُّ من أضلعٍ بالبغي مُحناةِ

لكن سأشرعُ بالتحميدِ منتشياً *** فرشفةُ الحمد فاقت كلُّ كاساتِي

ثمَّ الصلاةِ على أُسِّ الجمالِ على *** عقل العقولِ و فيّاضِ الكمالاتِ

و صحَ صاحبُ هذا الدين ليسَ له *** رضِّى بغيرِ رضاها -في الصريحاتِ

كذاكَ يغضبُ إن زهراؤهُ غضبتْ *** فالمُصْطفى مصطفاها في المُلّماتِ

و قلبُهُ بهواها مولعٌ وَلهٌ *** يضمُّها تارةً ضمَّ الحماماتِ

ص: 235


1- في: أي فم.

كأنَّما هي بُقيا أمّهِ وصدى *** خديةٍ في رؤاها و المواساةِ

و قالَ مَنْ يؤذِها آذَى نبيَّكُمُ *** و ذاك مُؤذٍ لفطّارِ السماواتِ

لولا عليّ لظلّت دونما أحدٌ *** كفو، فسبحانَ من أجرى المشيئاتِ

***

و حينما أقَلَ النجمُ العظيمُ و قدْ *** أبقى لهم قَبَساً في المُدِلهمّاتِ

كلٌّ سعى بأكُفِّ الغدرِ يُطفِئُهُ *** فما رعَوْهُ و ضلّوا في المفازاتِ(1)

إذ قال خلفّتُ فيكم عترتي فيها *** و بالكتاب اهْتَدوا دون الضلالاتِ

لالنَ تضلُّوا إذا أمسكْتُمُ بهما *** لايُفرقان إلى يومِ المُلاقاتِ

قامَتْ على مسمعٍ الأقوام خاطبَةً *** لكنَّ آذانهُمْ آذانُ أمواتِ

ما كانَ ذاك لدُنيا تستلذُّ بِها *** حاشاكِ سيدتي كلّ الملذّاتِ

لكنّهُ غضبٌ لله طار بِهِ *** قلبُ المُوحْدِ فِي صَعْبِ الدياناتِ

و صوتُ حقٍ يُدوّي في العُلى أبداً *** ما أجبنَ الحقّ من دون الطِّلاباتِ

يظلُّ يتلو على الأجيال آيتَها *** (لاتركنوا)، لاولو رفضاً بأصواتِ

لكنّني يا بنةَ المُختار ذا خَجل *** يَحولُ بَحرُ الحيا دون السؤالاتِ

هل في صحيفتكِ الغرّا لنا وطنٌ *** نصبوا لهُ في غدٍ مُسْتَوسِقٍ آتي؟

ص: 236


1- المفازات: مفردها مفازة و هي الصحراء القفر الواسعة.

(3) ذروة المجد

(بحر السريع)

أم سلمة زوجة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم

التخميس لعبد الرسول الفراتي

يهن دلالاً يا صُحيباتي *** و انشدنَ في أحلى العِبارات

تموجُ شوقاً للسماواتِ *** (سرنَ بعونِ اللَّه جاراتي)

(و اشكرنَ في كلِّ حالاتِ)

و اهتُفنَ للهادي نشيدَ الوِلا *** و اذكرنَ طه المصطفى المرسلا

لولاهُ شرعُ اللَّه لن يمثلا *** (و اذكرنَ ما أنعَمَ ربِّ العُلى)

(من کشفِ مكروه وآفاتِ)

قد جاءنا بفضلِ فردٍ صَمَدْ *** و نصِّ قل هو الإلهُ أحَدْ

فلعنةُ اللَّه على من جَحَدْ *** (فقد هدانا بعدَ كفرٍ و قد)

(انعشنا ربُّ السماواتِ)

و انظرنَ هذا اليوم ما قد جرى *** فالكونُ يزهو بالهنا و الثَّرَى

ففاطمٌ قد زُوِّجت حيدرا *** (و سرنَ مَعْ خيرِ نساءِ الورى)

(تُفدى بعمَّات و خالاتِ)

يا دُرَّةٌ مذ ضوؤهُا قدجلا *** منها البدورُ حقَّ أن تَخجلا

في ذِروة المجد سَبَقْتِ الأُلى *** (يابنتَ من فَضَّلَهُ ذوالعُلي)

(بالوحي منهُ و الرسالاتِ)

ص: 237

(4) يا قبر فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

ديك الجن الحمصي (*)(1)

يا قَبْرَ فاطِمَةَ الَّذِي ما مِثْلُهُ *** قَبْرٌ بطَيْبَةَ طَابَ فِيهِ مَبِيتَا(2)

إذْ فِيكَ حَلَّتْ بضعَةُ الهادي الَّتي *** تُجْلَى مَحاسِنُ وَجْهِها حُلِّيتا

ص: 238


1- (*) ديك الجن الحمصي ترجمه السيد جواد شبر في أدب الطف ج1 ص290: و قال عنه: هو: أبومحمد عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن مزيد بن تميم الكلبي الحمصي، ولد سنة (161ه_) بسلمية و توفي سنة 235ه_ أو 236ه_، فعمره أربع و سبعون سنة أو خمس و سبعون، ذكره ابن شهراشوب من شعراء أهل البيت علیهم السلام. و يعتبر ديك الجن في طليعة شعراء القرن الثالث الهجري ومن أبرزهم في الرثاء مدح آل البيت علیهم السلام و شعره القوي ينهض دليلاً قوياً على أنه شاعر مطبوع ترتاح له النفس و تتذوقه الاسماع و القلوب و ولاؤه لأهل البيت علیهم السلام ظاهر على شعره. قال ابن خلكان: و هو من أهل سلمية و لم يفارق الشام مع أن خلفاء بني العباس في عصره ببغداد، فلا رحل إلى العراق و لاإلى غيره منتجعاً بشعره، و له مراث في الحسين علیه السلام. قال ابن شهر آشوب: افتتن الناس بشعره في العراق و هو في الشام حتى أعطى أبا تمام قطعة من شعره و قال له يا فتى اكتسب بهذا واستعن به على قولك، فنفعه في العلم و المعاش. قال عبد الله بن محمد بن عبد الملك الزبيدي: كنت جالساً عند ديك الجن، فدخل عليه حدث فأنشده شعراً عمله فأخرج ديك الجن من تحت مصلاه درجاً كبيراً فيه كثير من شعره فسلمه إليه و قال له: يا فتى تكسب بهذا واستعن به على قولك، فلما خرج عنه فقال هذا فتى من أهل جاسم يذكر أنه من طيء يكنى أبا تمام واسمه حبيب بن أوس، و فيه أدب و ذكاء و له قريحة و طبع.
2- طيبة: المدينة المنورة.

إنْ تَنْأَ عَنْهُ فَمَا نَأَيْتَ تَباعُداً *** أوْ لَم تَبِنْ بَدْراً فَما ألخْفِیتنا

فَسَقَى تَراكَ الغَيْثُ ما بَقِيَتْ بِهِ *** لُمَعُ القُبُورِ بطيبةٍ وَ بَقِيتا

فَلَقَدْ بِرَيّاها ظَلَلْتَ مُطَيَّباً *** تَسْتَافُ مِسْكاً في الأُنُوفِ فَتِيتا(1)

وَ لَقَدْ تَأَمَّلْتُ القُبُورَ وَ أَهْلَها *** فَتَشَتَّتَتْ فِكَري بها تَشْتِيتا

کَم مُقْرَبٍ مُقْصَى وَ كَمْ مُتَبَاعِدٍ *** مُدنّي، فَسَاوَرَتِ الحَشَا عِفْريتا(2)

ص: 239


1- رياها:ريحها الطيبة. إستاف: إشتم، الفتيت: المفتوت.
2- دیوان ديك الجن ص55.

(5) بنت خير الناس

(مجزوء الكامل)

الأستاذ سالم محمد علي(*)(1)

أَلدَّمْعُ قَرَّحَ مُقْلَتِي *** وَ اللَّيْلُ أثْقَلَ وَحْشَتِي

أَوَاهُ لاعقدُ النُّجُومِ *** تُشِعُ تُظرِبُ عَتْمَتِي

لاشَيْءَ غَيْرُ الْبُومِ *** وَ الغِرْبَانِ تَأْكُلُ ضَحْكَتِيْ

لاشَيْءَ مَزَّقَنِي الْخَرِيفُ *** غَداةَ ماتَتْ وَرْدَتِي

لاشَيْءَ مَاتَ الْعُشْبُ *** ماتَ الْحَقَّلُ جَفَّتْ تُرْعَتِي(2)

لاشَيْءَ ماتَتْ نَغْمَةُ *** الْقِيثارِ ضَاعَتْ غَنْوَتِي

لاشَيْءَ غَيْرُ الدَّمْعِ *** غَيْرُ الرِّيحِ تُطْفِي شَمْعَتِي

لاوَرْدَ لاشَدْوَ الطُّیورِ *** فَمَنْ سَيُؤْنِسُ وَحْدَتِي

قَدْ تِهْتُ طَوَّقَنِي الظَّلامُ *** أَصِيحُ ماتَتْ صَيْحَتِي

وَ أَضَعْتُ قافِلَتي وَ دَرْبِي *** أَيْنَ مِنّي صُحْبَتِي

ص: 240


1- (*) هو سالم محمد علي ولد في كربلاء المقدسة في العراق سنة (1363 ه_) 1944م، و نشأ و ترعرع بها، و أتم دراسته الابتدائية و المتوسطة و الاعدادية ثم انتقل إلى العاصمة بغداد حيث و اصل تحصيله العلمي في كلية اللغات بجامعة بغداد و تخرج منها. و المترجَم له أحب الشعر حباً جماً و شغف به شغفاً ملك عليه فؤاده وكيانه، و أخذ يطالع الدواوين الشعرية و كتب الأدب و اندفع يقرض الشعر على اختلاف فنونه و أوزانه و أنواعه، و تناول أغراض الشعر المألوفة، فأجاد في كثير من النصوص التي كتبها بدافع من شعوره الديني. و عرف شاعرنا بكتابة القصيدة العمودية و تطالعنا في قصائده صور ولوحات خيالية رائعة تدل على قدراته الشعرية و الأدبية الابداعية.
2- تُرعتي: روضتي، و الظاهر أن المقصود بالترعة في البيت مسيل الماء أو النهر الجاري.

يا بِنْتَ خَيْرِ النَّاسِ یا *** نِبْراسَ دَرْبِ عَقِیدتِي

أنا مِنْ لُهَاثِ الْحُزْنِ مِنْ *** خُلْجَانِ أَدْمُع أُمَّتي

أنا مِنْ خُيوطِ اللَّيْلِ مِنْ *** قَلْبِي وَ حُرْقَةِ آهَتِي

لَمْلَمْتُ قَافِيَتِي الْحَزِينَة *** كَيْ أَصُوغَ قَصِيدَتِي

أَرْثِيكِ وَ الأَلَمُ الدَّفِينُ *** يَحُزُ بُرْعُمَ مُهْجَتِي

ذِكْرَاكِ واها كَمْ تُعَذِّبُنِي *** وَ تُوجِعُ حُرْقَتِي

أوَّاهُ تُؤْلِمُنِي تَهُدُّ *** القَلْبَ تُوحِشُ عَتْمَتِي

دُنْیا مِنَ الآلامِ *** ذِكْرَاكِ و تِلْكَ فَجِيعَتِي

يا وَقْفَةٌ لَكِ قَوَّضَتْ *** أرکانَ کُلّی الطُّغْمَةِ(1)

يا وَقْفَةٌ لَكِ تَصْرُخینَ *** بِهِمْ كَصَرْخَةِ لَبْوَةِ(2)

أنا بِنْتُ (أحْمَدَ) يا *** رَعاعُ وَ لاأَبِيعُ عَقِيدَتِي(3)

ص: 241


1- الطُّغْمَة: الجماعة التي يكون أمرهم واحداً.
2- يشير الشاعر في البيت و الذي قبله إلى مواقف الزهراء سلام الله عليها من ظالميها و سالبي حقها و حق زوجها الامام علي بن أبي طالب علیه السلام. و من مواقفها في وجوههم يوم سلبوا فدك منها. فقد جاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-132. «روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست أنَّت أنَّة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتجَّ المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد اللَّه و الثناء عليه والصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت كلامها فقالت علیه السلام: الحمدللَّه على ما أنعم... إلى آخر الخطبة. و من مواقفها أيضاً يوم هجوم عمر بن الخطاب و جماعته على بيتها و وقوفها في وجوههم. انظر كتاب سليم بن قيس ص37، 208. و من مواقفها يوم احتجاجها على أبي بكر. انظر كشف الغمة478/1 و العوالم 631/2.
3- الرعاع: سَفَلة الناس.

فالدِّينُ لاالدُّنْيَا طَرِيقُ *** النُّورِ تِلْكَ شَرِيعَتِي

قد تاءَ زَوْرَقُكُمْ *** غَرِقْتُمْ في بحارِ الظُّلْمَةِ

فغداً جُموع الكفرِ *** أحْمِلُ لِلْإِلَهِ فَجِيعَتِي(1)(2)

ص: 242


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى وقوف الزهراء علیها السلام يوم القيامة بين يدي الله و شكواها إليه ممن ظلمها و غصب حقِّها. انظر مقتل الحسين للخوارزمي 52/1 و البحار ج43 ص221. و البحار أيضاً ج43 ص219-220 نقلاً عن أمالي الصدوق.
2- هذه القصيدة نشرت في سلسلة ذكريات المعصومين بمناسبة ذكرى وفاة فاطمة الزهراء علیها السلام سنة 1386 للهجرة و كان إهداء هذه القصيدة بهذا العنوان (إلى التي أنجبت أعظم ثائر عرفه التاريخ و لازال مخلداً عبر الأجيال إلى الصديقة الطاهرة الزهراء علیها السلام).

(6) بنتُ الخلود

(بحر الخفيف)

سلمان هادي آل طعمة(*)(1)

أَيُّ ذِكْرَى تَمُوجُ بِالْحَسَراتِ *** زُخِرَتْ بِالأَنِينِ وَ الزَّفَراتِ

هِيَ ذِكْرَى حَوَتْ خِلالَ رَسُولِ اللَّهِ *** أَكْرِمْ بِهَا مِنَ الذِّكْرَياتِ

تَوَّجَتْها ذَوائِبُ المَجْدِ فَخْراً *** فَتَسامَتْ بِها عَلَى النَّرِّاتِ

فاطِمُ الطُّهْرُ زَوْجُ حَيْدَرَةَ الكَرَّارِ *** تِرْبُ العُلى، وَ سِرُّ الحَياةِ(2)

أَغْنَتِ البَائِسِينَ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ *** وَ بَاتَتْ حَيْرَى بِدُونِ فُتاتِ(3)

كَيْفَ تُطْوَى مَكارِمٌ وَ مَزَايا *** هِيَ رَمْزٌ لِلْخَيْرِ وَ البَرَكَات

كَيْفَ تُحْصَى مَاثِرٌ جَلَّلَتْهَا *** عِصْمَةُ النَّفْسِ بالتُّقى و السِّماتِ

إنّها فاطِمُ البَتُولُ وَ بِنْتُ الخُلْدِ *** يا مَنْ حَوَتْ جَمِيلَ الصِّفاتِ(4)

***

ص: 243


1- (*) مرت ترجمه الشاعر في الجزء الأول.
2- إشارة لما ورد في علل الشرائع ج1 ص179 ح6 عن أبي جعفر علیه السلام: قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوصى اللَّه «عز وجل» إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلی الله علیهم و آله و سلم فسماها فاطمة علیها السلام ثم قال: إني فطمتك بالعلم و فطمتك عن الطمث.
3- إشارة لما ورد في إحقاق الحق ج9 ص116 - 123 في تفسير هذه الآية المباركة:«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيراً» عن ابن عباس في نزول الآية في علي علیه السلام و فاطمة علیها السلام حيث باتا جائعين و أطعما طعامهما للمسكين و اليتيم و الأسیر.
4- إشارة لما ورد في معاني الأخبار ص64 ح17 و علل الشرائع ج1 ص181 ح1 أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم سئل: ما البتول؟ فإنا سمعناكَ يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، تقول: إن مريم بتول و فاطمة بتول علیهما السلام، فقال صلى الله عليه و آله و سلم:البتول التي لم تر حمرة قطُّ أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء.

أيُّ حُزْنٍ سادَ البِلادَ عَظِيم*** باتَ فَخْرَ الْقُرونِ والسَّنوات

وَمُصابٍ هَزَّ النُّفُوسَ وَأَوْدَى*** بِابْنَةِ الظُّهْرِ فِي أَعَزِّ حَياةِ

فَإِذَا الْخَطْبُ فَادِحٌ كادَ يَغْرِي*** سَهْمُهُ في القُلُوبِ كَالْجَمَراتِ(1)

وَاللّيالِي كَئِيبَةٌ تَنْدُبُ الطُّهْرَ*** بِعَيْنٍ غَزِيرَةِ الْعَبَراتِ

تِلكَ أُمُّ الْحُسَيْنِ حَيْثُ تَوارَتْ*** بَيْنَ أَجْدَاثِ نِسْوَةٍ طاهِراتِ

سَوْفَ تَبقى ذِكرَى البَتُولِ بِقَلْبِ المَجْدِ*** تَزْدانُ بِالهَوى وَالثَّبَاتِ(2)(3)

ص: 244


1- يغري: يلتصق به ويلزمه.
2- تزدان: تتزين.
3- نشرت هذه القصيدة في سلسلة ذكريات المعصومين علیهم السلام سنة 1386ه في كربلاء المقدّسة، و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

(7) بنت المصطفى علیها السلام

(بحر الطويل)

عبد الله بن عمار البرقي

إذا جَاءَ عَاشُورا تَضَاعَفُ حَسْرَتي *** لآلِ رَسُولِ اللَّهِ وَ انْهَلَّ عَبْرَتِي

هُوَ الْيَوْمُ فِيهِ اغْبَرَّتِ الأَرْضُ كُلُّها *** وُجُوماً عَلَيْهِمْ وَ السَّماءُ اقْشَعَرَّتِ

مَصائِبُ سَاءَتْ كُلَّ مَنْ كانَ مُسْلِماً *** وَلكِنْ عُيُونُ الْفَاجِرِينَ أَقَرَّتِ

إذا ذَكَرَتْ نَفْسِي مُصِيبَةً كَرْبَلا *** وَ أَشلاءَ ساداتٍ بِهَا قَدْ تَفَرَّتِ

أضاقَتْ فُؤَادِي و اسْتَباحَتْ تَجَلُّدِي*** وَ زَادَتْ عَلى كَرْبِي وَ عَيْشِي أَمَرَّتِ

أُرِيقَتْ دِماءُ الفاطِمِیِّينَ بِالْفَلا *** فَلَوْ عَقَلَتْ شَمْسُ النَّهَارِ لَخَرَّتِ

أَلا بِأَبي تِلْكَ الدِّماءُ الّتي جَرَتْ *** بِأَيْدِي كِلابِ في الجَحِيمِ اسْتَقَرَّتِ

تَوَابيتُ مِنْ نارٍ عَلَيْهِمْ قَد أُطْبِقَتْ *** لَهُمْ زَفْرَةٌ فِي جَوْفِها بَعْدَ زَفْرَةِ(1)

فَشَتَانَ مَنْ في النارِ فِي جَوْفِ طَابِقٍ*** وَ مَنْ هُوَ فِي الفِرْدَوْسِ فَوْقَ الْأَسِرِّةِ

بنَفْسِي خُدُودٌ في التّرابِ تَعَفَّرَتْ *** بِنَفْسِي جُسُومُ بِالعَرءِ تَعَرَّتِ

بِنَفْسِي رُؤُوسٌ مُشرِقاتٌ عَلَى الْقَنَا *** إلى الشام تُهْدَى بارِقاتِ الْأَسِرَةِ

ص: 245


1- قال علي علیه السلام: لست بقائل غير شيء واحد، أذكركم اللَّه أيها الاربع يقول: إن تابوتاً فيه اثنا عشر رجلاً ستة من الأولين و ستة من الآخرين في جب في قعر جهنم، في تابوت مقفل، على ذلك الجب صخرة، فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنم ذلك الجب و من حره... إلى أن (قال و في الآخرين الدجال و هؤلاء الخمسة من وهج أصحاب الصحيفة و الكتاب وجبتهم و طاغوتهم الذين تعاهدوا عليه و تعاقدوا على عداتك يا أخي و تظاهروا عليك بعدي هذا و هذا... حتى سماهم وعدهم لنا. قال سلمان فقلنا: صدقت نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم راجع كتاب سليم بن قيس ص48-49.

بنَفْسي شِفاءٌ ذابلاتٌ مِنَ الظَّما *** وَ لَمْ تُرْوَ مِن ماءِ الفُراتِ بِقَطرَةِ

بِنَفْسِي عُيُونُ غائِراتٌ شَواخِصٌ *** إِلَى المَاءِ مِنْهَا نَظْرَةً بَعْدَ نَظْرَةِ

بِنَفْسِي مِنْ آلِ النَّبيِّ خَرائِدٌ *** حَواسِرُ لم يُرْأَفَ عَلَيْهَا بِسُتْرَةِ(1)

تَفِيضُ دُموعاً بِالدِّماءِ مَشُوبَةً *** كَقَطر الْغَوادِي مِنْ مَدامِعَ ثَرَّةِ(2)

عَلى خَيْرِ قَتْلَى مِنْ كُهولٍ و فِتْيَةٍ *** مَصالِيتَ أَنْجَادٍ إِذَا الْخَيْلُ كَرَّتِ(3)

رَبيعِ اليّتامى وَ الأراملٍ في الْمَلا *** دَوارِسَ لِلْقُرْآنِ في كُلِّ سَحْرَةِ

وَ أَعْلامِ دينِ المُصْطَفَى وَ وُلاتِهِ *** وَ أَصْحَابِ قُرْبانٍ وَ حَجٌ وَ عُمْرَةِ

يُنادِينَ يا جَدَاهُ أَيَّةُ مِحْنَةٍ *** تَراها عَلَيْنَا مِنْ أُمَيَّةَ مَرَّتِ

صغائِنُ بَدْرٍ بَعْدَ سِتّينَ أَظْهِرَتْ *** وَ كانَتْ أحنّتُ في الحَشَا وَ أُسِرَّتِ

شَهِدْتُ بأن لم تَرْضَ نَفْسٌ بِهذِهِ *** وَ فيها مِنَ الإسلام مِثْقَالُ ذَرَّةٍ

كَأَنِّي بِبِنْتِ المُصْطَفَى قَدْ تَعلَّقَتْ *** يَداها بِسَاقِ الْعَرْشِ وَ الدَّمعَ أَذْرَتِ(4)

و في حِجْرِهَا ثوبُ الحُسَيْنِ مُضَرَّجاً *** وَ عَنْها جَمِيعُ العَالَمِينَ بِحَسْرَةِ

تَقُولُ: أيا عَدْلُ اقْضِ بَيْنِي وَ بَيْنَ مَنْ *** تَعَدَّى عَلَى ابْنِي بَعْدَ قَهْرٍ وَ قَسْوَةِ(5)

أَجَالُوا عَلَيْهِ بِالصَّوارِمِ وَ الْقَنَا *** وَ كَمْ جال فيهِ مِنْ سِنانٍ وَ شَفْرَةِ

ص: 246


1- خرائد: جمع الخريدة و هي اللؤلؤة التي لم تثقب.
2- الغوادي: مفردها الغادية و هي السحابة التي تنشأ غُدْوَة ثَرَّةً: غزيرةً.
3- مصاليت أنجاد: المصاليت هم الشجعان الماضون في حوائجهم، و الأنجاد: الشجعان الماضون فيما يُعْجِز غيرهم أو السريعو الإجابة إلى ما دعوا إليه.
4- إشارة لما ورد في معاني الأخبار ص396-53 و مثله في البحار ج43 ص4 ح3: سئل النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقيل يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و أين كانت فاطمة علیها السلام؟ قال: كانت في حقة تحت ساق العرش. و في ينابيع المودة ص104 و ص260 عن علي علیه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل القيامة أغمضوا أبصاركم لتجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم مع قميص مخضوب بدم الحسين علیه السلام فتحتوي على ساق العرش فتقول أنت الجبار العدل اقض بيني و بين من قتل ولدي، فيقضي الله بسنتي و رب الكعبة انظر ما ورد في فضلها في الجزء الأول.
5- هذا المضمون قد ورد عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في مصادر عديدة، و قد رواه ابن المغازلي في الحديث (91) من كتاب مناقب أميرالمؤمنين علیه السلام، و الحافظ الجنابذي الحنبلي بن الأخضر المتوفى سنة (611 هجرية) في كتابه معالم العترة الطاهرة و الخوارزمي في كتابه مقتل الحسين علیه السلام: ج1 ص52 و الحموئي في الباب (52) من السمط الثاني من فرائد السمطين ج2 ص265. و رواه الشيخ الصدوق بسندين في الباب (30 و 31) من كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام: ج2 ص12 و ص29 قال في الحديث من الباب (31): و حدثني أبو عبد الله الحسين الأشناني الرازي العدل ب_(بلخ) قال: حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني عن داود بن سليمان الفراء عن علي بن موسى الرضا علیه السلام قال: حدثني أبي موسى بن جعفر علیه السلام قال: حدثني أبي جعفر بن محمد علیه السلام قال: حدثني أبي محمد بن علي علیه السلام قال: حدثني أبي علي بن الحسين علیه السلام قال: حدثني أبي الحسين بن علي علیه السلام قال حدثني أبي علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بالدم فتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل احكم بيني و بين قاتل ولدي (ثم ) قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فيحكم الله «تعالى» لابنتي علیها السلام و رب الكعبة و إن الله يغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها. و رواه عنه المجلسي العظيم في سيرة فاطمة صلوات الله عليها في بحار الأنوار ج43 ص220.

عَلى غَيْرِ جُرْم غَيْر إنكارِ بَيْعَةٍ *** لِمُنْسَلِحْ عَنْ دينِ أَحْمَدَ عُرَّةِ(1)

فَيُقْضَى عَلى قَوْمٍ عَلَيْهِ تَأَلَّبُوا *** بِسُوءٍ عَذَابِ النَّارِ مِنْ غَيْرِ فَتْرَةِ

وَ يُسْقَوْنَ مِنْ مَاءِ الصَّدِيدِ إِذا دَنا *** شَوَى الوَجْهَ وَ الأَمْعَاءُ مِنْهُ تَهرَّتِ(2)

مَودَّةُ ذِي الْقُرْبى رَعَوْهَا كَما تَری؟ *** وَ قَوْلُ رَسولِ اللَّهِ: «أُوصِي بِعِترتي»(3)

فكُمْ فَجْرَةٍ قَدْ أَتْبَعُوها بِفَجْرَةٍ *** وَ كَمْ غَدْرَةٍ قَدْ الْحَقُوها بِغَدْرَةِ

هُمُ أوّلُ العادِينَ ظُلْماً عَلَى الْوَرى *** وَ مَنْ سادَ فيهم بالأذَى وَ الْمَضَرَّةِ

مَضَوْا وَ انْقَضَتْ أَيَّامُهُمْ وَ عُهُودُهُمْ *** سِوى لَعْنَةٍ باؤُوا بِها مُسْتَمِرَّةِ(4)

ص: 247


1- العُرّة: العيب و الجرم.
2- ماء الصديد: الصديد هو القيح المختلط بالدم. تهرَّت: تمزقت.
3- في ذخائر العقبى ص250 عن ابن عباس قال: لما نزل قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا...» قالوا يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك الذين وجب علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام...
4- زفرات الثقلين في مآتم الحسين علیه السلام ج1 ص325 نقلاً عن الخوارزمي في فصل مراثي الحسين علیه السلام من مقتله: ج2 ص137 تحقيق الشيخ محمد السماوي مطبعة الزهراء علیها السلام في النجف -1948 و رواها المجلسي رحمه الله بزيادة ثمانية أشطار بعدها في باب مرائي الحسين من بحار الأنوار: ج5 ص280 مؤسسة الوفاء -بيروت- الطبعة الثانية 1983.

(8) مصونة وحي اللَّه

(بحر الطويل)

الشيخ عبد الواحد مظفر (*)(1)

فَيَا بْنَ أَبي سُفْيَانَ كَمْ لَكَ غَدْرَةٍ *** تَناقَلها الأجيالُ في الحَفَلاتِ

وَ فَى لكَ سِبْطُ المُصْطَفَى بِعُهُودِهِ *** وَ خُنْتَ وَ لَمْ تَنْفَكَ ذا غَدَراتِ

أبُوكَ أَبُوسُفْيانَ أَفْجَرُ فاجرٍ *** وَ أنْتَ ابْنُهُ أُورِثْتَ شَرَّ صِفَاتِ

وَ إِنّ الزَّكِيَّ المُجْتَبَى شِبْهُ جَدِّهِ *** بأَخْلاقِهِ الحُسْنَى وَ خَيْرِ سِماتِ

نَفَى عَنْهُ شَيْنَ الرَّيْبِ سِبْطُ مُحَمَّدٍ *** وَ قِسْتَ وَ لَمْ تُقْلِعْ عَنِ الفَجَرَاتِ(2)

وَ تَخْدَعُ أَوْبَاشاً لَدَيْكَ تَجَمَّعَتْ *** مِن الطُّغْم بِالتَّعْلِيل في الشُّبُهَاتِ(3)

فَحَسْبُكَ أَنْ تُنْمَى لِهِنْدِ وَ إِنَّهَا *** لَآكِلَةُ الأَكْبادِ بالشَّهَواتِ

منَ النِّسْوَةِ اللاتي تُعَدُّ فَواجِراً *** مِنَ السُّكْرِ لاتَنْفَتُ في النَّشَواتِ

وَ حَسْبُ الزَّكِيّ المُجْتَبَى أَنَّهُ انْتَمَى *** لِفاطِمَةَ الزهراء بِنْتِ هُداةِ

لَها أُمَّهاتٌ طُهْرُها مُتَيَقَّنٌ *** مِنَ الزَّاكِياتِ النَّفْسِ وَ الخَفِراتِ(4)

ص: 248


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- قِسْتَ: تبخترت و اشتددت.
3- أوباشاً: سفلة الناس و أخلاطهم. الطُّغم: أوغاد الناس.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى طهارة الزهراء علیها السلام و أمها علیها السلام. ففي كتاب البحار ج16 ص80 ضمن رواية طويلة قال: «فوضعت خديجة فاطمة علیهما السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور».

أَلِفْنَ مَقاصِيرَ الحِجالِ صِيانةً *** وَ لَمْ يَخْرُجْنَ كَالنِّسوانِ مُبْتَذلاتِ(1)

وَ فاطِمَةُ الزَّهْراءُ سَيِّدةُ النّسا *** مَصُونَةُ وَحْيِ اللَّهِ في الحُجُراتِ(2)

وَ آبَاؤُهُ هَلْ تَلْقَى مِثْلَ مُحَمَّدٍ *** وَ مِثْلَ عَلِيٌّ حَائِضِ الغَمَراتِ

وَ عَمْرُو العُلى أَوْ الحَمْدِ لَمْ يَكُنْ *** كَصَخْرٍ وَ حَرْبٌ دَائِمُ الهَفَواتِ(3)

ص: 249


1- مقاصير الحجال المقاصير: النساء المحبوسات المحصنات. الحجال: أستار تضرب للعروس في جوف البيت.
2- يشير في هذا البيت إلى ما ورد في الحديث من أن الزهراء علیها السلام سيدة النساء. ففي كتاب ذخائر العقبى ص44 قال: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أربع نسوة سيدات سادات عالمهن مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد علیهم السلام و أفضلهن عالماً فاطمة علیها السلام. و عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون و خديجة بنت خويلد و فاطمة علیهم السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و في كتاب أسد الغابة ج5 ص522 قال: عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرَّ إليها حديثاً فبكت ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن. فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلما قبض سألتها فأخبرتني أنه أسرَّ إليَّ فقال إن جبرائيل كان يعارضني بالقرآن في السنة مرة و إنّه عارضني العام مرتين و ما أراه إلّا و قد حضر أجلي، و إنك أوّل أهلي لحوقاً بي و نعم السلف أنا لك فبكيت فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين. و ذكره ابن سعد في طبقاته ج8 ص26-27.
3- بطل العلقمي ج3 ص48 و القصيدة في غدر معاوية بالإمام الحسن (عليه الصلاة و السلام).

(9) هي الذرة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

ص: 250


1- (*) هو الأستاذ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ محمد علي بن زين العابدين الحائري. ولد في مدينة كربلاء المقدّسة سنة (1352ه_) الموافق (1933م) في ظل أسرة زاهرة بالعلم و الفضيلة و الخطابة المتجذرة في أصولها شهد لهم الولاء فكان والده الموجه الأول له. أنهى دراسته الابتدائية و المتوسطة و الإعدادية في كربلاء المقدّسة، ثم تخرج من الدورة التربوية سنة (1955م)، و عيّن معلماً في المدارس الابتدائية و رغب في إكمال تحصيله العالي فانخرط في سلك الدراسة الجامعية فدخل كلية الآداب فرع اللغة العربية بجامعة المستنصرية ببغداد و تخرّج سنة (1973م) و مارس التعليم فترة طويلة ثم أحيل على التقاعد. و المترجَم له ولع بقرض الشعر منذ أوائل الخمسينات حيث بدأ محاولاته الشعرية عمودياً ملتزماً أوزان الخليل، و من هواياته المفضلة مطالعة الآداب العالمية عامة و التربوية خاصة فهو لايفتر عن قراءة النقد الأدبي و ترجمة الأشعار عن اللغات الشرقية و الانكليزية بتصرف. عُرف المترجم له بالعمق الفكري و النظر الصائب إلى الحياة و لم تشغله متاعب التدريس عن قرض الشعر و المطالعة، فقد أظهر نشاطاً ملموساً في ذلك حيث شارك في المناسبات الدينية التي تعقد في كربلاء المقدّسة مشاركة جادة فضلاً عن مساهمته في نشر العديد من القصائد في الصحف و المجلات. و شاعرنا يجنح إلى الالتزام بالأدب الواقعي المعبرِّ عن الحالة الاجتماعية و عوامل التراث و التاريخ لما لذلك من أثر في رفد العطاء الإنساني و الأدبي العربي. آثاره الأدبية: 1- أغنيات في سهر شهرزاد -شعر- صدر سنة (1986). 2- قناديل في أروقة الليل -شعر- مخطوط. 3- الركب الضائع -شعر- مخطوط. 4- ترجمة كاملة لرباعيات الخيام عن الفارسية -مخطوط. و يتصف شعر الحائري بالرصانة و المحافظة و حسن السبك و إشراقة الديباجة و انتقاء الكلمة المؤثرة، و ينزع في نظمه إلى اتباع الطريقة التقليدية، و هو مكثر يكتب بدماء قلبه و وجدانه و عواطفه، و له في الأغراض الشعرية قصائد و مقتطفات رائعة. يعيش أحداث وطنه و يترجم أماني شعبه وآماله و يعبر عنها بشعر صادق، و هذا الضرب من الشعراء أصحاب قضية و قضيتهم دائماً كانت الشعب.

أَفِيءُ إلى النَّفْسِ الَّتي مَا اسْتَقَرَّتِ *** إِذَا احْتَدَمَتْ في خَمْرَةِ الْيَأْسِ آهَتِي

أُنَهْنِهُ مِنْ مَوْحِ الذُّنونِ وَ أَلْتَجِي *** إلى ساحِلٍ تَرْسُو بِهِ وَكْفُ عَبْرَتِي

فَيا لَكِ مِنْ بَلوى مُرَّ مَذاقها *** إذا ما لُباناتُ النُّفوسِ اسْتَفَزَّتِ(1)

وَ يَا لَكِ مِنْ ذِكْرَى تَحُطُّ بِكَلْكَلٍ *** عَلى جُرْحِ مَسْلُوبِ الْفُؤادِ مُشَبَّتِ(2)

فَتَحْتُ لَهَا كُلَّ الْكُوَى فَتَدَفَّقَتْ *** بِأَسْخَنَ مِنْ نارِ الْمُعاناة مُقْلَتِي

وَ رُحْتُ أرى الزهراء في عوالِمٍ *** مِنَ الرّوح تَسْتَغْشِي دِنَارَ رَزِيَّةِ

علَى المُجْتَبَى حَطَّتْ يَمِيناً وَ أَسْنَدَتْ *** حُسَيْناً إِلى سَمْتِ الشّمالِ وَلَزَّتِ(3)

خُطاوى رَسولِ اللَّهِ شَرْوَى الْخُطى بها *** وَ رَيَّا رَسُولِ اللَّهِ فِي كُلِّ نَفْثَةِ

مُحَرَّقَةُ الأَنْفاسِ وَ الِهَةُ الْخُطَى *** تَهَضَمَها رَيْبُ الزَّمانِ بِعَسْفَةِ

وَ جَشَّمَها مَوْتُ النَّبِيِّ فَوادِحاً *** مِنَ الْخَطْبِ سُدَّتْ دُونَها كُلُّ وِجْهَةِ

هِيَ الدُّرَّةُ الزَّهْراءُ كانَتْ وَ لَمْ تَزَلْ *** تَغَوَّلَهَا الغَوّاصُ فِي بَحْرِ ظُلْمَةِ(4)

وَطَيُّ غَيابَاتِ الصُّدورِ عَوالِمٌ *** مِنَ الدُّجْنِ تُخْفِي مِنْ شُمُوسِ الحَقِيقَةِ

وَ عِنْدَ مَجَسَاتِ اللَّهِي تَعْمُرُ النُّهى *** وَ تَهْوَى إلى الدُّنيا مَعاييرُ قِمَّةِ(5)

وَ إِنَّكَ إِلَّا تَرْتَفِعُ بِقَوادِمٍ *** مِنَ الْخُلْقِ لَمْ تَسْمُقُ إلى ظَهْرِ قُلَّةِ(6)

ص: 251


1- لُبانات: مفردها اللُّبانة و هي الحاجة من غير فاقة بل من همةٍ.
2- الكلكل: الصدر.
3- لَزّت: شَدَّتْ و ألصقتْ و ألزمتْ.
4- تَغوّلها: أهلكها أو ضَلَّلَها.
5- مجسَّات اللهى: المجسّة موضع اللمس و اللُّهى أفضل العطايا و أجزلها أو الحفنة من المال.
6- لم تسمق: لم تَعْلُ. و كلمة (إلا) في الشطر الأول في البيت أصلها إن لا.

أَتُنْتَزَعُ الزَّهْراءُ مِنْ حُرِّ ارْثِها *** بِمَرْعُمَةٍ لِيثَتْ عَلَى كُلِّ ظَنَّةِ(1)

وَ كانَ سُلَيْمَانُ لِدَاوُدَ وارثاً *** كَما فَنَّدَتْ خَيْرُ النسا رَثَّ حُجَّةِ(2)

وَ يَا بْنَةَ خَيْرِ الْوارِثِينَ مُحَمَّدٍ *** نَبيَّ الهُدى وَرَتْتِ مِنْ فَيْءٍ جَنَّةِ

قصارٌ لَيالِيكِ التي كُنَّ بَعْدَهُ *** كَذاكَ قَصِيراتٌ لَيالِي الْأَهِلَّةِ

وَآيَاتُ طُهْرٍ فِيكِ بِالذِّكْرِ نُزِّلَتْ *** وَ آلُكِ نَشْوَى مِنْ عَبِيدِ الْفَضِيلَةِ(3)

ص: 252


1- الحرُّ: الخيار و الأعتق و الطيب من كل شيء. ليثت: صارت كالليث أي غلبت. و في البيت إشارة إلى انتزاع أبي بكر إرث الزهراء علیها السلام و دعواه أنه سمع من رسول الله صلي الله علیه و آله سلم أنه قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة. و قد جاء تخريجه في بائية الإحسائي عن عوالم العلوم ج2/11 ص626 نقلاً عن مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300. و في كتاب مسند أحمد أيضاً ج1 ص13 قال عمر: حدثني أبوبكر و حلف بأنه الصادق علیه السلام أنه سمع النبي صلي الله علیه و آله و سلم و يقول: (إن النبي لا يورث وإنما ميراثه في فقراء المسلمين و المساكين).
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ردّ الزهراء علیها السلام على ما زعمه أبوبكر من أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث و تفنيد دعواه في عدم الإرث. كما ورد عن كتاب كشف الغمة ج1 ص478. قال: عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال علي لفاطمة علیها السلام: انطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فجاءت إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، قال: النبي لا يورث. فقالت علیه السلام: ألم يرث سليمان داود؟ فغضب و قال: النبي لايورث فقالت علیه السلام: ألم يقل زكريا: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سوره مریم، الآیتان:5-6]. فقال : النبي لايورث. فقالت علیه السلام: ألم يقل الله: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» [سورة النساء الآية: 11]. فقال: النبي لايورث.
3- يشير الشاعر هنا إلى ما جاء من آيات في حق الزهراء «سلام الله عليها» منها ما جاء في كتاب تفسير العياشي ج1 ص177 عن عامر بن سعد قال لما نزلت آية المباهلة : «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» [سورة آل عمران الآية: 61] أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، قال: هؤلاء أهلي.» و منها ما جاء في تفسير الكشاف للزمخشري ج3 ص467 في قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية : 23] قال: «إنها لما نزلت قيل يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام». و قوله تعالي: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب، الآية: 33] عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت في خمسة: في رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، أخرجه أحمد في مناقبه و أخرجه الطبراني». ذخائر العقبى ص24 نقلاً عن كتاب بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص33. و انظر تفسير العياشي ج1 ص128. و كتاب البحار ج43 ص65 و ص23. و كثير غيرها.

هنيئاً لَكِ البَيْتُ الْمُوَظَدُ رُكْنُهُ *** نَماهُ رَسولُ اللَّهِ فِي كُلِّ لِبْنَةِ

سُرادِقُ مِنْ مَجْدٍ يَطَالُ عَمُودُهُ *** سَنا الْفَجْرِ إِنْ عمَّتْ دَيَاجٍ وَ جَنَّتِ

وَ بَحْرٌ مِنَ الإِيمَانِ طَامِ عُبابُهُ *** إذا نَضَبَتْ كُلُّ البُحُورِ وَ جفَّتِ(1)

ص: 253


1- طامٍ عُبابُهُ: حَسَنٌ موجه.

(10) اختلف الرواة

(بحر الوافر)

الشيخ كاظم آل نوح

أبا الزهراءِ قَدْ عُقِدَتْ عَلَيْنَا *** لإخراج الوصيِّ مُؤَامراتُ

و أُخْرِجَ مُرْعَماً لعَمِيدِ تَيْمٍ *** أَتَرْضَى أَهْلُهُ وَهُمُ الأَبَا(1)؟

فَأَيْنَ مَضَوْا وَ قَدْ أَخَذُوا ابْنَ عَمِّي *** أَأَيْقَاظٌ هُمُ أَمْ هُمْ سُبَاتُ(2)؟

فَلَيْتَ أَبَا عِمَارَةَ(3)كَانَ حَيّاً *** وَ جَعْفَرَ أَيْنَ مَنْ قُتِلُوا وَ مَاتُوا؟

خرجتُ وَرَءَاهمْ ودُموعُ عَيْنِي *** تَهلُ كَمَا نَهِلُ الغَادِيَاتُ(4)

ص: 254


1- جاء في كتاب «سليم بن قيس» ص37 / قسم الدراسات الإسلامية -مؤسسة البعثة- طهران: «... فقال أبوبكر لقنفذ: أرجع فإن خرج و إلّا فاقتحم عليه بيته، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار. فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه ،و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلاً و حالت بينهم و بينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت و إن في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه الله»، ثم انطلق بعلي علیه السلام يعتل عتلاً حتى انتهى به إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبو عبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و معاذ بن جبل و المغيرة بن شعبة و أسيد بن حضير و بشير بن سعد و سائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح».
2- سُبات: أول النوم.
3- أباعمارة : حمزة بن عبد المطلب.
4- الغاديات: جمع غادية و هي السحابة. تهل: تدمع و البيت الذي يليه في «المناقب» ج3 ص339 ط/ مؤسسة انتشارات علامة -قم. «... إنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام من منزله خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالحق لأن لم تخلوا لأنشرنَّ شعري و لأضعنَّ قميص رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخن إلى الله «تعالى» فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي...». و انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص47.

وَ صِحْتُ بِهِمْ أَلَا خَلُوا ابْنَ عَمِّي *** فَهَلْ لَكُمُ عَلَى زَوْجِي تِراتُ(1)

فَخَلّوا عَنْهُ ثُمَّ قَصَدْتُ دَارِي *** وَ وِلْدُكَ و البَنَاتُ مُروعَاتُ

وَ بَعْدَكَ قَدْ أَهانُونَا و إِنَّا *** بَقِيْنا لاتطيبُ لنَا الحَيَاةُ(2)

وَ حِيْنَ قَضَتْ وَ جَهَزَهَا عَلِيٌّ *** وَ عَفَى قَبْرَهَا وَ هُمُ سُبَاتُ(3)

وَ لَمَّا أَصْبَحُوا سَمِعُوا بِدَفْنِ *** البَتَولِ وَضَمّ هَيْكَلَها الرُّفَاتُ(4)

وَ مَا عَرَفُوا مكانَ القَبْرِ حَتَّى *** لِهَذَا اليَوْمِ و الخْتَلَفَ الرّواةُ(5)

ص: 255


1- تِرات: جمع تِرَة و هي هنا الثأر.
2- في «بحار الأنوار» ج43 ص176 ضمن ح15. «...انقلبت بعدك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم الأسباب و تغلقت دوني الأبواب فأنا للدنيا بعدك قالية و عليك ما تردَّدت أنفاسي باكية لاينفد شوقي إليك و لاحزني عليك... ثم نادت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أنقطعت بك الدنيا بأنوارها وزوت زهرتها و كانت ببهجتك زاهرة فقد إسود نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها و يابسها... يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أمسينا بعدك من المستضعفين يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أصبحت الناس عنا معرضين و لقد كنَّا معظمين في الناس غير مستضعفين فأي دمعة لفراقك لاتنهمل...».
3- في كتاب» «الأمالي» للشيخ المفيد ص281 ط/ جماعة المدرسين -قم ح7 المجلس الثالث و الثلاثون: «...لما مرضت فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم وصَّت إلى علي علیه السلام أن يكتم أمرها و يخفي خبرها و لايؤذن أحداً بمرضها علیها السلام ففعل ذلك و كان يمرّضها بنفسه و تعينه على ذلك أسماء بنت عميس (رحمها الله علیه) على إستسرار بذلك كما وصَّت به فلمّا حضرتها علیها السلام الوفاة وصَّت أميرالمؤمنين علیه السلام أن يتولى أمرها و يدفنها ليلاً و يعفي قبرها فتولى ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام و دفنها و عفى موضع قبرها فلمّا نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه...». «أمالي الطوسي» ص107 ط/ مؤسسة الوفاء -بيروت، و «بحار الأنوار» ج43 ص210-211 ح40.
4- الرفات: الحطام أو كل ما تكسر و بلي و هو هنا القبر أو التراب.
5- في «دلائل الإمامة» ص46 ط الثالثة/ منشورات الرضا علیه السلام -قم: «و صلّى عليها و لم يعلم بها و لاحضر وفاتها و لاصلّى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها في الروضة و عفي موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة مدفنها فيه أربعون قبراً جديداً و لمَّا علم المسلمون بوفاتها جاؤوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً فأشكل عليهم قبر من سائر القبور. فَضَجَّ الناس ولام بعضهم بعضاً و قالوا: لم يخلف فيكم نبيكم إلاّبنتاً واحدة علیها السلام تموت و تدفن و لم تحضر وفاتها و لادفنها و لاالصلاة عليها علیها السلام بل و لم تعرفوا قبرها فقال ولاة الأمر منهم هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نعين قبرها فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد أحمرت عيناه و درت أوداجه و عليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة و هو يتوكأ على سيفه ذي الفقار حتى أتى البقيع فسار إلى الناس من أنذرهم و قال هذا علي قد أقبل كما ترونه و هو علیه السلام يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الأمرين فتلقاه الرجل و من أصحابه و قال له علیه السلام: ما لَكَ يا أباالحسن علیه السلام والله لننبشنَّ قبرها علیها السلام و نصلي عليها علیها السلام فأخذ علي علیه السلام بجوامع ثوبه ثم ضرب به الأرض و قال: يابن السوداء أما حقي فقد تركته مخافة إرتداد الناس عن دينهم و أما قبر فاطمة علیها السلام فوالذي نفس علي بيده لئن رمت أنت أو أصحابك شيئاً لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فافعل يا ثاني وجاء الأول و قال له يا أبا الحسن علیه السلام بحق رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بحق فاطمة علیها السلام إلا خليت عنه فإنا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه فخلّى عنه و تفرق الناس و لم يعودوا إلى ذلك».

فَهَلْ دُفِنَتْ بِحُجْرَتِها بِلَيْلٍ *** وَ هَلْ ضُمَّتُ بجُنّتِها الفَلاةُ(1)؟

وَ هَل دُفنَتْ بِقُربِ مِنْ أَبِيْها *** بِقَبْرِ وَ القُبُورُ مُجَدّداتُ(2)؟

و هَلْ ضَمِّ البَقِيعُ لَها وَ هَذا *** يُعَرِّفُنا بِمَا فَعَلَ الجُفَاةُ(3)؟

وَ هَذَا يُلْفِتُ الأَنْظَارَ فِيْمَا *** أَصَابَ مِنْ ابْنِةِ الهَادِي الْجُنَاةُ(4)

ص: 256


1- الفلاة: الصحراء.
2- في «إعلام الورى» ص152 ط الثالثة/ دار الكتب الإسلامية: «و أما موضع قبرها فاختلف فيه: فقال بعض أصحابنا: إنها دفنت بالبقيع و قال بعضهم: إنها دفنت في بيتها فلما زادت بنوأمية في المسجد صارت في المسجد و قال بعضهم: إنها دفنت فيما بين القبر و المنبر و إلى هذا أشار النبي الله بقوله: ما بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة و القول الأول بعيد و القولان الآخران أشبه و أقرب إلى الصواب فمن استعمل الإحتياط في زيارتها زارها في المواضع الثلاثة.» و انظر: «عوالم سيدة النساء» ج2 ص1117 ح18.
3- الجفاة: جمع جاف، القاسي القلب.
4- الجناة: جمع جانٍ، القائم بالاعتداء.

(11) ماذا أقول

(بحر الكامل)

السيد محمد كاظم الكفائي

لاقَيْتُ مِنْ دَهْرِي وَ مِنْ صَدَمَاتِهِ *** حُزناً أَذابَ القَلْبَ فِي حَمَلاتِهِ

وَ رَجَعْتُ أَهْتِفُ لاأرى لِي مُصْغِياً *** يُطْفِي فُؤادِي مِنْ سَنَى لَهَبَاتِهِ

فَبَقِيتُ أَخْضَعُ لِلزَّمانِ وَ فِعْلِهِ *** أَبَدَ الزَّمانِ أُجُورُ مِنْ سَطَواتِهِ

لاتَهْدَأُ الأَرْواحُ مَهُما صَعَّدَتْ *** زَفَراتِها فَالقَلْبُ فِي زَفَراتِهِ

فَاخْضَعْ لِدَهْرِكَ في حَياتِكَ كُلِّها *** وَ احْذَرُ إِذَنْ يا صاحِ مِنْ وَ ثَبَاتِهِ

فالدَّهْرُ يَرْفَعُ لِلَّئِيمَ مَنازِلاً *** وَ تَرَى الْكَرِيمَ يَئِنُّ مِنْ نَكَباتِهِ

يا صاحِ قِف وَانْدُبْ بِصَوْتِكَ حَیْدَراً *** إِنْ كُنتَ مِمَّنْ يَنْتَمِي لِهواتِهِ

إن كُنتَ مِمَّنْ يَعْرِفُ النُّورَ الَّذِي *** يَرْنُو إليهِ القَلْبُ فِي ظُلُماتِه

إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ حَيْدَرَ أَفْضَلُ الباقِينَ *** فِي وَ ثَباتِهِ و ثباتِهِ(1)

فَانْظُرُ إلَى الدَّهْرِ المَشُومِ وَ حُكْمِهِ *** وَ انْظُرْ مَلِيكاً خاضعاً لِعُصاتِهِ

عشرين عاماً ثُمَّ خَمْساً بَعْدَها *** أَضحى يُلاقِي الحُزنَ في سَنَواتِهِ

قَدْ أَنْكَرُوا الحَقَّ الذِي أَمْسَى لَهُ *** وَ نَوَوْا عَلى إيذائِهِ بِحَياتِهِ

يَوْمُ بهِ انْقَلَب الأنامُ جَمِيعُهُمْ *** فِي نِيَّةِ وَ الْمَرْهُ فِي نِيَّاتِهِ

قَدْ أَظْهَرُوا ذاكَ الصَّلالَ وَ أَظْهَرُوا *** حِقْداً تَوارَى الْغَدْرُ في طَيّاتِهِ

وَ لَقَدْ بَدا ذاكَ النّفاقُ بِقَوْلِهِمْ *** هَجَرَ النَّبِيُّ اليَوْمَ في كَلِماتِهِ

ص: 257


1- وثباته: نهضاته و قياماته.

وَيْلٌ لَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ وَإِنَّهُ *** حَيٌّ فَلاقَى الغَدْرَ فِي سَكَراتِهِ

وَيْلٌ لَهَا مِنْ أُمَّةٍ مَلْعُونَةٍ *** قَدْ أَجْمَعَتْ في الكُفْرِ قَبْلَ مَمَاتِهِ

هذا يَقُولُ قَضَى مُحَمَّدُ فَانْهَضُوا *** لِيُحَقِّقَ الإِنْسَانُ مِنْ رَغَباتِهِ

وَ لَقَدْ غَدَا الثَّانِي يُكَذِّبُ مَوْتَهُ *** وَ يَقُولُ لَمْ يَمُتِ النَّبِيُّ بِذَاتِهِ

وَ المُرْتَضَى جَاتٍ يُشاهِدُ أُمَةً *** ضَلَّتْ فَتَنْدَى الْأَرْضُ مِنْ عَبَراتِهِ

يَوْمٌ لَعَمْرُكَ ما رَأَيْنَا مِثْلَهُ *** طالَ الضَّلالُ بهِ بِشَرُ طُغَاتِهِ

يَوْمٌ لَعَمْرُكَ ما رَأَيْنَا مِثْلَهُ *** كُلِّ يَئِنُّ الْيَوْمَ مِنْ وَيُلاتِهِ

كُلُّ الذي لاقَتْهُ شِيعَةُ حَيْدَرٍ *** مِنْ يَوْمِهِمْ هَذا وَ مِنْ حَرَكاتِهِ

يَوْمُ السَّقيفَةِ يَوْمُ شَرِّ قَدْ بَدا *** فَوْقَ الْمَلأ، أَللَّهُ مِنْ ساعاتِهِ

يَوْمٌ بِهِ الدِّينُ القَويمُ تَضَعْضَعَتْ *** أَرْكَانُهُ وَ تَزَلْزَلَتْ بِعِدَاتِهِ

قَلَبُوا الحَقِيقَةً يَوْمَ مَوْتِ نَبِيِّهِمْ *** فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا آيَاتِهِ

ماذا أَقُولُ وَ فِي لِساني شَوْكَةٌ *** لايَسْتَطِيعُ النُّطْقَ فِي كَلِماتِهِ

ماذا أقولُ وَكُلُّ قَلْبِي حَسْرَةٌ *** تَنَقَطَعُ الأَحْشَاءُ مِنْ جَذَواتِهِ(1)

إنْ قُلْتُ إِنَّ الظُّهْرَبِنْتَ مُحَمَّدٍ *** ظُلِمَتْ بِهذَا اليَوْمِ فِي غَدَواتِهِ

وَ أَقُولُ إِنَّ الطُّهْرَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ *** أَمْسَتْ تَئِنُّ الْيَوْمَ مِنْ ضَرَباتِهِ

لَمّا أتاها السَّامِرِيُّ لِبَيْتِها *** وَ الْحَمْلُ أَسْقَطَهُ عَلَى عَتَباتِهِ(2)

وَعَدَوْا عَلَى الكَرَّارِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ *** قَيْدُ الْوَصِيَّةِ ناءَ مِنْ حَلَقاتِهِ

قادُوهُ قَهْراً وَ هُوَ سَيْدُ جَمْعِهِمْ *** وَ نَسُوا إمامَ الحَقِّ في سطواتِهِ

لَوْلَا الوَصِيَّةُ ما اسْتَطَاعَ بَغِيُّهُمْ *** يَدْنُو إِلَيْهِ يَقُودُه لِطُغَاتِهِ(3)

ص: 258


1- جذواته: جمراته الملتهبة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت و البيتين اللذين قبله إلى ما أصاب الزهراء «صلوات الله عليها» المصائب و المحن جراء سلب الخلافة من الامام علي علیه السلام یوم السقیفة. فاغتصاب فدك و حرق بيتها وكسر أضلاعها و إسقاط جنينها و ما جرى عليها يرجع كله إلى ذلك اليوم.
3- كتاب الزهراء علیها السلام، للكفائي ج2 ص5.

(12) من وحي يومك

(بحر الكامل)

الأستاذ منذر الساعدي

مِنْ وحيِ يومِكِ انتقي كلماتِي *** يا فاطمُ الزهراءُ يا مولاتِي

هانت جرِاحي فيكِ حتى زغردَتْ *** و تفتّتتْ من صيحةٍ آهاتي

ضاءَ الوجودَ سراج مولدكِ الذي *** كالشمس عادَ يضُيءُ في الجنباتِ

و يضوّعُ الزهرَ النديِّ بمرجِهِ *** و الطيرُ يطلقُ أجملَ النَّبَراتِ

يا بضعةَ الهاديِ و سلوةَ روحِهِ *** فجرتُ شعري و انتضيتُ دواتي

في يومك المهيوبِ خُطَّت أسطرٌ *** في خافقِي فتدَّفقتْ نفحاتِي

أتلوكِ هذا الشعرَ فهو خلاصةٌ *** لمحبَّتي و هو الرحيقُ لذاتي

أنا في محبَّتِكِ ارتديتُ كرامةً *** و حسوتُ شهداً طيِّبَ الدفقاتِ

و نضوتُ صبركِ فهو أحسنُ مدرعٍ *** في لجةِ الأحداثِ و الأزماتِ

(يا خيرامِّ) للنبيِّ و قالها *** أُمي البتول بأحلَكِ الساعاتِ

قال الرسولُ بفاطمٍ هي بِضْعَتِي *** و سرورِّ قلبي و ابتهاجُ حياتي

يؤذي فؤادي من نَوَى إيذاءها *** فغداً سيُحرَمُ من شفيعٍ آتِ

و يسرِّني من ذالفاطمةٍ أتى *** يُبدي الولاءَ بأروعِ الوَقَفاتِ

هذي ولادتُكِ الجميلةُ أشرقتْ *** كالنورِ يمحُو دامسَ الظُّلُماتِ

هذي ولادتُكِ أسرَّتْ خاطراً *** أمسى حزيناً باهِتَ القَسَماتِ

لكنّما تبدو المصيبةُ كلُّها *** فيها و ننحى نحنُ للعَبَراتِ

نلهُو قليلاً و السرورُ يحيطُنا *** و إذا بنا فِي أتعسِ اللحَظاتِ

ص: 259

لما تذكَّرنَا الولادةَ بالضَّنى *** و الضلعُ يشكُو قسوةَ الضرباتِ

و البابُ و المسمارُ حين تحدّثا *** قد أجّجا الآلامَ كالحجراتِ

حتی نسينا أننا بولادةٍ *** علويةٍ شعَّت على الفَلَواتِ

لكنَّ آلامَ البتولِ عديدةٌ *** تطغى على الأفراحِ و البَسَماتِ

فتشفَّعِي لِمَنِ ارتجاكِ بهمَّه *** فذنوبُهُ عَطَتْ على الحَسَناتِ

أنتِ لنا يومَ الجزاءِ شفيعةٌ *** فلقَدْ بُلِينا اليومَ بالزلآتِ

ص: 260

(13) يا بنت خير الذرى علیها السلام

(بحر المتقارب)

الأستاذ ناجي داود الحرز

ثمانٌ و عشرٌ من السنوات *** أضاءَتْ بعمرك عمر الحياةْ

أفاطمُ يا أُمَّ خيرالبنين *** و يا بنت خيرِ الذُّرى الشامخاتْ

من الخُلد موهبة للنبيِّ *** براكِ الإلهً العظيمْ الهباتْ

فلّما تفتحتِ كالزّهر في *** الرياضِ الإلهيةِ المشمساتْ

تلقّيتِ من نورِ طه أبيكِ *** الشّعاعَ الذي أخجلَ النيِّراتْ

فكنتِ المنارةَ للسالكين *** على منهج الحقِّ درب الحياةْ

و كنتِ الهداية للمهتدين *** و كنتِ الدليل لَركبِ الهداةْ

***

و أسقتكِ أمُّكِ بنتُ الحنيفِ *** لبانَ التعالِي عن المغرياتْ

و صاغتكِ للطهرِ رمزاً آغارَ *** قلوبَ الملائكِ في الصَّومعاتْ

فكنتِ يداً فصلت بالعفافِ *** و حاكت رداءَ التُّقى للبناتْ

و كنتِ الجمالَ و كنتِ الكمال *** و كنتِ السّعادةَ للمؤمناتْ

***

و لما تنزَّلَ أمرُ اصطفائِكِ *** زوجاً لخير فتيِّ فتاةْ

توسّطتِ بينَ عليّ و أحمدَ *** تستلهمينَ دروسَ الحياةْ

فنلتِ من الهَدِي مالم ينلَهُ *** و ما لم يصلهُ جميعُ الرواةْ

ص: 261

فكنتِ السحابَ الثقال الذي *** تفجَّرَ في لهواةِ الصداةْ

***

و في روحِ شبليكِ ذبتِ الفداء *** فشبّا كما تنهضُ العاصفاتْ

فكنتِ انتفاضَة جذرِ السلام *** الذي علَّم الأرض هزَّ الطغاةْ

و كنتِ المعينَ الذي أورقتْ *** على ضفتيهِ سيوفُ الأباةْ

***

حنانكِ خيرَ نسا العالمين *** من الأوليات إلى الأخرياتْ

فماذا عسى قائلٌ أن يقولَ *** و أنتِ تجاوزتِ كلُّ اللُّغاتْ

هو الصمتُ في حضرةِ الخالدين *** مجالٌ فقد ضاقت المفرداتْ

***

ص: 262

(14) من مخبر الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ يوسف البحراني (*)(1)

ص: 263


1- (*) هو الشيخ يوسف أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صالح بن أحمد بن عصفور البحراني، ولد في قرية الماحوز بالبحرين سنة (1107ه) ثم هاجر إلى كربلاء المقدّسة و هو من أفاضل علمائنا المتبحّرين وله شخصية فذة و يعدّ من زعماء الطائفة الإمامية. كان والده الشيخ أحمد أجلّة تلامذة شيخنا الشيخ سليمان الماحوزي، و كان عالماً فاضلاً محققاً مدققاً مجتهداً كثير التشنيع على الاخباريين كما صرح به ولده شيخنا المذكور في إجازته الكبيرة و كان هو قدّس سره أولاً اخبارياً صرفاً، ثم رجع إلى الطريقة الوسطى، و كان يقول: إنها طريقة العلامة المجلسي صاحب البحار. المترجَم له أخذ علومه و معارفه من والده طاب ثراه، ثم من العالم الجليل الشيخ حسن الماحوزي و الشيخ أحمد بن عبد الله البلادي و غيرهما. له مؤلفات نافعة نذكر في مقدمتها: 1- موسوعة (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة) طبع مرات عدة. 2- الدرر النجفية. 3- سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد؛ ردّ به على شرح النهج. 4- الشهاب الثاقب في معنى الناصب. 5- جليس الحاضر و أنيس المسافر المعروف ب_ (الكشكول). 6- الأربعون حديثاً في مناقب أميرالمؤمنين علیه السلام استخرجها من كتب أبناء السنة و الجماعة. 7- لؤلؤة البحرين . و قيل إن عدد مؤلفاته أكثر من 45 مؤلفاً. ودع الحياة عن عمر ناهز الثمانين كرَّسه لخدمة العلم و الدين و في تدوين الفقه و فروعه و أصوله و جمع شتات أحاديث أئمة أهل بيت الوحي «صلوات الله و سلامه عليهم». لبى نداء ربه بعد زعامة دينية امتدت زهاء عشرين عاماً. توفي بكربلاء ظهر السبت في 4 ربيع الأول سنة (1186ه_) و هرعت كربلاء المقدّسة يوم لتشييعه، و كان ذلك اليوم مشهوداً في تاريخ كربلاء، و دفن بالحائر الشريف في الرواق الحسيني الأطهر عند أرجل الشهداء، و أقيمت له الفواتح في كربلاء المشرّفة و سائر البلاد الشيعية، و أول من أقام له الفاتحة تلميذه الاكبر السيد محمد مهدي بحر العلوم (قدس سره).

بَرْقٌ تَأَلَّقَ بالحِمَى لِحُماتِها *** أَمْ لامِعُ الأَنْوَارِ في وَجَناتِها

وَ عَبِيرُ نَدٌ عَطَّرَ الأکوانَ أَمْ *** ذا عَنْبَرٌ أَهْدَتْهُ مِنْ نَفَحاتِها(1)

أَكَرِيمَةَ الحَسَبَيْنِ هَلْ مِنْ زَوْرَةٍ *** تَشْفِي الْمُعَنَّى مِن عَنا حَسَراتِها(2)

شاب العِذارُ وَ لَمْ تَشُوبُوا هَجْرَكُمْ *** مِنْهَا بِشَيْءٍ لا وَ لابِعِداتِها(3)

جُودوا وَ لَوْ بالطَّيْفِ إِنَّ خيالَكُمْ *** يُطْفِي مِنَ الأحْشا لَظَى لَهَباتِها

قُمْ يَا خَلِيلُ فَخَلِّ عَنْ تِذْكَارِهِمْ *** وَ احْبِسْ سَخِينَ الدَّمعِ مِنْ عَبْراتِها

يا هَلْ رَأَيْتَ مُتَيَّماً تَمَّتْ له *** في هذِهِ الدُّنْيا سِوَى نَكَباتِها؟

وَ أَعِدْ عَلَيَّ حديثَ وَقْعَةِ نِينَوَى *** وَ لَواعِجَ الأَشْجَانِ فِي ساحاتِها

لِلَّهِ أَيَّةُ وَقْعَةٍ لِمُحَمَّدٍ *** في كَرْبَلا أَرْبَتْ عَلى وَقَعَاتِها

ضَرَبَتْ عِرانَ الذُّلِّ فِي أَنْفِ الْهُدَى *** فَغَدا يُقادُ به بَنُو قاداتِها(4)

للَّهِ مِنْ يَوْمِ بِهِ قَدْ نُكْسَتْ *** تِلْكَ الكُمَاةُ الصِّيدُ عَنْ صَهَواتِها

مَنْ مُخْبِرُ الزّهراءِ أَنَّ حُسَيْنَها *** طُعْمُ الرَّدى وَ العِزُّ مِنْ ساداتِها

أثَرَى دَرَتْ أَنْ الحُسَيْنَ عَلَى الثّرى *** بَيْنَ الْوَرى عَارٍ عَلى تَلَعَاتِها(5)

وَ رُؤُوسُ أَبْناها عَلى سُمْرِ الْقَنَا *** و بناتُها تُهدى إلى شاماتِها

يا فاطِمُ الزَّهْراءُ قُومِي وَ انْدُبِي *** أَسْراكِ في أشراكِ ذُلِّ عِداتِها

ص: 264


1- الندِّ: عودٌ يُتَبَخَّر به.
2- زَوْرَة: المرّة من زار. المُعَنِّى: الذي أوذي و كُلّف بما يشقّ عليه.
3- العِذار: جانب اللحية أي الشعر المحاذي للأذن.
4- العِران: عودٌ يُجعَل في أنف البعير.
5- تلعاتها: ما علا من الأرض أو ما سفل من الأرض، و المفرد تَلْعَة.

يا عَيْنُ جُودِي بِالبُكاءِ و ساعِدِي *** سِنَّ النِّساءِ عَلى مُصابٍ بَناتِها

نَفْسٌ تَذُوبُ وَ حَسْرَةٌ لاتَنْقَضِي *** وَجَوّى عَراها مُدَّ في سنواتِها

هذي المَصائِبُ لايُدَاوَى جُرْحُها *** إلا بِسَكْبِ الدَّمْعِ مِنْ عَبَراتِها

إنّي إذا هَلَّ المُحَرَّمُ هاجَ لي *** حُزْناً يُذِيقُ النَّفْسَ طَعْمَ مَماتِها

يا يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَمْ لكَ لَوْعَةٌ *** تَتَفَقَّتُ الأكبادُ مِنْ صَدَماتِها(1)

ص: 265


1- و القصيدة في الحسين علیه السلام و عدد أبياتها 56 بيتاً. أنيس المسافر ج2 ص51.

ص: 266

قافیة الثاء

اشارة

ص: 267

ص: 268

(1) فابكِ البتول علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ صالح الطرفي(*)(1)

إن كُنتَ تَطْلُبُ مَاتَماً وَ مَراثِي *** فَابْكِ الْبَتُولَ سَلِيبَةَ المِيراثِ(2)

ص: 269


1- (*) هو الشيخ صالح ابن الشيخ عبد العالي بن محمد الطرفي من أسرة مشايخ بني طرف الكرام. ولد عام 1353ه_ - 1934م في البستان مدينة من توابع الاهواز الايرانية. نشأ نشأة دينية في ظل والده المرحوم الشيخ عبد العالي الطرفي، فدرس في مدارس البستان حتى أكمل الصف الرابع الابتدائي فهاجر مع والده إلى النجف الاشرف بصحبة أخويه الشيخ مهدي و الشيخ حسين من أجل طلب العلم فأخذ دروسه العلمية في الحوزة مثل النحو و الصرف و الفقه و الاصول، و بعد أربع سنين رجع إلى ايران و أقام في قم المقدّسة لتكميل مراحل الدراسة حتى أنهى السطوح و حضر دروس الخارج عند أساتذة الحوزة منهم آية الله السيد علي الغاني و آية الله الشيخ هاشم الآملي، و واصل درس الخارج في الأهواز عند آية الله الشيخ محمد الكرمي. و أخيراً استقرّ في الاهواز، فواصل مسؤولياته الدينية و الاجتماعية و للشيخ الطرفي منجزات موفقة حيث جدّد بناء مسجد في الاهواز، و أسس مسجداً آخر، و يقيم فيه صلاة الجماعة. و أيضاً شكّل لجاناً في كثير من المساجد لتدريس القرآن الكريم و تفسيره و إلقاء الخطب النافعة في الوعظ و الارشاد و تعليم الناس ما يهمهم من المسائل الشرعية، و قد عرف شيخنا الطرفي بقضاء الحوائج للمحتاجين بالأخص مع أرحامه و أقربائه، كما أعدّ جماعة من الشعراء في اللغة الدارجة فاصبحوا و قد لمع نجمهم في هذه المنطقة التي لم يرجٍ الشعر فيها كرواجه في أيامهم هذه، و قد أخرج كل واحد منهم ديواناً من نظمه متوجاً بتقريظ و مقدمة للشيخ الطرفي، ما يزال المترجَم له يواصل خدماته و عمله العلمي و نشاطاته الدينية و الاجتماعية. كما أن للمترجم له بعض المؤلفات الثقافية منها: تاريخ بني طرف و ديوان شعر و المجالس الحسينية على ضوء الاحاديث النبوية.
2- عن نوائب الدهور ج3 ص157 ما قاله علي علیه السلام: أيتها الغدرة الفجرة فاستعدوا للمسألة جواباً، و لظلمكم لنا أهل البيت علیهم السلام احتساباً أو تضرب الزهراء علیها السلام نهراً، و يؤخذ منّا حقّنا قهراً و جبراً، فلانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد. و تقدم عن موضوع سلب إرثها عليها الصلاة و السلام الشيء الكثير فراجع.

وَ تَتَابَعَتْ بَعْدَ اغْتصاب حُقوقِهَا *** الأحداثُ فَهيَ صَريعَةُ الْأَحْداثِ(1)

هَاكَ النَّتِيجَةَ مِنْ مَقَالَةِ بَاحِثٍ *** وَدَع الشُّكُوكَ وَ كُلفَةَ الْأَبْحَاثِ

لِلطُّهْرِ ضِلْعٌ هَشَّمَتْها ضَعْطَةٌ *** بِالْبابِ إذْ لا مِنْ حِمَى وَ غِياثِ(2)

و به و بالمِسْمارِ وَ السِّقْطِ اعْتَقِدُ *** ابْعِدْ بِثَانِ قَدْ أَتى بِثَلاثِ(3)

وَ ابْكِ الْبَتُولَ وَ نُحْ عَلَيْها دائماً *** وَاحْثُ التُّرابَ عَلَى الدُّنا يا حاثِي

وَ اعْمُرُ مَدَى الْأَيَّامِ مَأْتَمَها وَصِحْ *** هَيا بِنا لِرِثائِها يا رائِي

ص: 270


1- في عوالم العلوم ج2/11 ص574 بنقله عن إرشاد القلوب قالت الزهراء علیها السلام: أخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل، فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي؛ فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني (إلى أن قالت) فعمل أميرالمؤمنين علیه السلام بوصيتها و لم يعلم أحداً بها.
2- إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص40 فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها، فكسر ضلعها من جنبها.
3- و ذلك إشارة لما ورد في مؤتمر علماء بغداد ص135 «... و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و ضربه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها، و نبت مسمار الباب في صدرها، و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه، يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...» و ذكر الفيلسوف المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الاصفهاني (قدس سره الشریف) في كتاب الشعر الذي سمّاه «الأنوار القدسية» في باب ذكر فاطمة الزهراء علیها السلام حيث ورد هذا البيت من شعره. و لست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار

(2) ناديت باسمك

(بحر الكامل)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

نادَيْتُ بِاسْمِكَ في الخُطُوب غِيانا *** و الدَّهْرُ أَرْهَضَ مِنْ ذَمَايَ وَعاثا(2)

وَ لَأَنْتَ ذُخْرُ الْمُعْتَفِينَ إذا هُمُ *** حَدُّوا الْمَطِيَّ إِلَى الْمَنُونِ حَثاثا

خُدَعٌ هِيَ الدُّنْيا وَ مَنْ يُعْلِنُ بها *** ليثَتْ بَوائِقُها عَلَيْهِ لِياثا(3)

وَ تَوَهُّمْ هَذَا السَّرابُ فَمَنْ ثَنا *** شَكَمَ الرّغاب و جانَتِ الأرْفاثا(4)

و مَشَى الْهُوَيْنا و الطَّريقُ وَ عُورَةٌ *** وَ وَعى وشَطَّ عَنِ الذُّنُوبِ غِثاثا(5)

وَ امْتَارَ مِنْ طِيبِ الْجِنَانِ غِذاءَهُ *** و استافَ مِنْ نَفْحِ البَتولِ نِفاثا(6)(7)

ثَقُلَتْ بِمِيزان الحِجى حَسَناتُهُ *** وَ زَوَتْ لُبُوسَ الغَيِّ عَنْهُ رَثاثا(8)

ص: 271


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- أرهص: عَصر عَصراً شديداً. ذمايَ: الذماء بقَيَة الروح. عاث: أفسد.
3- ليثتُ بوائقها عليه: لُفّت شرورها عليه، أو غطته و اكتنفته شرورها.
4- شَكَم: أعطى و جزى -الرغاب: جمع الرغيب و هو الواسع الجوف من كلّ شيء -جانت: اسودّت. الأرفاث: مفردها الرفث و هو قول الفُحش.
5- الهُوَينا: تصغير الهُونى مؤنث الأهون أي التؤدة و الرفق. غثاثاً: مهزولاً.
6- امتار: جمع الطعام و المؤونة. في مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص63 عن عائشة قالت: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنه لما كان ليلة أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم أر في الجنة شجرة هي أحسن حسناً و لاأبيض منها ورقة و لاأطيب ثمرة فتناولت ثمرة من ثمراتها فأكلتها فعادت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام.
7- نفاثا: (النفث) شبيه بالنفخ، و هو أقل من التَّفل و النفّاثات في العقد النساء السواحر.
8- زوت قبضت و احتازت و جمعت. رثاثاً: قديماً و بالياً.

يا بِنْتَ مَنْ نَهَجَ الطَّرِيقَ سَنِيَّةً *** وَ دَعا إلى غَرْسِ الْخَلاقِ حِراثا

مَا كَانَ حُبُّكِ غَيْرَ حَبْلِ عَقيدَةٍ *** شَدَّ القُلُوبَ وَ قَدْ لَغِبْنَ لِهاثا(1)

وَ لَقَدْ صَبَرْتِ عَلَى الْفَوادِح بَرَةً *** بِالعَهْدِ إِذْ وُرَّثْتِ منه وِراثا(2)

ما كانَ صَدْرُكِ أَنْ يَضِيقَ وَ قَدْ *** رَوَى الإيمانُ حَقْلَ يَقينكِ الميَّاثا(3)

دَوْحُ النُّبوَّةِ أنْتِ مِنْ أَعْيَاصِها *** فَإذا وَهَنْتِ فَمَا بَقِينَ لباثا(4)

و كذلكَ العَنْقَاهُ كُلُّ رُوَيْشَةٍ *** فُتِلَتْ بِهَا مَا إِنْ تُحَلَّ نِكاثا

هَذا الغِراسُ الفَذُّ و النَّبْتُ الذي *** ما إنْ يُصَوَّحُ في الزَّمانِ غِثاثا

وَ هُنَا عَلَى جَدَثِ الحُسَيْنِ شَهادَةً *** مِمَّا سَنَنْتِ شَاى بها الأجداثا

أيْنَ القُبورُ العَافِناتُ تُرابُها *** ذَرَّالْخَنا حباتِهنَّ وَلاثا(5)

ص: 272


1- لغبن: وَلِغْنَ. في فرائد السمطين/ ج1 ص67 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هو يخاطب سلمان الفارسي: يا سلمان من أحب فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار... يا سلمان حب فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة.
2- يشير الشاعر إلى صبرها و تحملها للآلام و المصائب و فيّة لعهد أميرالمؤمنين علیه السلام الذي كان مأموراً بالصبر. ففي كتاب سليم بن قيس ص154 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فإن وجدت أعواناً عليهم في فجاهدهم و إن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك و اعلم أنك إن دعوتهم لن يستجيبوا لك فلا تدعن أن تجعل الحجة عليهم. فإني أخاف عليك إن ناهضت القوم و نابذتهم و جاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى بهم أن يقتلوك.
3- المياث: كثير المطر.
4- أعياصها: أصولها.
5- الخنا: جمع الخناة أي نوائب الدهر، و قد تقدمت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

(3) أرزاء آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء(*)(1)

ص: 273


1- (*) الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء هو الشيخ محمد حسين ابن الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى ابن شيخ الطائفة الشيخ جعفر الجناجي النجفي، صاحب (كشف الغطاء). ولد في النجف الأشرف سنة (1294ه_)-(1876م) و قد أرَّخ عام ولادته الشاعر المعروف السيد موسى الطالقاني بقوله: سرور به خص أهل الغري *** فعم المغارب و المشرقين بمولد من فيه تم الهنا *** و قرّت برؤيته كل عين و قد بشَّر الشرع من أرّخوا *** (ستثنیٰ وسایده للحسين) و أسرة (كاشف الغطاء) أسرة علمية عريقة أنجبت العدد الكبير من رجالات العلم و الأدب و كتب التراجم و التراث تزخر بذكرهم و عرفت هذه الاسرة بآل(كاشف الغطاء) نسبة إلى جدهم الشيخ الكبير الشيخ جعفر صاحب كتاب (كشف الغطاء) حيث أخذت الأسرة شهرتها من اسم هذا الكتاب الذائع الصيت في الأوساط العلمية. و يعدّ المترجم له من أبرز مشاهير علماء الدين. نشأ في بيت طافح بالعلم و العلماء فأخذ معارفه و علومه من والده العالم الجليل البحّاثة الشيخ علي صاحب (الحصون)، فورث منه السماحة و الفصاحة و قرأ المقدمات و النحو و الصرف و المنطق و المعاني و البيان و أكمل دراسة الفقه و الأصول. فأتم مرحلة (السطوح) مقدمة للدراسات العليا في الحوزة، حتى تأهل إلى أن يلتحق لبحوث الخارج في الفقه و الأصول، فحضر دروس الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) و السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي و الشيخ آغا رضا الهمداني صاحب (المصابيح) و السيد محمد الاصفهاني و الشيخ ميرزا محمد التقي الشيرازي قائد ثورة العشرين و في سائر العلوم على الميرزا محمد باقر الاصطهباناتي و الشيخ أحمد الشيرازي و الشيخ محمد رضا نجف آبادي و غيرهم من مشاهير العلماء حتى استوعب ما فيه الكفاية. و أخذ عنه العلم المئات من الشخصيات العلمية، فكانت له حلقة درس عامرة، و استمر طيلة أربعين سنة دؤوباً في نشر العلم و في بادىء أمره كان يدرس في مدرسة السيد محمد كاظم اليزدي و بعدها انتقل إلى الصحن الحيدري في مقبرة الامام الشيرازي فقضى عمره الشريف في خدمة الدين و العلم و وقف نفسه لخدمة شريعة سيد المرسلين حتى أواخر أيامه و ساهم في مختلف ميادين الخدمة و مجالات الاصلاح، فقد قام بمناظرة الكثير من علماء الدين المسيحي أمثال أمين الريحاني و أنستاس الكرملي و جرجي زيدان و له أيضاً مع علماء الازهر الشيء الكثير، و لمّا انعقد المؤتمر الاسلامي العام في القدس الشريف في سنة (1350ه_) الموافق (1931م) دعي من قبل لجنة المؤتمر عدة مرات فأجاب و سافر إلى القدس، و هناك ما روته الصحف و كتبت عنه الكتب من نصر و إقبال في خطبه التاريخية و إذعان الجميع لآرائه و أفكاره و كان موضوع خطبته (كلمة التوحيد و توحيد الكلمة). و بعد الفراغ من خطبته الارتجالية التي دامت ساعتين أو أكثر تقدم للصلاة فأتمَّ به في الصلاة أكثر من عشرين ألفاً بينهم أعضاء المؤتمر و هم مائة و خمسون عضواً من أعيان العالم الاسلامي. و للمترحَم له الامام كاشف الغطاء جولات في البلاد الاسلامية فانه زار إيران سنة (1353ه_) فمكث نحو ثمانية أشهر يتجوّل في مدنها فكان أينما حلّ التفت حوله القلوب. و لخطبه الحماسية في المدن الاسلامية حرارة يحسها السامعون، فقد خطب باللغة الفارسية في همدان و طهران و خراسان و شیراز و كرمانشاه و المحمرة و عبادان و اجتمع یومذاك بملك ایران رضا شاه البهلوي، و عاد من طريق البصرة فكانت له مواقف خطابية في البصرة و الناصرية و الحلة. و دعي أيضاً إلى حضور المؤتمر الاسلامي في كراتشي فكان له هناك خطبة إصلاحية أذاعتها دار الاذاعة الباكستانية. و للمترجَم له باع طويل في الأدب، و قلمه مطبوع مسترسل في النثر و سهل في الشعر، و له الكثير من المؤلفات يزيد عددها على الثمانين منها: 1- أصل الشيعة و أصولها. 2- الأرمن و التربة الحسينية علیه السلام. 3- الآيات البينات. 4-العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية. 5- تحرير المجلة. 6- المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون. 7-الميثاق العربي الوطني. 8-الفردوس الاعلى. 9-جنة المأوى. 10- ديوان شعر وغير ذلك. وفاته اشار عليه البعض بالسفر إلى (کرند في ايران) للاستجمام و الراحة فوافاه الأجل المحتوم فجر يوم 18 من شهر ذي القعدة سنة (1373ه_) و نقل جثمانه إلى النجف الاشرف و شيع تشييعاً يليق بمكانته و خدماته فخسر به الاسلام أحد رجاله و العلم أحد أبطاله، و كان يومه مشهوداً و دفن بمقبرة خاصة أعدها لنفسه في وادي السلام، و قد أقيمت على روحه الفواتح في مختلف المدن إلى يوم الاربعين، و رثاه الشعراء و ناح عليه الخطباء.

ص: 274

لكَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِ بِأَيْدِي الحَوادِثِ *** لَعِبْنَ بِهِ الْأَشْجَانُ لُعْبَةَ عَابِثِ

تَمُرُّ بِهِ الأفراح مَرَّةَ مُسْرعٍ *** وَ تُوقِفُهُ الأتراحُ وقَفَةَ مَاكِثِ

تَذَكَرْتُ مِنْ أرْزاءِ آلِ مُحَمَّدٍ *** مَصائِبَ جَلَّتْ مِنْ قَدِيم وَ حادِثِ

عَشِيَّةَ خان المصطفى كُلُّ غادِرٍ *** وَ بَزَّ حُقُوقَ المُرْتَضى كُلِّ نَاكِثِ(1)

وَ هَاجَتْ عَلَى الزَّهْراءِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ *** دَفَائِنُ أَضْغَانٍ رَمَوْها بِنابِثِ

فَالَمَها في سَوْطِهِ كُلُّ ظَالِم *** وَ دَفَعَها عَنْ حَقِّهَا كُلُّ رافِثِ(2)

وَ رَدّوا الهُدَى و الدِّينَ في الأَرْضِ دَوْلةً *** تُداوَلُ فِيها بَيْنَهُمْ كَالْمَوارِثِ

فَأَدْلى إلى (الثاني) بِهَا شَرُّ (أَوَّلٍ) *** وَ دَسَّى بها الثَّانِي إِلَى شَرِّ (ثَالِثِ)(3)

وَ ما ذَاكَ إلا أنَّهُمْ مَا تَمَسَّكُوا *** مِنَ الدِّينِ حَتَّى بِالْحِبالِ الرَّثائِثِ

ص: 275


1- ناکث: نكثَ (على وزن نَصَرَ) نكث العهد و الحبل: نقضه.
2- إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص574 . عن فاطمة الزهراء علیها السلام قالت: فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج. و في المصدر قالت: «أذكرهم بالله و برسوله صلي الله علیه و آله و سلم ألا تظلمونا و لاتغصبونا حقنا الذي جعله الله لنا».
3- إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص109 عن علي علیه السلام قال: زعموا أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم يستخلف أحداً، و أنهم أقروا بالشورى ثم أقروا أنهم لم يشاوروا، و أن بيعته كانت فلتة، و أي ذنب أعظم من الفلتة. ثم استخلف أبوبكر عمر و لم يقتد برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقيل له في ذلك فقال: أدع أمة محمد صلي الله علیه و آله و سلم كالنعل الخلق أدعهم بلا استخلاف؟! طعناً منه على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و رغبة عن رأيه «حتى قال» و جاء بشيء ثالث جعلها شورى بين ستة نفر، و أخرج منها جميع العرب، ثم حظي بذلك عند العامة. ثم بايع ابن عوف عثمان، و قد سمعوا من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في عثمان ما سمعوا من لعنه إياه في غير موطن.

إلَى أنْ دَبَتْ تَسْرِي بِسُمٌ نِفاقِهِمْ *** إلى كَرْبَلا رَقْشُ الأفاعِي النَّوافِثِ

فَأَحْنَتْ عَلَى آلِ النَّبِيِّ بِوَقعَةٍ *** بها عاثَ فِي شَمْلِ الهُدَى كُلُّ عَائِثِ

غَداةَ اسْتَغاثَ الدِّينُ بِابْنِ نَبِيِّهِ *** فَهَبَّ له مِنْ نُصْرَةٍ خَيْرُ غَائِثِ

بِحِلمٍ إذَا اشْتَدَّ الْبَلاغَيْرَ طَائِشِ *** وَ عَزمِ إِذَا الدَّاعِي دَعَا غَيْرَ رايثِ

و نَجْدَةِ عَزْمٍ مِنْ (لَوِيِّ) وُجُوهِهِمْ *** تُعَدُّ لِكَشْفِ النَّائِباتِ الْكَوارِثِ

رمى لَهَواتِ الْخَطب فِيهِمْ فَجَرَّدُوا *** مِنَ الْعَزْمِ أَمْثالُ الرِّقاقِ الْفَوارِثِ(1)

و هاجُوا اشتياقاً لِلْهِياج كَأَنَّما *** لَهُمْ في الوَغَى خَوْرُ الظَّباءِ الرَّواعِثِ(2)

وَ أَطْرَبَهُمْ وَقُعُ الظُّبا فَكَأَنَّهُ *** رَنِينُ (الْمَثَانِي) عِنْدَهُمْ (و الْمَثَالِثِ)

لَقَدْ ثَبَتُوا في مَوْقِفٍ هانَ عِنْدَهُ *** زَوالُ الْجِبالِ الرّاسِياتِ المَواكِثِ

وَ لمَّا قَضَوْا مِنْ ذِمَّةِ الْمَجْدِ حَقَّهَا *** وَ صَانُوا حِمَى التَّوْحِيدِ مِنْ شَعْثِ شَاعِثِ

مَضَوْا تَأْرَجُ الْأَرْجَاءُ مِنْ طِيبِ ذِكْرِهِمْ *** وَ تُسْتَدْفَعُ اللَّدُّوا بِهِمْ في الهنابِثِ(3)

وَ ما رَحَلُوا إلا بكُلِّ كريمةٍ *** بها أَلْبَسُوا (حَرْباً) ثِيَابَ الْخَبَائِثِ

(أباحَسَنٍ) يَهْنِيكَ مَجْدٌ مُؤَثَّلٌ *** لِأَبْنَاكَ مَعْقُودُ القَدِيمِ بِحَادِثِ

لَقَدْ جَدَّدُوا ذِكْراً لِعُلياكَ ما عَفى *** وَغُرَّ مَساعِ مِنْكَ غَيْرَ رَثَّائِثِ

لأَوْرَثْتَهُمْ ذاكَ الْحِفاظ و ما بِهِمْ *** وَ عُلياهُمُ مِنْ حاجَةٍ لِلتَّوارُثِ

مَصاعِبُ تَأْبَى لَوْثَةَ الذُّلِّ مِنْهُمُ *** مَفارِقُ لَمْ تُعْصَبْ بِضَيْمِ لِلائِثِ

وما فُجِعَتْ أُمُّ الإباءِ بِمِثْلِهِمْ *** أَجَادِلُ أَضْحَتْ مَغْنَماً لِلْأَباغِثِ

وَ عَزَّ على الإسلامِ يَوْمُهُمُ الَّذِي *** أُحِيطُوا بِهِ بِالمَارِقِينَ النَّواكِثِ

وَما فَشِلُوا لَكِنْ جَرى نافِذُ الْقَضا *** بِأَنَّ بِهِمْ لِلدِّينِ لَمَّ الْمَشَاعِثِ

ص: 276


1- الفوارث: المتفرقة.
2- الخَوْر: المنخفض من الأرض بين النشزين. الرواعث: التي ابيضَّت أطراف زَنَمَتيها.
3- اللأواء: الشدة و المحنة الهنابث مفردها الهنبثة أي الأمر الشديد أو الاختلاط في القول.

وَ ما بَرحُوا حتَّى تَفانَوْا عَلَى الْهُدَى *** وغاثَ بهم في سَيْلِهِ كُلُّ غَائِثِ

فَلَهْفِي لَهُمْ مِنْ كُلِّ لاهِبِ عَزْمَةٍ *** تَنَاهَشَ مِنْ أَشْلائِهِ كُلُّ لاهِثِ

وَ مِنْ غارِثٍ ظامِ وَ لَيْسَتْ ظَوامِياً *** صُدُورُ القَنا مِنْهُ وَلا بِغَوارِثِ(1)

وَ فِي الْأَسْرِ كَمْ مِنْ بِنْتِ وَحْيِ سَرَوْابِهَا *** إِلَى الشَّامِ فَوْقَ الْمُزْعِجاتِ الدَّلائِثِ(2)

وَ مُرْضِعَةٍ غَصَّتْ بِرُزْهِ رَضِيعِها *** فَحَنَّتْ حَنِينَ الهائِمَاتِ الرَّواغِثِ(3)

أبا حَسَنٍ ما كُنْتَ إِنْ صَارِخٌ دَعَا *** لِتَسْعَدَ بِالْوَانِي وَ لَاالمُتَماكِثِ

و تِلْكَ نِساكُمْ مُذْ أَحَاطَتْ بِهَا الْعِدَى *** دَعَتْ بِالْمُلاجِي مِنْكُمُ وَ المُغَاوِثِ(4)

فَما عَثَرَتْ بِالأَسْرِ مِنْكُمْ بِمُنْجِدٍ *** وَ لاظَفِرَتْ فِي السَّبْيِ مِنْكُمْ بِغَائِثِ

وَ ما هَاجَكُمْ مِنْ نَعْيِهَا نَوْحُ نائِحٍ *** وَ لَاهَزَّكُمْ مِنْ عَتْبِهَا بَعْثُ بَاعِثِ

وَ أَنْتُمْ مَساعِيرُ الهِياجِ مَواقِداً *** تُسَعِّرُ في أَسْيَافِكُمْ لالِحَارِثِ

رِزانُ الْحِجى لكِنْ تَطِيشُونَ في خُطا *** إلى دَعْوَةِ الْمُسْتَصْرِخِينَ حَثَائِثِ

فَلا صَبْرَ حتَّى تَرْجِعَ البيضُ مِنْهُمُ *** تَفِيضُ دَماً فَيْضَ الْجَوارِي الطَوامِثِ

وَ حَتّى تُثِيرَ الخيْلُ كُلَّ عَجَاجَةٍ *** يُرَى الْجَوُّ منها كَالْمَلَا الْمُتَواعِثِ(5)

وَ مُقْصِرَةٍ عُمْرَ العَدُوِّ إِذَا انْبَرَتْ *** عَلَى الضَّنْكِ مِنْكُمْ بِالطُّوالِ المَلاوِثِ(6)

وَ لاصَبْرَ حتَّى تَجْعَلُوا الصَّبْرَ مَشْرَباً *** لِقَوْمِ لَهُمْ لَذَّتْ طُعُومُ الحَبائِثِ

يميناً بني الهادِي بِفُرْقَانِ مَجْدِكُمْ *** وَ ما أَنَا بِالفُرْقَانِ يَوْماً بِحانِثِ

لَقَدْ غَرَسَتْ أَرْزَاؤُكُمْ فِي حَشَاشَتِي *** مِنَ الْوَجْدِ أَفْنَانَ الشُّجُونِ الْأَثَائِثِ

ص: 277


1- غارث: جائع.
2- الدلائثِ: النوق السريعة.
3- الرّواغث: الأمهات المرضعات للولد.
4- المغاوث: المغيث، من الإغاثة.
5- الملا: الصحراء و الواسع من الأرض المتواعث: المتعسر سلوكه من الطريق.
6- الملاوث: السادة الشرفاء.

تَبْتَنِ عَلَى جَمْرٍ قَدِيمِ مِنَ الْجَوَى *** يَشُبُّ عَلى مَرِّ الليالي الحَوادِثِ

مَصائِبُ أَشْجَتْنِي وَ صَيَّرْنَ مقوّلِي *** يَنُوبُ لَكُمْ مِنْ كُلِّ رَقْشَاءَ نَافِثِ

نَوافِذُ في أَعْدائِكُمْ وَ لِنَوْحِكُمْ *** إِلَى الْبَعْثِ عادَتْ مِنْ أشدِّ الْبَواعِثِ

مراثي تُذِيبُ الصَّخْرَ إِنْ عِشْتُ نُحْتُكُمْ *** بِهِنَّ و إنْ أَهْلِك يَرْثِهِنَّ وارِثِي(1)

ص: 278


1- كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص24 محمد باقر النجفي.

قافية الجيم

اشارة

ص: 279

ص: 280

(1)حجة الحُجَج

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

لا رُسلَنَّ بَرِيداً غَيْرَ مُنْعَرجٍ *** إلا إلَيْكِ بِلا أَمَتٍ وَلا عِوَجِ

وَ إِنْ يَكُنْ، فَلِأَنَّ الْقَلْبَ يَعْمُرُهُ *** فَيْضُ اعْتِقادٍ طَغَى مِنْ أَعْمَقِ اللُّجَجِ

وَ قَدْ رَأَيْتُكِ يا زَهْرَاءُ مُزْهِرَةً *** شَمْساً لِتَهْدِيَ مِنْ إِشْرَاقِهَا الْوَهَجِ

عَفْواً وَ هَلْ لِضياءِ الشَّمْسِ مِنْ أَثَرٍ *** وَسْطَ الْقُلُوبِ وَ أَنْتِ قُمْتِ فِي الْمُهَجِ

و هَلْ سِواكِ لَنا مِنْ حُجَّةٍ ظَهَرَتْ *** و ابْنُ الرِّضا قالَ أُمِّي حُجَّةُ الْحُجَحِ(2)

أَمِنْ بَراهِينَ حَتَّى يَنْتَهِي لَغَطٌ *** لِقَوْمِ سُوءٍ و جِلْفٍ(3) أَهْوَجٍ هَمَجِي

نَحْوَ الضَّلالَةِ بِاسْمِ الإِنْفَتاحِ أَتَى *** لِفَتْحِ بَابٍ عَلى أَهْوائِهِ رَتَجِ(4)

وَ مَنْ يُصَدِّقُ َذا الْغَواءَ أَنَّ لَهُ *** نُسْكاً يُمَرِّرُ في تَزْوِيقِهِ السَّمجِ(5)

وَ يَحْسَبُ الْحَقَّ غَوْغَانِيَةً طَفِقَتْ *** و لم يَقُمُ دُونَها فِي الْمَوْقِفِ الْحَرِج

يا خَط ماسُونَ دَعْ ما كُنْتَ تَطْرَحُهُ *** مِنَ الْفُضُولِ أَمامَ الْأَعْيُنِ الدُّعُج(6)

وَ اسْتَنْصِحِ الْعَدْلَ لَوْ أَنْصَفْتَ إِذْ صَرَخَتْ *** بِكَ الشَّرِيعةُ قَدْ أَفْرَيْتَ لِي وَدَجِي

ص: 281


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- إشارة إلى حديث الإمام العسكري علیه السلام حيث قال: (نحن حجة الله على الخلق و فاطمة علیها السلام حجة علينا) تفسير طيب البيان ج13 ص235.
3- لَغَط: صوت مبهم لايُفهم. حِلْفٍ: غليظ جافٍ. و أهوج: شديد الحمق.
4- رتج: الباب المغلق.
5- تزويقه السمج: التزويق هو التحسين و التزيين أو التنقيش، و السمج هو القبيح.
6- الدُّعُج: جمع دعجاء، و هي الواسعة العينين.

حَقَّقَتَ أَحْلامَ وَقابِيَّةٍ نَصَبَتْ *** رُؤُوسَ غَيْ لِبَابِ الرّشدِ لَمْ تَلِج

دَع الْأَبَاطِيلَ وَ اهْدَأْ لاتَجُرُ عَنَتاً *** وَ صَوتُ طَيْشِكَ مَنْ يَسْمَعُهُ يَنْزَعِجِ

كُمْ كَانَ قَبْلَكَ لِلتَّجْدِيدِ دَعْوَتُهُ *** فَأَفْسَدَ الْأَمْرَ في التَّضْلِيلِ وَ الْمَرَجِ

وَإِنَّ إسْلامَنا مِنْ نُورِ فاطِمَةٌ *** أَضْحَى كَأَعْظم نَهْجِ لاحِبٍ بَهِجِ

هَلاً يَقولُ رَسُولُ اللَّهِ فَاطِمَةٌ *** حَوْراءُ إِنْسِيَّةُ التَّكوينِ و الْمَشَجِ(1)

زَهْرَاءُ مِنْ نُورِهَا الْجَنَّاتُ مُشْرِقَةٌ *** كَشَغْرِ وَجْهِ عَمُودِ الصُّبْحِ مُنْبَلِجِ(2)

تَبَسَّمَ الْحَقُّ وَ ازْدَانَتْ مَعَالِمُهُ *** في ظِلُّ أُمِّ الْهُداةِ الْأَنْجمِ السُّرُجِ

هِيَ الْمَوَدَّةُ وَ الْقُرْبَى وَآيَتُها *** تَسْتَلُّ أَلْوِيَةَ الْبُرْهانِ وَ الْحُجَجِ(3)

أوْكَلْتُ أَمْرِي عَلَيْها فَهْيَ مُعْتَمَدِي *** وَ ذِكْرُها أَبَداً فِي تَغْرِيَ اللَّهِجِ(4)

ص: 282


1- المشج: ما كان مختلطاً. و في البيت إشارة إلى ما روي في تاريخ بغداد ج12 ص331 عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سماها فاطمة علیها لأن الله فطمها و محبيها عن النار»، و ذكره أيضاً ابن حجر في صواعقه ص96 وقال: أخرجه النسائي.
2- منبلج: مشرق مضيء. و في البيت إشارة إلى ما روي في كنز الفوائد ج2 ص620 ج7 عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: فعند ذلك أظلمت المشارق و المغارب فضجّت الملائكة و نادت: يا إلهنا و سيدنا بحّق الأشباح التي فلقتها إلّا ما فرّجت عنا هذه الظلمة، فعند ذلك تعلّم الله بعلة أخرى فخلق منها ،روحاً فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء فاطمة علیها السلام فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق و المغارب. فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام. الخبر الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. و روي أيضاً في المصدر نفسه ص116 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها، و غشيت أبصار الملائكة، و خرّت الملائكة الله ساجدين.
3- إشارة إلى ما روي في ذخائر العقبى ص25 قال: عن ابن عباس قال: لما نزلت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. رواه الهيثمي أيضاً في مجمعه ج7 ص103 و ج9 ص168. و ذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه ص101. و ذكره الشبلنجي أيضاً في نور الأبصار ص101 نقلاً عن البغوي في تفسيره.
4- اللهج: هو الذي يغرى بالشي فيثا برعليه.

في حُبِّها عِشْتُ مَأْموناً وَلِي أَمَلٌ *** عَلَى شَفَاعَتِهَا فِي وَقْتِ مُندْرَجِي(1)

لِكُلِّ قَوْمِ تَقالِيدٌ وَ مَنْهَجَةٌ *** تَسِيرُ حُكْمَا بِمَفْهُومَيْهِمَا الثَّبَجِ(2)

وَ أَيُّ مِلَّة لَمْ تُحْيِي الطقوس بِها *** في ذِكْرِ رَمْزِ تَفَضل بَيْنَهُمْ وَلِجِ

في بَيْتِ لَحْمِ دَكَّةٌ نُصِبَتْ *** تَأْتِي الْيَهُودُ إِلَيْهَا نَحْوَ مُنْفَرَجِ

يُحْيُونَ ذِكرى أَصَالِيلَ وَ فِي سَفَهٍ *** يُؤَمِّلُونَ حِبَالَ النَّفْسِ بِاللُّجَجِ

وَ حَافِراً لِحِمَارِ لِلْمَسِيحِ لَهُ *** بَيْنَ الكَنائِسِ أَرْجَازٌ مِنَ الْهَزَجِ

و لِلْمَجُوسِ زَرادشتِ الَّذِي انْصَرَمَتْ *** عَلَيْهِ عِدَّةُ آلافٍ مِنَ الْحِجَجِ

لِلْآنَ تَنْظُرُه نِيراناً تُقَدِّسُها *** بِاسْمٍ الشَّيَاطِينِ يا لَلشِّدَّةِ انْفَرِجِي

وَ نَحْنُ قُرآنُنَا الْمَكْنُونُ يُنْبِتُنا *** في مُحْكَم الذِّكْرِ في تِبْيَانِهِ الْفَلَجِ(3)

أَلْوِتْرُ فَاطِمَةٌ طُهْرٌ مُطَهَّرَةٌ *** مِنْ أَهْلِ بَيتٍ سَمَا كَالرُّوحِ فِي الْمُهَجِ

بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَ الهادي يُبَشِّرُها *** في سُرْعَةِ الْأَجَلِ الْمَحْتُومِ حين هَجِي(4)

ص: 283


1- إشارة إلى ما روي في كنز العمال ج6 ص219 و لفظه: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار.
2- الثبج: الذي عُمِّي و تُرِك بيانه أو لم يؤت به على وجهه.
3- الفلج: الغالب على خصمه أو كان له حكم على خصمه. و في البيت إشارة إلى ما روي في ذخائر العقبى، ص44 ذكر حديثاً عن أسماء في ولادة فاطمة علیها السلام بالحسن علیه السلام قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني لم أر لها دماً في حيض و لافي نفاس، فقال صلي الله علیه و آله و سلم: أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهّرة لايُرى لها دم في طمث و لاولادة ؟
4- إشارة إلى ما روي في صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة بنت محمد علیها السلام، روى بسنده عن عائشة [أم المؤمنين] قالت: فلما مرض النبي صلي الله علیه و آله و سلم دخلت فاطمة علیها السلام لافأكبت عليه فقبلته ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت فقلت: إن كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء، فلما توفي النبي صلي الله علیه و آله و سلم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فرفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به فذاك حين ضحكت. و رواه الحاكم أيضاً ج4 في مستدرك الصحيحين ج4 ص272. و روى أبو نعيم في حلية الأولياء ج2 ص40 روی بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: أنت أول أهلي لحوقاً بي.

وَرَاحَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ فَاسْتَبَقَتْ *** تِلْكَ الصِّباعُ عَلَى الزَّهْراءِ في رَهَجِ(1)

إذْ رَوْعُوها وخَلْف البابِ باغَتَها *** ذاكَ الظُّلُومُ بِدَفْعِ حانِقٍ سَمِج(2)

أَنَّتْ وَ نَاحَتْ فَناحَ الْكَوْنَ مُكْتَئِباً *** وَ الشَّرْعُ ضَجَّ لَها فِي عَبْرَةٍ نَشَجِ(3)

لِكَسْرِ ضِلْعِكِ أَضْلاعُ الْهُدَى كُسِرَتْ *** وَ عُفِّرَ الْعَدْلُ في دَهْمَاءَ مُدَّلِجِ

وَاحَرَّ قلبي لِذاكَ السِّقْطِ إِذْ فَطَمَتْ *** يَدُ الْمَنُونِ بِرَأْياه لِمُنْدَرِجِ(4)

وَ الَهُفَتاهُ عَلَيْها بَعْدَمُحْسِنِها *** فَحَالُها ظَلَّ فِي طُولِ الزَّمَانِ شَجِي

يَا بْنَ البقولِ أَغِثنا فَالْبَلاءُ بِنَا *** سَاجِ مِنَ الظُّلْمِ كَاللَّيْلِ البَهِيمِ سَجِي

وَ ضاقَتِ الْأَرْضُ مِنْ جَوْرٍ كَما مُلِئَتْ *** مِنَ المَفَاسِدِ و الأيامِ في مَرَجِ

فَانْهَضْ بِطَلْعَتِكَ الغَرّاءِ مُنْتَفِضاً *** لِكَشْفِ هَمَّ بِصَدْرِ الطُّهْرِ مُعْتَلِجِ(5)

وَ قَبْرُ فَاطِمَةَ المَجْهُولُ تَعْلَمُهُ *** لِلنَّارِ يَحْتَسِبُ الأَحْزَانَ لِلْفَرَجِ(6)

ص: 284


1- رهج: فتنة وشغب.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضِ الله عنه) في حديث طويل.
3- عبرةِ نشج: لها صوت أو كمجرى الماء.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب بحار الأنوار ج3 ص18 عن الصادق علیه السلام في حديث طويل: و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه.
5- معتلج: مجتمع.
6- إشارة إلى ما روي في مصباح الأنوار ص256 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أميرالمؤمنين علیه السلام فاطمة بنت محمد علیها السلام بالبقيع ورش ماء حول تلك القبور لئلا يعرف القبر. و الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

(2) دموع الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

فَلْجِي بِالْهَوى قَوافِيَّ فَلْجا *** هُنَّ لوَلاكِ قَدْ تَوَلَّدْنَ خَدْجا(2)

مَرْكَبِي الشِّعْرُ يَمْتَطِي الْمَوْجَ رَهْواً *** بِشِراع من آل ياسينَ مُزْجى(3)

مِنْ هُمْ سِراجِي إذا تَعَسَّفَتِ الْأَحْلاكُ *** يُظفِين في الغِياباتِ سُرجا(4)

وَ هُمُ الحافِلُونَ ضَرْعِي مِنَ الدَّرِّ *** إذا بَكَأَ الرَّجَاءُ وَلَجَا(5)

وَ هُمُ المالثونَ هَذَا الْخَوَاءَ المُرَّ *** فِي غَرْسَتِي، و لاثَمَّ مَنْجى(6)

يا سُهاد الغريبِ عَلقَ بالنَّجم *** جُفُوناً وَحَطَّ بالظَّنِّ سَرْجا

و التِّباعُ الْمَهِيضِ حِيصَ مِنَ الرِّيشِ *** وَ شُجَّتْ بهِ الْأَصَالِعُ شَجَّا(7)

و غَرابيبُ من طُيُوفٍ تَلَقَّعْنَ *** مُسُوخاً وَحِمْنَ شَوْهاءَ سَمْجا(8)

ص: 285


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- فلّجي: فُوزي. خدج : الولادة قبل تمام الأيام.
3- رَهْواً: سيراً سهلاً.
4- تعسّفت: مالت عن الطريق و عَدَلت الأحلاك: مفردها الحَلَك شدّة السواد. الغيابات: القبور الهبطات من الأرض.
5- الحافلون: المليئون -ضرعي: الضرع مدرّ اللبن من الشاة و البقر وهو كالثدي للمرأة. بكا: قلَّ -لجَّا: لجَّ أي عَنَد عِند الخصومة أو تمادى في العناد إلى الفعل المزجور عنه.
6- الخواء: خلوّ الجوف من الطعام أو الفضاء بين الشيئين.
7- التياع: القيء وإلقاء الإنسان ما أكله من فمه -المهيض: الطائر الذي سلخ و انطلق بطنه و تقياً. حيص: أحيد -شجَّت: كسرت.
8- غرابيب جمع غربيب و هو الأسود الحالك الطيوف:الطيف: الخيال الطائف في النوم. تلفّعن اشتملن -مسوخاً: المسخ هو الذي تحوّلت صورته إلى صورة أقبح منها وحمن: اشتهين. شوهاء: قبيحة الوجه أو العابسة -سمجاء: قبيحة.

و تُخُومُ المَجْهولِ وَسْطَ قَفْرِ اليأسِ *** تُمْلِي الْمَدَى غُباراً وَ رَهْجا(1)

فَهيَ لَوْلا الأسى بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ *** لَمْ آلُها سماحاً و فَرْجا

قُلْتُ لِلنَّفْسِ هَوْنِي ثُمَّ هِيدِي *** وَلِجِي الصَّبْرَ فِي المُلِمَاتِ وَلَجا(2)

إنَّ هذا الأتُونَ حَابَ أُواراً *** إنَّ هذا الرِّهانَ بِالْخَلْقِ يَفْجا(3)

فَخُذِي خِلَّةَ البَهالِيلِ خِيماً *** وَ اسْلُكِي مَنْهَجَ الْفَواطِمِ نَهْجا

إنَّ دَهْراً الوَى بِهِنَّ لِدَهْر *** شِيبَ وَرُدُ الأحرارِ فيه وَمَجا

وَ زَماناً سَاوى مَعَ الْقِمَمِ الْوَهْدَ *** زَماناً ما إن بهِ النُّصْفُ يُرجى(4)

و دُموعُ الزَّهراءِ في شِدَّةِ اللَّأْواءِ *** أشجى مِنْ دَمْعَتَيْكَ وَ أَشْجى(5)

(بنتُ مَنْ أُمُّ مَنْ حَلِيلَةُ مَنْ)؟ *** هَلْ مُدانٌ لَهُمْ عُلُوّاً وَ يُرْجا(6)

ص: 286


1- تخوم: حدود -رهج: ما أثير من الغبار.
2- هيدي: احلمي -ولجي: ادخلي.
3- الأتون: موقد نار الحمّام -الأوار: الحر و الدخان -يفجا: يفتح.
4- الوهد: الأرض المنخفضة.
5- اللأواء: الشدّة.
6- يشير الشاعر إلى مكانة و عظمة الزهراء علیها السلام و فضلها، فهي بنت رسول الله علیها السلام و زوجة أمير المؤمنين علي علیه السلام و أم الحسنين علیهما السلام و هؤلاء الخمسة لهم المنزلة التي لم و لن ينالها غيرهم عند الله تعالى، فقد روي في كنز العمال ج1 ص11 و لفظه. لايؤمن أحدكم: حتى أكون أحبّ إليه من نفسه و أهلي أحب إليه من أهله و عترتي أحب إليه من عترته و ذريتي أحب إليه من ذريّته. ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج1 ص88 ، و قد روى أيضاً في نفس الكتاب ج1 ص309 نقلاً عن ذخائر العقبى ص25 قال عن ابن عباس قال: لما نزلت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. (أقول) و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج7 ص103 و ج9 ص168 و ذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه ص101 و روي في صحيح الترمذي ج2 ص301 روى بسنده علي بن أبي طالب علیه السلام أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لو أخذ بيد حسن و حسين علیهما السلام فقال: من أحبّني و أحبّ هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.»

يا هَوانَ الّذي تَجاهَلَ مِنْها *** شَرَفاً باذخاً و حُسْناً وَ مَلْجا

هُمْ قِلاعُ الْإِيمَانِ و الدَّوْحَةُ الفَرْعاءُ *** مَدَّ الزَّمانِ تَأَرَجُ ارْجا

بهم باهَلَ الرَّسُولُ وَ عَنْهُمْ *** ذَهَبَ الرّجسُ طَاهِرِينَ وَهْجا

لِلبِلَى ثَوْرَى النُّفُوسِ مَالٌ *** فإذا مَا انْطَفَى اللَّظى رُحْنَ دَرْجا

وَ لَعُوبٌ طبع الليالي وَ وَهُمٌ *** إِنْ تَصادى وإنْ تَطَرَّيْنَ غَنْجا(1)

ص: 287


1- الغنج: التدلل و الدلال.

(3)ظُلْم النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ قيس العطار(*)(1)

هُمُومٌ مَدَى الأَيَّامِ لا تَتَفَرَّجُ *** وَ حُزْنٌ لآلام القُلُوبِ مُهَيِّجُ(2)

ص: 288


1- (*) هو الشيخ قيس بن بهجت بن رضا العطار. ولد في مدينة الكاظمية المقدّسة سنة (1381 ه) الموافق لعام (1963م)، نشأ و ترعرع في ظل أسرته نشأة صالحة كريمة. درس الدروس الابتدائية في مدارس بغداد حتى أنهى الصف الخامس العلمي عام (1980م) ثمّ نُفي مع عائلته إلى إيران فكان متشوقاً لتحصيل العلوم الدينية فانخرط في الحوزات العلمية في طهران و قم ومشهد حتى أكمل مرحلة المقدمات و السطوح على نخبة الأساتذة المعروفين من العلماء منهم: الشيخ محمد حسن الاصطهباناتي، و الشيخ محمد تقي شريعتمدار، و الشيخ عباس زين العابدين و غيرهم من الفضلاء. ثم حضر الدرس الخارج في الفقه و الأصول عند الفقيه المربي الشيخ علي الفلسفي في مدينة مشهد المقدّسة و اختار طريق الخطابة الحسينية و قد أخذ أصول الخطابة عن الشيخ فاضل المالكي، ثم راح يرتقي المنبر في مشهد المقدّسة. و بدأ بقرض الشعر في عام (1980م) حيث ساهمت أجواء الهجرة و الغربة في الكشف عن موهبته الإبداعية في الشعر. و المترجَم له يتناول في شعره أغراض الشعر المألوفة فكان ذا خيال خصب، و شعره حافل بالصور نظمه في مدح أهل البيت علیهم السلام و رثائهم ، و قد نشرت له الصحف الكثير من شعره. ألف كتباً دينية و أدبية عديدة أهمها: 1- قيثارة الدم، و هي مجموعة قصائد نظمها في الدفاع عن حق أهل البيت و بيان مظلوميتهم. 2- شرح و تحقيق ديوان مالك الأشتر. 3- مالك الأشتر خطبه و آراؤه . 4- تحقيق و شرح منظومة (بيان العروض). 5- ديوان بعنوان (من وحي الغربة) مخطوط و غيرها.
2- مهيج: هيِّج الشيء حرّكهُ و أثاره.

لنَكْثِ أُناسٍ لَمْ يُطِيعُوا نَبِيَّهِم *** وَشَطَ بِهِمْ دَرْبٌ من الغَدْرِ أَعْوَجُ

هُمُ اسْسُوا ظُلْمَ النَّبِي وَآلِهِ *** وسُنَّ بهم للظُّلمِ و الجُورِ مَنْهَجُ

أرادوا عَلِيّاً أنْ يُبابِعَ تَيْمَها *** و قادُوهُ قَسْراً بالجِبالِ وَ أَزْعَجُوا(1)

وَ قَدْ غَصَبُوا الزَّهْراءَ نِحْلةَ ربِّها *** وَ حُكْمَ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ أَهْوَجُ(2)

و دَارُوا على آلِ الرِّسالةِ جَهْرَةً *** وَ صاحَ شَقِيُّ القَوْمِ لِلبَيْعَةِ اخْرُجُوا

و إلا حَرَقْتُ الدّارَ قالُوا: فَفَاطِمْ؟ *** فَقَالَ: و انْ كانَتْ فَإِنِّي مؤججُ(3)

أراعُوا كَيَوْمِ الشِّعب آلَ مُحَمَّدٍ *** وَ لِلْحَطَبِ الْجَزْلِ الْمُجَمَّع أَجَّجُوا(4)

بَلَى أَضْرَمُوا النيران في بَابِ فاطمٍ *** فَصَارَتْ عَلَيْها نارُهُمْ تتوَهَّجُ

و دَافَعَها الرِّجْسُ الشَّقِيُّ بِكَفِّهِ *** وَرامَ انْفِتَاحَ البابِ وَ البَابُ مُرْتَجُ

وَ مِن خَلقِهِ تَدْعُو البَتُولُ مُحَمَّداً *** وَ عَبْرَتُها بَيْنَ الجُفُونِ تَلَجْلَجُ

أبِي يا رَسُولَ اللَّهِ هذا عَتِيقُهُمْ *** وَذا ابنُ صُهاك للشَّرِيعَةِ انْهَجُوا

لَقَدْ ضَرَبُوا بالسَّوْطِ زِنْدِي كأَنَّما *** بِهِ مِنْ بَقايَا ضَرْبَةِ السَّوْطِ دُمْلُجُ(5)

وَ قَدْ كَسَروا ضِلْعِي وَ أَسْقَطَ عَصْرُهُمْ *** جَنِينِي وَ نَفْسِي بَيْنَ صَدْرِي تُحَشْرِجُ(6)

وَ قَدْ نَبَتَ المسمار في الصلع يا أبي *** فَهذي دمائِي و المَدَامِعُ تُمْزَجُ

وَ ما كَانَ يَوْمُ الطَّفْ إِلا بِمَا جَنَتْ *** سَقِيفَتُهُم إذ القَحَتْ رَبثَ تُنْتِجُ(7)

فَذَا كَسْرُ ضِلْعِي مِثْلُ رَضِّ ضُلُوعِهِ *** وَذا بَابُ دارِي كَالْخِيامِ تَأجَّجُ

وَ هَذا جَنِينِي مُسْقَطاً مِثْلُ طِفْلِهِ *** ذَبِيحاً لِشُرْبِ المَاءِ يَبكي وَ يَلْهَجُ

ص: 289


1- قسراً: القسر الإجبار بالقوة.
2- الأهوج: الأحمق المتسرّع.
3- انظر التهديد بإحراق الدار.
4- أراعوا: أرعبوا -أججوا: أشعلوا و أحرقوا.
5- الدملج: حلي يلبس في المعصم.
6- انظر كسر الضلع و اسقاط الجنين.
7- القحت الناقة: حملت. تنتجُ: تَلِد.

و هذي جُمُوعُ المُرْهِجِينَ بِيَثْرِب *** كَخَيْلِ بَنِي سُفْيانَ في الطَّلفٌ تُرْهِجُ(1)

فَلِلَّهِ رُزْهُ لَمْ تَرَ العَيْنُ مِثْلَهُ *** وَ مَا فَزِعَتْ أَوْسَ عَلَيْهِ وَ خَزْرَجُ

أَتُمْنَعُ بِنْتُ المُصْطَفَى النَّوْحَ عِنْدَهُ *** وَ تَبْكِي بِبَيْتِ الحُزْنِ سِرّاً وَ تَنْشُحُ؟

فَإِنْ ضَمَّها صُبْحٌ فَبِالْحُزْنِ مُظْلِمٌ *** وَ إِنْ جَنَّهَا لَيْل فَبالدَّمْعِ مُسْرَجُ(2)

وَ مِنْ عَجَبِ الأيّامِ وَالدَّهْرُ كُلُّهُ *** عَجَائِبُ في أحداثِهِ يَتَمَوَّجُ

بأنْ تَبِعُوا الحَمْراءَ لَمَّا أَتَتْهُمُ *** عَلَى جَمَلٍ بَيْنَ الرِّجالِ تَبَرَّجُ

وَ لَمْ يَتبعوا الزهراءَ لَمَّا أَتَتْهُمُ *** تُداعِي بِحَقِّ اللَّهِ وَ الحَقُّ أَبْلَجُ

فَلَوْ حَضَرُوا في كَرْبَلاءَ لأَلْجَمُوا *** خُبُول ضَلالٍ لِلْقِتالِ وَ أَسْرَجُوا

فيا قَائِماً بِالنَّارِ مِنْ آلِ أَحْمَدٍ *** مَتَى تَشْتَفِي مِنّا الصُّدورُ وَ تُخْلَجُ

يصَلبِكَ فَوْقَ الجِذْع جِبْتَ ضَلالَةٍ *** وَ طاغُوتَها؛ كُلِّ طَرِيَّا سَيُخْرَجُ(3)

لَيَخترقا فيما لُهُ أمس جَمَّعُوا *** وَ ذاكَ قِصاصُ الله أَعْلَى و أَفْلَجُ

عَلَيْكِ سَلامُ اللَّهِ سَيِّدَةَ النِّسا *** فَلِي بِكُمُ حَبْلٌ مِنَ الشَّعرِ أَوْشَجُ(4)

إذا احتاجَكُمْ عَبْدٌ لِدُنْيَاهُ طَالِبٌ *** فَإِنِّي إليْكُمْ فِي القِيامَةِ أَحْوَجُ

ص: 290


1- ترهج -الرهج: الفتنة و الشغب.
2- مسرج: أسرج السراج: أوقده.
3- الطاغوت: كل رأس ضلال.
4- أوشجُ: وشجت الأغصان: اشتبكت.

(4) الهادي النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ محمد علي اليعقوبي (*)(1)

مالي ما لي سِوَى الهادي النَّبِيِّ وَآلِهِ *** حِصْنَ إِلَيْهِ لَدَى الشَّدائِدِ أَلْتَجِي

أَنا مُرْتَجِ لَهُمْ وَإِنْ نَزَلَ الرّجا *** بِسِواهُمُ يَنْزِلْ بِبابٍ مُرْتَ مُرْتَجِ

مَا بَيْنَ مَسْمُومٍ وَبَيْنَ مُشَرَّدٍ *** وَ مُجَدَّلٍ بِدَمِ الْوَرِيدِ مُضَرَّجِ

***

بَيْتُ بهِ الْأَمْلاكُ تَهْبِطُ خُشعاً *** وَ إلَى السَّمَا مِنْ غَيْرِهِ لم يَعْرُجِ

دَرَجَتْ لِهَتْكِ حِجابِهِ عُصُبُ الشَّقا *** وَ المُصْطَفى بِرِدائِهِ لَمْ يُدْرَجِ(2)

غَضِبَ النَّبِيُّ لِزَيْنَبٍ مُذْرَاعَها *** (هَبَارُ) حَتَّى أَسْقَطَتْ في الهَوْدَجِ(3)

ما كانَ يَصْنَعُ لَوْ يُشَاهِدُ فَاطِماً *** تَرْتاعُ مِنْ ضَرْبِ العُتُلُ الأهْوَجِ(4)

ص: 291


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- إشارة إلى هتك حجاب بيت الزهراء علیها السلام عندما قام القوم بالهجوم عليه. فقد روي في كتاب بحار الأنوار ج53 ص18 باب ما يكون عند ظهور المهدي (عج الله فرجه الشریف). عن الصادق علیه السلام -في حديث طويل- و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله، حتى أصاب بطنها وهي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها ايّاه و هجوم عمر و خالد بن الوليد و صفعة خدّها حتى بدا قُرطاها تحت خمارها و هي تجهش بالبكاء. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
3- هبار: الفرد الكثير الشعر و المقصود به هنا اسم علم للشخص الذي أراع زينب بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و دفعها بنصل رمحه فأسقطت جنينها.
4- العُتُلّ الأهوج: العتلُّ هو الأكول أو الجاني الغليظ و هو الأنسب هنا أو الشديد من كل شيء، و الأهوج يعني الأحمق.

حتى قَضَتْ وَ مِنَ السَّيَاطِ بِجَنْبِها *** أَثَرُ وَفي أَعْضَادِها كالدُّمْلُجِ

أَبْكِي لِضَيْعَتِها وَضَيْعَةِ قَبْرِهَا *** أَمْ دَفْنِها في حالِكِ اللَّيْلِ الدَّجِي(1)

ص: 292


1- يشير الشاعر إلى معنيين، الأول إلى ضيعة الزهراء علیها السلام بعد أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله سلم من غصب بيتها تارةً أخرى و إلى ضياع قبرها بعد دفنها سراً و هذه إحدى وصاياها. فقد روي في كتاب مصباح الأنوار ص56 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أمير المؤمنين علیه السلام فاطمة بنت محمد علیها السلام بالبقيع و رشّ ماءً حول تلك القبور لئلاً يعرف القبر، و بلغ أبابكر و عمر أن علياً علیها السلام دفنها ليلاً، فقالا له: فلم لم تعلمنا ؟ قال: كان الليل و كرهت أن أشخصكم. فقال له عمر ما هذا ولكن شحناء في صدرك. فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: أما إذ أبيتما فإنها استلحفتني بحق الله، و حرمة رسوله صلى الله عليه و آله سلم، و بحّقها عليّ أن لا تشهدا جنازتها. و روي أيضاً في دلائل الإمامة/ ص46 أن الإمام علياً علیه السلام سوى في البقيع سبعة قبور، أو أربعين قبراً الحديث. أما بالنسبة للمعنى الثاني الذي أشار إليه الشاعر فقد روي في كتاب العوالم أيضاً ج11 2 ص1083 عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لا يعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر، ولا يُصلّيا عليها. قال: فدفنها علیها السلام علي علیه السلام ليلاً، و لم يعلمهما بذلك. و روی أيضاً في المصدر نفسه المصدر نفسه عن عائشة : عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و آله سلم ستة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها علي ليلاً، و صلى عليها. رواه أيضاً الذهبي في تاريخ الإسلام ج2 ص93، و رواه أبونعيم في الحلية ج2 ص42، و ابن عبدالله النصري في تاريخ أبي زرعة ج1 ص290، و رواه الطبري في التاريخ ج2 ص448، و ذكر ذيله ابن سعد في الطبقات ج8 ص29 من طرق مختلفة.

قافية الحاء

اشارة

ص: 293

ص: 294

(1) يابنة الطيبين

(بحر الخفيف)

الأستاذ جاسم محمد الصحيح (*)(1)

نورُ ذكراكِ فكَّ قيدَ الصَّباحِ *** فازدَهى الكونُ بالشُّموس الضَّواحِي

و استفاقت من الكَرَى مُقلةُ الآ *** مالِ ترنُو إلى الضُّحى اللَّماحِ

و أطَلَّ التحريرُ من كُوَّةِ النور*** يُنادي بصوتِهِ الصَّدَّاحِ

يا زمان الضلالِ شيِّع أمانيك *** فقد ثارَ ثائرُ الإصلاحِ

واضغ يا موكبَ الظّلام ألا لتسمعَ *** إيقاعَ موكبِ الإصباحِ

***

يابنةَ الطيبينَ ميلادُك السمحُ *** نشيدٌ على ثُغورِ الأفاحِ

يزرعُ الحُبَّ في رُبُوع المُحبِّينَ *** رياضاً مُخضرةً الأدواحِ

يالحُلمٍ تحضَّن الصَّخرَ شَوقاً *** فتشظَّى عن ألفِ آحٍ و آحِ

یا لإطلالةٍ تمايسَ فيها الأنسُ *** فاختالَ في جميلِ و شاحِ

شعَّ من وجهِ (أحمدَ) حينما التاحَ *** أساريرَ وَجهكِ الوضَّاحِ

و التقتهُ «خديجةٌ» في حُنُو *** مُشفقٍ فوقَ مهدِكِ النفّاحِ

فطوى الحزنُ بُرْدَهُ و أطلتْ *** تتهادى مواكبُ الأفراحِ

تستثيرُ البيانَ في نشوةِ الذِّکْرِ *** فهبَّتْ فوارسُ الإنصاحِ

ص: 295


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

وانْتدى السّامرونَ فاصطفَّت الأقداحُ *** ظمآى إلى السَّلافِ الصُّراحِ

فَفَضَضْنا الختامَ عن كُلِّ رُوحِ *** و سكبنا الأرواحَ في الأقداحِ

و انبرى الشعرُ يعزفُ النَّغمَ العذْب *** و يجلُو عرائسَ الأمْداحِ

فإذا الحفلُ مائسُ العطْفِ ما بينَ *** كؤوس النُّهى و شدو الفصَاحِ

ساعةً و انطوى النّديُّ و أغفى *** سامرُ الحيّ بعدَ طُولِ صُدّاحِ

فتساميتُ في سمائكِ إحساساً *** أُناجيك رافعاً ألواحِي

عيدُك السَّمْحُ روضةُ لاقتطافِ الأُنس *** منْها أم لاقتطاف الصَّلاحِ

أتَرَى استلهمَ المحبونَ ما أمْلَتْ *** عليهِم روائعُ المُدَّاحِ

حيثْ ذكراكِ موسمٌ يغدقُ *** الأثمارَ ريّاً من التُّقى و الفلاحِ

نجتَنِي من قطافِها عِبَراً *** غَرّاءَ تَفْتَنُّ بالهُدى و السَّماحِ

تُنبىءُ الصّامدين كيفَ قَهَرَتِ *** الريح والموْجَ في خضَمِّ الكفَّاحِ

تُنبىءُ الصّامدينَ كيفَ تهاوى *** دُونَ شُمَّ الذُّرى غرورُ النطاحِ

كيف خُضْتِ الجهادَ حافيةَ الأقدام *** هُزءاً بجَمْرهِ و اللفّاحِ

ألهبي في كياننا جذوة الوعي *** فقد آل وقدُها للبَرَاحِ

و اسكبِي في القلوب روح الشُّجاعاتِ *** فَقَد راعَها خيالُ السَّلاحِ

***

يا غرامَ القلوبِ ينسابُ فيهن *** برَوْحِ الصَّبابَةِ الفَوَّاِح

نحنُ آلُ الغَرَامِ شيعتُك الماضونَ *** في دَرْبِ هديكِ المِسماحِ

حارَبتْنا على هواك أولُوا الطُّغيان *** من كُلِّ مُجْرمٍ سَفّاحِ

و أدارتْ ما بينَنا أكوسَ التَّهْديدِ*** ملآى بالقتلِ و الإكتساحِ

فاشْرَابَّتُ أعناقُنا تَسبِقُ البرقَ *** لتقبيل شَفْرَة الذَّباحِ

ص: 296

أيُّ حُلْم يهفُو له الصَبُّ أسمَى *** من فداءِ الحبيبِ يومَ الكفاحِ

نحنُ آل الغرامِ... أحْكَمَ حَبْلَ *** الودِّ ما بيننا صليلُ الصفاحِ

كُلُّ حُبِّ يخبُو ضياهُ و يبقى *** حبُّنا الطَّلْقُ مُشرقَ الإصباحِ

عشقُنا ألهَمَ الفَراشَ معاني *** العشقِ حتَّى استهامَ بالمصباحِ

و التَّفاني في الحُبِّ نحنُ ابتدعناهُ *** كتاباً مُدَبَّجاً بالأضاحِي

بالقلوبِ الولهى تميسُ حواشيه *** و تزهو المتونُ بالأرواحِ

تتباهى الألواحُ بالأحرفِ الزُّهر *** تباهي الحروفِ بالألواحِ

نحنُ إِن خَيَّمَ الظَّلامُ بدنيا *** ناوضجَّتْ حياتُنا بالنُّواحِ

حسبُنا السّيرُ خلفَ إشعاعة *** الحقِّ تجلَّت بنهجكِ الوضَّاحِ

و تساءلتُ في غمارِ نجاوايَ *** لأطوي الغُموضَ بالإيضاحِ

ما النشيدُ الذي هَزَزْتِ به *** الدنيا فماسَتْ عن مزهر صدَّاح؟

الأنَّ النَّبيَّ والدُك الأسمي *** مَلَكتِ الخُلودَ في الأرواح؟

و تغنَّتْ بكِ الليالي أغاريدَ *** تَعَالَتْ رُغْمَ اشتدادِ الرِّياح

فَرَوَى ليَ التاريخُ في صَفَحات *** الخَيْرِ عن فيض جُودكِ المُسْمَاحِ

و تجلَّتْ لي «العقيلةُ» تُرسي *** منهجَ الطُّهْر للغوانِي الملاحِ

و «الزكيُّ» التفاتَةٌ تسكبُ الأفراحُ *** رياً في خافقِ الأتراحِ

و«الحسينُ» انتفاضةٌ تحمل التحريريرَ *** رَمْزاً على رؤوس الرِّماحِ

و المحبّونَ ثورةٌ شلَّت البَغْيَ *** وَ أَلْقَتْهُ في قيودِ الكُسَاحِ

ثورةٌ تعبُرُ المدى ضارعَ الخدِّ *** فَتَدْعُو أفراسَهُ للجمَاحِ

هكذا جُدْتِ للسَّماءِ فحيَّتُكِ *** بزهْرٍ من خُلدِها نَفَّاحِ

ص: 297

و تساءلت عن عزائكِ فيما *** سامَكِ الدَّهرُ من ضنّى وِ نيَاحِ

ما الأماني التي وَهَبتِ لها الأضلاعَ *** قُرْبى.. في منتهى الإرتياحِ

و تَحمَّلتِ في سبيلَ مَراميها *** صُنُوف الآلامِ و الأتراحِ...

فَتَبيَّنْتُ أن غايتكِ الشَّمَّمَّاءَ *** دفعُ الفتاةِ نحو النَّجاحِ

***

آه يا بضعةَ الرَّسولِ فأحلامُكَ *** اَلَتْ جميعُها للبَرَاحِ

و الفتاةُ التي تجشَّمتِ من أجل *** هُداها الجراحَ إثر الجراحِ

عَدَلَتْ عن طريقكِ العَدْل وا *** خْتارتْ طريقاً يقودُها للطَّلاحِ

إنَّها الطَّعْنَةُ التي أَوْرَثَتْ قلبَك *** جُرْحاً يعصى على الجرَّاحِ

ها هي اليوم في المجامعِ كالرِّيشةِ *** تلهُو بها عَصُوفُ الرِّياحِ

تستطيبُ الحياةَ في زهوة الأيام *** للعيشِ حُرَّةٌ في سَرَاحِ

غَرَّها النَّاهبونَ باسمِ الحضاراتِ *** فسارَتْ وراءهُمْ في طمَاحِ

قَدْ أَجَادوا صُنْعَ النِّفَاقَ فقُلنا: *** رَحمَ اللَّهُ أدمُعَ التّمساحِ

أوقعُوها أسيرةً في حبالِ المدْحِ *** ... والمدحُ فتْنَةٌ للملاحِ

فَتَتَنَّتْ على الخداعِ و قد دارَبها *** العُجْبُ بين عُودٍ و رَاحِ

واستْبيحَتْ فَرَاقَها أن تعيشَ الذُّلَّ *** و العارَ في حَمّى مُستباحِ

***

يَا لَها من حَمَامةٍ شاقَها أفقٌ *** وحياةٌ من الخداعِ البَواحِ

حَلَّقَتْ في سماءِ دُنْياً من اللهْو *** و وَغابَتْ في نَشْوَةٍ و ارتياحِ

فادلهمَّ الفضاءُ عَنْ غيمة *** سَودَاءَ تسري بعاصفٍ لَفَّاحِ

ما استفاقَتْ إلا وقد سَلَبَتْها *** عاصفاتُ اللذَّات ريشَ الجناحِ

فَتَهاوَت على الثَّرى ترمقُ الأفقَ *** ... وعينُ الحنينِ نَهْبُ النِّياحِ

ص: 298

ما الَّذي ضَرَّها لو اخْتَارَت التَّحليق *** في ظلِّ أفْقكِ الفَيَّاحِ

حيثُ رَخْوُ النَّسيم يَسْري عليلاً *** أريحيَّ الشَّذا بكُلِّ النَّواحِي

يا بنةَ المصطفى فَمُدِّي أياديک *** ظلالاً على فَضَاها الضَّاحِي

أنقذيها على سفينتكِ النَّوراء *** من مَوْجٍ لَيْلِها الجَمَّاحِ

أنتِ أنتِ النجاةُ من لُجَّةِ التِّيه *** إذا اللجُّ تَاهَ بالملاَّحِ

ص: 299

(2) حورية إنسيةً علیها السلام

(بحر الكامل)

الحافظ البرسي الحلّي(*)(1)

ص: 300


1- (*)هو الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلّي المعروف بالحافظ، كان حياً سنة 813ه، و توفي قريباً من هذا التاريخ و البرسي نسبة إلى برس، بضم الباء و سكون الراء ثم السين المهملة قرية بين الكوفة ،و الحلة و منها أصل المترجَم له و فيها مولده و سكنه و كان يعد من أشهر علمائها في أواخر القرن الثامن، و هو طويل الباع واسع الاطلاع، و كان ماهراً في أكثر العلوم، و له يد طولى في أسرار علم الحروف و الأعداد و في الحديث و التفسير. و قال صاحب الروضات: كان معاصراً لأمثال صاحب المطوّل و السيد الشريف و الشيخ مقداد السيوري و ابن المتوج البحراني و اشتهر بالحافظ لكثرة حفظه فقد كان فقيهاً حافظاً محدثاً أديباً شاعراً مصنفاً في الاخبار و غيرها، و ذكر الاميني في الغدير تأليفاته القيمة و منها: 1- مشارق أنوار اليقين. 2- مشارق الامان و لباب حقائق الايمان. 3- رسالة في الصلوات على النبي صلي الله علیه و آله وسلم و المعصومين علیهم السلام. 4- رسالة في زيارة أميرالمؤمنين علیه السلام. 5- رسالة اللمعة في أسرار الصفات و الحروف. 6- الدر الثمين في خمسمائة آية نزلت في مولانا أميرالمؤمنين علیه السلام. 7- أسرار النبي صلي الله علیه و آله وسلم و فاطمة و الأئمة علیهم السلام. 8- لوامع الأنوار، في أصول العقائد. 9- تفسير سورة الإخلاص. 10- رسالة مختصرة في التوحيد . 11-كتاب في مولد النبي صلي الله علیه و آله وسلم و فاطمة علیها السلام و فضائلهم. 12- في فضائل أميرالمؤمنين علیه السلام. 13-كتاب الألفين في وصف سادة الكونين و قد ذكرت ترجمته مفصلة في الغدير الجزء السابع فراجع.

دَمْعٌ يُبَدِّدُهُ مُقيمٌ نازحُ *** ودَمٌ يُبَدِّدُه مُقيم نازحُ

وَ العَيْنُ إِنْ أَمْسَتْ بِدَمْعِ فُجِّرَتْ *** فَجَرَتْ يَنابِيعُ هُناكَ مَوانِحُ

أَظْهَرْتُ مَكْنُونَ السُّجُونِ فَكُلَّما *** شَجَّ الأَمُونُ سجَا الحَرونَ الْجَامِحُ(1)

وَ عَلَيَّ قَدْ جُعِلَ الْأَسى تَجْدِيدُهُ *** وَقْفاً يُضافُ إِلَى الرَّحِيبِ الفاسِحُ

وَ شُهودُ ذُلِّي مَعْ غَرِيمِ صَبابَتي *** كَتَبُوا غَرامي و السقامُ الشّارِحُ

أوْهَى اصْطَبَارِي مُطلَقٌ وَ مُقَيَّدٌ *** غُرْبٌ وَ قَلْبٌ بالكآبةِ بائِحُ(2)

فَالْجَفْنُ مُنْسَجِمٌ غَرِيقٌ سائِحٌ *** وَ الْقَلْبُ مُضْطَرِمٌ حَرِيقٌ قادِحُ

وَ الْخَدُّ خَدَّدَهُ طَليقٌ فاتِرٌ *** وَ الْوَجْدُ جَدَّدَهُ مُجِدٌّ مازِحُ

أَصْبَحْتُ تَخْفِضُني الْهُمُومُ بِنَصْبِها *** وَ الجِسْمُ مُعْتَلٌ مِثالٌ لائِحُ(3)

حَلَّتْ لَهُ حُلَلُ النُّحولِ فَبُرْدُهُ *** بُرْدُ الذُّبُولِ تَحِلُ فيهِ صَفَائِحُ

وَ خَطيبُ وَجْدِي فَوْقَ مِنْبَرِ وَحْشَتِي *** لِفِراقِهِمْ لَهْوَ الْبَلِيعُ الفاصِحُ

وَ مُحَرِّمٌ حُزْنِي وَ شَوّالُ الْعَنا *** و العيدُ عِنْدِي لاعِجٌ وَ نَوائِحُ

وَ مَديدُ صَبْرِي في بَسِيط تَفَكَّرِي *** هَزَجٌ وَ دَمْعِي وَافِرٌ وَ مُسَارحُ(4)

سَارُوا فَمَعْناهُمْ وَ مَغْنَاهُمْ عَفا *** وَ اليَوْمَ فيهِ نَوائِحٌ وَ صَوائِحُ

دَرَسَ الجَديدَ جَديدُها فَتَنَكَّرَتْ *** وَرنا بها لِلْخَطب طَرْفٌ طامِحُ(5)

ص: 301


1- الشج من شجّ المفازة: قطعها. الأمون من الناقة: و ثيقة الخلق القوية. سجا يسجو سجواً: مدّ حنينه. الحرون من الدابة الذي لاينقاد، و إذا استدبر جريه وقف. الجامح: المتغلّب على راكبه و الذاهب به و هو لاينثني.
2- بائح: من باح يبوح بوحاً بسرّه: أظهره.
3- أشار الشاعر إلى مصطلحات نحوية (تخفضني) (بنصبها) و مصطلحات صرفية (معتلّ-مثال).
4- إشارة إلى أنواع الشعر.
5- رنا إليه و له: أدام النظر إليه بسكون الطرف. الطامح من طمح البصر: ارتفع و نظر شديداً.

نَسَجَ البِلى مِنْهُ مُحَقِّقُ حُسْنِهِ *** فَفَنَاؤُه ماحِي الرُّسومِ الماسِحُ

فَطَفِقْتُ أَنْدِبُهُ رَهِينُ صَبَابَةٍ *** عَدَمَ الرَّفِيقِ وَ عابَ عَنْهُ النَّاصِحُ

وَ أَقُولُ وَ الزَّفَراتُ تُذْكِي جَذْوَةً *** بَيْنَ الضُّلوع لَهَا لَهِيبٌ لافِحُ

لاغَرْوَ إِنْ غَدَرَ الزَّمانُ بِأَهْلِهِ *** وَ جَفَا وَ حَانَ وَ خَان طَرْفٌ لامِحُ

فَلَقَدْ غَوى في ظُلْم آلِ محمّدٍ *** وَعَوى عَلَيْهِمْ مِنْهُ كَلْبٌ نابِحُ

وسطا على البازي غُرابٌ أَسْحَمٌ *** وَشَبا عَلَى الأشبالِ زِنْجٌ ضَابِحُ(1)

وَ تَطَاوَلَ الكَلْبُ الْعَقُورُ فَصاولَ *** اللَّيثَ الهَصُورَ وَ ذاك أمْرٌ فادِحُ(2)

وَ تَواثَبتْ عُرْجُ الصِّباعِ وَ رَوَّعَتْ *** وَ السِّيدُ أضحَى لِلْأُسُودُ يُكافِحُ(3)

آلُ النَّبِيِّ بَنو الوَصِيَّ وَ مَنْبَعُ *** الشَّرَفِ العَلِيِّ وَ لِلْعُلُومِ مَفاتِحُ

ما تَبْلُغَ الشُّعَراءُ مِنْهُمْ في الثَّنا *** وَاللَّهُ في السَّبْعِ المَثاني مادِحُ

نَسَبٌ كَمُنْبَلِجِ الصَّباحِ وَ مُنْتَمِّى *** زاكٍ له يَعْنُو السَّماكُ الرّامِحُ(4)

و يقول فيها:

الجَدُّ خَيْرُ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدُ *** الهادِي الأمِينُ أخُو الخِتامِ الفاتِحُ

هُوَ خَاتِمٌ بَلْ فاتِحٌ بَلْ حاكِمٌ *** بَلْ شَاهِدٌ بَلْ شافِحٌ بَلْ صافِحُ

هُوَ أوَّلُ الأنوارِ بَلْ هُوَ صَفْوَةُ *** الجبّارِ و النَّشْرُ الأَرِيجُ الفائِحُ(5)

هُوَ سَيِّدُ الكَوْنَيْنِ بَلْ هُوَ *** أَشْرَفُ الثَّقَلَيْنِ حَقَّاً وَ النَّذِيرُ النَّاصِحُ

لَوْلاكَ ما خُلِقَ الزَّمانُ وَ لابَدَتْ *** لِلْعَالَمِينَ مَساجِدٌ وَ مَصابِحُ

ص: 302


1- البازي: من طيور الصيد، و له أنواع كثيرة. الأسحم: الأسود. شبا: علا. الزنج: قوم من السودان. الضابح: المتغير اللون كلون الضبح أي الرماد.
2- صاوله: و اثبه. الهصور من الأسد الذي يهصر فريسته أي يكسرها كسراً. الفادح: الصعب المثقل.
3- السِّيدُ: بسكون الياء الخفيفة: الذئب.
4- المنبلج: المشرق، المضيء.
5- النشر: الريح الطيبة -الأريج: الذي تفوح منه رائحة طيبة.

و الأم فاطِمَةُ البَتُولُ وَ بَضْعَةُ الهادِي *** الرَّسُولِ لَها المُهَيْمِنُ مانِحُ(1)

حُورِيَّةٌ إنْسِيَّةٌ لِجَلالِها *** و جمالها الْوَحْيُ المُنَزَّلُ شارحُ(2)(3)

ص: 303


1- إشارة لما ورد في النهاية في غريب الحديث باب بتل/ج2 ص64. و سميت فاطمة البتول علیها السلام لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً، و قيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى اللَّه. و في تاج العروس عن الزمخشري قال لقبت فاطمة بنت سيد المرسلين «عليهما الصلاة و السلام» و على ذريتهما (بالبتول) تشبيهاً بها في المنزلة عند الله «تعالى».
2- و ذلك إشارة لما ورد في مولد فاطمة علیها السلام، لابن بابويه يرفعه إلى أسماء بنت عميس، قالت: قلت لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: و قد كنت شهدت فاطمة علیها السلام و قد ولدت بعض ولدها فلم أرَ لها دماً فقال صلي الله علیه و آله و سلم: إن فاطمة علیها السلام خلقت حوريّة في صورة إنسيّة.
3- القصيدة في (100) بيت -الغدير ج7 ص57.

(3) فبعين اللَّه

(بحر الرّمل)

الشيخ عبد الكريم الممتن(*)(1)

أيُّها الغافِلُ لايُلْتَ نَجاحا *** خَالِفِ النَّفْسَ وَدَع عَنْكَ المِلاحا

وَ أَفِقْ مِنْ سَكْرةِ الْعَيِّ و لا *** تَحْسَبَنَّ الْجِدَّ مِنْ قَوْلي مِزاحا

كَمْ تُمارِي فِي الْهَوى لا تَرْعَوِي *** وَ غُرابُ الْبَيْنِ يَدْعُوكَ الرَّواحا(2)

ص: 304


1- (*) هو الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد ابن الشيخ أحمد الممتن الأحسائي الجبيلي ولد، في قرية (الجبيل) بالأحساء سنة (1304ه_) و بها نشأ و ترعرع تحت رعاية والده الشيخ حسين، فكان أوائل تحصيله العلمي على يد والده، و بعد وفاته التحق بالحوزة العلمية في مدينة الهفوف، و حضر مدة عند الحجة الكبير الشيخ موسى أبوخمسين، ثم انتقل إلى النجف الاشرف للتزود من العلم، فحضر هناك لدى جملة من العلماء الاعلام، منهم العلامة الحجة السيد ناصر الاحسائي و عند المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم. و بعد أن أخذ قسطاً وافراً من العلم و أصبح في عداد العلماء الكاملين عاد إلى مسقط رأسه و مسكن أسرته (الأحساء) و هو يحمل الوكالة الشرعية عن أستاذه الكبير السيد الحكيم. و قد اعترف معاصروه بأنه: غزير العلم، جليل القدر، فقيه، عارف، متفوق في كثير من العلوم سيّما في علم النحو و المنطق و في الفلسفة و الكلام و كانت له يد طولى في علم الفلك أيضاً، و بالاضافة إلى فضيلته العلمية كان شاعراً مبدعاً و قد ذكره الخطيب اللامع الشيخ جعفر الهلالي قائلاً عنه: (الشيخ عبد الكريم الممتن كان من الشعراء المتأخرين الذين عاشوا في هذا القرن و لانجازف إذا قلنا: إنه يأتي في الطبقة الأولى من شعراء قطره الاحساء، بل إنه بشاعريته يحاكي أدباء و شعراء النجف و الحلة». و كان أستاذاً و معلماً بارعاً تخرّج عليه عدد من رجال الدين الأفاضل. وفاته: وافاه الأجل المحتوم في قرية الجبيل بالاحساء ليلة الجمعة 12 رجب سنة (1375ه_)، و دفن جثمانه الطاهر في مقبرة الجبيل.
2- تُماري: تجادل و تنازع. لاترعوي: لا تكفّ البَين: البعد و الفراق و الموت.

كَيْفَ لاتُفْلِعُ عَنْ مَعْصِيَةٍ *** وَ نَذِيرُ الشَّيْبِ فِي الْمَفْرِقِ لاحا

أذِنَتْ فِيكَ الليالي بِالْفَنا *** وَدَنَا المَوْتُ مَساءً أَوْ صَباحا

أَنْتَ مِنْ فَوْقِ مَعَى الأيام وَ الفَلَكُ *** الأَطْلَسُ يَحْدُوكَ لِحاحا

فَاتَّخِذْ زاداً مِنَ التَّقْوَى وَكُنْ *** خَافِضاً للَّهِ مِنْ ذُلِّ جَناحا

مُعْرِضاً عَنْ زَهْرَةِ الدُّنيا فَهَلْ *** لِفَتَى يَغْتَرُّ في الدُّنيا فَلاحا

إنّها دارُ غُرورِ طَبْعُها *** الغَدْرُ وَ الْمَكْرُ فَبُعْداً وَ انْتِزاحا

أَوَ لَمْ تَسْمَعْ بِما قَدْ صَنَعَتْ *** بِبَنِي أَحْمَدَ لَمْ تَخْشَ افتضاحا؟

شَئَتَتْهُمْ فِرَقاً وَ اجْتَرَحَتْ *** سَيِّنَاتٍ تَمْلَأُ الْقَلْبَ جراحا

صوَّبَتْ فيهم سهاماً لَمْ تُصِبْ *** غَيْرَ قَلْبٍ الدِّينِ و اسْتَلَّتْ صِفاحا(1)

أَظْهَرَتْ أَنْبَاؤُها ما أَضْمَرَتْ *** وَ اسْتَباحُوا كُلَّ ما لَيْسَ مُباحا

عَقَدُوا الشُّورى و خَلَّوابَيْعَةً *** أَنْكَحُوها حَبْتراً ساءَ نكاحا

وَيْلَهُمْ ما نَقِمُوا مِنْ حَيْدَرٍ *** زَوَّجُوها مِنْ أخِي تَيْمٍ سِفاحا

وَ اسْتَباحُوا إِرْثَ بِنْتِ المُصْطَفَى *** أَيُّ شَرْعِ لَهُمُ ذاك أباحا(2)

لَيْتَ ذَا أَغْنَاهُمُ عَنْ عَصْرِها *** عَصْرَةٌ مِنْهَا ابْنُها المُحْسِنُ طاحا(3)

ص: 305


1- الصفاح: السیوف العریضة.
2- إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام عن إرثها فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها، فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر الله «تعالى»؟
3- إشارة إلى عصر الزهراء علیها السلام بين الحائط و الباب وإسقاطها جنينها المحسن كما روي في البحار ج53 ص18 ضمن باب ما يكون عند ظهور المهدي (عج الله تعالی فرجه الشریف). و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتى صار كالدُّملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها حاملة بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها اياه.

ثُمَّ لَمْ يَقْتَنِعُوا بَلْ أَمَرُوا *** (قُنْفُذاً) بالسَّوْطِ يَكْسُوها وِشاحا(1)

لَيْتَ شِعْرِي أَيَّ ذَنْبٍ أَذْنَبَتْ *** فَاسْتَحَقَّتْ مِنْ (عَدِيٍّ) أَنْ تُجاحا

لَطَمَ الْوَجْهَ فَأَدْمَى عَيْنَها *** و انْثَنَى يَصْفِقُ كَفَّيْهِ ابْتِجاحا(2)

حَرَّ قَلْبِي لِطغاةٍ هَجَمُوا *** بَيْتَ قُدْسِ شَرَفاً فاق الضُّراحا

ثُمَّ قَادُوا أَسَدَ اللَّهِ فَيا *** أَعْيُنَ الْعَلْيَا اسْكُبِي الدَّمْعَ انْسِفاحا

أَشْخَصُوا فَوَّارةَ العِلْمِ عَلى *** حالَةٍ طَبَّقَتٍ الدُّنيا صِياحا

أَوْقَفُوهُ عِنْدَتَيْمٍ مَوْقِفاً *** ماجَ قَبْرُ المُصْطَفَى فِيهِ نِياحا

فَبِعَيْنِ اللَّهِ (تَيْمٌ) تَرَكُوا *** حَرَمَ اللَّهِ صَرِيعاً مُسْتَباحا

و بِرَغْم المَجْدِ أَنْ يَحْنَوشُوا *** طَوْدَ عِزِّ ما لَوى ذُلاَّ جَناحا

بِأَبِي فَرْداً عَلَيْهِ اعْصَوْصَبَتْ *** عُصَبٌ رَامَتْ لِيُمْنَاهُ افتِتاحا(3)

يَرْفَعُ الطَّرْفَ وَ يَشْكُو تارةً *** وَ بِأَخْرى يَلْمَحُ القَبْرَ ارْتِياحا

وَ هَلُمَّ الخَطْبَ في فَاطِمَةٍ *** مُذْعَدَتْ خَلْفَهُمُ تُبْدِي النِّياحا(4)

هِيَ تَدْعُو أيها الناسُ دَعُوا *** خَيْرَ كُلِّ الْخَلْقِ جُوداً وَ سَماحا

ص: 306


1- تقدم ما ورد عن ذلك في كتاب سليم بن قيس ص40 فراجع.
2- ابتجاحا: ميلاناً عن الطريق و العدول عنه.
3- اعصوصبت عُصَب: اجتمعت و تألبت. رامت: قصدتْ.
4- لعله إشارة إلى خروج فاطمة علیها السلام من بيتها إلى أبي بكر بعدما أخذوا الإمام مكبلاً لكي يبايع. فقد روي في روي في كتاب تفسير العياشي في تفسير الآية (150) من سورة الأعراف فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ -واللَّه- لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي.

(4) إمش خلف المرتضى علیه السلام

(بحر الرمل)

الشيخ عبد الكريم الممتن(*)(1)

و قد خمَس القصيدة السابقة

الشيخ قيس العطار(** )(2)

هذه الدنيا تناديكَ صراحا *** لرحيل عاجلٍ ليلاً صباحا

كفَّ من نفسكَ يا هذا جماحا *** «أيّها الغافل لانِلْتَ نجاحا

خالِفِ النفسَ ودع عنك الملاحا»

***

لاتغرَّنكَ بيضاءُ الطلى *** إنها واللَّهِ شرِّ و بلا

خالفِ النفسَ تنلْ أعلى العُلى *** «و أفِق من سكرةِ الغىّ و لا

تحسبنَ الجِدَّ من قولِي مزاحا»

***

لا يغرَّنك إبليسُ الغوِي *** إنّه يزوي عن الدربِ السوِي

كم عن اللَّهِ ضلالاً تنتوِي *** «كم تماري في الهوى لاترعوي

و غرابُ البين يدعوكَ الرَّواحا»

***

ص: 307


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- (**)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

كم ليالٍ قد مضتْ مدبرةٍ *** و ليالٍ مثلها مقبلةٍ

شِبْتَ منها فهي أجلى عِضَةٍ *** «كيف لا تقلع عن معصيةٍ

و نذيرُ الشيبِ في المفرقِ لاحا»

***

لاتخَلْ أنّكَ باقٍ ههنا *** إنّما الدنيا خَدُوعٌ فرتَنى

أيّها الجاهلُ دعَ طولَ المنى *** «أذنتْ فيكَ الليالي بالفنا

ودنا الموتُ مساءً و صباحا»

***

هذه الدنا كما كانتْ دُولْ *** غدرتْ قبلكَ بالناس الأوَلْ

كل من فيها لها قسراً خَوّلْ *** «أنتَ من فوقِ مطى الأيّامِ

والفلكُ الأطلسُ يحدوكِ لحاحا»

***

سر على هدي خطى من لم يَخُنُ *** ولآلِ المصطفى ويحكَ صُنْ

إن منْ لم يتبَع الآل يَهُنْ *** «فاتخذْ زاداً من التقوى و كُنْ

خافضاًللّه من ذُلِّ جناحا»

***

فالعن الشيخين أتباعَ هُبَلْ *** والأُلى قد نكثُوا يومَ الجَمَلْ

وامشِ خلف المرتضى الليثِّ البطلْ *** «معرضاً عن زهرةِ الدنيا و هلْ

لفتَّى يغترُّ في الدنيا فلاحا»

***

ص: 308

و العنِ النغلَ ابنَ هندٍ ذا الذُّحَلْ *** ثم منْ تابع ذا الثديِّ الأَذَلْ

لا تَقُلْ يا صاحبي قولاً خَطَلْ: *** «إنّها دارُ غرورِ طبعُها

الغدرُ و المكرُ فبُعداً و انتزاحا»

***

فِتنٌ ملعونةٌ قد وقعتْ *** حيدراً عن حقّه قد دَفَعَتْ

عجباً أُذُنُكَ منها ما وعتْ *** «أوَ لم تسمعْ بما قد صنعتْ

ببني أحمدَ لم تخشَ افتضاحا»

***

لا تقلْ دنیاهُمُ ما نصحتْ *** بل هي الفلتةُ لما نبحَتْ

كُلَّ آل المصطفى قد ذبحتْ *** «شتّتتهم فِرقاً و اجترحتْ

سيئاتِ تملأُ القلبَ جراحا»

***

فالعن الطاغوت و الجبت تُصِبْ *** و إذا استشكلتَ في هذا تَخِبْ

كفهُم للآلِ راحتْ تستلبْ *** «صوّبتْ فيهم سهاماً لم تُصِبْ

غير قلبِ الدين و استلّتْ صفاحا»

***

لُعِنت بيعتهم هل قد دَرَتْ *** أنّها نافع سُمِّ قد مَرَتْ

بل لدفنِ المصطفى ما حضرتْ *** «أظهرت أبناؤُها ما أضمرتْ

و استباحت كلَّ ما ليسَ مباحا»

***

صيَّروا الإمرةَ فيهم سلعةً *** و أشاعُوا الغدرَ ساءت شرعةً

بعد أن مات عتيقُ ضعةً *** «عقدُوا الشورى و حلوا بيعةً

أنكحوها حبتراً ساءَ نكاحا»

ص: 309

أمروا كل وضيعِ مُفتر *** زفرٍ أو نعثلٍ أو حبترِ

خيَّب الله لهم من معشرِ *** «ويلهم ما نقموا من حیدرِ

زوجوها من أخي تیمٍ سفاحا»

***

حادث أنَّت له صُمُّ الصَّفا *** فعلى ما قد جنى القومُ العفا

أنكرُوا النحلةَ منها جنفا *** و استباحُوا إرثَ بنتِ المصطفى

أيّ شرعِ لهمُ الإرثَ أباحا»

***

أبرزُوا فاطمةً من خدِرها *** ثم رضّوا أضلعاً من صدرِها

بل أضاعْوا أثراً من قبرِها *** «اليتَ ذا أغناهُمُ عن عصرها بل

عصرةً منها ابنُها المحسنُ طاحا»

***

نفّذواماقدعليهِ ائتمروا *** يوم خُمِّ والذي قد دبَّروا

أحرقَ البابَ بنارٍ عُمَرُ *** «ثم لم يقتنعُوا بل أمَروا

قنفذاً بالسوطِ يكسوها وشاحا»

***

فعلامَ الدارُ ناراً أُلهبتْ *** و علامَ الطهرُ جهراً ضُربتْ

و لِمَ الأثدا دماءَ شَخبَتْ *** «ليت شعري أيُّ ذنبٍ أذنبتْ

فاستحقتْ من عديٍ من عدي أن تجاحا»

***

هجَمَ الثاني ينادي ايْنَها *** فعديِّ سوفَ تقضي دينَها

ص: 310

بقلوبٍ لم تفارِق رينَها *** «لطمَ الوجهَ فأدمى عينَها

و انثنى يصفقُ كفّيه ابتجاحا»

***

يالقومِ ليسَ فيهم مسلمُ *** لاهب النارَ عليها أضرموا

و هي إذ تدعو أباها تُلطَمُ *** «حرَّ قلبي لطغاةٍ هجمُوا

بيتَ قدسٍ شرفاً فاقَ الضراحا»

****

نزعوا عن كنههم ثوبَ الحيا *** وسعَوْا أن يخمدُوا منها الضِّيا

رمَّموا الكرارَ يدعُو شاكياً *** «ثمّ قادُوا أسدَالله فيا

أعينَ العليا اسكبِي الدمعَ انسفاحا»

***

سحبوهُ عنوةً بين الملا *** صبَّ ربّي فوقهمْ سوطَ البِّلا

و من الطغيان ضلّوا السُّبُلا *** «أشخصوا فوّارةَ العلمِ على

حالةٍ طبَّقتِ الدنيا صياحا»

***

لم يبايعْ قطُّ لكن جَنَفا *** قيل: بايِعْ أو ستلقى تَلَفا

جعلُوه للرزايا هدفا *** «أوقفوُه عند تیمٍ موقفا

ماجَ قبرُ المصطفى فيه نياحا»

***

قد بدا من ذي النفاق الحَسَكُ *** و بربِّ الكون طرّاً أشركُوا

ص: 311

أيّ دربِّ مظلمٍ قدسلكوا *** «فبعینِ اللَّه تیمٌ ترکُوا

حرمَ اللَّه صريعاً مستباحا»

***

من دمِ الآلِ ارتووا إذ عطشوا *** و للحم المصطفى قد نهشُوا

فبعينِ اللَّه ما قد بطشُوا *** و برغم المجدِ أن يحتوشُوا

طودَ عزّ مالوی ذلًّا جناحا»

***

زمرةُ الغدرِ كتاباً كتبتْ *** ثمّ بعدَ المصطفى قد وثبَتْ

لعليٍّ بحبالٍ سحبَتْ *** «بأبي فرداً عليه اعصوصبتْ

عُصَبٌ رامتْ ليمناهُ افتتاحا»

***

أسرعتْ زمرتُهُم منهارةْ *** صَرَخَتْ: بايَعَنَا، غدّارةْ

و عليُّ نفُسه محتارةْ *** «يرفعُ الطرفَ ويشكو تارةْ

وبأخرى يلمحُ القبر ارتياحا»

***

ما جرى من خطةٍ آئِمة *** و حقودٍ قلبُهُم لازمَة

كلَّ ذا دعْ عنك من لائمة *** «و هَلُمَّ الخطبَ في فاطمة

مذ دعت خلفَهُم تُبدِي النياحا»

***

صرختْ فيهم و لامَن يسمعُ *** بل بكفِّ الرجسِ راحت تُصفَعُ

تارةَ تمشي و طوراً تَقعُ *** «و هي تدعو أيّها الناسُ دعوا

خيرَ كل الخلقِ جوداً و سماحا»

***

ص: 312

(5) الزهراء علیها السلام نهج

(بحرالوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

أرى كَبِدِي تُمَزْقُهَا الْقُرُوحُ *** وَمِلْءُ دَمِي الْحَرَائِقُ وَ الجُروحُ

نَكَأْتُ شِغَافَها ضَرَماً وَ سُهْداً *** وَ عَيَّفْتُ الْمُنَى فَهَوى السَّنِيحُ(2)

شَرَائِدُ في مهبِّ الرِّيحِ طَيْرِي *** تُؤوِّبُها المَذائِبُ والسُّفُوحُ(3)

أرى ظِلَّ الْمَجَرَّةِ سَمْهَرِياً *** يُلاحِقُنِي وَ غِيلاناً تَلُوحُ(4)

حَائِبُ جَانَفَتْهَا الْمُزْنُ جُهْماً *** فَلاوَدْقٌ بِهِنَّ وَلا نُضُوحُ(5)

فَفِيمَ تَزُمُّ مَخْطِمِيَ اللَّيالِي *** وَ تُمْعِنُ في مَخارِقِيَ النَّصُوحُ(6)

وَ تُصْلِينِي الْهَواجِرُ في لَظاها *** وَ ظِلُّ اللَّهِ مُنْفَرِجٌ فَسِيحُ

أُدارِي نَفْقَةَ التِّنِّينِ وَهْناً *** فَما يَهْدا بهِ كِبراً فَحِيحُ(7)

وَ أَقْرِي الذَّئْبَ مِنْ رَهَبٍ طَعَامِي *** وَ فَوْقَ خِوانِيَ الْأَمَلُ الذَّبِيحُ(8)

ص: 313


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- نكأتُ قشرتُ الشغاف: غلاف القلب أو حبّة القلب -ضَرَماً: جمرة، ناراً. سُهْداً:أَرَقاً. السّنيح: هو السانح و هو الذي يأتي من جانب اليمين والعرب تتفاءَل به.
3- شرائد: جمع شريدة و هي الطريدة أو بقية الشيء.
4- سمهرياً: رُمحاً صلباً. غيلان: جمع غول، و أراد به هنا الشرّ.
5- جانفتها المُزن: انفصلت عنها الأمطار. جُهماً: عابسات الوجه. وَدْق: مَطَر.
6- تزمَ: تربط و تشدّ. مخطمي: أنفي. مخارقي: المنافذ المعلومة في البدن كالفم و الأنف.
7- التنيّن: الأفعى. فحيح صوتُ الأفعى من فمها.
8- أقري: أطعم. رهبٍ: خوفٍ. خِوان: ما يُوضع عليه الطعام ليُؤكل.

وَ ما وَسَّعْتُ مِنْ خَطْوِي انْتِفَاجا *** وَ لاَبَاهَلْتُ إِذْ فَرَسِي جَمُوحُ(1)

وَ لَمْ آلُ الْمَكَارِمَ وَهْيَ حَبْلٌ *** إلى الجُلَّى وَ حَمْلٌ لا يَطِيحُ

بَنُو الدُّنْيَا مَحَضْتُهُمُ إخاءً *** وَ لاكَالْوُدُ فَوَازُ رَبِيحُ

أَرَى الإِنْسانَ مِنْ خَلَلِ التَّعَاضِي *** وَ خَيْرُ أَرُومَةٍ طَبْعٌ سَجِيعُ(2)

وَ بَرّأتُ العَقيدَةَ مِنْ جُمُودٍ *** بَطيء الْخَطَّ حَامِلُها طَلِيحُ

وَ إِنِّي إِذْ أَرَى الزَّهْراءَ نَهْجاً *** عَلى سُفُنٍ فَمَنْهَجِيَ الْوُضُوحُ(3)

فَما غَالَيْتُ في حُبِّي اعْتِسافاً *** وَ قَدْ يَغْلُو عَلى لَسَنٍ مَدِيحُ

وَما ما حَكَتُ حَقّاً مِنْ سِوَاهُ *** وَ عِنْدَ الْغُلبِ يُخْتارُ الْمُتِيحُ

وَ بِنْتُ المُصْطَفى أَزْكَى نِجَاراً *** وَ تُعْرَفُ مِنْ مَهاوِيهَا السُّطُوحُ

فَمَنْ أَسْنَى مَحاريباً وَ أَبْكَى *** تَهاجِيداً و أَدْمُعُها سُفُوحُ(4)

وَ مَنْ أكْوَى بِمَظْلَمَةٍ فُؤاداً *** وَ قَدْ عَزَّ الْمُناصِرُ وَ النَّصِيحُ

إِذا غَلَتِ النُّفوسُ فَلا خَساراً *** وما الدّنيا سِوى وَهْمٍ يَزِيحُ

ص: 314


1- انتفاجاً: افتخاراً بما ليس عندي. باهَلْتُ: تلاعنتُ:جموح فرس متغلَب على راكبه و لاينثني له.
2- أرومة: حَسَبٌ. سجيع: قاصد لايميل عن قصده و عدله.
3- يشير في هذا البيت إلى كون أهل البيت علیهم السلام هم كسفينة نوح كما ورد في تفسير الدر المنثور ج1 ص71 قال: أخرج ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح و كباب حطة في بني إسرائيل.
4- محاريب: أصحاب الحرب و الشجعان. تهاجيد: المصلين في الليل الساهرين. سفوح: مراقة، منصبة. و قد تقدمت ترجمة الشاعر فى هذا الجزء.

(6) عزيزة أحمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

سَلَبُوا حِجَاهُ فَما عَلَيْهِ جُناحُ *** لَوْجُنَّ إذْ مِنْهُ أُهِيضَ جَناحُ

هَيْهاتَ يَأْنَسُ بالسُّلُوِ وَ لَوْرَقى *** لِلْخُلْدِ لَمْ تَخْلُدْ بِهِ أَفْراحُ

فَالجُلْدُ في حَالِ الْجَفَا فَشَلُ وفي *** حالِ اللقا حَتَّى الجَحِيمِ نَجاحُ

مَنْ لي بِلَيْلِ كِدْتُ أَثْمَلُ بِالْهَنَا *** جُلِبَتْ عَلَيَّ بِوَصْلِهِ أَقداحُ

قَدْ كِدْتُ أنْ أصِلَ السَّمَاءَ مَسَرَّةً *** إِذْ ضَمَّنِي بالوَصْل مِنْهُ وِ شاحُ

لَيْلٌ لَمَسْتُ بِهِ نَعِيمَ الْخُلْدِ إِذْ *** فِيهِ بروحي قَدْ سَرتُ أَزْواحُ

لَوْ كُنْتُ فيهِ أَعَرْتُ قلبي سُؤلَهُ *** أُنساً لَشُقَّ بِهِ الضُّلُوعَ جَنَاحُ

لَكِنّني دَوْماً مِنَ الدُّنْيا عَلى *** حَذَرٍ فَفِيهَا الصَّفْوُ لَيْسَ يُبَاحُ

لَذَّاتُها أَشباحُ طَيْفٍ قَدْ سَرَى *** وَ هَلِ اللَّبِيبُ تَمُزُّهُ الْأَشْباحُ(2)

ما بتُّ لَيْلَ الْوَصْلِ الأخائِفاً *** أَنْ يَأْتِني بالصُّدودِ ضَيَاحُ(3)

وَ إذَا الْقَضَاءُ كَما ارْتَأَيْتُ فَلَمْ أَزِدْ *** عِلماً بِهِ إذْ نَابَتِ الأتْراحُ

يا نَفْسُ صَبْراً ما بِذِي الدُّنْيا هَوًى *** فَالْأَنْسُ غَسٍّ وَ الصَّلاحُ طَلاحُ(4)

كُمْ خَادَعَتْ قَوْماً بِسِلْمٍ ظَاهِرٍ *** فَأَبَادَهُمْ مِمَّا تُجِنَّ كِفَاحُ

ص: 315


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- اللّبيب: العاقل. تمزّه: تمصُّه.
3- الصدود: مفردها (صَدّاء) و هي ركية عذبة الماء. ضياح لبن ممزوج بالماء.
4- غَسٌ: عَيبٌ. طَلاح: فساد.

أَغْرَتْهُمُ طَمَعاً كَمَا أَغْرَى الْعِدَى *** بِنْتَ النَّبِيِّ بما سَعَوْا وَ أَناحُوا

***

إِذْ كَانَ يَأْمُلُ كُلُّ فَرْدِ يَحْتَظِي *** وَصْلاً بِمَنْ هِيَ لِلْهُدَى مِصْبَاحُ

إذْ فَضْلُهَا عَمَّتْ بِهِ الْأَنْبا كَمَا *** فَاحَتْ بِنَشْرِ الْأَقْحُوانِ رِياحُ

وَ مِنَ النَّبِيِّ فَكَمْ بَدَتْ في فَضْلِها *** مِدَحٌ بِرُوضِ المَجْدِ لَهْيَ أقاحُ(1)

فأتى لِنَيْلِ الْوَصْلِ كُلِّ باذلاً *** ما قُدْرَتْ في وُسْعِهِ الأَكْدَاحُ

فَيُجِيبُهُمْ يا قَوْمُ أُغْلِقَ أَمْرُها *** بِيَدِ المَلِيكِ فَما لَهُ مِفْتَاحُ(2)

ص: 316


1- أقاح: جمع الأقحوان نبات أوراق زهره معلَّجة صغيرة يشبهون بها الأسنان. و في البيت إشارة إلى أحاديث النبي صلي الله علیه و آله و سلم في فضل الصدّيقة الطاهرة فاطمة علیها السلام و من تلك الأحاديث ما روي في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 بسنده عن سعد بن مالك. قال: قال رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم: أتاني جبرئيل علیه السلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي خديجة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام. و روي أيضاً في كتاب ذخائر العقبى ص44 قال: روى الملا في سيرته أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أتاني جبريل بتفاحة من الجنة فأكلتها و واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمةعلیها السلام فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني، فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش لتأتينها فيلين منها ما تلي النساء ممن تلد فلم يفعلن و قلن: لا نأتيك و قد صرت زوجة محمد صلي الله علیه و آله و سلم، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف فقالت لها إحداهن: أنا أمك حواء، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم و قالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى و قالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران أم عيسى علیه السلام، جئنا لنلي من أمرك ما تلي النساء قالت: فولدت فاطمة «سلام الله عليها»، فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها، و روى صاحب كنز العمال ج6 ص219 و لفظه : إنها سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبّيها عن النار، قال: أخرجه الديلمي عن أبي هريرة يعني عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم، و روى أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص520 في ترجمة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: و كانت فاطمة علیها السلام تكنّى أم أبيها. و روى أحمد بن حنبل أيضاً بن حنبل أيضاً في مسنده ج5 ص275 كان رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة علیها السلام و أول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة علیها السلام، رواه البيهقي أيضاً في سننه ج1 ص26.
2- إشارة إلى مجيء القوم لخطبة الزهراء علیها السلام ولكن الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و كان يرفض ذلك فقد روي في كتاب المناقب ج2 ص30 ، إن أبابكر خطب إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فقال: انتظر لها القضاء.

لِلْكُلِّ أَوْضَحَ أَنَّهُ في أَمْرِها *** يَرْجُو الخِطابَ فَلَمْ يُفِدْ إيضاحُ(1)

حَتَّى غَدا يَعِدُ الشَّكايةَ مَنْ أتى *** عَوْداً لها إذْ سَاءَهُ الْإِلْحَاحُ

وَبِذَاكَ أَغْرَوْا حَيْدِراً حَسَداً لَهُ *** كَيْمَا يَحِلَّ بِهِ الْبَلا الْمُجْتاحُ

فَأَتَوْهُ في حَرْثٍ لَهُ قَدْ أَضْمَرُوا *** غَيْرَ الَّذِي قَدْ أَظْهَرُوا وَ أَبَاحُوا

إنْ لَمْ يَشُحَّ بها النَّبِيُّ عَلَى الوَرى *** إلا إلَيْكَ فَمَا سِواكَ صَلاحُ

وَ مَضَى عَلى أَثَرِ الْمَشُورَةِ خاطباً *** وَ قَدِ اقْتَفَوْهُ كَمَنْ لَهُ نُصَاحُ

وَ عَلَى النَّبِيِّ الوَحْيُ قَبْلَ بِلُوغِهِمْ *** حَيَا بِمَا نَزَلُوا بِهِ وَ أَرَاحُوا

أنْ زَوّج النُّورَ العَلِيَّ بِنُورِكَ *** النَّبوِيِّ فَهْوَ لِضَوْنِهِ مِصْباحُ(2)

***

فَأَجَابَهُ إِذْ جَاءَ يُصْدِقُها لَهُ *** بِالدِّرْعِ وَ الْتَمَعَتْ بهِ الأَرْبَاحُ

وَ أتَى النَّبِيُّ بِهِمْ خَطِيباً إنّما *** فِيهِ فَتَمَّتْ في علي الفتاح

وَ هُنَاكَ عَمَّتْ أَوْجُهُ القَوْمِ الأُولى *** كادُوا لَهُ وَ إِذَا الفَسادُ صَلاحُ

كَادُوهُ حُسْراً فَاحْتظَى خَيْراً وَ كَمْ *** فَشَلُ امْرِى لِسَواهُ قَامَ نَجاحُ

فَتَمَيَّزُوا حَسَداً وَ جَدُوا جُهْدَهُمْ *** أَنْ لايَكُونَ لَهَا بِهِ أَجْنَاحُ

ص: 317


1- إشارة إلى المعنى المتقدم فقد روي في كتاب مسند أحمد، باب الفضائل ج3 ص123 أن أبابكر و عمر خطبا إلى النبى صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام مرَّة بعد أخرى فردّهما.
2- إشارة إلى أمر الباري «تعالى» لرسوله صلي الله علیه و آله و سلم بأن فاطمة علیها السلام من علی علیه السلام. في ذخائر العقبى ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك (الحديث) قال: أخرجه الملا في سيرته. و روى أيضاً صاحب كنز العمال ج2 ص152 قال: إن الله امرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود (أقول) و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص204 و قال: رواه الطبراني و رجاله ثقات و ذكره المناوي أيضاً في فيض القدير في المتن ج2 ص215 وقال: رواه الطبراني عن ابن مسعود و هو حسن، و في كنوز الحقائق ص29، و ذكره ابن حجر أيضاً في صواعقه ص74 و قال: أخرجه الطبراني عن ابن مسعود.

وَ غَدَتْ تَسُوقُ إلى البَتُولِ مِنَ النّسا *** مَنْ كادَ يَثْنِيهَا لَهُنَّ جِمَاحُ(1)

إذما وَعَتْ مِنْهُنَّ فِيهِ نَقائِصاً *** وَ مَساوِئاً طَفَحَتْ بِهَا الْأَتْرَاحُ

مُلِئَتْ جَوانِحُها سَامَةَ قُرْبِهِ *** فَغَدَتْ تَفِيضُ بِقَلْبِها الْأَرْزَاحُ(2)

حَتَّى إذا جَاءَ النَّبِيُّ وَ لَمْ يَزَلْ *** مِنْهُ عُدوّ نَحْوَها وَ رَواحُ(3)

أَفْشَتْ لَهُ هَجْوَ النِّسَاءِ بِحَيْدَرٍ *** فَغَدابِهِ عَنْهَا القِنَاعُ يُشاحُ

وَ إذَا الْمَثَالِبُ حُوِّلَتْ بِمَنَاقِبِ *** و الْمُدَّعَى غَسَقاً هُدًى وَ صَباحُ(4)

***

قَالَتْ إِذا كانَ الجَلِيلُ اخْتارَهُ *** فَالمَهْرُ لَيْسَ له بِوَزْنِ ساحُ(5)

إنِّي رَضِيتُ بهِ قَرِيناً لي و لا *** أرْضَى الصَّداقَ فَصِدْقُهُ مُنْزَاحُ

وَ إِذا أَمينُ الْوَحْيِ يَهْتِفُ قُلْ لها *** في المَهْرِ لَيْسَ عَلَيْكِ ثَمَّ مُشَاحُ

فَإِلَيْكِ رُبعَ الأَرْضِ مَهْراً مَنْ وَطى *** فيها وَ لاَيَهْواكِ لَيْسَ يُبَاحُ

قَالَتْ رَضِيتُ المُرْتَضَى بَعْلاً وَلَكِنَّ *** الصَّداق به تَشُلُ الرَّاحُ

فَأَتَى الأَمِينُ يَقُولُ أَصْدِقها بما *** مِنْهُ الظَّمَاءُ عَنِ العِبَادِ يُزاحُ

بِحَصَى الزَّبَرْجَدِ وَ العَقِيقِ وَ كُلّما *** سَاواهما فِيهِ الْغَدُ الوَضَاحُ

قَالَتْ رَضِيتُ المُرْتَضَى بَعْلاً وَ إِنْ *** كانَ الصَّداقْ بِهِ تَشُلُّ الرَّاحُ

فَأَتَى الأمينُ يَقُولُ أَصْدِقها *** باًنهارٍ ثَمَانِيَةٍ بِهنَّ تُمَاحُ

فَلَهَا الفُراتُ وَ نَهْرُ سَيْحُونٍ وَجَيْحُونٍ *** وَ نَهْرُ النَّيلِ حَيْثُ تُساحُ(6)

ص: 318


1- جماح: جمحت المرأة زوجها أي تركته و غادرت بيتها إلى أهلها، و جمح الرجل إذا ركب هواه و أسرع إلى الشيء و لم يمكن رده.
2- الأرزاح: الضعف و سوء الحال.
3- غدو و رواح: الغدو: ما بين الفجر و طلوع الشمس و الرواح: العشي.
4- المثالب: جمع المثلبة و هي العيب.
5- ساح: الساحة.
6- سيحون و جيحون: نهران في تركيا.

وَ الشَّهْدُ وَ التَّسْنِيمُ -ثَمَّ- وَ سَلْسَبيلٌ *** وَ الرَّحِيقُ لَدَى النَّعِيمِ تُباحُ(1)

قَالَتْ رَضِيتُ المُرْتَضَى بَعْلاً وَلَكِنَّ *** الصَّداق بِهِ تَشلُّ الرَّاحُ

لَمْ تُلْغْ ذَلِكَ ُكلَّهُ طَمعاً بِما *** هُوَمِنْهُ أَعْلَى بِالحَياةِ يُشَاحُ

لكِنَّ مَرْمَى كُلِّ عالٍ فِكْرُهُ *** نَحْوَ الرُّقِيِّ لما بهِ الْإِصْلاحُ

وَ لِذاكَ لَمْ تَرْضَ الصَّدَاقَ لَها سوى *** أنْ لاتَبُوءَ بِقَوْمِها الْأَرْزَاحُ

رَضِيَتْ لَها مَهْراً شَفَاعَتَها غَداً *** فِيمَنْ تُحِبُّ فَبَرَّهَا المَنَّاحُ

وَ بِقَدْرِ ما مُنِحَتْ فَأَدَّتْ شُكْرَهُ *** مُحِنَتْ فَضَاقَ لِصَبْرِهَا الْأَفْسَاحُ

***

فَلَقَدْ رَأَتْ مَعْ قصْرِ مُدَّتِها أَذًى *** وَ مَصائِباً عَنْهَا تَضِيقُ بِطَاحُ(2)

مِنْ عَصْرِهَا بِالْبَابِ إِذْ دَخَلُوا بِلا *** إِذْنِ عَلَيْها و القِناعُ يُشَاحُ(3)

فكَسَرْنَ أَضْلُعَها وَ أُسْقِطَ حَمْلُهَا *** وَ بِلَطْمِهَا فِي الْخَدِّ بانَ جِراحُ(4)

وَ كَمَنْعِها عَنْ إِرْثِها وَ بُكائِها *** وَ بِهِ غَدَتْ عَنْ بَيْتِها تَنْزَاحُ(5)

ص: 319


1- الشهد: العسل ما دام لم يعصر من شمعه. التسنيم: ماء في الجنة يتنزل من علوٍ. سلسبيل: اسم عين في الجنة. رحيق: ضرب من الطيب.
2- بطاح: مسيل واسع فيه رمل و دقاق الحصى و مفرده البطحاء.
3- إشارة إلى عصر الزهراء علیها السلام بين الحائط و الباب، فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص38 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن -إلى أن يقول- فحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط.
4- انظر ما ورد عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في كتاب سليم بن قيس ص38 و ص40 حديث طويل قال: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن. و بادر علي علیه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم -إلى أن يقول- سلمان فأرسل عمر إلى قنفذ اضربها فالجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها.
5- إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام من إرثها. كما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لمّا بویع أبوبكر و استقام له الأمر على المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر الله «تعالى» الحديث.

تَأْوِي لِظِلٍّ أَرَاكَةٍ فَأَبْوا لها *** الأتُجَزَّ فَجَزَّهَا السَّفَاحُ

وَ بِقَرْعِها بِسِياطِ قُنْفُذَ قَدْ بَدا *** لِلنَّاظِرِينَ عَلَى المُتُونِ وِشاح(1)

اللهُ كَمْ قَاسَتْ عَزيزَةُ أَحْمَدٍ *** مِنْ بَعْدِهِ حَيْثُ الحُطُوبُ رَداحُ(2)

نَتَلُوا لَهَا وَ لِبَعْلِها حَسَداً بِهِمْ *** أَنْ دُونَهُمْ مِنْهَا أَتاهُ نِكَاحُ

فَغَدوا لِكُلِّ مِنْهُما لَوْ أَمْكَنُوا *** جَزَرَتْهُما بِيضٌ لَهُمْ وَ رِماحُ

أَبِعَيْنِ أَهْلِ الدِّينِ بِنْتُ مُحَمَّدٍ *** تُرْزَى وَ تُمْنَعُ لا بُكاً وَ نِياحُ؟

وَ تَمُوتُ مِنْ قَرْع السياطِ وَ قَلْبُها *** قَدْ مَضَّهُ بِشَبا الخُطوبِ سِلاحُ(3)

فَاعْجَبْ لِقَلْبِ المُرْتَضَى فِي غُسْلِها *** كَيْفَ اسْتَطَاعَ فَمَا اعْتَراهُ جِماحُ

كَيْفَ استطاع يُتِمُّها غُسْلاً وَلا *** يَلْوِي بِهِ دونَ التّمامِ صِياحُ

كَيْفَ استطاعَ يُقِيمُ صَبراً دونَ أَنْ *** فِي نارِها مِنْهُ يَشِنُّ كِفَاحُ

وَاللَّهِ إِنْ تَكُ فاطِمٌ صَبَرَتْ عَلى *** مَضَضٍ تُذلُّ لَها قَنا وَ صِفاحُ

فَالمُرْتَضَى قاسَى بها أضعافَ ما *** قاسَتْهُ إِذْ عَصَفَتْ عَلَيْهِ رِياحُ

فَلِكُلِّ ضَيْمٍ نالَ فاطمةً شبا *** بِحَشَى الْوَصِيِّ لَهُ دَمٌ وَ جِرَاحُ(4)

ص: 320


1- إشارة إلى ضرب قنفذ للزهراء علیها السلام كما روي في كتاب سليم بن قيس ص38 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه). في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ، فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، إلى أن يقول- و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج.
2- رداح: ظلمة.
3- مضَّه: آلمه و أوجعه -شبا الخطوب: شبا مفردها الشباة و هي حدَّ كل شيء. و في البيت إشارة إلى استشهاد الزهراء علیها السلام من جرّاء ما جرى عليها من قبل القوم فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فأرسل عمر إلى قنفذ: اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً جنبها و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام.
4- دیوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص33-1371/4/23 هجري.

(7) مكامن الحزن

(بحر الكامل)

منذر الساعدي

بمناسبة الذكرى الأليمة لشهادة بضعة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة الزهراء علیها السلام:

يُفشِي التألمَ هاطلٌ نضّاحُ *** و تبوحُ سرَّ العاشقين جراحُ

في قبضةٍ الهمّ القلوب أسيرةٌ *** فمتى سيُطلقُ للقلوبِ سَراحُ

اليومَ هاجَتْ للنفوس مكامنٌ *** للحزنِ يرفدُها شجِّى ونواحُ

و بكتْ ملائكةُ السماءِ بأسرِها *** في أدمعٍ كالغيثِ حينَ تُساحُ

هذا مصابٌ َجلَّ فی میعادِهِ *** ذكراهُ فينا غصةٌ و قراحُ

لمّا بهِ الزهراءُ عجّ أنينُها *** و بلا انقطاعٍ للوجودِ يُباحُ

تشكُو مصيبتَها و تشكوهمَّها *** يا ويحَهُ ماذا جنى السّفاحُ

بُعدَ النبي توشحتْ في غربةٍ *** لم تأتِها من بعده الأفراحُ

بُعداً لقومٍ لم يراعُوا حرمةً *** و لحرمةٍ الدين الحنيفِ أباحُوا

يبقى صدَى الضلعِ الكسيرِ مدوياً *** للآنَ تسمعُهُ رُبِّى و بطاحُ

و البابُ يُنطقهُ الزمانُ محدثاً *** عمّا جَريِ لتسجلَ الألواحُ

يا فاطمُ الزهراءُ جئتكُ منشداً *** شعري كأَني بلبلٌ صداحُ

يا فاطمُ الزهراءُ أبديتُ الجوى *** لايستكينُ بجانبيه جماحُ

هذا مصابٌ لاحَ في آلامهِ *** سيف لأفئدةِ الورى جرّاحُ

فخذي الولاءَ من القلوبِ جريحة *** إن الولاءَ إليكُمُ لنجاحُ

يا بضعةَ المختارِ جنتُ موالياً *** لينالَنِي فيما رجوتُ فلاحُ

ص: 321

يا فاطمُ الزهراءُ أدمى خافِقِي *** وقعُ المصاب فكيفَ لي أرتاحُ

هذا هوايَ بخافِقِي متجمعاً *** إن الخوافقَ للهوى أقداحُ

تطفُو على قلبي الذنوبُ عصيةً *** كالأرض تطفُو فوقَها الأملاحُ

هي حسرةُ هو جاءُ قضَّتْ مضجعي *** عن محتواها يعجزُ الإفصاحُ

في يومكِ الدامي بكتكِ قصائدي *** إنَّ القصيدةَ للولاء لقاحُ

سُدّتْ عليّ منافذٌ أحيا بها *** لكنَّ حُبَّكُمُ لَهُنَّ رِياحُ

و غدوتُ كالطيرِ الكسيرِ مهرولاً *** لايرتقي لو قُصَّ منه جَناحُ

فتشفّعي إني أسيرُ خطيئتِي *** يامَن لديك إلى الذنوب سماحُ

ستزالُ بين يَديكِ كلُّ خطيئةِ *** كاللَّيلِ حينَ يزيلُهُ الإصباحُ

ص: 322

قافية الخاء

اشارة

ص: 323

ص: 324

(1) حرام على عيني

(بحر الطويل)

الشيخ صالح الطرفي(*)(1)

جِبالُ هُمُومِي لاتَرِيمُ رَواسِخُ *** رَسَتْ وَ تَعالَتْ فِيَّ فَهْيَ شَوامِخُ(2)

وَ لايَسْتَطِيعُ القَلْبُ مِنْ تِلْكَ مَخْرَجاً *** فَشِبْرُ لِمَنْ يُمنى بِهِمْ فَراسِخُ

عَدِمْتُ التَّصابِي فِي حَياتِي كَأَنَّنِي *** لِفَرْطِ هُمُومِي مُنْذُ أُوجِدْتُ شائِخُ

حَرامٌ عَلَى عَيْنِي سُكُونٌ وَ هَجْعَةٌ *** وَ فِي الْأُذُنِ مِنْ أَنَّاتِ فاطِمَ صارخُ

أَلَمَّتْ بها بَعْدَ النَّبِيِّ نَوازِلٌ *** مَحَتْ آيَ صَبْرِي مِنْ أساها نَواسِخُ

وَ أَضْرَمَ جَمْرَ الْوَجْدِ في القَلْبِ حُزْنُها *** وَ في الجَمْرِ مِنْ تِلْكَ الدَّواعِج نَافِخُ(3)

لَها اللَّهُ إِذْ سِيمَتْ بِظُلْمٍ وَ صَادَرُوا *** نُحَيْلَتَها مِنْها وَسُلَّتْ رَضَائِخُ(4)

وَ رامُوا الرّضا مِنْها وَ هَيْهَاتَ مِنْهُمُ *** وَ أَنَّى لِدانِ نَيْلُ ما هُوَ باذِخُ(5)

ص: 325


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- لاتريم: لاتبعد.
3- اللواعج: اللاعج هو الهوى المحرق.
4- رضائخ: جمع الرضيخة و هي العطاء القليل و قد تقدم عن كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن مولانا الصادق عليه الصلاة و السلام بعض ما جرى من ذلك فراجع.
5- باذخ: مرتفع. و لعله إشارة إلى عيادة الأول و الثاني للزهراء علیها السلام في مرضها و طلبهما لرضاها. فقد روي في كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص13 : فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة علیها السلام فإنا قد أغضبناها. فانطلقا جميعاً فأستأذنا على فاطمة علیها السلام فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط فسلَّما عليها فلم تردَّ عليهما السلام. و لهذا الموقف بعض الدلالات التي لا مجال هنا لذكرها.

(2) تربة الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

يُونُبُنِي الزَّمانُ وَ لاأُصِيخُ *** وَ كُلُّ في الحَياةِ لَهُ رَضِيخُ(2)

ألا يا كاهلي أَثْقَلْتَ ذَنْباً *** وَ هَذِي تَوْبَةٌ فَمَتَى تُنِيخُ؟(3)

وَ تَرْهَدُنِي الْحَيَاةُ وَ طَيْبُها *** و إنّي في حَبائِلِها فَخِيخُ(4)

فَأُبْ يا قلبُ فَالْأَحْلامُ وَهُمٌ *** وَ يَا نَفْسُ اتْرُكِي أَرِباً يَبُوخُ(5)

شَرابُكِ مِنْ رِضَا الرَّحْمَنِ صَرْدٌ *** وَ وَجْهُكِ مِنْ بُلَهْنِيَةٍ لَطِيخُ(6)

وَ مَهُما لَذَّ كَأَسُكِ فَالْمَنَايَا *** رَواصِدُ رَكْبُها أَبَداً مُنِيخُ

وَ أُمِّي ساحَةَ الزَّهْرَاءِ تَكْفِي *** غَوائِلُ كُلِّ مَنْ فيها يَدُوخُ(7)

ص: 326


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- لاأُصيخ: لاأضغي و لاأستمع إليه. رضيخ: النوى المكسّر.
3- كاهلي: أعلى ظَهْري مما يلي العنق. تنيخ: تَبْركُ و تقيم.
4- فخيخ: واقع في الفخ.
5- يبوخ: يفسد، يعيا، يسكن.
6- صَرْد: البَحْتُ الخالص. بلهنيةٍ: رخاء العيش.
7- لعل في البيت إشارة إلى فضائل الصديقة فاطمة الزهراء علیها السلام باعتبار أنها خيرة الله، فقد روي في كتاب الرياض النضرة ج2 ص202 قال: روى أبوسعيد في شرف النبوّة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد و لاأنا، صهراً مثلي و لم أوت أنا مثلي، و أوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوجة، و أوتيت الحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني ولكنكم مني و أنا منكم. و روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج1 ص259 روی بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علي علیه السلام حب الله و الحسن و الحسين علیهما السلام صفوة الله فاطمة علیها السلام خيرة الله على باغضهم لعنة الله.

وَ لُزِّي تُرْبةَ الزَّهْراءِ خَدّاً *** بَغِضُ مِنْهُ التَّصَعُّرُ وَ الشَّموخُ(1)

وَجُودِي مِنْ قُلَيْبِ الْحُزْنِ دَمْعاً *** يُرَقْرِقُهُ اللَّهِيفُ بِهَا الصَّرِيخُ

وَ مِنْ شَرْخ تَصَدَّعَ في حَشاهَا *** بِكُلِّ حُشاشَةٍ مِنْهَا شُرُوخُ(2)

وَ منْ عِرْقٍ تَنَغّرَ مِنْ بَنِيها *** بِأَوْدَاجِ الْمُحِبِّ غَدَتْ شُدُوخُ(3)

أفاطِمُ إِنَّ هَذَا الْجُرْحَ دامٍ *** ألا شَلَّتْ يَدُ الْقَدَرِ الطَّخُوخُ(4)

وَأَجَّ أوارَ نارِ الثَّارِ حتّى *** تُسَكِّنَ لَوْعَةٌ وَتَدِي الْمَسوخُ(5)

يُلامُ الْجُرْحُ وَ الْأَوْتَارُ يَقْظَى *** و بُرْكَانُ الْمَواجِدِ لا يَبُوخُ

ص: 327


1- لزّي: ألصقي. التصعُّر: إمالة الخد تهاوناً و كبراً. يغض: ينقص.
2- الشروخ: الشقوق. و قد تقدمت تفاصيل بعض الأحداث في كتاب البحار ج53 ص18 في باب ما يكون عند ظهور المهدي (عج الله تعالی فرجه الشریف) و العوالم ج11/ 2 ص568 و غيرها فراجع.
3- تنفَّر: غلا. شدوخ: انتشرت من الناصية إلى الأنف.
4- الطخوخ: الشرسة سيئة العشرة.
5- أج: أوقد. أوار: موقد النار.

(3) وصايا أحمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

خَرَجَتْ تَجُرُّ ذُيولها في مِحْنَةٍ *** يَوْماً لَهَا سَمْعُ الزَّمانِ يُصِيخُ(2)

خَطَبَتْ فَظَنَّ الناسُ أَنَّ مُحَمّداً *** قَدْ عادَ يَخْطُبُ وَ الجُمُوعُ رُضُوخُ(3)

وَ عَظَتْهُمُ بَعْدَ الثناءِ لِرَبِّها *** عِظَةً وَ فِيها عِزَّةٌ وَ شُمُوخُ

وَ تَنَهَّدَتْ فَبَكَى لَها مِنْ شَجْوِها *** رَغْمَ الْجَفاءِ شَبابُهُمْ وَ شُيُوخُ

رَدَّتْ عَلَى ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ عُذْرَهُ *** أَنَّ النُّبُوَّةَ إِرْثُها مَسْلُوخُ(4)

ص: 328


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- يُصيخ: يصغي و يستمع.
3- إشارة إلى خطبة الزهراء علیها السلام التي ألقتها أمام أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار، فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص131 روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه علیهم السلام: أنه لما أجمع أبو بكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار، و غيرهم، فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنت أنَّه أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها...الخ. الخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة. و قد تقدم في الجزء الأول فصل خاص عن خطبتها «عليها الصلاة والسلام» مع ذكر مصادرها فراجع.
4- إشارة إلى احتجاجها و دحض أقاويل أبي بكر في أمر إرثها فقد روي في كتاب الاختصاص ص178. عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك -إلى أن قال- فقال لها (أي أبوبكر): إن النبي صلي الله علیه و آله وسلم لايورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال: ارجعي إليه قولي له: زعمت أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لايورّث و ورث سليمان داود و ورث يحيى زكريا و كيف لاأرث أنا أبي؟ الحديث.

أوْ غَصْبَهُ فَدَكاً وَ حُكْمَ شَهادَةِ الكَرَّار *** فيها باطِلٌ مَفْسُوخُ

حَتَّى إِذَا أَدْلَتْ بِأَبْلَغِ حُجَّةٍ *** مِنْهَا لِآيَاتِ الْكِتَابِ رُسُوخُ

عَطَفَتْ عَلَى الْأَنْصَارِ تَرْجُو نُصْرَةً *** وَمُهَا جِرِينَ وَ لَيْسَ ثَمَّ صَرِيخُ

فَغَدَتْ تَنُوحُ عَلَى فِراقِ زَعِيمِها *** وَ القَوْمُ عِنْدَ النَّائِباتِ مُسُوخُ

و مَضَتْ تُذَكِّرُهُمْ وَصايا أَحْمَدٍ *** فَكَأَنَّ ما أَوْصَى بِهِ مَنْسُوخُ

فَعَجِبْتُ كَيْفَ الْأَرْضُ لَمْ تَخْسِفُ بِهِمْ *** كَيْفَ الجِبالُ رَسَتْ وَ لَيْسَ تَسِيخُ(1)

كَيْفَ الثُّريَا لَمْ تَثُرْ مِنْ غَضْبَةٍ *** وَ يَظَلُّ يَرْقُبُ فِي الفَضا المِرِّيخُ

كَيْفَ القُصُورُ تَضُمُّ آلَ أُمَيَّةٍ *** وَ يَضُمُّ آلَ اللَّهِ ذاكَ الكُوخُ

المالُ لِلْآلِ الكرام مُحَرَّمٌ *** وَ لآخَرِينَ مُحَلَّلٌ مَبْذُوخُ

فَقَضَتْ وَ فِي الأضلاعِ كَسْرٌ مِثْلُها *** بِقُلوبِ شِيعَتِها تَئِنُّ شُرُوخُ(2)

وَمَضَتْ إِلَى الرَّحْمَنِ تَشْكُو عُصْبَةً *** لَمْ يُجْدِهَا عِظَةٌ و لاتَوْبِيخُ

بَدَأُوكِ يَا بْنَةَ أَحْمَدٍ فِي ظُلْمِهِمْ *** آلَ الرَّسُولِ فَأُظْلِمَ التاريخُ

ص: 329


1- تسيخ: تنخسف.
2- شروخ: شقوق و تقدمت تفاصيل ما أشار إليه الشاعر في هذا البيت عن سليم بن قيس و في البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام من قبل القوم.

ص: 330

قافیة الدال

اشارة

ص: 331

ص: 332

(1) غَدَر الزمان

(مجزوء الكامل)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني(*)(1)

لا يَبْرَحُ الدَّهْرُ المُعَانِدُ *** وَ لَهُ بِإضراري مَقاصِدْ

يا دَهرُ لاحيّاكَ رَبُّكَ *** مِنْ عدوِّ أيِّ حاسِدْ

فَلَقَدْ جَنَيْتَ مِنَ الْمَصائِب *** شَرُّها لِلْحَشْرِ عَائِدْ

قَدْ زَعْزَعَت رُكْنَ الْهُدَى *** فَتَهَدَّمَتْ مِنْهُ القَواعِدْ

وَ بَكَتْ لَها عَيْنُ الهِدايَةِ *** وَ الْمَكارِمِ وَ المَحامِدْ

ماتَ النَّبِيُّ وَ مَوْتُهُ *** هَدَّ الأقارب و الأباعِدْ

للَّهِ يَوْمٌ لاتُقاسِ *** بِمِثْلِ مَوْرِدِه المَوارِدْ

لايومَ يَأْتِي مِثْلُهُ *** في خَيْر مَفقودٍ و فاقِدْ

أَوْ نَكْبَةٍ قَدْ أَسْمَعَتْنا *** قَيْدَ ناعِيَّةِ الفوائدْ

إِنْ تَبْكِ فاطِمَةُ البَتُولُ *** فَخَيْرُ مَوْلُودٍ وَ وَالِدْ

لَهْفِي لَها وَ دُموعُها *** كَالْجَمْرِ تَلْفِظُهُ الوَقائِدْ(2)

وَ فُؤادُها مُتَلَهِّبُ *** مِمّا تُؤَجِّجُهُ الْمَواجِدْ

نَدَبَتْ بِصَرْخَة والِهٍ *** فَتَحَرَّكَتْ تِلْكَ الرَّواكِدْ

وَ تَدَكْدَكَتْ شُمُّ الجِبَالِ *** وَ حُطَّ مِنْ أَوْجِ الفَراقِدْ(3)

ص: 333


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- تلفظه الوقائد ترمي به و تطرحه النيران المتوقدة.
3- أوج الفراقد: علّق الفراقد، و الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يُهتدى به.

نادَتْ فَأُسْقِطَتِ النُّجُومُ *** وَ خَرَّ سَجْراً كُلُّ صاعِدْ

مَنْ لِلصَّلاةِ وَ لِلدُّعا؟ *** مَن لِلنَّوادِي وَ المَساجِدْ؟

مَنْ لِلْأَرامل و المحَاوِیجِ *** العُفاةِ وَ كُلّ وافِدْ؟(1)

مَنْ لِلْعُرا مَنْ يَسْتَرِدُّ *** لِبايها النَعَمَ الشَّوارِدْ؟

شَهِدَتْ لِرُزْئِكَ كُلُّها *** وَ لِكُلِّ مُعْضِلَةٍ شَواهِدْ

قَدْ جَدَّ رُزُؤُكَ مِنْ قُوى *** أهْلِ المَكارِم كلّ ساعِدْ(2)

هَلْ لِلْفَضَائِلِ بَعْدَيَوْ *** مِكَ مِنْ مُعِينٍ أَوْ مُسَاعِدْ

تنْعَاكِ نَعْيَ النّاكِلاتِ *** وَ تَشْتَكِي وَ لَهَ الْفَواقِدْ

جَعَلَتْ مُصابَكَ وِرْدَها *** في كُلِّ صادِرَةٍ وَ وارِدْ

مُتَجَدِّداً ما عادَ إِسْمُكَ *** أَوْ تَجَدَّدَتِ الْعَوائِدْ

أنْتَ المُبلغ وَ المُصَابِرُ *** و المُرابِطُ وَ المُجَاهِدْ

أَنتَ المُؤَيَّد بالمَعاجِزِ *** وَ المُسَدَّدُ بِالْمَراشِدُ

أنْتَ المُنَوِّرُ لِلْبَصَائِرِ *** وَ الْمُصَحْحُ لِلْعَقائِدْ

أَنتَ الرَّجاءُ لِمَنْ تَوالى *** وَ المُبِيرُ لِكُلِّ جاحِدْ

أَنتَ الْوَحِيدُ بِقُدْسِ *** ذاتِكَ أَنْتَ فِي النَّاسُوتِ واحِدْ(3)

أنْتَ الحَمِيدُ عَلَى الغِيابِ *** وَ أَنْتَ أَحْمَدُ في المَشاهِدْ

أنْتَ المُهَيْمِنُ وَ المُسَيْطِرُ *** أَنْتَ فى المَشْهُودِ شاهدْ

أنتَ المُرادُ لِمَنْ يُريدُ الْخَيْرَ *** مِنْكَ و أَنْتَ رائِدْ

تَبْكِيكَ ولدانُ الْجِنَانِ *** وَ حُورُهَا الْعِينُ الْخَرائِدْ(4)

ص: 334


1- المحاويج العفاة: المحتاجين، و العفاة الذين يطلبون فضلاً أو رزقاً.
2- جذّ: قطع و كسر.
3- الناسوت: الطبيعة الإنسانية.
4- الخرائد: مفردها ،الخريدة و هي البكر لم تمس قط.

أترى بأنْ أنْسَى مُصابَكَ *** وَ هُوَ تَذْكُره الأماجِدْ؟

أنَّى وإنّي قَدْ رَجَوْتُكَ *** أَنْ تَكُونَ لِي المُعاضِدْ

ما كانَ يَوْمُكَ غَيْرَ أَنَّ *** الدَّهْرَ يُسْرعُ بِالمَفاسِدْ

فَلَئِنْ سَجَمْتُ مَدامِعِي *** وَ نَثَرْتُ مِنْ دُرَرِ الفَرائِدْ

فَلَقَدْ سَجَرْتُ لِمُهْجَتِي *** بِالْحُزْنِ مُؤصَدةَ المَواقِدْ

وَ اغْرَوْرَقَتْ بِالدَّمْعِ *** آماقِي فَأَغْرَقْتُ الْهَوَامِدْ(1)

آه مَنيَّةَ والِدِي *** سَدَّدْتِ صامیَةِ الْمَکَائِدْ(2)

فَأَصَبْتِ أَلْبابَ الكَمالِ *** وَكُلُّ مَجْدٍ فَهْوَ واجِدْ

مَا خِلتُ أَنَّ سِهامَ قَوْسِكِ *** تَسْتَكِرُّ عَلَى الدَّوابِدْ(3)

وَاللَّهِ تِلْكَ مُصِيبَةٌ *** قَدْ کَدَّرَتْ صَفْوَ المَوَارِدْ

كَلاً وَ لَيْسَ لَها نَفادٌ *** وَ كُلُّ شَىءٍ فَهْوَ نافِدْ

لَکِنَّ أَنجَعَ طاردٍ *** لِتَوارُدِ الْخَطبِ المُطارِدْ

الصَّبْرُ فَهُوَ مَصاعِدٌ تُؤْوِي *** إِلَى النِّعَمَ الْأَوابِدْ

للَّهِ أَشْكُرُ وَ هُوَ يَعْلَمُ *** ما ا أعانِي أَوْ أُكَابِدْ

وَ مَصائِبٌ تُوهِي قُوايَ *** وَ لَيْسَ لِي عَنْهُنّ ذائِدْ

غَدَرَ الزَّمانُ فَلَسْتُ *** أَعْرِفُ مَنْ أُوالي مَنْ أَحَايدْ

وَ بَقِيتُ بَعْدَ العِزَّ في *** ذُلُ الْمُعَادِي وَ الْمُعَانِدْ

ص: 335


1- آماقي: عيوني، الهوامد: هي الأراضي التي لم يكن بها لانبت و لامطر.
2- صامية المكائد: صامية أي سدَّدْت السهام المكيدة: و هي الخديعة أو الخبث أو المكر على نحو الاصماء و هو الرمي إلى الهدف و قتله في مكانه من غير أن يراه.
3- اللوابد: الأسود. تستكرّ : ترجع و تعطف على اللوابد. و قد تقدمت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

(2) فاطم و علي علیهما السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ أحمد علي الناصر

في السَّماواتِ كُلُّ أُنْسٍ بادي *** وَ عَلَى الأرضِ مَوْكِبُ الأَعْيادِ

أيُّ ذِكْرَى في الكَوْنِ تَمْلَأُ قَلْبِي *** فَكَأَنَّ الذِكْرَى تُنيرُ فُؤادي

وُلِدَتْ فاطمٌ فَذَلِكَ قَلْبِي *** راقَ بَلْ رَقَّ فِيهِ صَوْتُ المُنادي

فَالتَّغَارِيدُ لِلْحَمائِم وِرْدٌ *** رَدَّدْتُها في غُصْنِها المَيّادِ(1)

جاءَ مِیلادُها وَلَكِنْ بِنُورٍ *** حَصَّنَتْهُ تِلْكَ القُلُوبُ الصَّوادِي

أَشْرَقَ الضَّوْءُ في سَماءٍ وَ أَرْضِ *** عِنْدَما أَعْلَن البَشِيرُ يُنادِي

أَزْهَرَ الكونُ وَ اسْتَتَمَّ كَمالاً *** مِنْ سَناءِ الزَّهْراءِ بِنْتِ الهادي(2)

مَوْكِبُ النُّورِ سائِرٌ كُلَّ يَوْمٍ *** مِثلَ ما سارَ مَوْكِبُ الرُّوَادِ

أيُّها الرَّاكِبُ المُغِدُّ رُوَيْداً *** وَ اسْتَمِعْ صاحِ ما يَقُولُ الشَّادِي(3)

أيُّها الشَّاعِرُ المُواطِنُ إِنِّي *** أَنْطِقُ الشَّعْرَ عَنْ ماسِي بِلادِي

هذِهِ تُرْبَتِي أَعِيشُ عَلَيْها *** وَ عَلَيْها يا صاحِ سَوْفَ أُنادي

أَنَا مِنْ مَطْلَعِ الَّذِينَ تَرَبَّوْا *** وَ اسْتَقاموا عَلى مُحِيط الجهادِ

أَنا جُزْءٌ مِنَ البِلادِ وَ إِنِّي *** أَتَمَشَى عَلَى طَريقِ الرَّشادِ

ص: 336


1- الورد: الجزء من القرآن يقوم به الإنسان كلّ ليلة.
2- وردت الإشارة إلى الصفة الزهراوية لفاطمة علیها السلام في كتاب بحار الأنوار ج36 ص73 في الرواية الواردة عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم و في آخر الرواية: تكلّم اللّه بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، فاحتمل النور الروح، فخلق منه الزهراء فاطمة علیها السلام فأقامها أمام العرش، فأزهرت المشارق و المغارب فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام.
3- المُغِذَّ: المسرع -الشادي: الذي ينشد شعراً و يمدُّ صوته به.

يا بِلادي رَسَمْتِ في الوَرْدِ قَلْبِي *** حَيْثُ إِنَّ القُلُوبَ دَرْبُ السَدادِ

بَسَماتِي وَ أُمْنِيَاتِي وَ أُنْسِي *** وَ وِدَادِي مِن غابِرِ الأجدادِ

وَ حَياتِي ذِكْرَى وَ أَشْرَفُ ذِكْرَى *** لِلشَّبابِ الطَّموح لِلأَوْلادِ

خَيْرُ ذِكْرى أَزُفُها مِنْ شُعُورِي *** عَنْ حَياتِي إلى شَبابٍ الوادي

كُلُّ جُرْحٍ فِي مَوْطِني هُوَ جُرْحِي *** وَ هَلِ الجُرْحُ فِي قُلوبِ الْأَعادِي؟

كُلُّ جُرْحٍ في الجِسْمِ دَاءٌ دَفِينٌ *** ضَمِّدُوا الجُرْحَ فَهْوَ في الازْدِيادِ

وَ اعْلَمُوا أنّنا إلى النَّشءِ ننشِي *** لِحَياةِ الأطْفالِ وَعْيَ الجِهادِ

يَتَمَشى رَغْمَ الجُرُوحٍ لِيَحْمِي *** كُلِّ مَجْدٍ حَتَّى بِوَقْتِ الرُّقادِ

أوَ ما راعَكَ الحَنِينُ بِشِعْرِي *** هَزَنِي وَ الرُّؤُوسُ فَوْقَ الوِسادِ؟

يَوْمَ مِیلادِ فَاطِمِ صارَعَتْنِي *** أُمْنِيَاتٌ غَزَتْ قُوَى الإِلْحَادِ(1)

قَدْ رَأَيْتُ التَّاريخَ في كُلِّ عَهْدٍ *** بِصِراعٍ وَ لِلْحَقائِقِ هادي

و رِجالُ التَّاريخِ كُلُّ أديبٍ *** مُرْسِلٌ سَهْمَهُ إلى الحُسَّادِ

قُمْ معي نُنْضِر الحقائِقَ شَوْقاً *** لِنَرَى كُل حرَّةٍ في البَوادي

وفتاةٌ قَديمَةُ العَهْدِ فينا *** فَضْلُها صانَنا وَ صانَ المَبادِي

فَاطِمٌ مَنْ كَفَاطِمٍ وَ أَبُوها *** أحْمَدُ وَ هُوَ سَيِّدُ الأَشيادِ؟

مَهْدُها خَفَّ حَوْلَهُ كُلُّ طُهْرٍ *** وَ عَفَافٍ وَ المَهْدُ مَهْدُالرَّشادِ

حَفَّهُ النُّورُ وَ انْجَلَى النُّورُ مِنْهُ *** لِحَياةِ القُرُونِ حَتَّى المَعَادِ

جَوْهَرُ الشَّيْء فَاطِمٌ وَ عَلِيٌّ *** قَبَسُ النُّورِ سَيِّدُ الأمْجادِ

لِلنِّساءِ الزَّهْرَاءُ زَهْرَةُ جِيلٍ *** زَهْرَةُ العِلْمِ وَ السَّنَا الوَقَّادِ

ص: 337


1- فإن ميلاد فاطمة علیها السلام على ما ورد في الكافي ج1 ص457 ح10 عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: ولدت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم بعد مبعث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بخمس سنين. و في دلائل الإمامة وإقبال الاعمال و مصباح الكفعمي و مصباح الطوسي ولدت في العشرين من جمادى الآخرة قبل البعثة بخمس سنين.

يا وَصِيَّ الرَّسُولِ يا بَيْتَ طه *** أنا في فَرْحَةِ الغَدِيرِ أُنادي

فَاطِمٌ مَنْ كَفَاطِم وَ عَلِيٌّ *** زَوْجُهَا وَ هُوَ قُدْوَةٌ لِلْعِبادِ

لَمْ يَكُنْ في الأنام كُفُواً إِلَيْها *** غَيْرَ خَيْرِ الأَنامِ بَعْدَ العِمَادِ(1)

الْتَقَى قَلْبُها بِقَلْبِ عَلِيٍّ *** و الْتَقَى المَدْحُ في فَمِ الإِنْشَادِ

الْتَقَى قلبُ فاطِمٍ بعليٍّ *** وَ اكْتَسَى الكونُ كُلِّ أُنَسٍ بادِي

وَ حَيَاةُ الزَّوْجَيْنِ خَيْرُ حَياةٍ *** وَ بِعِيدِ الغَدِيرِ خَيْرُ اعْتِقادِ

تَتَجَلَّى الأعْيادُ في كُلِّ عامٍ *** تَتَجلّى بِحُلَّةِ الْأَبْرادِ(2) (3)

تَتَجَلّى وَ فِي غديرِ عليٍّ *** تَتَهاوَى القُلوبُ قَبْلَ الأَيَادِي

حَيْدَرٌيازعيمَتا كُلُّ جِيلٍ *** لَكَ بَيْتُ الوَلا بِكُلِّ فُؤادِ

يا زعيمَ الأَنامِ هذا قَصِيدِي *** خَطَهُ القَلْبُ وَ انْتَمي في المِدادِ

لازعيمٌ سِواكَ نَبْغِي إِلَيْنا *** لا وَ لا قائِدٌ مِنَ الأوْغادِ

أنْتَ أنْتَ الّذي رَسَمْتَ المَعالي *** وَ شَرَعْتَ الجِهَادَ بَعْدَ الجِهادِ

أنتَ أنتَ الذي بِنُورِكَ تَمْشِي *** أُمَّةُ الحَقِّ في طرِيقِ الرَّشادِ

أنْتَ أنْتَ الذي بِعِلْمِكَ يَحْيَى *** كُلُّ شَيْءٍ نَشَا مِنَ الأفرادِ

ص: 338


1- السّنا: البرق و الضياء و الرفعة -الوقاد كثير الاشتعال.
2- وردت الإشارة لذلك في كشف الغمة 472/1 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لولا عليٌ لم يكن لفاطمة علیها السلام کفو. و في البحار ج43 ص145 ح49 أورد الحديث المتقدم لولا علي علیه السلام لم يكن لفاطمة علیها السلام كفو. و في مسند فاطمة علیها السلام للسيوطي ص42 ح68 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.»
3- حُلّة: ثوب جديد أو عموم الثوب الساتر لجميع البدن -الأبراد: مفرده البرد و هو الثوب المخطّط.

(3) قلم الولاء

(بحر الكامل)

أحمد محمد الأنصاري الشيرواني

قَلَمُ الولاءِ جَرى بنورِ سوادِي *** لذوي الفَخَارِ السادةِ الأَمجادِ

فبدتْ به کِلماتُ مقْوَلِ شاعرٍ *** يسمُو بها شعراءُ كلِّ بلادِ(1)

أهلَ الكسا مِنّوا عليَّ بنظرةٍ *** لأنالَ منها ما يسرُّ فؤادِي

أهلَ الكسا ما رُمتُ غير جنابِكُم *** و ودادكُم فأرعَوْا عظيمَ ودادي

أهلَ الكسا ما حِدْتُ عن منهاجِكم *** و بكمْ أنالُ الفوزَ يومَ معادِي

أهلَ الكسا إنّي أسيرُ هواكُمُ *** و به وجاهكُمُ حصولُ مرادِي

أهلَ الكسا أنا لا أميلُ وحقِّكم *** عنكُم بلومِ ذَوي قلاً و عَنادِ(2)

أهلَ الكسا إنّي ابتليتُ بعصبةٍ *** كرهتْ سماعَ حديثِكُم في نادِي

و إذا ذكرتُ مناقباً ظهرتْ لكُم *** في محفلِ أعزى إلى الإلحادِ

أهلَ الكسا جحدَ النواصبُ فضلَكُم *** و الفضلُ كالشمسِ المنيرةِ بادِي

أهلَ الكسا من لامني في حُبِّكُم *** يصلى غداً ناراً معَ ابن زيادِ

هو ذاك من آذى النبيَّ بسوءِ ما *** أبداه بغضاً في أبي السجَّادِ

و معَ الذين لَهُم فضائحُ جمّةٌ *** و قلوبُهُم مُلئت من الأحقادِ

والله لستُ براغبٍ عما به *** يرضى الإله و سيُد الأَمجادِ

ص: 339


1- المقول: اللسان.
2- القلى: الهجر.

(4) يا بنت أحمد صلی الله علیه واله وسلم

يا بنت أحمد صلی الله علیه واله وسلم(*)(1)

(بحر الطويل)

الأستاذ أنور الجندي

أفاطمةُ الزهراء يا بنةَ أحمدِ*** و ياعَبَقَ الريحانِ في كلِ مَعبدِ

أما كنتِ أشواقاً، أما كنتِ جَنَّةٌ *** أما كنتِ عطراً في شفاءِ محمدِ؟

أما كنتِ نوراً في الزمان و روضةً *** يفيءُإليها كُلُّ عانٍ، و مجُهَدِ؟

و راعَكِ أن تُمسي لظلمٍ ضحيةً *** و راعَكِ أن يجتاحَ حقَّكِ مُعتَدِ

وما لِنْتِ خوفاً للجُناة، و رهبةً *** و كنتِ كحدّ السيفِ لم يتردَّدِ

و ليسَ عجيباً، أن يهابكِ ظالمٌ *** تقحَّم شرَّاً، ناسياً غضبةَ الغدِ

و لم يكُ يدري، أنه انصاع للهوى *** و لم يكُ يدري، أنه غير مُهتدِ

ويا بنة من هزّ الزّمانَ بلاغةً *** وحظم أصناماً، و أوفى بموعِدِ

تمرَّس بالصبر الجميل على الأذى *** و لم يك هيّاباً، و لاطائش اليدِ

و كم قبّل الزهراء في الليل باكياً *** فهل كان يخشى من لجاجة أَرْبَدِ؟

و كان يمنّيها بكل هناءةٍ *** وكان يمنّيها بكل مهنّدِ

و غابَ عن الدنيا، متشوُّقاً لخالق *** أحبَّ رسولَ و الحبُّ سرمَدي

وماتتْ، كما مات الربيع مُجرَّحاً *** و غابت غياب الناسكِ المتهجِّدِ

أتمنعُ عن إرث النبي محمدٍ *** فياويلَ من أفتى، و لم يتزوّدِ

ص: 340


1- (*) قام الأستاذ علي العباس بإلقائها في الحفل الذي أقامه أهالي مدينة مصياف، بمناسبة مولد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراءعليها سلام بتاريخ (1999/10/2م).

يا بضعة المختار يا جنّة الهُدی *** و يا غُربة الدنيا، و يا حُلْمَ أصيدِ(1)

حنانيك، لاتبكي من الظلم حسرةً *** فدنياكِ أوهامٌ أبيحت لأعْبُدِ

و في جنّة الفردوس، عَدْل، و حاكمَّ *** و حاشاهُ أن يُعرى بدمعة معتدِ

سلاماً على الزهراء في كلّ ساعةٍ *** سلاماً على الدين الحنيف المخلّدِ

سلاماً على الليثِ المكفّن في الثری *** سلاماً على سيفٍ هنالك مُغْمدِ

تفانوا نضالاً في الحياة و حكمةً *** و هيهات أن تُمحی بهذر معربدٍ

عليكِ سلام الله، ما لاح كوكبٌ *** و ما غرّد الشحرور في ظلّ أملَدِ

و ما كنتِ إلاّ كالنجوم قداسةً *** و ماكنتِ إلاّ آهة المتعبّد

و أنت صلاةُ المؤمنين محبةً *** تنزَّهتِ عن سهم اللئيم المسددِ

لئن غال إرثَ الأنبياء صنيعةٌ *** لطاغٍ، فحقّ الله غير مُبدَّدِ

و أنتِ، وإن طالَ الزمانُ قصيدةٌ *** يُردّدها باكِ تغنّى بأحمدِ

ص: 341


1- الإمام علي علیه السلام.

(5) تسبيحة الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ جعفر الجعفر

أُبدي و باسم الله جئت أردد *** لا بالحسان الغيد رحت أُمهَدُ(1)

كلا و لاأُبدي التغزل إنني *** بحمى البتول و ذكرها أتهجّدُ

فلأجلها لم يأتنا في هل أتى *** ذكر لحور العين حيث تخلدُ

بل أتلو تسبيحاً لأجل مديحها *** في حبها يحلو المديحُ ويسعدُ

اللَّه أكبر قد بدأت بذكرِه *** فإلی رضاه بمدحهم أتقصدُ

اللَّه أكبر قد وقفتُ ببابها *** أرجو المديح وذي دموعي شهَّدُ

اللَّه أكبر كم يسائلني فمي *** مالي أراك بمدحها تتردّدُ

اللَّه أكبر قلت لا أقوى على *** مدح السماء فكيف من هي أبعدُ

اللَّه أكبر قد سعيت بنورِه*** فإذا كبوّت فبالبتوَل أسددُ(2)

اللَّه أكبر قد قصدت مديحَها *** فلها بها منها إليها المقصدُ

اللَّه اکبر في دمائي حبُّها *** حبِّ يجول وبالحشا يتوسّدُ

اللَّه اکبرهلّلوا لوليدةِ *** وُلِدَ الوجودُ لأجلها و محمدُ

اللَّه أكبرفالجنان تألّقت *** و الحور من عليائها تتحشّدُ

اللَّه أكبر يالها من روعةٍ *** فكأن نورُ الشمس منها عَسجدُ(3)

ص: 342


1- العيد:جمع غيداء، و هي المرأة ذات القد الممشوق.
2- كبوت: عثرت. أسدد: من السداد و هو الرأي الصحيح الحكيم.
3- عسجد: نوع من أنواع اللؤلؤ.

اللَّه أكبريالنفحِ قدومِها *** خَدُّالورود بذكرهای يتورّدُ

اللَّه أكبر هل بدت أنوارُها *** كلاً فبعض ضيائها يتوقّدُ

اللَّه أكبر طَلَّ فرعُ محمدٍ *** أكرِمْ بفرعٍ للأصولِ موطَّدُ

اللَّه أكبر قد حُبيتَ هديةً *** هي فاطم فانعم بها يا أحمدُ

اللَّه أكبريا ملائك ربّنا *** فقعواسجوداً للبتول ومجّدوا

اللَّه أكبر قد تطيّبَ حفلُنا*** طيباً أتى من حيث طاب المولدُ

اللَّه أكبر كبّر و الوليدة *** و دعُوا الصلاة بذكرها تتصعّد

اللَّه أكبر من يعددُ فضلّها *** تفنى الدهورُ و لاتزال تعدّدُ

اللَّه أكبر من يحدِّد نورَها *** کلا فأصلُ النور لايتحدّدُ

اللَّه أكبر من يقل لي كُنهَهَا *** ذا نورُ ربي في البتول مجسّدُ

اللَّه أكبر ماكفاطمُ كوثرُ *** درُّ الأئمة من سناه ينضّدُ

اللَّه أكبر ما حلاوةُ اسمِها *** كالشهد لا أحلى وقلبي يشهدُ

اللَّه أكبر يا جبالُ فأوّبي*** هذي الأمانة حملها كم يجهدُ

اللَّه أكبر قد تجلّی فَخُرُها*** حقاً بها إذما تفاخر أحمدُ

اللَّه أكبر من عتابك عاذلي*** زادَتْ ظهوراً ما لعينِك تجحدُ(1)

اللَّه أكبريالبِنْتِ محمدٍ *** يا أمّه بل نوره المتوقّدُ

اللَّه أكبر قد فَديت ترابها *** فمن البقيع شذا النبوّة يصعّدُ

اللَّه أكبر نورُ عين محمدٍ *** لولا عيونك كل عين ترمدُ

اللَّه أكبر يوم زفّت مثلما *** شمسُ الشموسِ إلي المجرةِ تعقدُ

اللَّه أكبر ليلةَ القدرِ التي*** لا ألفَ قدرٍ قدرُها بل أزيدُ

اللَّه أكبر ما أجلُّكِ فاطمُ *** حبُّ الإلهِ بحبِّها يتوكَّدُ

ص: 343


1- تجحد: من الجحود و هو إنكار النعمة.

اللَّه أكبر من شروطِ شروطِها *** حبُّ البتول فكيف لا أتودّدُ

اللَّه أكبر زد إلهي حبَّها *** أنا إفنيت بحبهالمخلّدُ

اللَّه أكبر قَد تَنوَّر اسمُها *** زهِرُاء تزهِرُ للجنان وتسعدُ

صلّوا عليهم فالصلاة عليهم *** هي شاهد التسبيح هيا فاشهدوا

حمداً لرب قد تعاظم شأنُه *** حمداً يليق بذي الجلالِ ويسعَدُ

حمداً إلهي قد رحمت بأمةٍ *** لم لا و فيها قد تنزَّل أحمدُ

حمداً إلهي إننا من فرقة *** كتب النجاة لها فحيدر سيِّدُ

حمداً إلهي فالبتولُ منارُنَا *** أفهل نخافُ و نور فاطم يرشدُ

حمداً إلهي قد تزكّى أمرُنَا *** بالمجتبى الحسنِ الزكي يُسَدَّدُ

حمداً إلهي فالحسينُ شفيعنا *** فعلی دماه دموع عيني شُهَّدُ

حمداً إلهي قد دعوتُك مخلِصاً *** بدعاء زين العابدين أردَّدُ

حمداً إلهي قد هديت بباقرٍ *** بقرالعلوم بخيرِ وِردِ يورَدُ

حمداً إلهي قد تجمع أمرُنا *** فبصادقٍ شمل الجماعةِ يُحشدُ

حمداً إلهي أن رُشدِنا بكاظمٍ *** موسى الكليمُ برشدِه يترشَّدُ

حمداً إلهي من رضاك إلهَنا *** تكميل هديك بالرضا يتحدَّدُ

حمداً إلهي فالجوادُ بجوده *** أسدی لنانِعَماً بهِ تتجدَّدُ

حمداً لربٍ قد هُديتُ بهديهِ *** لامامِنا الهادي فكيف أُشرَّدُ

حمداً لربِ إن جعلت عقيدتي *** بالعسكري ونهجه تتقيِّدُ

حمداً لربٍ صادقٍ في وعدِهِ *** فالقائم المهدي نعم الموعدُ

حمداً إلهي سوف ينهض ثائراً *** وبروح قُدْسِك لانشك يؤيَّدُ

حمداً إلهي سوفَ يأتينا غداً *** إنا بانتظارِك سيّدي فمتى غَدُ

صلُّوا عليهم فالصلاةُ عليهم *** هي شاهد التسبيح هيّا فاشهدوا

الحمدُ لله الذي من فضله *** أنا مسلمُ لامشركٌ لاملحدُ

ص: 344

الحمدُ حمدُ الشاكرين لفضلِه *** فبمنَّه و بجودِه نسترفدُ

الحمدُ لله الذي عهدي به *** في الذَّر كان بحبهم معتقدُ

حمداً لربِّ قد سُقيت وِلاءَهم *** في حُضن أُمٍ بالولاية تَشهُدُ

حمداً لربّي قد حباني والداً *** لهجاً بحبِ المرتضى و مردّدُ

حمداً لربّي قد هديتُ سِراطهم *** فهم الصراط المستقيم لمن هدوا

حمداً لرب قد أراني فضلهم *** لم لا و قلبي فيهمُ يتنهّدُ

حمداً لربي إنني لولاهم *** لبصرتُ لكن جَفْنَ قلبي أرمدُ

حمداً لربي ما بقلبي غيرُهم *** فالقلبُ من أعدائِهم متجرِّدُ

حمداً إلهي قد سُعِدتُ بحبّهم *** دنياً و في يوم القيامة أسعدُ

الحمد لله الذي جعلَ الهدى *** بمحمدٍ و بآله يتأبَدُ

الحمد لله الذي كَشفَ الدُجى*** فبفاطمٍ كل الظلام مبدّدُ(1)

حمداً لمن جعل النجوم هدايةً *** و الكوكبُ الدريُّ فاطَمُ فرقدُ(2)

الحمد لله الذي هم بابُه *** لُذنا ببابِ من عُلاك مشيّدُ

الحمد لله الذي سعيي بهم *** أفهلْ تخيِّبُ من سعى يا أجودُ

حمداً إلهي فالحساب عليهم *** يومِ المعادِ لذا اطمئنوا واسعُدوا

صلّوا على نور النبي وآله *** فالحرز فيها من حسود يحسِدُ

سبحان ربّي أن تنجزَ وعدُه *** وعد الخلاص لما به يتوعَدُ

سبحان من سجدَ الأنامُ له وذا *** جسمي و قلبي و الجوارحُ تسجدُ

سبحانه من مالكٍ من حاكمِ *** من راحمٍ من عادلٍ متفرِّدُ

سبحانه هل من مجيرٍغيرُه ***کلاّ فذا الواحدُ المتفرّدُ

ص: 345


1- الدجى: الظلمة الشديدة. مبدد: من التبديد و هو الإزالة.
2- فرقد: و هو الكوكب المضيء اللامع.

سبحان ربَّ لا نراه و إنّما *** الآثار دلت والقرائن تشهدُ(1)

سبحان ربَّ قد دنافي بعده *** لمن ارتجى و لمن عصى هو أبعدُ

سبحانه طرُب اللسان بمدحه *** أنا إن مدحت أرى لزاماً أحمدُ

سبحان من لي خيره متنزّلُّ *** ياحلمه و الذنب منّي يصعدُ

سبحانه فالكل جاء مسبّحاً *** و الرعدُ من تسبيحهِ يترعّدُ

سبحان ذي اللطف الخفي فنجِّني *** و الطف بعبد في هواك مسهدُ

سبحان ربّي كُنتَ كنزاً خافياً *** فخلقتَ نورَ محمدٍ لك يرشدُ

سبحان ربّ لايُكيَّف وصفُه *** فهم الصفات لربِنا و هم اليدُ

سبحان ربيّ ما لغيرك مقصدٌ *** أنا إن قصدت لهم فوجهك أقصدُ

سبحان ربي هم إليك توسّلي *** أفهل إلهي من جنابك أُطردُ؟

سبحان ربّي هم إليك طريقنا *** إن الطريق بهديهم لمعبُدُ

صلّوا على نورِ النبي وآله *** خِصّوا التي من بالجلالِ تمهدُ

سبحانه البحران حيث تلاقيا *** بحر البتول بحيدر يترفّدُ

سبحانه لايبغيان فبينهم *** ذا البرزخ المذكور و هو محمدُ

سبحانه من بينهم خرجت لنا *** مرجان خير و اللآلي زبرجدُ

سبحانه قل للمكذب فيهمُ *** فبأي آلاء لربك تجحدُ

سبحانه إن يجحدون فإنهم *** خشب كما قال الإله مسندُ

سبحان من ردَّ البغاة بكيدهم *** مكروا و مكرُ الله أدهى أنكدُ

سبحان ربّ لاانطفاء لنوره *** هذي المحافل يا عذولي تشهدُ

سبحان ربيّ لو شقيت لأجلها *** أُدمى ولكني بها أتضمّدُ

سبحانه لا شقاء بحبّها *** كيف الشقاء وحبُّ فاطمَ يسعُدُ

ص: 346


1- القرائن: مفردها قرينة و هي الشواهد أو الأدلة الثابتة.

سبحانه من راحمٍ جعل الحمى *** من ناره بحمى البتول يقيّدُ

سبحانه سأل المودة فيهم *** و هي المودةُ كيف لاأتودّدُ

سبحانه فلذا ارتضى لرضائها *** و السخط حلّ لمن لها يتصدّدُ

سبحانه جعل الملائك طوعها *** سل جبرئيل لهز المهدكم يفدُ

سبحانه آياته نطقت بها *** فالدهر و التطهير فيها تنشدُ

سبحانه قد قال في قرآنه *** و تزوّدوا فلذا بهم أتزوّدُ

سبحان ربي أن جعلت ضياءهم *** نوراً لوجهي يوم يوم فيه تسوّدُ

سبحان ربّي أن جعلت ولاءَهم *** نوراً بقبري حيث فيه أوسّدُ

سبحان ربّي إن عاد حشري فيكم *** يا سادتي فالعودُ فيكم أحمدُ

صلّوا عليهم فالصلاة عليهم *** هي شاهد التسبيح هيا فاشهدوا

ص: 347

(6) هل أتى في فضلها

(بحر الطويل)

الأستاذ جعفر عباس الحائري (*)(1)

لَكَ الشُّكْرُ رَبِّي وَ الثَّنا وَ المَحامِدُ*** لَكَ الْحَمْدُ إِذْ تُبْدِي وَ حِينَ تُعاوِدُ

لَقَدْ كُنْتَ أَبْدَعْتَ الخليقةَ صُنْعَها *** وَ أَنْتَ عَلَى الْإِبْدَاعِ فَذْ وَ واحِدُ

وَمَا كُنْتَ تَنْسَى الْخَلْقَ حاشاك بُرْهَةٌ *** وَ أَنْتَ لَهُ رَاعٍ وَ طَرْفُكَ راصِدُ

ص: 348


1- (*)هو الأستاذ جعفر ابن الشيخ عباس ابن الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد حسن الحائری. ولد شاعرنا الفذ في مدينة كربلاء المقدّسة (1349ه) الموافق لعام(1930م)، من أسرة علمية عريقة في كربلاء المقدّسة. ترعرع و نشأ في كنف والده المغفور له حجة الاسلام والمسلمين الشيخ عباس الحائري، و كان علماً معروفاً في أوساط كربلاء المقدّسة، و إن أغلب العقود الشرعية من عقود النكاح و الوصايا والميراث كانت تتم لديه، و كان فريد عصره في علم المواريث لا في كربلاء فحسب بل في المنطقة، و هو نجل المغفور له حجة الاسلام الشيخ جعفر الذي كان يلقب بالطويل لطول قامته،كما أن جده الأعلى حجة الاسلام الشيخ محمد حسن. تعلّم القراءة و الكتابة و الحساب في مكتب في صحن أبي الفضل العباس بكربلاء، ثم توجّه إلى العلوم الحوزوية فدرس (الصرف و النحو و المنطق و الفقه و مقدمات الاصول و اتجه أيضاً إلى الدراسات الحديثة فأكمل الابتدائية و الثانوية و درس القانون في كلية الحقوق في بغداد، و تخرّج بدرجة ليسانس في عام (1950 م- 1951م)، و انتمى إلى نقابة المحامين في بغداد ولكنه لم يمارس مهنة المحاماة بل اتجه إلى التجارة ومسك السجلات التجارية. ثم ان المدير العام للبنك اللبناني المتحد الاستاذ عباس كاشف الغطاء عيّن المترجّم له مديراً لفرع البنك المذكور في كربلاء، و ذلك في سنة (1958م) و حتى سنة (1965م) و تدّرج في عدة بنوك و مصارف لمدن ومحافظات عديدة في العراق. و بعد خدمة طويلة تجاوزت الثلاثين سنة قدّر لشاعرنا الكريم ان يهاجر من وطنه ومسقط رأسه إلى إيران في عام (1983م) تاركاً وراءه كل اتعابه و خدماته إلا أنه ظل حنينه إلى وطنه هاجسه وهمّه و شاغله حتى أنك تجده في كل قصائده بعد الهجرة يشير إلى حبه لوطنه و شوقه إلى أهله هناك و لعل لسان حاله يقول: بلادي و ان جارت عَليَّ عزيزة *** و أهلي و إن جاروا عَليَّ كرامُ

عَلَيْنا نَدَى أَلْطَافِ جُودِكَ نَازِلٌ *** وَ سُوءُ فِعالِ الْخَلْقِ نَحْوَكَ صاعِدُ

جُحُودٌ وَ نُكْرانُ لِفَضْلِكَ واضِحٌ *** وَ لُطْفُكَ رَغْمَ النُّكْرِ فِي الْخَلْقِ سائِدُ

أَتَيْتَ بِسِلْمٍ لِلْعِراقَيْنِ شامِلٍ *** وَ أَنْتَ لِسَيْفِ الْحَرْبِ بِاللَّطْفِ غَامِدُ

فقَدْ مَزَّ قَتْنا الْحَرْبُ شَرِّ مُمَزِّقٍ *** وَ قَدْ لَعِبَتْ فينا الرِّقاقُ البَوارِدُ

وَ قَدْ أثْقَلَتْ مِنّا الهُمومُ كَواهِلاً *** وَ مِنّي عَلَى قَوْلِي دَلِيلٌ وَ شاهِدُ(1)

فَقَدْ كُنْتُ قَدْ أُبْعِدْتُ عَسْفاً بِلَيْلَةٍ *** مِنَ الوَطَنِ الغالِي وَ لا مَنْ يُعاضِدُ

وَ قَدْ مَسَّنِيْ ضُرِّ وَ حَوْلِيَ أُسْرَتِي *** وَ مَا لِي لِدَفْعٍ الصَّيْمِ عَنْهُنَّ ذائِدُ

خَرَجْنَا وَ سِرْنا فِي الْفَيافِي بِلَوْعَةٍ *** وَ كَادَتْ أسّى تَبْكِي عَلَيْنَا الْفَدافِدُ(2)

وَ عِشْتُ بعيداً عَنْ بِلادي وَ مَرْبَعِي *** وَ أهلي وَ أَصْحابي وَ طَالَ التَّباعُدُ

تَوَغَّلَ لي جَذْرٌ بِتُرْبَةِ كَرْبَلا *** و غَرْسِي نَما فيها وَ فِيها التَّوالُدُ

وَلِي عَبْرَ أَجْيالٍ بها مِنْ مَعالِمٍ *** وَلِي فِي ثَراها لِلْجُدُودِ مَراقِدُ

جِوارُ أبِي الأحرارِ عِشْتُ وَ جَنَّتِي *** هُناكَ جَرى مِنْ تَحْتِها لِي رافِدُ

مَرابِعُ أُنسِي في العِراقِ دَوارِسٌ *** وَ قَدْ لَعِبَتْ فيها الرِّياحُ الصِّوارِدُ(3)

فَهَلْ لِيَ أَنْ أَنْسَى لَيالِيَ شَقْوَتِيْ *** وَ قَدْ كُنْتُ فِي قَيْدِ الْهَوانِ أُكَابِدُ

وَ كَيْفَ وَ قَدْ صُبَّتْ عَلَيَّ مَصائِبٌ *** لِبُعْدِيَ مِنْها وَاحْتَوتْنِي الشَّدائِدُ

و لازِلْتُ مِنْ بُعْدِ الدِّيارِ بِمِحْنَةٍ *** وَلِي مَطعَمٌ مُرَّ وَ مَسْقايَ راكِدُ

وَمَا لِي سِوى التَّرْجِيعِ حَوْلٌ و قُوَّةٌ *** وَ مَا لِي سِوىَ الصَّبْرِ الجَمِيلِ مُسَانِدُ

***

ص: 349


1- كواهلاً: الكاهل: أعلى الظهر مما يلى العنق.
2- الفيافي: الصحاري التي لاماء فيها و لاكلأ. الفدافد: جمع فدفد، و هي الأرض المستوية.
3- مرابع: مفردها مربع، و المربع: الموضع يقام فيه زمن الربيع. و دوارس: منمحيات، ذهبت آثارها. الصوارد: البوارد.

تَناسَ هُمُومَ الْهَجْرِ وَ انْسَ مَصائِباً *** مِنَ الْهَجْرِ قَدْ صَبَّتْ عَلَيْكَ الرَّواعِدُ

دَعِ الْحُزْنَ فَالدُّنْيا بِبشْرٍ وَ بَهْجَةٍ *** وَ لِلْخَيْرِ تَرْسُو في رُبانا القَواعِدُ

فهَذِي تَبَاشِيرُ السَّلامِ بِأُفْقِنا *** تَجَلَّتْ وَ عَهْدُ الحَرْبِ لاشَكَّ بائِدُ

سَتَصْفُو سَمَاءٌ لِلْعِراقَيْنِ كُدِّرَتْ *** وَ يَجْمَعُ شَعْبَيْهِ الهُدى وَ التَّوادُدُ

وَ هَذِي ثُغُورُ الفَجْرِ تَبْدُو بِرَوْعَةٍ *** وَ عَنْ مَبْسمٍ تَفْتَرُّ وَ الكَوْنُ شَاهِدُ

فُيوضٌ مِنَ الرَّحمنِ تَجْرِي رَوافِداً *** لَنا مَنْهَلٌ مِنْ عَذْبِها وَ مَوارِدُ

وَ قَدْ صَدَحَ الطَّيْرُ الهَزارُ مَسَرَّةً *** وَ جاءَتْ بِأَنْبَاءِ السُّرورِ الهَداهِدُ

بأِنَّ رسولَ اللَّهِ طابَتْ حَياتُهُ *** بِفَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ وَ الْعَيْشُ راغِدُ

فيا نَفْسُ هَبِّي وَابْشِرِي وَ تَهَلَّلِي*** فَإِنَّ صَباحَ الخير بالسَّعْدِ عائِدُ

فَقَدْ وُلِدَتْ بنتٌ لِطَه أمامَها *** تَصاغَرَ أَفْذاذٌ رِجالٌ أَجَاوِدُ(1)

حَبا المُصْطَفى رَبُّ البَرِيَّةِ كَوْثَراً *** تَسِيلُ بِفَيْضِ الْخَيْرِ مِنْهَا الرَّوافِدُ(2)

وَ أَعْطاهُ إِكراماً عَظِيمَ عَطِيَّةٍ *** بِبِنْتٍ لَهُ مِنْهَا بَنُوهُ الْأَماجِدُ

فَمِنْ بِنْتِهِ الزَّهْرَاءِ نَسْلٌ مُطَهَّرٌ *** نُجومٌ وَ أَقْمارُ الهُدى وَ فَراقِدُ(3)

ص: 350


1- أجاود: أكارم. و في بحار الأنوار ج43 ص92 ح3 ط بيروت، باب تزويجها عليه السلام: عن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا: خطبناها إليك فمنعتنا و زوّجت علياً علیه السلام؟ فقلت لهم والله ما أنا منعتكم و زوّجته بل الله منعكم و زوّجه فهبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمد إن اللَّه «جلّ جلاله » يقول: لو لم أخلق علياً علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه.
2- في أسباب النزول للواحدي النيسابوري طبعة قم ص307 قال: اخبرنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: كان العاص بن وائل السهمي إذا ذكر رسول الله صلی الله عليه و آله و سلم قال: دعوه فإنما هو رجل ابتر لاعقب، له لو هلك انقطع ذكره و استرحتم منه. فأنزل الله «تعالى» في ذلك -(إنا أعطيناك الكوثر)- و كان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلی عليه و آله و سلم و كان من خديجة علیها السلام. و راجع «تفسير البرهان ج4 ص515 ح3 و راجع» أسباب النزول/ للسيوطي في تفسير الآية.
3- في كنز العمال ط بيروت ج12 ح34253 و ح 34254 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه إلاَّ ولد فاطمة علیها السلام فأنا وليّهم و أنا عصبتهم » و راجع «ح34266 و ح 34267». و راجع مجمع الزوائد/ للهيثمي ط بيروت ج9 ص175، كتاب المناقب باب في فضل أهل البيت علیهم السلام. و ما في مسند الإمام الرضا عليه السلام ج1 ص347 ح190 لعله إشارة إلى ذلك قال: ...فأخذ فاطمة علیها السلام فاحتضنها و قبل فاها و ضمَّ علياً إليه و قبَّل بين عينيه و أجلس الحسن علیه السلام على فخذه الأيمن و الحسين علیه السلام على فخذه الأيسر و قبلهما و قال:«أنتم أولى بي في الدنيا و الآخرة والى الله من والاكم وعادى الله من عاداكم أنتم منّي وأنا منكم ...» إلى آخر الحديث.

لَهُ الحَسنانِ ِالسَّيَّدانِ وَ مِنْهُما *** أَئِمَّةُ حَقٌّ تِسْعَةٌ وَ مَرَاشِدُ(1)

أَتَتْ هَلْ أَتَى في فَضْلِها وَ صِفاتِها *** و فيها صِفاتُ الخَيْرِ غُرِّ فَرائِدُ(2)

وَ فِي آيةِ التَّطْهِيرِ رِفْعَةُ شَأْنِها *** تَجَلَّتْ وَ فِي الْقُرْبَى لها الوُدُّ وارِدُ(3)

ص: 351


1- في كنز العمال ج12 ص112 ح34249 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل؟ هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قطُّ قبل هذه الليلة أستأذن ربه «عزّوجلّ» أن يسلم علي علیه السلام و يبشرني أن الحسن و الحسين علیهما السلام سيدا شباب أهل الجنة و أن فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة؛ و راجع «ح34246 و ح34247 و ح 34248 و ح 34259 و ح 34260 و ح34274 و ح 34282 من المصدر نفسه».
2- في تفسير البرهان ج4 ص409 روي عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: من قرأ هذه السورة كان جزاؤه على الله جنة، و حريراً، و من أدمن قراءتها قويت نفسه الضعيفة و من كتبها و شرب ماءها نفعت وجع الفؤاد و صح جسمه و برىء من مرضه. و ذكر الواحدي في أسباب النزول ط قم ص296 قال: قال عطاء عن ابن عباس: و ذلك أن علي بن أبي طالب عليه السلام أجّر نفسه نوبة يسقي نخلاً بشيء من شعير ليلة حتى أصبح و قبض الشعير وطحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوا فلما تم إنضاجه اتى مسكين فأخرجوا له الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم انضاجه اتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى اسير من المشركين فأطعموه و طووا يومهم ذلك... و في تفسير البرهان أيضاً ج4 ص412 رقم4، و رقم5 الآية «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً» [سورة البقرة الآية 274]. و قوله «تعالى» «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ») [سورة الإنسان الآية 7] فهبط جبريل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم خذ ما هنالك في أهل بيتك علیهم السلام فقال: و ما آخذ يا جبريل علیه السلام؟ قال:«هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» إلى آخر الآيات.
3- فی أسباب النزول/ للواحدي ط قم ص239) قوله «تعالى» من سورة الاحزاب آية 33 «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» قال: نزلت في خمسة: في النبي صلی الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليها السلام. و راجع الدر المنثور/ للسيوطي في تفسيره للآية من سورة الأحزاب ج5 ص198... و في تفسير البرهان ج3 ص309 في تفسيره للآية من سورة الأحزاب ح7 [اجمعوا أنها نزلت في النبي صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن والحسين عليهم السلام]. في الدر المنثور للسيوطي في تفسير قوله «تعالى» من سورة الشورى آية/ 23«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» عن ابن عباس: قالوا يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال علي و فاطمة و ولداهما علیهم السلام. راجع«تفسير البرهان ج4 في تفسير سورة الشورى آية 23»ح2.

يُعَلَّمُها الرَّحْمَنُ وَ المُصْطَفَى لَهُ *** مَواقِفُ فِي تَعْظِيمِها وَ مَشاهِدُ(1)

وَ أَنَّ لها شأناً عَظِيماً وَ مَوْقِعاً *** لَدَى اللَّهِ لاتَدْرِي مَداهَا المَراصِدُ(2)

مَقامُ لَها فَوْقَ الثَّرَيَّا وَ مَنْزِلٌ *** رَفِيعٌ فَلا يَدْنُو إليهِ عُطارِدُ

فِداكِ أَبُوكِ قال طهَ لِبنْتِهِ *** وَ ما ناكِرُ لِلْقَوْلِ هذا وَ جاحِدُ(3)

يُسَرُّ إذا سُرَّتْ وَ يَغْتَمُّ قَلْبُهُ *** إذا ما أَتَتْها المُؤْلِماتُ النَّواكِدُ(4)

مَوَدَّتُها فَرْضٌ عَلى كُلِّ مسلم *** وَ مَنْ يُبْغِضِ الزَّهْراءَ في النّارِ خالِدُ(5)

***

ص: 352


1- في حديث طويل عن الله «عزوجل»: يا فاطمة علیها السلام و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات و الأرض بألفي عام أن لاأعذب محبّيك و محبّي عترتك بالنار... راجع البحار/ ج27 ص139 ح144 و في كشف الغمة ج1 ص453 في حديث : و كانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبلها و أجلسها في مجلسه، و كان إذا دخل عليها قامت إليه فقبلته و أخذت بيده فأجلسته في مكانها.
2- المراصد: أماكن الرصد و المراقبة.
3- عن ابن عمر أن النبي صلی الله عليه و آله و سلم قبّل رأس فاطمة علیها السلام و قال: «فداك أبوك كما كنت فكوني». راجع مقتل الحسين علیه السلام للخوارزمي ط قم ج1 ص66.
4- النواكد: الشدائد و في صحيح البخاري تحقيق د. مصطفى ديب البغا ج3 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول الله صلی الله عليه و آله و سلم و منقبة فاطمة عليها السلام ح3510 عن المسور بن مخرمة: إن رسول الله صلی الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها أغضبني» و في لابن حجر ج4 ص378 حذف الفاء/ القسم الأول عن المسور بن مخرمة سمعت رسول الله صلی الله عليه و آله و سلم على المنبر يقول : «فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و يريبني ما رابها».
5- لعل ما يشير إلى ذلك ما ورد في مجمع الزوائد و منبع الفوائد/ للهيثمي ج169/9 عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: و من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام» و في ينابيع المودة/ للقندوزي / الباب الخامس و الستون/ ص370 عن المقداد بن الأسود، قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «معرفة آل محمد صلى الله عليه وآله و سلم براءة من النار و حب آل محمد صلى الله عليه وآله و سلم جواز على الصراط و الولاية لآل محمد صلى الله عليه وآله و سلم أمان من العذاب». و راجع الدر المنثور/ للسيوطي في تفسير الآية من سورة الشورى، و تفسير البرهان ج4 في تفسير الآية من سورة الشورى ح2.

فَيَا رَوْعَةَ الذَّكْرَى وَ بَهْجَةَ مَوْلِدٍ *** لِبِنت لها خَيْرُ البَرِيَّةِ والد

لها أَلْسُنُ الدُّنْيا ثَنَاءٌ وَ مِدْحَةٌ *** وَ فِيها حَلَتْ عَبْرَ الزَّمانِ الْقَصَائِدُ

ص: 353

(7) يوم البتول علیها السلام

(بحر الوافر)

الشيخ جعفر الهلالي (*)(1)

ص: 354


1- (*) هو الخطيب الكبير الشيخ جعفر ابن الشيخ عبد الحميد بن إبراهيم بن حسين بن علي بن محمد بن عبد الله بن هلال بن أحمد الهلالي. ولد في مدينة البصرة سنة (1346ه_) الموافق (1927م) في مجتمع زاهر بالعلم و الأدب و الفضيلة، و من أسرة عجنت طينتها بعذب الولاء فنشأ في كنف أبيه، فأحسن تربية نجله حيث غرس في نفسه حب الفضيلة و الصلاح. و أسرة الهلالي من الاسر العربية العريقة تنتسب إلى قبيلة بني هلال العربية كانت تسكن الحجاز قديماً، ثم نزح بعض رجالها إلى الاحساء، و استوطنوا مدينة الهفوف، ثم هاجر بعض رجالها إلى العراق و استوطنوا البصرة، ثم إن جد المترجّم له ابراهيم الهلالي انتقل إلى مدينة المحمرة في خوزستان جنوب إيران و بعد سنوات عاد مع عائلته إلى البصرة مرة ثانية، و بعض أفراد هذه الأسرة انتقلوا إلى مدينة سوق الشيوخ في محافظة الناصرية واستقروا فيها. و المترجم له قضى صباه الأول و قسطاً من أيام شبابه في مدينة البصرة يتلّقى دراسته الأولية، ثم هاجر مع والديه إلى النجف الأشرف عاصمة العلم والفضيلة، فترعرع في مدارسها العلمية ومجالسها الأدبية، فانكب على طلب العلم و المعارف الدينية و الكمالات النفسانية، فأخذ دراسته العلمية في الفقه و الاصول و المنطق و العلوم العربية على مجموعة من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، منهم العلامة الكبير السيد حسين بحر العلوم و آية الله السيد محمد تقي الحكيم و السيد أحمد النحوي والسيد جواد العاملي والشيخ علي البصري و الشيخ علي القطيفي و الشيخ حسين الفرطوسي ثم انتسب لكلية الفقه في أوائل تأسيسها و تخرج منها ستة (1964م) حاملاً البكالوريوس في العلوم العربية و الاسلامية. و المترجم له: إلى جانب دراسته العالية مارس الخطابة بكل ثقله وطاقته، فأخذ الخطابة على والده المرحوم الخطيب الكبير الشيخ عبد الحميد الهلالي حتى برع وتخصص بفن الخطابة فنال شهرة واسعة، وتفوّق في خدمة المنبر الحسيني الشريف فهو اليوم موضع التقدير والإعجاب عند مختلف الطبقات الاجتماعية، رقى المنبر الشريف في مدن العراق و في دول الخليج كدولة الكويت والبحرين وقطر وعمان والإمارات العربية المتحدة، و کذلک في سوريا و لبنان و إفريقيا و إيران. و المترجَم له من أعلام الأدب ومن مفاخر الشعراء، و هو مكثر في النظم و لاتفوت مناسبة إلا و نجد شاعرنا الهلالي له سبق، الرماية، و أغلب نظمه في أهل البيت علیهم السلام. وله آثار علمية منها: 1- معجم شعراءالحسين عليه السلام(5)مجلدات - في طريقها إلى الطبع. 2- المراكز الأدبية لشعراء الشيعة. 3- الأوليات. 4- الأذواء و الذوات. 5- وقفة مع المؤرخين أو محاكمات تاريخية. 6- المجالس المنبرية . 7- الملحمة العلوية في مدح أمير المؤمنين عليه السلام في ألف و مائة و أربعة و سبعين بيتاً. 8- ديوان الهلالي -مجموعة كبيرة من القصائد و أغلبها في أهل البيت عليهم السلام، و غیر ذلک من الاثار العلمية. و لاتسع هذه الإلمامة أن نذكر شخصية من كرّس حياته المباركة في خدمة أهل البيت عليهم السلام و العلم و الفضيلة.

أتَى يَوْمُ البَتُولَةِ وَ هْوَعِيدُ *** فَطَابَ بِذِكْرِ مَوْلِدِهَا الْقَصِيدُ

بَدَتْ كَالشَّمْسِ تَغمُرُأُفْقٍ *** مِنَ الدُّنيا وَ قَدْ سَعِدَ الْوُجُودُ(1)

هِيَ الزَّهْرَاءُ فَاقَتْ كُلِّ أُنْثَى*** لَها فَضْلٌ فَهَلٌ تُوفِي الْحُدُودُ(2)

أبوها سَيِّدُ الْكَوْنَيْنِ (طه) *** وَ (حَيْدَرَةٌ) لَهَا بَعْلٌ مَجِيدُ

وَ شِبْلاها هُما الحَسَنُ المُصَفّى*** وَ ذاكَ حُسَيْنُها السَّبْطُ الشَّهِيدُ

وِلاهَا الدَّيْنُوالْإِيمانُ حَقّاً *** وَ تِلکَ هِيَ السَّعادَةُ وَ السَّعُودُ

***

أبِنْتَ المُصْطَفَى وَ افَاكِ شِعْرِي *** بِمِدْحَتِهِ وَ إِنْ غَضِبَ الْحَسُودُ

ص: 355


1- إشارة إلى ما روي في كتاب علل الشرائع، ج1 ص179 عن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله «عز وجل» خلقها من نور عظمته، فلّما اشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها. الحديث.
2- إشارة إلى ما روي في خصائص النسائي ص34 قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «خلقها من السماء لم يكن زارني فاستأذن الله في زيارتي فأخبرني و بشرني أن فاطمة علیها السلام ابنتي سيدة نساء أمتي»، (أقول) و ذكره أيضاً المتقي الهندي في كنز العمال ج6 ص221.

شَرِبْتُ وِلاكِ مِنْ لَبَنٍ زَكِيِّ *** تُغَذِّينِي بِهِ أُمِّ وَلُودُ

وَ ذاكَ مِنَ الإلهِ عَظِيمُ فَضْلِ*** وَ مَنْ عِنْدَهُ شُكْرِي يَزِيدُ

فَبِاسْمِكِ قَدْ أَذَعْتُ بِكُلِّ نَادٍ *** تَزاحَمَ عِنْدَ سَاحَتِهِ الْحُشودُ

و كَمْ لي في عُلاكِ سَما قَصِيدٌ *** لَهُ انْحَطَّ الْفَرَزْدَقُ وَ الْوَلِيدُ

سَأَبْقَى ما حَيِيتُ وَلِي وِصالٌ *** بحُبكِ لاأَزِلُّ وَ لاأَحِيدُ

***

أَسيَّدَةَ النِّساءِ إِلَيْكِ قَصْدِي*** إِذا اخْتَلَفَتْ مِنَ النّاسِ الْقُصُودُ

فأَنْتِ الْبَضْعَةُ الكُبْرَى تَسامَتْ *** بِعَلْيَاها وَ مِنْلُكِ مَنْ يَسُودُ

حَباكِ اللَّهُ مِنْهُ بِكُلِّ فَضْلِ *** وَفَضْلُكِ كُلُّهُ كَرَمٌ وَجُودُ

بِفَضْلِكِ لاحَ في(مِصْرِ) كِيانٌ *** لَهُ حُكْمٌ وَ سُلطانٌ مَشِيدُ

بهِ لِلْفاطميين اعْتِزازٌ *** بِنِسْبَتِهِمْ إِلَيْكِ عَلا وُجُودُ

وَ ذَاكَ (الأَزْهَرُ) السَّامِي بِناءٌ *** عَلَى مَرَّ الزَّمانِ لَهُ صُعُودُ(1)

فكَمْ فِيهِ اسْتَفادَ النَّاسُ عِلْماً *** بِهِ دَفَّتْ عَلى الدُّنْيا بُنُودُ(2)

***

أَفاطِمَةُ البَتُولُ وَ مَا عَسَانِي*** أَقُولُ وَ مَجْدُكِ السَّامِي عَتيِدُ؟

رِضاكِ رِضا الإلهِ بِلاجِدالٍ *** وَ سَخُطُكِ سَخَطُهُ وَ هُوَ الشهيدُ

وَ مِنْ عَجَبٍ وَ أَنْتِ الظُّهْرُ ذاتاً *** تَنَزَّلَ فيكِ قرآن مَجِيدٌ(3)

ص: 356


1- من آثار الخلفاء الفاطميين الخالدة الجامع الأزهر. و سمي بذلك تيمناً باسم فاطمة الزهراءعليها السلام التي ينتسب إليها الفاطميون، و قد بني للصلاة جماعة و جمعة و محلاً للتدريس، و لايزال هذا الجامع يؤدي وظيفته في دراسة العلوم الإسلامية و قد تخرج منه فطا حل علماء وأدباء مصر ويسمى اليوم بالجامعة الأزهرية.
2- دفَّت: تراكمت و تتابعت -البنود الأعلام الكبيرة.
3- لعله إشارة إلى ما روي في مستدرك الصحيحين ج3 ص147: خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم غداة و عليه مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي عليه السلام فأدخله ثم جاء الحسين عليه السلام فدخل معه ثم جاءت فاطمة عليها السلام فأدخلها ثم جاء علي علیه السلام فأدخله ثم قال:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب الآية 33]. (أقول) و رواه البيهقي أيضاً فيه سننه ج2 ص149، و رواه ابن جرير أيضاً في تفسيرة ج22 ص5.

يَرُومُ البَعْضُ فَضْلَ سِواكِ جَهْلاً *** بِمَضْحَكَةٍ على الرّاوي تَعُودُ

وَ لَمْ يَرَ مِنْ حَديثٍ يَصْطَفِيهِ *** فَكانَ لَهُ لدى الفضل (الثَّريدُ)(1)

أَتَجْحَدُ نُورَ قُرْصِ الشَّمْسِ عيَنٌ *** أَعْيُنُ هَذِهِ الدُّنيا شُهُودُ

فَأَيْنَ الحُكْمُ عِنْدَ العَقْلِ وَلَّى؟ *** أَحَقَّاً قَدْ عَرى العَقْلَ الجَمُودُ

سُمُواً يا بنةَ الهادِي سُمّواً *** لَهُ الأَملاكُ صَارِعَةٌ سُجُودُ؟

***

وَ عُذْراً يابْنَةَ المُخْتارِ عُذْراً *** إِذا لَمْ يُسْعِفِ القَوْلَ القَصِيدُ

أَبَعْدَ مَديحِ رَبِّ الكَوْنِ هَلْ لِي *** إلى عَلْياكِ يَأْخُذُ بِي صَعُودُ؟

لكِ القِدْحُ المُعَلَّى يَوْمَ حَشْرٍ*** وَ فِي الفِرْدَوْسِ طَابَ لَهُ الخُلُودُ

رَجَوْتُكِ مِنْ ذُنوبي و الخَطَايا *** إذا ما النَّارُ شَبَّ لَهَا وَقُودُ(2)

فَأَنْتِ لَكِ المَلاذ إذا تَرامَتْ *** هناك صَحائِفٌ لِي وَ هُيَ سُودُ(3)

فَمَا لي غَيْرُ جاهِكِ مِنْ مُغِيثٍ*** وَ مِثْلُكِ بِالشَّفاعَةِ مَنْ يَجُودُ

فما خابَ الَّذِي مَسَكَتْ يَدَاء*** بِحَبْلِ وِلاكِ إِنْ وَهَنَتْ زُنُودُ(4)

ص: 357


1- لعله إشارة إلى الحديث الذي رووه في فضل عائشة عن النبي صلی الله عليه و آله و سلم أنه قال: فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
2- إشارة إلى ما روي في كنز العمال ج6 ص219 و لفظه: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار.
3- ترامت: تراجمت و رميت.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص301 روى بسنده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخذ بيد حسن و حسين عليهما السلام فقال: «من أحبني و أحبّ هذين و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة».

و عطفاً يَا بْنَةَ الهادي فَدَهْرِي *** يُؤَرِّقُنِي بِهِ هَمِّ شَدِيدُ

وَهَاكِ لَدَى الخِتامِ عَظِيمَ وُدٌ *** سَلاماً كُلَّ آوِنَةٍ يَزِيدُ(1)

ص: 358


1- مجلة النبراس عدد (2) ص151.

(8) و أتت للمسجد

(بحر المتدارك)

الشيخ جعفر الهلالي (*)(1)

وَ صَبَرْتَ عَلَى عِظَم البَلْوى *** وَ لِقَلبِكَ بانَ تَجَلُّدُهُ(2)

تَتَجَرَّعُها غُصَصاً غُصَصاً *** كاللَّيْلِ تَراكَمْ مُلْبِدُهُ(3)

ماذا سَأَعَدَّدُ مِنْ نَبَإٍ *** قَدْ كُنْتَ تَراه وَ تَشْهَدُهُ

(يَوْمُ)(المُخْتَارِ) وَ(حادِثُهُ) *** أمْ (حَقَّكَ) خَصْمُكَ يَجْحَدُهُ(4)

أَمْ (إرثُ) حَلِيلَتِكَ (الزَّهْراء) *** و ذا القُرْآنُ يُؤَكِّدُهُ

دَفَعَ الأقْوامُ بِهِ (نَصْاً) *** مُذْ أَضحَتْ عَنْهَا تُبْعِدُهُ(5)

ص: 359


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- نقلنا هذا الفصل الخاص (بالزهراء علیه السلام) من الملحمة العلوية الرائعة التي نظمها الخطيب الشاعر الشيخ جعفر الهلالي، و قد تناول فيها سيرة الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام من المهد إلى اللحد و قد تضمنت عرضاً رائعاً لسيرته و سائر مزاياه و الاستدلال على خلافته و أحقيته بها و ذكر جهاده و إبداعاته و يبلغ عدد أبيات الملحمة (1147) بيتاً و هي جديرة باطلاع كل قارىء مثقف... و في هذه الأبيات ذكر صبر أميرالمؤمنين علیه السلام و أشار في بعضها إلى مصيبة الزهراء علیه السلام.
3- تراكم مُلْبده: اجتمع بعضه ببعض.
4- لاشك أن الإمام علياً علیه السلام لم يترك الدعوة لنفسه و استنكار حادث السقيفة و إن بايع بعد ذلك فلم يبايع عن طيب خاطر و اطمئنان إلى الوضع و هو الذي يقول: بالصراحة في الشقشقية «فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجى أرى تراثي نهباً». ثم التاريخ يحدثنا أنه لم يبايع إلا بعد أن رأى راجعة الدين قد رجعت كما يقول علیه السلام: كم تذمر و تظلم من دفعه عن حقه مثل قوله من كلام له في النهج: «فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً منذ قبض نبيه صلي الله علیه و آله و سلم حتى يوم الناس هذا و يشير بهذا اليوم إلى عصره في خلافته علیه السلام.
5- روى الواقدي و غيره من نقلة الأخبار و ذكروه في أخبارهم الصحيحة: «أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرءاً من قرى اليهود»، فنزل جبرئيل بهذه الآية:«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء الآية 26]. فقال محمد صلی علیه و آله و سلم : «و من ذوي القربى؟ وما حقه؟ قال: فاطمة علیها السلام ترفع إليها فدكاً ،و العوالي فاستغلتها حتى توفي أبوهاصلی علیه و آله و سلم فلما بويع أبوبكر منعها فكلمته في ردها عليها و قالت: إنها لي وإن أبي دفعها إلي؟ فقال أبو بكر: فلا أمنعك ما دفع إليك أبوك فأراد أن يكتب لها كتاباً فاستوقفه عمر بن الخطاب و قال: إنها امرأة فطالبها بالبينة على ما ادعت فأمرها أبو بكر فجاءت بأم أيمن وأسماء بنت عميس مع علي علیه السلام فشهدوا بذلك فكتب لها أبوبكر فبلغ ذلك عمر فأخذ الصحيفة و مزَّقها فمحاها فحلفت أن لا تكلمهما و ماتت ساخطة عليهما (راجع السيرة الحلبية 362/3 و تاريخ اليعقوبي 106/2 و كنز العمال 3/ 135 حرف الخاء كتاب الخلافة و الإمامة و صحيح البخاري (طبعة دمشق 1126/3 كتاب الخمس الباب (1) الحديث 2926 و صحيح مسلم كتاب الجهاد و السير باب قول النبي صلی علیه و آله و سلم و لانورث رقم ((1759)، و البلاذري فتوح البلدان/ 43 بيروت (1957).

أمْ (ردُّكَ) حِينَ شَهِدْتَ لَها*** بِحَدِيث النَّخْلَةِ ِتُوِردُهُ(1)

أَمْ تِلْكَ النَّارُ) وَقَدْ لَهِبَتْ *** بِالبَابِ لِبَيْتِكَ نَقْصِدُهُ(2)

أَمْ (كَسْرُ الضّلْعِ) لِفَاطِمَةٍ ***أَمْ ذاكَ (المُحْسِنُ) تَفْقِدُهُ(3)

لتُبايِعَ أوَّلَهُمْ فَأَبَيْتَ*** وحَقَّكَ رُحْتَ تُؤكدُهُ

ص: 360


1- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى تأييد القرآن لحق فاطمة علیها السلام في فدك و دفع القوم فاطمة علیها السلام عن حقها بنص باطل بعد ردّ شهادة الإمام علي علیه السلام، و تقدم ذكر الأحداث نقلاً عن تفسير العياشي ج2 ص287. و الهيثمي في مجمع الزوائد ج7 ص52 . و ذكره السيوطي في تفسير الدر المنثور ج4 ص177 قال: عن أبي سعيد الخدري «رضي الله عنه» قال: لما نزلت هذه الآية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء الآية 26] دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدك و ذكره في حديث آخر عن ابن عباس. انظر كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300، عن كتاب عوالم العلوم ج2 ص626. و كتاب السيرة الحلبية للحلبي ج3 ص487. و مسند أحمد ج1 ص13 و كتاب عوالم العلوم ج2 ص631.
2- ذكر الطبري في تاريخه 198/3 (أتى عمر بن الخطاب منزل علي علیه السلام فقال: والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن للبيعة). راجع أيضاً شرح النهج 124/1 و الملل و النحل 75/1 و سليم ابن قیس ص208.
3- إن لفاطمة علیها السلام ولداً اسمه المحسن أسقطته بعد هجوم القوم عليها لإخراج علي إلى البيعة. انظر كتاب سليم بن قيس ص40 وكتاب الاحتجاج (1/ 109) و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135.

وَ وَرَاءَكَ بِنْتُ نَبِيِّهم *** تعْدُو و الصَّوْتُ تُرَدِّدُهُ

وَتَصِيحُ الاخَلُوا الكَرًا *** رَوَذَاكَ الصَّوْتُ تُصَعِّدُهُ(1)

أوْ لافَسَادْعُو اللَّهَ عَلَى *** قَوْم تَعْصِيهِ وَ تَجْحَدُهُ

وَ أَتَتْ لِلْمَسْجِدِ مُعَولَةً *** وَ لِذَاكَ الجَمْعِ تُهَدِّدُهُ

فَهُنالِكَ كَفُّوا غَيَّهُمُ *** مُذلاحَ السُّخْطُ وَ مَوْعِدُهُ

وَ رَجَعْتَ وَ عَادَتْ مُنْقَلَةً *** وَالهَمُّ يَزِيدُ تَوَقُدُهُ

وَ غَدَتْ تَشْكُو المُخْتَارَ لِما *** قَدْ نالَتْهُ وَ تُعَدِّدُهُ

و بَكَتْ ألماً لِمُصِيبَتِهَا *** وَ الحُزْنُ تَفَجَّرَ مُكْمَدُهُ

لَيْلاً وَ نَهاراً مَا فَتِئَتْ *** بِبُكاها وَ هْيَ تُشَدِّدُهُ

فَأرادَ القَوْمُ لها مَنْعاً *** عَمَّا تَأْتِيهِ وَ تَقْصِدُهُ

ص: 361


1- قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (19/1 (20) قال عمر: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبوبكر لقنفذ و هو مولى له: إذهب فادع علياً علیه السلام فذهب إلى علي علیه السلام فقال له: ما حاجتك؟ فقال يدعوك خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال علي علیه السلام: (السريع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم) فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلاً فقال عمر ثانية: إن لاتمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة فقال أبوبكر لقنفذ: عد إليه فقل له: أميرالمؤمنين علیه السلام يدعوك لتبايع فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبوبكر طويلاً ثم قام فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة علیها السلام فدقوا الباب. فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها باكية: يا أبت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين و بقي عمر و معه قوم فخرج علي علیه السلام و مضى معهم إلى أبي بكر فقالوا له: بايع فقال: وإن أنا لم أفعل؟ قالوا: إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، قال: إذا تقتلون عبدالله و أخا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال عمر: فأما عبد الله فنعم و أما أخو رسوله فلا و أبوبكر ساكت لايتكلم فقال له:عمر ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لاأكرهه على شيء ما كانت فاطمة علیها السلام إلى جنبه فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يصيح و يبكي و ينادي: يا بن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني». و في كتاب الكافي (490/1) قال: عن عبدالله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر و أبي عبدالله قالا: إن فاطمة علیها السلام لما كان من أمرهم ما كان أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ثم قالت: أما والله يا بن الخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لاذنب له لعلمت أني سأقسم على الله ثم أجده سريع الإجابة».

قالُوا آذَتْنا فاطِمَةٌ *** بِبُكاءٍ مِنْها تُوجِدُهُ

فَلْتَبْكِ نَهاراً والدها *** أولافَبِلَيْلِ مَوْعِدُهُ

فَأَبَتْ وَغَدَتْ لِ_ (بَقيعِ الغَرْ *** قَدِ) ثَمَّ نَهَاراً تَشْهَدُهُ(1)

وَ هُناكَ بِظِلُّ (أرَاكَتِها) *** تَخِذَتْ مَأَوّى تَتَعَهَّدُهُ(2)

وَ تَعُودُ اللَّيْلَ تَؤُمُ الدّا *** رَلِذاكَ النَّدْبِ تُجَدِّدُهُ(3)

فَسَعَوْا في قطع أراكَتِها *** شُلَّتْ لِمُعادِيها يَدُهُ

فَبَنَى الكَرَارُ لَها (بَيْتاً) *** لِلْحُزْنِ أَقِيمَ مُشَيَّدُهُ

ص: 362


1- سارت فاطمة علیها السلام إلى قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم وقفت عليه و بكت ثم أخذت من تراب القبر فجعلته على عينها و وجهها ثم أنشأت تقول: ماذا على من شم تربة أحمد *** أن لايشم مدى الزمان غواليا صُبّت علي مصائب لو أنها *** صبت على الأيام صرن لياليا
2- الأراكة: أراك و هو شجر معروف اتخذ منه السواك.
3- و في هذه الأبيات التسعة إشارة إلى شكواها لأبيها و حزنها على فراقه و بكائها في الليل و النهار و منع القوم لها عن البكاء علیه السلام. انظر كتاب عوالم العلوم ج2 ص787 و مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص119 و ص322. و بحار الأنوار ج43 ص156. و في كتاب صحيح البخاري ج4 ص1619 عن أنس قال: لما ثقل النبي صلي الله علیه و آله و سلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة علیها السلام واكرب، أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أجاب رباه، يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم من جنة الفردوس، مأواه، يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة علیها السلام: يا أنس أطابت أنفسكم لحثوا على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم التراب. و في كتاب أمالي الصدوق ص121 ح رقم 5 قال: في ضمن حديث رقم 5 «وأما فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة، قالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر، مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف... الخ. و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب قال: و رأس البكائين ثمانية آدم و نوح، و يعقوب، و يوسف و شعيب و داود علیهم السلام و فاطمة علیها السلام و زين العابدين علیه السلام، قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك، إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء، فتبكي. ج3 ص322.

و كذاكَ تَواصَلَ مِنْهَا الحُزْنُ *** وَ زادَ القَلْبُ تَوَقُدُهُ(1)

وَ تَضَاعَفَ مِنْها السُّقْمُ وَ قَدْ *** أوْدَى بالجِسْمِ تَشَدُّدُهُ

فَقَضَتْ وَ القَلْبُ بِهِ شَجَنٌ *** تُبْدِيهِ وَ طَوْراً تَكْمِدُهُ(2)

وَ بِلَيْلِ قَدْ دُفِنَتْ سِرًّا *** وَ بِذَا لِلسُّخْطِ تُؤَكِّدُهُ(3)

ص: 363


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى حزن الزهراء علیها السلام الشديد على رسول الله صلى الله عليه و آۀه و سلم و بناء علي لها بيت الأحزان. ففي كتاب البحار ج43 ص177 ضمن ح15 في ضمن حديث طويل قال: «ثم إنه -علي علیه السلام- بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان، و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها، و خرجت إلى البقيع باكية فلاتزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها».
2- و في هذين البيتين إشارة إلى شدة حزن الزهراء علیها السلام و سقمها و نحول جسمها علیها السلام. ففي البحار ج43 ص200 ضمن ح30 قال: عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام أن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عاشت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم ستة أشهر ما رئيت ضاحكة و عنه أن فاطمة علیها السلام كفنت في سبعة أثواب.
3- و في هذا البيت إلى ما روي من أنها علیها السلام دفنت ليلاً. ففي كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي علیه السلام ليلاً و لم يعلمهما بذلك». نقله عن الواقدي. و قال محب الدين الطبري في ذخائر العقبى ص54. «و دخل بها في قبرها علي و الفضل و كانت أشارت على علي رضي الله عنه أن يدفنها ليلاً». و في البحار ج43 ص183 ضمن ح16 قال: «الأصبغ بن نباتة أنه سأل أميرالمؤمنين علیه السلام عن دفنها ليلاً فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها و ذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب 4/ 1898 في ترجمة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و قال النووي: (و أوصت -فاطمة علیها السلام- أن تدفن ليلاً ففعل -علي- ذلك و نزل في قبرها علي و العباس و الفضل بن العباس (تهذيب الأسماء و اللغات 353/2) و في نظم درر السمطين/ 181 «عاشت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم أربعين يوماً و دفنت ليلاً بالبقيع». و قال الخوارزمي: «فلما توفيت دفنها علي بن أبي طالب علیه السلام ليلاً و لم يؤذن بها أبوبكر و صلى عليها علي». مقتل الحسين علیه السلام 83/1، و مثل ذلك في مجمع الزوائد 211/9. و (بقيع الغرقد) مدفن مشهور في المدينة، و قد سمي بقيع الغرقد لما فيه من أروم الشجر من ضروب شتى. قال ياقوت: و هو مقبرة أهل المدينة 473/1. و قال الفتال النيسابوري في روضة الواعظين/167: روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة...»

محَنِّ ما غَيْرُكِ يَجْرَعُها *** في هذا العالم نَعْهَدُهُ(1)

ص: 364


1- الملحمة العلوية (ص95).

(9) من وحي الولاء

(بحر الطويل)

الشيخ حبيب الهريبي(*)(1)

ولا يتُكُم فخرِي ومجدي و سُؤدَدِي *** وخدمتُكُم ذُخرِي وزادي في غدِي

سأرفعُكُم دوماً شعاراً ومبدءاً *** أردّدهُ في محشدٍ إثرَ محشدِ

سأدعُو إليكُم ما حييتُ و إنّما *** حياتِي أن أدعُو إلى آلِ أحمدِ

فما ضرّني من نالَ منّي بحقده *** لأنّي أستسقي هداكُم فأهتديِ

فقومٌ رمَوْني بالغُلو لأنّني*** أقدَّسكم في اللهِ قربى محمدِ

وكم تهمةِ قد لفَّقوها و فريةٌ *** أقاموُا لها الدنيا على سوءِ مقصدِ

فعنكُم أخذنا و الكتابُ قرينُكُم *** يؤيِّدكُم أعظِمْ به من مؤيّدِ(2)

فتوحيدُنا عنكُم و منكُم و هذه *** علومُكُمُ كانت لنا خيرَ موردِ

فلم نعتقدْ إلاّ بما صحَّ عنكُمُ*** فقولُكُمُ الحقُّ الذي فيه نهتدِي

ص: 365


1- (*) هو الخطيب الشيخ حبيب بن إبراهيم بن عبد العزيز بن محمد الهريبي، ولد في بلدة العمران الأحسائية عام 1368 ه و بها نشأ حتى تجاوز عقد حياته الأول قليلاً نزح منها، و اتّخذ بلدة المنصورة موطناً لإقامته، حيث هاجرت أسرته إليها، و قد انتسب لحوزة النجف الأشرف و واصلٍ دراسته الدينية أيضاً في الأحساء على يد العلامة الشيخ محمد الهاجري، و تتلمذ أيضاً على جملة من الخطباء، منهم السيد محمد السيد ياسين الصفواني، و الشيخ حسن القيسي البحراني و السيد محمد صالح العدناني، و ارتقى المنبر الحسيني في بعض دول الخليج كالكويت و البحرين و الإمارات. و له مؤلفات عدة منها: إشراقات فكريّة من أنوار الخطبة الفدكيّة، و هو عبارة عن شرح لخطبة الزهراءعلیها السلام يقع في ثلاثة أجزاء، وقد نظم أشعاراً في المناسبات الدينية مثل المولد النبوي الشريف، و مواليد أهل البيت الطاهرين علیهم السلام و مراثي العلماء.
2- قرينكم: قرين الشيء شبيهه في الصفات.

أيا بضعةَ المختارِ عفواً إذا انبرى *** لمدحِكِ مثلِي في نشيدٍ مردِّدِ

فقدسُكِ أسمى من مديحِي و إنّما *** أتيتُكِ أستجدي نداك المحمدي

فأنتِ العطاءُ الجمُّ و الكوثَرُ الذي*** تحدَّر من ذي العرش في خيرِ مولدِ

فمثلُكِ أنثى لم ير الدهرُ في العلا *** تضاهِكِ يا أمُّ الفَخَارِ المُخَلَّدِ

أيا مولدَ الزهراء يا مشرِقَ الهدى *** و يا نبعَ التُّقى و نور الموحِّدِ

و يا مفخرَ الإسلامِ يا رمزَ عزّه *** و يا جوهرَ الحقَّ الصريحِ المجسَّدِ

فأنتِ لناهديُّ نجدِّد ذكره *** لنبقى به أحياءُ في اليومِ و الغدِ

ص: 366

(10) نور البتول علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

الخْضَرَّ وَجْهُ الرُّبَى وَاعْشَوْشَبَ الوادِي *** وَ الطَّيْرُ غَنَّى بِأَلْحانِ إنشادِ

وَ الكَوْنُ أبْلَجُ بالأنوارِ مُتَّقِداً *** يَزْهُوْ كما ازْدَانَ في أَنْوارِهِ النَّادِي(2)

نُورٌ وَ رَبِّكَ لاتَخْفَى مَظَاهِرُهُ *** نُورُ البَتُولَةِ بِنْتِ المُصْطَفى الْهَادِي

وَ ذِي مَلائِكَةُ الرَّحمَنِ مَا بَرِحَتْ *** تُسَبِّحُ اللَّهَ تَسْبِيحَاً بِتِرْدَادِ

وَ يَمَّمَتْ نَحْوطه المُصْطَفَى وَ هُما *** على أساريرِها تِبشارُها بادِ(3)

تَدْعُوه يا سَيِّداً قامَ الوُجُودُ بِهِ *** منّا عَلَيْكَ سلامٌ ما حَدَا الحادي

إلَيْكَ أَرْسَلَنَا الباري فَدُونَكَها *** مِنْهُ التَّحِيَّةَ وَ هُوَ الموجِدُ البادي

جِئْنَا نُهَنِّيكَ بِالزَّهْرًا فَإِنَّ لَهَا *** فَضْلاً وَ رَبِّكَ لا يُحْصَى بِتَعْدَادِ

أَحِبَّةَ المُرْتَضَى الهادي وَ شِيعَتَهُ *** وَ مَنْ لَكُمْ حُبُّهُ مِنْ خَيْرِ أَوْلَادِ

قُومُوا تُهَنِّي خَدِيجَ الخَيْرِ عَنْ فَرَحٍ*** بِتُحْفَةِ اللَّهَ وَ هُوَ الواهِبُ السادِي(4)

خَدِيجَةَ الخَيْرِ يا مَنْ رَاحَ سُؤدَدُهَا *** يَعْلُوْ سَوامِخَ أطام وَ أَطْوَادِ(5)

يا مَنْ حَبَاهَا بِخَيْرِ الخَلْقِ قاطبةً *** رَبُّ السَّمَا وَ كَسَاهَا أُسَّ إسْعادِ

ص: 367


1- (*)مرت ترجمة الشاعر فى الجزء الأول.
2- أبْلج الصبح: أسفر و أنار.
3- يمَّمت: قصدت.
4- السادي: المعطي.
5- الآطام: جمع أطم و هو الحصن أو البيت المرتفع. الأطواد: الجبال.

بِالمُصْطَفَى خَصَّها هادِي الأنام إلى *** دَرْبِ الرَّشادِ فَأَضْحَى خَيْرَ رَشَادِ

قَادَ السَّفِينَ إلى شاطي الأمان ألا *** أكْرِمْ بِهِ رَائِداً بَلْ خَيْرَ رُوَّادِ

بنَتْ بِهِ وَ قُرَيْشٌ في عَدَاوَتِها *** لَهَا بِأَعْظَم نُقَادٍ وَ حُسَّادِ

فَالنّاسُ وَ المالُ لم يَبْغُوا بِهِ بَدَلاً *** إلا الَّذِي كَانَ فِيهِ خَيْرَ زُهَادِ

وَ أُمُّ فاطِمَةٍ في المالِ زاهِدَةٌ *** أكرِمْ بِأُمِّ بِهِ مِنْ خَيْرِ زُهَادِ

جادَتْ بِهِ لِرَسولِ اللَّهِ مِنْ كَرَمِ *** أَكْرِمْ بأُمِّ غَدَتْ مِنْ خَيْرِ أجوادِ

فَيا خَدِيجَةُ تِلْتِ الخَيْرَ اجْمَعَهُ *** بالمصْطَفَى خَيْرِ مِعْطاء و مُرْتَادِ(1)

أعطاكِ رَبُّكِ بِالمختارِ مَرْتَبَةً *** فَاقَتْ مَرَاتِبَ أَشْرافٍ وَ أَمْجَادِ

وَ خَصَّكِ مِنْهُ بالزّهراء فاطِمَةٍ *** كأَنَّها وَ الهُدَى جَاءَتْ بمِيعادِ(2)

أكْرِمْ بِفَاطِمَةَ الزهراء سيدةَ *** النِّسْوانِ مِنْ حاضِرِ في النَّاسِ أَوْبادي(3)

يا بِنْتَ أَشْرفِ خَلْقِ اللَّه قاطِبَةً *** إِنْ جِيءَ فِيهِمْ بأَوْلَادٍ وَ أَحْفَادِ

وَ يَا رَبِيبَة بَيْتِ المَجْدِ مِنْ مُضَرٍ *** وَ خَيْرِ هَاشِمٍ مِنْ آتِ وَ مِنْ غَادِ

وَ يَا رَضِيعَةَ ثَدْيِ الوَحْيِ يا أَمَلِي *** يَا مَنْ لَهَا كَلِمٌ مِنْ خَيْرِ إِرْشَادِ

لِلَّه ميلادُكِ المَيْمونُ إِنَّ بِهِ *** اهْتَزَّتْ رُبانا فَأَضْحَى بمِيلادِ

تَقَبَّلي وَ دَنَا في حَفْلِنَا فَبِهِ *** مِنْ خالص الوُدُ مِنَّا أيُّ إِنْشَادِ

حتَّى وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَعْلُو بَلاغَتُهُ *** لَكِنْ بِكُمْ يَتَبَاهَى لَابِنُقَادِ

لأَنَّكُمْ أَنْتُمُ أَهْلُ القَبُولِ وَ أَصْحَابِ *** العَطَا لِرَفَّادِ وَ وَفَّادِ

يا رَبِّ بِالْآلِ بَلْغْنَا مَقاصِدَنَا *** فَأَنْتَ أكْرَمُ مَقْصُودٍ لِقَصَّادِ

وَ زِدْ لَنَا يا إلهي في مَحَبَّتِهِمْ *** فَإِنَّ حُبَّهُمُ مِنْ أَفْضَلِ الزَّادِ

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى المُخْتَارِ سَيِّدِنَا *** وَ المُرْتَضَى عَلَيَّ مَا حَدَا الحَادِي

ص: 368


1- مرتاد هنا اسم مفعول و هو الذي يراد منه الخير.
2- انظر تسميتها الزهراء علیها السلام.
3- حاضر: من الحضر و هم سكان المدن. و البادي: سكان البادية. و في تسميتها فاطمة علیها السلام.

و فَاطِمِ وَ بِنِيها ما بَدَاقَمَرٌ *** أَوْلاحَ نَجْمٌ بِنورِ مِنْهُ وَقَادِ(1)

أعْنِي بِهِمْ آل طه المُصْطَفَى فَبِهِمُ *** تُنْفَى الكُرُوبُ بِدَهْرٍ جَائِرٍ(2) عادِ

ص: 369


1- وقاد: النور. الوقاد : المشع المضيء.
2- جائر: ظالم.

(11) إمام المرسلين

(بحر الوافر)

الشيخ حسن البحراني القيسي (*)(1)

عَلَى الزَّهْراءِ حُزني في ازْدِيادِ *** وَ دَمْعِي فَوْقَ صَحْنِ الخَدّ بادِي

لِبَلْواها أَنُوحُ بلا انْقِطَاعٍ *** وَ أَنْدُبُ مِثْلَما قَدْ ناحَ شادِي(2)

أُمَنْلُها وَ قَدْ فَقَدَتْ أَباها *** إمامَ المُرْسَلِينَ وَ خَيْرَ هَادِي

وَ عجَّتْ بِالبُكاءِ تَنُوحُ شَجُواً *** لَهُ وَ تَعِجُ مِنْ أَقْصَى الفُؤادِ

وَ عَيْناها مِنَ الأحزانِ قَرْحَى *** تَصُبُّ لَهُ المَدامِعُ كالغَوادِي(3)

تُنادي وَ الدُّمُوعُ بها احْمِرارٌ *** وَ نَارُ الوَجْدِ تُضْرَمُ في الفؤادِ

ألا يا والدي قَدْ كُنْتَ ذُخْرِي *** فَوا ذُلّاهُ بَعْدَكَ يا عِمادي

ألا يا والدي قَدْ كُنْتَ حِصْناً *** أَلُوذُ بِهِ بِمُعْتَرَكِ الشّدادِ

ألا يا والدي كُنْتَ الْمُرَجّى *** إِلَيَّ وَ كُنْتَ يا أَبَتِي سِنادِي

فَها أنا بَعْدَ فَقْدِكَ يا مَلاذِي *** أَحِنُّ جَوّى لِعُظمٍ الاضِطهاد

وَ كُنْتَ حِمايَ مِنْ جَوْرِ اللَّيالي *** وَ كُنْتَ حِمَايَ مِنْ جَوْرِ الأَعادِي(4)

عَليَّ تَراكَمَتْ مُذْ غِبْتَ عَنِّي *** مَصائِبُ مِثلُ أَظوادٍ صِلادِ(5)

وَ نَوْحِي كَالحَمامَةٍ في بُكاها *** تَحِنُّ بلا انقطاع أَوْ نَفادِ

ص: 370


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الشادي: الذي يمدّ صوته كالغناء.
3- الغوادي: مطر الغداة مفرده الغادية.
4- جور الليالي: سوادها جَوْر الأعادي: ظلمهم.
5- أطواد: جبال عظيمة. صلاد: صُلْبَة.

أو الهَيْمَانِ ضَيَّعَهُ أَلِيفٌ *** فَها هُوَ هائِمٌ في كُلِّ وادي(1)

فواحُزْنِي عَلَيْكَ أَبِي سَأَبْكِي *** عَلَيْكَ إلى مَمَاتِي وَ افْتِقادِي

وَ أَنْدُبُ لاأُفَتِّرُ مِنْ شُجُونِي *** وَ اتَّخِذُ البُكا شُرْبِي وَ زادي

بَنِي المُخْتَارِ ما أَدْهَى رَزَايَا *** دَهَتْكُمْ عُنْوَةٌ دُونَ العِبادِ

عَلَيْكُمْ لَمْ يَزَلْ يَنْهَلُ دَمْعِي *** مُذاباً كَالجُمَانِ و كَالغَوادِي(2)

صَلاةُ اللَّهِ وَ الأَمْلاكِ جَمْعاً *** عَلَيْكُمْ ما حَدا لِلرَّكْبِ حَادِي(3)

ص: 371


1- الهيمان: رجلٌ محبّ شديد الوَجْد كأنّه جُنّ من العشق فذهب على وجهه من غير قصد. هائم: ذاهب لايدري أين يتوجّه.
2- الجمان: اللؤلؤ.
3- كنوز المدح و الرثاء ص25.

(12) رَكْرُ الشريعة

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

حَسْبِي على ما حَلَّ بي إنشادي *** وَ تَلَبَّسِي بالنوح و التَّعْدادِ

حُزْنِي يَزِيدُ وَ حَسْرَتِي لاتَنْقَضِي *** وَ الوَجْدُ يُشْعِلُ بالصِّرامِ فُؤادي

لِي حَرْقَةٌ لاتَنْطَفِي طُولَ الْمَدَى *** وَ أَنُوحُ كالقُمْرِيّ في الأَعْوادِ(2)

يا صاح دَعْنِي فَالْوُلُوعُ أَمَضَّنِي *** وَدَع العِنابَ فَلَسْتَ مِنْ أَنْدَادِي(3)

دَعْنِي أَكَابِدُ مِحْنَتِي وَ صَبابَتِي *** فَلِمَا بُلِيتُ مُلازِمَ التّسْهادِ(4)

لَمْ أَبْكِ فَقَدَ أَحِبَّةٍ كَلا ولا *** رَسُمٌ عَفَاهُ تَرادف الآبادِ

کَلا و لاأبكِي حُطاماً زائِلاً *** عنِّي و لالطوارِفٍ وَ تِلادِ(5)

لكِنْ شَجانِي ما أُصِيبَ مُحَمَّدٌ *** في آلِهِ مِنْ مِحْنَةٍ وَ نِكادِ

وَ يَكَيْتُ لِلزَّهْرا وَ مَا بُلِيَتْ بِهِ *** فَتَجَلْبَبَتْ مِنْ حُزنِها بِسَوادِ

لَمْ أَنْسَهَا لَمَّا أَتَتْ مُلْتَاعَةً *** قَبْرَ النَّبِيِّ وَ دَمْعُها كَغَوادِي(6)

تَدْعُو: أَلا يا والِدِي يا مَنْ بِهِ *** رُكْنُ الشَّرِيعَةِ ثَابِتُ الأَوْتَادِ

ص: 372


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- القُمري: ضربٌ من الحمام حسن الصوت.
3- الولوع: شدة الوَلَع و الحب والتعلّق. أمضني: آلمني و جرحني و أحرقني.
4- التسهاد: الأرق و قلة النوم.
5- طوارف: جمع طارف و هو المال المستحدث، و يقابله التلاد و هو جمع التالد، أي المال القديم.
6- ملتاعة: مصابة بلوعة و مرض -غوادي: أوائل الأمطار.

أبْنَاهُ قُمْ و انْظُرْ لِحالِي كَيْ تَرى *** أَثَرَ التألمِ فَوْقَ وَجْهِيَ بادِي

ما شُمْتُ مِنْبَرَكَ العَظِيمَ وَ زُرْتُهُ *** الأَ بَكَيْتُ لِوَحْشَةِ الأَعْوادِ

يا وَحْشَةَ المِحْرابِ زادَتْنِي أَسَى *** وَ كَأَنَّهُ بِاكٍ عَلَيْكَ يُنادِي

أَوْحَشْتَنِيَ يَا خَيْرَ مَبْعُوثٍ وَ يَا *** خَيْرَ الأنام وَ قُدْوَةَ الأَمْجادِ

تَاللَّهِ يا أَبَتاهُ لَوْعايَنْتَنِي *** مَكْسُورَةَ الأضلاع بالأحقادِ(1)

صَدْرِي يَسِيلُ دَماً وَوَجْدِي ما *** لَهُ حَدَّ مَدَى الأَيام وَ الآبادِ

قَدْ وَ رَّمُوا مَثْنِي بِضَرْب سِياطِهِمْ *** وَ أَنا أَحِنُّ مِنَ الأسى و أُنادِي

مَلْطُومَةٌ عَيْنِي وَ بَعْلِي بَيْنَهُمْ *** أَضْحَى يُقادُ مُلَبَّباً بِنِجَادِ(2)

وَ أَشدُّ ما أَجْرَى دُموعِي وُكَفاً *** كالغَيْثِ مُنْهَمِراً بكا أولادي(3)

يا بِنْتَ طَهَ ما أَمَضَّ مُصابَكُمْ *** مُجْرِي الدُّمُوعَ وَ مُحْرِقُ الأَكْبَادِ

صَلَّى الإلهُ عَلَيْكُمْ ما زَمْجَرَتْ *** سُحْبُ السَّما بِالبَرْقِ وَ الإِزعادِ(4)(5)

ص: 373


1- هذا البيت و الأبيات التي تليه إلى ما رويناه عن كتاب سليم بن قيس ص40 عن الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل و العوالم ج2/11 ص558.
2- ملبياً: مجروراً -نجاد: حمائل السيف.
3- وكَفاً: سائلة قليلاً قليلاً.
4- زمجرت: أكثرت الصياح و الصخب و التهديد.
5- كنوز المدح و الرثاء ص41.

(13) یا خیر داع...!

(بحر الكامل)

الشيخ حسين الشبيب (*)(1)

يا خَيْرَ داعٍ لِلْإِلَهِ وَهادِي *** شَمِئَتْ بِمَوْتِكَ جُمْلَةُ الحُسَّادِ

وَلِفَقْدِكَ انْفَجَعَتْ مَلائِكَةُ السَّما *** وَلَهُ تَهَدَّمَ شامِخُ الأَطْوادِ(2)

وَعَلَيْكَ زُلْزِلَتِ السَّماءُ وَأَعْوَلَتْ*** زُمَرُ المَلائِكِ فَوْقَ سَبْعِ شِدادِ

وَبَكَتْ عَلَيْكَ الكائناتُ بِأَسْرِها *** وَخَبا ضِيَاءُ الكَوْكَبِ الوَقَّادِ(3)

ص: 374


1- (*) الشيخ حسين الشبيب هو الخطيب الفاضل الشيخ حسين بن شبيب بن محمد بن علي آل شبيب، وآل شبيب من الأسر العربية العريقة في المنطقة الشرقية في السعودية وفي بلادهم أم الحمام بل في القطيف وعرفت هذه العائلة بالذكاء والفطنة وجودة الحفظ بصورة عامة . و شاعرنا المترجّم له بصورة خاصة عرف بذكائه وفطنته ونظره البعيد فلذلك اشتهر ذكره في تلك البلاد، وكان رجلاً اجتماعياً ودينياً ووطنياً ، وهو جميل المعاشرة غير متصنعِّ في بشاشته فهو على جانب عظيم من الشمم والإباء وسمو الهمة وشرف النفس، وقد انغمس في حب أهل البيت علیه السلام وأخذ على عاتقه خدمتهم طيلة حياته ، فعقد في داره مجلساً للعزاء عليهم في كل ليلة على الدوام والاستمرار بصورة عامة وفي عشرة محرم بصورة خاصة ، وكان أكثر نظمه في أهل البيت علیه السلام مدحاً ورثاءّ، ومن ذلك جاء ديوان له في جزأين، الأول باللغة الفصحى والثاني باللغة الدارجة ،طبع في النجف الأشرف سنة (1374ه)، وديوانه المذكور هو الذي خلَّف له الذكر الخالد الذي لا يبيد وحقاً ما قال الشاعر . و ما من كاتب الا سيبلى *** و يبقى الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بكفك غير شيء *** يسرُّك في القيامة أن تراه و افاه الأجل المحتوم في 29 صفر (1369ه).
2- الأطواد :مفرده الطَّوْد، وهو الجبل العظيم.
3- خبا: انطفأ و خمد.

اللَّهُ أَكْبَرُ إِنَّ يَوْمَكَ في الوَرَى *** قَدْ كانَ أَدْهَى مِن صَواعِقِ عادِ

أَشْجَى الخَلائِقَ وَ القُلُوبَ أذابها *** حُزْناً وَ أَصْبَحَ جِبْرَئِيلُ يُنادِي

اليَوْمَ ماتَ مُحَمَّدٌ وَ الأنْبِيا *** لَبِسَتْ لِفَجْعَتِهِ ثِيَابَ سَوادِ

اليَوْمَ رُكْنُ الدِّينِ زُلْزِلَ وَ الهُدَى*** اليَوْمَ قامَتْ دَوْلَةُ الأَوْغادِ

اليومَ أَصْبَحَتِ البَتُولُ يَتِيمَةً *** مِنْ بَعْدِ فُقدانِ النَّبِيِّ الهادِي

اليَوْمَ رُضَّتْ بالجِدارِ ضُلُوعُها *** اليَوْمَ قَدْ لَبِسَتْ لِبَاسَ حِدادِ(1)

اليَوْمَ أُسْقِطَ مُحْسِنٌ وَ بَنُو الشَّقا *** جَهْراً أَبانُوا مَكْمَنَ الأَحْقَادِ

اليَوْمَ بالنيِّرانِ أُحْرِقَ بابُها *** وَقَضَتْ حَلِيفَةً رَنِّةٍ وَ سُهادِ(2)

اليَوْمَ قَادُوا المُرْتَضَى بِنِجادِهِ *** قَسْراً وعانى ذِلَّةَ الأَصْفادِ

اليَوْمَ حَيْدَرَةٌ قَضَى فِي فَرْضِهِ *** في وَسْطِ مَسْجِدِهِ بِسَيْفِ مُرادِي

اليَوْمَ ماتَ المُرْتَضَى وَقَضَى ابْنُهُ *** الحَسَنُ الزَّكِيُّ وَجَفَّ زَرْعُ الوادِي

اليَوْمَ جُمِّعَتِ الجُمُوعُ بِكَرْبَلا *** مِنْ كُلِّ ناحِيَةٍ وَكُلِّ بِلادِ

اليَوْمَ قَدْ عَقَدَ ابْنُ هِنْدٍتاجَهُ *** وغَدَا الحُسَيْنُ فَرِيسَةَ ابْنِ زِيَادِ

اليَوْمَ خَرَّ عن الجوادِبِنَبْلَةٍ *** عَيْطَاءَ قَدْ شَقَّتْ لِكُلِّ فُؤادِ(3)

اليَوْمَ بات َعلى التُّرابِ مُعَفَّراً *** مُلفّى ثَلاثاً في رُبىً و وِهادِ(4)

اليَوْمَ خَيْلُ أُمَيَّةٍ قَدْ أَصْبَحَتْ *** تَحْمِي مَغارَتَها عَلَى الْأَجْسَادِ

اليَوْمَ رَأْسُ ابنِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** حَمَلُوهُ جَهْراً في القَنا المَيَّادِ

اليَوْمَ قَدْ حَرَقُوا الخِيامَ بِكَرْبَلا *** وَ بَدَتْ عَزيزاتُ الرَّسُولِ بَوَادِي(5)

ص: 375


1- في هذا البيت والأبيات التي تليه إشارة إلى أحداث كثيرة. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 37 والبحار ج 53 ص 18 وعوالم العلوم ج 2/11 ص 558.
2- رنّة:(الرنّة): الصوت، أرنّت المرأة: أي صاحت.
3- نبلة عيطاء: السهم الطويل.
4- الرَّبي: ما ارتفع عن الأرض، التلّة. وهاد: أراضي منخفضة.
5- نقلت من ديوان الشبيب ج1 ص 18.

(14) و حق الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الشبيب (*)(1)

لِيَ عَيْنٌ دُموعُها كَالْغَوادِي*** وَمُصابٌ أَدامَ سُقمَ الْفُؤادِ(2)

بِتُّ والقَلْبُ مُبْتَلًى بِشُجونٍ*** وَ سَلَوْتُ الْكَرَى وَطِيبَ الرُّقادِ(3)

أَلْبسَتْنِي يَدُ الذُّنُوبِ لِباساً *** أَضْجَعَتْنِي مِنْ فَوْقِ شَوْكِ الْقَتادِ(4)

وَعَدَتْنِي بِحَسْرَةٍ أَتَرامَى *** جائِلُ الفِكْرِ في صَميمِ فُؤادِي(5)

أَطْلُبُ الرِّفْدَ والأَمانَ وَ مَا مِنْ*** مَلْجَأٍ غَيْرَ سيّدي وَ سِنادِي(6)

صاحِبُ الحَوْضِ وَاللِّوا سَيّدُ الكُلِّ*** مَلاذُ الوَرى بِيومِ المَعادِ

قَلَعَ البابَ مَنْ أَبادَ ابْنَ وُدٌ *** وَفَنى مَرْحَباً بِحَدِّالْحِدادِ

مَنْ بَنى الدِّينَ بالحُسَامِ وَأَرْوَى *** عَطَشَ الأرضِ مِنْ دِماء الأَعادي

مَنْ فَدَى المُصْطَفَى وَباتَ يَقِيهِ *** حِينَ قَلَّ الفِدا وَعَزَّ المُفادِي(7)

مَنْ بِهِ اللَّهُ في السماواتِ باهَى*** وَحَباهُ مِنْ مَنِّهِ بِأَيادِي(8)

أَمَرَ المُصْطَفَى وَنَادَاهُ بَلِّغْ *** مَنْ أَنا رَبُّهُمْ وَ مَنْ هُمْ عِبادِي؟

ص: 376


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- الغوادي: السُّحب التي تنشأ غدوة، أو أمطار الغداة.
3- سلوت الكرى: نسيت النوم وذهلتُ عن ذكره، طيب الرقاد: لذة النوم.
4- القَتاد: شجر صلب له شوك كالإبر.
5- أترامى جائل الفكر: أتابع إدارة الفكر و دورانه.
6- الرّفد: المعونة والعطاء.
7- عزّ المفادي: قلَّ من يفدي و يضحيّ بنفسه.
8- حباه بأيادي: أعطاه النعم من غير مقابل.

هُوَ مَوْلاهُمُ وَ أَنْتَ نَبِيٌّ *** حُكْمُكُمْ نافِةٌ لِيَوْمِ المَعادِ

فَأَقَامَ النَّبِيُّ في يَوْم خُمٍّ *** واضِعاً كَفَّهُ بکفِّ العِمادِ

قائلاً وَ العُيونُ تَرْنُوهُ شَزْراً *** وَ هُوَ فَوْقَ الأَعْوادِ جَهْراً يُنادِي(1)

داعِياً مَنْ أَنا لَهُ كُنْتُ مولّى *** فَعَلِيٌّ لَهُ إمامٌ وَ هادِي

و أتَى جِبْرَئيلُ يَتْلُو كَلاماً *** قالهُ اللهُ فوقَ سَبْعِ شِدادِ

أنَا أَكْمَلْتُ دينَكُمْ ثُمَّ أَتْمَمْتُ *** نِعْمَتِي وَ ارْتَضَيْتُكُمْ لِلرَّشادِ

يا ذَوِي العقل و البصائرِ سَمْعاً *** ثُمَّ طَوْعاً يا مَعْشَرَ الحُسّادِ

عقَدَ المُصْطَفَى لِحَيْدَرَ عَقْداً *** بِحُضُورٍ مِنْ كُلِّ حَضْرٍ وَ بادِي

بَيْعَةً في الرّقابِ طَوَّقَ عَقْداً *** لازمٌ ثابتٌ لِيَوْمِ المَعادِ

يا لَقَوْمِي كَيْفَ العِدَى أَنْكَرُوها *** وَ أَخَلُوا عَقِيدَةَ الإعتقادِ؟

هَلْ أَتَى بَعْدَها الإمامُ بِجُرْمٍ *** نَقَضُوا العَهْدَ نَقْضَةَ الإِرْتِدادِ؟

لا وَ حَقِّ الزَّهْراءِ و الطُّورِ و النَّجْمِ *** وَ رَبِّ العِبادِ غَوْثِ البِلادِ

ما لَهُ عَثْرَةٌ و لا ذَنْبَ إِلا *** فَضْلُهُ وَ الْعُلا وَ قَوْلُ السَّدادِ

فَلَقَدْ قابَلَتْهُ بِالْبُغْضِ حَتَّى *** أَظْهَرُوا فيهِ كامِنَ الأَحْقادِ

بايَعُوا حامِلَ القُ صُعِ أخاتَيْمٍ *** وَخانُوا أخا النَّبِيِّ الهادِي(2)

وَ أَتَوْهُ بِجَمْعِهِمْ وَ اسْتَدارُوا *** حَوْلَ أَعْتابِهِ كَطَيْرِ الجَرادِ

فَأَتَتْ فاطمٌ فَأَبْدَتْ عِتاباً *** بِأَنِينٍ وَ حَسْرَةٍ و اتِّقادِ

مُذْ أَحَسَّ ابنُ... بِنِداها *** کَسَر البابَ وَ البَتولُ تُنَادِي

وَ اسْتَدَارُوا عَلى حِمى بَيْضَةِ الدِّينِ *** وَ قَادُوهُ وَ هُوَ صَعْبُ القِيادِ

عَجَباً وَ الزَّمانُ يُبْدِي اعْتِجاباً *** كَيْفَ أَعْطَى القِيادَ بِالانقيادِ

ص: 377


1- ترنوه شزراً: تديم إليه النظر بسكون الظرف. شزراً: نظر إليه بجانب عينه مع إعراض أو غضب.
2- هكذا كان في الديوان و الظاهر أنه كناية عن معان قصدها الشاعر، والله العالم.

وَ هُوَ غَوْتُ المَلْهُوفِ فِي كُلِّ كَرْبٍ *** وَ مَلاذُ الْمَخُوفِ في كُلِّ نادي(1)

وَ الّذي شَبَّ في القلوبِ ضِراماً *** وَ أَشابَ الطِّفْلَ الّذي في المِهادِ

ما جَناهُ ابْنُ مُلجَم في ذُرى العرشِ *** وَ مِنْهُ انْفَطَرْنَ سَبْعُ شِدَادِ

يا عُيون الإسلامِ هِلي دِمَاءً *** شَجَّ رَأْسَ الأميرِ سَيْفُ المُرادِي(2)

ص: 378


1- نادي: المكان الذي يجتمع فيه القوم للجلوس و المشاورة.
2- نقلت من ديوان الشبيب ج2 ص4.

(15) تشدو الطيور

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين النصراوي (*)(1)

يا لهذا الصباحِ كمْ من جمالٍ *** فيهِ كمْ من سماحةِ المعبودِ

فيهِ شدُو الطيورُ و الحقلُ يزهو *** و يحاكي النسيمُ عطرَ الورود

في ظلال الحقولِ أقحمتُ نفسي *** و تنسمتُ مسكَ يومٍ جديدِ

و توجّهتُ مفرداً لأقضّي *** بين تلكَ المروجِ روعةَ عيدي

خلتُ نفسي مسافراً في وجودٍ *** أخرويٍ في غيرِ هذا الوجودِ

فسألتُ الطيور عن فرحةِ الغابِ *** فغنّتْ و أبدعتْ بالنشيدِ

صاحِ ماذا تقولُ فاليومُ عيدٌ *** فترنّم بقولِ خيرِ القصيدِ

ص: 379


1- (*) هو الشيخ حسين بن عبد الأمير بن نجم بن عبيد بن جاسم النصراوي، ينتمي إلى عشيرة النصاروة في العراق. موطنه الأصلي هو مدينة كربلاء المقدسة، لكن المترجم له نتيجة لهجرة والده من العراق ولد في سورية في معر تمصرين التابعة لمدينة أدلب الشمالية في نهاية عام 1981 م ثم انتقل إلى مدينة نبّل الواقعة بالقرب من محافظة (حلب) المعروفة، و من ثم دخل المدرسة الابتدائية، و أتمها ثم بدأ بالدراسة المتوسطة، ثم انتقل مع عائلته إلى دمشق إلى جوار السيدة زينب علیه السلام و أتم هناك دراسة المتوسطة فالثانوية، ثم بدأ بالدراسة الجامعية في كلية الآداب قسم اللغة العربية وبالموازاة مع الدراسة المدرسية، بدأ دراساته الحوزوية، و هو الآن ما زال في مرحلة السطوح و اهتم بصعود المنبر و قراءة نتف من العزاء على سيد الشهداء علیه السلام و قد استفاد في هذا المجال من ثلة من خطباء المنبر الحسيني علیه السلام، و بالأخص والده الخطيب الشيخ عبد الأمير النصراوي، و كذلك بدأ تجربته الشعرية منذ سن مبكرة، و في السن الرابعة عشرة تمكّن من كتابة أول قصيدة طبقاً للأوزان الشعرية شعره من السهل الممتنع فهو يرفض التعقيد و استخدام الألفاظ الصعبة.

جاءتِ اليومَ درةٌ لرسولٍ *** فتغنّى الوجودٌ بالتغريدِ

وردةٌ ضوّعتْ فطابَ شذاها *** و تسامى و حازَ مجدَ الخلودِ

من رحابِ الجنانٍ جاءتْ لتسمو *** في ربيعِ الحقولِ فوقَ الورودِ

ما رآها الأنامُ بالحقِّ لكنْ *** كبّلوها ببغيهمْ بالقيودِ

هي في جوهرِ الحقيقةِ نورٌ *** جاءَ يسعى خلالَ أفقٍ بعيدِ

لينيرَ الوجودَ بالخيرِ و العدلِ *** و يدعو لخلقِ كونٍ سعيدِ

دوحةٌ مدّتِ الغصونَ لتعطي *** بُرعُم الخيرِ و الجمالِ الفريدِ

ص: 380

(16) قبرها عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الحاج سعود الشملاوي(*)(1)

لِبِنْتِ النَّبِي الهَادِي الحَشَا تَتَوَقَّدُ *** فَمَا عُذْرُ دَمْعِ العَيْنِ أنْ لا يُبَدَّدُ

سَابْكِي لَهَا حَتَّى تَذُوبَ حُشَاشَتِي *** وَ جِسْمِي يَبْلَى وَ المَدامِعُ تَجْمُدُ

فَقَدْ كَابَدَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ مَصَائِباً *** إِذَا رُمْتَ إِحْصَاهَا تَعَيَّا التَّعَدُّدُ(2)

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلا فِراقُ مُحَمَّدٍ *** كَفَاهَا وَ هَلْ مِثْلُ المُفَضَّلِ يُوجَدُ؟!!

ص: 381


1- (*) هو الخطيب الحاج سعود بن عبد العزيز بن أحمد الشملاوي. ولد في منطقة (أم الحمام) من توابع المنطقة الشرقية في السعودية في حوالى عام (1335ه_)، و نشأ تحت ظل والده نشأة حسنة، و قام بتعليمه و الاهتمام به، حيث بعثه للتعلّم بالطريقة المألوفة آنذاك، فضمه إلى معلّمي القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، و كان تعلّمه القرآن عند عند الملّا حسن مسلم المرهون. ثم بعد ذلك انضم لتعلم الكتابة عند السيد حبيب الهاشم الملقب بالمعلّم، ثم عند الشيخ عبد الحي المرهون، و تتلمذ على عدة من فضلاء عصره كالعلامة الشيخ منصور المرهون و العلامة الشيخ فرج العمران. ثم أخذ نهج الخطابة الحسينية فبرع في فنونها و تركيبتها، و من مميزاته أنه كان يمتلك حافظة قوية بحيث كان يحفظ القصيدة للمرة الأولى من سماعها فأستمر في تحقيق اكبر مستوى في الميدان الخطابي حتى قطع شوطاً كبيراً بفضل جهوده و طموحاته، و بفضل اتصالاته ببعض الخطباء و العلماء أمثال العلامة الشيخ فرج العمران، و الشيخ عبدالحميد المرهون تكونت لديه الثروة الثقافية الكبيرة التي تحمل في طياتها الأساليب المختلفة الاقناعية و الاستدلالية عقائدية و تاريخية و أخلاقية و فقهية و بفضل الطريقة التي اعتاد عليها من كتابة المواضيع التي كان يُحضرها للقراءة فقلّما يُلقي موضوعاً لم يكتبه -بفضل ذلك استطاع أن يتمكن من تنسيق البحث و إلقائه على الوجه الأكمل، و كل هذه المؤهلات العلمية جعلته شاعراً مبدعاً. فجنّد نفسه لخدمة مبدئه فأثراه بالعطاء المفعم. مالئاً حياته بالصور المضيئة كما أنه يتمنى أن تُختم حياته بذلك فيقول (أرجو أن أموت و أنا في خدمة أهل البيت علیهم السلام).
2- إذا رمت إحصاها تعيَّاً التعدد: إذا قصدت إحصاءها عجز التعدد.

فَمِنْ أَجْلِهِ عَافَتْ كَرَاهَا وَ عَيْشَهَا *** فَمَا شُغْلُهَا إلا البُكَا يَتَرَدَّدُ

مُعَصْبَةٌ لِلرَّاسِ نَاحِلَةَ القُوَى *** وَ مُنْهَدَّةَ الأَرْكَانِ مِمَّا تُشَاهِدُ

تُشَاهِدُ أعَدَاهَا لَها نَصَبُوا العِدَا *** وَرَدُّوا وَصَايَا أَحْمَدٍ وَ تَمَرَّدُوا

فَمَهُمَا أرَادَتْ أنْ تَنُوحَ لِفَقْدِهِ *** تُمَانِعُهَا عَنْ نَوْحِهَا وَ تَوَعَّدُ

وَ قَالُوا إلى الكَرَّارِ فَاطِمُ تُؤذِنَا *** وَ حَتَّامَ هَذَا النَّوْحُ هَلاً يَنْفَدُ؟!(1)

فَإِمَّا تَنُوحُ اللَّيْلَ نَهْدَأْ نَهَارَنَا *** وَ إِمَّا نَهَاراً وَ الخَلائِقُ تَهْجُدُ

هُنَاكَ عَلِيٌّ فِي البقيع بَنَى لَهَا *** إلَى الحُزْنِ بَيْتاً فَهيَ فِيهِ تُرَدَّدُ

وَ قَدْ مَنَعُوهَا إرْتَها وَ تَحَالَفُوا *** عَلَى ظُلْمِها يَا وَيْلَهُمْ وَ تَعَاقَدُوا(2)

أَتَتْهُمْ تُنَادِيهِمْ إلى رَدْحَقِّهَا *** فَمَا سَمِعُوا بَلْ كَذَّبُوها وَ فَنَّدُوا(3)

وَ قَالُوا (شُهُوداً) يا بَتُولَةُ قَدِّمِي *** فَجَاءَتْ بِخَيْرِ النَّاسِ لِلَّهِ يَشْهَدُ(4)

عَليَّ وَ ابْنَيْها فَلَمْ يَقْبَلُوهُمُ *** لَحَى اللَّهُ قَوْماً فِي الضّلالِ تَرَدَّدُوا(5)

ص: 382


1- إشارة إلى ما روي في كتاب الخصال ص272 ح15 عن أبي عبدالله علیه السلام في حديث طويل، قال: و أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر -مقابر الشهداء- فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف. الحديث.
2- إشارة إلى ما روي في الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبدالله علیه السلام، قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها. الحديث.
3- إشارة إلى ما روي في الاحتجاج ج1/ ص119 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: فجاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و أخرجت وكيلى من فدك، و قد جعلها إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم بأمر الله «تعالى»؟ الحديث.
4- إشارة إلى ما روي في شرح نهج البلاغة/ لابن أبي الحديد ج16 ص274 عن علي علیه السلام قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر و قالت: إن أبي أعطاني فدكاً و أم أيمن و عليّ يشهدان. الحديث.
5- لحى: فعل ماضي يأتي من اللحاء. يقال لحى الله فلاناً -و ألحاء- قبحه و لعنه.

يُرَدُّ عَلِيٌّ مَعْ بَنِيهِ لِيَقْبَلُوا *** شَهَادَةَ عِلْجِ لاأُقِيمُوا وَ سُدْدُوا(1)

وَ مَا تَرَكُوهَا بَلْ أَتَوْهَا بِجَمْعِهِمْ *** إلى دَارِهَا وَ البَابَ بِالنَّارِ أَوْقَدُوا(2)

وَ قَدْ هَجَمَ الطَّاغِي -وَ لاإِذْنَ- دَارَهَا *** وَ آلمَهَا بِالسَّوْطِ وَغَدٌ وَ مَارِدُ

وَرَاحَ عَدُوُّ اللَّهِ يَلْطِمُ وَجْهَهَا *** وَ قَدْ قُبِضَتْ وَ اللَّظمُ فِي العَيْنِ يُوجَدُ

وَ الجَاهَا بَيْنَ الجِدَارِ و بَابِهَا *** وَ كَسَّرَ أَضْلاعَ البَتُولَةِ جَاحِدُ

وَ أسْقَطَهَا ذَاكَ الجَنِينَ بِعَصْرَةٍ *** فَخَرَّتْ تُنَادِي وَ الحَشَى تَتَوَجَّدُ

أَبِي كَسَرُوا ضِلْعِي وَ حَمْلِي أَسْقَطُوا *** وَ مِسْمَارُ بَابِي رَاحَ في الصَّدْرِ يَمْرُدُ

فَمَا بَرِحَتْ فَوْقَ الفِرَاشِ عَلِيلَةً *** تُكَابِدُ مِنْ آلامِهَا مَا تُكَابِدُ

إلى أنْ قَضَتْ مَغْصُوبَة يَا لِهَضْمِهَا *** و أَحْشَاؤُهَا مِمَّا بِهَا تَتَوَقَّدُ

فَقَامَ عَلِيٌّ لِلْبَتُولِ مُغَسْلاً *** فَمَرَّتْ عَلَى الأَضْلاعِ للمُرْتَضَى يَدُ

فَرَاحَ بِجَنْبِ الدَّارِ يَسْبُلُ دَمْعَهُ *** وَ نُورُ الضُّحَى مِمَّا اغْتَدَى فِيهِ أَسْوَدُ

فَنَادَتْه (أسْمَا) يا عَلِيُّ (تُعِزْنَا) *** وَ لَمَّا دَهَاك الخَطْبُ دُقَتْ سَواعِدُ

فَقَال ذَرِينِي إِنَّهَا لَوَدِيعَةٌ *** وَ عَادَتُها بِاليُمْنِ لِلأَهْلِ تُرْدَدُ

و هَذي بِهَذا الحَالِ كَيْفَ ارُدُّهَا *** وَ لاَعُذْرَ عِنْدِي لِلْمُؤمن يُوجَدُ

فَأَكْمَلَ بَعْدَ النَّوْح حَيْدَرُ غُسْلَهَا *** وَ شَيَّعَهَا بِاللَّيْل وَ النَّاسُ هُجَّدُ(3)

وَ اخْفَى عَلِيٌّ قَبْرَهَا حِينَ لُحْدَتْ *** وَ لَمْ يَدْرِجُلُّ النّاسِ عَنْه فَيَقْصُدُ

فَبَعْضُ رَآهَا فِي البَقِيع وَ بَعْضُهُمْ *** رَوَى قَبْرَها عِنْدَ النَّبِيِّ وَ أَوْجَدُوا

ص: 383


1- علج: الحمار الوحشي، القوي السمين. و من معانيه أيضاً الرجل الضخم من كفّار العجم و يطّلقه البعض على الكافر عموماً.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص36 في حديث طويل عن سلمان: ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل. الحديث.
3- هُجَّد: نُيَّمُ.

مَقَالَتَهُ ما بَيْن قَبْرِي وَ مِنْبَرِي *** لَرَوْضَتُها مِنْ رَوْضِ خُلْدِ تُشَاهَدُ

وَ رَبُّكَ أدْرَى بالصَّوابِ وَ عِنْدَه *** مَفَاتِيحُ كُلِّ الغَيْبِ وَ هُوَ المُسَدِّدُ(1)

ص: 384


1- نبضات الولاء ص177.

(17) مولد الكوثر البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ سعيد معتوق الشبيب (*)(1)

ياسماءُ افرحي و يا أرضُ جودي *** نجمُ سعد أنارَ كلَّ الوجود

كَتَبَ الفجُر في شفاهِ الليالي *** وُلدت فاطمُ ابنةُ المحمودِ

***

قد تباركتَ يا إلهُ فبارِكْ *** مولدَ الكوثَرِ البتولِ الولودِ

باركُوا للنبيِّ أفضلَ يومٍ *** و لزوج الرسُولِ تلكَ الودود

ثم للمرتضى الوصيٍّ عليٍّ *** بركات من ربَّنا المعبودِ

فاطمُ الأمّ تلك أُمّ أبيها *** بضعةُ منه أورثت كلِّ جودِ

لعلِيَّ رَبُّ العباداجتباها *** فحوتْ فخرَ كلِّ مجدٍ تليدِ

هي أُم لشبَّر و شَبيرٍ *** سادتْ الخلقَ في جنانِ الخلودِ

و لها زينبٌ أماً قد تجلّى *** دُرَّها الفذُّ في الفدا و الصمودِ

فاطمٌ أنتِ، مَن أنا أين شعري *** كيف يرقى لوصف سِرِّ الوجود؟

فاطمٌ أنتِ مَن أكون تراني *** كيف أصبحتِ في قوافي قصيدي؟

لستُ أدري و قد أحارُ جواباً *** غير أنّي عرفتُ سرّ وجودِي

قل لتاريخِنا الذي قد تساوى *** سيّدَ القوم رتبةً بالمسودِ

مَن تكونُ التي فداها أبُوها *** و هو طه رسولُ ربِّ حميدِ

ص: 385


1- (*) شاعر و أديب معاصر من القطيف، السعودية.

مَن تكونُ التي رضاهُ رضاها *** و أذاها يؤذي الإله... أفيدِي

لي عتابٌ على الذين تناسَوْا *** فضلَها و العتابُ جدّ شديدُ

أين أقلامُكُم و أين القوافي *** ألف أهٍ أقولُها في نشيدِي

***

ص: 386

(18) صوت أحمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ سلمان بن أحمد البحراني(*)(1)

أَتَبْكِي عَلَى رَسْمِ بِدَارَةِ ثَهْمَدِ *** عَفَتْهُ اللَّيالي فَهْوَ كَالْوَشْمِ فِي اليَدِ؟(2)

ص: 387


1- (*) هو الشيخ سلمان ابن الحاج أحمد بن عباس (التاجر) بن علي ابن الشيخ إبراهيم بن محمد بن حسين آل نشرة الماحوزي. و آل التاجر أسرة معروفة في المنامة عاصمة البحرين، لها مكانتها المرموقة في الأوساط البحرانية و لقب الأسرة في الأصل (آل نشرة) و هم من (الماحوز) إحدى القرى البحرانية الشهيرة و من أعلامهم في القرن الثالث عشر جد المترجَم له الشيخ إبراهيم آل نشرة. و قد خرّجت هذه الأسرة عدداً كبيراً من رجال الفضل و العلم و الأدب منهم المترجم له و ابنه الشيخ أحمد بن سليمان التاجر و أخوه الشيخ محمد علي التاجر صاحب منتظم الدرين، ولآلىء البحرين. نشأ المترجَم له و ترعرع في ظل أسرته و نال التربية الصالحة و تعشّق العلم منذ نعومة أظفاره و درس على أساتذة عصره أصحاب الفضيلة فكان تلميذاً أصحاب الفضيلة فكان تلميذاً للشيخ سلمان بن العصفور، خليفة الشيخ خلف العصفور و أخذ عنه عدد من أصحاب الفضيلة علومهم و معارفهم و منهم الشاعر الكبير الأستاذ إبراهيم العريض و غيره. و للمترجَم له نشاطات ثقافية و اجتماعية وقف بالمرصاد للتبشير المسيحي في البحرين فكان هو و جماعة من رجال الدين و المثقفين يزوّدون شباب البحرين بالمعارف الإسلامية الأصيلة لمواجهة الحملات التبشيرية فشلّوا نشاطات الحركة في البحرين، و للمترجم له مؤلفات منها: 1- شرح المزمور الخامس و الأربعين من كتاب (المزامير ) و لعله كان يهدف بذلك إلى مواجهة المد التبشيري بإطلاع الشباب المثقف في البلاد على الكتب المقدّسة المحرّفة و مناقشتها. 2- رسالة في (أسرار اللغة العربية). 3- نظم كتاب (جوامع الكلم) لغستاف لوبون. و افاه الأجل في20 من رجب لسنة (1342 ه_) بسبب و باء اجتاح المنطقة يومئذ.
2- ثهمد: علم مؤنث. عفته الليالي: درسته و محَتْهُ.

وَ تَصْبُو إلى تِذكارِ مَسْرَحِ لَذَّةٍ *** وَ مَلْعَبِ أَفْراحِ لِشَادٍ وَ أَغْيَدٍ(1)

لَكَ الوَيْلُ فَاعْزُبْ عَنْ ضَلالِكَ وَ اتَّخِذُ *** مِنَ الْوَجْدِ سِرْ بالاً لِحُزْنٍ مُجَدَّدِ

فَلَسْتَ تَرى واللَّهِ ما عِشْتَ فادِحاً *** بأفجَعَ مِنْ رُزءِ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ

نَعَتْهُ إِلى عَلْيَاهُ عَلْيَاءُ نَفْسِهِ *** و عَزّى بهِ التَّوْحِيدُ كُلَّ مُوَحِدِ

وَ هَمَّ بِأَنْ يُوصِي بِثِقْلَيْهِ قَوْمَهُ *** وَ بِالعَكْسِ هُمْ فيما يُرِيدُ بِمَرْصَدِ

و قالَ أناسٌ ظَلَّ يَهْجُرُ أَحْمَدٌ *** وَ نَجْمٌ هَوى ما ضَلَّ بَلْ وَحْيُ مُرْشِدِ

وَ كَمْ غُصَصٍ قَدْ جَرَّعُوهُ أَقَلُّها *** لَيُشْعِل ناراً في حَشى كُلِّ جَلْمَدِ(2)

إلى أن قَضى فانْقَضَّتِ الشُّهْبُ للثَّرى *** لِتَشْيِيعهِ في بِنْتِ نَعْشٍ وَ فَرْقَدِ

وَ قامَ يُعَزِّيهِ إلى عالَمِ السَّما *** أخُو الوَحْيِ في نَوْحِ الحَمامِ المُغَرِّدِ

وَ مَزَّقَتِ الدُّنْيا عَلَيْهِ فُؤَادَها *** وَ شَقَّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ جَيْبَ التَّجَلدِ(3)

وَ أَظْلَمَ وَجْهُ الكَوْنِ وَ الشَّمْسُ الْبِسَتْ *** بِشَوْبِ مِنَ الأحْزانِ بالكَسْفِ أَسْوَدِ

وَ عَيْنُ الهُدَى لَمْ تُرْق دَمْعَتَها أَسَى *** عَلَيْهِ وَ لازالتْ بِجَفْنٍ مُسَهَّدِ(4)

قضى نَحْبَهُ فَلْتَنْتَحِبْ لافتقادِهِ *** أرامِلُ كانَتْ مِنْهُ في خَيْرِ مَسْنَدِ

قَضَى فَقَضَتْ ما تَشْتَهِيهِ بِآلِهِ *** عَدَيٌّ وَ تَيْمٌ وَ هُوَ غَيْرُ مُلَحِّدِ

زَوَوْا صِنْوَهُ عَنْ حَقِّهِ و رَقَوْا عَلَى *** مَنابِرِهِ يَهْذُونَ هَذْيَ المُعَرْبِدِ(5)

خلا مِنْبَرٌ مِنْهُ بَناهُ بِصَيْفِهِ *** وَ لَمْ يَخْلُ مَتْنُ الطَّرْفِ مِنْهُ بِمَشْهَدِ

ص: 388


1- تصبو: تحنّ. شادٍ و أغيد شاد هو من يرفع صوته بالغناء و يترنّم به. أغيد الغلام الناعم الذي مالت عنقه و لانتْ أعطافه.
2- جلمد: صخر صلب.
3- التجلد: الصبر.
4- مسهّد: مؤرّق لم يعرف النوم و قلّ نومه.
5- زووا صنوه: منعوا، و الصنو: أي الأخ الشقيق.

و حاطُوا بِنارِ الجَزْلِ لِلْوَحْيِ مَنْزِلاً *** وَ قادُوا عَلِيّاً في نجادِ المُهَنَّدِ(1)

وَ فاطِمَةٌ بِالبَابِ أُسْقِطَ حَمْلُها *** بِعَصْرِ شَدِيدٍ مُؤْلِمٍ عَنْ تَعَمُّدِ(2)

وَ كُسْرَ مِنْها أَضْلَعُ لَيْتَ أَضْلَعِي *** فَدَتْها و إنْ لم تَكْفِ بِالنَّفْسِ أَفْتَدِي

وَ لَفَّعَها ذاكَ الزَّنِيمُ بِلَطْمَةٍ *** عَلَى وَجْنَةِ الخَدِّ الأصِيلٍ المُوَرَّدِ(3)

وَ مِنْ حَقِّها ابْتَزُّوا تُراثاً وَ نِحْلَةً *** وَرَدُّوا شهوداً صَوْتُها صَوْتُ أَحْمَدِ(4)

وَ كَمْ سَيِّئاتٍ سَوَّدتْ أَوْجُها لَهُمْ *** جَنَوْها عَلَى أَهْلِ الكِساءِ المُمَجَّدِ(5)

ص: 389


1- نجاد المهند: حمائل السيف. و في البيت إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص36-37 في حديث سلمان (رضي الله عنه) قال: بعد ذكر أحداث السقيفة -إلى أن قال:- نادى عمر حتى أسمع علي و فاطمة علیهما السلام و قال: والله لتخرجن يا علي علیه السلام، و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و إلّا أضرمت عليك النار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك ؟ فقال: افتحي الباب وإلّا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي اللَّه، تدخل عليّ بيتي؟! فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل. (إلى أن قال:) و ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون، فألقوا في عنقه حبلاً.
2- إشارة لما ورد في المصدر المتقدم ص40 و أرسل عمر إلى قنفذ: إن حالت بينك و بينه (أميرالمؤمنين علیه السلام) فاطمة علیها السلام فاضربها! فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها، فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».
3- الزنيم: اللئيم، الدَّعي و في البيت إشارة لما ورد في العوالم ج/ 2/11 ص568 عن المفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام في حديث طويل إلى أن قال: و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفعة خدّها حتى بدا قُرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: وا أبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
4- و ذلك إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص 574 في قولها سلام الله عليها: ظلموني حقّي، و أخذوا إرثي، و خرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك، و كذبوا شهودي و هم -والله- جبرئيل وميكائيل و أميرالمؤمنين علیه السلام و أم أيمن.
5- إشارة لما ذكره سليم بن قيس في كتابه ص41 حين قال أميرالمؤمنين علیه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم التي تعاقدتم عليها في الكعبة إن قتل محمداً أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت فقال أبوبكر: فما علمك بذلك، ما أطلعناك عليها؟! فقال علیه السلام: أنت يا زبير، و أنت يا سلمان و أنت يا أباذر و أنت يا مقداد، أسألكم باللَّه و بالإسلام أما سمعتم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول ذلك.

فَناشِدْ بِهِمْ شُورَى السَّقِيفَةِ كَمْ بها *** بنَوْا مِنْ أساسِ بِالضَّلالِ مُشَيَّدِ(1)

فَهُمْ عَمَّمُوا بِالسَّيْفِ هامَةَ حَيْدَرٍ *** وَ هُمْ قَطْعُوا بِالصُمِّ كَبُدَ المُسَدَّدِ

وَ هُمْ حَشَدُوا تلكَ الجُنُودَ وَ حارَبُوا *** بها ذلِكَ المَمْنُوعَ عَنْ عَذْبِ مَوْرِدِ

وَ هُمْ كَسَّرُوا أَضْلاعَهُ لاأُمَيَّةٌ *** بِجُرْدِ عَلَيْهِ كَمْ تَرُوحُ وَ تَعْتَدِي(2)

وَ هُمْ أَحْرَقُوا تِلْكَ الخِيامَ بِنَارِهِمْ *** وَ هُمْ نَهَبُوا ما في الخِباءِ المُوَطَّدِ(3)

وَ هُمْ رَفَعُوا تِلْكَ الرُّؤوسَ كَأَنَّها *** مَصاحِفُ مِنْ فَوْقِ القَنَا المُتَقَصّدِ

وَ هُمْ قَيَّدُوا ذاكَ العَلِيلَ وَ هُمْ مَشَوْا *** بِزَيْنَبَ حَسْرَى تَسْتُرُ الوَجْهَ بِاليَدِ

وَ هُمْ قَنَّعُوها بِالسِّياطِ و في المَطا *** هُمُ رَكَّبُوها بَعْدَ خِدْرِ مُحَمَّدِ

وَ هُمْ أَدْخَلُوها في الشَّامِ وَ اشْمَتُوا *** يَزِيدَ بها بَلْ كُلَّ وَاشٍ وَ مُلْحِدِ

وَ هُمْ لابَنُوالعبّاس شادُوا بناءَهُمْ *** عَلَى جُئَّتٍ لِلْآلِ فِي كُلِّ مَعْهَدِ

وَ هُمْ شَرَّدُوهُمْ في البلادِ و أَسْهَرُوا *** عَلَيْهِمْ عُيُوناً بالبُكا غَيْرَ هُجَّدِ(4)

كمثلِ ابْنِ موسى قاسِمٌ ماتَ نازِحاً *** بِأَرْضِ بَكَتْ فِيهِ لِأَكرَمِ صُيَّدِ(5)

ص: 390


1- في المصدر المتقدم ص25 عن البراء بن عازب قال: إذ فقدت أبابكر و عمر ثم لم ألبث حتى أنا بأبي بكر و عمر و أبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة لايمر بهم أحد إلا ضبطوه فإذا عرفوه مدَّوا يده على يد أبي بكر شاء ذلك أم أبى.
2- تروح و تغتدي: من الرواح و الغداة و هما العشيّ و الصباح.
3- الخباء الموطد: الخباء ما يعمل للسكن من وبر أو صوف أو شعر الموطد: الراسخ الثابت.
4- غير هجَّد: غير نُيَّم.
5- رياض المدح و الرثاء ص319.

(19) أم الحسين علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ سليمان الجابري

غَنَّتْ حَماماتٌ بِدارِ مُحَمَّدِ *** طَرَباً بِمَوْلِدِ بِنْتِ أَكْرَم سَيْدِ

وَ لَهُ انْتَشَى قَلْبُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** بِسُرورِهِ طُوبَى لَهُ مِنْ مَوْلِدِ

وَ تَهادَتِ الْأَمْلاكُ في أُفُقِ السَّما *** باقاتِ أزْهارِ الهَنا بِتَوَدُّدِ(1)

و استأذنَتْ رَبَّ العُلَى بِنزُولِها *** لِلأَرْضِ تُبْدِي بِشْرَها لمُحَمَّدِ

أَحْلَى الأماني وَ الهَنا في فاطِمٍ *** إذْ قارَنتْ بِرُوغِها لِلْفَرْقَدِ(2)

وَ سَرَتْ عَلَى أَرْضِ البِطاحِ وَ مَكَةٍ *** نَسَماتُ قُدْسِ فَهْيَ كالقَطْرِ النَّدِي(3)

وَكَذاكَ حورُ العِينِ في غُرُفاتِها *** كَمْ أَرْسَلَتْ أَلْحَانَها بِتَزَغْرُدِ

***

ص: 391


1- تهادت الأملاك: أهدى بعضها بعضاً. عن أمالي الصدوق ص63 ح5 «و تباشرت الحور العين و بشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.
2- الفرقد: نجم في جهة القطب الشمالي يهتدى به. و إذا جاء بالمفرد يريدون به نجما لايغرب، و أصلها (فرقدان) و هما نجمان في السماء لايغربان.
3- في الروض الفائق ص214 في حديث طويل... فلما تم أمد حملها و انقضى وضعت فاطمة علیها السلام فأشرق بنور وجهها الفضاء... و في أمالي الصدوق/ص476 عن كيفية ولادتها علیها السلام عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ قال... فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الارض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور و تباشرت الحور العين و بشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك.

أمَّ الحُسَيْنِ أفاطمٌ يا بَضْعَةً *** لِلظُّهْرِ طَهُ بَلْ شَبِيهَةً أَحْمَدِ(1)

هذِي الحُشودُ أَتَتْ و يَدْفَعُها الْوَلا *** لَكُمْ وَ حَقِّ الواحدِ المُتَفَرِّدِ

وَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ عَجِيئَةِ طيئَةٍ *** طَابَتْ بفاضلِ طِيبِ ذاكَ الْمَحْتِدِ(2)

هيّا اوْرِدي يا فاطِمٌ سِتُّ النِّسا *** بِرِحابنا أَنْعِمُ بهِ مِنْ مَوْرِدِ(3)

وَ تَفَقَّدينا شيعةً لكِ خُلَّصاً *** يا سَعْدَ مَنْ يَحْظَى بِكُمْ بِتَفَقُدِ(4)

ص: 392


1- عن صحيح الترمذي ج2 ص319 بسنده عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام و في ص158 و نقل عن مسند أحمد بن حنبل ج3 ص164 بسنده عن أنس بن مالك لم يكن أحد أشبه برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من الحسن بن علي علیه السلام و فاطمة سلام الله عليها. و رواه أيضاً أبوداود ج33 ص223 و الحاكم في مستدرك الصحيحين ج4 ص272 و البخاري في الأدب المفرد ص136 و غيرهم. و عن الجامع الصحيح سنن الترمذي (ط المكتبة الإسلامية) ج5 باب67 ص70 الحديث3872 حدثنا محمد بن بشار. حدثنا عثمان بن عمر. أخبرنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمر عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً (معناها الهيئة و الطريقة و حسن الحال) برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامه و قعوده من فاطمة بنت رسول الله علیها السلام الخ للحديث بقية غيرالمراد.
2- المحتد: الأصل، و في البيت إشارة لما ورد في أصول الكافي ج1 ص389 باب خلق أبدان الأئمة، و أرواحهم و قلوبهم علیهم السلام عن أبي عبد الله علیه السلام قال: وإن الله خلقنا من عليين و خلق أرواحنا من فوق ذلك و خلق أرواح شيعتنا من عليين و خلق أجسامهم من دون ذلك. فمن أجل ذلك القرابة بيننا و بينهم و قلوبهم تحن إلينا.
3- عن تاريخ بغداد ج12 ص331 بسنده عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: وإنما سماها فاطمة لأن الله فطمها و محبيها عن النار. و في باب تسميتها بفاطمة علیها السلام و بالبتول ص155 نقل عن ذخائر العقبى عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن الله عز وجل فطم ابنتي فاطمة علیها السلام و ولدها ومن أحبهم من النار. و في مسند أحمد بن حنبل/ ج5 ح2281 و 2663 و 22896 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «نزل ملك من السماء فاستأذن الله أن يسلّم عليّ فبشرني أن فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة و قال صلي الله علیه و آله و سلم: «يا فاطمة علیها السلام الا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟».
4- إشارة لما ورد في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام البهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص617 في نقله عن أبي جعفر علیه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحب الرديّ.

هَذِي القُلُوبُ تَنَوَّرَتْ بِوَلائِكُمْ *** یا شاهِداً بالحَقِّ فينا فَاشْهَدِ(1)

***

أُمَّ الحُسَيْنِ وَ إِنَّنِي مُسْتَذْكِرٌ *** لِلظُّلْمِ وَ الجَوْرِ العَظِيمِ المُجْهِدِ

مِمّا أصابَكِ مِنْ شِرارِ عِصابَةٍ *** تَباً لهم عِنْدَ القِيامَةِ في غَدِ

ما عُذْرُها عِنْدَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** عِنْدَ السُّؤال بِمَا جَنَتْ بِتَعَمُّدِ

عَنْ عَصْبِهِمْ عَنْ عَصْرِهِمْ عَنْ سِقْطِهِمْ *** لِجَنِينِكِ الزَّاكِي بِنَفْسِي أَفْتَدِي(2)

عَنْ ضَرْبِ قُنْفُدِّ يا لَهُ مِنْ ظَالِمٍ *** تَبَّتْ يدا ذاكَ الشَّقِيِّ الأَنْكَدِ

فَسَتِ القُلُوبُ وَ غَابَ عَنْهَا رُشْدُها *** فَغَداً هُنالِكَ أَحْمَدٌ في مَوْعِدِ

وَ تَيَقَّنِي يا بِنْتَ خَيْرِ الأَنْبِيا *** فَاللَّهُ لِلْمُتَجَبْرِينَ بِمَرْصَدِ

***

فتَقَبَّليها فاطِمٌ لَكِ تُحْفَةً *** هذا وَ غَيْرَ جَنابِكُمْ لَمْ أَقْصِد

الجابريُّ أَنا و أَنْتُمْ سادَتِي *** فِيكُمْ أنا في كلِّ شيءٍ مُقْتَدِ

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ *** ما شَعَّ نُورٌ مِنْ سَماءِ الْفَرْقَدِ

ص: 393


1- في أصول الكافي ج1 ص195 باب أن الأئمة نور الله «عزوجل». عن أبي عبد الله علیه السلام قال: يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار و هم الذين ينورون قلوب المؤمنين.
2- في هذا البيت و الأبيات التي تليه إشارات إلى ما جرى من ظلم و جور. أشار إلى بعضها في البحار ج53 ص18-19. عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث مفاده: إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب.. و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفعة خدها حتى بان قرطاها تحت خمارها و عندما حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند الباب ضربها قنفذ بالسوط على عقدها فصار مثل الدملج. و في البحار ج53 ص23 المفضل يسأل الصادق علیه السلام: يا مولاي ثم ماذا؟ قال: الصادق علیه السلام تقوم فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فتقول: اللهم أنجز وعدك و موعدك فيمن ظلمني و غصبني و ضربني و جزعني بكل أولادي فتبكيها ملائكة السماوات السبع و حملة العرش... فلا يبقى أحد ممن قاتلنا و ظلمنا و رضي بما جرى علينا إلا قتل... الخ. الحديث.

(20) هذي المنازل

(بحر الكامل)

الشريف الرضي (*)(1)

ص: 394


1- (*) هو أبو الحسن محمد إبن أبي أحمد الحسين الطاهر الملقب ب_ (ذي المنقبتين) و أيضاً لُقَّب ب_ (الرضي ذي الحسبين) و (الشريف الأجل)، و اشتهر ب_ (الشريف الرضي الموسوي) و يرتقي بنسبه إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام. ينتهي نسبه من قبل أمه -فاطمة بنت الناصر نقيب بغداد- من سلالة الإمام زين العابدين و نعم ما قال الفرزدق الشاعر. أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ ولد الشريف الرضي في بغداد سنة (359ه_)، نشأ و شبِّ و تثقَّف في أسرة و بيت شامخ كان مفعماً بالنقباء و الأمراء و العلماء و الأدباء: فإمام الفقهاء في أسرة أبيه الامام موسى الكاظم علیه السلام، و شيخ الطالبيين و عالمهم و زاهدهم في أسرة أمه بني الناصر أبومحمد الحسن صاحب الديلم، مالك الأمر في بلاد الجبل كله. تتلمذ الشريف الرضي مع أخيه الشريف المرتضى علم الهدى، عند أعلم علماء الإمامية و أبرعهم في الفقه و الكلام و الجدل و أعرفهم بالأخبار و الأشعار أستاذ الكل (الشيخ المفيد) «قدس سره الشریف» فمن كان هذا أستاذه لحقيق أن يكون سيد العلماء. و لم يكتف السيد الرضي بأخذ علومه و معارفه و ثقافته من الخاصة بل أخذ من علماء العامة فقرأ هو و أخوه المرتضى و هما صبيان على ابن نباتة صاحب الخطب، و لعلهما قرآ عليه شيئاً من علم البلاغة و آداب اللغة العربية و قرأ على قاضي القضاة أبي الحسن عبد الجبار أحمد الشافعي المعتزلي كتابه المعروف شرح الاصول الخمسة و المغني و العمدة في أصول الفقه، و على أبي بكر محمد بن موسى الخوارزمي أبواباً في الفقه، و على أبي عبدالله محمد بن عمران المرزباني في الحديث، و غيرهم من كبار العلماء و مما يذكر من طرائف السيد الرضي، ما ذكره الفتح بن جنّي: (ان الشريف الرضي أُحضر إلى السيرافي النحوي، و هو طفل لم يبلغ عمره عشر سنين فلقنَّه النحو. و قعد معه یوماً في حلقته فذاكره بشيء من الاعراب على عادة التعليم فقال له: إذا قلنا رأيت عمر فما علامة النصب في عمر؟ فقال له الرضي: يُغضُ عليّ. فتعجب السيرافي و الحاضرون من حدّة خاطره). أما مكانته العلمية فهو أوحد علماء عصره، حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه. و مؤلفاته تعطينا صورة جليَّة عن براعته، فكان متعمَّقاً في علوم القرآن، متبحراً في علم الكلام و اللغة و النحو و المعاني و البيان، و السيد الرضي (رحمة الله علیه) هو الذي جمع كلام أميرالمؤمنين علیه السلام و أسماه (نهج البلاغة)، و كفى بعظمته ان تكون فيه اللياقة و الأهلية لأن ينسب الناس اليه نهج البلاغة و هل يليق بأحد كلام سيد البلغاء و إمام الفصحاء و هو فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق؟ فإنه مما علم بطلانه قطعاً و ما أورده السيد الرضي في نهج البلاغة مختارات من خطبه علیه السلام عالم و هي بتمامها مع الزيادات التي أسقطها الرضي مذكورة في كتب العلماء المتقدمين على السيد الرضي و هنا نذكر أن العلامة السيد عبدالزهراء الخطيب أفرد كتاباً في أربعة مجلدات و سماه (بمصادر نهج البلاغة) يذكر للخطب و الكلمات مصادر قبل ولادة الرضي. و من مؤلفاته: (حقائق التأويل في متشابه التنزيل)، و كتاب (المجازات النبوية)، و كتاب (تلخيص البيان عن مجازات القرآن) و كتاب (خصائص الأئمة)، و (ديوان الشريف الرضي). و كان للسيد الرضي مكتبة كبيرة تشتمل على ثمانين ألف كتاب و لم يسمع بمثله الّا ما يحكى ان للصاحب بن عباد مكتبة كبيرة يحملها سبعمائة بعير. و الرضي: ابتدأ بنظم الشعر في عهد الطفولة و لم يزد عمره على عشر سنين فأجاد و حلّق و حاز قصب السبق بغير منازع و لم تكن للرضي سقطات كما لغيره من الشعراء، فلقَّب في هذا المجال ب_ (أشعرالطالبيين) و ب_ (أشعر قريش) و أيضاً قيل له (أمير الشعراء) و قد قيل إن الرضي أعلم الشعراء لولا المرتضى و المرتضى أشعر العلماء لولا الرضي. و على تبحّر الرضي في مختلف العلوم و ما كان عليه من ثقافة مكينة فإنه تمسك بطريقة الأقدمين، يحافظ على اسالبيهم و معانيهم، و هذا هو دأب و ديدن الأسر العريقة و النبيلة التي كانت تحافظ على تراث الأجداد و أمجاد الآباء و مفاخر الماضين. فكان شعره و أدبه ظاهر البلاغة، يجمع إلى السلاسة متانة و إلى السهولة رصانة قوي النسج واضح التعبير. و كان أبوه يتولى نقابة نقباء الطالبيين و يحكم فيهم أجمعين كان له النظر في المظالم و الحج بالناس، ثم ردّت هذه الأعمال كلها إلى ولده الرضي، و أبوه حيّ . جاء في رجال النيسابوري: أنه كان يوماً عند الخليفة الطائع بالله العباسي و هو يأخذ بلحيته و يرفعها إلى أنفه و يشمها، فقال له الطائع أظنك تشمّ منها رائحة الخلافة، فقال بل رائحة النبوّة!! و حسبك من شجاعته و علوّ نفسه ما خاطب به القادر بالله الخليفة العباسي. عطفاً أميرالمؤمنين فإننا *** في دوحة العلياء لا نتفرّق مابيننا يوم الفخار تفاوت *** أبداً كلانا في المعالي مُعرق إلا الخلافة ميَّزتك فإنني *** أنا عاطل منها، و أنت مطوّق فقال: القادر عندما سمع ذلك منه: على رغم أنف الشريف. و من حسن الصدف ينقل ابن خلكان في وفيات الأعيان: ان بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي ببغداد و هو لايعرفها و قد جنى عليها الزمان و ذهبت بهجتها و أخلقت ديباجتها، و بقايا رسومها تشهد لها بالنضارة و حسن الشارة، فوقف عليها متعجباً من صروف الزمان و طوارق الحدثان، و تمثَّل بقول الشريف الرضي. و لقد وقفت على ربوعهم *** و طلولها بيد البلى نهبُ فبكيتُ حتى ضجّ من لغب *** نضوي، ولجّ بعذلي الرّكبُ و تلفتت عيني، فمذ خفيت *** عنّي الديار تلفَّت القلبُ فمرَّ، شخص و سمعه و هو ينشد الأبيات، فقال له: هل تعرف لمن هذه الدار؟ فقال: لا، فقال: هي لصاحب هذه الأبيات الشريف الرضي، فتعجب من حسن الاتفاق. و نقل عن الشريف «عطّر اللَّه» مرقده أنه اشترى كتباً قيمتها عشرة آلاف دينار و أزيد، فلما حملت إليه و تصفَّحها رأى فى ظهر كتاب منها مكتوباً. و قد تحوج الحاجات يا أمّ مالكٍ *** إلى بيع أوراق بهنّ ضنين فأمر بإرجاعها إلى صاحبها و وهبه الثمن. و هو أول طالبي جعل عليه السواد، شعار العباسيين و اتصف الشريف الرضي بإباء النفس و علوِّ الهمة، و كان رفيع المنزلة سامي المكانة يطمح إلى معالي الأمور، و قد بلغ من إبائه و عفته أنه لم يقبل من أحد صلة أو جائزة، و تشدَّد في ذلك فرفض قبول ما يجريه الملوك و الأمراء على أبيه من صلات و هبات مدة حياته و بذل آل بويه كل ما في وسعهم على قبول صلاتهم فلم يقبل. نقل أنه ولد له غلام فأرسل إليه الوزير أبو محمد المهلبي طبقاً فيه ألف دينار، فردّه الرضي و قال: قد علم الوزير أني لاأقبل من أحد شيئاً، فردّه الوزير و قال: إنّي إنما أرسلته للقوابل، فردّه الرضي ثانية و قال: قد علم الوزير أنه لاتقبل نساؤنا هديته، و إنما عجائزنا يتولين هذا الامر من نسائنا و ليس ممن يأخذن اجرة و لايقبلن صلة، فردّه الوزير إليه و قال: يفرّقه الشريف على ملازميه من طلاب العلم، فلما جاء الطبق و حوله طلاب العلم و قال: ها هم حضور فليأخذ كل أحد ما يريد فلم يأخذ أحد منهم شيئاً إلا رجل منهم أخذ ديناراً فقرض من جانبه قطعة و أمسكها و ردّ الدينار إلى الطبق فسأله الشريف عن ذلك فقال إني احتجت إلى دهن السراج ليلة و لم يكن الخازن حاضراً، فأقرضت من فلان البقال دهناً للسراج فاخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهنه، و كان طلبة العلم الملازمون للشريف الرضي في عمارة قد اتخذها لهم سمّاها دار العلم و عيّن لهم جميع ما يحتاجون إليه، فلما سمع الرضي ذلك أمر في الحال بأن يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد الطلبة، و يدفع إلى كلّ منهم مفتاحاً ليأخذ منها ما يحتاج إليه، و لاينتظر خازناً يعطيه و ردّ الطبق على هذه الصورة على الوزير. و افاه الأجل المحتوم فاختار الله له دار بقائه فناداه ولبّاه و فارق دنياه، و ذلك في يوم الأحد السادس من شهر محرم الحرام سنة (406ه_) فقامت عليه نوادب الأدب و انثلم حدُّ القلم، و فقدت عين الفضل، و بكاه الافاضل مع الفضائل، و رثاه الأكارم مع المكارم فحضر جميع الأعيان و الأشراف و القضاة و الوزير فخر الملك أبوغالب و سائر الوزراء حفاة مشاة، و صلى عليه فخر الملك، و لم يشهد جنازته أخوه الشريف المرتضى و لم يصلّ عليه، و كان هو أولى بذلك إلا أن الجزع الشديد منعه من أن ينظر إلى جنازة أخيه و دفنه، فقصد مشهد جده الإمام موسی بن جعفر علیه السلام، فمضى الوزير فخر الملك في آخر النهار إلى السيد المرتضى إلى المشهد الكاظمي فألزمه بالعودة إلى داره. و دفن الشريف الرضي في داره بالكرخ و نقل جثمانه إلى كربلاء المقدّسة فدفن عند أبيه أبي أحمد الحسين بن موسى فسلام على روحه الطاهرة.

ص: 395

ص: 396

هَذِي المَنَازِلُ بِالغَمِيم فَنَادِها *** وَ اسْكُبْ سَخِيَّ العَيْنِ بَعْدَ جَمَادِها

إِنْ كانَ دَينٌ لِلْمَعَالِمَ فَاقْضِهِ *** أَوْ مُهْجَةٌ عِنْدَ الطُلولِ فَفَادها(1)

وَ لَقَدْ حَبَسْتُ عَلَى الدِّيارِ عِصابةً *** مَضْمُومَةَ الأيْدِي إلى أكْبادِها

حَسْرَى تَجَاوَبُ بِالبُكاءِ عُيُونُها *** وَ تَعُطُّ لِلزَّفَراتِ في أَبْرَادِها(2)

وَقَفُوا بِهَا حَتَّى كَانَ مَطِيَهُمْ *** كَانَتْ فَوَائِمُهُنَّ مِنْ أَوْتَادِها(3)

ثُمَّ انْثَنَتْ وَ الدَّمْعُ مَاءُ مَزادِهَا *** وَ لَواعِجُ الأَشْجَانِ مِنْ أَزْوَادِها

هَلْ تَطْلُبُونَ مِنَ النّواخِرِ بَعْدَكُمْ *** شَيْئاً سِوَى عَبَراتِها وَ سُهَادِهَا

لَمْ يَبْقَ ذُخْرِّ لِلْمَدَامِعِ عَنْكُمُ *** كَلاً وَ لَاعَيْنٌ جَرَى لِرُقادِهَا

شَغَلَ الدُّمُوعَ عَنِ الدِّيارِ بُكَاؤنا *** لِبُكَاء فاطِمَةٍ عَلَى أَوْلادِها

لَمْ يَخْلُفُوها في الشَّهِيدِ وَ قَدْ رَأَى *** دُفَعَ الفُراتِ تُذادُ عَنْ وُرّادِها(4)

أتُرى دَرَتْ أنَّ الحُسَيْنَ طَرِيدةٌ *** لِقَنَا بَنِي الطُرَدَاءِ عِنْدَ وِلَادِها(5)

كانَتْ مَآتِمُ بِالعِراقِ تَعُدُّها *** أَمَرِيّة بالشّامِ مِنْ أعْيادِها

ص: 397


1- المهجة: دماء القلب أو الروح.
2- عَطُّ الثوب: شقه. البرود و الأبراد: الثياب.
3- المطايا: الخيل و نحوها مما يمتطى.
4- دفع: جمع دفعة دفقة: المطر و الورّاد: جمع وارد، و هو من يرد الماء.
5- الطريدة: ما يُطرد من الصيد و غيره.

(21) حتى متى الصبر

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الحسين شكر(*)(1)

حَتَّى مَ سَيِّدَنا تَبْقَى العِبادُ سُدَى *** فَصارِمُ الصّيدِ مِنْ فَرْطِ الصُّدُودِ صَدا؟(2)

قُمْ كَيْ تَرى عَرَصَاتِ الدِّينِ قَدْ طُمِسَتْ *** بِالجَوْرِ و الجِبْتُ و الطَّاغوتُ قَد عُبِدا

زَلْزِلْ بِعَزمِكَ أَرْجَاءَ البَسِيطِ أبِنْ *** عزماً إذا ما وَعَاهُ يَذْبُلُ سَجَدا(3)

ص: 398


1- (*) هو الشيخ عبدالحسين ابن الشيخ أحمدابن الحاج حسين بن شكر. و آل شكر أسرة كبيرة ممتدة الأطراف و أصلهم من عرب الحجاز، و قد نزحوا إلى العراق منذ زمن بعيد، و في منتصف القرن الحادي عشر نزح الحاج محمود والد شكر إلى النجف الأشرف فاتخذه موطناً له ولأولاده. و المترجَم من مشاهير الأدباء و الشعراء، و هو صاحب فضيلة عالية، و ذو بديهة بادية، و هو مكثر في الشعر، و أكثر شعره في أهل البيت علیهم السلام و قد أجزل في نظمه حتى صار شعره مشهوراً بين خطباء المنبر الحسيني الشريف يقرأونه في المحافل و الأندية و مراسم العزاء منذ عشرات السنين و للمترجم له شهرة كبيرة نشأت من قوة شعره و تخصيصه في مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام و لهذه الخدمة آثار وضعية يعرفها ذووالألباب و قد بلغ عدد قصائده فيهم علیهم السلام حوالى الخمسين قصيدة، و كان المترجم له كثير السفر فسافر عدة مرات إلى إيران لزيارة الامام الرضا علیه السلام، و سكن برهة من الزمن في كربلاء المقدّسة و اتصل ببعض ساداتها و علمائها و فضلائها و أدبائها ثم عاد إلى إيران فقرّبه الشاه ناصر الدين القاجار و أجزل له العطاء، و أكرم مثواه و عيّن له راتباً سنوياً، فأقام في طهران إلى أن وافته المنية فيها عام (1285ه_) و تلف ديوان شعره الذي كان يصحبه في أسفاره. و قد تصدّى الخطيب الشهير الشيخ محمد علي اليعقوبي لجمع ما نظمه الشاعر في أهل البيت علیهم السلام في ديوان.
2- سُدى: مهملة. صارم: سيف. فرط الصدود: شدّة الإعراض و الميل -صدا: تصدأ.
3- أرجاء البسيط: أطراف الأرض -وعاه: جمعه و حواه أو وضعه في وعائه.

ألَسْتَ مَنْ فيهِ أَبْدَى اللَّهُ قُدْرَتَهُ *** لِلْخَلْقِ وَ اخْتَارَهُ دُونَ الأنام يَدا؟

حاشاكَ حاشاكَ أنْ تُغْضِي وَ قَد تَرَكَتْ *** بِالطَّفُ أَرْجَاسُ حَرْبٍ شَمْلَكُمْ بَدَدا

يا غَيْرَةَ اللَّهِ حَتَّى مَ التَّجَرُّعُ مِنْ *** جُنْدِ الضَّلالِ الرَّدى فالصَّبْرُ قَدْ نَفِدا؟

إلى مَنِ المُشْتَكَى إِلَّا إِلَيْكَ فَقُمْ *** أَما تَرَى الظُّلْمَ أَوْ هَى بَعْدَكَ الْجَلَدا(1)

هَلْ مِنْ غِيَاثٍ لَنا إلا بكَفِّكَ أَمْ *** هَلْ غَيْرُ وَكْفِكَ لِلْعَافِينَ غَيْثُ نَدَى؟(2)

حَتَّى مَتَى الصَّبْرُ يابْنَ المُرْتَضَى وَ لَنا *** فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْأَعْدَاءِ كَأْسُ رَدَى؟(3)

أَلَمْ يَكُنْ آن أنْ تُرْوَى صَوارِمُكُمْ *** مِمَّنْ عَلى أُمِّكَ الزَّهْرَاءِ مَدَّيَدا؟(4)

نَسيتَ حاشاكَ أَنْ تَنْسَى وَ قَدْ صَنَعُوا *** أَهْلُ (النفاق) ما لَمْ نَنْسَهُ أَبَدا(5)

أيُّ الرَّزايا لَها تَنْسَى وَ قَدْ تَرَكَتْ *** لَهِيبٌ نِيرانها في القَلْبِ مُتَّقِدَا؟

إسقاط مَوْءُودَةٍ عَنْ ذَنْبِها سُئِلَتْ *** أَمْ ضَرْبُ مَنْ أَحْرَقَتْ مِنْ أَحْمَدٍ كَبدا(6)

ص: 399


1- أوهى الجلدا: أضعف القوة أو الشدّة أو الصبر أو الصلابة.
2- وكفك: الدمع الذي يسيل قليلاً قليلاً أو الماء -غيث ندى مطر و الندى: المطر أو الخير و الجود و الفضل.
3- كأس: ردى شراب المنية و الموت.
4- يشير الشاعر إلى حادثة مهاجمة عمر و أصحابه دار فاطمة الزهراء علیها السلام حيث رفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت: یا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم! فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم! لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر. راجع كتاب سليم بن قيس ص37 و الاحتجاج109/1.
5- يشير إلى جملة من المطاعن و الموبقات التي ارتكبت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من اغتصاب حق علي علیه السلام و إحراق الدار على فاطمة علیها السلام و ضربها و إسقاط جنينها و غصبها إرثها في فدك إلى آخر ما اغتصبوا من حقوقهم. راجع ذلك في الاحتجاج ج1/ عوالم العلوم ج 2/11 و الغدير ج7 إلى كثير من المصادر الأخرى.
6- يتساءل الشاعر هنا من خلال مقارنة بين آية قرآنية تتحدث عن قتل الموؤودة الذي كان ساریاً في الجاهلية دون ذنب جنته و بين إسقاط جنين فاطمة الزهراء علیها السلام دون ذنب اقترفه. حيث جاء في كتاب سليم بن قيس/ ص40 و قد كان قنفذ العنه الله حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط و أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه -علي علیه السلام- فاطمة علیها السلام فاضربها. فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها. و قد ذكره الجزيري في كتابه/ أسد الغابة في ج4 ص 308 باب الميم.

أَمْ كَسْرُهُمْ ضِلْعَها أَمْ جَمْعُهُمْ حَطَباً *** لِحَرْقِ دارِ إِمَامٍ قَوَّمَ الأَوَدا(1)(2)

أمْ يَوْمَ قَادُوا فَتًى أَلْقَى الوُجُودُ *** لَهُ مِنْهُ القِيادَ مُطِيعاً إِذْ بهِ وَجَدا(3)

وَهُوَ الَّذِي تَعْرِفُ الآسادُ سَطْوَتَهُ *** لَوْصاحَ بِالرَّعْدِ يَوْمَ الرَّوْعَ لَارْتَعَدا

لكِنَّهُ جَلَّ مَعْناهُ وَعَزَّ عُلاً *** أنْ لا يَفِي بِاصْطِبارٍ بَعْدَما وَعَدا(4)

وَإِثْرَهُمْ بَضْعَةُ المُخْتارِ نادِبَةً *** خَلُّوا ابْنَ عَمِّي فَما مِنْهُمْ أَجابَ نِدا

فَمَدَّتِ الطَّرْفَ نَحْوَ المُصْطَفَى وَدَعَتْ *** يا مَلْجَئِي إِذْ على ضَعْفِي الزَّمانُ عَدا

قُمْ كَي تَرَى كَيْفَ مالَ القَوْمُ عَنْ خَلَفٍ *** لَهُ الخِلافَةُ كَانَتْ بُرْدَةً وَرِدا

قَدِارْتَضَى القَوْمُ حَذْفَ الْمُرْتَضَى وَحَذَوْا *** حَذْوَ (قومٍ) غَداةَ العِجْلُ إِذْ عُبدا

فَلَيْتَ تَحْضُرُ يا غَوْثَ الوَرَى فِئَةً *** خانُوا العُهُودَ وَحَلُّوا بَعْدَكَ العُقَدا

ص: 400


1- ذكرنا في الهامش السابق كسر الضلع و نذكر هنا حادثة الإحراق حيث ذكرها سليم بن قيس ص306 في كتابه قائلاً: ثم أمر عمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابنيهما علیهم السلام ثم نادى عمر: واللَّه لتخرجن يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و إلّا أضرمت عليك النار... فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب و إلّا أحرقنا عليكم بيتكم راجع أيضاً نهج الحق وكشف الصدق ص271.
2- قوّم الأودا: أقام العوج.
3- يشير الشاعر إلى ما حدث بعد أن اقتحموا الدار على علي و فاطمة علیهما السلام حيث انطلقوا بعلي علیهم السلام ملبباً بحبل حتى انتهوا إلى أبي بكر و عمر قائم بالسيف على رأسه و خالد بن الوليد و أبو عبيد بن الجراح و سالم و المغيرة بن شعبة و سائر الناس قعود حول أبي بكر علیهم السلام راجع الحدث في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص109 و في كتاب سليم بن قيس ص39.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى وصية الرسول صلی الله علیه و آله و سلم إلى علي علیه السلام و ما قطعه الإمام علي علیه السلام على نفسه من عهد أمام الرسول صلی الله علیه و آله و سلم و ملخص الحادثة كالآتي: همّ الإمام على علیه السلام بقتل عمر بعد اقتحامه الدار فذكر قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و ما أوصاه به فقال: والذي كرَّم محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالنبوّة يا بن صهاك لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعلمت أنك لا تدخل بيتي راجع كتاب سليم بن قيس ص37.

تَأَلَّبُوا لاِغْتِصابِي نِحْلَتِي وَزَوَوْا *** إِرْثِي وسِبْطَاكَ لي وَ المُرْتَضَى شَهدا(1)

يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الهادِي النَّبِيِّ ومَنْ *** على البَرايا وَلاها اللهُ قَدْ عَقدا

أَلِيَّةً فِيكِ بَرَّتْ يا حَبِيبةَ مَنْ *** أَنْشاهُ رَبُّ البَرايَا لِلسَّما عَمَدا

سَوْطٌ بهِ هَتَكُوا العَلْيا بِهِ قَرَعُوا *** بِالشَّامِ ثَغْرَ حُسَيْنٍ سَيِّدِ الشُّهَدا(2)

وَكَأسُ حَتْفٍ أذاقُوهُ الجَنِينَ بهِ *** قَدْ جَرَّعُوا طِفْلَهُ فِي كَرْبَلاءَ رَدَى(3)

وَإِنَّ ناراً أدارُوها عَلَيْكِ ضُحًى *** لَها ابْنُ سَعْدٍ غَدَاةَ الطَّفِّ قَدْ وَقَدا(4)

ص: 401


1- إشارة إلى غصب فدك من فاطمة الزهراء علیها السلام كما أشار إلى ذلك سليم بن قيس في كتابه ص99 حيث يقول: مات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و فدك في يد فاطمة الزهراء علیها السلام مقبوضة قد أكلت غلتها على عهد النبي صلی الله علیه و آله و سلم و سألها أبوبكر البينّة على ذلك فشهد علي علیه السلام و شهدت أم أيمن و لم يصدق أحداً منهما. تألبوا: اجتمعوا زووا: حازوا.
2- يقول الشاعر: إن السوط الذي قرعوا به فاطمة الزهراء علیها السلام بعد سنوات من الاغتصاب للحق الى قضيب يقرع به ثغر الحسين بعد أن قطعوا رأسه في كربلاء، و جاؤوا به إلى مجلس يزيد حيث دعا برأس الحسين علیه السلام و وضعه أمامه بطست من ذهب ثم أذن للناس أن يدخلوا وأخذ يزيد القضيب و جعل ينكت ثغر الحسين ويقول يوم بيوم بدر وأنشد قول الحصين بن الحمام: إلى قومنا أن ينصفونا فأنصفت *** قواضب في أيماننا تقطر الدما نفلّق هاماً من رجال أعزة *** علينا وهم كانوا أعق وأظلى راجع مرآة الجنان/ لليافعي ج1 ص135 و الكامل لابن الأثير ج4 ص35 و تاريخ الطبري ج6 ص267.
3- يقارن الشاعر في هذا البيت بين ما فعله عمر و جماعته من إسقاط لجنين الزهراء علیها السلام و ما فعله بعد سنوات جيش ابن زیاد بحفيدها الرضيع .. حين دعا الحسين علیه السلام في يوم عاشوراء بولده الرضيع يودعه فأتته زينب علیها السلام بابنه عبد الله علیه السلام فأجلسه في حجره يقبله ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقى الحسين علیه السلام الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة. راجع المناقب لابن شهر اشوب ج2 ص222 ومقاتل الطالبين للأصفهاني ص35 واللهوف ص65 و تاريخ اليعقوبي ج2 ص218.
4- يعقد مقارنة هنا أيضاً بين النار التي أضرموها حول دار فاطمة الزهراء علیها السلام و كيف أنها امتدت إلى خيام الحسين علیه السلام في كربلاء أنها الجريمة تلد الجريمة فبعد أن اشتد القتال و أكثر أصحاب الحسين علیه السلام في جيش ابن زياد الجراح حتى عصروا خيولهم و ارجلوهم و لم يقدروا أن يأتوهم من وجه واحد لتقارب أبنيتهم فأرسل ابن سعد الرجال ليفوضوها عن ايمانهم و عن شمائلهم ولما لم ينفع هذا الإجراء قال ابن سعد: اضرموها بالنار فأضرموا فيها النار فصاحت النساء و دهشت الاطفال إلى آخر الحديث. راجع اعلام الورى ص145 و ابن الأثير ج4 ص28 و مقتل الخوارزمي ج2 ص16.

تَاللَّهِ لَوْلاهُمُ ما غادَرُوهُ لَقًى *** بَنُو زِيادٍ ولا رَضُّوا لَهُ جَسَدا(1)

ولا انْثَنَى مُفْرَداً عَزَّ الفِداءُ له *** غَيْرُ الوُجُودِ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ فِدا

وَلا أَقَامَ عَلَى الرَّمْضَاءِ مُنْفَرِداً *** (ما غَسَّلُوهُ ولا مَدُّوا عليهِ رِدا )

لكِنَّمَا السُّمْرُ وَارَتْهُ وَمِنْ دَمِهِ *** عَلَيْهِ قَدْ نَسَجَتْ بِيضُ الظُّبا بُرُدا

قُلْ لِلْأُلى قَدْ نَما غَرْسُ الضَّلالِ بِهِمْ *** وَ مُذْ تَوَلَّى يَزِيدٌ زَرْعُهُمْ حُصِدا

يا عُصْبَةَ الغَىِّ مَهْلاً خابَ سَعْيُكُمُ *** أَيْنَ المَفَرُّ إِذا بَدْرُ الرَّشادِ بَدا

أيْنَ المَفَرُّ وَ سَيْفُ اللَّهِ إثْرَكُمُ *** أَحاطَ عِلْماً وَأَحْصَى جَمْعَكُمْ عَدَدا

لَيْثٌ إِذا ما رَنَا شَزْراً بِلَحْظَتِهِ *** فَتَّ الجَلِيدَ وَ أَوْهَى رُعْبُهُ الْجَلَدا(2)

ذُوْ عَزْمَةٍ لو وَعاها الصَّلْدُ ذابَ لها *** وَالبَحْرُ لو شامَها مِنْ خِيفةٍ جَمُدا(3)

يَوْمٌ بهِ الرُّوحُ يَدْعُو قامَ قَائِمُنا *** يُخْفِي وَ يُبْدِي سَنَاهُ الغَيَّ وَ الرَّشَدا

يَا مَنْ حَبَاهُمْ إِلهُ العَرْشِ مَنْزِلَةً *** مُقَامُ قُدْسٍ وَ لَمْ يُشْرِكْ بِهِ أَحَدا

إلَيْكُمُ غادَةٌ عَذْراءُ تُرْقِلُ في *** ثَوْبِ مِنَ الشَّجوِ مَدَّتْ لِلسُّؤالِ يَدا(4)

ص: 402


1- و لولا ما أسسه عمر وأبو بكر من غصب حق آل الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لما تجرأ ابن زياد على فعلته في كربلاء حين نادى ابن سعد بعد استشهاد الحسين علیه السلام إلّا من ينتدب إلى الحسين علیه السلام فيوطىء الخيل صدره و ظهره فقام إليه عشرة فداسوا بخيولهم جسد ريحانة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم فأمر لهم بجائزة يسيرة. راجع تاريخ الطبري ج6 ص161 و الكامل لابن الأثير ج4 ص33 و مروج الذهب للمسعودي ج2 ص91.
2- رنا: أدام النظر بسكون الطرف -شزراً: النظر إلى الشيء بجانب العين مع إعراض و غضب -لحظته: باطن عينه -فتَّ: كسر.
3- وعاها: جمعها أو جعلها وعاءه. الصلد: الصلب اليابس. شامها: نظر اليها.
4- غادة: المرأة اللينة جداً. ترقل: تسرع.

ذَخِيرَتِي إِنَّنِي عَبْدُ الحُسَيْنِ كَفَتْ *** لِمَوْقِفٍ لَيْسَ يُغْنِي وَالِدٌ وَلَدا

عَلَيْكُمُ مِنْ صَلاةِ اللَّهِ أَشْرَفُها *** ما دُمْتُمُ لِلْوَرَى غَوْثاً وَ غَيْثَ نَدَى(1)

ص: 403


1- ديوان عبد الحسين شكر ص25.

(22) روعوا الطهر

(بحر الرّمل)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

مِنْ بني أحْمَدَعادٍ وَثَمُودُ *** رَوَّعا مِرْآةَ أنْوارِ الوُجُودْ

***

كَمْ دَعَا أَحْمَدُ في أُمَّتِهِ *** لِهُدى البارِي إِلى رَحْمَتِهِ

وَأَتمَّ الدِّينَ في نِعْمَتِهِ *** وَ مَضَى لِلْغَيْبِ نامُوسُ الشُّهودْ

***

حِينَ ماتَ ارْتَدَّ لِلْكُفْرِ السَّلَفْ *** وَ عَلى بَضْعَتهِ الأَمْرُ اخْتَلَفْ(2)

أَشْعَلُوا النِّيرانَ في بابِ الشَّرَفْ *** بابِ أهلِ البَيْتِ أَشْرارُ اليَهُودْ(3)

***

ص: 404


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- إشارة إلى ما ورد في أنساب الأشراف للبلاذري/ ج2 أمر السقيفة ص268 توفي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس و ارتدوا و أجمعوا على الخلاف و اشتغل علي بن أبي طالب علیه السلام برسول الله صلی الله علیه و آله حتى فرغ من غسله و تكفينه و تحنيطه و وضعه في حفرته ثم أقبل على تأليف القرآن.
3- إشارة إلى ما ورد في عوالم العلوم ج2/11 في باب ما وقع عليها من الظلم و العدوان في ذکر ملخص ما تقدم حول الهجوم و إحراق الباب و كسره و دخول البيت ص584 ملتقى البحرين، إن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها. الغدير: أقبل عمر بقبس من نار إلى دار فاطمة علیها السلام. أنساب الأشراف: فجاء عمر و معه قبس من نار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا بن الخطاب، أتراك محرقَاً عليّ بابي؟ و في ص585 مؤتمر علماء بغداد: و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار.

فَاطِمٌ جاءَتْ إِلَى بَابِ الهُدَى *** لِتَرى الْخَطْبَ المُثيرَ الْأَنْكَدا(1)

وإذا فِي الصَّدْرِ مِسْمارُ الرَّدَى *** صابَها فانْكَفَاتْ مِنْها تَجُودُ(2)

***

فَعَلَ الشَّيْخانِ ما قَدْ فَعَلا *** ضَجَّ مِن ظُلْمِهِما كُلُّ الفَلا

هَلْ جَنَتْ فاطِمَةٌ كَيْ يُنْزِلا *** حُكْمَ مُقْتَضٍّ عَلَيْهَا مِنْ حُدُودْ

***

رَوَّعَ الطُّهْرَ فُلانٌ و فُلانْ *** جَرَّعاها كَمَداً كَأسَ الْهَوانْ

وَعَلَيْها مُذْ بَكَتْ عَيْنُ الزَّمانْ *** حُفِرَتْ في وَجْهِها السّامِي خُدُودْ(3)

***

شاهَدَتْ فاطِمَةٌ قَوْماً جُفاةْ *** عَجَباً مِنْهُمْ أَذا قُوها الْمَماتْ

لَمْ يَكُونُوا قَبْلُ في الحَرْبِ كُماةْ *** فَلِماذا نَحْوَها صارُوا أُسُودْ(4)

ص: 405


1- الخطب الأنكد: الأمر العظيم المكروه العسير. و في البيت إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج 2/11 في باب ما وقع عليها من الظلم و العدوان ص579 نقل عن العقد الفريد أن عمر أقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار. فلقيته فاطمة فقالت: يابن الخطاب اجئت لتحرق دارنا ؟ قال: نعم. و نقل عن ملتقى البحرين: أخذت فاطمة علیها السلام باب الدار و لزمتها عن ورائها فمنعتهم عن الدخول فضرب عمر برجله على الباب. و في ص 580 أن عمر هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها «سلام الله عليها».
2- انكفأت: رجعت. إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 باب ما وقع عليها من الظلم و العدوان سلام الله عليها ص582 نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله و بضعته حتى أدموا جسمها. و تقدم عن ذلك الكثير فلا نعيد.
3- خدود: حفر مستطيلة أو جداول الماء.
4- كماة شجعان. و في البيت إشارة لما ورد في كتاب سليم بن قيس ص113 عن علي علیه السلام أنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لاعناء معه في جميع مشاهده فرمی بسهم و لاطعن برمح و لاضرب بسيف حيناً و لؤماً و رغبة في البقاء.

عَجَباً وَاللَّهِ في الدُّنْيا الْعَجَبْ *** هَلْ لِبَيْتِ المُصْطَفَى الْحَرْقُ وَجَبْ

وَعَلَى بَضْعَتِهِ الدَّهْرُ كَتَبْ *** أُنْكِرَ اللَّيْثُ بِسُلطانِ القُرودْ

***

صَاحَ قَلْبُ العَدْلِ وَ القُرْآنُ أَنْ *** مُذْبَكَتْ في عَبْرَةٍ أُمُّ الْحَسَنْ

شاهَدتْ ما بَيْنَ عُبّادِ الْوَثَنْ *** قائِدَ الحَقِّ إِلَى الظُّلْمِ مَقُودْ(1)

***

رَأَتِ الأصْحابَ عادتْ كُفْرَها *** كَتَّفَتْ في الجَوْرِ قَسْراً فَخْرَها

كادَ أَنْ تَحْسَر مِنْها شَعْرَها *** فَنَهاها لِلْوَصايا والعُهُودْ

***

مَضَتِ الزَّهْراءُ في أدْهى بَلاءْ *** ضِلْعُها قَدْ كَسَّرَتْهُ الْأَدْعِياءُ

رَحَلَتْ وَ الأَرْضُ تَبْكِي وَ السَّماءْ *** وَ جَمِيعُ الحُورِ في دارِ الخُلُودْ

***

ص : 406


1- عباد الوثن: عبدة الأصنام.

(23) فضائل فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

بُشْرَى عَلِيٍّ والنَّبِيِّ مُحَمَّدِ *** بِوِلادَةِ الزَّهْراءِ بِضْعَةِ أَحْمَدِ

نَظَمَ الوُجُودَ إلهُهُ مِنْ حِكْمَةٍ *** يَا حُسْنَ نَظْم جاءَ غَيْرَ مُعَقَّدِ

و أتتْ لَهُ بَيْتَ القَصِيدِ كَأَنَّهُ *** لِسِوَى بَدِيعِ بَيانِها لَمْ يَقْصُدِ

فَطَمَتْ مِنَ النّيرانِ فَاطِمَةُ الْعُلى *** أشياعَها بَلْ كُلِّ هَوْلٍ فِي غَدِ(2)

زَهَرَ الوُجُودُ بِهَا عَقِيبَ ظَلامِهِ *** وَالصُّبْحُ لِلَّيْلِ البَهِيمِ بِمَرْصَدِ(3)

يا فاطِمُ الزّهْرا هَلُمَّ بِوَمْضَةٍ *** عَلِّي إِلى سَبِيلَ مَدْحِكِ أهْتَدِي

طعِمَ النَّبِيُّ فَواكِةَ الفِرْدَوْسِ إِذْ *** عَرَجَ الإِلهُ بِهِ لِأَشْرَفِ مَصْعَدِ

إيهٍ خِتَامَ الأنْبِياءِ وَ فاتِحَ *** الإرْشادِ فِي الدُّنيا وَ أَعْظَمَ مُرْشِدِ

يَتَوقَّفُ الرُّوحُ الأمِينُ وَ سِرْتَ *** لا تُلْوِي عَلَى خَوْفٍ وَ لَمْ تَتَردَّدِ

هذا طَرِيقٌ عَبَّدَتْهُ إرَادَةٌ *** قُدْسِيَّةٌ لِسِواكَ غَيْرُ مَعَبَّدِ

أو بابُ وَصْلٍ مُوصَدٌ، لَكِنَّهُ *** فِي وَجْهِ أَصْدَقِ عاشِقٍ لَمْ يُوصَدِ

وَ رَجَعْتَ كالرُّوّادِ تَرْجِعُ لِلْحِمَى *** لِتَدُلَّ أَهْلِيهِ لأعْذَبِ مَوْرِدِ

وَغَشا خَدِيجَةَ فَاعْتَدتُ بَيْنَ النِّسا *** أَرَأَيْتَ فِي الظَّلْمَاءِ نُورَ الفَرْقَدِ(4)

ص: 407


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يشير الشاعر إلى ما ورد من أن فاطمة علیها السلام تفطم شيعتها يوم القيامة من النار. انظر كتاب بحار الأنوار ج43 ص13 و ص12.
3- الليل البهيم: المظلم. مرصد: مرتقب.
4- الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يهتدى به.

بُشْراكِ أمَّ المُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةٍ *** غَمَرَتْكِ فَاقْتَرِبي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي

هَجَرَتْ سَناكِ المُشْرِكاتُ وَ مَنْ تَرَى *** لِلشَّمْسِ يَنْظُرُها بِطَرْفٍ أَرْمَدِ

رمَقَتْ عُيُونُ الازدِراءِ خَدِيجَةً *** كَلاَّ فَقَدْ كانَتْ عُيُونَ الحُسَّدِ(1)

مَهْلاً خَدِيجَةُ لا تَلِي هَذِي النِّسا *** فِي الوَضْعِ مِنْكِ وَ لِلسَّما عَنْهَا ابْعِدي

المُشْرِكُونَ -كَما يَقُولُ كِتابُنا- *** نَجَسٌ وَ هَذَا الحَمْلُ أطْهَرُ مَسْجِدِ

أفَلَمْ تَكُونِي تَسْمَعِينَ حَدِيثَها؟ *** لا تَجْزَعِي يا أُمُّ بَلْ فَتَجَلَّدِي(2)

وَ يُبَشِّرُ المُخْتارُ عَنْ ربِّ السَّما *** أنَّ الجَنينَ مُبَارَكٌ في المَوْلِدِ

سَتَكُونُ أُنْثَى وَ هْيَ طُهْرٌ بَرَّةٌ *** تَلِدُ الأئِمَّةَ هَادِياً عَنْ مُهْتَدِي(3)

ص : 408


1- رمقت لحظت لحظاً خفيفاً، أطالت النظر. الازدراء: العتاب و العيب.
2- تجلَّدي: اصبري، و في هذه الأبيات إشارة إلى ما في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 - 45 قال: إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أتاني جبريل بتفاحة من الجنة. فأكلتها و واقعت خديجة فحملت بفاطمة علیها السلام، فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيلين منها ما يلي النساء ممن تلد فلم يفعلن و قلن لا نأتيك و قد صرت زوجة محمد صلی الله علیه و آله و سلم فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف فقالت لها إحداهن: أنا أمك حواء ، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم، و قالت الاخرى: أنا كلثم أخت موسى علیه السلام، و قالت الأخرى أنا مريم بنت عمران أم عيسى علیها السلام جئنا لنلي من أمرك ما يلي النساء، قالت: فولدت فاطمة علیها السلام فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها». و في كتاب الروض الفائق ص314 قال: «فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر و قد بان لخديجة علیها السلام حملها بفاطمة علیها السلام و ظهر قالت خديجة علیها السلام: واخيبة من كذَّب محمداً صلي الله علیه و آله و سلم و هو خير رسول و نبي، فنادت فاطمة علیها السلام من بطنها: يا أماه لاتحزني و لاترهبي فإن الله مع أبي، فلما تمَّ أمد حملها و انقضى وضعت فاطمة علیها السلام، فأشرق بنور وجهها الفضاء. راجع كتاب فاطمة بهجة قلب المصطفى ص129.
3- في هذا البيت إشارة إلى ما ورد عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من أن الزهراء علیها السلام ستلد أئمة هداة مهديين. ففي كتاب إحقاق الحق للتستري ج10 ص12 قال: « ذكر الشيخ عز الدين عبد السلام الشافعي في رسالته مدح الخلفاء الراشدين» أنه لما حملت خديجة سلام الله علیها بفاطمة علیها السلام كانت تكلمها في بطنها و كانت تكتمها عن النبي صلی الله و علیه و آله و سلم فدخل عليها يوماً و وجدها تتكلم و ليس معها غيرها فسألها عمن كانت تخاطبه. فقالت: مع ما في بطني فإنه يتكلم معي، فقال النبي صلی الله و علیه و آله و سلم: أبشري يا خديجة علیها السلام هذه بنت جعلها الله أم أحد عشر من خلفائي يخرجون بعدي وبعد أبيهم». و في البحار ج16 ص80 ضمن ج20 قال في حديث طويل: فدخل رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم يوماً و سمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: «يا خديجة علیها السلام من يحدّثك؟ فقالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني، فقال صلی الله و علیه و آله و سلم لها: هذا جبريل يبشرني أنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و أن الله تبارك و«تعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة».

وَ إذا الأئِمَّةُ أَظْهَرُوا دِينَ الهُدَى *** فَلْتُدْعَ أمَّ أَبِي عُلاها الأمْجَدِ

لا تَبْقَ أمُّ المُؤمِنِينَ بِحَيْرَةٍ *** مِنْ أمْرِها فَاللَّهُ أعْظَمُ مُسْعِدِ

حوّاءُ تُزْجِي الفُضليَاتِ مِنَ النّسا *** بَلْ خَيْرَ مَنْ وُلِدَتْ وَ مَنْ لَمْ تُولَدِ(1)

أُمَّ المَسِيحِ وَ سارَةٌ ثمَّ الَّتِي *** كَفرَت إلهَةً زَوْجِها المُتَمَرِّدِ

كَانَتْ قَوابِلُها نَظائِرَ مَجْدِها *** وَيَدُ الفَتَى أقوى مُعِينٍ لِلْيَدِ(2)

وُلِدَتْ فَعَمَّ الكَوْنَ بَهْجَةُ فَرْحَةٍ *** وَجلالُ أُبَّهَةٍ وَ رَوْعَةُ مَشْهَدِ(3)

ص: 409


1- تزجي: أزجى بمعنى ساق فتزجي تسوق و هو أنسب من تؤخر.
2- في الأبيات الأربعة أعلاه إشارة إلى ما مرَّ من أن حواء و آسية بنت مزاحم و كلثم أخت موسى و مريم بنت عمران علیهم السلام كنَّ قابلات لخديجة يوم ولدت فاطمة علیها السلام نقلاً عن كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44-45. و في البحار ج16 ص80 ضمن ح20 في حديث طويل في ولادة فاطمة علیها السلام قال: «فلم تزل خديجة «رضي الله عنها» على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجّهت إلى نساء قريش و نساء بني هاشم يجئن ويلين منها ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها: عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمداً صلي الله علیه و آله و سلم يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له ، فلسنا نجيء و لانلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهنَّ من نساء بني هاشم، ففزعت منهن فقالت لها:إحداهنّ لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربك إليك و نحن أخواتك: أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه صغراء بنت شعيب بعثنا الله «تعالى» إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء... إلخ الحديث . وذكره أبوجعفر الطبري في كتابه دلائل الإمامة ص8 .
3- أبهة: عظمة، كبر، و في البيت إشارة إلى البهجة التي عمت الكون بولادة الزهراء علیها السلام. ففي مشارق الأنوار في أسرار فاطمة الزهراء علیها السلام ص85. «أن خديجة لما حضرتها الولادة بعث الله «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوت و أباريق و ماء من حوض الكوثر و جاءتها مريم بنت عمران و سارة و آسية بنت مزاحم علیهم السلام و بعثهن الله يعنّها على، أمرها فلما وضعتها أشرقت الدنيا و امتلأت منها الأقطاربالطيب و الأنوار وفاح عطر العظمة و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق نوراً، وظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا. و قالت النسوة خذيها يا خديجة طاهرة علیها السلام معصومة بنت نبي زوجة وصي نور وضي عنصر زکی، أمّ أبرار حبيبة جبار صفوة أطهار، مباركة بورك فيها و في ولدها، و لما تناولتها خديجة قالت: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن أبي صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و أن ولديَّ سادة الاسباط، ثم سلّمت على النسوة و سمّت كل واحدة باسمها، و بشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة الزهراء علیها السلام، وكانت تحدِّث خديجة علیها السلام في الأحشاء و تؤنسها بالتسبيح و التقديس ، و كان نورها و خلقها و خلالها و جمالها لا يعدو رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم.

فَكَأَنَّ فاتِحَةَ الكِتابِ تَنَزَّلَتْ *** عَنْ عَرْشِ قُدْسٍ فَوْقَ قَلْبِ مُحَمَّدِ

وَ إذا الوُجُودُ وَ دُورُ مَكَّةَ كُلُّها *** نُورٌ يُسَبِّحُ لِلْقَدِيرِ الأَوْحَدِ(1)

وَمشَتْ على المَلَكوتِ أقْدَسُ سُبْحَةٍ *** مِنْ نُورِها كُلُّ الكَواكِب تَجْتَدِي

أوَ ما هي المِصباحُ تَكْذِبُ إِنْ تَقُلْ *** مِنْ دَوْحَةٍ زَيْتُونَةٍ لَمْ يُوقَدِ؟(2)

ص: 410


1- يشير هذا البيت كالبيت السابق إلى النور الذي ملأ بيوت مكة بسبب ولادة الزهراء علیها السلام. ففي حديث طويل في البحار ج 16 ص 80 ضمن ح 20 عن ولادة الزهراء علیها السلام جاء فيه. «فوضعت خديجة فاطمة علیها السلام طاهرة مطهَّرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور... الخ الحديث. و راجع الروض الفائق ص214 و أيضاً دلائل الإمامة ص9 لأبي جعفر الطبري.
2- يشير الشاعر في هذا البيت والذي قبله إلى ما ورد بحق فاطمة علیها السلام في سورة النور آية (35) قوله «تعالى»:«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَاشَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ» الآية و قد مرَّ ذلك في قصيدة الغروي الأصبهاني البائية نقلاً عن كتاب المناقب لابن المغازلي ص317، و راجع كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله وسلم ص13. و روى أبوبكر الحضرمي في كتابه: «رشفة الصادي ص28 » بسنده عن أبي الحسن قال :«كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ» قال المشكاة فاطمة علیها السلام و المصباح الحسن و الحسين علیهما السلام، و «الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ» قال: كانت فاطمة علیها السلام كوكباً درياً بین نساء العالمين، «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» إبراهيم علیه السلام «لَاشَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ» لايهودية و لانصرانية «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ» قال: كاد العلم ينطق منها «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ» قال: من ذريتها إمام بعد إمام « يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ» يعني يهدي الله لولايتنا من يشاء و راجع كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن للسيد صادق الشيرازي ص168.

وَ نَمَتْ بَشائِرُ فِي السَّماواتِ العُلى *** كَالرِّيحِ نَمَّتْ عَنْ شَذَى الوَرْدِ النَّدي

وَهُنالِكُمْ هَبَطَتْ على ستِّ النِّسا *** عَشْرٌ مِنَ الحُورِ الحِسانِ الخُرَّدِ(1)

وَغسَلْنَ فاطِمَةَ النَّقِيَّةَ حِسْبَةً *** بِالكَوْثَرِ العَذْبِ الهَنِيءِ المَوْرِدِ

وَكَسوْنَها حُلَلَ الجِنانِ بِدايَةً *** وَ كَذا بِيَوْمِ الحَشْرِ فِيها تَرْتَدي

وَإذا تَضَوَّعَ في الوُجُودِ أريحُها *** فَعُرْفُ طِيبِ الخُلْدِ لم تَتَزيَّدِ(2)

واستُنطِقَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ فَلَمْ تَكُنْ *** إلاّ بِتَوْحِيدِ المُهَيْمِنِ تَبْتَدِي

وَشَهِدْتُ أنَّ رَسُولَهُ الهادِي أبي ***وَخَطِيبَهُ بِالحَمدِ يَوْمَ المَوْعِدِ

وَشهِدْتُ أَنَّ وَصِيَّهُ بَعْلِي وَأَوْلادي *** عَلى رَغْمِ الحَسُّودِ المُلحِدِ

أنا أمُّ سِبْطَيْهِ وَكَوْثَرُ نَسْلِهِ *** مِنْ خَيْرِ نَاصِرِ دينِه وَمُؤَيَّدِ

فَتَضاحَكَتْ حُورُ الجِنانِ بِوَجْهِهَا *** عَنْ دُرِّ تَغْرٍ كالأقاحِ مُنَضَّدِ(3)

يا مَنْ يُجادِلُ أنَّ فاطِمَ قدْسَمَتْ *** قَدْراً عَلَى أُمَّ المَسيحِ السَّيِّدِ

عِمْرانُ بَضْعَتُهُ وَ إِنْ جَلَّتْ عُلاً *** أنّى تُساوِي بَضْعَةً مِنْ أَحْمَدِ؟

فَضَلَتْ نِسَاء العالَمِينَ جَمِيعَهُمْ *** فَضْلاً مِنَ الرَّحْمَن غَيْرَ مُحَدَّدِ

ص: 411


1- الخُرَّد: الأبكار اللاتي لم يُمسَسْن.
2- تضوَّع أريجها: فاحت و انتشرت رائحتها الزكية.
3- أقاحي: جمع أقحوان نبات زهرته مفلجّة صغيرة يشبهِّون بها الأسنان. منضد: متراصف؛ و في هذه الأبيات العشرة إشارة إلى ما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام كما في البحار ج16 ص80-81 ضمن ح20 ضمن حديث طويل حيث قال: «فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالأخرى ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام بشهادة «أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم سيد الأنبياء و أن بعلى علیه السلام سيد الأوصياء و أن ولديّ سيدا الاسباط علیهم السلام» ثم سلَّمت عليهنَّ وسمَّت كل واحدة منهنّ باسمها و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام و ذكره الطبري في كتاب دلائل الإمامة ص9 فراجع.

وَ لِمَرْيَمٍ فَضْلٌ عَلَى نِسْوَانِ عالَمِها **** وَحَسْبُكَ بِالحَدِيثِ المُسْنَدِ(1)

وَ لَقَدْ أتَتْ بِنْتُ الرَّسُولِ بِمَوْحَدٍ *** كُلٌ يُسامِي فَضْلَ عِيسى المُفْرَد

وَاللَّهُ يؤذِيه أذِيَّةُ فاطِمٍ *** هذا حَدِيثٌ نَصُّهُ لَمْ يُجْحَدِ(2)

و إذا مَلائِكَةُ السَّمابِهِما دَعَتْ *** فَالفَرْقُ بادٍ لِلْبَصِيرِ النَّيْقَدِ(3)

هاتِيكَ نادَوْها أَمَرْيَمُ فَارْكَعِي *** لِلَّهِ رَبِّكِ وَاقنُتي ثُمَّ اسْجُدِي

أمَّا البَتُولُ فنُودِيَتْ في مُصْحَفٍ *** لاشَيْءَ فيه حُكْمُهُ لَمْ يُوجَدِ

وَ أتَتْ إِلَيْها بالجِفانِ، دُخانُها *** يَعْلُو الثَّريدَ و مَسُّه لَمْ يَبْرُدِ(4)

ص: 412


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى أن الزهراء علیها السلام سيدة نساء العالمين. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 قال: عن ابن عباس عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم قال: أربع نسوة سيدات سادات عالمهن مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد علیهم السلام و أفضلهن عالماً فاطمة علیها السلام» و في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 قال: «عن مسروق عن عائشة قالت: أقبلت فاطمة علیها السلام تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو شماله ثم أسرّ إليها حديثاً فبكت ثم أسرّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلی الله و علیه و آله و سلم فلما قبض سألتها فأخبرتني أنه أسر اليَّ فقال: إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين و ما أراه إلاّ و قد حضر أجلي و أنك أول أهلي لحوقاً بي و نعم السلف أنا لك فبكيت فقال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين»، و راجع صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق في باب علامات النبوّة، و راجع القرطبي في الاستيعاب ج4 ص375 في هامش الإصابة، ومسند أحمد بن حنبل ج6 ص282، و حلية الأولياء ج2 ص40.
2- و في هذا البيت إشارة إلى الحديث الوارد عن النبي صلی الله و علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة مني من آذاها فقد آذاني. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 «إنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و رواه البخاري في صحيحه في كتاب النكاح في باب ذبّ الرجل عن ابنته ، و حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم ج2 ص40. و قد مرت لك تفاصيل كثيرة في ذلك في القصائد المتقدمة فراجع.
3- النيْقد: الذي ينظر إلى الأشياء ليعرف جيِّدها من رديئها.
4- جفان: مفرده الجفنة و هي القصعة الكبيرة. و في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى ما روي أن علياً علیه السلام أصبح يوماً فقال لفاطمة علیها السلام: عندك شيء تغذِّينيه قالت: لافخرج و استقرض ديناراً ليبتاع ما يصلحهم فإذا المقداد في جهد و عياله جياع فأعطاه الدينار و دخل المسجد وصلى الظهر و العصر مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثم أخذ النبي صلی الله علیه و آله و سلم بيد علي علیه السلام وانطلقا إلى فاطمة علیها السلام و هي في مصلاّها و خلفها جفنة تفور. فلما سمعت كلام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خرجت فسلَّمت عليه و كانت أعز الناس عليه فرد السلام و مسح بيده على رأسها ثم قال: عشّينا غفر الله لك و قد فعل فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام أنى لك هذا الطعام الذي لم انظر إلى مثل لونه قط و لم أشم مثل رائحته قط و لم أكل أطيب منه و وضع كفه بين كتفي و قال: هذا بدل عن دينارك إنَّ الله يرزق من يشاء بغير حساب». بحار الأنوار ج43 ص29 ح 35. و رواه محب الدين الطبري في كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى بصورة أوسع مما في البحار و أطول ص45-47 و تقدم في الجزء الأول فصل طويل عن فضائلها و معجزاتها علیه السلام.

هَزَّتْ لَها مَهْدَ الحُسَيْنِ وَ سَبَّحَتْ *** عَنْها بِكَفِّ مُسَبِّحٍ وَ مُمَجِّدِ(1)

وَتَلَقَّتِ الوَحْيَ المُبِينَ دُرُوسَهُ *** في خَيْرِ مَدْرسَةٍ وَ أَكْرَمِ مَعْهَدِ(2)

وَنَمَتْ كَما يَنْمُو بِشَهْرٍ غَيْرُها *** فِي جُمْعَةٍ ، وَخُذِ القِياسَ عَلَى الغَدِ(3)

ص: 413


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أن الملائكة كانت تهز مهد الحسين علیه السلام في كتاب بحار الأنوار ج43 ص45 ضمن ح44 قال: روي أنها علیها السلام يعني فاطمة علیها السلام، ربما اشتغلت بصلاتها و عبادتها فربما بكى ولدها فرأى المهد يتحرك و كان ملك يحرِّكه.
2- في هذا البيت إشارة إلى ما ورد من أن الملائكة كانت تنزل على فاطمة علیها السلام. قال سلیمان: قال محمد بن أبي بكر: لما قرأ:«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ »[سورة الحج الآية 51] و لامحدَّث قلت: و هل يحدِّث الملائكة إلّا الأنبياء. قال: إن مريم علیها السلام لم تكن نبية و كانت محدَّثة و أم موسى بن عمران علیها السلام كانت محدَّثة و لم تكن نبية و سارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشروها بإسحاق و يعقوب و لم تكن نبية و فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كانت محدَّثة و لم تكن نبية. راجع بحار الأنوار ج43 ص79 ح66.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص11، وكتاب البحار ج43 ص0 ح16 من أن فاطمة علیها السلام كانت تنمو في اليوم كالجمعة و في الجمعة کالشهر و في الشهر كالسنة. ففي الدلائل ذكر، قال: عن ابن عباس: «لم تزل فاطمة علیها السلام تشب في اليوم كالجمعة و في الجمعة كالشهر و في الشهر كالسنة، فلما هاجر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من مكة إلى المدينة و ابتنى بها مسجداً و أنس أهل المدينة به و علت كلمته و عرف الناس بركته و سارت إليه الركبان و ظهر الإيمان و درس القرآن و تحدث الملوك و الأشراف و خاف سيف نقمته الأكابر و الأشراف ، هاجرت فاطمة علیها السلام مع أميرالمؤمنين علیه السلام و نساء المهاجرين وكانت عائشة فيمن هاجر معها فأنزلها النبي صلی الله علیه و آله و سلم على أم أيوب الأنصاري و خطب رسول الله النساء وتزوَّج سودة أول دخوله المدينة فنقل فاطمة علیها السلام إليها ثم تزوج أم سلمة فقالت: تزوجني رسول الله و فوّض أمر ابنته إليَّ فكنت أؤدبها و أدلها و كانت و الله أأدب مني وأعرف بالأشياء كلها». و في البحار مثله فراجع.

فَتَناوَبَ الأصْحابُ خِطْبَتَها فَلَمْ *** يَكُ حَظُّهُمْ في نَيْلِها بِالمُسْعِدِ

غَضِبَ النَّبِيُّ فَقامَ فِيهِمْ مُنذِراً *** أعْظِمْ بِهِ مِنْ مُنذِرٍ وَ مُهَدِّدِ(1)

فَهُنَاكَ خَفُّوا لِلْوَصِيِّ وَ أَيْقَظُوا *** عَزْماً لَهُ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَرْقُدِ

رامُوا بِهِ شَرَّاً وَ رامَ بِعَبْدِهِ *** خَيْراً إِلهٌ غَيْرُهُ لَمْ يُحْمَدِ

وَاللَّهُ لِلأسْبابِ خَيْرُ مُسَبِّبٍ *** وَاللَّهُ للأحْبابِ خَيْرُ مُسَدِّدِ

وَ إِذا المُهَيْمِنُ نَفْسُه قَدْ زَوَّجَ ال_ *** _زَّهْرا مِنَ الكَرّارِ خَيْرِ مُوَحِّدِ

النُّورُ زَوَّجَهُ الإِلهُ بِنُورِهِ *** وَ أضافَ مَحْضَ نُضارِه لِلْعَسْجَدِ(2)

ص: 414


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كيفية زواج الزهراء علیها السلام. ففي كتاب دلائل الإمامة للطبري ص12 قال: «في حديث طويل عن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري و عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه و آله وسلم فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم تزوجني فاطمة علیها السلام ابنتك؟ وقد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محمولة كلها قباطي مصر و عشرة آلاف دينار و لم يكن من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أيسر من عبد الرحمن و عثمان، و قال عثمان: و أنا أبذل ذلك و أنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً فغضب النبي صلی الله علیه و آله وسلم من قالتهما فتناول كفاً من الحصى فحصب به عبدالرحمن و قال له: «إنك تهول عليّ بمالك... الخ» و في البحار ج43 ص92 قال: عن علي بن موسى الرضا علیه السلام عن أبيه عن آبائه علیهم السلام عن علي علیه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا خطبناها إليك فمنعتنا و زوجت علياً علیه السلام فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم و زوجته بل الله منعكم و زوجه فهبط عليَّ علیه السلام جبرئيل فقال: يا محمد صلی الله علیه و آله و سلم إنَّ الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الارض آدم فمن دونه». و ذكر في كتاب ذخائر العقبى ص29 أيضاً.
2- العسجد: الذهب و في البيتين إشارة إلى تزويج الزهراء علیها السلام لعلي علیه السلام من قبل الله تبارك و «تعالى». انظر بحار الأنوار ج43 ص92 ح3. و في ملحقات إحقاق الحق ج18 ص174 قال: في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم: فوالذي بعثني بالكرامة و استحضنِّي بالرسالة ما أنا زوجته ولكن الله «تبارك و تعالى» زوجه من فوق عرشه و ما رضيت حتى رضي عليٌّ علیه السلام و ما رضي علي علیه السلام حتى رضیت و ما رضيت حتى رضيت فاطمة علیها السلام و ما رضيت فاطمة علیها السلام حتى رضي الله رب العالمين» و راجع ذخائر العقبى ص31 و ص86 ، و الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص204.

أَمّا الصَداقُ فَإِنَّه الفَضْلُ الَّذي *** لايَنْتَهِي مِنْ واسِعٍ مُتَفَرِّدِ

مِنْ بَعْضِهِ نَهْرُ الفُراتِ، وَشِبْلُها *** يَقْضِي بِضِفَّتهِ عَلَى قَلْبٍ صَدِي(1)

أمّا النِّثارُ فَكانَ خَيْرَ هَدِيَّةٍ *** مِنْ ُكلِّ حَوْراءِ لِكُلِّ مُخَلَّدِ

دُرّاً وَلكِنْ عادَ يَكْسُوبَعْضَهُ *** ثَوْبَ العَقِيقِ دَمُ ابْنِها المُسْتَشْهَدِ

سَبْعُونَ أَلْفاً مِن مَلائِكَةِ السَّما *** لِزَفافِها بالرُّوح جاءَت تقتَدِي(2)

ص: 415


1- يشير الشاعر في هذين البيتين أيضاً إلى أن مهر فاطمة علیها السلام نصف الدنيا و أن نهر الفرات بعضه. ففي كتاب دلائل الإمامة للطبري ص18 عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ضجت الملائكة إلى الله فقالوا إلهنا و سيدنا أعلمنا مهر فاطمة علیها السلام لنعلم و نتبين أنها أكرم الخلق عليك فأوحى الله إليهم يا ملائكتي و سكان سماواتي أشهدكم أن مهر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم نصف الدنيا». و في حديث عن جابر الجعفي قال: قال سيدي الباقر علیه السلام«و قد شكى المؤمنون إلى جدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عرفنا من الأئمة بعدك؟ فما مضى نبي إلّا و له أوصياء و أئمة بعده و قد علمنا أن علياً وصيّك فمن الأئمة بعده؟ فأوحى الله «تعالى» إليه: إني قد زوجت علياً بفاطمة علیها السلام في سمائي و تحت ظل عرشي و جعلت جبرئيل خطيبها و ميكائيل وليها و إسرافيل القابل عن عليّ علیه السلام، و أمرت شجرة طوبى فنثرت عليهم اللؤلؤ الرطب و الدر و الياقوت و الزبرجد الأحمر و الأخضر و الأصفر و المناشير المخطوطة بالنور فيها أمان للملائكة مدخور إلى يوم القيامة و جعلت نحلتها من علي خمس الدنيا و ثلثي الجنة و أربعة أنهار في الأرض: الفرات، و دجلة، والنيل، و نهر بلخ، فزوجها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك... الخ».
2- يشير الشاعر في الأبيات الثلاثة إلى زفاف الزهراء علیها السلام من قبل سبعين ألفاً و من الملائکة و نثرهم الدر و الياقوت و الجوهر. ففي كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين الطبري ص32 قال: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت الليلة التي زفت فيها فاطمة علیها السلام إلى علي علیه السلام كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم أمامها و جبريل عن يمينها و ميكائيل عن يسارها و سبعون ألف ملك من خلفها يسبّحون الله و يقدّسونه حتى طلع الفجر. أخرجه الحافظ أبوالقاسم الدمشقي. و في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص25 قال: عن علي بن عبد الله عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد علیه السلام قال: «لما زفت فاطمة علیها السلام إلى علي علیه السلام نزل جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و نزل معهم سبعون ألف ملك قال: فقدمت بغلة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم دلول و عليها سُملة ، فأمسك جبرئيل باللجام و أمسك إسرافيل بالركاب و أمسك ميكائيل بالثغرة و رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يسوي عليها ثيابها فكبر جبرئيل و كبر إسرافيل و كبر ميكائيل و كبرت الملائكة و جرت سنة التكبير في الزفاف». و في البحار ج43 ص104 ح15 قال: عن موسى بن جعفر علیه السلام عن أبيه عن جده علیه السلام عن جابر بن عبد الله قال: لما زوج رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوجت علياً علیه السلام بمهر خسيس فقال: «ما أنا زوَّجت علياً علیه السلام ولكن الله «عز وجل» زوجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى، أوحى الله إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدرَّ و الياقوت و الجوهر و المرجان فابتدر الحور العين فالتقطن، فهن يتهادينه و يتفاخرن و يقلن: هذا من نثار فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی الله و علیه و آله و سلم». و ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج5 ص7، و ذكره ابن الأثير في كتاب أسد الغابة ج2 ص358.

وَ يَقُودُ يَوْمَ الحَشْرِ ناقَتَها، وَ فِي *** يدِه الزِّمامُ مُرَصَّعاً بِزَبَرْجَدِ(1)

وَ هُناكَ تَشْفَعُ لِلْمُحِبِّ وَ تَنْتَقي *** كَالطَّيرِ يَلْتَقِطُ النَّقِيَّ مِنَ الرَّدي(2)

ص: 416


1- مرصَّعا: منظَّماً.
2- و في هذين البيتين إشارة إلى مجيء فاطمة علیها السلام يوم القيامة على ناقتها و شفاعتها لمحبيها و شيعتها و التقاطهم كالتقاط الطير للحب. ففي بحار الأنوار ج43 ص219 ح1 قال: عن جعفر الأحمر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر علیه السلام قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: اذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر ذنبها من المسك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان. عليها قبّة من نور يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها داخلها عفو الله و خارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركناً كل ركن مرصّع بالدُّر و الياقوت يضيء كما يضيء الكوكب الدُّري في أفق السماء وعن يمينها سبعون ألف ملك و عن شمالها سبعون ألف ملك، و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه وآله و سلم، فلا يبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصدّيق و لاشهيد إلاّ غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله فتنزح بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله جل جلاله: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي، واشفعي تشفعي فوعزَّتي و جلالي لا جازاني ظلم ظالم، فتقول: الهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي و محبّي ذريتي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله»: أين ذريّة فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذرّيتها فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة تتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة . و في حديث طويل عن الباقر قال: قال أبو جعفر علیه السلام والله يا جابر إنها ذلك اليوم -يعني یوم القيامة- لتلتقط شيعتها و محبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرَّديء فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فيقول الله «عز وجل»:يا أحبائي ما التفاتكم و قد شفَّعت فيكم بنت حبيبي، فيقولون: يا رب أحببنا ان يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا و انظروا من أحبكم لحب فاطمة علیها السلام انظروا من أطعمكم لحب فاطمة علیها السلام، أنظروا من كساكم لحب فاطمة علیها السلام، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة علیها السلام، انظروا من ردِّ عنكم غيبة في حب فاطمة علیها السلام خذوا بيده و أدخلوه الجنة... الخ» راجع البحار ج43 ص65 ضمن ح57.

أتُريدُ أنْ تُحْصِي فَضَائِلَ فاطِمٍ *** نَفِدَ الحِسابُ وَ فَضْلُها لَمْ يَنْفَدِ

بَعُدَتْ عَنِ المُخْتارِ مُذْ زُفَّت على*** الكَرّارِ ، لكِنْ قَلْبُها لَمْ يَبْعُدِ

فَالشَّوقُ يَأْكُلُ قَلْبَ كُلِّ مِنْهُما *** ما شَوْقُ وِرْدِ العَذْبِ لِلظَّامِي الصَّدِي

وَ دَنَتْ لِوالِدِها وَ أَصْبَحَ بابُها *** مِنْ دُونِ صَحْبِ المُصْطَفَى لَمْ يُسْدَدِ(1)

يَرْنُو مُحَيَّاها فَيَذْهَبُ غَمُّهُ *** وَ لها بِنَفْسِ عُلاه دَوْماً يفْتَدِي(2)

وَ غدا يُقَبِّلُها وَيلْثِمُ صَدْرَها *** ما بَيْن ثَدْيَيْها بِكُلِّ تَوَدُّدِ(3)

وَهُناكَ يَذْكُرُ ضَرْبَةَ المِسْمارِ أَوْ *** أَثَرَ السِّبَاطِ بِكَتْفِها كَالمِعْضَدِ(4)

ص: 417


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم من سد أبواب الصحابة إلّا باب علي و فاطمة علیهما السلام. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص175، روی بسنده عن عبد الله بن الرقيم الكناني قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل فلقينا سعد بن مالك بها فقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد و ترك باب علي علیه السلام. و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمع الزوائد ج9 ص114. و ذكره أحمد أيضاً ج1 ص330. و الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج7 ص205 فراجع.
2- يرنو محيّاها: أطال النظر إلى وجهها.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى محبة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام ففي كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 روى عن ابن عباس أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة علیها السلام و في كتاب ذخائر العقبى ص36، قال: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قبَّل يوماً نحر فاطمة علیها السلام قالت: فقلت له يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فعلت شيئاً لم تفعله فقال: يا عائشة اني إذا اشتقت الجنة قبلت نحر فاطمة علیها السلام و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج8 42. و في البحار ج43 ص42 ضمن ح42 قال: «الباقر و الصادق علیهما السلام انه كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم لاينام حتى يقبل عرض وجه فاطمة علیها السلام، يضع وجهه بين ثديي فاطمة علیها السلام و يدعو لها، و في رواية حتى يقبّل عرض و جنة فاطمة علیها السلام أو بين ثدييها».
4- في هذا البيت إشارة إلى ما مرَّ من دخول المسمار في صدرها و ضربها بالسياط و قد خرّجناه في قصيدة حسن سميسم البائية نقلاً عن كتاب سليم بن قيس ص40، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109. و قصيدة ابن مرهون البائية نقلاً عن کتاب سليم بن قيس ص37.

مِنْ ثَمَّ بَشَّرَها بِسُرْعَةِ مَوْتِهَا *** فَالفَرْعُ إِن يَفْقِدُ لأَصْلِ يُفْقَدِ(1)

عَاشَتْ خِلالَ الأرْبَعِينَ عَقِيبَهُ *** في حُزْنِ شَاكِلَةٍ وَقَلْبٍ مُكْمَدِ(2)

مَظْلُومَةً مَهْضُومَةً مَكْسُورَةً *** أضلاعُها وَدُمُوعُها لَمْ تَجْمُدِ(3)

تَدْعُو بِوَالِدِها الرَّؤوفِ بِزَفْرَةٍ *** مِنْ حَرِّها قد ذابَ قَلْبُ الجَلْمَدِ(4)

إنِّي وَدِيعَتُكَ الَّتي خَلَّفتَنِي *** في أمَّةٍ ما لي بها مِن مُنْجِدِ

ص: 418


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قول الرسول صلی الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام من أنها أول أهله لحوقاً به. ففي كتاب البحار ج3-4 ص180-181 ضمن ح16 قال: «روت عائشة أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم دعا فاطمة علیها السلام في شكواه الذي قبض فيه فسارَّها بشيء فبكت ثمَّ دعاها فسارَّها فضحكت فسئلت عن ذلك فقالت: أخبرني النبي صلی الله علیه و آله و سلم أنه مقبوض فبكيت ثم أخبرني أني أوّل أهله لحوقاً به فضحكت» ومناقب ابن شهراشوب ج3 ص161 و كتاب ابن شاهين قالت أم سلمة و عائشة: إنها لما سئلت عن بكائها و ضحكها قالت: أخبرني النبي صلی الله علیه و آله و سلم أنه مقبوض ثم أخبرني أنه سيصيبهم بعدي شدة فبكيت ثم أخبرني أني أوّل أهله لحوقاً به فضحكت. المصدر نفسه والصفحة نفسها.
2- وفي هذا البيت إشارة إلى مقدار مكوث الزهراء علیها السلام بعد أبيها صلي الله علیه و آله و سلم وحزنها على فراقه ففي البحار ج43 ص180 ضمن ح16 قال: «قبض النبي صلی الله علیه و آله و سلم و لها يومئذ ثماني عشرة سنة و سبعة أشهر و عاشت بعده اثنين و سبعين يوماً ويقال: خمسة و سبعون يوماً و قيل : أربعة أشهر. و قال القرباني: قد قيل: أربعون يوماً و هو أصح و توفيت علیه السلام ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة و مشهدها بالبقيع و قالوا: إنها دفنت في بيتها. و قالوا: قبرها بين قبر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و منبره». و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص362 قال: «روي أنها ما زالت بعد أبيها صلي الله علیه و اله و سلم معصّبة الرأس ناحلة الجسم منهدّة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة و تقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض، و لا أراه يفتح هذا الباب أبداً و لا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما؟ ثم مرضت ومكثت أربعين ليلة».
3- و في هذا البيت إشارة إلى ظلمها و ضربها و كسر اضلاعها «سلام الله عليها». انظر کتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، 208 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- الجلمد: الصخر.

كَمْ قَدْ خَطَبْتُهُمُ مُذَكِّرَةً لَهُمْ *** وَ وَعَظْتُهُمْ فِي مَحْشَدٍ عَنْ مَحْشَدِ

إنِّي أمانَةُ ربِّكُمْ ، لَكِنَّكُمْ *** خُنْتُمْ أمانَةَ ربِّكُمْ بِتَعَمُّدِ(1)

وَصَلاتُهُ الوُسْطَى عَلَيَّ فَحافِظوا *** يا...، غُضِّي مِنْ ضَلالِكِ يا...(2)

يا والِدِي ضاقَ الفَسِيحُ وَ عادَ فِي *** عَيْنِي نَهارِي جُنْحَ لَيْلٍ أَسْوَدِ

يا والِدِي قَدْ أحْرَقُوا داري، فَذِي *** فِي القَلْبِ جُذْوَةُ نارِهِمْ لَمْ تَخْمُدِ(3)

يا والِدِي هذا وَصِیُّكَ أَخْرَجُوا *** مُذلبّبُوهُ في نِجَادِ مُهَنَّدِ(4)

يا والِدِي هذا الحُسَيْنُ وَ صِنْوُهُ *** باتا بِلَيْلِ في الهُمُومِ مُسَهَّدِ(5)

وَقَضَتْ وَ لَمْ يَبْرَحْ مُصابُ المُصْطَفَى *** غَضّاً فَلَمْ يَبْرَحْ وَ لَمْ يَتَجَدَّدِ

لكِنْ تَأكَّدَ، فَالسَّلامُ عَلَيْهِمُ *** مَهْماتَاكَّدَ رُزْؤُهُمْ يَتأَكَّدِ(6)

ص: 419


1- في هذه الأبيات الأربعة إشارة إلى ما لحق بالزهراء علیها السلام من آلام و أشجان. انظر سليم بن قيس ص208 . و جاء في كتاب البحار ج43 ص156 ح2 عن عبد الله بن عباس قال: لما حضرت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته فقيل له: يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ما يبكيك؟ فقال: «أبكي لذريتي و ما تصنع بهم شرار أمّتي من بعدي، كأني بفاطمة علیها السلام بنتي و قد ظُلمت بعدي و هي تنادي يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم، فلايعينها أحد من أمتي» ، فسمعت ذلك فاطمة علیها السلام فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لاتبكين يا بنيّة» فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك، و لكني أبكي لفراقك يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فقال لها : أبشري يا بنت محمد صلی الله علیه و آله و سلم بسرعة اللحاق بي فإنك أوّل بي من يلحق بي من أهل بيتي».
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الزهراء علیها السلام و علي علیه السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام و جدهما صلي الله علیه و آله و سلم هم الصلاة الوسطى، «سلام الله عليهم». و قد مرَّ ذلك في قصيدة الغروي الأصبهاني البائية نقلاً عن كتاب تفسير العياشي ج1 ص128 فراجع و لايخفى أن بعض الكلمات المحذوفة في البيت فيها من الكناية ما لا يخفى.
3- انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208.
4- لبّبوه: جرّوه -نجادِ مهند: حمائل سيف.
5- مسهَّد: سَهِدَ أي أرق و قلَّ نومه.
6- ديوان الربيعي ج1 ص27.

(24) دُرةُ الكونين

(بحرالكامل)

الشيخ عبد الله الوائل الأحسائي(*)(1)

ص: 420


1- (*) هو الشيخ عبد الله بن علي بن عبد الله الإحسائي المعروف ب_ (الصائغ) و القاري. ولد المترجَم له في مدينة الهفوف عاصمة الإحساء في أوائل القرن الثالث عشر، ولم يحدد بالضبط تاريخ ولادته غير أنه كان حياً سنة (1238ه_) و هو تاريخ نظم فيه قصيدة له. و المترجم له من ذوي الفضيلة و الثقافة العالية، و هو أحد العلماء المخلصين. أخذ دراسته العلمية في الإحساء، فدرس فيها النحو و البلاغة و الصرف و العروض و مبادىء الفقه و الأصول و الحكمة الإلهية على بعض علماء الإحساء و منهم الشيخ محمد أبو خمسين و غيره. وكان أديباً وشاعراً فذاً مرموقاً، و قد طغى هذا الجانب الأدبي على شخصيته و تميّز به، فكان ذا باعٍ طويل في نظم الشعر و قرضه في المناسبات المختلفة، بما فاق به معاصريه من أبناء قطّره بل رأيناه يأتي في مصاف الشعراء المشهورين في العراق كالشيخ حسين نجف و الشيخ محمد علي الأعسم و الشيخ عبد الحسين شكر و الحاج جواد بركت الحائري و غيرهم من شعراء العراق، و كان متأثراً بهم إلى حدّ كبير و قد خمَّسَ الكثير من أشعارهم و شطرها بما يشعر و يؤكد إلمامه بأشعارهم و هو في الغالب لا يكون إلاّ بمجالستهم، و حضور نواديهم الأدبية و مبارياتهم الشعرية إذ لم نعهد ذلك قد حصل لغيره من شعراء الإحساء. و لايخفى ما كانت تزخر به نوادي كربلاء و النجف و غيرهما من حركة أدبية و لاسيما نظم الشعر في مدح ورثاء أهل البيت علیهم السلام، و مما لاشك فيه أن المترجم له قضى فترة من عمره في العراق و ربما كان نزيلاً في العتبات المقدّسة كما يظهر من بعض قصائده حيث يشير إلى ذلك. و قد طرق الشاعر المترجَم له أنواع الشعر كافة من العمودي، و الموشح و التخميس و التشطير و التربيع و غيرها . و تميّز شعره بطابع الولاء العميق لأهل البيت علیهم السلام، و هو ينحو بشعره منحى الشيخ رجب البرسي و الشيخ حسين نجف و الشيخ محمد علي الأعسم و الشيخ عبد الحسين شكر و الحاج جواد بركت و أمثالهم كما أشرنا. و كان شاعرنا أحد خطباء الأحساء الذين شهدتهم منابرها... ترك شاعرنا الفذ آثاراً قيمة منها: 1- ديوان شعر كبير يتألف من ثلاثة أجزاء. 2-كشكول كبير في مجلدين. وافته المنية ولبى نداء ربه في قرية (سيهات) إحدى قرى القطيف و كانت وفاته سنة (1305ه_).

باتَتْ عَلَى فَنَنِ الْأَراكِ تُغَرِّدُ *** بِفُنونِها وَبِيَ الْمُقِيمُ الْمُقْعِدُ(1)

وَرْقَاءُ عَنْ إسحاقَ أَخْذُ فُنونِها *** وَ غَرامُها يَنْمِيهِ فِيهَا مَعْبَدُ(2)

بانَتْ تُطارِحُنِي الغَرامَ وَ بِثُّ مِنْ *** شَغَفٍ أُطَارِحُها كِلانا يُنْشِدُ

لكِنّما ذاتُ الجَناحِ مَناحُها *** طَبْعٌ بِخِلَّةِ ذاتِها مُتَوَلِّدُ

لَوْ كانَ مِنْ حُزْنٍ لَمَا اتَّخَذَتْ لها *** طَوْقاً وَلا مِنْهَا قَدِ اخْتُضِبَتْ يدُ

بَلْ لَمْ تَبِتْ فَوْقَ الْغُصونِ قَرِيرَةً *** عَيْناً بِناعِمِهَا الْغَضِيضِ تُمَهِّدُ(3)

وَمَناحُها إمّا لِفَقْدِ هَدِيلِها *** أَوْ إِنّه إِلْفٌ لَدَيْها يَفْقِدُ

هذا وَ لمَّا تَجْرِ مِنْها دَمْعَةٌ *** وَ أَخُو الكآبةِ دَمْعُهُ لا يَجْمُدُ

وَ لَوَانَّها تَحْوِي يَسِيرَ كابتي *** ماشاقَها إلْفٌ وَ غُصْنٌ أَمْلَدُ(4)

أَيْنَ الْخَلِيُّ مِنَ الشَّجِيِّ وَ أيْنَ *** مُثْلُوجُ الْحَشى مِنْ ذِي جَوًى لا يَبْرُدُ

وَ شَجايَ لَيْسَ لِفَقْدِخِلٍّ قَدْ نَأَى *** عَنِّي وَ مَحْبُوبٍ حَواهُ مُلْحَدُ

لَكِنْ شَجانِي ذِكْرُ فَاطِمَةٍ وَ ما *** لاقَتْهُ مُذْ قُبِضَ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ

ص: 421


1- فنن الأراك: الغصن الملتف لشجرة الأراك.
2- الورقاء: الحمامة.
3- الغضيض: الطريّ.
4- الأملد: الغصن إذا اهتزّ ولان.

صُبَّتْ عليها لِلزَّمانِ مَصائِبٌ *** عُظْمَى عَلى مرَّ الجديدِ تُجَدَّدُ

جَارتْ عَلَيْها عُصْبَةٌ وَاعْصَوْصَبُوا *** في ظُلْمِها دونَ الْوَرَى و تَقَصَّدوا(1)

لم يَرْقُبوا فيها النبيَّ وَحُرْمَةَ اللَّهِ *** الْعَلِيِّ و في الضَّلالِ تَرَدَّدُوا(2)

لِرِضَاهُمُ بِابْنِ الْأَجِيرِ وَ تَرْكِهِمْ *** في المرتضى ما قَدْ حَكاهُ أَحْمَدُ

إذْ قَدْ أَقامَ لَهُ بِخُمٍّ بَيْعَةً *** واللَّهُ والأَمْلاكُ فِيها تَشْهَدُ

وَلَوى عَلى أَعْنَاقِهِمْ لِلْمُرتَضَى *** منها عُقُوداً مِثْلُها لا يُعْقَدُ

وَمُذِ انْقَضَى مِنْ بينِ أَظْهُرِهِمْ له *** عَهْدٌ عَنَوْا فِي غَيِّهِمْ وَتَمَرَّدُوا

واسْتَبْدَلُوا بابنِ الْأَجِيرِ سَفَاهَةً *** عَنْ حَيْدَرٍ وَ هُوَ الوَليُّ المُرْشِدُ

وَأَبَوهُ وَ هُوَ أبِيُّهُمْ وَ إِمَامُهُمْ *** وَعِمَادُهُمْ وَ عَمِيدُهُمْ وَ السَّيِّدُ

وَلَوَوْا إلى التَّيْمِيِّ جِيدَ قَبُولِهِمْ *** حَسَداً لِحَيْدَرَةٍ وَ خَابَ الحُسَّدُ(3)

فَطَوَى لَهَا كَشْحاً عَلَى الكُفْرِ انْطَوى *** مِنْ فُرْصَةٍ دَأْباً لَهَا يَتَرَصَّدُ(4)

وأدالَ مالَ اللَّهِ في أعْدائِهِ *** دُوَلاً وآلُ اللَّهِ عَنْهُ تُطْرَدُ

مُتَصدِّراً في دَسْتِ أَحْمَدَ جُرْأَةً *** و وَصِيُّهُ عَنْهُ يُذادُ وَ يُبْعَدُ

وَأَدافَ لِلزَّهْراءِ كُلَّ مَضاضَةٍ *** بِأَقَلَّ أَيْسَرِها يَذُوبُ الْجَلْمَدُ(5)

ص: 422


1- اعصو صبوا: اجتمعوا و صاروا عصابة.
2- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلى ما لاقته الزهراء علیها السلام من ظلم و أذى بعد وفاة والدها النبي صلی الله علیه و آله و سلم. انظر سليم بن قيس ص208. و عوالم العلوم ج2 ص626. و عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية. و سليم بن قيس ص208.
3- التَّيمي: المنفرد. جيد: عنق. (جيد قبولهم بمعنى بيعتهم).
4- كشحا: عداوة.
5- أداف: خلط. (ولعل التعبير بأذاق أولى من أداف). المضاضة: الحرقة والألم.

وَابْتَرَّ مِنْهَا إرْنَها ظُلْماً وَمَا *** قَدْ كَانَ أَنْحَلَها أَبُوهَا الْأَمْجَدُ(1)

وَوَشَى بِهَا الْعَدَوِيُّ مِنْهُ عَداوَةً *** كَيْمَا يَكِيدُ بها الوَصِيَّ وَ يُضْهِدُ(2)

وأدارَ في فِئَةِ الضَّلالِ بِبابِها *** خطباً لِيُحْرِقَها بهِ إِذْ يُوقَدُ

دارٌ لِآلِ اللَّهِ مَهْبِطُ وَحْيِهِ *** بِالنَّارِ يُحْرِقُهَا الدَّعِيُّ المُلْحِدُ(3)

وَ لَطالَما جِبْرِيلُ وَالْأَمْلاكُ قَدْ *** طَلَبُوا بِهَا إِذْنَ الدُّخولِ وَعَوَّدُوا(4)

فَأَتَتْ لَهُ الزَّهْرا فَفَنَّعَ رَأْسَها *** بِالسَّوْطِ شَلَّتْ بِالعَذابِ لَهُ يَدُ(5)

وَ وَجا لِأَضْلُعِها وَأَسْقَطَ حَمْلَها *** مِنْهَا وَ لَيْسَ لَها بِذَلِكَ مُنْجِدُ(6)

وَ جَرى بِحَيْدَرَ ما جرى مِنْهُ و *** لاتَسْأَلُ وَ ناهِيكَ الفَظِيعُ الأَوْحَدُ

قَسَماً بهِ لَوْلا وَصِيَّةُ أَحْمَدٍ *** و قَدِيمُ عَهدِ لِلإِلَهِ مُؤَكِّدُ

ما حامَ نَغْلُ صُهَاكَ حَوْلَ حِمائِهِ *** وَ لَضاقَ مِنْهُ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَوْرِدُ(7)

لكِنَّهُ أَغْضَى عَلى فَرْطِ القَذا *** جَفْناً لَهُ طَرْفُ الهدايَةِ أَرْمَدُ

وَيْلٌ لِأَذلَم أيُّ غاشِيَةٍ عَلَتْ *** بَيْتَ الرِّسالة مِنْهُ لَيْسَتْ تَنْفَدُ(8)

ص: 423


1- يشير الشاعر إلى ابتزاز إرث الزهراء علیها السلام من قبل أبي بكر. انظر مسند أحمد ج1 ص9 و ص63 و السنن الكبرى ج6 ص300.
2- يُضهد: يغلبه و يقهره.
3- يشير في هذين البيتين إلى ما مرَّ إتيانه بالحطب هو و أصحابه و إحراق البيت على الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208.
4- عوّدوا: زاروا و منه عيادة المريض.
5- و في هذا البيت إشارة إلى ضرب الزهراء بالسوط انظر سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40، و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
6- ويشير في هذا البيت إلى وجي أضلاعها و اسقاط حملها. انظر سليم بن قيس أيضاً ص40، 218 كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
7- نغل: حيوان متولد من الفرس و الحمار (الأتان) كما أن صهاك اسم أم عمر بن الخطاب.
8- أدلم: دَلَم (الديلم): جيل من الناس.

أوَ مِثلُ جَوْهَرَةِ الْعَفَافِ وَ دُرَةِ *** الْكَوْنَيْنِ يَجْلُوهَا الغَوِيُّ المُفْسِدُ

وَ يَسُومُ في سُوقِ البَلاءِ جَلالَها *** بِالْخَسْفِ وَ الْهَوْنِ الذَّرِيعِ وَ يَجْهَدُ

لادَرَّيا للنّاسِ دَرُّ عِصَابَةٍ *** قَدْ وازَرُوهُ بِمَا جَناهُ و أَسْعَدُوا

أتُهانُ بَيْنَهُمُ الْبَتُولُ وَ إِنَّهُمْ *** لِجَلالِها بالرغم مِنْهُمْ أَعْبُدُ؟

وَ يُقادُ مُقْتَادُ الْأُسُودِ لِعِلْجِهِمْ *** مِنْ بَيْنِهِمْ وَ هُوَ الإمامُ الْمُرْشِدُ

تَاللَّهِ لاأَنْسَى البَتُولَةَ إِذْ نَحَتْ *** ذاكَ الْغَوِي بِحَسْرَةِ تَتَوَقَدُ

وَ أَتَتْ لِمَسْجِدِ أَحْمَدٍ وَالرِّجْسُ في *** حَشْدِ لَهُ قَدْ غَصَّ مِنْهُ الْمَسْجِدُ

فَهُناكَ أَنَّتْ أَنَّةٌ مِنْ زَفْرَةٍ *** تَنْفَكُ فِي أَحْشَائِها تَتَصَعَدُ(1)

فَلَو إنَّهَا لَمْ تَحْتَسِبُها أَحْرَقَتْ *** في لابَتَيْها كُلَّ خَلْقٍ يُوجَدُ

إيه أخَا تَيْمٍ عَلامَ تَجِدُّ في *** ظُلْمِي وَ هَضْمِي فِي الْأَنامِ وَ تَجْهَدُ؟

وَ تَحُوزُ نِحْلَةً والِدِي وَ تُراثَهُ *** لي دونَ كلّ المُسْلِمِينَ وَ تُبْعِدُ

أَيَجُوزُ تَحْكُمُ بِي عَلى خُلْفِ الَّذي *** نَصُّ الكتابِ بهِ عَلَيْكَ يُؤَكِّدُ

أَوْ والِدِي أَوْصَاكَ تَحْكُمُ بِي عَلى *** خُلْفِ الكِتَابِ فَأَنْتَ مِنْهُ مُسَدَّدُ

أوْ كانَ ديني غير دين أبي فَلا *** ميراث لي دُونَ الأنام وَ أَبْعَدُ

أَیَحُوزُ كُلَّ مِنْ أَبِيهِ تُراثَهُ *** عَفُواً وَ عَنْ إِرْنِي أَذَادُ و أَظرَدُ؟(2)

ص: 424


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى خطبة الزهراء علیها السلام في المسجد انظر كتاب الاحتجاج ج1 ص131-132.
2- يشير الشاعر في هذا البيت و الأبيات التي قبله إلى احتجاج الزهراء علیها السلام على أبي بكر في حقها بالإرث ففي كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232، عن مولى أم هانىء قال: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعد ما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها فقالت له: لئن متَّ اليوم من كان يرتك؟ قال ولدي وأهلي قالت فلم وَرثت أنتَ رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم دون ولده وأهله قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قالت: بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وآله و سلم له فأخذتها، و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنّا، فقال يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لم أفعل حدثني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الخ».

أمَعاشِرَ الإِسْلامِ أَظْلَمُ بَيْنَكُمْ *** وَ الْكُلُّ مُطَّلِعُ بِذَلِكَ يَشْهَدُ؟

رُدُّوا عَلَيَّ ظَلامَتِي أَوْ فَارْدَعُوا *** عنّي ظَلُوماً في الغوى يَتَرَدَّدُ

فَتَقَاعَدُوا عَن نَصْرِها طَراً كَأَنَّ *** الطَيْرَ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ وَ تَجَرَّدُوا

ثُمَّ انْتَنَتْ مِنْ بَيْنِهِمْ في حَسْرَةٍ *** حَرَّى لَواعِجُ حُزنِها لا تَخْمَدُ

يا دُرَّةَ الكَوْنَيْنِ أُقْسِمُ بِالَّذي *** تَحَوَّلْتِهِ وَ هُوَ العُلى وَ السُّؤْدَدُ

ما هانَ عِنْدَ اللَّهِ هَوْنُكِ لا و *** لاإِعْزازَ مَنْ لَكِ بِالأذى يَتَقَصَّدُ

وَ عَلَى النَّبِيِّ أبيكِ يَعْزُزُ لَوْ رأى *** ما قَدْ عَرَاكِ وَ إِنَّهُ لكِ مُکْمَدُ(1)

قَسَماً لَنَارٌ فَوْقَ بابِكِ أُوقِدَتْ *** في الطَّفُ أَضْحَتْ لِلْحُسَيْنِ تَوَقَّدُ(2)

وَيَدٌ عَلَتْكِ بِسَوْطِها قَدْ جَرَّدَتْ *** سَيْفاً بِنَحْرِ السِّبطِ أَضْحَى يُغْمَدُ(3)

وَ كَما لِمُحْسِنَ أسْقَطَتْ قَدْ غَادَرَتْ *** طِفْلَ الحُسَيْنِ بِسَهْمِهَا يُسْتَشْهَدُ(4)

وَ كَما وجعتِ بِضَرْبِهَا قَدْ أَوْجَعَتْ *** بالطَّفْ نِسْوَتَهُ الحَرائِر أَعْبُدُ(5)

ص: 425


1- مكمد: حزن حزناً شديداً و تغير لونه.
2- إشارة إلى حرق الدار من قبل عمر بن الخطاب انظر كتاب سليم بن قيس فراجع.
3- و في هذا البيت يشير الشاعر إلى ضرب الزهراء بالسوط انظر سليم بن قيس ص36 و 40. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109. انظر کتاب سليم بن قيس ص208.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى سقوط جنين الزهراء سلام الله عليها المحسن انظر کتاب سليم بن قيس ص 40 . و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
5- أَعْبُدُ: العبد و هو إشارة إلى جيش بني أمية الذين أوجعوا حرائر الحسين علیه السلام جمع و الرسالة يوم الطف و ربما أعيد بدل أعبد و هو ما اعتادك من مرض أو حزن أو هم و فيه إشارة أيضاً إلى نسوة الحسين علیه السلام اللواتي لازمهن الحزن و الهم لما دهاهن من البلاء فلعل المعنى الاول تقرأ (أوجعت) مبنية للمعلوم و على الثانية للمجهول.

تِلْكَ الرَّزِيَّةَ يَوْمَ رُزْئِكِ أُنْتِجَتْ *** وَ بِأَسِّها ذاكَ البِناءُ مُشَيَّدُ(1)(2)

ص: 426


1- بأسها: بأساسها و عمودها.
2- القصيدة (128) بيتاً من ديوان الدرر الفاخرة في مدائح و مراثي العترة الطاهرة مخطوط.

(25) من بيت فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ علاء الدين البهادلي

بِنْتَ الهدَى وَ ساعَةِ الميعادِ *** وَ الصُّبْحُ يَرْقُبُ لَحْظَةَ المِيلادِ

أَطْفِي شُمُوعَكَ إِنْ كَوْكَبَ فَاطِمٍ *** شَعَّتْ بِنُورِ ساطِعٍ وَقَّادِ(1)

وُلِدَ الصَّباحُ عَلَى نَسِيمٍ عَبِيرِها *** يا فَرْحَةَ المِيلادِ فِي المِيلادِ

زَهْراءُ أنفاسُ الجِنَانِ بِشِعْرِها *** وَ عَبيرِهَا مِنْ غُصْنِها المَيَّادِ(2)

هَبَطَتْ مَلائِكَةُ السَّمَاءِ بِبَيْتِها *** تُلْقِي التَّحِيَّةَ لِلنَّبِيِّ الهَادِي

أبْشِرْ -حَبَاكَ اللَّهُ-كَوْثَرَ خَيْرِهِ *** انْحَرْ كَثِيرَ الضَّيْرِ وَ الأوْلادِ(3)

هَبَطَتْ بِمَكَّةَ وَرْدَةٌ لِمُحَمَّدٍ *** وَ مَضَتْ كَمَوْجِ النُّورِ في المِيعَادِ

تَخْبُو المَشَاعِرُ في الصُّدُورِ كأَنَّها *** رَيْعُ الشَّبابِ وَ خَطْوَةُ الأَمْجادِ(4)

مِنْ بَيْتِ فاطِمَ نُورُ كُلِّ هِدايَةٍ *** مِنْ دارِ «فاطِمَ» خِطَّةُ الإِرْشادِ

مِنْ حُزْنِ آلِ مُحَمَّدٍ حُزْنِي وَ فِي *** أَعْيادِ آلِ مُحَمَّدٍ أعيادي

كُمْ مِنْ شَقِيٌّ غاص في طُغْيانِهِ *** يَقْتات أوهاماً بلا أسنادِ(5)

ص: 427


1- في إشراق النور بولادتها.
2- الميَّاد: المتمايل.
3- حباك: أعطاك.
4- تخبو: خبَّ البحر: هاج و اضطرب. ريع: الريع من كل شيء أوله و أفضله.
5- يقتاتُ: يقتاتُ الشيء يتخذه قوتاً أو يأكله. أسناد: جمع سند و هو ما يُستند إليه.

وَ الحُزْنُ أمْسَى رَغْمَ كُلِّ مُشَكِّكٍ *** فِي كُلِّ قَلْبٍ مَوْطِنَ الآبادِ

وَ القَلْبُ مِنْ فَرْطِ الحَنِينِ تَنَاثَرَتْ *** أسلاؤُهُ تَسْعَى لِكُلِّ بِلادِ

فَعَلَيْكِ يا بنتَ الهُداةِ تَحِيَّةً *** ما غَرَّدَ العُصْفُورُ في مَيَّادِ

ص: 428

(26) مهرجان البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

لِمَنِ النُّورُ قَدْ أَضَاءَ الوُجُودا *** وَ أرانا فَجْراً جَدِيداً سَعِيدا

أَيُّ نُورٍ بَدا مِنَ العَالَمِ القُدْسِيِّ *** وَ انْسابَ كَوْكَباً مَوْقُودا

شَعَ مِنْ مَكَةٍ بِكُلِّ ازْدِهارٍ *** يتحَدَّى تَهائِماً وَ نُجُودا(2)

في جُمادى الثَّانِي بِعِشْرِينَ مِنْهُ *** مِهْرَجَانُ البَتُولِ بُورِكَ عِيدا(3)

أَيُّ حَوْراءَ مَنْ لِمِيلادِها الحُورُ *** أَقامَتْ في الْخُلْدِ حَفْلاً مَجِيدا(4)

ص: 429


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تهائم و نجود: جمعان لتهامة و نَجْدِ.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى تاريخ ميلاد الزهراء علیها السلام. ففي البحار ج43 ص6 ح7 قال: عن جابر بن عبد الله: ما رأيت فاطمة علیها السلام تمشي إلّا ذكرت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم تميل إلى جانبها الأيمن مرة وعلى جانبها الأيسر مرة، و ولدت فاطمة علیها السلام بمكة بعد النبوة بخمس سنين و بعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جمادى الآخرة و أقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ثم هاجرت معه إلى المدينة فزوجها من علي علیه السلام بعد مقدمها المدينة بسنتين أوّل يوم من ذي الحجة... الخ». و في كتاب دلائل الإمامة ص10 قال: عن أبي بصير عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: ولدت فاطمة علیها السلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منه سنة خمس و أربعين من مولد النبي فأقامت في مكة ثماني سنين و بالمدينة عشر سنين... الخ.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى البهجة التي عمّت الكون بميلاد الزهراء علیها السلام. و قد مرَّ في قصيدة عبد العظيم الربيعي الدالية نقلاً عن كتاب عوالم العلوم ج1 ص58-59 نقلاً عن كتاب مشارق الأنوار ص85. و في حديث طويل في كتاب البحار ج16 ص81 ضمن ح20 قال في ذيله: فلما سقطت فاطمة علیها السلام إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر فلفتها بواحدة وقنعتها بالأخرى ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام شهادة أن لا إله إلا الله و أن أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و أن ولدي سيدا الأسباط ثم سلمت عليهنَّ وسمت كل واحدة منهنَّ باسمها و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام... الخ .

أَيُّ تُفَاحَةِ يُقَبْلُهَا الهادِي *** فَتَعْدُو نَداً يَضُوعُ وَ عُودا(1)

فَلِتَهُناخَديجَةٌ بِفَتاةٍ *** ضَمَّ أَبْرادُها عَفافاً وَجُودا

مَهْبِطُ الوَحْي بَيْتُها قَدْ شَأَتْ مَرْيَمَ *** شَأْنا كَرَامَةً وَ مَزيدا(2)

و شأنها البَتُولُ فَضْلاً وَ عِلْماً *** وَ كَمَالاً وَ مَحْيَداً و جُدودا(3)

ص: 430


1- نداً الند عود يتبخر به و جاء بمعنى المطر و الجود و الخير أيضاً إلّا أن الظاهر: أن المعنى الأول أنسب بمضمون البيت يضوع تنتشر رائحته و في البيت إشارة إلى الأحاديث الواردة في انعقاد نطفة فاطمة علیها السلام من تفاحة الجنة. ففي كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج5 ص87 قال: عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما لك إذا جاءت فاطمة علیها السلام قبلتها حتى تجعل لسانك في فيها كله كأنك تريد أن تلعقها عسلاً؟ قال: نعم يا عائشة إني لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرائيل إلى الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما نزلت واقعت خديجة علیها السلام، ففاطمة علیها السلام من تلك النطفة وهي حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها». و في ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص36 قال: عن ابن عباس قال: كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم الهلال يكثر القبل لفاطمة فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة علیها السلام فقال: إن جبريل ليلة أسري بي أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماء في صلبي فحملت خديجة سلام الله علیها بفاطمة علیها السلام فإذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها».
2- شأت: سبقت.
3- مَحْتِد: أصْل. و يشير الشاعر في هذين البيتين إلى هبوط الوحي على بيتها و على أفضليتها على مريم علیها السلام بنت عمران. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 قال: عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: أربع نسوة سيدات سادات،عالمهن مريم علیها السلام بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة سلام الله علیها بنت خويلد و فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أفضلهن عالماً فاطمة سلام الله عليها». انظر كتاب البحار ج43 ص78.

و وقاراً وَ سُؤدَداً وَ نجاراً *** وَ فَخاراً وَ وَالِداً وَ وَلِيدا(1)

مَنْ أَبُوها شَمْسُ الرِّسالَةِ طَه؟ *** هَلْ لها مُشْبِهُ يَكُونُ نَدِيدا؟

أيْنَ عِمْرانُ مِنْ أبيها وَ لَوْلا *** أَحْمَد ما برا الإلهُ الوُجُودا؟

ما برا مَرْيَماً وَ عِيسَى وَ عِمْرانَ *** و لاسَيِّداً بَرَا وَ مَسُودا

دَأْبها في الدُّجَى تُطِيلُ إلى اللَّه *** رُكُوعاً بخَشْيَةٍ و سُجُودا(2)(3)

ص: 431


1- نجار: أصل و حسب.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كثرة ركوعها و سجودها و عبادتها في الليل من خشية الله. ففي كتاب البحار ج43 ص84 ح7 قال: «الحسن البصري ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم الليل حتى تورم قدماها». و في كتاب أمالي الصدوق مجلس24 ص100 قال: قال النبي فاطمة علیها السلام بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض و يقول الله عز وجل» لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة علیها السلام سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي و قد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار». و في كتاب دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص56 قال: عن الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام عن أخيه الحسين: قال رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها يا أماه لم لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيِّ الجار ثم حالدار. انظر البحار ج43 ص81 ح3.
3- الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية ج11 ص324.

(27) ذات أحزان

(بحر الوافر)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

طغَى بَحْرُ الضَّلالِ عَلَى العِبادِ *** وَ أَخْفَى طُرْقَ أَبْنِيَةِ الرَّشادِ

وَ أَحْمَدَ نَيْراتِ الدِّينِ لَمَّا *** تَلاطم و العِبادُ بِغَيْرِ هادي

وَ أَنْتَ تَرَى وَ تَسْمَعُ يَابْنَ طُهُ *** وَ تَعْلَمُ مَا اكْفَهَرَّ مِنَ الفَسادِ(2)

وَ حُكْمُكَ نافِةٌ وَ قَضاكَ ماضٍ *** وَ قَدْ كُنْتَ الرَّقِيبَ على العبادِ

وَها نَحْنُ نُنَاجِي في الدَّياجِي *** بكَ الرَّحْمَنَ، يا غَوْثَ المُنَادِي

نُرَجِّي في صَبِيحَةِ كلِّ يَوْمٍ *** طُلُوعَكَ وَ البَلايا في ازْدِيادِ

أمُهْرُكَ قَدْ ألَمْ بهِ عِثَارٌ *** وَ لَمْ يَجْرِ بِمَيدانِ الطْرادِ؟

وَ سَيْفُكَ هلْ تَعاوَرَهُ كَهَامٌ *** وَ لَمْ يَمْضِ بِهَامَاتِ الأعادي؟(3)

ألا عَجِّلْ وَقُمْ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ *** عَلَيْكَ أَبَاالفُتُوحِ بلاتَمادِي

لأَرْجَاسِ أَوائِلُهُمْ قَدِيماً *** سَقَتْ أباكَ أَوْصابَ النِّكادِ(4)

وَ أُمُّكَ وَ هْيَ مِنْ دُرّرِ الْمَعَالِي *** سُلالَةُ أحْمَدَ الهادي الجَوادِ(5)

ص: 432


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- اكفهر: اشتدّ.
3- كهامٌ: ضَعْفٌ.
4- أوصاب: مفرده الوصب و هو المرض و الوجع الدائم و نحول الجسم. نكاد: العسر و قلّة الخير.
5- ورد في أسد الغابة 522/5 قال: سيدة نساء العالمين.

عِناداً أَسْقَطُوامِنْها جَنِيناً *** بِضَرْبَةِ سَوْطِ ضِلِّيلِ مُعادِي(1)

فَخَرَّتْ وَ هيَ ماسِكَةً حَشاها *** عَلَى حَرِّ الظَّهيرةِ بِالْأَيادِي(2)

بلاجَلَدِ تُنادِي: يا عَلِيُّ *** جَنِينِي كَيْفَ يَسْقُطُ مِنْ فُؤادِي؟(3)

أَتَرْضَى يا أخا الهادي بِذُلّي *** وَ أَنْتَ عَلَيْكَ قَد جَلَّ اعْتِمَادِي(4)

فَأَضْحَتْ ذات أخزان إلى أن *** تُوفَّتْ وَ هْيَ في كُرَبِ شِدادِ(5)(6)

ص: 433


1- تقدم ذكره في قصيدة الشيخ سلمان البحراني.
2- إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص574 في قولها: أخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل، فسقطت لوجهي و النار تسعر وتسفع وجهي.
3- ورد ذلك في عوالم العلوم ج2/11 ص568 عن المفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام قال: في حديث طويل (إلى أن قالت) وا أبتاه وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك تكذَّب و تُضرب و يُقتل جنين في بطنها.
4- ورد ذلك في عوالم العلوم ج11/ 2 ص568 قال أميرالمؤمنين علیه السلام لعمر بعد دخول الدار: يابن الخطاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمة، فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبدالرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار.
5- أشارة إلى ما في عوالم العلوم ج 2/11 ص794-795 أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل علي فاطمه علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء. ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة، يسمى: بيت الأحزان.
6- دیوان ملا علي آل رمضان ص154 ، يستنهض الإمام المهدي (عج الله تعالی فرجه الشریف).

(28) الدهر الخؤون

(بحر الكامل)

الشيخ علي بن حسن الجشي

لايُؤْمَنُ الدَّهْرُ الخَرُّونُ عَلى أَحَدْ *** وَ مَتَى أَسَرَّ أسا وَإِنْ وَهَبَ اسْتَرَدْ

فَالدَّهْرَ لاتَأْمَنْ إذا أَسْدَى يَداً *** فَلَرُبَّما أَسْدَى يداً و بِها حَسَدْ

وَ يُذِيقَهُ مَكْراً ضَرُوبَ حَلاوَةٍ *** مِنْ خَمْرِهِ الْمُلْهِي وَ قَدْ وَضَعَ الرَّصَدْ

حَتَّى إذا ثَمِلَ الفَتى وَ تَلاعَبَتْ *** بِالْعَقْلِ خَمْرَتُهُ رَماهِ بِمَا أعَدْ

ما راكِبُ الدُّنيا وَآمِنُ مَكْرِها *** إِلا كَأَمْنِ فَتًى عَلا ظَهْرَ الْأَسَدْ

لَيْتَ الزَّمَانَ لِمُجْتَنِي ثَمَرَاتِهِ *** أَرْدَى وَلكِنْ قَدْ رمَى مِنْ كَفَ يَدْ

فَهَلِ اجْتَنَتْ آلُ النَّبِي ثِمَارَهُ؟ *** بَلْ حَادَ عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ وَ مَا اقْتَصَدْ(1)

أوَ ما أَباحَ حِمَى الْوَصِيِّ المُرْتَضَى *** إِذْ حَكُم الْعِجْلَ الْمُضِلَّ وَ عَنْهُ صَدْ؟

عَقْدَ الولا حَلُوا وَ بَغْياً أَجْمَعُوا *** أنْ يُظفِئُوا بالنَّارِ أَنْوارُ الرَّشَدْ

لَمْ أَنْسَ لَمّا أَوْقَدُوا ناراً عَلَى *** بَيْتِ الْهُدَى وَ ضَرامُها فيهِ اتَّقَدْ(2)

هَجَمُوا وَ بِالبابِ البَتُولُ قَدِ اخْتَفَتْ *** إِذْ لاقِنَاعَ فَرُضَ بِالبَابِ الْجَسَدْ(3)

ص: 434


1- حاد عن قصد الطريق: عَدَل عن الطريق الوسط.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص18 و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده (لعنه اللَّه) يروم فتح الباب برجله. انظر العوالم ج2/11 ص568.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فأرسل عمر إلى قنفذ: اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها. انظر العوالم ج 2/11 ص556.

وَ غَدَتْ بِطه تَسْتَغِيثُ وَ لَمْ تُغَثْ *** بِسِوَى السَّيَاطِ وَ مَنْ لَها بَعْدَ الْعَمَدْ(1)

عُصِرَتْ وَ أَسْقَطَتِ الجَنِينَ وَ أُلْمَتْ *** بِالسَّوْطِ بَلْ لُعِمَتْ عَلى عَيْنٍ وَ خَدْ(2)

وَ اقْتِيدَ مُقْتَادُ الْأُسُودِ مُلَبَّباً *** إذْ بِالوَصِيَّةِ صابراً قَدْ كَفَّ يَدْ

وا لَهْفَتاهُ عَلَى الْأَطايبِ ما رَعَوْا *** بَعْدَ النَّبِيِّ وَ رَاحَ شَمْلُهُمُ بَدَدْ(3)

أَيُقادُ حَيْدَرَةٌ وَ تُؤذى فاطمٌ *** وَ يُرَوَّعُ أَبْنَاهَا وَ عَنْ إِرْثٍ تُصَدْ

فهرَتْ ضَلالاً بَعْدَ طُولِ خِصامِها *** وَ عُلُوحُجَّتِهَا عَلَى الْخَصْمِ الْأَلدْ(4)

رُغِمَتْ فَعَادَتْ وَ هْيَ صِفْرُ الكَفِّ إذْ *** لامُنجِدٌ وَ بِهَا قَدِ اشْتَدَّ الكَمَدْ

وَ تَقَمَّصَتْ ثَوْبَ الهُموم وَ مَا اكْتَسَتْ *** إِلا بِبُشْرَى الموتِ أَثواباً جُدُدْ

وَ لَقَدْ قَضَتْ مَظْلُومَةٌ مَقْهُورَةً *** مَهْمُومَةً لَمْ يَرْعَ حُرْمَتَها أَحَدْ

لَمْ أَنْسَ إِذْ وَضَعَ الوَصِيُّ أَمامَهُ *** جَسَدَ الْبَتُولِ وَ مَدَّ للتَّغْسِيلِ يَدْ

كانَتْ تُكَتِّمُ ما عَراها رَحْمَةً *** بِالْمُرْتَضَى قَبْلَ الْمَمَاتِ وَ إِنْ ضَهَدْ(5)

ص: 435


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص18 من هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفعه خدِّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: وارسول الله صلي الله علیه و اله و سلم. الحديث.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) -في حديث طويل- قال: فأرسل عمر إلى قنفذ: اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها. فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها. الحديث: انظر العوالم ج2/11 ص556 أيضاً.
3- راح شملهم: بدد: جعل الله جمعهم تفريقاً.
4- إشارة إلى احتجاج الزهراء علیه السلام على الرجلين اللذين غصبا حقها. فقد روي في كتاب الاختصاص ص178 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما قبض رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك -إلى أن قال- فقال لها -أبو بكر-: إن النبي صلي الله علیه و اله و سلم لا يورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال: ارجعي إليه قولي له: زعمت أن النبي صلي الله علیه و اله و سلم لايورث و ورث سلیمان داود، و ورث يحيى زكريا، و كيف لاأرث أنا أبي؟ الحديث. انظر العوالم ج2/11 ص647 و تقدم ذلك مفصلاً.
5- ضهد: قهر.

فَرَأى بها ما هَدَّ رُكْنَ الصَّبْرِ مِنْ *** أَثَرِ السَّاطِ وَ كَسْرِ ضِلْع بِالْجَسَدْ(1)

فَهُنَاكَ حَنَّ شَجّى عَلى ما نابَها *** وَ بَكَى أَسى أسَفاً وَ قَدْ ضَعُفَ الْجَلَدْ(2)

وَ قَدِ انْحَنَتْ مِنْهُ الضُّلُوعُ وَ مِثْلُها *** فيهِ العَرَاءُ يَعُزُّ مِمَّنْ قَدْ فَقَدْ

وَ بِفَقَدِها فَقَدَ النَّبِيَّ فَإِنَّها *** تَحْكِيهِ فِي نُطْقٍ و في مَشْيِ وَ قَدْ(3)

وَ لَقَدْ شَجَانِي ضَمُّهَا السُبْطَيْنِ في *** وَقتِ الْوِداعِ وَ ما عَراها مِنْ كَمَدْ(4)

حَنَّتْ وَ أَنَّتْ من جَوّى بِأَبِي وَ قَدْ *** الْوَتْ عَلى كُلِّ مِنَ السَّبْطِينِ يَدْ

لَهْفِي لَها ما شُیِّعَتْ جَهْراً وَ قَدْ *** دُفِنَتْ وَ لَمْ يَعْلَمُ بِمَثواها أَحَدْ(5)

وَ لِدَفْنِها سِرّاً وَإِخْفَا قَبْرِها *** قَدْ أَوْرَثا أَشْيَاعَها كَمَدَ الْأَبَدْ

وَغَدا عزاءُ المُسْلِمِينَ لِحَيْدَرٍ *** بَغْياً بِأَنْ هَمُّوا بِإِخراج الْجَسَدْ

وَ لَكَمْ مُصابٍ قَدْ عَراهُ بِفَقْدِها *** مِمّابِها وَ مِنَ الأَعَادِي لاتُعَدْ

أَوَ لَمْ تَكُنْ فِي المُسْلِمِينَ وَدِيعَةً؟ *** كَيْفَ الوَدِيعَةُ غَيْرُ سالِمَةٍ تُرَدْ؟(6)

ص: 436


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص18 عن الصادق علیه السلام -في حديث طويل- و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. ثم تشير رواية أخرى إلى كسر ضلعها «سلام الله عليها». و في كتاب سليم بن قيس ص40 عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) -في حديث طويل- قال: فأرسل عمر إلى قنفذ اضربها.
2- الجلد: الشديد الصبر.
3- تحكيه: تشابهه.
4- كمد: حرقة القلب الحزن.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2/11 ص1083 عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايُصليا عليها. قال: فدفنها علي علیه السلام ليلاً و لم يعلمهما بذلك. الحديث. و في كتاب مصباح الأنوار ص256 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أميرالمؤمنين علیه السلام فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم له بالبقيع و رشَّ ماء حول تلك القبور لئلّا يعرف القبر. و قد مرَّ ذلك مفصلاً في قصائد عديدة.
6- لعله إشارة إلى ما روي في كنز العمال ج6 ص220 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني». و روى أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده ج4 ص328 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها».

هَبْ أنَّها لَمْ تَشْكُهُمْ لِلْمُصْطَفَى *** كَيْلا يُساءَ بِهَا عَلَيْها قَدْ وَرَدْ

أتُرَاهُ حِينَ يَضُمُّهَا وَ يَشُمُها *** يَخْفَى عَلَيْهِ اللَّطْمُ مِنْ عَيْنٍ وَ خَدْ

ص: 437

(29) يا بنت أشرف مرسَلِ صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الحاج علي حمدان الرياحي

ماذا أقُولُ بِعِيدِ بِنْتِ مُحَمَّدِ *** وَ بَالِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدِ

وَ لَهُمْ صَفاءُ مَوَدَّتِي وَ مَحَبَّتي *** و بِهِمْ لِرَبِّ العَالَمِينَ تَعَبُّدِي(1)

و بِهِمْ سَبَکْتُ حِسانَ كُلِّ قَصائِدي *** وَ بِمَدْحِهِمْ عَرَفَ الأنامُ تَوجُّدِي(2)

***

ماذا أقولُ بِفَاطِمٍ وَ جَلالِها *** وَ أَزِتْ مِنْ شِعْرِي لِأَشْرَفِ مَوْلِدِ(3)

ص: 438


1- وردت الروايات المتضافرة في افتراض مودة أهل البيت علیهم السلام منها عن مستدرك الصحيحين172/13 بسنده عن علي بن الحسين علیه السلام قال: خطب الحسن بن علي علىه السلام علي الناس حين قتل علي علیه السلام فحمدالله و أثنى عليه ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لايسبقه الأولون بعمل، و لايدركه الآخرون، (إلى أن قال) و أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك و تعالى لنبيه: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا» [سورة الشورى الآية23] فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت علیهم السلام. و ذكره المحب الطبري في ذخائره ص183 و ابن حجر في صواعقه ص136.
2- سبكت: أحسنت ترصيف الكلام و تهذيبه. توجدي: حبّي.
3- في شرف فاطمة علیها السلام و جلالة قدرها. ورد عن مستدرك الصحيحين156/3 بسنده عن عائشة عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين و سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء المؤمنين؟ قال: هذا إسناد صحيح و في تفسير أطيب البيان ج13 ص225 قال العسكري علیه السلام: نحن حجة الله على الخلق و فاطمة علیها السلام حجة علينا. و في شواهد التنزيل58/1 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إن الله جعل علياً و زوجته و أبناءه حجج الله على خلقه. و معلوم أن مقتضى حجيتهم على الخلق أفضليتهم و علو رتبتهم.

ماذا أُقَدِّمُ لِلْبَشِيرِ هَدِيَّةً *** وَ يَدِي تَنُوءُ بما يُقَصَّرُ عَنْ يَدِي(1)

نَفْسِي الفِدَاءُ لِفاطِمٍ وَ لَأُمَّهَا *** وَ لِزَوْجِهَا وَإِلَى الْأَبِ البَرِّ النَّدِي

خَيْرُ الخَلائِقِ أَرْضِها وَ سَمَائِها *** وَ أَجَلُّ مَنْ وُجِدَتْ وَ مَنْ لَمْ يُوجَدِ

***

يا بِنْتَ أَشْرَفِ مُرْسَلِ بِرِسالَةٍ *** غَرّاءَ زاهِيَةٍ بِدِينٍ أَوْحَدِ(2)

صَدَعَ الجَبَابِرَة الطَّغَاةَ بِهَدْيِهِ *** رَغْمَ الكَفورِ بِهِ و رَغْمَ المُلْحِدِ

***

ماذا أُحَدِّثُ عَنْكِ وَ الذِّكْرَى شَذّى *** يُذْكِيهِ في النَّسَمَاتِ طِيبُ الْمَحْتِدِ(3)

ماذا أقولُ وَ قَدْ تَجِيشُ بِخاطِرِي *** كَلِماتُ أُمَّكِ لِلنَّبِيِّ مُحَمَّدِ(4)

واللَّهِ يا خَيْرَ البَرِيَّةِ عِنْدَما *** وُلِدَتْ عَجِبْتُ بِنُورِها المُتَوَقِّدِ(5)

فلَقَدْ رَأَيْتُ بهِ البَسِيطَةَ كُلَّها *** مِنْ مَغْرِبِ أَقْصَى وَ شَرْقٍ أَبْعَدِ(6)

وَ أَتاحَ َربُّكَ سَيِّدَاتِ جِنانِهِ *** عَوْناً إِلَيَّ وَ كُنَّ خَيْرَ الْعُودِ(7)

ص: 439


1- تنوء: تنهض بجهد و مشقة.
2- و ذلك إشارة إلى كونه أشرف نبي و مرسل صلي الله علیه و اله و سلم، ففي مستدرك الصحيحين ج2 ص546 قال: سادة الانبياء خمسة و محمد صلي الله علیه و اله و سلم السيد الخمسة ،نوح و إبراهيم و موسى و عيسى علیهم السلام و محمد صلي الله علیه و اله و سلم.
3- يذكيه: يحمل رائحته الفواحة.
4- تجيش: تضطرب و تغلي.
5- و ذلك إشارة إلى ما ورد في كتاب العوالم ج1 ص18 باب نورها «صلوات الله عليها». خلق الله نور فاطمة الزهراء علیها السلام يومئذ كالقنديل، و علّقه في قرط العرش، فزهرت السموات السبع و الأرضون السبع، و من أجل ذلك سميت فاطمة الزهراء علیها السلام.
6- البسيطة: الأرض.
7- لورود الحديث الشريف عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم عن ذخائر العقبى ص44 حيث قال: «أتاني جبريل علیه السلام بتفاحة من الجنة فأكلتها (إلى أن قال) دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف. فقالت لها إحداهن: أنا أمك حواء، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم و قالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى و قالت الأخرى: أنا مريم سلام الله علیها بنت عمران أم عيسى علیه السلام: جئنا لنلي من أمرك ما تلي النساء، قال فولدت فاطمة «سلام الله عليها».

حَوَّاءُ وَ السَّمْحاءُ بِنْتُ مُزاحِمٍ *** وَ البَرَّةُ العَذْراءُ أُمُّ السَّيدِ

ها هُنَّ يا طه يَقُمْنَ بِخِدْمَتِي *** مُنْذُ المَخاضِ بِرَأْفَةٍ وَ تَوَدُّدِ

السَّيْداتُ مِنَ السَّمَاءِ أَتَيْنَني *** بِراً بِفَاطِمَةٍ وَ عَوْزَ تَوسُّدِي(1)

***

ماذا أُحدِّثُ عَنْكِ يا بُنَةَ أَحْمَدِ *** وَ مَثِيلُ فَضْلِكِ في الوَرَى لَمْ يُشْهَدِ؟

ما دُمْتِ سَيِّدةَ النِّساءِ وَ خَيْرَها *** و أَجَلَّ مَنْ وُلِدَتْ ومَنْ لَمْ تُولَدِ(2)

***

أُمُّ الأَئِمَّةِ وَ المَصابيح الَّتِي *** شَعَ الزَّمانُ بِنُورِها المُتَوَقِّدِ

ماذا أُحَدِّثُ عَنْ أَبِيكِ وَ قَدْ أَتى *** لَمّا وُلِدْتِ بِلَهْفَةِ المُتَوجد؟

وَحَبا لِوَجْهِكِ لائماً مُتَشوّقاً *** حُبًّا تَرَعْرَعَ مِنْ قديم سَرْمَدِي(3)

وَ تَماثَلَ النُّورانِ نُوراً واحداً *** مِنْ كَوْكَبِ مُتَفَرِّدِ مُتَجَرِّدِ(4)

ص: 440


1- عوز توسدي: العوز الحاجة أو الفقر توسدي: جعل رأسي على الوسادة.
2- وردت الأحاديث الشريفة في عظيم قدرها و شرف منزلتها فعن صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ح3426 و ح5928 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة.؟ و عن أسد الغابة 522/5 قال: سيدة نساء العالمين علیها السلام.
3- حبا: بمعنى دنا أو زحف و في البيت إشارة إلى ما ورد في ذخائر العقبى ص36 عن ابن عباس قال: كان النبي صلي الله علیه و آله وسلم يكثر القبل لفاطمة علیها السلام. و راجع الترمذي ج2 ص319 بسنده عن عائشة قالت: إذا دخلت فاطمة علیها السلام على النبي صلي الله علیه و آله و سلم قام إليها فقبَّلها و أجلسها في مجلسه.
4- إشارة إلى ما ورد في كتاب العوالم ج1 ص19 في باب بدو نورها و مبدأ ظهورها عن مقتضب الأثر في خطاب الله عز وجل لمحمد صلي الله علیه و آله و سلم فقال له: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم! إني وخلقت عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام من سنخ نوري و عرضت ولايتكم على أهل السموات و الأرضين. و في عوالم العلوم ج1/11 ص 19 عن فاطمة علیها السلام: اعلم يا أبا الحسن علیه السلام أن الله «تعالى» خلق نوري و كان يسبُّح اللَّه «جل جلاله» ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلمّا دخل أبي الجنة أوحى الله «تعالى» إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة و أدرها في لهواتك، ففعل فأودعني الله سبحانه صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد سلام الله علیها فوضعتني و أنا من ذلك النور أعلم ما كان و ما يكون و من لم يكن يا أبا الحسن علیه السلام المؤمن ينظر بنور الله «تعالى».

فكأَنَّ صُورَةَ أَحْمَد في فاطِمٍ *** وَ كَأَنَّ صورَة فاطِمٍ في أَحْمَدِ

***

ماذا أُحَدِّثُ عَنْكِ بَعْدَ طُفولةٍ *** وَ ضِيَاءِ وَجْهٍ مَا تَلَالًا يَزْدَدِ؟

وَ تَطاوَلُ الأَعْنَاقُ لِابْنَةِ أَحْمَدٍ *** مِنْ كُلِّ ذي جاءٍ وَ كُلِّ مُسَوَّدِ(1)

فَيُشِيحُ خَيْرُ المُرْسَلِينَ بِوَجْهِهِ *** وَ يَخِيبُ مَنْ يَأْتِي إليهِ و يَغْتَدِي(2)

وَ ثَناكِ عَنْ كُلِّ الصَّحابةِ وَ الْوَرى *** وَ أَباكِ إِلا لِلْكَمِيّ الأَصْيَدِ(3)

القاصِمِ الهاماتِ قَصْمَةَ عادِلٍ *** بالقِسْطِ غَيْرَ مُقَلِّلٍ وَ مُزَيْدِ(4)

***

أَمْرٌ مِنَ المَلِكِ العَزِيزِ أَتَى بِهِ *** جِبْرِيلُ يَحْمِلُهُ لِأَعْظَمِ سَيِّدِ

أَنْ زَوِّحِ الْبَطَلَ الكَمِيَّ بِفَاطِمٍ *** وَ اقْرِنْ عَلَيْهِ دُونَ أَي تَردُّدِ

ص: 441


1- عن عيون أخبار الرضا ج177/1 ح3و4. في قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعلي: يا علي علیه السلام، لقد عاتبني رجال قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا: خطبناها إليك فمنعتنا. و ينقل صاحب العوالم أيضاً في ج1/11 ص375 عن الروض الفائق خطبها أبوبكر و عمر فقال لهما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إن أمرها إلى الله «تعالى» و خطبها الأشراف فردّهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: «إن امرها إلى اللَّه «عزوجل» و تقدمت المفصلات عن ذلك فلانعيد. و كلمة تطاول في البيت فعل مضارع بمعنى (تتطاول).
2- يشيح بوجهه: أعرض متكرّها يغتدي يبكر.
3- الكميَ الأصيد: الشجاع و الأصيد هو الرجل الذي يرفع رأسه كبراً، كما یعني الأسد. و في البيت إشارة إلى ما ورد عن مسند فاطمة ج1 ص472. للسيوطي عن أنس قال: كنت قاعداً عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم فغشيه الوحي، فلما سرى عنه قال: «أتدري يا أنس! ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟ قال: إنّ اللَّه أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من عليّ علیه السلام.» و في ذخائر العقبى للمحب الطبري ص32 عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك».
4- جاء في مستدرك الصحيحين ج2 32 عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لمبارزة علي علیه السلام لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى أعمال أمتي إلى يوم القيامة . و نقل أيضاً في الاستيعاب لابن عبد البر ج2 ص780 قال: شهدت أم سلمة غزوة خیبر فقالت: سمعت وقع السيف في أسنان مرحب.

فَلَقَدْ عَقَدْتُ قِرانَها مِنْ حَيْدَرٍ *** في جَنَّتِي فَاهْنَأُ وَ فِي الأَرضِ اعْقَدِ(1)

وَ تَراقَصَتْ حُورُ المَلائِكِ في السَّما *** وَ الكُلُّ بَيْنَ مُصَفِّقٍ وَ مُغَرِّدِ(2)

عُرْسٌ وَ مَا الأَعْرَاسُ تُذْكَرُ عِنْدَهُ *** يَوْماً و لاعُرف المَشِيلُ بِأَبْجَدِ(3)

***

ماذا أُحَدِّثُ عَنْكِ وَ الذِّكْرَى شَجّى *** يُدْمِي الْحُلُوقَ لِمُسْهِبٍ وَ مُفَنِّدِ

ماذا أُحَدِّثُ وَالفَضَائِلُ جَمَّةٌ *** مَهُمَا كَلِفْتُ بِعَدهَا لَمْ تَنْفَدِ

***

يا بِنْتَ خَيْرِ المُرْسَلِينَ تَلَفتاً *** مَسْرَى أبيكِ يَعِيثُ فيهِ المُعْتَدِي(4)

وَ أَقَلُّ ما يُرْوَى بِحُبِّكِ مِنْ أبٍ *** أنْ كنتِ بالنَّفْسِ الكَرِيمَةِ تُفْتَدِي(5)

ص: 442


1- في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج5 ص7 روی بسنده عن ابن عباس قال: لما زفت فاطمة علیها السلام إلى علي علیه السلام كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم أمامها و جبريل عن يمينها و ميكائيل عن يسارها و سبعون ألف ملك خلفها يسبحون الله و يقدسونه حتى طلع الفجر.
2- في حلية الأولياء لأبي نعيم ج5 ص59 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام لما أراد الله «تعالى» أن املكك من عليّ أمر اللَّه جبريل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفاً ثم خطب عليهم فزوجك من علي علیه السلام، ثم أمر الله شجر الجنان فحملت الحلي و الحلل ثم أمرها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منهم شيئاً يومئذ أكثر ممّا أخذه غيره افتخر به إلى يوم القيامة.
3- في أسد الغابة لابن الأثير. ج2 ص358 عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن جبريل علیه السلام: إن الله «عزوجل» لما زوّج فاطمة علیها السلام علياً علیه السلام أمر رضوان شجرة طوبى فحملت رقاقاً بعدد محبي آل بيت محمد صلى الله عليه و آله و سلم فإذا كان يوم القيامة أهبط الله «تعالى» ملائكة بتلك الرقاق فتعطي كل رجل آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم رقاً فيه براءة من النار.
4- تلفتاً مسرى أبيك: صرف الوجه إلى مسرى و مصعد أبيك. يعيث: يفسد.
5- في الصواعق المحرقة لابن حجر ص109 إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر أتى فاطمة علیها السلام و أطال المكث عندها، ففي مرة صنعت لها مسكيناً من ورق و قلادة و قرطين و ستر باب بيتها فقدم صلى الله عليه و آله و سلم و دخل عليها ثم خرج. و قد عرف الغضب في وجهه متى أجلس على المنبر فظنت أنه إنما فعل ذلك لما رأى ما صنعته فأرسلت به إليه ليجعله في سبيل الله فقال: فعلت فداها أبوها ثلاث مرات.

وَ عَلِيُّ لَمْ يَمْنَعْكِ يَوْماً مطلباً *** مهما فَلا ثَمَناً وَ مَهُمَا يُجْهِدِ

قولي لَهُ عادَتْ وَ قِيعَةُ خَيْبَرٍ *** وَغَدا لِمَرْحَبَ ألف ألفِ مُقلِّدِ(1)

قُولِي لَهُ احْزِمُ لِلُقْيَةِ مَرْحَبٍ *** وَ أَعِدْ لِضَرْبَتِكَ الزَّمَانَ وَجَوْدِ

وَ اقْصِمْ بِهَا هَامَ اليَهُودِ مُطَهَّراً *** أَقْصَى نَبِيِّكَ يا عليُّ وَ بَدِّدِ

قولي لَهُ احْزِمُ جَوادَكَ وَ انْبَرِ *** لِلسَّاح يا خَيْرَ الكُمَاةِ وَجَرِّدِ

لم يَنْتَنِ إِنْ شئتِ لا وَمُحَمَّدٍ *** وَ يُبِدْجُمُوعَهُمُ وَ لَمْ يَتَردَّدِ(2)

ص: 443


1- لعله يشير في الشطر الأول الى الحادثة المشهورة في غزوة خيبر حين قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و يحبه الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم يفتح الله عليه». فدعا علياً علیه السلام فبعثه ثم قال: «اذهب فقاتل حتى يفتح الله عليك و لاتلتفت» و قال عمر وقتها: فما أحببت الإمارة إلّا يومئذ. السيرة النبوية لابن هشام ج3 سنة7 هجرية ص352. و في الاستيعاب لابن عبد البر ج2 ص710 قال: شهدت أم سلمة غزوة خيبر فقالت: سمعت وقع السيف في أسنان مرحب. أو لعله إشارة إلى ما يمثله مرحب بالنسبة لليهود الذين كانوا يعترفون بنبوة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من خلال توراتهم و كتبهم ولكنهم جحدوا و انكروا و اختبؤوا خلف حصونهم و منهم من أظهر الاسلام و أضمر الكفر و هم في كل ذلك يكيدون للإسلام فمرحب هنا كناية و إشارة إلى النموذج اليهودي مقابل النموذج الذي ظهر بعد موت الرسول صلى الله عليه و آله و سلم من المنافقين، و الذين ارتدوا على أعقابهم. كما في تفسير الميزان ج4 ص37 في تفسير الآية 144 من سورة آل عمران «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ» حيث يقول الطباطبائي: المراد بالانقلاب على الأعقاب الرجوع إلى الكفر السابق... و في تفسير نور الثقلين في ج1 ص397 ما يستدل على أن أصحاب محمد صلى الله عليه و آله و سلم قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن و منهم من كفر ح 381 و ح 382. و في تفسير البرهان للآية نفسها ج 1 ص 319 عن أبي جعفر علیه السلام قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم إلا ثلاثة؟ فقلت: و من الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود و أبوذر الغفاري و سلمان الفارسي إلى ان قال: حتى جاؤوا بأميرالمؤمنين علیه السلام مكرها فبايع و ذلك قول الله «عزوجل» «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ».
2- إشارة لما ورد في كتاب العوالم ج2/11 ، باب ما وقع عليها من الظلم و العدوان بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم في غصب الخلافة و غصب فدك. ص589 إلى ص598 و في جزء من حديث سليم بن قيس الهلالي ص39 و ثب علي بن أبي طالب علیه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و همَّ بقتله، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ما أوصى به من الصبر و الطاعة.

قُولِي بِأنَّ القُدْسَ دُنْسَ قَدْسُهُ *** وَ القَوْمُ بَيْنَ مُكَبَّلٍ وَ مُشَرَّدِ(1)

***

يا بِنْتَ مَنْ نَصَر الإلهُ بِهَدْيِهِ *** وَ بِنُورِهِ كُلُّ الأهِلَّةِ تَهْتَدِي

أوَ ما شَكَتْ أُمُّ المسيح تُراثَهَا *** لِمُحَمَّدٍ وَ لابنها البَرِّ النَدِي؟

عَبَثُوا بِهِ َو تَكَسَّرَتْ صُلْبانُهُ *** بِصَلِيبِ مَنْ حَمِلُوا شِعار المُفْتَدِي

لَوْلاَ الدُّعاةُ بِحُبِّهِ مَا كُسْرَتْ *** صُلْبانُ مَقْدِسِهِ وَ لَمْ تَتَهَوَّدِ

***

قُولِي لِعِيسَى خُذْ بِنَارِكَ مَرَّةً *** وَدَع السَّلام لِعاجِزٍ وَ تَمرَّدِ

وَإِذا خَشِيتَ مِنَ العَدوّ لِقَاءَهُ *** فاصْحَبْ عَلِيّاً مَرَّةً تَتَعَوَّدِ

عَجَبٌ قَبُولُكَ مِنْ عَدوّكَ ضَرْبَهُ *** وَإِذَا اسْتَزَادَكَ مِنْهُ قُلْتَ لَهُ زِدِ

خَلْ الخُنُوعَ فَلا يَلِيقُ بِسَيْدٍ *** مِثل المسيح و لايُلِيقُ بأَمْجَدِ(2)

لَنْ يُرْجِعَ الحَقَّ السَّلامُ بحالةٍ *** يَوْماً بِغَيْرِ مُسْمَهَرٍ وَ مُهَنَّدِ(3)

***

أَحْيَيْتَ مَيْتَهُمْ وَ زِنْتَ كَسِيحَهُمْ *** وَ شَفَيْتَ أَبْرَصَهُمْ وَ قُمْتَ بِمُقْعَدِ

وَ تَقاذَفُوكَ شَعَائِماً وَضعَائِناً *** مِنْ كُلِّ أَفَاكٍ وَ كُلِّ مُعرْيدِ

لاكانَ أَبْرَضُهُمْ لِيَنْعُمَ سالِماً *** أَوْ عَاشَ مَيْتُهُمْ لِيَفْسُدَ في غَدِ

ص: 444


1- عن نهج الحق و كشف الصدق ص271 لما قال عمر لفاطمة علیها السلام: أخرجي من في البيت وإلّا أحرقته و من فيه. و وردت الأحاديث عن ذلك في الصفحات 562 و 563 و 578 و 592 و 593 .
2- الخنوع: الذل.
3- المسمهر: الرمح و المهند السيف.

أوَ بَعْدَ ذلكَ تَسْتَكِينُ مُباركاً *** لَعَناتِهِمْ وَ تَقُولُ يَا ثَأَرُ اقْعُدِ؟

يا بْنَ البَتُولِ وَ مَا أَتَيْتُ مُعَلِّماً *** وَإِذا اجْتَرَاتُ فَلَيْسَ بالمُتَعَمِّدِ

فاصْفَحْ وَ عامِلْنِي بِمَا عَامَلْتَهُ *** مِنْ كُلِّ مُجْتَرِىءٍ عَلَيْكَ وَ مُعْتَدِي

***

أُمُّ الأَئِمَّةِ خَيْرِ أَعْلامِ الوَرى *** عَفْواً إذا شَط اليَراعُ عَلَى يَدِي(1)

وَ لَقَدْ عَیِيتُ مِنَ اليَهُودِ وَضاقَ بي *** ذَرْعِي وَهانَ عَلَى السُّكُوتِ تَجَلُّدِي

فَتَقَبَّلي مِنِّي هَدِيَّةَ شاعرٍ *** لِمُحَمَّدٍ وَ لَآلِ بَيْتِ مُحَمَّدِ(2)

ص: 445


1- شطَّ اليراع: شطَّ: أُفرط أو أُبعد أو تباعد عن الحق. اليراع: القلم.
2- 1977/1/20 الشعر الحلال في محمد و الآل ص261.

(30) فؤاد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ علي منصور المرهون(1)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(2)

أرى زَمَنِي أَخْنَى عَلَيَّ وَعانَدا *** (و لازَالَ في تَكْدِيرٍ عَيْشِي مُجَاهِدا)

أَتَاحَ خُطوباً لَسْتُ أَسْتَطِيعُ حَمْلَها *** (لها الشُّمُّ تَهْوِي لَوْ تَحَمَّلْنَ واحِدا)

فَما زِلْتُ وَ الأَشْجَانُ مِلْءُ حُشَاشَتِي *** (مُتَيَّمَ قَلْبِ مُدْنَفَ الجَسْمِ وَاجِدا)(3)

وَ مَنْ أَنا حَتَّى أَسْتَطِيعَ تَحَمُّلاً *** (خُطوباً مِنَ الْأَطْوادِ تُوهِي القَواعِدا)(4)

وَلكِنَّ خَطْبِي هَوَّنَتْهُ مُصِيبَةٌ *** (تَهُونُ لها الأرزا طريفاً و تالِدا)(5)

أَصَابَتْ فُؤادَ المُصْطَفَى الظُّهْرِ َفاطِماً *** (عَشِيّةَ جاءَ الجَوْرُ لِلدَّارِ قاصِدا)

إلى الدّارِ لَمّا جاءَها الرِّجْسُ حامِلاً *** (وقوداً و فيها المُرْتَضَى كانَ قاعِدا)

و نادَى أَلا اخْرُجْ بايِعَنَّ خَلِيفَةَ *** (النَّبِيِّ وَ مَنْ في الغارِ كَانَ المُعَاضِدا)

سأخرِقُ إنْ لَمْ تَخْرُجَنَّ لدارِكُمْ *** (وَ لَمْ أَرْعَ مَنْ فِيهَا وَليداً و والِدا)

ص: 446


1- يقول العالم الجليل الشيخ فرج العمران: زرت صديقي الماجد الشيخ علي ابن العلامة الشيخ منصور المرهون. فقدم لي صدور هذه القصيدة ملتمساً مني إتمام كل صدر بعجز فبادرت إلى ملتمسه حتى حصل الإتمام فهاكها مصدرة معجزة وقد طبعناها في ديوانه المرهونيات. و حيث قد تقدم ذكر أكثر هوامشها الروائية فلم نذكر هنا إلا القليل.
2- (*) مرّت ترجمة القطيفي في الجزء الأول.
3- الأشجان: الأحزان. حشاشتي: باطني. متيم قلب: مستعبد القلب و مذلل. مدنف الجسم: العليل و المريض. واجداً: حزيناً أو محباً.
4- الأطواد: الجبال العظيمة. توهي: تضعف.
5- طريفاً وتالداً: مستحدثاً و قديماً.

فَنَادَتْهُ بِنْتُ المُصْطَفَى وَ دُموعُها *** (جَوَارٍ أَلا كُفُّوا فإنّي بِلا رِدا)

فما شَعَرَتْ إِلا وَ قَدْ هَجَمَ العِدى *** (عَلَيْها بلا إِذْنٍ وَ كَانُوا أَباعِدا)

فَلاذَتْ وَراءَ البابِ عَنْهُمْ تَسَتَرَتْ *** (فَرَضُوا لها ضلعاً و دَقُّوا لَها يدا)

بفِضَّةَ صَاحَتْ آه ِمِمّا أصابَها *** (لِتُسْعِفَها في وَضْعِها وَ تُساعِدا)

وَلَكِنَّها لَمْ تَأْتِ خَوْف عِداتها *** (الجُفَاةِ الَّتِي لَمْ تَرْعَ حَتَّى الْأَماجِدا)

وَ ناهِيكَ أَنَّ القَوْمَ قَدْ دَخَلُوا على *** (عَليَّ لِيَقْضُوا مِنْ عليٍّ مَقاصِداً)

وَ قادُوهُ قَوْداً كالأسيرِ مُلَبَباً *** (فَتَباً لِمَنْ لِلْمُرْتَضَى كانَ قائِدا)(1)

فَبايَعَ حَقْناً للدِّمَاءِ وَإِنَّهُ *** (لَهُ الحَقُّ عَنْهُ الحَقُّ مَا كَانَ حَائِدا)(2)

وَ أمّا البَتُولُ الطُّهْرُ جَاءَتْ وَ قَلْبُها *** (مَرُوعٌ لكي تَحْمِي الحَمِيَّ المُساعِدا)(3)

فَرَدَّ إِلَيْهَا الرِّجْسُ بِالسَّوْطِ ضارِباً *** (فَنَادَتْ وَ لَمْ تَسْمَعْ عِداها لها ندا)

تُنادِي ألا خَلُوا ابْنَ عَمِّي حَيْدراً *** (وَإِلا بِأَمْرِ اللَّهِ لَمْ أَبْنِ وَاحِدا)(4)

فَمَا رَجَعَتْ لِلدَّارِ إلا وَ بَعْلُها *** (تَخَلَّصَ مِنْ كَيْدِ الذي كان كائِدا)

وَ مَا بَرِحَتْ تَبْكِي أباها بِرَنَّةٍ *** (تُصَدِّعُ أصْداها الجِبالَ الجَلامِدا)(5)

إلَى أنْ َقضَتْ مَظْلُومَةً وَ تُراثُها *** (زُوِي وَلَهَا القُرْآنُ لازالَ شاهِدا)(6)(7)

ص: 447


1- مليباً: مسحوباً مجروراً .
2- حقناً للدماء: حفظاً للدماء من الإراقة. حائداً: مائلاً عنه.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث». الحديث.
4- إشارة إلى ما روي في تفسير العياشي تفسير الآية رقم (150) من سورة الأعراف: فخرجت فاطمة علیها السلام و قالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي -واللَّه- لأن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي. الحديث.
5- تصدع: تشقق الجبال. الجلامد: الجبال الصلبة.
6- زُوي: نهب و سرق.
7- الأزهار الأرجية ج2 ص10 و ديوان المرهونيات ص17.

(31) النور المشخ

(بحر الوافر)

الأستاذ علي نوح المهنا(*)(1)

أتُوقُ إِلَى لِقائِكَ يا جُمادَى *** إِذا ما عُدت هذا الشَّوْقُ عادا

أُسِيلُ لَكَ المَشاعِرَ فَيْضَ دَمِّ *** وَ أَنْحَرُ في مَحَبَّتِكَ الفُؤادا

و نارُ الحُبِّ أَشْعِلُها بصَدْرِي *** وَ أُذُرِي كُلَّ ماضِيهِ رَمادا

وَ أَطْوِي ثَوْبَ آلامِي وَ حُزْنِي *** وَ أَنْثُرُ رَوْضَ أَحْشائي وِدادا

فَلا سَكَنَتْ بِرُوحِي مِنْكَ إلاّ *** نَوازِعُ مِنْ هَوَى قَضَّ الرُّقادا(2)

ص: 448


1- (*) هو الأستاذ علي بن نوح بن علي المهنا الكويتي. ولد في الكويت سنة (1382ه) (1962/1/26م)، درس في مدارسها في جميع مراحلها الدراسية ابتداءً من مدرسة ابن سينا الابتدائية، ثم مدرسة علي بن أبي طالب علیه السلام المتوسطة، ثم ثانوية الرميثية. و بعدها التحق بجامعة الكويت بتخصص الحاسب الآلي و الكمبيوتر. و كان المترجم له شغوفاً بالشعر و النظم الديني، و ذلك من خلال تراث أهل البيت علیهم السلام الزاخر بالبلاغة و الروعة الأدبية فضلاً عن سمو المعنى و عمق المضمون التي يعجز افذاذ الأدباء عن مجاراتها و كيف لا و هم سادة البلغاء و المتكلمين و قدوة الخطباء و المحدثين؟ قال الامام علي علیه السلام: (وإنا لأمراء الكلام و فينا تنشبت عروقه و تهدّلت غصونه). و الاحتفالات الدينية التي تقام في الحسينيات العامرة في الكويت من موالد و وفيات تخص أهل البيت الأطهار علیهم السلام لها ذلك الأثر الكبير في تحريك المشاعر المفعمة بالولاء والمحبة لهم الأمر الذي يجذب بعض ذوي المواهب للدخول في حلبة النظم و الشعر، و من الذين تأثروا ببيان الخطباء و بشعر الشعراء و نظم الأدباء المترجم له فكانت له قريحة وقّادة للشعر، و قد حالفه التوفيق في أن يكون شعره في مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام. و كانت أول قصيدة نظمها بمناسبة عيد الغدير الأغر ألقاها في الاحتفال الذي أقيم بتلك المناسبة الزاهرة في حسينية آل بوحمد سنة 1409ه في الكويت. و هذه البداية تنم عن بداية خير حيث إن القصائد في أغلب المناسبات كان ينظمها بكل شوق ولهفةٍ.
2- نوازع: أشواق. قضّ: هدّ و أسقط. الرُّقاد: النوم.

لِذِكْرَى قَدْ حَمَلْتَ وَ أَيَّ ذِكْرَى *** بَلَغْتَ بِشأنها السَّبْعَ الشَّدادا(1)

فَلا يَوْمٌ كَيَوْمِكَ حِينَ أَضْحَتْ *** بهِ الأمْلاكُ تَحْتَضِنُ المهادا

أيا مَهْداً بِهِ الأسْرَارُ ضُمَّتْ *** حَمَلْتَ مَكارِماً جَمَعَتْ فُرادى

لِمَنْ جَلَّتْ فَكانَتْ حَيْثُ كَانَتْ *** أَرادَ لَها المُهَيْمِنُ ما أرادا

أرادَ لِيُذْهِبَ الْأَرْجَاسَ عنها *** وَ يُلبسها الظهارَةَ وَ الرَّشادا(2)

هي النُّورُ المُشِعُّ على البرايا *** فَإِن يَخْبُو بِطَلْعَتِها اسْتَزادا(3)

هِيَ الزَّهْراءُ رَبُّ الكَوْنِ أَضْفَى *** عَلَيْهَا مِنْ جَلالَتْهِ وَزادا(4)

أَبُوها سَيِّدُ الأكْوَانِ طه *** ذُرَى العَلْيَاءِ أَسْرَجَهُ جَوادا

وَ أَوْرَثَها الْمَناقِبَ وَ السَّجايا *** وَ أَكْرَمَها الفضائِلَ حيثُ جادا

وَ تَمَّ بها الكَمالُ بِكُلِّ فِعْلٍ *** وَيَمْلأُ قَوْلُها الدُّنْيا سَدادا

وَ أُمُّ الفَضْلِ رَبُّ الْعَرْشِ أَهْدَى *** لَها بِالخُلْدِ قَصْراً إذ أشادا(5)

ص: 449


1- السبع الشداد: السماوات السبع.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول قوله «تعالى»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب الآية 33] في الخمسة أصحاب الكساء و قد مرَّ في قصيدة الوايل الإحسائي البائية نقلاً عن كتاب صحيح الترمذي ج2 ص209 و مشكل الآثار للطحاوي ج1 ص335 و ابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12 و ذكره العسقلاني في الإصابة ج4 ص378 تفصيل عن ذلك فراجع.
3- يخبو: يخمد، يسكن، ينطفىء.
4- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ما مرَّ من أن الزهراء علیها السلام تزهو و يشع نورها أثناء صلاتها فتملأ المدينة بذلك النور. ذكرناه في قصيدة الغروي الأصبهاني البائية رقم (16) نقلاً عن كتاب البحار ج43 ص16.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن الله «تعالى» بنى لفاطمة علیها السلام قصراً في الجنة. عن عبد الله بن سليمان قال: قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلي الله علیه و اله و سلم نكاح النساء ذو النسل القليل إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لاصخب فيه و لانصب يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك لها فرخان مستشهدان بحار الأنوار ج43 ص22. و عن عبد الله بن مسعود يقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول في تبوك و نحن نسير معه: إنَّ الله «عزوجل» أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي ففعلت و قال لي جبرئيل: إنَّ الله «عزوجل» قد بنى جنة من قصب اللؤلؤ بين كل قصبة إلى الأخرى لؤلؤة من ياقوتة مشدودة بالذهب و جعل سقوفها زبرجداً أخضر فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت و جعل عليها غرفاً لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من در ولبنة من ياقوت ولبنة من زبرجد و قباباً من در وقد شيعت بسلاسل من ذهب و حفت بأنواع التحف و بنى في كل قصر قبة و جعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء فرشها السندس و الأستبرق و فرش أرضها بالزعفران و المسك و العنبر و القبة لها مائة باب في كل باب جاريتان و شجرتان و في كل قبة فرش و كتاب مكتوب حول القباب آية الكرسي فقلت: يا جبرئيل لمن هذه في الجنة فقال: بناها لعلي ابن أبي طالب علیه السلام و فاطمة علیها السلام ابنتك تحفة لهما منه أتحفهما و أقر بها عينك يا محمد». من كتاب دلائل الإمامة للطبري ص50 . و في البحار ج43 ص16 ح14. «الحسن بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام؟ قال: لأن لها في الجنة قبة من ياقوت حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة معلَّقة بقدرة الجبار لا علاقة لها من فوقها فتمسكها و لادعامة لها من تحتها فتلزمها لها مائة ألف باب على كل باب ألف من الملائكة يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدرِّي الزاهر في أفق السماء فيقولون هذه الزهراء لفاطمة علیها السلام.»

و حيدرُ مُرْدِيُّ الأبطالِ بَعْلٌ *** فَتَى الإسْلامِ أَوَّلُهُمْ جِهادا

فَقُلْ مَنْ ذا يُجَارِيها انتساباً *** وَ قُلْ مَنْ ذا يُضاهيها اعْتِدادا

سَماءٌ لَيْسَ نَبْلُغُهَا اعْتِلاءً *** وَ قَدْرٌ لَيْسَ نُدْرِكُهُ اجتِهادا

***

و لازالتْ لِدِينِ اللَّهِ رُكناً *** كما كانَتْ لِأَسْقُفِهِ عِمادا

لَها القُرْآنُ يَشْهَدُ في مَقامٍ *** بِآيَاتٍ مُقَدَّسَةٍ أَشادا

و تُوفِي نَذْرَها لِلَّهِ صَوْماً *** وَ طَارِقُ بابِها يَلْقَى المُرادا

فَما مَنَعَتْ يَتِيماً أَوْ أَسِيراً *** وَ لَمْ تَحْجُبْ عَنِ المُسْكِينِ زادا(1)

ص: 450


1- و في هذه الأبيات الثلاثة أشار إلى ما ورد من أنَّ نزول سورة (هل أتى) بحقها و حق علي و الحسن و الحسين «صلوات الله عليهم». و قد مرّ ذلك في قصيدة الشيرازي الدالية رقم (2) نقلاً عن أسباب النزول للواحدي ص331 و الرياض النضرة لمحب الدين الطبري و نور الأبصار للشبلنجي كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص301-305 و ذكره ابن الأثير الجزري في كتابه أسد الغابة ج5 ص530 كما ذكره السيوطي في جه تفسيره الدر المنثور ج6 ص299 فراجع.

و طَهَّرَها الإلهُ عَن الخَطايا *** وَ كُلِّ الرِّجْسَ عِصْمَتَها تَفادى(1)

مُجَلَّلَةٌ مُقَدَّسَةٌ مُقَرَّبَةٌ *** عَلَتْ في شَأْنِها الرُّتَب البعادا

مُعَلَّمةٌ مُحَدَّثَةٌ مُصَدَّقَةٌ *** وَ كَمْ بِمَقامِها جِبْرِيلُ نادى(2)

ص: 451


1- تفادى: تنزوي عنه أو تحاشاها. و يشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول آية التطهير في سورة الأحزاب 33 في فاطمة و أهل بيتها علیهم السلام. انظر الهامش (3) من هذه القصيدة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الزهراء علیها السلام معلَّمة و محدثة و صديقة مصدقة. أما كونها عالمة معلَّمة فقد جاء في كتاب عيون المعجزات لحسين بن عبد الوهاب ص57 قال: عن سلمان الفارسي عن عمار (رضوان الله عليهم). و قال: أخبرك عجباً؟ قلت: حدّثني يا عمار. قال: نعم شهدت علي بن أبي طالب علیه السلام و قد ولج على فاطمة علیها السلام. فلما بصرت به نادت ادن لأحدثك بما كان و ما هو كائن و بما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة، قال: فرأيت أمير المؤمنين علیه السلام يرجع القهقرى فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال له: ادنُ يا أبا الحسن علیه السلام فدنا فلما اطمأن به المجلس قال له: تحدثني أم أحدثك؟ فقال: الحديث منك أحسن يا رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم. فقال: كأني بك و قد دخلت على فاطمة علیها السلام و قالت لك كيت و كيت فرجعت، فقال علي علیه السلام: نور فاطمة علیها السلام من نورنا فقال صلي الله علیه و آله و سلم: أولا تعلم ؟ فسجد علي شكراً الله «تعالى». قال عمار: فخرج أميرالمؤمنين علیه السلام و خرجت بخروجه فولج على فاطمة علیها السلام و ولجت معه، فقالت: كأنك رجعت إلى أبي صلي الله علیه و آله و سلم فأخبرته بما قلته لك؟ قال: كان كذلك يا فاطمة علیها السلام، فقالت اعلم يا أبا الحسن علیه السلام إنّ الله تعالى خلق نوري و كان يسبّح الله جل جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلما دخل أبي إلى الجنة أوصى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة و أدرها في لهواتك ففعل فأودعني الله تعالى صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد سلام الله علیها فوضعتني و أنا من ذلك النور، اعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن يا أباالحسن علیه السلام، المؤمن ينظر بنور الله «تعالی». و أما كونها محدثة فانظر كتاب البحار ج43 ص78 و أما كونها صديقة مصدقة فانظر كتاب البحار ج43 ص105 و مرآة العقول ج5 ص315. و قد جاء في كتاب الرياض النضرة ج2 ص202 قال: روى أبو سعيد في شرف النبوة أنَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد و لا أنا صهراً مثلي و لم أوت صلى الله عليه و آله و سلم أنا مثلي أوتيت زوجة صديقة علیها السلام مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوجة و أوتيت الحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي مثلهما علیهما السلام، ولكنكم منّي و أنا منكم. راجع كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص180.

مُشَقَّعَةٌ وَ شافِعَةٌ وَ زاهِرَةٌ *** بِهَا الجَنَّاتُ قَدْ لَبِسَتْ قِلادا(1)

رضاها مِنْ رِضًا المَعْبُودِ أَضْحَى *** فَإِنْ سَخِطَتْ فَمَنْ يُنْجِي العبادا(2)

***

لنا في مَوْلِدِ الزَّهْراءِ عِيدٌ *** صَفا كالنُّورِ وَ انْتَزَعَ السَّوادا

وَ أَشْرَقَتِ السَّماءُ لها بُدُوراً *** وَ قَدْ سُدَّتْ مَغارِبُها انْسِدادا

وَ سَرَّتْ كُلُّ نَفْسٍ حَيْثُ طَابَتْ *** عَقائِدُها وَ ما زَلَتْ عِنادا

فآثارُ التَّقى وَ الزُّهْدِ رَسُمٌ *** بِسِيرَةِ مَجْدِها أَضْحَتْ عِدادا

تُحَبِّي رَوْعَةَ الإجلالِ مِنْها *** وَ نَفْحاً مِنْ مَرابِعِها تَهادَی(3)

وَ بَحْرٌ يَغْمُرُ الدُّنْيا فَخاراً *** وَ لِلْأَجيال قَدْ أَضحى مِدادا

تُشَدُّ لها الرّحالُ بِكُلِّ عَصْرٍ *** و تَقْصُدُها ذَهاباً وَ ارْتِيادا

ص: 452


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كونها علیها السلام شافعة مشفّعة و إلى كونها زاهرة كما ورد في الأحاديث. أما شفاعتها فانظر كتاب البحار ج43 ص219 و أمالي الصدوق ص65 ضمن حديث 57. و أما كونها زاهرة فقد مرَّ أيضاً في قصيدة الغروي الأصبهاني البائية نقلاً عن البحار ج43 ص12 عن علل الشرائع و دلائل الإمامة للطبري ص54 . و البحار ج43 ص16 و في البحار أيضاً ج43 ص11.
2- و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من أنَّ الله تعالى يغضب لغضبها ويرضى لرضاها «سلام الله عليها». ففي كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين الطبري ص39، قال: عن علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» أنَّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يا فاطمة علیها السلام إنَّ الله «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضى لرضاك». و ذكره ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج12 ص442 قال: عن علي بن الحسين علیه السلام عن أبيه عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام إنَّ الله «تعالى» يرضى لرضاك و يغضب لغضبك. و ذكره ابن الأثير في كتاب أسد الغابة ج5 ص522. و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتاب الإصابة ج4 ص378.
3- تهادى يهديه بعضهم إلى بعض و من معانيه التمايل في المشي و لعل المرادفة هنا الكناية عن انتشار النفح و اللَّه العالم.

أبِنْتَ المُصْطَفَى هذا وَلائِي *** أُوَفِّيهِ التزاماً و اعْتِقادا

وَ لا شَكٌّ يُساوِرُنِي وَ حَبْلِي *** بِعِشْرَةِ أَحْمَدٍ عُقِدَ العِقادا

وَمَنْ يَمْسَكْ بِحَبْلِ اللَّهِ يَحْظَى *** بِكُلِّ الأَجْرِ يَجْنِيهِ حَصادا

وَ حُسْنُ خِتامِها ذِكْرٌ لِطهُ *** بِحَفْلٍ ضَمَّ فَرْحَتَهُ جُمادَى

ص: 453

(32) بيت الهدى

(بحر الكامل)

الشيخ قاسم محيي الدين

أَوْضِحُ بِنَهْجِ الرُّشْدِ لِلْمُسْتَرْشِدِ *** إذ لاسَبِيلَ إِلَى جُحُودِ الْمُلْحِدِ

ما عُذْرُ مَنْ جَحَدَ الهُدَى بِضَلالِهِ *** لَوْجَاءَ مَدْحُوضَ الدَّلالةِ في غَدِ(1)

حَضَرُوا بِمَشْهَدِ دَوْحِهِ وَ رَسُولُهُمْ *** يُنَبِّئُهُمْ عَنْ نَصَّ ذاكَ المَشْهَدِ

جَحَدُوا عليّاً حقَّهُ أَفَهَلْ لَهُمْ *** بَعْدَ الجُحُودِ تَمَسُّكٌ بِمُحَمَّدِ؟

جَحَدُوا الغَدِيرَ بغَدْرِهِمْ حَسَداً لِمَنْ *** مُلِئَتْ قَذاً مِنْهُ عُيونُ الحُسَّدِ

عَقَدُوا لَهُ الشُّورى وَ تِلْكَ سَقِيفَةٌ *** بِسِوَى الضّلالِ عَرِيشُها لَمْ يُعْقَدِ

عَجَباً لَهُمْ جَحَدُوا وَلاة إمامِهمْ *** وَ الشَّمْسُ مُشْرِقَةُ السَّنَا لَمْ تُجْحَدِ

جَحَدُوا النَّبِيَّ بِجَحْدِهِمْ لِوَصِيْهِ *** وَ أَبَوْا مُصافَحَة الهِدايَةِ باليَدِ

وَ تَأَلَّبُوا زُمَراً لِغَصْبِ وَلِيْهِمْ *** مِنْ غَائِرِ تَبِعَ الشَّقَاقَ وَ مُنْجِدِ(2)

وَ أَتَى اللَّعِينُ... مُهَدِّداً بَيْتَ الهُدَى *** إِذْ ضَلَّ عَنْ نَهْجِ الرَّشادِ وَ مَا هُدِي

وَعَتَى وَ مَا راعى وَدِيعَةَ أَحْمَدٍ *** مُذْ راعَها في حِقْدِهِ المُتوقِّدِ

وَ أَلَمَ في بَيْتِ الرِّسالَةِ مُوقِداً *** نيرانَ أَضْعَانٍ لَهُ لَمْ تَحْمُدِ

سَلَّ فاطِمَاً عَنْ نَكْثِ عَهْدِ مُحَمَّدٍ *** فِيها بِظُلْمِ مِثْلُه لَمْ يُعْهَدِ

سل فاطماً عَنْ دَمْعِها الْمُنْهَلِّ مَنْ *** أَجْراهُ مِنْ ذَوبِ الفُؤادِ المُکْمَدِ؟(3)

ص: 454


1- مدحوض الدلالة: باطل الحُجّة.
2- تألّبوا: تجمعوا و تحشدوا.
3- الفؤاد المكمد: المتألّم المنكسر.

سل فاطماً عَنْ نَوْحِهَا وَ نَحِيبِها *** عَنْ حُزْنِها عَنْ سُقْمِها المُتَجَدِّدِ

سَلْ فاطِماً عَنْ ضِلْعِها مَنْ غَالَهُ *** كَسْراً بِرَد البابِ بَعْدَ تَهَدُّدِ؟(1)

سَلْها عَنِ المِسْمَارِ حَيْثُ أَمَضَّهَا *** وَ عَنِ الجَنِينِ وَ قُرْطها المُتَبَدِّدِ

سَلَّ فاطِماً عَنْ ضَرْبِها بِسِياطِهِمْ *** حَتَّى غَدتُ مِثْلَ الدَّمَالِجِ بِالْيَدِ(2)

سل فاطماً عَنْ قَبْرِها عن دَفْنِها *** سِرًّا بِظُلْمَةِ جُنْحِ لَيْلٍ أَرْبَدِ(3)

سَلْهَا عَن السَّوْطِ الَّذي قَدْ راعَها *** عَنْ غَضبها ميراثها مِنْ أَحْمَدِ

سَلْهَا عَنِ الهادي الوَصِيِّ مُلَبَّباً *** بِنِجادِهِ مُسْتَنْجِداً لَمْ يُنْجَدِ

حَيْثُ الشَّقِيُّ بِمَوْقِدٍ مِنْ ظُلْمِهِ *** قادَ الوَصِيَّ المُرْتَضَى لِلْمَسْجِدِ

وَ الطُّهْرُ تَدْعُو وَ هْيَ تَعْدُو خَلْفَهُ *** بَنداً يُذِيبُ حَشَى الصَّفا وَ الجَلْمَدِ(4)

خلُوا ابْنَ عَمِّي أَوْ عَلَيْكُمْ بِالدُّعا *** أعْدُو وَ أَبْسُطُ لِلْإِلَهِ بِهِ يَدِي

ص: 455


1- غاله : أخذه من حيث لايدري أهلكه.
2- الدمالج: الحلي التي تُلبّس بالمعصم.
3- ليل أربد: ليلٌ فيه الغبرة.
4- الصفا و الجلمد: الصخر. بنداً(البَند) العلم الكبير، فارسي معّرب، جمعه (بنود).

(33) ريحانة الهادي

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم آل نوح

يَوْمَ بِهِ بُعِثَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ *** يَوْمٌ يُؤرِّخُهُ الزّمانُ الأَبْعَدُ

يَوْمُ بِهِ ازْدَهَر الزمانُ بِيعْثَةٍ *** لِمُحَمّدٍ الرَاحُها تَتَجَدَّدُ

إلى أن يقول :

أَمُحَمّدٌ وَ لَأَنْتَ رَحْمَةُ رَبِّنَا *** وَ عَلَى عِبَادِهِ أنْتَ أنْتَ السَّيِّدُ

أحْيَيْتَ شَعْباً مَيْتاً وَ حَفِظْتَهُ *** دمماً بِسَيفِ الحقِّ وَ هُوَ مُجرَّدُ

وَ بِسَيْفِ عَزْمِ كانَ حَيدِرُ قاصِماً *** ظَهْرَ الصَّلالِ وَ سَيْفُهُ لايُعْمَدُ

خَلَّفْتَ حَيَدرَ وَ هُوَ يعْبُدُ رَبَّهُ *** في الليل يحيا ساهِرَاً لايَرْقُدُ(1)

مُتَهَجِّداً مُتوسّلاً في ربِّهِ *** مِنْ خَشْيَةٍ يَبْكِي يَقوْمُ وَ يَقْعُدُ

يَشْكُو لَهُ مِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ مَا جَرَى *** مِنْ ظُلْمِهِم لِعَلِيّ وَ هُوَ مُنَكَّدُ(2)

ص: 456


1- في بحار الأنوار للمجلسي/ ج41 ص22-23. عن حبة العدني قال: بينا أنا ونوف نائمين في رحبة القصر إذ بأميرالمؤمنين علیه السلام في بقية من الليل واضعاً يده على الحائط شبيه الواله و هو يقول: «إن في خلق السموات و الأرض» [ سورة آل عمران الآية 190] قال: ثم جعل يقرأ هذه الأبيات و يمر شبه الطائر عقله... ثم وعظهما و ذكرهما و قال في أواخره: فكونوا من الله على حذر فقد أنذرتكما ثم جعل يمر و هو يقول: ليت شعري في غفلاتي أمعرض أنت عني أم ناظر إليَّ، وليت شعري في طول منامي و قلّة شكري في نعمك علي ما حالي قال: فوالله ما زال في هذا الحال حتى طلع الفجر. و في المصدر نفسه قال أيضاً: و أنه ما فرش له فراش في ليل قط و لاأكل طعاماً في هجير قط»...
2- منكّد: قليل الخير.

يَشْكُو هُجَوْمَهُمُ عَلَى الدّارِ الَّتِي *** هِيَ لِلْنَبِيّ وَ لِلْمَلائِكِ مَقْصَدُ

يَشْكُو لهُ إذْ اخْرَجُوهُ مُرَغَماً *** مِنْ دَارِهِ وَ هُوَ المُصابُ المُجهَدُ

يَشْكُوْلهُ إذْ قَدْ فَزِعْنَ عِيَالُه *** مِنْ ضَرْب سَوْطِ لِلْمُتونِ تُسوِّدُ

يَشْكو لِكَسْرِ الضلع مِنْ رَیْحَانَةِ الهادِي *** وَ يَشْكُو نَارَ حِقْدٍ تُوقَدُ

يَشْكُو إِلَيْهِ غَاصِباً حقاً له *** وَ أَغارَ مِنْ حِقْدٍ عَليهِ الحُسَّدُ(1)

يشكُوْ لهُ مَنْ قَدْ دَعَوهُ لِبَيْعَةٍ *** وَ تَهدّدوهُ إِنْ أَبَى وَ تَوعّدوا

قَدْ أنْقذتْهُ فاطمٌ مِنْ مَازِقٍ *** فِيهِ أَحَاطَ و لانَصِيرٌ يُوجَدُ(2)

وَدَعَتْهُمُ خَلّوا ابْنَ عَمِّي إِنَّهُ *** أَوْلاكُمُ بِمَكَانِ أَحْمَدَ يَقْعُدُ(3)

قَدْ قَالَ بَعْضُهُمُ دَعُوهُ فَإِنَّهَا *** لَمْ تَرْجِعَنْ عَنْهُ وَ بَعْضُ تَردَّدوا

حَتَّى يُبايعَ أَوْ تُحَزُّ عَلاصِمٌ *** مِنْهُ وَ إِنَّ حُسَامَنَا لايُغْمَدُ(4)

صاحَ ابْنَ أُمّ أَلَمْ تُشَاهِدْ أَنَّهُمْ *** يَبْعَونَ قَتْلي وَ الحُسَامَ مُجَرِّدُ

وَ أَبِيَكَ لَوْ لَمْ تَأْتِ فَاطِمَةٌ لَمَا *** كَفُوا عَنِ الكرارِ وَ هُوَ مُؤكِّدُ

ص: 457


1- في أصول الكافي للكليني ج1 ص381. عن أبي عبد الله الحسين بن علي علیه السلام قال: لما قبضت فاطمة علیها السلام دفنها أميرالمؤمنين علیه السلام الدفنها سراً و عفا على موضع قبرها ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم... أما حزني فسرمد و أما ليلي فمسهَّد و همَّ لايبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم،كمد مقيِّح و هم مهيِّج سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فاحفها السؤال و استجرها الحال.
2- مأزق: مضيق و يستعار للموقف الحرج.
3- في الإمامة و السياسة لابن قتيبة، ج1 ص19. و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره مليباً بثوبه يجرونه إلى المسجد فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: والله لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا فقال الله «تعالى»:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23]قال: فتركه أكثر القوم لأجلها.
4- غلاصم: جمع و هي اللحم بين الرأس و العنق.

يَا لَيْتَ أَحْمَدَ قَدْ رآهم بَعْدَهُ *** في ذِلَّةٍ وَ العَيْشُ عَيْشٌ أَنْكَدُ

تركوهُمُ حَلْسَ البُيُوتِ بِقُوَّةٍ *** قَدْ سَاءَ عَيْشُهُمُ وَ سَاءَ المَوْرِدُ(1)

وَ البَضْعَةُ الزَّهْرَاءُ ماتَتْ بَعْدَهُ *** وَ لَهَا بِجُنْحِ اللَّيْلِ سِرّاً الحَدُوا

وَ بَكَى عَلِيٌّ بَعْدَها وَ الحُزْنُ قَدْ *** أَوْهاهُ طولَ اللَّيْلِ وَ هُوَ مُسَهَدُ

فَعَلَيْكَ يَا خِدْنَ النَّبِيِّ تَحِيَّةٌ *** مِنّي وَ نَارُ حَشَايَ دَوْماً تُوقَدُ(2)

ص: 458


1- حَلس البيوت: كساء يُبسط تحت صُرّ الثياب.
2- خِدْن: الحبيب و الصاحب.

(34) أفاطم علیها السلام قومي

(بحر الطويل)

لطف الله بن محمد البحراني

سِهَامُ المَنَايَا فِي البَرَايَا نَوَافِدُ *** وَ حَادِي المَنَايا مُسْتَضِيفٌ وَ وَافِدُ(1)

يَسُوقُ إِلَى وِرْدِ الْمَنُونِ ظَعَائِناً *** فَمَا صَادِرٌ إِلا وَ تِلْوُهُ وَارِدُ(2)

كَأَنَّا وَ صَرْفُ الدَّهْرِ خَيْلٌ مُرَاهِنٌ *** تَعُضُّ شَكيماً لِلسِّبَاقِ تُطَارِدُ(3)

فَمَا رَدَّهُ عَنَّا مُرَادٌ وَ نَالَهُ *** وَ لافَاتَهُ مِنَّا سَرِيٌّ وَ مَاجِدُ

وَلُوعٌ بِحِفْظِ الأَكْرَمِينَ كَأَنَّهُ *** خَصِيمٌ لِمَنْ نَالَ العُلاَ وَ مُعَانِدُ(4)

تَقَصَّدَنِي مِنْ بَيْنِهِمْ فَأَصَابَنِي *** بِمَا لَمْ تُطِقْهُ الشَّامِخَاتُ الجَلاَمِدُ(5)

صَبَرْتُ وَ فِي حَلْقِي شَجِيِّ وَ بِمُقْلَتِي *** قَذَى لَمْ تُزَحْزِحْهُ الرُّقَى وَ المَرَاوِدُ(6)

ص: 459


1- البرايا: الناس أو الخلق. المنايا: جمع منية و هي الموت. الحادي: حادي المنايا هو الذي يسوق الموت.
2- الورد: توارد القوم إلى المكان: حظروا الواحد تلو الآخر. المنون: المراد هنا الموت لأنه ينقص الورد و يقطع المدد. الوارد: هنا الداخل.
3- شكيما: الشكيمة: اللجام و هي الحديدة المعترضة في فم الفرس. و منه (فلان ذوشكيمة) أو (شديد الشكيمة) أي أنوف أبيُّ لاينقاد.
4- الولوع: الشديد الوُلوع و التعلق . الخصيم: على وزن فعيل و هو شديد الخصومة من الخصام.
5- الشامخات: جمع شامخ و هو العالي المرتفع الشاهق الجلامد: الصَّلد الصلب شديد الصلابة.
6- شجيّ :من الشجن الهم و الحزن و في حلقي شجى: النوح و الشجن و أصله شجت الحمامة ناحت و تحزّنت و باعتبار أن النوح مصدره من الحلق فلقد قال في حلقي شجى. المقلة سواد العين. قذى: جمع قذيّ و أقذاء و القذاة: ما يقع في العين أو في الشراب من تبنة و نحوها يقال: فلان يغضي على القذى، أي يحتمل الضيم و لايشكو و «صار الأمر قذى في عينه» أي أقلقه و اجتهد في إزالته، فيكون المعنى «و بمقلتي قذى» أي بعيني ضيم و قلق. -المراود: مفردها المرود، و هو الميل من الزجاج أو المعدن يُكتحل به.

وَلِي رَائِدٌ شَخَصْتُهُ جَانِبَ الرَّجَا *** وَ لاَرَدَّ لِي مِنْ حَيْثُ رَوَّدْتُ رائِدُ

فَمِلْتُ إِلَى أَنْ أَقْمَعَ النَّفْسَ بِالْعَرَى *** وَ قَدْ نُغْصَتْ مِنْهُ لَدَيَّ المَزَاوِدُ(1)

فَلاَرَيْبَ أَعْطَيْتُ الزَّمَانَ مَقَادَتِي *** بِرَغْمِي وَ فِي الأَحْشَاءِ لِلْوَجْدِ وَاقِدُ(2)

عَلَى أَنَّنِي مَالِدتُّ يَوْماً لِحَادِثٍ *** بِمُسْتَصْرَحَ كَلاً وَ غَوْثٌ يُسَاعِدُ

وَ مَا بَرِحَ الدَّهْرُ الأَلَدُّ يَسُومُنِي *** بِخِطَّةِ خَسْفٍ ضُرِّهَا كَمْ أُكَابِدُ(3)

فَلاغَرْوَ قَدْ أُودَى بِآلِ مُحَمَّدٍ *** كَأَنَّ عَلَيْهِمْ لِلْبَلايَا مَرَاصِدُ

مَهَابِطُ وَحْيِ اللَّهِ خُزَّانُ عِلْمِهِ *** فَمَا مِنْهُمُ إِلا إِلَى اللَّهِ قَائِدُ

قُوَامٌ لِدِينِ اللَّهِ قَدْ حَفِظُوا الوَرَى *** بِحِلْم وَ عِلْم حَيْثُ تُثْنَى الوَسَائِدُ

خَلَتْ عَرَصَاتُ الدَّارِ مِنْهُمْ وَ أَقْفَرَتْ *** فَمَا تَمَّ إِلا غَيْبَةٌ وَ مَشَاهِدُ(4)

مَضَوا شُهَدا فِي اللَّهِ كُلٌّ وَ خَلَّفُوا *** مَمَادِحَ لَمْ تُبْلَى وَ تُتْلَى مَحَامِدُ(5)

فَبِالْمُصْطَفَى طَابَتْ مَرَابِعُ طَيِّبَةٍ *** تَسَامَتْ عَلاءَ لَنْ تَنَلُهُ الْفَرَاقِدُ(6)

ص: 460


1- المزاود: ما يوضع فيه الزاد، نفاضة المزاود: ما بقي من حطام الزاد في المزود و ينفضه القادم من السفر و هو عندهم قتلٌ في الخساسة.
2- مقادتي: قيادي، أي أعطيت الزمان قيادتي أن يقودني ولكن بالرغم مني و برغمي أي بغير رضاي بل مكرهاً مجبراً. الوجد الحزن واقد: اسم فاعل لمن يوقد موقد النار.
3- الألد: الشديد في العداوة و الخصومة.
4- غيبة و مشاهِدُ: لعله يقصد في «غيبةٌ» الغائب منهم علیه السلام و مشاهِدُ: يقصد فيها آثارهم و هي قبورهم و تسمى (مشاهد) كما هو معروف و هي الأضرحة.
5- محامد: كل ما هو محمود و ممدوح من عمل أو فعل أو قول أو نهج و نحوها.
6- الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يهتدى به و بجانبه آخر أخفى منه فهما فرقدان.

وَ بِالْفَرْقَدِ السَّامِي الزَّكِي وَ حَبَّذَا *** مَقَامٌ لَهُ يَنْحَطُ قَدْراً عَطَارِدُ(1)

وَ سَاحَةُ قُدْسِ لِلْغَرِي مَحَلُّهَا *** إِمَامُ هُدًى تُلقَى إِلَيْهِ المَقَالِدُ(2)

وَ إِنَّ لَهُمْ فِي جَانِبِ الطَّفْ وَقْعَةً *** تَهُونُ لَدَيْهَا الحَادِثَاتُ الشَّدَائِدُ

إلى أن يقول :

أَفَاطِمٌ قُومِي مِنْ تَرَى الْقَبْرِ وَ انْظُرِي *** حَبِيبَكِ فِي أَحْشَائِهِ السَّهُمُ نَافِدُ(3)

لَهُ جَسَدٌ مُلْقَى عَلَى عِثير الثرى *** وَ رَأْسٌ عَلَى أَعْلا الأَسِنَّةِ صَاعِدُ(4)

أفَاطِمُ أَمَّا دُورنا فَبَلاقِعُ *** وَ لَمْ يَبْقَ مِمَّا تَعْهَدِينَ مَعَاهِدُ(5)

لِضَرْبٍ وَ ثَلْبِ وَ انْتِهَاكٍ وَ ذِلَّةٍ *** وَ نَهْبٍ وَ لَمْ يَبْقَ طَرِيفٌ وَ تَالِدُ(6)

أَفَاطِمُ قُومِي وَ انْظُرِينَا كَأَنَّنَا *** مِنَ الزَّنْج يَلْحَانَا إِلَى الشَّامِ قَائِدُ

لِدَارٍ يَزِيدٍ لا حِمَى اللَّهُ جَارُهُ *** وَ خَرَّعَلَيْهِ سَقْفُهُ وَ القَوَاعِدُ

وَ لاَحَادَهَا خَسْفٌ وَ نَسْفٌ قَوْمُهَا *** وَ لَاجَادَهَا غَيْثُ مِنَ المُزْنِ جَائِدُ(7)

وَ صَلَّى عَلَى آلِ النَّبِيِّ وَ عَمَّهُمْ *** سَلاَمٌ عَلَى مَرِّ الْجَدِيدَيْنِ خَالِدٌ(8)

ص: 461


1- الفرقد: الفرقد من الأرض المستوي الصلب -عطارد: أحد الكواكب السيارة كما هو معروف.
2- المقالد: صيغة الفاعل من مقاليد (مفاعيل) و هي أزمة الأمور مفردها زمام و هو القياد.
3- الثرى: يريد به تراب القبر.
4- العِثيَر: التراب و العجاج الأسنة: مفردها سنان. نصل الرمح.
5- البلاقع: الدور البلاقع و هي التي ارتحل عنها أهلوها و تركوها و بقيت خالية مقفرة فهي بلاقع واحدها بلقع.
6- الطريف: الحديث النادر الحسن. التالد: القديم النادر المستحسن.
7- المزن: السحائب الممطرة، مفردها مزنة و هي السحابة الممطرة. جائد: اسم فاعل للجواد الكريم ذي الجود و الكرم.
8- الجديدَيْنِ: الليل و النهارو و جاء في ينابيع المودة ص295: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لاتصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللهم صل على محمد و تسكتون بل قولوا: اللهم صلِّ على محمد و على آل محمد، فقيل له: من أهلك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟ قال: علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.

(35) الموسم عيد

(بحر الرَّمل)

السيد محمد جمال الهاشمي(*)(1)

مَوْلِدُ الزَّهْراءِ لِلْإِيمَانِ عِيدُ *** كُلُّ شِيعِيٍّ بِذِكْراهُ سَعِيدُ

ذِكْرَياتُ الْفَجْرِ في مُطلَعِهِ *** تَتَجَلَّى وَ لنَا فِيهِ عُهُودُ

يَوْمَ كانَ الدِّينُ في مِنْهَاجِهِ *** نَغْمَةٌ كُل معانيها جَدِيدُ

يَتَوَخَّى السَّيْرَ بالتاريخ في *** أَبْحُرٍ مَرْقَاهَا الْأَدْنَى بَعِيدُ

وَ الفَضا مُعْصَوْصِبٌ، و الْأَرْضُ قد *** زَلْزَلَتْها عاصِفاتٌ وَ رُعُودُ(2)

التَّقالِيدُ وَ ما أَفْتَكَها *** وَقَفَتْ مِنْ دُونِهِ فَهيَ سُدُودُ

وَ الْمَرامِي وَ هْيَ في أَطْمَاعِها *** كالْعَفَارِيتِ تَرامَتْ وَ هْيَ سُودُ

وَ رَسولُ اللَّهِ في دَعْوَتِهِ *** يُفْزِعُ الْأَحْلامَ و النّاسُ هُجُودُ

یَقْظَةُ الْفِطْرَةِ وَحْيٌ رائع *** صاغَهُ اللَّهُ لَنا فَهُوَ نَشِيدُ

***

مَوْلِدُ الزَّهْرَاءِ فِي مَوْكِبِهِ *** يَتَهادى، وَ بِهِ الْماضِي يَعُودُ(3)

يَهْزِمُ الْأَوْهَامَ فِي أَلْطَافِهِ *** فَالْفَيافِي مِنْ مَعَانِيهِ وُرُود(4)

ص: 462


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- معصوصب: مشتدّ.
3- يتهادى: يتمايل و هو كناية عن تنقله عبر الزمن من جيل إلى جيل و ربما المعنى يتهاداه الناس بمعنى أن يهدي بعضهم إلى بعض.
4- الفيافي: المفازة التي لاماء فيها.

و رمال البيدِ سالَتْ عَسْجَداً *** وَ الحَصى فيهِ لَآلِ و عُقُودُ(1)

وَ اسْتَطالَتْ قِمَمُ الْمَجْدِ بها *** فَهيَ في الشرقِ رَوابٍ وَ نُجُودُ(2)

وُلِدَ الْإِنْسَانُ فِي اكْنَافِها *** فَهيَ أُمَّ لِلْكَرامَاتِ وَلُودُ(3)

لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِها فِي ظِلُّها *** لِلْهُدَى عَيْنٌ، وَ لِلْحَقِّ وُجُودُ

عجباً لِلصَّخْر كَيْفَ الْبَثَقَتْ *** جَانِبَاهُ، فَهُمَا فَضْلٌ وَجُودُ

قُدِّسَ الإسلامُ في دُسْتُورِهِ *** يُورِقُ الصَّخْرَ وَيَنْشَقُ الحَدِيدُ

***

مَوْلِدُ الزَّهْراءِ هذا فابْسَمِي *** أَيُّهَا الشَّيعَةُ، فَالْمَوْسِمُ عِيدُ

وَدَعِي عَنْكِ الأسى و احْتَفِلي *** فِيهِ، فَالْعِیدُ بِهِ الْحُزْنُ يَبِيدُ

وَ اتْرُكي الْأَمْرَ إلى رَبِّ السَّما *** فَهُوَ بِالْوَضْع خَبِيرٌ وَ شَهِيدُ

سَوْفَ يَنْجَابُ الدُّجى مُنْهَزِماً *** مِنْ سَنَا الفجرِ، فَلِلْفَجْرِ جُنُودُ

فَإِذا وَجَّهَهَا اللَّهُ إلى *** أُفُقِ بادَ بهِ اللَّيْلُ الْمُبِيدُ

***

يا حَكِيمَ(4) الدَّهْرِ يَا مَنْ بِاسْمِهِ *** تُصْقَلُ البِيضُ وَ تَهْتَزُ البُنُودُ(5)

قائِدُ الإيمانِ لِلنَّصْر على *** خُططٍ كانَ بِهَا النَّهْجُ الْحَمِيدُ

آيةُ اللَّهِ الَّتِي مِنْ بَأْسِها *** يَلْتَوِي الكُفْرُ وَ يَرتَدُّ الجُحُودُ

مرجِعُ الأُمَّةِ إِنْ جَارَ بها *** زَمَنُ باغ و تاريخٌ عَنِيدُ

ص: 463


1- عسجداً: ذهباً.
2- روابٍ ونجود: الرابية ما علا و ارتفع من الأرض التلة. النجد: ما ارتفع من الأرض.
3- أكنافها: (أكناف). جمع كنف: ( على وزن نصر) (كنفه): حاطه وصانه.
4- يشير إلى المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم.
5- تصقل البيض: تُصْقَل: تُجلى و تُملَّس و يُكشف صداها. البِيض: السيوف. البُنود: الأعلام و البيارق الكبيرة.

وَ إمامٌ تَهْتَدِي الدُّنيا بهِ *** إِنْ نَبا وَضَعُ وَ إِنْ ضَاعَتْ حُدُودُ(1)

أمُّكَ الزّهراء هذا عِيدُها *** فيهِ يَلْتَةُ لِأَمْثَالِي الْقَصِيدُ

لكَ قَدَّمْتُ التَّهانِي مُخلِصاً *** بثنائي، فَهُوَ لِلرّوح يَعُودُ

وَ لْتَدُمْ لِلدِّينِ فَجْراً نُورُهُ *** خَالِدٌ فينا، وَ لِلْحَقِّ الخَلُودُ(2)

ص: 464


1- نبا: تجافى.
2- جمادى الثانية 1384ه نقلت من ديوان بعنوان (مع النبي وآله صلوات الله علیه) ص36.

(36) يابنة الطهر

(بحر الخفيف)

السيد محمد جواد فضل الله(*)(1)

في الدُّرَى أَنْتِ إِذْ يَرِثُ العيدُ *** مَطلَعُ مُشْرِقٌ وَ لَحْنٌ فَرِيدُ

وَ مَعَانٍ مِنْ طُهْرِ ذاتِكِ يَسْتَلْهِمُ *** مِنْ وَجْهِهَا الجَمالَ الْقَصِيدُ

هِيَ دُنْيَاكِ مَشْرِقُ لِلقداساتِ *** ثلاشَتْ عَلى ذُراهُ الحُدُودُ

مَجْدُكِ الشَّمْسُ يَنْطَفِي إِنْ تَبَدَّتْ *** كُلُّ نَجْمِ مِنْ حَوْلِها وَ يَبِيدُ

ص: 465


1- (*)هوالسيد محمد جواد ابن السيد عبد الرؤوف ابن السيد نجيب آل فضل الله. ولد في النجف الأشرف 23 شوال سنة (1357ه) درس في النجف الأشرف المقدمات و السطوح من العلوم العربية و المنطق و الأصول و الفقه، ثم حضر بحث الخارج على علماء النجف الكبار في الفقه و الأصول، و منهم السيد محمد الروحاني و السيد نصر الله المستنبط و حضر درس المرجع الأعلى السيد أبي القاسم الخوئي. و قام المترجم له بتدريس العلوم الدينية في النجف الأشرف و في لبنان، و تتلمذ عليه الكثير من طلبة العلوم الدينية، و كان يتمّيز بالروح المرحة المنفتحة على الآخرين و بالقلب الكبير الذي يعيش آلام الناس ومشاكلهم وبالوفاء في الصداقة إلى حدّ التضحية، وبالسخاء في الانفاق فيما يملكه من المال وبالسعي في حوائج الناس مهما أمكنه ذلك. و المترجَم له نظم الشعر منذ طفولته، و ربما بدأ قول الشعر في العاشرة من عمره، و كان يتلوه في بعض محافل النجف و كان ينال الاستحسان عليه آنذاك، و للمترجَم له مؤلفات عدة منها: 1-صلح الحسن علیه السلام، 2-الامام علي الرضا علیه السلام، 3- حجر بن عدي، 4-الامام الصادق علیه السلام، 5-دیوان شعر. و قام بتأسيس مشروع مؤسسة النادي الحسيني في منطقة (حي السلم) ببيروت، و يشتمل المشروع على نادٍ حسيني و مسجد للصلاة و مدرسة لطلاب العلوم الدينية و مكتبة عامة و مستوصف خيري. توفي في بيروت إثر نوبة قلبية حادة في أثناء نومه في 23 رجب عام (1395ه) و دفن في بنت جبيل.

النُّبوّاتُ دَوْحَةٌ أَنْتِ منها *** أَلَقٌ مُشْرِقٌ وَنَفْحٌ وَدُودُ

كَيْفَ يَرْقَى لِشَأْوِ عِزَّكِ مَجْدٌ *** وَبِكِ المَجْدُ تاجُهُ مَعْقُودُ(1)

نَفْحَةٌ مِنْ مَجْهَرِ صاغَها اللَّهُ *** مِثالاً لِلطُّهْرکَیْفَ یُریدُ(2)

وَحَباها مِنْهُ الجَلالَ إهاباً *** یَتَدانی عَنْ نَعْتِهِ التَمْجِیدُ(3)

یابنةَ الطُّهْرِ یاحِکایةَتارِیخٍ *** أفاضَتْ عَنْها الحدیثَ العُهودُ

وَتَلاحَی بِها الرُّواةُ فسارَ***بِهُدَی الحَقِّ شَوْطُهُ وَ حُقُودُ(4)

وَ مِنَ الزَّیْفِ أنْ یُحَرَّرَ تاریخٌ *** غریبٌ عَنِ الهُدی وَ صَدُودُ

کَیْفَ یَسْمُو إلی العَقِیدَةِ فِکْرٌ *** لَعِبَتْ فِیهِ في الصِّراعِ الحُقُودُ

یَتَمادَی فَیَمْسَحُ الحَقَّ بِالوَهْم*** ضَلالاً وَ الحَقُّ صَلْدٌ عَنِیدُ(5)

لَنْ یَضِیرَ الضُّحَی إذا نعَقَ الْإِ *** صْباحُ أَعْشَی إلی الدُّجی مَشْدُودُ(6)

یالِذُلِّ التّاریخِ أَنْ یَجْحَفَ الحقَّ *** ظَلُومٌ وَیَسْتَبِدَّ مُریدُ

حَسْبُ دُنْیا الزَّهْراء أَنَّ أَباها *** أحْمَدٌ وَ هْيَ سِرُّهُ المَحْمُودُ

حَسْبُها أَنْ تَکُونَ کُفْ ءَ عَلِیِّ *** وَ هْيَ لَولاهُ کُفؤها مَفقُودُ(7)

رَفَعَ اللَّهُ شأْنَهافَتَباهَتْ *** بِاسْمِهافي الجِنانِ حُورٌ وَ غِیدُ(8)

ص: 466


1- لشأو: (شأو) الغاية و الأمد.
2- مجهر: له معانٍ كثيرة أنسبها هنا حُسن المنظر.
3- حباه: أعطاه دون مقابل. إهاباً: هَيْبَةً.
4- شوطه: الجَرْيَ مرّة واحدة إلى الغاية. تلاحى: تلاعَن و تشاتم و تلاوم و تباغض و تنازع.
5- يتمادى: يدوم على الشيء و يلحّ.
6- نعق: صاح. أعشى: مَنْ ساء بصره بالليل و النهار أو أبصر بالنهار دون الليل.
7- ورد ذلك في بحار الأنوار ج43 ص92 ضمن ح3 عن علي علیه السلام قال: قال لي رسول الله صلی الله علیه وسلم: هبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمدصلی الله علیه وسلم إنَّ الله جلّ جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه.
8- عن دلائل الإمامة الطبري ص26 عن محمد بن عمار بن ياسر قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول لعلي علیه السلام يوم زوجه فاطمة علیها السلام: يا علي علیه السلام ارفع رأسك إلى السماء فانظر ما ترى»؟ فقال : أرى جواري مزينات معهن هدايا، قال: «فهي خدمك و خدم فاطمة علیها السلام في الجنة».

وَرِثَتْ طُهْرَ أَحْمَدٍ وَهُداهُ *** فَهْيَ مِنْ رُوحِهِ امْتدادٌ حَمِيدٌ(1)

فَلْذَةٌ مِنْهُ أَوْدَعَ اللَّهُ فيها *** كُلَّ ما فيهِ فَهيَ مِنْهُ وُجُودُ(2)

يا بْنَةَ الظُّهْرِ... يا جهاداً مَرِيراً *** خَذَلَتْهُ مَطامِعٌ وَ قُصُودُ(3)

إِنَّ حَقاً أُضِيعَ في غَمْرَةِ الفِتْنَةِ *** ما ضاعَ لَوْ رَعَتْهُ الشُّهُودُ

حَدَثٌ كان للسّياسةِ فِيهِ *** دَوْرُها لَوْ وَعى الأمينُ الرَّشيدُ

سَلْ بُطُونَ التّاريخِ عَنْ هَزَّة *** المأْساةِ يُنْبِيكَ حَقًّها المَنْشُودُ(4)

فَلَتاتٌ كانَتْ وَكَانَ حديث *** مُوجِعٌ يُلْهِبُ الأسى وَ يَزِيدُ(5)

أيُّ فَتْحٍ فَنِمْتُمُوهُ فَهَذِي فَدَكَ *** فَاهُنؤوا بها وَاسْتَزِيدُوا(6)

ص: 467


1- في كشف الغمة 457/1 في تفسير (إنما يريد الله ليذهب )نزلت في النبي صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين «صلوات الله عليهم »وورد عن صحيح الترمذي 319/2 بسنده عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلی اللهُ علیه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.
2- أمالي الصدوق ص393 عن النبي صلی الله علیه وسلم أنه قال: يا علي علیه السلام إن فاطمة علیها السلام بضعة مني و هي نور عيني و ثمرة فؤادي يسوؤني ما ساءها ويسرُّني ما سرها. و تقدم عن ذلك الكثير من المصادر.
3- ورد ذلك في كتاب سليم بن قيس ص25 في باب ما جرى بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم من أمر البيعة عن البراء بن عازب قال: لما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم تخوفت أن تتظاهر قريش على اخراج هذا الأمر من بني هاشم فلما صنع الناس ما صنعوا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فجعلت أتردد وآمق وجوه الناس وقد خلا الهاشميون برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الغسله و تحنيطه و قد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جملة أصحابه فلم أحفل بهم و علمت أنه لا يؤول إلى شيء.
4- راجع عن ذلك كتاب سليم بن قيس وارشاد القلوب و الاحتجاج و تاريخ الطبري، و أنساب الأشراف، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد و بحار الأنوار، و عوالم العلوم و غيرها من الموسوعات و الكتب التي كتبها المؤلفون في مظلومية الزهراء علیها السلام. و قد المحت إلى ما يغني اللبيب في موارد عديدة من الجزء الأول و الثاني فراجع.
5- عن كتاب سليم بن قيس ص109 زعموا أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لم يستخلف أحداً، و أنهم أقروا بالشورى، ثم أقروا أنهم لم يشاوروا، و أن بيعته كانت فلتة، و أي ذنب أعظم من الفلتة.
6- قال الهيثمي في مجمعه ج7 ص49 عن أبي سعيد قال:«وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» دعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً. و ذكر ذلك الذهبي في ميزان الاعتدال ج2 ص228 و في كنز العمال للمتقي الهندي ج2 ص158 عن أبي سعيد قال: لما نزلت «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام لك فدك.

وَ اسْتَدارتْ أمُّ الحُسَيْنِ وَ قَدْ *** جَكَ وَ رَيْقٌ مِنْ حِلْمِها مَنْكُودُ(1)

يَتَلَظَّى صَفْحَةُ المُروءاتِ وَ امتَدَّ *** أَصِيل على المدى مَرْصُودُ

سُلِبَ اللَّيْتُ فَاسْتُبِيحَ عَرِينٌ *** وَ انْطَوَى مَرْتَعٌ لَهُ مَعْدُودُ

كَيْفَ تَلْقَى طَلِيعَةَ الفَتْح يا ذُلَّ *** البطولاتِ كَيْفَ تُمْحَى العُهودُ؟

يَأْنَفُ الصَّيْدُ مِنْ مَنَاهَةِ دَرْبٍ *** لِلسُّرَى فيه ضَيْعَةٌ وَ شُرودُ(2)

عَشَرَ الشَّوْطُ بالكَمِيّ فَلاَ الشَّوْطُ *** حَميدٌ و لاالسُّرى مَحْمُودُ

وَ تَلاقَتْ بالمُرْزِحاتِ صُرُوفٌ *** كَبُرَتْ عَتْمَةٌ بها و رُعُودُ(3)

يا بنةَ الطّهْرِ إنْ يَكُنْ وَهَجُ *** الْمَأُساةِ أعْياكِ وَ النَّصِيرُ قَصِيدُ(4)

وَ أَذابَ الشَّباب من عُودِكِ *** الغَضِّ صِراعٌ مُرٌّ وَ خَطبٌ شَدِيدُ

فَضَمِيرُ التّاريخِ حُرٌّ وإنْ لَوَّحَ *** بالرَّيْبِ شانِيءٌ و عَنُودُ(5)

باسْمِكِ الفَذْ يَهْيَفُ الحَقُّ في *** الأجيالِ وَ لْيَلْعَقِ التُّرابَ حَسُودُ

كَيْفَ يَخْفَى الضُّحى على قِمَمِ المَجْدِ *** فَلَنْ يُريكِ الرُّؤى ترديدُ

إن بيتاً حَواكِ عَرْشٌ مِنَ المجدِ *** رَفِيعٌ بِهِ الهُدى مَشْدُودُ

حَرَمٌ تَعلَّقُ المَلائِكُ... فيه *** فَنُزُولٌ في رَحْبِهِ وَ صُعُودُ(6)

ص: 468


1- وُرَيْق: تصغير ورق أي ورقة صغيرة. منكود: ألح عليه.
2- يأنف: يتنزه عنه و يكرهه متاهة درب: طريق و مسير يتيه و يضيع فيه الإنسان.
3- المرزحات: الأمور التي تضعف و تذهب ما في اليد صروف: نوائب و مصائب.
4- وهج: لهب. أعياك: أضعفك أو أتعبك.
5- شانيء: مبغض.
6- نقلت من كتاب المجالس السنية 134/5.

(37) فقد الهادي

(بحر الكامل)

الشيخ محمد حسن دكسن(*)(1)

عُجْ بِالنِّياقِ لِيَشْرِب يا حادِي *** نَبْكِ الْأُولى مِنْ أَهْلِ ذاكَ النَّادِي

حَتَّى إذا ما جِئْتَ غَرْبِيَّ الحِمَى *** أيخ النياق فَسَلْ أُهَيْلَ الوادي

ص: 469


1- (*) هو الشيخ محمد حسن بن عيسى بن مال الله بن طاهر الأسدي البصري الملقب ب_ (دکسن). و عن سبب تلقيبه ب_ (الدكسن) سئل المترجَم له فقال: كنت قصير القامة جهوري الصوت شبَّهني الناس بالبندقية المعروفة ب_ (الدكسن) لامتيازها بالقصر و قوة الصوت. ولد في النجف الأشرف سنة (1296ه)، و نشأ بها على أبيه و درس المقدمات، و أخذ الخطابة عن الشيخ علي المعروف ب_ (ابن عيّاش) فكان من ألمع تلاميذه، فنال شهرة واسعة في الخطابة و توالى عليه الطلب في البصرة و خوزستان من جنوب إيران للخطابة هناك، فكان له الدور المميز في احياء مأتم سيد الشهداء علیه السلام و لمنبر المترجَم له مسحة من قبول، فلا يكاد يخطب و يتخلص للمصيبة حتى تجري دمعته. و هو يقرأ القصائد الطوال في رثاء الحسين علیه السلام و أكثر ما يقرأ مراثي شاعر أهل البيت عليهم السلام الحاج هاشم الكعبي. أما أساتذته في الدراسة فهم 1- العلامة السيد مهدي البحراني في النحو و المنطق، 2- العلامة السيد محمد علي الصائغ في الفقه 3- العلامة الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء في معالم الأصول، 4- العلامة الشيخ نعمة الله الدامغاني في الاسفار و الحكمة، مضافاً إلى انضمامه إلى حوزة المجتهد الكبير الشيخ علي الشيخ باقر الجواهري. و للمترجَم له آثار علمية منها 1- شرح الصحيفة السجادية، 2- الروضة الدكسنية، و هو ديوانه باللغة الدارجة و جميع قصائده في رثاء أهل البيت علیهم السلام. و له ديوان باللغة الفصحى أيضاً. توفاه اللَّه في قرية الدعيجي من محافظة البصرة سنة 1368ه و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف و دفن بها، و أرّخ وفاته الخطيب الشيخ علي البازي قائلاً: (ومنبر السبط بکی تاریخه *** لما توفي الخطيب الحسن)

وَ اذْرِ الدُّموعَ وَ خَلْنِي وَ لَواعِجِي *** وَ حُشاشتي وَ زَفِيرِها الوَقَادِ(1)

يا أَهْلَ هذا الحي أينَ تَرَحْلُوا *** أَهْلُوه عَنْهُ وَ كَعْبَةِ الوَفَادِ

ما لي أَرَى الدّارَ التي قَدْ أَشْرَقَتْ *** بِالْبِشر دَهْراً جُلْبِبَتْ بِسَوادِ

فَأَجَابَ بِالدَّمْع الْهَطُولِ لِحَادثٍ *** أهلُ الحِمى وَ بِنَفْنَةِ الْأَكْبَادِ

فإلَيْكَ عَنِّي لاتَسَلْ عَمَّا جَرَى *** فَالْأَمْرُ صَعْبُ وَ الخُطُوبُ عَوادِي(2)

وَ أَمَضُ ما لاقى الحِمَى يَوْمُ بهِ *** طَرَقَتْهُ طارقةُ النَّوى بِالهادِي

ما مَرَّ يَوْمٌ مِثْلُ يَوْمٍ مُحَمَّدٍ *** أَشْجَى الْأَنَامَ أَسَى إِلَى الْمِيعَادِ

يَوْمٌ بهِ جِبْرِيلُ أَعْلَنَ قَائِلاً *** اللَّه أكبرُ وَ الدُّموعُ بِوَادِي

وَيْحَ الزَّمانِ وَ يَا لَهُ مِنْ غَادِرٍ *** أَبْكَى الأَمِينَ وَفَتَّ بِالْأَعْضَادِ

(وَ أَمَضُّ شيءٍ فِي الْحَشَى صَدَعَ الْحَشَا *** صَوْتُ البَتُولَةِ مِنْ حَتَّى وَقَادِ)(3)

(أبْتَاهُ مَنْ لى بعدَ فَقَدِكَ سَلْوَةٌ *** فَلَأَبْكِيَنَّكَ يَقْظَتِي وَ رُقادِي)

(كَيْف اصْطِبَاري أَنْ أراكَ مُفارقي *** فَالعَيْنُ عَبْرَى وَ الأسَى بِفُؤَادِي)(4)

(لم أَدْرِ أَيُّ رَزِيَّةٍ أَبْكِي لها *** أَلِغَصْبٍ حَتَّى أَمْ لِفَقَدِ الهَادِي)(5)

(اللَّهُ أَكْبَرُ يا لَها مِنْ فَجْعَةٍ *** قامَتْ نَوَادِبُها بِسَبْعَ شِدادِ)(6)

ص: 470


1- لواعجي: جمع اللاعج و هو الهوى المحرق حشاشتي: أي بقية روحي و الحشاشة: بقية الروح في المريض أو الجريح.
2- عوادي: صوارف وعوائق.
3- أمض: آلم و أجرح و أحرق.
4- يشير الشاعر في الأبيات الثلاثة إلى بكاء الزهراء علیها السلام على أبيها صلي الله علیه و آله و سلم. و قد جاء ذلك في مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص119 و ص322 كما في كتاب عوالم العلوم ج2 ص787.
5- يشير إلى ما مرَّ من غصب حق الزهراء علیها السلام من قبل أبي بكر كما جاء في عوالم العلوم ج2 / 11 ص626 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300 و مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و ص13.
6- أدب الطف ج9 ص329.

(38) زينة عرش اللَّه

(بحر الطويل)

الشيخ محمد حسن سميسم(*)(1)

بِفاطِمَ بِنْتِ المُصْطَفَى الظُّهْرِ أَحْمَدا *** أَرُدُّ الرَّدَى قَسْراً بِقَارِعَةِ الرَّدى(2)

بها مَوْثِقُ الأَقْدارِ قَدْ عَادَ مُطلَقاً *** وَ إنْ كانَ في قَيْدِ الْمَنايا مُقَيَّدا(3)

تُلَبِّي الصَّرِيخَ المُسْتَغِيثَ إذا دعا *** بِعِصْمَتِها مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرْجِعَ الصَّدَى

بها و أبيها ضُرُّ أيُّوبَ قَدْ غَدا *** سُرُوراً وَ لَوْلاها لما انْفَكَ سَرْمَدا(4)

وَ فِيها خَلِيلُ اللَّهِ مِنْ نارِهِ نَجَا *** كَذاكَ ذَبِيحُ اللَّهِ مِنْ شَفْرَةِ الْمُدى(5)

وَ رَابِطَةٌ أُمّ الكَلِيم فُؤادَها *** إذا مَا ابْنُهَا خَافَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعِدا(6)

وَ مُؤنِسَةٌ أُمّ النَّبِيحِ بِقَفْرِها *** وَ عَائِدَةٌ أُمّ المسيح مِنَ الرَّدَى(7)

وَ مُرْجِعَةٌ مُوسَى إِلَى ثَدْيِ أُمِّهِ *** وَ مُثْلِجَةٌ قَلْبَ الذَّبِيحِ مِنَ الصَّدَى(8)

ص: 471


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- الردى: الهلاك. القسر: القهر، و ذلك من أقوالهم: قسره على الأمر قسراً: قهره و أكرهه: عليه القارعة: الداهية و النكبة المهلكة.
3- الموثق: العهد.
4- السّرمد: الدائم.
5- و ذبيح الله: هو نبي الله اسماعيل علیه السلام و قصته مشهورة لاتحتاج إلى تعقيب و شرح، الشفرة: هي حد السيف و السكين و غيرهما المُدى: جمع مدية و هي الشفرة الكبيرة.
6- و أم الكليم: هي أم موسى علیه السلام و قد ذكر القرآن قصتها مع ولدها موسى علیه السلام.
7- أم الذبيح: هي هاجر أم إسماعيل علیه السلام، القفر: الخلاء من الارض لاماء به ولانبات و أشار بذلك إلى وصول هاجر و ابنها مع رسول الله إبراهيم علیه السلام أرض مكة و أم المسيح هي مريم العذراء سلام الله علیها.
8- الصدى: العطش الشديد.

وَ مُنْقِذَةٌ ذا النُّونِ بَعْدَ ابْتِلاعِهِ *** وَجَدَّكِ مِنْ ذَبْحِ التَّقَرُّبِ بِالغَدا(1)

فَلَيْسَ لنا إلآكِ يا بْنَةَ أحمدِ *** إذا صَوَّبَ المَقْدورُ فينا وَ صَعَّدا(2)

سُئِلْنا بِكِ القُرْبَى فَلَبَّتْ قُلو*** لِسائِلِها قَبْلَ اللّسانِ تَوَدُّدا(3)

وَ هَا أَنَا ذا أَرْجُو أباكِ مُحَمَّداً *** وَ مَا خَابَ مَنْ يَرْجُو أباكِ مُحَمَّدا

يُبَلِّغُكِ عني إذا ما سَأَلْتُكِ *** شِفَاءَ عَلِيلٍ باتَ يَشْكُو مُوَسَّدا

أَلَسْتِ الّتي أَنْجَيْتِ نُوحاً وَ فُلْكَه *** إذا البَحْرُ مِنْ تَنُّورِه فَارَ مُزبدا(4)

أَلَنْتِ لِدّاودَ الحَدِيدَ وَ شِبْلَهُ *** سُليمانَ سَخَّرْتِ لَه الرِّيحَ سَرْمَدا

وَ هَدَّ قِوَى بلقيس مِنْكِ فَأَسْلَمَتْ *** وَ لَمْ تَرَ مَكْتُوباً وَلَمْ تَرَ هُدْهُدا(5)

لذا كَشَفَتْ عَنْ ساقِها ما فاضَلَ الرِدًا *** غَداةَ رَأَتْ كَاللُّجْ صَرْحاً مُمَرَّدا(6)

وَ نَجَّيْتِ رُوحَ اللَّهِ مِنْ مَكْرِ مَعْشَرٍ *** عَلَيْهِ تَعادَوْا إِذْ أرادوا بِهِ الرَّدى(7)

وَ بِاسمِكِ أحيا الميّتِينَ وَ قَدْ شَفَى *** ذَوِي العَاهَةِ العُظْمَى وَ بِاسْمِكِ مَجّدا

ص: 472


1- و ذا النون: و هو نبي الله يونس علیه السلام الذي ابتلعه الحوت و قصته ذكرت في القرآن الكريم، و أشار بقوله «وجدّك...» إلى قصة عبد الله بن عبد المطلب والد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم التي ذكرتها كتب السِيَر وما جرى له مع ولده عندما رام ذبحه ايفاء لنذره. الغدا: مصدر: غدى يغدي و الغدو: مصدر: غدا يغدو، و هو أول النهار أو بين الطلوعين.
2- صعد: اشتدّ، و شدّد، و ذلك من قولهم: صعد فيه النظر: أي شدد بأن تأمله ناظراً إلى أعلاه، و أسفله و أصعد في العدو اشتد.
3- و أشار بقوله «سُئلنا بك القربى» إلى قوله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» التي ينص المفسرين على نزولها بحق أهل البيت التودد التحبب من قولهم تودد إليه، أي تحبب.
4- مُزبدا: هي صفة لما قبلها يقولون هذا البحر مزبد: أي هائج يقذف بالزبد و الزبد: ما يعلو الماء و نحوه من الرغوة.
5- أشار في هذا البيت إلى قصة بلقيس مع النبي سليمان و هي قصة مشهورة ذكرت في القرآن.
6- اللُّج: معظم الماء والتّج البحر: اضطرب و هاج و غمر. الصرح: القصر و كل بناء عال. ممرَّد: مصقول أملس من قولهم: مدّد البناء: سواه و ملسه و طوله فهو ممرّد.
7- أشار إلى نجاة عيسى من المكر و عروجه إلى السماء بأمر.

وَ فِيكِ ارْتَقَى إِدرِيسُ أَرْفَعَ مَوْضِعٍ *** وَ لَوْلاكِ ما خَرَّ المَلائِكُ سُجَّدا

أزِينَةَ عَرْشِ اللَّهِ فِيكِ اهْتِداؤُنَا *** وَ لَوْلاكِ لَمْ تُهْدَ الأنامُ إِلَى الهُدَى

رَجَوْتُكِ لِلْجُلّى وَ كُلِّ مُلِمَّةٍ *** تَلُم بنا فِي الدَّهْرِ مِنْ مَعْشَرِ العِدا(1)

وَ سَمَاكِ في الذِّكْرِ المُهَيْمِنُ رِفْعَةً *** لِشَانِكِ بالوُسْطَى وَ بِالحِفْظِ أَكَّدا(2)

كَذَاكَ أَبُوكِ الظُّهْرُ مَا زَالَ مُوصِياً *** بِحِفْظِكِ يا رُوحَ النَّبِيِّ مُؤكِّدا

فَاسْمَعَ كُلَّ الخَلْقِ شَرْقاً و مَغْرباً *** نِداه و أَبْداء جِهاراً وَ أَشْهَدا(3)

ألا أيها النّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ فاطِماً *** فُؤادِي فلاتَشْقَوْا بها، فَهِيَ الهُدَى

وَ رَیْحانَتِي مِنْ جَنَّةِ الْخُلْدِ لم أزلْ *** أشُمُّ بها رِيحَ الجِنانِ فَأَخْلُدا(4)

فَوَيْلٌ لِمَنْ قَدْ ساءَهَا بَعْدَ فَقْدِهِ *** و هَدَّ مِنَ الإسلام مَا قَدْ تَوطَّدا(5)(6)

ص: 473


1- الجلّى: و هي مؤنث الأجلّ: الأمر العظيم و الأمر الشديد أو الخطب الشديد الملمة: النازلة الشديدة من نوازل الدنيا.
2- أشار إلى ما أفاده صاحب تفسير البرهان في تفسيره «وحافظوا على الصلوات» و هو أنها نزلت في حق أهل البيت و الزهراء علیهم السلام و هو أحد وجوه التفسير -طبعة حجرية.
3- أشار إلى بعض الأحاديث التي قالها الرسول صلي الله علیه و آله و سلم في حق فاطمة علیها السلام و منها قوله: «إن فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني أو قوله لله وهو آخذ بيد فاطمة علیها السلام «من عرف هذه فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و هي بضعة مني و هي قلبي وهي روحي التي بين جنبي من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله و غيره كثير من الأحاديث.
4- إشارة إلى ما روي في مستدرك الصحيحين ج3 ص156 روی بسنده عن سعد بن مالک قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أتاني جبريل (عليه الصلاة و السلام) بسفرجلة من الجنة فأكلتها فعلقت خديجة بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ليلة أسري بي فاطمة علیها السلام.»
5- توطد: من وطد و هي بمعنى وطد يطدُ: الشيء قواه و أثبته و ثقله.
6- دیوان سحر البيان وسحر الجنان ص161.

(39) أشرقت الدنيا

(بحر الرمل)

السيد محمد حسن الشخص(*)(1)

ص: 474


1- (*) هو السيد محمد حسن ابن السيد أحمد ابن السيد علي ابن السيد أحمد بن ابراهيم بن رضي بن ابراهيم بن علي بن محمد ابن السيد علي الشخص -جد الاسرة- و ينتهي نسبه إلى الامام موسى بن جعفر علیه السلام. ولد في النجف الأشرف سنة (1336ه). و أسرة آل الشخص من أقدم الاسر الاحسائية التي لها مكانتها المرموقة، و هذه الاسرة الكريمة هاجرت إلى عدة أقطار و استوطنتها و منها اسرة المترجَم له حيث جاورت مرقد سيد الأوصياء أمير المؤمنين في النجف الأشرف. و من هذه الاسرة تخرّج عدد كبير من العلماء و الخطباء و الشعراء الذين كانت لهم مكانتهم الرفيعة، و من بين هؤلاء نبغ الفقيه السيد محمدباقر الشخص الذي كان من ألمع أساتذة الفقه و الأصول في حوزة النجف الأشرف، و كان جد المترجَم له السيد علي الشخص عابداً و رعاً تقياً حتى اشتهر بحمامة الحرم الحيدري لكثرة ملازمته و حضوره فيه للعبادة و التهجد. و المترجَم له نشأ و ترعرع في ظل أسرته، و أخذ دروسه في النحو و الفقه و المنطق على يد أفاضل الحوزة العلمية في النجف الأشرف ومنهم العلامة الجليل الشيخ كاظم الهجري. ثم إنه مارس الخطابة، فقد أخذ فنون الخطابة وأصولها على خطيبين شهيرين هما المرحوم الشيخ محمد حسن دكسن و الخطيب المرحوم السيد صالح الحلي الذي لازمه ملازمة وثيقة واستفاد منه حتى برع وتخصص بفن الخطابة ونال شهرة واسعة. و يصفه الخطيب السيد داخل حسن في معجم الخطباء قائلاً (بطل من أبطال المنبر و علم من أعلام الخطابة ذائع الصيت، لامع الاسم، واسع الشهرة، عظيم الخبرة، أحاديثه منمقة، و مواضيعه محققة، يطغى عليها الجانب التقليدي للتاريخ ولكنه يُشبع الموضوع الذي يريد طرحه استقصاء و تتبعاً و يحيط بأبعاده و شواهده، ويلم بأطرافه بمهارة الاستاذ و مقدرة الخطيب الخبير، ثم يطعمه بنكتة لاذعة أو عبارة رائعة أو التفاتة بارعة يشد بها انتباه الجمهور، ويلفت أنظار الحضور، و للمترجم له آثار علمية بين مطبوع ومخطوط منها: 1-كتاب ذكرى السيد ناصر الاحسائي. 2-كتاب هداية العباد إلى الحق و الرشاد -في أصول الدين- للشيخ محمد بن عبدالله العيثان. 3-كتاب ذكرى السيد ماجد العوامي. 4-كتاب وقائع الأيام. وافته المنية ولبى نداء ربه في المدينة المنوّرة و هو قاصد وزائر قبر جده رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أئمة البقيع علیهم السلام و ذلك في الثالث من شهر ربيع الأول سنة (1408ه) و دفن في جنة البقيع في ظلال روضة الأئمة، و إلى جانب المراقد المهدومة لأربعة من أئمة الهدى الامام الحسن المجتبى و الامام زین العابدين و الامام محمد الباقر و الامام جعفر الصادق علیهم السلام وثوى في مرقده ورقد في مثواه الأخير راضياً مرضياً. و قد تحققت له أمنية طالما راودته في ان يدفن بأرض من الأراضي المقدّسة، فهنيئاً له الرقاد بجوار سادة العباد علیه السلام.

هَلَّلَ السَّعْدُ بِيَوْمِ المَوْلِدِ *** فَاهْزجِي يا نَفْسُ بُشراً وَاسْعَدِي

وَ اخْطرِي زَهْواً لِأَعْرَاسِ الهَنا *** وَ ابْنِي فَوقَ الشَّمْسِ مَجْدَ المَحْتِدِ(1)

وَ تَعالَيْ نَعْزِفِ اللَّحْنَ عَلى *** مَوْلِدِ الظهْرِ وَ طُهْرِ المَوْلدِ

فاطِمُ أَشْرَقَتِ الدُّنيا بها *** فَسَناهَا قَبَسٌ مِنْ أَحْمَدِ

إنَّهُ يومٌ تَعالى صَرْحُهُ *** فَتَسامَى فَوْقَ هام الفَرْقَدِ

وَ ارْدَهَى الحَفْلُ بذكراها وَقَد *** عَمَنَا البشرُ بلُطفِ المَوْلِدِ

و تَحَشَتْ فيهِ أنفَاسُ الهُدَى *** تُنْعِسُ العُلَّةَ مِنْ ظام صَدِي(2)

مَوْلِدٌ َفاخَرَتِ الدُّنيا بهِ *** نُورُهُ مَزَّقَ عَيْنَ الْحُسَّدِ

هذه فاطِمَةٌ قَدْ وُلِدَتْ *** وَ بِهَا يَبْيَضَ وَجْهُ المُهْتَدِي

مَنْ أَبُوها؟ زرَعَ الأرضَ مُنِّى *** فَنَمتْ خَیْراً بِکَفِّ المُنْجِدِ

مَنْ أبوها؟ أَنْقَذَ النَّاسَ مِنَ *** الجَهْلِ وَ الظُّلْمِ وَسَوْطِ المُعْتَدِي

مَنْ أبوها؟ رَفَعَ الدُّنيا عُلاً *** وَ شُموخاً فَازْدَهَتْ في سُؤدَدِ

ص: 475


1- زهواً: فخراً.
2- تحشّت: انقطعت. الغلة: العطش الشديد.

مَنْ أبوها؟ نَشَرَ العَدْلَ عَلى *** أُمَّةٍ مَاجَتْ بِظُلْمٍ مُجْهِدِ

مَنْ أبوها؟ وَحدَ النَّاسَ فلا *** فارق في أبيض أو أسْوَدِ

***

یابْنَةَ الظُّهْرِ وَ هُذي لَيْلَةٌ *** شُرِّفَتْ فِيكِ وَأَعْلَتْ مَقْصَدِيْ

وَإِذا طَرَّزَ شِعْرِي ذِكْرُكُمْ *** وَ سَمَتْ أبياتُهُ في مَوْرِدِ

حُبُّ آلِ البَيْتِ عُنْوانُ الهُدَى *** وَ لَقَدْ غُدِّيتُهُ مِن مَولِدِي

أيُّها اللائِمُ مَهْلاً أنا مِنْ *** شيعَةٍ حُبُّ الهُدى مُعْتَقَدِي

كَمْ نُوالي الطُّهْرَ عَن عاطِفَةٍ *** فَجَّرَتْ فِينَا وِلاءَ المُفْتَدِي(1)

فَلَقَد عَرَّفَها اللَّهُ لَنا *** في كتابٍ مُنْزَلٍ مُعْتَمَدِ

قُلْ لِمَنْ أَعْرَضَ عَن رَوْض الوِلا *** وَ أَدَارَ الْوَجْهَ شَطْرَ الفَرْقَدِ

وَ نَأَى عَنْ حُبِّ آلِ المُصْطَفَى *** خَصَّهُ اللَّهُ بِذِكْرِ مُفْرَدِ

لاتَخَلْ شِرْعَةً طه بِدْعَةً *** إِنّها مِن لُطفِ رَبِّ أَوْحَدِ

و رَسُولُ الله مِنْ أَنْوارِهِ *** وَ عَلِيّاً ذاكَ مَجْدُ المُهْتَدِي

وَ سَنا السَّبْطَيْنِ سِرٌّ رائِعٌ *** في ضَمِيرِ الكَوْنِ عِندَ المَوْعِدِ

رَفَعَ اللَّهُ لَهُمْ ذِكرى وَ قَد *** تَحْمُدُ الدُّنيا وَ لمَّا يَخُمُدِ

***

أيُّها الطُّهْرُ وَهذِي أُمَّتِي *** عَصَفَتْ فيها رِياحُ المُجْحِدِ

هذهِ صَهيُونُ رَاحَتْ تَبْتَنِي *** دَوْلَةَ البَغْيِ بِأَعْلَى مَشْهَدِ

ص: 476


1- البيت إشارة إلى ما ورد في ذخائر العقبى ص25 قال: عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23]. قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. رواه الهيثمي أيضاً في مجمعه ج7 / 103 ج9 / 168 نقلاً عن اليعقوبي في تفسيره.

وَ لَها في كُلِّ يَومِ غارَةٌ *** فَوْقَ (لُبْنانَ) وَ لَامِنْ مُنْجِدِ

أيْنَ سيناءُ وَجَوْلانُ وَ قَدْ *** رَاحَتِ الأحزانُ تَفْرِي كَبِدِي

أُمَّتي يا أُمَّةَ المَجْدِ انْهَضِي *** وَ اقْحَمِي لِلثّارِ جَمْرَ المَوْقِدِ

لاتَقُولِي مَلَكَ الأرْضَ العِدا *** إِنَّهَا مُلْكُ الجَسُورِ السَيِّدِ

وَ اصْنَعِي للنَّصْرِ أَعْراسَ الفِدا *** إنّ يَوْمَ الثَّأْرِ عِزُّ المَقْصَدِ(1)

ص: 477


1- تاريخ النظم 20/ جمادى الثانية/ 1406 ه_.

(40) مباركة ميمونة

(بحر الطويل)

السيد محمد الحسيني الشيرازي(*)(1)

ألا أَبْشِرُوا فَالْيَوْمُ أَزْهَرُ أَمْجَدُ *** بهِ الْعَيْشُ بِالْأَفْرَاح وَ اليُمْنِ أَرْغَدُ(2)

تَبَدّى جَلالُ اللَّهِ فِي الكَوْنِ عَمَّةً *** غَدا منهُ كُلُّ الكَوْنِ للَّهِ يَسْجُدُ

وَ عَمَّ الْوَرى بُشْرَى وَ لَفَّهُمُ السَّنا *** فَكُلُّ الْوَرى في أَفْضَلِ الحالِ يَسْعَدُ

لَقَدْ قَرُبَ الميلاد مِنْ بنتِ أَحْمدٍ *** فَبُورِكَ مِنْ يَوْمٍ و بُورِكَ مَوْلِدُ

وَ قَدْ جاءَتِ البُشْرَى بِأَنَّ البَتُولةَ *** الزَكِيَّةَ في خَيْرِ البِقاعِ سَتُولَدُ

وَ حينَ وَلادِ الْخَيْرِ أُنْزِلْنَ نِسْوَةٌ *** حَفَفْنَ بِأُمِّ الطُّهْرِ وَالكُل تُمْجِدُ(3)

فَفَاطِمَةُ الزَّهراءُ جَاءَتْ إِلَى الدُّنَا *** مُبَارَكَةً مَيْمُونَةٌ حَيْثُ تُوجَدُ(4)

***

ص: 478


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- أرغد: رَغد العيشُ: طاب واتسع.
3- في هذا البيت إشارة إلى نزول النسوة من الجنة حين ولادة خديجة علیها السلام. ففي البحار ج43 ص2-3 ج1 قال: فلم تزل خديجة علیها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش و بني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها: أنت عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمداً صلي الله علیه و آله و سلم يتيم أبي طالب علیه السلام فقيراً لامال له فلسنا نجيء و لانلي من أمرك شيئا فاغتمت خديجة علیها السلام علي لذلك فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهنَّ من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهن: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها و أخرى عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة. و راجع دلائل الإمامة ص8 أيضاً.
4- إشارة إلى ما جاء في البحار ج43 ص22 ح14 من كون الزهراء علیها السلام مباركة. عن سلمان قال: قرأت في الإنجيل في وصف النبي صلي الله علیه و آله و سلم ذو النسل القليل إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لاصخب فيه و لانصب يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك... إلخ.

خَديجَةُ أُمِّ لِلْبَئُولِ شَرِيفَةٌ *** وَ وَالِدُها خَيْرُ النَّبِيِّينَ أَحْمَدُ

عَلِيُّ لها زَوْجُ وَ أَعْظِمْ بِمِثْلِهِ *** فَتَى مِنْ إله الكائناتِ يُؤَيَّدُ

فَأَكْرِمْ بِها زَوْجاً لِأَفْضَلِ سَيْدٍ *** وَ أَبْناؤُها كُلُّ إِلَى الخَيْرِ مُرْشِدُ

أئِمَّةُ حَقٌّ أَوْصِياءُ مُحَمَّدٍ *** كَرِيمٌ لَهُمْ أصْلٌ وَ فَرْعٌ وَ مَحْتَدُ(1)

زَكِيٌّ شَهِيدٌ ثُمَّ سَجَادُ باقِرٌ *** وَ جَعْفَرُ مَنْ لِلْمَذْهَبِ الحَقِّ يُرْشِدُ

وَ كَاظِمُ موسى وَالرّضا الطُّهرُ وَ ابْنُهُ *** الجَوَادُ الذي لِلدِّينِ وَالخَيْرِ مَوْرِدُ

وَ عاشِرُهُمْ هادِي الأنام مِنَ الْعَمى *** وَ ثُمَّ الإمامُ العَسْكَرِيُّ المُسَدَّدُ

وَ آخِرُهُمْ مَنْ يَمْلَأُ الْأَرْضَ كُلَّهَا *** مِنَ الْعَدْلِ مَهْدِيُّ الأنام مُحَمَّدُ

فَلَوْلاهُمُ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقَهُ *** وَ لَمْ تَكُنِ الدّنيا وَ لَمْ يَكُ مَوْعِدُ

***

لها جُمِعَتْ كُلُّ الفِخارِ فَبَيْتُها *** مَشَعُ الهُدَى لِلْعِلْمِ وَ الْفَضْلِ مَعْهَدُ

وَ أَسْماؤُها صِدِّيقَةٌ وَبَتُولَةٌ *** و فاطمُ إِذْ باباً مِنَ النَّارِ تُوصِدُ(2)

ص: 479


1- محتد: أصل.
2- إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام فاطمة صديقة. ففي البحار ج43 ص105 ح19: «عن أبي عبدالله علیه السلام قال: إن الله تبارك و تعالى أمهر فاطمة علیها السلام ربع الدنيا فربَّعها لها و أمهرها الجنة و النار تدخل أعداءها النار و تدخل أولياءها الجنة و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى». و في مرآة العقول ج5 ص315. «عن محمد بن يحيى عن العمركي بن علي عن علي بن جعفر عن أخيه عن أبي الحسن علي علیه السلام قال: «إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة». في كتاب ينابيع المودة للقندوزي ص260 ط اسلامبول قال: «عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم انما سمّيت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتّلت من الحيض و النفاس إلخ. و في المناقب المرتضوية للكشفي الحنفي ص119 ط بمبي في حديث عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: وسمّيت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت و تقطعت عمّا هو معتاد العورات في كل شهر و لأنها ترجع كل ليلة بكراً، و سميت مريم علیها السلام بتولاً لأنها ولدت عيسى علیه السلام بكراً». و قال ابن الأثير: و امرأة بتول: منقطعة عن الرجال لاشهوة لها فيهم و بها سميت مريم علیها السلام المسيح و سمّيت فاطمة علیها السلام «البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً و قيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله «تعالى». كتاب النهاية مادة بتل. و أما علة تسميتها بفاطمة فقد جاء في كتاب البحار ج43 ص13 ح5 عن أبي هريرة قال: «إنما سمّيت فاطمة علیها السلام فاطمة لأن الله «عزوجل» فطم من أحبها من النار» و في الجزء نفسه ص12. «عن المنصور عن أبيه عن جده قال: قال ابن عباس لمعاوية أتدري لم سميت فاطمة علیها السلام فاطمة؟ قال: لا، قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله».

وَ قَدْ طَهُرَتْ عَنْ كُلِّ رِجْسٍ وَمَأْثَمِ *** وَ فِي طُهْرِها رَبُّ السَّماواتِ يَشْهَدُ(1)

فَسَلْ آيَة التَّطْهِيرِ عَنْها وَ كَوْثراً *** و فيها ابْتِهالٌ لِلنَّصَارَى يُسَدِّدُ(2)

وَ فِي شَأْنها جِبْرِيلُ جَاءَ بِهَلْ أتى *** فَقَدْ أَطْعَمَتْ في اللهِ مَنْ جَاءَ يَنْجُدُ(3)

ص: 480


1- إشارة إلى الآية المباركة من سورة الأحزاب: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب الآية : 33] حيث إنها نزلت في الخمسة أصحاب الكساء: النبي صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و قد مر ذلك في بائية الإحسائي عن صحيح الترمذي ج2 ص209، و الطحاوي في مشكل الآثار ج1 ص335، و ابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12، نقلاً عن كتاب فضائل الخمسة عن الصحاح الستة ج1 ص271، و جاء ضمن حديث الكساء المروي في كتاب عوالم العلوم ج2 ص993.
2- في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام هي الكوثر، قال الفخر الرازي في التفسير الكبير ج32 ص124: «و القول الثالث: الكوثر أولاده يعني النبي صلى الله عليه و آله و سلم -قالوا إن هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه بعدم الأولاد فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان. إلخ». أما الابتهال فقد جاء في مسند أحمد بن حنبل ج1 ص185 قال: ولما نزلت هذه الآية «ندع أبناءنا و أبناءكم» [سورة آل عمران الآية : 61] دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علياً و فاطمة وحسناً وحسيناً رضوان الله عليهم أجمعين فقال: «اللهم هؤلاء أهلي». و في سنن الترمذي ج5 ص638 قال: أنزلت هذه الآية: «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» الآية دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام فقال: اللهم هؤلاء أهلي».
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول سورة هل أتى في فاطمة علیها السلام ففي كتاب تفسير الدر المنثور ج6 ص299 قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ» [سورة الإنسان آية ] قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب و فاطمة علیهما السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و ذكره ابن الأثير الجزري في أسد الغابة ج5 ص530 . و الواحدي في كتاب أسباب النزول ص331 و المحب الطبري في الرياض النضرة ج2 ص227، و الشبلنجي في نور الأبصار ص102، نقلاً عن كتاب فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج1 ص301-305.

أَلا يا شَبابَ المُسْلِمِينَ تَيَقَّظُوا *** فَفِي الْأُفْقِ سُحْبِّ بِالْأَصَالِيلِ تُرْعِدُ

بِلادُكُمُ مَخْطُورَةٌ مُحْدِقٌ بِهَا *** الْبَلايا فَمُ الْأَقْوَامِ فاغِرُ(1) يُزبِدُ(2)

يَسِيلُ لُعابُ الكُفْرِ مِنْ أَجْلِ ثَرْوَةٍ *** حَبَاكُمْ بِهَا رَبِّ كَرِيمٌ مُمَجَّدُ

فَذَا الغَرْبُ لايَبْغِي سِوى سَلْبِ خَيْرِكُمْ *** وَ ذَا الشَّرْقُ فِي أَوْطَانِكُمْ لَيُعَرْبِدُ

فَذا مُلْحِدٌ يَدْعُو إلى شَرِّ مَبْدَا *** وَ ذَاكَ صَلِيبِيُّ يَعِيثُ وَيُفْسِدُ

وَ أَمْسِ قَدِ احْتُلَّتْ فِلِسْطِينُ عَنْوَةً *** وَ سِينَا وَ جَوْلانٌ وَ قُدْسٌ وَ مَسْجِدُ

وَ مِنْ بَعْدِ ذاكُمْ قِمَّةٌ بَيْنَ ذا وذا *** لإِذْلالِكُم فِي مَغْرِبِ الأَرْضِ تُعْقَدُ

فَلاَ لَكُمُ في الغرب أَيُّ صَداقَةٍ *** و لا لَكُمُ في مَشْرِقِ الأَرْضِ مُنْجِدُ

وَ لَيْسَ لَكُمْ مِنْ مَلْجَةٍ غَيْرَ دِينِكُمْ *** وَ يُنْقِدُكُمْ صَف قَويٌّ مُوَحَّدُ(3)

ص: 481


1- فاغر: منفتح
2- يزبد: يقذف بالزبد و بحر يزبد أي هائج يقذف بالزبد.
3- نظمت سنة (1392ه) في ميلاد الزهراء علیها السلام الكويت.

(41) آية التطهير

(بحر البسيط)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

لما أحاطَتْ بِيَ الأهوال شاخِصَةً *** أَنْظارُها الشَّزْرُ نَحْوِي كُلَّ مِرْصَادِ(2)

وَ قَدْ بَقِيتُ وَحِيداً في مَراتِعِها *** مُشَرَّدَ الدّارِ عَنْ أهلِ وَ أَوْلادِ

وَ لَمْ أَجِدُ مِنْ حُطام الدَّهْرِ باقِيَةً *** أَسُدُّ دَيْنِي بِها فَكَاً لأصفادِي

نادَيْتُ ثُمَّ رَسُولَ اللَّهِ يَشْفَعُ لِي *** إِنَّ الشَّفاعَةَ قَدْ نِبطَتْ بِأَجدادي(3)

أولك آل رَسُولِ اللَّهِ يَتْبَعُهُمْ *** أئِمَّةُ الحَقِّ مِنْ ذُريَّةِ الهادي

هُوَ الحَبِيبُ فَلَوْ قَدْ شَاءَ يَشْفَعُ لِلدُّنْيا *** فَكَيْفَ لِأَبْنَاءِ وَ احْفادِ

وَكِدْتُ أجْارُ لَوْلا عِلَّةٌ حَبَسَتْ *** أَوْتَارَ صَوْتِيَ أَن تَرْقَى لِأَبْعَادِ

وَ قَدْ ذَكَرْتُ رَسُولَ اللهِ مُلْتَجِئاً *** يَوْماً لَدَى ابْنَتِهِ في جَمْع أَكْبَادِ

وَ عِنْدَها أَقْبَلَ السِّيْطانِ قَدْ سَبَقا *** أباهُما حَيْدَراً في غَيْرِ مِيعَادِ

فَضَمَّهُمْ بِكِساءٍ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ *** ما خَصَّهُ بِهِمُ المَوْلَى بِإِسنادِ

فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّطْهِيرِ ساعَتَها *** فَرَاحَ يُعْلِنُها فِي جَمْع أَشْهَادِ

قَدْ أَذْهَبَ الرِّجْسَ عَنْكُمْ رَبُّكُمْ أَبَداً *** يا أهْلَ بَيْتِي فَأَنْتُمْ رَمُزُ إِسْعَادِي

فَاللَّهُ يَرْضَى بِما تَرْضَوْنَ في كَرَمٍ *** وَ السُّخط كانَ نَصِيبَ المُبْغِضِ العادي

ص: 482


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- شاخصة أنظارها: فتحت عيونها و لم تطرف الشزر: النظر بجانب العين مع إعراض و غضب و الشزر: العيون الحمر.
3- نيطت: انحصرت.

فَحَنَّ قَلْبي إلى الزَّهْرَاءِ قَدْ جَمَعَتْ *** أباً وَبَعْلاً وَضَمَّتْ خَيْرَ أَوْلادِ

كَالشَّمْس حاطَتْ بها الأَقْمارُ زاهِيَةً *** لِتَبْعَثَ النُّورَ لِلدُّنْيا بإرصادِ(1)

وَ أيّ رَابِطَةٍ قُدْسِيَّةٍ حَفِظَتْ *** سِرَّ النُّبُوَّةِ في سَيْبٍ وَإِمْدادِ(2)

فَتَزْدَهِي مِنْهُ إشراقاً وَ تَعْكِسُهُ *** إلى الإمامَةِ في عَزْمِ وَ إيقادِ

لِيَحْفَظَ الكَوْنُ مِنْها أَي سَيِّدَةٍ *** وَ تَنْقَلُ العَهْدَ أسْياداً لِأَسْيادِ

ناجَيْتُها بِفُؤادٍ عَادَ مُنْكَسِراً *** مِنَ المَصائِبِ تَعْلُوهُ بِتَرْدادِ

أَمَاهُ قَلْبُكَ مَشْهُودٌ لِرِقَّتِهِ *** عَلَى مُوالِيكُمُ ما بالُ أَوْلادِ

فَخِلْتُ نَجْوايَ قَدْ لاحَتْ أَضالِعُها *** مَكْسُورَةٌ بَيْنَ مِسْمَارٍ وَأَعْوادِ(3)

لكِنَّها أَدْرَكَتْ قَلْباً تُدارُ بِهِ *** رَحَى الحَياةِ وَ سِرّاً خَلْفَ أبعاد

ص: 483


1- لعله إشارة إلى ما جاء في مصباح الأنوار ص69 عن أنس بن مالك قال: صلى بنا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في بعض الأيام صلاة الفجر ثم أقبل علينا بوجهه الكريم... فسأله العباس بن عبدالمطلب: كيف كان بدء خلقكم يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقال صلي الله علیه و آله و سلم: «يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة و خلق منها نوراً، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، ثم مزج النور بالروح فخلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام... ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیها السلام فخلق منه السماوات و الأرض فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة علیها السلام و نور ابنتي فاطمة علیها السلام من نور الله، و ابنتي فاطمة علیها السلام أفضل من السماوات والأرض، ثم فتق نور ولدي الحسن علیه السلام وخلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من ولدي الحسن علیه السلام و نور الحسن من نور الله و الحسن علیه السلام أفضل من الشمس و القمر ثم فتق نور ولدي الحسين علیه السلام فخلق منه الجنة و الحور العين فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين علیه السلام و نور ولدي الحسين علیه السلام من نور الله و ولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين.
2- سيب بكسر السين مجرى الماء و بفتح السين المطر الجاري، العطاء، المال، النافلة.
3- يشير الشاعر إلى مأساة كسر الضلع ونبت مسمار الباب في صدر الزهراء علیها السلام.

(42) بضعة خير الخلق

(بحر الطويل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

بكِ العَيْش يا دنيا مريرٌ مُنَكَّدُ *** عَلَى كُلِّ حُرِّ ما لَهُ فِيكِ مَقْصَدُ

عَفيفٍ نَقِيُّ لم يَمِلْ لِزخارفٍ *** إلى جَنْبِها سُودُ الرزايا تَرَصَّدُ

وَ ما مُؤمِنٌ يَريُغَرُّ بِعَاجِلٍ *** وَ غَايَتُهُ الحُسنى إذا ما أتى الْغَدُ

فَمَا أَنْتِ إلا الهَمُّ وَ الغَمُّ وَ الأَسى *** وَ ذا غائِبٌ يُرْجِي وَآخَرُ يُفْقَدُ

وَ مَا المَوْتُ إلا واعِظُ لِمَنِ اهْتَدَى *** وَ ذَلِكَ أَمْرٌ دونَ رَيْبٍ مُؤَكَّدُ

فَكَمْ ِفيهِ مِنْ أيَّامٍ كَرْبِ تَتابَعَتْ *** على النّاسِ لاتُحْصَى وَ لاتَتَعَدَّدُ

وَ كَمْ مَرَّ مِن يوم بهِ ماتَ سَیِّدٌ *** بَكَى أَهْلُهُ شَجُوا عَلَيْهِ وَعَدَّدُوا

وَلكِنْ فما يَوْمٌ أَتانا بِنَكْبَةٍ *** بِأَعْظَمَ مِنْ يَوْمِ بهِ ماتَ (أَحْمَدُ)

نَبِيُّ الهُدَى مَن زَلْزَلَ الكَوْنَ فَقْدُهُ *** وَ سَهَّدَ أَجْفاناً وَ أُوحِشَ مَسْجِدُ(2)

قَضَى فَيَكاهُ العِلْمُ وَالحِلْمُ والحِجَى *** وَ فارَقَ بَيْتَ المَجْدِ جُودٌ، وَسُؤدَدُ

وَ قامَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ وَفاطِمٌ *** وَ أَبناؤُهُمْ في مَأتم يَتَجَدَّدُ(3)

حَنِيناً وَأَشجاناً وَحُزْناً وَلَوْعةً *** هُناكَ لِفَقْدِ المُصْطَفَى حِينَ يُعْقَدُ

ص: 484


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- سَهْد: أَرَقَ و قَلَّلَ النوم.
3- و في ذلك إشارة في ذخائر العقبى (طبعة مصر) ص56 عن النبي صلي الله علیه و اله و سلم أنه قال لعلي بن أبي طالب علیه السلام: يا أبا الريحانتين فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتي عليك فلما قبض رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم قال علي هذا أحد الركنين فلما ماتت فاطمة علیها السلام قال: هذا الركن الآخر. و أما فاطمة بكت على رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم حتى تأذى به أهل المدينة. البحار ج43 ص155 ضمن ح1.

وَ فاطِمَةٌ قَدْرادَهَا الْوَجْدَعُصْبَةٌ *** عَلَيْهَا بِظُلْمِ لايُطاقُ تَعَمَّدُوا

زَوَوْا إِرْثَها عَنْها ضَلالاً وَ أَسْقَطُوا *** جنيناً لها في غَيْهِمْ مُذْ تَلدَّدُوا(1)

وَ لَمْ أَنْسَ مِسْماراً أَضَرَّ بِصَدْرِها *** غَداةَ عَلَيْهَا مِنْهُمُ جَسُرَتْ يَدُ(2)

وَ قَدْ أُوجِعَتْ ضَرْباً شَدِيداً مُبَرْحاً *** لَهُ نَارُ وَجْد في القُلُوبِ تَوَقَّدُ(3)

عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُغْصَبُ الظُّهْرُ حَقَّهَا *** وَنَصُّ كتابِ اللهِ يُلْغَى وَ يُجْحَدُ(4)

وَ راحَتْ على آلامها تَمْلَأُ الفَضا *** لِوالِدِها بالنَّعْيِ حينَ تُردِّدُ

إلى أَنْ قَضَتْ قَرْحَى الفُؤادِ وَ ضِلْعُها *** كَسِيرٌ وَمِنْهَا المَثْنُ بِالضَّرْبِ أَسْوَدُ(5)

ص: 485


1- في الشطر الأول من البيت إشارة لما ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص574 في وصية فاطمة علیها السلام لأميرالمؤمنين «صلوات الله عليه» حيث قالت لاتصل علي أمة نقضت عهد الله و عهد أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في أميرالمؤمنين علي علیه السلام و ظلموني حقي و أخذوا إرثي و خرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك و كذبوا شهودي و هم والله جبرئيل و ميكائيل، أميرالمؤمنين علیه السلام و أم أيمن. و في الشطر الثاني اشارة لما ورد في رواية سليم بن قيس الهلالي ص40 في حادثة الهجوم على دار علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام حينما ألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
2- في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135: و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة.
3- في رواية سليم بن قيس ص37 في حادثة الدار: دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام. فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم: لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر.
4- ورد في تفسير الدر المنثور ج4 ص177 في تفسير وآت ذا القربى حقه دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدكاً. و ورد ذلك في مجمع الزوائد أيضاً ج7 ص49.
5- عن بحار الانوار ج43 ص73 ضمن ح13 في باب ما أخبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم بظلم أهل البيت علیهم السلام. (إلى أن قال): وانتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم. و عن البحار أيضاً ج28 ص299 ضمن ح48 من كتاب الفتن و المحن عن ابن عباس في حديث ما جرى بعد وفاة النبي صلي الله علیه و آله و سلم(إلى أن قال : ) ثم دفع الباب عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم.

فَسَلْ ما جَنّى الأصْحابُ حَتَّى تَأَثَرَتْ *** فَأَوْصَتْ بأَنْ لايَحْضُرُوها وَ يَشْهَدُوا(1)

ذَوى جِسْمُها مِنْ ظُلْمِهِمْ وَيْلُ أُمِّهِمْ *** وَأَدَّى بها لِلْمَوْتِ ما تَتَكَبَّدُ(2)

أَبَضْعَةُ خَيْرِ الخَلْقِ تُلْطَمُ عَيْنُها *** وَ حامِي الحِمى بالصَّبْرِ عَنْهَا مُقَيَّدُ؟(3)

وَ تُدْفَنُ في جُنْحِ الظَّلامِ وَ لَمْ يَكُنْ *** هُناكَ لها قَبْريُزارُ وَيُقْصَدُ

فيا حَسْرَةً لاتَنْقَضِي لِمُصَابِها *** وَ يَا جَمْرَةً وَسْطَ الحَشَا لَيْسَ تَحْمُدُ

ص: 486


1- أشار إلى ذلك صاحب كتاب بحار الأنوار ج43 ص199 ح29 عن ابن عباس: قبضت فاطمة علیها السلام فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال و النساء و دهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأقبل أبوبكر و عمر يعزيان عليّاً و يقولان له: يا أبا الحسن علیه السلام لاتسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما كان الليل دعا علي العباس و الفضل و المقداد و سلمان و أبا ذر و عماراً، فقدّم العباس فصلى عليها ودفنوها. فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیه السلام فقال المقداد قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لاتصليا عليها.
2- ذوى جسمها: ذَبُلَ و ضعف. و قد ورد في كتاب سليم بن قيس ص40 ما جرى عليها من قبل الصحابة فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلوات الله عليها من ذلك شهيدة فراجع المصدر.
3- ورد ذلك في كون فاطمة علیها السلام بضعة النبي صلي الله علیه و آله و سلم في أحاديث مستفيضة ورد ذلك في مسند فاطمة علیها السلام للسيوطي، و خصائص النسائي، و كفاية الطالب، و معجم الصحابة، و صحيح مسلم، و مسند أحمد، و من كتبنا قرب الاسناد و المناقب لابن شهر آشوب، و مجالس المفيد و أمالي الطوسي، و البحار و عوالم العلوم، و غيرها كثير. و من هذه الكتب الكثيرة اخترنا ما ذكره مسلم في صحيحه ج4 ص1903 ح94 بإسناده عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها (ويسرني ما أسرّها). و أما صفعه وجه الزهراء علیها السلام بيده فقد ذكر ذلك في عوالم العلوم ج574/11 في الصفحة فقالت «سلام الله عليها» فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم. و أما مقالة أميرالمؤمنين علیه السلام في وصف حالاته و صبره فيقول: فالصبر أيمن و أجمل و الرضا بما رضي الله أفضل لكيلا يزول الحق عن و قره و يظهر الباطل من وكره حتى ألقى فأشكو إليه ما ارتكبتم من غصبكم حقي و تماطلكم صدري و هو خير الحاكمين و أرحم الراحمين و سيجزي الله الشاكرين و الحمد للَّه رب العالمين ثم سكت عن عوالم العلوم ج11، ص576.

فَطُوبَى لها نَالَتْ مَقاماً وَ رِفْعَةً *** و ذكرى إلى يَوْمِ المعادِ تُخَلَّدُ(1)

فَإِنْ ضاعَ مَثواها فَقَبْرٌ مُعَظَّمٌ *** لها في قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مُشَيَّدُ(2)(3)

ص: 487


1- في مسند أحمد بن حنبل64/3 عن أبي سعيد الخدري إشارة إلى بعض ذلك قال: قال رسول اللهصلط الله علیه و آله و سلم: الحسن و الحسين علیهما السلام سيدا شباب أهل الجنة و فاطمة علیها السلام سيدة نسائهم.
2- وردت الإشارة إلى هذا البيت في كتاب سليم بن قيس ص213: فلما كان الليل دعا علي العباس و الفضل و المقداد و سلمان و أباذر و عماراً، فقدم العباس فصلى عليها و دفنوها، فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام، فقال المقداد قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها وفي دلائل الإمامة ص46. سوّى أميرالمؤمنين علي في البقيع أربعين قبراً، و ما عرف الشيوخ قبرها و في البقيع قبور جدد.
3- نقلاً عن ديوان ميراث المنبر ص40.

(43) أم الأئمة علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

أتَرُومُ في دار الصُّدودِ خُلُودا *** و تَسُومُ جَنَّاتِ الخُلُودِ صُدُودا(2)

أَتَعِزُّ داراً ما خُلِقْتَ لَها عَلَى *** دارِخُلِقْتَ لها وَ نِلْتَ وُجُودا

وَ تَشِيدُ بَيْتاً مِلْؤُهُ نَحْسُ الفَنَا *** و تَهِيرُ ما فيهِ البَقاءُ سُعُودا(3)

وَ لَأَنْتَ عَنْ بَيْتٍ تَعَمَّرَ زائِلٌ *** فَتُصِيبُ فيما قَدْ هَدَمْتَ نُكُودا

ماذا يَرُوقُكَ مِنْ غَرُورٍ مِلْؤُها *** فِتَنٌ تَسُلُّ عَلَى الأنام حُدُودا

أبِمَكْرِها بِمَنِ اطْمَأنُوا نَحْوَها *** فَتُعِيضَهُمْ بَعْدَ القُصور لُحُودا؟(4)

أمْ تَكْلِها الباقين فيما أَوْدَعَتْ *** بالأرْضِ مِنْهُم إِخْوَةٌ وَ جُدُودا

ما أَكْرَمَتْ مَنْ كانَ أَكْرَمَها *** و لاإن عاهَدتْ أَدَّتْ إِلَيْهِ عُهُودا

أتَرَى الوَرَى أذرى بها مِن ربِّها *** فَتَسُومُ ما بِالخَسْفِ سامَ صُعودا؟

وَلَدَيْهِ لَوْ سَاوَتْ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ *** لَمْ يُسْقَ ماءً مَنْ جَفاهُ جُحُودا

لَمْ تَرْعَ في أحَدٍ رَعاها ذِمَّةً *** يَرْجُو الصعودَ فَتَرْهَقَتْهُ صُعُودا

دارُ ابْتِلاءِ لَوْ رَعَتْ حقَّ امْرِىءٍ *** لَرَعَتْ لِماتِحِها الوُجُودَ صَعُودا

ص: 488


1- (*) مرت ترجمة الشاعر فى الجزء الأول.
2- تروم تقصد الصدود: الإغراض. تسوم: تعرض و تذكر ثمن الشيء.
3- تهیر: تسقط و تضعف.
4- تعيضهم: تعوضهم.

خَيْرُ الخَلائِقِ أَحْمَدُ المُخْتارُ مَنْ *** لولاه ما نالَ الوُجودُ وُجُودا

فَلَقَدْ أَتَتْ في آلِهِ مِنْ شَرِّها *** مالم يُبِحْهُمْ في الورودِ وُرُودا

هَذِي عَزيزَتُهُ البَتُولُ وَ مَنْ بِها *** أَوْصَى الأنامَ رِعايةً وَ نُهودا(1)

وَ البَضْعَةُ الزهراءُ مَنْ زَهَرَ اسْمُها *** فَحَبا العَوالِمَ نُورُها المَمْدُودًا(2)

وَ الحُرَّةُ العَذْرَاءُ وَ الإِنْسِيَّةُ الحَوْراءُ *** مَنْ فاقت أباً وَجُدُودا

أُمُّ الأَئِمَّةِ مَنْ أَتَتْ أَوْلادَها *** تَرِثُ الإمامَةَ سَيِّداً وَ مَسُودا

مَلَأَتْ جَوانِحَها مَحَبَّةُ رَبِّها *** فَأَبَتْ تَنالُ اللَّيْلَ منه هُجُودا

وَ تَمثَّلَتْ يَوْمَ الحِسابِ فَلَمْ تَزَلْ *** تَقْضِي رُكُوعاً عُمْرَها وَ سُجُودا

وَ تَشَوَّقَتْ عَيْشَ النَّعِيمِ فَزَيَّنَتْ *** بِالصَّوْمِ عَيْشَتَها طِلّى وَ زُنُودا

وَ اسْتَغْرَقَتْ في الحُب حَيْثُ تَوَرَّمَتْ *** أَقدامُها تَجِدُ القِيامَ قُعُودا

***

وَ تَمَحْضَتْ صَبْراً تَخالُ بِهِ الْأَسَى *** عَسَلاً و انواعَ البَلاءِ وُرُودا

لَمْ تَلْقَ بَعْدَ عِمَادِها عِزّاً ولا *** يَوْماً و لانالَتْ کَرًی وَ رُكُودا(3)

ما إِنْ قَضَى حَتَّى أُحِيطَ فِناؤُها *** ناراً تَسُومُ النُّورَ فِيهِ خُمُودا

وَلدَى الجِدارِ وَ بابِها عُصِرَتْ كَما *** بِالرَّضٌ صَدْراً أَسْقَطَتْ مَوْلُودا

و غَدَتْ على كَسْرِ الضُّلُوعِ تُعِيرُها *** ضَرْباً فَتَكْسُوها السياط بُرُودا

وَ بِكُلِّ ذلِكَ مَا اكْتَفَوْا عَنْ إِرْثْها *** غَصْباً نَفَوْا صَكّاً لَها وَ شُهُودا

وَ لِمَنْعِها عَنْ نَدْبِها خَيْرَ الوَرَى *** بَعَثُوا عَلى قَطْعِ الْأَرَاكِ حَسُودا(4)

ص: 489


1- نهوداً: تعضيماً.
2- إشارة إلى ما روي في علل الشرائع ج179/1 عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها الحديث.
3- كرى ضخم الذراعين. كناية عن صحة الجسم. ركوداً: سكوناً.
4- الأراك: شجرة كانت الزهراء علیها السلام تستظل بها و تبكي على أبيها و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب الخصال ص272 ح15 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: و أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و اله وسلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر-مقابر الشهداء- فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف.

قَعَدَتْ لِذلِكَ بالسّقامِ رَهِينَةً *** بالفَرْشِ تُوسِعُها الهُمُومُ وَقُودا

وَ قَدِ اجْتَمَعْنَ لَها نِسا الأَنْصَارِ فِي *** حَشْد يُكَلِّلُ بِالدُّمُوعِ خُدُودا

وَ تَقولُ يا عَيْنَ الجَمَالِ وَ شَمْسَهُ *** نُوراً وَ عَقْدَ فِخارِنا المَنْضُودا

مهلاً فَتَوْحُكِ قَدْ أَطارَ نُفوسَنا *** وَجْداً يُمَزِّقُنا حَشَى وَ كُبُودا

فِيهِ قَدْ أَصْبَحَتِ يا سِتَّ النِّسا *** فَلَعَلَّ حالك ما يَسُرُّ وَدُودا

قالَتْ لَقَدْ أَصْبَحْتُ قالِيَةٌ لِدُنْيا *** كُنَّ شانِئَةٌ لَكُنَّ وُرُودا(1)

فَرِجَا لُكُنَّ عَجَمْتُهُمْ فَلَفَظْتُهُمْ *** قَدْ أَظْهَرُوا ما أَضْمَرُوه حُقُودا

أَصْبَحْتُ بَعْدَ أبي لَدَيْهِمْ ضَيْعَةً *** لاوالداً أَدْعُو وَ لامَوْلُودا

أَوَلَيْسَ هذا المُرْتَضَى مَنْ خَصَّهُ *** في خُمِّ نَص مقامَهُ المَعْهُودا

ما بالُهُمْ خَذَلُوا لِمَنْ قَدْبايَعُوا *** وَ نَفَوْهُ عَنْ سُلْطانِهِ مَطْرُودا؟

أتَرَوْنَ مَنْ وَلَّوْهُ أَرْفَعُ حِكْمَةً *** مِنْهُ وَ عِلْماً أَمْ يُذَلُّ قُعودا؟

أَمْ لايَكُونُ اللَّهُ لمّا الختارَهُ *** بَعْدَ النَّبِيِّ خَلِيفَةً مَحْمُودا

و أنا الَّتِي وَصَّى بِي المُخْتارُ فِي *** حِفظ وحُبِّ لا يَحِلُّ عُقُودا

عَنْ مَنْزِلِي أُنْفَى لِنَدْبِ أبي أسِّى *** وَ أُصَدُّ عَنْ إِرْنِي يَداً و شُهُودا

وَ يُحاط للإحراق ناراً مَنْزِلِي *** وَ تَسُومُ هَتْكاً خِدْرِيَ الْمَوْصُودا

ص: 490


1- قالية شانثة: غاضبة مبغضة. و لعل في البيت هذا أو الذي يليه إشارة إلى خطبة الزهراء علیها السلام في مرضها عند عيادة نساء المدينة لها علیها السلام. فقد روي في كتاب معاني الأخبار ص354 ح1. لما اشتدت علّة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم اجتمع عندها نساء المهاجرين و الأنصار فقلن لها: يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كيف أصبحت من علتك؟ [فحمدت الله وصلت على أبيها صلي الله علیه و آله و سلم] ثم قالت صلي الله علیه و آله و سلم: أصبحت -والله- عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن -الخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.

لم يَكْفِهِمْ رَضٌي وكَسْرُ أَضَالِعِي *** وَ سُقُوطُ حَمْلِي عافِراً مَمْرُودا(1)

حَتَّى أرادُوا بِابْنِ عَمّي القَتْلَ إِذْ *** أَخَذُوا الهُمامَ مُلَبَّباً مَصْفُودا(2)

وَ أَتَيْتُ ناصِرةً فَوُرّمَ كاهِلِي *** بِالسَّوطِ مِنْهُمْ أَذْرُعاً وَ زُنُودا

أَفَبَعْدَ ذاكَ تَريْنَنِي أَنْسَى الأذى *** أَمْ عِلَّتِي تُشْفَى لِذاكَ جُمُودا؟

هَيْهاتَ أَنْسَى بالرِّضا أَفْعَالَهُمْ *** حَتَّى أجاوِرَ عِزّيَ المَفْقُودا

فَأُرِيهِ ما قَدْ بَعْدَهُ فَعَل العِدَى *** في آلِهِ فَلَقَدْ وَفَوْهُ وُعُودا

و أَنا عَلَى وَشكِ اللحاق بهِ فَقَدْ *** تَركَ البَلا جِسْمي يَشفُّ جُلُودا(3)

ص: 491


1- عافراً: ممرغاً ضارباً به الأرض. ممروداً: ممزقاً عرضه.
2- الهمام: السيد الشجاع السخي مصفوداً مقيداً بالأصفاد.
3- يلاحظ في هذه القصيدة التزام الشاعر بما لايلزم التزام الواو بعدها دال وألف في الروى بينما يجوز له أن يضع الياء مكان الواو في جملة من أبياتها فيقول مثلاً وريداً وحيداً بدل ورود و وجود لكنه التزم بالواو. دیوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص48.

(44) من هدي البتول علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

باسم البَتُولِ وَبِاسمِ عِبدِ المَوْلِدِ *** حَرَّرْتُ في الذِّكْرَى بَدِيعَ فَصائِدِي

وَ نَظَمْتُ لُؤلؤها تَحِيَّةَ وَ الِهٍ *** تُهْدَى و أَرْفَعُها لِرُوحِ مُحَمَّدِ

وَ وَقَفْتُ أُنْشِدُها يَهُزُّ جَوائِحِي *** وَحْیُ الوَلاءِ وَ عَزَمَةُ المُتَوَدِّدِ

فَسَرَى بِرُوحِي لِلْخيالِ تَمَوُّجُ *** قَدْراحَ يَرْفَعُها لأَسْمَى سؤددِ

فَهُناكَ حَيْثُ مُحَمَّدٌ وَ مَقامُهُ *** وَ هُنا البَتُولُ بِنُورِها المُتَوَلِّد

وَ تَرَى خَدِيجَةً وَ هُيَ قَلب نابضٌ *** بِالحُبْ تَرْمُقُها بِطَرْفِ أَسْعَدِ

وَ تَكادُ تَلْتَهِمُ البَتُولَ تَشَرُّقاً *** لَوْلاَ الحَياءُ يَمُدُّها بِتَرَدُّدِ

فَهُناكَ شَخْصُ المُصْطَفَى فِي هَيْبَةٍ *** تَأْبَى عَلَيْها أَنْ تَجُورَ لِمَقْصَدِ

فَتَعُودُ وَ الِهةً تُسارِقُ طَرْفَهُ *** قَبْلَ الحَنانِ عَلَى الجَبِينِ الأَسْعَدِ

هذي هِيَ الذِّكْرَى وَ أَحْلامُ الهَنا *** نَغَمِّ يَرِنُّ بِلَحْنِ مَجْدِ خَالِدِ

***

زَهْراءُ شافِعَةُ الحِسابِ وَ رَحْمَةُ *** اللَّهِ العَظِيمَةُ عِنْدَ ضِيقِ المَوْرِدِ

أُمّاهُ يُسْعِدُنِي و فَخْرِي التي *** قَدْ قُلْتُها أُمَاهُ صَوْتَ مُرَدّدِ

أُمّاه في يَوْمِ المَعادِ إذا دَعا داعِي *** النُّشُورِ وَ قُمْتُ فِيهِ لِمَوْعِدِي(2)

ص: 492


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- النشور: يوم القيامة، الحياة بعد الموت.

أَمَّاهُ يُرْهِقُنا الحِسابُ بَلاؤُهُ *** وَ نَظَلُّ في تَوْبِ النَّدَامَةِ نَرْتَدِي

أمّاهُ تُنْشَرُ في الحِسابِ صحائِفي *** ياللشَّقاء و لِلْمَصِيرِ الأَسْوَدِ

واللَّهُ يُخْرِسُ في السُّؤالِ لِسانَنا *** يالِلفَضِيحَةِ أَنْ تُكَلِّمَهُ يَدِي

أَوَ هَلْ نَجُوزُ عَلَى الصِّراطِ بِخِفَّةٍ *** وَاللَّهُ لِلْعَاصِي هُناكَ بِمَرْصَدِ

أَمَّاهُ يُهْنِيكِ النَّعِيمُ وَإِنّنا *** لَنَظَلُّ في قَعْرِ الجَحِيمِ المُوقَدِ

هَيْهَاتَ حَدَّثنا الخبيرُ بِمَوْقِفٍ *** لَكِ في القِيَامَةِ مِثْلُهُ لَمْ يُشْهَدِ

في حِينِ يَأْتِيكِ النِّدَاءُ تَعَجَّلي *** نَحْوَ الجِنَانِ وَلِلْكَرَامَةِ فَاقْصَدِي

وَيِجيءُ النِّداءُ إلى الخَلائِقِ كلِّها *** غُضُّوا فَيَخْضَعُ طَرْفُ مَنْ فِي المَشْهَدِ(1)

فَيَسِيرُ مَوْكِبُكِ يَحُفٌ جَلالةً *** شَرَفٌ يَضِيقُ عَلَى العَدُوِّ الحَاسِدِ

لكِنَّكِ تَقِفِينَ بَعْدَ مَسِيرِكِ *** وَ الرَّكْبُ عَنْ عَرَصاتِها لَمْ يَبْعُدِ(2)

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا وُقُوفُكِ عِندَها *** يَأْتِي النداء خُذِي مُحِبَّكِ بِاليَدِ

فَتُمَدُّ مِنْكِ الكَتُ تَلْفُظُ جَيِّداً *** فِيها تُمَيِّزُهُ عَنِ العافِي الرَّدِي

وَ يَسِيرُ رَكْبُكِ حافلاً بَيْنَ المَلا *** فَيَرَاهُ شانِتُك بطَرْفِ أَرْمَدِ(3)

هذا هُوَ الشَّرَفُ الأصِيلُ وَ كَيْفَ لا *** أَوَلَسْتِ أَفْضَلَها وَ بَضْعَةً أَحْمَدِ؟

يا شِيعَةَ الزَّهْراءِ لَيْسَ تَنالُنَا *** تِلْكَ الشَّفَاعَةُ بالرَّخيص الأَزْهَدِ

لا بُدّ مِنْ عَمَلٍ يَكُونُ مُقَرَّباً *** لِلَّهِ فِي جُهْدِ وَ حُسْنِ تَعَبُّدِ

لافَرْقَ بَيْنَ النّاس إلا بالتُّقَى *** فَهُوَ المُؤَمِّلُ لِلشَّفَاعَةِ في غَدِ

***

أخْتاه يا أُخْتَ العَقِيدَةِ و الوَلا *** عَنْ نَهْجِ شِرْعَةِ أَحْمَدٍ لَا تَبْعُدي

ص: 493


1- غضوا: امنعوا أبصاركم مما لايحل لكم رؤيته.
2- عرصاتها: عرصات مفردها (عرصة ) على وزن ضربة و هي كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء.
3- شانئك: مبغضك. طرف أرمد مصاب بالرمد في عينه.

وَ إِلَيْكِ مِنْ هَذي البَتُولَةِ مَنْهَجاً *** فيهِ خُذي وَ بِنَيْرِ مِنْهُ اهْتَدِي

وَ لَكِ بِنَهْجِ سُلُوكِها مُتَطَلَّعاً *** نَحْوَ الكَمَالِ فَطَبقي وَ بِهَا اقْتَدِي

فُرِضَ الحِجابُ وَ كانَ أَعْظَمَ حِشْمَةٍ *** وَ حِمّى لَكِ عَنْ كُلِّ وَحْشٍ مُعْتَدِي

أضْفَى عَلَيْكِ مِنَ الجَلالَةِ هَيْبَةً *** تَحْمِيكِ مِنْ رَصْدِ العُيُونِ لِتَسْعَدي

أمِنَ التَّقَدُّم إِذْ خُدِعْتِ بِإِسْمِهِ *** أَنْ تَبْرُزِينَ كَسِلْعَةِ المُسْتَوْرِدِ

و يَطُوفُ فيك العابِثُونَ يَقُودُهُمْ *** نَزَقُ الشَّبابِ وَ بِطَيْشِهِ المُتَعَمدِ(1)

عُودِي إلى أمْنِ الشَّرِيعَةِ وَ اسْدُلِي *** حُجُبَ الجَلالِ وَ لِلْمَهابَةِ فَارْتَدِي

وَ دَعِي كَلامَ الطَّامِعِينَ وَ زِبْرِجاً *** خَدَعُوكِ فِيهِ مِنَ البَيانِ الفاسِدِ

ما ذاك إلا السُّمُّ إِذْ دافوهُ في *** عَسَل الوُعُودِ وَ كَانَ حَبْلَ الصَّائِدِ(2)(3)

ص: 494


1- نزق الشباب: النزق هو الخفة في كل أمر، العجلة و الجهل و الحمق. طيش: خفة و نزق و ذهاب العقل.
2- دافوه: خلطوه.
3- أفراح الولاء ص57.

(45) أشرف خلقة

(بحر الكامل)

السيد مصطفى

السيد محمد فضل الله

تَحْيا القُلوبُ بِذِكْرَ آلِ مُحَمَّدِ *** هُمْ نِعْمَةُ البَارِي وَ نُورُ الأَوْحَدِ

هُمْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ طَابَ نَعِيمُها *** هُمْ في السَّمَاءِ وَ خَصْمُهُمْ فِي الأَوْهَدِ(1)

هُمْ في كِتابِ اللَّهِ أَشْرَفُ خَلْقِهِ *** هُمْ يَنْتَمُونَ إلى العُلَى وَ السُّؤْدَدِ

هُمْ أَظهَرُ الأَرْحَامِ قَبْلَ المَوْلِدِ *** وَ عَدُوُّهُمْ في الرِّجْسِ قَبْلَ المَوْلِدِ

***

تَحْيَا القُلُوبُ بِفاطِمِ خَيْرِ النِّسا *** أَكْرِمْ بِفاطِمَ كَوْثَراً مِنْ أَحْمَدِ

يا بِنْتَ خَيْرِ الخَلْقِ يا طُهُرَ الوَرَى *** يا جَنَّتِي يَا قِبْلَةَ المُتَعَبدِ

يا نَهْدَتِي لِلَّهِ أَعْظَم خالِقٍ *** خَلَقَ الوُجُودَ كَرَامَةٌ لِمُحَمَّدِ

أعْطِيتِ نوراً للهُدَى وَ مَنارَةً *** فيها نَلُوذُ وَ تَسْتَنِيرُ وَ نَهْتَدِي

أَنْتِ الرَّجاءُ وَ أَنْتِ عُنْوانُ التَّقى *** أَنْتِ الكَرامَةُ وَ الشَّفَاعَةُ فِي غَدِ

أنْتُمْ مَصابِيحُ الدُّجى طُولَ المدَى *** مِنْ حَيْدَرِ الكرارِ أَعْظَم سَيّدِ

زَهْرَاءُ إنّي في رِحابِكِ طائِرٌ *** فيها أرُوحُ وَ اسْتَرِيحُ وَ اغْتَدِي

زَهْرَاءُ لُفّي بِالحَنانِ وَ بَرِّدِي *** قَلْبِي فَإِنِّي مُوجَعٌ عانٍ صَدِي

مَنْ مِثْلُكُمْ يَا آلَ بَيْتِ المُصْطَفَى *** مِنْ رُكَّعِ، مِنْ خُشَعٍ، مِنْ سُجَّدِ

يا نَهْدَتِي لِلَّهِ أَعْظَم خالِقٍ *** خَلَقَ الوُجودَ كَرَامَةٌ لِمُحَمَّدِ

ص: 495


1- الأوهَدِ: معناها الوهاد: و هي الأرض المترامية غير المسكونة.

(46) سيدة العالمين علیها السلام

(بحر المتقارب)

الأستاذ مصطفى المهاجر

أَرِيجُ النُّبُوَّةِ فِيكِ ابْتَدا *** وَ فَيْضُ الهِدايَةِ مِنْكِ اهْتَدَى

وَ أنْغَامُ عِزّكِ في الخافِقَيْنِ *** لَها الدَّهْرُ مِنْ وَلَةٍ... أَنْشَدَ(1)

وَ نُورُكِ يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى *** أضاءَ... أضاءَ فَغَطَّى المَدى(2)

***

حَنانَيْكِ... أُمَّ النَّبِيِّ الكَرِيم *** وَ أُمَّ الأَئِمَّةِ... نُورَ الهُدَى

شَرِبْنا وَلاءَكِ مُنْذُ الرَّضَاعَ *** فَأَوْرَقَ حُبّاً... غزِيرَ النَّدَى

وَ حَلَّقَ في حُزْنِكِ المُسْتَدِيم *** حَنِين بِأَشْواقِهِ... يُقْتَدَى

فَحُزْنُكِ يُسْكِنُ أَضلاعنا *** لَهيباً... تَوَقَّدَ لَنْ يَخْمِدًا

وَ صَوْتُكِ رَغْمَ رَنِينِ الأَسَى *** لَهُ في نفوس الهُداةِ... صَدَى

فَصَارَتْ شُعاعاً بما تَحْتَوِي *** قُلُوبٌ لدى وَجْدِها سُجَّدًا

***

وَ صارَتْ بِذِكْراكِ أَيَّامُنا *** مُعَطَّرَةٌ... عِزَّةٌ سُؤدَدا

ص: 496


1- الخافقين: المشرق و المغرب لأن الليل و النهار يخفقان فيهما. وَ لَهٍ: حزن شديد حتى كاد يذهب عقله.
2- إشارة إلى ما روي في البحار ج40 ص44 ضمن ح81 في حديث طويل عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام الهوامش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام و لذلك سمّيت (الزهراء) لأن نورها زهرت به السموات.

وَ صارَتْ لَيالِي الأسى ثَرَةٌ *** بِذِكْراكِ نَيرة... فَرْقَدا(1)

وَ صِرنا إذا ضامناحاقِدٌ *** وَ طَوَّقَنا بالهُمُومِ... العِدَى

طَلَبْناكِ نَسْتَكْشِفُ العادِياتِ *** ذَكَرْناكِ نَسْتَنْجِحُ المَقْصَدًا

فَذابَتْ عَلَى عَتَباتِ الهَوَى *** مَغالِيقُ... أَحْكامُها كالرَّدَى(2)

وَ عَادَتْ لِأَنْفُسِنابَسْمَةٌ *** تَكادُ مِنَ الحُزْنِ... أنْ تُوأَدَا(3)

***

حَنانَيْكِ... سَيِّدَةَ العَالَمِينَ *** حَنانَيْكِ... يا نَسْمَةٌ تُفْتَدَى(4)

تَرِقُ الحَيَاةُ عَلَى شَاطِنَيْكِ *** وَ تَزْهَرُ أَفياؤها... بِالنَّدى

وَ تَشْمَخُ ذِكْراكِ نَحْوَ السَّماءِ *** تُعانِقُ في مَجْدِها... أَحْمَدا

وَ تَمْلَا دُنْيا الوفاءِ العَظِيمِ *** بِفَيْضٍ مِنَ الطُّهْرِ لَنْ يَنْفَدا

وَ تُوقدُ في الدّاجياتِ الشُّموسُ *** لِتَكْشِفَ مِنْ ظُلْمَةٍ مَا بَدا

فَتَرْدانُ بِالنُّورِ... أيامُنا *** و تَفْتَحُ دَرْباً لنا... مُوصَدا(5)

وَ تَشْعَلُ أَحْلامُنا بالرَّجاءِ *** لِنُوصِلَ بِالأَمْسِ زَهْواً... غدا

أَسَيِّدَةَ الحُزْنِ وَ الأُمْنِيَاتُ *** شُمُوعاً عَلَى الدَّرْبِ لَنْ تُوقَدا

بِغَيْرِ ابْتِهَالِكِ أَنَّ الطّريقَ *** إلَى اللَّهِ... مَفْروشَةٌ عَسْجدا(6)

وَ غَيْرِ نِدائِكِ أَن الحَياةَ *** بلا طاعَةِ اللَّهِ لَنْ تُحمَدا

ص: 497


1- ثرَّة: واسعة.
2- الردى: الموت.
3- توأدا: تدفن في التراب و هي حية.
4- لعله إشارة إلى ما روي في كتاب خصائص النساء ص34 قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن ملكاً من السماء لم يكن زارني فاستأذن الله في زيارتي فأخبرني و بشّرني أن فاطمة علیها السلام بنتي سيدة نساء أمتي (أقول)، و ذكره أيضاً المتقي الهندي في كنز العمال 221/6.
5- تزدان: تتحسن و تتزخرف.
6- عسجداً: ذهباً.

و غير دعائِكِ أَبْنَاءَنَا *** لِحَمْلِ العَقِيدَةِ كَيْ تُرْشَدا

وَ غَيْرِ وُقُوفِكِ بَيْنَ الصُّفوفِ *** لِتَصْحِيحِ مَا اعْوَجَ أَوْ قُدِّدا(1)

***

حَنانَيْكِ... سَيِّدةَ العَالَمِينَ *** و عَفْوَكِ مِنْ بَضعَةٍ تُقْتَدى

شَرِبْنا وَلاءَكِ مُنْذُ الرَّضاعِ *** فَأَوْرَقَ حُبّاً غَزِيرَ النَّدى

وَ نَرْجُو الشَّفَاعَةَ فِي حُبِّكُمْ *** فَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لَنْ نُطْردا

ص: 498


1- قدد: شقِّق.

(47 ) آل بيت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ مغامس بن داغر الحلي(*)(1)

حَيّا الإلهُ كَتِيبَةً مُرْتادُها *** يُطوى لَهُ سَهْلُ الفَلا وَوِهادُها(2)

قصدتْ أَمِيرَالمؤمِنِينَ بِقُبَّةٍ *** يبنى على هامِ السِّماكِ عِمادُها(3)

وَفَدَتْ على خَيْرِ الأنام بِحَضْرَةٍ *** عِندَ الإلهِ مُكَرَّمَ وُفَّادُها

فيها الفَتَى وَ ابْنُ الفَتَى وَ أَخُو الفَتَى *** أَهْلُ الفُتُوَّةِ رَبُّها مُقْتادُها

فَلَهُ الفَخارُ قَدِيمُهُ وَ حَدِيثُهُ *** وَ الفَاضِلاتُ طَرِيفُها وَ تِلادُها(4)

ص: 499


1- (*)هو الشيخ مغامس بن داغر الحلي المتوفى حوالى سنة (850ه_) و هو من شعراء أهل البيت المكثرين المتفانين في حبهم و ولائهم علیهم السلام. ينتسب الشيخ مغامس إلى إحدى القبائل العربية القاطنة في ضواحي الحلة الفيحاء، استوطن الحلة للدراسة، و لم يبارحها حتى قضى بها نحبه شاعراً و خطيباً في أواسط القرن التاسع. و كان والده (داغر) شاعراً موالياً، و هو الذي علّمه قرض الشعر و مرَّنه على ولاء العترة الطاهرة كما صرح بذلك في قوله. أعملت في مدحكم فكري فعلّمني *** نظم المديح و أوصاني بذاك أبي فحيا الله الوالد و الولد. و جاء ذكره في كتب التراجم للمتأخرين كالحصون المنيعة للعلامة كاشف الغطاء، و الطليعة للعلامة، السماوي و البابليات للخطيب اليعقوبي وذكر شعراً من شعره شيخنا الطريحي في المنتخب و غيرهم وتضمن غير واحد من المجاميع قريضه المتدفق بمدح أهل بيت علیهم السلام الوحي أئمة الهدى و رثائهم «صلوات الله عليهم» حتى جمع منها الشيخ السماوي ديواناً بإسم المترجم له يربو على ألف و ثلاثمائة و خمسين بيتاً و لعل ما تلف منها أكثر و أكثر.
2- الفلا: الصحراء. و هادها: أراضيها المنخفضة.
3- هام السِّماك: رأس السماك هو كوكب نيرّ.
4- طريفها: مستحدثها، تلادها: قديمها.

مَوْلَى البَرِيَّةِ بَعْدَ فَقْدِنَبِيِّها *** وَ إِمَامُها وَ هُمَامُها وَ جَوادُها

وَ إِذ القُرُومُ تَصادَمَتْ في مَعْرَكٍ *** وَ الخَيْلُ قَدْ نَسَجَ القَامَ طِرادُها(1)

وَ تَرَى القَبائِلَ عِنْدَ مُخْتَلِفِ القَنا *** مِنْهُ يُحَدِّرُ جَمْعَها آحادُها

وَ الشُّوسُ تَعْثَرُ في المَجالِ وَ تَحْتَهَا *** جُرْدٌ تَجِذُّ إِلَى القِتَالِ جِيادُها(2)

فَكَأَنَّ مُنْتَشِرَ الرِّعالِ لدَى الوغى *** زُجَلٌ تَنَشَّرَ في البلادِ جَرادُها(3)

وَ رِماحُهُمْ قَدْ شُظِّیَتْ عِيدانُها *** وَ سُيُوفُهُمْ قَدْ كُسِّرَتْ أَغْمَادُها(4)

وَ الشُّهْبُ تَعْمِدُ في الرُّؤوسِ نُصُولُها *** و السُّمْرُ تَصْعَدُ فِي النُّفُوسِ صِعَادُها

فَتَرَى هُناكَ أخَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** وَ عَلَيْهِ مِنْ جُهْدِ البَلاءِ جِلادُها(5)

مُتَرَدِّياً عِندَ اللّقا بِحُسامِهِ *** مُتَصَدِّياً لِکُماتِها يَصْطادُها

عَضَدَ النَّبِيَّ الهاشِمِيَّ بِسَيْفِهِ *** حَتَّى تَقَطَّعَ في الوغى أَعْضادُها

وَ أخَاهُ دُونَهُمُ وَ سَدَّ دُوَيْنَهُ *** أَبْوَابَهُمْ فَتَاحُها سَدَادُها(6)

وَ حَباهُ في (يَوْمِ الغَدِيرِ) وَلايَةً *** عامُ الوَداعِ و كُلُّهُمْ أَشْهادُها

فَغَدا بهِ (يَوْمَ الغدِيرِ) مُفَصَّلاً *** بَرَكاتِهِ ما تَنْتَهِي أَعْدادُها

قَبِلَتْ وَصِيَّةَ أحْمَدٍ وَ بِصَدْرِها *** تُخْفَى لآلِ مُحَمَّدٍ أَحقادُها

حتى إذا ماتَ النَّبِيُّ فَأَظْهَرَتْ *** أَضْغَانَها في ظُلْمِها أَجْنادُها

ص: 500


1- القروم: الجمال الفحول إذا تركت عن الركوب و العمل. القتام: الغبار الأسود غبار الحرب الظلام، السواد طراد الخيل: فرسان الطراد هم الذين يعمل بعضهم على بعض.
2- الشوس: الطوال، أو الأشداء الجريئين في القتال الجُرد الخيل التي لارجالة فيها، تجد: تسرع.
3- الرعال: جمع رعيل و هي كل قطعة متقدمة من الرجال أو الخيل، زُجلٌ: جماعة من الناس.
4- شظيت: فُرِّمت.
5- جلادها: كبارها و صلابها.
6- دوينه: تصغير دونه.

مَنَعُوا الخِلافَةَ رَبَّها ووَلِيَّها *** بِبَصائِرٍ عَمِيَتْ وَضَلَّ رَشادُها

وَاعْصَوْصَبُوا في مَنْعِ فاطِمَ حَقَّها *** فَقَضَتْ وَقَدْ شابَ الحَيَاةَ نَكَادُها(1)

وَ تُوُفِّيَتْ غُصَصاً وَ بَعْدَ وَفَاتِها *** قُتِلَ الحُسَيْنُ وَ ذُبِّحَتْ أَوْلادُها(2)

وغَدا يُسَبُّ عَلى المَنابرِ بَعْلُها *** في أُمَّةٍ ضَلَّتْ وَ طَالَ فَسادُها

وَ لَقَدْ َوقَفْتُ عَلى مَقالَةِ حاذِقٍ *** في السَّالِفِينَ فَرَاقَ لِي إِنْشادُها

(أَعَلَى المَنابِرِ تُعْلِنُونَ بِسَبِّهِ *** وَبِسَيْفِهِ نُصِبَتْ لَكُمْ أَعْوادُها )؟

يا آلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ يا سَادَةٌ *** سَادَ البَرِيَّةَ فَضْلُها وَ سَدادُها

أَنْتُمْ مَصابيحُ الظَّلامِ وَأَنْتُمُ *** خَيْرُالأنامِ وَأَنْتُمُ أَمْجَادُها

فُضَلاؤُها عُلَماؤُها حُلماؤُها *** حُكَماؤُها عُبَّادُها زُهَّادُها

أمَّا العِبادُ فَأَنْتُمُ سَادَاتُها *** أمّا الحُرُوبُ فَأَنْتُمُ آسادُها

تِلْكَ المَساعِي لِلْبَرِيَّةِ أَوْضَحَتْ *** نَهْجَ الْهُدَى وَمَشَتْ بِهِ عُبَادُها

ص: 501


1- أعصو صبوا : اجتمعوا و في هذا البيت إشارة إلى منع القوم فاطمة علیها السلام فدكاً و قد مرَّ ذلك الالام في قصيدة الوايل الإحسائي نقلاًعن أحمد بن حنبل في مسنده9/1 والسنن الكبرى6/ 300 كما في عوالم العلوم ج2/11 ص626 و ج1 ص13 من مسند أحمد أيضاً والعوالم ج 2/11 ص 631.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أنها «سلام الله عليها »ماتت كمداً على الحزن و الأسى. ففي كتاب البحار ج43 ص95 ح24 قال: عن أبي عبد الله علیه السلام قال: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلی الله علیهم و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً لم تر كاشرة و لاضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين و الخميس فتقول علیها السلام: ههنا كان رسول الله صلی علیه و آله و سلم و ههنا كان المشركون و في رواية أبان عمن أخبره عن أبي عبد الله علیه السلام أنها كانت تصلي هناك و تدعو حتى ماتت». و في البحار أيضاً ج43 ص201 ضمن ح30 عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله و آله و سلم عاشت بعد النبى ستة أشهر ما رئيت ضاحكة و عنه علیه السلام أن فاطمة علیها السلام كفنت في سبعة أثواب). و في مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص137 قال: روي أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محرقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة... الخ».

و إلَيْكُمُ مِنْ شارِداتِ (مُعَامِسٍ) *** بِكْراً يُقِرُّ بِفَضْلِها حُسّادُها(1)

كَمُلَتْ بِوَزْنِ كَمالِكُمْ وَ تَزَيَّنَتْ *** بِمَحاسِنٍ مِنْ حُسْنِكُمْ تَزْدادُها

نادَيْتُها صَوْتاً فَمُذْ أَسْمَعْتُها *** لَبَّتْ و لَمْ يَصْدُرْ عليَّ زِنادُها

نَفَقَتْ لَدَيَّ لِأَنَّها في مَدْحِكُمْ *** فَلِذاكَ لا يُخْشَى عَلَيَّ كَسَادُها

رَحِمَ الإِلهُ مُمِدَّها أَقْلَامَهُ *** و رَجَاؤُهُ أنْ لايَخِيبَ مِدادُها

فَتَشَفَّعُوا لِكَبَائِرَ أَسْلَفْتُها *** قَلِقَتْ لَها نَفْسِي وَقَلَّ رُقادُها(2)

جُرْماً لَوَ أنَّ الرَّاسِياتِ حَمَلْنَهُ *** دُكَّتْ وَذابَ صُخُورُها وَ صِلادُها(3)

هَيْهَاتَ تُمْنَعُ عَنْ شَفَاعَةِ جَدَّکُمْ *** نَفْسٌ وَحُبُّ أبي تُرابٍ زادُها

صَلّى الإِله عَلَيْكُمُ ما أَرْعَدَتْ *** سُحُبٌ وَ أَسْبَلَ مُمْطِراً إزعادُها(4)

ص: 502


1- مغامس: من رمى نفسه في وسط الحرب أو الخطب.
2- رقادها: نومها.
3- الراسيات: الجبال الراسخة - صلادها :صلابها و شديدها.
4- أدب الطف ج4 ص297.

(48) ولادة الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ منذر الساعدي

كأنَّ ولادةَ الزهراءِ عيدُ *** لذا ينسابُ كالنهرِ القَصِيدُ

و تنهمرُ القوافي من عُلوٍ *** كشلالٍ له تشتاقُ بیدُ

وآمالٌ كثلجٍ فوقَ قَلبِي *** فقلبي النارُ في دمهِ تزيدُ

ستطفى ءُجمرة الأحزان فينا *** ولادتُها و للشكوى تبیدُ

ففاطمةٌ لها درجاتُ عِزِّ*** و منزلةٌ و تاريخٌ مجيدُ

ومن قد جهلَ الزهراء يوماً *** تحدَّثُهُ الدهورُ فيستعيدُ

سيخبرُه بما كانتْ تعاني*** وماكانتْ من البارِي تُريدُ

إلهي لا تُرِيني من تعدّى *** على حقَّي فأنّي لا أزيدُ

إلهي أشتكي ظلماً وجوراً *** و كيفّ أهانَتِي الزمنُ العنيدُ

يقابلُني بشتمٍ ثم ضربٍ*** و يدفعُنِي كما دُفعَ العبيدُ

و فوقَ الأرض يا مولاي أهوى*** فألقى الأرضَ كالصرِعَى تميدُ

و يسقطُ محسنٌ والآه تترى *** ألا ياقومُ قد حانَ الوعيدُ

أفاطمُ بضعةُ المختار تلقى*** و تنسوها ليبكيها الصعيدُ

ويُكسر ضلعُها من دون ذنبٍ *** و حيدرةُ يكبِّلهُ الحديدُ

أما تدرونَ من هي من أبوها؟ *** و هل يعلوكُمُ شيءٌ جديدُ؟

ولكنَّ الضمائر قد أُمِيتت *** و لم يَردَعكُمُ خَلقٌ حميدُ

و قد أغراكُمُ مالٌ و جاهٌ *** و دنيا لاتضرُ و لاتفيدُ

ص: 503

خُذُوها في جهنم مستقرِّ *** و مثلكمُ سيدخُلُها المزيدُ

***

ألا يا ساعةَ الميلادِ طوبى *** على شفةِ الزمانِ لك نشيدُ

و في مقل الكرامةِ أنتِ نورٌ*** وفكرٌ ملهمٌ حرَّ سديدُ

هي الزهراءُ صومعةُ المعالي *** بها الأحقابُ ما زالتْ تشيدُ

و ما زالتْ بها الأيامُ تشدو *** و يفخرُ في طهارتِها العديدُ

ولكنَّ المآسي داهمَتْها *** و ما قدمرَّها يومٌ سعيدُ

فمنذُ جريمةِ الأوغادِ دامت *** مصائِبُها و والدُها فقيدُ

و سامُوها العذابَ بلا ضمير*** و أربابُ الضلالِ لها تكيدُ

إلى أن فارقَتْها الروحُ يوماً *** و في أوصالِها همِّ مديدُ

سلاماً في ولادتِكِ سلاماً *** بعثناهُ و أَدْمُعُنا البريد

سلاماً يا بقيعُ بلا انقطاعٍ *** قريبٌ أنتَ ما أنت البعيدُ

ص: 504

قافیة الذال

اشارة

ص: 505

ص: 506

(1) قَصَب السبق

(بحر المتقارب)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

عَذِيرِي مِنْ غافِلِ مَا اسْتَعَاذَا *** مِنَ الْمُنْكَراتِ وَ بالله لاذا(2)

حَسْبُكَ مِنْ تَوْبَةِ نِیَّةٌ *** فَمَا الْوَدْقُ في الْبَدْءِ إِلاّ رَذَاذا(3)

و لاتَسْتَهِنْ بصِغارِ الذنوبِ *** فَمِنْهَا الكَبائِرُ تَأْتِي جُذاذا(4)

وَ لِلنَّفْسِ فِي لَهْوِهَا جَنَّةٌ *** تَرُود الرَّغابُ كثاراً لِذاذا(5)

مَنْ شَبَّ فِي نَزَعَاتِ الشَّبابِ *** شابَ عَلَيْها سِقاطاً حُذاذا(6)

وَمَنْ أَمَّ فى نَهْجِهِ فاطِماً *** و نافَحَ شَيْطَانَهُ وَاسْتَعاذَا

حَوَى قَصَبَ السَّبْقِ مِضمارُهُ *** وَبَدَّخُيُولَ المَعاصَي بَذاذا(7)

وَ قالَتْ لَهُ حَلَباتُ الفَضِيلَةِ *** مَنْ يَمْتَطِي المَجْدَ ظَهْراً كَهذا؟

ص: 507


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- عذيري: نصيري.
3- الودق: المطر. الرذاذ: المطر الضعيف.
4- جُذاذا:ما تكسرّ من الشيء، فضل كلّ شيء.
5- ترود: تطلب. رغاب: وسع الأجواف من الناس.
6- حُذاذا: سريعاً.
7- بَدَّ: ساءت حالته.

(2) حكم الإله

(بحر الكامل)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

حارَ الفُؤادُ إِذِ اعْتَرَتْهُ نَوائِبُ *** لِلدَّهْرِ يَسْأَلُ أَيْنَ أَيْنَ الْمَنْفَذُ

فَهَوَى عَلَى الْقُرْآنِ في صَفَحاتِهِ *** بَحْثاً وَ مِنْ آباتِهِ يَتَلَذَّذُ

وَ إِذا بِهِ في(هَلْ أتى) مُتَلَمِّساً *** دَرْباً يَلُوحُ بهِ الْبَشِيرُ المُنْقِذُ(2)

حَلَّتْ بهِ الزَّهراءُ نُوراً ساطِعاً *** لازالّ فِي قَلْبِ الْعَوالِمِ يَنْفُذُ(3)

وَ بِآيَةِ النَّظْهِيرِ خَصَّصَ بَيْتَها *** عَنْ كُلِّ شَانِئَةٍ بِهِ يَتَعَوَّذُ(4)

فَإِذا مَوَدَّتُها انْتَقَتْ مِنْ مُسْلِمٍ *** فإِلى جَهَنَّمَ وَالسّشعِيرِ سَيُنبَذُ(5)

ص: 508


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- فى المناقب (106/3) أن اللَه «تعالى» قد أنزل (هل أتى) في أهل البيت علیهم السلام و ليس شيء من نعیم الجنة إلّا و ذكر فيه إلّا الحور العين. قال: ذلك إجلالاً لفاطمة علیها السلام.
3- وذلك إشارة لما ورد أيضاً في بحار الأنوار (73/36) آخر الصفحة فضحَّت الملائكة و نادت: إلهنا و سيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلا ما فرَّجت عنا هذه الظلمة فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها روحاً فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء علیها السلام فاطمة فأقامها أمام العرش. فأزهرت المشارق و المغارب فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام.
4- في البحار، ج40 ص66 ح100، قال رسول الله صلی الله علیهم و آله و سلم الله في آية التطهير: «إن الله أختارني من أهل بيتي علیهم السلام و اختار علياً و الحسن و الحسين علیهم السلام و اختارك. فأنا سيد ولد آدم و علي سيد العرب و أنتِ سيدة النساء و الحسن و الحسين علیهم السلام سيدا شباب أهل الجنة. ومن ذريتكما المهدي يملأ الله «عزوجل» به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً».
5- الزمخشري في كشافه: في تفسير: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] قال: إنها لما نزلت قيل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال علیه السلام: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.

حَكَمَ الْإلهُ بِحُبَّ بِنْتِ نَبِيِّهِ *** وَ بِحَقَّ أعْداءِ البَتُولِ يُنَفَّذُ(1)

أَفَيَدَّعِي الإِسْلامَ غاصِبُ حَقِّها؟ *** كَلاَّ فَذَلِكَ في الأنامِ مُشَعْوِذُ(2)

ص: 509


1- عن الإمامة والسياسة ص14 : في قول رسول الله صلی الله علیم و آله و سلم:«من أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبَّني ومن أرضي فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني».
2- مشعوذ: من استعمل الشعوذة و هي خفة اليد و أعمال كالسحر تري الشيء للعين بغير ما هو عليه و في كتاب الإمامة و السياسة أيضاً ص14: في حديث فاطمة علیها السلام لأبي بكر و عمر: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم تعرفان و تفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، و لئن لقيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم لأشكونكما إليه. و في تفسير علي بن إبراهيم القمي ص533 و ذلك في شرح الآية :«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ» قال: نزلت في من غصب أميرالمؤمنين علیه السلام حقه و أخذ حق فاطمة علیها السلام و آذاها. و قد قال النبي صلی اللَّه علیه و آله و سلم: «من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، و من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه» و راجع البحار ج43 ص25 ح23.

(3) يقف الأمين مسلماً

(بحر الكامل)

الدكتور السيد مسلم الجابري(*)(1)

يا دار فاطِمَ ما تَرَاءَى طَيْفُها *** إلا وَ أَصْبَحَ مِنْهُ فِي عَيْنِي قَذَى

حَتّامَ هذا القَلْبُ يَتْرَعُهُ الأسَى*** لَمْ يُلْفَ مِنْ شِرْكِ المَصائِبِ مُنْقَذا(2)

عَهْدٌ لِعِتْرَةِ أَحْمَدٍ فِي صَحْبِهِ *** غَضِّ يَفُوحُ بِهِ مِن الوَحْيِ الشَّذَى(3)

أمْسَى يُؤَكِّدُهُ الرَّسُولُ لِقَوْمِهِ *** فَكَأَنَّهُ أَوْحَى بِهِ أنْ يُنْبَذا

لاحَبَّذا الغَدْرُ الشَّنِيعُ وَ يَوْمُهُ *** مِنْ بَعْدِ مَوْتِ المُصْطَفَى لاحَبَّذا

يَوْمٌ أَنَاخَ بِهِ الظَّلامُ فَلَمْ يَجِدْ *** نُورُ الهِدايةِ في الضَّمائِرِ مَنْفَذا

لَهفي لِبنتِ مُحَمَّدٍ مِنْ بَعْدِهِ *** ذاقَتْ مِنَ الأصْحابَ ألوانَ الأذَى

خَرَجَتْ تَذُودُ النَّارَ عَنْ بابِ بِهِ *** يَقِفُ الأمينُ مُسَلِّماً وَمُعَوِّذا

وَ لَقَدْ أصابَ مِنَ الهِدايَةِ قَلْبَها *** ما أَلَمَ المِسْمَارُ مِنْهُ، و أَوْقَذَا

وَ السَّوْطُ يَلْعَنُ حامِلِيهِ بما جَنَى *** حِقْدٌ على الزَّهْراءِ حَرَّضَ قُنْفُذا

يا سَوْط قُنْفُذَ قَدْ شَهَرْتَ عَلَى الهُدَى *** سَيْفاً تَعَوَّدَ أَنْ يُسَلَّ و يُشْحَذا(4)

نُهِبَتْ به مُهَجٌ لِآلِ مُحَمَّد(صلي الله علیه و آله و سلم)*** رَاحَ العَدُوُّ بِسَفْكِها مُتَلَذَّذا

ص: 510


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يترعه:يملأه.
3- غضّ: ناضر.
4- يُشحذ: يُحدّ.

يَوْمَ اسْتَفاقَتُ في الصُّدورِ صَغَائِنٌ *** وَ غَدا الضَّلال على الهُدَى مُسْتَخوِذا(1)

كانَتْ بِهِ أبناء فاطِمَ بَعْدَها *** في كُلِّ نازلَةٍ مِثالاً يُحْتَذي(2)

ما هَمَّهُمْ خَصْمٌ تَنازَعَ حَقَّهُمْ *** كَلاً وَ لَمْ يُسْكِتْهُمُ هاذٍ هَذى

وَ لَئِنْ تَلَمَّظَ في زَكِيٌّ دِمَائِهِمْ *** خَصْمٌ غَدا في ظُلْمِهِمْ مُتنَفّذا

فاللَّهُ يَوْمَ الحَشْرِ يَأْخُذُ ثَارَهُمْ *** وَ الصُّورُ يَدْعُو ظَالِماً كَيْ يُؤْخَذا(3)

ص: 511


1- ضغائن: أحقاد.
2- نازلة: مصيبة.
3- الصور: القرن، و منه قوله «تعالى» «يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ».

ص: 512

الفهارس العامة

اشارة

1- فهرس الشعراء

2- فهرس التراجم

3- فهرس القصائد والبحور

4- فهرس الموضوعات

ص: 513

ص: 514

1- فهرس الشعراء

الإسم*** المقطوعة

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني *** ت(1)، د(1)

الشيخ إبراهيم النصيراوي *** ب(1)

الأستاذ أبوذر الشويلي *** ت(2)

الشيخ أحمد بن حسن الدمستاني *** ب(2)

الأستاذ أحمد علي الناصر *** د (2)

أحمد محمد الأنصاري الشيرواني *** د (3)

الدکتور أسعد علي *** ب (3)

السيدة أم سلمة زوجة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم *** ت (3)

الأستاذ أنور الجندي *** د (4)

جاسم محمد الصحيح *** ب (4)، ح (1)

الأستاذ جعفر الجعفر *** ب (5)، د (5)

الأستاذ جعفر عباس الحائري *** د (6)

الشيخ جعفر الهلالي *** د (7)، د (8)

الأستاذ الحافظ البرسي الحلي *** ح (2)

الشيخ حبيب الهريبي *** د (9)

الشيخ حسن البحراني القيسي *** ب(6)، ب (7)، د (10)، د (11)، د (12)

الشيخ حسن بن حمود الحلي *** ب (8)، ب (9)

الأستاذ حسن بن علي بن جابر الهبل *** ب (10)

الشيخ حسن الدمستاني *** ب (11)

الشيخ حسين الشبيب *** د (13)، د (14)

الشيخ حسين النصراوي *** د (15)

ص: 515

الأستاذ ديك الجن الحمصي *** ت (4)

الأستاذ سالم محمد علي *** ت (5)

الحاج سعود الشملاوي *** د (16)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي *** ب (12)، ب (13)

الأستاذ سعيد معتوق الشبيب *** د (17)

الأستاذ سفيان بن مصعب العبدي (أبومحمد) *** ب (14)

الشيخ سلمان البلادي البحراني *** ب (15)

الشيخ سلمان بن أحمد البحراني *** د (18)

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة *** ت (6)

الشيخ سليمان الجابري *** د (19)

الشريف الرضي *** د (20)

الشيخ صادق جعفر الهلالي *** ب (16)

الشيخ صالح الطرفي *** ث (1)، خ (1)

الأستاذ عباس مرتضى عياد العاملي *** ب (17)

الشيخ عبدالحسين شكر *** د (21)

الشيخ عبد الستار الكاظمي *** ج (1)، د (22)

الشيخ عبد العظيم الربيعي*** ب (18)، ب (19)، د(23)

الشيخ عبد الغني الخضري *** ب (20)

الشيخ عبد الكريم صادق *** ب (21)

الشيخ عبد الكريم الممتن *** ح (3)، ح (4)

الأستاذ عبدالله بن عمار البرقي *** ت (7)

الشيخ عبد الله بن معتوق *** ب (22)

الشيخ عبد الله الوائل الإحسائي *** د (24)

الشيخ عبد الواحد مظفر *** ت (8)

الأستاذ علاء الدين البهادلي *** د (25)

الشيخ ملا علي آل رمضان *** ب (23)، ب (24)، ب (25)، د (26)، د (27)

الشيخ علي بن حسن الجشي *** ب (26)، د (28)

الحاج علي حمدان الرياحي *** د (29)

ص: 516

الأستاذ علي محمد الحائري *** ت (9)، ث (2)، ج (2)، ح (5)، خ (2)، ذ (1)

الشيخ علي منصور المرهون *** د (30)

الأستاذ علي نوح المهنا *** د (31)

السيد عيسى الكاظمي *** ب (27)

الشيخ غلام حسين الغروي الأصبهاني *** ب (28)

الشيخ فرج العمران القطيفي *** د (30)

الشيخ قاسم محيي الدین *** د (32)

الشيخ قيس العطار *** ج (3)

الشيخ كاظم آل نوح *** ت (10)، د (33)

لأحد الأدباء *** ب (49)

الأستاذ لطف الله بن محمد البحراني *** د (34)

الشيخ محسن أبوالحب الكبير *** ب (29)

ملامحسن بن سلمان البحراني *** ب (30)

الحاج محمد آل رمضان الإحسائي *** ب (31)

الشيخ محمد بن علي آل نتيف *** ب (32)

السيد محمد جمال الهاشمي *** ب (33)، د (35)

الأستاذ محمد جمعة الكويتي *** ب (34)

السيد محمد جواد فضل اللَّه *** د (36)

الشيخ محمد حسن دكسن *** د (37)

الشيخ محمد حسن سميسم *** ب (35)، ب (36)، ب (37)، د (38)

السيد محمد حسن الشخص *** د (39)

الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء *** ث (3)

السيد محمد الحسيني الشيرازي *** د (40)

الشيخ محمد الخليلي *** ب (38)

السيد محمدرضا القزويني *** ب (39)، خ (3)، د (41)، ذ (2)

محمد سعيد الأمجد *** ب (40)

الشيخ محمد سعيد المنصوري *** د (42)

ص: 517

الأستاذ محمد صالح البحراني *** ح (6)، د (43)

السيد محمد علي العلي *** د (44)

الشيخ محمد علي اليعقوبي *** ب (41)، ج (4)

السيد محمد كاظم الكفائي*** ت (11)

الأستاذ محمود البستاني *** ب (42)

السيد مسلم الجابري *** ذ (3)

السيد مصطفى محمد فضل اللَّه *** د (45)

الأستاذ مصطفى المهاجر *** د (46)

الشيخ مغامس بن داغر الحلي *** د (47)

الأستاذ منذر الساعدي *** ب (43)، ب (44)، ت (12)، ح (7)، د (48)

السيد مهند جمال الدين *** ب (45)

الأستاذ ناجي داود الحرز *** ت (13)

الحاج هاشم الكعبي *** ب (46)

الشيخ يحيى الراضي *** ب (47)

الشيخ يعقوب ابن الحاج جعفر *** ب (48)

الشيخ يوسف البحراني *** ت (14)

ص: 518

2- فهرس التراجم

الإسم *** الصفحة

- الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني *** 231

الأستاذ جاسم محمد الصحيح *** 29

- الأستاذ جعفر عباس الحائري *** 348

- الشيخ جعفر الهلالي *** 354

- الحافظ البرسي الحلي *** 300

- الشيخ حبيب الهريبي *** 365

الشيخ حسن بن حمود الحلي *** 43

- الشيخ حسن الدمستاني *** 56

- الشيخ حسين الشبيب *** 374

الشيخ حسين النصراوي *** 379

- ديك الجن الحمصي *** 238

- الأستاذ سالم محمد علي *** 240

- الحاج سعود الشملاوي *** 381

الأستاذ سعيد معتوق الشبيب *** 385

- الشيخ سلمان بن أحمد البحراني *** 387

- الشريف الرضي *** 394

- الشيخ صالح الطرفي *** 269

- الشيخ عبد الحسين شكر *** 398

- الشيخ عبد الكريم صادق *** 103

- الشيخ عبد الكريم الممتن *** 304

- الشيخ عبد الله بن معتوق *** 109

- الشيخ عبد الله الوائل الاحسائي *** 420

ص: 519

- الأستاذ علي محمد الحائري *** 250

- الأستاذ علي نوح المهنا *** 448

- الشيخ قيس العطار *** 288

- الشيخ محسن أبوالحب (الكبير) *** 142

- الشيخ محمد بن علي آل نتيف *** 154

- السيد محمد جمال الهاشمي *** 158

- الأستاذ محمد جمعة الكويتي *** 168

- السيد محمد جواد فضل اللَّه *** 465

- الشيخ محمد حسن دكسن *** 169

- الشيخ محمد حسن سميسم *** 170

- السيد محمد حسن الشخص *** 174

- الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء *** 273

- السيد محمد رضا القزويني *** 193

- الشيخ محمد علي اليعقوبي *** 197

- الشيخ مغامس بن داغر الحلي *** 499

- السيد مهند جمال الدين *** 207

- الحاج هاشم الكعبي *** 211

- الشيخ يوسف البحراني *** 263

ص: 520

3- فهرس القصائد و البحور

الاشارة
-لباء-

أكبرت ذكراك لايرقى لها أدبي *** فيض من الوحي أم سرَّ من العجب *** 11

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

يا ناقص العقل البليد الغبي *** وذا الفؤاد الطائش المرعب *** 13

(المقطوعة 2 / بحر السريع)

المقتدي بمحمد مس الأدب *** و كتابه ما مسه إلا النجب *** 18

(المقطوعة 3 / بحر الكامل)

و هج القباب أم المصير المتعب *** ذاك الذي لك شدني يا يثرب *** 29

(المقطوعة 4 / بحر الكامل)

أتسألني ما نور تلك الكواكب *** هل النور إلا من نجوم ثواقب *** 31

(المقطوعة 5 / بحر الطويل)

أصفياء مقامهم لايضاهي *** حبها في غد يقيك العذابا *** 38

(المقطوعة 6 / بحر الخفيف)

أبكي و دمعي على الخدين منسكب *** و القلب مني بنار الوجد ملتهب *** 40

(المقطوعة 7 / بحر البسيط)

سل أربعاً فطمت أكنافها السحب *** عن ساكنيها متى عن أُفقها غربوا *** 43

(المقطوعة 8/ بحر البسيط)

للَّه قوم تمادوا بعد ما انقلبوا *** مذ في سقيفتهم للغدر قدنصبوا *** 51

(المقطوعة 9 / بحر البسيط)

أيغنيك دمع أنت في الربع ساكبه *** و قد رحلت غزلانه و رباربه *** 53

(المقطوعة 10/ بحر الطويل)

أطلت وقوفي في منى فالمحصّب *** لتذكار آثار النبي المهذّب *** 56

(المقطوعة 111 /بحر الطويل)

ص: 521

رؤياً لها حن الحسين و ذابا *** و الشوق ألهب قلبه إلهابا *** 60

(المقطوعة 12 / بحر الكامل)

جلّى غبار النقع شر هزيمة *** بقريش فارتدت على الأعقاب *** 62

(المقطوعة 13 / بحر الكامل)

آل النبي محمد *** أهل الفضائل و المناقب *** 65

(المقطوعة 14 / مجزوء الكامل)

هو الدهر بالأعمال تسري ركائبه *** كما كان بالآجال تسعی نوائبه *** 74

(المقطوعة 15 / بحر الطويل)

حي البتولة و ابلغ بالسنا رتباً *** شعراً تطرز في قرطاسه العجبا *** 83

(المقطوعة 16 / بحر البسيط)

هبيني مقلة تحكي السحابا *** لعلك تغسلين بها العتابا *** 87

(المقطوعة 17 / بحر الوافر)

أي شهر قد أظل المسلمين *** بالتهاني و بموفور الثواب *** 90

(المقطوعة 18 / بحرالرمل)

دهر يحاربه ذوو الألباب *** لازال يأتينا بكل عجاب *** 94

(المقطوعة 19 / بحر الكامل)

أي خطب باغت الأمة شيباً و شبابا *** 99

المقطوعة 20 / مجزوء الرمل)

هي فاطم كم للمصائب صابها *** جرعت و کم قد كابدت أوصابها *** 103

(المقطوعة 21 / بحر الكامل)

يا سيد الكون يا أعلى الورى نسباً *** يا خير منتجب من خيرة النجبا *** 109

(المقطوعة 22 / بحر البسيط)

من الضلال علينا النصب قد وثبا *** لما استطال و عنا كنت محتجبا *** 117

(المقطوعة 23 / بحر البسيط)

عجيب الأمر من فقد الشبابا *** و مفرق رأسه المسود شابا *** 120

(المقطوعة 24 / بحر الوافر)

علامك عن سمت الرضا متنكب *** و نفسك فيما يعطب العقل ترغب *** 123

(المقطوعة 25 / بحر الطويل)

ص: 522

غيرة اللَّه كيف تسطيع صبراً *** ولشمس الإسلام حان غروب *** 127

(المقطوعة 26 / بحر الخفيف)

خطب يذيب من الصخور صلابها *** و يزيل من شم الجبال هضابها *** 134

(المقطوعة 27 / بحر الكامل)

سقى الله أنفاسي من السلسل العذب *** لأنظم أبكاراً من اللؤلؤ الرطب *** 137

(المقطوعة 28 / بحر الطويل)

متى تدرك الثأر الذي أنت طالبه *** متى تملك الأمر الذي أنت صاحبه *** 142

(المقطوعة 29 / بحر الطويل)

الدهر شق جيوب الفجر و الحجبا *** على مصيبة أم السادة النقبا *** 147

(المقطوعة 30 / بحر البسيط)

ذكرى هي النور للأجيال و الحقب *** و فرحة الدهر للإسلام و العرب *** 150

(المقطوعة 31 / بحر البسيط)

إذ لذّ لي مطعم أو شراب *** بشهر ربيع فشيء عجاب *** 154

(المقطوعة 32 / بحر المتقارب)

أي خطب يبكي عليه خطابي *** و مصاب قد شاب شهدي بصاب *** 158

(المقطوعة 33 / بحر الخفيف)

قلبي يقل أسّى طما أهدابي *** و يسيخ متني كارهاً أثوابي *** 168

(المقطوعة 34 / بحر الكامل)

من مبلغ عني الزمان عتابا *** و مقرع مني له أبوابا *** 170

(المقطوعة 35 / بحر الكامل)

ذهب الشباب فما رأيت شبابا *** و بقيت أنظر شيبتي مرتابا *** 179

(المقطوعة 36 / بحر الكامل)

يا خاطب العز و العلياء في الخطب *** لاتكشف الكرب حتى تمشي في الكرب *** 187

(المقطوعة 37 / بحر البسيط)

بلوغ الأماني في حداد المضارب *** و نيل المعالي في اقتحام المعاطب *** 191

(المقطوعة 38 / بحر الطويل)

أفاطمة البتول و إن قلبي *** تميز بالهوى بين القلوب *** 193

(المقطوعة 39 / بحر الوافر)

ص: 523

أي شعر سينفث الروح في الشلو *** فيرمي عن متنه الاكتئابا *** 195

(المقطوعة 40 / بحر الخفيف)

ترك الصَبا لك و الصبابه *** صبّ كفاه ما أصابه *** 197

(المقطوعة 41 / مجزوء الكامل)

يا غرسة الهادي، و يغسل راحتي هدير خطبه *** 202

(المقطوعة 42 / مجزوء الكامل)

ألا يا دهر يكفي الاغتراب *** و مهلاً ليس يرحمنا العذاب *** 204

(المقطوعة 43 / بحر الوافر)

دمع كغيث هاطل ينساب *** و تأثر و تحسّر و عذاب *** 205

(المقطوعة 44 / بحر الكامل)

أنت في البحر و القواقي تغيب *** وسلا قلبك الشعور المجيب *** 207

(المقطوعة 45 / بحر الخفيف)

عدتك نجد فماذا أنت مرتقب *** يدنو إليك الحمى أم تنقل الهضب *** 211

(المقطوعة 46 / بحر البسيط)

توقد حين بالله إنسياب *** فؤاد شب و انتفض الحباب *** 219

(المقطوعة 47 / بحر الوافر)

أي رأس بالأسى لم يشب *** لابنة المختار نور الحجب *** 222

(المقطوعة 48 / بحر الرمل)

بشرى لنا معشر الأحباب بالطرب *** و استبشروا بزوال الغم و الكرب *** 224

(المقطوعة 49 / بحر البسيط)

-التاء-

أتتني من الحب الخدين ألوكة *** مغلغلة في القلب تنفي و تثبت *** 231

(المقطوعة 1 / بحر الطويل)

للشمس نور ولي في عشق مولاتي *** نور ينزّه عن شأن الكسوفات *** 235

(المقطوعة 2 / بحر البسيط)

تهن دلالاً يا صحيباتي *** و انشدن في أحلى العبارات *** 237

(المقطوعة 3/ بحر السريع)

ص: 524

یا قبر فاطمة الذي ما مثله *** قبر بطيبة طاب فيها مبيتا *** 238

(المقطوعة 4 / بحر الكامل)

الدمع قرح مقلتي *** و الليل أثقل و حشتي *** 240

(المقطوعة 5 / مجزوء الكامل)

أي ذكرى تموج بالحسرات *** زخرت بالأنين و الزفرات *** 243

(المقطوعة 6 / بحر الخفيف)

إذا جاء عاشورا تضاعف حسرتي *** لآل رسول الله و انهل عبرتي *** 245

(المقطوعة 7 / بحر الطويل)

فيابن أبي سفيان كم لك غدرة *** تناقلها الأجيال في الحفلات *** 248

(المقطوعة 8 / بحر الطويل)

أفيء إلى النفس التي ما استقرت *** إذا احتدمت في خمرة اليأس آهتي *** 250

(المقطوعة 9 / بحر الطويل)

أبا الزهراء قد عقدت علينا *** لإخراج الوصي مؤامرات *** 254

(المقطوعة 10 / بحر الوافر)

لاقیت من دهري ومن صدماته *** حزناً أذاب القلب في حملاته *** 257

(المقطوعة 11 / بحر الكامل)

من وحي يومك انتقي كلماتي *** يا فاطم الزهراء مولاتي *** 259

(المقطوعة 12 / بحر الكامل)

ثمان و عشر من السنوات *** أضاءت بعمرك عمر الحياة *** 261

(المقطوعة 13 / بحر المتقارب)

برق تألق بالحمى لحماتها *** أم لامع الأنوار في و جناتها *** 263

(المقطوعة 14 / بحر الكامل)

-الثاء-

إن كنت تطلب مأتماً و مرائي *** فابك البتول سليبة الميراث *** 269

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

ناديت باسمك في الخطوب غياثا *** و الدهر أرهص من ذماي و عاثا *** 271

(المقطوعة 2 / بحر الكامل)

لك الله من قلب بأيدي الحوادث *** لعبن به الأشجان لعبة عابث *** 273

(المقطوعة 3 / بحر الطويل)

ص: 525

-الجيم-

لأرسلن بريداً غير منعرج *** إلا إليك بلا أمت و لاعوج *** 281

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

فلجي بالهوى قوافي فلجا *** هن لولاك قد تولدن خدجا *** 285

(المقطوعة 2 / بحر الخفيف)

هموم مدى الأيام لاتتفرج *** و حزن لآلام القلوب مهیّج *** 288

(المقطوعة 3 / بحر الطويل)

مالي سوى الهادي النبي و آله *** حصن إليه لدى الشدائد التجي *** 291

(المقطوعة 4 / بحر الكامل)

-الحاء-

نور ذكراك فك قيد الصباح *** فازدهى الكون بالشموس الضواحي *** 295

(المقطوعة 1 / بحر الخفيف)

دمع يبدّده مقيم نازح *** ودم يبدده مقیم نازح *** 300

(المقطوعة 2 / بحر الكامل)

أيها الغافل لانلت نجاحا *** خالف النفس ودع عنك الملاحا *** 304

(المقطوعة 3 / بحر الرمل)

هذه الدنيا تناديك صراحا *** لرحيل عاجل ليلاً صباحاً *** 307

(المقطوعة 4 / بحر الرمل)

أرى كبدي تمزقها القروح *** وملء دمي الحرائق و الجروح *** 313

(المقطوعة 5 / بحر الوافر)

سلبوا حجاه فما عليه جناح *** لو جنّ إذ منه أُهيض جناح *** 315

(المقطوعة 6 / بحر الكامل)

يفشي التألم هاطل نضاح *** و تبوح سر العاشقين جراح *** 321

(المقطوعة 7 / بحر الكامل)

ص: 526

-الخاء-

جبال همومي لاتريم رواسخ *** رست و تعالت فيّ فهي شوامخ *** 325

(المقطوعة 1/ بحر الطويل)

يؤنبني الزمان و لاأصيخ *** و كل في الحياة له رضيخ *** 326

(المقطوعة 2 / بحر الوافر)

خرجت تجرّ ذيولها في محنة *** يوماً لها سمع الزمان يصيخ *** 328

(المقطوعة 3/ بحر الكامل)

-الدال-

لا يبرح الدهر المعاند *** و له بإضراري مقاصد *** 333

(المقطوعة 1 / مجزوء الكامل)

في السماوات كل أنس بادي *** و على الأرض موكب الأعياد *** 336

(المقطوعة 2 / بحر الخفيف)

قلم الولاء جرى بنور سوادي *** لذوي الفخار السادة الأمجاد *** 339

(المقطوعة 3 / بحر الكامل)

أفاطمة الزهراء يابنة أحمد *** و يا عبق الريحان في كل معبد *** 340

(المقطوعة 4 / بحر الطويل)

أبدي و باسم الله جئت أردد *** لابالحسان الغيد رحت أُمهّد *** 342

(المقطوعة 5/ بحر الكامل)

لك الشكر ربي و الثنا و المحامد *** لك الحمد إذ تبدي و حين تعاود *** 348

(المقطوعة 6 / بحر الطويل)

أتى يوم البتولة و هو عيد *** فطاب بذکر مولدها القصيد *** 354

(المقطوعة 7 / بحر الوافر)

و صبرت على عظم البلوى *** و لقلبك بأن تجلده *** 359

(المقطوعة 8/ بحر المتدارك)

ولايتكم فخري و مجدي و سؤددي *** و خدمتكم ذخري و زادي في غدي *** 365

(المقطوعة 9/ بحر الطويل)

اخضرَ وجه الربى و اعشوشب الوادي *** و الطير غنى بألحان إنشاد *** 367

(المقطوعة 10 / بحر البسيط)

على الزهراء حزني في ازدياد *** و دمعي فوق صحن الخد بادي *** 370

(المقطوعة 11 / بحر الوافر)

ص: 527

حسبي على ما حل بي إنشادي *** و تلبسي بالنوح و التعداد *** 372

(المقطوعة 12 / بحر الكامل)

یا خیر داع للإله وهادي *** شمتت بموتك جملة الحساد *** 374

(المقطوعة 13 / بحر الكامل)

لي عين دموعها كالغوادي *** و مصاب أدام سقم الفؤاد *** 376

(المقطوعة 14 / بحر الخفيف)

يا لهذا الصباح كم من جمال *** فيه كم من سماحة المعبود *** 379

(المقطوعة 15 / بحر الخفيف)

لبنت النبي الهادي الحشا تتوقد *** فما عذر دمع العين أن لايبدد *** 381

(المقطوعة 16 / بحر الطويل)

یا سماء افرحي و يا أرض جودي *** نجم سعد أنار كل الوجود *** 385

(المقطوعة 17 / بحر الخفيف)

أتبكي على رسم بداره ثهمد *** عفته الليالي فهو كالوشم في اليد *** 387

(المقطوعة 18 / بحر الطويل)

غنّت حمامات بدار محمد *** طرباً بمولد بنت أكرم سيد *** 391

(المقطوعة 19 / بحر الكامل)

هذي المنازل بالغميم فنادها *** و اسكب سخي العين بعد جمادها *** 394

(المقطوعة 20 / بحر الكامل)

حتى م سيدنا تبقى العباد سدى *** فصارم الصيد من فرط الصدود صدا *** 398

(المقطوعة 21 / بحر البسيط)

من بني أحمد عاد و ثمود *** روعا مرآة أنوار الوجود *** 404

(المقطوعة 22 / بحر الرّمل)

بشرى عليّ و النبي محمّد *** بولادة الزهراء بضعة أحمد *** 407

(المقطوعة 23 / بحر الكامل)

باتت على فنن الأراك تغرد *** بفنونها و بي المقيم المقعد *** 420

(المقطوعة 24 / بحر الكامل)

بنت الهدى و ساعة الميعاد *** و الصبح يرقب لحظة الميلاد *** 427

(المقطوعة 25 / بحر الكامل)

ص: 528

لمن النور قد أضاء الوجودا *** و أرانا فجراً جديداً سعيدا *** 429

(المقطوعة 26/ بحر الخفيف)

طغى بحر الضلال على العباد *** و أخفى طرق أبنية الرشاد *** 432

(المقطوعة 27 / بحر الوافر)

لايؤمن الدهر الخؤون على أحد *** و متى أسرّ أسا و إن وهب استرد *** 434

(المقطوعة 28 / بحر الكامل)

ماذا أقول بعید بنت محمد *** و بآل بيت محمد و محمد *** 438

(المقطوعة 29 / بحر الكامل)

أرى زمني أخنى عليَ و عاندا *** و لازال في تكدير عيشي مجاهدا *** 446

(المقطوعة 30 / بحر الطويل)

أتوق إلى لقائك يا جمادی *** إذا ما عدت هذا الشوق عادا *** 448

(المقطوعة 31 / بحر الوافر)

أوضح بنهج الرشد للمسترشد *** إذ لا سبيل إلى جحود الملحد *** 454

(المقطوعة 32 / بحر الكامل)

یوم به بعث النبي محمد *** يوم يؤرخه الزمان الأبعد *** 456

(المقطوعة 33 / بحر الكامل)

سهام المنايا في البرايا نوافد *** و حادي المنايا مستضيف و وافد *** 459

(المقطوعة 34/ بحر الطويل)

مولد الزهراء للإيمان عيد *** کل شيعي بذكراه سعيد *** 462

(المقطوعة 35 / بحر الرمل)

في الذرى أنت إذ يرف العيد *** مطلع مشرق و لحن فريد *** 465

(المقطوعة 36 / بحر الخفيف)

عج بالنياق ليثرب يا حادي *** نبك الأولى من أهل ذاك النادي *** 469

(المقطوعة 37 / بحر الكامل)

بفاطم بنت المصطفى الطهر أحمدا *** أرد الردى قسراً بقارعة الردى *** 471

(المقطوعة 38 / بحر الطويل)

هلّل السعد بيوم المولد *** فاهزجي يا نفس بشراً و اسعدي *** 474

(المقطوعة 39 / بحر الرمل)

ألا أبشروا فاليوم أزهر أمجد *** به العيش بالأفراح و اليمن أرغد *** 478

(المقطوعة 40 / بحر الطويل)

ص: 529

لما أحاطت بي الأهوال شاخصة *** أنظارها الشزر نحوي كل مرصاد *** 482

(المقطوعة 41 / بحر البسيط)

بك العيش يا دنيا مرير منکَد *** على كل حرّ ما له فيك مقصد *** 484

(المقطوعة 42 / بحر الطويل)

أتروم في دار الصدود خلودا *** و تسوم جنات الخلود صدودا *** 488

(المقطوعة 43 / بحر الكامل)

باسم البتول و باسم عيد المولد *** حرّرت في الذكرى بديع قصائدي *** 492

(المقطوعة 44 / بحر الكامل)

تحيا القلوب بذكر آل محمد *** هم نعمة الباري و نور الأوحد *** 495

(المقطوعة 45 / بحر الكامل)

أريج النبوة فيك ابتدا *** و فيض الهداية منك اهتدى *** 496

(المقطوعة 46 / بحر المتقارب)

حيّا الإله كتيبة مرتادها *** يطوى له سهل الفلا و وهادها *** 499

(المقطوعة 47 / بحر الكامل)

كأن ولادة الزهراء عيد *** لذا ينساب كالنهر القصيد *** 503

(المقطوعة 48 / بحر الوافر)

-الذال-

عذيري من غافل ما استعاذا *** من المنكرات و باللّه لاذا *** 507

(المقطوعة 1/ بحر المتقارب)

حار الفؤاد إذ اعترته نوائب *** للدهر يسأل أين أين المنفذ *** 508

(المقطوعة 2 / بحر الكامل)

یا دار فاطم ما تراءى طيفها *** إلا وأصبح منه في عيني قذى *** 510

(المقطوعة 3 / بحر الكامل)

ص: 530

4- فهرس الموضوعات

الفاتحة *** 5

تقریظ *** 7

تقريظ *** 8

قافیة الباء

(1) أكبرتُ ذكراكِ *** 11

(2) أمنا الزهراء علیها السلام *** 13

(3) زهراء علیها السلام تشفع *** 18

(4) وهج القباب *** 29

(5) ميلاد البتول علیها السلام *** 31

(6) حبیبةُ طه *** 38

(7) ذكرُ فاطمة علیها السلام *** 40

(8) ضاق الفضاء *** 43

(9) خلّوا ابن عمّي *** 51

(10) يوم السقيفة *** 53

(11) صرت إلى الزهراء علیها السلام *** 56

(12) مسلماً و مودعاً *** 60

(13) الزهراء علیها السلام بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 62

(14) صديقة خُلقت *** 65

(15) دار فاطم علیها السلام *** 74

(16) ريحانة المصطفي صلي الله علیه و آله و سلم *** 83

(17) بنت السماء *** 87

ص: 531

(18) بورك العرسُ *** 90

(19) عاشت قليلاً *** 94

(20) المفروض نصاً *** 99

(21) بيت القدس *** 103

(22) أعلى الورى نسباً *** 109

(23) دار فاطمة علیها السلام *** 117

(24) سادات البرايا *** 120

(25) فاطمة الزهراء علیها السلام *** 123

(26) غيرة الله *** 127

(27) القبر الشريف *** 134

(28) الدرة البيضاء *** 137

(29) فرصةً بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 142

(30) دوحة القدس *** 147

(31) فرحة الدهر *** 150

(32) ثياب المصاب *** 154

(33) يوم الزهراء علیها السلام *** 158

(34) قبض النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 168

(35) یا باب فاطم علیها السلام *** 170

(36) من قد مرحباً؟ *** 179

(37) باب الوصي *** 187

(38) تنادى أباها *** 191

(39) همسة إلى الزهراء علیها السلام *** 193

(40) مرايا النبوءات *** 195

(41) وديعة أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 197

(42) خُطى الزهراء علیها السلام *** 202

(43) كأس الرزايا *** 204

(44) بنت الكرام *** 205

ص: 532

(45) سنا فاطم علیها السلام *** 207

(46) ما كربلا لولا السقيفة *** 211

(47) الزهراء علیها السلام باسطة يديها *** 219

(48) بضعة خير الأنبياء *** 222

(49) يا طالباً فضلها *** 224

قافیة التاء

(1) أفاطم علیها السلام لاأنساك *** 231

(2) قصة الزهراء علیها السلام *** 235

(3) ذروة المجد *** 237

(4) يا قبر فاطمة علیها السلام *** 238

(5) بنت خير الناس *** 240

(6) بنتُ الخلود *** 243

(7) بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 245

(8) مصونة وحي اللَّه *** 248

(9) هي الدُّرةُ الزهراء علیها السلام *** 250

(10) اختلف الرواة *** 254

(11) ماذا أقول *** 257

(12) من وحي يومكِ *** 259

(13) یا بنت خير الذري *** 261

(14) من مخبر الزهراء علیها السلام *** 263

قافیة الثاء

(1) فابكِ البتول علیها السلام *** 269

(2) ناديتُ باسمك *** 271

(3) أرزاء آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 273

ص: 533

قافیة الجیم

(1) حُجَّة الحُجَج *** 281

(2) دموع الزهراء علیها السلام *** 285

(3) ظُلم النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 288

(4) الهادي النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 291

قافية الحاء

(1) يابنة الطيبين *** 295

(2) حورية إنسية *** 300

(3) فبعين الله *** 304

(4) إمش خلف المرتضى علیه السلام *** 307

(5) الزهراء علیها السلام نهج *** 313

(6) عزيزة أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 315

(7) مكامن الحزن *** 321

قافية الخاء

(1) حرام على عيني *** 325

(2) تُربة الزهراء علیها السلام *** 326

(3) وصايا أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 328

قافية الدال

(1) غَدَر الزمان *** 333

(2) فاطمٌ و عليّ علیهما السلام *** 336

(3) قلمُ الولاء *** 339

(4) يا بنت أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 340

(5) تسبيحة الزهراء علیها السلام *** 342

(6) هل أتى في فضلها *** 348

(7) يوم البتول *** 354

ص: 534

(8) وأتت للمسجد *** 359

(9) من وحي الولاء *** 365

(10) نور البتول علیها السلام *** 367

(11) إمام المرسلين *** 370

(12) رُكْنُ الشَّريْعَة *** 372

(13) يا خير داع...! *** 374

(14) و حق الزهراء علیها السلام *** 376

(15) تشدو الطيور *** 379

(16) قبرها عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 381

(17) مولد الكوثر البتول علیها السلام *** 385

(18) صوت أحمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 387

(19) أُمّ الحسين علیه السلام *** 391

(20) هذي المنازل *** 394

(21) حتى متى الصبر *** 398

(22) روّعوا الطهر *** 404

(23) فضائل فاطم علیها السلام *** 407

(24) دُرةُ الكونين *** 420

(25) من بيت فاطم علیها السلام *** 427

(26) مهرجان البتول علیها السلام *** 429

(27) ذاتُ أحزان *** 432

(28) الدهرُ الخؤون *** 434

(29) يا بنت أشرف مرسَلِ صلي الله علیه و آله و سلم *** 438

(30) فؤاد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 446

(31) النور المشع *** 448

(32) بيت الهدى *** 454

(33) ريحانة الهادي *** 456

(34) أفاطم علیها السلام قومي *** 459

ص: 535

(35) الموسم عيد *** 462

(36) يابنة الطهر *** 465

(37) فقد الهادي *** 469

(38) زينة عرش اللَّه *** 471

(39) أشرقت الدنيا *** 474

(40) مباركة ميمونة *** 478

(41) آية التطهير *** 482

(42) بضعة خير الخلق *** 484

(43) أمُّ الأئمة علیها السلام *** 488

(44) من هدي البتول علیها السلام *** 492

(45) أشرف خلقة *** 495

(46) سيدة العالمين علیها السلام *** 496

(47) آل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 499

(48) ولادة الزهراء علیها السلام *** 503

قافية الذال

(1) قَصَب السبق *** 507

(2) حكم الإله *** 508

(3) يقف الأمين مسلماً *** 510

الفهارس العامة

1- فهرس الشعراء *** 515

2- فهرس التراجم *** 519

3- فهرس القصائد و البحور *** 521

4- فهرس الموضوعات *** 531

ص: 536

المجلد 3

هوية الکتاب

الفاطميات

مَشَاعِر الولاء في قَصَائِدِ الزهراء علیها السلام

الفاطميات

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلثَّالِثُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1426 ه_- 2005م

ص: 1

اشارة

ص: 2

الفاطميات

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلثَّالِثُ

دارالعلوم للتحقيق و الطباعة و النشر و التوزيع

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1426 ه_- 2005م

دارالعلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع

المكتبة: حارة حريك.. بئر العبد - شارع السيد عباس الموسوي - الهاتف: 01/545182 - 03/473919 ص.ب: 13/6080 المستودع: حارة حريك - بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - تلفاكس: 01/541650

www.daraloloum.com mail: daraloloum@hotmail.com

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿1﴾

اَلْحَمْدُ لِلَّ_هِ رَ بِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّ حْمَ_ٰنِ الرَّ حِيمِ ﴿٣﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤﴾ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ اهْدِنَا الصِّرَ اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾ صِرَ اطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿٧﴾

ص: 5

ص: 6

تقریظ

(بحر السريع)

حلِّقْ أبا أحمد بالذّاتِ *** وتِة على الغابر و الآتي

و اجمع لآل البيت أفضالهم *** ماطاب من نثرٍ و أبيات

و روِّ من عشاقهم غُلَّةً *** تداولوها بالوراثات

حرارة الإيمان من حُبِّهم *** للآلِ من رب السموات

فلیس تطفيها إذن أبحرٌ *** في الأرض أو مدرارُ مُزنات

إلا حديثٌ لاح في أسطرٍ *** خبَّأها الدهر بطيات

الأقصيدٌ صاغهُ شاعرٌ *** و خلَّدَ الشعر بآهات

و أنت إذ تجمعُ لثلاثها *** من قبل ألفٍ جمع أشتات

(ضاءت على الألفين أسرارها) *** عن سيِّدَيْ شباب جنّات

و تارةً بالشعر في فاطمٍ *** محققاً أجلى الروايات

فقلت من شوقي لتأليفكم *** مُقدِّراً تلك الكتابات

أرِّخ (عليٌ شكرتْ جُهدهُ *** الزهراء عند الفاطميات)

السيد محمد رضا القزويني

الكويت 1998/1/26 م

25 رمضان 1418ه_

ص: 7

ص: 8

قافیة الراء

اشارة

ص: 9

ص: 10

(1) منزل الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني التوبلاني(*)(1)

إِذَا سَرَى البَرْقُ مِنْ نَجْدٍ بِتَذْكَارِ *** فَقَدْ تَذَكَّرْتُ مَا لِلدَّارِ مِنْ جَارِ

حَدِيثنا ذُو شُجُونٍ يَابْنَ جَارَتِنَا *** فَعُدْ عَلَيَّ بِإِيرَادٍ وَإِصْدَارِ

وَ اضْرِبْ لَنَا مَثلاً بِالمُصْطَفَى وَ عَلِي *** المُرْتَضَى فَرَبِيبُ الدَّارِ لِلدَّارِ

وَ انْسِبْ ذِراعاً بِمَا فِيهَا إِلَى عَضُدٍ *** وَ الصِّنْوَ لِلصِّنْوِ فِي طَبْعِ وَ آثَارِ(2)

زَكَّاهُ أَكْرَمَهُ رَبَّاهُ عَلَمَهُ *** مُغَيَّبَاتِ مَضَامِينٍ وَ أَقْدَارِ

وَ اخْتَارَهُ وَ عَلَى عِلْم تَخَيَّرَهُ *** رِدْءًا فَأَصْبَحَ مُختاراً لِمُخْتَارِ

وَ هَلْ تَشُذُّ عَنِ المُخْتَارِ لَحْمَتُهُ *** وَ قَدْ أُنِيطَتْ بِأَعْصَابٍ وَ أَوْتَارِ؟

أَمْ لِلْخَلِيطَيْنِ مِنْ ذَاتٍ إِذَا امْتَزَجَا *** تَزَيُّلٌ بَعْدَ تَكْرِيرِ بِتَكْرَارِ(3)

اللهُ أَعْلَمُ إِذْ سَوَّاهُمَا مَثَلاً *** بِلا مَشِيلٍ وَ لاَيَدْرِيهِمَا دَارِي

فَالمُصْطَفَى مُصْطَفَى مِمَّا بَرَى البَارِي *** وَ المُرْتَضَى مُرْتَضَى مِمَّا ذَرَى الذَّارِي(4)

أَمِيرُ سِلْمِ وَإِسْلَامِ مُسَلَّمَةٌ *** لَهُ وِلايَةُ أَبْرَارٍ وَ فُجَارِ

لاَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ عَبْدٍ عِبَادَتَهُ *** إِلا بِهِ وَ تَذَكَّرْ مِنْهُ يَا حَارِ

فَإِنَّ فِيهَا لَهُ شَأْنَا وَ مَنْزِلَةً *** وَ لَامَجَالَ لِتَشْكِيكٍ وَ إِنْكَارِ

ص: 11


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الصنو: الأخ الشقيق.
3- تزَيَّل: تغرّق.
4- برا الباري: خلق الخالق. ذرا الذاري: خلق الخالق.

زَوْجُ البَتُولِ أبوالسِّبْطَيْنِ فَارِسُ مَیْدَانِ *** الحُرُوبِ هِزَبْرٌ ضَيْغَمٌ ضَارِي(1)

إِذَا تَضَرَّمَتِ الهَيْجَاءُ فَهُوَ بِهَا *** خَدِينُ مُهْرٍ وَ خَطَارٍ وَ بَتَّارِ(2)

منْ يَقْتَدِحْ لِلْوَغَى نَاراً لِيُسْعِرَهَا *** عَلَى حِمَاهُ رَأَيْنَا قَدْحَهُ الوَارِي؟(3)

يُذْكِي لَظَاهَا وَ يُوقِيهَا وَ قَائِدُهَا *** بِشِلْوِ كُلِّ شَدِيدِ البَأْسِ فَغّارِ(4)

يَشُدُّ فِيهَا وَ يَطْوِيهَا وَ يَنْشُرُهَا *** فَتَسْتَدِيرُ عَلَى قُطْبٍ وَ مِحْوَارِ

يَأْتِي عَلَيْهَا مُغِيراً فِي جَوَانِيهَا *** فَرْداً فَتَحْسَبُهُ جَاءٍ بِجَرَّارِ(5)

وَ العَادِيَاتِ وَ فِيهِ أُنْزِلَتْ وَ بِهِ *** عُرِفْنَ ضَبْحاً وَ سَبْحاً فِي الدَّمِ الجَارِي

وَ سَيْفُهُ ذُو فِقَارِ فِي سَفَاسِفِهِ *** لَمْعُ المَنِيَّةِ خَطَافٌ لأَعْمَارِ

فَقِيلَ لاَسَيْفَ إِلا ذُوالفِقَارِ وَ لاَ *** فَتَى سِوَاهُ لِنَجْدَاتٍ وَ أَخْطَارِ

وَ لَيْسَ ضَرْبَتُهُ الوَطْفَا لِمِعْيَارِ *** وَ لَيْسَ طَعْنَتُهُ النَّجلاً لِمِسْبَارِ(6)

حَمَى عَرِينَ الهُدَى عَنْ كُلِّ عَادِيَةٍ *** وَرَدَّ عَادِيَةَ العُزَّى لأوْجَارِ(7)

وَ امْضَغَ العَابِدِينَ اللّاتَ دَاغِصَةً *** يَسْتَقْذِفُونَ شَطَايَاهَا بِتَعْصَارِ(8)

و مَا عَلَىٰ هُبَلٍ لَوْ أَنَّهُ انْهَبَلَتْ *** أَرْكَانُهُ وَ تَدَاعَتْ بَيْنَ أَمْدَارِ(9)

فَقَدْ رَمَاهُ أَبُو الجُلَّى بِزُلْخَةٍ *** تِسِنُّهُ وَ هُوَ مُنْسُوفٌ مَعَ الذاري(10)

وَهَبَّ عَابِدُهُ يَلْوِي إلى وزَرٍ *** يَنُوءُ عَاتِقُهُ ثِقْلاً بِأَوْزَارِ

ص: 12


1- هزبر و ضيغم: من أسماء الاسد.
2- خدين: الخدين من يخادن أو يصاحب و يصادق الناس كثيراً. الهيجاء: الحرب. خطار: الرمح.
3- يسعرها: يشعلها.
4- يذكي: يوقد. افغار: فتاح واسع.
5- ضبحا: ضبح الخيل في عدوها أي سمع من أفواهها صوت ليس بصهيل و لاحمحمة.
6- الضربة الوطفاء: كثيرة الخير. الطعنة النجلاء: الواسعة. مسبار: ما يُسبَر به الجرح.
7- العُزَّى: اسم صنم. أوجار: ما كان كالكهف في الجبل أو الحفرة التي تُجعل للوحش فإذا مرَّت بها سقطت في تلك الحفرة فأمسكت.
8- اللاَت: اسم صنم. داغصة: لحماً مكتنزاً.
9- هبل: اسم صنم. انهبلت: ثكلت. تداعت: تهادمت و تصدَّعت من غير أن تسقط.
10- زلّخة: المكان الذي يتزحلق منه الصبيان، و زلَّخه بالرمح: شجه.

فَحَصْحَصَ الدِّينُ وَ ارْتِيدَتْ مَرَاتِعُهُ *** وَ ظَلَّ مَقْصِدَ وُفَادٍ وَزُوّار(1)

وَرَاحَ يُوفِدُ فِي عَبْرِ الجَزِيرَةِ مِنْ *** مُبَشِّرِيهِ فَبَحَّارٍ وَ صَحَّارِ

كَالرِّيح أَوْ كَوَمِيضِ البَرْقِ سُرْعَتُهُ *** عَلَى لَطَافَةِ نَسْمَاتٍ بِأَسْحَارِ

حَتَّى تُخَلَّلَتِ الدُّنْيَا مَخَائِلُهُ *** وَ جَاسَ فِي كُلِّ إِقْلِيم وَ أَمْصَارِ

يُمَثِّلُ الدِّينَ وَ الدُّنْيَا بِدَعْوَتِهِ *** كَالشَّمْسِ فِي حُسْنِ تَبْيينِ وَإِظْهَارِ

فَتَدْخُلُ النَّاسُ أَفْوَاجاً حَظَائِرَهُ *** كَمَعْهَدِ بِفُنُونِ الخَيْرِ زَخَّارِ(2)

فَمِنْ مُرَبِّ لِجِيلِ النَّشَءِ تَرْبِيَةً *** تَسْمُو بِهِ لِكَرَامَاتٍ وَأَقْدَارِ

وَ مِنْ مُلَقِّنِ عِلْمٍ تَسْتَنِيرُ بِهِ *** عَيْنُ البَصِيرَةِ رَهَافٌ لأَفكارِ

وَ مِنْ طَبِيبِ لَهُ عِلْمٌ وَمَقْدِرَةٌ *** عَلَى العِلاجِ رَحِيبَ الصَّدْرِ دَوَارِ

وَ مِنْ إِخْوَةِ صِدْقٍ فِي ضَمَائِرِهِمْ *** تَبَادَلُوهَا عَلَى عُسْرٍ وَإِيسَارِ

تِلْكَ المَكَارِمُ لاَقِعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ *** شِيبَا بِمَاءٍ وَ لَاتَخْوِيلُ دِينَارِ(3)

وَ لاَتَحَرُّرُ نَفْسٍ فِي تَهَوُّرِهَا *** عَلَى المُجُونِ وَ لاَطَبْلٍ وَمِزْمَارِ(4)

عَلَيْكَ نَفْسَكَ فَاعْمَلْ مَا يُخَلُصُهَا *** فَوْراً وَخَلِّ وَقُودَ النَّارِ لِلنَّارِ

أَنْسَى الزَّمَانَ وَ مَا جَاءَ الزَّمَانُ بِهِ *** لِحَادِثِ لَمْ يَزَلْ يَشْدُو بِتِذْكَارِي

مَاتَ الرَّسُولُ فَمَاتَتْ كُلُّ كَائِنَةٍ *** وَ كُدِّرَتْ صَفْوةُ الدُّنْيَا بِأَكْدَارِ

وَ أَصْبَحَتْ حَرَكَاتُ الكَوْنِ سَاكِنَةً *** وَ الأَرْضُ مُؤذِنَةً مِنْهُ بِتَسْيَارِ

وَ أَظْلَمَتْ صَفَحَاتُ الجَوِّ وَ انْطَبَقَتْ *** دَوَائِرُ الأُفُقِ وَ اصْطَكَّتُ بِإِعْصَارِ

وَ أَظْهَرَ النَّاسُ أَحْقَاداً مُؤَكَّدَةً *** ضَاقَتْ ضَمَائِرُهُمْ مِنْهَا بأَسرارِ

تَقَحَّمُوا مَنْزِلَ الزَّهْرَاءِ وَاجْتَرَمُوا *** وَ أَضْرَمُوا النَّارَ فِي بَابٍ وَأَسْتَارِ(5)

ص: 13


1- حصحص: بان بعد كتمانه.
2- حظائره: المواضع التي يحاط عليها لتأوي إليها الماشية فتقيها البرد و الريح. زخار: ممتلىء.
3- قعبان: الأقداح الضخمة الغلاظ.
4- المجون: المزح وقلة الحياء.
5- في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج2 ص56 قال: لما جلس أبو بكر على المنبر كان علي علیه السلام و الزبير و أناس من بني هاشم في بيت فاطمة علیها السلام فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم. و في كتاب سليم بن قيس طقم ص36 قال: ثم أمر عمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادي عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام والله لتخرجن يا علي علیه السلام ولتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و الاَّ أضرمت عليك النار.. فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب والا احرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب. راجع انساب الاشراف للبلادزي، ج1 ص586 و دلائل الإمامة للطبري ص26.

وَ أَخْرَجُوا حَيْدَرَ الكَرَّارَ وَ احْتَشَدُوا *** لِبُغْيَةِ المُلْكِ فِي شَيْءٍ مِنَ الثّارِ(1)

قَادُوهُ سَحْباً وَ تَجْرِيراً لِبَيْعَتِهِمْ *** بَاءَتْ مَرَابِحُهُمْ مِنْهَا بِإِخْسَارِ

أمَّا البَتُولُ فَرَضُوهَا بِحَائِطِهَا *** رَضَاً يُوَجُهُهُمْ لِلنَّارِ وَ العَارِ

وَ أَسْقَطُوهَا جَنِيناً بَعْدَمَا لَطَمُوهَا *** لَطْمَةً بَقِيَتْ مِنْهَا بِآثَارِ(2)

وَ السَّوْطُ أَلَمَ مَثْنَيْهَا عَلَى أَلَمٍ *** لأَقَتْهُ مِنْ رَضٌ أَضْلاعِ وَ أَفْقَارِ(3)

ص: 14


1- في الاحتجاج للطبرسي/ طقم/ ج1 ص109 قال: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و انطلقوا بعلي علیه السلام ملبباً بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر، و في الامامة و السياسة لابن قتيبة ط مصر/ ج1 ص19 قال:... و إن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي علیه السلام، فبعث اليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها..
2- في الملل والنحل للشهرستاني، ج1 ص57 قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام یوم البيعة حتى ألقت جنيناً من بطنها و كان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها، و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام في الوافي بالوفيات/ ج5 ص347 قال: ان عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن علیه السلام من بطنها. و في لسان الميزان ج1 ص268 أن عمر رفس فاطمة علیها السلام حتى أسقطت بمحسن علیه السلام.
3- في كتاب سليم بن قيس /ط قم/ ص38 قال: . . و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمد فوجاً به جنبها فصرخت یا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها.. فنادت: یا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر، ثم اقتحم قنفذ و أصحابه بغير اذن و ضربها بالسوط فماتت حين ماتت و ان في عضدها مثل الدملج من ضربته... و في الاحتجاج/ ط النجف/ ج ص 109 في خبر طويل قال: فانطلق قنفذ هو و أصحابه بغير اذن و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها و ألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها...

تَشْكُو إِلَى النَّاسِ لَمْ تُسْمَعْ شِكَايَتُهَا *** فَمِنْ مُهَاجِرَةٍ مِنْهُمْ وَأَنْصَارِ

وَأَتْبَعُوا فِعْلَهُمْ هَذَا بِغَضبِهِمُ *** المِيرَاثَ مِنْهَا بِمَوْضُوعَاتِ أَخْبَارِ(1)

حَتَّى قَضَتْ وَهْيَ حَرَّى القَلْبِ شَاكِيَةٌ *** مِنْ كُلِّ بَاغِ أَثِيمِ القَلْبِ خَتَارِ(2)

ص: 15


1- في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة ج2 ص102 عن عطية قال: لما نزلت «رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا» [الاسراء الآية 26] دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدك. و عن علي بن الحسين علیه السلام قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فدك. و في صحيح مسلم/ في كتاب الجهاد/ باب قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم لانورث، ج2 عن عائشة: ان فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سألت أبابكر بعد وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ان يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و مما أفاء الله عليه، فقال لها أبوبكر: ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»... قالت: و كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك و قال: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يعمل به الا عملت به فإني أخشى ان تركت شيئاً من أمره أن ازيغ فاما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي علیه السلام و العباس، فأما خيبر و فدك فأمسكها عمر و قال: هما صدقة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كانت لحقوقه التي تعروه و نوائيه و امرهما إلى من ولي الامر...
2- ختّار: خبيث و فاسد نقلت هذه القصيدة عن كتاب المراثي الحسينية ص61.

(2) هي الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الشيخ أبو حازم الباوي

كتبتَ الشعرَ فالتمس الشعورا *** فبعضُ الشعرِ يختصرُ العصورا

كمثلِ الجمرِ تستعرُ القوافي *** بأضلاع غدَتْ تردُ البحورا

حليفَ الحرفِ يا وجداً تسامي *** إذا ما الفكرُ قد نبذَ الغُرُورا

نبيَّ الخيرِياخَلقاً و خُلقاً *** بما أضفى على الدُّنيا عبيرا

يَراعِي في مديحكَ راحَ يكبو *** إذا ما الشعرُ أزمعَ أن يمورا(1)

و طيب قد أتيت بكلِّ فجٍ *** و أذكيت المغاورَ و الثغورا

رأيتَ الناس تحسُوا بارتغاءٍ *** فتكرعُ بعد رغوتِها غديرا

فأوردتَ النفاقَ شفيرنارٍ *** و أفعمت الحياة هدَّى و نورا

حبوتَ الدين و الدنيا وليداً *** به زینتَ من ألقٍ دهورا

هي الزهراءُ تُزهرُ كلِّ دينٍ *** إذا ما الليلُ يفتقدُ البدورا

فقد عقمتْ بناتُ الدهرِ جمعاً *** يلدن الروضَ كي يهبَ الزهورا

حباكِ الله في الأكوان مجداً *** و باقي المجدِ يوشكُ أن يبورا

بتولٌ و التقى وجدٌ و شعرٌ *** و قد أعيا الفرزدقَ أو جريرا(2)

و بعلٌ أرهقَ الأوباشَ فتكاً *** بسيفٍ سلِّ كي يبري النحورا(3)

ص: 16


1- يكبو:(كبا ) لوجهه: سقط، فهو (كابٍ). يمورا مارَ: تحرّك.
2- أعيا: (العي) ضد البيان.
3- الأوباش: الكفرة المارقين.

نبيلٌ في احتدامِ الحرب يعفو *** و يشملُ عفوهُ غرّاً غريرا

غداً يغذو اليتامى و هو طاوٍ *** و أشبعَ قرصُهُ سرّاً أسيرا(1)

لوجهِ الله يطعمُ كلِّ آتٍ *** فلايبغي الجزاءَ و لاالشكورا

سمتْ في الكون إيماناً و فخراً *** و عادت تملأُ الدنيا سرورا

فبالزهراء يبسمُ كلِّ باكٍ *** إذا ما القلبُ يفتقدُ الحبورا(2)

حنيني ما بقيتُ إليك يذكو *** كما في القلبِ يوشكُ أن يثورا

بلادي و الهوى شدٌ و جذبٌ *** و غيركِ قد غدتْ تحوي القشورا

إليك القلبُ يرحلُ كلِّ يومٍ *** و في ذكراك يوشكُ أن يطيرا

يمورُ الوجدُ دوماً في ضلوعي *** و يقدحُ في الحشا شوقاً سعيرا

بلادي جنةُ المأوى اخضراراً *** و أمصارُ الورى أضحتْ قبورا

أيا بنتَ الحسينِ فداكِ ناءٍ *** فأنتِ الذكرُ يحتضنُ الزبورا

جميعُ الخلق تطمعُ منك ودّاً *** و تطمعُ أن ترى فيكِ الأميرا

و أضحى ملجأَ للناس جمعاً *** فطبعُ الحرِّ يلتمسُ النصيرا

كشعبي مالقي شعبٌ عذاباً *** فما أبقتْ له الدنيا صدورا

فصدرُ تارةً يقضي ارتهاناً *** و صدر غالَهُ الأوغادُ طَوْرا

فقالوا: جبتمُ الأمصارَ جوعاً *** فلا براً ملكتم أو شعيرا

فقلنا:بل ركبنا كلِّ صعبٍ *** لدينِ للّه لانرجُو شكورا

تركنا في السوادِ كثير مالٍ *** و نملكُ في الورى خيراً و فيرا

سيبقى دأبنا للدين بذلاً *** و إن نلقى الدسائسَ و الشرورا

فما نرجُو ببذل النفس أجراً *** إذا ما الغيرُ يلتمسُ الأُجُورا

ص: 17


1- طاو: الطوى : الجوع.
2- الحبور: السرور.

و صرنا أسوةٌ في الناسِ نسمو *** و يبقى الغيرُ يعجزُ أن يطيرا

ورثنا دمعةَ الزهراءِ حزناً *** فما نالتْ من الدنيا نقيرا(1)

فراحت تملأ الدنيا عطاءً *** و راحت تغرس الدنيا بذورا

هي النور المبلّجُ حين نصحو *** هي الأزهار تحتضن العطور(2)

هي الحزنُ المبيّتُ في فؤادٍ *** غدا في الله محتسباً صبورا

ص: 18


1- أي لم تملك شيئاً من الدنيا.
2- المبلج: المشرق.

(3) بضعتي الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ أحمد رشيد مندو(*)(1)

خَدِيجَةُ أُمَّ المُؤْمِنِينَ تَهَنَّتِي *** بِمَا نَلْتِ مِنْ فَضْلٍ بِدُنْيَاكِ وَ الْأُخْرَىٰ

سَبَقَتِ إِلَى الإسلام كُلَّ نِسَائِهِ *** وَ كُنْتِ بِهِ صِدِّيقَةَ المُصْطَفَى الكُبْرَى

عَلَيْكِ رَسُولُ اللهِ أَثْنَى فَلَمْ تُطِقْ *** ثَنَاءَ رَسُولِ اللهِ زَوْجَتُهُ الحَمْرَا(2)

فَقَالَتْ لَهُ كَانَتْ عَجُوزاً كَبِيرَةً *** وَمِنْهَا حَبَاكَ اللَّهُ مَا بَيْنَنَا خَيْرَا(3)

ص: 19


1- (*) هو أحمد ابن الحاج رشيد بن إبراهيم بن أحمد مندو، و مندو لقب أسرته، و هو من أهل الفوعة التابعة لمحافظة إدلب في سوريا و هو من مواليد الفوعة من العرين صالحين سنة ألف و ثلاثمائة و خمس عشرة للهجرة و في السنة العاشرة من عمره تعلم القرآن حسب العادة القديمة، و بعد مضي ثلاثة أشهر ختم القرآن و أولع بمطالعة القصص و أخذ والده يعلمه الخط حيث كان والده خطاطاً، فنشأ على يد والده يكتب و يقرأ قراءة صحيحة و إملاء صحيحاً، و يطالع في كتب التاريخ الإسلامي، يحفظ الاشعار و السير التي تتحدث عن أهل البيت علیهم السلام و فضائلهم و مناقبهم، وبعد أن بلغ السنة الخامسة عشرة من عمره قرأ الأجرومية و قطر الندى في النحو على أحد المعلمين قراءة مجملة بدون تفصيل مبادىء الإعراب، و أحس أن النحو علم شريف فأتقنه. و كان المترجم له من دأبه أن يتصل برجال الفكر و الأدب، و مراراً قام بزيارة لمراجع الدين و منهم السيد أبو الحسن الاصفهاني، و السيد محمد هادي الميلاني و السيد حسين البروجردي و السيد محسن الحكيم. وكان دائماً يشجع على أن يجمع شعره و يطبع فعندما شعر بلزوم تسجيل شعره و تدوينه قام بخطوة أولى، و أول ما طبع له الجزء الأول من ديوانه (سوانح الافكار) في بيروت.
2- الحمرا: أي الحميراء، و هو الأسم الذي كان يطلقه الرسول الله صلي الله علیه . آله و سلم على زوجته عائشة بنت أبي بكر.
3- حباك: أعطاك من غير جزاء.

فَسَاءَ إِمَامَ المُرْسَلِينَ كَلَامُهَا *** وَ كَمْ هِيَ آذَتْهُ وَ أَفْشَتْ لَهُ سِرًا

وَ قَدْ كَانَ يُؤْذِي فَاطِماً هَجْوُ أُمِّهَا *** وَ لَمْ يُرْضِهِ الهَادِي مِنَ الزَّوْجَةِ الغَيْرَىٰ

فَقَامَ يُنَادِيهَا وَ يُعْلِنُ هَجْوَهَا *** وَ عُقْماً بِهَا مِنْ دُونِ شَكٍّ بِهِ تُزْرَى(1)

وَ قَالَ لَهَا بَلْ أَيْنَ مِثْلُ خَدِيجَةٍ *** وَ مَا شَهِدَتْ يَوْماً نَظيرَتَهَا الغَبْرَا

لَقَدْ صَدَّقَتْنِي حِينَ مَا كَانَ غَيْرُهَا *** يُكَذِّبُنِي وَاللهُ يُلْهِمُهَا الصَّبْرًا

وَ فِي المَالِ وَ اسَتْنِي فَأَنْفَقَتْ مَالَهَا *** وَ لَمْ أُبْقِ لاَ بَيْضَاءَ مِنْهُ وَ لاَصَفْرَا(2)

وَ أَعْقَمَكِ الرَّحْمَنُ دُونَ خَدِيجَةٍ *** وَ مِنْهَا حَبَانِي اللهُ ذُرِّيَّةً غَرّا

وَ إِنَّ إِلهَ العَرْشِ طَهَّرَ نَسْلَهَا *** وَ فِي جَنَّةِ الفِرْدَوْس شَادَ لَهَا قَصْرَا(3)

وَ قَدْ أَمَرَ البَارِي وَ أَبْشَرَهَا بِهِ *** وَ أَثْنَى عَلَيْهَا اللَّهُ فِي لَيْلَةِ الإِسْرَا

وَ مَا أَغْضَبَتْنِي لَحْظَةٌ فِي حَيَاتِهَا *** وَ لَمْ تَعْصِ يَوْماً يَا حُمَيْرَاءُ لِي أَمْرَا

وَ لَوْ بَقِيَتْ لِي مَا تَزَوَّجْتُ فَوْقَهَا *** وَ لاَثَيِّباً أَمْهَرْتُ كلاً وَ لاَبِكْرَا

وَ لَمْ تَلِدِ الأَيَّامُ فِي الكَوْنِ مِثْلَهَا *** وَ فِي عَقْلِهَا مَا شَاهَدَتْ مِثْلَهَا الخَضْرَا

وَ مَا ضَرَبَ الأَمْثَالَ فِي الذِّكْرِ رَبُّهَا *** بِزَوْجَةِ نُوحٍ ثُمَّ لُوطٍ لَهَا زَجْرَا

فَخَلّي لَهَا كُلَّ الفَضَائِلِ وَحْدَهَا *** وَ فِي غَيْرِ خَيْرِ لاتُثِيرِي لَهَا ذِكْرَا

وَ لاَتَحْسُدِيهَا يَا حُمَيْرًا *** فَتِهْلكِي وَ فِي هَجْوِهَا تُؤْذِينَ بَضْعَتِي الزَّهْرَا

وَ إِيَّاكِ دَوْماً عَنْ عَدَاوَةِ فَاطِمٍ *** وَ صِنْوِي عَلِيَّ مَنْ شَدَدْتُ بِهِ الْأَزْرَا(4)

ص: 20


1- تزری: تعاب و يوضع من حقَّها.
2- البيضاء: الدرهم. و الصفراء: الدينار.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج16 ص80 في حديث طويل عن الصادق علیه السلام: فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً و سمع خديجة علیها السلام تحدّث فاطمة علیها السلام، فقال لها: يا خديجة علیها السلام، من يحدّثك ؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني فقال لها: هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، و أنها النسمة الطاهرة الميمونة، و أن الله تبارك و تعالى سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمّة في الأمة.
4- الصنو: الأخ الشقيق الأزر الظهر.

وَ إِنْ لَمْ تَكُفّي عَنْ عَدَاوَةِ عِتْرَتِي *** فَفِيهَا تَنَالِينَ النَّدَامَةَ وَ الخُسْرَا

وَ لاَ بُدَّ مِنْ يَوْمٍ تَقُودِينَ عَسْكَراً *** عَلَى جَمَلٍ لَنْ تَرْهَبِي تَرْكَكِ الخِدْرَا

تُرِيقِينَ مِنْ بَعْدِي الدِّمَاءَ وَ أَنْتِ *** لَاتَخَافِينَ فِي إِهْرَاقِهَا العَارَ وَ الوِزْرَا

تَرُومِينَ قَتْلَ المُرْتَضَى خَيْرِ عِتْرَتِي *** وَ تَأْتِينَ فِي هَيْجَائِكِ المُنْكَرَ الإِمْرَا(1)

فَيَمْحَقُ جَيْشَ النَّاكِثِينَ بِسَيْفِهِ *** عَلِيٌّ وَ بَعْدَ الحَرْبِ تَغْدِينَ فِي الْأَسْرَى

يَرُدُّكِ لِلْبَيْتِ الَّذِي قَدْ تَرَكْتِهِ *** وَ كَانَ لَكِ الرَّحْمَنُ صَيَّرَهُ سِتْرَا

رَعَى اللَّهُ قَوْماً حَبَّدُوا بَعْدَ أَحْمَدٍ *** تَبَرُّجَهَا المُزْرِي وَ فِتْنَتَهَا النَّكْرَا

وَ لَمْ يَبْرَحُوا فِي حَرْبِهَا لإِمَامِهَا *** لَهَا عِنْدَهُمْ خَيْرُ المَكَانَةِ وَ الذِّكْرَى

يَقُولُونَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ كَأَنَّهَا *** لَهَا الإِسْمُ هَذَا دُونَ ضَرَّاتِهَا طُرًا

عَفَا اللَّهُ عَمَّا كَانَ مِنْهَا وَ مَا جَرَى *** وَ ضَاعَفَ فِي يَوْمِ الجَزَاءِ لَهَا الأَجْرَا(2)

ص: 21


1- هيجاء: حرب.
2- خواطر الواجب ص52.

(4) الزكية فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد إسماعيل الحميري(*)(1)

ص: 22


1- (*) هو السيد اسماعيل بن محمد بن يزيد بن وداع الحميري. ولد السيد الحميري سنة (105 للهجرة) بعمان و نشأ في البصرة فاستقبل أبواه ولادته بما يستقبل به عادة كرام الآباء ولادات ابنائهم من سرور و ابتهاج، ثم عمدا إليه على عادة العرب إذ ذاك فسمّياه و كنّياه و لقّباه وتأنّقاً في ذلك كله؛ فاختارا منها ما تقبله الاذواق؛ فكان بدعى من ذلك اليوم بإسماعيل، و يكنى بأبي عامر أو بأبي هاشم على اختلاف في الرواية، و يلقّب بالسيد و هو لقب يدل على ذوق و حسن اختيار في أبويه. روي أن الامام الصادق علیه السلام لقي الحميري فقال: سمّتك أمّك سيِّداً وُفقت في ذلك أنت سيد الشعراء. و روى أبوالفرج في الاغاني ج7 ص230 أن أبوي السيد كانا إباضيين و كان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضيَّة، و كان السيد يقول: طالما سُبَّ أميرالمؤمنين علیه السلام في هذه الغرفة، فإذا سُئل عن التشيع من أين وقع له؟ قال: غاصت عليَّ الرحمة غوصاً، و روي عن السيد أن أمه كانت توقظه بالليل و تقول: إني أخاف أن تموت على مذهبك فتدخل النار، فقد لهجت بعليٍّ علیه السلام و ولده علیه السلام فلادنيا و لاآخرة، و لقد نغَّصت علي مطعمي و مشربي و قد تركت الدخول إليها. و روي أيضاً عن السيد: أن أبويه لما علما بمذهبه همّا بقتله فأتى الامير عقبة بن مسلم الهنائي فأخبره بذلك، فأجاره و بوأه منزلاً وهبه له فكان فيه حتى ماتا فورثهما. و كان السيد الحميري في بداية حياته على العقيدة الكيسانية، يقول بإمامة محمد بن الحنفيَّة و غيبته و له في ذلك شعرُّ، ثم أدركته سعادة ببركة الامام الصادق علیه السلام و شاهد منه حججه القوية و عرف الحق فنبذ ما كان عليه من سفاسف الكيسانية و قال قصيدته المشهورة التي مطلعها: و لما رأيت الناس في الدين قد غووا *** تجعفرتُ باسم الله فيمن تجعفروا فكان يقول: كنت أقول بالغلو و أعتقد غيبة محمد بن علي الملقب بابن الحنفية قد ظللت في ذلك زماناً فمنّ الله عليَّ َبالصادق جعفر بن محمد علیه السلام و أنقذني به من النار، و هداني إلى سواء الصراط فسألته بعدما صحّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله عليَّ و على جميع أهل زمانه و أنه الامام الذي فرض الله طاعته و أوجب الاقتداء به، الخ. و السيد الحميري سيد الشعراء حقاً، لكثرة نظمه وجودة شعره فكان همُّه نظم فضائل أميرالمؤمنين علیه السلام روي أن السيد خرج ذات يوم من عند بعض أمراء الكوفة و قد حمله على فرس و خلع عليه فوقف بالكناسة ثم قال: يا معشر الكوفيين، من جاءني منكم بفضيلة لعلي بن أبي طالب علیه السلام لم أقل فيها شعراً أعطيته فرسي هذا وما عليّ، فجعلوا يحدثونه و ينشدهم حتى أتاه رجلٌ منهم و قال: إن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عزم على الركوب فلبس ثيابه و أراد لبس الخفِّ فلبس أحد خفَّيه ثم أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقضَّ عقابٌ من السماء فحلّق به ثم ألقاه فسقط منه أفعى و انساب فدخل جحراً فلبس الامام علي علیه السلام الخفّ فقال السيد: إني لم أكن قلت في هذا شيئاً، ثمَّ حرَّك فرسه و ثناها و أعطى ما كان معه من المال و الفرس للذي روى له الخبر ثم انشأ يقول و هذا مطلعه: ألا يا قوم للعجب العجابِ *** لخفِّ أبي الحسين و للحُبابِ و قال أبو الفرج في الاغاني ج7 ص236: لا يخلو شعره من مدح بني هاشم و ذم غيرهم ممَّن هو عنده ضدُّ لهم. و روي عن الموصلي عن عمه قال: جمعت للسيد في بني هاشم ألفين و ثلاثمائة قصيدة فخلت أني قد استوعبت شعره حتى جلس إليَّ يوماً رجلٌ ذو أطمار رثَّة فسمعني أنشد شيئاً من شعره فأنشدني به ثلاث قصائد لم تكن عندي فقلت في نفسي: لو كان هذا يعلم ما كلّه ثم أنشدني بعده ما ليس عندي لكان عجباً فكيف و هو لايعلم و إنما أنشد ما حضره و عرفت حينئذ أنَّ شعره ليس مما يُدرك و لايمكن جمعه كلّه. و حكي أنه رئي في بغداد حمالٌ مثقلّ فسأله عن حمله فقال: ميميات السيد الحميري!! و كان «رحمه اللَّه» يملّ الحضور في محتشد لايُذكر فيه آل محمد علیهم السلام و لم يأنس بحفلة تخلو من ذكرهم. و روي عن بعضهم قال: كنا جلوساً عند أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيد فجاء و جلس و خضنا في ذكر الزرع و النخل ساعة فنهض فقلنا: يا أبا هاشم ممَّ القيام؟ فقال: إني لأكره أن أطيل بمجلس *** لاذكر فيه لفضل آل محمد لاذكر فيه لأحمد و وصيّه *** و بنيه ذلك مجلسٌ نطفٌ ردي إن الذي ينساهمُ في مجلس *** حتى يفارقه لغيرُ مسدد ومن شعره: وإذا الرجال توسلَّوا بوسيلة *** فوسيلتي حبّي لآل محمد و من أشعاره الخالدة قصيدته العينية و مطلعها: لأم عمرو باللوی مربعُ *** طامسة أعلامها بلقعُ و هي التي أنشدت عند الامام الصادق علیه السلام بعدما قتل زيد بن علي علیه السلام. و في البحار عن أبي الحسن الرضا علیه السلام أنه رأى النبي صلي الله علیه و آله و سلم في منامه مع علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و ان السيد الحميري بين يديه يقرأ هذه القصيدة فلما فرغ منها قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم للرضاء علیه السلام: احفظ هذه القصيدة و مر شيعتنا بحفظها و أعلمهم انَّ من حفظها و أدمن قراءتها ضمنت له الجنة على الله «تعالى»، و قيل ان هذه القصيدة (54) بيتاً و قد تقدم جملة من أعلام الطائفة بشرح هذه القصيدة و قام لفيفٌ من العلماء و الادباء بتخميس هذه القصيدة أيضاً، و قد ذكر الاميني في الغدير عدداً من هؤلاء الاعلام فراجع الغدير ج2 ص224 و من أشعاره الخالدة القصيدة المذهَّبة التي شرحها الشريف الرضي فكان يقول لكل بيت: (سبحان الله ما أعجب هذا الكلام). و في حديث موت السيد الحميري مكرمة خالدة تُذكر مدى الدهر، ذكر المؤرخون أن السيد لما حضرته الوفاة اعترته نكتة سوداء ظهرت في وجهه و هو في حالة نزع و إغماء و قد اجتمع حوله أعداؤه و أشياعه فطبقت وجهه بالسواد فاغتم لذلك من حضره من الشيعة فظهر من المناوئين سرور و شماتة فما لبث أن فتح عينيه إلى ناحية القبلة ثم قال: يا أميرالمؤمنين علیه السلام أيفعل هذا بوليك؟ قالها ثلاث مرات فلم يلبث بعد ذلك إلا قليلاً حتى بدت في ذلك المكان من جبهته لمعة بيضاء فلم تزل حتى أسفر وجهه و أشرق وافتر ضاحكاً و أنشأ يقول: كذب الزاعمون أن عليّاً *** لن يُنجَي محبّه من هنات قد و ربي دخلت جنة عدن *** وعفا لي الإله عن سيئاتي فانشروا اليوم أولياء علي *** و تولّوا عليا حتى الممات ثم من بعده تولِّوا بنيه *** واحداً بعد واحد بالصفات و قد مر في مقدمة الديوان بعض التفاصيل عن حياته و خصوصياته. حكي أن السيد الحميري رحمه الله توفي ببغداد سنة (179 ه) فبعث الاكابر و الشرفاء من الشيعة سبعين كفناً له فكفَّنه هارون من ماله وردَّ الاكفان إلى أهلها، فكان لموته رنَّة اسى عميقة لدى الشيعة و دفن بالجنينة ببغداد.

ص: 23

مَنْ كَانَ أَوَّلَ مَنْ تَصَدَّقَ رَاكِعاً *** يَوْماً بِخَاتَمِهِ وَ كَانَ مُشِيرًا؟

مِنْ ذَاكَ قَوْلُ اللَّهِ إِنَّ وَلِيَّكُمْ *** بَعْدَ الرَّسُولِ لِيُعْلِمَ الجُمْهُورا

وَلَدَى الصِّرَاطِ تَرَى عَلِيًّا وَاقِفَاً *** يَدْعُو إِلَيْهِ وَلِيَّهُ المَنْصُورا(1)

ص: 24


1- في ذخائر العقبى، ج71 عن قيس بن أبي حازم قال: التقى أبو بكر و علي بن أبي طالب الله علیه السلام عنهما فتبسم أبوبكر في وجه علي فقال له: ما لك تبسَّمت؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «لا يجوز الصراط إلّا من كتب له علي الجواز». و في ينابيع المودة. الباب 29 عن سلمان الفارسي «رضي الله عنه» قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول لعلي علیه السلام أكثر من عشر مرات: «يا علي علیه السلام إنك و الأوصياء من ولدك أعراف بين الجنة و النار لايدخل الجنة إلّا من عرفكم و عرفتموه، و لايدخل النار إلا من انكركم و انكرتموه».

اللَّهُ أَعْطَى ذَا عَلِيًّا كُلَّهُ *** وَ عَطَاءُ رَبِّي لَمْ يَكُنْ مَحْظُورا(1)

وَ اللَّهُ زَوَّجَهُ الزَّكِيَّةَ فَاطِماً *** فِي ظِلِّ طُوبَى مَشْهَداً مَحْضُورا(2)

كَانَ المَلاَئِكُ ثُمَّ فِي عَدَدِ الحَصَى *** جِبْرِيلُ يَخْطُبُهُمْ بِهَا مَسْرُورا

يَدْعُو لَهُ وَ لَهَا وَكَانَ دُعَاؤُهُ *** لَهُمَا بِخَيْرٍ دَائِماً مَذْكُورا

حَتَّى إِذَا فَرِغَ الخَطِيبُ تَتَابَعَتْ *** طُوبَى تُسَاقِطٌ لُؤْلُوْا مَنْثُورا

وَ تَهِيلُ يَاقُوتاً عَلَيْهِمْ مَرَّةً *** وَ تَهِيلُ دُرّاً تَارَةً وَ شُذُورا(3)

فَتَرَى نِسَاءَ الحُورِ يَنْتَهِبُونَهُ *** حُوراً بذلِكَ يَحْتَذِينَ الحُورَا(4)

فَإِلَى القِيَامَةِ بَيْنَهُنَّ هَدِيَّةٌ *** ذَاكَ النَّارُ عَشِيَّةٌ وَ بُكُورا(5)

ص: 25


1- محظوراً: ممنوعاً.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك و رواه أيضاً صاحب كنز العمال ج6 ص152. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله أمرني أن أزوج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.
3- تهيل: تصبَّ. الشذور: خرز يفصل به بين الجواهر و اللؤلؤ الصغير الواحدة شذرة جمع شذور و شذرات.
4- يحتذين: من حذا حذوه. أي فعل فعله و يجوز أن الكلمة مشتقة من الحذية و الحذيا وزن ثريا و هي ما أعطى الرجل لصاحبه من غنيمة أو جائزة رواية المناقب (يهتدين).
5- في أعيان الشيعة (فأتى القيامة). نقلاً من ديوان السيد الحميري ص212.

(5)بعد بيت الأحزان

(بحر الخفيف)

السيد باقر الهندي(*)(1)

ص: 26


1- (*) هو السيد باقر ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الهندي، ينتهي نسبه إلى الامام الهادي علیه السلام. ولد في النجف الأشرف في غرة شعبان سنة (1284ه) و قيل (1285ه) و نشأ بها على أبيه فبقي معه حتى عام (1298ه) حيث سافر والده إلى سامراء للحضور في حلقة درس الكبير السيد المجدد الشيرازي فكان مصاحباً له مواظباً على درسه حتى رجع والده إلى النجف عام (1311ه) فرجع معه و عند تواجده في سامراء كان يختلف على بعض الاساتذة اللامعين في العلم و الفضل فأخذ عنهم الاصول و الفقه. ذكره فريق من الاعلام منهم كاشف الغطاء في (الحصون المنيعة) قال: كان عالماً فاضلاً كاملاً أديباً و ذكياً لوذعياً حسن المعاشرة لطيف المحاورة و شاعراً مكثراً تتلمذ على الشيخ محمد طه نجف، و على الميرزا الشيرازي الكبير، و على الميرزا ابراهيم الشيرازي المحلاتي، و جملة من علماء عصره. و ذكره السماوي في (الطليعة) قال: كان فاضلاً أديباً حسن المنثور و المنظوم ذكياً حسن طبقات الناس لطيف المحاضرة، و كان لايكاد يذكر له شيء من المعارف إلاّ و كانت له به معرفة و ظهر له فيها فكر. و ذكره الأمين في (الأعيان) قال كان عالماً فاضلاً أديباً، شاعراً، ظريفاً، حسن الاخلاق، حسن المعاشرة، ذكي الفؤاد دقيق الحس، قوي الشعور. و ذكره شبر في (أدب الطف) فقال: عالم فاضل و اديب شاعر، لطيف، حسن الاخلاق، حلو المعاشرة، ذكي، لامع، نظم فأبدع، و سابق فحلّق. و ذكره ابنه المرحوم السيد حسين الهندي قال: نشأ منشأ طيباً في زمن صالح و تعلَّم القرآن و الكتابة في مدة يسيرة و كان مولعاً بالامور الاصلاحية و له في ذلك مواقف مشهودة، و له مؤلفات، لم تزل مخطوطة نحتفظ بها منها رسالة في (حوادث المشروطة) فيها ما رجال الاصلاح و الدعاة المصلحين، كما كتب في الاخلاق، و كان شديد الولاء لأهل البيت علیهم السلام عظيم التعلق بمودتهم و في الليلة الثالثة من جمادى الثانية من سني إقامتنا بسرِّ من رأى، رأى في المنام كأنه جالس بحضرة ولي الامر و صاحب العصر و هو في قصر مشيد، فجعل يخاطبه قائلاً: سيدي هل يغيب عنك ما حلّ بأسرتك الطاهرة، و لو لم يكن إلا ما جرى على أمك الزهراء علیها السلام، فحنّ الامام علیه السلام و التفت إليه قائلاً. (لاتراني اتخذت لا وعلاها *** بعد بیت الاحزان بیت سرور) ثم بكيا معاً حتى انتبهنا من النوم على صوت بكائه و نبهناه فقص علينا الرؤيا، فاستشعر الوالد من ذلك صحة هذه الرواية (يعني وفاة الصديقة في الثالث من جمادى الثانية) لذا نظم قصيدة على وزنه و رويه تتضمن حادثة الغدير وما جرى على أميرالمؤمنين و الزهراء علیهما السلام و ضمنها هذا البيت، أقول: و قد نقل السيد المقرّم في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام أنه رأى الإمام في المنام ليلة الغدير و هو كثيب حزين مفكر، فيقول له السيد باقر الهندي بعد أن وقع عليه يقبل يديه و قدميه: مالي أراك مفكراً مهموماً و هذه أيام فرح و سرور بيوم الغدير فأجابه الامام علیه السلام: ذكرت أمي الزهراء علیها السلام و حزنها و ما جرى عليها، ثم أنشأ علیه السلام. (لا تراني اتخذت لا وعلاها *** بعد بيت الأحزان بيت سرور) فانتبه السيد يحفظ البيت و نظم قصيدة على وزنه و رويه تتضمن حادثة الغدير و ما جرى على أميرالمؤمنين و الزهراء علیهما السلام و ضمنها هذا البيت: و للمترجَم له شعر كثير و قصائد عديدة في رثاء أهل البيت علیهم السلام و لو جمع شعره لصار ديواناً كبيراً. توفي في النجف الأشرف بمرض ذات الجنب قبل طلوع الشمس من يوم الثلاثاء غرة محرم(1329ه ) عن عمر ناهز الخامسة و الاربعين و دفن مع ابيه في دارهم الواقعة في محلة الحويش.

كُلُّ غَدْرٍ وَ قَوْلِ إِفْكِ وَ زُورِ *** هُوَ فَرْجٌ عَنْ جَحْدِ نَصَّ الغَدِيرِ(1)

فَتَبَصَّرْ تُبْصِرْ هُدَاكَ إِلَى الْحَقُ *** فَلَيْسَ الأَعْمَى بِهِ كَالبَصِيرِ

لَيْسَ تَعْمَى العُيُونُ لكِنَّمَا تَعْمَى *** القُلُوبُ الَّتِي انْطَوَتْ فِي الصُّدُورِ

يَوْمَ أَوْحَى الجَلِيلُ يَأْمُرُ طهَ *** وَ هُوَ سَارٍ أَنْ مُرْ بِتَرْكِ المَسِيرِ

حُطَ رَحْلَ السُّرَى عَلَى غَيْرِ مَاءٍ *** وَ كَلاً فِي الْفَلاَ وَ حَرِّ الهَجِير

ثمَّ بَلَّغْهُمُ وَ الأَ فَمَا بَلَّغْتَ *** وحياً عَنِ اللَّطِيفِ الخَبِيرِ

أَقِمِ الْمُرْتَضَى إِمَاماً عَلَى الخَلْقِ *** وَ نُوراً يَجْلُو دُجَى الدَّيْجُورِ

ص: 27


1- جَحد: إنكار.

فَرَقی آخِذَاً بِكَفِّ عَلِيَّ *** مِنْبَراً كَانَ مِنْ حُدُوجٍ وَكُورِ(1)

وَ دعَا وَ المَلاَ حُضُورٌ جَمِيعاً *** غَيْبَ اللَّهُ رُشْدَهُمْ مِنْ حُضُورِ

إنَّ هذا أمِيرُكُمْ وَ وَلِيُّ الأَمُرِ *** بَعْدِي وَ وَارِثي و وزيري

هُوَ مَوْلًى لِكُلِّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ *** مِنَ اللَّهِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ

فَأَجَابُوا بِأَلْسُن تُظهِرُ الطَّاعَةَ *** وَ الغَدْرُ مُضْمَرٌ فِي الصُّدُورِ

بَايَعُوهُ وَ يَعْدَهَا طَلَبُوا البَيْعَةَ *** مِنْهُ لِلهِ رَيْبُ الدُّهُور

أَسْرَعُوا حِينَ غَابَ أَحْمَدُ لِلْغَدْرِ *** وَ خَافُوا عَوَاقِبَ التَّأْخِيرِ

نَبَدُوا العَهْدَ وَ الكِتَابَ وَمَا جَاءَ *** بِهِ وَ الوَصِيَّ خَلْفَ الظُّهُورِ

خَالَفُوا كُلَّ مَا بِهِ جَاءَ طَهَ *** وَ هُوَ إِذْ ذَاكَ لَيْسَ بِالمَقْبُورِ

عَدَلُوا عَنْ أَبِي الهُدَاةِ المَيَامِينَ *** إِلَى بَيْعَةِ الأَثِيمِ الكَفُورِ

قَدَّمُوا الرِّجْسَ بِالوِلايَةِ لِلأَمْرِ *** عَلَى أَهْلِ آيَةِ التَّطْهِيرِ

لَسْتَ تَدْرِي لِمْ أحْرَقُوا البَابَ بِالنَّارِ *** أَرَادُوا إطفاء ذاك النُّورِ؟(2)

لَسْتَ تَدْرِي مَا صَدْرُ فَاطِمٍ مَا المِسْمَارُ *** مَا حَالُ ضِلْعِهَا المَكْسُورِ؟(3)

ما سُقوط الجنين ما حُمْرَةُ الْعَیْنِ *** وَ مَا بَالُ قُرْطِهَا المَنْثُور؟(4)

ص: 28


1- حُدُوج: الأحمال. الكور: رحل البعير أو الرحل بأداته و هو مما يذلل به البعير و يوطأ.
2- انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص408.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخول المسمار في صدر فاطمة علیها السلام و كسر ضلعها «سلام عليها» و قد مرَّ الموردان في قصائد سابقة: كتاب سليم بن قيس ص36 و ص37 و ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى سقوط الجنين و لطمها على خدها و تناثر قرطها و قد مرَّ كله أما سقوط الجنين فانظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 وكتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109 . أما لطمها على خدها و تناثر قرطها فانظر كتاب ارشاد القلوب على لسان فاطمة علیها السلام، عن عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية.

دَخَلُوا الدَّارَ وَ هْيَ حَسْرَى بِمَرَأَى *** مِنْ عَلِيّ ذَاكَ الأَبِي الغَیُّورِ (1)

وَ اسْتَدَارُوا بَغْياً عَلَى أَسَدِاللَّهِ *** فَأَضْحَى يُقَادُ قَوْدَ الأسيرِ

وَ الْبَتُولُ الزَّهْرَاءُ فِي إِثْرِهِمْ تَعْثُرُ *** فِي ذَيْلِ بُرْدِهَا المَجْرُورِ

بأنِينٍ أوْرَى القُلُوبَ ضِرَاماً *** وَ حَنِين أَذَابَ صُمَّ الصُّخُورِ(2)

وَدَعَتْهُمْ خَلُوا ابْنَ عَمِّي عَلِيًّا *** أَوْ لأَشْكُو إِلَى السَّمِيعِ البَصِيرِ

مَا رَعَوْهَا بَلْ رَوَّعُوهَا وَ مَرُّوا *** بِعَلِيِّ ٍمُلَبَّباً كَالأَسِيرِ(3)

بَعْضُ هَذَا يُرِيكَ مِمَّنْ تَوَلَّى *** بَارِزَ الكُفْرِ لَيْسَ بِالمَسْتُورِ

كَيْفَ حَقٌّ البَتُولِ ضَاعَ عِنَاداً *** مِثْلَ مَا ضَاعَ قَبْرُهَا فِي القُبُورِ؟

قَابَلُوا حَقَّهَا المُبِينَ بِتَزْوِيرٍ *** وَ هَلْ عِنْدَهُمْ سِوَى التَّزْوِيرِ؟

وَ رَووْا عَنْ مُحَمَّدٍ خَبَراً لَمْ *** يَكُ فِيهِ مُحَمَّدٌ بِخَبِيرِ(4)

وَ عَلِيٌّ يَرَى وَ يَسْمَعُ وَ السَّيفُ *** رَهِيفٌ وَ البَاعُ غَيْرُ قَصِيرِ

قَيَّدَتْهُ وَصِيَّةٌ مِنْ أَخِيهِ *** حَمَلَتْهُ مَا لَيْسَ بِالمَقْدُورِ

أَفَصَبْراً يَا صَاحِبَ الأمْرِ وَ الْخَطْبُ *** جَلِيلٌ يُذِيبُ قَلْبَ الصَّبُورِ

ص: 29


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخول القوم على الزهراء علیها السلام و هي دون خمار. انظر كتاب سليم بن قيس ص39 قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار فنادت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر وعمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك، تنادي بأعلى صوتها.
2- أورى: أوقد. ضراماً: اتقاداً. صم الصخور: صلابها.
3- ملبياً: مأخوذاً مجروراً. و قد أشار الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلى دفاع الزهراء علیها السلام عن الامام علي علیه السلام. انظر كتاب الكافي ج1 ص490، و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208.
4- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى غصب فدك من الزهراء علیها السلام و اختلاقهم لحديث «نحن معاشر الانبياء لانوِّرث». انظر مسند أحمد ج1 ص9، و السنن الكبرى ج6 ص300، كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من مسند أحمد بن حنبل. و العوالم ج2 ص631، انظر كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232.

كُمْ مُصابٍ يَطُولُ فِيهِ بَيَانِي؟ *** قَدْ عَرَى الطُّهْرَ فِي الزَّمَانِ القَصِير

كَيْفَ مِنْ بَعْدِ حُمْرَةِ العَيْنِ مِنْهَا *** يَا بْنَ طَهَ تَهْنَى بِطَرْفِ قَرِيرِ(1)

فَابْكِ وَ ازْفَرْ لَهَا فَإِنَّ عِدَاهَا *** مَنَعُوهَا مِنَ البُكَا وَ الزَّفِيرِ؟(2)

وَ كَأَنَّى بهِ يَقُولُ وَ يَبْكِي *** بِسِلُو نَزْرٍ وَ دَمْع غَزير

(لاَ تَرَانِي اتَّخَذْتُ لاَ وَعُلاهَا *** بَعْدَ بَيْتِ الأَحْزَانِ بَيْتَ السُّرُورِ)(3)

فَمَتَى يَا بْنَ فَاطِم تَنْشُرُ الطاغوتَ *** وَ الجِبْتَ قَبْلَ يَوْمِ النُّشُور

فَتُدَارَكَ مِنَّا بَقَايَا نُفُوسِ *** قَدْ أَذِيبَتْ بِنَارِ غَيْظ الصُّدُورِ(4)

ص: 30


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أنهم لطموا الزهراء علیها السلام على خدها وإلى احمرار عينها جراء ذلک. انظر ارشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 . و البحار ج8 ص240 (ط حجرية).
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أنهم منعوها علیها السلام من البكاء. ففي البحار ج43 ص177 ضمن ح15 ، و هو حديث طويل قال: اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فقالوا له علیه السلام: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلا أحد منا يتهنّاً بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، فقال: حباً و كرامة... الخ. انظر كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص322 حديث حول منع الزهراء علیها السلام عن البكاء.
3- و ربما (بيت سرور) بدون ألف و لام و على أية حال فإن الشاعر يشير في هذا البيت إلى بيت الأحزان الذي كانت الزهراء علیها السلام تبكي فيه. انظر كتاب البحار ج43 ص177.
4- رياض المدح و الرثاء ص197.

(6) يا إمام الزمان علیه السلام

(بحر الخفيف)

السيد باقر الهندي(*)(1)

تخميس الشيخ قيس العطار(**)(2)

أيُّها السائلي عن المقدور *** كيف أقصَوْا آل البشيرِ النذيرِ

هاكَ قولاً يجلُو عمى الديجورِ *** «كلُّ غدرٍ و قولٍ إفكٍ و زورِ

هو فرعٌ عن جحدِ نصِّ الغديرِ»

***

يومَ كانِ النبيُّ إذ ذاك أشفق *** من عتيقٍ و من أخي الجهلِ أزرق

فإذا شئت أن ترى الجهل يزهق *** «فتبصر تُبصْر هداك إلى الحق

فليسَ ليس الأعمی به کالبصیرِ»

***

كيف جرّوا الإمامَ قسراً يتمتعْ *** و إلى بيعةِ المنافق يدُفعْ

قلْ لمن راحَ في الضلالةِ يرتعْ *** «ليس تعمى العيونُ لكنّما تعمي

القلوبُ التي انطوتْ في الصدورِ»

***

ص: 31


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- (**)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.

هاكَ من حجةِ الوداع نباها *** عن بني المصطفى شفاهاً شفاها

حادثاتٍ حتى العدوّ رواها *** «يوم أوحى الجليلُ يأمرُ طه

و هو سارٍ أن مُرْ بتركِ المسیرِ»

***

لاتخف كُلّ مايلي من بلاءْ *** من بني الجهل إنّهم شرُّ داءْ

أيُّها المصطفى امتثل لنداءْ *** «حُطّ رحلَ السُّرى على غير ماءْ

و كلاً في الفلا و حرّ الهجیر»

***

نادِ فيهم فدينُهُم ليس يُقبلْ *** بسوى البدر حيدرٍ ليس يأفلْ

ليماز المطيعُ ممَّن تبلبلْ *** «ثمّ المبلغهُمُ و الأ فما بَلْلَغْتَ

وحياً عن عن اللطيفِ الخیبرِ»

***

راكعاً جادَ لم يكنْ قطُّ يبخلْ *** و هو في الدين و السياسة أوّلْ

فاجعل الأمرَ فيه والربطَ و الحلْ *** «أقم المرتضى إماماً على الخَلْقِ

و نوراً يجلُو دجي الدیجور»

***

نصّ فيهمْ له بنصِّ جليّ *** و أقمهْ للناس خيرَ وليِّ

نفّذِ الأمر دونَ عيّ وَلَيِّ *** «فرقي آخذاً بكفِّ عليٍّ

منبراً كان من حُدُوج وكُورِ»

***

نكثوا العهدَ بعدَ طه سريعاً *** لُعِنوا، بئسَ ما أَتَوْهُ صنيعا

ص: 32

فكأن لم يقُم ينادي مذيعا *** «و دعا و الملا حضورٌ جميعا

غيَّبَ اللَّه رشدهم من حُضُورِ»

***

رام أن يُنقَذوا من التَيه و الذُلْ *** لو أزاحوا عن صدر هم كامِنَ السَلْ

فرقى المصطفى و قد أَسمَعَ الكُلْ *** «إنّ هذا أميركم و وليُّ

الأمرِ بعدي و وراثي و وزیري»

***

يومَ قامَ النبيُّ غرَّاً و طَوْلا *** عن إلهِ السما يبلِّغ قولا

إنّ هذا بكم أحقّ و أَولى *** «هو مولّى لكلّ من كنت مولاهُ

من اللَّه في جمیعِ الأمورِ»

***

فإذا القوم كالأفاعي رُقْطا *** لم يُراعوا من الأمانةِ قِسطا

كتبوا بينهم كتاباً و شرطا *** «فأجابوا بألسن تظهر الطاعةَ

و الغدر مضمرٌ في الصدورِ»

***

بايعوه لمْ يُظهروا الغيّ و اللَّيْ *** كلّ هيِّ من الحثالات أو بَيْ

يالخطبِ الدهور ما أقبحَ الغِيْ *** «بايعوه و بعدها طلبوا البيعة

منهُ للَّه ريبُ الدهور»

***

أحكموا اليوم عهد غدرٍ إلى الغَدْ *** قبل أن يدفنَ النبيُّ و يُلحدْ

فرغانغلُ حنتمٍ ثم أزبدْ *** «أسرِعُوا حين غابَ أحمدُ للغدْرِ

ص: 33

و خافوا عواقبَ التأخر»

***

يا لشيخين في الضلالةِ ماجا *** و لقوم بإثمها تتناجي

تركُوا العذبَ و استطابوا الأجاجا *** «نبذوا العهدَ و الكتابَ و ما جاءَ

به و الوصيَّ خلفَ الظهورِ»

***

فأبى الله تيمُ أن تعطاها *** أو عدي بأن تدوسَ وِطاها

لُعِنت أمّةٌ أضاعتْ هداها *** «خالفُواكلّ ما بهِ جاءَ طه

و هو إذ ذاك ليسَ بالمقبور»

***

منعَ الطرفُ من لذيذِ المنامِ *** للذي حلَّ بالوصيِّ الإمامِ

آهِ من معشرٍ طغامٍ لئامِ *** «عدلُوا عن أبي الهداةِ الميامينِ

إلي بیعةِ الأثیمِ الکفورِ»

***

بايعُوا آثماً مع الشرك توأمْ *** لم تَرَ العينُ منه أزرى و الأَمْ

يا لجُرح على المدى ليسَ يُلْأَمْ *** «قدَّمُوا الرجس بالولايةِ للأمرِ

على أهلِ آيةِ التطهیرِ»

***

أوَ تَدْرِي بما لهُ الرجسُ سَنّا *** والّذي نالَهُ الملاعينُ مِنّا

أو تدري بِقلبِ فاطمَ أَنَّا *** «أو تدري لِمْ أحرقُوا البابَ بالنَّارِ

أرادوا إطفاء ذاک النورِ»

***

ص: 34

إذ أتى السامريُّ بالبابِ يردسْ *** و ابن قحفٍ من خلفِ ذاك يوسوسْ

أَوَ تَدْرِي بالليل حين يعسعسْ *** «أَوَتَدْرِي ما صدرُ فاطم ما المسمارُ

ما حال ضلعِها المکسورِ»

***

غصبُوا نحلةَ البتولِ من الفَيْ *** فتسنّى قتلُ ابن فاطم للريْ

أَوَ تَدْرِي بما جنى الحقدُ و الغَيْ *** «ما سقوطُ الجنينِ ما حمرةُ العين

وما بالُ قرطِها المنثورِ»

***

ملأ الكفرُ منهم القلبَ ملأَ *** و عن الله لم يزالوا بمنأى

هَدَمُوا الدين ثمَّ عوداً و بدءا *** «دخلوا الدار و هي حسرى بمرأى

من عليٍّ ذاک الأبي الغیور»

***

حَمَلُوا في القلوبِ حقداً و غِلاً *** و أرادُوا إطفاءَ نورٍ تجلّى

نفّذوا خطةَ الصحيفة كُلّا *** «و استدارُوا بغياً على أسدِ اللّهِ

فأضح يقادُ قودَ الأسيرِ»

***

سحبُوا الليثَ ويحهمُ من عرينٍ *** و استغلُّوا وصيةً للدِّينِ

سحبُوهُ بشرِ حالٍ و هُونِ *** «ينظرُ الناسَ ما بهم من مُعينٍ

و ینادي و ما لهُ من نصیرِ»

***

أسقطُوا محسناً قتيلاً مضاما *** حين رضُّوا بالبابِ منها العِظاما

ص: 35

فأشارت إذ لا تطيقُ كلاماً *** «بأنين أورى القلوبَ ضراما

و حنین أذابَ صُمَ الصخورِ»

***

و شكتْ حالها تنادي النبيّا *** يا رسول الإلهِ انظُر إليّا

ثم صاحتْ عسى يعافونَ غيا *** «و دعتهُم خلّوا ابن عمّي عليّا

أو لَأَشكو إلى السمیعِ البصیرِ»

***

ما أصاغُوا لها ففي الأذن و قرُ *** و تمادوا ببغيِّهم و استمرُّوا

ليس عجباً أن يبغض الطُّهرَ عهرُ *** «ما رعَوْها بل روَّعُوها و مَرُّوا

بعليّ ملبّباً كالأسیرِ»

***

قل لمن تاهَ في هواهم وضلّا *** لاهبَ النارِ سوفَ في الحشرِ تصلى

فإذا كنتَ مالكاًويك عقلا *** «بعضُ هذا يريك ممّن تولّى

بارزَ الكفر ليسَ بالمستورِ»

***

قل لمن شَاءَ أن يصحَّ اعتقادا *** خذْ من الآلِ للقيامةِ زادا

و سلٍ النفسَ إن أردتِ رشادا *** «كيف حق البتول ضاعَ عنادا

مثلما ضاعَ قبرُها في القبورِ»

***

وتبرأُ مِمَنْ يهرُّ و يعوِي *** و من الزمرةِ التي الحقَّ تزوي

ص: 36

حيث لمّا قد أفصحَ الحقُّ يروي *** «قابلُوا حقَّها المبينَ بتزويرٍ

و هل عندهُم سوی التزویرِ»

***

غيّروا باختلاقِهِم كُلَّ معلّمْ *** فأضاعوا الميراث و هو مُسَلَّمْ

و افترى شيخُهُم حديثاً مُنَمْنَمْ *** «و رووا عن محمّدِ خبراً لمْ

يكُ فیهِ محمّدٌ بخبیرِ»

***

بالَصَبْرٍ يحيُّر الميتَ و الحَيْ *** ماسمعنا بمثلِ ذلكَ من شَيْ

نَغْلُ تيمٍ يعثو كما شاء بالغيْ *** «و عليٌّ يرى و يسمعُ و السيفُ

رهيفٌ و الباعُ غيرُ قصيرِ»

***

آه لولا القضا و ما خطَّ فيهِ *** لقضى المرتضى على غاصبيهِ

غیر أن الإمامَ فيمايليهِ *** «قيّدتهُ وصيّةٌ من أخيهِ

حمّلَتهُ ماليس بالمقدورِ»

***

يا إمامَ الزمانِ قلبي قد انعطْ *** لأمور لها السماواتُ تنحطْ

جرّد السيف بي أعاديك و اسخطْ *** «أفصبراً يا صاحب الأمرِ و الخطْبُ

جليلٌ يذيبُ قلبَ الصبورِ»

***

فإلامَ البقاءُ في الكتمانِ *** و احتمالَ الأذى منَ العدوانِ

ص: 37

خذ بثاراتِها بأسرع آنِ *** «كم مصابٍ يطولُ فيه بياني

قد عرى الطهر في الزمانِ القصيرِ»

***

أزح الهمَّ يابن فاطمٍ عنها *** و على فادحِ الرزايا أعِنْها

هذه أُمُّك الوديعةُ صُنْها *** «كيف من بعد حمرةِ العينِ منها

یا بن طهَ تهني بطرفِ قریرِ»

***

لك ترنُو من فاطمٍ عيناها *** علّ يوماً تردُّ عنها أساها

فإذا لم تسرّها بشفاها(1) *** «فابكِ وازفر لها فإنَّ عِداها

منعُوها وهامن البكا و الزفيرِ»

***

طهَّر الأرض من نفاقٍ و شركِ *** و اصلبِ القوم حيثُ جاؤوا بإفكِ

فكأنّ الإمام حزنان يحكي *** «و كأنّي به يقولُ و يبكي

بسلوِّ نزر و دمعٍ غزیرِ»

***

لا و حقِّ النبيٍّ لاأنساها *** هي أُمّي التي أضيعَ ثراها

لاتراني و حقُّ جدّيَ طه *** «لاتراني اتّخذت لا و علاها

بعدَ بيتِ الأحزان بیتَ سرورِ»

***

عُطَّ أكبادَهِم فديتُك عَطّا *** إنّهم نثّروا من الأُذنِ قُرْطا

ص: 38


1- أي بشفائها.

عجّل الثارَ لايكن منكَ شحطا *** «فمتى يابنَ فاطمَ تنشرُ الطاغوتَ

و الجبتَ قبلَ يوم النشورِ»

***

يا أنيسَ النفوسِ خير أنيسِ *** أينعتْ منهُمُ ثمارُ رؤوسِ

فاقتطفها بطالعٍ ذي نحوسِ *** «و تداركْ منّا بقايا نفوسِ

قد أُذيبتْ بنارِ غيظٍ الصدورِ»

***

ص: 39

(7) هم قدوتي

(بحر الطويل)

الأستاذ بدر شبيب الشبيب

أيا سائلاً عنِّي إذا شئتَ أن تقرا *** فقلب كتابَ المجدِ لاتتركَنْ سَطْرا

ستعلمْ أني في عيونِ سطورِه *** أُزيّنها كحلاً و أمنحُها سِحرا

و أنّي الذي و الى النبيِّ وآله *** هم قُدوتي دنياهُمُ عدّتي أُخرى

رجالُهُمُ خيرُ الرجالِ مكانةً كفاني بهم *** عزاً کفاني به فخرا

و إن عدَّ غيرِي في المفاخر نسوة *** كفاني إذا ما قلتُ فاطمةَ الزهرا

لئن سادتْ العذراءُ نسوةً عصرها *** فقد سادتِ الزهراء في قدرِها العُصرا

تعجبتُ للتاريخِ يكتُمُ أمرَها *** فساءلتُهُ يوماً فأبدى لِيَ العُذرا

و أعرضَ عني قائلاً إن في فمي *** فقلتُ اقذف الماءَ الذي يورثُ القهرا

و حدّثْ عن الزهراءِ بضعةِ أحمدٍ *** و مَن كانت الآياتُ في حقِّها تترى

ألم تكُ أُمّاً للنبيِّ و كوثراً و كانَ *** رسولُ اللَّه يوصِي بها خَيْرا

فهل حفظُوا بعدَ النبيِّ مقامَها؟ *** فصانُوا لها ودّاً و كانت لهم ذكرى

فقال ليَ التاريخُ و الدمعُ هاطلٌ *** أحلتَ فؤادي منذ ساءلتني جمرا

لقد بدأتْ كلُّ الرزايا برزئها *** و من فدكٍ كانتْ رزيتُنا الكبرى

و كان الذي قد كانَ من أمرِ دارِها *** فظُنَّ به خيراً و لاتكشفنْ سِترا

فقلتُ إذا أحسنتُ ظناً بما جرى *** فما بالُ بنتِ المصطفى و وريتْ عُسرا

فقال كفى لاتستزد من عنائِها *** فقد زدتني همّاً و أرهقتَنِي عُسرا

و لاتطلبِ التفصيل عمّا جرى لها *** و رفقاً بحالِي إن لي كَبِداً حرى

تكلّفني الأيامُ ما لاأُطيقه *** أرى صفوة الأخيار مغبونة جهرا

ص: 40

(8) حق الطهر فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ بهاء الدين العاملي (*)(1)

أهْوَى عَلِيّاً أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ وَ *** لاَ أَرْضَى بِسَبُ أَبِي بَكْرٍ وَ لَاعُمَرَا

ص: 41


1- (*) هو الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي الجبعي. يرجع نسبه إلى الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني من أصحاب أميرالمؤمنين علیه السلام. و همدان قبيلة يمنية قطنت الكوفة بعد الفتح الاسلامي و قد كان لها دور بارز في مؤازرة أميرالمؤمنين علیه السلام و نصرته حتى قال علیه السلام في مدحهم. ألا إِنَّ همدان الكرام أعزةٌ *** كما عز ركن البيت عند مقام أناسٌ يحبون النبي و رهطهُ *** سراعٌ إلى الهيجاء غير كهام إذا كنت بواباً على باب جنّةٍ *** أقُولُ لهمدان ادخُلُوا بسلام و همدان فرع من قبيلة أكبر و هي عاملة من قبائل اليمن التي سكنت جبال الشام و قد عُرفت هذه الجبال باسمها فسُمّيت «جبل عامل». و الجبعي نسبة إلى جبع قرية من قرى جبل عامل و هي الموطن الأصلي لآبائه و أجداده، و إليها ينتسب كثير من علماء جبل عامل. ولد الشيخ البهائي في بعلبك سنة (953 هجرية) و نشأ و ترعرع في أجواء أسرة علمية متدينة وصف ذلك بنفسه قائلاً: «إن آباءنا و أجدادنا في جبل عامل كانوا مشتغلين بالعلم و العبادة و هم أصحاب كرامات و مقامات». فوالده الشيخ حسين بن عبد الصمد بن محمد كان من تلاميذ الشيخ الشهيد الثاني، فهو عالم و محقق و متبحِّر و أديب و شاعر ثقة جليل. انتقل شيخنا البهائي مع والده المقدس من مسقط رأسه بعلبك إلى قزوين عاصمة الصفويين آنذاك و كان عمره سبع سنوات و تتلمذ هناك على والده وثلة من علماء قزوين و أصفهان حتى أذعن له كل مناظر، و سمت منزلته و اقترن بكريمة الشيخ زين الدين علي منشار العاملي شيخ الاسلام في ايران في عصر الشاه طهماسب، و كان من تلامذة الشيخ علي الكركي، و قد حظي الشيخ البهائي بمنزلة رفيعة لدى الشاه عباس الصفوي الأول، و ارتقى أهمّ منصب ديني في الدولة و هو منصب شيخ الاسلام، فرغب في السياحة و محالفة الاسفار، فبدأ بسياحته بحج بيت اللَّه الحرام و مدينة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم، حيث استغرقت أربع سنوات، ثم سافر إلى العراق لزيارة المراقد المقدسة، و استقر في مصر سنتين، و ألف فيها كتاب الكشكول و قد جمع فيه من كل فن بدون ترتيب، و هو كتاب فريد في بابه لم يسبقه إليه أحد حوى الكتاب طرائف و حكماً و قصصاً و أخباراً و أشعاراً لطيفة، فبثَّ في ثناياها أفكاراً و أدلة و حججاً تدعو إلى المذهب الصحيح، ثم سافر إلى دمشق فنزل فيها زماناً، و ذهب إلى حلب ثم قدم القدس و مكث فيها زمناً، ثم ذهب إلى هراة وزار بعدها مرقد الامام علي بن موسى الرضا علیه السلام في خراسان، ثم سافر إلى آذربایجان و رجع بعدها إلى اصفهان و قد استغرقت أسفاره ثلاثين سنة، و قد التقى في أسفاره بعلماء و أدباء العالم الاسلامي آنذاك و دخل معهم في حوار علمي و عقائدي و قد سجل لنا التاريخ جزءاً يسيراً من تلك المباحثات و المناظرات، و كان «قدس سره» يحرص على عدم التظاهر بحقيقة مذهبه و يتماشى مع المذهب الشائع هناك لمصالح تبليغية تهدف إلى الدخول إلى قلوب القوم ثم التأثير عليهم و هذا أحد الاسباب التي دعت بعض علماء العامة إلى الادعاء أنه على مذهبهم قال «رضوان الله عليه»: و إني امرؤ لايدرك الدهر غايتي *** و لاتصل الأيدي إلى سبر أغواري أخالطُ أبناء الزمان بمقتضى *** عقولهم كيلا يفوهوا بإنكاري و أظهر أنّي مثلهم تستفزّني *** صروف الليالي بإخلاءٍ و إمرارِ لقد اقترن اسم الشيخ البهائي باختراعاته العلمية العجيبة، و اشتهر بفنونه المعمارية، فمنها هندسة المشهد العلوي في النجف الأشرف على قواعد هندسية فلكية لم تكن لتخطر في بال، إذ جعل الجدار الشرقي من سور المشهد يمتدّ قائماً من الشمال إلى الجنوب بحيث يدل على وقت زوال الشمس عند الظهر بمجرد سقوط أشعتها على وجهه الغربي في مختلف فصول السنة و بحسب منازل الشمس بحيث لايؤثر انتقالها من منزلة إلى منزلة على توقيت ذلك الجدار للزوال بدقة منقطعة النظير، و من إنجازاته هندسة المشهد الرضوي في خراسان على ساكنه ألف تحية وسلام». و من الأسرار الهندسية التي أنجزها هندسته لمئذنتين تقومان إلى الآن في اصفهان يمكن لرجل واحد أن يحتضن إحداهما و يهزها فتهتز المئذنة الأخرى و تتحرك بحركتها بشكل ملحوظ. و من أسراره المعمارية بناء مسجد شاه في أصفهان بحيث يرد الصدى ست أو سبع مرات تحت القبة. و من معاجزه العلمية التي أخذت بألباب العلماء هو الحمام الذي بناه و جعل ماءه يسخن بشمعة واحدة أشعلها بيده فكانت كافية لتسخين الماء لمئات السنين بحيث بقيت مشتعلة تسخن الماء و لاتذوب إلى عهد ليس ببعيد حيث خربتها لجنة من العلماء الأجانب عملت لاكتشاف سرها المدهش فانطفأت الشمعة بين أيديها و لم تدرك سرّ اشتعالها و عدم ذوبانها قروناً عديدة و يرجع البعض هذا التصرف منهم إلى سياسة الغرب المتواصلة في إضعاف الإسلام و المسلمين و تحطيم تراثهم و مفاخرهم. ألف الشيخ البهائي كتباً جليلة في مختلف العلوم و الفنون في التفسير و الحديث و الفقه و الاصول و الفلك و الحساب و اللغة و غيرها. ومن مؤلفاته: 1- الكشكول، 2- المخلاة، 3- خلاصة الحساب، 4- زبدة الأصول، 5- أسرار البلاغة، 6- الحبل المتين، 7- الأربعون حديثاً ، 8- وسيلة الفوز والأمان، 9- الأنوار الإلهية، 10- توضيح المقاصد، 11- حاشية على البيضاوي، 12- الحديقة الهلالية، 13- الدراية فيما يحتاج إليه أهل الرواية، 14- تشريح الافلاك في الهيئة، 15- التحفة الحاتمية، 16- تهذيب البيان، 17- الجامع العباسي، 18- الفوائد الرجالية، 19- مشرق الشمسين وغير ذلك من الكتب القيمة. و توفي قدس سره في الثاني عشر من شهر شوال سنة (1031 هجرية) في أصفهان عن عمر بلغ 77 سنة، و نقل جثمانه الشريف من اصفهان إلى خراسان حيث دفن في داره التي في جوار حرم مولانا الرضا علیه السلام و أصبحت الآن جزءاً من الحرم الرضوي يزورها القاصدون.

ص: 42

وَ لاأَقُولُ إِذَا لَمْ يُعْطِيَا فَدَكَاً *** بِنْتَ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ كَفَرًا

اللهُ يَعْلَمُ مَاذَا يَأْتِيَانِ بِهِ *** يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عُذْرِ إِذَا اعْتَذَرَا(1)

و لبهاء الدين محمد العاملي في جوابه:

يَا أَيُّهَا المُدَّعِي حُبِّ الوَصِي وَ لَمْ *** يَسْمَحْ بِسَبْ أَبِي بَكْرٍ وَ لَاعُمَرَا

كَذَبْتَ وَ اللَّهِ فِي دَعْوَى مَحَبَّتِهِ *** تَبَّتْ يَدَاكَ سَتَصْلَى فِي غَدٍ سَقَرَا(2)

: 43


1- جاء في روضات الجنان ج1 ص372 عن الكشكول للبهائي أن هذه الأبيات أن هذه الأبيات هي لإبن حجر العسقلاني قالها في الاعتذار عن تعديات الشيخين (أبوبكر و عمر) و لعل هذا هو الأصوب مما جاء في نسبتها للكميت الأسدي. كما في الغدير ج2 ص275 الطبعة الثانية بطهران، قال المرزباني في أخبار السيد الحميري: قيل: إن السيد حج أيام هشام فلقي الكميت فسلم عليه و قال أنت القائل: و لاأقول إذا لم يُعطيا فدكاً... إلى آخر الأبيات؟ قال: نعم قلته تقية من بني أمية و في مضمون قولي شهادة عليهما أنهما أخذا ما كان في يدها و جرت بينهما محاججة سلم منها الكميت للسيد قائلاً: أنا تائب إلى الله مما قلت و أنت يا أبا هاشم. يقصد السيد. أعلم وأفقه منا.
2- تبُت: قطعت. تصلى: سقراً تدخلها و تشوى فيها. سقراً : علم من أعلام جهنم.

وَ كَيْفَ تَهْوَى أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ وَ قَدْ *** أَصْبَحْتَ فِي سَبِّ مَنْ عَادَاهُ مُفْتَكِرًا

فَإِنْ تَكُنْ صَادِقاً فِيمَا نَطَقْتَ بِهِ *** فَابْرَأَ إِلَى اللَّهِ مِمَّنْ خَانَ أَوْ غَدَرَا

وَ أَنْكَرَ النَّصَّ فِي حُمِّ وَبَيْعَتَهُ *** وَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ هَجَرَا

أَتَيْتَ تَبْغِي قِيَامَ العُذْرِ فِي فَدَكٍ *** أَتَحْسَبُ الأَمْرَ بِالتَّمْوِيهِ مُسْتَتِرَا

إِنْ كَانَ فِي غَصْبٍ حَقِّ الظُّهْرِ فَاطِمَةٍ *** سَيُقْبَلُ العُذْرُ مِمَّنْ جَاءَ مُعْتَذِرَا(1)

فَكُلُّ ذَنْبٍ لَهُ عُذْرٌ غَدَاةَ غَدٍ *** وَ كُلُّ ظُلْمٍ يُرَى فِي الحَشْرِ مُغْتَفَرَا

فَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَيَّامُهُ صُرِفَتْ *** فِي سَبِّ شِيخَتِكُم قَدْ ضَلَّ أَوْ كَفَرَا

بَلْ سَامِحُوهُ وَ قُولُوا لاَ نُؤَاخِذُهُ *** عَسَى يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ إِذَا اعْتَذَرَا

فَكَيْفَ وَ العُذْرُ مِثْلُ الشَّمْسِ مُتَّضِحٌ *** وَ الأَمْرُ مُنْكَشِفٌ كَالصُّبْحِ إِذْ ظَهَرَا؟

لكِنَّ إبْلِيسَ أَغْوَاكُمْ وَ صَيَّرَكُمْ *** عُمْياً وَ صُمّاً فَلاَسَمْعاً وَ لاَ بَصَرَا(2)

ص: 44


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى غصب فدك من الزهراء علیه السلام أنظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد أيضاً و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و سيرة الحلبي ج3 ص487.
2- أغواكم أضلَّكم و انظر الغدير ج2 ص275.

(9) زهراء علیها السلام يا بنت الرسالة

(بحر الكامل)

الأستاذة تغريد خطّاب

قُدْسِيَّةٌ ذِكْرَى النَّبِيِّ وَآلِهِ *** لأَلا عَابِقَةٌ بِسِرُ وَقَارِ

ذِكْرَى بِنَاءِ المَجْدِ فِي عَلْيَائِهِ *** ذِكْرَى خُلُودِ الحَقِّ وَ الآثَارِ

ذِكْرَىٰ قِيَادَةِ عَالَم بِتَمَامِهِ *** نَحْوَالكَمَالِ بِهِمَّةٍ وَ تَبَارِي

حَيْثُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ تَبَثَّلَتْ *** تَبْغِي رِضَا رَبِّ الوَرَى الغَفَّارِ(1)

حيْثُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ تَكَتَّلَتْ *** تَدْعُو إِلَى الإسلام ذي الأَنْوَارِ

مُتَسَرْ بِلاَتٌ سَاعِيَاتٌ لِلهُدَى *** مُتَفَقِّهَاتٌ عَابِدَاتُ البَارِي(2)

وَ أَمَامَهُنَّ إِمَامَةٌ لمَّاعَةٌ *** مِعْطَاءَةٌ جَادَتْ بِكُلِّ فَخارِ

مُزدَانَةٌ بِالنُّورِ ذَاتُ مَهَابَةٍ *** بِنْتُ الكِرَام سَلِيلَةُ الأَطْهَارِ

هِيَ أُمُّنَا هِيَ حُبُّنَا وَ مَلَاذُنَا *** فِي نُسْخَةِ الأَخْلاقِ وَ الإِكْبَارِ

هِيَ ابْنَةُ المُخْتَارِخَاتَمُ سَيْدٍ *** هِيَ فَاطِمُ الزَّهْرَاءُ وَ الأَزْهارِ

مِنّا السَّلامُ هَدِيَّةٌ أَلآقَةٌ *** يَا أُمُّ كَمْ لِلأُمِّ مِنْ أَسْرَارِ؟(3)

فَالأُمُ عَالَمُ عِزَّةٍ وَ سَعَادَةٍ *** وَ الأُمُّ حُب صَارِمُ الأَوْتَارِ

خَطَّتْ عَلَى التّارِيخِ صَفْحَةَ سُؤْدَدٍ *** فَلَهَا الخُلُودُ عَظِيمَةُ المِقْدَارِ

هِيَ عَالَمٌ بِكَمَالِهِ مُذْ أَرْشَدَتْ *** جِيلاً إِلَى الإِصْلاح و الإِبْصَارِ

***

ص: 45


1- تبتّلت: انقطعت عن الدنيا إلى اللَّه.
2- متسربلات: تسربل بالشيء: تلبَّس به.
3- ألاقة: لمّاعة أو لامعة.

أَرْجُوكِ فَاطِمُ سَامِحِينِي وَ اعْذُرِي *** رَخَمْتُ فَاطِمَ وَ الحَيَاءُ إِزَارِي

لكِنَّنِي أَبْغِي حِكَايَةَ قِصَّةٍ *** لِكَرِيمَةِ الأخْلاقِ خيرَ منارِ

ها ثَوْبُ عُرْسِكِ يَا فَتاةُ فَخَبِّنِي *** ثَوْبُ الزَّفَافِ هَدِيَّةُ المُخْتَارِ

مَنْ طَارِقٌ بَابَ الفَتَاةِ ظُهَيْرَة؟ *** هَلْ مِنْ لِبَاسِ أَوْ نُصَيْفِ إِزَارِ؟؟

حَمَلَتْ فَتَاةُ العُرْسِ ثَوْبَ زَفَافِهَا *** أَهْدَتْهُ رَاجِيّةً رِضَا الغَفَّارِ(1)

فَأَتَاهَا جِبْرِيلُ الأَمِينُ بِحُلَّةٍ *** مِنْ جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ وَ الأَنْهَارِ

زُفَّتْ بِهَا بَراقَةً فِي حُسْنِهَا *** مَبْرُوكُ فَاطِمُ تُحْفَةُ الأَبْرَارِ

***

مَنْ يُؤذِهَا يُؤذِ النَّبِيَّ المُصْطَفَى *** بِنْتُ النَّبِيِّ نَقِيَّةُ الأَسْتارِ

بِنْتُ النُّبُوَّةِ قُدْوَةٌ فِي سَعْيِنَا *** بِنْتُ النَّبِيِّ مَنَارَةٌ لِلسَّارِي

بِنْتُ النَّبِيِّ مُدِيرَةٌ لِسُلُوكِنَا *** بِنْتُ النَّبِيِّ عَطِيَّةُ الجَبَّارِ

بِنْتُ النُّبُوَّةِ هُذْبَتْ فِي دَارِهِ *** أَكْرِمْ بِدَارِ نَبِيَّنَا مِنْ دَارِ

***

زَهْرَاءُ يَا بِنْتَ الرِّسَالَةِ هَلْ لَنَا *** تُحْيِي الأَصَالَةَ فِي بَليغ حِوَارِ

زَهْرَاءُ هَلْ مِنْ عَوْدَةٍ فِي سَاحِنَا *** تَدْعُو فَتَاةَ العَصْرِ فِي الأَسْحَارِ؟

ص: 46


1- في نزهة المجالس للصفوري، ج2 ص226. إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم صنع لها قميصاً جديداً ليلة عرسها و زفافها و كان لها قميص مرقوع و إذا بسائل على الباب يقول: أطلب من بيت النبوة قميصاً خلقاً فأرادت أن تدفع إليه القميص المرقوع فتذكرت قوله «تعالى» «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»، آل عمران/ 92 فدفعت له الجديد فلما قرب الزفاف نزل جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم ان الله يقرئك السلام، و أمرني أن أسلّم على فاطمة علیها السلام و قد أرسل لها معي هدية من ثياب الجنة من ثياب الجنة من السندس الأخضر، فلما بلغها السلام و ألبسها القميص الذي جاء به لفها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالعباءة ولفّها جبرئيل بأجنحته حتى لايأخذ نور القميص بالأبصار، فلما جلست بين النساء الكافرات، و مع كل واحدة شمعة و مع فاطمة علیها السلام سراج رفع جبرئیل جناحه و رفع العباءة وإذا بالأنوار قد طبقت المشرق و المغرب فلما وقع النور على أبصار الكافرات خرج الكفر من قلوبهن و أظهرن الشهادتين.

زَهْرَاءُ هَلْ مِنْ نَظْرَةِ لِرُبُوعِنَا *** تَهْدِي الجَمِيعَ إِلَى خُطى الأَخْيَارِ؟

زَهْرَاءُ هَلْ مِنْ هَمْسَةٍ تَغْدُوبِهَا *** أَفْكَارُنَا فِي الحَقِّ تَاجَ فَخارِ؟

عُودِي إِلَيْنَا يَا مَلاكُ لِتُوقِظِي *** فَلَبِئْسَ نَوْمُ القَلْبِ وَ الأَفْكَارِ

هَا دَعْوَةُ الزَّهْرَاءِ جَادَتْ بِالنَّدَا *** مَدَّتْ يَداً فِي عَزمِهَا البتّارِ

نَادَتْ نِسَاءَ العَصْرِ فِي صَبْحَاتِهَا *** أَلَمْ يَمُوجٌ بِحَلْكَةِ الأخْطَارِ

***

هَبًا فَتاةَ الدِّينِ هُبِّي لِلْعُلاَ *** دُكِّي صُروحَ الجَهْلِ فِي الأَغْوَارِ(1)

تِيهِي عَلَى شَفَةِ الزَّمَانِ رِسَالَةً *** عُلْوِيَّةٌ تَبْنِي بِلا أَحْجَارِ

نَبَوِيَّةٌ تَبْنِي المَعَانِي فِي الحِجَا *** تُحْيِي النُّفُوسَ مَتِينَةَ الإِعْمَارِ(2)

فَعَقِيقَةٌ وَ نَقِيَّةٌ وَ فَقِيهَةً *** وَ أَصِيلَةٌ وَ عَمِيقَةُ الأَسْرَارِ

***

وَ لْيُزْهِرِ الكَوْنُ الرَّحِيبُ بِأُمَّةٍ *** فِيهَا النِّسَاءُ سَمَتْ بِلاَ إِدْبَارِ

وَ ليَعْدُ عَالَمُنَا نَشِيدَ سَعَادَةٍ *** يَشْدُو بِلاَ نَغَم وَ لاَأَوْتَارِ

وَ لْتَعْدُ أَمَّتُنَا الأَصِيلَةُ عَالَماً *** تَدْعُو إِلَى الإِحْسَانِ فِي الأَمْصَارِ

وَ لْتَعْدُ ذِكْرَى فَاطِمَ الزَّهْرَا عَلَى *** مَرِّ الزَّمَانِ سَخِيَّةَ الأَمْطَارِ

***

زَهْرَاءُ صَبْراً يَا حَبِيبَةُ كَفْكِفِي *** فَلَتُحْيِيَنَّ مَسِيرَةَ الأَبْرَارِ

وَ لَنَدْعُوَنَّ إِلَى الحَقِيقَةِ وَ الهُدَى *** مُتَسَلْحِينَ بِحِكْمَةِ الأَطْهَارِ

وَ لَنَلْفِيَنَّكِ كُلَّ عَامِ نَسْتَقِي *** مِنْ دَلْوِكِ المِعْطَاءِ لَيْلَ نَهَارِ

وَإِلَى اللِّقَاءِ بِهَمْسَةٍ شِعْرِيَّةٍ *** أَلشَّوْقُ فِيهَا لامِعُ الأَسْتَارِ

ص: 47


1- الأغوار: مفردها غور ما انحدر و اطمأنّ من الأرض، أو القعر من كل شيء.
2- الحِجا: العقل.

(10) محمودة الأفعال

(بحر الكامل)

الشيخ جعفر العوامي (أبو المكارم)(*)(1)

إِنَّ البَتُولَة بَضْعَةُ المُخْتَارِ *** مُخْتَارَةٌ فِي عَالم الأَنْوَارِ

قَدْ طُهرَتْ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ فَاغْتَدَتْ *** مَحْمُودَةَ الإِعْلَانِ وَ الإِسْرَارِ(2)

لوْلاً عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ كُفْوَ لَهَا *** فِيمَا بَرَى البَارِي مِنَ الأَبْرَارِ(3)

ص: 48


1- (*) الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد أبو المكارم العوامي. ولد في العوامية من القطيف في 15 جمادى الأولى سنة (1281ه) فنشأ في ظل أبيه أبى المكارم ، و ورث منه السماحة و الفصاحة و الكمال و الجلال و هاجر إلى النجف الأشرف و درس على أساتذتها و علمائها و هجرته كانت في سن مبكِّرة فبقي في النجف الاشرف 18 عاماً و عندما عاد كان ابن 32 سنة فاعتزَّت به القطيف و افتخرت و اقبلت عليه تغترف من علومه و تنهل من فيوضاته. ترجَم له حفيده الشيخ سعيد بن الشيخ علي آل أبي المكارم في كتابه (أعلام العوامية في القطيف،) قائلاً عنه: إنه وحيد العصر و علامة الزمن و عدد مؤلفاته في مختلف العلوم، فذكر من مؤلفاته في الفقه 19 كتاباً وأربعة كتب في الاصول وثلاثة في البيان وأربعة في الاستدلال، وكتابين في المنطق، وسبعة كتب في أهل البيت و دواوين شعره التي أسماها ب_ (جرائد الافكار) و آخر بإسم (نهاية الادراك) على حسب حروف الهجاء إلى غير ذلك من مناظراته و محاججاته عن المبدأ و المذهب و خطبه و مواقفه الاصلاحية. توفي عشية ليلة الاثنين 13محرم (1342ه_) في البحرين، و دفن مع الشيخ ميثم البحراني في صحن مسجده.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى تطهير الله تعالى فاطمة علیها السلام من الرجس. انظر الترمذي ج2 ص209 و مشكل الآثار للطحاوي ج 1 ص335. و ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12 كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص271. و ذكره العسقلاني في كتابه الاصابة ج4 ص378.
3- برا الباري: كلاهما مهموز بمعنى خلق الخالق.

كَلأَ وَ لَوْلاها لما كُفُوا إِلَى *** خَيْرِ البَرِيَّةِ حَيْدَرَ الكَرَّارِ(1)

أَللَّهُ طَهَّرَهَا مِنَ الرِّجْسِ الَّذِي *** شِرْكَ الأَنَامِ وَ سَائِرُ الأَقْذَارِ

فَأَتَتْ عَلَى وَفُقِ الإِرَادَةِ جَوْهَراً *** مُتَألقاً بِالنُّورِ فِي الأَقْطَارِ

صَفّى لَهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ فَاغْتَدَتْ *** تَعْلُو عَلَى العَالِينَ فِي المِقْدَارِ

قَدْ جَلَّ عُنْصُرُهَا عَنِ الأَعْرَاضِ أَوْ *** يَدْرِي حَقِيقَتَهَا سِوَى الجَبَّارِ

خُلِقَتْ مِنَ الأَنْوَارِ حِينَ تَكَوَّنَتْ *** وَ تَسَلْسَلَتْ فِي عَالَمِ الأَطْهَارِ

فَانْظُرْ بِعَيْنِ بَصِيرَةٍ فِي شَأْوِهَا *** فِي العَالَمِينَ وَ كُنْ عَلَى اسْتِبْصَارِ

مَا فَاطِمٌ الأَكَأَحْمَدَ فِي الوَرَى *** مَحْمُودَةُ الأَفْعَالِ وَ الآثَارِ(2)

ص: 49


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى كون الزهراء علیها السلام كفؤ لعلي و علي علیه السلام كفؤ لها و لولا لما كان لها كفؤ انظر كتاب البحار ج43 ص92 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص29.
2- أنظر كتاب مستدرك الصحيحين ج4 ص272 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص40.لقصيدة نقلت عن كتاب العوامية لسعيد أبوالمكارم.

(11) تنادى فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ جعفر النقدي(*)(1)

ص: 50


1- (*)هو الشيخ جعفر ابن الحاج محمد النقدي. ولد في مدينة العمارة سنة (1303ه_) و نشأ بها وكان والده الحاج محمد النقدي من سراة مدينة (دزفول) من أمهات مدن خوزستان في إيران انتقل منها إلى العمارة مهاجراً قبل ميلاد ولده و أصبح فيها من أرباب الثراء و ذوي اليسار و الاحسان، و كان له خمسة أولاد رابعهم المترجم له المفضال. فعني بتربيته و غذّاه بروحه العالية فكان مثالاً للأخلاق الكريمة و الاتزان المحبوب، و لأن والده كان لا یتعامل في معاملاته التجارية إلّا نقداً، لذلك لقب بالنقدي. أولع المترجَم له بالعلم و الأدب و هو طفل لم يبلغ العاشرة من عمره، و كان في بدء أمره يقرض الشعر باللغة الفارسية تحت تأثير ظروفه العائلية و تبعاً لاستاذه الذي كان يدَّربه على الكتابة و القراءة باللغة المذكورة لأنه كان جاداً في الشعر الفارسي، و لما رأى والده فيه تلك النزعة الفطرية هاجر إلى النجف الاشرف، و ترك تجارته خدمة للعلم فمهّد السبيل به من العمارة لولده ليقتطف ثمار العلوم من رياضها و لم يمض زمان إلاّ و قد أصبح مرموقاً من بين جميع إخوانه الذين تسابقوا على الفضيلة، حتى فرغ من المقدمات و السطوح و حضر دروس الخارج عند فطاحل العلم و الاجتهاد من أمثال السيد محمد كاظم اليزيدي المتوفى سنة (1337ه_) و الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية، و المتوفى عام (1331ه_) ، كما درس علم الهيئة و الحساب و باقي الفنون على الحجة السيد هبة الدين الشهرستاني. و بعد وفاة والده سنة (1332ه_ ) تواتر الطلب من أهل العمارة على السيد اليزدي الطباطبائي لإرجاعه إلى بلده و مسقط رأسه ليكون مرشداً و مهذباً و معلماً لهم و قد اشار عليه أستاذه بذلك فرجع إليهم و أقام عندهم يخدم الدين الحنيف و انتفع به الناس، و كان هذا سبباً لأن تجبره الحكومة في ذلك الوقت على تقبل وظيفة القضاء بعد اصرار جمع من اخوانه وأعيان بلده، وذلك في عام (1337ه_)، و استمر قاضياً حتى عام (1343ه_) حيث نقل إلى بغداد لقبول عضوية مجلس التمييز، ثم انتقل إلى البصرة، ثم إلى قضاء كربلاء المقدسة، ثم اعيد إلى عضوية مجلس التمييز الجعفري مرة ثانية، ثم إلى قضاء الحلة. و بالاضافة إلى إشغاله لمنصب القضاء كان وكيلاً عاماً لمرجع الطائفة السيد أبو الحسن الاصفهاني (رحمة الله علیه) و كان مثالاً صادقاً للوكيل اللائق بالمرجعية. أما آثاره العلمية فكثيرة تزيد على أربعين كتاباً منها: 1- شرح منظومة السيد العلوم في الفقه، 2- شرح زبدة الأصول، 3- حاشية على شرايع الاسلام، 4- شرح على الروضة البهية، 5- حاشية على معالم الاصول، 6- شرح على تشريح الافلال، 7- الحسام المصقول في نصرة ابن عم الرسول صلي الله علیه و آله و سلم 8- ذخائر القيامة في النبوة والامامة، 9- مواهب الواهب في فضائل آل أبي طالب، 10- الأنوار العلوية و الأسرار المرتضوية، 11- منن الرحمن في شرح قصيدة الشيخ البهائي المسماة وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان، 12- شرح وسيلة النجاة في شرح الباقيات الصالحات لعبد الباقي العمري، 13- خزائن الدرر في ثلاثة مجلدات، 14- كنوز الجواهر في مجلدين، 15- روض النضير 16- الحجاب والسفور، 17- الاسلام والمرأة، 18- الامامين الكاظمين علیهما السلام، 19- غزوات الامام علي علیه السلام، 20- غرَّة الغرر في أحوال الائمة الاثني عشر، 21- ذخائر العقبى، 22- أباة الضيم في الاسلام 23- ضبط التاريخ بالأحرف، 24- تنزيه الاسلام، 25 - الدروس الاخلاقية 26- زينب الكبرى سلام الله علیها، 27 - فاطمة بنت الحسين علیه السلام، 28- المولد النبوي الشريف، و كتب أخرى. توفي في اليوم التاسع من شهر محرم الحرام في سنة (1369ه_) في الكاظمية المقدّسة و في حسينية آل ياسين حيث كان يستمع إلى ذكرى واقعة كربلاء في ضحى النهار و ما إن توغِّل الخطيب في وصف مصرع السبط الشهيد حتى استعبر المترجم له ثم بكى بكاء شديداً و استمر في بكائه حتى لم يشعر الناس إلا و قد أغمي عليه فحركوه و إذا به قد فارق الحياة الدنيا فارتجِّت مدينة الكاظمية لفقده و شيِّع تشييعاً حاراً إلى النجف الأشرف، و دفن يوم العاشر من المحرم في الصحن الحيدري بين مرقدي الامام اليزدي و السيد الداماد.

هَجَرُوا وَ مَا مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يَهْجُرُوا *** يَوْماً وَلَكِنَّ القَضَاءَ مُقَدَّرُ

سَارُوا عَلَىٰ عَجَلٍ وَ طَائِرُ مُهْجَتِي *** إِثْرَ الرَّكَائِبِ مُنْجِدٌ وَ مُغَوِّرُ(1)

لَوْ كُنْتَ شَاهِدَنَا صَبِيحَة فَارَقُوا *** لَرَأَيْتَ قَلْبَ الصَّحُرِ كَيْفَ يُفطَّرُ(2)

إنِّي لأخْفِي الوَجْدَ خَوْفَ عَوَا ذِلِي *** جَلَداً وَلكِنَّ المَدَامِعَ تَظْهَرُ

يَا سَاكِنِي الحَيِّ الَّذِي مِنْ دُونِهِ *** تُفْنَى المَوَاضِي وَ الرِّمَاحُ تُكَسَّرُ(3)

ص: 51


1- مهجتي: روحي. مغوّر: ذاهب في الارض.
2- يُفطر: يشقُّ.
3- تثنى: تعطف.

عَطفاً عَلَى قَلْبٍ غَدَا فِي حُبِّكُمْ *** رَهْناً وَ فِي نَارِ الأَسَى يَتَسَعَّرُ(1)

جُودُوا عَلَيَّ وَلَوْ بِطَيْفِ خَيَالِكُمْ *** فَعَسَى كَسِيرُ القَلْبِ يَوْماً يُجْبَرُ

أَمِنَ المُرُوءَةِ أَنْ أَمُوتَ بِلَوْعَتِي *** مَابَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَ أَنْتُمْ نُظَّرُوا؟

تَالِلَّهِ مَا الأَيَّامُ بَعْدَ فِرَاقِكُمْ *** بِيضٌ وَ لاَقَمَرُ اللَّيَالِي مُبْدِرُ

أَهْلَ الحِمَى مَنْ مُنْصِفِي عَنْ غَادَةٍ *** أَمْسَى بِعِزَّتِهَا حِمَاكُمْ يَزْهَرُ

خَوْدٌ مُهَفْهَفَةٌ كَأَنَّ قِوَامَهَا *** غُصْنٌ يُرَنِّحُهُ الهَوَى إِذْ تَخْطُرُ(2)

تَرْنُو بِأَكْحَل نَاظِرِ فَكَأَنَّهَا *** رِيمُ الفَلاَ لَكِنَّهَا لاَ تُذْعَرُ

يَا قَلْبُ دَعْ عَنْكَ المِلاَحَ وَعُجْ إِلَى *** مَدْحِ الوَصِيَّ فَذَا بِشَأْنِكَ أَجْدَرُ

أَلْمُظْهِرُ التَّوْحِيدَ مَنْ لَوْلاهُ مَا *** كَانَتْ مَحَارِيبٌ وَ لَمْ يَكُ مِنْبَرُ

وَ الكَاسِرُ الأَصْنَامَ مِنْ بَيْتٍ بِهِ *** كَانَتْ ولادَتُهُ وَ ثَمَّ المَفْخَرُ

وَ الضَّارِبُ الهَامَ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ *** بَدْرٌ وَ أَحْزَابٌ كَذلِكَ خَيْبَرُ

وَ حُنَيْنُ قَامَ إِلَى السَّمَاءِ حَنِينُهَا *** لَمَّا دَهَاهَا وَ السَّلاَسِلُ تُخْبِرُ

وَ الجِنُّ لِلدِّين الحنيف رِقَابُهَا *** دَانَتْ وَ كَانَتْ قَبْلَ ذلِكَ تَكْفُرُ

وَ النَّاكِئُونَ غَدَتْ بِحَدْسُيُوفِهِ *** وَ القَاسِطُونَ عَلَى الهِدَايَةِ تُجْبَرُ

وَ المَارِقُونَ غَدَتْ عَلَى هَامَاتِهِمْ *** سُحُبُ المَنِيَّةِ مِنْ ظُبَاهُ تُمْطِرُ(3)

أَفْدِي الَّذِي تَخْشَاهُ آسادُ الفَلا *** وَ تَقُومُ بِاسْمِ حُسَامِهِ إِذْ تَعْثُرُ

تَالِلَّهِ مَا الإِسْلاَمُ كَانَ مُسَلَّماً *** وَ الدِّينُ لَمْ يَكُ فِي البَرِيَّةِ يُذْكَرُ

لَوْلاً سَنَا فِرْضَابِهِ المَاضِي الشَّبَا *** يَجْلُو الدَّيَاجِيّ وَ السِّنَانُ الأَزْهَرُ(4)

نَبَاً عَظِيمٌ وَالعَظِيمُ مُعَظَّمٌ *** خَلَقٌ قَدِيمُ و القَدِيمُ مُصَوِّرُ

عَلَّامَ عِلْمٍ مَا عَدَا خَيْرَ الوَرَى *** كُلُّ الوَرَى عَنْ دَرْكِ ذلِكَ تَقْصُرُ

ص: 52


1- يتسعّر: يشتعل.
2- الخود: المرأة الشابة. يُرنحٌ: يُميل. مهفهفة: ضامرة البطن، دقيقة الخصر.
3- الظَّبَى: جمع ظُبَّة، و هي حدّ السیف.
4- القرضاب: السيف القاطع، الشبا: الحدّ.

صُحُفُ الأَنَامِ قَدِ انْطَوَتْ أَخْبَارُهَا *** وَ لِذِكْرِهِ صُحُفُ الفَضَائِلِ تُنْشَرُ

سَل عَنْ عُلاهُ الذِّكْرَ فَهُوَ مُخَبِّرٌ *** عَنْهُ وَ هَلْ بَعْدَ الكِتَابِ مُخَبْرُ

وَ سَلِ الأَحَادِيثَ الَّتِي فِي فَضْلِهِ *** أَمْسَتْ لَهَا أَيْدِي العُدُولِ تُحَرِّرُ

عَجَبٌ لِقَوْمٍ أَخَرُوهُ أَمَا دَرَوْا *** مَنْ قَدَّمَ الرَّحْمَنُ لَيْسَ يُؤَخَّرُ

عَزَلُوهُ وَ هُوَ الرُّشْدُيَا تَعْساً لَهُمْ *** بَعْدَ النَّبِيِّ وَ لِلضَّلالَةِ أَمَّرُوا

أَفَهَلْ نَسُوا مَا أَحْمَد قَدْ قَالَهُ *** بِغَدِيرٍ حُمَّ أَمْ عَتَوْا وَ اسْتَكْبَرُوا

يَوْمٌ بِهِ جِبْرِيلُ جَاءَ مُخَبْراً *** عَنْ رَبِّهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ المُبْصِرُ

يَا أَيُّهَا المُخْتَارُ بَلِّغْ فِي الفَتَى *** الكَرارِ مَا قَدْ كُنتَ قَبْلاً تَسْتُرُ

وَ اللَّهُ يَدْفَعُ كُلَّ كَيْدٍ خِفْتَهُ *** مِنْ مَعْشَرٍ قَدْ خَالَفُوا وَ تَكَبَّرُوا؟

فَأَقَامَ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ مَا لَهُ *** غَيْرُ الحَدَائِجِ مَا هُنَالِكَ مِنْبَرُ(1)

فرَقَى وَ كَفُّ المُرْتَضَى فِي كَفِّهِ *** وَ غَدَا يُنَادِي وَ البَرِيَّةُ حُضَّرُ

مَنْ كُنْتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا حَيْدَرٌ *** مَوْلاهُ وَاللَّهُ المُهَيْمِنُ يَأْمُرُ

فَهُوَ المُطَاعُ لَكُمْ وَ خَيْرُ رِجَالِكُمْ *** فَدَعَوْا جَمِيعاً بِالقَبُولِ وَ كَبَّرُوا

حَتَّى إِذَا غَابَ النَّبِيُّ تَوَثَّبُوا *** وَ لِدَفَع مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَ تَشَمَّرُوا(2)

هَجَمُوا عَلَى سِرِّ الإلهِ وَ أَحْرَقُوا *** بَابَ الهُدَى وَ لِضِلْعِ فَاطِمَ كَسَّرُوا

وَ عَدَوْا عَلَى بِنتِ النَّبِيِّ وَ أَسْقَطُوا *** مِنْهَا الجَنِينَ وَصَفَوَهَا قَدْ كَدَّرُوا

قَادُوا عَلِيًّا فِي حَمَائِلِ سَيْفِهِ *** وَ مِنَ العَجَائِبِ أَنْ يُقَادَ غَضَنْفَرُ

يَا لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ عَنْهُ حَمْزَةٌ *** إِذْ يَسْتَغِيثُ وَ أَيْنَ عَنْهُ جَعْفَرُ؟

وَغَدَتْ تُنَادِي فَاطِمٌ مِنْ خَلْفِهِمْ *** بِحَشاً تَذُوبُ و مُقلَةٍ تَسْتَعبِرُ

تَمْشِي وَ قَدْ أَحْنَى المُصَابُ ضُلُوعَهَا *** وَ الرِّجْلُ فِي أَذْيَالِهَا تَتَعَثَّرُ

يَا مَعْشَراً ضَلَّتْ بِهِمْ أَهْوَاؤُهُمْ *** وَ عَمُوا فَمَنْهَجُ رُشْدِهِمْ لَمْ يُبْصِرُوا

خَلُوا ابْنَ عَمِّي أَوْ رَفَعْتُ إِلَى السَّمَا *** كَفِّيْ وَ أَدْعُو وَ الدُّعَاءُ مُؤَثّرُ

ص: 53


1- الحدائج: كالهوادج التي تركب فيها النساء على البعير.
2- تَوَكَّبوا: نهضوا و قاموا. تشمروا مروا مسرعين.

اللهُ أَكْبَرُ يَا صَحَابَةً أَحْمَدٍ *** مَا البُتْمُ يَحْمِلُهُ شَبِيرُ وَ شُبَّرُ

يَا أَيُّهَا المَحْجُوبُ عَنْ أَحْبَابِهِ *** حَتَّى مَ شَخْصُكَ فِي البَرِيَّةِ يَظْهَرُ؟

أَفْدِي شَبا أَسْيَافِكَ اللَّاتِي بِهَا *** تَشْفِي القُلُوبَ وَ كُلُّ كَسْرِ يُجْبَرُ(1)

ص: 54


1- أو يقال: و كلَّ كَسْرِ تُجبِرُ الأنوار العلوية ص363 و القصيدة في فضائل الإمام علي علیه السلام و تنتهي بمصائب الزهراء علیها السلام.

(12) حبيبة خير الرسل صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ حبيب شعبان(*)(1)

هِيَ الْغِيدُ تَسْقِي مِنْ لَوَاحِظِهَا خَمْرًا *** لِذَلِكَ لاَتَنْفَكُ عُشاقهَا سَكْرَى(2)

صَعَائِفٌ لاَتَقْوَى قُلُوبُ ذَوِي النُّهَى *** عَلَى هَجْرِهَا حَتَّىٰ تَمُوتَ بِهِ صَبْرا

وَ مَا أَنَا مِمَّنْ يَسْتَلِينُ فُؤَادُهُ *** وَ يَنْفُتْنَ بالأَلْحَاظِ فِي عَقْلِهِ سِحْرَا(3)

وَلَا بِالَّذِي يُشْجِيهِ دَارِسُ مَرْبَعٍ *** فَيَسْقِيهِ مِنْ أَجْفَانِهِ أَدْمُعاً حَمْرًا

أَأَبْكِي لِرَسْمِ دَارِسٍ حَكَمَ الْبِلَى *** عَلَيْهِ وَ دَارٍ بَعْدَ سُكَانِهَا قَفْرًا؟

ص: 55


1- (*) هو الشيخ حبيب ابن الحاج مهدي ابن الحاج محمد الشهير بشعبان و آل شعبان من الأسر العريقة في النجف الأشرف. ولد المترجم له في النجف بحدود (1290ه_) و نشأ بها على أبيه و كان بزازاً فعني بتربيته و قرأ القرآن و تعلم الكتابة، ثم وجهه حسب رغبته إلى طلب العلم فقرأ النحو و الصرف و المعاني و البيان و المنطق و الفقه و الاصول. ذكره جمع من الأعلام منهم صاحب الحصون و صاحب الأعيان و صاحب أدب الطف فأجمعوا أنه فاضل ذكي و شاعر لامع و أديب حسن المعاشرة ظريف المحاورة. و كان أبوه من ذوي الحرف في النجف الأشرف فنبا به الدهر و ضاقت يده على إعاشة ولده على ما يريد و هو ذو همّة عليّة وطموح لا متناه في اكتساب العلم و المعرفة فهاجر إلى كربلاء المقدسة في عام (1325ه_) للتزود من العلم هناك، فتتلمذ على الفقيه الاصولي الكبير السيد محمد باقر الطباطبائي و كان ملازماً له مدة طويلة، ثم سافر إلى الهند فركب البحر قاصداً لها فانقطعت أخباره إلى عام (1336ه_) حتى وردت كتب من رامپور تنبىء بوفاته هناك. و للمترجَم له شعر كثير ولكنه لم يجمع في ديوان و أكثر شعره في المعصومين علیهم السلام.
2- الغيد: الفتيات طويلات العنق لينّات الأعطاف واحدتها: غَيْداء. لواحظ: عيون.
3- ينفثن: يرمينّ. الألحاظ: بواطن العيون.

وَ أَصْفِي وِ دَادِي لِلدِّيَارِ وَ أَهْلِهَا *** فَيَسْلُو فُؤَادِي وُدُّ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا

وَ قَدْ فَرَضَ الرَّحْمَنُ فِي الذِّكْرِ رُدَّهَا *** وَ لِلْمُصْطَفَى كَانَتْ مَوَدَّتُهَا أَجْرَا(1)

وَ زَوَّجَهَا فَوْقَ السَّمَا مِنْ أَمِينِهِ *** عَلِيٌّ فَزَادَتْ فَوْقَ مَفْخَرِهَا فَخْرا(2)

وَ كَانَ شُهُودُ الْعَقْدِ سُكَانَ عَرْشِهِ *** وَ كَانَتْ جِنَانُ الْخُلْدِ مِنْهُ لَهَا مَهْرَا

فَلَمْ تَرْضَ إِلا أَنْ يُشَفَعَهَا بِمَنْ *** تُحِبُّ فَأَعْطَاهَا الشَّفَاعَةَ فِي الأُخْرَى(3)

حَبِيبَةُ خَيْرِ الرُّسُلِ مَا بَيْنَ أَهْلِهِ *** يُقَبِّلُهَا شَوْقاً وَ يُوسِعُهَا بِشَرَا

وَ مَهْمَا لِرِيحِ الجَنَّةِ اشْتَاقَ شَمَّهَا *** فَيُنشَنَّ مِنْهَا ذلِكَ العِطْرَ وَ النَّشْرَا(4)

إِذَا هِيَ فِي الْمِحْرَابِ قَامَتْ فَنُورُهَا *** بِزَهْرَتِهِ يَحْكِي لأَهْلِ السَّمَا الزَّهْرَا

وَ إِنْسِيَّةُ حَوْرَاءُ فَالْحُورُ كُلُّهَا *** وَ صَائِفُهَا يَعْدُدْنَ خِدْمَتَهَا فَخْرَا(5)

وَ إِنَّ نِسَاءَ العَالَمِينَ إمَاؤُهَا *** بهَا شُرِّفَتْ مِنْهُنَّ مَنْ شُرِّفَتْ قَدْرَا(6)

ص: 56


1- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص25 قال: عن ابن عباس قال: لمّا نزلت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»[سورة الشورى الآية: 23] قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. رواه الهيثمي أيضاً في مجمعه ج7 ص103 ج9، ص168، نقلاً عن النحوي عن النحوي في تفسيره. و في لسان الميزان للعسقلاني، ج3 ص275. قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن ربك يحبُّ فاطمة علیها السلام، اسجد فسجدت، ثم قال: أن الله يحب الحسن و الحسين علیهما السلام فسجدت ثم قال ان الله يحب من يحبهما.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب كنز العمال ج6 ص152 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله امرني أزوج فاطمة علیها السلام من علي أخرجه الطبراني عن ابن مسعود (أقول): و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص204 و قال: رواه الطبراني و رجاله ثقات و ذكره المناوي في فيض القدير في المتن ج2 ص215 و ذكره ابن حجر في صواعقه ص74 و قد مرَّ ذلك مراراً فلا نعيد.
3- انظر كتاب ينابيع المودة ج1 ص309.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص156 روی بسنده عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني جبريل عليه الصلاة و السلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة علیها السلام.
5- إشارة إلى ما ورد في كتاب تاریخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث.
6- روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص309 عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لمّا خلق الله آدم و حواء علیهما السلام أخذا يفتخران في الجنة فقالا: ما خلق الله خلقاً أحسن منّا، فبينما هما كذلك إذ رأيا صورة جارية لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار على رأسها تاج و في أذنيها قرطان قالا: ما هذه الجارية؟ قال الله: هذه صورة فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأولين والآخرين. قالا: و ما هذا التاج على رأسها؟ قال: هذا بعلها علي بن أبي طالب علیه السلام. قال: و ما هذان القرطان؟ قال: الحسن و الحسين علیهما السلام ابناهما أوجدت ذلك قبل ان أخلقك بألفي عام.

فَلَمْ يَكُ لَوْلاَهَا نَصِيبٌ مِنَ الْعُلَى *** لِأُنْثَى وَ لَاكَانَتْ خَدِيجَةُ الْكُبْرَى

لَقَدْ خَصَّهَا البَارِي بِغُرِّ مَنَاقِبٍ *** تَجَلَّتْ وَ جَلَّتْ أَنْ نُطِيقَ لَهَا حَصْرَا

وَ كَيْفَ تُحِيطُ اللُّسْنُ وَصْفاً بِكُنْهِ مَنْ *** أَحَاطَتْ بِمَا يَأْتِي وَ مَا قَدْ مَضَى خُبْرَا؟(1)

وَ مَا خَفِيَتْ فَضْلاً عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ *** فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ قَدْ خَفِيَتْ قَبْرَا؟(2)

وَ مَا شَيَّعَ الأَصْحَابُ سَامِيَ نَعْشِهَا *** وَ مَا ضَرَّهُمْ أَنْ يَعْتَمُوا الْفَضْلَ وَ الأَجْرَا؟(3)

بَلَى جَدَ القومُ النَّبِيَّ وَ أَضْمَرُوا *** لَهُ حِينَ يَقْضِي فِي بَقِيَّنِهِ المَكْرَا؟

لَقَدْ دَحْرَجُوا مُذْ كَانَ حَيَّا دِبَابَهُمْ *** وَ قَدْ نَسَبُوا عِنْدَ الوَفَاةِ لَهُ الهُجْرَا(4)

فَلَمَّا قَضَى ارْتَدُّوا وَ صَدُّوا عَنِ الهُدَى *** وَ هَدُّوا -عَلَى عِلْمٍ- شَرِيعَتِهِ الغَرّا

وَ حَادُوا عَنِ النَّهْجِ القَوِيمِ ضَلالَةٌ *** وَ قَادُوا عَلِيًّا فِي حَمَائِلِهِ قَهْرَا

وَحِيداً مِنَ الأَنْصَارِ لاَحَمْزَةٌ لَهُ *** وَ لاَجَعْفَرُ الطَّيَارُ فَادَّرع الصَّبْرَا(5)

وَطَأطأ لاَجُبْنَا وَ لَوْ شَاءَ لأَنْتَضَى *** الحُسَامَ الَّذِي مِنْ قَبْلُ فِيهِ مَحا الكُفْرَا(6)

ص: 57


1- اللَّسنُ: الألسنة. خُبْراً: تجربة و اختباراً. كنه: حقيقة.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج8 ص241-240 ط الكمباني: فعمل أميرالمؤمنين علیها السلام بوصيّتها و لم يعلم أحداً بها فاصبح في البقيع ليلة دفنت فاطمة علیها السلام أربعون قبراً جدداً.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46 فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس أخرجها إلى البقيع ليلاً . الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- دبابهم: أواني للزيت.
5- أدرع: اتخذ درعاً، و الظاهر أن في هذا البيت و البيت الثاني الذي يليه إيطاء إلا إذا أريد بالأول التجلد و الثاني الحبس.
6- انتضى: سل. الحسام: السيف.

وَلكِنَّ حِلْمَ اللَّهِ جَارٍ وَ إِنَّهُ *** لأَصْبَرُ مَنْ فِي اللهِ يَسْتَعْذِبُ الصَّبْرَا

فَكَابَدَ مَا لَوْ بِالجِبَالِ لَهَدَّهَا *** وَ شَاهَدَ بَيْنَ القَوْمِ فَاطِمَةً حَسْرَى(1)

ص: 58


1- شعراء الغريّ ج3 ص3 و أدب الطف ج8 ص313.

(13) ربيبة الوحي

(بحر الخفيف)

الملا حسن آل جامع

يَا مُصِراً عَلَى الذُّنُوبِ الكِبَارِ *** عَاصِياً أَمْرَ رَبِّهِ الجَبَّارِ

غَارِقَاً طول عُمْرِهِ فِي هَوَاهُ *** غَافِلاً عَنْ حَوَادِثِ الأَقْدَارِ

أفَهَلاً تَفِيقُ مِنْ سِنَةِ الجَهْلِ *** وَ تَحُشَى عَوَاقِبَ الإِصْرَارِ؟

مَا بَرَاكَ الإِلهُ لِلَّهْوِ وَ الخَوْضِ *** وَ حَمْلِ الذُّنُوبِ وَ الأَوْزَارِ(1)

فَأَطِعْهُ تَفُرْ بِجَنَّةِ عَدْنٍ *** وَ تَنَلْ فَضْلَهُ بِدَارِ القَرَارِ

وَ تَمَسَّكْ بِحَبْلٍ حَيْدَرَ تَسْلَمْ *** فِي غَدِ مِنْ لَهِيبِ حَرِّ النَّارِ

بَطَلٌ قَدْ فَدَى المُؤَيَّدَ بِالنَّفْسِ *** وَ وَاسَاءُ فِي الأُمُورِ الكِبَارِ(2)

ص: 59


1- براك: برأه: أي خلقه من العدم.
2- في كتاب/ علي بن أبي طالب علیه السلام بقية النبوَّة و خاتم الخلافة لعبد الكريم الخطيب/ ص103 قال : لقد دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عليّاً علیه السلام ليلة الهجرة و طلب إليه أن يبيت في المكان الذي اعتاد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن يبيت فيه و أن يتغطى بالبُرد الحضرميّ الذي كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يتغطى به حتى إذا نظر ناظر من قريش إلى الدار رأى كأن النبي صلى الله عليه و آله و سلم نائم في مكانه مغطى بالبرد الذي يتغطى به . و هذا الذي كان من علي علیه السلام في ليلة الهجرة إذا نظر إليه في فجر الأحداث التي عرضت للإمام عليّ علیه السلام في حياته بعد تلك الليلة فإنه يدفع لعين الناظر أمارات واضحة و إشارات دالة على أن هذا التدبير الذي كان في تلك الليلة لم يكن أجراً عارضاً، بل هو عن حكمة لها آثارها... إلى أن قال: إنه إذا غاب شخص الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كان عليّ هو الشخصية المهيأة لأن تخلفه و تمثل شخصه و تقوم مقامه. حين نظرنا إلى عليّ و هو في برد الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و في مثوى منامه الذي اعتاد أن ينام فيه فقلنا: هذا خلف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و القائم مقامه.

وَ وَقَاهُ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَأُحدٍ *** حِينَ فَرَّتْ قَبَائِلُ الْأَنْصَارِ(1)

كمْ أَبَادَ الأبطال فِيهَا وَ قَاسَى *** غَمَرَاتِ الحُرُوبِ وَ الأَخْطَارِ(2)

بَطَلٌ جَدَّلَ ابْنَ وُدَّ وَ أَرْدَى *** مَرْحَباً بِالمُهَنَّدِ البَتّارِ(3)

صَاحِبُ المُعْجِزَاتِ قطب رَحَي *** الدِّينِ مُبِينُ العُلُومِ وَ الأَسْرَارِ

حَاكِمٌ عَادِلٌ حَكِيمٌ شُجَاعٌ *** مَاجِدٌ جَامِعٌ لِكُلِّ فَخَارِ

خَاشِع خاضِعُ إِمَامٌ هُمَامٌ *** عَابِدٌ طَائِعٌ لأَمْرِ البَارِي(4)

آيَةُ اللَّهِ حُجَّةُ اللَّهِ بَابُ اللَّهِ *** ذُو النُّسْكِ سَيِّدُ الأَبْرَارِ

بِوَلاهُ قَدْ أُكْمِلَ الدِّينُ بِخُمِّ *** وَ تَمَّتْ رِسَالَةُ المُخْتَارِ

بَايَعُوهُ يَوْمَ الغَدِيرِ وَ أَخْفُوا *** فِي الحَنَايَا مَا بَانَ مِنْ إِنْكَارِ

أَظْهَرُوا بَعْدَ أَحْمَدٍ كُلَّ حِفْدٍ *** أَضْمَرُوهُ لِلْمُرْتَضَى الكَرَّارِ

نَكَفُوا البَيْعَةَ الَّتِي هِيَ عَقدٌ *** فِي رِقَابِ الوَرَى لِيَوْمِ القَرَارِ(5)

ص: 60


1- في شرح النهج/ لابن أبي الحديد/ ج7 ص301 قال في شرح قوله علیه السلام لابنه الحسن عليه السلام: «لا تدعوَنَّ إلى مبارزة فإن دعيت إليها فأجب فإن الداعي إليها باغ و الباغي مصروع». قال: قد ذكر الحكم ثم ذكر العلة و ما سمعنا أنه علیه السلام دعا إلى مبارزة قط، و إنما كان يُدعى هو بعينه أو يُدعى من يبارز فيخرج إليه فيقتله. دعا بنو ربيعة بن عبد شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر فخرج علیه السلام فقتل الوليد و اشترك هو و حمزة في قتل عُتبة... و دعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز يوم فخرج إليه فقتله و دعا مرحب إلى البراز يوم خيبر فخرج إليه فقتله... فأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد ودّ فإنها أجلِّ من أن يقال جليلة و أعظم من أن يقال عظيمة و ما هي إلا كما قال شيخنا أبوالهذيل. و قد سأله سائل أيّما أعظم منزلة عند الله علي أم أبوبكر؟ فقال: يابن أخي واللَّه لمبارزة علي عمراً یوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين و الأنصار و طاعاتهم كلها تُربي عليها فضلاً عن أبي بكر وحده انظر أيضاً شرح النهج، ج19 ص60.
2- قاسي: عايَش أو عانى.
3- أردى: قتل. المهند: السيف.
4- همام: السيد الشجاع السخي.
5- الورى: الخلق.

خلَعُوهَا وَ خَالَفُوا قَوْلَ طَهَ *** يَوْمَ خُمُ في حَيْدَرِ المِغْوَارِ

وَ عَلَيْهِ تَقَحَمُوا الدَّارَ ظُلْماً *** وَ البَتُولُ الزَّهْرَا بِغَيْرِ خِمَارِ(1)

مُذْ رَأَتْهُمْ رَبِيبةُ الوَحْيِ لَاذَتْ *** عَنْهُمُ خِيفَةً بِبَابِ الدَّارِ

عَصَرُوهَا وَ أَسْقَطُوهَا وَ رَضُّوا *** ضِلْعَهَا بَيْنَ بَابِهَا وَ الجِدَارِ

وَ مِنَ العَصْرَةِ الَّتِي قَدْ عَرَتْهَا *** صَدْرُهَا قَدْ أُصِيبَ بِالمِسْمَارِ

لَطَمُوهَا وَ الَهُفَ نَفْسِي عَلَيْهَا *** لَطْمَةً أَثَرَتْ بِعَيْنِ الفَخَارِ

وَ بِحَبْلِ الحُسَامِ قَادَا عَلِيًّا *** يَابِنَفْسِي وَ هُوَ الهِزَبُرُ الضّارِي(2)

وَ أَتَتْ خَلْفَهُ البَتُولَةُ تَعْدُو *** وَ هُيَ تَدْعُو وَ قَلْبُهَا فِي انْكِسَارِ

عَجَباً بِالجِبَالِ قَادُوهُ قَسْراً *** وَ هُوَ حَبْلُ الإِلهِ حَامِي الذِّمَارِ

أَيُّهَا النّاكِثُونَ خَلُوا عَلِيًّا *** أَوْ لأَشْكُو لِلْوَاحِدِ القَهَّارِ

مُذْ رَآهَا اللَّعِينُ رُدَّ إِلَيْهَا *** عَابِساً مُغْضَباً كَلَيْثٍ ضَارِي

أَوْجَعَ البَضْعَةَ البَتُولَة ضَرْباً *** وَ هُيَ تَبْكِي بِدَمْعِهَا المِدْرَارِ

ثُمَّ جَاؤُوا بِهِ لِمَسْجِدِ طَهَ *** مَا لَهُ نَاصِرٌ مِنَ الأَنْصَارِ

وَ عَلَيْهِ سَلُوا السُّيُوفَ وَ قَالُوا *** قُمْ وَ بَايِعْ خَلِيفَةَ المُخْتَارِ

وَ إِلَى قَبْرِ أَحْمَدٍ دَارَ بِالطَّرْفِ *** يُنَادِي يَا صَفْوَةَ الجَبَّارِ

قَائِلاً: يَابْنَ أَمْ بِي غَدَرَ القَوْمُ *** وَ رَامُوا مَذَلَّتِي وَ احْتِقَارِي

وَ أَرَادُوا قَتْلِي عَلَى غَيْرِ جُرْمٍ *** كَأَنَّ مِنِّي عَلَى البَرِيَّةِ جَارِي

ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَا لَقِي مِنْ عِدَاهُ *** يَابِنَفْسِي غَدًا جَلِيسَ الدّارِ

مَا لَهُ نَاصِرٌ يَرَى الأَمْرَ قَدْ *** صَارَ بِأَيْدِي اللِّئَام و الأشرارِ

لَمْ يَزَلْ طُولَ عُمْرِهِ فِي عَنَاءٍ *** لَمْ يَجِدْ رَاحَةٌ أَبُو الأَطْهَارِ(3)

ص: 61


1- خِمار: ما تغطي به المرأة رأسها.
2- الهزبر: الأسد.
3- مهراق المدامع ص25.

(14) كيف لاتبكي

(بحر الكامل)

الأستاذ حسن أحمد العامر(*)(1)

رفقاً بنَفْسِكَ أَيُّهَا المَغْرُورُ *** لاَيَقْعُدَنَّ بِعَزْمِكَ المَقْدُورُ

لاَأَلْفَیَنَّكَ لاَهِياً بمَلَذَّةِ *** تَفْنَى وَ يَبْقَى جُرْمُكَ المَحْظُورُ

وَدَع المَلاهِي لِلْمُرِيدِ فَحَظُّهُ *** نَصَبٌ وَ هَمْ زَادُهُ تَكْرِيرُ

وَاجْهَدْ لِنَفْسِكَ بالتَّقَى مُتَزَوِّداً *** إِنَّ التَّقِيَّ مُؤَيَّدٌ مَنْصُورُ

لاتُنْسِيَنَّكَ لَذَّةٌ بِنَعِيمِهَا *** ذِكْرَ المَمَاتِ فَذِكْرُهُ مَشْكُورُ

لاتُفْتَنَنَّ بِكَثْرَةٍ فَلَعَلَّهَا *** جَوْفَاءُ لاَعُمْرُ وَ لاَتَعْمِيرُ

وَاقْنَع بِرِزْقٍ وَ اقْتَصِدْ بِمَعِيشَةٍ *** وَ انْفِقْ بِعَدْلٍ مَا بِهِ تَبْذِيرُ

كُنْ دَائِماً مُتَذَكَّراً لِمُصِيبَةٍ *** هِيَ فِي فُؤَادِكَ عُمْرُهَا مَسْجُورُ(2)

ذِكْرَى مُصِيبَةِ فَاطِمٍ قَدْ أَشْعَلَتْ *** قَلْبِي هُمُومَاً وَصْفُهَا مَعْسُورُ

لاأَتَّقِي ذِكْرَ المُصَابِ تَجَاهُلاً *** حَاشَا فَقَلْبِي ذَاكِرٌ مَعْمُورُ

لَكِنَّنِي لَاأَسْتَطِيعُ تَصَوُّراً *** كَيْفَ اجْتَمَعْنَ عَلَى البُزَاةِ طُيُورُ(3)

وَ لِحَرْقِ ذَاكَ البَيْتِ أَضْحَى أَمْرُهُم *** عَزْماً وَ أَحْمَدُ لَحْدُهُ مَنْشُورُ

أَوَمَا عَلِمْتَ بأَنَّ بَضْعَةَ أَحْمَدٍ *** طَوَتِ الحَيَاةَ وَ ضِلْعُهَا مَكْسُورُ؟

هَجَمُوا عَلَى تِلْكَ المَصُونَةِ بَيْتَهَا *** حَنَفَاً وَ بُغْضَاً قَادَهُمْ مَغْرُورُ

ص: 62


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- المسجور: الملتهب، و سجر التنور: أشعله.
3- البزاة: جمع مفرده البازي: جنس من الصقور.

عَصَرُوا البَتُولَ فَهَشَّمُوا أَضْلَاعَهَا *** وَ إِذَا الجَنِينُ بِقُرْبِهَا مَعْفُورُ(1)

وَ تَنَابَحَتْ حَوْلَ الوَصِيَّ كِلابُهُمْ *** وَ ثَبُوا عَلَيْهِ وَ شَرُّهُمْ مَشْهُورُ

هَجَمُوا فَقَادُوا حَيْدَراً بِنِجَادِهِ *** وَإِذَا الأَمِيرُ بِأَمْرِهِمْ مَأْمُورُ

عَجَباً تُقَادُ وَ أَنْتَ صَقْرُ طُيُورِهَا *** أَتُرَى الصُّفُورُ يَقُودُهَا عُصْفُورُ؟

وَ الَهْفَتَاهُ لِفَاطِمِ مُذْ عَايَنَتْ *** كَبْشَ الكَتِيبَةِ يَنْحَنِي وَ يَسِيرُ(2)

عَجَباً لِصَبْرِكَ يَا عَلِيُّ فَإِنَّهُ *** هَزَّ الرَّوَاسِي فَهيَ مِنْهُ تَمُورُ(3)

قَسَماً بحِلْمِكَ سَيْدي وَ بِسِرِّهِ *** قَسَمٌ لَعَمْرُكَ لَوْ عَلِمْتَ كَبِيرُ

لَوْلاَ احْتِمَالُكَ لِلأَذَى مُتَجَلْدَاً *** مَا كَانَ ذِكْرٌ لِلإِلَهِ يَدُورُ

لَوْلاَ اصْطِبَارُكَ يَا عَلَيَّ لِمَا بَدَا *** شَرْعٌ لأَحْمَدَ قَائِمٌ مَشْهُورُ

أيْنَ الحِميّةُ وَ العِدَى هَجَمَتْ عَلَى *** أَرْضِ الوِلايَةِ ضَرْعُهَا مَبْتُورُ؟

فَعَلَى البَتُولَةِ يَا سَمَاءُ تَفَطَّرِي *** حُزْناً فَإِنَّ فُؤَادَهَا مَفْطُورُ

وَ تَجَلْبَبِي يَا أَرْضُ ثَوْبَ كابَةٍ *** وَ دَعِي السُّرُورَ فَإِنَّهُ مَحْظُورُ(4)

وَ ابْكِي وَ نُوحِي وَ اعْوِلي مِنْ أَجْلِهَا *** دَهْراً طَوِيلاً مَا بِهِ تَفْتِيرُ

وَ لَوْ أَنَّكِ فَارَقْتِ كُلَّ سَعَادَةٍ *** حُزْناً فَلاَسَرَفٌ وَ لاَتَبْذِيرُ

وَ مُرِي العُيُونَ بِصَبٌ حُمْرِ دُمُوعِهَا *** وَ ارْضِي الجُفُونَ فَدَمْعُهَا مَذْخُورُ

عَجَباً لِعَيْنِ كَيْفَ لاتَبْكِي وَ قَدْ *** بَكَتِ الجِنَانُ لأَجْلِهَا وَ الحُورُ؟

ص: 63


1- المعفور: المصروع أو الممرّغ في التراب.
2- كبش الكتيبة: قائدها.
3- تمور: تهتز و تتحرك.
4- تجليبي: البسي الجلباب و الجلباب: الثوب المشتمل على الجسد كله، أو الخمار.

(15) أنتِ رَمْزُ العُلّى

(بحر الخفيف)

السيد حسن الشيرازي(*)(1)

ص: 64


1- (*) هو السيد حسن ابن السيد ميرزا مهدي ابن السيد ميرزا حبيب الله الحسيني الشيرازي. ولد في النجف الأشرف سنة (1354ه_) و نشأ منذ صغره على الايمان و الفضيلة و تكونت شخصيته الدينية الملتزمة المتجذِّرة في أعماق نفسه الكبيرة برعاية والده العالم الورع التقي و المجتهد الكبير المرجع السيد الميرزا مهدي الشيرازي «قدس سره الشریف». أما دراسته العلمية فقد بدأت في كربلاء حيث درس المقدمات و السطوح لدى أساتذتها المعروفين حتى تهيأ للدراسات العليا فدرس الخارج على والده و كذا على العالم الأصولي الكبير السيد هادي الميلاني كما درس العلوم العقلية على الفيلسوف الاسلامي الشهير الشيخ محمد رضا الاصفهاني، و أيضاً حضر دروس الفقيه المحقق الشيخ يوسف الخراساني مثلما درس الفقه و الأصول و الفلسفة لدى أخيه الفقيه المرجع المجاهد السيد محمد الشيرازي (قد سره الشریف) حتى حظي بمرتبة سامية من الكمال و العلم . و كان المترجم له مديراً لمدرسة ابن فهد الحلي الدينية و كنت أنا يومها طالباً فيها في المرحلة الأولى من دروس الحوزة. و منذ أوائل شبابه نهض بأعباء المسؤولية الدينية من كتابة و تأليف و تدريس، و تحقيق و توجيه و قد ساهمت نشاطاته الدينية و خطبه الشجاعة في توعية المجتمع مساهمة كبيرة و نظراً لدوره الكبير في قيادة المجتمع المتحرر سجن و واجه أنواعاً من المتاعب و الصعاب بما هو مشهور و مواقفه الصمودية في وجه الظلم و التعذيب لهي مدرسة في الشجاعة و الاباء و الدفاع عن الحق و الكرامة هاجر من العراق و استقر به المقام في لبنان ليواصل جهاده في سبيل الله، ففي عام (1391ه_) أسس مدرسة الامام المهدي عج الله فرجه الشریف الدينية في بيروت (في منطقة البراجنة) و في نفس السنة في شهر رمضان المبارك اقام فيها مجلساً برج حسينياً المدرسة و دعاني لكي ارتقي المنبر هناك للارشاد و وعظ الناس، و الجدير بالذكر أن من أهم الخطوات التاريخية التي أنشأها المترجم له و التي سوف يذكرها له التاريخ بكل فخر و اعتزاز هي انشاء الحوزة العلمية الدينية في الزينبية بدمشق فهو مُبتكرها و مؤسسها و حاميها و المشرف عليها لحين شهادته، و قد أصبحت هذه الحوزة راسخة الجذور و قائمة ناشطة تؤدي رسالتها على أحسن وجه حتى تخرج منها العديد من الأساتذة و الأفاضل و هم اليوم يمارسون دورهم العلمي فيها. و مما زاد من أهمية الحوزة الزينبية أن علماء و مجتهدين من العراق و إيران هاجروا إليها و هم الآن يُساهمون في تطوير الحركة العلمية فيها و يقومون بوظائفهم الدينية و العلمية ببركتها. كانت للشهيد موهبة كبيرة في الكتابة بأسلوب أدبي راقٍ وقد ألف كتباً دينية و أدبية كثيرة أهمها خواطري عن القرآن في 3 مجلدات كلمة اللَّه، كلمة الرسول الاعظم صلي الله علیه و آله و سلم، كلمة الامام الحسن علیه السلام كلمة الامام المهدي علیه السلام كلمة الاسلام العمل الادبي، الادب الموجه، التوجيه الديني، حديث رمضان الاقتصاد الاسلامي الاشتقاق إله الكون، انجازات الرسول، و غيرها و أخيراً جمع نظمه و شعره في ديوان و هو في طريق إعداده للطبع؛ و تفاصيل جهوده و جهاده في سبيل الدين و المذهب كثيرة مما لايسع المجال لذكرها فتركناها لمظانها. شهادته: في عصر يوم الجمعة 16 جمادى الآخرة سنة (1400ه_) كان يستقل سيارة أجرة في طريقه إلى مجلس تأبين أقامه في بيروت على روح آية الله الشهيد الصدر فهاجمه مجموعة اعداء الله و أصابوه بعدة طلقات في رأسه أدت إلى استشهاده، فكان مصرعه حدثاً جللاً، و نقل جثمانه من بيروت إلى دمشق، و شيِّع في الزينبية تشييعاً ضخماً منقطع النظير، ثم نقل إلى مدينة قم المقدسة و شيّع بمهابة و إجلال و دفن في حرم السيدة فاطمة المعصومة علیها السلام.

نَشْوَةُ العِيدِ مِنْ نَشِيدِ الهَزَارِ *** أَيْقَظَتْ فِي الرُّبَى شَذَا الأَزْهَارِ

وَ اسْتَفَاضَ الوُجُودُ بِشْراً بِذِكْرَى *** فَاطِمَ الطُّهْرِ بَضْعَةِ المُخْتَارِ

حَازَهَا تُحْفَةٌ مِنَ اللَّهِ فِي المِعْرَاجِ *** بَعْدَ الصَّيَامِ وَ الأَذْكَارِ(1)

فَاطِمَا لَفَّهَا القَدَاسَةُ لَفَّ *** الضَّوْءِ لِلشَّمْسِ وَ الشَّذَا لِلْبَهَارِ(2)

ص: 65


1- في ذخائر العقبى ط بيروت ص36 : عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما لك إذا قبَّلت فاطمة علیها السلام جعلت لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلاً فقال صلي الله علیه و آله و سلم: إنه لما أسري بي أدخلني جبرئيل الجنة فناولني تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في ظهري فلما نزلت من السماء واقعت خديجة علیها السلام ففاطمة علیها السلام النطفة. و ذكرها الخوارزمي في فضل الحسين، ج1 ص63 في فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام، و راجع تاريخ بغداد ج5 ص87 و لسان الميزان لابن حجر ج5 ص160.
2- البهار: الجمال أو نبت طيب الرائحة، و يقال له عين البقر أو بهار البر.

يَا لَهَا نَجْمَةً عَلَتْ فِي لِقَاهَا *** الشَّمُسَ مَتْنَ البُرَاقِ لا الأَمْهَارِ

بَزَغَتْ تَكْسِبُ الوُجُودَ جَمَالاً *** وَ خُلُوداً يَنمُّ عَنْ إِكْبَارِ

أَطْلَقَتْ طَائِرَ الصِّيَاءِ فَسَالَتْ *** فِي الفَيَافِي الرِّمَالُ بِالأَنْوَارِ(1)

وَبَكَى الفَجْرُ فِي الوُرُودِ دُمُوعاً *** شَكَرَتْهَا بِنَفْحِهَا المَوَارِ(2)

نَشَرَتْ فِي فَضا الخُلُودِ جَنَاحَاً *** لَيْسَ تَطْوِيهِ صَوْلَةُ الأَقْدَارِ

حَمَلَتْ صَيتَهَا الأَثِيرَ فَطَارَتْ *** فِي جُفُونِ الأَسْحَارِ فِي الأَقْطَارِ(3)

وَ مَشَتْ خَلْفَهَا الطَّبِيعَةُ قِنَاً *** أَرْهَفَتْ حِسَّهَا عَلَى الأَسْرَارِ

مَلَكَتْ فِي الخُلُودِ عَرْشاً تَخَالُ *** الدَّهرَ لَمْحاً مِنْ صَرْحِهَا النَّوارِ

يَا جَزَاءَ الصَّلاَةِ يَا كَوْثَرَ القُرْآنِ *** يَا مَنْ حَوَيْتِ كُلَّ فَخَارِ(4)

ص: 66


1- الفيافي: الصحاري.
2- الموّار: المثار.
3- الأثير: عند علماء الطبيعة (مادة لا تقع تحت الوزن تتخلل الأجسام و يكون امتداد الصوت و الحرارة بواسطة تموجاتها).
4- في ذخائر العقبى للطبري ص19 فصل في ذكر الحث على الصلاة عليهم. عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: الا أهدي لك هدية سمعتها من رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقلت: بلى فاهدها. قال: سألنا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقلنا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كيف الصلاة عليكم أهل البيت علیهم السلام؟ قال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل ابراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل ابراهيم انك حميد مجيد. و في جواهر العقدين/ العقد الثاني/ الذكر الثاني/ ص153 في حديث طويل بعد أن أدخل علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام تحت الكساء: ...اللهم هؤلاء آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم فاجعل صلواتك و رحمتك و مغفرتك و بركاتك على آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و في أسباب النزول للواقدي النيسابوري ط قم ص307 قال: أخبرنا يونس بن بكير عن محمد بن اسحاق قال: كان العاص بن وائل السهمي إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: دعوه فإنما هو رجل أبتر لاعقب له و كان قد توفي قبل ذلك عبداللَّه ابن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و كان من خديجة علیها السلام. لو هلك انقطع ذكره و استرحتم منه فأنزل الله «تعالى» في ذلك. «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» . و راجع تفسير البرهان ج4 ص515 ح3 و راجع أسباب النزول للسيوطي في تفسير الآية من سورة الكوثر.

أَنْتِ رَمْزُ العُلَى فَدَتْكِ السَّجَايَا *** يَا ضَمِيرَ العُصُورِ فَخَرَ نِزَارِ

***

هِيَ رُوحُ الوُجُودِ وَ الجَوْهَرُ الفَرْ *** الَّذِي شَعَ فِي الخَيَالِ السَّارِي

جَلَّ عَقْلُ الفِعَالِ فِينَا مُطِلاً *** مِنْ خِلالِ الخَيَالِ فِي الأَفْكَارِ

رَفْرَقَتْ كَالمُنَى يُثِيرُ جَلالاً *** مِنْ جَبِينِ الشُّعَاع لا الأَوْكَارِ

طَبَّقَ الكَوْنَ فِي ثَوَانٍ بَهَاءً *** رَشَّ فِيهِ نَيَازِكَ الأَسْحَارِ

خَلَفَتْ رَوْعَةٌ تَهُزُ الرَّوَابِي *** بَيْنَ وَحْيِ الأَشْجَارِ وَ الأَطْيَارِ

وَ كَانَ الأَقَاحُ مَيَّاسَةَ الأَعْطَافِ *** تُصْغِي لِلْبُلْبُلِ الهَدَارِ

وَ كَانَ الصَّدَّاحُ جَاءَ بَشِيراً *** لِلسَّمَا لِلْهِضَابِ لِلْأَشْجَارِ

هَذِهِ فَاطِمٌ أَطَلَّتْ عَلَى الأَكْوَانِ *** تُزْرِي بِطَلْعِهِ الأَقْمَارُ(1)

هِيَ أَرْقَى مِنَ الطَّبِيعَةِ كَالأَرْوَاحِ *** مَا رَاقَهَا بَرِيقُ النُّضَّارِ(2)

لَمْ تُزَيِّنُ بِالعِقْدِ عِيداً وَ بِالخَاتَمِ *** كَفَاً وَ مِعْصَماً بِالسِّوَارِ(3)

ص: 67


1- فى ذخائر العقبى للطبري ط بيروت ص54 في حديث طويل. ... فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيلين منها ما يلي النساء فلم يفعلن و قلن: لانأتيك و قد صرت زوجة محمد صلي الله علیه و آله و سلم فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف، فقالت لها احداهن أنا أمك حواء، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم و قالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى علیه السلام، و قالت الأخرى: أنا مریم بنت عمران أم عيسى علیه السلام جئنا لنلي من أمرك ما يلى النساء، قالت: فولدت فاطمة علیها السلام فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة أصبعها. و في مشارق الأنوار، ص85 جاء بعد حديث طويل عن الولادة: فلما وضعتها اشرقت الدنيا و امتلأت منها الاقطار بالطيب و الأنوار، وفاح عطر العظمة، و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا اشرق نوراً و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا.
2- النُّضار: الذهب و الفضة و قد غلب المعنى على الذهب أو الجوهر الخالص من التبر أو الخالص من كل شيء.
3- في مكارم الأخلاق للطبرسي ط بيروت الباب الخامس/ في الفصل السادس/ في التزيين للنساء بالحلي و غيره/ في الأسورة/ ص94 عن أبي جعفر علیه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذا أراد السفر يكون آخر من يسلم عليه فاطمة علیها السلام، و إذا رجع بدأ بها. فسافر مدة و قد أصاب علي علیه السلام شيئاً من الغنيمة فدفعه إلى فاطمة علیها السلام ثم خرج فأخذت سوارين من فضة شيئاً و علقت على بابها ستراً. فلما قدم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم توجه نحو بيت فاطمة علیها السلام فنظر فاذا في يدها سواران من فضة و إذا على بابها ستر فرجع و لم يدخل عليها. فدعت ابنيها و نزعت الستر من بابها و خلعت السوارين من يدها ثم دفعت السوارين إلى احدهما و الستر إلى الآخر، ثم قالت لهما: انطلقا إلى أبي فاقرئاه السلام و قولا له ما أحدثنا بعدك غير هذا فما شأنك به؟ فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما ثم أمر بذينك السوارين فكسرا فجعلهما دعا أهل الصُفّة. قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل و لاأموال. فقسمه بینهم قطعاً ثم جعل يدعو الرجل العاري منهم الذي لايستتر بشيء فيعطيه قطعة من ذلك الستر. و في كشف الغمة ج1 ص451 في رواية فيها اختلاف قليل إنه رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قال بعد أن تصدق بالستر و السوارين. «إن هؤلاء أهل بيتي و لاأحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا». و في مكارم الأخلاق أيضاً الباب و الفصل نفسهما عن الكاظم علیه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم دخل على ابنته فاطمة علیها السلام و في عنقها قلادة فأعرض عنها، فقطعتها و رمت بها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم هل انت منّي يا فاطمة علیها السلام ثم جاء سائل فناولته القلادة.

تَنْقُرُ التّبْرَ فِي المَسَاكِينِ كَفٌّ *** خِلْتُهَا لاَتُطِيقُ قَبْضَ النُّضَار

هِيَ كَفٌّ لَمْ تُمْسِكِ التَّبْرَيَوْماً *** فَتَرَاهَا عَدُوَّةَ الدِّينَارٍ

أَغْنَتِ المُعْدَمِينَ بَسْطاً وَلكِنْ *** لَيْسَ فِي بَيْتِهَا مَتَاعُ الدَّارِ(1)

ص: 68


1- في بشارة المصطفى لشيعة المرتضى للطبري، ط النجف الأشرف ص137 في حديث نأخذ موضع الحاجة فيه. وقف أعرابي فقير على باب فاطمة علیها السلام و نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوَّة صلي الله علیه و آله و سلم و مختلف الملائكة. فقالت فاطمة علیها السلام: و عليك السلام فمن أنت يا هذا؟ قال: شيخ من العرب... عاري الجسد جائع الكبد فواسيني يرحمك الله... فعمدت فاطمة علیها السلام إلى جلد كبش مدبوغ كان ينام عليه الحسن و الحسين علیهما السلام، فقالت: خذ هذا أيها الطارق فعسى الله ان يرتاح لك ما هو خير منه قال الاعرابي: يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم شكوت اليك الجوع فناولتني جلد كبش، قال: فعمدت إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب فقطعته من عنقها و نبذته إلى الأعرابي و قالت: خذه وبعه فعسى الله أن يعوضك به ما هو خير منه. و في مسند أحمد، ج1 ص106: أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لما زوجه فاطمة علیها السلام بعث معه بخميلة و وسادة من ادم حشوها ليف و رحائين و سقاء و جرتين، فقال علي الفاطمة علیها السلام ذات يوم: والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري، قال: و قد جاء الله اباك بسبي فاذهبي فاستخدميه فقالت: و أنا واللَّه قد طحنت حتى مجلت يداي فأتت النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال: ما جاء بك اي بنيه؟ قالت: جئت لأسلم عليك و استحيت ان تسأله و رجعت فقال: ما فعلت؟ قالت استحييت ان اسأله فاتيناه جميعاً فقال علي علیه السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري و قالت فاطمة علیها السلام: قد طحنت حتى مجلت يداي و قد جاءك الله بسبي وسعه فاخدمنا إلى ان قال: فاتاهما النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت اقدامهما و إذا غطيا اقدامهما تكشفت رؤوسهما فثارا فقال: مكانكما، ثم قال: الا اخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بلى فقال: كلمات علمنيهن جبرئيل، فقال: تسبّحان في دبر كل صلاة عشراً و تحمدان عشراً وتكبران عشراً و إذا أوتيتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً و ثلاثين واحمدا ثلاثاً و ثلاثين و كبرا أربعاً و ثلاثين قال: فواللَّه ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فقال له ابن الكواء: و لاليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، نعم و لاليلة صفين.

مَا لَهَا فِي مَبَاهِج الكَوْنِ مَيْلٌ *** وَ لَهَا المَكْرُمَاتُ خَيْرُ شِعَارِ

لاتَقِسُهَا بِرَبَّةِ الخَفْ يَكْفِيهَا *** هُنَافُ الكِتَابِ يَوْمَ الفَخَارِ(1)

***

رَبَّةُ الوَحْي زَوْجُ حَيْدَرَةَ *** الكَرَّارِ أُمُّ الأَئِمَّةِ الأَطْهَارِ(2)

ص: 69


1- يعني بها زبيدة زوجه هارون العباسي التي اتخذت خفاً من الماس كلفت بيت المال خمسين ألف ألف. و في مقتل الخوارزمي ج1 ص52 : عن علي بن موسى الرضا علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام: عليها حلة كرامة قد عجنت بماء الحيوان فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها، ثم تكسى أيضاً حلة من حلل الجنة و هي ألف حلة مكتوب على كل حلة بخط أخضر أدخلوا بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم الجنة على أحسن الصورة و أحسن الكرامة و أحسن المنظر فتزف إلى الجنة كما تزف العروس و يوكل بها سبعون ألف جارية. و في كنز العمال للمتقي الهندي ط بيروت ج12 ح34209 قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا کان یوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم و غضوا ابصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم على الصراط، فتمر مع سبعين الف جارية من الحور العين كمر البرق.. و راجع ح34210 ح34211 ح34229 و توجد في المستدرك ج3 ص153.
2- في مسند الإمام الرضا علیه السلام ج1 ص347 ح19 قال: ...فأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فاحتضنها و قبل فاها و ضمّ علياً إليه و قبل بين عينيه و أجلس الحسن على فخذه الايمن و الحسين علیه السلام على فخذه الأيسر و قبلهما و قال: أنتم أولى بي في الدنيا و الآخرة و الى الله من والاكم و عادى من عاداكم انتم مني و انا منكم إلى آخر الحديث. و في البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني، ج1 ص365 ح7 في تفسير قوله «تعالى» من سورة النساء، الآية 31. «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا» عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال: الكبائر سبع فينا انزلت و منا استحقت و اكبر الكبائر: الشرك باللَّه و قتل النفس التي حرَّم الله و عقوق الوالدين، و قذف المحصنات، و أكل مال اليتيم و الفرار من الزحف و انكار حقنا أهل البيت علیهم السلام. فاما الشرك باللَّه فان اللَّه قال فينا ما قال و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما قال فكذبوا رسوله و اما قتل النفس التي حرم الله فقد قتلوا الحسين بن علي علیه السلام و أصحابه و اما عقوق الوالدين فإن الله قال في كتابه: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» [سورة الأحزاب: 6] و هو اب لهم فقد عقوا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في ذريته و أهل بيته علیهم السلام و أما قذف المحصنات فقد قذفوا فاطمة علیها السلام على منابرهم، و أما أكل مال اليتيم فقد ذهبوا بفيئنا في كتاب الله و أما الفرار من الزحف فقد اعطوا اميرالمؤمنين علیه السلام بيعتهم غير كارهين ثم فروا عنه و خذلوه واما انكار حقنا فهذا مما لايتعاجمون فيه.

فَاطِمُ الطُّهْرِ بَسْمَةُ الدَّهْرِ وَ هَجُ *** البَدْرٍ سِرُّ الكِتَابِ طِيبُ النَّجَارِ(1)

قَصُرَ العَقْلُ عَنْ عُلاهَا وَتَاهَ *** الفِكْرُ فِيهَا وَ عَادَ كَالمُخْتَارِ

فِي سُكُوتٍ يَفُوقُ جَهْرَ ابْنِ عِمْرَانٍ *** وَ صَبْراً أَعَزَّ مِنْ ذِي الفقار

أَحْدَقَتْهَا ذَوَائِبُ المَجْدِ *** كَالأَزْهَارِ مَهْمَا تُحَاطُ بِالأَنْوَارِ

إِنْ تَكُنْ حَفَّهَا بُدُور تَمَامِ *** هَالَةُ الشَّمْسِ مَوْكِبُ الأنوارِ

ص: 70


1- النُجار: بضم النون أو كسرها بمعنى الاصل أو الحسب. و في احقاق الحق ج10 ص244 عن أخبار الدول ص87 ط بغداد عن عائشة قالت: إذا أقبلت فاطمة علیها السلام كانت مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانت لاتحيض قطُّ لأنها خلقت من تفاحة الجنة و لقد وضعت الحسن علیه السلام بعد العصر و طهرت من نفاسها فاغتسلت وصلت المغرب. و راجع علل الشرائع ج1 ص290 ح1 عن أبي جعفر علیه السلام قال: إن بنات الانبياء «صلوات الله عليهم» لايطمئن إنما الطمث عقوبة و أول من طمئت سارة.

(16) يا كوكب الإيمان

(بحر الكامل)

السيد حسين السيد حسن هاشم

زَهْرَاءُ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** يَا فَرْعَ دَوْحَةِ أَحْمَدَ المُخْتَارِ

يَا كَوْكَبَ الإِيمَانِ فِي أُفُقِ الهُدَى *** يَسْمُو عَلَى الأَيَّامِ بِالأَنْوَارِ(1)

يَا قِمَّةَ التَّقْوَى وَ مِصْبَاحَ الدُّجَى *** وَ مَنَارَةٌ لِلتَّائِهِ المُحْتَارِ

يَا بِنْتَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ خَدِيجَةٍ *** يَا قُدْوَةَ الأَخْيَارِ وَ الأَبْرَارِ

يَا مَنْ وَرِثْتِ العِلْمَ عَنْ أَهْلِ النُّهَى *** وَ الوَحْيُ مَدْرَسَةٌ بَنَاهَا البَارِي(2)

يَا مِنْحَةَ اللَّهِ الكَرِيمِ بِأَرْضِنَا *** طَهُرَتْ فَأَعْطَتْ عِتْرَةَ الأَطْهَارِ

خُلِقَتْ لِتُصْبِحَ مِنْ عَلِيَّ زَوْجَةً *** أَكْرِمْ بِزَوْجَةِ حَيْدَرَ الكَرَّارِ(3)

وَلَدَتْ لَنَا حَسَناً حَفِيدَ مُحَمَّدٍ *** وَ ابْنَ الوَصِيِّ القَائِدِ المِغْوَارِ(4)

ص: 71


1- أشار الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد من أن الزهراء علیها السلام كوكب دري انظر المناقب لابن المغازلي ص317 كما في الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص31 و انظر أيضاً كتاب البحار ج43 ص12 و علل الشرائع، ج1 ص215 ح3 و كتاب دلائل الإمامة للطبري ص54.
2- أهل النهي: مفرده النهية و هي العقل، سمي بذلك لأنه ينهى عن القبيح و عن كل ما ينافي العقل و الصواب.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الزهراء علیها السلام خلقت لعلي علیه السلام و خلق علي للزهراء علیها السلام و أحدهما كفؤ للآخر. انظر كتاب البحار ج 43 ص92 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص29، و كتاب دلائل الإمامة ص10: قال عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام تزوّجها لما كان لها كفؤ على وجه الأرض إلى يوم القيامة من آدم فمن دونه».
4- المغوار: كثير الغارات.

حَامَى عَنِ الدِّينِ الحَنِيفِ بِحِلْمِهِ *** بِوَثِيقَةٍ أَمْضَى مِنَ البَتّارِ(1)

كَشَفَتْ نَوَايَا المَاكِرِينَ وَ بَيَّنَتْ *** لِلْمُسْلِمِينَ مَسَاوِيءَ المَكَارِ

وَ تَرَضَّعَ السِّبْطُ الشَّهِيدُ إبَاءَهُ *** مِنْهَا بِفَرْعِ لِلإِبا دَرّارِ

فَحَمَى الشَّرِيعَةَ بِالدِّمَاءِ مُجَاهِداً *** زُمَراً مِنَ التُّجَارِ وَ الفُجَّارِ

وَغَدَا عَلَى شَفَةِ الزَّمَانِ مَدَائِحاً *** صَفَعَتْ عُتُوَّ المُجْرِمِ الجَبَّارِ

نَفْسِي الفِداءُ لِمَنْ بِتَارِيخِ العُلَى *** أَمْسَى مَحَجَّةَ أَشْرَفِ الثُّوَّارِ

زَهْرَاءُ يَا رَمْزَ الصَّلَاح لَنَابِهَا *** مَثَلٌ تَسَامَى فَوْقَ كُلِّ مَنَارِ

فِي يَوْمِ مَوْلِدِهَا الكَرِيمِ تَضَافَرَتْ *** نِعَمُ الوَفَا وَ الحُبِّ وَ الإِيثَارِ(2)

وَ الحِلْم و التَّقْوَى وَ نِبْرَاس الهُدَى *** وَ قَلائِدِ التَّكْرِيم وَ الإِكْبارِ(3)

نَرْجُو شَفَاعَتَهَا غَداً يَوْمَ اللقَا *** عِنْدَ الكَرِيمِ المُنْعِمِ الغَفَّارِ

ص: 72


1- أمضى: أقطع. البّتار: السيف القاطع.
2- تضافرت: تعاونت.
3- نبراس: مصباح.

(17) فأقبلت الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ حسين الشبيب(*)(1)

خَلِيلِيَ دَعْنِي لاَتَلُمْنِي فَقَدْ أَجْرَى *** عَظِيمُ الأسَى مِنْ مُقَلَتِي مُزْنَةٌ حَمْرَا(2)

وَ إِنَّ عَظِيمَ الْوَجْدِ بَيْنَ جَوَانِحِي *** أَثَارَ لَهِيباً شَبَّ فِي مُهْجَتِي جَمْرَا(3)

فَبِاللَّهِ كُفَّ اللُّومَ لاتُوْهِنِ الْحَشَا *** فَتَرْدَادُهُ صَعَبٌ عَلَى الكَبِدِ الحَرَّى

تُحَاوِلُ سَلْوَانِي وَ لاَتَسْتَطِيعُهُ *** لأَنَّ الَّذِي بِي لاتُحِيطُ بِهِ خُبْرَا

فَدَعْ عَنْكَ لَوْمِي لاُتُثِيرُ لَوَاعِجِي *** فَإِنِّي بِمَا قَدْ شَابَ نَاصِيَتِي أَدْرَى(4)

أَتَلْتَذُّ نَفْسِي أَمْ تَطِيبُ جَرَاحَتِي *** وَ قَلْبِيَ هَلْ تَرْجُو بِأَنْ يَسْتَطِعْ صَبْرًا؟

وَ قَدْ رُوِّعَتْ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ وَ أُسْقِطَتْ *** وَ رُضَّتْ بِجَنْبِ الْبَابِ فَاطِمَةُ الزَّهْرَا

تَجَرَّى عَلَيْهَا الظَّالِمُونَ عَدَاوَةً *** وَ بُعْضاً لِطَهَ سَيّدِ الأَنْبِيَا طُرَا

أَدارُوهُ حَوْلَ البَابِ جَهْراً وَ أَشْعَلُوا *** بِهِ النَّارَ قَدْ جَاؤُوا بِهِ حَادِثاً نُكْرَا(5)

فَأَقْبَلَتِ الزَّهْرَا إِلَيْهِمْ وَ حَرَّجَتْ *** وَ ذَكَّرَتِ الأَعْدَا فَلَمْ تَنْفَعِ الذِّكْرَى

فَمَا رَاءَهُمْ إِلا الهُجُومُ بِجَمْعِهِمْ *** عَلَيْهَا جِهَاراً وَ هُيَ يَا لِلإِبَا حَسْرَى

ص: 73


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- مُزنة: سحابة ذات ماء.
3- شبَ: أشعل. مهجتي: روحي و قلبي.
4- لواعج: اللاعج هو الهوى المحرق.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص36 عن سلمان: و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل و الحديث طويل.

مُرَوَّعَةً مَحْرُونَةً مُسْتَضَامَةً *** تَحِنُّ حَنِينَ النِّيبِ مُقْلَتُهَا عَبْرَى(1)

فَلَاذَتْ بِجَنْبِ البَابِ عَنْهُمْ لأَنَّهَا *** بِغَيْرِ قِنَاعٍ كَيْ يَكُونَ لَهَا سِتْرَا

فَعَاجَلَهَا الطَّاغِي وَ دَمْلَجَ زَنْدَهَا *** وَ وَرَّمَ مَتْنَيْهَا وَ أَضْغَطَهَا عَصْرَا(2)

وَ رَوَّعَهَا بِاللَّطْم فَوْقَ خُدُودِهَا *** فَخَرَّتْ وَ مِنْهَا الْعَيْنُ شَاحِبَةٌ حَمْرَا(3)

وَ صَاحَتْ بِصَوْتٍ زَلْزَلَ الْعَرْشِ وَ السَّمَا *** وَ عَطَّلَ أَفَلاكَ السَّمَاءِ عَنِ الْمَجْرَى

شَكَتْ أَعْوَلَتْ نَاحَتْ بَكَتْ وَ تَحَسَّرَتْ *** فَلَمْ تَرَ مَنْ يَرْعَى لِحُرْمَتِهَا قَدْرَا

أَنَا بِنْتُ مَوْلاكُمْ أَنَا بِنْتُ غَوْئِكُمُ *** أُنَادِي وَ مَنْ نَادَيْتُ أَبْدَانِيَ الْعُذْرَا

أَتُكْسَرُ أَضْلاعِي وَ يُحْرَقُ مَنْزِلِي *** وَ يُغْصَبُ فَيْئِي يَا لَهَا فَجْعَةً كُبْرَى(4)

وَ يُسْقَطُ حَمْلِي يَا لَهَا مِنْ مَصَائِبٍ *** عَلَى بُعْدِ طَهَ أَقْبَلَتْ تَتْرَى(5)

أَتَغْدُو يَدِي مِنْ كُلِّ إِرْثِي وَ نِحْلَتِي *** وَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ خَالِيَةً صِفْرَا

وَجُلُّكُمْ رَاضٍ وَ بَعْضُكُمُ بِمَا *** جَنَوْهُ غَداً مُغْضٍ فَبُوءُوا بِهَا خُسْرَا

لأمكُمُ الوَيْلاتُ غَادَرْتُمُ الهُدَى *** بِجُرْحِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لَايَبْرَى

فَلَهْفِي لَهَا كَمْ قَابَلَتْ مِنْ مَصَائِبٍ *** عَجَزْنَا بِأَنْ لاَنَسْتَطِيعَ لَهَا حَصْرَا

أُريعَتْ أُضيمَتْ أُسْقِطَتْ قَتَلُوا ابْنَهَا *** زَوَوَاْ إِرْثَهَا وَ اسْتَغْصَبُوا فَيْتَهَا قَسْرَا(6)

ص: 74


1- النيب: جمع ناب، و هي الناقة المسنة.
2- في البيت إشارة إلى ما روي في البحار ج53 ص 18-19. في حديث المفضل عن الصادق علیه السلام و إدخال قنفذ يده «لعنه الله» يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه.
3- إشارة إلى ما روي في البحار ج53 ، ص18 و هجوم قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدَّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: وا أبتاه وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
4- فيئي: غنيمتي.
5- تترى: تتابع.
6- زووا: احتازوا و قبضوا و جمعوا. و عن هذا البيت و الأبيات التي تليه انظر السيرة الحلبية ج3 ص362 تجد بعض ما جرى. و دلائل الإمامة للطبري ص46 و فرائد السمطين ج2 ص46.

أُهِينَتْ أُذِلَّتْ كُذِّبَتْ قِيدَ بَعْلُهَا *** أَسِيراً وَ قَدْ كَانَ الأَسودُ لَهُ أَسْرَى

وَ مَاتَتْ وَ زَنْدُ الْغَيْظِ وَارٍ بِقَلْبِهَا *** وَ يَكْفِيكَ حُزْناً أَنَّهَا دُفِنَتْ سِرَا

وَ أُخْفِيَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ قَبْرُهَا *** تُزَارُ وَ لَمْ يَعْرِفْ لَهَا أَحَدٌ قَبْرَا

وَلَكِنْ وَ إِنْ أُخْفِيَ فَقَدْ شَاعَ ذِكْرُهَا *** لَقَدْ عَمَّتِ الدُّنْيَا مَنَاقِبُهَا الغَرَا

رِضَاهَا رِضَى اللَّهِ الجَلِيلِ وَحُبُّهَا *** عَلَى كُلِّ مَنْ قَدْ نَالَهُ نِعْمَةُ كُبْرَى

تَمَسَّك بها تَلقَ المَسَرَّاتِ وَ اتَّخِذْ *** وَلاهَا إِذَا جَارَتْ يَدُ الإِبْتِلا فَخْرَا(1)

ص: 75


1- ديوان الشبيب ج1 ص22.

(18) أحرقوا الباب؟

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الشبيب (*)(1)

أدْهَى مَا كَانَ مِنْ بَلايَا الدُّهُورٍ *** مَوْتُ َطهَ الهَادِي البَشِيرِ النَّذِيرِ

حَيْثُ لَمَّا قَضَى أَبَانَتْ عِدّاهُ *** مَا أَكَنُّوهُ وَ مَا انْطَوَى فِي الصُّدُورِ

مِنْ ضُعُونٍ قَدْ أَضْمَرُوهَا وَ حِقْدٍ *** شَبَّ فِي قَلْبِ كُلِّ عِلْجٍ كَفُورِ(2)

أَظْهَرُوا الحِقْدَ وَ الضَّغَائِنَ إِذْ *** لَمْ يَجِدُوا قُوَّةً لَهُمْ فِي الظُّهُورِ

إِنَّمَا القَوْمُ حَيْثُ لَمْ تَتَأَنَّى *** لَهُمْ إِمْرَةٌ بِسُوءِ النُّفُورِ

أَذْعَنُوا خِيفَةً وَ دَانُوا إِلَيْهِ *** ظَاهِراً وَ الأَحْقَادُ مِلْءُ الصُّدُورِ

مَعَ هَذَا وَ لَمْ يُطِيقُوا اصْطِبَاراً *** أَنْ يَكِيدُوهُ فِي العِشيَ وَ البُكُورِ

كَايَدُوا دَحْرَجُوا الدِّبَابَ وَ فَرُّوا *** يَوْمَ أَحْدٍ وَ زَايَلُوا فِي الأُمُورِ(3)

كَيْ يَنَالُوا أَمْراً لَهُمْ فَأَبَى اللَّهُ *** أَنْ يَنَالُوا إِطْفَاءَ ذَاكَ النُّورِ

سَجَّلُوا بَيْنَهُمْ صَحِيفَةَ شَرِّ *** مَلؤُوهَا بِكُلِّ إِفْكِ وَ زُورِ(4)

صَوَّرُوهَا إِفْكاً وَ رَدَاً عَلَى اللَّهِ *** وَ نَقْضاً لِمَا فِي كِتَابِهِ المَسْطُورِ

وَ ارْتِدَاداً عَنِ الهُدَى وَاقْتِدَاءً *** بِالَّذِينَ ارْتَدُّوا بِمَاضِي الدُّهُورِ

يَوْمَ حَادُوا عَنِ الكَلِيم وَ هَارُونٍ *** إِلَى عِجْلٍ سَامِرِيٌّ كَفُورِ

ص: 76


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الدباب: إناء الزيت و غيره و هو كناية عن الزحلقة عن الطريق أو لعله كناية عن التخاذل و اللَّه العالم.
3- إفك: كذب و زور، كذب و باطل، الشرك باللَّه.
4- علج: الكافر الأجنبي.

فَلَعَمْرِي قَدِ اقْتَدَى القَوْمُ بِالقَوْمِ *** وَ زَادُوا عَلَيْهِمُ فِي أُمُورِ

أَسْقَطُوا حَمْلَ فَاطِمٍ أَحْرَقُوا البَابَ *** فَسَلْهَا عَنْ ضِلْعِهَا المَكْسُورِ(1)

لَطَمُوا خَدَّهَا فَصَاحَتْ وَ أَنَّتْ *** يَوْمَ رِيعَتْ بِمَدْمَعٍ مَنْثُورِ(2)

رَوَّعُوهَا ضَرْباً عَلَى الرَّأْسِ وَ المَتْنِ *** بِلَا خَشْيَةٍ وَ لامَحْذُورِ

غَصَبُوا إِرْثَهَا فَيَالِتُرَاتٍ *** كَانَ مِنْ أَحْمَدٍ لَهَا مَأُثُورِ(3)

ص: 77


1- في الوافي بالوفيات، ج5 ص347. إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها... و عن إبراهيم بن سيار بن هانىء النظام أنه قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام... إلى آخر الخبر... راجع الملل و النحل للشهرستاني، ج1 ص57. و في مؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية ص59: ...و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر...، عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة... و في كتاب سليم بن قيس، ط قم، ص36. دعا عمر بالنار فإضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... و في الاحتجاج، ط النجف، ج1 ص109 في خبر طويل... . ...فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها...
2- في البحار للمجلسي، ج53 ص19، باب ما يكون عند ظهور المهدي (عج اللَّه فرجه الشریف). عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله علیه السلام قال في حديث طويل و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفعة خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: وا أبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها...
3- في سنن البيهقي، ج6 ص300 باب بيان مصرف أربعة أخماس الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بإسناده عن عائشة قالت: «إن فاطمة علیها السلام أتت أبابكر تلتمس ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها أبوبكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: لانورث ما تركناه صدقة فغضبت فاطمة علیها السلام و هجرته فلم تكلمه حتى ماتت. و في الاحتجاج للطبرسي، ط النجف، ج1 ص119. عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ج6 ص284 في مسألة غصب فدك قال: سألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له: أكانت فاطمة علیها السلام صادقة؟ قال: نعم. فقلت: فلم لم يدفع إليها أبوبكر فدك و هي عنده صادقة؟ فتبسّم ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه و حرمته و قلة دعابته. قال: لو أعطاها اليوم فدک بمجرد دعواها لجاءت إليه غداً و ادعت لزوجها الخلافة و زحزحته عن مقامه و لم يكن يمكنه الاعتذار و الموافقة بشيء لأنه يكون قد اسجل على نفسه أنها صادقة فيما تدعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بينة و لاشهود. ثم علق على ذلك ابن أبي الحديد قائلاً: و هذا كلام صحيح و ان كان أخرجه مخرج الدعابة و الهزل.

كُلُّ هَذَا جَرَى عَلَيْهَا بِمَرْأَى *** مِنْ عَلِيّ ذاك الأبِيِّ الغَيُّور

وَ اسْتَدَارُوا عَلَيْهِ جَهْراً وَ قَادُوهُ *** كَفَحْلٍ مُلبّبٍ مَأسُورِ(1)

أَخْرَجُوهُ سَحْباً وَ رَاحُوا يَجُرُّونَ *** بِنَفْسِي أَفْدِيهِ مِنْ مَجْرُورِ

وَ الَّذِي بايَعُوهُ فِي يَوْمِ خُمٍّ *** حَاصَرُوهُ تَباً لَهُمْ مِنْ حُضُورِ

إِنَّهَا النَّكْبَةُ الَّتِي لاسِوَاهَا *** يَا سَمَا يَا جِبَالُ يَا أَرْضُ مُورِي(2)

مَا سَمِعْنَا بِالضَّأْنِ تَفْتَرِسُ الذُّئْبَ *** وَ لَاالصَّقْر طُعْمَةَ العُصْفُورِ(3)

ص: 78


1- في كتاب سليم بن قيس، ط قم، ص37. انطلق قنفذ و اقتحم بيت فاطمة علیها السلام هو و أصحابه بغير إذن و ثار علي إلى سيفه فسبقوه إليه و كائروه و هم كثيرون فألقوا في عنقه حبلاً ثم انطلقوا بعلي يعتل عتلاً.
2- موري: اضطربي.
3- ديوان الشبيب ج1 ص20.

(19) ذكرتُ باباً

(بحر البسيط)

الشيخ حسين النصراوي

ذرفتُ دمعي و قلبي باتَ مُنكسرا *** و فَرحُ عينيَ جرحاً في الحشا حَفَرَا

ذكرتُ باباً حزيناً دمعُهُ هَطِلٌ *** يشكُو الأسى و مُصاباً فطَّرَ الحجَرا

يشكو مُصاباً مآقي العين تذرفُه *** و الروحُ تذكُرهُ إذْ للفُؤادِ فرى(1)

ينعى البتولَ التي منْ خلفهِ وقفتْ *** و دمعُها مُسبَلٌ لازالَ مُنهمِرا

لمْ أنسها مُذْ أوتْ للبابِ يستُرُها *** فَمُذْ رآها بدا و الحِقدُ قدْ ظَهَرا

عدا وراحَ يُجاري البابَ يدفعُهُ *** فأسقطَ النُّورَ مُذْ ضِلعاً لها كَسَرا

و القلبَ أوجعَهُ و الوجهَ ألَّمَهُ *** و صدرَ فاطِمَ بالمسمار قدْ حَفَرا

و قالَ للعبدِ إضربها فأوجَعها *** لطماً على الوجهِ حَتَّى قِرطَها نَثَرا

و أحرَق البابَ بالنارِ التي سطعتْ *** نُوراً لِفاطِمةٍ ناراً لِمَنْ غَدَرا

لهفي لها ظُلمِتْ و الحُزنُ حيِّرها *** تبكي لأحمدَ أمْ للسقطِ مُذْ عُصِرا

تبَّاً لِظالِمها بُعداً لِمُبْغِضِها *** كأنَّهُ صُمَّ عَنْ قولٍ لها اشتَهَرا(2)

اللَّهُ يرضى لزهراء و إن غضبتْ *** يغضبْ و هلْ أحدٌ قد أنكرَ الخَبَرا

ص: 79


1- فرى: أي تفرّى، انشق و تقطع.
2- تباً: (التباب): الخسران و الهلاك.

(20) بضعة الهادي

(بحر البسيط)

الأُستاذ حميد أحمد المسري(*)(1)

لَقَدْ حَظِيَ الكَوْنُ قِدْماً بِالأَسَارِيرِ *** مُذْ قَدْ بَدَتْ بَضْعَةُ الهَادِي بِتَكْبِيرِ(2)

زَهْرَاءُ تَزْهَرُ فِي الآفَاقِ طَلْعَتُهَا *** فَيَنْجَلِي الكَوْنُ وَضَاءٌ مِنَ النُّورِ(3)

ص: 80


1- (*) هو الاستاذ حمید بن أحمد بن علي بن أحمد المسري. ولد في الكويت في الثالث من شهر شعبان سنة (1368ه_) الموافق (1948م)، في منطقة الشرق شارع الميدان. نشأ و ترعرع و تربى في أحضان أسرته، فنشأ نشأة صالحة كريمة حتى دفعه أبوه الحاج أحمد المسري إلى أحد الكتاتيب عند السيد ماجد البحراني و هو لم يتجاوز التاسعة من آنذاك، فتعلَّم القراءة و الكتابة ثم انتقل إلى المدرسة الجعفرية في الكويت و مديرها آنذاك كان الأستاذ المربي السيد محمد حسن الموسوي الذي كان متخصصاً بالعلم و التقوى و الصلاح فترعرع و نشأ كنفه جيل من الوجهاء و الصالحين حيث غرس في نفوسهم حب الفضيلة و الصلاح، وللَّه در القائل: قم للمعلم وفِّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا أكمل المترجم له دراسته الثانوية بكل جدارة و قوة حتى صلب عوده و سمت منزلته. و كان الأستاذ أحمد من صغر سنه هاوياً للشعر و الأدب فأخذ يقرض الشعر و هو في العقد الثاني من عمره و في مرحلة دراسته المتوسطة، و تدرج في سلّم الشعر حتى اصبح شاعراً في كل مناسبة، و قد حالفه التوفيق منذ نعومة أظفاره لأن يكون أكثر نظمه في مدح ورثاء أهل البيت علیهم السلام و نعم التوفيق هو. نُشر له ديوان باسم (رشح الخواطر في مدح محمد صلي الله علیه و آله و سلم و آله الزواهر) و لايزال المترجَم له يمارس دوره الثقافي و الديني في مختلف الأبعاد، وفقه اللَّه لذلك.
2- حَظي: حصل على مكانة عالية الأسارير: جمع سرور و هو الفرح و الغبطة.
3- و لعل مما يشير إلى هذا المعنى ما جاء في معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص64 و علل الشرائع ج1 ص215 رقم3، الطبعة الأولى عن الطالقاني عن الجلودي عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سمّيت زهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.

إِشْرَاقَةٌ قَدْ بَدَتْ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ *** مَا مِثْلُهَا وَرَدَتْ فِي سَائِرِ الدُّورِ

عَلَتْ عَلَى الشَّمْسِ نُوراً فَاسْتَضَاءَ بِهِ *** كُلُّ الوَرَى لَمْ يَكُنْ عَنْهُمْ بِمَسْتُورِ

مَا الشَّمْسُ مَا الضَّوْءُ مَا الْأَنْوَارُ أَجْمَعُهَا *** يَكِلُّ عَنْ وَصْفِهَا بِالنُّورِ تَعْبِيرِي(1)

فَهْيَ الأَسَاسُ لِنُورِ الكَوْنِ قَاطِبَةً *** مَقولَةٌ فِي حَدِيثٍ غَيْرِ مَنْكُورِ(2)

ص: 81


1- لعل في هذا البيت و ما سبقه من الأبيات و لعل الناظم يشير إلى الرواية المذكورة في كتاب «دلائل الإمامة» للطبري ص8 حيث قال: «...عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ قال نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوجها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هجرتها نسوة مكة ... فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لافي غربها موضع إلا أشرق فيه النور، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، و دخلت عشر من الحور العين مع كل واحد طست من الجنة و إبريق فيه من ماء الكوثر فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها و غسلتها بماء الكوثر، و أخرجت خرقتين بيضاوتين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر، فلفتها بواحدة وقنعتها بالأخرى، ثم استنطقتها فنطقت بشهادة أن لا إله إلا الله و أن أباها محمداً صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء، و أن بعلها علياً علیه السلام سيد الأوصياء، و أن ولديها سيدا الأسباط ثم سلمت عليهن، و سمّت كل واحدة باسمها، و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادتها وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم. و بذلك لقبت الزهراء علیها السلام.»
2- المنكور: المجهول. و ربما أراد في هذا البيت التأكيد على الرواية التي وردت في كتاب «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ص396 «عن سدير الصيرفي عن الصادق جعفر بن محمد علیه السلام، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: خلق نور فاطمة علیها السلام قبل أن تخلق الأرض و السماء فقال بعض الناس: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم فليست هي إنسية؟ فقال: فاطمة علیها السلام حوراء إنسية. قال: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و كيف هي حوراء إنسية؟ قال: خلقها الله «عزوجل» من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلما خلق الله «عزوجل» آدم عرضت على آدم قيل يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و أين كانت فاطمة علیها السلام؟ قال: كانت في حقّه تحت ساق العرش. قالوا: يا نبي اللَّه فما كان طعامها ؟ قال: التسبيح و التهليل و التحميد فلما خلق الله «عزوجل» آدم و أخرجني من صلبه، أحبّ الله «عزوجل» أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة و أتاني بها جبرئيل فقال لي: السلام عليك و رحمة الله وبركاته يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم، قلت: و عليك السلام و رحمة الله حبيبي جبرئيل. فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن ربك يقرئك السلام قلت: منه السلام وإليه يعود السلام. قال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن هذه تفاحة أهداها الله «عزّوجل» إليك من الجنة. فأخذتها و ضممتها إلى صدري. قال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم يقول الله جل جلاله: كُلها. ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً ففزعت منه فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم ما لك لاتأكل؟ كُلها و لاتخف، فإنَّ ذلك النور نور المنصورة في السماء و هي في الأرض فاطمة علیها السلام. قلت: حبيبي جبرئيل و لم سمّيت في السماء «المنصورة» و في الأرض «فاطمة علیها السلام»؟ قال: سُمّيت في الأرض فاطمة علیها السلام، لأنها فطمت شيعتها من النار و فطم أعداءها عن حبّها و هي في السماء المنصورة و ذلك قول الله «عزوجل»:«وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ» يعني نصر فاطمة لمحبيها.»

هذَا الحَدِيث أَتَى صِدْقاً مَقُولَتُهُ *** عَنْ سَيِّدِ جَاءَنَا لا عَنْ أَسَاطِيرِ(1)

نُورٌ بَدَا فَانْجَلَى عَنْهُ الدُّجَى فَزَهَا *** فِي الخَافِقَيْنِ جَلِيّاً غَيْرَ مَغْمُورِ(2)

وَ أَصْبَحَ الكَوْنُ شَعَاً يَوْمَ مَوْلِدِهَا *** حَتَّى بَدَا كُل مَسْتُورٍ بِدَيْجُورِ(3)

فَالأَرْضُ تَزْهَرُ بِالأَنْوَارِ مُشْرِقَةً *** وَ الفُلْكُ مُزْدَانَةٌ فِي حُسْنِ تَحْبِیرِ(4)

حَكَتْ أَبَاهَا رَسُولَ اللَّهِ فِي خُلُقٍ *** فَشَابَهَتْهُ بِحَزْمٍ ثُمَّ تَدْبِیرِ(5)

صَلَّى عَلَيْهَا مَلِيكُ الخَلْقِ إِذْ بَرَزَتْ *** وَ خَصَّهَا إِذْ تَوَلاهَا بِتَطْهِيرِ(6)

قَدْ خَصَّهَا لِنِسَاءِ الخَلْقِ سَيِّدَةً *** عَلَتْ عَلَى الخَلْقِ فِي فَضْلٍ وَ تَوْقِيرِ(7)

ص: 82


1- عن سيدِّ: المقصود بالسيد هنا هو سيد الكائنات محمد صلي الله علیه و آله و سلم.
2- الدجى: الظلام. الجلي: الظاهر البين. المغمور: الذي علاه الشيء فأخفاه. الخافقَين: هما المغرب و المشرق أو أفقهما لأن الليل و النهار يختلفان فيهما.
3- الشع: الشعاع. الديجور: الظلام.
4- التحبير: التزيين.
5- حکت: شابهت و لعل ما يروى في ذلك ما جاء في ذخائر العقبى للعلامة الحافظ محب الدین أحمد بن عبد الله الطبري ص40 تحت عنوان (ذكر شبهها بالنبي صلي الله علیه و آله و سلم سمتاً) الرواية عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً و دلاً و هدياً و حديثاً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامه و قعوده من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.
6- قد يشير في هذا البيت إلى آية التطهير،كما ذكر الطبري في كتابه «ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى» ص23 عن أم سلمة «قالت كان النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم عندنا منكساً رأسه فعملت له فاطمة علیها السلام حريرة فجاءت و معها حسن و حسين علیهما السلام فقال لها النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أين زوجك اذهبي فادعيه فجاءت به فأكلوا فأخذ كساءً فأداره عليهم و أمسك طرفه بيده اليسرى ثم رفع اليمنى إلى السماء و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و حامتي و خاصتي، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً، أنا حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم و عدو لمن عاداهم» أخرجه ابن القبالي في معجمه.
7- قريب من ذلك ما جاء في الرواية التي ذكرها الطبري في «ذخائر العقبى» ص43 في فضل فاطمة عن عمران قال: خرجت يوماً فإذا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قائم فقال لي: يا عمران إن فاطمة مريضة فهل لك أن تعودها قال: قلت فداك أبي و أمي و أي شرف أشرف من هذا قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و انطلقت معه حتى أتى الباب فقال : السلام عليكم أَدْخُلُ؟ قالت: و عليكم السلام ادخل فقال صلى الله عليه و آله و سلم: أنا و من معي؟ قالت و الذي بعثك بالحق نبياً ما علي إلا هذه العباءة قال: و مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ملاءة خلقة فرمى بها إليها فقال: شدّي بها رأسك ففعلت ثم قالت: ادخل فدخل و دخلت معه فقعد عند رأسها و قعدتُ قريباً منه فقال أي بُنية كيف تجدينكِ قالت: واللَّه يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إني لوجعة و إنه ليزيدني وجعاً إلى وجعي إني ليس عندي ما اكل قال فبكى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و بكت و بكيت معهما فقال لها: أي بنية تصبري مرتين أو ثلاثاً ثم قال لها أي بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين قالت: و أين مريم بنت عمران قال لها أي بنية تلك سيدة نساء عالمها و أنتِ سيدة نساء عالمك و الذي بعثني بالحق لقد زوّجتك سيداً في الدنيا و الآخرة لايبغضه إلاّ منافق».

لَوْلاَ التَّفَاوُتُ فِي تَقْوَى وَ مَعْرِفَةٍ *** مَا مَازَ فَرْدٌ عَلَى فَرْدٍ بِتَقْدِيِرِ(1)

إِنَّ التَّفَاوُتَ فَرْقٌ قَدْ نَمِيزُ بِهِ *** كُلَّ الوَرَى عِنْدَ تَقْدِيمٍ وَ تَأْخِيرِ(2)

فَاللَّهُ فَضَّلَهَا، بِالخُلْقِ جَلَّلَهَا *** مَا مِثْلُهَا خُلِقَتْ فِي سَائِرِ الحُورِ(3)

بِنْتُ النَّبِيِّ نَبِيَّ الخَلْقِ قَاطِبَةً *** مَنْ قَدْ أَتَانَا بِإِنْدَارٍ وَ تَبْشِيرٍ

عَزَّ الخَلائِقُ حَقًّا فِي مَوَدَّتِهَا *** وَ حُبُّهَا الأمْنُ يَوْمَ النَّفْخَ فِي الصُّورِ(4)

ص: 83


1- ماز: عزل الشيء و فرزه عن غيره.
2- التفاوت: الاختلاف و التباعد ما بين الشيئين الاختلاف و التباين في الفضل. الورى: الخلق.
3- جلَّل: عَظَّمَ. و لعل مما يشير إلى بعض ذلك ما ورد في ذخائر العقبى ص48. عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان. العرش: يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم، و غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على الصراط فتمر و معها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع».
4- يوم النفخ في الصور: كناية عن يوم القيامة. قد يريد الناظم في هذا البيت أن يشير إلى ما جاء في الرواية المذكورة في (بحار الأنوار) جزء(43) ص64: «عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه و آله و سلم قال: قال جابر لأبي جعفر علیه السلام: جعلت فداك يا بن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة علیها السلام إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك. قال أبوجعفر علیه السلام: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. قال: إذا كان يوم القيامة... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله: يا بیت حبیبي ما التفاتك و قد أمرت بك إلى جنتي؟ فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم فيقول اللَّه: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبُّ لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فادخليه الجنة. قال أبوجعفر علیه السلام: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها و محبيها كما يلتقط الطير الحبَّ الجيد من الحب الرديء، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله «عزوجل»: يا أحبائي ما التفاتكم و قد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي، فيقولون: يا ربِّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا و انظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة علیها السلام، أنظروا من أطعمكم لحبِّ فاطمة علیها السلام، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة علیها السلام، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة علیها السلام، انظروا من ردَّ عنكم غيبة في حُبِّ فاطمة علیها السلام خذوا بيده و أدخلوه الجنة. قال أبوجعفر علیه السلام: والله لايبقى في الناس إلا شالاً أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى: «فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَ لَاصَدِيقٍ حَمِيمٍ» قال أبوجعفر علیه السلام: هيهات هيهات منعوا ما طلبوا. «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ».

أصْفَاكِ رَبُّكِ إِذْ أَتَاكِ مَكْرُمَةً *** مِنَ المَزَايَا بِوَفْرٍ غَيْرِ مَنْزُورِ(1)

بَلَغَتِ بِاللَّهِ فَضْلاً لانَظِيرَ لَهُ *** مُسْتَحْكُمَ الأَصْلِ طَلْقاً غَيْرَ مَحْصُورِ(2)

أَعْطَاكِ رَبُّكِ عِزّاً لا يُشَابِهُهُ *** عِزُ الخَلائِقُ فِي نَبْتٍ وَ تَأْثِيرِ(3)

جُودِي عَلَيْنَا بِفَضْلٍ مِنْكِ نَرْقَبُهُ *** مِنَ السَّمَاءِ بِخَيْرٍ مِنْكِ مَوْفُورِ

بَرَاكِ رَبُّكِ قَبْلَ الخَلْقِ أَجْمَعِهِمْ *** إِذْ لاَسَمَاءَ وَ لاَ شَيْءٌ بِمَذْكُورِ(4)

يَا بَضْعَةَ القَمَرِ الزَّاكِي الَّتِي ظُلِمَتْ *** فِي حَقِّهَا هُضِمَتْ مِنْ غَيْر تَبْرِير(5)

بِالسَّوْطِ قَدْ ضُرِبَتْ، وَ البَابِ قَدْ عُصِرَتْ *** ثُمَّ انْثَنَتْ تَرَحاً فِي ضِلع مَكْسُورِ(6)

وَ مُحْسِناً أَسْقَطَتْ جَرَاءَ رَفْسَتِهِ *** فَيَالَهُ حَدَتْ مِنْ كَفْ مَغْرُورِ(7)

ص: 84


1- الوفر: الكثير. النزور: القليل.
2- طلقا: أي مطلقاً غير مقيد. جاء في «ذخائر العقبى» أيضاً ص 39 ما للزهراء علیها السلام من فضل عند الله «تعالى» حيث اقترن غضب الله بغضب الزهراء علیها السلام و رضاه برضاها فيقول الطبري: عن علي بن أبي طالب علیه السلام يا فاطمة علیها السلام إن الله عز وجل يغضب لغضبك ويرضى لرضاك».
3- الثبت: العاقل الراجح الرأي الثابت.
4- براك: بمعنى خلقك.
5- هضمت: ظلمت و انتقص حقها من غير تبرير: أي من غير داع و سبب.
6- انثنت: انعطفت ترحا حزناً.
7- و ما سبقه من الأبيات إشارة إلى ما ورد في كتاب سليم بن قيس: عن سلمان و عبداللَّه بن العباس قالا: توفي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوم توفي فلم يوضع في حفرته، حتى نكث الناس و ارتدوا و أجمعوا على الخلاف و اشتغل علي برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى فرغ من غسله و تكفينه و تحنيطه و وضعه في حفرته، ثم أقبل على تأليف القرآن و شغل عنهم بوصية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال عمر لأبي بكر: يا هذا إنَّ الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل و أهل بيته علیهم السلام فابعث إليه فبعث إليه ابن عم لعمر يقال له:قنفذ، فقال له: يا قنفذ انطلق إلى علي علیه السلام فقل له أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فبعثا مراراً و أبي علي علیه السلام أن يأتيهم، فوثب عمر غضبان و نادى خالد بن الوليد و قنفذ فأمرهما أن يحملا حطباً و ناراً ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي و فاطمة «صلوات الله عليهما» و فاطمة علیها السلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها و نحل جسمها في وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى يا بن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك لاتدعنا و ما نحن فيه. قال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم. فقالت: يا عمر: أما تتقي الله «عزوجل» تدخل علي بيتي و تهجم على داري؟ فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم. فوثب علي بن أبي طالب علیه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و همَّ بقتله فذكر قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و ما أوصاه به من الصبر و الطاعة فقال: والذي كرم محمداً صلى الله عليه و آله و سلم بالنبوِّة يا بن صهّاك لولا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لاتدخل بيتي فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار و سلَّ خالد بن الوليد السيف ليضرب به علياً علیه السلام فحمل علي علیه السلام عليه بسيفه، فأقسم على علي فكفَّ. و هناك رواية أخرى في كتاب «أمالي الصدوق» ص990-100 [ط الخامسة] جاء فيها عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم کان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن علیه السلام فلما رآه بكى ثم قال: إلى أين يا بني فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى. ثم أقبل الحسين علیه السلام فلما رآه بكى ثم قال: إلى أين يا بني فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى ثم أقبلت الزهراء علیها السلام فلما رآها بكى ثم قال: إليَّ إليَّ يا بنية فأجلسها بين يديه ثم أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام فلما رآه بكى ثم قال: إليَّ يا أخي فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن فقال له أصحابه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت أو ما فيهم من تُسر برؤيته؟ فقال صلي الله علیه و آله و سلم: والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على البرية إني وإياهم لأكرم الخلق على الله «عزوجل» و ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم أما علي بن أبي طالب علیه السلام فإنه ... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فانها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية مني قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض، و يقول اللَّه «عزوجل» لملائكته: «يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة علیها السلام سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي و قد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم اني قد أمَّنت شيعتها من النار و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها (كسرت جنبتها) و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلاتجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة و تتذكر فراقي أخرى و تستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدتُ بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله «تعالى» ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مریم بنت عمران فتقول يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين ثم يبتدي بها الوجع فتمرض فيبعث الله «عزوجل» إليها مريم بنت عمران تمرضها و تؤنسها فى علتها، فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة و تبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي فيلحقها الله «عزوجل» فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي علیهم السلام فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلل من أذلها و خلّد في النار من ضرب جنبها حتى ألقى ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين».

ص: 85

تَقَبَّلِي مِنْ صَمِيمِ القَلْبِ قَافِيَةً *** فِي الحُسْنِ زَاهِيَةً جَاءَتْ بِتَفْكِيرِي(1)

مَيْمُونَةٌ بِاسْمِكِ العَالِي قَدِ اتَّسَمَتْ *** مَعْلُومَةَ النَّهْجِ نَظْماً غَيْرَ مَنْثُورِ(2)

إِذَا تَلاَهَا امْرُؤٌ هَزَّتْ عَوَاطِفُهُ *** وَ أَرْدَفَتْ طَرَباً مِنْ حُسْنِ تَصْوِيرِ

نَظَمْتُهَا عَبْرَ تَفْكِيرِي بِلا مَلَلٍ *** غَدَتْ بِقُرْءٍ لَهَا بِالكَسْرِ مَجْرُورِ(3)

جَاءَتْ لِتُعْرِب عَنْ حُبِّي لَكُمْ أَبَداً *** وَ يُخْبِرَ النَّظْمُ عَمَّا كَنَّ تَامُورِي(4)

نَظَمْتُ لَفْظِي فَكَانَ النَّظْمُ دَاعِيَةً *** إِلَى نِظَامِ رَفِيعِ القَدْرِ مَنْظُورِ(5)

قَدْ أَرْسَلَتْ عَنْ هُدَى قَلْبِي مُعَلَّمَةً *** فِي حُبّكُمْ قَدْ أَتَتْ مِنْ دُونِ تَغْبِيرِ

ص: 86


1- القافية: القصيدة و العرب تطلق على القصيدة كلها قافية. قالت الخنساء: و قافية مثل حد السنان *** تبقی و یهلک من قالها و قافية: أي وقصيدة.
2- المنثور من الكلام ما كان نثراً و ليس منظوماً.
3- القرء: بضم القاف بمعنى القافية.
4- التامور: القلب.
5- المنظور: الذي يرجى خيره.

كَالشَّمْسِ فِي حُسْنِهَا لِلنَّاسِ زَاهِرَةً *** أَوْ كَوْكَبِ ظَاهِرِ فِي صَوْتِهِ يُورِي(1)

فَالْفِكْرُ فِيهَا غَدَا لِلأَمْرِ مُمْتَيْلاً *** وَ الشَّعْرُ ما بَيْنَ مَسْطُورِ(2)

تَقَبَّلِيهَا فَإِنَّ الفِكْرَ ذُو فَرَطٍ *** قَدْ قَرَّ بِالعَجْزِ مِنْ جَرَّاءِ تَقْصِيريِ(3)

فَالْقَلْبُ فِي سَرَفٍ، وَ الْفِكْرُ فِي دَلَفٍ *** وَ القَصْدُ مَا بَيْنَ مَطوِيٌّ وَ مَنْشُورِ(4)

قَدْ كُنْتُ آمَلُ أنْ أَرْقَى بِرَائِعَةٍ *** لَكِنَّمَا قَدْ جَرَى نَظْمِي بِمَقْدُورِي(5)

صَلَّى إِلهُ الوَرَى أَلْفاً عَلَيْكِ أَتَى *** مُؤَسِّسُ الأَلْفِ َألفاً غَيْرَ مَجْذُورِ(6)

ص: 87


1- يوري: يقدح ضوءاً.
2- المشطور: المقسوم نصفين لأن البيت الواحد من الشعر فيه شطران الأول يسمى الصدر و الثاني يسمى العجز و آخر تفعيلة من الصدر تسمى العروض و آخر تفعيلة من العجز تسمى الضرب. المسطور: وضع الكلمات و الجمل في صفوف (سطر).
3- الفرط: الذي لم يف بحق الأداء، المتهاون.
4- السرف: المولع في الشيء أي مولع في حبكم. الدلف: المقبل على الشيء أي الفكر مقبل على إظهار المعاني. القصد: المعنى الموجود في القلب. المطوي: هو الذي كان في القلب. المنشور: هو الذي ظهر في النظم.
5- الرائعة: المقصود بها القصيدة الجيدة.
6- مؤسس الألف ألفاً: أي الالف هذه مرفوعة إلى أس ألف هكذا (1000) فالعدد (1000) مضروب في نفسه (1000) مرة أي بمعنى واحد بجانبه من اليمين ثلاثة آلاف صفر و عليك الحساب المجذور: حاصل ضرب العدد في نفسه. رشح الخواطر في مدح محمد صلي الله علیه و آله و سلم وآله علیهم السلام الزواهر ص97.

(21) صاحب الطلعة الغزا

(بحر الطويل)

السيد خضر القزويني (*)(1)

إلامَ التَّوَانِي صَاحِبَ الطَّلْعَةِ الغَرًّا *** أَمَا آنَ مِنْ أَعْدَاكَ أنْ تَطْلُبَ الوِتْرَا؟(2)

ص: 88


1- (*) السيد خضر بن علي بن محمد بن جواد بن رضا أبو الأسرة القزوينية و يصل نسبه إلى زيد الشهيد. و هو من أسرة تعرف بآل القزويني، قطنت النجف الأشرف منذ زمن بعيد. ولد المترجم له، في النجف الأشرف عام (1323ه_) و نشأ بها و ترعرع حتى إذا بلغ سنّ رشده ركب طريق الادب و الكمال و ما انفاً عن مجالسة الشعراء و ممارسة الخطباء، فقرض الشعر و هو ابن عشرين عاماً، و قد جمع إلى موهبة النظم و إنشاد الشعر فن الخطابة و التبليغ بأسلوب جديد بليغ فكان خطيباً مفوهاً حباه الله حسن الصوت و جمال الوجه فأصبح يشار إليه بالبنان و ما انفك مثابراً على طلب الفضل و الفضيلة و تحصيل العلوم و الأخلاق، حتى انفرد من بين ذوي الفن بمواهبه العالية و أصبح نابغة من نوابغ الشعراء و الخطاء، و حلّق من بينهم إلى أوج الكرامة و الخلود. أكثر من النظم وأجاد في أكثره، و طرق أبواب الشعر فكان موفِّقا في أغلبها و كان غريد المحافل، و في عصره يعد من المجددين، فكان أدبه أكثر من خطابته و كان المترجَم له مثالاً للخلق الرفيع و النفس العالية، مرموقاً في وسطه محبوباً عند مختلف الطبقات، اريحي الطبع، ذكياً رقيق الأسلوب، و كان وفياً أصدقائه. و كان يختص بفئة طيبة من معشر الشباب الواعي و يمتاز بهم عن سائر الناس، و ما برح يلتقي بهم في معظم الاوقات و من بين هؤلاء الأصدقاء الاوفياء زميله فضيلة السيد مهدي الأعرجي. توفي «رحمة الله» و هو في أوائل العقد الرابع من عمره بعد أن قاسى المرض زمناً و ذلك يوم الثالث من رجب عام 1357ه_ و شيّع تشييعاً معظماً و دفن في الإيوان الذهبي في الحرم الحيدري «المقدس».
2- التواني: الفتور و التقصير. الوتر: الانتقام، بكسر الواو أو فتحها.

فَدَيْنَاكَ لِمَ أَغْضَيْتَ عَمَّا جَرَى عَلَى *** بَنِي المُصْطَفَى مِنْهَا وَ قَدْ صَدَّعَ الصَّخْرَا؟(1)

أَتُغْضِي وَ تَنْسَى أُمَّكَ الظُّهْرَ فَاطِماً *** غَدَاةَ عَلَيْهَا القَوْمُ قَدْ هَجَمُوا جَهْرَا؟(2)

أَتُغْضِي وَ شَبُوا النَّارَ فِي بَابٍ دَارِهَا *** وَ قَدْ أَوْسَعُوا فِي عَصْرِهِمْ ضِلْعَهَا كَسْرَا؟(3)

أَتُغْضِي وَمِنْهَا أَسْقَطُوا الطُّهْرَ مُحْسِناً *** وَ قَادُوا عَلِيَّ المُرْتَضَى بَعْلَهَا قَسْرَا؟

أَتُغْضِي و َسَوْطُ (العَبْدِ) وَ شَّحَ مَتْنَهَا *** وَ مِنْ لَطْمَةِ الطَّاغِي غَدَتْ عَيْنُهَا حَمْرَا؟(4)

أَتُغْضِي وَ قَدْ مَاتَتْ وَ مِلْءُ فُؤَادِهَا *** شَجِّى وَ عَلِيٌّ بَعْدُ شَيَّعَها سِرَّا؟(5)

أَتُغْضِي وَ قَدْ أَرْدَىٰ حُسَامُ (ابْنِ مُلْجَمٍ) *** «عَلِيًّا» وَ طَرْفُ الشِّرْكِ حِينَ قَضَى قَرّا؟

أَتُغْضِي وَ قَدْ أَلْوَىٰ (لَوِيَّا) مُصَابُهُ *** وَ غَادَرَ حَتَّى الحَشْرِ أَكْبَادَهَا حَرَّى؟

أَتُغْضِي وَ قَدْ دَسَّ السُّمَامَ أَخُو الشَّقَا *** إِلَى المُجْتَبَى كَيْمَا بِهِ يَفْجَعُ الزَّهْرَا؟

أَتُغْضِي وَ قَدْ أَوْدَىٰ بِهِ فَتَقَطَّعَتْ *** غَدَاةَ بِهِ أَوْدَىٰ قُلُوبُ الوَرَى طُرَّا؟(6)

أتُغْضِي وَيَوْمَ الطَّف (آلُ أُمَيّةٍ) *** بِقَتْلِ سَلِيل الطُّهْرِ أَدْرَكَتِ الوَتْرَا؟

ص: 89


1- أغضيت: أغضى يُغضي: طبق جفنيه حتى لايُبصر شيئاً، أو سكت و صبر. صدّع: شقَّ.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى هجوم القوم على بيت الزهراء علیها السلام.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إحراق بيت الزهراء علیها السلام و إلى كسر ضلعها.
4- وشحَّ: ألبسه الوشاح كناية عن أنه اسود متنها علیه السلام من آثار سياطة فكان و شاحاً على متنها. يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام بالسوط و لطمها على خدها. انظر کتاب سليم بن قيس ص36 و ص40 و ص208 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109، و كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و كتاب البحار ج8 ص240 ط حجرية.
5- و في هذا البيت إشارة إلى حزن الزهراء علیها السلام و إلى تشييعها سراً إلى قبرها. انظر كتاب البحار ج43 ص183، 195 و ص201. و كتاب مناقب ابن شهر آشوب كما في عوالم العلوم ج2 ص1080. و ج3 ص363. و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص54 . و ذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب ج4 ص1898 في ترجمة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
6- أودي: أهلك.

أَتُغْضِي وَ فِيهِ مَثَّلَتْ بَعْدَ قَتْلِهِ *** وَ مِنْ دَمِهِ قَدْ رَوَّتِ البِيضَ وَ السُّمْرَا؟(1)

أَتُغْضِي وَ قَدْ طَافَتْ بِرَأْسِ فَخَارِهِ *** عَلَى ذَابِل أَمْسَى يُبَاهِي بِهِ البَدْرَا؟

أتُغْضِي وَ قَدْ سَارَتْ بِرَبَّاتِ خِدْرِهِ *** سَبَايَا وَ سَوْطُ الشِّمْر أَوْسَعَهَا زَجْرَا؟

أَتُغْضِي وَ قَدْ طَافَتْ بِهَا كُلَّ بَلْدَةٍ *** عَلَى هُزَّلٍ تَنْعَى وَ أَعْيُنُهَا عَبْرَى؟

(وَأَعْظَمُ مَا يُشْجِي الغَيُورَ دُخُولُهَا *** إِلَى مَجْلِسٍ مَا بَارَحَ اللَّهْوَ وَ الخَمْرَ)(2)

فَحَتَّى مَتَى تُعْضِي وَ لَمْ تُلْفَ ثَائِراً *** بِوَثْرِ بَنِي الهَادِي الَّذِيْنَ قَضَوْا صَبْرَا

فَهُبْ لَهَا وَاسْقِ حُسَامَكَ مِنْ دِمَا *** عِدَاكَ وَ غَادِرُ نَظمَ هَامَاتِهَا نَثْرَا(3)

ص: 90


1- البيض: السيوف. السمر: الرماح.
2- ضمن الشاعر هذا البيت و هو من قصيدة للحاج محمد علي كمونة.
3- ديوان شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص230.

(22) أو الهداة

(بحر البسيط)

زين العابدين الكويتي (*)(1)

ص: 91


1- (*) هو زين العابدين بن حسن بن باقر ذي الرياستين الكويتي و المعروف «بملا عابدين»، ولد في الكويت عام (1866م) و نشأ في أسرة فقيرة ،الحال لم تهيَّأ له أسباب الدرس و التحصيل، غير أن تعطشه للعلم -و قد كان ذكياً سریع البديهة- دفعه لاقتناص أوقات فراغه لتلقيه على أيدي أصحابه ،و رفقائه و بعض من كان يتعاطف معه من المدرسين و الاساتذة. فاستطاع أن يثقف نفسه بنفسه، و ان يشتري عمدة الكتب اللغوية و الأدبية، في اللغتين العربية ،و الفارسية و ان ينكبّ عليها مستجلياً خفاياها و دفائنها. و قد جاء في ديوانه المخطوط (العرصات البديعة و الطرائز اللميعة) قوله: (فوفقت بمرور الزمن لمطالعتي الكتب، حتى نظمت القصائد الفرائد على عناوين شتى في كل فن من التخميس و التضمين و التوشيح و التشطير و التواريخ العددية الأبجدية... مقتحماً مقتحما بجنود الفكر لفنون الشعر العويصة، و رموزه الغالية النفيسة، و همزت جماح الفكر إلى ربواته المغدقة الأنيسة ثم نظمت باللغتين و تكلمت بالعبارتين العربية و الفارسية... و كان ابتدائي في الشعر قبل بلوغي أو ان الحلم في سن الثانية عشرة من عمري). و قد خلَّف لنا الشاعر، آثاراً كثيرة في الشعر و النثر، تربو على أربعين مؤلفاً، و قد لعبت بمعظمها يد العبث و الاقدار و لم يبق منها غير القليل، و لقد جاء على ذكر اسماء مؤلفاته في ديوانه المخطوط (العرصات البديعة ...) و لم يذكر أنه قد طبع شيئاً منها غيركتابه الموسوم ب_ (موعظة الرجال و بلغة الآمال) عربي في بومبي عام (1327ه_)، و قد رأيت له ديوان شعر في أهل البيت علیهم السلام مخطوطاً سمّاه (مرآة العارفين و مشكاة السالكين). فقد ساح في أقطار الخليج و التقى بأمرائها و أثريائها و نقل لي الخطيب اللامع الشيخ جعفر الهلالي: وجدت له شعراً كثيراً في الإحساء و القطيف عند هذا و ذاك. و زين العابدين، خطاط ماهر له لوحات خطية رائعة. وقد اطَّلعت على بعض خطَّة، في حسينية معرفي في الكويت لوحة ملصقة على الجدار فيها قصيدة له يذكر تاريخ تأسيس الحسينية بخَطه الجميل ومثلها في حسينية السيد علي في الكويت منطقة الشرق، فهو آية في الدقة و الحسن و الجمال. و له في الخط أسلوب عجيب يريك زهرة أو رجلاً أو أي صورة تشاء مرسومة على الورق، ثم يفضّ الورقة فتصبح الصورة آية قرآنية أو بيتاً من الشعر أو كلمة، و قد سكبت بخط رائع جذاب. و هذا فن تخصص به و أجاده وآثاره مشهورة في الكويت. وافته المنية رحمه اللَّه عام (1950م) عن عمر ناهزَ الثمانين.

أَرَى البَرَايَا تَسُحُّ الدَّمْعَ مِدْرَارَا *** وَ تَشْتَكِي الهَمَّ أَصَالاً وَ أَبْكَارَا(1)

كَأَنَّمَا شَبَّ فِي أَضْلاعِهَا شَرَرٌ *** مِنْ نَارٍ حُزْنٍ أَرَتْهَا ثُمَّ أَضْرَارَا(2)

فَبَانَ جَيْشُ الأَسَى فِي الكَوْنِ وَ انْصَدَعَتْ *** مِنْهُ الجِبالُ الرَّوَاسِي الشُّمُّ مُذْ صارا(3)

أَلا تَرَى الكَوْنَ دَاجِي اللَّونِ مُنْزَعِجاً *** لِفَقْدِ فَاطِمَ يُبْدِي الحُزْنَ تَكْرَارا؟

فَقْدُ البَتُولَةِ هَدَّ الدِّينَ صَارِخُهُ *** وَ زَلْزَلَ الْأَرْضَ لَمَّا شَاعَ تَذْكَارا

لِبَضْعَةِ المُصْطَفَى أَمْسَى الوَصِيُّ يَرَى *** إِزْهَاقَ نَفْسٍ فَأَجْرَى الدَّمْعَ أَنْهَارا

فَلاَ يُلاَمُ إِذَا مَا بَاتَ فِي جَزَعٍ *** لأَنَّ فِي عَيْنِهَا قَدْ شَامَ آثَارا(4)

وَ حُمْرَةُ العَيْنِ لِلزَّهْرَا لَهَا سَبَبٌ *** وَ تِلْكَ مِنْ لَطْمَةِ الجَانِي إِذْ جَارا(5)

وَ قَدْ رَأَى ضِلْعَهَا المَكْسُورَ حِينَئِذٍ *** أَرَادَ تَجْهِيزَهَا مُذْ رَامَ أَسْتَارا(6)

ص: 92


1- تسحَ: تسيل. أصالاً:جمع أصیل و هو بین العصر و المغرب أو العشي. أبکار: جمع بكرة و هي الصباح.
2- شب: أُشعل و اتقد.
3- انصدعت: انشقت. الجبال الرواسي الشم: الجبال الراسخة الثابتة.
4- شام: يقال مخايل مخايل الشيء: أي تطلع نحوه ببصره منتظراً له، و شام البرقَ: نظر إليه أين يتجه و أين يمطر.
5- في هذا البيت إشارة إلى صفع عمر بن الخطاب وجه الزهراء علیها السلام ظلما و جورا. ففي إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية، على لسان الزهراء علیها السلام فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم، فهذه أمة تصلي عليَّ و قد تبرأ الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم منهم و تبرأت منهم».
6- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و إلى تجهيز الزهراء علیها السلام و دفنها ليلاً انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص40 و ص208 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. أما دفنها ليلاً فانظر المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363. و كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص54. و كتاب البحار ج43 ص183. و ذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب ج4 ص1898. و الظاهر أن الوزن الشعري يقضي أن نضيف كلمة (لم) أو (لا) حتى يستقيم البيت فيكون هكذا (بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم رأت ما لايرى أحد).

بِنْتُ الرَّسُولِ رَأَتْ مَا يَرَى أَحَدٌ *** كَمَا رَأَتْ مِنْ عَدُوٌّ كَانَ كَفَّارا

تَنَاهَبُوا فَيْثَهَا وَ الكُلُّ يَرْمُقُهَا *** وَ خَالَفُوا قَوْلَ طَهَ القَوْمُ إِجْهَارا(1)

مِنَ البُكَا مَنَعُوهَا بَعْدَ وَالِدِهَا *** وَ جَرَّعُوهَا كُؤُوسَ المُرٍّ أَطْوَارا(2)

كَانَتْ تَسِيرُ إِلَى ظِلٍّ الأَرَاكَةِ كَيْ *** تَقْضِي لَهَا فِي البُكَا وَ النَّوْحِ أَوْطَارا(3)

لَمْ يَكْفِهِمْ مَا جَنَوْا إِثْماً وَ قَدْ قَطَعُوا *** تِلْكَ الأَرَاكَةَ ظُلماً ثُمَّ إجْبَارا

بَنَى عَلِيٌّ لَهَا بَيْتاً تَنُوحُ بِهِ *** عَلَى فِرَاقِ أَبِيهَا بَعْدَ مَا سَارا

بَنَى لَهَا بَيْتَ أَحْزَانٍ لِتَسْكُنَهُ *** عِنْدَ البُكَاءِ فَتَذْرِي الدَّمْعَ مِدْرَارا

كَانَتْ تَرُوحُ مَعَ ابْنَيْهَا هُنَاكَ إِلَى *** البَيْتِ المُعَيَّنِ أصالاً وَ أَبْكَارا

وَ تَنْثُرُ الدَّمْعَ فِي حُزْنٍ وَ فِي حُرَقٍ *** يُذِيبُ صُمَّ الصَّفَا بِالنَّوْحِ إِذْ غَارَا(4)

ص: 93


1- فيئها: غنيمتها. يرمقها: يطيل النظر إليها و في هذا البيت إشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في كتاب عوالم العلوم ج2 ص626، و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد بن حنبل و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. و السيرة الحلبية ج3 ص487.
2- و في هذا البيت إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام من البكاء فقد جاء في كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص322 قال: رأس البكائين ثمانية: آدم و نوح، و يعقوب و يوسف و شعيب و داود، و فاطمة علیها السلام، و زين العابدين علیه السلام قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة. فقالوا لها آذيتنا بكثرة بكائك إما أن تبكي بالليل و إما ان تبكي بالنهار، و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي. و ذكره الشيخ الصدوق في أماليه ص121 ح رقم5.
3- أوطارا: جمع وطر، و هو الحاجة و البغية.
4- في هذه الأبيات الأربعة إشارة إلى بيت الاحزان الذي بناه لها الإمام علي علیه السلام بعد اعتراضهم على بكائها ليلاً ونهاراً. ففي كتاب البحار ج34 ص177 ضمن حديث طويل قال: «ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها، و خرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها». و في كتاب رحلة ابن جبير ص174 قال: «ويلي هذه القبة العباسية بيت يُنسب لفاطمة علیها السلام بنت الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ويعرف ببيت الحزن يقال إنه الذي أوت إليه و التزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم.

تُخَاطِبُ الحَسَنَيْنِ الطُّهْرُ فَاطِمَةٌ *** تَقُولُ أَيْنَ مَضَى مَنْ عَنْكُمُ سَارا

فَأَيْنَ جَدُّكُمُ الهَادِي النَّبِيُّ أَلاَ *** قُولاَ فَفِي مُهْجَتِي قَدْ أَوْقَدُوا النَّارا؟(1)

أَذَابَ جِسْمِي فِي يَوْمِ الرَّحِيلِ وَ كَمْ *** لأَقَيْتُ مِنْ بَعْدِهِ ضَيْماً وَ أَكْدَارا

أَيَّ المَصَائِبِ أَنْسَى بَعْدَ جَدْكُمَا *** إِحْرَاقَ دَارِي أَمِ الظُّلْمَ الَّذِي صَارا؟(2)

ص: 94


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ما روي من أنَّ الزهراء علیها السلام كانت تخاطب الحسنين علیهما السلام بحزن ولوعة لفقد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. ففي كتاب البحار ج43 ص181 قال: «و روي أنها ما زالت بعد أبيها صلى الله عليه و آله و سلم مُعصَّبة الرأس ناحلة الجسم، منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة و تقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرَّة بعد مرَّة؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ و لاأراه يفتح هذا الباب أبداً و لايحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما».
2- ففي كتاب الاحتجاج ج1 ص109 قال ضمن رواية طويلة «ثم أمر (يعني عمر) أناساً حوله فحملوا حطبا و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع عليا علیه السلام والله لتخرجنَّ و لتبايعنَّ خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أو لأضر منَّ عليك بيتك ناراً ناراً ثم ثم رجع فقعد إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته. ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً». و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 زيادة على ما في الاحتجاج «فقالت فاطمة علیها السلام يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب و إلاّ أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر تتقي الله تدخل عليَّ بيتي ؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه و دخل... الخ . و في ص208 من كتاب سليم قال: «ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فرفع السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم... الخ. و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 إن أبابكر بعد أن أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب و السيف و التهديد و القوة أرسل عمراً و قنفذاً و خالد بن الوليد و أبا عبيدة بن الجراح و جماعة أخرى من المنافقين إلى دار علي و فاطمة علیهما السلام، و جمع عمر على باب فاطمة علیها السلام (ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: السلام عليكم أهل بيت النبوَّة صلى الله عليه و آله و سلم وما كان يدخله إلا بعد الاستئذان) و أحرق الباب بالنار . و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر، و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها».

أَمْ كَسْرَ ضِلْعِي وَ إِسْقَاطَ الجَنِينِ أوِ *** السَّوْطَ الَّذِي اسْوَدَّ كَتْفِي مِنْهُ إِجْهَارا(1)

أمْ مَنْعَهُمْ فِي تُرَاثِي بَعْدَ مَا عَلِمُوا *** أَنَّ النَّبِيَّ حَبانِي ذَاكَ إيثَارا(2)

أَمْ فَوْدَهُمْ لابْنِ عَمِّي يَوْمَ بَيْعَتِهِمْ *** إِلَى الخَلِيفَةِ مَنْ قَدْ بَاتَ مُخْتَارا

أمْ قَطعَهُمْ لأَرَاكٍ أَوْ لِمَنْعِهِمُ *** مِنِّي البُكَا لأَبي مَنْ قَدْ حَمَى الجَارا(3)

ص: 95


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و إسقاط جنينها و ضربها بالسوط على كتفها . انظر کتاب سلیم بن قيس ص208. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37. و في ص40 من كتاب سليم بن قيس قال: و قد كان قنفذ لعنه اللَّه حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها. أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بابها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى اللَّه عليها من ذلك شهيدة. و في كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 قال: ضمن حديث طويل «فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ اياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».
2- و في هذا البيت إشارة إلى غصب فدك الزهراء علیها السلام انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 ، و ج1 ص13 من مسند أحمد بن حنبل. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و السيرة الحلبية ج3 ص487 فراجع.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى منع الزهراء علیها السلام من البكاء على أبيها و قطعهم الأراكة التي كانت تبكي تحتها و تستظل بظلها. انظرکتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص322. و الشيخ الصدوق في أماليه ص121 ح رقم 5.

لِلَّهِ صَبْرُ أَبِي الحَمْلَاتِ حِينَ رَأَى *** تِلْكَ المُلِمّاتِ لكِنْ كَانَ صَبّارا

لَوْلاً وَصَايَا رَسُولِ اللَّهِ تَمْنَعُهُ *** لَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ عَلَى الغَبْرَاءِ دَيّارا(1)

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى أُمَّ الهُدَاةِ أَلاَ *** عَطفاً عَلَى مَنْ لَكُمْ قَدْ صَاغَ أَشْعَارا

فَرِقُّكُمْ عَابِدِينَ انْصَاعَ مُعْتَرِفاً *** بِأَنَّكُمْ أُمَنَاءُ اللَّهِ إِشْهَارا

يَرْجُو الشَّفَاعَةَ مِنْكُمْ يَوْمَ مَوْرِدِهِ *** غَداً فَقَدْ حَمَّلَتْهُ النَّفْسُ أَوْزَارا

عَلَيْكُمُ صَلَوَاتُ اللهِ مَا بَزَغَتْ *** شَمْسٌ وَ مَا قَمَرٌ قَدْ شَعَّ أَنْوَارا(2)

ص: 96


1- الغبراء: الأرض.
2- نقلاً من مرآة العارفين و مشكاة السالكين ص116 مخطوط.

(23) البضعة الغزا

(بحر الطويل)

الحاج سعود الشملاوي(*)(1)

خَدِيجَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ سَمَتْ فَخْرا *** بِتَزْوِيجِهَا لِلْمُصْطَفَى مُنِحَتْ قَدْرا(2)

لَهُ اخْتَارَهَا رَبُّ السَّمَاءِ حَلِيلَةً *** فَفَضَّلَهَا دُنْيَا وَ شَرَّفَهَا أُخْرَى(3)

وَ قَدَّرَ نَسْلَ الْمُصْطَفَى مِنْ طَرِيقِهَا *** وَ صَيَّرَهَا أُمَّاً إلَى البِضْعَةِ الغَرَّا(4)

وَ مُذْ حَمَلَتْهَا زَالَ عَنْهَا هُمُومُهَا *** تُحَدِّثُهَا سِرًّا وَ تُورِثُهَا سَرَّا(5)(6)

وَذِي آيةٌ كُبْرَى لِفَاطِم مَا جَرَتْ *** قَدِيماً لأُنْثَى لا وَ لابَعْدَها تُجْرَى

رَآهَا الْهُدَى تُبْدِي كَلاماً وَ لَمْ يَرَ *** سِوَاهَا فَنَادَى وَ السُّرُورُ مَلاَ الصَّدْرَا(7)

تُنَاجِينَ مَنْ؟ قَالَتْ جَنِينِي يُجِيبُنِي *** فَرَاحَ نَبِيُّ اللَّهِ يُهْدِي لَهَا البُشْرَى

يَقُولُ لَهَا البُشْرَى بِبِنْتِ كَرِيمَةٍ *** بِهَا تَزْهَرُ الدُّنْيَا وَ تَزْدَهِرُ الأُخْرَى(8)

ص: 97


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- سَمَتْ: عَلَتْ و ارتَفَعَتْ.
3- حليلة: زوجة.
4- الغرّا: الغراء مؤنث الاغر: الكريم الأفعال. السيد الشريف و الغُرَّة جمعها غُرَ، و الغُرَّةُ من كل شيء: أوَّلُه و معظمه و طلعتُه. و كل ما بدا لك من ضوءٍ أو صبحٍ فقد بَدَتْ غُرَّتُهُ.
5- في الروض الفائق، ص314. فلما سأله الكفار أن يريهم انشقاق القمر و قد بان لخديجة علیها السلام حملها بفاطمة علیها السلام و ظهر قالت خديجة علیها السلام: واخيبة من كذب محمداً صلي الله علیه و آله و سلم و هو خير رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و نبي فنادت فاطمة علیها السلام من بطنها: يا أماه لاتحزني و لاترهبي فإن الله مع أبي.
6- السَّرّاء: كل ما سَرَّك من الأمور و هي نقيض الضَّرَّاء.
7- تُبدي: تُظْهِر.
8- تَزْهَرُ: تضيء.

وَ نَسْلِيَ مِنْهَا يَا خَدِيجَةُ فَاعْلَمِي *** هُمُ حُجَجُ البَارِي وَآيَتَهُ الكُبْرَى

وَ هُمْ مَدَدٌ لِلدِّينِ مِنْ بَعْدِ غَيْبَتِي *** يُقِيمُونَ لِي شَرْعِي وَ يُبْقُونَ لِي الذِّكْرَى

فَمَا بَرِحَتْ مَسْرُورَةٌ تَحْمِلُ الهَنَا *** وَ تَرْقَبُ يَوْماً فِيهِ تَبْدُو لَهَا السَّرَّا(1)

وَ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِخْرَاجَ قُدْسِهَا *** لِبَادِيَةِ الدُّنْيَا لِتَمْلَأَهَا خَيْرا

تَنَزَّلَ خَيْرَاتُ النِسَاءِ لأُمِّهَا *** لِيَقْبَلْنَها فِي وَضْعِهَا الدّرَّةَ النَّوْرَا(2)

لَهَا حَضَرَتْ عِنْدَ الْوِلَادَةِ سَارَةٌ *** وَاسِيَةٌ مَعْ كَلْثَمٍ مَعَهَا العَذْرَا

لِيُؤْنِسْنَهَا حَتَّى تَكُونَ بِقُرْبِهَا *** قَرِيرَةَ عَيْنٍ لاَتَرَى عِنْدَهَا عُسْرا

أَحَطَنَ بِهَا يُؤْنِسْنَهَا فَتَمَخَّضَتْ *** بِيُسْرٍ مِنَ الْبَارِي فَأَوْلَدَتِ الزَّهْرَا(3)

أَضَاءَتْ رِحَابَ الدَّارِ مِنْ نُورِ وَجْهِهَا *** كَمَا عَمَّ ذَاكَ النُّورُ دُنْيَا الْوَرَى طُرَّا(4)

فَصَلُّوا عَلَيْهَا وَ النَّبِيِّ وَ بَعْلِهَا *** وَ أَبْنَائِها مَنْ خَيْرُهُمْ أَبَداً يَتْرَى(5)

ص: 98


1- فما برحت: يريد به فما زالت. ترقب: تنتظر، ترتقب.
2- في البحار، ج16 ص80. عندما حضرت الولادة خديجة علیها السلام وصّت إلى نساء قريش و لنساء بني هاشم يجئن ويلين منها ماتلي النساء من النساء فارسلني إليها: عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمداً صلي الله علیه و آله و سلم أبي طالب فقيراً لامال له فلسنا نجيء و لانلي من أمرك شيئاً. فاغتمت خديجة علیها السلام لذلك فبینا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن فقالت لها:إحداهن: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربك إليك و نحن اخواتك: انا سارة و هذه اسية بنت مزاحم و هذه مريم بنت عمران علیها السلام و هذه صفراء بنت شعيب بعثنا الله «تعالى» إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء.
3- تَمَخَضتْ: جاءها مخاض الولادة. وَ خَلُصت إليه.
4- في عوالم العلوم، ج1 ص56 ح1. فوضعت خديجة فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض اشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا اشرق فيه ذلك النور.
5- يَتري: يُتابع، يُقال جاء القوم تَتْرَى و تَثرى، أي متتابعين، و أصلها وَ تْرَى و تَرِيَ تَرْياً في الأمر: تراخى فيه.

(24) طهارة فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(1)

بَحْرَانِ مَوْجُ تُقَاهُمَا زَخَّارُ *** وَ الْمَكْرُمَاتُ بِهَا الحَيَاةُ تُنَارُ(2)

سَطَعتُ بِآفَاقِ الحِجَازِ فَبَدَّدَتْ *** حَلَكَ الظَّلامِ وَ شَعَّتِ الأَقْمَارُ(3)

بَحْرَانِ لَمْ يَتَلاقَيَا إِلَّا عَلَى *** طُهْرٍ بِهِ تَتَفَاخَرُ الأَظهَارُ

مَا بَيْنَ طُهْرِهِمَا كَرَامَةُ خَالِقٍ *** فَتَبَارَكَ الإِيرَادُ وَ الإصْدَارُ

بِهِمَا مِنَ الرَّحْمَنِ نُورٌ بَاهِرٌ *** وَ مِنَ الرَّسُولِ مَهَابَةٌ وَ وَقَارُ

فَرَضَتْ لِقَاءَهُمَا إِرَادَةُ قَادِرٍ *** فَلَنِعْمَ مَا قَدْ شَاءَتِ الأَقْدَارُ

وَ أَقَامَ بَيْنَهُمَا بِطُهْرٍ بَرْزَخٌ *** لايَبْغِيَانِ لَوِ اسْتَبَدَّ الجَارُ(4)

ص: 99


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- زخار: طام ممتلىء. روى السيوطي في الدر المنثور ج6 ص142 قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قوله «تعالى» «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» هما علي و فاطمة علیهما السلام «بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» هو النبي صلي الله علیه و آله و سلم «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» هما الحسن و الحسين علیهما السلام [سورة الرحمن آية 19-22] و وردت في مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص318 ، و قد ولد الامام الحسن علیه السلام في شهر رمضان سنة (3ه_) راجع أعلام الورى ص205 و ذخائر العقبي ص118 و كشف الغمة ج2 ص140 و نور الأبصار للشبلنجي ص131 و الطبري ج2 ص485 و537 و فضائل الخمسة ج1 ص288 و الصواعق المحرقة لابن حجر ص138 و تذكرة الخواص ص212.
3- بدّدت: فرّقت. حلك الظلام: شدة سواده.
4- يشير الشاعر في هذه الأبيات السبعة إلى تزويج الزهراء علیها السلام و إلى الآية المباركة في سورة الرحمن رقم (19) ففي البحار ج43 ص104 نقلاً عن أمالي الطوسي قال: عن جابر بن عبد الله قال: لما زوَّج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام أتاه أناس من قريش فقالوا: إنك زوَّجت علياً علیه السلام بمهر خسيس. فقال: ما أنا زوَّجت علياً علیه السلام ولكن الله «عز وجل» زوَّجه ليلة أسري بي عند سدرة المنتهى، أوحى اللَّه إلى السدرة أن انثري ما عليك فنثرت الدرَ و الجواهر و المرجان فابتدر الحور العين فالتقطن فهن يتهادينه و يتفاخرن و يقلن هذا من نثار فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و أما الآية ففي تفسير القمي ج2 ص344 عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: في قوله «تعالى» «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» قال علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ»[سورة الرحمن الآية 19-20] الحسن و الحسين علیهما السلام ذكره عبد علي الحويزي في تفسيره نور الثقلين ج5 ص191 ح17 و ذكره السيوط في تفسيره الدر المنثور ج6 ص142 عن ابن عباس.

فَلَنِعْمَ غَرْسٌ طَابَ بَيْنَ كِلَيْهِمَا *** أغْنَى الزَّمَانَ وَ طَابَتِ الأَثْمَارُ

أَعْطَتْهُ لِلدُّنْيَا طَهَارَةُ فَاطِمٍ *** نُوراً وَجَادَ بِهِ الفَتَى الكَرَّارُ

زَهْرَاءُ عَالِيَةُ الجَبِينِ شَرِيفَةً *** مَا شَابَهَا ذَنْبٌ وَ لاَأَوْزَارُ

مَعْصُومَةٌ كَالوَرْدِ فِي أَكْمَامِهِ *** وَ العِطْرُ مِنْهَا نَبْعُهُ فَوَّارُ(1)

ص: 100


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى آية التطهير من سورة الأحزاب ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص24 قال: عن أنس بن مالك ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يمر بباب فاطمة علیها السلام ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر و يقول: الصلاة يا أهل البيت علیهم السلام «إنَّما يُريد اللَّه» [ الأحزاب الآية 33] و في مستدرك الصحيحين ج2 ص416 قال: عن ام سلمة «رضي الله عنها» أنها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» قالت فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين «رضوان الله عليهم أجمعين». فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. قالت أم سلمة: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما أنا من أهل البيت؟ قال: إنك على خير و هؤلاء أهل بيتي اللهم أهلي أحق. و في كتاب مجمع الزوائد ج9 ص170 قال: عن شداد أبي عمار. قال: دخلت على واثلة الاسقع و عنده قوم فذكروا علياً رضي الله عنه فلما قاموا قال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟ قلت بلى قال: أتيت فاطمة «رضي الله عنها» أسألها عن علي علیه السلام. قالت: توجه إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و معه حسن و حسين علیهما السلام فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و معه حسن وحسين علیهما السلام أخذ كل واحد منهما بيد حتى دخل فأدنى علياً و فاطمة علیهما السلام و أجلس حسناً و حسيناً علیهما السلام كل واحد منهما على فخذه ثم لفَّ عليهم ثوبه أو كساءه ثم تلا هذه الآية«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي و أهل بیتي أحق. و في كتاب أسد الغابة ج5 ص521 قال عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى فاطمة و علي و الحسن و الحسين علیهم السلام فقال هؤلاء أهلي. قالت: فقلت يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أفما أنا من أهل البيت؟ قال: بلى انشاء الله «عزوجل».

وَ لَهَا مِنَ الهَادِي بَسَامَةُ تَغَرَهِ *** وَ بِوَجْهِهَا مِنْ وَجْهِهِ أَنْوَارُ(1)

قَبَس يَفِيضُ عَلَى الوَرَى مِنْ رُوحِهِ *** فِيهَا وَ دَفْقُ حَنِينِهِ مِدْرَارُ(2)

وَ أَشِعَةٌ مِنْ هَدْيِهِ وَ وَلاَؤُهَا *** فَرْضٌ وَ طَاعَتُهَا هُدًى وَ مَنَارُ

فُرِضَتْ بِأمْرِ اللَّهِ بَلغَ نَصَّهُ *** وَحْيٌ وَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ خِيَارُ(3)

وَ لَهُ بِهَا صَفْوُ الحَدِيثِ كَوَاحَةٍ *** بِرِحَابِهَا تَتَفَتَّحُ الأَزْهَارُ(4)

ص: 101


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى أن فاطمة علیها السلام كانت تشبه أباها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج3 ص164 قال: عن أنس بن مالك. قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من الحسن بن علي و فاطمة «صلوات الله عليهم أجمعين». و في المستدرك على الصحيحين ج4 ص272 قال: عن عائشة أم المؤمنين «رضي عنها» قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامها و قعودها قالت: و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقَّبلها و أجلسها في مجلسه و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها و أجلسته في مجلسها... الخ». و ذكره الحافظ الذهبي في تلخيصه في ذيل المستدرك. و في كتاب الاستيعاب ج4 ص1896 قال: عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام، و كانت إذا دخلت عليه قام أبيها فقبَّلها و رحّب بها كما كانت تصنع هي به صلى الله عليه و آله و سلم.
2- مدرار: كثير الخير.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى قوله «تعالى» «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المودة في القربي» حيث فرض الله محبتهم و ولايتهم على المسلمين ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص25 قال: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشورى الآية 23] قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام. و ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467. و ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص7.
4- لقد أشاد النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقيم فاطمة علیها السلام و مثلها في منتدياته العامة و الخاصة و على منبره ليحفظه المسلمون فقد قال: إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. جاء ذلك في مستدرك الصحيحين ج3 ص153 و تهذيب التهذيب ج12 ص441 و كنز العمال ج7 ص111 و أسد الغابة ج5 ص522 و ميزان الاعتدال ج2 ص72 و ذخائر العقبى ص39 و قال: إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها وينصبني ما أنصبها. جاء ذلك في صحيح الترمذي ج2 ص319 و مسند أحمد ج4 ص5 و في صحيح الترمذي قال: فإنما ابنتي -يعني فاطمة علیها السلام- بضعة منّي يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها، و في كنز العمال ج6 ص219 قال صلي الله علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة منّي يبسطني ما يبسطها و يغضبني ما يغضبها. و في أسعد الغابة فاطمة علیها اللام سيدة نساء العالمين راجع ج5 ص522 و في صحيح البخاري، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين راجع حياة الحسين علیه السلام ج1 ص24.

و اللَّه يَغْضَبُ إِن بَدَتْ غَضْبَى وَإِنْ *** رَضِيَتْ سَيَرْضَى لِلرِّضَا الغَفَّارُ(1)

هِيَ بَضْعَةٌ مِنْهُ وَيُؤْذِيهِ إِذَا *** مَا أُوذِيَتْ وَ تُصِيبُهُ الأَكْدَارُ(2)

تَهْدِي مَنِ اتَّبَعَ الضَّلالَ إِلَى الهُدَى *** وَ بِهَا يَلُوذُ الخَائِفُ المُحْتَارُ

وَ قَدِ اسْتَشَفَّ المُصْطَفَى أَنَّ الَّتِي *** نَشَأَتْ وَ فِيهَا عِفَّةٌ وَ فَخَارُ

فِيهَا الأَمَانُ مِنَ الضَّلَالِ وَ نَسْلُهَا *** دُونَ الأنامِ أئِمَّةٌ أَبْرَارُ(3)

ص: 102


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى غضب الله لغضبها علیها السلام و رضاه لرضاها علیها السلام. ففي كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص154 قال: عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة علیه السلام: إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522. و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378 و في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص442. و ذكر محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص39.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بعضة منّي من آذاها فقد آذاني. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال: عن المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و ذكره أبو نعيم الأصفهاني في كتابه حلية الأولياء ج2 ص40 و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378. و ذكره في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441 أيضاً.
3- و في هذا البيت إشارة إلى كون أهل البيت علیهم السلام و منهم الزهراء علیها السلام لأمان لأهل الأرض. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص17 قال عن أياس بن سلمة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «النجوم أمان لأهل السماء و أهل بيتي أمان لأهل الارض». و عن علي «رضي الله عنه و رضوا عنه» قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء و أهل بيتي علیهم السلام أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي علیهم السلام ذهب أهل الأرض. و ذكر هما القندوزي في ينابيع المودة ج1 ص21 و 22.

فَهُمُ الوِلاةُ هُمُ الأَسَاةُ هُمُ الشَّفَا *** لِلْكَوْنِ إِنْ نَزَلَتْ بِهِ الأَضْرَارُ

وَ هُمُ الحُمَاةُ هُمُ الغُيُوتُ مِنَ الظَّما *** لِلنَّاسِ إِنْ لَمْ تَنْزِلِ الأَمْطَارُ(1)

ص: 103


1- ملحمة كربلاء ص24 و القصيدة (73) أخذنا منها ما نحن بصدده.

(25) يا فاطمة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

السيد شاكر المحنة

يُحلّقُ بي عزّاً و يملؤُني فَخْرا *** إذا ذُكِرَتْ في الناسِ فاطمةُ الزهرا

فؤادُ رسولِ اللَّه و البَضعةِ التي *** لها جَعَل الرحمنُ في ذِكْره ذِكْرا

هي الكوثرُ الصافي هي الطهرُ خالِصاً *** غدى حبُّها فَرضاً و طَاعَتُها أجْرا

و أكرمَها الباري فصارت شفيعةً *** لشيعتها و الناس منْ غيرِهم حَيْرى

بنفسي التي أعْطَتُ إلى اللَّهِ عمرَهَا *** فآونَةً نُسكاً و آونةً صبرا

و قد كابَدَتْ جمرَ الحياة رَضِيَّةً *** لئلا يَرَى في الحشرِ شيعتُها الجَّمْرا

فما شيّدت قصراً و لاكنزت تبراً *** و لم تَرَ للدُّنيا مَقاماً و لاقَدْرا

لذا ذَهَبَتْ كلُّ العروشِ مَضيعَةً *** فلا قيصرٌ في الناسِ ثمَّ و لاكِسرى

و ظلَّ لها عرشٌ لَهُ القلبُ موضعٌ *** و رؤضٌ على رغم التقادُم مُخضرَّا

يُجدِّدُ أحزاني و يُجري مُدامَعي *** إذا اشتقتُ يوماً أن أزور لها قَبرا

فَيَصْدِمُني قولٌ حقيقٌ مُؤَكَّدٌ *** لقد شيّعتْ ليلاً و قد أُلْحدَتْ سرّا

أرى الدَّمْعَ يُطغي كلَّ حُزنٍ وَإِنَّما *** بُكائي عَلى الزَّهْرا يُهيجُ بِيَ الذِّكرى

فأرنو إلى بنتِ النَّبيِّ و قد هوَتْ *** على قَبْرِ طه و هي تحتضِنُ القبرا

تقولُ أبي قد ضيَّعوني و هذِهِ *** فِعالُهم في مُهْجتي تَرَكَتْ سُعْرا

و عن جانبيها تَدْرِفُ الدَّمْعِ أَعيُنٌ *** يعزُّ على المختار رؤيتُها عَبْرى

فهذا حُسَينٌ سِبطُهُ و عزيزُهُ *** و ذا المجتبى يَبْكي وَ ذِي زَيْنَبُ الكبرى

وَ تَطلب منّي الصَّبْرَ مالصبرُ بعدهم *** جميل و قد ودَّعْتُ بعدَهُم الصَّبرا

و يا لائمي كُفَّ الملامَ فإنَّما *** مصيبةُ بنتِ المصطفى تقحِمُ الظَّهرا

ص: 104

وَ خُذني إلى الدّارِ الَّتي فُجِعَت بها *** و قُلْ لي أنَّى أسقطت محسناً قهرا

فأَسأَلُ باب الدار كيفَ احتراقُهَا *** و كيفَ غدا جِفنُ البتولةِ محمَّرا

و أيّ يدٍ شلّاء مدَّت لقدسِها *** فلم تُبقِ للإسلام شأناً و لاقدرا

و يا ضلعَها المكسور أبكيتَ شيعةً *** تَوَدُّ بِبَذلِ الروح لو تجبُرُ الكسرا

ص: 105

(26) فاطمة علیها السلام التقى

(بحر الطويل)

الشريف المرتضى(*)(1)

ص: 106


1- (*) هو السيد أبوالقاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم ابن الامام موسى بن جعفر علیه السلام، بينه و بين أميرالمؤمنين علیه السلام عشرة وسائط من جهة الام و الأب معاً، و بینه و بین الامام موسي بن جعفر علیه السلام خمسة آباه کرام. لقِّب بالمرتضى، و ذي المجدين و الأجلّ الطاهر، و لقِّب بعلم الهدى سنة (420 ه_) و ذلك لأن الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه أميرالمؤمنين علیه السلام يقول له: قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ، فقال: يا أميرالمؤمنين علیه السلام و من علم الهدى؟ فقال علي بن الحسين الموسوي: فكتب إليه فقال «رضي الله عنه»: اللَّه اللَّه في أمري فإن قبولي لهذا اللقَّب شناعة عليّ فقال الوزير: واللَّه ما كتبت إليك إلا ما أمرني به أميرالمؤمنين علیه السلام!! ولد السيد الشريف المرتضى علم الهدى في شهر رجب سنة (355 ه_) الموافق (966 م) في بغداد. و كان من صغر سنه شغوفاً بطلب العلم منصرفاً إليه حتى عظم شأنه في مجال الفضل فهو ما بين دراسة و تدريس فقد اتخذ من داره الواسعة مدرسة عظيمة تضم طلاب الفقه و الكلام و التفسير و اللغة و الشعر و الفلك و الحساب و غيرها، حتى سميت دار العلم، و كان له فيها مجلس للمناظرات. و من مكارم أخلاقه أنه كان محباً لتلامذته و ملازميه و الملفت للنظر ما روى المحققون من أن مدرسته كانت جامعة إنسانية، اجتمع فيها كثير من طلاب العلم من مختلف المذاهب و الملل دون تفريق بين ملة و ملة و مذهب و مذهب و هذا يدل على رحابة صدره وسعة أفقه و عمق نظرته الانسانية و ترفعه عن العصبية المذهبية التي كان يعتبرها نابعة من الجهل و ضيق الافق. قال صاحب روضات الجنات: كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلاً و علماً و كلاماً و حديثاً و شعراً و خطابة و جاهاً و كرماً إلى غير ذلك. قرأ هو و أخوه السيد الرضي على ابن نباتة صاحب الخطب و هما طفلان ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان «قدس سره الشریف» و كان المفيد رأى في منامه أن فاطمة الزهراء علیها السلام دخلت عليه و هو في مسجده بالكرخ و معها ولداها الحسن و الحسين علیهما السلام و هما صغيران فسلمتهما إليه و قالت: علمَّهما الفقه، فانتبه الشيخ و تعجب من ذلك، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر و حولها جواريها و بين يديها ابناها علي المرتضى و محمد الرضي فقام إليهما و سلم عليهما فقالت له: أيها الشيخ هذان ولداي قد احضرتهما اليك لتعلمهما الفقه، فبكى الشيخ المفيد و قصَّ عليها المنام و تولى تعليمهما، و أنعم الله عليهما و فتح الله لهما من أبواب العلوم و الفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا و هو باق ما بقي الدهر. و كان الشريف المرتضى (قدس سره الشریف) قد شغف بجمع الكتب و أولع باقتنائها و يكفي ما ذكر ان خزائنه ضمت ثمانين ألف مجلد من مصنفاته و محفوظاته و مقروءاته على ما حصره و احصاه تلميذه أبوالقاسم التنوخي. عاش الشريف المرتضى في أواخر القرن الرابع و أوائل القرن الخامس الهجريين و هي فترة انكماش الدولة العباسية و ضعفها و وهنها أيام سيطرة أمراء الأقاليم على حكم أقاليمهم و تولي بني بويه شؤون السلطة في بغداد. و كان له بفضل ما أوتي من شرف العلم و النسب و ما تحلّى به من غزارة العلم و قوة الشخصية و عزة النفس و وفارة المال و جميل الخصال و سمو الرتبة و جليل المكانة أصدقاء كثر جلّهم من أهل العلم و الأدب و الفضل و الشرف و يكفي أن نذكر بعض أساتذته و تلامذته ممن كانت لهم المراكز و الرتب العلمية و الدينية و الدنيوية. من أساتذته و مشايخه: 1- الشيخ المفيد: العالم المتكلم المشهور و هو محمد بن محمد بن عبدالسلام العكبري البغدادي و المكنى بأبي عبد الله و ابن المعلم. 2- ابن نباتة: الشاعر المشهور صاحب الخطب، و هو أبونصر عبدالعزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة السعدي. 3- المرزباني: و هو أبوعبدالله محمد بن عمران بن موسیٰ بن عبدالله المعروف بالمرزباني، كان راوية للأخبار و الآداب و الشعر. 4- ابن جنيقا: و هو أبوالقاسم بن عبدالله بن عثمان بن يحيى الدقاق المعروف بابن جنيقا، كان قاضياً محدثاً ثقة مأموناً حسن الخلق. 5- أبوعبدالله القمي: و هو الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه أخو الشيخ الصدوق، كان جليل القدر عظيم الشأن في الحديث. أما تلامذته: 1- الطوسي: هو أبوجعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، الفقيه الاصولي و المحدث الشهير. 2- أبويعلى الديلمي «سالار» و هو محمد بن حمزة أو ابن عبدالعزيز الطبرستاني و كان ينوب عن أستاذه المرتضى في التدريس و هو فقيه متكلم. 3- أبوالصلاح الحلبي: و هو الشيخ تقيّ الدين بن النجم الحلبي خليفة المرتضى في بلاد حلب. 4- أبوالفتح الكراجُكي: و هو الشيخ الامام العلامة أبوالفتح محمد ابن علي بن عثمان الكراجكي، عالم، فاضل، متكلم، فقيه، محدث، ثقة جليل القدر. 5- عماد الدين ذوالفقار: و هو السيد الامام عماد الدين ذوالفقار محمد بن معبد الملَّقب بحميدان، كان فقيهاً عالماً متكلماً و رعاً. و أما تصانيفه: فقد بلغت مائة و سبعة عشر مصنفاً كما ورد في كتابه «رسائل الشريف المرتضى» و أشهر كتبه كتاب الشافي في الإمامة، و كتاب الشيب و الشباب، و كتاب الغرر و الدرر و كتاب تنزيه الانبياء، و كتاب الثمانين، و كان «رحمه الله علیه» يلقب بالثمانين لأمور منها: ان مكتبته كما مر كانت تحتوي على ثمانين ألف كتاب وله من القرى ثمانون قرية تجبى إليه وعمره كان ثمانين سنة وثمانية أشهر، وصنف كتاباً يقال له الثمانون و له ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت طبع ببغداد و قد قيل: لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس و لولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس و قال العلامة الحلي سنة (693 ه_) و بكتبه استفادت الامامية منذ زمنه «رحمه الله علیه» إلى زماننا هذا و هو ركنهم و معلمهم «قدس الله الشریف»روحه و جزاه عن أجداده خيراً. و كانت وفاته «رحمه الله علیه» لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة (436 ه_) الموافق (1044 م) و قد تولى غسله أبوالحسين أحمد بن الحسين النجاشي و معه الشريف أبويعلى محمد بن جعفر الجعفري و سلار بن عبد العزيز الديلمي و صلى عليه ابنه أبوجعفر محمد، و دفن أولاً في داره ثم نقل إلى جوار جده الامام الحسين علیه السلام و دفن في مشهده «المقدس» مع أبيه و أخيه و قبورهم ظاهرة مشهورة عند السيد ابراهيم المجاب و هو جد المرتضى و حفيد الامام موسی بن جعفر علیه السلام و صاحب أبي السرايا الذي ملك اليمن واللَّه أعلم. و نقل أن في سنة (942 ه_) نبش قبره فرئي كما هو لم تغير الارض منه شيئاً و حكى من رآه أن أثر الحنّاء في يديه و لحيته، و قد قيل إن الأرض لاتغير أجساد الصالحين.

ص: 107

عَلَيْكَ صَلاَةُ اللَّهِ يَا خِيرَةَ الوَرَى *** طَرِيدُكَ لايَنْجُو طَعِينُكَ لايَبْرَى

عَلَيْكَ سَلامُ اللهِ يَا قَاسِماً لَظَى *** وَ يَا قَائِماً لَيْلاً وَ يَا صَائِماً دَهْرَا(1)

وَ مَنْ كَلَّمَ المَوْتَى وَ مَنْ أَوْضَحَ الهُدَى *** وَ مَنْ صَدَّقَ... وَ مَنْ سَلَّمَ النَّذْرَا؟

ص: 108


1- اللظى: النار.

وَ زَوَّجَهُ الرَّحْمَنُ فَاطِمَةَ التَّقَى *** وَ عَلَّمَهُ الأَسْمَا وَ قَلَّدَهُ الأَمْرَا

وَ نَادَىٰ بِهِ يَوْمَ الغَدِيرِ مُبَلِّغاً *** عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ وَ الآيَةُ الكُبْرَى

وَ أَعْلَمُكُمْ عِلْماً وَ أَحْسَنُكُمْ تُقَى *** وَ أَظْهَرُكُمْ قَلْباً وَ أَشْهَرُكُمْ فَخْرَا

أَلاَ كُلٌّ مَنْ وَالَى عَلِيًّا فَقَدْنَجَا *** وَ خَابَ الَّذِي أَخْفَى لِحَيْدَرَةٍ غَدْرَا

رَقَا مَنْكِبَ الهَادِي إِلَى بَيْتِ رَبِّهِ *** وَ كَسَّر أَصْنَامَ الطَّغَاةِ عَلِي كَسْرَا

هُوَ النَّبَأُ الأَعْلَى هُوَ السُّمُ لِلْعِدَى *** هُوَ المَوْتُ يَوْمَ الرَّوْعِ وَ الأَسَدُ الأَجْرَا

فَكَمْ لِعَلِي المُرْتَضَى مِنْ مَنَاقِبٍ *** أَبَى اللَّهُ لَمْ تُحْصِ الرُّوَاةُ لَهَا عُشْرَا

كَأَحْدٍ وَ بَدْرٍ وَ النَّضِيرِ وَ خَيْبَرٍ *** وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَ اقْتِحَامَتِهِ بَدْرا

إلى أن يقول...

فَيَا قَائِساً بِالمُرْتَضَى الطُّهْرِ حَبْتَراً *** بِالذَّهَبِ العَالِي تَقِيسُ بِهِ الصُّفْرَا(1)

بَرِئْتُ إِلَى الرَّحْمَنِ مِمَّنْ لِفَاطِمٍ *** عَلَى فَدَكٍ بِالسَّوْطِ قَنَّعَهَا قَسْرَا(2)

فَمَاتَتْ وَآثَارُ السِّيَاطِ بَجَنْبِهَا *** وَ نَحْلَتُهَا غَصْباً وَ مُقْلَتُهَا عَبْرَى(3)

وَ غَسَّلَها الهَادِي الوَصِيُّ وَ ضَمَّهَا *** إِلَى قَبْرِهَا لَيْلاً وَ أَوْدَعَهَا سِرَا(4)

ص: 109


1- حبتر: الثعلب، القصير.
2- في دلائل الإمامة للطبري ص45 و في كتاب سليم بن قيس ص37-38 حين اقتحم، هو و أصحابه دار الإمام علي علیه السلام بغير إذن، ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه و كائروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكائروه فالقوا في عنقه حبلاً و حالت بينهم و بينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و إن في عضدها كمثل الدملج من ضربته.
3- في /دلائل /الإمامة للطبري/ ص30 و ما بعدها. قال مالك بن جعونة عن أبيه أنه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جعل لي فدكاً فأعطني إياها و شهد لها علي بن أبي طالب علیه السلام فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أم أيمن. فقال: قد علمت يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه لاتجوز إلا رجلين أو رجل و امرأتين، و انصرفت و راجع السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى «و آت ذا القربي حقه» في سورة الإسراء و مجمع الزوائد للهيثمي ج7 ص49 و الغدير ج137/7.
4- في أنساب الأشراف للبلاذري ج138/3. أن أميرالمؤمنين علیه السلام غسلها من معقد الإزار و أن أسماء بنت عميس غسلتها من أسفل ذلك. عن أسماء بنت عميس بنت عميس قالت: أوصتني فاطمة علیها السلام أن لايغسّلها إذا ماتت إلاّ أنا و علي علیه السلام فغسلتها أنا و علی علیه السلام. و راجع سنن البيهقي ج3 / 396 و الإصابة ج378/4.

فَلَمَّا أَضَاءَ الصُّبْحُ جَاوُوا لِدَفْنِهَا *** فَمَا وَجَدُوا الزَّهْرَا وَ لَاعَرِفُوا القَبْرَا(1)

فَلَمَّا أَرَادُوا نَبْشَهَا ثَارَ مُغْضَباً *** وَ سَلَّ الحُسَامَ العَضْبَ وَ اعْتَقَلَ السُّمْرَا(2)

فَصَاحَ عَلَيْهِمْ مُغْضَباً يَا لَغَالِبٍ *** فَأَقْسَمَ بِالرَّحْمَنِ أَجْرُرُكُمْ جَزْرا(3)

فَمَا نَطَلِقُوا فِي نَبْشِهَا قَطُّ كِلْمَةً *** وَ لاشَهَرُوا سَيْفاً وَ لَابَرِحُوا شِبْرَا(4)

ص: 110


1- روي أنه بعد أن غسلها أميرالمؤمنين علیه السلام أخرجها إلى البقيع في الليل و معه الحسن و الحسين علیهما السلام و صلى عليها و لم يعلم بها و لاحضر وفاتها و لاصلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها بالروضة و عمي موضع قبرها. انظر البحار ج43 / 171 ح11.
2- في دلائل/الإمامة للطبري ص46 و ص47. أصبحت البقيع ليلة دفنت فاطمة الزهراء علیها السلام و فيها أربعون قبراً جديداً و ان المسلمين لما علموا وفاتها جاؤوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور فضجّ الناس ولام بعضهم بعضاً و قالوا لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتاً واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و الصلاة عليها و لاتعرفوا قبرها.
3- ثم قال ولاة الأمر منهم: هاتم من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نزور قبرها. فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه فتلقاه عمر و من معه من أصحابه و قال له: ما لك يا أبا الحسن علیه السلام واللَّه لننبشن قبرها و لنصلين عليها. فقال علیه السلام: فوالذي نفس علي بيده لئن رمت و أصحابك شيئاً من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم. فخلى عنه و تفرّق الناس و لم يعودوا إلى ذلك.
4- أكبر العبادات في أسرار الشهادات للدربندي ج3 ص772 و القصيدة ليست في ديوان المرتضى المطبوع و هي طويلة يذكر فيها بعض مناقب أميرالمؤمنين علیه السلام لكنا أخذنا منها ما نحن بصدده.

(27) البدار البدار

(بحر السريع)

السيد صالح الحلي(*)(1)

ص: 111


1- (*) هو السيد صالح ابن السيد حسين ابن السيد محمد الحسيني الحلي، ولد في الحلة سنة (1289 ه_) و نشأ بها فقرأ مقدمات العلوم و هاجر منها إلى النجف سنة (1308 ه_) و هو في التاسعة عشرة من عمره و أخذ يواصل دروسه على رجال الفكر و العلم فدرس العربية و المعاني و البيان عند الشيخ سعيد الحلي و الشيخ عبد الحسين الجواهري و درس كتابي المعالم و القوانين في الأصول على العلامة السيد عدنان السيد شبر الغريفي و كتابي الرسائل و المكاسب عند الشيخ علي ابن الشيخ باقر الجواهري و تناول الفقه من فقهاء بارزين منهم الملا محمد كاظم الخراساني صاحب الكفاية و الشيخ محمد طه نجف و الشيخ آغا رضا الهمداني و الشيخ جواد محيي الدين و غيرهم حتى بلغ درجة عالية من العلم. و نقل لي عن المرجع الورع السيد ميرزا مهدي الشيرازي (قدس سره الشریف) قال: إن السيد صالح الحلي فقيه و مجتهد فكان يصعد المنبر في أيام قصاص التمر يتكلم شهراً كاملاً على المنبر المباحث الفقهية في الزكاة و يناقشها و يبدي رأيه فيها على طريقة المراجع و المجتهدين. و كان المترجَم له منذ صغره مولعاً بفن الخطابة فكان يتعاهد ملكته الادبية و لم يكن قد مارس الخطابة بالفعل حتى سنة (1318 ه_) حيث احسَّ من نفسه القدرة على الخطابة و قوة البيان و طلاقة اللسان فتوجه إلى حفظ خطب الامام أميرالمؤمنين علیه السلام من (نهج البلاغة) و لم يك في عصره من الخطباء المجددين في الفن إلا الخطيب الشيخ كاظم سبتي فهو اظهر الخطباء و المعهم فنبغ السيد صالح و اخذ يجاريه و يزاحمه، و من حسن الصدف أنه استفاد من توجيهات العالم الكبير و المؤرخ الخبير السيد باقر الهندي فتركت عليه توجيهاته و إرشاداته اثرها البالغ فكان بطلاً عملاقاً منبرياً. و قد شهد بنبوغة و قدرته الفائقة أحد العلماء فقال: (إنه خطيب العلماء وعالم الخطباء) و لخطيبنا الحلي مواقف جهادية يشهد لها التاريخ منها: وقوفه بجانب استاذه الشيخ ملا محمد كاظم الخراساني في (المشروطة والمستبدة) سنة (1325 ه_) و مواقفه في قضية الاحتلال الاجنبي للعراق حيث كان يحرِّك الجماهير و يثيرهم ضد المستعمرين فظفرت به مخالب الغزاة الاجانب و حكمت بإبعاده و نفيه إلى (الهند) و عندما مرّوا به على قصر الشيخ (خزعل خان) بالفيلية من خوزستان نادى: واخز علاه و لاخزعل لي اليوم فأغاثه وأنقذه من السلطات البريطانية و أبقاه عنده زهاء ثمانية أشهر و أصبح نديمه الخاص في جلّ أوقاته و بعد أن أطلق سراحه ورجع إلى العراق سكن (الكوفة). و في سنة (1344 ه_) عندما صرِّح السيد محسن الأمين العاملي بتحريم (التطبير) قام المترجَم له بالدفاع عنه و شنَّ حملة كبيرة على السيد الامين و في سنة (1347 ه_) عندما صدر كتاب (التنزيه لأعمال الشبيه) للسيد محسن الامين العاملي كان مترجَمنا في طليعة المعارضين له حيث شنَّ حملته الشديدة على السيد و مناصريه و مؤيديه أيضاً. و في عام (1352 ه_) نفته الحكومة العراقية إلى (البصرة) حينما هتف بمقاطعة الانتخابات للمجلس النيابي، و مكث منفياً ستة أشهر ثم عاد إلى النجف و له من الحسنات ما جعله ناصعاً في سجل الخلود و قد اتسم السيد ببغضه للأجنبي الكافر و مقاطعته له طيلة حياته و بذلك استمرَّ دون ان ينقلب عن رأيه و عقيدته فكان مصداقاً للصبر و الاستقامة و الثبات على المبدأ... له ديوان شعر مخطوط باسم (الباقيات الصالحات) و في أواخر حياته لازم الفراش زمناً طويلاً لمرض عضال ثم ارتحل إلى جوار ربه في ليلة السبت المصادف 29 من شهر شوال لعام (1359 ه_) في الكوفة فحمل على الرؤوس تعظيماً له حتى دفن بوادي السلام في (مقام المهدي) حسب وصيته.

يَا مُدْرِكَ النّارِ البِدَارَ البِدَارُ *** شُنَّ عَلَى حَرْبِ عِدَاكَ المَغَارْ(1)

وَائْتِ بِهَا شَعْوَاءَ مَرْهُوبَةً *** تَعْقِدُ لَيْلاً فَوْقَهَا مِنْ غُبَارْ(2)

يَا قَمَرَ التَّمِّ أَمَا آنَ أَنْ *** تَبْدُو فَقَدْ طَالَ عَلَيْنَا السِّرَارْ

يَا غِيرَةَ اللَّهِ أَمَا أَنَ أَنْ *** تَغِيرَ عَلَى أَعْدَائِكَ فَالصَّبْرُ غَارْ

يَا صَاحِبَ العَصْرِ أَتَرْضَى رَحَى *** عُصَارَةِ الخَمْرِ عَلَيْنَا تُدَارْ؟

فَاشْحَذْ شَبَا عَضْبِكَ وَ اسْتَأْصِلِ *** الكُفْرَ بِهِ قَتْلاً صِغَاراً كِبَارْ(3)

عَجِّلْ فَدَتْكَ النَّفْسُ وَاشْفِ بِهِ *** مِنْ غَيْظِ أَعْدَاكَ قُلُوباً حِرَارْ

فَهَاكَ قَلِّبْهَا قُلُوبَ الوَرَى *** أَذَابَهَا الوَجْدُ مِنَ الانْتِظارْ

ص: 112


1- البدار: العَجَل.
2- شعواء: غارة شعواء: ممتدة متفرقة.
3- إشحذ: أحِدَ. شبا: قدر ما يُقطع به من السيف العضب: السيف القاطع. استأصل: إقلع من الاصل أو أجتث من الجذور.

قَدْ ذَهَبَ العَدْلُ وَ رُكُنُ الهُدَى *** قَدْ هُدَّ وَ الجَوْرُ عَلَى الدِّينِ جَارْ

أغِثْ رَعَاكَ اللَّهُ مِنْ نَاصِرٍ *** رَعِيَّةً ضَاقَتْ عَلَيْهَا القِفَارْ

مَتَى تَسُلُّ البِيضَ مِنْ غِمْدِهَا *** وَ تَشْرَعُ السُّمْرَ وَ تَحْمِي الذِّمَارْ(1)

في فِتْيَةٍ لَهَا التُّقَى شِيمَةٌ *** وَ يَا لَثَارَاتِ الحُسَيْنِ الشَّعَارْ

كَأَنَّمَا المَوْتُ لَهَا (غَادَةٌ) *** وَ العُمْرُ (مَهْرٌ) وَ الرُّؤوسُ النَّثَارْ

مَا خِلْتُ قَبْلَ اليَوْمِ مِنْ هَاشِمٍ *** دِمَاؤُهَا تَذْهَبُ مِنْهَا جُبَارْ

تَنْسَى عَلَى الدَّارِ مُجُومَ العِدَى *** مُذْ أَضْرَمُوا البَابَ (بِجَزْلٍ وَ نَارْ)(2)

وَ رُضَّ مِنْ (فَاطِمَةٍ) ضِلْعُهَا *** وَ حَيْدَرٌيُقَادُ قَهْراً جِهَارْ(3)

كَيْفَ حُسّامُ اللَّهِ قَدْ فَلَّلَتْ *** مِنْهُ الأَعَادِي حَدَّ ذَاكَ الغِرَارْ

وَ الطُّهْرُ تَدْعُو خَلْفَ أَعْدَائِهَا *** يَا قَوْمُ خَلُّوا عَنْ عَلِيِّ الفِخَارْ(4)

قَدْ أَسْقَطُوا جَنِينَهَا وَ اعْتَرى *** مِنْ لَطْمَةِ الخدِّ العُيُونَ احْمِرَارْ

فَمَا سُقُوطُ الحَمْلِ مَا صَدْرُهَا *** مَالَطْمُهَا مَا عَصْرُهَا بِالجِدَارْ؟

مَا وَكُزُهَا بِالسَّيْفِ فِي ضِلْعِهَا *** وَ مَا انْتِثَارُ (قُرْطِهَا وَ السِّوَارْ)؟(5)

ص: 113


1- البيض: السيوف. السمر: الرماح. الذِّمار: كل ما يلزمك حمايته و حفظه و الدفاع عنه و إن ضيعته لزمك اللوم.
2- جزل: عظیم غليظ، أو صرام النخل و في البيت إشارة إلى هجوم القوم و حرق الدار على الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.
3- يشير في هذا البيت إلى كسر ضلع فاطمة الزهراء علیها السلام انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دفاع الزهراء علیها السلام عن الامام علي علیه السلام انظر كتاب الكافي ج1 ص490 . و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلى وكز الزهراء علیها السلام بالسيف و انتشار قرطها من أثر الضربة على خدها. انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص208 إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية.

مَا ضَرْبُهَا بِالسَّوْطِ مَا مَنْعُهَا *** عَنِ البُكَا وَ مَا لَهَا مِنْ قَرَارْ؟(1)

ما الغَصْبُ (لِلعَقَارِ) مِنْهُمْ وَ قَدْ *** أَنْخَلَهَا رَبُّ الوَرَى (للعَقَارْ)؟(2)

مَا دَفْنُهَا بِاللَّيْلِ سِرّاً وَ مَا *** نَبْسُ الثَّرَى مِنْهُمْ عِناداً جِهَارْ(3)

تَعْساً لَهُمْ فِي ابْنَتِهِ مَا رَعَوْا *** نَبِيَّهُمْ وَ قَدْ رَعَاهُمُ مِرَارْ

قَدْ وَرِثَتْ مِنْ أُمِّهَا (زَيْنَبٌ) *** كُلَّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهَا وَ صَارْ

وَزَادَتِ البِنْتُ عَلَى (أُمِّهَا) *** مِنْ دَارِهَا تُهْدَىٰ إِلَى شَرِّ دَارْ

تَسْتُرُ (بِاليُمْنَى) مُحَيَّاً فَإِنْ *** أَعْوَزَهَا السِّتْرُ تَمُدُّ (اليَسَارْ)(4)

لاَتَبْزُغِي يَا شَمْسُ كَيْ لاَتُرَىٰ *** (زَيْنَبُ) حَسْرَى مَا عَلَيْهَا خِمَارْ(5)

صَاحَتْ بِحَادِي العِيسِ دَعْنِي عَلَى *** جُسُومِهِمْ أُقِيمُ لَوْتَ الإِزارْ(6)

أَوْ خَلَّنِي عِنْدَ ابْنِ أُمِّي وَإِنْ *** تَأْكُلُ مِنْ لَحْمِي وُ حُوشُ القِفَارْ

(ضِدَّانِ) فِيهَا اجْتَمَعَاعَيْنُهَا *** وَ قَلْبُهَا تَجْمَعُ (مَاءً وَ نَارْ)

فِي زَفْرَةٍ تُحْرِقُ (وَجْهَ الثَّرَى) *** وَ دَمْعَةٍ تُخْجِلُ (صَوْبَ القِطَارْ)

وَ أَعْظَمُ الخَطْبِ تَرَى حُجَّةَ اللَّهِ *** مَضَى مَا بَيْنَهُمْ لايُجَارْ

يُقَادُ فِي جَامِعَةٍ جَهْرَةً *** بِالحَبْلِ مَوْتُوقاً يَمِيناً يَسَارْ

ص: 114


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام بالسوط و إلى منعها عن البكاء. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40. و كتاب الاحتجاج ج1 ص109. کتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص322.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى غصب فدك من فاطمة الزهراء علیها السلام. و انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج11/2 ص626، و ج1 13 عن كتاب مسند أحمد أيضاً. و شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص232. و السيرة الحلبية ج3 ص487.
3- و في هذا البيت إشارة إلى دفن الزهراء علیها السلام ليلاً و إلى معاوية نبشهم قبرها أنظر مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص33 و كتاب ذخائر العقبى ص54 و كتاب البحار ج43 ص183 و كتاب عيون المعجزات كما في البحار ج43 ص212.
4- محيّا: وجه. أعوزها: إفتقرت و ساءت حالتها.
5- حسرى: مكشوفة الرأس.
6- العيس: النوق البيض يخالط بياضها سواد خفيف.

يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ (زَيَّافَةً) *** تَطْوِي الفَيَافِي وَ تَجُوبُ القِفَارْ

عَرِّجٌ عَلَى البَطْحَاءِ وَ انْدُبْ بَنِي *** عَمْرِ وَ العُلَى أَشْيَاخَ عُلْيَا نِزَارْ

إِنْ أَجْدَبَ العَامُ هُمُ السَّيْلُ وَ الأَسْدَافُ *** إِمَّا النَّقْعُ فِي الحَرْب ثَارْ(1)

لَوْ حَارَبُوا جُنْدَ الفَلاَ لأَغْتَدَى *** مُنْهَزِماً يَطْلُبُ مِنْهُمْ فِرَارْ

قُومِي فَشَمْسُ الدِّينِ قَدْ كُوِّرَتْ *** وَ جُذَّ عِرْنِينُ الهُدَى وَ الفَخَارْ(2)

وَ اجْلِي دُجَى النَّفْعِ بِبِيضِ الظُّبَا *** وَ سَوِّدِي بِالنَّقَعِ وَجْهَ النَّهَارْ

وَ قَوْمِي سُمْرَ القَنَا وَ امْتَطِي *** لِلْحَرْب يَا هَاشِمُ قِبَّ المِهَارْ(3)

قَدْ سَئّمَتْ مَرْبَطَهَا خَيْلُكُمْ *** وَ مَلتِ الأَجْفَانُ بِيضَ الشَّفَارْ(4)

ص: 115


1- النفع: الغبار.
2- جُذَّ: كُسِر و قُطعَ. عرنين: أول الأنف، حيث يكون فيه الشمم.
3- قِبَّ: العظم الناتيء من الظهر بين الإليتين. المهار: الغيول.
4- الشفار: السيوف.

(28) أم العترة الأطهار

(بحر الهَرْج)

السيد صالح الحلي(*)(1)

إِذَا جَفَّتْ دُمُوعُ العَيْنِ فَابْكِ أَدْمُعاً حُمْرَا *** وَ أَسْعِدْ حَيْدَرَ الكَرارَ بِالنَّوْحِ عَلَى (الزَّهْرَا)

***

فَمَا بَالُ الثَّرَى قَرَّتْ وَلِمْ لاَتَقِفُ الأَفْلَاكْ *** بِرُزْءٍ نَاحَتِ الإِنْسُ لَهُ وَالجِنُّ وَ الأَمْلاكْ

بِرُزْءٍ فِيهِ قَدْ قَرَّتْ عُيُونُ الكُفْرِ وَ الإِشْرَاكْ *** وَ ذَابَتْ مُهْجَةُ الدِّينِ وَ أَمْسَتْ عَيْنُهُ عَبْرَىٰ

***

بنَفْسِي بَضْعَةٌ أَوْصَى بِهَا أُمَّتَهُ أَحْمَدْ *** فَلَمَّا أَنْ قَضَى لَمْ يُمْهِلُوهَا رَيْثَمَا يُلْحَدْ(2)

وَ أَطْفَوْا فِي أَذَايَاهَا جَوّى فِي صَدْرِهِمْ مُكْمَدْ *** وَ أَشْفَوْا حِقْدَهُمْ مِنْهَا وَ بَزُوا إِرْثَهَا جَهْرَا(3)

***

فَلَا أَنْسَى ابْنَةَ المُخْتَارِ أُمَّ العِتْرَةِ الأَطْهَارْ *** تَرَى حَيْدَرَةَ الكَرَّارَ فَرْداً جَالِساً فِي الدَّارْ

وَ ذَاكَ الفَاجِرُ الحَمَّارُ يَرْقَى مِنْبَرَ المُخْتَارْ *** وَ قَدْ فَوَّضَتِ الأَنْصَارُ إِلَيْهِ (النَّهْيَ وَ الأَمْرَا)

***

فَكَمْ مَوْعِظَةٍ مِنْهَا بِذَاكَ اليَوْم لَمْ تَنْفَعْ *** وَ كَمْ مِنْهَا أَحَادِيث بِذَاكَ الجَمْع لَمْ تُسْمَعْ

فَلَمَّا يَئِسَتْ مِنْهُمْ وَ نِيرَانُ الحَشَى تَلْذَعْ *** وَ عَادَتْ لأَبِي السِّبْطَيْنَ تَشْكُو عِنْدَهُ الضُّرّا

***

ص: 116


1- (*)مرّت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- انظر أمالي الصدوق (الطبعة الخامسة) ص99 عن ابن عباس.
3- بزّوا : سلبوا.

فَجَاءَتْهُ وَ دَمْعُ العَيْنِ فِي وَجْنَتِهَا سَاكِبْ *** وَ نَادَتْهُ وَ جَمْرُ الوَجْدِ فِي أَحْشَائِهَا ثَاقِبْ

دَعَاهَا الخَطْبُ أَنْ قَالَتْ لَهُ (يَا بْنَ أَبِي طَالِبْ) *** وَ مَا زَالَتْ لَهُ تُبْدِي عِتَاباً يَصْدَعُ الصَّخْرَا

***

فَزَادَتْهُ بِشَكْوَاهَا عَلَى مِحْنَتِهِ مِحْنَهْ *** إِلَى أَنْ كَادَ أَنْ يُشْفَىٰ مِنْ أَعْدَائِهِ إِحْنَهْ(1)

وَلكِنْ صَدَّ حَامِي الدِّينِ عَنْهُمْ خَشْيَةَ الفِتْنَهْ *** وَ قَالَ احْتَسِبي اللَّه و لا... الصَّبْرَا

***

بِنَفْسِي مَنْ قَضَتْ غَضْبَى وَ لَمْ تُشْفَ لَهَا غُلَّهْ *** وَ مَا رَقَّ لَهَا القَوْمُ وَ لاَرَدُّوا لَهَا (النُّحْلَهْ)(2)

وَ لَمْ تَبْرَحْ عَلَى فَرْشٍ مِنَ الأَسْقَامِ وَ العِلَّهْ *** إِلَى أَنْ دُفِنَتْ سِرّاً وَ لَمْ نَعْلَمُ لَهَا قَبْرَا(3)

***

ص: 117


1- إحنة: حقد.
2- النحلة: المهر و الصداق و هنا كناية عن فدك. ففي البيت إشارة إلى ما ورد في أمالي الطوسي (ط.2 1981) ص207 مؤسسة الوفاء: «أن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها «صلوات الله عليها»: اسائلن عن هنة حلّق بها الطائر، و حفى بها السائر، و رفع إلى السماء أمراً، و رزئت في الأرض خبراً أن تخيف تيم، واحيوك عدي جازياً أبا الحسن علیه السلام في السباق حتى إذا تقربا بالخناق اسرّا له الشنآن و طوياه الأعلان، فلما خبا نور الدين و قبض النبي الأمين صلي الله علیه و آله و سلم نطقا بفورهما و نفثا بسورهما و ادلاً بفدك فيا لها من ملك، تلك انها عطية الرب الأعلى للنجي الأوفى و لقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله و نسلي و إنها ليعلم الله و شهادة أمينه فإن انتزعا مني البلغة و منعاني اللمظة و احتسبتها یوم الحشر زلفة، وليجدنها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم.»
3- و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد في (دلائل الإمامة) للطبري ص54 و في (روضة الواعظين) للنيسابوري (الطبعة الأولى مؤسسة الأعلمي. ص167). «روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس ناحلة الجسم، منهدة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة في كل ساعة و حين تذكره و تذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليها فيعظم حزنها و تنظر مرة إلى الحسن علیه السلام و مرة إلى الحسين علیه السلام و هما بين يديها علیها السلام فتقول: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما؟ فلا يدعكما تمشيان على الأرض فإنا لله وإنا إليه راجعون... ثم قالت علیها السلام: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم أعدائي و أعداء رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أن لايصلي علي أحد منهم و لامن أتباعهم و ادفنّي في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى من الليل، أخرجها علي علیه السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام و عمار و عقيل و المقداد و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه صلوا عليها، و دفنوها في جوف الليل و سوى علي حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتى لايُعرف قبرها». نقلت القصيدة من كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص121.

ص: 118

(29)ورثت خصال المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ صالح الفيلي(*)(1)

أَبْصِرْ أَخِي إِنَّ السَّمَاءَ تُنَوَّرُ *** وَ الأَرْضُ تَزْهُو بِالضِّيَاءِ وَ تَفْخَرُ

فَالشَّمْسُ مِنْ بَطْحَاءِ مَكَّةَ أَشْرَقَتْ *** وَ غَدَتْ إِلَى كُلِّ البِقَاعِ تُبَشِّرُ

وُلِدَتْ يَقُولُ بِالحِجَازِنَقِيَّةٌ *** حَوْرَاءُ رَمُزُ لِلطَّهَارَةِ مَصْدَرُ(2)

وَ تَبَلَّجَتْ أَفْنَانُ دَوْحَةٍ هَاشِمٍ *** نُوراً تَغَشَّاهُ النَّسِيمُ وَ عَنْبَرُ(3)

ص: 119


1- (*)هو الشيخ صالح ابن الشيخ حسين بن محمد حسين بن عبد الله الفيلي (آل دهمش). ولد في سنة (1369 ه_) الموافق (1950 م) في الكويت، و نشأ منذ صغره في جوّ من الايمان و الفضيلة و الورع برعاية والده العالم الفاضل الشيخ حسين الفيلي «رحمة الله علیه» فأحسن تربيته، حيث غرس في نفسه حب الفضيلة و الصلاح و الإيمان. درس الشيخ صالح الفيلي في الكويت المراحل الدراسية الثلاث، أي المرحلة الابتدائية و المتوسطة و الثانوية، و كان من الطلبة المتميزين و الحاصلين على الدرجات العليا في اللغة العربية. كما و أنه درس علم الفقه و البلاغة و اللغة العربية على والده العلامة الشيخ حسين الفيلي، و كان لمكتبة أخيه الفاضل الحاج عبدالأمير الفيلي «أبوتيسير» التي كانت في متناوله الدور الاكبر و الفضل الأول في تنمية مواهبه الأدبية و تغذية أفكاره و توسعة آفاقه.
2- في الكافي، ج1 ص457 ح10: عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: ولدت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بخمس سنين و توفيت و لها ثماني عشرة سنة و خمسة و سبعون يوماً.
3- في مشارق الأنوار، ص85 جاء بعد حديث طويل عن الولادة: ...فلما وضعتها أشرقت الدنيا و امتلأت منها الأقطار بالطيب و الأنوار، وفاح عطر العظمة، و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق نوراً، و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا. و في بحار الأنوار/ ج43 ص3 ح1 عن أمالي الصدوق. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.

وَ ثِمَارُها قَدْ أَیْنَعَتْ وَ تَأَلَّقَتْ *** ثُمَّ البَرَتْ تَجْلُو الظَّلامَ وَ تُزَهِرُ(1)

وَ تَضَوَّعَ العُرْفُ الأَرِيجُ بِغُصْنِهَا *** وَ تَفَوَّحَ المِسْكُ الرَّحِيبُ الأَذْفَرُ(2)

صَلَّى الإِلهُ عَلَى الوَلِيدَةِ إِنَّهَا *** قُطْبُ الوِلايَةِ فَضْلُهَا لاَيُنْكَرُ

وُضِعَتْ فَسَبَّحَتِ الإِلهَ و قَدَّسَتْ *** وَ رَمَتْ بِطَرْفِ لِلسَّمَاءِ تُفَكِّرُ(3)

***

زَهْرَاءُ أَشْرَقَ لِلْمَلائِكِ نُورُهَا *** مِنْ قَبْلِ آدَمَ فِي السَّمَاءِ فَكَبَّرُوا(4)

وَ الرَّبُ أَوْدَعَ نُورَهَا فِي دَوْحَةٍ *** وَسُطَ الجِنانِ عَبِيرُهَا يَتَفَجَّرُ

حَتَّى إِذَا عَرَجَ النَّبِيُّ بِجِسْمِهِ *** وَاللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَ يَقْدِرُ

دَخَلَ الجِنَانَ فَهَللَتْ وَ تَبَسَّمَتْ *** فِيهَا أَزَاهِيرٌ وَ دَوْحٌ أَخْضَرُ

ص: 120


1- انبرت: اعترضت.
2- تضوع: انتشرت رائحته. العرف: نبات زهري سنوي من فصيلة القطيفيات يبلغ طوله مترين و نيفاً له سيقان و أزهاره أرجوانية مجتمعة حول محور. الأريج: الرائحة الطيبة. الرطيب: الندي. الأذفر: الشديد الرائحة الظاهرة.
3- في بحار الأنوار/ ج23 ص3 ح1: ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام بالشهادتين و قالت أشهد أن لا إله إلا الله، و أن أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء، و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء، و ولدي سادات الأسباط.
4- في بحار الأنوار، ج43 ص17 ح16 في حديث إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن اللَّه خلقنى و خلق علياً علیه السلام و لاسماء و لاأرض و لاجنة و لانار. فلمّا أراد اللَّه «عزوجل» بدو خلقنا فتكلم بكلمة فكانت نوراً ثم تكلم بكلمة ثانية فكانت روحاً فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني و علياً علیه السلام منهما... إلى أن قال: فلما أراد اللَّه أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمه فقالت الملائكة: إلهنا و سيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا... فقال اللَّه «عزوجل»: و عزتي و جلالي لأفعلن فخلق نور فاطمة الزهراء علیها السلام يومئذ كالقنديل و علقه في قرط العرش فزهرت السماوات السبع و الأرضون السبع و كانت الملائكة تسبح الله و تقدَّسه. فقال الله «عزوجل»: و عزتي و جلالي لاجعلنّ ثواب تسبيحكم و تقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة و أبيها و بعلها و بنيها علیهم السلام.

أَكَلَ المُعَطَّرَ مِنْ لَذِيذِ ثِمَارِهَا *** فَأَتَى خَدِيجَةَ نُورُهُ لاَ يُسْتَرُ

أَفْضَى إِلَيْهَا فَاسْتَقَرَّ بِبَطْنِهَا *** نُورٌ لِفَاطِمَةَ الزَّكِيَّةِ يَبْهَرُ(1)

***

بِأَبِي وَ أُمِّي أَيُّ حَمْلٍ حَمْلُهَا *** بِنْتُ الشَّفِيعِ وَ فَرْعُهُ وَ الكَوْثَرُ(2)

كَانَتْ تُحَادِثُ أُمَّهَا فَتَزِيدُهَا *** أَنساً بِمَا تَتَلُو فَلا تَتَضَجَّرُ

حَتَّى إِذَا دَنَتِ الوِلادَةُ وَجَهَتْ *** لِلَّهِ قَلْباً يَسْتَزيدُ وَ يَشْكُرُ

مَوْلُودَةٌ طَابَتْ وَ طيِّبَ أَصْلُهَا *** وَ فُروعُهَا خَيْرُ البَرِيَّةِ طَهَّرُوا

حَازَتْ عُلُومَ الأَنْبِيَاءِ وَ فَضْلَهُمْ *** هِيَ مَجْمَعٌ لِلْمَكْرُمَاتِ وَ مِحْوَرُ(3)

ص: 121


1- يبهر: يضيء. و جاء في ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري، ط بيروت، ص36. عن أبي عباس قال: كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايكثر القبل الفاطمة علیها السلام. فقالت له عائشة: إنك تكثر تقبيل فاطمة علیها السلام؟ فقال صلي الله علیه و آله و سلم: إن جبريل ليلة أسري بي أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماء في صلبي فحملت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام، فإذا اشتقت لتلك الثمار قبلت فاطمة علیها السلام فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التي أكلتها.
2- في ذخائر العقبى للطبري، ط ،بيروت، ص44-45 قال: إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: أتاني جبريل بتفاحة من الجنة فأكلتها و واقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام، فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً فإذا خرجت حدثني الذي في بطني. فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش لتأتينها فيلين منها ما تلي النساء ممن تلد فلم يفعلن و قلن: لانأتيك و قد صرت زوجة محمد صلى الله عليه و آله و سلم فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف فقالت لها:إحداهن أنا أمك حواء، و قالت الأخرى أنا: آسية بنت مزاحم و قالت الأخرى: أنا كلثم أخت موسى، و قالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران جئنا لنلي من أمرك ما تلي النساء... و في بحار الأنوار، ج23 ص2 ح1 في حديث طويل: فلما حملت بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبرها و كانت تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: يا خديجة علیها السلام من تحدثين قالت: الجنين في بطني يحدثني و يؤنسني قال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرئيل يخبرني أنها انثى و إنها النسلة الطاهرة الميمونة و إن اللَّه «تبارك و تعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه.
3- في كشف الغمة/ ج2 ص89: عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوحى الله «تبارك و تعالى» إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلي الله علیه و آله و سلم فسماها فاطمة علیها السلام ثم قال: إني فطمتك بالعلم، و فطمتك من الطمث، ثم قال أبوجعفر علیه السلام: واللَّه لقد فطمها الله «تبارك و تعالى» بالعلم و عن الطمث في الميثاق.

قَدْ زَانَهَا خُلْقٌ عَظِيمٌ رَائِعٌ *** تُغْضِي حَيَاءٌ فِي الحَيَاةِ وَ تَخْفَرُ(1)

وَرِثَتْ خِصَالَ المُصْطَفَى وَ سَخَاءَهُ *** فَغَدَتْ تُفَرِّقُ فَيْئَهَا لاَتَحْجُرُ(2)

ص: 122


1- تخفر: تستحي أشد الاستيحاء. جاء في حلية الأولياء، ج2 ص40: إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: أي شيء خير للمرأة؟ قالت أن لاترى رجلاً و لايراها رجل. فضمّها إليه و قال: ذرية بعضها من بعض... و في رواية أخرى أنها قالت: خير لهن أن لايرين الرجال و لايروهن. فقال: إنها بضعة مني. و في ملحقات إحقاق الحق ج10 ص258: عن علي بن الحسين علیه السلام أن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لم حجبته و هو لايراك؟ فقالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن لم يكن يراني فأنا أراه و هو يشم الريح. فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أشهد أنك بضعة منّي.
2- في مكارم الأخلاق للطبرسي/ ط بيروت/ الباب الخامس/ في الفصل السادس/ في التزيين للنساء بالحلي و غيره/ في الأسورة/ ص94: أصاب علي علیه السلام شيئاً من الغنيمة فدفعه إلى فاطمة علیها السلام، ثم خرج فأخذ سوارين من فضة و علقت على بابها ستراً. فلما قدم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم توجه نحو بيت فاطمة علیها السلام فنظر فإذا في يدها سواران من فضة و إذا على بابها ستر فرجع و لم يدخل عليها. فدعت ابنيها و نزعت الستر من بابها و خلعت السوارين من يدها ثم دفعت السوارين إلى أحدهما و الستر إلى الآخر، ثم قالت لهما: انطلقا إلى أبي فاقرئاه السلام و قولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمهما، ثم أمر بذينك السوارين فكسرا فجعلهما قطعاً قطعاً ثم دعا أهل الصفَّة. قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل و لاأموال. فقسمه بينهم ثم جعل يدعو الرجل العاري منهم الذي لايستتر بشيء فيعطيه قطعة من ذلك الستر. و في نور الثقلين في تفسير الآية الشريفة من سورة الحشر آية:9. «وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» ورد أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فشكا إليه الجوع فبعث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلى بيوت أزواجه فقلن: ما عندنا إلّا الماء. فقال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: من لهذا الرجل الليلة؟ فقال علي بن أبي طالب علیه السلام: أنا له يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أتى فاطمة علیها السلام فقال لها: ما عندك يا بنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقالت: ما عندنا الأّ قوت العشية لكنا نؤثر ضيفنا. فقال علیه السلام: يا بنة محمد صلي الله علیه و آله و سلم نوّمي الصبية. و اطفئي المصباح. فلما أصبح غدا على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأخبره الخبر فلم يبرح حتى أنزل الله «عزوجل» «وَ يُؤْثِرُونَ» نور الثقلين، ج5 ص286. و في بحار الأنوار، ج43 ص26-28: عن علي بن الحسين علیه السلام قال: حدثتني أسماء بنت عميس قالت:كنت عند فاطمة علیها السلام جدتك إذ دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و في عنقها قلادة من ذهب كان علي علیه السلام اشتراها لها من فيء له، فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لايغرنك الناس أن يقولوا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و عليك لباس الجبابرة، فقطعتها و باعتها و اشترت بها رقبة فأعتقتها فسرَّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بذلك.

وَاللَّهُ قَدَّرَ فِي السَّمَاءِ زَوَاجَهَا *** فَبَنَى بِهَا خَيْرُ البَرِيَّةِ حَيْدَرُ(1)

فَتزَيَّنَتْ حُورُ الجِنَانِ وَ عُطْرَتْ *** جَنَّاتُ عَدْنٍ وَ اللأَئِي تُنْثَرُ(2)

جِبْرِيلُ خَاطِبُهَا وَ إِنَّ صَدَاقَهَا *** نِصْفُ البَسِيطَةِ وَ البِحَارُ وَ أَنْهُرُ

يَا شِيعَةَ الزَّهْرَاءِ تُوْجَ مَهْرُهَا *** بِشَفَاعَةِ يَوْمَ الجَزَاءِ فَأَبْشِرُوا(3)

ص: 123


1- في كفاية الطالب/ للكنجي الشافعي/ ص164. عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أيها الناس هذا علي بن أبي طالب علیه السلام أنتم تزعمون أنني أنا زوجته ابنتي فاطمة علیها السلام و لقد خطبها الي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك أتوقع الخبر من السماء حتى جاءني جبرئيل. فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم العلي الأعلى يقرأ عليك السلام و قد جمع الملائكة في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى و زوّج فاطمة علیها السلام علياً علیه السلام و أمرني فكنت الخاطب و اللَّه «تعالى» الولي. و في ذخائر العقبى للطبري، ص31: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن اللَّه «تعالى» يقرأ عليك السلام يقول لك إني قد زوَّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلام في الملأ الأعلى فزوجها منه في الأرض.
2- في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج 4 ص 129. عن عبد الله بن مسعود، قال: أصاب فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم صبيح العرس رعدة فقال لها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام إنّي زوجتك سيداً في الدنيا وإنه في الأخرة لمن الصالحين، يا فاطمة علیها السلام إني لما أردت أن أملكك لعلي أمر الله جبريل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفاً ، ثم خطب عليهم جبريل فزوّجك من علي ثم أمر شجر الجنان فحملت الحلي و الحلل، ثم أمرها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منهم يومئذ أكثر مما أخذ صاحبه أو أحسن افتخر به إلى يوم القيامة؛ قالت أم سلمة: فلقد كانت فاطمة علیها السلام تفتخر على النساء حيث أول من خطب عليها جبريل. في دلائل الإمامة للطبري/ ط قم/ ص18 في حديث طويل: فأوحى الله تعالى إلى محمد صلي الله علیه و آله و سلم أني قد زوَّجت علياً علیه السلام بفاطمة علیها السلام في سمائي تحت ظل عرشي و جعلت نحلتها من علي خمس الدنيا و ثلثي الجنة و أربعة أنهار في الأرض الفرات و دجلة و النيل و نهر بلخ.
3- في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج4 ص210: عن بلال بن حمامة قال طلع علينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ذات يوم متبسماً ضاحكاً و وجهه مسرور، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما هذا النور؟ قال: بشارة أتتني من ربي في أخي و ابن عمي بأن اللَّه زوّج بأن الله زوّج علياً علیه السلام من فاطمة علیها السلام و أمر رضوان خازن الجنان فهزَّ شجرة طوبى فحملت رقاعاً یعني صكاكاً بعدد محبي أهل البيت علیهم السلام و انشأ تحتها ملائكة من نور، ودفع إلى كل ملك صكاكاً فإذا استوت القيامة بأهلها، نادت الملائكة في الخلايق فلا يبقى محب لأهل البيت علیهم السلام إلا دفعت له صكاً فيه فكاكه من النار فصار أخي و ابن عمي و بنتي فكّاك رقاب رجال و نساء أمتي من النار. و أخرجه ابن الاثير في أسد الغابة، ج1 ص206.

لاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةٍ وَ تَمَسَّكُوا *** بِوَلائِهَا وَ انْسُوا الخَطِيئَةَ وَ اهْجُرُوا

وَ تَزَوَّدُوا لِلْبَعْثِ مِنْ آدَابِهَا *** فِي الحِلْم وَ الأَخْلَاقِ لَا تَتأَخَّرُوا

وَ لْتَنتَهِجْ كُلُّ النِّسَاءِ سَبِيلَهَا *** فِي عِفَّةٍ تُحْيِي القُلُوبَ وَ تَعْمُرُ

***

وَتَيَقَّنُوا أَنّ النَّجَاةَ بِحُبِّهَا *** وَ لأَجْلِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ تُحْشَرُ

فَتَقُولُ هَذَا طَيِّبٌ مُتَمَنْعٌ *** بولايتي و فؤادُهُ مُتَعَطِّرُ

قُولُوا لَهُ إِنَّ الجِنَانَ جَزَاؤُهُ *** فِي رَوْضَةٍ يَلْقَى النَّعِيمَ وَ يُحْبَرُ(1)

وَ تَقُولُ هَذَا حَائِدٌ مُتَنَصْلٌ *** وَ إِمَامُهُ شَرُّ البَرِيَّةِ حَبْتَرُ(2)

فَلْيُصْلِ نَاراً أُوقِدَتْ لِإِمَامِهِ *** وَ لَهُ تُذِلُّ الظَّالِمِينَ وَ تَقْهَرُ

فَتَوَسَّلُوا بِمَقَامِهَا وَ بِالِهَا *** يَا إِخْوَتِي عِنْدَ النَّوَائِبِ وَ اصْبِرُوا

صَلُّوا عَلَى الهَادِي الأمين وَآلِهِ *** وَ عَلَى الشَّفيعة للعُصاةِ وَ كَبِّرُوا

ص: 124


1- يُحبَر: من الحبور أي السرور.
2- الحائد: المائل عن الطريق. و المتنصّل: من تنصل الرجل، إذا أخذ كل شيء معه.

(30) أهل بيت الوحي علیهم السلام

(بحر الرمل)

السيد صدر الدين الصدر(*)(1)

ص: 125


1- (*) هو السيد صدر الدين ابن السيد إسماعيل إبن السيد صدر الدين محمد ابن السيد صالح ابن السيد محمد إبن السيد شرف الدين ابراهيم. ولد في مدينة الكاظمية المقدّسة في مطلع الفجر يوم سابع عشر ذي القعدة سنة (1299 ه_) و أخذ العلوم العربية و ما إليها ثم المنطق و سطوح الفقه و الاصول و الحكمة و الكلام على عدة من الأساتذة المهرة في سامراء، كالشيخ حسن الكربلائي و الشيخ محمد حسين الطبسي و الشيخ محمد صادق الشيرازي و غيرهم من المحققين. و أخذ عن الامام الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي، و أوغل في البحث عن هذه العلوم فإذا هو فسيح الخطوة غزير المادة فيها. هاجر المترجَم له إلى النجف الاشرف فوقف على الائمة من شيوخها كالشيخ كاظم الخراساني و الشيخ رضا الهمداني و الشيخ محمد طه نجف و أخذ عن العالمين السيد محمد بحر العلوم الحسني صاحب (البلغة) و الشيخ ضياء الدين العراقي، ثم رجع إلى أبيه السيد اسماعيل الصدر و هو في كربلاء المقدسة فعكف على دروسه فقهاً و أصولاً و وقف نفسه على خدمته ليلاً و نهاراً، يغدو و يروح ممعناً مع أبيه و إخوته و أعلام تلك الحوزة العريقة الفاضلة في التنقيب و التحقيق ثم إن المترجَم له هاجر إلى مدينة مشهد المقدسة و عاش فترة من الزمن هناك فكان أحد زعماء الشريعة بتلك الديار. ثم هاجر إلى مدينة قم المشرَّفة بناء على إلحاح من أستاذه الامام الشيخ عبد الكريم الحائري فكان المرشَّح الأول للزعامة الكبرى في ايران بعد الشيخ عبد الكريم و كان الشيخ يشير إليه بذلك، و من الجدير بالذكر أن المرجع الكبير و هو أبوزوجته السيد آغا حسين القمي «رحمه الله» أجاز تقليده و أرجع إليه احتياطاته، و من يعرف القمي و شدة ورعه جيداً يعلم أنه قلّما اطمأن إلى أحد أو اعتمد عليه و هذا يدل على علوّ مقامه و رفعة منزلته. و بعد أن توفي الشيخ عبد الكريم الحائري «أعلى الله مقامه» اجتمع الناس حوله متفقين على اختياره و لاسيما أهل الفضل منهم ولكنه أبى ذلك تحفظاً من الاعباء و احتياطاً لنفسه. لكنه بالرغم من إبائه تقدمت به مكانته فاقبل عليه الناس و حين رأى نفسه إزاء الأمر الواقع تولاها دروساً و خطابة و جماعة و قياماً بأمور العامة و طبعت رسالته العملية و أصبح من زعماء العلم و مراجع الدين و كبار المدرسين و كان يدرّس في الفقه و الاصول فيحضر درسه ما يقارب (400) طالب، و كان له في الادب باعاً طُولى و ضلوعاً في اللغتين العربية و الفارسية و قلمه مطبوع مسترسل في النثر و سهل في الشعر و له كثير من المؤلفات منها: مختصر تاريخ الاسلام - رسالة في الحقوق - المهدي - حاشية على كفاية الأصول - رسالة في أصول الدين - رسالة في إثبات عدم تحريف الكتاب - لواء الحمد - حقوق المرأة في الإسلام - منظومة في الحج - منظمومة في العلوم، و ترك ثروة علمية ضخمة في الفقه و الاصول و التاريخ و الأدب و الكلام و العقائد و الحديث و الأخلاق. و خلَّف ولديه العلمين الجليلين آية الله السيد رضا الصدر و الامام السيد موسى الصدر رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان. انتقل إلى «رحمة الله علیه» تعالى بعد مرض قلب لازمه سنين كثيرة و ذلك في يوم السبت 19 ربيع الثاني سنة (1373 ه_) فخسر به الاسلام أحد رجاله و العلم أحد أبطاله و كان يومه مشهوداً في قم المشرّفة، فقد بكته طبقات الناس و صلى عليه المرجع الكبير السيد البروجردي و دفن في بقعة العلماء في رواق حرم السيدة فاطمة المعصومة علیها السلام ابنة الامام الكاظم علیه السلام بجوار قبر الشيخ عبد الكريم الحائري و أقيمت له الفواتح في مختلف البلاد.

يَا خَلِيلَيَّ احْبِسَا الجُرْدَ المِهَارا *** وَ ابْكِيَا دَاراً عَلَيْهَا الدَّهْرُ جَارَا(1)

وَ رُبُوعاً أَقْفَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا *** وَغَدَتْ بَعْدَهُمُ قَفْراً بِرَارا(2)

حَكَمَ الدَّهْرُ عَلَى تِلْكَ الرُّبَى *** فَانْمَحَتْ وَ الدَّهْرُ لاَيَرْعَى ذِمَارا(3)

كَيْفَ يُرْجَى السَّلْمُ مِنْ دَهْرٍ عَلَى *** أَهْلِ بَيْتِ الوَحْيِ قَدْ شَنَّ المَغَارَا

لَمْ يُخَلَّف أَحْمَدُ إِلا ابْنَةً *** وَلَكُمْ أَوْصَى بِهَا القَوْمَ مِرَارا(4)

ص: 126


1- الجرد: جمع الجرداء أو الأجرد أي ما لاشعر عليه المهار: أولاد الفرس.
2- ربوعاً: دياراً، منازلاً، أحياء. أقفرت: خلت من الناس و الكلاء و الماء.
3- ذمارا: كل ما يلزمك حمايته و حفظه و الدفاع عنه و ان ضيعته لزمك اللوم.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من وصايا في حقها و عدم إيذائها و إغضابها. قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير ج27 ص166 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها». و ذكر الترمذي في صحيحه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها و يُنصبني ما أنصبها». راجع المصدر ج5 ص699.

كَابَدَتْ بَعْدَ أَبِيهَا المُصْطَفَى *** غُصَصاً لَوْ مَسَّتِ الطَّوْدَ لَمَارَا(1)

هَلْ تَرَاهُمْ أَدْرَكُوا مِنْ أَحْمَدٍ *** بَعْدَهُ فِي آلِهِ الأَظهَارِ ثَارا؟

فَصَبُوها حَقَّهَا جَهْراً وَ مِنْ *** عَجَبٍ أَنْ تُغْصَبَ الزَّهْرَا جِهَارَا

مَنْ لَحَاهَا إِذْ بَكَتْ وَالِدَهَا *** قَائِلاً فَلْتَبْكِ لَيْلاً أَوْ نَهَارا؟(2)

وَيْلَهُمْ مَا ضَرَّهُمْ لَوْ بَكَتْ *** بِضْعَةُ الْمُخْتَارِ أَيَّاماً قِصَارا

مَنْ سَعَى فِي ظُلْمِهَا مَنْ رَاعَهَا *** مَنْ عَلَى فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ جَارا؟

مَنْ غَدَا ظُلْماً عَلَى الدَّارِ الَّتِي *** تَخِذَتْهَا الإِنْسُ وَ الْجِنُّ مَزَارا؟

طَالَمَا الأَمْلاكُ فِيهَا أَصْبَحَتْ *** تَلْثِمُ الأَعْتَابَ فِيهَا وَ الْجِدَارا

وَ مِنَ النَّارِ بِهَا يَنْجُو الوَرَى *** مَنْ عَلَى أَعْتَابِهَا أَضْرَمَ نَارا؟(3)

وَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى كُمْ جَاءَهَا *** يَطْلُبُ الإِذْنَ مِنَ الزَّهْرَا مِرَارَا(4)

وَ عَلَيْهَا هَجَمَ القَوْمُ وَ لَمْ *** تَكُ لَاَنَثْ لاَوَعُلياهَا الْخِمَارَا(5)

لَسْتُ أَنْسَاهَا وَ يَا لَهُفِي لَهَا *** إِذْ وَرَاءَ الْبَابِ لاَذَتْ كَيْ تَوَارَى(6)

فَتَكَ الرِّجْسُ عَلَى البَابِ وَ لاَ *** تَسْأَلَنْ عَمَّا جَرَى ثمَّ وَصَارا

ص: 127


1- الطود: الجبل الشامخ. مار: اضطرب.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى طلب القوم من الإمام العلي علیه السلام أن تبكي الزهراء علیها السلام إما ليلاً أو نهاراً.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إضرام النار في بيت الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سلیم بن قيس الهلالي ص36 و ص40 و كتاب مؤتمر بغداد ص37 و الاحتجاج ج1 ص109.
4- يشير الشاعر إلى ما ورد من أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لايدخل بيت الزهراء علیها السلام إلا بعد الاستئذان. ففي كتاب تاريخ مدينة دمشق ج1 ص268، عن عمران بن حصين «أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال له: ألا تنطلق بنا نعود فاطمة علیها السلام فإنها تشتكي قلت: بلى قال: فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها فسلّم فاستأذن. فقال: أدخل أنا و من معي؟ قالت: نعم و من معك يا أبتاه... الخ». و ذكره أبونعيم في كتابه حلية الأولياء ج2 ص42.
5- لاثت: لفَّت. الخمار: ما تغطي به المرأة رأسها أو الستر عموماً. يشير الشاعر في هذين البيتين إلى هجوم القوم على الزهراء علیها السلام و هي حسرى دون خمار. انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص39.
6- كي تواري: كي تتواري أي تتخفّی.

لا تَسَلْنِي كَيْفَ رَضُوا ضِلْعَهَا *** وَ اسْأَلَنَّ الْبَابَ عَنْهَا وَ الجِدَارا(1)

وَ اسْأَلَنْ أَعْتَابَهَا عَنْ مُحْسِنٍ *** كَيْفَ فِيهَا دَمُهُ رَاحَ جُبَارا

وَ اسْأَلَنْ لُؤلُؤ قُرْطَيْهَا لِمَ *** انْتَشَرَتْ وَ الْعَيْنَ لِمْ تَشْكُو احْمِرارا؟(2)

وَ هَلِ المِسْمَارُ مَوْتُورٌ لَهَا *** فَغَدا فِي صَدْرِهَا يُدْرِكُ تارا؟(3)

ص: 128


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، ص208. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى لطم فاطمة علیها السلام على خدها و تناثر قرطيها. انظر كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و كتاب البحار ج8 ص240 ط حجرية.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخول المسمار في صدرها علیها السلام. انظر كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 كما في عوالم العلوم ج2 ص586 و كتاب مأساة الزهراء علیها السلام ج1 ص353. نقلت من كتاب بغية الراغبين للسيد عبد الحسين شرف الدين ج1 ص247.

(31) قفا نبك دماً

(بحر الرمل)

صدر الدين الصدر(*)(1)

تخميس الشيخ قيس العطار(**)(2)

قد ذكرتُ الدارَ و الدمعُ تجارى *** و أحبّاءٌ لنا شطُّوا مَزَارا

مذ مررنا صحتُ بالصحبِ جهارا *** «یا خليليَّ احبسا الجردَ المِهارا

وابكيا داراً علیها الدهرُ جارا»

***

فقفا نبكِ دماً من أجلِها *** و الذي قد فرَّقُوا من شملِها

قد تذكّرتُ ليالي وصلِها *** «و ربوعاً أقفرتْ من أهلِها

و غدتْ بعدهُمُ قفراً بَوارا»

***

قلتُ للأطلالِ أينَ النجبا *** أينَ عن ربعهُمُ طيبُ الصّبا

فأجابتنِي جواباً عجَبا *** «حكم الدهرُ على تلكَ الرُّبى

فانمحتْ و الدهرُ لايرعى ذِمارا»

***

أو لا تدرِي بما قدْ فعلا *** دهرُ سوءٍ عمرَه ما عَدَلا

ص: 129


1- (*) مرّت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- (**) مرت ترجمته في الجزء الثاني.

أمَّرَ التالي و أقصى الأوّلا *** «كيف يُرجى السلمُ من دهرٍ على

أهل بیتٍ الوحي قد شنّ المَغارا»

***

حينما قد عقدُوها ضلّةً *** لبني تيم بن مرِّ فلتةً

فانتحى منتهكاً فاطمةً *** «لم يخلّف أحمدٌ إلاّ ابنةً

و لَكَمْ أوصى بها القومَ مرارا»

***

غيرَ أنّ القومَ سامُوها الجفا *** برزايا فطَّرت صُمَّ الصَّفا

آهِ للزهرا أُضِيعت أَسَفا *** «كابدتْ بعد أبيها المُصطفى

غُصَصاً لومسَّتِ الطودَ لَمَارا»

***

ما لقلبِ القومِ هل من جَلمدَ *** نحتُوه أم ظلامٍ سرمدِ

كيف لم يعرف لها من مَلحَدِ *** «هل تراهم أدركوا من أحمدِ

بعدُه في آلهِ الأطهارِ ثارا»

***

ليسَ في زمرتِهم من مؤمنْ *** لا و لاذي عفّةٍ مؤتَمنْ

كم أذاقُوا فاطماً من مِحَنِ *** «غصبُوها حقّها جهراً و مِنْ

عجبٍ أن تُغصب الزهرا جَهارا»

***

كذَّبَ ابن المعتِفي شاهِدها *** وغدا من حقِّها جاحدَها

أوَ لم تسمعْ بمن عانَدَها *** «من لحاها إذ بكت والدَها

قائلاً فلتبكِ ليلاً أو نهارا»

***

ص: 130

فلبيتِ الحزنِ تبكي أُقصيتْ *** و بإيذاءِ الورى قد رُميتْ

ليتَ منهم أعيناً قد عُميتْ *** «ويلهم ماضرَّهم لو بكيتْ

بضعةُ المختار أياماً قصارا»

***

زمرةٌ قد ركبت أطماعَها *** و من الزهرا حَنَتْ أضلاعَها

أو تدري بالذي قد لاعَها *** «من سعى في ظلمِها مَن راعَها

من علي فاطمةَ الزهراءِ جارا»

***

إنّه نغلُ بنِي تيمٍ العتي *** و ابنُ خطابٍ أتى بالزمرةِ

لعَنَ الباري خبيث المنبتِ ** «مَن عدا ظلما على الدارِ التي

تخذتها الإنسُ و الجنّ مزارا»

***

فلتةٌ من تيمِها قد نبحَثْ *** و لقلبِ المصطفى قد جَرَحَتْ

أحرقُوا داراً بنورٍ طفحتْ *** «طالما الأملاكُ فيها أصبحَتْ

تلثمُ الأعتابَ منها و الجدارا»

***

هي دارٌ قدْ تسامَتْ للذرى *** كعبةُ الوفّادِ من أُمَّ القُرى

سلْ بها إذ طاولَتْ غار حِرا *** «و من النارِ بها ينجُو الوَرَى

من علی أعتابِها أضرمَ نارا»

***

من بيوتٍ ربُّها قدشاءَها *** و بأملاكٍ حَمَى أرجاءَها

دون إذن دخلُوا أفناءَها *** «و النبيّ المصطفى كم جاءَها

ص: 131

یطلبُ الإذن ب الإذن من الزهرا مِرارا»

***

بالذي قُدّر قد جفَّ القَلَمْ *** أن تموتَ الطهرُ من فرطِ الألمْ

هتکُوا من دارِها كلَّ الحُرَمْ *** «و عليها هجمَ القومُ و لَمْ

نكُ لاثتْ لاو علیاها خمارا»

***

أسقطُوها خلف بابٍ حَمْلَها *** و بحبلِ الرجس جرّوا بعْلَها

ما رأت عيناي رزءاً مثلها *** «لستُ أنساها و يا لهفِي لها

إذ وراءَ البابِ لاذتْ تتواري»

***

حقدُهم في الصدر كالقدر غلى **** فأتى كلُّ نبوحٍ يُشتلى

عمرٌ، قنفذُ، كُلُّ السفلا *** «فتكَ الرجسُ على البابِ و لا

تسْأَلَنْ عمّا جرى ثمَّ و صارا»

***

منعُوا فاطمَ تذري دمعَها *** و بليل الحقد أطفَوْا شمعَها

فابكها ما شئتَ حزناً وَانْعَها *** «لاتسلنِي كيف رضّوا ضِلعها

واسْأَلَنَّ البابَ و الجِدارا»

***

فاسألِ الدار تُجبْ في حُزُنِ *** عن رزاياها بقلبٍ شَجِنِ

لاتسلني ما جرى من مِحَنِ *** «واسألَنْ أعتابهَا عن محسنِ

کیف فیها دَمُهُ راحَ جُبارا»

***

ص: 132

منعُوا أعينَها طيبَ الوسَنْ *** روّعُوها و حُسيناً وَ حَسَنْ

لاتسلْ عمّا أُذيقوا من مِحَنُ *** «واسألنْ لؤلؤ قرطيْها لِمَا أنْ

سرت و العينَ لَمْ تشكو احمرارا»

***

قد سألتُ البابَ تحكي عَلَّها *** لِمَ بالنارِ أراعَتْ أهلَها

لِمَ جرَّ الحبلُ ظُلماً بعلها *** «و هل المسمارُ موتورٌ لها

فغدا في صدرِها يدركَ ثارا»

***

ص: 133

(32)تمضي الدهور

(بحر الكامل)

الأستاذ عباس أبوالطوس(*)(1)

غَنَّتْ وَ أَقْدَاحُ المُدَامِ تُدَارُ *** فَتَرَنَّحَتْ لِغَنَائِهَا السُّمَّارُ(2)

ص: 134


1- (*) هو الاستاذ الأديب عباس بن مهدي ابن الحاج حمادي ابن الحاج حسين أبي الطوس. ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1349 ه_) الموافق سنة (1930 م). نشأ و تربى في أحضان أسرته الكريمة، حتى أرسله أبوه إلى أحد الكتاتيب و المترجَم له لم يتجاوز السادسة من عمره فتعلم القراءة و الكتابة حتى صلب عوده و سمت منزلته فكان من صغر سنه هاوياً للشعر و الأدب، فتدَّرج و هو يقرأ النحو كالقطر لابن هشام و الألفية لابن مالك و يطالع البيان و التبيين للجاحظ و جواهر البلاغة و تاريخ الاسلام و كان يقضي شطراً من وقته بقراءة الدواوين الشعرية كما حفظ خمسين خطبة من نهج البلاغة، و حفظ مايقارب عشرة آلاف بيت من الشعر و منها (المعلقات)، و ساعدته على صقل مواهبه الادبية أجواء مدينة كربلاء المقدسة التي كانت تزخر بالشعراء و الادباء البارعين مما رقي بشاعرنا إلى مصاف عباقرة الادباء. و المترجَم له، معروف بأنه شاعر وطني مرموق و كيف لا و قداكتحلت عيناه بمرأى مراقد الشهداء الابرار، و تعلِّم منهم الكرامة و الإباء و الشمم. فكان أبوالطوس لاتفوته مناسبة من المناسبات الدينية و الوطنية دون أن يكون له سهم فيها، و كان يشارك في الحفلات الأدبية و ينشر روائعه في الصحف المحلية حتى جمع أكثر من ديوان و ترك المترجَم له آثاراً أدبية غنيّة عن التعريف و قد تصدَّى أخونا الاستاذ الاديب السيد سلمان هادي آل طعمة لجمع قصائد أبي الطوس و هو الآن في طريقه إلى الطبع. ودَّع الحياة و هو في عمر الورد دون أن يتزوج، فقد وافاه الأجل يوم السبت المصادف (1958/12/26م) في كربلاء المقدسة فشيع إلى مثواه الأخير في وادي كربلاء.
2- المدام: الخمر. ترنَّحت: تمايلت من سكر و نحوه. السمّار: الذين لم يناموا و تحدثوا و سهروا ليلاً.

وَ مَشَتْ وَ أَلْبَابُ النَّدَامَى إِثْرَهَا *** تَخْطُو وَ قَدْ شَخَصَتْ لَهَا الأَنْظارُ(1)

فَتَمَايَلَتْ لِلسَّامِرِينَ تَذَلُّلاً *** تَرْوِي الغَصينَ فَرَنَّتِ الأَوْتَارُ

حَسْنَاءُ نَاعِمَةُ العُيُونِ وَ وَجْهُهَا *** قَمَرٌ تَخِرُّ لِحُسْنِهِ الأَقْمَارُ

بَرَّاقَةُ السَّاقَيْنِ ذَاتُ مَحَاسِنٍ *** وَ بِخَدِّهَا مَاءُ الصَّبَا نَوّارُ

يَهْفُو لَهَا الصَّبُّ الكَثِيبُ تَشَرُّقاً *** وَ تَهَيُّماً حَيْثُ الهَوَى جَبَّارُ

يَا رَبَّةَ اللَّفْتَاتِ مَهْلاً قَدْ كَوَى *** جَنْبَيَّ هَذَا الدَّلُّ وَ التَّخْطَارُ

وَ مِنَ التَّضَامُنِ وَ اهْتِزَازِ قِوَامِكِ *** شَبَّتْ عَلَى قَلْبِي المُتَيَّمِ نَارُ

***

بُورِكتَ مِنْ لَيْلِ بِكَ الأَحْرَارُ *** قَدْرُجْبَتْ وَ طَغَى اسْتِبْشَارُ

هَذَا هُوَ الحَفْلُ المُهِيبُ كَأَنَّهُ *** فَلَك تَضِحُ حِیَالَهُ الأَنْوَارُ

وَقَفَتْ لَكَ الشُّعَرَاءُ إِكْرَاماً وَ قَدْ *** أَوْدَى بِهَا الإِجْلاَلُ وَ الإِكْبَارُ

ضَرَبَتْ عَلَى وَتَرِ القَرِيضِ أَكُفُّهَا *** بِحَفَاوَةٍ فَانْهَلَّتِ الأَشْعَارُ(2)

وَ مَضَتْ تَسِيلُ وَ فِي المَسَامِع شَدْوُهَا *** طَرَباً كَمَا تَتَرَنَّمُ الأَطْيَارُ

وَ الشَّعْرُ مِصْبَاحٌ يُطِلُّ بِحِنْدِسٍ *** وَ الشَّعْرُ فِيهِ رِفْعَةٌ وَ وَقَارُ(3)

وَ الشَّعْرُ خَيْرُ هَدِيَّةٍ قُدْسِيَّةٍ *** لِلطَّيِّبِينَ وَ لِلطَّغَاةِ دَمَارُ

وَ الشَّعْرُ مُوسِيقَى وَ جَرسٌ سَاحِرٌ *** إِنْ رَنَّ هَبَّتْ نَحْوَةُ الأَفْكَارُ

***

بُورِكتَ مِنْ لَيْل تَخِرُّ لِسَعْدِهِ *** شُكراً لَيَالِي الدَّهْرِ وَ الأَسْحَارُ

أَلْقَ الجَبِينُ وَ بِالسُّرُورِ مُتَوَّجاً *** حَتَّى كَأَنَّكَ بِالوُضُوحٍ نَهَارُ

تَجْرِي الرِّيَاحُ ظَلِيقَةً وَ رَخِيَّةً *** بِكَ لِلأَنَامِ وَ ذَيْلُهَا مِعْطَارُ

ص: 135


1- ألباب: عقول. الندامى: الجلساء على الشراب.
2- القريض: الشعر.
3- حندس: ليل شديد الظلمة.

فِي مَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ شَعَ مِنَ الهُدَى *** نُورٌ وَ لِلإِسْلامِ لاَحَ مَنَارُ

فَالكَوْنُ مُزْدَهِرُ الجَوَانِبِ ضَاحِکٌ *** وَ عَلَى الوَرَى عَبْقُ(1) الجِنَانِ نِثَارُ(2)

***

يَا صفْحَةٌ لَمَعَ القَرِيضُ فُويْقَهَا *** زِيدِي الْتِمَاعاً فَالسُّرُورُ مُثَارُ

وَ تَرَنَّحِي يَا عَاطِفَاتُ وَ سَارِعِي *** عَجَلاً كَمَا تَتَسَارَعُ الأَمْطَارُ

فَلَقَدْ طَرِبْتُ بِحَفْلِ ذِكْرَى مَوْلِدِ *** الزَّهْرَاءِ حَيْثُ نَمَتْ لَهَا الأَطْهَارُ

فَلِذَا وَقَفْتُ مُغَرِّداً بحفاوةٍ *** لِلسَّامِعِينَ كَمَا يَهُبُّ هَزَارُ(3)

حُيِّيْتِ مِنْ ذِكْرَى يُغَرِّدُ بِاسْمِهَا *** الدَّهْرُ وَ التَّارِيخُ وَ الأَسْفَارُ(4)

الْحَقُّ يَشْمُخُ عَالِياً فِي طَيِّهَا **** وَ الظُّلَمُ مِنْ لَمَعَانِهَا يَنْهَارُ

تَمْضِي الدُّهُورُ وَإِنَّهَا وَضَاءَةٌ *** مَهمَا بَدَتْ وَ تَغَيَّرَتْ أَطْوَارُ

***

أَمَّا حَيَاةُ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهَا *** عَارٌ و خِزْيٌ فَاضِحٌ وَ بَوَارُ

و الحَاكِمِينَ بِغَيْرِ حَقٌّ شُهْرَةً *** وَ الصَّامِتِينَ كَأَنَّهُمْ أَحْجَارُ

هذَا العِرَاقُ وَ لاَيَزَالُ بِذِلَّةٍ *** كَيْفَ الخَلاَصُ وَفَوْقَهُ اسْتِعْمَارُ

هذَا يُطَبّلُ مِنْ هُنَا لِلُبَانَةٍ *** وَ هُنَاكَ آخَرُ عَازِفٌ زَمَّارُ

وَيْلٌ لِجَامِعَةٍ تُغَيِّرُ لَوْنَهَا *** وَ سِوَى التَّكذُّبِ مَا لَهَا أَخْبَارُ

قَدْ هَدْأَتْنَا بِالسَّلام وَ غَيْرِهِ *** أَيْنَ السَّلاَمُ وَ هَذِهِ الأَخْطَارُ؟

ص: 136


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ما صاحب ولادة الزهراء علیها السلام من نور و بهجة في الكون. و انظر كتاب مشارق الأنوار في أسرار فاطمة الزهراء علیها السلام ص85 كما في عوالم العلوم ج1/ 11 ص58 و كتاب البحار ج16 ص80. و في كتاب الروض الفائق ص214 مثله كما في عوالم العلوم ج11/1 ص56.
2- عبق: رائحة طيبة. نثار: منثور.
3- هزار: عندلیب.
4- الاسفار: الكتب.

إِنَّ المَشَاكِلَ لَاتَحُلُّ بِأَرْؤُسٍ *** لَعِبَتْ بِهَا قَبْلَ الحُلُولِ عُقَارُ(1)

***

عَمّا قَرِيبٍ تُرْفَعُ الأَسْتَارُ *** طُرّاً فَتَبْدُو خَلْفَهَا الأَسْرَارُ

وَ تَلُوحُ لِلْقَوْمِ النِّيَامِ غَمَامَةٌ *** سَوْدَاءُ مِنْهَا تَرْجُفُ الأَقْطَارُ

دَمْعُ الشَّبَابِ يُرَاقُ فِي أَوْطَانِهِ *** ظُلماً لِيُکْمِلَ عَيْشُهُ الغَدَّارُ

وَ الشَّمْسُ تَفْزَعُ فِي المَسَاءِ لَمَّا يُرَى *** تَهْتَزُّ مِنْ ثِقْلِ الجُيُوشِ قِفَارُ

فَخُذُوا الحِيادَ لَكُمْ وَإِلا تَنْدَمُوا *** إِنْ طَارَ مِنْ حَرْبِ الطَّغَاةِ شَرَارُ

***

كَيْفَ السُّكُوتُ عَلَى الأَذَى وَإِلَى مَتَى *** نَحْنُ العَبيدُ وَ لِلْعَدُوِّ صِغَارُ؟

غَمَرُوكُمُ وَاللَّهِ ذُلاً قاتلاً *** أَفَأَنْتُمُ الأَحْرَارُ وَ الأَبْرَارُ؟

إِنَّ المَشَانِقَ لِلْكِرَام مَرَاقِصٌ *** وَ السِّجْنُ فِي حُبِّ البِلادِ فَخَارُ

يَا نَاهِبِي الخَيْرَاتِ مِنْ أَوْطَانِنَا *** بَلْ يَا عَبيداً رَبُّهَا الذُّولارُ

خَلُوا مَوَاطِنَنَا وَ لَاتَتَقَرَّبُوا *** مِنْهَا فَإِنَّ رِجَالَهَا ثُوّارُ

***

يَا بِنْتَ مَنْ وَاللَّهِ لَوْلاَ شَخْصُهُ *** لَمْ يَسْتَقِمَ دِينُ وَ لاأَمْصَارُ

بَلْ لَمْ تَدُرْ كُرَةُ الصَّعِيدِ وَ لَمْ يَكُنْ *** هَذَا الأَثِيرُ الدَّافِعُ السَّيَّارُ(2)

كُمْ مَوْقِف لَكِ فِي الدَّفَاعِ مُعَظَّمٍ *** مِنْ حَيْثُ غَضَّتْ نَحْوَكِ الْأَبْصَارُ؟

دَافَعْتِ عَنْ دِينِ الرَّسُولِ فَمَا اهْتَدَتْ *** بِدِفَاعِكِ الجُهَّالُ وَ الأَشْرَارُ(3)

ص: 137


1- عقار: خمرة.
2- الصعيد: الأرض.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى مواقف الزهراء «سلام الله عليها» التي وقفتها للدفاع عن الاسلام و حق الإمام علي علیه السلام. و هذه المواقف كثيرة. انظر كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-132 و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208. و كتاب عوالم العلوم ج2/ 11 ص631.

فَإِلَيْكِ سَيِّدَتِي تَحِبَّةَ شَاعِرٍ *** كَمِدٍ وَ دُونَ وَلاكِ لايَخْتَارُ(1)

ص: 138


1- نقلت من ديوان عباس أبوالطوس. مخطوط...

(33) سر الحياة

(بحر الكامل)

الشيخ عبدالأمير النصراوي(*)(1)

يَا مَنْ زَهَتْ مِنْ نُورِكِ الأَنْوَارُ *** وَ تَنَسَّمَتْ عِطْراً بِكِ الأَسْحَارُ

سِرُّ الحَيَاةِ عَلَى وُجُودِكِ قَائِمٌ *** فُلكٌ بِهِ هَذَا الوُجُودُ يُدَارُ

صَاغَ الإِلهُ لآلِئاً مِنْ لُطفِهِ *** وَ قَدِ اصْطَفَاكِ وَاحِدٌ قَهَارُ

فِي يَوْمِ مَوْلِدِكِ الحَيَاةُ تَعَطَّرَتْ *** وَ عَلَى أَرِيجِكِ تُنْثَرُ الأَزهَارُ(2)

عَمَّتْ لَكِ الأَفْرَاحُ فِي أَرْجَائِهَا *** وَ إِلَيْكِ حُبّاً تُنْشَدُ الأَشْعَارُ

زَهْرَاءُ يَزْهَرُ نُورُهَا نَحْوَ السَّمَا *** حَوْرَاءُ قَدْ حَارَتْ بِهَا الأَفْكَارُ(3)

ص: 139


1- (*) هو الخطيب البارع الشيخ عبدالأمير بن نجم بن عبيدالنصراوي العبادي. ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1374 ه_) الموافق (1954م)، و نشأ و ترعرع في ظل أسرته الكريمة و تحت رعاية والديه. تلقى دراسته الابتدائية و المتوسطة في مدارس كربلاء المقدسة ثم التحق بالحوزة العلمية فيها و درس المقدمات على أشهر أساتذتها أمثال العلامة الخطيب السيد مرتضى القزويني، و العلامة الشيخ جابر العفجاوي و العلامة الشيخ عبد الرضا الصافي و غيرهم. ثم تفرَّغ للخطابة الحسينية و تتلمذ على يدي الخطيبين العملاقين الشيخ هادي الخفاجي و العلامة الشيخ عبدالزهراء الكعبي، و ما لبث أن ذاع صيته و انتشر ذكره انتشار الطيب و صارت له صولات و جولات في مجال الوعظ و الارشاد و شهدت له مجالس كربلاء، و الكاظمية و الصويره و سوريا و لبنان و غيرها بالقدرة الخطابية، و يتمَّيز بصوته الشجي الحزين. و للمترجَم له مؤلفات منها: كتاب في الامام الحسين علیه السلام مخطوط و له أيضاً ديوان شعر طبع بعنوان: (عبير الأبرار و حنين الأحرار).
2- أريجك: رائحتك الطيبة.
3- إشارة لما روي في كتاب علل الشرائع ج1 ص179 عن جابر عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قلت له: لمَ سميّت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ قال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها. الحديث.

فِي مُحْكَم التَّنْزِيلِ اِسْمُكِ كَوْثَرٌ *** مِنْ نَبْعِهِ قَدْ فَاضَتِ الأَنْهَارُ

فِي سُورَةِ الإِنْسَانِ أَعْلَنَ نَاطِقاً *** وَلَدَاكَ أَنْتِ وَ حَيْدَرٌ أَبْرَارُ

مَنْ يَشْرَبُونَ وَ قَدْ سَقَاهُمْ رَبُّهُمْ *** كَأْساً لَهُمْ كَافُورُهُ فَوَارُ(1)

يَا بَضْعَةَ الهَادِي وَ زَوْجَةَ حَيْدَرٍ *** أُمَّ الأَئْمَةِ مَنْ هُمُ أَطْهَارُ(2)

أَنْجَبْتِ يَا أُمَّ الحُسَيْن عَمَالِقاً *** قَدْ نَوَّرُوا الدُّنْيَا وَ هُمْ أَقَمَارُ

أَنْتِ التَّقَى أَنْتِ البَتُولُ وَ فَاطِمٌ *** فَعَلَى خُطَاكِ يَقْتَدِي الأَحْرَارُ(3)

مَنْ لِي سِوَاكِ شَفِيعَةٌ يَوْمَ الجَزَا *** إِذْ عَزَّتِ الأَحْبَابُ وَ الأَنْصَارُ؟(4)

ص: 140


1- كافور: شجرة أريجية من فصيلة الغاريات مهدها الأصلي جنوب الصين. أوراقها دائمة الخضرة و أزهارها بيضاء ضاربة إلى الصفرة يستخرج منها الكافور و هو مادة عطرية تستخرج من الشجرة و تستعمل في الطب.
2- إشارة إلى ما روي في صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة بنت محمد عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال فإنما ابنتي. يعني فاطمة علیها السلام بضعة منّي.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و إنما سمِّيت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الانبياء أو قال: نقصان. و قد تقدم عن ذلك الكثير.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة أيضاً ج1 ص309 عن علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنما سميت ابنتي فاطمة علیها السلام لأن الله «تعالى» فطمها و فطم محبّيها من النار.

(34) حديث الباب

(بحر الطويل)

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي (*)(1)

أَنَائِحَةٌ مِثْلِي عَلَى العَرْصَةِ القَفْرَا *** تَعَالِي أَقَاسِمُكِ المَنَاحَةَ وَ الذِّكْرَى(2)

حَدِيثَ الجَوَى يَا وُرْقُ يَرْوِيهِ كُلْنَا *** عَن العَبْرَةِ الْوَطْفَاءِ وَ الْكَبِدِ الحَرَا(3)

كِلانَا كَثِيبٌ يُتبِعُ النَّوْحَ أَنَّةً *** إِذَا مَا وَعَاهَا الصَّحُرُ صَدَّعَتِ الصَّخْرَا(4)

خُذِي لَكِ شَطْراً مِنْ رَسِيسِ مُبَرِّحٍ *** وَلِي مِنْهُ يَا ذَاتَ الجَنَاحِ ذَرِي شَطرَا(5)

خَلا أَنَّهَا تَبْكِي وَ مَا فَاضَ دَمْعُهَا *** وَ أَجْرَيْتُهَا مِنْ مُقْلَتِي أَدْمُعاً حَمْرا

فَلاَجَمْرُ أَحْشَائِي يُخَفِّفُ عَبْرَتِي *** وَ لَاعَبْرَتِي فِي صَوْبِهَا تُخْمِدُ الجَمْرَا

وَ قَائِلَةٍ وَ هْيَ الْخَلِيَّةُ مِنْ جَوَّى *** مُعَرَّسُهُ أَضْحَى الْحَيَازِمَ وَ الصَّدْرَا(6)

رُوَيْدَكَ نَهْنِهْ مِنْ غَرَامِكَ وَ اتَّخِذْ *** شِعَارَيْكَ فِي الْخَطْبِ التَّجَلُّدَ وَ الصَّبْرَا(7)

فَقُلْتُ وَرَاكِ فَاتَّنِي الصَّبْرُ كُلُّهُ *** لِرُزْءٍ أُصِيبَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ الزَّهْرَا

غَدَاةَ تَبَدَّتْ مُسْتَبَاحاً خِبَاؤُهَا *** وَ مَهْتُوكَةً حُجْبَ الخَفَارَةِ وَ السِّتْرَا(8)

ص: 141


1- (*) مرّ ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- العرصة: بقعة أرض ليس فيها بناء؛ أو ساحة الدار و سميت بذلك لاعتراص الصبيان فيها و الاعتراص هو اللعب و المرح. القفراء: المتصحرة الأرض لاماء فيها و لاكلاً.
3- وُرْق: جدب. الوطفاء: المنهمرة.
4- صدَّعت: شطرت.
5- الرسيس: رسيس الحُمّى: أول مسها و رسيس الحب أوله.
6- الحيازم: الحيزوم وسط الصدر.
7- نَهْنِهُ: كُفَّ وإمتنع.
8- خباؤها: خيامها. الخفارة: الاستحياء أشدَّ الحياء.

عَلَى حِينٍ لاَعَيْنُ النَّبِيِّ أُمَامَهَا *** لِتُبْصِرَ مَا عَانَتْهُ بَضْعَتُهُ فَسْرَا

عَلَى حِينٍ لاَسَيْفُ الرَّسُولِ بِمُنْتَضَى *** الغَرَارِ وَ لَمْ تَنْظُرْ لِرَايَتِهِ نَشْرَا(1)

عَلَى حِينْ لاَمُسْتَأَصَلٌ مَنْ يَضِيمُهَا *** وَ لَاكَاشِفٌ عَنْهَا الْحَوَادِثَ وَ الضُّرَا(2)

(بِنِحْلَتِهَا) جَاءَتْ تُطَالِبُ مَعْشَراً *** بَدَا كُفْرُهُمْ مِنْ بَعْدِمَا أَضْمَرُوا الْكُفْرَا(3)

عَمُوا عَنْ هَوَاهَا ثُمَّ صَمُّوا كَثِيرُهُمْ *** كَأَنَّ بِسَمْعِ الْقَوْمِ مِنْ قَوْلِهَا وَ قْرَا

لَقَدْ أَرْعَشَتْ بِالوَعْظِ صِلَّ ضُغُونِهِمْ *** فَثَارُوا لَهَا وَ الصِّلُ إِنَّ يَرْتَعِشُ يَضْرَى(4)

فَلَوْ أَنَّهُمْ أَوْصَى النَّبِيُّ بِظُلْمِهِمْ *** لَهَا مَا اسْتَطَاعُوا غَيْرَ مَا ارْتَكَبُوا أَمْرَا

وَ أَنَّى وَ هُمْ طَوْراً عَلَيْهَا تُرَاثَهَا *** أَبَوْا وَ أَبَوْا مِنْهَا الْبُكَا تَارَةً أُخْرَى

وَ هُمْ وَ شَمُوهَا تَارَةً بِسِيَاطِهِمْ *** وَ آوِنَةٌ قَدْ أَوْسَعُوا ضِلْعَهَا كَسْرَا(5)

وَ خَلِّي حَدِيثَ (البَابِ) نَاحِيَةً فَمَا *** تَمَثَّلْتُهُ إِلا جَرَتْ مُقْلَتِي نَهْرَا(6)

بِنَفْسِي الَّتِي لَيْلاً تَوَارَثْ بِلَحْدِهَا *** وَ كَانَ بِعَيْنِ اللَّهِ أَنْ دُفِنَتْ سِرَا(7)

ص: 142


1- منتضیٰ: مسلول.
2- يضيمها: يقهرها و يظلمها.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 عن عائشة في حديث طويل: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك، و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: (لا نورّث، ما تركناه صدقة).
4- أرعشت: أرجفت. الصِّلِّ: الأول بمعنى المثل و الثاني بمعنى الداهية و الصَّل أيضاً: الحيّة.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص134 في حديث طويل: فنظر علي علیه السلام إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه ثم قال: نشكو له ضربة ضربها لفاطمة علیها السلام بالسوط فماتت، و في عضدها أثره كأنه الدملج.
6- الظاهر أنه (وخلَّ) بحذف الياء لأنه فعل أمر وفي البيت إشارة إلى ما روي في البحار ج43 ص198: فضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و أن في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنة الله علیه» فألجأها إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها.
7- إشارة لما روي في (دلائل الإمامة) للطبري ص46: فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غير الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس و أخرجها إلى البقيع ليلاً. و في البحار ج8 ص240-241 (ط الكمباني) فعمل أميرالمؤمنين علیه السلام بوصيتها و لم يعلم أحداً بها فأنشأ في البقيع ليلة دفنت فاطمة علیها السلام أربعين قبراً جديداً.

بِنَفْسِي الَّتِي أَوْصَتْ بِإِخْفَاءِ قَبْرِهَا *** وَ لَوْلاَ هُمُ كَانَتْ بِإِظْهَارِهِ أَحْرَى

بِنَفْسِي الَّتِي مَاتَتْ وَ مِلْءُ بُرُودِهَا *** مِنَ الْوَجْدِ مَا لَمْ تَحْوِهِ سَعَةُ الْغَبْرَا(1)

رَمَوْهَا بِسَهُم عَنْ قِسِيَّ حُقُودِهِمْ *** فَأَصْبَحَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دَمُهَا هَدْرَا

عَلَيْهَا سَلامُ اللهِ و لازَالَ وَاصِلاً *** لَهَا فَصَلاةُ اللهِ مَا بَرِحَتْ تَتْرَى(2)

ص: 143


1- الغبرا: (الغبراء) الأرض.
2- وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام. للسيد المقرم ص121.

(35) إلى البضعة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ عبد الحسين الحويزي(*)(1)

ص: 144


1- (*) هو الشيخ عبد الحسين بن عمران بن حسين بن يوسف بن أحمد بن روش بن نصار الحويزي، ولد في النجف الاشرف سنة (1287 ه_) و قيل سنة (1289 ه_)، هاجر جده حسين إلى النجف الاشرف سنة (1248 ه_) في عام الطاعون فكان تاجراً للأطعمة ذاك، و أما والده فكان بزازاً في النجف، و في ذلك العصر انتكس سوق النجف بخسارة فادحة فانصرف والد المترجَم له إلى مهنة الخياطة، و شيخنا الحويزي كان ملازماً لوالده و مقتدياً بعمله و ممتهناً بمهنته فترة من الزمن و بعد وفاة والده عاد إلى التجارة و بيع الاقمشة حتى صار من كبار التجار و الأثرياء، و كان بجانب عمله و تجارته متوجهاً إلى طلب العلم فدرس على فطاحل العلماء و الادباء في الحوزة العلمية في النجف الاشرف تتلمذ على السيد ابراهيم الطباطبائي أشهر أدباء و شعراء عصره فلازمه مدة طويلة نال خلالها كثيراً من المعلومات و اطلع على دقائق الادب و كان حاد الذكاء، وقَاد الذهن. و من العلماء الاعلام الذين اقتبس منهم الكثير من العلوم الشيخ هادي الطهراني، كما أخذ علوم المعاني و البيان و البديع من السيد محمد العاملي المعروف بالصحَاف، و أما علم الاصول فكان حضوره عند الشيخ عباس المشهدي، و الفقه أخذه من الشيخ عباس ابن الشيخ علي آل كاشف الغطاء. و كانت له ممارسات في علوم الرياضيات و الهندسة و الجفر و الرمل و الكيمياء و السيمياء و قد كتب فيها بعض الرسائل. و كان الشيخ الحويزي، موفقاً شجاعاً، مسانداً لاستاذ العلماء و المجتهدين صاحب الكفاية الشيخ ملامحمد كاظم الخراساني في قضية (المشروطة) و يعد المترجَم له: من مشاهير الشعراء و لقب (شيخ أدباء العصر) و من قوة شاعريته أنه في مجلس قد اجتمع فيه عدد كبير من الادباء و الشعراء، فاستنكر بعض الشعراء نسبة الشعر إلى الحويزي لقوته و جزالته فامتحنوه في المجلس فكان ذا جدارة وقوة في سرعة النظم، فأقرَّ جميع الشعراء بأنه حقاً شاعر ،فذّ، فتعجب ذلك المستنكر عليه من نباهته و نبوغه و رمقه شزراً، و قال: إنه لصغير فارتجل الحويزي له هذين البيتين: يستصغر الخصم قدري في لواحظه *** و نظم شعري كبير منه تبيان فلست أوهى قوىّ من نملة نطقت *** و ظل معتبراً منها سلیمان فصفّق له الحضور تعجباً و بزغ نجمه الأدبي من ذلك الحين. و قد مرَّ شاعرنا الحويزي بظرف صعب أفقره كثيراً حيث نهب منه كل ما يملك و وقعت بينه و بين اقربائه،خصومة، فخرج من النجف الاشرف إلى كربلاء المقدسة سنة (1335 ه_) فاستوطن في مدينة العلم و الادب و الفقه حيث كانت كربلاء تزخر بالفقهاء و العلماء و الشعراء و الادباء البارعين مما جعل شاعرنا الحويزي يأنس بهذا الجو الفكري الهادىء و منها أصبح ذا وطنين الوطن الأول النجف الاشرف، و الوطن الثاني كربلاء المقدسة فكلا الوطنين و البلدين تفتخر بأن الحويزي شاعرها و أديبها فالاستاذ علي الخاقاني يذكره في شعراء الغري و السيد سلمان آل طعمة يعده و يذكره في شعراء كربلاء، و قد اشتهر المترجَم له بالاكثار من نظم الشعر، و طرق جميع أنواعه و أجاد فيه كل الإجاده، و قد ترك خمسة عشر ديواناً في كل ديوان عشرة آلاف بيت فيكون المجموع (150) ألف بيت و قد طبع منها مجلدان و له ملحمة شعرية تزيد على الالفي بيت سماها (فريدة البيان) في مدح النبي و عترته الاطهار علیهم السلام. لبى نداء ربه سنة (1376 ه_) في كربلاء المقدسة و قد أوصى أن يدفن في النجف الأشرف مسقط رأسه فنقل جثمانه إلى هناك.

تُخَادِعُكَ الدُّنْيَا وَ تُبْدِي اغْتِرَارَهَا *** وَ نَفْسُكَ لَمْ تَأْخُذْ بِحَزْمٍ حِذَارَهَا

تُرَجي الأَمَانِي آمِناً مِنْ صُرُوفِهَا *** كَأَنَّكَ غِرِّ لَسْتَ تَدْرِي اعْتِبَارَهَا

تُسِيءُ إِذَا أَحْسَنْتَ صُنْعاً لَهَا فَلاَ *** تَكُنْ قَابِلا إِنْ أَسْمَعَتْكَ اعْتِدَارَهَا

سَفَتْكَ عِقاراً بالهَوَى وَ لَرُبَّمَا *** تَخَيَّلْتَ سُكْراً قَدْ مَلَكْتَ عِقَارَهَا(1)

عَمَدْتَ بَصِيرَ العَقْلِ يَحْسَبُ نُورَهَا *** ظِلالاً كَسَتْهُ الحَادِثَاتُ اعْتِكَارَهَا(2)

إِذَا عَظْمَتْ كُلُّ الوَرَى وَجْهَ نَعْتِهَا *** أَخُو الحَزْمِ أَبْدَى ذُلَّها وَ احْتِقَارَهَا

تَوَلَّتْ شِرَارَ النَّاسِ وُدَاً بِقُرْبِهَا *** وَ قَدْ أَبْعَدَتْ بِالبُغْضِ عَنْهَا خِیَارَهَا

تُصَغَّرُ قَدْرَ المَرْءِ إِنْ نَافَ عِزُّهَا *** وَ يَأْنَفٌ عِرنينُ الإِبَاءِ صِغَارَهَا(3)

جِنَايَتُها قَدْ مُثْلَتْ لَكَ جَنَّةٌ *** تُذِيقُكَ سُمّاً إِنْ جَنَيْتَ ثِمَارَهَا

ص: 145


1- عقاراً: خمراً.
2- الاعتكار: يقال اعتكرت الريح جاءت بالغبار، واعتكر المطر: اشتد.
3- ناف: أشرف و طال و العرنين: السيد الشريف. يأنف: يكره و يتنزه و يترفع عن الشيء.

بلُجَّتِهَا غُصْ فَالْتَقِط دُرَرَ الثَّنَا *** وَ لاتَخْتشِ أَهْوَالَهَا وَ غِمَارَهَا

ثَنَاءٌ جَمِيلٌ عِنْدَ تَرْدِيدِ ذِكْرِهِ *** يُطِيلُ لِسَاعَاتِ التَّلاقِي نِصَارَهَا

إِلَى البَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ تُهْدَىٰ فَرَائِدٌ *** تَشَوَّقَتِ السَّبْعُ المَثَانِي ابْتِكَارَها

فَكَمْ رَوْضَةٍ فِي مَدْحِهَا تَنْشُقُ الهُدَى *** بِطِيبِ الغَوَالِي رَنْدَها وَ عَرارَها(1)

فَتِلْكَ لَعَمْرُ اللَّهِ شَمْسُ هِدَايَةٍ *** يُجَلِّي سَنَاها لِلدَّياجِي سِرَارَها(2)

عَلَى الطَّوْرِ كَانَتْ آيةُ النُّورِ مَوْهِناً *** فَانسَ مُوسَى نَارَهَا وَ مَنَارَهَا

تَدَلَّتْ عَلَى الإِحْسَانِ دِيمَةُ رَحْمَةٍ *** فَجَادَتْ بِنُورِ العَفْو تُزْجِي قِطَارَها(3)

لأَنْعُم بَارِي الخَلْقِ قَدْ كَانَ زَوْجُهَا *** قَدِيماً يَمِيناً وَ هْي كَانَتْ يَسَارَهَا

بِصِدِّيقَةٍ كُبْرَى تَلَقَّبَهَا العُلَى *** وَ أَبْنَاؤُهَا مَنْ ذَا يُطِيقُ صِغَارَها

جَمِيعُ نِسَاءِ العَالَمِينَ لِقَدْرِهَا *** يُصَغْرُ مِقْدَارُ القَضَاءِ كِبَارَهَا

رَبِيبَةُ حِجْرِ المُصْطَفَى عَزَّ شَأْنُهَا *** بِعِلْمٍ مَدَى العَشْرِ العُقُولِ غِمَارَها

أَقَرَّتْ مِنَ الإِيمَانِ عَيْناً بِشَخْصِهَا *** وَ قَدْ سَلَبَتْ أَيْدِي العِدَاةِ قَرَارَهَا

عَصَائِبُ فِي لَيْلِ الضَّلَالِ تَسَكَّعَتْ *** لإطفاء نُورِ اللَّهِ تُوقِدُ نَارَهَا

صَبِيحَةَ دَارَ القَوْمُ حَوْلَ رِوَاقِهَا *** وَ رَامَتْ بِنَارِ الحِقْدِ تُحْرِقُ دَارَهَا(4)

وَ قَدْ دَخَلَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ خِبَاءَهَا *** وَ عَنْهَا أَمَاطَتْ حُجْبَهَا وَ سِتَارَهَا(5)

فَمَا أَمْهَلَ الأَقْوَامُ بِنتَ مُحَمَّدٍ *** تَلُوتُ عَلَيْهَا مِرْطَهَا وَ خِمَارَهَا(6)

إِذَا كُنْتَ لَمْ تَعْلَمْ عَلَى الظُّهْرِ مَا جَرَى *** بِدَارِ الحِمَى سَلْ بَابَها وَ جِدَارَهَا

ص: 146


1- الرند: نبات من شجر البادية طيب الرائحة يشبه الآس و العرار بهار ناعم أصفر طيب الرائحة.
2- سناها: سناها ضوؤها. الدياجي: الظلمات سرارها خطوطها.
3- الديمة: مطر يدوم في سكون بلا رعد و لابرق تزجي: تروّج.
4- رامت: قصدت.
5- الخباء: ما يعمل من وبر أو صوف للسكن أماطت نحت و أبعدت عليها بغير إذن.
6- المرط: كساء صوفي يؤتزر به.

لَقَدْ أَسْقَطَتْ مِنْهَا الجَنِينَ بِحَنَّةٍ *** مِنَ الهَمِّ تُشْجِي خُمْسَهَا وَ عِشَارَهَا

و ربعَتْ بِوَكْرِ القُدْسِ مِنْهَا فِرَاخُهَا *** وَ أَعْيُنُهَا رُعْبُ الوِجَالِ أَطارَها

فَمَا هَجَعَتْ عَيْنٌ لَهَا ذَاتُ عَبْرَةٍ *** أَطَالَتْ شَجَاهَا لَيْلَهَا وَ نَهَارَهَا

أَتَكْسِرُ كَفُ البَغْيِ أَضْلُعَ فَاطِمٍ *** وَ مَا أَصْلَحَ الإِسْلامُ مِنْهَا الْجِبَارَهَا

وَ فِي صَدْرِهَا المِسْمَارُ قَدْ ظَلَّ نَابِتاً *** وَ قَدْ لَقِيَتْ مِنْهَا الضُّلُوعُ انْكِسَارَهَا

وَ قَادَتْ عَلِيًّا بِالنَّجَادِ وَ بَأْسُهُ *** لِبِيضِ المَنَايَا السُّودِ سَنَّ شِفَارَهَا

فَلَوْ شَاءَ عَنَّى لِلْوُجُودِ رُسُومَهُ *** بِبَاعِ بِهِ الْأَقْدَارُ تَنْضِي اقْتِدَارَهَا(1)

وَلكِنْ مِنَ المُخْتَارِ رَاعَى وَصِيَّةِ *** فَلَازَمَ حِفْظاً عَهْدَهَا وَ ذِمَارَهَا(2)

بِرَغْمِ الهُدَى الكَرَّارُ أَضْحَتْ تَقُودُهُ *** أُنَاسٌ تَوَلَّتْ فِي الحُرُوبِ فِرَارَها

فَكَيْفَ بُغَاثُ الطَّيْرِ يَفْتِكُ سِرْبُهَا *** بِأَجْدَلَ مِنْهُ الطَّيْرُ تَلْقَى انذِعَارَهَا؟(3)

وَ كَيْفَ عَرِينُ اللَّيْثِ تَجْمَعُ حَوْلَهُ *** تَعَالِبُ مِنْهُ لَمْ تُفَارِقْ نِفَارَهَا؟

إِذَا ثَارَ يَوْمُ الرَّوْعِ أَيْقَظَ عَزْمَةً *** تَكَادُ مِنَ الجَوْزَاءِ تُدْرِكُ ثَارَهَا

وِلادَتُهُ فِي كَعْبَةِ البَيْتِ لَمْ يَنَلْ *** مَنَاطُ الثَّرَيَّا مَجْدَهَا وَ فِخَارَها

وَ تَزْوِيجُهُ فَوْقَ السَّمَاءِ مَحَلُّهُ *** بِسَيْدَة العليا تَوَلَّتْ نِثَارَهَا

فَكَمْ خَطَبَتْ بِنْتَ النَّبِيِّ صِحَابُهُ *** وَ قَدْ عَرَفَتْ إِجْلالَهَا وَ وَقَارَها

بَنِي قَيْلَةٍ قَوْدُ الرَّدَى مَنْ يَقُلُّهَا *** وَ حُمْرُ المَنَايَا مَنْ يُقِيلُ عِثَارَها

وَ شُهْبُ المَعَالِي مَنْ يُنيرُ شِهَابَهَا *** وَ قُضْبُ الدَّوَاهِي مَنْ يَغُلُّ عِرَارَهَا

وَ أَرْحِيَةُ الهَيْجَاءِ مَهُمَا تَسَعَرَتْ *** لَظَاهَا عَلَىٰ هَامَ العِدَىٰ مَنْ أَدَارَهَا؟(4)

أَغَيْرُ أَبِي السُبْطَيْنِ مَنْ بِحُسَامِهِ *** مَشَاعِرُ دِينِ اللَّهِ أَبْدَتْ شِعَارَها؟(5)

ص: 147


1- تنضي: تخلع و تنزع.
2- الذمار: كل ما يلزمك حمايته و حفظه و الدفع عنه.
3- البغاث بتثليث الباء: طائر مائي بطيء الطيران ضعيف و يضرب به المثل في الضعف.
4- أرحية: جمع رحى و هي المطحنة اليدوية. الهيجاء: الحرب. تسعرَّت: اشتعلت.
5- الحسام: السيف.

أَيُعْزَلُ هَارُونٌ وَمُوسَى أَقَامَهُ *** خَلِيفَةَ حَقٌّ وَ المَسَاعِي أَنَارَها؟

وَ يُتْبَعُ كَيْدُ السَّامِرِيِّ وَ عِجْلُهُ *** لَهُ فِتْنَةٌ فِي الغَيِّ أَبْدَتْ خُوَارَهَا(1)

وَ تُدْفَعُ بِنْتُ الوَحْي عَنْ إِرْثِهَا وَ لَمْ *** تَجِدْ أَحَداً مِنْ جَوْرٍ تَيْم أَجَارَها

مُطالِبَةً جَاءَتْ بِإرثٍ بِنَحْلَةٍ *** حَبَاهَا بِهَا المُخْتَارُ وَاللَّهُ خَارَها(2)

وَسَائِلَةٌ عَنْ حَقَّهَا رَدَّهَا الشَّفَا *** مُخَيَّبَةٌ لَمَّا أَبَاحَ انْتِهَارَها

فَهَلْ نَاشِدٌ عَنْ سَوْطِ قُنْفُدَ كَفَّهَا *** غَدَاةَ الْتَوَىٰ بِالضَّرْبِ صَاغَ سِوَارَها؟

أَفَاطِمَةٌ بِالسَّوْطِ يَسْوَدُّ مَتْنُهَا *** وَ أَعْيُنُهَا بِاللَّطْمِ تُبْدِي احْمِرَارَها؟

فَمَا بَرِحَتْ مَسْجُورَةَ القَلْبِ بِالحَشَى *** تُصَوِّبُ مِنْ حُمْرِ الدُّمُوع غِزَارَها(3)

أَقُولُ لِمَنْ هَزَّتُهُ فِي اللَّهِ غَيْرَةٌ *** عَلَى الدِّينِ مَنْ خَيْلُ الضَّلَالِ أَغَارَها

بَنِي الوَحْي فِيكُمْ قَدْ مَلأتُ صَحَائِفاً *** مِنَ المَدْح لايَطْوِي الزَّمَانُ انتِشَارَها

وَ خَيْلُ ثُنَائِي فِي مَضَامِيرٍ مَجْدِكُمْ *** إِلَى الغَايَةِ القُصْوَى خَلَعْتُ عِذَارَها

خَزَنْتُ كُنُوزاً مِنْ وَلَاكُمْ ثَمِينةً *** بِقَلْبِي وَإِنِّي قَدْ حَفِظْتُ ادْخَارَها(4)

ص: 148


1- خوارها: الخوار: صوت البقر.
2- نحلة: مهر.
3- المسجور: المملوء.
4- نقلت من ديوان الحويزي ج 2.

(36) فَمَن المعزي؟

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الحسين شكر(*)(1)

مَا بَالُ أَجْفَانِي جَفَتْ سِنَةَ الكَرَى *** تَرْعَى الثَّرَيَّا بَعْدَ مَا رَوَتِ الثَّرَى

هَلْ شَفَّهَا فَتْكُ الرَّدَى بِأَحِبَّةٍ *** كَانُوا لِيَوْمٍ كَرِيهَةٍ أَسْدَ الشَّرَى؟(2)

كَلاً وَلكِنْ قَدْ أَذَالَ دُمُوعَهَا *** يَوْمَ البَتُولِ وَ مَا عَلَيْهَا قَدْ جَرَى

سَاؤُوا أَبَاهَا المُصْطَفَى لَوْ أَنَّهَا *** كَانَتْ لِقَيْصَرَ لَمْ يُسِيثُوا قَيْصَرَا

أَضْحَتْ لِظَّامِيَّةِ الرَّزَايَا مَوْرِداً *** دُونَ الأَنامِ وَ لِلْفَجَائِعِ مَصْدَرَا

أَيُّ الخُطُوبِ الفَادِحَاتِ أَعُدُّهَا؟ *** هَيْهَاتِ جَلَّتْ أَنْ تُعَدَّ وَ تُحْصَرا

إضْرَامُهُمْ نَاراً عَلَيْهَا لَمْ يَرَوْا *** إِحْرَاقَ بَيْتِ الوَحْيِ فِيهَا مُنْكَرا(3)

أَمْ رَضُهَا بِالبَابِ أَمْ إِسْقَاطُهَا *** أَمْ ضَرْبُهَا بِالسَّوْطِ حَتَّى أَثَّرا

تَالِلَّهِ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا بِوَصِيَّةِ *** الهَادِي لَمَا قَادَ ابْنُ (...) حَيْدَرَا

وَ تَقَاعَسُوا عَنْ نَصْرِ فَاطِمَ مُذْ أَتَتْ *** وَ عَنِ النَّبِيِّ لِسَانُهَا قَدْ عَبَّرا

أنَّتْ هُنَالِكَ أنَّةً أَبْكَتْ بِهَا *** الهَادِي وَ أَبْكَتْ قَبْرَهُ وَ المِنْبَرَا

وَ دَعَتْ فَلَوْ وَعَتِ الجِبَالُ دُعَاءَهَا *** كَادَتْ لِعُظْمِ الخَطْبِ أَنْ تَتَفَطَّرَا(4)

ص: 149


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- شفّها: أهزلها و أوهنها. الرَّدى: الموت. كريهة: شدة الحرب. الشرى: مأسدة جانب الفرات يضرب بها المثل فيقال: هو كأسد الشرى.
3- انظر كتاب سليم بن قيس ص36 و ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- تتفطر: تنشق. و في البيتين يشير الشاعر إلى خطبة الزهراء علیها السلام في المسجد و قد ذهبت هناك للمطالبة بحقها علیها السلام في فدك و حق الإمام علي علیه السلام بالخلافة. انظر كتاب الاحتجاج ج1 ص131-132.

هَلْ أَهْلُ بَيْتٍ غَيْرُنَا قَدْ أَذْهَبَ *** الأَرْجَاسَ عَنْهُمْ رَبُّهُمْ أَوْ طَهَّرا(1)

إِنَّ النُّبُوَّةَ وَ الخِلافَةَ بُرْدَةٌ *** فِيهَا المُهَيْمِنُ خَصَّنَا دُونَ الوَرَى

كَذَّبْتُمُ البَارِي بِنَا وَ رَوَيْتُمُ *** فِي غَصْبٍ مِيرَاثِي حَدِيثاً مُفْتَرَى(2)

وَ كَذَاكَ كَذَّبْتُمْ شَهَادَة حَيْدَرٍ *** جَهْراً وَ كَذَّبْتُمْ شَبِيرَ وَ شُبَّرَا(3)

إِنْ تُنْصِفُوا فَائلُوا الكِتَابَ فَإِنَّكُمْ *** سَتَرَوْنَهُ عَنْ أَرْضِ يَحْيَى مُخْبِرَا(4)

ص: 150


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى نزول آية التطهير في أهل البيت علیهم السلام. انظر صحيح الترمذي ج2 ص209، و مشكل الآثار للطحاوي ج1 ص335، و ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12، كما في كتاب فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج1 ص271. و ذكره العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى غصب فدك و افترائهم حديث «إنا معاشر الأنبياء لانورث». انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من مسند أحمد بن حنبل. و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232.
3- شبر و شبير: الحسن و الحسين علیهما السلام و الظاهر أن شبر و شبير هي أسماؤهما باللغة العبرية.
4- في هذا البيت إشارة إلى إحتجاج الزهراء علیها السلام في خطبتها في المسجد على أبي بكر في إرث يحيى و سليمان علیهما السلام ففي كتاب الاحتجاج ج1 ص138 ضمن خطبة الزهراء علیها السلام «يابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك و لاأرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً أفعلى عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: «و ورث سلیمان داود» النمل الآية 16 و قال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سورة مريم الآية 6]. و قال «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» [سورة الأنفال آية : 75]. و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» و قال: «إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [سورة البقرة الآية : 180]. و زعمتم أن لاحظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها، أم هل تقولون إن أهل ملتين لايتوارثان أفلست؟ أنا و أبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمي ؟ .. الخ كلامها علیها السلام.

هَذَا وَ إِنِّي لَمْ أَسَلُكُمْ حَاجَةً *** بَلْ كَيْ أَدُلَّ عَلَى الهُدَى المُتَبَصِّرَا

ثُمَّ انْثَنَتْ عَبْرَىٰ تَجُرُّ رِدَاءَهَا *** تَحْكِي بِمِشْيَتِهَا البَشِيرَ المُنْذِرَا(1)

مَا شَأْنُهَا غَيْرُ البُكَاءِ وَ مُذْ قَضَتْ *** شَقَّتْ عَلَيْهَا جَيْبَهَا أُمُّ القُرَى؟

فَمَنِ المُعَزِّي لِلرَّسُولِ بِبَضْعَةٍ *** أَوْصَى بِهَا وَ مَنِ المُعَزِّي حَيْدَرَا؟(2)

وَ المُقْرِحُ الأَجْفَانَ وَ المُدْمِي لَهَا *** وَ المُودِعُ الأَحْشَاءَ وَجْداً مُسْعَرا

يَوْمَ الوَدَاعِ وَضَمُّهَا أَبْنَاءَها *** يَا لَيْتَهَا عَلِمَتْ عَلَيْهِمْ مَا جَرَى

يَا لَيْتَهَا نَظَرَتْ حَرَائِرَهَا وَ قَدْ *** سِيقَتْ عَلَى عُجْفِ المَطَايَا حُسَّرا(3)

وَ رُؤُوسُ فِتْيَتِهَا بِأَطْرَافِ القَنَا *** كَالشُّهْبِ بَلْ كَانَتْ أَشَعَّ وَ أَنْوَرا

وَ إِمَامُهَا يَتْلُو الكِتَابَ أَمَامَهَا *** فَوْقَ السِّنَانِ مُهَلّلاً وَ مُكَبِّرا

صَبْراً بَنِي الهَادِي عَلَى مَا نَابَكُمْ *** مِنْ مُعْظَمِ الأَرْزَاءِ مِمّا قُدْرَا

فَلَسَوْفَ يَبْرُغُ مِنْ سَمَاءِ عُلَاكُمُ *** قَمَرٌ إِذَا دَجَتٍ الغَيَاهِبُ أَسْفَرَا(4)

وَ كَأَنَّ فِيهِ السَّابِحَاتِ لَدَى الدِّمَا *** سُفُنْ تَشُقُ مِنَ الزَّوَاخِرِ أَبْحُرا

فَمَتَى نَرَى جِبْرِيلَ فِي أُفْقِ السَّمَا *** بِطُلُوعِ مُبْدِي الحَقِّ بَاتَ مُبَشِّرا؟(5)

ص: 151


1- انثنت: انعطفت. تحكي: تشابه. و في البيت إشارة إلى صفة الزهراء علیها السلام في المشي و شباهتها لمشي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. انظر كتاب الاحتجاج ج1 ص131-132. و ذكره أحمد بن حنبل في مسنده ج6 ص282 قال: عن عائشة. قالت: أقبلت فاطمة «سلام الله عليها» تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسر إليها حديثاً ... الخ الحديث. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى وصايا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام. انظر تفسير الفخر الرازي الكبير ج27 ص166. و الترمذي ج5 ص699 . و البحار ج43 ص54.
3- عجف: ضعاف غیر سمان. حُسَّر: متعبات.
4- دجت: أظلمت. الغياهب: الظلمات. أسفر: أضاء.
5- ديوان الشيخ عبد الحسين شكر ص42.

(37) واحة الطهر

(بحر الكامل)

اأستاذ عبد الرحمن العلوي

زهراءُ يا ثغرَ الوجودِ و نغمة *** الآيِ الكريم و نفحةَ الأسحارِ

زهراءُ يا بنتَ الرسالة لم تزل *** نوراً يضيء مسالك الثوارِ

زهراءُ يا حُلُماً يدغدغ أفؤِداً *** تبغي الحياة بعزة و فخارِ(1)

زهراءُ يا رمزَ العفافِ و صفوة *** الطهرِ النصيعِ و كعبةَ الأبرارِ

يا لهجةَ الصدقِ التي دوّت *** و لا زالت تدوّي في الحِمى و الدارِ

يا عنفوانَ المكرَماتِ و ثورةً *** تأبى الخمود على مدى الأعصارِ

يا مصدَر الحبِّ الكبيرِ و منبعَ *** الفضلِ العميمِ و مخزنَ الأسرارِ

يا فرقَد المجدِ السنيِّ و كوكبَ *** الشرفِ الرفيع و روضةَ الزوّارِ(2)

يا دوحة الدينِ التي لم يُثنِها *** موجُ الخطوبِ و فورةُ الأعصارِ

***

زهراءُ يا بنتَ النبي و أُمَّه *** عنداشتدادِ الكَربِ و الأخطارِ

للَّه دَرُّك منِ مِلاكٍ لم يزَل *** يَطوي الزَمانَ مكللاً بالغارِ

يجتث أدغالَ الدروبِ و شوکَها *** و يقارعَ الأفكارَ بالأفكارِ

و يَهزّ للجور المُقيتِ صروحَه *** و يدكُ أسواراً من الأوزارِ

ص: 152


1- أفؤاداً: جمع فؤاد، و هو القلب.
2- السني: من السنا و هي الرفعة.

و يحطمُ الحقدَ الدفينَ بأنفُسٍ *** دُقّت بها الأحقادُ كالمسمارِ

يا فلذة الكبدِ الرحيم و عبقَة *** الخُلقِ العظيمِ و سلوةَ المختارِ

يا بضعةَ الرجلِ الذي شهدت له *** الأكوانٌ بالإخلاصِ و الإيثارِ

فانصاعَ للربّ العظيمِ ملبّياً *** و ممزّقاً للجهلِ كلّ إزارِ

و محطّماً زمرَ الضلال و غيَّها *** و مبشّر الدنيا بضوء نهارِ

يا زوجةَ الشهمِ الذي ما غيّرت *** منهُ الصعاب سياسة الإصرارِ

ذاك الذي عاشَ الحياةَ مكافحاً *** و مجاهداً لله دون شعارِ

قد أخلص القلبَ الكبيرَ لخالقِ *** لم يثنه وطرٌ من الأوطارِ

أُمّ الزكيِّ الناصِح العلم الذي *** للفضل كان كروضةٍ معطارِ

غالته أيدٍ حاقداتُ و ألسنٌ *** قد حاربتهُ بكاذب الأخبارِ

لكنه الجبل الأشمُّ لم تنلْ *** منه السهام و نشبة الأظفارِ

أُمَّ الحسين و مصنع السبطِ الذي *** رفضَ الحياةَ بذلةِ و شنارِ

فاستلَ سيفَ الانقضاض و قال لا *** للبغيِّ لا للضيم لا للعارِ

لولاكِ ما كان الحسينُ و ثورةٌ *** خَلُدت فصارت منهجَ الأحرارِ

يا أمَّ زينب إذ تحوَّل صوتُها *** يومَ الطفوفِ كصارم بتّارِ

بترت بهِ الجورَ الذي قَتلوا به *** سبطَ النبي و صفوةَ الأَنصارِ

کشفتْ قَناع الزيفِ و الكذبِ الذي *** خدعوا به الجُهَّالَ في الأمصارِ

قد أعلنتها ثورةً هدّارةً *** ضدَّ الطغاةِ و عسكرِ الفجّارِ

زهراءُ يا خيرَ النساء و خيرَ من *** يهدي النساءَ لعفَّةٍ و وقارِ

يا شمسَ دنيا الخيّراتِ و مطلعَ *** الفجرِ البهيّ و قدوةَ الأخيارِ

أنت البتولُ و واحةُ الطُهر التي *** تَروي الظِماء بفكرها المدرارِ

و تعمّقُ الورّعَ المليحَ بأنفسٍ *** سئمت حياةَ الرجس و الأقذارِ

و تعلَّم الأجيالُ إن نجاحَها *** في اقتحام الليلِ و الأسوارِ

و الانعتاقِ من الرُّكونِ لزمرةِ *** الشيطانِ و الطاغوتِ و الدينارِ

ص: 153

و الانتفاضِ على الفساد و واقعٍ *** مرّ سقيمٍ مضمحلٍ هاري(1)

و الانقضاضِ على الذِئاب و رمِيهاً *** في سلّة اللعنات و الأوضارِ

كي ينقضي عهدُ الظلام و تنطوي *** صفحاتُ ليلٍ دامس و إسارِ

***

يابنةَ القرآنِ هيا فابشِري *** بزَوالِ عهدٍ حالكٍ منهارِ

فالعهدُ عهدُ المسلمين، قد انتهى *** عهدُ الطغاةِ و لعبةَ الأدوارِ

العصرُ عصرُ الفارضين وجودَهم *** رغمَ الحرابٍ و شدّةِ التيارِ

اليومُ يومُ الواهبين صدورَهم *** و المشترين النصرَ بالأعمارِ

اليومُ يومُ الثائرين و إن غفَت *** بعضُ العيونِ على صدى الأوتارِ

الوقتُ وقتُ الباذلين دماءَهم *** من أجلِ نشرِ الخيرِ و الإعمارِ

فاليومَ دوّت في الوجودِ رسالةٌ *** ستظل رغمِ الحاقد المهذارِ(2)

ستعبّدُ الدربَ القويمَ لأمةٍ *** تأبى الرضوخ لحاكمَ دعارِ(3)

ص: 154


1- هاري: من الإهتراء، أي التمزّق.
2- المهذار: الكثير الكلام.
3- دعّار: فاسد.

(38) وليدة بيت الوحي

(بحر الطويل)

السيد عبد الرؤوف الأمين(*)(1)

أَظلَّتْ عَلَى الدُّنْيَا بِطَلْعَتِهَا الغَرا *** وَلِيدَةُ بَيْتِ الوَحْيِ فَاطِمَةُ الزَّهْرَا

كَإِطْلالَةِ الفَجْرِ المُدِلِّ بِنُورِهِ *** وَ كَمْ سَاهِرٍ فِي الحَيِّ يَرْتَقِبُ الفَجْرَا

وَ بَشَّرَ فِيهَا الوَحْيُ عِنْدَ نُزُولِهِ *** وَ بَاهَى بِهَا جِبْرِيلُ مُذْ جَاءَ بِالْبُشْرَى

ص: 155


1- (*) هو السيد عبد الرؤوف ابن السيد علي ابن السيد محمود الأمين. و آل الامين من الأسر العلوية المعروفة في لبنان ذات المجد الأثيل و العزة و المنعة و قد أنجبت العديد من العلماء و الادباء و الشعراء و من أعلام هذه الاسرة الكريمة العالم الجليل السيد محسن الامين فإن حياته كلها عطاء سخي حيث أتحف المكتبة الاسلامية بكتب قيمة أشهرها الموسوعة الكبرى (أعيان الشيعة) و آثار أخرى لامجال لذكرها، و منهم الاستاذ السيد حسن الامين الذي حذا خلف والده المعَّظم و خدم المكتبة الثقافية بعطائه الفكري و من آثاره (مستدرك أعيان الشيعة) و (دائرة المعارف الشيعية) و غيرها، و أعلام آخرین. ولد المترجَم له في جنوب لبنان في قرية (شقراء) جبل عامل سنة (1318 ه_) فنشأ فيها نشأته الأولى بعد أن درس مقدمات العلوم و المعارف كالنحو و الصرف على بعض الاساتذة هناك ثم هاجر إلى العراق و استقر في النجف الأشرف و أكمل دراسته هناك، و تولى المترجَم له التدريس في الناصرية بالعراق ثم اشتغل مفتشاً في وزارة التربية الوطنية في لبنان ثم في وزارة الشؤون الاجتماعية و كان من الأوائل الذين أخذوا يجددون في الشعر العاملي سواء في موضوعاته أو اسلوبه أو أهدافه فنظم في الامور الاجتماعية و السياسية و الوطنية و غير ذلك. له ديوان شعر باسم (العواطف الثائرة). و افاه الاجل المحتوم سنة (1390 ه_) في بيروت و نقل جثمانه إلى جنوب لبنان و دفن في قرية (الصوانة).

فَأَشْرَقَ بِالنُّورَيْنِ بَيْتُ خَدِيجَةٍ *** فَنُورٌ مِنَ الكُبْرَى وَ نُورٌ مِنَ الصُّغْرَى

وَ قَدْ نَشَأَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** مُبَارَكَةً إِسْماً مُعَطَرَةً ذِكْرا

وَ مَنْ كَانَ يَدْعُوهَا البَتُولَ طَهَارَةً *** كَمَا دُعِيَتْ مِنْ قَبْلِهَا مَرْيَمُ العَذْرَا(1)

وَ زَوَّجَهَا مِنْ صِنْوِهِ وَ ابْنِ عَمْهِ *** فَأَعْظِمْ بِهَا زَوْجاً وَ أَعْظِمْ بِهِ صِهْرا!(2)

عَلِيٌّ أبوالسِّبْطَيْنِ أَفْصَحُ مَنْ رَقَا *** ذُرَى مِنْبَرٍ أَوْ خَطَ فِي صَفْحَةٍ سَطْرا

وَ أَمْضَى سَيُوفِ اللَّهِ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ *** بِهِ الفَارِسُ المِغْوَارُ مِنْ هَلَع فَرَّا(3)

فَسَلْ عَنْهُ أَحْداً وَ النَّضِيرَ وَ خَيْبَراً *** وَ إِنْ شِئْتَ إِدْرَاكَ اليَقِينِ فَسَلْ بَدْرا

وَ سَلْ عَنْهُ عَمْراً وَ الوَلِيدَ وَ عُتْبَةً *** وَ مَنْ صُرِعُوا فِي سَيْفِهِ فَهُمُ أَدْرَى

وَ مَنْ حَضَنَ الإِسْلاَمَ بَعْدَنَبِيِّهِ *** كَمَا تَحْضُنُ الطَّيْرَ الَّتِي تَسْكُنُ الوَكْرَا

حَمَاهُ كَمَا تَحْمِي الأُسُودُ عَرِينَهَا *** مِنَ الكُفْرِ بَلْ قَدْ كَانَ مِنْ أَسَدٍ أَضْرَى

شَرَى فِي سَبِيلِ اللهِ نَفْساً أَبِيَّةً *** وَ عَاهَدَهَا أَنْ لَاتُبَاعَ وَ لَاتُشْرَى

فَيَا لِدَةَ الإِسْلامِ وَ البَضْعَةَ الَّتِي *** بِهَا أَوْدَعَ اللَّهُ القَدَاسَةَ وَ الطُّهْرَا

وَ أُمُّ الإِمَامَيْنِ الشَّهِيدَيْنِ مَنْ هُمَا *** أَجَلُّ وَ أَعْلَى النَّاسِ فِي نَسَبٍ قَدْرَا

«لَكِ اللَّهُ مِنْ مَفْجُوعَةٍ بِحَبِيبِهَا» *** تَشُمُّ تُرَابَ القَبْرِ مِنْ لَهْفَةٍ عِطْرَا

هَلُمَّ إِلَى التَّارِيخ نَسْبُرُ غَوْرَهُ *** وَ نُوْسِعُهُ بَحْثاً وَ نُعْلِنُهُ جَهْرا(4)

أمَا رُوِّعَتْ فِي بَيْتِهَا يَوْمَ حُزْنِهَا *** أَمَا حُرِمَتْ إِرْنَا أَمَا دُفِنَتْ سِرا؟(5)

ص: 156


1- انظر كتاب ينابيع المودة، ج1 ص310 عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء أو قال: نقصان.
2- صنوه: الصنو الأخ الشقيق.
3- المغوار: كثير الغارة. هلع: جزع.
4- نسبرغوره: نمتحن غوره أو سره لنعرف مقدارة.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46 فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس، أخرجها إلى البقيع ليلاً. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232 عن غصب إرثها ورد دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعد ما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وَ مَا وَرِثَتْهُ عَنْ أَبِيهَا وَ أُمِّهَا *** سَمَتْ وَ تَعَالَتْ فِيهِ عَنْ «فَدَكِ» قَدْرَا

«لِسِرِّ مِنَ الأَسْرَارِ لَاتَجْهَلُونَهُ» *** أُسِيءَ لَهَا لاَ بَلْ أُرِيدَ بِهَا شَرَّا

وَ قَدْ نَسَبُوا القُرْبَى إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا *** وَ مَنْ وَلَدَ «الزَّهْراء» لَمْ يَلِدِ «الحَمْرَا»

وَ مَنْ أَغْضَبَ الحَوْرَاء بِنْتَ نَبِيْهِ *** فَلَيْسَ بِمَعْدُورٍ وَ إِنْ حَاوَلَ العُذْرَا(1)

ص: 157


1- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي. يعني فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.

(39) تعلم ما جرى

(بحر الطويل)

الشيخ عبد الستار الكاظمي (*)(1)

أَيُنْحِفُنِي ثَغْرُ انْتِظَارِكَ فِي البُشْرَى *** وَ قَدْ بَاعَدَ اللَّيْلُ الطَّوِيلُ لِي الفَجْرَا

وَ إِنِّي أَسِيرٌ وَ الهَوَى سَاقَ مَحْمَلِي *** إِلَى بَيْتِكَ السَّامِي القِبَابِ بِسَامُرَّا

فَوَاللَّهِ لاَ هَمَّ كَهَمِّكَ مُدْنِفِي *** فَأَرْبَكَ حَالِي بَعْدَ أَنْ أَذْهَلَ الفِكْرَا!

لَوَاعِجُ أَشْجَانِي اشْرَأَبَّ دَفِينُهَا *** فَأَكْتُمُهَا طَوْراً وَ أُظْهِرُهَا أُخْرَى(2)

يَقُولُونَ لِى صَبْراً فَقُلْتُ مَكَانَكُمْ *** وَ هَلْ تَرَكَتْ نَارُ التَّغَرُّبِ لِي صَبْرَا

فَلَيْلِي طَوِيلٌ وَ انْتِظَارُكَ قَاتِلِي *** وَ بَيْنَهُمَا لاَزِلْتُ أَحْتَمِلُ الجَمْرَا

أهِيمُ اشْتِيَاقاً عَلَّنِي أَبْلُغُ المُنَى *** إِلَى ذِي طُوَى لِلحِجْرِ للكَعْبَةِ الغَرَّا

أَفِي أَرْضِ رَضْوَىٰ أَمْ بِحَزْوَىٰ وَ سَهْلِهَا *** أَمِ الخَيْفِ خَافٍ رَهْنَ غَيْبَتِكَ الكُبْرَىٰ؟

بوَادِي قبا أَمْ بِالعَقِيقِ وَ طَيْبَةٍ *** تُرَى يَا لَعَمْرِي قَدْ تُرقُ لَنَا البُشْرَى؟

***

إلامَ رَهِينُ الصَّبْرِ يَا بْنَ مُحَمَّدٍ *** حَنَانَيْكَ يَا بْنَ الطُّهْرِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا؟

أَمِط حُجُبَ الأَسْتَارٍ ثَوْرُ غُبَارَهَا *** وَ عَاجِلْهُمُ فِي الثَّارِ ذَكَرْهُمُ بَدْرا(3)

وَ خَاطِبْهمُ يَا فَخَرَ هَاشِمَ بِالقَنَا *** وَ رَوِّ بِهِمْ بِيضَ الصَّفَائِحِ وَ السُّمْرَا(4)

ص: 158


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- لواعج: جمع لاعج و هو الهوى المحرق.
3- أمط: أماط لثامه: أزاله. ثوَّر: حرّك.
4- القنا: جمع قناة و هي الرمح الصفائح جمع صفيحة و هي وجه السيف. السمر: الرماح.

وَ ذَكَرْهُمُ بِالطُّهْرِ فَاطِمَةَ الَّتِي *** دَعَوْهَا مِنَ الأَشْجَانِ تَسْتَمْرِىءُ المُرَّا(1)

فَأَنْتَ وَلِيُّ الأَمْرِ تَعْلَمُ مَا جَرَى *** عَلِيمٌ خَبِيرٌ خَيْرُ مَنْ عَرَفَ الأَمْرَا

وَلكِنَّمَا لِلصَّبْرِ حَدٌ وَ إِنْ يَكُنْ *** بِصَدْرِكَ صَبْرٌ... مُسْتَمْكِناً وَكْرَا

فكَمْ كَانَ لِلَّهِ الدَّوَائِرُ وَ الرَّدَى *** عَلَى أُمَمٍ قَامَتْ تُحَارِبُهُ جَهْرَا(2)

فَهَلْ أَنَّهُمْ أَدْنَى مِنَ القَوْمِ بَعْدَ أَنْ *** أَذَاقُوا ابْنَةُ الهَادِي المَصَائِبَ وَ القَهْرَا

قَدِ اسْتَوْحَدُوهَا وَ الوَصِيُّ مُقَيَّدٌ *** وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوصَى لَعَاجَلَهُمْ كَرَّا

وَ لَنْ يَجْرَعَ المَحْتُومُ كَأَسَاً مُصَبَّراً *** وَعَايشَ الأماً مُفَتْنَةً تَتْرَى(3)

جُفَاةٌ عَلَى قُطبِ الرَّحَى قَدْ تَأَلُّبُوا *** وَ كَانَ بِعَيْنِ اللَّهِ مَا جَرَعَ الصَّبْرَا

أَمَامَ عَلِيٍّ حَاصَرَ البَيْتَ جَمْعُهُمْ *** وَ قَدْ أَمَرَ الخَطَّابُ فِي النَّارِ أَنْ تُذْرَى

فَلاَذَتْ وَرَاءَ البَابِ ابْنَةُ أَحْمَدٍ *** فَشَدُّوا عَلَيْهَا بَعْدَ أنْ أرْعِبَتْ ذُعْرَا

فَمَا آنَ حَتَّى هَشَّمَ القَوْمُ ضِلْعَهَا *** وَ لَمَّا يُرَاعُوهَا وَ قَدْ رَوَّعُوا الطُّهْرَا

***

أَمَا آنَ أَنْ تَدْعُو لأمْكَ مُغْضَباً *** لِمَاذَا جَعَلْتُم فَاطِماً تَشْتَكِي الضُّرّا؟(4)

أَمَا آنَ أَنْ يَعْلُو لِوَاؤُكُمُ عَلَى *** رُبوع الدُّكَا بِالعَدْلِ مُؤتَلِقاً فَخَرَا؟

وَ تَدْعُو بِثَارَاتِ الظَّلِيمَةِ هَاتِفاً *** لِمَاذَا وَسِعْتُم ضِلْعَ فَاطِمَةٍ كَسْرَا؟

لِمَاذَا دَعَتْ خَلُوا ابْنَ عَمِّى وَ اتْرُكُوا *** عَلِيًّا وَإِلاَّ لِلدُّعَا أَكْشِفُ الشَّعْرَا؟(5)

لِمَاذَا أُهينَتْ بِالسِّبَاطِ وَ وَلْوَلَتْ *** وَ كَانَ لِضَرْبِ السَّوْطِ عَيْنٌ لَهَا حَمْرَا؟

وَ مِنْ بَعْدِ ذَاكَ الصَّبْرِ لَمْ يَتْرُكُوا لَهَا *** ضَرِيحاً وَ لَمْ يَسْتَهِدِ زَائِرُهَا قَبْرا

فَوَاللَّهِ يَا بْنَ الطَّاهِرِينَ وَيَا بْنَ مَنْ *** مَدَى الدَّهْرَ يَبْقَىٰ خَيْرَ دَاعِ إِلَى الْأُخْرَىٰ

ص: 159


1- تستمرىء: تأكل و تجده مريئاً.
2- الردَّى: الموت، الفناء. جهراً: علانية.
3- تترى: تتتابع.
4- الضُّر: الأذى.
5- الدُّعا: الدعاء.

مَصَائِبُكُمْ لَوْ فِي الْجِبَالِ لَدَكْدَكَتْ *** وَ أَعْظَمُهَا تَأْخِيرُ حَيْدَرَ مُضطرَّا(1)

وَ تَقْدِيمُ قَوْمِ لَمْ يُسَاوُوا لِقَنَّبَرٍ *** نِعَالاً بِهِ قَدْ كَانَ يَزْدَلِفُ الأَجْرَا

وَ تَرْكُهُمُ بَيْتَ النُّبُوَّةِ مُوصَداً *** وَ جَعْلُهُمُ سَاحَاتِ شَرْعِكُمُ قَفْرَى(2)

***

أَلاَ أَيُّهَا المَوْتُورُ ظُلْماً إِلَى مَتَى *** حُسَامُكَ لَمْ يُشْهَرْ أَمَا تُدْرِكُ الوَتْرَا؟(3)

أتَتْرُكُ مَا ذَاقَ الجَنِينُ وَ أُمُّهُ *** وَ مِنْ بَعْدُ هَذِي الْأَرْضُ قَدْ مُلِئَتْ جَوْرا

وَدَعْ عَنْكَ مَا ذَاقَ الحُسَيْنُ بِكَرْبَلاً *** وَ فِتْيَانُهُ فِي أَرْضِهَا جُزْرُوا جَزْرا(4)

ص: 160


1- دكدكت: دك البناء: سوّاه بالارض.
2- قفرى: خالية.
3- الوتر: الثأر.
4- جُزُروا: جزر الشيء: قطعه، و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

(40) الزهراء علیها السلام في القرآن

(بحر الوافر)

الشيخ عبد الستار الكاظمي (*)(1)

سَأَدْعُو اللَّهَ لَوْ جِئتُ إِلَى الحَشْرِ *** وَ أَشْكُو لَوْعَةَ المِسْمَارِ فِي صَدْرِيْ

***

أَلاَ يَا رَبِّ احْكُمْ أَنْتَ يَا جَبَّارْ *** هُنَا فِي الحَشْرِ فِيمَنْ يَحْمِلُ الأَوْزَارْ

لِمَاذَا أَنْبَتُوا فِي صَدْرِيَ المِسْمَارْ *** لِتَغْسِيلِي دِمَائِي نَزْفُهَا يَجْرِي

***

دَعَاهُمْ وَالِدِي فِي مُحْكَمِ القُرآنْ *** وَ أَوْصَاهُمْ بِنَا بِالبِرِّ وَ الإِحْسَانْ

فَلَمَّا رَاحَ عَنَّا أَشْعَلُوا النِّيرَانْ *** وَ فِي ظُلْمِ وَ جَوْرٍ أَحْرَقُوا خِدْرِي

***

إِلَيْكَ المُشْتَكَى مِنْ عُصْبَةِ الجَهْلِ *** وَ حُزْنِي لَمْ يَزَلْ مِنْ ظُلْمِهِمْ يَغْلِي

فَفِي عَيْنِي أَمَامِي قَدَّمُوا بَعْلي *** وَ فِي الصَّبْرِ وَصَاهُ فِي الصَّبْرِ

***

وَرَاءَ المُرْتَضَى فِي وَضْعِيَ المُدْنَفْ *** مِنَ البَلْوَىٰ لِرَأْسِي كِدْتُ أَنْ أَكْشِفْ(2)

ص: 161


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- المدنف: المريض.

فَنَادَى حَيْدَرٌ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُكْتَفْ *** أُجَرِّعُهُمْ كُؤُوسَ المَوْتِ فِي ذُعْرِ

***

أَبُوكِ جَاءَ لِلإِسْلامِ لِلرَّحْمَهْ *** أَلأَ يَا فَاطِمٌ مَا مَصْدَرُ العِصْمَهْ

فَلَا تُكْوَى وَ حَاشَاكَ مِنَ النِّقْمَهْ *** وَ إِنْ كَالُوا عَلَيْنَا الصَّبْرَ بِالغَدْرِ

***

صَبَرْنَا يَا إِلهِي فِي رَزَايانا *** وَ فِي عَيْنَيْكَ سَامَتْنَا رَعَايَانا

وَ ظُلْماً نَصَّبُوا لِلْحُكُم شيطانا *** يَسُوسُ النَّاسَ بَيْنَ الظُّلْم وَ الجَوْرِ(1)

***

مِنَ البَدْءِ لَقَدْ أَحْسَنْتَ بِي صُنْعَا *** وَ نُورٍ فِي جَبِينِ المُصْطَفَى يَسْعَى

فَيَا رَبِّي أَتَرْضَى أَسْكُبُ الدَّمْعَا *** وَ مِنْ حُزْنٍ لِحُزْنٍ طُلْتَ بِالعُمْرِ

***

بِمَا عَظَمْتَ شَأْنِي أَيُّهَا البَارِي *** وَ مَا بَوَّأْتَنِي فِي بَحْرِ أَسْرَارِي(2)

ألا إلَى مَنْ ضَامَنَا أَدْخِلْهُ فِي النَّارِ *** وَ لاَ تَرْحَمْهُ يَا جَبَّارُ مِنْ حَرِّ(3)

***

هُنَاكَ الطُّهْرُ عِنْدَ الحَشْرِ وَ المَفْزَعْ *** أَمَامَ الخَلْقِ فِي آيَاتِهَا تَطْلَعْ

صنيعَةُ رَبِّنَا فِي ظِلِّهِ تَشْفَعْ *** لأهْلِ الصَّبْرِ فِي أَمْنِ مِنَ الضُّرِّ

***

أَنَا الزَّهْرَاءُ فِي القُرآنِ وَ السُّنَّهْ *** أَنَا القُرْبَى وَ أَجْرُ الصَّبْرِ فِي المِحْنَهْ

بِنَا الفَوْزُ إِلَى الرِّضْوَانِ وَ الجَنَّهْ *** إِلَيْهَا تَدْخُلُ فِي رَفْرَفٍ خُضْرِ

ص: 162


1- يسوس الناس: من السياسة، أي يسيِّس الناس.
2- بوّأتني: أقمتني.
3- ضامنا ظلمنا و قهرنا. و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

(41) يا سلوة الكرار

(بحر الرّمل)

السيد عبد الصاحب الموسوي

يَا آيةَ الرَّحمنْ *** يَا مَرْكَزَ الإِيمَانْ

يَا بَضْعَةَ المُخْتَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

أَنْتِ رَمْزُ لِلْمَعَالِي *** وَ المَعَالِي فِيكِ تَشْهَدْ

أَنْتِ نِبْرَاسٌ مُضِيءٌ *** فِي سَمَاءِ المَجْدِ فَرْقَدْ(1)

أَنْتِ عِلْمٌ أَنْتِ حِلْمٌ *** أَنْتِ فَخْرٌ لَيْسَ يَنْفَدْ(2)

أَنْتِ لِلْعَلْیَاءِ أُمٌّ *** أَنْتِ نُورٌ مِنْ مُحَمَّدْ(3)

ص: 163


1- نبراس: مصباح. فرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يهتدى به.
2- لعل البيت يشير إلى علمها علیها السلام. ففي كتاب (مناقب آل أبي طالب) لابن شهر آشوب ج3 ص321 (مؤسسة انتشارات علامة. قم) «وإن الله «تعالى» أعطى عشرة أشياء لعشرة من النساء: التوبة لحواء زوجة آدم، و الجمال لسارة زوجة ابراهيم و الحفاظ لرحيمة زوجة أيوب و الحرمة لآسية زوجة فرعون و الحكمة لزليخا زوجة يوسف و العقل لبلقيس زوجة سليمان و الصبر البرحانة أم موسى و الصفوة لمريم أم عيسى علیه السلام و الرضا لخديجة علیها السلام زوجة المصطفى صلي الله علیه و اله و سلم و العلم لفاطمة علیها السلام زوجة المرتضى علیه السلام.
3- جاء في هذا المعنى عدة روايات تذكر أن الزهراء علیها السلام هي نور من محمد صلي الله علیه و اله و سلم نذكر منها ما جاء في كتاب (دلائل الإمامة للطبري) ص59 الطبعة الثالثة (منشورات) الرضي. (قم). «عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم قال: إن الله «تعالى» خلقني صلي الله علیه و اله و سلم و علياً علیه السلام و فاطمة علیها السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام. قلت: فأين كنتم يا رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم؟ قال: قدَّام العرش نسبُح اللَّه و نقدّسه و نحمده قلت: على علیه السلام أي مثال؟ قال: أشباح نور حتى إذا أراد الله أن يخلق صورنا صيَّرنا عمود نور ثم قذفنا في صلب آدم ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء و أرحام الأمهات، لايصيبنا بخس الشرك و لاسفاح الكفر يسعد بنا قوم و يشقى آخرون فلما صيَّرنا إلى صلب عبدالمطلب أخرج ذلك النور فشقَّه نصفين فجعل نصفه في عبدالله و نصفه في أبي طالب ثم أخرج النصف الذي لي إلى آمنة بنت وهب، و النصف الآخر إلى فاطمة بنت أسد فأخرجتني آمنة و أخرجت علياً علیه السلام فاطمة علیها السلام، ثم أعاد «عزوجل» العمود إليَّ فخرجت مني فاطمة علیها السلام و أعاده إلى علي فخرج الحسن و الحسين علیهما السلام يعني من النصفين جميعاً، فما كان من نور علي صار في ولد الحسن علیه السلام و ما كان من نوري صار في ولد الحسين علیه السلام فهو ينتقل في الأمة من ولده إلى يوم القيامة».

يَا مُنتَدَى الإِحْسَانْ *** يَا زَهْرَةَ الأَكْوَانْ

يَا قُدْوَةَ الأَبْرَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

كُنْتِ نُوراً مَعْ أَبِيكِ *** مُحْدِقاً بِالعَرْشِ مُشْرِقْ

ثُمَّ فِي قَوْسِ النُّزُولِ *** فِي جَبِينِ الدَّهْرِ يُبْرِقْ

كُلُّ مَا فِي الكَوْنِ أَضْحَى *** حَائِراً بِالرَّأْس مُطْرِقْ

أَنْتِ نُورُ اللَّهِ حَقاً *** بِالعُلَى وَ الفَضْلِ مُحْدِقْ(1)

يَا خِيرَةَ النُّسْوَانْ *** يَا مَظْهَرَ القُرْآنْ

يَا زُبْدَةَ الأَخْيَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

أَنَتِ يَا أُمَّ أَبِيهَا *** صِرْتِ لِلأَجْيَالِ أُمّا(2)

فَسَقَيْتِ الكَوْنَ طُرّاً *** مِنْ مَعَانِي الفَضْلِ عِلْما

وَ نَشَرْتِ الخَيْرَ نَشْراً *** وَ رَسَمْتِ المَجْدَ رَسْمَا

وَ سَبَقَتِ النَّاسَ فَضْلاً *** ثُمَّ إِحْسَاناً وَ حِلما

ص: 164


1- محدق: محيط.
2- جاء في هذا المعنى عن (مقاتل الطالبيين) ص29 (الطبعة الثانية سنة (1405 ه_) (الشريف الرضي) و (تهذيب التهذيب) للعسقلاني ج12 ص440 ط/ دار صادر بيروت: (فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام.)

يَا دُرَّةَ النيجَانْ *** يَا مَلْجَأَ الحَيْرَانْ

يَا بَلْسَمَ الأَفْكَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

قَدْ عَبَدْتِ اللَّهَ سِرَّاً *** قَدْ عَبَدْتِ اللَّهَ جَهْرا(1)

قَدْ مَلَاتِ الكَوْنَ عِلماً *** ثُمَّ إِحْسَاناً وَ فَخْرَا

قَدْ أَنَرْتِ الدَّرْبَ حَقَّاً *** وَ دَحَرْتِ الظُّلْمَ دَحْرا(2)

قَدْ سَمَوْتِ المَجْدَ طُرَّاً *** وَ نَصَرْتِ الحَقَّ نَصْرَا

يَا مَصْدَرَ البُرْهَانْ *** يَامُنْتَهَى التَّبْيَانْ

يَاقُرَّةَ الأَبْصَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

أَنْتِ سِرُّ اللَّهِ فِينَا *** أَنْتِ في الآفَاقِ شَمْسُ

أَنْتِ لِلأَنْوَارِ أَصْلٌ *** أَنْتِ لِلمُخْتَارِ نَفْسُ(3)

أَنْتِ لِلأَحْرَارِ نَهْجٌ *** لَكِ فَخْرٌ لاَ يُمَسُّ

أَنْتِ لِلْكَرَّارِ کُفْوٌ *** أَنْتِ لِلْكَرَارِ أُنْسُ(4)

ص: 165


1- في كتاب إحقاق الحق ج10 ص261 عن «ربيع الأبرار» للعلامة جار الله أبوالقاسم محمود بن عمر الزمخشري الحنفي ص195 مخطوط ما يشير إلى أن الزهراء علیها السلام كانت أعبد الأمة. فقد روي عن الحسن أنه قال: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام، كانت تقوم حتى تتورّم قدماها».
2- دحرت: طردت. أبعدت.
3- لعله أراد من هذا المعنى ما جاء في كتاب «عوالم سيدة النساء» ج1 ص43 باب «أنه لماذا لولا فاطمة علیها السلام لما خُلق النبي صلي الله علیه و آله و سلم و علي علیه السلام» رقم(1) عن كتاب (الجنة العاصمة) من أن الزهراء علیها السلام أصل الخلق: «عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عن الله تبارك و تعالى أنه قال: يا أحمد صلي الله علیه و آله و سلم لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا على علیه السلام لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما.
4- في ينابيع المودة ص208 و ص213: عن أم سلمة «رضي الله عنها» قالت: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لو لم يخلق الله علياً علیه السلام ما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ».

يَا نُدْبَةَ اللَّهْفَانْ *** يَا قِمَّةَ العِرْفَانْ

يَا كَوْكَبَ الأَسْحَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ(1)

***

أَوَلَيْسَ اللَّهُ أَوْصَى *** فِيكِ وَ القُرْآنُ يَشْهَدْ؟

أَوْ وجَبَ الرَّحْمنُ وُدّاً *** لَكِ يَا عُنْوَانَ أَحْمَدْ

فَلِمَاذَا القَوْمُ هَاجُوا *** هَتَكُوا خِدْراً مُؤَيَّدْ

أَضْرَمُوا بِالبَابِ نَاراً *** أَحْرَقَتْ قَلْبَ مُحَمَّدْ

قَدْ أَسَّسُوا العُدْوَانْ *** مُذْ أَشْعَلُوا النِّيرَانْ

فِي بَاب تِلْكَ الدَّارْ *** يَا سَلْوَةَ الكرارْ

***

دَخَلُوا البَیْتَ عِنَاداً *** مَا رَعَوْا لِلْبَیْتِ قَدْرا

وَ هْوَ بَيْتُ اللَّهِ وَ الأَنْوَارِ *** دَوْماً مِنْهُ تَتْرَى(2)

كَسَرُوا ضِلْعاً عَظِيماً *** قَدْحَوَى لِلَّهِ سِرَّا

أَسْقَفُوا مِنْهَاجَنِيناً *** ثُمَّ قَادُوا المجدَ قَسْرا

يا قَالِعَ البِيبَانْ *** كَيْفَ اعْتَدَى الذُّؤْبَانْ(3)

بِالنَّارِ وَ المِسْمَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

خَرَجَتْ خَلْفَ عَلِىِّ *** وَ هْيَ تُخْفِي مَا تُعَانِي

خَلُّوا عَمَّن كَانَ رَمْزاً *** لِلهُدَى فِي كُلِّ آنِ

خَلُّوا عَمَّنْ قَدْ هَدَاكُمْ *** فَهُوَ سِرٌّ لِلْمَثَانِي

ص: 166


1- قلائد الانشاد في النبي صلي الله علیه و آله و سلم وآله الأمجاد ص480.
2- تترى: متتابعة.
3- البيبان: جمع الباب و الذوبان: جمع الذئب.

يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْهَضْ *** كَيْ تَرَىٰ مَا قَدْ دَهَانِ دَهَانِي

يَا مُنْقِذَ الإِنْسَانْ *** قُمْ وَ انْظُرِ الطَّغْيَانْ

مَاذَا جَنَى الأَشْرَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

ثُمَّ رَدَّتْ وَ هْيَ تَبْكِي *** بَعْدَ مَا قَلَّ النَّصِيرُ

قَدْ بَنَتْ لِلْحُزْنِ بَيْتاً *** سَمْكُهُ دَمعٌ غَزِیرُ

طَالَمَا كَانَتْ تُنَاجِي *** رَبَّهَا وَ هُوَ النَّصِیرُ

لَيْتَ هَذَا العُمْرُيَفْنَى *** لَيْتَهُ عُمْرٌ قَصِيرُ

يَا رَبِّ يَا ديَّانْ *** يَا مُنْزِلَ الفُرْقَانْ

أَلحِقْنِي بِالمُخْتَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ

***

لَهْفِي مَاتَتْ بِنْتُ طهَ *** وَ الأَسَى مِلْءُ الفُؤَادِ

جَهَّزَ الزَّهراءعَلِيٌّ *** وَ هُوَ بِالوَيْلِ یُنَادي

يَا رَسُولَ اللَّهِ سَلْهَا ** عَنْ نَايَاتِ الأعَادِي

رَوَّعُوهَا أَطْعَمُوهَا *** بِالأَذَى مُرَّ السُّهَادِ

بِالذُلِّ و الأَشْجَانْ *** وَ النَّوْحِ وَ الأَحْزَانْ

وَ الوَجْدِ وَ الأَكْدَارْ *** يَا سَلْوَةَ الكَرَّارْ(1)

ص: 167


1- جمادى الأولى سنة (1415 ه_) لبنان. بعلبك.

(42) هي الزهرة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ عبد العزيز العندليب (*)(1)

عَلَيْكُمْ سَلامُ اللهِ فِي هَذِهِ الذِّكْرَى *** وَ رَحْمَتُهُ فِي مَولدِ الخَيْرِ وَ البُشْرَى

وَ يَا حَبَّذَا ذِكْرَى عَلَيْنَا عَزِيزَةٌ *** بِمَوْلِدِ بِنْتِ الوَحْيِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا

وَ مَاذَا أَرَانِي قَائِلاً فِي كَرِيمَةٍ *** مَحَاسِنُهَا قَدْ فَاقَتِ الحَدَّ وَ الحَصْرَا

وَ مَنْ قَدْ حَبَاهَا اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ *** مَقَاماً مَنِيعاً حَيَّرَ الوَهُمَ وَ الفِكْرًا

وَ مَنْ يَسْخِط البَارِي لِمَا سَخِطَت لَهُ *** وَ يَرْضَى بِمَا تَرْضَى بِهِ وَ كَفَىٰ قَدْرا(2)

ص: 168


1- (*) هو الاستاذ عبد العزيز ابن الشيخ علي بن عبد الله الملقب بالعندليب، و عبد العزيز العندليب اسم لامع في سماء الادب و العلم و الفضل و يشار إليه بأنه شاعر مبدع من ذوي الفضل و الصلاح و أيضاً يقال عنه بأنه دائرة معارف متنقِّلة. و كيف لايكون كذلك و هو من أسرة دينية و علمية عرف في الكويت، والده الخطيب الألمعي المرحوم الشيخ علي بن عبد الله العندليب. ولد في الكويت سنة (1362 ه_) الموافق (1943 م) و أخذ دراسته الابتدائية منها من المدرسة الجعفرية و تابع دراسته حتى نال عدداً من الشهادات الجامعية، من جامعة الكويت و مصر و لبنان و سوريا في مجال اللغة العربية و التجارة و الفلسفة و علم النفس و دراسات ،الشريعة و التاريخ و الحقوق إلى جانب ثقافته الذاتية و ذكائه المفرط. و قد شغل عدة، وظائف، و كان يدرس لفترة في جامعة الكويت. و يعد المترجَم له من مفاخر شعراء، الكويت، و هو مكثر و سريع في النظم و يفتخر أنه يدعى بشاعر أهل البيت علیهم السلام و من مفاخره أنه يشترك في الحفلات الدينية و دوره مشهود و قد رأيته مراراً و هو ينظم شعره قبل الالقاء بلحظات أو في طريقه إلى منصة الاحتفال و هذا يدل على قدرته و تمكنه من النظم و له أيضاً في كل محرَّم قصيدة في الحسين علیه السلام يقرأها بنفسه في الاذاعة الكويتية ليلة عاشوراء.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب فرائد السمطين ج2 ص46 قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إن اللَّه «عزوجل» ليغضب لغضب فاطمة علیها السلام، و يرضى لرضاها.

لَهَا مَكْرُمَاتٌ لَيْسَ يُمْكِنُ عَدُّهَا *** وَ غُرُّ مَعَانٍ تُعْجِرُ النَّظمَ وَ النَّثْرَا

وَ مَاذَا يَقُولُ المادِحُونُ بِشَأْنِهَا *** وَ فِي شَأْنِهَا الرَّحْمَنُ قَدْ أَنْزَلَ الذِّكْرَا

هِيَ الزَّهْرَةُ الزَّهْرَاءُ فَاطِمَةُ الَّتِي *** يُنيرُ سَنَا أَمْجَادِهَا الْأَنْجُمَ الزُّهْرَا(1)

كَمَا تَتَوَارَى الشَّمْسُ مِنْ نُورٍ وَجْهِهَا *** وَ تُخْجِلُ بَدْرَ التَّمِّ بالطَّلْعَة الغَرَّا

وَ بَضْعَةُ خَيْرِ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ صلي الله علیه و آله و سلم *** وَ مَنْ سُمِّيَتْ فِي الذِّكْرِ كَوْثَرَةُ الثَّرَّا(2)

غَدَاةَ انْبَرَى (العَاصُ بنُ وَائل) سَاخِراً *** مِنَ المُصْطَفَى الهَادِي وَ عَيَّرَهُ كُفْرَا(3)

فَبَشَرَهُ اللَّهُ الجَلِيلُ كَرَامَةً *** بِذُرِّيَّةٍ مِنْهَا وَ إِذْ ذَاكَ قَدْ سُرَّا(4)

وَ أَنْجَبَتِ الزَّهْرَاءُ لِلطُّهْرِ عِتْرَةً *** تَتِيهُ بِهِمْ دُنْيَا الوُجُودِ و لانُكْرَا(5)

هُمُ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ مِنْ وُلْدِ آدَمٍ *** وَ أَرْفَعُهُمْ شَأناً وَ أَعْظَمُهُمْ أَمْرا

كِرَامٌ مَيَامِينْ هُدَاهُ أَئِمَّةً *** يَفِيضُ عَلَى كُلِّ الوَرَى فَيضُهُمْ غَمْرَا

***

تَجَلَّت فَجَلَّتْ فِي عُلى وَ مَحَامِدٍ *** أَجَلْ... إِنَّ لِلخَلاقِ فِي خَلْقِهَا سِرَّا

ص: 169


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ثم أظلمت المشارق و المغارب فشكت الملائكة إلى الله «تعالى» أن يكشف عنهم الظلمة، فكلّم الله جل جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات، الحديث. و قد مرت أحاديث متضافرة عن ذلك عن مصادر عدة فراجع.
2- إشارة إلى ما روي في صحيح الترمذي ج2 ص319 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي يعني فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.
3- انبری: اعترض أو قام بالشيء. و عيرَّه: عيَّبه و نسبه إلى العار و قبح عليه فعله.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج16 ص80 في حديث طويل عن الصادق علیه السلام: فدخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوماً و سمع خديجة علیها السلام تحدّث فاطمة علیها السلام، فقال لها: يا خديجة علیها السلام، من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني. فقال لها: هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، و أنّها النسمة الطاهرة الميمونة، و ان الله «تبارك وتعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمّة في الأمة.
5- تتيه: تتكبر و تتبختر فرحاً.

وَ قَدْ دُعِيَتْ فِي الابْتِهَالِ (نِسَاءَنَا) *** وَ لَاغَرْوَ إِذْ فَاقَتْ نِسَاءَ الوَرَى طُرَّا

وَ قِدْماً أَتَى فِي (هَلْ أَتَى) فِي مَدِيحِهَا *** بَيَانُ إِلهِيَّ بِإِيفَائِهَا النَّذْرا(1)

نَعَمْ... إِنَّهَا مَعْصُومَةٌ وَ زَكِيَّةٌ *** بَتُولٌ غَدَتْ مِنْ بَيْنِ أَتْرَابِهَا وِتْرَا(2)

كَمَا أَنَّهَا مَرْضِيَّةٌ وَ رَضِيَّةٌ *** وَ إِنْسِيَّةٌ حَوْرَاءُ صِدِّيقَةٌ كُبْرَى(3)

***

وَ مَا ابْنَةُ عِمْرَانٍ عَلَى رَغْمِ فَضْلِهَا *** بِبَالِغَةٍ مِنْ فَضْلِ فَاطِمَةٍ عُشْرَا(4)

وَ مَا أُمُّ إِسْمَاعِيلَ هَاجَرُ فِي العُلَى *** أَوِ المَجْدِ يَوْماً تُشْبِهُ البَضْعَةَ الطُّهْرَا

وَ لَوْلاً عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ كُفْزَهَا امْرُؤٌ *** إِذِ اخْتَارَ بَارِيهَا لَهَا المُرْتَضَى البَرَّا

فَلِلَّهِ بِنْتٌ قَدْ دَعَاهَا لِفَضْلِهَا *** أَبُوهَا لَهُ أَمْاً فَزَادَتْ بِهِ فَخُرا

قَدِ انْعَقَدَتْ فِي الأَصْلِ نُطْفَتُهَا بِمَا *** تَنَاوَلَهُ المُخْتَارُ فِي (لَيْلَةِ الإِسْرَا)

ص: 170


1- إشارة إلى قوله تعالى في سورة الانسان آية/7 «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا». فقد ورد في تفسير الأمثال ج19 ص226: (يُوفُونَ) فان المصداق الأتم و الأكمل لهذه الآيات هو أميرالمؤمنين و فاطمة الزهراء و الحسنان علیهم السلام لإيفائهم بما نذروه من الصوم ثلاثة أيام حيث لم يتناولوا فيها إلا الماء و قلوبهم مملوءة بالخوف من اللَّه و القيامة.
2- إشارة إلى ما روي في عصمتها و طهارتها و في ذخائر العقبى ص24. عن أبي سعيد الخدري قال: قوله تعالى في سورة الاحزاب آية/ 33 «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»: نزلت في خمسة. في رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام أخرجه أحمد في المناقب و أخرجه الطبراني. و ترا: فرداً.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب الدر المنثور ج8 ص543: دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على فاطمة علیها السلام و هي تطحن بالرحى و عليها كساء من حملة الإبل، فلما نظر إليها قال: يا فاطمة علیها السلام تعجّلي فتجَري مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً. فأنزل الله «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى».
4- و قد ورد بعض ذلك في كتاب لسان الميزان ج3 ص346 ط بيروت: لما خلق الله آدم و حوّاء تبخترا في الجنة و قالا: من أحسن منّا ؟ فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها، لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار: قالا يا رب ما هذه؟ قال: صورة فاطمة علیها السلام سيدة نساء ولدك. قال: ما هذا التاج على رأسها؟ قال: علي علیه السلام بعلها. قال: فما القرطان؟ قال: ابناهما علیهما السلام وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.

وَ مِنْ نُورِهَا فِي (طُورِ سَيناءَ) إِذْ غَدا *** رَأَى قَبْساً مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ إِذْ خَرَّا(1)

وَ لَوْ شَاءَ كُتابُ الوَرَى أَنْ يُسْجِّلُوا *** مَحَامِدَهَا يَوْماً وَ أَفْضَالَهَا الكُثْرَا

وَ كُلُّ بِحَارِ الأَرْضِ كَانَ مِدَادَهُمْ *** لَمَا كَتَبُوا مِنْ سِفْرٍ أَمْجَادِهَا سَطَرَا

***

فَيَا مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ هَدْياً وَ رِفْعَةً *** وَ يَا لَيْلَةَ القَدْرِ التِي خَفِيتْ قَدْرَا

وَ يَا آيَةَ الفَجْرِ الَّذِي نَسَمَاتُهُ *** إِلَى أَبَدِ الآبادِ فَوَّاحَةٌ عِطَرَا

يجَاهِكِ نَدْعُو رَبَّنَا أَنْ يُنيلَنَا *** شَفَاعَتَكِ المُرْجَاةَ إِذْ نَردُ الحَشْرَا

بِمَوْلِدِكِ الزَّاكِي تُقِيمُ احْتِفَالَنَا *** وَ قَدْ زَادَتِ الذِّكْرَى لَنَا الأُنْسَ و البِشْرَا

عَلَيْكِ مَدَى الأَيَّامِ خَيْرُ تَحِيَّةٍ *** وَ أَزْكَى صَلاةِ اللَّهِ دَائِمَةً تَتْرَى(2)

ص: 171


1- قبساً: شعلة النار تؤخذ من معظم النار. خرَّ: سقط من علو إلى أسفل.
2- قالها بمناسبة ميلاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام جمادى الثانية سنة (1414 هجرية). الكويت.

(43) الفرحة الكبرى

(مجزوء الوافر)

الأستاذ عبد العزيز العندليب(*)(1)

نَعَمْ فَالْفَرْحَةُ الكُبْرَى *** بِذِكْرَى مَوْلِدِ الزَّهْرَا

***

أَعِدْ فِي هَذِهِ الذِّكْرَى *** حَدِيثَ الخَيْرِ وَ البُشْرَى

فَفِيهَا الفَرْحَةُ الكُبْرَى *** تَزيدُ الأنْسَ و البِشْرَا

***

أَعِدْ بِالبِشْرِ وَ السَّعْدِ *** حَدِيثَ الحُبِّ و الوُدِّ

فَفِيهِ عَابِقُ النَّدِّ *** يَفُوحُ أريجُهُ نَشْرَا(2)

***

وَ وَجْهُ الكَوْنِ مُزْدَانُ *** بِهِ رَوْحٌ وَ رَيْحَانُ

وَ أَنْعَامٌ وَ أَلْحَانُ *** تَخَالُ نَشِيدَهَا سِحْرا

***

وَ لِلأَطيَارِ تَغْرِيدُ *** بِهِ لِلَّهِ تَوْحِيدُ

وَ تَسْبِيحَ وَ تَمُجِیدُ *** لَهُ سُبحَانَهُ شُكْرَا

ص: 172


1- (*) مرّت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- أريجه: رائحته الطيبة.

بِمِیلادِ ابْنَةِ الطُّهْرِ *** وَ زَوْجِ المُرْتَضَى البَرِّ

وَ أُمْ السَّادَةِ الغُرِّ *** وَ مَنْ فَاقُوا الوَرَى طُرَّا

***

تَسامَتْ فِي مَعَانِيهَا *** تَعَالَى اللَّهُ مُنْشِيها

بَرَاهَا مُودِعاً فِيهَا *** صِفَاتٍ تُعْجِزُ الفِكْرَا(1)

***

لَهَا كُلُّ الكَمَالَاتِ *** وَ مَجْمُوعُ المَقَامَاتِ

وَ فِي الأَوْصَافِ وَ الذَّاتِ *** تَرَاهَا الفَرْدَ وَ الوِتْرَا

***

عَلَتْ فَضْلاً سَمَتْ مَجْدَا *** فَفَاقَ جَلالُهَا الحَدَّا

فَسُبْحَانَ الَّذِي أَبْدَى(2) *** لَهُ فِي خَلْقِهَا سِرَّا

***

دَعَاهَا المُصْطَفَى طهَ *** لَهُ أُمّاً فَأَسْمَاهَا

وَ رَبُّ العَرْشِ أَوْلاَهَا *** حَبَاهَا الجَاءَ وَ القَدْرَا

***

فَمَا أَحْلَى مَزَايَاهَا *** وَ مَا أَسْمَى سَجَايَاها

ص: 173


1- براها: خلقها.
2- لعله أشار إلى ما ورد في (دلائل الإمامة ص11 ، ط.3 منشورات الرضي) (عن إسحاق ابن جعفر قال: سمعت أبا عبدالله يقول: سُميَّت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم بنت عمران علیها السلام فتقول يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك... إلى قوله... و تحدثهم و يحدثونها فقالت لهم ذات ليلة: ألست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم علیها السلام كانت سيدة نساء عالمها و إن الله «تعالى» جعلك سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين).

يَفُوقُ اللَّفْظَ مَعْنَاهَا *** وَ يُعْيِي النَّظْمَ و النَثْرَا(1)

***

فَلاَ تُرْقَى مَرَاقِیهَا *** وَ لاَتُحْصَى مَعَالِيهَا

أَتّى فِي (هَلْ أَتَى) فِيهَا *** بَيَانُ الوَحْي لانُكْرا(2)

ص: 174


1- يُعيي: يعجز.
2- و في البيت إشارة إلى ما ورد في أمالي الصدوق ص212 (الطبعة الخامسة منشورات الأعلمي 1980). (حدثنا مسلمة بن خالد عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام في قوله «عزوجل»: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» قال: مرض الحسن و الحسين علیهما السلام و هما صبيَّان صغيران، فعادهما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و معه رجلان فقال أحدهما: يا أباالحسن علیه السلام لو نذرت في ابنيك نذراً إن اللَّه عافاهما. فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراًلله «عزوجل»، وكذلك قالت فاطمة علیها السلام، و قال الصبيان و نحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام و كذلك قالت جاريتهم فضة. فألبسهما الله عافية فأصبحوا صياماً و ليس عندهم طعام. فانطلق علي علیه السلام إلى جار له من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد صلي الله علیه و آله و سلم بثلاثة أصوع من شعير. قال: نعم، فأعطاه فجاء بالصوف و الشعير و أخبر فاطمة علیها السلام فقبلت و أطاعت ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصاً. و صلى علي علیه السلام مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم المغرب، ثم أتى منزله فوضع الخوان و جلسوا خمستهم فأول لتمة كسرها علي علیه السلام إذا مسكين قد وقف بالباب. فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة فوضع اللقمة من يده ثم قال: فاطم ذات المجد و اليقين *** يا بنت خير الناس أجمعين أما ترين البائس المسكين جاء إلى الباب له حنين *** يشكو إلى الله و يستكين يشكو إلينا جائعاً حزين کل امریٌ بکسبه رهین *** من يفعل الخير يقف سمين موعده في جنة رهين حرمها الله على الضنين *** و صاحب البخل يقف حزين تهوى به النار إلى سجين *** شرابه الحميم و الغسلين فأقبلت فاطمة علیها السلام تقول: أمرك سمع يابن عم و طاعة *** مابي من لؤم و لا وضاعة غذیت باللب و بالبراعة *** أرجو إذا أشبعت من مجاعة أن ألحق الأخيار و الجماعة *** و أدخل الجنة في شفاعة و عمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين و باتوا جياعاً، و أصبحوا صياماً يذوقوا إلا الماء القراح، ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ثم أخذت صاعاً من الشعير... فلما وضع الخوان بين يديه و جلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي علیه السلام إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني مما تأكلون، أطعمكم الله على موائد الجنة فوضع علي علیه السلام اللقمة من يده... ثم عمدت فأعطته ما على الخوان و باتوا جياعاً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح و أصبحوا صياماً، و عمدت فاطمة علیها السلام فغزلت الثلث الباقي من الصوف و طحنت الصاع الباقي و عجنته و خبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصاً و صلى علي علیه السلام المغرب مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أتى منزله فقرب إليه الخوان و جلسوا خمستهم فأول لقمة كسرها علي علیه السلام إذا أسير من أسراء المشركين... و عمدوا إلى ما كان على الخوان فأتوه و باتوا جياعاً و أصبحوا مفطرين و ليس عندهم شيء... و أقبل علي بالحسن و الحسين علیهما السلام نحو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع، فلما بصر بهم النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: يا أبا الحسن علیه السلام أشد ما يسوؤني ما أرى بكم. انطلق إلى ابنتي فاطمة علیها السلام فانطلقوا إليها و هي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع و غارت عيناها، فلما رآها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ضمها إليه و قال و اغوثاه بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى فهبط جبرائيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك. قال: و ما آخذ يا جبرائيل. قال: «هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ» حتى إذا بلغ «إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا»... و نزلت «هَلْ أَتَى» فيهم إلى قوله تعالى: «وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا».

فَفَوْقَ الوَهُم وَ الفِكْرِ *** مَقَامُ البَضْعَةِ الطُّهْرِ

وَ مَا شَأْنِي وَ مَا قَدْرِي *** لأُوردَ مَدْحَهَا شِعْرا

***

لَهَا فِي الذِّكْرِ تِبْيَانُ *** وَ سِفْرِ المَجْدِ عُنْوَانُ

وَ مِنْهَا القَوْلُ يَزْدَانُ *** وَ حَسْبِي مَدْحُهَا فَخُرَا(1)

***

ص: 175


1- یزدان: يتزيَّن.

هي الصَّدِّيقَةُ الكُبْرَى *** هِيَ الإِنْسِيَّةُ الحَوْرَا(1)

هي المَرْضِيَّةُ الطُّهْرَا *** بَنُولَةُ فَاطِمُ الزَّهْرَا(2)

ص: 176


1- أشار الشاعر في قوله: (الإنسية الحورا) إلى الرواية الواردة في «دلائل الإمامة» الطبعة الثالثة. منشورات الرضي. ص53 جاء فيها: «عن زينب علیها السلام بنت علي علیه السلام قالت: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قد كنت شهدت فاطمة علیها السلام قد ولدت بعض ولدها فلم ير لها دم. فقلت: يا رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم إن فاطمة علیها السلام ولدت فلم نر لها دماً قال: إن فاطمة علیها السلام خلقت حورية إنسية».
2- إشارة إلى ما ورد في «علل الشرائع» ج1 ص215 الطبعة الأولى. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات: عن علي بن أبي طالب علیه السلام أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم سُئِل: ما البتول فإنا سمعناك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تقول: إن مريم بتول علیها السلام و فاطمة بتول علیها السلام؟ فقال صلي الله علیه و آله و سلم: البتول التي لم تر حمرة قط، أي لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء». و الظاهر أن البيت خصوصاً في صدره لايخلو من خلل في الإعراب لنصب (طهر) و هو مما يستحق الرفع إلاَ إذا قلنا إن الضرورة الشعرية تسمح بمثل ذلك واللَّه العالم. نظمت القصيدة في سنة (1414 ه_).

(44) قدسية المعنى

( )

عبد العزيز العندليب(*)(1)

في يومِ ميلادِ ابنة المصطفَى الأَطْهَرْ *** عَمَّ الوجودَ البِشرُ و الأُفُقُ قَد أَزْهَرْ

وازدانَ وجهُ الكون إذ أشرَقَت شمسٌ *** في بيتِ طَه دُونَهَا النَّيْرُ الأكبَرْ

ما الشمسُ إلاَّ لمعةٌ مِن مُحَيَّاها *** والفَجْرُ مِن لَأَلاَءِ أَنوارِهَا أَسْفَرْ

إنسيَّةٌ حَوراءُ قُدْسِيَّةُ المَعنى *** نَوْرَاءُ فِردَوسِيَّةُ الذَّاتِ وَ الجَوهَرْ

قد خَصَّ بإيهابِهَا المصطفى الهادي *** في نَسلِهِ رَغْماً عَنِ الشَّانِي الأَبْتَرْ

صِدِّيقةٌ معصومةٌ مَالَها كُفؤٌ *** في الخَلقِ لَو لَم يُخلِقَ المُرتَضَى حَيدَرْ

لا (بِنتُ عِمْرَانٍ) لَهَا في العُلَى صِنوٌ *** كلاَّ و لا في الفضلِ مِثلٌ لها (هَاجَرْ)

يا بِضعةَ الهادي و يا أُمَّ سِبْطَيْهِ *** و النِسعَةِ الأطهار، لِلَّهِ مِن مَعشَرْ

يا أُسْوَةَ النِسوانِ في الفضلِ و التقوى *** و العِلمِ و الإيمانِ و الخُلقِ و المَظْهَرْ

ذكراكِ ذِكِرى الخيرِ يزهو بِها حفلٌ *** مِن دُونِ رَيَّاهُ شَذا المِسكِ و العَنبَرْ

يا فاطمُ الزَّهرَاءُ يا مَن بها نرجو *** مرضَاةَ رَبِّ العَرشِ و الفَوزَ في المحشَرْ

إِنَّا توسَّلْنَا بِكُم يا بني طَه *** لِلقادرِ الباري و مِن حُبِّكُمْ نَفخَرْ

يا عِترةَ الهَادي عليكم بِلاحَدَّ *** أزكى السَّلاَمِ الدائمِ الأَطيبِ الأَعطَرْ

ص: 177


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر سابقاً.

(45) زوجت في السماء

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المجيد أبو المكارم (*)(1)

أَنَا فِي بَهْجَةٍ وَ كُلِّ سُرُورِ *** مُذْ تَلاقَتْ شَمْسُ الضُّحَى بِالنُّورِ

أَيُّ وَقْتِ قُلْ لِي فَقِيلَ لِيَوْمٍ *** بِالتَّهَانِي أَتَى وَ كُلِّ الحُبُورِ

حِينَ جَاؤُوا مُحَمَّداً فِي خِطَابٍ *** نَحْو تِلْكَ العَذْرَاءِ بنتِ النَّذِيرِ

وَ رَسُولُ الهُدَى يُمِيطُ نِدَاهُمْ *** قَائِلاً لَيْسَ ذَاكَ مِنْ تَفْكِيرِي

رَاوَدُوهُ بِأَمْرِهَا بَعْدَحِينٍ *** لَمْ يُلَبَّ الرَّسُولُ قَوْلَ النَّظِيرِ

فَرَقَى أَحْمَدٌ خَطِيباً عَلَيْهِمْ *** عَازماً دَعْوَةَ الإِلَهِ المُجِيرِ

فَتَتَحَوْا وَ أَوْعَزُوا لِعَلِيَّ *** وَ هُوَ إِذْ ذَاكَ فِي أَمَانٍ قَرِيرِ

فَأَتَى المُصْطَفَى عَلَيْهِ حَيَاءٌ *** فَوْقَ وَجْهٍ لَهُ كَبَدْرٍ مُنِيرِ

جَلَسَ المُرتَضَى يُقَابِلُ طَهَ *** خَاطِباً رَبَّةَ الحِجَا وَ الخُدُورِ

مِنْهُمَا جَاءَ بَعْضُ قَوْلٍ ظَرِيفٍ *** إِذْهُمَا يَذْكُرَانِ أَمْرَ الطَّهُورِ

وَإِذَا جَبْرَئِيلُ يَأْمُرُ طَهَ *** مِنْ إِلهٍ أَحَاطَ كُلَّ الأُمُورِ(2)

ص: 178


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ورد هذا المعنى في ينابيع المودة ص205 الجزء الأول - الطبعة الأولى (إنتشارات الشريف الرضي) و عن أنس قال: كنت عند النبي صلي الله علیه و آله و سلم. فغشيه الوحي فلما أفاق قال: يا أنس أتدري بما جاءني به جبرائيل من عند صاحب العرش «عزوجل»؟ قلت: بأبي و أمي بما جاءك جبرائيل؟ قال: قال جبرئيل: إن اللَّه يأمرك أن تزوّج فاطمة علیها السلام بعلي علیه السلام فانطلق فادع لي أبا بكر و عمر و عثمان و طلحة الزبير و نفراً من الأنصار.

زَوجِ النُّورَ فَاطِمَاً مِنْ عَلِيَّ *** بِرِضَاءٍ مِنَ الإِلَهِ البَصِيرِ(1)

فَاسْتَفَاضَ الوُجُودُ نُوراً جَلِياً *** وَ اسْتَنَارَتْ حَنَادِسُ الدَّيْجُورِ(2)

و أَثَارَ الإِلهُ كُلَّ وُجُودٍ *** بقِرانِ الزَّهْرا لِذَاكَ النُّورِ

حَيْدَرُ الطُّهْرُ بَدْرُ كُلِّ المَعَالِي *** كُفُوٌ تِلْكَ البَتُولِ بنتِ الشَّكُورِ(3)

فَهيَ نُورٌ تَلاَهُ نُورٌ عَمِيمٌ *** نُور ذَاكَ الوَصِيَّ الزَّكِيَّ المُنيرِ

كُلُّ فَرْدِ لِكُفْرِهِ صَارَ كُفُواً *** مِنْ عَظِيمِ وَ قَاهِرٍ وَ قَدِيرِ

ص: 179


1- و فيه إشارة إلى ما ورد في كتاب (عوالم العلوم و المعارف و الأحوال ج1/11 ص365). «عن سلمان الفارسي (رضوان الله «تعالى» عليه) قال: دخلت على فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتى دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: فقلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً؟ فقال: يا سلمان ليلة أُسرى بي إلى السماء إذ رأيت جبرئيل في سماواته و جنانه فبينما أنا أدور قصورها و بساتينها و مقاصرها إذ شممت رائحة طيبةً، فأعجبتني تلك الرائحة فقلت: يا حبیبي ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلها ؟ فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم، تفاحة خلقها الله «تبارك و تعالى» بيده منذ ثلاثمائة ألف عام، ما ندري ما يريد بها، فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة و معهم تلك التفاحة، فقالوا: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم ربنا السلام يقرأ عليك السلام و قد أتحفك بهذه التفاحة. فقال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل، فلما هبط إلى الأرض أكلت تلك التفاحة، فجمع اللَّه ماءها في ظهري فغشيت خديجة بنت خويلد علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام من ماء التفاحة، فأوحى الله «عزوجل» إليّ : أن قد ولد لك حوراء إنسية، فزوّج النور، من النور النور فاطمة علیها السلام من نور علي فإني قد زوّجتها في السماء و جعلت خمس الأرض مهرها و يستخرج فيما بينهما ذرية طيبة و هما سراجا الجنة: الحسن الحسين علیهما السلام. و يخرج من صلب الحسين علیه السلام أئمة يقتلون و يخذلون فالويل لقاتلهم و «خاذلهم»، و انظر كنز الفوائد ج1 236، ح1. و في بحار الأنوار ج43 ص109 في حديث خباب بن الأرت أن الله «تعالى» أوحى إلى جبريل: زوّج النور من النور و كان الوليُّ اللَّه و الخطيب و المنادي ميكائيل و الداعي إسرافيل و الناثر عزرائيل و الشهود ملائكة السماوات و الأرضين. ثم أوحى إلى شجرة طوبى أن انثري ما عليك فنثرت الدُّرَّ الأبيض و الياقوت الأحمر و الزبرجد الأخضر و اللؤلؤ الرطب فبادرن الحور العين يلتقطن و يهدين بعضهن إلى بعض».
2- حنادس:مفردها: حندس: الظلمة الليل الشديد الظلمة.
3- جاء هذا المعنى في كثير من الروايات ففي (ينابيع المودة) ط1 ص213 قال: (قال رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم: لو لم يخلق علي لما كان لفاطمة كفؤ».

أَمَرَ اللَّهُ خَادِماً فِي جِنَانٍ *** بِأُمُورٍ لَمْ تُحْصَ طُولَ العُصُورِ(1)

فَغَدَتْ حُورُهَا بِزِينَةِ قُدْسٍ *** بِازْدِهَارِ بِطَرْفِ عَيْنِ قَرِيرِ

وَ تَرَدَّتْ وِلْدَانُهَا بِحَرِيرٍ *** حِينَ مَاسَتْ للطُّهْرِ بِنْتُ البَشِيرِ(2)

وَ لِطُوبَى مَنَاقِبٌ أَظْهَرَتْهَا *** فَعَدَتْ تَنْفُرُ الصَّكَاكَ بِنُورِ

وَكَذَا دَرَّهَا عَلَى كُلِّ أَرْضٍ *** بِقِرانِ الوَصِي لِسِتِّ الحُورِ

نَتَرَتْ لِلصَّكَاكِ فِيهَا أَمَانٌ *** لِمُحِبِّيهِمَا عَنْ الزَّمْهَرِیرِ(3)

ص: 180


1- في هذا البيت و الأبيات التي تليه إشارة إلى بعض ما ورد في (ينابيع المودة) ص208: (عن بلال بن حمام) (رضي اللَّه عنه) قال: طلع علينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ذات يوم مبتسماً ضاحكاً وجه كدائرة القمر ليلة البدر، فقام إليه عبدالرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما هذا النور الذي رأيناه في وجهك المكرم قال: بشارة أتتني من ربي في أخي و ابن عمي و في ابنتي بأن الله «تبارك وتعالى» زوّج علياً علیه السلام بفاطمة علیها السلام و أمر رضوان خازن الجنان بهز شجرة طوبى فهزها فحملت صكاكاً بعدد محبي أهل البيت علیهم السلام و أنشأ الله تحتها ملائكة خلقها من النور و أصاب لكل ملك صك فإذا قامت القيامة نادت الملائكة في الخلائق فلايبقى محب لأهل بيتي علیهم السلام إلا دفعت إليه الملائكة صكا فيه فكاكه من النار فصار ابن عمي و ابنتي سبب فكاك رقاب الرجال و النساء من أمتي من النار».
2- ماست: مشت و هي تتمايل و تتبختر.
3- الزمهرير: شدة البرد. قد مرت بعض التفاصيل عن هذا المعنى في هوامش سابقة و لعل مما يشير إلى المعنى أيضاً ما ورد عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كان جالساً ذات يوم و عنده علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. فقال: اللهم انك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و أكرم الناس علي فأحب من أحبهم... و كأني أنظر إلى ابنتي فاطمة علیها السلام قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور عن يمينها سبعون ألف ملك و عن يسارها سبعون ألف ملك و بين بديها سبعون ألف ملك و خلفها سبعون ألف ملك تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة، فأيما امرأة صلت في اليوم و الليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجت بيت الله الحرام و زكت مالها و أطاعت زوجها و والت علياً علیه السلام بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام و إنها لسيدة نساء العالمين علیها السلام. فقيل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أهي سيدة لنساء عالمها فقال صلي الله علیه و آله و سلم: ذاك لمريم بنت عمران فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و إنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم علیها السلام فيقولون: يا فاطمة علیها السلام إن اللَّه اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين علیها السلام، ثم التفت إلى علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إن فاطمة علیها السلام بضعة منِّي و هي نور عيني و ثمرة فؤادي يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرها و إنها أول من يلحقني من أهل بيتي علیهم السلام فأحسن إليها بعدي».

أَيُّ يَوْمٍ لِبَضْعَةِ الطُّهْرِ طهَ *** فِي قِرَانِ الوَصِيَّ بَحْرِ البُحُورِ

رَابِعُ العَشْرِ شَهْرُ حَجٌ كَرِيمٍ *** تَلْتَقِي الشَّمْسُ مِنْ عَظِيمِ البُدُورِ

زُوجَتْ فِي السَّمَاءِ مِنْ قَبْلِ مَاءٍ *** وَ تُرَابٍ بِأَمْرِ رَبِّ غَفُورِ

وَ اسْتَنَارَتْ مَلَائِكُ اللَّهِ حَقّاً *** بِروَاجِ العَذْرَاء تِلْكَ الوَقُورِ

أَقامَ الإِلهُ حَفْلَ زَوَاجٍ *** لِوَصِيِّ النَّبِيِّ بِخَيْرِ أُمُورِ

فِي سَمَاءٍ لَهُ وَ فِي كُلِّ أَرْضٍ *** مَعْ جِنَانٍ قَدْ زُيِّنَتْ بِالحُبُورِ(1)

وَ المَلاَكُ الأَعْلَوْنَ قَامُوا بِحَفْلٍ *** فِي تَسَابِيحِهِمْ وَ فِي التَّكْبِيرِ

زَيَّنَ اللَّهُ عَرْشَهُ بِجَلالٍ *** وَ نُجُومِ تُنِيرُ أَجْمَلَ نُورِ(2)

فَتَغَنَّتْ كُلُّ الدُّنَا وَ مَاسَتْ *** طَرَباً لِلْبَتُولِ أُمِّ الصَّبُورِ

أَزْهَرَتْ بِنْتُ أَحْمَدِ لِعَلِيَّ *** كُلَّ وَقْتِ مِنَ النَّهَارِ بِنُورِ

ص: 181


1- الحبور: الحسن و الزينة و المسرة و النعمة.
2- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى ما يروى في (علل الشرايع) للشيخ الصدوق الجزء الأول الطبعة الأولى ص214... (أبي رحمه الله عن... عن محمد بن جعفر الهرمزاني عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: يا بن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لمَ سميت الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنها تزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيَّض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيأتون منزلها علیها السلام فيرونها قاعدة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها علیها السلام و من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة علیها السلام. فإذا انتصف النهار و ترتبت للصلاة زهر وجهها علیها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم و ألوانهم فيأتون النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيرونها قائمة في محرابها و قد زهر نور وجهها علیها السلام بالصفرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها. فإذا كان آخر النهار و غربت الشمس احمّر وجه فاطمة علیها السلام فأشرق وجهها علیها السلام بالحمرة فرحاً و شكراً لله «عزوجل» فكانت تدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمرَحيطانهم فيعجبون من ذلك و يأتون النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيرونها جالسة تسبّح الله و تحمده و نور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة علیها السلام فلم يزل ذلك النور في وجهها علیها السلام حتى ولد الحسين علیه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت علیهم السلام إمام بعد إمام».

وَ هْيَ إِذْ ذَاكَ بِنْتُ تِسْعَ سِنِينِ *** لَمْ يَكُنْ مِثْلُ مَهْرِهَا فِي المُهورِ

بَعْضُهُ صَارَ مِنْ نِشَارِ لِطُوبَى *** حِين أَلْقَتْ لِدرْهَا المَنْثُورِ

وَ كَذَا أَلْقَتِ الصَّحَاكَ أَمَاناً *** مِنْ عَذَابٍ وَ حَرِّ نَارِ السَّعِيرِ(1)

وَغَدَا بَعْضُهُ كَنَهْرِ فُرَاتٍ *** وَ ابْنُهَا السِّبْطُ فِي ظَمَا مَحْضُورِ

قَدْ قَضَى طَامِئاً وَ رُوحِي فِدَاهُ *** عَاطِشاً صَارَ فَوْقَ حَرِّ الهَجِيرِ

فَبَكَتْهُ الأمْلاَكُ وَ ارْتَجَّتِ الأُفُقُ *** عَلَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ بِالكَثِيرِ

وَ بَكَتَهُ كُلُّ الخَلائِقِ طُرّاً *** مُذْ قَضَى بَيْنَ خَائِنٍ وَ كَفُورِ

وَ البَتُولُ الزَّهْرَاءُ تُبْدِي عَزَاهَا *** لِبَنِيهَا عَلَى تَمَادِي العُصُورِ

هَكَذَا مَهْرُ بَضْعَةِ الطُّهْرِ طَهَ *** مَالَهَا فِيهِ غَيْرُ حَرِّ الصُّدُورِ

كُلُّ هَذَا يُدْمِي لِقَلْبِي وَ يُجْرِي *** لِدُمُوعِي لِوَقْتِ يَوْمِ النُّشُورِ

غَيْرَ أَنَّ البَتُولَ عَلْيَاءُ قُدْسٍ *** شَأْنُهَا الصَّبْرُ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ

صَبَرَتْ وَ اغْمُتَدَتْ بِنُورٍ كَرِيمٍ *** فَلِذَا عُرْضَتْ بِفَضْلِ كَبِيرِ

ومما جاء في القصيدة قوله:

وَ أُعِدَّتْ بِأَنَّهَا السِّتْ طُرّاً *** لِنِسَاءِ الدُّنَا لِيَوْمِ قَرِيرِ(2)

فَرِضا فاطِمٍ رِضَاءُ إِلَهِ *** وَ كَذَا خُلْفُهَا خِلافُ الْمُجِيرِ(3)

ص: 182


1- لعله يشير إلى ما ورد في كتاب (أمالي الصدوق الطبعة الخامسة منشورات الأعلمي) ص109 و غيره من المصادر عن الحسن بن زياد العطار قلت لأبي عبدالله علیه السلام: قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة سيدة نساء عالمها؟ قال: ذاك مريم و فاطمة علیهما السلام سيدة نساء أهل الجنة من الأولين و الآخرين. فقلت: يقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الحسن و الحسين علیهما السلام سيدا شباب أهل الجنة. قال: هما واللَّه سيدا شباب أهل الجنة من الأولين و الآخرين».
2- لعله يشير إلى ما ورد في ذخائر العقبى ص39 للطبري: «عن علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: با فاطمة علیها السلام إن الله «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.
3- روي في علل الشرايع ج1 في الباب 49 ص219 الرواية الثانية عن الصادق علیه السلام في حديث طويل في ذكر دخول أبي بكر و عمر على علیه السلام فاطمة علیها السلام في مرضها بإذن عليّ علیه السلام لعيادتها و الاعتذار منها:... فقالت أنشدكما بالله هل سمعتما النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي و أنا منها من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و من آذاها بعد موتي فكان آذاها في حياتي في حياتي ومن آذاها في حیاتي کان بعد موتي»... و كذلك جاء في ذخائر العقبى ما يؤيد هذا المعنى في ص38 قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما رابها و يؤذيني ما يؤذيها و قد تقدم هذا المعنى في أحاديث عدة و مصادر عديدة فراجع. و القصيدة تربو على (219) بيتاً و قد أخذنا منها ما نحن بصده.

هكَذَا قَالَ سَيْدُ الخَلْقِ فِيهَا *** فِي حَدِيثٍ مِنْهُ بِقَوْلٍ مُنِيرِ

فِي أَذَاهَا إِيذَاءُ رَبِّ كَرِيمٍ *** وَ لِذَا جُنُبَتْ مِنَ التَّزْوِيرِ(1)

ص: 183


1- المراثي الاسلامية في رثاء العترة النبوية ص157.

(46) روح الحياة

(بحر البسيط)

الأستاذ عبود أحمد النجفي

حَوْرَاءُ يَعْجَرُ عن أَوْصَافِها البَشَرُ *** عِطرُ الجِنانِ عَلَى الآفاقِ يَنْتَشِرُ(1)

نُورٌ مِنَ الله فَوْقَ الأَرضِ يَنْغَمِرُ *** شَعَتْ فلاالشَّمْسُ تَحْكِيها وَ لاالقَمَرُ

«زهراءُ» من نورها الأكوان تزدهرُ

إِنْسِيةٌ مثلُ ضَوءِ الشَّمْسِ سَاطِعَةٌ *** رَضِيعَةٌ من لبانِ الطُهْرِ رَاضِعَةُ(2)

أمُّ الحُسَينِ غداً في الحَشْرِ شَافِعَةٌ *** بِنْتُ الخُلُودِ بها الأجيالُ خَاشِعَةُ

أمُّ الزّمانِ إِليها تَنْتَمِي العُصُرُ

صِدِّيقةٌ قَلبٌ خَيْر الخَلْقِ تَمْتَلِكُ *** وَ بَضْعَةٌ في صِفاتِ الطُهْرِ تَشْتَرِكُ(3)

كَفِضَةٍ في ثَنَايا التبرِ تَنْسَبكُ *** سَمَت عن الأُفقِ لاروحٌ و لامَلَكُ

وَفَاقَتِ الأَرْضَ لاجنَّ و لابشرُ

رُوحُ الحَياةِ بَلِ الدُّنيا وَ زِينَتُها *** وَ مَشْرِقُ النُّورِ و الأضْوَاءُ طَلْعَتُها

و هَيكلُ القُدسِ و َالإِيمَانِ عِفَّتُها *** مَجْبُولةٌ مِنْ جَلالِ الله طِينَتُها

يرِفُّ لُطفاً عليها الصَّوْنُ و الخَفرُ

ص: 184


1- انظر كتاب أمالي الصدوق ص99-100، ط5، مؤسسة الأعلمي في قول الرسول صلي الله علیه و آله و سلم: «و أما ابنتي فاطمة علیها السلام... إلى أن يقول: و هي الحوراء الانسية...»، و انظر بحار الأنوار.
2- اللبان الرضاع، يقال: هو أخوه بلبان أمه، و لايقال بلبن أمه.
3- انظر مسند أحمد ج4 ص5 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم «فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها ما أنصبها».

أُنشودةٌ الحَقِّ و التَّاريخِ يَكْتُبُها *** وَ دُرَّةٌ في إطارِ اللَّوْحِ رَكَّبَها

رَبُّ السَّمَاءِ لِجَنْبِ العَرْشِ قَرَّبها *** خِصَالُها الغُرُّ جَلَّتْ أَنَّ تَلوكَ بِها

منَا المَقَاوِلُ أَوْ تَدْنُو لَها الفِكَّرُ(1)

بتولةٌ عن صِفاتٍ الشَّينِ قَدْ عُزِلَتْ *** كَزَهْرَةِ الخُلدِ في الأغْصَانِ مَا ذَبَلتْ(2)

و آيةُ اللَّه مِنْ قُدراتِهِ احْتَزَلَتْ *** مَعْنَى النبوةِ سرُّ الوحيِ قَدْ نَزَلَتْ

في بَيْتِ عِصمَتِها الآياتُ و السُوَرُ

في عالم الذرِّ قَبْلَ الخلقِ أَبْدَعَها *** فِي صُلب آدَمَ عِنْدَ الخَلْقِ أَوْدَعَها

أُمُّ الأئمةِ باري الكَوْنِ يَرْفَعُها *** حَوَتْ خِلالَ رَسُولِ اللَّه أَجْمَعَها

لولا الرسالةِ سَاوَى أصْلُه الثَمَرُ

أُمّ النّبي وَ مَنْ كَانَتْ له سَنَداً *** وَ ذِكْرُها سَوْفَ يَبْقَى خَالِداً أَبَداً

ويلٌ لأعدائِها ممّا جَنَوهُ غدا *** قُل للذي رَاحَ يُحْفِي فَضْلَهَا حَسَدا

وَجْهُ الحَقِيقَةِ عَنَّا كَيْفَ يَسْتَتِرُ؟!

بُشرى السَّماءِ بها الأملاكُ نازِلةٌ *** وَ عَن لِسانِ إلَهِ الحَقِّ قَائِلةٌ

أُمّ الإمامينِ بِنْتُ المَجْدِ خَالِدةُ *** في عيد ميلادِها الأملاكُ حَافِلَةُ

و الحُورُ في الجَنَّةِ العُليا لَها السُّمَرُ(3)

ص: 185


1- المقاول: مفردها: المقول، و هو اللسان.
2- في شأن تسميتها بالبتول: انظر المناقب لابن شهر آشوب، ط. قم، ج3، ص33، و إحقاق الحق للتستري، ج10 ص25.
3- السُّمَر أو السُّمَّر: الجلساء في الليل أو أصحاب السُّمر، و السِّمر: الحديث في الليل.

(47) فقه فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

الدكتور عصام عباس(*)(1)

مِنْ فقهِ فاطمةٍ قَطَفْتُ زُهُوراً *** أضفَتْ لِشِعري نفحةً و عطورا

فَهي الأطايبُ إن ذَكَرتُ صِفَاتِها *** وَ هِي التي قَد طُهُرَتْ تطهِيرا

وَ هِيَ المُحدثةُ العِليمةُ دائِماً *** ترِوي الحديثَ مُنَفَّحاً مَسطورا

و هي الثنيةُ و النقيُّ حَديثُها *** قُمْ وَارتوِ مِن کَأسِها كَافُورا

كأسٌ أُعِدَّتْ لِلبَرِيَّةٍ شُربُها *** هِيَ زَنجَبيلٌ قُدْرَتْ تَقدِيرا

بَل جَنةٌ قَدْخُلْدَتْ ولدانُها *** وُصِفوا بقولٍ لُؤلؤاً مَنْثُورا

هذا جزاءُ السائرينَ بِنهجِها *** سعياً وَ سَعِيٌ قَد غَدًا مَشْكُورا

بِرِضَائِها يَرضَى الإلهُ مَوَدَّةً *** وَ بِخَصمِها لاقى اللَّدودُ ثُبورا(2)

مَن يُعْضِبِ الزَّهراءَ يُعْضِبْ رَبَّهُ *** يَشقَى و يلقى في العذابِ سَعيرا

ص: 186


1- (*) هو الدكتور عصام عباس ولد في مدينة الشامية جنوب النجف الأشرف في منطقة الفرات الأوسط بالعراق في 1953/11/17م بعد نيله درجة الدكتوراه في العراق و من ثم هاجر إلى سورية عام 1975 م و جاور عقيلة الهاشميين السيدة زينب علیها السلام في دمشق و هو يعمل حالياً طبيباً في عيادته مقابل مقام السيدة زينب علیها السلام و كتاباته و اهتماماته اختصت في شخصية السيدة العظيمة زينب علیها السلام و منها: 1- النفحات الوراثية في العقيلة الهاشمية. 2- النفحة المحمدية يصدر بمناسبة المهرجان الولائي الذي يقيمه الدكتور بمناسبة مولد السيدة زينب علیها السلام. 3- لوامع الفصول في سيرة حفيدة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم.
2- ثبورا: الثبور، الهلاك و الخسران.

عُدْ للكساءِ مُدَقِّقَاً بِحَديثِهِ *** تَروي المساندُ نَصَّهُ المشهُورا

قولُ الإله بِها دَليلٌ واضِحٌ *** وصفَ الزَّكِيَّةَ قِمَّةً وَ ظَهُورا

فَلَما خَلَقْتُ سَمَاءَها أو أَرضَها *** لافُلكُها تَسري و جُبْنَ بُحورا(1)

إلا لِحُبِّ مُحَمَّدٍ وَ وَصِيَّهِ *** وَ الطُّهرِ وَ ابنَيها خَلَقْتُ دُهورا

سِرْ في مَحَبَّتِهِم فَذاكَ وِقَايَةٌ *** تلقى بذلكَ نَضرةً و سُرورا

إن المحبَّةَ ليسَ في أقوالنا *** بَل أن نسيرَ بنهجِهِم تَطويرا

وَ بِيَومِ مَولدِ زَهرة الطّيبِ الَّتي *** فَاحَتْ بِها الدُّنيا شَذى و عُطُورا

أحلَى التّهاني للعقيلةِ قَدَّمَتْ *** هَذِي الخلائِقُ وَردةٌ وَ زُهورا

فاتَتْ مُهَنَّقَةٌ بقيض شُعُورِها *** لكِ يا سُكينةُ بهجةً و حُبورا

في أرضِ دَاريَّا أضاءَتْ شُعلَةً *** قَبَساً منَ الآلِ الكِرامِ و نُورا(2)

لَكُمُ التَّهاني أهلَ داريَّا بِها *** وَجَدَتْ بِلادُكُمُ غِنّى وَ سُرورا

فهي ابنة الأطيابِ طه المصطفَى *** وَ عَلِيَّ مَن مَلأ الدِّيارَ عَبيرا

ص: 187


1- جُبن بحورا: يجوب البحر، يخوض فيه.
2- داريا: ضاحية من ضواحي الشام.

(48) غاب النبي الهاشمي

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

دَاجِي الضَّلالِ سَجَى بِالجَوْرِ وَ اعْتَكَرًا *** وَ لِلْوَرَى أَصْبَحَتْ أَرْبَابُهُ أَمَرَا

وَ حَرَّفُوا سُنَنَ الإِسْلامِ وَ اجْتَهَدُوا *** أَنْ لاَيُبَقُوا لَهُ عَيْناً وَ لاَ أَثَرا

فَمَا بَقِي مِنْهُ عِنْدَ المُسْلِمِينَ سِوَى *** رَسْمِ بِأَسْفَارِهِمْ يَتْلُونَهُ خَبَرا

مُعَوِّلِينَ عَلَى تَأْسِيسِ مَنْ كَتَبُوا *** يَوْمَ السَّقِيفَةِ نَقضاً لِلْهُدَى سَفَرَا

مِنْ بَعْدِمَا نَقَضُوا عَهْدَ النَّبِيِّ وَ لَمْ *** يَرْضَوْا بِمَا نُصَّ فِي الهَادِي وَمَا ذُكِرا

إِذْ قَامَ يَصْدَعُ فِي خُمَّ وَ فِي يَدِهِ *** يَدُ الوَصِيِّ عَلِيٌّ يُسْمِعُ البَشَرَا:

هَذَا عَلِيٌّ لَكُمْ بَعْدِي إِمَامُ هُدًى *** مُهَيْمِنٌ وَ وَلِيٌّ كَانَ مُشْتَهِرَا

فَإِنَّهُ حُجَّةُ البَارِي العَلِيِّ عَلَى *** مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَ السَّبْعِ المِهَادِ ذَرَى(2)

مِنْ رُشْدِهِ اقْتَبِسُوا أَحْكَامَ دِينِكُمُ *** فَهُوَ الإِمَامُ الَّذِي فِيهِ الهُدَى انْحَصَرَا

مَنْ مِنْكُمُ حَادَ عَنْهُ بَعْدَ مُنْصَرَفِي *** مِنْ بَيْنِكُمْ؟ سَوْفَ يَصْلَى فِي غَدٍ سَقَرَا

عَلَيْكُمُ جَعَلَ البَارِي وِلايَتَهُ *** فَرْضاً، فَمَنْ لَمْ يُؤدِّ الفَرْضَ قَدْ كَفَرَا

***

فَحِينَ غَابَ النَّبِيُّ الهَاشِمِيُّ طَغَى *** بَحْرُ الضّلالِ عَلَى أَهْلِ العَبَا وَ جَرَى

وَ أَصْبَحَتْ بَعْدَمَا غَابَ الخِلافَةُ فِي *** أَيْدِي المُضِلَّينَ بَيْعاً عِنْدَهُمْ وَ شِرا

مِنْ مَعْشَرٍ نَقَضُوا الإِسْلامَ وَ ارْتَكَبُوا *** مِنْ ظُلم آلِ عَلِي مَرْكَباً وَعِرا

ص: 188


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- داجي: ظلام. سجى: سكن .دام الجور: الظلم. اعتكر: اشتد سواده.

وَ أَحْرَقَ ابْنُ فُلاَنٍ بَابَ فَاطِمَةٍ *** وَ ظَهْرُهَا خَلْفَ ذَاكَ البَابِ قَدْ عُصِرَا(1)

وَ خَالِدٌ رَأْسُهَا بِالسَّوْطِ قَنَّعَهُ *** حَتَّى عَلَى الْأَرْضِ قُرْطَاهَا قَدِ انْتَثَرَا

وَ حَمْلُهَا حِينَ وَافَى السَّوْطُ أَضْلُعَهَا *** مِنْ بَطْنِهَا خَرَّ سِقْطاً وَ الوَصِيُّ يَرَى

وَ اسْتَخْرَجُوا المُرْتَضَى الكَرَّارَ مُصْطَبِراً *** عَلَى الهَوَانِ فَلَوْلاَ العَهْدُ مَا صَبَرَا

يُقَادُ مِنْ مَنْزِلِ الزَّهْرَا وَ كَانَ عَلَى *** اسْتِنْصَالِ أنْفُسِهِمْ بِاللهِ مُقْتَدِرَا

وَ بِالقَطِيع يَرَى الزَّهْرَا مُقَنَّعَةً *** وَ ضِلْعُهَا كَانَ بَعْدَ الضَّغْطِ مُنْكَسِرَا

بِاللَّهِ أُقْسِمُ لَوْلا الحِلْمُ كَفْكَفَهُ *** عَلَى الثَّرَى لَمْ يُغَادِرُ مِنْهُمُ أَثَرَا(2)

فَكَانَ مِنْ حِلْمِهِ عَنْهُمْ بِهِ طَمِعُوا *** فَاسْتَهْضَمُوهُ وَ قَاسَى مِنْهُمُ الضَّرَرَا

وَ جَرَّعُوا بَعْدَهُ أَبْنَاءَهُ غُصَصاً *** مِنَ المَنَايَا فَكَانُوا لِلْوَرَى عِبَرَا(3)(4)

ص: 189


1- المهاد: الأرضين:ذرى: استتر.
2- يشير الشاعر في هذا البيت و الأبيات التي تليه إلى ما جرى في خبر باب فاطمة علیها السلام و عصرها خلف الباب انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و40 و208 و الاحتجاج ج1 ص109 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37.
3- كفكفه: صرفه و منعه.
4- القصيدة (54 بيتاً) نقلت من ديوان ملا علي آل رمضان ص66.

(49) يا محيي النفوس

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

دُنْيَاكَ حَشْرُ مَزَادِهَا أَكْدَارُ *** وَ بِهَا كُرُّوسُ الحَادِثَاتِ تُدَارُ

كُلُّ امْرِىءٍ لا بُدَّ مَا بِزَمَانِهِ *** مِنْ شَرِّهَا يُحْشِي عَلَيْهِ شِرَارُ(2)

كمْ أُمَّةٍ فِيهَا فَنَتْ وَ دِيَارُهُمْ *** أَضْحَتْ رُسُومَاً لَيْسَ فِيهَا دَارُ؟

أيْنَ القُرُونُ المَاضِيَاتُ وَ مَنْ لَهُمْ *** قَدْ دَانَتِ الأَقْطَارُ وَ الأَمْصَارُ؟

أَيْنَ الفَسَاوِرَةُ المُلُوكُ فَهَلْ تَرَى *** بِدِيَارِهِمْ مِنْهُمْ بَقِي دَیَّارُ؟(3)

رَحَلُوا عَنِ الأَوْطَانِ وَ انْتَقَلُوا إِلَى *** حُفْرٍ عَلَيْهِمْ طُبقَتْ أَحْجَارُ

أَكَلَ التَّرَابُ لُحُومَهُمْ وَ تَقَطَّعَتْ *** وَ هُمُ رَمِيمٌ - مِنْهُمُ الأَخْبَارُ(4)

فَلَسَوْتَ نَلْقَى مَا رَأَوْهُ مِنَ الفَنَا *** مَهُمَا بِنَا قَدْ طَالَتِ الْأَعْمَارُ

وَ غَداً تَرَى كُلَّ امْرِىءٍ بِمِعَادِهِ *** مَأْوَاهُ إِمَّا جَنَّةٌ أَوْ نَارُ

يَوْماً بِهِ تُطْوَى السَّمَاءُ وَ تَنْمَحِي *** فِيهِ النُّجُومُ وَ تُطْمَسُ الأَقْمَارُ

وَ بِهِ تَقُومُ النَّاسُ مِنْ أَجْدَائِهَا *** وَ هُمُ عُرَاةٌ مَا لَهُمْ أَسْتَارُ

فَإِذَا جَهَنَّمُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُهَا *** قَامَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى المُخْتَارُ

ص: 190


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يُحثي: يصب.
3- القساورة: الأسود.
4- رميم: بالٍ.

يَدْعُو وَ أَفْئِدَةُ العِبَادِ خَوَافِقٌ *** كُلُّ عَرَتْهُ ذِلَّةٌ وَ صِغَارُ

إلى أن قال:

وَ تَقُومُ فَاطِمَةٌ وَ تَصْرُخُ صَرْخَةً *** وَ دُمُوعُهَا فَوْقَ الخُدُودِ نِثَارُ

وَ تَقُولُ: يَا مُحْيِي النُّفُوسِ وَ مُحْصِيَ *** الأَنْفَاسِ أَنْتَ الخَالِقُ الجَبَّارُ(1)

فَأَنَا الَّتِي بِسِيَاطِهِمْ قَدْ قَنَّعُوا *** رَأْسِي وَ شُبَّتْ فَوْقَ بَابِيَ النّارُ(2)

وَ اسْتَخْرَجُوا الهَادِي الوَصِيَّ مُلَبَّباً *** فَلَحِقْتُهُمْ لَمَّا بِهِ قَدْ سَارُوا

ص: 191


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى وقوف الزهراء علیها السلام يوم القيامة و تشكو إلى الله سبحانه ممن ظلمها. ففي كتاب أمالي الصدوق ص25 قال ضمن حديث طويل عن جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة... و جبرائيل أخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم، فلايبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصديق و لاشهيد إلاّ غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها جل جلاله، فتزج بنفسها عن ناقتها و تقول: الهي وسيدي احكم بيني و بين من ظلمني، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله «عزوجل»: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لاجازاني ظلم ظالم. فتقول: الهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي محبّي ذريتي فإذا النداء من قبل الله «عزوجل» ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة.
2- انظر كتاب الاحتجاج ج1 ص109 و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص208 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37.

أَدْعُوهُمُ وَ أَنَا أُكَفْكِفُ أَدْمُعِي *** بِيَدِي وَ لاَوَجْهِي عَلَيْهِ خِمَارُ(1)(2)

خَلُوا عَلِيَّ المُرْتَضَى الهَادِي فَذَا *** قُطْبٌ عَلَيْهِ رَحَى الوُجُودِ تُدَارُ(3)

فَرَجَعْتُ كَاظِمَةٌ وَ لَمْ يُصْغَ إِلَى *** قَوْلِي وَ عَنِّي صَدَّتِ الأَنْصَارُ

فَهُنَاكَ تُلْقَى فِي لَظِّى مَصْفُودَةٍ *** بِسَلاسِلِ أَعْدَاؤُهَا الفُجَارُ

وَ إِلَى الجِنَانِ تُزَفُّ شِيعَتُهَا وَ هُمْ *** بِيضُ الوُجُوهِ كَأَنَّهُمْ أَقْمَارُ

يَتَنَعَّمُونَ بِهَا عَلَى فُرُشِ الهَنَا *** بِاليُمْنِ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ

شَتّانَ مَنْ هُوَ فِي الجِنَانِ وَ مَمَنْ لَهُ *** يَوْمَ القِيَامَةِ فِي جَهَنَّمَ دَارُ

فَإِذَا اسْتَغَاثَ مِنَ العَذَابِ تَغَلَّظَتْ *** وَ تَسَعَّرَتْ غَیْظاً عَلَيْهِ النَّارُ

ثُمَّ الصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ *** مَا جَنَّ لَيْل وَ اسْتَنَارَ نَهَارُ(4)

ص: 192


1- أكفكف: أمسح مرَّة بعد مرَّة. خمار: ما تستر به المرأة وجهها. و في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى خروج الزهراء علیها السلام خلف الإمام علیه السلام حين أخرجوه ملبياً إلى البيعة . ففي كتاب البحار ج28 ص227 ضمن رواية طويلة قال: قال عمر: قوموا بنا إليه فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبو عبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و قنفذ و قمت معهم. فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات الله عليها» أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف، ثم دخلوا فأخرجوا علياً مليباً فخرجت فاطمة علیها السلام الا فقالت يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي؟ والله لئن لم تكفَّ عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي، و لآتين قبر أبي، و لأصيحنَّ إلى ربي ، فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم و ذكرها العياشي في تفسيره ج2 ص67.
2- و في هذا البيت يشير الشاعر إلى ما ورد في خطبة الزهراء علیها السلام، من حث الأنصار على نصرتها و عدم استجابتهم لذلك . ففي كتاب الاحتجاج ج1 ص139 حيث جاء في خطبتها علیها السلام «يا معشر النقيبة و أعضاد الملة و حضنة الاسلام ما هذه الغمزة في حقي و السنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أبي يقول: «المرء يحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا اهالة و لكم طاقة بما أحاول و قوة على ما أطلب وأزاول أتقولون مات محمد صلى الله عليه و آله و سلم فخطب جليل... إلى أن تقول «أيهاً بني قيلة أهضم تراث أبي و أنتم بمرأى مني و مسمع و منتدى و مجمع تلبسكم الدعوة، و تشملكم الخبرة و أنتم ذوو العدد و العدة و الأداة و القوة و عندكم السلاح و الجنّة توافيكم الدعوة فلاتجيبون و تأتيكم الصرخة فلاتغيثون و أنتم موصوفون بالكفاح و معروفون بالخير و الصلاح و النخبة التي انتخبت و الخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت علیهم السلام...» الخ الخطبة.
3- إشارة إلى ما روي من أن الزهراء علیها السلام تشفع لشيعتها يوم القيامة. و انظر كتاب فوائد الكراكجي ج2 ص150 و كتاب دلائل الإمامة ص57 و كتاب أمالي الصدوق ص25 و البحار ج43 ص219.
4- ديوان ملا علي آل رمضان ص181.

(50) معدن القدس

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان (*)(1)

مِنْ مَعْدِنِ القُدْسِ قَدْ فَازَتْ بِتَطْهِيرِ *** نَوْرَاءُ يَجْلُو سَنَاهَا كُلَّ دَيْجُورٍ(2)

مِنْ ذُرْوَةِ المَجْدِ مِنْ عُلْيَا قُرَيْشٍ وَ مِنْ *** فِهْرٍ أُولي الشَّرَفِ السَّامِي الجَمَاهِيرِ

مِنْ هَاشِمِ الغُرْ فِي بَحْبُوحٍ بَجْدَتِهَا *** مِنْ غَالِبِ الغُلْبِ وَ الأسْدِ المَغَاوِير(3)

مِنْ بَيْتِ طَهَ رَسُولِ اللَّهِ أَشْرَفِ خَلْقِ *** اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَوْجُودٍ وَ مَقْدُورِ

هذِي البَتُولُ ابْنَةُ الهَادِي الرَّسُولِ بَدَتْ *** حَوْرَاء إِنْسِيَّةً صِيغَتْ مِنَ النُّورِ(4)

لَهَا غَدَتْ جُمْلَةُ الأَمْلاكِ فِي المَلأِ *** الأَعْلَى تَضِجُّ بِتَهْلِيلٍ وَ تَكْبِيرِ

تَنَزَّلُوا مِنْ سَمَا الدُّنْيَا لأَحْمَدَ كَي *** يُهَنِّثُوهُ بِتَقْدِيرٍ وَ تَبْشِيرِ

بُشْرَاكَ أَحْمَدُ بِالزَّهْرَاءِ فَاطِمَةٍ *** أُمِّ المَيَامِينِ مَنْ فَازَتْ بِتَطْهِيرِ

شَفِيعَةُ المَحْشَرِ المَرْهُوبِ مَوْقِفُهُ *** مُطَاعَةٌ بَيْنَ مَنْهىٍّ وَ مَأْمُورِ(5)

ص: 193


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يجلو: يكشف أو يعلو. سناها: ضوؤها. ديجور: ظلام.
3- الغرَ: الكرام الأفعال، السادة الشرفاء. بحبوح: وسط. بجدتها: باطنها و حقيقتها. المغاوير: الكثيرو الغارات كناية عن شجاعتهم.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل القيامة غضوا أبصاركم لتجوز: فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم مع قميص مخضوب بدم الحسين علیه السلام فتحتوي على ساق العرش فتقول: أنت الجبار العدل اقض بيني و بين من قتل ولدي فيقضي الله لبنتي و رب الكعبة ثم تقول: اللهم شفّعني فيمن بكى على مصيبته فيشفّعها الله فيهم.

مَعْصُومَةُ القَوْلِ لاَكِذْبٌ وَ لاَخَطَأُ *** قَوَّالَةُ الفَصْلِ مَا بَيْنَ الجَمَاهِيرِ

إِذَا حَكَتْ أَشْبَهَتْ طهَ بِمَقُولِهَا *** وَ فِي الخَلَائِقِ تَحْكِيهِ بِتَصْويرِ

فَاقَتْ عَلَى مَرْيَم فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ *** فِي الفَضْلِ فِي الزُّهْدِ فِي الإِيثَارِ فِي النُّورِ(1)

وَ فِي الطَّهَارَةِ وَ التَّقْدِيسِ عَالِمَةٌ *** بِكُلِّ أَمْرٍ جَرَى فِي اللَّوْحِ مَسْطُورِ

بِأَحْمَدَ سَيْدِ الكَوْنَيْنِ وَالِدِهَا *** قَدْ حَازَتِ الْفَحْرَ فِي كُلِّ الأَعَاصِيرِ(2)

ص: 194


1- لعله مما يشير إلى بعض مضمونه ما ورد في تفسير فرات الكوفي، ج1 ص83 في تفسير قوله تعالى: «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» [آل عمران الآية 37]. عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح علي بن أبي طالب علیه السلام ذات يوم قال: يا فاطمة علیها السلام عندك شيء تغذينيه؟ قالت: لا والذي أكرم أبي بالنبَّوة و أكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء تغتذيه. فخرج علي علیه السلام من عند فاطمة علیها السلام واثقاً بالله بحسن الظن، فاستقرض ديناراً فبينما الدينار بيده يريد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم فلقيه المقداد بن الاسود فقال للمقداد: ما أخرجك في هذه الساعة؟ قال: الجوع فانهملت عينا علي علیه السلام بالبكاء و قال له: قد استقرضت ديناراً فهاكه فقد آثرتك على نفسي، فرجع علي فوجد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جالساً و فاطمة علیها السلام تصلّي و بينهما شيء مغطى فلما فرغت احضرت ذلك الشيء فاذا حفنة من خبز و لحم قال: یا فاطمة علیها السلام انى لك هذا؟ قالت: هو من عندالله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب... ثم استعبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم باكياً ثم قال: الحمد لله الذي هو ابى لكم ان تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما هذا يا علي في المنازل الذي جزى فيها زكريا علیه السلام و يجزيك يا فاطمة علیها السلام في الذي أجزيت فيه مريم بنت عمران.
2- الازهار الأرجية في الآثار الفرجية ج11 ص225.

(51) العصمة الكبرى

(بحر الطويل)

الشيخ علي بن حسن الجشي

بِمَوْلِدِ بِنْتِ المُصْطَفَى لَكُمُ البُشْرَى *** فَذِي نِعَمُ البَارِي عَلَيْكُمْ بِهَا تَتْرَى(1)

فَحَقُّ لَكُمْ أَنْ تَعْقِدُوا نَادِيَ الهَنَا *** بِذِكْرِ أَيَّادِيهَا وَ أَوْصَافِهَا الغَرَّا

وَ لَنْ تَسْتَطِيعَ الخَلْقُ إِحْصَاءَ فَضْلِهَا *** كَمَا لَمْ يُحِيطُوا بِالَّذِي قَدْ حَوَتْ خُبْرَا(2)

وَ هَيْهَاتَ أَنْ يُحْصُوا أَبَادِي كَرِيمَةٍ *** لِخَلْقٍ جَمِيعِ الكَائِنَاتِ غَدْتَ سِرَا

فَمَا فِي نِسَاءِ العَالَمِينَ مُمَاثِلٌ *** إِلَيْهَا وَ لاَشَبَهُ وَ لامَرْيَمُ العَذْرَا

وَ هَلْ فِي نِسَاءِ العَالَمِينَ نَظِيرُهَا *** فَمَنْ ذَا تَرَى مِنْهُنَّ إِنْسِيَّةٌ حَوْرَا(3)

وَ خَيْرُ نِسَاءِ العَالَمِينَ تَنَزَّلَتْ *** إِلَى الْأَرْضِ فِي بِشْرِ لِكَيْ تُقْبِلَ الزَّهْرَا

وَ مَرْيَمُ عِيسَى أَعْقَبَتْ وَ هْيَ أَعْقَبَتْ *** هُدَاةٌ يَرَى عِيسَى اتِّبَاعَهُمُ فَخْرا

وَإِنْ تَكُ نَادَتْهَا المَلائِكُ بِاصْطِفَا *** إِلَيْهَا وَ تَطْهِيرٌ لَهَا أَوْجَبَ الفَخْرَا

فَفَاطِمُ نَادَتْهَا بِذَاكَ وَ أَيْنَ مَا *** بِهِ نُودِيَتْ مِمَّا بِهِ نُودِيَتْ قَدْرَا

فَسَلْ آيَةَ التّطْهِيرِ عَنْ فَضْلِ فَاطِمٍ *** فَقَدْ أُعْطِيَتْ مِنْ رَبِّهَا العِصْمَةَ الكُبْرَى(4)

ص: 195


1- تترى: تتابع.
2- خُبرا: تجربة و اختباراً.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 روی بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سمّاها فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيّها عن النار، ذكره أيضاً ابن حجر في صواعقه ص96 و قال: أخرجه النسائي.
4- إشارة إلى قوله تعالى:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [ سورة الأحزاب آية:/33] فقد روي في كتاب مستدرك الصحيحين للحاكم ج3 ص147: خرج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم غداة و عليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة علیها السلام فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» (أقول) و رواه البيهقي أيضاً في سننه ج2 ص149 و رواه ابن جرير في تفسيره ج22 ص5.

هِيَ العِصْمَةُ الكُبْرَى الَّتِي اللَّهُ مَا حَبَا *** بِهَا غَيْرَ طَهَ وَ الوَصِيِّينَ وَ الزَّهْرَا

فَلَوْلاً عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ لِلْبَتُولِ مِنْ *** شَبِيهِ وَ كُفْو مِنْ بَنِي آدَم طُرَا(1)

فَكُلِّ بَرَاهُ اللَّهُ مِنْ نُورٍ أَحْمَدٍ *** فَكُلِّ بِكُلِّ حَيْثُ شَابَهَتْ أُحْرَى(2)

لَعَمْرُكَ مَا الدُّنْيَا سِوَى عُمْرِ سَاعَةٍ *** حَوَتْ مَكْرُمَاتٍ لاَتُحِيطُ بِهَا خُبْرَا

وَمَا هِيَ إِلا سَاعَةٌ شَمْلُ حَيْدَرٍ *** بِفَاطِمَ مَجْمُوعٌ فَقَدْ طَوَتِ الدَّهْرَا

هِيَ النُّورُ مِنْ نُورٍ وَ بِالنُّورِ زُوِّجَتْ *** تَبَارَكَ رَبِّ فِيهِمَا جَمَعَ الخَيْرَا

فَنُورُ عَلِيٌّ قَدْ غَشَىٰ نُورَ فَاطِمٍ *** فَأَوْلَدَهَا نَجْماً وَ أَعْقَبَهَا بَدْرا

أَضَاءَتْ بِهَا الأَكْوَانُ وَ الْأَرْضُ وَ السَّمَا *** قَدِيماً وَ فِي الدُّنْيَا وَ فِي النَّشْأَةِ الأُخْرَى

وَ مَا زَالَ فِي الأَدْوَارِ يُشْرِقُ نُورُهَا *** وَ مِنْ أَجْلِ ذَاكَ النُّورِ سُمِّيَتِ الزَّهْرَا(3)

كَمَا اللَّهُ سَماهَا بِفَاطِمَ إِذْ قَضَى *** بِفَظم مُحِبيها مِنَ النَّارِ فِي الأُخْرَى(4)

بِأَمْ أَبِيهَا كُنْيَتْ إِذْ بِفَاطِمٍ *** بَقِيَ ذِكْرُهَا فِي النَّاسِ وَ المَلةِ الغَرّا(5)

عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّهِ تَشْرَى مُسَلِّماً *** كَمَا لَمْ تَزَلْ فِي الخَلْقِ أَيْدِيَكُمُ تَتْرَى(6)

ص: 196


1- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني ان اللَّه زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك (أقول) و روى أيضاً كنز العمال ج6 ص152 قال رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم: إن اللَّه أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.
2- براه: خلقه.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب بحار الأنوار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فكلّم اللَّه جل جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء» لأن نورها زهرت به السموات.
4- انظر كنز العمال ج6 ص219.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص520 في ترجمة فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: و كانت فاطمة علیها السلام تكنى أم أبيها.
6- نقلاً من ديوان الشيخ علي بن حسن الجشي ص76.

(52) وديعة طه

(بحر الخفيف)

الشيخ علي بن حسن الجشي

مَا لِقَلْبِي مِنْ بَعْدِ فَقَدِ النَّذِيرِ *** مِنْ سُلُوِّ عَلَى مُرُورِ الدُّهُورِ

هُوَ يَوْمٌ نَعَامَةُ العِزَّ شَالَتْ *** فِيهِ عَنْ آلِهِ حِمَى المُسْتَجِيرِ

نَبَذَ القَوْمُ نَصَّهُ وَ الوَصَايَا *** فِيهِمُ ضَلَّةً وَرَاء الظُّهُورِ

وَ تَنَاسَوْا وَصِيَّةَ اللَّهِ فِيهِمْ *** وَ وَصَايَا طهَ وَ يَوْمَ الغَدِير

فَارْتَقَوْا مُرْتَقَى عَظِيماً وَ هَمُّوا *** بِهُمُومٍ مَسْتُورَةٍ فِي الضَّمِيرِ

وَ لَعَمْرِي مَا أَسْلَمَ القَوْمُ رُشْداً *** أَوْ أَجَابُوا الهُدَى نِدَاءَ البَشِيرِ

بَلْ لِغَايَاتِهَا الَّتِي أَمَّلَتْهَا *** فَسَعَتْ سَعْيَهَا لِتِلْكَ الْأُمُورِ

سَلْ دِباباً قَدْ دَحْرَجُوهَا لِمَاذَا *** وَ لْتُسَلْ مِنْ صَحِيفَةِ التَّأْمِيرِ(1)

وَ لِمَاذَا عَادُوا عَنِ الجَيْشِ حَتَّى *** أَلْحَقُوا فِتْنَةٌ لِيَوْمِ النُّشُورِ

لَمْ يَقُولُوا: النَّبِيُّ يَهْجُرُ إِلاَّ *** خَوْف إِفْسَادِ كَيْدِهَا المَسْتُورِ

عَجَباً مِنْ عِصَابَةٍ رَكِبَتُ فِي *** نُصْرَةِ الدِّينِ كُلَّ أَمْرٍ خَطِيرِ

عَدَلُوا عَنْ مُحَمَّدٍ فَعَلِيٍّ *** نَفْسٍ طهَ وَ بَايَعُوا ابْنَ الأجِيرِ

بِأَبِي الصَّابِرُ المُلَبَّبُ لَمَّا *** أَخَذُوهُ مِنْ بَيْتِهِ كَالأَسِيرِ

جَرَّأَ القَوْمَ حِلْمُهُ وَ الوَصَايَا *** وَ ضَلاَلُ الوَرَى وَ غِلُّ الصُّدُورِ

لوْ بِهِمْ هَمَّ لَمْ يُفْدِهُمْ لَفِيفٌ *** وَ مَتَى اقْتَادَتِ القَطَا لِلصُّقُورِ

ص: 197


1- دباباً: آنية الزيت و غيره و لعله كناية عن إرسال ما يزحلق القدم عن الطريق.

وَ ابْنَةُ المُصْطَفَى تُنَادِي بِقَلْبٍ *** خَافِقٍ مِنْ صَنِيعِهِمْ مَذْعُورِ(1)

أَأَمِنْتُمْ لَمَّا صَبَرْتُ وَ رُمْتُمُ *** ضَلَّةٌ تَقْتُلُونَ خَيْرَ أَمِيرِ؟

لَكُمُ الوَيْلُ كَيْفَ يُحْمَدُ صَبْرِي *** عَنْ عَلِيِّ نَفْسِ النَّبِيِّ البَشِيرِ

ضُبعَتْ بَعْدَهُ وَ دِيعَةُ طَهَ *** يَا بِنَفْسِي وَ لَمْ تَجِدْ مِنْ نَصِيرِ

فَقَدَتْ أحمداً وَ أَضْحَتْ تُقَاسِي *** مِحناً قَدْ أَذَيْنَ صُمَّ الصُّخُورِ(2)

أوذِيَتْ صُغِّرَتْ مَقَاماً أُريعَتْ *** ضُرِبَتْ جَهْرَةً وَ لاَ مِنْ مُجِيرِ(3)

لاَتَسَلْنِي عَنِ الجَنِينِ لِمَاذَا *** أَسْقَطَتْهُ أَوْ ضِلْعِهَا المَكْسُورِ(4)

قُلْ إِلَى الضّلْع بَعْدَ كَسْرِكَ قَلْبِي *** مَا لَهُ جَابِرٌ لِيَوْمِ النُّشُورِ

قَدْ جَفَوْهَا وَلَيْتَهُمْ تَرَكُوهَا *** فِي فَنَاهَا تَبْكِي لِفَقَدِ النَّذِيرِ

لَسْتُ أنْسَى أَرَاكَةٌ قَطْعُوهَا *** إِذْ تَفَيَّتْ بِهَا بِوَقْتِ الهَجِيرِ(5)

مُنِعَتْ نِحْلَةً وَ إِرْثاً بِقَوْلٍ *** زَوَّرُوهُ وَ رَمْيَهَا بِالزُّورِ(6)

ص: 198


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام من بلاء و ذعر من جراء الهجوم على الدار و مناداتها لأبيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. انظر سليم بن قيس ص208 و عوالم العلوم ج2 ص626 و البحار ج8 ص240 ط حجرية.
2- صُمّ الصخور: صلابها.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام من الأذى و الضرب. و قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة منّي من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه. انظر كتاب سليم بن قيس ص208، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135، و كتاب الاحتجاج، ح1 ص109. و كثير غيره في قصائد أخرى فراجع.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما مرَّ من إسقاط جنينها المحسن و كسر ضلعها «سلام الله عليها» انظر کتاب سلیم بن قيس ص40، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135، و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
5- الهجير: وقت اشتداد حرِّ الشمس.
6- نحلة: مهر و صداق. و في هذا البيت إشارة إلى ما مر من منعهم الزهراء(سلام الله عليها) حقها في إرثها و تكذيبها بحديث مزور عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. انظر مسند أحمد 9/1 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج11/2 ص626. و ج1 ص13 عن مسند أحمد أيضاً. و كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص232.

كَيْفَ تَأْتِي كِذْباً وَ تَجْهَلُ حَقّاً *** وَ هْيَ مِنْ أَهْلِ آيَةِ التَّطْهِيرِ؟(1)

وَ لَمَا نَالَها مِنَ الذُّلُّ أَمْسَتْ *** تَتَمَنَّى حُلُولَهَا فِي القُبُورِ

رَبِّ نَشْكُو إِلَيْكَ فُقَدَانَ طَهَ *** وَ اخَتِفَاءَ المُغَيَّبِ المَسْتُور

يَا بْنَ شُمِّ الأُنُوفِ يَا مُدْرِكَ الثَّاْرِ *** وَ مُرْوِي الظُّبَا بِفَيْضِ النُّحُورِ

أَوَ تُغْضِي وَفَيْئُكُمْ عَادَ نَهْباً *** بَيْنَ رجسٍ وَ كُلِّ وَغْدٍ حَقِيرِ؟

أوَ تُغْضِي وَ فَاطِمْ قَدْعَرَاهَا *** مَا عَرَاهَا وَ أَنْتَ خَيْرُ نَصِيرِ؟

قَدْ دَهَاهَا مَا نَغَّصَ العَيْشَ حَتَّى *** لَمْ تَجِدْ بَهْجَةً وَ يَوْمَ سُرُورِ(2)

أَنْتَ أَدْرَى بِمَا دَهَاهَا وَلَكِنْ *** ضَاقَ صَدْرِي عَنْ كَتْمِهِ فِي الضَّمِيرِ

لَسْتُ أَدْرِي مَاذَا أَبْثُّكَ مِمَّا *** قَدْ عَرَاهَا مِنْ كُلِّ خَطْبٍ كَبِيرِ؟

غُصِبَتْ جَهْرَةٌ وَ أُخْفِيَ قَبْرٌ *** ضَمَّهَا خَوْفَ كُلِّ رِجْسِ كَفُورِ

ما اكْتَفَتْ بالأَذَى حَيَاةً فَهَمُّوا *** حِينَ مَاتَتْ بِنَبْشِهَا فِي القُبُورِ

أَمِنَ العَدْلِ أَنَّ بَضْعَةَ طَهَ *** قَبْرُهَا لَمْ تَجِدْ بِهِ مِنْ خَبِيرِ؟

لَيْسَ يَدْرِي بِقَبْرِهَا زَائِرُوهَا *** فَتَرَاهُمْ فِي حَسْرَةٍ وَ زَفِيرِ(3)

ص: 199


1- في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء(سلام الله عليها) أحد الخمسة المطهَّرين بنص الآية المباركة في سورة الاحزاب. انظر كتاب صحيح الترمذي ج2 ص209 و الطحاوي في مشكل الآثار ج1 ص335 و ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12 كما في كتاب فضائل الخمسة في الصحاح الستة ج1 ص271. و جاء ضمن حديث الكساء المروي في كتاب عوالم العلوم ج2/ 11 ص933.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام من الحزن و الأسى حيث لم تُرَ مسرورة بعدما أصابها من الأذى؛ انظر كتاب البحار ج43 ص195 و ص201 و كتاب عوالم العلوم ج2 ص1080.
3- يشير الشاعر في هذه الابيات الاربعة إلى اخفاء قبر الزهراء علیها السلام و محاولة نبشه من قبل القوم. ففي عيون المعجزات كما في البحار ج43 ص212 ح41 قال: روي أنَّ فاطمة علیها السلام توفيت و لها ثمان عشرة سنة و شهران و أقامت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً و روي أربعين يوماً، و تولّى غسلها و تكفينها أميرالمؤمنين علیه السلام و أخرجها و معه الحسن و الحسين علیهما السلام في الليل، و صلوا عليها و لم يُعلم بها أحد و دفنها في البقيع و جدد أربعين قبراً فاستشكل على الناس قبرها فأصبح الناس و لام بعضهم بعضاً و قالوا: إن نبينا صلي الله علیه و آله و سلم خلَّف بنتاً و لم نحضر وفاتها و الصلاة عليها و دفنها و لانعرف قبرها فنزورها. فقال من تولى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجد فاطمة علیها السلام فنصلي عليها و نزور قبرها، فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه و قد تقلَّد سيفه ذا الفقار حتى بلغ البقيع و قد اجتمعوا فيه فقال علیه السلام: لو نبشتم قبراً من هذه القبور لوضعت السيف فيكم فتولّى القوم عن البقيع.

لاتَلُمْهَا فِي نَوْحِهَا إِنَّ أَشْجَى *** مَا عَلَى الزَّائِرِينَ فَقَدُ المَزُورِ

لَوْ تَرَاهُمْ عِنْدَ الإِيَابِ حَيَارَى *** دَابُهَا بَثُّ نَفْثَةِ المَصْدُورِ(1)

ص: 200


1- ديوان الشيخ علي بن حسن الجشي ص86.

(53) دع تفاصيل ما جرى

(بحر الخفيف)

الشيخ علي بن حسن الجشي

مَا لَنَا بَعْدَجَحْدِيَوْمِ الغَدِيرِ *** وَ اغْتِصَابِ الوَصِي يَوْمُ سُرُورِ

يَا لَهَا فِتْنَةً تَفَرَّعَ مِنْهَا *** كُلُّ شَرٍّ عَلَى مُرُورِ الدُّهُورِ

فِتْنَةً ضَلَّ فِي ظَلَاَمِ دُجَاهَا *** جُمْلَةُ الخَلْقِ غَيْرُ نَزْرٍ يَسِيرِ

كَفَرُوا بِالإلهِ أَمْ بَعُدَ العَهْدُ *** عَلَيْهِمْ أَمْ جَاءَ غَيْرُ نَذِيرِ

أَوْ هَلْ جَابِرٌ لِكَسْرِ الهُدَى أَمْ *** هَلْ مُغِيثٌ لَهُ وَ هَلْ مِنْ مُجِيرِ؟

رَبِّ قَرِّبْ وَقْتَ الظُّهُورِ فَقَدْ *** طَالَ عَلَيْنَا انْتِظَارُ وَقْتِ الظُّهُورِ

مَا ابْنُ تَيْمِ وَ مَا الخِلَافَةُ أَيْنَ *** اللَّيْلُ مِنْ نُورٍ فَجْرِهَا المُسْتَطِيرِ؟(1)

أَفَمَنْ كَانَ عَنْ برَاءَةِ مَعْزُو *** لابِأَمْرٍ مِنَ السَّمِيعِ البَصِيرِ

يَرْتَضِيهِ الإِ لهُ مِنْ بَعْدِطه *** خَلَفَاً عَنْهُ فِي جَمِيعٍ الأُمُورِ

مَا لِقَوْمٍ ضَلُّوا عَنِ الرُّشْدِ سَارُوا *** بَيْنَ صُبْحِ الرَّشَادِ وَ الدَّيْجُورِ(2)

بَلْ قَفَوْا إِثْرَ قَوْم مُوسَى فَتَاهُوا *** وَ الهُدَى لأَحَ فِي الضَّلالِ الكَبِيرِ

عَزَلُوا المُرْتَضَى وَ سَامُوهُ ضَيْماً *** إِذْ أَبَى إِمْرَةَ المُضِلَّ الكَفُورِ

لَيْسَ هَارُونُ كَالوَصِيِّ ابْتِلاءً *** بَعْدَ مُوسَى إِذْ لَمْ يَجِدْ مِنْ نَصِيرِ

إنْ يَكُونُوا قَدْ خَالَفُوهُ فَهَذَا *** قَدْ دَعَوْهُ لِبَيْعَةٍ وَ حُضُورِ

أَوْ يَهُمُّوا بِقَتْلِهِ فَعَلِيٌّ *** قَتَلَتْهُ فِي كَيْدِهَا المَسْتُورِ

ص: 201


1- المستطير: الساطع المنتشر.
2- الديجور: الظلام.

مَا المُرَادِيُّ عِنْدَ ذِي الرُّشْدِ لَوْلاَ *** فِتْنَةُ القَوْمِ بَعْدَ فَقَدِ النَّذِير؟

أَسَّسُوا ظُلْمَهُ عِنَاداً وَ أَغْرَوْا *** لَهُمُ الوَيْلُ كُلَّ كَلْبٍ عَقُورِ(1)

بَلْ أَرَادُوا أَنْ يُحْرِقُوا البَيْتَ حَتَّى *** لاَيُرَى ذَاكِرٌ لِخَيْرِ بَشِيرِ(2)

فَأَبَى اللَّهُ ذَلِكُمْ حَيْثُ فِيهِ *** مَنْ هُمُ عِلةُ البَقَا وَ الصُّدُورِ

وَ هُوَ بَيتٌ عِندَ المُهَيْمِنِ ضَاهَى *** شَانُهُ شَانَ بَيْتِهِ المَعْمُورِ

لَمْ يَكُنْ جِبْرَئِيلُ يَدْخُلُ إِلاَّ *** بَعْدَ إِذْنِ مِنْ أَهْلِهِ فِي الحُضُورِ

يَا بْنَ عَمِّ النَّبِيِّ صَبْرُكَ أَنْسَى *** صَبْرَ أَيُّوبَ فِي قَدِيمِ الدُّهُورِ

ضَاقَ ذَرْعاً بأَمْرِ رَحْمَةٍ لَمَّا *** جَزَّتِ الشَّعْرَ شَاكِياً لَلخَبِيرِ

وَ أَرَاكَ اصْطَبَرْتَ وَ القَوْمُ آذَوْا *** فَاطِمَاً فِى عَشِيِّهَا وَ الْبُكُورِ

أَمِنَ الصَّبْرِ كَانَ قُلْبُكَ آت *** لاأَرى يَسْتَطِيعُ قَلْبُ صَبُورِ

دَخَلُوا دَارَهَا وَ لَيْسَ عَلَيْهَا *** مِنْ قِنَاعَ وَ الحِقْدُ مِلْءُ الصُّدُورِ(3)

وَ عَلَى مَتْنِهَا السِّيَاطُ تَلَوَّتْ *** حَيْثُ لاَدَافِعٌ وَ لا مِنْ مُجيرِ(4)

يَا لَهَا مِنْ عَدَاوَةٍ أَظْهَرُوهَا *** وَ هُيَ مِنْ قَبْلُ فِي سُوَيْدا الضَّمِيرِ(5)

دَعْ تَفَاصِيلَ مَا جَرَى فَبَيَانِي *** بَعْضُ مَا كَانَ نَفْثَةَ المَصْدُورِ

مَا سَمِعْنَا مِنْ قَبْلُ بِنْتَ نَبِيَّ *** أُوذِيَتْ كَالبَتُولِ بَعْدَ النَّذِيرِ

عُصِرَتْ أُسْقِطَتْ أُضِيعَتْ ذِماماً *** غُصِبَتْ كُذِّبَتْ بِإِفْكِ وَ زُورِ(6)

ص: 202


1- عقور: مجروح.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إرادة القوم حرق دار الزهراء علیها السلام. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص 208 و ص36 و كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دخولهم الدار على الزهراء علیها السلام و ليس عليها قناع. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39.
4- يشير في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام بالسياط حين هجومهم على الدار. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص6 و ص40 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. انظر کتاب سلیم بن قيس ص208.
5- سويدا الضمير: حبة القلب.
6- و في هذا البيت إشارة إلى اسقاط جنين الزهراء (سلام الله عليها) و غصب فدك منها. أما إسقاط جنينها علیها السلام انظر كتاب سليم بن قيس ص40، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135، و كتاب الاحتجاج ج109/1. أما غصب فدك و تكذيبها في حديث موضوع فانظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 /300 كما في عوالم العلوم ج2 / 11 ص626 و كتاب النهج لابن أبي الحديد ج232/16 و مسند أحمد بن حنبل ج13/1 . و العوالم ج2/ 11 ص631 أیضاً.

جَحَدُوا آيَةَ الطَّهَارَةِ فِيهَا *** بَعْدَ عِلْمٍ كَجَحْدِهِمْ لِلْغَدِيرِ(1)

دَخَلُوا الدَّارَ أَضْرَمُوا النَّارَ قَادُوا *** حَيْدراً بِالنَّجَادِ قَوْدَ الأسيرِ(2)

وَ أَرَادُوا قَتْلَ الوَصِيِّ فَأَضْحَى *** قَلْبُهَا مِثلَ طَائِرٍ مَذْعُورِ

وَ عَرَاهَا الذُّهُولُ عَمَّا عَرَاهَا *** مِنْ سُقُوطٍ وَ ضِلْعِهَا المَكْسُورِ

فَعَدَتْ خَلْفَهُ تَقُولُ دَعُوهُ *** وَ هْيَ تَكْلَى تَدْعُو بِدَمْعٍ غَزِيرِ

إنَّ قَلبي وَ إِن تَحَمَّلَ لَكِنْ *** لَيْسَ قَلْبِي عَنْ حَيْدَرٍ بِصَبُورِ

فَدَعُوهُ أَوْ أَنْشُرَ الشَّعْرَ أَدْعُو *** بَعْدَ كَشْفِ القِنَاعِ بِالتَّدْمِيرِ(3)

ثُمَّ أَمَّتْ قَبْرَ النَّبِيِّ لِتَشْكُو *** قَوْمَهُ يَا لِقَلْبِهَا المَفْطُورِ(4)

يَا حَبِيبَ الإِلَهِ قَوْمُكَ أَبْدَوْا *** مُذْ فَقَدْ نَاكَ مُضْمَرَاتٍ الصُّدُورِ

عَزَلُوا حَيْدَراً وَ قَادُوهُ قَسْراً *** لابْنِ تَيْمِ وَ لَمْ يَجِدْ مِنْ نَصِيرِ

غَصَبُوا نِحْلَتِي وَ رَدُّوا شُهُودِي *** مَنَعُونِي إرْنِي بِكِذْبٍ وَ زُورِ(5)

ص: 203


1- و في هذا البيت إشارة إلى نزول آية التطهير في الخمسة أصحاب الكساء و الزهراء علیها السلام. انظر كتاب صحيح الترمذي ج2 ص209، و مشكل الآثار للطحاوي ج1 335، و ابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12 نقلاً عن فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص271 و ذكره العسقلاني في الإصابة ج4 ص378.
2- نجاده: حمائل سيفه. و في هذا البيت إشارة إلى إضرام النار في بيت الزهراء (سلام الله عليها) انظر كتاب سليم بن قيس ص208.
3- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى دفاع الزهراء علیها السلام، انظر كتاب الكافي ج1 ص490 سليم بن قيس الهلالي ص37.
4- و في هذا البيت إشارة إلى شكوى الزهراء(سلام الله عليها) إلى أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.
5- يشير الشاعر في هذا البيت إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام ورد شهودها. انظر مسند أحمد ج1 ص9، و السنن الكبرى ج6 ص300، كما في عوالم العلوم ج2 ص626، و ج1 ص13 من مسند أحمد بن حنبل، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و السيرة الحلبية للحلبي ج3 ص487.

كَرِهُوا أَنْ أُقِيمَ فِيهِمْ فَقَالُوا *** لِي آذبُيْنَا بِطُولِ الزَّفِيرِ

مَنَعُونِي مِنَ البُكَاءِ لأَقْضِي *** بِالجَوَى إِنْ كَتَمْتُهُ فِي الضَّمِيرِ(1)

وَ كَسَاهَا المُصَابُ أَثْوَابَ حُزْنٍ *** مَا اكْتَسَتْ بَعْدَهَا ثِيَابَ سُرُورِ(2)

قُلْ لِبَيْتٍ الأَحْزَانِ بَعْدَكَ حُزْنِي *** مُسْتَمِرٌ عَلَى امْتِدَادِ الدُّهُورِ(3)

ص: 204


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما لاقته الزهراء علیها السلام لامن الحزن. انظر كتاب البحار ج43 ص 195 و ص201 ، و كتاب عوالم العلوم ج2/ 11 ص1080. و كتاب عوالم العلوم ج2/ 11 ص787 و المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص119 و قال ابن شهر آشوب في ج3 ص322: رأس البكائين ثمانية: آدم و نوح ويعقوب و يوسف و شعيب و داود و فاطمة و زين العابدين علیهم السلام. قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة. فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك، إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي.
2- انظر كتاب البحار ج43 ص177.
3- رياض المدح و الرثاء ص415 ديوان الشيخ علي بن حسن الجشي ص79.

(54) أم الفضائل

(بحر الوافر)

علي بن حماد العدوي العبدي(*)(1)

لَعَمْرُكَ يَا فَتَى يَوْمِ «الغَدِيرِ» *** لأنْتَ المَرْءُ أَوْلَى بِالأُمُورِ(2)

ص: 205


1- (*) هو أبو الحسن علي بن حماد بن عبيد الله بن حماد العدوي العبدي البصري، و كان حماد والد المترجَم له أحد الشعراء أهل البيت علیهم السلام كما ذكره ولده بقوله: و إن العبد عبدكم عليّاً *** كذا حمّاد عبدكم الأديب رثاكم والدي بالشعر قبلي *** و أوصاني به أن لا أغيب قال الشيخ الأميني: جمع العلامة السماوي شعره في أهل البيت علیهم السلام فكان يربو على (2200) بيتاً و لم نقف على تاريخ ولادة ابن حماد و وفاته، غير أن النجاشي الذي أدركه و رآه لم يرو عنه، ولد في صفر سنة (372 ه_) و شيخه الذي يروي عنه و هو الجلودي البصري توفي في 17 من ذي الحجة سنة (332 ه_) فيستدعي التاريخان أن تكون ولادة المترجَم له في أوائل القرن الرابع ووفاته في أواخره. و المترجَم له، علم من أعلام الشيعة و فذَّ من علمائها و شعرائها و من حفظة الحديث المعاصرين للشيخ الصدوق و نظرائه. و قال القمي في الكنى و الألقاب: أبوالحسن علي بن عبيد الله بن حماد العدوي الشاعر البصري من أكابر علماء الشيعة و شعرائهم و محدثيهم و من المعاصرين للصدوق و نظرائه. ملاحظة: هنالك جماعة من الأدباء و العلماء يعرفون بابن حماد و هم: 1- أبوالحسن علي بن حماد البصري الذي مرَّ ذكره. 2- الشيخ كمال الدين بن حماد الواسطي أحد مشاهير العلماء في أواخر القرن السابع الهجري. 3- علي بن حماد البصري الشاعر المشهور من المتأخرين. 4- محمد بن حماد الحلي ذكره الخاقاني في شعراء الحلة قال: هو أبوالحسن محمد ابن حماد الحلي و قبره قريب من قبر الخليعي.
2- قال الأميني: بيان في هذه القصيدة إيعاز إلى جملة من فضائل أميرالمؤمنين علیه السلام منها حديث المواخاة الذي أسلفناه في ج3 ص112-125 و قصة المباهلة و أنه فيها نفس النبي ج3 الأقدس بنص من الكتاب في قوله تعالى: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» [آل عمران الآية 61]. و منها حديث العين أخرجه الحافظ ابن السمان في الموافقة و عنه محب الدين الطبري في رياضه ج2 ص228: أن عمر أقطع علياً علیه السلام بنبع ثم اشترى أرضاً إلى جنب قطعته فحفر فيها عيناً فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء فأتي علي علیه السلام فبشر بذلك فقال: بشِّروا الوارث، ثم تصدَّق بها. الحديث. و بهذا اللفظ يوجد في كتاب (الامام علي علیه السلام) تأليف الشيخ محمدرضا المصري ص17. و قال ابن أبي الحديد في شرحه ج2/ 120: جاء في الأثر: أن أميرالمؤمنين علیه السلام جاءه مخبر فأخبره: ان مالاً له قد انفجرت فيه عين خرّارة يبشره بذلك. فقال: بشِّر الوارث. بشَّر الوارث يكررها ثمَّ وقف ذلك المال على الفقراء و كتب به كتاباً في تلك الساعة. وإلى صدقات أميرالمؤمنين علیه السلام في ينبع أشار الحموي في معجم البلدان ج 256/8 و السمهودي في وفاء الوفاء ج2 ص393 و غيرها. و منها قوله علیه السلام: يا دنيا غرِّي غيري. أخرجه جمع من الحفاظ كما مرَّ في ج2 ص287. و منها حديث طحن الرحي بلامدير. أخرجه لحفاظ بلفظ أبي ذر الغفاري قال: أرسله رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ينادي علياً علیه السلام فرأى رحى تطحن في بيته و ليس معها أحد فأخبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم بذلك فقال: يا أباذر أما علمت أن الله ملائكة سياحين في الأرض قد و كلوا بمساعدة آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم. و منها حديث زواج الزهراء الصديقة علیها السلام و منها أن ودَّ آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم أجر رسالته صلي الله علیه و آله و سلم و قد مرَّ تفصيله راجع الغدير ج4 ص 143.

وَ أَنْتَ أَخٌ لِخَيْرِ الخَلْقِ طُرّاً *** وَ نَفْسٌ فِي مُبَاهَلَةِ البَشِيرِ(1)

وَ أَنْتَ الصَّنْوُ وَ الصِّهْرُ المُزَكَّى *** وَ وَالِدُ شُبَّرٍ وَ أَبُو شُبَّيرٍ(2)

وَ أَنْتَ المَرْءُ لَمْ تَحْفَلْ بِدُنْيَا *** وَ لَيْسَ لَهُ بِذلِكَ مِنْ نَظيرٍ

لَقَدْ نَبَعَتْ لَهُ عَيْنٌ فَظَلَّتْ *** تَفُورُ كَأَنَّهَا عُنُقُ البَعِيرِ

فَوَافَاهُ البَشِيرُ بِهَا مُغْذّاً *** فَقَالَ عَلِيُّ: أَبْشِرْيَا بَشِيرِي

لَقَدْ صَبَّرْتُهَا وَقْفاً مُبَاحاً *** لِوَجْهِ اللَّهِ ذِي العِزِّ القدِيرِ

وَ كَانَ يَقُولُ: يَا دُنْيَايَ غُرِّي *** سِوَايَ فَلَسْتُ مِنْ أَهْلِ الغُرُورِ

وَ صَابَرَ مَعْ حَلِيلَتِهِ الأَذَايَا *** فَنَالاَ خَيْرَ عَاقِبَةِ الصَّبورِ

ص: 206


1- مباهلة: ملاعنة.
2- الصنو: الأخ الشقيق. شبر و شبير: حسن و حسين علیهما السلام.

وَ قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: جِلْتُ يَوْماً *** إِلَى الزَّهْرَاءِ فِي وَقْتِ الهَجِيرِ(1)

فَلَمَّا أَنْ دَنَوْتُ سَمِعْتُ صَوْتاً *** وَ طَعْناً فِي الرَّحَاءِ بِلاَ مُدِيرِ

فَجِئْتُ البَابَ أَقْرَعُهُ نُغُوراً *** فَمَا مِنْ سَامِع لي فِي نُغُوري(2)

فَجِئْتُ المُصْطَفَى وَ قَصَصْتُ شَأْنِي *** وَ مَا أَبْصَرْتُ مِنْ أَمْرٍ ذَعُورِ

فَقَالَ المُصْطَفَى: شُكْرَاً لِرَبِّ *** بِإِتْمَامِ الحَباءِ لَهَا جَدِيرِ

رَآهَا اللَّهُ مُنْعَبَةً فَأَلْقَى *** عَلَيْهَا النَّوْمَ ذُوالمَنِّ الكَثِيرِ

وَ وَكَّلَ بِالرَّحَى مَلِكَاً مُدِيراً *** فَعُدْتُ وَ قَدْ مُلِلتُ مِنَ السُّرُورِ(3)

ص: 207


1- الهجير: شدة الحر.
2- نغور: صيحة و النقور بالقاف هو الضرب على الشيء ليصوّت.
3- يشير الشاعر في هذه الأبيات السبعة السابقة إلى ما روي عن أم أيمن من أنها رأت الرحى تدور في بيت فاطمة علیها السلام من قبل الملائكة. ففي البحار ج38/ 97-98. قال: رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا أن أم أيمن قالت: مضيت ذات يوم إلى منزل مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام لأزورها في منزلها. و كان يوماً حاراً من أيام الصيف، فأتيت إلى باب دارها و إذا بالباب مغلق، فنظرت من شقوق الباب فإذا بفاطمة الزهراء علیها السلام نائمة عند الرحى و رأيت الرحى تطحن البرَّ و هي تدور من غير يدٍ تديرها و المهد أيضاً إلى جانبها و الحسين علیها السلام نائم فيه و المهد يهتز و لم أر من يهزُّه، و رأيت كفاً تسبّح اللَّه «تعالي» قربیاً من كف فاطمة الزهراء علیها السلام قالت أم أيمن: فتعجبت من ذلك فتركتها و مضيت إلى سيدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و سلمت عليه، و قلت له: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إني رأيت عجباً ما رأيت مثله أبداً، فقال لي: ما رأيت يا أم أيمن؟ فقلت: إني قصدت منزل سيدتي فاطمة الزهراء علیها السلام، فلقيت الباب مغلقاً و إذا أنا بالرحى تطحن البرَّ و هي تدور من غير يد تديرها، و رأيت مهد الحسين علیه السلام يهتز من غير يدٍ تهزه، و رأيت كفاً يسبّح الله «تعالى» قريباً من كف فاطمة علیها السلام و لم أر شخصه، فتعجَّبت من ذلك يا سيدي. فقال يا أم أيمن: إعلمي ان فاطمة الزهراء علیها السلام، صائمة، و هي متعبة جائعة و الزمان قيظ فالقى الله «تعالى» عليها النعاس فنامت، فسبحان من لاينام فوكل الله ملكاً يطحن عنها قوت عيالها و أرسل اللَّه ملكاً آخر يهز مهد ولدها الحسين علیه السلام لئلا يزعجها من نومها و وكل اللَّه ملكاً آخر يسبح الله «عزوجل» قريباً من كف فاطمة علیها السلام يكون ثواب تسبيحه لها لأن فاطمة علیها السلام لم تفتر عن ذكر الله، فإذا نامت جعل الله ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة علیها السلام فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخبرني من يكون الطحان؟ و من الذي يهز مهد الحسين علیه السلام و يناغيه؟ ومن المسبّح؟ فتبسم النبي صلى الله عليه و آله و سلم ضاحكاً و قال: أما الطحان فجبرائيل، و أما الذي يهز الحسين علیه السلام فهو ميكائيل و أما الملك المسبّح فهو إسرافيل. و ذكر في البحار أيضاً ج43 ص45 عن عمار و ميمونة حديثاً في هذا المضمون؛ و في دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص48 عن سلمان حديث آخر فيه.

تَزَوَّجَ فِي السَّمَاءِ بِأَمْرِ رَبِّي *** بِفَاطِمَةَ المُهَنَّبَةِ الطَّهُورِ(1)

وَ صَيَّرَ مَهْرَهَا خُمْسَ الأَرَاضِي *** بِمَا تَحْوِيهِ مِنْ كَرَمِ وَخَيرِ(2)

فَذَا خَيْرُ الرِّجَالِ وَ تِلْكَ خَيْرُ *** النُسَاءِ وَ مَهْرُهَا خَيْرُ المُهُورِ

وَ ابْنَاهَا الأُولَى فَضَلُوا البَرَايَا *** بِتَنْصِيصِ اللَّطِيفِ بِهَا الخَبِيرِ

وَ صَيَّرَ وُدَّهُمْ أَجْراً لِطهَ *** بِتَبْلِيعُ الرِّسَالَةِ فِي الأُجُورِ

ص: 208


1- يشير في هذا البيت إلى زواج علي علیه السلام من فاطمة علیها السلام في السماء بأمر اللَّه تعالى: ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص31-32 قال: «عن علي «رضي عنه و رضوا عنه» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن الله «تعالى» يقرأ عليك السلام و يقول لك: إني قد زوّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلام في الملأ الأعلى فزوجها منه في الأرض. انظر بحار الأنوار ج43 ص92. و ملحقات إحقاق الحق ج18 ص174. و ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص31 و ص86 و الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص204. و دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص18.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن مهر الزهراء علیها السلام كان خمس الدنيا.

(55) يا فاطم علیها السلام أسمعي

(بحر الخفيف)

علي بن حماد العدوي العبدي(*)(1)

حَيْ قَبْراً بِكَرْبَلا مُسْتَنِيرا *** ضَمَّ كَنزَ التَّقَى وَ عِلْماً خَطِيرا(2)

وَ أَقِمْ مَأْتَمَ الشَّهِيدِ وَ أَذْرِفْ *** مِنْكَ دَمْعاً فِي الوَجْنَتَيْنِ غَزِيرا(3)

وَ الْتَثِمْ تُرْبَةَ الحُسَيْنِ بِشَجْوٍ *** وَ أَطِلْ بَعْدَ لَثْمِكَ التَّعْفِيرا(4)

ثُمَّ قُلْ: يَا ضَرِيحَ مَوْلاي سُقيتَ *** مِنَ الغَيْثِ هَامِياً نميرا(5)

تِهْ عَلَى سَائِرِ القُبُورِ فَقَدْ أَصْبَحْتَ *** بِالتّيهِ وَ الفَخَارِ جَدِيرا(6)

فِيكَ رَيْحَانَةُ النَّبِيِّ وَ مَنْ حَلَّ *** مِنَ المُصْطَفَى مَحَلاًّ أَثِيرا(7)

فِيكَ يَا قَبْرُ كُلُّ حِلْمٍ وَ عِلْمٍ *** وَ حَقِيقٌ بِأَنْ تَكُونَ فَخُورا

فِيكَ مَنْ هَد قَتْلُهُ عَمَدَ الدِّينُ *** وَ قَدْ كَانَ بِالهُدَى مَغْمُورا(8)

فِيكَ مَنْ كَانَ جِبْرَئِيلُ يُنَاغِيهِ *** وَ مِیکال بِالحَباءِ صَغِيرا(9)

فِيكَ مَنْ لاذَ فُطْرُسٌ فَتَرَقَّى *** بِجَنَاحَيْ رِضَى وَ كَانَ حَسِيرا

ص: 209


1- (*) مرّت ترجمته في القصيدة السابقة.
2- حيٍّ: اسم فعل بمعنى اثت و يحتمل أن يكون فعلاً و يراد منه الدعاء أي حيا الله و أبقى قبراً بكربلاء.
3- أذرف: أمر بمعنى أسل وصب من قولهم أذرف الدمع و ذرّفه: صبّه و أساله.
4- التثم: قبَل الشجو: الهم و الحزن، الشوط من البكاء. التعفير الدس و التمريغ.
5- هامياً: هاطلاً. الماء النمير: الماء العذب.
6- تهْ: أمر من قولهم: تاه يتيه.
7- الأثير: المكرَّم المكين.
8- هدَّ: هدم و ضعضع و كسر. العمد:جمع العماد: ما يسند به و يتكأ عليه.
9- يناغيه: يكلمه بكلام معجب كي يسرِّ به. و الحِباء بكسر الحاء: العطاء.

يَوْمَ سَارَتْ إِلَيْهِ جَيْشُ ابْنُ هِنْدٍ *** لِذُحُولٍ أَمْسَتْ تَحلُّ الصُّدُورا(1)

أو وَاحْسرَتِي لَهُ وَ هُوَ بِالسَّيْفِ *** نَحِيراً فَدَيْتُ ذَاكَ النَّحِيرا

آهِ إِذْ ظَلَّ طَرْفُهُ يَرْمُقُ الفُسْطَاطَ *** خَوْفاً عَلَى النِّسَاءِ غَيُورا(2)

آهِ إذ أَقْبَلَ الجَوَادُ عَلَى النِّسْوَانِ *** يَنْعَاهُ بِالصّهيلِ عَفِيرا(3)

فَتَبادَرْنَ بالعَوِيل هَتَكُنَ *** الأقْرَاطَ بارزاتِ الشُّعُورا

وَ تَبَادَرْنَ مُسْرِعَاتٍ مِنَ الخِدْرِ *** وَ مِنْ قَبْلُ مُسْبِلاَتِ السُّتُورَا(4)

وَ لَطمْنَ الخُدُودَ مِنْ أَلَمِ الثُّكْلِ *** وَ غَادَرْنَ بِالنِّيَاحِ الخُدُورا(5)

وَ بَدا صَوْتُهُنَّ بَيْنَ عِدَاهُنَّ *** وَ عِفْنَ الحِجَاب سفورا(6)

بَارِزَاتِ الوُجُوهِ مِنْ بَعْدِمَا غُودِرْنَ *** صُونَ الوُجُوهِ وَ التَّخْفِيرا(7)

ثُمَّ لَمّا رَأَيْنَ رَأسَ حُسَيْنِ *** فَوْقَ رُمْح حَكَى الهلال المُنيرا(8)

صِحْنَ بِالذُّلُّ أَيُّهَا النَّاسُ لِمَ نُسْبَى؟ *** وَ لَمْ نَأْتِ فِي الأَنَامِ نَكِيرا

مَا لَنَا لاَنَرَى لآلِ رَسُولِ اللَّهِ *** فِيكُمْ يَا هَؤُلاءِ نَصِيرا؟

فَعَلَى ظَالِمِيهِمْ سَخَطُ اللَّهِ *** وَ لَعْنٌ يَبْقَى وَبَفْنَى الدُّهُورا

قُلْ لِمَنْ لامَ فِي وِدَادِي بَنِي *** أَحْمَدٍ: لاَ زِلْتَ فِي لِظى مَدْحُورا(9)

أعلى حُبِّ مَعْشَرٍ أَنْتَ قَدْ كُنْتَ *** عَذُولاً وَ لاَ تَكُونُ عَذِيرا؟(10)

وَ أَبُوهُمُ أَقَامَهُ اللَّهُ فى (خُمِّ) *** إمَاماً وَ هَادِياً و أمِيرا

ص: 210


1- الذحول: بضم الذال جمع الذحَل بفتحه: الحقد.
2- يرمق الطرف: يلحظ لحظاً خفيفاً أو يطيل النظر إلى الشيء و يديم.
3- عفيراً: متمرغاً بالتراب.
4- الخدر: على زنة الخبر و يجمع على خدور و أخدار: الحجاب، كل ما يتوارى به.
5- الثكل، على زنة القفل: فقد الأحبة من الأهل و الأولاد و غادرن: تركن.
6- عفن الحجاب: تركن الحجاب. سفورا: أي كشف الوجه.
7- التخفير: شدة الحياء.
8- حكى: شابه.
9- مدحوراً: مطروداً و مبعداً.
10- عذولاً: لائماً.

حِينَ قَدْ بَايَعُوهُ أَمْراً عَنِ *** اللَّهِ فَسَائِلٌ دَوْحَاتِهِ وَ الغَدِيرا(1)

وَ أَبُوهُمْ أَفْضَى النَّبِيُّ إِلَيْهِ *** عِلْمَ مَا كَانَ أَوْلاً وَ أَخِيرا(2)

وَ أَبُوهُمْ عَلاَ عَلَى العَرْشِ لَمَّا *** قَدْرَقَى كَاهِلَ النَّبِيِّ ظَهِيرا

وَ أَمَاطَ الأَصْنَامَ كُلا عَنِ الكَعْبَةِ *** لَمَّا هَوَى بِهَا تَكْسِيرا(3)

قَالَ: لَوْ شِئْتُ أَلْمِسُ النَّجْمَ بِالكَفِّ *** إِذَنْ كُنْتُ عِنْدَ ذَاكَ قَدِيرا

وَ أَبُوهُمْ رُدَّ [تِ لَهُ] الشَّمْسُ بَيْضَاءَ *** وَ هْيَ كَادَتْ لِوَقْتِهَا أَنْ تَغُورا(4)

وَ قَضَى فَرْضَهُ أَدَاءً وَ عَادَتْ *** لِغُرُوبِ وَ كُورَتْ تَكْوِيرا(5)

وَ أَبُوهُمُ يَرُوي عَلَى الحَوضِ من وا *** لاهُمُ وَ يَرُدُّ عَنْهُ الكُفُورا(6)

ص: 211


1- الدوحات: جمع الدوحة : الشجرة العظيمة. و في غديرخم كانت أشجار أمر النبي صلي الله علیه و آله و سلم بكنس ما تحتها ثم وضع له من أهداج فصعد عليها و خطبهم و أبلغهم إمامة علي بن أبي طالب علیه السلام و خلافته بعده. فليراجع كتاب العبقات و الغدير و البحار، و غيرها من كتب الإمامية.
2- ليلاحظ كتاب (أنا مدينة العلم و عليٌ بابها) من مجلدات عبقات الأنوار.
3- ليراجع الحديث: (122) من كتاب خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام تأليف الحافظ النسائي ص225 طبعة بيروت و ترجمة نعيم بن حكيم المدائني تحت الرقم: (7582) من تاريخ بغداد ج13 ص302 و مستدرك الحاكم: ج2 ص366 و ج3 ص5 و مسند علي علیه السلام من كتاب تهذيب الآثار ج1 ص236 و الحديث (18) من أربعين الخزاعي.
4- هذا هو الصواب و في الأصل: «و أبوهم قد ردَّ الشمس بيضاً». و ظاهر كلام الناظم أن ردَّ الشمس كان لأجل إدراك وقت الفضيلة و صريح كثير من الأخبار أن ردها كان لأجل إدراك الأداء. فليراجع الرسائل الكثيرة المؤلفة حول ردّ الشمس.
5- كورت الشمس: ذهب و اضمحل ضوؤها بغيبوبتها عن الأفق.
6- و بهذا المعنى جاءت عدة أحاديث عن طريق شيعة آل أبي سفيان أيضاً كما في (9) من ترجمة الإمام الحسن علیه السلام من أنساب الاشراف: ج3 ص10 ط1. و رواه أيضاً علي الطبراني في الحديثين (198) و (229) من ترجمة الامام الحسن من المعجم الكبير ج1 الورق131 و 133 /ب/ أ/ و في ط 1 ج3. و رواه أيضاً الثقفي كما في الحديث (124) من مختصر كتاب الغارات ص188 ط2. و رواه أيضاً ابن عساكر بطرق أربعة في ترجمة معاوية بن حديج من تاريخ دمشق. و رواه أيضاً الذهبي في ترجمة ابن حديج من سير أعلام النبلاء ج3 ص38 و رواه الحاكم أيضاً في الحديث (100) من فضائل علي علیه السلام من المستدرك ج3 ص138.

وَ أَبُوهُمْ يُقَاسِمُ النَّارَ وَ الجَنَّةَ *** فِي الحَشْرِ عَادِلاً لَنْ يَجُورا(1)

وَ رَوَى لِي عَبْدُ العَزِيزِ الجَلُودِي *** وَ لَقَدْ كَانَ صَادِقاً مَبْرُورا(2)

عَن ثِقَات الحَدِيثِ أَعْنِي العَلائِي *** هُوَ أَكْرِمْ بِذَا وَذَا مَذْكُورا

يَسْنَدُوهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسَ يَوْماً *** قَالَ: كُنّا عِنْدَ النَّبِيِّ حُضُورا

إذْ أَتَتْهُ البَتُولُ فَاطِمُ تَبْكِي *** وَ تَوَالَي شَهِيقها وَ الزَّفِيرا(3)

ص: 212


1- و هذا المعنى رواه ابن عساكر بطرق في الحديث (761) و ما بعده من ترجمة أميرالمؤمنين علیه السلام من تاريخ دمشق: ج2 ص243.
2- هو أبوأحمد بن يحيى البصري أحد مؤلفي الإمامية الثقات الاثبات، له في الفقه و الحديث و التاريخ تأليف قيمة. توفي في (17) من ذي الحجة سنة (332 ه_).
3- إشارة إلى ما أخرجه .م. الحافظ عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس الخطيب بإسناده في تاريخه ح4 ص195 عن ابن عباس قال: لما زوّج النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام قالت فاطمة علیها السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ زوّجتني من رجل فقير ليس له شيء فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أما ترضين ان الله اختار من أهل الارض رجلين أحدهما أبوك و الآخر زوجك. و ذكره الحاكم في المستدرك ج3 ص129 و صحّحه. و الهيثمي في «المجمع» 9/ ص112، و السيوطي في (المجمع) كما في ترتيبه 6 ص391 و الصفوري في النزهة ح2 ص226. و في نزهة المجالس 2/ 226 عن العقائق: أن فاطمة علیها السلام عنها بكت ليلة عرسها فسألها النبي صلي الله علیه و آله و سلم عن ذلك فقالت له: تعلم أني لاأحب الدنيا ولكن نظرت إلى فقري في هذه الليلة فخشيت أن يقول لي عليُّ: بأي شيء جئت؟ فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لك الأمان فإن علياً علیه السلام لم يزل، راضياً مرضياً، ثمَّ بعد ذلك تزوَّجت امرأة من اليهود و كانت كثيرة المال فدعت النساء إلى عرسها فلبسن أفخر ثيابهن ثم قلن: نريد أن ننظر إلى بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، و فقرها فدعونها، فنزل جبرئيل بحلة من الجنة فلما لبستها و اتزرت و جلست بينهن رفعت الإزار فلمعت الأنوار، فقالت النساء: من أين لك هذا يا فاطمة علیها السلام؟! فقالت:من أبي، فقلن: من أين لأبيك؟ قالت: من جبريل، قلن: من أين لجبريل؟! قالت: من الجنة، فقلن: نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فمن أسلم زوجها استمرت معه و إلا تزوَّجت غيره. و في ذخائر العقبى/ للمحب الطبري/ ص29. عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما زوَّج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عليا علیه السلام فاطمة علیها السلام دخل عليها و هي تبكي. فقال لها: ما يبكيك؟ فوالله لو كان في أهل بيتي علیهم السلام خير منه زوَّجتك، و ما أنا زوَّجتك ولكن الله زوجك و أصدق عنك الخمس ما دامت السماوات و الأرض. و البحار أيضاً ج43 ص94 ح5.

قَالَ: مَا لِي أَرَاكِ تَبْكِينَ يَا *** فَاطِمُ؟ قَالَتْ وَ أَخْفَتِ التَّعْبِيرا

اِجْتَمَعْنَ النِّسَاءُ نَحْوِي وَ أَقْبَلْنَ *** يَطُلْنَ التَّقْرِيعَ وَ التَّعْيِيرا(1)

قُلْنَ: إِنَّ النَّبِيَّ زَوَّجَكِ اليَوْمَ *** عَلِيًّا بَعْلاً عَدِيماً فَقِيرا

قَال: يَا فَاطِمُ اسْمَعِي وَاشْكُرِي اللَّهَ *** فَقَدْ نِلْتٍ مِنْهُ فَضْلاً كَبِيرا

لَمْ أُزَوِّجْكِ دُونَ إِذْنٍ مِنَ اللَّهِ *** وَ مَا زَالَ يُحْسِنُ التَّدْبِيرا(2)

أَمَرَ اللَّهُ جَبْرَئِيلَ فَنَادَى *** رَافِعاً فِي السَّمَاءِ صَوْتاً جَهِيرا(3)

وَ أَتَاهُ الأمْلاكَ حَتَّى إِذَا مَا *** وَرَدُوا بَيْتَ رَبِّنَا المَعْمُورا

قَامَ جِبْرِيلُ قَائِماً يُكْثِرُ التَّحْمِيدَ *** لِلَّهِ جَلَّ وَ التَّكْبِيرا

ثُمَّ نَادَى: زَوَّجْتُ فَاطِمَ يَا رَبِّ *** عَلِيَّ الطُّهْرَ الفَتَى المَذْكُورا

قَالَ رَبُّ العُلاَ: جَعَلْتُ لَهَا المَهْرَ *** لَهَا خَالِصاً يَفُوقُ المُهُورا(4)

خُمْسُ أَرْضِي لَهَا وَ نَهْرِي وَ أَوْ *** جَبْتُ عَلَى الخَلْقِ رُدَّهَا المَحْصُورا

ص: 213


1- التقريع: التوبيخ و التصنيف. التعيير: نسبة الشيء إلى العار أو تقبيح الفعل على الشخص.
2- كانت فاطمة علیها السلام لايذكرها أحد الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إلا أعرض عنه حتى أيس الناس منها. فلما أراد أن يزوّجها من علي أسرَّ إليها، فقالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنت أولى بما ترى غير أن نساء قريش تحدّثني عنه أنه لامال له. فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام أما علمت أن الله أشرف على الدنيا فاختارني على رجال العالمين ثم اطلع فاختار علياً علیه السلام على رجال العالمين ثم أطلع فاختارك على نساء العالمين، انظر البحار ج99/43 ح11.
3- أخرج محب الدين الطبري في [ذخائره] ص29. 30. 31: عن أنس بن مالك في حديث طويل قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن الله «تعالى» أمرني أن أزوِّج فاطمة علیها السلام بنت خديجة علیها السلام من علي بن أبي طالب علیه السلام فاشهدوا أني قد زوَّجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضي بذلك علي بن أبي طالب علیه السلام فقال علي علیه السلام: «قد رضيت بذلك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال أنس: فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم «جمع الله شملكما و أسعد جدَّكما و بارك عليكما و أخرج منكما طيباً» قال أنس: فواللَّه أخرج اللَّه منهما الكثير الطيب.
4- في ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص31. 32. عن علي علیه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم إن الله «تعالى» يقرأ عليك السلام و يقول لك: إني قد زوَّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلام في الملأ الأعلى فزوَّجها منه في الأرض. و عن عمر و قد ذكر عنده علي علیه السلام قال: ذلك صهر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نزل جبريل فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم إن الله يأمرك أن تزوَّج فاطمة علیها السلام ابنتك من علي علیه السلام.

فَأَنْتَرْتُ عِنْدَ ذلكَ طُوبَى *** عَلَى الحُورِ عَنْبَراً وَ عَبِيرا

وَ أَبُوهُمْ بَرَأَ الإلهُ لَهُ شِبْهاً *** لأَمْلاكِهِ سَمِيعاً بَصِيرا(1)(2)

فَإِذَا اشْتَاقَتِ المَلاكِ

وَ أَبُوهُمْ أَحْيَا لِمَيْت ب_

وَ أَبُوهُمْ قَالَ النَّ

أنْتَ خِدْنِي وَ صَاحِبِي

أَنْتَ مِنِّي كَمَثَلِ هَارُونَ هِ

وَ أَبُوهُمْ أَوْدَىٰ بِعَمْ_

وَ أَبُوهُمْ لِبَاب خَيْبَرَ

حَامِلُ الرَّايةِ الَّتِي رَدَّه_َ

خَصَّهُ ذُو العُلا بِفَاطِ

بِهِم تَابَ ذُو الجَلاَلِ

وَ بِهِمْ قَامَتِ السَّمَاءُ

و بِهِمْ بِأهْلِ النَّبِيِّ

فِيهِمُ أَنْزَلَ المُهَيْمِن قرأنأ *** عْظِيما و ذاك جما خَطیرا

فِي الطَّوَاسِينِ وَ الحَوَامِيمِ و *** الرَحْمنِ آياً مَا كَانَ فِي الذِّكْرِ زُوراً

وَ خَلَقْنَاهُ نُطْفَةً نَبْتَلِيهِ *** فَجَعَلْنَاهُ سَامِعاً وَ بَصِيرا

لبَيَانٌ إِذَا تَأَمَّلَهُ العَارِفُ *** يُبْدِي لَهُ المَقَامَ الكَبِيرا

ثُمَّ تَفْسِیرُ «هَلْ أَتَى» فِيهِ يَا صَاحِ *** قُلْ لَهُ إِنْ كُنْتَ تَفْهَمُ التّفْسِيرَا

إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ بِكَأْسٍ *** كَانَ عِنْدِي مِزَاجُهَا كَافُورا

ص: 214


1- برأ: خلق.
2- (2) العجاج: الحمق، رعاع الناس، و الأنسب أنه أريد به الغبار و الدخان. (3) شبر و شُبير: ابنا نوح بمعنى الحسن و الحسين علیهما السلام في العربية. (4) تمور: تموج و تضطرب.

فَلَهُمْ أَنْشَأ المُهَيْمِنُ عَيْناً *** فَجَّرُوها لَدَيْهِمُ تَفْجِيرا

وَ هَدَاهُمْ و قَالَ: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ» *** فَمَنْ مِثْلُهُمْ يُوفَّي النُّذُورا

وَ يَخَافُونَ بَعْدَ ذلِكَ يَوْماً *** شَرُّهُ كَانَ بِالوَرَى مُسْتَطِيرا

فَوَقَاهُمْ إِلهُهُمْ ذُلِكَ اليَوْمَ *** وَ يُلَقَّوْنَ نَضْرَةً وَ سُرُورا

وَ جَزَاهُمْ بِأَنَّهُمْ صَبَرُوا فِي السِّرِّ *** وَ الجَهْرِ جَنَّةً وَ حَرِيرا

فَاتَّكَوْا مِنْ عَلَى الْأَرَائِكِ *** لايُلْقَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَ لاَزَمْهَرِيرا(1)

وَ أَوَانٌ وَ قَدْ أُطِيفَتْ عَلَيْهِمُ *** سَلْسَبِيلٌ مُقَدَّرٌ تدبيرا(2)

وَ بِأَكْوَابٍ فِضَّةٍ وَ قَوَارِيرَ *** قَدَّرُوهَا عَلَيْهِمُ تَقْدِيرا

وَ بِكَأْسٍ قَدْ مَا زَجَتْ زَنْجَبِيلاً *** لَذَّةَ الشَّارِبِينَ تُشْفِي الصُّدُورا

وَإِذَا مَا رَأَيْتَ ثَمَّ نَعِيماً *** دَائِماً عِنْدَهُمْ وَ مُلْكاً كَبِيرا

وَ عَلَيْهِمْ فِيهَا ثِيابٌ مِنَ السُّنْدُسٍ *** خُضْرٌ فِي الحَشْرِ تَلْمَعُ نُورا

وَ يُحَلَّونَ بِالأَسَاوِرِ فِيهَا *** وَ سَقَاهُمْ رَبِّي شَرَاباً طَهُورا

وَ رَوْينَا عَنِ النَّبِيِّ حَدِيثاً *** فِي البَرَايَا مُصَصَّحاً مَأْثُورا

أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي الجَنَّةِ *** إِذْ عَايَنُوا ضِيَاءً وَ نُورا

كَادَ أَنْ يَخْطَفَ العُیُونَ فَنَادَوْا *** أَيَّ شَيْءٍ هَذَا وَ أَبْدَوْا نُكُورا

أَوَ لَيْسَ الإِلهُ قَال لَنا لاَ *** شَمْسَ فِيهَا تُرى وَ لاَزَمْهَرِيرا؟

وَإِذَا بِالنَّدَاءِ: يَا سَاكِنِي الجَنَّةَ *** مَهْلاً أَمِنْتُمُ التَّغْييرا

ذَا عَلِيُّ الوَليُّ قَدْ دَاعَبَ الزَّهُرَاءَ *** مَوْلاتَكُمْ فَأَبْدَتْ سُرُورا

فَبِذَا إِذْ تَبَسَّمَتْ ذَلِكَ النُّورَ *** فَزِيدَتْ كَرَامَةٌ وَ حُبُورا(3)

ص: 215


1- الزمهرير: شدة البرد.
2- تدبيرا: أي تدبير من اللَّه «سبحانه».
3- حبورا: الحسن علیه السلام و الزينة. حُبّرت زينت. و في كنز الفوائد ج1 / 236 ح16. أوحى اللَّه عز وجل إلى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن قد ولد لك حوراء إنسية فزوّج النور من النور، النور فاطمة علیها السلام من نور علي علیه السلام فإني قد زوّجتها علیها السلام في السماء و جعلت خمس الأرض مهرها... إلى آخر الحديث. و في کشف الغمة ج1/ 472. روي عن جابر بن عبد الله قال: لما زوّج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام من علي كان الله «تعالى» مزوّجه من فوق عرشه و كان جبرئيل الخاطب و كان ميكائيل و إسرافيل في سبعين ألفاً الملائكة شهوداً... و أوحى الله إلى شجرة طوبى ان انثري ما فيك من الدر و الياقوت و اللؤلؤ... و أوحى الله إلى الحور العين أن التقطنه، فهنّ يتهادينه إلى يوم القيامة فرحاً بتزويج فاطمة علیها السلام علياً علیه السلام.

يَا بَنِي أَحْمَدٍ عَلَيْكُمْ عِمَادِي *** وَ اتَّكَالِي إِذَا أَرَدْتُ النُّشُورا

وَ بِكُمْ يَسْعَدُ المُوَالِي وَ يَشْقَى *** مَنْ يُعَادِيكُمُ وَ يَصْلَى سَعِيرا

أَنْتُمُ لِي غَداً وَ لِلشَّيعَةِ الأَبْرَارِ *** ذُخْرٌ أَكْرِمْ بِهِ مَذْخُورا

فَاسْتَمِعْهَا كَالدُّرِّ لَيْسَ تَرَى فِيهَا *** مَلاهِي كَلاَّ وَ لاتَغْييرا

صَاغَ أَبْيَانَهَا عَلِيُّ بْنُ حَمَّادٍ *** فَزَانَتْ وَ حُبِّرَتْ تَحْبِيرا(1)

ص: 216


1- الغدير ج4 ص166.

(56) ابنة الهادي الأمين

(بحر الكامل)

السيد علي الترك(*)(1)

نَعْضاً فَقَدْ نَسِيَتْ لُؤَيُّ شِعَارَها *** فَأَزِلْ بِسَيْفِكَ عَنْ لُؤَيِّ عَارَها(2)

هَدِئَتْ على حَسَكِ الرُّوى مَوْتُورَةً *** فَانْهَضْ فَدَيْتُكَ طَالِباً أَوْتَارَها(3)

فَمَتى تَقَرُّ العَيْنَ طَلْعَتُكَ الَّتِي *** حَسَدَتْ مَصابِيحُ الدُّجى أَنْوَارَها

وَ مَتى تَشُنُّ عَلَى الأَعَادِي غَارَةً *** شَعْوَاءَ تَرْفَعُ لِلسَّمَاءِ غُبَارَها(4)

وَ مَتَى نَرَاكَ عَلَى الجَوَادِ مُشَمْراً *** تَحْتَ العَجَاجَةِ صَارِماً أَعْمَارَها(5)

ص: 217


1- (*) السيد علي ابن أبي القاسم بن فرج الله الموسوي الشهير ب_ (الترك) ولد في النجف الأشرف في العراق عام (1285 ه_) و نشأ بها بعناية والده العالم الكبير، و بعد أن درس المقدمات المتعارف عليها في الحوزات الدينية اختار لنفسه ان يدرس فن الخطابة، فأخذ الخطابة من الخطيب البارع أستاذ المنبر الشيخ أستاذ المنبر الشيخ محمد علي الجابري فعني بتربيته اضافة لتعليمه فن الخطابة لما وجده فيه من لياقة و نباهة، وحدة ذكاء، و حسن صوت، فجلب انتباه الرأي العام إليه، فأصبح من الخطباء المشهورين و الأدباء البارعين. و أمتاز على غيره من خطباء العرب كونه يجيد الفارسية و التركية بالإضافة إلى العربية. سافر المترجَم له إلى إيران فأقام في طهران في عهد الشاه مظفر الدين القاجاري، فحظي عنده و قدَّمه على مجموعة من الخطباء و مكث هناك أكثر من عامين كان فيهما موضع احترام كافة الطبقات، ثم رجع إلى النجف. و في عام (1324 ه_) سافر حاجاً إلى بيت الله الحرام، و بعد أداء المناسك و توجهه إلى منى في الرابع من عيد الاضحى توفي على أثر انتشار داء الهيضة الذي تفشى في ذلك العام و بوفاته خسر المنبر أحد الخطباء الكبار الذي لايعوّضه إلا خطيب بمستواه و مكانته الخطابية.
2- الظاهر أنها نهضاً على الإطلاق أو هي ((أنهض).
3- الروى الرواء: الأخضر الناعم من أغصان الشجر و نحوها موتورة التي قُتل لها قتيل فلم تدرك بدمه. أوتارها: مفردها الوتر أو الوتر و هو الانتقام.
4- غارة شعواء: منتشرة متفرقة ممتدّة.
5- العجاجة: الغبار أو الدخان أو الناس الحُمق أو الرعاع و غوغاؤهم.

وَ مَتَى تَصُولُ عَلَى الطَّغَاةِ مُطَهَّراً *** مِنْهَا البَسِيطَةُ مَاحِياً آثَارَها

تَفتَادُ مِنْ خَيْلِ السَّوَابِقِ ضُمَّراً *** وَ مِنَ الفَيَالِقِ قَائِداً جَرَّارَها(1)

بِمُسَرْبَلِينَ مِنَ الدُّرُوعِ سَوَابِغاً *** وَ مِنَ الصَّوَارِمِ وَ الرِّمَاحِ حِرَارَها(2)

وَ تُحِيلُ لَيْلَ النَّقْعِ بِالبِيض الظُّبَا *** صُبْحاً وَ لَيْلاً بِالقَتَامَ نَهَارَها(3)

وَ تُعِيدُ أَرْضَ الله قاعاً صَفْصَفاً *** حَتَّى تُطبِّقَ بالهُدَى أَقْطَارَها(4)

لاَصَبْرَ يَابْنَ العَسْكَرِي فَشِرْعَةُ *** الهَادِي النَّبِيِّ اسْتَنْصَرَتْ أَنْصَارَهَا

هُدِمَتْ قَوَاعِدُهَا وَ طَاحَ مَنَارُهَا *** فَأَقِمْ بِسَيْفِكَ ذِي الفِقَارِ مَنَارَها

حَتَّى مَ تَصْبِرُ وَ العَبيدُ طَغَتْ عَلَى *** السَّادَاتِ حَتَّى اسْتَعْبَدَتْ أَحْرَارَها ؟

وَ إِلَى مَ تُعْضِي وَالطَّغَاةُ تَحَكَّمَتْ *** فِي المُسْلِمِينَ فَحَكَمَتْ أَشْرَارَها؟(5)

وَ بَنَتْ عَلَى مَا أَسَّسَتْ آبَاؤُهَا *** مِنْ قَبْلُ حِينَ تَتَبَّعَتْ أَخْبَارَها

إِذْ قَدَّمَتْ رَأْسَ الفَسَادِ وَ أَخَرَتْ *** عَيْنَ السَّدَادِ وَ أَمَّرَتْ كُفَّارَها

رَأْسُ المَفَاسِدِ لَمْ يُهَيِّجُ فِتْنَةً *** إِلَّا وَ أَوْقَدَتِ السَّقِيفَةُ نَارَها

قَادَتْ عَلِيًّا بِالنَّجَادِ وَضَيَّعَتْ *** سُبُلَ الرَّشَادِ وَ خَالَفَتْ جَبَارَها(6)

جَارَتْ عَلَيْهِ بِبَغْيِهَا وَ لَطَالَمَا *** مِنْ جَوْرٍ جَائِرَةِ القَضَاءِ أَجَارَها

مَوْلاَيَ مَا سَنَّ الضَّلالَ سِوَى الأَلَى *** هَجَمُوا عَلَى القُهْرِ البَتُولَةِ دَارَهَا(7)

ص: 218


1- ضُمّراً: أضمر الفرس جعله و صيّره ضامراً و ذلك بأن يربطه و يكثر ماءه و علفه حتى يسمن، ثم يقلل ماءه و علفه مدة أو يُركِضَه في الميدان حتى يهزل و مدة التضمير عند العرب أربعون يوماً.
2- حِرارها: خيارها و أعتقها و أطيبها.
3- النقع: الغبار، القتام: الظلام و السواد.
4- قاعاً: القاع الأرض السهلة المطمئنة التي انفرجت عنها الجبال و الآكام. صفصفاً: مستوياً مطمئناً.
5- تغضي: تطبق جفنيك حتى لاتبصر شيئاً.
6- النجاد: حمائل السيف.
7- في هذا البيت إشارة لما ورد في كتاب (بحار الأنوار) ج53 ص14: (عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق علیه السلام هل للمأمور المنتظر المهدي عج الله فرجه الشریف من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال:... و ضرب سلمان الفارسي و إشعال النار على باب أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لإحراقهم بها و ضرب الصديقة الكبرى فاطمة علیها السلام بالسوط و رفس بطنها و إسقاطها محسناً... و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها علیها السلام: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور اللَّه و اللَّه متم نوره و... و إدخال قنفذ يده لعنه اللَّه يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدُّملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: «وا أبتاه وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تُكذِّب و تضرب و يقتل جنين في بطنها» و خروج أميرالمؤمنين علیه السلام من داخل الدار محمرَّ العين حاسراً حتى ألقى ملاءته عليها و ضمّها إلى صدره و قوله لها: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد علمتي أن أباك بعثه الله رحمة للعالمين، فاللَّه اللَّه أن تكشفي خمارك و ترفعي ناصيتك، فوالله يا فاطمة علیها السلام لئن فعلت ذلك لاأبقى الله على الأرض من يشهد أن محمداً رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لاموسى و لاعيسى و لاإبراهيم و لانوح و لاآدم و لادابة تمشي على الارض و لاطائراً في إلا أهلكه الله... ثم قال: يا بن الخطاب لك الويل من يومك هذا و ما بعده و ما يليه اخرج قبل أن أُشهر سيفي فأفني غابر الأمة. فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار. و صاح أميرالمؤمنين علیه السلام بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة و ردّ الباب فأسقطت محسناً. فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: «فانه لاحق بجده رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيشكو إليه».

مَنَعُوا البَتُولَ عَنِ النّيَاحَةِ إِذْ غَدَتْ *** تَبْكِي أَبَاهَا لَيْلَهَا وَ نَهَارَها(1)

ص: 219


1- هذا البيت و البيت الذي يليه فيهما إشارة إلى ما ورد في كتاب الخصال للشيخ الصدوق منشورات جماعة المدرسين ج1 ص272: «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: البكاؤون خمسة: آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و علي بن الحسين علیه السلام فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خدَّيه أمثال الأودية و أما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره و حتى قيل له: «تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ». [ سورة يوسف آية 85] أما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى أهل السجن فقالوا له: إما أن تبكي الليل و تسكت بالنهار و إما أن تبكى بالنهار و تسكت بالليل فصالحهم على واحد منهما، أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر. مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف و أما علي بن الحسين علیه السلام فبكى على الحسين علیه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله علیه السلام إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال: «إنَّما أشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لاَ تَعْلَمُونَ» إني ما أذكر مصرع بني فاطمة علیها السلام إلا خنقتني لذلك عبرة.

قَالُوا لَهَا قَرِّي فَقَدْ آذَيْتِنَا *** أَنَّى وَ قَدْ سَلَبَ المُصَابُ قَرَارَها

قَطَعُوا أَرَاكَتَهَا وَ مِنْ أَبْنَائِهَا *** فَطَعَتْ أُمَيٍّ يُمِينَهَا وَ يَسَارَهَا

جَمَعُوا عَلَى بَيْتِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** حَطَباً وَ أَوْقَدَتِ الصَّغَائِنُ نَارَهَا(1)

رَضُوا سَلِيلَةَ أَحْمَدٍ بِالبَابِ حَتَّى *** أَنْبَتُوا فِي صَدْرِهَا مِسْمَارَها

عَصَرُوا ابْنَةَ الهَادِي الأمينِ وَ أَسْقَطُوا *** مِنْهَا الجَنِينَ وَ أَخْرَجُوا كَرّارَها

قَادُوهُ وَ الزَّهْرَاهُ تَعْدُو خَلْفَهُمْ *** عَبْرَى فَلَيْنَكَ تَنْظُرُ اسْتِعْبَارَهَا

وَ العَبْدُ سَوَّدَ مَتْنَهَا فَاسْتَنْصَرَتْ *** أَسَفاً فَلَيْتَكَ تَسْمَعُ اسْتِنْصَارَهَا

عَاشَتْ سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ مِنْ بَعْدِهِ *** عَبْرَىٰ تُكَابِدُ ذُلَّهَا وَ صِغَارَها(2)

وَقَضَتْ وَآثَارُ السَّيَاطِ بِجَنْبِها *** يَالَيْتَ عَيْنَكَ عَايَنَتْ آثَارَها

واهاً لِبنْتِ المُصْطَفَى لِمْ جُهْزَتْ *** لَيْلاً وَ لِمَ عَفَّ الوَصِيُّ مَزَارَها؟(3)

مَا شَيَّعُوا بِنْتَ الرَّسُولِ وَ أَسَّسُوا *** ظُلْمَ البَتُولِ وَ هَتَكُوا أَسْتَارَها(4)

ص: 220


1- تقدم ذلك مفصلاً مع ذكر مصادره فلا نعيد.
2- تقدم ما ورد في كتاب (روضة الواعظين) (الطبعة الأولى مؤسسة الأعلمي. ص167): ( و روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت أبيها صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كثيبة حزينة باكية العين محترقة القلب...».
3- في أمالي الصدوق ص523. الطبعة الخامسة: (عن الأصبغ بن نباتة قال: سئل علي بن أبي طالب علیه السلام علة دفنه لفاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ليلاً فقال علیه السلام: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها». و تقدم ذكر مصادر عديدة من الفريقين أشارت إلى هذا المعنى فصلناها في هوامش عديدة فراجع.
4- أخذنا هذه القصيدة من الخطيب البارع السيد طاهر السيد حسن ملحم و هي كما تراها أمامك. ولكن يذكر الخاقاني في شعراء الغري و في الشعر في أدب الطف قصيدة أخرى بنفس القافية في الحسين علیه السلام إلا أنها تشترك في مطلع القصيدة بأحد عشر بيتاً فقط. رياحين الشريعة ج1 ص298.

(57) أراكة مجدكم

(بحر الكامل)

السيد علي السيد راضي الحكيم

قُلِعَت أراكَةُ مَجدِكُم و ثمارُهُ *** غُر الملائِكِ في السما عُمّارُها

أنِّى وَ قد أرسى الإله أصولَها *** فَتَشَيَّدَت تَسْمُو وَ دامَ قَرارُها

بَيتُ النُّبوَةِ أصلُها وَ فُروعُها *** و الكونُ طراً و السَّما أقطارُها

حَلَبت رِضابَ المُزنِ حتّى أينَعَت *** مِنها القُطوفُ و ضُوعَت أزهارُها

زادَت بهاءَ الكَونِ منها بَهجَةً *** زانَت كواكِبَ كونِها أنوارُها

ما خَطبُ تلك اليانِعات تَبدَّدت *** وَ يَدُ النّوائِبِ جُرِّدَت أظفارُها

نَشَبَت بدانِيةِ القطوفِ و حولَها *** حُمُر العيونِ تَفَجَّرت أنهارُها

وَ رَمَت ليالي الغَدرِ سادلَ سترِها *** فَتَضَمَّخَت بِدَمِ الهُدى أستارُها

عَجَّت بآفاقِ الوُجودِ مَلائِك *** لِرَزْيَةٍ ركبُ الوُجودِ مَدارُها

فَكَأَنَّما رَحلُ الزَّمانِ مسافِرٌ *** عُقِدَت عَلى أكتافِه أخبارُها

فَسلِ الذي صَحِبَ الزَّمانُ بمقلةٍ ** عَبْرى وَ قَلبٍ غَالهُ استِعبارُها

ما خَطبُ فاطِمَ ما حديثَ شُجونِها؟ *** ما صدرُها ما البابُ ما مِسمارها؟

مَولاي ما حالُ الجَنينِ مُخَضَّبٌ *** ما النارُ ما الجدرانُ ما استيضارُها؟

ما خَطبُ حَيدر و الحبالُ تقودُه *** أفعاقِر الأحزابِ ذا كرّارُها؟

ما حالُ زَينَبَ و الحُسَينِ و صنوهِ *** ما حمر عينك سَيدي و نثارُها؟

أتضام زَجراً بِنتُ أحمَدَ وَ الّتي *** خَلَقَ الجِنانَ بنورِها جَبَّارُها؟

ص: 221

فانهضُ بفتية شيمةٍ ما أُعمِدَتُ *** إلا لصبرِكَ سيّدي أوتارُها

و اجعلْ بهيجاءِ الوغى بين الخنَا *** بيضاً تَرنُّ إذا سطى بتارُها

يا حامي القرآنِ واشفِ بصرخة *** علياء أفئدةَ توهَّج نارُها

واحمِ الذمار فَدتَكْ نفسِي يابن من *** من أجلِهِ الأفلاكُ شيِّد دارُها

ص: 222

(58) فلهفي لبنت المصطفي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ علي الشيخ منصور المرهون

(خَلِيْلِي مَا لِي وَ الزَّمَانَ كَأَنَّهُ *** يُطَالِبُنِي فِي كُلِّ آنٍ بِأَوْتَارِ)(1)

وَ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي تُرَاثٌ يَرُومُهُ *** فَيَعْكِسُ أَمَالِي بِمَا فِيهِ إِخْطَارِي

رَجَوْتُ صَفَاءً مِنْ زَمَانِي سَاعَةً *** فَمَا رُمْتُهَا إِلا بِمَا فِيهِ أَكْدَارِي

فَقَالَ خَلِيلِي وَ الدُّمُوعُ غَزِيرَةٌ *** لَقَدْ قُلْتَ حَقاً كُلُّ هَذَا بِهِ جَارِي

تَأسُ بِخَيْرِ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ *** لَقَدْ كَانَ فِيهِ أَسْوَةٌ قَوْلُ جَبَّارِ

سَقَتْهُ العِدَى مُرَّ المُصَابِ وَ مَا اكْتَفَتْ *** إِلَى أَنْ سَقَتْهُ الحَتْفَ مِنْ سُمِّ أَشْرَارِ(2)

وَ رَاحَ ضَجِيعَ الفَرْشِ يَشْكُو أَوَامَهُ *** وَ يَنْظُرُ أَهْلِيهِ وَ مَدْمَعُهُ جَارِي(3)

وَ يَذْكُرُ مَا قَدْ كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِمُ *** فَيُوصِي بِهِمْ خَيْراً فَكُلِّ بِهِمْ دَارِي

إِلَى أَنْ قَضَى رُوحُ الوُجُودِ فَأَعْوَلَتْ *** عَلَيْهِ المَلاً وَ الطَّيْرَ مِنْ فَوْقِ أَشْجَارِ

***

فَلَهْفِي لِبنْتِ المُصْطَفَى قَدْ أَصَابَهَا *** مِنَ القَوْم هَضْمٌ سَارَ كَالمَثَلِ السّارِي

غَدَتْ بَعْدَ فَقَدِ المُصْطَفَى فِي كَآبَةٍ *** تَنُوحُ عَلَيْهِ لاَ تَزَالُ بِمِدْرَارِ

تَنُوحُ عَلَيْهِ لاتَزَالُ بِرَنَّةٍ *** وَ قَدْ أَشْبَهَتْ فِي دَمْعِهَا غَيْثَهَا الجَارِي

ص: 223


1- أوتار: جمع الوتر بفتح الواو وكسرها: الانتقام و الثأر.
2- الحتف: المنية و الموت.
3- الظاهر أن في هذا البيت و البيت الخامس الذي يليه إيطاء لتكرار كلمة واحدة في اللفظ و المعنى بلا فاصلة مقبولة عند أهل الأدب.

فَقَالَ لَهَا الأَقْوَامُ كُلِّي عَنِ البُكَاءِ *** وَ عِنْدَ عَلِيٌّ قَدْ شَكَوْهَا بِإِنْكَارِ(1)

لَقَدْ ظَلَمُوا بِنْتَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** بِمَا قَدْ أَتَوْهُ مِنْ عَظِيمٍ إِلَى الدَّارِ

فَأَوْجَرَهَا نَاراً وَ أَسْقَط مُحْسِناً *** وَ رَضٌ لَهَا ضِلْعاً وَ أدْمَى بِمِسْمَارِ(2)

"فَأَضْحَتْ تُعَانِي مِحْنَةً وَ أَذِيَّةً *** تَئْنُّ أَنِينَاً وَ الدُّمُوعُ كَأَنْهَارِ

إِلَى أَنْ قَضَتْ رُوحِي فِدَاهَا بِحَسْرَةٍ *** فَجَهَّزَهَا لَيْلاً عَلِيٌّ بِأَسْتَارِ(3)

***

وَ لَمْ أَنْسَ خَيْرَ الكُلِّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ *** عَلِيًّا أَبَا السِّبْطَيْنِ حَامَ إِلَى الجَارِ

بِهِ قَامَ دِينُ المُصْطَفَى وَ بِسَيْفِهِ *** وَ قَدْ كَانَ فِي أَفْعَالِهِ مَثَلاً سَارِي

فَحَقُّ عَلَيَّ وَاجِبٌ وَوَلاؤُهُ *** مِنَ اللَّهِ فَرْضٌ لازِمٌ كُنْ بِهِ دَارِي

فَلَمْ يَكُ أَهْلاً لِلْخِلافَةِ عِنْدَهُمْ *** وَ لَمْ يَكْفِهِمْ حَتَّى أَتَوْهُ إِلَى الدَّارِ

وَ قَادُوهُ جَهْراً فِي حَمَائِلِ سَيْفِهِ *** لِبَيْعَةِ ضِلِّيلِ يَعزُّ بِأَشْرَارِ

وَ لَمَّا اسْتَتَبَّ الأَمْرُ قَامَتْ بِوَجْهِهِ *** وَقَائِعُ يَعْلُو وَصْفُهَا كُلَّ مِقْدَارِ

فَفِي البَصْرَةِ الفَيْحَا وَ صِفِّينَ بَعْدَهَا *** خَوَارِجُ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ بِذِي قَارِ

ص: 224


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلى بكاء الزهراء علیها السلام مما أصابها. انظر كتاب البحار ج43 ص195 و ص201 و كتاب مناقب ابن شهر آشوب كما في عوالم العلوم ج2 ص1080 . و كتاب أمالي الصدوق ص121 ح رقم 5 ضمن حديث طويل و كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص322.
2- أوجرها: أشعلها و في هذين البيتين إشارة إلى حرق الدار و اسقاط المحسن و كسر الضلع و دخول المسمار في صدرها «سلام الله عليها». انظر كتاب سليم بن قيس ص36 و ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى تجهيز الزهراء علیها السلام و دفنها ليلاً. انظر كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص54 و كتاب البحار ج43 ص183 ، و كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1898.

وَ مَا هَدَأَتْ حَتَّى أَتَاهُ ابنُ مُلْجَمٍ *** بِسَيْفَ شَحِيذِ الحَدِّ أَبْيَضَ بَتّارِ(1)

فَأَمْهَلَهُ حَتَّى هَوَى لِسُجُودِهِ *** فَعَمَّمَ رَأْسَ المُرْتَضَى خِيرَةِ البَارِي

فَأُظْلِمَتِ الأَكْوَانُ حُزْنَا لِفَقْدِهِ *** وَ نَاحَ لَهُ الدِّينُ الحَنيفُ بِأَكْدَارِ

***

فَوَاحَزَنَى لابْنِ النَّبِيِّ تَنُوبُهُ *** نَوَائِبُ أَرْجَاسِ عِدَاةٍ وَ فُجَّارِ

تَنَازَلَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ فَلَمْ يَزَلْ *** يُقَاسِي أَذَاهُمْ فِي عِشَاء وَ إِبْكَارِ

إِلَى أَنْ سَقَوْهُ السُّمَّ مِنْ كَفْ جَعْدَةٍ *** فَقَطَّعَ أَحْشَاء لِخِيرَةِ أَخْيَارِ

فَلَهْفِي لَهُ أَضْحَى يَجُودُ بِنَفْسِهِ *** فَيَا لَكَ خَطْبٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ جَارِي(2)

فَمَاتَ شَهيداً بالسُّمُوم فَأَعْوَلَتْ *** عَلَيْهِ المَلَا حُزْناً وَ مَدْمَعُهَا جَارِي

يَمُوتُ إمَامُ الحَقِّ هَضْماً و آخراً *** يكُونُ مُعَفّى القَبْرِ مِنْ بَعْدِ آثَارِ

***

وَ لَمْ أَنْسٌ عُنْوَانَ الفَضِيلَةِ إِذْ أَتَى *** إِلَى كَرْبَلاً يَحْمِي حِمَى الدِّينِ وَ الجَارِ

أحَاطَتْ بِهِ أَبْنَاءُ حَرْبٍ عَدَاوَةٌ *** فَنَادَاهُمُ هَلْ مِنْكُمُ اليَوْمَ أَنْصَارِي؟

أَجَابُوهُ لَكِنْ بِالسُّيُوفِ وَ بِالقَنَا *** وَ رُمْحٌ أَصَابَتْ قَلْبَهُ وَ بِأَحْجَارِ

فَرَاحَ صَرِيعاً فِي الصَّعِيدِ مُجَدَّلاً *** تَدُوسُ عَلَيْهِ الخَيْلُ وَ الكَفَنُ الذَّارِي

وَ شِيلَ عَلَى رَأْسِ السِّنَانِ كَرِيمُهُ *** وَ ظَافُوا بِهِ فِي كُلِّ قُطْرٍ وَ أَمْصَارِ

وَ رَاحَتْ عَلَى النّيبِ الهِزَالِ نِسَاؤُهُ *** سَبَايَا إِلَى الشَّامَاتِ مَا بَيْنَ فُجَّارِ(3)

ص: 225


1- شحيد: شحذ السيف: أحدَّه. البتار: السيف القاطع.
2- و الظاهر أن في هذا البيت إقواء لأن أصل (جاري) جارياً من حيث كونه خبر (يكن).
3- النيب: النياق الهرمة. نقلت القصيدة من ديوان (المرهونيات) ص47.

(59) أم الفضل قاطبة

(بحر البسيط)

الأستاذ علي نوح المهنا (*)(1)

أَلشَّمْسُ وَ الكَوْكَبُ الوَضَّاحُ وَ القَمَرُ *** وَ الصُّبْحُ وَ الطَّلْعَةُ الغَرَّاءُ تَزْدَهِرُ

لأحَتْ وَ مِنْ أُفُقِ الأَنْوَارِ مَشْرِقُهَا *** نَحْوَ الطَّوَالِع لايَرْقَى لَهَا البَصَرُ

تَرْنُو إِلَى أَنْجُم الأَظهَارِ تَرْمُقُهَا *** حَجْلَى وَ مِنْ نُورِهَا الأفلاكُ تَنْبَهِر(2)

هَلْ فِي ذُرَى غُرَّةِ العَلْيَاءِ مِنْ شَرَفٍ *** إِلا وَأَضْحَى مِنَ الزَّهْرَاءِ يَنْحَدِرُ(3)(4)

***

ص: 226


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- ترنو: تديم النظر إلى الشيء بسكون الطرف. ترمقها: تطيل النظر إلى الشيء، تلحظهُ لحظاً خفيفاً تنبهر: تضاء.
3- في البحار/ للمجلسي ، ج43 ص12 ح5 و ح6: عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السموات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرَّت الملائكة الله ساجدين و قالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله اليهم: هذا نور من نوري اسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي.
4- في تاريخ بغداد/ للخطيب البغدادي / ج5 ص87 : عن عائشة قالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما لك إذا جاءت فاطمة علیها السلام قبَّلتها حتى تجعل لسانك في فيها کأنک ترید أن تلعقها عسلاً؟ قال: نعم يا عائشة إنّي لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما نزلت واقعت خديجة علیها السلام ففاطمة علیها السلام من تلك النطفة و هي حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها. و راجع ذخائر العقبى للطبري/ ص36. و مستدرك الصحيحين/ ج3 ص156.

قُدْسِيَّةٌ مِنْ جَلاَلِ المُلْكِ قَدْ بُرئَتْ *** وَاللَّهُ طَهَّرَهَا إِذْ أَنَّهَا الطُّهرُ(1)

حُورِيَّةٌ مِنْ جِنَانِ الخُلْدِ نَفْحَتُهَا *** وَرُدُ الرِّيَاضِ هِيَ الأَطْيَابُ وَ الزَّهْرُ

أُمُّ الهُدَى بَلْ وَ أُمُّ الفَضْلِ قَاطِبَةً *** تَسْمُو مَنَاقِبُهَا بِالرَّوْعِ تَنْتَشِرُ

نَسْلُ النُّبُوَّةِ يَحْلُو مِنْ مَنَابِعِهَا *** سَيْلُ الشَّرِيعَةِ وَ الأَحْكَامِ يَنْهَمِرُ(2)

نَهْرُ الوِلايَةِ قَدْ أَضْحَى لِغَارِفِهِ *** وِرْدُ الشَّفَاعَةِ لاَ يَنْتَابُهُ الكَدَرُ(3)

قُطْبُ الوُجُودِ وَإِنْ تَبْدُو لِنَاظِرِهَا *** سِرُّ بِمَا عَجَزَ الإِمْكَانَ يَسْتَتِرُ

المُصْطَفَى فَخْرُهَا وَ المُرْتَضَى بَعْلُهَا *** وَ الفَرْقَدَانِ بَنُوهَا بِالعُلاَ دُرَرُ(4)

***

مَنْ ذَا عَسَاهُ يَنَالُ الفَخْرَ فِي رُتَبٍ *** غَيْرُ البَتُولَةِ بالأَمْجَادِ تَفْتَخِرُ

مَا طَاوَلَتْهَا سُفُوحُ المَجْدِ فِي أُفُقٍ *** كَلاً وَ لاَ قَرُبَتْ مِنْ ظِلْهَا الغُرَرُ

مَا أَنْتِ إِلاَّ نَهَارُ الدِّينِ إِنْ غَرَبَتْ *** شَمْسُ الهِدَايَةِ أَوْ هَبَّتْ بِهِ الغِيرُ

يَا غَايَةٌ بَلَغَتْ أَسْمَى مَرَاتِبِهَا *** عِنْدَ الجَلِيلِ فَأَيْنَ الشَّمْسُ وَ القَمَرُ؟

أَنْتِ المَكَارِمُ إِنْ لاَحَتْ مَشَارِقُهَا *** أَنْتِ الهِدَايَةُ وَ الإِيمَانُ وَ السُّورُ

أَنْتِ السّتُورُ فَلاَ ظِلُّ يُجَاوِرُهَا *** قَدْ حُجَبَتْ بِجَلالِ اللَّهِ تَسْتَتِرُ

ص: 227


1- في كنز العمال للمتقي الهندي، ج12 ح34253: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن لكل بني أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة علیها السلام، فأنا وليَّهم و أنا عصبتهم و هم خلقوا من طينتي ويل للمكذبين بفضلهم، من أحبّهم أحبّه الله و من أبغضهم أبغضه الله. و في تفسير البرهان، ج3 ص177 ح7 في تفسير قوله تعالى من سورة الفرقان الآية 74: «هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لجبرئيل: من أزواجنا ؟ قال: خديجة علیها السلام. قال: ذريتنا؟ قال: فاطمة علیها السلام. قال: قرة أعين؟ قال: الحسن و الحسين علیهما السلام «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» اماماً؟ قال: على علیه السلام.
2- الورد: الماء الذي يورد. لاينتابه: لايصيبُه. الكدر: نقيض الصفاء.
3- الفرقدان: نجمان قريبان من القطب الشمالي يهتدى بهما، أحدهما أخفى من الأخر.
4- في مستدرك الصحيحين، ج3 ص153: روی بسنده عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: إن اللَّه يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.

أَنْتِ السَّبِيلُ إِلَى مَرْضَاةِ خَالِقِنَا *** يَا بَضْعَةٌ فِي رِضَاهَا الحَقُّ يَبْتَدِرُ(1)

حِجْرُ الإِمَامَةِ قَدْ أَضْحَى بِهَا كَنَفَاً *** لِلْعِتْرَةِ الغُرِّ حِجْرٌ فِيهِ قَدْ طُهِرُوا

قَدْ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهَا كُلَّ ذِي دَرَنٍ *** صَلَّتْ عَلَى نُورِهَا الأَمْلاكُ وَ البَشَرُ(2)

***

جَرَّدْتُ قَلْبِي مِنَ الْأَهْوَاءِ لَوْ جَنَحَتْ *** مِنْ جَانِبِ فِي عُبَابِ الغَيِّ يَنْغَمِرُ

وَ ارْتَدَّ طَرْفِي إِلَى العَلْيَاءِ يَبْلُغُهَا *** غَيْرُ النَّجَانِبِ وَ الأَطْيَابِ لايَذَرُ

رَوّيْتُ رُوحِي بِفَيْض مِنْ فَضَائِلِهَا *** وُدّاً وَ حُبّاً و إخلاَصاً لَهَا فُطِرُوا

وَ شَمَمْتُ هَدْيَكِ وَ الأَشْوَاقُ تَلْثِمُهُ *** طِيبُ الجَنَانِ شَذَاهُ العَابِقُ العَطِرُ (3)

غَيْثُ البَرَايَا مَلاَةُ الخَلْقِ إِنْ لَجَأُّوا *** مِنْكِ النَّجَاةُ وَ فِيكِ الذَّنْبُ يُغْتَفَرُ

بُعْداً لِغَيْرِ بَنِي الزَّهْرَاءِ يَنْفَعُنِي *** فِي مَحْشَرٍ زَاغَ مِنْ أَهْوَالِهِ البَصَرُ(4)

زَاغَتْ بِهِ أَعْيُناً لَيْسَتْ لِشِيعَتِهَا *** بَلْ لِلَّذِينَ لَآلِ اللَّهِ قَدْ نَكَرُوا

فَالْحَشْرُ يَوْمَئِذٍ يَزْهُو بِطَلْعَتِهَا *** نُوراً عَلَى ضِفَّةِ الفِرْدَوْسِ يَنْتَشِرُ

ص: 228


1- في إحقاق الحق، ج10 ص244 عن أخبار الدول ص87 ط بغداد. عن عائشة قالت: إذا أقبلت فاطمة علیها السلام كانت مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وكانت لا تحيض قط لأنها خلقت من تفاحة الجنة، و لقد وضعت الحسن علیه السلام بعد العصر و طهَّرت من نفاسها فاغتسلت وصلَّت المغرب. و في علل الشرائع ج1 ص290 ح1: عن أبي جعفر علیه السلام قال: «إن بنات الأنبياء «صلوات الله عليهم» لا يطمئن، إنما الطمث عقوبة و أول من طمئت سارة».
2- تلثمه: تقبُّله.
3- زاغ البصر: كلَّ.
4- في الصواعق المحرقة للهيثمي ، ص113 بإسناده عن أبي أيوب: ان النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل الجمع نُكسوا رؤوسكم و غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على الصراط فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق.

سَقْياً بِكَوْثَرِهَا يَوْمَ الحِسَابِ غَداً *** مَاءٌ زُلالاً عَلَى الظُّمْآنِ يَنْهَمرُ

مِسْكُ الخِتَامِ صَلَاةٌ فِي تَرَنُّمِهَا *** ذِكرُ النَّبِيِّ وَإنّي مِنْهُ أَعْتَذِرُ(1)

ص: 229


1- في المناقب للمغازلي ص363 ح410. عن يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جده قال: دخلت على فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فبدأتني بالسلام و قالت: قال أبي و هو ذا حي من سلم عليك و عليَ ثلاثة أيام فله الجنة. قلت لها: ذا في حياته وحياتك، أوَ بعد موته و موتك؟ قالت: في حياتنا و بعد وفاتنا.

(60) من مهبط الوحي

(بحر البسيط)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(1)

مِنْ مَهْبَطِ الوَحْيِ أَوْ مِنْ مَطْلَعِ النُّورِ *** نُورٌ أَضَاءَ كَمِثْلِ النُّورِ فِي الطُّورِ

أضَاءَ مِنْ مَكَّةٍ ثُمَّ اسْتَطَارَ إِلَى *** الآفَاقِ فِي كُلِّ مَعْمُورٍ وَ مَغْمُورِ

نُورُ البَتُولُ ابْنَةِ المُخْتَارِ بُورِكَ مِنْ *** نُورٍ مُنِيرٍ بِسَاقِ العَرْشِ مَسْطُورِ(2)

مُكَوَّنٌ نُورُهَا مِنْ نُورِ وَالِدِهَا *** وَ لَيْسَ يُنْكَرُ كَوْنُ النُّورِ مِنْ نُورِ

وَ نُورُطة هُوَ النُّورُ الأَتمَّ فَمَا *** الأنْوَارُ فِي نُورِه إِلا كَدَيْجُورِ(3)

بَرَاهُ مَوْلاهُ بُرْهَاناً لِقُدْرَتِهِ *** وَ مَصْدَرُ الفَيْضِ فِي خَلْقٍ وَ تَقْدِيرِ

مِنْ فَيْضِ جَدْوَاهُ خَلْقُ الْكَائِنَاتِ كَمَا *** جَرَتْ بِيُمْنَاهُ أَقْلَامُ المَقَادِيرِ

تِلْكَ الْمُطَهَّرَةُ الصِّدِّيقَةُ ابْنَتُهُ *** النَّوْرَاءُ مَنْ خُلِقَتْ مِنْ سِنْخِهِ النُّورِي(4)

قَدْ صَاغَهَا مُبْدِعُ الأَشْيَاءِ جَوْهَرَةً *** قُدْسِيَّةً وَ كَسَاهَا حُلَّةَ النُّورِ

تقاحَةٌ مِنْ جِنانِ الخُلْدِ صَوَّرَهَا *** البَارِي كَمَا شَاءَ شَخصاً أَي تَصْوِيرِ

ص: 230


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: وإنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتّلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الانبياء أو قال نقصان.
3- ديجور: ظلام.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص44 عن أسماء في ولادة فاطمة علیها السلام قالت اسماء: فقلت يا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: إني لم أر لها دما في حيض و لا في نفاس، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لايُرى لها دم في طمث و لا ولادة؟

حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ سُبْحَانَ خَالِقِهَا *** سُبْحَانَ جَامِعِ نَوْعِ الإِنْسِ وَ الحُورِ(1)

زَهْرَاءُ شَعْشَعَتِ الأَكْوَانَ زَهْرَتُهَا *** وَ قَشَعَتْ مُكْفَهِرَّاتِ الدَّيَاجِيرِ(2)

قَدْ صُفْيَتْ كَأَبِيهَا أَيَّ تَصْفِيَةٍ *** وَ طُهَّرَتْ كَأَبِيهَا أَيَّ تَطْهِيرِ

بِفَضْلِهَا وَ مَعَالِيهَا وَ مَحْتِدِهَا *** نَاجَى المُهَيْمِنَ مُوسَى جَانِبَ الطُّورِ(3)

فِي يَوْم مَوْلِدِهَا الْمَيْمُونِ فِي البَلَدِ *** الأمين فِي دَارِ طة أفْضَلِ الدُّورِ

أَقَامَتِ الحُورُ حَفْلاً فِي مَقَاصِرِهَا *** مَا أَحْسَنَ الحَفْلَ فِي تِلْكَ المَقَاصِيرِ

وَ مُذْ أَتَى المَلأُ الأَعْلَى لِحَفْلِهِمُ *** تِلْكَ الْمَقَاصِبرَ غَصَّتْ بِالْجَمَاهِيرِ

كُلِّ يُقَدِّمُ مَا جَادَتْ فَرِيحَتُهُ *** مِنَ الثَّنَا بَيْنَ مَنْظُومٍ وَ مَنْثُورِ

يُثْنِي عَلَى البَضْعَةِ الزَّهْرَا يُمَجِّدُهَا *** يُهْدِي إِلَى الْمُصْطَفَى أَسْنَى التَّبَاشِيرِ(4)

وَ حِينَمَا أَكْمَلَ المُلْقُونَ مَدْحَهُمُ *** دَوَّى الهُتَافُ بِتَهْلِيلٍ وَ تَكْبِيرِ(5)

ص: 231


1- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث. الحديث طويل أخذنا منه منه موضع الحاجة.
2- قشعت: فرقت. مكفهرات: شديدات الظلمة و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص309 عن عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لما خلق الله آدم و حواء علیهما السلام يفتخران في الجنة فقالا: ما خلق الله خلقاً أحسن منّا فبينما هما كذلك إذ رأيا صورة جارية لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار، على رأسها تاج، و في اذنيها ،قرطان قالا: ما هذه الجارية؟ قال اللَّه: هذه صورة فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم سيد الأولين و الآخرين. قالا: و ما هذا التاج على رأسها؟ قال: هذا بعلها علي بن أبي طالب علیه السلام. قال: وما هذان القرطان؟ قال: الحسن و الحسين علیهما السلام ابناها أوجدت ذلك قبل ان اخلقك بألفي عام.
3- محتدها: أصلها.
4- التباشير: البشرى أو أوائل كل شيء.
5- الأزهار الأرجية ج1 ص174.

(61) أكبر شاهد

(بحر الطويل)

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي(*)(1)

عَذَلتَ وَ لَوْ أَنْصَفْتَ أَوْسَعْتَنِي عُذْرا *** وَ ذُو الوَجْدِ بِالآلام مِنْ غَيْرِهِ أَدْرَى(2)

أَحِبَّتُهُ عَنْهُ نَأَوْا بِبِعَادِهِمْ *** وَ كَيْفَ وَ فِي أَحْشَاهُ أَذْكَى الهَوَى جَمْرا؟(3)

فَهَا هُوَ مُضْنَى الجِسْمِ ذَاوٍ كَأَنَّهُ *** الخِلالُ فَمَا مِنْهُ سِوَى الْأَعْيُنِ الْعَبْرَىٰ

يَرَى الطَّلَلَ البَالِي فَيَحْسَبُ قَفْرَهُ *** رِياضاً وَ مَأْهُولَ المَنَازِلِ كَالقَفْرَا(4)

وَ يَسْتَنْشِقُ الأَرْوَاحَ بَعْدَ هُبُوبِهَا *** عَسَاهَا عَنِ الأَحْبَابِ قَدْ نَقَلَتْ خَبرَا

وَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ اللَّقَا وَ هُوَ عَالِمٌ *** بِذَا لَكِنِ الآمَالُ تَسْتَغْرِقُ الفِكْرَا

وَ مِثْلُ نَوَاهُمْ كَانَ للصَّبْ مُقْنِطاً *** فَأَحْرَى لَهُ السُّلْوَانُ لَوْ مَيَّزَ الأَحْرَى(5)

نَعَمْ لااصْطِبَارَ لِلْفَتَى عِنْدَ فَقْدِهِ *** أَحِبَّتَهُ إِنَّ النَّوى يُعْدِمُ الصَّبْرَا

وَلكِنَّهُ يَسْتَصْغِرُ الوَجْدَ وَ الأَسَى *** إِذَا ذُكِرَتْ أَشْجَانُ فَاطِمَةَ الزَّهْرا

فَتِلْكَ الَّتِي كَأسَ الهَوَانِ تَجَرَّعَتْ *** وَ مَا انْفَكَ ذَاكَ الكَأْسُ حَتَّى قَضَتْ مُرَّا

ص: 232


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الوجد: الحزن.
3- أذكى: أشعل و أوقد.
4- الطلل: الشاخص من الآثار. القفر: المكان الخالي من الناس و الكلأ و الماء.
5- نواهم: بُعْدُهم. الصبّ: العاشق و ذو الولع الشديد. مقنطاً: مُؤيساً.

وَ جَلَّلَهَا أَعْدَاؤُها حُلَلَ الأَذَى *** حَوَالِكَ ظُلم عِنْدَمَا فَقَدُوا البَدْرا(1)

وَ مَا تَرَكُوا إِذْ يَمْنَعُوهَا عَنِ البُكَا *** عَلَى مَيْتها عُذْراً وَ مَنْ يَقْبَلُ العُذْرَا(2)

وَ قَدْ قَطَعُوا تِلْكَ الأَرَاكَةَ إِذْ بَغَوْا *** عَلَيْهَا فَمَا أَعْدَى اللِّئَامَ وَ مَا أَجْرَى

وَ غَصْبُهُمُ المِيراثَ أَكْبَرُ شَاهِدٍ *** عَلَى كُفْرِ مَنْ قَدْ أَبْطَنُوا الشِّرْكَ وَ الكُفْرَا؟(3)

وَ عَنْ قَتْلِهِمْ بِالدِّينِ يَوْمَ هُجُومِهِمْ *** عَلَى دَارِهَا فَاسْأَلْ بِهَا النَّارَ مَنْ أَوْرَى(4)

بَلَى قَدْ بَغَى بِالقَوْم بَغْياً عَدِيُّهَا *** عَلَيْهَا وَ قَادُوا بَعْلَهَا حَيْدَراً قَسْرَا

وَ بِالبَابِ رَضُوا ضِلْعَهَا حِينَ أُسْقِطَ *** الجَنِينُ وَ بِالمِسْمَارِ قَدْ خَرَقُوا الصَّدْرَا(5)

وَ كَرُّوا عَلَيْهَا بِالسَّيَاطِ وَ أدلم *** بِلَطْمَتِهِ أَفْدِي الَّتِي لُطِمَتْ جَهْرا(6)

فَعَجَّتْ كَمَا عَجَّ الفَصِيلُ لِرَبِّهِ *** بِوَالِدِهَا وَ هُوَ المُحِيطُ بِهِمْ خُبْرا(7)

ألاَ يَا رَسُول اللَّهِ بِنْتُكَ أَصْبَحَتْ *** مِنَ الذُّل بَعْدَ العِزَّ فِي المِحْنَةِ الكُبْرَى

أبِي إِنَّ مَنْ فِي الدِّينِ قدماً وَ تَرْتَهُمْ *** بِبَضْعَتِكَ الزَّهْرَاءِ قَدْ أَدْرَكُوا الوِتْرَا

ص: 233


1- حوالك: شديدة السواد.
2- حذفت نون يمنعونها للضرورة و في هذا البيت إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام عن البكاء.
3- و في هذا البيت إشارة إلى غصبهم ميراث الزهراء علیها السلام انظر مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد بن حنبل و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص 232 و انظر السيرة الحلبية ج3 ص487.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى هجوم القوم على الدار وإحراقها على الزهراء علیها السلام. انظر سليم بن قيس الهلالي ص208 و ص40، و ص 38 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.
5- في هذا البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و إسقاط الجنين و دخول المسمار في صدرها.
6- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام بالسياط و لطمها على خدها انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، و ص208. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و كتاب ارشاد القلوب كما في كتاب عوالم العلوم ج2 ص574 . و كتاب البحار ج8 ص240 ط حجرية.
7- عجَّت: صاحت. خُبْرا: تجربة و اختباراً. و في هذا البيت و الأبيات التي بعده إشارة إلى مناداة الزهراء علیها السلام لأبيها صلي الله علیه و آله و سلم حين هجم القوم عليها في دارها.

أَبِي إِنَّ مَتْنِي اسْوَدَّ مِنْ سَوْطِ عَبْدِهِمْ *** وَ هَذَا حِجَابِي مِنْهُ قَدْ هَتَكُوا السِّتْرَا(1)

بِنَفْسِي وَ أَهْلِي أَفْتَدِي مَنْ بِحُزْنِهَا *** قَضَتْ عُمْرَهَا وَ هْيَ الَّتِي لَمْ تُطِلْ عُمْرَا

إلَى أَنْ قَضَتْ مَكْسُورَةَ الضّلْع نَحْبَهَا *** وَ مَاتَتْ وَ إِنَّ العَيْنَ مِنْ لَطْمِهِمْ حَمْرا(2)

فَقَامَ عَلِيٌّ بِالظَّلام مُجهزاً *** لَهَا وَ عَلَيْهَا دَمْعُهُ مَازَجَ السِّدْرَا

وَ فِي اللَّيْلِ وَاراها وَ عَفَّى ضَرِيحَهَا *** كَمَا هِيَ أَوْصَتْهُ وَ هَاجَتْ بِهِ الذِّكْرَى(3)

ص: 234


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى هجومهم على دار الزهراء علیها السلام و هي دون ستر. انظر كتاب سلیم بن قيس الهلالي ص39.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و إلى لطمها على وجهها. و قد مرَّت الإشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام؛ انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 و ص208. و انظر كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و أما لطمها على خدها فانظر ارشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى دفن الزهراء علیها السلام ليلاً بوصية منها. انظر كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363. و كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص54 . و كتاب البحار ج43 ص183. نقلاً من كتاب قلائد و فوائد ص109.

(62) في قلب فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد ماجد الجد حفصي البحراني

بَكَى وَ لَيْسَ عَلَى صَبْرِ بِمَعْذُورِ *** مَنْ قَدْ أَظلَّ عَلَيْهِ شَهْرُ عَاشُورِ

وَ إِنَّ يَوْماً رَسُولُ اللَّهِ سَاءَ بِهِ *** فَأَبْعَدَ اللَّهُ عَنْهُ قَلْبَ مَسْرُورِ

آلِيَّةٌ بِالهِجَانِ القَوْدِ حَامِلَةً *** نَعْشاً تَهَادَى عَلَى الأَقْتَابِ وَ الكُورِ(1)

إلى أن قال فيها:

بِنْتُ النَّبِيِّ أَلا قُومِي الغَدَاةَ إِلَى *** بَازِ تَنَشَب فِي مِخْلاَب عُصْفُورِ(2)

قُومِي إِلى الصَّقْرِ لَمْ يَظْفَرُ بِسَرْبٍ قَطَا *** بَلْ عُدْنَ مِنْ دَمِهِ حُمْرَ المَنَاقِيرِ

قُومِي إِلَى مَيِّتٍ مَا لُفَّ فِي كَفَنٍ *** يَوْماً وَ لاَنَالَ مِنْ سِدْرٍ وَ كَافُورِ

وَ جَثَّةٍ أَبْلَتِ الأَيَّامُ جِدِّتَهَا *** وَ غَيَّرَتْهَا اللَّيَالِي أَيَّ تَغْيِيرِ

تِلْكَ الدِّمَاءُ الزَّوَاكِي السَّائِلاتُ عَلَى *** السُّمْرِ اليَعَاسِيبِ وَ البيض المَبَاتِيرِ(3)

مَا عَسْعَسَ اللَّيْلُ حَتَّى بَاتَ سَائِلُهَا *** رَدْعاً يُضَمِّخُ جَيْبَ الحُرَّدِ الحُورِ(4)

ص: 235


1- الهجان: الخيل التي ولدتها برْذَوْنة من حصان عربي. القود: الخيل التي تقاد و لاتُركب يقال: «مرَّ بنا قودٌ» أي خيلٌ مقودة غير مركوبة. تهادى: مشى وحده مشياً غير قوي متمايلاً.
2- تنشب: تعلِّق.
3- اليعاسيب: جمع اليعسوب و له معانٍ كثيرة و المقصود هنا منه الفرَّة في وجه الفرس، و اليعاسيب كناية عن الخيل. المباتير: السيوف القاطعة.
4- عسعس الليل: أظلم أو مضى رَدْعاً: زعفراناً. يضمَّخ: يلطخ. الخرة: مفردها الخريدة و هي اللؤلؤة التي لم تثقب أو البكر التي لم تمس.

إلى أن يقول:

يَا فَجْعَةً أَوْ سَعْتَ فِي قَلْبِ فَاطِمَةَ *** الزَّهَرَاءِ جُرْحَ مُصَابٍ غَيْرَ مَصْبُورِ(1)

وَ هَلْ دَرَتْ أَنَّ فَحْلاً مِنْ سُلالَتِهَا *** وَ هُوَ المُؤَمَرُ مُنْقَادٌ لِمَأْمُورِ؟

وَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَنَلْهُ السَّبْي تَأْسِرُهُ *** يَدَا طَلِيقٍ بِيَوْمِ الفَتح مَأْسُورِ

وَ أَنَّ ذَاتَ خِمَارٍ مِنْ عَقَائِلِهَا *** تُهْدَى إِلَى مُسْتَفَزِّ العَقْلِ مَخْمُورِ

وَ أَنَّ رَأْساً ثَوَى فِي حِجْرِهَا زَمَناً *** تَشْدُو القِيَانُ عَلَيْهِ فِي المَقَاصِيرِ(2)

يُؤْتَى بِهِ سَاطِعَاً فِي طَشْت مِنْ ذَهَبٍ *** وَ يُسْفَكُ الرَّاحُ بشراً فِي القَوَارِيرِ(3)

ص: 236


1- مصبور: ممتحن ليعرف مقداره.
2- ثوى: أقام. تشدو: تنشد شعراً و تمد صوتها به كالغناء، و القيان: المغنيات أو الإماء.
3- القصيدة من (56) بيتاً نقلناها من رياض المدح و الرثاء ص511.

(63) عبق الفردوس

(بحر الطويل)

الأستاذ ماجد الصيمري

تناثرَ صمتُ الكون منبعثاً عِطراً *** عشيةَ بالزهرا امتلا قلبُه بُشرى

ورفَّ رفيفُ الورد عكٍّر صفوَهُ *** نسيمٌ رأى حُسناً فلمّا يُطِقْ صبرا

فلا هو عندَ اللّيلِ أرخى جفونَهُ *** و لا هو أرخاها و قد عانَقَ الفجرا(1)

و ليس عجيباً ما عرَاهُ و قد درى *** بأنَّ التي في المهدِ صدّيقةٌ كبرى

***

إلى مَن بحالي من جميع الورى أدرى *** و مَنْ لستُ أرجو غيرَهُ أحداً ذُخرا

ابثُّ شُجُوني و الشجونُ كوامنُ *** تَفَجَّرُ من حزنٍ و منْ فَرحٍ طَوْرا

و عذراً إذا ما خالَطَ الحزنُ فرحةً *** فقد ترقُصُ الأغصانُ من غيمةٍ عبرى

و عذراً كتمتُ الواضحاتِ فلم أبحْ *** بما قد تسالَمْنا على قولهِ جَهْرا

بأنَّ جنانَ الخُلدتُؤوي مُحبَّها *** و شانِئها لا شكَّ في سقرٍ قَرّا

نقيضانِ أعيانقضَهُم كل مبرمٍ *** على أنَّ للزهراء في أمرِهم سرَا

هي الخلدُ إلا أنّها بعضُ أهلهِ *** عجبتُ لجزءٍ قد شأى كُلَّه فخرا(2)

***

عليكِ سلامُ الله ما حطَّ راحلٌ *** ركائِبَهُ مستنزلاً بكُمُ القَطرا

ص: 237


1- أرخى: أرسلَ.
2- شأى: (الشأو) الغاية و الأمد (شأواً) أي طلقاً.

سلامُ شجٍ أدمى جَنَاحَيْهِ دهرُهُ *** رهينُ أسي هدَّ الجوانِحَ و الصدرا

إذا ما غفا عنهُ الزمانُ هنيهةً *** تيقَّظ مذعوراً و أوسَعَهُ زَجْرا

و إن مدَّتِ الأيامُ كفّاً رحيمةً *** له أعقبَتْها بالمُدى تطعنُ الأُخرى

إلى أين نمضِي خبّري يَتُها الزهرا *** و مَن لضعون فارقتْ حيَّها قَسْرا؟

وعاثَ بها الدهرُ الخَؤونُ فلم تجدْ *** لعيشٍ كريمٍ غيرَ عزّتِها مَهْرا

و كم شاطىءٍ حلوِ الطُيوفِ تركته *** إلى شاطىءِ قد فارَقَ العُشب و الزّهرا

فها دي حسرى تصولُ بحبِّكم *** على حَدَثَانِ الدهر تنتظرُ النَّصرا

و قد طالما تَدرِي بأن مؤمِّلاً *** سماواتِكم يُحيى كواكِبَها الزُّهرا

***

فها

ترسّمتُ درباً من نثيثِ الندى أطرى *** لأُدرِك من آمالِ مُغتربٍ شَطْرا

و قلتُ و بعضُ القولِ هجرٌ و بعضُهُ *** قنوطُ و بعضٌ رايةٌ لم تزلْ حَمْرا(1)

ستُعشِبُ أيامٌ و ترسُو سفائِنٌ *** و تخمدُ آهاتٌ أضرَّ بها المَسْرى

و تطفُو على وجهِ الفراتين فرحةٌ *** بقهقهةِ السارين تختصِرُ العُمرا

و تغفُو لدى نخلِ العراقِ حمائمٌ *** بها قد نبا عشٌ ففارقتِ الوكرا

و تخضلٌ من دمعِ الحنينِ هضابُهُ *** إذا هي ممّا قد حباها الهوى خَضرا

و سرعان ما استيقظتُ و الحُلُمُ الذي *** رأيتُ سراباً و الرُّؤى حيَرة كبرى

أرى وطناً فذاً تعيثُ بساحِهِ *** كلابُ بني سفيان لاهثةً صفرا

تقطّر خير الرافدين لأهلِهِ *** توسِّدُهم خوفاً و تُطعِمهم قهرا

***

توهمتُ استقصيكَ مدحاً فهالَني *** قصيرٌ من الأعمارِ ممتنعٌ حصرا(2)

فيا عبقَ الفردوسِ ضمّخ نطفةً *** تميلُ له الأكوانُ لو أنّه مرّا

ص: 238


1- القنوط: اليأس.
2- هالني: أفزعني.

فإن قلتُ مشكاةً يقالُ زجاجةٌ *** و إن قلتُها قالُوا بدتْ كوكباً دُرّا

أتتك من الغيبِ القوابلُ تزدهي *** بأن إله الكونِ شرّفها قَدْرا

فيا بضعةَ المختار هذي يراعتِي *** بِكُمْ نطقتْ شِعراً و قد عُقمتْ دهرا(1)

و إنّي أنا الدّاري بأنَّ نهايتي *** تكونُ احتراقاً لو دنوتُ لكُم شِبرا

ص: 239


1- يراعتي: اليراعة: القصبة أو القلم.

(64) مقر الهدى والدين

(بحر الطويل)

الشيخ محسن آل جواهري(*)(1)

قِفَا رَوْحَا بِالبِيضِ عَنْ كَبِدِي الحَرَا *** وَ كِنَّا بِسُمْرِ الخَطَّ أَدْمُعِيَ الحَمْرَا(2)

ص: 240


1- (*) هو الشيخ محسن ابن الشيخ الشريف ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد حسن صاحب كتاب جواهر الكلام، ولد في النجف الاشرف سنة (1295 ه_) و نشأ بها نشأة عالية على أبيه فعني بتوجيهه و كان منذ نعومة أظفاره متشوقاً لطلب العلم و الفضيلة و مع شدة ظروفه العائلية لم ينفك عن مواصلة الدراسة بل سار شوطاً بعيداً في مقدمات العلوم فأتقنها و توغَّل في دراسة الفقه و الاصول فاختلف في أول امره على الشيخ عبد الحسين أسداللَّه ثم حضر على السيد علي الشرع و الشيخ علي الشيخ باقر آل صاحب الجواهر و استمر على الحضور عليهما فقهاً و أصولاً و أخيراً كان يحضر في حلقتي درس الشيخ ميرزا حسين النائيني و شيخ الشريعة الاصفهاني و أجازه الميرزا النائيني اجازة اجتهاد مفصلة. و أخذ عليه العلم فريق من العلماء العظام في النجف الأشرف و المترجَم له من أعلام الدين و المجتهدين المحققين لاتأخذه في الله لومة لائم، مجاهد في احياء الشرع الأقدس فى حله و مرتحله. فارق وطنه و مسقط رأسه النجف و سكن الاهواز و نواحيه للارشاد و الهداية رادعاً للظالم منتصفاً للمظلوم لايعبأ بمن بيده الدنيا ان رآه حائداً عن الصراط السوي فانعطفت عليه القلوب و قدسته الألسن. ترك تراثاً علمياً منه: 1- شرح نجاة العباد، 2- الفوائد الغوالي في شرح شواهد أمالي السيد المرتضى في الادب و التاريخ و النقد أربع مجلدات، 3- القلائد الغرر في إمامة الاثني عشر، 4- شرح منظومة السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي، 5- عدة أراجيز في الكلام و القراءة و المواريث. لبى نداء ربه ليلة الخميس 15 ذي القعدة سنة (1355 ه_) و حمل نعشه إلى النجف الأشرف و دفن في مقبرتهم الخاصة بجوار ضريح جدهم الأكبر صاحب الجواهر «قدس سره».
2- كنّا: استرا و غطيا و أخفيا.

وَ لاَ تَسْأَمَا أَنْ تَبْكِيَا بِشَبَا الظُّبَا *** حَوَادِثَ قَدْ أَبْكَتْ دِمَا (أَحْمَدَ) الطُّهْرَا(1)

حَوَادِثَ أَبْكَتْ أَحْمَداً وَ وَصِيَّهُ *** وَ بَضْعَتَهُ وَ اسْتَأَصَلَتْ آلهُ الغُرّا

حَوَادِثَ مَا أَبْقَتْ لِدِينِ مُحَمَّدٍ *** عِمَاداً وَ لا أَلْوَتْ عَلَى الحُجَّةِ الكُبْرَى

حَوَادِثَ أَعْطَتْ آلَهُ السَّيْفَ بَعْدَهُ *** وَ لَمْ يَتَّخِذْ إِلا مَوَدَّتَهُمْ أَجْرَا

غَدَاةَ عَدَتْ بَغْياً عَلَى دِينِ أَحْمَدٍ *** عَدِيٍّ وَ تَيْمٌ وَادَّعَتْ بَعْدَهُ الأَمْرَا

أذلاً قُرَيْشٍ جَانِباً وَ أَقَلُّهَا *** قَبِيلاً وَ أَجْفَاهَا وَ أَلأمُهَا نَجْرَا(2)

وَ أَخْسَرُهَا فِي سَاحَةِ المَجْدِ صَفْقَةً *** وَ أَحْمَلُهَا فِي يَوْمٍ مَفْخَرَةٍ ذِكْرَا

فَسَلْ عَنْهُمَا أَحْداً وَ سَلْ يَوْمَ خَيْبَرٍ *** فَفِي ذَا غِنَى إِمَّا عَقَلْتَهُمَا خُبْرَا

وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ أَعْطَيَا سَيِّدَ الوَرَى *** عُهُودَهُمَا أَنْ لا يَفِرّا وَ قَدْ فَرّا

وَ سَلْ يَوْمَ بَدْرٍ وَ المَشاهِدَ كُلَّهَا *** فَمَا أَحْرَزا فِيهَا غَنَاءً وَ لَا نَصْرَا

وَ لاَ قَتَلَا فِيهَا قَتِيلاً وَ أَغْنَيَا *** بِيَوْمِ فَتِيلاً لاَ وَ لاَ طَلَبَا وِتْرَا(3)

وَ لَا جَارَيَا فِي حَوْمَةِ الحَرْبِ مُسْلِماً *** وَ لَا أَبْلَيَا فِي مُلْتَقَى جَيْشِهَا عُذْرا

وَ سَلْ عَنْهُمَا أَحْكَامَ دِينِ مُحَمَّدٍ *** فَقَدْ رَكِبًا فِي أَمْرِهَا مَرْكباً وَعْرَا(4)

وَ كَمْ قَضَيَا بِالجَوْرِ فِيهَا فَرَدَّهَا *** إِلَى عَدلِ (أَقْضَاهَا) و أَشْرَفِهَا قَدْرَا

وَ أَوَّلِهَا سِلْماً وَ أَرْسَخِهَا حِجّى *** وَ أَوْفَرِهَا عِلْماً وَ أَعْظَمِهَا صَبْرَا

فَيا ضَلَّةً مَاذَا جَنَّتْ بَعْدَ أَحْمَدٍ *** صَحَابَتُهُ مِنْ سُبَّةٍ شَانَتِ الدَّهْرَا(5)

وَ يَا ضَلَّةً مَاذَا جَنَتْ بِفَرِيَّةٍ *** إِلَى الحَشْرِ لاتَنْفَكُ مُعْقِبَةً شَرَا

عَدَتْ بَعْدَهُ جَهْراً عَلَى بَيْتِ حَيْدَرٍ *** وَ حَاكَتْ ثِيَابَ الذُّلّ لِلْبَضْعَةِ الزَّهْرَا

ص: 241


1- شبا: مفردها الشباة حدّ كلّ شيء و من السيف قدر يُقطع به. الظبا: مفردها الظُّبة و هي حدَّ السيف أو السنان.
2- نجراً: أصلاً أو حسباً.
3- الوتر: بكسر الواو و فتحها: الثأر و الانتقام.
4- وغر: مخيف موحش.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232: قال: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها. الحديث.

وَ لَمْ يَجْنِ ذَنْباً عِنْدَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ *** أَقَامَ عَمُودَ الدِّينِ وَ اسْتَأَصَلَ الكُفْرَا

فَخَلْ قُرَيْشاً وَ السَّفَاهَةَ جَائِباً *** فَقَدْ طَلَبَتْ عِندَ النَّبِيِّ لَهَا وِتْرَا

وَ عَرَّجْ عَلَى أَبْنَاءِ قَيْلَةَ فَالحَشَا *** لِرَدَّتِهَا بَعْدَ الهُدَى احْتَدَمَتْ جَمْرَا

وَ سَلْهَا عُهُودَ المُصْطَفَى إِنَّ نَكْثَهَا *** أَرَاقَ دَمَ الإِسْلَامِ مَا بَيْنَهَا جَهْرَا

أَلَمْ تُعْطِهِ العَهْدَ الوَثِيقَ بِأَنَّهُ *** إِذَا جَاءَهَا لَمْ يَشْكُ ضَيْماً وَ لاَ ضَرَا

وَ أَنَّ لَهُ مِنْهُمْ حِمّى دُونَ نَفْسِهِ *** وَ أَهْلِيهِ وَاللَّهُ الشَّهِيدُ بهَا أَدْرَى

فَلِمْ غَيْرَتْ وَ اسْتَبْدَلَتْ بَعْدَ عَهْدِهِ *** وَ أَغْضَتْ عَلَى ظُلم المُطَهَّرَةِ الزَّهْرَا

وَ عَنْ مَلأ مِنْهُمْ أَتَتْ بِنْتُ أَحْمَدٍ *** تُنَاشِدُ حَقّاً نَصَّهُ اللهُ فِي الذِّكْرَى(1)

وَ عَنْ مَلا رُدَّتْ إِلَى عُقْرِ بَيْتِهَا *** تَجُرُّثِيَابَ الذُّلِّ مَهْضُومَةً عَبْرَى

وَ يَوْمَ اقْتِحَامِ الدَّارِ يَوْمَ تَهَنَّكَتْ *** بِهِ حُرُمَاتُ اللَّهِ حَتَّى بَدَتْ حَسْرَى

فَعَنْ مَلأ مِنْهُمْ أَتَوْا بَيْتَ فَاطِمٍ *** مَقَرَّ الهُدَى وَ الدِّينِ وَ الحُجَّةِ الكُبْرَى

غَدَاةَ غَدَا رُكُنُ الضَّلَالَةِ حَامِلاً *** عَلَى ظَهْرِهِ أَضْعَافَ مَا فِي الحَشَا أَوْرَى(2)

يُحَاوِلُ حَرْقَ الدَّارِ وَ الدَّارُ تَلْتَقِي *** عَلَى صِبْيَةٍ لَمْ تَعْرِفِ الخَوْف وَ الذُّعْرَا(3)

يُنَادِي بِهِ: اخْرُجُ عَلِيُّ) وَإِنْ تَقُمْ *** فَلِلنَّارِ أَعْمَالٌ سَتُخْرِجُكُمْ قَسْرَا

فَكُمْ ريعَةِ (الكُبْرَى) بهَذَا وَ كُمْ شَكَتْ *** إِلَى جَدْهَا مَا نَالَهَا مِنْهُمُ (الصُّغُرَى)

ص: 242


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص19180: في حديث المفضّل عن الصادق علیه السلام: و إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إيّاه الحديث.
2- أورى: أخرج ناره.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب العقد الفريد ج5 ص13: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر علي و العباس و الزبير و سعد بن عبادة، فأما علي و العباس و من معهما فقصدوا فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث اليهم أبوبكر و عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام و قال له: إن أبوا فقاتلهم فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟

وَ كَمْ هَتَفَتْ بِالمُسْلِمِينَ وَ كَمْ دَعَتْ *** بِيالِرَسُولِ اللَّهِ لاِبْنَتِكَ (الزَّهْرَا )

وَ لاَ قَائِلٌ مِنْهُمْ دَعُوهَا فَإِنَّهَا *** سَلِيلَةُ خَيْرِ الخَلْقِ وَ البَضْعَةُ (الحَوْرَا)

تُنَا شِدُهُمْ وَ المُسْلِمِينَ وَ لَوْ دَعَتْ *** بِحَقِّ رَسُولِ اللهِ صُلْدَ الصَّفَا خَرّا(1)

تَقُولُ لَهُمْ يَا قَوْمُ بَيْنِي وَ لَمْ يَكُنْ *** نَبِيُّ الهُدَى يَوْماً لِيَدْخُلَهُ قَهْرَا

فَمَا كَفَّ عَنْهَا الرِّجْسُ بَلْ حَرَّكَتْ لَهُ *** حَشَّى فِيهِ نَارُ الحِقْدِ كَامِنَةً دَهْرَا

وَ هَاجَمَ بَيْتَ الوَحْي وَ البَابَ دُونَهُ *** عَقِيلَةُ آلِ اللَّهِ مُسْيَدَةً صَدْرَا(2)

وَ لَمْ يَرْعَهَا بَلْ رَاعَهَا وَ تَزَاحَمُوا *** عَلَى البَابِ أَفْوَاجاً فَأَبْئِسْ بِهِمْ طُرّا

فَقُلْ لِلَّذِي رَامَ اعْتِدَاراً لِبَغْيِهِمْ *** عَلَى المُصْطَفَى قُبْحَتْ مِنْ طَالِبٍ عُذْرَا

زَعَمْتَ ابْنَةَ الهَادِي اطْمَأَنَّتْ وَ أَذْعَنَتْ *** لِمَا لَفَقُوا يَا بِئْسَ مَا احْتَقَبُوا وِزْرَا

فَمَا بَالُهَا غَضْبَى فَضَتْ بَعْدَ عُذْرِهِمْ *** وَ مَا بَالُهَا لَمَّا قَضَتْ دُفِنَتْ سِرّا

إِلَى كَمْ تَرَىٰ نَهْجَ الضَّلالَةِ لأَجِباً *** جَلِيًّا وَ مَلْحُوبَ الهُدَى مُظْلَماً وَ عْرَا

و فِيمَ تَعُدُّ الغَيَّ رُشْداً وَ لا تَرَى *** سَبِيلَ الهُدَى إِلا الخَتَلَقْتَ لَهُ سِتْرَا

وَ حَتّامَ لاتُصْغِي لِعَذْلٍ وَ لَاتَعِي *** مَقَالَةَ ذِي رُشْدٍ وَ لاَتَسْمَعُ الذِّكْرَا

رُويْداً فَلَيْسَ الدِّينُ بِالرَّأْي يُبْتَغَى *** وَ عَمَّا قَلِيل يَظمَئِنُ بِكَ المَسْرَى(3)

ص: 243


1- صلد: صلب.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج53 ص18-19: في حديث المفضل عن الصادق علیه السلام: و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفعه خدَّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء. و تقول: واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها.
3- نقلاً من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص122.

(65) سطعت أنوار الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ محسن أبو الحب (الصغير)(*)(1)

لَقَدْ سَطَعَتْ أَنْوَارُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا *** فَأَضْحَتْ بِهَا الْآفَاقُ بَاسِمَةٌ ثَغْرَا(2)

ص: 244


1- (*) الشيخ محسن ابن الشيخ محمد حسن ابن الشاعر الشهير الشيخ محسن أبو الحب صاحب القصائد الحسينية المعروفة. و أسرة آل أبي الحب من الأسر العربية العريقة في كربلاء المقدسة و التي تنتسب إلى خثعم و كان مبدأ هجرتها من الحويزة إلى كربلاء بقصد طلب العلم الديني. ولد المترجَم له في كربلاء المقدسة سنة (1305 ه_) و هي السنة التي مات فيها جده الشيخ محسن أبوالحب الكبير، و نشأ بتوجيه والده الشيخ محمد حسن أبوالحب و درس المقدمات على أساتذة الحوزة. و تخصص المترجَم له بفن الخطابة حتى نال شهرة واسعة و قد احتضنته كربلاء المقدَّسة و اعتبرته خطيبها الأول و قد ترعرع و نشأ و تربى على يده عدد كبير من الخطباء اللامعين أمثال الخطيب الكبير الشيخ هادي الخفاجي و الشيخ عبد الزهراء الكعبي، و الشيخ علي الحلي، و الشيخ صادق الواعظ و السيد صدر الدين الشهرستاني و غيرهم وقد شارك في الحفل الحسيني الكبير الذي عقدته الشبيبة الكربلائية يوم 13 محرم الحرام سنة (1367 ه_) الموافق (1947 م) في ذكرى استشهاد الامام الحسين علیه السلام في الروضة الحسينية المقدسة، و قد ألقى المترجم له قصيدة رائعة و قد ألقى في الحفل نفسه محمد مهدي الجواهري رائعته الخالدة. و للمترجَم له ديوان يضم طائفة كبيرة من القصائد في أغراض مختلفة و طبع هذا الديوان بعد وفاته وكان ذلك بمساعي الاستاذ الأديب السيد سلمان السيد هادي آل طعمة. توفي المترجم له في كربلاء المقدّسة في 5 ربيع الأول سنة (1369 ه_) و دفن في مقبرة خاصة له في الروضة العباسية و أقيم له حفل تأبيني كبير في الصحن الشريف يوم أربعينه ساهم فيه ثُلَّة من الشعراء و الأدباء و رجال الفكر.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الأنوار التي ملأت الآفاق يوم ولادة الزهراء علیها السلام انظر كتاب مشارق الأنوار ص85 كما في عوالم العلوم ج1 ص58-59. و كتاب البحار، ج16 ص81. و ذكره أبوجعفر الطبري في كتابه دلائل الإمامة، ص9.

هِيَ ابْنَةُ طهَ المُصْطَفَى سَيِّدِ الوَرَى *** بِهِ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ رَبُّ السَّمَا أَسْرَى

وَ حَيْدَرَةُ الكَرَّارُ ذُوالفَخْرِ بَعْلُهَا *** بِهِ شِرْعَةُ المُخْتَارِ قَدْ نَالَتِ الفَخْرَا

هي البَرَّةُ الطُّهْرُ البَتُولَةُ مَنْ لَهَا *** مَلائِكَةُ الرَّحْمَنِ قَدْ خَضَعَتْ طُرّا(1)

لَقَدْ فَرِحَتْ فِيهَا خَدِيجَةُ أُمُّهَا *** وَ قَدْ سَعِدَتْ فِي وَقْتِ مَوْلِدِهَا بُشْرَا

بِنُورِ مُحَيَّاهَا قَدِ انْقَشَعَ الدُّجَى *** وَ نُورُ سَنَاهَا يُخْجِلُ الشَّمْسَ وَ البَدْرَا(2)

عَلَى بَضْعَةِ المُخْتَارٍ خَيْرُ تَحِيَّةٍ *** لَهَا مِنْ إله العَرْشِ لابَرحَتْ تَثرَى(3)

وَ نَرْجُو بِهَا نَيْلَ الشَّفَاعَةِ فِي غَدٍ *** لِكَيْ بِوَلاهَا نُدْرِكَ الفَوْزَ وَالأَجْرَا

ص: 245


1- و في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام طاهرة مطهرة و بتولة كما جاء ذلك في الأحاديث المتضافرة. ففي كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص310 قال: عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء أو قال: نقصان. و في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن كتاب مودة القربى ص78 ط لاهور، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت كل ليلة معناه ترجع كل ليلة بكراً. و سميت مريم علیها السلام بتولاً لأنها ولدت عيسى علیه السلام بكراً . و في كتاب مصباح الأنوار كما في البحار، ج43 ص19 قال: عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم، الطاهرة لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفت و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً. و قال: في ج43 ص16 عن أبي عبدالله علیه السلام قال: حرَّم الله النساء على علي ما دامت فاطمة علیها السلام حية لأنها طاهرة. و ذكره في كتاب ذخائر العقبى ص44.
2- محيّاها: وجهها و قيل: سمِّي الوجه بالمحّيا لأنه يخص بالذكر عندالسلام فيقال: (حيَّ اللَّه وجهك). و في هذا البيت إشارة إلى نور الزهراء علیها السلام و سناء وجهها المشرق. انظر كتاب البحار ج43 ص12 و علل الشرايع ج1 ص215 ح3 و البحار أيضاً ص 16-11 ج43.
3- تترى: تتابع و أصلها و ترى كما في كتب اللغة.

شَفِيعَتُنَا يَوْمَ القِيَامَةِ فَاطِمٌ *** وَ إِنَّ لَنَا فِي حُبِّهَا النَّعْمَةَ الكُبْرَى(1)

بِوَالِدَةِ السِّبْطَيْنِ سَيِّدَةِ النِّسَا *** تَمَسُّكُنَا لاَنَخْتَشِي البُؤْسَ وَ الضُّرّا(2)

وَ إِنَّ لَنَا فِيهَا الرَّجَاءَ وَ إِنَّنَا *** نُؤمِّلُ أَنْ نَحْظَى بِطَلْعَتِهَا الغَرّا

بِمَوْلِدِهَا قَدْ أَصْبَحَ الكَوْنُ مُشْرِفاً *** وَ قَدْ شَاهَدَتْ فِي الأُفْقِ أَنْجُمَهَا الزُّهْرَا

بِشَهْرٍ جُمَادَى فَاطِمُ الطُّهْرُ قَدْ أَتَتْ *** قَفِي كُلِّ عَامٍ فَلْتُجَدِّدْ لَهَا ذِكْرَا(3)

بِأَسْعَدِ يَوْم جَاءَ بِاليُمْنِ وَ الهَنَا *** وَ طَرْفُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى فِيهِ قَدْ قَرّا

فَيَا أَيُّهَا السَّادَاتُ بُشْرَاكُمُ بِمَنْ *** لَهَا الصَّيْتُ طُولَ الدَّهْرِ إنْسِيَّةٌ حَوْرَا(4)

ص: 246


1- و في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام شافعة يوم القيامة . انظر کتاب كنز الفوائد للكراجكي ج1 ص150 و كتاب بحار الأنوار ج43 ص219 و ص65 ضمن ح57.
2- و في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام سيدة نساء العالمين. انظر كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 و كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 و صحيح البخاري ج3 ح1326 و 3426 و ذكره الطبري في الاستيعاب ج4 ص375 في هامش الإصابة. و جاء في مسند أحمد بن حنبل ج6 ص282 و كتاب حلية الأولياء ج2 ص40.
3- و في هذا البيت إشارة إلى تاريخ الولادة المباركة للزهراء علیها السلام انظر البحار ج43 ص6 و كتاب دلائل الإمامة ص10.
4- ديوان أبي الحب ص82.

(66) حاكم و حكيم

(بحر الخفيف)

الشيخ محسن أبو الحب (الكبير)(*)(1)

غَدَرَ القَوْمُ فِي الغَدِيرِ فَسَمَّوْهُ *** غَدِيراً لِغَدْرِهم بالأميرِ

بَعْدَمَا بَايَعُوا بِأَمْرِ مِنَ اللَّهِ *** وَ أَمْرِ مِنَ البَشِيرِ النَّذِيرِ

يَوْمَ قَامَ النَّبِيُّ يَدْعُوأَلاَ مَنْ *** كُنْتُ مَوْلى لَهُ فَهَذَا وَزِيري

فَأَجَابُوا وَ كُلُّهُمْ عَاقِصٌ قَرْنَيْهِ *** مَا بَيْنَ فَاجِرٍ وَ كَفُورِ(2)

ثُمَّ لَمَّا مَضَى الرَّسُولُ أَضَاعُوا *** عَهْدَهُ فهي ارْتِكَابِ أَمْرٍ خَطِيرِ

وَ عَلِيٌّ فِيهِمُ وَ فِيهِمُ كِتَابُ اللَّهِ *** يَتْلُونَهُ بِغَيْرِ شُعُورِ

وَ عَلِيٌّ فِيهِمُ وَ فِيهِمْ سِرَاجُ اللَّهِ *** فِي كُلِّ حَالِكٍ دَيْجُورِ

حَسَنُ الخَيْرُ وَ الحُسَيْنُ أَخُوهُ *** مَنْ هُمَا صَفْوَةُ الإِلهِ القَدِيرِ

صَيَّرُوهَا شَوْرَىٰ وَ مَا هِيَ إِلاَّ *** غَدْرَةٌ وَيْلُ أُمِّ ذَاكَ المُشِيرِ

أَعَمُوا عَنْ مَحَلهَا أَمْ تَعامَوْا *** أمْ أَصِيبُوا بِعَارِضِ العَنقَفِيرِ

أَيُّ يَوْمٍ فِيهِ ابْنُ آكِلَةِ الذُّبانِ *** يُدْعَى مُدَبِّراً لِلأُمورِ

أحْكَمُ اللَّهُ عَقْدَهَا لِعَلِي *** وَ ادْعَاهَا لَهُ ابْنُ أُمِّ الفُجُورِ

فيهِمُ مِنْ رِجَالِهِمْ كَعَلِيٍّ *** فِيهِمُ مَثَلُ شُبْرٍ وَ شَبِيرِ

فیهِمُ مِثْلُ فَاطِمٍ مِنْ نَسَاهُمْ *** رَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهَا لِلأَشِیرِ

هُمْ شُمُوسُ الهُدَى وَلَكِنْ أَبَوَا أَنْ *** يُبْصِرُوهَا إِلا بِحُولٍ وَ عُورِ

ص: 247


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- عاقص: إلتوى قرناه على أذنيه من خلفه.

مَا تُلاقِينَ أَيَّتُهَا الأُمَّةُ الشَّنْعَا *** مِمَّا جَنيتِ يَوْمَ النُّشُورِ؟(1)

مَا تُلاقِينَ وَ الخَصِيمُ عَلِيٌّ *** وَ بَنُوهُ وَاللَّهُ خَيْرُ ظُهُورِ؟

إِذْ يَقُومُونَ وَ الخَلائِقُ تَرْعَاهُمْ *** دَوَامِي الشَّوا دَوَامِي النُحُورِ

وَ هُمْ مَا بَيْنَ عَاطِشٍ وَ أَسِيرٍ *** وَ صَرِيعٍ كَابٍ وَ ثَاوٍ عَفِيرِ

بَيْنَهُمْ فَاطِمٌ تَصِيحُ إِلَى اللَّهِ *** صِيَاحَ الْمُوَلَّهِ المُسْتَجِيرِ

أَنْتَ يَا رَبُّ حَاكِمٌ وَ حَكِيمٌ *** فَاقْضِ بَيْنِي وَ بَيْنَ أَهْلِ الشُّرُورِ

جِئْتُ أَشْكُو إِلَيْكَ رَبِّي بِطَرْفٍ *** ذَائِبِ بِالبُكَا وَ قَلْبٍ كَسِيرِ(2)

شَاهِدِي أَنْتَ وَ الجَنِينُ و ضِلْعِي *** وَ قَطِيعٌ كَالدُّمْلُجِ المُسْتَدِيرِ(3)

وَ نِجَادُ السَّيْفِ الَّذِي سَحَبُوا فِيهِ *** عَلِيًّا مُلَبَّبَاً كَالأَسِیرِ

كُنتُ فِيهِمْ كَكَعْبَةِ البَيْتِ لكِنْ *** هَتَكُوا حُرْمَتِي وَ بَزُوا سُتُورِي(4)

ص: 248


1- الشنعاء: القسحة.
2- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى شكوى الزهراء علیها السلام يوم القيامة إلى الله ممن ظلمها و قتل ذريتها. ففي كتاب أمالي الصدوق ص25 قال: في حديث طويل عن جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة... و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، فلا يبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصديق و لاشهيد إلا غضّوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها «جل جلاله» فتزج بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني، اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفّعي، فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم فتقول: الهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي...» الخ الحديث، أنظر بحار الأنوار ج43 ص219 أيضاً...
3- و في هذا البيت إشارة إلى إسقاط الجنين و كسر الضلع و ضربها بالسياط «سلام الله عليها». انظر كتاب سلیم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص109 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى هجومهم على دار الزهراء «سلام الله عليها» و هتك سترها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 «قال قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها ،خمار فنادت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك، تنادي بأعلى صوتها، و في ص36 من كتاب سليم بن قيس قال «ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب، فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: واللَّه لتخرجنَّ يا علي علیه السلام، ولتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و إلاّ أضرمتُ عليك النار، فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك؟ فقال: افتحي الباب و إلاّ أحرقنا عليكم بيتكم فقالت: يا عمر أما تتقي الله، تدخل عليَّ بيتي؟! فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعها فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...».

وَ أَذَاقُوا الحَتُوفَ وُلْدِي إِلَى أَنْ *** تَابَعُوهُمْ صَغِيرَهُمْ بِالكَبِيرِ

وَ أَبَا حُوا خُمْسِي لِكُلِّ طَلِيقٍ *** وَ أَبَاحُوا إِرْنِي لِكُلِّ كَفُورِ(1)

هذِهِ كَرْبَلاً وَ تِلْكَ قُبُورُ *** القَوْمِ فِيهَا زَوَاهِراً كَالبُدُورِ

هذِهِ كَرْبَلاَ وَ تِلْكَ دِيَارُ *** الْقَوْمِ فِيهَا دَوَارِسُ كَالقُبُورِ

نَزَلُوهَا وَ قَلَّ مَانَزَلُوهَا *** سَاعَةً ثُمَّ إِنَّ نُوا بِالنَّفِيرِ

وَ أَقَامَتْ جُسُومُهُمْ تَتَوقَّى *** بِظِلالِ الرِّمَاحِ حَرَّ الهَجِيرِ

نَبَتَتْ فَوْقَهُمْ كَمَا يَنْبُتُ الظَّالُ *** عَلَى أَنَّ نَبْتَهَا فِي الصُّدُورِ

إِنَّ يَوْمَ النَّحْرِ الَّذِي قَدْ عَرِفْنَاهُ *** قَدِيماً مَا كَانَ فِي عَاشُورِ

ذَاكَ فِيهِ نَحْرَ الأَضَاحِي وَ هَذَا *** نَحَرُوا فِيهِ كُلَّ لَيْثٍ هَصُورِ(2)

لَمْ يُبَقُوا مِنْهُمْ لُحُوماً لَهَا فِي *** الوَحْشِ مِنْهَا عَاكِفَات الطُّيُورِ

وَ زَّعُوهَا مَا بَيْنَ بِيضِ وَ سُمْرٍ *** بَيْنَ تُرْبِ الفَلاَ وَ بَيْنَ الصُّخُورِ

سَيُجَازِي الإلهُ فِيهَا أُناساً *** هَلْ يُجَازِئَ بِالسُّوءِ غَيْرُ الكَفُورِ؟

وَيْلَهُمْ يَعْلَمُونَ أَيَّ أَبِيٍّ *** بَا مَا بَيْنَ جَمْعِهِمْ كَالأَسِيرِ

ص: 249


1- و في هذا البيت يشير إلى اغتصاب القوم لفدك من الزهراء علیها السلام و ما بقي من خمس خيبر. انظر مسند أحمد ج1 ص9. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. وكتاب السيرة الحلبية ج3 ص487. و كتاب الاحتجاج ج1 ص131-144 مطولاً و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن کتاب مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300.
2- ليث: هصور: أسد كاسر فريسته.

إِنَّ مَنْ قَدْ قَتَلْتُمُوهُ لَحَيٌّ *** سَوْفَ يَلْقَاكُمُ بِيَوْمِ عَسِيرِ

سَوْفَ يُدْعُو بِثارِهِ فَتُلَبِّيهَا *** السَّمَاءُ وَ الثَّرَى وَ أَهْلُ القُبُورِ

وَ سَيسْمُوا لَهَا ابْنُهُ وَ لَعَمْرِيْ *** لَهُوَ أَوْلَى بِحَمْلِ ذَاكَ الخَطِيرِ

وَ هُوَ أَوْلَى بِحِفْظِ مَا ضَيَّعُوهُ *** مِنْ كِتابِ المُهَيْمِنِ المَسْطُورِ

يَا عَزِيزَ العَزِيزِيَانُخْبَةَ *** الرَّحْمَنِ يَابْنَ المُؤَيَّدِ المَنْصُورِ

قُمْ لَهَا عَاجِلا فَمَا هِي إِلاَّ *** سَاعَةً أَوْ يُقَالُ جَزُّ جَزُورِ

لَيْتَنِي كُنْتُ شَاهِداً يَوْمَ يَدْعُو *** فِي عِرَاضِ الطَفُوفِ هَلْ مِنْ مُجِيرِ؟

لَسْتُ مِنْ هَاشِمِ إِذَا لَمْ أَذُقْهَا *** الْيَومَ كَأْسَ الرَّدَى بِغَيْرِ مُدِيرِ

لَسْتُ مِنْ هَاشِمُ إِذَا لَمْ أَدَعْهَا *** مِنْ دِمَاءِ الكُمَاةِ مِثْلَ البُحُورِ

قَتَلُوا أَهْلِي الكِرَامَ وَ أَعْفُوا *** عَنْهُمُ لاَ وَ مَنْ إِلَيْهِ مَصِيرِي

لَوْ مَلأُتُ السَّمَاءَ وَ الأَرْضَ قَتْلَى *** مِنْهُمُ مَا أَشْقَى بِذَاكَ ضَمِيرِي

نَهْنِهُوا عَنْ مُلَامِكُمْ إِنَّ ثَارِي *** فَوْقَ مَا قَدْ رَأَيْتُمُ مِنْ نَكِيرِ(1)

وَ تُعْلِنُونَ أَنَّكُمْ تُعْجِزُونَ اللَّهَ *** فِي الأَرْضِ أَوْ تَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرِ(2)

أَبِقَتْلِ الحُسَيْنِ نَفْخَرُ مِنْكُمْ *** فَاخِرٌ وَيْلَ أُمِّهِ مِنْ فَخُورِ؟

أيَزِيدُ فَوْقَ السَّرِيرِ وَ رَأْسُ *** السَّبْطِ سِبْطِ النَّبِيِّ تَحْتَ السَّرِيرِ؟

إنْ نَسِيتُمْ فَلَسْتُ أَنْسَى جُسُوماً *** فِي الرَّوَابِي كَاللؤلوءِ المَنُثُورِ

إِنْ نَسِيتُمْ فَلَسْتُ أَنْسَى حَرِيماً *** سُقْتُمُوهَا حَسْرَى بِغَيْرِ سُتُورِ

نَادِبَاتٍ وَ مَا لَهَامِنْ مُجِیبِ *** صَارِخَاتٍ وَ مَا لَهَا مِنْ مُجِيرِ

ص: 250


1- نهنهوا: كفوا.
2- قطمير: فشرة رقيقة بين النواة و الثمرة.

(67) إنسية حورا علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد محسن الأمين العاملي(*)(1)

لِي مُقْلَةٌ بِدُمُوعِهَا عَبْرَىٰ *** وَ حُشَاشَةٌ مِنْ وَجْدِهَا حَرَّى

وَ كَأَنَّ فِي الأَحْشَاءِ نَارَ غَضَىّ *** أَمْسَى الهِيَامُ يَزِيدُهَا سَعْرا(2)

ص: 251


1- (*)هو السيد محسن ابن السيد عبد الكريم ابن السيد علي ابن السيد محمد الأمين الحسيني العاملي، ولد في قرية شقراء التابعة لمرجعيون من جبل عامل في سنة (1282 ه_)، و بعد أن بلغ السابعة من عمره تعلَّم القرآن و الكتابة، و اتجه إلى دراسة مقدمات العلوم كالنحو و الصرف و المنطق و المعاني و بعض كتب الفقه و كتاب معالم الدين في الأصول في مدارس جبل عامل. ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسة العلوم فقدم العراق سنة (1308 ه_) يطوف في العتبات المقدسة بين سامراء و الكاظمية و كربلاء حتى قدم النجف و بقي فيها إلى سنة (1319 ه_)، و هنا اختلف على مشاهير المدرسين كالشيخ آغا رضا الهمداني و الشيخ محمد طه نجف و الشيخ ملاكاظم الخراساني و الشيخ ملا فتح الله الشهير بشيخ الشريعة، و على هؤلاء تخرج في الفقه و الاصول و أجازه معظمهم. و هاجر من النجف الأشرف إلى الشام في أواخر جمادى الثانية من سنة (1319 ه_) بطلب من أهلها، فأقام بها و ترك آثاراً عظيمة لاتزال باقية منها المدرسة المحسنية التي ربَّت جیلاً من أبناء المسلمين، و حياة السيد الامين صفحة مشرقة من الاعمال الصالحة. و المترجَم له أنتج كتباً قيمة كثيرة أشهرها الموسوعة الكبيرة (أعيان الشيعة)، و قد برهن في كتابة هذا و في سائر كتبه الأخرى على أنه الإنسان الذي فهم الخلود و العالم الذي وجب عليه أن يخدم أمته و مبدأه، فقد خدم خلال عمره الشريف الدين الاسلامي، و خدم المكتبة الثقافية بإتحافه لها بين حين و آخر بشتّى الآثار و سائر النواحي الاجتماعية و الدينية في بلاده. توفي في بيروت و شيع إلى دمشق بموكب رهيب فخم مشى خلف جثمانه رجال الحكومتين اللبنانية و السورية و ذلك في 4 رجب من سنة (1371 ه_) و دفن بجوار السيدة زينب علیها السلام بنت أميرالمؤمنين علیه السلام، و كان لنعيه رنّة أسى في العالم الاسلامي.
2- غضا: شجر من الأثل خشبه من أصلب الخشب و جمرهُ يبقى زمناً طويلاً لاينطفىء. الهيام: بكسر الهاء الحبّ و بضمها الجنون من العشق. سَعْرا: اشتعالاً.

مَا إِنْ صَبَا قَلْبِي لِغَانِيَةٍ *** تَهْوَى البِعَادَ وَ تَأْلَفُ الهَجْرَا

لكِنَّنِي أَبْكِي مُصِيبَةٌ مَنْ *** بِمُصَابِهَا قَدْ أَفْنَتِ الصَّبْرَا

أَبْكِي لِمَنْ كَادَتْ مُصِيبَتُهَا *** تُوهِي الجِبَالَ وَ تَصْدَعُ الصَّخْرَا(1)

لِمُصَابِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ نِسَاءِ *** العَالَمِينَ البَضْعَةِ الزَّهْرَا

بنتُ النَّبِي أَجَلْ وَبَضْعَتُهُ *** الفُضْلَى شَبيهَةً مَرْيَمَ العَذْرا

وَ الدُرَّةُ البَيْضَاءُ مِنْ صَدَفِ *** العَلْيَاءِ فَاقَتْ بِالسَّنَا البَدْرَا

أمْسَتْ بِمَاءِ الوَحْي طينَتُهَا *** مَعْجُونَةً وَ كَفَى بِهِ فَخْرَا

المُصْطَفَى جِبْرِيلُ أَطْعَمَهُ *** تُفَّاحَةً فِي لَيْلَةِ الإِسْرَا

فَتَكَوَّنَتْ مِنْهَا لِذَاكَ غَدَتْ *** بَيْنَ الوَرَى إِنْسِيَّةٌ حَوْرَا

قَدْ أَغْضَبَ المُخْتَارَ مُغْضِبُهَا *** وَ يَسُرُّ أَحْمَدَ مَنْ لَهَا سَرَا(2)

لَمْ يُرْعَ فِيهَا أَحْمَدٌ عَجَباً *** حَتَّى قَضَتْ مَكْرُوبَةً حَسْرَى(3)

وَلأَيِّ حَالٍ فِي الدُّجَى دُفِنَتْ *** وَلأَيِّ حَالٍ أُلْجِدَتْ سِرَّا؟(4)

دُفِنَتْ وَ لَمْ يَحْضُرْ جِنَازَتَهَا *** أَحَدٌ وَ لاَعَرَفُوا لَهَا قَبْرَا(5)

ص: 252


1- توهي: تُضعف و توهن. تصدع: تشقّ.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي. يعني فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب (دلائل الإمامة) ص45: و كان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً.
4- انظر كتاب البحار، ج8 ص240-241 ط الكمباني.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص213 قال ابن عباس: فقبضت فاطمة علیها السلام من يومها فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال و النساء، و دهشت الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأقبل أبوبكر و عمر يعزّيان علياً علیه السلام و يقولان: يا أبا الحسن علیه السلام لاتسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فلما كان في الليل دعا علي علیه السلام العباس و المقداد و سلمان و أباذر و عماراً، فقدم العباس فصلى عليها، و دفنوها، فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام فقال المقداد: قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل إنهم سيفعلون؟! قال العباس: إنها أوصت أن لاتصليا عليها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

مَا كَانَ فِي تشييع فَاطِمَةٍ *** أَجْرٌ فَيَغْنَمَ مُسْلِمٌ أَجْرَا

أَفَهَلْ سِوَاهَا كَانَ بِنْتَ نَبِيٍّ *** فِي الوَرَى تَحْتَ السَّمَا الخَضْرَا؟

أمْ مِثْلُهَا بَيْنَ النَّسَا أَحَدٌ *** فِي كُلِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى الغَبْرَا

لَمْ يَحْلُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ لَهَا *** عَيْسٌ وَ أَصْبَحَ عَيْشُهَا مُرّا

مَاتَتْ بِغُصَّتِهَا وَ مَا ضَحِكَتْ *** مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى مَضَتْ عَبْرَى

مِنْ إِرْثِهَا مُنِعَتْ وَ مِنْ فَدَكٍ *** ظُلْماً فَيَا لِلْمِحْنَةِ الكُبْرَى(1)

وَ شَهَادَةُ الحَسَنَيْنِ إِذْ شَهِدَا *** وَ أَبِيهِمَا مَرْدُودَةٌ جَهْرَا

كَانُوا بِأَحْكَامِ النَّبِيِّ هُمُ *** مِنْ آلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ أَدْرَى

جَهِلَ الوَصِيُّ تَرَى بِمَا عَمِلُوا *** حَاشَا لَهُ بِالجَهْلِ هُمْ أَحْرَى

وَ المُصْطَفَى بِالعِلْمِ خَصَّصَهُ *** فِي النَّاسِ لاَزَيْداً وَ لاَعَمْرَا

وَ الذِّكْرُ بِالمِيرَاتِ جَاءَ وَ فِي *** تَفْصِيلِهِ آيَاتُهُ تَثرَى

فِي إِرْثِ يَحْيَىٰ مِنْ أَبِيهِ وَ فِي *** إِرْثِ ابْنِ دَاوُدَ لَنَا ذِكْرَى

خَبَرٌ بِهِ رَاوِيهِ مُنْفَرِدٌ *** تَرَكُوا بِهِ الآيَاتِ وَ الذِّكْرَا

حُكْمُ بِهَا قَدْ خَصَّ مُحْكَمَهُ *** فَبِعِلْمِهِ لِمْ لَمْ تُحِطْ خُبْرَا؟(2)

وَ لِغَيْرِهَا المُخْتَارُ أَفْهَمَهُ *** عَجَباً وَ أَسْدَلَ دُونَهَا سِتْرا

أمَرَ النَّبِيُّ بِذَاكَ بَضْعَتَهُ *** فَعَصَتْ لَهُ مَعَ عِلْمِهَا أَمْرَا

حاشا لِسَيدَةِ النِّسَاءِ وَ مَنْ *** مِنْ رَبِّهَا قَدْ نَالَتْ الطُّهْرَا؟(3)

يَا بِنْتَ مَنْ رَبُّ السَّمَا شَرفا *** لِلْمَسْجِدِ الأَقْصَى بِهِ أَسْرَى

وَ حَلِيلَةُ الكَرَّارِ مَنْ قَتَلَ *** الأَبْطَالَ فِي أُحُدٍ وَ مَا فَرّا؟

ص: 253


1- إشارة إلى ما روي في السيرة الحلبية ج3 ص362: أنه كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها، فقال: مماذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى، ثم أخذ الكتاب فشقَّه.
2- خُبرا: تجربة و امتحاناً و اختباراً.
3- إشارة إلى ما روي في البحار ج43 ص16 و 19. عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنما سمیت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم(الطاهرة ) لطهارتها من كل، دنس و طهارتها من كل رفث ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً و قد مرت تفاصيل ذلك مكرراً فلانعيد.

مَنْ تَرْهَبُ الأَرْضُونَ سَطوَتَهُ *** فَتَهُم بِالزِّلْزَالِ إِنْ كَرّا؟

مَنْ كَانَ فِي بَدْرٍ وَ فِي أُحَدٍ *** وَ سِوَاهُمَا بِفِعَالِهِ بَدْرَا؟

كُونِي الشَّفِيعَةَ لِلَّذِي عَظُمَتْ *** مِنْهُ الذُنُوبُ فَأَنْقَضَتْ طَهْرَا(1)

وَ لَطَالَمَا أَنْشَابِمَدْحِكُمْ *** مَدْحاً سَمَتْ وَ قَصَائِداً غَرّا

تَسْرِي مَسِيرَ الشَّمْسِ مَا تَرَكَتْ *** فِي سَيْرِهَا بَراً وَ لاَبَحْرَا

وَ رِثَاؤُهُ وَبُكَاؤُهُ لَكُمُ *** أَنْسَى خناسَ وَ نَدْبَهَا صَخْرَا

فِي ذِكْرِ مَدْحِكُمُ وَ فَضْلِكُمُ السامِي *** أَطَالَ النَّظْمَ و النَّثْرَا

يَا آلَ بَيْتِ مُحَمَّدِ بِكُمُ *** أَنْجُو غَداً فِي النَّشْأَةِ الأُخْرَى

إِنَّي اتَّخَذْتُ وَلاَكُمُ وَزَراً *** فِي مَحْشَرِي أَمْحُو بِهِ الوِزْرا

حَسْبِي بِكُمْ ذُخْراً إِذَا اتَّخَذَ *** الأَقْوَامُ غَيْرَكُمُ لَهُمْ ذُخْرَا

لَمْ يَسْأَلِ المُخْتَارُ أُمَّتَهُ *** إِلَّا مَوَدَّتَكُمْ لَهُ أَجْرَا(2)

ص: 254


1- إشارة إلى ما روي في كتاب فرائد السمطين ج2 ص67: عن سلمان قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان من أحب فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار. يا سلمان حب فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت، و القبر، و الميزان و المحشر ،و الصراط و المحاسبة. الحديث.
2- من كتاب المجالس السنية ج5 ص144.

(68) حَوَث مكرُمات

(بحر الطويل)

الشيخ محسن الفاضلي(*)(1)

توسَّلتُ بالحوراءِ فاطمةَ الزَّهرا *** لتُلهِمَنِي حتى أقولَ بها شِعْرا

فجاءَ بحمدِ الله ما كنتُ أبتغي *** فأبديتُ للمعبودِ خالقِيَ الشُّكرا

أجلْ هي روحُ المصطفى كُفءُ حيدرٍ *** و أمُّ أبيها هل تَرَى مثله فخرا؟

أو المثلُ الأعلى بكلِّ خصالها *** جلالاً كمالاً عفّةً شرفاً قَدْرا

حوتَ مَكرُماتٍ قطُّ لم يحوِ غيرُها *** فمنْ بالثّنا منها ألا قُلْ لَنا أَحْرى

وسيلتُنا واللَّهِ خيرُ وسيلةٍ *** بحقِّ كما و هي الشفيعةُ في الأُخْرى

أيا قاتَلَ اللَّهُ الذي راعها وقد *** عليها قَسَى ظُلماً و روَّعها عصْرا

و سوَّدَ متنيها و أحرقَ بابَها *** و أسقَطَها ذاكَ الجنينَ على الغبرا

أيا مَن تُواليها أتنسى مُصابَها *** و تَسلُو وقد أمسَتْ و مقلتُها حمرا؟

ص: 255


1- (*) هو الخطيب الشيخ محسن ابن الشيخ محمد علي ابن حيدر ينحدر من أصل خراساني و اشتهر بلقب الفاضلي و كذلك النجفي لولادته في النجف عام 1361 ه_ في شهر ذي الحجة الحرام و في مدينة النجف الأشرف نشأ و ترعرع و تلقى أوليات دروسه الدينية على أبيه و بعض المشايخ الآخرين و خطابياً تتلمذ على الخطيب المرحوم الشيخ عبد الوهاب الكاشي و قرأ المقدمة أمام عدة خطباء من المشاهير كالخطيب السيد جواد شبر و الخطيب الشيخ أحمد الوائلي و الشيخ الوائلي و الشيخ محمد الكاشي و غيرهم وقرأ في مدن عراقية عديدة كالبصرة و العمارة و الناصرية كما قرأ في الكويت و أبوظبي و مجالس قم و خوزستان و غيرها. و سكن إيران عام 1395 ه_ وجادت قريحته الشعرية ببعض القصائد في أهل البيت العصمة علیهم السلام.

من الضّربِ ضرِبِ الرّجس يومَ تمانَعَت *** بأن يذهَبُوا بالمُرتضى بَعلِها قَسْرا

و عادتْ تُعاني هظمَها ومصابَها *** بفقدِ أبيها و هي و الهفتا عَبْرى

إلى أن قُضَتْ رُوحي فداها و لاتَسل *** عن أحوالِها واللَّهُ من كلِّنا أدرى

ص: 256

(69) سرور البشير

(بحر المتقارب)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

رَأَى الكَوْنَ بَيْنَ سُرُورِ البَشَرُ *** وَضَحْكِ الصِّيَا وَ ابْتِسَامِ الزَّهَرْ

وَ زَهْوِ الزَّمَانِ وَ أَطْرَابِهِ *** فَرَاحَ يُسَائِلُنَا مَا الخَبَرْ(1)

وَ مَاذَا السُّرُورُ الَّذِي عَمَّكُمْ؟ *** كَأَنَّ بِهِ كُلَّ وَجْهٍ قَمَرْ

أَزَقَّتْ إِلَى البَدْرِ شَمْسُ الضُّحَى *** فَكَانَ لَهَا فَرَحٌ فَاسْتَمَرْ

أم الكَوْنُ أَصْبَحَ كَوْناً بِلا *** فَسَادٍ وَ لَيْسَ مَعَ الخَيْرِ شَرْ

لَئِنْ كَانَ لِلْكَوْنِ عُرْسٌ فَذَا *** وَ إِلا فَأَفْرَاحُ عِيدٍ كَبَرْ

فَقُلْنَا لَهُ دَعْكَ مِنْ ذَا وَذَاكَ *** فَفِي الأَمْرِ أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرْ

وَمَا ذَاكَ إِلا ابْتِهَاجُ الوُجُودِ *** بِمَوْلُودِ بَضْعَةِ خَيْرِ البَشَرْ

وَ مَا ذَاكَ إِلا سُرُورُ البَشِيرِ *** سَرَى سِرُّهُ فِي الوَرَى وَ انْتَشَرْ

وَ بَيْتُ الرَّسُولِ بِزَهْرَائِهِ *** أُضِيئَتْ جَوَانِبُهُ وَ ازْدَهَرْ

وَ سُرَّ لأَجْلِ سُرُورِ الحَبِيبِ *** مَا ضَمَّهُ الكَوْنُ حَتَّى الحَجَرْ

فَشَارِكْ نَبِيَّكَ أَفْرَاحَهُ *** إِذَا كُنْتَ يَا صَاحَ مِمَّنْ شَكَرْ

فَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ أُسْوَةٌ *** كَمَا جَاءَ فِي مُحْكَمَاتِ السُّوَرْ

وَمَوْلِدُ فَاطِمَةٍ رَحْمَةٌ *** وَ لُطْفٌ أَطَلَّ وَ عِيدٌ أَغَرْ(2)

وَ فِي طَيْهِ لِلْبَشِيرِ النَّذِيرِ *** مَوَالِيدُ مِنْ آلِهِ تُنْتَظَرْ

ص: 257


1- زَهْو: إشراق، إضاءة.
2- أغرّ: الحسن الابيض من كل شيء.

أتَتْ صِلَةُ الوَصْلِ بَيْنَ الرَّسُولِ *** وَ أَبْنَائِهِ الأَوْصِيَاءِ الغُرَرْ

وَ مِنْ نَسْلِهَا زَائِدٌ بَعْلُهَا *** يَكُونُ الأَئِمَّةُ اثْنَيْ عَشَرْ

لَهَا فِي الوِلايَةِ دَوْرٌ إِذَا *** تَفَكَّرْتَ فِيهِ عَظِيمُ الأَثَرْ

وَ سِرُّ الإِمَامَةِ مِنْ أَحْمَدٍ *** إِلَيْهِمْ سَرَى وَ عَلَيْهَا عَبَرْ

سَمَاءٌ أُولئِكَ أَبْرَاجُهَا *** وَ أَرْضٌ هُمُ نَبْتُهَا وَ الثَّمَرْ

بِهِمْ وَ بِهَا وَ بِخَيْرِ الوَرَى *** قِيَامُ الهُدَى وَ نَجَاةُ البَشَرُ

وَ لَوْلاهُمُ مَا دَرَوْا مَا الهُدَى *** وَ لاَمَيَّزُوا بَيْنَ خَيْرٍ وَ شَرْ

هُمُ رَحْمَةُ اللَّهِ لِلْعَالَمِينَ *** وَ هُمْ فَيْضُ أَلْطَافِهِ المُنْهَمِرْ(1)

وَ هُمْ حُجَجُ اللَّهِ فِي كَوْنِهِ *** وَ هُمْ سِرُّ أَسْمَائِهِ المُسْتَتِرْ

وَ هُمْ جَمْعُ أَحْرُفِ تَوْحِيدِهِ *** بِهِمْ عَمَّ تَوْحِيدُهُ وَ انْتَشَرْ

هَنِيئاً لِمَنْ حُبُّهُمْ زَادُهُ *** أَطَاعَ المُهَيْمِنَ فِيمَا أَمَرْ

وَ تَعْساً لِمَنْ زَادُهُ بُعْضُهُمْ *** أَخو الشِّرْكِ بِاللَّهِ لاَيُغْتَفَرْ

فَبَارِكْ لَنَا اللَّهُ فِي حُبِّهِمْ *** أَجَلُّ وَ أَنْفَعُ مَا يُدَّخَرْ

وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ وَ بَارِكْ لِمَنْ *** أَشَادَ احْتِفَالاً لَهُمْ أَوْ حَضَرْ(2)

ص: 258


1- المنهمر: المنسكب، المُنْصَبّ.
2- ألقاها الشاعر بمناسبة ميلاد سيدة النساء سنة (1407 ه_) في الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة الكريمة في حسينية آل هلال في حي الفيصلية (الذقيجان). عن مجلة الموسم عدد (9 - 10) ص557.

(70) الصديقة الكبرى علیها السلام

(بحر السريع)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

الْكَوْنُ بَيْنَ البِشْرِ وَ البُشْرَى *** يَخْتَالُ فِي فَيْضٍ مِنَ السَّرَّا(1)

يَنْشُرُ أَعْلاَم تَبَاشِيرِهِ *** الأَنْوَارَ وَ الأَنْهَارُ وَ العِطْرَا(2)

مُبتهِجاً فِي عُرْسِ أَفْرَاحِهِ *** بِمَوْلِدِ الصَّدِّيقَةِ الكُبْرى

فَاشْرَبْ كَمَا تَهْوَى كُؤُوسَ الهَنَا *** فَقَدْ أَتَتْ مُتْرَعَةٌ تَتْرَى(3)

فَالْيَوْمَ قَرَّتْ عَيْنُ خَيْرِ الوَرَى *** وَ اكْتَحَلَتْ بِالطَّلْعَةِ الغَرّا

وَ الكَوْثَرُ المُعْطَى مَقَادِيمُهُ *** بَتُولَةَ الطَّاهِرَةُ العَذْرا(4)

لِذَاكَ أَفْرَاحُ نَبِي الهُدَى *** لاتَعْرِفُ العَدَّ وَ لاَالحَصْرا

وَ المُؤْمِنُ الحَقُّ لَهُ أُسْوَةٌ *** بِالطُّهْرِ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرّا

فَشَارِكِ المُخْتَارَ أَفْرَاحَهُ *** وَ اسْعَدْ بِهَا وَاغْتَيم الأجْرا

وَحَيَّ ذِكْرَىٰ مِنْ مُوالاتِهَا *** وَسِيلَةُ الفَوْزِ لَنَا طُرَا

وَاسِطَةُ العِقْدِ لِأَهْلِ الكِسَا *** وَ دُرَّةُ التّاجِ لَهُمْ فَخْرا

ص: 259


1- يختال: يتبختر و يتكبر.
2- تباشيره: التباشير هي البشرى أو أوائل كل شيء.
3- مترعة: مملوءة. تترى: تتتابع.
4- مقاديمه: قادمته أو مقدمته و يشير الشاعر في هذا البيت إلى كون الزهراء علیها السلام الكوثر و أنها البتولة الطاهرة. انظر تفسير الرازي ج32 ص124. و أما كونها بتولة طاهرة علیها السلام فانظر ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص310. و كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن كتاب مودة القربى ص78 ط لاهور. و كتاب مصباح الأنوار كما في البحار، ج43 ص19 و ص16 و ذكره محب الدين الطبري فى كتابه ذخائر العقبى ص44 فراجع.

مَنْ فَطَمَ اللَّهُ ذَوِي وُدِّها *** بلُطْفِهِ مِنْ نَارِهِ الحَرّا؟(1)

وَ ازْدَهَرِ الكَوْنُ بِميلادِهَا *** مِنْ أَجْلِ ذا قِيلَ لَهَا الزَّهْرَا(2)

أمُّ المَيَامِينِ الَّتِي فِي النَّسًا *** كَلَيْلَةِ القَدْرِ سَمَتْ قَدْرا

مَدَّ لَهَا اللَّهُ رِوَاقَ العُلَى *** مِنْ أَوَّلِ الدُّنْيَا إِلَى الأُخْرَى(3)

وَ لِلشَّفَاعَاتِ لَهَا وَقْفَةٌ *** مَذْخُورَةٌ تَنْتَظِرُ الحَشْرا(4)

يَوْمَ اسْألِي تُعْطَى وَ يَوْمَ *** أَسْفِعِى تُشَفَّعِي وَ الرَّحْمَةِ الكُبْرَى(5)

ص: 260


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى الحديث الوارد من أن الزهراء علیها السلام سمِّيت فاطمة علیها السلام لأنها تفطم شيعتها من النار. انظر کتاب معاني الأخبار و علل الشرائع كما في البحار ج43 ص12 و ص13. و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26 قال: عن علي بن موسى الرضا علیه السلام ان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: إن الله عز وجل فطم ابنتي فاطمة علیها السلام و ولديها و من أحبّهم من النار فلذلك سميت فاطمة علیها السلام. و عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إن ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء إذ لم تحض و لم تطمث و إنما سمّاها فاطمة علیها السلام لأن الله «عزوجل» فطمها و محبيها من النار. أخرجه النسائي. و ذكره القندوزي في ينابيع المودة ج1 ص309 عن علي و ذكره في دلائل الإمامة ص54.
2- و في هذا البيت إشارة إلى ازدهار الكون و بهجة الملائكة و إشراق الدنيا بميلاد الزهراء علیها السلام. ففي مشارق الأنوار في أسرار فاطمة الزهراء علیها السلام ص85 كما في عوالم العلوم ج11/1 ص 58: «إن خديجة علیها السلام لما حضرتها الولادة بعث الله «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوت و أباريق و ماء من حوض الكوثر. و جاءتها مريم بنت عمران و سارة و آسية بنت مزاحم بعثهن الله يعنّها على أمرها فلما وضعتها أشرقت الدنيا و امتلأت منها الأقطار بالطيب و الأنوار وفاح عطر العظمة و امتلأت بيوتات مكة بالنور و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق نوراً و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا». و في كتاب البحار ج16 ص80 في ولادة الزهراء علیها السلام جاء فيه «فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور». و ذكره أبوجعفر الطبري في كتابه دلائل الإمامة ص9.
3- رواق: سقف في مقدم البيت أو كساء مرسل على مقدم البيت من أعلاه إلى الأرض.
4- مذخورة: مخبوءة لوقت الحاجة.
5- في هذا البيت والذي قبله إشارة إلى شفاعة الزهراء علیها السلام یوم القيامة. ففي كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج2 ص150 قال عن يونس بن يعقوب عن الإمام الصادق علیه السلام ضمن حديث طويل قال: قال جدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يا فاطمة علیها السلام: البشرى، فلك عند الله مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك و شيعتك فتشفّعين. و في كتاب دلائل الإمامة ص57 ضمن حديث طويل عن الإمام علي علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: ثم يبعث الله ملكاً لها لم يبعث لأحد قبلها و لايبعث لأحد بعدها فيقول: إن ربَّك يقرأ عليك السلام و يقول: سليني فتقول: هو السلام و منه السلام و قد أتم عليَّ نعيمه و هناني كرامته و أباحني جنته و فضَّلني على سائر خلقه أسأله ولدي و ذريتي و من ودَّهم بعدي و حفظهم فيَّ، فيوحي الله إلى ذلك الملك من غير أن يزول من مكانه، أخبرها اني قد شفَّعتها في ولدها و ذريتها و من ودَّهم فيها و حفظهم بعدها. فتقول: الحمد لله الذي أذهب عنّي الحزن و أقرَّ عيني فيقرّ الله بذلك عين محمد صلي الله علیه و آله و سلم.

هي السَّمَا ذَاتُ البُرُوحِ الَّتِي *** كَمْ أَطلَعَتْ بَدْراً يَلِي بَدْرا

هِيَ بَضْعَةُ طة الطُّهرِ مِنْ رَبِّهِ *** بِهِ إِلَى حَضْرَتِهِ أَسْرَى(1)

وَ زَوْجُ مَنْ كَانَ لِخَيْرِ الوَرَى *** وَزِيرَهُ النَّاصِرَ وَ الصِّهْرا

بَحْرَانِ كَانَتْ لَهُمَا بَرْزَخاً *** أَخْرَجَتِ المَرْجَانَ وَ الدُّرَا(2)

هُمْ حُجَجُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ *** آتَاهُمُ الإمْرَةَ وَ الأمْرَا

ص: 261


1- في كتاب الصواعق المحرقة ص190 قال: أخرج أحمد و الترمذي و الحاكم عن ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها وينصبني ما أنصبها». و ذكره أحمد في مسنده ج 4 ص328 قال: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال: فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منِّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها. و ذكره بنفس اللفظ أبونعيم في حلية الأولياء ج2 ص40. و ذكره الحافظ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ج1 ص202 قال: في صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني». و ذكره من مصادر أخرى و بألفاظ أخرى في نفس الصفحة فراجع.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى قوله تعالى: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» سورة الرحمن 19-20. ففي تفسير القمي ج2 ص344 عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول في قول الله تعالى:«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» قال علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» الحسن و الحسين علیهما السلام. و ذكره عبد علي الحويزي في تفسيره نور الثقلين ج5 ص191 ح17. و ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص142 عن ابن عباس. و ذكره ابن شهر آشوب في مناقبه ج3 ص318.

لَمْ يَسْأَلِ الهَادِي لِتَبْلِيغِهِ *** مِنَّا سِوَى وُدْهِمُ أَجْرَا

وَ هُمْ إِلَيْنَا نَفْعُهُمُ عَائِدٌ *** يَحُطُّ عَنا الإِثْمَ وَ الوِزْرَا

نَالَتْ بِهِ الرُّشْدَ مَوَالِيدُنَا *** وَ حَازَتِ الطَّيبَةٌ و الطُّهْرَا(1)

ص: 262


1- نظم القصيدة في (1406 ه_). نقلت من مجلة الموسم عدد ( 9-10) ص556.

(71) يا لها ذكرى

(بحر الرّمل)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

شَرَّفَ اللَّهُ جُمَادَى الآخِرَهْ *** فَغَدَتْ وَ هُيَ جُمادى الفاخِرَهْ

وَ تَبَاهتْ أَشْهُرُ الحَوْلِ بِهَا *** حَيْثُ جَاءَتْ بِالبَتُولِ الطَّاهِرَهْ(1)

فَاجْتَلُوا الأَنْوَارَ مِنْ أَيَّامِهَا *** فَمِنَ الزَّهْرَا عَلَيْهَا زَاهِرَهْ

وَ انْظُروا العِشْرِينَ مِنْهَا لِتَرَوْا *** فَرْحَةَ الهَادِي عَلَيْهَا طَاهِرَهْ

شَارِكُوا المَبْعُوثُ فِي أَفْرَاحِهِ *** فَرْحَةُ الهَادِي عَلَيْهَا ظَاهِرَهْ

وَ اجْعَلُوهُ بِالتَّأَسِّي عِيدَكُمْ *** فَهيَ لِلإِسْلامِ ذِكْرَى عَاطِرَهْ

وَ أَغْنِمُوا الأَجْرَ مِنَ البَارِي فَمَنْ *** طَلَبَ القُرْبَةَ مِنْهُ آجَرَهْ

وَ اشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى آلائِهِ *** لِيَزِيدَ اللَّهُ خَيْراً شَاكِرَهْ

يَا لَهَا ذِكْرَى عَلَى دَرْبِ الهَوَى *** فَاطِمَ أُمُّ النُّجُومِ الزَّاهِرَهْ

دُرَّةُ التَّاحِ لأَصْحَابِ الكِسَا *** أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا مَنْ آثَرَهْ

حَمَلَتْ سِرَّ أَبِيهَا المُصْطَفَى *** وَ مِنَ الكَابِرِ جَاءَتْ كَابِرَهْ

وَ إِلَى أَسْبَاطِهِ مِنْهَا سَرَىٰ *** فَهْوَ المَرْكَزُ وَ هْيَ الدّائِرَهْ

فَلَكٌ دَارَ عَلَى قُطبِ الهُدَى *** وَ بَدَتْ فِيهِ البُروجُ العَامِرَهْ

بَضْعَةٌ مِنْهُ وَ لَاغَرْوَ إِذَا *** كَانَ جُزْءُ الشَّيْء يَحْكِيْ سَائِرَهْ(2)

ص: 263


1- تباهت: تفاخرت.
2- إشارة إلى ما ورد في (ينابيع المودة) انتشارات الشريف الرضي ج1 ص202... إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».

حوتِ الحِكْمَةَ مِنْ خَيْرِ أَبٍ *** فَإِذَا قَالَتْ فَعَنْهُ صَادِرَهْ

وَ إِذَا شِئْتَ اسْتمِعْ خُطبَتَهَا *** فَهيَ آيَاتُ البَيانِ الباهِرَهْ(1)

وَ تَأَمَّلْ مُحْتَوَاهَا لِتَرَى *** عِلَلَ التّشْرِيع فِيهَا ظَاهِرَهْ

وَ تَرَى الحِكْمَةَ مِنْ شَرْع الهُدَى *** صُوراً تَهْدِي العُقُول الحَائِرَهْ

وَ تَرَى لِلْحَقِّ صَوْتاً هَادِراً *** يُنْشِدُ العَدْلَ وَ رُوحاً ثَائِرَهْ(2)

وَ تَرَى الحَقَّ الَّذِي احْتَجَّتْ بِهِ *** سَاطِعاً يَكْسِفُ شَمْسَ الهَاجِرَهْ(3)

وَهَبَ اللَّهُ بِهِ خَيْرَ الوَرى *** بَهْجَةَ الدُّنْيَا وَ نُورَ الآخِرَهْ

أَلَّفَ اللَّهُ بِهَا شَمْلَ الهُدَى *** وَ بِهَا قَوَّى وَ شَدَّ الآصِرَهْ(4)

وَغَدَا صِهْرُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** حَيْدَرٌ خَيْر وزير آزرهْ

وَ حَوَى مِنْ نَسْلِهَا ذُرِّيَّةً *** كَبَتَ اللَّهُ بِهِمْ مَنْ كَاثَرَهْ

ص: 264


1- لعله أراد خطبتها علیها السلام و هي احتجاجها علیها السلام على القوم لما منعوها فدك و قد وردت هذه الخطبة في كتاب «الاحتجاج» للطبرسي ج1 ص131 مطابع دار النعمان 1966. حيث روى عبد الله بن الحسن بإسناد عن آبائه علیهم السلام أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها علیها السلام على رأسها... فقالت علیها السلام: الحمدلله على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم و الثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها و سبوغ آلاء أسداها و تمام منن أولاها، جم عن الإحصاء عددها و نأى عن الجزاء امدها و تفاوت عن الإدراك أبدها .... ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبله و أنشأها بلااحتذاء مثله وضعها لغير فائدة زادته إظهاراً لقدرته و تعبداً لبريته و اعزازاً لأهل دعوته ثم جعل الثواب على طاعته و وضع العقاب على معصيته زيادة لعباده عن نقمته وحياشة لهم إلى الجنة... أنا فاطمة علیها السلام و أبي محمد صلي الله علیه و آله و سلم أقولها عوداً على بدء و ما أقولها إذ أقول سرقا و لاشططا «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» إن تعزو تجدوه أبي دون نسائكم و أخا ابن عمي دون رجالكم و لما اختار له الله «عزوجل» دار أنبيائه و مأوى أصفيائه ظهرت حسكة النفاق وسمل جلباب الدين».
2- هادراً: من هدير الحمام إذا فرفر وكرر صوته في حنجرته.
3- الهاجرة: نصف النهار في القيظ أو من عند زوال الشمس إلى العصر لأن الناس يستكنون في بيوتهم قد تهاجروا.
4- الآصرة: ما عطفك على رجل من قرابة أو معروف و في البيت إشارة إلى ما ورد في كنز الفوائد ج1 ص236 ح1 و عوالم العلوم ج1/11 ص 365.

سُورَةُ الكَوْثَرِ هُمْ تَأْوِيلُهَا *** كَذَّبَتْ شَانِئَهُ إِذْ نَافَرَهْ(1)

وَجَدَ الإِسْلاَمُ مِنْهُمْ غَوْثَهُ *** فِي المُلِمَّاتِ وَ مِنْهُمْ نَاصِرَهْ(2)

بَلغَ الهَادِي عَنِ الحَقِّ وَ هُمْ *** بَلِّغُوا عَنْهُ فَكَانُوا حَاضِرَهْ

حَمَلُوا أَسْرَارَ مَا جَاءَ بِهِ *** وَ لَهُ كانُوا البِحَارَ الزَّاخِرَهْ(3)

وَ أَبَانُوا لِلْوَرَى مِنْهَاجَهُ *** وَ تَلَقَّى العِلْمَ مِنْهُمْ بَاقِرَهْ

وَ سَتَلْقَى بَعْدُ مِنْ مَهْدِيهِمْ *** عِزَّةَ الدُّنْيَا وَفَوْزَ الآخِرَهْ

عَجَّلَ اللَّهُ بِهِ نَيْلَ المُنَى *** وَ أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَيْ نَاظِرَهْ(4)

ص: 265


1- شانئه: مبغضه مع عداوة. الملمات: النوازل الشديدة من نوازل الدنيا.
2- البحار الزاخرة: الطامية الممتلئة.
3- باقره: يقصد به الإمام الباقر علیه السلام.
4- نقلت من مجلة الموسم (عدد 9-10 ص1461) سنة (1410 ه_).

(72) مشكاة نُور العلم

(بحر الطويل)

الشيخ محمد بن علي آل نتيف (*)(1)

أَمَا كُلُّ مَخْلُوقِ لَهُ رُسُلٌ تَتْرَىٰ *** تُنَادِيهِ يَا مَغْرُورُ حَيَّ عَلَى الْمَسْرَى

وَ كَمْ مِنْ جَلِيلٍ عَيْنُهُ شَاهَدَتْ لَهُ *** غَداً يَكْتَسِي ذُلاً وَ يُورِثُهُ كِبْرَا

فَيُعْرِضْ عَنْهُ صَاغِرَ الخَدَّ مُدْبِراً *** يَخْيْلُ مَا لأَقَاهُ فِي نَفْسِهِ سِحْرا

يُريدُ البَقَا فِي هَذِهِ وَ هُوَ رَاحِلٌ *** وَ إِنَّ الَّذِي فِيهَا جَمِيعُهُمُ أَسْرَى

لَعَمْرُكَ يَا مَنْ غَرَّهُ سُوءُ ظَنِّهِ *** إِذَا جِئْتَ يَوْمَ الحَشْرِ قُلْ هَلْ تَرَىٰ عُذْرَا؟

فَهَبْ لَمْ تَذُقْ فِيمَا مَضَى غُصَّةَ البَلاَ *** فَدَقْتُكَ مَنْ تَهْوَى هِي العِبْرَةُ الكُبْرَى

وَ كَمْ فِي اللَّيَالِي المَاضِيَاتِ لِمَنْ بِهَا *** جُرُوحٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لاَتَبْرَا(2)

لعَمْرُكَ كَمْ هَللتَ خَلْفَ جَنَازَةٍ *** تَوَدُّ سُوَيْدَ القَلْبِ كَانَ لَهَا قَبْرَا

شَقَقْتَ عَلَيْهِ الجَيْبَ إِذْ شَقَّ فَقْدُهُ *** وَ مِنْكَ سَقَتْ وَجْهَ الثَّرَى أَعْيُنٌ عَبْرَى

فَهَلْ كُنْتَ مِمَّا ذَاقَهُ فِي سَلاَمَةٍ *** فَكَيْفَ وَ مِنْهُ مَا نَجَا مِنْ عُلاً قَدْرَا؟

أَمَا لَكَ فِي المَاضِينَ وَعْظٌ لِفَقْدِهِمْ *** فَفِي سُوَرِ القُرْآنِ كَمْ لَهُمُ ذِكْرَى

فَأَيْنَ ابْنُ عَادٍ صَاحِبُ الجَنَّةِ الَّتِي *** بَنَاهَا عُتُوًّا كُلُهَا لِبْنَةٌ حَمْرَا؟

وَ أَيْنَ ابْنُ كَنْعَانَ الَّذِي رَامَ أَنَّهُ *** يُقَاتِلُ لِلرَّحْمَنِ مُتَّخِذاً نَسْرا؟

عَلَى أَلْسُنِ البَاقِينَ عَادُوا حِكَايَةً *** وَ هَلْ يَرْتَدِي بِالفَخْرِ مَنْ يَحْمِلُ الغَدْرَا؟

فَلا بُدَّ بَعْدَ الاجْتِمَاعِ تَفَرُّقٌ *** وَ بَعْدَ اتِّصَالِ الوَصْلِ أَنْ يَلِدَ الهَجْرَا

ص: 266


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- لاتبرا: لاتبرأ و لاتُشفى.

كَأَنَّكَ وَ المَوْتُ الَّذِي عَنْهُ غَافِلٌ *** أَتَاكَ وَ مِنْكَ الرُّوحَ أَخْرَجَهَا قَهُرَا

بَكَيْتَ قَدِيماً إِذْ وُلِدْتَ بِهَذِهِ *** فَعِنْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ كُنْ ضَاحِكاً بِشَرَا

وَ كُنْ زَاهِداً فِيمَا تَيَقَّنْتَ أَنَّهُ *** يَزُولُ وَذَا سَحِّ عَلَى النِّعَمِ الأُخْرَى

وَ كُنْ مَازِجاً لِلْعِلم بِالحِلْم وَاصِلاً *** لِمَا قُلْتَهُ فِعْلاً نَنَل يَا فَتَى أَجْرَا

فَلَاخَيْرَ فِيمَنْ غَاصَ فِي بَحْرِ عُمْرِهِ *** إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ دَهْرِهِ مُجْتَنِ دُرّا(1)

وَ أَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ بَعْدَ مَمَاتِهِ *** سِوَى عَمَلٍ يُنْجِيهِ مِنْ نَارِهِ الكُبْرَى

فَلَوْ جِئْتَ يَوْمَ الحَشْرِ فِي ذِي قَيْصَرٍ *** مِنَ الجُنْدِ أَوْ جَارَيْتَ فِي عَصْرِهِ كِسْرَى

لَمَا كَانَ يُنْجِي غَيْرُ حُبِّكَ مَعْشَراً *** بِهِمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ قَدْ أُيَدُوا طُرّا

هُدَاةٌ أَبُوهُمْ خَاتَمُ الرُّسُلِ أَحْمَدٌ *** وَ مِشْكَاةُ نُورِ العِلْمِ أُمُّهُمُ الزَّهْرَا(2)

طَهُورٌ تَعَالَتْ عَنْ مَثِيلٍ فَمَا لَهَا *** عَلَى الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ عَلَتْ وَ سَمَتْ قَدْرَا(3)

ص: 267


1- مُجتن: الظاهر أن أصله مجتنياً لكنه اضطر إلى حذف الياء.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد عن الامام الصادق علیه السلام أن المشكاة من فاطمة علیها السلام. ففي كتاب تفسير القمي ج2 ص102-103 قال: حدثنا الحسن بن علي عن صالح بن سهل الهمداني قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام لايقول في قول اللَّه تعالى:«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ» المشکاة فاطمة علیها السلام « فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ» الحسن و الحسين علیهما السلام « فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ»كأن فاطمة علیها السلام كوكب دري بين نساء أهل الأرض «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» يوقد من ابراهيم علیه السلام و على نبينا وآله السلام « لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ» يعني لايهودية و لانصرانية «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ» يكاد العلم يتفجر منها «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ» إمام منها بعد إمام «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ» يهدي الله للأئمة من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصاً « وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»[سورة النور، الآية : 35]. و ذكره الحويزي في تفسيره نور الثقلين ج3 ص602 ، نقلاً عن كتاب الكافي، و البحار ج43 ص32، نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب.
3- و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد من أنَّ الزهراء علیها السلام طاهرة مطهرة. ففي كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 قال: عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها علیها السلام تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء. و في كتاب مصباح الأنوار كما في البحار ج43 ص19 قال: عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس وطهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً . و قال في البحار أيضاً ج43 ص16 عن أبي عبدالله قال: حرَّم الله النساء على علي علیه السلام ما دامت فاطمة علیها السلام حيّة لأنها طاهرة. و ذكره الطبري في كتابه ذخائر العقبى من مناقب ذوي القربى ص44. و في كتاب البحار أيضاً ج16 ص80 ضمن رواية طويلة فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهَّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوت مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور».

فَمَا مَرْيَمٌ فِي الفَضْلِ وَ البَضْعَةُ الَّتِي *** يَقُومُ لَهَا خَيْرُ الوَرَىٰ وَ كَفَىٰ فَخْرَا(1)

وَ لاَامْتُحِنَتْ فِي دَهْرِهَا مَرْيَمُ كَمَا *** بِهِ امْتُحِنَتْ فِي دَهْرِهَا الدُرَّةُ الغَرّا

فَهَبْ مَرْيَمَ يَوْمَ المَخَاضِ تَقَطَّعَتْ *** حَشَاهَا وَوَدَّتْ أَنَّهَا فِي ثَرَى الغَبْرَا

غَدَاةَ أَتَاهَا سَائِقُ الطَّلْقِ فَالْتَجَتْ *** إِلَى جِذْعِ نَخْلٍ وَ هْيَ شَاكِلَةٌ عَبْرَىٰ

فَحَنَّتْ وَ قَالَتْ لَيْتَنِي مِن وَانْتَنَتْ *** تَهُزُّ لِجِذْعِ بَابِسِ وَ الحَشَا حَرَّى

فَأَسْقَطَ مِنْهَا مَا بِهِ سَدُّ فَاقَةٍ *** وَ رَوَى ظَمّاها الله إذ أَسْكَبَ النَّهْرَا

فَشَتّانَ مِمَّنْ جَاءَهَا الطلقُ وَ هْيَ لَمْ *** تَكُنْ بِشُهُورِ الطَّلْقِ بَلْ أَسْقَطَتْ عَصْرَا

وَ مِنْ عَصْرَةِ البَابِ الَّذِي اسْتَنَدَتْ بِهِ *** لَهَا ثَمَرٌ فِي الأَرْضِ قَدْ أُسْقِطَتْ قَسْرَا(2)

ص: 268


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما جاء في الحديث من أن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم كان يقوم للزهراء علیها السلام. «عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقبَّلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته و أجلسته في مجلسها». ذكره الحافظ النيسابوري في كتابه المستدرك ج3 ص160 و ذكره محب الدين الطبري في كتابه دخائر العقبى ص40. و ذكره القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة ج1 ص203. و عن عائشة أنها قالت: «ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً و حديثاً من فاطمة علیها السلام برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانت إذا دخلت عليه رحب بها و قام إليها فأخذ بيدها فقبلها و أجلسها في مجلسه ذكره الحافظ النيسابوري في كتابه المستدرك ج3 ص154 و ص160. و ذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب ج4 ص1896 و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص41.
2- انظر: كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109.

وَ كَمْ بَعْدَ إِسْقَاطِ الجَنِينِ رَزِيَّةٌ *** مِنَ الخِدْرٍ بَعْدَ الصَّوْنِ قَدْ بَرَزَتْ حَسْرَا

وَ أَنْسَتْ لِمَا حَلَّتْ بِهَا مِنْ مَصَائِبٍ *** مُصِيبَتُهَا بِالمُرْتَضى مُنْجِيَ العَذْرَا

رَأَتْ مَنْ يَقُودُ الأسْدَ فِي الحَرْبِ قَادَهُ *** عَصَایِبُ شِرْكِ فِي حَمَائِلِهِ قَسْرَا

فَخُذْ يَا أَمِيرَ النَّحْلِ مِنْ ثَاكِلٍ بِكُمْ *** هَدِيَّتَهُ الصُّغْرَى لِرَفْعَتِكَ الكُبْرَى(1)

مِن ابْنِ نَتِيفِ المُسَمَّى مُحَمّداً *** عَلَيْكُمْ مَدَى الأَيَّامِ يَهْدِي الثَّنَا شُكْرَا(2)

ص: 269


1- النحل: الدين و المذهب.
2- عبرة المؤمنين ص39.

(73) مصائب بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ محمد بن علي آل نتيف (*)(1)

سِهَامُ المَنَايَا لاَتَزَالُ بِنَا تَسْرِي *** وَ مَهُمَا مَضَى يَوْمٌ فَذَاكَ مِنَ العُمْرِ

فَتَبّا لِدُنْياً لايُعَافَى سَقِيمُهَا *** فَكَمْ قَدْ سُقي كَأْساً أَمرَّ مِنَ الصَّبْرِ(2)

فَلا تَغْتَرِرُ فِيهَا فَذُو الحَزْمِ لَمْ يَزَلْ *** يَخَافُ لِمَا يَرْجُو كَمَا رَاكِبُ البَحْرِ

وَ كَمْ مِنْ فَتّى أَمْسَى غَرِيقاً بِحُبِّهَا *** يَخَالُ القَضَا فِي طَوْعِهِ فَهْوَ فِي كِبْرِ

يُؤَمِّلُ آمَالاً يَرَاهَا قَرِيبَةً *** فَمِنْ يَوْمِهِ يَرْجُو إِلَى آخِرِ الحَشْرِ

يُقَدِّرُ جُرْماً مَا أَرَادَ وَ رُبَّمَا *** يَمُوتُ بِإِحْدَى لَيْلَتَيْهِ وَ لَمْ يَدْرِ

لِهَذَا تَرَانَا كَمْ شَبَابٍ نَوَدُّ أَنْ *** نَزِفَّ لَهُ لِلْعُرْسِ زُفَّ إِلَى القَبْرِ

فَدُنْيَاكَ هَذِي لِلْفَتَى أَيُّ عِبْرَةٍ *** بَدَا غَدْرُهَا جَهْراً فَمَا الغَدْرُ بِالسِّرَّ

كَفَانِي أَسِّى فِيمَا لَقِيتُ بِمَا جَرَى *** عَلَى مَعْشَرٍ لَوْلَاهُمُ الشَّمْسُ لَمْ تَجْرِ

أَنَاحَتْ لَهُمْ مِنْ غَدْرِهَا فَتَفَرَّقُوا *** غَرَائِبَ مِنْ مِصْرٍ بِذُلٍّ إلَى مِصْرِ

فَسَلْ مَكَّةَ عَنْ أَحْمَدٍ كَمْ لَقِي بِهَا *** بَلَاءً وَ كَمْ فِي طَيْبَةٍ نَالَ مِنْ قَسْرِ

أَقَامَ قَلِيلاً يَا لَهُ اللَّهُ لَمْ يَزَلْ *** لَهُ كَبِدٌ حَرّىٰ تَوَقَّدُ كَالجَمْرِ

فَمَا زَالَ مَكْرُوباً وَ مَاتَ بِكَرْبِهِ *** وَ أَسْرَىٰ بِهِ البَارِي عَلَى رَفْرَفٍ خُضْر(3)

قَضَى سَأماً مِنْهُمْ وَ حُقَّ لَهُ بِأَنْ *** يَمَلَّ حَيَاةً عَاشَ فِيهَا عَلَى مُرّ(4)

ص: 270


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الصبر: القتل.
3- رفرف: ما تهدّل من الشجر و النبات.
4- في هذا البيت و الأبيات الستة التي تليه قد تكون إشارة إلى بعض الأحداث المؤلمة. و قد وصفت بعض ذلك السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام في خطبتها حين قالت: «فأنقذكم اللَّه بمحمد صلي الله علیه و آله و سلم بعد اللتيا و التي بعد أن مني ببهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللَّه أو نجم قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها و انتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر و تتوكفون الاخبار و تنكصون عند النزال و تفرون من القتال... فلما اختار اللَّه لنبيه صلي الله علیه و آله و سلم الدار أنبيائه و مأوى اصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق و سمل جلبابُ الدين و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الاقلين و هدر فتيق المبطلين فخطر في عرصاتكم و أطلعٍ الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مجيبين ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً فوسمتم غير ابلكم و أوردتم غير شربكم... أنظر الجزء الأول ففيه تفصيل عن خطبتها في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سندها.

وَ دَارَتْ رَحَاهَا حَوْلَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** تُجَرِّعُهَا مَا لاَيَهُونُ إلَى الحَشر

مَصَائِبُ بِنْتِ المُصْطَفَى قَدْ تَجَرَّعَتْ *** فَرَاحَتْ عَلَيْهَا العَشْرُ تَلْطِمُ بالعَشْرِ(1)

فَأَمْسَتْ عَقِيبَ المُصْطَفَى فِي مَذَلَّةٍ *** تُنَادِيهِ يَا صَوْنِي وَ قَدْ ضُمَّ فِي القَبْرِ

أَيُهنِيكَ خُلدٌ وَ الخُطُوبُ تَفَاقَمَتْ *** فَبِتُ أَقَاسِيهَا فَضَاقَ بِهَا صَدْرِي؟

فَمَا كُنتُ أدْرِي أَيُّ خَطبٍ أَنُوحُهُ *** وَ حَقِّكَ إِنِّي قَدْ تَحَيَّرْتُ فِي أَمْرِي؟

أَكَسْرُ ضُلُوعِي بَيْنَ بَابِي وَ حَائِطِي *** مِنَ القَوْم أَمْ لَطْمِي عَلَى الخَدٍّ أَمْ عَصْرِي؟(2)

أَأَبْكِي بِلا إِذْنٍ عَلَيَّ دُخُولَهُمْ *** بِبَيْنِي وَ إِنِّي كُنْتُ حَاسِرَةَ السِّتْرِ؟

أَأَبْكِي لِبَيْتِي شَبَّ بِالنَّارِ جَهْرَةً *** أَأَبْكِي لأَيْتَامٍ مَدَامِعُهُمْ تَجْرِي؟(3)

ص: 271


1- العشر: الأصابع العشر.
2- في كتاب سليم بن قيس/ ط قم/ ص36 قال: دعا عمر بالنار فأضرمها في باب دار فاطمة علیها السلام ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها، و قد كان قنفذ «لعنه اللَّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط ارسل اليه عمر إن حالت بينك و بين علي علیه السلام،فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها.
3- في کتاب سليم بن قيس/ ط قم/ ص36 قال: أمر عمر أناساً من حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر: واللَّه لتخرجن يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وإلا أضرمت عليك النار. فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب و الاً احرقنا عليكم بيتكم فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ فابى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل. راجع الملل و النحل للشهرستاني، ج1 ص56 و أعلام النساء، ج4 ص114.

أَأَبْكِي ابْنَ عَمِّي أَخْرَجُوهُ مُلَبَّباً *** أم السِّقْطَ أَمْ وَقْعَ السَّبَاطِ عَلَى ظَهْرِي؟(1)

أَمَا قُلْتَ فِي الإِنْسَانِ يُحْفَظُ وُلْدُهُ *** فَقَوْمُكَ ذَلُّونِي وَ مَا عَرَفُوا قَدْرِي(2)

وَ مَا بَرِحَتْ تَنْعَاهُ ثَكْلَىٰ فَصَمَّمُوا *** عَلَى مَنْعِهَا أَنْ لاتَنُوحَ عَلَى الطُّهْرِ

فَصَارَتْ إِذَا شَاءَتْ تَنُوحُ تَخَمَّرَتْ *** بِخَمْرِ مُصَابٍ وَ الدُّمُوعُ دَماً تَجْرِي

وَ تَأْتِي إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ وَ تَنْثَنِي *** تَنُوحُ أَبَاهَا وَ هْيَ نَاشِرَةُ الشَّعْرِ

فتَقْضِي بُكَاهَا ثُمَّ تَأْتِي أَرَاكَةً *** تُظَلِّلُهَا كَيْمَا تَفِيقَ مِنَ الحَرِّ

فَمُذْ عَلِمُوا تَأْوِي لَهَا حَلَّ قَطْعُهَا *** فَأَمْسَتْ تَوَدُّ المَوْتَ قَبْلَ سَنَا الفَجْرِ

إِلَىٰ أَنْ قَضَتْ لَهْفِي لَهَا بِمُصابِهَا *** بِمَا بَيْنَ سَبْعِ أَوْ ثَمَانٍ عَلَى العُسْرِ

قَضَتْ عُمْرَهَا ثَكْلَى وَ عَادَ تُرَاثُهَا *** بِأَيْدِي أَعَادِيهَا وَ مَخْفِيَّةَ القَبْرِ(3)

ص: 272


1- ملبياً: مجروراً مأخوذاً بتلبيبه وذقد ذكر سليم بن قيس في كتابه ص37. ذكر سليم بن قيس في كتابه/ ط قم/ ص37: انطلق قنفذ فاقتحم الدار هو و أصحابه بغير إذن، و ثار علي إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون فألقوا في عنقه حبلاً ثم انطلق بعلي علیه السلام ليعتل عتلاً حتى انتهى به إلى أبي بكر... أما إسقاطها جنينها فقد أورده الذهبي في ميزان الاعتدال، ج1 ص139 تحت رقم 552. قال عند ترجمته لأحمد بن محمد السدي بن يحيى: قال محمد بن محمد بن حماد الكوفي بعد أن أرّخ موته: كان مستقيم الأمر عامة دهره حضرته و رجل يقرأ عليه: ان عمر رفس فاطمة علیها السلام حتى أسقطت بمحسن. و عن ضربها بالسياط فقد ذكر سليم بن قيس في كتابه ص37 فرفع السيف. أي عمر. و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم... إلى آخر الخبر...
2- في خطبتها علیها السلام قالت... ما هذه الغميزة في حقي و الفترة عن نصرتي و السنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أبي يقول «المرء يُحفظ في ولده سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة، أتقولون مات محمد صلي الله علیه و آله و سلم فخطب جليل استوسع وهنه و اشتهر فتقه و انفق رتقه و اظلمت الارض لغيبته و كسفت النجوم لمصيبته و أكدت الامال و خشعت الجبال و أضيع بعده الحريم و أزيلت الحرمة عند مماته فتلك و الله النازلة الكبرى و المصيبة العظمى...
3- في صحيح البخاري، ج4 ح4193 لما مات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أجاب ربّاً دعاه... يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم من جنة الفردوس مأواه... يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة علیها السلام: يا أنس أطابت انفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم التراب. و في شفاء الغرام/ الفاسي الحسني/ ط دار الإحياء بمصر، ج2 ص350 قال: روی جعفر بن محمد الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام عن جده علیه السلام: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانت تختلف بين اليومين و الثلاثة إلى قبور الشهداء بأحد فتصلي هناك و تدعو و تبكي حتى ماتت علیها السلام. و في الخصال باب الخمسة فصل البكاؤون الخمسة ص272 أن الإمام علياً علیه السلام لبنى لها بيتاً في البقيع يسمى بيت الأحزان تذهب إليه تندب أباها و هي حزينة باكية حتى قضت نحبها و لحقت بربها. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص214 روی هشام بن محمد عن أبيه قال: فلما حضرتها علیها السلام الوفاة. علیه السلام- أوصت ألا يصلي عليها. أبوبكر. فدفنت ليلاً... و روى الحاكم النيسابوري في مستدركه ، ج3 ص162، بإسناده عن عائشة قالت: دفنت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ليلاً، دفنها علي علیه السلام و لم يشعر بها أبوبكر حتى دفنت و صلى عليها علي بن أبي طالب علیه السلام. و في المناقب لابن شهر آشوب، ج3 ص363 أن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام ج3 دفنوها ليلاً و غيبوا قبرها.

عَزِيزٌ عَلَى الكَرَّارِ بِاللَّيْلِ دَفْنُهَا *** وَ أَدْنَى الوَرَى فِي القَدْرِ يُدْفَنُ فِي جَهْرِ(1)

ص: 273


1- من كتاب عبرة المؤمنين ص36.

(74) بنت الخلود

(بحر البسيط)

السيد محمد جمال الهاشمي(*)(1)

شَعَتْ فَلاَ الشَّمْسُ تَحْكِيهَا وَ لَاالقَمَرُ *** (زَهْرَاءُ) مِنْ نُورِهَا الأَكْوَانُ تَزْدَهِرُ(2)

بنتُ الخُلُودِ بِهَا الأَجْبَالُ خَاشِعَةً *** أُمُّ الزَّمَانِ إِلَيْهَا تَنْتَمِي العُصْرُ

رُوحُ الحَيَاةِ فَلَوْلاً لُطْفُ عُنْصُرِهَا *** لَمْ تَأتَلِفْ بَيْنَنَا الأَرْوَاحُ وَ الصُّوَرُ

سَمَتْ عَنِ الأُفْقِ لارُوحٌ وَ لامَلَكٌ *** وَفَاقَتِ الأَرْضَ لاجِنَّ وَ لاَبَشَرُ

مَجْبُولَةٌ مِنْ جَلاَلِ اللَّهِ طِينَتُهَا *** يَرِفُّ لُطْفاً عَلَيْهَا الصَّوْنُ وَ الخَفَرُ(3)

مَا عَابَ مَفْخَرَهَا التَّأْنِيتُ أَنَّ بِهَا *** عَلَى الرِّجَالِ نِسَاءُ الأَرْضِ تَفْتَخِرُ

خِصَالُهَا الغُرُّ جَلَّتْ أَنْ تَلُوكَ بِهَا *** مِنّا المَقَاوِلُ أَوْ تَدْنُو لَهَا الفِكَرُ

مَعْنَى النُّبُوَّةِ سِرُّ الوَحْيِ قَدْ نَزَلَتْ *** فِي بَيْتِ عِصْمَيْهَا الآيَاتُ وَ السُّورُ

ص: 274


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- تحكيها: تشابهها؛ و يشير الشاعر في هذا البيت إلى النور الذي كان يشع من الزهراء علیها السلام فيملأ الكون ضياء. أنظر كتاب المناقب لابن المغازلي ص317 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص31. و كتاب بحار الأنوار ج16 ص80 ، و كتاب الروض الفائق ص214 مثله كما في كتاب عوالم العلوم ج1 ص56. و في البحار ج43 ص12 قال: عن أبي عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سميت زهراء؟ فقال: لأنها علیها السلام كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.
3- الخفر: الحياء بشدة.

حَوَتْ خِلالَ رَسُولِ اللَّهِ أَجْمَعَهَا *** لَوْلاَ الرِّسَالَةُ سَاوَىٰ أَصْلَهُ الثَّمَرُ(1)

تَدَرَّجَتْ فِي مَرَاقِي الحَقِّ عَارِجَةً *** لِمَشْرِقِ النُّورِ حَيْثُ السِّرُّ مُسْتَتِرُ

ثُمَّ انْثَنَتْ تَمْلَأُ الدُّنْيا مَعَارِفُها *** تَطْوِي الفُرونَ عَيّاءً، و هي تَنتَشِرُ

قُلْ لِلَّذِي رَاحَ يُخْفِي فَضْلَهَا حَسَداً *** وَجْهُ الحَقِيقَةِ عَنّا كَيْفَ يَنْسَتِرُ

أَتَقْرِنُ النُّورَ بِالظَّلْمَاءِ مِنْ سَفَهٍ؟ *** مَا أَنْتَ فِي القَوْلِ إِلا كَاذِبٌ أَشِرُ(2)

بِنْتُ النَّبِيِّ الَّذِي لَوْلاَ هِدَايَتُهُ *** مَا كَانَ لِلْحَقِّ لَاعَيْنٌ وَ لاَ أَثَرُ

هِيَ الَّتِي وَرِثَتْ حَقاً مَفَاخِرَهُ *** وَ العِطْرُ فِيهِ الَّذِي فِي الوَرْدِ مُدْخَرُ

فِي عِيدِ مِيلادِهَا الأَمْلاَكُ حَافِلَةٌ *** وَ الحُورُ فِي الجَنَّةِ العُلْيَا لَهَا سَمَرُ(3)

تَزَوَّجَتْ فِي السَّما بِالمُرْتَضَى شَرَفاً *** وَ الشَّمْسُ يَقْرِنُهَا فِي الرُّتْبَةِ القَمَرُ(4)

عَلَى النُّبُوَّةِ أَضْفَتْ فِي مَرَاتِبِهَا *** فَضْلَ الوِلايَةِ لاتُبْقِي وَ لاتَذَرُ

أمُّ الأَئِمَّةِ مَنْ طَوْعاً لِرَغْبَتِهِمْ *** يَعْلُو القَضَاءُ بِنَا أَوْ يَنْزِلُ القَدَرُ

قِفْ يَا يَرَاعِيَ عَنْ مَدْحِ البَتُولِ فَفِي *** مَدِيحِهَا تَهْتِفُ الأَلْوَاحُ وَ الزُّبُرُ

وَ ارْجِعْ لِتَسْتَخْبِرَ التَّارِيخَ عَنْ نَبَأٍ *** قَدْ فَاجَأَتْنَا بِهِ الأَنْبَاءُ وَ السِّيَرُ

هَلْ أَسْقَطَ القَوْمُ ضَرْباً حَمْلَهَا فَهَوَتْ *** تَئِنُّ مِمَّا بِهَا وَ الضِّلْعُ مُنكَسِرُ؟

ص: 275


1- خلال: خصال. و فى هذا البيت إشارة إلى مشابهة أخلاق الزهراء علیها السلام و صفاتها أخلاق و صفات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: ففي كتاب مستدرك الصحيحين ج4 ص272 قال: عن عائشة أم المؤمنين قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و لادلاً و لاهدياً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامها وقعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و ذكره في كتاب ذخائر العقبى ص40.
2- أشر: بطر و مرح.
3- سمر: الذي لاينام بل يتحدث ليلاً. و في البيت إشارة إلى السرور الذي عم الملائكة عند ميلاد الزهراء (سلام الله عليها). أنظر كتاب عوالم العلوم ج11/1 ص58-59. عن كتاب مشارق الأنوار ص85 و كتاب البحار ج16 ص81.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن زواج الزهراء علیها السلام و كان في السماء؛ انظر: كتاب بحار الانوار ج43 ص92 و ملحقات إحقاق الحق ج18 ص174، و ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص31 و ص86 ، الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص204، و دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص81.

وَ هَلْ كَمَا قِيلَ قَادُوا بَعْلَهَا فَعَدَتْ *** وَرَاهُ نَادِبَةً وَ الدَّمْعُ مُنْهَمِرُ؟(1)

إِنْ كَانَ حَقَّاً فَإِنَّ القَوْمَ قَدْ مَرَقُوا *** عَنِ الهُدَى وَ بِدِينِ اللَّهِ قَدْ كَفَرُوا(2)

ص: 276


1- في هذا البيت إشارة إلى دفاع الزهراء «سلام الله عليها» عن الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام.
2- وفاة فاطمة الزهراء علیها السلام: ص19.

(75) مشرق النور

(بحر البسيط)

السيد محمد جمال الهاشمي(*)(1)

تخميس الشيخ قيس العطار(**)(2)

حوراءُ يعجزُ عن أوصافها البشرُ *** عطرُ الجنان على الآفاق ينتشرُ

نورٌ من الله فوق الأرض ينغمرُ *** شعّت فلاالشمسُ تحكيها و لاالقمرُ

زهراءُ من نورها الأكوان تزدهرُ

إنسية مثلُ ضوءِ الشمسِ ساطعةُ *** رضيعةٌ من لبان الطُّهر راضعةُ

أمُّ الحسين غداً في الحشر شافعةُ *** بنتُ الخلود بها الأجيالُ خاشعةُ

أمُّ الزمان إليها تنتمي العُصُرُ

صديقةٌ قلبَ خير الخلق تمتلِكُ *** و بَضْعَةٌ في صفات الطُّهر تَشْتَركُ

كفضّة في ثنايا التِّير تنسبكُ *** سَمَتْ عن الأفق لاروحٌ و لامَلَكُ

و فاقت الأرض لاجنِّ و لابشرُ

رُوحُ الحياة بل الدنيا و زينتُها *** و مشرقُ النُّور و الأضواء طلعتها

و هيكلُ القُدس و الإيمان عفّتها *** مجبولةٌ من جلال اللَّه طينتها

يرفُّ لطفاً عليها الصَّونُ و الخَفَرُ

أُنشودةُ الحقِّ و التّاريخ يكتُبُها *** و دُرّةً في إطار اللَّوح ركّبها

ص: 277


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- (**)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.

ربُّ السماء لجنب العرش قربّها *** خصالُها الغُرُّ جلَّت أن تلوك بها

منَا المقاول أو تدنو لها ال-فکَرُ

بتولةٌ عن صفات الشَّين قد عزلَتْ *** كزهرة الخُلْد في الأغصان ما ذَبَلَتْ

و آية اللَّه من قُدراته اختزلتْ *** معنى النبوّة سرَّ الوحي قد نزلتْ

في بیت عصمتها الآيات الآياتُ و السورُ

في عالم الذرِّ قبل الخلق أبدعها *** في صُلب آدم عند الخلق أودعها

أمُّ الأئمّة باري الكون يرفعها *** حَوت خلالَ رسول اللَّه أجمعها

لولا الرسالةُ ساوى أصله الثّمرُ

بُشرى السماء بها الأملاك نازلةُ *** و عن لسان إله الحقِّ قائلةُ

أمّ الإمامين بنت المجد خالدةُ *** في عيد ميلادها الأملاكِ حافلةُ

و الحُورُ في الجنّة العليا لها السّمر

ص: 278

(76) حامي الدين

(بحر المتدارك)

الشيخ محمد جواد الجنابي النجفي

أفَصِيحُ لِسَانِكَ مَا أَبْهَرْ؟ *** أَمْ نَشْرُ بَيَانِكَ مَا أَثْمَرْ(1)

سُبْحَانَ قَدِيرِ صَاغَكَ مِنْ *** أَصْفَى الأَلْوَانِ مِنَ الجَوْهَرْ

فَتَمَيَّزْ دَركَّ يَا زَاكٍ *** بِوُضُوحٍ مِنْ تَحْتِ المِجْهَرْ

إِنْ يَذْكُرْهُ رَاوِيُهْدِي *** لِحَوَاسِ النَّاسِ شَذَى العَنْبَرْ

أَوْ يَسْمَعُهُ وَاعِي قَلْبٍ *** فِیهِ اسْتَغْنَى وَ بِهِ اسْتَبْصَرْ

أَوْ يَقْرَأَهُ لاَهٍ عَنْهُ *** لِلرُّشْدِ تَرَاجَعَ وَ اسْتَغْفَرْ

أَوْ یَسْمَعُهُ طَرِبٌ غَنَّى *** أَوْيَسْمَعُهُ حَبْرٌ كَبَّرْ(2)

فَأَجَلُ الذِّكْرِ حُبِيتَ بِهِ *** وَ لِغَيْرِكَ مَا شَيْءٌ يُذْكَرْ

فَلِذَا وَزْنُكَ فَاقَ الدُّنْيَا *** عِلماً و تُقّى لاَ بَلْ أَكْثَرْ

يَا مَنْ بِمَحَبَّتِهِ أَرْجُو *** وَ شَفَاعَتِهِ ذَنْبِي يُغْفَرْ

فَسَيَرْبَحُ مَادِحُكُمْ حَتْماً *** بِالحَشْرِ وَ مُبْغِضُكُمْ يَحْسَرْ

يَا مَنْ فِي الْأَرْضِ لَهُ نُورٌ *** بَادٍ كَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرْ

وَ مَفَاخِرُكَ اللآتِي فَاقَتْ *** لِلْحَدِّ وَ كَادَتْ لَاتُحْصَرْ

تُحْيِي الأَمْوَاتَ بِإذن اللَّهِ *** وَ عِنْدَ المَوْتِ لَنَا تُحْضَرْ

وَ وَطَأتَ العَرْشَ بِأَقْدَامٍ *** هِيَ مِنْ مَاءِ الدُّنْيَا أَطْهَرْ

ص: 279


1- أبهر: أضاء. غلبه و قهره.
2- حَبْر: رجل دين يهودي.

يَا مَنْ ذِكْرُكَ يَرْوِي قَلْبِي *** كَالمَاءِ البَارِدِ عِنْدَ الحَرْ

قَدْ قَالَ لِشَخْصِكَ بَارِئُهُ *** (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرْ)

قَابَلْتَ الشَّرُكَ بِزُمَّتِهِ *** فَغَلَبْتَ عَلَيْهِ وَ لَمْ تُقْهَرْ

يَا مَنْ فِيهِ زَهَتِ الدُّنْيَا *** وَ بِهِ الفِرْدَوْسُ غَدَا يَرْهَرْ

يَا أَمْلَحَ مِنْ يُوسُفَ خَلْقاً *** يَا مَنْ هُوَ مِنْ نُوحٍ أَكْبَرْ

قِنْدِيلاً كُنْتَ بِسَاقِ العَرْشِ *** يَشِعُ بِكَ النُّورُ الأَخْضَرْ

إِنْ تَبْصُقْ فِي بِثرِيَحْلُو *** أَوْ تَنْزِلَ فِي قَفْرٍ أَزْهَرْ(1)

قَدْ حَنَّ لَكَ الجِذْعُ البَالِي *** يَا مَنْ قَدْ لاذَ بِهِ حَيْدَرْ

قَدْ قَامَ وَصِيُّكَ بِالمَطْلُوبِ *** وَ أَدَّى عَنْكَ وَ مَا قَصَّرْ

وَ تَحَمَّلَ مَا نَالُوا مِنْهُ *** مُذْ أَجْرَى اللَّهُ لِمَا قَدَّرْ

مَا أَعْمَاهُمْ عَنْ مَوْلاهُمْ *** وَ حِمَاهُمْ وَ الثّقْلِ الأَكْبَرْ

مَنْ هَدَّ الشَّرْكَ لَدَى بَدْرٍ *** مَنْ أَرْدَى مَرْحَبَ فِي خَيْبَرْ؟(2)

غَيْرُ الكَرَّارِ أَبِي الأَطْهَارِ *** وَ حَامِي الدِّينِ بِيَوْمِ الكَرْ

أفَتُضْرَبُ فَاطِمَةٌ جَهْراً *** وَ لَهَا ضِلْعٌ ظُلْماً يُكَسَرْ(3)

ص: 280


1- القفر: الأرض لاماء فيها و لاناس و لاكلاً.
2- أردى: قتل و أهلك.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب الزهراء علیها السلام و كسر ضلعها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: «و قد كان قنفذ لعنه الله حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها. و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت. صلى الله عليها. من ذلك شهيدة» و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج، ج1 ص109. و في کتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال العلوي: إن أبابكر بعدما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب و السيف و التهديد و القوة أرسل عمراً و قنفذاً و خالد بن الوليد و أبا عبيدة بن الجراح و جماعة أخرى من المنافقين إلى دار علي و فاطمة علیهما السلام و جمع عمر علي الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوَّة صلى الله عليه و آله و سلم و ما كان يدخله إلا بعد (الاستئذان و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر وحزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بین الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها».

فَدَاکٌ تُعْصَبُ مِنْهَا قَهْراً *** وَ بِلَيْلِ فَاطِمَةٌ تُقْبَرْ(1)

ص: 281


1- و في هذا البيت يشير إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام و دفنها ليلاً. ففي كتاب مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة قال: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم في هذا المال و إني والله لاأغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك إلى آخر الحديث. و في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 قال: عن مولى أم هاني قال: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها، فقالت له: لئن مُتَّ اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي و أهلي، قالت فلم ورِثتَ أنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم أفعل حدثني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم...» الخ. و ذكره الحلبي في السيرة الحلبية ج3 ص487. و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج ج1 ص131-144 مطولاً. و في كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9، و السنن الكبرى ج6 ص300 قال: عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنها أخبرته أن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورِّث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المآل... فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك. أما دفنها ليلا ففي مناقب ابن شهر آشوب قال: عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي ليلاً و لم يعلمهما بذلك. و عن عائشة: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها علي ليلاً و صلى علیها. و عن الزهري أن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً. و في تاريخ الطبري أن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي علیه السلام و المقداد و الزبير، و في رواياتنا صلى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و العباس و ابنه الفضل و حذيفة و ابن مسعود ج3 ص363. و في كتاب الاستيعاب ج4 ص1898 قال: توفيت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بخمس و سبعين ليلة و قيل بستة أشهر إلا ليلتين و ذلك يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان و غسلها زوجها علي «رضي الله عنه» و كانت أشارت عليه أن يدفنها ليلاً. و في كتاب ذخائر العقبى ص54. و دخل بها في قبرها علي و الفضل و كانت أشارت على علي «رضي الله عنه» أن يدفنها ليلاً. و في البحار ج43 ص183 قال: إن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيبوا قبرها.

وَ يُقَاسُ عَلِيٌّ فِي عُمَرٍ *** وَ أَبُوحَنِيفَةَ فِي جَعْفَرْ

إِنْ صَحَّ فَلاَ خَيْرٌ يُرْجَى *** لِلنَّاسِ وَ لاكَسْرٌ يُجْبَرْ

وَ عَلَيْهِ فَلاَ دِينٌ يَبْقَى *** الأَرْضِ وَ لاَسَعْيُ يُشْكَرْ

أَيُحْكَمُ فِي دِينِ الهَادِي *** مَنْ لَمْ يَنْجَرَّ بِحَرْفِ الجَرْ

وَمُعَاوِيَةٌ يَحْدُو فِينَا *** وَ أَخُوهُ ابْنُ العَاصِي الأَبْتَرْ(1)

وَ أَمَامَ ظُعُونِهِمُ يَسْرِي *** وَ يَشُدُّ عَزَائِمُهُمْ حَبْتَرْ(2)

فَكَثِيرُ الذِّكْرِ لِهَادِينَا *** وَ عَلَى الأَرْضِ النَّسْلُ الأَكْثَرْ

فَمَتَى يَبْسُمُ ثَغْرُ الدُّنْيَا *** لِلنَّاسِ وَ قَائِمُهُمْ يَظْهَرْ

ص: 282


1- الأبتر: المقطوع.
2- حَبْتَر: صفة تطلق على عمر بن الخطاب.

(77) إنا أعطيناك الكوثر

(بحر المتدارك)

الشيخ محمد حسين الأنصاري (*)(1)

يَا أَوَّلَ نُورٍ قَدْ صُوِّرْ *** وَ بِهِ كُلُّ نَبِيَّ بَشَرْ

إنّا أَعْطَيْنَاكَ «الزَّهْرَا» *** «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرْ»(2)

أَبْنَاءُ الزَّهْرَا وَ الزَّهْرا *** وَ أَبُوهَا وَ المَوْلَى حَيْدَرْ

مَا يَبْدُو خَيْرٌ فِي الدُّنْيَا *** إِلأَ وَ هُمُ كَانُوا المَصْدَرْ

ص: 283


1- (*) هو الشيخ محمد حسین ابن الشيخ عبدالغفار الانصاري. ولد في العمارة جنوب شرق العراق سنة 1372 ه_ و نشأ و ترعرع تحت ظل والده الشيخ عبدالغفار. تلقى دراسته الأولية الأكاديمية حتى حاز على شهادة الهندسة، ثم التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف في منتصف السبعينات (الميلادية) فأخذ دروسه الحوزوية، كالنحو،و الصرف و المنطق و البيان و الفقه و الأصول على مشاهير المدرسين في الحوزة النجفية، و كان مثابراً و مواظباً على الدروس و حضر بحث الخارج عند السيد الخوئي (قدس سره) حتى نال درجة كبيرة في الفضل و العلم. و للمترجَم له آثار علمية و أدبية منها: 1- المعايير العلمية لنقد الحديث. 2- ثورة الحسين عطاء دائم. 3- لمسات الشيخ المفيد على سنن التاريخ. 4- ديوان شعر (خاص بالحسين علیه السلام). 5- و كتابات فقهية. ما يزال الشيخ الانصاري يمارس دوره الثقافي و الديني في مختلف الأبعاد «زاد الله في توفيقه».
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى أن الكوثر هي الزهراء علیها السلام انظر تفسير الفخر الرازي ج32 ص124.

وَ مَكَارِمُهَا تَبْدُو عَرَضاً *** وَ هُمُ كَانُوا نِعْمَ الجَوْهَرْ

فَهُمُ أوّلُ مَنْ قَدْ صَلَّى *** أَوَّلُ مَنْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرْ

أَلجَنَّةُ أَكْبَرُ مِنْ وَصْفٍ *** وَ فَوَاكِهُهَا حُسْناً أَكْبَرْ

وَ الزَّهْرَا فَاكِهَةٌ مِنْهَا *** وَ لِذَا فِيهَا سِحْرٌ يُؤْثَرْ(1)

وَ الشُّعْرُ عَلاَ بِمَدَائِحِهَا *** لاَيُذْكَرُ شَيْءٌ إِنْ تُذْكَر

أَنْوَارُ مَدَائِحِهَا تَطغَى *** حَتَّى فِي الصُّبْحَ إِذَا أَسْفَرْ(2)

وَ عَبِيرُ مَدَائِحِهَا يَذْكُو *** حَتَّى فِي المِسْكِ أَوِ العَنْبَرْ(3)

وَ رَقِيقُ مَدَائِحِهَا حُرٌّ *** لِسِوَاهَا بِالمُلْكِ فَلَا قَرْ

وَ جَمَالُ مَدَائِحِهَا يَبْدُو *** كَجَمَالِ الرَّوْضِ إِذَا أَزْهَرْ

كَالوَرْدِ الأَحْمَرِ إِذْ يَبْدُو *** يَجْلِسُ فِي مِحْرَابِ أَخْضَرْ

وَ إِذَا مَا شِئْتَ لَهَا وَصْفاً *** فَالنُّورُ لَهَا أَقْرَبُ مَعْبَرْ

وَ لِذَا فِي المَحْشَرِ لاَتَبْدُو *** حَتَّى بِالغَضِّ لَنَا يُؤْمَرْ

فَسَنَا بَرْقِ «الزَّهْرَا» سِحْرٌ *** يَخْطَفُ أَلْبَابَ ذَوِي المَحْشَرْ(4)

وَ يَكَادُ سَنَا بَرْقِ «الزَّهْرَا» *** يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ إِذَا مَرْ(5)

وَ رَبِيعُ مَدَائِحِهَا فَيْضٌ *** مِنْ جَنَبَاتِ العَرْشِ تَحَدَّرْ

وَ بِهِ أَرْضُ الشَّعْرِ سَتَزْهُو *** وَ سَمَاوَاتُ الشِّعْرِ سَتَزهَرُ

وَ تَكَادُ سَمَاوَاتُ الشُّعَرَاءِ *** بِمَدْح «الزَّهْرَا» تَتَفَطَّرْ

«الزَّهْرَا» مِشْكَاةٌ فِيهَا *** مِصْبَاحٌ يَا حُسْنَ المَنْظَرْ

ص: 284


1- إشارة إلى الفاكهة التي هبط بها جبرئيل على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فأكلها ثم لما واقع خديجة علیها السلام حملت منه بفاطمة علیها السلام راجع البحار ج43 ص4.
2- أسفر: أضاء.
3- يذكو: تسطع أو تفوح رائحته.
4- سنا برق: لمعانه.
5- يشير الشاعر فى هذه الأبيات الثلاثة إلى ما روي من مجيء الزهراء علیها السلام يوم القيامة و مرورها على الصراط. انظر كتاب بحار الأنوار ج43 ص224 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص48.

وَ المِصْبَاحُ إِذَا مَا يَبْدُو *** فِي نُورِ زُجَاجَتِهِ مُغْمَرْ

دُرِّيٌّ كَوْكَبُهَا يَعْلُو *** وَ بِهِ نُورُ اللَّهِ تَكَوَّرْ(1)

يُوقَدُ مِنْ زَيْتُونَةٍ خَيْرٍ *** وَ لَهُ اللَّهُ لِهَذَا اسْتَأْثَرْ

وَ يَكَادُ الزَّيْتُ يُضِيءُ وَ لَوْ *** لَمْ تَمْسَسْهُ النَّارُ فَيُؤْمَرْ

نُورٌ فِي نُورٍ مِنْ نُورٍ *** سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا صَوَّرْ(2)

قَدْ قَالَ لَهَا الهَادِي قَوْلاً *** حَسْبِي هُذَا وَ بِهِ أَفْخَرْ

البَارِي يَرْضَى لِرِضَاهَا *** وَ بِذَا حَتَّى الشَّانِيءُ قَدْ قَرْ(3)

وَ يُكَنِّيهَا «أُمُّ أَبِيهَا» *** وَ تُخَصُّ بِآيَاتٍ أَكْثَرْ(4)

ص: 285


1- تكوّر: جُمع النور ولُفّ.
2- يشير الشاعر في هذه الأبيات الستة إلى الآية المباركة من سورة النور آية 35. «كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ». انظر كتاب المناقب لابن المعازلي ص317 كما في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص31. و كتاب رشفة الصادي ص28 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن للسيد صادق الشيرازي ص168.
3- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ما ورد عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من أن الله يرضى لرضاها و يغضب لغضبها. انظر كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين الطبري ص39. و ابن حجر العسقلاني في الإصابة ج4 ص378 و تهذيب التهذيب ج12 ص442. و ابن الأثير في كتاب أسد الغابة ج5 ص522.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما ورد من أن فاطمة علیها السلام كانت تكنى بأم أبيها. و إلى اختصاصها بآيات كثيرة نزلت في حقها علیها السلام أما كنيتها فقد ذكرها ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص520 قال: و كانت فاطمة علیها السلام تكنى أم أبيها و كانت أحب الناس إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و ذكره ابن عبدالبر في كتابه الاستيعاب ج4 ص1899 قال: «و ذكر عن جعفر بن محمد قال: كانت كنية فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أم أبيها». أما الآيات فقد مرَّت الإشارة إلى بعضها في تفسير العياشي ج1 ص128 و كتاب البحار ج43 ص65 و ص23. و تفسير الدر المنثور للسيوطي ص299 و كتاب أسباب النزول للواحدي ص331. كما في كتاب فضائل الخمسة ج1 ص303، و انظر تفسير العياشي ج2 ص287. و كتاب تفسير الكشاف ج3 ص467 و كتاب ذخائر العقبى و قد وردت في المصادر المذكورة أعلاه آيات عديدة نزلت في حق الزهراء «سلام الله عليها» فلا نكرر نقلها و إنما أشرنا إلى الأجزاء و الصفحات فقط. فمن أراد التفصيل فليرجع إلى ما ذكرنا.

وَ يُقَبلُ حُبّاً إِكْرَاماً *** يَدَهَا وَ الأمْرُ هُنَا أَبْهَرْ(1)

فَالهَادِي لاَيَنْطِقُ هُجْراً *** لايَفْعَلُ إِلأَ مَا يُؤْمَرْ

شِيعَتُهَا فَازُوا بِوَلاهَا *** قَدْ فُطِمُوا مِنْ نَارٍ تُسْعَرْ(2)

ص: 286


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى تقبيل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة علیها السلام. انظر أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 و كتاب ذخائر العقبى ص36 و كتاب مجمع الزوائد للهيثمي ج8 ص42 و كتاب البحار ج43 ص42.
2- تسعر: تشتعل. و في البيت إشارة إلى ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من أن فاطمة علیها السلام تفطم شیعتها یوم القيامة من النار. معاني الأخبار. و علل الشرائع كما في البحار ج43 و ص12. و ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج12 ص331 عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث و إنما سماها فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار. نقلت القصيدة عن مجلة رسالة الثقلين العدد السادس السنة الثانية ص52.

(78) تجلى المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الرمل)

الشيخ محمد حسين الأنصاري(*)(1)

غَلَتِ السَّاعَاتُ وَ اشْتَدَّتْ أَوَارا *** بِالْقِلابِ جَعَلَ النَّاسَ سُكَارَى(2)

مُنْذُ جَاؤُوا يَحْمِلُونَ الكِبْرَ فَخْراً *** مِثلَ إِبْلِيسَ أَبَى إلا افْتِخَارا

وَ لَهُمْ أَوْجُهُ بُؤسٍ كَالِحٍ *** تَطْلُبُ الظُّلْمَةُ مِنْهَا أَنْ تُوَارَى(3)

وَ لَهُمْ أَزَّ كَأَنَّ المَاءَ يَغْلِي *** وَ فَحِيحُ الصِّلِّ لَوْ خَافَ الغِمَارا(4)

وَ لَهُمْ أَعْيُنُ شَيْطَانٍ بِهَا *** شَرُّهُ الأَعْمَى عَلَى الإِيمَانِ فَارَا

وَ قُلُوبٌ لَهُمُ فَارِغَةٌ *** لَمْ يَكُنْ فِيهَا سِوَى الحِقْدِ شِغَارا

وَ لَهُمْ أَيْدٍ بَدَتْ مِنْ عُسْرِهَا *** أَيْدِ ذُلِّ تَطْلُبُ العِزَّ اغْتِرَارَا

لاَيَرَوْنَ الشَّمْسَ إِلا ظُلْمَةً *** وَ يَرَوْنَ الفُتْمَ مِنْ قُتمٍ نَهَارَا

أَيُّ مَعْنًى لَهُمُ أَدْرَكْتَهُ *** سَوْفَ تَلْقَاهُ هَبَاءً أَوْ عُبَارا

وَ لَهُمْ رَأْسٌ، وَ لاَرَأْسَ لَهُمْ *** لَوْ رَأَيْتَ الجِنَّ شَيْطاناً مُثارا

عُمَرٌ يَقدمُهُمْ فِي فِتْنَةٍ *** عَمَّتِ المِيزَانَ بَخْساً وَ خَسَارَا

عُمَرٌ يَقْدِمُهُمْ هَذَا الَّذِي *** مِنْ عَجِيبِ الأَمْرِ رَبَّ النَّاسِ صَارَا

ص: 287


1- (*) مرّت ترحمته في القصيدة السابقة.
2- أوار: أوْرَى الزند: أخرج ناره.
3- تواری: استتر.
4- أز: أزّت القدر : غَلَتْ.

يَطْلُبُ الأَعْوَانَ حَتَّى إِذْ رَأَى *** يَوْمَهَا الأَعْوَانَ قَدْ هَبَّ وَ ثَارا

وَ بَنُو الأَنْصَارِ مِنْ خَوْفٍ بِهِمْ *** مِنْ قُرَيْشٍ ضَيَّعُوا الأَمْرَ ابْتِدَارَا(1)

فَخَلَتْ سَاحَتُهَا يَوْمَئِذٍ *** لِبَنِي الخَطَّابِ خَيْلاً وَ قَرَارَا

لَوْ رَأَيْتَ القَوْمَ فِي هَجْمَتِهِمْ *** وَ هُمُ أَمْسَوْا لإبْلِيسَ حِمَارَا

حَصَرُوا كُلَّ قَوَانِينِ السَّما *** بَيْنَ قَوْسَيْنِ وَ زَادُوهَا حِصَارَا

بِسِهَامِ فُوّقَتْ فِي فُرْصَةٍ *** لِشَيَاطِينَ وَ شُدْهِ مِنْ حَيَارَى(2)

وَ أَتَوْا يَسْعَوْنَ فِي ظُلْمَتِهِمْ *** نَحْوَ نُورِ اللَّهِ كَيْ يُطْفَى جَهَارا

وَ الْتَقَتْ نَارَانِ فِي بَابِ الهُدَى *** وَ إِذَا بِالْكُفْرِ يَزْدَادُ اقْتِدَارَا

قِيلَ فِيهَا «فَاطِمٌ» قَالَ «وَإِنْ» *** فَبِذَا إِمضَاؤُنَا كَانَ وَدَارَا(3)

وَ تَجَلَّى «المُصْطَفَى» مِنْ خَلْفِهَا *** لَهُمُ فِي البَضْعَةِ الزَّهْرَا اخْتِبَارَا

غَيْرَ أَنَّ القَوْمَ قَدْ سَارُوا مَعاً *** نَحْوَ تَصْمِيمٍ لَهُمْ يُشْجِي الغَيَارَى

مُذْ رَأَتْهُمْ حَمَلُوا مِنْ حِقْدِهِمْ *** خَلْفَ بَاب الْبَيْتِ أَمْسَتْ تَتَوَارَى

مُذْ رَأَوْهَا عَصَرُوهَا عَصْرَةً *** لَمْ تَزَلْ تُلْبِسُهُمْ لِلْحَشْرِ عَارَا

طَلَّقُوا الإِيمَانَ تَطْلِيقاً بِهِ *** دَخَلُوا إِذْ أَدْخَلُوا فِي الدَّارِ نَارا

أَسْقَطُوهَا،كَسَرُوا ضِلْعاً لَهَا *** أَخْرَجُوا «حَيْدَرَهَا» مِثْلَ الأَسَارَى(4)

بَيْنَ تَصْدِيقِ وَ تَكْذِيبِ لَهُمْ *** أَسَدٌ قَائِدُهُ قَدْ كَانَ فَارَا

هُهُنَا صَوْتٌ خُذُوهُ، وَ هُنَا *** فَلْيُبَايِعُ أَوْ يُحَزُّ الرّأْسُ ثَارَا(5)

وَ هُمُ مَا اجْتَرَزُوا إِلا وَ هُمْ *** -مِنْهُمَا- يَدْرُونَهُ مُوصَّى مِرَارَا(6)

«إِنْ تَتُوبَا» لَمْ تُفِدْ فِي هَدْيِهِمْ *** لَمْ يَزِدْهُمْ رَدْعُهَا إِلا خَسَارَا

ص: 288


1- ابتدارا: ابتدر القوم أمراً: تسابقوا إليه.
2- فُوّقت: فاق السهم، كسر فَوْقه. شُدهٍ: شده الرجل: أدهشه.
3- أنظر أعلام النساء ج4 ص114.
4- أنظر الملل والنحل ج1 ص57.
5- أنظر إثبات الوصية ص123.
6- اجترؤوا: اجترأ على الأمر: أقدم عليه.

(79) أعلى النسا قدراً

(بحر الطويل)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

أَجَلُّ الوَرَى شَأناً وَ أَعْلَى النِّسَا قَدْرا *** جُمَانَةُ بَيْتِ الوَحْي فَاطِمَةُ الزَّهْرَا

مَنِ اشْتُقَّ قَبْلَ الخَلْقِ بِالنُّورِ سِرُّها *** فَأَزْهَرَتِ الآفَاقُ وَ اعْتَبقَتْ زَهْرَا

فَزُيِّنَ مِنْهَا العَرْشُ خَامِسَ خَمْسَةٍ *** حَبَتْ فِي السَّمَاءِ وَ الأَرْضِ أَهْلِيهِمَا بِشَرَا

حَبَا اللَّهُ مِنْهَا الخَلْقَ خَلْقاً فَأُودِعَتْ *** بِآدَمَ أَسْلاَفٌ لَهُمْ قُدَّسَتْ سِرّا

تَوَسَّلَ مِنْهُمْ فَاحْتَظَىٰ عَفْوَ رَبِّهِ *** بِأَسْمَاءِ نُورٍ تُخْجِلُ الشَّمْسَ وَ البَدْرَا

وَ أَوْدَعَ مِنْهُمْ نُورَ سَيِّدَةِ النِّسَا *** لَدَى ثَمَرِ فِي الخُلْدِ طَابَتْ بِهِ نَشْرَا

فَطَابَ بِهَا أَصْلاً وَ طَابَتْ بِهِ شَذّى *** إِلَى أَنْ جَنَاهُ المُصْطَفَى لَيْلَةَ الإِسْرَا

***

فَبَاتَ بِهِ فِي خَيْرِ صُلْبٍ نَمَا الهُدَى *** وَ صَبَّحَهُ فِي خَيْرِ رَحْمٍ مُلِي طُهْرَا

فَهَلْ عَلِمَتْ لِمَا حَوَتْهُ خَدِيجَةٌ *** حَوَىٰ رَحْمُهَا نُورَ الهُدَى وَ النَّدَى طُرّا(2)

فَإِنْ عَايَنَتْ قَدْ مَزَّقَ اللَّيْلَ نُورُهَا *** فَلَيْلُ الوَرَى مِنْ نُورِهَا احْتَطَى الفَجْرَا

وَ إِنْ أَنَسَتْ مِنْهَا... حَدِيثاً بِبَطْنِهَا *** فَقَدْ عَمَّتِ الدُّنْيَا أَحَادِيتُهَا ذِكْرَا

وَ مَا تَمَّ مِنْهَا الحَمْلُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ *** لَدَى الرَّحْمٍ حَتَّى ثُمَّ جَوْهَرُهَا فَخْرَا

فَجَاءَتْ بِوَصْفِ الحُورِ فِي خَيْرِ صُورَةٍ *** مِنَ الإِنسِ قَامَتْ فِيهِ إنْسِيَّةٌ حَوْرَا

***

ص: 289


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- طُراً: جميعاً.

أَبَى اللَّه أَنْ تَحْظَى يَدُ الشِّرْكِ مَسَّهَا *** فَأَوْحَى لَهَا حُوراً يَلِينَ لَهَا أَمْرَا

فَجِئنَ لَهَا حُورُ الجِنَانِ يَلِينَهَا *** فَطَهَّرْنَهَا جِسْماً وَ جَسَّمْنَهَا طُهْرَا

بِمَاءٍ مِنَ الحَيَوَانِ فِي طَشْتِ فِضَّةٍ *** بِإِبْرِيقِ تِبْرٍ صِرْنَ يَسْبِكْنَهَا تِبْرَا(1)

وَ فِي بُرْدَتَيْ وَ شْي وَ إِسْتَبْرَقٍ غَدَتْ *** تُؤَخِّرُهَا رِفْقاً وَ تُرْفِقُهَا إِزْرَا(2)

وَ عَادَتْ تُحْيِي كُلِّ حَوْراءَ بِاسْمِهَا *** فَمَا أَخْبَرَتْ خَطْأً و لاأخَطَأَتْ خُبْرَا

فَمَا أَجَلَتِ الأَيَّامُ عَنْ بِنْتِ سَاعَةٍ *** أَنَتْ بِاسْم مَنْ يُقْبِلْنَ مِنْ أُمِّهَا أَدْرَى

وَ لاشَاهَدَتْ قَطُّ النِّسَا مَنْ تَكَلَّمَتْ *** لَدَى الوَضْعَ حَتَّى مَرْيماً وَ الَّتِي أَحْرَى

***

فَحُقٌّ لَدَى مِيلادِهَا لَوْ تَهَلَّلَتْ *** وُجُوهُ السَّمَا وَ الأَرْضِ بِالأُنْسِ وَ السَّرِّا

وَ حُقَّ لَدَى المِيلادِ أَنْ تَنْفُرَ السَّمَا *** عَنِ اللُّؤْلُو المَكْنُونِ أَنْجُمُهَا نَثْرَا

فَقَدْ نَثَرَتْ طُوبَى عَلَى الخُلْدِ حَلْيَهَا *** وَ قَلَّ لَهَا أنْ تَنْفُرَ الجَزْعَ وَ الدّرَا(3)

وَ رَجَتْ جِنَانُ الخُلْدِ بِالأُنْسِ رَجَةً *** فَعَادَ الهَنَا وَ البِشْرُ يَجْرِي بِهَا بَحْرَا

وَ أَلْبَسَتِ الدُّنْيَا مِنَ النُّورِ خَلْعَةً *** يَكَادُ السَّنَا مِنْهَا يَهِلُّ الهَنَا قَطْرَا

وَ إِنَّ هَنَاءٌ سَرَّ قَلْبَ مُحَمَّدٍ *** لَتَزْهُو بِهِ الخَضْرَا وَ تَحْيَى بِهِ الغَبْرَا

حَباهُ بِهَا الجَبَّارُ جَوْهَرَ عِصْمَةٍ *** فَجَاءَتْ بَئُولاً صَفْوَةً طَاهِراً عَذْرَا

***

غَدَتْ آيَةٌ فِي كُلِّ خُلْقٍ وَ خِلْقَةٍ *** فَجَاءَ بَنُوهَا آيَةً أَحَدَ عَشْرَا(4)

ص: 290


1- تِبْراً: ذهباً.
2- وَشْي: نقش الثوب و الثياب الموشيَّة.
3- الجزع: خرز فيه السواد و البياض.
4- في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، ص63. و شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني، ج1 ص58. قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن الله جعل علياً علیه السلام و زوجته و ابناءه حجج الله على خلقه و هم أبواب العلم في أمتي من اهتدى بهم «هدي إلى صراط مستقيم». و في رشفة الصادي/ لأبي بكر الحضرمي/ ص70. و عن جعفر بن محمد علیه السلام قال: نحن حبل الله الذي قال الله عنه: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» و في سفينة البحار، ص193. قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «فاطمة علیها السلام مهجة قلبي و ابناها ثمرة فؤادي و بعلها نور بصري ولدها أمناء ربي حبل ممدود بينه و بين خلقه من اعتصم بهم نجا و من تخلَّف عنهم هوی.

فَإِنْ كَانَ يَلْنَ السَّيِّدَاتُ عُلُومَهَا *** دُرُوساً بِكُلِّيَاتٍ اسْتَهْلَكَتْ عُمْرَا

فَإِنَّ بَتُولَ الفَضْلِ بِالمَهْدِ أَرْضَعَتْ *** مِنَ العِلْمِ مَا لَمْ تَحْرِهِ العُلَما سرَا

لَقَدْ رَضَعَتْ فِي مَهْدِهَا العِلْمَ وَ الهُدَى *** فَمَا اسْتَفْسَرَتْ مَعْنَى وَ لاَأُرْفِقَتْ سِفْرَا(1)

تُحَدِّتُهَا الأَمْلاَكُ عِلْماً وَ هَلْ تَرَى *** بِهِ كَانَتِ الأَمْلَاكُ مِنْ قَبْلِهَا أَدْرَىٰ

فَلَمْ تَكُ إِلا مِثْلَ مَنْ حَمَلَ النَّدَى *** إِلَى السُّحْبِ أَوْ أَهْدَى إِلَى هَجَرٍ تَمْرَا

وَ مَا الظَّنُّ فِيمَنْ مِنْ مَعَارِفهَا اسْتَقَتْ *** رِجَالُ الوَرَى مَاءً فَأَغْنَتْهُمُ تَبْرَا

فَمِنْهَا اقْتَنَى سَلْمَانُ عِلْماً وَ جَابِرٌ *** فَفَاضَتْ لأَهْلِ العِلْم رَشْحَتُهُ بَحْرَا

فَسَلْ عَنْ عُلُوم الكيميًا مَنْ أَتَى بِهَا *** سِوَى فِضَّةٍ أَم مَنْ أَحَاطَ بِهَا خُبْرَا؟

***

فَإِنْ كَانَ فِي عِيسَى لِلنَّصَارَى وَ أُمِّهِ *** تَرَى يَوْمَ مِيلادَيْهِمَا تَجِبُ الذِّكْرَى

فَقَدْ حَقَّ فِي مِيلادِ سَيْدَةِ النَّسَا *** تُسَرُّ بَنُو الدُّنْيَا وَ تَحْيِي بَنُو الأُخْرَى

فَمَا مَرْيَمٌ نَالَتْ كَفَاطِمَةٍ أَباً *** وَ لاَ ابْناً وَ لاَنُسْكاً وَ لاَاسْماً وَ لاَفَخْرَا

فَلَمْ يَكُ عِمْرَانٌ أباً كَمُحَمَّدٍ *** وَ لا الرُّوحُ مِنْ أَبْنَائِهَا بِالعُلَى أَحْرَى

فَإِنَّ أَجَلَّ الخَلْقِ أَكْبَرُهُمْ بَلاً *** وَ أَقْرَبُهُمْ لِلَّهِ أَعْظَمُهُمْ صَبْرَا

فَمَا نَالَ عِيسَى كَالْحُسَيْنِ رَزِيَّةً *** وَ لَامَرْيَمُ نَالَتْ كَفَاطِمَةٍ إِصْرَا

فَإِنْ تَكُنِ العَذْرَاءُ سَيْدَةَ النَّسَا *** فَسَيْدَةُ السَّادَاتِ فَاطِمَةُ الزَّهْرَا(2)

ص: 291


1- سفراً: كتاباً.
2- دیوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص28/ 13. 4. 1371 ه_.

(80) فتلك فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ محمد علي العلي (*)(1)

إِنَّا عَلَى العَهْدِ لَمْ يَكُنْ لَنَا وَتَرُ *** وَإِنْ نَأَى العيدُ أَوْ شَطَتْ بنَا العُصْرُ(2)

عَوْداً عَلَى البَدْءِ مِمَّا كَانَ مِنْ هَزَجٍ *** مَع الخيَالِ تُعَاطِيهِ بِهِ فِكَرُ

وَ عَوْدَةٌ لِرِحَابِ المَجْدِ فِي شَرَفِ *** الذِّكْرَى وَ حَيْثُ أَرِيجُ العِظر مُنتَشِرُ

هُنَاكَ حَيْثُ تَرَاهَا وَ هُيَ مَائِلَةٌ *** خَدِيجَةً إِذْ دَعَاهَا لِلْعُلَا قَدَرُ

وَ حَوْلَهَا مِنْ نُجُومِ الخُلْدِ كَوْكَبَةٌ *** تَحُوطُهَا وَ هْيَ فِيمَا بَيْنَهَا قَمَرُ

وَ فَاطِمٌ قَدْ بَدَتْ تَدْنُو لِعَالَمِها *** فَنُورُهَا مِثْلُ ضَوْءِ الصُّبْحِ يَنْتَشِرُ(3)

وَ سَاعَةً إِذْ تَجَلَّتْ وَ هيَ طَالِعَةٌ *** فَعَطرَ البِشْرُ إِذْ جَلَّى بِهَا الخَبْرُ

وَ زَغْرَدَ الحَفْلُ فِي إِشْرَاقِهَا طَرَباً *** فَطَائِرُ السَّعْدِ غَنَّى صَوْتُهُ الهَدِرُ

وَهَا تَرَاهَا بَدَتْ بَيْنَ الأَكُفِّ لَهَا *** كَوَرْدَةٍ يَتَهَادَى رِيحُهَا العَطِرُ

فَتِلْكَ تَلكُمُ نَعْراً تِلْكَ تَحْضُنُهَا *** شَوْقاً وَ تِلْكَ بِلَفْ البُرْدِ تَفْتَخِرُ(4)

ص: 292


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- نأى: بَعُد. شطت: بعدت.
3- في هذا البيت إشارة إلى النور الذي صاحب ولادة فاطمة علیها السلام و ملأ كل مكان بشعاعه: انظر کتاب مشارق الأنوار في أسرار فاطمة علیها السلام ص85 كما في كتاب عوالم العلوم ج1 ص58. و كتاب البحار ج16 ص80. و ذكر الطبري أبوجعفر في كتابه دلائل الإمامة ص9.
4- تلثم: تقبَّل.

وَ أُمُّهَا وَ هيَ قَلْبٌ تَسْتَحِيلُ لَهَا *** مِنَ الحَنَانِ وَ قَدْ جَلَّى بِهَا الأَثَرُ

أكَانَ أَرْوَعَ مِنْ أَمْ تُطَالِعُهَا *** شَمْسُ الوُجُودِ وَلِيداً فِيهِ تَبْتَكِرُ(1)

وَ لِلرَّسُولِ مَقَامٌ لاَيُصَوِّرُهُ *** وَصْفُ الخَيَالِ وَ لاَتُجْلَى لَهُ الفِكْرُ

وَ كَيْفَ يُوصَفُ شَانٌ خُصَّ فِيهِ لَهُ *** مِنَ الجَلالَةِ مَا لَا تَحْوِهِ السُّطْرُ؟

فَصَفْحَةُ الغَيْبِ تَبْدُو وَ هْيَ مَائِلَةٌ *** أَمَامَ عَيْنَيْهِ تَحْكِي مَا بِهَا صُوَرُ

مَشَاهِدٌ تَتَجَلَّى لِلْبَتُولِ بِهَا *** تُرِيهِ مَا سَيُجَلِّي شَأْنَهُ القَدَرُ

فَتِلْكَ فَاطِمَةٌ بِنْتُ يُدَاعِبُهَا *** رَيْحَانَةٌ إِنْ عَرَا فِي نَفْسِهِ كَدَرُ

وَ فَاطِمٌ وَ هْيَ فِي دَوْرِ الشَّبَابِ بَدَتْ *** لَهَا بِهِ لأَمْرِ مِن ادْرَاكِهَا نَظَرُ

وَ فَاطِمٌ وَ هْيَ زَوْجٌ حَيْثُ يُسْعِدُهُ *** بَأَنْ لَهَا فِي شُؤُونِ البَيْتِ مُنْصَهَرُ

وَ فَاطِمٌ وَ هيَ أُمُّ إِذْ يُبَارِكُهَا *** وَلِيدُهَا حِينَمَا يُزْكِي لَهُ خَبَرُ

وَ إِنَّهَا فِيهِ أُمُّ لِلْهُدَاةِ كَمَا *** شَاءَ الإِلهُ فَمِنْهَا السّادَةُ الغُرَرُ

وَ ذَاكَ يَقْرَؤُهُ فِي نُورِ غُرَّتِهَا *** فَفِي الجَبِينِ سُطُورُ الغَيْبِ تَنْتَشِرُ(2)

ص: 293


1- في هذه الأبيات الستة إشارة إلى يوم ولادة الزهراء علیها السلام و ما حدث فيه آیات و معاجز.. ففي كتاب دلائل الإمامة لأبي جعفر الطبري ص9 قال: ضمن خبر طويل «فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السلام طاهرة مطهَّرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها... و غسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوتين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالأخرى ثم استنطقتها فنطقت علیها السلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ أباها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سيد الأنبياء، و أن بعلها علياً علیه السلام سيد الأوصياء، و أن ولديها علیهما السلام سيدا الأسباط، ثم سلمت عليهنَّ و سمت كل واحدة باسمها و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم فلذلك لقبت الزهراء علیها السلام، و قالت: خذيها يا خديجة علیها السلام طاهرة مطهَّرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها خديجة علیها السلام فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها فدرَّ عليها و شربت و كانت علیها السلام تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر و في الشهر كما ينمو الصبي في السنة. و ذكره المجلسي في البحار ج16 ص80-81 و ج43 ص3.
2- أفراح الولاء ص78.

(81) أحامي الحمى

(بحر المتقارب)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

إلامَ لِوَاؤُكَ لاَ يُنْشَرُ *** وَ حَتَّى مَ سَيفُكَ لاَيُشْهَرُ؟

فَكَمْ أَكْبُدٍ لَكَ مِنْ شَوْقِهَا *** تَحِنُّ وَ كَمْ أَعْيُنٍ تَسْهَرُ؟

أتُغْضِي وَ أَسْيَافُ أَعْدَائِكُمْ *** إِلَى اليَوْمِ مِنْ دَمِكُمْ تَقْطُرُ؟(2)

أتَنْسَى القَتِيلَ بِمِحْرَابِهِ *** لَهُ الرُّوحُ يَبْكِي وَ يَسْتَعْبِرُ؟

وَ سِبْطَيْنِ بِالسُّمِّ هَذَا قَضَى *** وَ ذَاكَ عَلَى ظَما يُنْحَرُ

وَ أَكْبَرُ خَطبٍ دَهَاكُمْ لَدَيْهِ *** تَهُونُ الخُطُوبُ وَ تُسْتَصْغَرُ

مُصَابُ الرَّسُولِ وَ هَتْكُ البَتُولِ *** وَ مَا لَقِيَ المُرْتَضَى حَيْدَرُ(3)

يَعِزُّ عَلَى أَحْمَدٍ لَوْ دَرَىٰ *** لِمَنْ قَدَّمُوا وَ لِمَنْ أَخَّرُوا

و لا بِدْعَ أَنْ هَجُروا الإلهَ *** فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُ (يَهْجُرُ)(4)

فَيَا فِئَةَ ضَاعَ مَعْرُوفُهَا *** وَ قَدْ ذَاعَ مَا بَيْنَهَا المُنْكَرُ

قَدِ اعْتَسَفَتْ فِي دِيَاجِي الضَّلاَلِ *** وَ مِنْ حَوْلِهَا القَمَرُ الأَزْهَرُ(5)

أَاللَّهُ مِنْ بَعْدِ يَوْمِ الغَدِيرِ *** حُقُوقُ أَبِي حَسَنٍ تَغْدِرُ؟

ص: 294


1- (*)مرت ترجمته في الجزء الثاني.
2- تغضي: تُطبق جفنيك حتى لاترى و لاتبصر شيئاً.
3- أنظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 و ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص135 و كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
4- يهجر: يخلط و يهذي.
5- اعتسنت الطريق أي ركبته على غير هداية و لادراية و عن الطريق مالت عنه و عدلت و الامر أي ركبته بلا تدبّر و لادراية و فلاناً أي ظلمته.

يَرَاهُمْ عَلَى مِنْبَرِ المُصْطَفَى *** وَ مَا قَامَ إِلاَّ بِهِ المِنْبَرُ

وَ تَعُدُو الخِلافَةُ بِالاجْتِمَاع *** وَ نَصُّ الإلهِ بِهَا يُنْكَرُ

وَ أَيُّ اجْتِمَاعِ لَهُمْ إِنْ تَكُنْ *** بِهِ عِتْرَةُ الوَحْيِ لَاتَحْضُرُ؟

وَ أَضْحَى الوَصِيُّ وَ نَفْسُ النَّبِيِّ *** بِهَا لَيْسَ يَنْهَى وَ لاَيَأْمُرُ

لَقَدْ أَضْمَرُوا غَدْرَهُمْ فِي الصُّدُورِ *** فَلَمَّا مَضَى المُصْطَفَى أَظْهَرُوا

فَيَا لَوْعَةً لَمْ تَزَلْ فِي القُلُوبِ *** إِلَى الحَشْر نِيرَانُهَا تُسْعَرُ

أَمَنْ رَفَعَ اللَّهُ شَأْنَا لَهَا *** مِنَ العَدْلِ أَضْلاعُهَا تُكْسَرُ؟

تخَانُ وَدِيعةُ طهَ الأمِينِ *** لَدَيْهِمْ وَ ذِمَّتُهُ تُحْفَرُ(1)

وَ يَمْنَعُهَا القَوْمُ حَتَّى البُكَاءَ *** عَلَيْهِ وَ عَنْ إِرْلِهِ تُنْهَرُ(2)

وَ يُبْتَزُّ فِي فَدَكٍ حَقُهَا *** بِمَا اخْتَلَفُوا وَ بِمَا زَوَّرُوا(3)

زَوَوْا إِرْثَهَا إِذْ رَوَوْا فَافْتَرَوْا *** حَدِيثاً عَنِ الظُّهْرِ لايُؤْثَرُ(4)

قَضَتْ وَ هْيَ غَضْبَى عَلَى المُسْلِمِينَ *** فَمَاذَا يُلاَقُونَ إِنْ يُحْشَرُوا؟

أَيَظْلِمُهَا مِنْهُمُ مَعْشَرٌ *** وَ يَقْعُدُ عَنْ نَصْرِهَا مَعْشَرُ؟

لَهَا فِي غَدٍ مَعَهُمْ مَوْقِفٌ *** بِهِ الخَصْمُ وَالِدُهَا الأَطْهَرُ(5)

ص: 295


1- تُخفر ذمته: أي ينقض عهده و يغدر به.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى منع الزهراء علیها السلام من البكاء من قبل القوم. انظر كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص322.
3- يبتز: يسرق و يسلب.
4- زووا: اجتازوا جمعوا قبضوا يشير الشاعر في هذين البيتين إلى ابتزاز فدك من الزهراء علیها السلام و تزويرهم حديث إنا معاشر الأنبياء لانورث». انظر مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 كما في عوالم العلوم ج2 ص626 و ج1 ص13 من كتاب مسند أحمد بن حنبل. و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232.
5- يشير الشاعر في هذه الابيات الثلاثة إلى وقوفها يوم القيامة و شكواها إلى الله ممن ظلمها. انظر كتاب مقتل الخوارزمي ج1 ص52 . و البحار ج43 ص221 و ص219-220 نقلاً عن أمالي الصدوق. و لعل مما يشير إلى بعض ذلك ما ورد في تفسير فرات الكوفي، ص171 في تفسير قوله تعالى من [سورة التوبة الآية 111]. «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ». عن أبي عبدالله علیه السلام قال: كان الحسين علیه السلام مع أمه تحمله فأخذه النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قال: لعن الله قاتلك، و لعن الله سالبك و أهلك الله المتوازرين عليك و حكم الله بيني و بين من عليك...: فقالت فاطمة علیها السلام: يا أبه أنا لله و بكت فقال لها يا فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم أما أن تأمرين غداً فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب أما ترضين ان يكون ابنك من حملة العرش، أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك، أما ترضين أن تكون الملائكة تبكي لابنك و يأسف عليه كل شيء، أما ترضين أن يكون من اناه زائراً في ضمان الله و يكون من اتاه بمنزلة من حجّ الى بيت الله؟ قالت: يا أبه سلمت و رضيت و توكلت على الله فمسح على قلبها و مسح على عينيها فقال: إني و بعلك علیه السلام و ابت و ابنيك في مكان تقرّ عيناك و يفرح قلبك.

أَحَامِي الحِمَى كَيْفَ ذَلَّ الحِمَى *** فَأَضْحَتْ بِهِ فَاطِمُ تُذْعَرُ؟

وَ يَا دَاحِيَ البَابِ هَلاً غَضِبْتَ *** لِبَابِ غَدَتْ خَلْفَهُ تُعْصَرُ

تُضَامُ ابْنَةُ المُصْطَفَى جَهْرَةً *** وَ سِرّاً بِجُنْحِ الدُّجَى تُقْبَرُ(1)

وَ أُقْسِمُ لَوْلاً وَصَايَا الرَّسُولِ *** لَضَاقَ بِهَا الوِرْدَ وَ المَصْدَرُ(2)

ص: 296


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دفن الزهراء «سلام الله عليها» ليلاً؛ انظر مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363 و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص54 و كتاب بحار ج3 الأنوار ج43 ص183.
2- نظمت سنة (1340 ه_) و يندب فيها الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. الذخائر، ص14.

(82) شيعة فاطمة الزهراء علیها السلام

(بحر المتدارك)

الحاج محمد الكوفي القطيفي

زَمَنُ الإِقْبَالِ أَتَى يَفْرَى *** فِي نَيْلِ مُنَاكَ لَكَ البُشْرَى(1)

النَّحْسُ أَفَلْنَ كَوَاكِبُهُ *** وَ نُجُومُ السَّعْدِ بَدَتْ نُورا(2)

وَ لَيَالِي العُسْرِ مَضَتْ وَ أَتَتْ *** أَيَامُ اليُسْرِ بِنَا تَتْرَى

وَ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحْيَاهَا *** الخَلاَّقُ وَ مَاحِلُهَا اخْضَرّا(3)

أَجْرَى فِيهَا نَهْراً عَذْباً *** فَتَبَارَكَ مَنْ أَجْرَى النَّهْرَا

بِرَبِيعٍ الخَصْبِ قَدِ اخْضَرَّتْ *** أَرْضٌ كَانَتْ قِدْماً قَفْرَا(4)

عَذُبَتْ مَاءٌ كَثُرَتْ رَوْضاً *** حَسُنَتْ مَرأى نَفْحَتْ عِطْرا

وَ قَدِ ابْتَسَمَتْ زَهْراً لَمَّا *** بَرَزَتْ فِي حُلَّتِهَا الخَضْرَا

تَهْتَزُّ مَعَاطِفُهَا طَرَباً *** لِنَسِیمِ الرَّوْضِ إِذَا مَرَّا

وَ الطَّيْرُ تُغَرِّدُ بِالمَغْنَى *** مُتَقَنَتَةً طَوْراً طَوْرا

وَ تُرِدِّدُ أَلْحَاناً تَحْكِي *** نَغَمَاتِ العُودِ إِذَا جَرَا

فَتَمَايَلَتِ الأغْصَانُ لَهَا *** مُتَثَنْيَةً يُمْنَى يُسْرَى(5)

ص: 297


1- يقرى: بمعنى الإقرار: أي الإعتراف بالحق.
2- أفلن: إختفين.
3- ماحِلُها: جَدْبُها.
4- قفراً: لاماء فيها و لاكلاً و لاناس.
5- متثنية: منعطفة.

نُزَهٌ حَفَّتْ بِرَيَا حِينٍ *** مَعْلُولُ الجِسْمِ بِهَا يَبْرَي(1)

طَرِبَ القُمْرِي فَشَدا نَظماً *** وَ البُلْبُلُ يَشْرَحُهَا نَثْرا

وَفَتَاةُ الحَيِّ لِعَاشِقِهَا *** سَمَحَتْ بِالوَصْلِ لَهُ جَهْرا

فَاهَتَ بِالوُدِّ عَلانِيَةً *** لَمْ تَأْخُذْ مِنْ أَحَدٍ حِذْرا

زَفَّتْ عُرْساً كَيْ مَا تُرْضِي *** إِلْفاً يَشْكُو مِنْهَا الهَجْرا

فدَنَتْ مُتَذَللَةٌ شَعَفاً *** مُتَضَرْعَةٌ تُبْدِي العُذْرا

رَفعَتْ أَطْرَافَ نِقَابِ *** الحُسْنِ فَبَانَ مُحَيَّاها بَدْرا(2)

جَرَحَتْ أَحْشَائِي حِينَ رَنَتْ *** فَكَأَنَّ بِمُقْلَتِهَا سِحْرا

لَوْلاَ لِينُ الأَعْطَافِ وَ *** حُسْنُ الخُلْقِ وَإعْلانُ البُشْرَى

مَا كُنتُ لِهَيْبَتِهَا أَدْنُو *** لأُقَبْلَ وَ جْنَتَهَا الحَمْرا

فِي الخَدَّ الوَرْدُ و فِي فِيهَا *** شَهْدٌ يَرْوِي الكَبِدَ الحَرَّي(3)

فَشَمَمْتُ الوَرْدَ وَذُقْتُ الشَّهْدَ *** بِتَرْشِيفِي ذَاكَ الثَّغْرا(4)

فَمَحَتْ عَنِّي شَطْراً مِمّا *** أَلْقَاهُ وَ أَبْقَتْ لِي شَطْرا

قَدْ سُرَّ القَلْبُ بِجَمْعِ الشَّمْلِ *** وَ نِلْتُ بِنَيْلِيهاخُبْرا(5)

وَ أَزَالَ الهَمَّ فِرَاقُ العُسْرِ *** فَلَمْ يَخشَ البَدَنُ الضُّرْا

يَا مَنْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ عَذْلي *** فِيهَا جِئْتُمْ شَيْئاً نُكْرا(6)

عَجَباً مِمَّنْ يَلْحُونِي عَلَى *** مَا لَيْسَ يُحِيطُ بِهِ خُبْرا(7)

ما كَانَ العِشْقُ لَهَا سَفَهاً *** لَكِنَّ بِعِشقَيْهَا سِرّا

ص: 298


1- يبرى: يبرأ ، يُشفى من المرض.
2- بانَ: ظهر. مَحياها: وجهها.
3- شَهْد: العسل ما دام لم يُعْصَر من شمعه.
4- ترشیف: مبالغة في المص.
5- خُبْرا: تجربة و خبرة.
6- عذلي: لومي.
7- يلحوني: يلومني.

نَالَتْ حُبِّي لَمّا كَانَتْ *** مِنْ شِيعَةِ فَاطِمَةَ الزَّهْرا

مَنْ قَدْ زَهَتِ الأَكْوَانُ بِنُورِ *** تَبَلُّج غُرَّتِهَا الغَرّا

حَدِّثْ يَا صَاحٍ بِمِدْحَتِهَا *** وَ أَعِدْ فَالَعَوْدُ بِهَا أَحْرَى

وَ اشْرَحْ بِتَذَكَّرِهَا صَدْرِي *** فَتَذَكُرُهَا يَشْرَحُ الصَّدْرَا

هِيَ بَضْعَةُ خَيْرِ الرُّسُلِ وَمَنْ *** عَظُمَتْ شَأْناً وَ سَمَتْ قَدْرا(1)

خُصَّتُ بِفَضَائِلَ قَدْ جَلَّتْ *** مِنْ أنْ تَسْتَطِيعَ لَهَا حَصْرا

مُدِحَتْ فِي الذِّكْرِ مِنَ البَارِي *** وَ الهَادِي إِذْ سَرَّتْ سِرّا

قَدْ أَتْحَفَهُ الجَبَّارُ بِهَا *** فَهِيَ الإِنْسِيَّةُ وَ الحَوْرا(2)

لَوْلاهَا مَا كَانَتْ حَوّاءُ *** وَ مَرْيَمُ مَا نَالَتْ فَخْرا

إنْ كَانَتْ مَرْيَمُ قَدْ سَادَتْ *** فِي عَالَمهَا وَ عَلَتْ قَدْرا

فَالطُّهْرُ سِيَادَتُهَا عَمَّتْ *** لِنِسَاءِ عَوَالِمِهَا طُرّا

يُرْضِي البَارِي مَايُرْضِيهَا *** يَاشِيعَتَهَا لَكُمُ البُشْرَى(3)

نِلْتُمْ أَمْناً بولايتِهَا *** فِي يَوْمِ النَّازِلَةِ الكُبْرَى

مَن والاها يَلْقَى خَيْراً *** مَنْ عَادَاهَا يَلْقَى شَرّا

عُقْبَى مَنْ وَالآهَا الحُسْنَى *** وَ لِعُقْبَى الغَيْرِ غَدَتْ خُسْرا(4)

ص: 299


1- في هذا البيت و البيت الخامس الذي يليه إيطاء و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد في «صحيح مسلم» المجلد الخامس ص64 (ط. 1987) تحت عنوان فضائل فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم: حدثني أبومعمر ... عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها».
2- انظر معاني الأخبار ص396 رقم (53).
3- تقدم ما ورد عن ذلك في (ينابيع المودة) ج1 ص203: عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و هناك كثير من الروايات في هذا المعنى.
4- قد وردت روايات عديدة في شفاعة سيدة النساء علیها السلام لمواليها و محبيها ففي كتاب «علل الشرائع» ج1 ص213 الطبعة الأولى. «عن محمد بن مسلم الثقفي قال سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: «لفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قدكثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة علیها السلام بين عينيه محباً فتقول: «إلهي و سيدي سمَّيتني فاطمة علیها السلام و فطمت بي من تولاني و تولّى ذريتي من النار و وعدك الحق و أنت لاتخلف الميعاد فيقول الله «عزوجل»: صدقت يا فاطمة علیها السلام إني سمّيتك فاطمة و فطمت بك من أحبك و تولاك، و أحب ذريتك و تولاهم من النار، و وعدي الحق و أنا لاأخلف الميعاد، و إنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك، و ليتبين لملائكتي و أنبيائي و رسلي و أهل الموقف موقفك مني و مكانتك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده و أدخليه الجنة».

وَإِذَا احْتَارَ المَوْلُودُ وَ مِنْ *** دَهَشٍ عَنْ وَالِدَةٍ فَرّا

وَ تَقَطَّعَتِ الأَسْبَابُ فَلاَ *** أَنْسَابَ هُنَاكَ وَ لاَنَصْرَا

أَنْتُمْ وَاللَّهِ المَنْصُورُونَ *** بِنُصْرَةِ فَاطِمَةَ الزَّهرْا

أَتَرُونَ النَّارَ تَمَسُّ غَداً *** جِسْمِي وَ أُذُوقُ لَهَا حَرّا؟

قَسَماً بِوِلايَتِهَا إِنِّي *** لَمْ أَخْشَ بِآخِرَتِي شَرّا

وَ لَئِنْ كَسَبَتْ نَفْسِي وِزْراً *** فَمَحَبَّتُهَا تَمْحُو الوِزْرا(1)

هِيَ شَافِعَةٌ لِمُحِبيها *** مُحِبٌ مُحِبيِّها طُرّا(2)

ص: 300


1- الوزر: الذنب، الإثم.
2- ربما أراد الشاعر في هذا البيت و الأبيات التي سبقته أن يرشدنا إلى الرواية المذكورة في «أمالي الصدوق» الطبعة الخامسة منشورات الأعلمي للمطبوعات. ص25 ح4 حيث جاء فيها: عن جعفر الأحمر عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر علیه السلام قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين خطمها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر عيناها ياقوتتان حمراوان عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها داخلها عفوا الله و خارجها رحمة الله على رأسها تاج من نور للتاج سبعون ركناً كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضيء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء، و عن يمينها سبعون ألف ملك، و عن شمالها سبعون ألف ملك و جبرائيل أخذ بحطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، فلا يبقى يومئذ نبي و لارسول و لاصديق و لاشهيد إلا غضّوا أبصارهم، تجوز فاطمة عیلها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها «جل جلاله» فتزج بنفسها عن ناقتها و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي، فإذا النداء من قبل اللَّه «جل جلاله»: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبي و محبي ذريتي. فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها؟ فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة».

لكِنَّ لَهَا شَأْنَاً يُشْجِي *** وَ يُصَدْعُ فَحْوَاهُ الصَّخْرا(1)

إِذْ تُبْدِي الشَّكْوَى نَاشِرَةً *** لِلشَّعْرِ وَ مُقْلَتُهَا عَبْرَى(2)

ص: 301


1- فحواه: معناه. يُشجي: يحزن أو يطرب أو يهيج.
2- شعراء القطيف المعاصرين ج1 ص42.

(83) أهل الكساء

(بحر البسيط)

السيد محيي الدين الغريفي(*)(1)

روتْ لنا الطُّهْرُ بنت المصطفى خبَرَا *** بنقلِ خَير ثقاتٍ كانَ مُعْتَبَرا

تلكَ البتولُ التي قدراً سَمَتْ وَ رَقَتْ *** عِزاً بخدمَتِها جبريلُ قد فَخَرا

قالتْ أتاني أبي يوماً و قالُ أيا *** بنتاهُ للضعفِ في جِسمي أرى أَثَرا

فقلتُ يا أبتي باللَّهِ عذتُكَ من *** ضعفٍ دهاكَ فمنهُ القولُ قد صَدَرا

غطّي بنيةُ جِسمي بالكساءِ و مذ *** غطّيتُهُ صرتُ منه أُكثِرِ النَظَرا

ص: 302


1- (*) هو السيد محيي الدين بن محمد جواد بن محسن بن محمد بن علي بن إسماعيل الموسوي الغريفي. عالم جليل شاعر. ولد في النجف 11 شعبان سنة 1350 و نشأ فيها على والده العالم الجليل، قرأ المقدمات الدينية و الأدبية على أساتذة أفاضل، ثم حضر الأبحاث العالية على السيد أبي القاسم الخوئي، و السيد محسن الحكيم و غيرهم. اشتغل بالتدريس، و تخرج عليه جمع من الفضلاء، و كان زاهداً و رعاً و شاعراً رقيقاً له يد في نظم التاريخ، أخذت شعره من كتابه «آية التطهير». مؤلفاته: طبع له «آية التطهير في الخمسة أهل الكساء» «قواعد الحديث» «الوقت و القبلة في الفقه و الهيئة». توفي في بغداد 13 شهر رمضان سنة 1412 ه_ و نقل إلى النجف و دفن فيه، و أرخ وفاته أستاذنا العلامة السيد عبد الستار الحسني بقوله: أي خطب دهى سراة لوي *** و البهاليل من بني ياسين حيث أودى الردى بذي الفضل منهم *** و حليف التقى و كهف اليقين و من العلم غاص بحر خضم *** كم حبانا بلؤلؤمكنون فاندب العلم يا مؤرخ «واكتب *** أثكل الدين فقد محي الدين»

إذا مُحَيَّاه تحكي البدرَ طلعَتُه *** في ليلةٍ بتمامِ النورِ قد ظَهَرا

فما انقَضَتْ ساعةٌ حتى أتى حسنٌ *** و بالسلام ابتدائي مِنهُ مُبْتَشِرا

و مُذ رددتُ سلامي قلتُ يا ثمرَ *** الفوائدِ أهلاً و من لي أَصْبَحَ البَصَرا

فقالَ إني أشُمُّ اليومَ رائحةً *** كأنَّها ريحُ من أُسري به سَحَرا

فقلتُ جدُّكَ ذا تحتَ الكسا فأتى *** مسلماً واقفاً للإذن مُنْتَظِرا

فجاءَ إذنُ دخولٍ للزكيِّ من *** الجدِ النبيِّ و بالإكرامِ قد ظَفَرا

وما انقَضَتْ ساعةٌ حتى أتى وَلِدي *** السبطُ الشهيدُ و بالتسليمِ قد بَدَرا

و قال رائحةً في الدارِ طيبةً *** أشُمُّ تعطي لريحِ المصطفى صُوّرا

فقلتُ جدُّكَ ذا و المُجتَبى حَسَنٌ *** تحتَ الكِساءِ فراحَ السبطُ منحَدِرا

نحوَ الكساءِ و مُذ بالمصطفى بَصَرا *** أهداهُ منه سلاماً للهمومِ بری

و قال هل يأذنُ الجَدُ الرسولُ بأن *** مُضاجعاً لَهُما تحتَ الكِساء أرى

فجاءَهُ الأذنُ من خيرِ الورى و أَتَى *** من بعدِهِ من بهِ الإسلامُ قد نَصَرا

ذاك الوَصيُّ وحيَّانِي تحيَّتَهُ *** و قال ريحُ أخي في دارِنا أَنْتَشَرا

فقلتُ: مع ولديكَ المصطفى التحفا *** بِذا الكساءِ اليمانيِّ الذي ازْدَهَرا

فجاء حيدرةٌ يَهدِي السَّلامَ إلى *** أخيهِ ذي الآيةِ العُظمى الَّذِي كَبرا

مستأذناً منه في أن يدخلَنْ إلى الكساء *** الذي لَهُمُ قد كانَ مُدَّخرا

أجابَهُ أُدخل أخي قالتْ فجئتُ أنا *** من بعدِ ما دخلُوا و البيتُ قد زهرا

و قلت من بعدِ أن سلَّمْتُ: يا أبتي *** هل أدخلَنْ مَعَكُم تحت الكساءِ تَرى

و بعدَ أن دخَلَتْ و الخمسةُ أكتمَلُوا *** تحتَ الكسا و بهم ذاك الكِسا أبْتَشَرا

نادى الإلهُ بسكانِ السما و *** بالملائكِ سامعين الأَمْرَ إِن أَمَرَا

و عزّتي و جلالي ما خلقتُ سماً *** و لاثرى و لاشمساً و لاقَمَرا

و لاسرَى الفُلك في بحرٍ و لافَلكٍ *** في الجوِ دارَ و لابحرٍ ترونَ جَرَى

الاّ لحبِ کرامٍ خمسةِ اجتمعُوا *** تحتَ الكسا الكونُ فيهم قد غَدا نَضِرا

فقالَ جبريل: يا ربَّ العبادِ و مَنْ *** تحتَ الكساءِ فأصغى كلُّ من حَضَرا

ص: 303

فقال من بيتهم في النبوة من *** همُ للرسالةِ أَضَحَوا مَعدِناً ذخرا

هُم فاطمُ الطهر و أبناها و والدُها *** و بعلُها حيدرٌ من شَرَّفُوا مُضرا

فقالَ جبريلُ للبارِي أتأذنُ لي *** أن اهبِطَن لأغدُوا سادسَ الأُمرا

أجابُه أهبِطْ فجاءَ الروحُ ممتثلاً *** يَهدِي السلام إلى خيرِ الوَرى بَشَرا

و قال: يقرئُكَ اللَّهُ السلامَ و *** بالإكرامِ خصَّك يا من بلَّغَ النذرا

و بالجلالةِ الى ما خلقتُ سَماً *** أو بدرَ أو شمسَ بل ما قد دحوتُ ثَرى

و لاجرى البحرُ في الدنيا و سارَ بهِ *** فُلكُ و لافَلَكٌ في الخافقينِ سَرَى

إلا لأجلِكُمُ و الإذنُ منهُ بَدت *** لي بالدخولِ فهلْ لي ذاكَ أنتَ تَرَى

أجابَهُ أدخل مَعِي فيه و مذ دخلِ *** الكِسا الأمينُ و في قرباهُمُ افْتَخَرا

«أضحى يبلِّغ أنَّ اللَّهَ طَهَّرَكُم *** و أذهبَ الرِجس عنكُم من بَرى البشرا»

فقال حيدرُ: ما فضلُ الجلوسِ لنا *** تحتَ الكسا يا رسولَ اللَّه مُختبرا

أجابَهُ والذي بالحقِ أرسلني *** ثم اصطفانِي نجياً ما رَوَى الخَبَرا

بمحفلٍ الأرضِ جمعٌ فيه شِيعتُنَا *** و من لنا مخلصاً أضحَى و مِنْتَصِرا

إلا و أنزل رَبُّ الخلق رحمتَهُ *** عليهم فعليهم خيرهُ انْتَثَرا

و فيهمُ كرماً حفّت ملائكةٌ *** و استغفرت لهم فالذنبِّ قد غُفِرا

فقال حيدرةٌ فزنا و شيعتُنا *** و ربُّ ذا البيتِ من سبعِ السما فطرا

و أقسمَ المصطفى من بعدِ ذا علنا *** بأنَّ حديثَ الكسا في الأرضِ ما ذُكرا

في محفلٍ فيه أشياعٌ لنا و بهم *** مهمومُ ألا و عنهُ الهمُّ قد دثرا

أو كانَ مغمومُ أو داعٍ لحاجتهِ *** الا و فرّج عنهُ الغَمِّ و انْدَحَرا

فأقسَمَ المُرتضى فزنا و شيعتُنا *** كما سُعدنا و هم نالُوا بنا الظَفَرا

دنياً و يوم يقوم الناسُ أجمعُهم *** لربّهم كلّهُم قد أشخَصُوا البصَرَا

ص: 304

(84) فاقت مفاخرها

(بحر البسيط)

السيد مرتضى النجفي البهبهاني

بِنْتُ النَّبِيِّ تَعَالَى شَأْنُهَا وَ عَلَتْ *** فَضْلاً وَ قَدْراً عَنِ التَّوْصِيفِ وَ النَّظَرِ

جَلَّتْ جَلاَلاً وَ عَمَّتْ فِي مَكَارِمِهَا *** كَلَّ اللِّسَانُ بَيَاناً فَهْوَ ذُو حَصَرِ(1)

فَاقَتْ مَفَاخِرُهَا شَاعَتْ مَكَارِمُهَا *** غَابَتْ مَدَارِجُهَا عَنْ مُنْتَهَى الْفِكَرِ

وَ بَعْدَمَا ظَهَرَتْ لِلنَّاسِ زِينَتُهَا *** دُنيا تَسَامَتْ بِيَوْمِ الحَشْرِ فِي خَفَرِ(2)

تَعْرِيفُ قُبَّتِهَا تَوْصِيفُ نَاقَتِهَا *** حُلِّيُّهَا تَاجُهَا يَسْمُو عَلَى الدُّرَرِ

تُضِيءُ كَالشَّمْسِ لِلرَّائِينَ طَلْعَتُهَا *** فَيَبْهُرُ الخَلْقَ مِنْهَا رَائِعُ الصُّوَرِ(3)

يَقُودُ جِبْرِيلُ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ غَداً *** إِمَامَ نَاقَتِهَا فِي رُوحِ مُفْتَخِرِ

يَصِيحُ فِي الخَلْقِ إِذْ مَرَّ مَوْكِبُهَا *** غُضُّوا لَهَا مِنْكُمُ الأَبْصَارَ فِي النَّظَرِ(4)

حَوَّاءُ مَرْيَمُ حَفُوهَا وَآسِيَةٌ *** وَ أُمُّهَا فِي ثِيَابِ العِزّ وَ الظَّفَرِ

كَذَاكَ سَبْعُونَ أَلْفاً مِنْ مَلَائِكَةِ *** الرَّحْمَنِ مِنْ خَلْفِهَا فِي مَوْكِبٍ عَطِرِ

حَتَّى إِذَا وَقَفَتْ فِي وَسُطِ مَحْشَرِهَا *** مَكْسُوَّةٌ مِنْ جَلالِ اللَّهِ فِي أُزر

هُنَاكَ يُنْصَبُ بَيْنَ الخَلْقِ مِنْبَرُهَا *** مِنْ نُورِ خَالِقِهَا فِي شَكْلِهِ النَّضِرِ

ص: 305


1- كُلَّ: عجز.
2- خفر: أمن و حماية و إجارة.
3- يَبْهُرُ: يضيءُ.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن علي علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: يا أهل القيامة غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الحديث.

سَبْعُ مَرَاقِيهِ قَدْ حَفَّتْهُ كَوْكَبَةٌ *** مِنَ المَلائِكِ فِي تَسْبِيحَ مُؤْتَمَرِ

يَأْتِي يَصِيحُ لَهَا جِبْرِيلُ حِينَ بَدَتْ *** أَنِ اسْأَلِي حَاجَةً تُقْضَى بِلاَ عُسُرِ

فَتَبْدَأُ السؤل يَوْمَ الحَشْرِ عَنْ حَسَنٍ *** وَ عَنْ حُسَيْنِ قَطِيعِ الرَّأْسِ بِالبَتَرِ

وَ حِينَ تَنْظُرُ ذَاكَ السَّبْطَ جُنَّتهُ *** بِدُونِ رَأْسٍ خَضِيبَ الجِسْمِ وَ الشَّعَرِ

تَصِيحُ فِي شَهْقَةٍ مِنْ هَيْئَةٍ وُجِدَتْ *** فَيَشْهَقُ الخَلْقُ مِنْ مَلكٍ وَ مِنْ بَشَرِ

تَقُولُ رَبِّي انْتَقِمْ مِنْ قَاتِلِيهِ فَقَدْ *** حَقَّ الجَزَاءُ فَأَنْزِلْهُمْ إِلَى سَقَرِ

قَدْ سُمِّيَتْ، فَاطِماً فَظماً لِشِيعَتِهَا *** مِنْ حَرِّ نَارٍ بَعَيْدِ القَعْرِ مُسْتَعِرِ(1)

أَوْلاَدُهَا وَ مُحِبُّوهَا وَ شِيعَتُهَا *** وَ مَنْ أَحَبَّهُمُ النَّاجُونَ مِنْ خَطَرِ

أَسْمَاؤُهَا كَاشِفَاتٌ عَنْ مَنَاقِبِهَا *** وَ فِي كُنَاهَا يَمُوجُ الفَضْلُ كَالبَحَرِ

مَا كَانَ يَعْرِفُهَا إِلَّا الَّذِينَ هُمُ *** فِي القَدْرِ أَكْفَاؤُهَا مِنْ سَادَةِ غُرَرِ

كَمْ قَامَ أَحْمَدُ تَعْظِيماً لِمَقْدَمِهَا *** وَ كَمْ يُقَبِّلُ مِنْهَا الكَفَّ فِي وَطَرِ(2)

بِحُبِّ فَاطِمَةٍ كُلِّ يَفُوزُ غَداً *** بِجَنَّةٍ وَ هُوَ مَأْمُونٌ مِنَ الضَّرَرِ

وَ خَاسِرٌ يَتَمَنَّى قَائِلاً شَغَفَاً: *** يَا لَيْتَنِي فَاطِميٌّ مُدَّةَ العُمُرِ

كَانَ الإِلهُ يُبَاهِي فِي عِبَادَتِهَا *** إِذَا أَتَتْ بِصَلَاةِ الشَّفْعِ فِي السَّحَرِ

أَوْفَتْ مَعَ البَعْلِ وَالأَوْلادِ مُطْعِمَةً *** طَعَامَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَمْ تَحِرِ(3)

ص: 306


1- مستعر: مشتعل. و في البيت إشارة إلى ما روي في كنز العمال ج6 ص619 و لفظه إنما سمَّيت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبيها عن النار.
2- الوُطَرْ: البغية و الحاجة.
3- في البيت إشارة إلى قوله «تعالى» في سورة الانسان آية: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَ أَسِيرًا» فقد ورد في تفسير الأمثل ج19 ص221 عن ابن عباس ان الحسن و الحسين علیهما السلام مرضا فعادهما الرسول صلى الله عليه و آله و سلم في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن علیه السلام لو نذرت على ولديك فنذر علي و فاطمة علیهما السلام و فضة جارية لهما إن برئا مما بهما ان يصوموا ثلاثة أيام طبقاً لبعض الروايات ان الحسن والحسين علیهما السلام أيضاً قالاً نحن كذلك ننذر على أن نصوم) فشفيا و ما كان معهم شيء . فاستقرض علي علیه السلام ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً و اختبزته، فوضعوا الأرغفة بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل و قال: السلام عليكم، أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه و باتوا لم يذوقوا إلا الماء و أصبحوا صياماً فلما أمسوا و وضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم، فآثروه و باتوا مرة أخرى لم يذوقوا إلا الماء و اصبحوا صياماً و وقف عليهم اسير في الثالثة عند الغروب ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و اقبلوا إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: (ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم) فانطلق معهم فرأى فاطمة علیها السلام في محرابها قد التصق بطنها بظهرها و غارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرئيل علیه السلام و قال: خذها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم هنأك الله في أهل بيتك فاقرأ السورة.

غَدَاةَ يَأْتِيهِمُ المِسْكِينُ يَتْبَعُهُ *** ثُمَّ اليَتِيمُ وَ مَنْ قَدْ كَانَ فِي الأَسَرِ

صَامُوا ثَلاثاً بِلا أَكْلِ سِوَى جُرَعِ *** مِنَ المِيَاءِ وَ مِلْحِ صَوْمَ مُصْطَبِرِ

فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعْظِيماً لِفِعْلِهِمْ *** آيَاتِ قُرآنِهِ فِي وَاضِح السُّوَرِ

وَ حَيْثُ مِنْ شَرِّ يَوْمٍ كَانَ خَوْفُهُمُ *** وَقَاهُمُ اللَّهُ مَا يَخْشَوْنَ مِنْ ضَرَرِ

لَقَّاهُمُ اللَّهُ مِنْهُ نَضْرَةٌ لَهُمُ *** فِيهَا السُّرُورُ بِفَضْلٍ مِنْهُ مُنْغَمِر

وَ جَنَّةً وَ حَرِيراً حِينَمَا صَبَرُوا *** مُنَعَّمِينَ بِأَنْوَاعِ مِنَ الثَّمَرِ

يَا طالباً فَضْلَ بِنْتِ الوَحْيِ فَاطِمَةٍ *** كُمْ جَاءَ فِي فَضْلِهَا فِي الذِّكْرِ وَالخَبَرِ

لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجُهَا الكَرَّارَ حَيْدَرَةً *** مَا كَانَ كُفْؤٌ لَهَا فِي الشَّأْنِ وَ القَدَرِ(1)

رَاحِيلُ خَاطِبُهَا وَاللَّهُ عَاقِدُهَا *** فَوْقَ السَّمَوَاتِ فِي زَاءٍ مِنَ الصُّوَرِ

هُنَاكَ طُوبَى لَهَا فِي عُرْسِهَا انْتَثَرَتْ *** مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَ اليَاقُوتِ وَ الدُّرَر

فَكَانَتِ الحُورُ وَالأمْلكُ تَلْقِطْهَا *** هَدِيَّةً لِمُحِبيها مِنَ المَهرِ

وَ مِنْ فَضَائِلِهَا مَا جَاءَ مُشْتَهِرَاً *** عَنِ النَّبِيِّ بِلاَ رَدُّ وَ لاَنُكُرِ

رِضَاؤُهَا بِرِضَا الرَّحْمَنِ مُرْتَبِطُ *** وَ هَكَذَا سُخْطُهَا فِي النَّفْعِ وَ الضَّرِرِ(2)

ص: 307


1- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص32 قال: و عن أنس قال: بينما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام: هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها اربعين ألف ملك وروى أيضاً صاحب كنز العمال ج6 ص152 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: ان الله امرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.
2- اشارة إلى ما روي في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص153 عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: ان الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاكِ، قال: هذا حديث الإسناد صحيح (أقول): ورواه ابن الأثير أيضاً في أسد الغابة ج5 ص522 و ابن حجر في اصابته ج8 ص159 و تهذيب التهذيب ج12 ص441 و ذكره المتقي الهندي في كنز العمال ج7 ص111 و قال: أخرجه ابن النجار.

هَذَا وَ لَمْ يَحْفَظ الأَقْوَامُ حُرْمَتَهَا *** مِنْ بَعْدِ وَالِدِهَا بَاتَتْ عَلَى خَطرِ

حَتَّى قَضَتْ وَ هْيَ غَضْبَى مِنْ مُوَاجِهِهَا *** عَلَى الأُولَى أَغْضَبُوهَا دُونَمَا عُذرِ

لِذَاكَ أَوْصَتْ عَلِيًّا حِينَ يَدْفُنُهَا *** بِاللَّيْلِ دُونَ حُضُورِ الغَاصِبِ الأَشِرِ(1)

وَ بَعْدَ أَنْ غَسَّلَ الكَرَّارُ فَاطِمَةً *** وَ تَمَّ تَجْهِيزُهَا فِي ظُلْمَةِ السَّحَرِ

دَعَا هُنَالِكَ لِلتَّوْدِيع صِبْيَتَهُ *** فَأَقْبَلُوا يَذْرِفُونَ الدَّمْعَ كَالمَطَرِ

فَصَارَ لِلحَسَنَيْنِ السَّيِّدَيْنِ شَجِّى *** مِنْ فَوْقِ صَدْرِ ابْنَةِ المُخْتَارِ فِي ذُهُرِ

قَالَ الإِمَامُ وَ قَدْ أَشْجَاهُ مَا فَعَلاَ *** بِخَافِقٍ مِنْ لَهِيبِ الحُزنِ مُسْتَعِرِ

أنَّتْ وَ حَنَّتْ و مَدَّتْ لِلْيَدَيْن مَعَاً *** شَوْقاً تَضُمُهُمَا كَالوَالِدِ الحَذِرِ

إِذَا بِصَوْتٍ مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَلاَ *** يَا حَيْدَرُ ارْفَعْهُمَا عَنْها بِلاَ كَدَرِ

قَدْ أَبْكَيَا المَلأَ الأَعْلَى غَدَاةَ لَقَى *** المَحْبُوبُ مَحْبُوبَهُ فِي شَوْقِ مُنْكَسِرِ

وَ بَعْدَ ذَا رَاحَ يُودِيهَا التُّرَابَ بِذَاكَ *** اللَّيْلِ فِي سَاعَةٍ مِنْ هَدْأَةِ البَشَرِ

صَلَّى عَلَيْهَا إِلهُ الخَلْقِ مَا سَجَعَتْ *** وُرُقُ الحَمَامِ عَلَى غُصْنٍ مِنَ الشَّجَرِ

ص: 308


1- الاشر: البطر و المرح. و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46: فغسلها الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة خادمتها و أسماء بنت عميس، أخرجها البقيع ليلاً. الحديث.

(85) يا قلب فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ مصطفى جواد (*)(1)

نُورٌ سَرَى فِي أَرْضِ مُكَّةَ زَائِرَا *** نِعْمَ المُضِيفُ وَ نِعْمَ نُوراً زَائِرَا

يَا طَيْفَهَا يَا نُورَ عَيْنِ المُصْطَفَى *** يَا نَفْحَةٌ حَمَلَتْ مُني وَ بَشَائِرَا(2)

أمُّ النَّبِيِّ وَ فِلْدَةً مِنْ كِبْدِهِ *** يَا رُوحَهُ ذَابَتْ وَ كُنْتِ مَنَائِرَا

كَمْ فَاضَ دَمْعُكِ فَوْقَ جُرْحِ نَبِيِّنَا *** آهاً حنوناً ثَائِراً أَوْ صَابِرَا

لَمْلَمْتِ عَنْ خَيْرِ البَرِيَّةِ مَايِلاً *** فِي مَنْ أَسَى أَضْنَى الفُؤَادَ القَادِرَا

وَ مَرَرْتِ فِي رِفْقٍ عَلَى أَوْجَاعِهِ *** فَكَسَوْتِهَا بَدَلَ القَتَادِ حَرَائِرَا(3)

ص: 309


1- (*) هو الاستاذ مصطفى بن جواد ولد في قرية الفوعة من محافظة إدلب سنة (1355 ه_) الموافق (1936م) و نشأ و ترعرع في أحضان أسرته الكريمة فنال تربية حسنة. و أخذ دراسته الابتدائية في مدارس الفوعة و إدلب، و تابع دراسته في دار المعلمين بحلب، و تخرّج منها سنة (1958م)، ثم واصل دراسته في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق . أحبَّ الشعر و شغف به فكان مولعاً بقراءة الدواوين الشعرية و كتب الادب، و لايخفى أن الدور الاكبر في تنمية مواهبه الادبية و الشعرية يعود إلى أخيه الاكبر الشيخ جواد حيث إنه كان يلقي قصائده في المناسبات. وللاستاذ مصطفى جواد كتب في الشعر الوطني و الاجتماعي و الغزل و المدح و الرثاء، و له ثلاث مجموعات شعرية مخطوطة كما أنه شارك في العديد من المهرجانات و نال الجوائز. و هو أيضاً يشارك في الأمسيات الشعرية في المراكز الثقافية و المنتديات الأدبية في مختلف المحافظات سائلاً المولى أن يوفقه للمزيد من العطاء الثقافي و الديني.
2- نفحة: طيّبة.
3- القتاد: شجر له شوك.

زَهْرَاءُ يَا شَوْقَ النَّبِيِّ وَ عِطَرَهُ *** زَهْرَاءُ يَا ذَاكَ السَّنَاءَ البَاهِرَا

خُلُقُ النُّبُوَّةِ صَاغَهُ رَبُّ السَّمَا *** وَ حَبَاكِ مِنْهُ قَلائِداً وَ أَسَاوِرَا

أَهْلُ الكِسَاءِ الرِّجْسُ أُذْهِبَ عَنْهُمُ *** وَ فُؤَادُهُمْ أَضْحَى نَقِيّاً ظَاهِرَا

يَا خَيْرَ سَيْدَةٍ فَدَتْكِ نُفُوسُنَا *** يَا خَيْرَ قَلْبِ كَانَ دَوْماً عَامِرَا

يَا خَيْرَ مَنْ يَرْعَى الأُبُوَّةَ فِي أَبٍ *** كَانَ الرَّسُولَ وَ كُنْتِ رُوحاً سَاهِرا

يَا خَيْرَ مَنْ يَرْعَى الإِمَامَ المُرْتَضَى *** وَ قَدِ اصْطَفَاهُ اللَّهُ زَوْجاً آزِرَا

وَ إِذَا سَنَا الحَسَنَيْنِ أَشْرَقَ بَاسِماً *** أَلْفَى فُؤاداً بالأُمُومَةِ زَاخِرَا

إِنِّي فَدَيْتُكِ يَا ابْنَةَ الآلامِ *** صَابِرَةٌ فَقَدْ كَرِهَتْ قُرَيشٌ نَائِرَا

كَرِهَتْ نُبُوَّةَ أَحْمَدٍ وَ كِتَابَهُ *** كَرِهَتْ رَشَاداً لِلْعُرُوبَةِ غَامِرَا

كَرِهَتْ إِمَاماً لِلنَّبِيِّ مُنَاصِراً *** يَا لِلْغَرَابَةِ كَيْفَ تَكْرَهُ نَاصِرَا

سَدَرَتْ قُرَيْسٌ فِي غَيَابَةِ جَهْلِهَا *** وَ النُّورُ لَمْ يُوقِظُ ظَلُوماً سَادِرَا(1)

نَبَذَتْ إِمَاماً لِلْهِدَايَةِ وَ التَّقَى *** وَ تَقَبَّلَتْ عِلْجاً غَلِيظاً فَاجِرَا

يَا لِلْمَصَائِبِ وَ النَّوَائِب قَدْ طَغَتْ *** وَ تَفَجَّرَتْ مَوْجاً عَتِياً هَادِرَا(2)

لَبَّى النَّبِيُّ نِدَاءَ خَالِقِ كَوْنِهِ *** صَعَدَ الرَّسُولُ إِلَى الإِلهِ مُسَافِرَا

يَا قَلْبَ فَاطِمَ لايُطِيقُ فِرَاقَهُ *** يَا قَلْبَ فَاطِمَ قَدْ تَفَطَّرَ عَاثِرَا

ذَهَبَ الحَبِيبُ وَ صَارَ آلَ مُحَمَّدٍ *** هَدَفاً لِمَنْ حَمَلَ الوَلاَءَ تَظَاهرَا

يَا قَلْبَ فَاطِمَةٍ يَذُوبُ تَحَسُّرَاً *** مَا كَانَ قَلْبُكِ لِلْمَضَرَّةِ غَافِرَا

مَثْوَاكِ دَارٌ لِلنَّعِيمِ عَرِيضَةٌ *** وَ يَمُوتُ أَكْثَرُهُمْ شَقِيّاً خَاسِرَا

ص: 310


1- غيابة جهلها: قعر جهلها.
2- عتيا: المجاوز للحد في الإستكبار أو الجبّار.

(86) من بعد والدها

(بحر الكامل)

السيد مهدي الأعرجي(*)(1)

ص: 311


1- (*) السيد مهدي ابن السيد راضي ابن السيد حسين ابن السيد محمد بن جعفر الحسيني الأعرجي البغدادي، ينتهي نسبه إلى (عبيد الله الأعرج). ولد السيد مهدي في النجف الأشرف سنة (1322 ه_) الموافق لعام (1904م) و نشأ بها على أبيه و كان كاسباً، فأودعه عند أحد الكتاتيب ليتعلّم القراءة و الكتابة، و منذ الصغر لاحت عليه علائم الذكاء، و ظهرت فيه إمارات النبوغ، فصار يغشى الأندية و المجالس العلمية و الأدبية، و بذلك انطبع في ذهنه ميل إليهما و صار يكثر من الإصغاء، و كان الفضل كله يعود إلى خاله الشاعر المعروف الشيخ جاسم الملّا الحلّي، فقد تعهده برعاية فائقة و عناية كثيرة، و التزم بتدريبه على الخطابة و سرد قصة الإمام الحسين علیه السلام فولع فيها و أجاد في رواية الشعر و أول قصيدة نظمها هي قصيدتة في رثاء الإمام الحسن المجتبى علیه السلام جاء فيها: قضى الزكي فنوحوا یا محبيه *** و ابكوا عليه فذي الأملاك تبكيه أخذ دروس العربية و العروض على العلامة الكبير السيد رضا الهندي، و نمت فيه قابليات في ذلك و صار مرموقاً من قبل إخوانه الشباب و المترجم له من الرجال الذين تميزوا بالدين و التقوى و الوعظ. حسن دينه و تميّز بتقواه فراح يكثر من الوعظ في شعره و يدلي بالنصح. و امتاز بظواهر كثيرة منها نبله العجيب و شرف محتده الذي أكسبه روحية القناعة و الصبر و سرعة البديهة فقد كان ينظم القصيدة بسرعة، و إلى جانب هذه الموهبة فهو ينظم باللغة الدارجة و يتفنن فيها، و يعد أيضاً من الخطباء المشاهير و نابغة من نوابغ زمانه كما يعرف بعبقريته و عرفانه. جمع ديوانه شقيقه الخطيب السيد حبيب الأعرجي و تزيد صفحاته على الثلاثمائة صفحة، و له مخطوطات كتبها بيده. وفاته: كان رحمه الله قد اعتاد السفر إلى خاله في مدينة الحلة، و في إحدى سفراته استحم بشط الفرات في الحلة و صادف أن كان المكان عميقاً و هو لا يجيد السباحة فغرق، و بقي 24 ساعة في الماء مجهولاً حتى طفت جثته، و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف في موكب فخم و أودع في مقره الأخير بجوار جده أميرالمؤمنين علیه السلام، و ذلك في الخامس من شهر رجب من عام (1359 ه_ )الموافق لشهر آب سنة (1939م) و رثاه فريق من الشعراء، و قيل في مادة تاريخ وفاته (مهدي غرق).

أَشْجَاكَ طَعْنُ العَامِرِيَّةِ إِذْ سَرَى *** فَجَرَى عَلَيْكَ مِنَ التَفَجُعِ مَا جَرَى

أَمْ هَلْ تَذَكَّرْتَ (العَقِيقَ) فَأَسْبَلَتْ *** عَيْنَاكَ أَدْمُعَها عَقِيقاً أَحْمَرَا؟

أمْ هَلْ أَرَقْتَ (الحَاجِرَ) وَ ظِبَاءَهُ *** فَطَفِقْتَ تُدْمِي بِالمَدَامِع مِحْجَرا؟

مَا بَالُ جَفْنِكَ لاَيَذُوقُ رُقَادَهُ *** طُولَ الدُّجَى هَلْ كَانَ قَدْ نَسِيَ الكَرَى؟(1)

حَتّامَ تَنْدُبُ رَسُمَ رَبْعِ دَارِسٍ *** وَ إِلَى مَتَى تَبْكِي فِنَاءٌ مُقْفِرَا؟(2)

هَلاً بَكَيْتَ عَلَى (البَتُولَةِ فَاطِمٍ) *** حُزْناً فَوَاسَيْتَ النَّبِيَّ وَ حَيْدَرَا؟

لَمْ أَنْسَهَا مِنْ بَعْدِ وَالِدِهَا وَ قَدْ *** جَرَّعْنَها الأَيَّامُ كَأْساً مُمْقَرَا

هَجَمُوا عَلَيْهَا وَ هيَ حَسْرَىٰ فَانْزَوَتْ *** عَنْهُمْ وَرَاءَ البَابِ كَيْ تَتَسَتّرا

وَ عَلَى الوَصِئ تَجَمَّعُوا حَشْداً إِلَى *** أَنْ أَخْرَجُوهُ وَ هُوَ يَنْدُبُ (جَعْفَرَا)

عُصِرَتْ بمَرْآهُ وَ لَوْلاً أَنَّهُ *** مُوصَى لَمَا كَانَتْ هُنَاكَ لِتُعْصَرَا(3)

فَعَدَتْ وَرَاءَهُمُ تُنَادِيهِمْ أَلاَ *** خَلُوهُ أَوْ أَشْكُو إِلَى رَبِّ الوَرَى(4)

رَجَعُوا إِلَيْهَا وَ هْيَ تَصْرَخُ بَيْنَهُمْ *** أَيْنَ النَّبِيُّ فَلَيْتَ عَيْنَيْهِ تَرَى

ص: 312


1- الكري: النعاس و النوم.
2- مُمْقرا: مرّ، حامض.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص123. قال المؤرّخ المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فوجّهوا إلى منزله، فهجموا عليه وأحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً، و ضغطوا سيَّدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب بيت الأحزان ص86-87. فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ والله لئن لم تكف عنه لأنشرنّ شعري و لأشقنّ جيبي، و لآتين قبر أبي و لأصيحنّ إلى ربي...

أبْنَاهُ عَزَّ عَلَيْكَ أَنْ تَرْنُو إِلَى *** ضِلْعِي بِعَصْرِهِمُ العَنِيفِ تَكَسَّرَا(1)

غَصَبُوا مَقَامَ أَخِيكَ حَيْدَرَ مِنْكَ *** وَ اسْتَبَاحُوا المُصَلَّى و المِنْبَرَا

يَا بِئْسَ مَا صَنَعُوا وَ قَدْ عَدَلُوا بِهِ *** مَنْ لَمْ يُسَاوِ شِسْعَ نَعْلَيْ (قَنْبَرَا)

قَادُوهُ وَ هُوَ مُلَبَّبٌ بِثِيَابِهِ *** فَسْراً بِأَمْوَاتِ البِلَى مُسْتَنْصِرَا

وَ الظُّهْرُ فَاطِمُ خَلْفَهُ وَ دُمُوعُهَا *** لِجَوَى المُصَابِ تَبَلُّ عَاطِشَةَ الثَّرَى

خَرَجَتْ وَرَاهُ كَمَا خَرَجْنَ بَنَاتُهَا *** خَلْفَ (العَلِيل) تَنُوحُ لكِنْ حُسَّرَا

تَرْنُو الخِيَامَ خَوَالِياً وَ بَنُو الخَنَا *** قَدْ أَضْرَمُوا فِيهَا الحَرِيقَ المُسْعَرا(2)

وَ تَرَى الحَمِيَّ مُجَدَّلاً فَوْقَ الثَّرَى *** ثَاوِ وَمِنْهُ (الشِّمْرُ) حَزَّ المَنْحَرَا(3)

ذَبَحُوهُ ظَام (وَ الفُرَاتُ) بِجَنْبِهِ *** وَ أَبُوهُ يَوْمَ الحَشْرِ يَسْقِي (الكَوْثَرَا)(4)

وَ سَرَوْا عَلَى سُمْرِ القَنَا بِكَرِیمِهِ *** كَالْبَدْرِ يَزْهَرُ فِي الدَّيَاجِي مُسْفِرَا(5)

ص: 313


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص198 فألجأها (أي قنفذ الملعون) إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
2- المسعر: المتقد و المشتعل.
3- مجدِّلا: مرتمياً و مرمياً.
4- ظامٍ: أصله ظامياً بالنصب جرَّ للضرورة الشعرية.
5- الدياجي: الظلمات. مسفر: مضيء. نقلت من كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص146.

(87) أصل كل الخير

(بحر الرمل)

السيد ميرزا مهدي الشيرازي (*)(1)

ص: 314


1- (*)السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي هو السيد ميرزا مهدي ابن السيد ميرزا حبيب الله ابن السيد آغا بزرك ابن السيد ميرزا محمود بن السيد اسماعيل الحسيني الشيرازي، و على هذا فوالد الميرزا مهدي هو ابن أخ المجدد الشيرازي، أي أن المجدد هو عم حبيب الله على ما جاء في (معارف الرجال). ولد في كربلاء المقدسة سنة (1304 ه_) و قضى بها سني شبابه الأولى، فأخذ مقدمات العلوم من نحو و صرف و حساب و منطق و سطوح الفقه و الأصول من حوزتها الدينية التي كانت حينذاك آهلة بكبار المحققين و المدرسين و الباحثين و من كان أساس دراسته الأولية قوياً و محكماً، مما أهله للدراسات العليا في فترة قياسية. ثم سافر بصحبة والده و أهله إلى سامراء التي كانت عامرة بالمعاهد العلمية و حلقات الدرس و البحث المتنوعة التي كان السيد المجدد الشيرازي قد أسسها خلال سنوات إقامته فيها، فكانت سامراء في عصر الميرزا الكبير مزدحمة بكبار العلماء المجتهدين و المدرسين من خيرة ،تلامذته، فاستمر هذا الجو المفعم بالحيوية التعليمية، و اشتغل بالبحث و التحقيق لفترة طويلة. ثم انتقل إلى مدينة الكاظمية المقدسة و بقي فيها قرابة سنتين مواصلاً التتلمذ على كبار العلماء و الفقهاء البارعين هناك، و بعد ذلك سافر إلى كربلاء المقدسة و بقي فيها فترة من الزمن مواصلاً بحثه و تحقيقه. ثم انتقل إلى النجف الأشرف وأقام بها بما يقرب من عشرين سنة حتى أصبح آية من آيات الدهر و مفخرة من مفاخر العصر. بالاضافة إلى سماته النبيلة و علو نفسه بالورع و التقوى و الزهد و العبادة، و رسوخ الايمان، و طهارة القلب، انتقل المترجم له من جديد إلى مسقط رأسه كربلاء المقدسة، و بقي فيها مجتهداً كبيراً و مرجعاً دينياً حتى وافاه الأجل فيها. تتلمذ على أساطين الفقه و الأصول و مشاهير المراجع في عصره أمثال: العالم المرجع السيد ميرزا علي آغا نجل المجدد الشيرازي و مرجع الأمة قائد ثورة العشرين الشيخ محمد تقي الشيرازي و العلامة الكبير آغا رضا الهمداني صاحب «مصباح الفقيه» و المرجع الكبير صاحب (العروة) و السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي و الأستاذ المحقق الكبير الشيخ محمد حسين النائيني، و كان من الأصحاب الخلّص و المقربين للمرجع الكبير السيد آغا حسين القمي. و بعد وفاة السيد القمي سنة (1366 ه_) رجع الناس إليه في أمر التقليد، و اشتهر اسمه و ذاع صيته و أصبح أحد المراجع الكبار للأمة و قد حظي باحترام الخاص و العام. و قد شهدت حوزة كربلاء المقدسة العلمية في عهد رئاسته فترة انتعاش و ازدهار غير عادية كان من نتاجها تربية جيل من العلماء الأفاضل و الدعاة الاسلاميين الذين انتشروا في بلدان مختلفة هادين و مرشدين و مبلِّغين للاسلام و فقه آل الرسول «صلوات الله عليهم أجمعين» و كان المترجم له يقيم صلاة الجماعة في صحن مولانا الامام الحسين علیه السلام فتقتدي به الجموع من الاتقياء و الأبرار الأخيار لشدة و ثوقهم بتقواه، و نسكه و عدله و زهده و ورعه. له مؤلفات عديدة في جوانب مختلفة من علوم الشريعة نذكر منها: 1- ذخيرة العباد، 2- ذخيرة الصلحاء، 3- الوجيزة، 4- تعليقة على العروة الوثقى، 5- تعليقه على وسيلة السيد أبي الحسن الاصفهاني، 6- بداية الأحكام، 7- شرح العروة، 8- رسالات في مباحث أصولية، 9- رسالة في التجويد، 10- رسالة حول فقه الرضا، 11- كشكول في مختلف العلوم، 12- الدعوات المجربات، 13- هدیة المستعين، 14- رسالة في الجفر، 15- أجوبة المسائل الاستدلالية، و إضافة إلى ذلك فقد كان ذا قريحة شعرية جيدة. و من محاسنه ومزاياه أنه كان حافظاً (للقرآن الكريم)، و (مقامات الحريري) و (ألفية ابن مالك) و (التهذيب) في المنطق و (الجزري) في التجويد و (متن الشاطبي) في التجويد وشطر من (متن المطول). و في يوم الثامن والعشرين من شعبان سنة (1380 ه_ ) لبى نداء ربه، فثلم بذلك في الاسلام ثلمة لايسدِّها شيء، و كان لرحيله رنّة حزن و أسى عمَّت أرجاء العالم الاسلامي، و شيّع جثمانه الطاهر في موكب مهيب قلما شهدت كربلاء، مثله و دفن في الصحن الحسيني بمقبرة الشيخ محمد تقي الشيرازي قائد الثورة ضد الاستعمار البريطاني و أقيمت على روحه مجالس الفاتحة و التأبين بمشاركة المراجع و العلماء و الفضلاء و مختلف الفئات و قد رثاه جمع من الشعراء و الأدباء.

ظَهَرَتْ زَهْرَةُ زَهْرَاءِ البَتُولْ *** فَاسْتَنَارَ الكَوْنُ مِنْ أَنْوَارِهَا

وُلِدَتْ فَاطِمَةٌ بِنْتُ النَّبِيِّ *** فَاسْقِنِي كَأسَ الهَنَا وَ الطَّرَبِ

وَ اتْرُكِ الزُّهْدَ وَ هَوْلَ اللَّهَبِ *** فَهِيَ الفَاطِمُ فِي اليَوْمِ المَهولْ

مُذْنِبِي شِيْعَتِهَا مِنْ نَارِهَا

ص: 315

وُلِدَتْ فَخْرُ العُلا بنتُ الجَلالْ *** وُلِدَتْ أُخْتُ النُّهَى أُمُّ الخِصالْ(1)

ظَهَرَتْ نُخْبَةُ أَوْصَافِ الكَمَالْ *** أَصْلُ كُلِّ الخَيْرِ بَلْ أُمُّ الأصولْ

وَ أصُولُ الدِّينِ مِنْ أَقْمَارِهَا

لَمْ تَكُنْ تُوْلَدُ مِنْ خَيْرِ الأَنَامْ *** هِيَ إِلا بَعْدَ جُهْدِ وَ صِيَامْ

بِفُطُورِ الخُلْدِ مِنْ خَيْرِ طَعَامْ *** جَلَتِ الزَّهْرَاءُ عَنْ هَذِي العُقُولْ

إِنْ تَرْعُهَا فِي عُلاً أَنْظَارِهَا

هِيَ بِنْتُ المُصْطَفَى خَيْرِ البَشَرْ *** هِيَ أُمُّ الأَوْصِيَا الظهرِ الغُرَرْ

زَوْجُهَا قَاسِمُ طُوبَى وَ سَقَرْ *** شَمْسُ غُرِّ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ أُفُولْ(2)

وَ سَمَا مَجْدٍ سَمَتْ آثَارُهَا

فَاسْقِنِي يَا صَاحِبِي كَأسَ المُنَى *** وَ أَدِرْ فِي جَمْعِنَا خَمْرَ الهَنَا

لاتَخَفْ ذَنْباً وَ تَخْشَى وَ هَنا *** بَشْرِ اليَوْمَ الأَمَانِي بِالحُصُولْ

فَالرَّجَا كُلُّ الرَّجَا فِي دَارِهَا

بزغَتْ شَمْسُ العُلاَ أُمُّ الهُدَاةُ *** بَلَغَتْ أعْلَى مَرَاقِي المُمْكِنَاتْ

شَرَّفَتْ آبَاءَهَا وَ الأُمَّهَاتْ *** وُلِدَتْ يَا لِلْهَنَا بِنْتُ الرَّسُولِ

بانَ سِرُّ اللَّهِ فِي إِظْهَارِهَا

هِي سِرُّ اللَّهِ مَا بَيْنَ الوَرَى *** سِرُّ غَيْب ذَاتُهَا كَيْفَ تُرَى

وَ لَهَا خَلْقُ الثَّرَيَّا وَ الثَّرَى *** لَيْسَ لِلْعَقْلِ بِمَعْنَاهَا وُصُولْ(3)

ص: 316


1- النهى: العقل.
2- طوبى و سقر: الجنة و النار.
3- الثري: التراب الذري. الثريا: مجموعة كواكب في عنق الثور سميت بذلك لكثرة كواكبها مع ضيق المحل و يشبّهون بها الجموع الخفيفة في حسن النظام و تناسب الأفراد و تلازم المجتمعين حتى كأنهم لا یتفارقون.

فَدَع الأوْهَامَ فِي أَظوَارِهَا

لايُدَانِي فَضلُهَا قَطُّ بَشَرْ *** لاَتَرِمُهَا إِنَّهَا إِحْدَى الكُبَرْ(1)

هِيَ لِلْمُخْتَارِ أَصْلٌ وَ ثَمَرْ *** أَيْنَ لَوْلاهَا الذَّرَارِي لِلرَّسُولْ

دَوْحَةُ نُورِكَ فِي أَنْمَارِهَا

هِيَ وِتْرٌ فِي نِسَاءِ العَالَمِينْ *** هِيَ شَفْعٌ بِأَمِيرِالمُؤْمِنِينْ(2)

هِيَ نُورُ اللَّهِ فِي الأُفقِ المُبِينْ *** حُبُّهَا دَارُ أَمَانٍ لا تَزُولْ

أهْلُهُ آمِنَةٌ فِي دَارِهَا

لاتُضَاهِي فَاطِمٌ فِي حَسَبِ *** كَرُمَتْ جَلَّتْ بِامِّ وَ أَبِ(3)

وَ بَنُوهَا فِي أَجَلِّ الرُّتَبِ *** كُلَّمَا فِي الخَلْقِ صَعْبٌ وَ سَهُولْ

فَلَهَا قَدْ أَذَعَنَتْ أَقْطَارُهَا

فَلَهَا مِنْ رَبِّهَا خَيْرُ الشُّؤُونِ *** وَ عَلَى عِرْفَانِهَا دَارَتْ قُرُونْ

وَ بِهَا تَفْخَرُ آبَا وَ بَنُونْ *** وَ هْيَ لَوْلا المُرْتَضَى خَيْرُ البُعُولْ(4)

لَمْ تَزَلْ مُفْرَدَةً فِي دَارِهَا

لَمْ يَكُنْ لَوْلاَهُ لِلطُّهْرِ قَرِينْ *** كَهِيَ كُفْوٌّ لأَمِيرِالمُؤْمِنِينْ

مِنْهُ جَاءَتْ بِالهُدَاةِ الأَنْجَبِينْ *** فَهيَ أُمُّ الأَوْصِيَا بِنْتُ الرَّسُولْ

وَ هيَ شَمْسُ الدَّهْرِ فِي أَسْتَارِهَا

أَيْنَ مِنْ أَدْنَى عُلاهَا مَرْيَمُ؟ *** أَيْنَ مِنْهَا سَارَةٌ أَوْ كَلْثُمُ؟(5)

أَيْنَ مِنْ مَخْدُومِهَا مَنْ تَخْدُمُ *** لاَ وَ رَبِّي مِثْلُ زَهْرَاءِ البَتُولْ

لَمْ تَرَ الدُّنْيَا عَلَى أَدْوَارِهَا

ص: 317


1- لايداني: لايقارب. لاترمها: لاتفارقها و لاتباعد عنها.
2- وتر و شفع: فرد و زوج، إنها سيدة نساء العالمين.
3- لاتضاهي: لاتشابه.
4- لولا علي لم يكن لها كفؤ.
5- إنها أفضل من مريم و إنها سيد النساء.

فَاطِمٌ سَادَتْ نِسَاءَ البَشَرِ *** بِمَزَايَا كَسَنَاءِ القَمَرِ(1)

وَغَدَتْ مَفْزَعَ يَوْمِ المَحْشَرِ *** لَيْسَ فِيمَا تَرْتَضِيهِ مِنْ نُكُولْ(2)

فَاسْأَلِ الأخبار فِي آثَارِهَا

فَهَنِيئاً لِمُحِبِّيهَا النَّجَاةْ *** مِنْ عَظِيمِ الوِزْرِ مِنْ بَعْدِ المَمَاتْ

كَيْفَ يَخْشَىٰ مِنْ عَظِيم السَّيِّئَاتْ *** مَنْ تَوَلَّى فَاطِماً أُمَّ الشَّبُولْ

لا وَ رَبَّي لَمْ يَذُقْ مِنْ نَارِهَا

لِعِدَاهَا الوَيْلُ إِذْ عَادُوا النَّبِيْ *** وَ غَدَوا مِنْ رَبِّهِمْ فِي غَضَبِ

عَمَّرُوا بَيْتَ لَهُمْ مِنْ لَهَب *** إِذْ بِنَارٍ أَحْرَقُوا بَابَ البَتُولْ

نَارُ حِقَد بَقيتُ الحظَارُهَا

لَمْ يَزَلْ يَغْلِي لَهِيبُ الكُفْرِ *** فِي قُلُوبِ طُبِعَتْ كَالْحَجَرِ

فَغَدا يُخرقُ بَاب الغررِ *** بَابَ فَوْزِ خَيْرَ بَابِ للسَّؤولْ

هُوَ بَابُ اللَّهِ فِي أَقْطَارِهَا

لَهْفَ نَفْسِي لِبَتُولٍ هُضِمَتْ *** ضُرِبَتْ طَوْراً وَ طَوْراً لُطمَتْ

وَ بِأَطْوَارِ الأَذَايَا ظُلِمَتْ *** لَهْفَ نَفْسِي لَكِ يَا بِنْتَ الرَّسُولْ

لَهْفَةٌ تَشْكُو الحَشَى مِنْ نَارِهَا

مَنَعُوا إِرْثَ أَبِيهَا عَلَناً *** وَ أَزَاحُوا الفَيْ عَنْهَا إِحْنَا(3)

أَسْقَطُوا مِنْهَا جَنِيناً مُحْسِناً *** كَسَرُوا أَضْلُعَهَا يَا للذُّحُول

هَجَمُوا بَغْياً عَلَيْهَا دَارَهَا

لَمْ تَزَلْ بَعْدَ أَبِيهَا فُتِنَتْ *** وَ بَكَتْ شَجُواً إِلَى أَنْ زَمِنَتْ

قُتِلَتْ جَهْراً وَ سِراً دُفِنَتْ *** فَبِعَيْنِ اللَّهِ غَارَتْ فِي الرَّسُولْ

ص: 318


1- سناء القمر: ضوؤه و بهاؤه.
2- نكول: نكوص.
3- الفيء: الغنيمة. إحن: أحقاد.

بِنْتُ طهَ و عُفِي آثارُهَا

أَنْتِ يَا أُمَّ المَلَاذِ المُرْتَجَى *** أَنْتِ لِلأُمَّةِ كَهْفٌ وَ رَجَا

فَإِلَيْكِ العَيْنُ تَرْنُو بِالنَّجَا *** فِي صُرُوفِ الدَّهْرِ و الخَطْبِ المَهُولْ(1)

وَ لِعُقْبَى أَوْحَشَتْ أَخْبَارُهَا(2)

: 319


1- ترنو: تديم النظر إلى الشيء بسكون الطرف.
2- أعيان الشيعة ج50 ص118.

(88) زهراء الدين

(بحر المتدارك)

السيد هاشم السيد حسين الموسوي

اللَّيْلُ بَدا صُبْحاً أَنْوَرْ *** و الصُّبْحُ حَوَى مَعْنِّى أَكْبَرْ

و الأفقُ على الدنْيا يَحْنو *** وَ بِبُرْدَيْهِ أَمَلٌ يزهرْ

و شُروقُ الشَّمْسِ على الدُّنْيا *** لِجَلالِ المَوْقِفِ قَدْ كَبَّرْ

و الصبْحُ بَدا أحْلَى حُسْناً *** مِنْ كُلِّ صَباحٍ قَدْ بَكَرْ

و شُعاعُ البَدْرِ على الصحراءِ امْتَدَّ جَمَالاً أَكْثَرْ

و نُجُومُ الليلِ رَنَتْ نَشْوَى *** في ليلةِ عرسٍ لَمْ تُؤْثَرْ(1)

و سُهولُ الأرضِ قَدِ ازْدانَتْ *** بِالسُّندُسِ في أَبْهَى مَنْظَرْ(2)

و بهاءُ الروضِ يُناجيها *** بالأخْضَرِ مِنْهُ و بالأحْمَرْ

و نَشيدُ الطَّيْر عَلى الأغصانِ يُهَنِّي العَالَمَ بالكَوْثَرْ

و روابي البِيدِ وَ قَدْ بَرَزَتْ *** بِجَمَالٍ أَسْحَرَ مِنْ عَبْقَرْ(3)

و مُرُوجُ السِّحْرِ بهانَعمَتْ *** عينٌ لايَخْدَعُها المَظْهَرْ

و نَسِيمُ الفَجْرِ على الكثبانِ يَمُرُّ بأَحْلامٍ أَسْحَرْ(4)

ص: 320


1- رنت: رنا: أدام إليه النظر بسكون. و رنا الرجلُ: طربَ و لها مع شغلٍ و غَلَبة: هوى.
2- ازدانتْ: تزَيَّنَتْ.
3- عَبْقَر: عَبْقَرَ. عَبْقَرَةُ السَّرابُ: تَلَألَاً. و عَبْقَر أيضاً: السيد الذي ليس فوقه شيء. و عَبْقَر أيضاً كلُّ ما يُتَعَجَّب من كماله وقوتِهِ و حذَقِهِ.
4- الكثبان: التَّلُّ من الرمل.

وعليلُ الْجَنَّةِ قَدْ وَافَى *** برَحيقِ المِسْكِ الْعَنْبَرْ(1)

وَ شَدَى الفُرْدَوْسِ يحي الكُلِّ بهذا اليومِ الأنوَرْ

و الدُّرُ على الدنيا يُنْثَرْ *** و غوالي الطيبَ بها تَنشرْ

و طلوعُ الفجرِ روى خبراً *** فإذا الدنيا طرباً تَفتَرْ

زَهْراءُ الدينِ لَقَدْ وُلِدَتْ *** ما أحلاهُ خبراً يُشْهَرْ

وُلِدَتْ نوراً وُلِدَتْ فَيْضاً *** يَنْسابُ على الدنيا كَوْثَرْ

و النورُ على الملأ الأعلى *** قَدْ شَعَّ بميلادٍ يُزْهرْ

و ملائكةُ الرَّحْمَنِ غَدَتْ *** في غَمْرَةِ أعيادٍ تَفْخَرْ(2)

و تَهانيها تَحْمِيدُ المَوْلَى *** كَدُويِّ النَّحْل غداً يُؤثَرْ

الكُلُّ بميلادِ الزهراءِ اليومَ تفاءلَ و اسْتَبْشَرْ

ما أَعْذَبَهَا ذِكْرَى تُذكَرْ *** ما أَطْيَبَهُ عِيداً يَظْهَرْ

زهراءُ الدِّين لنا نَبْعٌ *** ترٍّ لايَنْضَبُ بَلْ يَرْخَرْ

هو مَوْرِدُنا هو مَصْدَرُنا *** ما أقوى المَوْرِدَ و المَصْدرْ

هي فاطمةُ الزهراءِ إِلَيْها كلُّ الألبابِ غَدَتْ تَنْجَرْ(3)

هي سِرُّ الباري إِذْ يَخْفَى *** في هذا الكونِ فَلا يَظْهَرْ(4)

ص: 321


1- عليل: العليل يقصد به هنا ريحها المتطيب طيباً بعد طيب.
2- الغَمرة: الماء الكثير، معظم البحر، الثوب السابغ، الكرم الواسع الخُلُق و غَمَرهُ الماء: غَطَاه. اغتمر: انغمس و غَمَرَ الماء الشيءَ: غَطَاه، و يُقال «عُمْرُ الناس» أي جماعتهم ولفيفهم. غَمْرَةُ الشيء: شدَّته و مزدحمه. و هذا المعنى الأخير هو مُراد الشاعر حسب الظاهر والله العالم.
3- في علل الشرائع ج1 ص179 عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سميت الزهراء علیها السلام لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرت الملائكة الله ساجدين.
4- ورد في لسان الميزان ج3 ص275، روى ابن حجر بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله هل أتاني جبرائيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن ربك يحب فاطمة علیها السلام فاسجد فسجدت.

أمُّ الحَسَنَيْنِ هِيَ الكَوْثَرْ *** وَ لَها في الْحَشْرِ جَرى الكَوْثَرْ

قَدْ قال اللَّهُ لِمُرْسَلِهِ *** «إنا أعطيناك الكوثر»

هي في اللَّهِ إِرادَتُها *** وَ مَحَبَّتُها فيهِ أَشْهَرْ

و عِبادَتُها في الليلِ إِذا *** يَغْشى، تَغْشى الملأ الأطْهَرْ(1)

وَ بَلاغَتُها جَرْسٌ ربَّانيُّ الإبداعِ فَلا يُقْهَرْ

و الْجُودُ عَلَى يَدها نَهُرٌ *** يَجْرِي للقائع و المُعْتَرْ(2)

ومكارمُها و فضائِلُها *** نورُ القرآنِ بِهَا اسْتَأْثَرْ

آياتُ الذِّكرِ بِها حفلَتْ *** و«الدهرُ» كَفَتْنا و «الكَوْثَرُ»

بنْتُ لهادي ما أجْدَرُنا *** أن نحيي مَوْلِدَها الأَزْهَرْ

ذكرى الزهراء لنا مِشْعَلْ *** و لنا وحيٌ و لنا مِنْبَرْ

صوتٌ يَدعونا للإيمانِ الصادقِ و العَهْدِ الأَكْبَرْ

و يُنيرُ لنا الدَّرْبَ المُفضي *** للغايةِ إِن عَزَّ المَعْبَرْ

أَبْناءُ الزَّهراء لنا حِصنُ *** و لهُمْ في القلبِ هوىَ يَجْهَرْ

لا أَبْعَدَنِي المَوْلَى عَنْهُمْ *** وَ كَفَانِي بِوَلائِهِمُ المَحْشَرْ

مِيلادٌ الزهراءِ لَهُ طَعْمٌ *** أَحْلَى فِي النَّفْسِ مِنَ الكَوْثَرْ

فَلنُحْيِي الذِّكْرَى نُحْيِيها *** بخلوصِ الْقَلْبِ كما الجَوْهَرْ

و بِكُلِّ الْحُبُ و كُلِّ الوَرْدِ الأبيضِ والورْدِ الأحَمَرْ

يا فاطمةُ هذا حبّي *** وَ دَمِي في حِبْرِي قَدْ أَثَّرْ

ص: 322


1- جاء في علل الشرائع، ج1 ص181، ح1. عن الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لاتدعو لنفسها شيئاً.
2- المعتر: البائس، الفقير.

(89) للَّه أية محنة

(مجزوء الكامل)

الحاج هاشم الكعبي الحائري(*)(1)

یَا صَبُّ تَتَحَسَّرُ *** وَ لَكَمْ تَنُوحُ وَ تَزْفِرُ؟(2)

کَمْ یَنْظِمُ الآلام قَلْبُكَ *** وَ المَدَامِعُ تُنْثَرُ؟

کَمْ یَتْبَعُ الأظْعَانَ *** لَحْظاً جَفْنُکَ المُسْتَعْبِرُ(3)

کَمْ تَنْدُبُ الأَطْلاَلَ *** وَ هْيَ بِنَدْبِهَا لاَ تَشْعُرُ

کَمْ يَلْتَحِيكَ العَاذِلُونَ *** وَ كَمْ لَهُمْ تَتَعَذَّرُ؟(4)

كَمْ تَكْتُمَنَّ لَظَى الفُؤَادِ *** وَ مَاءُ دَمْعِكَ يَظْهَرُ؟

كَمْ لَوْنُكَ المُصْفَرُ يُفْصِحُ *** بِالغَرَامِ وَ يُخْبِرُ؟

كَمْ تَجْمِلُ الدَّعْوَى *** وَ مَا تُجْرِي الجُفُونُ يُفَسِّرُ؟

كَمْ ضَعْفُ صَبْرِكَ عَنْ *** أَحَادِيثِ الهَيَامِ يُعَبِّرُ؟(5)

كَمْ طَرْفُكَ المَطرُوفُ *** يَرْعَى النَّائِمِينَ وَ يَسْهَرُ؟

كَمْ لَيْلُ شَوْقِكَ صُبْحُهُ *** بِمَسَرَّةٍ لا يُسْفِرُ؟(6)

كَمِدَ الحَشَا تَقْضِي *** نَهَارَكَ وَ الدُّجَى تَتَزَفَّرُ

ص: 323


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الصّبُّ: العاشق وذو الولع الشديد.
3- المستعبر: الجاري دمعه.
4- يلتحيك: لحاه: لامه.
5- الهيام: الجنون من العشق.
6- يسفر: أسفر الصبح بان و أشرق.

وَ يفِكْرِكَ السّارِي *** عَهِدْتَ عَوَارِفاً لاَ تُحْصَرُ

مَا بَالُ سَمْعِكَ لاَ يَعِي *** ضحاً وَ لاَيَتَدَبَّرُ؟

إِنْ كَانَ عَنْ كَلَفٍ فَهَا *** تِي هَفْوَةٌ لاتُجْبَرُ(1)

هَبْ كَانَ مُوجِبُهُ وَ *** لَكِنْ ثُمَّ خَطبٌ أَكْبَرُ

أَنَسِيتَ مَشْهُورَ الطُّفُوفِ *** وَ مَا هُنَالِكَ يُذْكَرُ؟

يَوْمٌ عَلَى الطَّرْفِ الأَغَرِّ *** عَلاَ أَغَرَّ مُشَهَّرُ(2)

حَامِي الحَقِيقَةَ مَعْلَمٌ *** طَلْقُ الذَّرَاعِ غَضَنْفَرُ

ذُوْ نَجْدَةٍ عَنْ رَأْيهَا *** تَرِدُ المَنُونُ وَ تَصْدُرُ

سُلْطَانُ عِزَّ قَادِرٌ *** أَنْ لا يُطِلُّ مُقَدَّرُ

أَلجَدُّ أَحْمَدُ حِينَ يُنْسَبُ *** وَ المُضَاهِي شُبَّرُ(3)

وَ الأُمُّ فَاطِمَةُ التَّقَى *** وَ الفَحْلُ فِيهِ حَیْدَرُ

وَمُضَمَّخٌ بِدَمِ الوَرِيدِ *** وَ بِالتُّرَابِ مُعَفَّرُ

الجَوّ مِنْ صَادِي دِمَاهُ *** مُمَسَّكُ وَ مُعَنْبَرُ(4)

وَ اللَّيْلُ مِنْ أَنْوَارِهِ *** ضَاحِي العَشِیَّةِ مُقْمِرُ

لَبِسَتْ أَشِعَتُهُ اللَّيَالِي *** فَهْيَ بِیْضٌ تُزْهِرُ

لِلَّهِ مَا مِنْهُ يَقِلُّ *** السَّمْهَريُّ الأَسْمَرُ(5)

عَجَباً لَهُ أَنَّي یُقِلُّ *** عَوَالِماً لاَ تُحْصَرُ؟

أَلمَجْدُ أَدْنَى مَا تَحَمَّلَ *** وَ الْجَلالُ الأَکْبَرُ

و المَكْرُمَاتُ الغُرُّ طُرّاً *** وَ النَّدِيُّ الأَزهَرُ

وَ مَآتِمٌ فِيهَا البَتُولَةُ *** وَ النَّبِيُّ الأَفَخَرُ

ص: 324


1- كلف: الكلف: الحب الشديد.
2- الطِرف: بكسر الطاء الفرس.
3- المضامي: المشابه و المشاكل.
4- معنبر: الشيء المعنبر الذي رشَّ عليه العنبر.
5- السمهری: الرمح الصلب.

مِنْ أَجْلِهَا دَمْعُ الوُجُودِ *** عَلَى السَّوَالِفِ يَقْطُرُ(1)

وَ العَالَمُ العُلْوِيُّ مُفْتَقِدُ *** السُّرُورِ مُکَدَّرُ

وَ البَيْتُ بَاكٍ وَ المُقَامُ *** وَ زَمْزَمٌ وَ المَشْعَرُ

وَمِنّى وَ جَمْعٌ وَ المُعَرَّفُ *** بَاکِیاً وَ مُحَسَّرُ(2)

وَ الرُّسْلُ تَبْكِي وَ المَلاَئِكُ *** بِالعَزَاءِ تُبَکِّرُ

يَتَقَاسَمُونَ الشَّجْوَ غَادٍ *** بِالْعَزَا وَ مُهَجِّرُ(3)

أَهْدَى يَزِيدُ لَهَا مَلاَ *** بِسَ بِالدِّمَاءِ تَقَطَّرُ

وَ قَضَى لَهَا حُزْناً يَمُرُّ عَلَى *** الدُّهُورِ وَ یَعْبُرُ

أَبَداً لَهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ *** فَلَيْلُهَا لاَيَفْجُرُ

وَ بَنَى عَلَى مَا أَسَّسَ *** المُتَقَدِّمُ المُتَأَخِّرُ

خَلَفٌ كَسَابِقِهِ أَعَقُّ *** عَلَى الإِلَهِ وَ أَكْفَرُ

لِلَّهِ أَيَّةٌ مِحْنَةٍ *** لَقِيَ النَّ بِيُّ الأَطْهَرُ

مِنْ أُمَّةٍ عَدَتِ الهُدَى *** فَطَرِيقُهَا مُتَحَيِّرُ

كَدَرَتْ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ *** وَ الْعَيْشُ مِنْهُ مُكَدَّرُ

أَعْطَتْ يَداً لِلسَّيْفِ *** يَضْرِبُهَا عَلَيْهِ وَ يُجْبِرُ

عُنفاً أَمَالَ رِقَابَهَا *** إِذْ أَوْشَكَتْ تَتَکَثَّرُ

كَرِهُوا هِدَايَتَهُ وَقَا *** لُوهَا نَبِيُّ یَهجُرُ

تَرَكُوهُ مُلْقَى فِي *** الفِرَاش وَ أَسْرَعُوا فَتَأَمَّرُوا

وَ عَلَوْا بِحَيْثُ مَقَامُهُ *** يَبْكِي أَسِّى وَ المِنْبَرُ

وَ وَصِيُّهُ المُخْتَارُ فِيهِ *** تَجَنَّبُوهُ وَ أَخَرُوا

وَ تُرَاثُهُ نَهْبُ الأَ *** جَانِبِ يُسْتَبَاحُ وَ يُقْهَرُ

وَ كِتَابُهُ عَمَّا أَرَادَ *** مُحَرَّفٌ وَ مُغَيَّرُ

ص: 325


1- السوالف: جمع سالفة و هي صفحة العنق عند معلق الفرط.
2- محسّر: يعاني الحسرة و الحزن.
3- الشجو: الحزن.

وَ بِسَوْطِ أَعْدَاهُ *** كَرِيمَتُهُ تُهَانُ وَ تُحْقَرُ

وَ جَنِینُهَا سِقَطٌ *** وَ أَضْلُعُهَا لَعَمْرِي تُكْسَرُ

وَوَصِيُّهُ قَوْدَ الأسير *** يُقَادُ وَ هُوَ مُزَمْجِرُ

وَ حَبُیبُهُ كَالشَّاةِ *** ظُلْماً بِالمُهَنَّدِ يُنْحَرُ(1)

وَ رِجَالُهُ مِثلُ الأَ *** ضَاحِي بِالسُّيُوفِ تُجَزَّرُ

وَ بَنَاتُهُ فَوْقَ الرَّكَائِبِ *** بَادِيَاتٌ حُسَّرُ

حَسْرَى تُلاحظها الا *** جَانِبُ لَمْ تَجِدْ مَا يَسْتُرُ

مِثْلُ السَّبَايَا يُسْتَبَاحُ *** إِزَارُهَا وَ المِعْجَرُ(2)

وَ مُتُونُهَا بِيَدِ السِّيَاطِ *** يُشَقُّ فِيهَا أَنْهُرُ

وَعَلِیلهُ سَاقَاهُ *** قيِّدا بِالدِّمَا تَتَفَجَّرُ

وَ يَتِيمُهَا بِالعُنْفِ يُقْهَرُ *** بِالسِّيَاقِ وَ يُزْجَرُ

وَ سُؤَالُ سَائِهاإِذَا *** سَأَلَ التَّرَفُقَ یُنهَرُ

وَ رُؤُوسُ سَادَتِهَا *** بِأَطرَافِ الرِّمَاحِ تُشَهَّرُ

وَ قُلُوبُهَا بِالشُّكْلِ تُشْعَلُ *** وَ المَدَامِعُ تُمْطَرُ

حَالٌ تَكَادُ لَهُ *** الشَّدَادُ بِسَبْعِهَا تَتَفَطَّرُ

وَ يَرُوحُ مِنْهَا البَدْرُ *** مُنْخَسِفَ السَّنَا لاَيَبْدُرُ

وَ اليَوْمُ مُفْتَقِدُ الضَّيَا *** وَ شَمْسُهُ تَتَكَوَّرُ

خَطْبٌ تَصَاغَرُ عِنْدَهُ *** كُلُّ الخُطُوبِ وَ يَكْبُرُ

لَوْ كَانَ أَحْمَدُ حَاضِراً *** لَشَجَاهُ ذَاكَ المَحْضَرُ(3)

يَا قَوْمَنَاخَلُوا التَّعَصُّبَ *** وَ انْظُروا وَ تَفَكَّرُوا(4)

ص: 326


1- ينحر: يذبح من النحر.
2- يستباح: ينتهك المعجر: ثوب تشدَّه المرأة على رأسها.
3- شجاه: أحزنه المحضر: الحضور.
4- ديوان الشيخ هاشم الكعبي ص74.

(90) الثار - الثار

(مجزوء الرمل)

الأستاذ هيثم مسعودي الكربلائي

أَيْنَ المُسْتَنْظِرُ لِلْوَعْدِ *** أَيْنَ الغَائِبُ أَيْنَ المَهْدِي؟

بِمُصِيبَةِ بِنْتِ المُخْتَارْ *** نَسْتَصْرِخُكَ الثارْ الثارْ

***

أَيُّها المَحْجُوبُ عَنّا خَلْفَ أَسْتَارِ الوُعُودِ

يا إِمَامِي حَلَّ رُزْءُ الظُّهْرِ فِينَا مِنْ جَدِيدِ

وَدَأَبْنَا أَنْ نُعَزِّيكَ أَيَا سِرَّ الوُجُودِ

بِقُلُوبٍ نَازِفَاتٍ دَمُعَهَا فَوْقَ الخُدُودِ

کُلُّ قلبٍ فَجِیعْ *** سَارَ نَحْوَ البَقِیعْ(1)

ص: 327


1- هذه المقاصير و البيتان اللذان بعدها إشارة إلى ما ورد في (دلائل الإمامة) للطبري ص46 (منشورات الرضي. قم) من أحداث و مصائب: قال فخرجا من عندها ساخطة عليهما... فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس. أخرجها إلى البقيع ليلاً و معه الحسنان و صلى عليها و لم يعلم بها و لاحضر وفاتها و لاصلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها في الروضة و عفى موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة مدفنها فيه أربعون قبراً جديداً. و لما علم المسلمون بوفاتها جاؤوا إلى البقيع، فوجدوا فيه أربعين قبراً فأشكل عليهم قبر من سائر القبور، فضجَّ الناس، و لام بعضهم بعضاً و قالوا لم يخلف فيكم نبيكم إلاّ بنتاً واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و لادفنها و لاالصلاة عليها بل و لم تعرفوا قبرها؟ فقال ولاة الأمر منهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها و نعيِّن قبرها فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد احمرت عيناه، و درت أوداجه و عليه القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الكريهة و هو يتوكأ على سيف (ذوالفقار) حتى أتى البقيع فسار إلى الناس من أنذرهم و قال: هذا علي قد أقبل كما ترونه و هو يقسم باللَّه لئن حوَّل من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الأمرين فتلقاه الرجل و من معه من أصحابه و قال له: مالك يا أبا الحسن علیه السلام والله لننبشن قبرها و نصلي عليها فأخذ علي بجوامع ثوبه ثم ضرب به الأرض، و قال: يابن السوداء أمّا حقي فقد تركته مخافة ارتداد الناس عن دينهم و أمّا قبر فاطمة علیها السلام فوالذي نفس علي بيده لئن رمت أنت أو أصحابك شيئاً لأسقين الأرض من دمائكم فإن شئت فافعل يا ثاني. و جاء الأول و قال له: يا أبا الحسن علیه السلام بحق رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بحق فاطمة علیها السلام إلاّخليت عنه فإنا لسنا فاعلين شيئاً تكرهه فخلى عنه و تفرق الناس و لم يعودوا إلى ذلك.

عَلَّهُ یَسْتَطِیعْ

أنْ يَكْشِفَ عَنْ قَبْرِ الزَّهْرَا *** وَ يُسَائِلَ لِمَ دُفِنَتْ سِرّا؟

لَيْلاَ عَنْ عَيْنِ الأَسْرَارْ *** نَسْتَصْرِخُكَ الثَّارْ الثّارْ

***

أَيُّ سِرِّيَا إِمَامِي أَيُّ مَكْرٍ وَ دَسِيسَهْ؟(1)

جعَلَتْ بِنْتَ مُحَمَّدْ بِفِنَا الحُزنِ حَبِيسهْ

أَوَ لَيْسَتْ بِنْتَ طهَ بَضْعَةُ الهَادِي النَّفِيسَهْ؟

مَا لَهَا تِلْكَ الأَعَادِي جَعَلَتْ مِنْهَا فَرِيسَهْ

کَهُجُومِ الذِّئَابْ *** عَصَرُوها بِبابْ

یَا لِعَظْمِ المٌصَابْ

حِينَ اسْتَسْقَطَ ذَاكَ الحَمْلُ *** ما هابوا الهادِي وَ مَا وَ جِلُوا(2)

ص: 328


1- دسيسة: ما أكمن من المكر و العداوة.
2- ما هابوا و ما وجلوا: ما خافوا و في دلائل الإمامة للطبري ص45: أقامت بمكة ثمان سنين و بالمدينة عشر سنين و بعد وفاة أبيها خمسة و سبعين يوماً، و قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة و كان سبب وفاتها ان قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً و مرضت من ذلك مرضاً شديداً و لم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها».

شَعَلُوا النَّارَ بِبَابِ الدّارْ *** نَسْتَصْرِحُكَ الثّارْ الثَّارْ

لَيْسَ سِرّاً يا إِمَامِي تِلْكَ دَعْوَى مَنْطِقِيَّهْ

مَاتَتِ الزَّهْرَاءُ ظُلماً بِيَدِ الغَدْرِ الشَّقِيَّهْ

قُمْ إِلَى الثّارِ أَیَا مَن أنتَ لِلّهِ بَقِيَّهْ

قُمْ سَئِمْنَا العَيْشَ صَبْراً وَ انْتِظَاراً وَ تَقِيَّهْ

كُلُّ یومٍ یَفُوتْ *** فیهِ صَمْتاً نَموتْ

وَ بِهَذَا السُّکُوتْ

تَتَجَدَّدُ وَاقِعَةُ الطَّفِّ *** وَ الجُرْحُ يَعُودُ إلى النَّزْفِ

مِمَّا أَحْدَثَهُ المِسْمَارْ *** نَسْتَصْرِحُكَ الثّارْ الثَّارْ

***

فِعْلَةُ المِسْمَارِ فِينَا نَارُ حُزْنٍ تَتَجَدَّدْ

لاَنَغُضُّ الطَّرْفَ عَنْهَا أَيُّهَا المَوْعودُ فَاشْهَدْ

لاَ وَ لاَتَمْتَدُّ لِلرَّاضِينَ عَنْهَا شَلَّتِ اليَدْ

إِنَّ مَنْ يَرْضَى بِظُلْمٍ لَيْسَ مِنْ دِينِ مُحَمَّدْ

مَا يَزَالُ الجَنِینْ *** هَاتِفاً کُلَّ حِینْ

شِیعَتِي الطَّیِّبِینْ

في قَتْلِ بَتُولِكُمْ اِشْتَركا *** ضاربُ أُمِّي غَاصِبُ فَدَکا(1)

ص: 329


1- في ذكر فدك جاء في الاحتجاج ج1 ص119 (عن حماد بن عثمان عن أبي عبدالله علیه السلام) قال: لما بويع أبي بكر و استقام له الامر على جميع المهاجرين و الانصار، بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها ، فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر من الله تعالى؟ فقال: هاتي عليّ ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة» فقال: بلى قالت: فأشهد أن الله «عزوجل» أوحى إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله فجاء علي فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً و دفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك و شهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه ومزَّقه، فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي.

وَ الغَاصِبُ حَقَّ الكَرَارْ *** نَسْتَصْرِخُكَ الثّارْ الثَّارْ

دَفَنَ الزَّهْرا عَلِيٌّ وَ ارْتَمَى خَلْفَ الزَّمَانِ

مُسْتَعِيداً كَيْفَ كَانَتْ تَشْتَكِي مِمّا تُعَانِي

إِذْ تُنَادِي يَا عَلِيَّ إِنَّ قَوْمِي أَسْخَطَانِي(1)

يَا عَلِيُّ أُوصِي إِذْ مَا دَاعِي المَوْتِ دَعَانِي

ضُمَّنِي لِلتُرابْ *** دُونَ عِلْمِ الصِّحَابْ(2)

وَ بِیَوْمِ الحِسَابْ

أسْتَعْرِضُ لِلْخَالِقِ أَمْرِي *** أُخبِرُهُ عَنْ جُرْحِ الصَّدْرِ

وَ لَهُ الأَمْرُ بمَا يَخْتَارْ *** نَسْتَصْرخُكَ الثّارْ الثَّارْ

***

وَ سَيَأْتِي مَنْ يُنَادِي إِنَّ دَعْوَاكُمْ عَقِيمَهْ

إِنَّمَا الأَخْلاَقُ تَقْضِي نَبْذَ أَضْغَانٍ قَدِيمَهْ(3)

لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ نَنْسَى تِلكُمُ البَلوَى الأَلِيمهْ

ص: 330


1- في الأصل: أسخطوني، و جاءت للضرورة أسخطاني.
2- جاء في كتاب سليم بن قيس ص212 (نشر مؤسسة البعثة): «قال: فبقيت فاطمة علیها السلام بعد وفاة أبيها أربعين ليلة فلما اشتد بها الأمر دعت علياً و قالت: يا ابن عم ما أراني إلا لما بي و أنا أوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب، تكون لولدي مثلي، و اتخذ لي نعشاً فإني رأيت الملائكة يصفونه لي وأن لايشهد أحد من أعداء الله جنازني و لادفني و لاالصلاة عليّ».
3- أضغان: أحقاد.

وَ بِوَادِي الطَّفِّ جُرْمٌ حِيكَ مِنْ تِلْكَ الجَرِيمَهْ

في ثَرَى كَرْبَلاءْ *** کَمْ أُسِیلَتْ دِمَاءْ

إِنَّ ذاك البَلاءُ

مِنْ بَيْنِ العَصْرَةِ بِالبَابْ *** وَ يَدِ القَاتِلِ بِالمِحْرَابْ

نَرْفُ دِمَاءِ أبي الأَحْرَارْ *** نَسْتَصْرِخُكَ الثّارْ الثَّارْ

***

قُمْ لأَخْذِ الثّارِ عَجِّلْ قُمْ أَيَا حَامِي الشَّرِيعَهْ

زُمْرَةُ البَغْيِ اسْتَسَاغَتْ فِعْلَةَ البَابِ الشَّنِيعَهْ(1)

وَ اسْتَبَاحَتْ كُلَّ دَمٍ سَارَ فِي عِرْقٍ لِشِيعهْ

ص: 331


1- استساغت: وجدته سائغاً مقبولاً.

(91) أم الخلود

(بحر البسيط)

لأحد الشعراء

أجلْ و حقَّكِ ما قالوا و ما ذَكروا *** يبقى مدى الدهرِ يَحكي أنهم قَصَروا

أجلْ و حقَّكِ إن الأرضَ عاجزةٌ *** من أن تضمَّ حياةٌ كلَّها عِبَرُ

و كيفَ يبغي هوانُ الأرضِ من زحلٍ *** ما يبتغيهِ على أصقاعِها البَشَرُ؟

أو يمسكُ النورَ كفٌّ حيثُ يَخْبُرُه *** أو يبدي الفهمَ في عليائه القَمَرُ؟

إنا مُعاقُونَ يا زهراءُ يخذلنا *** ساقٌ و إن السرى صعبٌ و مُحْتَذَرُ

و السائرونَ على الأشواكِ ما وصلُوا *** ذابوا جراحاً و قد عادُوا وما ظَفَرُوا

لم يَبْلغوا مِن قِلاع النورِ ما قصَدوا *** فسرّحوا الخيلَ إذ لم يُغنهم سَفَرُ

و رَغْمَ كل الهوَى الغافي بأعينِهم *** لم يكشفِ السترَ عن أحداقِهم بَصَرُ

و لاشَربْنا كؤوساً من قصائِدِهم *** كأنَّما جفَّ فيها الكأسُ و الوَتَرُ

و ليلُ بغداد ما زالتْ ملفعةً *** نجومُهُ الزهرُ و الأضواءُ تنتحرُ

ما زالَ في القَلبِ جرحٌ لايفارقها *** كم قيّدوه ليذوي في الأسى الأَثَرُ

ما زالَ داعي الهُدى فرداً يُحيط بِهِ *** أشياعُ هارونَ و القرّاءُ ما شَعَروا

و الكأسُ ما أخبرتْ سراً لصاحِبِها *** إلا بِهمسٍ سَرَى مِن زيفِهِ الخَدَرُ

و لاأذاعَ الأسى في صوتِ جاريةٍ *** يا حاسيَ الراحِ قد يغري بك السَحَرُ

يا حاسيَ الراحِ إن الليلَ يُخبرنا *** أنا الغريبُ فلا تَلهُو و تستمرُ

فهشِّم الكأسَ و أبدلها بثانيةٍ *** يُضيء في راحِها الأحداقُ و الشَرَرُ

لكنّها خَبّأت في صوتِها غُصصاً *** لو كان يعْلمها السُمّارُ ما سكَرُوا

إن البلايا إذا أودتْ بمنْ قعسَوُا *** فقلْ سلاماً لمن أودى بِهم خَوَرُ

ص: 332

جادُوا على تربِها عُمراً و قد تعبُوا *** ثم استراحُوا و في أو حالِها قُبرُوا

لايدرأ الضيمَ إلا من أبى فمضى *** أو يأمنُ الغيل إلا النابهُ الحَذِر(1)

إنا شهدناكِ أُمّاً في ملامِحها *** أتعابُ ألفٍ من الأحزانِ تنصهِرُ

تأتين في اللّيلِ حيثُ القيدُ في صخبٍ *** يمتصُّ من ثائرٍ قد شدّه الكبرُ

تضمّدين جراحَ الخوفِ في زمن *** يلغّ في دمِهِ الذئبانُ و التَتَرُ(2)

***

لمن تغنّي و ارضُ الحي خاويةً *** منها الديارُ و لايبدُو لها خَبَرُ

أنا زعتكَ لها الأشواقُ فارتعشتْ *** أوتارُ محتضرٍ تصبُو فتنتهرُ؟

أم أوقَرَ الليلُ أشجاناً على شجنٍ *** فأنّ من ثقلِها شاكٍ و مؤتسِرُ

و لاحَ في نجمِهِ من ركب من ظعَنُوا *** برقٌ تجودُ به الأعلامُ و السُّمُرُ

كأنّه المجدُ قد حازت سوابقَهُ *** فأمّه النجمُ و الأفلاكُ تعتمرُ

و فارقَ الأرضَ يسمُو و هي طائعةٌ *** ألقى له القودَ في ميدانِها الفَخَرُ

يَطوي الزمانُ بنا أحوالنا و بها *** نطوي دروبَ العلا كنّا و نَخْتَصِرُ

وَ رُبَّ مستأنسٍ أيامُه ضحِكَتْ *** زهواً و قد خبّأ الأدهى له القدّرُ

ص: 333


1- يدرأ: يدفع. الغيل: كل ما إغتال الإنسان فأهلكه.
2- يلغ: يشرب بلسانه. الذئبان: جمع ذئب.

ص: 334

قافية الزاي

اشارة

ص: 335

ص: 336

(1) بحبي للبتول

(بحر الوافر)

الشيخ صالح الطرفي(*)(1)

بِحُبِّي لِلْبَتُولِ أَرَى اعْتِزَازِي *** وَ لِلْجَنَّاتِ يَوْمَ غَدٍ جَوَازي

وَ لِلزَّهْرَاءِ لَهْفِي إِذْ غَزَتْهَا *** نَوَائِبُهَا فَكَانَتْ شَرَّ غَازِي

بخَالِقِهَا احْتَمَتْ و بِهِ تَعَزَّتْ *** فَأَغْنَاهَا العَزَاءُ عَنِ التَّعَازِي

فَيَالِلَّهِ وَ الأَقْوامُ جَادُوا *** فَهُمْ عَنْ حَقٌّ فَاطِمَ فِي انْحِيَازِ

وَ مَا كَسَبُوا بِمَا صَنَعُوا فَتِيلاً *** بَلَىٰ كَنَرُوا بِهِ شَرَّ اكْتِنَازِ

فَلاَ هُمْ فِي اليَقِينِ ذَوُويَقِينِ *** وَ لَاهُمْ فِي الشُّكُوكِ ذَوُو احْتِرَازِ

وَ حَالُ المَرْءِ يُعْلَمُ فِي امْتِحَانٍ *** فَيَرْسُبُ أَوْ يَجُوزُ عَلَى امْتِيَازِ(2)

ص: 337


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- يجوز: الأظهر أيضاً أنه بالحاء: يحوز بمعنى يحصل على الشيء. الامتياز: إنعام خاصّ يُعطيه الحاكم رجلاً أو جماعة لبيع صنف من البضاعة أو عملٍ من الأعمال مانعاً غيرهم عن تعاطيه و الامتياز في أيّامنا هذه هو أرقى الدرجات التي تَمنح للطالب الناجح.

(2) فلا رقات دموع

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري (*)(1)

رُقَادِي بَعْدَ فَاطِمَةٍ عَزِيزُ *** وَ قَلْبِي مِنْ مَصَائِبِهَا حَزِيزُ(2)

وَ أَيَّامِي وَرِينَةٌ كُلِّ خَطْبٍ *** نِغَارُ حُرُومِهَا أَبَداً نَزِيرُ(3)

أَفَاطِمُ إِنَّ صَابَ الصَّبْرِ مُرٌّ *** وَ إِنَّ مُهَنَّدَ البَلْوَى جَرِيزُ(4)

فَلاَ رَقَأَتْ دُمُوعٌ فِي عُيُونٍ *** وَ لَابِوَجِيبِ أَفْئِدَةٍ هَزِيرُ(5)

وَ لاكَهَمَتْ سُيُوفُ الوِتْرِ حَتَّى *** تُزَاحَ مَوَاجِدٌ وَ يَدِي غَمِيزُ(6)

وَ عُودُ الجَوْرِ مُخْتَضِدٌ طَوِيٌّ *** وَ غُصْنُ الحَقِّ مُفْتَرعٌ دَرُوزُ(7)

وَ نَارُ الظَّالِمِينَ إِلَى رَمَادٍ *** وَ جَمْرُ الصَّابِرِينَ صَلٍ أزُوزُ(8)

وَ وَعْدُ اللَّهِ مُنْتَجَرٌ قَرِيبٌ *** وَ لاوَعْدٌ لأَناكِ نَجِيزُ(9)

ص: 338


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- حزيز: مقطوع رقادي: نومي. عزيز صعب و مشتدّ.
3- نغار: عيون الماء المالح. حروم: المواضع التي تجب حمايتها. نذير: يُتحلب الماء من أرضها.
4- صاب: شجر مرُّ، و قيل: هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن و المفرد صابة. مهنّد: سيف جريز: قاطع.
5- رَقَأت: جفت و انقطعت. و جيب: خفوق. هزیز: تردّد صوت الرعد أو دوي الريح.
6- کهمت: كلّتْ. غميز: ضعيف.
7- مختضد: منكسر-دروز: مرتفع و هو مأخوذ من درز الثوب.
8- صلِ: قاسِ حرُّها. أزوز: تغلي.
9- أفّاك: كذاب. نجيز: منجز و مقضيِّ و معجّل.

وَمِثْلُكَ لا يُصَارُ إِلَى سُلُوِّ *** إِذَا مَا ضَنَّ بِالذِّكْرَى لَحِيزُ(1)

أَأُمَّ السُبْطِ وَ الحَسَنِ افْتِخَاراً *** بِذَيْنِ وَ لاكَكَنْزِهِمَا الكُنُوزُ

وَ زَيْنَبُ أُمُّ مُلْقُومٍ سَمَاءً *** عَفَافِ قُطْبُ أُفَقِهِمَا رَكِيزُ

نَوافِحُ مِنْ لَطِيم المِسْكِ ضَوْعاً *** شَوَافِعُ حِرْزُ جَنَّتِهَا حَرِيزُ(2)

إِذَا اسْتَاف المُحَوِّبُ مِنْ شَذَاهَا *** فَعَفْرُ اللَّهِ كِسْوَتُهُ اللَّزِيزُ(3)

فَهَلْ لَكَ أَنْ تَلُومَ عَلَى وَلائِي *** لَآلِ البَيْتِ وَ المَوْلَى عَزِيزُ

ص: 339


1- سُلو: نسيان الشيء حيث تطيب نفس الإنسان عنه و يذهل عن ذكره و هجره. ضنَّ: بخل لحيز: شحيح و بخيل.
2- نوافح: انتشارات الروائح. لطيم المسك: اللطيم هو المسك أو نافجة المسك. ضوعاً: انتشار الرائحة. حِرْز: نصيب حريز: مُحرز.
3- استاف: اشتم. المحوّب: الآثم المذنب. لزيز: لصيق.

(3) شفيعة الحشر

(بحر المجتثَ)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

أَفَقْتُ مِنْ بَعْدِ نَوْمٍ *** قَدْ طَالَ عَهْداً وَ مَغْزَى

وَجَدْتُ فِي القَلْبِ وَجْداً *** بَيْنَ الضُّلُوع تَنَزَّى

أَضْنَانِيَ البَحْثُ سَيْراً *** فَمَا تَلَکّأْتُ قَفزا(2)

وَ رُحْتُ أَطْلُبُ أَمْراً *** يَلُوحُ فِي الأُفُقِ رَمْزا(3)

كَيْفَ النَّجَاةُ بِحَشْرٍ *** لِمَنْ تَمَادَى وَ أَخْزَى

وَ مَا توَرَّعَ ذَنْباً *** فِي النَّاسِ غَمْزاً وَ لَمْزَا(4)

حَتَّي وَجَدْتُ طَرِيقاً *** أَنْ كَيْفَ أَنْجُو وَ أُجْزَى

وَجَدْتُ أَقْوَال طهَ *** وَمَا إِلَى اللَّهِ يُعْزَى(5)

يُوصِي بِفَاطِمَ حُبّاً *** يَقُولُ حَسْبُكَ كَنْزَا

شَفِيعَةُ الحَشْرِ تَبْدُو *** إِنْ سَاقَنِي الذَّنْبُ وَخْزا(6)

ص: 340


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أضناني: أمرضني بحيث تمكّن منّي الضعف و الهزال. تلكأتُ: أبطأت و توقَفْتُ.
3- يلوح: يبدو و يظهر.
4- غمزاً: غمز بالرجل و عليه بمعنى طعن عليه و سعى به شرّاً. لمزه: عابه أو أشار إليه بعينه و نحوها مع كلام خفيّ.
5- يُعزى: يُنسب.
6- وخزا: وخزه أي طعنهُ طعنة غير نافذة بإبرة أو رمح أو نحوهما و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب فرائد السمطين ج2 ص67 : عن سلمان قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان من أحبّ فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي، و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حبّ فاطمة علیها السلام ينفع في من المواطن أيسر ذلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة...

وَ عِنْدَهَاسَأُنَادِي *** كَيْفَ المُحِبُّ سَيُجْزَى ندَهَا

هيْهَاتَ أَنْتِ وَلاَئِي *** أَفِي جَهَنَّمَ أُرْزا؟

إِنَّ الشَّيَاطِينَ رَاحَتْ *** تَؤُزُّ أَعدَاکِ أَزّا

إِلَى الجَحِيمِ وَ مِنْهُمْ *** فَلَسْتُ أَسْمَعُ رِكْزَا(1)

هَيْهَاتَ أُحْشَرُ فِيهِمْ *** وَإِنْ تَقَطَّعْتُ جَزّا

إِنَّ الجِنَانَ تُنَادِي *** يَكْفِي مُحِبَّكِ عِزَّا

ص: 341


1- الركز: الصوت الخفي أو الحسن.

ص: 342

ص: 343

قافية السين

اشارة

ص: 344

(1) بنت الكرام

(بحر الكامل)

الأستاذ إبراهيم محمد جواد (*)(1)

كُمْ ذَا أُريتُ بِعَثَمَةِ الأَغْلاسِ *** حُلْماً جميلاً هَزَّ لِي إِحْساسِي(2)

حَشْرٌ وَ نَشْرٌ وَ ازْدِحامٌ مُرْعِبٌ *** وَ تَرادُفُ الأَلْوانِ و الأَجْناسِ!

وَ تَزاوُجٌ وَ تَمازُجٌ وَتَماوُجٌ *** وَ تَدافُعٌ كَتَدافُعٌ الأَفراسِ!

وَ مَعَ الخَلائِقِ قَدْ حُشِرْتُ كَمَا أَنَا *** دُونِي و خَلْفِي جَنَّةٌ وَ أَناسِي

ص: 345


1- (*) هو الأستاذ إبراهيم بن محمد بن جواد. ولد في سوريا -إدلب- الفوعة سنة (1356 ه_) الموافق لعام (1937م) فنشأ و ترعرع في أحضان أسرته حتى صلب عوده و سمت منزلته. دخل المدارس الابتدائية و المتوسطة و الثانوية ثم واصل تحصيله العلمي إلى أن تخرج من جامعة دمشق و هو يحمل شهادة كلية الشريعة في سنة (1968 م). و المترجَم له أديب لامع في سماء العلم و الأدب و التأليف و هو يقرض الشعر و يتناول في نظمه أغراض الشعر المألوفة، فهو متنوّع الأغراض، حافل بالصور و الأخيلة و الأفكار، و أكثر نظمه في مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام، و قد نشر الكثير من شعره في الصحف. ألف كتباً كثيرة منها: 1- فاطمة الزهراء علیها السلام صوت الحق و صرخة الصدق - مطبوع. 2- زينب الكبرى علیها السلام صوت الثورة و صدى الرسالة. 3- الأسس العامة للاقتصاد الإسلامي. 4- ديوان شعر بعنوان عرس الشهادة. 5- استمرار النشيد - شعر. 6- قيثارة الولاء -شعر. 7- الوعد الإلهي، و غير ذلك من الكتب القيمة.
2- الأغلاس: ظلمات أواخر الليل.

قَدْ كَدَّنِي عَرَقٌ نَصَبَّبَ سَیْلُهُ *** وَ أَصابَنِي بِالهَمِّ و الإِبْلاَسِ(1)

جَسَدِي تَجَهَّمَ لِي وَ أَبْدَى نُفْرَةً *** مِنِّي وَ رُوحِي مِنْ جَفَاهُ تُقاسِي(2)

وَ النَّفْسُ قَدْ نَدِمَتْ عَلى مَا قَدَّمَتْ *** وَ تَقَدَّمت لِلرُّوحِ بِالإِيئاسِ

***

بَيْنا أَنَا مُتَجَهَّمٌ مُتَحَيِّرٌ *** فَلِقٌ وَ قَدْ كَتَمَ الأَسَى أَنْفاسِي

وَإِذَا بِحانِيَةٍ عَليَّ تَقُودُنِي *** بَيْنَ الوُرودِ وَ خُضْرَةِ المِيماسِ(3)

وَ تَقُولُ لِي اخْتَرْ لِنَفْسِكَ دَوْحَةً *** فِي رَوْضَةٍ مَؤفُورَةِ الإِيناسِ

هذِي جِنانُ الخُلْدِ فَادْخُلُ هانِئاً *** وَ لَكَ التَّنَقُّلُ دُونَما حُرّاسِ

وَ لَكَ القُصُورُ الْعَالِياتُ وَ غُرْفَةٌ *** وَ الحُورُ تَخْطُرُ بُكْرَةً وَ أماسِي

***

فَشَكَرْتُ، حَانِيةً عَليَّ لِفَضْلِها *** و عَجِبْتُ كَيْفَ شَرِبْتُ مِنْ ذِي الكاسِ

وَ سَأَلْتُ با بنت الكرام أفاطِمٌ *** قَالَتْ أَیَا لِفُؤادِكَ الحَسّاسِ

زَهْراءُ سَيِّدةُ النِّساءِ تَحِيَّةً *** مِنْ مُذْنِبٍ قَدْ غاصَ فِي الأَدْنَاسِ(4)

لايَكْتَفِي بِالذَّنْبِ يَفْعَلُ خِلْسَةً *** حَتَّى يُذِيعَ بِرَنَّةِ الأَجْراسِ

ص: 346


1- الإبلاس: الانكسار و الحزن و التحيّر.
2- تجهَّم: استقبل بوجهٍ عبوسِ كريه.
3- الحانية: العاطفة، و الظاهر أنه أراد ب_ «الحانية» الزهراء علیها السلام ما جاء في المناقب الجزء الثالث ص357 مؤسسة انتشارات علامة. قم المطبعة العلمية بقم: «فاطمة، البتول، الحصان، الحرّة، السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المرضية، المحدّثة، مریم الكبرى، الصديقة الكبرى. و يقال لها في السماء: النوريَّة، السماوية، الحانية».
4- الظاهر أنه أراد ب_ (الزهراء) ما ورد في الرواية الواردة في دلائل الإمامة الطبعة الثالثة منشورات الرضا. قم ص54: عن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام: عن فاطمة علیها السلام لم سمّيت الزهراء؟ فقال: لأنها علیها السلام كانت إذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض».

فيمَ الشَّفاعَةُ لي و إِنِّي غارِقٌ *** فِي الإِثْمِ مِنْ قَدَمي لِقِمَّةِ رَاسِي؟!

***

مالَتْ عَلَى الدَّاءِ الوَبِيلِ تَجُسُّهُ *** تَسْتَأْصِلُ الأَوْرَامَ مِثْلَ نِطَاسِي(1)

و تُهَدْهِدُ القَلب الحَزِينَ بِنَظرَةٍ *** نَبَويَّةٍ تَدْعُوهُ لِلإسْلاسِ(2)

قالَتْ ذُنُوبُكَ كُلُّها مَغْفُورَةٌ *** مُحِيَتْ بمَا قَدَّمْتَ من أغْراسِ(3)

لاتَعْجَبَنَّ إِذا أَتَتْكَ شَفاعَتِي *** فَلَكُمْ رَجَمْتَ وَ ساوِسَ الوَسْواسِ

وَ لَكُمْ هَتَفتَ بحبِّ آلِ مُحَمَّدٍ *** حَتَّى تَصَدَّعَ حَافِقُ الخَنَّاسِ

وَ بَلابِلُ الأَفْنانِ يَحْلُو شَدوُها *** فوقَ الغُصونِ وَ فَرْعِها المَياسِ(4)

فَبِكُلِّ قافِيةٍ زَهَتْ فَوْقَ الثَّرَى *** غَرْسٌ فَلاتَقْصُرْ عَنِ الأَعْراسِ

وَ بِكُلِّ أُغْنِيَةٍ شَدَتْ بَيْنَ الوَرى *** لَكِ مَنْزِلٌ يَعْلُو على الأَوْراسِ(5)

***

هِيَ ذِي المكارِمُ قَدْ عَلِمْتُ أُصُولَها *** أَلمُصْطَفَى أَرْكَانُها و مَراسِي

ص: 347


1- تجسُّهُ: تمسه بيدها لتتعرفه. تستأصل: تقلعها من أصولها. النطاسي: الطبيب الحاذق.
2- أسلس قياده: صيّره سلساً سهلاً و السلس: السهولة و الانقياد.
3- لعل ما جاء في «عوالم سيدة النساء ج2 ص1186 ط الثالثة مطبعة أمير/ قم عن كتاب «الثاقب في المناقب» ص293 ح2500 يشير إلى هذا المعنى: روي عن سلمان قال: أتيت ذات يوم منزل فاطمة علیها السلام في حديث إلى أن قال. قال صلي الله علیه و آله و سلم: والذي بعثني بالرسالة و اصطفاني بالنبوَّة، قد حَرّمَ الله «تعالى» النار على لحم فاطمة علیها السلام و دمها و شعرها و عصبها و عظمها و ذريتها و شيعتها. إن من نسل فاطمة علیها السلام من تطيعه النار و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و تضرب الجن بين يديه بالسيف و يوافي إليه الأنبياء بعهودهم و تسلّم إليه الأرض كنوزها وينزل عليه من السماء بركات ما فيها. الويل لمن شك في فضل فاطمة علیها السلام لعن الله من يبغضها و يبغض بعلها و لم يرض بإمامة. ولدها. إن لفاطمة علیها السلام يوم القيامة موقفاً و لشيعتها موقفاً. وإن فاطمة علیها السلام تدعى و تكسى و تشفع فتشفّع على رغم كل راغم».
4- الميّاس: المتمايل المتبختِر.
5- الأوراس: الوَرْس نبات كالسمسم يصبغ به و يتخذ منه الزعفران.

وَمِنَ النَّبِيِّ تَفَرَّعَتْ أَغْصَانُها *** و اخْضَوْضَرَتْ فِي الآلِ خَيْرِ النَّاسِ

زَهْراءُ قِمْتُها وَ تَاجُ كَمالِها *** وَ المُقْتَدَى للناسِ كالنِّبْراسِ

هِيَ لِلنَّبِيِّ الأُمُّ وَ البِنْتُ الَّتِي *** تَأْسُو الجِراحَ بِخِبْرَةٍ وَ مِراسِ(1)

كَمْ ذا تَشَوَّفتِ الرّجالَ لِمِعْصَمٍ *** يَرْجُونَ مِسْكَ طِباقِها و جِناسِ

رامُوا العُلُوَّ فمَا اسْتَطَاعُوا نَيْلَهُ *** وَ تَقاذَفَتْهُمْ خَيْبَةُ المُحْتاسِ(2)

لولا عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ كُفُواً لها *** أَحَدٌ يُوانِسُ دَرْبَها وَيُواسِي(3)

هِيَ لِلْوَصِيِّ الزَّوْجُ تَفْرِسُ دَرْبَهُ *** بِالرَّوْحِ وَ الرَّيْحانِ و الأَقْواسِ(4)

هِيَ لِلْعَطاءِ مَواقِفٌ مَشْهُودَةٌ *** وَ عَزائِمٌ مِثْلُ الجبالِ رَواسِي(5)

ص: 348


1- يشير إلى ما جاء في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج12 الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية. دار صادر بيروت ص440 : فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام».
2- المحتاس: المتوجَع، أو المتحيَّر.
3- قد يشير هذا البيت إلى الرواية الواردة في ينابيع المودة ج1 انتشارات الشريف الرضي الطبعة الأولى في إيران 1413 ص208: «لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ».
4- لعل ما جاء في الرواية الواردة في «کشف الغمة» لأبي فتح الأربلي ج1 ص363 دار الكتاب الإسلامي -بيروت تشير إلى بعض هذا المعنى: قال علي علیه السلام: فواللَّه ما أغضبتها، و لاأكرهتها على أمر حتى قبضها الله «عزوجل» و لاأغضبتني و لاعصت لي أمراً، و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان».
5- في الرواية الواردة في «بحارالأنوار» ج43 ص56 ح50 ط / الثانية. مؤسسة الوفاء. بیروت، نقلاً عن كتاب «بشارة المصطفى» إشارة إلى بعض ذلك: «عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صلَّى بنا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم صلاة العصر فلما انقتل جلس في قبلته و الناس حوله فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل قد تهلّل و أخلق و هو لايكاد يتمالك كبراً و ضعفاً فأقبل عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يستحثه الخبر فقال الشيخ: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم أنا جائع الكبد فأطعمني و عاري الجسد فأكسني و فقير فارشني... فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما أجد لك شيئاً ولكن الدال على الخير كفاعله انطلق إلى منزل من يحب الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم ويحبه الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم يؤثر الله على نفسه انطلق إلى حجرة، فاطمة علیها السلام و كان بيتها ملاصق بيت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه و قال: يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة علیها السلام، فانطلق الأعرابي مع بلال فلما وقف على باب فاطمة علیها السلام نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوَّة صلي الله علیه و آله و سلم و مختلف الملائكة و مهبط جبرائيل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين. فقالت فاطمة علیها السلام: و عليك السلام فمن أنت يا هذا؟ قال شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجراً من شقّة و أنا يا بنت محمد عاري الجسد جائع الكبد فواسيني يرحمك الله و كان لفاطمة و علي علیهما السلام في تلك الحال و رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً و قد علم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذلك من شأنهما... فعمدت فاطمة علیها السلام إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن و الحسين علیهما السلام. فقالت: خذ هذا أيها الطارق فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه... قال الأعرابي: يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم شكوت إليك الجوع فناولتيني جلد كبش ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب، قال: فعمدت لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان فى عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب فقطعته من عنقها و نبذته إلى الأعرابي فقالت: خذه وبعه فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير منه، فأخذ الأعرابي العقد و انطلق إلى مسجد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و النبي صلي الله علیه و آله و سلم جالس في أصحابه فقال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أعطتني فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم هذا العقد فقالت: بعه فعسى الله أن يصنع لك. قال: فبكى النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قال: و كيف لایصنع الله لك و قد أعطتكه فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم سيدة بنات آدم.

هِيَ للطَّهارَةِ أُسها وَ أَسَاسُها *** هِيَ لِلْفَضِيلَةِ عِصْمَةُ المِقْياسِ(1)

ص: 349


1- ربما أراد الإشارة إلى الرواية الواردة في «دلائل لإمامة» للطبري ص 8 الطبعة الثالثة... منشورات الرضا علیه السلام- قم... «عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ قال: نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوجها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هجرتها نسوة قلة فكن لايدخلن إليها و لايسلمن عليها و لايتركن امرأة تدخل إليها فاستوحشت خديجة من ذلك فلما حملت بفاطمة علیها السلام و كانت خديجة علیها السلام تغتم و تحزن إذا خرج رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبرها وكان حزن خديجة علیها السلام من حذرها على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و كانت خديجة علیها السلام تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخل يوماً فسمع فاطمة تحدث خديجة فقال: يا خديجة علیها السلام من يحدثك ؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني. فقال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرائيل يبشرني بأنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و أن الله سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة علیها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش و بني هاشم ليلين منها ما تلي النساء من النساء... فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة كأنهن من نساء هاشم ففزعت منهن فقالت إحداهن: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فأنا رسل ربك إليك... فوضعت خديجة علیها السلام فاطمة علیها السام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا في غربها موضع إلاّ أشرق فيه النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها و دخلت عشر من الحور العين... و تباشرت الحور العين و بشِّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادتها و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم و بذلك لقبِّت بالزهراء علیها السلام ثم قالت: خذيها يا خديجة علیها السلام طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها خديجة علیها السلام فرحة مستبشرة.

هِيَ لِلْعُلوّ شَعائِرٌ وَ مَناسِكٌ *** وَ مَعارِجُ عَزَّتْ على الإِرْكاسِ(1)

ص: 350


1- الأركاس: جمع الركس و هو البناء الذي يرمم بعد الانهدام أو الجسر. من كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام صوت الحق و صرخة الصدق ص19.

(2) عظمت مقاماً

(بحر الكامل)

الشيخ جعفر العوامي(*)(1)

كَبُرَتْ عَوالِمُ جَوْهَرِ الْقُدْسِ *** و عَلَتْ مَعَالِمُها عَلَى الْكُرْسِي

مَلأَتْ مَصَائِبُها الْعَوالِمَ حَيْثُما *** وَقَعَتْ فَلاَ تُحْصَى عَلَى طِرْسِ(2)

أَعْنِي الْبَتُولَةَ فَاطِمَاً مَنْ قَدْ حَوَتْ *** نُوراً بِهِ تَعْلُو النُّجُومُ عَلَى الشَّمْسِ(3)

ص: 351


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- طرس: والجمع أطراس أو طروس و هو الصحيفة عموماً أو الصحيفة التي محيت ثم كتبت و في البيت إشارة إلى ما ورد في الرواية الواردة في (عوالم سيدة النساء) ج2/11 ص545 الطبعة الثالثة منقولة عن «كامل الزيارات». «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أُسري بالنبي صلي الله علیه و آله و سلم قيل له: إن الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك. قال: أسلم لأمرك يا رب و لاقوة لي على الصبر إلا بك، فما هنّ؟ قيل أولاهن: الجوع و الأثرة على نفسك و على أهلك لأهل الحاجة، قال: قبلت يا رب و رضيت و سلّمت و منك التوفيق و الصبر؛ و أما الثانية: فالتكذيب و الخوف الشديد و بِذَلَك مهجتك فيّ و في محاربة أهل الكفر بمالك و نفسك و الصبر على ما يصيبك منهم من الأذى و من أهل النفاق و الألم في الحروب و الجراح. قال: يا رب قبلت و رضيت و سلّمت و منك التوفيق و الصبر. و أما الثالثة: فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل: أمّا أخوك علي فيلقى من أمتك الشتم و التضعيف و التوبيخ و الحرمان و الجهد و الظلم و آخر ذلك القتل؛ فقال يا رب سلّمت و قبلت و منك التوفيق و الصبر. و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يمسّها هوان و ذل ثم لاتجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، قبلت يا رب، و سلّمت و منك التوفيق و الصبر.
3- الإشارة إلى معنى «البتولة» وردت في «علل الشرايع» ج1 ص215 باب144 الطبعة الأولى - مؤسسة الأعلمي. عن عمر بن علي عن أبيه عن علي بن أبي طالب علیه السلام: إن النبي صلي الله علیه و آله وسلم سُئِلَ ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم تقول: إن مريم بتول و فاطمة بتول علیهما السلام، فقال: البتول التي لم ترَ حمرة قط أي لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء».

بنْتُ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ أَحْمدَ مَنْ *** جَلَّتْ عَنِ الأهْوَاءِ وَ الحَدْسِ

عَظُمَتْ مَقَاماً أَنْ تُبَارَى فِي الوَرَى *** فَلِذَاكَ عَزَّتْ فِي الْعَلاءِ عَنِ اللَّمْسِ(1)

ص: 352


1- تباري: تسابق و تعارض و الأبيات فيها عيب من عيوب القافية و هو (التجريد). لاختلاف الضرب في الأبيات مضافاً إلى الزحاف. نقلت من أعلام العوامية لسعيد أبوالمكارم.

(3) خامسة الأشباح

(بحر الطويل)

السيد صالح الحلي (*)(1)

خَلِيلَيَّ عُوجا بِي عَلَى الْحَيِّ وَاحْبِسا *** فَلُوْصَيْكُما فِي رَامَةٍ لا تُغَلِّسا(2)

أَقِيما عَلى وَادِيهِمُ عُمْرَ سَاعَةٍ *** فَقَلْبِي مَعَ الْحَيُّ الْمُعَرِّسِ عَرَّسا

أسائِلُ عَنْهُمْ كُلَّما مرَّرَاكِبٌ *** أُعَلِّلُ نَفْسِي فِي لَعَلَّ وَ فِي عَسَى

إِذا مَا سَرَوْا فَالنَّجْمُ يَسْتُرُ نُورَهُ *** وَ هُمْ أَنْجُمُ السَّارِي إِذا اللَّيلُ عَسْعَسا

لَقَدْ صِرْتُ سَلْسَ الإِنْقِيادِ لِعِيسِهِمْ *** وَلَكِنَّ عِيسَ الظَّعْنِ قَدْ صِرْنَ شُمَّسَا(3)

سَقَوْني كُؤُوسَ الْحَتْفِ حَتَّى تَساقَطَ *** الَّذِي قَدْ سَقَوْنِي مِنْ جُفونِيَ أَكْوسا

وَ قَاسَمَني الدَّهْرُ الجِوارَ فَجَارُهُمْ *** فُؤَادِي وَ جَارِي الدَّمْعِ بِالحُمْرَةِ اكْتَسَى

تَكادُ الثَّرى تَخْضَرُّ مِنْ صَبْ دَمْعِهِ *** وَ تُحْرَقُ مِنْ أَنْفَاسِهِ إِنْ تَنَفَّسا

فَلا دَمْعُهُ يُظفِي حَرارَةَ وَجُدِهِ *** وَ لاالوَجْدُ لِلدَّمْعِ المُرَفرَقِ أَيْبَسا

خَلِيليَّ مَا وَجْدِي لِفَقْدِ أَحِبَّتِي *** وَلَكِنَّمَا وَجْدِي (لِسَيدَةِ النِّسَا)

هِيَ البَضْعَةُ الزَّهْرَا سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ *** وَ خامِسَةُ الأَشْبَاحِ صَاحِبَةُ (الْكِسَا)(4)

ص: 353


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- القَلوص: الانثى الشابَةَ و من الإبل: الطويلة القوائم أو الشابة منها. رامة: مستنقع يجتمع فيه الماء. لاتغلّس: : لاترد الماء في الغَلس و هو ظلمة آخر الليل.
3- العيس: الإبل البيض يخالط بياضها سواد خفيف أو هي كرام الإبل. شُمَّسا: من الدوابَ ما لايمكنُ أحداً من ركوبه أو إسراجه و لايكاد يستقرَّ.
4- في سنن الترمذي ج5 كتاب المناقب باب فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم ح3869 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و يُنصبني ما أنصبها». و في صحيح البخاري ج3 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ومنقبة فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم ح3510 ط بيروت عن المِسْوَرِ بن مخرمة: أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني». و راجع صحيح مسلم ج5 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم ح93. و في الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ للسيوطي تفسير سورة الأحزاب الآية 33 ط بيروت: عن أم سلمة (رضي الله عنها) زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كان في بيتها على منافة لهم عليه كساء خيبري. فجاءت فاطمة علیها السلام ببرمة فيها خزيرة. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ادعي زوجك و ابنيك حسناً و حسيناً علیهما السلام فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا». فأخذ النبي صلي الله علیه و آله و سلم بفضلة إزاره فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء و أومأ بها إلى السماء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و خاصتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً» قالها ثلاث مرات. قالت أم سلمة «رضي الله عنها»: فأدخلت رأسي في الستر. فقلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أنا معكم فقال: إنك إلى خير مرتين. و راجع سنن الترمذي ج5 كتاب المناقب باب فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم ح 3871.

فَلَيْتَ رَسُولَ اللهِ يَنْظُرُ (صِهْرَهُ) *** عَلَى الرَّغْمِ مَرْؤُوساً (وَ تَيْماً) مُرَأْسَا

لَقَدْ كَانَ دَهْرِي قَبْلَ يَوْمِكَ بَاسِماً *** فَدَهْرِيَ مِنْ بَعْدِ افْتِقادِكَ عُبَّسَا(1)

لَقَدْ أَضْرَموا البَيْتَ الَّذِي فِيهِ لَمْ تَزلْ *** مَلائِكَةُ الرَّحْمَنِ تَرْعَاهُ حُرَّسَا(2)

قَدِ اسْوَدَّ مِنْهَا المَتْنُ وَ احْمَرَّ خَدُّها *** وَ أَسْعَدُ مَا لا قَتْهُ فِي النَّاسِ أَتْعَسَا(3)

ص: 354


1- كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في حياته يحنو على فاطمة علیها السلام فهي أحب الناس إليه «سنن الترمذي ح 3874» و كانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها و أجلسها في مجلسه «سنن الترمذي 3872» إلى آخر الروايات التي تشعرنا بأن الدهر كان يبتسم لها و بعد وفاة أبيها صلي الله علیه و آله و سلم أخذت المصائب تتوالى عليها حيث اغتصبوا إرثها في فدك «شرح نهج البلاغة 284/16» و هجموا على دارها و أحرقوا بابه «تاريخ الطبري ج 3/ 198» و ضربوها و كسروا ضلعها «الاحتجاج ج1 ص109» و أسقطوا جنينها الوافي بالوفيات ج5 ص347» و قد تقدمت تفاصيل كثيرة عن ذلك في قصائد متعددة.
2- في الإمامة والسياسة ج1 ص19 ط مصر. قال: و إن أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي علیه السلام فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم و هم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له: يا أباحفص: إن فيها فاطمة علیها السلام فقال: وإن... راجع أنساب الاشراف ج1 ص268 في موضوع أمر السقيفة أيضاً.
3- في كتاب سليم بن قيس ص36 ط طهران. أمر عمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل عمر معهم فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ و دعا عمر بالنار فأحرقها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت یا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر ثم اقتحم قنفذ و أصحابه بغير إذن و ضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و إن في عضدها مثل الدملج من ضربته...

عَجِبْتُ لِمَنْ لَمْ يَنْسَ صَوْلَةً حَيْدَرٍ *** فَكَيْفَ لَحَاهُ اللهُ مِنْ بَعْدُ قَدْ نَسَى(1)

وَصَالَ عَلَى ذَاكَ الْهِزَبْرِ وَقَادَهُ *** بِحَبْلِ بِرَغْمِ الدِّينِ يَنْقَادُ مُبْلَسا(2)

عَلَى مِنْبَرِ الْهَادِي عَلَا (ابْنُ فُلانَةٍ) *** وَ وَارِثُ عِلْمِ اللهِ فِي الدَّارِ أُجْلِسا

لقد أَسْسَ الظُّلْمَ (ابنُ تَيْمِ بْنِ مُرَّةٍ) *** وَ عَلَّى (ابْنُ هِنْدٍ) فَوْقَ مَا كَانَ أَسَّسا

دَعَا ابْنُ الدَّعِي الرِّجْسُ نَغْلَ أُمَيَّةٍ *** وَ قَدْ كَانَ أَدْعِى مِنْ يَزِيدٍ وَ أَنْحَسَا

فأَثْبَتَ رُكْنَ الشِّرْكِ بَعْدَ انْهِدَامِهِ *** وَ خَفَّ بِطَوْدِ الدِّينِ مِنْ بَعدِ مَا رَسا

أَتَتْ مِثْلَ مَجْرَى السَّيْلِ فَاسْوَدَّتِ الْفَضا *** فَلَمْ تَرَ فِي أَرْضِ مِنَ الْجُنْدِ مَجْلِسا

أبَى أَنْ يَحلَّ الضَّيْمُ سَاحَةَ رَبْعِهِ *** وَ نَزَّهَ مِنْ تَيْمِ الدَّنِيَّةِ مَعْطَسا

سَعى للرَّدى في فِتْيَةٍ تُرْهِبُ العِدَى *** وَ تُفْدِي لِحِفْظِ الدِّينِ فِي اللهِ أَنْفُسا(3)

سَطَوْا فَسَقَوْا أَعْدَاءَهُمْ جُرَعَ الرَّدَى *** مَضَوْا فَقَضَوْا حَقَّ الهُدَى حِينَ أَطْمِسا

إِذا نَظَرُوا لِلشُّوسِ شَزْراً تَقَطَّعَتْ *** عَلَى وَجَلٍ أَكْبَادُ مَنْ كَانَ أَشْوَسا(4)

كَأَنَّ السُّيوف المَشْرَفِيَّاتِ أَنْجُمٌ *** بِأَفْقِ غُبارٌ مِنْ رُكامٍ تَحَنْدَسا(5)

كأَنَّ القَنا الخَطيَّ أَغصانُ دَوْحَةٍ *** تُخالِفُ مِنْهَا شَمَالُ الرِّيحِ أَرْؤُسا

ص: 355


1- لحاه: شتمه وعابه، أو لعنه.
2- في الاحتجاح للطبرسي، ط قم ، ج1 ص109: فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و انطلقوا بعلي علیه السلام ملبباً بحبل حتى انتهوا به إلى أبي بكر.
3- الردي: الموت.
4- الشوس: الطوال الأشداء في القتال. شزراً: النظر إلى الشيء بجانب العين مع إعراض أو غضب.
5- تحندس: أظلم.

كَأَنَّ اعتناق السُّوسِ في حَومَةِ الوغى *** به نَيْلُ آمال لها الدَّهرُ حَبَّسا

كأَنَّ اصْطِلكاكَ البِيْضِ في البيضِ عِنْدَهُمْ *** تَرَنُّمُ شَادٍ في حُمَيَّا قَدِ احْتَسَى

رَمَتْ آلَ حَرْبٍ حَرْبَ آلِ مُحَمَّدٍ *** بِجَيْشِ لُهام في الصَّلالَةِ أُرْكِسا(1)

وَ بَاعَ (ابْنُ سَعْدٍ) دِينَهُ بِدَنِيَّةٍ *** فَأَصْبَحَ مِنْ دُنْيَاهُ وَ الدِّينِ مُفْلِسا(2)

ص: 356


1- جيش لُهام: الجيش العظيم كأنه يلتهم كل شيء.
2- عن ديوان شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص91.

(4) تشتكي فاطم علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الواحد مظفر(*)(1)

سَلامٌ عَلَى بَابِ الْحَوَائِجِ عَبَّاسِ *** شِبْلِ الْوَصِيِّ عَليٍّ فارِسِ النَّاسِ

إِنَّ حَامِي الْحِمَى الْحُسْنَى مَوَاهِبَهُ *** فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ وَ الْمَعْرُوفِ وَ البَاسِ

هُوَ المِجَنُّ لاِحْدَاثِ الزَّمَانِ لَنَا *** وَ الْعَوْنُ عِنْدَ لِقَاءِ الْفَادِحِ الْقَاسِي(2)

إنّ الحدِيثَ الَّذِي يَرْوِي كَرَامَتَهُ *** عِنْدِي صَحِيحٌ عَلَى الْعَيْنَيْنِ وَ الرَّاسِ

قَدْ ثَبَّتَ اللَّهُ فِيهِمْ رُكْنَ مِلَّتِهِ *** لاَيَثْبُتَنَّ الْبِنَا إِلاَّ بآساسِ

وَ إِنَّهُمْ عِندَنَا سُفْنُ النَّجاةِ لَنَا *** وَمَا عَلَيْنَا بِنَقْدِ الْخَصْمِ مِنْ بَاسِ

نَرْجُو الشَّفَاعَةَ مِنْهُمْ فِي المَعادِ لَنا *** لَسْنَا مِنَ الْفَوْزِ بِالْفَرْدَوْسِ فِي يَاسِ

وَإِنَّمَا رِيُّنا مِنْ حَوْضِ كَوْثَرِهِمْ *** كَاسٌ هَيِّنٌ رَوِيٌّ طَابَ مِنْ كَاسِ

سَيأمُرون غَداً فِينَا إلى غُرَفٍ *** مَحْفُوقَة بِرِياضِ الوَرْدِ وَ الآسِ(3)

فَالأمِنونَ مِنَ النِّيرانِ شِيعَتُهُمْ *** إِنْ أُوقِدَتْ بِالْحِجَارِ الصُّلْدِ وَ النَّاسِ(4)

وَإِنَّ شِيعَتَهُمْ فِي الحَشْرِ مَنْزِلِهُمْ *** بَيْنَ النَّبِيِّينَ مِثْلَ الْخِفْرِ وَ الْيَاسِ

رَوْحٌ و رَيْحانٌ فِيهَا وَ النَّعِيمُ بِها *** عَرْفٌ ذَكَا نَشْرُهُ مِن طِيبِ انْفَاسِ

ص: 357


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- المِجَنّ: كلّ ما وقى من السلاح الترس الذي يستر حامله.
3- الآس: جنس نبات من فصيلة الآسيات ورقه دائم الخضرة زهره أبيض ثماره صغيرة و لذيذة و هي بيضاء و سوداء و يسمّى أيضاً الريحان.
4- الحجار الصُّلْد: الصُّلب.

وَ الجَاحِدُونَ لَهُمْ فِي قَعْرِ مَظْلَمَةٍ *** مَعَ الشَّيَاطِينَ في ذُلُّ وَ إِبْلاسِ(1)

يُكَبُّ ظَالِمُهُمْ وَ الْقَاتِلُونَ لَهُمْ *** عَلَى المَناخِرِ فِي النِّيرانِ و الرَّاسِ

إِنْ تشتكِي فَاطِمُ الزَّهراءُ مَا لَقِيَتْ *** أَبْنَاؤُهَا مِنْ صَنِيع الأُمَّةِ القَاسِي

تَجِيءُ تَحْمِلُ رَأْسَ السِّبْطِ مُهْجَتِها *** و طفْلَهُ وَ يَدَيْ ذِي الْفَضْلِ عَبَّاسِ

هُنَاكَ يَشْتَدُّ سُخط اللَّهِ إِذْ غَضِبَتْ *** بِنْتُ النَّبِيِّ عَلَى الجَانِي مِنَ النَّاسِ(2)

ص: 358


1- إبْلاس: قلّة الخير، انكسار و حُزن، تحيّر.
2- بطل العلقمي ج3 ص427 و القصيدة في أبي الفضل العباس: ولكن حيث أشار الشاعر فيها إلى الزهراء علیها السلام ذكرنا قصيدته.

(5) الخدر المصون

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

أعَلِّلُ فِي خُطُوبِ الدَّهْرِ نَفْسِي *** بِمَا قَدْ لأقَتِ الزَّهْرَاءُ أَمْسِ(2)

وَ مَنْ يَمْدُدْ لآلِ الْبَيْتِ حَبْلاً *** يَجِدثِقَلَ الخُطوب خَفِيفَ جَسِّ(3)

إذا ضَاقَتْ بِكَ الدُّنْيَا فَوَجُهُ *** سَفِينَ رَجاكَ نَحْوَ الصَّبْرِ وَارْسِ

تَأسَّ بِمَنْ تَحَيَّفَهُمْ زَمَانٌ *** أَبَى أَنْ لايُصاحِبَ غَيْرَ نِكْسِ(4)

عَلى قَدْرِ احْتِمَالِكَ فِي الرَّزَايَا *** تَجِيءُ خُطاكَ فِي دَرْبِ التَّأَسِّي

فَمَا الأمْرُ الَّذِي يُضْنِيكَ إِلاّ *** نَزائِرُ شِقْوَةٍ وَ خِفافُ مَيْسِ؟(5)

تَرُوحُ عَلَى التّاؤُه وَ التَّشَظْي *** وَ تَغْدُو حِلسَ أفَّ ثُمَّ تُمْسِي(6)

ص: 359


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- جاء في الرواية عن «أمالي الطوسي» ص191 مؤسسة الوفاء. بيروت، الطبعة الثانية .(1981). بعض الإشارة إلى مضمون البيت: «عن عبد الله بن العباس قال: لما حضرت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته فقيل له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي و ما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة علیها السلام ابنتي و قد ظلمت بعدي و هي تنادي «يا أبتاه يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم» فلا يعينها أحد من أمتي فسمعت ذلك فاطمة علیها السلام فبكت فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لاتبكين يا بنية. فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكن أبكي لفراقك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها: أبشري يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم بسرعة اللحاق بي، فإنکَ أول من يلحق بي من أهل بيتي».
3- خفيف جس: خفيف المس باليد ليتعرَّفه.
4- تحيَّفهم: تنقصهم و أخذهم من جوانبهم. نكس: رجل ضعيف دنيء لاخير فيه.
5- يضنيك: يمرضك من التعب و الهزال مَيْسِ: رحل أو المشي على نحو التمايل و التبختر.
6- التشظى: الانشقاق و التفرق حلس: ملازم بحيث لايبرح.

فَأَيْنَ حَلاوَةُ الإِيمَانِ إِلاّ *** تُحَصِّدُ مِنْ يَقِينِكَ كُلَّ مَرسِ؟(1)

وَ أَيْنَ تَقَحُّمُ الأَبْطالِ إِلاّ *** تَخُضْ دَأْمَاهَا بِوَتَابِ حُمْس؟(2)

عَلَى قَدَرٍ قُسُومُ النَّاسِ تَجْرِي *** سَواسِيَةٌ بِلاَتَبْعِيضِ جِنْسِ

وَ أَقْرَبُهُمْ إِلَى الرَّحْمنِ ناضٍ *** ثِيابَ السُّوءِ مِنْ دَرَنٍ مُخِسِّ(3)

أَلَمْ تَرَ لِلَّذِينَ مَضَوْا خِفافاً *** تَسامَوْا فِي الفَضِيلةِ دُونَ رِكْسِ؟(4)

عَلَى الشَّهَواتِ مَا سَجَرُوا أَتُونَا *** وَ فِي الشُّبُهَاتِ مَا انْتَقَبُوا بِلُبْسِ(5)

فَرائِصُهُمْ مِنَ المُثلَاتِ رَجْفَى *** بِيَوْمِ مِنْ عَذَابِ اللهِ نَحْسِ

وَ أَعْيُنُهُمْ مِنَ العَبَراتِ وَ كَفَى *** وَ أَنْفُسُهُمْ نَواشِجُ دونَ نَبْسِ(6)

أُولَئِكَ صَفْوَةٌ شَدُّوا رِحالاً *** إِلَى الأُخْرَى قُبَيْلَ نُزولِ رَمْسِ(7)

رَأَوْا مُتَعَ الحَياةِ إِلَى تَلاشٍ *** وَ أَعْراسَ الْخَطِيئَةِ شَرَّ عُرْسِ

تَقَفَّ خُطاهُمُ وَاجْنَحْ لِسِلْمٍ *** مَعَ الإِيمَانِ تُعْطِ قَرَارَ نَفْسِ

حذارَكَ إِنَّ تِنِّينَ الدَّنايا *** يَنْضِضُ يَدْرِيكَ لِكُلِّ فَرْسِ

وإِنَّ النَّفْسَ مَرْكَبُهَا جَمُوعٌ *** وَ إِنَّ حَلاوَةَ اللَّذَّاتِ تُنْسِي(8)

وَ إِنَّكَ إِنْ أَفَأْتَ إِلى رَشادٍ *** سَلِمْتَ عَلى المدى مِنْ كُلِّ دَهْسِ(9)

إلى جَدَدٍ بِهِ الزَّهْراءُ سارَتْ *** يُؤَطْرُهُ الخُلُودُ بِكُلِّ وَرْسِ(10)

تَضَرَّعَتِ النُّبوَّةُ في رِداها *** وَ عَمَّتْ هَضْبَتَيْ رَضْوَى و قُدْسِ

ص: 360


1- مَرس: سير دائم أو الشدة في معالجة الأشغال.
2- دأماها: بحرها. بوثاب: قفزات. حمس: شداد.
3- ناضِ: مُجرِّدٌ. درن وسخ. مُخس: منقص من القدرة.
4- رکس: رجس.
5- سجروا: أوقدوا. الأتون: موقد النار.
6- وكفى: سيّالة. نواشج: ذوات غصة بالبكاء من غير انتحاب. نبس: تكلم.
7- رمس: قبر ولحد.
8- جموح: يتغلب على راكبه و يذهب به ولا ينثني.
9- آفات: رجعت.
10- يؤطره: يعطفه و يثنيه أو يجعل له إطاراً ورس: نبات كالسمسم.

هِيَ الخِدْرُ المَصُونُ هِيَ التَّجَلِّي *** هِيَ السِّفْرُ المُنفَّدُ كُلَّ نَقْس(1)

هِيَ القَبَسُ الَّذِي ما غاضَ مِنْها *** سَليط في ليالٍ جِد دُمسِ(2)

هِيَ الدَّمْعُ السَّكُوبُ إِذَا اسْتَجاشَتْ *** مَواجِعُها وَ لَيْلُ الهَمْ يُؤْسِي(3)

تُطِيلُ سُجُودَها و تَرُودُ دُنْيا *** مِنَ الإِخْبَاتِ في سَبَحَاتِ حِسِّ(4)

ص: 361


1- النقس: المداد الذي يكتب به. و لعل في البيت إشارة لما في (عوالم العلوم ج1 ص276 الطبعة الثالثة مؤسسة الإمام المهدي (عج الله تعالي فرجه الشریف) قم المقدسة. منقولاً عن كتاب (نوادر الراوندي) ص13: «عن موسى بن جعفر علیه السلام عن آبائه علیه السلام قال: قال علي علیه السلام: استأذن أعمى على فاطمة علیها السلام فحجبته. فقال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لها : لم حجبته و هو لايراكِ؟ فقالت علیه السلام: إن لم يكن يراني فإني أراه وهو يشم الريح. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : أشهد أنَّك بضعة منّي».
2- دُمس: شديدة الظلام. سليط: زيت جيد، كل دهنٍ عُصر من حب.
3- قد يشير الشاعر في هذا البيت إلى كثرة بكائها علیها السلام إشارة إلى الرواية الواردة في «أمالي الصدوق» ص121. (5) منشورات الأعلمي للمطبوعات الطبعة الخامسة (1980) حيث جاء فيها: «عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد علیه السلام قال: البكاؤون خمسة آدم و يعقوب و يوسف و فاطمة علیهم السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و علي بن الحسين علیه السلام. فأما آدم علیه السلام فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية و أما يعقوب علیه السلام فبكى على يوسف علیه السلام حتى ذهب بصره و حتى قيل له «قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ»، وأما يوسف علیه السلام فبكى على يعقوب علیه السلام حتى تأذى به أهل السجن، فقالوا إما أن تبكي بالنهار و تسكت بالليل وإما أن تبكي بالليل و تسكت بالنهار فصالحهم على واحد منهما و أما فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة و قالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، و أما علي بن الحسين علیه السلام فبكى على الحسين علیه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى :له جعلت فداك يابن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي و حزني إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة علیها السلام إلا خنقتني لذلك عبرة».
4- ربما أراد في هذا البيت ذكر عبادتها و ركوعها و سجودها علیها السلام كما جاء في الرواية الواردة علل الشرائع ج1 ص215 (1) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات الطبعة الأولى (1988). «عن الحسين بن علي علیه السلام عن أخيه الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لاتدعو لنفسها بشيء فقلت لها: يا أماه لِمَ لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار». و في كتاب زهد النبي لأبي جعفر أحمد القمّي أنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلي الله علیه و آله و سلم ««وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ» بكى النبي صلي الله علیه و آله و سلم بكاء شديداً و بكت صحابته لبكائه و لم يدروا ما نزل به جبرائيل و لم يستطع أحد من صحابته أن يكلمه. و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا رأى فاطمة علیها السلام فرح بها فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها فوجد بين يديها شعيراً و هي تطحن فيه و تقول: «وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى» فسلَّم عليها و أخبرها بخبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و بكائه. فنهضت و التفت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل فلما خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة و بكى و قال: واحزناه إن بنات قيصر و كسرى لفي السندس و الحرير و ابنة و محمد صلى الله عليه و آله و سلم عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً، فلما دخلت فاطمة علیها السلام على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن سلمان تعجب من لباسي فوالذي بعثك بالحق ما لي و لعلي منذ خمس سنين إلا مسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا فإذا كان الليل افترشناه و إن مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف. فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يا سلمان إن ابنتي لفي الخيل السوابق... ثم قالت: يا أبت فديتك ما الذي أبكاك؟ فذكر لها ما نزل به جبرائيل من الآيتين المتقدمتين قال: فسقطت فاطمة علیها السلام على وجهها و هي تقول: الويل ثم الويل لمن دخل النار... اعلموا أني فاطمة علیها السلام عبد الحميد المهاجر، ج2 ص233.

و مَنْ شَقَّتْ لَدَيْهِ الرُّوحُ يَسْمَعُ *** مُناجاةَ السَّمَاءِ بِكُلِّ جَرْسِ(1)

ص: 362


1- شفَتَ: رقَّت و نحلت و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.

(7) آل فاطمة علیها السلام

(بحر المتقارب)

الشيخ محمد علي الأردوبادي(*)(1)

لِيُهنِي الهُدَى فَيْضُهُ الأَقْدَسُ *** غَداةَ زَهي الثِّقَلُ الأَنْفَسُ

ص: 363


1- (*) هو الشيخ محمد علي ابن الميرزا أبي القاسم بن محمد تقي بن محمد قاسم الأردوبادي التبريرزي النجفي. عالم متضلّع، فقيه بارع، و أديب كبير، و نسبته إلى أردوباد، مدينة تقع على الحدود بين آذربايجان و القفقاس قرب نهر أرس. و كانت ولادته في تبريز في 21 رجب سنة (1312 ه_). و أتى به والده إلى النجف الأشرف بعد عودته إليها في حدود سنة (1315 ه_) فنشأ عليه و وجهه خير توجيه. قرأ مقدمات العلوم على لفيف من رجال الفضل و العلم و حضر في الفقه والأصول على والده و شيخ الشريعة الأصفهاني، و قد أخذ عنه الحديث و الرجال أيضاً، و السيد ميرزا علي ابن المجدد الشيرازي و في الفلسفة على الشيخ محمد حسين الأصفهاني، و في الكلام والتفسير على الشيخ محمد جواد البلاغي. و شهد له بالاجتهاد كل من أستاذه الشيرازي و الميرزا حسين النائيني و الشيخ عبد الكريم الحائري، و الشيخ محمد رضا (أبي المجد) الأصفهاني و السيد حسن الصدر و غيرهم. و الأردوبادي عالم كبير و شخصية فذَّة، و رجل دين مثالي، و قد لانكون مبالغين إذا ما وصفناه بالعبقرية، فقد ساعده ذكاؤه المفرط و استعداده الفطري على النبوغ في كلّ المراحل الدراسية و العلوم الإسلامية حيث برع في الشعر و الأدب حتى تفوَّق على كثير من فضلاء العرب و وهب أسلوباً رائعاً غبطه عليه الكثيرون، و أصبح حجة في علوم الأدب و اللغة و الفقه و أصوله و الحديث و الرجال و التفسير و الكلام و الحكمة و غيرها. قضى عمره الشريف في خدمة الدين و العلم، و وقف نفسه لخدمتها حتى أواخر أيامه و قد ساهم في مختلف ميادين الخدمة و مجالات الإصلاح، فقد قاوم حملات التبشير بعنف و حماس و كتب عشرات المقالات في مجلات البلاد الإسلامية، و دعا إلى مذهب أهل البيت علیهم السلام بما أوتي من حول و طول و ذبَّ عنهم، و نقد خصومهم، و حارب أعداءهم بلاهوادة، و صرف جهداً بالغاً في نشر فضائلهم، و الإسهام في إقامة شعائرهم، و الإشادة بذكرهم على الملأ، و اهتم بآثار السلف و مآثرهم اهتماماً كبيراً، فعُني بمؤلفاتهم المخطوطة و لاسيما القديمة و النادرة، فنسخ منها عدداً لايستهان به و أعان على نشر كثير منها. و للمترجَم له أيادٍ بيضاء في خدمة جماعة من المؤمنين في النجف الأشرف و غيرها، فقد ساعد الكثيرين خلال الأعوام المتمادية و مدّهم بمعلومات مما يخص بحوثهم و كان يهدف إلى خدمة العلم لنشر العلم و الأدب لتقدم الإنسانية. هكذا حفلت حياة المترجَم له بأعمال الخير و استنفدت جهده الباقيات الصالحات حتى وهت قواه و أصيب بالشلل، فانزوى في داره في السنوات الأخيرة، و كان لايخرج إلّا نادراً و بصعوبة إلاّ أنَّه لم يفتر عن العمل، فقد بدأ في تلك العزلة بتأليف تفسير القرآن الكريم و كان يمليه على سبطه و أنهى جزأه الأول. و ترك المترجَم له آثاراً قيمة متنوعة في النظم والنثر منها: *کتاب ضخم في ست مجلدات على نهج الكشكول. *حياة إبراهيم بن مالك الأشتر. *حياة سبع الدجيل، ترجمة السيد محمد ابن الإمام الهادي علیه السلام. *سبيك النضار في شرح حال شيخ الثار المختار. *الكلمات التامات، في المظاهر العزائية و الشعائر الحسينية. *الأنوار الساطعة. *حلق اللحية . *منظومة في واقعة الطف. *علي وليد الكعبة. *حياة الإمام المجدد الشيرازي. *سبك التبر فيما قيل في الإمام الشيرازي من الشعر. *ديوان شعر معظمه في مدح آل البیت علیهم السلام و هو أکثر من ستة آلاف بيت. *التقريرات في الفقه و الأصول. لبى نداء ربه في النجف الأشرف ليلة الأحد 1 صفر سنة (1380 ه_) و شيضع تشييعاً يليق بمكانته و خدماته، و دفن في الحجرة الرابعة على يسار الداخل إلى الصحن الشريف من باب السوق الكبير و هي التي دفن فيها كثير من الاعلام.

شَأَتْ أَرْضُ مَكَّةَ فِيهِ السَّما *** فَذَلَّ لَها الْفَلَكُ الأَطْلَسُ(1)

وَ غَالَىٰ بِهَا الْقُدْسُ مِنْ فَاطِمٍ *** فَزَايَلَها الثَّمَنُ الأَوْكَسُ(2)

ص: 364


1- شأت: سبقت. الأطلس: المغبر إلى السواد.
2- الأوكس: الأنقص.

وَ غُصْنُ النُّبُوَّةِ أَعْيَاصُهُ *** بِرَوْضِ الْجِنانِ لَهَا مَغْرِسُ(1)

وَ نَسْجُ الخِلافَةِ أَبْرادُها *** فَمَا الْحُورُ جَلَّلَها السُّنْدُسُ!

مَشَتْ فِي الصَّعِيدِ وَ عَلْيَاؤُها *** لَها فَوْقَ مَامِ السَّما مَعْطِسُ

وَ عَنْ غَيرِ سُؤدَدِها المُسْتَفِيضِ *** غَدَتْ سُوَرُ الذَّكرِ لاتَنْبِسُ(2)

وَ قَدْ وَقَفَتْ فِيهِ فِي مُسْتَوّى *** بِوَصْم الرّجاسَةِ لايُدْنَسُ

فَعَنْ دَنَسِ الشّركِ مَفْطُومَةٌ *** وَ عَنْ كُلِّ شَانِئَةٍ تُحْرَسُ(3)

ص: 365


1- أعياصُه: العيص هو الشجر الكثير الملتف أو منبت خيار الشجر أو الأصل.
2- لاتنبس: لاتتكلّم.
3- شانئة: مبغضة مع العداوة، و ربما فيه إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب (دلائل الإمامة) للطبري الطبعة الثالثة - منشورات الرضا، قم ص10: (قال: قال أبوعبد الله علیه السلام: الفاطمة علیها السلام تسعة أسماء: فاطمة علیها السلام،و الصديقة و المباركة و الطاهرة و الزكية، و الراضية و الرضية، و المحدثة، و الزهراء. ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة علیها السلام؟ قلت: أخبرني يا سيدي مما فطمت؟ قال: من الشرك... علم ثم قال: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام تزوجها لما كان لها كفؤ على وجه الأرض إلى القيامة من آدم فمن دونه». و في المناقب لابن شهر آشوب، ج3 ص357-358. و قلنا: الصدّيقة بالأقوال و المباركة بالأحوال و الطاهرة بالأفعال الزكية بالعدالة... و الرضيّة بالمقالة... و المرضيّة بالدلالة... المحدّثة بالشفقة... و الحرة بالنفقة... و السيدة بالصدقة... الحصان بالمكان... و البتول في الزمان... و الزهراء علیها السلام بالإحسان... مريم الكبرى في الستر... و فاطم علیها السلام بالسر... و فاطمة علیها السلام بالبر... النورية بالشهادة... و السماويةَ بالعبادة... و الحانية بالزّهادة... و العذراء بالولادة . . الزاهدة الصفية... العابدة الرضية... الراضية المرضية... المتهجدة الشريفة... القانتة العفيفة... سيدة النسوان... و حبيبة حبيب الرحمن... المحتجبة عن خزّان الجنان. وصفيّة الرحمن... ابنة خير المرسلين صلي الله علیه و آله و سلم... و قرّة عين سيد الخلائق أجمعين... و واسطة العقد بين سيدات نساء العالمين... و المتظلمة بين يدي العرش يوم الدين... ثمرة النبوّة صلي الله علیه و آله و سلم... وأم الأئمة و زهرة فؤاد شفيع الأمة... الزهراء علیها السلام المحترمة... و الغرّاء المحتشمة... المكرّمة تحت القبة الخضراء... و الإنسية الحوراء... و البتول العذراء ست النساء... وارثة سيد الأنبياء صلي الله علیه و آله و سلم... و قرينة سيد الأوصياء... فاطمة الزهراء علیها السلام... الصديقة الكبرى... راحة روح المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم... حاملة البلوى من غير فزع و لاشكوى... و صاحبة شجرة طوبى... و من أنزل في شأنها و شأن زوجها و أولادها سورة هل أتى... ابنة النبي صلي الله علیه و آله و سلم... و صاحبة الوصي... و أم السبطين... و جدة الأئمة... و سيدة نساء الدنيا والآخرة... زوجة المرتضى علیه السلام... و والدة المجتبى علیه السلام... و ابنة المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم... السيدة المفقودة... الكريمة المظلومة الشهيدة... السيدة الرشيدة... شقيقة مريم علیها السلام... و ابنة محمد صلي الله علیه و آله و سلم الأكرم... المفطومة من كل شر... المعلومة بكل خير .. المنعوتة في الإنجيل... الموصوفة بالبر و التبجيل... درّة صاحب الوصي و التنزيل... جدّها الخليل و مادحها الجليل و خاطبها المرتضى علیه السلام بأمر المولى جبرائيل...

لَمِنْ تَسْعَ فِي نَيْلِهِ الْعَاثِرَاتُ *** يُؤَخِّرُها عِزُّها الأَقْعَسُ(1)

فَأَيْنَ مِنَ النُّورِ نُورِ الْهُدَى *** بِظَلْماءِ لَيلِ الْعَمَى حَنْدَسُ(2)

وَ فِي مُنْتَهى الْقَوْسِ عِنْدَ الصُّعُودِ *** لَيْسَ لِمَنْ يَبْتَغِي مَلْمَسُ

بإمكانها الأشرفُ الْمُسْتَنِيرُ *** نِبطَتْ بِآفَاقِهَا الأَنْفُسُ

وَ إِنَّ عَلَى وُدّها الأَنْبِيَاءَ *** عُلُوَّا بِنِيَّةِ مَا أَسْسُوا

وَ دَارَتْ عَلَيْهِ قُرُونٌ مَضَتْ *** تَقَفّى الْبَلِيعُ بِهِ المُبْلِسُ(3)

وَ فِي المَلَكُوتِ لَهَا مَوْقِفٌ *** وَ ذِكرُ إِلَى الْحَشرِ لايَدْرُسُ(4)

ص: 366


1- الأقعس: المنيع.
2- حندس: ليل شديد الظلمة، أو الظلمة.
3- المبلس: المتحير.
4- يُدْرَس: يمحى، و لعل الموقف هو ما ورد في الرواية الواردة في (تفسير فرات الكوفي) تحقيق محمد الكاظم مؤسسة النعمان للطباعة و النشر (1992) بيروت الجزء الأول حاشية ص362 ... «قال: حدثني الحسين بن سعيد معنعناً: عن جعفر عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إذا کان یوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر بنت حبيب الله إلى قصرها فاطمة علیها السلام ابنتي فتمر و عليها ريطتان خضرا و ان حواليها سبعون ألف حوراء فإذا بلغت إلى باب قصرها و جدت الحسن علیه السلام قائماً و الحسين علیه السلام نائماً مقطوع الرأس فتقول للحسن علیه السلام: من هذا؟ فيقول: هذا أخي إن أمة أبيك قتلوه و قطعوا رأسه، فيأتيها النداء من عند الله يا بنت حبيب الله صلي الله علیه و آله و سلم إني إنما أريتك ما فعلت به أمة أبيك إني ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه وإني جعلت تعزيتك اليوم أني لاأنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي الجنة أنت و ذريتك و شيعتك و من والاكم معروفاً ممن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد. فتدخل فاطمة علیها السلام ابنتي الجنة و ذريتها و شيعتها و من والاها معروفاً ممن ليس من شيعتها فهو قول الله «عزوجل»: «لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» [سورة الأنبياء الآية : 103] قال: هول يوم القيامة: «وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ» هي واللَّه فاطمة علیها السلام وذريتها علیهم السلام و شيعتها و من والاهم معروفاً ممن ليس هو من شيعتها».

وَ لَمْ يُلْفَ كُفْوٌلَهَا فِي الْوُجُودِ *** لَوْلا ابْنُ فَاطِمَةَ الأَقْدَسُ

وَ ذُرِّيَّةٌ بَعْدَها قَدْ رَكَوْا *** فَمَنْ أَقْعَسٌ بَعْدَهُ أَشْوَسُ(1)

أَئِمَّةُ حَقٌّ هُمُ الْمُصْطَفَوْنَ *** لأمر الخِلافَةِ مَا اسْتَيْأَسُوا

وَ تَيْمُ ابْنُ مُرَّةَ أَعْلامُها *** وَ نَوْكَى عَدِيٍّ بِهَا نُكَّسُ

وَ مَا لابْنِ عَفَّانَ فِي مُنْتَدَيَ *** الْقَدَاسَةِ إِمَّا احْتَبى مَجْلِسُ

سوى آلِ فَاطِمَةَ الأَكْرَمِينَ *** يُطَأَطَأُ مِنَّا لَهَا الأَرْؤُسُ

أَقُولُ وَ أُنْسُ اللَّسَانِ الثَّناءُ *** وَ قَلْبِي بِذِكْرَاهُمُ يَأْنَسُ

ذَخَرْتُ لمثوى اللُّحودِ الوَلاءَ *** و يوم هُوَ المُفْلِقُ المُخْرِسُ

وَ نَشْوَةُ حُبِّي بَنِي فاطِمٍ *** تُدارُ لها بَيْنَنا الأَكْؤُسُ

و إنْ كانَ قَصْراً عليها الفخاً *** رُفَإنَّ عليها الثَّنا يُحْبَسُ(2)

ص: 367


1- أشوس: من رفع رأسه تكبراً.
2- نقلت من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص131.

ص: 368

قافية الشين

اشارة

ص: 369

ص: 370

(1) ميلادك النور

(بحر البسيط)

الأستاذ حميد أحمد المسري(*)(1)

ميلادكِ النُّورُ فِي الآفاقِ يَفْتَرِشُ *** وَ فَضْلُكِ فِي صَدَى الأَزْمَانِ مُنْتَعِشُ(2)

وَ ذِكرُكِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ قَاطِبَةً *** لايَنْزَوِي وَ هُوَ فِي التَّارِيخِ مُنتقِشُ(3)

أَنْتِ الَّتِي كنتِ نُوراً شامخاً أَزَلاً *** عَبْرَ الدُّهُورِ بمرٌ لَيْسَ يَنْكَمِشُ(4)

ص: 371


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- يفترش: ينبسط. المعنى: إن مولدك هو النور الذي انتشر و انبسط في الآفاق وما زال فضلك يتردد عبر الدهور عبر ألسنة الموالين و المحبين لك فهو طري أبداً.
3- ينزوي: ينقبض، ينكمش.
4- في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فكلم الله «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، ولذلك سميت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات... أقول: أول شيء خلقه الله هو نور محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام كما جاءت بذلك الروايات لدى العامة و الخاصة... فالسنة و الشيعة أكدوا هذا المعنى... و يكفي إلقاء نظرة واحدة على كتب الصحاح للكشف عن هذه الحقيقة... حتى أن جابر بن عبد الله الأنصاري حين النبي صلي الله علیه و آله و سلم ما هو أول شيء خلقه اللَّه؟ قال: نور نبيك صلي الله علیه و آله و سلم يا جابر... و هنا نجد الملاحظة التي تشد القلوب و تلفت الانتباه و هي أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام و هم الخمسة أصحاب الكساء محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين «عليهم أفضل الصلاة و أزكى السلام» كانوا أنواراً بعرش الله محدقين... كما ورد في الروايات ثم هذه الأنوار انسكبت في صلب آدم و راحت تتقلب في الأصلاب و ترتحل ظاعنة من صلب إلى صلب حتى و صلت إلى صلب عبد المطلب ثم افترقت منه إلى صلب عبدالله و أبي طالب علیه السلام... فمن صلب عبدالله خرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم و من صلب أبي طالب خرج الوصي... و لذلك فهما أي: محمد و علي علیهما السلام من صلب واحد و نور واحد... على أن الشيء اللافت هو العناية الخاصة بنور فاطمة علیها السلام... فنورها. «سلام الله عليها». لم يكن في صلب آدم... و إنما افترق عن أنوار أهل البيت علیهم السلام و بقي في مشكاة تحت ساق العرش ثم انتقل نور فاطمة علیها السلام إلى الجنة و بقي في الجنة في الوقت الذي كان فيه نور أبيها محمد صلي الله علیه و آله و سلم و نور بعلها علي علیه السلام و نور ولديها الحسن والحسين علیهما السلام. في الوقت الذي كانت فيه هذه الأنوار ظاعنة تنتقل من صلب إلى صلب كان نور فاطمة علیها السلام ظاعناً في ثمار الجنة و أغصانها... حتى إذا عُرِج بالنبي إلى السماء دخل الجنة... و جاء معه بنور فاطمة علیها السلام... أو قيل: ذهب النبي صلي الله علیه و آله و سلم إلى السموات العلى ليأتي إلينا بفاطمة الزهراء علیها السلام لأنها كانت في ثمار الجنة و في الجنة أكل النبي صلي الله علیه و آله و سلم تلكم الثمار فتحولت نوراً في صلبه ثم هبط إلى الأرض فواقع خديجة علیها السلام فكانت فاطمة علیها السلام... فهي حوراء إنسية تتضوّع بعطر الجنة و كان النبي يشم منها رائحة الجنة... هذا جانب، و جانب آخر و هو الذي ينطوي على معنى دقيق و عميق و هو: أن الله «سبحانه و تعالى» شاءت حكمته و عنايته أن تكون فاطمة علیها السلام من صلب الحبيب المصطفى محمد صلي الله علیه و آله و سلم مباشرة و بلا واسطة... ففي الوقت الذي يكون فيه النبي من صلب آدم تكون فاطمة علیها السلام من صلب محمد صلي الله علیه و آله و سلم. اعلموا أني فاطمة علیها السلام، عبدالحميد المهاجر، ج2 ص358.

أَعْطَاكِ رَبُّكِ شَأناً لَيْسَ يُدْرِكُهُ *** كلُّ البَرايَا لَهُ الأَلْبَابُ تَنْدَهِشُ(1)

حُزْتِ الْفَضَائِلَ وَ الْخَيْرَاتِ أَجْمَعَها *** إِذْ مِنْكُمُ الْخَيرُ وَ الإِحْسَانُ يُنْتَبَشُ(2)

ضَاءَت بطلعتِكِ الدُّنْيَا مُكَلَّلَةً *** مِنْ فَيْض جُودِكِ فَضْلاً لَيْسَ يَنْخَدِشُ

إنّ الألى لَمْ يُراعُوا حَقَّكِ حَسَداً *** لابدُّ أَعْيُتُهمْ فِي ضَوْتِهَا عَمَشُ

هُمْ رَوُّعوا بَضْعَةَ الْهَادِي بِبَغْيِهِمُ *** إِذْ إِنَّهُمْ سَفَهَاً بالجَزْلِ قَدْ حَفَشُوا

تَبَّا لَهُمْ لَمْ يُراعُوا حُرْمَةٌ أَبَداً *** بَلْ إِنَّهُمْ بِحِمَى الزَّهراءِ قَدْ بَطَشُوا

يَا بِنْتَ أَفْضَلِ مَنْ يَمْشِي عَلَى دَعَةٍ *** لَكِنْ لِهَيْبَتِهِ الأَوْصَالُ تَرْتَعِشُ

ولاؤُكِ الْحَقُّ إِنَّ الْحَقِّ مُرْتَهَنٌ *** مِنْ دُونِ وُدِّكِ لايُعطى و يُجْتَرَشُ(3)

ص: 372


1- البرايا:الخلق الناس.
2- ينتبش: يستخرج من مخبئه.
3- الجزل: العظيم الغليظ من الحطب، الحطب اليابس. حفشوا: جمعوا من كل جهة إلى مكان واحد و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب العقد الفريد ج5 ص13: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر: علي و العباس و الزبير و سعد بن عبادة، فأما علي و العباس فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمربن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام و قال له إن أبوا فقاتلهم. فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...

شأناً سَمَوْتِ تَعالى أَنْ يُحاطَ بِهِ *** نَوْعٌ مِنَ الْفِكْرِ حَيْثُ الْفِكْرُ يَحْتَوِشُ(1)

تَقَبَّلِي لِي نِظاماً قَدْ حَوَى دُرَراً *** فِي الْقَلْبِ مَكْنُونُهُ فِي الطَّرْس يُنتَقَشُ(2)(3)

عَلَيْكِ صَلَّى إله الْخَلْقِ مَا طَلَعَتْ *** شَمْسُ بَدا صَوْؤُهَا فِي الْجَوْ مُفْتَرِشُ

ص: 373


1- يجترش: يكتسب؛ و المعنى: أن الحق عندكم فمن يواليكم يكون عنده الحق لأن الحق متوقف على محبتكم فمن لايتولّى بكم لايحصل على الحق و لايكتسبه.
2- يحتوش: يحيط و المعنى أن لك شأناً عظيماً و منزلة رفيعة لاتحاط و لايدركها أي نوع من الفكر إذا ما كان هذا الفكر محيط بالأشياء.
3- الطرس: الورق أو ما يكتب عليه.

(2) بنت الرسالة

(بحر الكامل)

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة (*)(1)

أضحى فُؤادي عَنْ هَوَاهُ مُفتِّشا *** وَ أَقَضَّهُ شَوقٌ لِمُهْضَمَةِ الْحَشا(2)

للَّهِ فَجْرٌ كَادَ يَزْهُو بَهْجَةً *** يُحْكِي النَّسيمَ الْغَضَ وَ الْقَلبُ انْتَشَى(3)

فِي يَوْمٍ مَوْلِدِ فاطِمٍ قَدْ زَغْرَدَتْ *** كُلُّ الطُّیورِ مِنَ الصَّباحِ إِلى العِشا

أَوَلَيْسَ قَوْلُ اللهِ جَلَّ جَلالُه *** فِي (هَلْ أَتى) كِتْمَانَ أَمْرٍ قَدْ فَشَا؟(4)

الدَّهْرُ أَصْبَحَ جَنَّةً بطُلُوعِها *** وَغَدا المُحِبُّ لِوَرْدِها مُتَعَطِّشا

مَنْ مثْلُها في عِلْمِها وَ نَوالِها *** كَالنَّجم فِي أُفُقِ المَجَرَّةِ عَشَّشا(5)

بَدْرٌ يَقَرُّ الْعَيْنَ يَمْلأُ بِشْرُهُ *** دُهِشَ العَدوُّ بِهِ وَ طَاشَ فَأَجْهَشا(6)

يَا حَبَّذا يَومٌ لِدَوْحَةِ فَاطِمٍ *** أَبْشِرْ فَيَا لَكَ مَغْرِساً أَوْ مَعْرِشا

وَ مَكَانَةٌ فِي الدِّينِ تُبْهِرُ أَعْيُناً *** يَكْفِي مَحَاسِنُ فَضْلِهَا أَنْ تَبْطِشا(7)

يَا بِنْتَ مَنْ حَمَل الرِّسَالةَ لِلْوَرَى *** عَبْرَ المَدَى عَنْهَا عَشا مَنْ قَدْ عَشا

وَقَفَتْ قُلُوبُ الْقَوْمِ مِنْكِ تَجِلَّةً *** وَ بَقِيتُ لَاحَالِي وَ لَاقَدَمي مَشى(8)

ص: 374


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- أقضّه: دَقّه.
3- يحكي: يشابه. الغضّ: الناعم. انتشى: ابتهج و فرح بمولدها علیها السلام.
4- فشا: انتشر وذاع.
5- عبّشا: اتّخذ عُشّاً.
6- طاش: ذهب عقله. أجهش: فزع باكياً.
7- تُبهر: تضيء أو تغلب و تفوق. و تبطشا: تفتك و تأخذ الشيء بصولة و شدّة.
8- 19/ ربيع الأول/ 1416ه_.

(3) فاطمة علیها السلام تجفى

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

سَقَيْتُ ثَراكِ أَدْمُعِيَ الْغَواشِي *** وَ فَصَّلْتُ الْجِدَادَ عَلى رِياشِي(2)

وَ كُنْتُ مَتَى اذكَرْتُكِ فِي مَرَاحِي *** نَأَى عنّي إِلَى كَمَدٍ بَشاشِي

أفاطِمُ إِنْ جَمْرَ الرُّزْءِ يَكْوِي *** صَلِيبَ النّقي مِنْ عَظْمِ المُشاشِ(3)

أَفَاطِمُ هَلْ جُبِلْتِ عَلَى رِهَانٍ *** مَعَ الآلامِ وَ النُّوبِ الْعَوَاشي؟(4)

ص: 375


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الغواشي: الغاشية هي الغطاء و وُصِفَتِ الأدمع بالغواش لأنّها تغطي العين. رياشي: ما كان فاخراً من الأثاث، المال، الخصب، ما كان فاخراً من اللباس، و هذا المقصود.
3- النَّقْي: مُخَ العَظْم. المُشاش: رأس العظم اللين.
4- العواشي: العاشية تعشي أي تجعل بصرك أعشى، أي يسوء البصر ليلاً و نهاراً أو ليلاً فقط و في کتاب (اعلموا أني فاطمة علیها السلام) ص329 ص330 للعلامة الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر: أكدت الأرقام في التاريخ أن اسم فاطمة علیها السلام هو الذي قضى على الدولة الأموية فأسقطها... كما أسقط بعدها دولة العباسيين الظالمة و التي قامت ببركات هذا الاسم العظيم... ولكنها ما كادت تنحرف عن مسار فاطمة علیها السلام وتقف ضدها و ضد أبنائها حتى تهاوت أعمدة هذه الدولة العائدة و تحولت إلى حطام و أنقاض في الوقت الذي قامت فيه دول إسلامية بفضل اسم فاطمة علیها السلام... فدولة في افريقيا و أخرى في المغرب و ثالثة في مصر لازالت معالمها الحضارية باقية إلى يومنا هذا ... فما القاهرة إلا العاصمة التي بناها و أقام عمرانها أبناء فاطمة الزهراء علیها السلام الذين أقاموا أروع مجتمع حضاري في مصر يمكن أن يشهده ويراهُ العالم ... و هذا هو الجامع الأزهر خير شاهد و دليل على ذلك... فما الأزهر إلا جامعة إسلامية كبرى أسسها و أقام بنيانها أبناء فاطمة الزهراء علیها السلام و يجب أن نعلم أن اسم الأزهر مشتق من أسماء الزهراء علیها السلام... هذا و لاننسى الدولة البويهية في العراق التي كانت ممتدة على مساحة واسعة و رقعة جغرافية كبيرة من الأرض و هي دولة أقامها أبناء فاطمة علیها السلام و كان الشيخ المفيد و هو من قد عرفنا متصفاً بالعلم و الأدب و الورع و كان هذا الرجل العظيم يشرف على إدارة هذه الدولة البويهية في العراق كما كان يشرف على توجيه الدولة الفاطمية في مصر... و يكفي أن نعرف أن عضد الدولة البويهي و هو رئيس الدولة البويهية. كان واحداً من تلامذة الشيخ المفيد... على أننا نخرج من ذلك بحصيلة مفادها: إن اسم فاطمة علیها السلام لم يكن اسماً عادياً و باهتاً في الحياة و إنما كان له دور حضاري كبير... و كان يهزّ العروش و يسقطها. كما كان يقيم عروشاً و يثبتها.

أَمِثلُكِ بَضْعَةٌ تُجْفَى وَ لَمَّا *** يَجِبُّ الرَّوْضُ مِنْ بَلَلِ الرِّشَاشِ؟

أَمِثْلُكِ حُرَةٌ تُزْوَى وَ تُمْنَى *** رُبوعَ الوَحْيِ بِالرُّمَرِ الْغِشاشِ؟

وَ أَيْنَ وَصاةُ مَنْ أَرْباكِ ثِقْلاً *** وَ لَأثِقُلٌ يَؤُولُ إِلى تَلاشِ؟

وَ أَيْنَ خَصائِلُ الْحَسَنَيْنِ لَزّا *** جَدِيلَ أَبِيكِ مَرْدُوعَ الْحَوَاشِي؟(1)

يَشِيلُهُما عَلَى الْكَتِفَيْنِ حُبّاً *** وَ يَأْنَسُ مِنْهُمَا نَطُّ الفِراشِ

فَهلاً صِينَتِ الصُّوَرُ الْحَوَانِي *** وَهَلاً رُوعِيَتْ ذِكَرٌ نَوَاشِ؟(2)

وَ هَلْ زَجَرَتْ مَنايِحُهم أُموراً *** تُعَجِّلُهُمْ إِلَى قَرَفِ الهِراشِ؟(3)

عَلامَ وَ نَعْشُ هادِيهِمْ مُسَجّى *** وَ فِيمَ يُصارُ لِلَّدَدِ و النَّقَاشِ؟(4)

أَلَمْ يَئِلُوا الْغَدِيرَ غَدِيرَخُمْ *** وَ شَاعِرُهُمْ يُصَفِّقُ بِالهَشَاشِ؟(5)

لِحَيْدَرةَ انْتَخَتْ مِنْهُ القَوافِي *** مُدَبَّجَةٌ بِإِرْهاصِ الْحَشاشِ(6)

وَ أَيْنَ وَ أَيْنَ فاطِمٌ فَاسْتَعِيني *** بِصَبْرِكِ فَالدُّنى خَوَلُ الْمَعَاشِ(7)

وَلَوْ لاجَمْرَةُ الإيمانِ أَبْدَتْ *** نَواجِذها خَراطِيمُ الرُّقَاشِ

ص: 376


1- لزّاً : ملزماً و ملتصقاً بالشيء جديل: الحبل المفتول مردوع ملَّطخ. الحواشي: الجوانب.
2- الحواني: التي تجعلك تحنو و تعطف نواش: لها روائح طيبة.
3- قرف: المخالطة أو التهمة الهراش: الخصام و القتال.
4- للّدَدِ: شدة الخصومة.
5- الهشاش: الرخو الليِّن.
6- مدبَّجة: مزينة بالديباج.
7- خَوَلَ: عبد.

وَ لَوْ لا أَنَّ حَبْلَكِ ذَا مُمَدًّ *** إِلى القِيَمِ المُؤَصَّلةِ المَناشِي

لذَرَّ الرَّمْلُ فِي أَحْداقِ رَاءٍ *** وَ بَانَ الطَّبَعُ مِنْ خَلَلِ الرَّتاشِ

كِتَابُ اللهِ ثُمَّ هَواكِ دِرْءٌ *** لِمَنْ سَلَكَ الْمَحَجَّةَ وَ هُوَ خاشِ

ص: 377

(4) حال فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ فاضل الصفار (*)(1)

الْقَلْبُ مَا ذَاقَ السُّرورَ و لاانتشئ *** وَ الْحُزنُ ظِلِّ فِي حَيَاتِي عَرَّشا

ص: 378


1- (*) الشيخ فاضل إبن الحاج محمد الحاج صالح الصفار. ولد بمدينة كربلاء المقدسة سنة (1381 ه_) الموافق لعام (1962م). نشأ و ترعرع في ظل أسرته نشأة صالحة كريمة. درس الدروس الابتدائية في مدارس كربلاء النقدسة حتى أنهى الإعدادية؛ و المترجَم له منذ نعومة أظفاره تعشق العلم و الكمال و الأدب. هاجر من العراق إلى إيران بسبب الظروف القاسية و لتشوقه إلى ديمومة تحصيل العلم انجذب إلى الحوزة العلمية في قم المقدسة فكان مجداً في طلب العلوم الدينية، فأكمل مرحلة السطوح العالية من الدراسات الحوزوية و واصل دراسة الخارج في الفقه و الأصول عند كبار العلماء و المجتهدين، فقد حضر درس المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي و العالم الكبير أستاذ الفقه و الأصول الشيخ وحيد الخراساني و آية الله السيد صادق الشيرازي، و الأستاذ الكبير السيد حسين الشاهرودي و غيرهم من أكابر المدرسين في الحوزة. اهتم بتدريس جملة من الأفاضل في قم وقد برع على يديه العديد منهم في الأصول و الفقه و الكلام و بعض العلوم الأخرى. و المترجَم له عالم وكاتب مبدع و شاعر رقيق، أحب الشعر و شغف به فهو يبدع في نظم الشعر، و نظمه جملة و تفصيلاً في مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام في القريض و الشعبي، و قد نشر منه الكثير. و المترجَم له عنده آثار علمية قيَّمة كثيرة في الحقول الفكرية والثقافية الإسلامية، و قد نشرت له عدة مقالات و دراسات في بعض المجلات الإسلامية و لايزال يواصل الكتابة و له المؤلفات المخطوطة و قد تجد طريقها إلى الطبع، و قد طبع له كتاب الحرية السياسية المعالم، و الضمانات و كتاب ضد الاستبداد و الحكومة الديمقراطية، و كتاب قاعدة لاضرر ادلتها و مواردها (بحث علمي استدلالي) و كتاب المظاهر الإلهية في الولاية التكونية (بحث علمي في مقامات الأئمة الطاهرين في علم الإسلام)، و كتاب إدارة المؤسسات من التاهيل إلى القيادة، و هناك كتب أخرى لازالت تحت الطبع. كما له ديوان شعر مخطوط، و لايزال يمارس دوره العلمي و الثقافي في مختلف الأبعاد.

لِلْبَضْعَةِ الزَّهراءِ طَالَتْ حَسْرَتي *** لِجَنينِها و أنينِها سقمي فشا(1)

ص: 379


1- في البيت إشارة إلى ما ورد في بحار الأنوار ج43 ص175 ح15 الطبعة الثالثة. مؤسسة الوفاء بيروت: «اعلم أنّه لما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم افتجع له الصغير و الكبير و كثر عليه البكاء و قلَّ العزاء و عظم رزؤه على الأقرباء و الأصحاب و الأولياء و الأحباب و الغرباء و الأنساب و لم تلق إلا كلِّ باك و باكية و نادب و نادية. و لم يكن في أهل الأرض و الأصحاب و الأقرباء و الأحباب أشدَّ حزناً و أعظم بكاءاً و انتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام و كان حزنها يتجدَّد و يزيد و بكاؤها يشتدُّ. فجلست سبعة أيام لايهدأ لها أنين و لايسكن منها الحنين كلُّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن فلم تطق صبراً إذ خرجت و صرخت فكأنها من فم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تنطق فتبادرت النسوان و خرجت الولائد و الولدان وضح الناس بالبكاء و النحيب و جاء الناس من كلِّ مكان و أُطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء و خيّل إلى النسوان أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قد قام من قبره وصارت الناس في دهشة و حيرة لما قد رهقهم و هي علیها السلام تنادي و تندب أباها واأبتاه واصفياه وامحمداه صلي الله علیه و آله و سلم واأبا القاسماه واربيع الأرامل و اليتامى من للقبلة و المصلّى و من لابنتك الوالهة الثكلى... ثم أقبلت تعثر في أذيالها و هي لاتبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى الله عليه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة فقصرت خطاها و دام نحيبها و بكاها إلى أن أغمي عليها فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها و على صدرها و جبينها حتى أفاقت فلما أفاقت من غشيتها قامت و هي تقول: رفعت قوّتي و خانني جلدي و شمت بي عدوّي و الكمد قاتلي يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم بقيت والهة وحيدة و حيرانة فريدة فقد انخمد صوتي و انقطع ظهري و تنغَّص عيشي و تكدر دهري فما أجد يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم بعدك أنيساً لوحشتي و لارادًّا لدمعتي و لامعيناً لضعفي فقد فني بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرائيل و محلُّ ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم الأسباب و تغلَّقت دوني الأبواب فأنا للدُّنيا بعدك قالية و عليك ما تردّدت أنفاسي باكية لاينفذ شوقي إليك و لاحزني عليك ثم نادت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم والباه ثم قالت: إنّ حزني عليك حزن جديد *** وفؤادي واللَّه صبُّ عنید كلُّ يوم يزيد فيه شجوني *** واكتيابي عليك ليس يبيد جلَّ خطّبي فبان عني عزائي *** فبكائي كل وقت جديد إن قلباً عليك يألف صبراً *** أو عزاءً فإنه لجليد ثم نادت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم انقطعت بك الدنيا بأنوارها و زوت زهرتها و كانت ببهجتك زاهرة فقد اسودُّ نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها و يابسها يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم لازلت آسفة عليك إلى التلاق يا أبتاه زال غمضي منذ حق الفراق يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم من للأرامل و المساكين و من للأمة إلى يوم الدين يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أمسينا بعدك من المستضعفين يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم أصبحت الناس عنا معرضين و لقد كنا بك معظمين في الناس غير مستضعفين فأيُّ دمعة لفراقك لاتنهمل و أيُّ حزن بعدك عليك لايتصل و أيُّ جفن بعدك بالنومِ يكتحل و أنت ربيع الدين و نور النبيين فكيف للجبال لاتمور و للبحار بعدك لاتفور و الأرض كيف لم تتزلزل؟ رُميتُ يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم بالخطب الجليل و لم تكن الرزية بالقليل و طرقت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم بالمصاب العظيم و بالنمادح المهول بكتك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم الأملاك و وقفت الأفلاك فمنبرك بعدك مستوحش، و محرابك خال من مناجاتك و قبرك فرح بحواراتك و الجنة مشتاقة إليك وإلى دعائك وصلاتك... يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم ما أعظم مجالسك فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك و أثكل أبوالحسن علیه السلام المؤتمن أبو ولديك الحسن و الحسين علیهما السلام و أخوك و وليك و حبيبك و من ربّيته صغيراً وو اخيته كبيراً و أحلى أحبابك و أصحابك إليك من كان منهم سابقاً و مهاجراً و ناصراً و الشكل شاملنا و البكاء قاتلنا و الأسى لازمنا. ثم زفرت زفرة و أنت أنة كادت روحها أن تخرج ثم قالت: قلّ صبري و بان عني عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء عین یا عین اسكبي الدمع سمّا *** ويك لاتبخلي بفيض الدماء يا رسول الإله يا خيرة الله *** و كهف الأيتام و الضعفاء قد بكتك الجبال و الوحش جمعاً *** و الطير و الأرض بعد يبكي السماء و بكاك الحجون و الركن و المشعر *** يا سيدي مع البطحاء و بكاك المحراب و الدَّرس *** للقرآن في الصبح معلناً و المساء و بكاك الإسلام إذ صار في *** الناس غريباً مع سائر الغرباء لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه *** علاه الظلام بعد الضياء يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً *** فلقد تنغَّصت الحياة يا مولائي قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها. و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إنّ فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلا أحد منَّا يتهنأ بالنوم في الليل على فُرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا. و إنا نخبَّرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، فقال علیه السلام: حبُّا و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً. فقالت علیه السلام: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقلّ مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما بدا لك. ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها».

ص: 380

وَ الْعَينُ مِنْ بَدَل الدُّموعِ جَرَتْ دَماً *** وَ لِضلعِهَا المَكْسُورِ حُزنِي عَشْعَشَا(1)

ليْلِي طويلٌ بالتَّسهُّدِ يَنْقَضِي *** وَ نَهارِي لَوْعَاتٌ تَلحُّ عَلَى الحَشَا(2)

ص: 381


1- إشارة إلى ما ورد في كتاب «سليم بن قيس» ص40 قسم الدراسات الإسلامية. مؤسسة البعثة. طهران. تحقيق و تقديم: علاء الدين الموسوي: «وقد كان قنفذ لعنهُ الله» حین ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها، فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت «صلى الله عليها من ذلك شهيدة».
2- التسهّد: الأرق و عدم النوم أو قلة النوم. و في هذا البيت والبيت الذي يليه إشارة إلى ما ورد في بحار الأنوار ج53 ص18... و صور الأسى كثيرة هي... و لوعات الزهراء علیها السلام أحرقت أحشاءنا لهباً: «و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور الله و الله متم نوره. و انتهاره لها، و قوله: كفّي يا فاطمة علیها السلام فليس محمد صلي الله علیه و آله و سلم حاضراً و لاالملائكة آتية بالأمر و النهي و الزجر من عند الله و ما عليّ إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئتِ خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً... فقالت و هي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك و رسولك صلي الله علیه و آله و سلم و صفيك و ارتداد أمته عليك و منعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل. فقال لها: عمر دعي عنك يا فاطمة علیها السلام حماقات النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوَّة و الخلافة. و أخذت النار في خشب الباب. و إدخال قنفذ يده «لعنه الله» يروم فتح الباب، و ضَرْبُ عمرٍ لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدُّملج الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه. و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدها حتى بدا قُرطاها تحت خمارها و هى تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنينها في بطنها، و خروج أميرالمؤمنين علیه السلام من داخل الدار محمّر العين حاسراً حتى ألقى ملاءته عليها و ضمْها إلى صدره... و صاح أميرالمؤمنين علي علیه السلام بفضة: يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب فأسقطت محسناً. فقال أميرالمؤمنين علیه السلام : «فإنه لاحق بجده رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيشكو إليه».

في كُلِّ آنٍ تَسْتَفِيقُ بِخَاطِري *** صُوَرُ الأسى ولأيّ سرٍّ قد نَشَا

بَابٌ و مِسْمَارٌ وَ صَدْرٌ طاهرٌ *** وَ أَنِينُ ثَكلى لَيْلَهَا قَدْ أَعْطَشا(1)

وَ ذُبُولُ جِسْمٍ بالسَّقامِ وَ قَدْ غَدَى *** لِسُقوط مُحْسِنِها نِجيلاً أُرْعِشا

وَ كُسُورُ أَضْلاعٍ وَ صَدْرِ نَازِفٍ *** وَ الْعَيْنُ وَ الْوَجْهُ الَّذِي قد خُمِّشا

في هَضْمِ حَقٌّ وَ استلابِ نَحِيلَةٍ *** وَ خَفَاءِ قَبْرٍ فِي التُرابِ تَشَوَّشا(2)

ص: 382


1- ليل أغطش: أظلم. و لعل ما ورد في كتاب «مؤتمر علماء بغداد» ص59 ، تأليف مقاتل بن عطية الطبعة الرابعة 1402 یؤکد هذا المعنی: «... و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب، لترد عمر و حزبه عصرَ عمر فاطمة علیها السلام بین الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها، و صاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى مَن حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وبضعته حتى أدموا جسمها... و بقيت آثار هذه العصرة القاسية و الصدمة المريرة تنخر في فاطمة علیها السلام، فأصبحت مريضة عليلة حزينة، حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيام ففاطمة علیها السلام شهيدة بيت النبوَّة فاطمة قتلت بسبب عمر...».
2- تشير إلى الرواية الواردة في «مسند أحمد بن حنبل» ج1 ص90 دار صادر بيروت: إلى سلب حق الزهراء علیها السلام في فدك و المدينة و خيبر و مما ورثه الرسول للزهراء علیها السلام و هو الشطر الأول من البيت: عن عائشة زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنها أخبرته: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال... فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك». و ما جاء في «دلائل الإمامة» ص46 الطبعة الثالثة -منشورات الرضا- قم... يشير إلى مضمون الشطر الثاني من البيت: «... أخرجها إلى البقيع ليلاً و معه الحسنان و صلى عليها و لم يعلم بها و لاحضر وفاتها و لاصلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم و دفنها في الروضة و عفى موضع قبرها و أصبح البقيع ليلة مدفنها فيه أربعون قبراً جديداً و لما علم المسلمون بوفاتها علیها السلام جاؤوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبراً جديداً فأشكل عليهم قبر من سائر القبور فضج الناس ولام بعضهم بعضاً و قالوا: لم يخلف فيكم نبيكم إلا بنتاً واحدة تموت و تدفن و لم تحضروا وفاتها و لادفنها و لاالصلاة عليها بل و لم تعرفوا قبرها...». و في روضة «الواعظين» للنيسابوري الطبعة الأولى (1986) ص167. مؤسسة الأعلمي قريبة من هذا المعنى: «... ثم قالت أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم أعدائي و أعداء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أن لايصلي علي أحد منهم و لامن أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى من الليل أخرجها علي و الحسن و الحسين علیهما السلام، و عمار و عقيل و المقداد و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصهُ صلوا عليها، و دفنوها في جوف الليل و سوّى عليّ حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها».

دَفَنُوا بِهِ نُورَ الإِلَهِ وَ سِرَّهُ *** فِي جَنْبِهِ الآهاتُ لَيْلاً أَوْحَشا

فَتَهيجُ بِي ذِكْرَى الْمُصَابِ كأَنَّها *** النِّيرانُ تَكْوِي فِي الْفُؤادِ كَمَا تَشَا

إن أبْكَ لَيْلاً أَسْتَفِقْ بصَباحِهِ *** و القلبُ جَمْرٌ لِلْبُكَاءِ تَعَطَّشَا

وَ إِذا كَظَمْتُ النَّوحَ صُبحاً خَانَنِي *** جَلَدِي فَعَدتُ أَنوحُ صُبحاً أغبشَا(1)

وَ يَعُودُ يَسْأَلُنِي الْفُؤَادُ بِحَرْقَةٍ *** وَ تُجِيبُهُ عَيْنَيْ بِدَمْعٍ قَدْ مَشَي

عَنْ حَالِ فَاطِمٍ حِينَ أَحْرِقُ دَارَهَا *** بِالنَّارِ جانٍ بِالْجِنَايَةِ قَدْ مَشى؟

وَلايَ ذَنْبٍ قَدْ أَتَتْهُ و علةٍ *** قَدْ غَصَّصُوهَا المَوْتَ مُراً أبطشا؟(2)

وَلأَيَّ ذَنْبٍ أُرْغِمَتْ مَهْضُومَةً *** وَ الْمَتْنُ مِنْ ضَرْبِ السِّياطِ تَنقَّشا(3)

ص: 383


1- کظمت: حبست. جلدي: صبري. صبحاً أغبشا: خالط بياض الصبح مع ظلمة الليل في آخره.
2- أبطش: فتك به، و أخذه بصولة و شدّة.
3- في الشطر الأول من البيت إشارة إلى ما ورد في عوالم سيدة النساء ج2 ص545 (ط3) منقولة عن كامل الزيارات. «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أُسري بالنبي صلي الله علیه و آله و سلم قيل له: .... و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يمسها هوان و ذل ثم لاتجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب...» و في الشطر الثاني إشارة إلى ما ورد في كتاب «سليم بن قيس» ص38 تحقيق و تقديم علاء الدين الموسوي الناشر: قسم الدراسات الإسلامية. مؤسسة البعثة: و حالت بينهم و بينه فاطمة علیها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ «الملعون» بالسوط فماتت حين ماتت و إن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه الله».

وَلأَيِّ ذَنْبٍ بِالْجِدَارِ وَ بَابِهِ *** عُصِرَتْ وَ أَسْقَطَتِ الْجَنِينَ وَ قَدْ غَشَا؟

وَلأَيِّ سِر قُيْدَ الْمَظْلُومُ فِي *** قَيْدِ التَّصَبُّرِ وَ هُوَ ليتٌ يُختشى؟(1)

فأَجَابَهُ قَلْبِي المُقَطَرُ بِالدِّمَا *** إِذْ كَانَ فِي شَرح الْحَقِيقةِ مُدْهِشا

لاأَسْتَطِيعُ بَيَانَ خَطبٍ فاظعِ *** مَا إِنْ تَذَكَّرَهُ الْفُؤَادُ تنهَّشا

فَدَع الْجَوَابَ وَ سِرَّهُ بِتَصَبُّرٍ *** وَ أجِبْ هُتافَ الْخَطْبِ مِن جَمْرِ الحَشَا

مَا كَانَت الأَيَّامِ عَنْ ذَاكَ الأَسى *** تَغْفُو و سَمْعُ الدَّهرِ لم يكُ أطْرَشَا

إِذ كلُّ حقٌّ يَسْتَغِيثُ بأهلِهِ *** كَيْ يَظْلِبُوهُ بِصُبْحِ يَومٍ أَوْ عِشَا(2)

ص: 384


1- جاء في عوالم سيدة النساء ج2 ص571 ط/ الثالثة. تحقيق مؤسسة الإمام المهدي (عج الله فرجه الشریف) ما يوضح المعنى منقولة عن كتاب «علم اليقين» في أصول الدين ص686 الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل للكاشاني. «... ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقین و أتی بهم إلي منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فوافوا بابه مغلقاً فصاحوا به اخرج يا علي فإن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك.... ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبياً بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: والله لا أدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا... ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم و الكل حبيبك أبو الحسن علیه السلام المؤتمن و أبوسبطيك الحسن و الحسين علیهما السلام و من ربيته صغيراً و آخيته كبيراً و أجلّ أحبائك لديك و أحب أصحابك عليك أولهم سبقاً إلى الإسلام و مهاجرة إليك يا خير الأنام فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير... ثم إنهم أوقفوا أميرالمؤمنين علیه السلام بين يدي أبي بكر و قالوا له: مد يدك فبايع. فقال: واللَّه لاأبايع و البيعة لي في رقابكم...».
2- نظمت بتاريخ14/ صفر/ لعام (1417 ه_).

قافية الصاد

اشارة

ص: 385

ص: 386

(1) الخطبة الغَراء

(بحر الكامل)

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة (*)(1)

أَنَا فِي هَوى الزَّهْرَاءِ دَوْماً أَخلِصُ *** وَ عَلى مَناقِبِهَا الْكَرِيمَةِ أَخْرِصُ

يَا مَوْلِداً يَهَبُ الْحَياةَ نَضَارَةً *** كَالصُّبْحِ لا يُرْجى إِلَيْه تَمَحْصُ(2)

ص: 387


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تَمَحُص الظلام انكشف. و في هذا البيت و البيتين اللذين بعده إشارة إلى بعض ما ورد في الرواية الواردة في (أمالي الصدوق الطبعة الخامسة. (1980) منشورات الأعلمي ص475 المجلس السابع و الثمانون رقم (1). «عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ فقال علیه السلام: نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوج بها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم... فلما حملت بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبّرها و كانت تكتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: يا خديجة علیها السلام من تحدّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني. قال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرائيل يبشرني أنها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن الله «تبارك وتعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه... فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور و دخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة و إبريق من الجنة و في الإبريق ماء من الكوثر: ...ثم اسْتَنْطَقْنَها فنطقت فاطمة علیها السلام بالشهادتين و قالت: أشهد أن لا إله إلا الله و أن أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط ثم سلمت عليهن و سمّت كل واحدة منهن بأسمائهن و أقبلن يضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك و قالت النسوة: خذيها يا خديجة علیها السلام طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها فدرَّ عليها فكانت فاطمة علیها السلام... أقول: كانت السيدة خديجة علیها السلام بنت خويلد أم الزهراء علیها السلام من أسرة أصلية لها مكانة و شرف في قريش عرفت بالعلم و العلماء و التضحية و الفداء و حماية الكعبة و [حينما جاء تَبَع. ملك اليمن. ليأخذ الحجر الأسود من المسجد الحرام إلى اليمن هبَّ خويلد لحمايته ومنعه عن ذلك]. و كانت السيدة خديجة بنت خويلد امرأة ذات شرف و مال تستأجر الرجال في مالها و تضاربهم... سيرة ابن هشام ج1 ص199. و كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يودها و يحترمها و يشاورها في أموره كلها و كانت وزير صدق و هي أول امرأة آمنت به و لم يتزوج في حياتها أحداً... و يروى عن الرسول صلي الله علیه و آله و سلم... و خير نساء أمتي خديجة بنت خويلد علیها السلام... تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، ص203. و قد ورد أن جبرائيل أتى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم هذه خديجة علیها السلام قد أتتك فاقرأها السلام من ربها و بشرها ببيت في الجنة من قصب لاصخب فيه و لاتعب... تذكرة الخواص ص203.

وَ امْتَدَّ فَضْلٌ مِنْ فَضَائِلِ أَحْمَدٍ *** يَزْهُو بِهِ النَّبَأُ الْعَظِيمُ وَ يَشْخَصُ

وَ الطَّيْرُ تَصْدَحُ فَوْقَ أَغْصَانِ التَّقَى *** بِاليُمْنِ وَ النُّعْمَى غَداً يَتَرَقَّصُ(1)

يَا أَيُّهَا النَّبْعُ المُضَمَّحُ بِالوَلا *** يَرْوِي الْعِطَاشَ وَ مَاؤُهُ لايَنْقُصُ(2)

أنا والِمٌ أَنَّى انْطَوَيْتُ عَلَى التُّقى *** أَسْعَى إِلَيْهِ وَ لِلْفَوَاطِم أُخْلِصُ(3)

وَ الْحُظَبَةُ الغَرَّاءُ ذَاتُ طَلاوَةٍ *** طَهُرَتْ وَ حَارَ بِوَصْفِها المُتَخَصِّصُ(4)

جَحَدُوا الهُدَى غَيْضاً عَلَى فَخْرِ النِّسا *** و احَيْرَتِي إِنْ جِئْتُ يَوْماً أَفْحَصُ

كَمْ ذَا تَحَمَّلَتِ الرَّزَايَا وَ الأَسَى *** وَغَدَا العَدُوُّ بِبَابِها يَتَرَبَّصُ(5)

ص: 388


1- تصدح: ترفع صوتها بالغناء.
2- المضمخ: المتلطُّخ.
3- واله: حزين حزناً شديداً حتى كاد يذهب عقله أو متحير من شدة الوجد.
4- طلاوة: الحسن و البهجة فيقال: (هذا كلام ما عليه طلاوة) إذا كان غثاً لاملاحة له. و في البيت إشارة إلى (الخطبة الغراء) و هي الخطبة الفدكية و الذي ورد ذكرها في مصادر عديدة منها ما في (مروج الذهب) ج2 ص311. «...و أخبار من قعد عن البيعة و من بايع وما قالت بنوهاشم و ما كان من قصة فدك، و ما قاله أصحاب النص و الاختيار في الإمامة و من قال بإمامة المفضول و غيره وما كان من ..... فاطمة علیها السلام و كلامها متمثلة حين عدلت إلى قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم...» و في كشف الغمة ج2 ص99-105 للأربلي دارالكتاب الإسلامي -بيروت: فإنها من محاسن الخطب و بدايعها عليها مسحة من نور النبوّة و فيها عبقة من أرج الرسالة...».
5- ربما هذه إشارة إلى الرواية الواردة في (عوالم سيدة النساء علیها السلام) ج2 ص545 منقولة عن كتاب «كامل الزيارات». «... و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يحسّها هوان و ذل ثم لاتجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب...».

هَيْهَاتَ أَنْ يَنْجُوعَدُوُّ جَائِرٌ *** فَالْحَقُّ يَعْلُو و الفَرِيسَةُ تُقْنَصُ(1)

ص: 389


1- تُقنَص: تصطاد و لعل بعض ما ورد في البيت أشار إليه كتاب «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم» الطبعة الثانية ص532 (27) نقلاً عن نوائب الدهور للميرجهاني ص194 قال المفضل للصادق علیه السلام: يا مولاي ما في الدموع من ثواب؟ قال: ما لايحصى إذا كان من محق فبكى المفضل بكاءاً طويلاً و يقول: يا بن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم فقال له الصادق علیه السلام: و لاكيوم محنتنا بكربلاء و إن كان يوم السقيفة و إحراق النار على باب أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و فاطمة و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و قتل محسن بالرفسة أعظم و أدهن و أمر لأنه أصل يوم العذاب». نظمت في 18 / ربيع الأول/ 1416ه_.

(2) و أشاطر الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

دَامٍ وَ رِيشّكَ نَاصِلٌ و حَصِيصُ *** وَ جَناحُ حَظِّكَ فِي الحُظُوظ قَصِيصُ(2)

أَلأَنَّكَ الْعِرْقُ النَّبِيضُ عَلَى الشَّجَى *** لِلرّازِحِينَ ضَناً هَواكَ رَهِيصُ(3)

وَ لأَنَّ جُرْحَكَ لايُبَل نَغارُهُ *** إلا و جُرْحُ الآخَرِينَ قَلُوصُ(4)

يَهْتاجُكَ اللَّيْلُ الطَّوِيلُ وَ تَدَّرِي *** أَحْلامُكَ الأَشْباحَ وَ هْيَ شُخُوصُ

وَ يَفِيضُ وِرْدُكَ وَ الأجاجُ مَذاقُهُ *** وَ يَتِيهُ سِرْبُكَ وَ القِفَارُ لُصُوصُ(5)

لِمَنِ الجِفانُ المُفْهَقاتُ شِواؤُها *** بَشِمَتْ بِهَا الدُّنيا وَ أَنْتَ خَمِيصُ؟(6)

فَلأَسْبَغَنَّكِ يَا طَوِيَّاتِ المُنَى *** حَتَّى تَرِي مَوْتاً وَ لَيْسَ مَحِيصُ

ص: 390


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- ناصلٌ: خارج. حصيص: محلوق. الحظوظ: جمع حظَّ. قصيص: مقصوص. حليق: سقط شعره.
3- الرازحين: الساقطين و اللاصقين بالأرض و لم يستطيعوا النهوض هزالاً و تعباً. ضناً : مرضاً من تعب و هزال رهيص: الذي أصابته رهصة و هي ما يحصل لحافر الفرس إذا أصابه حجر و قد يقال: أسدٌ رهيص أي لايبرح من مكانه.
4- نغار: غليان جوف الإنسان غضباً . قلوص: نهر جارٍ تنصب إليه الأقذار و الأوساخ و له معانٍ كثيرة فليراجع.
5- ورد: الماء الذي يورد منه. الأجاج: الملح المر.
6- الجفان: القصاع الكبيرة. المفقهات: الممتلئات حتى صارت تتصبب. بشمت: أتخمت. خميص: ضامر البطن و خالية من الطعام.

الآنَ لَجَّ بِهَا العُرامُ وَ خُودِعَتْ *** مِنْكَ الظُّنونُ وَ نالٌ مِنْكَ وَ قِيصُ(1)

وَ انْثالَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ زَواهِياً *** أظيافُها وَ رَنَتْ رُؤاها الخُوصُ(2)

لاَدَرَّ دَركَ إِذْ حِياضُكَ غُيَّضٌ *** وَ فُؤَادُ طَيْرِكَ بِالضُّلُوعِ قَرِيصُ(3)

و إذ الأكِنَّةُ مِنْ زَغَابِكَ فُجَّعٌ *** يَعْتَامُها الْعُقْبَانُ فَهيَ قَنِيصُ(4)

وَإِذِ الأَوَابِدُ رُعَّفٌ أَشْداقُها *** بِدَمِ وَ إِذْ رُمْحُ الزَّمانِ حَرِيصُ(5)

وَلَديَّ منْ عِبَرِ الزَّمَانِ شَواهِدٌ *** وَلَدَيَّ مِنْ سِفْرِ العَذابِ نُصُوصُ(6)

وَلَدَيَّ عِنْدَ الغَوْصِ فِي غَمَراتِها *** مِنْ الشَّبَاكِ مِنَ الشَّكاةِ فُصُوصُ

أغْضِي عَنِ المُختَارِ لاأَعْتامُهُ *** فَرْقاً فَطَرْفُ الشَّامِنِيْنَ بَصِيصُ(7)

أَشاطِرُ الزَّهراء في آلأمِها *** فَيَهُونُ عِنْدِي مُوزَمٌ وَ عَوِيصُ(8)

لَمَّا اخْتَزَلْتُ بِهَا الْمَسَارَ تَرَقْرَقَتْ *** فِي ادْمُعِ الذِّكْرى وسَحَّ نُكُوصُ(9)

هِيَ آمَةُ الشَّجَنِ الَّذِي لايَنْطَفِي *** مِنْهُ الأَوَارُ وَ جَمْرُهُ المَقْبُوصُ(10)

ص: 391


1- العرام: وسخ القِدر. و قيص: ناقص.
2- انثالت: انصبت. زواهياً: مشرقات. أطيافها: الطيف: الخيال أو الطائف في النوم الخوص: الذين غارت أعينهم في رؤوسهم.
3- غُيَّضُ: نواقص أو نواضب. قريص: مقطوع.
4- الأكنة: الكن: هو البيت أو وقاء كل شيء و ستره زغاب فراخ القطا يعتام يرفرف عليها و لم يبعد العقبان: جمع العقاب طائر من الجوارح قوي المخالب و له منقار أعقف.
5- الأوابد: الطير المقيمة بأرض شتاء و صيفاً. أشداقها: زوايا الفم من باطن الخدين. رعفُ: ممتلئة حتى فاضت.
6- سفر: كتاب.
7- بصيص: بريق و متلألئء.
8- العويص: الصعب. مُؤزَمٌ: بمعنى أزمة و أَزمات.
9- سخ: صَبَّ. صباً متتابعاً غزيراً. نكوص: إجحاد عن الشيء.
10- الأوار: الحرّ، العطش الدخان. و في البيت (تحريد) و هو اختلاف الضرب في البحر فما قبل هذا البيت الضرب فيه (فعِلاتن) أما هذا و بعض ما بعده فالضرب فيه مُتفاعِل و هو من عيوب القافية و على أي حال ففي مناقب آل أبي طالب علیه السلام (24) لابن شهر آشوب ج2 المطبعة العلمية بقم ص205: «دخلت أم سلمة على فاطمة علیها السلام فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قالت: أصبحت بين كمد و كرب، فقدُ النبي و ظلم الوصي والله حجبه أصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل...».

وَ هِيَ الذُّوابَةُ مِنْ أَراكَةِ هَاشمٍ *** فِي حَقِّها الْمَأْتُورُ وَ الْمَنْصُوصُ(1)

دَرَجَتْ عَلَى خَطْوِ الرَّسُولِ و لم تَحِدْ *** نَهْجاً وَ بُنْيَانُ الهُدى مَرْصُوصٌ(2)

و زَوَتْ عَنِ الدُّنيا وَ مَنْ يَكُ مِثْلَها *** مَا شَابَهُ التَّنْهِيرُ وَ التَّفْرِيصُ

إِن جُنَّ لَيْلٌ فَهيَ فِي مِحْرابها *** و كذَاكَ نَجْوى المُخْبِتِينَ قُلُوصُ(3)

ص: 392


1- الذؤابة: ذؤابة كل شيء أعلاه.
2- (هذا البيت و البيت الذي يليه فيه إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب «عوالم سيدة النساء» ج1 ص63 منقولة عن كتاب «أهل البيت» ص117. «روي عن أنس بن مالك، عن أمه: أنّ السيدة فاطمة علیها السلام كانت كأنها القمر ليلة البدر، و عندما وضعتها السيدة خديجة علیها السلام و رأت في وليدتها «فاطمة الزهراء علیها السلام» أنها صورة من أبيها العظيم، سرّها ذلك الشبه، و أنّه بركة من بركات الله عليها و على آل البيت علیهم السلام الكرام. و في «العقد الفريد» لابن عبد ربه ج3 ص230 دارالكتاب العربي. بيروت، «عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أنها قالت: ما رأيت أحداً من خلق الله أشبه حديثاً و كلاماً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام». «في ذخائر العقبى للطبري ص40 تحت عنوان ذكر شبهها بالنبي صلي الله علیه و آله و سلم سمتاً...»: «عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً و حديثاً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في قيامه و قعوده من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و الظاهر أن كلمة (شابهُ) فى أول العجز من البيت الذي يليه مرفوعة الهاء على أن الهاء ضمير متصل و الفعل شاب يشوب. والله العالم. و في جمال فاطمة علیها السلام: و ورد في تاريخ بغداد، ج5 ص86. قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية». و في نزهة المجالس، ج2 ص222. قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام هي الزهرة. و في المستدرك ، ج3 ص161. قالت أم أنس (رضي الله عنه): كانت فاطمة علیها السلام كالقمر ليلة البدر... أو كالشمس كفر غماماً إذا خرج من السحاب... بيضاء مشربة حمرة لها شعر أسود من أشد الناس برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم شبهاً، كما قال الشاعر: بيضاء تسحب من قيام شعرها *** و تغيب فيه و هو جثل أسحم فكأنها فيه نهار مشرق *** و كأنه ليل عليها مظلم
3- قلوص: أنثى شابَّةَ. جاء في (عوالم سيدة النساء) ج1 ص194 منقولاً عن «الثاقب في المناقب» ص291 ح249 الرواية و لعلها قريبة من هذا المعنى: إن الله «تعالى» رحم ضعف فاطمة علیها السلام لطول قنوتها بالليل».

حَتَّى إِذا غارَتْ لَوامِعُ نَجْمِهِ *** هَاجَتْ بها ذِكَرٌ قَبلَّ قَمِيصُ

لَيْلُ الأَحِبَّةِ لُسَّعٌ ساعاتُهَا *** وَ وِسادَ مَنْ ذاقَ الفِراقَ قَرُوصُ

ذِكْرَى أَبِيها الطّهْرِ فَوْقَ جُفُونِها *** خَضْلٌ و مِسْكُ لَطِيمِهِ مَبْصُوصُ(1)

بالأمْسِ كانَ على هَواجِرِ بَيْتِها *** دَوْحاً فَصَوَّحَ مِنْ ذُراها العِيصُ(2)

ما كانَ حُزْنُكِ يا بتولُ بِهَيْنٍ *** لَكِنَّما فَرَسُ المَنُونِ قَمِيصُ(3)

فَتَحَمَّلِي وِزْرَ الزَّمانِ وَ ذَنْبَهُ *** فَجِنانُ مِثْلِكِ في الخُطوبِ رَصِيصُ(4)

ص: 393


1- الخضل: اللآلي و الدرر الصافية. لطيم: نافجة المسك أو المسك. مبصوص: متلأليء. و في هذا البيت و البيتين اللذين بعده فيها إشارة إلى ما ورد في روضة الواعظين للنيسابوري (1986115.) ص167. «و روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليهم ساعة بعد ساعة في كل ساعة و حين تذكره و تذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليهم فيعظم حزنها و تنظر مرة إلى الحسن علیه السلام و مرة إلى الحسين علیه السلام و هما بين يديها علیها السلام فتقول: أين أبوكما صلي الله علیه و آله و سلم الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما صلي الله علیه و آله و سلم الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلايدعكما تمشيان على الأرض فإنا لله وإنا إليه راجعون...».
2- صوّح: يبس. العيص: الأشجار الكثيرة الملتفة، منبت خيار الشجر.
3- قميص: قمص الفرس رفع يديه معاً و طرحهما و عجن برجليه.
4- رصيص: مجتمع بعضه ببعض و منضم.

ص: 394

قافية الضاد

اشارة

ص: 395

ص: 396

397

(1) لها صرخة

(بحر الطويل)

الشيخ إبراهيم آل مبارك

البحراني التوبلاني(*)(1)

إِذَا كَانَ مَدْحُ الْمُرْتَضَى لَكَ مُرْتَضَى *** فَقَدْ وافَقَتْ كُلُّ القُلُوبِ عَلَى الرِّضَى

وَ لاهَمَّ أَنْ يَسْتَكَّ سَمْعُ مُزَنَّمٍ *** مَتَى سَمِعَ القَوْلَ اسْتَشَاطَ وَ أَنْغَضا(2)

عَلِيُّ أَمِيرُالْمُؤْمِنينَ وَ مَنْ تَرَى *** سِواهُ لِمَدْحَ المَادِحِينَ المُعَرَّضا؟

يَهُشُ له قَلبي وَ شِعْرِي بِمِدْحَةٍ *** فَمَا رُمْتُ حِيناً أن أقول فَأَعْرَضا(3)

وَما لِي لاأَرْجُو بِمَدْحِيَ زُلْفَةً *** بَلى و أنا الآتِي لَها مُتَعَرِّضا(4)

سَأَغْدُو بِإِخْلاَصِي لَهُ مُتَفَوِّقاً *** وَ لابِدْعَ مني أَنْ أَطُولَ وَ أَعْرَضا

وَمَادِحُ غَيْرِ المُرْتَضَى مَا عَلِمْتُهُ *** يُحاوِلُ إِلا أَنْ يَقُولَ وَ يَنْقُضَا

وَ هَلْ كَانَ حَيَّ دُونَهُ غَيْرَ نَاقِضٍ *** تَساهَلَ فِي مَا كَانَ فِيهِ وَ أَغْمَضا

فَمَنْ مِثْلُهُ فِي الكَوْنِ حَتَّى كَأَنَّهُ *** هُوَ الكَوْنُ ممَّا كَوْنَ اللهُ أَوْ قَضى!؟

وَ عِلَّةُ هَذَا الْكَوْنِ إِنْ كانَ أَحْمَداً *** فَأَحْمَدُ هذا مُصْطَفَى وَ هُوَ مُرْتَضَى

وَإِنْ غَفَرَ اللهُ الذُّنوبَ بِأَحْمَدٍ *** فَذَاكَ بِهِ الغُفْرَانُ هَذَا بِهِ الرِّضَى

ص: 397


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- يستكَ: يُصمَّ. مزنّم: اللاحق بقوم ليس منهم و لا هم يحتاجون إليه فكأنّه فیهم زَنَمة استشاط: التهب غيظاً. أنْغَضَ: تحرّك و اضطرب.
3- بهش قلبي: يرتاح و ينشط.
4- زُلْفَة: درجة. منزلة. قُرْبَة.

وَ أَحْمَدُ إِنْ أَنْضَى حُساماً مُجاهِداً *** فَهَذَا هُوَ السَّيْفُ الَّذي هُوَ يُنْتَضَى(1)

وَ أَحْمَدُ لَمْ يَعْمَدُ لِتَقْوِيضِ دَوْلَةٍ *** مِنَ الشِّرْكِ إلا كان هذا المقَوِّضا

وَ أَحْمَدُ إِنْ يَعْقِدْ لِواءً مُؤَمِّراً *** فَمَنْ غَيْرُه كَانَ الأَمِيرَ المُفَوَّضا!؟(2)

وَ أَحْمَدُ إِنْ ذَلَّتْ جَبَابِرَةُ الوَرَى *** له هُوَ ذا كانَ الْمَسِيسَ المُروّضا

وَ أَحْمَدُ إِن شَبَّ الغَضَاء فِي جَوانِحِ *** الغُواةِ فَهَذَا فِي الْوَغَى جَمْرَةُ الغَضَا(3)

وَ أَحْمَدُ إِنْ سَنَّ الشَّرِيعَةَ لِلْهُدَى *** أَلَيْسَ بِهَذا لِلشَّرِيعَةِ يُسْتَضا؟

وَ أَحْمَدُ إِنْ يُنْقِذْ مِنَ الشِّرْكِ مَنْ مَضَى *** فَهَذا هُوَ الهَادِي إلى نهجِ مَنْ مَضَى

وَ إِنْ هَجَّرَ الأَصْنامَ أَحْمَدُ ماقتاً *** فَمَنْ هَشَّمَ الأَصْنَامَ كَسْراً وَ رَضَّضا؟

وَ إِنْ أَصْبَحَ الدَّاعِي إِلَى اللهِ أحْمَداً *** فَهذا هو الغَادِي مُحِضًا مُحَرِّضا

مَتَى رَعَدَتْ مِنْ أَحْمَدٍ أَي مُزْنَةٍ *** وَ أَبْرَقَ فيها سَيْفُ هذا وَ أَوْمَضَا(4)

هَمى صَيِّبٌ فيهِ شِفاءٌ لِمُهْتَدٍ *** و كانَ على الغاوِينَ داءً مُمَرِّضا(5)

لَحى اللَّهُ قَوْماً أَبْغَضُوهُ فليسَ مَنْ *** لَهُ الحَقُّ فِي فَرْضِ الوَلاءِ لِيُبْغِضا

وَيَا قَوَّضَ البارِي بِناءَ مُزنَّمٍ *** تَعَرَّضَ فِي مَبْنَى الهُدَى لِيُقَوِّضا

تَوَجَّهَ الدُّنيا بكُلِّ جُهُودِهِ *** و صَدَّ عن الدين الحنيف و أَعْرَضا

و خادَعَ بالأَطماعِ مَنْ يَسْتَمِيلُهُمْ *** و أَسْلَفَ قَوْماً آخَرِينَ و أَقْرَضا

مَعاشِرُ سُوءٍ مَا يُنيبُ لِرَبِّهِ *** مُنافِقُهُمْ إِلَّا إِذا هُوَ أَعْرضا

أَطاعَ الهَوى في كُلِّ ما هُوَ عامِلٌ *** وَ أَخْلَصَ للشيطانِ حتّى تَمَحَّضا

فجاءَ لبيتِ الوَحْيِ فِي مَنْ أَطاعَهُ *** و حَفَزَهُمْ أَنْ يُحْرِقُوهُ و حَرَّضا

ص: 398


1- ينتضى: يستل.
2- المقوّضا: المهدِّم.
3- الغضا: أشجار من الأثل أخشابها صلبة من أصلب أنواع الخشب و جمرها يبقى زمناً طويلاً لاينطفىء.
4- أومض: أبرق و لمع.
5- همی: سال. صَيّب: مطر.

و أَغْرَاهُم -لاأَرْشَدَ اللهُ أَمْرَهُمْ- *** وَ هَدَّ قُواهُمْ أَجْمَعِينَ وَ هَيَّضا(1)

فَأَقْحَمَهُمْ مِنْ غير إذْنٍ قَدِ اقْتَضَى *** دُخولَهُمْ ما يَعْلَمُ اللهُ مَا اقْتَضَى(2)

وَ أَخْرَجَ لَيْثاً خادِراً مِنْ عَرِينِهِ *** يُقادُ بِمَا أَوْحَى لَهُ الصَّبْرَ للقَضا

و فاطِمةُ الزهراءُ يُضْرَبُ جَنْبُها *** و تُعْصَرُ ما بينَ الجِدارِ لِتَجْهَضا

و ما كانَ هَذا مانِعاً مِنْ خُروجِها *** لَها صَرْخَةٌ مِنْ خَلْفِهِ تَمْلأُ الفَضَا(3)

ص: 399


1- هيَض: كسر.
2- في هذا البيت إشارة إلى دخولهم الدار على الزهراء علیها السلام دون إذن: ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 «قال: قلتُ لسلمان: ادخلوا على فاطمة علیها السلام، بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها من خمار، فنادت: يا أبتاه، يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك. تنادي بأعلى صوتها-.
3- في البيت إشارة إلى خروج الزهراء علیها السلام خلف الإمام علي علیه السلام حين أخرجوه إلى البيعة، ففي كتاب تفسير العياشي ج2 ص66-67. في رواية طويلة قال: قال عمر: قوموا بنا إليه فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة و قنفذ و قمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات الله عليها» أغلقت الباب في وجوههم، و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف ثم دخلوا فأخرجوا عليا علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي واللَّه لئن لم تكفَّ عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتينَّ قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي، فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم...» الخ. و ذكره المجلسي في البحار ج28 ص227. و في بحار الأنوار للمجلسي، ج8 ص220 (ط حجرية). قال المجلسي: أجاز لي بعض الأفاضل في مكة «زاد الله شرفها» رواية هذا الخبر و أخبرني أنه أخرجه من الجزء الثاني من كتاب «دلائل الإمامة» و هذه صورته... عن سعيد بن المسيب قال في حديث طويل يذكر فيه وصية عمر بن الخطاب و فيها... أتيت دار علي و فاطمة و ابنيهما الحسن و الحسين و ابنتيهما زينب و أم كلثوم علیهم السلام و الأمة المدعوة بفضة و معي خالد بن الوليد و قنفذ مولى أبي بكر و من صحب من خواصنا فقرعت الباب عليهم قرعاً شديداً فأجابتني فقلت لها علیها السلام: قولي لعلي علیه السلام. إلى أن قال: فقالت: إن أميرالمؤمنين علياً علیه السلام مشغول فقلت: خلي عنك هذا و قولي له يخرج و إلا دخلنا عليه و أخرجناه كرهاً. فخرجت فاطمة علیها السلام فوقفت من وراء الباب فقالت: أيها الغالون ،المكذبون، ماذا تقولون؟ و أي شيء تريدون؟ فقلت: يا فاطمة علیها السلام فقالت فاطمة علیها السلام: ما تشاء يا عمر؟ فقلت: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب، و جلس من وراء الحجاب؟ فقالت لي: طغيانك أخرجني يا شقي و ألزمك الحجة و كل ضال غوي. فقلت: دعي عنك الأباطيل و أساطير النساء و قولي لعلي يخرج لاحباً و لاكرامة، فقالت: أبحزب الشيطان تخوفني يا عمر؟ و كان حزب الشيطان ضعيفاً... فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل و أضرمتها ناراً على أهل هذا البيت و أحرق من فيه أو يقاد علي إلى البيعة. و أخذت سوط قنفذ فضربتها و قلت لخالد بن الوليد: أنت و رجالنا هلموا في جمع الحطب. فقلت: أي مضرمها. فقالت: يا عدو الله و عدو رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و عدو أميرالمؤمنين فضربت فاطمة علیها السلام يديها من الباب تمنعني من فتحة خرمته فتصعب علي فضربت كفيها بالسوط فآلمها. فسمعت لها زفيراً و بكاءً فكدت أن ألين و أنقلب عن الباب... فذكرت أحقاد علي و ولوغه في دماء صناديد العرب و كيد محمد صلي الله علیه و آله و سلم،و سحره فركلت الباب و قد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه و سمعتها و قد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها و قالت: «يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هكذا كان يفعل بحبيبتك و ابنتك... آه يا فضة إليك فخذيني فقد. واللَّه. قتل ما في أحشائي من حمل». و سمعتها تمخض و هي مستندة إلى الجدار فدفعت الباب و دخلت فأقبلت إلي بوجه أغشى بصري فصفقت صفقة على خديها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها و تناثر إلى الأرض. و خرج علي علیه السلام فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار و قلت لخالد و قنفذ و من معهما: نجوت من أمر عظيم. و في رواية أخرى: قد جنيت جناية عظيمة لاآمن على نفسي و هذا علي علیه السلام قد برز من البيت و ما لي و لكم جميعاً به طاقة. فخرج علي علیه السلام و قد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها و تستغيث بالله العظيم ما نزل بها فاسبل علي علیه السلام عليها ملاءتها و قال لها علیها السلام: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن الله بعث أباك رحمة للعالمين وايم الله لئن كشفت عن ناصيتك سائلة إلى ربك ليهلك هذا الخلق لأجابك حتى لايبقي على الأرض منهم بشراً لأنك و أباك صلي الله علیه و آله و سلم أعظم عند الله من نوح الذي أغرق من أجله بالطوفان جميع من على وجه الأرض و تحت السماء إلاّ كان في السفينة و أهلك قوم هود بتكذيبهم له و أهلك عاداً بريح صرصر و أنت و أبوك أعظم قدراً من هود، و عذب ثمود و هي اثنا عشر ألفاً بعقر الناقة و الفصيل فكوني يا سيدة النساء علیها السلام رحمة على هذا الخلق المنكوس و لاتكوني عذاباً. و اشتد بها المخاض و دخلت البيت فأسقطت سقطاً سمّاه علي محسناً». و جمعت جمعاً كثيراً لامكاثرة لعلي علیه السلام ولكن ليشتد بهم قلبي و جئت و هو محاصر فاستخرجته من داره مكرهاً مغصوباً و سقته إلى البيعة سوقاً. و إني لأعلم علماً يقيناً لاشك فيه لو اجتهدت أنا و جميع من على الأرض جميعاً على قهره ما قهرناه ولكن لهنات كانت في نفسه أعلمها و لاأقولها...

و ما لَقِيتْ منهُمْ حناناً و رَحْمَةً *** سِوى كَمَدٍ أَدْمَى الفُؤادَ و أَمْرَضا(1)

ص: 400


1- نقلت عن المراثي الحسينية.

(2) بنت سيد الرسل صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الطرفي(*)(1)

إِنَّ مَنْ حُبُّها مِنَ اللهِ فَرْضُ *** لَيْسَ يَزْرِي بِهَا مِنَ الْقَوْمِ رَفْضُ(2)

بَضْعَهُ الْمُصْطَفى وَأُمُّ أَبِيهَا *** وَعَلى حُبِّها النَّبِيُّ يَحُضُّ(3)

حُبُّها حُبُّهُ وَنَاهِيكَ فِيمَنْ *** قَالَ عَنْها بِأَنَّها مِنْه بَعْضُ(4)

ص: 401


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- انظر القصيدة السابقة الهامش رقم (2) وما ورد فيه عن دلائل الإمامة للطبري ص28 يزري: يتهاون أو يضرّ ويؤثر.
3- يحض: يحث و يبعث؛ و في الشطر الأول من البيت جاء في صحيح مسلم المجلد الخامس مؤسسة عز الدين للطباعة و النشر الطبعة الأولى (1987) تحت عنوان فضائل فاطمة علیها السلام بنت النبي صلی الله علیه و آله و سلم (94) عن كونها بضعة النبي صلی الله علیه و آله و سلم: حدثني أبومعمر .... عن المسور ابن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم:« إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها». و انظر كنز العمال ج6 ص220 و مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328. و عن كونها «أم أبيها» ورد في تهذيب التهذيب للعسقلاني ج12 الطبعة الأولى. دار صادر بيروت ص440: «فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام» و عن الشطر الثاني ورد في كتاب «ينابيع المودة» ج1 ص314 الطبعة الأولى في إيران -انتشارات الشريف الرضي: «يا سلمان من أحبّ فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حبّ فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر ذلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه (ابنتي فاطمة علیها السلام) غضبت عليه و من غضبت عليه غضب الله عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذرّيتها و شيعتها.
4- في كتاب (المناقب) ج3 ص332، المطبعة العلمية -قم: «سعد بن أبي وقاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي من سرها فقد سرني و من ساءها فقد ساءني ، فاطمة علیها السلام أعز البرية عليَّ علیه السلام».

لايُساوَى بِها عُلاًمَنْ *** أَظَلَّتْهُ سَماءٌ وَمَنْ أَفَلَّتْهُ أَرْضُ(1)

ماعَدَا بَعْلَها فَذَلِكَ نَفْسُ *** المُصْطَفَى حَيْثُ إِنَّهُ مِنْهُ مَحْضُ

كَمْ أَراهُمْ مِنْ فَضْلِ فَاطِمَ مَا لَوْ *** أبْصَرُوا رُشْدَهُمْ لَمَا عَنْهُ غَضُّوا(2)

رَفَعَ اللهُ بَيْتَها فَتَحدَّى الرَّفْعَ *** مِنْهُمْ لِذلِكَ الْبَيْتِ خَفْضُ(3)

مانَای عَهْدُهُ وَلا الذِّكْرُ *** قَدْ اخْلَقَ مِنْهُ وَخَطْبُهُ بَعْدُ غَضُّ(4)

أَضْرَمُوا عِنْدَ بَابِهَا النَّارَتُذْكَى *** مِنْ لَظَى شَبَّها عِداءٌ وَ بُغْضُ(5)

منْ رِضَى اللهِ مِنْ رِضاها أَيَرْضَى *** عَنْ أُناسٍ ضُلُوعَ فَاطِمَ رَضُّوا؟

ص: 402


1- لعل في هذا البيت و البيت الذي يليه إشارة إلى ما ورد في «عيون أخبار الرضا علیه السلام» الجزء الأول . انتشارات جهان... ص225 (3) . «عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا علیه السلام عن آبائه عن علي علیه السلام قال: قال لي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا : خطبناها إليك فمنعتنا و زوّجت عليا علیه السلام، فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم وزوّجته بل الله منعكم و زوّجه». فهبط عليّ جبرئيل فقال: يا محمد صلی الله علیه و آله و سلم إن الله «جل جلاله» يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على علیه السلام وجه الأرض آدم فمن دونه».
2- في دلائل الإمامة للطبري ص8 تؤكد على فضل سيدة النساء و كرامتها عند الله «تعالى»: بإسناده عن الصادق علیه السلام في حديث كيفية ولادة فاطمة علیها السلام قال: فلما حملت خديجة علیها السلام بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام لاتحدّثها من بطنها و تصبرّها [إلى أن قال]: فلما حضرت ولادتها و... دخل عليها أربع نسوة سمر طوال... فقالت إحداهنّ: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنّا رسل ربك إليك... و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أُخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك... فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور ودخل عشر من الحور العين...».
3- جاء في «ينابيع المودة» ج1 ص291 ط الأولى في إيران ط السابعة منشورات المكتبة الحيدرية (1965) . إشارة إلى بعض ذلك: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لو علم الله «تعالى» أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لأمرني أن أباهل بهم ولكن أمرني بالمباهلة هؤلاء و هم أفضل الخلق فغلبت بهم النصارى».
4- أخلَقَ: صيرّه بالياً. غضُّ: طري.
5- تذكى: تتقد. لظى: لهيب النار. شبَّها: أشعلها. أضرموا: أشعلوا. و في البيت إشارة لما ورد في الإمامة و السياسة ج1 ص12 الطبعة الثانية -مؤسسة الوفاء (1981).

اغْضَبُوهُ إِذْ أَغْضَبُوهَا فَأَوْحَى *** اللَّهُ فِي الظّالمين (يَومَ بَعَضُّ)

وَتَمَادَوْا فِي غَيِّهمْ فَتَنادَوْا *** وَتَناجَوْا فَكَانَ لِلْبَحْثِ خَوْضُ

واسْتَراحُوا لجحْدِ فَاطِمَ حَقًّا *** كَانَ مِنْ رَبِّهَا لَها فَهُوَ فَرْضُ(1)

صَدَعَتْهُمْ بِحُجَّةٍ وَبَرَاهِينَ بِها *** لِلَّذِي بِهِ احْتُجَّ دَحْضُ(2)

ص: 403


1- في (أمالي الطوسي) مؤسسة الوفاء، بيروت -الطبعة الثانية (1981) ص207 ما يشير إلى هذا المعنى: «إن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها «صلوات الله عليها»: أسائلن عن هنة حلّق بها الطائر وحفى بها السائر و رفع إلى السماء أمراً و رزئت في الأرض خبراً أن تخيف تيم واحيوك عدي جازيا أبا الحسن في السباق حتى تقربا بالخناق أسرّا له الشنآن و طوياه الإعلان فلما خبأ نور الدين وقبض النبي الأمين نطقا بفورهما و نفثا بسورهما و أدلا بفدك فيا لها لمن ملك، تلك إنها عطية الرب الأعلى للنجي الأوفى و لقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله و نسلي و إنها ليعلم الله و شهادة أمينة فإن انتزعا مني البلغة و منعاني اللحظة و احتسبتها يوم الحشر زلفة، و ليجدنها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم».
2- دَحَضَ: أبطل؛ و في الاحتجاج ج1 ص119-122 للطبري (ط دار النعمان-1966) ما يشير إلى هذا المعنى. عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم منها فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بأمر الله تعالى؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود. فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة» فقال: بلى قالت: فأشهد أن الله «عز وجل» أوحى إلى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله، فجاء علي علیه السلام: فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتاباً ودفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه ومزّقه فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي فلما كان بعد ذلك جاء علي علیه السلام إلى أبي بكر و هو في المسجد وحوله المهاجرون و الأنصار فقال: يا أبابكر لمَ منعت فاطمة علیها السلام ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد ملكته في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم. فقال أبوبكر: هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهوداً أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جعله لها وإلاّ فلا حق لها فيه. فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين، قال: لاقال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال: إياك اسأل البينة، قال: فما بال فاطمة علیها السلام سألتها البينة على ما في يديها و قد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و بعده و لم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوها شهوداً كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟»

بَصَّرتْهُمْ لَوْ أَبْصَرُوا النُّورَ لَكِنْ *** كَانَ فِيهِمْ عُمْيُ البَصائِر مُرْضُ

ثُمَّ جَاؤُوا يَستَعطِفُونَ فُؤاداً *** فِيهِ مِنْ نابِ ما تُقَاسِيهِ عَضُّ(1)

فَأَبَتْ ما أبي لَها اللهُ منْ أنْ *** يَجِدوا لِلرَّضا طَرِيقاً فَيُفْضُوا(2)

وَانْثَنُوا خَائِبِينَ لَمْ يَسْتَطِيعُوا *** غَسْلَ عارٍ لَمْ يُجْدِهِمْ فِيه رَحْضُ(3)

رَفَضَتْهُم فَانْهارَ مَا أَحْكَمُوهُ *** وَلِمَا أبْرَمُوهُ بِالرَّفْضِ نَقْضُ

وغدا قَلْبُها يُقاسِي شُجُوناً *** ضاقَ عَنْهَا لِلْكَوْنِ طُولٌ وَعَرْضُ(4)

يالَها اللَّهُ مِنْ نَوائِبَ باتَتْ *** وَبِهَا مَضْجَعُ البَتُولِ يُقَضُّ(5)

ص: 404


1- في كتاب (الإمامة و السياسة) ج1 ص13 لابن قتيبة، الطبعة الثالثة (1981) مؤسسة الوفاء-بيروت: «قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة علیها السلام قال: فإنّا قد أغضبناها فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة علیها السلام فلم تأذن لهما. فأتيا علياً فكلّماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حوَّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها. فلم ترد علیها السلام، فتكلم أبوبكر فقال: يا حبيبة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والله إنّ قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أحبُّ إليّ من قرابتي، وإنك لأحب إليّ من عائشة ابنتي و لوددت يوم مات أبوك أني مت و لاأبقى بعده، أفتراني أعرفك و أعرف فضلك و شرفك و أمنعك حقك و ميراثك من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلا أني سمعت أباك رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: لانورِّث ما تركناه، فهو صدقة. فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم. فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبَّني ومن أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني»، قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما اسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي لأشكوّنكما إليه».
2- يفضوا: يبلغوا و ينتهوا إليه.
3- انثنوا: انعطفوا أو ارتدوا بعضهم على بعض. رحض: غسل.
4- أنظر لما ورد عن روضة الواعظين في القصيدة (2) من قافية السين.
5- يقضّ: يصير فيه القضض وهي صغار الحصى. وفي البيت إشارة إلى ما ورد في بحار الأنوار ج53 ص14. 18. 19. و هي رواية طويلة... نذكر منها: «عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق علیه السلام: هل للمأمور المنتظر المهدي عج الله فرجه الشریف من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال:... و ضرب سلمان الفارسي و إشعال النار على باب أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لإحراقهم بها و ضرب الصديقة الكبرى فاطمة علیها السلام بالسوط و رفس بطنها و إسقاطها محسناً...و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة وإضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور الله والله متم نور... وإدخال قنفذ يده «لعنهُ الله» يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدُّملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء وتقول: «واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب ويقتل جنين في بطنها»...

يالِقلْبِ تَحَكَّمَ الغَمُّ فِيهِ *** عَادَ مِنْهُ لِلْحُزْنِ بَسْطٌ وَ قَبْضُ

وَ لِصَدْرٍ قَدْ ضاقَ بالهمِّ ذَرْعاً *** وَ لِضِلْعٍ فيهِ جِراحٌ تُمِضُّ(1)

وَ لِجِسْمِ تَنَاهَبَتْهُ الرَّزايا *** حَيْثُ لَمْ يَبْقَ فِي الشَّرايينِ نَبْضُ

فَمَضَتْ بِنْتُ سَيِّدِ الرُّسْلِ غَضْبَى *** مِنْ أُناسٍ قَدْ أَغْضَبُوها لِيَرضُوا

وَ خَبَا نُورُها وَمِلْءُ حُشَاهَا *** لِلِقاءِ الرَّسُولِ شَوْقٌ وَ رَمْضُ(2)

ص: 405


1- تمضُّ: تؤلم و توجع.
2- رمض: احتراق. و في البيتين إشارة إلى ما ورد في «أمالي الصدوق» ص99-100 منشورات الأعلمي للطباعة الطبعة الخامسة (1980): (والبيت الذي يليه) «عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان جالساً ذات یوم... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية، إذا قامت في محرابها بين يدي ربها «جل جلاله» ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض و يقول الله «عز وجل» لملائكته: «يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة علیها السلام سيدة نساء إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار». و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها وكسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلی الله علیه و آله و سلم فلاتجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة وتتذكر فراقي أخرى وتستوحش إذا جنَّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة...».

وَخَلاَ بَيْتُها فَأظْلَمَ لَوْلا *** أنَّ مِنْ ذِكْرَياتِها فِيهِ وَمْضُ(1)

فَلَكَ اللهُ يا علِيُّ فَهذا *** ثانِيَ اثْنَيْنِ مَنْ خُطُوبٍ تَقُصُّ(2)

فَمُصابُ النَّبِيِّ أعْظَمُ خَطْبٍ *** وَمُصابُ الزَّهْراءِ مِنْهُ أمَضُّ

وَعَزاءٌ لإِبنيكَ مِنِّي -وَإن قلَّ *** عَزاءً -أنْ يَهْجُرَ العَيْنَ غَمْضُ(3)

ص: 406


1- ومض: لمعان.
2- و في البيت إشارة لما ورد في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص361 المطبعة العلمية. قم مؤسسة انتشارات علامة: «عن جابر: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لعلي قبل موته «السلام عليك أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك عليك». قال: فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال علي علیه السلام: هذا أحد الركنين فلما ماتت فاطمة علیها السلام قال علي علیه السلام: هذا الركن الثاني.
3- نظمت في السابع عشر من جمادى الثانية سنة (1415 هجرية).

(3) بيت الرسالة

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

أرَى بَعْضِي يَغارُكَ فيَّ بَعْضِي *** وصَحْوِي نَهْبَ أَضْناءٍ وعُمْضِ(2)

تُراوِدُنِي الْحَيَاةُ بِأَيِّ نُعْمَى *** لَئِنْ ساوَمْتُها بِجثًى مُمِضِّ

دَوَالٍ مِنْ رَغابٍ مُعْرِشاتٍ *** عَلَى سَمْتَيْنِ مِنْ طُولٍ و عَرْضِ(3)

ومُرْتَبَعٍ تَلَذُّ النَّفْسُ فِيه *** أطايبُ مَا يُصارُلَها بِحَضِّ

وَجَنَّاتٌ تَرُودُ الطَّيْرُ فِيهَا *** هَوادِل نَاغِماتٍ بِكُلِّ نَبْضِ

تَرى خَلَلَ الرَّوائِعِ مِنْ رُؤاها *** ظِلالَ الأَيْكِ تَرْفَعُ كُلَّ خَفْضِ(4)

عَلى أنِّي وَإِنْ خادَعْتُ نَفْسِي *** أَرانِي عَنْ عَمَى الشَّبعَاتِ أُغْضِي

أراني خَابِطاً عَشَواتِ وَهْمٍ *** تُزلِّقُ مِنْ خُطايَ بِكُلِّ دَحْضِ

تُسَاوِرُني المُنَى شَمْطاءَ شِيباً *** تَهَرَّأَ مِنْ شَواها كُلُّ نَحْضِ(5)

وَتَفْرُشُ لِي المَجَرَّةَ وَهْيَ أَنْأَى *** مِنَ العَبَّوقِ مِنْ سَكَنِي وَأَرْضِي

وَتَسْحَبُ مِنْ بِسَاطِي كُلَّ وَطْءٍ *** وَتَذْوِي مِنْ أَدِيمِي كُلَّ غَضِّ(6)

فَيَا نَفْسُ ائْلَفِي شَظَفَ التَّلَظَّي *** عَلَى الحِرْمَانِ وَارْتَكِني لِرَفْضِ

ص: 407


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أضناء: جمع الضنأ و هو الضعف من التعب والمرض.
3- رَغاب: الأرض التي تشرب كثيراً من ماء المطر فلا تسيل إلاّ من مطر كثير. و الرغاب من الناس الواسعو الجوف.
4- الأيك: الشجر الكثير الملتف.
5- شمطاء: التي خالط بياض رأسِها سواد. نَحْض: اللحم.
6- تذوي: تذبل. غَضّ: طَرِيّ، ناضر.

وَ يَا حُمَمَ الْهَوَاجِرِ جَرِّدِيني *** مِنَ الثَّوْبِ المُفَضَّضِ وَالمُقِضِّ

وَ يَا دُنيَا بَلَوْتُكِ لأضَمينٌ *** ذِمَامُكِ عِنْدَ مُحْتَكَمِ التَّقَضِّي

مَطَلْتِ فَلا نَجائِزَ مِنْ وُعودٍ *** وَرُضْتِ فَلا مَنادِحَ مِنْ مَرَضِّ

غَوالِي كِبْرِياءاتٍ أذالَتْ *** يَداكِ عَلَى مُداهَنَةِ التَّرَضِّي

و شمّاً مِنْ عَرانِينٍ تَخَطَّتْ *** بِكِ القِدْمانُ في دَهْياءَ تَنْضِي

وَ مُقْتَصدِيَّ لا أَرَباً أفادُوا *** وَلا هَضَمُوا الهَشِيمَ بِشُرْبِ حَمْضِ

تَأَنّوْا فِي الْمَسَافِ فَلا صوارٍ *** تَدُلُّهُمُ الطَّرِيقُ إِلَى مَفَضِّ(1)

أُولئِكُمُ الأَقَلُّونَ احْتِقَاباً *** مِنَ الثَّمراتِ مِنْ دَعَةٍ وَخَفْضِ

وَ يَا دُنْيَا جُبِلْتِ عَلَى هَوانٍ *** فَيا لَكِ مِنْ مَريرِ السُّوءِ جَرْضِ(2)

أعَنْتِ عَلى الفَواطِمِ زَعْنَفاتٍ *** إلى مُسْتَرْخَصِ الغاياتِ رُكْضِ(3)

وَما الدُّنْيا إِلى الأَطْماعِ غاياً *** وَمَا مَنْ لِيفَ مِنْ وَضَرٍ بِرَحْضِ

و ما الزَّهْراءُ إِلاَّ مِنْ أبِيهَا *** أَصالَةُ مَحْتِدِ ودَبِيبُ نَبْضِ(4)

ص: 408


1- صوار: النخل الصغير أو رؤوس الجبال أو شواطىء الأنهار.
2- جَرِض: غصّ، ابتلع ريقه بجهد على هم و حزن.
3- زعنفات: القِصار. الطوائف.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى شبه الزهراء علیها السلام بأبيها صلی الله علیه و آله و سلم ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج3 ص164 قال: عن أنس بن مالك قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من الحسن بن علي علیه السلام و فاطمة «صلوات الله عليهم أجمعين». و في كتاب المستدرك على الصحيحين ج 4 ص 272 قال : عن عائشة أم المؤمنين. «رضي الله عنها» قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً وهدياً برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من فاطمة بنت رسول الله علیها السلام في قيامها وقعودها، قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقبّلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته و أجلسته في مجلسها...» الخ. و ذكره الحافظ الذهبي في تلخيصه في ذيل المستدرك، نفس الجزء و الصفحة؛ و في كتاب الاستيعاب ج4 ص1896: قال: عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام و كانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبّلها و رحبّ بها كما كانت تصنع به صلی الله علیه و آله و سلم. أقول : كان النبي صلی الله علیه و آله و سلم يحب فاطمة علیها السلام حباً جماً حتى عذلته عائشة في ذلك... و هذا الحب الذي لاتستطيع الكلمات أن تصفه لايصدر من الرسول صلی الله علیه و آله و سلم جزافاً؛ فالنبي صلی الله علیه و آله و سلم الذي قال فيه الله «تعالى»:«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» و هو: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» إنما كان يحب فاطمة علیها السلام كل هذا الحب لعلمه بمقامها الشامخ و لأنها أم الأئمة و مركز الولاية و الإمامة وإنها المرأة النموذجية في الإسلام و المعصومة من كل ذنب و دنس و لايعرفها حق المعرفة إلاّ الله سبحانه و رسوله صلی الله علیه و آله و سلم و علي علیه السلام... و هي الإشعاع الملائكي في الأرض و منبع النور السماوي الملكوتي التي يشم فيها الرسول صلی الله علیه و آله و سلم رائحة الجنة كلما اشتاقها... فكيف لا يحبها صلی الله علیه و آله و سلم و قد خُلقت حورية في صورة إنسية؟ كيف لايحبها صلی الله علیه و آله و سلم و قد خُلقت من نور؟ كيف لايحبها صلی الله علیه و آله و سلم و هي بضعته و قلبه و روحه التي بين جنبيه؟ كيف لايحبها صلی الله علیه و آله و سلم و قد اصطفاها الله على نساء العالمين و على نساء الإسلام و هو خير دين؟ كيف لايحبها صلی الله علیه و آله و سلم و هي علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة؟ كيف لا يحبها صلی الله علیه وآله و سلم وهي التي عندما تقوم في محرابها يسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقربين؟ نعم إن فاطمة علیها السلام نور سماوي فلتقر عيناك بحبّها يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم. اعلموا أنى فاطمة علیها السلام ، عبد الحميد المهاجر ، ج 1 ص168.

هِيَ الطُّهْرُ البَتُولُ وَ مَنْ تَرَبَّتْ *** عَلى إيفاءِ نافِلَةٍ وَ فَرْضِ(1)

رَعَتْ بَيْتَ الرِّسالةِ وَ هْيَ رَضْعَى *** وَ لَمْ يَكُ وِرْدُ مُرْضِعِها بِبَرْضِ(2)

وَ حُقَّتْ بالمَلائِكِ تَصْطَفِيها *** تَنَزَّلُ مِنْ سَماواتٍ لأَرْضِ(3)

ص: 409


1- في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص310 قال: عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: «إنما سميِّت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلتْ من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء أو قال: نقصان». و في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن کتاب مودة القربى ص78 ط لاهور، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «سميتْ فاطمة علیها السلام بتولا لأنها تبتلتْ كل ليلة، معناه ترجع كل ليلة بكراً وسميت مريم بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً». و في كتاب مصباح الأنوار كما في البحار ج43 ص19 قال: عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال: إنما سميِّت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس، و طهارتها علیها السلام من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً. و قال في ص16: عن أبي عبد الله علیه السلام قال: حرَّم الله النساء على علي علیه السلام ما دامت فاطمة علیها السلام حية لأنها طاهرة. و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص44.
2- بَرْض: قليل. ورد: ما يورد من الماء.
3- في هذا البيت إشارة إلى نزول الملائكة على الزهراء علیها السلام. ففي كتاب البحار ج43 ص24 قال: ضمن حديث طويل «فأيما امرأة صلت في اليوم و الليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجت بيت الله الحرام و زكت مالها و أطاعت زوجها و والت عليا علیه السلام بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام و إنها لسيدة نساء العالمين. فقيل: يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أهي سيدة نساء عالمها فقال صلی الله علیه و آله و سلم؟: «ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين وإنها لتقومُ في محرابها، فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين و ينادونها بما نادت به الملائكة مریم فيقولون: يا فاطمة علیها السلام «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» يا فاطمة علیها السلام«اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» فتحدثهم و يحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران علیها السلام؟ فقالوا: إن مريم علیها السلام كانت سيدة نساء عالمها و إن الله «تعالى» جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها وسيدة نساء الأولين و الآخرين. و في حديث طويل في البحار ج43 ص58 جاء فيه «ألا وأزيدكم من فضلها: إن الله قد وكَّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها و من خلفها و عن يمينها و عن شمالها و هم معها في حياتها و عند قبرها و عند موتها يكثرون الصلاة عليها و على أبيها صلی الله علیه و آله و سلم و بعلها و بنيها علیهم السلام».

سَلاماً يَوْمَ مَوْلِدِها شِهاباً *** وَ حُزناً يَوْمَ مَا ارْتَحَلَتْ كَوَمْضِ

ص: 410

(4) خلف بابٍ

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني (*)(1)

أَيُّ قَلْبٍ مَا كَانَ يَحْمِلُ *** لِلزَّهرَاءِ حُبّاً فَذَاكَ قَلْبٌ مَرِيضُ(2)

إن يَكُنْ مُسْلِماً فَيعْلَمُ أَنَّ *** الْحُبَّ فِيها مُسَلَّمٌ مَفْرُوضُ(3)

أَوْ تَراهُ مُعانِداً فَلَدی إلا *** سلامِ وَ الْعَقْلِ دِينُهُ مَرْفُوضُ

حَفِظَتْ نَسْلَ أَحْمدٍ فِي بَنِيها *** فَنَمَا ذلِكَ الْكِيانُ العَرِيضُ(4)

أَيُّ نَهْرٍ مِنَ النُّبوّةِ يَنْسا *** بُ فُرُوعاً أئِمَّةً وَيَفِيضُ

سَادةً يَحْمِلُونَ مِشْعَلَ طه *** وَ عَلِيِّ ما عاقَهُمْ تَحْرِيضُ

وَ أَنارُوا الدُّنيا فَإِنْ قِيلَ أَهْلُ **** البَيْتِ قَالَتْ هذِي الأَيادِي البِيضُ

ص: 411


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب (حلية الأولياء) للأصفهاني ج4 ص185 بيروت. «عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «إن ابنتي فاطمة علیها السلام يشترك في حبّها الفاجر و البر؟ وإني كتب إليّ . أو عهد إليّ أنّه لايحبك إلا مؤمن و لايبغضك إلاّ منافق».
3- في دلائل الإمامة للطبري (ط.3 منشورات الرضا. قم. ص28 تشير إلى هذا المعنى: «عن أبي جعفر علیه السلام. في حديث طويل-: و لقد كانت مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن و الإنس و الطير و الوحش و الأنبياء و الملائكة...».
4- في مناقب آل أبي طالب ج3 ص333-334 ( المطبعة العلمية. قم -مؤسسة انتشارات علامة): «و سأل بُزل الهرويَّ الحسين بن روح (رحمة الله علیه) فقال: كم بنات رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ؟ فقال: أربع، فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: فاطمة علیها السلام، قال: و لمَ صارت أفضل و كانت أصغرهن سنَّا و أقلّهن صحبة لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم؟ قال: لخصلتين خصها الله بهما: إنها ورثت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و نسل رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم منها و لم يخصَّها بذلك إلاّ بفضل إخلاص عرفه من نيتها.

إنْ يَكُ الدِّينُ ظَلَّ لِلْيَوم حَيًّا *** فَبِهِمْ حَيْثُ شَأنُهمْ والنُّهوضُ

مِشْعَلٌ لِلأنامِ فِي كُلِّ عَصْرٍ *** شَعَّ فِيهَا مِنَ الْحُسَيْنِ وَمِيضُ(1)

وَ تَرَاهُمْ تَجرَّعُوا مِثْلَ سُمِّ الْ_ *** _حَسَنِ الْمُجْتَبَى لِتَحيا الفُروضُ

وَ تَوالَتْ مِنْ بَعْدِهِمْ تَضْحِیاتٌ *** كُلَّما الدِّينُ نالَهُ التَّعْرِيضُ

أينَ كانُوا مِنْ أمِّهِمْ يَوْمَ كَانَتْ *** خَلْفَ بَابٍ وَ ضِلْعُها مَرْضُوضُ؟(2)

لَمْ أَشأَ أَنْ أثِيرَ فِيهِمْ مُصاباً *** إِنَّما سَاقَنِي إِلَيْهِ الْقَرِيضُ(3)

ص: 412


1- وميض: لمعان خفيف.
2- مرضوض: مكسور؛ و لعل المراد منه الضلع الذي أصيب من أثر الضرب و العصر؛ ففي كتاب (مرآة العقول) للمجلسي ج5 ص320 (ط الثانية -دار الكتب الإسلامية- طهران). «فلما أخرجوه حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعاً و ألقت جنيناً من بطنها...».
3- القريض: الشعر.

(5) خلف الباب

(بحر البسيط)

السيد محمد مهدي القزويني الحائري(*)(1)

ص: 413


1- (*) هو السيد محمد مهدي ابن السيد محمد طاهر ابن السيد مهدي ابن السيد محمد باقر ابن السيد عبد الكريم القزويني الموسوي الحائري. ولد عام (1287ه_) في كربلاء المقدسة مهد الحضارة و العلوم و الآداب، و ترعرع في أحضان أسرة علمية عرفت ب_ (آل القزويني) و مما يجدر التنويه به في هذا المقام أن هذه السلالة الكريمة أنجبت العديد من العلماء و الشعراء و الخطباء الذين كانت لهم مكانتهم الرفيعة في تاريخ العراق، ومن بين هؤلاء نبغ الزعيم الديني الكبير السيد إبراهيم القزويني الشهير ب_ (صاحب الضوابط) الذي تتلمذ عليه عدد غفير من أهل الفضل و الأدب، و برز فيهم آية الله السيد محمد هاشم وآية الله السيد محمد رضا وآية الله السيد محمد إبراهيم وآية الله السيد حسين القزويني أحد رجالات ثورة العشرين وآية الله السيد محمد حسن القزويني صاحب كتاب (الإمامة الكبرى). نبغ هذا العالم الكبير والأديب الشاعر السيد محمد مهدي القزويني و صار من الأفذاد الذين لمع نجمهم في سماء الأدب، و طبقت شهرتهم الأندية و المجالس الأدبية المنتشرة هنا و هناك . نظم الشعر في جميع الفنون الشعرية، غير أن شعر الرثاء كثير عنده، فقد رثى آل البيت علیهم السلام بقصائد نبعت من أعماق قلبه و تفجرت على لسانه شعراً حزيناً مفعماً بالأسى. تمكن الشاعر أن يجمع شعره في ديوان ما زال في حوزة أحفاده و قد أسماه (القصائد البهية في النصائح المهدية) و هو الآن محفوظ عند العلامة الكبير الخطيب السيد مرتضى القزويني، تناول فيه الشاعر مختلف الأغراض كالرثاء و الوصف و المدح و التشكي من الزمان و الغزل؛ و شعره على العموم يتمتع بفخامة التعبير و روعة الصور. وافته المنية و لبى نداء ربه صباح يوم الخامس من محرم الحرام من عام (1351 ه_) و دفن مع أفراد أسرة السادة آل القزويني في مقبرتهم الخاصة في الروضة العباسية المقدسة بكربلاء. و استخلف المترجَم له نجله الخطيب العلامة المرحوم السيد محمد صالح القزويني المتوفى عام 1376 ه_ . و أحفاد المترجم له هم إخوتي و أصدقائي الخطيب السيد مهدي القزويني، و الخطيب السيد هادي القزويني و الخطيب السيد جواد القزويني و أخوهم الكبير العلامة المرحوم السيد محمد باقر القزويني.

هِيَ الصَّفا فَاسحُ فِيها الطُّولَ والعَرْضَا *** وأَدِّ واجِبها الْمَسْنُونَ وَالفَرْضا

وطُفْ بِها سَبْعَةً عَنْ قَلْبِ وَالهةٍ *** وأَحْذَرْ عَلَيْهِ وَأَلْزِمْهُ يَداً قَبْضا(1)

وَسَلْ دَوارِسَ أَطْلالٍ بَقِينَ بِهَا *** مَا بَالُها رَفَضَتْها أَهْلُها رَفْضا

وَمَا لَها قَدْ غَدَتْ قَفْراءَ مُوحِشةً *** مَأْوَى الْوُحوشِ وَقَدْ كَانَتْ بِهِمْ رَوْضا(2)

مَنْ مُبْلِغَنَّ سَلاماً مِنْ حَليفِ جَوَىً *** يُفْرِي حَشاهُ كماضِي الهِنْدِ أَوْ أَمْضَى(3)

إلى الأُلى أَثْبَتُوا لِي بَعْدَ رِحْلَتِهِمْ *** دَاءَ الضَّنَا وَنَفَوْا عَنْ جَفْنِيَ الغَمْضَا(4)

عِنْدِي مِنَ الْوَجْدِ مَا لَوْ قَسَّمُوهُ عَلَى *** شُمِّ الرَّواسِي لأفْنَى بَعْضُهَا بَعْضا(5)

وإِنَّ وَجْدِي عَلَى الزَّهراءِ أَسْقَمَني *** فَصِرْتُ مِنْ سَقَمِي لَمْ أَسْتَطِعْ نَهْضا

وَقَدْ أَذَابَ فُؤادِي رُزْهُ فَاطِمَةٍ *** حُزْناً ونَغَّصَ لي مِنْ عَيْشِيَ الخَفْضا

وَيلٌ لِقَوْمٍ جَزَوْاطه نَبِيَّهُمْ *** فِي آلِهِ عِوَضاً عَنْ حُبِّهِمْ بُغْضا

قَدْ أَوْجَبَ اللهُ فِي الْقُرآنِ وُدَّهُمُ *** عَلَى البَرِيَّةِ لاَ العُدْوَانَ وَالبُغْضَا(6)

ص: 414


1- والهة: حزينة حزناً شديداً حتّى كاد يذهب عقلها، أو المتحيّرة من شدّة الوَجْد.
2- قفراء: خالية من الناس و الماء و الكلأ.
3- يُفْري: يقطّع و يشقّ. ماضي الهند: السيف. أمضى: أقطع.
4- الضنا: المرض و الضعف و هزال الجسم.
5- شمّ الرواسي: الجبال الراسخة العالية.
6- في هذا البيت إشارة إلى قوله «تعالى»:«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى الآية 23] حيث فرض الله مودتهم على الناس. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص25 قال: عن ابن عباس «رضي الله عنه» قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»قالوا: يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و أبناهما علیهم السلام». و ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467. و السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص7.

فَأَضْمَرُوا لِلَّذي شَاءَ الإِلهُ لهُمْ *** نَقِيضَهُ وَلِعَهْدِ الْمُصْطَفَى نَقْضا

حَتَّى إِذَا الْمُصْطَفَى قَدْ غَابَ فَابْتَدَرُوا *** إِلَى الضُّغونِ وَعَهْدٌ بَيْنَهُمْ مُمْضَى

وَأَظْهَرُوا بَعْدَهُ أَحْقادَ قَلْبِهِم *** وَسارَعوا لِعُرَى إِسْلامِهِمْ قَرْضا

مَضَى وَخَلَّفَ فِيهمْ مِثْلَ فَاطِمَةِ الزَّ *** هْراءِ بِنْتاً فَهَضُّوا عَظْمَها هَضَّا(1)

و حَمَّلُوها رَزايا بَعْدَ وَالِدِها *** لَوْحَمَّلُوا جَبَلاً لاَنْدَكَّ وانْقَضّا

خَطْبٌ جَلِيلٌ وَمَا مِنْ حِيلَةٍ أبداً *** لِلْغَيْظِ إلاَّ عَلَى أَكْبَادِنَا العُضّا

أَوْ يَظْهَرُ الْمُرْتَجَيْ فِي كُلِّ نائِبَةٍ *** فَيَرْحَضُ الْغَيْظَ عَنْ صَدْرِ الهُدَى رَحْضَا(2)

يَا صَاحِبَ الأَمْرِ مَا للصَّبْرِ مُحْتَمِلٌ *** نَهْضاً فَدَتْكَ البَرايا مُسْرِعاً نَهْضا

غَضَضْتَ طَرْفَكَ يَابنَ الطَّاهِرِيْنَ فَقَدْ *** أَبَتْ رَزَايَاكُمُ الإِغْضاءَ وَالغَمْضا

مَولايَ عَجِّلْ فَمَا أَبْقى تَحَمُّلَنا *** إِلاّ تَلَهُّفُ أَكْبَادٍ لَنَا مَرْضى

تُغْضِي وَأُمُّكَ مَاتَتْ وَهْيَ وَاجِدَةٌ *** عَنْ مِثْلِ هذا وأَيْمُ اللهِ لايُغْضَى(3)

ص: 415


1- في البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: «وكان قنفذ «لعنه الله» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها. و أرسل إليه عمر، إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبه فراش حتى ماتت. صلى الله عليها. من ذلك شهيدة». و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج، ج1 ص109. هضوا: كسروا و دقوا.
2- يرحض: يغسل.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى موتها، و هي غاضبة على القوم بعدما غصبوا إرثها و أحرقوا دارها و كسروا ضلعها... الخ. ففي كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص14 في قول الزهراء علیها السلام لأبي بكر و عمر: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: «رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحب فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبَّني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني» قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أَسْخَطتُماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي صلی الله علیه و آله و سلم لأشكونكما إليه فقال أبوبكر: أنا عائذ بالله «تعالى» من سخطه و سخطك يا فاطمة علیها السلام ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول: والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ...». الخ. و في البحار ج43 ص199 في قول الزهراء علیها السلام لأبي بكر و عمر حين جاءا ليسترضياها قالت: «نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يقول: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني» قالا: نعم فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك صلی الله علیه و آله و سلم، لا والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله صلی الله علیه و آله و أخبره بما صنعتها فيكون هو الحاكم فيكما قال: فعند ذلك دعا أبوبكر بالويل و الثبور و جزع جزعاً شديداً فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من قول امرأة؟ . ...» الخ . و في ص209 قال: عن ابن نباتة قال: سُئل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عن علّة دفنه فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ليلاً فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولّاهم أن يصلي على أحدٍ من ولدها».

أمثلُ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ فَاطِمَةٍ *** مِنْ بَعْدِ وَالِدِها عَنْ شَأْنِها يُغْضَى؟

وَهْيَ الَّتي يَغْضَبُ البارِي إِذَا غَضِبَتْ *** عَلَى البَرايَا وَيَرْضَى اللهُ إِذْ تَرْضَى(1)

صَبُّوا عليها رَزاياً لا عِدادَ لها *** كَأَنَّهُمْ قَدْ رَأَوْا إيذاءَها فَرْضَا

مَصائِبٌ لَمْ أُطِقْ تِبْيَانَ عِدَّتِها *** كَلاّ وَلَمْ أَسْتَطِعْ تَفْصِيلَها بَعْضا

حَيْثُ النَّبِيُّ طَرِيحٌ في الفِراشِ وَقَدْ *** سَعَوْا لإطْفاءِ أَنْوارِ الهُدَى دَحْضا(2)

إلى السَّقِيفَةِ حَيْثُ القَوْمُ أَجْمَعُهُمْ تَراكَضُوا وَبَغَوْا فِي غَيِّهمْ رَكْضا

وأَشْرَعُوا لِلْعَمَى فِيها أَسِنَتَّهُمْ *** بِحَدِّها وَخَضُوا قَلْبَ الهُدَى وَخْضا(3)

رَدُّوا الوَصِيَّ الَّذِي كانَتْ ولايَتُهُ *** عَلَى النَّبِيِّينَ طُرًّا طاعَةً فَرْضا

فَهَلْ نَسُوا أَمْ تَناسَوْا يَوْمَ خُمِّهِمُ *** إِذْ أَعْلَنَ المُصْطَفَى بِالحَطِّ فِي الرَّمْضا

وَقالَ مَنْ كنتُ مَوْلاهُ فإِنَّ لَهُ ال_ *** _مَولَى عَلِيٌّ وَذا مِنْ رَبِّكُمُ مُمْضَى

أَغْضَوْا عَلَى المُرْتَضَى إِذْ أَخَّرْوه ولع_ *** نةُ الإلهِ عَلى مَنْ رَدَّ أَوْ أَغْضَى

ص: 416


1- في البيت إشارة إلى ما جاء في الحديث من أن الله «تعالى» يرضى لرضاها و يغضب لغضبها. ففي كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص154 قال: عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: لفاطمة علیها السلام: «إنَّ الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك». ذكره ابن الأثير أيضاً في كتابه أسد الغابة ج5 ص522 و ذكره ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378 و في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص442. و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص39 .
2- دحضاً: باطلاً.
3- وَخَضُوا: طعنوا طعنة غير نافذة.

ثُمَّ اعْتَدَوْا بعدَ ذا بَغْياً على ابْنَتِهِ الزَّ *** هْراء إِذْ غَصَبُوا مِيراثَها الفَرْضا(1)

لمْ يَحْفَظُوا حَقَّها بَلْ قَدْرَها حَفِظُوا *** وَلَمْ تَجِدْ أَحَداً يَحْنُو لَها خَفْضا(2)

إذْ راجَعَتْ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ طالِبةً *** أَنْ يَنْهَضُوا لانْتِصارِ المُرْتَضَى نَهْضا

تَخَاذَلُوا وَتَمادَوْا فِي ضَلالِهِمُ *** بَغْياً وَزادَوا لآِلِ المُصْطَفَى بُغْضا

تَعلَّلُوا لِرضَى الشَّيْطَانِ وَيْلَهُمُ *** إِذْ كانَ قَدْ جَيَّش قِدْماً مِنْهُمُ النَّبْضا(3)

ص: 417


1- في هذا البيت إشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام: ففي كتاب مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة قال: «إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلی الله علیه وآله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه في المدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر. فقال أبوبكر: إن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قال: «لانورِّث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم من هذا المآل و إني والله لاأغيّر شيئاً من صدقة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن حالتها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و الأعملنُّ فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذالک...» الخ. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 قال: عن مولى أم هاني قال: دخلتْ فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها، فقالت له: اليوم من كان يرثك؟ فقال: ولدي و أهلي ، قالت: فلم ورثتَ أنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. قالت: بلى إنك فدك و كانت صافية الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فأخذتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال: يا بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لم أفعل، حدّثني رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم...» الخ. و ذكره الحلبي في السيرة الحلبية ج 3 ص 487 وذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج ج1 ص131-144 مطولاً.
2- خفضا: حنواً و عطفاً.
3- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى ما جاء في خطبة الزهراء علیها السلام من طلبها منهم أخذ حقها. ففي كتاب الاحتجاج، ج1 ص139 حيث جاء في خطبتها علیها السلام لم. «يا معشر النقيبة و أعضاد الملة و حضنة الإسلام ما هذه الغمزة في حقي و السنة عن ظلامتي أما كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أبي يقول: المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم، صلى الله عليه و آله و سلم و عجلان ذا إهالة و لكم طاقة بما أحاول و قوة على ما أطلب و أزاول أتقولون مات محمد صلى الله عليه و آله و سلم فخطب جليل: ...إلى أن تقول: ايهاً بني قيلة أهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأى مني و مسمع و منتدى و مجمع تلبسكم الدعوة و تشملكم الخبرة و أنتم ذوو العدة و العدد و الأداة و القوة عندكم السلاح و الجنّة توافيكم الدعوة فلاتجيبون و تأتيكم الصرخة لاتغيثون و أنتم موصوفون بالكفاح معروفون بالخير و الصلاح و النخبة التي انتخبت و الخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت علیهم السلام...» الخ.

و إِنَّ أَعْظَمَ ما قَدْ جَلَّ فادِحُهُ *** في الدِّينِ خَطْبٌ بِهِ ظَهْرُ الهُدَى انتقضَا

اللهُ أَكْبَرُ مِنْ شَعْواءَ نائِرَةٍ *** أَذْكَتْ لَظاها الطَّباقَ السَّبْعَ وَ الأَرْضا(1)

لَمّا أَداروا على باب الهُدَى حَطَباً *** وَ قَدْ أَرادوا لأصحاب الكسا قَرْضا

فَجاءَتِ ابْنَةُ طه وَ هيَ تَزْعُمُ أَنْ *** تُرْعَى وَ لَمْ تُرْعَ فِيهِمْ حَقَّها الغَرْضا

فَأَضْرَمُوا النَّارَ في بابِ الهُدَى و بها *** شَفَوْا قُلُوبَهُمُ المَفْرُوحَةَ المَرْضَى(2)

فَلَمْ تَجِدْ غَيْرَ خَلْفِ البَابِ مُلْتَجَأَ *** بِنْتُ النَّبِيِّ فَرُضَّتْ خَلْفَهُ رَضَّا(3)

ص: 418


1- شعواء: واسعة منتشرة.نائرة: نار. أذكت: أشعلت و أحرقت. لظاها: لهيبها أو نارها.
2- في هذا البيت إشارة إلى عمر بن الخطاب و من معه حين أتوا بالحطب و إضرامهم النار في الباب. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36 قال: ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و أبناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام والله لتخرجنَّ يا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و إلا أضرمت عليك النار. فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب و إلا أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليَّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه ود خل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الخ. و ذكره الطبرسي في الاحتجاج، ج1 ص109، و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة علیها السلام أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة.
3- في هذا البيت إشارة إلى عصر الزهراء علیها السلام خلف الباب و كسر ضلعها سلام الله عليها. ففي كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها. و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: «و قد كان قنفذ «لعنه الله» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط. حين حالت بينه و بين زوجها و أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبه فراش حتى ماتت. «صلى الله عليها». من ذلك شهيدة.

بَكَتْ وَ صاحَتْ وَ نَاحَتْ وَ هْيَ شَاكِيةٌ *** مِنَ الألى رَفَضُوا دِينَ الهُدَى رَفْضا

تَدْعُو أَباها رَسُولَ اللهِ صارِخَةً *** بِعَبْرَةٍ قَدْ حَكَتْ صَوْبَ الحَيا فَيْضا(1)

تَقُولُ: إِنَّ الألى كَانَتْ صُدورُهُمُ *** مَشْحُونَةً مِنْكَ بِالعُدْوَانِ وَ البُغْضا

دَعاهُمُ للْعَمَى داعِي الضَّلالِ و قَدْ *** مالُوا إلَيْه وَ مَلُّوا المِلَّةَ البْيَضَّا

بِعَيْنِي اسْوَدَّتِ الدُّنيا وَ زَهْرَتُها *** وَ احْمَرَّ دَمْعِي وَ فَوْدِي شابَ وَ ابْيَضَّا(2)

مَصَائِبٌ لَمْ أُطِقْ إحصاءَ عِدَّتِها *** كَلاً وَ لَمْ أَسْتَطِعْ تَفْصِيلَها بَعْضا

تَاللهِ مَا كَرْبَلاً لَوْلاً سَقِيفَتُهُمْ *** فَإِنَّهَا ارْتَضَعَتْ مِنْ ثَدْیِها مَحْضا

وَ حَقٌّ فَاطِمَةٍ مِنْ سِقْطِ مُحْسِنِها *** حُسَيْنُها خَرَّ مَطْرُوحاً عَلَى الرَّمْضا(3)

بِيَوْم رُضَّتْ ضُلُوعُ الطُّهْرِ فَاطِمَةٍ *** جِسْمُ الْحُسَيْنِ عَلَى بَوْغائِهَا رُضَّا

ص: 419


1- و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج، ج1 ص109. يشير الشاعر في هذين البيتين إلى بكاء الزهراء علیها السلام ومناداتها لأبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عند هجوم القوم على دارها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص36-37. قال: و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت یا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت یا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر».و ذكره سليم في ص208 أيضاً. و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، قال: «و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار، و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة». و في كتاب البحار ج43 ص156 قال: عن عبد الله بن عباس قال: لما حضرت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته فقيل له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي علیهم السلام و ما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي كأني بفاطمة علیها السلام بنتي و قد ظلمت بعدي و هي تنادي يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم، فلا يعينها أحد من أمتي...». الخ الحديث.
2- فَوْد: جانب الرأس مما يلي الأذنين إلى الإمام أو الشعر الذي عليه.
3- قد مرت الإشارة إليه نقلاً عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، و الاحتجاج للطبرسي ج1 ص109.

يَا بُقْعَةٌ ضُمِّنَتْ بِنْتَ النَّبِيِّ لَقَدْ *** شُرِّفْتِ فَوْقَ الطَّبَاقِ السَّبْعِ وَ الْأَرْضا(1)

مَا خَابَ مَنْ جاءَكُمْ فِي كُلِّ دَاعِيَةٍ *** لارَيْبَ أَنْ بِكُمُ حَاجَاتُهُ تُقْضَى

إِنِّي قَصَدْتُكِ مِنْ بُعْدِ عَلَى أَرَبٍ *** عَرَّضْتُها لِلَّذِي يُحْيِي الثَّرَى عَرْضا

ص: 420


1- في البيت إقواء فإن (الأرضا) في الأصل (و الأرض) بالكسر معطوفة على السبع الطباق.

قافية الطاء

اشارة

ص: 421

ص: 422

(1) بنت الهدى علیها السلام

(بحر الرمل)

الأستاذ حميد أحمد المسري(*)(1)

بِضْعَةُ الهَادِي إِلَيْكِ سَأَخُطْ *** مَا جَرى عَلَيْكِ مِنْ أَهْلِ الشَّطَطْ(2)

مِنْ حُدوثِ قَدْ تَعَالى أَمْرُهُ *** رَفَعَ المُحفوض وَ الْعَالِي الْتَمَطْ(3)

بِمُصابٍ زَلْزَلَ الْكَوْنَ شَجاً *** سَارَ فِي الدَّهْرِ زَمَاناً و مَعَطْ(4)

آه مِنْ قَوْمٍ تَولَّوْا فِعْلَهُ *** بَعدَ ما أَحْكَمَ بِالرَّأيِ الخُطَطْ

لَمْ يَكُنْ مَا قَدْ أَتَوْا مِنْ حَدَثٍ *** هَيْناً بَلْ كَانَ أمراً ذا سَخَطْ

ذَهَبُوا لكنّهمْ لَمْ يَعْلَمُوا *** مَايُلاقوا وَ إِلى اللهِ المَحَطْ

أَيْنَهُمْ قَدْ بَعُدُوا وَقتاً جَرى؟ *** فَهُمُ فِي شُعَبِ الماضِي نُقَطْ

نَقَضُوا عَهْداً لِطه المُصْطَفى *** وَ عَلَيْهِ ارْتَكَبُوا أَمْراً غَلَطْ

حَيْثُ جَاؤُوا وَ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي *** كَانَ طَه دائماً فِيهِ انْبَسَطْ

جَمَعُوا الجَزَلَ وَ فِي طَيَّاتِهِمْ *** حَسَدٌ لأمَسَ شراً فَاخْتَلَطْ(5)

ص: 423


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- الشطط: مجاوزة الحد في الظلم و التباعد عن الحق. المعنى: يا بنت الهادي الرسول صلي الله علیه و آله و سلم إنني سوف أخط هذه القصيدة مبيناً ما جرى عليك من حدث من أهل الظلم الذين بعدوا عن الحق و تجاوزوا الحد في التعدي و الاستبداد.
3- تغالى في الأمر: بالغ فيه. التمط بحقه: ذهب به. المعنى: أن هذا الحدث تسامى و تنامى أثره فكان من جراءه أن أصبح السافل المهين المنحط عالياً و العالي مأخوذاً حقه مظلوماً.
4- الشجا: الحزن. معط: امتد.
5- الجزل: الحطب اليابس. طياتهم: مفردها طية و هي النية أو ما كان مضمراً في القلب.

وَرَأَى أَدْلِمُ وَقْتاً سَانِحاً *** لِلَّذي ما كَنَّ فِي القَلْبِ وَلَطْ(1)

أَمَرَ الثَّانِي بِأَنْ يُشْعَلَ فِي *** بَابِها النارُ وَ مِنْ ثَمَّ افْتَرَطْ(2)

قِيلَ فِي الدَّارِ هُنَا فَاطِمَةٌ *** وَ هُنَا جِبْرِيلُ بِالوَحْي هَبَطْ

قَالَ فِي عُنْفٍ تَغشّاه «و إِنْ *** كَان مَنْ كان» بِزَجْرٍ وَ سَخَطْ(3)

أَشْعِلُوا النَّارَ َو لاَ تُبْقوا بِهَا *** أَحَداً يَحْيا بِهَذِي الدَّارِ قطْ

إِنَّ هَذَا لَبَيَانٌ صَادِقٌ *** لَيْسَ فِيما قُلْتُ هَذا مِنْ شَطَطْ

وَ إِذَا شِئْتَ ثُبُوتَ الْقَوْلِ سَلْ *** شَاعِرَ النِّيلِ تَجِدْ مَا كَانَ خَطْ

وَ أَتَتْ فَاطمةٌ خَلْفَ الذَّرَا *** وَ لَها عَمْداً عَلَى الْبَابِ ضَغَطْ(4)

جَرَّ مِنْ إحدَاثِ هذا عَصْرَةً *** مُحْسِنٌ مِن إثرها مِنْها سقَطْ

أَنْبَتَ المُسْمَارَ فِي الصَّدْرِ و قَدْ *** جَارَ بِالفِعْلِ عَلَيْهَا وَ قَسَطْ(5)

كَسَرَ الضّلعَ و أدْمى صَدْرَها *** فَأَصَابَ الجِسمَ مِنْ ذَاكَ وَبَطْ(6)

خَرَمَ الأُذْنَ لَهَا مِنْ صَفْعَةٍ *** آلْمَتْها وَ ارْتَمى منها القُرُطْ

وَ أَحاطوا بِعَليَّ ذِي التُقى *** حَلقاتٍ وَ هُوُ فيهِمْ بِالوَسَطْ

أَخَذُوا الكَرَّارَ لِلْبَيْعَةِ فِي *** لُمَّةٍ بَعْدَ اضْطِهادٍ و فُرُطْ(7)

عَجَباً كَيْفَ عَلَيْهِ اجْتَرؤُوا *** وَ هُوَ فِي الهَيْجاءِ كِشَافُ الضّغطْ(8)

إِنَّهُ الفَذُّ الَّذِي مِنْ فِعْلِهِ *** تاهَ فِي أَوْصَافِهِ أَهْلُ النَّمطْ(9)

ص: 424


1- كن: غطى و ستر: لط:كتم و ستر.
2- افترط: تقدم و سبق.
3- السخط: الغضب .
4- الذَّرا: كل ما استتر به مثل الباب و الحائط و الملجأ و غيره.
5- قسط: حاد و مال عن الحق.
6- الوبط: الضعف.
7- الفُرُط: الظلم و الاعتداء و مجاوزة الحد.
8- الهيجاء: الحرب. الضغط: الضيق و الشدة.
9- الفذ: المتفرد في ذكاء أو علم أو مكانة أو نحوها. النمط: الطريقة و المذهب.

خَسِنُوا لَوْلاً مَقالٌ سَابِقٌ *** مِنْ قَمه الْمُخْتارِ بِالْقَولِ نَبَطْ(1)

لَمْ يَكُنْ مَا كَانَ هَذَا أبداً *** لا و لاما جرُؤَ الفظُّ الثَّبِطْ(2)

إنَّمَا اعْتَدَّ بِقَوْلِ المُصْطَفَى *** حَيْثُ حقاً بِوَصَايَاهُ ارْتَبَطْ(3)

أَخَذُوهُ صَابِراً محتسباً *** أَمْرُهُ للَّهِ مِنْ دُونِ قَنَطْ(4)

و مَشتُ مِنْ خَلْفِهِمْ بِنتُ الهُدى *** وَ هْيَ مِنْ ضَعْفٍ تَوَلاّها تَئِطْ(5)

و تُنَادِي القَوْمَ فِي شَجْو الا *** أتْرُكُوا مَن لَمْ يَزِلُ فِي اللَّهِ قَطْ(6)

وَ أَتى الرّجسُ إليها قُنْفُذٌ *** وَ على المَتْنِ بسوطٍ قَدْ خَبَطْ(7)

لعنةُ اللَّهِ عليهِ قَدْجَرَتْ *** و سَرَتْ للحشرِ مَدًّا تَمْتَغِطْ(8)

وَ مَضَتْ فِي دَائِهامَهُضُومَةً *** حَقَّهَا مِنْ بَعدِ هَذَا مُنْغَمِطْ(9)

وَ قَضى التقديرُ ما كانَ لها *** وَ جَرى ما صار في اللَّوح و خُطْ

فَعَلَيْها اللَّهُ صَلَّى دائماً *** ما رَقَى طَيْرٌ إِلَى الْجَوِّ وَ حَطْ(10)

ص: 425


1- نبط:خرج ظهر.
2- الثبِط: الأحمق في عمله.
3- اعتد: اهتم.
4- قنط: يئس.
5- تنط: تئن.
6- زل: أخطأ و مال عن الصواب.
7- خبط: ضرب بشدة.
8- تمتغط: تمتد و تطول.
9- منغمط: مُنكر و مجحُود المعنى: إنها ما زالت بدائها حزينة من جراء ما جرى لها منهم حتى وافاها الأجل و لبت نداء ربها و هي مظلومة في حياتها مهضومة حقها الذي أنكروه و جحدوه و أخذوه ظلماً و عدواناً.
10- انتهت يوم السبت1997/11/18.

(2) الزهراء علیها السلام تنادي

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

غَاضَ الوَفا و تَقَلَّصَتْ أَيْدِي العَطا *** وَ تَخَوَّفَتْ سِرْبُ البُزاةِ مِنَ القَطا(2)

وَ الشَّرْكُ سَلَّ حُسامَهُ وَ بِهِ عَلَى *** دِينِ النَّبِيِّ المُصْطَفَى الهَادِي سَطا

لَمّا عَلَى ينبوع أَسْرارِ القَضَا *** فِي كَرْبَلا بَحْرُ الضَّلالِ تَغَمَّطا(3)

وَاجْتَثَّ سَيْفُ الشِّرَكِ أَرْكَانَ الهُدى *** وَ عَلَيْهِ كَانَ دُجى غَيَاهِبِهِ غَطا(4)

وَ أَرَاكَ يَا بْنَ المُصْطَفى مُتحَجُباً *** وَ الدِّينُ بَيْنَ المارِقِينَ تَوَرّطا(5)

فَانْهَضْ وَ قُمْ عَجِلاً وَ خُذْ ثَارَاتِ مَنْ *** بِدِمَاءِ مِنْحَرِهِ الشَّرِيفِ تَشَحَّطا

حَتَّى أبنهُ الطِّفلُ الرَّضِيعُ قَدِ انْبرى *** سَهُم بِمِنْحَرِهِ وَ كَانَ مُقمَّطا

رَضَعَ المَنِيَّةَ مِنْ مَرَاشَةِ فَاجِرٍ *** وَ افَتْهُ عَمْداً لَيْسَ قَدْ كانَتْ خَطا(6)

فَأَتى بِهِ يَسْعَى إِلَى نَحْوِ الخِبَا *** فَاسْتَقْبَلَتْهُ نِسَاهُ وَ هُيَ بلا غطا

فَرَأَتْهُ مَقْطُوعَ الوَتِينِ فَمَزَّقَتْ *** أَزْيَاقَهَا وَ بَكتْ بُكاء مُفْرِطا(7)

فَدَعَا بِلامَةِ حَرْبِهِ وَ جَوادِهِ *** ابنُ المصطفى وَ عَلَى قِرَاهُ قَدِ امْتَطَى

ص: 426


1- (*)مرت ترجمة الشاعر فى هذا الجزء.
2- البُزاة: جمع بازي و هو طائر جارح.
3- تغمّطه: غطّاه حتّى قتله.
4- اجتله: قلعه من أصله. دجى: ظُلْمة. الغياهب: الظلمات، الليالي الشديدة السواد.
5- المارقين: الخوارج و الّذين خرجوا من الدين بضلالةٍ أو بدعة.
6- مراشة: في اللغة أنّ الرائش هو السهم ذو الريش و أنّ المَرْش الأرض التي مرش المطر وجهها، أو التي إذا أمطرت سالت سريعاً، أو حضيض الجبل يسيل منه الماء.
7- أزياق: جمع الزِّيق و هو من الثوب ما أحاط منه بالعنق و ما كُفَّ من جانب الجَيْب.

فَسَطا بِجَيْشِ الْمُشْرِكِينَ كَأَنَّهُ *** فِي الكَرِّ والدُهُ الفَتى لَمَّا سَطا

تَلْقاهُ وَ هُوَ يَشُقُ أَجْنَادَ الوَغَى *** شَقًّا وَيَخْتَطِفُ الكَمِي الأَعْيَطا(1)

يَلْقى القنا طَلْقَ المُحيَّا مثلَما *** يَلْقى الوفُودَ مِنَ الوَرى يَوْمَ العَطا

حتَّى أَتَتْهُ نَبْلَةً فَهوى بها *** فَوْقَ الثّرى بدِمائِهِ مُتَشَحْطا

فَاسْوَدَّ وَجْهُ الأُفُقِ حُزْناً و السّما *** كادَتْ عَلى وَجْهِ الثَّرَى أَنْ تَهْبِطَا

لَمّا على صَدْرِ ابْنِ بنتِ المصطفى *** أَزْكَى الوَرى شِمْرٌ بِأَخْمَصِهِ وَطا

فَاحْتَزَّ رأسَ ابْنِ النَّبِيِّ فَلَيْتَهُ *** قَدْ حَزَّ رَأْسِي عَنْهُ عَمْداً أَو خَطَا

فَأَقامَ في وَادِي الظُّفُوفِ مُضَرَّجاً *** بِدَمَائِهِ تَرِبَ الجَبِينِ بِلا وِطا

وَ حَرائِرُ المُخْتَارِ عَنْهُ قُوِّضَتْ *** أَسْرى مُشَقَّقَةَ الجُيُوبِ عَلى المَطا

فِي البِيدِ يُبْدِيها النَّهارُ لِمَنْ يَرى *** وإِذا أَكْفَهرَّ الليلُ كانَ لها غِطا(2)

فَأَتَوا بها ليزيدَ في أَسْرِ العَنا *** فَازْدادَ طُغْياناً بِهِ قَدْ أَفَرَطا

تاللَّهِ ما قَتَلَ الحُسَيْنَ وَ رَهْطَهُ *** وَ عَلَيْهِمُ البَاغِي يَزِيدُ تَسَلُّطا

إلا الَّذِي بالسَّوْطِ قَنَّعَ فاطِمَ *** الزَّهرا البتولَ و حَمْلَها قَدْ أَسْقطا

وَ إليهِ قِيدَ المُرْتَضَى مِنْ دارِهِ *** قَهْراً و كانَ عن القتالِ مُثَبَّطا(3)

مِنْ خَلْفِهِ الزَّهرا تُنادِي وَ هْيَ في *** أَذيالها من شِدَّةِ البَرْحا تَطا

خَلُّوا ابنَ عَمِّى قَبْلَما أَدْعُو و فى *** كَبِدِي شَجِّى قَبْسَاتُهُ لَنْ تُضْبَطا

أَيُقادُ قُطب رحى الوُجودِ لِمُعْتَدٍ *** قَدْ خَالَفَ البَارِي العَلِيَّ وَ أَسْخَطا؟(4)

ص: 427


1- الكمِيَّ: الشجاع. الأعيطا: طويل العنق.
2- اكفهر الليل: اشتدّ ظلامه.
3- مُثَبّطاً: متريئاً ومعوّقاً.
4- ديوان ملاعلي آل رمضان ص206.

(3) بيت فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

لَيْسَ فِي قَوْلَتي يُظَنُ اعْتِبَاطُ *** لأ وَحَسْبُ الْمَذَاهِبِ الإفراطُ(2)

طَابَ لي أن أجُولَ فِي الْبَحْثِ كَيْما *** تَتَجَلَّى عَلَى الْحُرُوفِ النّقاطُ

فَغَداً مَوْقِفٌ مَعَ اللهِ صَعَبٌ *** وَ حِسَابٌ وَ جَنَّةٌ وَ صِرَاطُ

أَتَرانِي أَقولُ مَا قَالَ کَعْبٌ *** و أُخَلِّي مَا قَالَهُ الأَسْباطُ

وَ كِتَابُ اللهِ المَجِيدُ صَرِيحٌ *** لَيْسَ فِيهِ تَبَايُنٌ وَ شِطاطُ(3)

إِنَّ آلَ الرَّسُولِ عُرْوَتُنا الوثقى *** وَ فِيهِمُ قَدْ لاحَ ذَاكَ الرِّباطُ

أَمَرَ اللَّه بالمودَّةِ فِيهِمْ *** مَالَنا و الَّذينَ لَمْ يَحْتَاطُوا

أَسْأَلُ الْقَلْبَ كَيفَ تَهْوى عليَّا *** فَأَرى (نَشْوةً) تجِيبُ النِّياطُ(4)

إِنَّ فِي كُلِّ خَفْقَةٍ وَ وَجِيبٍ *** مِنْ هَواهُ مَسَرَّةٌ وَ اغْتِباطُ

وَبِحُبِّ البَتُولِ شُدَّتْ ضُلوعٌ *** كَيْ إِلَى اللهِ يَسْتَقِيمَ ارْتِبَاطُ

وَ حُوتْ جَنَبَتَايَ حُبًّا مِنَ السَّبْطَيْنِ *** فَارْتاحَنَا وَطَابَ اخْتِلاطُ

قَدْ تَعَذَّبْتُ حُبَّهِم كُلّ حُلْوٍ *** فَبِذَاكَ الْوِلاءُ مُدَّ السّماطُ(5)

فَلِساني بِحُبِّهِمْ وَ فُؤادِي *** مِنْ عُلاهُمْ لايَعْتَرِيهِ انْحِطاطُ

ص: 428


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- اعتباط: ما كان لغير علةٍ.
3- شطاط: إفراط أو تباعد عن الحقِّ.
4- النياط: الفؤاد.
5- السماط: ما يُبسَط ليوضع عليه الطعام.

وَدَليلِي عَلَى وَلائِي أَنِّي *** بِصُنُوفِ الأهوالِ قَلْبِي مُحاطُ

أنا فِي الأَرْبَعِينَ قَدْشابَ رَأْسِي *** لَمْ يَدُمُ مِنْ سَوادِهِ قِيراطُ

كَيْفَ أَرْنُو إلى الحياةِ بِشَوْقٍ *** وَ هُيَ دَوْماً إِلَى اللِّثامِ تُناطُ

خَذَلَتْ سَيْدَ الوَصِيِّينَ (حقاً) *** شَهِدَتْهُ الْوَرى فَلُمَّ الْبِساطُ

بايَعُوه بالأمس فيهم أميراً *** بَدَّلَتْهُ (سقيفةٌ) و حِياطُ

وَ كَأنَّ الإِسْلامَ كَانَ لِثاماً *** وَ بِمَوْتِ الرَّسولِ عَنْهُ أَمَاطُوا(1)

أَحْرَقُوا بَيْتَ فاطِمٍ وَ هُيَ حُبْلَى *** شَهِدَ الجُرْمَ بَابُها وَ الْبِلاطُ

عَصَرُوها بِالْبَابِ عَمْداً وَ مِنْهُ *** كَانَ كَسْرُ الضُّلوعِ و الإسْقاطُ

أَلِبَيْتِ الزَّهراءِ تُنْقَلُ نَارٌ *** وَ عَلى ظَهْرِها تَلُوحُ السِّياطُ؟

أَمْ عَلى خَدِّها تَطاوَلَ كَفُّ *** فَاسْأَلُوها تُجِبْكُمُ الأَقْراطُ؟(2)

كَيْفَ بِاللَّهِ يَرْتَجُون أَبَاهَا *** وَ شَفَاعَاتُهُ إِلَيْهَا تُنَاطُ؟(3)

ص: 429


1- أماطوا: تنحّوا و ابتعدوا.
2- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ضرب عمر بن الخطاب الزهراء علیها السلام على خدها و تناثر قرطها. ففي إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج11/2 ص574 و البحار ج8 ص240. (ط حجرية) على لسان الزهراء علیها السلام «فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم، فهذه أمة تصلي عليَّ و قد تبرأ الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم منهم وتبرّأتُ منهم». و في البحار أيضاً ج30 ص294 ضمن رواية طويلة جاء فيها على لسان عمر بن الخطاب «فدفعت الباب و دخلت فأقبلت إليَّ بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خدها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها و تناثرت إلى الأرض و خرج علي فلما أحسستُ أسرعتُ إلى خارج الدار و قلت لخالد و قنفذ و من معهما: نجوت من أمر عظيم».
3- في هذا البيت إشارة إلى شفاعة الزهراء علیها السلام يوم القيامة ففي كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج2 ص150 قال: عن يونس بن يعقوب عن الإمام الصادق علیه السلام ضمن حديث طويل قال: قال جدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «يا فاطمة علیها السلام: البُشرى، فلك عند الله مقام محمود، تشفعين فيه لمحبيك و شيعتك فتُشَفّعين». و في كتاب دلائل الإمامة ص57 ضمن حديث طويل عن الإمام علي علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «ثم يبعث الله ملكاً لها لم يبعث لأحد قبلها و لايبعث لأحد بعدها، فيقول: إن ربك يقرأ عليك السلام و يقول: سليني فتقول: هو السلام و منه السلام و قد أتم عليَّ نعيمه وهناني كرامته و أبا حني جنته و فضلني على سائر خلقه، أسأله ولدي و ذريتي و من وَدَّهم بعدي و حفظهم فيَّ، فيوحي الله إلى ذلك الملك من غير أن يزول من مکانه، أخبرها أني قد شفِّعتها في ولدها و ذريتها و من وَدَّهم فيها و حفظهم بعدها، فتقول الحمد لله الذي أذهب عني الحزن و أقرَّ عيني فيقر الله بذلك عين محمد صلي الله علیه و آله و سلم». و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26 قال: عن علي بن موسى الرضا علیه السلام، إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إن الله «عز وجل» فطم ابنتي فاطمة علیها السلام و ولداها علیهم السلام و من أحبَّهم من النار فلذلك سميِّت فاطمة علیها السلام». و عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إن ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء إذ لم تحض و لم تطمث؛ و إنما سماها فاطمة علیها السلام لأن الله «عز وجل» فطمهما من النار». و ذكره القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة ج1 ص309.

ص: 430

قافية الظاء

اشارة

ص: 431

ص: 432

(1) قصة فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

أَوْصىَ النَّبيُّ بِفَاطِم أَصْحَابَهُ *** إنْ كَانَ عَهْدٌ مِنْ مُحَمَّد يُحفَظُ

هَذِي بَقِيَّةُ مُهْجَتِي فِيكُمْ فَمَنْ *** يَتْلُو التِّلاوةَ في وَلاها يوعَظُ

إِيَّاكُمُ مِنْ ظُلْمِها بَعْدِي و لا *** حتَّىَ حديثُكُمُ إِلَيْهَا يَغْلُظُ

إِنّ الجِنانَ بِحُبِّها لَكُمُ وَإنْ *** غَضِبَتْ فَنيرانٌ لَهُنَّ تَغيُّظُ(2)

هِيَ بَضْعَتي فِيكُمْ وَ قَدْ أَيْقَظتُكُمْ*** إِنَّ اللَّبيبَ مِنَ النَّصِيحة يُوقَظ(3)

وَ تَحيَّرَالنَّاريخُ بَعْدَ وَفاتِهِ *** ما قَدْيَرىَ مِنْ ظُلْمِها أَوْ يَلْحَظُ

وَ بِمَا تُجابَهُ مِنْ وُلاةِ زَمانِها*** وَ بِمَا تَقُولُ لَهَا الطُّغَاةُ وَ تَلْفِظُ

فَالإِرْثُ مِنْهَا يُستَبَاحُ بِمَكرِهِمْ *** وَ كِتابُ ذَاكَ المُلْكِ رَاحَ يُفظّظ(4)

ص: 433


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص153 روى بسنده عن علي علیه السلام: قال: قال رسول الله صلی الله علیهم و آله و سلم الفاطمة علیها السلام:«إن الله يغضب لغضبكِ و يرضى لرضاك؛ قال: هذا حديث صحيح الإسناد، أقول: و رواه ابن الأثير أيضاً في أسد الغابة ج5 ص522 و ابن حجر في إصابته ج8 ص159 و تهذيب التهذيب ج12 ص441 و ذكره المتقي في كنز العمال ج7 ص111 و قال: أخرجه ابن النجار.
3- اللبيب:العاقل؛ و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج2 ص328 عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها».
4- يفظّظ: الظاهر أنه من باب التفعيل و لاوجود له في اللغة و الموجود يفظ من الثلاثي المجرد؛ مع أن هذا غير مناسب من حيث المعنى و الأنسب أنه بالضاد. (يفضض) بمعنى يموِّه. و حينئذ يكون الشاعر قد ارتكب الإكفاء و هو عدم تناسب حركة رويّ هذا البيت مع سائر أبيات القصيدة. و على أي حال ففي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استخلف، فسألته ميراثها من أبيها فمنعها.

وَ النَّارُ تُضْرَمُ عِنْدَ مَدخلِ دَارِهَا ***وَ الضِّلْعُ يُكسَرُ و الجَنِينُ يُقَوَّظُ(1)

فَأَحَالَها التَّاريخُ يَسْأَلُ أُمَّةً *** أَيُّ الضمائِرِ هَهُنا يَسْتَيْقِظُ

فَإِذا الأَعادِي يُنْكِرُونَ مُصابَها *** وَ البَعْضُ مِنْ فَرْطِ العَمَى يَتَحَفَظُ

وَ تَظَلُّ قِصَةُ فَاطِم جَمراتُها *** بِقُلُوبِ شِيعَتِها جَوّى تتلظَّظُ

رَقَّتْ قُلوبٌ تَسْتَدِرُّ مَدَامِعاً *** وَ قُلوبُ قومٍ آخَرين تَغَلَّظُ

وَغَداً بِيَوْمِ الْحَشِرِ تَبْرُزُ فاطِمٌ *** بِجَلالِها بَيْنَ المَلائِكِ تُحْفَظُ

وَ هُناكَ تَلْتَقِطُ الَّذينَ تَودُّهُمْ *** و تُعات لِلنِّيرانِ مَنْ لايُوعَظُ(2)

ص: 434


1- يقوِّظ:الظاهر أنه بالظاء و لاوجود له أيضاً في اللغة بل الموجود. يقوُّض. بالضاد بمعنى يهدم أو يفرق و عليه يكون فيه إكفاء كما أسلفنا آنفاً - والله العالم. و قد تقدمت الإشارة عن ذلك نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40: فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
2- عاف. يعافُ عيافةً أي ترك.

قافية العين

اشارة

ص: 435

ص: 436

(1) سادت نساء العالمين علیها السلام

(بحر الرّمل)

الشيخ أبو الفضل الطهراني(*)(1)

حُرَّةٌ سَادَتْ نِسَاءَ العالَمِينْ *** أُمُّهَا الغَرّاءُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ

وَ أبُوها الطُّهْرُ خَيْرُ المُرْسَلِينُ *** فَهْيَ خَيْرُ النّاسِ أَمَّا وَ أَبا

شَرَفاً فَوْقَ الرَّقِيعِ الأرْفَعِ(2)

نَسَباً مِنْ نُورِهِ يَجْلُو الدُّجَى *** حَسَباً يُعْيِي الأقَبَّ الأعْوَجا(3)

كَرَماً مِن فَضْلِه نَيْلُ الرَّجا *** ضَرَبَت أطْنَابَه أَيْدِي الإبا

في ذُرَى المَجْدِ الأعَزِّ الأمْنَع

لَوْ سَرَى في تُرْبها غَادِي النَّسِيمْ *** فَضَحَ النَّدَّ بِمِسْكيِّ الشَّمِيمْ(4)

وَ أعادَ الرُّوحَ في العَظْمِ الرَّميمْ *** وَ اقْتَنى العُرْفَ الذَّكيَّ الطَّيِّبا(5)

ص: 437


1- (*) هو الشيخ الميرزا أبو الفضل بن الميرزا أبي لقاسم لكلانتري النوري الطهراني، كان عالماً مؤرخّاً شاعراً، ولد في سنة (1273 ه_) في طهران وهاجر إلى النجف و سامراء، ثم عاد إلى طهران سنة (1309 ه_)، و بقي فيها حتى توفي سنة (1316 ه_)، و دفن في مشهد السيد عبد العظيم الحسني، له تصانيف منها: (شفاء الصدور في شرح زيارة عاشوراء)،( تميمة الحديث)، (حاشية على رجال النجاشي)، (ديوان شعر عربي)، (الدر الفتيق)،( ميزان الفلك)، و غيرها. (مستدرك أعيان الشيعة: 10/1، ريحانة الأدب: 72/5).
2- الرَّقيع: السماء.
3- الأقب من الخيل: الرقيق الخصر الضامر البطن و أعوج فرس لبني هلال تنسب إليه الأعوجيات و بنات أعوج، و ليس في العرب فحل أشهر ولا أكثر نسلاً منه.
4- الند: عود يتبخر به و قيل العنبر.
5- العرف:الرائحة مطلقاً و أكثر استعماله في الرائحة الطيبة.

مِنْهُ أورَادُ الرَّبيع المُرْبِعِ(1)

رُوحُهَا مِشْكاةُ مِصْبَاح الضيا *** قَلْبُها مِصْبَاحُ نُورِ الأوليا

بَضْعَةٌ مِنْ جِسْمِ خَيْرِ الأنبيا *** وَيْلُ مَنْ أَصْبَحَ مِنها مُغْضَبا

مِنْ قُحَيْفٍ أو عُبَيْدٍ الْكَعِ(2)

سَعْدُ أَنْصِفْني عَلى شَرْعِ الهُدَى *** وَ أَزحْ مِنْ صَيْقَلِ العَقْلِ الصَّدا(3)

ثُمَّ قُلْ مَا شِئْتَ وَأَحْكُمْ مَا بَدا *** أَيْنَ مِنها مَن تَمَطَّتْ أَذْنُبا

وبغَتْ حَرْبَ الوَصِيّ الأصْلَعِ؟

يَا لأُمٍّ أَهْلكَتْ أبْنَاءَها *** ضَيَّعَتْ مِن أحْمَدٍ عَلياءَها

تَبِعَتْ في غَيِّها آباءها *** بَلْ وَزَادَت حَيْثُ قادَت مِقْنَبا(4)

كصَفُورا إذْ غَزَتْ مَعْ يُوشَعِ(5)

نَبَذَتْ ما أَن لها قَدْ أُنْزِلا *** رَكِبَتْ مَشهُورةً بينَ المّلا(6)

بَغْلَةً يَوْماً وَ يَوْماً جَمَلا *** فَمَتَى تَابَتْ فَأَنْصِفْ وَأَعْجَبا

مِنْ مَساوِي فِعْلِها وَأَسْتَرْجِع

عَدِّ عن ذِكْرِ الدُّنابَى في القِمَمْ*** عُدْ إِلَى مَنْ قَصَّرتْ أيْدِي الهِمَمْ(7)

ص: 438


1- المربع: أي الكثير المطر.
2- الألكع: اللئيم.
3- الصَّيفل: السيف.
4- المقنب: جماعة من الخيل تجتمع للمفازة.
5- صفورا: هي ابنة شعيب علیه السلام و زوجة موسى علیه السلام حاربت يوشع وصي موسى من بعده فقتل مقاتليها و أسرها و أحسن أمرها و الشاعر يشير بهذا البيت إلى موقف عائشة من أميرالمؤمنين علیه السلام المشابه لموقف صفورا من يوشع.
6- يريد قوله تعالى:«وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى» [سورة الأحزاب الآية: 33] في خطاب أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم.
7- الذُّنابى: ذنب الطائر.

وَعَلَيْها في العُلاجَفَّ القَلَمْ *** قَلَمُ الصُّنْع قَدِيماً كَتَبا

إنّها كُفْءُ البَطِينِ الأَنزَعِ

دُرَّةٌ لِلذُّرِّكانتْ كالصَّدَفْ *** زادَها اللَّهُ اختِصاصاً بالشَّرَفْ

فَحَبَاها وُلْدَها نِعْمَ الخَلَفْ *** سادَةَ الأشباطِ خَيْرَ النُّقَبا

شُفَعاءَ الخَلْقِ يَوْمَ المَجْمَعِ

خِيرَةُ النّسوانِ مَولاةُ الرِّجالْ *** لَوْتَرَاها مَرْيَمٌ ذاتُ الجَلالْ

خَلَّتِ الصَّدْرَ و قامَتْ بالنّعالْ *** و اعتَلَتْ قَدْراً وَ زَادَتْ رُتَبا

وَ غَدَتْ فِي رَوْض عزّ المرتَعِ

شَمْسُ قُدْسِ لاَيُوارِيها الأُفُولْ *** عَمِيَت في كُنْهِها عَيْنُ العُقُولْ(1)

لَيْتَ شِعْري في ثَناها ما أَقُولْ *** وَيْحَ نَفْسِي ما أَعَزَّ المَطْلَبا

عَجَبٌ عِيُّ الفَصِيحِ المُصْقِعِ

ضَرَبتْ عِفَّتُها دونَ الخَیالْ *** کَلُّ سِتْرٍ دون أذْنَاهُ المحالْ

فَمَتى جِيدي إلى المَدْحِ اسْتَطالْ *** طَردَتْني عَنْهُ حُجّابُ الخِبا

وَ دَعَوْني: خَلِّ ما لَنْ تَسْطَعِ

فَتَرى الشَّمْسَ لِتأنِيثٍ بها *** أقْبَلَتْ تَخْتَالُ في أثوابِها

وسعَتْ جَهْراً إلى أبوابها *** و كذاك البَدْرُ عَنهاخُیِّبا

وَ اختَفى مِن لَيْلِه في يُرْقعِ

ظَهَر الرَّحْمَنُ فيها بالبُطون *** حَجَب الأفكارَعَنها كالعُيون

قَصَرت عن ذَيْلها أيْدِي الظُّنُّون *** ما أضَلَّ الوَهْمَ يَسْعَى طَلَبَا

فَهو مُسْتَنُّ الفَصِيلِ الأقْرَعِ(2)

ص: 439


1- كنه الشيء: جوهره و حقيقته. و استنّ الفرس:جرى في نشاطه على سَنَنِهِ في جهة واحدة ومنه المثل استنت الفصال حتى القَرعَى يضرب للضعيف الذي يتعرّض لما ليس هو أهله.
2- فاطمة الزهراءعلیها السلام في ديوان الشعر العربي ص119.

(2) حنوط من الجنة

(بحر الرمل)

السيد إسماعيل الحميري(*)(1)

إِنَّ جِبْرِيلَ أتى لَيْلاً إلى *** طاهِرِ منْ بعدِ ما كانَ هَجَعْ

بِحَنُوطِ طَيِّبِ مِنْ جَنَّةٍ *** في صِرارٍ حَلَّ منه فَسَطَعْ

فَدَعَا أَحْمَدُ مَنْ كانَ بهِ *** واثِقاً عندَ مَعَضّاتِ الجَزَعْ

أوْثَقُ الناسِ معاً في نفسِهِ *** عندَ مكروهٍ إذا الخطبُ وَقَعْ

قَسَمَ الصَّرَّةَ أَثْلاثاً فَلَمْ *** يَأْلُ عَنْ تَسْويَةِ القسْمِ الشَّرَعْ

قالَ جُزْءٌ لي وَجُزْءٌ لابْنَتِي وَلكَ الثَّالِثُ فَاقْبِضْها جُمَعْ(2)

فإِذا مِتُّ فَحنَّظْنِي بِها *** ثُمَّ حَنَّظْها بِهذا لاتَدَعْ

إِنَّها أَسْرَعُ أَهْلِي مِيتَةً *** وَ لِحاقاً بي فلا تُكْثِرْ جَزَعْ(3)

ص: 440


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- في كتاب البحار ج22 ص504 إن جبريل علیه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بحنوط، و كان وزنه أربعين درهماً، فقسمه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثلاثة أجزاء: جزءاً له، و جزءاً لعلي علیه السلام، و جزءاً لفاطمة «صلوات الله عليهم أجمعين».
3- في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 روى بسنده عن عائشة [أم المؤمنين] قالت: فلما مرض النبي و دخلت فاطمة علیها السلام فأكبت عليه فقبّلته ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت، عليه ثم رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إن كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء، فلما توفي النبي صلی الله علیه واله وسلم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبي صلی الله علیه و آله و سلم فرفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على ذلك؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به فذاك حين ضحكت. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة؛ أقول: رواه الحاكم أيضاً في مستدرك الصحيحين ج4 ص272 و رواه صاحب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص40 روی بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام :« أنتِ أول أهلي لحوقاً بي».

فَمَضَى وَ اتَّبَعَتْهُ و الِها *** بعدَ غَيْضٍ جُرْعَتْهُ و وَجَعْ(1)

ص: 441


1- والهاً: الوله: شدة الحزن حتى ذهاب العقل التحيِّر من شدة الوجد. نقلت من ديوان السيد الحميري ص288.

(2) وجد البتول علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

ما لي أَرَى حَسْرَتِيِ لا تَنْقَضِي جَزعا *** و مَدْمَعِي مِثْلُ غَيْثٍ جَاءَ مُنْهَمِعا(2)

وَ نارُ وَ جْدِي وَ أَحْزَانِي لها سُعُرٌ *** يكادُ يُحْرِقُ قَلْبِي كُلَّما انْدَفَعا

أحِنُّ مِنْ أَلَمٍ تُكْوَى بِه كَبِدِي *** و كنتُ مِنْ قَبْلِ ذا لا أَعْرِفُ الوَجَعا

أَهَلْ شَجانِي حُطامٌ كُنْتُ أَجْمَعُهُ *** وَكانَ يُفْرِحُني يَوْماً إِذا جَمعا

وَ قَدْ تَولَّی وَ عَنِّي فاتَ بارِقُهُ *** و أُفلِسَتْ منه كَفِّي ثُمَّ ما رَجَعا(3)

أَمْ هَلْ شَجبْتُ لِلذَّاتِ وَ قَدْ فُقِدَتْ*** مِنِّي فَأَصْبَحْتُ مِنْ تَذْكَارِها وَ لِعَا؟

أَمْ هَلْ شَجيتُ لأَحْبابٍ وَ قَدْ رَحَلُوا *** عنّي فَعُدْتُ حَزيناً أَصْحَبُ الجَزَعا؟

كلاّ وَحَقِّ الَّذي تَهْفُو القُلُوبُ له *** رَبِّ تَعَالَى عَنِ المَخْلُوقِ وارْتَفَعا

ما شَفَّني المالُ وَ الدُّنْيا و لَذَّتُها *** و لا أَحِبَّةُ قَلْبِ رَكْبُهُمْ طَلَعا(4)

فَفَارَقُونَي وَ قَدْ شَطَ البُعادُ بهمْ *** ظَعْنٌ لهمْ حُزّمَ البَيْداءِ قَدْ قَطَعا

لكنّما شَفَّني وَجدُ البَتُولَةِ مِنْ *** بَعْدِ الرَّسُولِ عَلَيْها الهَمُّ قَدْ وَقَعا

تَصِيحُ والهَمُّ أَشْجاها و أَرَقَّها *** البُكاءُ فَالنَّوْمُ من أَجْفانِها ارتدعا

فَجِسْمُها مِنْ لَهِيبِ الحُزْنِ مُشْتَعِلٌ*** وَقَلْبُها من تَصارِيفِ بِه انْصَدَعا

ص: 442


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جَزعاً:عدم الصبر وإظهار الحزن أو الكدر منهمعاً:مسالاً.
3- بارقه: لامعه و متلأالئه.
4- شفّني: أرقّني و أهزلني و أضعفني.

تَبْكِي و هَلْ مثلُها يَبْكِي الحَمامُ عَلَى *** غُصْنٍ من الدَّوْح طُولَ اللَّيْلِ ما هَجَعا

بِأَدْمُعِ حَكَت العِقْيانَ مُنْتَشِراً *** عَلَى الرُّبى و بِعَقَدِ الخَوْدِ قَدْ رُصِعا(1)

هذِي يَتامايَ لَوْ تَرْنُو لَهُمْ وَ عَلَى *** وُجُوهِهِمْ أَلَمُ البُرَحاءِ قَدْ سَفَعا(2)

لَرَقَّ قَلبُكَ ممّا نالَهُمْ وَ جَرَتْ *** مِنْكَ المَدامِعُ حُزناً كالعَقِيقِ معا

يا والِدِي شَفَّنِي مِنْكَ الفِراقُ لنا *** وَ انْهَدَّ رُكْنِي لَمَّا وَحْيُكَ انْقَطَعا

حتّى كأنَّي غَريبُ الحَيَّ ليسَ لَهُ *** سِلْوانُ قَلْبٍ و في أَحْزانِهِ ادَّرَعا

يا بِنْتَ خَيْرِ نَبِيِّ مالَهُ مَثَلٌ *** وَ فِي القِيامَةِ شَفَّاعٌ إذا شَفَعا

مُصابَكَ الصَّعْبُ أَبْكَى الأرضَ قاطِبَةً *** حُزناً و طَرْفُ السَّما مِنْ هَوْلِهِ دَمَعا

كَمَا وَ أَشْجى مُحِبِّيكَ فَأَوْرَثَهُمْ *** وَجدَ الحزينِ و منه النَّوْمُ قَدْ مُنِعا

مُسَهَّدٌ طُولَ لَيْلِ مَالَهُ جُفْنٌ *** غافٍ يَئِنُّ بأَفْعَى الهَمِّ قَدْ لُسِعا(3)

أَهُمْ لأَيِّ الرّزايا يَنْدُبُونَ و مِنْ *** أيِّ المَصائِبِ يَجْرِي دَمْعُهُمْ جَزَعا؟

أَلِلضُّلوع الَّتي كانَتْ مُكَسَّرَةً *** بين الجدارِ و منها المُرتَضَى افْتُجِعا؟

أَمْ لِلْجَنِينِ الَّذي قَدْ خَرَّ مُطَرَحاً *** عَلَى التُّرابِ وَ مِنْهُ النُّورُ قَدْ سَطعا؟(4)

أَمْ يَنْدُبُونَ لِعَيْنٍ مِنْكِ قَدْ لُطِمَتْ *** فَأَصْبَحَتْ وَ هْيَ حَمْرًا دَمْعُها قِطَعا؟

أمْ يَنْدُبونَ لِسَوْطِ الحِقْدِ وَ هُوَ عَلَى *** مَتْنَيَكِ يا بِنْتَ طه المُصْطَفَى وَقَعا؟(5)

فَيَا لَها من رزايا لَوْ دَرَىٰ جَبَلٌ *** بها لَهَدَّ ذُراهُ مَائِلاً فَزَعا

صَلَّى الإِلهُ عَلَيْكُمْ مَا هَمَتْ سُحُبِّ *** بِالغَيْثِ يَوْماً وَ ما بَدْرُ الدُّجَى طَلَعا(6)

ص: 443


1- حكت: شابهت. العقيان: الذهب الخالص. الخود: المرأة الشابة. رصع: نظم و قدر.
2- البرحاء: الشدة، الأذى.
3- مسهَّد: أرق لاينام غافٍ: ناعس نائم نومة خفيقة.
4- إِشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة ص45: و كان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً...
5- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص198: فضربها قنفذ «الملعون» بالسوط فماتت حين ماتت و إنّ في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه الله»، فألجأها إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها...
6- عن كنوز المدح و الرثاء ص39.

(4) فاطمة علیها السلام الشفيعة

(مجزوء الكامل)

الشيخ حسين البيضاني(*)(1)

ص: 444


1- (*)الشيخ حسين البيضاني هو الشيخ حسين بن صالح بن غالي بن مزيعل بن شاهين بن عبادة ابن معلى الملقب بالأبيض. ولد في النجف الأشرف عام (1339 ه_/1920م)، و نشأ بها و ترعرع في كنف أخيه الشيخ نعمة البيضاني الذي صحبه إلى كربلاء المقدسة و آثر الاستيطان بها، و ذلك في سنة (1356 ه_/ 1936م) كما نقل الأستاذ الكبير السيد سلمان هادي آل طعمة في كتابه شعراء كربلاء». و كانت بداية دراسته على أعلام كربلاء، أمثال آية الله العالم الكبير الشيخ محمد بن داود الخطيب، و آية الله السيد محمد علي آل خير الدين، ثم أخذ الأدب و الشعر على العلامة الشيخ عبد الحسين الدارمي و العلامة الشيخ جعفر العتابي، ثم انصرف إلى مزاولة الخطابة فكان يرقى المنبر في المجالس الحسينية التي تعقد هنا و هناك، حتى ذاع صيته و اشتهر و كان يؤثر العزلة، و يقضي معظم أوقاته في مدرسة المهدية الدينية لتدريس الطلبة و الانكباب على المطالعة. و كان كثير التواضع و الإباء شديد الاعتزاز بنفسه، و رغم صروف الدهر و عنت الأيام فقد ظلَّ صابراً محتسباً لايجهر بالشكوى، ينبض قلبه بالمحبة و العرفان. و للمترجَم له رصيد ضخم في حفظ دواوين العرب و قراءة الشعر البليغ و شعره يتميزَّ بالطابع التقليدي إذ ينحو منحى الشعراء القدامى، و يتناول في شعره أغراض الشعر المألوفة فهو متنوّع الأغراض حافل بالصور البديعة و الأفكار الرائعة، شديد الاتصال بالحياة الاجتماعية، و شعره على العموم أقرب إلى الوعظ يتسم بالبساطة و الرقة، و له، ديوان شعر حوى قصائد و منظومات في مدائح ورثاء الحسين علیه السلام الشهيد و أهل بيته علیهم السلام، كما حوى قصائد و طنية رائعة، و عرف بحرصه على تسجيل و فيات الرّجال و ذوي الأثر المحمود، فزاده ذلك ميلاً إلى التاريخ الشعري الذي اختص به بعض شعراء السلف. حل به الردى في 15 رمضان سنة (1395ه_) الموافق 1975/9/23 م، و دفن في كربلاء المقدسة.

يا مَنْ أَصَرَّ عَلَى القَطِيعَهْ *** مالِي لِوَصْلِكَ مِنْ ذَرِيعَهْ

لاتَهْجُرَنَّ ألِيفَكَ الدّانِي *** عَسَى تَهْوَى رُجُوعَهْ

وَ لَعَلَّهُ يَعْلُو عَلَيْكَ *** وَ أَنْتَ في الرُّتَبِ الوَضِيعَهْ

فَالهَجْرُ بَعْدَ الوَصْلِ *** لاعَنْ مُوجِبٍ حاذِرْ وُقُوعَهْ

فَاسْمَحْ لَهُ وَ أَطِلْ عَلَيْهِ *** بِطَلْعَةِ البَدْرِ البَدِيعَهْ

فَلَقَدْ أذابَ فُؤادَهُ *** فَرْطُ الأَسَى وَحَنَى صُلُوعَهْ

ما ذَنْبُ مَنْ بِشَبابِهِ *** ما حادَ عَنْ سُنَنِ الشَّرِيعَهْ؟(1)

یا راحِلاً بِحُشاشَتِی *** فَفِراقُها لَنْ أَسْتَطِيعَةْ

آثَرْتَ قَتْلِي عامداً *** وَأَبَيْتَ إلا بِالقَطِيعَةْ(2)

أُحْكُمْ عَليَّ بِما تَرى *** يامَنْ عَلَيَّ بأَنْ أطِيعَةْ

ما دُمْتَ في قَيْدِ الحَياةِ *** وَعُمْرُكَ اسْتَوْقَى رَبِيعَةْ

وَالعَقْلُ مِيزانُ الكَلامِ *** فَلا تَغُرَّنْكَ الخَدِيعَةْ

وَالعَيْنُ ناظورٌ بها الإنسانُ *** يَكْتَشِفُ الطَّبِيعَةْ

وَالنَّفْسُ تَطْمَعُ مَا هَوَتْ *** هَيْهاتَ أَمْرُكَ أَنْ تُطِيعَهْ

وَلَرُبَّما خَفَقَتْ *** بِصاحِبِها المفَوَّقِ كَيْ تَبيعَةْ

وَالمَرْءُ يُخْفِي أَمْرَهُ *** وَالدَّهْرُ لَمْ يَسْتُرْ صَنِيعَهْ

***

لا تَسْأَلَنَّ عَنِ الأُولى *** فَلَرُبَّما تَبْدُو الفَظِيعَةْ

ما بایَعَتْهُمْ أُمَّةُ الهادِي *** كَما قالُوا مُطِيعَةْ

يا قاتَلَ اللّهُ الَّتِی *** خَفَّتْ لِدَعْوَتِهِمْ سَرِيعَهْ

ص: 445


1- حادَ مال وعدل عن الشي.
2- أَثَرْتُ : اخترتُ وفَضَّلْتُ.

وَ تَنَاقَلَتْ عَمَّنْ لَهُ *** الأَمْرُ الَّذِي رَفَضَتْ رُجوعَهْ

يا أرْوَعاً يَوْمَ الوَغَى *** يُقْلُ الكَتائِبِ لَنْ يُرِيعَهْ(1)

لَوْلاً التَّقِيَّةُ مَذْهَبِي *** وَ الدِّينُ يَلْزَمُ أنْ أطِيعَهْ

وَ النَّفْسُ تَهْوَى هَجْرَهُمْ *** وَ العَقْلُ لايَهْوَى القَطيعهْ

لامِنْ جَلالَةِ قَدْرِهِمْ *** لَكِنْ لأَمْرٍ لَنْ أُذِيعَهْ؟

***

تَدْرِي أَذِيَّةَ فاطِمٍ *** مِنْ بَعْدِ والِدِها فَجِيعَهْ

أَلْغَوْا وَ صِيَّتَّهُ وَ ما *** قَدْ قالَهُ فِيها جَمِيعَهْ(2)

يا لَيْتَ َشاهِدَها وَ قَدْ *** ضاقَتْ بِعَيْنَيْها الوَسِيعهْ

و الغَيْثُ يَقْصُرُ عن بُلُوغَ *** دُمُوع عَيْنَيْها الهَمُوعَهْ(3)

مَهْما يَكُنْ مانَابَها *** قَدْ نابَهُ وَ حَنَى ضُلُوعَهْ

حتَى إذا ماتَتْ وَ ما *** ماتتْ مَكارِمُها الرفيعَهْ

فَلْيَنْدُبِ المَجدُ الأثِيلُ *** الطُّهْرَ فَاطِمَةَ الشَّفِيعَهْ(4)

وَ لْيَبْكِها وَجْهُ الصَّباحِ **** بأَدْمُعٍ تُخْفِي طُلْوعَهْ

وَ لتَبْكِها شَمْسُ النَّهارِ*** فَأُخْنُها غَابَتْ سَرِيعَهْ

ص: 446


1- أروع: الشجاع الشهم الذكي. الوغى: الحرب.
2- النبي صلي الله علیه و آله و سلم يوصي بفاطمة علیها السلام خيراً. يريد: حديث الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم «فاطمة علیها السلام بضعة منّي». أو حديثه صلي الله علیه و آله و سلم «اللَّه يرضى لرضا فاطمة علیها السلام».
3- في معاني الأخبار للصدوق ص206. قال الشيخ الصدوق في معنى قول النبي صلي الله علیه و آله و سلم لعلي علیه السلام: يا علي علیه السلام لك كنز في الجنة و أنت ذو قرنيها». قال: و قد سمعت بعض المشايخ يذكر أن هذا الكنز هو ولده المحسن وهو السقط ألقته فاطمة علیها السلام لما ضغطت بين البابين و احتج في ذلك بما روي في أنه يكون محنبطاً «أي مغضباً» على باب الجنة فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: لاحتى يدخل أبواي قبلي.
4- الأثيل: الأصيل.

وَ البَدْرُ في أُفُقِ السَّما *** لاتَقْبَلُ العَلْيا هُجُوعَهْ

آهٍ على بِنْتِ الهُدَى *** ماتتْ على أثَرِ الوَقِيعَهْ

لَمْ تَبْلُغِ العِشْرِينَ عاماً *** قَدْ قَضَتْ غَصْباً مَرُوعَهْ

لِمْ شُيِّعَتْ لَيْلاً وعُفِّيَ *** قَبْرُها وَ هِيَ الوَدِيعَهْ

***

يا رَبَّةَ الخِدْرِ الَّتِي *** هِي في الجَلالَةِ في الطَّلِيعَهْ(1)

سِيرِي عَلى نَهْجِ البَتُولِ *** الطُّهْرِ فاطِمَةَ الشَّفِيعَهْ

ما غَيَّرَتْ حُكْمَ الإلهِ *** وَ لَاعَدَتْ سُنَن الشَّرِيعَهْ

لَمْ يُهْمِلِ التَّارِيخُ مِنْ *** أيّامِها الغُرَّ التَّلِيعَهْ(2)

حَتَّي مِنَ الأَعمى و ذا *** جلبابها تَخْشَى وُقُوعَهْ

***

ليْسَ الحَضَارَةُ في الخِلاَعَةِ *** وَ التَّقالِيدِ الوَضِيعَهْ

ما في التَّبَرُّجِ فَاعْلَمِي *** إلا التَّوَحُشُ و الفَظِيعَهْ

ما بالُ بَعْضِ المُسْلِمِينَ *** نِساؤهُمْ فِيهِ وَلُوعَهْ(3)

***

ص: 447


1- الخدر:كل ما تتوارى به. ستر يمدُّ للجارية في ناحية البيت، ما يفرد للجارية من السكن.
2- التليعة: طويلة العنق.
3- نشرت هذه القصيدة في سلسلة (ذكريات المعصومين علیهم السلام العدد (9) (ذكرى وفاة فاطمة الزهراء علیها السلام سنة (386 هجرية)، و من الواضح أن فضيلة الشيخ حسين البيضاني من الشعراء المجيدين في كربلاء المقدسة.

(5) انت بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

السيد حسين الصدر(*)(1)

ص: 448


1- (*)هو العلامة السيد حسين ابن السيد محمد هادی الصدر. ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في 11 / ربيع الأول / 1364 ه_ الموافق (1945م) في بيت علم وأدب و دين و في أسرة عريقة تولَّت الزعامة الدينية و السياسية في العراق في بعض الفترات و لها روافدها في العديد من البلدان الأخرى. أنهى تحصيله الجامعي بتفوّق، و تخرج من كلية الحقوق سنة (1966 - 1967م) بدرجة جيد جداً فاتّجه إلى جامعة النجف الأشرف إيماناً منه بحاجة الحوزة العلمية إلى دم جديد يهتم بتنشيط الأعمال الإسلامية. فأخذ المقدمات و السطوح عن أساتذتها البارزين حتى تهيأ للدراسات العليا فحضر بحوث الخارج في الفقه و الأصول، لا سيما عند الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر «رضوان الله عليه». وقع اختيار المرجع الديني الأعلى السيد محسن الحكيم عليه ليتولى أعباء المسؤولية الدينية في جامع و حسينية المرحوم (عباس مصطفى التميمي) في الكرادة الشرقية ببغداد. وكان نشاطه واسعاً في ترويج الإسلام فاعتقل سنة (1979م) و مورست بحقه أبشع أنواع التعذيب... و بعد خروجه من المعتقل اضطر إلى الهجرة من العراق، فاختار دمشق منزلاً له و بصماته الدينية و الاجتماعية هناك مشهورة. و في سنة (1985م) استقرَّ في لندن مواصلاً نشاطه و مسؤولياته. ألف كتباً دينية و أدبية كثيرة أهمها: 1- في قضايا الزواج و الأسرة -ط- النجف 1970. 2- الزواج و المرحلة الجهادية -ط- بيروت 1981. 3- الإمام الصادق علیه السلام إعطاء و إشعاع -ط- دمشق 1980. 4- لقاء على صنعة الشعر -ط- القاهرة 1977. 5- المرجعية الشهيدة -ط- طهران 1983. 6- لا لن يموت الصدر (شعر) -ط- طهران1983. 7- محاضرات في نهج البلاغة -ط- النجف 1967. 8- تقريرات بحث أستاذه الشهيد الصدر -مخطوط. 9- الصدر في الفقه و الأصول -مخطوط. 10- إيضاح الكفاية -مخطوط. 11- شرح المكاسب -مخطوط. 12- ديوان السيد حسين الصدر -مخطوط.

بدمائي أبكيكِ لا يدُمُوعي *** وَ لَهِيبُ الأَحْزانِ بَيْنَ ضُلُوعي(1)

يا ربيعاً ذوى سريعاً وَ أَوْدى *** لَهْفَ نَفْسِي عَلَى ذُبولِ الرَّبيعِ(2)

كَيْفَ أَنْسى الزَّهراءَ مَهْضُومَةَ *** الْحَقِّ تُعانِي مَرارَةَ النَّضْیِیعِ

ص: 449


1- في أمالي الصدوق ص 99 الطبعة الخامسة منشورات الأعلمي للطباعة...: عن ابن عباس قال: «إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لو كان جالساً ذات یوم... ثم أقبلت فاطمة علیها السلام. فلما رآها بكى ثم قال: «إلي إليّ يا بنية فأجلسها بين يديه... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية منّي؛... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسرت جنبتها (وأسقطت جنينها) و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة و تتذكر فراقي أخرى و تستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدتُ بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله «تعالى» ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مریم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» يا فاطمة علیها السلام «اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» ثم يبتدىء بها الوجع فتمرض فيبعث الله «عز وجل» إليها مريم بنت عمران علیها السلام تمرضها و تؤنسها في علتها فتقول عند ذلك يا رب إني قد سئمت الحياة و تبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي فيلحقها الله «عزوجل» بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي علیهم السلام فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلل من أذلها و خلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك: آمين».
2- ذوى: ذبل و نشف ماء النبات أودى أهلك. و قد يكون هذا إشارة إلى الرواية الواردة في (المناقب) لابن شهراشوب الجزء الثالث ص323 : إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: (أنت أسرع أهل بيتي لحاقاً بي...) و قد تقدم ذكرها أكثر من مرة.

وَ عِجَافُ الأَحْداثِ تَخْطَفُ مِنْهَا *** كُلَّ كَنُرٍ وَ كُلُّ رُكن مَنيعِ(1)

لَيْتَ شِعْرِي وَ لِلْفُؤادِ وَ جِيبٌ *** أَيَكُونُ المَوْصُولُ كَالمَقْطُوعِ

***

لَسْتُ أَنْساكِ يَا مُصارَةَ هَدْي *** سَكَبَتْهُ يَدُ الرَّسُولِ الشَّفيعِ

فَرِضاكِ رِضاهُ مِنْ دُونِ شَكٍّ *** ذاكَ نَصَّ في مُحْكَمِ التَّشْرِيعِ(2)

أَنتِ شَمْسُ في أَفْقِهِ قَدْ تَجلَّتْ *** وَ تَسامَتْ بِنُورِها وَ الطُلُوعِ

أَنتِ بِنْتُ الرَّسولِ رَيْحَانَةُ الهَادِي **** وَ زَوْجُ الوَصِيّ أمُّ الفُروعِ(3)

وَ لَكِ المَجْدُ ساطعاً بِالمَعالِي *** وَ بسامِي الجِهادِ كُلَّ سُطُوعِ

***

رِيعَ قلبِي لِقاطِم تَتَلَظَّى *** بِجِراحٍ و باعْتِسافٍ فَظِيعِ(4)

فُجعت بالحَبِيبِ وَ الأَبِ وَ القَائِدِ *** وَ الْكَهْفِ وَ العِمَادِ الرَّفِيعِ

ثُمَّ راحَتْ تَسْتَقْبِلُ المِحْنَةَ الكُبْرَى *** بِقَلْبِ مُمَزَّقٍ مَفْجُوعِ

ص: 450


1- عجاف: ضعاف و هزال. تخطف: تستلب الشيء بسرعة.
2- جاء في كتاب ينابيع المودة ج1 ص314 ط الأولى، إيران -انتشارات الشريف الرضي الطبعة السابعة منشورات المكتبة الحيدرية- النجف الأشرف، «يا سلمان من أحب فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر ذلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه، و من غضبت عليه (ابنتي فاطمة علیها السلام) غضبت عليه و من غضبت عليه غضب اللَّه عليه، يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها».
3- لعله إشارة إلى الرواية الواردة في عوالم العلوم و المعارف و الأحوال، ج1 ص116 و سفينة البحار، ج1 ص193. «عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: «فاطمة علیها السلام مهجة قلبي و ابناها ثمرة فؤادي و بعلها نور بصري و الأئمة من ولدها أُمناء ربي، حبل ممدود بينه و بين خلقه ومن اعتصم بهم نجا ومن تخلف عنهم هوي».
4- اعتساف: ركوب الطريق بلا هداية و لادراية أو ركوب الأمر بلاتدبر و لاروية.

إنَّ ظُلْمَ الْوَصِيِّ أَجَّجَ ناراً *** في حنايا ذاكَ الفُؤادِ الوَجِيعِ(1)

وَ لَقَدْ صُبَّتِ الرزايا عَلَيْها *** وَ تَوالَتْ بِهَجْمَةٍ وَ وُقُوعِ(2)

ص: 451


1- و الرواية الواردة في «مناقب آل أبي طالب» لابن شهراشوب ج2 ص205 المطبعة العلمية. قم. تشير إلى هذا المعنى: «دخلت أم سلمة على فاطمة علیها السلام فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قالت علیها السلام: أصبحت بين كمد و كرب فقد النبي و ظلم الوصي، و الله حجبه أصبحت إمامته مقتصة على غير ما شرع الله في التنزيل وسنها النبي صلى الله عليه و آله و سلم في التأويل ولكنها أحقاد بدرية و ترات أحديّة كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لإمكان الوشاة فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق فيقطع وتر الأيمان من قسيٍّ صدورها، و ليس على ما وعد الله من حفظ الرسالة و كفالة المؤمنين أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد انتصار ممن فتك بآبائهم الكرب و منازل الشهادات».
2- لعل في هذا البيت و البيتين اللذين بعده إشارة إلى الرواية الواردة في الاحتجاج، للطبرسي الجزء الأول ط النعمان (1966) ص108-109: «و كان علي بن أبي طالب علیه السلام لما رأى خذلان الناس له و تركهم نصرته و اجتماع كلمة الناس مع أبي بكر و طاعتهم له جلس في بيته، فقال عمر لأبي بكر ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع؟ فإنه لم يبق أحد إلا و قد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة معه. و كان أبوبكر أرق الرجلين و أرفقهما و ادهاهما و أبعدهما غوراً و الآخر أفظهما و أغلظهما و أخشنهما و أجفاهما. فقال: من نرسل إليه؟ فقال عمر: أرسل إليه قنفذاً و كان رجلاً فظاً غليظاً جافياً من الطلقاء أحد بني تيم فأرسله و أرسل معه أعواناً فانطلق فاستأذن فأبى علي علیه السلام أن يأذن له فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما في المسجد و الناس حولهما. فقالوا: لم يأذن لنا. فقال عمر: هو إن أذن لكم و إلا فادخلوا عليه بغير إذنه فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة علیها السلام: احرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذن فرجعوا وثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت كذا و كذا فحرجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء. ثم أمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام: والله لتخرجن و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أو لأضر من عليك بيتك ناراً ثم رجع فقعد إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي علیه السلام بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته ثم قال لقنفذ: إن خرج و إلاّ فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً. فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسوداً و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ أضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها».

أَسْقَطوها جَنِينَها المُحْسِنَ الزَّاكِي *** وَ آبوا لكِنْ بِجُرْم مَرُوعِ

كَيْفَ أَنْسَى الضّلْعَ الكَسِيرَ المُدَمَّى *** وَ سِهاماً مِنْ مُوجِع التَّقْرِيعِ؟

هَرَعُوا يَعْصِبُونَها فَدَكَاً ظُلْماً *** وَ لِلنَّارِ مُنْكِراتُ الهُرُوعِ(1)

سَمِعُوها تُدْلِي بِبُرهانِها القَاطِعِ فِيهِمْ *** وَ لَمْ يَكُنْ مِنْ سَمِیعِ(2)

(فَدَكٌ) لَم تَكُنْ لَدَيْها سِوَى رَمْزٍ *** لِحَقِّ عَنْ أَهْلِهِ مَمْنوعِ

وَ لَقَدْ نَاءَتِ البَتُولُ بإغصارٍ عَنِيفٍ *** أَطفَا جَمِيعَ الشُّمُ الشُّموعِ

لأتَسَلْنى عَنْ ساعةٍ وَ دَّعَتْ فِيها *** فَمُرُّ الآلام في التَّوْدِيعِ(3)

ص: 452


1- و قد جاء في الاحتجاج ج1 ص119 للطبرسي (ط دار النعمان. 1966) ما يشير إلى هذا المعنى: عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها. فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر الله تعالى؟...».
2- ذكر في (الاحتجاج ) ج1 للطبرسي ص131 خطبة الزهراء علیها السلام في فدك و احتجاجها عليهم: روى عبد الله بن الحسن بإسناده عن آبائه علیه السلام: أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء فأرتج المجلس ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة على رسوله فعاد القوم في بكائهم. أمسكوا عادت في كلامها فقالت: «الحمد لله على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم و الثناء بما قدّم... و أنتم الآن تزعمون. أن لاإرثَ لنا أفحكم الجاهلية تبغون و من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟!! أفلا تعلمون بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية: أني ابنته... أيها المسلمون أأغلب على إرثي؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً...».
3- في هذا البيت و الأبيات التي تليه جاء في بحار الأنوار ج43 ص178 ط الثانية (1983) مؤسسة الوفاء -بيروت. «...فقلن: يا أميرالمؤمنين علیه السلام أدرك ابنة عمك الزهراء علیها السلام وما نظنك تدركها. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام مسرعاً حتى دخل عليها و إذا بها ملقاة على فراشها و هو من قباطيّ مصر و هي تقبض يميناً و تمدّ شمالاً فألقى الرداء عن عاتقه و العمامة عن رأسه و حلّ إزاره و أقبل حتى أخذ رأسها و تركه في حجره و ناداها يا زهراء علیها السلام فلم تكلمه... فناداها: يا بنت محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم فلم تكلمه. فناداها: يا بنت من حمل الزكاة في طرف ردائه و بذلها على الفقراء فلم تكلمه فناداها: يا بنة من صلى بالملائكة في السماء مثنى مثنى فلم تكلمه. فناداها: يا فاطمة علیها السلام كلميني فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب علیه السلام؟ قال: ففتحت عينيها في وجهه و نظرت إليه و بكت و بكى. و قال: ما الذي تجدينه؟ فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب علیه السلام. فقالت: يابن العم إني أجد الموت الذي لابد منه و لامحيص عنه، و أنا أعلم أنك بعدي لاتصبر على قلة التزويج فإن أنت تزوجت امرأة اجعل لها يوماً و ليلة و اجعل لأولادي يوماً و ليلة، يا أبا الحسن علیه السلام و لاتصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فإنهما بالأمس فقدا جدّهما و اليوم يفقدان أمهما فالويل لأمة تقتلهما و تبغضهما ثم أنشأت تقول: إبكني إن بكيت يا خير هادي *** و أسبل الدمع فهو يوم الفراق يا قرين البتول أوصيك بالنسل *** فقد أصبحا حلیف اشتیاق إبكني و ابك لليتامى و لاتنسى *** قتيل العدى بطف العراق فارقوا فأصبحوا حياري *** يخلف الله فهو يوم الفراق قالت فضة: فقال لها علي علیه السلام: من أين لك يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هذا الخبر و الوحي قد انقطع عنّا؟ فقالت: يا أبا الحسن علیه السلام رقدت ساعة فرأيت حبيبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قصر من الدرّ الأبيض، فلما رآني قال: هلمي إليّ يا بنيّة، فإني إليك مشتاق فقلت: والله إني لأشد شوقاً بك إلى لقائك، فقال: أنت الليلة عندي و هو صادق لما وعد و الموفي لما عاهد. فإذا أنت قرأت (يس) فاعلم أني قد قضيت نحبي فغسلني و لاتكشف عني فإني طاهرة مطهرة و ليصلَ عليّ معك من أهلي الأدنى فالأدنى و من رزق أجري و ادفني ليلاً في قبري بهذا أخبرني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال علي علیه السلام: والله لقد أخذت في أمرها و غسلتها في قميصها و لم أكشفه حبيبي عنها فوالله لقد كانت ميمونة طاهرة مطهَّرة ثم حنطتها من فضل حنوط رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كفنتها و أدرجتها في أكفانها فلما هممت أن أعقد الرداء ناديت: يا أم كلثوم يا زينب يا سكينة يا فضة، يا حسن علیه السلام، يا حسين علیه السلام. هلمّوا تزودوا من أمكم فهذا الفراق و اللقاء في الجنة. فأقبل الحسن و الحسين علیهما السلام و هما يناديان: واحسرة لاتنطفىء أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم و أمنا فاطمة الزهراء علیها السلام يا أم الحسن يا أم الحسين علیها السلام إذا لقيت جدنا محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم فاقرئيه منا السلام وقولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا. فقال أميرالمؤمنين علي علیه السلام: إني أشهد أنها قد حنت و أنت و مدت يديها و ضمتهما إلى صدرها مليًّا و إذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن علیه السلام ارفعهما عنها فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى المحبوب. قال: فرفعتهما عن صدرها و جعلت أعقد الرداء و أنا أنشد بهذه الأبيات: فراقك أعظم الأشياء عندي *** و فقدك فاطم أدهى الشكول سأبكي حسرة و أنوح شجواً *** على خلّ مضى أسنى سبيل ألا يا عين جودي واسعديني *** فحزني دائم أبكي خليلي ثم حملها على يده و أقبل بها إلى قبر أبيها و نادى: السلام عليك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا نور الله السلام عليك يا صفوة الله مني. السلام عليك و التحية واصلة مني إليك ولديك و من ابنتك النازلة عليك بفنائك وإن الوديعة قد استردت والرهينة قد أخذت فواحزناه على الرسول صلي الله علیه و آله و سلم ثم من بعده على البتول و لقد اسودت علي الغبراء و بعدت عني الخضراء فواحزناه ثم واأسفاه. ثم عدل بها على الروضة، فصلى عليها في أهله وأصحابه و مواليه و أحبائه و طائفة من المهاجرين و الأنصار فلما واراها و ألحدها في لحدها أنشأ بهذه الأبيات يقول: أرى علل الدنيا علي كثيرة *** و صاحبها حتى الممات عليل لکل اجتماع من خليلين فرقة *** و إن بقائي بعدكم لقليل و إن افتقادي فاطما بعد أحمد *** دليل على أن لايدوم خليل.

ص: 453

ها هنا صَرْخَةٌ (لِزَيْنَبَ) دَوَّتْ *** وَ هُنا زَفْرَةُ الوَصِيِّ الوَلُوعِ

و هُناكِ (الشَّيلانِ) أَصْنَاهُمَا الخَطْبُ *** فَأَنا كَأَنَّة المَلْ المَلْسُوعِ(1)

وَ لِسِرِّ أَخفى (عَلِيَّ) مَكَانَ القَبْرِ *** مِنْ بَعْدِ مُوحِش التَّشيِيعِ(2)

هِيَ أَوْصَتْهُ إذْ أَدانَتْ عِداها *** وَ هُيَ خَصْمَ لَهُمْ بِيَوْمِ الرُّجُوعِ

ص: 454


1- أضناهما: أمرضهما بحيث تمكن منهما الضعف والهزال.
2- في «روضة الواعظين» للنيسابوري ص168 ط الأولى مؤسسة الأعلمي -بيروت: «مرضت [فاطمة علیها السلام] مرضاً شديداً و مكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت علیها السلام فلما نعيت إليها نفسها دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و وجهت خلف علي علیه السلام فأحضرته فقالت: يابن عم إنه قد نعيت إليّ نفسي و إنني لاأرى ما بي إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة و أنا أوصيك بأشياء في قلبي، قال لها علي علیه السلام: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم عدوّي و عدو رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لاتترك أن يصلي عليَّ أحد منهم و لا من أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... ...فلما أن هدأت العيون و مضى شطر من الليل أخرجها على و الحسن و الحسين علیهم السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه صلّوا عليها و دفنوها في جوف الليل، و سوّى علي علیه السلام حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها، و قال بعضهم من الخواص: قبرها سوّي مع الأرض مستوياً فمسح مسحاً سواء مع الأرض حتى لايعرف موضعه».

(6) ظل الأراكة

(بحر الطويل)

السيد رضا الهندي(*)(1)

ص: 455


1- (*) هو السيد رضا ابن السيد محمد ابن السيد هاشم الموسوي الهندي. ولد في النجف الأشرف في الثامن من شهر ذي القعدة سنة (1290ه_)، و نشأ بها، و لما بلغ عمره ثماني سنوات انتقل مع والده إلى سامراء عام (1298ه_) و هو عام الطاعون، فبقي فيها مع والده ثلاث عشرة سنة، و هو خامس إخوته الستة، و قد اشتهر من بينهم بالصلاح و الإصلاح و العلم و العمل و الجد و الاجتهاد و الورع و السداد. و في مدة إقامته في سامراء كان آية في الذكاء، فقد أولع بالدرس و التطلّع إلى حقائق العلوم و التوغل في معرفتها و كانت رعاية والده له و عنايته به شديدة فقد لقنه كثيراً من المعلومات التي عرف بها، و كان له ولع بآداب العرب و التتبع لأخبارهم، فكان مثال الشاب الوديع الذكي، و ما اجتاز العقد الثاني من عمره حتى أشير إليه بالبنان. و كان موضع عناية من آية الله المجدد الشيرازي لذكائه و سرعة بديهته و سعة اطلاعه. و عندما عاد إلى النجف سنة (1311ه_) واصل جهوده العلمية على أساطين العلم حتى نال درجة الاجتهاد، و في سنة (1323ه_) أصبح مشهوداً له في ذلك، و قد شهد له عدد من أكابر علماء ذلك العصر، منهم الشيخ محمد طه نجف و غيره من المراجع المبرزين. و عندما انتدبه المرجع الكبير السيد أبوالحسن الأصفهاني وكيلاً و مرشداً من قبله لناحية (الفيصلية) استجاب له و قام بوظائفه هناك خير قيام و استمر فيها عالماً و مربياً و مرشداً إلى آخر حياته. و كان المترجَم له يقرض الشعر بشتى فنونه و أساليبه ويعد شعره من الطبقة العالية قوة و رقة و انسجاماً، و شعره في أهل البيت أنشودة المجالس الحسينية إلى يومنا هذا. و أما مؤلفاته و آثاره العلمية فهي عديدة نذكر منها: 1- الميزان العادل بين الحق و الباطل. 2- بلغة الراحل فى الأخلاق و المعتقدات. 3- الوافي في شرح الكافي في العروض والقوافي. 4- سبيكة العسجد في التاريخ . 5-شرح الطهارة -من منظومة والده في الفقه المسماة باللآلي الكاظمية. 6- ديوان شعره. 7- ديوان شعر آخر في مدح آل البيت و رثائهم علیهم السلام. و كان المترجَم له متحمساً في ولائه و متفانياً في حبه لآل البيت علیهم السلام الا و كان إذا رأى ظاهرة تمس بقداسة المعتقدات المذهبية يقف أمامها موقفاً صلباً و شجاعاً. و من نوادره في هذا المجال لما كتب السيد محسن الأمين (التنزيه لأعمال الشبيه) و هي مجموعة ظنون نقلت إليه فبنى عليها و اعتقد بصحتها فاندفع السيد رضا قائلاً: ذرّية الزهراء إن عددت *** يوماً ليطري الناس فيها الثنا فلا تعدّوا مُحْسِناً منهم *** لأنها قد أسقطت محسنا وفاته في (الفيصلية المشخاب) من توابع محافظة الديوانية في 22 جمادى الأولى من عام (1362ه_) بالسكتة القلبية و حمل جثمانه على الأكتاف إلى النجف الأشرف و صار يوم وفاته مشهوداً فقد استقبله أهالي النجف بعزاء و حزن كبير حتى أودعوه في مقره الأخير بمقبرة الأسرة الخاصة في محلة الحويش و أقام زعيم الحوزة الدينية السيد أبوالحسن الأصفهاني الفاتحة على روحه، و قد رثاه شعراء عصره بقصائدهم.

بِنَفْسِي التي لاهُمْ أَعزُّوا جوارَها *** وَ لاَ تَرَكُوها تَسْتَجِيرُ بِدَمْعِها

رَأَوْها تُقَضِّى لَيْلَها وَ نَهارَها *** بُكاءً عَلَى الهادِي فَجَدُّوا بِمَنْعِها

وَمُذْ أَلِفَتْ ظِلَّ (الأَراكَةِ) لَمْ تَكُنْ *** تَطِيبُ نُفوسُ القَوْمِ إِلا بِقَطْعِها(1)

إذا كانَ قَصْدُ القومِ بَيْعَةَ (بَعْلِها) *** فَمَا كَانَ يَحْدُوهُمْ عَلَى كَسْرِ ضِلْعِها(2)

ص: 456


1- الأراكة: شجرة ذات شوكٍ، طويلة الساق كثيرة الورق و الأغصان خوّارة العُود، تأخذ منها المساويك. و كانت السيدة الزهراء علیها السلام تستظل بها فقطعوها في قصة مشهورة.
2- دیوان شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص81.

(7) على بابها الأملاك

(بحر الخفيف)

الشيخ سلمان البحراني(*)(1)

قِفْ عَلَى قَبْرِ فَاطِمَ بِالْبَقِيع*** بَعْدَ مَزْقِ الحَشَى وَسَكْبِ الدُّموعَ(2)

وَالْثُمِ التُّرْبَ مِنْ حَوالَيْهِ وَانْشُقْ*** مِنْ شَذاهُ نَسِيمَ زَهْرِ الرَّبيعِ

وَأَبْلَغَنْها السَّلامَ عَنِّي فَإِنِّي *** لَمَرُوعٌ فِيها بِخَطْبٍ مُرِيعِ

وَتَذَكِّرْ أَذِيَّةَ الْقَوْمِ فِيها *** وَابْكِ حُزْناً وَعُجْ بِقَبْرِ الشَّفِيعِ

قِفْ بِهِ مَوْقِفَ الْحَزِينِ وَلكِنْ *** لابِساً بُرْدَتَيْ تُقَّى وَخُشُوعِ

وَاشْكُ مانَالَ بِنْتَهُ مِنْ كُرُوبٍ*** مُفْجِعاتُ تَشِيبُ رَأْسَ الرَّضِيعِ

قُلْ لَهُ أَيُّها النَّبِيُّ شَكاةٌ *** لَكَ عِنْدِي مَشْفُوعَةٌ بِدُموعِي

فَأَعِرْنِي مِنْكَ المَسامِعَ فِيها*** فَصَداها يُصِمُّ أُذُنَ السَّمِيعِ(3)

إِنّ تلكَ الَّتِي عَلَى بابِها الاَمالكُ**** تُبْدِي الخُشوعَ بَعْدَ الخُضُوعِ

قَدْ أَحاطُوا بِالنَّارِ مَنْزِلَها السَّا *** مِي بِتَظهِيرهِ بِشَأْنٍ رَفِيعِ

أَسْقَطُوها بِالْبَابِ مُحْسِنَ عَصْراً *** بَعْدَ تَأْلِيمِها بِكَسْرِ الضَّلوعِ

دَخَلُوا بَيْتَها عَلَيْها وَقَادُوا *** بَعْلَها المُرْتَضَى بِحَالٍ فَظِيعِ

عَجَباً كيفَ في نِجادٍ له قِيدَ؟ *** وَقَدْ كانَ قائِداً لِلْجُمُوعِ(4)

ص: 457


1- (*) الملقب بالتاجر، وقد مرت ترجمته في الجزء الثاني.
2- سل على قبر فاطم علیها السلام بالبقيع *** واسقي تلك الربوع حمر الدموع.
3- صداها: الصدى ما يردّه الجبل أو غيره إلى المصوّت مثل صوته.
4- نجاد: حمائل السيف.

فَعَدَتْ خَلْفَهُ تَجُرُّ مِنَ الصَّوْ*** نِ ذُيولاً جُيوبُها مِنْ دُمُوعِ(1)

وَ دَعَتْ فِيهِمُ أرْجِعُوا ابْنَ عَمِّي *** أو لأَشكُو إِلى المُجِيبِ السَّمِيعِ

فَتَلافَوْا مِنَ البَتُولَةِ مَالَوْ *** أَغْفَلُوهُ لَزُلْزِلُوا عَنْ سَرِيع

غَصَبُوها حُقوقَها مِنْكَ ظُلْماً *** وَبِعَيْنِ الإلهِ غَصْبُ الْجَمِيع(2)

ص: 458


1- جيوبها أطواقها وفي هذا البيت والأبيات التي تليه إشارة إلى خروج الزهراءعلیهاالسلام خلف الإمام علي علیه السلام حين أرادوا إجباره على البيعة: ففي كتاب تفسير العياشي ج2 ص66-67 ضمن رواية طويلة جاء فيها «قال عمر: قوموا بنا إليه فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبوعبيدة ابن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و قنفذ وقمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات اللَه عليها» أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلاّ بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف ثم دوخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیهاالسلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي؟ والله لئن لم تكف عنه لأنشرنَّ شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي ولاصيحنَّ إلى ربي فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلی الله علیه واله وسلم فقال علي السلمان: أدرك ابنة محمد فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان والله إن نشرت شعرها وشقت جيبها واتت قبر أبيها وصاحت إلى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها [وبمن فيها] فأدركها سلمان «رضي الله عنه» فقال: يا بنت محمد إن الله إنما بعث أباك رحمة فارجعي، فقالت: يا سلمان يريدون قتل علي ما عليَّ صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري وأشق جيبي، وأصيح إلى ربي، فقال سلمان: إني أخاف أن يخسف بالمدينة وعلي بعثني إليك يأمرك أن ترجعي له إلى بيتك ،وتنصرفي، فقالت: إذا أرجع و أصبر و أسمع له و أطيع. و ذكره المجلسي أيضاً في كتابه بحار الأنوار ج28 ص227-228.
2- یشیرفی هذه الأبيات الأربعة إلى غصب فدك و مجيئها بالشهود و البراهين على إثبات حقها ورد الشهود وتكذيبها «سلام الله عليها»: ففي كتاب مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة قال:«إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه واله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه واله و سلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد من هذا المال وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم و لأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك... الخ. و في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 قال: عن مولى أم هاني قال: دخلت فاطمة على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها، فقالت له: لئن مُتَّ اليوم من كان يرتك؟ قال ولدي، و أهلي قالت: فلم ورثت أنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ قال: فما فعلت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: قالت: بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأخذتها و عمدت إلى فدک ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم أفعل حدثني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الخ. و ذكره الحلبي في السيرة الحلبية ج3 ص487. و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج ج1 ص131. 144. و ذكره في عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300. و في كتاب الاحتجاج ج1 ص119. 122. قال: عن حماد بن عثمان عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر من الله «تعالى»؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن، فقالت له أم أيمن لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، و أنشد لك الا بالله ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنة فقال: بلى، قالت، فأشهد أن الله «عزوجل» أوصى إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» فجعل فدكاً لها بأمر الله فجاء على علیه السلام فشهد: بمثل ذلك فكتب لها كتاباً و دفعه إليها. فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك، و شهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه و مزقه فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي... الخ. و في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487 و 488. «و قال لها هل لك بينة فشهد لها علي كرم الله وجهه و أم أيمن فقال لها: أبرجل و امرأة تستحقيها؟ و قال: و أيضاً شهد لها بذلك الحسن و الحسين و أم كلثوم رضي الله تعالى عنهم.

طَلَعتْ تَصْحَبُ الشُّهودَ مِن الْبَيْتِ *** كَشَمْسِ النَّهارِ عِنْدَ الطُلوعِ

وَ بَدَتْ تُفرح البراهينَ مِنْ *** فيها بِأَسْمَاعِهِمْ بِأَيِّ سُطوعِ

فَأُجِيبَتْ لَكِنْ بِرَدُ شُهُودٍ *** بَعْدَ تَكْذِيبِ صَوْتِها المُسْمُوعِ

مَنَعُوها مِنَ البُكَاءِ عَلَى رُزْتِكَ *** يَا خَيْرَ فَاجِعٍ وَ مَفْجُوعِ

قَلْ لِدارِ الأَحْزانِ ما زِلْتِ لازالَتْ *** ضُلوعي تَحْوِي قبور البَقيعِ(1)

ص: 459


1- و في هذا البيت يشير إلى بيت الأحزان الذي بناه الإمام علي علیه السلام الفاطمة علیها السلام لأجل البكاء فيه. ففي كتاب البحار ج43 ص177 ، ضمن حديث طويل قال: «ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها». و في كتاب رحلة ابن جبير ص174 قال: «ويلي هذه القبة العباسية بيت ينسب لفاطمة علیها السلام بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و يعرف ببيت الحزن يقال: إنه الذي آوت إليه و التزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم.

ما هُوَ السِّرُّ حِينَ تُدْفَنُ سِرًّا *** وَ جَهاراً أتَوْا إلى التَّشْيِيعِ؟(1)

يا لها مِنْ مَصائِبٍ قَدْ دَهَتْها *** رَمَتِ الثُّمَّ مِنْ شَجِّى بِصُدُوعِ(2)

وَ لَعَمْرِي لَحُزنُ زَيْنَبَ أَشْجَى *** عِنْدَ مَسْمُومِها و نَدْبِ الصَّرِيعِ؟(3)

ص: 460


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى دفن الزهراء علیها السلام ليلاً: انظر کتاب مناقب ابن شهر اشوب ج3 ص363 و ذكره عنه 363 و ذكره عنه المجلسي في كتابه بحار الأنوار ج43 ص183. و في البحار ج43 ص193 قال: عن أبي عبد الله الحسين علیه السلام قال: لما قبضت فاطمة علیها السلام دفنها أميرالمؤمنين علیه السلام سرًّا و عفا على موضع قبرها ثم قام فحوَّل وجهه إلى قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ثم قال:... الخ.
2- الشمّ: السادة ذوو الأنفة، الكرام، ذوو الشهامة و الرفعة. صدوع: شقوق. (ومصائب) ممنوعة من الصرف إلا أنه يجوز للشاعر ما لايجوز لغيره. و لذلك أخذت حركة التنوين.
3- نقلت عن رياض المدح و الرثاء ص216.

(8) أم الأئمة و الإمامة

(بحر الكامل)

الأستاذ سلمان الربيعي (أبو أمل)(*)(1)

إِنْ كُنْتُ في نَظْمِ القَصَائِدِ أُبْدِعُ *** فَلأَنَّ حُبَّكِ لِلْقَصَائدِ مَطْلَعُ

فَهُوَ الَّذِي زَادَ القَصَائِدَ رَوْنَقاً *** حتَّى غَدَتْ فِيها الفَصَاحَةُ تُجْمَعُ

فَمَتى عَصَانِي الشَّعْرُ حِينَ دَعَوْتُهُ *** وَ حُرُوفُ اِسْمِكِ قَافِياتٌ لُمَّعُ

وَ مَتَى وَجَدْتُ تَكَلَّفاً في نَظْمِهِ *** و يُحيط بي رَوْضُ القَريضِ المُمْرعُ(2)

وَ مَنى أَراني ظامِئاً و بِخافِقي *** مِنْ فَيْضِ حُبِّكِ مَا حَبِيتُ المَنْبَعُ(3)

(زَهْراءُ) حُبُّكِ نَعْمَةٌ أَهْفُو لها *** فَبِلَحْنِها و جَمالِها أَسْتَمْتعُ(4)

فَهْوَ الَّذي يُنْسِي الغَرِيبَ شُجُونَهُ *** إِنْ هَاجَهُ الوَجْدُ الدَّفِينُ المُوجِعُ

يَا هَمْزَةَ الوَصْلِ الَّتِي مِنْ شَأْنِها *** سِرَّ النُّبُوَّةِ بالإمامةِ تَجْمَعُ

يَا سُورَةَ الدَّهْرِ الَّتي آلاؤُها *** يَوْمَ القِيامَةِ لِلْبَرايَا تَشْفَعُ(5)

ص: 461


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- القريض الممرع: الشعر الخصب.
3- خافقي: قلبي.
4- في دلائل الإمامة (الطبعة الثالثة منشورات الرضا (قم) ص54: عن جعفر بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سميت الزهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض».
5- في هذا البيت و الأبيات التي تليه: جاء في كتاب «المناقب» لابن شهراشوب. ج3 ص325 ط/ المطبعة العلمية قم - مؤسسة انتشارات علامة -قم. «سئل عالم فقيل: إن الله تعالى قد أنزل: «هل أتى» في أهل البيت علیهم السلام و ليس شيء من نعيم الجنة إلا وذكر فيه إلا الحور العين. قال: ذلك إجلالاً لفاطمة علیها السلام. و في صحيح مسلم المجلد الخامس ص54 (ط1 -مؤسسة عز الدين بيروت): عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها [و يسرني ما أسرها] و في كنز العمال ج12 ص102 ح34191 (ط مؤسسة الرسالة بيروت. 1979): «عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خير رجالكم علي علیه السلام [بن أبي طالب] و خير شبابكم الحسن و الحسين علیهما السلام و خير نسائكم فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم».

يا بَضْعَةَ المختارِيَا خَيْرَ النِّسا *** يَا مَن إليها في القِيامَةِ نَفْزَعُ

يَا مَنْ هِيَ الغَيْثُ الذي لم يَنْسَكِبْ *** إلا و يَخْضَرُ اليَبابُ البَلْقَعُ(1)

يا مَنْ هِيَ النُّورُ الَّذي مَحَقَ الدُّجَى *** فَسَناهُ في أفُقِ الجَزِيرَةِ يَسْطَعُ(2)

يَا رَحْمَةً يَهْفُو لَها كُلُّ أَمْرِىءٍ *** حَتَّى بها لِذَوِي الكَبائِرِ مَطْمَعُ(3)

ص: 462


1- اليباب: الخراب. البلقع: الأرض القفر.
2- محق: أبطل و محا و قد جاء في (علل الشرائع) للصدوق ج1 ص214 (ط1 مؤسسة الأعلمي (بيروت). عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: يا بن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم سميت الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال: لأنها تزهر الأميرالمؤمنين علیه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور: كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة و الناس في فُرشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيَّض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيأتون منزلها فيرونها جالسة في محرابها تصلي و النور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة علیها السلام، فإذا انتصف النهار و ترتبت للصلاة زهر نور وجهها علیها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفر ثيابهم و ألوانهم. فيأتون النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيرونها قائمة في محرابها و قد زهر نور وجهها بالصفرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجهها. فإذا كان آخر النهار و غربت الشمس احمرّ وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً و شكراً لله «عزوجل» فكانت تدخل حمرة وجهها حجرات القوم و تحمّر حيطانهم فيعجبون من ذلك و يأتون النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة علیها السلام فيرونها جالسة تسبح الله و تمجده و نور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة علیها السلام فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين علیه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام.
3- في كتاب إحقاق الحق ج1 ص367 منقولة عن كتاب (أخبار الدول و آثار الأول): «و قد ورد في الخبر أنّها لما سمعت بأنّ أباها زوّجها و جعل الدراهم مهراً لها قالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن بنات الناس يتزوَّجن بالدراهم فما الفرق بيني و بينهن؟ أسألك أن تردّها و تدعو الله «تعالى» أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك. فنزل جبريل علیه السلام و معه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل الله مهر فاطمة الزهراء علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت و قالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي و شفعت في عصاة أمة أبي».

يَا رُكُن بَيْتِ بالغٍ هامَ السُّهَى *** هُوَ لِلْهِدَايَةِ و الرِّسالَةِ مَوْضِعُ(1)

يَا بَضْعَةَ المختارِ حَسْبِي مَفْخَراً *** إِنْ قِيلَ: عَنِّي إِنَّهُ يَتَشَيَّعُ

وَ أَنَا المُقِرُّ بِأَنَّ ربي واحِدٌ *** و له جَمِيعُ الكائناتِ سَتَرْجِعُ

و رَسُولُه طة الأمينُ نَبيُّنا *** لأصولِ سُنَّتِهِ الشَّرِيفَةِ نَتْبَعُ

و إذا سُئِلتُ مَن الخَليفَةُ بَعْدَهُ؟ *** أَفْصَحْتُ أنْ ذاكَ البَطِينُ الأَنْزَعُ(2)

بَارَكْتُ مولِدَكِ الشَّريف و بانَ لي *** أَنّ الكَواكِبَ مِنْ سَناكِ تَشَعْشَعُ(3)

وَ طَفِقْتُ أُنْشِدُ ما تَجُودُ قَرِيحَتي *** شِعْراً كَطَيْرِ في الحَمائِل يَسْجَعُ(4)

أُمُّ الأئمة و الإمامَةُ رُتْبَةٌ *** بِكِسِرُّها دُونَ النّسا مُسْتَوْدَعُ(5)

مَا نَالَها إلا الأُلَى أَسْمَاؤُهُمْ *** في اللَّوْح مُذْ نَشْءِ الخَليقةِ تُطبَعُ

لو لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الشُّرُوطُ لَنالَها *** مَنْ كانَ رَدْحاً لِلْحِجَارَةِ يَرْكَعُ(6)

يَكْفِيكِ أنَّ أباكِ لولا دِينُهُ *** شَمْسُ الهداية لِلوَرَى لاتَطْلَعُ

ص: 463


1- السهى: كوكب خفي من بنات نعش الصغرى.
2- البطين الأنزع: من أوصاف أميرالمؤمنين الإمام علي علیه السلام.
3- في أمالي الصدوق ص 86 (ط الخامسة.1980 مؤسسة الأعلمي بيروت): «...فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور... و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك...».
4- الخمائل: مفردها الخميلة و هي الشجر الكثير الملتف أو الموضع الكثير الشجر.
5- في دلائل الإمامة ص8 و في روضة الواعظين ص160 (ط الأولى1986 منشورات مؤسسة الأعلمي): «يا خديجة علیها السلام هذا جبرائيل يبشرني أنّها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن الله «تبارك و تعالى» سيجعل نسلي منها، و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه...».
6- ردحاً: مدة طويلة.

يَكْفِيكِ بَعْلُكِ مَنْ بِغَيْرِ حُسامِهِ *** بَيْتُ الهدايةِ رُكْنُهُ مُتَضَعْضِعُ(1)

يَكْفِيكِ أَنَّ ابنَيْكِ إن قاما وإنْ *** قَعَدا الأمْرِهِما الخَلائِقُ تَخْضَعُ

قُلْ لِلَّذِي سَلَبَ البَتُولَ حُقُوقَها *** أَرْكانُ بيتِ الوَحْيِ لاتَتَصَدَّعُ(2)

لا تُطْفِي الأفْواهُ نُورَ مُحَمَّدٍ *** فَاحْسَأَ فَلَيْسَ الحالُ ما تَتَوقَّعُ(3)

الحَقُّ يَبْقى بالِغاً هامَ الذُّرَى *** وَ الظُّلْمُ فِي كَنَفِ المَهانَةِ يَقْبَعُ(4)

ص: 464


1- مُتَضَعْضعُ: ضعيف، خاضع.
2- تتصدع: تنشق، و في هذا البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب (صحيح مسلم) المجلد الرابع ط الأولى ((1987) مؤسسة عز الدين -بيروت. ص32. «عن عائشة قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من خیبر و فدك و صدقته بالمدينة، فأبى أبوبكر عليها ذلك».
3- في بحار الأنوار ج53 ص18 و في رواية طويلة: «...و قولها و يحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور الله والله متم نوره...».
4- يقبع في كنف المهانة: ينزوي فيه و يستتر. عن قلائد الأنشاد في النبي صلي الله علیه وآله و سلم و آله الأمجاد ص482.

(9) هجموا عليها

(بحر الوافر)

السيد صالح الحلي(*)(1)

يُحِنُّ لِمُقْلَتي تَهْمِي الدُّمُوعا *** عَلَى مَنْ رَضَضُوا مِنْهَا الضُّلوعا(2)

***

يَرُضُ ضُلُوعَ فَاطِمَةٍ جَهارا *** وَ يُدْخِلُ بَيْنَها خطباً و نَارا

عَجِبْتُ لِمَنْ إِذَا شَهِدَ المَغارا *** يَفِرُّ و يُحْرِقَ البَيْتَ الرَّفِيعا

***

هِيَ الزَّهْراءُ فاطِمَةُ البَتُولُ *** وَ مَنْ أَوْصَى بِنِحْلَتِها الرَّسُولُ

أيَغْصِبُها وَ لا أحدٌ يَقُولُ *** أسأْتَ ببضْعَةِ الهادِي الصَّنِيعا؟(3)

***

ص: 465


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- تهمي: تسيل.
3- جاء في الكافي للكليني، ج1 ص543 : عن علي بن اسباط قال: لما ورد أبوالحسن موسى علیه السلام على المهدي ثالث خلفاء العباس. رآه يرد المظالم. فقال: يا أميرالمؤمنين علیه السلام ما بال مظلمتنا لاتُرد؟ فقال له: و ما ذاك يا أبا الحسن علیه السلام؟ قال: إن الله «تبارك وتعالى» لما فتح على نبيه صلي الله علیه و آله و سلم فلكل و ما والاها لم يوجف عليه بخيل و لاركاب فأنزل الله على نبيه صلي الله علیه و آله و سلم «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»[سورة الإسراء الآية: 26] فلم يدر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من هم، فراجع في ذلك جبرائيل و راجع جبرائيل ربه فأوحى الله إليه أن دفع فدك إلى فاطمة علیها السلام. فدعاها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها: يا فاطمة علیها السلام إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك. فقالت: قد قبلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من الله و منك. فلم يزل و كلاؤها فيها حياة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما ولي أبوبكر أخرج عنها و كلاءها فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها... إيتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك. فجاءت بأميرالمؤمنين علیه السلام و أم أيمن فشهدا لها فكتب لها بترك التعرّض فخرجت و الكتاب لي معها. فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم؟ قالت كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة قال: أرينيه. فأبت فانتزعه من يدها و نظر فيه ثم تفل فيه و محاه و خرقه، فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل و لاركاب فضعي الحبال في رقابنا... فقال له المهدي: يا أبا الحسن علیه السلام حدّها لي فقال: حدّ منها جبل أحد و حدّ منها عريش مصر، و حدّ منها سيف البحر، و حدّ منها دوحة الجندل... فقال له: كل هذا؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين علیه السلام هذا كله إن هذا كله مما لم يوجف على أهله رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بخيل و لاركاب، فقال: كثير، وانظر فيه.

لَقَدْ حَكَمُوا بِلَيْلٍ أوْ نَهارٍ *** بُكاها لأ تَقِرُّ بِلا قرارِ

فَكَيْفَ قَرارُها وَ الحُكْمُ جَارِي *** عَلَيْها وَ هْيَ لَمْ تُطِقِ الهُجُوعا(1)

***

لَقَدْ هَجَمُوا عَلَيْها وَ هُيَ حَسْرَى *** وَ قادُوا (بَعْلَها) بِالحَبْلِ قَهْرا

و أَلْقَوْا (حَمْلَها) بُغضاً و كُفْرا *** فَضَتْ و فُؤادُها أَضْحَى مَرُوعا

***

فَمُذْ قادُوا (عَلِيًّا) بِالنَّجادِ *** عَدَتْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ الحُزْنُ بَادِي

أَلا خَلُوا (ابْنَ عَمِّى) أَوْ أَنادِي *** وَ أَكْشِفُ لِلدُّعا رأساً وَجِيعا

***

دَعَتْ مَا َصالِحٌ وَ هُوَ الرَّسُولُ *** وَ نَاقَتُهُ أَجَلُّ و لاالفَصِيلُ

مِنَ الحَسنَيْنِ أَوْ مِنِّي فَقُولُوا *** إلى الأوْثَانِ قَدْ عُدْتُمْ رُجُوعا

***

فمالَتْ دُونَهُ فَعدا عليها *** بِضَرْبِ مِنْهُ سَوَّدَ مَنْكِبَيْها

وَ أَوْدَعَ حُمْرَةً في مُقلَتَيْها *** وَ قُرْطاها بِهِ انْتَثَرا جَميعا

***

ص: 466


1- الهجوع: النوم.

فَأَخْرَجَها عَلِيٌّ (لِلْبَقِيع) *** بِأوراقِ (الأراكَةِ) وَ الفُروع

تُقِيمُ هُناكَ نَاثِرَةَ الدُّمُوعَ *** عَلَى منْ أوْرَثَ الدُّنْيا صُدُوعا(1)

***

أتى نَحْوَ (البقيع) بِها فَلَمّا *** رَأى قَطعَ (الأراكَةِ) كان ظُلْما

بنى بيتاً إلى (الأحزانِ) يُنْمَى *** لِتَبْكِي وَسْطَه الهادِي الشَّفيعا(2)

ص: 467


1- صدوعاً: شقوقاً.
2- نقلت من شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص122.

(10) مصائب الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

السيد صالح الحلي(*)(1)

لِمصَائِبِ الزَّهْرا هَجَرْتُ المَضْجعا *** وَ أَذَلْتُ قَلْبِي مِنْ جُفونِي أَدْمُعا(2)

ص: 468


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- أَذَلْتُ: سفحتُ. و حول البيت الذي يليه ورد في بحار الأنوار ج53 ص17و18و19 مؤسسة الوفاء بيروت ط الثانية (1983) و هي رواية عن المفضل بن عمر و هو يسأل الإمام الصادق علیه السلام عن الإمام المنتظر (عج الله تعالی فرجه الشریف): «... ثم تبتدىء فاطمة علیها السلام و تشكو ما نالها من أبي بكر و عمر و أخذ فدك منها و مشيها إليه في مجمع من المهاجرين و الأنصار و خطابها له في أمر فدك و ما ردّ عليها من قول: إن الأنبياء لاتورّث و احتجاجها بقول زكريا و يحيى و قصة داود و سليمان علیهم السلام... و قول عمر: هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إيّاها منها ونشره لها على رؤوس الأشهاد من قريش و المهاجرين و الأنصار و سائر العرب و تفله فيها و تمزيقه إياها و بكائها و رجوعها إلى قبر أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها، و استغاثتها بالله و بأبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... ...و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و زينب و أم كلثوم و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ أتريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور الله والله متم نوره، و انتهاره لها. و قوله: كفي يا فاطمة علیها السلام فليس محمد صلي الله علیه و آله و سلم حاضراً و لا الملائكة آتية بالأمر و النهي و الزجر من عند الله و ما عليّ إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً... فقالت و هي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك و رسولك صلي الله علیه و آله و سلم و صفيك و ارتداد أمته علينا و منعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك صلي الله علیه و آله و سلم المرسل. فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة علیها السلام حماقات النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة و الخلافة، و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله، حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه. و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول : واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنينها في بطنها... فخرج عمر وخالد بن الوليد و قنفذ و عبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار و صاح أميرالمؤمنين علیه السلام بفضة: يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة ورد الباب فأسقطت محسناً. فقال أمير المؤمنين علیه السلام: فإنه لاحق بجده رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيشكو إليه...».

أَفَكانَ مِنْ حُكْمِ النَّبِيِّ وَ شَرْعِهِ *** أَنْ تُضْرَبَ الزَّهراءُ ضَرْباً مُوجِعا؟

أَوْصَى الإلَهُ بِوَصْلِ عِشْرَةِ أَحْمَدٍ *** فَكَأَنَّما أَوْصَى بها أَنْ تُقْطَعا

اللهُ مَا فَعَلُوا بِالِ نَبِيْهِمْ *** فِعْلاً لَهُ عَرْسُ الإِلَهِ تَضْعَضْعًا

قَادُوا عَلِيًّا بَعْدَهُ بِنجَادِهِ *** وَ مِنَ البَتُولِ الظهرِ رَضُوا الأَضْلُعا(1)

ص: 469


1- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص571 ح24 ط، الثالثة، مطبعة الأمير. قم المقدسة. و كتاب علم اليقين في أصول الدين ص686. «ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فوافوا بابه مغلقاً فصاحوا به: اخرج يا علي فإن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك، فلم يفتح لهم الباب، فأتوا بحطب فوضعوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه فصاح عمر و قال: والله لئن لم تفتحوا لنضر منه بالنار فلما عرفت فاطمة علیها السلام أنهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم فاختبأت فاطمة علیها السلام وراء الباب و الحائط، ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبباً بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت والله لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت وقد أوصاكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا و قال الله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، قال: فتركه أكثر القوم لأجلها فأمر عمر قنفذ ابن عمه أن يضربها بسوطه فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها و جنبيها إلى أن أنهكها و أثر في جسمها «الشريف» و كان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها و قد كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و سمّاه محسناً و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزن و نحيب و هي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة *** یالیتها خرجت مع الزفرات لاخير بعدك في الحياة و إنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي ثم قالت واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم و الكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن و أبوسبطيك الحسن و الحسين علیهما السلام و من ربيته صغيراً و آخيته كبيراً و أجلّ أحبائك لديك و أحب أصحابك عليك أولهم سبقاً إلى الإسلام و مهاجرة إليك يا خير الأنام فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعیر. ثم إنها أنت أنّة و قالت: وامحمداه صلي الله علیه و آله و سلم واحبيباه واأباه صلي الله علیه و آله و سلم واأبا القاسماه واأحمداه واقلة ناصراه واغوثاه واطول كربتاه واحزناه وامصيبتاه واسوء صباحاه... و خرت مغشية عليها فضجّ الناس بالبكاء و النحيب و صار المسجد مأتماً ثم إنهم أوقفوا أميرالمؤمنين علیه السلام بين يدي أبي بكر و قالوا له: مد يدك فبايع. فقال: والله لا أبايع والبيعة لي في رقابكم...

أَبْدَوْا عَداوَتَهُمْ لَها وَعَدَوْا عَلَى *** مِیرائِهَا فَابْتُزَّ مِنها أَجْمَعا(1)

وَ إِذا تَعَلَّقَتِ الإِشَاءَةُ لَمْ يَكُنْ *** عَجَباً إذا قَادَ الذَّئابُ(سَمَيْدَعا)

وَضَعَتْ وَراءَ البَابِ حَمْلاً لَمْ يَكُنْ *** قَدْ آنَ لَوْلاً عَصْرُها أَنْ يُوضعا

وَمَضَوْا لِكافِلِها يُهَرُولُ طَیِّعاً *** لَوْلا الوَصِيَّةُ لَمْ يُهَرُول طَیِّعا

خَرَجَتْ تَعَثَرُ خَلْفَهُمْ تَدْعُوهُمُ *** خَلُوا ابْنَ عَمِّى أَوْ لأَكْشِف لِلدُّعا

رجَعُوا إليها بالسياط فَسوَّدُوا *** بِالضَّرْبِ مِنْها مَتْنَها كَيْ تَرْجِعا

كَمْ أَضْمَرَتْ مِنْ عِلَّةٍ و تَجَرَّعَتْ *** يَا لَلْهُدَى مِنْ غُصَّةٍ لَنْ تُجْرَعا

خَطَبَتْ فَما اتَّعَظُوا بِخُطبَتِها وَلَوْ *** خَطبَتْ بِها صُمَّ الصُّخُورِ تَصَدَّعا(2)

عجباً لَهُمْ عَزَلُوا خَليفَةَ أَحْمَدٍ *** (وَضَئِيلُ تَيْمٍ) صارَ فِيهِمْ مَرْجِعا

حَكَمُوا عَلَيْهِ أنْ يُكَلِّمَها بأَنْ *** تَخْتارَ وَقْتاً لِلْبُكا أَوْ تَمْنَعا(3)

ص: 470


1- ابْتُزَّ: سُلِبَ قهراً. و في البيت إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم المجلد الرابع ص32 ط الأولى (1987) مؤسسة عز الدين، بيروت. «عن عائشة قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة، فأبى أبوبكر عليها ذلك...».
2- تصدّع: انشق و قد جاء في كتاب «الاحتجاج» للطبرسي ج1 ص144 من خطبة الزهراء علیها السلام ط، النعمان في النجف الأشرف. رواية ربما تؤكد معنى البيت. «.. فالتفتت فاطمة علیها السلام إلى الناس وقالت معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المفضية على الفعل القبيح الخاسر «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا *كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ» ما أسأتم من أعمالكم فأخذ بسمعكم و أبصاركم و لبئس ما تأولتم و ساء ما به أشرتم و شرّ ما منه اغتصبتم...».
3- في «بحار الأنوار» ج43 ص177 ط الثانية مؤسسة الوفاء -بيروت. «... قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها، و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام:فقالوا يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكى الليل و النهار فلا أحد منّا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال علیه السلام: حباً و كرامة فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال لها: يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك: إما أن تبكين أباك ليلاً و إما نهاراً فقالت: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقلّ مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك...».

اللَّه أمّةً أَحْمَدٍ قَدْ ضَيَّعَتْ *** مَا خَلَّف الهادِي النَّبِيُّ وَ أَوْدَعا

قَالَ احْفَظُونِي فِي الكِتَابِ وَ عِتْرَتي *** فَهُما يَضِيعُ الحقُّ مَهْما ضُيِّعا

أمَّا الكِتَابُ فَمَزَّقَتْهُ (أُمَيَّةٌ) *** وَ الْعِتْرَةُ الهادُونَ أَضْحَوْا صُرَّعا

وَ عَدَوْا عَلى الكَرَّارِ في مِحْرابِهِ *** وَ عَلَى الزَّكِي سَقَوْهُ سُمَّا مُنْقَعا

و عَلى الحُسَيْنِ فَغَادَرُوهُ بِكَرْبَلا *** شِلْوا بِمُرْهَفَةِ السُّيوفِ مُقَطَّعا

لكِنَّما أَدْهَى مَصائِبٍ كَرْبَلا *** أَنْسَتْ مَصَائِبُها المَصَائِبَ أَجْمَعا

عَرِّجُ عَلَى البَطْحَاءِ وَانْدُبْ هاشِماً *** قُومُوا فَلِلْمَظْلُومِ كُنْتُمْ مَفْزَعا(1)

ص: 471


1- نقلت من شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص92.

(11) قرآن البتول

(بحر الوافر)

الأستاذ صلاح الدين صاوي(*)(1)

لَيَالٍ حَظهُنَّ عَلَى یَراعِي *** دُمُوعُ الْفِكْرِ في مِحْرابِ رَاعِ(2)

قَطِيعٌ لأهِتُ الأَنْفاسِ حَوْلي *** يُحَدِّقُ فِي النُّجُومِ بلاانْقِطَاعِ

أمَا شَمْسُ تُظهرُها قُلُوباً *** تُهَدِّدُها المَطامِعُ بالتّداعِي؟

أما مِنْ رَجْعَةٍ تَعْلُو فَتَعْلُو *** بها الأَنْوارُ بِالحَقِّ المُضَاع؟

فيا نُورَ الإمامَةِ مِنْ دِمائي *** لَكُمْ زيتٌ وَحُبُّكُمُ شُعاعي

***

وَ هَاتِيكَ اللَّيَالِي في خُطاها *** تُؤَذِّنُ بالزَّوالِ وَ بالضَّياعِ

فَأَيْنَ الشَّامِحُونَ عَلَى سَحَابٍ *** وَ أَيْنَ الآمِنُونَ إلى القلاعِ

وَ هَلْ في الأرْضِ غَيْرُ الآلِ نُورٌ؟ *** وَ عِنْدَ الله إخلاصُ اتْباعِ

غَرِيقٌ حَسْبُهُ مِنْ آلِ طه *** شَفَاعَتُهُمْ لِيَرْسُو بالسِّراعِ

فَيَا زَهْراءُ إِنْ لَمْ تُدْرِكِيهِ *** فَكُلُّ القَوْلِ مِنْ سَقْطِ المَتاعِ(3)

***

أتى التَّنزيلُ للتَّنزيل هاتِي *** لِقُرْآنِ الْبَتُولِ عَلَى السَّماعِ

نَبِيُّ اللهِ بِالْبَابِ الذَنِيهِ *** يُجَبِّرُ كَسْرَ ضِلْعِ وَ انْصِداعِ

ص: 472


1- (*) من شعراء مصر.
2- يراعي: قلمي.
3- سَقط المتاع: رديئه.

أَتى الجَمَلُ الأمينُ لِرَاكِبِيهِ *** عَلى كَتِفَيْهِ فِي خُلْدِ الْمَتاعِ

سَلاماً إذ يُقَبْلُها شفاهاً *** و بَرْداً يا حُسَينُ عَلى الصِّراعِ

إِشاراتٌ و آياتٌ وَ حَقٍّ *** وَ هَلْ لِلْحَقِّ إلا كُلُّ واعِ؟

أَأَبْكِي؟ لَسْتُ أبْكِي غيرَ فَجْرٍ *** وَ مِصْباحُ اليَتِيمَةِ في اصْطِراعِ

أَنْعَى؟ لَسْتُ أنْعى غيرَ قَلْبِ *** عَلى أرْضِ الغَرِي بِغَيْرِ ناعِ

أإسلامٌ يُباعُ وَ لَيْسَ شارٍ *** فَكانَ دِمَاؤُكُمُ ثَمَنَ ارْتِجَاعِ

أبا الحَسَنَيْنِ غُفْراناً وَ عَفْواً *** إِذا خَرسَ اللِّسانُ عَنِ ابْتِداعَ

وَ طَوَّحتِ العَصا وَ الناي جَنْباً *** لِكَلْبِ نابِحٍ مِنْ غَيْرِ داعِ

كُؤوس تَسْتَبِدُّ بِنا وَلَكِنْ *** سَتَعْقبها الإفاقَةُ من صُداعِ

***

أفاطِمَةُ اطْمَئِنّي طابَ مَئواكِ *** أمْرُكِ في الوَصِيَّةِ بالمُطاعِ

فَدُونَكِ ذُوالفقارِ وَ قَدْ تَجَلَّى *** يُلَوِّحُ بِالمَنِيَّةِ لِلأفَاعِي

وَ قَد لَبِسَ الصَّفار لها شِعاراً *** فَبَعْثَرَها وتاهت في البِقاعِ(1)

ص: 473


1- يشير الشاعر في هذه الأبيات الثلاثة إلى وصية الزهراء علیها السلام أن تدفن ليلاً و محاولة نبش قبرها و منع الإمام علي علیه السلام لذلك: في مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لا يعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي ليلاً و لم يعلمهما بذلك. و في كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1898 قال: قيل توفيت الزهراء علیها السلام يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان، و غسلها زوجها علي رضي الله عنه و كانت أشارت عليه أن يدفنها ليلاً. و في كتاب ذخائر العقبى ص54 قال: دخل بها في قبرها علي و الفضل و كانت أشارت على علي «رضي الله عنه» أن يدفنها ليلاً. و في كتاب البحار ج43 ص212 نقلاً عن کتاب عیون المعجزات للسید المرتضي «تولي غلسها و تكفينها أميرالمؤمنين علیه السلام و أخرجها معه الحسن و الحسین علیهما السلام فى الليل و صلوا عليها و لم يعلم بها أحد، و دفنها علیها السلام في البقيع و جدَّد أربعين قبراً فاستشكل على الناس قبرها، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضاً و قالوا: إنَّ نبينا صلي الله علیه و آله و سلم خلف بنتاً و لم نحضر وفاتها و الصلاة عليها و دفنها و لانعرف قبرها فنزورها. فقال من تولى الأمر: هاتوا من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجد فاطمة علیها السلام فنصلي عليها و نزور قبرها، فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً قد احمَّرت عيناه و قد نقلد سيفه ذا الفقار حتى بلغ البقيع و قد اجتمعوا فيه، فقال علیه السلام: لو نبشتم قبراً هذه القبور لوضعت السيف فيكم فتولى القوم عن البقيع».

لَئِنْ سَلَبُوكِ زائلةً فها هُمْ *** وراءَ القبر في فُلْكِ الضِّياعِ(1)

و مَنْ حُرمُوا من الجَنَّاتِ باباً *** تَلَقَّتْهُمْ جَهَنَّمُ باتِّساعِ

أدِرُ ذِكْرَى الأحِبَّةِ يا نَدِيمِي *** وَ ثَنِّ الكَأسَ للظَّمأى الجِياعِ

وَجَدِّدْ بَهْجَةَ الأَعْوامِ فِيهِمْ *** فَهُمْ نُورُ الزَّمانِ بِلا انْقِطَاعِ(2)

ص: 474


1- في هذا البيت إشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام: و قد مرت الإشارة إليه في قصيدة سلمان البحراني العينية نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص 131و144. و ذكر كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300. و في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام وتر في غمد لسليمان كتاني، ص147 كتب عن «فدك» يقول: ما أضيق فدكاً إرثاً لفاطمة علیها السلام... لن تكون قرية في الحجاز، مهما تطب أرضها أو تسق نخيلاتها أو يترطب جو واحتها، حدود إرث لتلك التي وعدها أبوها بكل ميراثه. و ميراث محمد صلي الله علیه و آله و سلم؟ في أية خريطة من الخرائط تنزلت له الحدود؟ ذلك الذي ربط الجزيرة بالآفاق... و اذاب الآفاق في الأجراء، لا الأرض وسعت و لاالخيال يطال، ذلك الذي فتح الغاد على الأغواد... لن تكون الأرض وحدها صدور رؤاه... و لن يكون النفاء أبعد من مداه... و لقد رمز الإمام موسى بن جعفر علیه السلام إلى هذا المعنى في الشمول إذ حدد «فدكاً» بهذا الرمز «الحد الأول لفدك: عدن و الحد الثاني: سمرقند و الحد الثالث، افريقيا و الحد الرابع: سيف البحر مما يلي الجزر و أرمينيا... على هذا المفرق الحزين و بعد موت النبي وقفت فاطمة علیها السلام تنشد إرثها فلا تجد حدوداً له أوسع من قرية في الحجاز فيها واحة و فيها نخيل، و فيها عنصر من الناس ما كادوا يذوبون حتى عادوا فانفجروا اسافين تقوّض عز امبراطورية كانت تفتش عن حدودها فوق الأرض و تحت الأرض و فوق السماء و تحت السماء...
2- نقلاً عن مجلة (نامة استاث قدس) عدد (9) -(1381 هجرية).

(12) لست أنساها

(بحر الرمل)

الأستاذ عادل الكاظمي(*)(1)

أيُّ قَلْبِ بَعْدَكُمْ لا يَجْزَعُ *** وَ لَكُمْ فِي كُلِّ أَرْضِ مَصْرَعُ(2)

***

نَبْتَدِي مِنْ يَوْم أَنْ غابَ الأمينْ *** تاركاً ثِقَلَيْهِ بَيْنَ المُسْلِمِينْ

أربعاً خامِسُها الذِّكْرُ المُبِينْ *** وَ بِها شَرْعُ الهُدَى يُسْتَجمَعُ

***

ص: 475


1- (*) هو الدكتور عادل بن جليل بن كرم بن راهي البديري الكاظمي. ولد في مدينة الكاظمية المقدسة في العراق سنة (1379 ه_) الموافق لعام (1960م). نشأ في أحضان الفضيلة في مجتمع زاهر بالعلم و الأدب، و من أسرة عجنت طينتها بعذب الولاء، فنشأ مكباً على شعر الطَفَ إلى جانب دراسته الأكاديمية التي أنهاها في جامعة بغداد -كلية العلوم قسم الفيزياء- و كان ملازماً لكبار العلماء. هاجر إلى سوريا و درَّس في إعداديّة دريكيش. و كان يحضر دروس بعض الأعلام كالمرحوم السيد جمال الخوئي. و في مطلع عام (1984 م) سافر إلى السويد، و كان إماماً للجمعة و الجماعة في استوكهولم حتى عام (1988م) مواصلاً نظم الشعر و إلقاء المحاضرات و الإجابة على الأسئلة و الشبهات الدائرة اليوم. له أبحاث علمية قيمة منها: رسالة في (أدلة وزن الظلمة). و ديوان شعر بعنوان: (بيت القصيد). و قصيدة ألفية بعنوان (ألف بيت في وليد البيت). نسأل الله «تعالى» أن يجعل مستقبله زاهراً في خدمة الإسلام و أهل البيت علیهم السلام.
2- لايجزع: لايظهر الحزن أو الكدر.

هُمْ دُعاةُ الحَقِّ مِنْ بَيْنِ العِبادْ *** وَهُداةٌ إِنْ دَجَى لَيْلُ الفَسادْ

و إذا ما طَبَّقَ الظُّلْمُ البِلادْ *** فِيهِمُ لابِسِواهُمْ يُدْفَعُ

***

إِنَّمَا المُخْتارُ قَدْ أَوْصَى بها *** قَوْمَهُ بَدْءاً وَعَوْداً وَ انْتِها

بِنُفُوسٍ أَذِنَ اللَّهُ لَها *** أَنْ يَكُونَ الحَقُّ فِيها تَصْنَعُ

***

مِنْهُمُ فاطِمةُ الظهرُ البَتُولْ *** طالَما أَوْصَى بها الهادِي الرَّسُولْ

فِعْلُها فِعْلي وَ قَوْلي ما تَقُولْ *** بَضْعَةٌ منِّي و سِرِّي المُودَعُ

***

لَسْتُ أنساها و قَدْ جاءَتْ إِلى *** مَعْشَر قَدْ قَطَّعُوا حَبْلَ الوِلا

تَبْتَغِي إرْثاً لها مِمَّنْ عَلا *** حاكماً و الجهلُ فِيهِ يَرْتَعُ(1)

***

طَلَبُوا منها عُدولاً يشهدون *** حَقَّها و الحقُ فيها أَوْكَدُ

سَلَبُوها فَدَكاً وَاجْتَهَدُوا *** مِنْ أذاها كلَّ فِعْلِ يُفْجَعُ(2)

***

ص: 476


1- يرتع: يقيم و يتنعم و يأكل و يشرب ما شاء في خصب وسعة و رغد.
2- في المناقب لابن شهر آشوب، ج1 ص142: نزل النبي صلي الله علیه و آله و سلم علي فدك يحاربهم ثم قال لهم: «وما يأمنكم أن تكونوا آمنين في هذا الحصن و امضي إلى حصونكم فافتحها؟ فقالوا: إنها مقفلة و عليها ما يمنع عنها و مفاتيحها عندنا، فقال صلي الله علیه و آله و سلم: «إن مفاتيحها دفعت إليَّ، ثم أخرجها و أراها القوم». فاتهموا ديّانهم أنه حبا إلى دين محمد صلي الله علیه و آله و سلم و دفع المفاتيح إليه فحلف أن المفاتيح عنده و أنها في سفط في صندوق في بيت مقفل عليه فلما فتش عنها فقدت، فقال الديّان: لقد أحرزتها و قرأت عليها من التوراة و خشيت من سحره و اعلم الآن أنه ليس ساحراً و أن أمره عظيم. فرجعوا إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قالوا: من أعطاكها؟ قال: «أعطاني الذي أعطى موسى الألواح جبرائیل»، فتشَّهد الديان ثم فتحوا الباب و خرجوا إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أسلم من أسلم منهم، فأقرّهم في بيوتهم و أخذ منهم اخماسهم فنزل «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» قال: و ما هو: قال: اعط فاطمة علیها السلام فدكاً و هي من ميراثها من أمها خديجة علیها السلام و من أختها هند بنت هالة. فحمل النبي صلي الله علیه و آله و سلم ما أخذ منه وأخبرها بالآية فقالت: لست أحدث فيها حدثاً و أنت حي أنت أولى بي من نفسي و مالي لك... فقال: «أكره أن يجعلوها عليك سبة فيمنعوك إياها من بعدي». فقالت: أنفذ فيها أمرك... فجمع الناس إلى منزلها وأخبرهم أن هذا المال الفاطمة علیها السلام ففرقه فيهم... و كان كل سنة كذلك و يأخذ منه قوتها فلما دنت وفاته دفعها إلیها...

رَجَعَتْ وَ الحُزْنُ ناراً تسعَرُ *** في الحَشَا وَ الجَفْنُ باكٍ أَحْمَرُ(1)

مَنْ لها في النَّاسِ لَوْلاً حَيْدَرٌ *** ناصِرٌ وَالظُّلْمُ داجِ أَسْقَعُ؟

***

ندبتْ تَبْكِي أباها بِانْكسارْ *** يا أبي بَعْدَكَ كاللَّيْلِ النَّهارْ

يا أَبي بَعْدَكَ ما صَانُوا الذُّمارْ *** وَ لَنَا الأَصْحَابُ عَهْداً مَا رَعُوا

***

ما رَعى الصَّحْبُ إليها حُرْمَةً *** حِينَما جاؤُوا لِيَبْغُوا بَيْعَةً

أحْرَقُوا الدَّارَ و ضَامُوا بَضْعَةً *** و لقلبِ المُصْطَفَى قَدْ رَوَّعُوا(2)

***

وَ هُيَ خَلْفَ البابِ مُدْجَاءَ اللَّعِينْ *** صَرَختْ تَدْعُو أميرَالمؤمنينْ

مانجا مِنْ ظُلْمِهِ حَتَّى الجَنِينْ *** مُنْغَدَتْ تُكْسَرُ مِنْها الأَضْلُعُ

***

لَيْتَ شِعري أيَّ ذَنْبِ قَدْ جَنَتْ *** دُونَ هذا الخَلْقِ سِرًّا دُفنتْ؟

أتُراها غُسْلَتْ أَوْ كُفْنَتْ *** أمْ تَوارَى أمْرُها وَ المَضْجَعُ؟

ص: 477


1- تسعر: توقد و تشتعل.
2- الذمار: الحرمة و الحق.

(13) سیبقي جاریاً دمعي

(بحر الهَرْج)

الشيخ عبدالستار الكاظمي(*)(1)

أَيا مَكُسُورة الضّلعِ *** سَيَبْقَى جاریاً دَمْعي

***

أَلأ يا أُمْيَ الزَّهْراءُ *** یَهْمِي طِيلَةَ العُمْرِ

أنا في حالِكَ أَدْرَىْ *** لأنَّي صاحِبُ الأَمْرِ(2)

يصَدْرِي أَحْمِلُ الصَّبْرا *** وَلكِنْ فَتَنِي صَبْرِي(3)

وَ عَيْنِي لم تَزَلْ عَبْرَىٰ *** لِذاكَ الضّلْعِ و الكَسْرِ

***

لِما لأقَيْتِ من صَدْعٍ *** سَيَبْقَى جارِياً دَمْعِي

***

مَعَ الأحْزانِ وَ الْهَمِّ *** سَكَنت دارَ أَحْزانِ

و مِنْ ضِلْعِكِ يا أُمّي *** وَ رِثْتُ نارَ أَشْجانِي

و مما ذُقْتِ مِنْ هَضْمٍ *** و جُرِّعْتِ مِنَ الثّاني

ص: 478


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- حالكٍ: شديد السواد.
3- فتني: شقّني و كسرني كِسراً صغيرة.

أثارَ الدَّهْرَ في الظُّلْمِ *** وَ أَبْدَى كُلَّ طُغْیانِ

***

فَمِنْ آلامِكِ طَبْعِي *** سَیَبْقی جاریاً دَمْعِي

***

أيا أُمّاهُ مَنْ يَقْوى *** و يَقْضِي طُولَ أَعْمارِ

و عَنْ فِكْرِي فَلا تُطْوَى *** وَ تُنْسی قِصَّةُ الدَّارِ

فَهُذِي مُهْجَتي تُكْوَى *** بِجَمْرِ البابِ وَ النَّارِ(1)

سَأَبْقى دُونَما سَلْوَى *** إلي ما قَدَّر البارِي

***

فَمِنْ أَغْطَانِكِ فَرْعِي *** سَيَبْقى جارياً دَمْعِي

***

أرى أحْبَابَنا تَنْعَى *** وَ تَدْعُو أيُّها المَهْدِي

أَتَنْسَى البابَ و الضِّلعا *** و تُجْرِي الدَّمْعَ في الخَدَّ؟

و لاستشهاضِهِمْ أَرْعَى *** قَضاءَ الواحِدِ الفَرْدِ

سانهَضُ أَسْحَقُ الجَمْعا *** إذا إذا ما حانَ لي وَعْدِي

***

لأخْذِ الثّأُرِ في الجَمْعِ *** سَیَبْقَى جارياً دَمْعِي

***

فَهَلْ للقلبِ أَنْ يَنْسَى *** نیناً طاحَ مَظْلُوما؟

لَهُ لمَ يَسْمَعُوا حِسًّا *** بَرِيئاً راحَ مَهْمُوما

ص: 479


1- مهجتي: روحي، دم قلبي.

لِقَلْبِ الرِّجْسِ ما أَقْسى *** وَ قَدْ أرْواهُ محتوما

تُلاقِي شِيعَتِي الشَّمْسا *** و يَبْدُو الأَمْرُ مَعْلُوما

***

مَعَ القرآنِ و الشَّرْعِ *** سَیَبْقي جاریاً دَمْعي

***

سَتَتَلُو آیةَ السَّیْفِ *** فُصُولُ الثّأُرِ في الصُّبْحِ

وَ لِلأَجدادِ وَ الَهْفِي *** وَ دَمْعِي جَدَّ في السَّحِّ(1)

عَلَى المَذْبُوحِ في الطَّفِّ *** سَتَعْلُو رَايَةُ الفَتْحِ

وَ فِي ثاراتِهِ أَشْفِي *** غَلِيلِي دُونَما صَفْحِ

***

و مِنْ أَحْزانِكُمْ وَضْعِي *** سَيَبْقى جارياً دَمْعِي

***

ص: 480


1- السحْ: الصبّ صباً متتابعاً غزيراً.

(14) للحشر تبقى

(بحر الوافر)

الشيخ عبد المنعم الفرطوسي(*)(1)

شُجُونٌ تَسْتَهِلُّ لَهَا الدُّمُوعُ *** وَ تُحْرَقُ مِنْ لَواعِجِها الضُّلُوعُ(2)

وَقَفْتُ عَلَى البَقِيعِ فَسَالَ طَرْفي *** وَ قَلبي فَالدُّمُوعُ هِيَ النَّجِيعُ(3)

كَأَنَّ مُصِيبةَ الزَّهْرَاءِ بَيْتٌ *** بِقَلْبي لِلأَسَى وَ هُوَ الْبَقيعُ

أَمِثْلُ البَضْعَةِ الزَّهْراءِ تُجْفَى *** يُعْفَى قَبْرُها وَ هُوَ الرَّفيعُ(4)

وَ يُعْصَبُ حَقُها جَهْراً و تُؤذى *** بِحَيْثُ وَصِيَّةُ الْهَادِي تَضِيعُ(5)

ص: 481


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- لواعجها: مفردها اللاعج و هو الهوى المحرق.
3- النجيع: الدم المائل إلى السواد.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إخفاء قبر الزهراء علیها السلام ففي كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي ليلاً و لم يعلمهما بذلك. و قال: في تاريخ أبي بكر بن كامل عن سفيان بن عيينة أن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيبَّوا قبرها. و قال: عن الأصبغ بن نباتة أنه سُئل أميرالمؤمنين علیه السلام عن دفنها ليلاً فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من تولاهم أن يصلي على أحد من ولدها. و روي أنه سوّى قبرها مع الأرض مستوياً و قالوا سوى حواليها قبوراً مزوَّرة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها. و روي أنه رش أربعين قبراً حتى لايبين قبرها من غيره فيصلوا عليها. و ذكره فى البحار ج43 ص183.
5- في هذا البيت إشارة إلى غصب فدك من الزهراء علیها السلام و إيذائها في حين أن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم قال فيها: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي من آذاها فقد آذاني». أنظر مسند أحمد ج1 ص9 عن عائشة و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487، و كتاب الاحتجاج، ج11 ص131 و144. و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و السنن الكبرى ج6 ص300 أما وصية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في عدم إيذائها: ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال: عن المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». ذكره أبونعيم الأصفهاني في كتابه حلية الأولياء ج2 ص40 و ذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ج4 ص378 و ذكر أيضاً في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441.

تُصَدُّ عَنِ البُكاءِ عَلَى أَبِيهَا *** فَتُحْبَسُ في محَاجِرِها الدُّموعُ(1)

وَ تَقْتَطِعُ الأَراكَةَ حِينَ تَأْوِي *** لِظِلٍّ غُصُونِها كَفَّ قَطِيعُ

وَ يُحْرَقُ بَيْتُها بِالنَّارِ بِالنَّارِحِقْداً *** وَ يُهْتَكُ سِتْرُها وَ هُوَ المَنيعُ

وَ يُكْسَرُ ضِلْعُها بِالْبَابِ عَصْراً *** فَيُسْقَط حَمْلُها وَ هُوَ الشَّفيعُ

وَ يُدْمِي صَدْرَها المِسْمارُ كَسْراً *** فَيَنْبُعُ بَيْنَ ثَدْيَيْها النَّجِيعُ

وَ يُنَتَرُ فَرْطُها لَطْماً و يُلْوَى *** عَلَيْها السَّوْط و السَّيفُ الصَّنيعُ(2)

ص: 482


1- محاجرها: أي محاجر العين و هو من العين بما دار بها. و في البيت إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام عن البكاء على أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. ففي كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص322 قال: و رأس البكائين ثمانية آدم و نوح، و يعقوب و يوسف و شعيب و داود و فاطمة و زين العابدين علیهم السلام. قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة. فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك، إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي». و ذكره الشيخ الصدوق في أماليه ص121 ح رقم 5.
2- في هذا البيت و ما قبله وما بعده من الأبيات إشارة إلى حرق دار الزهراء علیها السلام و هتك سترها بالدخول عليها دون إذن و كسر ضلعها و إسقاط جنينها و دخول المسمار في صدرها و ضربها على خدها بكفه و جسمها بسوطه. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: «و كان قنفذ لعنه اللَّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط . حين حالت بينه و بين زوجها و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت «صلى الله عليها» من ذلك شهيدة». و ذكره الطبرسي في كتابه الاحتجاج، ج1 ص109 و في كتاب مؤتمر ص109 و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 «قال العلوي: إن أبابكر بعدما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب و السيف و التهديد و القوة أرسل عمراً و قنفذاً و خالد بن الوليد و أبا عبيدة بن الجراح و جماعة أخرى من المنافقين إلى دار علي و فاطمة علیهما السلام و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة صلي الله علیه و آله و سلم وما كان يدخله إلا بعد الاستئذان و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد على عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسیة حتي أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله ْصلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة؟ فالتفتَ عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها». و في كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ح2 ص574 و البحار ج8 ص240 ط حجرية على لسان الزهراء علیها السلام «فضربني بيده حتى انتثر قرطى من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم، فهذه أمة تصلي عليَّ و قد تبرأ الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم منهم و تبرأتُ منهم». و في البحار، ج30 ص294 ضمن رواية طويلة جاء فيها على لسان عمر بن الخطاب «فدفعت الباب و دخلتُ فأقبلت إليَّ بوجه أغشى بصري فصفقتُ صفقة على خدها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها و تناثرتْ إلى الأرض و خرج علي فلما أحسست به أسرعت إلى خارج الدار و قلت لخالد و قنفذ و من معهما: نجوت من أمر عظيم». و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 قال: قلت لسلمان : «أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار، فنادت: یا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك، تنادي بأعلى صوتها». و في كتاب سليم أيضاً ص208 قال: «ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً، به جنبها، فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم.

وَ حُمْرةُ عَيْنِها لِلْحَشْرِ تَبْقى *** بِهَا مِن کَفِّ لاطِمِها تَشِيعُ

تَنُوحُ فَتُسْمَعُ الشَّكوى وَ تَدْعُو *** وَ مَا في المُسْلِمِينَ لَها سَمِيعُ(1)

ص: 483


1- في هذا البيت إشارة إلى شكوى الزهراء علیها السلام و بكائها حين هجوم القوم و عدم إجابة أحد لشكواها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208 قال: «فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى: يا بن أبي طالب علیه السلام افتح الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك لاتدعنا و ما نحن فيه؟ قال: افتحي الباب و إلا أحرقناه عليكم فقالت: يا عمر، أما تتقي الله «عزوجل» تدخل عليَّ بيتي و تهجم على داري فأبى أن ينصرف ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السيف و في غمده فوجاً به جنبها فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم.» و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة بین الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة. و في البحار ج43 ص156 قال: عن عبد الله بن عباس قال: لما حضرت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته فقيل له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي و ما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي كأني بفاطمة علیها السلام ابنتي و قد ظلمت بعدي و هي تنادي يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فلايعينها أحد من أمتي فسمعت ذلك فاطمة علیها السلام فبكت فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لاتبكين يا بنية فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فقال لها: أبشري يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم بسرعة اللحاق فإنك أوّل من يلحق بي من أهل بيتي علیهم السلام.

مَصائِبُ بِالقطاعةِ قَدْ تَناهَتْ *** وَ كُلُّ مُصِيبةٍ خَطْبٌ فَظِيعُ

قَضَتْ أَلَماً مِنَ الزُّهْرَاءِ فِيها *** حُشاشَةُ قَلْبِها وَ هُوَ المَرُوعُ(1)

ص: 484


1- نقلت من ديوان الفرطوسي ج2. نظمت عام (1386ه_).

(15) قبل تربة الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ عبود أحمد النجفي(*)(1)

ألا يا قاصِدَ الزهراءِ شَوْقاً *** تُعطرُكَ المَدِينَةُ وَ البَقِيعُ

فَقَبَّلْ تُرْبَةَ الزَّهْراءِ وَابْكِ *** مآسِيَ قَدْ تَناسَتْها الجُمُوعُ

و قُلْ بِنْتَ النَّبِيِّ إِلَيْكِ نَشْكُو *** عَذاباً ما لَهُ يَوْماً نُزُوعُ

فأيامُ السَّقِيفةِ فِي انقادٍ *** وَ نارُ الدّارِ وَ الكَفَّ الشَّنِيعُ(2)

ص: 485


1- (*) الشاعر الأستاذ عبود الأحمد النجفي: ولد في النجف الأشرف سنة (1367 ه_)، أكمل الدراسة الثانوية و اتجه بعدها للعمل الحر، مارس كتابة الشعر الشعبي، ثم الشعر العمودي و الحر قبل الثمانينيات، عمل في مؤسسات تحقيقية، و شارك في عدة ندوان أدبية و أمسيات شعرية أصدر مجموعة شعرية بعنوان (اهتزاز الذاكرة) عام (1417 ه_).
2- جاء في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص574ط/ الثالثة مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالي فرجه الشریف رواية توضح المعنى. نقلاً عن «إرشاد القلوب»: «فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم بالله و بأبي صلي الله علیه و آله و سلم أن يكفوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم...». و في كتاب جمال الأسبوع، ص483، بإسناده عن أبي ص483، بإسناده عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري قال: الصلاة على السيدة فاطمة علیها السلام: اللهم صل على الصديقة فاطمة الزهراء علیها السلام الزكية حبيبة نبيك صلي الله علیه و آله و سلم و أم أحبائك و أصفيائك التي انتجبتها و فضلتها و اخترتها على نساء العالمين. اللهم كن الطالب لها ممن ظلمها و استخف بحقها... اللهم وكن الثائر لها بدم أولادها... اللهم و كما جعلتها أم أئمة الهدى و حليلة صاحب اللواء الكريمة عند الملأ الأعلى فصل عليها و على أمها خديجة الكبرى علیها السلام صلاة تكرّم بها وجه محمد صلى الله عليه و آله و سلم و تقر بها أعين ذريتها و أبلغهم عني في هذه الساعة أفضل التحية و السلام.

و رُزْهُ الطَّفِّ في التاريخ حَيٌّ *** وَ لَمْ يُدْفَنُ به الجَسَدُ الصَّرِيعُ

وَ قَدْ عادَتْ لنا كُل الرَّزايا *** وَعادَ الفِعْلُ أَقْبحَ وَ الصَّنِيعُ

و إِنْ رُدَّتْ سَبايا الشَّامِ يَوْماً *** سَبايانا تَمُوتُ و لارُجوعُ

***

سَلامٌ أَيُّها الطُّهْرُ المُفَدَّى *** سَلامُ أَيُّها المَجْدُ الرَّفِيعُ

تَوَدَّعَ فِيكِ سِرُّ اللهِ حَقًّا *** وَ فِى ميلادِكِ السِّرُّ الوَديعُ

فيا أُمَّ الحُسَيْن فَدَتْكِ دُنْيا *** وما ضَمَّتْ عَوالِمُنا الجَمِيعُ

أيا قُدْساً أفاضتْهُ سَماءٌ *** تُكَلِّلُهُ المَهابةُ و الخُشوعُ(1)

وَ يَا غُصْناً تَفَرَّعَ مِنْ سُمُوٍّ *** لِطِه أَثْمَرَتْ مِنْهُ الفُرُوعُ

ويا نَبْعاً مِنَ الإيمانِ مَحْضاً *** يُدَقِّقُ وَ اليَقِينُ لَه تَبُوعُ

و جَوْهرةً تَشِعُّ بها اللَّيالي *** وَ نُورُ اللَّهُ مُزْدَهِرٌ نُصُوعُ

تَجلَّتْ قُدْرَةُ الباري بخلق *** وَجَلَّ اللَّه بارِتُكِ البَديعُ

فيا حِضناً أحاطَ بنا أمَاناً *** إذا ما يُفْقَدُ الحِصْنُ المنيعُ

سأَسْأَلُكِ الشَّفاعَةَ رَغْمَ ذَنْبِي *** يُؤرقني بهِ الفَزَعُ المُرِيعُ

إذا ما ضَمَّني تُرْبٌ وَ قَبْرٌ *** وَ أَوْحَدَنِي به العَمَلُ المُضِيعُ

وأُغْلِقَ دُونَ أَحْبابِي رِتاجٌ *** وضاقَ بِقَبْرِيَ الكَوْنُ الوَسِيعُ(2)

وَ إِنّي إِذْ دَعَوْتُكِ يَوْمَ خَوْفِي *** فَأَنْتِ ليّ المُطَمْئِنُ وَ الشَّفِيعُ

فإن شُفْعتِ في عَبْدِ ذَلِيلٍ *** تَوَلأَنِي بِرَحْمَتِهِ السَّمِيعُ(3)

ص: 486


1- تكلله: تحيط به من كل جانب تلبسه الاكليل.
2- الرتاج: قفل باب.
3- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص316.

(16) أوصى النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

أَفَضَّكَ فِي لَيْلِ الضَّنَى حَرٌّ مَضْجَعِ *** وَ شَفَّكَ دَمْعٌ لَيْسَ يَرْقَى بِمَدْمَعِي(2)

وَ لَيْلٌ تَغَشَانِي كَانَ نُجُومَهُ *** شَدَدنَ حِبَالَ الرُّزْءِ قَيْداً بأضْلُعِي

طَوالَ لَيالِي الحُزْنِ مِنْ بَعْدِ فَاطِمِ *** وَ نَارٌ تَشَظَّى جَمْرُها مِنْ تَوَجُّعِ

فَيا قَلْبُ لا أَبْلَلْتَ مِنْ هَاجِسِ الأَسَى *** وَ بَا جَفْنُ لاأَطْبَقَتَ غِبَّ تَفَجُّعِ

وَ يَا طَارِقاتٌ مِنْ هُمومٍ تَأَوَّبَتْ *** وِسادِي وَ انْسَلَّتْ ثِقالاً لِمَخْدَعِي

نفاراً إلى الطَّرحِ الَّذِي لاأُسِيغُهُ *** خِفافاً إلى السَّيْفِ الَّذِي حَزَّ أَخْدُعي

وَ لَسْتُ أَرَى الدُّنْيا خِلالَ طَمَاعَةٍ *** ولكِنْ طماحُ النَّفْسِ دُونَ التَّطَلُّعِ

بَلَوْتُ بِها صَبْرَ الْحَلِيمِ فَأَحْجَمَتْ *** خُطَايَ عَلَى نَوارِها المُتَبَرِّعِ

وَ ذُقْتُ مَذاقَ المُرِّ مِنْ صَبَراتِها *** وَ عُلِّلْتُ مِنْ سُمِّ القُلَيْبِ المُنَقَّعِ(3)

فَلا أَنا مَوْكُولٌ إلى الغَيْرِ مِقْوَدِي *** و لا أنا مَنْ أَرْضى الخِطامَ بِمَجْدَعي(4)

وَ لَسْتُ أَبالي إنْ جَفَتْنِي قُلوقُها *** بُكَيئات من دُرِّ الرِّعَابِ المُشَعْشَعِ

ص: 487


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أقضّك: قضّ الرجل إذا لم يَتم ولم يطمئنْ به النوم، و كذا أقض المضجع إذا خشن. الضنى: المرض و الهزال. شفّك: أوْهنَك.
3- المنقّع: المجتمع.
4- الخِطام: حبل يُجعل في عنق البعير و يُثنى في خطمه أو كلّ ما وُضِع في أنف البعير ليقاد به مجدع جدع الأنف أي قطعه و المجدَع هو الأنف.

فَلِي أُسْوَةٌ بالطَّيِّبِينَ تَقارَعُوا *** كُؤوسَ فُضَيْلاتٍ دِهَاقَ التَّضَوُّعِ

وَلي أَسْوَةٌ بالمُصْفِراتِ أَكُفُهُمْ *** مِنَ المَالِ حَسْرَى مِنْ حُطام التَّبَضُّعِ(1)

تَزُمُ بِأَكْمَامِ العَفافِ وَ تَدْرِي الخَصاصَةَ *** بالأخْلاقِ مِثْلِي و تَرْتَعِي

وَ تُعْطِي النَّدَى لأمِنْ خِلالِ تَفَضُّلِ *** وَ تَصْعِيرِ خَدِّ بالتَّكبُّرِ مُتْرَعِ(2)

وَلكنْ تَرى أَنَّ الزَّكَاةَ فَرِيضَةٌ *** وَ أَنَّ احْتِجامَ المَالِ أصْلُ التَّصَدُّعِ

وَ أَنَّ وَ شِيجَ الآدَمِيَّةِ جَمَّعَتْ *** بِأَعْياصِها جَذْرَ الإخاءِ المُقَطَّعِ(3)

وَ أَنّ بَني الدُّنيا سَواءٌ أَرُومُهُمْ *** وَ إِنْ ضَرَبُوا في كُلِّ عِرْقٍ مُوَزَّعِ(4)

أولئكَ آلُ المُصْطَفَى أَهْلُ بَيْتِهِ *** تَرَبَّوْا عَلى هذا الخَلاقِ المُرَفَعِ

وَ قَدْ آثَرُوا أَنْ لاتَبِيتَ عَلَى الطَّوَى *** حُشاشَةُ مَحْرُومِ وَ عَانٍ وَ مُوجَعِ

وَ أَعْطَوْا وَ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ مِنْ خَصَاصَةٍ *** مَساغِبُ لَمْ تُرْفَعُ جَداهُمْ وَ تَمْنَعِ

و شارکَتِ الزَّهْراءُ آلامَ أُمَّةٍ *** أبُوها تَوَلاهَا عَلَى كُلِّ مَهْيَعِ(5)

فَلِمَ أَثَرُوا أَنْ يَحْجَبُوا حُرَّ إِرْثِها *** وَ أَنْ يُولِجُوا أبْناءَها كُلَّ بَلْقَعِ(6)

أتِلْكَ الَّتي أوْصى الرَّسُولُ بِثِقلها *** تُصارُ إلى هذا الصَّعِيدِ المُصَدَّعِ؟(7)

ص: 488


1- التبضع: اتخاذ البضاعة.
2- مترع: ممتلىء.
3- بأعياصها: أصولها.
4- أرومهم: أصلهم و حسبهم.
5- المهيع: الطريقَ الواسع البين.
6- يولجوا: يُدخلوا بلقع قفر.
7- في البيت إشارة إلى قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي علیهم السلام» ففي كتاب سنن الترمذي ج5 ص663 قال: عن حبيب بن ثابت عن زيد بن أرقم «رضي عنهما» قالا: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. و ذكر ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12. و في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص109 قال: عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم «رضي الله عنه» قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : «كأني قد دعيت فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله «تعالى» و عترتي علیهم السلام فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. و ذكره الذهبي في تلخيصه في ذيل المستدرك ج3 ص109. و ذكره محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص16 قال: عن أبي سعيد: قال قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إني أوشك أن أدعى فأجيب و إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و إن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا فيما تخلفوني فيهما. و هناك مصادر أخرى كثيرة لهذا الحديث لامجال لذكرها و في شواهد التنزيل، للحافظ الحسكاني، في تفسير قوله «تعالى»: ««فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَ رَيْحَانٌ وَ جَنَّتُ نَعِيمٍ»[سورة الواقعة الآيتان: 88 - 89] قال: حدثنا الحاكم الوالد بإسناده المذكور عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم في حديث أنه قال: «...آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و هم المقربون السابقون» ثم قال: رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و علي بن أبي طالب علیه السلام و خديجة و ذريتهم الذين اتبعوهم بإحسان»... و بالنتيجة حيث إن فاطمة الزهراء علیها السلام من ذرية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و خديجة كانت الآيتان الكريمتان نازلة بحقها أيضاً...

وَ تِلْكَ الَّتي لَنَّ الرَّسُولُ دِثارها *** تُراعُ فَلابُورِكَتْ أَيْدِي المُرَوّعِ(1)

و لاآبَ في عَيْنِ الدّنى وَ سَنِ الكَرَى *** وَ لالَزَّ في حَرِّ الصَّدَى بَرْدَ مَشْرَعِ

و لاباهَلَتْ عُلْيا قُرَيْشٍ خُصُومَها *** بأَنَّ لَها صَدْرَ النَّدِيِّ المُوَسَّعِ

وَ قَدْ شُجَّ من رَأْسِ البِناءِ عَمُودُهُ *** فَعِيبٌ وَ لَمْ يَنْهَضُ نَصُوحُ وَ يَهْرَعِ

ص: 489


1- لزَّ: ألزم و التصق و في هذا البيت إشارة إلى الصاق علیه السلام رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جسمه المبارك بالإمام علي و الزهراء علیهما السلام. ففي البحار ج43 ص133 قال ضمن رواية طويلة «قال علي علیه السلام: و كانت غداة قرَّة و كنت أنا و فاطمة علیهما السلام تحت العباء، فلما سمعنا كلام رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لأسماء ذهبنا لنقوم فقال: بحقي عليكما لاتفترقا حتى أدخل عليكما، فرجعنا إلى حالنا و دخل صلي الله علیه و آله و سلم و جلس عند رؤوسنا و أدخل رجليه فيما بيننا و أخذت رجله اليمنى فضممتها إلى صدري، و أخذت فاطمة علیها السلام رجله اليسرى فضمتها إلى صدرها و جعلنا ندفىء رجليه من القرّ». الخ. و في ص117 في رواية طويلة أيضاً قال: «ثم أتاهما في صبيحتها و قال: السلام عليكم أدخل رحمكم الله ففتحت أسماء الباب و كانا نائمين تحت كساء فقال: على حالكما فأدخل رجليه بين أرجلهما فأخبر الله عن أورادهما «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ» [سورة السجدة الآية: 16] فسأل علياً علیه السلام كيف وجدت أهلك؟ قال: نعم العون على علیه السلام طاعة للَّه و سأل فاطمة علیها السلام فقالت: خير بعل فقال: اللهم اجمع شملهما و ألف بين قلبيهما...».

(17) محراب البناء

(بحر الكامل)

السيد عمران المير

ذِكْرَاكِ يا بِنْتَ الرِّسالَةِ مَنْبَعُ *** مِنْ فَيْضِهِ وَعَطائِهِ نَسْتَمْتِعُ

ذكراكِ مِحْرَابُ البِناءِ لأُمَّةٍ *** بَنَتِ الصُّرُوحَ وَ لِلْعَدالَةِ تَرْفَعُ

ذِكْراكِ نُورٌ شَعَّ في أُفُقِ السَّما *إِذْ أَنْتِ شَمْسٌ لِلْحَقِيقَةِ تَسْطَعُ(1)

ذِكْراكِ أَضْحَتْ نَعْمَةٌ غَنَّى بها *** طهَ َالأمينُ وَ حَيْدَرٌ وَ التَّبَعُ

ذِكْرَاكِ يا زَوْجَ الوَصِي ِّالمُرْتَضَى*** رُوحٌ لِفِكْرٍ فِيهِ أَضْحَى يُبْدِعُ

ذِكْراكِ دَرْسٌ للأنامِ وَ عِبْرَةٌ *** لِلثّائراتِ وَ مَفْخَرٌ وَ تَطَلُّعُ

ذِكْراكِ تُحْيِي الفِكْرَ مِنْ عَثَراتِهِ *** لِيَعُودَ يَبْنِي أُمَّةً لاتَجْزَعُ

ذِكْراكِ يُنْبُوعُ الحياةِ وَ سِرُّها *** لِجلالِهِ أَضْحَتْ تَقُومُ وَ تَركَعُ

ذِكْراكِ أضْحَتْ في فَمِي تَغْرِيدَةً *** وَ بِها عَلَى وَتَرِ الوَلاءِ أُرَجِّعُ(2)

ذكراك عنوانُ العَطاءِ لأمَةٍ *** حَفلتْ به فَخُراً و ها هِيَ تَسْمَعُ

ذِكْرَاكِ خَطُّ لِلْكِفاحِ وَ صَفْعَةٌ *** لِلظَّالمينَ عُرُوشُهُمْ تَتَزَعْزَعُ

ص: 490


1- لعل مما يشير إلى ذلك ما ورد في كتاب تأويل الآيات، ج1 ص137 ح 16، ضمن حديث طويل: سأل العباس بن عبد المطلب النبي الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: كيف كان بدء خلقكم يا رسول الله صلی الله واله وسلم؟ فقال: يا عمّ لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة و خلق منها نوراً ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً ثم خرج النور بالروح فخلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام فكنا نسبحه حين لاتسبيح و نقدسه حين لاتقديس... إلى أن قال: ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیهاالسلام فخلق منه السماوات والأرض فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة علیهاالسلام و نور ابنتي فاطمة علیهاالسلام نور الله وابنتي فاطمة علیهاالسلام أفضل من السماوات والأرض.
2- أَرَجُّعُ: ترجيع الصوت، هو إدارتُهُ في الحلق، و تقاربُ حركات الصوت و النفس.

ذِكراكِ نَهْجٌ لِلْعَفَافِ وَ لِلتَّقى*** بِهِمَا غُيُومُ الإنحرافِ تَقَشَّعُ

يا بِنْتَ مَنْ قَدْ كانَ رَحْمَةً خالِقٍ*** لِلْعَالمينَ فبَاتَ فَضْلِكِ يَقْرَعُ

إِنَّا اجْتَمَعْنا كَيْ نُحْيِيَ مَوْقِفاً *** فِيهِ الشَّجاعةُ و المواقِفُ تُصْنَعُ

مَولاتِي يا بِنْتَ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ*** ماذا أَقُولُ وَ فِي الفُؤادِ تَوجُّعُ

ها نَحْنُ أَصْبَحْنا نُعاني فِكْرَةً *** هَدَّامَةً بِاسْمِ التَّطَوُّرِ تُطْبَعُ

شَلُّوا بِها دَوْرَالفَتاةِ وَ قَاوَمُوا *** نَهْجَ السَّماءِ وَ لِلْحَقِيقَةِ ضَيَّعُوا

أضْحَتْ ضَحِيَّتها الفَتاةُ فَأَصْبَحَتْ *** تُشرَى بِسُوقِ المُغْرِياتِ و تُخْدَعُ

دَفَعُوا بِها كَيْماتُنَمِّي ثَرْوَةَ *** وَفْقَ المقاييس الخَطِيرَةِ تَطْلَعُ

أَضْحَتْ َأسِيرَةَ نَظرَةٍ ماليَّةٍ *** وَ البَيْتُ مِنْها وَ الزّوايا بَلْقَعُ

وَالطَّفْلُ ضاعَ لأَنَّ أُمّاً ضَيَّعتُ *** حقًّا لَهُ إِنَّ الحُقوق تُضَيَّعُ

وَ تَعَرَّضَتْ أُسرّ لأعْنَفِ هزّةٍ *** عُظْمَى فَضَاق بِها الفَضاءُ الأَوْسَعُ

و البيتُ بلإهمالِ أَصْبَحَ جَوُّهُ *** جَوِّا مُخِيفاً نَجْمُهُ لاَيَلْمَعُ

بيتٌ بنى جيلاً لِحَمْلِ رسالةٍ *** بنّاءةٍ تَهْدِي الأنامَ و تَجْمَعُ

عَصَفَتْ به ريحٌ فأضْحَى مُهْمَلاً *** بالَلْخَسارةِ قَدْ عَراهُ تَصَدِّعُ

خَرَجَتْ بدونِ حَياً وَأَبْدَتْ وَجْهَهَا *** بَيْنَ الرِّجالِ و قَدْ أُزِيحَ المقنَعُ

نَسِيَتْ بأَنَّ اللهَ أَوْجَبَ سَتْرَها *** كَيْما تُصانُ فلا تُذَلُّ و تُلسَعُ

هذي المآسي أفرَزتها شَطْحَةٌ *** فكريَّةٌ زعرَعَتْ نَواها إِصْبَعُ

إيهاً فَتاةَ العَصْرِ لاتَتَأَثّري*** بالمُغْرِياتِ فَإنّهنَّ زَوابِعُ

لاتَسْمَعِي صَوْتَ الَّذينَ عَماهُمُ *** حُبُّ الخَطايا و الفَضِيلَةَ مَیَّعُوا

قُولي لَهُمْ إِنِّي انتميتُ لأمةٍ *** تأْبى الخُضوعَ و للعِدى لاَتَرْكَعُ

قُولي بأنّ الطُّهْرَ فاطِمَ قُدْوَتِي *** نحوَ البِنا لاللمَذلَّةِ أَخْضَعُ(1)

ص: 491


1- في بحار الأنوار/ ج43ص19 ح20: عن أبي جعفرعلیه السلام عن آبائه علیهالسلام قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس وطهارتها من كل رفث...

قُولي بأَنِي أَقتفِي خَطَّ الَّتي*** رَبَّتْ بَنيها وَ الطّفولَةَ تُرْضِعُ

و تَرسَّمي خَطَّ البَتُولَةِ فَاطِمٍ*** بِنْتِ النَّبِيَّ فإنّها لَكِ مَفْزَعُ(1)

وَ اقْفِي خُطاها إنّها بِنْتُ الهُدَى*** طه الأمِينِ وَ مَنْ إلَيْنا يَشْفَعُ(2)

ص: 492


1- فى الفتوحات الربانية ج2 ص50. تلقَّبت فاطمة علیها السلام بالبتول لتبتلها. أي انقطاعها. إلى الله. و في النهاية، ج1 ص94: سميت فاطمة البتول علیها السلام لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً، و قيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله.
2- في كتاب تهذيب الأحكام، ج6 ص9 .قال: حدَّثنا إبراهيم بن محمد العريفي قال: حدَّثنا أبو جعفر علیه السلام ذات يوم: إذا صرت إلى قبر جدتك فاطمة علیها السلام فقل: يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة و زعمنا أنا لك أولياء و مصدقون و صابرون لكل ما أتانا به أبوك علیه السلام و أتانا به وصيه علیه السلام فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلّا ألحقتنا بتصديقنا لهما بالبشرى لنبشِّر أنفسنا بأنا قد طُهرنا بولايتك.

(18) أعظم وزع

(بحر الطويل)

الشيخ قيس العطار (*)(1)

مَصائِبُكُمْ شَتَّى وَ شَتَّى قُبُورُكُمْ *** وَرُزْؤُكُمُ مِنْهُ الفُؤادُ تَصَدَّعا(2)

و أَعْظَمُ رُزْءٍ حَلَّ بالظُّهْرِ فَاطِمٍ *** لَهُ الكَوْنُ مِنْ حَرِّ المُصابِ تَزَعْزَعا(3)

وَ أَعْظَمُ مِنْهُ رُزْهُ سِبْطِ مُحَمَّدٍ*** غَداةَ بِيَوْمِ الطَّفَّ نادَى فَأَسْمَعا

لَئِنْ هَشَّمُوا ضِلْعاً مِنَ الظُّهْرِ وَاحِداً *** فَهذا حُسَيْنٌ هَشَّمُوا مِنهُ أَضْلُعا(4)

و إِنْ أَثَّرَ المِسْمارُ في جَنْبِ جِسْمِها *** فَجِسْمُ حُسَيْنِ بِالسُّيُوفِ تَوَزَّعا

وإِنْ أَسْقَطُوا مِنْهَا الجَنِينَ بِعَصْرَةٍ *** فَقَطْعُ وَ رِيدِ الطِّفْلِ قَدْ كانَ أَفْظَعَا(5)

ص: 493


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الرُّزء: المصيبة العظيمة، تصدّع: انشقّ.
3- تزعزع: تحرّك و تقلقل.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40 فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها...
5- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص123. قال المؤرخ المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلی الله و آله و سلم فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً...كما ورد:كتاب/ الكوكب الدري/ للشيخ الحائري، ج1 ص149. عن بعض كتب التواريخ: لما بايع الناس الأول دخل عليه الثاني و قال له: ما أغفلك عن بيعة علي و العباس. إلى أن قال: ثم جعل الثاني يعالج الباب ليحرقه فلما رأت. أي فاطمة علیها السلام. إصرار القوم على ذلك أتت و فتحت لهم الباب ولاذت خلفه فعصرها الثاني مابین الحائط و الباب حتى كادت روحها أن تخرج من شدة العصر و نبع الدم من صدرها ومن ثدييها.

وإِنْ أَحْرَقُوا بَيْتَ البَتُولِ بِنارِهِمْ*** فَقَدْ أَحْرَقُوا أَبْيَاتَ زَيْنب أَجمعا(1)

وَ إِنْ لَمَ تَرَ الزّهراءُ مَصْرَعَ وُلْدِها *** فَقَدْ رَأَتِ الحوراءُ سَبْعِينَ مَصْرَعَا

وَ إِنْ مَنعُوها تَسْتَظِلُّ فَشِبْلُها *** تَجَرَّعَ مِنْ حَرِّ الظَّما ما تَجَرَّعا

وإِنْ ذَرَفَتْ دَمْعاً فَتِلْكَ بَناتُها *** خَلَطْنَ دَماً عِنْدَ البُكاءِ و أَدْمُعا

وَ إِنْ مَنَعُوها النَّوْحَ إِنَّ بَناتِهَا *** يُحِحْنَ فَمَا طِقْنَ النِّیاحَةَ و النَّعا

وَ إِنْ لَبِسَتْ لَمّا تَبَدَّتْ خِمَارَها *** فَما تَرَكُوا لِلْفاظِمِيَّاتِ بُرْقُعا(2)

وإِنْ صَارَ مِنْ ضَرْبِ السَّياطِ بِزِنْدِها *** كَمَا الدُّمْلَجِ المُسْوَدِّ أَدْمَى فَأَوْجَعا

فَإِنَّ سِياطَ الشَّمْرِ أَدْمَتْ جَوارِحاً *** مِنَ الضَّرَبِ حَتَّی لَمْ يُغَادِرُنَ مَوْضِعا

وَإِنْ كَفَلَ السِّبْطَيْنِ فِي اليُتْم حَيْدَرٌ*** فَهْذِي يَنامَى السَّبْطِ في البَرَّ ضُيَّعا

وَإِنْ سَحَبُوا الكرّارَ مِنْ بابِ دارِهِ*** فَقَدْ سَحَبوا السجّادَ للشَّامِ مُزْمَعَا

وإن قَيَّدُوا كَفَّيْ عليَّ بِحَبْلِهِمْ *** و قدْ كانَ لَيْثاً في الحُروبِ سَمَيْدَعا(3)

فكنّا أبي الفَضلِ العميدِ تَقَطَّعَتْ *** و زِنْداهُ والعينان أُطفِئَتا مَعا

وإِنْ شَيَّعُوا بِاللَّيْلِ جُثْمانَ فاطِمٍ *** فَقَدْ مَنَعُوا جُثْمانَهُ أَنْ يُشَيَّعا(4)

وإِنْ دُفِنَتْ سِرَّا فَإِنَّ حُسَيْنَها *** رَمَوْهُ ثَلاثاً فِي الفَلَاةِ مُضَيَّعا

وإنْ لَمْ يَكُونوا يَشْتِمُونَ أمامَها النَّبِيَّ *** فَقَدْ سَبُّوا الوصيیَّ لِتَسْمَّعا

وإن وَدَّعَتْ عندَ المَماتِ حَلِيْلَها *** فَقَدْ أَعْجَلُوا الحَوْراءَ عَنْ أَنْ تُوَدِّعا

ص: 494


1- في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12: فدعا (عمر) بالحطب و قال: - والذي نفس عمر بيده: لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها، فقيل له يا أباحفص:إن فيها فاطمة علیهاالسلام؟ فقال: وإن...
2- خمارها: ما تغطي به المرأة رأسها أو الستر عموماً. البرقع: ما تستر به المرأة وجهها. في كتاب البحار ج43 ص198 ضربها قنفذ «الملعون» بالسوط فماتت حين ماتت و إن: في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه الله»...
3- سميدعاً: أسداً.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46 فغسَّلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس أخرجها إلى البقيع ليلاً.

أخاها حُسيناً يومَ راحَتْ تَشُمُّهُ *** وَ مَنْ حَوْلَهُ جيشُ الظَّلالِ تَجَمَّعا

تُقَبَّلُ منهُ النَّحْرَ طَوْراً و تارَةً *** على صَدْرِهِ تَدْري الدُّموعَ تَوَجُّعا

أخي هؤلاءَ القومُ يَبْغُونَ قَتْلَ مَنْ *** بِحِضْنِ النَّبيِّ المصطفى قَدْ تَرَعْرَعا

أخي يابْنَ أُمّي يا حسينُ لَقَدْ دَنَا *** فِراقُكَ عَنِّي، ما أَشَدَّ و أَفْجَعا

أراكَ وَحِيْداً قَدْ بَقَيْتَ فليتَني*** عُدِمْتُ حيَاتِي لأعَدِمتُكَ مَفْزَعا

لقدماتَ أصحابُ الكِساءِ جَمِيعَهُمْ *** بموتِكَ، و النَّاعِي نَعى الدينَ إِذْ نَعا

فقالَ: تَعَزّي يا أُخَيَّةُ و اصْبِرِي*** فَلَسْنَا لأَمْرِ اللَّهِ نَسْطِيعُ مَدْفَعا

أَلا كُلُّ مَنْ فوقَ البسيطةِ مَيِّتٌ *** و إِنَّ لَنا لِلَّهِ أَوْباً و مَرْجِعا

أفاطمةُ الزَّهْراءُ عُذْراً فإِنَّما *** أَبُثُ إليكُمْ زَفْرَةٌ و تَلَوُّعا

أَغَثتِ علياَّ حينَ لَمْ يَبْقَ ناصِرٌ *** فَمَنْ ذا أغاثَ السَّبْط في الطفَّ إِذْ دَعا؟

نَعَمْ جاءَته الحوراءُ لكنَّها رَأَتْ *** أَخاها على وَجْهِ الصعيدِ مُبَضَّعا(1)

فَلَوْ نَظَرَتْ عيناكِ زينبَ إِذْ هَوَتْ *** تَنُوحُ عليهِ حَسْرَةٌ وَ تَفَجُّعا

تُغَسْلُ نَحْرَ السِّبْطِ مِنْ فَيْضِ دَمْعِها *** وَ تَجْمَعُ جسماً بالسَّیوفِ مُقَطَّعا

تَقُولُ أَخِي لَوْ خَيَّرُونِي مَنْزِلاً *** حَفَرْتُ لموتي قُرْبَ قَبْرِكَ مَضْجَعا

لقدْ أُظْلِمَتْ من بَعْدِكَ الأَرْضُ و السّما *** فقدْ غَيَّبُوا من شمسِ وَجْهِكَ مَطْلَعا

و قَدْ رَفَعُوا الرأسَ الكريمَ على القَنا *** كأَنَّ عليهَا العَرْشَ أوكانَ أَرْفَعا

و أَمَّا الَّذي لم تَنْظُرِ العَيْنُ مِثْلَهُ *** مُصاباً أَذَلَّ الكائِناتِ و أَفْزَعا

غداةَ هَوى فوقَ الصعيدِ مُعَفَّراً *** و شِمْرٌ على الصَّدْرِ الشريفِ تَرَبَّعا

تُدافِعُهُ عن قَتْلِهِ بِنْتُ فاطِمٍ *** فَأَبعَدَها، و السیفُ بالنَّحْرِ أَوْلَعا

فللَّهِ رُزْءٌ ما رُزِئْنَا بمثلِهِ *** و لا مِثْلُهُ خَطْبٌ أَصَمَّ و أَسْمَعا

سلامٌ على الثَّاوِي لَدَى أَرْضِ كَرْبَلا *** وَ قَدْ صُرِعُوا حولَيهُ شَيباً و رُضَّعا(2)

ص: 495


1- مُبضّعا: مُقَطَّعا.
2- الثاوي: المقيم.

سلامٌ عَلَى الخدِّ التريبِ بكربلا *** ككيوانَ يَهْوِي مُتْرباً و مُشَعْشِعا

سلامٌ على الشَّيْبِ الخضيبِ منَ الدِّما *** يَفُوحُ عبيرُ المِسْكِ منه تَضَوُّعًا

سلامٌ على الجِسْمِ السَّليبِ بلا رِدا *** كَسَتْهُ الدِماءُ الحُمْرُ ثَوْباً و مِلْفَعا(1)

سلامٌ على الرأسِ المُشَالِ على القَنَا *** بِآيَةٍ أَهْلِ الكَهْفِ يَتْلُو مُرَجِّعا

سلامٌ على الصَّدْرِ الرَّضِيضِ بِخَيْلِهِمْ *** و قَدْ كانَ للسِّرَّ الإِلهيَّ مَوْضِعا

سلامٌ على تلك العِيالِ و قد مَشى *** بها الشَّمْرُ للشَّامِ المَشَّومِ و جَعْجَعا

سلامٌ على مَن رَحْلُهُ صارَ عُرْضَةً *** و نَهْباً لأَبناءِ اَللَّثأْم مَطْمَعا

سلامٌ على المهديَّ من آلِ أَحْمَدٍ *** مَتى يَنْشُرُ الراياتِ لِلَثَّارِ مُسْرِعا

أَغِثْنا -رعاکَ اللَّهُ- مِنكَ بطلعةٍ *** فلولا انْتِظارُ الثَّأْرِ مُتْنا تَوَجُّعا

أَغِثنا فإِنَّ الحُزْنَ مَزَّقَ قَلْبَنَا *** ولم يُبْقِ في قوسِ التَصبُّر مَنْزَعا

فإِنَّ شِفانَا أَنْ نَراكَ مُقَطَّعاً *** من الجبتِ و الطاغوتِ كَفَّا و أَذْرُعا

و أنْ ليسَ تُبْقِي مِنْ أُمیَّةَ عَادِراً *** و أَنْ تَسْقِيَ الأَرْضَ الدماءَ لِتَشْبَعا

ص: 496


1- ملفعاً:ما يتلفّع به من مرّط أو كسا: أو نحوها.

(19) حججاً واضحات

(بحر المتقارب)

الشيخ كاظم آل نوح

يَقِلُّ لِعَيْنِي تَذْرِي الدموعَا *** لِفَاجِعَةٍ وَ هْيَ تحني الضُّلوعَا(1)

لِفَاجِعَةٍ وَقَعَتْ في الطَّفُوفِ *** وَ عَمَتْ بِحُزْنٍ عَلَيْنا جَمِيعا

وَ أَذْرَتْ دُمُوعَ الهُدَى صَبِيبَاً *** وَ أَجْرَتْ لِعَه النَّبِيِّ الدُّمُوعا

وَ عمْروٌ وَ هاشِمُها قَدْ غَدَوْا *** بِذَا الخَطبِ وَ النَّاسُ كُلٌّ جَزُوعَا(2)

فَحادِثُ يَوْمِ الطَّفُوفِ اغْتَدَا *** لِقَتْلِ الصَّنادِيدِ خَطْبَاً مَرُوعَا(3)

قَضَوْا عَطَشًا بِالعَرَاكُلُّهُمْ *** وَ حَقَّهُمُ كَان قَسْراً أُضِيعًا

وَ مَا ضَاعَ حَقٌّ لآلِ الرَّسُولْ *** إلا لأمْرٍ دَهَاهُمْ فَظِيعَا

بِيَوْمِ بِهِ ماتَ طَة النَّبيَّ *** وَ انْقَلَبوابَعْدَ طَهَ سريعا

وَ فَاطِمَةٌ وَ هُيَ مَحْزُونَةٌ *** تَعَادَوْا عَلَى الدّارِ عَدْواً مُرِيعَا(4)

وَ جَاؤُوا بِحُزْمَتِهِمْ عَوْسَجاً *** عَلَى بَابِها كَانَ أَمْراً فَظِيعَا(5)

ص: 497


1- تذري: تذرف. الفاجعة: المصيبة أو الكارثة.
2- جزوعاً: جزع منه: لم يصبر عليه.
3- الصناديد: جمع صنديد و هو البطل الشجاع. مروعا: مُرَوّعاً و مخيفاً.
4- في «أمالي الصدوق» ص99 ح2. «... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني معها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي: يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص172 ح13. «عوالم سيدة النساء» ج2 ص546 ح2.
5- عوسجاً: جمع عوسجة و هي شجيرة شائكة و البيت الذي يليه؛ في «كتاب سليم بن قيس» ص36 ط، قسم الدراسات مؤسسة البعثة: «...ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب و حمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي و فاطمة و ابناها علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً و فاطمة علیهما السلام: والله لتخرجن یا علي علیه السلام و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وإلا أضرمت عليك النار». فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك ؟ فقال: افتحى الباب و إلا أحرقنا عليكم بيتكم فقالت: يا عمر أما تتقي الله، تدخل علي بيتي؟ فأبى أن ينصرف، و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل...». انظر: «الاحتجاج» ج1 ص109 ط دار النعمان النجف.

وَ صَاحَ اضْرِمُوا النَّارَ أَوْ يَخْرُجَنْ *** عَلِيٌّ وإلا أبِيدُوا جَمِيعا

قَالُوا لَهُ إِنَّمَا فَاطِمُ *** بِذِي الدَّارِ لِلْحُزْنِ تَدْرِيْ دُمُوعَا(1)

وَ صَاحَ الا اخْرُجْ إِلَى بَيْعَةٍ *** قَدْ بَايَعَ النَّاسُ كُل مُطِيعَا(2)

ص: 498


1- و البيت الذي يليه في «أعلام النساء» ص114 ط -مؤسسة الرسالة. «و تفقد أبوبكر قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب علیه السلام كالعباس و الزبير و سعد بن عبادة فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام فبعث أبوبكر إليهم عمربن الخطاب فجاءهم عمر فناداهم و هم في دار فاطمة علیها السلام فأبوا أن يخرجوا. فدعا بالحطب و قال: و الذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها . فقيل له: يا أباحفص إن فيها فاطمة علیها السلام. فقال: و إن...».
2- و الأبيات التي تليه في تفسير العياشي ج2 ص66 ح76. «فبعث إليه قنفذاً فقال له: إذهب فقل لعلى أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر: قال لك: ما خلف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أحداً غيري. قال أرجع إليه فقل: أجب فإنّ الناس قد أجمعوا على بيعتهم إياه و هؤلاء المهاجرون و الأنصار يبايعونه و قريش وإنّما أنت رجل من المسلمين لك ما لهم و عليك ما عليهم و ذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع فقال: قال لك: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لي و أوصاني إذا واريته في حفرته أن لاأخرج من بيتي حتى أؤلف كتاب الله فإنه في جرائد النخل و في أكتاف الابل. قال عمر: قوموا بنا إليه فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبوعبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و قنفذ و قمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات الله عليه»ا أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها أحد إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف، ثم دخلوا فأخرجوا علياً مليباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ والله لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم... قال: فأخرجوه من منزله ملبباً و مروا به على قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فسمعته يقول: يابن أم إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني و جلس أبوبكر في سقيفة بني ساعدة و قدم علي علیه السلام فقال له عمر: بايع فقال له علي علیه السلام: فإن أنا لم أفعل فمه؟ فقال له عمر: إذا أضرب واللَّه عنقك فقال له علي علیه السلام: إذا والله أكون عبداللَّه المقتول و أخا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...». انظر «بحار الأنوار» ج28 ص227 ح14. «البرهان» ج2 ص93 ح4 ط3، مؤسسة الوفاء. بيروت.

أبَى حَيْدَرٌ أنْ يُلبِّي النِّدَاءَ *** فَأُخْرِجَ قَهْراً خروجاً شَنِيعا(1)

و أدْخِلَ وَ النَّاسُ في مَسْجِدِ *** النَبِيَّ وَ كُل يُعاني الهُلُوعَا

وَ لَمْ يَرْضَ حَيْدَرٌ فِي بَيْعَةٍ *** وَ لَمْ يَخْضَعَنْ أَوْ يَكُونَ الضَّرُوعَا

وَ هُدِّدَ بِالقَتْل لكِنَّما *** أَتَتْ فَاطِمٌ عَنْهُ ذَادَتْ خُنُوعَا(2)

فَاطلَقَ مِنْ أَجْلِهَا حُرْمَةً *** لَهَا مَنْ لَهَا دَقَ قَسْراً ضُلُوعَا

وَ رَاحتْ لِقَبْر أَبِيْها تَصيحُ *** أَبَا أَبَتِ قَدْ أُهِنَّا جَمِيعا

لَقَدْ غَصَبُوا حَيْدَراً حَقَّهُ *** وَ حَقِّي الصَّرِيحُ جَهَارَاً أُضِيعَا(3)

ص: 499


1- شنيعاً: منكراً. قهراً: قسراً و إرغاماً.
2- خنوعاً: الخنوع: الذلَ و خنع إلى اللَّه: تضرع.
3- في «بحار الأنوار» ج28 ص62 ضمن ح24. «و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقَّها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يمسها هو ان و ذل...». انظر «عوالم سيدة النساء» ج2 ص445. و في رواية أخرى: في «بحار الأنوار» ج36 ص264-265 ح85. «عن سلمان الفارسي، قال: قلنا يوماً: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من الخليفة بعدك حتى نعلمه؟ قال لي: يا سلمان ادخل عليّ أباذر و المقداد و أبا أيوب الأنصاري. و أم سلمة زوجة النبي صلي الله علیه و آله و سلم من وراء الباب. ثم قال لنا: اشهدوا وافهموا عنّي أن علي بن أبي طالب علیه السلام وصيي و وارثي و قاضي ديني و عداتي و هو الفاروق بين الحق و الباطل و هو يعسوب الدين... أشكو إلى الله جحود أمتي لأخي و تظاهرهم عليه و ظلمهم له وأخذهم حقه، قال: فقلنا له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ويكون ذلك؟ قال: نعم يقتل مظلوماً من بعد أن يملأ غيظاً و يوجد عند ذلك صابراً، قال: فلما سمعت ذلك فاطمة علیها السلام أقبلت حتى دخلت من وراء الحجاب و هي باكية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: ما يبكيك يا بنية؟ قالت: سمعتك تقول في ابن عمي و ولدي ما تقول قال: و أنت تظلمين وعن حقك تُدفعين و أنت أول أهل بيتي لحوقاً بي...». انظر: عوالم «سيدة النساء» ج2 ص548 ح5.

أَيَا أَبَتِ انْقَلَبُوا بَعْدَ أَنْ *** أَرَادُوا إِلَى دِين بُسْرِ رُجُوعَا

وَلكِنَّهُمْ نَافَقُوا فَاغْتَدَوْا *** بِأَيْدِيهِمُ الحُكْمُ حُكْماً فَظِيعا

وَ قَدْ غَصَبُوا فَدَكاً عُنْوَةً *** وَ جَاءَ وَكيلٌ إِلَيْنَا ضَرُوَعا(1)

فَرُحْتُ أُطَالِبُ فِي نِحْلَتي *** فَلَمْ أَجِدَنْ لِي مِنْهُمْ سَمِيعَا(2)

وَ طَالَبَ مِنّي في أنْ أُقِيمَ *** شَهَادَةً حَقٌّ تَرُدُّ المَنُوعَا(3)

فَقَلْتُ عَلِيٌّ وَ سِبْطا النَّبِيِّ *** شُهُودٌ عَلَى الحَقِّ رُدُّوا جَمِيعًا

فَأَدْلَتْ لَهُ حُجَجَاً وَاضِحَاتٍ *** فَأَعْرَضَ عَنْها وَ عَادَتْ سَرِيعَا(4)

إِلَى بَيْتِها وَ هْيَ مَهْضُومَةٌ *** لِغَصْبٍ لَهَا وَ هْي تَذْرِي الدُّمُوعَا

وَ كَانَ انْتِظَارُ عَلِيٌّ لَهَا *** عَلَى فَلَقِ مِنْهُ يَطْوِي الضُّلُوعَا(5)

ص: 500


1- ورد في الاحتجاج ج1 ص119 ط مطبعة النعمان. النجف. «عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها...».
2- في «معجم البلدان» ج4 ص238 مادة «فدک». «... و فيها عين فوّارة و نخيل كثيرة و هي التي قالت فاطمة علیها السلام: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نحلنيها، فقال أبوبكر: أريد بذلك شهوداً...».
3- انظر «عوالم سيدة النساء» ج2 ص635 ضمن ح 27. «... فقال لها عمر: دعينا من أباطيلك و احضرينا من يشهد لك بما تقولين. فبعثت إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و أم أيمن و أسماء بنت عميس. و كانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة فأقبلوا إلى أبي بكر و شهدوا لها جميعاً ما قالت و ادعته. فقال: أما علي علیه السلام فزوجها و أم الحسن و الحسين ابناها علیها السلام و أمّا أم أيمن فمولاتها و أمّا أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم و قد كانت تخدم فاطمة علیها السلام و كل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم...».
4- ورد في أمالي «المفيد» ص40 ح8 ط جماعة المدرسين. قم. «... عن زينب بنت علي بن أبي طالب علیه السلام قالت: لما اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة علیها السلام فدك و العوالي و أيست من إجابته لها عدلت إلى قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فألقت نفسها عليه و شكت إليه ما فعله القوم بها وبكت حتى بلت تربته صلى الله عليه و آله و سلم بدموعها و ندبته...». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج2 ص801.
5- جاء في الاحتجاج ج1 ص145 ط دار النعمان. النجف. بعد خطبة الزهراء علیها السلام في المسجد و رجوعها علیها السلام:«...ثم انكفأت علیها السلام و أميرالمؤمنين علیه السلام يتوقع رجوعها إليه و يتطلع طلوعها عليه فلما استقرت بها الدار قالت لأميرالمؤمنين علیه السلام: يا بن أبي طالب اشتملت شملة الجنين و قعدت حجرة الظنين...».

وَ قَدْ دَخَلَتْ وَ هْيَ في ثَوْبِهَا *** تَعَثَرُ وَ الدَّمْعُ يَجْرِي هَمَوعا

فَقَالَ لَهَا صِنْوُطَهَ اصْبِرِيْ *** فَحَقِّي وَ حَقُّكِ قَسْراً أُضِيعا(1)

لَقَدْ صَبَرَتْ وَ بَكَتْ حَسْرَةً *** وَ رَاحَتْ إِلَى اللَّهِ تَشْكُو الصَّنِيعَا(2)

صَنِيعَ الَّذِينَ عَلَى غَصْبِهَا *** قَدِاتَّفَقُوا غَصْبَ حَقًّي جَمِيعَا

وَ مَاتَتْ و إِنَّ عَلِيًّا رَأَى *** بِجَنْبِ لَهَا قَدْ كُسِرْنَ الضُّلُوعَا

وَ انْزَلَها قَبْرَهَا فِي الظّلاَمِ *** وَ عَادَ إِلَى البَيْتِ يَدْرِي الدُّمُوعَا(3)

لَكَ اللَّهُ حَيْدَرُ إِمَا صَبَرْتَ *** وَ لَمْ تَكُ مِنْ أَي خَطْبٍ جَزُوعَا(4)

ص: 501


1- صنو: الأخ الشقيق أو العم أو الابن.
2- الصنيعا: صنيع القوم: عملهم، و هو اعتداؤهم هنا.
3- انظر: «الأمالي للمفيد» ص281 ح7، البحار ج43 ص210 ح40. «...فلما حضرتها الوفاة وصت أميرالمؤمنين علیه السلام أن يتولى أمرها و يدفنها ليلاً و يعفي قبرها فتولى ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام و دفنها علیها السلام و عفى موضع قبرها. فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه و حوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...».
4- دیوان آل نوح ص157.

(20) بنت خير المرسلين صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم الهر(*)(1)

قَدْ بَاتَ مِنْ نَارِ الخُطُوبِ لَسِيعا *** لَمْ تَأْلَفِ العَيْنَانِ مِنْهُ هُجُوعا

ص: 502


1- (*) هو الشيخ كاظم ابن الشيخ صادق بن أحمد الحائري الشهير بالهرّ. و آل الهرّ أسرة أدبية علمية لها شهرتها و مكانتها و هي تنحدر من أسرة عربية عريقة تعرف ب_ «آل عيسى». ولد في كربلاء المقدسة سنة 1257 ه_، و ما إن شب و ترعرع و صلب عوده حتى اندفع يختلف إلى المجالس الأدبية العامرة في أرجاء هذا البلد المقدس، فدرس المقدمات و السطوح العالية و نبغ في علمي الفقه و الأصول، فكان عالماً فقيهاً، و قد قرأ على العالم الكبير السيد محمد حسين الشهرستاني، و الفقيه الجليل الشيخ محمد حسين الأردكاني، و العالم المتبحر الشيخ زين العابدين المازنداني، و كانت له حوزة للتدريس في مدرسة حسن خان المعروفة. و للمترجَم له ديوان شعر له ديوان شعر جله في مدح آل البيت «صلوات الله عليهم أجمعين»، و لم یزل مخطوطاً. كتب عن المترجَم له الشيخ السماوي في (الطليعة) و السيد الأمين في (الأعيان) و ترجم صديقنا الأديب اللامع السيد سلمان هادي آل طعمة في (شعراء كربلاء). و يعتبر المترجم له من مشاهير شعراء الأدب الفراتي في القرن الثالث عشر الهجري، و شعره يمثل مدرسة المحافظين و هو الأدب التقليدي الذي نحا منحى الأدب القديم و سار على نهجه، من حيث الأغراض و الأساليب، و من مزايا شعراء هذه المدرسة أن المدح هو الموضوع المحبّب إليهم، و قد أشار إلى ذلك الشيخ السماوي في أرجوزته قائلاً : و كان الأديب الكاظم بن الصادق *** ظریف آل الهر في الحقائق فشعره كان لأهل البيت *** مشتهر كغرّة الكميت و المترجم له اختاره الله و دعاه إليه فَلبّى النداء في عام (1333 ه_ ) عن عمر ناهز السبعين سنة، و دفن في كربلاء المقدسة، و يوافق تاريخه (للحور زفّوا كاظماً).

و يَبيتُ فِي لَيْلِ السّلام مُسَهْداً *** أرقاً عَلَى شَوْكِ القَتادِ فَجِيعا(1)

مَا لِلَّيالي النَّادِرَاتِ شُغِفْنَ بِي *** حَتَّى شُجِيتُ بِغَدْرِها مَفْجُوعا

وَ رَمَيْتَنِي غَدْراً بِسَهُم جَفائِها *** فَأَصَبْنَ مِنْ قَلبي الفَرِيح صُدُوعا

لَمْ أَسْتَطِعْ صَبْراً عَلَى ما نابَني *** بل بِتُّ مِنْ نُوَبِ الزَّمانِ جَزُوعا(2)

ذَابَتْ بِطارِقَةِ الرَّزايا مُهْجَتِي *** فَأَسَلْتُها مِنْ مُقْلَتَيَّ دُمُوعا

وَ أَسِئْتَ أحْرارَ الأنام صُرُوفُها *** مَا سَاءَ ذَیَّاكَ الوُلُوعُ وَلُوعا

يَجْرِي عَلَى عَكْسِ القَضِيَّةِ حُكْمُها *** رَفْعاً وَ خَفْضاً دانِياً وَ رَفِيعا

فَخَفَضْنَ مِنْ خَيْرِ الكِرامِ رَفِيعا *** وَ رَفَعْنَ مِنْ شَرِّ اللِّئامِ وَضِيعا

وَ تَرى الخِلافَةَ أَصْبَحَتْ فِي أَكْوُعٍ *** وَ تَرى أَمِيرَالمُؤْمِنينَ خَلِيعا

يَا مَنْ بِذَاتِ فقارِهِ مَهمَا سَطاً *** فَرْداً أَبادَ مِنَ الحُماةِ جُمُوعا(3)

أَوَ ما عَلِمْتَ بِفَاطِمِ قَدْ رُوِّعَتْ *** فِي دَارِها وَلَكَمْ أَغَثْتَ مَرُوعا؟(4)

قَدْ كَسَّرَتْ منها العِداةُ ضُلوعا *** أَضْحى الكِتابُ بِكَسْرِها مَصْدُوعا(5)

ص: 503


1- مسهداً: السهاد قلة النوم و الأرق. شوك القتاد: شجر صلب له شوك كالإبر.
2- جزوع: الذي لايصبر و يظهر الحزن أو الكدر.
3- سطا. فرداً: قهره الكماة: الشجعان.
4- في (عوالم سيدة النساء ) ج11/2 ص570-571. منقولاً عن سيرة ابن هشام: «... إذا كان رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم أباح دم هبّار بن الأسود لأنه روع زينب علیها السلام فألقت ذا بطنها فظهر الحال أنه لو كان حیًّا لأباح دم من روع فاطمة علیها السلام حتى ألقت ذا بطنها... فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم: إن فاطمة علیها السلام روعت فألقت المحسن فقال: لاتروه عني و لاترو عنّي بطلانه...».
5- ربما أراد الرواية الواردة في كتاب «الاحتجاج» ج1 طبعة دار النعمان (1966) تعليقات محمد باقر الخرسان ص109 (و البيت الذي يليه): «ثم أمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه عليٌّ و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام: والله لتخرجن و لتبايعنَّ خليفة رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم أو لأضرمنّ عليك بيتك ناراً ثم رجع إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته. ثم قال لقنفذ: إن خرج و إلاَّ فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر عليَّ إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكَّثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بین زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي اثره في عضدها من ذلک مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبوبكر إلى قنقذ إضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام».

وَ بِقَرْعِها بِسِياطِ قُنْفُذَلمْ أَجِدْ *** إلا فُؤادَكَ بِالسِّياطِ قَرِيعا

مَاذا يُرِيدُ القَوْمُ بِالْبَيْتِ الّذي *** زَكّى أصولاً قَدْ سَمَتْ وَ فُروعا

أُولَيسَ هَذا البَيْتُ بَيْتَ المُصْطَفَى *** أَلْمُرْتَجِي يَوْمَ الجَزَاءِ شَفِيعا

مَا ذَنْبُ أمّ النَّيْراتِ وَ مَنْ بِهِمْ *** قَدْشَعَّ ضَوْءُ النَّيْراتِ سُطُوعا

إِذْ أَسْقَطُوها مُحْسِناً فَتَساقَطَتْ *** دُرَرُ الدُّموعِ مِنَ الفَخارِ نَجِيعا

أَوَ لَيْسَ مُحْسِنُ دُرّةَ الشَّرَفِ الَّتي *** يَزْهُو بها جِيدُ الزَّمانِ نُصُوعا

يا بَضْعَةَ الهادِي الَّتي في فَخْرِها *** سَادَتْ نِساء العَالَمينَ جَمِيعا(1)

مَا بَالُ إِرْثِكِ مِنْ أَبِيكِ قَدْ غَدا *** دُونَ البَرِيَّةِ كُلّها مَمْنُوعا(2)

ماذا أَقولُ وَ فِي الفُؤادِ سَرائِرٌ *** مَا كُنْتُ في قَوْلي لَهُنَّ مُذيِعا

لِكِنْ أقُولُ إلى الصَّحابَةِ سائِلاً *** وَ أَوَدُّ لو أنَّي سَأَلْتُ سَمِيعا

هَلْ كَانَ فِي شَرْعِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** حُكْمُ التَّوارُثِ بِدْعَةً تَشْرِيعا؟(3)

ص: 504


1- لعله أشار إلى الرواية الواردة في «الخصال» للصدوق ص206 منشورات جماعة المدرسين في قم. عن علي بن أبي طالب علیه السلام عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال في وصّيته له: يا علي علیه السلام إن الله «عزوجل» أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثم اطلع ثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة علیها السلام على نساء العالمين».
2- جاء في كتاب «كشف الغمة» ج2، ص103. للمحقق أبي الفتح الأربلي ط دار الكتاب الإسلامي بيروت (1981) رواية تؤكد هذا المعنى: «... وروي أن فاطمة علیها السلام جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقالت: يا أبابكر من يرثك إذا مت قال: أهلي و ولدي قالت: فمالي لاأرث رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم؟ قال: يا بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم إن النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم لايوَّرث ولكن أنفق على من كان ينفق عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم و أعطى ما كان يعطيه قالت: واللَّه لاأكلمك بكلمة ما حييت فما كلمته حتى ماتت...».
3- يشير في هذا البيت إلى ما جاء في خطبة الزهراء علیها السلام في فدك و التي وردت في الاحتجاج ج1 ص131 للطبرسي: «...و أنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا، «أنحكم الجاهلية تبغون؟» «ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون أفلا تعلمون» بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية... أني ابنته أيها المسلمون: أأُغلب على إرثي؟ يابن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك و لاأرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً أفعلى عمد تركتم كتاب اللَّه و نبذتموه وراء ظهوركم؟».

بُشرى الصَّحَابةِ أَنَّهُمْ قَدْ شافَقُوا *** حُكْمَ الإلهِ وَ نَهْجَهُ المَشْروعا

قَدْ أَنْكَرُوا الوَحْيَ المُبِينَ مُصَدِّقاً *** دَعْوَى المُتولِ فَلَمْ يَكُنْ مَسْمُوعا

شَرَوُا الضَّلالَةَ بالهُدَى وَ لَطالما *** اتَّخَذُوا الهُدَى دِيناً لَهُمْ مَتْبُوعا

يُهنِي الخِلافَةَ أَنَّهَا في مَعْشَرٍ *** قَدْ غَادَرُوا أَنْفَ الهُدَى مَجْدُوعا

نَبَذُوا كِتابَ اللَّهِ خَلْفَ ظُهُورِهِمْ *** وَ اسْتَحْدَثُوا دِيناً هُناكَ بَدِيعا

قَدْ ضَيَّعُوا الثَّقَلَيْنِ قُرْآنَ الهُدَى *** ظُلْماً وَ بِنْتَ المُصْطَفَى تَضْييعا

مَا كانَ أَشْجاها وَ أَقْصَرَ عُمْرَها *** مُذْ جُرِّعَتْ كَأْسَ الأَسَى تَجْرِيعا؟(1)

نُزِعَتْ يَداً مِنْ إرْثِها وَ حُقُوقِها *** وَ تَلَفَّعَتْ ثَوْبَ الأَسَى تَلْفِيعا(2)

وَ لِبَيْتِ أَحْزانِ البَتُولِ قَدِ اكْتَسَى *** البَيْتُ الحَرامُ مِنَ الحِدادِ دُرُوعا(3)

ص: 505


1- في هذا البيت و الذي يليه إشارة إلى ما ورد في «أمالي الطوسي» ص156 الطبعة الثانية (1981) مؤسسة الوفاء، بيروت: «... فقال علي علیه السلام لرسوله صلي الله علیه و آله و سلم و أنا حاضر عنده أبلغ عمي السلام و قل: لاعدمت إشفاقك و تحننك و قد عرفت مشورتك و لرأيك فضله، إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم تزل مظلومة من حقها ممنوعة و عن ميراثها مدفوعة لم تحفظ فيها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم و لارعي فيها حقه و لاحق اللَّه «عزوجل» و كفى بالله حاكماً و من الظالمين منتقماً...».
2- تلفعت: تغطت و اشتملت بالثوب.
3- ورد في الرواية الواردة في بحار الأنوار ج43 ص174 الطبعة الثالثة، مؤسسة الوفاء. بيروت « ...قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها؛ و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال: حباً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاینفع فيها العزاء... فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام افعلي يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما بدا لك. ثم إنه علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى: بيت الأحزان...».

مَهُما تَذَكَّرْتُ الأَراكَةَ نُحْتُ ما *** ناحَ الحَمامُ عَلَى الأَراكِ سُجُوعا

قَطَعُوا أَراكَتَها عِناداً لَيْتَما *** أَضْحَى وَ تِينُ قَطِيمها مَقْطُوعا(1)

وَ احَسْرَةَ الدِّينِ الحَنِيفِ لِنَكْبَةٍ *** قَدْ فَجَّرَتْ صَلْدَ الصَّفا يُنْبُوعا

أنطولُ بَلْواها وَ يَقْصُرُ عُمْرُها *** وَ تَرُوحُ في إثرِ النَّبِيِّ سَرِيعا(2)

يَا لَيْتَ شِعْرِي وَ الأَسَى مِلْءُ الحَشَا *** وَ لَقَدْ طَوَيْتُ عَلَى الشَّجُونِ ضُلُوعا

مَا بَالُ قَبْرِ الظُّهْرِ بِنْتِ المُصْطَفَى *** مَا بَيْنَ هاتِيكَ القُبُورِ أُضِيعا؟(3)

يا بنت خير المُرْسَلِينَ وَ مَنْ لَهُ *** شَادَ الإله سِماکَها المَرْفُوعا

صَلَّى عليكَ اللَّهُ ما هَبَّتْ صَبا *** أو سَجَعَتْ وُرْقُ الحِمَى تَسْجِيعا

ص: 506


1- و تين عرق في القلب يجري منه الدم إلى العروق كلها -قطيمها: قاطعها.
2- جاء في «المناقب» ج3 ص357 ط مؤسسة انتشارات علامة، قم -المطبعة العلمية: «... قبض النبي الله صلي الله علیه و اله و سلم و لها يومئذ ثماني عشرة سنة و سبعة أشهر و عاشت بعده اثنين و سبعين يوماً. و يقال: خمسة و سبعين يوماً و قيل: أربعة أشهر و قال القرباني: قد قيل أربعون يوماً و هو أصح...». وكذلك رواية أخرى أيضاً في «المناقب» ج3 ص323: «أن النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال الفاطمة علیها السلام: «أنت أسرع أهل بيتي علیهم السلام لحاقاً بي» فوجمعت فقال لها: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء علیها السلام أهل الجنة؟ فتبسمت.
3- ورد في «روضة الواعظين» للنيسابوري ص168-169. ط الأولى (1986) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت. «...ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم عدوّي وعدو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و لاتترك أن يصلي عليّ أحد منهم و لامن أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى شطر من الليل أخرجها علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه، صلّوا عليها و دفنوها في جوف الليل. و سوّى علي علیه السلام حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها. و قال بعضهم من الخواص: قبرها سوّي مع الأرض مستوياً فمسح مسحاً سواء مع الأرض حتى لايُعرف موضعه...».

(21) سر النبوة صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الحاج محمد آل رمضان الأحسائي

رَأَى السَّنا وَ الهَنا في كَوْنِنَا اجْتَمَعَا *** فَقالَ بِاللهِ ماذا بينَكُمْ وَقَعا

قُلْنا وَ في كُلِّ غُصْنٍ طَائِرٌ سَجَعا *** لُطْفٌ أَطَلَّ وَ نورٌ لِلْهُدَى سَطَعا(1)

وَ رَحْمَةٌ خَلْقَهُ البارِي بها وَسِعا

تَبارَكَ اللهُ ما أَسْنى تَفَضَّلَهُ *** أَتَمَّ نِعْمَتَهُ وَ الدِّينَ أَکْمَلَهُ

فَقالَ أَوْضِح لنا ما الأمْرُ قُلْتُ لَهُ *** جاءَ النَّبِيُّ وَ جاءَتْ بِالوَصِي لَهُ

عِنايَةُ اللَّهِ تَأْكِيدٌ لِما شَرَعا

نُورانِ قَدْ كُوِّنا مِنْ نُورِ رَبِّهما *** وَ زَيَّنَ اللَّهُ أقطارَ السَّما بِهِما

حَتَّى تَجَلَّى عَلى الدُّنْيا بِهَدْيِهِما *** فَشَرَّف العالَمَ السُّفْلِيَّ إِذْ بِهما

سَما على العالَمِ العُلْوِيِّ وَ ارْتَفعا

وَ اهْتَزَّتِ الأَرْضُ بالأفْراحِ و ازْدَحَمَتْ *** بِمَوْلِدِ المُصْطَفَى المُخْتَارِ إِذْ رُحِمَتْ

وَ ازّيَّنَتْ مَكَةُ الإسلام وَ ابْتَسَمَتْ *** وَ هَذِهِ الكَعْبَةُ البَيْتُ الحَرامُ سَمَتْ

قَدْراً بِمَوْلِدِ مَنْ فِي جَوْفِها وُضِعا

حَلَّ بِمَكَّةَ مَوْلُوداً صَفا و وَفا *** غَيْئاً مَغِيثاً عَلَى أَكْنَافِها وَكَفا(2)

جاؤوا لِكُلِّ البَرايَا رَحْمَةً وَ شِفاتِيهِي *** على الكَوْنِ يا أُمَّ القُرَى شَرَفا(3)

ص: 507


1- أَطَلَّ: أشرف.
2- وَكف: سال قليلاً قليلاً.
3- تيهي: تكبّري أو تباهي.

مُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ لِلْهُدَى طَلَعا

شَرِيعَةُ اللَّهِ أعْلى اللَّهُ هامَتَها *** لُطْفاً وَ أَكْرَمَ بالتأيِيِدِ قادَتَها

وَ بِالهُدَى رَفَعَ النُّورانِ رَايَتَهَا *** وَ مِنْهُما تَأخُذُ الدُّنْيا هِدايَتَها

إذا النَّبِيُّ بآياتِ الهُدَى صَدَعا

خَيْرُ النَّبِيِّينَ أَعْلَى اللَّهُ مَوْضِعَهُ *** وَ خَصَّهُ بِأَخٍ بَرٍّ وَ أَتْبَعَهُ

صِنْوانٍ في اللَّهِ حازا الخَيْرَ أَجْمَعَهُ *** هذا إلى اللَّهِ يَدْعُو وَ الهُدَى مَعَهُ

وذا يَحُوطُ و يَرْعى ما إليهِ دَعا

شَمسا هُدًى رَفَعَ الرَّحْمَنُ ذِكْرَهُما *** هَيْهاتَ يَعْرِفُ غَيْرُ اللهِ قَدْرَهُما

كانا و قَدْ أخْلَصا للَّهِ أَمْرَهُما *** رُكْنَيْنِ لِلدِّينِ شَدَّ اللَّهُ أَزْرَهُما

حتَّى اسْتَقامَ بناءُ الدِّينَ وَاتّسعا

لايَبْلُغُ الوَصْفُ ما نالَتْ خصالُهُما *** مِنَ الكَمالِ و لايَشَا حالَهُما

وَمَا الهُدَى في الوَرَى الأنوالُهما *** وَ سَوْفَ يَتْلُوهُما لِلْهَدْي آلُهُما

خَيْرُ البَرِيَّةِ مَتْبُوعاً وَ مُتَّبِعا

ألطافُ رَبِّكَ لا تَنْفَكُّ هابِطَةً *** عَلَى الوُجُودِ وَ لِلْخَيْرَاتِ باسِطَةً

لِذاكَ أَوْجَدَ لِلنُّورَيْنِ رَابِطَةً *** فَجاءَتِ البَضْعَةُ الزَّهْراءُ واسِطَةً

لِلعَقْدِ تَحْمِلُ نَسْلَ المُصْطَفَيْن مَعا

خَرَّتْ لِمَقْدَمِها الأَمْلاكُ ساجِدَةً *** للَّهِ شُكْراً وَ لِلأَلْطافِ حَامِدَةً

عَدِيمَةَ المِثْل في التَّكْوِينِ وَاحِدَةً *** صِدِّيقَةٌ بَيْنَ صِدِّيقين والدةً(1)

ص: 508


1- في كونها علیها السلام صديقة أيضاً جاء في تفسير قوله «تعالى»: «وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ» قيل: سميت صدَّيقة لأنها تصدق بآيات ربها و منزلة ولدها و تصدّقه فيما أخبرها به بدلالة قوله «تعالى»: «وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا»[سورة التحريم آية: 12] و قيل لكثرة صدقها و عظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها». فاطمة علیها السلام من المهد إلى اللحد، ص53. إذن : ففاطمة الزهراء علیها السلام و إنما لقبت بالصديقة لأنها صدقت بكلمات ربها... و فاضت عبرتها من خشية الله تعالى في عبادتها و في دعائها... و في كل سيرتها الذاتية و كل عمل كانت تصنعه فاطمة علیها السلام. إنما كان تصنعه لوجه الله وحده دون أن تنتظر من أحد جزاءاً و لاشكوراً. «و روي عن النبي محمد صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: قال: يا علي علیه السلام إني قد أوصيت ابنتي فاطمة علیها السلام بأشياء و أمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها فهي الصادقة الصدوقة». ثم ضمها إليه و قبّل رأسها و قال:«فداك أبوك يا فاطمة علیها السلام». البحار، ج22 ص491. و في هذا المسعى جاء حديث آخر عن المفضل بن عمرو و هو أحد تلامذة الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام من غسل فاطمة علیها السلام؟ قال: ذاك أميرالمؤمنين علي علیه السلام... ثم قال لي: كأنك ضقت مما أخبرتك به؟ فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك. فقال: لاتضيقن فإنها. أي فاطمة علیها السلام. صديقة لم يكن يغسلها إلا صدّيق أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى؟».

كَوُلْدِها مَا رَأى راءٍ و لاسَمِعا

أرْضُ الوِلايةِ كَانَتْ رَحْمَةٌ و نَمَا *** لِلْخَلْقِ مَا بَيْنَ أَرْضِ لِلْوَرى وَسَما

وَ نِعْمَةً لأبيها أَصْبَحَتْ نِعَما *** سِبْطَا نَبِيِّ الهُدَى مِنْهَا اللَّذَانِ هُما

شَنْفانِ للعَرْشِ زانا حَيْثُما وُضِعا(1)

أهْلُ الكِسا خَمْسَةٌ سُبْحَانَ جَامِعُهُمْ *** وَ النِّسْعةُ الغُرُ وَ المَهْدِي نَاسِعُهُمْ

ما فَوْقَهُمْ ثَمَّ إلا اللَّهُ صانِعُهُمْ *** حازَ التُّقى و الرِّضا و القُرْب تابِعُهُمْ

تَبارَكَ اللهُ ماذا بَيْتُها جَمَعا

كانَ الوَلِيَّانِ نُوراً واحِداً كَمُلا *** فَصارَ نُورَيْنِ إِذْ مِنْ شَيْبَة انْفَصَلا

وَ في البَتُولَةِ عادَ النُّورُ فَاتَّصَلا *** سِرُّ النُّبُوَّةِ مِنْ طَهَ أُضِيفَ إلى

سِرِّ الإمامةِ في أَبْنائِها سَطَعا

هُمْ لِلْبَصائِرِ نُورٌ يُسْتَضاءُ بِهِ *** وَ لِلْبَرِيَّةِ كَهْفٌ يُسْتَجارُ بِهِ

كَفُلْكِ نُوحٍ لِمَنْ رامَ النَّجاةَ بِهِ *** مجَمِّعاً رَحِمَ اللَّهُ العبادَ بِهِ

وَ لَمَّ لِلْخَلْقِ شَمْلَ الدِّينِ فَاجْتَمعا

أَصْفَاهُمُ اللهُ بِالتَّقْوَى وَ طَهَّرَهُمْ *** وَ خَصَّهُمْ مِنْهُ بالزُّلْفى وَ قَرَّبَهُمْ(2)

وَ بِالوِلايةِ أَعْلَاهُمْ وَ كَرَّمَهُم *** لِيُكْمِلَ الدِّينَ وَ النُّعمى تَتِمُّ بِهِمْ

ص: 509


1- شنفان: المفرد شنف و هو ما عُلّق فى الأذن أو أعلاها الأذن أو أعلاها من الحلي.
2- الزلفى: القربة، الدرجة المنزلة.

وَ يَرْتَضِي بِهِمُ الدِّينَ الَّذي شَرَعا

كانتْ مَوَدَّتُهُمْ وَ طاعَتُهُمْ *** عَلَى الوَرى إِذْ رِضا الرَّحْمَنِ غَايتَهُمْ

وَ لِلهُدَى فُرِضَتْ فينا إمامَتُهُمْ *** لِكَيْ تَتِمُّ و تَسْتَعْلِي و لايَتَهُمْ

لِكَوْنِها غَايَةَ البارِي لِمَا صَنَعا

أَلحَمْدُللَّهِ أَعْلَتْنا إمامَتَهُمْ *** وَ قَرَّبَتْنَا مِنَ البارِي قِيادَتُهُمْ

وَ ما اهْتَدَى مُهْتَدٍ لَوْلا هِدايَتُهُمْ *** وَ الدِّينُ جِسْم لَهُ كانَتْ وِلايَتُهُم

رُوحاً لِذلِكَ لَوْلاهُمْ لَمَا نَفَعا

هُم هُمُ أولياءُ اللهِ حَسْبُهُمُ *** رِضْوانُ بارِئِهمْ عنهُمْ و قُرْبُهُمُ

فازُوا وَ فازَ مُحِبُوهُمْ وَ حِزْبُهُمُ *** وَسِيلَةُ الفَوْزِ في الدَّارَيْنِ حُبُّهُمُ

بِهِمْ ُنفُوسُ المَوالِي تَأْمَنُ الفَزَعا

طُوبَى لِمَنْ بِوَلاهُمْ كَفُهُ عَلِقَتْ *** وَ رَحْمَةُ اللَّهِ بِالحُسْنَى لَهُ سَبَقَتْ

وَ الفَوْزُ رايَتُهُ فَوْقَهَ خَفَقَتْ *** وَ جَنَّةُ الخُلْدِ مِنْ أَنْوَارِهِمْ خُلِقَتْ

فَلَيْسَ تُقْبَلُ إِلا مَنْ لَهُمْ تَبِعا

كانُوا كَأَوَّلِهِمْ في الفَضْلِ آخِرُهُمْ *** قَوْمٌ أَبَى اللَّهُ أَنْ تُحْصَى فَضائِلُهُمْ

أوْ تَنْتَهِي في مَوالِيهِمْ مَآثِرُهُمْ *** هُمُ الرِّضا تَرْتَضِي فِينَا شَفاعَتُهُمْ(1)

وما لأعدائِهِمْ يَوْمَ الجَزا شُفَعا

ألمادِحُ الرَّبُّ وَ القُرْآنُ مِدْحَتُهُمْ *** ما قَدْرُ مَدْحِي لَهُمْ لَوْلاً مَحَبَّتُهُمْ

يا مَنْ عَن الحقِّ أَعْمَتْهُ عَداوَتُهُمْ *** أَجْرُ الرِّسالَةِ مَسْرُولٌ مَوَدَّتُهُمْ

لا قَرَّبَ اللَّهُ عَبْداً أَجْرَها مَنَعا(2)

ص: 510


1- مآثرهم: مفردها المأثرة و هي المكرمة المتوارثة و الفعل الحميد.
2- قالها في مولد مولاتنا الزهراء علیها السلام سنة (1408) هجرية و ألقاها بنفسه في الحفل الذي أقيم في حسينية آل هلال (نقلت من مجلة الموسم عدد 9 - 10 ص558).

(22) نبعة النور

(بحر الخفيف)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

كِدْتُ بالوَجْدِ أَنْ آذُوبَ الْتِبَاعًا*** ومِنَ الشَّوْقِ أَنْ أطِيرَ ارْتباعا(2)

حَسْرَةً للفراقِ قَلْبي منها *** مُترَعاً عادَ بالأَسى إِثْراعا

فإِلى كَمْ يا قلبُ بالوَجْدِ تَبْقَى *** ثَمِلاً لا تُطِيقُ منه انْتِزاعا؟

هَبْكَ قَدْ طُلْتَ مرَّةً في ضلالِ *** أَوَما آنَ للهُدَى أنْ تَداعي؟

أَوّتَرْجُو لومُتَّ بالهمَّ يَحْيى *** مَا مَضَى أو تصيب مِنْهُ ارتجاعا؟

فاتَ ما فاتَ لَنْ تَرى مِنْهُ عَوْداً *** عِشتَ صَبراً أَوْ مُتَّ فيه افتجاعا

باتَ دَهْراً لَدَيْكَ مُلْقّى ذَلِيلاً *** ثُمَّ لَمّا نَأَى نَدِمْتَ النْخِلاعا

فَاحْتَسِبُهُ لَوْ ظَلَّ عِنْدَكَ خُسْراً *** وَإِذا انْزاحَ يِلْتَ عنهُ التِفاعا

وَاعْتَبِرْ في عَزِيزَةٍ كانَ طه *** أوْدَعَ الخَلْقَ حِفْظَها إيداعا

***

نَبْعَةُ النُّورِ رَشْحَةُ القُدْسِ ذاتُ *** الفَضْلِ أُمُّ العُلَى الَّذِي لَنْ يُذاعا(3)

ص: 511


1- (*)مرت ترجمة الشاعر فى الجزء الأول
2- التياعاً : لوعة واحتراقاً من الهم والشوق إرتياعاً خوفاً وفزعاً. والاتراع في البيت الثاني بمعنى الامتلاء...
3- ورد فى كتاب الخصائص الفاطمية للمحقق محمد باقر، ص1: سبحانك اللهم يا فاطر السموات العلى .. وفالق الحب والنوى .. أنت من اسمك واشتققته من نورك... فوهبت اسمك بنورك حتى يكون هوافجعلت ذلك الاسم جرثومة لجملة أسمائك.. . وذلك النور أرومة لسيدة في الملأ الأعلى: أنا الفاطر و هي فاطمة عیلها السلام... و بنورها ظهرت الأشياء من الفاتحة إلی الخاتمة .. فاسمها اسمك و نورها نورك و ظهورها ظهورك... و لا إله غيرك... وكل كمال ظلك وكل وجود ظل وجودك... فلما فطرتها فطمتها عن الكدورات البشرية .. واختصصتها بالخصائص الفاطمية... مفطومة عن الرعونات العنصرية... ونزّهتها عن جميع النقائص... مجموعة من الخصائل المرضية بحيث عجزت العقول عن إدراكها... والناس فطموا عن كنه معرفتها... فدعا الأملاك في الأفلاك بالنورية السماوية وبفاطمة المنصورة علیها سلام... أم السبطين... و أكبر حجج الله على الخافقين... ريحانة سدرة المنتهى... وكلمة التقوى... والعروة الوثقى... وستر الله المرخى... والسعيدة العظمى و المريم الكبرى... و الصلاة الوسطى.. و الإنسية الحوراء التي بمعرفتها دارت القرون الأولى. . وكيف أحصي ثناها وإن فضائلها لا تحصى وفواضلها لا تقضى؟ البتول العذراء والحرة. البيضاء... أم أبيها... وسيدة شيعتها وبنيها... ملكة الأنبياء... الصديقة فاطمة الزهراءعلیها سلام. نعم ما قال: خجلاً من نور بهجتها تتوارى الشمس في الأفق *** و حياءً من شمائلها يغطى الغصن في الورق

فَبِسِتْ النّساءِ فَاطِمَةَ الزَّهْرا *** ءِأُمِّ الهُداةِ تَحْظَى اقْتِناعا

فَلَقَدْ نايّها الزَّمانُ بِيَوْمٍ *** فَقَدَتْ كُلَّ مَا لَدَيْها انْتِزاعا

فَقَدَتْ سيِّد الأنامِ أَباهاً *** وَعُلاها وإِزثَها والقناعا

مَنَعُوها حَتَّى البُكَاءَ عَلَى مَنْ *** فَقْدُهُ قَطَّعَ القُلوبَ اقْتِطاعا(1)

فَغَدَتْ بالزَّفِيرِ تُحْرِقُ ما قَدْ *** أعْشَبَ الدَّمْعُ بِالبَقِيعِ البَقاعا

فَأَبْوا أَنْ تَرى مِنَ الشَّمْسِ ظِلاًّ *** فِيهِ فَاجْتَثُّوا الأَراكَ اقْتِلاعا (2)

أفَهذا أَجْرُ الرِّسَالَةِ مِنْهُمْ *** مَحَضُوهُ النَّبِيَّ أَمْراً مُطاعا؟

أَنْ يَسُوموا بَنِيهِ ذُلاًّ وهَضْماً *** ضِدَّ ما قَدْ أَوْصى بِهِمْ مَا اسْتَطَاعا(3)

لم يُقِرُّوا حتّى نَفَوا عن فِناهُمْ *** آلَهُ أَنْ تُصِيبَ مَعْهُ اجتماعا

فامْتَطَوْا بِالسُّرُورِ إِذْ أَنْزَلُوهُمْ *** ما بَنَتْهُ الأخزانُ داراً وقاعا

***

ص: 512


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 43 ص 155 عن أبي عبد الله علیهم السلام قال : وأما فاطمة علیها سلام فبكت على رسول الله صلی الله علیه و اله و سلم حتى تأذّى به أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر. مقابر الشهداء. فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف
2- إجتثوا: اقتطعوا
3- يسوموا: يكلفوا

ثمّ يا لَيْتَهُمْ بِذَاكَ اكْتَفَوْا فِي *** ظُلْمِهِمْ كُلَّ مَا اجْتَطَوْهُ ابْتِلاعا

غَصَبُوهُمْ حتّى الخلافة ظُلْماً *** وَ رمَوْهُمْ عَنِ الدِّيارِ انْقِشاعا

بَلْ أَرادوا الوَصِيَّ يَمْنَحُ ما قَدْ *** أَجْمَعُوا فِيهِ بَيْعَةً و اتّباعا

إِذْ أَتَوْا حَيْثُ قَدْ نَفَوْهُمْ بِجَزْلٍ *** وَ عَلَيْهِمُ بالحَرْقِ هَمُوا اصْطِناعا

لَيْتَ عِلْمِي مَنْ ذا أرادُوا بِحَرْقٍ *** مِنْهُمْ أمْ مَنِ اسْتَحقَّ الدِّفاعا؟

ما اسْتَحَقَّتْ ِللحَرْقِ مَنْ بِحماها *** أحْمَدُ كَانَ قَدْ مَلاَ الأَسْماعا

أَمْ بَنُوها كَيْلاً عَلَى الْأَرْضِ تَبْقَى *** مِنْهُ نَسْلُ فِيهِمْ حِماهُ يُراعى

أم علِىٍّ أحقُّ حَرْقاً لِئَلاً *** الخَلْقُ فيهِ لِلرُّشْدِ تَلْقى اطِّلاعا

حِينَ نادَوْهُ يا عَلِيُّ انْتِ بايِعُ *** مَنْ تَرى عَنْهُ لَيْسَ تَقْوَى امْتِناعا

أو فَهْذِي اللَّظى بِبَيْتِكَ تُلْقَى *** فَانْبَرتْ زَوْجُهُ تَكُفَّ النّزاعا

فَتَحَتْ بابها لِتُبْصِرَماقَدْ *** فيه جاؤُوا ظَنَّتْ بِهِمْ أتْباعا

وَ هْيَ تَرْجُو اَنْ لايَهُمَّ امْرُؤٌ مِنْ *** غيرِ إِذْنِ في ذا المقامِ انْدِفاعا

***

وَ إِذا القَوْمُ ذاكَ يَسْبِقُ هذا *** هَجَموا بَيْتَها اقتحاماً سِراعا

با لِئامَ النُّفُوسِ هَلْ جازَ هذا *** الفِعْلُ تَلْقى بهِ الرَّعاعُ الرعاعا؟

كَيْفَ أجْرَيْتُموهُ في بَيْتِ طَهَ *** ألِذَا القَدْرِ قَدْرُهُ لايُراعى؟

أبهذا تُجزى الرِّسالَةُ أَجْراً *** أَنْ تُمِيطُوا عَن البَتُولِ القِناعا؟(1)

ولدَى البابِ و الجدارِ يُرَضُّ *** الصَّدْرُ منها و كُسِّرَتْ أَضْلاعا(2)

حيثُ تُلْقِي مِنْ بَطْنِها الحَمْلَ سِقْطاً *** حينَ لَزُّوا بِجَنْبِها المِصْراعا(3)

وَ أَناطُوا عَلَى رَحَى الحَرْبِ حَبْلاً *** أوْثَقوُه به يَداً و ذرِاعا

ص: 513


1- تميطوا: تنحوا وتبعدوا.
2- الظاهر أن في البيت إقواء لأن الأصل هو رفع أضلاع لأنها نائب فاعل ولكن الشاعر جاء بها في حالة النصب.
3- لزّوا: ألصقوا وألزموا.

لَبَّبُوهُ يُقادُ صَبْراً وَ لَوْلاَ *** الصَّبْرُ نالُوا من بَأْسِهِ الزَّعْزاعا(1)

وَعَدَتْ خَلْفَهُ البَتُولُ تُنادِي *** إِذْ دَعَتْهُ فَلَمْ تَجِدْهُ تَدَاعَى

نَسِيَتْ كُلَّ ما به قَدْ أصِيبَتْ *** إِذْ مُصابُ الوَصِيَّ أدْهى افْتِجاعا

وَ دَعَتْهُمْ خَلُوا ابْنَ عَمّي و إلاّ *** سوفَ أَدْعُو الجليلَ عَزَّ ارْتِفاعا

خَرَجَتْ خَلْفَهُمْ و يُوشِكُ لولاها *** لوافي دَمُ الوَصِيِّ ضَياعا

لاتَسَلْنِي ماذا أجِيبَتْ به إذْ *** ما نَعَتْهُمْ فلم يُنيبُوا امْتِناعا

أوْجَعُوها بالسَّوْطِ ضَرْباً و هَوْناً *** حيثُ مِنْ ضَرْبِهِمْ قَضَتْ أَوْجاعا(2)

فَهيَ تَمْشِي طَوْراً و تُسْقِطَ وَهْناً *** فَلَها اللهُ كُرْبةٌ وَ ارْتِياعا

***

كُمْ عَلى الصَّبْرِ أَهْلُ بيتِ المَعالي *** حَمَلُوا مِنْ أذى الوَرى أَوْساعا؟

أترى المرتضى انْتفَى غِيرَة عَن *** زَوْجِهِ اَمْ عَنْ نَصْرِها شَلَّ باعا؟

أمْ تَرى الطُّهرَ ليسَ تَقْدِرُ فِيهِمْ *** أَنْ تَنالَ الَّذي تُريدُ اصْطِناعا؟

أَوَ لَمْ يُبْصِرُوا العذابَ تُدَلَّى *** حينَ هَمَّتْ تَدْعُو فَذَلُّوا ضِراعا؟

إِنَّما عامَلاَهُمْ بِالَّذي قَدْ *** عامَلَ المصطفى اللِّئامَ وراعى

فَلَكَمْ قابَلَ البَلايا بِصبرٍ *** فَحَذا حَذْوَهُ بَنُوهُ اتِّباعا

و علَى الغَيْظِ و القَذى قَدْ قَضى إِذْ *** بِنْتُهُ منهما قَضَتْ إِجماعا

أُلْقِيَتْ في الفِراش نَضْوَ سَقامٍ *** كُلُّ حِينٍ بالسُّقْمٍ تَصْلى النِّزاعا

أَوْدَعَتْها السَّقامُ بالبيتِ رَهْناً *** ثُمّ عنه للخُلدِ جَدَّتْ وِداعا

وغَدَتْ بعدَها المنازِلُ خِلُواً *** حينَ حَلَّتْ أعْلَى البقيعِ بِقاعا(3)

ص: 514


1- لبَّبوه: كتَّفوه و جروه.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص134 في حديث طويل: فنظر علي علیه السلام إلى من حوله ثم اغرورقت عيناه ثم قال: نشكو له ضربة ضربها فاطمة علیها السلام بالسوط فماتت و في عضدها أثره كأنه الدملج.
3- عن ديوان عرائس الجنان و نفائس الجنان. ج1 ص420 كتبت في تأريخ 1371/4/4 هجرية.

(23) رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ينظر فاطماً علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

رَأَى بَرْقَ حَزْوى فَاسْتَهَلَّتْ دُمُوعُهُ *** وَ هاجَ بِمَنْ يَهواهُ فيها ولوعُهُ(2)

خَلِيلَيَّ ما لي كُلَّما صُنْتُ في الحَشا *** هَوايَ بَدا دَمْعُ الشَّؤُونِ يُذِيعُهُ(3)

أحِنُّ لِعَهْدٍ قَدْ خَلا بَعْدَما حَلا *** وَ هَيْهاتَ يُرْجَى عَوْدُهُ وَ رُجُوعُهُ

لِيَ اللَّه كَمْ نَهْنَهتُ قَلْبِيَ عَنْ هَوًى *** تَحَمَّلَ مِنْهُ فَوْقَ مَا يَسْتَطِيعُهُ(4)

وَ كَفْكَفْتُ مِنْ طَرْفِي الدُّمُوعَ فَلَمْ تَكُنْ *** لِغَيْرِ بَنِي الزَّهْراءِ تُهْمِي دُمُوعُهُ(5)

و خَطْبٌ جَرَى بِالطَّفِّ لم يُنْسَ وَقْعُهُ *** وَ لَمْ تَلْتَئِمْ طُولَ الزَّمانِ صُدُوعُهُ(6)

عَشِيَّةَ أَمْسَى مَنْزِلُ البَغْيِ آهلاً *** وَ مَنْزِلُ وَحْيِ اللهِ أَقْوَتْ رُبُوعُهُ(7)

لَقَدْ كانَ مِنْ يَوْمه السَّقِيفَةِ أَصْلُهُ *** وَ كُلُّ الرّزايا الحادِثاتِ فُروعُهُ

فما عُذْرُهُمْ عِندَ النَّبِيِّ وَ لَمْ يَزَلْ *** يَرَى كُلَّ آن مِنْهُمُ مَا يَرُوعُهُ؟

أفي غَصْبِهِمْ حَقَّ الوصي و ظُلْمِهِمْ *** لِبَضْعَتِهِ الزهراءِ يُجْزَىٰ صَنِيعُهُ؟

ص: 515


1- (*) مرت ترجمته في الجزء الثاني.
2- هاج: ثار و تحرَّك و انبعث. ولوعه: شدة حبّه و تعلقه. حزوى: الحزازة. وجع في القلب.
3- الشؤون: مفرده الشأن له معان كثيرة و المقصود منها هو العِرْق الذي تجري منه الدموع يقال: (فاضتْ شؤونه أي عروق دموعه).
4- نهنهتُ: كففتُ و زجرتُ بالفعل أو القول.
5- كفكفت: مسحتُ مرّةً بعد مرّةٍ. تهمي: تسيل بحيث لايثنيها شيء.
6- لم تلتئم صدوعه: لم تلتحم و لم تبرأ شقوقه.
7- أقوت ربوعه: خلت دوره و منازله أو أحياؤه السكنية.

لَوَ أنَّ رَسُولَ اللهِ يَنْظُرُ فاطماً *** تَنُوحُ وَ لَمْ تَهْجَعُ لَعَزَّ هُجُوعُهُ(1)

فَلولا جَنِينٌ أَسْقَطُوهُ لَما هَوَى *** صَرِيعاً على صدرِ الحُسَيْنِ رَضِيعُهُ

و مِنْ رَبِّهِمْ ضِلَّعَ البَتُولةِ قَدْ غَدَتْ *** تُرَضُ بِجَرْيِ الصَّافِناتِ ضُلُوعُهُ(2)

ص: 516


1- انظر بكاءها في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم/ ص532 ح27. قال أبوعبدالله علیه السلام.... و يأتي محسن مخضباً محمولاً تحمله خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت أسد أم أميرالمؤمنين علیه السلام و هما جدّتاه و أم هانىء و جمانة عمتاه ابنتا أبي طالب و أسماء ابنة عميس الخثعمية صارخات أيديهن على خدودهن و نواصيهن منشرة و الملائكة تسترهن بأجنحتهن و فاطمة علیها السلام أمه تبكي و تصيح و تقول: «هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»[سورة الأنبياء آية: 103] و جبرائيل يصيح. يعني محسّناً و يقول : «إنِّي مظلوم فانتصر» [سورة القمر، آية: 10] فيأخذ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم محسناً على يديه رافعاً له إلى السماء و هو يقول: «إلهي وسيدي صبرنا في الدنيا احتساباً و هذا اليوم الذي «تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا» إشارة إلى قوله «تعالى» في [سورة آل عمران الآية: 30].
2- الصافنات: الأفراس القائمة على ثلاث قوائم و طرف حافر الرابعة. نظمها سنة (1399 ه_)، الذخائر ص88 نقلاً من كتاب من لا يحضره الخطيب ج1 ص78.

(24) سلاماً أبا الزهراء صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الأستاذ مدين الموسوي

وَقَفْتُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ وَ أَعْيُنِي *** تَكَادُ بِأَنْ تَأْتِي عَلَيْهَا دُمُوعُهَا

وَ أَرْخَيْتُ أَجْفَانِي لِتَسْكُبَ عَبْرَةً *** تَفَجَّرَ مِنْ أَرْضِ العِراقِ نَقِيعُهَا(1)

بَكَيْتُ بِهَا حُزناً لآلِ مُحَمَّدٍ *** وَ قَدْ راعَنِي فِي كُلِّ أَرْضِ مَضِيعُهَا

لِمَاذَا عَفَتْ مِنْهُمْ قُبُورٌ وَ غَيْرُهُمْ *** تَلألأ نُوراً بِالنَّعِيمِ شُمُوعُهَا

لِمَاذَا خَبَتَ مِنْهُمْ شُمُوسٌ و غُيِّبَتْ *** بُدُورٌ مَعَ القُرآنِ كَانَ طُلُوعُهَا(2)

وَقَفْتُ وَ فِي حَلْقِي شَجَى يَسْتَفِزُّنِي *** وَ قَدْ هُدَّ مِنْ تِلْكَ العِمَادِ رَفِيعُهَا

أَسَائِلُهَا الزَّهْرَاءَ كَيْفَ تَهَشَّمَتْ *** عَشِيَّةَ خَلْفِ البَابِ عَمْداً ضُلُوعُها

أُسَائِلُ عَنْ نَارِ بِبَابِكَ لَمْ تَزَلْ *** تُحَرِّقُ أَكْباداً تَضَرَّى صَدِيعُهَا

أُسَائِلُ عَنْ أَرْضِ وَ قَدْ ضَمَّ تُرْبُها *** طَهَارَةَ أَجْدَاثِ عَبِيراً تَضُوعُها

فَمَا رَاعَنِي إِلا صَدِّى جَاوَبَ الصَّدَى *** وَ قَدْ صُمَّ مِنْ تِلْكَ القُلُوبِ سَمِيعُها

هِيَ الآنَ قاعاً صَفْصَفاً غَيرَ أَنَّها *** تُحَشِّدُ أمْلاكَ السَّمَاءِ رُبُوعُهَا(3)

***

سَلاماً أَبَا الزَّهْرَاءِ إِنَّ عِصَابَةً *** تَوَالَتْ عَلَى إيذاكَ سَاءَ صَنِيعُهَا

ص: 517


1- نقيعها: النقيع الماء العذب البارد، البئر الكثيرة الماء.
2- خبت: خمدت و سكنتْ و انطفأت.
3- قاعاً: أرضاً سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال و الآكام. صفصفاً: مستوياً مطمئنا.

وَ إِنَّ يَداً أغفَتْ قُبُوراً بِطَيْبَةٍ *** وَ بِاسْمِكَ بَعْدَ اللَّهِ زَالَ خُنُوعُهَا(1)

لَها مِنْ أَكُفِّ سَالِفَاتٍ وَرَاثَةٌ *** غَداةَ أَحَاطَتْ بِالْحُسَينِ جُمُوعُها

وَ إِنَّ أَكُفَّا أَضْرَمَتْ بَابَ حَيْدَرٍ *** بِنَارٍ وَ لِلزَّهْرَاءِ رَاحَتْ تَرُوعُهَا

هِيَ الآنَ تَمْرِي الضَّرْعَ سُمَّا تَدُوفُهُ *** فَتَقْطِرُ مِنْ حِمَّدٍ عَلَيْنَا ضُرُوعُهَا

تُبَادِلُنَا كَأْساً بِكَأْسٍ نَقِيعَةٍ *** فَنُسْكرُها حُبًّا وَ يَطْغَىٰ نَقِيعُهَا

لَقَدْ رَوِيَتْ مِنَّا دِمَاءَ وَ لَمْ يَزَلْ *** يُطَارِدُ أَشلاء الملايين جُوعُهَا

وَ قَدْ قَطَعَتْ مِنَّا رُؤوساً كَرِيمَةً *** وَ قَدْ أَضْرَمَتْ نَاراً تَرَامَى وَسِيعُهَا

فَمِنَّا بِكُوفانٍ أبِيحَتْ حَرائِرٌ *** وَ بَغْدَادُ مَا زَالَتْ نَسِيلُ صُدُوعُهَا

وَ فِي كَرْبَلاً حَيْثُ الزَّمَانُ تَفَصَّمَتْ *** عُرَاهُ وَ قَدْ جَلَّى السَّمَاءَ صَدِيعُهَا(2)

وَ فِي أرْضِ فَخِّ لا تَزَالُ جَمَاجِمٌ *** مُعَلَّقَةٌ مَالَتْ عَلَيْهَا جُذُوعُهَا

وَ قَدْ حَسِبَتْ أَنَّا إِذَا السَّيْفُ حُكِّمَتْ *** قَوَاعِدُهُ فِينَا تَطُولُ قُطُوعُهَا

وَ قَدْ حَسِبَتْ أَنَّا إِذَا غَابَ بَعْضُنَا *** وَ أَخْلَىٰ لَهَا دَرْباً يَسُودُ جَمِيعُهَا

وَ مَا عَلِمَتْ أَنَّا بَقِيَّةُ صَرْخَةٍ *** تَرَدَّدَ فِي صُمِّ الزَّمانِ رَجِيعُهَا

وَ أَنَّا غِرَاسٌ ثَابِتَاتٌ بِأَصلِهَا *** وَ قَدْ نَاطَحَتْ هَامَ السَّمَاءِ فُرُوعُهَا

***

عَزَاءً أَبَا الزَّهْرَاءِ لَسْتُ مُعَزِّياً *** سِوَاكَ بِمَنْ يَوْمَ الحِسَابِ شَفِيعُهَا

بِأمَّةِ ظُلْمٍ أَجْمَعَتْ فِيكَ رَأْيَها *** وَ عَنْكَ تَخَلَّى جِلْفُهَا وَ قَطِيعُهَا

وَ طالَ بِوَجهِ اللهِ عَمْدَاً وُقُوفُهَا *** وَ فِي حَضْرَةِ الشَّيْطَانِ دَامَ رُكُوعُهَا

غَداةَ أَزَاحَتْ عَنْ عُلاهَا عَلِيَّهَا *** وَ رُفْعَ مِنْ جَهْلٍ عَلَيْهَا وَضِيعُهَا

وَ راحَتْ تُكَافِيكَ الصَّنِيعَ فَتَارَةً **** بِنَارٍ وَ أُخْرَىٰ سُمُهَا وَ نَقِيعُهَا

وَ فِي كَرْبَلا لَمْ تُبْقِ مِنْكَ بَقِيَّةً *** لِيَفْنَى عَلَيْهَا شَيْحُهَا وَ رَضِيعُهَا

ص: 518


1- خنوعها: خضوعها و ذلّها.
2- تفصت عراه: انقطعت حِبالُه و العُرى جمع العروة وهي ما يوثق به من حبل أو غيره.

وَ أُخْرَى وَ قَدْ لأحتْ لآيكَ قُبَّةٌ *** يُلامِسُ أَبْرَاجُ السَّمَاءِ سُطُوعُهَا

عَفَتْهَا لِتَعْفِي نُورَهَا وَ سُمُوَّهَا *** وَ قَدْ خَابَ، إِلا أَنْ تَطُولَ، صَنِيعُهَا

عَزَاءَ أبا الزَّهراءِ في كُلِّ بُقْعَةٍ *** تَسَاوَى عَلَيْهَا طَفُّهَا وَ بَقِيعُها(1)

ص: 519


1- 25 ذو القعدة/1413 هجرية. المدينة المنورة.

(25)آية التطهير

(بحر الطويل)

الشيخ مفلح الصيمري(*)(1)

إلَى كَمْ مَصابِيحُ الدُّجى لَيْسَ تَطْلَعُ *** وَحَتَّامَ غَيْمُ الجَوْ لايَتَقَشَعُ؟

ص: 520


1- (*)هو الشيخ مفلح بن الحسن بن راشد أو رشيد بن صلاح الصيمري البحراني. قال السيد الأمين في الأعيان: توفي في حدود سنة (900 ه_)، و قبره في قرية سنمآباد من قرى البحرين و قبر ابنه الشيخ حسين بجنبه. و الصيمري نسبة إلى صيمرة بصاد مهملة مفتوحة و مثناة تحتية ساكنة و ميم مفتوحة وراء مهملة وهاء في معجم البلدان كلمة أعجمية و هي في موضعين أحدهما في البصرة على فم نهر معقل و فيها عدة قرى تسمى بهذا الاسم وبلد بين ديار الجبل وديار خوزستان و هي مدينة بمهرجان. و في أنساب السمعاني: الصَّيمري هذه النسبة إلى موضعين أحدهما منسوب إلى نهر من أنهار البصرة يقال له الصيمري عليه عدة قرى. و أما الصيمرة فبلدة بين ديار الجبل وخوزستان وسألت بعضهم عن هذا النسب فقال: صيمرة و كودشت قريتان بخوزستان. و قال الشيخ سليمان البحراني: إن المترجَم له أصله من صيمر البصرة و انتقل إلى البحرين و سكن قرية سنمآباد. و في أمل الآمل قال: إن المترجم له فاضل علامة فقيه معاصر للشيخ علي بن عبد العالي الكركي. و في رسالة للشيخ سليمان البحراني وصفه بالفقيه العلامة. و ذكره الزركلي في الأعلام فقال: مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري فقيه إمامي. و للمترجم له تصانيف منها: 1- غاية المرام في شرح شرائع الإسلام. 2- شرح الموجز لابن فهد الحلي. 3- مختار الصحاح. 4- منتخب الخلاف. 5- رسالة جواهر الكلمات في العقود والإيقاعات. 6- رسالة في الفرائض. و ترجَم له السيد الخوانساري في روضات الجنات فقال: توفي سنة (933ه_) و عمره يزيد على الثمانين و كان له فضائل و مكرمات و كان يختم القرآن في كل ليلة الاثنين و الجمعة مرَّة.

لَقَدْ طَبَّق الآفاق شَرْقاً و غَرْبَها *** فَلا يَنْجَلِي آناً وَلا يَتَقَطَعُ

و أَمْطَرَ فِي كُلِّ الْبِلادِ صَواعِقاً *** وَ هَبَّتْ لَهُ رِيحٌ مِنَ الشَّرِّ زَعْزَعُ(1)

فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمُ غَيْرُ مَنْ بَاعَ دِينَهُ *** وَ قَالَ بِمَا يُرْضِي الضُّلُوعَ وَ يُقْنِعُ

وَ لا عَزَّ إِلا مَنْ أتى بِنَمِيمَةٍ *** وَ لاذُلَّ إِلا مُؤمنٌ مُتَوَرّعُ

مَنَازِلُ أَهْل الجَوْرِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ *** عمّارٌ و أَهْلُ العَدْلِ في تِلْكَ بَلْقَعُ(2)

يَقُولونَ في أَرْضِ العِرَاقِ مُشَعْشِعٌ *** وَ هَلْ بُقْعَةٌ إلا و فيها مُشَعْشِعُ؟(3)

فَلا فَرْقَ إلا عَجْرُهُمْ وَ اقْتِدَارُهُ *** وَ ظُلْمُهُمُ فَمَا يُطِيقُونَ أَشْنَعُ

لَقَدْ ضَاقَتِ الآفاقُ وَ أُرْتِقَ الفَضا *** فَلَيْسَ لأهلِ الدِّينِ فِي الأَرضِ مَوْضِعُ

فَهَلْ عَامِرٌ فِي الْأَرْضِ بَلْ أَوْ مَفَازَةٌ *** وَ لَيْسَ لَها فِي الظُّلْمِ جَمْعٌ مُجَمَّعُ؟

وَ مَا سَنَّ فِيها الظُّلْمَ إِلا عِصابَةٌ *** تَقُولُ عَلى آلِ النَّبِيِّ تَجَمَّعُوا

فَلَمْ يَتْرُكُوا للدِّينِ أَصْلاً يُقِلُّهُ *** وَ لَمْ يَتْرُكُوا فَرْعاً لَهُ يَتَفَرَّعُ

وَ قَادُوا عَلِيًّا في حَمائِلِ سَيْفِهِ *** وَ كُسْرَ أَسْيافُ لِقَوْمٍ وَ أَضْلُعُ

كَسَيْفِ زُبَيْرِ ثُمَّ ضِلْعِ ابْنِ یاسِرٍ *** وَ ضِلْعِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَ الصُّحْفِ قَطَعُوا

إذا فَعَلُوا هذا بأصحابِ أَحْمَدٍ *** و قالُوا لنا إِنَّ الصَّحابَةَ أَجْمَعُوا

عَلَى حَبْتَرٍ ثُمَّ ارْتَضَوْهُ أَمِيرَهُمْ *** فَهَلْ عَاقِلٌ يَرْضَى بِهَذا وَ يَقْنَعُ؟

وَ فَاطِمَةُ الزَّهراءُ حَازُوا تُراثها *** عناداً فَجَاءَتْ حَبْتَراً تَتَشَّفَعُ(4)

ص: 521


1- زعزع: شديد.
2- البلقع: الأرض القفر.
3- مشعشع: من شعشع عليهم بمعنى أغار عليهم.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 عن عائشة في حديث طويل: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لانورث ما تركناه صدقة». كما ورد في معجم البلدان/ للبلاذري، ج4 ص238. فدك: قرية بالحجاز بينها و بين المدينة يومان و قيل: ثلاثة. افاءها الله على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم في صلحاً و ذلك أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لما نزل خيبر و فتح حصونها و لم يبق إلا ثلاث و اشتد سبع بهم الحصار راسلوا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء و فعل و بلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم و أموالهم فأجابهم إلى ذلك فهي مما لم يوجف عليه بخيل و لاركاب فكانت خالصة لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و فيها عين فوّارة و نخيل كثيرة و هي التي أقطعها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و فاطمة «صلوات الله عليها ».. و لما قالت فاطمة علیها السلام: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم نحلنيها، قال أبوبكر: أريد لذلك شهوداً...

فَقَال أَبوكِ الْمُصْطَفى قَالَ مُعْلِناً *** بأنَّ أولِي القُرْبَى مِنَ الإِرْثِ مُنْعُوا

فقالَتْ فَهاتُوا نِحْلَتِي وَ عَطيَّتي *** فَقالُوا لها هَلْ شَاهِدٌ لَكِ يُسْمَعُ؟

فَقَالَتْ شُهودِي أَذهَبَ الرِّجْسَ عَنْهُمُ *** لَهُمْ آيَةُ التَّطْهِيرِ مَا فِيهِ مَدْفَعُ

هُمُ حيدر و ابناهُ مَعْ أَمِّ أَيْمَنٍ *** فَهَلْ لَكَ فِي رَبِّ الشَّهادةِ مَطْمَعُ

فَقَالَ لَها ظُلماً وَ كُفْراً وَ قَسْوَةً *** فَلَسْنَا بِقَوْلِ البَعْلِ و الإِبْنِ نَقْنَعُ

فَلَمَّا رَأَتْ تَصْمِيمَهُ فِي ضَلالِهِ *** وَ لَيْسَ عَنِ العِصيانِ وَ الظُّلم يُقْلِعُ

فَقامَتْ وَ أَنَّتْ عِنْدَ ذلِكَ أَنَّةً *** يَكادُ لَها صُمُّ الصَّفا يتصدَّعُ

و تابَعَتِ الزَّفْراتِ وَ النَّوْحَ وَ البُكا *** إلى أَنْ قَضَتْ لم يَرْقَ لِلطُّهرِ مَدْمَعُ

فَيا عَجبا مِنْ رَدَّةٍ لِشُهُودِها *** وَ قَوْلِ أناسٍ لَيْس في الكُفْرِ تَطْمَعُ

أَلَمْ يَفْقَهُوا أقوالَهُ و فِعَالَهُ *** أَلَمْ يَنْظُروا يا وَيْلَهُمْ ثُمَّ يَسْمَعُوا؟

فَهَلْ ردَّ إِلا مَنْ نَفَى الرّجسَ عَنْهُمُ *** وَرَدَّ الَّذِي قَدْ جَاءَ بِالوَحْيِ يَصْدَعُ؟

يُزَكِّي إلَ العالَمِينَ وَ احْمَدٌ *** أناساً وَ يَأْتِي المُعانِدُ تَيْمٍ وَ يَمْنَعُ

فَتَبَّالَها مِنْ أُمَّةٍ ضَلَّ سَعْيُها *** تُوَالِي كَفُوراً بالإلهِ وَ تَتْبَعُ(1)

ص: 522


1- عن منتخب الطريحي ص145 و القصيدة في (82) بيتاً أخذنا منها ما يتعلق بموضوعة كتابنا.

قافية الغين

اشارة

ص: 523

ص: 524

(1) حُجةٌ بالغة

(بحر الرّمل)

الأستاذ عادل الكاظمي (*)(1)

أَوْدَعَ (المُخْتَارُ) فِيهِمْ زَهْرَةٌ *** وَصْفُها أَعْجز كُل البُلَغا

هِي لِلسِّبعَيْنِ أُمٌّ وَكَفَى *** أَنْ يَكُنْ كُفُواً لَها رَبُّ الوغى(2)

جَابَهَتْ خَصْماً ألدّاً مارِدا *** جاحِداً غَمْراً مَرِيداً وَزَغا(3)

ص: 525


1- (*)مرت ترجمته في هذا الجزء.
2- ربُّ الوغى: سيد الحروب ويقصد به الإمام أمير المؤمنين علي علیه السلام. جاء في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام وتر في غمر لسليمان كتاني، ص151: لقد كانت فاطمة الزهراء علیها السلام ابنة النبي صلي الله علیه و آله و سلم أكثر مما كانت ابنة الأمين محمد صلي الله علیه و آله و سلم... لقد كانت ابنة الصفة في زوج خديجة علیها السلام... و أي معنى للإنسان يعيش بجسده و لايعيش بالصفة فيه؟ أية قيمة لحبة القمح إن لم تكن تاجاً فوق ساق تمتن بقوة الخصب من قلب الحياة؟ وأي معنى لبتلات الزهرة إن لم تكن فوحاً بين و ريقات تخضلت بأنفاس الربيع و انداء السحر؟ و فاطمة علیها السلام العفيفة كانت ابنة الصفة في النبي صلي الله علیه و آله و سلم، الصفة المخصبة بعبقرية الخلق و التوليد، لقد كان جسدها النحيل وعاء لروح شفت حتى اندغمت بالمصدر الذي بزغ منه أبوها... و هي التي أحبت أباها يأكل اللقمة على المائدة الكبرى و يشرب الكوب من رشح المنابع، هكذا أحبت أباها صفة في الوجود لاطينة من تراب، أحبته ذرة رمل تحضن سوسنة و ليس ذرة رمل تتطاير طحين غبار... أحبّته غماماً يتكاثف ليهمي غيثاً و ليس ضباباً يتناشف ليرتجف سراباً... تلك هي الرهافة في الصديقة الزهراء علیها السلام التي جعلتها ابنة نبي أكثر مما جعلتها ابنة عبقري... تلک هي القبلة المفتوحة على بواكير الصفاء... تخص رفيقة للرجل العظيم الذي شرع حسامین دفاعاً عن حق توطدت ركائزه على صلابة ساعده و مكانة منكبية كما تركزت على مكانة عقله و صفاوة وجدانه... و تلك هي البتول المحضة بحب أبيها صلي الله علیه و آله و سلم... حب ذابت فيه كما تذوب الشموع على مدارج الهياكل... لتكون أطهر أم عرفتها الأجيال...
3- ألدّ: و المؤنّث لدّاء و الجمع لِداء أو لُدِّ، يعني الخصم الشديد الخصومة، قيل: إن اشتقاقه من لَدِيْدَي العنق لأنّه عند ذلك يأخذ كلّ واحدٍ من الخصمين بعنق صاحبه أو لأن خصمه أيَّ وجه أخذ من وجوه الخصومة غلبه في ذلك. مارداً: عاتياً. جاحِداً منكراً الله. غمراً جاهلاً مريداً خبيثاً شريراً. وزغ الرجل:الجبان الفشيل.

إذْ أَتتْ تَطْلُبُ إِرْثاً خَصَّها *** وَإِلَيْهَا الْحَقُّ جَذْلاناً صَغا(1)

أَفْرَغَتْ في قَوْلِها قُرْآنَها*** عَلَّها تَبْلُغُ فيهِ المُبْتَغَى(2)

حُجَّةً بالِغةً مُحكَمَةً *** فَصَّرَتْ عَنْ مِثْلِها أُمُّ اللُّغى

فَبَغى(تَيْمٌ) عَلَى (فَاطِمَةٍ) *** وَ عَلَى(الكرّارِ) مِنْ قَبْلُ بغى

فَأَتاها بِحَدِيثٍ مُفتَرّى *** وَ لَغا فِي الْقَوْلِ جَهْلاً وَرَعَى(3)

أَتُرى(أَحْمَدُ) (تيماً) خَصَّهُ *** بِحَدِيثٍ دُونَها إِذْ أَبْلَغا؟

خَسِئَتْ مِنْهُمْ حُلومٌ أَنْكَرَتْ *** آيَةَ التَّبْلِيغِ لَمَّا بَلَّغا

وَ أَتَوْا وِزْراً بِقَوْلٍ مُنْكَرٍ *** كَخِضَمِّ اليَمِّ بِالإفكِ طَغى(4)

حَرَموها (فدكاً) تِلْكَ الَّتي *** نَالَها (مَرْوانُ) مَا هذا البِغا؟

ص: 526


1- جذلان: فرحاً. وورد في مجمع البحرين للطريحي، ج5 ص283. فدك: قرية من قرى اليهود بينها وبين المدينة يومان وبينها وبين خيبر دون مرحلة، و هي أفاء الله على رسوله صلی الله علیه و آله و سلم وكانت لرسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لأنه فتحها هو و أميرالمؤمنين علیه السلام لم يكن معهما أحد فزال عنها حكم الفيء و لزمها اسم الأنفال. فلما نزل «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء الآية: 26] أي أعط فاطمة علیها سلام فدكاً أعطاها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إياها و كانت في يد فاطمة علیها السلام إلى أن توفي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فأخذت من فاطمة علیها السلام لااله الا بالقهر و الغلبة... و قد حدّها علي علیه السلام: حدّ فيها جبل أحد وجد منها عريش مصر وحدّ منها سيف البحر و حدّ منها دومة الجندل يعني الجوف...
2- في كتاب العوالم ج2/11 ص647 عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة(صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك، فأتته فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر ادعيت أنك خليفة أبي و جلست مجلسه و أنك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك و قد تعلم أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم صدّق بها عليّ علیه السلام وأنّ لي بذلك شهود. فقال لها: إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم لايورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال: ارجعي إليه قولي له: رعمت أن النبی صلى الله عليه و آله وسلم لايورث، و ورث سليمان داود و ورث يحيى زكرّيا، و كيف لاأرث انا أبی؟ فقال عمر: أنت معلّمة قالت: و إن كنت معلّمة فإنما علّمني ابن عمي و بعلي...
3- رغى: البعير بمعنى: صوّت وضجّ .
4- اليمّ : البحر الإفك: الكذب.

الفهارس العامة

اشارة

1 - فهرس الشعراء

2 - فهرس التراجم

3 - فهرس القصائد والبحور

4 - فهرس الموضوعات

ص: 527

ص: 528

1- فهر الشعراء

الاسم *** المقطوعة

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني التوبلاني *** ر(1)، ض (1).

الأستاذ إبراهيم محمد جواد *** س(1).

الشيخ أبو حازم الباوي *** ر(2).

الشيخ أبوالفضل الطهراني *** ع(1).

الأستاذ أحمد رشيد مندو *** ر(3).

السيد إسماعيل الحميري *** ر(4)، ع(2).

السيد باقر الهندي *** ر(5)، ر(6).

الأستاذ بدر شبيب الشبيب *** ر(7).

الشيخ بهاء الدين محمد العاملي *** ر(8).

الأستاذة تغريد خطاب *** ر(9).

الشيخ جعفر العوامي (أبو المكارم) *** ر(10)، س(2).

الشيخ جعفر النقدي *** ر(11).

الشيخ حبيب شعبان *** ر(12).

الملا حسن آل جامع *** ر(13).

الأستاذ حسن أحمد العامر *** ر(14).

الشيخ حسن البحراني القيسي *** ع(3).

السيد حسن الشيرازي *** ر(15).

الشيخ حسين البيضاني *** ع(4).

السيد حسین حسن هاشم *** ر(16).

الشيخ حسين الشبيب *** ر(17)، ر(18).

السيد حسين الصدر *** ع(5).

الشيخ حسين الطرفي *** ض(2).

ص: 529

الشيخ حسين النصراوي *** ر(19).

الأستاذ حميد أحمد المسري *** ر(20)، ش(1)، ط(1).

السيد خضر القزويني *** ر(21).

السيد رضا الهندي *** ع(6).

الحاج زين العابدين الكويتي *** ر(22).

الحاج سعود الشملاوي *** ر(23).

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي *** ر(24).

الشيخ سلمان بن أحمد البحراني *** ع(7).

الأستاذ سلمان الربيعي (أبوأمل) *** ع(8).

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة *** ش(2)، ص(1).

السيد شاكر المحنة *** ر(25).

الشريف المرتضى *** ر(26).

السيد صالح الحلي *** ر(27)، ر(28)، س(3)، ع(9)، ع(10).

الشيخ صالح الطرفي *** ز(1).

الشيخ صالح الفيلي *** ر(29).

السيد صدر الدين الصدر *** ر(30)، (31)

الأستاذ صلاح الدين صاوي *** ع(11).

الأستاذ عادل الكاظمي *** ع(12)، غ(1).

الأستاذ عباس أبوالطوس *** ر(32).

الشيخ عبد الأمير النصراوي *** ر(33).

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي *** ر(34)

الشيخ عبد الحسين الحويزي *** ر(35).

الشيخ عبدالحسين شكر *** ر(36).

الأستاذ عبد الرحمن العلوي *** ر(37).

السيد عبد الرؤوف الأمين *** ر(38).

الشيخ عبد الستار الكاظمي *** ر(39)، ر(40)، ع(13).

السيد عبد الصاحب الموسوي *** ر(41).

الأستاذ عبد العزيز العندليب *** ر(42)، ر(43)، (44).

ص: 530

الشیخ عبدالمجید أبوالمکارم *** ر(45).

الشیخ عبدالمنعم الفرطوسي *** ع(14).

الشیخ عبدالواحد مظفر *** س(4).

الأستاذ عبود أحمد النجفی *** ر(46)، ع(15).

الدکتور عصام عباس *** ر(47).

الشیخ ملا علي آل رمضان *** ر(48)، ر(49)، ر(50)، ط(2).

الشيخ علي بن حسن الجشي *** ر(51) ، ر(52) ، ر(53).

الأستاذ علي بن حماد العدوي العبدي البصري *** ر(54 )، ر(55).

السيد علي الترك *** ر(56).

السيد علي راضي الحكيم *** ر(57).

الأستاذ علي محمد الحائري *** ز(2)، س(5)، ش(3)، ص(2)، ض(3)، ع(16).

الشيخ علي منصور المرهون *** ر(58).

الأستاذ علي نوح المهنا *** ر(59).

السيد عمران المير *** ع(17).

الشيخ فاضل الصفار *** ش(14).

الشيخ فرج العمران القطيفي *** ر(60).

الشيخ قيس العطار *** ع(18).

الشيخ كاظم آل نوح *** ع(19).

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي *** ر(61).

الشيخ كاظم الهر *** ع(20).

لأحد الشعراء *** ر(91).

السيد ماجد الجدحفصي البحراني *** ر(62).

الأستاذ ماجد الصيمري *** ر(63).

الشيخ محسن آل جواهري *** ر(64).

الشيخ محسن أبوالحب (الصغير) *** ر(65).

الشيخ محسن أبوالحب (الكبير) *** ر(66).

السيد محسن الأمين العاملي *** ر(67).

ص: 531

الشيخ محسن الفاضلي *** ر(68).

الحاج محمد آل رمضان الاحسائي *** ر(69)، ر(70)، ر(71)، ع(21).

الشيخ محمد بن علي آل نتيف *** ر(72)، ر(73).

السيد محمد جمال الهاشمي *** ر(74)، ر(75).

الشيخ محمد جواد الجنابي النجفي *** ر(76).

الشيخ محمد حسين الأنصاری *** ر(77)، ر(78).

السيد محمد رضا القزويني *** ز(3)، ض(4)، ط(3)، ظ(1).

السيد محمد صالح البحراني *** ر(79)، ع(22).

الشيخ محمد علي الأردوبادي *** س(6).

الأستاذ محمد علي العلي *** ر(80).

الشيخ محمد علي اليعقوبي *** ر(81)، ع(23).

الحاج محمد الكوفي القطيفي *** ر(82).

السيد محمد مهدي القزويني الحائري *** ض(5).

السيد محيي الدين الغريفي *** ر(83).

الأستاذ مدين الموسوي *** ع(24).

السيد مرتضى النجفي البهبهاني *** ر(84).

الأستاذ مصطفى جواد *** ر(85).

الشيخ مفلح الصيمري *** ع(25).

السيد مهدي الأعرجي *** ر(86).

السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي *** ر(87).

السيد هاشم حسين الموسوي *** ر(88).

الحاج هاشم الكعبي الحائري *** ر(89).

الأستاذ هيثم مسعود الكربلائي *** ر(90).

ص: 532

533

2- فهرس التراجم

الاسم *** الصفحة

الأستاذ إبراهيم محمد جواد *** 345

الشيخ أبو الفضل الطهراني *** 437

الأستاذ أحمد رشيد مندو *** 19

السيد إسماعيل الحميري *** 22

السيد باقر الهندي *** 26

الشيخ بهاء الدين العاملي *** 41

الشيخ جعفر العوامي (أبو المكارم) *** 48

الشيخ جعفر النقدي *** 50

الشيخ حبيب شعبان *** 55

السيد حسن الشيرازي *** 64

الشيخ حسين البيضاني *** 444

السيد حسين الصدر *** 448

الأستاذ حميد أحمد المسري *** 80

السيد خضر القزويني *** 88

السيد رضا الهندي *** 455

الحاج زين العابدين الكويتي *** 91

الشريف المرتضى *** 106

السيد صالح الحلي *** 111

الشيخ صالح الفيلي *** 119

السيد صدر الدين الصدر *** 125

الأستاذ عادل الكاظمي *** 475

الأستاذ عباس أبوالطوس *** 134

ص: 533

الشيخ عبد الأمير النصراوي *** 139

الشيخ عبد الحسين الحويزي *** 144

السيد عبد الرؤوف الأمين *** 155

الأستاذ عبد العزيز العندليب *** 168

الأستاذ عبود أحمد النجفي *** 485

الدكتور عصام عباس *** 186

الأستاذ علي بن حماد العدوي العبدي *** 205

السيد علي الترك *** 217

الشيخ فاضل الصفار *** 378

الشيخ كاظم الهر *** 502

الشيخ محسن آل الجواهري *** 240

الشيخ محسن أبوالحب (الصغير) *** 244

السيد محسن الأمين العاملي *** 251

الشيخ محسن الفاضلي *** 255

الشيخ محمد حسین الأنصاري *** 283

الشيخ محمد علي الأردوبادي *** 363

السيد محمد مهدي القزويني الحائري *** 413

السيد محيي الدين الغريفي *** 302

الأستاذ مصطفى جواد *** 309

الشيخ مفلح الصيمري *** 520

السيد مهدي الأعرجي *** 311

السيد مهدي الشيرازي *** 314

ص: 534

3- فهرس القصائد و البحور

- الراء -

إذا سرى البرق من نجد بتذكار *** فقد تذکرت ما للدار من جار *** 11

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

كتبت الشعر فالتمس الشعورا *** فبعض الشعر يختصر العصورا *** 16

(المقطوعة 2 /بحر الوافر)

خديجة أم المؤمنين تهنئي *** بما نلت من فضل بدنياك و الأخرى *** 19

(المقطوعة 3 /بحر الطويل)

من كان أول من تصدّق راكعاً *** يوماً بخاتمه و كان مشيرا *** 22

(المقطوعة 4/ بحر الكامل)

كل غدر و قول إفك و زور *** هو فرع عن جحد نص الغدير *** 27

(المقطوعة 5/ بحر الخفيف)

أيها السائلي عن المقدور *** كيف أقصوا آل البشير النذير *** 31

(المقطوعة 6/بحر الخفيف)

أيا سائلاً عني إذا شئت أن تقرا *** فقلب كتاب المجد لاتتركن سطرا *** 40

(المقطوعة 7 /بحر الطويل)

أهوى علياً أميرالمؤمنين و لا *** أرضى بسب أبي بكر و لاعمرا *** 41

(المقطوعة 8/ بحر البسيط)

قدسية ذكرى النبي و آله *** لألاء عابقة بسر وقار *** 45

(المقطوعة 9/بحر الكامل)

ص: 535

إن البتولة بضعة المختار *** مختارة في عالم الأنوار *** 48

(المقطوعة 10/بحر الكامل)

هجروا و ما من شأنهم أن يهجروا *** يوماً ولكن القضاء مقدر *** 51

(المقطوعة 11/ بحر الكامل)

هي الغيد تسقي من لواحظها خمرا *** لذلك لاتنفك عشاقها سکری *** 55

(المقطوعة 12/بحر الطويل)

يا مصراً على الذنوب الكبار *** عاصياً أمر ربه الجبار *** 59

(المقطوعة 13/ بحر الخفيف)

رفقا بنفسك أيها المغرور *** لایقعدون بعزمك المقدور *** 62

(المقطوعة 14 / بحر الكامل)

نشوة العيد من نشيد الهزار *** أيقظت في الربى شذا الأزهار *** 65

(المقطوعة 15/بحر الخفيف)

زهراء بنت النبي المصطفى *** یا فرع دوحة أحمد المختار *** 71

(المقطوعة 16/بحر الكامل)

خليلي دعني لا تلمني فقد أجرى *** عظيم الأسى من مقلتي مزنة حمرا *** 73

(المقطوعة 17/بحر الطويل)

أدهى ما كان من بلايا الدهور *** موت طه الهادي البشير النذير *** 76

(المقطوعة 18/ بحر الخفيف)

ذرفت دمعي و قلبي بات منكسراً *** و قرح عيني جرحاً في الحشا حفرا *** 79

(المقطوعة 19/ بحر البسيط)

لقد حظي الكون قدماً بالأسارير *** مذ قد بدت بضعة الهادي بتكبير *** 80

(المقطوعة 20/بحر البسيط)

إلام التواني صاحب الطلعة الغرا *** أما آن من أعداك أن تطلب الوترا *** 88

(المقطوعة 21/بحر الطويل)

ص: 536

أرى البرايا تسح الدمع مدرارا *** و تشتكي الهم أصالاً و أبكارا *** 91

(المقطوعة 22 / بحر البسيط)

خديجة أم المؤمنين سمت فخرا *** بتزويجها للمصطفى منحت قدرا *** 97

(المقطوعة 23/بحر الطويل)

بحران موج تقاهما زخار *** و المكرمات بها الحياة تنار *** 99

(المقطوعة 24/بحر الكامل)

يحلّق بي عزاً و يملؤني فخرا *** إذا ذكرت في الناس فاطمة الزهرا *** 104

(المقطوعة 25/بحر الطويل)

عليك صلاة الله يا خيرة الورى *** طريدك لاينجو طعينك لايبرى *** 108

(المقطوعة 26/بحر الطويل)

يا مدرك الثار البدار البدار *** شنّ على حرب عداك المغار *** 112

(المقطوعة 27/بحر السريع)

إذا جفت دموع العين فابك أدمعا حمرا *** و أسعد حيدر الكرار بالنوح على (الزهرا) *** 116

(المقطوعة 28/بحر الهزج)

أبصر أخي إن السماء تنور *** و الأرض تزهو بالضياء و تفخر *** 119

(المقطوعة 29/بحر الكامل)

يا خليلي احبسا الجرد المهارا *** و ابكيا داراً عليها الدهر جارا *** 126

(المقطوعة 30/بحر الرمل)

قد ذكرت الدار و الدمع تجارى *** و أحبّاء لنا شطوا مزارا *** 129

(المقطوعة 31/ بحر الرمل)

عنت و أقداح المدام تدار *** فترنحت لغنائها السمار *** 134

(المقطوعة 32/بحر الكامل)

یا من زهت من نورك الأنوار *** و تنسّمت عطراً بك الأسحار *** 139

(المقطوعة 33/ بحر الكامل)

ص: 537

أنائحة مثلي على العرصة القفرا *** تعالي أقاسمك المناحة و الذكرى *** 141

(المقطوعة 34/بحر الطويل)

تخادعك الدنيا و تبدي اغترارها *** و نفسك لم تأخذ بحزم حذارها *** 145

(المقطوعة 35/بحر الطويل)

ما بال أجفاني جفت سنة الكرى *** ترعى الثريا بعد ما روت الثرى *** 149

(المقطوعة 36/بحر الكامل)

زهراء يا ثغر الوجود و نغمة الآي *** الكريم و نفحة الأسحار *** 152

(المقطوعة 37/ بحر الكامل)

أطلّت على الدنيا بطلعتها الغرّا *** وليدة بيت الوحي فاطمة الزهرا *** 155

(المقطوعة 38/ بحر الطويل)

أيتحفني ثغر انتظارك في البشرى *** و قد باعد الليل الطويل لي الفجرا *** 158

(المقطوعة 39/ بحر الطويل)

سأدعو الله لو جئت إلى الحشر *** و أشكو لوعة المسمار في صدري *** 161

(المقطوعة 40/بحر الوافر)

یا آیة الرحمن *** یا سلوة الکرار *** 163

(المقطوعة 41/ بحر الرمل)

علیکم سلام الله في هذه الذكرى *** و رحمته في مولد الخير و البشرى *** 168

(المقطوعة 42/ بحر الطويل)

نعم فالفرحة الكبرى *** بذكرى مولد الزهرا *** 172

(المقطوعة 43/مجزوء الوافر)

في يوم ميلاد ابنه المصطفى الأظهر *** عم الوجود البشر و الأفق قد أزهر *** 177

(المقطوعة 44 / بحر...)

أنا في به-جة و كل سرور *** مذ تلاقت شمس الضحى بالنور *** 178

(المقطوعة 45/بحر الخفيف)

ص: 538

حوراء يعجز عن أوصافها البشر *** عطر الجنان على الآفاق ينتشر *** 184

(المقطوعة 46/ بحر البسيط)

من فقه فاطمة قطفت زهوراً *** أضفت لشعري نفحة و عطورا *** 186

(المقطوعة 47/ بحر الكامل)

داجي الضلال سجى بالجور و اعتكرا *** و للورى أصبحت أربابه أمرا *** 188

(المقطوعة 48/ بحر البسيط)

دنياك حشو مزادها أكدار *** و بها كؤوس الحادثات تدار *** 190

(المقطوعة 49/ بحر الكامل)

من معدن القدس قد فازت بتطهير *** نوراء يجلو سناها کل دیجور *** 193

(المقطوعة 50/ بحر البسيط)

بمولد بنت المصطفى لكم البشرى *** فذي نعم الباري عليكم بها تتری *** 195

(المقطوعة 51/ بحر الطويل)

ما لقلبي من بعد فقد النذير *** من سلو على مرور الدهور *** 197

(المقطوعة 52/بحر الخفيف)

ما لنا بعد جحد يوم الغدير *** و اغتصاب الوصي يوم سرور *** 201

(المقطوعة 53/ بحر الخفيف)

لعمرك يا فتی یوم «الغدیر» *** لأنت المرء أولى بالأمور *** 205

(المقطوعة 54/ بحر الوافر)

حيّ قبراً بكربلا مستنبرا *** ضم كنز التقى و علماً خطيرا *** 209

(المقطوعة 55/ بحر الخفيف)

نهضاً فقد نسيت لؤي شعارها *** فأزل بسيفك عن لؤي عارها *** 217

(المقطوعة 56/ بحر الكامل)

قلعت أراكة مجدكم و ثماره *** عز الملائك في السما عمارها *** 221

(المقطوعة 57/ بحر الكامل)

ص: 539

خليلي مالي و الزمان كأنه *** يطالبني في كل آن بأوتار *** 223

(المقطوعة 58/بحر الطويل)

الشمس و الكوكب الوضاح و القمر *** و الصبح و الطلعة الغراء تزدهر *** 226

(المقطوعة 59/ بحر البسيط)

من مهبط الوحي أو من مطلع النور *** نور أضاءكمثل النور في الطور *** 230

(المقطوعة 60/ بحر البسيط)

عذلت و لو أنصفت أوسعتني عذرا *** و ذو الوجد بالآلام من غيره أدرى *** 232

(المقطوعة 61/ بحر الطويل)

بكي و ليس على صبر بمعذور *** من قد أطلّ عليه شهر عاشور *** 235

(المقطوعة 62/ بحر البسيط)

تناثر صمت الكون منبعثاً عطراً *** عشية بالزهرا امتلا قلبه بشری *** 237

(المقطوعة 63/ بحر الطويل)

قفا روّحا بالبيض عن كبدي الحرّا *** و كنا بسمر الخط أدمعي الحمرا *** 240

(المقطوعة 64/ بحر الطويل)

لقد سطعت أنوار فاطمة الزهرا *** فأضحت بها الآفاق باسمه ثغرا *** 244

(المقطوعة 65/ بحر الطويل)

غدر القوم في الغدير فسموه *** غديراً لغدرهم بالأمير *** 247

(المقطوعة 66/ بحر الخفيف)

لي مقلة بدموعها عبرى *** وحشاشة من وجدهاحری *** 251

(المقطوعة 67/ بحر الكامل)

توسلت بالحوراء فاطمة الزهرا *** لتلهمني حتى أقول بها شعرا *** 255

(المقطوعة 68/ بحر الطويل)

رأى الكون بين سرور البشر *** وضحك الضيا و ابتسام الزهر *** 257

(المقطوعة 69/ بحر المتقارب)

ص: 540

الكون بين البشر و البشرى *** يختال في فيض من السرا *** 259

(المقطوعة 70/ بحر السريع)

شرف الله جمادى الآخرة *** فغدت و هي جمادى الفاخرة *** 263

(المقطوعة 71/ بحر الرمل)

أما كل مخلوق له رسل تتری *** تناديه يا مغرور حيّ على المسرى *** 266

(المقطوعة 72/ بحر الطويل)

سهام المنايا لاتزال بنا تسري *** و مهما مضى يوم فذاك من العمر *** 270

(المقطوعة 73/ بحر الطويل)

شعت فلا الشمس تحكيها و لاالقمر *** (زهراء) من نورها الأكوان تزدهر *** 274

(المقطوعة 74/ بحر البسيط)

حوراء يعجز عن أوصافها البشر *** عطر الجنان على الآفاق ينتشر *** 277

(المقطوعة 75/ بحر البسيط)

أفصيج لسانك ما أبهر *** أم نشر بيانك ما أثمر *** 279

(المقطوعة 76/ بحر المتدارك)

يا أول نور قد صوّر *** و به کل نبي بشر *** 283

(المقطوعة 77/بحر المتدارك)

غلت الساعات و اشتدت أوارا *** بانقلاب جعل الناس سكارى *** 287

(المقطوعة 78/ بحر الرمل)

أجل الورى شأناً و أعلى النسا قدرا *** جمانة بيت الوحي فاطمة الزهرا *** 289

(المقطوعة 79/ بحر الطويل)

أنا على العهد لم يكن لنا وتر *** و إن نأى العيد أو شطت بنا العصر *** 292

(المقطوعة 80/ بحر البسيط)

إلام لواؤک لا ینشر *** و حتى م سيفك لا يشهر *** 294

(المقطوعة 81/ بحر المتقارب)

ص: 541

زمن الإقبال أنى يقرى *** في نيل مناك لك البشرى *** 297

(المقطوعة 82/ بحر المتدارك9

روت لنا الطهر بنت المصطفى خبرا *** بنقل خير ثقات كان معتبرا *** 302

(المقطوعة 83/ بحر البسيط)

بنت النبي تعالى شأنها و علت *** فضلاً وقدراً عن التوصيف و النظر *** 305

(المقطوعة 84/بحر البسيط)

نور سرى في أرض مكة زائراً *** نعم المضيف و نعم نوراً زائراً *** 309

(المقطوعة 85/ بحر الكامل)

أشجاك طعن العامرية إذ سرى *** فجرى عليك من التفجع ما جرى *** 311

(المقطوعة 86/ بحر الكامل)

ظهرت زهرة زهراء البتول *** فاستنار الكون من أنوارها *** 314

(المقطوعة 87/ بحر الرمل)

الليل بدا صبحاً أنور *** و الصبح حوى معنّى أكبر *** 320

(المقطوعة 88/ بحر المتدارك)

یا صب کم تتحسر *** ولکم تنوح و تزفر *** 323

(المقطوعة 89/ مجزوء الكامل)

أين المستنظر للوعد *** أين الغائب أين المهدي *** 327

(المقطوعة 90/ مجزوء الرمل)

أجل وحقك ما قالوا و ما ذكروا *** يبقى مدى الدهر يحكي أنهم قصروا *** 332

(المقطوعة 91/ بحر البسيط)

-الزاي-

بحبي للبتول أرى اعتزازي *** و للجنات يوم غد جوازي *** 337

(المقطوعة 1/ بحر الوافر)

رقادي بعد فاطمة عزيز *** و قلبي من مصائبها حزيز *** 338

(المقطوعة 2/ بحر الوافر)

الجزء الثالث

ص: 542

أفقت من بعد نوم *** قد طال عهداً و مغزى *** 340

(المقطوعة 3/ بحر المجتث)

-السين-

كم ذا أريت بعتمة الأغلاس *** حلماً جميلاً هزلي إحساسي *** 345

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

كبرت عوالم جوهر القدس *** و علت معالمها على الكرسي *** 351

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

خليلي عوجا بي على الحي و احبسا *** فلوصيكما في رامة لاتغلسا *** 353

(المقطوعة 3/ بحر الطويل)

سلام على باب الحوائج عباس *** شبل الوصي علي فارس الناس *** 357

(المقطوعة 4/ بحر البسيط)

أعلل في خطوب الدهر نفسي *** بما قد لاقت الزهراء أمس *** 359

(المقطوعة 5/ بحر الوافر)

ليهني الهدى فيضه الأقدس *** غداة زهي الثقل الأنفس *** 363

(المقطوعة 6/ بحر المتقارب)

-الشين-

ميلادك النور في الآفاق يفترش *** و فضلك في صدى الأزمان منتعش *** 371

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

أضحى فؤادي عن هواه مفتشا *** و أفضه شوق لمهضمة الحشا *** 374

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

سيقت ثراك أدمعي الغواشي *** و فصلت الحداد على رياشي *** 375

(المقطوعة 3/ بحر الوافر)

القلب ما ذاق السرور و لاانتشى *** و الحزن ظلّ في حياتي عرشا *** 378

(المقطوعة 4/ بحر الكامل)

ص: 543

-الصاد-

أنا في هوى الزهراء دوماً أخلص *** و على مناقبها الكريمة أحرص *** 387

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

دام و ريشك ناصل و حصيص *** و جناح حظك في الحظوظ قصيص *** 390

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

-الضاد-

إذا كان مدح المرتضى لك مرتضى *** فقد وافقت كل القلوب على الرضى *** 397

(المقطوعة 1/ بحر الطويل)

إن من حبها من الله فرض *** ليس يزري بها من القوم رفض *** 401

(المقطوعة 2/ بحر الخفيف)

أرى بعضي يغارك في بعضي *** و صحوي نهب أضناء و غمض *** 407

(المقطوعة 3/ بحر الوافر)

أي قلب ما كان يحمل للزهراء *** حباً فذاك قلب مريض *** 411

(المقطوعة 4/ بحر الخفيف)

هي الصفا فاسح فيها الطول و العرضا *** و أدّ واجبها المسنون و الفرضا *** 413

(المقطوعة 5/ بحر البسيط)

-الطاء-

بضعة الهادي إليك سأخط *** ما جرى عليك من أهل الشطط *** 423

(المقطوعة 1/ بحر الرمل)

غاض الوفا و تقلّصت أيدي العطا *** و تخوّفت سرب البزاة من القطا *** 426

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

ليس في قولتي يظن اعتباط *** لاوحسب المذاهب الإفراط *** 428

(المقطوعة 3/ بحر الخفيف)

ص: 544

-الظاء-

أوصى النبي بفاطم أصحابه *** إن كان عهد من محمد يحفظ *** 433

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

-العين-

حرة سادت نساء العالمين *** أمها الغراء أم المؤمنين *** 437

(المقطوعة 1/ بحر الرمل)

إن جبريل أتى ليلاً إلى *** طاهر من بعد ما كان هجع *** 440

(المقطوعة 2/ بحر الرمل)

مالي أرى حسرتي لاتنقضي جزعا *** و مدمعي مثل غيث جاء منهمعا *** 442

(المقطوعة 3/ بحر البسيط)

يا من أصر على القطيعة *** مالي لوصلك من ذريعة *** 444

(المقطوعة 4/ مجزوء الكامل)

بدمائي أبكيك لابدموعي *** و لهيب الأحزان بين ضلوعي *** 448

(المقطوعة 5/ بحر الخفيف)

بنفسي التي لاهم أعزّوا جوارها *** و لاتركوها تستجير بدمعها *** 455

(المقطوعة 6/ بحر الطويل)

قف على قبر فاطم بالبقيع *** بعد مزق الحشى و سكب الدموع *** 457

(المقطوعة 7/ بحر الخفيف)

إن كنت في نظم القصائد أبدع *** فلأن حبّك للقصائد مطلع *** 461

(المقطوعة 8/ بحر الكامل)

يحق لمقلتي تهمي الدّموعا *** على من رضضوا منها الضلوعا *** 465

(المقطوعة 9/ بحر الوافر)

لمصائب الزهرا هجرت المضجعا *** و أذلت قلبي من جفوني أدمعا *** 468

(المقطوعة 10/ بحر الكامل)

ص: 545

ليال حظهن على يراعي *** دموع الفكر في محراب راع *** 472

(المقطوعة 11/ بحر الوافر)

أي قلب بعدكم لايجزع *** ولكم في كل أرض مصرع *** 475

(المقطوعة 12/ بحر الرمل)

أيا مكسورة الضلع *** سیبقی جارياً دمعي *** 478

(المقطوعة 13/ بحر الهزج)

شجون تستهل لها الدموع *** و تحرق من لواعجها الضلوع *** 481

(المقطوعة 14/ بحر الوافر)

ألا يا قاصد الزهراء شوقاً *** تعطرك المدينة و البقيع *** 485

(المقطوعة 15/ بحر الوافر)

أفضّك في ليل الضنى حر مضجع *** و شفك دمع ليس يرقى بمدمعي *** 487

(المقطوعة 16/ بحر الطويل)

ذكراك يا بنت الرسالة منبع *** من فيضه وعطائه نستمتع *** 490

(المقطوعة 17/ بحر الكامل)

مصائبكم شتّى و شتّى قبوركم *** ورزؤكم منه الفؤاد تصدعا *** 493

(المقطوعة 18/ بحر الطويل)

يقل لعيني تذري الدموعا *** لفاجعة و هي تحني الضلوعنا *** 497

(المقطوعة 19/ بحر المتقارب)

قد بات من نار الخطوب لسيعا *** لم تألف العينان منه هجوعا *** 502

(المقطوعة 20/ بحر الكامل)

رأى السنا و الهنا في كوننا اجتمعا *** فقال بالله ماذا بينكم وقعا *** 507

(المقطوعة 21/ بحر البسيط)

كدت بالوجد أن أذوب التياعا *** ومن الشوق أن أطير ارتياعا *** 511

(المقطوعة 22/ بحر الخفيف)

ص: 546

رأى برق حزوی فاستهلت دموعه *** وهاج بمن يهواه فيها ولوعه *** 515

(المقطوعة 23/بحر الطويل)

وقفت على قبر النبي و أعيني *** تكاد بأن تأتي عليها دموعها *** 517

(المقطوعة 24/بحر الطويل)

إلى كم مصابيح الدجى ليس تطلع *** و حتّام غيم الجوّ لايتقشع *** 520

(المقطوعة 25/بحر الطويل)

-الغين-

أودع (المختار) فيهم زهرة *** وصفها أعجز كل البلغا *** 525

(المقطوعة 1/بحر الرمل)

ص: 547

ص: 548

4- فهرست الموضوعات

سورة الفاتحة *** 5

تقریظ *** 7

قافیة الراء

(1) منزل الزهراء علیها السلام *** 11

(2) هي الزهراء علیها السلام *** 16

(3) بضعتي الزهراء علیها السلام *** 19

(4) الزّكيَّة فاطمة علیها السلام *** 22

(5) بعد بيت الأحزان *** 26

(6) يا إمام الزمان عج الله تعالی فرجه الشریف *** 31

(7) هم قدوتي *** 40

(8) حق الطهر فاطمة علیها السلام *** 41

(9) زهراء علیها السلام يا بنت الرسالة صلي الله علیه و آله و سلم *** 45

(10) محمودة الأفعال *** 48

(11) تنادي فاطم علیها السلام *** 50

(12) حبيبة خير الرسل صلي الله علیه و آله و سلم *** 55

(13) ربيبة الوحي *** 59

(14) كيف لاتبكي *** 62

(15) أنتِ رَمْزُ العُلَى *** 64

ص: 549

(16) يا كوكب الإيمان *** 71

(17) فأقبلت الزهراء علیها السلام *** 73

(18) أحرقوا الباب؟ *** 76

(19) ذكرتُ باباً *** 79

(20) بضعة الهادي *** 80

(21) صاحب الطلعة الغرّا *** 88

(22) أُمُّ الهُدَاةِ *** 91

(23) البضعةِ الغرّا *** 97

(24) طهارة فاطم علیها السلام *** 99

(25 يا فاطمة الزهراء علیها السلام *** 104

(26) فاطمة علیها السلام التقي *** 106

(27) البدار البدار *** 111

(28) أُمُّ العترة الأطهار علیها السلام *** 116

(29) ورثت خصال المصطفي صلي الله علیه و آله و سلم *** 119

(30) أهل بيت الوحي *** 125

(31) قفا نبكِ دماً *** 129

(32) تمضي الدهور *** 134

(33) سر الحياة *** 139

(34) حديث الباب *** 141

(35) إلى البضعة الزهراء علیها السلام *** 144

(36) فَمَن المعزّي؟ *** 149

(37) واحة الطهر *** 152

(38) وليدةُ بيت الوحي *** 155

ص: 550

(39) تعلم ما جرى *** 158

(40) الزهراء علیها السلام في القرآن *** 161

(41) يا سلوة الكرار *** 163

(42) هي الزهرة الزهراء علیها السلام *** 168

(43) الفرحة الكبرى *** 172

(44) قدسيّة المعنى *** 177

(45) زوّجت في السماء *** 178

(46) روح الحياة *** 184

(47) فقه فاطمة علیها السلام *** 186

(48) غاب النبي الهاشمي *** 188

(49) يا مُحيي النفوس *** 190

(50) معدن القُدس *** 193

(51) العصمة الكبرى *** 195

(52) وديعة طه *** 197

(53) دع تفاصيل ما جرى *** 201

(54) أمُّ الفضائل علیها السلام *** 205

(55) يا فاطم علیها السلام اسمعي *** 209

(56) ابنة الهادي الأمين *** 217

(57) أراكة مجدكم *** 221

(58) فلهفي لبنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 223

(59) أمّ الفضل قاطبةً *** 226

(60) من مهبط الوحي *** 230

(61) أكبر شاهدٍ *** 232

ص: 551

(62) في قلب فاطمة علیها السلام *** 235

(63) عبق الفردوس *** 237

(64) مقرّ الهدى و الدين *** 240

(65) سطعت أنوار الزهراء علیها السلام *** 244

(66) حاكم و حكيم *** 247

(67) إنسية حورا علیها السلام *** 251

(68) حوت مكرمات *** 255

(69) سرور البشير *** 257

(70) الصديقة الكبرى علیها السلام *** 259

(71) يا لها ذكرى *** 263

(72) مشكاة نُور العلم *** 266

(73) مصائب بنت المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 270

(74) بنت الخلود *** 274

(75) مَشرق النور *** 277

(76) حامي الدين *** 279

(77) إنا أعطيناك الكوثر *** 283

(78) تجلى المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم *** 287

(79) أعلى النسا قدراً *** 289

(80) فتلك فاطمة علیها السلام *** 292

(81) أحامي الحمى *** 294

(82) شيعة فاطمة الزهراء علیها السلام *** 297

(83) أهل الكساء *** 302

(84) فاقت مفاخِرُها *** 305

ص: 552

(85) يا قلب فاطم علیها السلام *** 309

(86) من بعد والدها علیها السلام *** 311

(87) أصل كل الخير *** 314

(88) زهراء الدين *** 320

(89) لله أية محنة *** 323

(90) الثار - الثار *** 327

(91) أمُّ الخُلود *** 332

قافية الزاي

(1) بحبّي للبتول *** 337

(2) فلا رقأت دموع *** 338

(3) شفیعة الحشر *** 340

قافية السين

(1) بنت الکرام *** 345

(2) عظمت مقاماً *** 351

(3) خامسة الأشباح *** 353

(4) تشتکي فاطم علیها السلام *** 357

(5) الخدر المصون *** 359

(6) آل فاطمة *** 363

قافية الشين

(1) ميلادك النور *** 371

(2) بنت الرسالة *** 374

ص: 553

(3) فاطمة علیها السلام تجفى *** 375

(4) حال فاطم علیها السلام *** 378

قافیة الصاد

(1) الخطبة الغرّاء *** 387

(2) و اشاطر الزهراء علیها السلام *** 390

قافية الضاد

(1) لها صرخة *** 397

(2) بنت سيد الرسل صلي الله علیه و آله و سلم *** 401

(3) بيت الرسالة *** 407

(4) خلف بابٍ *** 411

(5) خلف الباب *** 413

قافیة الطاء

(1) بنت الهدى *** 423

(2) الزهراء علیها السلام تُنادي *** 426

(3) بيت فاطم علیها السلام *** 428

قافية الظاء

(1) قصة فاطم علیها السلام *** 433

قافیة العین

(1) سادت نساء العالمين علیها السلام *** 437

(2) حنوط من الجنة *** 440

ص: 554

(3) وجد البتول علیها السلام *** 442

(4) فاطمة علیها السلام الشفيعة *** 444

(5) أنت بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم *** 448

(6) ظل الأراكة *** 455

(7) على بابها الأملاك *** 457

(8) أم الأئمة و الإمامة علیها السلام *** 461

(9) هجموا عليها *** 465

(10) مصائب الزهراء علیها السلام *** 468

(11) قرآن البتول علیها السلام *** 472

(12) لست أنساها *** 475

(13) سيبقى جارياً *** 478

(14) للحشر تبقى *** 481

(15) قبل تربة الزهراء علیها السلام *** 485

(16) أوصى النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 487

(17) محراب البناء *** 490

(18) أعظم رُزْءٍ *** 493

(19) حججاً واضحات *** 497

(20) بنت خير المرسلين *** 502

(21) سرّ النبوّة صلي الله علیه و آله و سلم *** 507

(22) نبعة النور *** 511

(23) رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ينظر فاطماً علیها السلام *** 515

(24) سلاماً أبا الزهراء علیها السلام *** 517

(25) آية التطهير *** 520

ص: 555

قافیة الغین

(1) حُجةٌ بالغة *** 525

الفهارس العامة

1 - فهرس الشعراء *** 529

2 - فهرس التراجم *** 533

-3 - القصائد و البحور *** 535

4 - فهرس الموضوعات *** 548

ص: 556

المجلد 4

هوية الکتاب

الْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِر الولاء في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

الْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلخطَیب الشیخ علی حیدر المؤید

الجزء الرابع

دارالعلوم للتحقيق والطباعة والشر والتوزيع

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1426 ه_ - 2005م

ص: 1

اشارة

ص: 2

الْفَاطِمِيَّاتُ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلخطَیب الشیخ علی حیدر المؤید

الجزء الرابع

دارالعلوم للتحقيق والطباعة والشر والتوزيع

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1426 ه_ - 2005م

دارالعلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع

المكتبة : حارة حريك - بئر العبد - شارع السيد عباس الموسوي - الهاتف: 01/545182 - 03/473919 ص.ب: 13/6080 المستودع حارة حريك - بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - تلفاكس: 01/541650

www.daraloloum.com .E-Mail:daraloloum@hotmail.com

ص: 4

بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اَهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهمِ وَلَاالضَّالِينَ

ص: 5

ص: 6

تقريظ

مُصابُ ابنةِ الهادي النبيِّ مُحَمَّدِ *** بكته الورى حزناً بلوعةِ مُجهَدِ

هي البضعةُ الزهراء سيدةُ النِّسا *** تسامت بعلياها على كلِّ فرقدِ

فبورك مَحياها بِتَطهيرِ ذاتِها *** و بُورِك مسعاها بعزّ و سُؤددِ

قرینةُ کرّارٍ بیومِ جهادِها *** و بنتُ نبيَّ بالمقال المُسَدَّدِ

أبت أن ترى ذاكَ (الوصيَّ) مُبعَّداً *** عن الحقِّ و هو الحقُّ في كلِّ مَشْهَدِ

غداةَ أنت و الحادثات تحوطُها *** إلى مَسجدِ المختار لَمْ تَتَردَّدِ

تُخاطبُهم و هي العليمةُ أنَّهم *** بعصيانِهم ما مِنهم من مُؤَيّدِ

ولكنَّها قد ألزَمتهم بحُجَّةٍ *** تُوافيهُم في عرصةِ الحشرِ في غدِ

(وما برحت مظلومةً ذاتَ عِلَّةٍ) *** إلى أن قضت حُزناً بلوعةِ مُكمَدِ

و وافت لها الأشعار تبكى مُصابها *** لَدى كلِّ محزون الفؤادِ مُقدَّدِ

لدى أمَّةٍ من هؤلاء و هؤلا *** توافيكَ منها بالقريضِ المُقصَّدِ

و قد وُزّعت في كلِّ سِفرٍ يَضُمُّ مِن *** روائِعها بعضاً كَدُرٍّ مُبَدَّدِ

وجاء بهذا اليوم يَجمعُ شملَها *** غيورُ مُحِبُّ للبتولِ و أحمدِ

(عليٌّ) فأكرم بالجهود عَظيمَةً *** أتانا بها سِفراً بعزمِ مُسَدَّدِ

كتاب حوى ما أنشأته قرائحٌ *** من الشِّعر في الزهراءُ مِن جَهدِ مُفرَدِ

و قد جاء باسم (الفاطميات) يَزدهي *** مُؤَلَّفه في خيرِ فعلٍ وَ مَقصَدِ

(عليٌّ) و حسبُ المرء في يوم حَشرِه *** و في الذِّكرِ ما يبني له جَدَّ أسعدِ

و خُذ ما إليك اليومَ منّي عواطفاً *** تُقرِّض ما حبَّرته منك باليدِ

و سوفَ يُوفّي الله أجَركَ مُنعماً *** هنالك إذ تلقاه في خيرِ مَقعدِ

الخطيب الشيخ جعفر الهلالي

الكويت في /25 صفر لسنة 1420 ه_

ص: 7

ص: 8

قافية الفاء

اشارة

ص: 9

ص: 10

(1) سهام الدهر

(بحر الطويل)

الشيخ حبيب شعبان(*)(1)

سَقاكَ الحَيا الهطالُ يا مَعْهَدَ الإِلْفِ *** و يا جَنَّةَ الفِرْدَوْسِ دانِيَةَ القَطْفِ

فَكَمْ مَرَّ لِي عَيْشٌ حَلا فيكَ طَعْمُهُ *** ليالي أُصَفِّي الوُدَّ فيها لِمَنْ يُصْفِي

بَسَطنا أَحادِيثَ الهَوَى وَ انْطَوَتْ لَنا *** قُلُوبٌ على صافي المَوَدَّةِ والعَطْفِ

فَشَتَّتَنا صَرْفُ الزَّمَانِ وَ إِنَّهُ *** لَمُنْتَقِدٌ شَمْلَ الأَحِبَّةِ بِالصَّرْفِ

كَأَنْ لَمْ تَدُرْ مَا بَيْنَنا أَكؤُسُ الهَوَى *** وَ نَحْنُ نَشَاوِى لانَمَلُ مِنَ الرَّشْفِ(2)

وَ لَمْ نَقْضِ أَيَّامَ الصَّبا وَ بِها الصَّبا *** تَمُرُّ عَلَيْنا وَ هُيَ طَيِّبَةُ العَرْفِ

أيا مَنْزِلَ الأَحْبابِ ما لَكَ مُوحِشاً *** بِزَهْرَتِكَ الْأَرْياحُ أَوْدَتْ بما تُسْفِي(3)

تَعَقَّيْتَ يا رَبِّعَ الأَحِبَّةِ بَعْدَهُمْ *** فَذَكَرْتَنِي قَبْرَ البَتُولَةِ إِذْ عُفِّي

رَمَتْها سِهامُ الدَّهْرِ وَ هْيَ صَوائِبٌ *** بِشَجو إلى أَنْ جُرْعَتْ غُصَصَ الحَتْفِ

شَجاها فِراقُ المُصْطَفَى و احْتِفَارُها *** لدى كلِّ رِجْسٍ مِنْ صَحابته الجُلْفِ(4)

لقدْ بالغُوا فِي هَضْمِها وَ تَحَالَفُوا *** عَلَيْها وَ خانُوا الله في ذلِكَ الحِلْفِ

ص: 11


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- نشاوی: سُكارى. الرشف: شرب كلّ ما في الإناء أو. مصه بالشفتين.
3- أودت: أهلكت. تسفي: تهب.
4- جُلف: الظالمون أو الغُلَظاء الجافون.

و ما وَرَّثُوها مِنْ أَبِيها و أَثْبَتُوا *** حَدِيثاً نَفاهُ اللَّه في مُحْكَمِ الصُّحْفِ(1)

و شَحَّتْ على النَّزْرِ القَلِيلِ نُفُوسُهُمْ *** فَما كانَ فِيهِمْ مِنْ كَرِيمٍ وَ لَاعَفِّ(2)

فَحُجَّتُهُمْ لَوْ أَنْصَفُوها وَ صَدُّهُمْ *** عَنِ الحَقِّ غِلٌّ فِي قُلوبِهِمُ الغُلْفِ

وَ قَدْ أَمْرَضَتْ كَفُّ الرَّزِيَّةِ جِسْمَها *** فَتَجْهَشُ شَجُواً بِالبُكاءِ و لايَشْفِي

فَابَتْ وَزنْدُ الغَيْظِ يَفْدَحُ في الحَشَا *** تَعَثَرُ بالأديال مُثْنِيَةَ العِطْفِ

وَجاءَتْ إِلى الكَرّارِ تَشكُو اهْتِضامَها *** ومَدَّتْ إليه الطَّرْفَ خاشِعَة الطَّرْفِ

أبا حَسَنٍ يا راسِخُ الحِلْمِ وَالحِجَا *** إِذا فَرَّتِ الأبْطالُ رُعْباً من الزَّحْفِ

و يا واحِداً أفْتَى الجمُوعَ وَ لَمْ يَزَلْ *** بِصَيْحَتِهِ فِي الرَّوْعِ يَأْتِي عَلى الأَلْفِ

أراكَ تَرانِي وَ ابْنُ تَيْمِ و صَحْبُهُ *** يَسُومُونَنِي ما لاأُطِيقُ مِنَ الخَسْفِ(3)

ويَلْطِمُ وَجْهِي نُصْبَ عَيْنَيْكَ نَاصِبُ *** العَداوَةِ لي بالضَّرْبِ مِنِّي يَسْتَشْفِي

فَتُغْضِي و لاتَنْضِي حُسامَكَ آخِذاً *** بِحَقِّي وَ مِنْهُ اليَوْمَ قَدْ صَفِرَتْ كَفِّي

لِمَنْ أَشْتَكِي إلا إليكَ وَمَنْ بِهِ *** أَلُوذُ وَ هَلْ لِي بَعْدَ بَيْتِكَ مِنْ كَهْفِ؟!

و قد أَضْرَمُوا النيران فيه وَ أسْقَطُوا *** جَنِينِي فَوَا وَيْلاهُ منهُمْ و يا لَهْفِي(4)

ص: 12


1- لعل الشاعر لو أبدل كلمة (أثبتوا ) بكلمة (الفوا) لكان المعنى أبلغ في تأدية الغرض و على أي حال ففي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 عن عائشة في حديث طويل: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ممّا أفاء الله عليه بالمدينة، و فدك، و ما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: (لانورث ما تركناه صدقة). و تقدم ذكر ذلك في موارد عدة.
2- عفّ: من كفّ وامتنع عمّا لايحلُّ أو لايجمل.
3- يسومونني: يُذِلُّونني.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب العقد الفريد ج5 ص12 في حديث طويل. حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام و قال له إن أبوا فقاتلهم فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار. فلقيته فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...

وَما بَرِحَتْ مَهْضُومَةً ذاتَ عِلَّةٍ *** تُؤَرِّقُها البَلْوَى وَ ظَالِمُها مُغْفِ

إلى أن قَضَتْ مَكْسُورَةَ الضِّلعِ مُسْقَطاً *** جَنينٌ لها بِالضَّرْبِ مُسْوَدَّةَ الكَتْفِ(1)

ص: 13


1- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40: فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها. انظر كتاب تهذيب الأحكام/ ج6 ص10: هذه الزيارة وجدتها مروية لفاطمة علیها السلام و أما ما وجدت أصحابنا يذكرونه من القول عند زيارتها فهو أن تقف وتقول: السلام عليك أيتها المحدثة العليمة... السلام عليك أيتها المغصوبة المظلومة... السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة... صلى الله عليك و على روحك و بدنك. أشهد أنك مضيت على بينة من ربك و أن من سرك فقد سر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و من جفاك فقد جفا رسول صلي الله علیه و آله و سلم آذاك فقد آذى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ومن وصلك فقد وصل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و من قطعك فقد قطع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه كما قال صلي الله علیه و آله و سلم: أشهد الله و رسله صلي الله علیه و آله و سلم و ملائكته أني راض عمن رضيت عنه، ساخط على من سخطت عليه متبرى ممن تبرأت منه موال لمن ،واليتِ معاد لمن عاديت، مبغض لمن أبغضت، محب لمن أحببت و كفى بالله شهيداً و حسيباً و جازيا و مثيباً...

(2) ما سن الضلال

(بحر الطويل)

السيد حيدر الحلي

عَلَى كُلِّ وَادٍ دَمْعُ عَيْنَيْكَ يَنْطِفْ *** وَ مَا كُلُّ وَادٍ جُزْتَ فِيهِ المُعرَّفُ(1)

أَظُنُّكَ أنْكَرْتَ الدِّيَارَ فَمِلْ مَعِي *** لَعَلَّكَ دَارَ العَامِرِيَّةِ تَعْرِفُ

نَشَدْتُكَ هَلْ أَبْقَيْتَ للدَّمْعِ مَوْضِعاً *** مِنَ الْأَرْضِ تَهْمِي الغَيْثَ فِيهِ وَ تَنْطِفُ؟(2)

فَهَذَا وَ لَمْ تَذْرِفْ دُمُوعاً وَ إنّما *** دَمُ القَلْبِ مِنْ أَجْفانِ عَيْنيكَ يُدْرَفُ

فَلاَ تَكُ مِمَّنْ يَنْبِذُ الصَّبْرَ بِالْعَرَا *** إِذَا غَدَتِ الوَرْقاءُ في الأيْكِ تَهتِفُ؟(3)

فَمَا ذَاكَ مِنْ شَجْرٍ فَيُشْجِيكَ نَوحُها *** وَ هَلْ يَسْتَوِي يَوْماً صَحِيحٌ و مُدْنَفُ؟(4)

أَلَمْ تَرَها لَمْ تَذْرِ دَمْعَةَ ثَاكِلٍ *** وَ لم يَنْصِدِعْ شَمْلٌ لَهَا مُتألفُ

وَ قَدْ لَبِسَتْ في جيدِها طَوْقَ زينةٍ *** وَجِيدُكَ فِيهِ طَوْقُ حُزْنٍ مُعطَّفُ

إِذَا مَا شَدَتْ فَوْقَ الأَرَاكِ تَرنّما *** فَإِنَّكَ تَنْعَى وَ الجَوَانِحُ تَرْجُفُ

أُعِيدُك أنْ يَهْفُوبِحِلْمِكَ مَنْزِلٌ *** تَعَفَّى وَ فِيهِ للأَوَابِدِ مَأْلَفُ(5)

فَلاَ تَبْكِ في اطْلالِهِ بِتَلهفٍ *** فَلَيْسَ يَرُدُّ الذَّاهِبينَ التَّلهُّفُ

ص: 14


1- يَنْطِف: يسيل. جزتَ: قطعت.
2- تهمي الدمع: تسيل.
3- ينبذ: نبذ الشيء أي طرحه و رمى به. الأيك: الشجر الكثير الملتف.
4- مدنف: مريض. الصحيح: المعافى من المرض.
5- الأوابد: الوحوش. تعفَّى: غاب أثره.

وَ لَوْ عَادَ يَوْماً بالتأسُّفِ ذَاهِبٌ *** عَذَرْتُكَ لَكِنْ لَيْسَ يُجدِي التَّاسُّفُ

و إِنَّ جَزوعاً شَأْنُه النَّوْحُ وَ البُكَا *** لِغَيْر بَني الزَّهْرا مُلامٌ مُعنّفُ(1)

بِنَفْسِي وَ آبَائِي نُفُوسَاً أَبِيَّةً *** يُجرِّعُها كَأْسَ المنيَّة مُتْرَفُ

إلى أن يقول :

فَلِلَّهِ مِنْ خَطْبٍ لَهُ كُلُّ مُهْجَةٍ *** يَحِقُ مِنَ الوَجْدِ الْمُبَرِّحِ تَتْلَفُ

وَ أُقْسِمُ مَا سَنَّ الضَّلال -سِوَى الأُلَى *** عَلَى أُمَّةِ المختارِ بَغْياً تَخلَّفُوا

فَيَوْمٌ غَدَوا بَغْياً عَلَى دَارٍ فَاطِمٍ *** أَتَتْ جُنْدُهم بالغَاضِرِيَّة تَرْحَفُ(2)

وَ قَتَلُ ابْنِهَا مِنْ يَوْم رُضُتْ ضُلُوعُها *** وَ مِنْ هَنْكِهَا هَتْكُ الفَواطِم يُعْرَفُ(3)

وَ مِنْ يَوْمٍ قادوا حَيْدَرَ الظُّهْرَ قَدْ غَدَوْا *** بِهِنَّ أَسَارَى شَأْنُهُنَّ التَّلهُّفُ(4)(5)

ص: 15


1- الجزوع: الذي لا يصبر على ما أصابه و المعنف: الذي يلام بعنف.
2- الغاضرية: اسم للأرض التي استشهد فيها الحسين علیه السلام و جاء في شرح «نهج البلاغة» لابن أبي الحديد ج2 ص19:...جاء عمر إلى بيت فاطمة علیها السلام في رجال من الأنصار و نفر قليل من المهاجرين. فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنَّ البيت عليكم».
3- في «الاحتجاج» ج1 ص109 ط دار النعمان -النجف: فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها. فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها. فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها». انظر:«سليم بن قيس» ص40 مثله.
4- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 نقلاً من كتاب «علم اليقين في أصول الدين»: «ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبّباً بثوبه يجرونه إلى المسجد، فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها، فقالت: والله لا أدعكم تجرون ابن عميَ ظلماً.... و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك.... ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم واثكل حبيبك أبوالحسن علیه السلام المؤتمن... فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.
5- ديوان السيد حيدر الحلي ص92.

(3) حرب البتول علیها السلام

(بحر الرّمل)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

آيَةُ الظُلمِ دَلِيلٌ وَ كَفى *** لَيْسَ مِنْ قَبْرٍ لِبِنْتِ الْمُصْطَفى

***

يَنْقُلُ الْقُرآنُ كَلاً لا وَزَرْ *** وَ مِنَ الآياتِ تَأتِيكَ الْعِبَرْ

كَيْفَ مِنْ فاطِمَةَ الضّلْعُ انْكَسَرُ؟ *** وَ بِهَا الإسلام نال الشَّرفا

***

إنْ يَكُ الأَصْحابُ حَقّاً آمَنُوا *** وَ لِحِفْظ الشَّرْعِ شُورَى عَيَّنُوا

فَلِماذا بَعْدَه أَعْلَنُوا *** حَرْب أَهْل الْبَيْتِ كُفْراً و جفا؟

***

لَسْتُ أَنْسى فَاطِماً فى المُعْتَرَكْ *** حَيْثُ فِرْعَوْنُ إلى الْحَقِّ انْتَهَكْ

وَ بِظُلْمٍ غَصَبُوا مِنْهَا فَدَكْ *** هكَذَا الخصْمَانِ مِنْهَا وَقفا

***

رَوَّعَاهَا مَنَعاها حَقَّها *** حَارَباها كَذَّباها صِدْقَها

وَ إِلَى الدَّارِ أَجازا حَرْقَها *** وَ إِلَى الآنَ لَظاها مَا انْطَفَى(2)

***

ص: 16


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- لظاها: لهيبها.

رَجَعَا لِلشِّركِ في حَرْبِ البَتُول *** أَغْضَباها عَنْهُمَا مَاذَا نَقُول؟

رَجَعَا لِلشِّركِ الضّلْع كَسْرٌ لِلرَّسُول *** هَكَذَا الْحَقُّ إِذَا مَا أُنْصِفا

***

فِي غِيابِ الْمُصْطَفَى قَدْ أَوْشَكا *** أَنْ يُعِيداً هُبَلاً لَوْ تُرِكا(1)

مَنَعاها منْ عَويلٍ وَبُكا *** هَكَذَا رَاحَتْ مَوَازِينُ الْوَفا(2)

***

عَجَباً مِنْ أُمَّةِ الهادِي تَرَى *** حُكْمَ اجْلافٍ بِلَيْلِ دُبُرا(3)

وَ لِماذا رَضِيَتْ فِيمَا جَرَى؟ *** وَإِلَى العُسْرِ مَضَتْ وَا أَسَفا

***

ما أَتَتْ قَصْداً لإحدى الْحُسْنَيَيْن *** حَيْثُ بَاءَتْ فَشَلاً في النَّشْأَتَيْن

كَيْفَ تَرْضَى أَنْ تَرى أُمَّ الحُسَيْن *** في حِياضٍ الْمَوْتِ تَقْضِيَ تَلَفا؟

***

ص: 17


1- هُبَل: اسم صنم للمشركين.
2- في بحار الأنوار، ج43 ص177: قال: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها. و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منا يهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً. فقال علیه السلام: حباً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيهة له فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يسألونني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً و إما نهاراً. فقالت: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال لها علي علیه السلام: أفعلي يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما بدا لک.
3- أجلاف: حُمُق.

مَاتَتِ الزَّهْراءُ غَضْبَى واحِدَهْ *** تَبَّتِ الأيْدِي الحَقُودَه الجَاحِدَهْ(1)

فَاطِمٌ تَأْتِي عَلَيْهِمْ شَاهِدَهْ *** لِيَرَى الأَصْحابُ ذاك المَوْقِفا

***

دُفِنَتْ وَ الضّلْعُ في الصَّدْرِ انْخَسَفَ *** قَبْرُها يَجْهَلُه ذاكَ السَّلَفْ(2)

وَ إِلى تَعْيِينِهِ الكُل المختلفْ *** عِندما الحقيتِ الحقُّ الحتَفَى

***

قَبْرُها في كُلِّ قَلْبِ طَاهِرٍ *** نُورُها في كُلِّ حَقٌّ ظَاهِر

لَعَنَ الله الزَّعِيمَ السَّامِرِي *** قَبْرُها مِنْ جَوْرِهِ لَنْ يُعْرَفا

***

قَبْرُها الْمَجْهُولُ رَمْزُ الْمُعْتَقدْ *** هي سِرُّ الْوَاحِدِ الفَرْد الصَّمَدْ

نُورُها في جَبْهَةِ الدَّهْرِ اتَّقَدْ *** وَ العُلا نَحْوَ هُداها ازْدَلَفَا(3)

ص: 18


1- الجاحدة: الكافرة، المنكرة للحق مع معرفتها له.
2- أنظر دفنها ليلاً. في دلائل الإمامة للطبري ص46: فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و أسماء بنت عميس و أخرجها إلى البقيع ليلاً. و انظر كسر الضلع في كتاب سليم بن قيس؛ ص40. ... فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً في جنبها و ألقت جنيناً من بطنها.
3- ازدلف: تقدّم، تقرّب.

(4) حشاشة قلب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر المتقارب)

الاستاذ علي محمد الحائري الحائري(*)(1)

هُوَ الدَّهْرُ يُزْجِي المُنَى وَ الحُتُوفا *** تَناوَبُ يَومَيْهِ جَدْباً وَ رِيفا(2)

وَ لَيْسَ النُّهَى شَفَعاً لِلقُسُومِ *** وَلَكِنَّهُ الْحَظُّ يَجْرِي صُروفا

قُصَارَى الَّذِي أَنْتَ تَشْقَى بِهِ *** حَيَاةٌ سَتَرْحَلُ عَنْها كَسِيفا(3)

وَ مَا مَلَكَتْكَ زُروعُ اللُّهى *** تُنَازِعَكَ فِيهِ الْمَنايا قُطُوفا

وَ مَنْ يَغْتَرِرْ بِسَرابِ الْوُعودِ *** دَرَّ بَكِيناً وَ غاضَ خُلُوفا(4)

عجِيبٌ تَقلُّبُ هَذا المَدارِ *** إِذا أَنْتَ مَزَّقَتَ مِنْهُ السُّفوفا

يُصِيبُكَ مِنْ حَيْثُ لا يَدَّرِي *** وَ يَخْتِلُ إِذْ تَصْطَفِيهِ رَدِيفا

وَ يُغْشِيكَ في غَفَلاتِ الْكَرَى *** لِيَأْنَسَ مِنْكَ قَنِيصاً أَلُوفا(5)

مَتَى كانَتِ الأُمْنِياتُ الرِّطَابُ *** يُبَلِّلْنَ مِنْكَ فُؤاداً لَهُوفا

و في أيِّ مُنتجعٍ تَسْتَحِمُّ *** وَ حَشْوُ إهابك يَنْكي قُروفا(6)

لعاً في عِثارِ الرَّزايا *** خُطَايَ فَأَوْفَى مَسِيرَكَ كَانَ الوَجِيفا(7)

ص: 19


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- يُزجي: يسوق. الحتوف: جمع حتف و هو الموت.
3- كسيفاً: عابساً، سيء الحال مجوباً.
4- بكيئاً: قليل العطاء. غاض: نقص، أو غار ، أو نضب. خلوفاً: تغير رائحة الفم و فسادها.
5- الكرى: النعاس أو النوم. قنيصاً: صيداً.
6- ينكى: نكى انهزم و غُلب و قهر. قروفاً: نكوساً في المرض أو التهمه أو التنفّر.
7- وجيفاً: سيراً سريعاً. لعا: يقال للعائر: لعاً لك. أي أنعشك الله من عثرتك.

وَ رُجْعِى لِّطَيْفِكَ صُبْحُ الشَّبَابٍ *** فَأَفْواقُ وَ رْدِكَ تَزْهو صُنُوفا

تَفَيَّانَ في ظُلَلِ الأَكْرَمِينَ *** وَ أَسْبَلْنَ في كُلِّ رِجْسٍ سُجُوفا(1)

وَ وَثِقَنَ مِنْ حُبِّ آلِ الرَّسُولِ *** وِثَابَ خُطى مَا عَرَفْن الرَّسِيفا(2)

هُمُ انْتَزَعُوا الدُّجْنَ عَنْ نَاظِري *** وَ هُمْ رَفَعُوا صَرْحَ شِعْرِي مُنِيفا(3)

إِذا قُلْتُ قَافِيَةٌ فِي هَواهُمْ *** نَفَجْتُ اللَّطِيمَ بِهِ فَأُدِيفا(4)

رَعَيْتُ بِشَرْحِهِمُ ضامِنین *** مَرْعَّى خَضِيلاً وَ نَبْتاً لَفِيفا(5)

وَعَيَّفْتُ طَيْرِي بِعَنقائِهِمْ *** وَ طَيَّرْتُهُنَّ أُلوفاً أُلُوفا

وَ مَنْ جَعَلَ الشَّمْسَ مِشْكَاتَهُ *** تَأَوّبَ لَيْلاً وَ جَابَ تُنُوفا(6)

وَ مَنْ جَعَلَ النَّهْجَ نَهْجَا لَهُ *** تَبَوَّأَ في الضَّادِ ظِلاً وَرِيفا

إمامُ البَلاغَةِ زَوْجُ الْبَتُولِ *** أَبُوالحَسَنَيْنِ كَفَى أَنْ أُضِيفا

وَمَنْ كَفَكَفَ الدَّمْعَ عَنْ فَاطِمٍ *** وَ قَدْ سَيَّلَ الْخَطْبُ مِنْها صَلِيفا(7)

وَ كَانَتْ حُشاشَةَ قَلْبِ الرَّسُولِ *** يَرُوحُ بِها رَيْثَ يَغْدُو عَطُوفا

وَ كَانَتْ لَطِيمَةَ مِسْكِ الْعَفَافِ *** وَ قَدْ عَزَفَتْ عَنْ دُنَاهَا عُزُوفا(8)

كَفَى حَرَمُ الدِّينِ صَوْناً لها *** وَ حَلي الفضائِلِ فيها رَفيفا

وَ هَذَا الْبِنَاءُ الرَّفِيعُ الْعِمَادُ *** مناراً مَعَ الرُّوحِ يَبْقى حَلِيفا

تَلُوذُ الْمَجَرَّةُ في قُدْسِهِ *** وَ تَأْبَى الغَزالَةُ فِيها كُسُوفا

ص: 20


1- سجوفاً: أستاراً.
2- الرَّسيفا: المشي مشي المقيد.
3- منيفاً: مرتفعاً.
4- نفجت: أثرتُ. اللطيم: المسك. أُديف: خُلِطَ.
5- خضيلاً: مبتلَاً ندياً.
6- تنوفاً: البرية التي لاماء فيها و لاإنس.
7- كفكف الدمع: مسحه مرَّة بعد مرة صليفاً: السحاب كثر رعده و قلَّ ماؤه.
8- عزفت: زهدت و منعت نفسها عن الشيء.

وَ لَيْسَ زَرِيّاً بِجُهْدِ البُنَاةِ *** إِذا ثَلَمَ الهادِمُون السُقُوفا(1)

ص: 21


1- ثلم: كسر.

(5) آهِ لبنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم

(مجزوء الكامل)

الشيخ قاسم الملا الحلي(*)(1)

مَامُقْلَتِي هَتَنَتْ ذَروفَهُ *** فِي حُبِّ غَانِيَةٍ ظَرِيفَهْ(2)

هَيْفَاءُ مِنْ خَمْرِ اللَّمى *** ثَمِلَتْ مَعاطِفُها النَّزيفهْ(3)

کَلا وَ لافَتَكَتْ بِنَا *** أَسْيَافُ لَحْظَتِها الرَّهِيفَهْ(4)

كَلاً وَ لاَطيْرُ الفُؤادِ *** أَدامَ مِنْ شَعَف رَفِيفَهْ

لَكِنْ أَذابَ حُشاشَتِى *** رُزُهُ المُطَهَّرَةِ العَفِيفَهْ

بِنْتُ النَّبِيِّ مُحَمَّدِ الْمُخْتَارِ *** بِالرُّتَبِ الْمُنِيفَهْ(5)

الْغَوْا بِهَا نَصَّ الْكِتَابِ *** وَ مُزَقَتْ مِنْهَا الصَّحِيفَهْ

ص: 22


1- (*) في كشف الغمة ص505 لعلي بن عيسى الأربلي قال: أنشدني بعض الأصحاب (أبي بكر بن أبي قريعة) أبياتاً و هذه الأبيات صدرها الخطيب المصقع و الشاعر المفلق الشیخ قاسم الملا الحلي. و هو محمد بن عبد الرحمن القاضي أبوبكر بن قريعة البغدادي، و كان ملازماً للوزير أبي محمد المهلبي و كان فاضلاً يداعبونه برسائل و مسائل هزلية فيجيب عنها بأسرع جواب و أجوبة بليغة مسكنة. توفي سنة سبع و ستين و ثلاثمائة. (367 ه_).
2- هتنت: قطرت، صبَّتْ. ذروفه: سيلان الدمع. الغانية: المرأة التي استغنت بجمالها و حسنها عن الزينة.
3- هيفاء: التي ضمر بطنها و رقَّتْ خاصرتاها. اللّمى: بتثليت اللام سمرة أو سواد في باطن الشفة يُستحسن. معاطفها: سيوفها.
4- لحظة: باطن العين أو النظرة بمؤخّر العين عن يمين و يسار أو السمة تحت العين.
5- الرُّتب المنيفة : المشرفة الطويلة المرتفعة.

وَ بِنِحْلَةِ الهادي اسْتَبدُّوا *** إِذْ زَوَوْا إِرْتَ الشَّريِفَهْ(1)

عَجَباً لِمُنْتَصِرِ لَهُمْ *** وَ الغَيُّ لَمْ يَنْصُرْ خَلِيفَهْ

رَأْسُ الضَّلالَةِ شَيْخُ تَيْمٍ *** وَ الْأَلِيف حَكَى أَليفَهْ

أنْشَدْتُ قَوْلَةَ خَائِفٍ *** مِنْ دَهْرِه يَخْشَى صُروفَهْ

ابن قريعة:

يَا مَنْ يُسَائِلُ دَائِباً *** عَنْ كُلِّ مُعْضِلَةٍ سَخِيفَهْ

لاتَكْشِفَنَّ مُغَطَّئاً *** فَلَرُبَّما كَشَفْتَ جِيفَهْ

وَ لَرُبَّ مَسْتُورٍ بَدا *** كَالطَّبُل مِنْ تَحْتِ الْقَطِيفَهْ

إنّ الْجَوَابَ لَحاضِرٌ *** لكِنَّني أخفِيهِ خِيفَهْ

لوْلاَ اعْتِدَارُ رَعِيَّةٍ *** الغَى سِيَاسَتَهَا الْخَلِيفَهْ

وَ سُیُوفُ أَعْداءٍ بِهَا *** هَامَاتُنا أَبَداً نَقِيفَهْ(2)

ص: 23


1- نحلة مهر و صداق. زووا: احتازوا و جمعوا و قبضوا. جاء في صحيح البخاري، ج5 ص177: عن عائشة قالت: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلى الله عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر. فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لانورّث ما تركناه صدقة». انظر تفسير فرات الكوفي، ص473 ح619: لما نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم شد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سلاحه و أسرج دابته وشد علي علیه السلام سلاحه و اسرج دابته ثم توجها في جوف الليل و علي علیه السلام لايعلم حيث يريد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى انتهيا الى فدك فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام تحملني أو أحملك؟ قال علي علیه السلام: أحملك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام بل أنا أحملك لأني أطول بك و لاتطول بي فحمل علياً علیه السلام على كتفيه ثم قام به فلم يزل يطول به حتى علا علي سور الحصن فصعد علي علىه السلام علي الحصن و معه سيف رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فأَذّن على الحصن و كبّر. فابتدر أهل الحصن إلى باب الحصن هراباً حتى فتحوه وخرجوا منه فاستقبلهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بجمعهم و نزل علي علیه السلام إليهم فقتل علي ثمانية عشر من عظمائهم و كبرائهم و اعطى الباقون بأيديهم و ساق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذراريهم و من بقي منهم و غنائمهم يحملونها على رقابهم إلى المدينة. فلم يوصف فيها غير رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فهي له و لذريته خاصة دون المؤمنين.
2- نقيفة: مكسورة من الدماغ.

لَكَشفتُ مِنْ أَسْرارِ آلِ *** مُحَمَّدٍ جُمَلاً ظَرِيفَهْ

يُغْنِيكُمُ عَمّا رَواهُ *** مالِكٌ وَ أَبُوحَنَيفَه

وَ نَشَرَتُ طَيَّ صَحِيفةٍ *** فيها أحاديثُ الصَّحيفَهْ

وَ أُرِيكُمُ أنّ الحُسَيْنَ أُصِيبَ *** في يَوْمِ السَّقِيفَهْ

وَلأيِّ حَالٍ لُحِّدَتْ *** في اللَّيْلِ فَاطِمَةُ الشَّرِيفَهْ

وَ لِمَا حَمَتْ شَيُخَيْكُمُ *** عَنْ وَطْيءِ حُجْرَتِها الْمُنيفَهْ(1)

آهِ لِبِنْتِ مُحَمَّدٍ *** ماتَتْ بِغُصَّيْها أَسِيفَهْ(2)

ص: 24


1- حمت: منعت.
2- المصادر التي وردت القصيدة فيها كالتالي: كتاب المقرم ص116 و الوافي بالوفيات ج ص227 و تاريخ بغداد ج2 ص317 و فيات الأعيان ج1 ص655 و شذرات الذهب ج3 ص60 و سير أعلام النبلاء ج16 ص326.

(6) كابدت ستّ النسا

(بحر الكامل)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

صَبٌ جَفَوْهُ وَ عَنْ كَراهُ تَجافى *** مَهْما سَقَى طَرْداً نَما إِلْحافا(2)

خَطَفَ الهَوى منه الفُوَّادَ فَلَمْ يَزَلْ *** حَتَّى القيامَةِ يَذْكُرُ الخَطَّافا

وَ لْهَانُ وافاهُ الحَبِيبُ بِوَصْلِهِ *** وَقتاً فَظَنَّ الخُلْدَ فِيهِ وافي(3)

ما لَذَّ طَعْمُ الوَصْلِ حَتَّى سامَهُ *** هَجْراً فَظَنَّ الوَصْلَ طَيْفاً طَافا

وَ لَمَوْتُهُ بِالحُبِّ أبْرَدُ للحشا *** مِنْ مَحْضِهِ بَعْدَ الوَفَاةِ خِلافا

فَالهَجْرُ بَعْدَ الوَصْلِ لامَوْتُ يَلي *** دَفْناً و لاسُقُمٌ فَمِنْهُ يُعافي

الرَّاحَ يَشْرَبُها فَيَحْسَبُها لَظِّى *** وَ يَخَالُ أصْناف الطَّعامِ ذُعافا(4)

یَمْشِي فَتَحْسَبُ أنَّه ثَمِلٌ وَ لَمْ *** يَشْرَبْ سِوَى خَمْرِ الفِراقِ سُلافا(5)

لاهَمَّ بعدَ الوَصْلِ أَكْبَرُ مِنْ جَفا *** إذْ لاحَياةَ بِهِ و لاإثلافا

لاعِيْشَةٌ تُشْفِي و لاسُقْماً و لا *** بِالمَوْتِ حَتَّى لَوْ يَمُوتُ يُشافى

وَ لَئِنْ يَكُنْ هَجْرٌ و بُعْدَ يُرْتَجِي *** وَ ضَلَّ وَ قُرْبٌ بَعْدَهُ إِسعافا

ص: 25


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- جَفَوْهُ: أعرضوا عنه، و لم يلتفتوا إليه. تجافى: تنحى و لم يلزم مكانه طردا: بسكون الراء هو الإبعاد و التنحية و بكسرها هو الماء الطرْقُ و هو ما خاضته الدواب. إلحافاً:إلحاحاً.
3- ولهان: من الوله و هو أقصى درجات العشق.
4- الرَّاح: الخمر. ذعافاً: سُمّاً قاتلاً لساعته.
5- سلافاً: السلاف ما سال و تحلب قبل العصر، و هو أفضل الخمر.

فَالْمَوْتُ مُفْتَرقُ و يُعدّ لالِقاً *** مِنْ بَعْدِهِ يُرجَى و لاإيلافا

فَمَن الذي في الموتِ يَعْدِلُ مَنْ بَكَى *** لِحَبِيبِهِ أَوْ عَدَّهُ إسْرافا

***

أَمْ هَلْ تَرى فِي مَنْعِهِمْ سِتّ النِّسا *** عَنِ نَدْبِها خَيْرَ الوَرَى إِنْصافا

أفَمِنْ بُكا المختارِ تَمْنَعُ عينَها *** وَيَجَدُّ عَنْهَا الظَّلَّ والأَرْيافا

و تُبِيحُ عائشةٌ قِتَالَ وَصِيِّهِ *** ظُلْماً وَ ما أَحَدٌ بِنُكْرٍ نافي

اللَّه ماذا كابَدَتْ سِتُ النِّسا *** بَعْدَ النَّبِيِّ مِنَ البَلا أَصْنافا

مِنْ بيتِها تُنْفى لِنَدْبِ كَفِيلِها *** وَ عَنِ البقيعِ تَسُومُها إِرْجافا(1)

أَسِفُوا لأَنْ تَحْظى بِظِلٍّ أَراكَةٍ *** فِيهِ فَوَلَّوْا قَطْعَها الأَجْلافا(2)

قَغَدَتْ عَزيزةُ أَحْمَد مَنْ لَمْ يَزَلْ *** يُوصِي بِها وَ بِنَسْلِها الأحْلافا

تُصْلى بِنارِ الضَّيْم و الإذْلاَلِ ما *** لِلسُّقْمِ أَلقى جِسْمَها أَهْدافا

فَقَدتْ بِفَقَدِ وَلِيّها كُلَّ الهَنا *** إِذْخَلْفَهُ دَرَّ البَلا أخلافا

مَنَعُوا الوَصِيَّ مَقامَهُ وَ مِنَ البُكَا *** مَنَعُوا البتول وَ ما اكْتَفَوْا أسْلافا

حتَّى انْتَهَوْا فِي مَنْعِها عَنْ إرْثِها *** فَدَكاً بما قَدْ زَوَّرُوهُ جُزافا(3)

ص: 26


1- إرجافا: أرجف أي خاض في الأخبار السيئة و الفتن بقصد أن يهيج الناس.
2- الأجلاف: الغلاظ.
3- جزافاً: أصله البيع و الشراء بغير وزن و لاكيل و على التخمين ثم استعير المعنى في كل أمر تخميني. و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي (ج16، ص232) دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها... وكذا في المناقب لابن شهر آشوب، ج4 ص320. في كتاب أخبار الخلفاء أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر علیه السلام: خذ فدكاً حتى أردها إليك فيأبى حتى ألح عليه فقال علیه السلام: لا آخذها إلا بحدودها. قال: وما حدودها؟ قال: إن حددتها لم تردها. قال: بحق جدّك إلّا فعلت قال: أما حدها الأول فعدن. فتغيَّر وجه الرشيد و قال: إيهاً قال: و الحد الثاني سمرقند. فاربدّ وجهه. و الحد الثالث إفريقية فاسوَّد وجهه و قال: هيه قال: والرابع: سيف البحر مما يلي الجزر و أرمينية. قال:الرشيد: فلم يبق لنا شيء فتحول إلى مجلسي. قال موسى علیه السلام: قد أعلمتك أنني إن حدَّدتها لم تردها. فعند ذلك عزم على قتله. و في رواية ابن أسباط أنه قال: أما الحد الأول فعريش مصر، و الثاني دوحة الجندل و الثالث أحد و الرابع سيف البحر فقال: هذا كله هذه الدنيا! فقال: هذا كان في أيدي اليهود بعد موت «أبي هالة» فأفاءه الله على رسوله بلاخيل و لاركاب فأمره الله أن يدفعه إلى فاطمة علیها السلام.

فَأَتَتْهُمُ في لِمَّةٍ مِنْ نِسْوَةٍ *** و المَسْجِدُ امْتَلأَ الذَّرى أَشرافا

فأُنِيطَ دُونَهُمُ لَهُنَّ مَلاءَةٌ *** إِذْ عَنْ ضَلالَتِهِمْ رَفَعْنَ سِجافا(1)

أنَّتْ بِصَوْتٍ أَجْهَشَتْهُمْ بِالبُكا *** و بِنُطقِها حَكَتِ النَّبِيَ هُتافا(2)

وَ اسْتَرْسَلَتْ في خُطبةٍ أَهْدَتْ بها *** الفُصَحاءَ عِيّاً و الرِّياض جَفافا(3)

لَهُمُ مِنَ السِّحْرِ الحَلالِ و مَنْطِقٌ *** ذَلِقٌ يَفِيضُ بهِ البَيَانُ نِطاقا

مُعْنِّى يَدِقُ عَن النُّهى حُسْناً له *** لَفْظُ أَرَقُّ مِنَ النَّسِيمِ مَطافا

تَدْعُو و قَدْ عَلَتِ العيونَ غِشَاوَةٌ *** و الغيُّ ناطَ على القُلوبِ لحافا

أَنَيَذْتُمُ القُرْآنَ خَلفَ ظُهُورِكُمْ *** عَمْداً لدين الجاهلي زِحافا؟

أمِنَ السَّدادِ تُصِيبُ ارْثَ أبيكَ يا *** هذا وَ تَمْنَعُ ارْلِيَ اسْتِتكافا؟

فَاحْتارَ كَيْفَ يَسُدُّ عَشْرَتَهُ الّتي *** أبْدَتْ عَماهُ عَنِ السَّبِيلِ كَشافا

***

لَمْ يَلْف إلا أنْ يَقُومَ بِفِرْيَةٍ *** لِيَسُومَ ضَعْفاً ما رَبَى أضْعافا

إِنِّي سَمِعْتُ أباكِ قال الأَنْبِيا *** لَسْنا نُورّثُ بَعْدَنا أَخْلافا

ص: 27


1- السِّجْف: الستار، جمعه سجوف و أسجاف. و جمعه هنا على سجاف.
2- حکت: شابهت. هتافا: صوتاً، نداءً.
3- عيَّاً: عجزاً عن الكلام.

قالَتْ مَعاذ الله لَيْسَ يَرَى أَبي *** قَوْلاً يَحِيدُ عَن الكتابِ خِلافا

هذا الكِتابُ يَقُولُ قَدْ وَرَّثَ ابْنَهُ *** دَاوُدُ منه كما لِيَحْيى انْصافا

وَ جَمِيعُ آياتِ الكِتابِ تَعُمُّهُمْ *** حُكْماً و ما أَحَدٌ خُصوصاً وافي

أَمْ خَصَّكُمْ دونَ النَّبيِّ بِآيَةٍ *** أَمْ انْتُمُ أَدْرى بها اسْتِكْشافا

أمْ لَمْ أَكُنْ مِنْ أُمَّةٍ أنا مَعْ أَبي *** لَوْ كانَ إِرْثاً لَمْ يَكُنْ إِتحافا(1)

***

إيهٍ بَني أَوْسٍ أَأَمْنَعُ بَيْنَكُمْ *** إِرْنِي وَ ما أَحَدٌ جميلاً كافّي؟

لَمْ تَسْمَعُوا ما قالَ فيِّ طه كَأَنَّكُمْ *** و لاكُنْتُمْ لَهُ أَعْرافا

هذا التُّراثُ بِمَسْمَعٍ و بِمَنْظَرٍ *** مِنْكُمْ زَوَى عَنْ أَهْلِهِ أَوْقافا

اللَّهُ ما فِيكُمْ فَتَى ذُو غَيْرَةٍ *** فَيُبِينُ إنصافاً لَنا إنْ صافَي

هَبْكُمْ نَبذْتُمْ دِينَ أحْمَدَ فَاحْفَظُوا *** حِلْفَ الفُضُولِ وَ رَاجِعُوا الإنْصافا

فَكانَّما بَكِمُوا وَ صَمُّوا إِذْ عَمُوا *** وَ عَلَى العَمَى عَنْهَا ثَنَوْا أَعْطافا

وَ بِراحَةٍ صَفْرا انْتَنَتْ عَنْهُمْ لَها *** عَيْنٌ تَفِيضُ بِدَمْعِها وَكَافا(2)

***

وَ مَضَتْ لِبَيْتِ كَفِيلها و قَدِ امتلا **** مِنها الفُؤادُ بِهَمِّهِ إرْجافا

فَاسْتَعبَرتْ حُزْناً وَ هاجَ بها الجَوَى *** لمّا رَأَتْهُ فَلَمْ تُطِقُ إسْدافا(3)

قالَتْ أَراك قد اشْتَمَلتَ الذُّل إذْ *** أَضْرَعْتَ خَدَّكَ في الجَفا إسْرافا

إِذْ أصْداكَ يَفْتَرِسُ الذَّتَابُ بِرَجْعِهِ *** وَ يَداكَ يُرثِقُها الذُّبابُ كِتافا

ص: 28


1- إتحافاً: إهداء.
2- وكافاً: سيالا قليلاً قليلاً.
3- إسدافاً: نوماً.

وَ تُمِيتُ نَظْرَتُكَ الأجادِلَ خِيفَةً *** وَيَبرُّ مِنْكَ الأَعْزَلُ الأسْيافا(1)

ألِكُلِّ هذا الحَدِّ تُصْبِحُ ضارعاً *** وحَشاكَ مِنْ قَلْبٍ يَخافُكَ خافا؟

هذا ابن تَيْمٍ عادَ يَغْصِبُ نِحْلَتِي *** مِنِّي وَ قدْ عَدَّ الصِّفاحَ صِحافا

فَأَمَضَّنِي فِيمَا افْتَراهُ وَ لَمْ يَدَعْ *** ظُلْماً وَ هَضْماً ما عَلَيه أنافا(2)

أَرْمي بطرفي لاأرَى لي ناصِراً *** في القَوْمِ إلا قاطِعاً أطْرافا

نادَيْتُ فِيهِمْ مَا اسْتَجَابَ لِيَ امرؤٌ *** وَ دَعَوْتُ فيهم لم أُصِبْ إسعافا

لامانعٌ ضيماً و لا لي دَافِعٌ *** شَرّاً و لامُهْدٍ لنا ألْطافا

فَخَرَجْتُ كاظِمَةً وَعُدْتُ رَغِيمَةً *** أَشْكُو لِرَبِّي الظُّلم و الإعْسافا(3)

وَيْلاهُ عَنِّي غابَ حامي حَوْزَتِي *** فَبقِيتُ أَخْتَلِبُ الأسَى أَخْلافا

***

فَرَثَى الوَصِيُّ لها بِلُطْفٍ قائِلاً *** وَيْلٌ لِمَنْ أَوْلاكِ مِنْهُ خِلافا

مَهْلاً كريمةَ أهل بَيْتٍ المُصْطَفَى *** فَلأَنْتِ أَكْرَمُ مِنْ سَما الأَشْرافا

ماذا التَّضَجُرُ وَ الأَسَى مِنْ فَائِتٍ *** لم يُغْنِ عَنْكَ وَ عَنْ بَنِيكِ كَفَافا

وَ الرِّزْقُ إِمّا شِئْتِ عندَ كَفِيلِهِ *** مَنْ لَمْ يَسُمُكِ بِوَعْدِهِ إِخلافا

وَ لَقَدْ حَمَلْتِ العُشْبَ لاعَجْزاً و لا *** خَوْفاً ولكنْ رَحْمَةً و عَفافا

وَ لِمَالِكِ الباري أَعَدَّ بِقُرْبِهِ *** مِنْ ذاكَ خَيْراً جَنَّةً أَلْفافا

وَ بِرَبِّكِ احْتَسِبي فَقالَتْ حَسْبِيَ *** اللَّهُ الخَبِيرُ و لَمْ تُطِلْ إلْحافا

***

حَتَّى بذاكَ الهَمِّ فاضَتْ نَفْسُها *** كَمَداً لَها يَصِفُ الرَّدَى أَوْصافا

ص: 29


1- الأجادل: جمع الأجدل، و هو الصقر، يبزّ: يسلب.
2- أنافا: طال و ارتفع و أشرف.
3- الإعساف: العسف و هو الظلم.

وَغَدَتْ تُغَسْلُها الخُطُوبُ بأَدْمُعٍ *** ما زالَ مِنْهَا غَيْتُها وَكَافا

وَغَدَتْ تُكَفِّنُها السِّياطُ بِمَا اكْتَسَتْ *** مِنْ ضَرْبها ما مَضَها إرْهافا(1)

وَ عَلى سَرِيرِ الصَّبْرِ شَيْعَها الوَلاَ *** مِنْهُ لَمِضَجَعِها ارْتَقَتْ اکْشافا

وَ اسْتَوْظَنَتْ أرْضَ البقيع بِبُقْعَةٍ *** شَقَّتْ إِلى دُرَرِ الهُدَى أصْدافا(2)

ص: 30


1- إشارة إلى ما روي في كتاب مرآة العقول ج5 ص320: فلما أخرجوه (عليا علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار بعضدها مثل الدملُج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها...
2- عن ديوان (عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص37) نظمت في 1371/3/28ه_.

(7) يابنة المختار قومي

(بحر الرّمل)

السيد مرتضى السندي الحائري(*)(1)

ص: 31


1- (*) هو السيد مرتضى إبن السيد محسن إبن السيد رفيع الدين ابن السيد مهدي الطباطبائي الحسني السندي الحائري. ولد بكربلاء الحسين لعام (1369 هجرية) الموافق (1950 ميلادية) بين مرقدي الإمام الحسين علیه السلام و أخيه العباس علیه السلام محلة باب النجف سوق الصفارين. دخل مدرسة الإمام الصادق علیه السلام الاول الابتدائية عام (1956م) و كان من تلامذتها الأوائل ثم أسرته إلى مدينة الكاظمية المقدسة و أكمل فيها دراسته عام (1975م) حاصلاً انتقل مع على شهادة البكالوريوس في الإدارة و الاقتصاد من الجامعة المستنصرية ببغداد. رقى منابر أبي عبد الله الحسين علیه السلام منذ نعومة أظفاره و بتشجيع لاحدود له من قبل فضيلة الشيخ عبد الصاحب الحائري الذي يعتبره والده الروحي حيث كان يرأس لجنة الاحتفالات الدينية في مدينة الكاظمية و التي كانت تحيي جميع ذكريات أهل البيت علیهم السلام و تحت نظر و عناية سماحة المرجع الديني المجاهد آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي «قده». حظى بعناية علماء الدين العظام أمثال آية الله العظمى السيد الخوئي و آية الله العظمى السيد الشيرازي و آية الله العظمى الشهيد الصدر و آية الله السيد حسن الحيدري و آية الله الشيخ نجم الدين العسكري و آية الله السيد مهدي الصدر و آية الله السيد إبراهيم الخراساني. هاجر عام (1980م) إلى سورية و جاور عقيلة بني هاشم ليكمل فيها دراسته الحوزوية التي بدأها في الكاظمية و دخل الحوزة العلمية الزينبية التي أسسها آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (طاب ثراه) يدرس و يدرّس فيها أكثر من أربع سنوات. جنح إلى الخطابة الحسينية و ساهم في إحياء ذكريات أهل البيت علیهم السلام و بشكل مميز في كل من لبنان و سوريا و بريطانيا، و العراق قبلها. يُعدّ من الشعراء البارزين و الذين يقرضون الشعر بالفصحى و الدارج (النبطي) و صدر له ديوان باسم (المدائح المنظومة في العترة المظلومة) في عدة أجزاء و له أيضاً كتاب نهج الشهادة و كتاب عبير الرسالة، تحقيق في الأشعار المنسوبة لأهل البيت كراس (أنيس العريس) في يوم الأحد و الخميس و كراس (متعتان كانتا) و آخر نتاجاته قصيدة تترجم الخطبة الكاملة للسيدة زينب علیها السلام في الشام.

يا بْنَةَ المُختارِقُومي *** وَ احْضُرِي أَرْضَ الظُّفُوفِ

فَابْنُكِ المَظْلُومُ أمَسْى *** اليَوْمَ طُعْماً لِلسُّيُوفِ

***

قُومِي يا زَهْراءُ قُومِيْ *** وَ انْدُبِي حُزْناً وَ نُوحِي

وَ انْثُرِي الدَّمْعَ وُرُوداً *** فَوْقَ أَشلاء الذَّبيحِ

والطُمِي الخَدَّ عَلَيْهِ *** وَ انْشُرِي الشَّعْرَ وَ صِیحِي

و اذبِیحا غادَرُوهُ *** وَسْطَ ساحاتِ الحتُوفِ(1)

***

أُنْدُبِي السِّبْطَ وَ نُوحِي *** للشَّهیدِ ابْنِ الشَّهِیدِ

وَ الْثُمي شَيْباً خَضِيباً *** زَانَهُ فَيْضُ الوَرِيدِ(2)

وَ امْسَحِي خَداً تَرِيباً *** مُشرِقاً فَوْقَ الصَّعِیدِ

فَهُوَ البَدْرُ الَّذِي لا *** تَدَاعَى لِلْخُسُوفِ

***

وَإِذَا مَرَّتْ يَداكِ *** فَوْقَ صَدْرٍ هَشَموهُ(3)

فَانْزَعِي السَّهم بِرِفْقٍ *** و العَنِي مَنْ قَدْ رَموْهُ

ص: 32


1- الحتوف: المنايا.
2- الثمي: قبّلي.
3- هشموه: کسروه.

فَبِهذا السَّهُم قَلبُ *** السِّبْطِ ظُلْماً مَزَّقُوهُ

مَزِّقِي الأَحْشاءَ حُزْناً *** لذَوي القَلْبِ العَطُوفِ

***

وانْهَضِي يا بِنْتَ طه *** وَ ابْحَثِي بَیْنَ الرُّبُوعِ

خِنْصرُ السِّبطِ قَطِيعٌ *** ضَاعَ ما بَيْنَ الجُمُوعِ

و اطلُبِيْ بَيْنَ الضَّحَايَا *** جُنَّةَ الطَّفْلِ الرَّضِيعِ

وَ بِلُطْفٍ غَسْلِيها *** مِنْكِ بِالدَّمْعِ الذَّرُوفِ

***

كَانَ عَطَشاناً وَ لمّا *** رامَ ثَدْيَ المُرْضِعاتِ(1)

عِوَض الماءِ سَقَوْهُ *** بسِهامِ النّائباتِ

وَ عُيُونُ الطِّفْلِ كانَتْ *** شاخِصاتٍ للفُراتِ

فَخُذِیهِ وَدَعِیهِ *** عِندَ ذِي القَلْبِ الرَّؤُوفِ

***

وَ مَعَ القَتْلَى عَريسٌ *** لَم يَرَ عُرْساً هَنِيّا

بِدِماءٍ خَضَّبُوهُ *** وَ هُوَ ما زالَ فَتِیا

وَ شبَابٌ قَطَعُوهُ *** في الوَغَى يُدْعَى عَلِيا(2)

حَوْلَ مَنْ أَضحى رَهِينَ *** التربِ يا زَهراءُ طُوفي

ص: 33


1- رامَ: قصد.
2- الوغى: الحرب.

وَ شُيُوخٌ و شبَابٌ *** ناصَرُوا سِبْط الرَّسُولِ

جُزِّروا جَزْرَ الأَضاحِي *** فَوْقَ هاتِيكَ الرُّمُولِ(1)

وَ نُجومُ العِزِّ تَأْبى *** كُلَّ آثارٍ الأُفُولِ

وَ شَحُوا طِرْسَ الخُلُودِ *** بِجَمِيلاتِ الْحُرُوفِ(2)

***

وَ بِجَنْبِ النَّهْرِ شِلْو *** لأَيي الفَضْلِ وُجُودُ

مَزَّقَ الغَدْرُ كُلاها *** حِينَ حاطَتْهُ الحُشُودُ

خَرَّ لِلأَرْضِ صَرِيعاً *** حِينَ أَرْداهُ العَمُودُ(3)

فاندُبِي رَأْسا هَشيماً *** وَ لِمَقطوعِ الكُفوفِ

***

قَطّعوا کَفَّيْهِ غَدْراً *** عِندما لِلْماءِ أَحْضَرْ

كَيْ بهِ يَرْوِي قُلُوباً *** مِنْ ظَماها تَتَفَطَّرْ

و اذْخَرِيها كَيْ تَحُجّي *** قاطِعِيها يَوْمَ تُحْشَرُ

فَإِلهُ الكَوْنِ عَدْلاً *** لِعُهودِ الصَّبْرِيُوفي

***

ثُمَّ عُودِي لِلْخِیامِ *** وَ انْظُرِيْ حالَ اليتَامَى

وَ امْسَحِي فَوْقَ الرُّؤوسِ *** وَ اسْمَعِي نَوْحَ الأَيامَى

أَحْرَقَ القومُ خِباها *** أَلْهَبُوا القَلْبَ ضَراما

وَ لکِ الأَجْرُ علی ما *** مَرَّ مِن جَوْرِ الصُّرُوفِ

ص: 34


1- جزّروا: ذبحوا.
2- و شَحوا: ألبسوا الوشاح طِرْس: صحيفة.
3- أرداه: أهلكه.

قافیة القاف

اشارة

ص: 35

ص: 36

(1) يا للبتول علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ إبراهيم محمد جواد (*)(1)

لَهُفِي لِفَاطِمَةٍ قَدْ عَضَّهَا الرَّهَقُ *** فَالْعَيْنُ بَاكِيةُ و القَلبُ مُحْتَرِقُ

هَذا أَبُوها مُسَجِّى تَحْتَهُ طَبَقُ *** وَ عَنْ قَرِيبٍ يُوارِي جِسْمَهُ طَبَقُ

كَمْ كانَ يَرْفَعُها قَدْراً وَ مَنْزِلَةً *** كَمْ كَانَ يَمْطِرُها مِنْ كَفْهِ الْغَدَقُ(2)

فَالْيَوْمَ إِذْ أَطْبَقَتْ عَيْنَيْهِ غَائِلَة *** قَدْ اطْبَقَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْطَى بِهَا الْغَرَقُ

قَدْ أَقْبَلُوا يَسْرِقُونَ الْمَجْدِ مِنْ غَدِها *** وَ يَنْهَبُونَ وَ قَدْ أَوْدى بِهِمْ حَمَقُ

وَ يَرْشُقُونَ عَلَى أَبْوابِها حَطباً *** وَ يُضْرِمُونَ بِنَارِ الْحِقْدِ مَا رَشَقُوا

هَبْتُ إلى الْبَابِ تَرْمِي نَارَهُمْ بِنَدِّى *** قَدْراحَ يُطْفِتُها مِنْ سُحْبِها الْوَدَقُ(3)

ص: 37


1- (*) مرت ترجمته في الجزء الثالث.
2- الغدق: الماء الكثير. جاء في كتاب تهذيب التهذيب ج2 ص441: عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و في كتاب أسد الغابة لأبن الأثير ج5 ص523 قال: عن ابن عباس أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر قبَّل ابنته فاطمة علیها السلام. و في كتاب ذخائر العقبى ص36 قال: عن عائشة إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قبَّلُ يوماً نحر فاطمة علیها السلام فقلت له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فعلت شيئاً لم تفعله، فقال: يا عائشة إني إذا اشتقت إلى الجنة قبَّلت نحر فاطمة علیها السلام. و في كتاب بحار الأنوار ج43 ص23 قال: عن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي من سرَّها فقد سرَّني و من ساءها فقد ساءني. فاطمة علیها السلام أعزُّ الناس عليَّ . و في البحار أيضاً ج43 ص54 قال: عن مجاهد قال: خرج النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بيد فاطمة علیها السلام فقال: من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و هي بضعة منّي و هي قلبي و روحي التي بين جنبيَّ فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله».
3- الودق: المطر.

فَانحازَ ذُو أَنَقٍ وَ انْحَازَ ذُو حَنَقٍ *** وَ عاجَلَ الْبابَ مِنْهُ العُنْفُ وَ النَّزَقُ(1)

فَدَقْ أَضْلُعَها بِالبَابِ يَعْصِرُها *** وَ رَاحَ يَرْكُلُها قَوْمٌ غَداةَ شَقُوا(2)

يَا لِلْبَتُولِ وَ قَدْ صَارَتْ لَهُمْ غَرَضاً *** وَ كُلَّهُمْ فِي وَهادِ الْحِقْدِ قَدْ غَرِقُوا(3)

لِلْأَرْضِ قَدْ سَقَطَتْ قَدْ أَسْقَطَتْ دُرَراً *** مِنْ مُقْلَتَيْها وَ مِنْ أَحْشائِها تَلِقُ

وَ غَادَرَتْ «مُحْسِناً» مِنْ غَدْرِهِمْ مِزْقاً *** يَا لِلبَتُولِ وَ قَلْبُ الظُّهْرِ يَحْتَرِقُ(4)

غَصْبُ الْخِلافَةِ قَدْ أَعْمَى بَصَائِرَهُمْ *** لَوْلا الخِلافَة ما ضَلَّتْ بِهِمْ طُرُقُ

حَيْثُ المَطامِعُ تَحْدُوهُمْ إِلَى فَدَكٍ *** لِيَغْصِبُوها وَ إِنْ أَمْرَ السَّما خَرَقُوا(5)

ص: 38


1- النزق: العجلة في جهل و حمق.
2- في هذا البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام و ركلها بالأقدام من قبل المهاجمين. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 قال: و كان قنفذ «لعنه الله» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حین حالت بينه و بين زوجها- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت «صلوات الله عليها» من ذلك شهيدة و انظر كتاب الاحتجاج أيضاً ج1 ص109. و في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: «و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد على عمر و حزبه عصر عمر بین الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من أبي الخطاب و ابن قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها». و في كتاب البحار ج53 ص19 ضمن رواية طويلة قال: «و إدخال قنفذ يده «لعنه الله» یروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر وإسقاطها إياه فخرج عمر و خالد بن الوليد و قنفذ و عبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا خارج الدار و صاح أميرالمؤمنين علیه السلام بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءَها المخاض من الرفسة ورد الباب فأسقطت محسناً فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: فإنه لاحق بجدِّه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيشكو إليه الخ».
3- غرضا: هدفاً. الوهاد: الأراضي المنخفضة.
4- في هذين البيتين إشارة إلى سقوط المحسن علیه السلام بسبب هجوم القوم على الدار.
5- إشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام. انظر كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 و السيرة الحلبية ج3 ص487 و الاحتجاج ج1 ص131-144، و عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً مسند أحمد عن ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص 300.

حَبْلُ المَودَّةِ لِلْقُرْبَى قَدِ انْعَقَدَتْ *** فَما رَعَوْها (وَفَاضَ) الْحَقْدُ وَ الْحَنَقُ(1)

وَ أَغْضَبُوها وَ بَاتُوا غِبَّ غَضْبَتِها *** فِي حَيْرَةِ عَضَّهُمْ مِنْ خَوْفِهِمْ أَرَقُ(2)

وَ كَمْ تَباكَوْا وَ أَبْدَوْا عِنْدَها فَرَقاً *** فَمَا اسْتَجَابَتْ وَ لَمْ يُجِدِهِمُ الفَرَقُ(3)

مَضَوْا حَيَارَى وَ قَدْ ضَلَّتْ طَرائِقُهُمْ *** وَزَادَهُمْ رَهَقاً أَنْ حَضَهُمْ وَهَقُ(4)

ص: 39


1- في البيت إشارة إلى قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [الشورى الآية: 23]. حيث فرض الله مودتهم على المسلمين ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص25. قال: عن ابن عباس «رضي الله عنه» قال: لما نزلت: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قال: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام، ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467 و السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص7.
2- أرق: ذهب النوم عنه.
3- الفرقُ: الفزع في هذين البيتين إشارة إلى أنهم قد أغضبوا الزهراء (سلام الله عليها) و تباكيهم عندها طلباً للرضى ففي كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص14 قول الزهراء علیها السلام لأبي بكر و عمر: «أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لا تعرفانه و تفعلان به؟». قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحب فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني. قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: أرضاني و من فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي صلي الله علیه و آله و سلم لأشكونكما إليه، فقال أبوبكر: أنا عائذ بالله «تعالى» من سخطه و سخطك يا فاطمة علیها السلام ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول: واللَّه لأدعون اللَّه عليك في كل صلاة أصليها...» الخ . و في البحار ج43 ص199 في قول الزهراء علیها السلام لأبي بكر و عمر حين جاءا ليسترضياها علیها السلام «قالت: نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «فاطمة علیها السلام بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني؟ قالا: نعم فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما قد أذياني فأنا اشكوهما إليك و إلى رسولك صلي الله علیه و آله و سلم، لا والله لاأرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخبره بما صنعتها فيكون هو الحاكم فيكما. قال: فعند ذلك دعا أبوبكر بالويل و الثبور و جزع جزعاً شديداً فقال عمر: تجزع يا خليفة رسول الله من قول امرأة؟...» الخ.
4- وهق: حبل في طرفة أنشوطة في عنق الدابة حتى تؤخذ.

(2) من نور طه

(بحر الوافر)

الاستاذ أحمد رشيد مندو(*)(1)

إِذَا أَهْلُ العُلاَ رَامُوا السباقا *** بَنِي الزَّهْراءِ لاتَخْشَوْا لِحاقا

فَمَنْ فِي الْكَوْنِ يَلْحَقُكُمْ بِفَضْلٍ *** وَجَدُّكُمُ الَّذي رَكِبَ البُراقا؟

وَ حَلَّقَ فَوْقَ مِريخ البَرايا *** وَشَقَّ الحُجْبَ وَ السَّبْعَ الطِّباقا

وَ وَالِدُكُم أَخُوه أبُوتُرابٍ *** عَلىٌّ خَيْرُ مَنْ رَكِبَ العِتاقا(2)

وَ أَشْجَعُ مَنْ أَثَارَ النَّقَعَ فِيها *** وَهَرُ السُّمْرَ و البِيضَ الرِّقاقا(3)

وَ أَعْظَمُ كُلِّ أَهْلِ الْأَرْضِ كَرّاً *** إِذا رَحْبُ الوَغَى بِالأُسْدِ ضَاقا

وَ أَمْكُمُ التي مِنْ نُورِ طه *** إلَهُ الْعَرْشِ شاءَ لَها انْبِثاقا

و كانتْ بَضْعَةً زَهْراءُ مِنْهُ *** وَ أَفْضَلَ كلِّ مَنْ ضَرَبَتْ نِطاقا(4)

ص: 40


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- العتاق: الخيول الأصيلة.
3- السُّمْر: الرماح. البيض: السيوف.
4- نطاقا: والجمع النُّطق، شقةٌ تلبسها المرأة و تشدُّ وسطها فترسل الأعلى على الأسفل ينجر على الأرض. و في البيت إشارة إلى كونها بضعة من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أنها زهراء علیها السلام. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال: عن المسوَّر بن مخرمة قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و ذكره أبونعيم الأصفهاني في كتابه حلية الأولياء ج2 ص40. و ابن حجر في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة ج4 ص378. و أيضاً فى كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441. و في كتاب صحيح مسلم ج5 ص54 عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما هى فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها». و في كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي ج27 ص166 قال: قال صلي الله علیه و آله و سلم: «فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها». أما كونها زهراء علیها السلام: ففي كتاب بحار الأنوار ج43 ص12 كما في علل الشرائع ج1 ص215، عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سميت زهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض». و ذكره الصدوق في كتابه معاني الأخبار ص64 ح رقم 15 و قال أيضاً في الصفحة نفسها و قد روي: إنما سميت الزهراء علیها السلام لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته. و في البحار، ج43 ص16 قال: أبوهاشم العسكري: «سألت صاحب العسكر علیه السلام لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام الزهراء فقال: كان وجهها يزهر لأميرالمؤمنين علیه السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية و عند الزوال كالقمر المنير و عند غروب الشمس كالكوكب الدُّري.

وَ خَالِقُها غَدَاةَ عَلَى أَبِيكُمْ *** تَولَّى عَقْدَها وَ المَهْرَ ساقا(1)

أَصارَ بِيَوْمِها البَارِي تَعالى *** لها الجَنّاتِ في الدُّنيا صَداقا(2)

ص: 41


1- إشارة إلى تزويج الله «تعالى» فاطمة علیها السلام لعلي علیه السلام ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص32 قال: عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في المسجد إذ قال لعلي علیه السلام هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك فاطمة علیها السلام و استشهد على تزويجها أربعين ألف ملك. و في كتاب كنز العمال ج13 ص683 ح37753 قال: عن أنس قال: كنت قاعداً عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم فغشيه الوحي، فلما سُرِّي عنه قال: أتدري يا أنس ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قلت: بأبي أنت و أمي و ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قال: إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام. و في كتاب مجمع الزوائد و منبع الفوائد للحافظ الهيثمي ج9 ص207 قال: عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام. و ذكره ابن حجر الهيثمي في صواعقه المحرقة ص124. و في البحار، ج43 ص98 قال: عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله «تبارك و تعالى» آخى بيني وبين علي بن أبي طالب علیه السلام و زوجه ابنتي علیها السلام من فوق سبع سماواته و أشهد على ذلك مقربي ملائكته و جعله لي وصياً و خليفة فعلي مني و أنا منه محبه محبي و مبغضه مبغضي و إن الملائكة لتتقرب إلى الله بمحبته.
2- في البيت إشارة إلى صداق الزهراء علیها السلام من أنه كان الجنة. ففي البحار ج43 ص105 قال: عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن الله «تبارك وتعالى» أمهر فاطمة علیها السلام الدنيا، فربعها لها و أمهرها الجنة و النار تدخل أعداءها النار و تدخل أولياءها الجنة و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى. و في البحار أيضاً ج43 ص113 قال: و في الجلاء و الشفاء في خبر طويل عن الباقر علیه السلام: و جعلت نحلتها من علي خمس الدنيا و ثلث الجنة و جعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات، و نيل مصر و نهروان و نهر بلخ فزوجها أنت يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم بخمسمائة درهم تكون سنة لأمتك.

وَ يَوْمَ الحَشْرِ حَرَّمَها عَلَى مَنْ *** لَهَا نَصَبَ العَداوَةِ وَ الشّقاقا(1)

وَ لَمْ يَجْعَلْ إِلَهُكُمُ تَعالى *** لِمنْ آذاكُمُ فِيها خَلاقا(2)

وَ يَكْفِي أَنْتُمُ السَّاداتُ فيها *** عَلَى رَغم الألى اتَّبَعُوا النِّفاقا

وَ أَنْتُمْ عِتْرَةُ الْهَادِي وَ طه *** مَعَ القُرْآنِ خَلَّفَكُمْ رِفاقا

وَ خلَّفَهُ هُدًى مَعَكُمْ وَ عَنْكُمْ *** لِيَوْمِ الْحَشْرِ لايَرْضَى افْتِراقا

وَ فَضْلُكُمُ كَنُورِ الشَّمْسِ يَأْبَى *** يَرَى مِثلاً له وَ كَفَى فَواقا(3)

ص: 42


1- إشارة إلى ما روي من أن الجنة محرَّمة على من نصب العداوة لفاطمة الزهراء علیها السلام. ففي البحار ج22 ص491 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص63 قال: ضمن حديث طويل «والذي بعثني بالحق لأقومنّ بخصومة أعدائك، و ليندمنَّ قوم أخذوا حقك و قطعوا مودتك، و كذبوا عليّ و ليختلجنَّ دوني فأقول: أمتي أمتي فيقال: إنهم بدَّلوا بعدك و صاروا إلى السعير». و في كتاب فرائد السمطين ج2 ص67 كما في كتاب فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص73 قال: عن سلمان قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان من أحبّ فاطمة علیها السلام أبنتي فهو في الجنة معي، و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حبُ فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه و من غضبتْ عليه غضبتُ عليه و من غضبتُ عليه غضبَ الله عليه يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها. و في كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص352 قال: عن أبي بصير قال الصادق علیه السلام: «إن الله «تعالى» أمهر فاطمة علیها السلام ربع الدنيا، فربعها لها و مهرها الجنة و النار فتدخل أولياءها الجنة و أعداءها النار.
2- خلاقاً: نصيباً وافراً من الخير.
3- خواطر الواجب ص130.

(3) فاطم علیها السلام الجليلة

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن الدمستاني(*)(1)

هَلْ لِلَمَذْعِ الْجَوَى المُبرِّحِ رَاقِي؟ *** إِنَّ قَلْبِي بِنَارِهِ في احْتِراقِ(2)

صَعْدَ الوَجْدُ مُهْجَتي فَاسْتَحالَتْ *** عَبَرَاتٍ تَفِيضُ مِنْ آمَاقي(3)

و أطارتْ رِيحُ الصَّبَابَةِ رُوحِي *** فَلَها الآنَ عُلقَةٌ بِالتّراقِي

حَقَّ واللَّه أنْ أموتَ غَراماً *** لِمُصَابِي بِصِفْوَةِ الخَلاقِ

عِتْرَةِ الْمُصْطَفَى شُمُوسِ الْهُدَى بَلْ *** أَوْلِياءُ الْوَرَى عَلَى الإطلاقِ

سُلِبُوا سُلْطانَهُمْ فَاسْتَكَانوا *** سُوقةٌ في إمارَةِ الْفُسّاقِ(4)

نَكَثُوا بَيْعَةَ الْغَدِيرِ وَ أَطواق *** مَواثِيقِها عَلَى الأَعْنَاقِ

غَصَبُوا مَنْصِبَ الخِلافَةِ قَهْراً *** وَ اسْتَطَالُوا في عِزَةٍ وَ شِقَاقِ(5)

ص: 43


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الجَوَى المُبرِّح: الوجد الحزن الشديد المتعب.
3- آماقي: جمع مأق و هو مجرى الدمع من العين. و الوجد: شدة الحب أو الغضب.
4- سُوقة: الرعية من الناس يسقوقهم الملك حيث يشاء.
5- ورد في «الامامة و السياسة» ج1 ص13 ط الثالثة/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «...فأتى عمر أبابكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فقال أبوبكر لقنفذ -وهو مولى له-: اذهب فادع لي علياً علیه السلام. قال: فذهب إلى علي علیه السلام فقال له: ما حاجتك؟ فقال: يدعوك خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، فقال علي علیه السلام: لسريع ما كذبتم على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرجع فأبلغ الرسالة قال فبكى أبوبكر طويلاً، فقال عمر الثانية: لاتمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة فقال أبوبكر لقنفذ: عد إليه فقل له: خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك لتبايع فجاءه قنفذ فأدّى ما أمر به فرفع علي صوته فقال: سبحان الله لقد ادّعى ما ليس له فرجع قنفذ فأبلغ السالة فبكى أبوبكر طويلاً ثم قام عمر فمشى و معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة علیها السلام فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة؟ فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع و أكبادهم تنفطر». انظر: الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام من حبه عنوان «الصحيفة للهمداني ص534 ح11 ط3، مؤسسة أهل البيت علیهم السلام -بيروت.

زَوَّجُوهَا مِنْ غَيْرِ كَفْوِ وَ كَانَتْ *** تَحْتَ كُفْوِ مُهَذَّبِ الأَخْلاقِ

أَلَهُمْ فَسْخُ عَقْدِهَا حَيْثُ شَاؤوا؟ *** فَانْبَرتْ بائِنَا بِغَيْرِ طَلاقِ(1)

قَلدُوا أَمْرَهُمْ... وَ جَاؤوا *** تَحْتَ ظِلَّ الْمُجَرْداتِ الرِّقاقِ(2)

وَ ادْعَوْا بَعْدَهَا الوفاقَ وَ لاَرَيْب *** ظُبا الهِنْدِ جَالِبَاتُ الوِفاقِ(3)

لَسْتُ أَنْسَى إِذْ مَهْبِطُ الْوَحْيِ فِيهِمْ *** مُسْتَباحُ لِلهَتْكِ وَ الإحْراقِ(4)

بِأَبِي مَوثِق الأُسُودِ مُهَاناً *** مُسْتَضاماً مُلبَّباً في وِثَاقِ(5)

ص: 44


1- فَسخ عقدها: أبطله أو نقضه.
2- المجرَدات: السيوف.
3- جالبات: جلب أحضر الوفاق: الاتفاق.
4- في «إثبات الوصية» ص154-155 للمسعودي الهذلي ط2/ دارالأضواء -بيروت. «... فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه مكرهاً و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً و أخذوه بالبيعة فامتنع و قال: لاأفعل فقالوا: نقتلك، فقال: إن تقتلوني فإني عبدالله علیه السلام و أخو رسوله صلي الله علیه و آله و سلم...». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج2 ص579. بحار الأنوار ج28 ص308 ح50.
5- و الأبيات التي تليه في «تفسير العياشي» ج2 ص66 ح76: «ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً علیه السلام مليباً... قال: فأخرجوه من منزله ملبياً و مّروا به على قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فسمعته يقول: «يا بن أم إنَّ القوم استضعفوني» إلى آخر لآية. و جلس أبوبكر في سقيفة بني ساعدة، و قدم علي علیه السلام، فقال له عمر: بايع. فقال له علي علیه السلام: فإن أنا لم أفعل؟ فمه؟ فقال له عمر: إذا أضرب واللَّه عنقك. فقال له علي علیه السلام: إذا والله أكون عبد الله المقتول و أخا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال عمر: أما عبد الله المقتول فنعم و أما أخو رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلا، حتى قالها ثلاثاً، انظر «بحارالأنوار»، ج28 ص227 ح14.

قَائِلاً مِثْلَ قَوْلِ هَارُونَ لَمّا *** خَالَفَ القَوْمُ قَوْلَهُ بِاتِّفاقِ

إِنَّ قَوْمِي اسْتَضْعَفُونِي وَ كَادُوا *** يَقْتُلُونِي فَاللَّه لِي خَيْرُ وَاقِ

بِأَبِي فاطِمُ الجَلِيلةُ قَدْراً *** في احْتِقَارٍ وَ قَلْبُهَا فِي احْتِراقِ(1)

نَطقَتْها صُمُ السَّبَاطِ نِطَاقاً *** مَا سَمِعْنَا بِمِثْلِهِ مِنْ نِطَاقِ(2)

وَ لَقَدْ أَسْقَطَتْ بِمِصْرَاعِ بَابٍ *** حَمْلَهَا فَهيَ للأذى في اخْتِنَاقِ(3)

ص: 45


1- جاء في أمالي الصدوق ص99 ح2: «...كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلاتجاب و تستغيث فلا تغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية... ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص172 ح13.
2- جاء في «بحار الأنوار» ج53 ص18: «و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه...».
3- ديوان الدمستاني ص102.

(4) روحي فداها

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الأمير النصراوي(*)(1)

يا سِرُّ قَدْ هَامَتْ بِكَ الْعُشَاقُ *** يَا مَنْ إِلى نَيْلِ الْعُلَى سَبَاقُ

أفْدِيكَ في رُوحِي وَ كُلِّ جَوارِحِي *** قَلبي إِلَيْكَ عَلَى المَدَى تَواقُ

أَنْتَ العُلَى وَ في عُلاكَ تَفاخُرٌ *** وَ إلى سَماكَ تَهزُّنِي الأَشْواقُ

أَنْتَ أَبْنُ مَكّةَ مَنْ وُلِدْتَ بِبَطْنِها *** وَ عَلَى تُرابِكَ يَنْحَنِي العِمْلاقُ

أَنْتَ الْكِتَابُ وَ سِرُّهُ وَ بَيانُهُ *** بَلْ أَنْتَ مُعْجِزَةٌ لَهُ مِصْداقُ(2)

فِيكَ الْعُقُولُ تَحَيَّرتْ وَ تَبَصَّرَتْ *** وَ إِلَى عُلاكَ تَطاوَلَتْ أَعْناقُ

عَادَتْ مُطَاطِنَةً إِلَيْكَ رُؤُوسَها *** تَهْوِي عَلَيْكَ تَواضُعاً تَنْساقُ

فِي كُلِّ مَعْرَكَةٍ تَخُوضُ غِمَارَها *** وَ أَمَامَ بَأْسِكَ جُنْدُها أَوْراقُ

وَ تُحَتُمُ المَوْتَ الزوامَ عَلَى الْعِدَى *** تَقْضِي بها حُكْماً وَ أَنْتَ بُراقُ(3)

في حُبِّكَ المَولودُ يُولَدُ طَيِّبا *** طابَتْ بِه الآباءُ و الأَعْراقُ

وَإِلى صَرِيحِكَ كَمْ أنَا مُتَلَهُفٌ *** وَ إِلى مَزارِكَ كَمْ أَنَا مُشتاقُ

لكنَّنِي زُرْتُ البَقِيعَ بِلَهْفَةٍ *** وَ بِحَسْرَةِ رُوحِي إِلَيْهِ تُساقُ

فَسَأَلْتُ عَنْ قَبْرِ الْبَتُولَةِ فَاطِمٍ *** أَمْشِي وَ كُلُّ عَواطِفِي أَشواقُ

ص: 46


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- مصداق: فردّ يصدق عليه الكلّي العام.
3- الموت الزؤام: الريح.

قالُوا غَدًا ذاكَ الصَّرِيحُ مُغَيَّباً *** قَدْ غَيَّبَتْهُ غِوَايَةٌ وَ نِفَاقُ(1)

إِنَّ الألى غَصَبوا البَتُولَةَ حَقَّها *** مِنْ يَوْمِهِمْ بَدَتِ الدِّماءُ تُراقُ(2)

ص: 47


1- غواية: ضلال و في البيتين إشارة إلى تغييب قبر فاطمة الزهراء علیها السلام. و قد مرت الإشارة إليه سابقاً نقلاً عن كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج3، ص363. و ذكره المجلسي عنه في كتابه البحار ج43 ص183. و البحار أيضاً ج43 ص193. و كتاب ذخائر العقبى ص54. و كتاب البحار، ج43 ص212 نقلاً عن كتاب عيون المعجزات للسيد المرتضى، فراجع.
2- في البيت اشارة إلى اغتصاب فدك من الزهراء علیها السلام و ما جرّ وراءه من دماء ومآس. و قد مر ذكره سابقاً نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232، و ذكره الحلبي في السيرة الحلبية ج3 ص487، و الطبرسي في الاحتجاج، ج1 ص131-144 و قبله في ص119-122 و ذكره عبداللَّه البحراني في كتابه عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300، و في مجمع الزوائد/ ج9 ص49 بالإسناد عن عمر قال: لما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جئت أنا و أبوبكر إلى علي علیه السلام فقلت له: ما تقول في ترك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: نحن أحق الناس برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال: فقلت: والذي بخيبر؟ قال: والذي بخيبر. قلنا: والذي بفدك؟ قال: والذي بفدك. فقلت: أما والله حتى تحزّوا رقابنا بالمناشير فلا. و في فتوح البلدان، ص42 ، في كتاب المأمون إلى عامله على المدينة: و قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أعطى فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم «فدك» و تصدق بها عليها و كان ذلك أمراً ظاهراً معروضاً لاأختلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و في المعارف لابن قتيبة ص84: ومما نقم الناس على عثمان قطعه «فدك» لمروان و هي صدقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج1 ص198: و أقطع عثمان مروان فدك و قد كانت فاطمة علیها السلام طلبتها بعد وفاة أبيها علیها السلام تارة بالميراث و تارة بالنحلة فدفعت عنها. أقول: و للأميني «رحمة الله عليه» كلام رائع في معرض ردّه على ما تقدم في الحديثين السابقين: أنا لاأعرف كنه هذا القطع و حقيقة هذا العمل... فإن فدك إن كان فيئاً للمسلمين كما ادعاها أبوبكر فما وجه تخصيصه لمروان؟ و إن كان ميراثاً لآل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كما احتجت له الصديقة الطاهرة «سلام الله عليها» و احتج له أئمة الهدى في العترة الطاهرة و في مقدمهم سيدهم أميرالمؤمنين علیه السلام فليس مروان منهم و لاكان للخليفة فيه رفع و وضع و إن كان نحلة من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لبضعته الطاهرة فاطمة علیها السلام كما ادعته وشهد لها اميرالمؤمنين علیه السلام و ابناها الإمامان السبطان و أم أيمن المشهود لها بالجنة فردت شهادتهم بما لايرضي اللَّه و لارسوله صلي الله علیه و آله و سلم وإذا ردَّت شهادة أهل آية التطهير فبأي شيء يعتمد؟ و على أي حجة يعوّل؟ إن دام هذا و لم يحدث به غیر *** لم يبك ميت و لم يفرح بمولود فإن كانت فدك نحلة فأي مساس بها لمروان؟ و أي سلطة عليها لعثمان حتى يقطعها لأحد؟ الغدير ج8 ص237.

رُوحِي فِداها رُوِّعَتْ مِنْ ظُلْمِهِمْ *** وَ الظَّالِمُونَ لِرُشْدِهِمْ ما فاقُوا(1)

يَا سَيِّدِي قَسَماً عَلَيْكَ بِفَاطِمٍ *** أُمّ الأيمَةِ مَنْ لَهَا إِشْفَاقُ

يَا سَيِّدي كُنْ لي مُعِيناً في غَدٍ *** يَوْمَ الْمَمَاتِ إِذا يَحِينُ فِراقُ

ص: 48


1- إشارة إلى الظلم الذي أصاب الزهراء علیها السلام.

(5) الدرة العصماء

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الكريم صادق(*)(1)

كَمْ سارَ خَلْفُكَ يا عَلِيُّ الفَيْلَقُ *** وَ لِواءُ أَحْمَدَ فَوْقَ رَأْسِكَ يَحْفُقُ

وَ أَمَامَكَ الرُّعْبُ الَّذي كَمْ أُرْعِدَتْ *** مِنْهُ الفَرائِصُ وَ الصَّوارِمُ تَبْرقُ(2)

وَ غِرارُ سَيْفِكَ كَمْ غَدَتْ لِهَوِيِّهِ *** تَهْوي الرِّجالُ عَلَى الْوُجُوهِ وَ تُصْعَقُ

فتَطيرُ جُمْجُمَةٌ وَ يَنْدُرُ كَاهِلُ *** وَ سَواعِدٌ تَهْوِي وَ تَسْقُطُ أَسْوُقُ

وَ فُتوحُ أَحْمَد كُلُّها لَكَ تَنْتَمِي *** إِذ مِنْكَ فُضَّ رِتاجُها المُسْتَغْلِقُ

لَوْلاكَ مَا حَجَّ الحَجِيجُ مُلبياً *** وَ سَرَتْ بِهِمْ نَحوَ الْحُجُونِ الأَيْنُقُ

وَ عَلَا عَلَى الْبَيْتِ الْحَرامِ بِلالُهُمْ *** مِنْهُ الأذانُ بُيُوتَ مَكَّةَ يَخْرِقُ

وَ غَدا طَرِيدُ قُرَيْشٍ مالِكَ أَسْرِهِمْ *** وَ لِعَظفِهِ مَدُّوا الْعُيُونَ فَأَطْلَقُوا

وَ الشِّرْكَ أَنْتَ مَحقَّتَهُ وَ بكَ الهُدَى *** رَسَخَتْ قَواعِدُهُ التى لاتُمْحَقُ(3)

لَكَ هَذِهِ إِحْدَى مَنا قِبِكَ الّتي *** لَيْسَتْ تُعَدُّ و شَاوُها لايُلْحَقُ

كُمْ رَامَ قَوْمٌ دَرُكَ شَوْطِكَ في العُلى *** لكنَّهمْ طَلَبُوا المُحالَ فَأَخْفَقُوا

آخاكَ أَحْمَدُ يَوْمَ آحَى بَيْنَهُمْ *** وَ بِكُلِّ شَكْلٍ شَكْلُهُ هُوَ أَلْيَقُ

ص: 49


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أرْعَدت الفرائص: كناية عن الفزع الشديد و الفريصة هي اللحمة بين الجنب و الكتف أو بين الثدي و الكتف ترعد عند الفزع. الصوارم: السيوف . تبرق: تلمع.
3- لاتمحق: لا تُمْحَى.

وَ حَبَاكَ بالزَّهْرَاءِ إِذْ خُطَابُها *** رُدُّوا وَ قَدْ نَكَسُوا الرُّؤْوسَ وَ أَطرَقُوا

إذْ كُنْتَ وَحْدَكَ كُفأها وَ بَنُو الْوَرَى *** طُرّاً لِشَأْوِ مَقامِها لَمْ يَرْتَقُوا

هِي تِلْكَ سَيْدَةُ النِّسَاءِ وَ فَضْلُها *** كَالشَّمْسِ وَضَاحُ المَباسِم مُشْرِقُ(1)

وَ هْيَ التي مِنْ كُلِّ رَجُسٍ طُهَرَتْ *** فَالرّجُسُ في أَذْيالها لا يَعْلَقُ(2)

هِيَ رَبَّةُ الشَّرَفِ الأَصِيلِ وَ مَنْ لَها *** شِيمُ بِعَرْفِ شَذا النُّبُوَّةِ تَعْبَقُ(3)

و الدُّرَّةُ العَصْماءُ في التَّاجِ الذي *** لِلْفَخْرِ مِنْهُ غَدا يَزانُ المَفْرِقُ

وَ هْيَ الّتي في الأرضِ عَقْدُ زَواجِها *** فَرْعُ لَعَقْدٍ فِي السَّمَا هُوَ أَسْبَقُ(4)

راحيلُ يَخْطِبُ وَ المَلائِكُ شُهَّدٌ *** واللَّهَ يَمْهَرُها الجِنانَ و يَصْدِقُ

وَ الحورُ تَنْثُرُ فَوْقَهَا طُوبَى الحُلَى *** فَمُقَرِّطُ منها بها و مُطَوَّقُ(5)

ص: 50


1- في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج9 ص193 في حديث طويل: أنها سيدة نساء العالمين علیها السلام، و أنها عديلة مريم بنت عمران و أنها إذا مرت في الموقف نادى منادٍ من جهة العرش: «يا أهل الموقف غُضُّوا أبصاركم لتعبر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم». قال ابن أبي الحديد: و هذا من الأحاديث الصحيحة.
2- في كتاب البحار ج43 ص19 و 16 : عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیه السلام قال: إنما سُميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة» لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث، و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً.
3- تعبق: تفوح منها رائحة طيبة.
4- في كتاب تاريخ بغداد ج4 ص210 عن بلال بن حمامة بعض الإشارة إلى ذلك قال: خرج علينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ذات يوم ضاحكاً مستبشراً، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال: ما أضحكك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: بشارة أتتني من عند ربي. أن الله لمّا أراد أن يزوّج عليّا علیه السلام فاطمة علیها السلام أمر ملكاً أن يهز شجرة طوبى فهزّها، فنثرت رقاقاً. -يعني صكاكاً- و أنشأ الله ملائكة التقطوها، فإذا كان يوم القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلايرون محبّاً لنا أهل البيت علیهم السلام محضاً إلا دفعوا إليه منها كتاباً براءة من النار من أخي و ابن عمّي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من أمتي من النار. و انظر تفصيل ذلك في ذخائر العقبى للمحب الطبري ص32 وكنز العمال ج13 ص683 ح37753 و مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ج9 ص207 و الصواعق المحرقة لابن حجر ص124.
5- مقرّط: يُعطي الأقراط. مطوّق: يعطي الأطواق.

هِي تِلْكَ زَهْرَاءُ الْجَبِينِ فَنُورُها *** يُمْحَى بِهِ حَلَكُ الظَّلامِ المُطبِقُ(1)

كُمْ شَعَّ في مِحْرَابِها وَ اللَّيْلُ قَدْ *** أَرْخَى السُّدُولَ وَ دَمْعُها يَتَرقْرَقُ

هِيَ فيه راكِعةٌ و ساجدَةٌ *** وَ رَافِعةُ الدُّعاءِ لِرَبِّها تَتَحَرَّقُ

هِيَ مَنْ لَها مِنْهُ الشَّفَاعَةُ فِي غَدٍ *** فَتَفُكُ أَسْرَ الخاطِئِينَ و تُطْلِقُ(2)

وَإِلَى الْجِنانِ تُزَفُّ بِنْتُ محَمّدٍ *** زَفَّ الْعَرُوسِ وَ كُلُّ طَرْفٍ يَرْمُقُ

في هَوْدَجِ مِنْ جَوْهَرِ أَرْكَانُهُ *** وَ سِتارُهُ الدِّيباجُ و الإِسْتَبْرَقُ

وَ الحُورُ مِنْ طَرَبٍ تَميلُ و تَنْتَنِي *** رَقصاً وَ أَوْرَاقُ الجِنانِ تُصَفِّقُ(3)

ص: 51


1- حلك: السواد الشديد. و في البيت إشارة إلى ما روي في البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ثم أظلمت المشارق و المغارب فشكت الملائكة إلى الله «تعالى» أن يكشف عنهم تلك الظلمة، فتكلّم الله «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء» لأن نورها زهرت به السموات...
2- لعل مما يشير الى ذلك ما روي في كتاب سفينة البحار ج2 ص375 في حديث طويل عن الله «عزوجل»: يا فاطمة علیها السلام و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي أن أخلق السموات و الأرض بألفي عام أن لاأعذّب محبّيك و محبي عترتكِ بالنار.
3- في رحاب الخيام ديوان الشيخ عبد الكريم صادق ص131.

(7) في ساحة الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

عَلَى ذِمَم المُروءَةِ ما أُلاقي *** أُذَمُّ لَهَا وَ لاتَأْلُو رِهاقِي(2)

نَوَارٌ تَخْلِسُ الْحَسَنَاتِ مِنّي *** لِتُرْجِعَها إِلى بُغْضِ الشَّقاقِ(3)

وَ تُلْجِئُنِي الضَّرُورَةُ فِي كَثِيرٍ *** مِنَ الخَلَاتِ أَنْ أَنْسَى احْتِراقِي

وَ لَسْعُ الجَمْرِ يَنْخُرُ في أَتُونِي *** وَ نَارُ الْيَأْسِ تُصْلِي مِنْ حِداقي(4)

وَ لَيْسَتْ خُلَّتى فَرْكاً لِصَوْنِي *** وَ لاالتَّنْهِيزُ ضِئْراً مِنْ خَلاقِي(5)

أَرُومُ مِنْ مَناسبَ جاذَبَتْني *** إلى عُمقِ الْفَضِيلَةِ وَ اللّياقِ(6)

أَبَتْ دَهْياءَ كَاسِفَةً أَلَمَّتْ *** وَلَكِنْ فَاتَها شَمَاً خِناقي(7)

وَ لا أُدْلِي بِدَلْوِي في قَلِيبٍ *** تَأَسَّنَ مِنْ مُجاجَاتِ النِّفاق(8)

شَرِبْتُ دَمِي عَلَى ظَمأٍ حِذاراً *** مِنَ الْكَأْسِ المُرَنَّقِ في الدّهاقِ(9)

ص: 52


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- لاتألو: لاتقصد و لاتبطىء رهاقي: مفرده الرَّهَق و هو الإثم و التهمة أو الجهل و خفّة العقل.
3- نوار: المرأة النفور من الريبة تخلس: تسلب بمخاتلة و عاجلاً.
4- ينخر: يبلى و يتفتّت. أتون: موقد النار. تصلي: تحرق.
5- فركاً: بُغضاً. ضَأْز: بفتح الضاد هو الظلم و بكسرها هو النقص.
6- أروم: أصل الشيء أو الحسب.
7- دهياء: شديدة. كاسفة: عظيمة الهول شديدة الشرّ.
8- تأسّن: تغيّر -مُجاجات: عُصارات.
9- المرنّق: المكدّر. دهاق: ممتلئة.

وَ أَسْبَلْتُ الْجُفُونَ وَ قَدْ تَلالَتْ *** قَنادِيل بأطياف رِقاقِ

يُواعِدْنَ الْمُذَذِبَ بِالأَمانِي *** وَ يُوعِدْنَ المُخاتِلَ بِالمِحَاقِ(1)

وَ يَنْثُرْنَ الحَدَائِقَ زَاهِياتٍ *** عَلَى مُقَلٍ مُلَبَّدَةٍ طِباقِ

فيا عَجبي لِشِدْقِ الذُّنْبِ يُخْفِي *** نَواجِدَهُ وَ يَركَنُ لِلْوِفاقِ(2)

وَ يَا أَسْفِي عَلَى الأحلام ألاّ *** أُعَيْف طَيْرَهُنَّ إِلَى المَراقِي

وَ يَا قَدَمَيَّ أنْ تَطَارِ مَالاً *** عَلَى الرَّمْضَاءِ دَامِيَةَ الْمُساقِ؟

لَشَلَّتْكِ الخُطُوبُ وَ لاأُبالي *** وَ لَوْ كُنَّ الأوابِدُ مِنْ رِفاقي

وَ خُضْتُ بِكِ الْمَنايا كَالِحاتٍ *** وَ لَوْ جُوبِهتُ مِنْ ضُنَنِ الإباقِ(3)

أُذِيقُكِ مِنْ وَجَا أَلَمِ التَخَطَّي *** عَلَى حَسَكِ التَّغَرُّبِ في الزَّقاقِ

وَ أَبْلُو مِنْكِ في الكَبَواتِ صَبْراً *** يُبَرِّحُ غِبَّ أَوْ شَابِ المَذاقِ(4)

أَلَسْتِ عَلَى المَحَجَّةِ مِنْ وَلاءٍ *** لآلِ الْبَيْتِ وَ القمَمِ السِّماقِ

فَكُونِي نِدَّ شَأْوِكِ فِي هَواهُمْ *** وَ لُزِّي خَيْرَ خَيْلِكِ لِلسِّباقِ

ويا لسِناً تَجَلْبَبَ مِنْ يَرَاعِ *** وَ وَرَّثَ مِنْ بَلاغاتٍ عِتاقِ(5)

هُنا في ساحَةِ الزَّهْرَاءِ يَحْلُو *** طِرادُكَ فَالْتَمِسُ جُنْحَ البُراقِ

و حُتَّ خيارَ شِعْرِكَ في هَواها *** بِمَضَمَارَيْنِ مُحْتَرِمٍ وَ بَاقي(6)

ص: 53


1- المخاتِل: المخادع. المحاق: المحو و البطلان.
2- شدق الذئب: الشدق زاوية الفم من باطن الخدّين.
3- کالحات: عابسات مُتَكَشِّرات. ضُنَن: شجعان. الإباق: العبيد الهاربون من سادتهم.
4- الكبوات: الأنكبابات على الوجه. الأوشاب: أخلاط الناس و أوباشهم.
5- لَسِناً: بليغاً فصيحاً. يراع: القصب الذي يزمّر به الراعي.
6- حُتَّ: أُسْقِطَ -مخترم: هالك.

تَرَى الدُّنيا مُوَثَقَةً عُراها *** وَ آلُ الْبَيْتِ خَيْرُ عُرا وِثاقِ(1)

وَ مَنْ وَالَى البَتُولَ وَ لاذَمِنْها *** إِلى أُفُقِ الفَضِيلَةِ وَ الوفاقِ

يُثَابُ الجَنَّتَيْنِ عَلَى هَواها *** رِضَاءِ اللَّهَ وَ الذِّكْرِ البَواقِي

وَ يَا عَيْنُ امْنَجِي الزَّهراءَ دَمْعاً *** فَواتِقُهُ تَجِلُ عَنِ الرِّتاقِ

فَمَا أَشْنا الحِباسَكِ في الطَّوايا *** وَ مَا أخرَى انْهمَا لَكِ في المَاقِي

ص: 54


1- عُراها: جمع العروة و هي الشجر الملتف أو ما يُوثَق أو ما يُعوّل عليه أو النفيس من المال، و هذا هو المقصود أو ما يوثق به هو المقصود.

(7) يا رب جئتك أشتكي

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

يَوْماً بِهِ تُطوى السَّما مِنْ بَعْدِ ما *** تُمْحَى ثَواقِبُها مِنَ الآفاقِ(2)

وَ الْخَلْقُ تُحْشَرُ في صعيدٍ واحدٍ *** يَغْلي و ليس لَهُمْ به مِنْ وَاقِي

وَ بِه إلى الْجَبَّارِ تَأْتِي فاطمٌ *** مِنْ حُزْنِها مَشْقُوقَةَ الأَزْيَاقِ(3)

تَدْعُو و أَدْمُعُها عَلَى وَ جَناتِها *** لِمُصابها تَجْرِي مِنَ الآماقِ(4)

يا رَبِّ جئْتُكَ أَشْتَكِي مَغْصُوبَةٌ *** مِنْ إِرْثِ طهَ َوالِدِي اسْتحقاقِي(5)

ص: 55


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- ثواقبها: النجوم المضيئة.
3- الأزياق: جمع الزّيق و هو من الثوب ما أحاط منه بالعنق و ما كُفَّ من جانب الجيب.
4- آماق: مجاري الدموع من العيون. و في البيت إشارة إلى وقوف فاطمة الزهراء علیها السلام يوم القيامة و تظلّمها إلى الله «تعالى». ففي كتاب البحار، ج43 ص219 قال: ضمن حديث طويل «غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، فلايبقى يومئذٍ نبي و لارسول صلي الله علیه و آله و سلم و لاصديق و لاشهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة علیها السلام فتسير حتى تحاذي عرش ربها «جل جلاله» فتنزخ بنفسها عن ناقتها و تقول: الهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله» يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تُعطي، و اشفعي تشفّعي فوعزتي و جلالي لايجازني ظلم ظالم فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي و محبّي ذريتي». و في البحار أيضاً ج43 ص222 عن كتاب ثواب الأعمال قال: عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يمثّل الفاطمة علیها السلام رأس الحسين علیه السلام متشحطاً بدمه فتصيح واولداه واثمرة فؤاداه فتصعق الملائكة لصيحة فاطمة علیها السلام و ينادي أهل القيامة: قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة علیها السلام...». و ذكره ابن شهر آشوب في المناقب ج3 ص327.
5- إشارة إلى اغتصاب إرث فاطمة علیها السلام و قد مرت الإشارة إليه مفصلاً نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232 و السيرة الحلبية للحلبى ج3 ص487 و غيرها انظر قافية الفاء القصيدة (1).

وَ بِمَنْزِلِي هَجَمُوا عَلَيَّ وَ أَخْرَجُوا *** مِنْهُ عَليّاً طيب الأَعْراقِ(1)

مِنْ دارِهِ ساقُوهُ وَ هُوَ مُلَبَّبٌ *** مُتَكَاثِرِينَ عَلَيْهِ، أَي مَساقِ

فَرَجَعْتُ كاظِمَةً وَ لَمْ يُصْغَ إلى *** قَوْلِي وَ فَاضَتْ بالدُّموع أماقِي

فَتَتبَّعوا بِالْقَتْلِ إبْنَاهُ وَ لَمْ *** تُبْقِ لَهُمْ عُصَبُ الضَّلالِ بَواقي

قَتَلُوا ابنهُ الحَسَنَ الزَّكيَّ الْمُجْتَبَى *** بالسُّمُ يَا رَبَّاهُ بَعْدَ فِراقي

وَ بِكَرْبَلا قَتَلُوا حُسَيْناً ظَامِناً *** و الما بِخُمْسِ الْأَرْضِ كَانَ صَداقي(2)

وَ مُخَدَّراتِي شَهْرُوها بَعْدَهُ *** مشقوقَةَ الأَزْياقِ في الأَسْواق

يَسْتَرْنَ بِالأَيْدِي الوُجوهَ لأَنَّها *** عَن أَعْيُنِ الأعْدا بِغَيْرِ رِواقِ(3)

ص: 56


1- إشارة إلى هجوم القوم على دار الزهراء علیها السلام انظر کتاب سلیم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109، و كتاب البحار ج53 ص19، فراجع.
2- الما: مخفف الماء للضرورة الشعرية. و في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج3 ص351. و في كتاب بحار الأنوار ج43 ص113 عنه قال: كافي الكليني: «زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم من جرد برد، و قيل للنبي صلي الله علیه و آله و سلم: و قد علمنا مهر فاطمة علیها السلام في الأرض فما مهرها في السماء؟ قال: سل عما يعنيك ودع ما لايعنيك قيل هذا مما يعنينا يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: كان مهرها في السماء خمس الأرض فمن مشى عليها مبغضاً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة. و في الجلاء والشفاء في خبر طويل عن الباقر علیه السلام: و جعلت نحلتها من علي خمس الدنيا و ثلثي الجنة، و جعلت لها في الأرض أربعة أنهار الفرات، و نيل مصر و نهروان، و نهر بلخ فزوجها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم بخمسمائة درهم تكون سنّة لأمتك. و في حديث خباب بن الأرت: ثم قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: زوجت ابنتي فاطمة علیها السلام منك بأمر الله «تعالى» على صداق خمس الأرض و أربعمائة و ثمانين درهماً الآجل خمس الأرض و العاجل أربعمائة و ثمانين درهما. و قد روي حديث خمس الأرض عن الصادق علیه السلام من يعقوب بن شعيب. إسحاق بن عمار وأبو بصير قال الصادق علیه السلام: إن الله «تعالى» مهر فاطمة ریع الدنیا فربعها لها و مهرها الجنة و النار فتدخل أولياءها الجنة و أعداءها النار.
3- الرَّواق: الستر أو الفسطاط.

زَفَرَاتُها المُتَرادِفاتُ طَعَامُها *** وَ شَرابُها مِنْ دَمْعِها المُهْراقِ

تُطوى بها بيدُ الشهولِ هَدِيَّةً *** لِيَزيدَ وَ هُيَ عَلَى ظُهُورِ نِياقِ

وَ كَريمُ كافِلِها يَلُوحُ أمامها *** يَحْكِي بُدورَ التِّمْ بالإشَراقِ

فَإِذَا رَأَتْهُ تَناثَرَتْ عَبَراتُها *** أَسَفاً عَلَيْهِ دَماً مِنَ الأَحْداقِ

و عَلَيلُهَا زَيْنُ العِبَادِ مُصَفَّداً *** مُصنِّى أسيراً في أشدّ وثَاقِ

يَدْعُو الحَوادِي وَيْلَ أَمْكُمُ ارْحَمُوا *** ذُلّي فَإِنَّ القَيْدَ جَرَّحَ سَاقِي

فَتُساقُ أَعْداها إلى أقْصى لَظَى *** مَغْلُولةَ الأَيْدِي إِلَى الأَعْنَاقِ(1)(2)

ص: 57


1- إشارة إلى أن أعداء الزهراء علیها السلام و ظالميها يساقون يوم القيامة إلى النار. انظر كتاب البحار ج22 ص491 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص63. و كتاب فرائد السمطين ج2 ص67 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص73 ، و كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص352 فراجع.
2- «ديوان الشيخ ملا علي آل رمضان ص21، و القصيدة في (53) بيتاً أخذنا منها ما نحن بصدده.

ص: 58

قافیة الکاف

اشارة

ص: 59

ص: 60

(1) عليك سلام اللَّه

(بحر الطويل)

الأستاذ عبد العزيز العندليب(*)(1)

علَيْكِ سَلامُ الله في يَوْمِ ذِكْراكِ *** وَ رَحْمَتُهُ يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الزَّاكِي(2)

وَ يا (لَيْلَةَ القَدْرِ) التي دُونَ قَدْرِها *** وَ إدراك معنى كُنْهِ ما كُلُّ إِدراكِ(3)

وَ يا آيةَ (الفَجْرِ) الذي نَسَمَاتُهُ *** إلى أَبَدِ الآبادِ تُنْبِي بِرَيَّاكِ(4)

وَما قَدْرُ قَوْلي فِيكِ يا خيرةَ النِّسا *** وَ رَبُّكِ عَنْ مَدْحَ البَرِيَّةِ أَغْناكِ(5)

وَ ذُلِكَ إِذْ أَثنى عَلَيْكِ مُمَجْداً *** بِمُحْكَمِ آيَاتِ الكِتابِ فَأَعْلاكِ

ص: 61


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- لعل هذا إشارة إلى ما جاء في (صحيح مسلم) المجلد (5) الطبعة الأولى (1987) ص54 ح94 عن المسوّر بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها».
3- كنه: ذات و حقيقة الشيء. و لعله أشار في هذا البيت إلى الرواية الواردة في (تفسير فرات) ج2 ص581 ح747 ط مؤسسة النعمان/ لبنان -بيروت: «عن أبي عبد الله أنه قال: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» الليلة فاطمة علیها السلام و القدر اللَّه فمن عرف فاطمة علیها السلام حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر و إنما سمّيت فاطمة علیها السلام لأن الخلق فطموا عن معرفتها...«تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا» و الملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و الروح القدس هي فاطمة علیها السلام.
4- بريّاك: بريحك الطيبة.
5- قريب من هذا -خيرة النسوان- الرواية المذكورة في كنز العمال ج12 ص102 ح34191،/الرسالة/ بيروت عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: خير رجالكم علي بن أبي طالب علیه السلام و خير شبابكم الحسن و الحسين علیهما السلام و خير نسائكم فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم...».

فَفِي (آيَةِ القُرْبَى) بِفَرْضِ مَوَدَّةٍ *** و (هَلْ أَتى) بَعْضُ الذي هُوَ آتاكِ(1)

وَ أَذْهَبَ قِدْماً عَنْكِ كُلَّ دَنِيَّةٍ *** وَ صَفَاكِ عَمَّا عُدَّ رِجْساً و أَصْفاكِ(2)

وَ لَقَبَكِ المُخْتَارُ (سيدة النسا) *** وَ بِالعِزَّ وَ العَلْياءِ و المَجْدِ أَوْلاكِ(3)

فَنِلْتِ مِنَ الفَخْرِ التَّلِيدِ بِأَحْمَدٍ (صلي الله علیه و آله و سلم) *** وَ حُزْتِ مِنَ الفَضْل الطَّرِيفِ بِتَقْوَاكِ(4)

وَ لَمْ أَرَ في مَعْناكِ وَصْفاً وَ إِنَّما *** يَتِيهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ فِي وَصْفِ مَعْناكِ

ص: 62


1- جاء في [ينابيع المودة] ص229 ط الأولى في إيران انتشارات الشريف الرضي ج1: «عن ابن عباس: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام و إن الله «تعالى» جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي علیهم السلام و إني سائلكم غداً عنهم...». و في «روح المعاني» تفسير الآلوسي ج29 ص157 ط/ دار إحياء التراث العربي -بيروت: «...فلما أصبحوا أخذ علي علیه السلام الحسن و الحسين علیهما السلام و أقبلوا إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ورآهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: يا أبا الحسن علیه السلام ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم و قام فانطلق معهم إلى فاطمة علیها السلام فرآها في محرابها قد التصق بطنها بظهرها و غارت عيناها من شدة الجوع فرق لذلك علیه السلام و ساءه ذلك فهبط جبريل علیه السلام فقال: خذها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم هناكَ الله «تعالى» في أهل بيتك قال و ما أخذ يا جبريل؟ فأقرأه «هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ...» السورة.
2- جاء في «كشف الغمة» ج2 ص83 ط/ دار الكتاب الاسلامي -بيروت: «... عن نافع بن أبي الحمراء قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثمانية أشهر إذا خرج إلى صلاة الغداة مرّ بباب فاطمة علیها السلام فقال : السلام عليكم يا أهل البيت «ورحمة الله وبركاته» الصلاة «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب آية: 43].
3- لعله إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب «أمالي الصدوق» ص245 حاشية رقم 12 ط الخامسة 1980 مؤسسة الأعلمي/ بيروت: «عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: ابنتي فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين.
4- التليد: القديم. و في كتاب «المناقب» ج3 ص323 ط/ مؤسسة انتشارات علامة قم -المطبعة العلمية- «سأل بزل الهروي الحسين بن روح (رضي الله عنه) فقال: كم بنات رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ فقال: أربع فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: فاطمة علیها السلام، قال: و لمَ صارت أفضل و كانت أصغرهن سنّاً و أقلهنّ صحبة لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: لخصلتين خصها الله بهما، إنها ورثت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و نسل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها و لم يخصها بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيتّها...».

وَ ما اللَّيْلُ إلا مِنْ حَيائِكَ آيَةٌ *** وَ ما الصُّبْحُ إِلا لَمْعَةٌ مِنْ مُحيَّاكِ(1)

وَ أَنْتِ لِخَيْرِ الخَلْقِ فِي الحَقِّ كَوْثَرٌ *** بِرَغْم عَدُوٍّ شانِي جِدَّ أَفَاكِ(2)

فأَعْطَاهُ مِنْكِ الله نَسْلاً مباركاً *** وَ فِيكِ لَهُ النُّعْمى واللَّه نُعْماكِ

فيا مَطلَعَ الأَقْمارِ في أُفُقِ الهُدَى *** تَبَدَّدَ مِنْ أنْوَارِها كُلُّ إحْلاكِ(3)

وَ يا مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ وَ الدُّرِّ فِيهِما *** وَ يا مَنْبِتَ الأَزْهَارِ مِنْ دُونِ أَشْواكِ

حَباكِ الَّذِي سَوَّاكِ ذاتاً كَريمةً *** فَسُبْحانَهُ مِنْ جَوْهَرِ القُدْس سَوَاكِ(4)

و خَصَّكِ منه بالمَكارِمِ كُلِّهَا *** وَ كُلُّ المَعالِي وَ المَحامِدِ أَعْطَاكِ(5)

ص: 63


1- محياك: وجهك.
2- شانیء: مبغض مع العداوة. أفاك: كذاب. و جاء في التفسير الكبير للفخر الرازي ج32 ص124 ط 2 ، دار الكتب العلمية طهران -و البيت الذي يليه، في تفسير سورة الكوثر. «... هذه السورة إنما نزلت رداً على من عابه علیه السلام بعدم الأولاد فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلىء منهم و لم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به. ثم انظر كم كان فيهم من .به ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر و الصادق و الكاظم و الرضا علیهم السلام و النفس الزكية...». و جاء أيضاً في «تفسير الميزان» ج20 ص371 ط2/ مؤسسة الأعلمي في تفسير السورة نفسها ما نصه: «... و الجملة لاتخلو من دلالة على أن ولد فاطمة علیها السلام ذريته صلي الله علیه و آله و سلم و هذا نفسه من ملاحم القرآن الكريم فقد كثر الله «تعالى» نسله بعده كثرة لايعادلهم فيها أي نسل آخر مع ما نزل عليهم من نوائب وأفنى جموعهم من المقاتل الذريعة.».
3- تبدَّد: انكشف و تفرق. إحلاك: شدة السواد (الظلام).
4- جاء في بحار الأنوار ج43 ص8 ح11 ط/ الثانية -مؤسسة الوفاء منقولة عن (عيون المعجزات). «قال عمار: فخرج أميرالمؤمنين علیه السلام و خرجت بخروجه فولج عليٌّ على فاطمة علیها السلام و ولجت معه فقالت: كأنك رجعت إلى أبي صلي الله علیه و آله و سلم فأخبرته بما قلته لك؟ قال: كان كذلك يا فاطمة علیها السلام فقالت: اعلم يا أبا الحسن علیه السلام أن الله «تعالى» خلق نوري و كان يسبح الله «جل جلاله» ثمَّ أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة أوصى الله «تعالى» إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة و أدرها في لهواتك ففعل فأودعني الله «سبحانه» صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني و أنا من ذلك النور أعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله «تعالى»، انظر أيضاً «عوالم سيدة النساء» ج1 ص18 ح1.
5- في بحار الأنوار ج43 ص17 ح16 ط2 مؤسسة الوفاء عن كتاب (إرشاد القلوب): «عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: كانت الملائكة تسبح الله و تقدسه فقال الله: و عزتي و جلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم و تقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة و أبيها و بعلها و بنيها...». و جاءت الرواية في (عوالم سيدة النساء) ج1 ص17-18 ح1 أيضاً.

يَتِيهُ ذَوُو الْأَلْبابِ في وَصْفِ مَعْناكِ *** وَ يَعْيا الوَرَى عَنْ ذِكْرِ بَعْضِ سَجاياكِ(1)

وَ حَسْبكِ أَنَّ الله يَسْخَطُ لِلَّذِي *** سَخَطَتِ وَ يَرْضَى بِالَّذِي كَانَ أَرْضاكِ(2)

و ما ابْنَةُ عِمْرَانٍ بِرَغْمِ جَلالِها *** لِتَرْقَى إِلَى أَدْنَى مَاتِبِ مَرْقاكِ(3)

و ما أُمَّ إِسْمَاعِيلَ (هاجَرُ) في العُلَى *** بِبالِغَةٍ مِعْشَارَ مِعْشَارِ عَلْيَاكِ(4)

وَ كَيْفَ وَ خَيْرُ المُرْسَلِينَ مُحَمَّدٌ (صلي الله علیه و آله و سلم) *** أَبُوكِ وَ سِبْطاهُ الإمامانِ إبْناكِ؟

و ما في النِّسا في العالَمِينَ بِأَسْرِها *** لِحَيْدَرَةِ كُفْو إلى الحَشْرِ لَوْلاكِ(5)

وَ أَنْتِ وِعاءُ لِلإِمَامَةِ فَالأُلى *** هُمُ صَفْوَةُ البارِي مِنَ الخَلْقِ أَبْناكِ(6)

ص: 64


1- يعيا: يعجز و يكل.
2- و لعله إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب ينابيع المودة ج1 ص314 ط الأولى/ إيران/ انتشارات الشريف الرضي. «...فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه، و من غضبت عليه (ابنتي فاطمة علیها السلام) غضبت عليه و من غضبت عليه غضب الله عليه، يا سلمان ویل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها».
3- جاء في «معاني الأخبار للصدوق» ص107-1- ط/ منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة: «عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام: «إنها سيدة نساء العالمين» أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال: ذلك لمريم كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
4- في كتاب أمالي الصدوق ص393 ط الخامسة مؤسسة الأعلمي -بيروت: «...فأيما إمرأة صلت في اليوم و الليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجّت بيت الله الحرام، و زكّت مالها و أطاعت زوجها و والت عليّاً علیه السلام بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي و إنها لسيدة نساء العالمين. فقيل يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال له ذاك لمريم بنت عمران فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين».
5- في الرواية الواردة في «دلائل الإمامة» للطبري ص10 ط الثالثة/ منشورات الرضا علیه السلام/ قم: «قال أبوعبدالله علیه السلام: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام تزوّجها لما كان لها كفؤ على وجه الأرض إلى يوم القيامة من آدم فمن دونه».
6- جاء في دلائل الإمامة للطبري ص8- ط3/ منشورات الرضا علیه السلام قم، عن الصادق علیه السلام: فدخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوماً فسمع فاطمة علیها السلام تحدث خديجة علیها السلام، فقال: يا خديجة علیها السلام من يحدثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني. فقال: يا خديجة علیها السلام: هذا جبرئيل يبشرني بأنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و أن الله تبارك و تعالى سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة...».

وَ هُمْ حُحَجُ البارِي تَعَالى عَلَى الوَرَى *** فما كانَ أَسْمَاهُمْ بِحَقِّ وَ أَسْماكِ(1)

وَ لا عَجَباً أَنْ كانَ يَدْعُوكِ أَحْمَدٌ(صلي الله علیه و آله و سلم) *** بأمَّ أَبِيها فَهُوَ بِالصِّدْقِ سَمَاكِ(2)

فَعِتْرَةُ طَهَ نَفْسُهُ دُونَ رِيبَةٍ *** وَ لَيْسَ لَهُمْ أُمّ و لا رَيْبَ الآكِ(3)

فيا بَضْعَةَ الهادِي الأمينِ تَحِيَّةٌ *** مبارَكَةٌ في عِيدِ مَوْلِدِكِ الزَّاكي(4)

ص: 65


1- ورد في «عوالم سيدة النساء» ج1 ص107 ح1 ط/ الثالثة نشر مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. «قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن الله جعل علياً و زوجته و أبناءه حجج الله على خلقه و هم أبواب العلم في أمتي من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم».
2- ورد في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ج 12 ص 440 ط الأولى- دار صادر/ بيروت: «فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تكنّى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام.»
3- جاء في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص1029 ح 1 ط الثالثة/ مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: ... عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن الله «عز وجل» نظر إلى الأرض ثالثة فاختار منها أحد عشر إماماً... و أمهم فاطمة علیها السلام ابنتي...».
4- (الأبيات التي تلته لعلها إشارة إلى الرواية المذكورة في «أمالي الصدوق»/ ط الخامسة (1980م) منشورات الأعلمي ص475: «عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ فقال: نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوّج بها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هجرتها نسوة مكة فكن لايدخلن عليها و لايسلمن عليها و لايتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة علیها السلام لذلك و كان جزعها و غمّها حذراً عليه صلى الله عليه و آله و سلم فلما حملت بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبِّرها و كانت تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: يا خديجة علیها السلام من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني. قال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن الله «تبارك و تعالى» سيجعل نسلي منها. و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه. فلم تزل خديجة علیها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش و بني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها: أنت عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمداً صلي الله علیه و آله و سلم يتيم أبي طالب فقيراً لامال له فلسنا نجيء و لانلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة علیها السلام لذلك: فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهن: لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربّك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا الله لنلي منك ما تلي النساء من النساء فجلست واحدة عن يمينها و أخرى عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها فوضعت فاطمة طاهرة علیها السلام،مطهَّرة، فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور و دخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة وإبريق من الجنة و في الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر و أخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن و أطيب ريحاً من المسك و العنبر فلفتها بواحدة وقنّعتها بالثانية ثم أستنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام بالشهادتين و قالت: أشهد أن لا إله إلا الله و أن أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط، ثم سلَّمت عليهن و سمَّت كل واحدة منهن باسمها و أقبلن يضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك و قالت النسوة خذيها يا خديجة علیها السلام طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها قدر عليها...

أَتَيْتِ فَعَمَّ الكَوْنَ نُورٌ وَذبَهْجَةٌ *** وَفاحَ عَلَى الدُّنْيا أَرِيجُ الهُدَى الذَّاكِي(1)

وَ قَدْ بَعَثَ الرَّحْمَنُ حُورَ جِنانِهِ *** وَ خَيْرَ نِساءِ الخُلْدِ كَيْ تَتَلَقَّاكِ

وَ قالَ لَهُنَّ اهْبِطَنَّ بالبِشْرِ وَ الهَنا *** إلى بَيْتِ طَهَ (صلي الله علیه و آله و سلم) وَ هْوَ مَهْبِطُ أَمْلاكِ

فَجِئْنَ وَبَلَّغْنَ السَّلامَ (خَدِيجَةٌ) *** وَ قُلْنَ لَها بُورِكْتِ فَالْخَيْرُ و افاكِ

فلا تَحْزَنِي وَ اسْتَبْشِرِي بِوَلِيدَةٍ *** مُبارَكَةٍ مَيْمُونَةٍ هِيَ زَهْراكِ

بِفاطِمَةٍ خَيْرِ النِّساءِ وَ إِنَّها *** هِيَ التَّحْفَةُ المُهْداةُ مِنْ عِندِ مَوْلاكِ

وَذِي أُمُّنا حَوْا، وَها أَنا مَرْيَمٌ *** وَ تلكَ صَفُوراءٌ وَ هاجَرُ أُخْتاكِ

أَتيْنا نَلِي عِنْدَ الوِلادَةِ مِنْكِ ما *** تَلِيهِ النّساءُ مِمَّنْ يَلِدْنَ فَبُشْراكِ

فَوَلَّدْنَها وَ الكَوْنُ يَعْمُرهُ السّنا *** وَقَرَّ رَسُولُ الله (صلي الله علیه و آله و سلم) عَيْناً بِلُقياكِ

فيا بنتَ خَيْرِ الخَلْقِ مِنْ وُلْدِ آدَمٍ *** عَلَيْكِ سلامُ الله في يَوْمِ ذِكْراكِ

ص: 66


1- الأريج: الرائحة الطيبة. الزاكي: ساطع الرائحة.

و يا نَفَراً ما كانَ لَوْلاً وَجُودُهُمْ *** سَماء وَ لاالأَرْضُ وَ لادُورُ أَفْلاكِ(1)

غَدا حُبُّكُمْ مِنْ أَضْلَعِي مُتَمَكِّناً *** وَ سارَ بها كالكهرباء بِأَسْلاكِ

وَ حَسْبِيَ أَنِّي في الوَلاءِ مُوَحُدٌ *** لَكُمْ وَ أرى في الغَيْرِ مِدْحَاةَ إِشْرَاكِ

عليكُمُ سَلامُ الله ما ذَرَّ شارِقٌ *** وَ ما ناحَتِ القُمْرِي شَجُواً عَلَى الرّاكِ(2)

لَقَدْ فَازَ مَنْ والاكِ يا بَضْعَةَ الهُدَى *** وَ قَدْ خَابَ يَوْمَ الحَشْرِ مَنْ كانَ ناواكِ(3)

و تَعْساً لقوم ضَيْعُوا فِيكِ أَحْمَداً *** وَ ما قَالَهُ إِذْ كَدَّرُوا صَفْوَ دُنياكِ(4)

ص: 67


1- لعله أشار إلى الرواية المذكورة في عوالم سيدة النساء ج1 ص22 ح4 ط3 - تحقيق و نشر مؤسسة الإمام المهدي عج الله فرجه الشریف المنقولة عن فرائد السمطين ج1 ص36 «... قال : هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنة و لاالنار و لاالعرش و لاالكرسي و لاالسماء و لاالأرض و لاالملائكة و لاالإنس و لاالجن...».
2- ذرّ: طلع. القمري: ضرب من الحمام حسن الصوت.
3- ناواك: عاداك و أصلها ناوأك. و ورد في «تفسير فرات الكوفي» تحقيق محمد كاظم مؤسسة النعمان 1992 بيروت ج1 ص269 حاشية رقم362. «... إني ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه و إني جعلت تعزيتك اليوم أن لاأنظر في محاسبة العباد حتى تدخلي الجنة أنت و ذريتك و شيعتك و من أولاكم معروفاً ممن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد فتدخل فاطمة علیها السلام ابنتي الجنة و ذريتها و شيعتها و من أولاها معروفا ممن ليس من شيعتها.».
4- في «أمالي الصدوق» ص99-100 منشورات الأعلمي طه (1980م). «عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان جالساً ذات يوم... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث فلاتزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة وتتذكر فراقي أُخرى و تستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين ثم يبتدي بها الوجع فتمرض فيبعث الله عز وجل إليها مريم بنت عمران تمرضها و تؤنسها في علتها فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت الحياة و تبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي فيلحقها الله «عزوجل» فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلل من أذلها و خلد في النار من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها فتقول الملائكة عند ذلك آمين.».

تَجرَّعَتِ أصناف الأذى مِنْ عِصابَةٍ *** أَرَتْكِ مِنَ الظَّيْمِ الكَثِير فَأَضْناكِ(1)

فَقَدْ حاوَلُوا أَنْ يَمْنَعُوكِ عَنِ البُكا *** عَلى المُصْطَفَى المختارِ إذْ طَالَ مَبْكاكِ(2)

كما منعوك الإِرْثَ في (فَدَكِ) و قَدْ *** أَتاهُمْ بِهِ الوَحْيُ المُؤَيِّدُ دَعْواكِ(3)

و كَمْ أَظْهَرُوا مِنْ خِشَةٍ وَدَناءَةٍ *** فما كانَ أَدْنَاهُمْ نُفوساً وَ أَعْلاكِ(4)

ص: 68


1- الضيم: الظلم. أضناك: أضعفك و أهزلك. يوضع ما جاء في هذا البيت أصناف الأذى و الألم اللذين عانتهما الزهراء علیها السلام على أيدي الظالمين.
2- في «بحار الأنوار» ج43 ص174 (15) ط الثالثة مؤسسة الوفاء/بيروت: «... ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقأ دمعتها و لاتهدأ. زفرتها و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب، معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال: حباً و كرامة فأقبل أميرالمؤمنين علیه اللسام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينقطع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً. فقالت علیه السلام: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: علي علیه السلام: افعلي یا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما بدا لك.».
3- انظر «الاحتجاج» للطبرسي ج1 ص119 ط دار النعمان (1966م).
4- في «أمالي الطوسي» ط الثانية ص 207 مؤسسة الوفاء ربما تؤكد معناه: «إن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها «صلوات الله عليها».... فلما خبا نور الدين و قبض النبي صلي اللله علیه و آله و سلم الأمين نطقا بفورهما و نفثا بسورهما و أدلاً بفدك فيا لها لمن ملك تلك، إنها عطية الرب الأعلى للنجيّ الأوفى و لقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله و نسلي و إنها ليعلم الله و شهادة أمينة فإن انتزعا منّي البلغة و منعاني اللمظة و احتسبتها يوم الحشر زلفة، و ليجدنها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم.».

و ما كانَ أَقْسَى القَوْمِ حِينَ تَجَمَّعوا *** عَلَيْكِ وَ بِالنِّيرانِ أُخْرِقَ مَأْواكِ(1)

و إِذْ أَسْقَطُوا مِنْكِ الجَنِينَ وَ يا لَهُ *** مُصابٌ جَليلٌ قد دهاكِ فَأَوْهَاكِ(2)

إلى أَنْ قَضَيْتِ النَّحْبَ بِالحُزْنِ وَ الأَسَى *** وَ أَخْفى عَلِيٌّ خِيفَةَ القَوْمِ مَثْواكِ(3)

لَئِنْ يَكُ لايُدْرَى لِقَبْرِكِ مَوْضِعٌ *** فَقَبْرُكِ فِعْلاً في قُلُوبِ أَحِبَاكِ

ص: 69


1- انظر «الاحتجاج» ج ا ط دار النعمان ص109 تعليقات محمد باقر الخرسان.
2- أوهاك: أوهنك و أضعفك.
3- في «روضة الواعظين» للنيسابوري الطبعة الأولى (1986م) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ص167: «و روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله وسلم المعصبة الرأس ناحلة الجسم منهدّة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله وسلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة في كل ساعة و حين تذكره و تذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليها فيعظم حزنها و تنظر مرة إلى الحسن علیه السلام و مرة إلى الحسين علیه السلام و هما بين يديها علیها السلام فتقول: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة؟ بعد مرة أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما؟ فلايدعكما تمشيان على الأرض فإنا للَّه و إنا إليه راجعون... ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم أعدائي و أعداء رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم و أن لايصلي عليّ أحد منهم و لا من أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى من الليل، أخرجها علي علیه السلام و الحسن و الحسين علیهما السلام و عمار و عقيل و المقداد و الزبير و أباذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم ،و خواصه صلوا عليها، و دفنوها في جوف الليل و سوّى عليٍّ حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها.».

(2) غصب فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الغني الحر العاملي(*)(1)

ص: 70


1- (*)هو الشيخ عبد الغني ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ أحمد بن محمد بن محمود بن محمد الحر العاملي. عالم فاضل جليل الشأن و شاعر مكثر، لاسيما في مدح ورثاء أهل البيت عليهم السلام. نقل العلامة الشيخ محمد الحر، عن سيرة والده رحمه اللَّه قال: كان لايمرُّ يوم من الأيام إلّا و ينظم من الشعر عشرات الأبيات، و قد ألزم نفسه بنظم كل يوم قصيدة كاملة. فملكته الشعرية و حافظته القوية و سرعة البديهة مضرب المثل، و قد نقل أحد تلاميذه قال: كان الشيخ عبد الغني يدرُّسنا رسائل الشيخ الأنصاري عن ظهر الغيب و يحفظ العبارة بنصها، كما كان يحفظ أحاديث الكتب الأربعة و يستظهرها تماماً كما كان يحفظ القرآن الكريم و نهج البلاغة، ومقامات الحريري ومقامات بديع الزمان الهمداني، وعندما يتلو بعض الفصول يهتز لها إعجاباً بها. و أيضاً ينقل عنه أخدانه و معاصروه فيقولون: كنا نقرأ عليه القصيدة كاملة مرة واحدة فيحفظها و يقول ولده: أما الذي أدركته منه في أواخر عمره، فقد قرأتُ عليه قصيدة تتكون من ستين بيتاً و هو يرغب أن يحفظها، قال: اقرأ علىَّ منها ثلاثين بيتاً فقط، فقرأت فأعادها علي حفظاً، ثم قرأت عليه ثلاثين بيتاً بعدها فأعادها عليَّ حفظاً، و يقول ولده: إن مجموع ما نظمه لايقل عن أربعة آلاف قصيدة، و أكثرها في صاحب الأمر الحجة بن الحسن (عج الله تعالی فرجه الشریف). و نقل أيضاً بعض الاكتشافات و التجليات و الكرامات التي تدل على روحانيته و شدة ولائه و عقيدته و منها يظهر إيمانه الراسخ بالفكرة و المبدأ. و نقل عن العلامة الجليل السيد عبد الرؤوف فضل اللَّه أنه قد سمع من المرجع الديني الورع السيد عبد الهادي الشيرازي «رحمه اللَّه» أنه كان يتحدث عن المترجَم له و يقول: إن ولاء الشيخ عبد الغني الحر و حبَّه لآل محمد صلي الله علیه و آله و سلم، لو وزّع على جميع أهل البلد لما دخل أحد منهم النار. طبع له (منتظم الدرر في مدح الإمام المنتظر). توفي يوم الثلاثاء منتصف محرم الحرام سنة (1358ه_) و دفن في النجف الأشرف في الإيوان الذهبي في الصحن العلوي الشريف على نازله «ألف تحية وسلام».

قَدْ أَطالَ السُّهادَ طُولُ نَواكا *** فَمَتى تَسْعَدُ الوَرى بِلِقاكا؟

وَ أَسالَ القُلُوبَ منّا عُيوناً *** مُعْصراتٍ مِنَ العُيُونِ هَواكا؟(1)

يا إمامَ الهُدَى وَ خَيْرَ مَلِيكٍ *** جَعَلَ الله جُنْدَهُ الأَمْلاكا

غِبْتَ عَنْ أَنْفُسٍ قَضَتْ فيكَ صَبْراً *** وَ هُيَ مُشتاقة إلى مَرْآكا

إلى أن يقول :

فقضى المُصْطَفَى عَظِيمَ مُصابٍ *** جَلَّ خَطْبٌ دَهَى الهُدَى و دهاكا

أنَبِيُّ أُنِيبَ في فادحاتٍ *** ما أُنِيبَ النَّبِيُّ لا وعُلاكا

ما لَقِي المُرْسَلُونَ في الدَّهْرِ إِلَّا *** بَعْضَ بَلْوَى مُحَمَّدٍ وَ بَلاكا

بَثَّ فِي قَوْمِهِ الهُدَى فَعَدَوْهُ *** عَنْ فُسُوقٍ كَمَنْ ضَلالاً عِدَاكَا

أَوَ تَنْسَى ما أَحْدَثُوهُ قَدِيماً *** وَ حَدِيثاً مِن الشّقاقِ انْتِهاكا

أَوَ تَنْسَى حاشاك ما قَدْ جَنَى الجِبْتَانِ *** فِي غَصْبِ فاطم حاشاكا(2)

أَوَ تَنْسَى إِذْ لَبَّبُوا صِنْوَطه *** و أَباحا حِمَى الوَصِيِّ حِماكا(3)

أَوَ تَنْسَى إِذْ أَوْقَفاهُ مُقاداً *** مُوثَقاً في بُنُودِهِ إمْساكا

فَدَعَا بِالنَّبِي دَعْوَةً هارونَ *** لِموسَى إِذْ كَانَ هَذا كَذاكا

قَائِلاً: يَابْنَ أُمِّ وَ البَضْعَةُ الزَّهْراءُ *** تَقْفُو الوَصِيَّ عدواً أباكا(4)

ص: 71


1- مُعْصرات: ممطرات.
2- يشير في هذا البيت إلى غصب فدك من الزهراء علیها السلام. انظر مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232، و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487 ، و كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص131-144، و كتاب عوالم العلوم ج 2 ص626 نقله عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص 300، و الاحتجاج أيضاً ج1 ص119-122.
3- لَيَبَوه: أخذوه بتلابيبه و جرّوه صِنّو: الأخ الشقيق.
4- يشير الشاعر في هذا البيت إلى خروج الزهراء علیها السلام خلف الإمام علي علیه السلام حين أخرجوه إلى البیعة نقلاً عن كتاب تفسير العياشي ج 2 ص66-67 و كتاب بحار الأنوار، ج28 ص227.

هؤلاء المَلا قَدِ اسْتَضْعَفُونِي *** كَوَصِيِّ الكَلِيمِ عِندَ أُولاكا

ما دَرَوْا أَنَّكَ ابْنُ أُمِّي قُرْباً *** حَيْثُ أُدْعَى دونَ الأَنامِ أَخاكا

أَنْكَرُونِي مِنْ بَعْدِ أَنْ عَرَفُونِي *** آنفاً أَنَّني هُدًى مُرْتَضاكا

جَهِلُوا مِنكَ مَنْزِلِي بَعْدَعِلْمٍ *** مِنْهُمُ أنَّ لِي مُقامَ عُلاكا

وَدَروْا أَنَّنِي الأَمِيرُ عَلَيْهِمْ *** يَوْمَ حُمُ إِذْ بايَعُونِي هُناكَا

نَكَثُوا عَهْدَكَ الوَثِيقَ انْتِقاضاً *** وَ بِسُخْطِ الإِلهِ باؤُوا ائتِفاكا

غادَرُونِي غَدْراً حليف شُجُونٍ *** حَيْثُ قَدْ أَعْرَضَ الوَرَى عَنْ هُداكا

وَ أَرادُوا إطْفاءَ نُورِكَ بَغْياً *** و أبى رَبُّكَ انْطِفَاءَ سَناكا(1)

ما كَفَاهُمُ عَزْلي عَنِ الحَقِّ حَتَّى *** غَصَبُوا فاطِماً وَ أَعْفَوْا بِناكَا

مَزَّقُوا الصَّكَّ وَ اسْتَباحُوا حِمَى *** رِبِّكَ في هَضْمٍ فاطِمٍ و حِماكا(2)

وَ أَراعَ الجِبْتَانِ بِنتَكَ ظُلماً *** وَ يتَرْويعِها أَسَى رَوَّعاكا

أَوْجَعاها بِالسَّوْطِ قَرْعاً وَ ضَرْباً *** مُؤلِماً جِسْمَها كَما أَوْجَعاها(3)

جَرَّعاها كَأْساً أمر من الصّابِ *** مَذاقاً كَما الرَّدى جَرَّعاکا(4)

ص: 72


1- سَناك: ضياءَك.
2- في هذين البيتين إشارة إلى اغتصاب فدك و تمزيق عمر الكتاب الذي كتبه أبوبكر للزهراء علیها السلام. و قد مر تفصيل ذلك نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232 ، و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487 ، و كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص131- 144، و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقله عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300، و كتاب الاحتجاج أيضاً ج1 ص119-122.
3- و في هذين البيتين إشارة إلى ترويع الزهراء علیها السلام و ضربها بالسياط يوم الهجوم على الدار. أنظر ما ورد عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و كتاب البحار، ج53 ص19.
4- الصاب: شجر مرّ المذاق.

كَيْفَ يَابْنَ الوَصِيِّ لاتضْرِم النَّارَ *** على مَنْ لظى الأَسَى أَصْلَياكا(1)

أو تَنْسى إذ أَضْرَما النَّارَ بالبابِ *** وَ عَصْرَ البابِ الّذي أشْجاكا

کَسَرا ضِلْع فاطِمٍ أسْقَطاها *** مُحْيِناً هَیّجا أَساها هُناکا(2)

غادَراها عَلِيلَةَ الجِسْمِ غَدْراً *** مِنْ عَناها لا تَسْتَطيعُ حِراكا

فَقَضَتُ بالشُّجُونِ وَ الظُّلْمَ مِمَّنْ *** عَنْ مُوالِيكَ نَيْراً غَيْباكا

قَدْ قَضَتْ نَحْبَها نَحيباً مِنَ الجِبْتَيْنِ *** تَيْمِ الضَّلالِ وَ ابْنِ صَهاکا(3)(4)

ص: 73


1- أَصْلَياك: أدخلاك في اللظى و اللهيب و نار الأسى.
2- في هذين البيتين إشارة إلى إحراق دار فاطمة علیها السلام و عصرها خلف الباب و كسر ضلعها و إسقاط جنينها. انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و ص208 ، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109، و كتاب البحار، ج53 ص19، و في البلد/الأمين ص278 ورد في ظلامتها في الزيارة الشريفة: قف بالروضة و قل: السلام عليك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... السلام على ابنتك الصدّيقة الطاهرة علیها السلام.. السلام عليك يا فاطمة علیها السلام يا سيدة نساء العالمين... السلام عليك أيتها البتول الشهيدة علیها السلام. لعن الله مانعك إرتك و دافعك عن حقك و الراد عليك قولك لعن الله أشياعهم و أتباعهم و ألحقهم بعدك الجحيم... صلى الله عليك و على أبيك صلي الله علیه و آله و سلم و بعلك و ولدك الأئمة الراشدين علیهم السلام و رحمة الله و بركاته.
3- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى الأحزان و العلل و الأسقام التي أصابت الزهراء علیها السلام بعد أبيها صلي الله علیه و آله و سلم. ففي كتاب الكافي كما في البحار ج43 ص195 قال هشام بن سالم: عن أبي عبد الله علیه السلام قال : سمعته يقول: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً لم تر كاشرة و لاضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين، الاثنين و الخميس فتقول: ههنا كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ههنا كان المشركون. و في ص196 قال: عن عمرو بن دينار عن الباقر علیه السلام: قال ما رئيت فاطمة علیها السلام ضاحكة قط منذ قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى قبضت. و قال العسقلاني في فتح الباري ج9 ص201 كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص195 قال: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبراً.
4- نقل من ديوان الشيخ عبد الغني الحر و المسمى (منتظم (الدرر) والقصيدة من (432) بيت و قد أخذنا ما نحن بصدده و في هذه القصيدة يذكر الإمام المنتظر «عجل الله فرجه».

(3) لا يطيبُ المديحُ إلّا فيك

(بحر الخفيف)

الأستاذ عبد القادر الجيلاني

لاَ وَربِّي، وَ حَقِّ طه أَبِيكِ *** لايَطِيبُ المَديحُ إلّا فيكِ

بَضْعَةُ المُصْطَفى وَ للجزءِ حُكْمُ الكُلِّ *** يُرْضِيهِ كُلُّ ما يُرْضِيكِ(1)

فَلْذَةٌ مِنْهُ فِي المَشاعِر و الإحساس *** يُؤذِيهِ كُلُّ ما يُؤذِيكِ(2)

إنْ بَدَتْ مَسْحَةٌ مِنَ الحُزنِ يَوْماً *** في مُحَياكِ شُوهِدَتْ في أَبِيكِ(3)

وَحدةُ الذَّاتِ لِمْ يَنلُها انْفِصامٌ *** وَ هُيَ سِرٌّ وَرَثْتِهِ لِبَنِيكِ

***

ص: 74


1- في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص332 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم- المطبعة العلمية بقم: «...إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي يرضيني ما أرضاها و يسخطني ما أسخطها...».
2- في كتاب الجامع الصحيح و هو سنن الترمذي، ج5 ص699 حديث 3869ط المكتبة الإسلامية. تحقيق و تعليق ابراهيم عطوة عوض: «عن عبد الله بن الزبير عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: ...إنها -فاطمة علیها السلام- بضعة مني يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها...».
3- قد يريد في هذين البيتين الإشارة إلى الرواية الواردة في كتاب كشف الغمة ج2 ص124 ط دار الكتاب الإسلامي بيروت: «... ثم قال صلي الله علیه و آله و سلم: يا بنية أنت المظلومة بعدي و أنت المستضعفة بعدي، فمن آذاك فقد آذاني و من غاظك فقد غاظني... و من ظلمك فقد ظلمني لأنّك مني و أنا منك و أنت بضعة منّي و روحي التي بين جنبيّ...».

أنتِ شِبْهُ النَّبِيِّ في كُلِّ شَيْءٍ *** يَشْهَدُونَ النَّبِيَّ إِن شاهَدُوكِ(1)

أنتِ رَيْحَانَةُ النَّبِيِّ إذا ما *** شَمَّهَا سُر، كَيْفَ لا يُدْنِيكِ؟(2)

حينما تُقبِلينَ يَنْهَضُ مَسْرُو *** راٌ وَ مِنْ بَحْرِ عَظفِهِ يَرُويكِ

رُتْبةٌ دُونَها المَراتِبُ فِي القُرب *** وَ فَضْلٌ منَ الإِلهِ المَليكِ(3)

رُتْبةٌ الخرَجَتْ ضَعَائِنَ أَقْوامٍ *** فَبَثُوا الأَحقادَ بالتَّشكِيكِ(4)

***

ص: 75


1- جاء في كتاب الجامع الصحيح و هو سنن الترمذي» ج5 ص700 حديث 3872 ط المكتبة الإسلامية رواية تؤكد هذا المعنى و هي: «عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً و دلاً و هدياً برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في قيامها و قعودها من فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. قالت و كانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه و آله و سلم قام إليها فقبَّلها و أجلسها في مجلسه و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم ما إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبِّلته و أجلسته في مجلسها...».
2- في تفسير فرات الكوفي ج1 ص75 ح49-31 ط مؤسسة النعمان- بيروت: «عن حذيفة بن اليمان قال: دخلت عائشة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هو يقبل فاطمة علیها السلام و قالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أتقبلها و هى ذات بعل؟ فقال لها: أما واللَّه لو عرفت و ودّي لها لازددت لها ودّاً إنه لما عرّج بي إلى السماء الرابعة... ثم تقدمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد و أحلى من العسل فأخذت رطبة فأكلتها و أنا أشتهيها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي فلما هبطت إلى الأرض و اقعت خديجة علیها السلام فحملت بفاطمة علیها السلام ففاطمة علیها السلام حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة علیها السلام.
3- (و البيت الذي يليه) ربما إشارة إلى ما ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص1186 ح2. منقولاً عن كتاب الثاقب في المناقب. روي عن سلمان قال: أتيت ذات يوم منزل فاطمة علیها السلام في حديث إلى أن قال -قال: «والذي بعثني بالرسالة و اصطفاني بالنبوة صلي الله علیه و آله و سلم، قد حَرَّم الله تعالى النار على لحم فاطمة علیها السلام و دمها و شعرها و عصبها و عظمها و ذريتها و شيعتها. إن من نسل فاطمة علیها السلام من النار و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و تضرب الجن بين يديه بالسيف و يوافي إليه الأنبياء بعهودهم و تسلّم إليه الأرض كنوزها و ينزل عليه من السماء بركات ما فيها. الويل لمن شك في فضل فاطمة علیها السلام، لعن الله من يبغضها و يبغض بعلها و لم يرض بإمامة ولدها. إن لفاطمة علیها السلام يوم القيامة موقفاً و لشيعتها موقفاً و إن فاطمة علیها السلام تدعى و تكسى و تشفع فتشفع على رغم كل راغم».
4- ضغائن: أحقاد.

فَسَّرُوا قَوْلَهُ «المودةَ في القُرْبى *** بِقُرْبَى الجَمِيعِ، لا بِذَوِيكِ

و أَحادِيثَ أَنْكَرُوها وَ أُخْرَىٰ *** ضَعَّفُوها لأَنَّها تَعْنِيكِ

حَسَداً مِنْهُمْ وَجَهْلاً فَلَوْلا *** جَهْلُهُمْ بِالمَقامِ ما حَسَدُوكِ

لَوْ أَحَبُّوا أَباكِ حَقّاً أَحَبُّو *** لكِ ويَقْلِيهِ كُلٌّ مَنْ يَقْلِيكِ(1)

فَهِمُوا مِنْ «لَوْ أَنَّ فاطمَ» فَهُماً *** وَ مِنْ جَهْلِهِمْ بِهِ انْتَقَصُوكِ

ضَرَبَ المُصْطَفَى بكِ المَثَلَ الأعْلَى *** و هذا التَّفْضِيلُ لَوْ أَنْصَفُوكِ

***

ثُمَّ قَالُوا أَزْواجُهُ «أَهْلُ بَيْتِ» *** قَدَّرُوهُنَّ بالَّذي قَدَّرُوكِ

وَ«حديثُ الكِساءِ» خَصَّصَ مَعْنى *** الآلِ فِي ابْنَيْكِ و الوَصِيِّ وَ فِيكِ(2)

وَ «حَدِيثُ الكساءِ» حِصْنٌ مَنيعٌ *** وَ هُوَ سُورٌ من كلِّ «رِجْسِ» یَقیِکِ

وَ «حَديثُ الكساءِ» تاجُ مِنَ المُختارِ *** يُزْرِي بتاج كُل المُلُوكِ

وَ دَلِيلُ التَّطْهِيرتاجٌ من اللَّهِ *** فَتِيهي بِفَضْلِ مَنْ تَوَجُوكِ(3)

هُمْ مِنَ «الرِّجْسِ» طَهَّروكِ فَطُهُرْتِ *** وَ هُمْ عَنْ جَهَنَّمَ فَطَمُوكِ(4)

***

ص: 76


1- يَقْلِيك: يبغضك.
2- ما جاء في كتاب ذخائر العقبى، ص23 للطبري ط مؤسسة الوفاء -بيروت. يشير إلى مضمون هذه الأبيات: «...و عنها (أم سلمة) قالت كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم عندنا منكساً رأسه فعملت له فاطمة علیها السلام حريرة فجاءت و معها حسن وحسين علیهما السلام فقال لها النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أين زوجك اذهبي فادعيه فجاءت به فأكلوا فأخذ كساءً فأداره عليهم و أمسك طرفه بيده اليسرى ثم رفع اليمني إلى السماء و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و حامتي و خاصتي اللهم أذهب عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيراً أنا حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم عدو لمن عاداهم...».
3- تيهي: افتخري و اعتزي بنفسك. و جاء في كتاب ذخائر العقبى، ص23 رواية تؤكد على من نزلت آية التطهير: «و عنها -أم سلمة- قالت: في بيتي أنزلت «ِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ» قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى فاطمة و علي و الحسن و الحسين علیهم السلام فقال: هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أما أنا من أهل البيت علیهم السلام. قال بلى إن شاء الله «تعالى»».
4- فطموك: قطعوك.

قَدْ قَضَى اللهُ أَنْ يُتِمَّ بكمْ نُورَ *** هُداهُ بالرغم من شانِتيكِ(1)

أنتِ كالبَحْرِ في العَطاءِ و أَوْلادُكِ *** كالدُّرِّ مالِئاً شاطِيكِ

قدْ دَعا المُصْطَفَى بأنْ يُخْرِجَ اللَّهُ *** كَثِيراً من نَسْلِكِ المَبْرُوكِ(2)

فَكَأَنِّي بِهِ يُهَمْهِمُ يَدْعُو *** في لَيالِي الزَّفافِ إِذْ يَحْبُوكِ

بِدُعاءِ الأَبِ الشَّفِيقٍ ويُولِي *** زَوْجَكِ المُرْتَضَى بما يُولِيكِ

أنتِ آثَرْتِهِ بِخُبْزِ وَ قَدْجاعَ *** ثَلاثاً وَ لَيْسَ بالمَنْهُوكِ(3)

و بلا خادِم صَبَرْتِ على البيتِ *** و بالصَّبْرِ دائماً يُوصِيكِ(4)

وَ الرَّحَى أَثْرَتْ بِكَفَّيكِ لَوْ تَدْري *** الرَّحَى من تَمَسُّها تَقْدِيكِ

ص: 77


1- شانئيك: مبغضيك مع عداوة و سوء خلق. و جاء في كتاب بحار الأنوار، ج53 ص18 ط2 مؤسسة الوفاء -بيروت: «و قولها : ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللَّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور اللَّه؟ واللَّه متم نوره...».
2- في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص356 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم -المطبعة العلمية: «...فسأل علياً: كيف وجدت أهلك؟ قال: نعم العون على طاعة اللَّه و سأل فاطمة علیها السلام فقالت: خير بعل. فقال: اللهم اجمع شملهما و ألف بين قلوبهما و اجعلهما و ذريتهما من ورثة جنة النعيم و ارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة و اجعل في ذريتهما البركة و اجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك و يأمرون بما يرضيك، ثم أمر بخروج أسماء و قال: جزاك اللَّه خيراً. ثم خلا بها بإشارة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم...».
3- المنهوك: نهك من الطعام أي بالغ في أكله، و قد يكون بمعنى المضني و الدَنفِ إشارة لما ورد في كتاب المناقب، ج3 ص333 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم المطبعة العلمية: «عن أبي الصولي قال عبد الله بن الحسن: دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على فاطمة علیها السلام فقدمت له كسرة يابسة من خبز شعير فأفطر عليها ثم قال: يا بنية هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيام، فجعلت فاطمة علیها السلام تبكي و رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يمسح وجهها بيده...».
4- جاء في كتاب ذخائر العقبى ص50 ط مؤسسة الوفاء بيروت (1980م). «عن أم سلمة قالت: جاءت فاطمة علیها السلام تشتكي أثر الخدمة و تسأله خادماً قالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لقد مجلت يداي من الرّحى أطحن مرة و أعجن مرة فقال لها: إن يرزقك الله شيئاً سيأتيك و سأدلك على خير من ذلك...».

و أَسرَّ النَّبِيُّ في ساعَةِ الكَرْبِ *** فَأَبْكاك، ما الذي يُبْكِيكِ؟(1)

قدْ أَلِفَتِ الحَياةَ بالقُرْبِ مِنْهُ **** فَتَاثَرْتِ بالفِراقِ الوَشِيكِ

ثُمَّ أَدْناكِ ثانياً فتَبسَّمْتِ *** فَهذا أَبُوكِ يَسْتَرْضِيكِ

باللّحاقِ السَّرِيعِ بَعْدَ شُهورٍ *** كُلُّ شَيْءٍ يَهُونُ بعدَأَبِيكِ

***

تِلْكَ َو اللَّهِ رُتْبَةٌ وَ مَقامٌ *** لايُسامی، سُبْحانَهُ مُعْطِيكِ

فَهَنِيئاً أمَّ الحُسَيْنِ هَنيئاً *** و حَناناً أماهُ إِنَّا بَنُوكِ

أوَ تُنْسِيكِ جَنَّةُ الخُلْدِ أَوْلادَكِ؟ *** حاشا و إِنْ هُمُ قَدْ نَشُوكِ(2)

فَاسْأَلِي اللَّه أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنا *** بالرِّضَى فِي السُّكُونِ و التَّحْرِيكِ

و اذْكُرينا عِنْدَ النَّبِيِّ فَإِنَّا *** قَدْ بَعُدنا عن سَيْرِةِ و السُّلُوكِ

و اذْكُرِينا أمّاهُ في مَوْقِفِ الحَشْرِ *** و نادِي بَنِيكِ فَلْيَتْبَعُوكِ

أَنْقِذِينا مِنَ الزّحامِ و أَهْوال *** عِظامٍ فاللَّهُ لايُخْزِيكِ

ص: 78


1- جاء في كتاب الجامع الصحيح، و هو «سنن الترمذي» للترمذي ج5 ص700 ح3872 ط المكتبة الإسلامية: «عن عائشة قالت: لما مرض النبي صلي الله علیه و آله و سلم دخلت فاطمة علیها السلام فأكبّت عليه فقّبلته ثم رفعت، رأسها فبكت ثم أكبّت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت فقلت: إن كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء فلما توفي النبي صلي الله علیه و آله و سلم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فرفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت ما حملك على ذلك؟ قالت: إني إذاً لبذرة أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقاً به فذاك حين ضحكت».
2- في كتاب أمالي الصدوق، ص25 ح4 ط الخامسة منشورات الأعلمي للمطبوعات: «...فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله»: يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تشفعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم. فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبيِّ و محبّي ذريتي، فإذا النداء من قبل الله «جل جلاله»: أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبّو ذريتها؟ فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة...».

غيرَ انّا نَخافُ قَوْلَة طه *** اعْمَلِي فاطِمٌ فلاأُغنيكِ

و لَنا في الإلهِ ظَنَّ جَمِيلٌ *** مِنْهُ وَعْدُ في «هَل أتى» يُنْبِيكِ

***

قَدْ وَقاكِ شُرُورَ يَوْمٍ عَبُوسٍ *** وَ شوراً و نَضْرَةٌ يَجْزِيكِ(1)

وَ لَكُمْ يُعْقَدُ اللِّواءُ وَ في ظِلِّ *** ظَلِيلِ الهُنا يُؤْوِيكِ

فإِذا رَفْرَفَ اللِّواءُ عَلَيْكُمْ *** فَاذْكُرِينا لَعلَّنا نَأْتِيكِ

وَ اذْكُرِينا إِذا وَرَدْتِ على الحَوْضِ *** لنُسْقى بكفِّ مَن يَسْقِيكِ

فعَسى الله أنْ يَمُنَّ بِرُؤياكِ *** و مِنا ما تَرْتَضِينَ يُرِيكِ

وَ سَلامٌ عَلَيْكِ في كُلِّ حِينٍ *** هُوَيَغْشاكِ مِنْ لَدُنْ بارِيكِ

ما هَمَى ما طِرٌ وما قالَ حادٍ *** لايَطيْبُ المَدِيحُ الا فِيكِ

ص: 79


1- نضرة: نعومة و حسناً و جمالاً.

(4) بنت أكرم من مشى

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الكريم صادق(*)(1)

أَيُّ النِّساءِ رقَتْ لأوج عُلاكِ *** يا بِنْتَ راقِي السَّبْعَةِ الأفلاكِ(2)

فَلأَنْتِ سَيّدة النِّساءِ وَ مَرْيَمٌ *** تَمَشي بِمِضْمارِ الفَخَارِ وَراكِ(3)

إِنْ أشرقَتْ هِيَ نَجْمَةٌ بسمائِها *** و لأنتِ يا زَهْرَاهُ شَمْسُ سَماكِ(4)

وَ لَئِنْ أَتَتْ هِي بِالمَسِيحَ فَإِنَّهُ *** سَيَؤُمُهُ المَهْدِيُّ مِنْ أَبْناكِ(5)

ص: 80


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص143 ح71 ط3 /مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «ما رأيت أحداً قط أفضل من فاطمة علیها السلام غير أبيها. انظر أيضاً كتاب إحقاق الحق؛ ج10 ص116 (هامش).
3- ورد في «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ص7-1،-1، ط / منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية -قم المقدسة «عن المفضل قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام «إنها سيدة نساء العالمين» أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال: ذاك لمريم كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين».
4- ما تقدم يشير الى بعض معنى البيت.
5- ورد في كتاب ينابيع المودة، ج1 ص92 ط1 في إيران -انتشارات الشريف الرضي: «عن أبي أيوب الأنصاري قال: إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم مرض فأتته فاطمة علیها السلام و بكت فقال: يا فاطمة علیها السلام إنّ لكرامة الله إياك زوّجك من هو أقدمهم سلماً و أكثرهم علماً إن الله «تعالى» اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبياً مرسلاً ثم اطَلَع اطلاعة ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إلي أن أزوّجه إياك وأتخذه وصيّاً . و جاء في ينابيع المودة ص521 ج2 : يا فاطمة علیها السلام منا خير الأنبياء و هو أبوك و منا خير الأوصياء و هو بعلك و منا خير الشهداء و هو حمزة عم أبيك و منا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث شاء و هو جعفر ابن عم أبيك و منّا سبطا هذه الأمة و سيدا شباب أهل الجنة الحسن و الحسين علیهما السلام و هما ابناك و الذي نفسي بيده منا مهدي هذه الأمة و هو من ولدك».

ولأنتِ خامِسَةُ الّذينَ تَجَمَّعُوا *** تحتَ الكِساءِ و كُلْهُمْ قُرْباكِ(1)

وَ هُمُ أَبُوكِ أَجلَّ ساداتِ الوَرَى *** قَدْراً وَ بَعْلُكِ ذُوالعُلى وَ ابْناكِ

و بآيةِ التَّطهير عَمَّكِ رَبِّهُمْ *** مَعَهُمْ وَإِذْ زَكَاهُمُ زَكَاكِ(2)

سَوَاكِ رَبُّكِ دُرّةً مَكْنُونةً *** وَ ضَاءَةٌ سُبْحانَ مَنْ سَوَاكِ(3)

ص: 81


1- (و البيت الذي يليه) لعله أراد حديث الكساء الوارد ذكره في كتاب إحقاق الحق، ج2 ص555 . «عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قال: سمعت فاطمة علیها السلام أنها قالت: دخل علي أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في بعض الأيام فقال: السلام عليك يا فاطمة علیها السلام فقلت: وعليك السلام قال: إني أجد في بدني ضُعفا. فقلت: أعيذك باللَّه يا أبتاه من الضعف. فقال: يا فاطمة علیها السلام اتيني بالكساء اليماني فغطيني به. فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به و صرت أنظر إليه و إذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه و کماله .... ثم أتيت نحو الكساء و قلت: السلام عليك يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال: و عليك السلام يا بنتي و يا بضعتي قد أذنت لك فدخلت تحت الكساء فلما اكتملنا جميعاً تحت الكساء أخذ أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بطرفي الكساء و أوماً بيده اليمنى إلى السماء و قال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و خاصتي و حامَّتي لحمهم لحمي و دمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم و محب لمن أحبهم إنهم مني و أنا منهم فاجعل صلواتك و بركاتك و رحمتك و غفرانك و رضوانك عليّ وعليهم و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا...ً فقال الأمين جبرائيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال «عزوجل»: هم أهل بيت النبوة صلي الله علیه و آله و سلم ومعدن الرسالة و هم فاطمة و أبوها و بعلها و بنوها علیهم السلام. فقال:جبرائیل: يا رب أتأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادساً؟ فقال الله: نعم قد أذنت لك.
2- في كتاب ذخائر العقبى للطبري ص24 / مؤسسة الوفاء (1981م): «عن أبي سعيد الخدري في قوله «تعالى»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» الآية: 32 من سورة الأحزاب. قال : نزلت في خمسة في رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
3- في كتاب المناقب ج3 ص330 ط: مؤسسة انتشارات علامة/ المطبعة العلمية بقم. «الحسن بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام؟ قال: لأن لها في الجنة قبة من ياقوتة حمراء ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة معلقة بقدرة الجبار لا علاقة لها من فوقها فتمسكها و لادعامة لها، من تحتها فتلزمها لها مائة ألف باب و على كل باب ألف من الملائكة يراها أهل الجنة كما يرى أحدكم الكوكب الدرّي الزاهر في أفق السماء، فيقولون: هذه الزهراء لفاطمة علیها السلام.

ولأنتِ مَنْ أَوْلاكِ رَبُّكِ صُورَةً *** بَشَرِيَّةً لكِنْ بِرُوح مَلاكِ(1)

ولَكُمْ خُدمتِ مِنَ المَلائِكِ ذا يلي *** مهْدَ الصَّبي و ذا يُدِيرُ رَحاكِ(2)

و مُسَبِّحٌ ذا عَنْكِ رَبَّكِ إِنْ غَفَتْ *** عَيْنَاكِ وَ امْتَلَكَ اللّسانَ كَراكِ(3)

و لأَنْتِ إذ املكتِ كانَتْ في السما *** لَكِ عُقْدَةُ التَّزْوِيجِ و الإمْلاكِ(4)

ص: 82


1- جاء في «دلائل الإمامة» ص52 ط3 منشورات الرضا/ قم: «عن علي علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن فاطمة علیها السلام خلقت حورية في صورة إنسية و إنّ بنات الأنبياء لايحضن.
2- (والبيت الذي يليه) لعله أشار إلى الرواية الواردة في كتاب بحار الأنوار، ج37 ص97 ط2 /مؤسسة الوفاء -بيروت. «عن أم أيمن قالت: مضيت ذات يوم إلى منزل مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام لأزورها في منزلها و كان يوماً حاراً من أيام الصيف فأتيت إلى باب دارها و إذا بالباب مغلق فنظرت من شقوق الباب فإذا بفاطمة الزهراء علیها السلام نائمة عند الرحى و رأيت الرحى تطحن البر و هي تدور من غير يد تديرها و المهد أيضاً إلى جانبها و الحسين علیه السلام نائم فيه و المهد يهتز و لم أر من يهزّه و رأيت كفّاً يسبِّح الله «تعالى» قريباً من كف فاطمة الزهراء علیها السلام. قالت أم أيمن: فتعجبت من ذلك فتركتها و مضيت إلى سيدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و سلمت عليه... و قلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني قصدت منزل سيدتي فاطمة الزهراء علیها السلام فلقيت الباب مغلقاً و إذا أنا بالرحى تطحن البر و هي تدور من غير يد تديرها ورأيت مهد الحسين علیه السلام يهتز من غير يد تهزّه و رأيت كفاً يسبح الله «تعالى» قريباً من كف فاطمة علیها السلام و لم أر شخصه، فتعجبت من ذلك. يا سيدي فقال: يا أم أيمن اعلمي أن فاطمة الزهراء علیها السلام صائمة و هي متعبة و جائعة و الزمان قيظ فألقى الله «تعالى» عليها النعاس فنامت فسبحان من لاينام فوكل الله ملكاً يطحن عنها قوت عيالها و أرسل الله ملكاً آخر يهز مهد ولدها الحسين علیه السلام لئلا يزعجها من نومها و وكّل الله ملكاً آخر يسبح الله «عز وجل» قريباً من كف فاطمة علیها السلام يكون ثواب تسبيحة لها لأن فاطمة علیها السلام لم تفتر عن ذكر الله فإذا نامت جعل الله ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة علیها السلام فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أخبرني من يكون الطحان و من الذي يهز مهد الحسين علیه السلام و يناغيه و من المسبح؟ فتبسم النبي صلي الله علیه و آله و سلم ضاحكاً و قال: أما الطحان فجبرئيل و أما الذي يهز مهد الحسين علیه السلام فهو ميكائيل و أما الملك المسبِّح فهو إسرافيل...».
3- كراكِ: نومكِ و نعاسكِ.
4- أملكِ، أملاكاً، أملكه المرأة: زوّجه إياها و قد ورد في كتاب الأنس الجليل ج1 ص194 مطبعة أمير- قم/ انتشارات الشريف الرضي ط1: «إن الله سبحانه و تعالى عقد عقد فاطمة علیها السلام لعلي علیه السلام في السماء فنزل الوحي بذلك».

و زفافُكِ المَيْمُونُ فيهِ تَباشَرَتْ *** حُورُ الجِنانِ و قُلْنَ يا بُشراكِ(1)

و كَفاكِ أَنَّكِ بنتُ أكْرَم مَنْ مَشَى *** مِنْ مُحْتَفٍ أو عاقِدٍ لشراكِ(2)

و كفاكِ أَنّكِ لَبْوَةُ الأَسَدِ الَّذِي *** قَهَرَ الأسودَ بكلِّ يومِ عِراكِ

و كفاكِ أنكِ أنتِ أُمُّ المُجْتَبَى *** حَسَنٍ و والدةُ الحُسَيْنِ الزاكي

السَّيْدَيْنِ لِكُلِّ شُبّانِ الوَرى *** وَ المُشْبِهَيْنِ أَبَاهُما و أباكِ

وَ كَفَاكِ أَنَّكِ بَرَّةٌ مَيمُونةٌ *** بِالقُدْسِ رَبُّكِ وَ الصَّلاحِ كَساكِ(3)

ص: 83


1- في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص12 ط3 منشورات الرضا/ قم: عن أنس ابن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف الزهري و عثمان بن عفان إلى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال له عبد الرحمن: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تزوّجني فاطمة علیها السلام ابنتك؟ و قد بذلت لها من الصداق مائة ناقة سوداء زرق الأعين محملة كلّها قباطي مصر و عشرة آلاف دينار. و لم يكن من أصحاب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أيسر من عبد الرحمن و عثمان و قال عثمان: و أنا أبذل ذلك و أنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً فغضب النبي صلي الله علیه و آله و سلم من مقالتهما... و هبط جبرائيل في تلك الساعة فقال: يا أحمد صلي الله علیه و آله و سلم إن الله يقرئك السلام و يقول: قم إلى علي بن أبي طالب علیه السلام فإن مثله مثل الكعبة يحجّ إليها و لاتحج إلى أحد إن الله أمرني أن آمر رضوان خازن الجنان أن يزين الأربع جنان و أمر شجرة طوبى و سدرة المنتهى أن تحملا الحلي و الحلل و أمر الحور العين أن يتزين و أن يقفن تحت شجرة طوبى و سدرة المنتهى... و أمر راحيل أن يرقى فخطب خطبة بليغة من خطب النكاح و زوج علياً علیه السلام من فاطمة علیها السلام بخمس الدنيا لها و لولدها إلى يوم القيامة ... و أمر الحور أن يلتقطن ذلك و أن يفتخرن به إلى يوم القيامة».
2- (و الأبيات التي تلته) اشارة إلى الرواية المذكورة في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص56. «...ثم استنطقتها فنطقت فاطمة علیها السلام بالشهادتين:و قالت أشهد أن لا إله إلا الله و أنّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء و أن بعلي علیه السلام سيد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط». انظر أيضاً كتاب أمالي الصدوق، ص475. و كتاب بحار الأنوار، ج43 ص3. و كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص340. و كتاب روضة الواعظين، ص160 ط1 مؤسسة الأعلمي.
3- ورد في كتاب «أمالي الصدوق» ص475 ط5 (1980م)/ مؤسسة الأعلمي/ بيروت. «... فدخل رسول الله صلي الله و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدث فاطمة علیها السلام فقال لها: يا خديجة علیها السلام من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني قال: يا خديجة علیها السلام هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن الله «تبارك و تعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه...».

تغفين ليلَكِ بالتَّبَتُلِ و الدعا *** و نهارَهُ بِالصَّوْمِ و الإمْساكِ(1)

ص: 84


1- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص196-195 ط3 مطبعة أمير/ قم... منقول عن كتاب الثاقب في المناقب، ص290. «... إن الله «تعالى» رحم ضعف فاطمة علیه السلام لطول قنوتها في الليل...». وفي كتاب بحار الأنوار ج 37 ص 97 ط 2 مؤسسة الوفاء .... فقال : يا أم أيمن اعلمي أن فاطمة الزهراء صائمة وهي متعبة جائعة والزمان قيظ ...» و قد ذكره في هامش سابق من هذه القصيدة.

(5) جوهر الطهر المصفى

(بحر الكامل)

الأستاذ عبد النبي بَزِّي(*)(1)

فَاضَ القَريضُ هُدًى لدى ذِكْراكِ *** وَ تَضَوَّعَتْ أَلْحانُهُ بشَذاكِ(2)

وَسَما بأَجْنِحَةِ البَيانِ مردَدَّاً *** آياتِه بِمَسَامِعِ الأْفْلاكِ

فشَدَتْ وَردَّدتِ المَلائِكُ خُشْعاً *** زَهْراءُ سُبْحانَ الَّذي سَوَّاكِ(3)

يا نورَ أَحْمَدَ يا وفاءَ خَدِيجَةٍ *** مَهْدُ الرِّسالةِ و الهُدَى أَبَواكِ

ص: 85


1- (*) الأستاذ عبد النبي بزي ولد في بلدة بنت جبيل في جبل عامل -جنوب لبنان- سنة (1364ه) الموافق (1945م). نشأ و تربى و ترترع في ظل أسرته التي تعد من كبريات الأسر تربية صالحة حسنة و أنهى دراسته الابتدائية في مدسة بنت جبيل. هاجر إلى كندا في سنة (1970م) و لم يزل مقيماً هناك حيث يعمل في مصنع للسيارات. قام المترجَم له بقرض الشعر في سن الأربعين و معظم شعره في آل البيت علیهم السلام. شارك في عدة مؤتمرات أدبية في أميركا، حيث ألقى فيها قصائد عدة. يعتمد في شعره الخط الرسالي لأهل البيت علیهم السلام، و هو الآن يتهيأ لطباعة أول ديوان له بعنوان (أهل الكساء علیهم السلام). يمتاز شاعرنا بأخلاق نبيلة دمثة و نفس كريمة، كما يمتاز بطيب المعشر و حُسن المجالسة و التواضع الجم، و قد ساهم مساهمة فعالة في إنشاء مركز أهل البيت علیهم السلام في مدينة (وندسور) بكندا. ولا زال يمارس دوره الثقافي والأدبي «زاد الله في توفيقه».
2- القريض: الشعر. تضوّعتْ: انتشرتْ شذا: قوة ذكاء الرائحة.
3- شدت: أنشدت شعراً فمدَّت صوتها به كالغناء أو تغنت بالشعر و ترنمت به و في كتاب دلائل الإمامة، ص9 ط3 منشورات الرضا/ قم : «...[إنها لما وضعتها السيدة خديجة علیها السلام] حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم و بذلك لقبت الزهراء علیها السلام.».

أَشْرَقْتِ مِنْ بَيْتِ الطَّهارَةِ والهُدَى *** وَ الظُّهْرُ نَفْحُكِ وَ الهُدى رَیَّاكِ(1)

سَمَاكِ فاطِمَةً و طَهَّرَكِ الذي *** خَلَقَ الوَرى جَلَّ الَّذِي سَمَاكِ(2)

يا كَوْثَرَ الهادِي الحبيب ونُورَهُ *** قَرَّتْ نَواظِرُهُ لَدى مَرْآكِ(3)

بالحُبِّ وَ الخُلُقِ الكَرِيمِ و بالتُّقَى *** و رَحِيقِ وَحْى الله قَدْ غَذَّاكِ

و عَلى رِسالَتِهِ السَّنِّية و الهُدَى *** و عَلى عَظِيمِ صِفاتِهِ رَبَّاكِ

يا جَوْهَرَ الطُّهْرِ المُصَفَّى و التُّقَى *** اللَّهُ يَا بِنْتَ الهُدَى زَكَاكِ

وَ عَلَى نِساءِ العَالَمِينَ بِفَضْلِهِ *** شَرَفَ السيادَةِ و العُلا أَعطاكِ(4)

و اخْتارَ رَبُّ العَرْشِ جَلَّ جَلالُهُ *** لَكِ خَيْرَ كُفْءٍ فَاهْنَنِي بُشْراكِ(5)

هذا عليُّ أَخُو النَّبِيِّ و نَفْسُهُ *** وَفَتَى الحنيفةِ يا بَتُولُ فَتاكِ(6)

ص: 86


1- نفحك: نفح الطيب انتشار رائحته.
2- في كتاب علل الشرايع، ج1 ص212 ح4 ط1 (1988م) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/بيروت: «عن أبي جعفر قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوحى الله «عزوجل» إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلي الله علیه و آله و سلم فسمّاها فاطمة علیها السلام، ثم قال: إني فطمتك بالعلم و فطمتك عن الطمث ثم قال أبوجعفر علیه السلام: واللَّه لقد فطمها الله «تبارك و تعالى» بالعلم و عن الطمث بالميثاق.».
3- جاء في كتاب المناقب، لابن شهر آشوب ج3 ص332 ط/ مؤسسة انتشارات علامة -قم «... كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذا قدم من سفره يدخل على فاطمة علیها السلام، فدخل عليها فقامت إليه واعتنقته و قبلت بين عينيه». انظر أيضاً كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص177 ح10. ط3 /مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف و كتاب بحار الأنوار، ج43 ص40. ط2 /مؤسسة الوفاء.
4- جاء في كتاب دلائل الإمامة، ص54 ط30 / منشورات الرضا علیه السلام/ قم: «عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام أخبرني عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام: إنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: تلك مریم کانت سیدة نساء عالمها و فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين...».
5- في كتاب ينابيع المودة، ج1 ص208 / انتشارات الشريف الرضي، ط1 في إيران (1413ه_): «لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ».
6- الحنيفة: الدين الإسلامي.

و المَهْرُ مِنْ عند الكَرِيم شَفاعَةٌ *** سُبْحانَهُ مِنْ فَضْلِهِ أَهْدَاكِ(1)

و اخْتارَ نَسْلَكِ كَوْثَراً مِنْ كَوْثَرٍ *** و سَنا الإمامَةِ ذُخْرُهُ حَسَنَاكِ(2)

و سَنَنْتِ نَهْجاً لِلأُمُومةِ خَالِداً *** عَبْرَ العُصور يَشِعُّ منه سَناكِ

يَكْفِيكِ مِنْ شَرَفِ الأُمُومِةِ أَنَّهُ *** يَدْعُوكِ أُمّاً ما أَبُوكِ دَعاكِ(3)

قَدْ عِشْتِ في قَلْبِ الرَّسُولِ وَ رُوحِهِ *** وَ سَمَوْتِ حَتَّى لا يُنالَ عُلاكِ

خُلُقُ الرَّسُولِ يَفُوحُ منكِ و نُورُهُ *** بادٍ عَلَيْكِ وَ مِنْ نُهَاه نُهَاكِ

و بِعَطفِهِ و حنانهِ وَ وَدَادِهِ *** وَ بِظِّلِّهِ السَّمْحَ الكَرِيم رَعَاكِ

حَتَّى دَعاهُ إِلَيْهِ جَلَّ جَلالُهُ *** عَزَّتْ مَشِينَتُهُ عن الإدراكِ

و قَضَى الرَّسُولُ إلى لِقاءِ حَبِيبِهِ *** وَ جَرى القَضاءُ و أَظْلَمَتْ دُنْياكِ(4)

ص: 87


1- في كتاب إحقاق الحق، ج10 ص367 (مع تعليقات المرعشي النجفي). نقلاً عن كتاب أخبار الدول و آثار الأول. «...أنها لما سمعت بأن أباها زوّجها و جعل الدراهم مهراً لها قالت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم إنّ بنات الناس يتزوّجن بالدراهم فما الفرق بيني و بينهن أسألك أن تردها و تدعو الله «تعالى» أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك. فنزل جبريل علیه السلام و معه بطاقة من حرير مكتوب فيها: (جعل الله مهر فاطمة الزهراء علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت. و قالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أمة أبي.».
2- تقدم عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي ج2 ص371 ط 2 1974 / مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ في تفسير سورة الكوثر. « ...و الجملة لاتخلو من دلالة على أن ولد فاطمة علیها السلام ذريته و هذا في نفسه من ملاحم القرآن الكريم فقد أكثر الله «تعالى» نسله بعده كثرة لايعادلهم فيها أي نسل آخر مع ما نزل عليهم من النوائب و أفنى جموعهم من المقاتل الذريعة...».
3- ورد في كتاب تهذيب التهذيب، للعسقلاني ج12 ص440 ط 1 دار صادر/ بيروت: فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تكنّى أم أبيها و تعرف بالزهراء.
4- (والأبيات التي تلته) لعله إشارة الى الرواية الواردة في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص792 ط3 مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «... أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم افتجع الصغير و الكبير و كثر عليه البكاء.... و لم يكن في أهل الأرض و الأصحاب و الأقرباء و الأحباب أشد حزناً و أعظم بكاء و انتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام و كان حزنها يتجدد و يزيد و بكاؤها يشتد... فجلست سبعة أيام لايهدأ لها أنين و لایسكن منها الحنين كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول ... ثم نادت: يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها وزوت زهرتها و كانت ببهجتك زاهرة فقد اسودَ نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها و يابسها... فأي دمعة لفراقك لاتنهمل وأي حزن بعدك عليك لايتصل و أي جفن بعدك بالنوم يكتحل و أنت ربيع الدين و نور النبيين... رميت يا أبتاه بالخطب الجليل و لم تكن الرزية بالقليل و طرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم و بالفادح المهول بكتك يا أبتاه الأملاك و وقفت الأفلاك...».

زَهْراء كَيْفَ غَدَوْتِ يَوْمَ فِراقِهِ *** اللَّهُ أَكْبَرُ كَيْفَ كان أساكِ؟

لِلَّهِ أي مُصِيبَةٍ وَ فَجِيعَةٍ *** وَ جَلِيل خَطبٍ يا بَتُولُ دَهاكِ؟

الكونُ أظْلَمَ يا بَتُولُ لِمَوْتِهِ *** وَ الكائناتُ عَلَى أَبِيكِ بَواكِ

وَ عَلِيُّ مَفْجُوعُ الحُشَاشَةِ ثاكِلٌ *** باكٍ يُجَهَّزُّ لِلْوَداعِ أباكِ

وَ القَوْمُ تَحْتَ سَقِيفَةٍ مَشْؤُومَةٍ *** كانت بِدَايةَ فِتْنَةٍ وَ هَلاكِ

يَتَامَرُونَ عَلَى الوَصِيِّ المُرْتَضَى *** مَن دَكَّ صَرْحَ الكُفْرِ و الإشْراكِ

هَتَكُوا الخِلافَة و اسْتَباحُوا قُدْسَها *** حَتَّى غَدَتْ لِعِصابةٍ فَتَّاكِ

مُلْكاً تَوَارَثَهُ لِئَامُ أُمَيَّةٍ *** من مُجرمٍ طاغٍ إلى سَفّاكِ

ماتَ الّذِي ملأ الوُجُودَ ضِياؤُهُ *** عَظُمَ المصابُ وَزادَ في بَلْواكِ

قَوْمٌ على إرْثِ النَّبِيِّ تَجَرَّأَوا *** سَلَبُوهُ مِنْكِ و أَوْرَثُوهُ سِواكِ(1)

ص: 88


1- جاء في كتاب السنن الكبرى، ج6 ص300 مطبعة دار المعرفة -بيروت. و كتاب تاريخ الطبري، ج3 ص207-208 ح1824 ط4 / دارالمعارف عن عائشة: أن فاطمة علیها السلام و العباس أتيا أبابكر يطلبان ميراثهما من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هما حينئذ يطلبان أرضه من فدک و سهمه من خيبر فقال لهما أبوبكر: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال واللَّه إني لاأدع أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يصنعه بعد إلا صنعته...». ورد في كتاب «شرح نهج البلاغة» ج16 ص214 ط2 (1967م) دار إحياء التراث العربي -بيروت: «و روی هشام بن محمد عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إن أم أيمن تشهد لي أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أعطاني فدكاً... إلى أن قال: إن هذا المال لم يكن للنبي صلي الله علیه و آله و سلم و إنما من مالاً كان أموال المسلمين يحمل النبي به الرجال و ينفقه في سبيل الله فلما توفي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم وليته كما كان يليه...».

غَصَبُوا عَلِياً حَقَّهُ حَسَداً له *** و بَغَوْاعَلَيْكِ وَ أَسْرَفُوا بأذاكِ

سَلَبُوكِ إِرْتَك من أبيكِ وَ أَسْقَطُوا *** حَنَقاً جَنِينَكِ يا لَعُظم بَلاَكِ(1)

زَهراءُ لَوْ حَمَلَتْ مُصَابَكِ وَ الأسَى *** صُمَّ الصُّحُور تَصَدَّعَتْ بأَساكِ(2)

أمُّ الأئِمَّةِ يا بَقِيَّةَ أَحْمَدٍ *** رُوحِي وَ أَرْواحُ الأَنَامِ فِدَاكِ(3)

زَهْراءُ كُنْتِ أمانَةً في أُمَّةٍ *** غَدَرتُكِ حَانَتْ حَيْدَراً و أباكِ

يا صَرخَةَ الحَقِّ المقدَّس لم يَزَلْ *** يَدْوِي بأَسْماعِ الزَّمانِ صَدَاكِ(4)

يا شُعْلَةَ الحَقِّ المبارَكِ لم يَزلْ *** ألقاً يَشعُّ على الوُجودِ سَناكِ

يا ثَوْرَةٌ بَيْضاءَ جَلَّلَها الهُدَى *** الْحَقُّ يا بِنْتَ الهُدَى ناداكِ

و الحَقُّ نَهْجُكِ والإباء وما سَعَتْ *** الأَلِنَشْرِ فَضِيلَةٍ قَدَمَاكِ

فَقَصَدْتِ بَيْتَ اللهُ مَسْجِدَ أَحْمَدٍ *** وَ اللَّهُ بارَكَ شَاكِراً مَسْعاكِ(5)

ص: 89


1- حنقاً: شدة الاعتباط. إشارة لما جاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 ط: دار النعمان/ النجف (1966م). «... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ أضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها...».
2- صُمّ الصخور: صلابُها. تصدّعت: انشقت.
3- جاء في كتاب المناقب، ج3 ص357 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم المطبعة العلمية. ما يشير إلى ذلك المعنى: «و كنّاها أم الحسن و أم الحسين و أم المحسن و أم الأئمة و أم أبيها علیها السلام».
4- يَذوي: يُسمع له صوت.
5- لعله أراد خطبتها علیها السلام التي خطبتها في المسجد النبوي الشريف و هو ما ذكره العلامة ابن أبي الفتح الأربلي في كتابه «كشف الغمة» ج2 ص106 ط دار الكتاب الإسلامي/ بيروت: «...إن فاطمة علیها السلام لما بلغها إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها وأقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها تجرّ أدراعها تطأ في ذيولها ما تخرم من مشية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و قد حشد المهاجرين و الأنصار فضرب بينهم بريطه -و قيل قبطية- فأنَّت أنَّة أجهش لها القوم بالبكاء ثم أمهلت طويلاً حتى سكنوا من فورتهم...». إلى آخر الخطبة.

و تَهلَّلَ البَيْتُ الكَرِيمُ وَ ما رَأَى *** مِحْرَابُهُ صِدِّيقَةً إلآكِ(1)

وَقَفَتْ يُجَلّلُها الكَمالُ خَطِيبَةً *** اللَّه یا زَهراءُ ما أَسْماكِ

خَشَعَتْ لِهَيْبَتِكِ القُلُوبُ وَ قَدْ بَدا *** نُورُ النُّبُوَّةِ مُشرِقاً بِضُحَاكِ

وَ جَرَى البَيانُ عَلَى لِسانِكِ سَلْسَلاً *** و الحَقُّ يَنْفَحُ بالبَلاغَةِ فَاكِ

ذكَرْتِ قَوْماً خاصَمُوكِ بِرَبِّهِمْ *** وَ الحِكْمَةُ الغَرَّاءُ فَيْضُ هُداكِ

بيَّنَتِ دِينَ مُحَمَّدٍ وَ فَضَحْتِ مَنْ *** لِهَوَاهُ عانَدَ رَبَّهُ وَ عَصاكِ

ذكَّرتِهِمْ بِمُحَمَّدٍ وَ وَصَيِّهِ *** وَ بَلِيعُ قَوْلِكَ مُتَرَعٌ بِشَجاكِ

هَفَتِ المَسامِعُ وَ المَدامِعُ رَقْرَقَتْ *** لأساكِ يا بنتَ الهُدَى وَعِداكِ(2)

يَتَمَلْمَلُونَ مَكانَهُمْ وَ كَأَنَّهُمْ *** جَلَسُوا بِرَغْمِهِمُ عَلَى الأَشْواكِ(3)

طالبتهم بالإرثِ إِرثِ مُحَمَّدٍ *** لِلْحَقِّ لَيْسَ لِمَطْمَعِ حاشاكِ(4)

فالزُّهْدُ عِنْدَكِ قِطْرَةٌ و سَجِيَّةٌ *** وَ البِرُّ و الإحسانُ بَغْضُ تُقَاكِ

ص: 90


1- جاء في «بحار الأنوار» ج43 ص105 ط2 مؤسسة الوفاء/ بيروت ح 19: «... وهي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى».
2- هَفَتْ: استُطيرتْ أو أسرعت: رقرقت: أجرت العين دموعها.
3- يتململون: يتقلبون على فراشهم مرضاً أو غمّاً.
4- (والأبيات التي تلته) لعلها إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب الاحتجاج ج1 ص138 ط النعمان/ النجف من (خطبة الزهراء علیها السلام في مسجد النبي صلي الله علیه و آله و سلم): «... وأنتم الآن تزعمون: أن لاإرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون؟ و من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون أفلا تعلمون بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته؟ أيها المسلمون: أأغلب على إرثي؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك و لاأرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريا أفعلى عمد تركتم كتاب اللَّه و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ» [سورة النمل، الآية: 16] و قال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سورة مريم:الآيتان5-6] و قال: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ» [سورة الأنفال، الآية: 75] و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» [سورة النساء، الآية: 11] و قال: «ُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [سورة البقرة الآية: 180] و زعمتم: أن لا حظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها...؟».

ما كانَتِ الدُّنْيا مُناكِ و لم تَكُنْ *** فَدَكَ سِوَى سَهمٍ إلى مَرْماكِ

حاجَتِهِمْ فَحَجَجْتِهِمْ وَ تَسافَظَتْ *** لمَّا تَكَلَّمَ حُجَّةُ المُتباكِي

أَيُعَدُّ في شَرْع الحَنِيفَةِ مُؤْمِناً *** مَنْ عامداً مُتَعَمداً آذاكِ

وَاللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ غَضِبْتِ وَإِنَّهُ *** يَرْضَى تَعالى ذِكْرُهُ لِرَضاكِ(1)

يا نُورَ مَجْدٍ مُشْرِقِ أركانُهُ *** الْمُصْطَفَى و المُرْتَضَى وَ ابْناكِ

يا كَعْبَةَ الطُّهْرِ المُصَفّى وَالتَّقَى *** فَوْقَ البَلاغةِ و البيانِ مَداكِ

وَالشَّعْرُ مَهُمَا غَذّ في طَيْرانِهِ *** صُعُداً يُقَصِّرُ عَنْ بلوغِ عُلاكِ(2)

مَعْناكِ سَيِّدَتي عَظِيمٌ لَيْسَ لِي *** بِالشَّعْرِ أنْ أُرقى إلى مَعْناكِ

لكِنَّها نَفَحَاتُ حُبِّ خَالِص *** مُتَخَشِّعاً قَلْبِي بِها ناجاكِ

أنا يَا بُنَةَ الهادِي الحَبِيبِ مُتَيَّمٌ *** بِهَوَى أَبِيكِ وَ حَيْدَرٍ و هَواكِ

وَ هَوَى الأَئِمَّةِ مِنْ بَنيكِ و حُبُّكُمْ *** ذُخْرِي و فَيْضُ نَداهُمُ ونَداكِ(3)

زادي إلى يوم الحِسابِ وعُدَّتِي *** مَنْ لِي سِواهُمُ شافِعٌ و سِواكِ

ص: 91


1- لعله إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب أمالي الصدوق ص314 طه مؤسسة الأعلمي: «يا فاطمة علیها السلام إن الله «تبارك وتعالى» ليغضب لغضبك و يرضى لرضاك».
2- غَذ: أسرع.
3- (والذي يليه) لعل ما ورد في كتاب كشف الغمة ج2 ص132-133 ط دار الكتاب الإسلامي/ بيروت- يشير إلى ذلك... «عن علي علیه السلام: دخلت يوماً منزلي فإذا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم جالس و الحسن علیه السلام عن يمينه و الحسين علیه السلام عن يساره و فاطمة علیها السلام بين يديه و هو يقول: يا حسن و يا حسين علیهما السلام أنتما كفّتا الميزان و فاطمة علیها السلام لسانه و لاتعدل الكفتان إلّا باللسان و لايقوم اللسان إلا على الكفتين، أنتما الإمامان و لأمكما الشفاعة.».

(6) تا الله لا أنساك

(بحر الكامل)

علاء الدين الشفهيني(*)(1)

ص: 92


1- (*) أبوالحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين الحلي الشفهيني، عالم فاضل، و أديب كامل، و هو من المعاصرين للشهيد الأول المقتول سنة (786ه_) جاء في (الطليعة) و هو من شعراء أهل البيت علیهم السلام و قصائده الرنانة سائرة بمعانيها العالية و حلتها الرائعة. جمع بين الفضيلتين، علم غزير و أدب بارع بفكر نابغ و نظر صائب، و نبوغ ظاهر و فضل باهر. و قد جاء في (أدب الطف) للخطيب السيد جواد شبرَّ في الجزء الرابع: اتفق المترجمون له على أنه كان عالماً أديباً و شاعراً طويل النفس للغاية يغلب على شعره الجناس و الطباق و غيرهما من المحسنات البديعية، و قد نشأ في العصر الذي فسدت فيه معاني الشعر العربي ،و ألفاظه أما المعاني فتكاد تكون مقصورة على المدح و الرثاء و الاستجداء، و تأليه الكبراء من ذوي المال و السلطان و ما في ذلك من الكذب و الافراط في الغلو و أما الألفاظ فقد أصبحت و كأن الغاية منها التنميق و المجانسات البديعية، و تنسيق الكلمات المعجمة و المهملة و كيف يقابل الشاعر بعضها ببعض في الصدور و الأعجاز بعيداً عن أساليب العربية و لغتها الفصحى كما تجد ذلك في شعر ابن نباتة و ابن حجة و الصفيّ و الصفدي و أضرابهم من شعراء ذلك العصر، بيد أن شيخنا علاء الدين الشفهيني تتجلى براعته و عبقريته في امتياز شعره الذي قاله في أهل البيت علیهم السلام و ليس بين أيدينا غيره بقوة المعاني، و سلامة المباني و متانة الأسلوب، مع ما فيه من المحسنات البديعية التي كأنها تأتيه عفواً بلاتكلف، و تطاوعه من غير قصد. له ديوان شعر كبير أكثره في مدح أهل البيت علیهم السلام، و رثائهم، لاتكاد تخلو معظم المجاميع المخطوطة من شيء منه، و أشهر قصائده السبع الطوال التي رآها صاحب (رياض العلماء) بخط العلامة محمد بن علي الجبعي العاملي تلميذ ابن فهد الحلي المتوفى سنة (841 ه_). و ذكر الخطيب الشيخ اليعقوبي في (البابليات): أبوالحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين المعروف (الشفهيني) المتوفى في حدود الربع الأول من القرن الثامن، و المدفون في الحلة، حيث يعرف قبره الآن في محلة (المهدية) و هو في الشارع العام الذي ينتهي قديماً إلى باب كربلاء.

يا أُمَّةً نَقَضَتْ عُهُودَ نَبيِّها *** أَفَمَنْ إلى نَقْضِ العُهُودِ دَعَاكِ؟

وَصَّاكِ خَيْراً بالوَصِيِّ كَأَنَّما *** مُتَعمداً في بُغْضِهِ وَصَاكِ

أَوَلَمْ يَقُلْ فِيهِ النَّبِيُّ مُبلغاً *** هذا عَلِيٌّ في العُلا أَعْلاكِ؟

وَ أَمِينُ وَحْي اللَّه بَعْدِي وَ هُوَ فِي *** إدْراكِ كُلِّ قضيِّةِ أدراكِ

وَ المُؤثِرُ المُتَصدِّقُ الوَهَابُ إذْ *** أَلْهَاكِ في دُنْياكَ حُبُّ لُهاكِ(1)

إياكِ أنْ تَتَقَدَّمِيهِ فَإِنَّهُ *** فِي حُكْم كُلِّ قَضِيَّةٍ أَقْضَاكِ

فَأَطَعْتِ لَكِنْ بِاللَّسانِ مَخافَةً *** مِنْ بَأْسِهِ وَ الغَدْرُ حَشْوُ حَشاكِ

حَتَّى إِذا قُبِضَ النَّبِيُّ وَ لَمْ يَطُلْ *** يَوْماً مَداكِ لَهُ سَلَلْتِ مُداكِ

وَ عَدَلْتِ عَنْهُ إِلى سِواهُ ضَلالَةً *** وَ مَدَدْتِ جَهْلاً في خَطاكِ خُطاكِ

و زَوَيْتِ بَضْعَةَ أَحْمَدِ عن إرثها *** و لِبَعْلِها إِذْ ذاكَ طَالَ أذاكِ(2)

يا بَضْعَةَ الهادِي النَّبِيِّ وَ حقٌّ مَنْ *** أَسْماكِ حِينَ تَقَدَّسَتْ أَسْماكِ(3)

لاحادَ عَنْ نارِ الجحيم مُعانِدٌ *** عَنْ إِرْثِ والدِكِ النَّبِيِّ زَواكِ

أَتَرَاهُ يَغْفِرُ ذَنْبٌ مَنْ أَقْصَاكِ عَنْ *** فَدَكِ وأَسْخَطَ إِذْ أَباكِ أباكِ

کَلاً و لانالَ السَّعادةَ مَنْ غَوَى *** وَعَدَاكِ مُحْتَسِكاً بِحَبْلِ عِداكِ(4)

ص: 93


1- لُهاك : جمع اللُّهَوة و هي العطيّة أو أفضل العطايا و أجزلها أو الحفنة من المال.
2- لعل الرواية الواردة في كتاب أمالي الطوسي ص207 ط 2 ص207 مؤسسة الوفاء/ يشير إلى هذا المعنى: «إن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها صلوات الله عليها: إلى آخر الرواية».
3- في كتاب ينابيع المودة ص202 انتشارات الشريف الرضي/ قم: «إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».
4- محتسكاً: حاقداً و مبغضاً، و لو كان محتسلاً لكان أولى بقرينه الحبل لأن الاحتسال هو اصطياد الحسل و هو ولد الضب «والله العالم».

ياتَيْمُ لا تَمَّتْ عَلَيْكِ سَعادَةٌ *** لَكِنْ دعاك إلى الشقاء شَقاكِ

لَوْلاكِ ما ظَفِرَتْ عُلوج أُمَيَّةٍ *** يَوْماً بِعِتْرَةِ أَحْمَدٍ لولاكِ

تَاللَّه ما نِلْتِ السَّعادَة إِنَّما *** أهواك في نارِ الجَحِيمِ هَواكِ

إنِّي اسْتَقَلْتُ و قَدْ عَقَدْتِ لآخرِ *** حُكْماً فَكَيْفَ صَدَفْتِ فِي دَعْواكِ

وَ لأَنْتِ أَكْبَرُ يَا عَدِيُّ عَداوةً *** وَاللَّه ما عَضَدَ النِّفاقَ سِواكِ

لاكانَ يَوْمُ كُنْتِ فيهِ وَ سَاعَةٌ *** فَضَّ النَّفِيلُ بها خِتامَ صُهاكِ(1)

وَ عَلَيْكِ خِزْيٌ يا أُمَيَّةُ دائِماً *** يَبْقى كما في النَّارِ دارُ بَقاكِ

فَلَقَدْ جَمَعْتِ من الأثامِ جَهالَةً *** ما عَنْهُ ضَاقَ لِمَنْ وَعاكِ وِعاكِ

هَلاً صَفَحْتِ عَنِ الحُسَيْنِ وَ رَهْطِهِ *** صَفْحَ الوَصِيِّ أَبِيهِ عَنْ آباكِ

وَ عَفَفْتِ يَوْمَ الطَّفِّ عِفَّةَ جَدِّهِ *** المَبْعُوثِ يَوْمَ الفَتْحِ عَنْ طُلَقاكِ(2)

أَفَهَلْ يَدٌ سَلَبَتْ إِمَاءَكِ مِثْلَما *** سَلَبَتْ كَرِيمَاتِ الحُسَيْنِ يَداكِ؟

أمْ هَلْ بَرَزُنَ بفتحِ مكةَ حُسْراً *** كَنِسائِهِ يَوْمَ الطُّفُوفِ نِساكِ(3)

يا أُمَّةٌ باءَتْ بِقَتْلِ هُداتِها *** أَفَمَنْ إِلى قَتْلِ الهداة هَداكِ؟(4)

أمْ أَيُّ شَيْطانِ رماكِ بِغَيْهِ *** حتّى عَرَاكِ وَ حَلَّ عَقْدَ عُراكِ(5)

بئس الجزاء لأحْمَدٍ في آلِهِ *** وَ بَنِيهِ يَوْمَ الطَّفِّ كَانَ جَزاكِ

فَلَئِنْ سَرَرْتِ بِخِدعةٍ أَسْرَرْتِ في *** قَتْلِ الحُسَيْنِ فَقَدْ دَهَاكِ دهاكِ

ما كان في سَلْبِ ابن فاطِمَ مُلْكَهُ *** ما عَنْهُ يَوْماً لَوْ كَفَاكِ كَفَاكِ

لَهْفِي على الجَسَدِ المُعَرَّى بِالعَرا *** شِلواً تُقبله حدودُ ظُباكِ

ص: 94


1- صهاك: الصهى الأبراج في أعلى الجبل.
2- إشارة إلى فتح مكة حيث عفا النبي صلي الله علیه و آله و سلم عن مشركي قريش.
3- حسَّراً: كاشفات.
4- باءت: أقرت.
5- عراك: العروة ما يوثق به.

لَهْفِي عَلَى الخَدِّ التَّرِيبِ تَخُدُّهُ *** سَفَهاً بأطرافِ القَنا سُفَهاكِ

لَهْفِي لآلِكَ يا رسولَ اللَّه في *** أيدي الطُغاة نوائحاً و بَواكي

ما بَيْنَ نادِبةٍ وَ بَيْنَ مَرُوعَةٍ *** فِي أسْرِ كُل مُعانِدِ أَفَاكِ

تَاللَّه لا أنساكِ زَيْنَبُ وَالعِدَى *** قَسْراً تُجاذِبُ عَنْكِ فَضْل رِداكِ

لم أَنْسَ لاواللَّه وَجْهَكِ إِذْ هَوَتْ *** بِالرُّدْنِ ساتِرَةٌ لَهُ يُمْناكِ

حَتَّى إذا هَمُوا بِسَلْبِكِ صِحْتِ باسْمِ *** أبيكِ وَ اسْتَصْرَخْتِ ثَمَّ أَخَاكِ

لَهْفِي لِنَدْبِكِ بِاسْمِ نَدْبِكِ وَ هُوَ مَجْرُوحُ *** الجَوارحِ بالسِّباءِ يَراكِ

تَسْتَصْرِخِيهِ أَسى وَ عَزَّ عَلَيْهِ أَنْ *** تَسْتَصْرِخِيهِ وَ لايُجِيبُ نِداكِ

وَاللَّه لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ وَ صِنْوَهُ *** يَوْماً بِعَرْصَةِ كَرْبَلا شَهِدَاكِ

لم يُمْسِ مُنْهَتِكاً حِماكِ وَ لَمْ تُمِطْ *** يَوْماً أُمَيَّةُ عَنْكِ سِجْفَ خَباكِ(1)(2)

ص: 95


1- لم تُمِطْ: لم تُنَحَّ و لم تُبعدْ -سجف: ستر.
2- توجد بأكملها في كتاب الغدير ج6 -رياض المدح و الرثاء ص11.

(7) روعوا فاطماً علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ محسن أبوالحب (الكبير)(*)(1)

قَصَّرَ القومُ عن بُلوغِ مَداكا *** فلذا حاوَلُوا انْحطاط علاكا

مَا وَ رَبِّ السَّمَاءِ لَوْيَك فيما *** حاوَلُوه إلا ارتفاعُ ذُراكا

كان دينُ النبيِّ حقاً ولكنْ *** لم يكنْ واضح الهُدىَ لولاكا

لم تَزَلْ ناصِحاً له و أميناً *** و أخاً حيثُ دُونَهُمْ آخاكا

ثُمَّ لَمَّا مَضى أقامَكَ للنَّاس *** إماماً كيْ يَهْتَدُوا بِهُداكا

فأَبَوْا بعد ذاكَ إِلا عَمَّى *** قادَهُمْ فيه خابطين سواكا

ويْلَهُمْ ما عليهمُ لَوْ أجابوا *** يومَ حاوَلتَ نَصْرَهُمْ دَعواكا

داعياً واظلامتاه وَلِكنْ *** أجْمَعَ القومُ أنْ يَرُدُّوا دُعاكا

كانَ إنكارُهُمْ لبيعتِكَ الغرّاءِ *** خِطْئاً يُزَعُزِعُ الأَفْلاكا

انكَرُوها بغياً و قَدْ أَشْهَدَ اللَّهُ *** عليها جَمِيعَها الأَمْلاكا

قَسَماً بالَّذي أَقامَكَ دُونَ *** الْخَلْقِ طراً لِدِينِهِ سمّاكا

لو أَطاعوكَ لارْتَقَوْا كلَّ عالٍ *** لم تُؤَمِّلْ له السُّها إدراكا(2)

ولا صُدّرتُم بِطاناً كما تصْدِرُ *** مِنْ جاءَ وَارِداً جَدْواكا(3)

ص: 96


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- السُّها: كوكب خفيّ من بنات نِعش الصغرى و الناس يمتحنون به أبصارهم.
3- جدواك: عطيتك.

لو رَعوْا حَقَّك القديمَ عليهمْ *** سَجَدُوا خاضِعِينَ تَحتَ لواكا

لكن اسْتَشْعَروا النِّفاق و آلَوْا *** في مجاري النفاقِ إلا انْهِماكا

خَلق الله أحمداً فاضطفاهُ *** ثُمّ مِنْ بعدِ ما اصْطفاهُ ارُتضاکا

و على الأنبياءِ ولاهُ طُرّاً *** وَ عَلَى أوصيائِها و لاَكا

أمَر اللَّه أنْ تكفَّ فأحجَمْتَ امتثالاً *** و لأمرٍ من سواكا

كلّما أوْقَدُو الحربِكَ ناراً *** اطْفأ اللَّه حَرَّها بسناكا

أيَّ يومٍ أصبحتَ فيه فريداً *** ناصِباتٍ لكَ الرَّزايا شِباكا

يومَ أضْحى النبيُّ ميتاً و لَمْ تَسْطِعْ *** لمَا ذابَ من قواكَ حراكا

ليتَ شعري عن أيَّ خَطبٍ أعزّبک *** و أيْنَ العزاءُ؟ نَفْسي فِداكا

لَيْسَ عَمّنْ رُزِيتَ فيه عزاء *** أحْسَن اللَّه في العزاءِ عزاكا

كان ظلمُ البتولِ فاطِمَ كافٍ *** لك من كلِّ ما لَقَيْتَ هناكا

لا أقَرَّ الإلهُ أَعْين قومٍ *** أسْخَطُوا فاطِماً و أرْضَوْا صهاكا(1)

يومَ جارَ ابنها يَسُلُّ حُسامَ الغَيِّ *** كَيْ يُثكلَ السماءَ السِّماكا

ص: 97


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى إسخاط فاطمة علیها السلام و رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم كان قد قال: من أسخطها فقد أسخطني و من أسخطني فقد أسخط الله. ففي كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1- ص14 قال: فقالت لأبي بكر و عمر: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: ناشدتكما اللَّه ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من فاطمة علیها السلام فقد أسخطني؟ قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم... الخ. وكذا ورد في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص153: قال: عن علي علیه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522 ، و ذكره ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441. و قال في ذخائر العقبى المحب الطبري ص39 عن علي علیه السلام إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن الله «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.

ليتَ ما جاء لم يجيءْ من رزايا *** كان من ماءِ سَجُلها سُقياكا(1)

لستُ أنْساكما أسيرَيْ كُروبٍ *** لم تَرُوما مِنْ أسرِهِنَّ فكاكا

بِتَّ تَبْكِي بُكَاءَها و بعينِ اللَّهِ *** أمْسى بكاءَها و بُكاكا

رَوَعُوا فاطماً بضربٍ عنيفٍ *** شاهَدَتْ سُوءَ ما جرَى عيناكا

أسقَطُوهاجنينَها ثُمَّ رَضُّوا *** ضِلْعَها بئْسما جَزَوْا نُعماکا(2)

فعجيبٌ فيها اصْطباركَ و الصَّبرُ *** جميلٌ لو كانَ في غيرِ ذاكا(3)

ما لهارونَ لم يواسِكَ في الحُزْنِ *** و لو كانَ شاهِداً واساكا

و لكانَتْ شَكْواهُ من قومِ موسى *** دونَ شكواكَ لَوْ وعى شَكْواكا

يوم قال ابنَ أُمِّي اسْتَضْعَفوني *** مثلَ ما قلتَ يومَ تَدْعُو أخاكا

این هارونُ منك بل این موسى؟ *** إنما يقضيانِ إثْرَ ثَراكا

أنتَ أَعْلى قَدْراً و أعظَمُ صَبْراً *** و لذا جَلَّ في القُلوبِ بلاكا

ص: 98


1- السَّجل: الدلو العظيمة فيها ماء قَلَّ أو كثر.
2- انظر ذلك في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 ، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109، و كتاب البحار، ج53 ص19.
3- في کتاب مطالب السؤول، محمد بن طلحة الشافعي، ص6-7 في مقدمة ما قاله عن فاطمة علیها السلام كتب يقول: اعلم -أيدك الله بروح منه- أن الأئمة الأطهار علیهم السلام المعدودة مزاياهم في هذا المؤلف. و الهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا المصنف لهم برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم زيادة على اتصالهم به بالنسب الشريف اتصالهم به بواسطة فاطمة علیها السلام... فبواستطها زادهم الله «تعالى» فضل شرف و شرف فضل... و نيل قدر و قدر نيل... و محلّ علوّ و علو محل... و أصل تطهير و تطهير أصل... فانظر بنور بصيرتك -أمدّك الله بهدايتها- إلى مدلول هذه الآية: «َقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» [آل عمران الآية: 61] و ترتيب مراتب عباراتها... و كيفية إشاراتها إلى علوّ مقام فاطمة علیها السلام في منازل الشرف و سموّ درجتها... و قد بيَّن ذلك و جعلها بينه و بين علي تنبيها على سر الآية و حكمتها... فإن اللَّه «عزوجل» جعلها مُكتنفة من بين يديها و من خلفها ليظهر بذلك الاعتناء بمكانتها... و حيث كان المراد من قوله «وانفسنا» نفس علي مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم جعلها بينهما إذ الحراسة بالإحاطة بالأنفس أبلغ منها بالإنباء في دلالتها...

بأَبي أنتم و أُمي كراماً *** لاأرى لي بغيرها اشتماكا

خَلِّصوني مما أَخافُ فإنّي *** عُدْتُ ضَعْفاً أغالِطُ المِواكا

و اجْعَلُونِي من همُكُمْ يومَ *** لايَرْجُو امرؤٌ من عَظيمِ هَمٍّ فكاكا

لم نَزَلْ نَسْتَقِي بجوارِ نِداكُمْ *** و كذاكَ الكِرامُ حَقاً کَذاکا

ص: 99

(8) آيات فضلك

(بحر الكامل)

الحاج محمد آل رمضان الاحسائي

يا بَضْعَةَ المُخْتارِ طابَ ثَراكِ *** رُوحِي فِداكِ وَ ما أَقَلَّ فِداكِ(1)

ماذا عَسايَ أقُولُ في مَعْفاكِ *** أَوْلاكِ رَبُّكِ جَلَّ ما أَوْلاكِ(2)

مِنْ نِعْمَةٍ لا تُبْتَغَى لِسِواكِ

نِلْتِ المكانَةَ و المَحلَّ الأَقْدَسا *** وَ عُرِفْتِ عَنْ حَقٌّ بِسَيْدَةِ النِّسا(3)

ص: 100


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما روي من أن الزهراء علیها السلام هي بضعة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد تقدمت الإشارة إليه في هوامش عدة: انظر كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328. و كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص40. و كتاب الإصابة في تمييز الصحابة ج4 ص378. و كتاب تهذيب التهذيب ج12 ص441. و كتاب صحيح مسلم ج5 ص54 . و كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي ج27 ص166.
2- معفاكِ: موضعكِ الذي محي ودرس و بلي (قبركِ).
3- في كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص156 قال: عن عائشة، أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال و هو في مرضه الذي توفي فيه: يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة صلى الله عليه و آله و سلم نساء العالمين و سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء المؤمنين. و في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج6 ص282 جاء في ذيل حديث مروي عن عائشة قول رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم في فاطمة علیها السلام: «ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين». و ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى ج8 ص27 و قال: بدل نساء المؤمنين نساء العالمين. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522 كما في الطبقات و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص43 قال عن عمران بن حصين: إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم عاد فاطمة علیها السلام و هي مريضة فقال لها: كيف تجدينك يا بنية؟ قالت: إني وجعة وإني ليزيدني أني ما لي طعام آکله. فقال: يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ فقالت: يا أبت فأين بنت عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها و أنت سيدة نساء عالمك. و عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال «أربع نسوة سيدات سادات عالمهن مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم و خديجة بنت خويلد و فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أفضلهن عالماً فاطمة علیها السلام». و في كتاب ينابيع المودة للقندوزي ج1 ص199 قال: عن أنس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران و خديجة بنت خويلد و فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و آسية امرأة فرعون».

ماذا يَقُولُ المادِحُونَ و ما عَسى *** وَاللَّهُ قالَ لِسائِلٍ مَنْ فِي الكِسا؟(1)

هُمْ فاطِمٌ و أبنانِ ثُمَّ عُلاکِ

آيَاتُ فَضْلِكِ في الوُجودِ جَلِيَّةٌ *** وَ شُهُودُ جُودِكِ في العَوالِم جَمَّةٌ

وَ الغَيْثُ مِنْ رَشَحاتِ فَيُضِكِ رَشْحَةٌ *** وَ الشَّمْسُ مِنْ فَيّاض نُورِكِ قَبْسَةٌ

وَ الرَّوْضُ يَعْبَقُ مِنْ أرِيجِ شِفاكِ

ذَهَبَتْ يَداكِ مِنَ الثَّنا بِأَجَلْهِ *** وَ مِنَ الكمالِ بِفَرْعِهِ و بِأَصْلِهِ

ص: 101


1- يشير الشاعر إلى حديث الكساء. ففي كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص147 قال: عن عائشة قالت: خرج النبي صلي الله علیه و اله و سلم غداة و عليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن و الحسين علیهما السلام فأدخلهما معه ثم جاءَت فاطمة علیها السلام فأدخلها معهم ثم جاء علي فأدخله معهم ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» و في كتاب مسند أحمد ج4 ص107 قال: عن شداد بن أبي عمار قال: دخلت على وائلة بن الأسقع و عنده قوم فذكروا علياً علیه السلام فلما قاموا قال لي: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قلت: بلى قال: أتيتُ فاطمة علیها السلام أسألها عن علي علیه السلام قالت توجه إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ومعه علي و حسن و حسين علیهم السلام آخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى علياً علیه السلام و فاطمة علیها السلام فأجلسهما بين يديه و أجلس حسناً و حسيناً علیهما السلام كل واحد منهما على فخذه ثم لفَّ عليهم ثوبه -أو قال: كساء- ثم تلا هذه الآية«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب الآية: 33]. و قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي و أهل بيتي أحق. و ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص170.

وَمِنَ التُّقَى ما لا وُجودَ لِمِثْلِهِ *** وَ كفَاكِ مِنْ نِعَمِ الإلهِ و فَضْلِهِ

أَنْ لاطريقَ إِلَيْهِ غَيْرَ وَلاكِ

رِيحُ السَّعادَةِ مِنْ عُلاكِ مَهَبُّها *** يا زَهْرَةً أَجْرُ الرِّسالَةِ حُبُّها(1)

ما زال يَعْبَقُ بالفخارِ مُحِبُّها *** غَشَاكِ رَبُّكِ بِالجَلالَةِ وَالبَها

وإلى حَظِيرَةِ قُدْسِهِ أَدْنَاكِ

أَصْبَحْتِ لِلْمُخْتارِ خَيْرَ حَبِيبَةٍ *** وَ لِمَهْبِطِ التَنْزِيلِ أَيَّ رَبيبَةٍ(2)

ص: 102


1- لعله يشير إلى قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى آية: 23]. انظر كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص25 و ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467. و السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص7. و في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص123 قال: عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
2- يشير إلى مودّة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام وكذلك يشير إلى كونها تربَّت على الوحي في حياة أبيها وبعد وفاته. و تقدمت الإشارة إليه. انظر كتاب المستدرك على الصحيحين ج4 ص272. و الاستيعاب ج4 ص1896. و جاء في كتاب مسند أحمد ج4 ص328. و كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص40. و كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني ج4 ص378. و كتاب تهذيب التهذيب له أيضاً ج12 ص441. عن المسوَّر بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منی یربیني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و انظر أيضاً كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص523. و كتاب ذخائر العقبي ص36. و كتاب بحار الأنوار ج43 ص23 وص54 . أما كونها ربيبة الوحي بعد أبيها... فقد ورد في البحار، ج43 ص78 نقلاً عن كتاب علل الشرائع ج1 ص216 قال: عن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: إنما سمِّيت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين یا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين، فتحدثهم و يحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران ؟ قالوا: إن مریم کانت سيدة نساء عالمها و إن الله «عزوجل» جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين.

وَ لَئِنْ عُدِمْتِ النَّدَّ غير عَجِيبةٍ *** أَصْبَحْتِ مِنْ رَبِّ السَّمَا بِمَثُوبَةٍ

لَمْ تَمْتَلِكُها في النِّساءِ سِواكِ

وَ حَلَلْتِ مِنْ قَلْبِ الرَّسُولِ مَحَلَّةً *** مُلِئَتْ لَها كُتُبُ الحَدِيثِ أَدِلَّةً

وَ الله أَلْبَسَكِ الفَضائِلَ حُلَّةً *** وَ رَبيتِ في كَنَفِ النُّبُوَّةِ طِفْلَةً

وَ لبانُ حِكْمَةِ ذِي الجَلالِ غِذاكِ

ما زِلْتِ في كَنَفِ النَّبِيِّ الأَشْرَفِ *** يَحْنُو عَلَيْكِ بَرأُفَةٍ وَ تَعَطَّفِ

وَحَفَاوَةٍ مِنْ قُدْسِ أَكْرَمٍ مُحْتَفِي *** حَتَّى إذا حُزْتِ الكَمالَ غَدَوْتِ في(1)

كَنَفِ الإمامَةِ تَسْحَبِينَ رِداكِ

زُوِّجُتِ يا أهْدَى البَرِيَّةِ هاديا *** وَ بَلَغَتِ مِنْ أَوْج الرُّقيَّ تناهيا

وَ سَمَوْتِ حتّى ما تَرَكْتِ تَساميا *** الخلَصْتِ نَفْسَكِ للإله تفانيا

فَحَباكِ بُرْدَ بَهَائِهِ وَكَساكِ(2)

ص: 103


1- الحفاوة: المبالغة في إكرام الشخص وإظهار الفرح به. في هذين البيتين إشارة إلى الحنو و الحفاوة اللتين كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يبديهما للزهراء علیها السلام. انظر كتاب المستدرك على الصحيحين ج4 ص272. و الذهبي في تلخيصه في ذيل المستدرك ج4 ص272. و كتاب الاستيعاب ج4 ص1896. و في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص523 قال: عن ابن عباس «إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة علیها السلام». و في البحار ج43 ص54 قال: عن مجاهد قال: خرج النبي صلى الله عليه و آله و سلم و هو آخذ بید فاطمة علیها السلام فقال: من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم، و هي بضعة منّي و هي قلبي و روحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللَّه».
2- حباك: أعطاك.

بُوِّثَتِ مِنْ عَرْشِ الجَلالِ جَلِيَّهُ *** وَ بَلَغَتِ شَأْواً من يَرُومُ رُقِيَّهُ

وَمَلَكتِ مُعْتَرَبَ العُلا وَ قِصِيَّهُ *** أَوَلَيْسَ زَوَّجَكِ المَلِيكُ وَلِيَّهُ(1)

فَوْقَ الضّراح بِمَشْهَدِ الأَمْلاكِ؟

أَشْبَهتِ وَالِدَكِ المُطَهَّرَ سِيرَةٌ *** وَ غَدَوْتِ في تاج الهداية دُرَّةً(2)

حَتَّى إذا للَّهِ طِبْتِ سَرِيرَةً *** آناكِ ما لَمْ يُؤْتَ غَيْرُكِ جَهْرَةً(3)

أَوْ لَيْسَ شَنْفا عَرْشِهِ وَلَدَاكِ؟(4)

سَمَّاكِ رَبُّكِ في الكتاب الكَوْثَرا *** وَ حَبابِكِ العِلْمَ الأَعَزَّ الأَطْهَرا(5)

أما والذي ذَرَأَ الوُجُودَ وَ قَدَّرا *** لَوْلا عَلَيٌّ لَمْ يَكُنْ لَكِ فِي الوَرَى

كُفُواً يُمائِلُ في عَلاءِ عُلاكِ(6)

ص: 104


1- انظر كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص32 و كتاب كنز العمال ج13 ص683 ح37753. و كتاب مجمع الزوائد و منبع الفوائد للحافظ الهيثمي ج9 ص207. و ذكره ابن حجر الهيثمي في صواعقه المحرقة ص124. و كتاب البحار ج43 ص98.
2- يشير في هذا البيت إلى الشبه الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و فاطمة علیها السلام في الخلق و الخُلق. و قد أشرنا إلى ذلك في موارد عديدة. انظر كتاب مسند أحمد بن حنبل ج3 ص164. و كتاب المستدرك على الصحيحين ج4 ص272. و كتاب الاستيعاب ج4 ص1896.
3- سريرة: السرّ الذي يُكتم -ما يسرّه الإنسان من أمره- النية.
4- شنفان: مفرده الشَنَف و هو ما عُلِّق في الأذن أو أعلاها من الحَلْي.
5- في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام هي الكوثر. ففي كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي ج32 ص124 قال: «الكوثر أولاده صلي الله علیه و آله و سلم لأن هذه السورة إنما نزلت ردَّاً على من عابه علیه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى: أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان فانظر كم قتل من أهل البيت علیهم السلام ثم العالم ممتلىء منهم و لم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به». و ذكره البيضاوي في أنوار التنزيل و أسرار التأويل مخطوط ص1156 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص352 لآية الله السيد صادق الشيرازي.
6- إشارة إلى كون علي علیه السلام كفؤاً لفاطمة علیها السلام و لولا علي لما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ في الأرض. ففي كتاب البحار، ج43 ص97 نقلاً عن كتاب أمالي الطوسي قال: عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «سمعته يقول: لولا أن الله خلق أميرالمؤمنين علیه السلام لفاطمة علیها السلام ما كان لها كفو على الأرض». و في مصباح الأنوار و كتاب المختصر كما في البحار ج43 ص145 قال: نقلاً عن كتاب الفردوس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: «لولا عليّ علیه السلام لم يكن لفاطمة علیها السلام كفو».

آثَرْتِ بِالقُوتِ الفَقِيرَ تَعَبُّدا *** و طَرَدْتِ نَوْمَكِ بِالكِتابِ تَهَجُّدا

ما كانَ بَيْتُكِ قَطُّ إلا مَسْجِدا *** يا مَرْيَمَ الإسلامِ يا بَدْرَ الهُدَى

أنَّى لِمَرْيَمَ وَقُفَة بحذاكِ؟(1)

ص: 105


1- إشارة إلى إيثار فاطمة علیها السلام بقوتها و قراءتها للقرآن و كثرة صلاتها و عبادتها و كونها علیها السلام أعظم من مريم بنت عمران. ففي تفسير الكلبي التسهيل لعلوم التنزيل ج4 ص318 كما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن لآية الله السيد صادق الشيرازي قال: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» [سورة الإنسان الآية: 8] نزلت هذه الآية وما بعدها في علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين «رضي الله عنهم». في كتاب البحار ج43 ص81 قال: عن الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لاتدعو لنفسها بشيء فقلت لها يا أماه لم لاتدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثم الدار. و في البحار أيضاً ج43 ص84 عن الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تورّم قدماها و المناقب ج3 ص341 و في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص337 قال: «عن محمد بن علي بن الحسن بن علي علیه السلام قال: بعث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم سلماناً إلى فاطمة علیها السلام قال: فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت فسمعت فاطمة علیها السلام تقرأ القرآن من جوا و تدور الرحى من برا ما عندها أنيس. و قال في آخر الخبر: فتبسم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: يا سلمان ابنتي فاطمة علیها السلام ملأ الله قلبها و جوارحها إيماناً إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله فبعث الله ملكاً اسمه زوقابيل و في خبر آخر جبرئيل فأدار لها الرحى و كفاها الله مؤنة الدنيا و مؤنة الآخرة». و ذكره المجلسي في البحار، ج43 ص46. و في البحار، ج43 ص78 قال: عن إسحاق بن جعفر بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: إنما سميت فاطمة علیها السلام محدّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» [سورة آل عمران الآية: 42-43] فتحدثهم و يحدثونها فقال لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها و إن الله «عزوجل» جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين والآخرين.

الْفَضْلُ رَفْرَفَ في يَدَيْكِ لِواؤُهُ *** وَ المَجْدُ أنْتِ جَلالُهُ وَ يَهاؤُهُ

وَ عَلَى جَبينِكِ تاجُهُ وَضِياؤُهُ *** أَثْنَى عَلَيْكِ اللَّهُ جَلَّ تَناؤُهُ

وَبِآيَةِ التَّطْهِيرِ قَدْ زَكَّاكِ(1)

ص: 106


1- إشارة إلى الآية المباركة من سورة الأحزاب «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب، الآية: 33] وقد تقدمت ذكر ذلك في هوامش عدة. راجع كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص147 و كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص107. و كتاب مجمع الزوائد ج9 ص170.

(9) عجائب القرآن

(بحر الكامل)

الشيخ محمد بن حسين أبوخمسين

يا فَاطمٌ سُبْحَانَ مَنْ صَفَاك(1) *** يا زَهْرَةً في القُدْس ما أزهاكِ(2)

يا فاطِمُ الزَّهْرَا بِنُورِكِ أَزْهَرَتْ *** زُهْرُ النُّجُومِ وَ سْبعَةُ الأفلاكِ(3)

وَ العَرْسُ وَ الكُرْسِيُّ وَ الحُجِبُ الَّتي *** بِالنُّورِ تُشْرِقُ مِنْ مَنارِ سَناكِ(4)

وَ كَذَلِكَ الأكْوارُ و الأدوارُ بَلْ *** شَمْسُ النَّهارِ تُضِيءُ مِنْ أَضْوَاكِ

وَ عَجَائِبُ القُرآنِ وَ الفُرْقانِ وَ *** البُرهَانِ مِنْ وادِي طُوىَ سيناكِ

قَدْ شَقَّ خَالِقُكِ لَكِ اسماً كاسْمِهِ *** قَدْ حَارَ في مَعْنَاهُ ذِهْنُ كلُّ ذَاكِي(5)

ص: 107


1- لعل ما ورد في «دلائل الإمامة» ص54 ط منشورات الرضا/ قم ط3 يشير إلى هذا المعنى: «عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام فاطمة لأنها فطمت هي و شيعتها و ذريتها من النار».
2- جاء في عوالم العلوم و المعارف و الأحوال ج1/11 ص79 ط3 مطبعة أمير/ قم عن كتاب «إتحاف السائل بما لفاطمة علیها السلام من المناقب و الفضائل». «...لم سمِّيت بالزهراء علیها السلام؟ سميت بالزهراء لأنها زهرة المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم».
3- و الأبيات التي تليه ربما تشير إلى ما جاء في دلائل الإمامة ص9 ط منشورات الرضا علیه السلام/ قم ط 3: «...فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبقَ في شرق الأرض و لافي غربها بيت إلّا أشرق فيه النور... وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم و بذلك لقبت الزهراء علیها السلام...».
4- سنا: ضياء عُلا: رفعة.
5- و جاء في «عوالم العلوم و المعارف و الأحوال» ج1/11 سيدة النساء فاطمة الزهراء علیها السلام ص74 ط3 / مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: شقّ الله لك يا فاطمة علیها السلام اسماً من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة علیها السلام».

أنتِ المَواقِعُ لِلنُّجُومُ ذَوِي النَّدَى *** آلى بِكِ الْجَبَّارُ مُذْ سَماكِ

وَ لأَنْت مِشكاةٌ لِنُورِ مُحَمَّدٍ *** فِيها مَصابِيحُ هُمُ ابْنَاكِ

وَ البارِىء المُنْشي أَفَاضَ إِلَيكِ عِلماً *** مِنْ عُلُومُ الغَيْبِ مُذ أنْشاكِ(1)

فَلِذاكَ عِلْمُ الغَيْب عَنْكِ فَلَمْ يَغِبْ *** وَ خَفِيُّ سِر السِّرٍّ لا يَخْفاكِ

قَدْ كانَ عِنْدَكِ عِلْمُ مَا قَدْ كانَ أَوْ *** سَيَكُونُ في الأولى وَ في أُخْراكِ

هذَا عَطَاءٌ مِنْ عَطاءِ اللَّه مِنْ *** مَخرُونِ عِلم مِنْهُ قَدْ أَعْطَاكِ

فَالوَا صِفُونَ لِوَصْفِكِ القُدْسِيِّ قَدْ *** حارُوا وَتَاهَ الكُلُّ في مَعنَاكِ

وَ لأَنْتِ صُنْعُ اللَّه جَلَّ جَلالُهُ *** وَ النَّاسُ بَعْدُ صَنائِعٌ لِعُلاكِ

قد كُنتِ كَنزاً مِنْ كُنوزِ العَرْشِ *** و الكُرْسِيّ يا سُبْحَانَ مَنْ أَبْداكِ(2)

ص: 108


1- (و الأبيات الثلاثة التي تلته تشير إلى الرواية الواردة في «بحار الأنوار» ج43 ص8 ط2 / مؤسسة الوفاء بيروت منقولاً عن كتاب «عيون المعجزات». «روي عن حارثة بن قدامة قال: حدثني سلمان قال: حدثني عمار قال: أخبرك عجباً؟ قلت: حدثني يا عمار قال: نعم شهدت علي بن أبي طالب علیه السلام و قد ولج على فاطمة علیها السلام فلما أبصرت به نادت: ادنُ لأحدثك بما كان و بما هو كائن و بما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة. قال عمار: فرأيت أميرالمؤمنين علیه السلام يرجع فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقال: ادنُ يا أبا الحسن علیه السلام فدنا، فلما اطمأن به المجلس قال علیه السلام: تحدّثني أم أحدثك؟ قال: الحديث منك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فقال: كأني بك و قد دخلت على فاطمة علیها السلام و قالت لك: كيت و كيت فرجعت. فقال علی علیه السلام: نور فاطمة علیها السلام من نورنا؟ فقال علیه السلام: أولا تعلم؟ فسجد علي علیه السلام شكراً الله «تعالى». قال عمار: فخرج أميرالمؤمنين علیه السلام و خرجت بخروجه فولج على فاطمة علیها السلام و ولجت معه، فقالت: كأنك رجعت إلى أبي صلي الله علیه و آله و سلم فأخبرته بما قلته لك؟ قال: كان ذلك يا فاطمة علیها السلام. فقالت اعلم يا أبا الحسن علیه السلام إن الله «تعالى» خلق نوري و كان يسبح الله «جل جلاله» ثم أودعه شجرةً من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة أوحى الله «تعالى» إليه إلهاماً: أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة، و أدرها في لهواتك. ففعل فأودعني الله «سبحانه و تعالى» صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد و ضعتني و أنا من ذلك النور أعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن يا أباالحسن علیه السلام المؤمن ينظر بنور الله «تعالى».
2- ما يشير إلى الرواية الواردة في معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص396 ط انتشارات اسلامي -قم- و في تفسير البرهان، ج3 ص258 ح6 أيضاً «عن أبي عبدالله علیه السلام عن آبائه علیه السلام. قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: خُلِقَ نور فاطمة علیها السلام قبل أن تخلق الأرض و السماء. فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟ فقال: فاطمة علیها السلام حوراء إنسية؟ قالوا: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و كيف هي حوراء إنسية؟ قال: خلقها الله «عزوجل» من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح فلما خلق الله «عزوجل» آدم عرضت على آدم. قيل يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم و أين كانت فاطمة علیها السلام؟ قال: كانت في حقة تحت ساق العرش قالوا: يا نبي الله صلي الله علیه و آله و سلم فما كان طعامها؟ قال: التسبيح و التقديس و التهليل و التحميد...».

كَتَبَ الإلهُ عَلَى سُرادِقٍ عَرْشِهِ *** اسْماً عَظِيماً وَ هُوَ مَنْ أَسْمَاكِ(1)

تَدْعُو بِهِ الأملاك في أفلاكِها *** و الأنبياءُ وَ كُلُّ مَنْ والاكِ(2)

وَ الأنبيا ما كُونُوا في عالمِ التَّكْوِيُنِ *** إِلا مِنْ شُعَاعِ ضِيَاكِ(3)

ص: 109


1- لعله أشار إلى الرواية الواردة في كتاب عيون أخبار الرضا، ج1 ص306-307 ح67 ط انتشارات جهان طهران. «عن الرضا علیه السلام قال: ...إن آدم علیه السلام لما أكرمه الله «تعالى» ذكره بإسجاد ملائكته و بإدخاله الجنة قال في نفسه: هل خلق الله بشراً أفضل مني؟ فعلم الله «عزوجل» ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم علیه السلام فانظر إلى ساق عرشي فرفع آدم علیه السلام رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين علیه السلام و زوجته فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين و الحسن و الحسين علیهما السلام سيدا شباب أهل الجنة فقال آدم علیه السلام: يا رب من هؤلاء؟ فقال «عزوجل»: هؤلاء من ذريتك وهم خير منك و من جميع خلقي و لولاهم ما خلقتك و لاخلقت الجنة و النار و لاالسماء و الأرض...».
2- ورد في «البرهان في تفسير القرآن» ج1 ص392-393 ح ه ط3 / مؤسسة الوفاء بيروت. «...ثم أمر الله الظلمات أن تمرّ بسحائب الظلم فأظلمت السماوات على الملائكة فضجّت الملائكة بالتسبيح و التقديس و قالت: إلهنا و سيّدنا منذ خلقتنا و عرفتنا هذه الأشباح لم نر بؤساً فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنّا هذه الظلمة. فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة علیها السلام قناديل فعلقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات و الأرض ثم أشرقت بنورها فلأجل ذلك سميت «الزهراء»...».
3- لعل ما جاء في عوالم سيدة النساء، ج1 ص22 ح4 ط3 مؤسسة الإمام المهدي عج الله فرجه الشریف يتضمن هذا المعنى: «عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: لمّا خلق الله «تعالى» آدم أبوالبشر و نفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سُجَّداً وَ رُكَّعا. قال آدم: يا رب هل خلقت أحداً طين قبلي؟ قال: لا يا آدم قال: فمن هؤلاء الخمسة أشباح الذين آراهم في هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنة و لاالنار و لاالعرش و لاالكرسي و لاالسماء و لاالأرض و لاالملائكة و لاالإنس و لاالجن.

هذَا وَ فَضْلُكِ فاقَ فَضْلَ *** الأنْبِيا يَا بَضْعَةَ الهادِي لِنُورِ هَداكِ(1)

وَكذا الوُجُودُ فَإِنَّما إيجادُهُ *** مِنْ بَحْرِ جُودٍ مِنْ بُحُور نَدَاكِ(2)

وَ مَناقِبٌ لَكِ لَيْسَ بَحْصِي عَدَّها *** إلا الذي أنشا الوَرى وَ بَراكِ(3)

قَدْ كُنْتِ أُسْاً لِلنَّبِيَّ مُحَمَّدٍ *** وَ مُحَمَّدٌ في الأصْلِ كانَ أباكِ

لازِلْتِ قائِمَةً لِرَبِّكِ فِي الدُّعا *** وَ مِنَ القيام تَوَرَّمَتْ قَدماكِ(4)

قَدْ كانَ إسْرائيلُ عَنْكِ مُسَبْحاً *** بِالكَفْ مِنْ يُمنَاهُ عَنْ يُمْنَاكِ

وَ يُمِين ميكائيل تَطْحَنُ بِالرَّحَى *** حبّاً لِقُوتِكِ إذْ غَمَا جَفْنَاكِ

وَ الرُّوحُ مُذْ ناغی حُسَيناً هَزَّهُ *** بِالمَهْدِ لَمَّا أَنْ هَدَتْ عَينَاكِ(5)

ص: 110


1- في «بحارالأنوار» ج43 ص12 ح5 ط2/ مؤسسة الوفاء. و علل الشرائع ج1 ص213 ح 1، عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام (زهراء)؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة الله ساجدين و قالوا: إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري و أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري و يهدون إلى حقي و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي...».
2- ندي: جود و خير و فضل.
3- براك: خلقك.
4- إشارة إلى ما جاء في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص341 / ط مؤسسة انتشارات علامة قم: «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تورّم قدماها...».
5- ناغي: كلم الصبي بكلام يسرُّه و بما يعجبه. (و الأبيات التي سبقته) في «بحار الأنوار» ج37 ص97 ط2 / مؤسسة الوفاء بيروت. رواية تؤكد ذلك: «عن أم أيمن قالت: مضيت ذات يوم إلى منزل مولاتي فاطمة الزهراء علیها السلام لأزورها في منزلها و كان يوماً حاراً من أيام الصيف فأتيت إلى باب دارها وإذا بالباب مغلق فنظرت من شقوق الباب فإذا بفاطمة الزهراء علیها السلام نائمة عند الرحى و رأيت الرحى تطحن البر و هي تدور من غير يد تديرها. و المهد أيضاً إلى جانبها و الحسين علیه السلام نائم فيه و المهد يهتز و لم أرّ من يهزّه. و رأيت كفّاً یسبح اللّه «تعالى» قريباً من كف فاطمة الزهراء علیها السلام قالت أم أیمن فتعجبت من ذلك فتركتها و مضيت إلى سيدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و سلمت عليه و قلت له: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني رأيت عجباً ما رأيت مثله أبداً فقال لي: ما رأيت يا أم أيمن؟ فقلت: إني قصدت منزل سيدتي فاطمة الزهراء علیها السلام فلقيت الباب مغلقاً وإذا أنا بالرحى تطحن البر و هي تدور من غير يد تديرها و رأيت مهد الحسين علیه السلام يهتز من غير يد تهزّه و رأيت كفّاً یسبح الله «تعالى» قريباً من كف فاطمة علیها السلام و لم أر شخصه فتعجبت من ذلك يا سيدي فقال: يا أم أيمن اعلمي أن فاطمة الزهراء علیها السلام صائمة و هي متعبة جائعة و الزمان قيظ فألقى الله «تعالى» عليها النعاس فنامت فسبحان من لاينام فوكل الله ملكاً يطحن عنها قوت عيالها و أرسل الله ملكاً آخر يهز مهد ولدها الحسين علیه السلام لئلا يزعجها من نومها و وكل الله ملكاً آخر الله «عزوجل» قريباً من كف فاطمة علیها السلام يكون ثواب تسبيحه لها لأن فاطمة علیها السلام لم تفتر عن ذكر الله فإذا نامت جعل الله ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة علیها السلام فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أخبرني من يكون الطحان؟ و من الذي يهز مهد الحسين علیه السلام و يناغيه ومن المسبح ؟ فتبسم النبي صلي الله علیه و آله و سلم ضاحكاً و قال: أما الطحان فجبرئيل و أما الذي يهزُّ مهد الحسين علیه السلام فهو ميكائيل و أما الملك المسبح فهو إسرافيل.».

كانَتْ لِخِدْمَتِكِ الملائِكُ في السَّما *** يَتَفاخَرُونَ وَ ذاكَ مِنْ عَلْيَاكِ

تَتَعفَّرُ الأمْلاكُ بِالجَبَهَاتِ فِي *** قُدْسِي تُرْبٍ من سنا رُحْماكِ

إنّ الإلهَ أحَبَّ مَنْ والاكِ مِنْ *** قَلْبِ وَ عَادَى الله مَنْ عَاداكِ(1)

بَلْ إنّهُ وَ الرُّسُلَ وَ الأملاك قَدْ *** لَعَنُوا دَوَاماً كُلَّ مَن آذاكِ

وَ لأَنْتِ في السَّبْعِ المَثانِي فاطِمٌ *** قَبِلَ الإلهُ صَلاةَ مَن والاكِ

وَ لَقَدْ أَتَى فِي هَلْ أَتَى سَامٍ سَما *** وَ عَلَاءُ مَدْحِ في عُلُوّ عُلاكِ(2)

ص: 111


1- جاء في فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص756 ط2 / نشر المرضية : «عن الصادق علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: ملعون ملعون من يظلم بعدي فاطمة علیها السلام ابنتي و يغصبها حقّها و يقتلها.».
2- في أمالي الصدوق ص215 ط5 / مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت. «... انطلق إلى ابنتي فاطمة علیها السلام فانطلقوا إليها و هي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع و غارت عيناها فلما رآها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ضمها إليه و قال: واغوثاه بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى فهبط جبرائیل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك علیهم السلام قال: و ما آخذ يا جبرئيل قال:«هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا».

وَلأَنْتِ بَضْعَةُ احْمَدٍ وَ حَبِيبةُ *** اللَّه العَلِي أَحَبَّ مَنْ يَرْعَاكِ(1)

قَدْ كُنْتِ مِنْ أَهْلِ الكِسا خَيْرَ النِّسا *** اللَّه طَهَّرَ بِالصَّفاءِ صَفاكِ(2)

لَوْلاكِ ما خُلِقَتْ سَماءٌ لا ولا *** أَرْضَ وَ لا بَحرٌ جَرَى لَوْلاكِ(3)

كَلاً وَ لاشَمْسٌ وَ لاقَمَرُ و *** لاكَوْنُ تُعايِنُ كَوْنَهُ عَيْنَاكِ

باهَى النَّبِيُّ بِكِ النَّصَارَى فَانْتَنَوْا *** مِنْ أنْ يُباهوهُ بِنُرْبِ حِذاكِ(4)

سَجَدَتْ لَك الأملاك طَوْعاً ما *** سِوَى إبْلِيسَ لَمْ يَسْجُدُ لِرَفَع سَمَاكِ

أذِنَ الإِلهُ بِرَفْعَ بَيْتِكِ وَ هُوَبَيْتُ *** الوَحْي عُدَّ لِمَهْبَطِ الأَمْلاكِ

أَيَجُوزُ عِنْدَ الله يا الله أمْ *** عِنْدَ النَّبِي أَبِيكِ أمْ أبْناكِ

ص: 112


1- في إحقاق الحق ج10 ص217 «ألم تسمعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي أفمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني».
2- في «أمالي الطوسي» ص378 ط2 / مؤسسة الوفاء -بيروت- عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي و في يومي كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عندي فدعا علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جاء جبرئيل فمد عليهم كساءً فدكياً ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال جبرائيل وأنا منكم يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أنت منا يا جبرائيل قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أنا من أهل بيتك علیهم السلام و جئت لأدخل معهم. فقال: كوني مكانك يا أم سلمة إنك على خير أنت من أزواج نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال جبرائیل: اقرأ يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» في النبي صلى الله عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
3- (والبيت الذي يليه) جاء في فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلى الله عليه و آله و سلم ص9 ح1 نقلاً عن «کشف اللآلي» للعرندس: «عن الله «تبارك و تعالى» يا أحمد صلى الله عليه و آله و سلم لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا علي علیه السلام لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما.».
4- انثنوا: انعطفوا و امتنعوا- باهي: فاخر. قریب من هذا المعنى ما جاء في ذخائر العقبى للطبري ص25 ط مؤسسة الوفاء/ بيروت 1981. «لما نزلت هذه الآية «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ...» الآية دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام و قال: اللهم هؤلاء أهلي ...».

يَأْتِي لِبَيْتِ الوَحْيِ يَحْرِقُ بابَهُ *** جِبْتُ خَبِيثُ الأَصْلِ ابنُ صَهَاكِ(1)

بِالبَابِ يَضْغُطُكِ اللَّعِينُ وَ يَكْسِرُ *** الأَضْلاعَ مِنْ جَنْبِيْكِ لايَخْشَاكِ(2)

فأتاكِ في حالِ المَخاضِ تَوجُعٌ *** وَ تَرَوعٌ و تَصَدُعٌّ أضْنَاكِ(3)

فَرَمَيْتِ مُحسِنَكِ الَّذي لَمْ يَكْتَمِلْ *** لِتَمامِ حَمْلٍ في قرارٍ حَشاكِ

وَ عَلَاكِ بالأسْواطِ فَوْقَ الرَّأْسِ *** بَلْ فَوْقَ اليَدَيْنِ وَ قَدْ أَسالَ دِماكِ

وَ عَلاكِ مِنْ فَوْقِ الجَبِينِ بِلَطْمَةٍ *** بِخَواتِمٍ فَتالَّمتْ عَیْناكِ

و تَنَاثرتْ مِنْ أُذُنِكِ الأقْراطُ بَلْ *** مال القِناعُ وَ مَالَ عَنْكِ رِداكِ(4)

ص: 113


1- لعله إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب سليم بن قيس ص36-37 ط/ قم الدراسات الإسلامية-مؤسسة البعثة / طهران. «... فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا و لك فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت علیها السلام: يا عمر أما تتقي الله تدخل عليّ بيتي؟ فأبى أن ينصرف و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه و دخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. فرفع عمر السيف -و هو في غمده- فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم، فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لبئس ما خلفك أبو بكر و عمر فوثب علي علیه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره فصرعه و وجأ أنفه و رقبته و هم بقتله فذكر قول رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و ما أوصاه به فقال: و الذي كرم محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالنبوة يا بن صهاك لولا كتاب من الله سبق و عهد عهده إليّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لعلمت أنك لاتدخل بيتي...».
2- (والأبيات الثلاثة التي تلته) تشير إلى الرواية الواردة في كتاب مؤتمر علماء بغداد، لمقاتل بن عطية ص37 ط 1/ دار المودة -بيروت «و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام (ذلك الباب الذي طالما وقف عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: السلام عليكم يا أهل بيت علیهم السلام النبوة صلي الله علیه و آله و سلم و ما كان يدخله إلا بعد الاستئذان) و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لتردّ عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها و بقيت آثار هذه العصرة القاسية و الصدمة المريرة تنخر في جسم فاطمة علیها السلام...».
3- أضناك: أمرضك بحيث أثرَّ فيك الضعف و الهزال.
4- جاء في عوالم سيدة النساء، ج2 ص574 ط3 مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. «...فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغیر جرم...».

أَزْرَيْقُ تَمْنَعُنِي تُراثي مِنْ أبي *** وَ تَحُوزُ إِرْثُكَ مِنْ أبٍ أَفَاكِ(1)

أمْ كَيْفَ تَغْصِبُني العَوالي مَعْ قُرَى *** فَدَكٍ و سُخْطُ مالِكَ الأمْلاكِ(2)

مِنْ بَعْدِ ما رُدَّتْ شُهودُكِ إِذْهُمُ *** شَهِدُوا بَحقِّ اللَّه في دَعْواكِ(3)

عَجَباً يُساقُ المُرْتَضَى حَامِي الحِمَى *** سَيْف الإلهِ مُدَمِّرُ الإشْراكِ(4)

ص: 114


1- أفاك: كذاب. في (خطبة الزهراء علیها السلام) في فدك و التي جاء نصها في الاحتجاج ج1 ص131 للطبرسي ط دار النعمان-النجف. «...و أنتم الآن تزعمون: أن لاإرث لنا أفحكم الجاهلية تبغون؟ و من أحسن من اللَّه حكماً لقوم يوقنون أفلا تعلمون بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته. أيها المسلمون: أأغلب على إرثي يا بن أبي قحافة؟ أفي كتاب اللَّه ترث أباك و لاأرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريا أفعلى عمدٍ تركتم كتاب الله وراء ظهوركم... و زعمتم أن لاحظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها...؟».
2- في صحيح مسلم، المجلد الرابع ص29-30 ح1759 ط الأولى/ مؤسسة عز الدين: «عن عائشة زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنّها أخبرته: إنّ فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم في هذا المال... فأبي أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك.
3- جاء في عوالم سيدة النساء، ج2 ص635 ط3 / مؤسسة المهدي عج الله تعالي فرجه الشریف: «عن المفضل بن عمر قال: قال مولاي جعفر الصادق علیه السلام لما ولي أبوبكر بن أبي قحافة قال له عمر: ...فقال عمر: هاتي بينة يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على ما تدّعين.... فبعثت إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و أم أيمن و أسماء بنت عميس و كانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة فأقبلوا إلى أبي بكر و شهدوا لها بجميع ما قالت و ادّعته، فقال: أما علي علیه السلام فزوجها و أما الحسن و الحسين علیما السلام إبناها و أما أم أيمن فمولاتها و أما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم و قد كانت تخدم فاطمة علیها السلام و كل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم...».
4- (والبيت الذي يليه) في عوالم سيدة النساء ج2 ص572 منقولة عن علم اليقين في أصول الدين ص686: ثم إنهم تواثبوا على أمير المؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبياً بثوبه يجرونه إلى المسجد فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: والله لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا... و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزن و نحيب هي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة *** یالیتها خرجت مع الزفرات لاخير بعدك في الحياة و إنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه والكل حبيبك أبوالحسن علیه السلام المؤتمن... فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير... ثم إنهم أوقفوا أميرالمؤمنين علیه السلام بين يدي أبي بكر و قالوا له: مد يدك فبايع. فقال: واللَّه لاأبايع و البيعة لي في رقابكم...».

لِيُبايِعَ الطَّاغُوتَ مُهلِكَ عُصْبَةِ *** الهلاكِ مَا أَشْفَاهُ في الهلاكِ

تَباً لِمَنْ قَدْ قَال لي يا فاطِمٌ *** لاتَبْكِ دأباً في البِلادِ أباكِ(1)

وإلى البقيع أرُوحُ أبْكِي وَالدِي *** حَتَّى أرُوحَ إلى ظِلالِ أَراكِ

كَيْ أَبْكِهِ عِنْدَ الأراكَةِ إِذْ مَعَ *** الأَمْلاكِ تَبْكِيهِ مَعَ الأفلاكِ

يا والِدي إنّ الأراكَةَ جَذْهَا *** كَفُّ ابْن سَلمى جَّذَّ و ابْنُ صَهاكِ(2)

وَرَزيَّةُ السُبْط الشهيدِ بَكَرْبَلا *** عَظُمَتْ رَزيَّتُهُ عَلَى أَرْزَاكِ

يا لَيْتَ يَا زَهْرا تَرَيْنَ بِكَرْبَلا *** شَخْصَ الحُسَيْنِ مُجَدَّلاً بإزَاكِ

شِلْواً ذَبِيِحاً فِي الطُّفُوفِ مُعَفَّراً *** ظام عَلى حَرِّ الصَّفا تِلْقاكِ

يَبْقَى ثَلاثاً لَمْ يَجِدْ مِنْ غَاسِلٍ *** كَلا و لامِنْ حُفْرَةٍ بفناكِ

وَ الخَيْلُ قَدْ رَضَّتْ قُوَى صَدْرٍ حَوَى *** عِلْمَ الغُيُوبِ غَوامِضَ الإدْراكِ

ص: 115


1- في بحار الأنوار ج43 ص177 ط2 -مؤسسة الوفاء- بيروت: «قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فقالوا: يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منّا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال علیه السلام: حبّاً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على الزهراء علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلمّا رأته سكنت هنيئة فقال لها علیها السلام: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك: إما أن تبكين ليلاً و إما نهاراً. فقالت علیها السلام: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقلّ مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما بدا للَّه...».
2- جذَّها: قطعها.

بالحَرِّ مسْلُوبَ العِمامَةِ و الرِّدى *** قُومِي إجعلي كفناً بِنَشرِ رِداكِ

لَنَشَرْتِ شَعْراً شابَ مِنْ حُزْنٍ لَهُ *** وَ شَقَقْتِ جَيْباً بَعْدَ شَقٌ حَشاكِ

وَ لَطمْتِ خَدَّكِ حَسرَةً وَ تَفَجَّعاً *** وَ بَكَيْتِهِ في رَمْ قُدْسِ ثَراكِ

وَ كَرِيمُهُ يَتْلو الكتابَ على القَنا *** كالبَدْرِ يُشْرِقُ في ظلمة الأحلاكِ(1)

وَ مُصَابُهُ أَبْكَى العِبَادَ جَمِيْعَهُمْ *** وَ هُمُ عَلَيْهِ في المعَادِ بَواكي

وَ حُمَاتُهُ صَرْعَى على عَفْرِ الثَّرَى *** كَكَواكِبٍ خَرَّتْ مِنَ الأفلاكِ

مِنْ بَعْدِ مَا بَذَّلُوا لِرُوحِ الكَوْنِ أرْ *** واحاً لَهُمْ طُوبَى لهمُ لِرِضاكِ

و مضَوْا إلى دَارِ النَّعِيمِ وَ شاهَدُوا *** الفَوْزُ العَظِيمَ لأَنَّهُمْ شُهَداكِ

و نساؤُه تلكَ الحرائرُ قَدْ غَدَتْ *** تُسْبَى كَسَبي الزُّنجِ و الأَتْراكِ

مِنْ تِلْكَ يُنْزَعُ قُرطُهَا مِنْ إذْنِها *** وَ الحِجْلُ مِنْ ذِي إِذْ سُبِي أَشْجاكِ(2)

وَ بَراقِعٌ و قَلائدٌ وَمَعاضِدٌ *** نُهِبَتْ جَهاراً وَ اسْتُبِيحَ خِباكِ(3)

وَ عَلائِمُ الأشواط في أجْسَادِها *** كَعَلائِم الأشواط في أعضَاكِ

أَسْرى حَواسِرُ لمْ تَجِدْ مِن حاجِبٍ *** الاحجاباً مِنْ حِجَابٍ بَهَاكِ

إِذْ هُنَّ بَينَ صَوائِحٍ وَنَوائِحِ يَندُ *** بْنَ غَوْثَ المُستَغِيثِ الشاكي

بِتَرَوْعِ وَ تَفَجُّعِ وَ بِلَوْعَةٍ *** تُلْقِي الجِبَالَ وَ أَعْمُدَ الأفلاكِ

بِأَبِي الحَرائِرُ كَيْفَ تُهْدَى كالإما *** فَوقَ الهزالِ لِكَافرٍ أفْاكِ

أللَّه أكْبَرُ يا وَدائِعَ أَحْمَدٍ *** مَاذَا عَراكِ منَ البَلا وَدَهَاكِ

لو تَنْظُريِ يا فَاطِمُ الزَّهْرا إلى *** السجادِ مأسُوراً لطَالَ نَعَاكِ

و عظَائِمُ الأرْزًا دَهَتْهُ وَ البَلا *** وَ مَصَارعُ الشُّهدا و سَبْيُ نِساكِ

ص: 116


1- ظلمة الأحلاكِ: الظلمة الحالكة، الشديدة السواد.
2- الحجل: الخلخال.
3- براقع: جمع البرقع و هو ماتستر به المرأة وجهها.

حَتّى العِدًا سَاقَتْهُ بالضَّرَّا عَلَى *** عَجْفا تُقَلْقِلُهُ بكِلْ حَراكِ(1)

أبنِي أميّةَ كيف جُرْتِ لِعِتْرة *** الهَادِي؟ فَيَا اللَّه ما أجراكِ

فَغَداً تَذوُقِينَ العَذَابَ مُضاعَفا *** وَ النّارَ دَأْباً حَرُّها يَصْلاكِ

يا فَاطِمُ الزَّهْراءُ أَقْسِمُ بِالَّذِي *** رَفَعَ السَّماءَ وَ زَانَها بسَناكِ

فَغَداً لكِ الحكمُ الجَل فَإِنَّهُ *** حُكْمُ العَلِي عَلَيْه قد ولاكِ

فَلَتُدْخِلَنَّ إلى جِنانِ الخُلْدِ مَنْ *** وَالى وَلاكِ وَفي لَظىَ أعْداكِ(2)

وَإِلَيْكِ عَقْدُ نِظامٍ مَدْحٍ قَدْ صَفَا *** كَصَفَا الجَواهِرِ لِلنُّجُومِ يُحاكي

فَتَقَبَّلي مِنْ ذِي الوَلاء (مُحَمَّدٍ) *** ما قالَ مِنْ مَدْح بحُسْنِ جَزَاكِ

وَ تَشفَّعِي لي في ذُنُوبِ أثْقَلَتْ *** ظَهْرِي بِجُودٍ مِنْ نَدَى جَدْواكِ

وَلِوالديَّ كذلِكَ الأولادُ و *** الإِخْوانُ مَنْ عَلِقُوا بِحَبْلِ وَلاكِ

وَ سَلامُ رَبِّي عُدَّمافي عِلْمِهِ *** لازالَ دَأْباً مُشرِقاً يَغْشَاكِ

ص: 117


1- عجفاء: دابة عجفاء: هزيلة. تقلقله: تحركه.
2- لظى: النار أو لهيبها.

(10) سلامُ عليكِ

(بحر الخفيف)

السيد محمد الشيرازي(*)(1)

أيُّ قَدْرٍ لِقَوْلَتِي في رثاكِ *** أنتِ يا بَضْعَةَ النَّبِيِّ الزَّاكِي(2)

لَعَنَ اللَّهُ مَنْ جَفاكِ عِناداً *** وَ هُوَ يَدْرِي رِضَى الإلهِ رِضاكِ(3)

أَسْخَطَ البارِيءَ المُهَيْمِنَ حَقّاً *** وَ الرَّسُولَ المُخْتارَ إِذْ آذاكِ(4)

هَلْ لَهُمْ، قالَ أحْمَدُ، اقتلُوها؟ *** أولَمْ يَسْمَعُوا: أَبُوكِ فِداكِ؟(5)

ص: 118


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في كتاب ينابيع المودة، ج1 ص202 / انتشارات الشريف الرضي قم، إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني.
3- جاء في كتاب ذخائر العقبى، ص39: «عن علي بن أبي طالب علیه السلام أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك».
4- ورد في كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص14 لابن قتيبة ط3 مؤسسة الوفاء/ بيروت: «...فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تعرفانه و تفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام فقد أسخطني؟» قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت: فإني أشهدالله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي لأشكونكما إليه فقال أبوبكر: أنا عائذ بالله «تعالى» من سخطه و سخطك يا فاطمة علیها السلام ثم انتحب أبوبكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق و هي تقول: واللَّه لأدعون اللَّه عليك في كل صلاة أصليها، ثم خرج باكياً...».
5- جاءت رواية ربما توضح ذلك في كتاب «ذخائر العقبى» للطبري، ط مؤسسة الوفاء «عن ابن عباس قال: بينا نحن ذات يوم مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم إذ أقبلت فاطمة علیها السلام تبكي فقال لها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: فداك أبوك ما يبكيك؟ قالت علیها السلام: إن الحسن والحسين علیهما السلام خرجا و لا أدري أين باتا...».

كَسَرُوا الضّلْعَ مِنْكِ حِقْداً و كُفْراً *** وَ مِنَ الجَوْرِ أُدْمِعا جَفْنَاكِ

عَصَرُوكِ بالبابِ بالمُصابٍ *** سَقَط الطفلُ، فِيهِ، مِنْ أَحْشاكِ(1)

هَلْ رَسُولُ الإله قال اضْرِبُوها؟ *** عَذَبَ اللَّه ظالماً أَدْماكِ

مَعْضِداً وَرَّثُوكِ إِثْرَ سِياطٍ *** وَ مِنَ اللَّطْمِ قَدْ هَوَى قُرطاكِ(2)

قَتَلَتْكِ العِداجَفاءً وَ ظُلْماً *** قاتَلَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ عاداكِ(3)

و تُوفِّيتِ بَعْدَ عُمْرٍ قَصِيرٍ *** وَ بِلَيْلِ أُنْزِلْتِ في مَشْواكِ(4)

ص: 119


1- لعله أراد الإشارة إلى الرواية المذكورة في كتاب الاحتجاج ج1 ص109 ط دار النعمان (1966م). «...فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام».
2- في كتاب عوالم سيدة النساء، ص574 عن كتاب إرشاد القلوب. «... فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة، الباب و ناشدتهم باللَّه و بأبي صلي الله علیه و آله و سلم أن يكفوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم فهذه أُمة تصلي عليّ و قد تبرأ الله و رسوله منهم و تبرأت منهم...».
3- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص545 عن كتاب كامل الزيارات ص332. «و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل عليها و على حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يمسها هو ان و ذل ثم لاتجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون...».
4- في كتاب روضة الواعظين، ص169-168 ط1 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-بيروت: «...ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقي فإنهم أعدائي و أعداء رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أن لايصلي عليّ أحد منهم و لامن أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى شطر من الليل أخرجها علي و الحسن والحسين علیهما السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه صلوا عليها و دفنوها في جوف الليل...».

أَنْظُري زَيْنَبَ اليَتِيمَةَ تبكي *** في الدَّيَاجي وَ حَوْلَهَا إيناكِ

أنْظُرِي المُرْتَضى يُغَسْلُ جِسْماً *** مِثْلَ بانٍ(1) ضَعْفاً، بغير حِراكِ(2)

أُنْظُرِي النَّعْشَ في انتظارِكِ يَرْنُو *** وَ انْظُرِي البَيْتَ فاقداً لِضِياكِ(3)

فَصَلاةٌ يَا بَضْعَةَ الطُّهْرِ تَتْرَى *** وَ سَلامٌ عَلَيْكِ مِمَّن بَراكِ(4)

ص: 120


1- البان: واحدته البانة و هي شجرة معتدلة القوام من فصيلة البانيات، مهده الأصلي آسيا القطبية ورقه لين يؤخذ من حبه دهن طيب ويشبه به القد الطويل.
2- ورد في كتاب مستدرك الوسائل، ص361 ط2/ مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث و ربما يشير إلى هذا: «كيف أحمل و قد صرت كالخيال و جف جلدي على عظمي».
3- يرنو: يديم النظر إلى الشيء بسكون الطرف. و جاء في كتاب روضة الواعظين، ص168 ط1 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت: «...ثم قالت أوصيك يابن العم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوَّروا صورته فقال لها: صفيه إليَّ، فوصفته فاتخذه لها فأول نعش عمل على وجه الأرض ذلك و ما رأى أحد قبله و لاعمل أحد...».
4- تترى: متتابعة. براك: أصله برأك أي خلقك.

(11) فلتبك البواكي

(بحر الرّمل)

مهيار الديلمي

یا بْنَةَ القَوْمِ تُراكِ *** بالِغٌ قَتْلي رِضاكِ؟!

أَمْ دَمي وَهْوَ عَزِیزٌ *** هَانَ في دِينِ هَواكِ؟

إنْ يَكُنْ طاحَ فما أوّلُ *** ما طَلَّتْ یَداکِ

حُبَّ يَومُ «السَّفْحِ» إلا *** أَنَّهُ يَومُ نَواکِ(1)

لَعِبَتْ ساعاتُهُ بِي *** ما كَفَاهَا وَكَفاكِ

كَمْ غَزال بالمُصَلَّي *** صامَ صَلَّى فَحَاكِ(2)

جارياً في حَلْبَةِ الحُسْنِ *** وَ لَمْ يَبْلُغْ مَداكِ

مَرَّ لا أَرْهَفَ عَيْنَیْکِ *** وَ لا أَرْشَفَ فاكِ(3)

غَيْرَ أَنَّى قُلْتُ: حَيْيتَ *** علي ما أنتَ حاکِي

وَ قَصِيراتِ الخُطَي غَيْرَكَ *** لَدْناتِ العِراكِ(4)

عادلاتٍ عِلَلَ الوَجدِ*** بلذّاتِ التَّشاكِي

رُعْنَ في «مكْةَ» نَوْمِي *** قَبْلَ تَعْرِيدِ المَكاكي(5)

ص: 121


1- نواك: بعدك.
2- المصلى: موضع في عقيق المدينة.
3- أرهف: دقق و رقق حده. أرشف: بالغ في مصه.
4- لدَنْاتِ: ليّنات.
5- المكاكي: جمع مكاء و هو طائر.

كُلُّ عَطْرَى شَفَتاها *** عِترَةٌ فَوْقَ مُداكِ(1)

يَغْتَدِي مِسْواتُها *** رَيْحانةٌ غِبَّ السِّواکِ

فَرَأَتْ عَيْنِي وَلكِنْ *** ما رَأَي قَلْبِي سِواکِ

أَجْتَدِي النَّوْمَ وَ هَلْ فِي النَّوْمِ *** إلا أَنْ أراکِ؟(2)

ماعَلَی مَنْ حَظَرَ الرَّاحَ *** لَوِ اسْتَثْنَى لمَاكِ!(3)

كُنْتُ صَعباً لا أُلَوَّى *** بالخَشاشاتِ الرِّكاكِ(4)

فَمَضَى حُكْمُ اكْتِهالي *** تابِعاً حُكْمَ صِباكِ

يا سَمِيرِي لَيْلَةَ «السَّفْحِ» *** وَ قَدْ نادَوْا: بَراكِ(5)

وَ المَطايا تَخْلِطُ المَعْجَ *** کَلالاً بالسِّواکِ(6)

أتباکَیْتَ نِفاقاً *** «باللّوى» أم أن أنتَ باكي؟

أمْ أراکَ الشَّوْقُ أَشْباهَ *** «سُلَيْمَى» في الأراكِ؟

سَأَلَتْ بي أمُّ «سَلْمي» *** أيْنَ حَزْمي و احْتِناكي؟

وَرَأَتْ ضَعْضَعَةٌ بَيْنَ *** سُكُوني و حِراكِي(7)

طاوِياً كَشْحَ مَهِیضٍ *** ناشِراً أَنْفاسِ شاکي(8)

لاتَخَالِي خَوراً ذاكَ *** فإنِّي أنا ذاکِ(9)

ص: 122


1- العترة: القطعة من المسك الخالص-المداك: الحجر الذي يسحق عليه الطيب.
2- أجتدي: أسأل أطلب و أرجو.
3- الراح: الخمر.
4- الخشاشة: خشبة توضع في أنف البعير.
5- براك: اسم فعل أمر بمعنى آبرك.
6- المعج: السير السهل. الكلال: التعب. السواك: السير الضعيف.
7- ضعضعة: ضعف و خفة الجسم من مرضٍ أو حزن.
8- الكشح: ما بين السرة و وسط البطن. مهيض: مكسور بعد الجبور، مكسور الجناح.
9- خَوَراً: رجلاً منسوباً إلى الخور و هو الفتور و الضعف و الانكسار أو السقوط.

بَلْ رُزَيْناتُ تَواصَينَ *** شَماتاً بانْتِهاكِي(1)

كلُّ يَوْمٍ حادِث ینکأُ *** قَرْفي بالحِكاكِ(2)

أَنتَحِي أَعْزَلَ فِیهِ *** وَ سِلاحُ الدَّهْرِ شاکي(3)

كَمْ عَرَكْتُ الصَّبْرَ حَتَّى *** جاءَ ما فَلَّ عِراكي

وَ تَسَتَّرْتُ وَرُزْءُ *** «الفاطِمِيّينَ» انْهتاکِي

خَمَدَ الجَمْرُ وَ وَجْدِي *** بِبَنِي «الزَّهْراءِ» ذاكي(4)

بأبي في قَبْضَةِ الفُجَّارِ *** مِنْهُمْ كلُّ زاكي

مُلْصَقٌ بِالأَرْضِ جِسْماً *** نَفسُهُ فَوْقَ السُّكاكِ(5)

مُفْرَدٌ تَرْمِيهِ كَفُ *** البَغْي عن قَوْسِ اشتراكِ

أَظْهَرتْ فِرقَةُ «بدرِ» *** فيه أضْغانَ النَّواكِي(6)

كلُّ ذاكِى الحِقْدِ أو يخضبُ *** أعرافَ المَذاكي(7)

و غَريبُ الدَّارِ يُلفَي *** مَوْطِنَ الطَّعْنِ الدِّراكِ(8)

طاهِرٌيخطَفُ بالأيْدِي *** الخَبِيثَاتِ السِّهاكِ(9)

يَخْرَسُ المَوْتُ إذا سمَّتْه *** أفواهُ البواکِي

يابْنَةَ الطَّاهِرِ كَمْ تَقشَرُ *** بالظُّلْمِ عَصاكِ

ص: 123


1- الرزيئات: المصائب.
2- ينكأ: يقشر. القرف: القشرة تعلو الجرح بعد يبسه. الحِكاك: مصدر بمعنى الحك.
3- شاكي: تام.
4- ذاكي: متوقد.
5- السكاك: الهواء الملاقي عنان السماء أصلها (الشكاك).
6- النواكي: الجهال العاجزون.
7- المذاكي: الخيل.
8- الدراك: المتتابع.
9- السِّهاك: ذوات الرائحة الكريهة.

غَضِبَ اللَّهُ لِخَطْبٍ *** لَيْلَةَ «الطَّفٌ» عَراكِ(1)

وَ رَعَى النَّارَ غَداً جِسْمٌ *** رَعَي أمسِ حِسماکِ

شَرَعَ الغَدْرَ أَخُو غِلَّ *** عَنِ الإِرِثِ زَواکِ(2)

يا قُبُوراً بالغَرييْنِ *** إلى الطَّفْ سقاكِ(3)

كُلُّ مَحْلولٍ عُرى المرزِمَ *** مَحْلُوبِ السّماكِ(4)

حَامِلُ مِنْ صَلَواتِ *** اللَّهِ ما يُرْضِي ثَرَاكِ

وَ إِنِ اسْتَغْنَيْتِ عن وَ كُفِ *** حَياً غَيْرِ حَياكِ

إِنَّهُ لَوْ أَجْدَبَ البَحْرُ *** اجْتَدَى فَضْلَ نداكِ

أَوْ أَضَلَّ البَدْرُ في الأفْقِ *** سَناه لاهتَداكِ

يا هُداةَ اللَّه وَ النَّجوَةً *** في يَوْمِ الهَلاکِ

بكُمُ اسْتَدْلَلْتُ في حَيْرِةَ *** أمْرِي و ارَتِباکِي

أَظْلَمَ الشَّکُّ وَ کُنْتُمْ *** لي مَصابِيحَ المَشاكي(5)

وقد ذيّل عليها بعضُ الشّيعة و أتمَها، و الأبيات:

يا بْنَةَ الطَّاهِرِ كَمْ تُقْرَعُ *** بِالظُّلْم عَصاکِ

غَضِبَ اللَّهُ لِخَطبٍ *** لَيْلة الطَّفَ عَراكِ

ص: 124


1- الطف: كربلاء شاطىء الفرات الذي قتل عنده الحسين علیه السلام.
2- زواك: نحَّاك. و جاء في كتاب كشف الغمة ج2 ص103 للأربلي. دار الكتاب الإسلامي رواية تؤكد هذا المعنى: «... و روي أن فاطمة علیها السلام جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم فقالت علیها السلام: يا أبابكر من يرثك إذا متَّ. قال: أهلي و ولدي. قالت علیها السلام: فمالي لاأرث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث ولكن أُنْفِق على من كان ينفق عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أعطي ما كان يعطيه قالت واللَّه لاأكلمك بكلمة ما حييت فما كلمته حتى ماتت...».
3- الغريّان: بناء ان كالصومعتين بظاهر الكوفة قرب قبر الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام.
4- المرزم: السحاب اشتد صوت رعده.
5- المشاكي: جمع مشكاة و هي الأنبوبة في وسط القنديل.

و رَعَى النّارَ غَداً *** قطَّ رعَى أمسِ حماكِ

مَرّ لم يعطِفّه شَكْوَى *** و لا اسْتَحْيَا بُكاكِ(1)

وَ اقْتَدَى النّاسُ بِهِ بَعْدُ *** فأردَي وَلَدَاکِ

يا بْنَةَ الرّاقي إلى السِّدُرَةِ *** في لَوْحٍ السکاکِ

لَهْفَ نَفْسِي وَ عَلَى مِثْلِك *** فَلْتَبکِ البَواکِي(2)

كَيْفَ لم تُقْطَعْ يَدٌ مَدَّ *** إِلَيْكِ ابن صهاکِ

فَرَحُوا یَوْمَ أهانوکِ *** بما ساء أباکِ

وَ لَقَدْ أَخْبَرَهم أنّ *** رضاه في رِضاكِ(3)

دَفعا النَّصَّ على إرثِكِ *** لمَّا دَفَعاكِ(4)

ص: 125


1- جاء في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم، ص319 ط2 منقولاً عن كتاب بيت الأحزان ص97. قولها علیها السلام و هي مشتكية عنهم: «فجمعوا الحطب الجزل على بابي و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم الله، بالله و بأبي أن يكفَّوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليَّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع في وجهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً بغير جرم...». و في كتاب تاريخ الخلفاء أو الإمامة و السياسة، ج1 ص14 ط3 مؤسسة الوفاء: «... فإني أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي لأشكونكما إليه...».
2- لعله أراد الرواية المذكورة في كتاب «فاطمة الزهراء علیها السلام» بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص64 ط2 منقولاً عن كتاب بحار الأنوار، ج22 ص484: «عنه صلي الله علیه و آله و سلم عند وفاته والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله و ما حوله من الملائكة و السموات و الأرضون و ما فيهما...».
3- جاء في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم، ص64 ح3 منقولاً عن كتاب بحار الأنوار، ج22 ص491 قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في حديث طويل. «... والله يا فاطمة علیها السلام لاأرضى حتى ترضي ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي ثم لا والله لا أرضى حتى ترضي».
4- جاء في كتاب كتاب دلائل الصدق، ج3 ص22 مطبوعات منشورات مكتبة بصيرتي/ قم مشيراً إلى هذا المعنى: «قال العلامة الحلي (رحمة الله علیه) و منها أنه منع فاطمة علیها السلام إرثها فقالت: يابن أبي قحافة أترث أباك و لاأرث أبي؟ واحتجَ عليها برواية تفرَد هو بها عن جميع المسلمين مع قلّة رواياته و قلّة علمه و كونه الغريم لأن الصدقة تحلّ عليه فقال لها: إنّ النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «نحن معاشر الأنبياء لانورث ما تركناه صدقة و القرآن مخالف لذلك فإن صريحه يقتضي دخول النبي صلي الله علیه و آله و سلم فيه بقوله تعالى: «يوصيكم الله في أولادكم».

وَ تَعَرَّضْتِ لِقَدْرٍ *** تافِهٍ و انتَهَذاکِ

وَ ادْعَيْتِ النَّحْلةَ المشهودَ *** فيها بالصِّكاكِ(1)

فاستشاطَا ثم ما إن *** كذبا إن كذباكِ(2)

ص: 126


1- ربما هذه إشارة إلى ما ورد في كتاب أمالي الطوسي، ط2 (1981م) مؤسسة الوفاء ص207. «إن عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة علیها السلام فرأتها باكية فقالت لها: بأبي أنت و أمي ما الذي يبكيك؟ فقالت لها «صلوات الله عليها»: أسائلن عن هنة حلّق بها الطائر و جفى بها السائر و رفع إلى السماء أمراً و رزئت في الأرض خبراً أن تخيف تيم و أحيوك عدي جازياً أباالحسن علیه السلام في السياق حتى إذا تقربا بالخناق أسرًا له الشنآن و طوياه الاعلان فلما خبا نور الدين و قبض النبي الأمين نطقا بفورهما و نفثا بسورهما و ادلاً بفدك فيا لها لمن ملك، تلك إنها عطية الرب الأعلى للنجي الأوفى و لقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله و نسلي و إنها ليعلم الله و شهادة أمينة فإن انتزعا منّي البلغة و منعاني اللمظة و احتسبتها يوم الحشر زلفة، و ليجدنها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم».
2- استشاطا: التهبا غيظاً. جاء في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم، ص307 ط2 منقولاً عن كتاب بحار الأنوار، ج8 ص224 مطبعة الكمباني: «قالت فاطمة علیها السلام في كلام لها حين أرادوا انتزاع فدك منها: أيها الناس أما سمعتم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «إنّ ابنتي فاطمة علیها السلام سيدة نساء أهل الجنة؟ قالوا: اللهم نعم، قد سمعناه من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت: أفسيدة نساء أهل الجنة تدّعي باطلاً و تأخذ ما ليس لها؟ أرأيتم لو أن أربعة شهدوا عليَّ بفاحشة أو رجلان بسرقة أكنتم مصدقين عليَّ؟ فأما أبوبكر فسكت، و أما عمر فقال: نعم، و نوقع عليك الحد. فقالت: كذبت و لؤمت، إلا أن تقرّ أنك لست على دين محمد صلى الله عليه و آله و سلم إن الذي يجيز على سيدة نساء أهل الجنة شهادة أو يقيم عليها حدّاً الملعون كافر بما أنزل الله على محمد صلي الله علیه و آله و سلم الا الله إن من أذهب الله عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيرا لايجوز عليهم شهادة، لأنهم معصومون من كل سوء مطهرون من كل فاحشة حدثني يا عمر عن أهل هذه الآية، لو أن قوماً شهدوا عليهم أو على أحد منهم بشرك أو كفر أو فاحشة كان المسلمون يتبرؤون منهم و يحدُّونهم؟ قال: نعم، و ما هم و سائر الناس في ذلك إلا سواء. قالت: كذبت و كفرت و ما هم و سائر الناس في ذلك سواء، لأن اللَّه عصمهم و أنزل عصمتهم و تطهيرهم، و أذهب عنهم الرجس، و من صدّق عليهم فإنما يكذب اللَّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم.».

فَزَوَى اللَّه عن الرَّحْمةِ *** زِنْدِیقاً زَواکِ(1)

وَ نَفَى عَنْ بابهِ الوا *** سِعٍ شَیْطاناً نَفاکِ(2)

ص: 127


1- زوى: نحى -منع- صرف- زنديقاً: الزنديق الخبيث الداهية و من لايراعي حرمة و لايحفظ مودة.
2- عن كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص235. ديوان مهيار الديلمي ج2 ص367.

(12) رمز كل فضيلة

(بحر الكامل)

الشيخ هادي البحراني

تَعْيَى القَرائحُ في مُقامِ عُلاكِ *** حَياكِ يا بنةَ أَحْمَدٍ حَيَّاكِ(1)

يا فاطِمٌ أنْتِ المَكارِمُ كُلُّها *** يا فاطِمٌ قَدْ طَابَ مَنْ والاكِ(2)

یا فاطِمٌ يا رَمْزَكُلِّ فَضِيلةٍ *** يا فاطِمٌ يا عِصْمَةَ النُّساكِ

يا فاطِمٌ يا لَيْلَةَ القَدْرِ انْجَلَتْ *** بكِ ظُلمةً مُذ لُحْتِ في أَضْواكِ(3)

ص: 128


1- تغيي: تعجز.
2- انظر كتاب المناقب، ج3 ص330 ط المطبعة العلمية بقم/ مؤسسة انتشارات علامة. و لعل ما جاء في كتاب علل الشرايع ج1 ص213 (6) ط1/ منشورات الأعلمي قريبة من هذا المعنى: «عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: لفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كلّ رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة علیها السلام بين عينيه محبّاً فتقول: إلهي و سيدي سمَّيتني فاطمة علیها السلام و فطمت بي من تولاني و تولى ذريتي من النار و وعدك الحق وأنت لاتخلف الميعاد فيقول اللَّه «عزوجل»: صدقت يا فاطمة علیها السلام إني سميتك فاطمة علیها السلام و فطمت بك من أحبك و تولاك و أحب ذريتك و تولاهم من النار و وعدي الحق وأنا لاأخلف الميعاد وإنّما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك و ليتبين لملائكتي و أنبيائي و رسلي و أهل الموقف موقفك منّي و مكانتك عندي. فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده و ادخليه الجنة.».
3- جاء في كتاب تفسير العياشي، ج2 ص581 ح747 ، ط/مؤسسة النعمان -بيروت ما يشير إلى ذلك: «عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال: «إنا أنزلناه في ليلة القدر» الليلة فاطمة علیها السلام و القدر الله فمن عرف فاطمة علیها السلام حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر و إنما سمّيت فاطمة علیها السلام لأن الخلق فطموا عن معرفتها».

يا فاطِمٌ يا كوثراً في الوحي يا *** مَنْ حارَتِ الألبابُ في مَعْناكِ(1)

یا فاطِمٌ يا بَضْعَةً لِمُحَمَّدٍ *** يا فاطمٌ و رضا الإلهِ رضاكِ(2)

يا فاطِمٌ يا زَوْجَةً لِوَصيِّهِ *** يا فاطِمٌ وَالْخَيْرُ مِنْ أَبْناكِ

يا فاطِمٌ ماذا أقولُ و أنتِ يا *** بنتَ الرَّسُولِ مَحَجَّةُ الأمْلاكِ

في يَوْمٍ مَوْلِدِكِ انْتَشَيْتُ وقَدْ غَدا *** شِعري يُعطرُهُ عَبِيرُ نَداكِ

أنا خادِمٌ لِبَنِيكِ دَوْماً مُولَعٌ *** بِكُمُ وإنَّي لا ئِذٌ بِحِماكِ

أرْجُو الشفاعة في النُّشور لِعَبْدِكُمْ *** (هادي) لِيُحْشَرَ مُنْعَماً بوَلاكِ(3)

إِنِّي بَرِيء مِنْ أُناسٍ ضَيَّعُوا *** حَقَّ الوَصِيَّ وَ كُلِّ مَنْ عاداكِ

بَدَنِي مَرِيضٌ وَ الشَّفاءُ لَدَيْكُمُ *** روحِي وَ جِسْمِي يا بَتُولُ فِداكِ(4)

ص: 129


1- الألباب: العقول.
2- جاء في «صحيح مسلم» ج5 ، ص54 (94)/ ط1 مؤسسة عز الدين. «عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويسرني ما أسرها». و في كتاب المناقب، ج3 ص325 المطبعة العلمية -قم/ مؤسسة انتشارات علامة: «أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن الله ليغضب لغضبك و يرضى لرضاك».
3- لعله إشارة لما جاء في كتاب «روضة الواعظين» للنيسابوري ط1 (1986م) مؤسسة الأعلمي/ بيروت -لبنان ص165 : «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل إبنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة مدبَّجة الجبین ... و تقول: إلهي و سيدي احكم بيني و بين من ظلمني اللهم احكم بيني و بين من قتل ولدي فإذا النداء من قبل الله يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي فتشفعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبي و محبي ذريتي فإذا النداء من قبل الله «تعالى» أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبوها و محبو ذريتها؟ فيقبلون و قدأحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة.».
4- في كتاب المناقب، ج3 ص330 المطبعة العلمية/ قم مؤسسة انتشارات علامة: «سئل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ما البتول ؟ قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: التي لم ترَ حمرة قط و لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء. و قال صلى الله عليه و آله و سلم لعائشة: يا حميراء إن فاطمة علیها السلام ليست كنساء الآدميين لاتعتل كما تعتلن.».

بالعُروة الوثقى وَثِقْتُ وَإِنَّني *** أَهْوَى الّذِي في حُبِّهِ يَهواك

صَلَّى عَليكِ اللَّه جَلَّ جَلالُهُ *** يا بَضْعَةَ الهادِي النَّبِيِّ الزَّاكِي

ص: 130

(13) عطر النبوة صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

السيد هاشم حسين الموسوي

أُمُّ الأَئِمَّةِ مَا أَنْدَى عَطَايَاكِ *** وَ مَا أَشَدَّ شَفَاءَ الدَّهْرِ لَوْلاكِ(1)

إنَّ العَطَاءَ الَّذِي مَا زَال كَوْثَرُهُ *** يُهْدِي الحَيَاةَ روَاءٌ فَيْضُ يُمْنَاكِ(2)

عِظَرُ النُّبُوَّةِ فِيهِ خَالِدٌ عَبِقٌ *** يَسْتَافُهُ كُلُّ مَنْ بِالحَقِّ وَالاكِ(3)

إِنَّ الإِمَامَةَ نَهْرٌ أَنْتِ مَنْبَعُهُ *** حَيَّاكِ مِنْ مَنبعِ لِلْفَضْلِ حَیَّاكِ

يَجْرِي الزَّمَانُ وَ يَعْلُو الحَقُّ فِي فَمِهِ *** أَنْشُودَةً لَحْنُهَا أَوْتَارُ عَلْيَاكِ

فَلا نُضُوبَ لِنَهْرٍ أَنْتِ مَنْبَعُهُ *** وَ لالِقِيثَارَةٍ تَشَدُو بِحُسْنَاكِ(4)

بنتَ النَّبِي وَ يَكْفِي الدَّهْرَ فَاطِمَةَ *** اسْمٌ يُذِيبُ القَذَى فِي دَرْبِهِ الزَّاكِي(5)

ص: 131


1- قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يوماً لخديجة علیها السلام: إنها النسمة الطاهرة الميمونة و إن الله «تبارك وتعالى» سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها ائمة في الأمة البحار المجلسي، ج16 ص80.
2- في قوله تعالى: «إنا اعطيناك الكوثر». الكوثر: أولاده. قالوا: لأن هذه السورة انما نزلت رداً على من عابه صلي الله علیه و آله و سلم بعدم الأولاد، فالمعنى انه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان. تفسير الميزان الطباطبائي، ج20 ص370.
3- عبق: الذي تفوح منه رائحة الطيب.
4- فلانضوب: فلاجفاف و لاانحسار، يقال «نضبَ عنه البحر» أي نزح ماؤه عنه و نشف. يشدو: أنشدَ و تغَنَّى و تَرَنَّم.
5- قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنما سمِّيت ابنتي فاطمة علیها السلام لأن الله «عزوجل» فطمها و فطم من أحبها من النار... عيون الأخبار ج2 /59. و قال ابن عباس لمعاوية : أتدري لم سميت فاطمة علیها السلام فاطمة؟ قال: لا: قال: لأنها فطمت هي و شيعتها من النار . سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقوله . مسند الإمام الرضا، ج1 ص347 ح189.

اِسْمٌ هُوَ البَلْسَمُ الشَّافِي وَ مَا شَقِيَتْ *** نَفْسٌ كَمَا أَمَرَ القُرْآنُ تَهْوَاكِ(1)

أمُّ الحُسَيْن وَ قَدْ جَلَّتْ فَضَائِلُهَا *** مِنْ أَنْ تُقَاسَ فَلَاحَدٌ لِمَرْقَاكِ(2)

فَأَنْتِ سَيِّدَةُ الدُّنْيَا وَ عَالَمِها *** مِنَ النِّسَاءِ بِلارَيْبٍ و أُخَرَاكِ(3)

وَ أَنْتِ عَالِمَةٌ قَدْ أَيْنَعَتْ وَ نَمَتْ *** فِي مَنْزِلِ الوَحْيِ حَيْثُ اللَّهُ يَرْعَاكِ

قَبَسْتِ مِنْ نُورِهِ مَا كَانَ مُمْتَنِعاً *** عَلَى الخَلَائِقِ مِنْ أَبْعَادِ مَعْنَاكِ(4)

وَفُقْتِ كُلَّ نِسَاءِ الأَرْضِ قَاطِبَةً *** مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ حَتَّى يَوْمَ نَلْقَاكِ

فِقْها وَ تَقْوَى وَبِالإِسْلَام مَعْرِفَةً *** عَلَى الحَقِيقَةِ حَيْثُ الوَحْيُ رَبَّاكِ

وَ سُورَةُ الدَّهْرِ تَكْفِي المَرْءَ مَعْرِفَةً *** بِمَا حَبَاكِ بِهِ المَوْلَى وَ أَعْلاكِ(5)

ص: 132


1- عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ولداهما علیهم السلام... السيوطي، الدر المنثور/ ج7 ص348.
2- مَرقاكِ: درجتكِ. و رَقَى رقياً و رُقيّاً الجبل و فيه و إليه صعد. و ارتقى ارتقاء الجبل و فيه وإليه: صعد. و ارتقى السلّم: ترقى فيه؛ و صعده درجة درجة حتى بلغه و ترقى به الأمر بلغ غايته. المُرتقى: موضع الارتقاء، يقال: «لقد ارتقيت مرتقى صعباً» أي يصعب الارتقاء اليه. المَرْقى والمَرْقاة جمعها مراق: الدرجة المرقاة جمعها مراق: الدرجة.
3- قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «يا فاطمة علیها السلام أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟». صحيح مسلم ج6 ص284.
4- قَبَسْتِ: قبس منه النار: أخذها شُعلةً، و قَبَس النار: أوقدها و قبَسَهُ النار: جاءَهُ بها. أقبَسَ فلاناً: أعطاه قبساً. اقتبس منه النار: بمعنى قبس. قبس العلم: و استفاده.
5- عن ابن عباس قال: إن الحسن و الحسين علیهما السلام مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن علیه السلام لو نذرت على ولديك. فنذر علي و فاطمة علیهما السلام و فضة جارية لهما إن بَرِثا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شيء فاستقرضٍ علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة علیها السلام صاعاً و اختبزت خمسة اقراص على عددهم فوضعوها بين ايديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله و سلم مسكين من مساكين المسلمين اطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة. فآثروه و باتوا لم يذوقوا الا الماء و أصبحوا صياماً و في اليوم الثاني جاءهم أسير. ففعلوا مثل ما فعلوا في اليوم الأول. و في الثالث جاءهم يتيم ففعلوا مثلما فعلوا في اليوم الأول. فلما أصبحوا أخذ علي علیه السلام بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و أقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلما أبصرهم و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم. و قام فانطلق معهم فرأى فاطمة علیها السلام في محرابها قد التصق بطنها بظهرها و غارت عيناها فساءه ذلك. فنزل جبرئيل علیه السلام و قال: خذها يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم هنأك الله في أهل بيتك علیهم السلام فأقرأه السورة. الكلمة الغراء في تفضيل فاطمة الزهراء علیها السلام عبد الحسين شرف الدين الموسوي، ص62.

وَ خُطْبَةٌ لَكِ فَجَّرْتِ العُلُومَ بِهَا *** حَتَّى غَدَا الخَصْمُ مَفْضُوحاً بِدَعْوَاكِ(1)

بلاغَةٌ يُدْهِشُ الأَلْبَابَ مَنْطِقُهَا *** كَأَنَّهَا الوَحْيُ فِي بُعْدِ وَإِدْرَاكِ

أَقَمْتِ حُجَّتَكِ الكُبْرَى وَ كُنْتِ بِهَا *** فِي مَوْقِفِ الحَقِّ نِعْمَ الصَّادِقُ الشَّاكِي

وَ أَنْتِ صِدِّيقَةٌ مَحْفُوفَةٌ أَبَداً(2) *** بِالطُّهْرِ، وَ الحَقُّ طَبْعُ مِنْ سَجَايَاكِ(3)

أيَطلُبُونَ شُهُوداً؟ لا أباً لَهُمْ *** وَ اللَّهُ فِي مُحْكَم التَّنْزِيلِ زَكَّاكِ

أَمَا وَعَوْا حَقَّكِ المَضْمُونَ إِذْ حَكَمُوا *** بَلَى وَ حَقِّ الذِي بِالحَقِّ سَوَّاكِ؟

سَيَعْرِفُونَ غَداً عُقْبَى زَوَابِعِهِمْ *** إِذْ تَعْرِضِينَ بِيَوْمِ الحَشْرِ شَكْوَاكِ

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى يَا مَنْ مَآثِرُهَا *** بِلا عَدَادٍ وَ لاَيُرْقَى لِتَقْوَاكِ(4)

مَاذَا يَخُطُّ يَراعٌ فِيكِ يا أَلَقاً *** مِنَ السَّمَاءِ، وَ رَبُّ العَرْشِ أَدْنَاكِ(5)

وَ كَيْفَ يَبْلُغُ شِعْرٌ فِيكِ غَايَتُهُ *** وَ إِنْ تَفَنَّنَ فِي وَصْفِ وَ أَطْرَاكِ؟(6)

فَأَنْتِ فَوْقَ فُنُونِ الشَّعْرِ سَيِّدَتِي *** وَ الحَرْفُ لَايَهْتَدِي يَوْماً لِمَغْزَاكِ

رَبِيبَةُ الوَحْي هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِهَا *** مَا كَانَ أَعْطَرَهُ مِنْ مَوْلِدٍ زَاكِي

ص: 133


1- غدا: هنا بمعنى صار أو أصبحَ.
2- عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أنه قال لعلي علیه السلام «أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد و لاأنا، أوتيت صهراً مثلي و لم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوجة، و أوتيت الحسن والحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي منهما، ولكنكم منّي و أنا منكم». الرياض النضرة، ج2 ص202.
3- سجاياك: خصالك و شمائلك.
4- قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها».. صحيح البخاري، ج3 ص1361 ح3510.
5- يَراعُ: يريد به. القلم ألقاً: ألق و تألق و التَلَقَ البرق: لَمَع. تألّفت المرأةُ: تَزَيَّنت و المعنى الأول هو مُراد الشاعر كما هو ظاهر.
6- أطراكِ: أثنى عليك و مدح محاسن شمائلك.

مَا كَانَ أَعْظَمَهُ يَوْماً وَ أَزْهَرَهُ *** يُشَرِّفُ الخَلْقَ مِنْ إِنسِ وَ أَمْلاكِ

يَوْمٌ هُوَ الشَّمْسُ فِي الْآفَاقِ بَازِغَةٌ *** تُنَوِّرُ الكَوْنَ مِنْ جُرْم وَ أَفَلاَكِ(1)

وَ قُرَّةُ العَيْنِ لِلْمُخْتَارِ تَمْنَحُهُ *** عِطر الجِنَانِ بِلاَ هَم وَأَشْوَاكِ

فَازَتْ خَدِيجَةُ بِالإِيمَانِ سَابِقَةً *** وَ الْيَوْمَ فَاقَتْ عَلَى سَبْقٍ وَ إِدْرَاكِ

يَا أُمَّ فَاطِمَةٍ يَكْفِي العُلاَ شَرَفاً *** أَنْ يَسْتَقي الدَّهْرُ مِنْ أَنْهَارِ حُسْنَاكِ

فَتِلْكَ فَاطِمَةٌ تُغْنِي الحَيَاةَ هُدًى *** بِلا تَرَاجُع أَوْ عَجْزِ وَ إِمْسَاكِ(2)

دَرْبُ اشَّهَادَةِ مِنْ آثَارِهَا عَبِقٌ *** مِنْ كُلِّ مِغْوَارٍ حَقٌّ لِلْوَغَى شَاكٌ

مُنْذُ الحُسَيْنُ وَ فَيْضُ الدَّمُ مُلْتَهِبٌ *** عَلَى الطَّغَاةِ وَ حَتَّى صَدْرِنَا الزَّاكِي

أم المَيَامِينَ بِنْت الْوَحْيِ سَيِّدَتِي *** تِلْكَ الغُصُونُ نَمَتْ مِنْ نَفْحِ رِيَاكِ

كُلُّ الأَئْمَةِ مِنْ أَبْنَاءِ فَاطِمَةٍ *** كَانُوا كُهُوفَ الوَرَى مِنْ كُلِّ أَفَاكِ(3)

صَاغُوا الحَيَاةَ طَهُوراً مِثْلَمَا رَسَمَتْ *** مَشِيئَةُ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ مَوْلاَكِ

قَدْ أَزْهَرَتْ فِيهِمُ آثَارُ تَرْبِيَةٍ *** بِمِثْلِ مَا أَحْمَدُ المُخْتَارُ رَبَّاكِ

خَطُّ الرِّسَالَةِ صَانُوهُ وَ قَدْ حَمَلُوا *** كُلَّ الأَذَى فِيهِ مِنْ بَاغٍ وَ سَفَّاكِ(4)

زَهْرَاءُ يَا عَبْقَ التَّاريخِ مُنْتَشِراً *** مُني عَلَيْنَا بِعَطْفِ يَوْمٍ ذِكْرَاكِ

بِنْتَ الرِّسَالَةِ يَا زَهْرَاءُ يَا شَرَفاً *** بهِ يُطَوْقُ مَنْ فِي اللَّهِ وَالآكِ

تِلْكَ اللَّيَالِي لَقَدْ وَلَّتْ وَ مَا ظَفِرَتْ *** يَدُ المُسِيءٍ بِشَيْءٍ عَنْهُ أَقْصَاكِ(5)

فَأَنْتِ رَبَّهُ حَقٌّ رَغْمَ مَا افْتَعَلُوا *** مِنَ المَوَاقِفِ أَوْ شَكٍّ وَإِرْبَاكِ

وَ أَنْتِ فِي قِمَّةِ العَلْيَاءِ خَالِدَةٌ *** وَ سَوْفَ يَلْقَى الجَزَا مَنْ كَانَ عَادَاكِ

ص: 134


1- الجرم: المراد هنا هو سائر الكواكب و النجوم المنيرة. أفلاك: جمع فلك و هو مدار الكوكب.
2- إمساك: امتناع.
3- الأفاك: الكذاب الذي يفتري الكذب.
4- باغ: اسم فاعل من بغى بَغْياً فهو باغي. و البغي هو الظلم.
5- أقصاك: أَبعدك.

(14) صلى عليك اللَّه

(بحر الكامل)

لأحد الشعراء

يا نُورَ بَيْتِ المُصْطَفَى بُشْراكِ *** لَوْلاكِ ما عَمَّ الهُدَى لَوْلاكِ

يا خَيْرَ فاطِمَةٍ وَ يا أُمَّ الهُدَى *** نُورَ الإمامة من صميم بَهاكِ(1)

لَوْلاكِ يا زَهْراءُ يا نُورَ الوَرَى *** ما هَلَّتِ الأَنْوارُ تَحْتَ سَماكِ(2)

أنتِ الهُدَى لِلْهائِمِينَ بِلا هُدًى *** يا كَعْبَةَ المُشتاقِ نَحْوَ حِماكِ(3)

صَلَّى عَلَيْكِ الله يا ذاتَ الهُدَى *** وَ عَلى أبِيكِ وَ عِتْرةٍ تَهْواكِ

***

قَسَماً بِرَبِّ العَرْشِ أَنْتِ هِدايةٌ *** لِلْقاصِدِينَ إلى العُلا بِهُداكِ

ص: 135


1- في كتاب علل الشرائع ج1 ص213 ح1 ط1/ مؤسسة الأعلمي و كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص76 ح5، و كتاب بحار الأنوار، ج43 ص12 ط2 مؤسسة الوفاء، عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قلت: لم سميت فاطمة الزهراء علیها السلام (زهراء)؟ فقال: لأن الله «عزوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة الله ساجدين و قالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري و أسكنتهٍ في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري و يهدون إلى حقي و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي».
2- لعل ما ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص44. و كتاب مستدرك سفينة البحار، ج3 ص334 يتضمن هذا المعنى عن الله «تبارك و تعالى» يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك و لولا علي لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما».
3- الهائمين: الذاهبون لايدرون أين يتجهون.

يَكْفِيكِ قَوْلُ المُصْطَفَى فِي مَوْقِفٍ *** مِنْ كُلِّ مَنْ عاداكِ أو حاباكِ(1)

يُؤْذِيهِ ما يُؤذِيكِ هذا قَوْلُهُ *** يُرْضِيهِ ما يُرْضِيكِ نِعْمَ رِضاكِ(2)

يَكْفِيكِ أَنَّ المُرْتَضَى عَلَمُ الهُدَى *** بابُ العُلوم وَلِيُّ مَنْ والاكِ

صَلَّى عَلَيْكِ اللَّهُ قَدْرَ كَمَالِهِ *** وَ عَلَيْكِ صَلَّى اللَّه قَدْرَ عُلاكِ

***

يا خَيْرَ مَنْ بَكَتِ الدُّمُوعَ غَزِيرَةٌ *** بَعْدَ الحَبِيبِ صَفِي مَنْ صافاكِ(3)

يا مَنْ بَكَى جِبْرِيلُ بعدَ بُكائِها *** وَ مَلائِكُ الرَّحْمَنِ حَوْلَ حِماكِ(4)

ص: 136


1- في كتاب علل الشرائع، ج1 ص221 ط1/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت. «... فلما وقع بصرهما على فاطمة سلّما عليها فلم ترد عليهما و حوّلت وجهها عنهما، فتحوّلا و استقبلا وجهها حتى فعلت مراراً و قالت: يا علي علیه السلام جاف الثوب و قالت لنسوة حولها: حوّلن وجهي فلما حوّلن وجهها حوّلا إليها... فالتفتت إلى علي علیه السلام و قالت: إني لاأكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فإن صدقاني رأيت رأيي. قالا: اللهم ذلك لها وإنا لانقول إلا حقاً و لانشهد إلا صدقاً فقالت: أنشدكما باللّه أتذكران أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم استخرجكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر علي؟ فقالا: اللهم نعم فقالت: أنشدكما باللَّه هل سمعتما النبي صلي الله علیه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي و أنا منها من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و من آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي و من آذاها في حياتي کان کمن آذاها بعد موتي؟ قالا: اللهم نعم. قالت: الحمد لله ثم قالت: اللهم إني أشهدك -فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد أذياني في حياتي و عند موتي واللّه لاأكلمكما من رأسي حتى ألقى ربي...».
2- في كتاب بحار الأنوار، ج22 ص484 ح31: «... يا أبا الحسن علیه السلام هذه وديعة الله و وديعة رسوله محمد صلي الله علیه و آله و سلم عندك فاحفظ الله و احفظني فيها، و إنك لفاعله... و اللّه يا فاطمة علیها السلام لاأرضى حتى ترضي، ثم لا والله لاأرضى حتى ترضي ثم لا والله لاأرضى حتى ترضي...». انظر قافية الكاف القصيدة رقم (1).
3- في كتاب المناقب، لابن شهر آشوب ج3 ص322 المطبعة العلمية/ قم يؤكد هذا المعنى: «و رأس البكائين ثمانية: آدم و نوح و يعقوب و يوسف و شعيب و داود و فاطمة و زين العابدين علیهم السلام قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي...».
4- في كتاب بحار الأنوار، ج22 ص491 ضمن ح36 ط3/ مؤسسة الوفاء -بيروت دار إحياء التراث العربي. «و عنه صلي الله علیه و آله و سلم عند وفاته: والذي بعثني بالحق لقد بكى لبكائك عرش الله و ما حوله من الملائكة و السموات و الأرضون و ما فيهما.».

أنتِ المَنارُ هِدايَةٌ لِمَنِ اهْتَدَى *** وَ لِمَنْ يَلُوةُ اليَوْمَ تَحْتَ لِواكِ

هذا عطاؤكِ أنْتِ أَهْلُ عَطائِهِ *** جَلَّ العَطاء وَ جَلَّ مَنْ أَعْطَاكِ

صَلَّى عَلَيْكِ اللَّهُ قَدْرَ كَمَالِهِ *** وَ عَلَيْكِ صَلَّى اللَّهُ قَدْرَ عُلاكِ

***

سُبْحانَ رَبِّي لَوْنَظَرْنَا حَوْلَنا *** فإِذا الطَّوائِفُ كُلُّها تَهْواكِ

كُلُّ المَشارِبِ عِنْدَ بابِكِ تَلْتَقِي *** في بَحْرِ حُبِّ لَمْ يَكُنْ لِسِواكِ

وَاللَّهِ يا زَهْراءُ إِنَّكِ ثَوْرَةٌ *** وَ الْحَقُّ وَالميزانُ تَحْتَ لِواكِ

ذكراكِ تُلْهِمُ كُلَّ قَلْبِ ثائِرٍ *** هَذِي قُلُوبُ الثَّائِرِين تراكِ

باللَّهِ يا زَهْراءُ جُودِي نَفْحَةً *** فِيها الرّضا وَ النُّورُ مِنْ مَوْلاكِ(1)

صَلَّى عَلَيْكِ الله يا ذاتَ الهُدَى *** وَ عَلَى أَبِيكِ وَ عِشْرَةٍ تَرْضاكِ

ص: 137


1- في كتاب ينابيع المودة، ج1 ص314 ط1 في ايران ط6/ منشورات المكتبة الحيدرية 1965 ما يتضمن هذا المعنى: «عن سلمان قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا سلمان أحِبُّ من فاطمة علیها السلام بنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حبُّ فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيتُ عنه و من رضيتُ عنه رضي الله عنه و من غضبت عليه غضبت عليه و من غضبتُ عليه غضب الله عليه يا سلمان ويل لمن يظلمها و يظلم بعلها أميرالمؤمنين علي علیه السلام و ويل لمن يظلم ذريتها و شيعتها».

ص: 138

قافية اللام

اشارة

ص: 139

ص: 140

(1) مدينة العلم

(بحر الكامل)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني(*)(1)

بَيْنِي وَ بَيْنَ قَبِيلَتِي مَخْطُومَةٌ *** كَانَتْ قَضَيْتُها الخصام الأوَّلا(2)

ضَرَبُوا يَدِي فِيها وَساقُوها إلى *** أَزْوادِهِمْ حينَ اقْتَضَتْ أَنْ تَرْحَلا(3)

و أنا الذي أَخرَزُتُها و قَنَصْتُها *** مِنْ بَيْنِ بُرْتُن ضَيْغَمٍ أَوْ أَجْدَلا

فَخِطامُها قَتْلِي وَ مَبْرَكُ صَدْرِها *** رَحْلِي وَ لَوْلا عِزَّتِي لَنْ تُذْلَلا

رَبَّضْتُها وَ هِيَ العَسُوفُ شَمُوسَةً *** أَهْلَتُها وَ هِيَ الَّتي لَنْ تُؤْهَلا(4)

أَوَ لَسْتُ مَنْ هَدَمَ الصَّياصِي دَوْنَها *** أَوْجَبْ غارِبَ فَحْلِها فَتَجَنْدَلا؟(5)

مَنْ كانَ طَلاعاً على إصْطَبْلِها *** قَلَعَ الرِّتاج وَ كانَ حِضناً مُقْفَلا(6)

أَوَ لَسْتُ سائِقَها عَلَى عِلاتِها *** سِيّان مَنْ جَلى عليها أَوْ جَلا؟

أوَلَسْتُ سابِقَها المُجَلِّي يَوْمَ لا *** صَلَّى مِنَ السُّوس الخماص ولاتلا؟(7)

ص: 141


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- مخطومة: ناقة جعل على أنفها الخطام و هو حبل يجعل في عنق البعير ويثنى في خطمه.
3- الأذواد: مفرده الذود للإبل لايتجاوز الثلاثين و لايقل عن الثلاث.
4- العسوف: من الإبل المصاب بالعساف و هو داء يأخذ الإبل من الغدة، شموسة: من الحيوان الذي لايتمكن أحد من ركوبه أو إسراجه و لايكاد يستقر.
5- الصياصي: مفرده الصيصة و هي الحصن وكل ما امتنع به. جبَّ: قطع. الغارب: الكاهل أو بين الظهر و العنق. تجندل: انصرع.
6- الرتاج: الباب العظيم.
7- الشوس: الطوال أو الأشداء في القتال- الخماص: ضامري البطن.

مَنْ ذا الّذي أَقْنَى قناها أو طلى *** بيضَ المُهَنَّدَةِ الظُّبا بِدَمِ الطِّلا؟(1)

مَنْ صَکَّ بُهْمَتَها وَ طَوَّقَ قَرْنَها *** مَلْمُومَةٌ تُغْنِيهِ عَنْ طَوْقِ الحُلا(2)

مَنْ لَفَّ راياتِ الكتائبِ ضارِباً *** أَلْباجَها فَتَطَأَطَأَتُ حَتَّى اعْتَلَى؟

مَنْ هَذَها مَنْ بَذْهَا مَنْ ساقَها *** أسْرَى لِتَفْدِيَ نَفْسَها أَوْ تَقْتُلا؟(3)

مَنْ غَائِصٌ لُجَجَ الجُرُوبِ وَ طالِعٌ *** منها الثّنايا و الدُّرَى وَ ابْنُ الجَلا؟

وإِذا الوَغَى حَمِيَتْ فَمَنْ غَيْرِي لها؟ *** أَلْقَى وَقائِدُها لها ومَنِ اصْطَلَى

وإِذا الخَطابَةُ أَقْحَمَتْ خُطَبَاءَها *** أَفْنا و لاسُحْبانَ وائِلَ مِقْوَلا؟

وإذا المَعاضِلُ أَعْجَزَتْ بِورودِها *** سَعْداً فَمَنْ غَيْرِي لِبُورِدَ مُعْضِلا؟

وَإِذا تَغَلْغَلَتِ الأمُور فَمَنْ لَها *** فَيَسِفٌ إِنْ سَفَّتْ و إِنْ يَتَغَلْغَلا(4)

وإذا الحُكُومَةُ بالقَضاءِ تَبَلْبَلَتْ *** فَمَنِ المُخَرِّزُ وَ المُطَبق مُفْضِلا

وإذا أتاهَتْ بِالعُقُولِ حَنادِسٌ *** فَغَوَتْ حَمَلْتُ إلى الهدايةِ مِشْعَلا(5)

وإِذا تَقَهْقَرَتِ الرِّجالُ وَ أَحْجَمَتْ *** كُنْتُ المُقَدَّمَ عِندَها و الأَمْثَلا

حتى إذا انْتَهَتِ الشَّدائدُ كُلُّها *** وَ تَقَطَّعَ اللَّيْلُ المُحندَسُ وَ انْجَلَى(6)

تَرَكَ القَطا فَغَفى و نامَ مُطَمْناً *** وَ صَفَالَهُ جَرُّ الصَّحاري وَ الفلا

فَتَحاشَدُوا وَ تَعاقَدُوا أَنْ يَرْكَبُوا *** مَخْطُومَتِي وَ يُمَلكُوها حَنْبَلا

مَنْ حَنْبَل ما كُنتُ أعْرِفُ حَنْبَلاً؟ *** مِنْ أَيْنَ جاءَكَ حَنْبَلٌ يا مُبْتَلَى؟

ما جاءَ يَوْمِ الخَيْسِ تَزارُ أَسْدُها *** لَكِنْ بِيَوْمِ الحَيْسِ جاءَ لِيَأْكُلا(7)

ص: 142


1- البيض: السيوف. المهندة: السيوف المصنوعة من حديد الهند -الظَّبا: حدود السيوف.
2- بُهمتها: صخرتها.
3- بذَّها: غلبها وفاقها.
4- فيسف: يقارب.
5- حنادس: ظلمات.
6- المحندس: المظلم.
7- الخيس: غابة الأسد. الحَيْس: طعام مركب من تمر و سمن و سويق.

وَ قَبِيلَتِي أَخَذَتْ له في فلْتَةٍ *** لَمْ تَرْعَ حقاً أَوْ تُحَكِّمَ فَيْصَلا

فَلْيَأْخُذُوها ما حَلَتْ أوْساقُها *** إِلا لِتُطْعِمَهُمْ ذُعافاً حَنْظَلا

لَهْفِي لِبَابِ مَدِينَةِ العِلْمِ الَّذِي *** أَدَّى العُلوم لِذِي المَعارِفِ والملا

أَضْحَى يُقادُ مُلَبَّباً بِثِيَابِهِ *** قَوْدَ البَعِيرِ مَتَى يَخشَ تَسَهْلا(1)

مَنْ هؤُلاءِ وَ مالَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا *** ما لا يُباحُ لِمِثْلِهِمْ أنْ يَفْعَلا

فَمَتَى تَجَهَّمَتِ الظَّباءُ بِضَيْغَمٍ *** وَ نَفَتْ بِذاتِ الصَّيْدِ مِنْ قالي قلا

فَكَأَنَّ لَيْئاً نا وَأَتْهُ تَعَالِبٌ *** وَ كَأَنَّمَا الهَمَجُ اسْتَتَبَّتْ جُعَلا

وَالضَّيْمُ أضْرَعَ خَدَّهُ وَلَهُ العُلا *** أدْنَى مَراتِبِه السَّمواتُ العُلا(2)

وَ البَضْعَةُ الزَّهْراءُ تَعُولُ خَلْفَهُ *** وَ لَقَدْ يَعُزُّ عَلَى الحَيا أنْ تَعْوِلا(3)

وَ أَخافَها ذُلُّ التَّرَمُّلِ بَعْدَهُ *** وَ أَشَدُّ ما تَخْشَاهُ أَنْ تَتَرمَّلا

صاحَتْ فَحَرَّكَتِ السَّواكِنَ كُلَّها *** وَ تَزَلْزَلَتْ وَالحَقُّ أن تَتَزَلْزَلا(4)

خَلُّوا ابْنَ عَمِّي أَوْ لأَدْعُو دَعْوَةً *** فَيَحُطُ أعْلَى الكَوْنِ مِنْهَا أَسْفَلا

ص: 143


1- بخش: البعير يجعل في أنفه الخشاش، أي العود في عظم أنفه ليسهل انقياده.
2- الضيم: الظلم.
3- والبيت الذي يليه لعله إشارة إلى ما ورد في كتاب الكافي ج2 ص237-238 ط3 -دار صعب- بيروت. لمّا أُخرج بعلي علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام واضعة قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على رأسها آخذة بيدي ابنيها فقالت: ما لي و ما لك يا أبابكر تريد أن تؤتم ابني و ترمّلني من زوّجي؟ -والله- لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري و لصرخت إلى ربي.
4- والأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في كتاب المناقب ج3 ص339-340 ط/ مؤسسة انتشارات قم/ المطبعة العلمية عن سلمان الفارسي «... أنه لمّا استخرج أمير المؤمنين علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا عن ابن عمّي فواللّه الذي بعث محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالحق لئن لم تخلّوا عنه لأنشرنَّ شعري ولأضعنَّ قميص رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخنَّ إلى الله «تعالى» فما ناقة صالح بأكرم على اللَّه من ولدي. قال سلمان: فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلّعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها و قلت: يا سيدتي ومولاتي إن اللّه «تبارك و تعالى» بعث أباك صلي الله علیه و آله و سلم رحمة فلاتكوني نقمة. فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا...».

أوَلَيْسَ مِنْ رَبَطَ الوُجودَ وَجُودُهُ *** نَحْنُ و سبَّبَ كَوْنَهُ فَتَعَلَّلا

هَلْ كَانَ ناقَةُ صالِحٍ وَفَصِيلُها *** أولى بِسَمْعِ اللَّهِ أنْ يُتَقَبَّلا

أَوْ صَالِحٌ هَلْ كانَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي *** فَيَكُوْنَ أَجْدَرَ بالإِجَابَةِ أَعْجَلا

أوَ لَسْتُ عِنْدَكُمُ البَقِيَّةَ مِنْ أَبِي *** وَ أَنا وَدِيعَتُهُ وَ أَسْلَمُ لِلْبَلا؟

قَدْ قال إِني بَضْعَةٌ مِنْهُ وَ إِنِّي *** فِي المَلا مِنْ سِتْ نِسْوانِ المَلا(1)

ما كانَ يَنْطِقُ عَنْ هَوَى وَاللَّهُ وفى *** القُرْآنِ قَدْ بَرَاهُ أَنْ يَتَقَوَّلا

فَبِأَيِّ وَجْهِ إِنْ تُلاقوا أحمداً *** يَرْضاهُ أَوْ عُذْرٍ يُقالُ فَيَقْبَلا؟

إحْسانُكُمْ أَخْذُ الحقوقِ و برُّكُمْ *** صَفْعُ الوُجُوهِ وَرُدُّكُمْ فينا قَلا(2)

ص: 144


1- جاء في كتاب عوالم سيدة النساء ج2 ص1050 ح1 ط3/ مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «عن عائشة أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: فاطمة علیها السلام بضعة منّي من آذاها فقد آذاني...». و في كتاب المناقب ج3 ص323 ط/ مؤسسة انتشارات علامة قم -المطبعة العلمية: «عن عائشة و غيرها عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: يافاطمة علیها السلام أبشري فإن اللَّه اصطفاك على نساء العالمين و على نساء الإسلام و هو خير دين».
2- كتاب المراثي الحسينية ص125.

(2) بكيتُ لفاطمٍ

(بحر الكامل)

الشيخ أبو الحسن الخليعي(*)(1)

ص: 145


1- (*) هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن أبي محمد الخليعي الموصلي الحلي. توفي في حدود سنة 750ه_ بالحلة . كان فاضلاً أديباً شاعراً ، له ديوان ليس فيه إلا مدح الأئمة علیهم السلام، و ذكر الشيخ الأميني له شعراً كثيراً و قال: له 39 قصيدة في أهل البيت علیهم السلام و ديوان الخليعي في مكتبة السيد الحكيم: العامة في النجف الأشرف (قسم المخطوطات) بخط الشيخ محمد السماوي، و له الفضل في جمع هذا الشعر حتى تألف منه ديوان يضم أكثر من ثلاثين ،قصيدة، و ذكره الشيخ الأميني في (الغدير) قال: إنه ولد من أبوين ناصبيين و أن أمه نذرت أنها إن رزقت ولداً تبعثه لقطع طريق السابلة من زوار الحسين علیه السلام و قتلهم، فلما ولدت المترجم له و بلغ أشده ابتعثته كما نذرت، فلما بلغ إلى نواحي (المسيب) بالقرب من كربلاء المقدسة طفق ينتظر قدوم الزائرين، فاستولى عليه النوم و اجتازت به القوافل، فأصابه الغبار، فرأى فيما يراه النائم أن القيامة قد قامت و قد أمر به إلى النار ولكنها لم تمسه لما عليه من ذلك العثير، فانتبه تائباً و اعتنق ولاء أهل البيت علیهم السلام و قصد الحائر الشريف، و يقال إنه نظم عندئذ بيتين من الشعر هما: إذا شئت النجاة فزر حسينا *** لكي تلقى الإله قرير عين فإن النار ليس تمس جسماً *** عليه غبار زوار الحسين و نقل العلامة النوري في دار السلام أن المترجَم له لما دخل الحرم الحسيني المقدَّس، أنشأ قصيدة في الحسين علیه السلام و تلاها عليه، وفي أثنائها وقع عليه ستار من الباب الشريف فسمي الخليعي الخليعي أو الخلعي. و ذكر الخطيب الشيخ محمد علي اليعقوبي: إن الخليعي قد مات في حدود سنة (850) أو قرب ذلك، و استند إلى كتاب الحصون المنيعة، و قال في آخر الترجمة: و دفن في أحد بساتين (الجامعين) بين مقام الإمام الصادق علیه السلام و قبر رضي الدين بن طاووس على مقربة من باب النجف الذي يسميه الحليون باب المشهد و على قبره قبة بيضاء و بالقرب منه قبر ابن حماد و قد ذكره السيد مهدي معز الدين القزويني في (فلك النجاة) في عداد مراقد علماء الحلة.

لَمْ أَبْكِ رَبْعاً لِلأَحِبَّةِ قَدْخَلا *** وَ عَفَا وَ غَيَّرَهُ الجَدِيدُ وَ أَمْحَلا(1)

کَلاً وَ لاكَلَّفْتُ صَحْيِي وَقُفَةً *** في الدَّارِ إِنْ لَمْ أُشْفَ صَباً عُلَّلا(2)

وَمَطَارِحُ النَّادِي وَ غُزْلانُ النَّقا *** وَ الجَزْعُ لَمْ أَحْفل بها مُتَغَزلا(3)

وَ بَواكِرُ الأَضْعَانِ لَمْ أَسْكُبُ لَها *** دَمْعاً وَ لَاخِلْ نَأَى وَ تَرَحَّلا

لكِنْ بَكَيْتُ لِفاظِمِ وَ لِمَنْعِها *** (قَدْكاً) و قَدْ أَتَتِ الخَؤُونَ الأَوَّلا(4)

إِذْ طَالَبَتْهُ بِإِرْثْها فَرَوَى لها *** خَبَراً يُنا فِي المُحْكَمَ المُتَنَزِّلا

لَهُفِي لها و جُفُونُها قَرْحَى وَ قَدْ *** حَمَلَتْ من الأحزانِ عِبْئاً مُثْقَلا

وَ قَدْ اعْتَدَتْ مَنْفِيَّةً وَ حَمِيُّها *** مُتَطَيْراً بِبُكائِها مُتَثَقَلا

تُخْفِي تَفَجَّعَها وَ تَخْفِضُ صَوْتَها *** وَ تَظَلُّ نادِبَةً أَباها المُرْسَلا

تَبْكِي على تَكْدِيرِ دَهْرٍ ما صَفا *** مِنْ بَعْدِهِ وَ قرِيرِ عَيْش ما حَلا

لَمْ أَنْسَها إِذْ أَقْبَلَتْ في نِسْوَةٍ *** من قومِها تَرْوِي مَدامِعُها المَلا

وَ تَنَفَّسَتْ صُعَداً و نادَتَ أَيُّها *** الأنصاريا أَهْلَ الحِمايَةِ و الكَلا

أَخَذَ الإلهُ لَكَ العُهودَ عَلَى الوَرى *** فِي الذُّرْ لَمَا أنْ يرى و بِكَ ابْتَلَى

في يوم قالَ لَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ *** و علىُّ مَوْلاكُمْ؟ مَعاً قالوا: بَلى

ص: 146


1- أَمْحَلَ: أَجْدَبَ.
2- صَبّاً: عاشقاً وذا وَلَع شديد.
3- النقا: القطعة من الرمل المحدودية -الجزع: بكسر الجيم محلة القوم و بفتحها أو ضمّها خرز فيه سواد و بياض.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177: «عن عائشة: أن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة، و فدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لا نورّث ما تركناه صدقة».

قَسَماً بِوِرْدِي مِنْ حِياضِ مَعارِفي *** وَ بِشُرْبِيَ العَذْبَ الرَّحِيقَ السَّلْسَلا(1)

وَ مَن اسْتَجَارَكِ مِنْ نَبِيِّ مُرْسَلٍ *** وَ دَعَا بحقِّكِ ضَارِعاً مُتَوَسِّلا

لَوْ قُلْتُ إِنَّكِ رَبُّ كُلِّ فضيلةٍ *** ماكنتُ فيما قُلْتُهُ مُتَنَحِّلا(2)

أَوْ بُحْتُ بالخَطَرِ الذي أعْطَاكِ رَبُّ *** العَرْشِ كادُونِي و قَالُوا قَدْ غَلا(3)

فَإِلَيْكِ مِنْ تقْصِيرِ عَبْدِكِ عُذْرَهُ *** فَكَثِيرُ ما أَبْكِي أَراهُ مُقَلَّلا

بَلْ كَيْفَ يَبْلُغُ كُنْهَ وَصْفِكِ قائِلٌ *** وَ أَبُوكِ في عَلْياكِ أَبْلَعْ مَقْوَلا؟

وَ نَفَائسُ القُرْآنِ فِيكِ تَنَزَّلَتْ *** وَ بِكِ اغْتَدَى مُتَحلِّياً مُتَجَمِّلا

فَاسْتَجْلِها بكْراً فَأَنْتِ مَلِيْكَها *** و على سواكِ تَجلُّ مِنْ أَنْ تُجْتَلى

وَ لَمْنُ بَقِيتُ لأنْظَمَنَّ قَلائِداً *** يُنْسِي تَرَضُعُها النظام الأولا

شَهِدَ الإِلهُ بِأَنَّنِي مُتَبَرِّىءٌ *** مِنْ حَبْتَرٍ وَمِنَ الدِّلامِ وَ نَعْثَلا

وَ بَراءَةُ الخُلْعِيّ مِنْ عَصَبِ الخَنَا *** تُبْنَى عَلى أَنّ البَرا أَصْلُ الولا(4)

ص: 147


1- ورد: ما يورد من الماء. الرحيق: ضرب من الطيب و الرحيق الخالص الذي لاغش فيه. السلسل: الماء العذب أو الخمر اللينة.
2- متنحلاً: مدعياً إلى نفسه القول الذي لغيره.
3- غلا: بالغ.
4- كتاب منتخب الطريحي ص14.

(3) فاتت فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ أبو الحسن الخليعي(*)(1)

لَسْتُ مِمَّنْ يَبْكِي رَسُولاً حَمُولا *** وَ دِياراً أَعْفَى البَلا وَ طُلُولا

لا وَ لَمْ تُلْهِني مَلاعِبُ أَتْرَابِي *** وَ لَمْ أَبْكِ مَرْبَعاً مَأهُولا

ما شَجاني النَّوى فَأَسْتَوْقِفَ الحادِي *** وَ لا أَحْبِسُ الرِّكابَ قَلِيلا(2)

بَلْ شَجَانِي ناعِي الحُسَيْنِ فَأَجْرَيْتُ *** دُموعاً لمّا شَجاني هَمُولا(3)

كَيْفَ لا أَنْدُبُ الغَرِيب الوَحِيدَ *** المستضَامَ المُشَرَّدَ المَقْتُولا(4)

كَيْفَ لا أَساعِدُ البَتُولَ عَلَى الحُزْنِ *** وَ قَدْباتَ قَلْبُها مَبْتُولا(5)

يَوْمَ ذاقَتْ مُرَّ المَذاقِ وَ كانَ *** السِّبطُ في حِجْرِهِ مَحْمُولا(6)

ص: 148


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- شجاني: أحزنني -النوى: الفراق و البُعْد.
3- دموعاً همولا: سيالة.
4- مستضاماً: مظلوماً مقهوراً.
5- مبتولا: مقطعا.
6- في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب عوالم العلوم و المعارف و الأحوال، و كتاب الإمام الحسين علیه السلام، ج17 ص131 ط1 مدرسة الإمام المهدي (عج الله تعالی فرجه الشریف)/ قم -عن كتاب كامل الزيارات، ص70 ح6 (والبيتين اللذين تلياه) «عن أبي عبدالله علیه السلام قال: بينا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في منزل فاطمة و الحسين علیهما السلام في حجره إذ بكى و خرَّ ساجداً، ثم قال: يا فاطمة علیها السلام يا بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا في ساعتي هذه في أحسن صورة و أهيأ هيئة و قال لي: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم أتحب الحسين علیه السلام؟ فقلت: نعم قرّة عيني و ريحانتي و ثمرة فؤادي و جلدة ما بين عيني، فقال لي: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم-و وضع يده على رأس الحسين علیه السلام بورك من مولود عليه بركاتي و صلاتي و رحمتي و رضواني [و نقمتي] و لعنتي و سخطي و عذابي و خزيي ونكالي على من قتله و ناصبه و ناواه ،و نازعه أما إنّه سيد الشهداء علیه السلام من الأولين و الآخرين في الدنيا و الآخرة، و سيّد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين و أبوه أفضل منه و خير، فاقرأه (منّي) السلام و بشّره بأنه راية الهدى و منار أوليائي و حفيظي و شهيدي على خلقي و خازن علمي و حجتي على أهل السماوات و أهل الأرضين و الثقلين الجن و الإنس...». و الظاهر أن العليّ الأعلى أي رسوله صلي الله علیه و آله و سلم(جبرئيل علیه السلام).

وَ النَّبِيُّ الهادِي بِهِ فَرحٌ يَحْنُو *** عَلَيْه و يُكْثِرُ التَّقْبِيلا

فَأَتاهُ الأمينُ جِبْرِيلُ يَنْعَاهُ *** به فَاغْتدَى يُطِيلُ العَوِيلا

فأَتَتْ فاطِم إلَيْهِ وَ قَالَتْ *** قَدْ تَبَيَّنَتُ مِنْكَ أَمْراً مَهولا(1)

سَيّدِي ما الّذِي دَهاكَ وَ لَمْ *** تُعْرِض ما دُمْتَ بي رَحِيماً وَ صُولا

قال إِنِّي أبى لِقليكَ أنْ يُصْبِحَ *** يوماً لِلنَّائِباتِ هَمُولا

إنّ هذا الحُسَيْنَ يُضْحِي بأَرضِ *** الطَّفْ مِنْ بَعْدِنَا طَرِيحاً قَتِيلا

بعد أنْ يَطلُبَ النَّصِيرَ *** فَلايَنظُرَ إلا مُحارِباً و خَذُولا

وَ العَزيزاتُ مِنْ بَناتِكَ يَشْهَرْنَ *** حُرُوناً بين الورى و سُهولا

فَدَعَتْ عند قولِهِ و اغَريباهُ *** و واعُظْمَ ذاك خَطباً جَلِيلا

مَنْ تَرَى يُلْحِدُ الغَريبَ و مَنْ ذا *** يَتَولَّى التَّكْفِينَ وَ التَّغْسِيلا؟

مَنْ تَرى يَعْمَلُ العَزاء و مَنْ يَبْكي *** عَلَيْهِ و مَنْ يُراعي الرَّسُولا؟

ص: 149


1- في البيت و الأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في كتاب تفسير فرات؛ ج1 ص171 ح219 ط/ مؤسسة النعمان للطباعة -لبنان- بيروت: «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: كان الحسين علیه السلام مع أمّه تحمله فأخذه النبي صلي الله علیه و آله و سلم و قال: لعن اللّه قاتلك و لعن اللّه ساليك و أهلك اللّه المتوازرين عليك و حكم اللّه بيني و بين من أعان عليك قالت فاطمة الزهراء علیها السلام: يا أبه أيُّ شيء تقول؟ قال: يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي و بعدك من الأذى و الظلم و الغدر و البغي و هو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل و كأني أنظر إلى معسكرهم و إلى موضع رحالهم و تربتهم قالت: يا أبه و أين هذا الموضع الذي تصف؟ قال: موضع يقال له: كربلاء و هي دار كرب و بلاء علينا و على الأمة يخرج عليهم شرار أُمّتي «لو أن أحدهم شفع» له من في السماوات و الأرضين ما شفّعوا فيه، و هم المخلّدون في النار. قالت: يا أبه فيقتل؟ قال: نعم يا بنتاه و ما قتل قتلته أحد كان قبله و تبكيه أهل السماوات و الأرضين و الملائكة و الوحش... فقالت فاطمة الزهراء علیها السلام: يا أبه إنا للَّه وإنا إليه راجعوان و بكت...».

فبكى المصطفى فأوحى إليه اللَّهُ *** قُلْ للبتول قَوْلاً جَمِيلا

سوف أُنْشِي قَوْماً كِراماً يُقيمونَ *** عَزاء الحُسَيْنِ جِيلاً فَجِيلا(1)

و أُجازِيهُمُ على الوُدْ لِلْقُربى *** و أُعْطِيهُمُ العَطاء الجَزِيلا

فَتَوَلَّتْ تُثني عَلَى الشَّيعَةِ الغُرِّ *** وَ تَدْعُو دعاءَها المَقْبولا

فَإذا كانَ قَلْبُها من كلام قبلُ *** لاقَى أَسَى وَداءً دَخِيلا

كَيْفَ لَوْ أَبْصَرَتْهُ مُلْقَى عَلَى التُّرْبِ *** تُجِيلُ العِدَى عَلَيْهِ الخُيُولا

وَ السَّبايا مِنْ حَوْلِهِ يَتَصارَخْنَ *** وَ قَدْ نالَتِ الجُيوبُ الذُيُولا

وَ اليَتَامَى كُلّ تُخَفَى مِنَ الخَوْفِ *** وَ تُدْمِي باللَّطْمِ خَداً أَسِيلا

و بدورُ السَّمَاء صَرْعَى عَلَى الأَرْضِ *** تُلاقِي عِندَ التَّمامِ أُفْولا(2)

وَ قُدودُ الغُصُونِ منْ بَعْد ذاكَ *** اللِّينِ فوقَ الثَّرَى تُعانِي الذُّبُولا

و الإِمامُ السجّادُ في الأسْرِ موثوقاً *** بنفسي أفْدِي الأسيرَ العَليلا

إِذْ رَأتْ زينبٌ تُمرِّغُ خَدَّيْها *** عليه و تَسْتَغِيثُ الجَليلا(3)

و تُنادِي و افَجْعَتِي و اشَقائي *** يا لَها حَسْرة و حُزناً طَويلا

ص: 150


1- أنشي: بدون همزة للضرورة الشعرية و في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار، ج44 ص292 ح37 ط2 (1983م) مؤسسة الوفاء بيروت. منقولة عن بعض المؤلفين الثقات. «روي أنه لما أخبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم ابنته فاطمة علیها السلام بقتل ولدها الحسين علیه السلام و ما يجري عليه من المحن بكت فاطمة علیها السلام بكاء شديداً و قالت: يا أبتِ متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خال منّي و منكِ و من علي فاشتدّ بكاؤها و قالت: يا أبتِ فمن يبكي عليه و من يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام إنّ نساء أمتي يبكين على نساء أهل بيتي علیهم السلام و رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي علیهم السلام و يجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلِّ سنة فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرجال و كل من بكى منهم على مصاب الحسين علیه السلام أخذنا بيده و أدخلناه الجنة، يا فاطمة علیها السلام كلُّ عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين علیه السلام فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».
2- أفولاً: غياباً.
3- تُمرّغ: تقلب، تلزق.

ليتَني كنتُ فِدْتُهُ لكِ من كَرْبِ *** المَنايا و كانَ ذاكَ قليلا

يا أخي ما تَرى سكينةَ خوف *** السبي تُؤمي إليك طَرْفاً كليلا

يا أخي هَلْ لفاطمٍ من كفيلٍ *** حيثُ قَدْ أَعْوَز الزمانُ الكفيلا

يا أخي ماترى عليّاً بِذُلٍّ *** و بِرُغْمٍ يُضْحِي العزيزُ ذليلا

لو رأَتْ صفوةُ النساءِ كريماتِ *** حسينٍ على المسيرِ عَجُولا

مُتْعَباتٍ يَعْثُرْنَ في بَهْرَجِ السيرِ *** و حادِي السّرى يَجدُّ الرَحيلا(1)

أَوْ رَأَتْ رَأْسَهُ على الرُّمْحِ مشهوراً *** إلى أَرْذَلِ الوَرى محمولا

لَرأَتْ ما يَسُوؤُها من جَوى الثكلِ *** و أَمْسى لها العَراءُ نزيلا

و رَوى الحِمْيَرِيُّ وَ هُوَ صَدوقٌ *** قال عايَنْتُ في المنَامِ البَتُولا

مَعْ لفيفٍ من الملائكةِ قَدْزارَتْ *** ضَريح الحسينِ عبَرْى ثُكُولا

ثمّ قالَتْ و وابِلُ الدَّمْعِ لا يُظفِي *** لَهيباً و لايَبُلُّ غَليلا

لَمْ تُقَلِّبُهُ يومَ أُرْدِيَ كَفُّ *** غيرَ كَفَّيْ نَجِيِّه جبريلا(2)

يا بني أحمدٍ ذكَرْتُمُ فروعاً *** عَطراتِ الحَنا و طبْتُمْ أُصولا

و شَرَعْتمْ محجَّةَ الرُّشْدِ للناس *** و لولاكُم تَضَلُّوا السَّبيلا

شَهِدَ اللَّهُ جاهِداً في يَميني *** و كَفَى اللَّهُ شاهِداً و وكيلا

ما أراقَتْ أَرْجاسُ حَرْبٍ دَمَ *** السبطِ و أَغْرَتْ به الطُّغاةُ النُّغولا(3)

وَ اسْتَطالُوا إلا بِمَنْ جَحَدَ النصَّ *** و في حُكْمه غدا مُسْتَقِيلا(4)

و بيومِ التّنادِ فَهُوَ المُنادي *** ليتَني لم أَتَّخِذْ فُلاناً خليلا

ص: 151


1- بهرج: رديء.
2- قد يتوهم أن هنا إقواء لكون جبريل عطف بيان و تابعاً لنجيه فيكون مجروراً إلا أنه يمكن أن نقدر جبريلاً مفعولا به لفعل محذوف تقديره أعني أو أخص أو أمدح.
3- نغول: جمع نغل و هو حيوان متولد من الحصان و الأتان.
4- إشارة إلى قول أبي بكر (أقيلوني فلست بخيركم و علي فيكم).

فإليكُمْ جَواهِرٌ من وَليِّ *** عارف يُشبِعُ المَقال الدليلا

لازمٌ ما أَمَرْتُموهُ من التقوى *** مقيمٌ على الوَلا لَنْ يَحُولا

تَعِسَ القائلونَ أنّ الخليعيَّ *** بَغى بالهُداةِ يَوْماً بَديلا

حاشَ للَّهِ ليسَ يَدَّعي لبيباً *** مَنْ يُساوي بالفاضِل المَفْضُولا(1)

: 152


1- عن منتخب الطريحي ص184.

(4) ابنة المختار

(بحر الطويل)

الأستاذ أحمد رشيد مندو(*)(1)

أيا بيعةٌ قامتْ لإِحْراقِ مَنْزِلِ *** لِفَاطِمَ وَ السِّبْطَيْنِ وَ المُرْتَضَى عَلِي(2)

وَ قامَتْ عَلَى إِكْرَاءِ صِنْوِ مُحَمَّدٍ *** وَ تَهْدِيدِهِ إِنْ لَمْ يُبَايِعْكَ يُقْتَلِ

و نادَى أنا الأولى بميراثِ أَحْمَدٍ *** فَلا تَجْهَلِي حَقي و لاتَتَقَوَّلي

وَإِنِّي لأقضاكُمْ وَ أَعْلَمُ مِنكُمْ *** وَ أَقْواكُمُ عَزْماً بِسَيْفِي وَ مِقْوَلي

وَ كُنْتُ عَلَى حَقٌّ بما قَدْ أَتيتُهُ *** وَ الأعَنِ الحَقِّ الحَقِيقِ بِمَعْزِلِ

ص: 153


1- (*)تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- في هذا البيت إشارة إلى حرق دار الزهراء علیها السلام ففي كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 قال: «و جمع عمر الحطب على باب بيت فاطمة علیها السلام و أحرق الباب بالنار و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد على عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى من حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام، فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها». و في كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208 قال: «ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في عمده فوجاً به جنبها ،فصرخت فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم». و في الاحتجاج، ج1 ص109 قال: «ثم أمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي و فاطمة و ابناها علیهم السلام، ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام: والله لتخرجنَّ و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أو لأضرمنَّ عليك بيتك ناراً، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج علي علیه السلام بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدته. ثم قال لقنفذ: إن خرج و إلا فاقتحم عليه، فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً».

وَ كَيْفَ أَباكَ المُرْتَضَى وَ هُوَدائِماً *** معَ الحقِّ وَ الذِّكْرِ الحَكِيمِ المُنَزَّلِ؟

وَ أَسْبَقُ كُلِّ الخَلْقِ لِلْحَقِّ وَ الهُدَى *** وَ عَنْ حُبِّهِ لِلْحَقِّ لَمْ يَتَحوَّل

و كان أمِيرَالمُؤْمِنِينَ عَلَى الوَرَى *** بِنصُ مِنَ الرَّحْمَنِ و المصطفى جَلِي

وَ دَوْماً عَلَيْكُمْ في حَياةِ مُحَمَّدٍ *** عَلىٍّ أَمِيرُالمُؤمِنينَ هُوَ الوَلِي

و في كُلِّ زَحْفِ تَهْرُبُونَ وَ دائِماً *** به تُدْفَعُ الغَمّاءُ عَنْ خَيْرِ مُرْسَلِ(1)

وَ لَوْ كُنْتِ فِيها ذاتَ حَقٌّ لَما أَبَى *** عَلَيْكِ وَ لاأَبْدَى لِذاكَ التَّعَلُّلِ

وَ في مَنْعِكِ الزَّهْراء فاطِمَ إرْثَها *** رَمَيْتِ بَني الإسلام في كُلِّ مُشْكِلِ

وَ لَمْ تَقْبَلِي من آل طه شَهادَةٌ *** لَها وَ لَهُمْ في الدين أَعْظَمُ مَنْزِلِ

وَ لَمْ تَقْبَلِي فيها شَهَادَةً رَبِّها *** وَ والِدِها مِنْ كُلِّ نَصَّ مُجَلْجِلٍ(2)

وَ طَهَّرَها الباري مِنَ الرِّجْسِ كُلِّهِ *** وَ مِنْ غَيْرِ نُورِ المُصْطَفَى لَمْ تُفْصلِ

وَ جِبْرِيلُ نالَ الفَضْلَ تَحْتَ كِسائِها *** و حازَ على ذاكَ الفَخارِ المُبَجَّلِ(3)

ص: 154


1- الغماء: الحزن و الكرب.
2- مجلجل: كثير، أو ظريف لاعيب فيه وفي هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى منع الزهراء علیها السلام من إرثها وردّ شهودها و تكذيبها في ذلك و قد مرت الإشارة إليها نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487-488. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-144 و ص119-122. و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً كتاب مسند أحمد أحمد ج1 ص9. و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300.
3- المبجَّل: المعظم -و في هذين البيتين إشارة إلى آية التطهير و حديث الكساء و دخول جبرئيل معهم في الكساء و قد ورد في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص147. و كذا في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص107. و كتاب مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص170. و في كتاب المستدرك على الصحيحين ج2 ص416 روي بسنده عن أم سلمة أنها قالت: «في بيتي نزلت هذه الآية «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام، قالت أم سلمة: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما أنا من أهل البيت علیهم السلام؟ قال: «إنك إلى خير و هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام اللهم آل بيتي أحق». و ذكره البيهقي في سننه الكبرى ج2 ص150 ، و الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج9 ص126، و ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12 و ج5 ص521، و المحب الطبري ج2 في كتابه ذخائر العقبي ص23. و في كتاب البحار ج35 ص208 و أمالي الشيخ الطوسي ص234 قال: عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي و في يومي، و كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عندي فدعا علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جاء جبرئيل فمد عليهم كساءً فدكياً ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً»، قال جبرئيل: و أنا منكم يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم؟ فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «و أنت منا يا جبرئيل» قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أنا من أهل بيتك علیهم السلام؟ و جئت لأدخل معهم، فقال: «كوني مكانك يا أم سلمة إنك إلى خير أنت أزواج نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم، فقال جبرئیل: اقرأ يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ویطهَّرکم تطهیرا»[سورة الأحزاب آية 33].

و حاشا ابْنَةَ المختارِ تَطْلُبُ باطِلاً *** وَ لايَتَحدَّى حَقَّها غيرُ مُبْطِلِ(1)

وَ حَسْبُكَ بِاسْتِضْعافِ هَارُونَ أَحْمدٍ *** عَمِلْتِ على اسْتِعْبادِ كُلِّ مُفَضَّلِ

وَ صَيَّرْتِ دِينَ المُسْلِمِينَ مَذاهِباً *** وَ لَمْ تَبْرَحِي أَسْبابَ كُلِّ التَّبَلُّلِ(2)

وَ قُولي متى كانَ الوَصِيُّ وَ لَمْ يَكُنْ *** بِمَيْدَانِ نَيْل الفضل أوَّلَ أَوَّلِ

وَلكِنْ به خَلاقُهُ امْتَحَنَ الوَرَى *** فَفِيهِ ابْتَلاكِ اللَّهُ وَ هُوَ بِكِ ابْتُلِي

و ما قاسِمُ الجَنَّاتِ وَ النّارِ غَيْرُهُ *** يَقُولُ لِمَنْ والاهُ لِلْجَنَّةِ ادْخُلِي

وَ يَبْعَثُ مَنْ عاداه لِلنَّارِقائِلاً *** خُذِي لَكِ هذا وَ المُوالِي دَعِيهِ لي

و وَيْلٌ لِمَنْ يومَ القيامَةِ خَصْمُهُ *** عَلِيٌّ شَقِيقُ الهاشمي المُكَمَّلِ

إذا قامَ رِضْوانٌ هُناكَ وَ مَالِكٌ *** بِتَنْفِيذِ ما يَقْضِي بِدُون تَمَهُلِ(3)

ص: 155


1- إشارة إلى طلب الزهراء علیها السلام حقها الذي فرضه الله «تعالى» لها و لم تطلب باطلاً أو ما ليس حقها . ففي تفسير الدر المنثور ج4 ص177 عن أبي سعيد الخدري قال: «لما نزلت هذه الآية «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» [سورة الإسراء آية 26] دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة «سلام الله عليها» فأعطاها فدكاً» و ذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد و منبع الفوائد ج7 ص52. و ذكره الهندي في كنز العمال ج3 ص767 ح8696 قال: عن أبي سعيد قال: لما نزلت «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام لك فدك».
2- التبلل: و هو الاضطراب و الفرقة.
3- خواطر الواجب في مدح الرسول وآله الأطايب ص98.

(5) يا خير النساء

(بحر الوافر)

الأستاذ بدر شبيب الشبيب(*)(1)

يُحورُ الشُّعر أَسْكَرَهَا الجمالُ *** فَرفُرَفَ في شواطئها الخَيَالُ

و ظنَّتْ حين لامَسَها شُعاعٌ *** بأنَّ الشَّمسَ جَوْهَرُهَا يُنَالُ

فشَمَّرت السَّواعدَ عن طماحٍ *** و أطْلَقَت العنان فلاعقالُ

وَ جَادت بالقصائد مترفاتٍ *** تحتُ بها النَّوارسُ و الدلالُ

وَ جاءت بالعُيون النُّجل منها *** لتبصرَ كُنْهُ ما صَاغَ الكمالُ

وَ لم تدرك بأنَّ السِّر أخفى *** و أن مرادها وهم وآلُ

محالٌ أن يُضيء الشَّعرُ شمساً *** أيُبدي الشَّمْسُ إن خفيت هلالُ

محالٌ أن يُحيط الشَّعرُ وصفاً *** بشمس لا يُمائِلُها مثالُ

محالٌ وصف فاطمة بلفظ *** محالٌ ما يُحاولُه مَحالُ

***

أيا بنتَ النَّبي و ذاكَ يكفي *** وَ يَا أمَّ النَّبِيِّ فَمَا يُقالُ

وَ يَا بَعْضَ النَّبيِّ بلا جدال *** وَيَا خَيْرَ النّساء و لاجدالُ

وَ يَا صوتَ النُّبُوَّة مُشرئباً *** يَهُزُّ ضمير من ماتوا و مالوا

وَ يَا نَبْعَ الإمامة مُستطاباً *** إليه إليه ينتسبُ الزُّلالُ

ص: 156


1- (*) شاعر و أديب قطيفي معاصر.

فَدَيْتُكَ منْهَجاً ثَراً قويماً *** تَرَعْرَع في صوامعه الجلالُ

لشعري حين يذكركم مقامٌ *** تَطُوفُ به الزَّنَابقُ و الطَّلالُ

يُنَافِعُ دُونَكُم لَمْ يستملهُ *** لغيركُم جلاوزةٌ و مالُ

ألفنَا الحُبَّ تنكيلاً وَ نَفْياً *** ألفْنَّا الحُبَّ تَضْحِيَة تُذالُ

ألفنا في هواكُنم كُلَّ مُر *** فَغيظَ القَهْرُ و ابتسمَ الرِّجالُ

بنا منْ بعض جُرحك ألف بَحر *** وَ قافية يضيقُ بها المقالُ

بنا من بعض جُرحك ألف جُرح *** يُعَمقُها التَّمَرُّق و الفصالُ

تُوحَدُنا الهمومُ و نحنُ شتَّى *** و تهتفُ ضدَّ وحدتنا الفعالُ

كأنَّ سيوفَنا عشَقَتْ دمانَا *** و بعضُ جُنُونا عشقاً نَخالُ

حبالُ الوصلِ يَخْنقُها التجَّافِي *** وَ حَوْلَ رقابنا التفَّتْ حبالُ

وَ نَحْوَ جُذُورنا امتدَّتْ أيادٍ *** وَ نَحْوَنحُورنا استبقتْ نبالُ

أبعَدْ خَرابها يصحُوضميرٌ *** وَ مَا بالبصرة استبقى الثّمالُ

نخيلات العراق تموتُ ظمأى *** وَ دجلةَ تستحمُّ به البغالُ

وآمالُ العراق بلا طعام *** تَعوذ من نحافتها الهزالُ

و أهوارُ العراق غَدَتْ يباباً *** و ليس لها بنهريها وصالُ

و أعراض العراق و ما يقال *** سُؤالٌ يَسْتَحي منه السُّؤالُ

و أشراف العراق بلا عراق *** و أخلافُ العراق به استَطالوا

***

تَحنَّنْ أيها الزمن الموشى *** بجمر الْقَهْر فَالْقَلْبُ اشتعالُ

يعيش الحر موطنه المنافي *** و في عينيه للوطن احتفالُ

تحنن أيها الزمن المحال *** تَحَنّنُ أيّها الوطن المحالُ

ص: 157

(6)حب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبوزكي)

هُبّي نسيماً في الصَباحِ عَليلا *** فَوْقَ الجِراحِ وَ أَشْعِلي قَنْديلا

وَ تَجَوَّلي کَالطيبِ ضَمَّخَهُ السَّنا *** في الروحِ سالت في الولاء مسيلا(1)

و تَمَعَّني في النَّفْسِ لَمْ يَسْتَهْوِها *** غَيْرَ الرَدى في وِدِكمْ إكْليلا

رَغْمَ السِنينِ الماضِياتِ عَلى القَذى *** تبقى و ليس ترى لها تحويلا(2)

رَغْمَ الرِماحِ الْمُشْرَعَاتِ تَنالُنا *** وَ السَيْف فَوْقَ نُحورِنا مسْلولا

رَغْمَ العِداء بِنا لِبَعْضِ أحِبَّةٍ *** سَقَط التَشَيُّعُ إِثْرَهُ مَقْتولا

رَغْمَ الظَّلامَاتِ التي مِنْ هَوْلِها *** نَسِيَ الزَمَانُ تَتَارَهُ وَ مَغولا

رَغْمَ الدّعِي بِأَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ *** لَمْ يُنْجِبوا الْمَهْدِيَّ وَ الْمَأْمولا

رَغْمَ التَغَيُّر في العَقيدَةِ وَ الْهَوى *** رَغْمَ الحَدَاثَةِ قَدْ أَتَتْنا غولا

رَغْمَ الفَضاءِ، وَ قَدْ تَزاحَمَ جوُّه *** بِالْمُرْسِلاتِ الحامِلاتِ مَهولا

وَ بِرَغْمَ أَنَا لَمْ يَعُدْ أَظفالُنَا *** يَدْرُونَ عَنْ آلِ النبيٍّ فَتيلا

قَدْ أُفْسِدوا في ظِلّ مُتْرِقَةٍ أَتَت *** عَصَفَتْ بِروحِ ولائِكُمْ تَقْتِيلا

شَبّوا عَلى جَهْلٍ فَصارَ سَجِيَّةً *** أَنْ يحضنَ الجَيلُ الْجَديدُ جَهولا(3)

ص: 158


1- ضمّخه: (تضمّخ) بالطيب، تلطّخ به.
2- القذى: ما يسقط في العين و الشراب.
3- سجيّة: الخُلْق و الطبيعة.

لكنّنا مازالَ فينا مَنْ بَقى *** حُبُّ الرَّسولِ وَآلِهِ مَوْصولا

في الروح و الأنفاس و القلب الذي *** نبضت دماه ولاءَه المصقولا

ما زال حياً فيه حب محمد *** عبقاً طرياً كالنسيم فيه مثيلا(1)

ما زال رغمَ الريح و الموج الذي *** جرف الجميع موالياً و نبيلا

ما زال رغمَ النارِ حياً، شامخاً *** بالحبِ، و الطهر النقيّ أصيلا

و لذا أيا أمَّ الأئمة فاشرقي *** نوراً على هذي النفوسِ جميلا

هبّي نسيماً في الصباح عليلاً *** فوق الجراح و أشعلي قنديلا

أفديكِ بالحُزنِ المُلَفِّعِ خافِقي *** و بِجِفْنِ روحي ذابَ فيكِ ذُبولا

أفديكِ بالخوفِ المُؤَجِّحِ أَضْلُعي *** أن أستريحَ إلى الحياةِ ذَليلا

أفديكِ بالنورِ المَليءِ بخاطِري *** من لايزال على الولا مجبولا

أفديكِ بالأهلِ الحنانِ و عطرِهمٍ *** أفديكِ بالألمِ المسافرِ طولا

أفديكِ يا أُمَّ الرسولِ و بضعَةً *** مِنْ روحِهِ، و لقد رَعَيْتِ رسولا

أفديكِ يا زوجَ الوصيّ وَ صِنْوَهُ *** يا خَيرَ امْرَأَةٍ سَمَوْتِ بتولا

أفديكِ يا أُمَّ المَصائَبِ و النُهى *** ما زالَ فَضلُكِ مُطْمَساً مَجْهُولا(2)

ما زالَ بيتُ الحُزنِ شاهدَ ماجرى *** و بقيعُ تُرْبِكِ نَحْوَنَا مَقْفولا

ما زالَ دَمْعُكِ في حَنايانا لَظَّى *** بُرْكانَ نورٍ لَمْ يَزَلْ مَشْعولا(3)

ما زالَ حَرْفُكِ يَسْتَفِزُ عُروقَنا *** وَ يُحيلُها غَضَباً بِنا وَصَليلا

ما زالَ كَفُّكِ وَ النَّبِيُّ يُذيقُهُ *** مِنْ فَرْطِ مَنْزِلَةٍ لَكِ تَقْبيلا

ما زالَ آخِرَ مَنْ يُوَدِّعُ بَيْتَكِ *** وَ تَفيضُ غُرَّتُهُ بِكِ تَهْليلا

وَ يَعودُ يَفْتَتِحُ اللّقاءَ بِعَتْبَةٍ *** قَدْ شَرَّفَتْ ذرّاتُها جِبْريلا

ص: 159


1- عبقاً: ذا رائحة زكية طيبة.
2- النُهى: العُقول لأنها تنهى عن القبيح. «مختار الصحاح».
3- حنايانا: (الحنايا) الصدور.

وَ الذِكرُ مِنْ كَلِم الإله يموجُ في *** أَجوائِهِ قَدْ رُتْلَتْ تَرْتيلا

وَ بِهِ الزبورُ تَلَتْهُ أَمْلاكُ السَّما *** وَ صَدَى الْمَسِيحَ يُرَتِّلُ الإنْجيلا

يا مَنْ إذا رَضِيَتْ يُسَرُّ الهُنا *** وَ تُضيءُ جَنَّاتُ النَعيمِ حُقولا

و إذا تَقولُ تسمَّرَتْ حُكَمَاؤُهُمْ *** لِسَماع أصْدَقِ لَهْجَةٍ تأْويلا

يامَنْ بِها سِرُّ عَظيمٌ، مُودَعٌ *** وَ الرّحْمَةُ الكُبرى تَضوعُ شُمولا(1)

وَ الكَوْثَرُ الْمِعْطاءُ مِنْ رَبِّ السَّما *** كانَ الإلهُ لِوارِديه کَفيِلا

هُبّي نَسيماً في الصَباحِ عَليلا *** فَوْقَ الجِراحِ وَ أَشْعِلي قِنْدِيلا

بُورِكتِ في يومٍ أَغَرَّ باسمٍ *** لمْ تَرتضِ الأملاكُ عنهُ بَديلا(2)

صَلّى الإلهُ عليكِ يا حوريةً *** عُجنَتْ بنورِ العرشِ وَ هْيَ الأُولى

صَلّى على الغضبِ الجَموحِ تُحيلُهُ *** خِطَبٌ تَناثَرَ حُزنَهَا إزميلا

في الناسِ يَنحتُ حُبَّ آلِ محمدٍ *** رغمَ الزمانِ إِذا يَمُرُّ عَليلا

صَلّى على الدَمعِ المُقَدَّسِ غامرٍ *** ينسابُ من تلك العيونِ طويلا

صَلّى على الأناتِ في بيتٍ سَمَتْ *** أحزانُ روحكِ ليلكاً، و نخيلا

في كلِّ رُكن فيهِ وَ اصْطَفَت بِهِ *** أَملاكُ رَبِّي تستفيضُ عَويلا

يا رحمةَ الرحمنِ زادي نافِذٌ *** و العمرُ حَثَّ إلى الفناءِ رَحيلا

خَفَّتْ مَوازيني فَعُذْتُ بحبّكُمْ *** وَ غدا المُقَصَّرُ في وَلاك ثقيلا

وَ تَجَسَّدَ الحُبُّ المُطَهَّرُ في دمي *** في الروح و الجسمِ الكليل جزيلا(3)

فأَحالني صَباً، سقيماً في الهوى *** صَرَعَتْهُ أَخلاقُ الكِرامِ قَتيلا

و بنارِ وجدي ذُبتُ و لهاناً بكم *** و قدالتَمَسْتُ إلى الإلهِ سبيلا

ص: 160


1- تضوع: تفوح رائحتها.
2- أغرّ: أبيض.
3- الكليل: المتعَب.

وَهَفا رمادي نَحوَ يومِكِ قاصداً *** أرنو من الأوزار فيه غَسيلا(1)

أَمَّلْتُ نفسي بالأمانِ يَلفُّني *** وَ هَرعْتُ نَحْوَكِ آملاً، وَ دَخيلا

و لقد عرفتُكِ باب رحمةِ خالقي *** ظِلاًّ سخياً و ارِفاً، و ظليلا

فَأَتيتُ و الأوزارُ تُثْقِلُ مِشْيَتي *** والياسُ أَخَّرَني وزادَ قَليلا

لكنّما بابُ النجاةِ تَفَتَّحتْ *** وَغدا الفؤادُ بحبّكُم مَغسولا

والحاقدُ المأفونُ إبليسٌ غَدا *** في عُرس يومِك صاغِراً مَغلولا(2)

فتعالي يا سرَّ الإلهِ بِخَلْقِهِ *** نَحْوَ النفوس التائقاتِ وصولا

هُبّي نَسيماً في الصباحِ عَليلا *** فوق الجراحِ و أشعِلي قنديلا

ص: 161


1- هفا: تطلّع بلهفة.
2- المأفون: و هو ضعيف العقل و الرأي. صاغراً: (الصاغر) الراضي بالضيم «مختار الصحاح».

(7) أين قبر البتول علیها السلام؟

(بحر الرّمل)

الأستاذ جابر الكاظمي(*)(1)

ص: 162


1- (*) هو أبو علي الحاج جابر بن جليل بن كرم بن راهي البديري الكاظمي. ولد في مدينة الكاظمية المقدسة سنة (1375ه_ -1956م). نشأ و تربى في ظل أسرته تحت رعاية والديه الصالحين، فأثرت في نشأته العراقة الوراثية، إلى جانب تثقيفه الذاتي و ذكائه المفرط، فترعرع في بيئة عبقت أرجاؤها بأريج الحب الطاهر، لمن أذهب الله عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيراً. أنهى الدراسة الإعدادية في عام (1974م) متجهاً إلى دراسة علوم الدين و الأدب، متوغلاً في الكثير منها، من نحو و صرف و منطق و معان و بيان و أصول و فقه. أساتذته: الشيخ محمد صادق الخالصي، و الشيخ حامد الواعظ. هاجر من العراق عام (1980م) متجهاً إلى سوريا، و في سنة (1982م) سافر إلى إيران، و في سنة (1990م) استقر في لندن. ابتدأ بقرض الشعر سنة (1972م) فكان أول بيت قاله: (مددت فوق الخذوم نحرا *** جعلته للخلود جسرا) و يعد المترجَم له من أعلام الأدب، و من مفاخر الشعراء الشعبيين، و ينظم بالفصحى و الدارج، و هو مكثر و سريع في النظم، و قد شاهدته مراراً و هو ينظم شعره قبل الإلقاء بلحظات، و هذا يدل على قدرته و تمكّنه من النظم. ذاب في أهل البيت علیهم السلام فرأى من بركاتهم معالم الأريحية و الصفاء، و انجذبت براعته لترجمة واقعة الطف في أروع الصور المبتكرة، فترك مؤلفات مطبوعة عديدة منها: 1- الدموع الناطقة 8 أجزاء. 2- ألف بيت في تاريخ أهل البيت علیهم السلام. 3- أبوذية جابر الكاظمي. 4- الأغاريد في المدح و المواليد. 5- مصباح أمس. و لايزال المترجَم له، يمارس دوره الأدبي في مختلف الأبعاد.

سائلاً بِالْمُصابْ *** مَنْ يَرُدُّ الجَوابْ؟

يابنَ عَمِّ الرَّسُولْ *** أيْن قَبْرُ البَتُولْ؟

***

ياعليّاً أَنْتَ رَمُزٌ *** وَ لَكَ التاريخُ يَشْهَدْ

يا أميراً يا مُجِيراً *** ياضَمِیراً لایُحَدَّدْ

أنتَ للأَيْتامِ کَهْفٌ *** أَنْتَ للمظلومِ مَقْصَدْ

كَيْفَ تَرْضَى بِمُصابٍ *** يَعْتَرِي بِنْتَ مُحَمَّدْ؟

أَرْضُنا وَالسَّماءْ *** حَلَّ فیها العَزاءُ

وَالمَعالِي تَقُولْ *** أَيْن قَبْرُ البَتُولُ؟

***

يا عَلِيّاً هُوَ خَطْبٌ *** جازَ آفاقَ الالخَیالِ

مِنْ مَلاعَيْن دِهاقاً *** شَرِبُوا كَأَسَ الضَّلاَلِ(1)

قتَلُوا الزَّهْراءَ حُزْناً *** دُونَ حَرْبٍ أَوْقِ اللَّيالِي

اللّیالِي حارَبَتْها *** حارَبَ اللَّه اللَّيالِي

وَ بِقَلْبِ حَزينْ *** نَسْأَلُ العَالَمِينْ

وَ نْرِيدُ الحُلُولْ *** أَيْنَ قَبْرُ البَتُول؟

***

قُتِلَتْ بِنْتُ مُحَمَّدْ *** إِنَّما حُزْناً و صَبْرا

فَمَنِ المَسْؤُولُ عَنْها *** ياعَلِيّاً أَنْتَ أَدْرى؟

قَوْمُ عادٍ وَ ثَمُودٍ قَدْ *** سَعَوْا في الأَرْضِ جَوْرا

ص: 163


1- دهاقاً: ممتلئة، طافحة.

وَ بِدَفْعِ البابِ عَمْداً *** سَحَقُوا لِلظُّهْرِ صَدْرا

بِفُؤادٍ جَرِیحْ *** ذاكَ صَوْتٌ يَصِيحْ

وَ بِدَمْعٍ هَطُولْ *** أينَ قَبْرُ البَتُولْ؟

***

أَوْصَت الزَّهْراءُ قالَتْ *** حِينَما تَدْفُنُ نَعْشِي

إِحْمِلِ النَّعْشَ مَساءً و *** ظَلامُ اللَّيْلِ يُغْشِي(1)

لا أُرِيدُ القَوْمَ تَأْتِي *** عندَ تَشْیِيِعِي وَ تَمْشِي

إِنَّهُمْ قَوْمٌ قُساةٌ *** نَهَشُونِي أَي نَهشِ(2)

إِنَّهُم مُجرمُون *** وَ إِذا یَسْأَلُونُ

حَذَراً لا تَقُولْ *** أَیْنَ قبرُ البَتُولْ

***

یا عَلِیّاً لکَ قَلْب *** ذابَ مِنْ هَوْلِ السِّنِینِ

وَ دَفَنْتَ الطُّهْرَ سِرّاً *** بِدُمُوعٍ و أَنِینِ

وَ عَلَى القَبْرِ تُنادِي *** خاطِبِينِي کَلِّمِینِي

أَلِكَسْرِ الضّلْعِ أَبْكِي *** أَمْ لإسقاطِ الجَنِينِ؟

وَ بِصَدْرٍ کَئِيبْ *** ضاقَ صَدْرٌ رَحِيبْ

وَ سُؤالٌ يَجُولْ *** أَيْنَ قَبْرُ البَتُولْ؟

***

دُفِنَتْ أُمُّ أَبیها *** بَیْنَ أَطْباقِ التُّرابِ

ص: 164


1- يغشي: يُظلم.
2- نهشوني: نهسوني، تناولوني بأفواههم ليعضوني.

فَلْنُنادِيا مُحَمَّدْ *** بِدُمُوعِ الإکْتِئابِ

كُنْتَ تُوصِي القَوْمَ جَهْراً *** بِالبَنين وَ الكِتابِ

هَكَذَا حِفْظُ الوَصايا *** جاءَ مِنْ شَرِّ الصِّحابِ

خاتَمُ الأنبياءْ *** قَدْ َأتاك الجَزاءْ

مِنْ زَمانٍ جَهُولْ *** أينَ قَبْرُ البَتُولْ؟

***

أَيُّها الأَجْيالُ قُومُوا *** البَسوا ثَوْبَ العَزاءِ

وَ خُذُوا الثَّأَرَ جِهاراً *** مِنْ بُغاةٍ أَدْعِیاءِ

خَاطِبُوا البابَ وَ قُولُوا *** بِعَوِيلٍ وَ بُكاءِ

أَيُّ ضِلْعِ کَسَرُوهُ *** وَ جَرَتْ أَيُّ دِماءِ

فاضَ دَمْعُ الجفُونْ *** مِنْ بُحور العُيونْ

حُزننا لَنْ يَزُولُ *** أَينَ قَبْرُ البَتُولْ؟

ص: 165

(8) الصديقة الكبرى علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ جعفر عباس الحائري(*)(1)

تَجَلَّدْ إنْ عَدَتْ غِبَرُ اللَّيالِي *** عَلَيْكَ وَ كُنْ كَأَطْوادِ الجِبالِ(2)

وَ لاتَجْعَلْ قَناتَكَ ذاتَ لِينٍ *** وَ صَيِّرْها كَأَعْوادِ العَوالِي(3)

تَدَرَّعْ في التَّصْبُّرِ فَهُوَ دِرْعٌ *** تَقِي الصَبَّارَ مِنْ حَدِّ الصَّقالِ(4)

فَإِنَّ حَوادِثَ الأيام تَثرَى *** وَ في الأَغْلالِ نَرْسُفُ وَ الحِبال(5)

و بالإِجْبارِ قَدْ غادَرْتُ دارِي *** وَمِنْ بَعْدِ الوصالِ أتى انْفِصالِي

مِنَ الأَحْبابِ وَ الأصْحابِ طُرّاً *** وَ مِنْ أختي -أخي- أبناءِ خالي

رَأيْتُ معَالمِي تَنْهارُ عَسْفاً *** وَ تَشْتِيتاً لعائِلَتِي وَآلِي(6)

وَ جَنّاتي تُحالُ إلى بَوارٍ *** بَلاقِعَ لَيْسَ فِيها مِنْ ظِلالِ(7)

و يُقْلَعُ جَذْرُ أغْراسِي اقْتِلاعاً *** وَ بالإكراهِ قَدْ شُدَّتْ رِحالي

وَ غَادَرْتُ العِراقَ على اكْتِرابٍ *** وَ أحْزانٍ و في إقلالِ بالِي

ص: 166


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- تجلّدْ: تصبر و اصبر أطواد: الجبال العظيمة.
3- قناتك: رمحك.
4- الصقال: السيوف.
5- تترى: متتابعة. نرسف: نمشي مشية المقيَّد.
6- عسفاً: ظلماً و جوراً.
7- بوار: هلاك، دار البوار: جهنم. بلاقع: أقفار.

وَ كانَ تَوغُّلي في الشَّيْبِ يَقْضِي *** عَلَى الأَمالِ في تَغْيِيرِ حالِي(1)

يؤوساً قانِطاً أُحْيِي ليالِ *** وَ أَشْهَدُ في مَواقِدِها اشْتِعالِي

عَواصِفْ صَیَّرَتْ دارِي طُلُولاً *** كَأني قد بَنَيْتُ عَلَى الرِّمالِ

وَمَا أَنَا بِالَّذِي قَدْنُؤْتُ ظَهْراً *** بأَحْمالٍ من الكُرَبِ الثِّقالِ(2)

وَحِيداً في تَحَمُّلِيَ الرَّزايا *** وَ ما أَفْرَرْتُ في هذا المَجال

فَمَنْ رُزِقَ الحَياةَ رَأى غراماً *** وَ عاشَ يَنُوءُ بالدّاءِ العُضالِ(3)

وَ قَدْ هَدَّتْ أضالِعَهُ سِهامٌ *** وَ صارَ فُؤادُهُ غَرَضَ النَّبالِ(4)

فهذي بنتُ أَحْمَدَ حَيْثُ كَانَتْ *** عَلَى قِمَمِ المَكارِمِ و الكَمالِ

تَرَبَّتْ في حُجُورٍ طَاهِراتٍ *** و أحضانِ الفَضِيلةِ و المَعالِي

حَباها المُصْطَفَى حُبّاً وَ أعْطَى *** دَلِيلاً في المَقالِ و في الفِعالِ(5)

يُوَدِّعُها لَدَى التَّرْحالِ وُدّاً *** وَ يَقْصُدُها لَدَى حَطِّ الرِّحالِ

يُقَبلُ كَنَّها عَجَباً أَبُوها *** رَسُولُ اللَّهِ يَا عِظَمَ الدَّلالِ(6)

ص: 167


1- توغلي: الدخول في أقصى الشيء.
2- نُؤْتُ: نهضت مثقلاً.
3- ينوء: ينهض بجهد و مشقة.
4- غرض: هدف.
5- حباها: أعطاها من غير مقابل. و في البيت إشارة إلى تعلّق رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالزهراء علیها السلام وحبُّه لها و قد تقدم ذكر ذلك نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج4 ص328. و كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص40، و كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني ج4 ص378، و كتاب تهذيب التهذيب له أيضاً ج12 ص441، و كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص523، و كتاب ذخائر العقبى ص36، و كتاب بحار الأنوار ج43 ص23 و ص54.
6- في هذين البيتين إشارة إلى مرور الرسول صلي الله علیه و آله و سلم بالزهراء علیها السلام عند سفره و بعد مجيئه منه و تقبيله إياها. ففي كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522 قال: عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا قدم من سفر قبل ابنته فاطمة علیها السلام». و في كتاب مسند أحمد ج5 ص275 و كتاب السنن الكبرى للبيهقي ج1 ص26 قالا: «عن ثوبان مولى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان أهله فاطمة علیها السلام و أوّل من يدخل عليه إذا قدم فاطمة علیها السلام. و ذكره الحاكم في كتابه المستدرك ج3 ص156. و في كتاب المستدرك ج3 ص154 قال: «عن عائشة أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً و حديثاً من فاطمة علیها السلام برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و کان إذا دخلت عليه رحب بها و قام إليها فأخذ بيدها فقبَّلها و أجلسها في مجلسه». و ذكره البيهقي في كتابه السنن الكبرى ج7 ص101. و في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص203 قال: عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً و هدياً و دلاً برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من فاطمة علیها السلام و كان إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبلها و أجلسها في مجلسه و كان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبَّلتها و أجلسته في مجلسها.

وَ قال أحَبَّنِي مَنْ وَدَّ بِنْتِي *** وَ فِي إِغضابها إيَّايَ قالِي(1)

وإجلالاً لِفَاطِمَةٍ يَرَاها *** كأم في المَهَابةِ و الجلالِ

يُصَرِّحُ أَنَّها بِنْتِي وَ أُمِّي *** وَ مِني بَضْعَةٌ و بِها اكْتِمالي(2)

ص: 168


1- قال: مبغضني. إشارة إلى حديث فاطمة علیها السلام بضعة منّي... الخ. ففي كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال: عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يُريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». ذكره أبونعيم الأصفهاني في حلية الأولياء ج2 ص40. و ابن حجر العسقلاني في الإصابة ج4 ص378. و ذكره أيضاً في تهذيب التهذيب ج12 ص441. و في كتاب البحار ج43 ص23 قال: عن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي من سرها فقد سرني ومن ساءها فقد ساءني فاطمة علیها السلام أعز الناس عليَّ علیه السلام». وفي كتاب البحار أيضاً ج43 ص54 قال: عن مجاهد قال: خرج النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هو آخذ بید فاطمة علیها السلام فقال: من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم، و هي بضعة مني و هي قلبي و روحي التي بين جنبَّي فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله.
2- هذين البيتين إشارة إلى ما روي من أنها كانت تنادى بأُمِّ أبيها ففي كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1899 قال: «عن جعفر بن محمد علیه السلام:قال كانت كنية فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أم أبيها». و في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص520 قال: وكانت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نكنّى أم أبيها. و في كتاب البحار ج43 ص19 قال: عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبيه علیه السلام أن فاطمة علیها السلام كانت تكنى أُمُّ أبيها.

بِفَرْحَتِها سُرُورِي و ابْتِهاجِي *** و في إِيذاءِ فاطِمَةٍ أَذًى لِي

أعَزَّ اللَّهِ إِيَّاها وَ فِيها *** أَبانَ بَدِيعَ صَنْعَةِ ذِي الجَلالِ

مُطَهَّرَةٌ بَراهَا فَهيَ أَنْقَى *** مِنَ الأنْداءِ و الماء الزُّلالِ(1)

أَبُوها سَيْدُ الكَوْنَيْنِ أَثْنى *** عَلَيْهِ اللَّهُ في طِيبِ الخِصالِ

عَلِيٌّ بَعْلُها هَلْ مِنْ شَبِيهٍ *** لِصِنْوِ المُصْطَفَى أَوْ مِنْ مِثال؟

أما كانَتْ إلى الحَسَنَيْنِ أُمَّاً *** وَ لِلْمرْجانِ بَحْراً والَّلآلِي؟(2)

لَها أَصْلابُ أَفذاذٍ كِرامٍ *** شَوامخَ وَ هْيَ تَعْلُو كُلَّ عَالِي(3)

ص: 169


1- إشارة إلى ما روي في الأخبار من أن الزهراء عليها السلام طاهرة مطهرة. ففي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص44 قال: عن أسماء قالت: قبَّلتُ أي ولدت فاطمة علیها السلام بالحسن علیه السلام فلم أر لها دماً فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إني لم أر لها دماً في حيض و لانفاس فقال صلي الله علیه و آله و سلم: «أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لايرى لها دم في طمث ولا ولادة. و في كتاب مصباح الأنوار كما في كتاب البحار ج43 ص19 قال: «عن أبي جعفر علیه السلام عن آبائه علیه السلام قال: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة لافي طمث و لانفاس. وفي ص16: عن أبي عبدالله علیه السلام قال: حرَّم الله النساء على علي ال ما دامت فاطمة علیها السلام حيَّة لأنها طاهرة. و في كتاب ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص310 قال: «عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إنما جا سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء أو قال نقصان».
2- إشارة إلى قوله «تعالى» «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ *... يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» [سورة الرحمن آية:19-20 و 22]. ففي كتاب تفسير القمي ج2 ص344 قال: عن يحيى بن سعيد القطاف قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: في قوله «تعالى» «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ»قال: علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» قال الحسن و الحسين علیهما السلام. و قال علي بن إبراهيم في قوله: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» أميرالمؤمنين و فاطمة علیهما السلام «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ» الحسن و الحسين علیهما السلام. و ذكره المجلسي في البحار ج43 ص32. و ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج4 ص142.
3- أفذاذ: أفراد.

عَلَى عَدَدِ النُّجومِ لَها الدَّرَارِي *** وَ هُمْ عَمَدُ البِلادِ بِلا جِدالِ

و زِينَتُها و رَوعَتُها وَ فِيهِمْ *** جَمَالُ الأرْضِ أَعْظَمُ مِنْ جَمالِ

فَهَلْ لِلشَّانِئِينَ لَها وَجُودٌ *** لأَنْسالِ لَهُمْ بَيْنَ الرِّجالِ(1)

لَها في آيةِ النَّظَهِيرِ شَانٌ *** وَ فِي القُرْبَى لَها أَقْوَى اتِّصالِ(2)

بِطه فَهُوَ والِدُها فَأَكْرِمْ *** بِبِنْتِ أَحْرَزَتْ صِفَةَ الكَمالِ

و دُرَّتُهُ الثَّمِينَةُ حَيْثُ تَبْقَى *** مَدَى الأغصارِ أَغْلَى كُلِّ غالي

وَ كانَتْ في مُباهَلَةِ النَّصَارَى *** تَرى عَلَماً غَداةَ الابتهالِ(3)

ص: 170


1- الشانئين: المبغضين مع العداوة.
2- إشارة إلى آية التطهير و آية القربى. وقد مر ذكرهما. نقلاً عن المستدرك على الصحيحين ج3 ص147. و كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص107. و كتاب مجمع الزوائد ج9 ص170. و تفسير الدر المنثور للسيوطي ج4 ص177. و مجمع الزوائد و منبع الفوائد للهيثمي ج7 ص52. و كنز العمال للهندي ج3 ص767 ح8696.
3- إشارة إلى آية المباهلة المشتركة بين الزهراء علیها السلام و بقية أهل البيت علیهم السلام. ففي كتاب صحيح الترمذي ج5 ص225 قال: عن سعد بن أبي وقاص قال: لما أنزل الله هذه الآية «ندع ابناءنا و أبناءكم» دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام، فقال: اللهم هؤلاء أهلي. و رواه الحاكم في كتابه المستدرك ج3 ص150، و المحب الطبري في الذخائر ص25 و البيهقي في كتابه السنن الكبرى ج7 ص63. و في تفسير الدر المنثور ج2 ص38 قال: عن جابر قال: قدم على النبي صلي الله علیه و آله و سلم العاقب و السيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم قال: «كذبتما إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام»، قالا: فهات قال: «حب الصليب و شرب الخمر و أكل لحم الخنزير» قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فوعداه إلى الغد فغدا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخذ بيد علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه و أقرا له، فقال: «والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً، قال جابر فيهم نزلت «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» [سورة آل عمران الآية:61] الآية قال جابر: أنفسنا و أنفسكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و علي علیه السلام و أبناءنا الحسن و الحسين علیهما السلام و نساءنا فاطمة علیها السلام.

وَآياتٌ مِنَ القُرْآنِ جاءَتْ *** يُشَمُّ بِذِكْرِها طيب الغَوالِي

أتى في «هَلْ أَتى» ذِكْرٌ جَمِيلٌ *** لَها فِي الرائعات من الخِلالِ(1)

لفاطِمَةَ المَكارِمُ سَجَّلَتْها *** يَدُ التاريخ في صِدْقِ المَقالِ

و أَعْطَى المُصْطَفَى الرَّحْمَنُ خَيْراً *** بِكَوْثَرِهِ فَأَعْظِمْ مِنْ نَوالِ(2)

هِيَ الزهراءُ تَزْهَرُ في سَناها *** وَ تَدْفَعُ بالظلام إلى الزَّوالِ(3)

هِيَ الصَّدِّيقَةُ الكُبْرَى تَجَلَّتْ *** صِفاتُ الخَيْرِ فيها و الجَمالِ(4)

ص: 171


1- إشارة إلى سورة هل أتى على الإنسان و نزولها في علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام ففي كتاب أسباب النزول للواحدي ص296 قال: قوله «تعالى»: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا» [سورة الإنسان آية8] قال عطاء عن ابن عباس: «و ذلك أن علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» نوبة آجر نفسه يسقي نخلاً بشيء من شعير ليلة حتى أصبح و قبض الشعير و طحن ثلثه فجعل منه شيئاً ليأكلوه يقال له الحريرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فاطعموه و طووا يومهم ذلك فأنزلت فيهم هذه الآية». و ذكره محب الدين الطبري في ذخائره ص102. و قال السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج6 ص299 في ذيل تفسير قوله «تعالى»: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا و يتيماً و أسيراً) [سورة الإنسان آية:8] قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ» الآية قال: نزلت في علي بن أبي طالب و فاطمة علیهما السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص530 مفصلاً. و الشبلنجي في كتابه نورالأبصار ص102 و في فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص303.
2- نوال: عطاء. و في البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام هي الكوثر و قد مرّ ذكره للفخر الرازي ج32 ص124، و البيضاوي في أنوار التنزيل و أسرار التأويل مخطوط ص1156 کما في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص352 لآية الله السيد صادق الشيرازي.
3- إشارة إلى أنَّ الزهراء علیها السلام كانت تزهر بأنوارها و تقدم ذكر ذلك نقلاً عن كتاب بحار الأنوار ج43 ص12 و علل الشرائع ج1 ص215 و الصدوق في كتابه معاني الأخبار ص64 ح15 و البحار أيضاً ج43 ص16.
4- إشارة إلى أنها صديقة كما في الحديث. ففي كتاب الرياض النضرة ج2 ص202 قال: روى أبوسعيد في شرف النبوَّة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: «أتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد و لاأنا، صهر مثلي و لم أوت أنا مثلي، و أوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوجة، و أوتيت الحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم منّي و أنا منكم». و جاء في كتاب الكافي ج1 ص458 قال: «عن أبي الحسن علیه السلام قال: إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة». و في كتاب علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1 ص218 قال: عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: جعلت فداك من غسل فاطمة علیها السلام؟ قال: ذاك أميرالمؤمنين علیه السلام. قال: فكأني استعظمت ذلك من قوله، فقال: كأنك ضقت مما أخبرتك به، قلت: قد كان ذلك جعلت فداك قال: لاتضيقنَّ فإنها صدّيقة لايغسلها إلا صديق أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى علیه السلام.

هي الإِنْسِيَّةُ الحَوْراءُ تَسْمُو *** وَ تَرْقَى فَوْقَ هاماتِ القِلالِ(1)

هِيَ المَرْضِيَّة العَذراء طابَتْ *** بنَفْحَتِها الأواخِرُ والأوالي(2)

ص: 172


1- إشارة إلى أنها علیها السلام حوراء إنسية. ففي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج5 ص87 قال: «عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما لك إذا جاءت فاطمة علیها السلام قبلتها حتى تجعل لسانك في فيها كله كأنك تريد أن تلعقها عسلاً؟ قال: نعم يا عائشة إني لما أُسري بي إلى السماء أدخلني جبريل الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت واقعت خديجة ففاطمة علیها السلام من تلك النطفة و هي حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها». وفي كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26 قال: «عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إن ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء إذ لم تحض و لم تطمث إنما سمّاها فاطمة علیها السلام لأن الله عز وجل فطمها و محبيها عن النار». و في كتاب البحار ج43 ص42 قال: الصادق علیه السلام أنه كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يكثر تقبيل فاطمة علیها السلام فأنكرت عليه بعض نسائه فقال: «إنه لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلتها فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة علیها السلام ففاطمة علیها السلام حوراء إنسية فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي».
2- إشارة إلى أنها علیها السلام مرضيَّة. ففي كتاب البحار ج43 ص10 قال: عن أبي عبدالله علیه السلام: لفاطمة علیها السلام تسعة أسماء عندالله «عزوجل» فاطمة علیها السلام و الصدّيقة و المباركة و الطاهرة و الزكية و الراضية، و المرضية و المحدّثة، و الزهراء علیها السلام ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة علیها السلام؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر قال: ثم قال: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام لاتزوّجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه نقلاً عن علل الشرائع للصدوق ج 1 ص212، و الخصال له أيضاً ص414.

وَ سَيّدَةُ النِّساءِ وَ مَن سواها *** لَها شَرَفُ السِّيادَةِ و التَّعالي(1)

رضا الرَّحمن يَحْصُلُ في رضاها *** و دُونَ رِضائها طَلَبُ المحالِ(2)

و رَغْمَ جَلالِها وعظيم قَدْرٍ *** أُحِيطَتْ بالمَكارِهِ و الكَلالِ

رَأَتْ ظُلماً و هَضْماً و انْتِهاكاً *** لِحُرْمَةِ دارِها ذاتِ المَعالِي(3)

عَلِمْنا أَنّها عاشَتْ زَماناً *** قَصِيراً بَعْدَ طه في اعْتِلالِ

فما أَسْبابُ عِلَّتِها؟ لماذا *** تَعِيش على التَّضَجُرِ و المَلالِ؟(4)

غَدَتْ تَشْكُو لوالِدِها هُمُوماً *** و تَسْأَلُ هَلْ دَرَيْتَ بما جَرَى لِي؟

ص: 173


1- تقدم ذكر ذلك نقلاً عن كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج3 ص156، و كتاب مسند أحمد بن حنبل ج6 ص282، و كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص27، و كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522، و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص43، و كتاب ينابيع المودة للقندوزي ج1 ص199.
2- إشارة إلى ما روي من أن الله يرضى لرضاها و يغضب لغضبها «سلام الله عليها». و تقدم ذكره نقلا عن كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص153. و كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص522، و كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر ج12 ص441، و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص39.
3- في البيتين إشارة إلى انتهاك حرمة الزهراء علیها السلام يوم هجومهم على دارها و تقدم ذلك نقلاً کتاب سليم بن قيس الهلالي ص40، و كتاب مؤتمر علماء بغداد، ص37، و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109، و كتاب بحار الأنوار ج53 ص19.
4- في البيتين إشارة إلى المدة القصيرة التي عاشتها الزهراء علیها السلام بعد أبيها و علتها و حزنها. ففي كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص362 قال: «روي أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهَّدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة؟ بعد مرة أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلايدعكما تمشيان على الأرض و لاأراه يفتح هذا الباب أبداً و لايحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما؟ ثم مرضت و مكثت أربعين ليلة ثم دعت أم أيمن و أسماء بنت عميس و علياً و أوصت إلى علي بثلاث: أن يتزوج بابنة أختها أمامة لحبها أولادها و أن يتخذ، نعشاً، كأنها كانت رأت الملائكة تصوّروا صورته و وصفته له و أن لايشهد أحد جنازتها ممن ظلمها و أن لايترك أن يصلّي عليها أحد منهم».

مَصائِبُ لَوْعلى الأيَّامِ صُبَّتْ *** احالَتْها إلى سُود الليالي

أَبِي مِنْ بَعدِ وَجْهِكَ ضِقْتُ ذَرْعاً *** و قَلْبِي بِالتَّصَبُرِ غَيْرُ سالِي

رفاقُكَ في جَفاءٍ عامَلُونِي *** بماما مرَّ في خَلَدِي وَ بَالِي(1)

قَضَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ أسى و حُزْناً *** وَ أَحْزَنَتِ المُقالِي و المُوالِي(2)

و أَبْكَتْ أَعْيُنَ الدُّنْيا اكْتِراباً *** و ما انْفَكَّتْ بِحُزْنِ و انْذِهَالِ(3)

مِنَ المَأساةِ إِذْ فِيها عَلِيٌّ *** لَهُ قَلْبٌ بِنارِ الفَقْدِ صالي(4)

وَ لِلْحَسَنَيْن أَدْمُعُ جارياتٌ *** وَ أَنَاتٌ لِزَيْنَبُ و العِيالِ

وباتَتْ أُمَّةُ الإسلام تَبْكِي *** بِرغْمِ مُرورِ أَعْوامِ طِوالِ

كَبَدْرٍ قَدْ أَضاءَتْهُمْ وَ غابَتْ *** عَنِ الأَنْظارِ في عُمْرِ الهِلالِ

وَ في تَشْيِيعها نَفَرٌ قَلِيلُ *** أَعانُوا الفاقِدِينَ مِنَ الرِّجالِ

وَ قالُوا إِنَّها دُفِنَتْ بِلَيْلٍ *** لِماذا مَنْ يَرُدُّ على سُؤالي

ص: 174


1- في هذه الأبيات الأربعة إشارة إلى شكوى الزهراء علیها السلام إلى أبيها صلي الله علیه و آله و سلم و تقدَّم ذكر ذلك مفصلاً نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208، و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، و كتاب أنوار البحار ج43 ص156.
2- المُقالي: المبغض.
3- هذين البيتين إشارة إلى حزنها علیها السلام و بكائها. في كتاب البحار ج43 ص177 قال: ضمن حديث طويل «ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمّى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلاتزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها». و في كتاب رحلة ابن جبير ص174 قال: «ويلي هذه القبة العباسية بيت ينسب إلى فاطمة علیها السلام بنت الرسول صلي الله علیه و آله و سلم يعرف ببيت الحزن يقال: إنه الذي آوت إليه و التزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم». و قال في البحار ج43 ص195 قال: عن أبي عبدالله علیه السلام يقول: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم خمسة و سبعين يوماً لم تر كاشرة و لاضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين و الخميس فتقول: ههنا كان رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ههنا كان المشركون.
4- صالي: محترق.

وَ أَخْفَوْا قَبْرَها وَ أَسَى عَلَيْها *** أَبَلُوا القَبْرَ بالدَّمْعِ المُذالِ(1)

وَ لَسْتُ أمِيلُ في ذِكْرِ الرَّزايا *** و ما حَفِلت بها الحِجَجُ الخَوالي

مِنْ الأحْداثِ مِنْ تَفْرِيق شَمْلٍ *** وَ مِنْ فِتَنِ ومِن قِيل وَ قالِ

: 175


1- المذالِ: المسفوح. و في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى تشييع الزهراء علیها السلام من قبل عدد قليل و دفنها ليلاً و إخفاء قبرها «سلام الله عليها». ففي كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن تاريخ أبي بكر بن كامل «أن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيَّبوا قبرها». و في تاريخ الطبري: أن فاطمة علیها السلام دفنت ليلاً و لم يحضرها إلا العباس و علي علیه السلام و المقداد و الزبير. و قال: و في رواياتنا أنه صلّى عليها أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام و عقيل و سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة و في رواية و العباس و ابنه الفضل. و في رواية حذيفة و ابن مسعود». و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص363 قال: عن ابن عباس قال: «أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها قال: فدفنها علي ليلاً و لم يعلمهما بذلك». و قال ابن شهرآشوب أيضاً في نفس الصفحة المذكورة: عن الأصبغ بن نباتة أنه سئل أميرالمؤمنين علیه السلام عن دفنها ليلاً فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من تولاهم أن يصلي على أحدٍ من ولدها. و روي أَنه سوّى قبرها مع الأرض مستويا و قالوا: سوّى حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايُعرف قبرها و روي أنه رش أربعين قبراً حتى لايبيّن قبرها من غيره فيصلوا عليها. و ذكر هذا كله في كتاب البحار ج43 ص183. و في كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1898 قال: «قيل توفيت الزهراء علیها السلام يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان و غسلها زوجها علي «رضي الله عنه» و كانت أشارت عليه أن يدفنها ليلاً». و في كتاب ذخائر العقبى ص54 قال: و دخل بها في قبرها علي و الفضل و كانت أشارت على علي «رضي الله عنه» أن يدفنها ليلاً». و في كتاب البحار ج43 ص212 نقلاً عن كتاب عيون المعجزات للسيد المرتضى قال: «تولى غسلها و تكفينها أميرالمؤمنين علیه السلام و أخرجها معه الحسن و الحسين علیهما السلام في الليل و صلّوا عليها و لم يعلم بها أحد، و دفنها في البقيع و جدّدَ أربعين قبراً فاستشكل على الناس قبرها فأصبح الناس و لام بعضهم بعضاً و قالوا: إنَّ نبينا الله صلي الله علیه و آله و سلم خلف بنتاً و لم نحضر وفاتها و الصلاة عليها و دفنها، و لانعرف قبرها فنزورها ... الخ».

نَتِيجَةَ ظُلم فاطِمَةٍ أراها *** و مَا فِي قَوْلَتي هذي أُغالِي(1)

بأَجْفانِ مُقَرَّحَةٍ بَكَيْنا *** وَ صَفَّقْنا اليَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ

فَمَا بَرأتْ جُرُوحُ القَلْبِ فِيها *** وَ لَيْسَ لها لنا أمَلُ إِنْدِمالِ

أسلمُ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ دَوْماً *** عَلَيْها بعدَ ذِكْرِي و ابْتِهالي

و أَرْجُو أَنْ يَكُونَ جَزاءُ وُدّي *** إلى أعْتابِ مَرْقاها مآلِي

ص: 176


1- أغالي: أبالغ.

(9) و ما ذنب فاطمة علیها السلام

(بحر المتقارب)

السيد ميرزا جعفر القزويني(*)(1)

ص: 177


1- (*)هو السيد ميرزا جعفر ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد حمد ابن السيد محمد الحسيني القزويني الحلي مولداً و منشأ و مسكناً في سنة (1253ه_). نشأ على والده فعني بتربيته و وجهه أحسن توجيه، فقد غذاه بأخلاقه وطبعه الكريم و لقّنه مبادىء العلوم تلقيناً كان يعرب عن فن و حسن ذوق و هاجر إلى النجف الأشرف فاتصل بأخواله الأعلام من آل كاشف الغطاء منهم العلامة الشيخ مهدي نجل الشيخ علي، فقرأ عليه كثيراً من العلوم و حضر حلقات درسه في الفقه الإسلامي، و في الأصول على الشيخ مرتضى الأنصاري و الملا محمد الأيرواني. ثم عاد راجعاً إلى الحلة بعد أن أشعر أساتذته و أعلام عصره أنه بلغ مرتبات الكمال و حصل على الغاية المنشودة من طلب العلم و أصبح أهلاً لأن يرجع إليه الناس في الرأي و الدين، و عند وصوله الحلة هرعت الجماهير إليه و زحف الكبير و الصغير فاستقبلوه من منتصف الطريق فكان يوماً مشهوداً عمَّت به الأفراح ذلك البلد و أهله، و لما استقرَّ به المكان تولّى الزعامة الاجتماعية و الدينية التي كانت تفتقر إلى مثله وبذلك قام بإدارة مهمات أبيه و أهالي مدينته فكان القائد المحنّك و الزعيم المحبوب و الخطيب المفوَّه و الشاعر المطبوع، و يظهر من مقامه الاجتماعي و الديني أن الشعراء على مختلف عناصرهم و بيئاتهم قصدوه و مدحوه و سجّلوا كثيراً من الخواطر الودية و العواطف الرقيقة التي برهنت على خالص الولاء، و في طليعة من مدحه و أكثر صديقه الشاعر الكبير السيد حيدر الحلي، فقد ملأ ديوانه بحبه و ولائه لهذا العلم الفرد. و بالنظر لمقامه الإجتماعي و مركزه الديني، فقد ذكره جمع من أعلام المؤرخين و أرباب السير منهم العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء صاحب (الحصون المنيعة) فقال ما نصه: كان عالماً فقيهاً أصولياً بليغاً رئيساً جليلاً مهاباً مطاعاً لدى أهالي الحلة مسموع الکلمة عند حكّامها و أمرائها، و لما هاجر أبوه إلى النجف الأشرف في أواخر حياته استقل هو بأعباء الرئاسة في الحلة ،وأطرافها فكان فيها مرجع الفقراء و موئل الضعفاء، تأوي إلى داره الألوف من الضيوف لأجل حوائجهم و هو يقضيها لدى الحكام و ولاة بغداد غير باخل بجاهه مما ترك ألسنة الخاصة و العامة تلهج بالثناء عليه إلى اليوم، و كانت الدنيا زاهرة في أيامه و عيون أحبابه قريرة في حياته. و ذكر السماوي في كتاب (الطليعة) أنه بلغه أن بعض الجند ضرب أحد طلبة العلم في النجف الأشرف على وجهه فغضب ثم مضى إلى دار الحكومة فدعا بالجندي و بالطالب فأمره أن يقتص منه بمثل ضربته. و عندما تقرأ سيرة المترجم له و إنجازه يتّضح لك ما كان يتمتع به من حسن إدارة و ذكاء مفرط و سياسة اجتماعية واسعة جمع بين الأضداد. و له من المؤلفات: التلويحات الغروية في أصول الفقه، و كتاب الإشراقات في المنطق و غيرها. توفي في الحلة فجأة في حياة أبيه و ذلك في المحرم من عام (1298ه_) و نقل جثمانه على الأكتاف إلى النجف الأشرف و كان يوماً مشهوداً في منطقة الفرات الأوسط، فقد ازدحمت الجماهير على حمله و هاج الناس حول نعشه كالبحر المتلاطم، فما تسمع إلا تهليلاً و تكبيراً ولعله يكون مصداقاً للحديث الشريف (عاشروا الناس معاشرةً إن عشتم حنّوا إليكم وإن متم بكوا عليكم) و صلى عليه الشيخ جعفر التستري و دفن في الصحن الحيدري مما يلي الرأس الشريف، و أقيمت له الفواتح في كل مكان، و تسابق العشرات من الشعراء في رثائه في النجف الأشرف و الحلة و غيرهما فكانت حلبة أدبية واسعة، و في طليعة الأدباء و الشعراء السيد حيدر الحلي و مطلع قصيدته: قد خططنا للمعالي مضجعا *** و دفنّا الدين و الدنيا معا و قد جمع السيد حيدر الحلي مراثيه في كتاب أسماه (الأحزان في مراثي خير إنسان).

هَجَرْتُ الغَواني و أَطْلالَها *** غَداةَ أَحالَ النَّوَى حالَها(1)

وَ لَمْ أَحْف عن حالِ سَلْمى السُّؤالْ *** وَ لَمْ أَسْأَلِ الأمْرَ سُؤَالَها(2)

وَ لَمْ أُتْبَع الحَيَّ طَرْفَ الشَّجي *** وَ قَدْ قَوَّضَ البَيْنُ أَحْمالَها(3)

لِرُزْءِ الَّذينَ بِهِمْ في الطّفُوفِ *** قَدْ بَلَغَتْ (حَرْبُ) آمالها

وَ أَمْسَتْ ديارُ الهُدَى بَعْدَها *** بِرَغْمِ الإمامةِ تَنْعَى لها

أَلا دَعْ قُرَيْاً وَ تَرْكاضَها *** بلَيْلِ الضَّلالِ وَ تَجْوالَها

وَدَعْ عنكَ ما فَعَلَ الأوَّلُونَ *** وإِن زَلْزَلَ الأَرْضُ زِلْزَالَها

ص: 178


1- الغواني: النساء الغنيّات بجمالهنَّ و حُسنهن عن الزينة. أطلالها: الآثار الشاخصة -النوى: البعد.
2- لم أحفَ: لم أكثر السؤال.
3- قوّض: هَدَّم، فرق. البَيْن: الفراق.

هُم مَنعوا فاطماً إرْثَها *** وَ حازُوا عَنِ الفَرْضِ انْفالَها(1)

و هُمْ نَقضُوا عَهْدَ (يَوْمَ الغَدِيرُ) *** لِمَنْ في المواقِفِ أَوْفَى لَها

وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ في حِفْظِهِ *** لِشِرْعَةِ أحمدَ إِكْمالَها

وَ هُمْ أَضْرَمُوا النّارَ في بيتِ مَنْ *** بِهِمْ يَقْبَلُ الله أَعْمالَها

و قَطْعُ الأَراكَةِ ظُلْماً أَبانَ *** مِنْ آلِ «قَيْلَةً» أَضْلالها

وَقَوْدُ «عَليَّ » بمَرْأى العُيُونِ *** أَعادَ مِنَ القَوْم أَذْحالَها

فما وَتْر «ضَبّةَ» في «هاشمٍ» *** لِتَطْلُبَ في كَرَّبَلا آلَها(2)

وَ ما ذَنْبُ «فاطِمَةٍ» عِنْدَهَا *** لِتَحْمِلَ في الأَسْرِ أطْفالَها

غَداةَ عَلَى حَرْبِ بَدْرِ الهُدَى *** غَدَتْ حَرْبُ تَجْمَعُ ضُلالَها(3)

ص: 179


1- انظر غصب فدك و منعها إرثها في كتاب/ ثم اهتديت للتيجاني السماوي؛ ص164 إذ يقول: فلا يسع المنصف العاقل إلاّ أن يحكم بخطأ أبي بكر إن لم يعترف بظلمه و حيفه على سيدة النساء علیها السلام لأن من يتتبع هذه المأساة و يطَّلع على جوانبها يعلم علم اليقين أن أبابكر تعمَّد إيذاء الزهراء علیها السلام و تكذيبها لئلا تحتج عليه بحديث الغدير و غيره على خلافة زوّجها و ابن عمها على و تجد قرائن عديدة على ذلك... ولكنها «أي الزهراء علیها السلام» غضبت عليه و لم تكلمه حتى ماتت لأنه ردَّ في كل مرة دعواها و لم يقبل شهادتها و لاشهادة زوّجها ولكل هذا اشتد غضبها عليه حتى أنها لم تأذن له بحضور جنازتها حسب وصيّتها لزوجها الذي دفنها في الليل سراً.
2- وتر: بكسر الواو و فتحها، الانتقام أو الظلم.
3- كتاب شعراء الحلة ج1 ص451 القصيدة (46) بيتاً.

(10) بكاء الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ جعفر الهلالي(*)(1)

أَوْرَثَ الخَطْبُ زَفْرةً و عَوِيلا *** يَوْمَ نالَتْ كَفُّ المَنُونِ الرَّسُولا

ذاكَ خَطبٌ دَهَى البَسِيطةَ بِالحُزْنِ *** وَغَطَى جِبَالَها وَ السُّهولا

وَ السَّماواتُ عَمَّها الحُزْنُ شَجُواً *** فَتَوارَتْ بها النُّجُومُ أُفُولا(2)

وَغَدَتْ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ ثَكْلَى *** تَنْدُبُ اليَوْمَ قُطْبَها المَرْسُولا

وَ البَرايَا أَضْحَتْ تَنُوحُ اكتِئاباً *** لِمُصابٍ أَجْرَى الدُّموعَ سُيُولا

خاتَمُ الرُّسُلِ فَقْدُهُ قَدْ شَجانا *** فَأَطالَ المُصابُ مِنَّا العَويلا

و عَرَى الخَطْبُ لِلنّفوسِ فَأَضْحَتْ *** تَأْلَفُ الوَجْدَ بُكْرةً و أَصِيلا

طُوِيتْ صَفْحَةٌ مِنَ الخَيْرِ كَانَتْ *** لِلْمُنِيبِينَ هَادِياً وَ دليلا

و تَداعَتْ لِلانْقِلاب رِجالٌ *** حِينَ راحُوا يَسْتَجْمِعُونَ الذُّحُولا(3)

أَبْعَدُوا المُرْتَضَى الوَصِيَّ عَنِ الحُكْمِ *** عِناداً وَ أَوْسَعُوهُ نُكُولا(4)

تَرَكُوا الطُّهْرَ أَحْمَداً لَمْ يُوارُوهُ *** وَ هَبوا لايَهْتَدُونَ السَّبِيلا

ص: 180


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- توارت: غابت و اختفت.
3- الذُحول: الثأر و الانتقام.
4- النكول: مفرده النِكْل و هو القيد الشديد من أيّ شيءٍ كان -حديدة اللجام- الزمام أو النكول مصدرٌ بمعنى النكوص.

وَ اسْتَضامُوا الزَّهْراءَ وَ هْيَ الَّتِي لَمْ *** يَتْرُكِ المُصْطَفَى سِواها سَلِيلا(1)

بَضْعَةٌ مِنْهُ ما رَعَوْهَا وَلكِنْ *** أَغْضَبُوها و حارَبُوا التَّنْزِيلا

جرَّعُوها مِنَ المصائب و الآلام *** أَنْواعَها فَأَبَتْ نُحُولا

فَغَدَتْ تَنْدُبُ النَّبِيَّ أَباها *** بِلِسانٍ يُبْدِي الشَّجا فُصُولا(2)

تارَةٌ عِنْدَ قَبْرِهِ تَنْثُرُ الدَّمْعَ *** غَزِيراً يَحْكِي السَّحابَ سُيولا(3)

وَ تَراها تَحْتَ الأَراكَةِ شَجُواً *** تارَةً في البَقيعِ تَبْكِي طَوِيلا

ص: 181


1- والبيتان اللذان بعده إشارة إلى ما ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص545 نقلاً عن كتاب كامل الزيارات: «... و أما ابنتك فتظلم و تحرم و يؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها و منزلها بغير إذن ثم يمسها هوان و ذل ثم لا تجد مانعاً و تطرح ما في بطنها من الضرب و تموت من ذلك الضرب...».
2- إشارة إلى ما ورد في كتاب أمالي الصدوق، ص99 ط5/ منشورات الأعلمي: «و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة منّي و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوارء الإنسية مني... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسرت جنبتها و أسقطت جنينها و هي تنادي: يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث...».
3- (والأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار ج43 ص174 ط3 مؤسسة الوفاء -بيروت: «قالت: ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها. و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أباالحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال: حباً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً وإما نهاراً. فقالت علیها السلام: يا أباالحسن علیه السلام ما أقلّ مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما بدا لك... ثم إنه علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى: بيت الأحزان».

غَيْرَ أنَّ الأقوامَ قَدْ قَطَعُوها *** قَطَعَ اللَّه مِنْ عُرَاهُمُ أصُولا

فَبَنَى المُرْتَضَى هُنالِكَ بَيْتاً *** ذاكَ بَيْتُ الأَحْزَانِ شِيدَ مَقِيلا(1)

فِيهِ تَقْضِي نَهارَها بِبُكاءٍ *** وَ تُنادِي شَجُواً أباها الرَّسُولا

وَإِذا جَنَّها الظَّلامُ وَآبَتْ *** لِفِناها عادَ البُكاءُ خَلِيلا

و بُكاءُ الزَّهْراءِ كانَ نَذِيرَ السُّخطِ *** لِلْقَوْمِ مُذْ أَضاعُوا الدَّلِيلا

فَأَرَادُوا إِسْكاتَها مُذْ عَلَيْهِمْ *** كَانَ حَقّاً ذاكَ البُكاءُ ثَقِيلا

فَعَدَوْا نَحْوَ بَيْتِها بِهُجُومِ *** وَ هُوَ بَيْتُ لِلْوَحْي كانَ نَزِيلا(2)

أَضْرَمُوا فِيهِ نارَهُمْ بِعِنادٍ *** عادَ مِنْها بابُ الهدى مَشْعُولا(3)

وَ مُذِ البَضْعَةُ الزَّكِيَّةُ وافَتْ *** نَحْوَهُمْ كَيْ تَرُومَهُمْ تَحْوِيلا

عَصَرُوها فَأَسْقَطَتْ مُحْسِناً *** في البابِ مِنْ جَوْرِهِمْ هُناكَ قَتِيلا(4)

وَ هُوتْ عند ذاكَ تَصْرُخُ يا فِضَّةُ *** قُومِي وَ اسْنُدِينِي قَلِيلا(5)

ص: 182


1- مقيلا: نوم القيلولة أي في وسط النهار.
2- لعله إشارة إلى ما جاء في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص580 ح37 ط3 مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «أنّ عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها علیها السلام».
3- إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب بحار الأنوار، ج53 ص18-19 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «...و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب... و أخذت النار في خشب الباب. و إدخال قنفذ يده (لعنه الله) يروم فتح الباب. و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إياه. و هجوم عمر و قنفذ و خالد...».
4- لعل هذه إشارة إلى ما جاء في كتاب مؤتمر علماء بغداد ص63. «... و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها...».
5- في كتاب البحار ج8 ص229: «فركلت الباب و قد ألصقت احشاءها بالباب تترسه... فقالت فاطمة علیها السلام: آه يا فضة إليك فخذيني فقد واللّه قتل ما في أحشائي من حمل وسمعتها و هي مستندة إلى الجدار... و اشتدّ بها المخاض و دخلت البيت فأسقطت سقطاً سمّاهُ عليَّ محسناً...».

واسْتَدارُوا بِالمُرْتَضَى الظهْرِ قَسْراً *** وَ أَحاطُوا بِهِ قَبِيلاً قَبِيلا(1)

و أَفاقَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ فَلَمْ تَبْصِرُ *** حِماها وَ عِزَّها المَأْمُولا

فَعَدَتْ خَلْفَهُمْ تَقُومُ وَ تَهْوِي *** وَ هُيَ تُبْدِي نِداءَها وَ العَوِيلا(2)

أَيُّها القَوْمُ لاتَفُودُوا ابْنَ عَمِّي *** وَدَعُوهُ أَوْ لاسأشْكُو الجَليلا(3)

ما رَعَوْا شَخْصَها وَ عادُوا إِلَيْهَا *** بِسِياطِ قَدْ أَوْرَثَتْها نُحُولا

وَ أَصَرَّتْ حَتَّى أعَادَتْ عَلِيّاً *** وَ غَدَتْ بَعْدَ ذاكَ تَشْكُو الرَّسُولا

يا أَبي بَعْدَكَ الصَّحَابُ تَناسَوْا *** قَدْرَنا مُذْ تَبَدَّلُوا تَبْدِيلا

غَصَبُوا حَقَّنا وَداسُوا حِمانا *** فَكَأَنْ يَطْلُبُونَ مِنَّا ذُحُولا(4)

لَوْ رَأتْ عَيْنُكَ الكَرِيمَةُ ما أَلْقَى *** اهْتِضاماً إذَنْ رأيْتَ جَلِيلا

فَإِلَيْكَ الشَّكوى إلى يَوْمِ أَلْقاكَ *** فَقَدْرِي الْقَيْتُهُ مَجْهُولا

ص: 183


1- قبيلا: قبيلة -لعله يشير إلى ما ورد في كتاب الاحتجاج ص109 ج1 ط دار النعمان تعليقات محمد باقر الخرسان: «ثم قال لقنفذ: إن خرج و إلا فاقتحم عليه، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً، فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثّروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود» إلى آخرها.
2- ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص572 منقولة عن كتاب علم اليقين في أصول الدين ص686.
3- تقدمت الإشارة إلى ذلك نقلاً عن كتاب تفسير العياشي ج2 ص67 ط المكتبة العلمية الإسلامیة/ طهران.
4- ذحولاً: انتقاماً.

(11)صبراً بني المختار

(بحر الطويل)

حسن بن علي بن جابر الهبل

مَلكْتُمُ فُؤاداً لَيْسَ يَدْخُلُهُ العَذْلُ *** فَذِكْرُ سِوَاكُمْ كُلَّمَا مَرَّ لَايَحْلُو(1)

يُؤَذِّبُنِي فِي حُبِّكُمْ كُلُّ فَارِغ *** وَلِي بِهَوَاكُمْ عَنْ مَلَامَتِهِمْ شُغْلُ

وَ مَاذَا عَسَى تُجْدِي المَلامَةُ في الهَوَى؟ *** لِمَنْ لا لَهُ فِي الحُبِّ لُبٍّ وَ لاَعَقْلُ

لَئِنْ فَرَضُوا مِنّي السُّلوَّ جَهَالَةٌ *** فَحُبُّكُمُ عِنْدِي هُوَ الفَرْضُ وَ النَّفْلُ

أَأَسْلُو وَ لاَصِبْعُ المَشِيبِ بِعَارِضِي *** يَلُوحُ وَ لاَصِبْعُ الشَّبِيبَةِ مُنْحَلُ؟

وَ لَوْ فِي سِوَاكُمُ (أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ) *** غَرَامِي لَكَانَ العَذْلُ عِنْدِي هُوَ العَدْلُ

حَمَلْتُ هَوَاكُمْ فِي زَمَانِ شَبِيبَتِي *** وَ قَدْ كُنْتُ طِفْلاً وَ الغَرَامُ بِكُمْ طِفْلُ

فَيَا عَاذِلِي فِي حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ *** رُوَيْدَكَ إِنِّي عَنْهُمُ قَطُّ لاأَسْلُو(2)

أَأَسْلُو هَوَى قَوْمٍ قَضَى بِاجْتِبَائِهِمْ *** وَ تَفْضِيلِهِمْ بَيْنَ الوَرَى العَقْلُ وَ النَّقْلُ(3)

ص: 184


1- العذل: الملامة.
2- لاأسلو عنهم: لاأنسى و لاأذهل عن ذكرهم.
3- في تفسير الدر المنثور للسيوطي/ ج5 ص199. «عن ابن عباس عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: قسّم اللّه الخلق قسمين و جعلني في أفضلهما فقال: «فأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين و أصحاب الشمال ما أصحاب الشمال» فأنّا أفضل أصحاب اليمين و قسمهم ثلاثة أقسام وجعلني في أفضلها فقال: «فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة و أصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون» فأنا أفضل السابقين... ثم قسّم الطوائف الثلاث إلى قبائل وجعلني في أفضلها فقال: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» فأنا اتقى بني آدم و أفضلهم و لاأفخر بذلك... و قسَّم القبائل إلى أسر وجعلني في أفضلها فقال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فأنا و أهل بيتي علیهم السلام معصومون من الذنب و المعصية...».

أُولئِكَ أَبْنَاءُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** فَقُلْ مَا تَشَا فِيهِمْ فَإِنَّكَ لاتَغْلُو(1)

فُروعُ تَسَامَتْ أَصْلُهَا سَيِّدُ الوَرَى *** وَ حَيْدَرَةٌ يَا حَبَّذَا الفَرْعُ وَ الأَصْلُ

تَفَانَوْا عَلَى إِظْهَارِ دِينِ أبِيهِمُ *** كِرَاماً وَ لاَجُبْنٌ لَدَيْهِمْ وَ لاَبُخْلُ

إلَى اللَّهِ أَشْكُو عُصْبَةٌ قَدْ تَحَامَلُوا *** عَلَيْهِمْ وَ دَانُوا بِالأَباطِيلِ وَ اعْتَلُوا

يَرُومُونَ إِطْفاءً لأَنْوَارِ فَضْلِهِمْ *** وَ مَا بَرِحَتْ أَنْوَارُ فَضْلِهِمُ تَعْلُو

هُمُ عَصَبُوا حَقَّ الوَصِي جَهَالَةً *** وَ مَا جَهِلُوا ما فِيهِ لكِنَّهُمْ ضَلُّوا

وَ هُمْ أَنْكَرُوا فِي شَأْنِهِ بَعْدَ أَحْمَدٍ *** مِنَ النَّصَّ أَمْراً لَيْسَ يُنْكِرُهُ العَقْلُ

وَ قَدْ نَوَّهَ (المُخْتَارُ) (طة) بِذِكْرِهِ *** وَ قَالَ لَهُمْ: هذا الخَلِيفَةُ وَ الأَهْلُ

وَ وَلاهُ فِي يَوْمِ الغَدِيرِ وِلايةً *** عَلَى الخَلْقِ طُرّاً مَا لَهُ أَبَداً عَزْلُ

وَ نَصَّ عَلَيْهِ بِالإِمَامَةِ دُونَهُمْ *** وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَصَّ لَقَدَّمَهُ الفَضْلُ

أَلَيْسَ أَخاهُ وَ المُوَاسِي بِنَفْسِهِ *** إِذَا مَا الْتَقَى يَوْمَ الوَغَى الخَيْلُ وَ الرَّجُلُ؟

أَمَا كَانَ أَدْنَاهُمْ إِلَيْهِ قَرَابَةً *** وَ أَعْظَمُهُمْ حِلْماً إِذَا زَلَّتِ النَّعْلُ؟

أَمَا كَانَ أَوْفَاهُمْ إِلَيْهِ قَرَابَةً *** وَ أَكْثَرُهُمْ عِلماً إِذا عَظُمَ الجَهْلُ؟

وَ أَفْصَحُهُمْ عِنْدَ التَّلاَحِي وَ خَيْرُهُمُ *** نَوالاً إِذَا مَا شِيمَ نَائِلُهُ الجَزْلُ(2)

يَحُجُّونَ أَنْصَارَ الإلهِ بِأَنَّنَا *** قَرَابَتُهُ مِنَا بِهِ اتَّصَلَ الحَبْلُ

وَ هَلْ كَانَتِ الأَصْحَابُ أَدْنَى قَرَابَةً *** وَ أَقْرَبَ رَحماً لَوْ عَقَلْتُمْ -أم الأَهْلُ؟

وَ هُمْ أَخَذُوا بَعْدَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** مِن (ابنتِهِ) مَا كَانَ أَنْحَلَها قَبْلُ

ص: 185


1- تغلو: تبالغ.
2- نوالاً: عطاءً، التلاحي: التلاعن و التشاؤم و التلاوم و التباغض و التنازع، شِيْمَ: ضُمِّنَ و قُدِّر. الجَزْل: العظيم.

تَمَالَوْا عَلَيْها غَاصِبينَ لِحَقِّها *** وَ قَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تُورَثَ الرُّسُلُ(1)

وَ حُكْمُهُمُ لاشَكَّ فِي ذَاكَ بَاطِلٌ *** وَ كَيْفَ يَصِحُ الفَرْعُ وَ الأَصْلُ مُخْتَلُّ؟

فَصَبْراً (بَنِي الْمُخْتَارِ) إِنَّ أَمَامَنا *** لَمَوْقِفَ عَدْلٍ عِنْدَهُ يَقَعُ الفَضْلُ

وَ عِنْدِي لِمَنْ عَادَاكُمُ نَصْلُ مِقْوَلٍ *** إِذَا مَا انْبَرَى يَوْماً يُحَاذِرُهُ النَّصْلُ

ص: 186


1- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 في حديث طويل عن عائشة: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: (لا نورث ما تركناه صدقة).

(12) أبا حسنِ علیه السلام

(بحر الطويل)

الملا حسن عبداللَّه آل جامع

أَعَيْنَي جُودا بِالدُّمُوع الهَوَاطِلِ *** لِفَقَدِ رَسُولِ اللَّهِ أَفْضَل راحِلِ(1)

نَبِيٌّ كَرِيمٌ شَرَّفَ اللَّهُ قَدْرَه *** وَ طَهَّرَهُ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ وَ بَاطِلِ

نَبِيُّ أَتَى يَدْعُو إِلَى الرُّشْدِ وَ الهُدَى *** بِخُلْقٍ عَظِيمٍ مَا لَهُ مِنْ مُمَائِل

لَقَدْ كَذَّبَتْهُ عُصْبَةُ الكُفْرِ وَ ابْتَغَتْ *** لأَفْضَلِ خَلْقِ اللهِ شَتَّى الغَوَائِلِ(2)

فَقَدْ دَحْرَجُوا تِلْكَ الدِّبَابَ عداوة *** عَلَى خَيْرِ مَبْعُوثٍ حَوَى لِلْفَضَائِلِ

وَ ذَلكَ لَمّا عَادَ مِنْ أَرْضِ مَكَةٍ *** وَ بَيَّنَ في الإِسْلامِ كُلَّ المسَائلِ

وَ قَدْ عَقَدَ المختَارُ في خُمَّ بَيعَةً *** لِحَيْدَرَةَ الكَرَارِ مُرْدِي البَوَاسِلِ(3)

وَ قَالَ: أَلاَ هَذا وَصِيّي وَ نَاصِرِي *** بمَحْضَرِ حَشْدٍ مِنْ جَمِيعِ القَبَائِلِ

بعَقْدِ وِلاهُ اكْمَلَ اللَّهُ دِينَكُمْ *** فَكُونُوا لَهُ عَوْناً بِكُلِّ المَعاضلِ

فَقَالُوا: رَضِينا بِالَّذي قُلْتَ طَاعَةً *** لأَمْرِ إِمَامٍ طَيِّبِ الذِّكْرِ عَادِلِ

فَمَا زَالَ بالثّقْلينِ يُوصِي مُبَيِّناً *** لِكُلِّ بَنِي الإِسْلامِ عَالٍ وَ سَافِلِ(4)

ص: 187


1- الهواطل: جمع هاطل و هو المطر المتتابع غائلة.
2- الغوائل: جمع و هي الداهية أو المهلكة.
3- مُرْدي: أرداه أي: قتله. عقد البيعة: أتمها.
4- جاء في صحيح مسلم، ج7 ص123 باب فضائل علي بن أبي طالب علیه السلام: عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «ألا وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله «عزوجل» هو حبل اللّه من اتبعه كان على الهدى و من تركه كان على ضلالة» ثم قال «و أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي».

أَلاَ فاحْفَظُوهُمْ لايَضِيعونَ بَيْنَكُمْ *** فَإِنْ ضُيعوا صِرْتم لأُدْنَى المَنازِلِ

فَلمّا قَضَى حَادُوا عَنِ الرُّشْدِ وَ الهُدَى *** وَ مَالُوا عَنِ الحَقِّ المُبِينِ لِبَاطِلِ(1)

قَضَى فَلَهُ الإِسْلامُ لازَالَ مُعْوِلاً *** يَنُوحُ كنَوْحِ الفَاقِدَاتِ الثَّوَاكِل(2)

وَ نَاحَ عَلَيْهِ المُرْتَضَى وَابْنَةُ الهُدَى *** و أولادها أهْلُ العُلا و الفَضَائِل

و أعْوَلَتِ الأَرْضُ البَسِيطَةُ إذْ قَضَى *** نَبِيُّ الهُدَى غَوْتُ الوَرَى و الأَرَامِلِ

وَ قَدْ بَكَتِ السَّبْعُ الطَّبَاقُ لَهُ دَماً *** وَ اثْكَلَ شَرْعَ اللَّهِ افَضَلُ رَاحِل

لَقَدْ فَقَدَ الإِسْلامُ أفْضَلَ مُرْسَلٍ *** و أَكْرَمَ مَبْعُوْثٍ أَتَى بالدّلائِلِ

قَضَى وَ عَلى الزهراءِ ظُلماً تَواثَبُوا *** وَ قَادُوا عَلِيَّ المُرْتَضَى بالحَمَائِل

لَقَدْ كَسَروا أَصْلاعَها خَلْفَ بَابِهَا *** وَ هُمْ أَسْقَطُوهَا حَمْلَها غَيْرَ كَامِلِ

وَ قَدْ عَصَبُوهَا إرْتَهَا فَانْتَنَتْ إِلَى *** عَلِيَّ تُنَادِي يَا مُبيدَ البَوَاسِل

أَبا حَسَنٍ تَرْضَى بَهَضْمِي وَ ذِلَّتِي *** وَ إِرْنِي مَغْصُوبٌ بِأَيْدِي الأَرَاذِلِ(3)(4)

ص: 188


1- حادوا: حاد عن الطريق مال عنه و عدل. في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، ج12 ص398: عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: مررت مع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بحديقة فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما أحسنها؟ قال: لك في الجنة خير منها -حتى مررت بسبع حدائق-كل ذلك أقول له و يقول: لك في الجنة خير منها قال: ثم ضربني رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و بكى فقلت: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ما يبكيك قال: ضغائن في صدور رجال عليك لن يبدوها لك للأمر بعدي فقلت: بسلامة من ديني؟ قال: نعم بسلامة من دينک...». و قد ورد في كتاب البحار، ج28 ص45: قال له: «اتق الضغائن التي لك في صدور من لايظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون ثم بكى النبي صلي الله علیه و آله و سلم فقيل: مم بكاؤك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: أخبرني جبرئيل أنهم يظلمونه و يمنعونه حقه و يقاتلونه و يقتلون ولده.
2- الثواكل: جمع ثكلى: و هي من تفقد ابنها.
3- الأراذل: جمع الأرذل و هو مستحق الاحتقار.
4- مهراق المدامع ص21.

(13) البتول الطهر علیها السلام

(بحر الوافر)

حسين بن علي العُشاري(*)(1)

أبوحَسَنٍ له القِدْحُ المُعَلَّى *** وَ قَدْرٌ فَوْقَ اوجِ النَّجْمِ عَلَّى

كَرِيمُ الأصلِ مِنْ قَوْمٍ كِرامِ *** إمامٌ زادَهُ الرَّحْمَنُ فَضْلا

هُوَ البَحْرُ المُحِيطُ بِكُلِّ عِلمٍ *** فما أصْفى مَوارِدَهُ وَ أَحْلَى

(عَلِيٌ) نَعْتُهُ في الكُتب بادٍ *** تَقِيٌّ فَضْلُهُ في النَّاسِ يُتْلَى

ص: 189


1- (*) هو حسين بن علي بن فارس العشاري البغدادي الشافعي. ولد في بغداد في سنة (1150 ه_ -1737م) من اسرة علمية دينية، فكان أبوه الشيخ علي بن حسن «ملا» و هي وظيفة من كان يمتهن تدريس العلوم الدينية من تعليم قراءة القرآن الکریم و تحفیظ للحدیث الشریف. قرأ العشاري القرآن الكريم، ثم نهل من معارف عصره في مدارس بغداد و مساجدها، فأولع بالنحو و اللغة و الأدب و الشعر. و هو يقول في ذلك: (قد كنت في إبان الشباب و أوان التحصيل و الاكتساب مشغوفاً بصناعة الأدب متقصياً عن لطائف العرب، متعلقاً من فنون الفصاحة بكل سبب أزاحم فحول الشعراء وملوك الفصحاء، فأجول معهم كل مقام و أضرب في معترك المعاني بكل حسام...) فتعمَّق بالفقه الشافعي حتى عرفه معاصروه بالشافعي الصغير. توفي أواخر سنة (1195ه_) و هو في البصرة ،قاض و تضلَّع في سائر العلوم معقولها، و منقولها و قد خمس قصيدة البردة و بعض القصائد، الفارضية و كان مشهوراً بحسن الإملاء و الإنشاء و النظم البليغ. و(عشارة) بضم العين، بلدة تقع على ضفة نهر الخابور قرب أطلال مدينة (الرحبة) القديمة، كانت تتبع في العهد العثماني لواء دير الزور من ألوية ولاية حلب، و هي منسوبة -كما تروي المصادر- إلى قوم من العرب عرفوا بالعشاريين.

أمِيرٌ للمؤمِنِينَ أبوتُرَابٍ *** وَ صَفْوَةُ هاشم فَرْعاً و أصْلا

(حَبيبُ المُصْطَفَى وَ قَدِ ارْتَضاهُ *** لفاطمةَ البَتُولِ الظهر بَعْلا)

(فكانَ المُرْتَضَى كُفُواً كَريماً *** وَ قَدْ كانَتْ لَهُ الزَّهْراءُ أَهْلا)(1)

أَميرُ النَّحْلِ يعسوبٌ غَضُوبٌ *** على الدينِ القويمِ لِمَنْ تَولّى(2)

فَسَلْ عَنْهُ القَنا و البِيْضَ أَما *** أبادَ الأَشقِيا طَعْناً و قَتْلا

وَ سَلَّ عن بابِ خَيْبَر إِذْ دَحاها *** وَ أَوْرَثَ أَهْلَها ضَعْفاً و ذُلاً

هُوَ البَطلُ الغَبُور إذا تَلاقَتْ *** جُمُوعُ الكُفْرِ وَ المِغْوارُ وَلّى(3)

فكَمْ بَطلٍ أبادَ و كُمْ شجاعٍ *** يُسقيهِ القَنا عَلاًّ و نَهْلا(4)

إذا ضَرَبَ الكرامَ بِكُلِّ سَهُمٍ *** فَإِنَّ لِمِثْلِهِ القِدَحَ المُعَلّى

بدا للأجلَح المفضال فضلٌ *** و قَدْرٌ فَوْقَ أَوْجِ النجمٍ عَلَى(5)

أَعِدْ لي ذِكْرَهُ في كُلِّ آنٍ *** فَيَا أَهْلاً بِذِكْراهُ وَسَهْلا

فَمَنْ لي أنْ أَشُمَّ ثَرَاهُ يَوْماً *** وَ اكْحَل نَاظِرِي وَ الطَّرْفُ يجلى

وَ مَنْ لي أن أرى قَبْراً مُنِيراً *** بِجانِبِهِ قَدِيمُ الوَحْي يُتْلى

وَمَنْ لي أن أقابِلَهُ بِذُلٍّ *** وَ مَدْمَعُ مُقْلَتي يَزْدادُ هَطْلا

دَخِيلٌ يا هُداةَ الخَلْقِ إِنِّي *** ذَلِيلاً جِئتُكُمْ وَ الذُّلُّ أولى

ص: 190


1- تقدمت تفاصيل ذلك في هوامش عدة و سيأتي المزيد و حيث إن أكثر القصيدة في الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام لم نتوقف عندها مفصلاً.
2- يعسوب: أمير النحل الرئيس الكبير.
3- المغوار: المقدام الكثير الغارة.
4- عَلاً: شرباً ثانياً أو تباعاً، نهلاً: شربا أولاً.
5- الأجلح: صفة للإمام علي علیه السلام. و الجلح -محرَّكة- انحسار الشعر عن جانبي الرأس و قيل ذهابه عن مقدمة الرأس. كتاب تاج العروس ج6 ، ص342 ط الكويت.

صلوني وَ اجْبُروا كَسْرِي وَ داوُوا *** جِراحَ القَلْبِ إِنَّ العُمْرَ وَلّى

بجاهِكُمُ رَفَعْتُ الوِزْرَ عَنّي *** فَلم أَسْطِعْ لذاكَ الوِزْرِ حَمْلا

فَكَيْفَ يُضامُ مادِحُكُمْ وَ أَنْتُمْ *** نَبِيَّكُمُ عَلَيْهِ اللَّهُ صَلَّى؟

بِجاءِ حُسَيْنِكُمْ داوُوا حُسَيْناً *** فَتًى أَضْحَى لَكُمْ عَبْداً وَ مَوْلَى(1)

ص: 191


1- ديوان العشاري، ص429.

(14) رزع البتول

(بحر المنسرح)

الشيخ حمزة البصير(*)(1)

لم يُشْجِني ذِكْرُ جِيرَةِ رَحَلُوا *** عَنِّي وما وَدَّعُوا مُذِ ارْتَحَلُوا

كَلاً و لاأَرْبُعٌ هُناكَ غَدَتْ *** مِنْ ساكنيها قَفْرى وَ لاطَلَلُ(2)

لكنْ شَجاني رُزُءُ البَتُولِ وَ ما *** جَنَتْ عليها الأَوْصابُ وَ العِلَلُ(3)

فيا لِخَطبٍ تَبْكِي السماءُ له *** دَماً وَ جُرْح هَيْهاتَ يَنْدَمِلُ(4)

ص: 192


1- (*) هو الشيخ حمزة بن ناصر الحلي، الشهير بالبصير، من أهالي (العذار) من نواحي الحلة في العراق. ذكره الشيخ النقدي في (الروض النضير) فقال: كان شاعراً أديباً أخذ عنه العلم جماعة من شعراء الحلة و تأدَّب عليه قسم كبير منهم، و له مراث و مدائح في أهل البيت بأوزان مختلفة. و كان مقلّاً في النظم يقضي أكثر أوقاته خارج الحلة في رساتيقها و قراها الجنوبية و هي التي يطلق عليها اسم (العذار) و كان أصله منها توفي فيها في حوالي سنة (1297ه_). و بوفاته خسر الأدب واحداً من أعلامه الكبار و خسر العالم نجماً من نجومه النيرات.
2- أَرْبُع: مفرده الرَّبْع و هو الدار أو ما حول الدار أو المحلة -أو المنزلة- أو جماعة من الناس قفرى خالية من الناس و الماء و الكلاء.
3- الأوصاب: مفرده الوَصَبْ و هو المرض و الوجع الدائم و نحول الجسم و قد يُطلق على التعب و الفتور في البدن. و في البيت إشارة إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام من الأحزان و العلل بسبب وفاة والدها و جناية القوم عليها. انظر كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص362 و كتاب بحار الأنوار ج43 ص 177 وص195. و كتاب رحلة ابن جبير ص174. و يمكن أن تكون التخريجات في القصائد السابقة كلها مصاديق لهذا البيت فمن غصبهم فدك إلى هجومهم على الدار و ضربها وكسر ضلعها و لطمها على خدها و غيره.
4- يندمل الجرح: يتماثل و يتراجع إلى البرء.

كأنَّني مُذْ قَضَى النَّبِيُّ أَرَى *** عَلَى بَنِيهِ قَدْ ضَاقَتِ السُّبُلُ

تَظاهَرَتْ في حُقودِها نَفَرٌ *** وَ عَنْ وَصِيَّ الرَّسُولِ قَدْ عَدَلُوا

يَبْغُونَ هَدْمَ الذي بناه فلا *** بُلّتْ بِيَوْمِ الظَّمَا لَهُمْ غُلَلُ(1)

وَ سَوْت للَّهِ يَرْجِعُونَ غداً *** وَ اللَّهُ يَجْزِيهِمُ بما عَمِلُوا

و ختمها بقوله:

سيّدتي يا بُنَةَ النَّبِيِّ وَ مَنْ *** حُبَّكِ عِنْدَ الباري هُوَ العَملُ(2)

وَ إنّني (حمزةُ) المُسيءُ غداً *** أنتِ رَجائي و أنتِ لي أَمَلُ

فاستنْقِذْيني مِنَ الذُّنوبِ ففي *** حُبّكِ للمَرْءِ يُغْفَرُ الزَّلَلُ

صلّى عليكِ اللَّهُ المُهَيْمِنُ ما *** رَغَتْ بطلابِ نيلِكُمْ إِبِلُ(3)

ص: 193


1- غُلَل: جمع الغُلّة و هي العطش الشديد.
2- ورد في كون برّ فاطمة علیها السلام خير العمل في كتاب البحار/ ج43 ص91: سئل الإمام الصادق علیه السلام عن معنى قوله «حي على خير العمل» فقال: «خير العمل هو بر فاطمة علیها السلام و ولدها علیهما السلام». أي أن العمل الذي ترضاه فاطمة علیها السلام و ترتاح له إنما هو خير العمل... و فاطمة علیها السلام لايريحها شيء مثل الإيمان و العمل الصالح من أجل إنعاش المحرومين و المعذبين ضد الظالمين و الطغاة... و الجهر بقول الحق و كلمة الحق... و أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام جائر.
3- رَغت الإبل: صَوَّتت و ضَجّتْ.

(15) أيا موت ما أشجاك

(بحر الطويل)

الأستاذ زين العابدين الحكيم

(ألا أَيُّها المَوْتُ الذي لَيْسَ تارِكي *** أَرِحْني فَقَدْ أَفنَيْتَ كُلَّ خَلِيلِ)

(أراكَ خَبِيراً بالذينَ أُحِبُّهُمْ *** كَأَنَّكَ تَسْعَى نَحوَهُمْ بِدَلِيلِ)(1)

كَأَنَّكَ جَاتٍ فَوْقَ صَدْرِي مُوكَلٌ *** بِقَطْعِ فُرُوعِي وَ اجتِئاتِ أُصُولي(2)

تُراقِبُها حَتَّى إِذا ما تَكَوَّرَتْ *** كُرُومِي وَ احْمَرَّتْ عُذُوقُ نَخِيلِي(3)

وَ حتّى إذا ما أَنْضَجَتْها مَدامِعِي *** وَ حُرْقَةُ آهاتِي وَ لَذْعُ غَلِيلِي

هَوَيْتَ عَلَى قَلْبِي تُبَضْعُ حُبَّهُ *** بِسَيْفِ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ صَقِيلِ(4)

أيا مَوْتُ ما أشجاك لاهِبُ أضْلَعِي *** وَ سُهْدِي وَ جارِي أَدْمُعِي و ذُهُولِي؟(5)

خَطَفْتَ حَبِيبِي أَحْمَداً ثُمَّ عُدْتَ لي *** لِنَخْتَلِسَ الزَّهْراءَ بَعْدَ قَلِيلِ(6)

ص: 194


1- البيتان الأولان من الشعر المنسوب للإمام علي علیه السلام.
2- الاجتثاث: هو قلع الشيء من الأصول.
3- تكوَّرت: هنا بمعنى: سَقَطتْ، و كوَّرَ الشَّيْءَ: لقَّهُ و أَداره و كور الحساب: جمع بعضه إلى بعض؛ و كُوِّرت الشمس: جُمِعَ ضوؤها و لُفَّتْ كما تُلف العمامة، و قيل: اضمحلَت وَ ذهبتْ. كرومي: الكروم جمع كرم و هو العنب. عذوق: قطوف النخل.
4- صقيل: حادَّ.
5- ما أشجاك: ما أحزنك شهدي سهري و تعبي.
6- و الأبيات التي تليه لعلها إشارة إلى الرواية المذكورة في كتاب الكافي، ج1 ص458 ج3. «...لما قبضت فاطمة علیها السلام دفنها أميرالمؤمنين علیه السلام سِرّاً و عفى على موضع قبرها ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ثم قال: السلام عليك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عنّي والسلام عن ابنتك و زائرتك و البائتة في الثرى ببقعتك و المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عن صفيّتك صبري و عفا عن سيدة نساء العالمين علیها السلام تجلّدي إلا التأسي أن في لي بسنتك في فرقتك موضع تعزّ فلقد وسَّدتك في ملحودة قبرك وفاضت نفسك بين نحري و صدري: بل و في كتاب الله لي أنعم القبول: إنا للّه وإنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة و اختلست الزهراء علیها السلام فما أقبح الخضراء و الغبراء. يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أما حزني فسرمد و أمّا ليلي فمسهد و هم لايبرح من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كحد مقيّح و هم مهيج سرعان ما فرّق بيننا و إلى الله أشكو و ستنبئك ابنتك بتظافر على هضمها فاحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من عليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بلّهِ سبيلا و ستقول و يحكم الله و هو خير الحاكمين...». انظر: کتاب بحارالأنوار، ج3 ص193 و المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص364، و كشف الغمة ج2 ص132.

وَ كُنْتُ إذا ما اشْتَقْتُ رُؤْيَةَ أَحْمَدٍ *** وَ تَاقَتْ إِلى وَصْلِ الحَبِيبِ طُلُولي(1)

أَرَتْنِيهِ في تَبْتِيلِها وَ خُشُوعِها *** وَ أَذْكَرَنِي تَرْتِيلُها بِخَلِيلِي

فَضُمَّ أَبا الزَّهراءِ زَهْرَتَكَ الَّتي *** غَرَسْتَ مَشوباً غُصْنُها بِذُبُولِ

وَسَلْهَا تُجِبْكَ «الآهُ» عَنْ كُلِّ صَرْخَةٍ *** بَأَحْشائِها مَخنُوقَةٍ وَ عَوِيل

وَ أَلحِفْ فَكَمْ مِن حُرْقَةٍ بِفُؤادِهَا *** مُخَبَّأَةٍ لم تُبْدِها وَ غَلِيلِ

وعُدَّ رَسُولَ اللَّهِ أَصْلاعَ صَدْرِهَا *** وَ أَرفِقْ فَمَكسُورٌ بِجَنْبِ عَلِيلِ

وَ أَمْرِرْ عَلَى الْمَثْنَيْنِ كَفَّيْكَ مَاسِحاً *** سَوَادَةَ حِقد فاحم وذُحُولِ(2)

وَأطْفِي بِطَرْفَيْها الجريحَيْنِ جَمْرَةً *** بِطِيبٍ مِنَ الشَّعَرِ الرَّحِيمِ جَمِيلِ

ص: 195


1- طلولي: الأطلال و الطُلُول: الموضع المرتفع، و الشاخص من الآثار، و يُقالُ «تَطالَلْتُ له» أي مَدَدْت عُنُقي أنظر إليه من بعد إستَطَلَّ عليهِ: اشرف كتاب أَطلَّ الزمان: قَرُب تَطالَ: مَدَّ عُنقَهُ ينظر إلى الشيء البعيد.
2- و قد ورد في كتاب البحار ج43 ص198: (... فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها...).

(16) يالثارات البتول

(بحر الرمل)

السید سعئ النجاوی

(ندبة للحجة في طلب ثأر الزهراء علیها السلام):

أيَّها المهديُّ مِنْ آلِ الرسولْ *** قُمْ ونادِ يالثارات البَتولْ

***

سيّدي قَد طالَ لَيل الانتظارْ *** فَمتى تُشرقُ شَمسُ الانتصارْ

نَحنُ ندعوكَ لِتطبيقِ الشعارْ *** هكذا الفتيَانُ تدعو و الكهول

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

مَنْ يُداعي بذِحول الأنبياءْ *** وَ بضلعِ الطُّهرِ منْ خيرِ النساءْ

لكَ نحرٌ نازفٌ في كربلاءْ *** ما عسانا أيُّها المهديْ نقولْ

قُمْ ونادِ يالثارات البتولْ

***

فاطمٌ تَدعوكَ في أشجى خِطابْ *** فمتى للثأرَ تَنسّلُ الحِرابْ

هل سَنبقى نحتسي كأسَ العَذَابْ *** لَيلُنا رُحماكَ قد أرخى السِدولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

ص: 196

لَكَ ضِلع سيدي قَدْ كَسَروهْ *** لكَ صدرٌ بالخيول سَحقوهْ

لكَ طِفلٌ بنبالٍ فَطَموهْ *** لكَ بدرٌ غابَ في برجِ الأفولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

أنَّ كَسرَ الضلعِ لا لَنْ ينجَبرْ *** بسوى سيفِ عزيزِ مُقتَدرْ

سيدي ندعوكَ هلاتنتصر *** مسّنا الضُّرُ تَعَشانا الذُّبُولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

أنّ دعواها ستبقى قائمهْ *** و على الشيخينِ تَدعو ناقِمهْ

أيّ ضلع كسروا من فاطمه *** ذاك في الزندين جرح لن يزول

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

أينَ قَبرُ الطُهرِيا خَيرَخَلَفْ *** قَولُ إفكٍ فيهِ قالوا و سَخَفْ

دُلَنا عَنهُ يقولون انكشفْ *** هذه دعواهمُ ماذا تقولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

بينَ شكٍ و ارتيابٍ وَ جَفا *** يَزعُمُونَ الودّ لكنْ جَحفا

بانفتاحٍ و حوارٍ کَشَفا *** ذلك الزيفَ الذي جَنَّ العُقولُ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

فتنَةٌ فيها أُناسٌ فُتِنوا *** و بكسرِ الضلعِ لا لَنْ يوقنوا

ص: 197

كم بسقط المحسنِ قد داهنوا *** أفتِنا نحنُ اختلفنا في الأصولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

لاتَلْمني بل اجرني وانتقمْ *** إنّ دين اللَّهِ فيكمْ يستَقمْ

قَبسٌ من نارِ وجدٍ تَضطرمْ *** لا و لَنْ يُطفتُها دمعٌ هطولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

سيدي ما آنَ للقلبِ الجريحْ *** أنْ يرى خَلفَكَ يأتمُّ المَسيحْ

و تنادي يالثاراتِ الذبيحْ *** فمتى يومُ القصاصِ بالنُصولْ

قُمْ ونادِ يالثاراتِ البتولْ

***

ص: 198

(17) شاكية الفؤاد

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(*)(1)

وَ تَرَعْرَعَ الغُصْنُ الرَّطِيبُ بَدَوْحَةٍ *** نَبَوَّيَةٍ كانَتْ حُلاً وجَمالا

يَنْمُو وَ يَنْهَلُ مِنْ مَعِينٍ مُحَمَّدٍ *** ماءَ النُّبُوَّةِ صافياً سَلسالا

وَ يَعْبُّ من شَفَتَيْهِ عِلْماً خالصاً *** فِيهِ الحنانُ مِنَ البلاغَةِ سالا(2)

وَ يَضُمُّهُ تَحْتَ الكِساءِ كَأَنَّهُ *** أَسَدٌ يَضُمُّ بِعَطْفِهِ الأَشبالا

رَيْحَانَتاهُ وَ فاطِمٌ وَ المُرْتَضَى *** كانُوا لَهُ دونَ الأَنامِ عِيالا(3)

فِيهِمْ يُباهِلُ مَنْ يَجِيءُ مُباهِلاً *** وَ بِهِمْ يُجادِلُ مَنْ أرادَ جِدالا(4)

وَ يُحِبُّهمْ وَ يُحِبُّ مَنْ فِي حُبِّهِمْ *** زَرَعَ القُلوبَ وَ أَنْبَتَ الآمالا(5)

ص: 199


1- (*) و قد تقدمت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يغبّ: يشرب يوماً و يوماً لم يشرب.
3- روى الطبري في كتاب ذخائر العقبى ط/ مؤسسة الوفاء -بيروت (1981م): «والبيت الذي يليه» ص25. «لما نزل قوله «تعالى»: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» الآية. دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هؤلاء الأربعة -وعن أبي سعيد لما نزلت هذه الآية «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» الآية. دعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علياً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام و قال: اللهم هؤلاء أهلي...».
4- يباهل: يلاعن و هو إشارة إلى آية المباهلة و هي: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ» راجع كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1، ص244.
5- جاء في كتاب كنز العمال، ج12 ص100 ح34180 ط مؤسسة الرسالة (1979م) بيروت. رواية قريبة من هذا المعنى عن علي بن موسى الرضا علیه السلام عن علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة المكرّم لذريتي و القاضي لهم حوائجهم و الساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه و المحب لهم بقلبه و لسانهم».

وَ يَقولُ إنّي تاركُ الثَّقَلَيْنِ مِنْ *** بَعْدِي وَ كَمْ أَوْصى بِذاكَ و قالا

هَذا كِتابُ اللَّهِ في آياتِهِ *** هَدْيٌ يُزِيلُ عَنِ القُلوبِ ضَلالا

وَ تَمَسَّكُوا في هَدِيهِ وكَمالهِ *** إِذْ باتَ للدِّينِ الحَنِيفِ كَمالا

وَ بِأَهْلِ بَيْتي عِشْرَتي وَ وَلاؤهُم ** عَنْكُمْ يَرُدُّ الكَيْدَ وَ الأهوالا

وَ تُوفّي الهادِي وَ راحَ لِرَبِّهِ *** وَ اخْتارَهُ سُبْحَانَهُ و تَعالى

وَ تَأَلَّم الحَسَنُ الزَّكِيُّ لِفَقْدِهِ *** وَ الحُزنُ مَدَّ عَلَى الجُنونِ ظِلالا

وَ رَأَى مَدامِعَ أُمِّهِ وَ بُكاءَها *** في مَشْهَدٍ قَدْ قَطَّعَ الأَوْصالا(1)

تَبْكِي عَلَى فَقَدِ النَّبِيِّ وَما رَأَتْ *** مِنْ بَعْدِهِ وَ الجَوْرُ صالَ وَجَالا(2)

وَ تَرُوحُ شاكِيَةَ الفُؤادِ لِقَبْرِهِ *** وَ الدَّمْعُ بَيْنَ جُفُونِها يَتلالا(3)

ص: 200


1- الأوصال: مفرده الوصل بكسر الواو أو ضمّها بمعنى كل عضو على حِدَة.الأوصال: مفرده الوصل بكسر الواو أو ضمّها بمعنى كل عضو على حِدَة.
2- في كتاب روضة الواعظين للنيسابوري ط1 (1986م) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات: «و روي أن فاطمة علیها السلام لازالت بعد النبي صلي الله علیه و آله و سلم معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن من المصيبة بموت النبي صلي الله علیه و آله و سلم و هي مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كتيبة حزينة باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة في كل ساعة و حين تذكره و تذكر الساعات التي كان يدخل فيها عليها فيعظم حزنها...».
3- جاء في كتاب الأمالي للشيخ المفيد ص40 ح8 ط المطبعة الإسلامية/ منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية/ قم المقدسة رواية تؤكد المعنى: «عن زينب بنت علي بن أبي طالب علیها السلام قالت: لما اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة علیها السلام الفلك و العوالي و أيست من إجابته لها، عدلت إلى قبر أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فألقت نفسها عليه و شكت إليه ما فعله القوم بها و بكت حتى بلت تربته بدموعها و ندبته، ثم قالت في آخر ندبتها: «قد كان بعدك أنباء و هنبئة *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنّا فقد ناك فقد الأرض وابلها *** و اختلَ قومك فاشهدهم و لاتغب قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا *** فغبت عنّا و كل الخير محتجب فكنت بدراً و نوراً يستضاء به *** عليك ينزل من ذي العزّةِ الكتب تجهّمتنا رجال واستخفَّ بنا *** بعد النبي و كلّ الخير مغتصب سيعلم المتولي ظلم حامّتنا *** يوم القيامة أنّى سوف ينقلب فقد لقينا الذي لم يلقه أحد *** من البرية لاعجم و لاعرب فسوف نبكيك ما عشنا و ما بقيت *** لنا العيون بتهمال له سكب»

حَزِنَتْ عَلَيْهِ لَيْلَها وَ نَهارَها(1) *** حُزناً دعاها بالنُّحول خَيالا(2)

و رأَى تَجَرُّعَها مَرَارَةَ ظُلْمِ مَنْ *** أَمْسَى على جزمانها يَتوالي

وَ ذُوتُ مِنَ الأَحْزانِ زَهْرَةُ عُمْرِها *** وَ المَوْتُ أَوْدَعَ في التُّرَابِ هِلالا

وَبَكَى عَلَيْهَا المُجْتَبى وَدُموعُهُ *** سالَتْ وَ أَضْحَى جِفْنُهُ سَيَّالا

وَ رَأَى الصَّحابَةُ غير ما كانُوا لَهُ *** قَبْلاً وَ عَنْهُ غَيَّرُوا الأَحْوالا

وَ رَأَى وَصِيَّةَ جَدْهِ قَدْ أُهْمِلَتْ *** فِيهِ وَ عاينَ بَعْدَهُ الإهْمالا

وَ رأَى أباهُ في صراعٍ دائمٍ *** ما بَيْنَ مُجْتَمِع أَحَبَّ المالا

وَ الحَقُّ باتَ مُغيَّباً إذ لم يَجِدْ *** مِنْ حَوْلِهِ رَغْمَ الرِّجالِ رِجالا

هِذِي الحَوادِثُ مَرَّفِيها المُجْتَبى *** وَ بِنَفْسِهِ قَدْ أَحْدَثَتْ زِلْزالا

عادَتْ بِهِ الذِّكْرَى لِقَوْلِ المُصْطَفَى *** وَ حَنانِهِ إِذْ لَمْ يَجِدْ إِجْلالا

ص: 201


1- في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص174 (15) ط3 مؤسسة الوفاء بيروت: «... ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلاأحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً فقال: حباً و كرامة. فأقبل أميرالمؤمنين علیه السلام حتى دخل على فاطمة علیها السلام و هي تفيق من البكاء و لاينفع فيها العزاء فلما رأته سكنت هنيئة له فقال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنَّ شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إما أن تبكين أباك ليلاً و إما نهاراً. فقالت علیها السلام: يا أبا الحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لما بدا لك. ثم إنه علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى: بيت الأحزان».
2- لعل إشارة إلى الرواية الواردة في كتاب مستدرك الوسائل، ج1 ص13. «كيف أحمل و قد صرت كالخيال و جف جلدي على عظمي؟».

مَنْ ذا سِوَى الحَسَنَيْنِ أَعْطَى بَيْعَةً *** لِلْمُصْطَفَى وَلَهُ الهُدَى قَدْ مالا؟

رَغْمَ الطُّفُولَة مِنْهُما صَحَّتْ و مَا *** كانا بِعَيْنِ المُصْطَفَى أَطْفالا

وَ رآهما يَتَصرفانِ بِحِكْمَةٍ *** قَدْ ضَارَعَتْ حِكَمَ الرِّجالِ فِعالا(1)(2)

ص: 202


1- ضارعت: شابهت -أو قيل إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بايع الحسن و الحسين علیهما السلام و عبدالله بن جعفر و هم صغار و لم يبايع صغيراً إلا هم راجع العقد الفريد ج4، ص384.
2- كتاب الإمامان علي و الحسن علیهما السلام ص95.

(18) زهراء علیها السلام نور عيني

(مجزوء) الرّمل)

الأستاذ سلمان الربيعي(*)(1)

زَهْراءُ نُورُ عَیْنِي *** يا نُورَ كُلِّ عَيْنِ

بَضْعَةُ الهادِي البَتُولْ *** هکَذا قَالَ الرَّسُولْ

***

نَزَلَ الوَحْيُ بَشِيراً *** كَيْ يُهَنِّي اليَوْمَ طة

بالّتي نُورُ الثُرَيّا *** كانَ وَهْجاً مِن ضِياها(2)

مَوْلِدُ الزَّهْراءِ عِيدٌ *** لابْنَةٍ سَرَّتْ أباها

بُشراكَ يا مُوالي *** لابْنَةِ سَرَّتْ أَباها

حِينَ والَيْتَ البَتُولْ *** هكذا قالَ الرَّسُولْ

***

إِنَّ لِلزَّهْراءِ شَأناً *** و لَها القُرْآنُ يَشْهَدْ

فَهْيَ جُزْءٌ من أبيها *** وَ هْيَ أُمّ لمحمدْ

حُبُّها في الحَشرِ فَوْزٌ *** للّذي و الی وَ وَحَّدْ

و النارُ في المَعادِ *** تَشْتَدَّ للمُهادي

ص: 203


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الثريا: مجموعة كواكب في عنق الثور سميت بذلك لكثرة كواكبها. و يشير الشاعر في أنها مشكاة فيها مصباح.

بئسَ مَنْ آذى البَتُولْ *** هكذا قالَ الرَّسُولْ

***

بَعْلُها خَيْرُ الرِّجالِ *** وَ هْيَ عُنْوانُ النّساءْ

حَسْبُها أنَّ أباها *** شافِعٌ يَوْمَ الجَزاءْ

حَسْبُها أَنَّ حُسَيْناً *** في الوَرى رَمْزَ الإباءْ

لولاهُ ما وَجَدْنا *** لِلعزَّ أيَّ مَعْنَي

هوذا نَجْلُ البَتُولْ *** هکذا قالَ الرَّسُولْ

***

إنّما الزّهراءُ وَصْلُ *** بَيْنَ طهَ و الإمامَهْ(1)

وَ هْيَ مَنْ في الكَوْنِ يُرْجَى *** عَظفُها يَوْمَ القِيامَهْ

إِنَّها لَولا بَنُوها *** لَيْس لِلْمَرْءِ كَرامَهْ

سُبْحانَ مَنْ بَراها *** مِنْ نُوْرٍ وَ اصْطَفاها

فَهْيَ مصْباحُ العُقُولْ *** هَكذا قال الرَّسُولْ

***

ص: 204


1- في كتاب الأمالي للصدوق، ص457 عن الإمام الصادق علیه السلام أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لخديجة علیها السلام: يا خديجة علیها السلام هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن اللّه «تبارك و تعالى» سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه. كما جاء في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني؛ ج2 ص39 يقول: ومن ناسكات الأصفياء و صفيات الأتقياء فاطمة علیها السلام السيدة البتول... البضعة الشبيهة بالرسول صلى الله عليه و آله و سلم... أَلوطُ أولاده بقلبه لصوقاً... و أولهم بعد وفاته به لحوقاً... كانت عن الدنيا و متعتها عازفة... و بغوامض عيوب الدنيا و آفاتها عارفة. و في كتاب أهل البيت علیهم السلام لتوفيق أبوعلم ؛ ص132-133 كانت علیها السلام كريمة الخليقة... شريفة الملكة... نبيلة النفس... جليلة الحس... سريعة الفهم... مرهفة الذهن... جزلة المروءة... غرّاء المكارم... فيّاحة نفّاحة... جريئة الصدر... جريئة الصدر... رابطة الجأش... حميّة الأنف... نائية من مذاهب العجب. و كانت في الذروة العالية من العفاف و التصادق... طاهرة الذيل... عفيفة المئزر... عفيفة الطرف... إنها سليلة شرف لامنازع لها فيه من واحدة من بنات حواء فمن تراه... و اكتفائها بشرفها كأنها في عزلة بين أبناء آدم و حواء».

أَوْدَعَ الباري تعالى *** سِرَّ كُلِّ الخَلْقِ فِيها

غَيْرَ أنَّ القَوْمَ بُغْضاً *** خالفوا نَهجَ أييها

وَ بِيَوْمِ الطَّفْ حِقْداً *** جَزَّرُوا كُلَّ بَنِیها(1)

واللَّة بالمرصادِ *** لِلْقَوْمِ في المَعادِ

وَيْلُهُمْ سَوْفَ يَطولْ *** هكذا قال الرَّسُولْ

***

خَصّها البارِي تَعَالى *** بالكراماتِ الكَثِيرهْ

فَلِذا كانَتْ بِحَقِّ *** لِلنِّسا طُرّاً أمِيرهْ

کَمْ لها بالفضلِ تَحْكِي *** في كتابِ اللَّهِ سُورَهْ

قدْخابَ كُلُّ شانِي *** في السِّرِّ وَ الإِعْلانِ(2)

يَوْمَ مِيلادِ البَتُولْ *** هكذا قالَ الرَّسُولْ(3)

***

ص: 205


1- جزَروا: نحروا.
2- شانیء: مبغض.
3- كتاب قلائد الإنشاد ص471.

(19) لست أنسى البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ سلمان نوح(*)(1)

ذهَبَ الشَّيْبُ بِالشَّبابِ وَ وَلَّى *** وَ القُوَى قَدْ وَهَتْ بِضَعْفٍ أَطَلاَ(2)

فَأَفِقْ وَ اتَّخِذ لِيَوْمٍ مَعَادٍ *** حُبَّ آلِ النَّبِيَّ كَهفاً أَظلاً

سادَةٌ قادةٌ هُداةٌ حُماةٌ *** طَبَّقُوا الكائناتِ جُوداً و فَضْلاً

ص: 206


1- (*) اهو الخطيب الشيخ سلمان ابن الشيخ داود ابن الشيخ سلمان بن نوح. ولد في الحلة عام (1265ه_) تقريباً، ترعرع فيها و هاجر إلى الكاظمية سنة (1280ه_) و هو ابن خمس عشرة سنة، بمعية عمه الشاعر الشيخ حمادي بن سلمان بن نوح، و كان هو المرَّبي له، فتربَّى في بيته أحسن تربية و كانت دراسته الأدبية على يده. و نشأ أديباً خطيباً حتى اشتهر بالخطابة، فأحبَّه أهل الكاظمية و طلبوا منه الاقامة في بلدهم فلبى الطلب، و أقام فيها مبجلاً و محترماً عند مختلف طبقاتهم عند مختلف طبقاتهم لما كان يتحلى به من أدب جم و فضل غزير و استقامة في الأخلاق، حيث كان و رعاً تقياً، فأصبح أول خطيب في بلده، و السبب في شهرته أن خطباء عصره كانوا لايرقون المنبر إلّا و بيد أحدهم كتاب (روضة الشهداء) ولكن المترجَم له و لعظم ذاكرته انفرد بالخطابة من غير كتاب فلذلك حصلت له الميزة و التفوق على أقرانه مثل الخطيب الكبير الشيخ كاظم سبتي. وكانت بعض الحقوق تأتي إليه من بغداد و هو يوزعها حسب معرفته على المعوزين و يصرفها في موارد صرف الحقوق. و قد اتصل المترجم له بالمرحوم السيد علي عطيفة الحسيني و هو من أفاضل الكاظمية في عصره فصاهره على إحدى كرائمه و أخذ منه دروس الفقه والأصول، و أما دروس النحو و الصرف و المعاني و البيان فأخذها عن العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين. وافاه الأجل و هو في سن الكهولة سنة (1308ه_) و حُمل جثمانه إلى النجف الأشرف و دفن فيها و عمره 43 سنة. أعقب عدة أولاد أشهرهم الأديب البارع الشيخ كاظم نوح خطيب الكاظمية.
2- وَهَتْ: سقطتْ. بليت ضعفت أطلّ أشرف. قرب -غلب.

طَوْعُ أَيْدِيهِمُ القضَا لَيْتَ شِعْرِي *** كَيْفَ حَلَّ القَضا بِهِمْ وَ اسْتَقَلاً

كُلُّ مَنْ في الوُجُودِ دُونَ عُلاهُمْ *** فَهُمُ الطَّيِّبُونَ فَرْعاً وَ أَصْلا

عَجَباً لِلزَّمَانِ أَخْنَى عَلَيْهِمْ *** وَرَمَاهُمْ بِكُلِّ دَهْياءَ جُلّى(1)

فَقَضَى المُصْطَفَى وَ في القَلْب وَجْدٌ *** مِنْ عُتاةٍ قَدْ أَضْمَرُوا الغَدْرَ قَبْلا

فَعَدَوْا بَعْدَهُ على آلِهِ الغُرُ *** وَ سامُوهُمْ هَواناً و ذُلاً

إنْ تَكُنْ آمَنَتْ فَماذا عَلَيْها *** لَوْ رَعَتْ لِلنَّبِيِّ بَيْتاً وَ أَهْلا؟

أَحْرَقُوا بَيْتَهُ وَآذوا بَنِيهِ *** أَتُرَى الجَوْرَ كَانَ قِسْطاً وَ عَدْلا؟(2)

لَسْتُ أَنْسَى البَتُولَ تَطْلُبُ إِرْثاً *** وَ كِتابُ الرَّحْمَنِ يَنْطِقُ فَضْلا(3)

فانْثَنَتْ وَ الشَّجونُ مِلْءُ حَشاها *** وَ هُيَ تَدْعُو عَزَّ المَجِيرُ وَقَلاً

لَمْ تَزَلْ بَعْدَ ذاكَ حَتَّى حَباها *** رَبُّها المَنْزِلَ الرَّفِيعَ الأَجَلَا(4)

ص: 207


1- أخنى: أطال عليهم الزمان وطال -أهلكهم- جار عليهم و غدر بهم دهياء: النائبة الشديدة.
2- لعله إشارة إلى ما جاء في كتاب بحار الأنوار، ج53 ص14-18 ط مؤسسة الوفاء: «عن المفضل بن عمر قال: سألت سيدي الصادق علیه السلام: هل للمأمور المنتظر المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف من وقت موقت يعلمه الناس؟ فقال:... وَ ضَرْب سلمان الفارسي وَ إشعال النار على باب أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام لإحراقهم بها و ضرب الصديقة الكبرى فاطمة علیها السلام بالسوط و رفس بطنها وإسقاطها محسنا ... و جمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة وإضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها لهم من وراء الباب و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله و على رسوله صلي الله علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا و تفنيه و تطفىء نور اللّه واللّه متم نوره...».
3- (و البيت الذي يليه) ربما يشير إلى خطبة الزهراء علیها السلام في مسجد الرسول كما ورد في كتاب الاحتجاج ، ج1 ص131-145.
4- لعله إشارة إلى ما جاء في كتاب صحيح مسلم، ج4 ص31-54 الطبعة الأولى/ مؤسسة عز الدين/ بيروت.

وَقَضَتْ نَحْبَها وَ أَوْصَتْ عَلِيّاً *** أنْ يُعَنِّي رَسْماً لها وَ مَحَلا(1)(2)

ص: 208


1- جاء في كتاب أمالي الشيخ المفيد ص281 ح7 ط جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة: «عن علي بن الحسين علیه السلام عن أبيه الحسين علیه السلام قال: لما مرضت فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم وصت إلى علي بن أبي طالب علیه السلام أن يكتم أمرها و يخفي خبرها. و لايؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك و كان يمرضها بنفسه و تعينه على ذلك أسماء بنت عميس (رحمها الله) على استسرار بذلك كما وصت به فلما حضرتها الوفاة وضت أميرالمؤمنين علیه السلام أن يتولى أمرها و يدفنها ليلاً و يعفى قبرها فتولّى ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام و دفنها و عفى موضع قبرها...».
2- نقل من كتاب البابليات ج2 ص188.

(20) سوف تأتي الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الصاحب بن عباد(*)(1)

ص: 209


1- (*)الصاحب بن عباد هو إسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن أحمد بن إدريس الديلمي الطالقاني القزويني. ولد في طالقان من توابع قزوين في 16 ذي القعدة سنة 326ه_، و هو أول من لقّب بالصاحب لأنه كان يصحب ابن العميد فقيل له صاحب ابن العميد، ثم أطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة، و بقي معلَماً له، و قد شغل منصب الوزارة ثماني عشرة سنة و شهراً. و قد وزر أولاً لمؤيد الدولة ابن ركن الدولة بن بويه ابن العميد. فلما توفي مؤيد الدولة تولى مكانه أخوه فخر الدولة فاقر الصاحب على وزارته. وقيل عنه: نادرة الزمان و شقائق النعمان و كان أعجوبة عصره و وحيد دهره و كان حسنة من حسنات الزمان و بقية مما ترك الأعيان. ذا مروءة فاتت الواصف، وجود أخجل الغمام الواكف. و كان من نوادر الدهر علماً و فضلاً و تدبيراً وجودة رأي أخذ الأدب عن أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب المجمل في اللغة و أخذ عن أبي الفضل بن العميد و غيرهما. و نقل عن الصاحب بن عباد قال: مدحت بمائة ألف قصيدة عربية و فارسية و ما سرَّني شاعر كما سرني أبوسعيد الرستمي الأصفهاني بقوله: ورث الوزارة كابراً عن كابرِ *** موصولة الإسناد بالإسنادِ يروي عن العباس عبّاد وزاًرته *** و إسماعيل عن عباد و قال ياقوت الحموي: مدح الصاحب خمسمائة شاعر من أرباب الدواوين و المترجَم له: أحد كتاب الدنيا الأربعة؛ و ذكر ابن شهرآشوب أنه من شعراء أهل البيت علیهم السلام المجاهرين، و له عشرة آلاف بيت في مدح آل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قد نقش على خاتمه: على الله توكلت *** بالخمس توسَلت و نقش آخر: شفيع إسماعيل في الآخرة *** محمد و العترة الطاهرة ويقول في الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام: أبا حسن لو كان حبك مدخلي *** جهنم كان الفوز عندي جحيمها و كيف يخاف النار من كان موقناً *** بأنك مولاه و أنت قسيمها؟ و قال: أنا و جميع من فوق التراب *** فداء تراب نعل أبي تراب ومن شعره: مواهب الله عندي جاوزت أملي *** و ليس يبلغها قولي و لاعملي لكنّ أشرفها عندي و أفضلها *** ولايتي لأميرالمؤمنين علي و له أيضاً: لوشقّ عن قلبي ترى وسطه *** سطران قد خطّا بلاكاتب العدل و التوحيد في جانب *** و حب أهل البيت في جانب و جاء في روضات الجنات أن أمويّاً وفد على الصاحب ورفع إليه رقعة فيها: أيا صاحب الدنيا و يا ملك الأرض *** أتاك كريم الناس في الطول و العرض له نسبُ من آل حرب مؤثلٌ *** مرائره لاتستميل إلى النقض فزودّه بالجدوى و دثْره بالعطا *** لتقضي حق الدين و الشرف المحض فلما تأملها الصاحب كتب في جوابها: أنا رجل يرمونني الناس بالرفضِ *** فلاعاش حربي لديَّ على خفض ذروني وآل المصطفى خيرة الورى *** فإنّ لهم حبي كما لكمُ بغضي و لو أن عضواً مال عن آل أحمدٍ *** لشاهدت بعضي قد تبرأ من بعضي و كان الصاحب «رحمه اللّه» لاتخلو داره في كل ليالي شهر رمضان من ألف نفس تتناول طعام الإفطار على مائدته و كان لايدخل عليه أحد في شهر رمضان بعد العصر كانئاً من کان فيخرج من داره الا بعد الإفطار عنده. و كانت صلاته و قرباته في هذا الشهر تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة. و من مآثره أنه كان ينفذ إلى بغداد في السنة خمسة آلاف دينار تفرَّق على الفقهاء و الأدباء. و كان في أوان صغره إذا أراد المضي إلى المسجد ليقرأ تعطيه والدته ديناراً في كل يوم و درهماً و تقول له: تصدَّق بها على أول فقير تلقاه، فكان هذا دأبه في شبابه إلى أن كبر و ماتت والدته و ما ترك هذه العادة في كبره و له قصة في ذلك تنقلها كتب التراجم و هذه التربية تركت أثرها على الصاحب. للصاحب تصانيف قيمة نذكر بعضها 1- (الكافي) في الرسائل 2- التذكرة 3- الأنوار 4- التعليل 5- الوقف و الابتداء 6- العروض 7- الوزراء 8- جوهرة الجمهرة 9-الكشف عن مساوىء شعر المتنبي 10- الشواهد 11-القضاء و القدر 12- ديوان شعره. 13-المحيط في اللغة سبع مجلدات. و ألف لأجله شيخنا الصدوق (رحمه اللّه) (عيون أخبار الرضا علیه السلام)، و أيضاً ألف لأجله الحسن بن محمد القمي كتاب (تاريخ قم) و ألف باسمه حسين بن علي بن بابويه القمي كتاباً و الثعالبي كتاب (يتيمة الدهر). و توفي ليلة الجمعة 24 صفر سنة (385ه_) فأغلقت له مدينة الري و اجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته، فلما خرج نعشه من الباب صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة و قبّلوا الأرض و شيِّع في موكب مهيب مشى فيه فخر الدولة و سائر القوّاد و قد غيّروا لباسهم، و كان فخر الدولة أمام الجنازة يمشي مع الناس و نقل إلى أصفهان و دفن فيها، و قبره مزار معروف في باب الطوقجي أو الميدان العتيق بأصفهان يقصده القريب و البعيد. و قد رثى الصاحب رحمه الله أبوسعيد الرستمي و أيضاً السيد الرضي بقصيدة عصماء يقول في مطلعها: أكذا المنون تقنطر الأبطالا *** أكذا الزمان يضعضع الأجیالا أكذا تصاب الأسد و هي مذلة؟ *** تحمي الشبول و تمنع الأغيالا إلى تمام ثلاثين بيتاً، كما رثاه شعراء آخرون.

ص: 210

سَوْفَ تَأْتِي الزَّهْرَاءُ تَلْتَمِسُ الحُكْمَ *** إذا حانَ مَحْشَرُ التَّعْدِيلِ(1)

وَ أَبُوها و بَعْلُها و بَنُوها *** حَوْلَها و الخِصام غيرُ قَليلِ

وَ تُنادِي يا ربّ ذُبَحَ أَوْلا *** دِي لماذا وَأَنْتَ خَيْرُ مُدِيلِ؟

فَيُنادَى بِمالِك أَلْهِبِ النّارَ*** وَ أَجُجْ وَ خُذْ بِأهْل الغُلُولِ(2)

ص: 211


1- لعله إشارة إلى ما ورد في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج2 ص26 ح6 ط/ انتشارات جهان -طهران. عن الرضا علیه السلام عن آبائه علیه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام یوم القیامة و معها ثياب مصبوغة بالدم فتتعلّق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل احكم بيني و بين قاتل ولدي». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فيحكم لابنتي و رب الكعبة و إن الله «عزوجل» يغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها علیها السلام».
2- هذا البيت و الأبيات التي سبقته في كتاب ثواب الأعمال و عقاب الأعمال للشيخ الصدوق ط2/ منشورات الرضا قم رواية تؤكد المعنى: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة علیها السلام: «صلوات الله عليها» في لمّة من نسائها فيقال لها: ادخلي الجنة فتقول: لاأدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي؟ فيقال لها: انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين علیه السلام قائماً و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و أصرخ لصراخها و تصرخ الملائكة لصراخنا فيغضب الله «عزوجل» لنا عند ذلك فيأمر ناراً يقال لها هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت لايدخلها روح أبداً و لايخرج منها غمّ أبداً فيقال لها: التقطي قتلة الحسين علیه السلام و حملة القرآن فتلتقطهم. فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها وشهقت و شهقوا بها و زفرت و زفروا بها فينطقون بألسنة ذلقة طلقة: يا ربنا أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان؟ فيأتيهم الجواب عن الله «عزوجل» أن: من يعلم ليس كمن لايعلم...».

وَ يُجازَى كُلُّ بما كان منهُ *** مِنْ عِقابِ التَّخْلِيدِ وَ التَّنْكِيلِ(1)

يا بَنِي المُصْطَفَى بَكَيْتُ وَ أَبْكَيْتُ *** وَ نَفْسِي لَمْ تَأْتِ بَعْدُ بِسُولي(2)

لَيْتَ رُوحِي ذابَتْ دُموعاً فَأَبْكِي *** لِلَّذِي نالَكُمْ مِنَ التَّذْلِيلِ

فَوَلائي لَكُمْ عَتادِي و زادِي *** يَوْمَ أَلْقاكُمُ على سَلْسَبِيلِ

لِيَ فِيكُمْ مَدائِعٌ وَ مَراثٍ *** حُفِظَتْ حِفْظَ مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ

قَدْ كَفاني في الشَّرْقِ وَ الغُرْبِ فَخَراً *** أنْ يَقُولوا: مِنْ قِيل إسْمَاعِيلِ

وَ مَتى كادَنِي النَّواصِبُ فِيكُمْ *** حَسْبِيَ اللَّهُ وَ هُوَ خَيْرُ وَكِيلِ(3)

ص: 212


1- التنكيل: الإصابة بنازلة.
2- سولی: مخفّف سؤلي بمعنى سؤالي.
3- ديوان الصاحب بن عباد ص261.

(21) رزء عظيم

(بحر الرّمل)

السيد صالح الحلي(*)(1)

بأَبِي مَنْ أَصْبَحَتْ بَعْدَ الرَّسُولْ *** جِسْمُها زادَ سِقاماً وَنُحُولْ

***

آهِ وا وَيْلاهُ مِنْ أُمَّتِهِ *** قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ في حُفْرَتِهِ

تَرَكُوا الضَّيْغَمَ رَهْنَ بَيْتِهِ *** وَ سَرِيعا غَصَبُوا ارْتَ البَتُولْ

***

جَحَدُوا مَنْ كانَ فِيهِمْ مُحْسِنا *** عَصَرُوها أَسْقَطُوها (مُحْسِنا)(2)

أَلَّمُوها لَيْسَ فِيهِمْ مُحْسِنا *** تَرَكُوا أَجْفَانَها تَجْرِي هَمُولْ(3)

***

بِأَبِي ذاكَ الأبِي بَعْدَ النَّبِي *** عِوَضُ السَّيْفِ بِأمرٍ مُغصبٍ

أهِ مِنْ (تَيْمٍ) وَ آهِ مِنْ (عَدِي) *** لَيْتَ شِعْرِي فيهما ماذا أقولْ؟

ص: 213


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- البحار ج53 ص18-19: و خروج أميرالمؤمنين علیه السلام من داخل الدار محمّر العين حاسراً، حتى ألقى ملاءته عليها و ضمها إلى صدره... و صاح أميرالمؤمنين علیه السلام بفضة: يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء، فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب، فأسقطت محسناً، فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: فإنه لاحق بجده رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيشكوا إليه -الحديث.
3- همول: فائضة الدموع.

جَرَّعاها غُصَصاً غصَّتْ لها *** لهواتُ الدَّهْرِ إذ لامِثْلَها

(فاطمٌ) قَدْ أَسْقَطُوها (حَمْلَها) *** يالَهُ رُزْهُ عَظِيمٌ وَ مَهولْ

***

هَجَمُوا لَما رَأَوْا مِنْ ضَعْفِهِ *** لَبيوه بِنِجادِ سَيْفِهِ(1)

قِيْدَ لِلْمَسْجِد رَغْمَ أَنْفِهِ *** وَ هُو ذا اللَّيثُ الهِزَبُرُ الصَّؤولْ(2)(3)

***

ص: 214


1- لبيوه: جرّوه. نجاد: حمائل السيف.
2- الهزبر: الشديد الصُّلْب. الأسد الصؤول: الذي يسطو و يقهر.
3- شعراء الحسين ج1 ص123.

(22) فاطمة علیها السلام تدعو

(بحر الرّمل)

السيد صالح الحلي(*)(1)

دَعْ تَفاصيلاً وَ سَلْنِي جُمَلا *** لَمْ تُطِقْ تَسْمَعُ مَا قَدْ فُصَّلا

قد بَنَتْ أساسَها القَوْمُ الأُلى *** وَ أَخِير القَوْمِ يقفو (الاوَّلا)

كَذَّبَ القَوْمُ (النَّبِيَّ ) المُرْسَلا *** يومَ (خُمِّ) وَ الكِتابَ المُنْزَلا

أغْضَبُوا مُذْ أَغْضَبُوا رَبَّ العُلَى *** صِنْوَطه وَ أبَوْا نَصْرَ الوَلا(2)

أَأمِيراً (شَيْخُ تَيْمٍ) جُعِلا *** وَمنِ اللَّهُ ارْتَضاهُ عُزِلا؟

(شيخُ تَيْمٍ) مِنْبَرَ الهادِي عَلا *** وَ (عَلِيّاً) اجْلَسُوه المَنْزِلا

قسماً لولا القضا لَنْ يَصِلا *** مِنْ عَلَيَّ الطُّهر ما قَدْ أمّلا

عَجَباً بِالحَبْلِ قادُوا البَطَلا *** مِثل ما قادَ الحُداةُ (الجَملا)

خَلْفَهُ فَاطِمَةُ تَدْعُو ألا *** فَاتْرُكُوهُ أوْ لأَدْعُو (الكافِلا)(3)

عَجَباً مِنْ حَبْلِهِ ما انْفَصَلا *** بِيَتامى كَرْبَلاءَ اتَّصلا

ص: 215


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الصنو: الأخ الشقيق.
3- إشارة إلى ما ورد في تفسير العياشي، ج2 ص67 ط المكتبة العلمية الإسلامية/طهران: «... فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة علیها السلام أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره -و كان من سعف- ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً مليباً. فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: أتريد أن ترملني من زوّجي؟ واللّه لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقنَّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي فأخذت الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم...».

فَمَتَى (المَهْدِيُّ) يَشْفِي الغَلَلا؟ *** كَمْ نُقاسي مِنْ عِداها العِلَلا

امْتَطُوا الخَيْلَ بَنِي عَمْرو العُلَى *** وَ ابْعَثُوها شُرباً تطَّوي الفَلَا(1)

وَ اشْرَعُوا السُّمْرَ العوالي الذُّبَّلا *** وَ اجْعلوا الأغْمادَ لِلْبَيِضِ الطّلا(2)

وَ عَلَى الحَرْبِ ألا (حَيَّ هَلا) *** فَمَذاقُ المَوْتِ فِي الحَرْبِ حَلا

أيها المُدْلِجُ خُذْ مِنِّي إلى *** هاشِمِ شَكْوى تُزِيلُ الجَبَلا(3)

قِفْ عَلَى البَطْحا وَ قُلْ قُوموا فلا *** عُذر إلا أن تَقُومُوا عَجَلا

أَقُعوداً لَمْ تُثِيرُوا القَسْطلا *** وَ حُسَيْن عارياً في كَربلا؟(4)

يا حُماةَ المَجْدِ عُدْتُمْ ذُلُلا *** وَ غَدَوْتُمْ لِلْبَرايا مَثَلا

أَفَما هاجَكُمُ مانَزَلا *** مِنْ مُلِمٌ للرَّواسي زَلْزَلا؟

ضَرَبَتْ نِسْوةُ حَرْبِ كِلَلا *** في المَقاصِيرِ وَ سِتْراً مُسْدَلَا(5)

وَنِساكُمْ بالمَهاجِيرِ اصْطَلا *** وَجْهُها مُذْ سَلَبُوها الحُللا(6)

عَجَباً نِسْوَتُكُمْ تُسرى بلا *** كافِلٍ بارزةً بَيْنَ المَلا

وَ تَجُوبُ البِيدَ حَسْرَى وَ عَلى *** قُتَبِ النَّاقَةِ أَضْحَتْ مَثلا(7)

حُسْراً قَدْ ارْكَبُوها الهُزَّلا *** وَ بها جابُوا دَيَامِيمَ الفَلا(8)

وَ سَلِيبَاتٍ حُلِيّاً وَ حُلَى *** قَفَلَ الرَّكْبُ بها القُفَلا

وَ بِعَيْنِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَلاَ *** حُجَّةُ اللَّهِ مُضاماً غَلَلا

ص: 216


1- شُرِّباً: خشنات ضامرات يابسات.
2- السُّمْر: الرماح البيض: السيوف.
3- المدلج: السائر كل الليل أو آخره.
4- القسطل: الغبار الساطع في الحرب.
5- المسدل: ما أسْبِل على الهودج و نحوه -شيء يُعرَّض في شُقّة الخِباء- ستر حجلة المرأة.
6- المهاجير: الأماكن أو الأزمنة الشديدة الحرارة اصطلى: استدفاً أو احترق.
7- تجوب: تقطع. البيد: الفلوات الصحارى.
8- دیامیم: الفلوات الواسعة.

أيزيد في حَرِيرِ قَدْ تَلا؟ *** (لَعِبَتْ هَاشِمُ بالمُلْكِ فَلا)

وَ حُسَيْنُ في حَرُورٍ جُدلا *** ظامِناً تُروى دماء الأسلا

يا قَتِيلاً فيه صَبْرِي قُتِلاَ *** وَ بِهِ نَوْمِي عادَى المُقَلا

كَيْفَ سُلْوانِي وَ هُلْ قَلْبِي سَلا *** عَنْ مُصابٍ زَعْزَعَ السَّبْعَ العُلا؟

إِنَّ صَبْرِي وَسُلُوِّي رَحَلا *** و شُجُونِي وَ شهادِي نَزَلا(1)

ص: 217


1- نقلت من كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص93.

(23) يوم البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد صالح القزويني البغدادي(*)(1)

ص: 218


1- (*) هو السيد صالح ابن السيد مهدي ابن السيد رضا بن مير علي الحسيني الشهير بالقزويني النجفي البغدادي و ينتمي نسبه إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين علیه السلام. ولد في النجف الأشرف نهار الخميس في السابع عشر من رجب سنة (1208ه_)، و أسرته من الأسر العلمية العريقة في النجف الأشرف و قد انجبت العديد من العلماء و الشعراء و الأدباء الذين كانت لهم مكانتهم الرفيعة، و من بينهم سيدنا المترجم له فنشأ و ترعرع في ظل أبيه فاعتنى بتربيته و غذاه بأخلاقه و أفاض عليه من روحه فكوَّن منه انساناً محبوباً في طفولته محترماً في شبابه و قوراً في كهولته مهيباً في شيخوخته. و منذ نعومة أظفاره تعشق العلم و درس العلوم الدينية على جماعة من العلماء أكبرهم و أعمقهم أثراً في نفسه أستاذه الشيخ محمد حسن صاحب جواهر الكلام. يقول الخاقاني في شعراء الغري: «و كان مهاب الطلعة كثير الأدب حسن السلوك يفرض عليك إحترامه طلق المحيا يهشُّ بمن يلاقيه فيعطف عليه كأب عطوف متئداً في مشيه رقيق الحديث كريم الطبع سخي النفس، لم يعرف عنه أنه رد سائلاً. كثير الامتزاج. انتقل إلى بغداد سنة (1259ه_) و أقام بها فكانت داره ندوة العلماء و الشعراء على اختلاف مللهم و نحلهم و في مجلسه حشمة فائقة لايدور فيه الشذوذ من القول و لاالانتقاص للبشر». صاهر أستاذه المرجع الديني الكبير صاحب الجواهر و أعقب أولاداً و هم علماء و أدباء لهم مكانتهم الاجتماعية، و كانت له الزعامة الدينية في بغداد في جانب الكرخ فكان مرجع الرأي العام و موئل القاصدين من ذوي التديَّن و الفحص عن أسرار التشريع و العقيدة. و كان متصدراً على أقرانه من الشعراء و الأدباء في شعره أمثال الشيخ صالح التميمي و عبد الباقي العمري و الأخرس البغدادي و غيرهم، و في شعره قوة البديهة و فخامة اللفظ و متانة القافية و الأسلوب مكثراً مجيداً لم تؤخذ عليه زلة شائنة، تعلو شعره حلاوة و تتخلله طلاوة و عادةً قصائده طوال. خلف آثاراً أدبية و علمية منها: 1- الدرر الغروية في مدح ورثاء العترة المصطفوية: و يشتمل على أربع عشرة قصيدة في النبي صلي الله علیه و آله و سلم و الزهراء علیها السلام و الأئمة الاثني عشر ومجموع أبياتها (2820) بيتاً. 2- ديوان شعر جمعه الشاعر الشيخ إبراهيم صادق العاملي. 3- تاريخ أحوال سيد الوصيين علیه السلام. وافاه الأجل في بغداد نهار 5 ربيع الأول سنة (1306ه_) و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف فدفن في المقبرة المعدة لهم في وادي السلام.

ما على الرَّكْب لَوْ أَقامَ قَليلاً *** فَشَفَى لَوْعَةً وَ أَطْفَيَ غَلِيلا

وَ سَقَى السَّفْحَ وَ العَقيق عقيقَ *** الدَّمْعِ سَفْحاً مَعالِماً و طُلولا

وَ رَعَى بالصَّفا زَماناً تَقَفَّى *** كَمْ سَقانا مِنْ صَفْوِهِ سَلْسَبيلا

طالَما لِلْهَوَى شَرِبْنا كُؤُوساً *** كانَ صِرْفاً مِزاجُها زَنْجَبِيلا

كَمْ لَبِسْنا بِهِ مَطارِف أُنَسٍ *** و سَحَبُنَا مِنَ النَّعيم ذُيولا(1)

كانَ وِرْدِي عُلاً و عَيْشي رَغِيداً *** و شَبابِي غَضَّاً و ظِلِّي ظَليلا(2)

جادَ كالعارِض الأَجَشِّ هَلُولاً *** مَرْبَعَ الذِّكْرِ بُكْرَةً وَ أَصِيلا(3)

وَ تَمْشي بِكَ الشَّمالُ بأنفاسِ *** الخُزُامى وَ هُناً يَضُوعُ بَليِلا(4)

كُلَّما هَبَّتِ السّمالُ انْتَشَيْنا *** فكأنَّ الشمال كانَتْ شَمُولا

ما لَهُ مُوحِش المعالِم قَفْراً *** بعدَما كانَ آئِساً مَأهُولا

كَمْ على سَفْحِهِ سَفَحْتُ عقيقاً *** مِنْ دَمِ القَلْبِ مَدْمَعاً مَطْلُولا

أَظْلَقُوا الدَّمْعَ وَ الحَشَا كَبَّلُوهُ *** ما عليهِمْ لَوْ أَظْلَقوا المَكْبُولا

ص: 219


1- مطارف: جمع المُطرَف و هو رداء من خَز ذو أعلام.
2- ورد النصيب من الماء. الجزء من القرآن يقوم به الإنسان كلّ ليلة رغيد واسع و طيب. غضّ: ناضر.
3- الأجش: الغليظ الصوت من الإنسان هلولاً أي متهللاً صفة للعارف و هو السحاب الممطر. بكرة: صباحاً. أصيلاً: مساءً.
4- الخزاما بضم الخاء زهر من فصيلة الزنبقيات له بصلة و أزهاره متعددة الألوان أو بفتح الخاء هو نبت من فصيلة الشفويات ذكي الرائحة يستعمل في العطور.

ما لنا و الخُطُوبُ تَعْدُو علينا *** كُلّ يومٍ مُفَوّقاتٍ نُصُولا

فَكَأَنَا لِلنَّائِباتِ خُلِقْنا *** لانَرى للفرار عنها سَبِيلا

أنا جَلْدٌ على نُزولِ الرَّزايا *** و لَئْنُ هَدَّتِ الجبال نُزُولا

وإذا سامَنِي الزَّمانُ اختباراً *** بِرَزاياهُ قُلْتُ صَبراً جميلا

ما أَرى صَبْرِي الجَمِيلَ جَمِيلاً *** إِنْ تَذَكَرْتُ ما أصابَ البَتُولا

فَقَدَتْ أَحْمداً و ناحَتْ طويلا *** وَ بَكَتْ حَسْرَةً و أَبْدَتْ عَويلا

و أَقامَتْ عَبْراء لكلاء حتى *** لَحِقَتْ بِالنَّبِيِّ عَبْرَى ثَكُولا

طالَما المُصْطَفَى بِثِقَلَيْهِ أَوْصَى *** مُنْذِراً قَوْمَهُ قَبيلاً قَبيلا

أَشْهَدَ الله يومَ خُمِّ عَلَيْهِمْ *** وَ كَفَى شاهِداً بِهِ وَ وَكِيلا

فَضِّلُوا المرتضى فَقَدْ فَضَّلَ *** اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَقامَهُ تَفْضِيلا

وَاحْفَظُوا الله في وَلاءِ ابْنِ عَمِّي *** إِنَّه كانَ عَهْدُهُ المَسؤولا

وَ احْفَظُونِي بَأَهْلِ بَيْتِي ولا *** تَبْغُوا نُكولاً عنهُمُ وَ لاتَحوِيلا

إِنَّ إن ربِّي قَدِ اصْطَفَانِي رَسُولاً *** وَ ارْتَضَى لي أخِي عَلِيّاً خَليلا

وَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ فَطُوبى *** لامْرِى لَمْ يَزَلْ بِهِ مَوْصُولا

فاطِمُ بَضْعَتِي وَ مَنْ ساءَهَا مِنْكُمُ *** فَقَدْ ساءَني و ساءَ الجَليلا(1)

أنا مِنْ فاطِمٍ وَ فاطِمُ مِنِّي *** قالَها أَحْمَد لها تَبْجِيلا

ص: 220


1- إشارة إلى ما روي في كتاب علل الشرائع ص187 الباب148: في حديث طويل عن الصادق علیه السلام في ذكر دخول أبي بكر و عمر على فاطمة علیها السلام في مرضها بإذن علي لعيادتها و الإعتذار منها قالت: أنشدكما بالله هل سمعتما النبي صلي الله علیه و آله و سلم يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي و أنا منها، من آذاها فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى اللّه، آذاها بعد موتي ومن فكان كمن آذاها في حیاتي، و من آذاها في حیاتي کان کمن آذاها بعد موتي؟ قالا: اللهم نعم، قالت الحمداللّه، ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني -أنهما فقد آذياني في حیاتی و عند موتي، واللّه لاأكلمكما من رأسي حتى ألقی ربي. الحدیث طویل -أخذنا منه موضع الحاجة.

ثُمَّ لَمَّا اسْتَقَلَّ هادي البَرايا *** سَبِّحُوا في الضَّلالِ سَبْحاً طَويلا

لَسْتُ انْسَى يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَ *** القَوْمُ بها أَصْلُوا الشَّقا تَأْصِيلا

يومَ حادُوا عن مَنْهَج الرُّشْدِ غَيّاً *** وَ اقْتَفَوْا مَنْهَجَ القُرُونِ الأُولى(1)

إنْ يَكُونُوا لأَحْمَدٍ خُلَفَاءً *** فَلِماذا لَمْ يَحْضُرُوا التَّغْسيلا

أَشْغَلَتْهُمْ دَعْوى الخِلافَةِ عنه *** وَ بِهِ كَانَ حَيْدِرٌ مَشْغُولا

عَقَدُوا عُقْدَةَ الصَّلالِ وَحَلُّوا *** عُقْدَةً كَانَ حَلُها مُسْتَحِيلا

أَضْمَرُوا الكُفْرَ وَالهُدَى أَظْهَرُوهُ *** حِينَ شامُوا سيف الهُدَى مَسْلُولا(2)

رَكِبُوا مَنْهَجَ الضَّلالِ وَ حادُوا *** عَنْ طَرِيقِ الهُدَى فَضَلُّوا السَّبِيلا

عَجَباً كَيْفَ لاتَضِلُّ وَ قَدْ قَلَّدَتِ *** الأَمْرَ غاصِباً ضِلِّيلا

لَهْفَ نَفْسِي على ابْنَةِ المُصْطَفَى *** أَمْسَتْ تُقاسِي مِنَ الخُطوبِ الجَليلا

مَكَئَتْ بَعْدَهُ قَليلاً وقاسَتْ *** مِنْ عِداهُ شَجّى وَ حُزْناً طَوِيلا

لَمْ يُخَلّفْ خَيْرُ النَّبِيِّينَ فِيهِمْ *** غَيْرَ بِنْتِ فَجَرَّعُوعا وَبِيلا(3)

أَيُّ بِنْتِ لَهُ تُكابِدُ مِنْهُمْ *** مَضَضاً أَضْرَمَ الفُؤادَ غَليلا(4)

بَضْعَةُ المُصْطَفَى التي فَضَّل الرحمنُ *** فِي الذِّكْرِ مَدْحَها تَفْضِيلا(5)

مَنْ بها باهَلَ الرَّسُولُ وَ باهى *** وَ بِها لِلْهُدَى أَقَامَ دَلِيلا(6)

ص: 221


1- حادوا: مالوا و عدلوا.
2- شاموا: أغمدوا أو استلوا.
3- الوبيل: الشديد.
4- مضضا: وَجَع المصيبة.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب شواهد التنزيل ج2 ص246-247، عن ابن عباس في قوله تعالى «وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» قال: نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
6- باهل: لاعن -باهى: فاخر. إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص25-24، لما نزلت هذه الآية (المباهلة) دعا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم عليّاً و فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام و قال: «اللهم هؤلاء أهلي». أخرجه مسلم و الترمذي.

مَنْ لَدَيْها سِرُّ الهُدَى وَإِليها *** أَرْسَلَ اللَّهُ خادِماً جبريلا

نَهَرُوها وَ مَزَّقُوا صَکَّها وَ *** انْتَحَلُوها تُراثَها المَنْحُولا(1)

هَتَكُوا بِانْتِهاتِها حَرَمَ الدِّينِ *** وَ أَلْقَوا حِجَابَهُ المَسْدُولا

دَخَلُوا مَنْزِلَ البَتُولِ عَلَى اللَّهِ *** اجْتِراءً وَ أزْعَجُوها دُخُولا

أَضْرَمُوا بَيْتَها بنارٍ ودَقُوا *** ضِلْعَها يا لَهُ مُصاباً جَليلا(2)

أسْقَطُوها ضَرْباً وَ قادُوا عَلِيّاً **** مُسْتَضاماً فَأَدْرَكوا المَأْمُولا(3)

لَم تَزَلْ منهُمُ تُکابِدُ شَجُواً *** منهُ كادَتْ شُمُّ الرَّبى أنْ تَزُولا

كم دَعَتْهُمْ و اسْتَصْرَخَتْهُمْ وَلكِنْ *** لَمْ تُشاهِدْ إِلا نَكُولاً خَذُولا

كَذَّبُوا قَوْلَها عَلَى العِلْمِ مِنْهُمْ *** أَنَّهَا قَوْلَ باطِل لَنْ تَقُولا

وَ هْيَ بنتُ الأمين أم الميامِينِ *** فُرُوعاً زَكَتْ وَ طابَتْ أَصُولا

لَهْفَ نَفْسِي لَها تُشاهِدُ تَيْماً *** وَ الِياً وَابْنَ عَنْها مَعْزُولا

وَ تَرَى حَقَّها مِنَ الإِرْثِ مَمْنُوعَاً *** عَلَيْها وَ لِلْعِدى مَبْذُولا

ضَيَّعُوا حَقَّها عِناداً و حِقْداً *** رَوَّعُوها و لَمْ يُراعُوا الرَّسُولا

وَ لَها جُدْرُ بِثْرِبَ ارتَفَعَتْ لَمّا *** شَكَتْهُمْ وَ أَوْ شَكَتْ أَنْ تَزُولا

زَعَمُوا لَمْ تُورّثِ الرُّسُلُ إبْناها *** ضَلالاً وَ بَدَّلُوا تَبْدِيلا

أَنَسُوا آيةَ المواريث في التنزيلِ *** نَصّاً وَ حَرَّفُوا التَّنْزِيلا

ص: 222


1- إشارة إلى ما روي في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: في كلام سبط ابن الجوزي: أنه كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها، فقال مماذا تنفق على المسلمين؟ و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقه.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص123 قال المؤرّخ المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فتوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه و أحرقوا بابه و استخرجوه منه كرهاً.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج4 ص198.

ألَمْ يَكُنْ وارِثاً أَبَاهُ سُليمانُ *** فَلِمْ لَمْ تَرِتْ أباها الرَّسُولا؟

وَ ادَّعَتْ نِحْلَةً فما صَدَّقُوها *** وَ هْيَ أَزْكَى نَفْساً و أصْدَقُ قِيلا(1)

شَهِدَ المُرْتَضَى لها وَ الشَّهِيدَانِ *** فَلَمْ يَرْتَضُوا بهمْ تَضْليِلا

لم يَكُنْ حَيْدَرٌ وَ قَدْ شَهِدَ اللَّهُ *** بِتَقْواهُ شَاهِداً مَقْبُولا

جَهِلُوا فَضْلَهُ وَ فَضْلَ الزَّكِييْنِ *** وَ ما كانَ فَضْلُهُمْ مَجْهُولا

عَدَلُوها عَن الوَصِيَّ وَرَدُّوْا *** رِدَّةً منهُمُ الشُّهودَ العُدُولا(2)

و العُتُلانِ أقْبَلا يَسْتَقِيلانِ *** وَ عَمّا تَجَرَّمَا لَنْ يَحُولا(3)

سَأَلا إِذْنَ فاطم مِنْ عَليَّ *** بِدُخُول أكرم بِهِ مسؤُولا

وَ أَجَازَتْ لما أتاها عَلِيٌّ *** لَهُمَا سائلاً عَلَيْها الدُّخُولا

سَأَلا إِذْنَها دُخُولاً فَلِمَ لا *** سَأَلاَ الإذن في الهجوم البَتُولا؟

أَتَيَاها مُطَاطِئَيْن وَ كُلُّ *** مِنْهُما كَانَ مُبْطِلاً وَ مُحِيلا

يَسْتَقِيلانِها العِثارَ دَهاءً *** وَ هُما يَعْلَمانِ أنْ لاتُقِيلا(4)

لَم يَكُنْ عَنْ حَقِيقةٍ مِنْهُما لَكِنْ *** قُلُوبُ الأنام كَيْ يَسْتَمِيلا

أبْعَدَ اللَّهُ أُمَّةً يَتَولَّى *** ابْنُ تَيْم أُمُورُها مُسْتَطِيلا

ما لَهُمْ أَغْضَبُوا البَتُولَ وَ أَرْضَوْا *** ضِلَّةً منهُمُ الظُّلُومَ الجَهُولا

ص: 223


1- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن الصادق علیه السلام قال: لما أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من يخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها... و انظر قافية الفاء القصائد (1، 2) الهوامش(4، 6).
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن الصادق علیه السلام قال: لما بویع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من يخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها....
3- العُتُلان: الجافيان الغليظان.
4- يستقيلان العثار: يسألان أن ينهضهما من سقوطهما.

ما كَفَاهُمْ خِذْلانُهمْ فاطماً حَتَّى *** عَلى الطُّهْرِ وازرُوا المَخْذُولا(1)

وَ عَلَى المُرْتَضَى أَعانُوا الحُمَيْراً *** وَ عَلَى الرِّجْسَ لَمْ يُعِينوا البَتُولا

جَرَّعُوها كَأسَ الرَّدى فَقَضَتْ *** غَضْبَى إِلى اللَّهِ تَشْتَكِي المُسْتَقِيلا(2)

وَ كَما أَوْصَتْ لَهُ واراها عَلِيٌّ *** وَ اللَّيْلُ أَوْفَى السُّدُولا(3)

قائِلاً وَ الثَّرى أُهِيلَ عَلَيْها *** لَعَلَيْكِ النَّرى بِرَغْمِي أُهِيلا

كُنْتِ لِي لاتُفارِقِينَ بِحالٍ *** كَيْفَ أَزْمَعْتِ فُرْقَةً وَ رَحِيلا

فَهَبِينِي أَقَمْتُ بَعْدَكِ لَكِنْ *** كَيْفَ صَبْرِي عَلَيْكِ وَ الصَّبْرُ عِيلا

إِنَّ فَقْدِيَ البَتُولَ بَعْدَ أَبِيها *** دَلَّ أَنْ لايُبْقِي الزَّمانُ خَلِيلا

عَنْ أبِيها كانَتْ سُلُوِّي وَ إِنِّي *** لَمْ أَجِدْ بَعْدَهَا إِلَيْهِ سَبِيلاً

أَمَّلَ المانعون تَشْبِيعَها وَ القَوْمُ *** صُبْحاً فَأَخْطَأوا المأمُولا

حَظَّرَتْ أنْ يُصَلِّي الرِّجْسُ تَيْمٌ *** حَذَراً فِي الصَّلاةِ أنْ يَسْتَطيلا

فاتَهُمْ أَنْ يُشَبُعُوها وَ مَا نالُوا *** بِتَشييعها الثَّوابَ الجَزِيلا

وَ عَلَيْها لم يُحْضِرِ المُرْتَضَى إلأ *** وَلِيّاً عَنِ الوَلا لَنْ يَحُولا

حَمَلُوا نَعْشَها وَ وارَوْهُ لَيْلاً *** بِأَحبَّايَ نَعْلَها المَحْمُولا

زَوروا حَوْلَها قُبُوراً لِئَلاً *** تَتَحَرّى العِدى إليه سَبِيلاَ(4)

ص: 224


1- وازروا: عاونوا و قوَّوْا.
2- الردى: الموت و الهلاك.
3- هذا البيت و البيت السادس الذي يليه فيهما إيطاء في كلمة (سبيلا) عدا بعض الأقوال و يمكن التخلص منه بتبديل (سبيلا) في أحد البيتين (وصولا) واللَّه العالم.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص106-110: في حديث طويل: ثم إنه علیه السلام سوّى في البقيع سبعة قبور أو أربعين قبراً، و لما عرف الشيوخ دفنها، و في البقيع قبور جدد أشكل عليهم الأمر فقالوا: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور لنخرجها و نصلّي عليها. فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فخرج مغضباً عليه قباؤه الأصفر الذي يلبسه عند الكريهة، و بيده ذوالفقار، و هو يقسم باللّه: لئن حوّل من القبور حجر ليضعنَّ السيف فيهم الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

حاوَلُوا نَبْسَ قَبْرِها لِيُصَلُّوا *** وَ نَضَا الطُّهْرُ سَيْفَهُ المَصْقُولا(1)

فَانْثَنَوْا عَنْ مَرامِهِمْ حَذَراً مِنْ *** حَيْدَرٍ أَنْ يُنَكَّلُوا تَنْكِيلا(2)

قُمْ فَعَنِّي السَّبْعَ المثانِي وَ *** الذْكُرَ و عَزّ التَّكْبِيرَ وَ التَّهْلِيلا

وَ بِها عَنْ أَحْمداً و أُولي العَزمِ *** و عَزّ الأمِينَ جِبْرَائيلا

وَ بِها عَزَّ حَيْدَراً وَ الشَّهِيدَيْنِ *** بِكُلِّ غَدا بِها مَثْكُولا

ما انْقَضَى رُزْؤُهُمْ بِأَحمدَ حَتَّى *** فَقَدُوا وَالعُيونُ عَبْرَى البَتُولا

إِنَّ يَوْمَ البَتُولِ أَجْرى عُيُونَ *** الآلِ شَجُواً دَماً وَ دَمْعاً هَمُولا(3)

إِنَّ يوم البتول أَوْرَثَ قَلْبَ *** الدِّينِ وَ المُسْلِمِينَ دَاءً دَخِيلا

إِنَّ يَوْمَ البَتُولِ أبْكَى عَلِيّاً *** وَ بَنِيهِ وَ الرُّسُلَ وَ التَّنْزِيلا

طالَمَا في الظَّلامِ للَّهِ صَلَّتْ *** وَ إليهِ تَبَلَتْ تَبْتِيلا(4)

كَمْ لها في الزَّمانِ آياتُ فَضْلٍ *** ضاقَ مِنْها الزَّمانُ عَرْضاً و طُولا

كَمْ إِلَيْهَا الجَلِيلُ أَهْدَى لِباساً *** منهُ فَضْلاً مِنَ الجِنانِ جَليلا

وَ حَباها فَواكِها وَ طَعاماً *** طَيِّباً مُكَرِّماً لها وَ مُنِيلا(5)

وَ بِها مَرْيَمٌ دَعَتْهُ فَأَعْطاها *** نَوالاً مِنُه العَطاء الجَزيلا

وَ بِها أُمُّ أَيْمنِ سَأَلَتْهُ *** لِغَليل قبل مِنْها الغليلا

وَ إلَيْها أدْلى مِنَ الأفْقَ دَلُواً *** فَتَروت به زماناً طَوِيلا

وَ غَزا المُرْتَضَى العِدَى فَأَسرَّتْ *** لَيْتَهُ قَدْ أَقامَ عَنْهُ وَكِيلا

وَ بأسْرارِها المُهَيْمِنُ أَوْحَى *** تَخِذُونِي لَكُمْ وَكِيلاً كَفيلا(6)

ص: 225


1- نضا: استلّ -المصقول: المجلوّ و المكشوف عنه الصدأ.
2- فانثنوا: فانعطفوا -ينكّلوا: يصابوا بنازلة.
3- همولاً: فائضاً.
4- تبتّلَتْ: انقطعت عن الدنيا إلى اللّه.
5- حباها: أعطاها من غير جزاء. منيلاً: مُعْطِياً.
6- تخذوني: بدون ألف و هو جائز أصله اتَّخَذَ بمعنى إِتَّخذ.

وَ الرَّحَى قَدْ أَدارَها الرُّوحُ لَمّا *** رَقَدَتْ في الضُّحَى لها تَبْجِيلا

بِأَبِيها وَ بَعْلِها وَ بَنِيها *** وَ بِها اللَّهُ قَدْ هَدانا السَّبِيلا

وَ بها آمَّنَ اليَهودُ کَمافي *** مَرْيَمٍ آمَنَتْ قَبِيلاً قَبِيلا

وَ نِساهُمُ خَرَّتْ سُجُوداً وَ قَدْ *** قَبَّلَتِ الأرض عندَها تَقْبِيلا

مُذْ رَأَوْا مِنْ مَلاءَةِ الطُّهْرِ *** نُوراً كُلُّ طَرْفِ يَرُدُّ عنه کَلیلا

وَ حَباها بِعِتْرَةِ ما حَباها *** مَرْيَماً قَبْلَها و لاَراحيلا

عَلِمَ اللَّهُ ما سِواهُ کفیلٌ *** فارْتَضاهُ كُفُواً لَها وَ كَفيلا(1)

يا مُقِيمَ الأفلاكِ أنْتَ بِكَ *** الأمْلاكُ للَّه هَلَّلُوا تَهْلِيلا

حارَ فِيكَ العَقْلُ المُجرَّدُ حَتَّى *** لم يَكُنْ يَهْتَدِي إليك وُصُولا

لم يُوالي النَّبِيَّ مَنْ لايُوالِيكَ *** وَ لاكانَ سَعْيُهُ مَقْبُولا

يا دَلِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ يَا مَنْ *** كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ كَانَ دَلِيلا

نَكَلّ المُسْلِمُونَ عَنْكَ فَكَانُوا *** بِالنبييَّنَ كافِرِينَ نُكُولا

قَدْ تَعَدَّوْا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّه *** بكمْ (جَهْرَةٌ) خانُوا الرَّسُولا

هَدَمُوا دِينَهُ وَ كان قويماً *** وَ أقامُوا الشَّقا وَ كانَ ضَئيلا

مَنْ سِواكُمْ لِلعِلْمِ كَانَ وَ لِلْحِلْمِ *** مَقِيلاً وَ لِلْعِثارِ مُقِيلا

عشتَ ما بَيْنَهُمْ تُقاسِي كُرُوباً *** لاتُقاسَى حَتَّى مَضَيْتَ قَتِيلا

وَ تَواصَوْا على الشَّهِيدَيْنِ و انثا *** لُوا رِكاباً عَلَيْهُمُ وَ خُيُولا(2)

أَدْرَكُوا بِالزَّكي ما أَمَّلُوهُ *** مِنْ مَرامِ وَ بِالشَّهِيدِ الذُّحُولا

ص: 226


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص109-110: أن الله «تعالى» أوحى إلى جبرئيل: زوّج النور من النور، فكان الولي اللّه و الخطيب جبرئيل، و المنادي ميكائيل و الداعي إسرافيل و الناثر عزرائيل و الشهود ملائكة السماوات و الأرضين الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- انثالوا: انصبوا.

جَلَبُوها عَلَيْهِ خَيْلاً وَ رَكْباً *** وَ شُيُوخاً تَأَلَّبُوا وَ كُهولا(1)

طاوَلُوهُ وَ هُمْ ثلاثُونَ الفاً *** فَتَجَلَّى عَلَيْهِمُ مُسْتَطيلا

كَمْ بجَيْشِ لِعَزْمِهِ أفْزَعَ الجَيْشَ *** يُرَى عِنْدَهُ الكَثِيرُ قَلِيلا

كُلَّما أَضْرَمَ العِدَى شُعَلَ الهَيْجا *** ءِأَظْفَى ضِرامَها المَشْعُولا

كُلّما جَلْجَلَتْ رَعِيلاً رَعِيلاً(2) *** دَقَ فَرْداً على الرَّحِيلِ الرَّعِيلا

كَرَّ فيهمْ فَرْداً فَأَرْوَى القَنا مِنْ *** دَمِهِمْ وَ المُهَنَّدَ المَصْقُولا

حَلَّقُوهُ عَنِ الشَّرائِع ظُلماً *** وَ سَقَوْهُ أَسِنَّةٌ وَ نُصُولا

وَ قَضى ظامِئاً وَ ما بُلَّ منه *** ظَمَأٌ في الحَشَى يَشِيبُ عليلا

ماضياً لَمْ يَزَلْ يَغُلُّ مَواضِي *** الشِّرْكِ حَتَّى اغْتَدَى بها مَفْلُولا

إِنَّ سَيْفاً بِهِ قُتِلْتَ لَعَمْرِي *** فيهِ أَضْحَى الدِّينُ الحَنِيفُ قَتِيلا

إنَّ سَهْماً أَصْمَى فُؤادَكَ أصْمَى *** حَيْدَراً بعدَ أحْمدٍ وَ البَتُولا

حَرَّمُوا أَنْ تَبُلَّ أَحْشاهُ حَتَّى *** كَانَ مِنْ نَحْرِهِ الثَّرى مَبْلُولا

كيفَ أَضْحَى مُجدِّلُ الشَّوَسِ بالسَّيْفِ *** مُلاقي الكماةِ مُلْقَى جَدِيلا(3)

نَهَبُوا ثِقَلَهُ وَ اوَرُوا خِباهُ *** وَ سَبَوْا آلَهُ وَ قادُوا العَليلا

وَ ثَوى بِالعَرَى ثلاثَ لَيالٍ *** بِدِماهُ مُزَمَلاً تَزْمِيلا(4)

قَتَلُوهُ وَ سَلَّبُوا الفاطميات *** وَ سارُوا بِنَجْلِهِ مَغْلُولا

بِأَبِي مُوثَقاً عَلِيلاً تَسنَّى *** نُقَّباً عارِيَ المَطَى مَهْزُولا

بأَبِي مَنْ نَساهُ فَوْقَ المطايا *** تَنَشَكَّي رَسِيمِها وَ الذَّمِيلا(5)

ص: 227


1- تألبوا: تجمعوا و تحشدوا.
2- جلجلت: صوتت صوتاً شديداً. رعيلا: كل قطعة متقدمة من خيل أو رجال أو طير.
3- مجدل الشوس: الذي يرمي الأشداء الجريئين في القتال. الكماة: الشجعان.
4- تزميلا: ملفوفاً لفاً.
5- رسيمها: رسيم المطايا التي تسير سيراً سريعاً. الذميل: السير اللين.

تَتَهاوى مِنَ العِجافِ إِذا ما *** تَتَرامَى بها حُزوناً سُهولاً(1)

وَ بنفسي سَبْعاً وَ عَشْراً من الآلِ *** شباباً قَضَوْا ظَماً وَ كُهُولا

كُلّما تَسْجَعُ الأسِنَّةُ في الهام *** تَشَنُّوا تَحْتَ الأسنة مِيْلا

بأبي فِتْيَةٌ تَسامَوْا وَ حازُوا *** شَرَفاً باذخاً وَ مَجْداً أثِيلا

وَ لَكُمْ جَدَّلُوا عَلَى التُّرْبِ مِنْهُمْ *** سَيْداً أَصْيَداً و قَرْماً نَبِيلا

أَيُّ دَمْعٍ للآلِ ظَلَّ لَدَيْهِمْ *** وَ دَمِ كانَ بَيْنَهُمْ مَطْلُولا؟

أَيُّ رَأْسٍ عَلَى القَنا رَفَعُوهُ *** أَيُّ جِسْمِ أَجْرَوْا عليهِ الخُيُولا؟

كَيْفَ يَقْوَىٰ رُمْحٌ عَلَى حَمْلٍ رَأْسٍ *** فَوْقَهُ العَرْسُ قَدْ غَدا مَحْمُولا؟

فَلَئِنْ أَدْرَكَتْ بِالِ عَلِيٌّ *** آلُ حَرْبِ يَوْمَ الظُّفُوفِ الذُّحُولا

وَ شَفَتْ مِنْهُمْ غَلِيلَ حقُودٍ *** فَسَيَشْفِي بها المُرَجَّى غَلِيلا

مَلِكٌ يَمْلِكُ الزَّمَانَ وَ يَنْقادُ *** إِلَيْهِ قَوْدَ الذُّلُولِ ذَلِيلا

وَ يَسُومُ العِدَى هَوَاناً وَ يَسْقِيهِمْ *** نَكالاً كَأسَ المَنايا وَبِيلا(2)

أسَدٌ مِنْ بَني الضَّراغِمَةِ الأُسْدِ *** تَرَاهُ بِبَأْسِهِ مُسْتَطِيلا

قائِداً لِلْوغَى أُسُودَ عَرِينٍ *** تَخَذَتْ في الوَغَى الأَسِنَّةَ غِيلا

كُلّما لاحَ لِلْجُموعِ تَوَلَّتْ *** فَرَقاً منهُ خِيفَةً أنْ يَصُولا

وَ تَرى الجَيْشَ كَالكَثِيبِ إِذا *** هَبَّ عليه أضْحى كَثيباً مَهِيلا(3)

كَمْ ذَرَتْهُمْ منهُ عَواصِفُ عَزْمٍ *** وَ كَذا العاصِفاتُ تَذْرُو الرُّمُولا

يا سَلِيلَ البَتُولِ تُغْضِي عَنِ السُّقُومِ *** جُفُوناً وَ قَدْ أَساؤُوا البَتُولا

قَتَلُوا وُلدَها الكِرامَ وَ أَجْرَوْا *** دَمَهُمْ كالدُّموعِ منها سُيولا

كَمْ أَذَلُّوا مِنْكُمْ عَزِيزاً كَرِيماً *** وَ أَعَرُّوا مِنْهُمْ لَئِيماً ذَلِيلا

ص: 228


1- العجاف: الهزال الضعاف.
2- يسوم: يكلف. نكالاً: ما غلبت به غيرك كائنا ما كان أو اسم ما يجعل عبرة للغير.
3- كثيب: تلّ من الرمل مهيلا. منهالاً و مصبوباً.

فَأطلب الشارَ وَ انْعَش الطُّهْرَ فِيهِ *** وَ بَنيها المَسْمُومَ و المَقْتُولا

وَ أقِمْ عَرْشَ دِينِهِمْ بِالعَوالي *** ماتَرى عَرْشَ دِينِهِمْ مَشْلُولا

وَ تَعَطَّفْ عَلَى مَوالِيكَ وَ ارْحَمْ *** مَدْمَعاً منهمْ عَلَيْهِمْ هَمُولا

مَلَكُوا أَمْرَهُمْ بِسَيْفِكَ حَتَّى *** تَكْلُوهُمْ عَلَى الوَلا تَنكيلا

كانَ يَوْمٌ لَهُمْ كَفِيلٌ وَ إِنَّا *** لَمْ نَجِدْ سَيْدِي سِواكَ كَفِيلا

فَإلى مَ إِلَيْكَ أرْفَعُ يَا مَوْلايَ *** شَكْوَى مُقَصْراً وَ مُطِيلا؟

فَاقْبَليْ بِنْتَ أحْمَد من سَلِيلٍ *** مَدْحًا يرتجي منك القَبْولا

صاغَها من جَواهِرِ المَدْح فيكم *** وَ کَساها جُمانَهُ إكْليلا(1)

هَزَّها بالحِما هَواكُمْ فَوافَتْ *** طَرباً بِشرَةٌ تَجرُّ الذَّیولا

وَ اصَلَتْكُمْ مِنَ الجليلِ صَلاةً *** أَبَدَالدَّهْرِ بُكْرة وَ أصِيلا

ص: 229


1- الجمان: اللؤلؤ.

(24) أفاه يا زهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد ضياء الدين الحبش(*)(1)

ص: 230


1- (*) السيد ضياء الدين الحبش من مواليد سورية -محافظة دير الزور- حي حطلة على ضفاف نهر الفرات. ولد عام (1968م) -تدرّج في مدارس دير الزور، و حصل على شهادة أهلية التعليم الاعدادي- قسم اللغة العربية. درس الأدب العربي في العصر الجاهلي، ثم في العهد الأموي الذي أثار في نفسه حب البحث و الاستطلاع، لما رأى من مجون و استهتار خلفاء بني أمية، و مدح الشعراء لأهل البيت علیهم السلام لاسيما قصيدة الفرزدق في مدح الإمام علي بن الحسين علیه السلام حيث التفت إلى مناقب أهل البيت علیهم السلام و سماتهم السماوية و النفسية، و دفعه ذلك إلى المزيد من البحث و التنقيب عن الحقائق في مختلف كتب الحديث و السير و التاريخ فأنار الله سبحانه له الطريق مما أدى إلى تشيّع الشاعر و اعتناقه المذهب الإمامي الجعفري. و الشاعر من عشيرة البوبدران التي موطنها على ضفاف نهر الفرات في مدينة دير الزور، و ينتهي نسب هذه العشيرة إلى الإمام موسى الكاظم علیه السلام. ترك مهنة التدريس و التحق بالحوزة العلمية الزينبية التي أسسها الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي في دمشق في جوار العقيلة الهاشمية مولاتنا زينب علیها السلام ابنة أميرالمؤمنين علیه السلام بالإضافة إلى دراسته في جامعة بيروت كلية الآداب و العلوم الانسانية قسم الفلسفة، و قد تعلَّق قلبه بحب أهل البيت علیهم السلام منذ لحظة تشيّعه فكتب فيهم مجموعة من القصائد و هي في طريقها إلى الطباعة. و له قبل ذلك شعر كثير في مختلف مجالات الحياة إلا أنه ترك كل ذلك و تفرغ للكتابة فيما يتعلق بأهل البيت خاصّة. درس الكثير من خطب أميرالمؤمنين علیه السلام في السفر الثمين -نهج البلاغة- شرح ابن أبي الحديد المعتزلي، لاسيما الخطبة الشقشقية التي أثارت لديه المزيد من الشكوك في العقائد الموروثة مثل عدالة الصحابة و الكثير من الأحاديث التي إما أن تكون موضوعة، أو أنها لم تفهم بالمعنى الحقيقي كالحديث القائل: «عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ وإذ تبين له فيما بعد أن الخلفاء الراشدين المهديين هم أئمة أهل البيت علیهم السلام المعصومين إلى غير ذلك مما لايسعنا الآن تفصيله و قد ساعد ذلك على تثبيته على الهدى و سلوك نهج الحق نهج أهل بيت علیهم السلام العصمة و الطهارة عليهم أفضل الصلاة والسلام».

قَدْ هَاجَنِي شَوقُ إِذْ بَانَ لي ظَلَلُ *** فَرُحْتُ أسألُهُ: قُلّي مَتَى رَحَلُوا؟(1)

وَ دَارَ في فِكْرِي مَا فَاتَ مِنْ عَهْدٍ *** أيَّامَ لانَدْري ما الحُزنُ ما الوَجَلُ؟(2)

هَلْ كانَ من ذَنْبٍ كنَّا فَعَلْنَاهُ *** حَتَّى تَفَرَّقْنَا كُلُّ لَهُ سُبُلُ؟(3)

أمْ هَكَذَا الدّنيا في أَصْلِ فِطْرَتِها *** في الشرِّ قد جُبلَتْ و النّاسُ قد جُبِلوا

ما لي أرى القَوْمَ تاهُوا وَ ما سَأَلُوا *** كيف السبيلُ إلى رضوانَ أَمْ جَهَلُوا؟

جبريلُ أنبأ أَنَّ اللَّه أنبأَهُ *** أَنْ بالولاية حبلُ الدِّين يتّصلُ(4)

تلكَ العلائِمُ وَ الآياتْ واضحةً *** أنْ المودَّةَ في الآلِ أما عَقَلُوا

هُمُ الأئمة إن قاموا وَ إن قَعَدُوا *** وَ رحمةُ اللَّه في البيتِ الّذي نَزَلُوا(5)

ص: 231


1- الطلل و الأطلال: آثار الديار بعد رحيل أهلها.
2- الوجل: القلق أو الخوف.
3- السُّبُل جمع سبيل و هو الطريق.
4- لعلَّ مراد الشاعر في هذا البيت الحديث القدسي الآتي: (فلما وقف بالموقف -يعني محمداً صلي الله علیه و آله و سلم- أتاه جبريل عن اللَّه «عزوجل» فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إنّ الله «عزوجل» يقرئك السلام و يقول لك...-إلى أن یقول-... فأقمه- يعني علياً علیه السلام وجدَّد عهده و ميثاقه و بيعته و ذكرهمْ ما أخذت عليهم من بيعتي و ميثاقي الذي واثقهم و عهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليّي و مولاهم و مولى كل مؤمن و مؤمنة علي بن أبي طالب علیه السلام فإني لم أقبض نبيّاً من الأنبياء الا من بعد إكمال ديني و حّجتي و اتمام نعمتي بولاية أوليائي و معاداة أعدائي، و ذلك كمال توحيدي و ديني و إتمام نعمتي على خلقي باتباع وليِّي و طاعته، و ذلك أني لاأترك أرضي بغير وليِّ و لاقيُم ليكون حجة لي على خلقي «فالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» بولاية وليِّي و مولى كل مؤمن و مؤمنة علي عبدي و وصي نبيي و الخليفة من بعده و حجتي البالغة على خلقي...). انظر كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص69 ط النعمان -النجف سنة (1966م).
5- في الحديث النبوي الشريف الوارد في إحقاق الحق ج19 نقلا عن كتاب «أهل البيت علیهم السلام» للأستاذ توفيق أبوعلم ص195 ط السعادة بالقاهرة قال: و قد تواتر الحديث عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لو أنه قال: «ولداي هذان إمامان قاما أو قعدا و هما ريحانتاي من الدنيا». و جاء أيضاً في العوالم للبحراني ج9 «الإمام الحسن علیه السلام» نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب ما يلي: اجتمع أهل القبلة على أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «الحسن و الحسين علیهما السلام إمامان قاما أو قعدا».

يومُ الغَدِيرِ وَ أخبارٌ تناقَلَها *** جَمْعُ الرُّواةِ بأنّ الدِّينَ يَکْتَمِلُ(1)

بعد الولايةِ للآلِ وَ طاعَتِهمْ *** يا لَلرجالِ لما قالوا وما نَقَلُوا

أمْاهُ يا زهراءُ قد هدّدني حَزَنُ *** من هَولِ ما اقْترفوا -غدراً- و ما فعلوا

نَسوا حَدِيثاً رسولُ اللهِ قائِلُهُ *** (يُرْضِينى إِنْ رَضِيتُ) وَ المبعَثُ الأَجَلُ

حتى النّصارى من في حقّها شَهِدُوا *** يَوْمَ المباهلةِ الغَرَاءِ مَا ابْتَهَلُوا(2)

ص: 232


1- جاء في خطبة الغدير في الإمامة ما يلي معاشر الناس إِنَّ علياً علیه السلام و الطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر، و القرآن الأكبر، فكل واحد منبىء عن صاحبه و موافق له، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض... و جاء في موضع آخر... إنما أكمل اللَّه «عزوجل» دينكم بإمامته فمن لم يأتمّ به و بمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة و العرض على اللَّه «عزوجل» فأولئك الذين حبطت أعمالهم و في النار هم فيها خالدون... و قال في ذلک أيضاً: معاشر الناس النور من الله «عزوجل» في مسلوك ثم في عليّ ثمَّ في النسل منه إلى القائم المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف. و خطبة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم هذه -خطبة غديرخم- سندها متواتر فقد رويت عن أكثر المهاجرين و الأنصار و التابعين و الرواة و لقد ألّف فيها مئات الكتب المستقلة و منها كتاب «العبقات» للعلامة المغفور له السيد ميرحامد حسین و الغدير ج1 ص30 و الصواعق ص25 و خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام للنسائي ص93 ط الحيدرية و المناقب للخوارزمي الحنفي ص93 ط الحيدرية و غيرها. أما ما أوردناه آنفاً فهو نقلاً عن كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص66-83 ط النعمان -النجف الأشرف سنة 1386ه_/1966م. و أما الشاهد في هذه الخطبة فهو قوله صلي الله علیه و آله و سلم: «إنما أكمل اللّه «عزوجل» دينكم بإمامته فمن لم يأتم به و بمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه...» الخ. و على من رغب في التفاصيل الرجوع إلى المصادر التي ذكرنا.
2- الغراء: البّينة أو الواضحة و الظاهر أن الشاعر يشير إلى قضية المباهلة المعروف، حيث أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم جاء بفاطمة علیها السلام بمثابة نسائه و علياً علیه السلام بمثابة نفسه و الحسن و الحسين علیهما السلام بمثابة أبنائه و خرج بهم للمباهلة و لقد ذكر ذلك المفسرون و منهم الزمخشري في الكشاف و الفخر الرازي في تفسيره الكبير و غيرهم و فيما يلي نورد مجملاً عنها: فلقد جاء فيها أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لما قرأ هذه الآية على وفد نجران و دعاهم للمباهلة قالوا: حتى نرجع و ننظر في أمرنا ثمَّ نأتيك غداً، فلما خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب و كان كبيرهم و صاحب رأيهم ما ترى يا عبد المسيح ؟ قال: لقد عرفتم يا معشر النصارى أنَّ محمداً صلي الله علیه و آله و سلم نبیّ مرسل و لئن فعلتم ذلك لتهلكن، أو قال لهم: واللّه ما لاعَنَ قوم قط نبياً إلا هلكوا عن آخرهم فإن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فو دعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قد احتضن الحسين علیه السلام وأخذ بيد الحسن علیه السلام و فاطمة علیها السلام تمشي خلفه و علي علیه السلام يمشي خلفها علیها السلام و النبي صلي الله علیه و آله و سلم يقول لهم: إذا دعوتُ فأمنوا، فلما رآهم أسقف نجران قال: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلاتبتهلوا فتهلكوا و لايبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أباالقاسم صلي الله علیه و آله و سلم رأينا أن لانباهلك... إلى آخر الرواية وردَ هذا النص في کتاب «فضائل الخمسة من الصحاح الستة» نقلاً عن الشبلنجي في نور الأبصار ص100 فراجع المصدر أو ما شئت من التفاسير أما الشاهد في هذه الرواية فهو قول أسقف نجران إني لأرى وجوهاً -لو سألوا اللّه... إلى آخره و يعني من بينهم فاطمة علیها السلام. لقد عهد الرسول الكريم صلي الله علیه و آله و سلم إلى قريش إكرام قريش في أهل بيته علیهم السلام... و البيت الثاني لايستبعد أنه بدلاً من الالتزام بالعروة الوثقى و هم أهل البيت علیهم السلام استبدلوا هذا المعنى و نقضوا الأمر بطريقتين الأولى تنحيته عن خلافة نصها عليها الرسول صلي الله علیه و آله و سلم علناً و بأسلوب واضح ولكن القوم نقضوا هذا العهد في الولاية أو الخلافة خلافة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بعد موته و لما كانت الزهراء علیها السلام تعترض على ذلك مطالبة بحقها و حق زوّجها تعرّضت إلى الكثير من النكران و التضعيف و الرسم و تحوير الوصية و من ثم توجهوا إلى الزهراء البتول علیها السلام و أحاطوا منزلها. فأمر عمر بالحطب و أرادوا إضرامها بالنار فقيل إن فيها فاطمة علیها السلام ابنة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم قال: و إن !!!؟ ثم ارادوا اقتحام المنزل و لما كانت خلف الباب تعرضت لعصرة قوية من الباب مما ادى إلى سقوط جنينها محسن و كذلك آذوها في أحقية نحلتها فدك فلم يعطوا لها حقاً في ذلك و قال: هذه للمسلمين. و هناك نوادر مثيرة على من طلبها العودة إلى المصادر فاما نقض العهد فلعل العهد هنا في سائر حقوق مضيعة سواء لعلي و فاطمة علیهما السلام. و ربما يذهب الظن أنه اراد أو فعلوا فعلتهم في نقض عهده بنكران خليفة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم الذي صَرَّح عنه مراراً في قول اثناء خطبة غدير خم عن قوله : تركت فيكم الثقلين قرآن الله أو قال كتاب الله وعترتي لن تضلا حتى تردا عليَّ الحوض و نقض العهد أيضاً و هو الابرز ما جاء نصاً عن طرق متعددة ما يلي: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. راجع الدر المنثور و راجع خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام للنسائي ص93 ط الحيدري و ص21 ط التقدم بمصر و ص35 ط بيروت الغدير للأميني ج1 ص3.

فاخْتَرْتُ في عَقْلِ كَلَّتْ مَدَارِكُهُ *** كيف استَبَاحوا لذاك الخدْرِ وَ ابْتَذَلُوا؟(1)

سَيُحْشَرُ القومُ يَوْماً لبارِئِهمْ *** فما يكونُ جَوابُهُم إذا سُئِلوا؟

ص: 233


1- ابتذال الثوب: امتهانه.

(25) لم تخل من حزن

(بحر الكامل)

الملك الصالح نصير الدين

طلائع بن رزيك(*)(1)

ص: 234


1- (*) الملك الصالح فارس المسلمين طلائع بن رُزيك المولود سنة (495ه_) بأرمينية، مدينة بأذربيجان و نشأ و تربّى على الفضل و الأدب و الكمال و علوّ النفس و سموّ الغاية و بُعد المقصد و قوة العقيدة. قال المقريزي في خططه: و كان محافظاً على الصلاة فرائضها و نوافلها شديد المغالاة في التشيُّع. قال ابن العماد: و كان يجمع الفقهاء، و يناظرهم على الإمامة و على القدر. تولى الوزارة للخليفة الفائز سنة (549ه_) و سمي بالملك الصالح و لم يلقِّب أحد من الوزراء قبله بالملك. و علا نجمه و ارتفع شأنه و عظمت هيبته لما أبداه من بطولة و سياسة و حنكة ،و فراسة إضافة إلى سماحة كفه و فيض نائله و برّه بالعلماء و الأدباء و الفضلاء، و قد جمع له بين السلطنة والوزارة و كان مجاهداً في سبيل الله، و هو الذي أنشأ الجامع تجاه باب زويلة المعروف الآن بجامع الصالح و هو بظاهر القاهرة. و قال الشيخ القمي في الكنى و الألقاب: الملك الصالح فارس المسلمين كان وزيراً للخليفة العاضد بعد وزارته للفائز، و تزوّج العاضد بابنته و كان فاضلاً سمحاً محباً لأهل الأدب. و كان يحمل في كل عام إلى أهل الحرمين بمكة و المدينة من الأشراف سائر ما يحتاجون إليه من الكسوة و غيرها حتى يحمل اليهم ألواح الصبيان التي يكتب فيها، و الأقلام و المداد. و في (19 رمضان) سنة (559ه_) كانت المؤامرة على اغتياله و قتله، فبكاه الناس و ندبته المحافل و رثاه الشعراء. و یروی أنه لما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها قال: هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و أمر بقراءة مقتله و اغتسل و صلى مائة و عشرين ركعةً أحيا بها ليله. و خرج ليركب فعثر وسقطت عمامته و اضطرب لذلك و جلس في دهليز دار الوزارة فأحضر ابن الصيف، و كان معروفاً بلف عمائم الخلفاء و الوزراء. و له على ذلك الجاري الثقيل، ليصلح عمامته فقال له رجل: إن هذا الذي جرى يتطيرّ منه فإن رأى مولانا أن يؤخر الركوب فعل. فقال: الطيرة من الشيطان و ليس إلى التأخير سبيل. ثم ركب فكان من أمره ما كان (راجع كتاب أدب الطف، ج3، ص95).

دَعْني قَبِيلُ اللَّهْوِ غَيْرُ قَبِيلِي(1) *** وَ سَبيلُ أَهْلِ اللَّوْمِ غيرُسَبيلي(2)

لم أَشْتَغِلْ عَنْ جَمْعِ أَشْتاتِ العُلا *** بمليح وَجْهِ أو بَكَأْسٍ شَمُولِ

لاتَعْذِلَنِيِّ إِنَّني لاأُقْتَفِي *** سُبُلَ الضَّلالِ لقولِ كُلِّ عَذُولِ(3)

قَوْلِي لِمَنْ قَدْ سامني الرُّجْعَى إلى *** ما لايَجُوزُ أَتَيْتَ غيرَ جَمِيلِ

إنّ الخَلِيلَ، إذا تَجَنَّبَ مَذْهَبِي *** قُلْتُ: ابْتَعِدُ ما أَنْتَ لي، بخليلِ

أَتَحَمَّلُ الأَثقال إلا أَنَّني *** لِمُبايِني في الدِّينِ غَيْرُ حَمُولِ

اليْتُ لاألقى عداةَ أَئِمَّنِي *** إِلابِعَضَبِ الشَّفْرَتَيْنِ صَقِيلِ(4)

وَ أَئِمَّتِي قَوْمٌ، إذا ظُلِمُوا فَهُمْ *** لايَظْلِمُون النّاسَ وَزْنَ فَتِيلِ(5)

كانَ الزَّمانُ لِحُسْنِهِ بِوُجُوهِهِمْ *** يَخْتالُ بالأوضاحِ و التَّحْجِيل(6)

وَ مُسَجِّلٌ لَهُمُ الفَخارَ عَلَى الَّذِي *** ناواهُمُ إِذْ صَحْ لي تَسْجِيلي(7)

وَ هُمُ الأئِمّةُ ماعَدِمْتُ فَضِيلَةً *** فِيهِمْ فما ميلي إلى المَفْضُولِ

فَأَنا إذا مَثَّلْتُ غَيْرَهُمُ بِهِمْ *** في فَضْلِهِمْ أَخْطَأْتُ في تَمْثِيِلِي

آلُ النَّبِيِّ بِهِمْ عَرَفْنا مُشكِلَ *** القُرْآنِ، وَ التَّوْرَاةِ، وَ الإِنْجِيلِ

هُمْ أَوْضَحُوا الآياتِ حتّى بَيَّنُوا *** الغاياتِ فِي التَّحْرِيمِ، وَ التَّحْلِيلِ

ص: 235


1- القبيل: الجماعة من الناس.
2- السبيل: الطريق.
3- العذول: الكثير العذل. الملامة.
4- العضب: السيف القاطع الصقيل: الأملس المصقول.
5- الفتيل: ذبالة المصباح.
6- ختل فلاناً: خدعة: هي من الاختيال أي مشي المتباهي. و الأوضاح: الضوء و بياض الصبح أو ضوء القمر. التحجيل البياض في قوائم الفرس.
7- ناواهم: عاداه.

عِنْدَ التَّباهُلِ ما عَلِمْنا سادِساً *** تَحْتَ الكِسا مَعَهُمْ سِوَى جِبْرِيلِ

إِنَّ الكَثِيرَ مِنَ المدائح فِيهِمُ *** قُلْ، و مَدْحُ اللَّهِ غَيْرُ قَلِيلِ

قالَ النَّبِيُّ : صِلُوا بهمْ حَبْلِي فَلَمْ *** يَكُ مِنْهُمُ أحَدٌ لَهُمْ بِوَصُول

ماذا يَكُونُ جوابُ قَوْمٍ أَخْلَدُوا *** إِذْ ماتَ لِلتَّعْبِيرِ وَ التَّبْدِيل؟

إنْ قالَ: في الحَشْر ابنتي لِمْ فيكُمُ *** لَمْ تَخْلُ من حُزْنٍ، و طولٍ عَوِيلِ؟

هِيَ بَضْعَةٌ مِنّي، ففي إضْرارِها *** ضُرِّيْ كما تَبْجِيلُها تَبْجِيلِي(1)

يلْقَوْنَها بِتَبسُّمٍ في عِزَّكُمْ *** وَ تَروْنَها جاءَتْ بِدَمْعٍ ذَلِيلِ

كَذَّبْتمُوني إذْ لها كَذَبْتُمُ *** وَ عَدَلْتُمُ عَنْ مُحْكَم التَّنْزِيل

ما بالُكُمْ عَنْها تَغَاضَيْتُمْ و قَدْ *** نَطَقَ الكِتابُ لَها بِكُلِّ دَلِيلِ(2)

ما ذاك إلا أَنَّكُمْ أَمْسَكْتُمُ *** الدُّنْيا فَقَدْ حَصَلَتْ بِكَفِّ بَخِيلِ

في حقِّها أَنْتُمْ تَواكَلْتُمْ إلى *** أَنْ ضاعَ، وَ الرَّحْمَنُ خَيْرُ وَكِيلِ(3)

ص: 236


1- تبجيل: تعظيم و تكريم. إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي -يعني فاطمة علیها السلام- بضعة منْي يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.
2- تغاضى عنه: تغافل.
3- لعله إشارة إلى ضياع حقها من إرث و نحلة و الهجوم على دارها و كسر ضلعها و إسقاط جنينها و أخذ حق بعلها و ما إلى ذلك. فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبدالله قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم منها... فقد جاء في كتاب البحار، ج100 ص197 ح15. في زيارة فاطمة علیها السلام في الروضة تقف في الموضع المذكور و تقول: السلام على البتولة الطاهرة.. و الصدّيقة المعصومة و البرّة التقية سليلة المصطفى... و حليلة المرتضى... و أم الأئمة النجباء... اللهم إنها خرجت من دنياها مظلومة مغشومة قد ملئت داءً و حسرة و كمداً و غصة تشكو إليك و إلى أبيها ما فعل بها -اللهم انتقم لها و خذ لها بحقها... اللهم صل على الزهراء علیها السلام الزكية المباركة الميمونة صلاة تزيد في شرف محلها عندك و جلالة منزلتها لديك و بلغها منْي السلام و السلام عليها و رحمة الله و بركاته.

خالفتُمُ ايَ الكِتابِ كَأَنَّما *** خُلِقَتْ رُؤُوسُكُمُ بِغَيْرِ عُقُولِ

وَ اللَّهُ يَحْكُمُ لا مَرَدَّ لِحُكْمِهِ *** وَ مَقِيلُ أَهْلِ الظُّلْم شَرُّ مَقِيلِ(1)

اخْتَرْتُ لَوْ كنتُ الفِداءَ لِسادَتي *** في النائباتِ وَ أَسْرَتي وَ قَبِيلي

إنّى -ابْنُ رُزيك- الذي بوَلائِهِمْ *** اسْخَنْتُ عَيْنَ مُعانِدٍ وَ جَهُولِ(2)

إن طالَ وَجْدِي فِيهِمُ فَأَنَا الَّذِي *** نَوْمِي بطُول اللَّيلِ غَيْرُ طَويلِ

كَمْ مِنْ عَرُوسٍ في فَمِي أَبْرَزُتُها *** فِيهِمْ حَكَتْ غَيْداءَ ذاتَ حُجُولِ(3)

لمّا شَحَذْتُ لَهُمْ عِدَارَ تَفَكَّرِي *** ما كانَ فِيهِمْ خاطري بِكَلِيلِ(4)

أَقْسَمْتُ لَوْ أَنِّي وَقَفْتُ بِغَيْرِهِمْ *** لَحَكَيْتُ نادِبَ دارِساتِ طُلولِ

وَ على عليّ إنْ عَدَدْتُ فَضِيلَةً *** لِسِوَى النَّبِيِّ عُرّيتُ مِنْ مَحْصُولي

قَدْ ضَلَّ آلُ السّامِرِيِّ بعِجُلِهِمْ *** وَ أَرَى أناساً كُفْرُهُمْ بِفَصِيلِ

ما مَوْقِعُ الإجماع فيه وَ مَعْشَرٌ *** جُرُّوا لأخْذِ العَهْدِ بالتَّنْكِيلِ(5)

وَ الخَزْرَجِيُّ وَ غَيْرُهُ أَضْحَى لَهُ *** في القَيْدِ تَحْتَ الضَّرْبِ رَجْعَ الليلِ

أَيَصحُّ إجْماعٌ، وَ قَومٌ جُلُّهُمْ *** ما بَيْنَ مَسْحُوبٍ وَ بينَ قَتِيلِ؟

قَوْلاً إذا ما لم يَكُنْ مِنّي يدي *** بَلَغَتْ منايَ فقد شَفيتُ غَلِيلِي(6)

ص: 237


1- مقيل: المكان الذي يهوي فيه و يؤخذ إليه.
2- أسخن عين فلان: أبكاه دموعاً حارة.
3- حکت: شابهت -غيداء: طويلة العنق لينة الأعطاف. حُجول: الحَجلَة سترٌ يُضْرب للعروس في جوف البيت أو بيتٌ يُزيّن للعروس.
4- شحذت: أحدَدْتُ، عذار: شفرتا النصل.
5- التنكيل: إصابة الشخص بنازلةٍ أو صنع صنيعٍ به يحذْر غيره و يجعله عبرة له.
6- دیوان طلائع بن رزيك ص110.

(26) اغتصابهم حق الزهراء علیها السلام

(بحر المنسرح)

الملك الصالح نصير الدين

طلائع بن رزُيك (*)(1)

با نَفْسُ كَمْ تَخْدَعِينَ بالأَمَلِ *** وَ كَمْ تُحَبينَ فُسْحَةَ الأَجَلِ

وَ كَمْ تَجدِّينَ في تَطَلُّبِكِ *** العِلْمَ و لاتَجْهَدِينَ بالعَملِ(2)

لو تَعْرِفُ الطيرُ، و البهائمُ أنَّ *** الموتَ يَفْنَى لها على عَجَلِ

و أَنَّها لاتَرُدُّه أبداً *** إذا أَتَى بالخِداعِ وَ العِللِ

لكانَ يُمْسِي لها بذاكَ عَنِ *** الأوْكارِ وَ الرَّعْي أَكْبَرَ الشُّغلِ

هذا وَ قد أُعْفِيَتْ من الحشرِ *** وَ النَّشْرِ وَ مَا فِيهِمَا مِنَ الوَجَلِ

وَ كانَ مَوْتُ النُّفُوسِ غايَتَها *** قَضَى بذاكَ الإلهُ في الأَزَلِ(3)

وَ قَدْ عَلِمْنا ما لَوْبِه عَمِلَتْ *** نُفوسُنا آمَنَتْ من الزَّلَلِ

وَ كانَ فيه نَجاةُ أنْفُسِنَا *** لَوْلا اعْتِباءُ الفُتُورِ وَ الكَسَلِ(4)

فَلَيْسَ في مِلةٍ من المِللِ *** ما صارَ في المُسْلِمِينَ مِنْ مَلَلِ

وَ لاجَرَى في شَرِيعَةٍ سَلَفَتْ *** عَلَى اختلافِ الأَدْيانِ وَ النِّحَلِ(5)

ص: 238


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- جد في الأمر: اجتهد.
3- الأزل: القديم الذي لايمكن تقدير بداءته.
4- اعتباء: الأخذ و الاحتواء.
5- سلف: مضى. تقدم النحل: المذهب. الديانة.

ما قَدْ جَرَى من فَعالِ أُمَّتِنا *** بِظُلْمِهِمْ آلَ خاتَمِ الرُّسُلِ

لما اسْتَبدُّوا عَنْهُمْ بِبُغْيَتِهِمْ *** وَ صاحِبُ الأمْرِ عَنْهُ في شُغْلِ

في البَيْتِ ما غاب عَنْ جهازِ رَسُولِ *** اللَّهِ في دَفْنِهِ و لاالغُسُل

وَ لا رَأى أَنْ يُسابق القَوْمَ في *** الأمْرِ إِذْ كانَ غَيْرَ مُحْتَفِلِ

بَلْ ظَنَّ أَنَّ الحَقَّ المُبِين سَيَأُتيهِ *** بما يَنْبَغِي عَلَى مَهَلِ

وَ ظَنَّ أنَّ الّذي تَفَرَّر في *** -الغدير- لَمْ يُنْتَقَض و لم يَحِلِ

ما ظَنَّ أنَّ العَهْدَ الوَثِيقَ مِنَ *** النَّبِيِّ وَ الأمْرَ غَيْرُ مُمْتَثَلِ

وَ مَنْصِبُ الوَحْيِ يَنْبَغِي بغيرِ أَنْ *** تَعْتَدِي دَوْلَةٌ من الدُّوَلِ

يَمْلِكُها ناقصاً شَرائِطها *** وَ أخْذهمْ دائماً عَنِ الأُوَلِ

حتى أتاهُ التَّكْبِيرُ مِنْ جَانِبِ *** المَسْجِدِ إِذْ أَجْمَعُوا عَلَى الرَّجُلِ

فقالَ: ما قالَهُ هناكَ أَبُوسُفيانَ *** حَتَّى رَشُوهُ بالجَمَلِ

فَباعَ أُخْراهُ بِالحَقِيرِ مِنَ المالِ *** وَ فِي الخُسْرِ قَطُّ لَمْ يَزلِ

ثُمَّ تَعَدَّوْا إلى اغتصابِهِمُ *** الزهراءَ ما نُفِلَتْ من النَّفَلِ(1)

وَ صَيَّرُوا إرْتَها لِوَالِدها *** مُقَسَّماً في الرُّعاعِ وَ السِّفَلِ(2)

نَعمْ وَ قالوا: عنه هنالِكَ ما لَمْ *** يُوصِ يَوْماً بِهِ وَ لَمْ يَقُلِ(3)

وَ القَصْدُ أنْ يَنْقلُوا الخِلافَةَ *** عَنْ بَنيهِ، وَ الحَقُّ غَيْرُ مُنْتَقِلِ

ما النُّورُ شَيْءٌ يَزُولَ يَوْماً عَنِ *** الشَّمْسِ إِلى أَنْ يَصِيرَ في زُحَلِ

ص: 239


1- نُفِلَتْ: أُعْطِيَتْ. النَّفَل: الغنيمة، الهبة، الزيادة.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232: «دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعد ما استخلف، فسألته ميراثها من أبيها، فمنعها...».
3- إشارة إلى الحديث المروي في كتاب صحيح البخاري ج5 ص 177 عن عائشة في حديث طويل: أن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لانورّث ما تركناه صدقة».

وَ لاصعاب المُقلَّدِينَ أمُورُ *** النَّاسِ مِمّا يُصْطادُ بالحِيَلِ

هَيْهاتَ، هَيْهاتَ، ما لمنْ حَوَتِ *** الأَرْضُ بما قَدْ ذُكِرَتْ من قَبلِ

ذاكَ سِرُّ الإلهِ قَدَّرَهُ في *** خَلقِهِ لم يَدَعْ وَ لم يَزَلِ

بَيَّنَهُ لِلْعُقُولِ إِنْ نَظَرَتْ *** تَبارَكَ اللهُ مَوْضِعُ السُّبُلِ

يا عَجَباً لِلَّذِينَ ظَلَّ بِهِمْ فَرْطٌ *** عمّا لايَحِلُّ في المُقَلِ

كَيْفَ أَجازُوا قِياسَ قايسِهِمْ *** بَيْنَ عَتِيقٍ بِجَهْلِهِ وَ (عَلِي)؟

كَمْ بَيْنَ مَنْ فِي الصَّلاةِ مُعْتَكِفٌ *** وَ عاكِفٌ عُمْرَهُ على هُبَلِ(1)

وَ هازِمُ الجَيْشِ وَحْدَهُ أبداً *** وَ قاعِدٌ للضَّلال في الظُّلَلِ

وَ حامِلٌ رايَةَ النَّبِيِّ وَ مَنْ *** فَرَّبها في الجِبالِ كالوَعِلِ(2)

(بخيبَرٍ) وَ الخبيرُ يَعْرِفُ ما ذَكَرْتُ *** من ذاكَ غَيْرِ مُنْتَحِلِ

سَلُّوا الحَمَيْراءَ عنه فَقَدْ عَرَفت *** له مُصاعَ المُحْربِ البَطَلِ

إذ هُتِكَتْ في رِضا أقاربها *** عنها سُنُورُ النَّبِي َو الحِجَل

وَ أَقْبَلَتْ بِالعِراقِ تَقْصُدُهُ *** زَحْفاً إليه في مَوْكِبٍ زَجِلِ

هَلْ غادَرَ القَوْمُ حَوْلَ هَوْدَجِها *** تَسِيلُ أَرواحُهُمْ على الأسلِ؟(3)

فَلَيْسَ يَسْطِيعُ أَنْ يَقُولَ لنا *** (لاناقَتِي فيهِمْ و لاجَمَلِي)

وَحَرْبُ (صِفِّينَ) قَدْ أَعادَ بَنِي حَرْبٍ *** بِها مِثلَهُ من المثلِ

يَوْمَ اتَّقاهُ، عَمْرُو بِسَوْأَتِهِ *** وَ هَلْ تَبَدَّتْ إِلا مِنَ الوَهَلِ؟(4)

لَوْ لَمْ يُبادِرُ مثل الحِصانِ غَداً *** مُشَمْراً جُلَّهُ عَنِ الكَفَلِ

وَ تُرْسُهُ ظَاهِرُ لِوَقْع قنا *** لكِنَّها لَيْسَ بالقنا الذُّبُلِ

ص: 240


1- هبل: اسم صنم.
2- الوعل: تيس الجبل له قرنان قويان منحنيان كَسَيْفَيْنِ أَحْدَبَيْنِ.
3- الأسل: الرماح.
4- الوَهَل: الغلط و النسيان أو الضعف أو الخوف و الفزع.

لَذاقَ ما ذاقَ يَوْمَ خَنْدَقِهِ *** (عمرُو بنُ وُدُ) عَلاً على نَهَلِ

يا أَيُّها النَّاسُ قَدْ نَصَحْتُ لكمْ *** فَأَنْصِفُوا وَ احكمُوا عليَّ ولِي

يا أَيُّها النَّاسُ هاتُوا لي بمثل بَني *** الزَّهْراءِ مِثْلي في العالَمينَ وَلِي

أنا -ابْنُ رُزَيْكٍ- لاأُقَصِّرُ في *** الجِلادِ عن دِينِهِمْ وَ لَمْ أَمِلِ

سَيْفَانِ عِنْدِي أَسْطُوا بِهذا *** عَلَى العَرْضِ وَ هذا يَسْطُو على القُلَلِ

أنْطقتني أنَّني بِفَهْمِي مَتَى *** شِئْتُ وَ عَزْمِي في الحالَتَيْنِ مُلِي(1)

***

ص: 241


1- دیوان طلائع بن رزُيك ص122.

(27) هي لبوة نبوية صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي(*)(1)

خُذ في مَدِيحِكَ لِلبَتُولِ *** حَظَّينِ مِنْ طُولٍ وَ طُولِ

قُلْ لِلْقَرِيحَةِ فِي مُهَدَّبِ مِدْحَةٍ *** فِيضِي وَ سِيلِي

وَ لِفِيكَ قُلْ فُهُ في حَدِيَثِكَ *** غَيْرَ مَحْسُودٍ كَلِيلِ(2)

قُلْ لِلْبَتُولِ عَظِيمُ فَضْلٍ *** لَمْ يُدَنَّسُ بِالفُضولِ

هِيَ قَبْلَ كُلِّ مَكَوَّنٍ *** قِنْدِيلُ عَرْشِ لِلْجَلِيلِ(3)

هِيَ صَفْوَةٌ لِلْخَلْقِ سَيِّدَةٌ *** لِنِسْوَةِ كُلِّ جِيلِ(4)

هِيَ لِلنِّسَاءِ عَقِيلَةٌ *** وَ مَلِيكَةٌ هِيَ لِلْعُقُولِ

هِيَ لِلنَّبِيِّ وَ لِلْوَصِيِّ *** وَ لِلزَّكِي وَ لِلْقَتِيل

مَقْرُونَةٌ في عِصْمَةٍ *** عَنْ كُلِّ مَذْمُومٍ وَ بِيلِ(5)

ص: 242


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- کليل: الذي تعب و أعيا.
3- لعله إشارة إلى ما ورد في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فكلّم الله «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات...
4- إشارة إلى ما روي في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج9 ص193 في حديث طويل: أنها سيدة نساء العالمين، و أنها عديلة مريم بنت عمران علیها السلام...
5- وبيل: من يخاف سوء عاقبته. و في البيت إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب آية 33، فقد روي في كتاب مستدرك الصحيحين للحاكم ج3 ص147: خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: غداة و عليه مرط مرمل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء الحسين علیه السلام فدخل معه ثم جاءت فاطمة علیها السلام فأدخلها ثم جاء علي علیه السلام فأدخله ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(أقول) رواه البيهقي أيضاً في سننه ج2 ص149 ورواه ابن جرير في تفسيره ج22 ص5.

هِيَ لَبْوَةٌ نَبَوِيَّةٌ *** مَحْجُوبةٌ في خَيْرِ غِيلِ(1)

سَكَنٌ لِحَيْدَرَةٍ وَ حَيْدَرَةٌ *** هِزَبْرٌ لِلرَّسُولِ(2)

مِنْ ذَيْنِ قَرَّتْ عَيْنُهُ *** في مُشْبِلَيْنِ وَ في شُبُولِ

كُفُوَيْنِ في نَسَبٍ قَصِیرٍ*** مُسْتَنِیرٍ مُسْتَطِيلِ

بَحْرَيْنِ مُلْتَقَيَيْنِ لَيْسَ *** لِكُلِّ بَحْرٍ مِنْ عَديلِ

كلِّ يَفِيضُ مَعِینُهُ *** بِعُذُوبَةٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ

جَلَّتْ حَلِيلةُ حَيْدَرٍ *** لَوْ لَمْ يَكُنْهُ عَنْ حَليلِ

سَبَقَتْ بِحَلْبَةِ كُلِّ فَضْلٍ *** كُلَّ ذِي فَضْلٍ نَبِیلِ

صَعَدَتْ مُحَلَّقَةٌ فَصَوَّبَ *** كلُّ عَقْلٍ لِلنُّزُولِ

وَصَلَتْ لِحَدِّلم يَصِلْهُ *** كُلُّ ذي شَرَفٍ جَلِيلِ

هِيَ رَحْمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ *** وَ نِعْمَةٌ لِلْمُسْتَنِیلِ(3)

ص: 243


1- غيل: موضع الأسد.
2- هزبر: أسد.
3- المستنيل: الطالب لأن يُنال و يُعطى.

وَ شفِيعَةٌ مَرضِيَّةٌ *** لِلَّهِ في يَوْم مَهُولِ(1)

شَخَصَتْ بِهِ مُقَلٌ وفَرَّبِهِ *** خَلِيلٌ عَنْ خَليلِ

هَلْ غَيْرُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** لِلْخَلْقِ مِنْ ظِلِّ ظَلِيلِ؟(2)

ص: 244


1- في كتاب البحار ج43 ص65 و ص101 قال الإمام أبو جعفر علیه السلام في حديث طويل: والله یا جابر إنها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديَّ.
2- ديوان شعراء الحسين علیه السلام ص34 القصيدة خالية من الألف.

(28) حليلة حيدر علیه السلام

(بحر الوافر)

السيد عبد الرزاق

الموسوي البهبهاني(*)(1)

يحِنُ القَلْبُ للخِلُ الوَصُولِ *** وَ يَنْعَاهُ مَدَى الزَّمَن الطَّويلِ

وَ يَشْتاقُ الغَوانِي كُلَّ يَوْمٍ *** لِذاكَ تَرَاهُ كَالغُصْنِ الذَّبُولِ

وَ يَنْظُرُ دارَ مَنْ يَهْوَى إليهِ *** فَيَهْمِي الدَّمْعَ كالغَيْثِ الهَطُولِ

يُنادِي كَمْ لَيالِي الوَصْلِ صارَتْ *** قِصاراً فِيكَ يا رَبعَ المَحِيلِ(2)

وَ كَمْ كانَتْ بِبابِكَ مِنْ رِجالٍ *** تُطالِبُ بِالنَّوالِ وَ مِنْ نِزيلِ؟

قصارَتْ لِلأوابد فِيكَ مَثْوّى *** دِيارُهُمُ غَدَتْ مِثْلَ الطُّلُولِ

أَلا يا دَهْرُ قَدْ أَدْمَيْتَ مِنّا *** جُفُوناً إذْ هَجَمْتَ عَلَى البَتُولِ

وَ حَرْقُكَ دارَها في نارِ جَزْلٍ *** وَ عَصْرُكَ فاطماً عند الدُّخولِ

ص: 245


1- (*)هو الخطيب السيد عبد الرزاق ابن الخطيب السيد حسين البههاني الموسوي. ينتسب إلى أسرة علمية شريفة النسب يرتقي نسبها إلى الإمام موسى الكاظم علیه السلام. ولد في مدينة كربلاء سنة (1325ه_) و فيها تفتحت عيناه و نشأ و ترعرع فيها، و أخذ دروسه العربية و الفقهية على أعلام كربلاء المشاهير و أخذ يمارس الخطابة و ذكر أهل البيت علیهم السلام في مجالس كربلاء المقدسة كمجلس السادة آل ثابت و دار السيد مهدي السندي و سوق الصفارين و غيرها. كان طلق اللسان و هذا يدل دلالة واضحة على ما وصل اليه من مرتبة متقدمة في حقول الثقافة و العلوم، و له شعر مطبوع و مشاركة جيدة في الشعر. أجاب السيد البهبهاني نداء ربه مساء يوم الثلاثاء 23 صفر المظفر سنة (1398ه) و دفن في كربلاء المقدّسة و أعقب ولده السيد جعفر.
2- رَبع: دار ،منزل حَيّ. المحيل: الجذب الأرض المحل: التي لاينتفع بها.

لِذا قَدْ أسْقَطَتْ ما في حَشاها *** حَلِيلَةُ حَيْدَرٍ فَحْل الفُحُولِ(1)

وَ قَدْ قال النَّبِيُّ أَلا احْفَظُوها *** فَإِنِّي قَدْ دَنَا عَنْكُمْ رَحِيلِي(2)

فإنّ اللَّه يَرْضَى في رِضاها *** وَ يَغْضَبُ إِنْ شَكَتْ بِنْتُ الرَّسولِ(3)

وَ أَعْظَمُ حَادِثِ جَلَلٍ فَظِيعِ *** لَهُ تَهْوِي الجِبالُ عَلَى السُّهُول

وَ كَيْفَ يُقادُ مِثلُ (أبي تُرابِ) *** فَیالِلَّهِ مِنْ خَطبٍ مَهُولِ

ص: 246


1- في الأبيات الثلاثة إشارة إلى حرق دار فاطمة علیها السلام و عصرها خلف الباب و إسقاط جنينها. و تقدم ذكره نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37، و كتاب الاحتجاج للطبرسي ج1 ص109، و كتاب بحار الأنوار ج53 ص19.
2- في هذا البيت إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من أنه قال: نقلاً عن كتاب سنن الترمذي ج5 ص663 قال : عن حبيب بن ثابت وزيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما». ذكره أيضاً ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12، و المستدرك ج3 ص109، و الذهبي في تلخيص المستدرك ج3 ص109، و محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص16.
3- في البيت إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من أن الله يرضى لرضا فاطمة علیها السلام و يغضب لغضبها. انظر كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص153، و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج5 ص522، و ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441، و كتاب ذخائر العقبى للمحب الطبري ص39. و في كشف الغمة للعلامة الأربلي ج1 ص448 يقول في بداية حديثه عن فاطمة علیها السلام: فلنبدأ الآن بذكر فاطمة علیها السلام الذي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها... و اكتسب فخراً ظاهراً من فخارها... و اعتلى على الأنساب بعلّو منارها... و شرف قدره بشرف محلها و مقدارها... فهي مشكاة النبوّة التي أضاء لألاؤها و تشعشع ضياؤها... و سحت بسحب الغر أنواؤها... و عقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد علا وعلاء.. . و مناصب آل وآلاء... و مناسب سناً و سناء... الكريمة الكريمة الأنساب... الشريفة الشريفة الأحساب... الطاهرة الطاهرة الميلاد... الزهراء علیها السلام الزهراء الأولاد... السيدة بإجماع أهل السداد... الخيرة من الخير... ثالثة الشمس و القمر... بنت خير البشر... أم الأئمة الغرر... الصافية من الشوب و الكدر... الصفوة على رغم من جحد أو كفر... الحالية بجواهر الجلال... الحالة في أعلى رتب الكمال... المختارة على النساء و الرجال... صلى الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها السادة الأنجاب و ارثي النبوّة و الكتاب و سلّم و شرّف و كرّم و عظّم.

(29) فاقت ضحى الشمس

(بحر البسيط)

الأستاذ عبد الرسول الفراتي(*)(1)

في مقلتيكِ عيونُ الفجرِ تكتحلُ *** و في معانيكِ يحلو المدحُ و الغزلُ

و الحظُّ وافى بهذا الكونِ بهجتَه *** في مولدٍ كُنههُ الإلهامُ و النُّبُلُ

وَ مولدٍ شعّت الآمالُ ساطعةً *** من وحيهِ ألَقٌ قرَّت به المُقَلُ

و مولدٍ قد سما عن كل مفردةٍ *** جاهاً و بالأماني يُضربُ المَثلُ

و مولدٍ بشرَّ المختارَ بارثُهُ *** فقام بين يديه و هو يبتهل

هذي الطبيعةُ سعدٌ من ولادتها *** فاقت ضحى الشمس لاكَيْوان لازُحل(2)

بنتُ النبي لها الأمجادُ راقصةٌ *** حتى الخمائلُ و الأزهارُ تحتفلُ

و ترتقي فوق هام المجدِ ألويةٌ *** غراءُ تخطفُها الأرواحُ و القبُلُ

شعَّت فلاهذهِ الأَزمانُ تحصرُها *** و للذُّرى من شذاها العطرُ ينتقلُ

يا فاطم الطهرُ يا روحاً مرفرفةً *** في عرش ربكِ لم يدنو لها الأجلُ

يا كبرياءَ الشذى و النفسِ يا ألقاً *** في الأفق بانَ فضاءَ الغَيُّ و الجهلُ

ص: 247


1- (*)هو الخطيب و الشاعر الشيخ عبد الرسول الفراتي. ولد في مدينة كربلاء المقدسة عام (1381 ه_) (1353 م). واصل دراسته الابتدائية في كربلاء المقدسة، ثم هاجر إلى إيران و واصل دراسته في مدارسها، و قد حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة و الأدب العربي، و يحاول استكمال المراحل العليا من دراسته. تربى فى أسرة أدبية و أخذ الشعر من والده و عمه و هما الشاعران الحاج علي و الحاج محمد علي الفراتي و ما زال يواصل نظم الشعر.
2- کیوان: اسم لأحد الكواكب.

يا فاطمُ الطهرُ يا روحاً ملمّعةً *** تفيضُ بين حنايا قلبِها المُثلُ

أنتِ البتولُ و للمختارِ مهجتُهُ *** و بين جَنْبَيْهِ الشوق و الأملُ

و أنتِ جنةُ دنيانا إذا لعِبت *** بنا الليالي و أنت الجِدُّ وَ الجَبَلُ

حویتِ سرَّ رسولِ اللَّهِ فِي وَضحٍ *** و سايرتُكِ خِلالٌ منه تكتملُ

وجاء تَزويجُكِ للفذِّ حيدرةٍ *** من السماء كما قد شاءه الأزلُ

خفَّفت عنه رزاياه التي اشتدّت *** فكنتِ ما يتمنى الفارسُ البطلُ

أنجبتِ من ریِّكِ الفياضِ كم حَسنٍ *** ومن مَعِينهُمُ الأنسامُ تنتهلُ

يا ثورةً شمُخت بالنصرِ فاندحرت *** بوجهِها الزيفُ و الشحناءُ و الحِيَلُ(1)

يا ثورةً وهبت للدين مُنْيَتَهُ *** فأخرست کل باغٍ همُهُ الختلُ

يا صرخةً هدرت بالجدِّ و انتصرتِ *** و أرغمت كل أنفِّ لفّهُ الزَغَلُ

أنت على موعدٍ و المسلمون غدوا *** كالزرع تضرمُهُ نار فيَشتعلُ

أنت على موعدٍ و الشرعُ تحكمُه *** شراذَمٌ و عُتاةٌ قادهم هُبَلُ(2)

و جسدتْ من سنا القرآنِ رؤيتَها *** و استبسلتْ فيه لا وهيٌ و لا مَلَلُ

و كان منطلقُ الميدانِ حيدرةً *** يقودُها للفدى الأقدامُ لاالكسلُ

و أيقظت غفواتِ الناسِ صيحتُها *** لينفني تحتَ أقدامٍ لها الدجلُ

تصارعُ الشرَّ أياً كان مصدُرُه *** و تحرسُ الدين إن أزرى به الشلَلُ

قد مارسوا كل تنكيلٍ و غطرسةٍ *** و كلَ ما قد نووْا في زجرِها عمِلُوا

و ما رعْوا لأبيها الفذِّ حرمتَهَ *** و استأسَدُوا خوراً يا بئسَ ما فعلُوا(3)

حتى اعتلتْ و بحولِ اللَّهِ رايتُها *** فموضعُ الجرحِ بعد النزفِ يندملُ

و في هُداها ستصحُوا كل غافيةٍ *** ما دامَ حبلٌ لها باللَّهِ يتَّصلُ

و سوف يعلو بيومِ الحشر بيرقُها *** و خلفه موكبٌ قَدْ أُمَّهُ الرسلُ

ص: 248


1- الشحناء: العداوة و المباغضة.
2- عتاة(العاتي) المستكبر أو الجبار.
3- خوراً: (الخور) الضعف.

(30) أفصبراً

(مجزوء الخفيف)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

أسْفَرَتْ في جَمالِهَا *** وَ اخْتَفَتْ في جَلاَلِهَا(2)

وَ دَنَتْ، غَيْرَ أنَّها *** بَعُدَت في مَنَالِهَا

وَ تَثَنَّتْ كَأَنَّها *** غُصُنُ باخْتِيَالها

تَجْمَعُ الخَيْرَ كُلَّهُ *** سَاعةٌ مِنْ وِصَالها

رَبَّةَ الحُسْنِ فَارْحَمي *** مُغْرَماً فِيْكِ وَالِها(3)

آنسَ النَّارَ في مُحيَّاكِ *** عِنْدَ اشْتِعَالِها

وَ هْيَ عَيْنُ الحَيَاةِ، لَو *** يَرتَوِي مِنْ زُلالها(4)

فَهْيَ نَارُ الخَلِيلِ، يا *** لَيْتَنِي في خِلاَلِها

أشكُر اللَّه أنَّ ذِكْرِي *** أَتَي فيِ مَقَالِهَا

فَتبَیَّنتُ أنَّ لِي *** صُورَةً في خَيَالِها

فَسَلُوها وَ بالِغُوا *** رَغْبَةَ في سُؤَالِهَا

رَدّدي اسْمِي لِتُكْمِلي *** نِعْمَةٌ بِاتّصَالَهَا

نِعْمَةُ الحُبِّ لَمْ أَزَلْ *** حَذِراً مِنُ زَوَالهَا

ص: 249


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- أسفرت: أسفر الصبح: طلع و أشرق.
3- والها: الوالِهْ: المتحيّر من شدة الوجد.
4- زُلالها: ماء زلال: عذبٌ صافٍ.

250

كَمُلَتْ في وِلاَءِ مَن *** كانَ عَيْنَ كَمالهَا

حَيْدَرٍ خيرةِ الوَرَى *** فِيْ جَمِيعِ خِصَالها (1)

يَوْمَ قَامَ النَّبِيُّ فِي *** مِنْبَرٍ مِنْ رِحَالهَا

خَاطِباً أَيَّ باً أيَّ خُطبَةٍ *** مُبْدِعاً في ارْتِجالهَا

قائِلاً ذَاتُ حَیْدَرٍ *** قُدَّسَتْ عَنْ مِثَالهَا

لَیْسَ للَّه مُسْلِماً *** کُلُّ مَنْ لَمْ یُوالهَا

وَهْوَ مِيزانُ شِرْعَتِي *** وَهُوَ عَيْنُ اعْتِدَالهَا

زَيَّنَتْهُ بِهَدْيِها *** وَ هْوَ سِرُّ جَمالها

مُمْكِنٌ حَصْرُ فَضْلِه *** لِلْوَرَى مِنْ مُحالهَا

وَاجِبٌ عِنْدَ فِرقَةٍ *** أفْرَطَتْ في مَقَالهَا

ناصِرٌ رَایَةَ الهُدَی *** دُونَ کُلَّ رِجَالهَا

سائِل العُرْبَ مَنْ رَأَتْ *** مِنْهُ لَيْثَ نِزَالها (2)الخضارم: جمع خضرم و هو الكبير العظيم.(3)الضراغم: جمع ضرغام و هو الاسد.(4)

ص: 250


1- خصالها: جمع خصلة و هي الخلّة.
2- ليث: الليث من أسماء الأسد وجاء في شرح النهج لابن أبي الحديد، الخطبة 122 قال الإمام علي علیه السلام: «والذي نفس ابن أبي طالب علیها السلام بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ علیه السلام من ميتة على الفراش في غير طاعة الله». قال ابن أبي الحديد «واعلم أنه أقسم أن القتل أهون من حتف الأنف وذلك على مقتضى ما منحه اللّه به من الشجاعة الخارقة لعادة البشر و هو علیه السلام يحاول أن يحض أصحابه و يحرضهم ليجعل طباعهم مناسبة لطباعه و إقدامهم على الحرب مماثلاً لإقدامه على عادة الأمراء في تحريف جندهم وعسكرهم. وهيهات إنما هو كما قال أبوالطيب: يكلف سيف الدولة الجيش همّة *** وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
3- و يطلب عند الناس ما عند نفسه *** و ذلك ما لا تدَّعيه الضراغم
4- ليست النفوس كلها من جوهر واحد ولا الطباع والأمزجة كلها من نوع واحد و هذه خاصة توجد لمن يصطفيه الله «تعالى» من عباده في الأوقات المتطاولة والدهور المتباعدة وما اتصل بنا نحن من بعد الطوفان -فإن التواريخ من قبل الطوفان مجهولة عندنا- أن أحداً أعطي من الشجاعة والإقدام ما أعطيه هذا الرجل من جميع خلق العالم على اختلافها من الترك والفرس والعرب والروم و غيرهم.

لَو رَمَتْهُ بكُلِّ ما *** أوتِيتَ مِن مِحَالهَا (1)

لم تَجِدْهُ مُوَلَّياً *** رَغْبةً عَن قِتَالَها

وَ اعْتَقِدْ في مدينةِ *** العِلمِ عِنْدَ سُؤَالهَا (2)

أيُّهُمْ كَانَ بابَها *** وَ هْوَ مُفْتِي حَلالِهَا (3)

ص: 251


1- المحال بكسر الميم: القوة والشدة والتدبير والمكر.
2- عن كتاب كنز العمال للمتقي الهندي، ج 5 ص 600 : قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: «أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها فمن أراد العلم فليأت الباب». و في المستدرك، للحاكم، ج3 ص129. عن جابر بن عبد الله قال: أخذ النبي صلی الله علیه و آله و سلم بعضد علي علیه السلام و قال: «هذا أمير البررة و قاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله ثم مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم و علي علیه السلام بابها فمن أراد العلم فليأت الباب.»
3- في كتاب الإمام علي علیه السلام أسد الإسلام و قديسه لروكس بن زائد،123 قال: فالإمام علي علیه السلام اعجوبة من أعاجيب القضاء لأنه أول قاض فرَّق بين الشهود لئلا يتواطأ اثنان منهما على شهادة تشوِّه جمال الحق أو تطمس معالمه فسنَّ بهذه السنّة الحميدة البارعة للقضاء ما يجعل سبيل الحق لهم واخماً وينزه أحكامهم عن الشبهات ويحول بين الذين يتلاعبون بضمائر الناس... و هو أول من سجَّل شهادة الشهود حتى لا تُبدّل شهادة بإغراء من رشوة أو تدليس من طمع أو ميل مع عاطفة فكان بذلك مبتكراً من أعظم المبتكرين لأن صيانة حقوق الناس من العبث والغش أثمن من حياة الناس نفسها فجاءت الأجيال والأمم والحكومات والدول تسير مع الأسلوب الذي وسمه الإمام الأعظم . وهو أول مكتشف للتفريق ما بين لبن أم الأنثى وأم الذكر... و في كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي، ج18 ص204. عن أبي جعفر علیه السلام قال: كان لرجل على عهد علي علیه السلام جاريتان فولدت إحداهما ابناً والأخرى بنتاً فعمدت صاحبة البنت فوضعت بنتها في المهد الذي فيه الابن وأخذت ابنها فقالت صاحبة البنت: الابن ابني. و قالت صاحبة الابن: الابن ابني. فتحاكمتا إلى أميرالمؤمنين علي علیه السلام فأمر أن يوزن لبنهما و قال: أيتهما كانت أثقل لبناً فالابن لها...

لاتَلُمْنِي بمَقُتِ مَنْ *** كُنْتُ أدْرِي بِحَالِهَ (1)

کَيْفَ مَعَ فَرْطِ نُورِه *** خَبَطَتْ في ضَلالِها؟

نازَعَتُه خِلافَةً *** بَالَغَت في اخْتِزَالِهَا

عَجَباً قَادَتْ البطل *** حَيْدَراً في حِبَالِهَا

وَهْوَ لَو شاءَ دَكَّ في *** السَّهْلِ رَأْسِي جِبالِهَا (2)

أفَصَبْراً، وَ قَدْ بَدَتْ *** زَوْجُهُ مِنْ حِجَالِهَا

بَعْدَ ارْزاءٍ حُمِّلَت *** أغْرَبَتْ بِاحْتِمَالهَا

دَافَعَتْ عَنْ قِتَالِهِ *** فَانْتَهَوْا في قِتَالِهَا (3)

ص: 252


1- مقت: أبغض أشد البغض.
2- راسي جبالها: الثابت الراسخ.
3- ديوان الربيعي ص62 والقصيدة في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام.

(31)علل الدنيا

(بحر الطویل)

الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام

أنشدها علیها السلام بعد وفاة فاطمة علیها السلام:

أَلاَ هَلْ إِلَى طُولِ الحَيَاةِ سَبِيلُ *** وَ أَنَّى وَ هَذَا المَوْتُ لَيْسَ يَحُولُ؟

وَ إِنِّي وَ إِنْ أَصْبَحْتُ بِالمَوْتِ مُوقِناً *** فَلِي أَمَلٌ مِنْ دُونِ ذَاكَ طَوِيلُ

وَ لِلدَّهْرِ أَلْوَانٌ تَرُوحُ وَ تَعْتَدِي *** وَ إِنَّ نُفُوساً بَيْنَهُنَّ تَسِيلُ (1)

وَ مَنْزِلُ حَقٍّ لاَمُعَرَّجَ دُونَهُ *** لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهَا إِلَيْهِ سَبِيلُ (2)

قَطَعْتُ بِأيّامِ التَّعَرُّرِ ذِكْرَهُ *** وَ كُلُّ عَزِيزٍ مَا هُنَاكَ ذَلِيلُ

ذَكَرْتُ أَبَا وُدِّي فَيتُّ كَأَنَّنِي *** بِرَدِّ الهُمُومِ المَاضِيَاتِ وَكِيلُ

أرَى عِلَلَ الدُّنْيَا عَلَيَّ كَثِيرَةً *** وَ صَاحِبُها حَتَّى المَمَاتِ عَلِيلُ

وَإِنِّي لَمُشْتَاقٌ إِلَى مَنْ أُحِبُّهُ *** فَهَلْ لِي إِلَى مَنْ قَدْ هَوَيْتُ سَبِيلُ؟

وَإِنِّي وَإِنْ شَطَّتْ بِي الدَّارُ نَازِحاً *** وَقَدْ مَاتَ قَبْلِي بِالفِرَاقِ جَمِيلُ (3)

فَقَدْ قَالَ فِي الأَمْثَالِ فِي البَيْنِ قَائِلٌ *** أَضَرَّ بِهِ يَوْمِ الفِرَاقِ رَحِيلُ

لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ خَلِيلَيْنِ فُرْقَةٌ *** وَكُلُّ الَّذِي دُونَ الفِرَاقِ قَلِيلُ

وَإِنّ افْتِقَادِي فَاطِماً بَعْدَ أَحْمَدٍ *** دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لا يَدُومَ خَلِيلُ

ص: 253


1- تروح و تغتدي: أي تجيء في العشيّ و تغتدي أي تذهب في الصباح.
2- لامعرّج: لاميلَ من جانبٍ إلى جانب.
3- شَطَّت: بَعُدَتْ.

وَ كَيْفَ هُنَاكَ العَيْشُ مِنْ بَعْدِ فَقْدِهِمْ *** لَعَمْرُكَ شَيْءٌ مَا إِلَيْهِ سَبِيلُ

سَيُعْرَضُ عَنْ ذِكْرِي وَتُنْسَى مَوَدَّتِي *** وَ يَظْهَرُ بَعْدِي لِلْخَلِيلِ عَدِيلُ

وَ لَيْسَ خَلِيلِي بالملُولِ وَ لاَالَّذِي *** إِذَا غِبْتُ يَرْضَاهُ سِوَايَ بَدِيلُ

وَلكِنْ خَلِيلِي مَنْ يَدُومُ وِصَالُهُ *** وَ يَحْفَظُ سِرِّي قَلْبُهُ وَدَخِيلُ

إِذَا انْقَطَعَتْ يَوْماً مِنَ العَيْشِ مُدَّتِي *** فَإِنَّ بُكَاءَ البَاكِيَاتِ قَلِيلُ

يُرِيدُ الفَتَى أَنْ لاَيَمُوتَ حَبِيبُهُ *** وَلَيْسَ إِلَى مَا يَبْتَغِيهِ سَبِيلُ

فَلا بُدَّ مِنْ مَوْتٍ وَ لابُدَّ مِنْ بُكاً *** وَ إِنَّ بَقَائِي بَعْدَكُمْ لَقَلِيلُ

وَ لَيْسَ جَلِيلاً رُزْهُ مَالٍ وَفَقْدُهُ *** وَلَكِنَّ رُزُءَ الأَكْرَمِينَ جَلِيلُ (1)

لِذَلِكَ جَنْبِي لاَيُؤَاتِيهِ مَضْجَعٌ *** وَ فِي القَلْبِ مِنْ حَرِّ الفِرَاقِ غَلِيلُ

ص: 254


1- رزه: مصيبة كبيرة.

(32)بفاطم علیها السلام يبقى الهدى

(بحر الکامل)

الشيخ علي بن حسن الجشي

يَوْمُ البَتُولةِ فِي الوُجُودِ مُهُولُها *** وَ مُصِيبَةٌ أَشْجَى الرِّشادَ حُلُولُها

يَوْمٌ بِهِ أَبْنا الهُدَى قد أُيتِمَتْ *** فَكَأَنَّمَا قَدْ ماتَ فِيهِ رَسُولُها

لَوْلاَ تَحَمُّلُها المَشَقَّةَ وَالعَنا *** لِرَشادِها ضَلَّ السَّبِيلَ نَبِيلُها

بِأَبِي وَ بي الصِّدِّيقةُ الكُبْرَى الَّتِي *** بَرَكاتُها عَمَّتْ وَدامَ جَمِيلها

لم تَعْدُ عَنْ سِنْ الشَّبابِ وَلَمْ يَطُلْ *** مِنْ جَوْرِهِمْ بَيْنَ الأَنامِ حُلُولها (1)

لَمْ تُشْرِقِ الدُّنْيا بِنُورِ جَبِينِها *** الاّ تَعَجَّلَ بالحِمامِ أفُولُها (2)

ما طالَ فِي الدُّنْيا بَقَاهَا إِنَّما *** الخَيْرُ الَّذِي قَدْ أَعْقَبَتْهُ طَوِيلُها

فأَئِمّةُ الإسلامِ وَ الحُجَجُ الأُلَى *** لَهُمُ ارْتَضى بارِي الأَنامِ شُبُولها

وإِذِ الوَرَى انْقَلَبَتْ عَلَى أَعْقابِها *** بَعْدَ الرَّسُولِ وَسَادَها ضِلِّيلُها

قَضَتِ المَشِيئَةُ أَنْ يَكُفَّ المُرْتَضَى *** وَبِفاطِم يبْقَى الهُدَى وخَلِيلُها

فَتَحمَّلَتْ نُوباً لَوِ انْصبَّتْ على *** الأيّامِ كانتْ لِلَيالِ تُحِيلُها (3)

عادَتْ عَزِيزَةُ أحْمَدٍ وَ عَدُرُّها *** ما شَاءَ يَفْعَلُ وَ العَدُوُّ جَهُولُها

ص: 255


1- انظر الصديقة في الرياض النضرة/ ج2 ص202 عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أنه قال لعلي علیه السلام:«أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي و لم أوت أنا مثلي و أوتيت زوّجة صدَّيقة مثل ابنتي و لم أوت مثلها زوّجة و أوتيت لحسن و الحسين علیهما السلام من صلبك و لم أوت من صلبي مثلهما ولكنكم منّي و أنا منكم».
2- الحِمام: الموت. أفولها: غيابها.
3- حذف حرف الياء من الليالي للضرورة.

اللَّهُ كَيْفَ َتتَبَّعُوها بالأَذى *** حتّى بمَثْوَى كانَ فيهِ حُلولها؟

لَيْسَتْ كَفاطِمَةَ الرَّضِيَّةِ مَرْيَمٌ *** أَنَّى يُقاسُ بِعِلَّةٍ مَعْلُولُها

فَلَئِنْ تَكُنْ سادَتْ نِساءَ زمانِها *** فَبِسِرِّ فَاطِمَةٍ غَدا تَفْضِيلُها

أَوْ أَعْقَبَتْ عِيسَى المُبارَكَ فَهْوَ مِنْ *** أتباعِ مُحْيِي الحَقِّ وَهْوَ سَلِيلُها

أَوْ أَنّها ابْتُلِيَتْ بِبَعْضِ مَصَائِبٍ *** فَعَنِ القَضا المَحْتُومِ كانَ نُزُولُها

وَالطُّهْرُ ما ابتُلِيَتْ وَقَدْ عَظُمَ البَلا *** لَوْلا رِضاها بِالبَلا وَقَبولُها

وَلَئِنْ تَكُنْ وَضَعَتْ بِعِيسَى وَحْدَها *** في القَفْرِ لم تَرَ ما هناكَ يَهُولُها (1)

وَ الطُّهْرُ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَضْعُها *** وَ بها أَحَاطَ عَدوُّها وعَذُولها (2)

وَ وَلِيدُها فَرَّتْ به عَيْناً على *** رَغمِ العِداةِ وَ لَمْ يَخِبْ مَأْمُولُها

وَ جَنِينُ أخشا فاطِمٍ في قَتْلِهِ *** سُرِّ الأعادِي وَ البَتُولُ ثَكُولُها

وَ لَئِنْ تَكُنْ صِدِّيقةً و لِغُسْلِها *** وَلِيَ ابنُها إِذْ ليسَ ثَمَّ مَثيلُها

فالمُرْتَضَى قَدْ غَسَّلَ الزَّهْراءَ إِذْ *** هُوَ كُفْؤُها في عِصْمَةٍ وعَدِيلُها

لَكِنَّ رُوحَ اللَّهِ غَسَّلَها وَ ما *** أَشجاهُ إلاّ بُعْدُها وَ رَحِيلُها

وَ المُرْتَضَى أَلَمُ الفِراقِ هُناكَ قَدْ *** أَنْساهُ ما منه تَطِيشُ عُقُولُها (3)

أمُغَسِّلَ الزَّهْرَاءِ عَزَّ عَلَيْكَ ما *** قَدْ نالَها مَنْ ذا سِواكَ كَفِيلُها؟

أتُراكَ تَعْلَمُ ما بِجِشمٍ قُمْتَ فِي *** تَغْسِيلِهِ ممَّا جَنَى ضِلِّيلُها؟

إنْسِيَّةٌ حَوْراءُ حلَّ بجسمِها *** ما لَوْ يَحِلُّ عَلَى الجِبالِ يُهيلُها (4)

ص: 256


1- القفر: الأرض لاماء فيها و لاكلأ و لاناس.
2- عذولها: لائمها.
3- تطيش عقولها: الطيش ذهاب العقل.
4- أنها حوراء إنسية. انظر ذخائر العقبى، ص36 قول النبي صلی الله علیه و آله و سلم لعائشة:«يا عائشة إن ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء إنسية فإذا قبلتها شممت منها رائحة الجنة و في كتاب عبقات و لائية للشيخ الوحيد الخراساني ص14-15. أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم و في الليلة التي عرج بها إلى الملأ الأعلى و معراج النبي إلى الملكوت الأعلى متعدد كما ثبت في محله: إن جبرئيل علیه السلام أتى بي عند شجرة و في مصادر العامة كان تعبير النبي صلی الله علیه و آله و سلم عن تلك الشجرة: إني لم أر أجمل و أحسن من تلك الشجرة و لم أر أبيض من ورقها و لاأطيب من ثمرها... فما هي تلك الشجرة؟ إنها شجرة أطلق عليها القرآن كلمة «طوبى» و طوبى مصدر من طاب على وزن بشرى وعقبى وهذا المصدر حمل على هذه الذات والروايات حول هذه الشجرة من الكثرة بحيث تستغني عن البحث فيها سواء من جهة السند أو الدلالة... و طوبى لها خصوصيات مذكورة في مصادر العامة والخاصة فجذر هذه الشجرة مستقر في بيت النبي الخاتم صلی الله علیه و آله و سلم و هي شجرة غرسها «سبحانه وتعالى» بيده... فغارس الشجرة هو اللّه مباشرة و جبرائيل و ميكائيل و اسرافيل لادور لهم هنا أما محل الغرس فهو بيت أول شخص في الوجود فهذه الشجرة قد زرعت في هذا البيت وأصل ماء هذه الشجرة من ثلاثة عيون تجري تحتها وهي السلسبيل والتسنيم والمعين وهذه العيون رواؤها... و أما أغصان هذه الشجرة فهي متدلية في جميع قصور الجنة ولا بد للداخل في قصورها أن يأخذ ما تشتهيه الأنفس من هذه الأغصان ولقد أتوا بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم في تلك «الليلة المعراج» عند هذه الشجرة وقطفوا ثمرها وناولوه فماذا كان لثمرها ؟ الرواية تقول: إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان يكثر من تقبيل فاطمة علیها السلام وتقبيل الأب لابنه و ابنته أمر اعتيادي إلّا أن هذا التقبيل قد خرج عن الحد المألوف فيما هيّج عائشة و أثارها فسألت النبي صلی الله علیه و آله و سلم لم تكثر تقبيل فاطمة علیها السلام؟ فقال صلی الله علیه و آله و سلم له في جوابها:«إنه عندما أسري بي في تلك الليلة أخذني جبرئيل إلى جوار تلك الشجرة و ناولني ثمرة قطفها منها فتحولت تلك الثمرة إلى ماء في صلبي و من ذلك الماء انعقدت نطفة الزهراء علیها السلام فكلما قبَّلتها شممت رائحة شجرة طوبى... ».

عُذْراً بإيصائي إلَيْكَ وَأنْتَ مِن *** كُلِّ الوَرَى أَوْلى وَأنْتَ حَلِيلُها

فَارْفُقْ لَدَى التَّغْسِيلِ بِالجَسَدِ الَّذِي *** لَوْلا مَسَتْهُ يَدٌ أَضَرَّ حُلُولُها

لَمْ يَبْقَ عُضْوٌ سالماً فتَمَسّه *** بَلْ كُلُّ عُضْوٍ عَادَ وَ هُوَ عَلِيلُها

والضِّلعُ مَكْسُورٌ وَجُرْحٌ مُؤلِم *** بِالثَّدْيِ وَالجِسْمُ اعْتَراهُ نُحُولُها

وَالَهْفَتا لِلْمُرْتَضَى لَمَّا عَلى *** قَبْرِ البَتُولَةِ قامَ وَ هْوَ ثَكُولُها

يَدْعُو بِخَيْرِ الرُّسْلِ إِذْ غَلَبَ الأسَى *** فِي زَفْرَةٍ وَالدَّمْعُ مِنْهُ هَمُولُها

قَلَّ اصْطِباري عَنْ صَفِيَّتِكَ الَّتِي *** ما في نِساءِ العالَمِينَ مَثِيلُها

وَ بِعَيْنِ رَبِّ العَرْشِ تُدْفَنُ فَاطِمٌ *** سِرّاً وَ يُجْهَلُ قَبْرُها وَ مَقِيلُها

ص: 257

فَلْتُحْفِ فاطِمَةَ السُّؤالَ فَحَقَّ أن *** تَسْتَخْبرَ الأحْوالَ ما تَفْصِيلُها

وبأيِّ شَيءٍ تُخْبِرُ الهادِي وما *** لاقَت مِنَ الأَغدا الجِبالَ تُزِيلُها؟

أَتَقُولُ: أَضْرِمَ بابُ دارِي جَهْرَةً *** إِذْ هُنْتُ عِنْدَهُمُ وَعَزَّ ذَليلُها ؟

أَتَقُولُ: داري حَيْثُ لا إذنٌ ولا *** لي من خِمارٍ قد أُبِيحَ دُخُولُها؟

أتقولُ: مِن حَنَقٍ جَنِينِي أَسْقَطُوا *** وَ عَداوَةٌ لَطَمَ الجَبِينَ جَهُولُها؟ (1)

مَوْلايَ عَزَّ عَلَيْكَ خَيْرُ وَدِيعَةٍ *** مِنْ أَحْمَدٍ ضاعَتْ وأنتَ كَفِيلُها

أَتُرَدُّ بَضْعَةُ أحْمَدٍ في حالةٍ *** مِنْهايُساءُ عَدوُّها و خَلِيلُها؟

وَ عِداكَ لَوْمٌ سَيِّدِي لَكِنَّه *** صَعْبٌ عَلَى النَّدْبِ الغَيُورِ ثَقِيلُها (2)

لَوْلاَ الوَصِيَّةُ ضاقَ من قَتْلى العِدَى *** مِنْ قَبْلِ ذاكَ حُزونُها وَ سُهولُها (3)

فَإِليكِ سَيِّدةَ النِّساءِ قَصِيدَةٌ *** هِيَ قَدْرُ جُهْدِي وَ الرَّجاءُ قَبولُها (4)

ص: 258


1- حنق: غيظ و غضب.
2- النَّدب: السريع إلى الفضائل-الظريف النجيب، الخفيف في الحاجة.
3- الحزون: جمع الحَزْن: و هو ما غلظ من الأرض و قلَّما يكون إلاّ مرتفعاً.
4- الديوان ج1، ص89.

(33) أسقطت بنت الهدی

(بحر الرّمل)

السیدغیاث آل طعمة(*)(1)

هَلْ رَسُولٌ مُخبرٌ طه الرَّسُولْ *** ما رَأَتْ مِنْ بَعْدِهِ الظهرُ البتولْ

***

فَلَقَدْ أَمْسَتْ مِنَ المُسْتَضْعَفِينْ *** وَزَواها حَقَّها رِجْسٌ لَعِينْ

كذَّبَ الظُّهرَ وَذا الرُّوحُ الأَمِينْ *** أنْزَلَ التَّظْهِيرَ مِنْ رَبِّ جَلِيلْ

***

يا رَسُولَ اللَّهِ وَالدَّمْعُ هَتِنْ *** إِذْ نَوَى لِلدَّارِ حَرْقاً مَن أُبِنْ (2)

قِيلَ فِيها فاطِمٌ قالَ وإِنْ *** لَيْتَ شِعْرِي أَكَذا يُجْزَى الرَّسُولْ (3)؟

***

قال إبْتُونِي بأَغوادٍ وَ نارْ *** لا بَقِيتُ إِنْ بَقِي لِلآلِ دارْ

فَهُمُ قَدْ وَتَرُونا بِشِفارْ *** أطْلُبُ الآلَ بثَأُرٍ وَ ذُحُولْ (4)

ص: 259


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- هتن: متقطّر أُبِنَ: عِيبَ وَ اتُّهِم.
3- انظر التهديد بإحراق الدار في كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة ، ج1 ص12 قول عمر حین أحاط بالدار و من معه: إما أن يخرج علي ومن معه للبيعة أو لأحرقنّ الدار على من فيها. فقيل له: إن فاطمة علیها السلام فيها -قال: و إن...
4- و ترونا: انتقموا منّا. شفار السيوف ذحول: انتقام.

دَخَلُوها وَهْيَ مِنْ غَيْرِ حِجابْ *** وَ لِحِفْظِ السِّتْرِ قَدْ لاذَتْ بِبَابِ

خالفوا في ذَلِكُمْ نَصَّ الكِتَابِ *** دُونَما استئذان ما صَحَّ الدُّخُولْ

***

مُذْ أَحَشُّوا عَصَرُوها فَثَبتْ *** في ضُلُوعِ الصَّدْرِ مِسْمارٌ نَبَتْ

صَرَخَتْ مِمَّا دَهاها وَ بَكَتْ *** أَبَتا أَصْبَحْتُ في عَيْشٍ ذَلِيلْ

***

أسْقَطَتْ بِنْتُ الهُدَى وَ احَزَنا *** مِن شَدِيدِ العَصْرِ ذاكَ المُحْسِنا

لَيْتَ شِعْرِي أَيَّ ذَنْبٍ قَدْ جَنَى *** لِيَذُوقَ المَوْتَ مِنْ غَدْرِ جَهُولْ

***

بَعْدَها اقْتادُوا عَلِيّاً ذا العُلَى *** بِحِبالِ البَغْيِ ظُلماً كُبِّلا

أعلِيّاً أسَرُوا يالَلْبَلا *** وَ هُوَ لَيْثُ الحَرْبِ فِي اليَوْمِ المَهُولْ؟

***

قَسَماً ما قَيِّدُوا ذاكَ الأبِیْ *** إنّما قَيَّدَهُ أمْرُ النَّبِيْ

فَهْوَ لايُؤْسَرُ بَلْ لَمْ يُقْربِ *** حِينَما في ساحَةِ الحَرْبِ يَصُولْ

***

نَسِيَتْ خَيْرُ النِّسا ما قَدْ جَرَى *** وَ سَعَتْ تَدْعُو أَعِيدُوا حَيْدَرا

أوْ لأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَمْحُو الوَرَى *** ضَاقَ صَدْرِي مِنْكُمُ أَهْلَ النُّكُولْ (1)

ص: 260


1- النكول: النكوص و الجبن. و في كتاب الكافي/ ج8 ص237-238: «.... لما أخرج علي علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام واضعة قميص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على رأسها آخذة بيدي ابنيها فقالت: ما لي و ما لك يا أبابكر تريد أن تؤتم ابني و ترمّلني من زوّجي؟ -واللّه- لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري و لصرخت إلى ربي».

فاطِمٌ أمُّ الهُداةِ الأَطْيَبِينْ *** وَ بِها يُغْفَرُ ذَنْبُ المُؤْمِنِينْ

لرِضاها يَرْضَى رَبُّ العَالَمِينْ *** فَوَلاها عَنْ لَظَى سِتْرٌ يَحُولْ

***

فَلَها قَدْ خَلَقَ اللَّهُ الوُجُودْ *** وَ لَهَا الأَشْرافُ قِنّ وَعَبِيدْ

فَهْيَ في الحَشْرِ عَلَى الخَلْقِ تَسُودْ *** عِندَها يُعْرَفُ ما قَدْرُ البتولْ (1)

***

يومَ تَدْنُو مِنْ تَراقِيها النُّفُوسْ *** وَيُنادَى طَأُطِمُوا كُلَّ الرُّؤوسْ (2)

كَيْ تَمُرَّ فاطِمٌ شَمْسُ الشُّمُوسْ *** نَحْوَ عَدْنٍ وَنَعِيمٍ لايَزُولْ

***

ما يَقُولُ المَرْءُ فِيها ما يَقُولْ *** فَهْيَ سِرُّ عَجِزَتْ فيهِ العُقُولْ

عِصْمَةُ الخَلْقِ لَدَى الخَطْبِ المَهُولْ *** وَ لِمَنْ لاذَبها خَيْرُ كَفِيلْ

***

فاطِمٌ تُضْربُ مُوتُوا أسَفا *** إنْ يَكُنْ الاّهُ هَمُّ لَكَفى

ص: 261


1- في كتاب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج99 ص193 : «و أكرم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنونه و أكثر من إكرام الرجال لبناتهم حتى خرج بها عن حدِّ حب الأباء للأبناء: فقال لمحضر الخاص و العام مراراً لا مرة واحدة و في مقامات مختلفة لافي مقام واحد: «إنها سيدة نساء العالمين» و إنها عديلة مريم بنت عمران... و إنها إذا مرت في الموقف نادى مناد من جهة العرش:«يا أهل الموقف غضوا أبصاركم لتعبر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم» و هذا من الأحاديث الصحيحة وليس من الأخبار المستضعفة... و إنّ إنكاحه علياً إياها ما كان إلّا بعد أن أنكحه اللّه «تعالى» إياها في السماء بشهادة الملائكة... و كم قال لامرة «يؤذيني ما يؤذيها و يغضبني ما يغضبها و إنها بضعة منّي يريبني ما أرابها»...
2- تراقي: جمع ترقوة و هي العظم الذي في أعلى الصدر بين ثغرة النحر و العاتق و هما ترقوتان.

قَدْ بَكَى مِمّا دَهاها المُصْطَفَى *** وَ لَها قَدْ غَضِبَ الرَّبُّ الجَلِيلْ

***

شِيعَةَ الزَّهْراءِ نُوحُوا وَ الْطِمُوا *** فَحَرامٌ بَعْدَها أَنْ تَبْسِمُوا

فَاذْكُروها وَ الْعَنُوا مَنْ ظَلَمُوا *** وَ انْدُبُوها الدَّهْرَ في دَمْعٍ هَطُولْ

***

يا بْنَةَ المُخْتارِهاكِ أدْمُعِي *** وَالرَّجا في الحَشْرِ لي أنْ تَشْفَعِي

فَمُصِيباتُكِ أَحْنَتْ أضْلُعِي *** ما لَها في صَفْحَةِ الدَّهْرِ مَثِيلْ

***

ص: 262

(34) فاطم علیها السلام أفضلُ

(بحرالكامل)

الشيخ محسن أبوالحب (الكبير)(*)(1))

يا صاحِ ما هذا الكتابُ المُنْزَلُ؟ *** يا صاح ما هذا النبيُّ المُرْسَلُ؟(2)

ما هَذِه الآياتُ تُتْلى بينَنا؟ *** فَمُفَصَّلٌ منها وَ مِنْها مُجْمَلُ

هَلْ غيرُ طه كانَ عنها مُخْبِراً *** أم غيرُ خالقنا لهنَّ مُنزِّلُ؟

أترى المَبلِّغَ كانَ فيها كاذِباً *** أمْ هذه الأَنباءُ منهُ تقوّل؟

يا صاحِ ما الإسلامُ ما الإيمانُ *** ما التوحيدُ ما العَدْلُ الّذي هُوَ أَعْدَلُ؟

أتراهُ لم يَتْرُكْ وصيّاً بعدَهُ *** في النّاس يَحْكُمُ بالكتابِ وَ يَفْصِلُ؟

أم قال مختارونَ أَنْتُمْ وانْصِبُوا *** مَنْ شِئْتُمُ بَعْدِي إماماً وَ اعْربوا

فَغَدوْا شُعُوباً بَعدَهُ وَ قبائلاً *** فمحرِّفٌ وَ مغيِّرٌ وَ مُبدِّلُ

كُلُّ يُحاوِلُ أن يكونَ خليفةً *** حتّى ابنُ آكلةِ الذُّبابِ الأرْذَلُ

فأصابَ منها ما أصابَ وَ بَعْدَه *** ذَهَبَتْ سفالاً يَدَّعيها الأَسْفَلُ

ماذا ترى في أُمَّةٍ لَعِبتْ بها *** تيمٌ وراحَتْ إثْر تيمٍ نَعْثَلُ؟(3)

وَ بها عليُّ وَهُوَ أَوْلَى مَنْ بها *** بالأَمْرِ لو أنّ المخاصِمَ يَعْدِلُ

أوَلم يكنْ يومُ الغديرِ ألَمْ يَكُنْ *** جبريلُ فيه بالزَّواجِرِ يَنْزِلُ؟

ص: 263


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- ربما لاتخلو القصيدة من أخطاء لرداءة الخط في الأصل المتوفر لدينا مضافاً إلى بعض الاختلالات في الوزن قد تكون نشأت من الناسخ واللّه العالم.
3- نعثل: الشيخ الأحمق و أراد عثمان بن عفان.

أوَلم يَقُلْ مَنْ كُنْتُ مولاه فذا *** مولاه بَعْدي وليّكمْ لاتَجْهَلُوا ؟

هذَا هُوَ البابُ الّذي مِنْ قبلِ ذا *** كُلِّفْتُمُ أنْ تَدْخُلُوهُ فَادخُلُوا

الأنبياءُ جَمِيعُهمْ قَبْلِي كذا *** فَعَلُوا فما لي بَعْدَهُمْ لاأَفْعَلُ

ولكلّ بيتٍ في الأنام دَعامةٌ *** وَ دعامة الإسلام هذا فَاعْقِلُوا

واللَّهِ ما أنا بالَّذي أمَّرتُهُ *** اللَّهُ أمَّرهُ عليكُمْ فَاقْبَلُوا

وأنا المدينةُ وابْنُ عَمِّي بابُها *** هَلْ مِن سِوَى البابِ المدينة تُدخَلُ؟

أنا من عليِّ وَهُوَ منّي مِثْلَما *** هارونَ من موسى فلا تَتَعلَّلوا

یا قوم إنَّ نُبُوَّتِي ما لم تَكُنْ *** فيها ولاية حَيْدرٍ لا تَكْمُلُ

إِن تُسْعِدُوه تُسْعَدُوا أَوْ *** تَنصرُوهُ تُنْصروا أو تُحْذِلُوه تُخْذَلُوا

وأقولُ هذا والقلوبُ كَأَنَّها *** تَغْلي عليَّ من الحرارةِ مرجلُ

إيَّاكُمُ أَن تَجْحَدُوا إِيَّاكُمُ *** أَن تُلْحِدوا إياكُمُ أنْ تَنْكَلُوا

هذا الكتابُ وعترتي فتمسَّكوا *** بِهما وإِنْ لم تَفْعَلُوا لَنْ تُقْبَلُوا

وَيْلٌ لمنْ ناواهما وقَلاهُما *** ويلٌ لِمَنْ هُوَ فيهما لا يَحْفلُ(1)

إنَّ الخلافَةَ لا تحلُّ لغيرهِ *** هذا أخي فيها المعُّم المخولُ

إنّ الخلافةَ لا تُلِيقُ لغيرِهِ *** من جبرة من أدْلَم من نعْثلُ

إنّ الخلافَةَ كالنبُوَّةِ رُتبةٌ *** تلكَ الأخيرةُ والنبوَّةُ أوّلُ

إِنَّ النبيَّ مُعَلَّمٌ من رَبَّهِ *** وَكَذَا خليفَتُهُ فلا تَتَبَدَّلُوا

ليسَ الخلافَةُ مَنْ يحيرُ وَيَجْهَلُ *** ليسَ الخليفةُ من يَشحُّ وَ يَبْخُلُ

ليسَ الخلافةُ مَنْ يَقولُ لدَى الوَغى *** حِيدِي حيادِ وقَلْبُهُ متزلزلُ

إنّ الخليفَة كائنٌ مثلي أنا *** مانابَ يوماً مُعْضِلُ أوْ مُشْكِلُ

ص: 264


1- ناواهما: عاداهما قلاهما: أبغضهما.

فَكَأَنّني بكُمُ غداً تَأتُونَني *** وَ سيوفكُمْ تعِلّ منّي وَ تنهلُ

تَرِدُونَ حَوْضي وَ هو غير محللٍ *** لِمَن اعْتدى وَ دمي لديه مُحَلَّلُ

وَ مَضَى بإيرادِ الثناءِ مرسلاً *** نَفْسي فداؤُكَ أيّها المزّملُ(1)

فهنالِكُمْ عمَّا دعاهُمْ أدْبَرُوا *** وعلى عليِّ بالضغَائِنِ اقْبَلُوا(2)

فَعَلُوا وما أدراكَ ما فَعَلُوا أنا *** أخبرك عنه تسأل أوْ لاتسألُ

فكأَنَّهُمْ لم يَسْمَعُوا وَكَأَنَّهُمْ *** لم يُبْصِروا وَ كَأَنَّهُمْ لم يَعْقِلُوا

أتَراكَ تَذكُرُ ما أحلَّ بفاطم *** ممّايَخِرُّ له السِّماك الأعَزَلُ(3)

إِنْ قيلَ حَوّا قلتُ فاطِمُ فخرُها *** أو قيلَ مريمَ قلتُ فاطِمُ أفْضَلٌ(4)

أفَهَلْ لمريم والِدٌ كمحمّدٍ *** أَم هل لمريَم مثلُ فاطِمَ اشبُلُ؟

كلّ لها حين الولادةِ حالَةٌ *** منها عُقُولُ ذَوِي البَصائِر تَذْهَلُ

هذِي لنخلتِها التَجثْ فتساقَطَتْ *** رُطباً جنّياً وهيَ منها تأكُلُ

وضَعتْ بعيسى وهْيَ غير مَروعَةٍ *** أنّى وحارِسُها السَّريُّ الأَبْسلُ(5)

وإلى الجَدارِ وَ صَفْحةِ البابِ التَجثْ *** خيرُ النساءِ فَاسْقَطَتْ ما تَحْمِلُ(6)

ص: 265


1- المزمّل: المتلفف بثوب أو نحوه.
2- الضغائن: الأحقاد.
3- السِّماك الأعزل: كوكب نيِّر.
4- في أنها أفضل النساء وَ أنها سيدة نساء العالمين: جاء في كتاب طبقات ابن سعد ج2 ص40 في حديث عن فاطمة علیها السلام قال: «سيدة نساء هذه الأمة أو نساء العالمين». و رواه ابن الأثير أيضاً في أسد الغابة ج5 ص522 و قال: سيدة نساء العالمين. و رواه النسائي أيضاً خصائصه ص34 و قال: سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين.
5- السِّري: صاحب المروءة في شرف أو صاحب السخاء في مروءة و هو مأخوذ من السِّراة أي الارتفاع و العلو. كما يعني السري السيد الشريف السخي، أو الجيد من كل شيء و الأبسل: العابس من الشجاعة أو الغضب.
6- في إسقاط الجنين انظر: الوافي بالوفيات ج5 ص347: حيث قال صلاح الدين الصفدي الشافعي في ترجمة النظام في ذكر أقواله: و قال إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها.

سَقَطتْ وَ أسْقَطَتِ الجنينَ وَ حولَها *** من كلِّ ذي حَسبٍ لئيمٍ جَحْفَلُ(1)

هذا يُعنِّفُها وذاكَ يَدُعُّها *** ويَسُبُّها هذا وهذا يَرْكلُ(2)

وَ أمامَها أسدُ الأسود يَقُودُهُ *** بالحبلِ قنفُذُ هلْ كهذا مُعْضِلُ

وبعينِ رَبِّ العرشِ يَلْطمُ خَدَّها *** أشقى البريةِ ثمّ لايتوجَّلُ

لاتدّعي بعدُ الشّهامة هاشِمٌ *** ما للشّهامة عندَ هاشمَ منزلُ

نال ابْن حنتمَ ما يُؤمِّلُ منهمُ *** حسبُ ابنُ حنتمَ نَيْلُهُ ما يأمُلُ

أوَ يَهْجَعُونَ وطفلُ فاطِمَ مُسْقَطٌ *** أوْ يَصْبِرُونَ ودَمْعُ فاطِمَ مُرسَلُ؟

وَ تراهُمْ لا يَعْضَبونَ لمثلِها *** وَ هُمُ على غيرِ الإِبا لَمْ يُجْبَلُوا

لكنّما العبّاس لم يَعْبُسْ لها *** وَ عقيلُ أمسى في عقالٍ يُعْقَلُ

وَ اقولُ ماذا والسياطُ بمتنِها *** حتّى القيامةِ ما لَهُنَّ تَجوُّلُ

وَ لسوفَ تأتي في القيامة هكذا *** تشْكو إلى ربِّ السّماءِ وَ تُعَوِّلُ

وَ لَترْفَعَنَّ جنينَها وَ حَنيَّها *** بشكايةٍ منها السّماءُ تُزَلْزِلُ

رَبّاهُ ميراثي وَ بَعْلِي حَقه *** غَصبوا وابنائي جميعاً قُتِّلُوا(3)

فَرْخايَ ذا بالشُّمّ أمْسى قلبُهُ *** قِطَعاً وَ هذا بالدّماء مُزَّمَّلُ

لم يَبْقَ سيفٌ من سيوفِ أميةٍ *** الاّ وَ عاد بلحمِه يتأكَّلُ

لم يبقَ رمحٌ من رماحِ أميّة *** إلاّ وَ عادَ بصدرِه يَتَرَسَّلُ

لم يَبْقَ سَهُمٌ مِنْ سِهامِ أميّة *** إلا وَ صار لِقَلْبِهِ يتوصَّلُ

وَ تَقُومُ بعد صوارِخاً من حولها *** فتيانُها وَ الكلُّ منها ثُكّلٌ

ص: 266


1- جحفل: الجيش الكبير.
2- يدعها: يدفعها دفعاً عنيفاً و بقوة و بجفوة.
3- انظر غصب فدك و منعها حقها كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362 حيث جاء فيه لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها فقال: ممّاذا تنفق على المسلمين؟ و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقَّه.

فتقومُ ثمَّ قيامةٌ أخرى لها *** كلُّ الأنامَ عن القيامةِ تَشْغَلُ

ما عذر تَيْمٍ عندها وعدَيّها *** وَ عليهما تلكَ الجرائمُ تُحْمَلُ

فهناكَ يَعْلَمُ مِنْ على اثريهما *** أمْسى وَ اصْبَحَ في الضّلال يُهَرْوِلُ

إذ ليسَ تَنْفعُهُ شفاعةُ شافعٍ *** هيهاتَ ليسَ له هناكَ مُعوِّلُ

فَلْيَعْرِفِ الأشهادُ أنّ وَ لاهما *** اجن وبعضهما الرحيقُ السّلسلُ(1)

اسراجُ ليلِ الوحي شمسُ نهارِهِ *** يا كوكبَ السّعدِ الّذي لايأفلُ(2)

زَعَموا بأنّك رابعُ الخُلَفاءِ لا *** واللَّهِ انتَ اخيرُهُمْ وَ الأَوَّلُ

ما من سواكَ خليفةٌ هيهاتَ *** انتَ الخليفةُ الّذي لايُعْزَلُ

خُذْها أميرَالمؤمنين قصيدةً *** وَ افَتْكَ في حُلَلِ الصّبابةِ تَرْفُلُ

ان كنتَ تَقْبَلُها فعَبْدُكَ محسنٌ *** أولا فإِني ما تَدُوسُ الأَرْجُلُ

لكنما بكَ يَرْحَمُ اللَّهُ الورى *** وَ عليهمُ برَكاتُهُ تَتَنزَّلُ

انتُمْ الئمَّتُنَا ونحنُ عبيدكُم**** وَ عليكُمُ فيما يَنُوبُ نُعَوِّلُ

أنا لَمْ ازلْ بكَ سيّدي مستشفعاً *** عندَ الإِلهِ وَ لم ازَلْ اتوَسَّلُ

حتّى أراكَ مُخلِّصي من كلِّ ما *** أخشاه في الدّارَيْن يا متفضّلُ

لاسيّما العظمى الّتي تدْري بها *** فما به أغني يشيرُ وَ يَذْبُلُ

وَ عليكَ صلْى اللَّه ما لاحتْ ضحى *** شَمْسُ النهار وَ جاء ليلٌ أليَلُ

ص: 267


1- الرحيق: ضرب من الطيب الخالص.
2- لايأفل: لايغيب.

(35) زهرة النبوة صلي الله علیه و آله و سلم و العصمة

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

قَسماً بِالمَعادِ وَ السَّلْسَبِيلِ *** وَ بِما جاءَ في الوَرَى مِنْ رَسُولِ(2)

وَ بِرَبِّي وَ عَدْلِهِ وَ هُداهُ *** وَ بِكُلِّ الفُرُوعِ تِلْوَ الأُصولِ

وَ بِكُلِّ الأدْيانِ أَقْسَمْتُ حَقاً *** إنّ دِينَ الإسْلامِ حُبُّ البَتُولِ(3)

مَثَلُ الظُّهْرِ وَالشَّهامَةِ وَالنُّبْل *** وما لَمْ يُصبهُ دَرْكُ العُقولِ

بنتُ طه وَزَوْجُ حَيْدَرَ وَالسِّبطانِ *** مِنْها وَزَيْنَبٌ كَالشُّبُولِ

جَمَعَتْها فَطَأُطَأَ الدَّهْرُ إجْلالاٍ *** لها خَدَّه فَهَلْ مِنْ مَثِيلِ؟ (4)

ص: 268


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- سلسبیل: اسم عين في الجنّة.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب المناقب لابن المغازلي ص370 عن علي علیه السلام قال: أخذ النبي صلی الله علیه و آله وسلم عبيد الحسن و الحسين علیهما السلام فقال:«من أحبّني و أحبّ هذين و أباهما و أمَّهما كان معي في درجتي يوم القيامة».
4- طأطأ: خفض. و فاطمة علیها السلام نعمة الله على خلقه ففي قوله تعالى:«يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها و أكثرهم الكافرون»[سورة النحل، الآية:83]. روى العلامة البحراني عن الفقيه الشافعي إبراهيم بن محمد «الحمويني» بإسناده عن الباقر علیه السلام من أهل البيت أنه قال في حديث:«ونحن من نعمة الله «عزوجل» على خلقه. و حيث إن مولاتنا فاطمة الزهراء علیها السلام من أهل البيت علیهم السلام كانت هذه الآية الشريفة مما نزل بحقها. راجع كتاب غاية المرام/ ص246. وكتاب فاطمة الزهراء في القرآن، ص129. و في قوله تعالى : «ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة اللّه كفراً وأحلوا قومهم دار البوار»[سورة إبراهيم، الآية: 28]. روى العلامة البحراني عن مجاهد قال: العرب و بنو أمية... محمداً صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام... ففي قوله تعالى: «الذين بدلوا» هم العرب من أهل الجاهلية و بنو أمية... و «نعمت اللّه» محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام... و فاطمة الزهراء علیها السلام هي من أهل البيت علیهم السلام فالآية الكريمة تعد فيما ورد في فضلها، راجع كتاب غاية المرام ص356. و كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن/ ص120 .

أَنْتِ يَا رَمْزَكُلِّ خَيْرٍ وَكُلُّ *** الخَيْرِ ذُرِيَّةٌ نَمَتْ لِلرَّسُولِ

أنْجَبَتْ لِلْوَرى ألمَّةَ طُهْرٍ *** فَتَسامَى بِهِمْ كِيَانُ الشُّمُولِ

كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ إلى العزِّ طَوْدٌ *** لَيْسَ يَحتاجُ قَصْدُهُ مِنْ دَلِيلِ

كُنْتِ إِذْ كُنتِ لِلْفَتاةِ مِثالاً *** لاِبْنةِ الخَيْرِ تَحْتَ ظِلِّ ظَلِيلِ

كُنْتِ بِنْتاًلَهُ وَأُمّاً حَنُوناً *** بَضْعَةٌ مِنْهُ لَمْ يَجِدْ مِنْ بَدِيلِ (1)

قَدْ تَعَاهَدْتِ منهُ قَلْباً وَ رُوحاً *** كَمْ هَوَى في يَدَيكِ بِالتَّقْبِيلِ

أَنْتِ يا زَهْرَةَ النُّبُوَّةِ وَ العِصْمَةِ *** دُنْيا مَلِيئةٌ بالفُصُولِ

أَيَّما جانِبٍ تَطَرَّقَ فِيكِ *** القَوْلُ فَالعَجْزُ ظَاهِرٌ في المَقُولِ؟

فَدَعِينِي أُدْلِي بِدَلْوِيَ فيهِ *** رُبَّ قَوْلٍ بهِ رِضاً للجليلِ

عُرْسُكَ الفَدُّ إِذْ يَزِفُّونَكِ *** لَيْلاً إلى عَلَيَّ أَصِیلِ

كيفَ باللَّهِ قَدْ تَصَدقْتِ بِثَوْبِ *** العُرْسِ الجَدِيدِ الطَّوِيلِ

أما وَ اللَّهِ قَدْ مَلَكْتِ عِلِيّاً *** بِصَنِيع للَّهِ فَذِّ جَمِيلِ

كيفَ بَيْتٌ حلَلْتِ سَيِّدَةٌ فِيهِ *** وَ كَيْفَ الحَياةُ عِنْدَ النَّبِيلِ؟

بَيْتُكِ الشَّامِخُ العَرِيقُ تَحَدَّى *** أَنْ يُرَى فِيهِ غَيْرُ كُوخٍ هَزِيلِ

ص: 269


1- إشارة إلى ما روي في كتاب كشف الغمّة ج1 ص498: عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: و من أنصفكِ فقد أنصفني، و من ظلمكِ فقد ظلمني، لأنّك منّي و أنا منكِ، و أنتِ بضعة منّي و روحي التي بين جنبيَّ . ثم قال صلی اللّه علیه و آله وسلم: إلى اللّه أشكو ظالميكِ من أمَّتي.

الرَّحَى أَتْعَبَتْ يَدَيْكِ دَواراً *** وَ رَحَى الكَوْنِ في يَدَيْكِ فَدِيل

حدِّثينا عَنِ الصَّبايا عَنِ الأطفالِ *** عَنْ سَيِّدِي فَتى كُلِّ جِيلِ

أَيَّ رُوحٍ بَثَثْتِ فيهِمْ فَأَضْحَوْا *** سادَةَ الكَوْنِ عندَ كُلِّ قَبِيلِ؟

يَتَحَدَّوْنَ كُلَّ طَاغٍ فَيَهْوِي *** صاغراً دُونَهُمْ كَصَبِّ ذليلِ

ثُمَّ بَعْدَ النَّبِيِّ يَا لَهْفَ قَلْبِي *** كَيْفَ قَدْ خَلَّفُوكِ باللَّه قُولي؟

إنّما خُطْبَةٌ تَكَرَّمْتِ فِيها *** سَمِعُوها بَيْنَ البُكاءِ وَالعَوِيْل

الحبرْتنا بِأنّما صُدِّع الإسْلامُ *** مِنْ يَوْمِ كَسْرِ ضِلْعِ البَتُولِ(1)

ص: 270


1- صُدِّع: شُقَّ و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص40: فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها...

(36) أُمُّ الأئمّة عليهم السلام

(بحر البسیط)

الشيخ محمّد الساعدي

الكَوْنُ أَجْمَعُ بِالميلادِ يَحْتَفِلُ *** فَبِنْتُ طه بها الإسْلامُ يَکْتَمِلُ

نُورُ الهِدَايةِ شَعَّتْ في مَرابِعِنا *** فاسْتَبْشَرَ الوَحْيُ وَ الأملاكُ وَ الرُّسُلُ

طارَتْ قُلُوبُ المَلا في يَوْمِها فَرَحاً *** فَالكُلُّ مُبْتَهِجٌ وَ الكُلُّ مُبْتَهِلُ(1)

وَ باتَ قَلْبُ رَسُولِ اللَّه مُنْشَرِحاً *** فَفَاطِمُ الْخَيْرِ فِيها البِشْرُ وَ الأَمَلُ

ماذا أَقولُ عَنِ الزَّهْراءِ إِنَّ لها *** مِنَ المَكارِمِ ما ضاقَتْ بِها الجُمَلُ؟

بِنْتُ النُّبُوَّةِ غَذّاها بِحِكْمَتِهِ *** وَ زَوْجُ حَيْدرَ عِمْلاقُ الوَرى البطلُ

أُمُّ الأئمّةِ مَنْ شَوْقاً لِطَلْعَتِها *** مَلائِكُ العَرْشِ تَأْتِيها وَتَتَّصِلُ(2)

ص: 271


1- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى ما صاحب ولادة الزهراء علیها السلام من كرامات و أفراح. ففي كتاب عوالم العلوم ج1 ص58 نقلاً عن كتاب مشارق الأنوار ص85 قال: من أسرار مولدها الشريف ما رواه أصحاب التواريخ أن خديجة علیها السلام لما حضرتها الولادة بعث اللّه «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوت و أباريق وماء من حوض الكوثر و جاءتها مريم بنت عمران و سارة و آسية بنت مزاحم بعثهن اللّه يعنّها على أمرها فلما وضعتها أشرقت الدنيا وامتلأت منها الأقطار بالطيب والأنوار، وفاح عطر العظمة و امتلأت بيوتات مكة بالنور، و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق بالنور، و ظهر في السماء نور أزهر لم يكن قبل هذا... و في البحار، ج16 ص81 قال: ضمن حديث طويل «و تباشرت الحور العين و بشر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادة فاطمة علیها السلام و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سمِّيت الزهراء علیها السلام»، و ذكره ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ج3 ص340.
2- في البيت إشارة إلى نزول الملائكة على الزهراء علیها السلام ففي كتاب البحار ج43 ص24 قال: -ضمن حديث طويل- قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «فأيما امرأة صلَّت في اليوم و الليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجَّت بيت اللّه الحرام و زكَّت مالها و أطاعت زوّجها و والت علياً علیه السلام بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام وإنها لسيدة نساء العالمين». فقيل: يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال صلی الله علیه و آله وسلم: ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين، و إنها لتقوم في محرابها فيسلِّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين و ينادونها بما نادت به الملائكة فيقولون: يا فاطمة علیها السلام «إن اللّه اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين»[سورة آل عمران آية: 41] و في كتاب دلائل الإمامة ص56 قال: عن أبي عبد الله علیه السلام يقول: سمَّيت فاطمة علیها السلام محدّثة: لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم ابنة عمران فتقول يا فاطمة علیها السلام «إن اللّه اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين» يا فاطمة علیها السلام «اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين» فتحدَّثهم و يحدَّثونها ، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها وإن اللّه «تعالى» جعلك سيدة نساء عالمك و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين. في حديث طويل في كتاب البحار، ج43 ص58 جاء فيه «ألا وأزيدكم من فضلها: إن اللّه قد وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها و من خلفها وعن يمينها و عن شمالها و هم معها معها في حياتها و عند قبرها و عند موتها يكثرون الصلاة عليها و على أبيها و بعلها و بنيها.»

تَهْفُو لِطَلْعَتِها الغَرّاءِ باسِمةً *** وَتَسْتَزِيدُ سَنى مِنْ نُورِها المُقَلُ(1)

قد كانَ مَوْلِدُها لِلدِّينِ مَدْرَسَةً *** من وِرْدِها العَذْبِ كلُّ النّاسِ تَنْتَهِلُ(2)

ما كانَ فيها سِوَى المَعْرُوفِ تَنْشُدُه *** بِنْتُ الرِّسالَةِ مَضْرُوبٌ بِها المَثَلُ

تَضَوَّعُ مِسْكاً حَياةُ الطُّهْر فاطِمَةِ *** «والزَّنْبَقُ الوَرْدُ مِنْ أَرْدانِها شَمِلُ» (3)

قَدْ خَصَّها اللَّهُ فِي أَلْطَافِهِ فَغَدَتْ *** مِشْكاةَ عِلْمٍ بِنُورِ اللَّهِ تَشْتَعِلُ (4)

ص: 272


1- سَنَاً: ضياء.
2- وِرْدِها: الوِرْد الماء الذي يُورَد.
3- الظاهر أن العجز مأخوذ بالحرف و المعنى من قصيدة للأعشى واللّه العالم.
4- في البيت إشارة إلى ما روي من أن الزهراء علیها السلام هی المشکاة. ففی كتاب تفسير القمي ج2 ص102-103 قال: عن أبي عبد الله علیه السلام: في قول اللّه «اللَّه نور السماوات و الأرض مثل نوره كمشكاة» المشكاة فاطمة علیها السلام «فيها مصباح» الحسن والحسين علیهما السلام «في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دريٌ»كأن فاطمة علیها السلام كوكب دري بين نساء أهل الأرض«يوقد من شجرة مباركة» يوقد من إبراهيم علیه السلام «لا شرقية ولا غربية» يعني لايهودية و لانصرانية «يكاد زيتها يضيء» يكاد العلم يتفجر «منها ولو لم تمسسه نار نور على نور» إمام منها بعد إمام «يهدي اللّه لنوره من يشاء» يهدي اللّه للأئمة من يشاء أن يدخله في نور ولايتهم مخلصاً «ويضرب اللّه الأمثال للناس واللّه بكل شيء عليم»[سورة النور، آية: 35]. و ذكره ابن المغازلي في مناقبه ص317 كما في كتاب فاطمة الزهراءعلیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص31.

لَنْ يَبْلُغَ الشِّعْرُ أنْ يُحْصِي مَكارمَها *** فَدُونَ وَصْفِ عُلاها انْتابَني الخَجَلُ

فَهْيَ الشفيعةُ في يَوْمِ الحسابِ لنا *** وَهْيَ المَلاذُ لنا إن قَلِّتِ الحِيَلُ (1)

ص: 273


1- إشارة إلى شفاعة الزهراء علیها السلام يوم القيامة. ففي كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج2 ص150 قال: عن يونس بن يعقوب عن الإمام الصادق علیه السلام ضمن حديث طويل قال: «قال جدي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام: البُشرى فلك عند اللّه مقام محمود تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتشفعين». و في كتاب دلائل الإمامة ص57 ضمن حديث طويل عن الإمام علي علیه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «ثم يبعث اللّه ملكاً لها لم يُبعث لأحد قبلها و لايبعث لأحد بعدها، فيقول: إن ربكِ يقرأ عليك السلام و يقول: سليني فتقول: هو السلام و منه السلام و قد أتم عليَّ نعيمه و هناني كرامته و أباحني جنته و فضلني على سائر خلقه، أسأله ولدي و ذريتي و من وَدَّهم بعدي و حفظهم فيَّ ، فيوحي اللّه إلى ذلك الملك من غير أن يزول من مكانه، أخبرها إني قد شفَّعتها في ولدها و ذريتها ومن ودهم فيها و حفظهم بعدها فتقول الحمدللّه الذي أذهب عنّي الحزن و أقرَّ عيني فيقرُّ اللّه بذلك عين محمد صلى الله عليه و آله و سلم». و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26 قال: عن علي بن موسى الرضا علیه السلام إن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إن اللّه «عزوجل» فطم ابنتي فاطمة علیها السلام و ولداها و من أحبهم من النار فلذلك سمَّيت فاطمة علیها السلام». قلائد الإنشاد في النبي صلی الله علیه وآله وسلم وآله الأمجاد ص484.

(37)أوَ ما ترى الزهراء علیها السلام؟

(بحر الكامل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(1)

مَنْ ذا الفَقِيدُ عَلا عَلَيْهِ عَوِيلُ *** فَعَرى جميعَ العالمينَ ذُهُولُ؟

وَ لِفَقْدِهِ جِبْريلُ نادَى في السَّما *** صَوْتاً وَجِبْرِيلٌ بِهِ مَثْكُولُ

يا خَاتَمَ الرُّسْلِ الكِرامِ ومَنْ إلى *** هَدْيِ الأَنامِ مِنَ الإلهِ رَسُولُ

إنَّ البَسِيطَةَ أَظْلَمَتْ أَرْجاؤُهَا *** مِنْ بَعْدِ شَخْصِكَ فَالخَطِيبُ مَحِيلُ(2)

قَدْ كُنْتَ يا خَيْرَ البَرِيَّةِ حَاجَتِي *** فيها فما لي مُذْ رَحَلْتَ نُزُولُ

بَيْنا أسائِلُ إِذْ سَمِعْتُ بِأنَّ ذا *** الهادِي وهذا نَعْشُهُ المَحْمُولُ

يا مَنْ تُسائِلُ أَيُّ خَطْبٍ قَدْ عَرَىٰ *** وَتَكادُ مِنْهُ الرّاسياتُ تَزُولُ؟(3)

أوَ ما تَرى الزَّهْراءَ تَنْدُبُ خَلْفَهُ *** وَ دُمُوعُها سَيْلَ الغَمامِ تَسِيلُ؟

وَ تَحِنُّ مِنْ قَلْبٍ مَلِيءٍ بالأَسَى *** طَوْراً وطَوْراً تَنْثَنِي فَتَقُولُ

حُزْنِي لِفَقْدِكَ سَرْمَدٌ لا تَنْقَضِي *** أَيّامُهُ حَتَّى يَحِينُ رَحِيلُ

ما كانَ فِي الحُسْبَانِ يَحْجُبُ بَيْنَنا *** رَيْبُ المَنُونِ بِسَهْمِهِ وَ يَحُولُ

ابَتاهُ بَعْدَكَ لا يَطِيبُ لِيَ الكَرَىٰ *** كَلاّ وَلا عَيْنِي إِلَيْهِ تَمِيلُ

وَ لَحِقْتُ مِنْ شَوْقِي بِرَكْبِكَ عاجِلاً *** لَوْ كَانَ ثَمَّةَ لِي يَصِحُّ سَبِيلُ

ص: 274


1- مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- محیل: شديد الجدب.
3- الراسيات: الجبال الراسخة الثابتة.

أَبْكِي وَما جَزَعاً بَكَيْتُ مِنَ القَضا *** لكِنَّما أَخْشَى الفِرَاقَ يَطولُ

أَبتاهُ تَنْعاكَ الصَّلاةُ وَفَرْضُها *** وَكَذلِكَ التَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ

يَوْمٌ سَرَيْتَ بهِ عَنِ الدُّنْيا سَرَى *** عَنّابِهِ لِلتّائِهِينَ دَلِيلُ(1)

أبَتاهُ إنْ أوذِيتُ في دارِ الفَنا *** فَإِلَيْكَ فِي دارِ البَقاءِ مُقِيلُ(2)

ص: 275


1- سرى: سار في الليل.
2- نقل من دیوان میراث المنبر ص12.

(38)يا ربْة الفخار

(بحر الخفيف)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

ها هُوَ العِيدُ قُمْ فَحَيَّ البَتُولا *** حَيِّ فَرْعَ الهُدَى الزَّكِيَّ الأصِيلا

حَيّ أُمَّ الحُسَيْنِ وَ ابنَةً طه *** ها هُوَ الحَفْلُ وَفِّها التَّبْجِيلا(2)

حَيِّ فيه خَدِيجَةَ النُّبْلُ أُمّاً *** صاغَ مِنْها الإيمانُ مَجْداً أثيلا(3)

ص: 276


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في كتاب كشف الغمة، ج2 ص90، ط دار الكتاب الإسلامي بيروت لبنان: «عن علي علیه السلام أن النبي صلی الله علیه و آله و سلم سُئِلَ: ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول اللّه صلی الله علیه وآله وسلم، تقول: إنّ بتول و فاطمة علیها السلام بتول. فقال اللّه: البتول علیها السلام التي لم تر حمرة قطُّ أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء.».
3- فی كتاب المناقب، لابن شهرآشوب ص357 ج3 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم -المطبعة العلمية بقم يؤكد ذلك: «أم الحسن و أمّ الحسين و أم المحسن علیها السلام، و أم الأئمة، و أم أبيها...». و في كتاب البحار ج43 ص15: «جاء في كناها أنها أم الحسن و أم الحسين و أم المحسن علیهاالسلام و أم الأئمة و أم أبيها و أسماؤها على ما ذكره الرواة فاطمة علیها السلام... البتول... الحصان... الحرَّة... السيدة... العذراء... الزهراء... الحوراء... المباركة... الطاهرة... الزكيّة... الراضية... المرضيّة... المحدّثة... مریم الكبرى... الصدّيقة الكبرى... و يقال لها في السماء النورّية السماوّية الحانية... و ورد في تفسير الحانية: أي المشفقة على زوجها و أولادها. قال الجزري: الحانية التي تقيم على ولدها لاتتزوّج شفقة و عطفاً و منها الحديث في نساء قريش: أحناه على ولد وأرعاه على زوّج...». و عن أبي جعفرالباقر علیه السلام عن آبائه قال: إنما سمَّيت فاطمة علیها السلام بنت محمد الطاهرة صلی الله علیه و آله و سلم لطهارتها من كل دنس... و طهارتها من كل رفث... و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً...

حَيِّ فيه قَلْباً لَها طَهَّرَتْهُ *** بِمَعين الهُدَى فَعافَ الذُّحُولا(1)

قدر زَکا لاتَرَى بهِ غَيْرَحُبَّ *** الخَيْرِ طَبْعاً لايَرْتَضِي التَّبْدِيلا

حَيِّ فِيهِ جَفْناً لَها أَسْهَرَتْهُ *** فِي انْتِظارِ الفَجْرِ الجَدِيدِ وُصُولا

فَجْرُ يَوْم يُدْني لها ساعَةَ البُشْرِ *** وَتَلْقَى في سَعْدِهِ المَأمُولا

لم يَرُعْها اللَّيْلُ البَهِيمُ وَ إِنْ ضاقَ *** انْتِظاراً قَلْبٌ لها أَنْ يَطُولا

زَمَنُ البُعْدِ لِلَّذِي تَرْتَجِيهِ *** وَ تُعَدُّ الأَيَّامُ عِبْئاً ثقِيلاً

فَتراها بُطْأً يَسيرُ بها الخَطْوُ *** تَمَنَّتْ مِنْ ثِقْلِها أَنْ تَزُولا

وَ السَّمِيرُ الأَنيسُ كانَ لها الحَمْلُ *** وَ كانَ النَّجيُّ كانَ الخَلِيلا

ربِّ يَوْم جاءَ الرِّسُولُ وَ كانَ *** الصَّوْتُ يَبْدُو في أُذُنِهِ مَوْصُولا

مَنْ تُناجِينَ يا خَدِيجَةُ؟ يَبْدُو *** السّؤْلُ مِنْهُ وَ إِذْ تُجيبُ الرَّسُولا

يُنْبِها عَنْ بِشَارَةِ اللَّهِ فِيها *** فَهْيَ أُنْثى وَاختارَ مِنْها السَّلِيلا(2)

***

إِيْهِ يا رَبَّةَ الفَخارِ وَقَدْ أَسْهَرْتِ *** جَفْناً وقَدْ تَعِبْتِ طَويلا

ص: 277


1- الذحولا: النار.
2- يُنبها: أصله ينبئها حذفت الهمزة للتخفيف (و الأبيات التي سبقته) و هذا البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب دلائل الإمامة، للطبري ص 8 ط3/منشورات الرضا علیه السلام/ قم مطبعة أمير/ قم: «...فلما حملت بفاطمة علیها السلام و كانت خديجة سلام الله علیها تغتم و تحزن إذا خرج رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم كانت فاطمة علیها السلام تحدّثها من بطنها و تصبّرها و كان حزن خديجة سلام الله علیها من حذرها على رسول اللّه صلى الله عليه وآله و سلم و كانت خديجة سلام الله علیها تكتم ذلك عن رسول اللّه صلی الله علیه وآله وسلم فدخل يوماً فسمع فاطمة علیها السلام تحدّث خديجة سلام الله علیها فقال: يا خديجة سلام الله علیها من يحدّثك؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني. فقال: يا خديجة سلام الله علیها هذا جبرئيل يبشرني بأنها أُنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و أن اللّه «تبارك وتعالى» سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة ويجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه...».

وَ سُقِيتِ كَأْسَ المقاطَعةِ الكُبْرى *** وَ عما كانَ كَأسُها مَعْسُولا

عابكِ نِسْوَةٌ بِقَوْلٍ هُراءٍ *** قَدْ أرادوا بذكرِهِ التَّهْوِيلا

خَسِؤوا إِنّ ذاكَ قَوْلُ حَسُودٍ *** خَسِرَ الرِّبحَ مَنْ أَضاعَ السَّبِيلا

وَلَقَدْ فاتَهُ رَبِيعُ الأَماني *** وَسَيَلْقى فيما رَجاهُ المحُولا(1)

فَاهْنَئي هذِهِ التَّباشِيرُ *** احَالَتْ أرْضَ الرَّجاءِ جمِيلا(2)

بالأَماني الّتي تَحَقَّقَ وَعْدُ الحَقِّ *** فِيها بِالفَوْزِ هاكَ البتُولا

شَمْسُ مَجْدٍ لا يَنْطَفِي وَهَجُ *** النُّورِ وَ لاصُبْحُها يَعودُ أَصِيلا

أَبَداً شُعْلَةٌ تُضيءُ بِنُورِ *** الهَدْيِ دُنْيا الحَياةِ جِيلاً فَجِيلا

***

يا بْنَةَ المُصْطَفَى وَ قَدْ حارَ مِنِّي *** الفِكْرُ لا أَهْتَدي إلى المَدْحِ قِيلا

أنْتِ أَسْمَى مِنَ المَدِيحِ وَ أَسْمى *** أَنْ يَصُوغَ الیَراعُ مَدْحاً هَزِيلا(3)

أوْ يَلوكَ اللِّسانُ فِيكِ بياناً *** فَيَعُودُ البَيانُ فِيكِ عَلِيلا

حَسْبُنا أَنَّنا أَطَعْنا وَ أَنّا قَدْ *** حَفِظْنا بِالوُدِّ فِيكِ الرَّسُولا

وَ غَضِبْنا كما غَضِبْتِ وَ نَرْضَى *** في رضاك نُعْطِيهِ عَهْداً جَلِيلا(4)

قَدْ عَلِمْنا عَلَى اليَقِينِ بأَنَّ الحَقِّ *** رَهْنٌ في نَهْجِكُمْ لَنْ يَزُولا

وَعَلَيْهِ أَنْتُمْ تَسِيرونَ قُدْماً *** قَدْنَهَجْتُمْ فُرُوعَهُ والأُصُولا

ص: 278


1- المحولا: الجدب.
2- التباشير: البشرى و تباشير كلّ شيءٍ أوائله.
3- اليراع: الجبان،الضعيف مَن لا رأي له و لاعقل، القلم، و هذا المعنى الأخير هو الأنسب.
4- قريب من هذا المعنى ما جاء في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص325 المطبعة العلمية/ قم -مؤسسة انتشارات علامة: «ان النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن اللّه ليغضب الغضبك و يرضى لرضاك».

هكذا دِينُنا عَلَيْهِ عَقَدْنا *** عَزَماتِ القلوبِ جِيلاً فَجِيلا

***

إخْوَةَ العِلْمِ لا أُرِيدُ مَدِيحاً *** لا وَ لاأَبْتَغِي البَيانَ الهَزيلا

فَلَنا بَيْنَ ذَيْنِ واقِعَنا الحُرُّ *** فَلا عُذْرَ إِنْ نَطَقْتُ فُضُولا

إِنَّنا عُصْبَةٌ إذا ما اتَّخَذْنَا *** الجَدَّنَهجاً وَالهَدْيَ فيه الدَّلِيلا

ومَزَجْنا الإخْلاصَ بالخُلُقِ السّا *** مِي طَبْعاً فكانَ نَهْجاً أَصِيلا

وَسَرَيْنا نَقْفُوخُطى السَّالِكِينَ *** الغُرِّ فيما هُمْ رَأَوْهُ السَّبِيلا

في هُدَى شَيْخِنا المُفِيد الأجَلَّ *** ومَعَ المُرْتَضَى نَسِيرُ قَبيلا

ورَسَمْنا الطّوسِيَّ في حَوْزَةِ العِلْمِ *** عَلَى نَهْجِهِ نعدّ الفُصولا

وَشفَعنا المَجْهُودَ في صالح المَرْ *** ضِيِّ منّا فكان فيه العَدِيلا

فَسَنَعْلُوا فِيما نَرُومُ المُرَيّا *** وَنُسامِي أَرْضَ السِّماكَيْنِ طُولا(1)

كلُّ أَمْرٍ ضَرَعْتَ فيهِ إلى اللَّهِ *** بخَيْرِ الأَعْمَالِ لَنْ يَسْتَحِيلا

هانَرى حَفْلَها البَتُولُ فَذا *** خَيْرُ سَبِيل ننالُ فيهِ الوُصُولا

شَرَّفَتْنا بهِ وَقَدْ اتْحَفَتْنا *** فِيه مِنْ كفِّها الوِسامَ الجَلِيلا(2)

وَاعْتِزازاً أقُولها إِنَّهُ الفَخْرُ *** إذا نالَ مِنْ عُلاها القَبُولا

وَلَنا بَعْدَهُ رَجاءٌ أكِيدُ *** أن يَعِيشَ الشّعُورُ فينا طَوِيلا

أبَداً لا يَحُدُّ منّا نَشاطٌ *** أبداً يَتْبَعُ القبيل القبيلا

في احْتِفاءِ الذِّكْرَى نُقيمُ لها *** الحفلَ رَتيباً وَقَدْ نَفَيْنا الخُمُولا

حَيْثُ تُنْمِي آثارُه الزاكياتُ *** البِيضُ فِينا عَقِيدَةً ومُيُولا

ص: 279


1- نروم: نقصد. السماكَين: هما كوكبان نيّران يقال لأحدهما: السِّماك الرامح لأن أمامه كوكباً صغيراً، يقال له راية السماك و رمحه و للآخر السماك الأعزل لأنه ليس أمامه شيء.
2- اتحفتنا : أهدت لنا .

فَيُغذِّي جَوَانِحَ النَّفْسِ بِالإيمانِ *** حُرّاً ما شِيْبَ فِكْراً دَخِيلا

إنّنا في الحَياةِ أغْراضُ مَفتونٍ *** يَحُوکُ التَّشْكِيكَ والتَّضْلِيلا

وَيَصُوعُ الإلحادَ طَرْزَ ثَقافاتٍ *** يَراها الغَيُّ فِكْراً أَصِيلا

وَلَوْ أَنَّ الحَياةَ فِيما نَراها *** قَدْ بَدَتْ عَنْ مَسارِها تَحْوِيلا

إذْ بَدَا الخَيْرُ طارِفاً يَفْتَحُ *** الآمالَ أنّ الحياةَ تبْنِي بَدِيلا

عن حَيَاةِ الضَّياعِ فِيما نُقَضِّي *** مِنْ زمانٍ وَنَسْتَعيدُ السَّبِيلا

نَحْوَ دنيا الإيمانِ نَرْسُو عَلَيْها *** في ثَباتٍ لا نَرْتَضِي التَّبْدِيلا

حَيْثُ ينشي المَهْدِيُّ دَوْلَةَ حَقِّ *** قَدْ دَنَا عَهْدُهُ وَدَانَى وُصُولا(1)

ص: 280


1- أفراح الولاء ص117.

(39) البتولة علیها السلام ثكلى

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

أمَلُ النّاسِ في البقَاءِ طَوِيلُ *** وَ هُوَ ظِلُّ عَمّا قَلِيلٍ يَزولُ

لاتَغُرَّنْكَ غُدْوَةٌ بِسُرُورٍ *** وَ انْتَظِرُ ما يَجِيءُ فيهِ الأَصيلُ(2)

وَ عَظَتنا الدُّنْيا وَكَمْ قَدْ أَرَتْنا *** عِبَراً لَوْ تَدَبَّرَتْها العُقُولُ

خُذْ مِنَ الزّادِ ما اسْتَطَعْتَ كَثِيراً *** لِغَدٍ فَالبَقاءُ فِيها قَلِيلُ

لَيْسَ فِيها وإنْ يَكُنْ جَلَّ وَقْعاً *** بَعْدَ يَوْمِ النَّبِيِّ خَطْبٌ جَلِيلُ

يَوْمَ فِيهِ قَدْ أَجْهَشَ المَلأُ الأَعْلَى *** وَصَكَّ الأَسْماعَ مِنْهُ العَوِيلُ(3)

أيُّ يَوْمٍ بهِ البَتُولَةُ ثَکْلَى *** وَ بِهِ شَخْصُ أَحْمَدٍ مَثْكُولُ

زَلْزَلَ الأَرْضَ مُذْ أَطَلَّ وَ كادَتْ *** راسِياتُ الجِبالِ مِنْهُ تَزولُ

غابَ نَجْمُ السّارِين إِنْ عَسْعَسَ *** اللَّيْلُ وَ ضَلَّ الهادِي وَ حارَ الدَّلِيلُ(4)

هَلْ مُقْيلٌ مِنْ عَثْرَةِ الدَّهْرِ أَمْ هَلْ *** بَعْدَظِلِّ الإلهِ فِيها مَقِيلُ؟

فَمَنِ الغَوْثُ وَ الزَّمانُ مَهُولٌ *** وَ مَنِ الغَيْثُ وَ السُّنُونُ مُحُولُ؟(5)

ص: 281


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- غدوة: الصباح. الأصيل: الوقت بين العصر والمغرب أو العشيّ.
3- أجهش: تهيّأ للبكاء. صكّ: ضرب شديداً أو لطم.
4- عسعس: دام.
5- محول: جَذْب.

صَعَدَ الرُّوحُ منه في رُوحِ قُدْسٍ *** مالَهُ بَعْدَها بِوَحْيٍ تَزُولُ(1)

أَيّها المُدْلِجُ المُعِذُّ بِحَرْفٍ *** شَفَّها الوَحْدُ بالفَلا وَالذَّمِيلُ(2)

إِنْ تَجِيء طَيْبَةً فَقَبِّلْ ضَرِيحاً *** مِنْ شَذاهُ طابَتْ صَباً وقَبُولُ(3)

قُلْ لَهُ واسْکُبِ المَدامِعَ عَنْ ذِي *** مُهْجَةٍ مِلْؤها جَوًى وَغَلِيلُ

يا رَسُوَل اللَّهِ الأَمِينَ عَلَى *** الوَحْيِ لَقَدْ خانَكَ المَلا والقَبِيلُ

إِنَّ يَوْماً مَضَيْتَ فيه لَيَوْمٌ *** لَيْسَ يَسْلُوهُ لِلقِيامَةِ جِيلُ

غَيْرَ أَنَّ الأَعْداءَ بَعْدَكَ لَمّا *** غِبْتَ ها جَتْ أَحْقادُهُمْ والذُّحُولُ(4)

مالَ فيها نَحْوَ الضَّلالِ هَواها *** عَنْ سَنا الحَقِّ وَالهَوَى يَسْتَمِيلُ

نَقَضُوا عَهْدَ حَيْدَرٍ فَأَعادِيهِ *** كَثِيرٌ وَالنَّاصِرُونَ قَلِيلُ

جَحَدُوا نَصَّكَ الصَّرِيحَ عَلَيْهِ *** وَ بِإِجْماعِهِمْ أُقِيمَ الدَّلِيلُ

إِنَّ يَوْمَ الغَدِيرِ أَنْكَرَهُ القومُ *** وَغالَتْ خِلافَةَ الحَقِّ غُولُ(5)

إنَّ تِلْكَ الذِّئابَ بَعْدَكَ غالَتْ *** أَسَدَ اللَّهِ وَاسْتُبِيحَ الغِيلُ(6)

وَتَواصَوْا على اغْتِصابِ حُقُوقٍ *** قَدْ حَوتْها بالإرْثِ مِنْكَ البَتُولُ

ص: 282


1- بعث صلی الله علیه و آله وسلم بالنبوَّة في (27) من رجب وعمره أربعون سنة و توفي بالمدينة في الثامن و العشرين من صفر سنة (11) ه_ و عمره ثلاث و ستون سنة و قيل: مات مسموما صلی الله علیه و آله وسلم.
2- المُدْلج : السائر كل الليل أو آخره-المغذ: المسرع في السير. شفَّها: نقصها أو زادها. الذميل: السير اللين-الوَخد: وَخَدَ البعير أي أسرع و صار يرمي بقوائمه كالنعام.
3- قبول و صبا: القبول هي نفسها ريح الصبا لأنها تستقبل الدَّبور.
4- غالت: أهلكته وأخذته من حيث لا يدري-غُول: الهلكة.
5- الغيل: الاغتيال والإهلاك.
6- إشارة إلى ما روي في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: أنه كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها، فقال ممّذا تنفق على المسلمين؟ و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ الكتاب فشقّه. انظر كتاب مصباح الزائر ص25 و البحار ج100 ص198 ح16. ورد في ذكر زيارتها في بيتها و بالبقيع تقول: السلام على البتول علیها السلام الشهيدة ابنة نبي الرحمة صلی الله علیه و آله وسلم و زوجة سلام الله علیها الوحي الحجة و والدة السادة الأئمة السلام عليك يا فاطمة الزهراء علیها السلام ابنة النبي المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم... السلام عليك و على أبيك... السلام عليك وعلى بعلك و بنيك علیهم السلام... السلام عليك أيتها الممتحنة علیها السلام. السلام عليك أيتها المظلومة الصابرة... لعن الله من منعك حقك... و دفعك عن إرثك... و لعن اللّه من ظلمك و أعنتك و غصصك بريقك و أدخل الذل بيتك... و لعن الله من رضي بذلك و شايع فيه و اختاره و أعان عليه و ألحقهم بدرك الجحيم. إني أتقرب إلى اللّه «سبحانه» بولايتكم أهل البيت و بالبراءة من أعدائكم من الجن و الإنس «صلى الله على محمد وآله الطاهرين.»

جَرَّعُوهَا مِنْ بَعْدِ عَيْنَيْكَ غَيْظاً *** ما إِلى بَثِّهِ إِلَيْكَ سَبِيلُ

لَمْ يَصُونُوا رَيْحانَةً كُنْتَ تَجْنِیها *** وَ سُرْعانَ ما عَراها الذُّبُولُ

وَ سَقَوْا أَكْؤُسَ المَنيَّةِ سِبْطَبْكَ *** وَ لَمْ أَدْرٍ بَعْدُ ماذا أَقُولُ

أَدْرَكُوا وَ تْرَهُمْ فَذَلِكَ مَسْمُومٌ *** و هذا بِثَأْرِ بَدْرٍ قَتِيلُ

بِسَنا رَأْسِهِ تَنُوءُ العَوالي *** (وَعَلَى صَدْرِهِ تَجُولُ الخُيُولُ(1)

ص: 283


1- الذخائر ص9.

(40)حياة البتول

(بحر الطويل)

السيّد محمّد مهدي بحر العلوم (*)(1)

ص: 284


1- (*)هو السيد محمد مهدي ابن السيد مرتضى ابن السيد محمد البروجردي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم من نسل إبراهيم طباطبا من ذرية الحسن المثنى ابن الإمام الحسن المجتبى علیه السلام. ولد في كربلاء المقدسة ليلة الجمعة من شهر شوال سنة (1155ه_) و قد جاء تاريخ الولادة (النصرة آي الحق قد ولد المهدي). آل (بحر العلوم) أسرة علمية عريقة أنجبت العدد الكثير من رجالات العلم و الأدب. نزحت من بروجرد واستوطنت مدينة كربلاء المقدسة، ثم هاجر بعض رجالها إلى مدينة النجف الأشرف، فقد ظهر في هذه الأسرة الكريمة نوابغ وأعلام للفكر الديني وزعيم وعميد هذه الأسرة مولانا السيد بحر العلوم (قدس سره). نشأ وترعرع سيدنا في أسرة عجنت طينتها بعذب الولاء الصادق وأخذ دراسته مبدئياً على والده السيد مرتضى الطباطبائي، ثم على أساتذة فحول وأساطين الدين من الفقهاء والمحققين في حوزة كربلاء المقدسة منهم : 1- الوحيد آغا باقر البهبهاني 2- صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني 3- الشيخ محمد باقر الهزار جريبي 4- السيد حسين الموسوي الخونساري 5- الشيخ محمد مهدي الفتوني العاملي 6- السيد عبد الباقي الحسيني الخاتون آبادي 7- الشيخ محمد تقي الدورقي وغيرهم من أعاظم العلماء. و في سنة (1169ه) غادر كربلاء المقدسة إلى النجف الأشرف لينهل من معين العلماء والفقهاء أكثر فأكثر حتى أصبح سيد العلماء الأعلام علّامة دهره وزمانه ووحيد عصره وهو من أكبر زعماء الدين، وقد أذعن له جميع علماء عصره ومن تأخر عنه بعلو المقام والرئاسة النقلية والعقلية وسائر الكمالات النفسانية وأخذ عنه العلم جهابذة عصره، منهم الفاضل النراقي صاحب المستند، والسيد جواد العاملي _ صاحب مفتاح الكرامة، والشيخ حسين نجف، والشيخ محمد مهدي النراقي _ صاحب جامع السعادات، والشيخ محمد علي الأعسم وغيرهم من أعاظم العلماء. وَعَرِّجْ عَلَى الأَطْمارِ من آلِ هَاشِمٍ *** فَهُمْ شَرَفِي وَالفَخْرُ فيهم وَهُمْ أَصْلي * وسيدنا بحر العلوم (رحمه اللّه) بالإضافة إلى مرجعيته العلمية والدينية الكبرى وكثرة مشاغله الاجتماعية _ دائب التفكير والعمل والانجازات من حيث المشاريع الخيرية ونشير إلى بعضها. فإنه ذهب إلى مكة المكرمة وبقي هناك قرابة ثلاث سنوات، حتى عيِّن وأثبت مشاعر الحج ومواقيت الإحرام على الجهة الشرعية الصحيحة، وكانت قبل ذلك مهملة، و أيضاً بناء وتعمير مسجد الكوفة، و كذلك في مسجد السهلة وتعيين قبر المختار بقرب قبر مسلم بن عقيل و تجديد بناء جامع الطوسي وغير ذلك. وبالرغم من عظمته في العلم، و وصوله الغاية القصوى في الزهد والتقوى كان «قدس سره» على جانب كبير من أريحية الأدب ولطف المساجلة والإخوانيات. وينقل أن المولى النراقي-صاحب جامع السعادات-كتب إليه رسالة من (كاشان) وضمن رسالته بيتين من الشعر هما : ألا قل لسكان أرض الغري *** هنيئاً لكم في الجنان الخلود أفيضوا علينا من الماء فيضاً *** فإنا عطاشى وأنتم ورود فأجابه السيد على الفور: ألا قل لمولى يرى من بعيد *** ديار الحبيب بعين الشهود فنحن على القرب نشكو الظما *** وفزتم على بعدكم بالورود وللمترجَم له عدد من المصنفات والمؤلفات منها: 1- المصابيح في العبادات والمعاملات. 2- الدرّة النجفية في الفقه وعدد أبياتها ألفان. 3- تحفة الكرام في تاريخ مكة والبيت الحرام. 4- الفوائد الرجالية. وإلى غير ذلك من الرسائل والنوادر. لبى نداء ربه بعد زعامة دينية واسعة، وترك فراغاً كبيراً في عالم العلم والتقى. توفي بالنجف الأشرف سنة (1212ه) ودفن قريباً من قبر الشيخ الطوسي.

أَلا عَدِّ عَنْ ذِكْرى بُنَيْنَةَ أَوْ جملِ *** فَما ذِكْرُها عندي يُمِرُّ ولا يُحْلي

وَلاَ أَطْرَبَتْنِي البِيضُ غَيْرَ صَحائِفٍ *** مُحبَّرةٍ بالفَضْلِ ما بَرحَتْ شُغلي

وعُوجٍ يُقِيمُ الاعْوجاجَ انْسِلالَها *** إذا حانَ منها الحينُ حَنَّتْ إلى السَلِّ

وعُذْ للأُلى هُمْ أَصْلُ كُلِّ فَضِيلةٍ *** ويَمِّمْ منارَ الفَضْلِ من رَبْعِهِ الأصْلي(1)

ص: 285


1- يمّمْ: أُقصُدْ.

وسَلِّمْ على خَيْرِ الأَنامِ مُحَمَّدٍ *** وَعِتْرَتِهِ الغُرِّ الكِرامِ أُولي الفَضْلِ

وَخُصَّ عَلِيّاً ذا المناقِبِ وَالعُلا *** وَصِيَّ النبيَّ المُرْتَضَى خِيرَة الأَهْلِ

إلى أن يقول :

وَزَوَّجَهُ المُخْتارُ بَضْعَتَهُ وما *** لَها غَيْرُهُ في النَّاسِ من كُفُؤٍ عَدْلٍ(1)

وَقال لَها زَوَّجْتُكِ اليَوْمَ سَیِّدا *** تَقيّاً نَقيّاً طاهِرَ الفَرْع والأَصلِ (2)

وَ أَنْتِ أَحَبُّ النّاسِ عِنْدِي وإِنّهُ *** أَعزُّ وأَوْلَى الكُلِّ بَعْدِيَ بالكُلِّ(3)

وإِنَّ إِله العَرْشِ رَبَّ العُلى قَضَى *** بِذا وَتَوَلَّى الأَمْرَ وَالعَقْدَ مِنْ قَبْلي

فَأَبدَتْ رِضاها وَاسْتَجابَتْ لِرَبِّها *** وَوالِدِها رَب المَكارِمِ والفَضْلِ(4)

ص: 286


1- إشارة إلى ما ورد في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام ج1 ص225 ح3 ط/ انتشارات جهان-طهران: «عن علي علیه السلام قال : قال لي رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم: يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا: خطبناها إليك فمنعتنا و زوّجت عليّاً؟ فقلت لهم: واللّه ما أنا منعتكم وزوّجته بل اللّه منعكم وزوّجه فهبط عليّ علیه السلام جبرئيل فقال: يا محمد صلی الله علیه و آله وسلم إنَّ اللّه جلّ جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه».
2- جاء في كتاب كشف الغمة، ج2 ص99 ط/ دار الكتاب الإسلامي (1981م) بيروت/لبنان: «عن شرحبيل بن سعيد الأنصاري: قال لما كان صبيحة العرس أصابت فاطمة علیها السلام رعدة فقال لها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: زوّجتك سيداً في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين.».
3- جاء في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص331 ط/ المؤسسة انتشارات علامة/ قم-المطبعة العلمية بقم: «عن عائشة: أنه قال علي النبي صلی الله علیه و آله وسلم لما جلس بينه و بين فاطمة علیها السلام وهما مضطجعان: أيّنا أحبّ إليك، أنا أم هي؟ فقال الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هي أحبّ إليَّ وأنت أعزّ عليّ علیه السلام منها».
4- والبيت الذي يليه أيضاً جاء في كتاب عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج1 ص407-408 منقولاً عن كتاب العلو للعليّ الغفّار في صحيح الأخبار و سقيمها ص27: عن أبي هريرة قال: لمّا خطب علي علیه السلام فاطمة علیها السلام من رسول صلی الله علیه و آله وسلم فقال له: «أي بنيّة إن ابن عمك عليّاً قد خطبك فما تقولين؟»-إلى أن قال: فقال:«والذي بعثني بالحق ما تكلّمت في هذا حتى أذن اللّه فيه من السماء فقالت فاطمة علیها السلام: رضيت بما رضي اللّه لي».

وَ كَمْ خاطِبٍ قَدْ رُدَّ فيها ولَمْ يُجَبْ *** وَ كَمْ طالِبٍ صِهْراً وما كانَ بالأَهْلِ

وَ لَوْلا عَلِيٌ ما استُجِيبَ لِخاطِبٍ *** وَ لاكانَتِ الزَّهْرا تُزَفُّ إلى بَعْلِ

و أكْرِمْ بمَن يُعْلِي النَّبِيُّ بشَأْنِها *** وَأَسْمِعْ بما قَدْ قَالَ مِنْ قولِهِ الفَصْلِ!

ألا فاطِمٌ مِنّي وَمَنْ هِيَ بَضْعَةٌ *** وَمَنْ قَطْعُها قَطْعِي وَمَن وَصْلُها وَصْلي(1)

وَمَنْ لرِضاها اللَّهُ يَرْضَى وَسُخْطُها *** لَهُ سَخَطٌ أَعْظِمْ بذلكَ مِنْ فَضْلِ (2)

لذَا اختارَها المُخْتارُ لِلْمُرْتَضَى الّذي *** رِضاها رِضاهُ في العَزِيمةِ وَالفِعْلِ

وَمَن لا يَزالُ الحَقُّ مَعْهُ وَلَمْ يَزَلْ *** مَعَ الحَقِّ لا يَنْفَكُ كُلٌّ عن الكُلِّ

فأَعْظِمْ بزَوْجَيْنِ الإِلهُ ارْتَضاهُما *** جَلِيلَيْنِ جَلاً عَنْ شَبِيهٍ وَعَنْ مِثْلِ

فَكُلٌّ لِكُلِّ صالِحٌ غَيْرُ صَالِحٍ *** لَهُ غَيْرُهُ وَالشَّكْلُ يَأبَى سِوَى الشَّكْلِ

لِذلِكَ ما هَمَّ الوَصِيُّ بِخُطبةٍ *** حَيَاةَ البَتُولِ الطُّهْرِ فاقِدَةِ المِثْلِ(3)

بِذا خَبَّرَ المُختارُ وَ الصَّدْقُ قَوْلُهُ *** أَبا حَسَنٍ ذاكَ المُصَدِّقِ في النَّقلِ

فَأَضْحَى بَرِيئاً وَالرَّسُولُ مُبَرِّناً *** (وَقَدْ أَبْطَلا دَعْوَاكُما الرَّثَّةَ الحَبْلِ)(4)

ص: 287


1- ورد في كتاب كشف الغمة ج2 ص123-124 ط دار الكتاب الإسلامي/ بيروت/ لبنان (1981م). «روی جابر بن عبد اللّه الأنصاري في حديث: يا بنية أنت المظلومة بعدي، و أنت المستضعفة، بعدي فمن آذاك فقد آذاني ومن غاظك فقد غاظني ومن سرّك فقد سرّني ومن برك فقد برّني ومن جفاك فقد جفاني ومن وصلك فقد وصلني ومن قطعك فقد قطعني أنصفك فقد أنصفني ومن ظلمك فقد ظلمني لأنك منّي وأنا منك وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبي، ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: إلى اللّه أشكو ظالميك من أمتي».
2- في كتاب المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص325 ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم المطبعة العلمية بقم: «ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن اللّه ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك».
3- ورد في كتاب المناقب، لابن شهر آشوب ج3 ص330، ط مؤسسة انتشارات علامة/قم-المطبعة العلمية بقم: «عن أبي عبد الله علیه السلام: حرّم اللّه «عز وجل» النساء على عليّ علیه السلام ما دامت فاطمة علیها السلام حيّة. لأنها طاهرة لاتحيض.».
4- الرثّة: البالية.

بِذلِكَ فَاعْلَمْ جَهْلَ قَوْمٍ تَحَدَّثُوا *** (بِخُطْبَتِهِ بِنْتَ اللّعِينِ أَبي جَهْلِ)

نَعَمْ رَغِبَتْ مَخْزومُ فيه وَحاوَلَتْ *** بِذَلِكَ فَضْلاً لو أُجِيبَتْ إلى الفَضْلِ

فَلمّا أبى الطُّهْرُ الوَصِيُّ وَلَمْ يُجِبْ *** رَمَتْهُ بِما رَامَتْ ومالَتْ إلى العَذْلِ

فَبَرّأَهُ المُخْتارُ ممّا تَحَدَّثَتْ *** وَما أَظْهَرَ الرِّجْسانِ من كامِنِ الغِلِّ

وَقَدْ طُوِّقا إِذ ذاكَ مِنْهُ بِلَعْنَةٍ *** فَسامَتْهُما خَسْفاً وذُلا على ذُلِّ(1)

وقَدْ جاءَ تَحْرِيمُ النِّكَاحِ لِحَيْدَرٍ *** عَلى فاطِمٍ فِيما الرُّواةُ له تُمْلِي

فإنْ كانَ حَقّاً فَالوَصِيُّ أَحَقُّ مَن *** تَجَنَّبَ مَحْظُوراً مِنَ القَوْلِ وَالفِعلِ

وَكَيْفَ يُظَنُّ السُّوءُ بِالطُّهْرِ حَيْدرٍ *** وَرَبُّ العُلَى فِي ذِكْرِهِ فَضْلَه يُعْلِي؟

وَكَيْفَ يَحُومُ الوَهْمُ حَوْلَ مُطَهَّرٍ *** مِنَ الرِّجْسِ فِي فَصْلٍ من القَوْلِ لا هَزْلِ؟

ومِثْلُ عليَّ هَلْ يَرُومُ دَنِيَّةً *** كفَى حاجِزاً عن مِثْلِها حاجِزُ العَقلِ

وَلَيْسَ يَشاءُ المُسْتَحِيلُ الّذي شَأى *** جَمِيعُ الوَرَى في العَقْلِ وَالفَضْلِ وَالنُّبْلِ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقّاً وَكانَ مُحَلَّلاً *** له كُلُّ ما قَدْ حَلَّ من ذاكَ للكُلِّ

فما كانَتِ الزَّهْرا ليُسْخِطَها الَّذي *** به اللَّهُ راضِ حاكِمٌ فيه بالعَدْلِ

وَلَا كَانَ خَيْرُ الخَلْقِ مَنْ لا يَهيجُهُ *** سِوَى غَضَبٍ للَّهِ يَغْضَبُ مِنْ جَهْلِ

وَلَيْسَ عَلِيٌّ حاشَ للَّهِ بالَّذي *** يَسُوءُ أَخاهُ أو يُسِيءُ إلى الأَهلِ

وَهَلْ ساءَ نَفْساً نَفْسُها وسُرُورُها؟ *** إذا سَرَّها مُرُّ المَساءَةِ مِنْ مَحْلِ(2)

وما ساءَ خيرُ النّاس غيرَ شِرارِهِمْ *** كَعِجْلِ بني (شرِّ) وصاحِبِهِ الرَّذْلِ

بهم سيئَتِ الزّهرا وَأوذِيَ أَحْمَدٌ *** وصِنْوْ النَّبِيَّ المُصْطَفَى خَاتَمِ الرَّسْلِ

ص: 288


1- سامتهما خسفاً: أذلّتهما.
2- محل: خديعة و كيّد.

إنی أن یقول:

و لاسيئَتِ الزَّهْرا ولا ابتُزَّ حَقُّها *** و لاَدُفِنَتْ سِرّاً بمُحْلَوْلَكِ الطَّفل(1)

و لا عُمِّيَ القَبْرُ الشَّرِيفُ وقُرَّبَ *** البَعِيدُ إلى الهادي وَبُوعِدَ بالأهْلِ(2)(3)

ص: 289


1- محلولك الطّفل: شدّة سواد الظلمة. و قد جاء في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص545 منقولة عن كتاب «كامل الزيارات» قريبة من هذا المعنى: «... وأما ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقّها غصباً الذي تجعله لها و تضرب وهي حامل ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يحسها هوان وذلّ ثم لا تجد مانعاً وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب...». و في كتاب روضة الواعظين، ص168-169 ط الاولى (1986م) مؤسسة الأعلمي المطبوعات/بيروت.
2- «... ثم قالت: أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقّي فإِنهم عدوّي وعدو رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم و لاتترك أن يصلي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم و ادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار... فلما أن هدأت العيون و مضى شطر من الليل أخرجها علي و الحسن و الحسين علیهما السلام و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصّه صلوا عليها و دفنوها في جوف الليل... و سوّى علي علیه السلام حواليها قبوراً مزَّورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها. و قال بعضهم من الخواص: قبرها سوّي مع الأرض مستوياً فمسح مسحاً سواء مع الأرض حتى لايعرف موضعه...».
3- مستدرك أعيان الشيعة ج2 ص330 جاءت رداً على مروان بن أبي حفصة شاعر الرشيد و هي طويلة أخذنا منها ما نحن بصدده.

(41) سحاب الدمع

(بحر الوافر)

السيد مرتضى السندي الحائري (*)(1)

سَحابُ الدَّمْعِ طابَ لَها الهُطُولُ *** وَ فِي الخَدَّيْنِ جَمَّلَها المَسِيلُ

وَقَدْ هَمَسَتْ بِصَوْتٍ فاطِمِيِّ *** بِأُذْن ما لَها أَبداً مَثِيلُ

أَمُحسِنُ يا بْنَ خَيْرِ النَّاسِ طُراً *** وَ يا فَرْعاً به تَزْهُو الأُصُول(2)

تَعَجَّلْتَ الشَّهادَةَ يا بْنَ طه *** وَتاجُ الفَوْزِ يَخْطَفُهُ العَجُولُ

وَلَمْ يُمْهِلُكَ مِسْمارُ الأَعادِي *** لِتُولَدَ في الدُّنا وبها تَجُولُ(3)

***

ورَغْمَ بَنِى ذَوِي الراياتِ دَوْماً *** دماؤُكَ يا بْنَ فاطِمَةٍ تَقُولُ

قَتَلْتُمْ يا شِرارَ الخَلْقِ قَهْراً *** حَبِيبَةَ أَحْمَدٍ وَهْيَ البَتُولُ(4)

كَسَرْتُمْ ضِلْعَها طَمَعاً بِدُنْيا *** سَجِيَّتُها الخِيانَةُ والحُؤولُ(5)

ص: 290


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- تزهو: تشرق-تزهر-تضيء-تفخر: تتكبّر.
3- الدنا: جمع الدنيا.
4- روي في كتاب ملتقى البحرين ص81 عن علّة وفاة فاطمة علیها السلام أن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها «سلام الله عليها».
5- الحؤول: الاحتيال و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب مرآة العقول ج5 ص320: فلما أخرجوه (علي علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوّجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فصار بعضدها مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها...

وَ أَسْقَطْتُمْ جَنِيناً مِنْ حَشاها *** وَدَمْعُ الحَقِّ رائِقُهُ هَمُولُ(1)

***

أَأَعْداءَ الحَقِيقَةِ ما عَسَى أَنْ *** تَقُولُوا يَوْمَ يَرْهَقُكُمْ ذُهُولُ؟

وَأَيُّ العُذْرِ يَنْفَعُ يَوْمَ حَشْرٍ *** وَمَنْ مِنْكُمْ سَيُهْنِيهِ المُثُولُ؟

هَتَكْتُمْ حُرْمَةَ الهادِي مُراراً *** وَما فاتَتْ دَناءَتَكُمْ ذُحُولُ

وَجَرَّأتُمْ بَنِي الدُّنْيا عَلَيْنا *** غَدَاةَ لِخَيْلِها قُرِعَتْ طُبُولُ

أَلا لُعِنَ الَّذِينَ بَغَوْا عَلَيْنَا *** وَفازَ المُؤمِنُ البَرُّ الوَصولُ

وَعاقِبَةُ الأمُورِ وَحَقِّ رَبِّي *** جِنانُ الخُلدِ يَسْكُنُها الأَصِيلُ

***

فيا بْنَ عَلِيَّ الكَرَّارِ، إِشْهَدْ *** عَلَى أَعْداءِ جَدِّكَ يا قَتِيلُ

فَقَدْ ظَهَرَتْ لأَعْداكُمْ حُماةٌ *** وَصارَ لِقاتِلِ الزَّهْرا قَبِيلُ

بِإسمِ الوَحْدَةِ الشَّوْها أشاعُوا *** البَلابِلَ إِذْ بَدا قالٌ وقِيلُ

وصارَ المؤمِنُ الباكِي عَلَيْكُمْ *** كَما وَصفَتْ عَمالَتُهُمْ عَمِيلُ(2)

أُحِلَّ حَرَامُ جَدِّكَ فِي *** فَتاوَى وحُرِّمَ ما بِهِ تَزْكُو العقُولُ

ص: 291


1- همول: فيّاض. جاء في كتاب إثبات الوصية ص123: قال المؤرخ المسعودي: و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً. و في كتاب اقبال الأعمال/ص623 و كتاب البحار/ج 100 ص199 ح20 ورد في زيارتها: تزار عند حجرة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لمن حضر هناك و الزيارة من أي مكان: السلام عليك أيتها المحدِّثة العليمة... اللهم صل على محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام... و صل على البتول الطاهرة الصدِّيقة المعصومة التقية النقية الرضية الزكية الرشيدة علیها السلام... المظلومة المقهورة... المغصوبة حقها... الممنوعة إرثها... المكسورة... ضلعها... المظلوم بعلها... المقتول ولدها... فاطمة علیها السلام بنت رسولك صلي الله علیه و آله و سلم و بضعة لحمه و صميم قلبه و فلذة كبده و النخبة منك له.
2- خبر صار و محله النصب فيكون في القصيدة إصراف و يمكن استبدالها بفعل ( عميل) و عندئذ يرفع المحذور.

فَلا تَغْفِرْ لَهُمْ فِئَنٌ أَتَوْها *** وأَفكارٌ يَسُرُّ بها دَخيلُ

أعَانُوا ظالِماً مِنْ بعدِ دَهْرٍ*** بِلاسَنَدٍ وَخانَهُمُ الدِّلِيلُ

فيا عِزِّ الأُباةِ فَدَتْكَ نَفْسِي *** وَنَفْسُ الكَوْنِ دُونَكُمُ قَلِيلُ

فَدَيْتُكَ يا بْنَ حَيْدرَ مِنْ شَهِيدٍ *** وَمَظْلُومٍ لَهُ حُزْنِي يَطُولُ

فَمِنْ ظُلْمِ الأوائِلِ نِلْتَ قِسْطاً *** وَمِنْ ظُلْمِ الأَواخِرِ ما يَهُولُ

***

يَعِزُّ عَلَى المُوالي أَنْ يَراكُمْ *** وَقَدْ غاصَتْ بقلبِكُمُ النُّصُولُ(1)

وَلا عَجَباً إذا مالَ الأَعادِي *** عَلَيْكُمْ أَوْ عَلا لَهُمُ صَهِيلُ

وَلَكِنَّ العَجِيبَ غَدَاةَ أَضْحَى *** سَلِيلُكُمُ لِخصمِكُمُ يَمِيلُ

وَباباً عِنْدَ عَتْبَتِها أُرِيقَتْ *** دماءُ الطُّهْرِ يُنْكِرُها خَلِيلُ

وَجدَّدَ دَعْوةَ الإنْكارِ مَنْ لَمْ *** تُهَذِّبْهُ الفَقاهَةُ والأُصُولُ

***

إلى مَنْ نَشْتَكِي ظُلْمَ ابْنِ وُدِّ *** يَشُكُّ بمِا رَواهُ جَبْرَئيلُ

عَزيزٌ أَنْتَ يا نَبْعَ المَعالي *** فَكَيْفَ يَطالُ مَجدَكُمُ ذَلِيلُ؟

فلا واللَّهِ أُقسِمُ لَستُ أَرْضَى *** تُداسُ لَكُم بَنِي الزَّهْرا ذُيُولُ

أُجرِّدُ صارِمي وَالكُلُّ يَدْرِي *** بِأَنَّ حُسامَ ناصِرِكُم صَغِيلُ(2)

وَأَحْطِمُ كُلَّ طَاغُوتٍ وَجِبْتٍ *** وَفَي ساحاتِ نُصْرَتِكُمْ أَصُولُ

ص: 292


1- النصول: السهام.
2- حسام: سيف. صقيل: أملس مجلوّ.

أَذُودُ عن الحَقِيقَةِ لا سِواها *** وَأَصْنَعُ في الهَوَى ما يَسْتَحِيلُ

وَأَبْذُلُ ما بِوُسْعِي في رِضاكُمْ *** رِضائِي حُبُّكُمْ والسَّلْسَبِيلُ

نَزَلْتُ بِحَیِّكُمْ يا آل طه *** أَما يَنْجُو بِحَيِّكُمُ النَّزِيْلُ؟

فيا سِبْطَ الرَّسُولِ وَحَسْبُ نَفْسِي *** مَوَدَّةً سادَتِي فَهْيَ السَّبيلُ

شَهِيدَ الحَقِّ فَاقْبَلْنِي نَصِيراً *** وَأُمْنِيَةُ النَّصِيرِ هِيَ القَبُولُ

ص: 293

(42) النبي صلي الله علیه و آله و سلم والدها

(بحر المنسرح)

منصور النمري(*)(1)

ص: 294


1- *هو منصور بن سلمة، بن الزبرقان، بن شريك، بن مطعم الكبش الرخم بن مالك النَّمَري من النمر بن قاسط من نزار. ذكر الزركلي في الأعلام أنه توفي سنة 190ه_ و ذكر غيره أنه توفي (سنة 193 هجرية). كنيته أبو الفضل الشاعر الجزري البغدادي. كان في الباطن محباً لأهل البيت علیهما السلام و يكثر مدحهم، ولكن في الظاهر كان مع هارون العباسي و يمدحه، ويظهر موالاته، و يذكر اسمه في أشعاره، و يريد به أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام التلميحاً منه إلى الحديث المشهور: أنت مني بمنزلة هارون من موسى فمما قاله في مدحه قوله: آل الرسول خيار الناس كلهم *** خیر آل رسول اللّه هارون رضیت حکمك لا أبغي به بدلاً *** لأن حكمك بالتوفيق مقرون و قال أيضاً: أي امرىء بات من هارون في سخط *** فليس بالصلوات الخمس ينتفع إن المكارم والمعروف أودية *** أحلَّك اللّه منها حيث يجتمع وذكر الشيخ عباس القمي في كتابه (الكنى والألقاب): وكان من أصحاب الباقر والصادق علیهما السلام، وعدَّه ابن قتيبة من رجال الشيعة، و ذكره ابن سعد في طبقاته في الجزء6 ص235 و قال: إنه عمش من البكاء خشية من الله «تعالى»، و كان له خرقة يجفف بها عينيه من الدموع، وزعموا أنه صام ستين و قامها. و كان منصور تلميذ العتابي و راويته، و عنه أخذ، و من بحره استقى، و العتابي و صفه للفضل بن يحيى، و قرّظه عنده حتى استقدمه من الجزيرة و استصحبه ثم وصله بالرشيد. قيل: و جرت بعد ذلك بينه وبين العتابي وحشة حتى تهاجيا و تناقضا، و اتفق أن غاب النمري عن مجلس هارون وخرج إلى الرقة، فسعى به العتابي عند هارون. و لما سم الرشيد قصيدته اللامية غضب غضباً شديداً، وأمر أبا عصمة - أحد قواده - أن يذهب من فوره إلى الرقة، ويأخذ منصور النمري ويقطع لسانه ويقتله ويبعث إليه برأسه، فلما وصل أبو عصمة إلى باب الرقة، رأى جنازة النمري خارجة منه، فعاد إلى الرشيد وأخبره بوفاة النمري فقال الرشيد : فألا إذ صادفته أحرقته بالنار!.

شاءٌ مِنَ النّاس راتِعٌ هامِلْ *** يُعَلِّلُونَ النُّفُوسَ بِالباطِلْ(1)

تُقْتَلُ ذُرِّيَّةُ النَّبِيَّ وَيَرْ *** جُونَ جِنانَ الخُلودِ لِلْقاتِلْ

وَيْلَكَ يا قاتِلَ الحُسَيْنِ لَقَد *** بُؤْتَ بِحِمْلٍ يَنُوءُ بالحامِلْ

أَيِّ حِباءٍ حَبَوْتَ أحْمَدَ في *** حُفْرَتِهِ مِنْ حَرارةِ الثّاكِلْ(2)

بأَيِّ وَجْهٍ تَلْقَى النَّبِيَّ وَقَدْ *** دَخَلْتَ في قَتْلِهِ مَعَ الدّاخِلْ

هَلُمَّ فَاطْلُبْ غَداً شَفاعَتَهُ *** أَوْ لا فَرِدْ حَوْضَهُ مَعَ النَّاهِلْ

ما الشَّكُّ عِنْدِي في كُفْرِ قاتِلِهِ *** لكِنَّني قَدْ أَشُكُّ في الخاذِلْ

نَفْسي فداءُ الحسينِ حِينَ غدا *** إلى المنايا غُدوَّ الأقافِلْ(3)

ذلكَ يَوْمٌ أَنْحَى بِشَفْرَتِهِ *** على سَنامِ الإسْلامِ وَالكاهِلْ(4)

حَتّى مَتَى أَنْتِ تَعْجَلينَ؟ أَلا *** تَنْزلُ بِالقَوْمِ نِقْمَةُ العاجِلْ

لا يَعْجَلُ اللَّهُ إِنْ عَجِلتِ وَمَا *** رَبُّكِ عَمّا تَرَينَ بالغَافِلْ

أَعاذِلي إِنَّنِي أُحِبُّ بَنِي *** أَحْمَدَ فَالتُّرْبُ في فَمِ العاذِلْ

قَدْ دِنْتُ ما دِينُكُمْ عَلَيْهِ فما *** رَجَعْتُ مِنْ دِينِكمْ إلى طائِلْ

جَفَوْتُمُ عِتْرَةَ النَّبِيِّ وَما الجافي *** لآلِ النُّبِيِّ كالواصِلْ

مَظْلُومَةٌ وَالنَّبِيُّ وَالِدُها *** تُدِيرُ أَرْجاءَ مُقْلَةِ حافِلْ(5)

ص: 295


1- راتع: مخصب لایعدم شیئاً يريده. هامل: متروك سُدى، أي مسيّبٌ ليلاً نهاراً.
2- حَباء: عطاء من غير جزاء.
3- الأقافل: الراجعون من السفر خاصّةً.
4- سَنام: ظهر.
5- في كتاب كشف الغمة؛ ج2 ص123 ط دار الكتاب الإسلامي/بيروت: «روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت فاطمة علیها السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في سكرات الموت، فانكبت عليه تبكي ففتح عينه أفاق، ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: يا بنية أنت المظلومة بعدي، وأنت المستضعفة بعدي، فمن آذاك فقد آذاني ومن غاظك فقد غاظني و من سرّك فقد سرّني ومن برّك فقد برّني ومن جفاك فقد جفاني ومن وصلك فقد وصلني، و من قطعك فقد قطعني ومن أنصفك فقد أنصفني ومن ظلمك فقد ظلمني لأنك منّي و أنا منك وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبي. ثم قال صلی الله علیه و آله وسلم: إلى اللّه أشكو ظالميك من أمتى.».

ألا مُصاليتَ يَغْضَبونَ لها *** بِسَلّةِ البِيْضِ وَ القَنا الذَّابِلْ(1)(2)

ص: 296


1- المصاليت: الشجعان الماضون إلى الحوائج.
2- أدب الطف، نقلاً عن الأغاني و مقاتل الطالبين و تاريخ بغداد.

(43) شفيعة يوم الحشر

(بحر الطويل)

السيد مهدي الأعرجي

تَبلَّجَ وَجْهُ الأرضِ حَزْناً على سَهْلِ *** بِمِيلادِ بِنْتِ المُصْطَفَى خاتَمِ الرُّسْلِ(1)

وَأَشْرَقَتِ الآفاقُ طُرّاً بِنُورِها *** كإشراقِ أَزْهارِ الرُّبَى عَقِبَ المَحْلِ(2)

وَمُذْ شَكَتِ الأَمْلاكُ لِلَّهِ ظُلْمَةً *** عَلَيْهِمْ كَأَمْثَالِ السَّحائِبِ تَسْتَوْلي

بَدا خَلْقُها نُوراً فَزَیَّنَ عَرْشَهُ *** بِهِ مِثْلَ تَزْيِينِ الفَتاةِ مِنَ العُظلِ(3)

وَكانَتْ مِنَ الفِرْدَوْسِ نُطْفَةُ فی نسائِها *** (بتُفّاحةٍ) طابَتْ لأحْمَدَ في الأَكْلِ

فَإِنْ أُمُّ (عيسى) فُضِّلَتْ في نسائِها *** فَفاطِمَةٌ خُصَّتْ عَلَى الكُلِّ في الفَضْلِ(4)

وَ قَدْ خَصَّها رَبُّ السَّمَا بِأَئِمَّةٍ *** غَطارِفَةٍ صِيدٍ جَحاجِحَةٍ تُبْلِ(5)

ص: 297


1- مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- تبلّج أشرق و أضاء حزناً، الحزْن من الأرض: ما غَلُظ وقلما يكون إلا مرتفعاً. و السَهْل: الأرض الممتدّة المستقيم سطحها.
3- العطل: نزع المرأة حليّها.
4- و قد ورد في فضلها على مريم وعلى جميع النساء ما جاء في كتاب البحار ج43 ص24 ضمن حديث طويل قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم:«فأيما امرأة صلت في اليوم والليلة خمس صلوات و صامت شهر رمضان و حجت بيت اللّه الحرام و زكت مالها و أطاعت زوّجها و والت علياً بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام و إنها لسيدة نساء العالمين». فقيل: يا رسول اللّه صلی الله و علیه و آله وسلم أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال صلی الله علیه و آله وسلم: «ذاك لمريم بنت عمران فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و إنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون يا فاطمة علیها السلام «إن اللّه اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين» [سورة آل عمران الآية: 42]».
5- غطارفة: مفرده الغطريف وهو السخي أو السيد أو السري أو الحسن أو الشاب الطريف. الصيد: الأسود أو الرجال الذين يرفعون رؤوسهم تكبراً أو الملوك والمفرد الأصيد-الجحاجحة: مفردها الجحجح و الجحجاح و هو السيد المسارع إلى المكارم.

وَ أَسْماؤُها مِنْها (الزَّكِيَّةُ) حَيْثُ قَدْ *** زَكَتْ وَحَباها اللَّهُ في أَطْيَبِ النَّسْلِ

وَ(مَرْضِيّةٌ) حَيْثُ ارْتَضاهَا لِحَيْدَرٍ *** وَ(رَاضِيَةٌ) قالَتْ رَضِيتُ بِهِ بَعْلِي(1)

وَ (فاطِمَةٌ) إِذْ فاطَمَ مَنْ أَحبَّها *** بها اللَّهُ مِنْ نارٍ غَدا حَرُّها يَصْلِي(2)

(مُحَدِّثَةٌ) كَانَتْ تُحَدِّثُ أُمَّها *** وَ تُؤْنِسُها عَنْ وَحْشَةٍ مُدَّةَ الحَمْلِ(3)

(مُحَدِّثَةٌ) إِذْ بعدَ وَالِدِها غَدَتْ *** مَلائِكَةُ اللَّهِ الحَدِيثَ لَها تُمْلى(4)

وَمِنْها (بَتُولٌ) إِنْ أَرَدْتَ بَيانَها *** فَدُونَكَ راجِعْ باحِثاً لَفْظَةَ البَتْلِ (5)

وَ(زَهراءُ) كانَتْ إِذْ تَقومُ لربّها *** تُضيءُ وَمِنْها النُّورُ لِلأُفْق يَسْتَعْلِي (6)

ص: 298


1- لعل ما روي في كتاب الدر المنثور ج8 ص543 في سورة الضحى يشير إلى بعض ذلک حيث روى دخل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: «على فاطمة علیها السلام وهي تطحن بالْرحى و عليها كساء من حملة الابل»، فلما نظر إليها قال: «يا فاطمة علیها السلام تعجّلي فتجرّعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً». فأنزل اللّه «ولسوف يعطيك ربك فترضى».
2- يصلي قاسى حرَّها أو احترق بها وفي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص16: إنما سمّيت ابنتي فاطمة علیها السلام لأن اللّه فطمها وفطم محبّيها عن النار.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص44: قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم:« أتاني جبرئيل بتفاحة من الجنة، فأكلتها، و واقعت خديجة سلام الله علیها، فحملت بفاطمة علیها السلام» فقالت: إني حملت حملاً خفيفاً، فإذا خرجت حدّثني الذي في بطني. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 43 ص78 : إنما سمَّيت فاطمة محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: «يا مريم إن اللّه اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين» يا فاطمة علیها السلام «يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين» (إشارة إلى الآية 42 و 43 من سورة آل عمران). فتحدّثهم ويحدّثونها فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمها، و إن اللّه جعلك سيدة نساء عالمكِ و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين.
5- البتل: البتل هو القطع. و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن العلامة الكشفي الحنفي في المناقب المرتضوية ص119: سمّيت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتّلت وتقطّعت عما هو معتاد العورات في كل شهر، و لأنها ترجع كل ليلة بكراً. و سمَّيت مريم بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً.
6- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج40 ص44: في حديث طويل عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم: ثم أظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلى اللّه «تعالى» أن يكشف عنهم الظلمة، فكلّم اللّه «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش، فزهرت المشارق والمغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمَّيت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السماوات...

وَ فِي خَبَرٍ كانَتْ نِسا أهْلِ (يَثْرِبٍ) *** عَلى نورِها في اللّيْلِ تَشْرَعُ بالغَزْلِ

(شَفِيعَةُ) يَوْمِ الحَشْرِ أَرْجُو بِمَدْحِها *** غَداً مَحْوَما أَجْنِيهِ مِنْ سَیّيءِ الفِعْلِ (1)

وَ(حَانِيَةٌ) أَحْنَتْ على الطُّهْرِ بَعْلَها *** وَحامَتْهُ لمّا قادَهُ (القَوْمُ) بِالحَبْل

بِنَفْسِي وَأهْلِي أَفْتدِيها وَلَمْ أَكُنْ *** أغالي وَمَنْ نَفْسِي تَكُونُ ومَنْ أَهْلِي؟

فَوَاللَّهِ لا أَنْسَى (الصَّهاكِيَّ) إِذ أَتى *** إلى دارِها مَعْ كُلِّ جِلْفٍ لَهُ رَذْل(2)(3)

ص: 299


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص65: في حديث طويل قال أبو جعفر علیه السلام: واللّه يا جابر إنها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديَّ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي اللّه في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا فيقول اللّه «عز وجل» يا أحبّائي ما التفاتكم و قد شفَّعت فيكم فاطمة علیها السلام بنت حبيبي صلي الله علیه و آله و سلم؟ الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الملل والنحل ج1 ص57: قال الشهرستاني: قال إبراهيم بن سيّار بن هانىء النّظام: أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها، و كان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها، و ما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
3- عن كتاب شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص213.

(44) و للزهراء علیها اسللام ذكر لايزول

(بحر الوافر)

الشيخ ناصر الحائري (*)(1)

تَمِيدُ الرّاسِياتُ وَقَدْ تَزُولُ *** وَلِلزَّهْراءِ ذِكْرٌ لا يَزُولُ

هِيَ الزَّهْراءُ تَزْهَرُ كُلَّ حِينٍ *** بِنُورٍ فِيهِ يَنْعَدِمُ المَثِيلُ(2)

ص: 300


1- (*)هو الشيخ ناصر بن رضا بن نصر اللّه الحائري. ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1965م) الموافق 9/ رمضان/(1385ه) نشأ وتربى في ظل أسرته وتحت رعاية والديه الصالحين فتأثَّر بإيمانهم وحسن أخلاقهم فكوَّنوا منه إنساناً فاضلاً نبيلاً. وكان من صغره متشوِّقاً لطلب العلم والفضيلة فابتدأ دراسته في مدارس كربلاء الابتدائية والمتوسطة؛ وفي سنة (1980م) هاجر مع والديه إلى إيران، فالتحق بالحوزة العلمية في مدينة قم متوجهاً إلى الدراسة الحوزوية فتتلمذ عند أشهر علمائها ومدرسيها أمثال العلامة الشيخ أحمد الباباني والعلامة الاعتمادي والعلامة الشيخ الوجداني والعلامة المدرس الأفغاني، ثم أخذ يحضر دروس الخارج عند آية الله السيد صادق الشيرازي وآية الله الشيخ حسين الوحيد الخراساني وغيرهما من العلماء. والمترجَم له عَشِقَ الخطابة منذ صغره فكان يتدرب على المنبر والخطابة وفي سنة (1403ه_) تربَّع على أعواد المنبر الحسيني بكل جدارة وكفاءة في مختلف المناسبات الدينية، فكانت له جولات في عدد من البلاد لأداء رسالته التبليغية فرقى المنبر في الكويت والإمارات وسورية ولبنان وإيران، فذاع صيته واشتهر ذكره. والمترجَم له كان محبّاً للشعر فابتدأ بقرضه سنة (1410ه) فهو مقلِّ في هذا الفن. ومن مؤلفاته: 1-حوار عن الإمام المهدي علیه السلام 2- صور عن حكومة النبي صلی الله علیه و آله وسلم والإمام علي علیه السلام 3- الإمام علي علیه السلام وريث الأنبياء. وغير ذلك من المصنفات. و لا يزال قائماً بدوره الخطابي نرجو الله له التوفيق والسداد.
2- في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص12 ح5 عن أبي عبد اللّه علیه السلام حين سئل: لماذا سمَّيت فاطمة بالزهراء علیها السلام؟ قال: لأن اللّه «عز وجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة. و في ح6 من المصدر نفسه عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: سمَّيت زهراء علیها السلام لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض.

فَمِنْها تَكْتَسِي الأفْلاكُ نُوراً *** وَمِنْها يُشْرِقُ القَمَرُ الجَمِيلُ

إذا كانَ النَّبِيُ لنا وجوداً *** فقطبُ رحَى الوجود هي البتولُ

لَئِنْ رَضِيَتْ فَإنّ اللَّهَ يَرْضَى *** وَإِنْ غَضِبَتْ لها غَضِبَ الجَلِيلُ(1)

أبُوها مِحْوَرٌ لِلْكَوْنِ نُورٌ *** وَهَذِي بِنْتُه أُمِّ أُصُولُ

تُحاكِي إِنْ مَشَتْ طهَ أبَاها *** وَتَفْرِغُ عَنْ أَبِيها إِذْ تَقُولُ(2)

مَتَى نَظَرَ الوَصِيُّ لِوَجْنَتَيْها *** تَجَلَّى فِي مُحَيّاها الرَّسُولُ

يُخاطِبُهُ ألا يا خَيْرَ تالٍ *** إِلَيْكَ وَدِيعَنِي أَنْتَ الكَفِيلُ(3)

ص: 301


1- في فرائد السمطين، ج2 ص66 قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: إن اللّه «عز وجل» يغضب لغضب فاطمة علیها السلام ويرضى لرضاها».
2- في الأدب المفرد للبخاري، ص244: عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً من الناس أشبه بالنبي صلی الله علیه و آله و سلم كلاماً و لاحديثاً و لاجلسة من فاطمة علیها السلام... و في مرآة الجنان لليافعي، ص6: و كانت إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم رحّشب بها و كانت أشبه الناس بأبيها في مشيتها و حديثها.
3- في تفسير فرات الكوفي، ص464 قال: لما أن مرض النبي صلی الله علیه و آله وسلم المرض الذي قبضه اللّه فيه دخلت عليه فاطمة الزهراء علیها السلام فلما رأت ما به خنقتها العبرة حتى فاضت دموعها على خديها فلما أن رآها رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال:«ما يبكيك يا بنية؟» قالت: و كيف لاأبكى و أنا أرى ما بك من الضعف فما لنا بعدك يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم؟ قال لها: «لكم اللّه فتوكلي عليه و اصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء و أمهاتك من أزواجهم». و في أمالي الصدوق ص116 ح4: قال جابر بن عبد اللّه : سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم يقول لعلي بن أبي طالب قبل موته بثلاث: «سلام عليك أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي في الدنيا فعن قليل ينهد ركناك واللّه خليفتي علیک».

وَإنْ في قَلْبِهِ ازْدَحَمَتْ هُمُومٌ *** تأمَّل وَجْهَها فَغَدَتْ تَزُولُ

فَوَاعَجَبا لِقَوْمِ مُذأَتَوْها *** وَقَدْ قامَتْ بِهِم تِلْكَ الذُّحُول

وَنادَتْ فِيهمُ يَا قَوْمَ طةَ *** أهَذَا ما بِهِ أوْصى الجليل؟

أَلَسْتُ وَدِيعَةَ المُخْتارِ فِيكُمْ *** أهَذا ما بِهِ يُجْزَى الجَمِيلُ(1)؟

فَبَيْنَا كانَتِ الزَّهْرَاءُ حَيْرَى *** عَلَيْهَا عُنْوَةً هَجَمَ القَبِيلُ

وَخَلْفَ البابِ خَطْبٌ ما عَساني *** بِدَاهِيةٍ جَرَتْ مَاذَا أَقُولُ؟

عَلَيْها أَطْبَقُوا باباً وَمِنْها *** جَنيناً أَسْقَطُوا وَبَدا العَوِيلُ

فَنادَتْ يا رَسُولَ اللَّهِ تَرْضَى *** عَلى بَيْتِ الهُدَى هَجَمَ الرَّعِيلُ؟(2)

جَنِينِي أَسْقَطُوا صَدْرِي أَعَابُوا *** وَمَتْنِي سَوَّدُوا دَمْعِي هَطُولُ

وَلَوْلاَ ضِلْعُها ما كانَ صَدْرٌ *** بِوادِي الطَّفِّ رَضَّتْهُ الخُيُولُ

وَلَوْلا طِفْلُها ما كانَ طِفْلٌ *** بِيَوْمِ الطَّفِّ مَذْبُوحٌ قَتِيلُ

وَمُذْ قَادُوا عَلِيّاً في نِجادٍ *** سُبِينَ الطُّهرُ وَانْقَادَ العَلِيلُ

ص: 302


1- في الاحتجاج للطبري، ج1 ص132. أما كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أبي يقول «المرء يُحفظ في ولده» سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا أهاله... و قالت في خطبتها أيضاً: وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع و قبسة العجلان تشربون الطرق و تقتاتون القد و الورق أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم اللّه بمحمد صلی الله علیه و آله وسلم بعد اللتيا والتي بعد أن منّي بهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب...
2- في هذه الأبيات إشارة إلى ما جرى على الزهراء علیها السلام من خطوب وآلام أنظر: الوافي بالوفيات/ج5 ص347. إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها. وفي مرآة العقول/ج5 ص320: فلما أخرجوه «علي علیه السلام» حالت فاطمة علیها السلام بين زوّجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها. و في مؤتمر علماء بغداد لمقاتل بن عطية، ص37. لما جاءت فاطمة علیه السلام خلف الباب لترد عمر وحزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط والباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها وصاحت فاطمة علیها السلام: يا أبتاه يا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

(45) زهراء علیها السلام يا ألق المعاني

(بحر الوافر)

الشيخ نزار سنبل(*)(1)

قوافي الشعرِ تسبقني عُجالى *** وترقصُ في مخيّلتي دلالا

تطيرُ إلى معانقةِ المعاني *** فتبرزُ كالسراجِ إذا تلالا

و شلالُ الشُّعورِ إذا تهادى *** يضيءُ لفرحةِ الهادي احتفالا

فسوسنةُ الجنانِ تفوحُ عطراً *** و تنشرُ في الدُنا أرجا زَلالا

ترانيمُ الملائكِ وهي جذلى *** و تغريدُ الثغورِ إذا تعالى

تبثُ الوحيَّ في شفتَيَّ شعراً *** و ألحاناً تشفُ لها اختيالا

فما غنّت طيورُ الأيكِ إلاّ *** لتسكبَ من فضائِلِها الخصالا

وما عطرتْ زهورُ الروض حُسناً *** تعبَّقُ منه أخيلةٌ ثمالي

و ما بزغتْ خيوطُ الفجر إلاّ *** و نورُ الطهرِ يكسُوها الجمالا

أيا زهراءُ يا ألقَ المعاني *** و يا فجراً تبلّجَ واستطالا

ص: 303


1- (*)هو الفاضل و الشاعر الشيخ نزار بن محمد شوقي بن عبد الرزاق بن الشيخ بدر آل سنبل: ولد سنة (1385 ه_) في الجش إحدى بلاد القطيف، التحق بالحوزة العلمية بعد إنهائه شطراً من الدراسة الأكاديمية سنة (1401 ه_)، و درس في القطيف والنجف الأشرف وأخيراً في قم المقدسة حيث يحضر الآن البحث الخارج، ومن نتاجه الأدبي: 1-(ديوان شعر). 2-(أهل البيت، في الشعر القطيفي المعاصر). 3- (عندما يُرفع الستار): رواية عقائدية، كما نُشرت له بعض القصائد في مجلتي الموسم والتوحيد، و من نتاجه العلمي: تقرير بحث الخارج فقهاً وأصولاً لبعض الأساتذة الأعلام، وله أيضاً مشاركة في النوادي الأدبية والثقافية.

ويا إشراقةَ التاريخ نالتْ *** بها الأيامُ أوسمةً تلالا

نشرتِ الهديَ في الآفاق نوراً *** تسلسلَ في الزمانِ رؤى جذالا

و يا نبعاً تحفُّ به ورودٌ *** و يملأُ كلَّ جادبةٍ ظلالا

و يا أُمّاً لوالدها المصفَّى *** و ذا سرّ عرفت به الجلالا

حملتِ العبءَ من صغرٍ وناغت *** على كفيك أنغام حُبالي

فتحتِ القلب إذ ضاقت رحابٌ *** فلا سهلاً يضمُ ولا جِبالا

فرشتِ الكون في عينيه زهرا *** وكنت الأُمّ تمنحهُ الدلالا

فلا عجبٌ إذا غنّت سماءٌ *** ترتِّلَ من مناقبها مقالا

فما خلقَ الإلهُ لها مثيلاً *** وماعرفَ الزمانُ لها مثالا

وكم أنثى تطوفُ إلى المعالي *** وتسبقُ في مساعيها الرِّجالا

يقولُ الناصبيُّ نطقتَ هجراً *** و ذاك الرافضي هذى وغالى

وجرّد من ضغائنهِ حُساما *** و سدّد حقدهُ الغاوي نبالا

تخبّطَ في الظلام عمًى وتيهاً *** وصالَ بفكرهِ الخاوي وَجالا

وزمجرَ والغُرورُ له سلاحٌ *** وما عرفَ القراعَ ولا النِّزالا

و ذنبي أنّني أهوى عليّاً *** وأني قد عشقتُ به الكمالا

وسيري في هدى القرآن ذنبٌ *** عظیمُ استحق به القتالا

أإيماني وتوحيدي وحبّي *** لآل البيتِ يجعلُكُم خَبالي؟!

أليسَ اللّه كلّلهُمْ بتاجٍ *** تقدّس في الورى وعلا وطالا؟

فذي (القربى) و ذي (الإنسان) تحكي *** و ذي (التطهيرُ) تتحفُهم نوالا

أحاديثُ الرسول غدت توالى *** و أقوالُ الصَّحابِ بدتْ سِجالا

أزيلُوا عن عيونِكُمُ غشاها *** فلا بدراً تَرَوْنَ ولا هلالا

سأبقى ما حييتُ على هداهم *** وأنعمُ في جحيمِ الحبّ بالا

فلي وعيٌ يساندهُ دلیلٌ *** فلا شكاً أقولُ ولا احتمالا

ص: 304

وإن سدَّت دروبٌ في وجوهٍ *** ولكنَّ الحياةَ لمن توالى

أيا تفاحةَ الفردوسِ مُدّي *** إلينا المجدَ نقتطفُ الكَمالا

فقدتهنا وأُفقُ البحرِ صفوٌ *** و لم يدَع الضبابُ لنا مجالا

فهبِّي من نسيمِ الخلد روحاً *** لتبعثَ مايعزُّ لنا منالا

ص: 305

(46) أُمُّ القطَاءِ

(بحر الخفيف)

السيد هاشم حسين الموسوي

قَدْ وَفَدْتِ التَّارِيخَ فَهْوَ أَثِيلُ *** وَحَمَيْتِ الإِيْمَانَ فَهْوَ جَمِيلُ(1)

أَنْتِ مَنْ أَنْتِ؟ فَلْتَةُ دَهْرٍ *** مَالَهَا فِي العُصُورِ نَةٌّ مَثِيلُ

أَنْتِ مِنْ جَنَّةِ الخُلْدِ حَوْرَاءٌ *** عَلَى الْأَرْضِ عَاشَتْ فَمَارَعَاهَا الجَهُولُ(2)

أَنْتِ كُلُّ العَطَاءِ يَا بِنْتَ طَةَ *** أَنْتِ نُورُ الهُدَى وَ أَصْلٌ أَصِيلُ

فُقْتِ فِي الفَضْلِ كُلِّ ذَاتِ سِوَارٍ *** خَصَّكِ اللَّهُ دُونَهُمْ يَا بَتُولُ(3)

مِنْ أَبُوهُ مُحَمَّدٌ لَيْسَ تَرْقَى *** نحْوَهُ فِي الكَمَالِ يَوْماً أُصُولُ

اءَ جِبْرِيلُ كَيْ يَنَالَ مَقَاماً *** عِنْدَهُمْ فِي الكِسَاءِ وَهْوَ مَثِيلُ (4)

طَلَبَ الإِذْنَ بِالدُّخُولِ وَ هَذَا *** شَرَفٌ قَدْ سَمَا بِهِ جِبْرَئِيلُ

ص: 306


1- الأثيل المتأصل في الشرف.
2- الجهول:كثير الجهل.
3- كلَّ ذات سوار: كناية عن كل النساء. و في لسان العرب، مادة بتل. قال ابن منظور: سئل أحمد بن يحيى عن فاطمة علیها السلام لمَ قيل لها: البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها و نساء الأمة عفافاً و فضلاً و ديناً و حسباً. و قيل لانقطاعها عن الدنيا إلى اللّه «عز وجل». و قيل: تبتل خلقها: انفراد كل شيء عنها بحسنه لايتكل بعضه على بعض.
4- في ذخائر العقبي ص24: عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت «إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهَّركم تطهيراً» [سورة الأحزاب الآية: 33]. في خمسة: في رسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهما السلام.

فَاطِمُ حَازَتِ المَفَاخِرَ طَرّاً *** وَهْوَ سَبْقٌ يُحِلُّهُ التَّنْزِيلُ(1)

فَهْيَ أُمُّ العَطَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ *** وَهْيَ بِنْتُ القُرْآنِ أَمْرٌ جَلِيلُ

قَدْ تَرَبَّتْ بِحِجْر أَعْظَمِ مَوْلًى *** وَلَهَا مِنْهُ صَبْرُهُ المُسْتَطِيلُ

وَرِثَتْ مِنْهُ كُلَّ وَصْفٍ جَمِيلٍ *** إِنَّ كُلَّ الأَوْصَافِ مِنْهُ جَمِيلُ

وَلَقَدْ صَاغَهَا الجَلِيلُ كَمَالاً *** قُدْوَةً لِلْوَرَى وَعَزَّ الجَلِيلُ

زَوْجُهَا المُرْتَضَى عَلِيُّ المَعَالِي *** لَيْسَ تَرْقَى إِلَى سَمَاهُ الفَحُولُ

هُوَ نَفْسُ النَّبِيَّ فِي نَصِّ آي *** أَيْنَ مِنْهُ زَعَانِفٌ وَذُيُولُ

وَهْوَ عِدْلُ الكِتَابِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ *** فَمَتَى يَفْهَمُ الغَوِيُّ الجَهُولُ؟(2)

وَبَنُوهَا عَلَى العُصُورِ نُجُومٌ *** تَتَلألأ فَمَا هُنَاكَ أُفُولُ

كُلَّمَا أَظْهَرَ الزَّمَانُ نَجِيباً *** فَهُوَمِنْ فَاطِمِ المَعَالِي سَلِيلُ

عَرَفَ الدَّهْرُ مُعْجِزَاتِ اللَّيَالِي *** مِنْ بَنِيهَا تَحَارُ فِيهِ العُقولُ

فَهُمْ قَادَةُ الزَّمَانِ وَمِنْهُمُ *** شَعَّ فِي الأَرْضِ مَوْطِنٌ وَقَبِيلُ

وَهُمْ قَادَةُ الكِفَاحِ وَعَنْهُمْ *** شَقَّ دَرْبَ الجِهَادِ وَاعٍ نَبِيلُ

وَهُمْ مَعْدِنُ الكِتَابِ وَعَنْهُمْ *** يُؤْثَرُ النَّفْسِيرُ وَالتَّأْوِيلُ

وَهُمْ مَصْدَرُ العُلُومِ وَمِنْهُمْ *** أَنْهُرُ النُّورِ فِي البِلادِ تَسِيلُ

يَرْتَوِي العِلْمَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَهُمٍ *** مِنْ مَعِينٍ كَأَنَّهُ السَلْسَبِيلُ(3)

وَبِهِمْ يَبْلُغُ الشَّفَاءَ يَؤوسٌ *** وَبِهِمْ يَبْلُغُ العُلاَ بُهلُولُ(4)

وَ بِهِمْ تُرفَعُ الشَّدَائِدُ حَتْماً *** فَهُمْ عِصْمَةٌ وَظِلٌّ ظَلِيلٌ

وَ بِهِمْ يَهْتَدِي التُّقَاةُ لِمُنجًى *** يَوْمَ لايَنْفَعُ العُصَاةَ سَبِيلُ

ص: 307


1- حازت: حاز الشيء: ضمَّه و جمعه، حصل عليه.
2- الغويُّ: الضّال المضَلَّل المخدوع بالباطل.
3- المعين: الماء الجاري.
4- بُهْلول: السيد الجامع لكل خير جمعها (بها ليل).

وَ لَدَيْهِمْ لِكُلِّ سُؤَالٍ جَوَابٌ *** وَ عَلَيْهِ مِنَ الكِتَابِ الدَّلِيلُ

أفْحَمُوا كُلَّ مُلْحِدٍ وَعَنِيدٍ *** بِوَجِيزِ كَأَنَّهُ التَّفْصِيلُ

فَهُمْ سَادَةُ البَلاغَةِ عَنْهُمْ *** يُؤْثَرُ الحُسْنُ وَالبَيَانُ الجَمِيلُ

بِاقْتِضَابٍ مِنْ قَوْلِهِمْ يُعْرَفُ *** اللَّهُ وَالهُدَى وَالرَّسُولُ

وَقَفُوا يَدْرَؤُونَ كَيْدَ الأَعادِي *** بِقُلُوبٍ لاَ يَعْتَرِيهَا الذُّبُولُ

دَفَعُوا كُلَّ شُبْهَةٍ وَانْحِرَافٍ *** يَوْمَ عَادَى الإِسْلاَمَ فِكْرٌ عَلِيلٌ(1)

مَا تَوَانَوْا عَنْ مَوْقِفِ الحَقِّ يَوْماً *** وَهُمْ مِقْوَلٌ وَسَيْفٌ صَقِيلُ

كُلَّمَا لاَحَ فِي المَطَالِعِ نَجْمٌ *** قِيلَ هَذَا قَدْ أَنْجَبَتْهُ البَتُولُ(2)

غَمَرَ الأَرْضَ بِالمَكَارِمِ حَتَّى *** مَلأَ الحَافِقِيْنَ مِنْهُ القَلِيلُ

وَسَيَبْقَى أَبْنَاءُ فَاطِمٍ حُصْناً *** لَيْسَ يَقْوَىٰ عَلَيْهِ بَاغٍ ذَلِيلُ

لَهُمُ المَجْدُ والمَسِيرَةُ حَتَّى *** يَبْسُطَ العَدلَ غَائِبٌ مَأْمُولُ

ص: 308


1- عليل: يريد به السقيم المريض.
2- لاح: بدا وظهر.

قافية الميم

اشارة

ص: 309

ص: 310

(1) البتول لها سلام

(بحر الوافر)

الشيخ إبراهيم البلادي (*)(1)

بَدَأْتُ بِحَمْدِ مَنْ خَلَقَ الأَنَاما *** وَ أَشْكُرُهُ عَلَى النَّعْمَا دَوَاما

هُوَ المَوْجُودُ خَالِقُنَا وُجُوباً *** وَ لَمْ أُثْبِتْ لِمُوجِدِنَا انْعِداما

لَقَدْ خَلَقَ الوَرَى إِظْهَارَ كَنْزِ *** تَسَتَرَ فَاسْتَفَضَّ لَهُ الخِتَاما(2)

أصولٌ خَمْسَةٌ لِلدِّينِ مِنْهَا *** لَهُ العَدْلُ الَّذِي فِي الحُكْمِ دَامَا

ص: 311


1- (*) هو الشيخ إبراهيم ابن العلامة الشيخ علي بن الحسن ابن الشيخ يوسف بن الحسن البلادي. ينسب هو وآباؤه إلى البلاد القديم القرية البحرانية الشهيرة ذات العراقة في العلم و رئاسة البلاد في العصور المتأخرة. و أسرة (البلادي) أسرة علمية عريقة أنجبت الكثير من العلماء و الأدباء، و قد ذكر الشيخ الطهراني في الذريعة ما لفظه (و والده العلامة المعاصر للشيخ سليمان الماحوزي المتوفى سنة 1121 ه_ وجده الأعلى (الشيخ يوسف بن الحسن) معاصر للشيخ الحرّ ترجمه في (أمل الآمل) وجده الأدنى (الشيخ حسن بن يوسف) أيضاً من الفضلاء كما ذكره في اللؤلؤة. و للمترجَم له آثار علمية منها: 1- منظومة في أصول الدين بعنوان (الاقتباس والتضمين من كتاب الله المبين في إثبات عقائد الدين). 2- ديوان كبير بعنوان (جامع الرياض) في مدح الرسول صلي الله علیه و آله و سلم وآله الأطهار علیهم السلام و هو يشتمل على (14) روضة بعدد المعصومين علیهم السلام. و لم نقف للشاعر البلادي على تاريخ لولادته و وفاته إلا أنه كان حياً في سنة (1150 ه_)، والله العالم.
2- إشارة إلى الحديث القدسي الدائر على الألسن: كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف.

وَ ثَانِي الخَمْسَةِ التَّوْحِيدُ فِيهِ *** وَ نَفْيْ شَريكهِ أَبَداً دَواما

وَ ثَالِتُهَا النُّبُوَّةُ وَ هْيَ لُطفٌ *** عَظِيمٌ دَائِم عَمَّ الأَناما

وَ رَابِعُها الإمامَهُ وَ هْيَ لُطفٌ *** مِنَ البَارِي بِهِ الدِّينُ اسْتَقَاما

وَ خَامِسُها المَعَادُ لِكُلِّ جِسْمٍ *** وَ رُوحِ وَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَامَا

وَ إِنَّ إِلْهَنا فِي الحُكْم عَدْلُ *** يُخَاصِمُ كُلَّ مَنْ ظَلَمَ الإماما

وَ إِنَّ النَّارَ وَ الجَنَّاتِ حَقٌّ *** عَلَى رَغْم الَّذِي جَحَدَ القِيَاما(1)

وَ إِنَّ المُؤْمِنِينَ لَهُمْ جِنَانٌ *** وَ نَارُ الكَافِرِينَ عَلَتْ ضِراما(2)

وَ إِنَّ الرُّسُلَ أَوَّلُهُمْ أَبُوهُمْ *** وَ ذَلِكَ آدم خصَّوا السَّلاما

وَ أَفْضَلُهُمْ أُولُوالعَزمِ الأَجِلاً *** وَ مَنْ عَرَفُوا لِرَبِّهِمُ المَقَاما

وَ هُمْ نُوحٌ وَ إِبْرَاهِيمُ مُوسَى *** وَ عِيسَى وَ الأَمِينُ أَتَى خِتَاما

مُحَمَّدُ هُمْ وَ أَحْمَدُ هُمْ تَعَالاً *** وَ أَعْلاهُمْ وَ قاراً وَ احْتِشاما(3)

فَأَشْهَدُ مُخْلِصاً أَنْ لاإلهَ *** سِوَى اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الأَنَاما

وَ أَنَّ مُحَمَّداً لِلنَّاسِ مِنْهُ *** نَبِيٌّ مُرْسَلٌ بِالأَمْرِ قَامَا

وَ أَشْهَدَ أَنَّهُ وَلَّى عَلِيًّا *** وَلِيَّ اللَّهِ لِلدِّين اهْتِمَاما(4)

ص: 312


1- جَحَد القياما: أنكر يوم القيامة.
2- خراماً: اضطراماً و اتقاداً.
3- احتشاماً: حياءً أو أدباً.
4- من طرائف ما ورد في كتاب الفصول المختارة من العيون و المحاسن، ص9: التقى هشام بن الحكم -و هو تلميذ بارع من تلاميذ الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام التقى بضرار بن عمرو الضبي في دار يحيى بن خالد البرمكي و دار بينهما حوار ساخن في إمامة علي أميرالمؤمنين علیه السلام و ولايته فأقبل هشام على ضرار يسأله قائلاً: يا أبا عمر و أخبرني على ما تجب الولاية و البراءة أعلى الظاهر أم على الباطن؟... قال: بل على الظاهر فإن الباطن لايدرك إلا بالوحي. قال هشام: صدقت فأخبرني الآن أي الرجلين كان أذبّ عن وجه رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم بالسيف و أقتل لأعداء الله بين يديه و أكثر إيثاراً في الجهاد أعليٌّ بن أبي طالب علیه السلام أم أبوبكر؟ فقال ضرار بل علي بن أبي طالب علیه السلام ولكن أبابكر أشد يقيناً. فقال هشام: هذا هو الباطن الذي قد تركنا الكلام فيه و قد اعترفت لعلي علیه السلام بظاهر عمله من الولاية و أنه يستحق بها الولاية ما لم یجب لأبی بکر به. فقال ضرار: هذا هو الظاهر نعم. قال له هشام: أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذي لايدفع؟ فقال له ضرار: بلى-فقال هشام: ألست تعلم أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى؟» قال ضرار: نعم. قال هشام: أفيجوز أن يقول هذا القول إلا و عنده في الباطن مؤمن؟ قال: لا. قال هشام: فقد صحَّ لعلي علیه السلام ظاهره و باطنه و لم يصح لصاحبك لاظاهر و لاباطن و الحمدللّه.

وَ صَیّرَهُ الخَلِيفَةَ يَوْمَ «خُمُ» *** بِأَمْرِ اللَّهِ عَهْداً وَ الْتِزَاما

وَ نَصَّ عَلَى الأَئِمَّةِ مِنْ بَنِيهِ *** هُنَاكَ عَلَى المَنَابِرِ حِينَ قَاما

فَأَخَاهُ النَّبِيُّ وَ فِي البَرَايا *** بحُكْمِ اللَّهِ صَيَّرَهُ إِمَاما

وَ عَظَمَهُ وَ لَقَّبَهُ بِوَحْي *** أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ فَلَنْ يَرَاما

وَ زَوَّجَهُ البَتُولَ لَهَا سَلاَمٌ *** مِنَ اللَّهِ الوُصُولَ وَ لَاانْصِراما

فَكَانَ لَهَا الفَتَى كُفُواً كَريماً *** فَأَوْلَدَهَا أَيْمَّتَنَا الكِرَاما(1)(2)

ص: 313


1- في هذين البيتين إشارة إلى تزويج الرسول صلي اللّه علیه و آله و سلم فاطمة الزهراء علیها السلام للإمام علي علیه السلام و كون الإمام كفؤاً لها و لولاه لما كان لها كفؤ انظر ما ورد في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين علي الطبري ص32 و كتاب كنز العمال ج13 ص683 ح37753 وكتاب مجمع الزوائد و منبع الفوائد للحافظ الهيثمي ج9 ص207، و کتاب الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي ص124. و كتاب البحار ج43 ص97 و 98 و 145. و مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص350 نقلاً عن مصباح الأنوار و المختصر و كتاب ينابيع المودة ج1 ص208. و كتاب فردوس الأخبار للديلمي ج3 ص418 و كتاب عوالم العلوم ج1 ص372 عن كتاب الكافي ج1 ص461 ح10 و التهذيب ج7 ص470 ح90. و الفقيه ج3 ص393 ح4383.
2- الغدير ج1 ص383.

(2) نور فاطمة علیها السلام

(بحر الرمل)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبوزكي)

أَزْهَرَ الكَوْنُ بِنورِ الفاطِمَة *** وَ تَبَدَّتْ ظُلُماتٌ قاتِمَة(1)

وَ ثَوى الغُفْرانُ مِنْ رَبِّ السَّما *** في نُفوسِ الْخَلْقِ تِلْكَ الأَئِمَة

وَالتَهاني مِنْ سَماواتِ العُلى *** تَمْلأُ الآفاق شَوْقاً هائِمَة

وَ تَهادى مَوْكِبُ النورِ بها *** وَ تَوالَتْ قَبَات عارِمَة

تَطْرُدُ الشَيْطَانَ مِنْ أَرْوَاحٍ مَنْ *** حُبُّهُمْ فيها عدا الناسِ سِمَة

شايَعوها وَ أَباها مِثْلَما *** بَعْلَها وَ النَّسْلَ مِنْها الكاظِمَة

فَرِضاها مِنْ رِضا خالِقِنا *** وَ هَواها في النفوسِ الْحالِمَة

وَ لِمَنْ يُغْضِبُها مُحْضَرَةٌ *** نارُ جَبّارِ السَماءِ الْحَاطِمَة(2)

وَ هيَ أُمّ لأبيها فُدِيَتْ *** بِجَمِيعِ الْخَلْقِ طراً سالِمَة

وَ هيَ سِرُّ أَقْدَسٌ مُسْتَوْدَعُ *** روحُ رَبِّي لمداها عالِمَة

كَبَّرَ الأَمْلاكُ في العَرْشِ لَها *** حينَما هَلَّتْ عَلَيْهِمْ قائِمَة

أعْتَقَتْ في حُبِّها شيعَتَها *** وَ هَوَتْ في النار أُخْرَى ظالِمَة

نَحْنُ في يَوْمِكِ يا سَيِّدَتي *** وَ قُلوبُ الود فيكُمْ مُغْرَمَة

فَفُؤادُ الحُبُّ فينا مُمْتَلي *** بِالهَوى، وَ النَّفْسُ فينا مُفْعَمَة

ص: 314


1- تبدت: إنزاحت.
2- الحاطمة: (الحطمة) من أسماء النار، لأنها تحطم ما تلقى.

وذا أنفاسُنا تَلْهَجُ في *** حُبِّكِ الطاهِرِ دَوْماً ساهِمَة(1)

نَحْنُ أَحْبابكِ يا سَيِّدَتي *** نَحْنُ أَنْباعُ البتول الغانِمَة

نَرْتَجِي رِضْوانَ رَبِّ غافِرٍ *** يَوْمَ تَلقى الخلُق طرّاً واجمة(2)

أَنَّكِ حِصْنُ حَصينٌ راسخً *** وَ طَريقٌ آمِنٌ يا عالِمَة

وَ رِضاكِ مِنْ رِضا اللَّهِ كَما *** سُخْطُكِ يُسْخِطُ يا غَانِمَة

وَ هَواكِ جُنَّةٌ مِنْ سَقَرٍ *** وَ مُوالاتُكِ مِنْهُ فَاطِمَة

ص: 315


1- ساهمة: هائمة متولّهة.
2- واجمة: (الواجم) الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن عن الكلام.

(3) حُبّ البتول علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد حميد الأعرجي(*)(1)

ماذا أقولُ و قلبي قال قبلَ فَمِي *** حبُّ البتول سرى في أعظُمي وَ دَمي

حبُّ لبنتِ رسول الله الهَمَهُ *** ربُّ البريةِ نفسي فانجلَتْ غممي

هى الشفيعةُ يوم الحشر تنقذُنا *** من حرِّ نار لظّى من كلِّ مضطرِم

بحبِّها يستحيلُ الياسُ مرحمةً *** لليائسين فيضحِي الكلُّ في نِعمِ

تعلمُوا الصبرَ منها فهي مدرسةً *** للصابرين بلا جُهدٍ وَ لاسأم

أُستاذُها خيرُ خلقِ اللَّه أجمَعِهِم *** هو النبيُّ أبو الزهراءِ ذو الشَّيَم

نصَّ الإلهُ على أخلاقِهِ و أتت *** آياتُهُ في مديحِ الخلقِ بالعظمِ

نورٌ براهُ إلهُ الكونِ من قدمٍ *** وَ قبلَ خلقِ صفيحِ اللوحِ و القلمِ

نشَعَّ نورُ نبيِّ اللَّه منطلقاً *** من عالم الذرِّ حتى زاحَ للعتمِ

ص: 316


1- (*) السيد حميد بن جواد بن راضي بن حسين بن علي بن محمد بن جعفر بن المرتضى الأعرجي الحسيني. شاعر جليل. ولد في النجف سنة 1368 و نشأ به أكمل الدراسة الابتدائية و المتوسطة به، ثم دخل (دار المعلمين الابتدائية) في كربلاء و تخرج فيها سنة1969-1970 و كان خلال دراسته يتعاطى الأدب والشعر، فنظم في أغراض متعددة، في الغزل، و الإخوانيات و غيرها و انقطع أخيراً إلى مدح و رثاء أهل البيت علیهم السلام و له مجموعة شعرية مخطوطة. و له قصائد طويلة تدل على شاعرية اشتغل بالتعليم إلى اليوم و هو متواضع هادىء الطبع.

و أشرقت أرضُ إبراهيم حيثُ بَدَتْ *** أنوارُ أحمد تجلو غيهب الظلمِ

فأسقطتْ كل زيفٍ كان متبعاً *** و أهلكت كل طاغوتٍ و منتقمٍ

و شاءَ ربُّك أن يهدي محمَّدَهُ *** هديةً من صنيعِ الله ذي الكرمِ

فأنعم اللَّه بالزهراءِ حيثُ غدَتْ *** ينبوع خيرٍ لكلِ الخلقِ و الأممِ

فاسترِّ قلبُ رسولِ اللَّه و ابْتَهَجَتْ *** بها خديجةُ ذاتُ المجدِ و الشممِ

حتى غدا بیتُ طه في ولادِتِها *** يزهُو بنوريهما كالبدرِ في الظُلمِ

واستبشرتْ كلُّ أملاكِ السما فرحاً *** أما الطيورُ فغنَّت أعذبَ النغمِ

وَ انسابَ صوتُ زلالِ الماء في طربٍ *** يشدو بأنغامهِ فِي أجملِ الكَلِمِ

أما النسائمُ هبتْ فاعتلتْ و رختْ *** تحِكي بفضلِ كريمٍ بارىء النَّسَمِ

و عبّرتْ بلسانِ الحالِ قائلةً *** يا أيها المصطفى المختارُ لاتنمِ

فاليومَ جاءَتْ إلى الدنيا مطهرةً *** ريحانةً قد هداها اللَّهُ فاستلمِ

واهنأ بها غرسةً ما مثلُها نبتتْ *** في الخلدِ من نبتةٍ كلا و لم تقمِ

ریحانةُ ابدعتها كفُّ صانعِها *** سبحانَهُ مبدعُ الدنيا من العدمِ

و أينعتْ نبتةُ الأيمانِ وازدهرتْ *** فأثمرتْ في ظلالِ الخيرِ و الكرمِ

ریحانتين هما سبطا هدًى و تقّى *** أبوهما حيدرُ الكرارُ ذو الشيمِ

أعني الزكيَّ إمام الحقِّ ذا حسناً *** و هو الذي قد سما في الخلقِ من قدمِ

أما حسينُ فيكفي الاسمُ عن بطلٍ *** فذٍ شجاعٍ تحدى الظلمَ خيرِ كمي

صوتٌ يدوّي على الأيام من زمنٍ *** عبر القرونِ يصيبُ الزيفَ في صممِ

و مشعلٍ قد أضاءَ اللَّهُ شعلتَهُ *** من نورهِ كي يضيء الدربَ بالقيمِ

أولاء من فاطمٍ من حيدرٍ ولدوا *** أكرم به في التُّقى و العلمِ من عَلَمِ

ص: 317

(4) في الحشر فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الحافظ البرسي الحلي(*)(1)

ما هاجَنِي ذِكْرُ ذَاتِ البَانِ وَ العَلَم *** وَ لَاالسَّلاَمُ عَلَى سَلْمَى بِذِي سَلَم(2)

وَ لاَصَبَوْتُ لِصَبِّ صَابَ مَدْمَعُهُ *** مِنَ الصَّبَابَةِ صَبَّ الوَابِلِ الرّزِمِ(3)

وَ لاعَلَى طَلَلٍ يَوْماً أَطَلْتُ بِهِ *** مُخاطباً لأهَيْلِ الحَيَّ وَ الخِيَمِ

وَ لاتَمَسَّكْتُ بِالحَادِي وَ قُلْتُ لَهُ: *** إِنْ جِئْتَ سَلْعاً فَسَلْ عَنْ جِيرَةِ العَلَمِ(4)

لكِنْ تَذَكَّرْتُ مَوْلاَيَ الحُسَيْنَ وَ قَدْ *** أَضْحَى بِكَرْبِ البَلا فِي كَرْبَلاءَ ظَمِي

فَقَاضَ صَبْرِى وَ فَاضَ الدَّمْعُ وَ ابْتَعَدَ *** الرُّقَادُ وَ اقْتَرَبَ السُّهَادُ بِالسَّقَم(5)

وَ هَامَ إِذْ هَمَّتِ العَبَرَاتُ مِنْ عَدَمِ *** قَلْبِي وَ لَمْ أَسْتَطِعْ مَعَ ذَاكَ مَنْعَ دَمِي

لَمْ أَنْسَهُ وَ جُيُوشُ الكُفْرِ جَائِشَةٌ *** وَ الجَيْشُ فِي أَمَل وَ الدِّينُ في ألم

تَطُوفُ بِالطَّفْ فُرْسَانُ الضَّلالِ بِهِ *** وَ الحَقُّ يُسْمَعُ وَ الأَسْمَاعُ فِي صَمَمِ

وَ لِلْمَنَایَا بِفُرْسَانِ المنى عَجَلٌ *** وَ المَوْتُ يَسْعَى عَلَى سَاقٍ بِلا قَدَمٍ

مُسَائِلاً وَ دُمُوعُ العَيْنِ سَائِلَةٌ *** وَ هُوَ العَلِيمُ بِعِلْمِ اللَّوْحِ وَ القَلَمِ

ص: 318


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- البان: شجر معتدل القوام من فصيلة البانيات يُشَبّه به القدّ لطوله.
3- صبوتُ: حننتُ إليه صَبّ: عاش وذو الولع الشديد. الوابل: المطر. الرَّزِم: الذي لاينقطع رعده.
4- سَلْع: بفتح السين الشقِّ في القدم و بكسرها الشق في الجبل.
5- الشهاد: الأرق و قلّة النوم.

مَا اسْمُ هَذَا الثَّرَى يَا قَوْمُ فَابْتَدَرُوا *** بِقَوْلِهِمْ يُوصِلُونَ الكَلمَ بِالكَلِمِ

بِكَرْبَلا هُذِهِ تُدْعَى. فَقَال: أَجَلْ *** أَجَالُنَا بَيْنَ تِلْكَ الهُضْبِ وَ الأَكَمِ

حُطُّوا الرِّحَالَ فَحَالُ المَوْتِ حَلَّ *** بِنَادُونَ البَقَاءِ وَ غَيْرُ اللَّهِ لَمْ يَدمِ

يَا لِلرِّجَالِ لِخَطب حَلَّ مُخْتَرمَ *** الآجَالِ مُعْتَدِياً فِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ

و يقول فيها:

أَيْنَ النَّبِيُّ وَ ثَغْرُ السِّبْطِ يَقْرَعُهُ *** يَزِيدُ بُغْضاً لِخَيْرِ الخَلْقِ كُلِهِمِ؟

أيَنْكُتُ الرِّجْسُ ثَغْراً كَانَ قَبْلَهُ *** مِنْ حُبِّهِ الظهرُ خَيْرُ العُرْبِ وَ العَجَمِ؟

وَ يَدَّعِي بَعْدَهَا الإِسْلامَ مِنْ سَفَةٍ *** وَ كَانَ أَكْفَرُ مِنْ عَادٍ وَ مِنْ إِرَمِ؟

يَا وَيْلَهُ حِينَ تَأْتِي الطُّهرُ فَاطِمَةٌ *** فِي الحَشْر صَارِخةً فِي مَوْقَفِ الأُمَمِ(1)أي أنهم يشفعون للإنسان لأنه اتسم بصفة المحبة لآل البيت.(2)الغدير، ج7، ص62.(3)

ص: 319


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحارج43 ص221: عن أبي عبد الله علیه السلام: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إذا كان يوم نصب لفاطمة علیها السلام قبَة من نور و أقبل الحسين «صلوات الله عليه» رأسه في يده فإذا رأته شهقت شهقة لايبقى في الجمع ملك مقرب و لانبي مرسل و لاعبد مؤمن إلا بكى». و في كتاب شعاع من نور فاطمة علیها السلام للعلامة السيد مرتضى الشيرازي، ص32. و الشفاعة هي الأخرى سبب لغفران الذنوب. و حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لايجوز واحد و هذه القاعدة تنطبق على المحبة
2- من جهة وعلى الاستغفار و الشهادة و الشفاعة من جهة أخرى. بل الأمر فيها أولى من بعض الجهات كما لايخفى... بل إن قال الشفاعة إلى المحبة كما تدل عليه الروايات ومنها [...أنه إذا كان ذلك و احتضر حضره رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و على علیه السلام و جبرئيل و ملك الموت فيدنو منه علي علیه السلام فيقول: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن هذا كان يحبنا أهل البيت علیهم السلام فأحبه و يقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «يا جبرئيل إن هذا كان يحب الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيت رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فأحبه». -و يقول جبرئيل لملك الموت: إن هذا كان يحب الله و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيت رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فأحبه و أرفق به فيدنو منه ملك الموت فيقول: يا عبدالله أخذت فكاك رقبتك... أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا.
3-

تَأْتِي فَيُطْرِقُ أَهْلُ الجَمْعِ أَجْمَعُهُمْ *** مِنْهَا حَيَاءٌ وَ وَجْهُ الأَرْضِ فِي قَتَمِ

وَ تَشْتَكِي عَنْ يَمِينِ العَرْشِ صَارِخَةً *** وَ تَسْتَغِيثُ إِلَى الجَبَّارِ ذِي النِّقَمِ

هُنَاكَ يَظْهَرُ حُكْمُ اللَّهِ فِي مَلاٍ *** عَضُوا وَ خَانُوا فَيَا سُحْقاً لِفِعْلِهم

وَ فِي يَدَيْهَا قَمِيصُ لِلْحُسَيْنِ غَدا *** مُضَمَّخاً بِدَمٍ قَرْنا إِلَى قَدَمِ(1)

ص: 320


1- بحار الأنوار، ج6 ص197 ب7 ح51.

(5) عَصَمَ الله فاطما علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حبيب آل إبراهيم العاملي

أَصْبَحَ الدَّهْرُ ضَاحِكَ الثَّغْرِ بَاسِمُ *** يَوْمَ مِيلادِ بِنْتِ أَحْمَدَ فَاطِمُ

مَلأ العَالَمِينَ نُورُسَنَاها *** أَي نُورٍ مَلاً سَنَاهُ العَوَالِمْ(1)

زَهْرَةٌ فَتَحَتْ بِرَوْضِ قُرَيْشٍ *** فِي عُلاَ الدَّوْحَةِ الشَّرِيفَةِ هَاشِمُ

بَسَقَتْ لِلسَّمَاءِ مَجْداً وَ عِزَّاً *** وَ عُلَى وَ هْيَ فِي كُمَامِ البَرَاعِمْ

إِن تَسَلْنِي أُنْبِتكَ عَنْهَا فَإِنِّي *** مَا أَنَا اليَوْمَ عَنْكَ ذلِكَ كَاتِمْ

هِيَ إِحْدَى الأَشْبَاحِ إِذْ قَدْ تَجَلَّتْ *** يَمْنَةَ العَرْشِ كَالنُّجُومِ لَآدَمُ(2)

ص: 321


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى النور الذي ملأ الأقطار و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلا أشرق نوراً بسبب ولادة فاطمة علیها السلام. انظر ما ورد في كتاب مشارق الأنوار ص85 كما في كتاب عوالم العلوم ج1 ص58. و كتاب بحار الأنوار ج16 ص81 ضمن حديث طويل و كتاب مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج3 ص340.
2- و قد مرّ في هذا البيت إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام هي أحد الأشباح الخمسة التي كانت تحت ظل العرش نقلاً عن كتاب فرائد السمطين ج1 ص36 و زيادة على ما مرّ. ففي كتاب بحار الأنوار ج15 ص7 قال: عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن الله خلقني و علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام، قلت: فأين كنتم يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: قدام العرش، نسبح الله و نحمده و نقدّسه و نمجده، قلت: على أي مثال؟ قال: أشباح نور، حتى إذا أراد الله عزوجل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ثم قذفنا في صلب آدم ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء و أرحام الأمهات، و لايصيبنا نجس الشرك و لاسفاح الكفر، يسعد بنا قوم و يشقى بنا آخرون، فلما صيَّرنا إلى صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين، فجعل نصفه في عبد الله، و نصفه في أبي طالب، ثم أخرج الذي لي إلى آمنة، و النصف إلى فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة و أخرجت فاطمة علیها السلام علياً، ثم أعاد «عز وجل» العمود إليّ فخرجت منّي ،فاطمة علیها السلام، ثم أعاد «عزوجل» العمود إلى علي فخرج منه الحسن و الحسين علیهما السلام يعني من النصفين جميعاً فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن علیه السلام، و ما كان من نوري صار في ولد الحسين علیه السلام، فهو ينتقل في الأئمة من ولده إلى يوم الأئمة من ولده إلى يوم القيامة». انظر أيضاً في كتاب علل الشرائع ج1 ص246.

حَدَرَتْ مِنْ سَمَا الوُجُودِ تَهَادَى *** مِنْ كَرِيمٍ لأُمَّهَاتِ كَرَائِمُ(1)

مِنْ أَبٍ سَابِقٍ وَ أُمْ أَصِيلٍ *** مِنْ لَدَى المُبْتَدَا لآخَرَ خَاتِمْ

ظهُرَتْ مَحْئِداً وَ نَفْساً وَ طَابَتْ *** وَ تَعَالَتْ مَنَاقِباً وَ مَكَارِمُ(2)

وهيَ لَوْلاً أَنَّ الوَصِيَّ عَلِيٌّا *** خِيرَةُ العُرْبِ كُلِّهَا وَ الأَعَاجِمُ

كُفُؤُهَا لَمْ يَكُنْ لِفَاطِمَ كُفْوٌ *** إِنَّ عَنْ كُفْرِهَا النِّسَاءَ عَقَائِمُ(3)

فَتَجَلَّى الوَحْيُ المُبِينُ فَوَفَّى *** مَادِحاً صَادِعاً يَشُقُ الصَّلادِمُ(4)

يُلْزِمُ المُسْلِمِينَ فَرْضُ وَلاهَا *** وَ جَدِيرٌ بِأنْ تُوَالِي الأعَاظِمُ

مُعْلِناً طُّهرَها وَ أَنَّى لِبنْتٍ *** المُصْطَفَى المُجْتَبى اقْتِرَافُ المَائِمُ؟

ص: 322


1- تهادى: أهدى بعضهم إلى بعض.
2- محتداً: أضلاً
3- في هذين البيتين إشارة إلى كون علي علیه السلام كفؤ لفاطمة علیها السلام و لولا علي علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ في الأرض انظر كتاب البحار ج97، و كتاب مصباح الأنوار و المختصر كما في أنوار البحار ج43 ص145 و زيادة على ذلك ما ورد في كتاب ينابيع المودة ج1 ص208 قال: عن عباس بن عبد المطلب «رضي الله عنه» قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «أبشرك يا عماه إن الله أيدني بسيد الوصيين علي فجعله كفواً لفاطمة علیها السلام ابنتي . و في كتاب فردوس الأخبار للديلمي ج3 ص418 قال: عن أم سلمة: «لو لم يُخلق عليّ علیه السلام ما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ». و ذكر صاحب عوالم العلوم ج1 ص372 عن كتاب الكافي ج1 ص461 ح10 و التهذيب ج7 ص470 ح90 و الفقیه ج3 ص393 ح 4383. بلفظ: «لولا أن الله «تعالى» خلق فاطمة علیها السلام لعلي علیه السلام ما كان لها على وجه الأرض كفؤ آدم فمن دونه».
4- الصلادم: جمع الصِّلْدَم و هو الصُّلْب.

عَصَمَ اللَّهُ فَاطِماً وَ أَبَاهَا *** وَ بَنِيهَا وَ المُرْتَضَى بَعْلَ فَاطِمْ(1)(2)

ص: 323


1- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى قوله تعالى:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب آية:33] انظر تفصيل ذلك في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص147. و مسند أحمد بن حنبل ج4 ص107. و مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص170 و المستدرك أيضاً ج2 ص416. و كتاب السنن الكبرى للبيهقي ج2 ص150. و تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج9 ص126 و أسد الغابة لابن الأثير ج2 ص12 و ج5 ص521 و ذخائر العقبى للمحب الطبري ص و البحار ج35 ص208 و أسباب النزول للواحدي النيسابوري ص239.
2- نقل من كتاب رياحين الشريعة ج1 ص60 و القصيدة تنوف على ثلاثين بيتاً. أخذنا منها كفايتنا.

(6) عليك صلاة ربي

(بحر الوافر)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

فَبِالزَّهْرَا مُصِيبَتُنَا عَظِيمَهْ *** وَ أَدْمُعُنَا حَكَتْ سُحُباً سَجِيمَهْ(2)

نَحِنُّ لَهَا وَ حُقَّ لَنَا بُكَانَا *** إِذَا ذُكِرَتْ مَصَائِبُهَا الأَلِيمَهْ

أَلاَ يَا وَيْلَتَا رُوحِي فِدَاهَا *** وَ أَحْزَانِي عَلَيْهَا مُسْتَقِيمَهْ

إِذَا ذُكِرَتْ يَحِنُّ لَهَا فُؤَادِي *** وَ أَنْدُبُهَا كَمَا تَبْكِي السَّقِيمَهْ

إِذَا جَنَّ الدُّجَى حَنَّتْ وَ أَنَّتْ *** فَيَا حُزنَاً لَهَا وَ هِيَ الكَرِيمَهْ

تُنَادِي: يَا أَبِي وَحِمَايَ مَنْ لِي *** إِذَا أَبْدَى الظَّلامُ لَنَا نُجُومَهْ؟

أبِي خَلَّفْتَنِي يَا نُورَعَيْنِي*** كَنَوْحٍ حَمَامَةٍ أَبْكِي يَتِيمَهْ

وَ هذِيْ أَدْمُعِي تَجْرِي بِخَدي *** لِفَقْدِكَ مِثْلَ عَادِيَةٍ عَمِيمَهْ(3)

وَ ذِي عَيْنِي مِنَ التَّسْكَابِ حَمْرَا *** تَسِيلُ دَماً وَ تَهْمِلُ مُسْتَدِيمَهْ(4)

فَمِثْلُكَ يَا أَبِي مَنْ لِي رَحِيمٌ *** وَ مَنْ لِي مِثْلُ نَفْسِكَ مِنْ رَحِيمَهْ؟(5)

ص: 324


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- حكت: شابهت-سجيمة: سائلة منصَبَة.
3- غادية: سحابة تنشأ غداةً -أو مطرة الغداة. عميمة: شاملة.
4- تهمل: تفيض دموعاً.
5- ورد في مصادر عدة ذكر حالة الزهراء مع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و هي تشرح شدَّة العطف و المحبة و الحنان بينهما و خصوصاً بعد رحيل أمها خديجة الكبرى «سلام الله عليها» فقد ورد: توفي أبوطالب و خديجة «سلام الله علیها» في السنة العاشرة من المبعث الشريف فحزن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لذلك حزناً شدیداً و سمي ذلك العام بالعام الحزن المناقب ابن شهر آشوب، ج1 ص174. لأنه فقد ناصريه و حامييه في مكة شريكة حياته ووزيرته و أم أولاده «خديجة سلام الله علیها» و سنده و مانعه «أباطالب». فتغيرت حياته صلي الله علیه و آله و سلم في داخل البيت و خارجه و اشتدت عليه قريش و وصلوا من أذاه بعد وفاة أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته حتى نثر بعضهم التراب على رأسه و حتي أن بعضهم طرح عليه سلا الشاة و هو يصلي. فيعود إلى البيت محزوناً مكروباً فيرى وجه ابنته الشاحب الذابل و عينيها الدامعتين على فراق أمها و ما تراه يجري على أبيها خارج البيت ففي مرة رأت قريشاً اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا: لو رأينا محمداً صلي الله علیه و آله و سلم لقمنا إليه مقام رجل واحد و لنقتلنه. فدخلت على النبي صلي الله علیه و آله و سلم باكية و حكت مقالهم-مناقب ابن شهر آشوب، ج1 ص71. و في ذات يوم نثر أحد المشركين التراب على رأس رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلما دخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بيته و التراب على رأسه قامت إليه فاطمة علیها السلام تغسل عنه التراب و هي تبكي و رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: (يا بنية لاتبكي فإن اللّه مانع أباك» -تاريخ الطبري، ج2 ص80 و عن ابن عباس أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم دخل الكعبة و افتتح الصلاة فقال أبوجهل: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري و تناول فرثاً و دماً و ألقى ذلك عليه. فجاءت فاطمة علیها السلام فأماطته ثم أوسعتهم شتماً و هم يضحكون فلما سلم النبي صلى الله عليه و آله و سلم دعا عليهم. مناقب ابن شهر آشوب، ج1 ص60. و كلما ازداد شعور الزهراء علیها السلام بالحرمان من الأم ازداد حب النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أشعرها بذلك الحب لأنه صلي الله علیه و آله و سلم لايعرف ما تعانيه فاطمة علیها السلام من فقد أمها لهذا كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لاينام حتى يقبل عرض و جنة فاطمة علیها السلام كشف الغمة، ج2 ص93.

أُمَثْلُ حُزْنَهَا مُذْ فَارَقَتْهُ *** فَعَادَتْ بَعْدَ فُرْقَتِهِ سَقِيمَهْ

إذَا نَظَرَتْ إِلَى المِحْرَابِ نَادَتْ *** بِصَوْتٍ مِثْلَمَا نَاحَتْ سَلِيمهْ(1)

و أَدْمُعُهَا تَسِيلُ بِلَاانْقِطَاعٍ *** كما تجْرِي مِنَ الأنظار دِيمَهْ(2)

فَيَا سِنَّ النِّسَاءِ وَمَنْ أَبُوهَا *** أَيَادِيهِ عَلَى الدُّنْيَا عَمِيمَهْ

عَلَيْكِ صَلاةُ رَبِّي مَا تَرَامَتْ *** نُجُومُ الأُفُقِ رَامِيَةً رَجِيمَهْ(3)

ص: 325


1- سليمة: السليم: اللديغ.
2- ديمة: مطر يدوم في سكون بلارعد و لابرق.
3- كنوز المدح و الرثاء ص55.

(7) يا بنت خير نبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

الدَّمْعُ مِنّي عَلَى الخَدَّيْنِ مُنْسَجِمُ *** وَ القَلْبُ مِنِّي بِنَارِ الحُزْنِ مُضْطَرِمُ(2)

أَبْكِي كَمَا نَاحَ تُمْرِيٌّ عَلَى شَجَرٍ *** يَحْدُو بِجُنْح دُجى تَنْتَابُهُ الظُّلَمُ(3)

يَبْكِي وَ يَنْدُبُ إِلفاً شَطَ مُبْتَعِداً *** عَنْهُ فَلَذَّ لَهُ التَّغْرِيدُ وَ النَّغَمُ

مَنْ لِي بِسَلْوَةِ قَلْبٍ فِيهِ قَدْ لَعِبَتْ؟ *** مِنَ الخُطُوبِ رَزَايَا كُلُّهَا أَلَمُ

وَ مُهْجَةٌ بِضِرَامٍ كُلُهَا سُعُرٌ *** كَأَنَّهَا بِلَهِيبِ الجَمْرِ تَحْتَدِمُ

بِاللَّهِ بِاللَّهِ يَا خِلِّي أَلَمْ تَرَنِي *** أَرْعَى النُّجُومَ وَ دَمْعُ العَيْنِ يَنْسَجِمُ؟

مَا مَرَّ جَفْنِي هُجُوع لا وَ لاَوَسَنٌ *** وَ لَمْ يَطِبْ لِي نَعِيمٌ لاوَ لانِعَمُ(4)

فَقَالَ مَا تَشْتَكِي بِاللَّهِ قُلْ فَأَرَى *** عَلامَةَ الوَجْدِ فِي خَدَّيْكَ تَرْتَسِمُ

أَهَلْ شَجَتْكَ لَيَالٍ قَدْ نَعِمْتَ بِهَا *** فَفَارَقَتْكَ فَدَمْعُ المُقْلَتَيْنِ دَمُ؟

أَم الأحَبَّةُ شَطُوا عَنْكَ وَ ارْتَحَلُوا *** فَسَارَ يَطْوِي فَيَا فِي البِيدِ رَكْبَهُمُ(5)

فَيَافِي فَقُلْتُ حَاشَا وَكَلا مَا شَجَيْتُ لِذَا *** وَ لاَ لِهَذَا وَ إِنْ قَدْ مَضٌ بُعْدُهُمُ

ص: 326


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- منسجم: سائل قليلاً أو منصب كثيراً.
3- قُمْرِي: ضربٌ من الحمام حسن الصوت.
4- وَسَن: ثقل النوم، أو اشتداد النعاس.
5- شطوا: بعدوا. فيافي: جمع الفيفى و هي المفازة لاماء فيها أو المكان المستوي. بيد: فلوات، صحارى.

لكِنْ شَجَانِي مَا أَشْجَى البَتُولَةَ بِنْتَ *** المُصْطَفَى خَيْرَ مَنْ دَاسَتْ لَهُ قَدَمُ

أَرْضَ البَسِيطَةَ فَاهْتَزَّتْ جَوَانِبُهَا *** بِعَدْلِهِ وَانْجَلَتْ عَنْ وَجْهِهَا الغُمَمُ

أَبْكِي لَهَا وَ عَلَيْهَا كَيْفَ قَدْ جُمِعَتْ *** مَصَائِبٌ كَظَلامِ اللَّيْلِ تَزْدَحِمُ؟

تَبْكِي فَيُشْجِي بُكَاهَا القَلْبَ إِنْ نَحَبَتْ *** وَ الدَّمْعُ فِي صَحْنِ خَدَّيْهَا لَهُ كُلُمُ(1)

تَدْعُو:أَبِي يَا أَبِي ضَيَّعْتَنِي فَأَنَا *** مِنْ بَعْدِ فَقْدِكَ تَكْلَى شَفَّنِي السُّقُمُ(2)

يَا وَالِدِي تِلْكَ أَطْفَالِي فَلَيْتَ تَرَىٰ *** عَلَيْهِمُ كَيْفَ لاَحَ الضُّرُّ وَ اليُتُمُ

وَ تِلْكَ رَيْحَانَنَاكَ الطَّاهِرَانِ هُمَا *** يَسْتَصْرِخَانِ وَ فِي قَلْبَيْهِمَا ضُرَمُ

وَ يَنْدِبَانِ أَلاَ يَا جَدُّ لَيْسَ لَنَا *** مِنْ بَعْدِ فَقَدِكَ أَفرَاحٌ وَ مُبْتَسَمُ

يَا بِنْتَ خَيْرِ نَبِيَّ كُلُهُ كَرَمٌ *** وَ لِلْبَرِيَّةِ حَقاً فَضْلُهُ عَمَمُ

هَذِي رَزَايَاكِ أَبْكَتْنَا فَأَدْمُعُنَا *** لِرُزَيكُمْ وَ لِما قَدْ نَالَكُمْ دِيَمُ

أَبْكِيكِ مَكْسُورَةَ الطِّلْعَيْن بَاكِيَةً *** بَيْنَ الجِدَارٍ عَلَيْكِ القَوْمُ قَدْهَجَمُوا

أبْكِيكِ وَ الصَّدْرُ فِيهِ لَوْعَةٌ وَ شَجَا *** قَدْ سَالَ مِنْ وَ حْزَةِ المِسْمَارِ مِنْهُ دَمُ

قَدْ أَسْقَطُوكِ جَنِيناً كَانَ أَحْمَدُ قَدْ *** سَمَاهُ مُحْسِنَ لَمّا بَيْتَكِ اقْتَحَمُوا(3)

ثُمَّ انْتَنَوا لأمير المُؤْمِنِينَ وَقَدْ *** قَادُوهُ وَ هُوَ الإِمَامُ الطَّاهِرُ العَلَمُ

فَرُحْتِ خَلْفَهُمُ تَدْعِينَ نَادِبَةً: *** خَلُوا ابْنَ عَمِّي، وَمِنْكِ الدَّمْعُ مُنْسَجِمُ

خَلُوا عَلِيّاً وإلا قُمْتُ شَاكِيةً *** إِلَى الإِلهِ فَيُفْنِي اليَوْمَ جَمْعَكُمُ

رَوَّعْتُمُ صِبْيَتِي يَبْكُونَ وَ الِدَهُمْ *** لأَدْعُوَنَّ عَلَيْكُمْ لاأَبا لَكُم

رَدُّوا إِلَيْكِ وَرَاحَ السَّوْطُ مُلْتَوِياً *** عَلَيْكِ قَسْراً وَ مَا رَاعَاكِ جَمْعُهُمُ

ص: 327


1- كُلم: جروح.
2- شفّني: أهزلني و أرّقني.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص143 قال المؤرخ المسعودي و ضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً...

يَا سَوْطَ قُنْفُذَ قَدْ أَلَمْتَ فَاطِمَةً *** عَادَتْ وَفِي مَتْنِهَا كَالدُّمْلُحِ الوَرَمُ(1)

ص: 328


1- الدملج: الحلي يُلبس في المعصم. و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قیس ص134 في حديث طويل: فنظر علي علیه السلام إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه، ثم قال: نشكو له ضربة ضربها فاطمة علیها السلام بالسوط، فماتت و في عضدها اثره كأنه الدملج... و في كتاب علم اليقين في أصول الدين للفيض الكاشاني، ج2 ص68 قال: إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فواقوا بابه مغلقاً فصاحوا به: اخرج يا علي علیه السلام... فإن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك... فلم يفتح لهم الباب -فأتوا بحطب فصفوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه فصاح عمر و قال: والله لئن لم تفتحوا لنضر منه بالنار... فلما عرفت فاطمة علیها السلام أنهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب فدفعوها قبل أن تتوارى عنهم فاختبأت فاطمة علیها السلام وراء الباب و الحائط ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبياً بثوبه يجرونه إلى المسجد فحالت بينهم و بين بعلها و قالت... و اللَّه لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا فقال الله «تعالى» «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». قال: فتركه أكثر القوم لأجلها فأمر عمر قنفذ أن يضربها بسوطه فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها و جنبيها إلى أن أنهكها و أثر في جسمها الشريف و كان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها و قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سمّاه محسناً. -وجعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلعه فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزن ونحيب و هي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة *** یالیتها خرجت مع الزفرات لاخير بعدك في الحياة وإنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه... والكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن و أبوسبطيك الحسن و الحسين علیهما السلام و من ربيته صغيراً و آخيته كبيراً و أخلّ أحبائك لديك و أحب أصحابك عليك أوَّلهم سبقاً إلى الإسلام و مهاجرة إليك يا خيرة الإنام فها هو ساق في الأسر كما يقاد البعير... ثم أنها أنت و قالت: وا محمداه صلى الله عليه و آله و سلم-وا حبيباه... وا أباه... وا أبا القاسماه... وا أحمداه... وا قلة ناصراه... وا غوثاه -وا طول كربتاه... وا حزناه -وا مصيبتاه... وا سوء صباحاه... و خرت مغشية عليها فضجِّ الناس بالبكاء و النحيب و صار المسجد مأتماً.

يَا بِنْتَ أَحْمَدَ يَا مَنْ فَضْلُهَا أَبداً *** بَادٍ مَدَى الدَّهْرِ فِي أَنْوَارِهِ عَلَمُ

مَا مَرَّ رُزُوكِ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَى *** قَلْبِي وَحَقِّكِ إِلا انْتَابَهُ الأَلَمُ

صَلَّى اللهُ عَلَيْكُمْ مَا بَدَا قَمَرٌ *** بِجُنْحِ لَيْلٍ وَ عَنْهُ انْجَابَتِ الظُّلَمُ(1)

ص: 329


1- كنوز المدح و الرثاء ص49.

(8) قلب البتول علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

مَنْ ذَاكَ يَعْذِرُنِي مِنَ الأَيَّامِ؟ *** فِيهَا طَغَى وَجْدِي وَزَادَ سَقَامِي

أَنَا كُلَّمَا حَاوَلْتُ مِنْهَا مَهْرَباً *** جَارَتْ عَلَيَّ بِجَيْشِهَا المِقْدَامِ

وَ الدَّهْرُ يُسْعِفُهَا عَلَيَّ فَتَنْثَنِي *** تَعْدُو عَلَيَّ كَعَدْوَةِ الصِّرْ غَامِ(2)

مَا لِلزَّمَانِ بِجَوْرِهِ وَ عِنَادِهِ *** كَالذُّنْبِ إِذْ يَعْدُو عَلَى الأَغْنَامِ

يَقْسُو عَلَيَّ فَسَاوَةً فَتَخَالُهُ *** دَيْناً يُطَالِبُنِي مَدَى الأَعْوَام

الأَنْنِي أُرْخِي إِلَيْهِ جَوَانِبِي *** وَ أَلِينُ مِثلَ تَلايُنِ الآجَامِ؟

أمْ أَنَّ دَهْرِي تَابِعُ أَبْنَاءَهُ *** يُجْزُونَ بِالسُّوأى عَلَى الإِنْعَام؟

هَيْهَاتَ لاتَعْجَبْ لِدَهْرِكَ إِنْ قَسَا *** فَالدَّهْرُ شِيمَتُهُ طِبَاعُ لِئَامِ

فَالدَّهْرُ لاَتَأْمَنُهُ مِنْ خُدَع فَلا *** يَرْعَى إِلَيْكَ الدَّهْرُ أَيَّ ذِمَامِ(3)

أَوَمَا رَأَيْتَ فِعَالَهُ بِبَنِي الهُدَى *** آلِ النَّبِيِّ وَ صَفْوَةِ العُلامِ؟

وَ لَقَدْ رَمَى قَلْبَ البَنُولَةِ فَاطِمٍ *** بِمَصَالِبٍ وَ نَوَائِبٍ كَسِهَامِ

فَقَدَتْ أَبَاهَا وَ الشَّجَاءُ أَمَضَّهَا *** وَ الهَمُّ عَاجَلَ جِسْمَهَا بِسَقَامِ

ص: 330


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تنثني: تنعطف. الضرغام: الأسد.
3- ذمام: حُرمة.

فَإِذَا بِهَا مِمَّا عَرَاهَا مِنْ أَسَى *** وَ شَجِّى تَنُوحُ لَهُ كَنَوح حَمَامِ

فَتَرَى المَنَازِلَ وَحْشَةً مِنْ بَعْدِهِ *** وَ ضِيَاءَهُ مُسْتَبْدَلاً بِظَلامِ

لَمْ أَنْسَهَا إِذْ أَقْبَلَتْ لِضَرِيحِهِ *** وَ لِقَبْرِهِ ذَاكَ الضَّرِيحُ السّامِي

أخَذَتْ تُرَابَ القَبْرِ تَنْشُقُ عِطْرَهُ *** وَ الدَّمْعُ فِي الوَجَنَاتِ سَيْلٌ هَامِي

يَا وَالِدِي ضَيَّعْتَنِي أَوْ حَشْتَنِي *** اثْكَلْتَنِي يَا صَفْوَةَ العَلامِ

يَا وَالِدِي الْفُرْ إِلَيَّ حَزِينَةً *** أَضمَتْ فُؤَادِي لَوْعَةُ الآلامِ(1)

مَكْسُورَةَ الأَضْلاعِ جِسْمِي نَاحِلٌ *** وَ مَدَامِعِي حُمْرٌ تَسِيلُ دَوَامِ(2)

مَلْطُومَةً عَيْنِي أَحِنُّ تَألُّماً *** مَنَعَتْ شُجُونِي سَلْوَتِي وَ مَنامِي

يَا وَالِدِي امْنُنْ عَلَيَّ بِنَظْرَةٍ *** تَشْفِي بِهَا قَلْبِي مِنَ الأَسْقَامِ

يا وَالِدِي جُدْ بِالجَوَابِ عَلَى الَّتِي *** رَبَّيْتَهَا فِي العِز وَالإِكْرَامِ

يَا وَالِدِي يَا خَيْرَ ذُخْرِ كُنْتَ لِي *** يَا وَالِدِي انْظُرْ إِلَى أَيْتَامِي

أنْظُرُ لأطْفَالِي وَ قَدْ رَبَّيْنَهُمُ *** فِي حِجْرِكَ المَيْمُونِ بِالإنْعَامِ

ص: 331


1- أصمت: رمتْ فقَتلَته في مكانه و هي تراه.
2- انظر ما ورد في الاحتجاج ج1 ص109. و في كتاب النافع يوم الحشر ص80 المقعد الثاني/ في بيان بعض الأدلة على إمامته علیه السلام. قال الفاضل أبوعبد الله المقداد السيوري في النافع يوم الحشر للعلامة الحلي: أنه أي أميرالمؤمنين علياً علیه السلام -لما رأى تخاذلهم عنه قعد في بيته واشتغل بجمع کتاب ربه و طلبوه للبيعة فامتنع... فأضرموا في بيته النار و أخرجوه قهراً ويكفيك في الوقوف على شكايته في هذا المعنى خطبته الموسومة ب «الشقشقية» في نهج البلاغة. أقول: و سمِّيت بذلك لقوله في آخرها هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرّت»... قال في مطلعها: «أما والله لقد تقمصها فلان وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى... فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجا أرى تراثي نهباً حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده.. إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله و معتلفه.

عَادُوا يَتَامَى بَعْدَ فَقْدِكَ دَمْعُهُمْ *** يَجْرِي عَلَى الخَدَّيْنِ مِثْلَ غَمَامِ

اللَّهُ مَا أَدْهَى مُصَابَكَ فَاطِمٌ *** يَنْهَد مِنْهُ شِمَامُ كُلّ شِمَام

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَيْكِ مَا شَمْسُ الضُّحَى *** قَدْ بَدَّدَتْ بِالنُّورِ وَجْهَ ظَلامِ(1)

ص: 332


1- كنوز المدح و الرثاء ص31.

(9) البتول العذراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن الجامد(*)(1)

يَا إِمَاماً بِهِ الوُجُودُ اسْتَقَامًا *** قُمْ سَرِيعا وَ اسْتَنقِذ الإِسْلَامَا

كُلُّ عَامِ بَلْ كُلُّ يَوْمٍ جَدِيدٍ *** مِنْكَ نَرْجُو يَابْنَ النَّبِيِّ القِيَامَا

الوحى الْوَحَى يَا نَجْلَ طَهَ *** عَلَّنَا نَشْتَفِي وَ نَقْضِي المَرَامَا(2)

أفَتَنْسَى مَا قَدْ جَرَى بَعْدَ طَهَ *** مِنْ خُطُوبِ تُحَبرُ الأَحْلامَا؟

نَكَثَ القَوْمُ بَيْعَةَ المُرْتَضَى الهَادِي *** وَ لَمْ يَرْقُبُوا لِطه دِمَامَا(3)

ص: 333


1- (*)هو الخطيب الشهير الشيخ ملا حسن بن أحمد بن مهدي بن حسين الجامد القطيفي. ولد في القطيف سنة (1300 ه_) و نشأ بها ودرس المقدمات و العلوم العربية و الفقه على يد العلامة الشيخ محمد صالح الصفواني و العلامة الشيخ علي الجشي. منذ ريعان شبابه كانت له رغبة شديدة جداً في تعلم فن الخطابة، و مرد هذه الرغبة على الغالب إلى البيئة التي عاش فيها فأخذ الخطابة على يد الخطيب ملا علي بن عياش ثم انفرد بنفسه و قد رافقه التوفيق منذ تعلق بخدمة أهل البيت حتى ذاع صيته و اشتهر ذكره. و كان في القطيف محل تقدير العلماء و الأدباء، و يعد هناك في المنطقة أستاذ الخطباء، لأنه كبير في السن و هو من الرعيل الأول في الفن الخطابي و المنبر الحسيني فهو أستاذ الخطباء و لمجالسه ميزة خاصة حيث كانت مكللة بالتوفيق في أي وقت و كان فارس میدان عشرة عاشوراء. وافاه الأجل المحتوم يوم الجمعة الموافق 27 صفر/ (1375 ه_) و دفن في القطيف «تغمده الله برحمته و صب على قبره شآبيب الرضوان».
2- الْوَحى الْوَحى: العجلة العجلة، البدار البدار.
3- ذِماماً: حُزمةً، حقاً.

عزلُوا حَيْدَراً وَ قَدْ أَخَرُوهُ *** عَنْ مُقَامِ فِيهِ الإِلهُ أَقاما

وَ أَتَوْا دَارَهُ وَ جَرُّوهُ حَتَّى *** أَخْرَجُوهُ مَلبَّباً مُسْتَضَاما(1)

وَ البَتُولُ العَذْرَاءُ بَضْعَةٌ طَهَ *** كَابَدَتْ مِنْهُمُ أُمُوراً عِظَاما

غَصَبُوا إِرْثَهَا عِنَاداً وَ ظُلْماً *** لَطَمُوا خَدَّهَا وَ رَضُوا العِظَاما

أَسْقَطُوهَا وَ قَنَّعُوا مَتْنَهَا السَّامِي *** وَ لَمْ يَجْعَلُوا لِطهَ احْتِراما

ثُمَّ عَاشَتْ بِالذُّلْ وَ الهَضْمِ حَتَّى *** لَحِقَّتْ بِالنَّبِيِّ تَشْكُو اهْتِضَاما(2)

ص: 334


1- مليّباً: مقيداً، مستضاماً: مقهوراً و مظلوماً.
2- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة إلى ما لاقت الزهراء علیها السلام من الأذى كاغتصاب فدك منها و لطمها على خدها و كسر ضلعها و سقوط جنينها و ضربها بالسياط على متنها ثم عيشها بعد ذلك مهضومة حزينة حتى لحقت بالنبي صلي الله علیها و آله و سلم. و أما اغتصاب فدك انظر ما ورّد عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232 و السيرة الحلبية ج487-488. و الاحتجاج للطبرسي ج1 ص131-144 و ص119-122 و عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9 و السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص300. و أما لطمها على خدها فانظر ما ورد أيضاً نقلاً عن كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 و بحار الأنوار ج8 ص240 ط حجرية. و كتاب البحار أيضاً ج30 ص294. و أما عيشها مهضومة حزينة حتى وفاتها فانظر كتاب الكافي كما في كتاب البحار ج43 ص195-196. و كتاب فتح الباري ج9 ص201 كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص195. و في كتاب الصراط المستقيم ج3 ص12- 13. قال الشيخ الفاضل المحدّث زين الدين العاملي: في ما يتعلق بالطعن على من تقدم على علي ظلماً و عدواناً من لفظه: و منها: ما رواه البلاذري و اشتهر في الشيعة أنه حصر فاطمة علیها السلام حتي أسقطت محسناً مع علم کل أحد بقول أبیها صلي الله علیه و آله و سلم لها: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي من آذاها فقد آذاني»... ثم نقل أشعاراً... قال الحميري: ضُربت و اهتُضمت من حقها *** و أُذيقت بعده طعم السلع قطع اللَّه يدي ضاربها *** و يد الراضي بذاك المتّسع لاعفى الله له عنه و لا *** كف عنه هول يوم المطّلع و قال البرقي: وكللا النار من بيت و من حطب *** والمضرمان لمن فيه يسيان و ليس في البيت إلا كل طاهرة *** من النساء وصديق وسبطان فلم أقل غدر بل قلت قد كفرا *** و الكفر أيسر من تحريق ولدان و كل ما كان من جور ومن فتن *** ففي رقابهما في النار طوقان و قال: فيما يروون من تأذي عمر السوقي من ملك غسان جبلة. قال المصنف: فكيف يتحمل أذيّة فاطمة «سلام الله عليها»؟! ثم يسترسل في قصيدة و يذكر مصائب أهل البيت علیهم السلام من كتاب شعراء القطيف ج2 ص279.

ص: 335

(10) فأتت فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ الملا حسن عبد الله آل جامع

كَيْفَ يَهْتَىٰ جِسْمِي بِطِيبِ مَنَامِ *** وَ نَبِيُّ الهُدَى طَرِيحُ سَقَامِ؟(1)

فَلَقَدْ كَابَدَ الأذِيَّةَ وَ التَّكْذِيبَ *** فِي بَدهِ دَعْوَةِ الإسلام

مِنْ قُرَيْشٍ وَكُلِّ رِجْسٍ غَوِيٍّ *** قَابَلَ المُصْطَفَى بِأَقْسَى الكَلامِ(2)

كَمْ أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ مِرَاراً *** وَ لَهُ اللَّهُ نَاصِرٌ وَ مُحَامِي

حَجَّ حِجَ الوَدَاعِ عَنْ أَمْرِ *** مَوْلاَهُ لِإِثْبَاتِ حُجَةٍ وَ مَقَامِ

فَقَضَى حِجَّهُ وَأَوْضَحَ لِلنَّاسِ *** جَمِيعَ الأُمُورِ فِي الأحْكَامِ

وَانْثَنَى رَاجِعاً وَقَدْ جَاءَ جِبْرَئِيلُ *** رَسُولاً مِنْ رَبِّهِ بِالسَّلاَمِ

قَائِلاً: أَيُّهَا الرَّسُولُ فَبَلِّغْ *** شِرْعَةَ اللَّهِ فِي عَلِيِّ الإِمَام(3)

وَ انْصِبِ المُرْتَضَى عَليًّا إِمَاماً *** ذَاكَ أَمْرُ المُهَيْمِنِ العَلامِ

وَ أَتَتْهُ عَلَى مَشَارِفِ خُمِّ *** عِصْمَةُ اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ الأَنَامِ(4)

أمَرَ النَّاسَ بِالنُّزُولِ فَلَبَّوا *** طاعةٌ لِلنَّبِي نَسلِ الكِرام

نَصَبُوا مِنْبَرَ الحَدَائِج وَ الكُورِ *** لِخَيْرِ الوَرَى النَّبِيِّ التَّهَامِي(5)

ص: 336


1- سَقَام: السقام: المرض.
2- رِجْسٌ: العمل القبيح.
3- شِرعة: شرعة الله: شريعته و أحكامه.
4- الأنام: الخلق.
5- الحدائج: جمع حذج و هو حمل البعير.

فَرَقَى فَوْقَهُ النَّبِيُّ وَ أَرْقَى *** المُرْتَضَى الطُّهْرَ فَارِسَ الإِسْلامِ

وَ دَعَاهُمْ أَلا أَنْصِتُوا لِمَقَالِ *** أَنَا مُلْقِيهِ بَيْنَكُمْ فِي مُقَامِي

رَافِعَاً فِي الجُمُوعِ كَفَّ عَلِيَّ *** سَيِّدِ الأَوْصِيَاءِ بَدْرِ التَّمَامِ

إِنَّ هذا خَليفَتِي وَ وَصِيَّي *** وَ وَزِيرِي و ناصري في الزَّحامِ

إِنَّ هَذَا مَوْلاكُمُ وَ وَلِيُّ *** الأَمْرِ بَعْدِي وَ حُجَّةُ العَلامِ

فَأَجَابُوهُ: إِنَّنَا قَدْ سَمِعْنَا *** وَ أَطَعْنَاكَ فِي جَمِيعِ الكَلاَمِ

بَايَعُوا المُرْتَضَى وَ بِالحِقْدِ أَخْفُوا *** مَا أَكَنَّتْ صُدُورُهُمْ مِنْ مَرَامِ(1)

ثُمَّ لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ المُفَدَّى *** سارَعُوا بِالأَذَى لِذَاكَ الإِمَامِ

قَبْلَ أَنْ يُودَعَ النَّبِيُّ بِقَبْرٍ *** نَكَثُوا بَيْعَةَ الإِمَامِ الهُمَامِ

ثُمَّ جَاءَتْ لِبَيْنِهِ وَ أَدَارَتْ *** خَطَبَ الجَزْلِ عُصْبَةُ الأَثَامِ(2)

فَانْثَنَتْ فَاطِمُ البَتُولُ وَ نَادَتْ *** مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيِّ المُقَامِ؟

ص: 337


1- أَكَنَّت: كنَّ الشيء و أكنَّه: ستره.
2- وأقبل عمر يقبس من نار في حرق باب الزهراء علیها السلام. قال المؤرخون: «و أقبل عمر بقبس من نار إلى دار فاطمة الزهراء علیها السلام ثم نادى برفيع صوته اخرجوا من الدار و إلا حرقناها عليكم بما فيها و كان يريد خروج علي إلى مبايعة أبي بكر فقالوا له: إن في الدار فاطمة علیها السلام فقال: وإن... أي حتى لو كانت فاطمة علیها السلام فإن وجودها لايمنعني من اقتحام الدار وإحراقها. و قد ذكر حافظ إبراهيم الشاعر المصري المعروف بشاعر النيل هذا المعنى بقصيدة يقول فيها: و قولة لعلي قالها عمر *** أكرم بسامعها، أعظم بملقيها حرقت دارك، لاأبقي عليها بها *** إن لم تبايع، و بنت المصطفى فيها ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة علیها السلام فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فلما سمع القوم صوتها و بكاءها انصرفوا و كادت قلوبهم تتصدع و أكبادهم تتفطر و بقي عمر و معه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر ليبايع. الغدير، الأميني، ج5 ص373.

فَدَعَا بَعْضُهُمْ عَلَيَّ بِنَارٍ *** أَوْعَلِيُّ يُقَادُ بِالإِرْغَامِ(1)

فَأَتَتْ فَاطِمُ البَتُولُ لِلبَابِ *** وَلاَذَتْ بِهِ عَنِ الأقوامِ

هَجَمَ القَوْمُ وَ البَتُولُ تَوَارَتْ *** وَ هْيَ مِصْدَاقُ عِفّةٍ وَ احْتِشامِ

عَصَرُوهَا وَ مُحْسِناً أَسْقَطُوهَا *** وَ عَلِيَّا قَادُو بِحَبْلِ الحُسَامِ(2)

كَسَرُوا ضِلْعَهَا فَيَا لَهْفَ نَفْسِي *** لِلَّذِي نَالَهَا مِنْ الآلامِ

رَوَّعُوهَا وَ عَيْنَهَا لَطَمُوهَا *** وَ دَعَوهَا رَهِينَةَ الأَسْقَامِ

فَقَضَتْ بِالأَسَى وَ بِالهَضْم حَتَّى *** لَحِقَتْ بِالنَّبِيِّ عِنْدَ السَّلامِ

وَ كَأَنِّي بِهَا اشْتَكَتْ مَا عَرَاهَا *** لأَبِيهَا مِنَ البُغَاةِ اللِّئَامِ(3)(4)

ص: 338


1- الإرغام: القسر و الإجبار.
2- فى كتاب سليم بن قيس، ص40. كان قنفذ حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط ألجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت علیها السلام من ذلك شهيدة.
3- الباغي: بغى الرجل: ظلم و عدل عن الحق.
4- مهراق المدامع ص28.

(11) بنت النبي صلي الله علیه و اله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ حسن علي الخطي

وَ مَنْ يَنْظُرِ الدُّنْيَا بِعَيْنِ بَصِيرَةٍ *** يَجِدْهَا أَغَالِيطاً وَ أَضْغَاثَ حَالِمِ(1)

وَ يُوقِظُهُ نِسيانُ مَا قَبْلَ يَوْمِهِ *** إِلَى أَنَّهَا مَهمَا تَكُنْ طَيْف نَائِمِ

وَلكِنَّهَا سَحَّارةٌ تُظهِرُ الفَنَا *** بِصُورَةِ مَوْجُودٍ بِقَالَبٍ دَائِمِ

وَ لافَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ بَيْنَ مَرِيرِها *** وَ مَا يُدْعَى حُلُوا سِوى وَ هُم وَاهِم

فَكَيْفَ بِنُعْمَاهَا يُغَرُ أَخُوحِجَى *** فَيَقْرَعُ إِنْ فَاتَتْ لَهَا سِنَّ نَادِمِ؟(2)

وَ هَلْ يَنبَغِي لِلْعَارِفِينَ نَدَامَةً *** عَلَى قَائِتٍ غَيْرَ اكْتِسَابِ المَكَارِمِ؟

وَ مَا هَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ اسْتِرَاحَةٍ *** وَ تَحْصِيلِ لَذَّاتٍ لِغَيْرِ البَهَائِم

عَلَى قَدْرِ بُعْدِ المَرْءِ مِنْهَا ابْتِعَادُهُ *** عَنِ الرُّوحِ وَ اللَّذَاتِ ضَرْبَةُ لأَزِمِ

أَلَمْ تَرَ آلَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَاكَمَتْ *** عَلَيْهِمْ صُرُوفُ الدَّهْرِ أَي تَرَاكُمِ؟(3)

أَمَا شَرَقَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ بَرِيقَهَا *** وَ جَرَّعَهَا الأَعْدَاءُ طَعْمَ العَاقِمِ؟(4)

ص: 339


1- أضغاث أحلام: أحلام مختلطة ملتبسة لايصح تأويلها لاختلاطها.
2- حجى: عقل.
3- تراكمت عليهم صروف الدهر: اجتمعت و تجمعت عليهم نوائب الزمان.
4- العلاقم: جمع العلقم و هو الحنظل أو كل شيء مُرّ وجاء في كتاب «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص531 ح26 ط2/ نشر المرضية. الما أوقف علي علیه السلام تكلّم فقال: أيها الغدرة الفجرة... أو تضرب الزهراء علیها السلام قهراً و يؤخذ منا حقنا قهراً و جبراً فلانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد؟ فليت ابن أبي طالب مات قبل يومه فلا يرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البرة فتباً تباً و سحقاً سحقاً ذلك أمر إلى الله مرجعه و إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مدفعه فقد عز على علي بن أبي طالب علیه السلام أن يسودِّ متن فاطمة علیها السلام ضرباً و قد عُرف مقامه و شوهدت أيامه».

أَمَا عُصِرَتْ بَيْنَ الجِدَارِ وَ بَابِهَا *** أَمَا نَبَتَ المِسْمَارُ فِي صدرِ فَاطِمِ؟(1)

أَمَا أَسْقَطُوهَا لاَرَعَى اللَّهُ قَوْمَهَا *** جَنِينَ حَشَاهَا مُحْسناً يَا لِهَاشِمِ؟(2)

ص: 340


1- في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب «إثبات الوصية» للمسعودي الهذلي ص155 ط2/دار الأضواء -بيروت: «... وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً». أقول: و لعل البعض يتساءل قائلاً: و هل كانت للبيوت أبواب في ذلك العصر حتى وقعت هذه المصيبة العظمى؟ و للإجابة باختصار نقول: لقد ورد في العديد من المصادر ذكر الباب وكيفيتها في ذلک و هي دالة على وجودها ونشير إليها على عجل: ما روي عن حياء عثمان وفيه قوله إن كان ليكون في البيت و الباب مغلق عليه فما يضع عنه الثوب مسند أحمد ج1 ص73 و74. عن حسان بن إبراهيم قال: سألت هشام بن عروة عن قطع السدر و هو مستند إلى قصر عروة فقال: أترى هذه الأبواب و المصاريع؟ إنما هي من سدر عروة. كان عروة يقطعه من أرضه. و قال: لابأس به. سنن أبي داود، ج4، ص363 كتاب الأدب ح5241. في حديث الشورى التي ابتكرها عمر بن الخطاب لتعيين الخليفة بعده نجده قد أمرهم بأن يدخلوا بيتاً و يغلقوا عليهم بابه و يتشاوروا في أمرهم. غاية المرام ص296. في حديث دفن عثمان يقولون: إنهم «حملوه على باب» أسمع قرع رأسه على الباب كأنه دباءة و يقول: دب دب حتى جاؤوا به حش كوكب... مجمع الزوائد، ج9، ص95. عن محمد بن سعد قال: جاء سعد فقرع الباب و أرسل إلى عثمان: إن الجهاد معك حق. تاريخ المدينة ابن شية/ ج4، 1274. عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال له: إن عثمان فتح الباب و أخذ المصحف فوضعه بين يديه... تاريخ الأمم و الملوك/ الطبري/ ج4 ص383. و في حديث ما جرى لعثمان أيضاً: «أنه لما استغاث أهل الشام فعرف الناس ذلك «فعا جلوه فأحرقوا الباب باب عثمان فلما وقع الباب ألقوا عليه التراب و الحجارة فلما رأى الباب قد أحرق خرج إليهم». العقد الفريد، ج4 ص301. و في حديث قتل عثمان أيضاً فإذا هم مضطرون إلى جرّ الباب هل سكن بعد أم لا؟ قال: فجاؤوا فدفعوا الباب». تاريخ المدينة، ابن شية، ج4 ص1284.
2- و حين أحرق الباب أي باب عثمان خرج المغيرة بسيفه و قال: لما تهدمت الأبواب و احترقت *** يممت منهن باباً غير محترق نهاية الارب، ج19 ص494. و في قصة قتل عثمان أيضاً يقول النص التاريخي «دعا عثمان بمصحف فهو يتلوه إذ دخل عليه داخل و قد أحرق الباب». الكامل في التاريخ، ج3 ص175. استأذن المصريون عثمان فلم يأذن لهم فهمّوا بإحراق بابه و دعوا بالنار فخرج إليهم و حذيفة بين يديه فولوا عنه... إلى أن يقول حسان بن ثابت: إن تمس دار بني عفان خاوية *** باب صريع و باب محرق خرب فقد يصادف باغي الخير حاجته *** منها و يأوي إليها الجود و النسب العقد الفريد، ج4 ص115. و قد أوصى رافع بن خديج أن لاتكشف امرأته الفزارية عما أغلق عليه بابها. صحيح البخاري، ج2 ص82/ كتاب الوصايا: باب 8. عن الحسن: أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً قد أغلق عليهما و أرخى عليهما الأستار فجلدهما عمر بن الخطاب مائة مائة... كنز العمال، ج5 ص415. أرسل عمر رجلين إلى عامل له بمصر فاستأذنا عليه فقال: إنه ليس عليه إذن فقالا: ليخرجن علينا أو لنحرقن بابه و جاء أحدهما بشعلة من نار... الخ. تاريخ عمر بن الخطاب، ابن الجوزي، ص140. و في حديث عمر مع المغيرة و أبي موسى الأشعري فقام إلى الباب ليغلقه فإذا أذنه الذي أذن عليه في الحجرة فقال: امض عنا لا أم لك. فخرج و أغلق الباب خلفه ثم جلس». شرح نهج البلاغة المعتزلي، ج2 ص32. أرسل عمر محمد بن مسلمة ليحرق باباً من خشب كان صنعه سعد بن أبي وقاص لقصره في الكوفة فأحرقه. كنز العمال، ج12 ص661. حديث المرأة التي كانت في بيتها تنشد شعراً في مدح النبي صلي الله علیه و اله و سلم و عمر يسمع في الخارج. فما زال يبكي حتى قرع الباب قال: افتحي رحمك الله فلا بأس عليك، ففتحت له. كنز العمال، ج2 ص778، ج12، ص562. و لاأظن يبقى مجال للشك أو التردد في وجود الأبواب في ذلك العصر حتى عصر الصدّيقة الطاهرة علیها السلام بين واحدة منها و بين الجدار و جرى عليها ما جرى فتأمل جيداً.

أَمَا رُوِّعَتْ بِالسَّوْطِ قنع رَأْسِهَا *** وَ وَشَّحَ مَثْنَيْهَا بِهِ شَرُّ غَاشِمِ؟(1)

ص: 341


1- في «لسان المیزان» ج1 ص268 ح824 ط3 مؤسسة الأعلمی -بیروت. «...إن عمر رفس فاطمة علیها السلام حتى أسقطت بمحسن...». عن كتاب سليم بن قيس ص40 ط/ مؤسسة البعثة/ طهران:«...و قد كان قنفذ «لعنه اللّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط حين حالت بينه و بين زوجها...».

أَمَا نَابَتِ الكَرارَ مِنْهَا نَوَائِبُ *** نَوَائِبُ لكِنْ عَنْ سُمُوم الأَرَاقِمِ؟(1)

أَمَا قَيَّدُوهُ فِي حَمَائِلِ سَيْفِهِ *** لأَخْبَثِ ضِلَّيلِ وَ أَخْبَثِ ظَالِمِ؟

أَمَا أَوْقَفُوهُ لاَرَعَى اللَّهُ قَوْمَهُ *** عَلَى رَأْسِ عِجْلِ القَوْمِ وَقْفَةَ آثِمِ؟

أَلَمْ يَعِدِ الزَّاكِي ابْنَهُ وَ هُوَ مُلْجَأَ *** إِلَى سِلْم حَرْبٍ وَ هُوَ غَيْرُ مُسَالِمِ؟

أَمَا هَجَمُوا فُسْطَاطَهُ وَ تَنَاهَبُوا *** بِهِ رَحْلَهُ نَهْبَ الغُزَاةِ الغَنَائِمِ؟

أَمَا دَسَتِ الأعدا لَهُ السُّمَّ غِيلَةً *** فَأَلْقَى بِهِ فِي الطَّشْتِ قَلْبُ المَكَارِم؟

أَمَا رَشَفُوهُ النَّيْلَ وَ هُوَ جَنَازَةٌ *** عَلَى النَّعْش لابَلْ فَوْقَ هَام النَّعَائِمِ؟

وَ إِنْ أَنسَ لا أَنْسَى الحُسَيْنَ وَ قَدْ غَدَا *** عَلَى رَغْم أَنْفِ الدِّينِ نَهْبَ الصَّوَارِمِ

قَضَى بَعْدَ مَا ضَاقَتْ بِهِ سَعَةُ الفَضَا *** فَضَاقَ لَهُ شَجْراً فَضَاءُ العَوَالِمِ

قَضَى بَعْدَ مَا اسْوَدَّ النَّهَارُ بِوَجْهِهِ *** عَلَى خَيْرِ صَحْبٍ مِنْ ذُؤَابَةِ هَاشِمِ(2)

قَضَى وَ هُوَ حَرّانُ الفُؤَادِ مِنَ الظَّمَا *** عَلَى غُصَصٍ فِيهَا قَضَى كُلُّ هَاشِمِ

فَمَا لِنِزارٍ لاَتَقُومُ بِثَارِهَا *** فَتُرْضِعُ حَرْباً مِنْ ضُرُوعَ اللَّهَاذِمِ(3)

وَ تَمْلَؤُها خَيْلاً قَدْ تَسَابَقَ طَرْفُهَا *** عَلَى آلِ حَرْبٍ تَحْتَ أَسْدِ ضَرَاغِمِ

فَتُوطِئَ هَاتِيكَ السَّنَا بِكُ هَامَهُمْ *** كَمَا أَوْظَؤُوهَا صَدْرَ سَيْدِ هَاشِمِ(4)

هَل اسْتَبْدَلَتْ بِاللَّطْمِ فَوْقَ وُجُوهِهَا *** عَنِ الضَّرْبِ بِالأَسْيَافِ وَجْهَ الضَّيَاغِمِ؟

وَ هَلْ رَضِيتَ عَنْ سَفْكِ آلِ أُمَيَّةٍ *** دِمَاهَا بِإِجْرَاءِ الدُّمُوعِ السَّوَاجَمِ؟(5)

هُبُوا القَتْلَ فِيكُمْ سِيرَةٌ مُسْتَمِرَةً *** فَهَلْ عَرَفْتَ كَيْفَ السَّبْيَ ابنةُ فَاطِمِ؟

ص: 342


1- الأراقم: الأفاعي.
2- ذؤابة: ذؤابة القوم المتقدّم فيهم.
3- اللهاذم: الحادّة القاطعة من السيوف و الأسنّة و الأنياب.
4- السنابك: أطراف الحوافر.
5- الدموع السواجم: السائلة قليلاً أو كثيراً.

أَهَانَ عَلَيْكُمْ أَنَّهَا بَيْنَ شَامِتٍ *** يُرَوِّعُهَا شَانٍ وَآخَرُ لاَطِمِ

أَهَانَ عَلَيْكُمْ أَنَّهَا اخْتَلَفَتْ عَلَى *** مَقَانِعِهَا الأَيْدِي كَسَبْيِ الدَّيَالِم

أَهَانَ عَلَيْكُمْ هَجْمَةُ الخَيْلِ خِدْرَها *** كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ذَاكَ الخِبَا خِدْرَ هَاشِمِ؟

لَهَا اللَّهُ مِنْ مَذْعُورَةٍ حِينَ أَضْرَمُوا *** عَلَيْهَا فَفَرَّتْ كَالحَمَامِ الحَوَائِمِ

لَهَا اللَّهُ حَسْرَى قَدْ تَقَطَّعَ قَلْبُهَا *** زَفِيراً إِلَى أنْ سَالَ عَتْباً عَلَى فَم

فَمَا بَالُ قَوْمِي لاعَدِمْتُ انْعِطَافَهُمْ *** وَ كَانُوا أُباةَ الضَّيْم مَاضِي العَزَائِمِ؟(1)

أَعَارُونِي الصَّمَا أَلَمْ يَسْمَعُوا النَّدا *** وَ فَرُّوا كَأَنْ لَمْ يَدْرُوا أَنِّي بِلاحَمي؟(2)

ص: 343


1- أباة الضيم: مانعي الظلم والقهر.
2- رياض المدح و الرثاء ص336.

(12) مصيبة فاطم علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ ملا داود الكعبي(*)(1)

ص: 344


1- (*)هو الشيخ ملا داود بن سلمان بن محمد بن عبد الله بن شهاب الكعبي، ينتهي نسبه إلى كعب بن عامر رئيس قبائل كعب، القبيلة العربية الشهيرة ذات المجد الأثيل والعز والمنعة، و من رجالها و شخصياتها العلمية و الأدبية و الثقافية الشاعر الفذ الشيخ الحاج هاشم الكعبي، الذي يمر على وفاته عشرات السنين و شعره يعاد ويكرر في محافل سيد الشهداء، و يحفظه المئات من رجال المنبر الحسيني، و هو مقبول مستملح، بل نجد الكثير يطلب تلاوته و تكراره و كأن عليه مسحة قبول. و أيضاً من أعلام هذه القبيلة أستاذنا المكرم الخطيب اللامع المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي الذي تخرج عليه جيل من مفاخر خطباء المنبر الحسيني فهو من أبرز الخطباء الخالدين و حقاً إذا قلنا إنه كان خطيباً مخلصاً في خدمته لأبي عبد الله الحسين علیه السلام. و قد تفرّد الشيخ عبدالزهراء الكعبي في قراءة المقتل الحسيني بأسلوب ثاكل حزين، و لايمر عاشوراء على المجتمع الإسلامي إلا و المقتل بصوت الكعبي يعتبر جزءاً من أهم الشعائر في يوم عاشوراء كما أن لهذه القبيلة العريقة شخصيات بارزة ومتواجدة في عدة أقطار في جنوب إيران وفي العراق. ولد المترجَم له في قرية الشقيقة (الدورق) التابعة لمحافظة الأهواز الإيرانية سنة (1313ه_)، نشأ فيها نشأته الأولى بعد أن درس مقدمات العلوم و المعارف على بعض الأساتذة هناك و أخذ العلوم العربية على يد الشيخ أسد الله البهبهاني و الشيخ محمد صالح بن سعد و ملا داود الكعبي. لما بلغ الخامسة عشرة من عمره اتصل بالخطيب ملا علي العقيلي الذي راح بدوره يحبب له القراءة و الخطابة و تلقى ما يلزم حفظه من شعر و نثر، ثم جعل يتدرج في ميدان الخطابة حتى ذاع خبره إلى البلدان النائية كالبحرين و الاحساء و القطيف و دبي و مسقط. و طلب أهالي البحرين من المترجم له الهجرة إليهم و السكن عندهم فلم يجد مانعاً من الرحيل إلى هناك و البقاء في البحرين مدة من الزمن خطيباً و واعظاً، ثم هاجر إلى بلاد الاحساء، فكان من أبرز خطبائها يمارس الخدمة الدينية و الخطابة الحسينية. و قد عرف المترجَم له بالذكاء المفرط و طول الباع و سعة الاطلاع، خلف آثاراً علمية و أدبية منها: 1-الدروع الداودية يقع في أربعة أجزاء. 2-مقدمة الدروع يقع في أربعة أجزاء. 3-البلوى في بنات حوى. 4-النصائح الداودية والأرواح العنبرية. 5-نزهة الناظر و فرحة الخاطر. 6- ديوان شعر. وافاه الأجل المحتوم في النجف الأشرف قاصداً و زائراً مرقد أبي الأوصياء الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام، و ذلك في ليلة الاثنين التاسع من شهر شعبان سنة (1392 ه_)، و دفن في النجف الأشرف.

سَلِ الدَّارَ عَنْ أَرْبَابِهَا أَيْنَ يَمَّمُوا *** أَفَاجَأَهُمْ مِنْ حَادِثِ الدَّهْرِ صَيْلَمُ؟(1)

فَعَهْدِي بِهْذِي الدَّارِ تَزْهُو بِأَهْلِهَا *** وَهَا هِيَ تَحْكِي الوَيْلَ لَكِنَّهُ دَمُ

عَلَى جِيرَةِ حَازُوا الفَضَائِلَ وَ التَّقَى *** وَ لَوْلاهُمُ مَا كَانَ نُوحٌ وَآدَمُ(2)

ص: 345


1- يمّموا: قصدوا. صَيْلَم: سيف. داهية. أمر شديد. وقعة.
2- يشير الشاعر في هذا البيت و الأبيات التي تليه إلى ما رُوي من أنهم سبب الخلق علیه السلام. ففي كتاب فرائد السمطين ج1 ص36 قال: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: لما خلق الله «تعالى» آدم أبوالبشر و نفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجداً ركعاً؛ قال:آدم يا ربِّ هل خلقت أحداً من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك هؤلاء خمسة شققتُ لهم خمسة أسماء من أسمائي، و لولاهم ما خلقت الجنة و لاالنار و لاالعرش و لاالكرسي، و لاالسماء، و لاالأرض و لاالملائكة، و لاالإنس، و لاالجن. فأنا المحمود و هذا محمد صلي الله علیه و آله و سلم و أنا العالي و هذا عليّ، علیه السلام و أنا الفاطر و هذه فاطمة علیها السلام و أنا الإحسان و هذا الحسن علیه السلام و أنا المحسن علیه السلام و هذا الحسين علیه السلام؛ آليتُ بعزتي أنه لايأتيني أحد بمثقال ذرة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري و لاأبالي... الخ الحديث. و أسماء أهل الكساء من اختيار اللَّه. في البحار، ج37 ص47. كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ذات يوم جالساً و عنده علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام فقال: «والذي بعثني بالحق بشيراً ما على وجه الأرض خلق أحبّ إلى الله «عز وجل» و لاأكرم عليه منا... إن الله «تبارك و تعالى» شق لي اسماً من أسمائه فهو محمود و أنا محمد صلى الله عليه و آله و سلم و شق لك يا علي اسماً من أسمائه فهو العلي الأعلى و أنت علي علیه السلام... و شق لك يا حسن اسماً من أسمائه فهو المحسن و أنت حسن علیه السلام... و شق لك يا حسين اسماً من أسمائه فهو ذو الإحسان و أنت حسين علیه السلام... و شق لك يا فاطمة علیها السلام اسماً من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة علیها السلام»... ثم قال: «اللهم إني أشهدك أني سلم لمن سالمهم و حرب لمن حاربهم و محب لمن أحبهم و مبغض لمن أبغضهم و عدو لمن عاداهم و ولي لمن والاهم لأنهم منّي و أنا منهم».

وَ لَوْلاَهُمُ مَا كَانَ دَاوُودُ وَ ابْنُهُ *** وَ مَا كَانَ عِيسَى وَ البَتُولَةُ مَرْيَمُ

وَ لَوْلاَهُمُ مَا لابْنِ عِمْرَانَ نَاصِرٌ *** يُدَافِعُ فِرْعَوْناً وَ هَامَانَ مِنْهُمُ

وَ لَوْلاَهُمُ مَا لِلنَّبِيِّينَ أُسْوَةٌ *** وَلَكِنْ بِهِمْ قَدْ شُرِّفُوا حِينَ يَمَّمُوا

وَ لَوْلاهُمُ مَا كَانَ شَمْسُ مُضِينَةٌ *** وَ لَوْلاهُمُ مَا كَانَ بَدْرٌ وَ أَنْجُمُ

وَ لَوْلاَهُمُ مَا كَانَ إِنْسٌ وَ جِنَّةٌ *** وَ لَوْلاهُمُ مَا حَجَّ لِلَّهِ مُحْرِمُ

فَبُعْداً لِمَنْ عَادَاهُمْ يَوْمَ حَشرهِ *** وَ قُرْباً لِمَنْ قَدْ كَانَ يُعْزَى إِلَيْهِمُ(1)

وَ إِنْ أَنْسَ لاَأَنْسَى مُصِيبَةَ فَاطِمٍ *** هِيَ الطحيّةُ العَمْيَا بِهَا النَّاسُ قَدْ عَمُوا(2)

أَتُعْصَرُ مَا بَيْنَ الجِدَارِ وَ بَابِهَا؟ *** وَ ذَلِكَ أَمْرٌ فِي الوَصِيَّةِ مُحْكَمُ(3)

ص: 346


1- يُعزى: يُنْسَب.
2- الطخية: مثلث الطاء (فتحها-كسرها-ضمّها) الظُّلْمَة.
3- في هذين البيتين إشارة إلى ما أصاب الزهراء علیها السلام يوم هجومهم على الدار و عصرها ما بين الحائط و الباب انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و كتاب بحار الأنوار ج53 ص19. و في نهج الحق و كشف الصدق للعلامة الحلي، ص271-273 قال الإمام العلامة الأوحد آية الله المطلق جمال الدين الحلي في نهج الحق وكشف الصدق... ومنها -أي ما جاء في كتب القوم من المطاعن-: أنه طلب هو -أي أبوبكر و عمر إحرّاق بيت أميرالمؤمنين علیه السلام و فيه أميرالمؤمنين و فاطمة و ابناهما علیهم السلام و جماعة من بني هاشم لأجل ترك مبايعة أبي بكر. ذكر الطبري في تاريخه: قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي علیه السلام فقال: واللَّه لأحرقن عليكم أو لتخرجن للبيعة. و ذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة فيهم: أسيد بن الحضير و سلمة بن أسلم فقال: اخرجوا أو لنحرقنها عليكم. و نقل ابن خيزرانة في غرره قال زيد ابن أسحم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السلام حين امتنع علي علیه السلام و أصحابه عن البيعة أن يبايعوا فقال عمر لفاطمة علیها السلام: اخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه. قال: و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم فقالت فاطمة علیها السلام: تحرق علي ولدي؟ فقال: إي والله أو ليخرجن وليبايعن. و قال ابن عبد ربه -و هو من أعيان السنة-. فأما علي علیه السلام و العباس فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام -و قال له أبوبكر: إن أبيا فقاتلهما... فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما الدار فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يابن الخطاب! أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم. و نحوه روی مصنف کتاب المحاسن و أنفاس الجواهر. فلينظر العاقل من نفسه: هل يجوز له تقليد مثل هؤلاء إن كان هذا نقلهم صحيحاً و إنهم قصدوا بيت النبي صلي الله علیه و آله و سلم لإحراق أولاده على شيء لايجوز فيه هذه العقوبة مع مشاهدتهم تعظيم النبي صلي الله علیه و آله و سلم لهم؟! و كان صلي الله علیه و آله و سلم ذات يوم يخطب فعبر الحسن علیه السلام و هو طفل صغير فنزل من منبره و قطع الخطبة و حمله على كتفه و أصعده المنبر ثم أكمل الخطبة... و بال الحسين علیه السلام يوماً في حجره و هو صغير فزعقوا به فقال: «لاتزرموا على ولدي بوله»... مع أن جماعة لم يبايعوا فهلا أمر بقتالهم و بأي اعتبار وجب الانقياد إلى هذه البيعة و النص غير دال عليها و لاالعقل؟ فهذا بعض ما نقله السنة من الطعن على أبي بكر والذين فيه على الرواة من السنة. نقل من الدروع الداودية في معاجز العترة الأحمدية ج1 ص15.

ص: 347

(13) خير البرايا

(بحر المتقارب)

الشيخ سلطان علي الصابر(*)(1)

سَلامٌ عَلَى الظُّهر بِنْتِ الْهُدَى *** سَلامٌ عَلى نورٍ أَهْلِ الْحَرَمِ

هَنِيئاً لَها مِنْ فِعَالٍ جَمِيلٍ *** نَوالِ غَزِيرٍ لَها فِي النِّعَمِ

فَخَيْرُ الْبَرايا أبوهَا الرَّسُولُ *** يَشُعُ كَبَدْرِ السَّمَا فِي الظُّلَمِ

سَلامٌ عَلى زَوْجِهَا الْمُرْتَضَى *** هِزَبْرِ النّزالِ وَ أَصْلِ الْكَرَمِ(2)

لَهَا وَلَدَانِ إماما هُدىً *** وَ لَيْثا عَرِينِ لَدَى الْمُزْدَحَمِ

وَإِنَّ الْإِبَاءَ هُما رَوَّجاه *** کَنارٍ تَراهُ بِأَعْلَى عَلَمِ

وَ ذُرِّيَّةٌ أصْلُهَا ثَابِتٌ *** وَ فَرْعٌ لَهَا فِي السَّمَاءِ أَشَمّ(3)

وَ ها لَيْلَةٌ جَمَعَتْ شَمْلَنا *** وَ نَجْمُ السُّعودِ بِها قَدْ نَجَمَ

ص: 348


1- (*) هو الشيخ سلطان علي بن ملا حسين صابر التستري. ولد بتستر عام (1359 ه_) أخذ علومه و معارفه في حوزة كربلاء المقدسة على علمائها الكبار أمثال آية الله العظمى الشيخ يوسف الخراساني و آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي و الشيخ محمد الكلباسي و السيد مرتضى القزويني، و السيد حسن الشيرازي و الشيخ جعفر الرشتي. و قد رقى المنبر الحسيني خطيباً باللغتين العربية و الفارسية، و قرض الشعر أيضاً باللغتين نفسيهما منذ عنفوان شبابه. صدر له مؤلفات عدة، منها: 1-شرح قصيدة الفرزدق و تخاميسها، 2-رباعیات التستري، 3-الموشحات الدينية، 4- أركان البلاد وساسة العبادي في رجال تستر و عربستان، 5- منظومة حديث الكساء و غيرها من المؤلفات و ما يزال في خدمة الدين الحنيف في نظم الشعر و التأليف.
2- هزبر: الأسد القوي.
3- أشم: (جبل أشم) أي طويل الرأس.

فَغَرِّدْ أَيَا عَنْدَلِيبَ الْوِصالِ *** عَلَى الْأَيْكِ وَ الْبانِ ذا مُعْتَتَنم

بِميلادِها كُلُّ رَوْضِ بَهِيجٍ *** تَأَرَّجَ مِسْكاً لَها وَ ابْتَسَم

فَدارَ الرَّحِيقُ الْمُصَفَا الرَّقِيقُ *** عَلى نَشْوَةٍ ذُقْتُهُ بِالنَّغَمِ

وَ صَلَّى الْإِلَهُ عَلى أَحْمَدٍ *** إِذا مَا اسْتَوى نَظْمُ دُرٍ وَتَمِ

وَ سُلْطانُ عَبْدَ لدى بابِهِ *** عَلى تُرْبِهِ كَمْ بَكَى وَ الْتَثَمْ(1)

ص: 349


1- التثَم: (لثم) قبل.

(14) يا أم والدها علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ سلمان الربيعي(*)(1)

أَيُّ الفَضَائِل فِيها يَبْدَأُ الكَلِمُ *** وَ هَلْ يُوَفِّي إِذَا مَا دَوِّنَ القَلَمُ؟

و كَيْفَ يُوصَفُ يَوْمٌ شَعَّ مُؤْتَلِقاً *** بِهِ العَقِيدَةُ لِلإِسْلاَمِ تَبْتَسِمُ؟

حَيْثُ السُّرُورُ وَقَدْ لاَحَتْ بَوارِقُهُ *** عَلَى مُحَيّا رَسُولِ اللَّهِ تَرْتَسِمُ(2)

وَ مَكَّةُ مَا رَأَتْ فِي أُفُقِها أَبداً *** نُوراً كَنُورِ الَّتِي تُجلَى بِهِ الظُّلَمُ

نُورٌ تَلأَلأَ فِي أَرْوَاحِ مَنْ جَعَلُوا *** حُبَّ البَتُولِ نَجاةً مِنْ لَظَى لَهُمُ

فَلَيْسَ يَخْشَى امْرُؤٌ فِي الدَّهْرِ طارِقَةٌ *** مادامَ بِالمُصْطَفَى والآلِ يَعْتَصِمُ

***

یا ساقِیَيَّ اسْقِيانِي تَرُوِيا ظَمَئِي *** فَبَيْنَ جَنْبَیَّ نارُ الوَجْدِ تَضْطَرِمُ

فَما عَهِدْتُكُما أَنْ تُحْرِقا شَفَةً *** لَوْ لاَمَسَتْها شِفاهُ الكَأُسِ تَبْتَسِمُ

مِنْ حُبِّ فاطِمةٍ كَأْساً إِذَا ارْتُشِفَتْ *** تُجْلَىٰ هُمُومِي بِهَا تَالِلَّهِ وَالسَّقَمُ

لاَ تَسْقِيَانِي سِوَى ما يُذْهِبَنْ شَجَنِي *** فَأَطْيَبُ الكَأْسِ مَا يُنْسَى بِهِ الأَلَمُ

وَأَسْمِعَانِي مِنَ الصَّدّاحِ زَغْرَدَةً (3) *** فَلَيْسَ يَحْلُو لِقَاءٌ ما بِهِ نَغَمُ

إِنّي وَإِنْ كُنْتُ لِلأَحْزَانِ مُرْتَهَناً *** يَنْتَابُنِي الغَمُّ وَاللَّأَوَاءُ وَالسَّأَمُ(4)

ص: 350


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- البوارق: السُّحب ذوات البرق.
3- الصَّداح: رفع الصوت بالغناء.
4- اللأواء: الشدّة والمحنة.

فَكَلْكَلِي بَاتَ هذَا اليَوْمَ مُنْشَرِحاً *** حَيْثُ المَبَاهِجُ وَالآلآءُ وَالكَرَمُ(1)

يَوْمٌ بِهِ بَضْعَةُ المُخْتَارِ قَدْ وُلِدَتْ *** لِيُولَدَ الحَقُّ وَالإِيمَانُ وَالنَّعَمُ

مَا كَانَ أَعْظَمَهُ يَوْماً غَدَاةَ سَما *** لِلدِّينِ وَ المُصْطَفَى فِي مَكَّةٍ عَلَمُ !

فَالشَّانِئُونَ شَتَاتٌ بَعْدَ جَمْعِهِمُ *** وَظَهْرُ مَنْ شَانَأَ المُخْتَارَ مُنْقَصِمُ

ما ضَرَّ فاطِمَةً مِنْ كَوْنِهَا امْرَأَةً *** إِنْ صَرَّحَتْ بِاسْمِهَا الآيَاتُ وَالحِكَمُ؟(2)

ما ضَرَّها وَهْيَ لِلنِّسْوَانِ سَیِّدةٌ *** وَكُلُّ مَنْ فِي الوَرى طُرّاً لَهَا خَدَمُ؟(3)

تَبْقَى البَتُولُ وَيَبْقَى حُبُّها سَبَباً *** يَوْمَ الجَزَاءِ بِهِ تَسْتَشْفِعُ الأُمَمُ(4)

***

ما لِي إِذَا قُلْتُ قَوْلَ الحَقِّ عَنَّفَنِي *** بَعْضُ الأُنَاسِ وَمِنْ آرَائِي انْتَقَمُوا؟

أَلَمْ تَمُتْ خِيرةُ النِّسْوَانِ وَاحِدَةً *** عَلَى فُلاَنٍ وَمِنْ مِيراثِهَا اغْتَنَمُوا؟(5)

يَا صَاحِبِي رَايَةُ الإِسْلامِ مَا انْتَكَسَتْ *** لَوْ عَنْ أَبِيها وُلاةُ الأَمرِ ما انْفَصَمُوا (6)

ص: 351


1- كلكلي: صدري.
2- إشارة إلى الآيات التي وردت في شأنها علیه السلام ومن جملة هذه الآيات قوله «تعالى» في سورة الذاريات آية17: «كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون» فقد روي في كتاب شواهد التنزيل ج2 ص194 عن عبد الله بن عباس قال: نزلت في علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و فاطمة علیهم السلام و قد أورد سماحة آية اللّه السيد صادق الشيرازي «دامت بركاته» كل ما ورد في شأنها في القرآن الكريم من روايات أهل السنة وجمعه في كتاب اسمه (فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن فراجع).
3- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص49: قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين».
4- في كتاب معاني الأخبار ص64: عن علي علیه السلام: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: ما البتول؟ فإنّا سمعناك يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم تقول: إن مريم بتول، و فاطمة علیها السلام بتول؟ فقال: البتول التي لم تر حمرةً قط، أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء.
5- في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص274 في حديث طويل: فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدك و كتبت بها لها؟ قال: نعم، قال: إن علياً علیه السلام يجرّ إلى نفسه، و أم أيمن امرأة، و بصق في الكتاب فمحاه و خرّقه.
6- انفصموا: انكسروا من غير بينونة. تصدّعوا.

وَاللَّهِ ما صُودِرَتْ مِنْ فاطِمٍ فَدَكٌ *** وَإِنَّما صُودِرَ الإِسْلامُ وَالقِيَمُ

وَاللَّهِ ما اقْتَحموا داراً لِفَاطِمةٍ *** وَإِنَّما بَيْتَ جِبْرِيلِ قَدِ اقْتَحَمُوا (1)

مَنْ آذَوُا المُصْطَفَى المُختارَ وَابْنَتَهُ *** وَمِنْ بَنِيها وَأَشْياعٍ لَهُمْ نَقَموا

وَصَادَرُوا حَقَّها في إِرثِ وَالدِها *** هُمْ أَرْذَلُ الناس بل شَرُّ الدواب هُمُ

يا لائِمي كَيْفَ لَمْ تَعْرفْ مَثَالِبَهُمْ *** وَالعُربُ تَعْرِفُها تَالِلَّهِ وَالعَجَمُ؟

قُلْ ما تَشَاءُ فَلاَ أَرْتَدُّ عَنْ كَلِمي *** هُمُ الرَّعادِيدُ فِي رَأْيِي وَإِنْ عَظُموا(2)

***

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى يَا أُمَّ وَالِدِهَا *** إِنَّا بِمَا شَرَّعَ المُخْتَارُ نَلْتَزِمُ(3)

إِنْ فَرَّقَتْنا يَدُ الأَهْوَاءِ مِثْلَ سَبَأ *** فَلَنْ تَزِلَّ بِنَا عَنْ نَهْجِكُمْ قَدَمُ

إِنْ خَيَّرُونِي أَتَرْضَى حُبَّ فاطِمَةٍ *** أَمْ جَنَّةَ الخُلْدِ فِي حَشْرِي أَقُلْ لَهُمُ؟

حُبُّ البَتُولِ إِلَى الفِرْدَوْسِ يُرْشِدُنِي *** فَكَيْفَ يَرْضَى سِوَاهُ العَاقِلُ الفَهِمُ؟(4) (5)

ص: 352


1- في كتاب تلخيص الشافي ج3 ص76: عن أبي جعفر بن محمد علیه السلام قال: واللّه ما بايع علي حتى رأى الدخان دخل بيته.
2- الرعاديد: الجبناء كثيرو الرعدة والارتعاد والاضطراب.
3- في كتاب كشف الغمة ج1 ص498 عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في حديث: «و من أنصفك فقد أنصفني، و من ظلمك فقد ظلمني، لأنك منّي و أنا منك وأنت بضعة منّي و روحي التي بين جنبيَّ. ثم قال صلی الله علیه و آله و سلم: «إلى اللّه أشكو ظالميك من أمتي».
4- في كتاب فرائد السمطين ج2 ص66: عن الحسين بن علي علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم: «فاطمة علیها السلام بهجة قلبي، و ابناها ثمرة فؤادي، و بعلها نور بصري، و الأئمة من ولدها أمناء ربّي و حبله الممدود بينه وبين خلقه من اعتصم به نجا، و من تخلّف عنه هوى.
5- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص159.

(15) البضعة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

السيد صالح الحلي(*)(1)

وَ لاَ بُدَّ مِنْ يَوْمِ بِهِ نَكْشِفُ الظُّلْمَا *** وَ نَمْلَؤُها (عَدْلاً) كَمَا مُلِئَتْ ظُلْما

وَنُورِدُهَا لِلْخَيْلِ شُقْراً عَلَى العِدَى *** وَلَكِنْ بِفَيْضِ النَّحْرِ نُصْدِرُهَا دُهْمَا(2)

وَنَأْتِي بِهَا شَعْوا تُثِيرُ مِنَ الثَّرَى *** سَمَاءً تَخَالُ البِيضَ فِي أُفْقِهِ(نَجْمَا)(3)

وَلاَ بُدَّ مِنْ يَوْمِ بِهِ نُرْكِزُ القَنَا *** بِصَدْرِ العِدَى وَالبِيضُ تُغْمِدُهَا الجِسْما

لَئِنْ تَدُرِ الأَيَّامُ نَسْتَوْفِ مَا مَضَى *** وَنَسْتَقْضِ مَنْ قَدْ خَصَّ مِنّا وَمَنْ عَمّا

وَنَمْلَأُ رَحْبَ الْأَرْضِ رُعْباً وَرَجْفَةً *** بِشُزَّبِ خَيْلٍ لَمْ تَزَلْ تَمْضَعُ اللُّجْما(4)

سَيَظْهَرُ (مَهْدِيُّ) الأَنَامِ وَ تَغْتَدِي *** لَنَا أَوْبَةٌ نُشْفِي القُلُوبَ بِهَا عَظْما

فَقُلْ لِبَنِي الوَرْهَاءِ أَيْنَ فِرَارُكُمْ؟ *** سَنَهْدِمُ مَا شَيِّدْتُمُوهُ لَكُمْ هَدْما(5)

أَلَمْ يَهْضِمُوا المَوْلَى الوَصِيَّ وَ يَنْقُضُوا *** شُرُوطَ الزَّكِيِّ السِّبْطِ حَتَّى قَضَى سُمَا؟

فَلَوْ أَنَّ (ثَهْلاَناً) وَرَضْوَىٰ وَ يَذْبُلاً *** حَمَلْنَ رَزَايَاهُمْ لَصَيَّرْنَهَا رَدْما(6)

فَنَحَّوْا (عَلِيًّا) وَهُوَ أَوْلاَهُمُ بِهِمْ *** وَلِلشِّرْعَةِ الغَرّا قَدِ انْتَخَبُوا (تَيْما)

بِأَقْرَبِهِمْ رُحْماً وَأَكْثَرِهِمْ عِلْماً *** وَأَقْدَمِهِمْ سِلْماً وَأَرْجَحِهِمْ حِلْما

ص: 353


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- شُقراً: أشقر وهو ما لونه بين الأحمر والأصفر. دُهْما: سُوداً.
3- شعواء: غارة شعواء: منتشرة واسعة، البيض: السيوف.
4- خیل شُزَّب: خيل ضامرة.
5- ورهاء: حمقاء.
6- ثهلاناً و رَضوى و يذبلا: أسماء جبال. رَدْما: ما يسقط من الحائط المتهدّم.

بِلاَ وَازِرٍ يُمْسِي وَلاَ نَاصِرٍ لَهُ *** وَلاَ ثَائِرٍ مِنْ رحْمِهِ يَصِلُ الرَّحمَا

بِلاَ دَافِعٍ عَنْهُ وَلا جَازِعٍ لَهُ *** وَلاَ رَافِعٍ ذُلاًّ دَهَاهُ وَلاَ هَضْما

وَأَخْبَثُهُمْ أَمًّا وَأَكْثَرُهُمْ لُوْماً *** وَأَحْفَرُهمْ جِرْماً وَأَعْظَمُهُمْ(جُرْما)

يَصُولُ عَلَى مَنْ عَمَّرَ الدِّينَ سَيْفُهُ *** وَيَقْتَادُ مَوْلاَهُ (ابنُ حَنْتَمَةٍ) حَتْما

فَمَنْ يَكْشِفُ الضُّرَّ أَوْ مَنْ يُفَرِّجُ الهَمّا *** عَنِ البَضْعَةِ الزَّهْرَا إِذِ اشْتَكَتِ الضَّيما؟(1)

أَيُسْقِطُهَا حَمْلاً وَيُورِثُهَا ذُلاًّ *** وَفِيهَا أَتَتْ (قُلْ لاَ) أَمَا خَشِيَ الإِنْمَا

وَمُذْ صَدْرَهَا أَدْمَى شَكَتْ زَادَهَا لَطْماً *** وَ لِلْعَبْدِ قَدْ أَوْمَى أَلاَ رُدَّهَا رَغْما

أَبَعْصِرُهَا عَصْراً وَيُوسِعُهَا زَجْراً *** وَيَلْطُمُهَا جَهْراً عَلَى خَدِّهَا لَطْما؟(2)

ص: 354


1- الضيم: الظلم و القهر.
2- في هذه الأبيات الأربعة إشارة إلى ما جرى على الزهراء علیها السلام حين هاجم القوم دارها. انظر کتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 . وكتاب مؤتمر علماء بغداد 37. وكتاب الاحتجاج ج1 ص109. و كتاب بحار الأنوار ج53 ص19. و إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574 وكتاب البحار ج8 ص240 ط حجرية. و كتاب البحار أيضاً ج30 ص294. و في كتاب فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر، ص93 قال: سيرة الخليفة وأصحابه مع علي علیه السلام التي بلغت من الشدة أن عمر هدد بحرق بيته وإن كانت فاطمة علیها السلام فيه ومعنى هذا إعلان أن فاطمة علیها السلام و غير فاطمة علیها السلام من آلها ليس لهم حرمة تمنعهم عن أن يتخذ معهم نفس الطريقة التي سار عليها مع سعد بن عبادة حين أمر الناس بقتله... و قال «قدس سره» أيضاً : فإنها -فاطمة علیها السلام-كانت تعتقد أن النتيجة التي حصلت عليها هي الفوز المؤكد في حساب العقيدة والدين. وأعني بها: أن أبا بكر قد استحق غضب و رسوله صلی الله علیه و آله و سلم بإغضابها و أذاهما بأذاها لأنهما يغضبان لغضبها و يسخطان لسخطها بنص الحديث النبوي الصحيح فلا يجوز أن يكون خليفة اللّه و رسوله صلی الله علیه و آله و سلم. و قد قال اللّه «تبارك و تعالى»: «وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا» الأحزاب 53 و قوله «إن الذين يؤذون اللّه و رسوله لعنهم اللّه في الدنيا و الآخرة وأعد لهم عذاباً أليماً» الأحزاب57. و قوله «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» التوبة 61 و قوله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» الممتحنة 13 و قوله «وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى» طه 81.

زَوَوْا (فَدَكاً) عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِمْ *** وَصَارَتْ (لِتَيْمٍ وَابْنِ حَنْتَمَةٍ) طُعْما

أَتَتْ تَطْلُبُ الإِرْثَ وَتَنْدُبُ واغوثا *** بِدَمْعٍ حَكَى غَيْثاً وَقَلْبٍ وَهَى سُقْما(1)

وَ أَنْسَتْ رَزَايَا الطَّفِّ كُلَّ رَزِيَّةٍ *** أَتَتْ بَعْدَ يَوْمِ الطَّفِّ أَوْ سَلَفَتْ قِدْما

وَقَادَتْ إِلَى حَرْبِ الحُسَيْنِ جُيُوشَهَا *** (أُمَيَّةُ) حَتَّى خِلْتَ رَايَاتِهَا غَيْما

تَوَاصَتْ عَلَى قَتْلِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّها *** لِتَكْسِبَ مِنْ آلِ الدَّعِيِّ بِهِ العُنْمَا

فَقَامَ عَدِيمُ النَّصْرِ يَشْحَذُ سَيْفَهُ *** بِأَجْسَامِهِمْ حَتَّى بَرَى اللَّحْمَ وَالعَضْمَا(2)

سَقَى الأَرْضَ مِنْ فَيْضِ الدِّمَاءِ بِسَيْفِهِ *** وَأَشْبَعَ وَحْشَ القَفْرِ وَالطَّيْرَ وَالرُّخْما(3)

كَرِيمٌ يُحَامِي عَنْ كَرَائِمَ أَحْمَدٍ *** وَيَكْشِفُ عَنْهُنَّ النَّوَائِبَ وَالغَمّا

وَلكِنْ أَرَادَ اللَّهُ سَبْيَ نِسَائِهِ *** إِلَى الشَّامِ حَسْرَى تَسْمَعُ السَّبَّ وَ الشَّتْما(4)

ص: 355


1- في هذين البيتين إشارة إلى اغتصاب فدك من فاطمة علیها السلام ومطالبتها لهم بذلك، ثم ردَّهم لها. انظر كتاب مسند أحمد ج1 ص9. وكتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. وكتاب السيرة الحلبية ج3 ص487-488. وكتاب الاحتجاج، ج1 ص131-144 و ص119-122 و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9 و كتاب السنن الكبرى ج6 ص300.
2- يشحذ: يحدّ، برى قطع ونحت.
3- القفر: الأرض لاماء فيها ولاكلأ ولاناس. الرُّحْم: جمع الرَّخَمة طائر من فصيلة النسريّات و رتبة الجوارح ريشُه أبيض ممزوّج بسوادٍ وشقرة يتغذَى باللحوم.
4- نقل من ديوان الحسين علیه السلام ج1 ص95.

(16) بضعة خير الخلق

(بحر البسيط)

الأستاذ صالح علي الحداد

مِنْ أَيْنَ أَبْدَأُ يا شِعري وَيا قَلَمِي *** بِذِكْرِ بَضْعَةِ خَيْرِ الخَلْقِ وَالأُمَمِ؟(1)

عَنَيْتُ فَاطِمَةَ الزَّهْراءَ وَهْيَ عَلَى *** كُلِّ الأَنَامِ سَمَتْ وَالنَّاسُ فِي العَدَمِ

فَنُورُها قَبَسٌ مِنْ نُورِ وَالِدِها *** يَهْدِي إِلَى الحَقِّ فِي دُنْيَا مِنَ الظُّلَمِ(2)

فَإِنَّهَا بِنْتُ مَنْ؟ أَوْ قُلْ زَوْجَةُ مَنْ؟ *** مَنْ نَسْلُهَا إِنْ ذَكَرْتَ النَّسْلَ من شممِ؟

فَإِنَّ وَالِدَهَا خَيْرُ الأَنَامِ بِهِ *** خَتْمُ الرِّسَالاتِ فِي عُرْبٍ وَفِي عَجَمِ

وَزَوْجُها حَيْدَرُ الكَرَّارُ فِيهِ أَتَى *** فِي حَقِّهِ هَلْ أَتَى فِي مُحْكَمِ الكَلِمِ

وَسِبْطُها المُجْتَبَى أَعْنِي بِهِ حَسَناً *** كَرِيم أَهْلِ التُّقَى فِي الزُّهْدِ وَالحِلمِ

أمَّا الحُسَيْنُ فَحَدِّثُ دُونَمَا حَرَجٍ *** سَلِ البُطُولاَتِ فِي يَوْمِ الوَغَى تَنَمِ

فَإِنَّهَا مَرْكَزٌ لِلنُّورِ فَاطِمَةٌ *** وَذَا حَدِيثُ الكِسَا المَشْهُورُ كَالعَلَمِ

وَجِبْرَئِيلُ الَّذِي قَدْ جَاءَ يَطْلُبُ أَنْ *** يَكُونَ ضِمْنَهُمُ تَحْتَ الكِسَا الرَّخِمِ(3)

وَاللَّهُ أَقْسَمَ لَوْلاَهُمْ لَمَا خُلِقَتْ *** فِي الكَوْنِ أَرْضٌ وَلاَ إِنْسٌ مِنَ العَدَمِ

وَلاَ سَمَاءٌ وَلاَ طَيْرٌ وَلاَ شَجَرٌ *** وَلاَ بِحَارٌ وَلاَ جِنٌ وَذُو فَهمِ

ص: 356


1- إشارة إلى ما روي في كتاب كشف الغمة. ج1 ص498: عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم:«و أنت بضعة: منّي و روحي التي بين جنبيَّ .» ثم قال صلی الله علیه و آله و سلم: «إلى اللّه أشكو ظالميك من أمتي».
2- في كتاب إحقاق الحق ج19 ص16 عن عائشة: كنا نخيط ونغزل و ننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة علیها السلام.
3- رخم: رقيق.

جَارُوا عَلَيْهَا وَكُلُّ النَّاسِ تَعْرِفُهُمْ *** بِسَلْبِهِمْ فَدكاً عَمْداً بِلاَ ذمَمِ(1)

وَ ضِلْعَهَا كَسَرُوا وَالبَابَ قَدْ حَرَقُوا *** وَ طِفْلَهَا أَسْقَطُوا مِنْ شِدَّةِ الأَلَمِ(2)

وَ خَدَّهَا لَطَمُوا وَاللَّهِ قَدْ أَثِمُوا *** وَ حُمْرَةُ العَيْنِ مَا كَانَتْ مِنَ السُّقُمِ(3)

فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا إِيذَاءَ وَالِدِهَا *** فَوَاضِحٌ أَمْرُهُمْ في فِعْلٍ مُنْتَقِمِ

وَعِنْدَنا البَضْعَةُ الزَّهْرَاءُ أَنَّ لَهَا *** مَكَانَةً فَوْقَ مَا نَكْتُبْهُ بِالقَلَمِ

نَرْجُو شَفَاعَتَهَا فِي الحَشْرِ حِينَ تَرَى *** يَوْمَ الحِسَابِ وَكُلُّ النَّاسِ فِي زَخَمِ(4)

فَهيَ الَّتِي جَاءَتِ الأَخْبَارُ وَاصِفَةً *** عِنْدَ المَوَازِينِ فَهْيَ الفَصْلُ إِنْ تَرُمِ(5)

وَشَبَّهُوا النَّاسَ مِثْلَ الحَبِّ تَلْقطهُمْ *** هَذَا إِلى جَنَّةِ الرِّضْوَانِ فِي نِعَمِ

أَمَّا الجَحُودُ الَّذِي عَادَى أَبَا حَسَنٍ *** مَصِيرُهُ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَهْوَ عَمِ

هذِي إِلَى النَّاسِ أَهْدِيهَا مُوضِّحَةً *** لِخَطِّ أَهْلِ الهُدَى وَالخَيْرِ وَالكَرَمِ

تَمَسَّكُوا بِوَلاَءِ الآلِ إِنَّ لَهُمْ *** وِلاَيَةَ الكَوْنِ فَاعْلَمْ ذَاكَ وَاسْتَقِمِ

مَنْ كَانَ نَاصِبَهُمْ أَوْ كَانَ مُبْغِضَهُمْ *** فَالدَّرْبُ نَحْوَهُمُ مَفْتُوحُ لِلنَّدَمِ

ص: 357


1- في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: أنه كتب لها فدك فدخل عليه عمر. فقال: ما هذا؟ فقال : كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها. فقال: فماذا تنفق على المسلمين، و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقه.
2- انظر ما ورد في كتاب الملل والنحل ج1 ص57 للشهرستاني.
3- روي في كتاب البحار ج53 ص18-19 ما يكون عند ظهور المهدي (عج اللّه تعالی فرجه الشریف) في حديث طويل عن الإمام الصادق علیه السلام و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفعه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها، و هي تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه وارسول اللّه صلی الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذَّب و تضرب، و يقتل جنين في بطنها...
4- زخم: دفع شديد. روي في كتاب البحار ج43 ص65-101: في حديث طويل قال أبوجعفر علیه السلام: واللّه يا جابر إنها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء.
5- ترم: تقصد.

مَنْ جَاءَهُمْ تَائِباً لاَ شَكٍّ إِنَّهُمُ *** مَا رُدَّ طَالِبُهُمْ يَوْماً بِمَا يَرُمِ(1)

فَإِنَّهُمْ كَمْ عَفْوا يَوْماً وَكَمْ صَفَحُوا *** وَأَطْلَقُوا يَوْمَ فَتْحٍ جَانِبَ الحَرَمِ

هذِي سَجِيَّتُهُمْ فِي الفَضْلِ قَدْ عُرِفُوا *** لَمْ يَسْجُدوا أَبَداً يَوْماً إِلَى صَنَمِ

مَاذَا أُسَطِّرُ مِنْ شِعْرِي فَدُونَكُمُ *** (ثُمَّ اهْتَدَيْتُ) كَفَانِي القَوْلَ مِنْ كَلِمِ

ص: 358


1- يَرُمِ: يريد.

(17) و أقبلت الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

أبو البحر صفوان بن

إدريس النجيبي المرسي

سَلاَمٌ كَأَزْهَارِ الرُّبَى يَتَنَسَّمُ *** عَلَى مَنْزِلِ مِنْهُ الهُدَى يُتَعَلَّمُ

عَلَى مَصْرَع لِلْفَاطِمِينَ غُيُبَتْ *** لأَوْجُهِهِمْ فِيهِ بُدُورٌ وَ أَنْجُمُ

عَلَى مَشْهَد لَوْ كُنتَ حَاضِرَ أَهْلِهِ *** لَعَايَنَتَ أَعْضَاءَ النَّبِيِّ تُقَسَّمُ

عَلَى كَرْبَلاً لاأَخْلَفَ الغَيْثُ كَرْبَلاً *** وَ إِلا فَإِنَّ الدَّمْعَ أَنْدَى وَ أَكْرَمُ

مَصَارِعُ ضَجَّتْ يَشْرِبْ لِمُصَابِهَا *** وَ نَاحَ عَلَيْهِنَّ الحَظِيمُ وَ زَمْزَمُ(1)

وَ مَكَةُ وَ الأَسْتَارُ وَ الرُّكْنُ وَ الصَّفَا *** وَ مَوْقِفُ جَمْع وَ المَقَامُ المُعَظمُ

وَ بِالحَجَرِ المَلْثُوم عُنْوَانُ حَسْرَةٍ *** أَلَسْتَ تَرَاهُ وَ هُوَ أَسْوَدُ أَسْحَمُ؟(2)

وَ رَوْضَةُ مَوْلانَا النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** تَبَدَّى عَلَيْهَا النُّكُلُ يَوْمَ تَخَرَّمُوا

وَ مِنْبَرُهُ العِلوِيُّ وَ الجِذْعُ أَعْوَلاً *** عَلَيْهِمْ عَوِيلاً بِالضَّمَائِرِ يُفْهَمُ

وَ لَوْ قَدَرَتْ تِلْكَ الجَمَادَاتُ قَدْرَهُمْ *** لَدُكَ حِرَاءٌ وَ اسْتُطِيرَ يَلَمْلَمُ

وَ مَا قَدْرُ مَا تَبْكِي البِلادُ وَ أَهْلُهَا *** لَآلِ رَسُولِ اللَّهِ وَ الرُّزْهُ أَعْظَمُ

ص: 359


1- الحطيم: جدار حجر الكعبة و قيل: ما بين الركن و زمزم و المقام و سمّي بذلك لانحطام الناس عليه أي لازدحامهم.
2- الملثوم: الذي يُقَبَله الناس أسحم أسود.

لَوَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ يُحْيَى يُعَيْدَهُمْ *** رَأَى ابنُ زِيَادٍ أُمَّهُ كَيْفَ تُعْقَمُ

وَ أَقْبَلَتِ الزَّهْرَاءُ قُدِّسَ تُرْبُهَا(1) *** تُنَادِي أَبَاهَا وَ المَدَامِعُ منها دمُ

تَقُولُ أَبِي هُمْ غَادَرُوا ابْنَيَّ نُهْبَةً *** كَمَا صَاغَهُ قَيْسٌ وَ مَا مَجَّ أَرْقَمُ

سَقَوْا حَسَناً لِلسُّمِّ كَأْساً رَوِيَّةً *** وَ لَمْ يَقْرَعُوا سِنّاً وَ لَمْ يَتَنَدَّمُوا

وَ هُمْ قَطَعُوا رَأَسَ الحُسَيْنِ بِكَرْبَلا *** كَأَنَّهُمْ قَدْ أَحْسَنُوا حِينَ أَجْرَمُوا

فَخُذْ مِنْهُمُ ثَارِي وَ سَكُنْ جَوَانِحاً *** وَ أَجْفَانَ عَيْنِ تَسْتَطِيرُ وَ تَسْجُمُ(2)

أَبِي، وَ انْتَصِرْ لِلسِّبْطِ وَ اذْكُرْ مُصابَهُ *** وَ غُلَّتَهُ وَ النَّهرُ رَيَّانُ مُفْعَمُ(3)

وَ أَسْرَ بَنِيهِ بَعْدَهُ وَ احْتِمَالَهُمْ *** كَأَنَّهُمُ مِنْ نَسْلِ كِسْرَى تُغُنِّمُوا

وَ نَقْرَ يَزِيدٍ فِي الثنايا الَّتِي اغْتَدَتْ *** ثَناياكَ فِيها أَيُّهَا النُّورُ تَلْثُمُ(4)

لَجَبَّ لَهُمْ جِبريلُ أتْعسَ غَارِبٍ *** مِنَ الغَيِّ لايُعْلَى وَ لايُتَسَنَّمُ(5)

أَلاَ إِنَّهَا أَقْدَارُ رَبِّ بِهَا قَضَى *** فَلَايَتَخَطَّى النَّقْضُ مَا هُوَ يُبْرِمُ

قَضَى اللَّهُ أَنْ يَقْضِي عَلَيْهِم عَبِيدُهُمْ *** لِتَشْقَى بِهم تِلْكَ العَبِيدُ وَ تَنْقِمُ

هُمُ القَوْمُ أَمَا سَعْيُهُمْ فَمُخَيَّبٌ *** مُضاعُ وَ أَمَّا دَارُهُمْ فَجَهَنَّمُ

فَيا أَيُّها المَغْرُورُ وَاللَّهُ غَاضِبٌ *** لِبِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ أَيْنَ تَيَمَّمُ؟(6)

ص: 360


1- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص792. ثم أقبلت تعثر في أذيالها و هي لاتبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم... يا أبتاه صلي اللّه علیه و آله و سلم بقيت والهة وحيدة و حيرانة فريدة فقد انخمد صوتي و انقطع ظهري و تنغص عيشي...».
2- تسجم: تسيل.
3- غلّة: شدة العطش. مفعم: مملوء.
4- تلثم: تقبَّل.
5- أتعس: من التعس، و هو الهلاك. جبّ: قطع . غارِب: كاهل أو بين الظَهر أو السنام و العنق. يُتَسنَّمُ: يُعلى و يُركَب عليه.
6- جاء في «ذخائر العقبی» ص39 ط/ مؤسسة الوفاء -بيروت... عن علي بن أبي طالب علیه السلام عن رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم قال: يا فاطمة علیها السلام إن الله «عزوجل» يغضب لغضبك و يرضى لرضاك».

أَلاَ طَرَبٌ يُقْلِي أَلاَ حُزْنُ يَصْطَفِي *** أَلا أَدْمُعُ تَجْرِي أَلاَ قَلْبٌ يُضْرَمُ

قِفُوا سَاعِدُونَا بِالدُّمُوعِ فَإِنَّهَا *** لَتَصْغُرُ فِي حَقِّ الحُسَيْنِ وَ يَعْظُمُ

وَ مَهُمَا سَمِعْتُمْ فِي الحُسَيْنِ مَرَاثِباً *** تُعَبِّرُ عَنْ مَحْضِ الأَسَى وَ تُتَرْجِمُ

فَمُدُّوا أَكفَاً مُسْعِدِينَ بِدَعْوَةٍ *** وَ صَلُّوا عَلَى جَد الحُسَيْنِ وَ سَلِّمُوا(1)

ص: 361


1- مجلة الهادي -تصدرها دار التبليغ الإسلامي إيران قم العدد الثالث السنة الأولى صفر (1392ه_). نقلاً عن أعلام الأعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام -ابن الخطيب، النسخة الخطية ص37.

(18) جوهر العقول

(بحر المتقارب)

الشيخ عبد الحسين الحويزي(*)(1)

لِفَرْطِ الجَوَى مُهْجَتِي كَاتِمَهْ *** وَ عَيْنِي بَدَتْ بِالحَيَا سَاجِمَهْ

وَ لِلرَّكْبِ شَبَّتْ بِطَيِّ الضُّلُوعِ *** عَشِيَّةَ بَانُوا لَظَى حَاطِمَهْ(2)

وَ أَسْهَرْتُ عَيْنِي بِسِتْرِ الدُّجَى *** وَ عَيْنُ السَّمَا تَحْتَهُ نَائِمَهْ

وبِتُّ وَ فَرْعُ الدُّجَى نَاشِرٌ *** عَلَى عَاتِقِي لَمَّةٌ فَاحِمَهْ(3)

هَزَمْتُ الكَرَى عَنْ جُفُونٍ جَرَتْ *** كَتَائِبُ دَمْعِي بِهَا هَازِمَهْ

فَقَلْبِي وَ طَرْفِي مِنَ الوَجْدِ وَ *** المَدَامِعُ كُلٌّ غَدَا لاَئِمَهْ

وَ أَعْمُرُ لِلْعُمْرِ بَيْتَ السُّرُورَ *** وَ عِلْمِي بِرَيْبِ الفَنَا هَادِمَهْ

وَ يُهْمِلُنِي الجَهْرُ فِي غِبْطَةٍ *** مِنَ العَيْشِ أَظرَافُهَا نَاعِمَهْ

فَلاَ أُمْسِكُ النَّفْسَ عَنْ قَصْدِهَا *** وَ تُمْسِي وَ حَوْلَ الرَّدَى جَاثِمَهْ(4)

وَ لاَأَفْطِمُ العَيْنَ عَنْ دَرُهَا *** لِفَقْدِ ابْنَةِ المُصْطَفَى فَاطِمَة

رَبِيبَةُ حِجْرِ نَبِيِّ الهُدَى *** وَ صُحْبَتُهُ مَعَهَا دَائِمَهْ

وَ مِنْ قَلْبِهِ لَمْ تَزَلْ بَضْعَةً *** عَلاقَتُهَا بِالحَشَا لَأَزِمَهْ

غَذَاهَا النَّبِيُّ بِدُرُ العُلُومِ *** فَشَبَّتْ بِوَحْيِ السَّمَا عَالِمَهْ

ص: 362


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- حاطمة: شديدة.
3- فاحمه: سوداء كالفحم.
4- جائمة: متلبَدة بالأرض.

فَأُمُّ الكَلِيمِ وَ أُمُّ المَسِيحِ *** عَلَى الطَّوْعِ كُلٌّ لَهَا خَادِمَهْ

مَلائِكَةُ اللَّهِ فِي عَرْشِهِ *** لِهَيْكَلِهَا زِينَةٌ رَاسِمَهْ

وَ فِي اللَّوْحِ غَامِضُ أَسْرَارِهَا *** مِنَ الغَيْبِ كَاتِبَةٌ رَاقِمَهْ

جَلالَةُ رَبِّ العُلَى فِي الوُجُودِ *** لِقُدْسِيِّ عِفَّتِهَا عَاصِمَهْ

تَلَتْ كُلَّ وَحْيٍ أَتَى لِلرَّسُولِ *** وَ بِالذِّكْرِ مُبْدِئَةٌ خَاتِمَهْ

وَ عِصْمَتُهَا جَوْهَر لِلْعُقُولِ *** مَدَى الدَّهْرِ عَنْ عَرَضٍ سالِمَهْ

وَ صِدِّيقةٌ هِيَ مَهْمَا ادَّعَتْ *** عَلَى الخَصْمِ فِي حَقِّهَا خَاصِمَهْ(1)

لَقَدْ جَحَدَ القَوْمُ مِنْهَا الحُقُوقَ *** وَ حُجَّتُهَا بِالهُدَى قَائِمَهْ

تُصَيِّرُ فِي نُطْقِهَا العَارِفِينَ *** بَهَائِمَ فِي رَعْيِهَا سَائِمَهْ

ص: 363


1- انظر ما ورد في أنها صدَيقة: في مجلة المرشد، العددان7-8 سنة (1997م) محمود عكام كتب يقول نفحة من الزهراء علیها السلام... أيتها البضعة الطهور... أيتها الزهراء البتول علیها السلام... أيتها السيدة الفضلى... أيتها الأبيّة المثلى... أنت محلّ السر و مجلى البر... و معقد البيت و منجب الأمان... أنت ضياء من ضياء... و عطاء من عطاء... و ولاء ليس بعده ولاء... على أقدامك تنحني الهامات إجلالاً... و لذكراك تختال الأكوان جلالاً... وددت لو تغدو العيون محابر... فتكتب بالدموع عبائر... و تلون بالبريق مآثر... و تسطر بالجفون بعض ما تنطوي عليه منسي السرائر... يا مشكاة صدرت عنها الأنوار و يا سرّة تجمعت فيها الأسرار... و يا درة سمت فكانت واسطة عقد بيت الأطهار الأبرار... يا فاطمة علیها السلام و السر فيك كبير... و الفطام لدیک یعني الكثير... فالشر جد بعيد عنك... و النار و حاشا لاتصل إليك... أيتها الخالدة و الخلود دوام طهر... و استمرار عفّة و بقاء ذكر و احتواء أعظم سر... أنت النسيم الساري، و أريج المكان السامي... و عبق المجد العظيم النامي... إن ذكرتك اليوم... فلأني أرجو لثم العتبات... و دوام النظر منك يا إمامة الأولياء و السادات... سلام الله و صلاته عليك يا مكمن النور... و بركاته الخالصة إليك يا محتوى السيادة و الشهادة و السعادة و الحبور... دمتِ علينا الحانية الراعية... و ثبتنا اللَّه على محبتك و خدمة نعالك يا مصطفاة المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم الغالية... و مستودع أسراره السامية العالية.

لَقَدْ ظُلِمَتْ بَعْدَ فَقَدِ النَّبِيِّ *** وَ أُمَّتُهُ أَصْبَحَتْ ظَالِمَهْ

فَلَوْ دَعَتِ اللَّهَ أَفْنَتْهُمُ *** وَلَكِنَّهَا عَنْهُمُ حَالِمهْ

أَفَاطِمُ يَسْقُطُ مِنْهَا الجَنِينُ *** وَ تُدْفَعُ عَنْ حَقِّهَا رَاغِمَهْ؟

وَ تحرِقُ بَابَ فِنَاهَا الطَّغَامُ *** وَ تَأْتِي عَلَى خِدْرِهَا هَاجِمَهْ(1)

فَتَبَّتْ يَدٌ كَسَرَتْ ضِلْعَهَا *** وَ مُدَّتْ إِلَى وَجْهِهَا لأَطِمهْ(2)(3)

ص: 364


1- الطَّغام: مفرده الطَّغامة أوغاد الناس. خِدْرها: الخِدر: ستر يمدّ للجارية في ناحية البيت، ما يُفرَد للجارية من السكن.
2- تَبَت يده: خسرت.
3- نقل من ديوان الحويزي ج2 ص69.

(19) بيت الطهر فاطمة علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ عبد الحسين الحويزي(*)(1)

أَهَلْ تَطِيبُ لِعَيْنِي نَضْرَةُ النَّعَمِ *** وَ جُرْحُ قَلْبِي رَغِيبٌ غَيْرُ مُلْتَتِم؟(2)

أبَيْتُ رَهْنَ صُرُوفِ النَّائِبَاتِ وَلِي *** طَرْفَ إِذَا نَامَ طَرْفُ النَّجم لَمْ يَنَمِ

وَ لَعْتُ بِالحُزْنِ حَتَّى صِرْتُ مُسْتَمِعاً *** أَغَانِيَ الحُزْنِ فِي الأَوْتَارِ وَ النَّعْمِ

الهَمُّ يَمْنَعُ سِلْوَانِي كَمَا مُنِعَتْ *** مَرَاضِعُ الدَّرِّ عَنْ أَشْدَاقِ مُنْفَطِمِ(3)

وَ الدَّهْرُ حِينَ نَضَا غَرِبِيَّ سَاعِدِهِ *** دَوّى بابن أَخُوالهِنْدِيَّةِ الخَذَمِ(4)

أبْلَى فِرنُدُ غِرَارِي بِالصَّدَى فَفَدا *** صِقَالُ رأْسِي بَيَاضُ الشَّيْبِ وَالهَرَم(5)

كُمْ فَوْقَتْ نَحْوِيَ الدُّنْيَا سِهَامَ رَدَىً *** تُصِيبُ بِالرَّمْيِ مِنْ بُعْدِ وَ مِنْ أُمَمِ(6)

وَ إِثْرَ كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ حَوَادِثِها *** أَجْرَتْ رُبَى الرَّدَى خَيْلاً بِلاَلُجُمِ

مليْكُ فِي الدَّهْرِ مَنْ يَخْشَى العَوَاقِبَ كَيْ *** يَلْقَى الإلهَ بِثَغْرِ مِنْهُ مُبْتَسِمِ

وَ لتُعرَقَنَّ سَفِينُ الصَّبْرِ عَائِمَةٌ *** بِلُجَّ بَحْرٍ مِنَ الآمَاقِ مُلْتَطِم

إِنْ جَفْ نُؤْيُ الحَيَا عَيْنِي دَماً سَفَحَتْ *** غُرُوبُهَا بِمَحَانِي السَّفْحَ فِي أضَمِ

ليْتَ الحَيَا لاَسَقَى الأَنْهَارَ فِي زَمَنٍ *** صُرُوقُهُ غَشَتِ الزَّهْرَاءَ بِالظُّلْمِ

ص: 365


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- رغيب: واسع الجوف.
3- أشداق: زوايا الفم من باطن الخدين.
4- نضا: نزع الهندية: السيوف الهندية -الخذم القاطع.
5- فرند: سيف.
6- سهام الردى: سهام الموت. أمم: طرق.

كَمْ بَعْدَ فَقْدِ أَبِيهَا كَابَدَتْ مِحَناً *** وُقُوعُهَا يَدَعُ الأطوادَ كَالرِّمَمِ(1)

وَ صَحْبُهُ عَصَبُوهَا بَعْدَهُ فَدَكاً *** وَ حَكَمُوا الشَّيْخَ تَيْمَ ضَلَّ مِنْ حَكَمِ

هُمْ أَسْقَمُوا جِسْمَهَا حَتَّى قَضَتْ كَمَداً *** وَ لَيْسَ فِيهَا لَعَمْرُ اللَّهِ مِنْ سَقَمِ

وَ هُمْ أَزَالُوا عَلِيًّا عَنْ مَرَاتِبِهِ *** وَ خَفَّضُوا مِنْ عُلاَهُ ذُرْوَتي عَلَمِ

عَدَتْ كِلابُ الأَعَادِي بَعْدَمَا هَجَمَتْ *** عَلَى شَرَى المُشيل الوَثَّابِ بِالهِمَمِ(2)

جَاءَتْ كَمِثْلِ أَضَامِيمِ القَطَا عُصْباً *** حَتَّى كَسَرْنَ جَنَاحَ الأَجْدَلِ الضَّحُمِ

وَ أَحْرَقُوا بَابَ بَيْتِ الظُّهْرِ فَاطِمَةٍ *** بِنَارِ حِقْدِ لَهُمْ مَشْبُوبَةِ الضَّرمِ(3)

للَّهِ بَيْتٌ سَمَتْ أَرْكَانُهُ شَرَفاً *** عَلَى قَوَاعِدِ بَيْتِ اللَّهِ وَ الحَرَمِ

تَرَى مَلائِكَةَ السَّبْعِ الشَّدَادِ بِهِ *** آلِهِ الغُرِّ کالغِلْمَانِ وَ الخَدَمِ

فَأَقْبَلَتْ بَضْعَةُ الهَادِي تُخَاطِبُهُمْ *** وَ القَوْمُ مَوْقُورَةُ الأَسْمَاعَ بِالصَّمَمِ

فَأَسْقَط الرِّجْسُ لَمَّا ظَلَّ يَعْصِرُهَا *** مِنْهَا جَنِيناً نَمَا فِي طَاهِرِ الرَّحِمِ(4)

ص: 366


1- الأطواد: الجبال العظيمة.
2- شري: مأسدة جانب الفرات يضرب بها المثل فتقال هو كأسد الشرى. المشيل: الأسد من أشباله.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب الملل و النحل للشهرستاني ج1 ص57 و كان عمر يصيح أحرقوا دارها بمن فيها وما كان في الدار غير علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام كما جاء في تقريب المعارف للحلبي، ص58- 59 و هي النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة آية الله العظمى المرعشي تحت الرقم (2663)ه_. يقول الشيخ الفقيه أبو الصلاح الحلبي: و مما يقدح في عدالة الثلاثة قصدهم أهل بيت نبيهم صلي الله علیه و آله و سلم بالتحيف و الأذى و الوضع من أقدارهم و اجتناب ما يستحقونه من التعظيم و قصدهم علياً علیه السلام بالأذى لتخلفه عنهم و الإغلاظ له في الخطاب و المبالغة في الوعيد و إحضار الحطب لتحريق منزله و الهجوم عليه بالرجال من غير إذنه و الإتيان به ملبياً و اضطرارهم لذلك زوجته و بناته و نسائه و حماته من بنات هاشم و غيرهم إلى الخروج عن بيوتهم و تجريد السيوف لمن حوله و توعده بالقتل إن امتنع من بيعتهم.
4- روي في كتاب الوافي بالوفيات ج5 ص347: قال صلاح الدين الصفدي الشافعي المتوفى سنة (764ه_) في ترجمة النظّام في ذكر أقواله و قال: إن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام یوم البيعة حتى ألقت المحسن علیه السلام من بطنها.

بِصَدْرِهَا نَبَتَ المِسْمَارُ وَ انْكَسَرَتْ *** مِنْهَا الأَضَالِعُ وَ انْهَلَّتْ بِفَيْض دَمٍ(1)

وَ المُرْتَضَى بِنِجَادِ السَّيْفِ مُرْتَهِناً *** قَادُوهُ قَهْراً بَنُو عُبَادَةِ الصَّنمِ(2)

مِنْ بَيْتِهِ ابْنُ صهاكَ الرِّجْسُ أَخْرَجَهُ *** مَلَبَّباً بِرِدَاءِ الفَضْلِ وَ الكَرَمِ(3)

لكِنَّهُ رَامَ أَنْ تُرْخَى حَفِيظَتُهُ *** عَلَى وَصِيَّةِ طهَ سَيّدِ الأُمَمِ

وَ فَاطِمٌ خَلْفَهُ تَدْعُو وَ أَدْمُعُهَا *** تَصُوبُ مِنْ مَدْمَعِ كَالْغَيْثِ مُنْسَجِمِ(4)

وَ سَوْطُ قُنْفَذَ يُلْوَىٰ فَوْقَ عَاتِقِهَا *** ضَرْباً فَتَصْرُخُ وَ لْهَى مِنْهُ بِالأَلَمِ(5)

تَدْعُو بِطَرْفِ مِنَ الأَقْدَاءِ مُنْهَمِلٍ *** وَ حَرِّ قَلْبٍ مِنَ الأَمَاقِ مُلْتَطَمِ

دَعُوا إِمَامَ الهُدَى وَاصْغُوا لِمَنْطقِهِ *** فَإِنَّ فِيهِ تَفَاصِيلَ مِنَ الحِكَمَ

هذَا الَّذِي شَيَّدَ الإِسْلامَ صَارِمُهُ *** قِدْماً وَ لَوْلاهُ رُكْنُ الدِّينِ لَمْ يَقُمِ

خَلِيفَةُ اللَّهِ فِيهِ الرُّشْدُ مُتَّصِلٌ *** مِنَ الرَّسُولِ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْصَرِمِ

بِنُورِهِ الشّرْعَةُ الغَرَّاءُ وَاضِحَةٌ *** لِلْخَلْقِ تَزْهَرُ فِي دَاجِ مِنَ البُهَمِ

لَمْ أَنْسَهَا يَوْمَ وَافَتْ قَبْرَ وَالِدِهَا *** خَيْرِ البَرِيَّةِ مِنْ عُرْبٍ وَ مِنْ عَجَمِ

وَ افَتْ وَ قَدْ غُصَّ بِالأَنْصَارِ مَسْجِدُهُ *** وَ البَغْيُ قَامَ بِجَمْعٍ فِيهِ مُزْدَحِمٍ

فَأَسْدَلُوا دُونَهَا الْأَسْتَارَ فَابْتَدَأَتْ *** لِلَّهِ تُبْدِي بِإِفْصَاحَ مِنَ الكَلِمِ

كَأَنَّمَا هِيَ فِي الآيَاتِ تُفْرِغْ عَنْ *** فَم النَّبِيِّ أَبِيهَا فِي بَيانِ فَم

جَحَدْتُمُ مَعْشَرَ الأَنْصَارِ فِي فَدَكِ *** حقاً لَنَا خَصَّهُ الرَّحْمَنُ مِنْ قِدَمِ(6)

ص: 367


1- في كتاب مرآة العقول ج5 ص320: فلما أخرجوه (علي علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها، وألقت جنيناً من بطنها...
2- سيف القضاء علي في حمائله.
3- ملتباً: مجروراً مأخوذاً بتلبيبه.
4- منسجم: سائل.
5- وَلْهى: حزينة حزناً شديداً حتى كاد يذهب عقلها.
6- إشارة إلى ما روي في كتاب السنن الكبرى ج6 ص300 إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانت له فدك و كان ينفق منها و يعود منها على صغير بني هاشم و يزوّج فيه أيمهم و إن فاطمة علیها السلام سألته أن يجعلها لها فأبى الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

كَأَنَّمَا العَهْدُ فِيكُمْ يَوْمَ فَارَقَنَا *** طَيْفُ الخَيَالِ سَرَى عَنْ عَيْنِ مُحْتَكِم

نَسِيتُمُ مِنْ وَصَايَا المُصْطَفَى لَكُمُ *** بِآلِهِ كُلَّمَا أَوْفَاهُ مِنْ ذِمَمِ

بنتُ النَّبِيِّ أُضِيعَتْ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ *** حُقُوقُهَا وَ حِمَاهَا غَيْرُ مُحْتَرِم

كَيْفَ ابْنُ عَمِّي عَلِيٌّ يُسْتَضَامُ بِكُمْ *** وَ هُوَ الأَبِيُّ لَدَيْنَا غَيْرُ مُهْتَضَمِ؟

سَهُمٌ يَدُ القَدَرِ الجَارِي تُسَدِّدُهُ *** يَوْمَ الهِيَاجِ بِهِ قَلْبُ الصَّلَالِ رُمِي

لَمْ تَلْقَ فِي القَوْمِ إِلا كَامِناً حَنَقَاً *** وَ الطَّرْفُ مِنْهُ عَنِ الحَقِّ المُبِينِ عَمِي(1)

لمْ يَهْضِمُوا فَاطِمَاً إلا وَ قَدْ عَلِمُوا *** بِأَنَّ حَيْدَرَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُنْتَقِمِ

ثُمَّ انْثَنَتْ عَنْهُمُ فِي الخَطْوِعَاثِرَةً *** بِذَيْلِ بُرْدٍ يُوَارِي مَوْضِعَ القَدَمِ(2)

لَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِهَا الدَّارُ اشْتَكَتْ غُصَصاً *** مِنْهُمْ لِخَيْرِ فَتّى حَامِ وَ مُعْتَصَمِ

قَالَتْ أَبَا حَسَنٍ مَاذَا القُعُودُ؟ فَقُمْ *** وَ حَكْمِ السَّيْفَ فِي الأَعْنَاقِ وَ القِمَمِ

نَقَضْتَ قَادِمَةَ البَازِيِّ مُكْتَمِناً *** مِنْ رَعْيِهِ مِنْ بُغَاثِ الطَّيْرِ وَالرَّخْمِ(3)

وَ قَدْ لَوَيْتَ الطُّلاَ بِالذُّلِّ مُفْتَرِشاً *** خَدَّيْكَ تُرْبَ الثَّرَى يَا ضَيْغَمَ الأَجَم(4)

تَرْضَى بِأَنَّ عُتَاةَ البَغْيِ تَهْضِمُنِي *** وَ أَنْتَ تَعْلَمُ لَيْسَ الهَضْمُ مِنْ شِيَمِي؟

تَبَزُّنِي نِحْلَتِي مِنِّي يَدُ ابْنِ أَبِي *** قُحَافَةٍ حَيْثُ لَمْ يَبْصُرْ لَدَيَّ حَمِي

فَقَالَ فَاطِمَ صَبْراً نَهْنِهِي شَجَناً *** وَاطوِي الجَوَانِحَ وَ لْتَهْجَعْ عَلَى الكَظَمِ(5)

إِنَّ الكَفِيلَ لَمَأْمُونٌ وَ حَقُّكِ فِي *** حُلْمِ الكِتَابِ جَلِيٌّ غَيْرُ مُنْكَتِمِ

ص: 368


1- حنقاً: غيظاً.
2- ثم انثنت عن خطاب القوم راجعةً *** لبيتها تطأ الأذيالَ بالقَدَمِ
3- قادِمة: الريشات التي في مقدّم الجناح و هي كبار الريش. البازيّ: ضرب من الصقور. بُغاث الطير: بتثليث الباء طائر أصغر من الرخم بطيء الطيران الرَّخْم: طائر من فصيلة النسريات و رتبة الجوارح ريشه أبيض ممزوج بالسواد و الشقرة يتغذى باللحوم.
4- الطُلا: العُنق. الأجم: مأوى الأسد.
5- نهنهي: كُفي. الكظم: حبس الغيظ و الإمساك على ما في نفسه منه.

وَ إِرْثُكِ إِنْ أَضَاعَتْهُ العِدَى حَنَقاً *** فَلَمْ يَضِعُ لَكِ أَجْراً بَارِىءُ النَّسَمِ

لاتَسْتَطِيعُ العِدَى تَحْوِيلَنَا أَبَداً *** مَنَاقِباً رُسِمَتْ فِي اللَّوْحِ وَ القَلَمِ(1)

ص: 369


1- رياض المدح والرثاء ص502.

(20) أنخ الطلاح

(بحر الكامل)

الشيخ عبد الحسين الشكر

أنِخُ الطلاحَ ففي الطفوفُ مرامُها *** واعقِلُ فقد بانتْ لنا أعلامُها

أحِرمْ و طُفْ سبعاً فما في بكةٍ *** ما في الطفوفِ و إن ترفعَ هامُها(1)

واروِ بدمعكِ تربَها فكم ارتوی *** بدما نحوِر بني النبي رغامُها

شمختْ على السبعِ الشدادِ بأنجمٍ *** بزغتْ غداةَ ابن النبي إمامُها

حتى إذا الدنيا تنفسَ صبُحُها *** بالرشدِ عسعسَ بالضلالِ ظلامُها

طافتْ أميةُ بالطفوفِ يسوقُها *** لرحى المنيةِ حتفُها و حِمامُها

حسبتْ سفاهاً أن ستُصرَع هاشمٌ *** و يسود آسادُ العرينِ سوامُها

فتسنمتْ قبَّ البطونِ ضياغُمٌ *** لججَ الوغى غاباتْها و أجامُها

أسد كأن الهامَ عند هياجِها *** أقداحُ تبرٍ و الدماءُ مدامُها

و ترى اللهاذمَ تلتوي بأكفِهِم *** كأراقمٍ سدًّ الفضاءَ سمامُها

و البيضُ مهما أبرقتْ بسحائبٍ *** للنفعِ فوقَ البيضِ أمطرَ هامُها

حتى إذا شاءَ الإلهُ بأن يرَى *** شمسَ العالمِ نُكستْ أعلامُها

سالتْ على البيضِ الصِّفاح نِفوسُهُم *** و جرتْ بمحتومِ القضا أقلامُها

صُبغتْ بحمرِ الدم بيضُ وجوهِهِم *** فأسودَ من بيضِ الظُّبا أيامُها

ص: 370


1- بكة من أسماء مكة في القرآن من قولهم بك عنقه أي دقها و إنما سميت بذلك لدقها أعناق الجبابرة أو لازدحام الناس بها و الرغام التراب.

فهناك جَرَّدَ شبلُ حيدر صارماً *** ذابتْ لومضِ فِرِنِده أجسامُها

فأصمَّ أسماعَ العراقِ برنةٍ *** كادتْ بأصداها تسيخُ شآمها

سئمَ الحياةَ غداةَ أبصر صحبَهُ *** حَلُّوا الثرى و عليه هانَ مَقامُها

فهنا لكَ الباري تجلّى في ذرى *** طَورِ الجلالةِ داعياً علامُها

فانهارَ قطبُ الكائناتِ مكلماً *** يحكي الكليمَ فنُكِسَت أعلامُها

فترى الملائكَ معولين لفقِدِه *** و الأنبياءَ له تطأطأ هامُها

و يحقُ للرسُلِ الكرامِ عويلُها *** من بعدهِ فاليوَم ماتَ إمامُها

اليومَ ماتَ المصطفى و وصيَّه *** اليومَ صغرَ للبتولِ مقامُها

اليوم بالنيران أُضرِمَ بابُها *** فذكت بقارعة الطفوفِ خيامُها

اليومَ أُسقِطَ محسنُ فلذا ترى *** أطفالَها جرعُ السهامِ فطامُها

اليومَ رُضّت بالجدار فهُشِّمت *** بالطفِ من مهج النبيِّ عظامُها

اليوم قادُوا المرتضى بنجادِه *** و استأمنتْ بطشَ الحليمِ لئامُها

ص: 371

(21) زهرة الفردوس

(بحر السريع)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

تَبْكِيكِ عَيْنِي عَبْرَةٌ سَاجِمَهْ *** يَا زَهْرَةَ الفِرْدَوْسِ يَا فَاطِمَهْ(2)

***

سُبْحَانَ مَنْ سَوَّاكِ بَدْراً تَمَامْ *** يَهْدِي بِكِ اللَّهُ جَمِيعَ الأَنَامْ

أَنْوَارُكِ تَجْلُو دَيَاجِي الظَّلامْ *** أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةُ العَالِمَهْ(3)

***

بَيتُكِ فِي ظِلُّ أَبِيكِ الرَّسُولْ *** مَهْبَطُ وَحْيِ اللَّهِ عِنْدَ النُّزُولْ

أَنِيسُكِ القُرآنُ نُورُ العُقُولْ *** وَ أَنْتِ فِي تَرْتِيلِهِ هَائِمَهْ

***

ص: 372


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ساجمة: سَجَمَ الدمعُ: سالَ قليلاً أو كثيراً و انصبَّ فهو ساجم، و سَجَمَتِ العينُ الدمع أو السَّحابةُ الماءَ: أسالَتْهُ و صبَّته و عينُ سَجُوم: تسيل الدمع.
3- في الكافي، ج1 ص458 ح1. إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة. و في الرياض النضرة، ج2 ص202. إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام:«أوتيت زوجة صديقة مثل ابنتي علیها السلام».

زَهْرَاءُ فِي صِفَاتِكِ الزَّاهِرَهْ *** مُحْكَمَةٌ آيَاتُكِ البَاهِرَهْ(1)في كنز الفوائد ج2 ص610 ح7.

في حديث طويل قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...: «و فتق نور الحسين علیه السلام و خلق منه اللوح والقلم)... إلى أن قال: «فعند ذلك أظلمت المشارق و المغارب فضجَّت الملائكة و نادت: يا إلهنا و سيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلا ما حُرّمت عنا هذه الظلمة... فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها روحاً فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء علیها السلام فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق و المغارب فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام».(2)

فِيكِ مَعَانِي العِتْرَةِ الطَّاهِرَهْ *** ظَاهِرَةٌ نَاظِرَةٌ قَائِمَهْ

***

لَمَّا مَضَى وَالِدُكِ المُصْطَفَى *** نَادَيْتِ لِلدُّنْيَا عَلَيْكِ العَفَا

وَ الدَّهْرُ قَدْ جَارَ وَ مَا أَنْصَفَا *** مُذْغَصَبَتْكِ الرُّمْرَةُ الظَّالِمهْ

***

حِينَ اعْتَدَى عَلَيْكِ أَهْلُ العِنَادْ *** فِي ظُلْمِهِمْ لَمَا طَغَوْا فِي البِلادْ

إنْقَلَبُوا عَنْ شَرْع رَبِّ العِبَادْ *** مُذْ أَسْسُوهَا فِتْنَةٌ قَائِمَهْ

***

قَالَ احْرِقُوا دَارَ عَلِيٌّ وَ مَرٌ *** قَالُوا بِهَا الزَّهْرَاءُ مَهُ مَا الخَبَرْ؟(3)

قَالَ وَ إِنْ، فَأَحْرَقُوا فِي الأَثَرْ *** بَابَ الهُدَى وَالنِّعْمَةِ الدَّائِمَهْ

***

فِي هَمِّهَا كَالمُلْكِلِ الشَّاحِطِ *** جَاءَتْ وَبَيْنَ البَابِ وَ الحَائِط(4)

قَدْ عُصِرَتْ مِنْ ظَالِمٍ سَاخِطِ *** فِي دَفْعَةٍ حَاقِدَةٍ آثِمَهْ

ص: 373


1-
2-
3- تقدم ما في أنساب الأشراف ج1 ص586. إن أبابكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع فجاء عمر و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب. فقالت فاطمة علیها السلام: يا ابن الخطاب أتراك محرقاً عليٍّ علیه السلام بابي؟ قال: نعم و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك.
4- الشَّاحِط: تَشَحَّط بالدم: اضطرب فيه -تضرّج به، الشخط (مص) الاضطراب بالدم و نحوه.

قَدْ أَنْبَتُوا المِسْمَارَ فِي صَدْرِهَا *** وَ أَسْقَطُوا الْجَنِينَ فِي عَصْرِهَا(1)

فَضَجَّتِ الأَمْلَاكُ مِنْ صَبْرِهَا *** وَيْلٌ لِمَنْ كَانَتْ لَهُ خَاصِمَهْ

***

مَصَائِبٌ صُبَّتْ بِتِلْكَ المِحَنُ *** بَعْدَ أَبِيهَا مِثْلَ صَبُ المُزن(2)

مَا ذَاقَتِ الرَّاحَةَ أُمُّ الحَسَنْ *** حَتَّى مَضَتْ عَلَيْهِمُ نَاقِمَهْ

***

مَظْلُومَةٌ قَدْ كَسَرُوا قَلْبَهَا *** مَهْمُومَةٌ لَمَّا دَعتْ رَبَّهَا

مَكْسُورَةَ الضّلْعِ قَضَتْ نَحْبَها *** مَحْرُومَةً حَزِينَةً وَاجِمَهْ(3)

ص: 374


1- في دلائل الإمامة ص45. وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً علیه السلام.
2- المزن: السحاب أو دنو الماء منه المزنة القطعة من المزن المطرة.
3- واجمة وجم: عبس وجهه و أطرق لشدة الحزن فهو واجم و هي واجمة: جاء في مرآة العقول ج5 ص320 (... فلما أخرجوا الإمام علي علیه السلام حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها... و ألقت جنيناً من بطنها).

(22) أقبل خير الأنبياء

(بحر الرمل)

الأستاذ عدنان عبد القادر أبوالمكارم

صَلَوَاتُ اللَّهِ تَغْشَى كُلَّ حِين *** أَحْمَدَ الهَادي مَعَ الآلِ الكِرَامِ

كَلِمَاتِ اللَّهِ مَأْوَى الخَائِفِينَ *** وَ صَرَاطِ اللَّهِ فِي يَوْمِ القِيَامِ

أَلِفٌ: أَقْبَلَ خَيْرُ الأَنْبِيَاء *** مَثْل بَدْرِ التَّمِّ في أُفُقِ السَّمَاءْ

قَائِلاً يَا زَوْجَ خَيْرِ الأَوْصِيَاء *** يَا وُجُودِي قد عَرى جِسْمِي العَنَاءْ(1)

هَاتِ يَا عِصْمَةَ كُلِّ الفُقَرَاءْ *** لِأَبِيْكِ الطُّهْرِ ذَيَّاكَ الكِسَاءْ

إِيْهِ يَا بَضْعَة خَيْرِ الْمُرْسَلِيْن *** وَ شَفيع النَّاسِ في يَوْمِ القِيامْ

عَجْلِي نَحْوِي فَقَدْ زَادَ الأَنِيْن *** وَ احْتَوَتْنِي كُلَّ أَنْوَاعِ السَّقَامْ(2)

بَاءُ: بِنْتُ الصَّالِحَاتِ الزَّاكِيَات *** فَاطِمُ أُمَّ أَبِيْهَا وَ الهُدَاةْ

أقْبَلَتْ نَحْوَ سِرَاجِ الظُّلُمَاتِ *** بِالكِسا وَ العَيْنُ تَهْمِي العَبَرَاتْ(3)

هَاكَ خُذْ يَابْنَ الضُّحَى وَ الذَّارِيَات *** يَا شَفِيْعَ النَّاسِ مِنْ بَعْدِ المَمَاتْ

أَخَذَ المُخْتَارَ وَضَاحُ الجَبِيْن *** بُرْدَةَ مِنِّي بِبْشِرِ وَ ابْتِسَامْ

خَلْتُهُ البَدْرَ بِلَيْلٍ مُسْتَكِين *** لا وَ أَيْنَ البَدْرُ مِنْ خَيْرِ الأنامْ

تَاءُ: تَغْرِيدُ طُیُورِ الطَّرَبِ *** وَ انْبِلَاجُ الصُّبْحِ بَعْدَ الكُرَبِ

ص: 375


1- عرى: إكتسى.
2- السقام: الأمراض.
3- تهمي: تسيل.

وَ سُرُورُ الطُّفْلِ يَوْمَ السُّحُبِ *** بِنُزُولِ الغَيْثِ عِنْدَ اللَّعِبِ

وَ الْتِقَاءُ العَاشِقِ المُغْتَرِبِ *** بِفَتَاةِ الحُسْنِ بَعْدَ التَّعَبِ

لايُسَاوِي رُؤْيَةَ الهَادِي الأمين *** عَلَّةِ الإِيجَادِ وَ البَدْرِ التَّمَامْ(1)

عِصْمَةِ الخَائِفِ وَ المَوْلَى القمين *** بِثنَاءِ اللَّهِ وَ الرُّسلِ الكرَامْ(2)

ثَاءُ: ثَاوِ سَیِّدُ الْخَلْقِ وَ قَدْ *** فَرَحَ القَلْبُ وَ رَبِّي وَ اتَّثَدْ(3)

مُذْ تَقَضَّتْ سَاعَةٌ مِنْ ذَا الْأَمَدْ *** طَرَقَ البَابَ سُرُورِي وَ السَّنَدْ

نُسْخَةُ المُخْتَارِ خُلْقاً وَ جَسَدْ *** مَنْ لِدِينِ اللَّهِ قَدْ كَانَ عَمَدْ

حَسَنٌ زِيْنَةُ كُلِّ العَارِفِيْن *** خَيْرُ مَنْ لَبَّى وَ صَلَّى ثُمَّ صَامْ

دَخَلَ الدَّارَ بِبِشْرٍ وَ حَنِين *** قَائِلاً: أَمَّاهُ أَهْلاً وَ سَلَامْ

جيْمُ: جَالَ السِّبْطُ حَوْلِي ثُمَّ قَالْ *** وَيْكِ يَا أُمَّاهُ هَلْ لِيْ بِسُؤالْ

قُلْتُ سَلْ مَا تَشْتَهِيْ سَرَّ الجَمَالْ *** وَ لَكَ الحِكْمَةُ مِنْيْ فِي المَقَالْ

يَا سَخِيَّ النَّفْسِ يَا رَبَّ الكَمَال *** يَالِسَانَ اللَّهِ إِنْ حَلَّ الضَّلالْ

قَالَ يَا سِتَّ نِسَاءِ العَالَمِيْن *** أَيُّ شَخْصٍ حَلَّ فِي هَذَا المَقَامْ

رِيْحُهُ أَزْكَى مِنَ المِسْكِ الثَّمِين *** وَ بظَنِّي أَنَّهُ خَيْرُ الأنامْ

حَاءُ: حَقَّاً، قُلْتَ صِدْقاً، وَ أَبِيْ *** إِنَّه الهَادِي الرَّسُولُ العَرَبِيْ

فِتْنَةَ الدُّنْيَا سَنَاءُ الغَيْهَبِ *** مَنْ حَوَى فِي المَجْدِ أَعْلَى الرُّتَبِ(4)

تَحْتَ ذَيَّاكَ الكِسَاءِ الطَّيِّبِ *** نَحْوَهُ عَجِّلْ أَيَا ابْنَ النُّجُبِ

وَلَدِي عَجِّلْ إِلَيْهِ مُسْتَعِين *** بِالسَّمِيعِ الخَالِقِ البَرِّ السَّلَامْ

قُلْ لَهُ يَا جَدُّ يَابْنَ الأَكْرَمِين *** غَطَّنِي إِيَّاكَ وَ اقْرَأَهُ السَّلَامْ

ص: 376


1- عِلَّة: أصل.
2- قمين: خليق و جدير.
3- ثاوِ: باق.
4- الغيهب: الظلمة.

خَاءُ: خَفَّ السِّبْطُ ذُو الوَجهِ الأَغَرُ *** نَحْوَطَه المُصْطَفَى خَيْرِ البَشَرْ

مثْلَ نجْمٍ قَدْ أَضَاثُمَّ اسْتَقَرْ *** يَسْتَمِدُّ النَّوْرَ مِنْ نُوْرِ القَمَرْ

جَدُّيَا مُخْتَارُ هَلْ مِنْ مُسْتَقَرْ *** كَيْ أَنَالَ الخَيْرَ جَدِّي وَ الظُّفَرْ

جَدُّيَا قِبْلَةَ كُلِّ العَاشِقِينْ *** وَ مَلَاذِي حِيْنَ يَهْوَانِي السّقَامْ

أَبْقِنِيْ إِيَّاكَ قَدْ زَادَ الحَنِينْ *** وَ دُمُوعِيْ مِنْ وُلُوعِيْ في انْسِجَامْ

دَالُ: دَعْنِيْ جَدُّ إِيَّاكَ أَصِيرْ *** قَالَ: أَهْلاً بِكَ يَا عَيْنَ البَصِيْر

أنْتَ لِلدِّين وَ لِلْعَدْلِ نَصِيْرْ *** وَ بِغُرْبِي يَا حَبِيْبِي لَجَدِيْر

لَكَ عِنْدَ المُحْسِنِ البَرِّ القَدِيرْ *** مَقْعَدُ الصِّدْقِ أيَا بَدْرِي المُنير

حَسَنُ أَنْتَ الهُدَى لِلْمُؤْمِنِينْ *** وَ مَنَارٌ وَ مَلَاذُ وَ إِمَامْ

بكَ يُمْسِي النَّاسُ طراً آمِنِينْ *** وَ يَعِيشُونَ بِحُبِّ وَ الْتِزَامْ(1)

ذَالُ: ذَا شَمْسُ الشَّمُوسِ السَّاطِعَةْ *** رَحْمَةُ اللَّهِ، الجليل الواسِعَةْ

فَلْذَتِي رُوْحِي وَ عَيْنِي الدَّامِعَةْ *** مَفْزَعُ الأُمَّةِ يَوْمَ الوَاقِعَةْ

حُجَّةُ اللَّهِ القَوِيِّ اللامِعَةْ *** الْحُسَيْنُ السَّبْطُ شَمْسِي الطالِعَةْ

طَرَقَ البَّابَ أَتَى نَحْوِي بِهونْ *** قَبَّلَ الكَفْ وَ نَادَانِي السَّلَامْ(2)

أُمُّ يَا كَوْثَرُ يَا صَادٌ وَ نُوْنْ *** رِيْحُ مَنْ فِي الدَّارِ تَشْفِي كَالرِّهَامْ(3)

رَاءُ: رَبُّ الحُسْنِ، طَه، المُصْطَفَى *** سَيِّدُ البَطْحَا، وَ مِصْبَاحُ الصَّفَا

حَلٌّ تَحْتَ البُرْدِ يَا رَمْزَ الوَفَا *** فَازْدَهَى المَنْزِلُ وَ الحُزْنُ انْتَفَى(4)

رُحْ لَهُ فَوْراً وَ حَاشَاكَ الجَفَا *** خَيْرَ مَنْ سَارَ بِنَعْلِ وَ احْتَفَى

رَاحَ عَيْنُ اللَّهِ يَمْشِي فِي سُكُونْ *** خُلْتُهُ قَلبي مَشَى فَوْقَ الرَّغَامْ(5)

ص: 377


1- طراً: جميعاً.
2- بهون: (الهون) السكينة و الوقار.
3- الرهام: المرهم الذي يشفي الجراح.
4- إزدهى: إزدان بالفرح و إبتهج.
5- الرّغام: التراب.

بِإِزَاءِ البُرْدِ مَاذَا سَيَكُون *** وَ بِمَاذَا سَيُجَابُ ابْنُ الهُمَامْ

زَاءُ: زَيْنُ الأَوْلِيَا وَ الحُجَجِ *** مَنْ فَدَى دِينَ الهُدَى بِالمُهجِ

وَ حَمَاهُ مِنْ بُغَاةِ الهَرَجِ *** وَ سَمَا بَدْرَ الدُّجَى بِالوَهَجِ

هُوَ مِفْتَاحُ السَّمَا وَ الفَرَج *** مَا عَلَى عُشاقِهِ مِنْ حَرَجِ

خاطَبَ المُخْتَارَ يَابْنَ الطَّيِّبِينْ *** وَ لِمَنْ لِلْأَنْبِيَا كُنْتَ الخِتَامْ

هَلْ لِمَنْ يَهْوَاكَ أنْ يُمْسِي قَرِيْنْ *** بَعْدَ أَنْ طَافَ بِمَغْنَاكَ وَ حَامْ؟(1)

سيْنُ: سُمُّ نَاقِعٌ يُقْضِي عِدَاكْ *** صِرْ إِلَيْنَا تَرِبَتْ رُوحِي يَدَاكْ

أَنْتَ كَفُّ الجُودِ كَالبَحْرِ نَدَاكْ *** وَ جَمِيعُ الأَوْلِيَا تَحْتَ رِدَاكْ

مِنْ نِدَاءِ الذِّكْرِ قَدْ كَانَ نِدَاكْ *** وَ نِدَا مَنْ بَعْدُكُمْ رَجْعُ صَدَاكْ

فَازَ مَنْ وَالاكَ رَمْزَ الثَّائِرِينْ *** وَغَدَا لِلنَّاسِ نُوراً في الظَّلَامْ

كَنَجُوم الأفقُ تُفْنِيّها السِّنُونْ *** وَ ضِيَاهَا سَاطِعْ يَهْدِي الْأَنَامْ(2)

شِيْنُ: شَرْقِي هَاجَ مُذْجَا حَيْدَرُ *** ذَلِكَ اللَّيْتُ الهزبْرُ القَسْوَرُ(3)

حُجَّةُ اللَّهِ وَ بَدْرِي الأَنْوَرُ *** نَاصِرُ الرُّسُلِ الإِمَامُ الأَكْبَرُ

طَرَقَ البَابَ وَ عَيْنِي تَنْظُرُ *** ثُمَّ نَادَى فَاطِمٌ يَا كُوْثَرُ

هَلْ لَنَا أَنْ نَدْخُلَ الحِصْنَ الحَصِين؟ *** حِصْنَ بَدْرٍ لَيْسَ يُخْفِيهِ الغَمَامُ

قُلْتُ أَهْلاً بِكَ يَا لَيْتَ العَرِيْنِ *** وَ الَّذِي تَخْدِمُهُ الرُّسُلُ الكِرَامْ

صَادُ: صَاحَ المرتَضَى كَنْزُ الرَّشَادِ *** حُجَّةُ المَوْلَى عَلَى كُلِّ العِبَادْ

فَاطِمُ الزَّهْرَاءُ يَا نُورَ البلاد *** وَ عِمَادَ الأَرْضِ وَ السَّبْع الشدادْ

مُهْجَةَ المُخْتَارِ، نِبْرَاسَ السَّدَادِ *** مَنْ بِدَارِيْ رِيْحُهُ رِيْحُ الجِهَاد(4)

ص: 378


1- قرین: صاحب.
2- ساطع: مرتفع متوهّج.
3- الهزبر: الأسد القوي. القسور: الأسد.
4- نبراس: ضياء. السداد: الصواب و القصد من القول و العمل.

وَالَّذِي أَبْدَعَ صُنْعَ القَمَرَيْن *** وَ اصْطَفَانِي لَكِ يَا بِنْتَ العِظَامْ

إِنَّهَا رِبْحُ إمَامِ المُرْسَلِين *** وَ مَلَاذُ النَّاسِ في يَوْمِ القِيامْ

ضَادُ: ضَاقَ الكَوْنُ أَنْ يَسْتَوْعِبَا *** فِكْرِكَ السَّامِي فَهَيَّا لِلْعَبَا

حَيْثُ قَرَّ المُصْطَفَى سِرُّ الإِبَا *** وَ حُسَيْنُ وَ الزَّكِيُّ المُجْتَبى

رَاحَ دَاحِي البَابِ مُرْدِي مَرْحَبًا *** قَالَ يَا خَيْرَ الوَرَى أُمَّاً أَبَا(1)

إِنَّنِي أَوَّلُ كُلِّ العَابِدِينْ *** وَ الَّذِي إِيَّاكَ صَلَّى ثُمَّ قَامْ

بِحُسَامِي دَانَ جُلُّ الكَافِرِينْ *** وَالَّذِي يَكْرَهُنِي نَسلَّ حَرَامْ

طَاءُ: طَرْفُ العَيْنِ عَنْ رَبِّي الكَرِيمْ *** قُطْ مَا حَادَ إِلَى الرِّجْسِ الرَّحِيمْ(2)

جئتُ لِلدُّنْيَا مِنَ الشِّرْكِ سَلِيمْ *** وَ عَلَى الكُرْسِيِّ خَطَّ اسْمِي العَظِيمْ

فَأَنَا الْقُرْآنُ وَ الذِّكْرُ الحَكِيمْ *** وَ أَنَا القِسْطَاسُ -طه- المُسْتَقِيمْ(3)

كُنتُ مِنْ صُغْرِي لَكُمْ طَهَ قَرِينْ *** كُمْ كَشَفْتُ الْكُذْبَ عَنْكُمْ بِالحُسَامْ

جِئتَكَ الآن نجاةَ المُؤْمِنِينْ *** لِأَنَالَ القُرْبَ يَا رِيحَ البَشَامْ

ظَاءُ: ظَنُّ المُرْتَضَى فِيْنَا جَمِيلْ *** وَ هُوَ لِلْحَشْرِ لَنَا نِعْمَ الجَلِيلْ(4)

كُلُّ مَا قَالَ مِنَ النَّعْتِ قَلِيلْ *** لَايُوَفِّي نَعْتَهُ إِلا الجَلِيلْ

جِئْتَ تَسْتَأْذِنُ خُذْ مِنَّا القَبُول *** وَ لَنَا الفَخْرُ أَيَا زَوْجَ البَتُولْ

بِكَ عَزَّ اللَّهُ كُلَّ المُسْلِمِينْ *** وَ تآخَوا فِي وِ دَادٍ وَ وِئَامْ

حُزتَ كَأْسَ السَّبْقِ يا نِعْمَ الخَدِيْنِ *** يَا صِرَاطَ اللَّهِ يَا رَبَّ الكَلَامْ(5)

عَيْنُ: عَمَّ الخَيْرُ وَازْدَادَ السُّرُورْ *** وَ رَنَتْ فَاطِمَةٌ نَحْوَ الغَيُورْ

ص: 379


1- مُردي: مُهلك مميت.
2- حادَ: مالَ و عدل. الرّجس: القَذَر.
3- القسطاس: الميزان.
4- النعت: الوصف.
5- الخدين: الصديق.

أَشْبَهَتْ فِي مَشْيِهَا طَهَ البَشِيرْ *** وَ بِنُطقِ حَيْدَرَ البَرَّ الأَمِيرْ

خَجَلَا مِنْ حُسْنِهَا تَخْفِي البُدُورْ *** وَ حَيَاءً تَنْحَنِي حَتَّى الزُّهُورْ

لَوْ رَأَتْهَا الشَّمْسُ أَحْنَتْ لِلْجَبِينْ *** وَ تَوَارَتْ بَيْنَ أَحْضَانِ الغمامْ(1)

إِذْ ضِيَاهَا مِنْ ضِيَا الزَّهْرَاءِ دَيْنِ *** وَ عَلَى المَدْيُونِ مِنْ خَوْفٍ لِئَامْ(2)

غَيْنُ: غَوْثِي وَ مَلَاذِي وَ السَّنَادْ *** يَا زَعِيْمَ المَجْدِ يَا عَالِي العِمَادْ(3)

يا رسولَ اللَّه يا خيرَ العِبَادْ *** يَا هُدَى الحَيْرَانِ في يَوْمِ التَّنَادْ

يَا سَيدَ اللَّهِ عَلَى كُلَّ البِلادْ *** جِئْتُ هَلْ تَقْبَلُنِي يَا خَيْرَ هَادْ

إِنَّني الزَّهْرَاءُ بِنْتُ الطَّيِّبِينْ *** مَنْ لَهَا عِنْدَكَ كُلَّ الإِحْتِرَامْ

أَتُرَى أَرجِعُ وَ القَلْبُ حَزِينْ *** أُرْسِلُ الدَّمْعَ وَ نَوْحِي كَالحَمامْ

فَاءُ: فَاضَتْ عَيْنُ خَيْرِ الأَنْبِيَاءْ *** وَ دَعَا أَهْلاً بِكِ تَحْتَ الكِسَاءْ

فُقَتِ ظهراً، شَرَفاً، كُلَّ النِّسَاءْ *** وَ تَغَنَّتْ بِاسْمِكِ رُسُلُ السَّمَاءْ

لَكِ أَشْيَاعٌ لَهُمْ مِنِّي الثَّنَاءْ *** وَ جِنَانُ الخُلدِ في يَوْمِ الجَزَاءْ

أَنْتِ رُوْحِي وَ فُؤَادِي وَ الوَتينْ *** وَ اسْمُكِ في العَرْشِ جَنْبَ اسْمِي اسْتَقَامْ(4)

أنا مِنْكِ أنتِ مِنّي كَلُجَيْنْ *** صِبْغَ فِي كَأْسٍ شَفِيفٍ بِنِظَامْ(5)

قَافُ: قَالَ الظطّهْرُ مَوْلَانَا الشَّفِيعْ *** إِيْهِ يَا مَنْ أَنْشَأَ الكَوْنَ البَدِيعْ

وَ دَحَا الأَرْضَ عَلَى مَاءٍ صَقِيعْ *** وَالسَّمَا كَوَّنَ وَ الأُفْقَ الرَّفِيعْ(6)

هَا هُمُ أَهْلِي بِجَنْبِي كَالشُّمُوعْ *** أَنَا مِنْهُمْ وَ هُمُ مِنِّي جَمِيعْ

يا إِلهِي يَا مُنَجِّي الصَّادِقِينْ *** أَذْهِبِ الرِّجْسَ عَنِ الآلِ الكِرامْ

ص: 380


1- توارت: إختفت خجلاً.
2- لئام: (اللئام) ما كان على الفم من نقاب.
3- غوثي: مُعيني و مساعدي.
4- الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.
5- اللُجين: الفضة.
6- دحا: (دحا الشيء) البَسَطة.

ثُمَّ طَهَّرْهُمْ إِلهِي أَجْمَعِينْ *** وَقِنَا رَبَّاهُ مِنْ كُلِّ اجْتِرَامْ

كَافُ:كَمْ لِلْمُصْطَفَى زاكي الجُدُودْ *** مِنْ مَقَام عِنْدَ مَوْلَاهُ الوَدُودْ(1)

لَمْ يَنَلْهُ آدَمُ نُوْحٌ وَ هُودْ *** لَا وَمَنْ أَهْلَكَ عَادَاً وَ ثَمُودُ

مُذْ دَعَا دَعْوَتَه أَمَّ الوُجُودْ *** وَ جَمِيعُ الرُّسُلِ أَمَّتْ وَ الجُنُودْ

لَوْ تَرَى الأَمْلَاكَ صَفُوا خَاشِعِينْ *** فِي رُكُوعِ وَ سُجُودِ في غَرَامْ

مَنْظَرٌ يُلْهِمُ كُلَّ المُغْرَمِينْ *** بِفُنُونِ الرَّسْمِ في أَحْلَى انْسِجَامْ

لَامُ: لَاأَرْضُ عَلَى الْمَادُحِيَتْ *** وَ الرَّوَاسِي فَوْقَهَا قَدْ أُرْسِيَتْ

لأسَمَاءَ بُنِيَتْ أَوْزُيِّنَتْ *** بِنُجُومِ لَا وَ فُلْكَ أُسْرِيَتْ(2)

لابِحَارُ زَاخِرَاتٌ أُجْرِيَتْ *** لَانُفُوسٌ خُلِقَتْ أَوْ زُوجَتْ

كُلَّ مَا كَانَ وَ مَا سَوْفَ يَكُون *** لَمْ يَكُنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ خَيْرُ الأنامْ

مَنْ زَكَوا شِيْباً شَبَاباً وَ جَنِينْ *** وَ هُمُ الْخَمْسَةُ أَنْوَارُ الظَّلامْ

مِيْمُ: مُذْ قَالَ بِذَا اللهُ الْوَلِيْ *** جَاءَهُ جِبْرِيلُ ذُو الْوَجْهِ البَهِيْ

قَالَ مَنْ هُمْ سَمِّهِمْ يَا رَبُّ لِي *** قَالَ هُمْ فَاطِمُ وَ الهَادِي النَّبِيْ

وَ عَلِيُّ الطّهْرِ وَ السَّبْطُ الزَّكِي *** وَ حُسَيْنُ المَجْدِ ذُو النُّور السَّنِيْ

هَا هُمُ تَحْتَ الكِسا مُجْتَمِعِينْ *** فَازَ مَنْ حَلَّ بِمَعْنَاهُم وَ حَامْ(3)

قَالَ هَلْ أَنْزِلُ رَبِّي كَيْ يَكُونْ *** عَدَهُ الأشباح زَوْجاً وَ تَمامْ

نُونُ: نَالَ الخَيْرَ لَمَّا أَذِنَا *** رَبُّهُ فَاسْتَاقَ لِلْهَادِي المُنى

قَالَ يَا مَنْ قَابَ قَوْسَيْنِ دَنَا *** مِنْ إِلَه العَرْشِ جِبْرِيلُ أنا

جِئْتُ مَسْرُوراً لَكُمْ بَدْرَ الدُّنَا *** هَلْ تُرَى تَقبَلُني ضَيْفاً هُنا

قَالَ طه حُجَّةُ اللَّهِ المَتِيْن *** أَنْتَ مِنَّا لَكَ مِنَّا الاحْتِرَام

ص: 381


1- زاكي: مطهّر.
2- الرواسي: الجبال.
3- حامَ: دارَ من الدوران.

دَخَلَ الطَّيِّبُ دَارَ الطَّيِّبِينْ *** وَ جَرَى بَيْنَهُمُ أَحْلَى الكَلَامْ

هَاءُ: هَلْ لِلدَّهْرِ أُذُنٌ كَيْ تَعِي *** قَوْلَ جِبْرِيلِ لَطَة الأَلْمَعِي؟

قَالَ هَلْ أُذنُكَ يَا طَه مَعِي؟ *** قَالَ قُلْ جِبْرِيلُ شَنِّفْ مَسْمَعِي(1)

فَلَقَدْ نَادَتْكَ قَبْلِي أَدْمُعِي *** هَاتِ عَجِّلْ قَوْلَ رَبِّي المُبْدِع

قَالَ أَبْشِرْ يَا جَمَالَ العَارِفِينْ *** رَبُّكَ القَادِرُ يَحْبُوكَ السَّلَامْ

بَشِّرِ الآلَ الكِرَامَ الأَنْجَبِينْ *** بِذَهَابِ الرِّجْسَ عَنْهُمْ وَ الْعِظَامْ

وَاوُ: وَدَّ المُصْطَفَى شَوْقاً يَطِيرْ *** فَدَعَاهُ المُرْتَضَى وَ هُوَ الخَبِيرْ

مَا لِمَنْ يَقْرَأُ هَذَا مُسْتَجِيْر *** بَيْنَ أَشْيَاعِ لَنَا عِنْدَ القَدِيرْ

قَالَ يَنْسَى الحُزْنَ وَالهَمَّ الكَبِيرْ *** وَ يُلاقي السَّعْدَ وَ الخَيْرَ الكَثِيْر

تَنْزِلُ الأَمْلَاكُ لِلْحَفْل تَزينْ *** تَسْأَلُ اللهَ لَهُمْ حُسْنَ الخِتَامْ

وَ يَعُودُونَ بِخَيْرِ رَابِحِيْن *** بِقُلُوبِ مِلْؤُهَا نُوْرٌ وِئَامْ(2)

یَاءُ: يَا عِتْرَةَ خَيْرِ الأَنْبِيَاءِ *** لَكُمُ مِنَّا مَدَى العُمْرِ الوَلَاءْ

ضُعَفَاءٌ نَحْنُ، أَنْتُم كُرَمَاءْ *** وَ مَنَى رَدَّ الكِرَامُ الضُّعَفَاءْ

فِي هَوَاكُمْ كَمْ تَحَمَّلْنَا العَنَاءْ *** وَ جَرَتْ مِنَّا عَلَى الْأَرْض الدَّمَاءْ

شَتَمُونَا شَرَّدُوْنَا كَيْ نَلِينْ *** وَ نُحَيْلَ القَلبَ عَنْكُمْ لِلْئَام

فَصَمَدْنَا وَ ثَبَتْنَا مُوْقِنِيْن *** وَ شَربْنَا فِي الهَوَى كَأْسَ الحمَام(3)

ص: 382


1- شنف: (الشنف) القرط الأعلى. و هنا بمعنى أسمعني.
2- وئام: الوفاق.
3- موقنين: من اليقين و هو الإيمان بأحقية أهل بيت النبوة صلي الله علیه و اله و سلم. الحمام: الموت.

(23) لبوة المرتضى و أم الكرام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد المجيد أبو المكارم(*)(1)

هَاجَ قَلْبِي بِلَوْعَةٍ وَ أَوامِ *** فَغَدا الجِسْمُ فِي أَسَى وَ ضِرَامِ(2)

حَيْثُ أَصْبَحْتُ لِلْبَلَايَا مَحَلاً *** مُذْ دَهَتْنِي كَوَارِثُ الأَيَّامِ

شَغَلَتْنِي مَصَائِبٌ وَ هُمُومٌ *** تَرَكَتْنِي بِفِعْلِها فِي كَلامِ

وَغَدَتْ شُعْلَةٌ بأَرْكَانِ قَلْبِي *** حِينَ أَوْرَتْ لِنَارِهَا فِي عِظَامِ

وَ أَهَاجَتْ لِنَارِهَا فِي فُؤَادِي *** فَانْبَرَى الجِسْمُ عَنْ لَذِيذ المَنَامَ

وَ لَقَدْ صَارَ كَرْبُهَا كُلَّ وَقْتٍ *** حُرْقَةٌ مُسْتَمِرَّةً بِاحْتِدَامِ(3)

حِينَمَا كُنْتُ إِثْرَ ذَاكَ حَزِيناً *** مُسْتَفزِّاً مِنْ لَوْعَةٍ وَ أُوَامِ

إِذْ أَتَانِي حَدِيثُ كُرْبَةِ طَهَ *** أَحْمَدَ المُصْطَفَى عَلِىَّ المَقَامِ

فَغَدَتْ سَلْوَتِي وَ هَلْ أَتَسَلَّى *** بِسِوَاهَا وَ مُهْجَتِي فِي اضْطِرَامِ؟

شمتُ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مُصاباً *** جَاءَ فِي الكَوْنِ مُبْدِيَاً لِلظَّلاَمِ

كَمُصَابِ الرَّسُولِ إِذْ عَمَّ كُلاً *** بِجَلابِيبِ ظُلمَةٍ و ازدحامِ

إِنَّهُ أَحْمَدٌ وَ خَيْرُ البَرَايَا *** سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَ سِرُّ الخِتَامِ

ص: 383


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- هاج: ثار و تحرّك و انبعث أوام: عطش.
3- احتدام: اشتعال الرجل غيظاً.

و منها:

فَاسْتَشَاطَ الظَّلامُ مِنْ بَعْدِ طَهَ *** حَالِكاً مِنْ بَوَادِرِ الآثَامِ(1)

وَ غَدَوا يَهْرَعُونَ نَحْوَعَلِيَّ *** مُنقِضِينَ لِعَهْدِهِ وَ الذِّمَامِ

وَ جَرَىٰ مَاجَرَىٰ عَلَىٰ بِنْتِ طَهِ *** لَبْوَةِ المُرْتَضَى وَ أُمِّ الكِرَامِ

أَحْرَقُوا بَابَهَا عَلَيْهَا بِجَزْلٍ *** غَصَبُوهَا في إريها بِاهْتِضَامِ(2)قال الفضل بن روزبهان، ص47 لو كان هذا أمراً واقعاً، أي إحراق عمر بيت فاطمة علیها السلام لكان أقبح وأشنع من قتل عثمان و قتل الحسين علیه السلام ولكن ينبغي أن يكون منقولاً في جميع الأخبار لتوفر الغرائم و الرغبات...(3)

ص: 384


1- استشاط: التهب غيظاً. حالكاً: الحلكة: شدة السواد.
2- في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب علم اليقين في أصول الدين ص686-688 في حديث طويل: ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فوافوا بابه مغلقاً، فصاحوا به اخرج يا علي علیه السلام، فإن خليفة رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم يدعوك، فلم يفتح لهم الباب، فأتوا بحطب فوضعوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه، فصاح عمر و قال: واللّه لئن لم تفتحوا لنضر منه بالنار... و في كتاب/ دلائل الصدق/ للشيخ المظفر/ ج3 ص53 ضمن ردَّه على الفضل بن روزبهان... قال: ... و من عرف سيرة عمر و غلظته مع رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم قولاً و فعلاً لايستبعد منه وقوع الإحراق فضلاً عن مقدماته... و أما ما ذكره -أي الفضل بن روزبهان- في الوجه السادس فلو فرض وقوع الاحتراق
3- لم يستغرب ترك مؤرخي السنة لذكره إذ من المعلوم محافظتهم على شأن الشيخين بل و شؤون أنفسهم فإن رواية ما يشعر بالطعن بهما فضلاً عن مثل هذا العمل الوحشي مما يوجب و هن الرجل و كتابه بأنظار قومه و هو ذو الفضيلة عندهم لمجروس أنه روى قصد الإحراق وكما فعل الشهرستاني بالنظام و هو من أكابر معتزلة السنة إذ نسبه إلى الميل إلى الرفض لتلك الرواية التي سمعتها. و لو قال القائل: إنهم أحرقوا الباب لم يبعد عن الصواب لأن كثير الاطلاع منهم الذي يريد رواية جميع الوقائع لم يسعه أن يهمل هذه الواقعة بالكلية فيروي بعض مقدماتها لئلا يخل بها من جميع الوجوه و ليحصل منه تهوين القضية كما فعلوا في قصة بيعة الغدير و غيرها... و بالجملة يكفي في ثبوت قصد الإحراق رواية جملة من علمائهم له بل رواية الواحد منه لاسيما مع تواتره عند الشيعة و لايحتاج إلى رواية البخاري و مسلم و أمثالهما ممن أجهده العداء لآل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و الولاء لأعدائهم ورام التزلف إلى ملوكهم و أمرائهم و حسن السمعة عند عوامهم... أقول: و قد تقدم في هوامش عديدة من الديوان ذكر ما ورد من أحداث في إحراق الدار والضرب وغيرهما عن مصادر عديدة للعامة.

مَنَعُوهَا مِنَ البُكَاءِ عِناداً *** نَهَبُوا حقها بِغَيْرِ انْتِظَامِ

فَقَسوْا عَيْنَهَا بِلَطْمَةِ كَفِّ *** وَ شَحُوا مَتْنَهَا ضُرُوبَ الكَلامَ

كَسَرُوا ضِلْعَهَا بِضَرْبٍ عَنِيفٍ *** أَسْقَطُوا حَمْلَهَا بِعَصْرِ اللَّئَامِ(1)

ثُمَّ قَادُو لِحَيْدَرٍ بِحِبَالٍ *** وَ هُوَ إِذْ ذَاكَ عُرْوَةُ الاعْتِصَامِ

أَوْقَفُوهُ وَ هَلْ كَمِثْلِ عَلِيٍّ *** تُوقَفُ الضَّأْنُ مِثْلَ أُسْدٍ هُيامِ؟(2)

خَرَجَتْ فَاطِمَ تُدَافِعُ عَنْهُ *** فَغَدَوْا فِي دِفَاعِهَا بِانْتِقَامِ

فَاتَّخِذْ سَيْدِي خَرِيدَةَ شِعْرٍ *** مِنْ فَقِير إِلَى إِلَهِ الآن الأَنَامِ

هُوَ عَبْدُالمَجِيدِ يَرْجُوكَ كَأْساً *** يَوْمَ يَأْتِي لِحَوْضِكُمْ فِي القِيَامِ

وَ عَلَيْكُمْ صَلَّى إِلهِي جَمِيعاً *** مَا غَدًا النُّورُ جَالِياً لِلظَّلامِ (3)

ص: 385


1- إشارة إلى ما روي في كتاب ملتقى البحرين ص81: أخذت فاطمة علیها السلام باب الدار و لزمتها عن ورائها فمنعتهم عن الدخول ضرب عمر برجله على الباب فقلعت فوقعت على بطنها «سلام الله عليها» فسقط جنينها المحسن.
2- هُيام: مصابة بداء الهُيام و هو داء يصيب الإبل من شدّة العطش.
3- عن المراثي الإسلامية في رثاء العترة النبوية ص27 و القصيدة تربوا على(69) بيتاً أخذنا منها ما نحن بصدده.

(24) ابنة المختار

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

أَتَرْغَبُونَ بِدَارٍ كُلُّهُا نِقَمُ *** وَ الأَمْرُ تَمْلِكُهُ مِنْ أَهْلِهَا الخَدَمُ؟

فَإِنَّ كُلَّ امْرِىءٍ فِيهَا عَلَى خَطَرٍ *** حَتَّى يُوَافِيهِ مِنْ آفَاتِهَا العَدَمُ

دَارٌ عَلَى حُجَجِ البَارِي قَدِ اشْتَمَلَتْ *** أَخْطَارُهَا وَعَلَيْهِمْ جَاشَتِ الغُمَمُ(2)

وَهُمْ بِهَا مَصْدَرٌ لِلْفَيْضِ مُتَّسِعٌ *** تَجْرِي عَلَى الخَلْقِ مِنْ يُنْبُوعِهِ النِّعَمُ

وَكَانَ سِرُّ فُؤَادِ الغَيْبِ عِنْدَهُمُ *** مُحَجَّباً وَإِلَيْهِمْ يَصْعَدُ الكَلِمُ

لأَنَّ مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ أَنْفُسُهُمْ *** مَخْلُوقَةٌ، وَجَرَتْ مِنْهُ بِهَا الحِكَمُ

أَنْوَارُ قُدْسٍ بِعَرْشِ اللَّهِ مُحْدَقَةٌ *** مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخْلَقَ الدُّنْيَا وَلاَ الأُمَمُ

لَوْلاَهُمُ مَا بَدَتْ شَمْسٌ وَلاَ قَمَرٌ *** وَلاَ نَهَارٌ وَلاَ نُورٌ وَلا ظُلَمُ

مُطَهَّرُونَ هُدَاةٌ لاَ يَمَسُّهُمُ *** رِجْسٌ وَلاَ بِهِمُ رَيْنٌ وَلاَ لَمَمُ(3)

فَهُمْ بَنُو المُصْطَفَى الهَادِي الَّذِينَ بِهِمْ *** فِي اللَّوْحَ مِنْ حِكْمَةِ البَارِي جَرَى القَلَمُ

أَبُوهُمُ نُقْطَةُ الأَدْوَارِ حَيْدَرَةٌ *** وَأَحْمَدُ المُصْطَفَى المُخْتَارُ جَدُّهُمُ

وَدُرَّةُ الصَّدَفِ القُدْسِيَّ فَاطِمَةٌ *** مِشْكَاةُ مِصْبَاحِ نُورِ اللَّهِ أُمُّهُمُ(4)

ص: 386


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جاشت: هاجت واضطربت.
3- رَيْن: طَبْع وَدَنَس.
4- جاء في«كشف الغمة» ج 2 ص 90 ط/دار الكتاب الإسلامي بيروت. «عن أبي جعفر علیه السلام أنه سئل لمَ سمِّيت الزهراء؟ قال: لأن اللّه «تعالى» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة اللّه ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى اللّه إليهم: هذا نور من أسكنته في سمائي وخلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جمیع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري ويهدون إلى حقي وأجعلهم في أرضي بعد انقضاء وحیی.»

حُورِيَّةٌ اسْمُهَا الزَّهْرَاءُ فَاطِمَةٌ *** مُحِبُّهَا عَنْ لَهِيبِ النَّارِ مُنْفَطِمُ(1)

هِيَ الَّتِي وَشَّحُوا بِالسَّوْطِ أَضْلُعَهَا *** لَمّا عَلَيْهَا الأُلَى فِي دَارِهَا هَجَمُوا(2)

وَأَزْعَجُوهَا بِبَيْتٍ مِنْ نَبَالَتِهِ *** لَهُ مَلَائِكَةُ السَّبْعِ العُلاَ خَدَمُ(3)

وَأحْرَقُوا مَنْزِلَ التَّنْزِيلِ مَنْزِلَهَا *** وَكَانَ فِيهِ الوَصِيُّ المُرْتَضَى العَلَمُ(4)

باللَّهِ أُقْسِمُ لَوْلاَ الحِلْمُ كَفْكَفَهُ *** لَمَّا عَلَى مَنْزِلِ الزَّهْرَا قَدِ اقْتَحَمُوا(5)

وَلاَ اسْتَطَاعَ يَرَى الزَّهْرَا مُقَنَّعةٌ *** بِسَوْطِ نَاكِثِ عَهْدٍ مَا لَهُ ذِمَمُ

فَإِنَّ ناراً وَرَتْ فِي بابِ فاطِمَةٍ *** فِي الطَّفِّ أَضْحَتْ بِرَحْلِ السِّبْطِ تَضْطَرِمُ

ص: 387


1- منفطم: منقطع _ وجاء في كتاب ينابيع المودة، ص240 ومقتل الحسين ج1 ص51. «قال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: إنما سمِّيت ابنتي «فاطمة علیها السلام» لأن اللّه فطمها وفطم محبيها من النار». وقريب من هذا المعنى جاء في «الاحتجاج» ج1 ص109 ط(1966م) مطابع النعمان. النجف الأشرف.
2- «...فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها...».
3- ورد في «ذخائر العقبى» ص98 ط(1981م) مؤسسة الوفاء _ بيروت. «يا أباذر لا تعجب فإن اللّه ملائكة سيّاحون في الأرض موكلون بمعونة آل محمد».
4- إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار، ج53 ص18 ط/الثانية/مؤسسة الوفاء-بیروت. «... وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و زينب و أم كلثوم و فضة و إضرامهم النار على الباب ... و أخذت النار في خشب الباب».
5- جاء في كتاب «سليم بن قيس» ص 208 ط/ قسم الدراسات الإسلامية _ مؤسسة البعثة _ طهران. «... فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت یا أبتاه فوثب علي بن أبي طالب علیه السلام فأخذ بتلابيب عمر ثم هزّه فصرعه ووجأ به أنفه وهمّ بقتله فذكر قول رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وما أوصى به من الصبر والطاعة فقال: والذي كرّم محمداً بالنبوَّة يابن صهّاك لولا كتاب من اللّه سبق لعلمت أنّك لا تدخل بيتي فأرسل عمر يستغيث . . . ».

وَلَيْسَ قَادَ الفَتَى زَيْنُ العبادِ إِلَى *** حِمَى يَزِيدَ أَسِيراً وَهْوَ مُهْتَضَمُ

إلاَّ الَّذِي اسْتَخَرَجَ الهَادِي أَبا حَسَنٍ *** مُلَبّباً بِرِداهُ وَهْوَ مُسْتَلِمُ

مِنْ خَلْفِهِ فَاطِمٌ تَدْعُو وَمَدْمَعُها *** مِنَ الأَماقِي عَلَى الخَدَّيْنِ مُنْسَجِمُ(1)

خَلُّوا أَخا المُصْطَفَى الهادِي وناصِرَهُ *** لاَ تُخْرِجُوهُ مُهاناً، لا أَبا لَكُمُ!

مِنْ قَبْلِ أَكْشِفَ رَأْسِي بِالدُّعاءِ وَفِي *** قَلْبِي شَجاً وَفُؤَادِي كُلُّهُ أَلَمُ

إِنِّي ابْنَةُ المُصْطَفَى المُخْتَارِ فَاطِمَةٌ *** فَإِنْ دَعَوْتُ فَنَتْ مِنْ دَعْوَتِي الأُمَمُ !(2)

يا لِلرِّجالِ، أَمَا لِي مِنْكُمُ أَحَدٌ *** مِنَ الطُّغاةِ لِوَجْهِ اللَّهِ يَنْتَقِمُ؟

يا غِيرَةَ اللَّهِ هَلْ كَلَّتْ سَوَاعِدُكُمْ *** عَنْ نُصْرَتِي؟ وَيْلَكُمْ، أَمْ ماتَتِ الشِّيَمُ؟

فَكَيْفَ يُخْرَجُ بَعلِيِّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ *** وَلاَ تُسَلُّ لَهُ الهِنْدِيَّةُ الخدمُ؟(3)

فَلَمْ تَجِدْ أَحَداً لَبَّيْ لِدَعْوَتِها *** كَأَنَّما كانَ فِي أَسْماعِهِمْ صَمَمُ(4)

ص: 388


1- «والأبيات التي تلته» لعلها إشارة إلى الرواية الواردة في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص339-340 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم المطبعة العلمية. «... أنه لما استخرج أمير المؤمنين علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا ابن عمي فواللّه الذي بعث محمداً صلی اللّه علیه وآله وسلم بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم على رأسي ولأصرخنّ إلى اللّه «تعالى» فما ناقة صالح بأكرم على اللّه من ولدي.
2- إشارة إلى الرواية الواردة في «الاحتجاج» ج1 ص138 ط مطابع النعمان _ النجف الأشرف من خطبة الزهراء علیها السلام في المسجد. «.. بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية : أني ابنته ...».
3- الهنديّة: السيوف المطبوعة من حديد الهند والقافية الظاهر أنها تصحيف الخُنُدم، أي القاطعة.
4- ديوان ملا علي آل رمضان ص374.

(25) فاطمة علیها السلام تدعو

(بحر البسيط)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

دَاجِي الضَّلالِ سَجَا وَاشْتَدَّتِ الظُّلَمُ *** عَلَى الوَرَى وَ بُحُورُ الجَوْرِ مُلْتَطِمُ(2)

وَرَايَةُ الدِّينِ لُفَّتْ بَعْدَمَا انْطَرَحَتْ *** فِي الْأَرْضِ وَ الجَوْرُ مَرْفُوعٌ لَهُ عَلَمُ

وَ أَنْتَ تَسْمَعُ يَابْنَ المُصْطَفَى وَ تَرَىٰ *** بِأَنَّ عَلَيْنَا ظَلاَمَ الظُّلْمِ مُلْتَحِمُ

وَ كَانَ بَيْنَ بَنِي حَرْبٍ وَ حِزْبِهِمُ *** لَكُمْ أُضِيعَ بِوَادِي كَرْبَلاءَ دَمُ

فَانْهَضٌ وخُذْ ثَارَ مَنْ فِي كَرْبَلاً اشْتَمَلَتْ *** عَلَيْهِمُ مِنْ مُلِمَّاتِ البَلَا غَمَمُ

أَمَاجِدٌ عَصَمَ الرَّحْمَنُ أَنْفُسَهُمْ *** أَنْ لايَلِمَّ بِهِمْ رَيْنٌ وَ لاَلَمَمُ(3)

لَمْ أَنْسَهُمْ وَ ظَلامُ النَّقْعِ مُنْسَدِلٌ *** عَلَيْهِمُ وَ ضِرَامُ الحَرْبِ يَضْطَرِمُ(4)

إلى أن قال:

إنّي لأقسِمُ بِالبَارِي الَّذِي أَبَداً *** مَا قَدْ وَطَا عَرْشَهُ مِنْ خَلْقِهِ قَدَمُ

مَا أَسَّسَ الظُّلْمَ وَاجْتَثَّ الرَّشَادَ سِوَى *** أَيْدِي الَّذِين بِدَارِ المُصْطَفَى هَجَمُوا

وَ اسْتَخْرَجُوا وَالِدَ السَّبْطَيْنِ مُحْتَسِباً *** مِنْ دَارِهِ مُسْتَضاماً وَ هُوَ مُسْتَلَمُ

يُقَادُ بَيْنَهُمُ قَهْراً وَ فَاطِمَةٌ *** تَدْعُو-وَمَدْمَعُهَا المَحرُونُ مُنْسَجِمُ-(5)

ص: 389


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- سجا: سكن دام.
3- رَيْن: طبع و دَنَس. موتٌ. وقوع فيما لايمكن الخروج منه. وقوع في غمّ.
4- النقع: الغُبار منسدل: مُرْخى و مُرسَل.
5- منسجم: منصب. جاء في عوالم سيدة النساء ج2 ص72. «...وجعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك...».

وَيْلٌ لأُمِّكُمُ خَلُوا أَبَا حَسَنٍ *** أَنْ لاتَحُلَّ سَرِيعاً فِيكُمُ النِّقَمُ

هذَا الَّذِي أَوْجَبَ البَارِي وِلايَتَهُ *** فَرْضاً عَلَيْكُمْ وَ مِنْهُ تُجْلَبُ النّعمُ

لَوْلاَ الوَصِيَّةُ وَ العَهْدُ القَدِيمُ لَمَا *** مَشَتْ إِلَيْهِ بِسُوءٍ مِنْكُمُ قَدَمُ

وَ لاَ إِلَى مَنْزِلِي بِالنَّارِ قَدْ زَحَفَتْ *** تُرِيدُ تُحْرِقُ دَارِي هَذِهِ الأُمَمُ(1)

كَفَرْتُمْ وَ رَكَسْتُمْ فِي العَنَا وَ أَنَا *** غَصَبْتُمُونِي تُرَائِي، لَاأَبَا لَكُم(2)

نَكَثْتُمُ العَهْدَ وَ المِيثَاقَ بَعْدَ أَبِي *** لَمَّا تَعَرَّتْ وَ زَالَتْ عَنْكُمُ الشَّيَمُ

صَلَّى عَلَيْهِ وَ أَبْنَاهُ المُهَيْمِنُ مَا *** أَضَاءَ نُورُ صَبَاحٍ وَ انْجَلَتْ ظُلَمُ(3)

ص: 390


1- في كتاب سليم بن قيس ص36 ، ط قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة -طهران. «... و دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب...».
2- في «صحيح مسلم» ج4 ص29-30 ح1759 ط1-مؤسسة عز الدين. «عن عائشة زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنها أخبرته: إنّ فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر. فقال أبوبكر: إنّ رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الله قال: لانوّرث ما تركناه صدقة إنّما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم من هذا المال» ...فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك...
3- ديوان ملا علي آل رمضان ص356 و القصيدة في (45) بيتاً.

(26) حب البتول علیها السلام

(بحر الطويل)

الأستاذ علي الفرج

تلألأ كأسُ الحبّ فلندفنِ الهمّا *** فمن يشرب الحبَّ البتوليَّ لايظما

و من يغرسُ الآمال في دار أحمدٍ *** فيا ما أُحيلي ما سيجني و ما أنمى

و من يغزلُ الشعر الطريّ بفاطمٍ *** سيتلو به آيات (والفجر) أو (عم)

و من يتنغّم نبرةً فاطميّة *** مشى السحرُ في أعراقهِ يذرعُ الدَّمَّا

تنغّمتها حتى إذا عدتُ نغمة *** على قصبِ النشوى سعى الكونُ والتمّا

تنغّمتها دنياً من الشعر بعدها *** غفت كلماتي فوقَ دنيا من النُّعمى

غفت كلماتُ العاشقين و ما غفت *** الشعر إلاّ تسرقُ الحُلُمَ الأسمى

أيا مهدها و الوحيُ... كيف رأيتُما *** رسولَ السما يستقبل الوردَ و الحلما

و قد سَبحتْ عيناهُ خلفَ عيونها *** يرى الدمعةَ الحمراءَ و الحزنَ والسُّقما

أزهراءُ إذ كنتِ الوليدةَ إنني *** أرى كل مَن في الكون من نسوةٍ عُقما

حنانيكِ يا (ديوان) حبّ (قريضُهُ) *** سناً عبقريٌّ نوّر الأُفقَ الأعمى

و (أحرفُهُ) ساعاتُ عمرٍ تفتّحت *** فعمَّ السما و الأرضَ من ذاك ما عمّا

و(أوزانُهُ) طبعُ السماء لوارتدى *** بها الصخرُ ساوى طبعُهُ الشمسَ والنجما

و (عنوانُهُ) الزهراءُ يا اسماً كأنما *** يفيضُ حكاياتٍ لها تسجدُ الأسما

أزهراءُ يا بعضاً لأحمدَ ينتمي *** كما الوردةُ الزهرا إلى روضها تُنمى

صنعتِ له قلباً يلمُّ حنانه *** فكنتِ له بنتاً و كنتِ له أُمّاً

ص: 391

ومن وجهه الميمونِ صغتِ ابتسامة *** ومن وجهكِ البسّامِ صُغتِ له النّعمى

أزهراءُ يا إسعادَنا واشتعالَنا *** حملنا هواكِ الحيَّ في موتِنا غُنما

فرشناهُ جمراً في شرايين روحِنا *** و إنْ شهروا سيفاً و إن عرضُوا سهما

و أغلى من الدنيا الهوى و انتحاره *** و أرخص من ليلاي أن يسفكُوا الدَّما

ص: 392

(27) نثار اللآلىء

(بحر المتقارب)

السيد غياث آل طعمة(*)(1)

رَنَوْتُ لأَيَّامِي النَّاعِمَهْ *** فَبِتُّ لِجَمْرِ الأَسَى هَائِمَهْ(2)

لَقَدْ كَثَرَ الدَّهْرُ أَنْيَابَهُ *** فَصُبَّتْ نَوَائِبُهُ القَاتِمَهْ(3)

وَ قَدْ كِدْتُ أنْسَى لِمَا قَدْ جَرَى *** بِأَنِّي ابْنَةُ المُصْطَفَى فَاطِمَهْ(4)

فَتَباً لِدُنْيا الأسَى وَ الظَّلامِ *** عَلَى كُلِّ ذِي عِزَّةٍ نَاقِمَهْ

يَعِيشُ بِهَا حُلْوَ أَيَّامِهَا *** وَ تَلْوِي بِغَدْرَتِهَا رَاجِمَهْ(5)

رَمَتْنِي بِمُرِّ الدَّوَاهِي العِظَامِ *** فَبِتُّ لِوَقْعَتِهَا جَاشِمَهْ(6)

وَ مَا مَرَّ بِالْبَالِ يَوْماً بِأَنْ *** تَدُورَ عَلَيَّ الرَّحَى قَاصِمَهْ

أَنَا ابْنَةُ سَيْدِ هذي الأنام *** وَ صَاحِبِ شِرْعَتِهَا السَّالِمَهْ

ثِمَارُ الجِنَانِ أَنَا مَبْدَئِي *** وَ خُلْدُ الجِنَانِ لِيَ الْخَاتِمَهْ

إِذَا مَا اشْتَهَى أَنْ يَثُمَّ الْجِنَانُ *** أَبِي شَمَّ رَائِحَتِي العَارِمَهْ(7)

ص: 393


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- رَنَوْتُ: رنا إليه: أدام النظر إليه و الظاهر أن المراد هنا الالتفات و التأمل في الأيام الماضية.
3- نوائبه: مصائبه و دواهيه. القاتمة: الداكنة.
4- كذتُ: أَوْشَكْتُ.
5- وتَلْوي: يريد بها، و تنعطف. راجمة: رَجَمَهُ بالحجارة: رماه بها، رَجَمَهُ: لعنَهُ ، شَتَمَهُ طردَهُ.
6- الدَّواهي: المصائب و النوائب. جاشمة: أي أقاسي المشقّة العظيمة و أتكلفها على مشقة.
7- العارمة: يريد هنا شدة عبق طيبها الفوّاح.

أَنَا ابْنَةُ طَة وَ زَوْجِي عَلِيٌّ *** أَمِيرُ ذَوِي الأَنْفُسِ الْحَازِمَهْ

وَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَ المُصْطَفَى *** يَدَاهُ لأَصْنَامِهِمْ هَادِمَهْ

وَصِيُّ النَّبِيَّ وَلِيٌّ زَكِيٌّ *** شَقِيُّ العَوَاقِبِ مَنْ خَاصَمَهْ

وَ خَشْنُ اللُّباسِ شَدِيدُ المِرَاسِ *** تَعُجُ مَوَاقِفُهُ الحَاسِمَهْ(1)

وَ دُودٌ رَحِيمٌ كَرِيمٌ حَلِيمٌ *** غَلِيظٌ عَلَى الفِرْقَةِ الْغَاشِمَهْ(2)

أنيسُ الْقُلُوبِ مُزِيلُ الكُرُوبِ *** عَنِ المُصْطَفَى إِنْ حَوَى صَارِمَهْ(3)

بِأَمْرِ مِنَ اللَّهِ تَزْوِيجُنَا *** أُنُوفُ الرِّجالِ بِهِ رَاغِمَهْ

لَقَدْ زَيَّنَ اللهُ حُورَ الجِنَانِ *** وَ أَحْمَدَ نِيرَانَهُ اللاهِمَهْ(4)

نِشَارِي اللَّألي وَ غالِي الجُمَانِ *** بِهَا الحُورُ زِينَتَها نَاظِمَهْ(5)

وَقَادَ الزّمامَ أَبِي فِي الزَّفافِ *** وَ كُلُّ الوُجُوهِ بِهِ نَاعِمَهْ

وَ كُلُّ المَلاَئِكِ قَدْ رَفْرَفَتْ *** بِبَهْجَتِهَا لِلْوَرَى رَاحِمَهْ

وَ أُعْطِيتُ مَهْراً بِهِ لَمْ تَكُنْ *** بِمَرِّ الدُّهُورِ النّسا حَالِمهْ

فَقُلْتُ لأَرْجُو شَفَاعَتَنَا *** لأَهْلِ مَوَدَّتِنا عَاصِمَهْ

فَأُعْطِيتُ مِنْحَتَها مَنْ أَشَاءُ *** فَطُوبَى لِشيعَتِنا الْغَائِمَهْ

وَ أُمُّ الأَئِمَّةِ لَوْيَفْقَهُونَ *** لِمَنْهج نَيْلِ العُلَى رَاسِمهْ

كَوَاكِبُ هَدْي لِمَنْ يَهْتَدِي *** وَ لِلْمُعْتَدِي حِمَمٌ هَاشِمَهْ

وَ مِني سَيُولَدُ مَنْ بِاسْمِهِ *** سَتُصْبِحُ دَولَتُنَا حَاكِمهْ

لَنَا خَلَقَ اللَّهُ هَذِي الحَيَاةَ *** وَ فِينَا نِهَايَتُهُ العَادِمَهْ

ص: 394


1- المراس: الشدّة و القوّة.
2- الغاشمة: الظالمة.
3- صارمه: سَيْفه.
4- اللاهمة: التي تلتهم التهاماً.
5- الجُمان: الواحدة جُمانة: اللؤلُؤ(فارسيَة).

ولاَيَتُنَا لِلَّذِي قَدْ أُقِرْ *** بِشِرْعَةِ أَحْمَدِنا لأزمهْ

حَيَاتِي بِحُبِّ الإِلَهِ انْقَضَتْ *** فَدَهْرِيَ قَائِمَةٌ صَائِمَهْ

إِذَا قُمْتُ لِلَّهِ جَوْفَ الظَّلامِ *** وَ جُلُّ عُيُونِ الوَرَى نَائِمَهْ(1)

فَلَسْتُ أَمَلُ لَذِيذ الصَّلاةِ *** وَ إِنْ أَصْبَحَتْ أَرْجُلِي وَارِمَهْ

بِقَلْبِي أَنْوَارُ رَبِّ السَّمَاءِ *** أَرَاهَا عَلَى بَيْتِنَا حَائْمَهْ

وَ بَيْتٌ لَنَا مِنْ أَعَالِي الْبُيُوتِ *** وَ فِيهِ مَلائِكَةٌ بَاسِمَهْ

وَ تَفْخَرُ فَخْر بُيُوتِ الحِجَازِ *** إِذَا مَا أَتَتْ دَارَنَا خَادِمَهْ

أَبِي كَانَ مُسْتَئْذِنَا بِالدُّخُولِ *** وَ حِلٌّ لَهُ دَارُنا القَائِمَهْ

فَكَيْفَ سَتَدْخُلُهُ فِرْقَةٌ *** بِدُونِ رِضَايَ لَهَا هَاجِمَهْ؟

عَلَيَّ أَتُحْرِقُهُ زُمْرَةٌ *** فَتَبَّتْ يَدُ الزُمْرَةِ الآئِمَهْ

وَ يَكْسِرُ ضِلْعِي لَئِيمُ الْخِصَالِ *** فَيَا وَيْلَ فِعْلَتِهِ الظَّالِمهْ

وَ تُسْقِطْ حَمْلِي أَيَادِي الطَّغَاةِ *** بِعَصْرَةِ بَابٍ وَلِي شَاتِمَهْ

أَتَمْنَعُنِي فَدَكِي عُصْبَةٌ؟ *** بِعِلْمٍ وَ دِينِ غَدَتْ زَاعِمَهْ(2)

خَرَجْتُ لِحَقِّي عَلَى رَدّهِ *** وَ إِنْ تَرَكُوا نُصْرَتِي عَازِمَهْ

أَقَمْتُ بِقُرْآنِنَا حُجَّةً *** لَئِنْ حَكَمُوها تَكُنْ حَاكِمهْ(3)

ص: 395


1- جُلّ: أكثر، معظم. الورى: الناس.
2- إشار الشاعر إلى ما جاء في مسند فاطمة علیها السلام للسيوطي ص15 ح25. عن عمر بن الخطاب قال: لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بويع لأبي بكر في ذلك اليوم فلما كان من الغد جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر معها علي فقالت: ميراثي من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أبي... فقال أبوبكر من الرثة أو من العقد؟ قالت: فدك و خيبر و صدقاته بالمدينة أرثها كما ترثك بناتك إذا مت... فقال أبوبكر: أبوك -واللَّه- خير منّي و أنت خير من بناتي و قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لانورّث.
3- جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج16 ص232. دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استُخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها فقالت له: لئن مت اليوم فن كان يرتك؟ قال: ولدي و أهلي قالت فلم ورثت أنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم دون أهل و ولده؟ قال؟ فما فعلت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قالت: بلى إنك عمدت إلى فدك و كانت صافية لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فأخذّتها و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته.

وَلكِنَّهُمْ رَكَنُوا لِلْحَيَاةِ *** فَزِينَتُهَا لِلْوَرَى خَاطِمَهْ(1)

وَ رَدُّوا عَلَيَّ بِأَوْهَى مَقالٍ *** بِمَا قُلْتُ ثُلتُهُمْ تَاهِمهْ

وَعُدْتُ أَلَمْلِمُ ذَيْلَ الجراحِ *** بِعَيْنِي السَّمَاء غَدَتْ قَاتِمَهْ

لَقَدْ خَسِرُونِي أَلَمْ يَعْلَمُوا *** بِحُبِّي سَيُنْجِي مِنَ الحَاطِمَهْ؟(2)

وَ يَرْضَى الإلهُ إِذا ما رَضَيْتُ *** وَ يَغْضَبُ إِنْ غَضِبَتْ فَاطِمَهْ(3)

دَعَوْتُ عَلَيْهِمْ فَلَنْ يُفْلِحُوا *** فَدُنْيَاهُمُ حَسْرَةٌ دَائِمَهْ

وَ أَخْرَاهُمُ ظُلْمَةٌ لَا تُطَاقُ *** فَبَيْسَتْ حَيَاتِهِمُ القَادِمَهْ

فَبِتُ نَزِيلَةَ قَبْرِ الحَبِيبِ *** وَ تُغْرِقُنِي أَدْمُعِي السَّاجِمَهْ(4)

وَ مَلُوا البُكَاءَ وَ قَدْ طَالَبُوا *** أَكُونُ لِكُلِّ البَلاَ كَاظِمَهْ

وَ يَسْتَعْتِبُونِي إِذَا مَا رَأَوْنِي *** أَتَيْتُ نَرَى المُصْطَفَى لائِمَهْ

فَظَلَّتْ هُمُومِي بِمَا قَدْ بَقِيتُ *** عَلَى الصَّدْرِ فِي ثُقْلِها جَاثِمَهْ

و بتُّ وَقَدْ أَرَّقَتْنِي الهُمُومُ *** وَ دُنْيَايَ مِمَّا جَرَى وَاجِمَهْ

وَ أَصْبَحْتُ لاَ أَسْتَلِذُّ الحَيَاةَ *** وَ صِرْتُ لأَيَّامِهَا رَاغِمَهْ

فَفِي النَّفْسِ شَبَّ لَهِيبُ الشُّجُونِ *** وَ فِي القَلْبِ كُلَّ الأَسَى كَاتِمَهْ

وَ قَبْرِي سَيُعفى فَتَبْقَى عَلَيَّ *** مَدَى الدَّهْرِ شيعَتُنا لاطِمَهْ

ص: 396


1- خاطمة: يُقال «فلانٌ خاطمُ أمْرِ فلانٍ» أي قائدهم و مدبّر أمرهم الخطام جمع خُطُم: حبل يْجعل في عنق البعير. و يُثنى في خْطمِهِ «أنفه»، كل ما وُضِعَ في أنفِ البعير ليُعاد بَهِ، و مِسْكٌ خَطام: يملأُ الخياشيم.
2- الحاطمة: اسم من أسماء جهنم.
3- ورد في فرائد السمطين ج2 ص46 ، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إن الله «عزوجل» ليغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها.
4- ساجمة: يريد: متتابعة.

وَيُبْدِيهِ قَائِمُنَا لِلأَنَامِ *** وَ صُحْبَتُهُ الغُرَّةُ العَالِمهْ

فَتَنْعَمُ شِيعَتُنَا بِالسُّرُورِ *** وَ تَبْقَى لِيَوْمِ الجَزَا نَاعِمَهْ(1)

ص: 397


1- عبقات الولاية ص108.

(28) قنديل الوحي

(بحر الكامل)

الشيخ فاضل الصفار(*)(1)

مَا لِلْجُنَاةِ لَبَيْت فَاطِمَ هَاجَمُوا *** وَ بِبَابِهَا نَارَ الصَّغَائِنِ أَضْرَمُوا؟(2)

أَوَمَا دَرَوْا فِي خِدْرِهَا سِرُّ الإ *** لهِ مُحَصَّناً وَ بِهِ المَلائِكُ نُوْمُ؟

يَا وَيْلَهُمْ كَيْفَ اسْتَبَاحُوا سِتْرَهَا *** وَ تَجَاوَزُوا أَوَلَيْسَ كَانُوا أَسْلَمُوا؟(3)

ص: 398


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- إشارة إلى هجوم القوم على الدار و حرقه بالنار و قد مضت الإشارة إليه في موارد عدة نقلاً عن كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب سليم بن قيس الهلالي ص208. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109. و أيضاً عن كتاب تاريخ الطبري ج3 ص202. و كتاب أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45. و كتاب إثبات الوصية ص143، الضغائن: الأحقاد. أضرموا أشعلوا.
3- يشير في هذين البيتين إلى هجومهم على دار الزهراء علیها السلام و كشفهم سترها دون إذن و تجاوزهم على حرمتها. ففي كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39 قال: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي واللّه، و ما عليها خمار، فنادت: يا أبتاه صلي اللّه علیه و آله و سلم، یا رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرك تنادي بأعلى صوتها. و قد حكى الشاعر هذه الحادثة بقوله: قال سلیم قلت یا سلمانُ *** هل دخلوا و لم يك استيذان؟ قال بلى و عزة الجبار *** و ما على الزهراء من خمار و في تفسير العياشي ج2 ص67 و البحار ج28 ص227 قالا: قال عمر: قوموا بنا إليه يعني الإمام علي علیه السلام فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبوعبيدة بن الجراح و سالم مولى أبي حذيفة و قنفذ قال الراوي: وقمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة «صلوات الله عليها» أغلقت الباب في وجوههم و هي تشك أن لايدخل عليها إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره و كان من سعف، ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوّجي؟ واللّه لئن لم تكفَّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقنّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي فأخذت بيد الحسن والحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

يَا وَيْلَهُم كَيْفَ اسْتَبَدُّوا بِالأُمُورِ *** وَ قَبْلَهَا عَهْدَ الوِلايَةِ أَبْرَمُوا؟

أَوَ لَمْ يُنَادُوا بِالغَدِيرِ وَخُمِّهِ *** (بَخٍ بَخٍ) لَكَ يَا عَلِيُّ وَ سَلَّموا؟(1)

مَاذَا جَرَى قَدْ أَنْكَرُوا وَ تَقَلَّبُوا *** بَعْدَ الهُدَى وَ إِلَى الضَّلَالِ تَحَرَّمُوا؟

أَوْ هَلْ تَبَدَّلَتِ الأُمُورُ تَقَهُقَرُوا *** لِلْجَاهِلِيَّةِ وَ الشَّقا يَحْدُوهُمُ؟

أَمْ بَيَّتُوا أَمْراً وَحَانَ أَوانُهُ *** فِي هَدَم بَيْتِ الدِّينِ حِقْداً مِنْهُم؟

أَمْ أَعْلَنُوا حَرْباً لآلِ اللَّهِ كَيْ *** يُطْفُوا ضِيَاءَ الحَقِّ يَا وَيْلاهُمُ

فَتَجَمَّعُوا طُرّاً عَلَى بَابِ الهُدَى *** وَ النَّارُ تُلْهَبُ فِي النُّفُوسِ تَقَدَّمُوا؟

لكِنَّهُمْ لايَفْقَهُونَ وَ قَبْلَ ذَا *** لَمْ يُؤْمِنُوا وَ عَنِ الحَقِيقَةِ قَدْ عَمُوا

وَ الطُّهرُ فَاطِمُ خَلْفَهُمْ بِتَجَلُّدٍ *** تَحْمِي الحِمَى وَ إِلَى الضَّمِيرِ دَعَتْهُمُ

فَتَطَاوَلُوا كَيْ يَهْتِكُوهُ وَ مَا رَعَوْا *** حَتَّى لِطهَ حُرْمَةً وَ تَفَحّمُوا

دَخَلُوا عَلَيْهَا دُونَ إِذْنٍ وَيْلَهُمْ *** ثُمَّ اسْتَبَاحُوا خَسْفَهَا وَ تَغَشَمُوا

أَسَفِي لِفَاطِمَ كَيْفَ دَاسُوا خِدْرَهَا *** وَ لِهَضْمِهَا أَهْلُ النِّفَاقِ تَقَسَّمُوا

وَعَدَا عَلَيْهَا الرِّجْسُ يَعْصِرُ صَدْرَهَا *** بِالبَابِ حِقْداً يَا لِقَوْمٍ أَجْرَمُوا!

وَ أَلَحَّ فِي عُدْوَانِهِ حَتَّىٰ هَوَتْ *** لِلْأَرْضِ تَصْرُخُ وَ الأَصَالِعَ هَشَّمُوا(2)

صَرَخَتْ وَ أَسْقَطَتِ الجَنِينَ مُقَفَّراً *** فَوْقَ التُّرَابِ تَئِنُّ مِنْ إِيذَاهِمُ

لَمْ يَشْتَفُوا فِيمَا جَنَوْهُ وَ إِنَّمَا *** لِكِيَّانِهَا المَنْحُولِ ضَرْباً حَطَّمُوا

ص: 399


1- بَخٍ بَخٍ: بَخٍ اسم فعل معناه عظُم الأمر أو معناه استحسن. يكون للرضا علیه السلام و الإعجاب و الفخر و يكرر للمبالغة.
2- هَشَّموا: بالغوا في الكسر.

فَتَلَوَّعَتْ بِالضَّرْبِ حَتَّى أُثْخِنَتْ *** وَ عَلى أَضَالِعِهَا بِسَوْطٍ وَ شَّموا

وَ الصَّدْرُ بِالمِسْمَارِ مِنْ عُدْوَانِهِمْ *** يَجْرِي دَماً وَ بَصِيحُ مِمَّا قَدَّمُوا

وَ غَدَتْ تَئِنُّ مِنَ المُصَابِ وَ تَشْتَكِي *** جَوْرَ الَّذِينَ عَلَى الجِنَايَةِ أَقْدَمُوا(1)

تَقْضِي اللَّيَالِي بِالدُّمُوعِ تَحَسُّراً *** وَ تَبثُّ فِي زَفَرَاتِهَا شَكْوَاهُمُ(2)

وَ أَمَضُّ مَا يُدْمِي القُلُوبَ تَحَرُّقاً *** فِي وَجْهِهَا كَفَّ المَظَالِم تَلْطِمُ(3)

فَقَضَتْ وَ فِي الجِسْم النَّحِيفِ عَلامَةٌ *** تَحْكِي الأَسَى وَ تَبُوحُ عَمَّا أَجْرَمُوا

أَسَفِي لَهَا سِنُّ الزُّهُورِ سِنِيُّهَا *** ذَبُلَتْ وَ وَالِدُها بِهَا أوْصَاهُمُ

أَسَفِي لَهَا عَاشَتْ بِلَوْعَتِهَا وَ قَدْ *** مَاتَتْ تَغُصُّ مَعَ الرَّدَى بِجَواهُمُ(4)

ص: 400


1- في هذه الأبيات الثلاثة عشر إشارة إلى إحراق الدار و دخولهم عليها دون إذن و عصرها خلف الباب و كسر ضلعها و إسقاط الجنين و ضربها بالسياط و دخول المسمار في صدرها. و قد مرّ دخولهم على دارها دون إذن في الهامش السابق نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص39. و كتاب تفسير العياشي ج2 ص67. و كتاب البحار ج28 ص227. أما إحراق الدار و كسر الضلع وإسقاط الجنين و ضربها بالسياط و دخول المسمار في صدرها فقد مرت الإشارة إليه أيضاً نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37 و كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 و كتاب البحار ج53 ص19. و كتاب تاريخ الطبري ج3 ص202 و كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45. و كتاب إثبات الوصية ص143.
2- في هذا البيت إشارة إلى بكاء الزهراء علیها السلام و حزنها على ما أصابها. و تقدم تفصيله أيضاً. نقلاً عن كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص362 و عن كتاب بحار الأنوار ج43 ص177 و رحلة ابن جبير ص174. و البحار أيضاً ج43 ص195.
3- إشارة إلى ضرب عمر للزهراء علیها السلام و لطمها على خدها. انظر ما ورد عنها فيما تقدم. نقلاً عن كتاب إرشاد القلوب كما في عوالم العلوم ج2 ص574. و كتاب بحار الأنوار ج8 ص240 ط حجرية. و كتاب البحار أيضاً ج30 ص294.
4- في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى حزن الزهراء علیها السلام و العلل التي أصابتها بسبب ما لحق بها من الأذى و تقدم تفصيله، نقلاً عن كتاب مناقب ابن شهر آشوب المازندراني ج3 ص362 و كتاب بحار الأنوار ج43 ص177 و رحلة ابن جبير ص174. و البحار أيضاً ج43 ص195. و زيادة على ما مرّ ففي كتاب فتح الباري للحافظ العسقلاني ج9 ص201 كما في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص195 قال: عن عائشة إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: إن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهنَّ صبراً».

قَوْمٌ عَلَى الدِّينِ الحَنِيفِ تَمَرَّدُوا *** وَ الكُفْرُ وَالإِلْحَادُ قَدْ أَعْمَاهُمُ

قَدْ جَرَّعُوهَا المَوْتَ جَمْراً فِي الحَشَا *** قَبْلَ الرَّحِيلِ وَ بَعْدَهُ بِعِدَاهُمُ

فِي كَسْرِ أَضْلاعِ أَرَقُ مِنَ الضَّيَا *** وَ بِهَضم حَقٌّ سَلَّبُوهُ وَ أَرْغَمُوا(1)

وَ خَفَاءُ قَبْرٍ ضَيَّعُوهُ وَ قَبْلَهُ *** قَدْ ضَيَّعُوا أَسْرَارَهُ بَلْ هَدَّمُوا(2)

وَ بِعَيْنِهَا رَسَمُوا المَظَالِمَ حُمْرَةً *** وَ بِخَدِّهَا صُوَرُ المَآسِي تُرْسَمُ(3)

لازَالَ فِي سَمْعِ الزَّمَانِ رِوَايَةٌ *** وَ لِسَانُ صِدْقٍ بِالجَوَى يَتَكَلَّمُ

ص: 401


1- في هذا البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام وإلى سلب حقها «فدك» و تقدم تفصيله أيضاً. نقلاً عن كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. و كتاب السيرة الحلبية ج3 ص487. و كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-144. و كتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقلاً عن مسند أحمد ج1 ص9. و كتاب السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص300. و كتاب الاحتجاج أيضاً ج1 ص119-122.
2- إشارة إلى إخفاء قبر الزهراء علیها السلام و تقدم ذكره نقلاً عن كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363. و البحار ج43 ص183 و ص212 عن كتاب عيون المعجزات للسيد المرتضى و كتاب الاستيعاب لابن عبد البر، ج4 ص1898. و كتاب ذخائر العقبى ص54.
3- في هذه الأبيات الخمسة إشارة إلى ما لحق بالزهراء علیها السلام من أذى وضرب وسلب لحقوقها و تجاوز على حرمتها حتى أصابها المرض و الحزن و الذبول وقد أوصى بها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و كل هذا و أمثاله قد مرّ في قصائد كثيرة يمكن مراجعتها.

وَ اللَّهِ مَا عَرَفَ الزَّمَانُ كَمِثْلِهَا *** قِنْدِيلَ وَحْي خَسْفُوهُ وَ أَلَمُوا

تَرَكُوهُ يَأْكُلُهُ الأَسَى حَتَّى انْطَفَا *** فِي حَسْرَةٍ يَلْتَاعُ مِمَّا اسْتَأْثَمُوا(1)

سَتَظَلُّ فِي قَلْبِ الضَّمَائِرِ دَمْعَةً *** وَ بِيَوْمِ حَشْرٍ جَمْرَةٌ تَكْوِيهُمُ

ص: 402


1- يلتاع: يحترق قلبه من الهم.

(29) بعد فاطمة الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(1)

لاَ يُلْهِينَّكَ آرامٌ بِذِي سَلَمِ *** وَ لاتَعَشَّقْ مَنْ فِي البَانِ وَ العَلَمِ(2)

الشَّيْبُ لاَحَ كَمَا لاَحَ الهِلاَلُ وَ هَلْ *** مِنْ بَعْدِ شَيْبِكَ غَيْرُ الضَّعْفِ وَالهَرَمِ؟

فَسَلْ سَبِيلاً سَلِيماً مُوصِلاً لَكَ فِي *** الأُخْرَى إِلَى سَلْسَبِيلٍ بَارِدٍ شَبِمِ(3)

أَسْلُكْ سَبِيلَ بَنِي الهَادِي وَلُدْ بِحِمَى *** وَلائِهِمْ فَهُوَ حَقاً خَيْرُ مُعْتَصَمِ

ترِدْ غَداً حَوْضَهُمْ طُوبَى لِوَارِدِهِ *** وَ مَنْ يُذَدْ عَنْهُ فِي يَوْمِ المَعَادِ ظَمِي

وَ احْمُدْ إِلْهَكَ إِذْ أَنْشَأَكَ مِنْ عَدَمٍ *** فِي أُمَّةِ المُصْطَفَى المُخْتَارِ فِي القِدَمِ

فَإِنَّهَا الأُمَّةُ النَّوْرا الَّتِي كَرُمَتْ *** عَلَى العَظِيم فَنَالَتْ مُنْتَهَى العِظَمِ

وَ الذِّكْرُ أَعْلَنَ كُنْتُمْ أُمَّةً وَسَطاً *** وَ خَيْرَ مَا أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ مِنْ أُمَمِ

لِلَّهِ مِنْ أُمَّةٍ مَرْحُومَةٍ عَدَلَتْ *** فِي القَوْلِ وَ الفِعْلِ وَ الأَحْكَامِ وَ الحِكَمِ

يَا لَيْتَهَا بَعْدَ خَيْرِ الرُّسُلِ مَا انْقَلَبَتْ *** مِنْهَا أُنَاسٌ وَ لَمْ تَفْصِمْ عُرَى الذّمَمِ(4)

يَا لَيْتَهَا لَمْ تَحِدْ عَنْ قَوْلِ أَحْمَدَ وَ *** القُرْآنُ فِي الآلِ قُرْبَاهُ ذَوِي الرَّحِمِ

يَا لَيْتَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ مَا قُبِضَتْ *** غَضْبَى عَلَيْهِمْ وَمَا الجَارِي بِمُنْكَتِمِ(5)

ص: 403


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- آرام: غزلان ذي سلم اسم موضع.
3- شَبِم: بارد.
4- لم تُفْصَمْ: لم تنقطع. عُرى: جمع العروة و هي ما يوثق به يوثق به كالحبل.
5- في كتاب البحار ج4 ص204 فلما قضت نحبها «صلى الله عليها» و هم في ذلك في جوف الليل، أخذ عليه في جهازها من ساعته كما أوصته فلما فرغ من جهازها أخرج علي الجنازة و أشعل النار في جريد النخل ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها و دفنها ليلاً...

يَا لَيْتَ فَاطِمَةٌ لَمْ تُؤْذَ بَيْنَهُمُ *** وَ لَمْ تُكَذِّبْ وَ لَمْ تُظْلَمْ وَ لَمْ تُضَمِ(1)

لَهَفِي لَهَا بَعْدَ فَقْدِ الطَّهْرِ مَا بَرِحَتْ *** مَفْرُوحَةَ القَلْبِ فِي وَجْدِ وَ فِي ضَرمِ

حَتَّى فَضَتْ وَ إِلَى دَارِ الخُلُودِ مَضَتْ *** تَشْكُو العِدَى لِشَدِيدِ البَطْشِ وَ النّقَمِ

ما حَالُ قَلْب أَبِيهَا حِينَ يَنْظُرُهَا *** وَ العَيْنُ فِي حُمْرَةِ وَ الجِسْمُ فِي وَرَمِ

إِنِّي أُعَزِّيَكَ فِي الزَّهْرَا أَبَا حَسَنٍ *** وَ إِنْ يُعَزِّيكَ قَبْلِي بَارِىءُ النَّسَمِ

صَبْراً عَلَى قَدَرِ البَارِي وَإِنْ عَظمَ *** الجَارِي فَأَنْتَ مِثَالُ الصَّبْرِ فِي الإِزمِ(2)

هَلْ بَعْدَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَا وَوَالِدِهَا *** أَبْقَى لَكَ الدَّهْرُ رُكْناً غَيْرَ مُنْهَدِم؟

لِلَّهِ قَلْبُكَ مَاذَا قَدْ تَحَمَّلَهُ *** بَعْدَ الهَوَانِ وَبَخْسُ الحَقِّ مِنْ غَمَمِ

لاغَرْوَ لَوْ ذَرَفَتْ عَيْنَاكَ مِنْ أَسَفٍ *** عَلَى البَتُولِ وَ مِنْكَ الطَّرْفُ لَمْ يَنَمِ

بَلْ لاأَرَى عَجَباً لَوْ مِنْ تَذَكَّرِهَا *** مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ(3)

ص: 404


1- في البحارج53 ص18-19: و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها، و هي تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه، وا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم، ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها. و في تلخيص الشافي، للشيخ الطوسي، ج3 ص156. قال الشيخ الطوسي -شيخ الطائفة- و فقيه الأمة المجمع على وثاقته- في تلخيص الشافي... المشهور الذي لاخلاف فيه بين الشيعة أن عمر ضرب على بطنها «صلوات الله عليها» حتى أسقطت فسمي السقط محسناً... و الرواية بذلك مشهورة عندهم و ما أرادوا من إحراق البيت عليها حين التجأ إليها القوم وامتنعوا من بيعته -و ليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك- و رواية الشيعة مستفيضة به لايختلفون بذلك.
2- الإِزَم: جمع الأزمة و هي الشدّة و الضيقة.
3- الأزهار الأرجية ج2 ص127.

(30) ست النساء

(بحر الكامل)

لطف الله بن محمد البحراني

حتّى مَ تَسْأَلُ عَنْ هَوَاكَ الأَرْسُمَا *** غَيّاً وَ تَسْتَهْدِي الجَمَادَ الأَبْكَمَا؟

وَإلاَمَ تَسْأَلُ دِمْنَةً لَمْ تُلْفِ فِي *** أَرْجَائِهَا إِلا الأَثافِي جُثَّمَا؟(1)

خَلَتِ الدِّيَارُ مِنَ الأَنِيسِ فَمَا القَطينُ *** بِهَا القَطِينُ وَ لَاالحِمَى ذَاكَ الحِمَى

سَفَةٌ وُ قُوفُكَ بَيْنَ أَطْلَالٍ خَلَتْ *** وَ عَفَتْ وَ غَيَّرَهَا البَلاءُ وَ أَعْدَما(2)

ضَحِكَ المَشِيبُ بِعَارِضَيْكَ فَنُحْ أَسَى *** أَسفاً عَلَى عُمْرٍ مَضَى وَ تَصَرَّمَا

فَالعُمْرُ أَنْفَسُ فَائِتٍ فَتَلاَفَ مَا *** ضَيَّعْتَ مِنْهُ وَخُذْ لِنَفْسِكَ مَغْنَمَا

وَ إِذَا أَظلَّ عَلَيْكَ شَهْرُ مُحَرَّمٍ *** فَابْكِ القَتِيلَ بِكَرْبَلاءَ عَلَى ظَمَا

إلى أن يقول:

يَا رَاكِباً نَحْوَ المَدِينَةِ قِف بِهَا *** عِنْدَ الرَّسُولِ مُعَزّياً مُتَظَلِّما

وَ قُل السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَزْكَى الوَرَى *** نَسَباً وَ أَكْرَمَهُمْ وَأَشْرَفَ مُنْتَمَى

أَوْصَيْتَ بِالثَّقَلَيْنِ أُمَّنَكَ الَّتِي *** لَمْ تَأْلُهَا نُصْحاً لَهَا وَ تَكَرُّما(3)

ص: 405


1- دِمْنة: آثار الدار الأثافي: الأحجار التي يُوضع عليها القِدْر. جُلّم: متلبدة بالأرض.
2- سفَهُ: جَهْل. أطلال: الآثار الشاخصة. عَفتْ: انمحت وَ دُرِسَتْ وَ بَليت.
3- في البيت إشارة إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من إيصائه بالكتاب و العترة الطاهرة. ففي كتاب سنن الترمذي ج5 ص663 ح3788 قال: عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما». و ذكره ابن الأثير في كتابه أسد الغابة ج2 ص12. و في كتاب المستدرك على الصحيحين ج3 ص109 قال: عن زيد بن أرقم لما رجع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من حجة الوداع و نزل غديرخم أمر بدوحات فقممن فقال: «كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله «تعالى» و عترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض...» الخ. و ذكره النسائي في خصائصه ص21. و ذكره الإمام أحمد بن حنبل ج3 ص17 فقال: عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: «إني أوشك أن أدعى فأجيب، و إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله «عزوجل» و عترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي علیهم السلام، و إن اللطيف أخبرنی أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما». ذكره الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ج9 ص163. و ابن سعد في طبقاته ج2 ص2. و في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج1 ص355 قال: عن حذيفة بن أسيد الغفاري. قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «أيها الناس إني فرطكم و إنكم واردون علي الحوض، فإني أسألكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما. الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله و طرفه بأيديكم فاستمسكوا به لاتضلوا و لاتبدلوا و عترتي أهل بيتي علیهم السلام فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».

هَا قَدْ أَضَاعَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا *** الثَّمَنَتْ بِذِمَّتِهَا وَ عَهْداً مُبْرَما

هذَا الحُسَيْنُ بِكَرْبَلاً عَهْدِي بِهِ *** شَفَتَاهُ نَاشِفَتَانِ مِنْ حَرِّ الظَّمَا

وَ تَرَكْتُ نِسْوَتَهُ الكَرَائِمَ حُسَّراً *** مِنْ حَوْلِهِ يَمْسَحْنَ مَنْحَرَهُ دَما(1)

وَ اقْصُرْ مِنَ الشَّكْوَى سَتَسْمَعُ أَنَّةً *** مِنْ قَبْرِهِ تَدَعُ الفُؤَادَ مُكَلَّما

وانحُ البَتُول و قُلْ أَيَا سِتَّ النِّسا *** أَعْلِمْتِ فاطِمَةَ الظهورِ بِنَا وَمَا؟

سِتَّ النِسَاءِ أَمَا عَلِمْتِ بِمَا جَرَى *** رُزْهُ أَرَاهُ مِنَ الرِّزَايَا أَعْظَمَا؟

سِتَّ النِّسَاءِ رَبِيبُ حِجْرِكِ فِي الثَّرَى *** عَارِي اللِّباسِ مُسَرْبَلاً حُللَ الدِّما

سِتَّ النِّسَاءِ حَبيبُ قَلْبِكِ قَدْ قَضَى *** ظَامِي الحَشَا وَ النَّهرُ فِي جَنْبَيْهِ مَا

سِتَّ النِّسَاءِ رَضِيعُ ثَدْيكِ رَضَّضَتْ *** خَيْلُ العِدَى أَضْلَاعَهُ وَ الأَعْظُمَا

ص: 406


1- حُسَّر: النساء المنكشف خمارهنّ عن وجوههنّ.

يَعْرُزُ عَلَيَّ بِأنْ أَقُولَ مُعَزِّياً *** وَ أَفُوهَ عَمَّا فِي الشَّمْيِرِ مُتَرْجِمَا

الرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى سِنَانٍ شَاهِقٍ *** وَ الجِسْمُ مِنْ وَقْعِ السُّيُوفِ مُهَشَّما

وَ بَنَاتُكِ الخَفِرَاتُ فِي أَيْدِي العِدَى *** خَلَّفْتُهِنَّ مُكَشَفَاتٍ كَالإِمَا

أَبْرَزْنَ مِنْ بَعْدِ الخُدُورِ حَوَاسِراً *** سَلَبَ العِدَى مِنْهَا الرِّدَا وَ المِعْصَما

أُخِذَتْ سباً حُرقَتْ خِباً شُتِمَتْ أَبا *** مَا كَانَ أَهْلاً أَنْ تُسَبِّ وَ تُشْتَمَا(1)

ص: 407


1- کتاب أدب الطف ج5 ص255 و القصيدة في 54 بيتاً.

(31) حبيبتي الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ محسن أبو الحب(الكبير)(*)(1)

مَا أَنْكَرَ القَوْمُ مِنْ يَوْمِ الغَدِيرِ وَمَا *** عَلَى نَبِيِّ الهُدَى مِنْ فِعْلِهِ نَقَمُوا

فِي يَوْمِ قَامَ يُنَادِيهِمْ وَمَا سَمِعُوا *** وَمَا بِآذَانِهِمْ مِنْ عَارِضِ صَمَمُ

يَا قَوْمِ هَذَا عَلِيٌّ فَاعْرِفُوهُ كَمَا *** عَرَفْتُمُونِي أَوْلَى مِنْكُمُ بِكُمُ

اللَّهُ أَكْرَمَكُمْ فِيمَا دَعَوْتُكُمُ *** إِلَيْهِ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ وَ اغْتَنِمُوا

مَا نَالَ مِنْ قُرْبِهِ عِنْدِي لِلْحْمَتِهِ *** كَلاً وَلكِنْ لاَخَوَى دُونَهَا الرَّحِمُ(2)

قريَتُهُ وَيْلَكُمْ عَلَماً بِأَنَّ لَهُ *** عِلْماً تَعَلَّمَ مِنْهُ اللَّوْحُ وَ القَلمُ

فَقَدِّمُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُ *** مَنْ لَمْ يُقَدِّمُهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ قَدَمُ

لَوْلاً عَلِيٌّ لَكُنْتُمْ فِي الوَرَى بُهْماً *** وَ هَلْ كَأَسْدِ الشَّرَى إِنْ عُدَّتِ البُهُم؟

إنْ كُنتُ مُنْهُما فِيهِ فَقَبْلَكُمُ *** مُوسَى بِهارُونَ قَبْلِي قَدْ اتْهَمُوا

قُومُوا بِطَاعَتِهِ وَ ارْضَوْا بِبَيْعَتِهِ *** فَإِنَّهُ العُرْوَةُ الوُثْقَى بها اعْتَصِمُوا

هَارُون كَانَ أَخَا مُوسَىٰ وَ كَانَ أَخِي *** فِيكُمْ عَلِيَّ فَلايَعْرُوكُمُ السَّامُ

مَنْ كَانَ أَفْصَحَ لِي مِنْهُ إِذَا اخْتَلَفَتْ *** عَلَيَّ أَيْدِي العِدَى وَ اشْتَدَّتِ الأَزْمُ

مَنْ رَدَّ عَنِّي عَادِي الشِّرْكِ حِينَ عَدَتْ *** عَلَيَّ أَجْنَادُهَا كَالسَّيْلِ نَزْدَحِمُ؟

ص: 408


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- خوی: سقط و تهدّم، فرغ وخلا.

مَنْ رَدَّ عَمْرُو بن وَدُ يَوْمَ صَاحَ بِكُمْ *** وَ كُلَّكُمْ مِنْهُ مُصْفَرٌ وَ مُنْكَتَم؟

لَوْلاهُ مَا أَصْبَحَتْ تَرْعَى سَوَارِحِكُمْ *** مَأْمُونَةً رَعْيُهَا الخذرافُ وَالعَنَمُ(1)

لَوْلاَهُ مَا ارْتَفَعَتْ يَوْماً بُيُوتُكُمُ *** مَسْمُوكَةً تَتَشَاغَى حَوْلَهَا النِّعَمُ(2)

لَوْلاهُ أَصْبَحَ دِينُ الشِّرْكِ مُرْتَفِعاً *** وَ عَادَ يُعْبَدُ جَهْراً فِيكُمُ الصَّنَمُ

هذَا أَخِي وَ ابْنُ أُمِّي لايُوَازِنُهُ *** فِي الفَضْلِ جُلُّ بَنِي الدُّنْيَا وَإِن زَعَمُوا

عَادَتْ كَعَادٍ بِمَا جَرَتْهُ جرهمها *** وَ غُودِرَتْ كَجَدِيس أُخْتِهَا طَسَمُ

وَ كَانَ مِنْ سَبَإِ مَا كَانَ فَانْطَمَسَتْ *** آثَارُهَا وَ مَحَاهَا سَيْلُها العَرمُ(3)

وَ سَوْفَ يُقْرِضُكُمْ مَا كَانَ أَقْرَضَهُمْ *** مِنَ العَذَابِ وَ أَنْتُمْ مِنْهُمُ وَ هُمُ

إِنِّي لأعْلَمُ إِنِّي لاأَزِيدُكُمُ *** هَدْياً بِنُصْحِي وَ كَمْ قِدْماً بَلَوْتُكُمُ

فَمَا وَجَدْتُ لَكُمْ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ *** إِلأَعَقَابِيلَ دَاءٍ لَيْسَ تَنْحَسِمُ

لَمْ يَدْرٍ قَدْرَ عَلِيٌّ غَيْرُ خَالِقِهِ *** النَّاسُ إِلا عَلِيًّا كُلُّهُمْ عَدَمُ

مَنْ فَازَ بِالطَّائِرِ المَشْوِيِّ يَأْكُلُهُ *** مَعِي سِوَاهُ وَ هُذَا لَيْسَ يَنْكَتِمُ

لَوْ شَاهَدَ الأَنْبِيَاءُ الغُرُّ بَيْعَتَهُ *** لَمْ يَجْحَدُوا أَنَّهُمْ طُرّاً لَهُ خَدَمُ

عَلامَ لَمْ تَفْقَهُوا مَا قُلْتُهُ لَكُمُ *** وَ أَنْتُمُ رُجُمْ أَمْ أَنْتُمُ زُخْمُ(4)

خَلُّوا الخِلافَةً خَلُوهَا فَلَيْسَ لَهَا *** إِلا أَبُوحَسَنٍ مَنْ فِيهِ تَعْتَصِمُ

هَذَا أَبُوالنَّيْرَيْنِ البَاهِرَيْنِ وَذَا *** أَخُو النَّبِيِّ وَ مَنْ تَمَّتْ لَهُ النَّعَمُ

ص: 409


1- سوارحکم: مواشيكم الراعية. الخذراف: في اللغة أنّ الخَذْرُوف: و الجمع خذاريف القطيع من الإبل المنقطع عنها. العنم: شجر له ثمرة حمراء يشبه بها البنان المخضوب.
2- تتشاغي: من شغا إذا زاد طولاً على سواه أو تفرق.
3- العرم: السدّ الذي يعترض بين الوادي أو المطر الشديد.
4- رُجُم: الأحجار المنصوبة على القبر. زُخُم: اللحوم الفاسدة كريهة الرائحة.

يَا قَوْمُ أَيُّ نَبِيَّ مَاتَ قَبْلُ وَ لَمْ *** يَتْرُكُ وَصِيَّا سَلُوا تُخبركُمُ الأُمَمُ؟

هَلْ فَاعِلٌ أَنَا إِلا مِثْلَ مَا فَعَلُوا؟ *** هَلْ عَازِمٌ أَنَا إِلا مِثْلَ مَا عَزَمُوا؟

وَ كُلَّهُمْ مَاتَ مَظْلُوماً وَمَا ظُلِمُوا *** كَمَا ظُلِمْتُ وَبِاللَّهِ صَبْرُهُمُ

هَلْ فِي بَنَاتِهِم بِنْتُ كَفَاطِمَةٍ؟ *** أَمْ فِي رِجَالِهِم كَالمُرْتَضَى عَلَمُ؟(1)

مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ مالي مالَهُ انْتَهَبُوا *** مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ مَالي مالَهُ اصْطَلَمُوا؟(2)

مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ رَحْلِي رَحْلَهُ اغْتَنَمُوا *** مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ مالي ماله اقْتَسَمُوا؟

مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ قَدْرِي قَدْرَهُ جَهِلُوا *** مَنْ مِنْهُمُ مِثْلُ صِهْرِي صِهْرَهُ شَتَموا

هَبْ أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ مِنْكُمْ وَ كُنْتُ لَكُمْ *** جَاراً مَا حُرْمَةٌ لِلْجَارِ عِنْدَكُمُ

أَنَا الخَصِيمُ لَكُمْ فِي يَوم لاحَكَمْ *** إلا الإلهُ وَ نِعْمَ الحَاكِمُ الحَكَمُ

سَيُحْرَقُ الذكرُ مِنْ بَعْدِي لأَنَّ بِهِ *** مَدْحَ ابْنِ عَمِّي مَقْرُونٌ بِذَمِّكُمُ

سَتَغْدِرُونَ بِهِ بَعْدِي لأَنَّ بِهِ *** مِنْهُ إِذَا حَقَّ يَوْمُ الحَقِّ وَيْلَكُمُ

هذِي حَبِيبَتِي الزَّهْرَاءُ بَيْنَكُمُ *** وَ دِيعَتِي هَلْ لَهَا يَا قَوْمِ مَحْتَشِمُ؟(3)

أَنَّى وَ كَيْفَ وَ فِيكُمْ كُلُّ ذِي كَبِدٍ *** تَغْلِي عَلَيَّ حَقوداً وَ هُيَ تَضْطَرِمُ

كَأَنَّمَا كُنْتُ ثِقْلاً فِي كَوَاهِلِكُمْ *** فعتت فَأَجْنَحْتُمُ أَهْلِي و ودّهُمُ

يَا طَالَمًا رُمْتُمُ قَتْلِي بِكَيْدِكُمُ *** فَمَا اسْتَطَعْتُمْ وَرَدَّ اللهُ كَيْدَكُمُ

ص: 410


1- في «كنز العمال» ج12 ص110 ح34232 الرسالة. «يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين و سيدة نساء المؤمنين و سيدة نساء هذه الأمة».
2- اصطلموا: استأصلوا.
3- في «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص64 نقلاً عن كتاب بحار الأنوار، ج22 ص491. «... يا أبا الحسن علیه السلام هذه وديعة الله و وديعة رسوله محمد صلي الله علیه و آله و سلم عندك فاحفظ الله و احفظني فيها وإنك لفاعله».

سَتَغْدِرُونَ بِينتِي مِثْلَ مَا غَدَرُوا *** بِبِنْتِ عِمْرَانَ قَبْلَ اليَوْمِ وَاتَّهمُوا

أَخِي يُقَادُ كَمَا قَوْدُ الخَبِيبِ وَ ذِي *** تُلْغَى وَصَايَاي فِيهَا ثُمَّ تُهْتَضَمُ(1)

النَّارُ فِي بَيْتِهَا تُضْرَى وَ جَانِبَهَا *** يُرَضُ وَ ابْن لَهَا بِالبَابِ مُضْطَرِمُ(2)

حَتَّى الجَنِينَ أَبَادَ اللَّهُ جَمْعَكُمُ *** نَسْتَأصِلُونَ فَمَا شَأْنِي وَ شَأْنُكُمُ

يَا خَيْرَ كُلِّ الوَرَى بَعْدَ النَّبِيِّ وَ مَنْ *** بِهِ الهُدَى قَائِمٌ وَ الدِّينُ مُنْتَظِمُ

مَنَاقِبٌ لَكَ مِلْء الأَرْضِ ضَائِقَةٌ *** بِهَا السَّمَاء وَ أَنْتَ المُفْرَدُ العَلَمُ

مَا أَنْصَفُوكَ وَ لَوْلا أَنْتَ مَا عُرِفُوا *** وَ لاَرَعُوكَ وَ لَوْلاً أَنْتَ مَا سَلِمُوا

حَلِمْتَ عَنْهُمْ وَ حِلْمُ اللَّهِ حِلْمُكَ يَا *** عَيْنَ الإِلهِ فهَل عَنْكُمُ حَلَمُوا

لكِنَّ صَفْحَكَ عَنْهُمْ صَفَحُ رَبِّكَ عَنْ *** فِرْعَونَ مِصْرَ وَ مَنْ كَانَتْ لَهُ إِرَمُ(3)

كَذَا أُمِرْتَ وَ كَانَ اللَّهُ حَسْبَكَ إِذْ *** أَبْصَرْتَ مَا كَانَ عَنْهُمْ خَافِياً وَعُموا

مَنْ هُمْ وَ مَنْ غَيْرُهُمْ لَوْ شِئْتَ قُلْتَ لَهُمْ *** مُوتُوا فَمَاتُوا وَ لَمْ تَشْهَدْ لَهُمْ رَمَمٌ

كَانَ اصْطِبَارُكَ بِالرَّحْمَن يَوْمَ تَرَى *** بِنْتَ النَّبِيِّ جَهَاراً خَدَّهَا لَطَمُوا(4)

ص: 411


1- لعل الرواية الواردة في كتاب (سليم بن قيس) ص39 تؤكد على أنهم لم يراعوا أية وصية الرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فيها علیها السلام. «دخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار فنادت: يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقاً في قبرک...».
2- (والبيت الذي يليه) ورد في كتاب سليم بن قيس ص40 ط/ قسم الدراسات الإسلامية -مؤسسة البعثة. «و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها...». و في كتاب الإمامة والسياسة ج1 ص12 ط3/ مؤسسة الوفاء/ بيروت. «... فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقتها على من فيها...».
3- إِرَم: حجارة تنصب في المفازة يهتدى بها.
4- جاء في أمالي الصدوق ص116 ط الخامسة/منشورات مؤسسة الأعلمي/ بيروت. «...ولطم فاطمة علیها السلام خدّها...».

تَشْكُو إِلَيْكَ وَ مَا أَنْسَى مَقَالَتَهَا *** هُنَاكَ هَائِفَةً وَ الدَّمْعُ يَنْسَجِمُ(1)

هَذَا ابْنُ آكِلَةِ الذُّبَانِ مُعْتَدِياً *** إرْنِي وَطِفْلِي بِمَرْأَى مِنْكَ يَحْتَرِمُ

هَذَا زَنِيمُ عدي نَالَهُ خَطَرٌ *** عَلَى بَيْنِي بِمَرْأَى مِنْكَ يَفْتَحِمُ

أَبْنَاءُ قِيلَةَ هَذَا كَانَ عَهْدُكُم *** إِلَى النَّبِيِّ وَذَا كَانَ وَعْدُكُمُ(2)

نَصَرْتُمُونَا وَ كُنْتُمْ قَبْلُ شِيعَتَنَا *** وَ اليَوْمَ صِرْتُمْ عَلَيْنَا مَا بَدَا لَكُم

مَنْ كَانَ حَرْبُكُمُ بِالأَمْسِ صَارَ لَكُمْ *** سِلْماً وَ مَنْ كَانَ سِلْماً صَارَ حَرْبَكُمُ

هذِي بَنَاتُكُمُ خَلْفَ السُّتُورِ وَ ذِي *** بِنْتُ النَّبِي عَلَيْهَا الرِّجَسُ يَحْتَكِمُ

يَسُومُهَا تَارَةً خَسَفاً وَ يَضْرِبُهَا *** أُخْرَى أَمَا فِيكُمُ لِلدِّينِ مُنْتَقِمُ(3)

لَوْ كَانَ حَمْزَةُ وَالطَيَّارُ حَاضِرَنَا *** مَا نَالَ مِنْ نحلتي ما نَالَ عجْلُكُمُ(4)

ص: 412


1- قد يريد الإشارة إلى الرواية الواردة في كتاب «الأمالي للشيخ المفيد» ص40 ح8 ط/ المطبعة الإسلامية قم المقدسة. «عن زينب بنت علي بن أبي طالب علیه السلام قالت: لما اجتمع رأي أبي بكر على فاطمة علیها السلام منع فدك و العوالي وأيست من إجابته لها عدلت إلى قبر أبيها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فألقت نفسها عليه و شكت إليه ما فعله القوم بها و بكت حتى بلت تربته بدموعها و ندبته...».
2- لعله أراد الرواية المذكورة في الاحتجاج ص140 ط/ مطابع النعمان/ النجف الأشرف و هي من خطبتها علیها السلام. «...إيهاً بني قيلة أأهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأى منّي و مسمع و منتدى و مجمع تلبسكم الدعوة و تشملكم الخبرة و أنتم ذوو العدد و العدة و الأداة و القوة و عندكم السلاح و الجنة توافيكم الدعوة فلا تجيبون و تأتيكم الصرخة فلاتغيثون و أنتم موصوفون بالكفاح...». تأمركم فتأتمرون حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام و در حلب الأيام و خضعت ثغرة الشرك و سكنت فورة الإفك ... فأنى حزتم بعد البيان و أسررتم بعد الإعلان و نكصتم بعد الإقدام و أشركتم بعد الإيمان بؤساً لقوم نكثوا إيمانهم من بعد عهدهم...».
3- يسومها خسفاً: يُذلّها.
4- جاء في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص618 ط3/ مطبعة أمير -قم منقولة عن كتاب «الخرائج والجرايح» ج1 / ص112 ح187... «... وإن أباك قد جعلها لك بذلك و نحلتكها تكون لك و لولدك بعدك قال: فدعا بأديم عكاظي و دعا علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: «اكتب لفاطمة علیها السلام بفدك نحلة من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...».

كَأَنَّما جِئْتُمُ تَبْغُونَ ثَارَكُمُ *** مِنّا قَدِيماً نَعَمْ وَالحِقْدُ حِقْدُكُمُ

يَا آلَ أَحْمَدَ يَا أَزْكَى الانَامِ خُذُوا *** غَرّاء مِنْ عَبْدِكُمْ زِينَتْ بِمَدْحِكُمُ

إِنْ تَقْبَلُوهَا فَمَا فَضْلُ كَفَضْلِكُمُ *** أَوْ تَرْفُضُوهَا فَمَا عَدْلٌ كَعَدْلِكُمُ

مَا إِنْ مَدَحْتُكُمُ رَفْعاً لِقَدْرِكُمُ *** لَكِنْ لِرَفْعَةِ قَدْرِي بِامْتِدَاحِكُمُ

وَ مَا أُريدُ بِهِ فَحُراً عَلَى أَحَدٍ *** لَكِنْ لِيُعْلَمَ أَنَّ العَبْدَ عَبْدُكُمُ

مَا لِي سِوَاكُمْ وَمَا لِي غَيْرُكُمْ أَبَداً *** إِنْ ضَاقَ بِي زَمَنُ أَوْ مَسَّنِي أَلَمُ

أَنْتُمْ أَعَزُّ وَ أَعَلَى أَنْ يَخِيبَ لَكُمْ *** عَبْدٌ وَ إِنْ قِيلَ هَذَا خَاطِىءٌ أثِمُ

ص: 413

(32) عترتها الأطائب

(بحر الكامل)

الشيخ محسن أبو الحب(الكبير)(*)(1)

لو كُنت صَاحِبَ لَوْعَتِي وَ غرامِي *** لَعَلِمْتَ كَيْفَ بِذِكْرِهِنَّ هُيَامِي؟(2)

مَا مَرَّ ذِكْرُ زَمَانِهِنَّ بِصَارِحٍ *** إِلا أَبَحْتُ حَشَاي للأسقامِ

زَمَنٌ لَوْ أَنَّ الدَّهْرَ جَدَّدَهُ لَنَا *** صَحْتُ بِرَغْم عَوَاذِلِي أَحْلامِي(3)

وَ مُرَوَّعٌ بِاللَّوْمِ قَلْبِي لَوْ ذَوَى *** مَا بِي مِنَ الأَشْوَاقِ كَفُّ مُلامِي

مَا زَالَ يَلْقَانِي بِقُبْحِ كَلامِهِ *** زَجْراً وَ أَلْقَاهُ بِلِين كلامي

أَنَا كُنْتُ أَدْرِي مُذْ أَلِفْتُ هَوَاهُمُ *** أَنْ سَوْفَ يَكْفُرُ فِيهِمُ لُوَّامي

لَكِنَّنِي وَ أَبِيكَ لَسْتُ بِسَامِعِ *** طَاشَتْ إِذَا دُونَ المَرَامِ سِهَامِي(4)

بِاللَّهِ لَمْ أَرَ بَعْدَ يَوْمٍ فِرَاقِهِمْ *** يَوْماً لَهُ أَجْفُو لَذِيذَ مَنَامِي

إلا إِذَا ذُكِرَ المُحَرَّمُ قَالَ لِي *** قَلْبِي اتَّخِذْ لِلْحُزْنِ دَارَ مُقَامِ

حَقّاً عَلَى أَهْلِ الوَفَا أَنْ يَسْأَمُوا *** طِيبَ الكَرَى وَ لَذِيذَ كُلِّ طَعَامِ

حُزناً لِمَا نَالَ النَّبِيَّ مُحَمداً *** مِنْ مُفَرَدَاتِ مَصَائِبٍ وَ تُوامِ

أَمَّا عَزِيزَتُهُ البَتُولُ فَلَمْ نَزَلَ *** خَلْفَ الضَّنَا و فداحةَ الآلامِ(5)

ص: 414


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- هيام: العطش، المحبّة.
3- عواذلي: لائميَّ.
4- طاشتْ سهامي: جازت و تعدّتْ و لم تُصِب.
5- في البيت إشارة إلى ما ورد في المناقب ج3 ص331 لابن شهر آشوب ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم -المطبعة العلمية بقم. «فقالت عائشة: دعينا فوالله ما كان أحد من الرجال أحبّ إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من علي و لا من النساء أحب إليه من فاطمة علیها السلام». و في دلائل الإمامة ص55 ط3 منشورات الرضا علیه السلام/ قم. عن علي علیه السلام: أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم سئل: عن البتول علیها السلام و قيل له سمعناك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم تقول: «مريم بتول و فاطمة علیها السلام بتول فما ذاك؟» فقال: «البتول التي لم تر حمرة قط أي لم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء». انظر: «روضة الواعظين» ص166 و مثلها.

قَاسَتْ مَصَائِبَ لَوْ تُقَاسِي بَعْضَهَا *** شُمُّ الجِبَالِ لِسحْنَ بَعْدَ قِوَامِ(1)

فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْتَجِد مَآتماً *** عَظمَتْ مَوَاقِعُهَا عَلَى الإِسْلَامِ

أسَفِي لِعِتْرَتِهَا الأَطَائِبِ أَصْبَحُوا *** نَهْباً لِكُلِّ مُثَقَّفٍ وَ حُسَامِ

مُتَبَاعِدُونَ عَنِ الدِّيَارِ كَأَنَّهُمْ *** سِرْبٌ يُوَكَّلُهُ الرَّدَى بِهيَامِ

مَا زَالَ سَيْفُ الشِّرْكِ يَعْبَثُ فِيهِمُ *** وَ يَبِيدُهُمْ مِنْ مَقْعَدٍ وَ مَقَامِ

حَتَّى قَضَتْ وَطَراً أُمَيَّةُ مِنْهُمُ *** وَ مَضَتْ فَقَامَ لَهَا بنُو الأَعْمَامِ

يَتَسَابَقُونَ عَلَى انْتِهَابِ تُرَائِهِمْ *** سَبْقَ الجِيَادِ الضمْرِ فِي الأَقْدَامِ

أَمَّا أُمَيَّةُ لَمْ تَهِجْ أَضْغَانَهَا *** إِلأَتُرَاتُ الشِّرْكِ وَ الأَصنام

فَعَلَامَ هَؤُلَاءِ هَاجَتْ لِلسَّمَا *** أَضْغَانُهُمْ وَ هُمُ ذُوُوُ الأَرْحَامِ

هذَا وَ مَا ارْتَكَبَتْ أُمَيَّةُ قَبْلَهُمْ *** مِعْشَارَ مَا ارْتَكَبُوا مِنَ الآثامِ

لَوْ كَانَ حَقاً قُرْبُهُمْ مِنْ هَاشِمٍ *** مَا ضَيَّعُوا لِبَنِيهِ عَهْدَ ذِمَامِ

لَمْ يَتْرُكُوا لِبَنِي النَّبِيِّ حَشَاشَةً *** إلا أَشَبُّوا بَرْدَهَا بِضَرَامِ

فِي كُلِّ سِجْنِ لِلنَّبِيِّ لديجر *** ثَاوِ وَ فِي قَفْراءَ آخَرُ دَامِ

وَ لَقَدْ عَجِبْتُ وَ كَيْفَ لَمْ أَعْجَبْ وَ قَدْ *** أَضْحَى الرَّشَادُ مُضَيِّعَ الأَحْكَامِ

ص: 415


1- في كتاب كشف الغمة ج2 ص132 ط/ دار الكتاب الإسلامي بيروت. «... قال علي علیه السلام عند موت الزهراء علیها السلام... و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها حقها فأحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً فستقول و يحكم الله وهو خير الحاكمين...».

وَ خِلافَةُ اللَّهِ الَّتِي لَمْ يَنْخَفِض *** لِسِوَى بَنِي الهَادِي ذُرَاهَا السامي

كَانَتْ أَعَزَّ مِنَ الثَّرَيَّا مَنْعَةً *** وَ اليَوْمَ صَارَتْ مَوْطِأَ الأقدامِ

يُدْعَى الرَّشِيدُ بِهَا إِمَاماً حُكْمُهُ *** مَاضٍ وَ خَيْرُ الخَلْقِ غَيْرُ إِمَامِ

مَنْ ناشِدٌ عَنِّي بَنِي العَباسِ *** لاجَفَّتْ بِرَقْم هِجَائِهِمْ أَقْلامِي؟

أَنَّى ادَّعَوْهَا مُلْكَهُمْ وَ أَرَاهُمُ *** لَمْ يَسْعَدُوا فِيهَا بِشَدٌ حِزَامِ؟

أيَّامَ بَاعُ الشُّرْكِ أَرْسَلَ كَفَّهُ *** وَ اقْتَادَ شَامِسَهَا بِغَيْرِ زِمَامِ(1)

أَسِوى عَلِيٌّ كَانَ يُوَضِحُ لِلوَرَى *** مَا كَانَ مِنْهَا طَامِسَ الأَعْلامِ؟

حَتَّى انْجَلَتْ كَالصُّبْحِ أَسْفَرَ بَعْدَمَا *** غَشَى الظَّلامَ سُفُورَهُ بِظَلاَمِ

مَنْ ذَا يُقَابِلُ ذَا بِمَنْ إِسْلَامُهُ *** مَا كَانَ لَوْلاَ خِيْفَةُ الصِّمْصَامِ؟

لاَتَفْرَحُوا يَا قَوْمِ إِنْ أَيَّامُكُمْ *** طَالَتْ بِطُولِ مَسَرَّةٍ وَ دَوَامِ

فَكَأَن قَدِ انْقَلَبَتْ بِكُمْ وَ كَأَنَّكُمْ *** لَمْ تَظْفَرُوا مِنْهَا بِنَيْلِ مَرَامِ

إِنَّ الَّذِينَ وَ لَعْتُمُ فِي ظُلْمِهِمْ *** لَهُمُ مَعَادِنُ كُلِّ فَضْلٍ نَامِ

وَ هُمُ الَّذِينَ بِوَصْفِ بَعْضٍ عُلَاهُمُ *** ظَلَّتْ تَحَارُ خَوَاطِرُ الأَيَّامِ

لو أَنَّهُمْ رَامُوا تَمَلُكَ جِيدِمَا *** رِمْتُمْ لَكَانَ لَهُمْ أذَلُّ مَرَام

لَكِنَّهُمْ نَظَرُوا عَلَيْهَا ذِلَّةَ *** الأَدْنَى فَعَافُوهَا اجْتِنَاب الذَّام

فَلِذَاكَ أَصْبَحَ عَادُهَا يُنْمَى لَكُمْ *** بَاقٍ مَدَى مِ وَ الأَعْوَامِ

قَدْ كَانَ فِي يَوْمِ الغَدِيرِ كِفَايَةً *** فِي هَوْلِهِمْ عَنْ سَائِرِ الأَيَّامِ

يَوْمٌ بِهِ الجَبَّارُ أَكْمَلَ دِينَهُ *** وَ أَتَمَّهُ فِي أَحْسَنِ الإِتْمَامِ

عَقَدَ النَّبِيُّ بِهِ وَلَاءَهُمْ عَلَى *** مَنْ كَانَ فِي الأَصْلابِ وَ الأرْحَامِ

فَتَعَاقَدُوا أَهْلُ الغَوَىٰ أَنْ يَنْكُثُوا *** مَا كَانَ أُبْرِمَ غَايَةَ الإِبْرَامِ

ص: 416


1- شامسها: الشامس من الفرس الذي لايمكن أحداً من ركوبه أو إسراجه و لايكاد يستقرّ.

وَ عَدَوْا عَلَيْهِم يَخْضِمُونَ تُرَاثَهُمْ *** خَضْمَ السَّوَائِم نَبْتَةَ الرَّمْرَامِ(1)

إنّي لأقسِمُ بِالنَّبِيِّ وَآلِهِ *** قسماً عَلَى رَبِّ السَّمَا العَلام

أَنْ لايُغَيِّرني عَلَى مَا فِيَّ مِنْ *** حُبِّ النَّبِي وَآلِهِ العُلاَّمِ

يَا رَبِّ كُنْ أَنْتَ الشَّهِيدَ عَلَيَّ أنْي *** عَبْدُهُمْ وَ اسْمَعْ بِهَا أَقْسَامِي

ص: 417


1- يخضمون: يأكلون بأقصى أضراسهم السوائم الإبل و المواشي الراعية.

(33) جنود اللَّه

(بحر الوافر)

الشيخ محمد بن عبد المطلب(*)(1)

أَبَا السِّبْطَيْنِ كَيْفَ تَفِي المَعَانِي *** نِشَارًا فِي مَدِيحِكَ أَوْ نِظَامَا؟(2)

مَقَامٌ دُونَهُ نُجُبُ القَوَافِي *** وَ إِنْ كَانَتْ مُسَوَّمَةً كِرَامَا(3)

فَحَسْبُكَ يَا أَخا الشُّعَرَاءِ عُذْرًا *** رَمَيْتَ بِهَا مَكَانًا لَنْ يُرَامَا

وَ مَا أَدْرَاكَ وَيْحَكَ مَاعَلِيٌّ *** فَتَكْشِفَ عَنْ مَنَاقِبِهِ اللَّئَامَا؟

وَ مَنْ هُوَ كُلَّمَا ذُكِرَت قُرَيْسٌ *** أَنَافَ عَلَى غَوَارِيهَا سَنَامَا؟(4)

تَبَصَّرْ هَلْ تَرَى إِلأَعَلِيّاً *** إِذَا ذُكِرَ الهُدَى ذَاكَ الغُلاَمَا؟

ص: 418


1- (*) الشاعر من مصر، توفي سنة (1350ه_).
2- نثاراً: النثار: ما ينتثر من الشيء. السبطان: الحسن و الحسين علیهما السلام.
3- نُجُب: جمع نجيب و هو النفيس في نوعه.
4- غواربها: الغارب الكاهل. السنام: من كل شيء أعلاه. و في كتاب الإمام علي علیه السلام من حبه عنوان الصحيفة لأحمد الرحماني الهمداني ص95الحديث السابع عشر قال: خطب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الناس يوم الجمعة فقال: «أيها الناس قدموا قريشاً و لاتقدموها و تعلموا منها و لاتعلموها قوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من غيرهم و أمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرباها أخي و ابن عمي علي بن أبي طالب علیه السلام لايحبه إلا مؤمن و لايبغضه إلا منافق من أحبه فقد أحبني و من أبغضه فقد أبغضني و من أبغضني عذبه الله في النار». رواه أحمد بن حنبل في كتاب فضائل علي علیه السلام في مسنده. في مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 102. عن عروة بن الزبير قال: «أسلم علي و هو ابن ثمان سنين». و في فرائد السمطين للحموي، ج1 باب 47 ص242. عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لقد صلت الملائكة عليَّ . و على علي سبع سنين لأنا نصلي و ليس معنا أحد يصلي غيرنا». و قال العلامة الأميني في الغدير، ج3 ص95. هذا «أي أوَّليَّة إسلامه و هو ابن تسع أو ثمان أو غير ذلك» ما اقتضته المسالمة مع القوم في تحديد مبدأ إسلامه و أما نحن فلا نقول إنه أول من أسلم بالمعنى الذي يحاوله ابن كثير و قومه لأن البدأة به تستدعي سبقاً من الكفر و متى كفر أميرالمؤمنين علیه السلام حتى يسلم؟ و متى أشرك بالله حتى يؤمن؟ و قد انعقدت نطفته على الحنيفية البيضاء و احتضنه حجر الرسالة و غذته يد النبوّة و هذبه الخلق النبوي العظيم فلم ينزل مقتصاً أثر الرسول صلي الله علیه و اله و سلم قبل أن يصدع بالدين الحنيف و بعده فلم يكن له هوى غير هواه و لانزعة غير نزعته و كيف يمكن الخصم أن يقذفه بكفر قبل الدعوة و هو يقول: -و إن لم نر صحة ما يقول- إنه كان يمنع أمه من السجود للصنم و هو حمل. أيكون إمام الأمة هكذا في عالم الأجنة ثم يدنسه درن الكفر في عالم التكليف؟ فلقد كان «صلوات الله عليه» مؤمناً جنيناً و رضيعاً و فطيماً و يافعاً و غلاماً و كهلاً و خليفة بل نحن نقول: إن المراد من إسلامه و إيمانه و أوليته منهما و سبقه إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الإسلام هو المعنى المراد من قوله «تعالى» عن إبراهيم الخليل علیه السلام «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» الأنعام/ 136 و فيما قال «سبحانه» عنه «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» ) البقرة/ 131 و فيما قال «سبحانه» عن موسى علیه السلام «وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» الأعراف/143.

غُلامٌ يَبْتَغِي الإِسْلامَ دِينا *** وَ لَمَّا يَعْدُ أَنْ بَلَغَ الفِطَامَا(1)

إذِ الرُّوحُ الأمينُ بِقُمْ فَأَنْذِرْ *** أتَى طَعَ لِيُنْذِرَهُمْ فَقَامَا

وَ أُمَّتُهُمْ إِلَى الإِسْلَامِ أُمَّ *** غَدَتْ بِالسَّبْقِ أَوْفَرَهُمْ سِهَامَا

ص: 419


1- في كفاية الأثر للخراز القمي، ص21 قال: عن عطاء قال: دخلنا على ابن عباس -و هو عليل- بالطائف في العلة التي توفي فيها و نحن رهطاً زهاء ثلاثين رجلاً من شيوخ الطائف و قد ضعف فسلمنا عليه و جلسنا فقال لي: يا عطاء من القوم؟ قلت: يا سيدي هم شيوخ هذا البلد... فما زلت أعبر له واحداً بعد واحد ثم تقدموا إليه فقالوا: يا بن عم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنك رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و سمعت منه ما سمعت فأخبرنا عن اختلاف هذه الأمة فقوم قد قدَّموا علياً علیه السلام على غيره و قوم جعلوه بعد ثلاثة قال: فتنفس ابن عباس و قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «علي علیه السلام و الحق مع علي علیه السلام و هو الإمام و الخليفة من بعدي فمن تمسك به فاز ونجى و من تخلف عنه ضلَّ و غوى. يلي تكفيني و غسلي و يقضي ديني و أبوسبطيَّ الحسن و الحسين علیهما السلام و من صلب الحسين علیه السلام تخرج الأئمة التسعة و منا مهديُّ عج الله فرجه الشریف هذه الأمة... إلى أن قال: فتمسكوا بالعروة الوثقى من عترة نبيكم صلي الله علیه و آله و سلم» فإني سمعته صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «من تمسك بعترتي من بعدي كان من الفائزين».

وَ صَلَّى حَيْدَرٌ فَشَأَى قُرَيْشاً *** إِلَى الحُسْنَى فَسَمَّوه الإمامَا

إلى أن يقول:

وَ مَا صِهْرُ النَّبِيِّ إِذَا تَنَادَوْا *** كَمَنْ يَدْعُو رَبِيعَةَ أَوْ هِشَامَا

وَ مَنْ غَدَتِ البَتُولُ إِلَيْهِ تُهْدَى *** بَنَى فِي النَّجْمِ بَيْتاً لايُسَامَى(1)

بأمر اللَّهِ قَدْ زُقَتُ إِلَيْهِ *** عَشِيَّةَ رَاحَ يَخْطِبُهَا وَ سَامَا

كَأَنِّي بِالمَلائِكِ إِذْ تَدَلَّتْ *** بِذَاكَ البَيْتِ تَزْدَحِمُ ازْدِحَامَا

فَلَوْ كَشَفَ الحِجَابَ رَأَيْتَ فِيهِ *** جُنُودَ اللَّهِ تَنْتَظِمُ انْتِظَامَا

أَطَافُوا بِالحَظِيرةِ فِي جَلالٍ *** صُفُوفاً حَوْلَ فَاطِمَةٍ قِيَامَا

تَفِيضُ عَلَى مِنَصَّتِهَا وَ قَاراً *** وَ تَكْسُو حُسْنَ طَلْعَتِهَا وِسَامَا

فَلا يُحْزِنُ خَدِيجَةَ إِنْ تَوَلَّتْ *** وَ لَمْ تَبْلُغَ بِجَلْوَتِهَا مَرَامَا

توَلأهَا الَّذِي وَلَّى أَبَاهَا *** رِسَالَتَهُ وَ زَوَّجَهَا الإِمَامَا

قِرَانٌ زَادَهُ الإِسْلاَمُ يُمْناً *** وَ شَمْلٌ زَادَهُ الحُبُّ التِئَامَا(2)

فَإِنْ تَكُ خَيْرَ مَنْ عَقَدَتْ إِزاراً *** وَ أَكْرَمُ كُلَّ مَنْ أَرْخَتْ لِثَامَا

فَمَا شَغَلَتْهُ عَنْ حَوْضِ المَنَايَا *** إِذَا الْتَظمَتْ زَوَاخِرُهَا الْتِطَامَا(3)

ص: 420


1- يُسامى: يضاهى أو يشابه.
2- يُمناً: خيراً و بركة التئاماً: وفاقاً.
3- في رحاب أئمة أهل البيت علیهم السلام ج2 ص330. و القصيدة في مدح الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و هي طويلة أخذنا منها هذه الأبيات.

(34) عقيلة الوحي

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد حسن أبوالمحاسن(*)(1)

ص: 421


1- (*) هو الشيخ محمد حسن الملقب بأبي المحاسن ابن الشيخ حمادي بن محسن بن سلطان آل قاطع الجنابي. ولد في مدينة كربلاء المقدسة سنة (1293ه_) و بها نشأ و ترعرع، و درس الأدب و الفقه على جماعة من أدبائها و علمائها و كان من أشهرهم السيد محمد حسين المرعشي الشهرستاني و الشيخ كاظم الهر. و لم يقتصر في دراسته على الفقه و الأدب بل كان له إلمام بالتاريخ و الجغرافيا و غيرهما من العلوم المتداولة في تلك الفترة. و كان شاعرنا يمتاز بالذكاء المفرط و سرعة البديهة كما كان بهي الطلعة، جميل المحيا نقي المظهر، متسماً بالوقار جميل المعاشرة غير متصنع في بشاشته متصفاً بالصدق و الوفاء، و على جانب عظيم من الشمم و الإباء و سموّ الهمة و شرف النفس. و كان أحد أبطال الثورة العراقية الكبرى عام (1919م) و ذلك على أثر قيام المرجع الكبير الإمام الميرزا محمد تقي الشيرازي بأعباء الزعامة الدينية و التفاف زعماء الفرات حوله ما أدى إلى تأليف جمعية سرية في كربلاء المقدسة، تحت إشرافه باسم الحزب الإسلامي برئاسة محمد رضا نجل الإمام الشيرازي لبعث الروح الوطنية في نفوس المواطنين و التأليف بين الرؤساء و الزعماء، و العمل على مكافحة الاستعمار و المطالبة باستقلال البلاد و كان من أعضاء تلك الجمعية العلامة السيد حسين القزويني، و السيد عبد الوهاب آل وهاب، و السيد هبة الدين الشهرستاني، و شاعرنا أبوالمحاسن الذي لعب دوراً مهماً في الميدان الوطني بكل صلابة و قوة و إيمان و رباطة جأش. و قد اختير المترجم له مندوباً عن كربلاء المقدسة في المفاوضات مع الإنكليز حول القضية العراقية قبيل الثورة، ثم عين بعد ذلك رئيساً للمجلس الملي و الحكومة المؤقتة لكونه موضع ثقة الإمام الشيرازي. و على العموم كان المترجم له طيلة حياته مثالاً للإخلاص و النزاهة و الاستقامة و الخدمة العامة في المجالات الوطنية و الأدبية حتى أجاب داعي ربه متوفياً بالسكتة القلبية صبيحة الخميس الثالث عشر من ذي الحجة سنة (1344ه_)، و حمل نعشه إلى النجف الأشرف و دفن في الصحن الحيدري بين إيوان ميزاب الذهب و مقبرة العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي.

عَهْدُ وَصْل بِالرَّقْمَتَيْنِ قَدِيمُ *** سَلَفَتْ فِيهِ نَضْرَةٌ وَ نَعِيمُ(1)

قِفْ عَلَيْهِ مُسلّماً إِنَّ فَرْضاً *** فِي الدِّيَارِ الوُقُوفُ وَ التَّسْلِيمُ

يَا خَلِيلَيَّ وَ الخَلِيلُ المُوَاسِي *** خَيْرُ ذُخْرِ إِذَا أَطَلَّ عَظِيمُ

أَسْعِدَانِي بِوَقْفَةٍ فِي المَغَانِي *** رَيْنَمَا يَشْتَفِي الفُؤَادُ السَّلِيمُ(2)

ذَكَرَتْنِي مَنَازِلُ الوَحْي لَمَّا *** عَاثَ فِي أَهْلِهَا الزَّمَانُ الغَشُومُ(3)

صَدَّعَتْ شَمْلَهَا صُرُوفُ اللَّيَالِي *** فَهيَ قَفْرَى وَفَيْتُهَا مَقْسُومُ(4)

فَغَرِيبٌ مُشَرَّدٌ وَ قَتِيلٌ *** مُسْتَضَامٌ وَ صَابِرٌ مَسْمُومُ(5)

وَ اسْتَمَرَّتْ عَلَى الوَصِيِّ خُطُوبٌ *** وَ رَزَايَا يَطِيْشُ مِنْهَا الحَلِيمِ(6)

يَوْمَ جَاءَتْ إِلَى الفَعِيلَةِ تَشْتَدُّ *** رِجَالٌ كَانَتْ عَلَيْهَا تَحُومُ

نَقَضَتْ بَيْعةَ الهُدَى وَ اسْتَجَدَّتْ *** بَيْعَةً كُلُّهَا ضَلاَلٌ وَ شُومُ

وَ رَدُوا مَنْهَلَ الغِوَايَةِ طَرْقاً *** وَ غَدِيرُ الرَّشَادِ عَذْبٌ جَمُومُ

أَعْلَى... يَعْكِفُونَ وَ فِيهِمْ *** أَسَدُ اللَّهِ وَ العِمَادُ القَوِيمُ

عَمِيَتْ أَعْيُنُ تَسَاوَى لَدَيْهَا *** فَلَقُ الصُّبْحِ وَ الظَّلامُ البَهِيمُ

مَنْ سَمَا لِلْمَنُونِ فِي يَوْمَ بَدْرٍ *** يَوْمَ صَالَتْ أَبْطَالُهَا وَ القُرُومُ(7)

ص: 422


1- الرقمتين: الرقمة هي جانب الوادي أو مجتمع ماء الوادي أو الروضة.
2- المغاني: المنازل.
3- عاث: أسرع في إنفاقه، أفسده.
4- صدعت: فرقت. صروف الليالي: نوائبها و حدثانها. قفرى: خالية لاماء فيها و لاناس و لاكلاً. فيؤها: غنيمتها.
5- مستضام: مظلوماً مقهوراً.
6- يطيش: يخف أو يذهب عقله.
7- القروم: هي الفحول إذا تركت عن الركوب و العمل.

وَ بِأَحْدٍ مَنْ رَدَّ بَأْسَ عِدَاهَا *** ثَابِتَ الجَأْشِ مُقْدِماً لاَيَخِيمُ

وَ بِيَوْمِ الأَحْزَابِ إِذْ عَظُمَ الأَمْرُ *** وَ رَاعَ الإِسْلامَ خَطبٌ جَسِيمُ

وَسَطَا فَارِسُ الكَتِيبَةِ يَخْتالُ *** بِهِ مُشْرِفٌ أَقَبٌ عَظِيمُ(1)

مَنْ جَلاً كَرْبِها وَ جَلَّى دُجَاهَا *** وَ بِمَنْ قُل جَيْشُهَا المَهْزُومُ

غَيْر مَوْلاهُمُ وَ مَنْ بِعُلاَهُ *** صَدَعَ الذِّكْرُ وَ الكِتَابُ الحَكِيمُ

عَدَلُوا بِالدَّنِي فَرْعاً شَرِيفاً *** وَ شَجَتْ بِالنَّبِيِّ فِيهِ الأُرُومُ(2)

أَفَهَلْ يَسْتَوِي وَ هَيْهَاتَ غَاوِ *** وَ رَشِيدٌ وَ جَاهِلٌ وَ عَلِيمُ؟

لَمْ يُرَشْحُهُمُ لِعَلْيَاءَ فَضْلٌ *** فَيَسُودوا وَ لاَنْجَارَ صَمِيمُ

وَ أَتَتْهُمْ عَقِيلَةُ الوَحْيِ حَرَّى *** قَدْ بَرَتْهَا أَحْزَانُهَا وَ الهُمُومُ

أفَرَغَتْ عَنْ لِسَانِ أَحْمَدَ فِيهِمْ *** حُجَجاً كَانَ حَقَّهَا التّسْلِيمُ

فَرَمُوا حَقَّهَا الصَّرِيحَ بِإِفْكٍ *** زَخْرَفُوهُ وَ الإِفْكُ مَرْعَى وَخِيمُ(3)

لأعَدَّتْ حُظَةَ الهَوَانِ رِجَالٌ *** لَيْسَ فِي جَمْعِهَا الغَفِيرِ كَرِيمُ

غَصَبُوا إِرْثَهَا وَ عَدُّوهُ غُنْماً *** وَ هُوَ الغُرْمُ وَ الإِلهُ الغَرِيمُ(4)

بَيْتُ أَحْزَانِهَا مُشَيَّدٌ وَلكِنْ *** صَبْرُهَا وَاهِنُ القوَى مَهْدُومُ(5)

وَ قَسَتْ مِنْهُمُ القُلُوبُ عَلَيْهَا *** وَ أَبُوهَا البَرُّ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ

جَاءَهُمْ مُعْدَمُو ثَرَاءٍ حَيارَى *** فَاهْتَدَى حَائِرٌ وَ أَثْرَى عَدِيمُ

ص: 423


1- أقب: رئيس القوم و سيدهم.
2- الأروم: الأصول أو الأحساب.
3- الإفك: الكذب وخيم لاينجع كَلَوْه.
4- غُنما: ما يؤخذ من المحاربين عنوة. الغُرم: و هو ما يلزم أداؤه من المال. تقدم ذكر ما ورد فيه عن كتاب مسند الإمام أحمد بن حنبل ج1 ص9: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر. فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة». الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
5- واهن: ضعيف.

قاض إحْسَانُهُمْ عَلَيْهِمْ سِجَالاً *** وَ سَقَتْهُمْ مِنْ رَاحَتَيْهِ الغُيُومُ

فَاضَ فَعَدَا عَيْشُهُمْ حَمِيداً وَلكِنْ *** عَهْدُهُمْ فِي بَنِي النَّبِي ذَمِيمُ

سَيَذُوقُونَ مَا جَنَوْهُ وَ شِيكاً *** يَوْمَ يَغُدُو الشَّفِيعُ وَ هُوَ خَصِيمُ(1)

ص: 424


1- ديوان أبي المحاسن ص213.

(35) أكرم منزل

(بحر الكامل)

السيد محمد رضا حيدر شرف

الدين العاملي

يا صاح لاعذل و لاإرغام *** رفقاً بنفسي فالملام حرامُ(1)

لاغرو خلي إن بكيت بعبرة *** حرى فقلبي ألهب و ضرامُ(2)

ما كنت أذرف للصبابة أدمعي *** سفهاً و لاأدمى الفؤاد غرامُ(3)

حفَّت بشخصي الحادثات ترومني *** فدفعت جيش الحزن و هو غرامُ(4)

ولكم جرعت من الحياة حميمها *** لم يُثنني منها أذى و سقامُ

صرعت فرسان الليالي و الإبا *** طبعي فأحنت هامها الأيامُ

ما هزَّني الخطب المروع بعظة *** حتى و لو هتنت عليَّ سهامُ

لكن يوم الدار خلف في الحشا *** ندباً فما بين الضلوع حطامُ(5)

يوم به أربد الفضاء و غاض *** نورالخافقين فحلَّها الإظلامُ

و تداعت الأفلاك في عليائها *** بالنوح و السبع الطباق جهامُ

و الشمس ژوارت في الحجاب ضياءها *** حزناً و صدع البدر لايلتامُ

ص: 425


1- العدل: الملامة.
2- الغرو: العَجَب.
3- الصبابة: رقة الشوق و حرارته.
4- ترومني: تريدني أو تقصدني.
5- الحشا: ما كان بين الضلوع.

إذ أوزفت بضغائن معهودة *** و الناس في مهد الخنوع نيامُ

زمر النفاق تروم أكرم منزل *** فيه البتولة و الفتى الضرغامُ

هجموا على دار الوصي و حرقوا *** بابا أعز حريمه العلامُ

و انهال صاحبهم يلوع فاطما *** بالسوط ضرباً رقَّ منه لئامُ

ثم انبری عصراً يهشم ضلعها *** فهوى الجنين و قد عراه حمامُ

سقطت مضرجة تجود بنفسها *** لم يرع فيها للنبي ذمامُ

فاهتز عرش اللَّه من أناتها *** و بكى دماً لمصابها الإسلامُ

ص: 426

(36) ولد الخير

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

أَصْعَ يَا دَهْرُ وَ أَنْصِتِي يَا مَكَارِمْ *** وَ انْفُضِي يَا جِرَاحُ عَنْكِ المَرَاهِمْ

وَ اسْتَعِدْ يَا قَرِيضُ كُلّ القَوَافِي *** وَ اسْبُرِ اليَوْمَ غَوْرَ كُلِّ المَلاَحِمْ

إِنَّ هَذِي النُّفُوسَ ظَمْأَى لِنُورٍ *** طَالَمَا غَيَّبتْهُ عَنْهَا المَظَالِمْ

إِنَّ هَذِي الحُقُولَ لَمْ تَأْلَفِ الجَدْبَ *** وَ قَدْ أَوْشَكَتْ تَمُوتُ البَرَاعِمْ

فَامْلَئِي يَا سَمَاءُ قَلْبِيَ آمَالاً *** فَإِنِّي لَمَّا أَزَلْ بَعْدُ هائِمْ

أتَملَّى بَيْنَ السَّحَائِبِ غَيْثاً *** يَنْشُرُ البِشْرَ بَيْنَ هذي العَوَالِمْ

يُرْجِعُ الخِصْبَ فِي العُقُولِ فَتَسْمُو*** لِتَرى ذِلَّةَ الصُّقُورِ الحَمَائِمْ

لتَرَى البُرْعُمَ الصَّغِيرَ يَبُثُ الجَوَّ *** عِطْراً وَ إِنْ أُثِيرَتْ بَهَائِمْ

أنْ تَقُول الشعوبُ قَوْلَتَهَا الفَضلَ *** عَلَى رَغْم كُلِّ أَهْوَجَ حَاكِمْ(2)

أنْ يَعِيش الإنْسَانُ حُراً كَرِيماً *** لامَرُوعاً مِنَ السُّيوفِ الصَّوَارِمْ

فَلَقَدْ لاحَ فِي الحَوَالِكِ بَرْقُ *** يَصْدَعُ الخَوْفَ وَ اللَّيَالِي الدَّوَاهِمْ(3)

يَخْطَفُ الرُّعْبَ مِنْ قُلُوبِ الحَيَارَى *** وَ يَصُدُّ الثَّغْرَ المُعَطَّلَ باسِمْ

ذَاكَ وَهْجُ الزَّهْرَاءِ يُشْرِقُ فِينَا *** وَ حَدِيث عَنِ البَتُولَةِ فَاطِمْ

ص: 427


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أهوج من كان طويلاً في حمق و طيش و تسرع أو الشجاع الذي يرمي نفسه في الحرب.
3- الحوالك: الحالك شدة السواد. الليالي الدواهم: ثلاث ليال في آخر الشهر القمري.

وُلِدَ الخَيْرُ إِذْ وُلِذتِ فَيَا فَرحة *** طه في بِنْتِ خَيْرِ الأَعَاظِمْ

قَدْ أُعِيدَتْ بهَا الكَرَامَةُ لِلأُنْثَى *** فَعَاشَتْ بَيْنَ الكرام الكرَائِمْ

وَ الْتَقَتْ فِي رِحَابِهَا جَنَبَاتٌ *** لَمْ تَكَدْ تَلْتَقِي الدُّهُورَ الصَّوَارِمْ(1)

فَإِذَا الخَشْمُ بِالنُّبُوَّةِ يُقْضِي *** عِنْدَهَا فِي إِمَامَةٍ وَ مَكَارِمْ

نَقَلَتْ مَنْهَلَ الرِّسَالَةِ عَذْباً *** رَائِقاً فِي صِفَاتِهِ لِلْعَوَالِمْ

فِي بَنِيهَا يَا عِزَّةُ لَمْ تُخَامِرْ *** عُظَمَاءَ التَّارِيخ مِنْ كُلِّ حَالِمْ

غَيْرُ بِنْتِ لِلْمُصْطَفَى كَانَ فِيهَا *** نَسْلُهُ وَ النُّهَى وَ كُلُّ المَرَاحِمْ

فَاسْتَطَالَتْ عَلَى العَوَالِم فَخْراً *** شَاهِدٌ فِيهِ كُلُّ بَرِّ وآثِمْ

وَ تَرَاهَا تَرَعْرَعَتْ فِي حُجُورٍ *** عَزَّ فِي الدَّهْرِ مِثْلُهَا فِي الأَكَارِمْ

وَلَدَتْهَا خَدِيجَةٌ وَ كَفَاهَا *** أَنْ تَرَى فِي وَلِيدَةِ الخَتْمِ خَاتِمْ

وَ بِهَا سَوْفَ يَنْتَشِي نَسْلُ طَهَ *** وَ يَزِينُ الدُّنْيَا وَ تَسْمُو المَعَالِمْ

وَ تَقُولُ الدُّنْيَا بِأَنَّ عَظِيماً *** قَطَعَتْهُ أَرْحَامُهُ كُلَّ رَاحِمْ

ص: 428


1- الدهور: ظرف زمان أي لم تكد تلتقي في زمن الدهور.

وَ نَبِيُّ الإِسْلاَم خَلَّفَ بِنْتاً *** لَمْ يُرَاعُوا بِها حُقُوقَ المَحَارِمْ(1)

قَدْ تَصَدَّتْ لِلظَّالِمِينَ بِيَومٍ *** عَزَّ فِيهِ النَّصِيرُ مِنْ كُلِّ جَاثِمْ(2)

خَطَبَتْ فِيهِمُ فَدَوَّى صَدَاهَا *** يَمْلَأُ الخَافِقَيْنِ رَغْمَ الكَوَاتِمْ(3)

أَفْرَغَتْ عَنْ فَم الرَّسُولِ بَيَاناً *** خَلَّدَتْهُ الدُّهُورُ طَيَّ المَلاحِمْ

أَفْصَحَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الكَوْنِ فِيهِ *** وَ مَضَتْ وَ هْيَ سِرُّ كُلِّ العَوَالِمْ(4)

بَيْدَ أَنَّ الدُّنْيَا أَقَرَّتْ خُضُوعاً *** أَنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ فَخْرُ الفَوَاطِمْ

أَنْجَبَتْ هَذِي المَلايينَ مِنَ السَّادَةِ *** رُغْمَ التَّقْتِيلِ مِنْ كُلِّ ظَالِمْ

فَاسْتَفَاقَ الزَّمَانُ أَيْنَ بَنُو حَرْبٍ *** وَ سُلْطَانُهُمْ وَ قَطْعُ الجَمَاجِمْ؟

أينَ أعْدَاؤُها فَقَدْ ذَهَب الكُلُّ *** وَ لَمْ يَبْقَ خَالِدٌ غَيْرُ فَاطِمْ؟

ص: 429


1- يشير الشاعر في هذا البيت إلى ما حلَّ بالزهراء علیها السلام من النكبات و المصائب و الأحزان بسبب وفاة أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و جناية القوم عليها من غصب فدك إلى الهجوم على الدار فحرقه و كسر الضلع و إسقاط الجنين و ضربها بالسياط و على الخد و غيرها من المصائب. انظر بعض ما ورد عن ذلك في كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص362 و كتاب بحار الأنوار ج43 ص177 و كتاب رحلة ابن جبير ص174. و كتاب البحار أيضاً ج43 ص195. و في كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد/ فيما قاله الخواجة الطوسي، ص296 قال في المسألة السادسة عند ذكره للأدلة الدالة على عدم إمامة غير علي علیه السلام: و دفن أي أبوبكر في بيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد نهى الله «تعالى» دخوله في حياته و بعث إلى بيت أميرالمؤمنين علیه السلام لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة علیها السلام و جماعة من بني هاشم ورد عليه الحسنان لما بويع و ندم على كشف بیت فاطمة علیها السلام. قال العلامة الحلي فيَّ كتابه «كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد» عند شرحه لهذه الفقرة: هذه مطاعن أخر في أبي بكر و هو أنه دفن في بيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد نهى الله «تعالی» عن الدخول بغير إذن النبي صلى الله عليه و آله و سلم حال حياته فكيف بعد موته و بعث إلى بيت أميرالمؤمنين علیه السلام ما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار و فيه فاطمة علیها السلام و جماعة من بني هاشم و أخرجوا علياً علیه السلام كرهاً و كان الزبير فى البيت فكسروا سيفه و أخرجوا من الدار من أخرجوا و ضربت فاطمة علیها السلام و ألقت جنيناً اسمه «محسن» و لما حضرته الوفاة قال «ليتني كنت تركت بيت فاطمة علیها السلام فلم أكشفه و هذا يدل على خطئه في ذلك».
2- الجاثم: المتلبد بالأرض.
3- الخافقين: المشرق و المغرب.
4- في هذه الأبيات الأربعة أشار الشاعر إلى خطبتها المروية في المسجد بعد أن غصبوا فدك منها. روى عبداللّه بن الحسن بإسناده عن آبائه أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و أقبلت في لمةٍ من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست ثم أنت أنَّةً أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمداللّه و الثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه و آله و سلم، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت علیه السلام: الحمدللّه على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم و الثناء بما قدم من عموم نعم،ابتداها و سبوغ آلاء أسداها و تمام منن أولاها... الخ الخطبة. راجع كتاب الاحتجاج، ج1 ص131-146.

(37) سيدة الدنيا و الآخرة

(بحر البسيط)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

يَظَلُّ قَبْرُكِ مَجْهُولاً عَنِ الأُمَمِ *** وَ أَنْتِ مَفْخَرَةُ الدُّنْيَا بِكُلِّ فَمِ(2)

وَ يَحْسَبُ الدَّهْرُ أَنْ يُطَوّى بِحَادِثَةٍ *** وَ تِلْكَ أشْهَرُ مِنْ نَارٍ عَلَى عَلَمِ(3)

فَلَيْسَ تُطْوَى مِنَ الزَّهْرَاءِ صَفْحَتُهَا *** وَ فِي الحَيَاةِ بَقَايَا الخَيْرِ وَ الكَرَمِ

هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ أَنْ نَنْسَاكِ عَنْ سَفَةٍ *** إِذَا وَحَقِّكِ فَالدُّنْيَا إِلَى عَدَمِ

عِشْنَا القَضِيَّةَ إِنَّا نَنْتَمِي شَرَفاً *** إِلَى وَلاَئِكِ فِي الأَحْسَابِ وَ القِيَمِ

يَجْرِي بِحُبِّكِ أُمَّ الأَوْصِيَاءِ دَمٌ *** يَطْغَى فَيَرْفُضُ بَعْضَ الأُمَّهَاتِ دَمِي

حَبَاكِ رَبُّكِ بِالسِّبْطَيْنِ فَافْتَخِرِي *** أَباً وَ بَعْلاً وَ أَولاداً مِنَ القِمَمِ(4)

لَمْ تَجْتَمِعْ لابنةٍ فِي الدَّهْرِ مِنْ أَحَدٍ *** إِلا لِخَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ كُلِّهِمِ

إِذَا تَكَلَّمْتِ قَالَ النَّاسُ فِي وَلَهٍ *** كَأَنَّ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ فِي الكَلِمِ(5)

ص: 430


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- إشارة إلى دفنها ليلاً وإخفاء قبرها و تقدم تفصيله نقلاً عن كتاب مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص363. و كتاب بحار الأنوار ج43 ص183. و كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1898. و كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص54. و كتاب البحار أيضاً ج43 ص212 نقلاً عن عیون المعجزات للسید المرتضي.
3- عَلَم: جبل.
4- حباك: أعطاك من غير جزاء.
5- وَلَهُ: التحير من شدة الوجد و في البيت إشارة إلى شباهة الزهراء علیها السلام في كلامها لرسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. ففي كتاب المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 154 قال : عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة علیها السلام برسول اللّه صلى اللِه عليه و آله وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها فأخذ بيديها فقبلها وأجلسها في مجلسه، قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. وذكره البيهقي في كتابه السنن الكبرى ج 7 ص 101. وذكره ابن عبد البر في كتابه الاستيعاب ج 4 ص 1896.

أَلَسْتِ قَلْبَ حَبِيبِ اللَّهِ بِضْعَتَهُ *** وَكُنْتِ كُفْؤَ عَلِيَّ رُتْبَةِ الشِّيَمِ(1) ؟

وَبَعْدَهَا فَلْيَقُلْ مَنْ شَاءَ مِنْ حَسَدٍ *** لَسْتِ الوَرِيثَةَ فِي طهَ مِنَ الرَّحِمِ

وَلْيَغْصِبِ القَوْمُ مِنْ بَغْضَائِهِمْ فَدَكَاً *** فِدَاكِ كُلُّ الوَرَى فِي العُرْبِ وَالعَجَمِ(2)

وَلْيُشْعِلُوا النَّارَ خَلْفَ البَابِ مِنْ حَنَقٍ *** لآلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَالحَرَمِ(3)

ص: 431


1- إشارة إلى كون الزهراء علیها السلام قلب رسول الله صلى اللّه عليه و آله وسلم وبضعته وكونها كفؤ علي علیه السلام. انظر كتاب مسند أحمد ج4 ص328. وكتاب الحلية لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص40. و کتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني ج4 ص378. وذكره أيضاً في كتابه تهذيب التهذيب ج12 ص441. وكتاب البحار ج43 ص23 وص54. وانظر أيضاً قصيدة آل رمضان الإحسائي الكافية رقم (11). وكتاب مصباح الأنوار وكتاب المختصر كما في البحار ج43 ص145.
2- تقدمت الإشارة إلى ذلك مفصلاً انظر: كتاب مسند أحمد بن حنبل ج1 ص9. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232. وكتاب السيرة الحلبية ج3 ص487. وكتاب الاحتجاج، ج1 ص131-144. وكتاب عوالم العلوم ج2 ص626 نقله عن كتاب مسند أحمد ج1 ص9. وكتاب السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص300. وكتاب الاحتجاج أيضاً ج1 ص119-122.
3- في كتاب تاريخ الطبري ج3 ص202 قال: عن زياد بن كليب قال: «أتى عمر بن الخطاب منزل علي علیه السلام و فيه طلحة و الزبير و رجال من المهاجرين فقال: واللّه لأحرقنَّ عليكم أو لتخرُجَنَّ إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه.» و في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586 قال: عن ابن عون أن أبابكر أرسل إلى علي علیه السلام يريد البيعة فلم يبايع فجاء عمر، و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب، فقالت فاطمة علیها السلام: يا ابن الخطاب أتراك محرقاً عليَّ علیه السلام بابي؟ قال: نعم، و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك. و في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45 قال: عن أحمد بن عبد العزيز قال: لما بويع لأبي بكر كان الزبير و المقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي علیه السلام و هو في بيت فاطمة علیها السلام، فيتشاورون و يتراجعون أمورهم. فخرج عمر حتى دخل على فاطمة علیها السلام و قال: يا بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، وايم اللّه ما ذاك بمانعي-إن اجتمع هؤلاء النفر عندك-أن آمر بتحريق البيت عليهم. فلما خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي باللّه: إن عدتم ليحرقنّ عليكم البيت، وايم اللّه ليمضينَّ لما حلف له. و في كتاب إثبات الوصية ص143 قال: فأقام أمير المؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فوجّهوا إلى منزله، فهجموا عليه، وأحرقوا بابه استخرجوه منه كرهاً وضغطوا سيدة النساء بالباب أسقطت محسناً، وأخذوه بالبيعة فامتنع و قال: لا أفعل. فقالوا: نقتلك، فقال: إن تقتلوني فإني عبداللَّه و أخو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله و سلم...الخ.

طَابَتْ حَيَاتُهُمُ فِي ظُلْمِهَا عَجَباً *** لِلتَّابِعِينَ عَلَى أَشْلاَءِ مُقْتَسَمِ

أَنْتِ الشَّفِيعَةُ يَوْمَ الحَشْرِ سَیِّدَتِي *** فَأَيْنَ يَذْهَبُ أَعْدَاكِ مِنَ النِّقَمِ؟(1)

أَمَّا مُحِبُّوكِ فَالدُّنْيَا تُشَرِّدُهُمْ *** إِذْ لَيْسَ فِي قَلْبِهِمْ حُبٌّ إِلَى الصَّنَمِ

ص: 432


1- انظر بعض ما ورد في شفاعة الزهراء علیها السلام في كتاب كنز الفوائد للكراجكي ج2 ص150. وكتاب دلائل الإمامة ص57. وكتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص26. وزيادة على ما مرَّ في شفاعة فاطمة علیها السلام يوم القيامة لشيعتها ومحبيها فقد جاء في كتاب نزهة المجالس للصفوري كما في كتاب فاطمة علیها السلام من المهد إلى اللحد ص185 للسيد محمد كاظم القزويني (رحمه الله علیه) قال: سألت فاطمة علیها السلام النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم أن يكون صداقها شفاعة لأمتها يوم القيامة، فإذا صارت على الصراط طلب صداقها. و في كتاب لسان الميزان قال: عن موسى بن علي القرشي قال: كان نثار عرس فاطمة علیها السلام و علي علیه السلام صكاكاً بأسماء محبيهما بعتقهم من النار. و في كتاب كشف الغمة لأبي الفتح الأربلي ج2 ص132 قال: عن محمد ابن الحنفية «رضي اللّه عنه» قال: سمعت أميرالمؤمنين علیه السلام يقول: دخلت يوماً منزلي فإذا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم جالس و الحسن علیه السلام عن يمينه و الحسين علیه السلام عن يساره و فاطمة علیها السلام بين يديه، و هو يقول: يا حسن و يا حسين علیهما السلام أنتما كفتا الميزان، و فاطمة علیها السلام لسانه و لاتعدل الكفتان إلّا باللسان و لايقوم اللسان إلّا على الكفتين أنتما الإمامان و لأمكما الشفاعة...الخ .

تَأْبَى ضُلُوعُكِ وَالمِسْمَارُ كَسَّرَها *** أَنْ لاَ تَضُمَّ فُؤَادَ المُخْلِصِ الأَلِمِ(1)

أَلاَ تُغِيثِي مُحِبّاً بَاتَ يَعْصِرُهُ *** دَهْرٌ وَسِجْنُ أَبٍ فِي عُمْرِهِ الهَرِمِ(2)

وَ أَنْتِ سَيِّدَةُ الدُّنْيَا وَآخِرَةٍ *** نَرْجُوكِ فِيهَا لِذَاكَ الهَوْلِ وَالظُّلْمِ

وَأَنْتِ عُرْوَتُنَا الوُثْقَى وَمَا وَعَدَ *** الكِتَابُ مُسْتَمْسِكِيهِ كُلَّ مُغْتَنَمِ(3)

وَقَالَ لِلأَنْبِيَاءِ الغُرِّ أَجْرُهُمُ *** عَليَّ (أَنْعِمْ) بِرَبِّ البَيْتِ وَالحَرَمِ

إِلاَّ لِخَاتَمِهِمْ لاَ أَجْرَيَقْبَلُهُ *** إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى مِنَ الرَّحِمِ(4)

مَا ذَنْبُ شِيعَتِهِمْ إِنْ كَانَ رَبُّهُمُ *** يُفْدِي الكِيَانَ لأَهْلِ البَيْتِ فِي كَرَمِ

ص: 433


1- انظر ما ورد في ذلك: كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40. و كتاب مؤتمر علماء بغداد ص37. وكتاب الاحتجاج، ج1 ص109. وكتاب البحار ج53 ص19.
2- يشير إلى والده العالم الجليل آية اللّه السيد محمد صادق القزويني الذي سجن في العراق وقد تجاوز عمره الثمانين عاماً ولم يعرف مصيره بعد...
3- عروتنا: العروة ما يوثق به.
4- إشارة إلى قوله «تعالى» «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى، آية: 23] و قد مرت بعض التفاصيل عن ذلك نقلاً عن كتاب ذخائر العقبى للمحب الطبري ص25. و تفسير الزمخشري الكشاف ج3 ص467. والدُّرِّ المنثور للسيوطي ج6 ص7. وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص123.

(38)من المختار روح و بضعة

(بحر الطويل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

(سَلِ الدَّارَ عَنْ أَرْبَابِهَا أَيْنَ يَمَّمُوا)؟ *** وَهَلْ أَنْجَدُوا أَمْ فِي الرَّكَائِبِ أَتْهَمُوا؟

وَمَا بَالُهَا مِنْ بَعْدِهِمْ كُلُّ مَا بِهَا *** أَسًى وَفِنَاهَا جَرُّهُ الْيَوْمَ مُظْلِمُ؟

فَعَهْدِي بِهَا مِنْ قَبْلُ تَزْهُو رُبُوعُهَا *** بِهِمْ وَرَبَاهَا بِالمَكَارِمِ مُفْعَمُ(2)

أَمَا لَهُمُ مِنْ أَوْبَةٍ لِدِيَارِهِمْ *** فَنَسْعَدُ فِي لُقْيَاهُمُ وَنُنَعَّمُ؟(3)

فَهَا أَنَا مِمَّنْ سَاقَهُ الوَجْدُ وَانْبَرى *** إِلَيْكِ بِمَا فِي قَلْبِهِ يَتَكَلَّمُ

وَلاَ عُجْبَ إِنْ سَالَ دَمْعُ مَحَاجِرِي *** فَإِنِّي وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ مُتَيَّمُ

فَحُزْنِي عَلَى مَرِّ الزَّمَانِ وأَدْمُعِي *** مَدَى العُمْرِ مِنْ عَيْنِي تَفِيضُ وَتَسْجُمُ(4)

عَلَى جِيرَةٍ حَازُوا الفَضَائِلَ وَالتُّقَى *** وَهُمْ لِلنَّدَى بَحْرٌ وَلِلْجُودِ مَعْلَمُ

مَصَائِبُهُمْ أَبْكَتْ عُيُونَ أُولِي النُّهَى *** وَبَيْنَ الحَنَابًا جَمْرُهَا يَتَضَرَّمُ

وَأَفْدَحُهَا مَا قُوْبِلَتْ فِيهِ (فَاطِمٌ) *** مِنَ الظُّلْمِ مُذْ وَافَى إِلَيْهَا المُحَتَّمُ(5)

ص: 434


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- رَباها: رابيتها وهي ما ارتفع من الأرض. مفعم: مملوء.
3- أوبة: عودة.
4- تسجم: تسيل.
5- في كتاب «أنساب الأشراف» للبلاذري ج2 ص268 ط1/ دار الفكر-بيروت بعض الإشارات إلى ذلك: «... إن أبابكر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع فجاء عمر و معه قبس، فتلقّتهُ فاطمة علیها السلام على الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يابن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال: نعم وذلك أقوى فيما جاء به أبوك».

نَحَوْا دَارَهَا وَهْيَ المُعَظَّمُ شَأْنُهَا *** وَ فِي ذلِكُمْ كُلُّ الخَلاَئِقِ تَعْلَمُ(1)

وَقَدْ هَدَّدُوهَا حِينَ ذَاكَ وَقَلْبُهَا *** لِفَقَدِ أَبِيهَا وَالفُرَاقُ مُكَلَّمُ (2)

وَقَالُوا إِذَا لَمْ تَفْتَحِي البَابَ عَاجِلاً *** سَنُحْرِقُهُ فِي نَارِنَا ثُمَّ تَهْجُمُ

فَقَالَتْ إِلَى اللَّهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا *** وَمَنْ هُوَ أَوْلَى فِي العِبَادِ وَأَحْكَمُ

وَلاَذَتْ وَرَاءَ البَابِ مِنْ بَعْدِ فَتْحِهَا *** تَسَتَّرُفِيهَا عَنْهُمُ مُذْ تَقَحَّمُوا(3)

وَ لَمَّا أَحَسَّ ... أَسْنَدَ ظَهْرَهُ *** لِحَائِط ذاكَ البَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(4)

بِمَا قَدْ جَرَى لَمَّا بِرِجْلَيْهِ رَدَّهَا *** عَلَيْهَا وَهَلْ فِي النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ أَظْلَمُ؟

أتُعْصَرُ مَا بَيْنَ الجِدَارِ وَبَابِهِ *** فَيُكْسَرُ مِنْهَا ضِلْعُهَا وَيُهَشَّمُ؟(5)

ص: 435


1- نحوا دارها: أي قصدوه. جاء في «تفسير العياشي» ج2 ص66/المكتبة العلمية الإسلامية - طهران ما يشير إلى هذا المعنى: «... قال عمر: قوموا بنا إليه. فقام أبوبكر و عمر و عثمان و خالد بن الوليد و المغيرة بن شعبة و أبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة و قنفذ و قمت معهم فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة علیها السلام أغلقت الباب في وجوههم. و هي لاتشك أن لا يدخل عليها إلاّ بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره...».
2- (والبيت الذي يليه) في «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد ج2 ص56 ط2/ دار إحياء الكتب العربية. رواية توضح المعنى. «... فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم...». و في كتاب «سليم بن قيس» ص36 ط/ مؤسسة البعثة - طهران. «...فقالت فاطمة علیها السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال عمر: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم...».
3- في «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم» ص542 نقلاً عن «علم اليقين في أصول الدين» للكاشاني ص686 : «... فلما عرفت فاطمة علیها السلام أنَّهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب فدفعوها القوم قبل أن تتوارى عنهم فاختبت فاطمة علیها السلام وراء الباب و الحائط...».
4- في البيت إشارة إلى ما ورد في «مؤتمر علماء بغداد» ص37 ط1/ بيروت دارالمودة، ربما تؤكد المعنى المذكور. «...و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لتردّ عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها...».
5- في «الاحتجاج» ج1 ص109 مطبعة النعمان/ النجف الأشرف «...فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام».

وَ تِلْكَ مِنَ المُخْتَارِ رُوحٌ وَ بَضْعَةٌ *** وَ أَقْوَالُهُ فِي فَضْلِهَا لَيْسَ تُكْتَمُ(1)

زَوَوْا إِرْثهَا عَنْهَا وَ مَاتَتْ كَثِيبَةً *** وَ كَافِلُهَا فِي الخَطب بِالصَّبْرِ مُلْزَمُ(2)

فَيًا وَيْلَ مَنْ أَدْمَى (الأَحْمَدَ) عَيْنَهُ *** بِعَيْنِ لَهَا فِي كَلِّهِ رَاحَ يَلْطِمُ

بِأَهْلِي وَبِي (أُمَّ الحُسَيْنِ) فَرُزْؤُها *** (يَشِيبُ لَهُ فَوْدُ الرَّضِيعِ فَيَهْرَمُ(3)

أَأَقْرَبُ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنْ رُوح (أَحْمَدٍ) *** وَ أَرْفَعُ كُلِّ الخَلْقِ قَدْراً وَ أَكْرَمُ؟

تَمُوتُ وَ مِنْ آلاَمِهَا البَعْضُ لَوْ عَلَى *** يَلَمْلَمَ يَجْرِي سَاخَ مِنْهُ يُلَمْلَمُ

فَمِنْ وَجْدِهَا أَوْصَتْ عَلِيّاً بِدَفْنِهَا *** خَفَاءَ وَ هذَا لِلْمُوَالِينَ آلَمُ(4)

فَشَيَّعَها لَيْلاً وَ عَفّى ضَرِيحَهَا *** وَ مِنْ عَيْنِهِ قَدْ سَالَ عَنْ دَمْعِهِ دَمُ(5)(6)

ص: 436


1- جاء في «كشف الغمة» ج2 ص124 ط/ دار الكتاب الإسلامي-بيروت. «عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم... و من أنصفك فقد أنصفني و من ظلمك فقد ظلمني لأنك منّي و أنا منك و أنت بضعة منّي و روحي التي بين جنبي...».
2- في كتاب «كشف الغمة» ج2 ص103 ط/ دار الكتاب الإسلامي. «روي أن فاطمة علیها السلام جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقالت: يا أبابكر من يرثك إذا مت؟ قال: أهلي و ولدي قالت: فما لي لاأرث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث ولكن أُنفق على من كان ينفق عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أعطي ما كان يعطيه...».
3- فَوْد: الشعر الذي على جانب الرأس مما يلي الأذنين إلى الأمام.
4- في أنساب الأشراف للبلاذري ص405 و في تاريخ الطبري ج2 ص448. «...عن عائشة أن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول صلي الله علیه و آله و سلم إلى أن قال: فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفَّيت فلما توفيت دفنها زوجّها عليّ علیه السلام و لم يؤذن بها أبوبكر...».
5- في «كتاب الأمالي» للشيخ المفيد ص281 (المجلس الثالث والثلاثون) ج7 ط/جماعة المدرسين في قم. «فلما حضرتها علیها السلام الوفاة وصت أميرالمؤمنين علیه السلام أن يتولى أمرها و يدفنها ليلاً و يعفي قبرها، فتولّى ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام و دفنها و عفى موضع قبرها فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه و حوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال:...».
6- نقل من ديوان ميراث المنبر ص23.

(39) أم الخدر

(بحر البسيط)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

تَاللَّهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَجَعَتْ *** لِفَاطِمَ لَيْلَةً عَيْنٌ وَ لَمْ تَنَمِ

تَبْكِي لِفَقْدِ أَبِيهَا حَيْثُ قَدْ غَرِقَتْ *** مُذْغَابَ عَنْهَا بِبَحْرِ الهَمِّ وَ الأَلَمِ

لَمْ يَرْعَ أَصْحَابُهُ حَقاً لَهَا أَبداً *** وَ قَدْ تَعَرَّوْا عَنِ الأَخْلاقِ وَ الشَّيَمِ

مَالُوا عَلَى إِرْثِهَا غَصْباً وَ قَدْ نَزَلَتْ *** بِهِ النُّصُوصُ مِنَ الرَّحْمَنِ ذِي النِّعَمِ(2)

وَ أَقْبَلُوا نَحْوَ بَيْتٍ فِي جَوَانِبِهِ *** تَبْكِي أَبَاهَا عَظِيمَ الشَّأْنِ ذَا الكَرَمِ

وَ جَمَّعُوا حَطَباً فِي بَابِهِ وَ عَلَتْ *** أَصْوَاتُهُمْ حَوْلَ بَيْتٍ جِدُّ مُحْتَرَمِ(3)

فَأَقْبَلَتْ بَضْعَةُ الهَادِي تُعَنْفُهُمْ *** وَ قَلْبُهَا كَانَ مِمَّا مَرَّ فِي ضَرَمِ

قَالَتْ بِصَوْتِ نِدَاهَا وَ هْيَ ثَاكِلَةٌ *** وَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنِهَا يَنْهَلُ كَالدِّيَمِ(4)

مَاذَا تُرِيدُونَ مِنّا نَحْنُ فِي شُغُلٍ *** بِحُزْنِنَا فِي مُصَابِ الوَالِدِ الشَّهِمِ؟

ص: 437


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص119 عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لما بویع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها...
3- إشارة إلى ما روي في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص19-20 في حديث طويل قال: و إن أبابكر تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي علیه السلام، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم و هم في دار علي علیه السلام، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقتها على من فيها، فقيل له: يا أباحفص إن فيها فاطمة علیها السلام، فقال: وإن...
4- ينهل: يسيل العين. الديم: جمع الديمة و هي مطر يدوم في سكون بلارعد و لابرق.

قَالُوا نُرِيدُ عَلِيًّا أَنْ يَمُدَّ يَداً *** بِبَيْعَةِ عُقِدَتْ فِي النَّاسِ لِلْهَرِمِ

قَالَت أُخرجُ أَنْ يَدْنُو لِمَنْزِلِنَا *** دَانٍ بِحُرْمَةِ طَة سَيّدِ الأُمَمِ

فَقَابَلَ الرَّجُلُ الزَّهْرَاءَ فِي كَلِمٍ *** قَاسٍ وَ جُرْأَةِ عِلْمٍ غَيْرِ مُحْتَشِمِ(1)

ساخرِقَنَّ عَلَيْكُمْ بَابَ بَيْتِکِمُ *** حَتَّى أُحِيلَكُمْ وَ البَيْتَ لِلعَدَمِ(2)

وَ لاَأُبقى بهِ طِفلاً وَ لاَرَجُلاً *** فَالحَرْقُ وَ القَتْلُ هَذَا اليَوْمَ مِنْ شِيَمِي

وَ حِينَمَا سَمِعَتْ تَهْدِيدَهُ ابْتَدَرَتْ *** لِفَتْحِ بَابِ الهُدَى لِلظَّالِمِ الغَشِمِ

وَ بَعْدُ لأَذَتْ بِهِ كَيْ لاَيَرَى أَحَدٌ *** خَيَالَهَا وَ هيَ أُمُّ الخِدْرِ مِنْ قِدَم

وَ مُذْ أَحَسَّ بِهَا الطَّاغِي تَعَمَّدَهَا *** بِعَصْرَةٍ صَدْرُهَا مِنْهَا هُنَاكَ دُمِي

وَ ضِلْعُهَا عَادَ مَكْسُوراً وَ مُحْسِنُهَا *** الحَمْلُ الشَّرِيفُ عَلَى وَجْهِ الصَّعِيدِ رُمِي(3)

ص: 438


1- علج: عَيْر. حمار غير محتشم: بغير حياء أو أدب.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص586: فجاء عمر و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب فقالت فاطمة علیها السلام: يا ابن الخطاب أتراك محرقاً عليَّ بابي؟ قال: نعم و ذلك أقوى ما جاء به أبوك. و في كتاب إحقاق الحق و إزهاق الباطل للتستري ج2 ص370 قال في370 قال في المبحث الرابع في تعيين الإمام... و ذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة منهم: أسيد بن الحضير و سلمة بن سلامة الأشهلي - و قد استعمله عمر على اليمامة- فقال: اخرجوا أو لنحرقنها عليكم. و ذكر ابن خنزابه في غرره قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السلام حين امتنع علي علیه السلام و أصحابه عن البيعة فقال عمر لفاطمة علیها السلام: أخرجي من في البيت أو لأحرقنه و من فيه!! قال: و في البيت علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم. فقالت فاطمة علیها السلام: أفتحرق علي ولدي؟! فقال: إي واللَّه أو ليخرجن و ليبايعن!! و في هذا كفاية... و ما ظنك بأمر تدفع فيه صدور المهاجرين و تكسر سيوفهم و تشهر فيه السيوف على رؤوس المسلمين و يقصد إحراق بيوت ساداتهم إلى غير ذلك؟!
3- انظر ما ورد في كتاب مرآة العقول ج5 ص320 فلما أخرجوه (علي علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوّجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها...إلى آخر الحديث.

وَ قَيَّدُوا فَارِسَ الهَيْجَاءِ إِذْ عَلِمُوا *** بِأَنَّهُ صَابِرٌ بِالسَّيْفِ لَمْ يَقُمِ

وَ خَلْفَهُ رَاحَتِ الزَّهْرَاءُ قَائِلةً *** إِنْ لَمْ تُخَلُوهُ أَدْعُو اللَّهَ بِالنَّقَمِ

ثُمَّ انْثَنَتْ لِضَرِيحِ المُصْطَفَى وَ غَدَتْ *** تَشْكُو لَهُ الجَوْرَ مِنْ جَانٍ وَ مُجْتَرِمِ(1)

يَا وَالِدِي هَتَفَتْ لَوْ كُنْتَ شَاهِدَنَا *** غَدَاةَ إِذْ هَجَمَ الأَعْدَاءُ لِلْحَرَمِ

لَسَاءَ حَالَكَ مَا قَدْ حَلَّ بِي وَ جَرَتْ *** عَيْنَاكَ مِمَّا عَرَانِي دَمْعُهَا بِدَمِ(2)

ص: 439


1- انثنت: انعطفت.
2- نقلت من ديوان ميراث المنبر ص34.

(40) مصاب فاطمة علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

لكِ ذكرى تمرُّ في كل عامٍ *** و عليها نمرُّ مرَّ الكرامِ

هي ذكرى لها نقيمُ احتفالاً *** بابتهاجٍ و فرحةٍ و ابتسامِ

هي ذكرى ولادةٍ سرَّ فيها *** سيد المرسلين خيرُ الأنامِ

بصبوحِ يشعُ في الكون شمساً *** لاكشمسِ الضحى و بدرِ التمامِ

شمسٌ و الشمسُ يا صاحِ فيها *** أن تُقمها فمالها من مقامِ

هي شمسُ الهدى و شمسُ المعالي *** و هي أحرى بالذكرِ و الاحترامِ

من سواها فخلّني و سروري *** لحظاتٍ بعد الدموعِ السجامِ

إنَّ قلبي من الهموم مليءٌ *** و مليءٌ من الخطوبِ الجسامِ

ثم أمسى خليَ بالٍ طروباً *** راقداً بينَ، نايهِ و المدامِ

إن ضربَ الأمثالِ في مثلِ هذا *** هو ضربٌ، و من فضولِ الكلامِ

فالتزامي بحب آلِ رسول اللَّه *** يُغني عن البيانِ التزامي

فمصابُ الزهراءِ روحي فداها *** هو في وسطِ قلبي المستظامِ

و الحسينُ الشهيدُ في الطفِ ليلاً *** يتراءى لمقلتِي في المنامِ

فكأن السيوفَ تنهلُ منه *** نصبَ عيني و الظالمونَ أمامي

هو مرمي فوقَ الصعيِدِ و مرمى *** بعد وخزِ الضبا لرشقِ السهامِ(2)

ص: 440


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الصعيد: التراب.

قسماحاً أم الحسينِ إذا ما *** شطَّ بي مزبرُ الشَّجا عن مرامِي(1)

وطأةُ الرزءِ أثقلتني فراحتْ *** دون قصدٍ تخطُّه أقلامِي

علَّمتْها أناملي أن تطيلَ *** القولَ في مدحكمُ و ذمِ اللئامِ

فعليكِ السلام منَّي يترى *** إن تفضلتِ في قبولِ سلامي

يا بنَة المصطفى و يا خير أمٍ *** لبني المرتضى الهداةِ الكرامِ

امنحينا بنظرةٍ منك فضلاً *** فسمانا ملبدٌ بالظلامِ

أنتِ بابُ النجاةِ من كل سوء *** فادفعي السوء عن رُبى الإسلامِ

ص: 441


1- مزبر (الزبر) الزجر و الانتهار الشجا: من الشجو، أي الهم والحزن.

(41) بتول القدس

(بحر الوافر)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

يَتُولُ القُدْسِ مِرآةُ النّظامِ *** عَرُوسُ الحُورِ مِشْكَاةُ السَّلَامِ(2)

قَرِينَةُ عَاهِلِ العُلْيَا عَلِيٍّ *** عَزِيزَةُ أَحْمَدٍ خَيْرِ الأَنَامِ(3)

وَ أَعْلَى دَوْحَةٍ بَسَقَتْ فُرُوعاً *** وَ أَمَّ أَئِمَّةِ الدِّينِ العِظَامِ(4)

وَ مَنْ لَمْ تَنسَ ذِكْر اللَّهِ حِيناً *** و لاذاقَتْ بِهِ طَعْمَ المَنَامِ(5)(6)

ص: 442


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في «المناقب» ج3 ص330 ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم -المطبعة العلمية/ قم. «...سمّيت مريم علیها السلام بتولاً لأنها بتلت عن الرجال و سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها بتلت عن النظير».
3- في كتاب «الكافي» ج1 ص461 ح10 ط/ الرابعة/ دار صعب -دار التعارف بيروت. «عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال: لولا أن الله تعالى خلق أميرالمؤمنين علیه السلام ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم و من دونه». و في مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص56 ط/ منشورات مكتبة المفيد -قم. «... و قالا: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أي أهلك أحبّ إليك؟ قال: فاطمة علیها السلام».
4- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج2 ص182 ط المطبعة العلمية/ قم. «... و لها أمومة الأئمة علیهم السلام إلى يوم القيامة و منها الحسن و الحسين علیهما السلام و عقب الرسول صلي الله علیه و اله و سلم.
5- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص194 منقولة عن كتاب «الثاقب في المناقب»:«إن الله «تعالى» رحم ضعف فاطمة علیها السلام لطول قنوتها بالليل».
6- في «دلائل الإمامة» ص48 للطبري ط/ الثالثة مطبعة أمير/ قم -منشورات الرضي. قال صلي اللّه علیه و آله و سلم: يا سلمان، «إن ابنتي فاطمة علیها السلام ملأ الله قلبها و جوارحها إيماناً و يقيناً إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله».

وَ كَيْفَ تَلَذُ ّفِي لَيْلِ بِنَوْمِ *** وَ تَأْنَسُ فِي نَهَارٍ مِنْ طَعَامِ؟(1)

وَ ذَاكَ قَرِينُهَا مَنْ سَنَّ *** لِلأَنُبِيَاءِ وَ غَيْرِهِمْ سُنَنَ الكِرامِ

فَكَانَتْ خَلْفَهُ تَسْعَى فَمَهُمَا *** أَتَى أَمْراً أَتَتْهُ بِالتِزامِ

تُشَاطِرُهُ قِيَامَ اللَّيْلِ حَتَّى *** شَكَتْ أَقْدَامُهَا وَرَمَ القِيَامِ(2)

وَ تَبْكِي خَشْيَةَ الجَبَّارِ حَتَّى *** اخَتَشَتْ أَجْفَانُهَا عَمَشَ السّقَامِ(3)

وَ تَطْوِي دَهْرَهَا حَتَّى بَرَاهَا *** نُحُولُ الجِسْمِ مِنْ فَرْطِ الصِّيَامِ(4)

***

فَحُقَّ إِذَا المَلاَئِكُ خَاطَبَتْهَا *** كَمَرْيَمَ فِي اصْطِفَاءٍ بِاحْتِرَامِ(5)

فَلَمْ تَنَلِ اصْطِفَاءَ اللَّهِ إِلاَّ *** لَمَا مِنْهَا إِلَيْهِ مِنِ انْقِسّامِ

فَقَدْ وَقَفَتْ عَلَيْهِ حَيَاتَهَا فِي *** تَحَمَّلِ كُلِّ ضَيْمِ وَ اهْتِضَامِ(6)

ص: 443


1- في مقتل الحسين للخوارزمي» ج1 ص80 ط/ منشورات مكتبة المفيد/ قم. «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تتورم قدماها».
2- في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج1 ص279 ح6 نقلاً عن «إرشاد القلوب» ص105 «کانت فاطمة علیها السلام تنهج في صلاتها من خوف الله «تعالى» عمش: ضعف البصر مع سيلان الدمع أكثر الأوقات.
3- في كتاب بحار الأنوار، ج37 ص97 ط/ الثانية مؤسسة الوفاء/ بيروت «يا أم أيمن أعلمي أنّ فاطمة الزهراء علیها السلام صائمة و هي متعبة جائعة و الزمان قيظ».
4- جاء في كتاب علل الشرايع ج1 ص216 باب 146 ح 1 للشيخ الصدوق ط/ الأولى -مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت. «سمعت أباعبدالله علیه السلام يقول: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران سلام الله علیها فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن الله اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين» فتحدثهم و يحدّثونها...».
5- ضَيْم: ظُلم و قهر.
6- في «كشف الغمة» ج2 ص363 ط/ دار الكتاب الإسلامي -بيروت. «... قال علي علیه السلام: فوالله ما أغضبتها و لاأكرهتها على أمر حتى قبضها الله «عزوجل» إليه و لاأغضبتني و لاعصت لي أمراً و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان».

عَلَى مَا فِيهِ كَانَتْ مِنْ حُقُوقٍ *** لِحَيْدَرَ قَدْ قَضَتْهَا بِالتَّمَامِ(1)

فَلَمْ تَشرُكَ عَلَيْهَا قَطُّ حَقاً *** لِرَبِّ العَرْشِ أَوْ رَبِّ الحُسَامِ

وَ طُولَ العُمْرِ مَا زَالَتْ تُؤدِّي *** حُقُوقَهُمَا وَذَا مِسك الخِتامِ

***

فَمَا عَمِلَتْ لِهَذِي الدَّارِ وَ هذا *** بها عَمَلَيْنِ فِي وَقْتِ بِعَامِ

فَمَا حَالُ الوَصِيَّ وَ قَدْ رآهَا *** بِطِينِ أوْ عَجِينِ فِي ازْدِحَامِ

فَتُخْبِرُهُ بِبَيْنِ حَانَ مِنْهَا *** يَبُوءُ الوَصْلُ مِنْهُ بِانْصِرَامِ(2)

وَ تَخْشَىٰ أَنْ يَكُونَ غَداً بِشُغْلٍ *** عَنِ الأَبْنَا لِنَكْبَاتِ الحِمَامِ(3)

فَتُصْبِحُ بَعْدَ أُمِّهِمُ يَتَامَى *** بِلا دَهْنِ الرُّؤُوسِ وَ لاَطَعَامِ

***

تَخَافُ عَلَىٰ بَنِيهَا مِنْ أَبِيهِم *** بِيَوْمِ وَاحِدٍ عَدَمَ اهْتِمَامِ

فَكَيْفَ وَ لَوْ رَأَتْهُمْ لَيْتَ ظَنِّي *** وَ قَدْ ضَاقَتْ بِهِمْ نُوَبُ الطَّغَامِ؟

فَهُذَا قَدْ فَرَاهُ السُّمُ قَلباً *** وَذَاكَ بِكَرْبَلاً غَرَضُ السِّهامِ

لَدَيْهِ مِنْ بَنِيهَا كُلُّ بَدْرٍ *** رَمَاهُ الحَتْفُ خَسْفاً بِالرّغَامِ

ص: 444


1- (والأبيات التي تلته) إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص178 ضمن حاشية رقم15 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «...و قال ما الذي تجدينه؟ فأنا ابن عمك علي بن أبي طالب علیه السلام فقالت: يابن العم إني أجد الموت الذي لابد منه و لامحيص عنه و أنا أعلم أنك بعدي لاتصبر على قلّة التزويج فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً و ليلة واجعل لأولادي يوماً و ليلة، يا أباالحسن علیه السلام و لاتصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فإنهما بالأمس فقدا جدهما و اليوم يفقدان أمهما».
2- الحمام: كلّ ما قدَّر و قضي، المنية، الموت.
3- الطغام: أوغاد الناس.

وَخَلْفَهُمُ كَرَائِمُهَا الَّتِي *** لَاتَزَالُ تَصُونُهَا عِصَمُ الخِيامِ

حَوَاسِرُ لَمْ تَجِدْ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ *** شَفِيقٍ بَيْنَ أَخْلَافِ لِئَامِ(1)

***

فَمَضَّ كَلَامُهَا بِحَشِا عَلِيٍّ *** فَكَانَ لَهُ بِهِ أَنْکَی کَلَامِ(2)

فَمَاذَا حَالُهُ فِي الغُسْلِ لَمَّا *** بَدا لأَذَى السِّيَاطِ المَتنَ دَامِي؟(3)

رَأَى بِالصَّدْرِ فِي الْأَضْلاعِ رَضَاً *** وَ فَوْقَ الخَدِّ لَظماً بِاحْتِذَامِ

فَلَمْ يَكُ غُسْلُهَا إِلا بِمَا قَدْ *** أَفَاضَ مِنَ الدُّمُوعِ لَهَا السِّجَامِ

وَ مَا أَكْفَانُهَا الأَ بِمَا قَدْ *** كَسَاهَا الدَّهْرُ مِنْ عِلَلٍ جِسَامِ

وَ لاعَجَبٌ لَهَا يَبْكِي وَلكِنْ *** عَجِيبٌ لَمْ يَمُتْ قَبْلَ السَّلاَمِ

ص: 445


1- أجلاف: حمقى. حواسر: النساء اللاتي حسرت. خمارهنّ عن وجوههنّ.
2- مض: آلَمَ و أوجع -أنكى: أشدّ قهراً بالقتل أو الجرح.
3- ما ورد في البيت هو إشارة إلى ما ورد في كتاب «سليم بن قيس» ص97 ط/ مؤسسة البعثة -طهران. «...فقال: هل تدري لِمَ كفّ عن قنفذ ولم يغرمه شيئاً؟ قلت: لا، قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني و بينهم فماتت صلوات الله عليها و إنّ أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج».

وَ قَدْ نَادَى اليَتَامَى أَنْ هَلَمُّوا *** صِلُوا بِوَدَاعِها حَقَّ الذَّمَام(1)

فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ حَنَّتْ وَ أَنَتْ *** وَ آوَتُهُمْ إِلَيْهَا بِانْضِمَامِ

فَإِنَّ الجِسْمَ عِنْدَ الوَصْلِ شَوْقاً *** لَيَشْعُرُ بِالأَحِبَّةِ فِي الحِمَامِ

فَلَيْسَ مِنَ البَتُولِ لِوُلْدِهَا *** ثَوْبَةٌ أَقْوَى لِلَيْلَى فِي الْتِزَامِ

وَ قَدْ رَدَّ السَّلامَ كَمَا ادَّعَاهُ *** عَلَيْهَا مَيْتاً بِشَبَا الغَرَامِ(2)

ص: 446


1- (والأبيات التي تلته) إشارة إلى ما ورد في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص179 ضمن حاشية رقم 15 ط2 مؤسسة الوفاء -بيروت. «... فقال علي علیه السلام: والله لقد أخذت في أمرها و غسَّلتها في قميصها... فلما هممتُ أن أعقد الرداء ناديت يا أم كلثوم يا زينب يا سكينة يا فضة يا حسن علیه السلام يا حسين علیه السلام هلموا تزودوا من أمكم فهذا الفراق و اللقاء في الجنة فأقبل الحسن و الحسين علیهما السلام و هما يناديان: واحسرتا لاتنطفىء أبداً من فقد جدّنا محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم و أمّنا فاطمة الزهراء علیها السلام يا أم الحسن علیها السلام يا أم الحسين علیها السلام إذا لقيت جدّنا محمد المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم فاقرئيه منا السلام و قولي له: إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا فقال أميرالمؤمنين علي علیه السلام: إني أشهد الله أنها حنّت و أنت و مدت يديها و ضمتهما إلى صدرها مليّاً و إذا بهاتف من السماء ينادي: يا أبا الحسن علیه السلام ارفعهما عنها فقد أبكيا واللَّه ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب إلى محبوبه...».
2- شبا: حد37/4/27 عن ديوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص51.

(42) مأساة الزهراء علیها السلام

(بحر الطويل)

الشيخ محمد صالح المطر(*)(1)

طغى الوجدُ في جسمي ففاضَ على فمي *** شعوراً فكانَ الشعرُ ينضحُ من دمي

و ذابت أحاسيسي فكانت مدامعاً *** تصب بآماقيِ عصارة عندم(2)

و دقتُ نواقيسُ المصابِ فجاوبتْ *** صداها حنايا صدرِيَ المتحطمِ

و تعتصرُ الأحزانُ بركانَ مهجتي *** فتنثُ جمراً في مرارةِ علقمِ

و عنديَ طاقاتُ الحديدِ تصبّراً *** و لكنْ أذابَتْها مصيبةُ فاطمِ

فتلكَ التي ما بارحَ المجدُ بيتَها *** و في مدحِها الآياتُ مملوءةُ الفمِ(3)

أغارَ عليها حين غابَ عن الشرى *** حِماها العدى من كلِّ علجٍ مزنمِ

ص: 447


1- (*) هو الخطيب الشيخ محمد صالح المطر ابن الشيخ كاظم ابن الشيخ صالح بن عبد الحسين المطر. ولد في مدينة البصرة في السابع عشر من شهر صفر الخير عام (1351 ه_) و في عام (1363 ه_) انتقل مع أسرته من البصرة إلى مدينة الهفوف بالإحساء، ثم اتخذ مدينة الدمام موطناً و مستقراً لإقامته. تلقى دروسه الابتدائية و حصل على الشهادة المتوسطة عام (1386 ه_) و صحب أباه الخطيب الكاظم، ثم صحب الخطيب الشيخ أحمد الطويل مستفيداً من خبرته، ثم استقلّ في خدمته الحسينية عام (1371 ه_) فأصبح خطيباً مفوّهاً، ورقى الأعواد في البحرين و البصرة و المحمرة و الأحساء و قطر و الدمام و غيرها. و هو ينظم الشعر دارجاً و فصيحاً، و ابتدأ مبكراً في محاولاته الشعرية و معظم شعره في ولاء أهل البيت العصمة علیهم السلام.
2- بآماقي: (آماق) البكاء و النشيج.
3- بارح: ترك أو غادَرَ.

و قد هاجمتْ بعدَ النبيَّ عرينَها *** ثعالبُ أدغالِ النفاقِ المخضرمِ

و قد روَّعُوا فيها الوقارَ و مادعُوا *** جنيناً تداعى في نضارةِ بُرعمِ

أرادوا بكسرِ الضلعِ منها خنوعَها *** و إقعادَها عن حقِّها المتحتمِ

فنادتْ و حزنُ الدهر أصداءُ صوتِها *** أبي إنني أشكُو إليك تظلّمِي

وصاياكَ في القربى تغيَّر لونُها *** و بدلَ أحكامُ الكتابِ ابن حنتمِ

و من ترهبُ الآسادُ سطوةَ بأسه *** يقادُ أسيراً كالبعيرِ المزنَّمِ

ص: 448

(43) حوادث بنت الهدى

(بحر المتقارب)

السيد محمد كاظم الكفائي

حَوَادِثُ بِنْتِ الهُدَى تُؤْلِمُ *** فَهَلْ يَسْتَطِيعُ البَيَانَ الفَمُ؟

فَهَلْ يَسْتَطِيعُ وَ فِيهِ الشَّجَا *** وَ كَيْفَ يُصَرِّحُ أَوْ يَكْتُمُ؟

فَإِنْ كَتَمَ الحَقِّ قَالُوا غَوَى *** وَرَاحَ عَنِ الحَقِّ يَسْتَفْهِمُ

وَ إِذْ قَالَ حَقّاً تَعِدُ الطُّغَاةُ *** انْتِقَاماً وَ لِلْحَقِّ لاَتَهْضُمُ

تَرُومُ لِتَكْتُمَ شَمْسَ الضُّحَى *** وَ هَيْهَاتَ شَمْسُ الضُّحَى تُكْتَمُ(1)

تَرُومُ لِتَكْتُمَ شَمْسَ الضُّحَى *** وَ لَمْ يُبْصِرُوهَا كَأَنْ قَدْ عَمُوا

ألَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ يَوْمَ السَّقِيفَةِ *** يَوْمٌ حَوَادِثُهُ تُؤْلِمُ؟

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ *** تُصَانُ وَ مَنْ يَعْتَدِي مُجْرِمُ؟(2)

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ بِنْتَ النَّبِيِّ *** وَدِيعَةُ طَهَ أَلَمْ يَعْلَمُوا؟

ص: 449


1- تروم: تقصد.
2- في مسند أحمد بن حنبل المجلد (5) ص96 ط/ دار صادر بیروت -الهامش. «...إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها». و تقدم ذكره في هوامش متعددة فراجع.

عَظِيمٌ فِرَاق نَبِيَّ الهُدَى *** وَ تَرْكُ وَصِيِّ الهُدَى أَعْظَمُ

حَوَادِثُ بِنْتِ الهُدَى أَصْبَحَتْ *** سُوَيْدَاءُ قَلْبِي بِهَا تُضْرَمُ(1)

تُسَائِلُ عَنْ حَادِثَاتِ الظُّرُوفِ *** وَ تَبْقَى عَنِ الحَقِّ تَسْتَفْهِمُ

أَيُخْفَى الرَّشَادُ وَ فِعْلُ الطُّغَاةِ *** وَ مَا عَبَرُوا عَنْهُ أَوْ تَرْجَمُوا؟

فَمَنْ ذَا الَّذِي غَصَبَ المُرْتَضَى *** وَ مَنْ ذَا عَلَى حَقِّهِ يُقْدِمُ؟

وَ هَلْ هُوَ أَرْجُوحَةٌ؟ قُلْ لَهُمْ *** إِذَا لَمْ يَعُوا الحَقَّ فَلْيَفْهَمُوا

فَإِنَّ الإِمَامَةَ نَصٍّ مُبينٌ *** مِنَ اللَّهِ هَلْ نَزَلَتْ فِيهِمُ؟

وَ هَلْ نَزَلَتْ آيَةٌ فِي الكِتَابِ *** كَمَا نَزَلَتْ (إِنَّمَا) عَنْهُمُ؟(2)

تَقَدَّمْ وَ سَلْهُمْ لِمَاذَا الوَصِيُّ *** تَأَخَّرَ عَنْهُمْ وَ هُمْ قُدِّمُوا

فَإِنْ كَانَ عِلْماً فَإِنَّ الإِمَامَ *** أَحَقُّ وَ مَنْ عِجْلِهِمْ أَعْلَمُ

وَ إِنْ كَانَ إِسْلَامُهُمْ نَافِعاً *** فَبَعْدَ الوَصِيّ هُمُ أَسْلَمُوا

فَدَعْ ذَا وَ ذاكَ وَ سَلْ مَا جَرَى *** عَلَى بَضْعَةِ المُصْطَفَى مِنْهُمُ؟(3)

كَأَنْ لَمْ يَقُلْ فَاطِمَ بَضْعَتِي *** وَ ذُو الشَّأْنِ فِي وُلْدِهِ يُكْرَمُ

ص: 450


1- سويداء القلب: حبَّة القلب.
2- إشارة إلى قوله «تعالى» «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» الأحزاب،33 و البيت الذي قبله لعله إشارة إلى قوله «تعالى» «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» المائدة،55.
3- في أمالي الصدوق ص99 ط الخامسة/ منشورات الأعلمي للطباعة (والبيت الذي يليه). و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية مني... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقّها و منعت إرثها و كسرت جنبتها و أسقطت جنينها و هي تنادي: يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم فلا تجاب و تستغيث فلاتغاث...».

فَمُذْ غَابَ عَنْهُمْ أَتَوْا بَيْنَهَا *** بِنَارِ لَظَى حَرْبَهُمْ أَضْرَمُوا(1)

وَ رَضُوا أَضَالِعَ بِنْتِ الهُدَى *** فَقُلْ أَيَّ ضِلْعِ هُمُ حَطَّمُوا؟(2)

فَخَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا بِهَا *** وَ سَالَ لِكَسْرِ الضُّلُوعِ الدَّمُ(3)

فَهَا هِيَ أَعْمَالُهُمْ مُنْكَرَاتٍ *** يَضُجُ بِهَا الشَّارِعُ الأَعْظَمُ

فَكَيْفَ بِهِمْ وَ ابْنَةُ المُصْطَفَى *** تُسَامُ بِظُلْمٍ وَ لَاتُرْحَمُ؟(4)

ص: 451


1- جاء في «العقد الفريد» لابن عبد ربه ج4 ص259-260/ دار الكتاب العربي - بيروت (1983م). «... فقصدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة علیها السلام و قال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...».
2- في كتاب «سليم بن قيس» ص40 ط/ مؤسسة البعثة -طهران: «و قد كان قنفذ «لعنه اللّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه و بين زوّجها- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها، فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة علیها السلام.
3- في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص574. «...فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب، و ناشدتهم باللّه و بأبي صلي اللّه علیه و آله و سلم أن يكفوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم فهذه أمة تصلي عليّ و قد تبرأ اللّه و رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم منهم و تبرأت منهم...».
4- في «مؤتمر علماء بغداد» ص59 تأليف مقاتل بن عطية ط الرابعة 1402 ه_. «...و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بین الحائط و الباب عصرة شديدة حتى أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت: فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم انظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة فالتفت عمر إلى مَنْ حوله و قال: اضربوا فاطمة علیها السلام فانهالت السياط على حبيبة رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم و بضعته حتى أدموا جسمها و بقيت آثار هذه العصرة القاسية و الصدمة المريرة تنخر في فاطمة علیها السلام فأصبحت مريضة عليلة حزينة حتى فارقت الحياة بعد أبيها بأيام ففاطمة علیها السلام شهيدة بيت النبوَّة فاطمة علیها السلام قتلت بسبب عمر...».

وَ قَادُوا الوَصِيَّ إِمَامَ الهُدَى *** وَ مِنْ خَلْفِهِ فَاطِمْ تَلْطِمُ(1)

وَ تَدْعُو بِصَوْتٍ دَعُوا المُرْتَضَى *** وَ الأسَأکْشِفَ أَوْ أُقْسِمُ(2)

وَ نَادَتْ أَبَاهَا وَ قَالَتْ فَقُمْ *** فَهَا هِيَ فَاطِمَةٌ تُظْلَمُ

فَإِنْ نَدَبَتْ وَالِداً أَقْبَلُوا *** بِضَرْب وَ إِنْ وَلْوَلَتْ تُلْطَمُ

وَ إِنْ تَنْسَ لاَتَنْسَ يَوْمَ الوَفَاةِ *** وَ كَيْف قَضَتْ نَحْبَهَا فِيهِمُ؟(3)

قَضَتْ وَ هْيَ غَاضِبَةٌ مِنْهُمُ *** أَتَعْرِفُ يَا صَاحِبِي مَنْ هُمُ؟

هُمُ أَضْرَمُوا النَّارَ فِي بَيْتِهَا *** عَدَاءً فَيَا وَيْحَ مَنْ أَضْرَمُوا

وَ جَاؤُوا إِلَيْهَا جَمِيعاً وَ قَدْ *** أَرَادُوا رِضَى فَاطِمٍ عَنْهُمُ(4)

ص: 452


1- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص5 ط3/ مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف -قم. «...ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبباً بثوب يجرونه إلى المسجد فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: واللَّه لاأدعكم تجرون ابن عمي ويلكم ما أسرع ما خنتم اللّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سبم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم باتباعنا و مودّتنا و التمسك بنا... و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلّصه فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم فأشارت إليه بحزن و نحيب و هي تقول: نفسي على زفراتها محبوسة *** یالیتها خرجت مع الزفرات لاخير بعدك في الحياة و إنما *** أبكي مخافة أن تطول حياتي ثم قالت: واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم و الكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن... فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير.
2- في (تفسير العياشي) ج2 ص67 ط/ المكتبة العلمية بقم/ طهران. «... ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبباً فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوّجي؟واللّه ، لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقَنّ جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم...».
3- جاء في «المناقب» ج3 ص363 ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم. (والبيت الذي يليه) «عن ابن عباس قال: أوصت فاطمة علیها السلام أن لايعلم إذا ماتت أبوبكر و لاعمر و لايصليا عليها. قال: فدفنها علي علیها السلام ليلاً و لم يعلمهما بذلك».
4- (والبيت الذي يليه) ورد في علل الشرايع ج1 ص221 ط1/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت. «...فلما وقع بصرهما على فاطمة علیها السلام سلّما عليها فلم ترد عليهما و حوّلت وجهها عنهما فتحوّلا و استقبلا وجهها حتى فعلت مراراً و قالت: يا علي علیه السلام جافِ الثوب و قالت لنسوة حولها: حولن وجهي فلما حولن وجهها حوّلا إليها فقال أبوبكر: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك و اجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا و تصفحي عمّا كان منا إليك. قالت لاأكلمكما من رأسي كلمة واحدة أبداً حتى ألقى أبي و أشكو منكما إليه و أشكو صنيعكما و فعالكما و ما ارتكبتما منّي قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا و لاتؤاخذينا بما كان منا... ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذياني في حياتي و عند موتي والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى فأشكونكما بما صنعتما ربي بي و ارتكبتها مني فدعا أبوبكر بالويل و الثبور، و قال: ليت أمي لم تلدني، فقال عمر: عجباً للناس كيف ولوك أمورهم و أنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة و تفرح برضاها؟ ثم قاما وخرجا».

وَ شَاؤُوا لِيَسْتَغْفِرُوا ذَنْبَهُمْ *** وَ كَيْفَ تَرَى يُقْبَلُ المُجْرِمُ؟

وَ قَالُوا أَيَا بِنْتَ خَيْرِ الوَرَى *** نَدِمْنَا وَ لَمْ يُجْدِهِمْ مَنْدَمُ

فَصَدَّتْ بِوَجْهِ وَ قَالَتْ كَفَى *** بِرَبِّي عَدْلاً بِمَا يَحْكُمُ

أتُظْلَمُ فَاطِمَةٌ بَيْنَهُمْ *** عَيَاناً وَ بِنْتُ الهُدَى تُهضَمُ؟

وَ يَرْجُونَ مِنْهَا رِضَاءٌ عَسَى *** تَحِنُّ عَلَيْهِمْ وَ هُمْ أَجْرَمُوا

لِمَاذَا تَوَارَتْ بِلَيْلٍ وَ *** لَايُشَاهَدُ تَشْيِيعها مِنْهُمُ؟

لِمَاذَا اخْتَفَتْ فِي ظَلام الدُّجَى *** كَمَا تَخْتَفِي مِثْلَهَا الأَنْجُمُ؟

وَ هَا هِيَ سَيْدَةٌ فِي المَلاَ *** وَ لَمْ تَكُ تَفْضُلُها مَرْيَمُ(1)

فَزَوْجُ الوَصِي وَ أُمُّ الحُسَيْنِ *** بِوَالِدِهَا الأَنْبِيَا تُخْتَمُ

لِمَاذَا تُهَانُ ابْنَةُ المُصْطَفَى *** وَ يَدْفِنُهَا لَيْلُهَا المُظْلِمُ؟

وَ تُدْفَنُ وَ الكَسْرُ فِي ضِلْعِهَا *** وَ يُعْفَى تَرَاهَا وَ لاَيُعْلَمُ(2)

ص: 453


1- في «أمالي الصدوق» ص393-394 ط/ الخامسة منشورات مؤسسة الأعلمي/ بيروت. «... دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة علیها السلام و إنها لسيدة نساء العالمين. فقيل: يا رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة علیها السلام فهي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين...».
2- جاء في «المناقب»، ج3 ص363 لابن شهر آشوب ط/ انتشارات علامة/ قم: «وروي أنه (أميرالمؤمنين علیه السلام) سوى قبرها مع الأرض مستوياً و قالوا سوى حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها و روي أنه رش أربعين قبراً حتى لايبين قبرها من غيره فيصلّوا عليها».

لِمَاذَا تُشَاهِدُ مِنْ أُمَّةٍ *** أَذَايَا تَمُرَّ هِيَ العَلْقَمُ؟(1)

وَ يُغْصَبُ مِنْ حَقِّهَا إِرْثُهَا *** وَ مَا بَيْنَ أَعْدَائِهَا يُقْسَمُ(2)

حَوَادِثُهَا سَجَّلَتْهَا الدُّهُورُ *** وَ قَدْ عُرف الظَّالِمُ المُجْرِمُ(3)

ص: 454


1- العلقم: الحنظل أو كلّ شيء مرّ.
2- جاء في «صحيح مسلم» المجلد4 ص31 ح54 ط1/ مؤسسة عز الدين -بيروت. «عن عائشة قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك». و في «سنن البيهقي» ج6 ص301 ط/ دار المعرفة/ بيروت. «...إنما أقطع مروان فدكاً في أيام عثمان...».
3- نقلت من كتاب الزهراء علیها السلام ج2 ص6 للکفائی.

(44) يا غرسة الهادي

(مجزوء الكامل)

الأستاذ محمود البستاني

دَمْعٌ أُذِيلَ !! فَيَا كَواكِبُ، سَامِرِيهِ، وَ يَا نُجُومْ...(1)

ذَرِيهِ فِي الأَبْعَادِ، عِبْرَ مَجَاهِلِ النَّجْوَى، يَحُومْ

ذَرِيهِ فِي هُدْبَيكِ... يَطْفِرُ مِنْ حَوَاشِيهِ الوُجُومْ(2)

أَوْ سَمِّريهِ عَلَى المَدَى فَطَرَاتِ... لألاء... عَظِيمْ

تَنْسَلُ، عَنْ قُدْسِيَّةٍ بَيْضَاءَ...، فِي اللَّيْلِ البهِيمْ

حَتَّى كَأَنَّ المَأْتَمَ العُلْوِيَّ، يَغْتَالُ النَّسِيمْ

فِيهَا وَ يَهْوِي كَالفَنَاءِ، عَلَى مُحَيَّاهَا الوَسِيمْ

لاهَمْسُ ضَوْءٍ... لاَشَدِّى يَهْفُو... وَ لاَشَجَرٌ بَهِيمْ

عَجَنَتْهُ مَأْسَاةُ الحَيَاةِ... وَ أَطْبَقَتْ فِيهَا الغُيُومْ

وَ النَّكْبَةُ السَّوْدَاءُ، تَذْرُوها بَقَايَا مِنْ هَشِيمْ(3)

***

يَا غَرْسَةَ الهَادِي، تَمُورُ، تَمُورُ، بِالعَبقِ الكَرِيمْ(4)

ص: 455


1- أَذِيل: سُفِحَ. سامريه: حدثيه ليلاً.
2- الوجوم: أحجار مركومة بعضها فوق بعض على رؤوس القُور و الآكام أو هي يُهتدى بها في الصحاري.
3- تدَروها: تعلوها.
4- تمور: تموج و تضطرب.

أَوَ لَسْتِ مِنْ عَبْقِ السَّمَاءِ، وَ مِنْ تَفَتَّحِهَا العَظِيمْ

حَسْبُ الرِّسالَةِ، أَنَّ طُهْرَكِ... بَعْضُ مَجْرَاهَا السَّلِيمْ؟(1)

ص: 456


1- إشارة إلى قوله «تعالى» في سورة الأحزاب آية33: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فقد روي في كتاب ذخائر العقبى ص24: عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت في خمسة في رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. أخرجه أحمد في المناقب و أخرجه الطبراني. و في كتاب، الكلمة الغراء في تفضيل فاطمة الزهراء علیها السلام للسيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، ص22 قال: في قوله تعالى في سورة الأحزاب الآية 33 «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»: «لاريب في أن أهل البيت علیهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم في هذه الآية إنما هم الخمسة أصحاب الكساء» وكفاك على هذا برهاناً على أنهم أفضل من أقلته الأرض يومئذ و من أظلَّته السماء ألا و هم رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و صنوه الجاري بنص الذكر مجرى نفسه. و بضعته التي يغضب الله لغضبها و يرضى لرضاها... و ريحانتاه من الدنيا سبطاه الشهيدان سيدا شباب أهل الجنة». فهؤلاء هم أصحاب هذه الآية البينة بحكم الأدلة القاطعة و الحجج الساطعة لم يشاركهم فيها أحد من بني آدم و لازاحمهم تحت كسائها واحد من هذا العالم... و قد أورد الإمام جلال الدين السيوطي -في المقصد الأول من الشرف المؤبد- في تفسير هذه الآية من كتابه الدر المنثور عشرين رواية من طرق مختلفة في أن المراد من أهل البیت علیهم السلام هنا إنما هم الخمسة لاغیره... و ذكر ابن جرير في تفسيره خمس عشرة رواية بأسانيد مختلفة في قصر الآية عليهم بالخصوص... و حسبك في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «أنزلت هذه الآية في خمسة في و في علي و الحسن و الحسين و فاطمة علیهم السلام». و قد أجمعت كلمة أهل القبلة من أهل المذاهب الإسلامية كلها على أنه صلى الله عليه و آله و سلم لما نزل الوحي بها عليه ضم سبطيه و أباهما و أمهما إليه ثم غشاهم و نفسه بذلك الكساء تمييزاً لهم عن سائر الأبناء و الأنفس و النساء فلما انفردوا تحته عن كافة أسرته و احتجبوا به عن بقية أمته بلّغهم الآية و هم على تلك الحال حرصاً على أن لايطمع بمشاركتهم فيها أحد من الصحابة والآل... فقال مخاطباً لهم و هم معه في معزل عن كافة الناس «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فأزاح صلى الله عليه و آله و سلم بحجبهم في كسائه حجب الريب و هتك سدف الشبهات فبرح الخفاء بحكمته البالغة و سطعت أشعة الظهور ببلاغة المبين -والحمدللّه رب العالمين.

وَ سَنَا الإِمَامَةِ مِنْ نِثَارِكِ يَسْتَطِيلُ وَ يَسْتَدِيمْ

لِيَظُلَّ... يَنْسِجُ فِي الحَيَاةِ... ضَفَائِرَ الدِّينِ القَوِيمْ

وَ يَظَلَّ يَرْفِدُ، وَاحَةَ الأَجْيَالِ،... بِالخَيْرِ العَمِيمْ

كَالنَّبْع... لَمْ يَسْكُتْ عَنِ الجَرَيَانِ، لِلرَّمْلِ العَقِيمْ

لِيمُدَّه... بالمُعْطَيَاتِ. وَ بِالخُصُوبَةِ. و النَّعِيمْ

كَالشَّمْسِ... لَمْ تَسْكُتُ، عَنْ المَدِّ الشُّعَاعِي الرَّحِيمْ

تَتَمَسَّحُ الدُّنْيَا... بِهَا، بِيداً. أَفَاوِيقاً. تُخُومْ(1)

قَسَماً... وَ دِينُ اللَّهِ، عِنْدَ المُعْطَيَاتِ... فَمٌ بَسِيمْ

نَسْتَلُّ مِنْهُ الضّحْكَةَ السَّمْحَاءَ... تَهزَأَ بِالهُمُومْ

سَنَظَلُّ نَفْتَحُ مِنْ مَسَاكِبِهِ،... حَيَاةً تَسْتَقِيمْ

وَ عَلَى دُرُوبِ هَدِيرِهَا العُلْوِيِّ... لألاَء عَظِيمْ(2)

***

ص: 457


1- بيداً: فلوات. أفاويق: جمع آفاق. تخوم حدود.
2- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص398.

(45) بضعة خير المرسلين صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ مغامس بن داغر الحلي(*)(1)

صَحِبْتُكِ لاأَنِّي بِوِدِّكِ مُغْرَمُ *** دَعِينِي فَغَيْرِي فِي هَوَاكِ مُتَيَّمُ(2)

أَرَى الرَّأْيَ يا دُنْيا مَيْلِي إِلَى الصَّبَا *** تَدُومُ عَلَى الدَّارِ الَّتِي سَوْفَ يُقْدِمُ

عَلِمْتُكِ عِلْماً مُسْتَفَاداً فَدَلَّنِي *** عَلَى بُؤْسِكِ الْعِلْمُ الَّذِي كُنْتُ أَعْلَمُ

خَشِيتُ دَوَاهِيكِ الَّتِي تَدْهَمُ الفَتَى *** فَقَدَّمْتُ حَزْماً وَ الْحَزَامَةُ أَسْلَمُ(3)

تَقَانَعْتُ بِالمَيْسُورٍ فِيكِ مَخَافَةً *** عَلَى عَرْض ذَنْبي وَ الْقَنَاعَةُ أَحْزَمُ

أنفتُ لِنَفْسِي وَ هيَ سُؤْلِي لأَنَّهَا *** تَزُولُ إِلَى سُخْطِ الإِلَهِ وَ تَأْثَمُ

تَعَاهَدْتُها بِالصَّبْرِ حَتَّى ارْتَضَتْ بِهِ *** وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِندِي مِنَ المَالِ دِرْهَمُ

وَ مَا كَالرِّضَا بِالزُّهْدِ لِلرُّوحِ رَاحَةٌ *** وَ لَاكَعَفَافِ لِلسَّلاَمَةِ أَسْلَمُ

وَ مَا كُلُّ ما فِي الأَرْضِ يَكْفِي لِطَالِبٍ *** وَ لَوْ خَوَّلَتْهُ الْمَالَ مِصْرٌ وَ دَيْلَمُ(4)

وَ يَكْفِيهِ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ إِذَا اغْتَدَى *** بِهِ قَائِعاً وَ الرِّزْقُ لِلْمَرْءِ يُقْسَمُ

ص: 458


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- مُتَيَّم: تَيَّمَهُ الحبُّ: عَبَّدَهُ وَ ذَلَّلَهُ. التَّيْم: المُسْتَعْبَد. يُقال «هو تيمُ اللَّهِ» أَيْ عبدالله.
3- الحزم و الحزامة: حَزُمَ يحرُم حَزْماً و حَزامَةً: كان يضبط أمرَه و يُحكمه و يأخذ فيه بالثقة فهو حازَم جمع حَزَمة و حُرَّم و أحزام و حزيم جمع حُزَماء.
4- مصر: هو البلد العربي المعروف. و ديلم قوم من العجم كانوا في الأصل صنفاً من الأكراد. و دَيْلَم: القسم الجبلي من بلاد جيلان شمال بلاد قزوين الايرانية اعتنق بعض سكانه الاسلام 913 و خدموا في جيش الخلفاء و جيلان وقزوين كلها واقعة ضمن الجمهورية الاسلامية الايرانية.

وَ حَاجَةُ نَفْسِ المَرْءِ وَقْتٌ وَرَاءَهُ *** مَصَائِبُ دُنْياهُ وَ مَوْتُ مُحَتَّمُ

وَ هُنَّ المَنَايَا مَنْ أَصَبْنَ فَسَابِقٌ *** إِلَى المَوْتَ وَ النَّاجِي مِنَ الْمَوْتِ يَهْرَمُ(1)

وَ مَا عَرَفَ الأَيَّامَ إِلاعِصَابَةٌ *** إِلَى الْمَجْدِ يُنْمِيهَا النَّبِيُّ المُكَرَّمُ(2)

هُمُ طَلَّقُوهَا فَابْتُلُوا بِمَصَائِبٍ *** غَدًا الدِّينُ مِنْهَا خَاشِعَاً يَتَظَلَّمُ

وَ مَا أَسَّسَ العُدْوَانَ الأَمَعَاشِرٌ *** لِبَضْعَةِ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ تَهَضَّمُوا

غَداةَ أَنَتْ فِي عُصْبَةٍ مِنْ نِسَائِهَا *** تُخَاصِمُ و الأبغى عَنِ الْحَقِّ تَخْصِمُ(3)

لَهَا لَهْفِي مَظْلُومَةٌ أَمْ لِبَعْلِهَا *** وَ مَا دَفَنُوا الْهَادِي عَلَيْهِ تَقَدَّمُوا

ص: 459


1- هَرِم: ضَعُفَ و بَلَغَ أَقصى الكِبَر، فهو هَرِمٌ و هي هَرِمة.
2- يُنْمِيها: نَمَى فلانُ الحديثَ إلى فُلانٍ: رفعه اليه و عَزاهُ و نَمَى الرجل إلى أبيه: نسبَهُ إليه، و نمى المالُ و غيره المال و غيرُهُ: زاد و كثر.
3- جاء في الاحتجاج للطبرسي، ج 1 ص131. انه لما اجتمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها و اقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله علیها السلام.

(46) ميراث النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

الشيخ مفلح الصيمري(*)(1)

أَعَدْلُكَ يَا هُذَا الزَّمَانُ مُحَرَّمُ *** أَمِ الجَوْرُ مَفْرُوضٌ عَلَيْكَ مُحَتَّمُ؟

أَمْ أَنْتَ لَئِيمٌ وَ الجُدُودُ لَئِيمَةٌ *** فَلَمْ تَرْعَ إِلا لِلَّذِي هُوَ أَلاَمُ

فَشَأْنُكَ تَعْظِيمُ الأَرَاذِلِ دَائِماً *** وَ عِرْنِينَ أَرْبَابِ الفَصَاحَةِ تَرْغِمُ

إِذَا زَادَ فَضْلُ المَرْءِ زَادَ امْتِحَانُهُ *** وَ تَرْعَى لِمَنْ لاَفَضْلَ فِيهِ وَ تَرْحَمُ

إِذَا اجْتَمَعَ المَعْرُوفَ وَ الدِّينُ وَ التُّقَى *** لِشَخْصٍ رَمَاهُ الدَّهْرُ وَ هْوُ مُصَمِّمُ

وَ كَمْ جَامِعَ أَسْبَابَ كُلِّ رَذِيلَةٍ *** وَ لَيْسَ لِمَا قَدْ قَالَ أَوْ قِيلَ يَفْهَمُ

فَأَضْحَى وَ قَدْ أَلْقَى الزَّمَانُ جَرَاءَةً *** لَدَيْهِ فَيَقْضِي مَا يَشَاءُ وَ یَحْكُمُ

وَ ذَاكَ لأَنَّ الدِّينَ وَ العِلْمَ وَ النَّدَى *** لَهُ مَعْدِنٌ أَهْلُوهُ يُؤخَذُ عَنْهُمُ

فَمَعْدِنُهُ آلُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** وَ خَيْرُهُمْ صِنْوَ النَّبِيِّ المُعَظَّمُ

فَأَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَيْهِ بِزِينَةٍ *** وَ أَلْقَتْ إِلَيْهِ نَفْسَهَا وَ هِيَ تَبْسِمُ

فَأَعْرَضَ عَنْهَا كَارِها لِنَعِيمِهَا *** وَ قَابَلَهَا مِنْهُ الطَّلاقُ المُحَرَّمُ

فَمَالَتْ إِلَى أَهْلِ الرَّذَائِلِ وَ الخَنَا *** وَ أَوْمَتْ إِلَيْهِمْ أَيُّهَا القَوْمُ أَقْدِمُوا(2)

فَجَاؤُوا إِلَيْهَا يَهْرَعُونَ فَأَقْبَلَتْ *** عَلَيْهِمْ وَ قَالَتْ فَاسْمَعُوا ثُمَّ افْهَمُوا

صِدَاقِي عَلَيْكُمْ ظُلْمُ آلِ مُحَمَّدٍ *** وَ شِيعَتِهِمْ أَهْل الفَضَائِلِ مِنْهُمُ

ص: 460


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الخَنا: الذّل. أومت: أشارت.

فَقَالُوا رَضِينَا بِالصَّدَاقِ وَ أَسْرَجُوا *** عَلَى حَرْبِهِمْ خَيْلَ الضَّلاَلِ وَ أَلْجَمُوا

وَ شَنُوا بِهَا الغَارَاتِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ *** وَ خَصُّوا بِهَا آلَ النَّبِيِّ وَ صَمَّمُوا

أزالُوهُمُ بِالقَهْرِ عَنْ إِرْثِ جَدِّهِمْ *** عِناداً وَ مَا شَاؤُوا أَحَلُّوا وَ حَرَّمُوا

وَ قَادُوا عَلِيّاً فِي حَمَائِلٍ سَيْفِهِ *** وَ عَمَّارَ دَقُوا ضِلْعَهُ وَ تَهَجَّمُوا

عَلَى بَيْتِ بِنْتِ المُصْطَفَى وَ إِمَامُهُمْ *** يُنَادِي أَلا فِي بَيْتِهَا النَّارَ أَضْرِمُوا(1)في مجمع الأمثال للنيسانوي، ج1 ص402.

يضرب في الحث على الطلب و المساواة في الملطوب.(2)

ص: 461


1- إشارة إلى هجوم عمر و جماعته على بيت فاطمة علیها السلام و أمره بإحراق البيت، فقد روي في کتاب نوائب الدهور ص194: فقال المفضل للصادق علیه السلام: يابن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم، فقال له الصادق علیه السلام ولاكيوم محنتنا بكربلاء و إن کان یوم السقيفة و إحراق النار على باب أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و فاطمة و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و قتل محسن بالرفسة أعظم و أدهى و أمرّ، لأنه أصل يوم العذاب. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة و قد مرت تفاصيل عديدة عن ذلك في قصائد مختلفة. و في البحار ج28 ص411. قال السيد المرتضى أوحد أهل زمانه علماً و عملاً انتهت إليه الرئاسة في المجد و الشرف و العلم و الأدب و الفضل و الكرم في الشافي... عن ابن عباس قال: بعث أبوبكر عمر بن الخطاب إلى علي علیه السلام حين قعد عن بيعته و قال: ائتني به بأعنف العنف... فلما أتاه جرى بينهما كلام فقال له علي علیه السلام: احلب حلباً لك شطره
2- واللّه ما: حرصك على إمارته اليوم إلاّ ليؤمرك غداً و ما تنفس على أبي بكر هذا الأمر لكنا أنكرنا ترككم مشاورتنا و قلنا: إن لنا حقاً لاتجهلونه. و هذا الخبر يتضمن ما جرت عليه الحال و ما يقوله الشيعة بعينه و قد أنطق به الله رواتهم و قد روى البلاذري: إن أبابكر أرسل إلى علي يريد بيعته فلم يبايع فجاء عمر و معه فتيلة فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب فقالت فاطمة علیها السلام... يا بن الخطاب! أتراك محرقاً علي بابي؟ قال: نعم و ذلك أقوى مما جاء به أبوك و جاء علي علیه السلام فبايع. و هذا الخبر قد روته الشيعة من طرق كثيرة و إنما الطريف أن يرويه شيوخ محدثي العامة لكنهم كانوا يروون ما سمعوا بالعلامة و ربما تنبهوا على ما في بعض ما يروونه عليهم فكفّوا عنه و أي اختيار لمن يحرق عليه بابه حتى يبايع؟ و في موضع آخر قال علم الهدى... فأما قوله -أي قاضي القضاة- حديث الإحراق ما صحّ و لو صح لم يكن طعناً لأن له أن يهدد من امتنع من المبايعة إرادة للخلاف على المسلمين قد رواه غير الشيعة -فمن لايهم على القوم- و إن رفع الروايات بغير حجة أكثر من نفس المذاهب المختلف فيها لايجدي شيئاً -والذي اعتذر به من حديث الإحراق إذا صح طريف و أي عذر لمن أراد أن يحرق على أميرالمؤمنين و فاطمة علیهما السلام منزلهما؟ و هل يكون في مثل ذلك علة تصغى إليه أو تسمع؟ و إنما يكون مخالفاً للمسلمين و فارقاً لإجماعهم إذا كان الإجماع قد تقرر وثبت و إنما يصح لهم الإجماع متى كان أميرالمؤمنين علیه السلام و من قعد عن البيعة ممن انحاز إلى بيت فاطمة علیها السلام داخلاً فيه و غير خارج عنه- و أي إجماع يصح مع خلاف أميرالمؤمنين علیه السلام وحده فضلاً عن أن يبايعه على ذلك غيره و هذه زلة من صاحب الكتاب [أي قاضي القضاة عبدالجبار بن أحمد صاحب كتاب «المغني»]. و ممّن حكى احتجاجه... و بعد فلافرق بين أن يهدد بالإحراق للعلة التي ذكرها و بين ضرب فاطمة علیها السلام لمثل هذه العلة. فإن إحراق المنازل أعظم من ضربة بالسوط و ما يحسن الكبير بمن أراد الخلاف على المسلمين أولى بأن يحسن الصغير فلاوجه لامتعاض صاحب الكتاب من ضربة بالسوط و تكذيب ناقلها و عنده مثل هذا الاعتذار.

وَ تُعْصَبُ ميراثَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** وَ تُوجَعُ ضَرْباً بِالسَّبَاطِ وَ تُلْطَمُ(1)(2)

ص: 462


1- إشارة إلى ما روي في كتاب شرح النهج للمعتزلي ج16 ص274: فأخذ عمر منها الكتاب ثم رجع إلى أبي بكر فقال: أعطيت فاطمة علیها السلام فدك و كتبت بها لها؟ قال: نعم، قال: إن علياً علیه السلام يجر إلى نفسه و أم أيمن امرأة و بصق في الكتاب فمحاه و خرّقه.
2- المنتخب الطريحي ص132 و كانت القصيدة طويلة في حوالي(82) بيتاً أخذنا منها ما كان للزهراء علیها السلام.

(47) باب النبوة صلي اللّه علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي(*)(1)

كَمْ بِتُّ فِي ذِكْرِ الحَبِيبِ مُتَيَّما *** وَحَشَايَ مِنْ شَوْقِ الوِصَالِ تَضَرَّما(2)

ص: 463


1- (*) هو الشيخ هادي ابن الشيخ صالح بن مهدي بن دويش من بيت (عجام) الذي ينتسب إلى قبيلة (خفاجة). ولد في كربلاء المقدسة سنة (1908م) و نشأ و ترعرع في ظل نشأة أبوية صالحة كريمة، و لما استوى صبياً بعثه أبوه إلى (الكتّاب) ليتعلَّم قراءة القرآن الكريم و مبادىء الكتابة و لما أتمَّ ذلك اختلف على حلقات التدريس، فنشأ نشأة صالحة و درس الفقه و الأصول و العربية على والده الشيخ صالح. و ارتاد المدارس الدينية ليرتشف من نميرها و يستقي من سلسالها العلوم المختلفة فقصد مدرسة الصدر الأعظم و مدرسة الزينبية فدرس على آية الله الشيخ محمد الخطيب و أيضاً عند الشيخ محمد العماري مختلف العلوم الدينية و التربوية. و اتجه نحو الخطابة متتلمذاً على خطيب كربلاء الشيخ محسن أبي الحب مدرجاً اسمه في ديوان الخدمة الحسينية حتى أصبح من أساطين المنبر وأعمدة الخطابة الحسينية. و المترجَم له متفنن و مؤثر لأنه مجيد لهجات الوافدين على مجالسه الذين ينتمون إلى أقطار عربية شتى كالعراق و الخليج و غيرهما و كان يجتذب أسماع جمهور عريض من المجتمعين، و توغل باستعمال المفردة الشعبية العامية و يبغي من ذلك إيصال أفكاره إلى أذهان السامعين مع تمکُّنه من اللغة الفصحى و إحاطته بها إحاطة تامة. قد كان المترجَم له ممن يجيد قرض الشعر، فنظمه مقبول رقيق يملأ قلوب السامعين إيماناً ببيانه الجزل و خطابه الفصل. أخيراً اخترمته يد المنون العاتية و استحوذ عليه سلطان الموت ليلة الأحد1/4/ 1992 م/ 28 جمادى الآخرة/ لسنة (1412ه_) و جرى له تشييعَّ مهيب حضره العلماء و الأدباء و الشعراء و الخطباء و جماهيرُ غفيرة من أهالي المدينة فشيَّع من داره إلى الروضتين المقدستين الحسين و العباس علیهما السلام و بعد ذلك انطلق موكب التشييع إلى مثواه الأخير في وادي كربلاء.
2- متيماً: مستعبداً مذلّلاً.

قَدْ غَابَ مِمَّا حَلَّ بِي مِنّي الكَرَى *** شَهِدَتْ بِمَا قَدْ قُلْتُهُ شُهُبُ السَّمَا(1)

أَرَأَيْتَ يَألَفُ لِلْكَرَى مَنْ قَدْ غَدَا *** قَسَماً لِهَاتِيكَ الخُطُوبِ مُقَسَّما

قَدْ شَتَّتَ الدَّهْرُ المُبَدِّدُ شَمْلَنَا *** مِنْ بَعْدِ مَا كُنَّا جَمِيعاً فِي حِمَى

كَيْفَ الأَمَانُ مِنَ الزَّمَانِ وَ غَدْرُهُ *** بَادٍ لَدَى كُلِّ الوَرَى لَنْ يُكْتَما؟

مِنْ بَعْدِ مَا غَدَرَ الزَّمَان بِعِتْرَةِ *** المُخْتَارِ تَرْجُو فِي الدُّنَى أَنْ تَسْلَمَا

كُمْ جَرَّعُوا المُخْتَارَ مِنْ أَشْجَانِهِ *** عُصَصاً وَ هَيَّجَتِ البَتُولَةَ فَاطِما

كُمْ كَابَدَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ مِنَ العِدَى *** مِحَناً وَ ذُلاً ثُمَّ ضَرْباً مُؤلِما(2)

وَ المُصْطَفَى مَا كَانَ يَدْخُلُ دَارَهَا *** مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْذِناً وَ مُسَلِّما(3)

هَجَمَ العَدُوُّ عَلَيْهِ يَطْلُبُ وِتْرَهُ *** وَ بِبَابِهِ نَارَ الصَّغَائِنِ أَضْرَما(4)

ص: 464


1- الكرى: النعاس، السهر في طاعة اللّه.
2- هذين البيتين إشارة إلى ما لاقت الزهراء علیها السلام من المحن و المصائب و الضرب و الأذى بعد أبيها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. انظر ما ورد في تاريخ الطبري، ج3 ص202 و كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586. و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45. و كتاب إثبات الوصية ص143.
3- إشارة إلى ما روي من أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما كان يدخل بيت فاطمة علیا السلام إلا بعد الاستئذان. ففي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص42 قال: عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «ألا تنطلق بنا نعود فاطمة علیها السلام فإنها تشتكي؟ قلت: بلى قال: «فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها فسلم و استأذن فقال: أدخل أنا و من معي؟ قالت: نعم و من معك يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم؟ فواللّه ما علي إلّا عباءة فقال لها: «اصنعي بها كذا و اصنعي بها كذا فعلمها كيف تستتر فقالت: واللّه ما على رأسي من خمار، قال: فأخذ ملاءة كانت عليه. فقال: «اختمري بها»، ثم أذنت لهما فدخلا، فقال: «كيف تجدينك يا بنية؟» قالت: إني لوجعة و إنه ليزيدني أنه ما لي طعام آكله، قال: «يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟» قالت: يا أبت فأين مریم ابنة عمران علیها السلام؟ قال: «تلك سيدة نساء عالمها و أنت سيدة نساء عالمك أما واللّه زوجتك سيداً في الدنيا و الآخرة». و ذكره المحب الطبري في كتابه ذخائر العقبى ص43. و رواه الطحاوي في كتابه مشكل الآثار ج1 ص50.
4- وتره: انتقامه و ثأره الضغائن: الأحقاد.

مِنْ حَرْقِهِمْ بَابَ النُّبُوَّةِ أَحْرَقُوا *** يَوْمَ الظُّفُوفِ مِنَ الحُسَيْنِ مُخَيَّما

لَوْ لَمْ يُرَضُ مِنَ البَتُولَةِ ضِلْعُهَا *** مَا رَضَّضُوا لِسَلِيلِ طَعَ أَعْظُمَا(1)

لَوْ لَمْ يُقَدْ عَلِيُّ الكَرَّارُ مَا *** زَيْنُ العِبَادِ مُكَبَّلاً قَدْ أَهْضِمَا(2)

مَهمَا رَأَتْ آلُ النَّبِيِّ بِكَرْبَلاَ *** مِنْ جَوْرِ أَعْدَاهَا وَ مِنْ حَرِّ الظَّما

مَا ذَاكَ إِلا سَالِفٌ مُتَقَدِّمٌ *** يَوْمَ السَّقِيفَةِ أَمْرُهُ قَدْ أَبْرِمَا

يَا بْنَ الغَطَارِفَةِ الأُلَى مِنْ هَاشِمٍ *** مَنْ فِي وُجُودِهِمُ انْجَلَى لَيْلُ العَمَى(3)

انْهَضْ لِثَارِكَ أَيُّهَا المُرَجَى لَهُ *** فَعِدَاكُمُ كَمْ مِنْكُمُ هَدَرَتْ دِما؟

تَرَكَتْ حُسَيْناً بِالظُّفُوفِ مُجَدَّلاً *** جُنْمَانُهُ بِشَبَا السُّيُوفِ مُخَلذَّمَا

ص: 465


1- و في هذه الأبيات الثلاثة إشارة إلى هجوم القوم على دار الزهراء علیها السلام و حرقهم دارها و كسرهم أضلاعها. انظر ما ورد في كتاب تاريخ الطبري ج3 ص202 و كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586، و كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص45. و كتاب إثبات الوصية ص143.
2- أَهْضِما: ظلم وَ غُصِبَ.
3- الغطارفة: مفرده الغظريف و هو الشاب الظريف، السخيَ، السّري، السّيد، الحسن.

(48) بيت الوحي

(مجزوء الكامل)

الحاج هاشم الكعبي(*)(1)

لوَّامَةٌ حِلْفُ المَلاَمَهْ *** أَهْدَتْ إِلَى قَلْبِي سَقَامَهْ

لَوَّامَةٌ نَوَّامَةٌ *** أَيْنَ المَنَامُ مِنَ المَلاَمَهْ؟

خَلُّوا الحَشَاعَنْ طَارِقٍ *** لِلْجَفْنِ مَانِعُهُ مَنَامَهْ

مُتَمَدِّدُ اللَّيْلُ الطَّوِيل *** كَرَى وَ لَيْلِي لَنْ أَنَامَهْ

فَبَدا يَلُومُ وَ لَوْ دَرَى *** مَا فِي الحَشَا مَا كَانَ لَامَهْ

بِاللَّوْمِ رَامَ سُلُوَّ قَلْبٍ *** لاَتُسَلِّيهِ المُدَامَهْ(2)

وَ جُمُودَ جَفْنِ لَيْسَ تَرْقِي *** الغَانِيَاتُ لَهُ انْسِجَامَهْ

لارِيقُهَا المَعْسُولُ يَشْفِيهِ *** وَ لَا فَرْعُ البَشَامَهْ(3)

هَيْهَاتَ ذلِكَ ضَعْفُ رَأْي *** كَيْفَ صَفْوُ العَقْلِ رَامَهْ

سَامَ العَزَا صَبَّاً مُحَالٌ *** عِنْدَهُ مَا كَانَ سَامَهْ

لَمْ يَكْفِهِ الدَّمْعُ المُكَفِّكَفْ *** وَ الجَوَى المُبْدِي اضْطِرَامَهْ(4)

أَفَمَا بذَاكَ عَلامَةٌ *** لَوْ ذُوْ حِجَى يَرْعَى العَلامَهْ

خَلِّ الجَوَى لِمُتَيَّمٍ *** خَلَّى السُّرورَ لِمُسْتَدَامَهْ

ص: 466


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- المُدامَه: الخمر.
3- البشامه: شجر طيب الرائحة. فرع: هنا بمعنى شجر أو غصن.
4- اضطرامه: الاضطرام: الاتّقاد و الاشتعال.

لاَيَسْتَطِيعُ سِوَى الشَّجُونَ *** فَكَيْفَ وَ هْيَ غَدَتْ قِوَامَهْ

غَدَتِ الكَآبَةُ نَفْسَهُ *** حَتَّى أَقَامَتْهُ مَقَامَهْ

تُلْقِي مَدَامِعُهُ رَوَاهُ *** وَ حَرْمُ مُهْجَتِهِ طَعَامَهْ

أوَلَمْ يَرْعُكَ الأَكْرَمُونَ *** وَ مَا قَضَتْ لَهُمُ الكَرَامَةْ؟

وَقِيَامَةٌ بالطَّفِّ قَامَتْ *** دُونَ أَدْنَاهَا القِيَامَهْ

زِلْزَالَةٌ أَهْدَتْ قَوَارِعَهَا *** إِلَى الكَوْنِ اصْطِلاَمَهْ(1)

إلى أن يقول:

مِنْ مَعْشَرٍ ضَرَبَ الجَلاَل *** بِهِمْ عَلَى العَلْيَا خِيَامَةْ

أَدْنَى مَنَازِلَهَا السِّمَاك *** وَ مَنْ أَظَلَّتْهَا الغَمَامَهْ

وَمَوْطِى الأَقْدَامِ مِنْهَا *** النَّسْرُ كَاهِلَهُ وَهَامَهْ(2)

مِنْ أَحْمَدَ المُخْتَارِ مَنْصِبُهُ *** وَ حَيْدَرَةَ الشَّهَامَهْ(3)

بِجَبِينِهِ نُورُ النُّبُوَّةِ *** بَيْنَ عَيْنَيْهِ الإِمَامَهْ(4)

يَا لِلرِّجَالِ لِحَادِثَاتٍ *** قَدْ طَبَّقَ الدُّنْيَا رُكَامَهْ

أَرَأَيْتَ مَبْعُوثاً لِقَوْمٍ *** هَكَذَا جَعَلُوا خِتَامَهْ؟

قَطَعُوا عِنَاداً رَحْمَهُ *** الأَدْنَى وَ مَا خَافُوا أَثَامَهْ

أَهْلُ الشَّقَاءِ لَهُمْ مَقَامٌ *** مَالَنَا تِلْكَ المَقَامَهْ

سَادُوا لَنَا بِالسَّبْقِ وَالمَأْمُيومِ *** لاَ يَعْدُو إِمَامَةْ

ص: 467


1- اصطلامه: اصطلمه: استأصله.
2- كاهله وهامه: الكاهل: أعلى الظهر. الهامة: رأس كل شيء.
3- الشهامة: المروءة.
4- في كتاب/ انتهاء الأفهام/ للعلامة المولوي، ص242: عن علي علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «يا علي علیه السلام خلقني اللّه وخلقك من نوره فلما خلق آدم علیه السلام أودع النور في صلبه فلم نزل أنا وأنت شيئاً واحداً ثم افترقنا في صلب عبد المطلب ففيَّ النبوَّة والرسالة وفيك الوصيَّة والإمامة».

أهْلُ العَدَالَةِ والوَثَاقَةِ *** وَالجَلاَلَةِ وَالسَّآمَهْ

مَا إِنْ عَلَيْهم لاَوَلَوْ *** كَفَرُوا بِخَالِقِهِمْ لَوَامَهْ

والصَّمْتُ عَنْ أَفْعَالِهِمْ *** حَتْمٌ قَضَى الدَّيْنُ الْتِزَامَهْ

سَبُّوا النَّبِي غَصَبُوا الوَصِي *** ضَرَبُوا البَتُولَ بِلاَ مَلاَمَهْ

حَرَقُوا المَصَاحِفَ غَيِّرُوا *** مِنْ بَيْتِ رَبِّهِمُ مَقَامَهْ

آوَوْا طَرِيدَ نَبِيِّهِمْ *** طَرَدُوا الَّذِي آوَى فَهَامَهْ(1)

حُرُمَاتِهِ هَتَكُوا أَحَلُّوا *** بِالخْتِيَارِهِمُ حَرَامَهْ

وَتَخَلَّفُوا عَمْداً مَعَ اللعنِ *** المُؤَكِّدِ عَنْ أُسَامَهْ(2)

و منها:

فَلَيَعْلَمَنَّ مَعَاشِرٌ *** أَنْ تَأْتِ فَاطِمَةُ القِيَامَهْ

وَلَيَنْدَمَنّ هُنَاكَ قَوْمٌ *** حَيْثُ لاَ تُغْنِي النِّدَامَهْ

ص: 468


1- و المقصود هو مروان بن الحكم الذي أواه عثمان بعد أن طرده رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم. فی العتب الجميل، للحضر موتي، ص 101. أخرج ابن عساكر مرفوعاً فيه. قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ويل لأمتي من هذا وولد هذا». قاله لما جاؤوا به مولوداً ليحنِّكه فلم يفعل... و عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لايولد لأحد مولود إلّا أُتِيَ به النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال صلی اللّه علیه و آله و سلم «هو الوزغ بن الوزع الملعون ابن الملعون».
2- في صحيح البخاري، ج5 ص84. عن ابن عمر قال: أمَّر رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم أسامة على قوم فطعنوا في إمارته. فقال صلی اللّه علیه و آله وسلم: أن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله وايم اللّه لقد كان خليقاً للإمارة وإن كان من أحبّ الناس إليَّ بعده وإن هذا لمن أحبّ الناس إليَّ بعده». و علق التيجاني السماوي قائلاً فی كتابه فاسألوا أهل الذكر، ص145 و هذه القصة ذكرها المؤرخون بشيء من التفصيل و كيف أنهم أغضبوا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله صلم حتى لعن المتخلفين عن بعث أسامة و هو القائد الصغير الذي لم يبلغ عمره سبعة عشر عاماً و قد أمره النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم على جيش فيه أبوبكر و عمر و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و كل وجوه قريش و لم يعين في ذلك الجيش علي بن أبي طالب علیه السلام و لاأحداً من الصحابة الذين كانوا يتشيعون له.

وَ لْيُسْأَلُنَّ عَنِ الوَصِيِّ *** وَحِكْمَةٍ قَضَتِ اهْتِضَامَهْ(1)

وَلأَيِّ أَمْرٍ طِفْلُهَا *** فِي بَطْنِهَا رَضُّوْا عِظَامَهْ؟

وَ بِأَيِّ حَدِّ زَنْدُهَا *** بِالسَّوْطِ قَدْ جَعَلُوا وَ شَامَهْ؟

وَ لَهِيبُ بَيْتِ الوَحْيِ *** بِالنِّيرَانِ لِمْ وَ صَلُوا ضِرَامَهْ؟

وَيْل أُمِّ هَاشِمِ مَالِفَاطِمَ *** قَدْرُ سَعْدٍ وَ احْتِرَامَهْ

وَيْلٌ قَضَى أَبَدَ الزَّمَانِ *** عَلَى بَنِي الدُّنْيَا دَوَامَهْ

وَيْلُ قَرَعْتُ السِّنَّ مِنْهُ *** نَدَامَةً لاَبَلْ غَرَامَهْ

لَتَرى نُفَيْلَةُ بَلْ أُمَيَّةُ *** بَلْ سُمَيَّةُ بَلْ حَمَامَهْ

أَضْعَافَ مَا كَسَبَتْهُ *** سَاعَةَ يَجْمَعُ البَارِي أَنَامَهْ(2)

ص: 469


1- الاهتضام: الظلم والاعتداء.
2- ديوان الحاج هاشم الكعبي ص59 و القصيدة طويلة أخذنا منها ما نحن بصدده.

(49) يا بنت أحمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم أنعمي

(بحر الكامل)

لأحد الشعراء

يَا بِنْتَ أَحْمَدَ أَنْعِمِي *** بِالعَطْفِ نَحْوَ المُنْتَمِي

يَا بِضْعَةَ المُخْتَارِ يَا *** زَهْرَا عَلَيَّ تَكَرَّمِي

يَا دَوْحَةً أَفْنَانُهَا *** طَالَتْ بِظِلِّ أَدْوَمِ(1)

یَا شَمْسَ فَضْلٍ نُورُهَا *** نُورُ النَّبِيَّ الهَاشِمِی

إِنَّ البُدُورَ النَيِّرا *** تِ إِلَى سَمَائِكِ تَنْتَمِی(2)

حَسَناً حُسَيْناً زَيْنَباً *** وَ بَنيهُمُ كَالأَنْجُمِ

جَاءَتْ بِوَاجِبِ حُبِّهِمْ *** آیُ الکِتَابِ المُحْکَمِ(3)

ص: 470


1- الدوحة الشجرة العظيمة الأفنان: الغصون.
2- تنتمي: أي تنتسب.
3- في البيت إشارة إلى قوله «تعالى» «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» الشورى آية:23 حيث فرض اللّه موَّدتهم. ففي كتاب ذخائر العقبى للمحب الطبري 25 قال: عن ابن عباس «رضي اللّه عنه» قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا موَّدتهم؟ قال: «علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام». ذكره الزمخشري في تفسيره الكشاف ج3 ص467 . والسيوطي في تفسيره الدُّر المنثور ج6 ص7. و تفسير الطبري ج25 ص16 و 17. و الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد ج7 ص103 و ج9 ص168. و في محبة أهل البيت علیهم السلام و ردت الأخبار الكثيرة أيضاً منها ما قاله رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم: [لو اجتمع الناس على حب علي بن أبي طالب علیه السلام لما خلق اللّه «عز وجل» النار] البحار،ج39 ص248 ح12. و عن علي علیه السلام عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم إن أول من يدخل الجنة أنا و أنت و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. قال علي علیه السلام: فمحبونا؟ قال صلی اللّه علیه و آله وسلم: «من ورائكم». البحار، ج70 ص127 ح56. و قال صلی الله علیه و آله و سلم: «إن اللّه له الحمد عرض حبّ علي علیه السلام و فاطمة علیها السلام و ذريتها على البرية فمن بادر منهم بالإجابة جعل منهم الرسل و من أجاب بعد ذلك جعل منهم الشيعة وإن اللّه جمعهم في الجنة... المناقب المرتضوية، للعلامة الكشفي، ص97. و في (الهداية الإلهية) التي هبط بها جبرائيل على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم التي تضمنت رسالة من خالق الأكوان إلى سيد المرسلين نجد (... فإذا عليها سطران مكتوبان بسم اللّه الرحمن الرحيم تحية من اللّه «تعالى» إلى محمد المصطفى صلی اللّه علیه و آله و سلم و علي المرتضى و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين علیهم السلام سبطي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم و أمان لمحبيهم يوم القيامة من النار). البحار، ج37 ص99 ح1.

فَاسْلُكْ أُخَيَّ سَبِيلَهُمْ *** وَ اتْرُكْ مَلاَمَ اللُّوَمِ

هُمْ أَهْلُ بَيْتِ المُصْطَفَى *** فَادْخُلْ حِمَاهُمْ تَحْتَمِ(1)

وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِجَاهِهِمْ *** فَقَدِ اسْتَغَاثَ بِأَرْحَمِ

وَ هُمُ الغُيُوثُ لِمُجْدَبٍ *** تَهْمِي بِأَعْظَمِ مَغْنَمِ(2)

هُمْ خِصْبُ أَهْلِ الأَرْضِ هُمْ *** حِصْنُ الأَمَانِ لِمُحْتَمِ(3)

وَهُمُ البُدُورُ لِكُلِّ سَارٍ *** وَالهُدَى لِلْهُوَّمِ (4)

الدِّينُ وَالدُّنْيَا بِهِمْ *** هُمْ أَصْلُ كُلِّ الأَنْعُمِ

فَانْزِلْ بِسَاحَتِهِمْ وَلَذْ *** بِكِرَامِهِمْ وَكَرَائِمِ

وَادْعُ الإِلهَ بِمَاتَشَا *** تَنَلِ المُرَادَ وَتَنْعَمِ

ص: 471


1- تَحْتَم: تتّقي.
2- الغيوث: الأمطار، المجدب: الذي أصابه القحط. تهمي الأمطار: تنزل وتسيل المغنم:الفوائد والخيرات.
3- الخصب: النبات والخيرات.
4- الهوّم: جمع هائم وهو الذي سلك سبيلاً و لايدري أين يتوجه.

فَبِنُورِهِمْ أَرْجُو الهِدا *** يَةَ لِلسَّبِیلِ الأَقْوَمِ

بِأَبِي الحُسَيْنِ وَأُمّهِ *** بِنْتِ النَّبِيِّ الأعْظَمِ

أَدْعُوكَ بِالحَسَنَيْنِ يَا *** رَبِّي فَجُدْ وَتَكَرَّمِ

وَ بِزَيْنَبٍ وَبِأُخْتِهَا *** بِنْتَیْ عَلِیَّ الضَّیْغَمِ(1)

وَ بِمُحْسِنٍ بَدْرِ الدُّجَى *** وَ بِكُلِّ بَدْرٍ فَاطِمِی(2)

وَ بِأَبْلَجٍ وَ بِأَنْوَرٍ *** أَنْعِمْ بِحُسْنِ خَوَاتِمِ(3)

وَ بِزَيْنِهِمْ وَبِزَیْدِهِ *** بَحْرِ النَّدَى الشَّهْمِ الكَمِي(4)

بِسُكَيْنَةٍ وَ بِفَاطِمٍ *** بِنْتَيْ حُسَیْنِ الأَكْرَمِ

وَ نَفِیسَةٍ وَ رُقَيَّةٍ *** جُدْلِي بِعَفْوِكَ وَ ارْحَمِ

وَ أَفِضْ عَلَيَّ بِحُبِّهِمْ *** وَ امْرُجْ بِحُبِّهِمُ دَمِی

فَهُمُ لِعَيْنِي نُورُه *** وَهُمُ لِجُرْحِي مَرْهَمِي

***

يَا حَادِيَ الرَّكْبِ اتَّجِهْ *** نَحْوَ الحَبِيبِ وَ يَمِّمِ(5)

وَ إِذَا وَصَلْتَ لِسَاحِهِ *** فَأَنِخْ هُنَاكَ وَ خَیِّمِ

أَدِّ التَّحِيَّةَ لِلنَّبِيِّ *** وَ عَلَيْهِ صَلِّ وَسَلِّمِ

وَ أَطِلْ هُنَاکَ إِقَامَةً *** فَرِحَابُ أَحْمَدَ مَغْنَمِی

ص: 472


1- أختها: هی السيدة أم كلثوم. الضيغم: الأسد.
2- محُسن: هو الذي أسقط بين الباب و الحائط و كان من أثر العصرة التي قام بها القوم بعد وفاة النبي اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم.
3- أنور: سيدنا حسن الأنور ابن سيدنا زيد الأبلج ابن سيدنا الحسن بن سيد علي و الأنور والد السيدة نفيسة علیها السلام.
4- زيد: ابن الإمام زين العابدين علیه السلام. الندى: الكرم. الكمي: الشجاع.
5- يَمّمْ: أقصد.

وَ اشْرَحْ هَوَى صَبِّ وَقُلْ *** رُحْمَاكُمُ لِمُتَيَّمٍ(1)

لاَتُخْفِ مَا فَعَلَ الهَوَى *** وَ اشْكُ الجَوَى لاَتَكْتُمِ(2)

فَعَسَى أَفُوزُ بِنَظْرَةٍ *** تُحْيِي رَمِيمَ الأَعْظَمِ

وَ عَسَايَ أُمْنَحُ مِنْحَةً *** تَهَبِ اليَسَارَ لِمُعْدَمِ(3)

وَدَعِ الفُؤَادَ بِذِكْرِهِ *** يَشْدُو بِغَيْرِتَكَلُّمِ(4)

فَكَلاَمُ مَنْ عَرَفَ الهَوَى *** بِالقَلْبِ لاَبِمُتَرْجِمِ (5)

يَحْيَا المُحِبُّ بِحُبِّهِ *** مُتَرَنِّحاً بِتَرَنْمِ(6)

إِنَّ المُحِبَّ إِذَا سَمَا *** لَمْ تَلْقَهُ فِي النُّوَّمِ

یَا حُبُّ زِدْنِي لَوْعَةً *** وَ أَطِلْ جَوَاكَ وَأَضْرِمِ

إِنّ الغَرَامَ جَحِیمُهُ *** فِيه نَعِيمُ المُغْرَمِ

***

يَا رَبَّنَا أَنْتَ الرَّحِيمُ *** فَعِمَّنا بِتَرَحُّمِ

وَ اغْفِرْ لِقَارِي هَذِهِ *** وَ لِسَامِعٍ وَلِنَاظِمِ

لِعَظِیمِ ذَنْبِيَ يَا إِلْهی *** جُدْ بِعَفْوٍ أعْظَمِ

فَلأَنْتَ غَفَّارُ *** الذُّنُوبِ وَ رَاحِمُ المُسْتَرْحِمِ

تَعْفُو وَتَغْفِرُ مَا تَشَاءُ *** مِنَ الذُّنُوبِ لِمُسْلِمِ

لَكَ دُونَ غَيْرِكَ كُلُّ *** أَمْرٍ فِي جَمِيعِ العَالَمِ

ص: 473


1- صبّ: عاشق ذو ولعٍ شديد. متيّم: مستعبد و مذلل.
2- الجوى: الحرقة.
3- اليسار: الغنى. المعدم: الفقير.
4- يشدو: يغني.
5- مترجمِ: مترجم القلب هو اللسان.
6- الترنح: التمايل. الترنم: الصوت في الغناء.

وَ أَدِمْ صَلاتَكَ و السَّلاَمَ *** عَلَى النَّبِيِّ الهَاشِمِي(1)

ص: 474


1- (لم نجد للقصيدة اسم الشاعر ولكن يعرف من القصيدة أنها لشاعر مصري وقد جاءَ في مقدمة القصيدة هذا العنوان (الاستغاثة بسيدتنا فاطمة الزهراء علیها السلام) و أخذت هذه القصيدة من كراس فيها أربع قصائد و فيها تاريخ طبع في محرم سنة (1344ه_).

(50) لم أنسها

(بحر البسيط)

لأحد الشعراء

لم أنسَها يومَ وافتْ قبرَ والدِها *** خيرِ البريةِ من عربٍ ومن عجمِ

وافتْ وقد غصَّ بالأنصارِ مسجدُهُ *** والبغيُ قامَ بجمعٍ فيه مزدحمِ

فأسدلُوا دونهَا الأستارَ فابتدأت *** للّه تهدى بإصفاحٍ من الكلمِ

كأنها هي بالآيات تفرغُ عن *** فمِ النبيِّ أبيها في بيانِ فمِ

لم يهضُموا فاطماً إلا وقد علِمُوا *** بأن حيدرَ منهُم غيرُ منتثمِ

ثم انثنتْ عن خطابِ القوم راجعةً *** لبيتها تطأُ الأذيالَ بالقدَمِ

قالت أبا حسن ماذا القعودُ فقُمْ *** وَ حكِّمْ السيفَ في الأعناقِ والقِمَمِ

ترضى بأنَّ طغاةَ البغيِ تهضمُني *** وَ أنتَ تعلمُ ليسَ الهضمُ من شيمي

تبزُّني نِحلَتِي مني بدينِ أبي قحا *** فةَ حيث لم يبصر لديَّ حَمِي

فقال فاطمُ صبراً نَهْنِهي شَجناً *** وَ أطوِ الجوانح أن تهجعْ على الكظمِ

إنَّ الكفيلَ لمأمونٌ ورزقُكِ في *** حكمِ الكتابِ جليٌ غيرُ منكتمِ

وَ إرثكِ إن أضاعتْهُ العداحَنَقاً *** فلم يُضِع لكِ أجراً بارئُ النَسَمِ

ص: 475

ص: 476

الفهارس العامة

إشاره

1- فهرس الشعراء

2- فهرس التراجم

3- فهرس القصائد و البحور

4- فهرس الموضوعات

ص: 477

ص: 478

1- فهرس الشعراء

الإسم *** المقطوعة

الشيخ إبراهيم البلادي *** م(1)

الشيخ إبراهيم آل مبارك البحراني *** ل(1)

الأستاذ إبراهيم محمد جواد *** ق(1)

الشيخ أبوالحسن الخليعي *** ل(2)، ل(3)

الأستاذ أحمد رشيد مندو *** ق(2)، ل(4)

الأستاذ بدر شبيب الشبيب *** ل(5)

الأستاذ تسنيم مهدي (أبو زكي) *** ل(6)، م(2)

الأستاذ جابر الكاظمي *** ل(7)

الأستاذ جعفر عباس الحائري *** ل(8)

السيد ميرزا جعفر القزويني *** ل(9)

الشيخ جعفر الهلالي *** ل(10)

الأستاذ الحافظ البرسي الحلي *** م(4)

الشيخ حبيب آل إبراهيم العاملي *** م(5)

الشيخ حبيب شعبان *** ف(1)

الشيخ حسن البحراني القيسي *** م(6)، م(7)، م(8)

الأستاذ حسن بن علي بن جابر الهبل *** ل(11)

الشيخ حسن الجامد *** م(9)

الشيخ حسن الدمستاني *** ق(3)

الشيخ الملاحسن عبدالله آل جامع *** ل(12)، م(10)

الشيخ حسن علي الخطي *** م(11)

الأستاذ حسين بن علي العشاري *** ل(13)

الشيخ حمزة البصير *** ل(14)

ص: 479

السید حمید الأعرجي *** م(3)

السيد حيدر الحلي *** ف(2)

الشيخ ملا داود الكعبي *** م(12)

الأستاذ زين العابدين الحكيم *** ل(15)

السيد سعد الذبحاوي *** ل(16)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي *** ل(17)

الشيخ سلطان علي الصابر *** م(13)

الأستاذ سلمان الربيعي *** ل(18)، م(14)

الشيخ سلمان نوح *** ل(19)

الأستاذ الصاحب بن عباد *** ل(20)

السيد صالح الحلي *** ل(21)، ل(22)، م(15)

الأستاذ صالح علي الحداد *** م(16)

السيد صالح القزويني البغدادي *** ل(23)

الأستاذ صفوان بن إدريس النجيبي المرسي *** م(17)

السيد ضياء الدين الحبش *** ل(24)

الملك الصالح طلائع بن رزيك *** ل(25)، ل(26)

الشيخ عبدالأمير النصراوي *** ق(4)

الشيخ عبدالحسين آل صادق العاملي *** ل(27)

الشيخ عبدالحسين الحويزي *** م(18)، م(19)

الشيخ عبدالحسين الشكر *** م(20)

السيد عبدالرزاق الموسوي البهبهاني *** ل(28)

الأستاذ عبدالرسول الفراتي *** ل(29)

الشيخ عبدالستار الكاظمي *** ف(3)، م(21)

الأستاذ عبدالعزيز العندليب *** ک(1)

الشيخ عبدالعظيم الربيعي *** ل(30)

الشيخ عبدالغني الحر العاملي *** ک(2)

الأستاذ عبدالقادر الجيلاني *** ک(3)

الشيخ عبدالكريم الصادق *** ق(5)، ک(4)

الشيخ عبدالمجيد أبوالمكارم *** م(23)

ص: 480

الأستاذ عبدالنبي بزي *** ک(5)

الأستاذ عدنان عبدالقادر أبوالمكارم *** م(22)

الأستاذ علاءالدين الشفهيني *** ک(6)

الشيخ ملاعلي آل رمضان *** ق(7)، م(24)، م(25)

الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام *** ل(31)

الشيخ علي بن حسن الجشي *** ل(32)

الأستاذ علي الفرج *** م(26)

الأستاذ علي محمد الحائري *** ف(4)، ق(6)

السيد غياث آل طعمة *** ل(33)، م(27)

الشيخ فاضل الصفار *** م(28)

الشيخ فرج العمران القطيفي *** م(29)

الشيخ قاسم الملا الحلي *** ف(5)

الأستاذ لطف الله بن محمد البحراني *** م(30)

لأحد الشعراء *** ک(14)، م(49)، م(50)

الشيخ محسن أبوالحب الكبير *** ک(7)، ل(34)، م(31)، م(32)

الحاج محمد آل رمضان الاحسائي *** ک(8)

الشيخ محمد بن حسين أبوخمسين *** ک(9)

الشيخ محمد بن عبدالمطلب *** م(33)

الشيخ محمد حسن أبوالمحاسن *** م(34)

السيد محمدرضا حيدر شرف الدين العاملي *** م(35)

السيد محمدرضا القزويني *** ل(35)، م(36)، م(37)

الشيخ محمد الساعدي *** ل(36)

الشيخ محمد سعيد المنصوري *** ل(37)، م(38)، م(39)، م(40)

السيد محمد الشيرازي *** ک(10)

السيد محمد صالح البحراني *** ف(6)، م(41)

الشيخ محمد صالح المطر *** م(42)

السيد محمد علي العلي *** ل(38)

ص: 481

الشيخ محمد علي اليعقوبي *** ل(39)

السيد محمد كاظم الكفائي *** م(43)

السيد محمد مهدي بحر العلوم *** ل(40)

الأستاذ محمود البستاني *** م(44)

السيد مرتضى السندي الحائري *** ف(7)، ل(41)

الشيخ مغامس بن داغر *** م(45)

الشيخ مفلح الصيمري *** م(46)

الأستاذ منصور النمري *** ل(42)

السيد مهدي الأعرجي *** ل(43)

الأستاذ مهيار الديلمي *** ک(11)

الشيخ ناصر الحائري *** ل(44)

الشيخ نزار سنبل *** ل(45)

الشيخ هادي البحراني *** ک(12)

الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي *** م(47)

السيد هاشم حسين الموسوي *** ک(13)، ل(46)

الشيخ هاشم الكعبي الحائري *** م(48)

ص: 482

2- فهرس التراجم

الإسم *** الصفحة

الشیخ إبراهیم البلادي *** 311

الشیخ أبوالحسن الخلیعي *** 145

الأستاذ جابر الکاظمي *** 162

السید میرزاجعفر القزویني *** 177

الشیخ حسن الجامد *** 333

الأستاذ حسين بن علي العشاري *** 189

الشيخ حمزة البصير *** 192

السيد حميد الأعرجي *** 316

الشيخ ملاداود الكعبي *** 344

الشيخ سلطان علي الصابر *** 348

الشيخ سلمان نوح *** 206

الأستاذ الصاحب بن عباد *** 209

السيد صالح القزويني البغدادي *** 218

السيد ضياء الدين الحبش *** 230

الملك الصالح طلائع بن رزيك *** 234

السيد عبدالرزاق الموسوي البهبهاني *** 245

الأستاذ عبدالرسول الفراتي *** 247

الشيخ عبدالغني الحر العاملي *** 70

الأستاذ عبدالنبي بزي *** 85

الأستاذ علاء الدين الشفهيني *** 92

الشيخ محمدحسن أبوالمحاسن *** 421

الشيخ محمد صالح المطر *** 447

السيد محمد مهدي بحر العلوم *** 284

ص: 483

السيد مرتضى السندي الحائري ***31

الأستاذ منصور النمري *** 294

الشيخ ناصر الحائري *** 300

الشيخ نزار سنبل *** 303

الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي *** 463

ص: 484

3- فهرس القصائد و البحور

سقاك الحيا الهطال يا معهد الإلف *** و يا جنة الفردوس دانية القطف *** 11

(المقطوعة 1/بحر الطويل)

على كل واد دمع عينيك ينطف *** و ما كل واد جزت فيه المعرف *** 14

(المقطوعة 2/بحر الطويل)

آية الظلم دليل و كفى *** ليس من قبر لبنت المصطفى *** 16

(المقطوعة 3/ بحر الرمل)

هو الدهر يزجي المنى و الحتوفا *** تناوب یومیه جدباً و ريفا *** 19

( المقطوعة 4/ بحر المتقارب)

ما مقلتي هتنت ذروفه *** في حب غانیة ظریفه *** 22

(المقطوعة 5/ مجزوء الکامل)

صبّ جفوه و عن كراه تجافی *** مهما سقى طرداً نما إلحافا *** 25

(المقطوعة 6/ بحر الكامل)

يا بنة المختار قومي *** و احضري أرض الطفوف *** 31

(المقطوعة 7/ بحر الرمل)

-القاف-

لهفي لفاطمة قد عضّها الرهق *** فالعين باكية و القلب محترق *** 37

(المقطوعة 1/ بحر البسيط)

إذا أهل العلا راموا السباقا *** بني الزهراء لاتخشوا لحاقا *** 40

(المقطوعة 2/ بحر الوافر)

ص: 485

هل للذع الجوى المبرح راقي *** إن قلبي بناره في احتراق *** 43

(المقطوعة 3/ بحر الخفيف)

یاسر قد هامت بك العشاق *** يا من إلى نيل العلى سبّاق *** 46

(المقطوعة 4/ بحر الكامل)

كم سار خلفك يا علي الفيلق *** و لواء أحمد فوق رأسك يخفق *** 49

(المقطوعة 5/ بحر الكامل)

على ذمم المروءة ما ألاقي *** أذمّ لها و لاتألو رهاقي *** 52

(المقطوعة6/ بحر الوافر)

يوماً به تطوى السما من بعد ما *** تمحى ثواقبها من الآفاق *** 55

(المقطوعة 7/ بحر الكامل)

-الكاف-

عليك سلام اللَّه في يوم ذكراك *** و رحمته يا بضعة المصطفى الزاكي *** 61

(المقطوعة 1/ بحر الطويل)

قد أطال السهاد طول نواكا *** فمتى تسعد الورى بلقاكا *** 70

(المقطوعة 2/ بحر الخفيف)

لا و ربّي و حقّ طه أبيك *** لايطيب المديح إلا فيك *** 74

(المقطوعة 3/ بحر الخفيف)

أيّ النساء رقت لأوج علاك *** يا بنت راقي السبعة الأفلاك *** 80

(المقطوعة 4/ بحر الكامل)

فاض القريض هدًى لدى ذكراك *** و تضوعت ألحانه بشذاك *** 85

(المقطوعة 5/ بحر الكامل)

يا أمّة نقضت عهود نبیها *** أفمن إلى نقض العهود دعاك *** 92

(المقطوعة 6/ بحر الكامل)

قصّر القوم عن بلوغ مداكا *** فلذا حاولوا انحطاط علاكا *** 96

(المقطوعة 7/ بحر الخفيف)

يا بضعة المختار طاب ثراك *** روحي فداك و ما أقل فداك *** 100

(المقطوعة 8/ بحر الكامل)

ص: 486

یا فاطم سبحان من صفّاك *** يا زهرة في القدس ما أزهاك *** 107

(المقطوعة 9/ بحر الكامل)

أي قدر لقولتي في رثاك *** أنت يا بضعة النبي الزاكي *** 118

(المقطوعة 10/ بحر الخفيف)

يا بنة القوم تراك *** بالغ قتلي رضاك *** 121

(المقطوعة 11/ بحر الرمل)

تعيى القرائح في مقام علاك *** حيّاك يا بنة أحمد حيّاك *** 128

(المقطوعة 12/ بحر الكامل)

أم الأئمة ما أندى عطاياك *** و ما أشد شقاء الدهر لولاك *** 131

(المقطوعة 13/ بحر البسيط)

يا نور بيت المصطفى بشراك *** لولاك ما عم الهدى لولاك *** 135

(المقطوعة 14/ بحر الكامل)

-اللام-

بيني و بين قبيلتي مخطومة *** كانت قضيّتها الخصام الأولا *** 141

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

لم أبك ربعاً للأحبة قد خلا *** و عفا و غيّره الجديد و أمحلا *** 145

(المقطوعة 2/ بحر الكامل)

لست ممن يبكي رسولا حمولا *** و دياراً أعفى البلا و طلولا *** 148

(المقطوعة 3/ بحر الخفيف)

أيا بيعة قامت لإحراق منزل *** لفاطم و السبطين و المرتضى علي *** 153

(المقطوعة 4/ بحر الطويل)

بحور الشعر أسكرها الجمال *** فرفرف في شواطئها الخيال *** 156

(المقطوعة 5/ بحر الوافر)

هبّي نسيماً في الصباح عليلا *** فوق الجراح و أشعلي قنديلا *** 158

(المقطوعة 6/ بحر الكامل)

سائلاً بالمصاب *** من يرد الجواب *** 162

(المقطوعة 7/ بحر الرمل)

ص: 487

تجلّد إن عدت غير الليالي *** عليك و كن كأطواد الجبال *** 166

(المقطوعة 8/ بحر الوافر)

هجرت الغواني و أطلالها *** غداة أحال النوی حالها *** 177

(المقطوعة 9/ بحر المتقارب)

أورث الخطب زفرة و عويلا *** يوم نالت كف المنون الرسولا *** 180

(المقطوعة 10/ بحر الخفيف)

ملكتم فؤاداً ليس يدخله العذل *** فذكر سواكم كلما مر لايحلو *** 184

(المقطوعة 11/ بحر الطويل)

أعيني جودا بالدموع الهواطل *** لفقد رسول الله أفضل راحل *** 187

(المقطوعة 12/ بحر الطويل)

أبوحسن له القدح المعلّى *** و قدر فوق أوج النجم علّى *** 189

(المقطوعة 13/ بحر الوافر)

لم يشجني ذكر جيرة رحلوا *** عني و ما و دّعوا مذار تحلوا *** 192

(المقطوعة 14/ بحر المنسرح)

ألا أيها الموت الذي ليس تاركي *** أرحني فقد أفنيت كلُّ خليل *** 194

(المقطوعة 15/ بحر الطويل)

أيها المهدي من آل الرسول *** قم و ناديا لثارات البتول *** 196

(المقطوعة 16/ بحر الرمل)

و ترعرع الغصن الرطيب بدوحة *** نبوية كانت حلاً و جمالا *** 199

(المقطوعة 17/ بحر الكامل)

زهراء نور عیني *** یا نور کل عین *** 203

المقطوعة18/ مجزوء الرمل)

ذهب الشيب بالشباب و ولى *** و القوى قد وهت بضعف أطلاّ *** 206

(المقطوعة 19/ بحر الخفيف)

سوف تأتي الزهراء تلتمس الحكم *** إذا حان محشر التعديل *** 209

(المقطوعة 20/ بحر الخفيف)

بأبي من أصبحت بعد الرسول *** جسمها زاد سقاماً و نحول *** 213

(المقطوعة 21/ بحر الرمل)

ص: 488

دع تفاصيلاً و سلني جملا *** لم تطق تسمع ماقد فصلا *** 215

(المقطوعة 22/ بحر الرمل)

ما على الركب لو أقام قليلاً *** فشفى لوعة و أطفي غليلا *** 218

(المقطوعة 23/ بحر الخفيف)

قد هاجني شوق إذ بان لي طلل *** فرحت أسأله: قلّي متى رحلوا *** 230

(المقطوعة 24/ بحر البسيط)

دعني قبيل اللهو غير قبيلي *** و سبيل أهل اللوم غير سبيلي *** 234

(المقطوعة 25/ بحر الكامل)

یانفس کم تخدعين بالأمل *** و كم تحبين فسحة الأجل *** 238

(المقطوعة 26/ بحر المنسرح)

خذ في مديحك للبتول *** حظّين من طول و طول *** 242

(المقطوعة 27/ بحر الكامل)

يحن القلب للخل الوصول *** وينعاه مدى الزمن الطويل *** 245

(المقطوعة 28/ بحر الوافر)

في مقلتيك عيون الفجر تكتحل *** و في معانيك يحلو المدح و الغزل *** 247

(المقطوعة 29/ بحر البسيط)

أسفرت في جمالها *** و اختفت في جلالها *** 249

(المقطوعة 30/ مجزوء الخفيف)

ألاهل إلى طول الحياة سبيل *** و أنى و هذا الموت ليس يحول *** 253

(المقطوعة 31/ بحر الطويل)

يوم البتولة في الوجود مهولها *** و مصيبة أشجي الرشاد حلولها *** 255

(المقطوعة 32/ بحر الكامل)

هل رسول مخبر طه الرسول *** ما رأت من بعده الطهر البتول *** 259

(المقطوعة 33/ بحر الرمل)

يا صاح ما هذا الكتاب المنزل *** يا صاح ما هذا النبي المرسل *** 263

(المقطوعة 34/ بحر الكامل)

قسماً بالمعاد و السلسبيل *** و بما جاء في الورى من رسول *** 268

(المقطوعة 35/ بحر الخفيف)

ص: 489

الكون أجمع بالميلاد يحتفل *** فبنت طه بها الإسلام يكتمل *** 271

(المقطوعة 36/ بحر البسيط)

من ذا الفقيد علا عليه عویل *** فعرى جميع العالمين ذهول *** 274

(المقطوعة 37/ بحر الكامل)

ها هو العيد قم فحيّ البتولا *** حيّ فرع الهدى الزكي الأصيلا *** 276

(المقطوعة 38/ بحر الخفيف)

أمل الناس في البقاء طويل *** و هو ظل عما قليل يزول *** 281

(المقطوعة 39/ بحر الخفيف)

ألا عد عن ذكرى بثينة أو جمل *** فما ذكرها عندي يمر و لايحلي *** 284

(المقطوعة 40/ بحر الطويل)

سحاب الدمع طاب لها الهطول *** و في الخدين جمّلها المسيل *** 290

(المقطوعة 41/ بحر الوافر)

شاء من الناس رائع هامل *** يعللون النفوس بالباطل *** 294

(المقطوعة 42/ بحر المنسرح)

تبلّج وجه الأرض حزناً على سهل *** بميلاد بنت المصطفى خاتم الرسل *** 297

(المقطوعة 43/ بحر الطويل)

تميد الراسيات و قد تزول *** و للزهراء ذكر لايزول *** 300

(المقطوعة 44/ بحر الوافر)

قوافي الشعر تسبقني عجالی *** و ترقص في مخيلتي دلالا *** 303

(المقطوعة 45/ بحر الوافر)

قد وفدت التاريخ فهو أثيل *** و حميت الإيمان فهو جميل *** 306

(المقطوعة 46/ بحر الخفيف)

-الميم-

بدأت بحمد من خلق الأناما *** و أشكره على النعما دواما *** 311

(المقطوعة 1/ بحر الوافر)

أزهر الكون بنور فاطمة *** و تبدت ظلمات قاتمة *** 314

(المقطوعة 2/ بحر الرمل)

ص: 490

ماذا أقول و قلبي قال قبل فمي *** حبّ البتول سرى في أعظمي و دمي *** 316

(المقطوعة 3/ بحر البسيط)

ما هاجني ذكر ذات البان و العلم *** و لاالسلام على سلمى بذي سلم *** 318

(المقطوعة 4/ بحر البسيط)

أصبح الدهر ضاحك الثغر باسم *** يوم ميلاد بنت أحمد فاطم *** 321

(المقطوعة 5/ بحر الخفيف)

فبالزهرا مصيبتنا عظيمة *** و أدمعنا حكت سحباً سجيمه *** 324

(المقطوعة 6/ بحر الوافر)

الدمع مني على الخدين منسجم *** و القلب مني بنار الحزن مضطرم *** 326

(المقطوعة 7/ بحر البسيط)

من ذاك يعذرني من الأيام **** فيها طغى و جدي و زاد سقامي *** 330

(المقطوعة 8/ بحر الكامل)

يا إماماً به الوجود استقاما *** قم سريعاً و استنقذ الإسلاما *** 333

(المقطوعة 9/ بحر الخفيف)

کیف یهنی جسمي بطيب منام *** و نبي الهدى طريح سقام *** 336

(المقطوعة 10/ بحر الخفيف)

و من ينظر الدنيا بعين بصيرة *** يجدها أغاليطاً و أضغاث حالم *** 339

(المقطوعة 11/ بحر الطويل)

سل الدار عن أربابها أين يمموا *** أفاجأهم من حادث الدهر صيلم *** 344

(المقطوعة 12/ بحر الطويل)

سلام على الطهر بنت الهدى *** سلام على نور أهل الحرم *** 348

(المقطوعة 13/ بحر المتقارب)

أي الفضائل فيها يبدأ الكلم *** و هل يوفي إذا ما دوّن القلم *** 350

(المقطوعة 14/ بحر البسيط)

و لابد من يوم به نكشف الظلما *** و نملؤها (عدلاً) كما ملئت (ظلما) *** 353

(المقطوعة 15/ بحر الطويل)

من أين أبدأ يا شعري و يا قلمي *** بذكر بضعة خير الخلق و الأمم *** 356

(المقطوعة 16/ بحر البسيط)

ص: 491

سلام كأزهار الربي يتنسم *** على منزل منه الهدى يتعلم *** 359

(المقطوعة 17/ بحر الطويل)

لفرط الجوى مهجتي كاتمه *** و عيني بدت بالحيا ساجمه *** 362

(المقطوعة 18/ بحر المتقارب)

أهل تطيب لعيني نضرة النعم *** و جرح قلبي رغيب غير ملتئم *** 365

(المقطوعة 19/ بحر البسيط)

أنخ الطلاح ففي الطفوف مرامها *** و اعقل فقد بانت لنا أعلامها *** 370

(المقطوعة 20/ بحر الكامل)

تبكيك عيني عبرة ساجمه *** یا زهرة الفردوس یا فاطمه *** 372

(المقطوعة 21/ بحر السريع)

صلوات الله تغشي كل حين *** أحمد الهادي مع الآل الكريم *** 375

(المقطوعة 22/ بحر الرمل)

هاج قلبي بلوعة و أوام *** فغدا الجسم في أسًى و ضرام *** 383

(المقطوعة 23/ بحر الخفيف)

أترغبون بدار کلها نقم *** و الأمر تملكه من أهلها الخدم *** 386

(المقطوعة 24/ بحر البسيط)

داجي الضلال سجا و اشتدت الظلم *** على الورى و بحور الجور ملتطم *** 389

(المقطوعة 25/ بحر البسيط)

تلألأ كأس الحب فلندفن الهمّا *** فمن يشرب الحبّ البتولي لايظما *** 391

(المقطوعة 26/ بحر الطويل)

رنوت لأيامي الناعمه *** فبت لجمر الأسى هائمه *** 393

(المقطوعة 27/ بحر المتقارب)

ما للجناة لبيت فاطم هاجموا *** و ببابها نار الضغائن أضرموا *** 398

(المقطوعة 28/ بحر الكامل)

لایلهينك آرام بذي سلم *** و لاتعشق من في البان و العلم *** 403

(المقطوعة 29/ بحر البسيط)

حتى م تسأل عن هواك الأرسما *** غياً و تستهدي الجماد الأبكما *** 405

(المقطوعة 30/ بحر الكامل)

ص: 492

ما أنكر القوم من يوم الغدير و ما *** على نبي الهدى من فعله نقموا *** 408

(المقطوعة 31/ بحر البسيط)

لو كنت صاحب لوعتي و غرامي *** لعلمت كيف بذكرهن هيامي *** 414

(المقطوعة 32/ بحر الكامل)

أبا السبطين كيف تفي المعاني *** نثارا في مديحك أو نظاما *** 418

(المقطوعة 33/ بحر الوافر)

عهد وصل بالرّقمتين قديم *** سلفت فيه نضرة و نعيم *** 421

(المقطوعة 34/ بحر الخفيف)

يا صاح لاعذل و لاإرغام *** رفقاً بنفسي فالملام حرام *** 425

(المقطوعة 35/ بحر الكامل)

أصغ يا دهر وأنصتي يا مكارم *** و انفضي يا جراح عنك المراهم *** 427

(المقطوعة 36/ بحر الخفيف)

يظل قبرك مجهولاً عن الأمم *** و أنت مفخرة الدنيا بكل فم *** 430

(المقطوعة 37/ بحر البسيط)

سل الدار عن أربابها أين يمموا *** و هل أنجدوا أم في الركائب اتهموا *** 434

(المقطوعة 38/ بحر الطويل)

تاللَّه بعد رسول الله ما هجعت *** لفاطم ليلة عين و لم تنم *** 437

(المقطوعة 39/ بحر البسيط)

لك ذكرى تمر في كل عام *** و عليها نمرّ مرّ الكرام *** 440

(المقطوعة 40/ بحر الخفيف)

بتول القدس مرآة النظام *** عروس الحور مشكاة السلام *** 442

(المقطوعة 41/ بحر الطویل)

طغى الوجد في جسمي ففاض على فمي *** شعوراً فکان الشعر یتضح من دمي *** 447

(المقطوعة 41/ بحر الوافر)

حوادث بنت الهدى تؤلم *** فهل يستطيع البيان الفم *** 449

(المقطوعة 43/ بحر المتقارب)

ص: 493

دمع أذيل!! فيا كواكب، سامريه، و يا نجوم.. *** 455

(المقطوعة 44/ مجزوء الكامل)

صحبتك لا أني بودّك مغرم *** دعيني فغيري في هواك متيم *** 458

(المقطوعة 45/ بحر الطويل)

أعدلك يا هذا الزمان محرّم *** أم الجور مفروض عليك محتّم *** 460

(المقطوعة 46/ بحر الطويل)

كم بت في ذكر الحبيب متيّما *** و حشاي من شوق الوصال تضرّما *** 463

(المقطوعة 47/ بحر الكامل)

لوّامة حلف الملامه *** أهدت إلى قلبي سقامه *** 466

(المقطوعة 48/ مجزوء الكامل)

يابنت أحمد أنعمي *** بالعطف نحو المنتمي *** 470

(المقطوعة 49/ بحر الكامل)

لم أنسها يوم وافت قبر والدها *** خير البرية من عرب و من عجم *** 475

(المقطوعة 50/ بحر البسيط)

ص: 494

4- فهرس الموضوعات

تفریظ *** 7

قافیة الفاء

(1) سهام الدهر *** 11

(2) ما سنّ الضلال *** 14

(3) حرب البتول علیها السلام *** 16

(4) حشاشة قلب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم *** 19

(5) آه لبنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم *** 22

(6) كابدت ست النسا *** 25

(7) يابنة المختار قومي *** 31

قافیة القاف

(1) يا للبتول *** 37

(2) من نور طه *** 40

(3) فاطم علیها السلام الجليلة *** 43

(4) روحي فداها *** 46

(5) الدرة العصماء *** 49

ص: 495

(6) في ساحة الزهراء علیها السلام *** 52

(7) يا رب جئتك أشتكي *** 55

قافیة الکاف

(1) عليك سلام اللَّه *** 61

(2) غصب فاظم *** 70

(3) لايطيب المديح إلا فيك *** 74

(4) بنت أكرم من مشى *** 80

(5) جوهر الطهر المصفى *** 85

(6) تا اللَّه لاأنساك *** 92

(7) روّعوا فاطماً علیها السلام *** 96

(8) آيات فضلك *** 100

(9) عجائب القرآن *** 107

(10) سلام عليك *** 118

(11) فلتبك البواكي *** 121

(12) رمز كل فضيلة *** 128

(13) عطر النبوة صلي الله علیه و آله و سلم *** 131

(14) صلى عليك اللَّه *** 135

قافیة اللام

(1) مدينة العلم *** 141

ص: 496

(2) بكيت لفاطم علیها السلام *** 145

(3) فأنت فاطم علیها السلام *** 148

(4) ابنة المختار *** 153

(5) يا خير النساء *** 156

(6) حب الرسول صلي الله علیه و آله و سلم *** 158

(7) أين قبر البتول علیها السلام *** 162

(8) الصديقة الكبرى علیها السلام *** 166

(9) وما ذنب فاطمة علیها السلام *** 177

(10) بكاء الزهراء علیها السلام *** 180

(11) صبراً بني المختار *** 184

(12) أبا حسن علیه السلام *** 187

(13) البتول الطهر علیها السلام *** 189

(14) رزء البتول علیها السلام *** 192

(15) أيا موت ما أشجاك *** 194

(16) يا لثارات البتول علیها السلام *** 196

(17) شاكية الفؤاد *** 199

(18) زهراء علیها السلام نور عيني *** 203

(19) لست أنسى البتول علیها السلام *** 206

(20) سوف تأتي الزهراء علیها السلام *** 209

ص: 497

(21) رزء عظيم *** 213

(22) فاطمة علیها السلام تدعو *** 215

(23) يوم البتول علیها السلام *** 218

(24) أماه يا زهراء علیها السلام *** 230

(25) لم تخل من حزن *** 234

(26) اغتصابهم حق الزهراء علیها السلام *** 238

(27) هي لبوة نبوية صلي الله علیه و آله و سلم *** 242

(28) حليلة حيدر علیه السلام *** 245

(29) فاقت ضحى الشمس *** 247

(30) أفصبراً *** 249

(31) علل الدنيا *** 253

(32) بفاطم علیها السلام يبقى الهدى *** 255

(33) أسقطت بنت الهدى *** 259

(34) فاطم علیها السلام أفضل *** 263

(35) زهرة علیها السلام النبوة صلي الله علیه و آله و سلم و العصمة *** 268

(36) أم الأئمة علیها السلام *** 271

(37) أو ما ترى الزهراء علیها السلام *** 274

(38) يا ربة الفخار *** 276

(39) البتولة علیها السلام ثكلى *** 281

ص: 498

(40) حياة البتول علیها السلام *** 284

(41) سحاب الدمع *** 290

(42) النبي صلي الله علیه و آله و سلم والدها *** 294

(43) شفيعة يوم الحشر *** 297

(44) وللزهراء علیها السلام ذكر لايزول *** 300

(45) زهراء علیها السلام يا ألق المعاني *** 303

(46) أم العطاء *** 306

قافیة المیم

(1) البتول علیها السلام لها سلام *** 311

(2) نور فاطمة علیها السلام *** 314

(3) حب البتول علیها السلام *** 316

(4) في الحشر فاطمة علیها السلام *** 321

(5) عصم الله فاطماً علیها السلام *** 321

(6) عليك صلاة ربي *** 324

(7) يا بنت خير نبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 326

(8) قلب البتول علیها السلام *** 330

(9) البتول العذارء علیها السلام *** 333

(10) فأنت فاطم علیها السلام *** 336

(11) بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 339

ص: 499

(12) مصيبة فاطم علیها السلام *** 344

(13) خير البرايا *** 348

(14) يا أم والدها علیها السلام *** 350

(15) البضعة الزهراء علیها السلام *** 353

(16) بضعة خير الخلق *** 356

(17) وأقبلت الزهراء علیها السلام *** 359

(18) جوهر العقول *** 362

(19) بيت الطهر فاطمة علیها السلام *** 365

(20) أنخ الطلاح *** 370

(21) زهرة الفردوس *** 372

(22) أقبل خير الأنبياء *** 375

(23) لبوة المرتضى علیه السلام و أم الكرام *** 383

(24) ابنة المختار *** 386

(25) فاطمة علیها السلام تدعو *** 389

(26) حب البتول علیها السلام *** 391

(27) نثار اللآلىء *** 393

(28) قنديل الوحي *** 398

(29) بعد فاطمة الزهراء علیها السلام *** 403

(30) ست النساء *** 405

ص: 500

(31) حبيبتي الزهراء علیها السلام *** 408

(32) عترتها الأطائب *** 414

(33) جنود اللّه *** 418

(34) عقيلة الوحي علیها السلام *** 421

(35) أكرم منزل *** 425

(36) ولد الخير علیها السلام *** 427

(37) سيدة الدنيا و الآخرة علیها السلام*** 430

(38) من المختار روح و بضعة *** 434

(39) أم الخدر *** 437

(40) مصاب فاطمة علیها السلام *** 440

(41) بتول القدس علیها السلام *** 442

(42) مأساة الزهراء علیها السلام *** 447

(43) حوادث بنت الهدى *** 449

(44) يا غرسة الهادي *** 455

(45) بضعة خير المرسلين *** 458

(46) ميراث النبي صلي الله علیه و آله و سلم *** 460

(47) باب النبوة صلي الله علیه و آله و سلم *** 463

(48) بيت الوحي *** 466

(49) يا بنت أحمد صلي الله علیه و آله و سلم أنعمي *** 470

ص: 501

(50) لم أنسها *** 475

الفهارس العامة

1- فهرس الشعراء *** 479

2- فهرس التراجم *** 483

3- فهرس القصائد و البحور *** 485

4- فهرس الموضوعات *** 495

ص: 502

المجلد 5

هوية الکتاب

اَلْفَاطِمِيَّاتِ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْفَاطِمِيَّاتِ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلْخَامِسُ

دارالعلوم تحقیق و الطباعة و نشر و التوزیع

ص: 1

اشارة

ص: 2

اَلْفَاطِمِيَّاتِ

مَشَاعِرَ الوَلَاءِ في قَصَائِدِ الزَهَرَاءِ علیها السلام

اَلْخَطِيبُ اَلشَّيْخُ عَلِيٌ حَيْدَرُ اَلْمُوَيَّدُ

اَلْجُزْءُ اَلْخَامِسُ

دارالعلوم تحقیق و الطباعة و نشر و التوزیع

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولى

1426 ه- - 2005 م

دار العلوم التحقيق والطباعة والنشر والتوزيع

المكتبة: حارة حريك - بئر العبد - شارع السيد عباس الموسوي -الهاتف:01/545182 - 03/47919 - ص.ب:13/6080 المستودع: حارة حريك - بئر العبد - مقابل البنك اللبناني الفرنسي - تلفاكس: 01/541650

www.daraloloum.com E-Mail: daraloloum@hotmail.com

ص: 4

بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اَهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَاالضَّالِّينَ*

ص: 5

ص: 6

تقریظ

[بحر الطويل]

لأنت علي من أناس أكارمه *** متى طلب الإيمان كانوا علائمه

فلم قوم أنجبوك فأنهم *** بحق لعمر اللَّه كانوا ضراغمه

فإن جاش خطب و أدلهم بهوله *** تراهم أناساً في الشر أيد حازمه

قد ادعو الإيمان و العلم و التقى *** و هل في التقى و العلم و الدين لأيمّه

لقد أشربوا حب النبي وآله *** وحب نبي المختار ما فيه ساقمه

و أنت لعمري شبلهم و حفيدهم *** ترى صحبة الإيمان خير منادمه

ترى العلم لاتبغي بديلاً به و لو *** تراءت لك الدنيا و هل هي دايمه

لذاك و ربي لاتزال مثابراً *** بحبك للطهر البتولة فاطمه

جمعت مراثيها بجدّ و مدحها *** و خدمتها و اللَّه أعظم غانمه

فكانت و ربي خير سفر جمعته *** وتاللَّه قد أوضحت منه معالمه

کتاب بروق العين إما نظرته *** تلألأ كعقل الخور افرح ناظمه

و سمّيته بالفاطميات يا له *** کتاب له كف المودّة راقمه

ترى فيه اخلاص المولاة ظاهراً *** كما فيه أنوار الولاية حاكمه

به أدب قد سال في حبّها كما *** تدافع ويل من غمائم ساجمه

کتاب يلوح النور بين سطوره *** كما لاح نور الشمس ما فيه كاتمه

فيالكِ أشعاراً حساناً جمعتها *** بحب البتول الطهر كالورد باسمه

لك الخلد فابشر يوم حشر بطيبها *** و البشر بحور في جنابك ناعمه

أقول و قولي قد أردّ ختامه *** علی حیدرٍ دامت يمينك سالمه

للشيخ حسن القيسي البحراني

ص: 7

ص: 8

قافية النون

اشارة

ص: 9

ص: 10

(1) أهل الجنان

(بحر البسيط)

ابن الحجاج البغدادي(*)(1)

أجاب بها على قصيدة ابن سكرة المتحامل بها على آل اللَّه و شاعرهم ابن الحجّاج المترجم، أخذناها من ديوانه المخطوط سنة (620 ه-) بقلم عمر بن إسماعيل بن أحمد الموصلي أوَّلها:

لاأكذبُ اللَّهَ إِنَّ الصَّدْقَ يُنْجِينِي *** يَدُ الأَمِيرِ بِحَمْدِ اللَّهِ تُحْيِينِي

إلى أن قال:

فَمَا وَجَدْتَ شفاءً تَسْتَفِيدُ بِهِ *** إِلا ابتغاءَكَ تَهْجُو آلَ يَاسِينِ(2)

كَافَاكَ رَبُّكَ إِذْ أَجْرَتْكَ قُدْرَتُهُ *** بِسَبِّ أَهْلِ العُلاَ الغُرِّ المَيَامِينِ

فَقَرٌ وَ كُفْرٌ هَمِيعٌ أَنْتَ بَيْنَهُما *** حَتَّى المَمَاتِ بلادُنْيَا وَ لادِين(3)

فَكَانَ قَوْلُكَ فِي الزَّهْرَاءِ فَاطِمَةٍ *** قَوْلَ امْرِىءٍ لَهِجِ بِالنُّصْبِ مَفْتُونِ

عَيَّرْتَها بِالرَّحَى وَ الزَّادِ تَطْحَنُهُ *** لاَزَالَ زَادُكَ حَبّاً غَيْرَ مَطْحُونِ(4)

ص: 11


1- (*) محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي من ولد علي بن المهدي العباسي له ديوان شعر يربو على خمسين ألف بيت توفي سنة (385 ه-).
2- تهجو: تشتم.
3- هميع: أي لاتزال باكياً، و الظاهر أن الصحيح (هموعُ) لا(هميع) و اللّه العالم.
4- يمكن إعراب الزاد على النصب على أنه مفعول ل (تطحن) أو إعرابه على الكسر عطفاً على (الرحى). و في البيت إشارة إلى ما روي من أن فاطمة علیها السلام كانت تطحن بالرحى. ففي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج2 ص41 قال: «عن الزهري قال: لقد طحنت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى مجلت يدها و ربا أثر قطب الرحى في يدها». و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص50 قال: عن علي علیه السلام إنه قال لابن أم عبد: ألا أحدثك عني وعن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانت أحبّ أهله إليه و كانت عندي فجرت بالرحى حتى أثرت في يدها و استقت بالقربة حتى أثرت في نحرها و قمت البيت حتى اغبَّرت ثيابها... الخ». و في البحار ج43 ص151 قال: عن أبي عبدالله علیه السلام قال كان علي أميرالمؤمنين علیه السلام: يحتطب و يستقي و يكنس و كانت فاطمة علیها السلام تطحن و تعجن و تخبز». و في البحار، ج43 ص51. دخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على علي علیه السلام فوجده هو و فاطمة علیها السلام يطحنان في الجاروش فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «أيكما أعيى؟» فقال علي علیه السلام: فاطمة علیها السلام يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم... فقال لها: قومي يا بنية، فقامت و جلس النبي صلى الله عليه و آله و سلم موضعها مع علي علیه السلام فواساه في طحن الحب.

وَ قُلْتَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ زَوْجَهَا *** مِسْكِينَةً بِنْتَ مِسْكِينٍ لِمِسْكِينِ(1)

كَذِبْتَ يَابْنَ الَّتِي بَابُ إِسْتِها سَلِسُ *** الأَغْلاقِ بِاللَّيْلِ مَفْكُوكُ الزَّرَافِينِ(2)

سِتُّ النِّساءِ غَداً فِى الحَشْرِ يَخْدِمُها *** أَهْلُ الجِنَانِ بِحُورِ الخُرَّدِ العِينِ(3)

ص: 12


1- يشير الشاعر في هذا البيت و هو في موقع الرد إلى مقولة من قال: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم زوّج فاطمة علیها السلام من فقير لامال له. ففي البحار ج43 ص149-150 قال: عن ابن عباس يرفعه إلى سلمان قال: كنت واقفاً بين يدي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أسكب الماء على يديه إذ دخلت فاطمة علیها السلام و هي تبكي فوضع النبي صلي الله علیه و آله و سلم يده على رأسها و قال: «ما يبكيك؟ لاأبكى الله عينك يا حورية» قالت مررت على علیه السلام ملأ من نساء قريش و هنَّ مخضبات فلما نظرنَ إليَّ وقعن في و في ابن عمي فقال لها: «و ما سمعت منهنَّ ؟» قالت: قلن: قد كان عزّ على محمد صلي الله علیه و آله و سلم أن يزوج ابنته من رجل فقير في قريش و أقلهم مالاً فقال لها: «واللَّه يا بنية ما زوجتك ولكن الله زوجك من علي علیه السلام فكان بدوه منه».
2- سلست الخشبة: نخرت و بليت و السلس: اللين السهل. الغلق ما يغلق به الباب و الجمع أغلاق. الزرفين واحدة الزرافين، الحلق الصغيرة للباب. إستها: الإست هو المخرج. و في البيت كناية واضحة.
3- يشير الشاعر في هذا البيت إلى منزلة الزهراء «سلام الله عليها» يوم القيامة و في جنة الفردوس و خدمة الحور لها: ففي البحار ج43 ص224 قال: عن ابن عباس: إذا كان يوم القيامة نادى مناد يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم فتكون أوّل من تكسى و يستقبلها من الفردوس اثنتا عشرة ألف حوراء و لم يستقبلوا أحداً قبلها و لاأحداً بعدها على نجائب من ياقوت أجنحتها و أزمتها اللؤلؤ عليها رحائل من درّ على كل رحالة منها نمرقة من سندس و ركائبها زبرجد فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس فيتباشر بها أهل الجنان... الخ». و في كتاب ذخائر العقبى لمحب الدين الطبري ص48 قال: عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع نكسوا رؤوسكم و غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم على الصراط فتمر و معها سبعون ألف جارية من الحور العين كالبرق اللامع.

فَقُلْتَ: إِنَّ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ بَغَى *** عَلَى مُعَاوِيَةٍ فِي يَوْمِ صِفِّينِ

وَ إِنَّ قَتْلَ الحُسَيْنِ السِّبْطِ قَامَ بِهِ *** فِي اللَّهِ عَزْمُ إِمَامٍ غَيْرِ مَوْهُونِ

فَلَا ابْنُ مَرْجَانَةٍ فِيهِ بِمُحْتَقِبٍ *** إِثْمَ المُسِيءِ وَ لاَشِمْرٌ بِمَلْعُونِ(1)

وَ إِنَّ أَجْرَ ابْنِ سَعْدٍ فِي اسْتِبَاحَتِهِ *** آلَ النُّبُوَّةِ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونِ

هذَا وَعُدْتَ إِلَى عُثْمَانَ تَنْدِبُهُ *** بِكُلِّ شِعْرِ ضِعِيفِ اللَّفْظِ مَلْحُونِ(2)

فَصِرْتَ بالطَّعْنِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ إِلَى *** مَا لَيْسَ يَخْفَى عَلَى الْبُلْهِ المَجَانِينِ

وَ قُلْتَ: أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ «الغَدِيرِ» إِذَا *** صَحَّتْ رِوَايَتُهُ يَوْمُ الشَّعَانِينِ(3)

وَ يَوْمُ عِيدِكَ عَاشُورا تَعُدُّ لَهُ *** مَا يَسْتَعِدُّ النَّصَارَى لِلْقَرَابِينِ

تَأْتِي بُيُوتَكُم فِيهِ العَجُوزُ وَ هَلْ *** ذِكْرُ العَجُوزِ سِوَى وَحْيِ الشَّيَاطِينِ؟!

عَانَدْتَ رَبَّكَ مُغْتَراً بِنَقْمَتِهِ *** وَ بَأْسُ رَبِّكَ بَأْسٌ غَيْرُ مَأْمُونِ

فَقَالَ: كُنْ أَنْتَ قِرْداً فِي أُسْتِهِ ذَنَبٌ *** وَ أَمْرُ رَبِّكَ بَيْنَ الكَافِ وَ النُّونِ

وَ قَالَ: كُنْ لِي فَتّى تَعْلُو مَرَاتِبُهُ *** عِنْدَ المُلُوكِ وَ فِي دُورِ السَّلاَطِينِ

وَ اللَّهُ قَدْ مَنَحَ الأَدْوَارَ قَبْلَكَ فِي *** زَمَانِ مُوسَى وَ فِي أَيَّامٍ هَارُونِ

بِدُونِ ذَنْبِكَ فَالحَقِّ عِنْدَهُمْ بِهِمُ *** وَدَعْ لِحَاقَكَ بِي إِنْ كُنْتَ تَنْوِينِي(4)

ص: 13


1- احتقب الإثم: جمعه.
2- ملحون: فيه اللحن و الخطأ.
3- يوم الشعانين: عيد الأحد الذي قبل الفصح (عبرانية).
4- الغدير ج4 ص89 القصيدة في (58) بيتاً أخذنا منها ما نحن بصدده.

(2) البتول الطهر واقفة

(بحر البسيط)

الشيخ أبو الحسن الخليعي(*)(1)

يا عَيْنُ لالِخُلُو الرَّبْعِ وَ الدِّمَنِ *** بَاكِي الرَّزَايَا سِوَى البَاكِي عَلَى السَّكَنِ(2)

وَاسِي بَنِي الهُدَى فِيمَا أُصِيبَتْ بِهِ *** وَ سَاعِدِي البَضْعَةَ الزَّهْرَا عَلَى الحُزْنِ

وَ قَابِلِيها بِأَرْض الطَّفْ صَارِخَةً *** عَلَى القَتِيلِ الغَرِيبِ النَّازِحِ الوَطَنِ

تَشْكُو إِلَى اللَّهِ وَ الأَمْلاَكُ مُحْدِقَةٌ *** بِالعِرْضِ تَسْتَصْرِخُ المَوْلَى أَبَاحَسَنِ

مِنْ حَوْلِهَا مَرْيَمُ العَذْرَا وَآسِيَةٌ *** تُكَرِّرُ النَّوْحَ بِالتَّذْكَارِ و الشجنِ

وَ النَّوْحُ مِنْ نَادِبَاتِ الجِنِّ مُرْتَفِعٌ *** وَ قَلْبُهَا مُوجَعُ بِالثُّكْلِ وَ المِحَنِ

لَهْفِي عَلَىٰ قَوْلِ مَوْلَاتِي وَ قَدْ نَظَرَتْ *** شِلْوَ الحُسَيْنِ بِلاَغُسْلِ وَ لَاكَفَنِ

مُلقَّى عَلَى الْأَرْضِ عَارِي الجِسْمِ مُنْعَفِرَ *** الخَدَّيْنِ مُخْتَضِبَ الأَوْدَاجِ وَ الذَّقْنِ(3)

لَهُفِي عَلَى زَيْنَبٍ حَرَّى مُجَرَّدَةً *** مَسْلُوبَةً تَسْتُرُ الأكتاف بالرُّدنِ(4)

تَقُولُ يَا وَاحِدي مَنْ لِي إِذَا نَزَلَتْ *** بِيَ الحَوَادِثُ يَحْمِينِي وَ يَكُننِي

لَهْفِي عَلَى فَاطِمِ الصُّغْرَى مُقَرَّحةً *** بِالدَّمْعِ أَجْفَاتُها مَسْلُوبَةَ الوَسَنِ(5)

تَدْعُو إِلَى زَيْنَبٍ يَا عَمَّا سَلَبَ العِلْجُ *** القِنَاعَ لِيَسْبِينِي وَ يَهْيَكُنِي

ص: 14


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.
2- الرُّبع: الموضع الذي يقيمون فيه الدُّمن: جمع الدمنة و هي آثار الدار.
3- الأوداج: جمع ودج و الودجان عرقان في العنق ينتفخان عند الغضب.
4- الرُّدن: طرف الكم الواسع، أصل الكم.
5- الوسن: ثقل النوم.

فَرُمْتُ أَسْتُرُ وَجْهِي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ *** فَظَلَّ يَشْتَمُنِي عَمْداً وَ يَضْرِبُنِي

أَيْنَ الحُمَاةُ وَ أَيْنَ النَّاصِرُونَ لَنَا *** وَ اخَيْبَتِي جَارَ دَهْرِي وَ اعْتَدَى زَمَنِي

لَهْفِى عَلَى السَّيْدِ السَّجَادِ مُعْتَقَلاً *** فِي أَسْرِهِمْ مُسْتَذِلاً نَاحِلَ البَدَنِ

إِذَا شَكَا أَسْمَعُوهُ قُبْحَ شَتْمِهِمُ *** وَ إِنْ وَنَىٰ قَنَّعُوهُ فَاضِلَ الرَّسنِ(1)

وَاحَسْرَتَاهُ لِكَرِيمِ السِّبْطِ مُشْتَهِراً *** كَالبَدْرِ يُشْرِقُ فَوْقَ الدّلّ وَ اللَّدن(2)

فَيَا لَهَا مِحْنَةٌ عَمَّتْ مُصِيبَتُها *** وَ يا لَها حَسْرَةً فِي قَلْبِ ذِي شَجَنِ

يُهْنِي يَزِيدَ بِرَأْسٍ طَالَ مَا رَشَفَ *** المُخْتَارُ مِنْ ثَغْرِهِ تَقْبِيلَ مُفْتَتَنِ

وَ تُسْتَحَثُّ بَنَاتُ المُصْطَفَى ذُللاً *** عَلَى المَطَايَا إِلَى الأَطْرَافِ وَ المُدنِ

قَدْ قَابَلُونَا بَنُو حَرْبٍ بِمَا صَنعُوا *** وَ لَاشُفُوا غِلَلَ الأَحْقَادِ وَ الضِّغَنِ

بِفِعْلِهِمْ كَفَرُوا فِينا وَ اعْتَقَدُوا *** أَنْ لاجَزَاءَ عَلَى قُبْحٍ وَ لاًحَسَنِ

مَضَوْا عَلَى سُنَنِ المَاضِينَ وَ ارْتَكَبُوا *** نَهْجَ الضَّلالِ وَ مَالُوا عَنْ هُدَى السُّنَنِ

كَأَنَّنِي بِالبَتُولِ الظُّهْرِ وَاقِفَةً *** فِي الحَشْرِ تَشْكُو إِلَى الرَّحْمَنِ ذِي المِنَنِ

تَأْتِي وَ قَدْ ضَمَّخَتْ ثَوْبَ الحُسَيْنِ دَماً *** مِنْ نَحْرِهِ وَ هْيَ تُبْدِي الحُزنَ فِي حُزْنِ

تَدْعُو أَلاَ ابْنَ مَسْمُومِي وَ يَا أَسْفَي *** عَلَى قَتِيلِي وَ يا كَرْبِي وَ يَا حُزْنِي

يَا رَبِّ مَنْ نُوزعَتْ مِيراثَ وَالِدِها *** مِثْلِي وَ مَنْ طُولِبَتْ بالحِقْدِ و الإحَنِ؟(3)

وَ مَنْ تُرَىٰ جُرِّعَتْ فِي وُلْدِهَا غُصَصٌ *** كَمَا ابْنُ مِرْجَانَةَ المَلْعُونُ جَرَّعَنِي؟

وَ مَنْ تُرَى كُذِّبَتْ قَبْلِي وَ قَدْ عَلِمُوا *** أَنَّ الإِلهَ مِنَ الأَرْجَاسِ طَهَّرَنِي؟

وَ هَلْ لِبِنْتِ نَبِيَّ أُضْرِمَتْ شُعَلٌ *** كَمَا أُطِيفَ بِهِ بَيْتِي لِيَحْرِقَنِي(4)

ص: 15


1- الرسن: الحبل المعروف. ونى: فتر وضعف و كلَّ و أعيا.
2- الدلّ: حالة السكينة و حسن السيرة اللدن غير جيد.
3- الإحن: الأحقاد و في كتاب دلائل الصدق ج3 ص54 عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة علیها السلام إلى أبي بكر تطلب ميراثها من النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال أبوبكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: إن اللّه عز وجل إذا أطعم نبيّاً طعمة فهي للذي يقوم بعده.
4- روي في كتاب العقد الفريد ج5 ص13: الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر، علي علیه السلام و العباس و الزبير و سعد بن عبادة، فأمّا علي علیه السلام و العباس و الزبير فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام و قال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته. فقالت: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم.

خَرَجْتُ أَطْلُبُ لِلأَطفَالِ بُلْغَتَهُمْ *** دَفَعَنِي ظَالِمِي عَنْهَا وَ دَعَّنِي

رَبِّ انْتَصِفْ لِي مِمَّنْ خَانَ عَهْدَكَ *** فِي وُلْدِي وَ مِمَّنْ زَوَى إِرْنِي فَأَفْقَرَنِي(1)

وَ تَسْتَغِيثُ أَمَامَ العَرْشِ سَاجِدةً *** وَ المُصْطَفَى وَاقِفٌ وَ الدَّمْعُ كَالمُزْنِ(2)

فَیُبْرِزُ الأَمْرَ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ وَ قَدْ *** نَقَمْتُ مِمَّنْ عَصَى أَمْرِي وَ خَالَفَنِي

أَعْظِمْ بِها وَ مُنَادِي الحَشْرِ يَسْمَعُ بِالصَّوْتِ *** الرَّفِيعَ لَدَيْها كُلُّ ذِي أُذُنِ

غُضُّوا العُيُونَ فَخَاتُونُ القِيامَةِ قَدْ *** جَاءَتْ لِتَشْفَعَ فِيمَنْ بِالوَلَاءِ كُنِي

مِنْ كُلِّ مُحْتَرِقٍ مِنْ عَظْمِ فَجْعَتِها *** بَكَى وَ سَاعَدَها بِالمَدْمَعِ الهَتِن

يا سادَتِي الهادِي النَّبِيِّ وَ مَنْ *** أخْلَصْتُ وُدّي لَهُمْ فِي السِّرِّ وَ العَلَنِ

عَرفْتُكُمْ بِدَلِيلِ العَقْلِ وَ النَّظَرِ المَهْدِي *** فَلَمْ أَخْشَ كَيْدَ الجَاهِلِ اللَّكِنِ(3)

ظَفَرْتُ بِالكَنْزِ فِي عِلْم اليَقِينِ فَلَمْ *** أَخْشَ اعْتِرَاضاً لَدَى شَكٍّ يُنَازِعُنِي

فَلَسْتُ آسَى عَلَى مَنْ ظَلَّ يُبْعِدُنِي *** بِالقُرْبِ مِنْكُمْ وَ مَنْ بالَغَتْ تَرْحَمُنِي

وَ إِنَّنِي أَرْتَجِي أَن سَوْفَ يَلطف بِي *** رَبِّي فَيَصْفَحُ عَنْ جُرْمِي وَ يَرْحَمُنِي

وَ أَنْ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ تَشْفَعُ لِي *** وَ المُرْتَضَى لِجِنَانِ الخُلْدِ يُقْسِمُنِي(4)

فَازَ الخَلِيعِيُّ كُلَّ الفَوْزِ وَ اتَّضحتْ *** بِكُمْ لَهُ سُبُلُ الإِرْشَادِ وَ السُّنَنِ(5)

ص: 16


1- زوی: جمع و قبض.
2- المزن: المطر.
3- اللكن: العي و ثقيل اللسان.
4- في كتاب البحار ج43 ص65: في حديث طويل قال أبوجعفر علیه السلام: واللّه يا جابر، انها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبّيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديَّ...
5- منتخب الطريحي ص154.

(3) أنا ابنة المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر المنسرح)

الشيخ أبو الحسن الخليعي(*)(1)

لَمْ أَبْكِ مِنْ وَقْفَةٍ عَلَى الدِّمَنِ *** وَ لَا لِخِلٍّ نَأَى وَ لاَسَكَنِ

وَ لَمْ تَهِجْنِي الدِّيَارُ مُوحِشَةً *** وَ لاَشَجَتْنِي بَوَاكِرُ الظَّعَنِ

لكِنْ شَجَانِي بُكَاءُ فَاطِمَةٍ *** عَلَى أَبِيهَا بِمَدْمَعِ هَتِنِ(2)

وَ بَيْتُ أَحْزَانِهَا وَ وَحْدَتِهَا *** فِيهِ حَمَى مُقْلَتِي عَنِ الوَسَنِ(3)

وَ مَنْعُها مِنْ حُقُوقِهَا بِأَبَاطِيلِ *** أَحَادِيثِهِمْ يَرُوعُني

وَ قَوْلُهُمْ لَيْسَ لِلنَّبِيِّ مَوَارِيثٌ *** خِلافُ الفُرُوضِ وَ السُّنَنِ(4)

وَ مَشْیُها فِي مَلاَءَةٍ مِثْلُ مَشي *** المُصْطَفَى رَاعَنِي وَ أَرْقَنِي

مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ تَحْجِبُهَا *** وَ هْيَ تَشْكُو مِنْ لَوْعَةِ الحُزْنِ

وَاحَرَّ قَلْبِي لَهَا وَ أَنَّتها *** قَدْ أَجْهَشَتْهُمْ وَ الدَّمْعُ كَالمُزنِ(5)

ثُمَّ تُنَادِي الأَنْصَارَ يَا بَيْضَةَ الإِسْلامِ *** هَلْ مِنْ نَاصِرٍ فَيَنْصُرُنِي؟

ص: 17


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.
2- هَتَنَ المطر: تتابع.
3- الوسن: شدّة النعاس، ثقل النوم.
4- في كتاب صحيح البخاري ج5 ص177 عن عائشة في حديث طويل: إن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ممّا أفاء الله عليه، بالمدينة، و فدك، و ما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لانورث ما تركناه صدقة».
5- المزن: المطر.

أَنَا ابْنَةُ المُصْطَفَى النَّبِيِّ وَ مَنْ *** أَظْفَأَ نَارَ الضَّلاَلِ وَ الفِتَنِ

إِنْ لَمْ تَكُونُوا أَنْصَارَ آلِ رَسُولِ *** اللَّهِ فِيمَا يَنُوبُهُمْ فَمَنِ؟

خُذُوا بِحَقِّي مِنَ المُكَذِّبِ بِالدِّينِ *** فَقَدْ دَعَّنِي وَ دَافَعَني

بِأَيِّ شَرْع يُرْوَى تُرَاتُ أَبِي *** عَنِّي وَ يَجْتَاحُنِي وَ يَظْلُمُنِي؟

هَلْ دِنْتُ رَبِّي بِغَيْرِ مِلَّتِهِ *** أَوْ لَمْ أَطِعْهُ فَلا يُوَرْثُنِي؟

أَمْ خَصَّ هَذَا دُونِي وَ عَلَّمَهُ *** مَا لَمْ يَكُنْ وَالِدِي يُعَلِّمُنِي

حَتَّى احْتَوَىٰ نِحْلَتِي وَ بُلْغَةَ أَطْفَالِي *** عِناداً مِنْهُ وَ أَعْوَزَنِي

فَلْيَرْتَحِلْهَا مَخْطُومةٌ ذُللاً *** تَكُونُ فِي قَبْرِ مَعَ الكَفَنِ

وَ يَوْمَ حَشْرِ العِبَادِ أَلْقَاهُ وَ الحَاكِمُ *** رَبُّ الأنام ذُوالمِنَنِ

وَيْلاهُ مِنْ كُلِّ شَارِقِ بَهِجِ *** وَيْلَاهُ مِنْ كُلِّ غَارِبٍ وَجِنِ(1)

ماتَ اعْتِمَادِي وَفَتَّ فِي عَضُدِي *** وَ نِيْلَ مِنِّي وَ قَدْ وَ هَى رُكْنِي

وَ جَارَ فِي حُكْمِ ظَالِمِي سَفَها *** فَحَسْبِيَ اللَّهُ فَهُوَ يَنْصِفُنِي

وَ حَسْبُ خَصْمِي وَالِدِي وَ بِمَا *** أَوْدَعَنِي قَبْلَ أَنْ يُوَدِّعَنِي

يَا سَادَتِي يَا بَنِي النَّبِيِّ وَ مَنْ *** مَدِيحُهُمْ فِي المَعادِ يُنْقِذُنِي

حُبُّكُمْ فِي الوَرَى يُشَرِّفُنِي *** وَ بُغْضُ أَعْدَائِكُمْ يُخَلِّصُنِي

دِينِي هُوَ اللَّهُ وَ النَّبِيُّ وَ مَوْلاي *** إِمَامُ الهُدَى أَبُوحَسَنِ

عَرَفْتُهُمْ بِالدَّلِيلِ وَ النَّظَرِ المُبْصِرِ *** لاكَالمُقَلدِ اللَّكِنِ(2)-(3)

ص: 18


1- وجن: ذليل خاضع.
2- اللكن: ثقيل اللسان، العيّ.
3- منتخب الطريحي ص124 و القصيدة أخذنا منها ما نحن بصدده.

(4) بنت خيرالأنام

(بحر الرمل)

الأستاذ أبو زهراء الكوفي

قَدْ قَضَتْ بِاهْتِضَامُ *** بِنْتُ خَیرِ بِنْتُ خَير الأنامْ(1)

بالأسى و الأنِینْ *** فَلْنُعَزّ الأَمِينْ

***

يَا أَبِي بَعْدَكَ عِشْنا كَمْ مُصَابٍ وَ رَزِيَّهْ

فَالبَلاَيَا مِثْلَ قَطرٍ يَا أَبِي صُبَّتْ عَلَيَّهْ

مِنْ أُنَاس بِهَواها حَكَمَتْ كَالجَاهِلِيَّهْ

عُطِّلَ الشَّرْعُ وَ عادَتْ تحْكُمُ الرَّاعِي الرَّعِيَّهْ

حَصَلَ الإِرْتِدَادْ *** عَنْ طَريقِ السِّدادْ

وَ بِام الحُسَیْنْ *** فَلْنُعَزِّ الأمِینْ

***

يَا أَبِي لَيْتَكَ فِينا حَاضِراً كُنْتَ وَ تَشْهَدْ

وَ تَرَى الكَرَّارَ لِلْبَيْعَةِ قَدْ قِيدَ مُقَيَّدْ

ص: 19


1- جاء في «أمالي الصدوق» ص100 ح2: «... فيلحقها اللَّه (عزوجل) بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي علیهم السلام فتقدم عليّ، محزونة، مكروبة ،مغمومة، مغصوبة، مقتولة...». انظر: بحار الأنوار ج43 ص172 ح13.

وَ هُوَ مَنْ لَوْلاَهُ ظَلَّتْ هُبَل وَاللاتُ تُعْبَدْ

وَ هْوَ مَنْ نَصَّتْ عَلَيْهِ مُحْكَمَاتٌ لاَتُعَدَّدْ

وَ حَدِيثُ الغَدِيرْ *** شَاهِدٌ لِلأَمِیرْ(1)

خَیْبَرٌ وَ حُنَیْنْ *** فَلْمنُعَزِّ الأَمِینْ

***

أَبَتَاهُ لَمْ يُرَاعُوا تَوْصِيَاتٍ لَكَ فِيّا

فَوَراءَ البابِ لَمَّا لُذْتُ لاسِتَر عَلَيَّا

دَخَلُوا الدَّارَ وَ قَسْراً أَخَذُوا مِنِّي عَلِيَّا(2)

قُلْتُ إِنْ لَمْ تَتْرَكُوا لِي ابْنَ عَمِّي وَ الوَصِيَّا

أَلْتَجِیء بِالدُّعَاءْ *** نَحْوَ رَبِّ السَّمَاءْ

وَ بِدَمْعٍ سَحِیْنْ *** فَلنُعَزِّ الأمِینْ

***

بَضْعَةُ المُخْتَارِ وَ الهْفِي قَضَتْ بِالاهْتِضَام

بِجَنِينٍ أَسْقَطُوهُ عَصَرُوها بِانْتِقَامِ(3)

ص: 20


1- في «كشف الغمة» ج1 ص318 ط/ دار الكتاب الإسلامي -بيروت: «... لما أمر اللّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم أن يقوم بعليّ علیه السلام فيقول له ما قال، فقال صلي الله علیه و آله و سلم: «يا رب إن قومي حديثو عهد بجاهلية ثم مضى بحجه، فلما أقبل راجعاً نزل بغدير خم فأنزل الله عليه: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» الآية فأخذ بعضد علي علیه السلام ثم خرج إلى الناس، فقال: «أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟». قالوا: بلى يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «اللهم من كنت مولاه فعلی علیه السلام مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه و أعن من أعانه و اخذل من خذله و انصر من نصره و أحبّ من أحبه و ابغْض من أبغضه...».
2- قسراً: قهراً و جبراً.
3- في «الاحتجاج» ج1 ص106: «...فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها»».

وَ يضِلْعِ ظَلَّ يُؤْذِيهَا إِلى وقتِ الحِمامِ(1)

وَ بِلَيْلٍ دَفَنُوها خِيفَةَ القَوْمِ اللِّئامِ(2)

وَ بِخَيْر النِّساءْ *** حَقِّ مِنَّا الَعَزاءْ

فَبِها كُلَّ حِينْ *** فَلنُعَزِّ الأمِینْ

***

وَ عَلَى الأَبْنَاءِ دَارَتْ بَعْدَها تِلْكَ الدَّوَائِرْ

بَعْدَما حَيْدَرُ أَضْحَى جُرْحُهُ في الدِّينِ ناغِرْ(3)

سَمُّوا السِّبْطَ وَ ثَنُّوا شَهَرُوا البِيضَ البَواتِرْ(4)

كَيْ يَنَالُوا بِحُسَيْنِ وِدَّ أَبْنَاءِ الكَوافِرْ

فی لَظی كَرْبَلاءْ *** ضَرّجُوا بِالدّماءْ

ثانِي الثَّقَلَیْنْ *** فَلْنُعَزِّ الأَمِينْ

***

ص: 21


1- الحمام: الموت.
2- في «أمالي الصدوق» ص523 ح9: «سُئِل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عن علة دفنه لفاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ليلا؟ فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلّي على أحد حد من ولدها». انظر: المناقب 138/3، و «بحار الأنوار» ج3 ص209 و ح37، ص183، و روضة الواعظين184.
3- ناغِر: نقرَ أي على و حقد. جاء أيضاً في «أمالي الصدوق» ص115 ح 2 و البحار 51/28 ح20، 149/44 ح17: «...عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: بينما أنا و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذ التفت إلينا فبكى. فقلت: ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟ فقال: «أبكي ممّا يصنع بكم بعدي». فقلت: و ما ذاك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؟ قال: أبكي من ضربتك على القرن و لطم فاطمة علیها السلام خدَّها و طعن الحسن علیه السلام في الفخذ و السم الذي يسقى و قتل الحسين علیه السلام...».
4- البيض البواتر: السيوف القواطع.

ثُمَّ بِالحَوْرَاءِ سَارُوا وَ النِّسَاءِ الطَّاهِرَاتِ

حاسِرَاتٍ ظامِئاتٍ نادِباتٍ ثاكلاتِ

وَ سَبايا لِيزيدٍ قَدْ طَوَيْنَ الفَلَواتِ

لَهَفَ نَفْسِي حِينَمَا شاهَدْنَ نَسْلَ الفاجِراتِ

قد هَوَى بِانْتِقَامْ *** فَوْقَ رَأْسِ الإمامْ

يَضْرِبُ الشَّفَتَيْنِ *** فَلْنُعَزِّ الأَمِينْ

***

وَ كَمَا الزّهْرَاءُ كَانَتْ في الوَرَى أُمَّ أَبِيها

بَعْدَها الحَوْراءُ ثَارَتْ وَ اصَلَتْ نَهْجَ أَخِيهَا

بِسَجَايَا سَامِياتٍ فَلَكِ دَرْساً خُذِيها(1)

يَا بْنَةَ الإِسْلاَمِ قَالَتْ فَاطِمٌ هَيَّا اسْمَعِيها

لِلنَّسَاءِ الحِجَابْ *** زِينَةٌ لاَتُعَابْ

یُنجِی دُنْیا وَ دِينْ *** فَلْنُعَزِّ الأَمِينْ(2)

ص: 22


1- عدتي للآخرة في رثاء العترة الطاهرة ص24.
2- بسحابا السجية: الخُلق و الطبيعة.

(5) جنين فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

الحاج جواد بدقت الحائري(*)(1)

ص: 23


1- (*) هو الحاج جواد ابن الحاج محمد حسين ابن الحاج عبد النبي ابن الحاج مهدي ابن الحاج صالح ابن الحاج علي الأسدي الحائري الملّقب ببذقت للثغة كانت في لسان جده الحاج مهدي أراد أن يقول بزغت الشمس فقال: بذقت فلقبوا بذلك، و المشهور، بدقت أو بدكت). ولد في كربلاء المقدسة سنة (1221 ه-)، و هناك اختلاف في سنة ولادته. و مهما يكن من أمر فإن مصادر ترجمته تشير إلى أنه ولد في كربلاء المقدسة و نشأ و تربَّى في أحضان أسرته، حتى صلب عوده و سمت منزلته كما نشأ بين أترابه شعراء كثيرون كانت تزخر بهم المدينة أمثال الشيخ محسن أبي الحب الكبير، و الحاج محسن الحميري و الشيخ موسى الأصغر، و الشيخ قاسم الهر، و الشيخ محمد علي كمونة، و الشيخ عمران عويد، وآخرين من رجالات العلم و الأدب في كربلاء المقدسة، و لم يلبث أن تعشق الأدب و النظم فأخذ الشعر و نبغ فيه و اندمج في صفوف الشعراء، فزاده ذلك ميلاً إلى إجادة الشعر و البراعة فيه حتى صار ينظم الشعر، و أصبح في معرفة اللغة العربية و أسرارها نسيج وحده و عديم ندّه، فكان من شيوخ صناعة الأدب و من صدور رجالها، غزير المادة، كثير الاطلاع، و كان من بين أساتذته الذين نهل منهم الأدب الشيخ محمد علي كمونة و الشيخ عمران عويد، كما كان من معاصري الشيخ صالح الكواز و الشيخ صالح التميمي و عبد الباقي العمري. بدأ نجمه يتألق في سماء المجتمع الكربلائي، شاعراً و أديباً لامعاً فاق أقرانه من شعراء عصره فكان يشار إليه في كل مكان. و لقد قال فيه الشيخ محمد السماوي: و كالجواد بن الحسين المنتمي *** لبدکَت تقرا بكاف أعجمي و الأسديُّ من أهالي كربلا *** فكم له من نظم عقدِ قد حلا و ترك المترجَم له آثاراً أدبية غنية عن التعريف بيد أنها متناثرة مشتتة لم تطبع، و من هذه الآثار ديوان، بدقت و يضم هذا الديوان كل شعره و كان هذا الديوان مشهوراً في العصر السابق كتبه نجله الشاعر الشيخ محمد حسين بدقت المتوفى سنة (1339 ه-) و كانت نسخة الأصل من محتويات مكتبة السيد عبد الحسين آل طعمة سادن الروضة الحسينية و قد احترقت كما احترق غيرها من نفائس الكتب و ذلك في حادثة حمزة بك سنة (1333 ه-). و يشكر شاعرنا الكريم الأخ الأديب السيد سلمان هادي آل طعمة على ما بذله لجمع ديوان بدقت مرة أخرى و هو الآن في طريقه إلى الطبع و يلاحظ في ديوان بدقت (الروضة) أنه يشمل على 28 قصيدة و هي على غرار روضة الشاعر صفي الدين الحلي. و هي مبوبة بحسب حروف المعجم. و أيضاً يوجد في الديوان (الملحمة) في مناقب أهل البيت علیهم السلام بلغ عدد أبياتها (1265) بيتاً و هي على غرار هائية الأزري، فجزاه الله خيراً . و على أي حال... فقد نزل بشاعرنا المترجَم له الأجل في كربلاء المقدسة فجر عيد الفطر الأحد من عام (1281 ه-) الموافق (1864م) و كان يوم وفاته يوماً مشهوداً في يوم كربلاء و دفن في الرواق الحسيني بقرب مرقد الوحيد البهبهاني (قدس سره الشریف).

فَوْقَ الحَمُولَةِ لُؤْلُو مَكْنُونُ *** زَعَمَ العَوَاذِلُ أَنَّهُنَّ طُعُونْ

لِمْ لَقَّبُوها بالظُّعونِ وَ إِنَّها *** عُرَفُ الْجِنَانِ بِهِنَّ حُورٌ عِينُ؟

هَبْ زَعْمَهُمْ حقاً أَيَمْنَعُكَ الْهَوَى *** أَمْ لِلصَّبَابَةِ عَنْ هَوَاكَ تَبِينُ؟

إنّي بِمَنْ أَهْوَاهُ مَفْتُونٌ وَ ذَاكَ *** بِأَنْ يُؤنَّبَ بِالهَوَى مَفْتُونُ

كَلاً فَمَا شَأْنِي وَ شَأْنُ مُؤَنُبِي *** شَرعٌ سَوَاءٌ لِلرِّجَالِ شُؤُونُ

عُذْراً فَمَا لِلَّوْم تَهْجِينُ الْهَوَى *** إِنَّ المُلَامَ لِأَهْلِهِ تَهْجِينُ(1)

يَا أَيُّهَا الرَّشَأُ الَّذِي سَمَّيْتُهُ *** قَمَرَ السَّمَاءِ وَ إِنَّهُ لَقَمِينُ(2)

مَهُمَا نَظَرْت وَ أَنْتَ مِرْآةُ الهَوَى *** بِكَ بَانَ لِي مَا لاَيَكَادُ يَبِينُ

نَاظَرْتَ قَلْبِي رِقَةٌ فَمَلَكْتَهُ *** لكِنَّ مَا مَلَكَتْ يَدَاكَ ثَمِينُ

لَمْ تَجْرِ ذِكْرَىٰ نَيْرٍ وَ صِفَاتُهُ *** إِلا ذَكَرْتُكَ وَ الحَدِيثُ شُجُونُ

يَا قَلْبُ مَا هَذَا شِعَارُ مُتَيَّمٍ *** وَ لَعَلَّ حَالَ بِيَ الْغَرَامُ فُنُونُ(3)

ص: 24


1- تهجين: تقبيح و تعييب.
2- الرّشاً: ولد الظبية أو الظبي الذي تحرّك و مشى.
3- متيّم: من يتمه الهوى، إذا استعبده و ذهب بعقله.

خَفِّضْ فَخَطْبُكَ غَيْرُ طَارِقَةِ الهَوَى *** إِنَّ الهَوَى عَمّا لَقِيتَ يَهُونُ

مَا بَرَّحَتْ بِكَ غَيْرُ ذِكْرَىٰ كَرْبَلاً *** فَإِذَا قَضَيْتَ بِهَا فَذَاكَ يَقِينُ

وَرَدَ ابْنُ فَاطِمَةَ المَنونَ عَلَى ظَمَاً *** إِنْ كُنْتَ تَأْسَى فَلْتَرْدِكَ مُنُونُ(1)

وَدَع الحَنِينَ فَإِنَّهَا الْعُظْمَى فَلا *** تَأْتِي عَلَيْهَا حَسْرَةٌ وَ حَنِينُ

ظَهَرَتْ لَهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ آيةٌ *** كُبْرَىٰ فَكَادَ بِهَا الفَنَاءُ يَحِينُ

بَكَتِ السَّمَاءُ دَماً وَ لَمْ تَبْرُدْ بِهِ *** كَبِدٌ وَ لَوْ أَنَّ النُّجُومَ عُيُونُ

نَدَبَتْ لَهَا الرُّسُلُ الْكِرَامُ وَ نَدْبُهَا *** عَنْ ذِي الْمَعَارِجِ فِيهِمُ مَسْنُونُ

فَبِعَيْنِ (نُوحٍ) سَالَ مَا أَرْبَىٰ عَلَى *** مَا سَارَ فِيهِ فُلْكُهُ الْمَشْحُونُ

وَ بِقَلْبِ (إِبْرَاهِيمَ) مَا بَرَدَتْ لَهُ *** مَا سَخَّرَ (النَّمْرُودُ) وَ هُوَ كَمِينُ

وَ لَقَدْ هَوَى صَعِقاً لِذِكْرِ حَدِيثِهَا *** مُوسَى وَ هَوَّنَ مَا لَقِي (هَارُونُ)

وَ اخْتَارَ (يَحْيَى) أَنْ يُطَافَ بِرَأْسِهِ *** وَ لَهُ التَأسي بِالْحُسَيْن يَكُونُ

وَ أَشَدُّ مِمَّا نَابَ كُلُّ مُكَوَّنٍ *** مَنْ قَالَ قَلْبُ (مُحَمَّدٍ) مَحْزُونُ

فَحَرَاكَ تَيْمِ بِالضَّلالَةِ بَعْدَهُ *** لِلْحَشرِ لايَأْتِي عَلَيْهِ سُكُونُ

عُقِدَتْ بِيَثْرِبَ بَيْعَةٌ قُضِيَتْ بِهَا *** لِلشِّرْكِ مِنْهُ بَعْدَ ذَاكَ دُيُونُ

بِرُقِيِّ منبرِهِ رُقِي فِي كَرْبَلاً *** صَدْرٌ وَ ضُرَّجَ بِالدِّمَاءِ جَبِينُ(2)

وَ بِكَسْرِ ذَاكَ الضّلْعِ رُضَّتْ أَضْلُعُ *** فِي طَيِّهَا سِرُّ الإِلَهِ مَصُونُ

ص: 25


1- المنون: المنية الموت.
2- خمسُ هذين البيتين الشاعر السيد مهدي الأعرجي، و قد نقلناها من ديوان (شعراء الحسين علیه السلام) لمحمد باقر الإيرواني ج1 ص159. قد امَّروا (تیم بن مرة) في الملا *** و المرتضى قد أجلسوه المنزلا أضئيل تيم منبر الهادي علا *** (برقي منبره رقى في كربلا صدر و ضرَّج بالدماء جبين) عن فاطم قتل ابنها متفرّع *** و بطفلها بالطف أودت رضع و بسيل ادمعها اسيلت ادمع *** و بكسر ذاك الضلع رضت أضلعُ في طیها سر الإله الإله مصون)

لَوْلاً سُقوط جنِين فَاطِمَةٍ لَما *** أَوْدَى لَها فِي كَرْبَلاءَ جَنِينُ(1)

وَ كَمَا (عَلِيٌّ) فَوْدُهُ بِنِجَادِهِ *** فَلَهُ (عَلِيَّ )بِالوَثَانِ قَرِينُ

وَ كَمَا (الفَاطِمَ) رَنَّةٌ مِنْ خَلْفِهِ *** لِبَنَاتِهَا خَلْفَ الْعَلِيل رَنِينُ(2)

وَ بِزَجْرِهَا بِسِياطِ قُنْفُذَ وُشِّحَتْ *** بالطَّفِّ فِي زَجْر لَهُنَّ مُتُونُ

وَ بِقَطْعِهِمْ تِلْكَ الأَرَاكَةِ دُونَها *** قُطِعَتْ يَد فِي كَرْبَلا وَ وَتِينُ

لكِنَّمَا حَمْلُ الرُّؤوس عَلَى الْقَنَا *** أَدْهَي وَ إِن سَبَقَتْ بِهِ صِفِّين

کُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ لكِنْ صَامِتٌ *** هَذَا وَ هُذَا نَاطِقٌ وَ مُبِينُ

ص: 26


1- و قد خمّس هذا البيت أحد الأدباء قائلاً: نصبوا السقيفة للخلافة سلّما *** ظلما و أجروا دمع فاطمة دما قسماً برب الخلق طراً و السما *** (لولا سقوط جنين فاطمة لما أودى لها في كربلاء جنین)
2- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2 ص560 فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر، أتريد أن ترمّلني من زوجي واللّه لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقنّ جيبي ولآتين قبر أبي و لأصيحنّ إلى ربي. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

(7) شامخات المجد

(بحر الكامل)

الشيخ جواد الحلي(*)(1)

مِنْ شَامِخَاتِ المَجْدِ دَکَّ رِعَانَهَا *** خَطبٌ أَطاشَ مِنَ الوَرَى أَذْهَانَها(2)

فِي يَوْمٍ قَدْ عُصِبَ الخِلَافَةَ مَنْ لَهُ *** أَلْقَتْ بِرَغْمِ الحَاسِدِينَ عِنَانَها(3)

عَجَباً لِفِهْرٍ كَيْفَ قَرَّ قَرَارُها *** أَمْ كَيْفَ تَكْحَلُ بِالْكَرَى أَجْفَانَهَا؟(4)

هذِي بَنُو تَيْمٍ بِفَقْدِ مُحَمَّدٍ *** سَلَبَتْ أَطَائِبَ آلِهِ سُلْطَانَهَا

ص: 27


1- (*) الشيخ جواد ابن الشيخ عبد علي الحلي. ولد بالحلة سنة (1285ه-)، و نشأ فيها، و حين رأى أبوه استعداده و رغبته في العلم و الأدب أرسله إلى النجف و هو ابن خمس عشرة سنة من أجل طلب العلم الديني، فسكن مدرسة (المهدية) قرب مسجد الطوسي، و مكث فيها مدة حياته الدراسية فحظي بقسط و افر من الفضل والأدب. و كانت له علاقة مع الخطيب الشهير الشيخ محمد علي قسّام و بينهما مساجلات شعرية، فكان لبقاً سريع الجواب قوي البديهة. قال الخطيب قسّام: كنت أحتفظ له بمجموعة من الشعر أكثرها في مراثي الإمام الحسين علیه السلام. و كان المترجَم له ناظماً مكثراً جمع ديوان شعره في حياته، و صار الديوان في حيازة أخيه الشيخ كاظم الحلّي. و كان يتردّد بين النجف و الحملة. و في عام ( 1334 ه-) قدم الحلة الفيحاء جرياً على عادته و عداته فمرض و لازم الفراش و توفي في آخر ذي الحجة من السنة المذكورة، و حمل جثمانه إلى النجف الأشرف و عمره يوم وفاته يقارب الخمسين.
2- دكَّ رعانها: هدم الجبال الطويلة حتّى سوّاها مع الأرض. أطاش: أذهب العقل.
3- العِنان: سير اللجام.
4- فهر: فهر الفرس أي اعتراه كللِّ في الجري. الكّرى: النعاس أو السهر في طاعة اللَّه.

وَ عَلَى الضَّلالِ تَزَاحَمَتْ مُذْ أَعْرَضَتْ *** عَمَّنْ يُتِمُّ وَلاؤُهُ إِيمَانَها

وَ لِنَقْضِ بَيْعَتِهِ وَ عَقْدِ لِوَائِهِ *** خَفَّتْ فَخَفَّفَ وِزْرُها مِيزَانَها

وَعَدَتْ عَدِيٌّ فِي الأَنَامِ فَأَبْرَزَتْ *** مِنْ لُؤْمِ عُنْصُرِهَا لَهُ أَضْغَانَهَا

تَرَكَتْ ذَوِي القُرْبَى تُكَابِدُ مِنْهُمُ *** مِنْ بَعْدِ فَرْضِ مَوَدَّةٍ شَنآنها(1)

غَصَبُوا البَنُولَ تُرَاثهَا مِنْ بَعْدِ مَا *** أَبْدَتْ لِتَقْطَعَ عُذْرَهُمْ بُرْهَانَها(2)

لقِيَتْ خُطوباً مِنْهُمُ لَوْبَعْضُهَا *** تَلْقَى الرَّوَاسِيَ لَمْ تُطِقْ لُقيانَها(3)

لَطْماً وَ إِسْقاطاً وَ ضَرْباً مُدْمِیاً *** كَسْرَ الضُّلُوع وَ هَضْمَها حِرْمَانَها(4)

وَ غَدَتْ تُشَكِّي الظُّلْمَ مِنْهُمْ بَضْعَةُ *** الهَادِي وَلكِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَانَهَا

لابُلَّ فِي مَاءِ الحَيامِنْ قَيْنَةٍ *** قَبْرٌ فَمِنْهُمْ شَاهَدَتْ خِذْلآنَهَا(5)

بُعْداً لَهُمْ نَقضُوا الدِّمَامَ وَ ضَيَّعُوا *** عَهْدَ النَّبِيِّ وَ حَاوَلُوا هِجْرَانَهَا(6)

وَ تَحَكَمَتْ تِلْكَ الذُّبَابُ بِبَاسِلٍ *** فِي يَوْمِ مِنْهُ تَيَقَّنَتْ إِمْكَانَها(7)

ص: 28


1- تكابد منهم: تقاسي و تحمل المشاقَ -شَنآن: بغض-
2- انظر ما ورد عن كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232.
3- الرواسي: الجبال الرواسخ الثوابت. لقيانها: ملاقاتها.
4- انظر ما ورد عن كتاب الاحتجاج ج1 ص109.
5- قينة: الأمة أو الماشطة.
6- الذمام: العهود و المواثيق.
7- شعراء الحلة ج1 ص267 ریاض المدح و الرثاء ص494 و القصیدة طویلة أخذنا ما نحن بصدده.

(7) أم الأتقياء

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

ما لِي وَ لِلْبَيْنِ أَشْجَانِي وَ الَمَنِي *** كَأَنَّهُ بِتِراتٍ كَانَ يَطْلُبُنِي(2)

أَشْكُو إِلَى اللَّهِ ما لأقَيْتُ مِنْ كَمَدٍ *** مِنْهُ وَ قَاسَيْتُ مِنْ هَمْ وَ مِنْ شَجَنِ

حَسْبِي مِنَ الدَّهْرِ أَحْبَابِي أَبَادَهُمْ *** وَ كَأْسَ فُرْقَتِهِمْ وَ الشَّجُو جَرَّعَنِي

عَدَا عَلَيَّ وَ مَا رَاعَى بِقَسْوَتِهِ *** وَ جْدِي وَ ضَعْفِي وَ مِنْ عَدْوَاهُ أَكْرَبَنِي

كَأَنَّ لِلْبَيْنِ دَيْناً فَهُوَ يَطْلِبُنِي *** بِهِ فَهَا هُوَ بِالأَرزَاءِ يَقْصُدُنِي

خَلِّ العِتَابَ عَنِ الدَّهْرِ الخَؤُونِ فَذِي *** طَبَاعُهُ مُزِجَتْ بِالوَيْلِ وَ المِحَنِ

كُمْ جَرَّعَ الوَيْلَ وَ البَلْوَى بَنِيهِ وَ كَمْ *** أَبَادَ مِنْ أُمَمٍ عَزَّتْ وَ مِنْ مُدنِ

فَأَنْتَ لاتَغْتَرِرْ بِالدَّهْرِ يَا أَمَلِي *** فَالدَّهْرُ مَا فِيهِ عَيْشٌ فَارِهٌ وَهَنِي(3)

وَ لَوْ رَعَى الدَّهْرُ مِنْ أَبْنَائِهِ أَحَداً *** رَاعَى بَنِي أَحْمَدَ المُخْتَارِ ذِي المِنَنِ

أَمَا تَرَاهُ عَلَيْهِمْ جَارَ مُعْتَدِياً *** بِكُلِّ كَرْبٍ وَ بِالآهاتِ وَ الشَّجَنِ؟

فَأَصْبَحُوا مَا لَهُمْ مِنْ عَيْشِهِمْ رَغَدٌ *** وَ مَا لَهُمْ مِنْ حِمَى فِيهِ وَ لاَوَطَنِ(4)

وَ إِنْ نَسِيتَ فَلا تَنْسَ الَّتِي شَهِدَتْ *** أَيُّ الكِتَابِ لَهَا فِي السِّرِّ وَ العَلَنِ(5)

ص: 29


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- البين: الفراق -أشجاني: أحزنني -الترات: جمع ترة و هو الثأر.
3- عيش فارهٌ: خفيف.
4- رغّد: واسع.
5- في المناقب لابن شهر آشوب -ط قم، ج3 ص324 فصل في منزلتها عند الله «تعالى»... ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم امر بقطع اللص: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قدمته في الإسلام و تأمره بالقطع فقال: لو كانت ابنتي فاطمة علیها السلام فسمعت فاطمة علیها السلام فحزنت فنزل جبريل علیه السلام بقوله «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» الزمر، 65 فحزن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فنزلت «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» الأنبياء 22 فتعجب النبي صلى الله عليه و آله و سلم من ذلك فنزل جبرائيل علیه السلام و قال كانت فاطمة علیها السلام حزنت من قولك فهذه الآيات توافقها لترضى. و في المصدر نفسه ص318 فصل في تفضيلها على النساء: في قوله «تعالى»: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ» قال: علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه و في قوله «تعالى»: «ونساؤنا ونساؤكم» كانت فاطمة علیها السلام فقط و هو المروي فقط عن الصادق علیه السلام و عن سائر أهل البيت علیهم السلام.

بِنْتُ النَّبِيَّ رَسُولِ اللَّهِ أُمُّهُمُ *** خَيْرُ البَرِيَّةِ رَبِّ الفَرْضِ وَ السُّنَنِ

أَعْنِي البَتُولَةَ أَمَّ الأَنْقِيَاءِ وَ مَنْ *** تَتْلُو الكِتَابَ بِجُنْحِ الحَالِكِ الدَّجِنِ(1)

ص: 30


1- الحالك: شديد السواد، الدجن: دجن الليل أي اسوّد -و جاء في لسان العرب لابن منظور ط قم/ مادة بتل ص43. «سئل أحمد بن يحيى عن فاطمة «سلام الله عليها» بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم قيل لها البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها و نساء الأمة عفافاً و فضلاً و ديناً و حسباً... و قيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله «عزّوجل»... و قيل... تبتيل خلقها انفراد كل شيء عنها بحسنه لايتكل بعضه على بعض. و في المناقب لابن شهر اشوب ط قم ج3 ص33 فصل في منزلتها عنداللّه «تعالى»...: سئل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما البتول؟ قال: «لم تر حمرة قط و لم تحض فإن الحيض مكروه على بنات الأنبياء». و في مسند الإمام الرضا علیه السلام. ج1 ط بيروت كتاب الإمامة و مناقب الائمة علیهم السلام -باب امامتهم و فرض طاعتهم، ص311 ح61. أوصى النبي الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام ثم قال: «في قول الله عز وجل»: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال: الأئمة من ولد علي و فاطمة علیهما السلام إلى أن تقوم الساعة». و في المناقب لابن شهر آشوب ط قم ج3، فصل في سيرتها قال: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تورّمت قدماها. و في دلائل الإمامة للطبري ط قم/ في مناقبها علیها السلام. عن الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: رأيت أمي فاطمة علیها السلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات و تسميهم و تكثر الدعاء لهم و لاتدعو لنفسها بشيء.

هِي التِي شَهِدَ البَارِي تَبَتْلَها *** تِلْكَ الَّتِي شَأْنُها عَنْ وَاصِفيهِ غَنِي(1)

فَيَا لَها الله كَمْ قَاسَتْ مَصَائِبٌ لا *** تُحْصَى وَ كَمْ مِنْ أَفَانِينِ مِنَ المِحَنِ(2)

لَهْفِي لِمَنْ قَدْ عَلَتْ قَدْراً وَ مَرْتَبَةٌ *** جَلَّتْ فَكَيْفَ رَماهَا الدَّهْرُ بِالوَهَنِ

رَأَتْ أَبَاها الَّذِي عَمَّتْ مَكَارِمُهُ *** كُلُّ الوَرَى وَ بِهِ الدِّينُ الحَنِيفُ بُنِي

مفارقاً مالَهُ مِنْ عَوْدَةٍ أَبَداً *** تَرْنُو إِلَيْهِ وَ دَمْعُ العَيْنِ كَالمُزنِ(3)

ص: 31


1- تبتلها: انقطاعها. في أحقاق الحق للتستري ج10 ص25: عن أم سلمة (رضي الله عنه) في حديث عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «و سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتَّلت و تقَّطعت عما هو معتاد العورات في كل شهر و لإنها ترجع كل ليلة بكراً. و سميت مريم سلام الله علیها بتولاً لأنها ولدت عيسى علیه السلام بكراً.
2- و في مجمع البيان للطبري ط بيروت ج376 في تفسير سورة المزمل قال في معنى (تبتل اليه تبتيلا) أصله من تبلت الشيء قطعته أي بائنة مقطوعة عن صاحبها لاسبيل له عليها. و منه البتول علیها السلام لانقطاعها إلى عبادة الله عزّ وجل. و في مصباح الكفعمي إيران ص659 الهامش: البتول: قيل هي المنقطعة إلى الله «تعالى» أو لانقطاعها عن نساء الأمة فضلاً و ديناً و حسباً.
3- و من محنها عليها الصلاة و السلام ما ورد في الإمامة و السياسة، ج1 ص19 ط مصر. قول قائلهم: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لاحرقن الدار على من فيها. و في كتاب سليم بن قيس ط طهران ص36 في حديث اقتحام الدار و ضربها: فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت یا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها و في المصدر نفسه ص99: و قبضه و صاحبه فدك و هي في يد فاطمة علیها السلام لمقبوضة قد أكلت غلتها على عهد النبي صلي الله علیه و آله و سلم ترنو تنظر إليه بجانب طرفه و عينه المزن المطر و جاء في صحيح البخاري ج4 ح4193. لما ثقل النبي صلى الله عليه و آله و سلم جعل يتغشاه فقالت فاطمة علیها السلام: واكرب أباه فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» فلما مات قالت: يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم أجاب ربّاً دعاه يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت فاطمة علیها السلام: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم التراب. و في شفاء الغرام للفاسي الحسين، ط دار الإحياء بمصر ج2 ص350، قال: روی جعفر بن محمد الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام عن جده صلى الله عليه و آله و سلم: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كانت تختلف بين اليومين و الثلاثة إلى قبور الشهداء بأحد فتصلي هناك و تدعو و تبكي حتى ماتت علیها السلام.

حَنَّتْ وَ أَنَّتْ وَ نَادَتْ وَ هْيَ صَارِخَةٌ *** لَمَّا رَأَتْهُ وَ صَاحَتْ آهِ وَ احْزَنِي

أَبْكِي عَلَيْكَ بُكَاءَ لَاانْقِضَاءَ لَهُ *** أَبْكِي الَّذِي غُصَصَ الآلامَ جَرَّعَنِي

أَبْكِي أَبِي خَيْرَ ذُخْرِ كُنْتُ أَعْرِفُهُ *** أَبْكِي الَّذِي بَيْنَ أَهْلِ الحَقْدِ ضَيَّعَنِي

يَا وَالِدِي تِلْكَ أَيْتَامِي تَنُوحُ عَلَى *** فِرَاقِكَ اليَوْمَ نَوْحَ الوَالِهِ الحَزِنِ(1)

***

یابِنْتَ خَيْرِ نَبِيِّ لِلأَنَامِ أَتَى *** نُوراً يُضِيءُ ظَلامَ الحَالِكِ الدَّجِنِ

مُصَابُكُمْ يَا بُنَةَ المُخْتَارِ حَنَّ لَهُ *** قَلْبِي وَ أَجْرَىٰ دُمُوعَ العَيْنِ مِنْ جَفْنِي

لَمْ أَنْسَها حِينَ وَاقَتْ قَبْرَ وَالِدِها *** بِمَدْمَعِ سالَ مِثْلَ العَارِضِ الهَتِنِ(2)

تَدْعُو: أيا وَالِدِي يَا خَيْرَ مُدَّخَرٍ *** بِهِ أَلُوذُ لَدَى الأَرْزَاءِ وَ المِحَنِ

أَيُّ المَصَائِبِ أَشْكُوهَا وَ أَذْكُرُها *** إِلَيْكَ يا سَنَدِي مِنْ وَطْأَةِ الزَّمَنِ

يا وَالِدِي مَنَعُونِي مِنْ بُكَايَ عَلَى *** افْتِقَادِكَ اليَوْمَ وَ التَّبْرِيحُ أَرْقَنِي(3)

يا وَالِدِي مَنَعُوا إِرْنِي بِفِعْلِهِمُ *** بِأَيِّ حَقٌّ تُراثِي مِنْهُ يَمْنعُنِي

وَ اسْتَأْصَلُوا دَوْحَةٌ لِي أَسْتَظِلُّ بِهَا *** وَ مِنْ لِظَى الحَرِّ قَدْ كَانَتْ تُظَلِّلُنِي(4)

يَا وَلِدِي ما رَعَوْا حَقًّي وَ لاعَرَفُوا *** قَدْرِي إِلَيْكَ وَ مَا قَدْ كُنْتَ تَمْنَحُنِى(5)

مِنَ المَوَدَّةِ وَ التَّنْجِيلِ بَيْنَهُمُ *** يَا وَالِدِي دَخَلُوا بَيْنِي بِلاإِذْنِي

ص: 32


1- الواله: الذي يحزن حزناً شديداً حتى يكاد يذهب عقله.
2- الهتن: السحاب المتتابع المطر.
3- التبريح: الإتعاب و الإجهاد و الأذى أذية شديدة. و جاء في مناقب ابن شهر آشوب في ج1 ص322 ط/ قم. قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار...
4- لظى: لهب، نار.
5- في كتاب سليم بن قيس، ط قم ص39: قال: قلت لسلمان أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي والله و ما عليها خمار فنادت يا أبتاه يارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر و عمر و عيناك لم تتفقأ في قبرك.

وَ أَسْقَطُونِي جَنِينِي مِثْلَمَا كَسَرُوا *** ضِلْعِي لَدَى البَابِ وَ المِسْمَارُ المَنِي(1)

يَا وَالِدِي أَخْرَجُوا الكَرَّارَ حَيْدَرَةً *** مُلَبَّباً وَ هُوَ رَبُّ الفَضْلِ وَ المِنَن(2)

مِنْ بَيْتِهِ وَ هُوَ مَأْسُورٌ وَ مُضْطَهَدٌ *** وَ حَالُهُ قَدْ شَجَا قَلْبِي وَ صَدَّعَنِي

فَرَاحَ جَهْراً ملبباً بَيْنَ جَمْعِهِمْ *** يُقَادُ وَ هُوَ حَمِي الدِّينِ وَ الوَطَنِ

فَرُحْتُ خَلْفَهُم أَعْدُو أَخافُهُمُ *** أَنْ يَقْتَلُوهُ جِهاراً وَ هُوَ يَنْظُرُنِي(3)

وَ قَدْ ظَننتُ يُراعُونِي فَما عَرَفُوا *** قَدْرِي وَ لَمْ أرَ مِنْهُمْ مَنْ يُقَدِّرُني

إِذَا بِهِم رَجَعُوا لِي بالسياط فَلَوْ *** رَأَيْتَنِي كُنْتَ تَبْكِينِي وَ تَنْدبَنِي

يَا وَالِدِي لَطَمُوا عَيْنِي بِحِقْدِهِمُ *** وَ قُنْفُذُ بِسِياطِ الحِقْدِ قَرَّعَنِي(4)

يَا بَضْعَةَ الطُّهْرِ يَاسِتَّ النِّسَاءِ وَ يا *** أُمَّ الشَّهِيدِ بِأَرْضِ الكَرْبِ وَ المِحَنِ(5)

ص: 33


1- انظر ما ورد عن الاحتجاج، ط النجف، ج1 ص109.
2- ملبياً: مجروراً و في كتاب سليم بن قيس، ط قم ص37. انطلق قنفذ و اقتحم بيت فاطمة الزهراء علیها السلام هو و أصحابه بغير إذن و ثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه فألقوا في عنقه حبلاً ثم انطلق بعلي يقبل عتلاً... و راجع الاحتجاج للطبري ط قم، ج1 ص109.
3- في تفسير العياشي/ط طهران/ ج2 ص66 في تفسير قوله «تعالى»: «إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ» من سورة الانفال آية: 65 لما أخرجوا علياً علیه السلام ملبباً خرجت فاطمة الزهراء علیها السلام فقالت يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي واللّه لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربي.
4- في كتاب سليم بن قيس ط قم، ص36-37: دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت: يا ابتاه یا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم... و اقتحم قنفذ هو و أصحابه بغير إذن و حالت بينهم و بين علي فاطمة علیها السلام فضربها قنفذ بالسوط فماتت حين ماتت و ان في عضدها كمثل الدملج من ضربته.
5- في صحيح البخاري، ج3 كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم و منقبة فاطمة علیها السلام ح3510. عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني». و في الإصابة لابن حجر، ج4 ص378 حرف الفاء -القسم الاول: عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على المنبر يقول: فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و يريبني ما رابها.

لِلَّهِ ذَاكَ مُصَابٌ قَدْ أُصِبْتِ بِهِ *** مَا مِثْلُهُ قَدْ جَرَى فِي سَالِفِ الزَّمَنِ

صَلَّى الإِلهُ عَلَيْكُمْ مَا بَدَا قَمَرٌ *** فِي جُنْح لَيْل وَ نَاحَ الوَرقُ فِي الغُصُنِ(1)-(2)

ص: 34


1- الورق: نوع من الطيور. جنح ليل: ظلام الليل.
2- كنوز المدح و الرثاء ص51.

(8) أشجى البتولة

(بحر البسيط)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

لاَ يَنْقَضِي أَبَداً وَ جْدِي وَ أَحْزَانِي *** أَبْكِي وَ قَدْ سَالَ مِنْ عَيْنَيَّ عَيْنَانِ

وَ النَّفْسُ مِنِّي فِي وَجْدِ وَ فِي كَمَدٍ *** كَأَنْ لَيْسَ لَهَا فِي الوَجْدِ مِنْ ثَاني(2)

أَكَادُ مِنْ أَلَم تُكْوَى بِهِ كَبِدِي *** أَحِنُّ مِثْلَ حَنِينِ الوَالِهِ العَانِي

أَوْ كَالسَّفِينَةِ فِي لُجِّ البحارِ غَدَتْ *** تَجْرِي وَلكِنَّهَا مِنْ غَيْرِ رُبَّانِ

جرَّتْ بِهَا عَافِياتُ الرِّيحِ فَانْقَلَبَتْ *** تَسِيرُ هَائِمَةً مِنْ غَيْرِ سُكَانِ

أَوْ أَنَّهَا كَعِطَاشِ الهِيمِ قَاطِعَةً *** عَرْضَ السُّهُولِ لآكَامِ وَ رُدْيَانِ(3)

هذَاكَ دَأْبِي وَ ذَا حَالِي أُقَلَّب مِنْ *** وَجْدِ لِوجدٍ وَ أَحْزَانٍ لأَحْزَانِ

مَا شَفَّنِي لَذَّةُ الدُّنْيَا وَ زَينَتُها *** وَ كَيْفَ أَبْكِي نَعِيماً زَائِلاً فَانِي؟

كَلاً وَ لاَزِبْرِجاً فِيها وَ مُنْتَزَهاً *** فِيهِ تُسَرَّحُ لِلْمَهْمُوم أشجانِ

وَ لَامَبَّانٍ أَرَاهَا شَاهِفَاتٍ وَ قَدْ *** سَارَتْ عُلوّاً بِأَشْكَالِ وَ أَلْوَانِ

فَفَاتَنِي حُسْنُهَا الزَّاهِي وَ بَهْجَتُها *** فَصِرْتُ أَقْرَعُ سِنِّي مِثْلَ نَدْمَانِ

لكِنْ شَجَانِي مَا أَشْجَى البَتُولَةَ مِنْ *** جَوْرِ اللَّيَالِي فاضحَى دمعُها القَانِي(4)

ص: 35


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- وَجْد: شدّة الحزن. كمد: الحزن و شدّة الهمّ.
3- الهيم: جماعة عطاشى أو مجانين من العشق. آكام: التلال أو المواضع التي تكون اكثر ارتفاعاً ممّا حولها.
4- قاني: شديد الحمرة.

تَبْكِي بِلَهْفَةِ قَلْبٍ شَقَّهُ أَلَمُ *** الفِراقِ وَ الوَجُدُ وَ التَّذْكَارُ حَرَّانِ

تَصِيحُ: يَا وَالِدِي يا مَنْ أَلُوذُ بِهِ *** فِي النَّائِبَاتِ إِذَا مَا الهَمُّ أَضْنَانِي(1)

يا وَالِدِي كُنتَ بَدْراً يُسْتَضَاءُ بِهِ *** فَغِبْتَ فَاسْتَوْحَشَتْ أَهْلِي وَ أَوْطَاني

وَ البَدْرُ إِنْ غَابَ عَمَّتْ وَ حْشَةٌ أبداً *** مِنَ الظَّلام وَ هَلْ لِلْبَدْرِ مِنْ ثاني؟

إنِّي تَمَنَّيْتُ أَنَّ المَوْتَ عَاجَلَنِي *** وَ أَنَّ يَوْمِي قَبْلَ اليَوْمِ وَافَانِي

يَا وَالِدِي ضَاقَتِ الدُّنْيا بِرَحْبَتِهَا *** عَلَيَّ حَتَّى فَقَدْتُ اليَوْمَ سَلْوَانِي

لَمَّا مَضَيْتَ فَصَبْرِي صَارَ مُنْعَدِماً *** وَ انْهَدَّتِ اليَوْمَ بِالأَرْزَاءِ أَرْكَانِي

فَلَوْ تَرَانِي بَيْنَ البَابِ صَارِخَةً *** وَ حَيْدَرٌ حَالُهُ وَ اللَّهُ أَبْكَانِي

أَبْكِي مُكَسَّرَةَ الأضلاع نَادِيَةً *** أَيْنَ الَّذِي فِي بُيُوتِ العِز رَبَّانِي

حَتَّى وَقَعْتُ بِحَرِّ الحُزْنِ بَاكِيَةً *** يُغْشَى عَلَيَّ بِأَعْتَابٍ وَ تِرْبَانِ

قَدْ خَرَّ مِنّي جَنِينِي مِنْ حَشَا كَبِدِي *** وَ العَصْرُ بِالبَابِ أَرْزَانِي وَ أَضْنَانِي(2)

وَ قَدْ مَضَوْا بِكَفِيلِي فِي حَمَائِلِهِ *** يُقَادُ لَيْسَ لَهُ حَامِ وَ لَاحَانِي(3)

فَقُمْتُ مُسْرِعَةً أَبْكِي مُوَلُولَةً *** مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ هَمَتْ بِالدَّمْعِ أَجْفَانِي

وَ صِحْتُ: خَلّوا ابْنَ عَمِّي لاأَبا لَكُمْ *** أَوْ لاسَأَشْكُو إِلَى الجَبَّارِ أَحْزَانِي(4)

رَدُّوا إِليَّ بِأَحْقادٍ تَسُوقُهُمُ *** وَ سَوْطُ قُنْفُذَ بِالمَثْنَيْنِ أَلْوَانِي

أَبَاهُ قَدْ لَطَمُوا عَيْنِي وَ مَا رَحِمُوا *** حَالِي وَ لاَحَالَ أَبْنَائِي وَ صِبْيَانِي

ص: 36


1- أضناني: أمرضني فتمكّن مني الضعف و الهزال.
2- في كتاب دلائل الإمامة ص45 و كان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً.
3- في كتاب العوالم ج2 ص560 فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترمّلني من زوجي -واللّه- لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي.
4- روي في كتاب البحار ج198 باب ما وقع عليها من الظلم: فضربها قنفذ «الملعون» بالسوط فماتت حين ماتت و إنها في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه اللّه».

فَلَوْ تَرَانِي أَئِنُّ اليَوْمَ مِنْ أَسَفٍ *** عَلَيْكَ وَ العَيْنُ يَجْرِي دَمْعُهَا القَانِي

لَسَاءَكَ اليَوْمَ مَا لأَقَيْتُ مِنْ أَلَمٍ *** جَرى عَلَيَّ وَ صِرْتَ اليَوْمَ تَنْعَانِي

يَا فَاطِمُ الطُّهْرُ يَا مَنْ كَانَ وَالِدُها *** خَيْرَ البَرِيَّةِ مِنْ قَاصِ وَ مِنْ دَانِ(1)

جَلَّتْ رزاياكِ فَالْتَاعَتْ لَهَا كَبِدِي *** لِمَا عَرَاكِ وَ وَجْدِي اليَوْمَ أَضْنَانِي

فَسَوْفَ أَبْكِيكِ دَوْماً ما حَيَيْتُ عَلَى *** طُولِ المَدَى وَ تَسُحُّ الدَّمْعَ أَجْفَانِي

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَيْكُمْ دَائِماً أَبَداً *** مَا سَارَ يَطْوِي الفَلا سَارٍ بِرُكْبَانِ

ص: 37


1- في كتاب ذخائر العقبي ص44 فإنه ذكر حديثاً عن أسماء في ولادة فاطمة علیها السلام بالحسن علیه السلام قالت أسماء: فقلت: يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و اله و سلم اني لم أر لها دماً في حيض و لا في نفاس، فقال: «أما علمت أنّ ابنتي طاهرة مطهرة لايُرى لها دم في طمث و لاولادة؟».

(9) أم الهداة

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

ما لِي أَرَى لَوَّامَتِي تَلْحُونِي *** وَ بِلَوْمِها وَ عِتابِها تُؤْذِينِي؟(2)

وَ تَقُولُ لِي: قُلْ لِي بِرَبِّكَ صادِقاً *** فَعَلامَ أَنْتَ مَدَى المَدَى بِأَنِينِ

أَفَهَلْ تَرَى أَجْرَى دُمُوعَكَ وَ كَفاً *** فَقْدُ الأنيس وَ وَحْشَةُ المَسْكُونِ؟(3)

إِنَّ المَنازِلَ إِنْ بَقَتْ مَهْجُورَةً *** أَشْجَتْ فُؤَادَ أَخِي الجَوَى المَفْتُونِ

فَمَنازِلُ الأَحْبَابِ إِمّا أُقْفَرتْ *** وَ رَأَيْتُها تُشْجِيكَ أَيَّ شُجونِ

فَاحْمِلْ وَ كُنْ فِى الدَّهْر صَبَاراً فَمَاذَا *** الدَّهْرُ يَوْماً إِنْ وَ فَى بأَمِيِن

فَالدَّهْرُ جَوْرٌ وَ الزَّمانُ عَدَاوَةٌ *** وَ اعْلَمْ فَلَيْسَ الدَّهْرُ بِالمَأْمُونِ

غَدْرٌ وَ ظُلْمٌ دَأَبُهُ وَ مَضَرَّةٌ *** أَوَ لَيْسَ ذَلِكَ طَبْعُ كُلِّ خَؤُونِ؟

فَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ الجَمِيلِ فَإِنَّهُ *** دِرْعٌ حَصِينٌ كانَ أَيُّ حَصِينِ

وَدَعِ الوثوق مِنَ الزَّمانِ فَإِنَّهُ *** يَعْدُو عَلَيْكَ بِحِقْدِهِ المَدْفُونِ

فَمَن الَّذِي أَمِنَ الزَّمَانَ وَ شَرَّهُ *** الأَوَعادَ بِصَفْقةِ المَغْبُون؟(4)

أَوَمَا تَراهُ كَيْفَ يَلْعَبُ قاسياً *** بالمُؤْمِنِينَ كَلُعْبَةِ المَجْنُونِ؟

كَفِعَالِهِ بِبَنِي النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** خَيْرِ الأَنَامِ وَ خِيرَةِ المَسْكُونِ

ص: 38


1- (*) مرت ترجمته في الجزء الأول.
2- تلحوني: تشتمني.
3- وُكفَّا: سائلات قليلاً قليلاً.
4- المغبون: المغلوب و المخدوع في البيع.

وَ فِعَالِهِ بِالطُّهْرِ سَيِّدَةِ النّسا *** أم الهُداةِ وَ بِنْتِ خَيْرِ أَمِينِ

أَخْنَى عَلَيْهَا بِالمَضَرَّةِ وَ الأَذَى *** حَتَّى قَضَتْ بِالوَيْلِ وَ التَّوْهِينِ

مَا افْتَرَّ مَبْسِمُها وَ لاَعَرَفَتْ لَهَا *** يَوْماً مِنَ الأفراحِ وَ التَّزييِن

حَتَّى قَضَتْ مَحْزُونَةٌ مَكْرُوبَةٌ ** مِثلَ الضّرام بِقَلبِها المَحْزُونِ

لَقِيَتْ أَباها وَ هْيَ غَضْبَى وَ الشَّجا *** فِي حَلْقِها حَتَّى قَضَتْ بِأَنِين(1)

وَدَعَتْهُ: لَمَّا غِبْتَ عَنِّي يا أَبِي *** هَاجَتْ عَلَيَّ بَلابِلِي وَ شُجُونِي

وَ عَلَيَّ جَارُوا يا أَبَاهُ بِحِقْدِهِمْ *** فَكَأَنَّهُمْ يَبْغُونَنِي بِدُیونِ

قَدْ أَسْقَطُوا مِنّي الجَنِينَ بِحِقْدِهِمْ *** جَهْراً وَ بَيْنَ البَابِ هُمْ عَصَرُونِي(2)

كَسَرُوا ضُلُوعِي يا أباهُ بِغَدْرِهِمْ *** لَعَمُوا وَ حَقِّكَ يَا أَبَاهُ عُيُونِي

أَبَتاهُ لَوْ عايَنْتَهُمْ لَرَأَيْتَهُمْ *** مَمْلُوءَةً أَحْشَاؤُهُمْ بِضُغُونِ(3)

أبتاهُ إِنِّي قَدْ سَئِمْتُ مَعِيشَتِي *** يَا لَيْتَ حَانَ اليَوْمَ مِنِّي حِينِي

فَعَلَيْكِ يا بِنْتَ النَّبِيِّ تَلَهُفِي *** وَ فِداكِ مني ما حَوَتْهُ يَمِينِي

وَ لَكِ الفِدا رُوحِي وَقَدْ عَزَّ الفِدا *** أَفْدِي الَّتِي راحَتْ فِدّى لِلدِّينِ

تَالِلَّهِ قالِلو يا آل النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** أَرْزَاؤُكُمْ جَلَّتْ عَنِ التَّبيِينِ

وَ لَقَدْ بَكَتْ لِمُصابِكُمْ أَهْلُ السَّما *** وَ كَذَاكَ سَاكِنُ أَرْضِنَا بِأَنِينِ(4)

ص: 39


1- الشجا: ما اعترض في الحلق من عظم و نحوه.
2- تقدم ما ورد فيهما من التخريجات في مجمل القصائد السابقة فراجع تلك القصائد.
3- ضغون: أحقاد.
4- كنوز المدح و الرثاء ص35.

(10) وجد البتول

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

أَرْزَاءُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ تُشْجِينِي *** وَ لِمَا عَرَاهَا تَسْتَهلُ جُفُونِي

يمَدامِع مِثْلِ الجُمَانِ نَوَازِلٍ *** تَجْرِي كَمَا قَدْ سَالَ مَاءُ عُيُونِي(2)

أبْكِي لَهَا حُزْناً وَ قَدْ لَعِبَ الأَسَى *** بِفُؤادِهَا فَتَجَلْبَبَتْ بِشُجُونِ

تَبْكِي وَ لَوْ وَعَتِ الحَمَامُ بُكَاءَها *** نَاحَتْ لَهَا وَ بَكَتْ لَهَا بِأَنِينِ

يَا قَلْبَ فَاطِمَ ما حَمَلْتَ مِنَ الأَسَى *** أَرْزَاءَ قَدْ عَزَّتْ عَنِ التَّبْيِينِ

أَرْزَاءَ حُزْنٍ لو وعاها يَذْبُلُ *** لَهَوَى لَهُنَّ وَ زَالَ بَعْدَ سُكُونِ

نَظرَتْ إِلَى بَابِ النُّبُوَّةِ مُغْلَقاً *** وَ عَلَيْهِ وَ حْشَةُ شَاكِلِ مَغْبُونِ

وَ الوَحْيُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ مُفارقٌ *** أَيْنَ النُّزُولُ بُعَيْد حامِي الدِّينِ

أَيْنَ النُّزُولُ يُعَيْدَ خَيْرِ الأَنْبِيا؟ *** أَوَلَيْسَ طهَ في الثَّرا بِدَفِين؟

فَاليَوْمَ لاَوَحْيَّ وَ لاَ مِنْ آيَةٍ *** عَزَّ المَنَالَ هُبُوطُ خَيْرِ أَمِينِ

فَلَكِ العَزَا يَا بِنْتَ أَحْمَدَ بِالَّذِي *** هُوَ كَهْفُكُمْ بَلْ كَانَ خَيْرَ مُعِينِ

لَكُمُ وَ مَأْوَى الضَّائِعَاتِ مِنَ الوَرَى *** مَأْوَى الصَّعِيفِ وَ مَلْجَأَ المِسْكِينِ

مَاتَ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ فَتَصَبْرِي *** أَوَ لَيْسَ دَهْرُكِ فَاطِمٌ بِخَؤُونِ؟

فَلَقَدْ فُجِعْتِ بِهِ وَ قَدْ فُجِعَ الوَرَى *** حَقاً بِأَعْظَمِ رَاحِمَ وَ حَنُونِ

ص: 40


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الجُمان: اللؤلؤ.

أَيَّامَ أُنْسِكِ يَا بَتُولُ قَدِ انْتَهَتْ *** فَاليَوْمُ يَوْمُ رَزِيَّةٌ وَ حَنِينِ

رَاحَ المُحَامِي وَ الكَفِيلُ أَلاَ اعْوِلِي *** وَ ابْكِي عَلَيْهِ بِدَمْعِكِ المَخْزُونِ

لَكُمُ العَزَايَا آلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ *** تَالِلَّهِ إِنَّ مُصَابَكُمْ يُبْكِينِي

أَبْكِيكُمُ بِمَدَامِع لاتَنْتَهِي *** وَ مَدَى المَدَى أَنَا مُعْلِنُ بِحَنِينِي

ما حَالُ أَحْمَدَ لَوْ رَاكِ حَزِينَةً؟ *** لَبَكَى وَ قَالَ بِلَوْعَةٍ وَ أَنِينِ

بِنْتَاهُ لاَتَبْكِي فَإِنَّكِ سَلْوَتِي *** وَ بُكَاكِ يَا سِتَ النِّسا يُؤْذِينِي

تَجْرِي دُمُوعِي إِنْ رَأَتْكِ حَزِينَةً *** وَ أَظُلُّ أَعْلِنُ لَوْعَتِي وَ شُجُونِي

فَلَقَدْ يَعِزُّ عَلَيْكَ خَيْرَ الأَنْبِيا *** وَجْدُ البَتُولِ بِقَلْبِها المَحْزُونِ(1)

ص: 41


1- كنوز المدح والرثاء ص29.

(11) يا بضعة الهادي

(بحر الكامل)

الشيخ حسن البحراني القيسي(*)(1)

هَيْهَاتَ تَهْدَأُ زُفَرَتِي وَ حَنِينِي *** مِمَّا عَرَا وَ يَجِفُّ دَمْعُ عُيُونِي(2)

هَيْهَاتَ لِي فَالصَّبْرُ عَزَّ عَزَاوَهُ *** وَ مَسَرَّنِي قَدْ بُدِّلَتْ بِسُجُونِي

فَالطَّرْفُ مِنّي بَاكِياً يَجْرِي دَماً *** ما نَوْحُها الخَنْساءُ إِلا دُونِي؟(3)

مَا الوَرْقُ، مَا القُمْرِيُّ، مَا إِنْشَادُهُ *** فِي جَنبِ إِنْشَادِي وَ جَنْبِ حَنِينِي؟(4)

فَالجِسْمُ مِنِّي ناحِلٌ يَشْكُو الضَّنَى *** وَ مِنَ النُّحُول تَرَاهُ كَالْعُرْجُونِ؟(5)

تَالِلَّهِ لَوْ عَايَنْتَنِي مُتَمَلْمِلاً *** فَكَأَنَّنِي جُرِّعْتُ كأسَ مَنُونِي

لَرَقَقْتَ يا بنَ الأَكْرَمِينَ لِحَالَتِي *** وَ رَثَيْتَ لِي يا صاحِبِي تَبْكِينِي

فَبَكَى وَ أَنَّ وَ قَال: مَا هَذَا الَّذِي *** تَشْكُو لَحُزْنُكَ فَاقَ كُلَّ حَزِينِ!

أَفَهَلْ شَجَاكَ ظُعُونُ قَوْمٍ أُبْعِدُوا *** بِالسَّيْرِ مُذْ تَرَكُوا رُبَىٰ يَبْرِينِ؟(6)

أمْ هَلْ شَجَاكَ أَحِبَّةٌ فَارَقْتَهُمْ *** فَبَقَيْتَ كَالبُسْرَى بِغَيْرِ يَمِيْنِ؟

ص: 42


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- زُفْرَة: نَفَس حارّ تشبيهاً له بزفير النار.
3- الخنساء: تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع في الأرنبة و الأظهر أنه قصد بها الخنساء الشاعرة التي اشتهر نوحها على موت أخيها صخر.
4- الوَرْق: الحمام -القُمري: ضرب من الطيور له سجع جميل.
5- العُرجون: أصل العِذق الذي يعوج و يبقى على النخل يابساً بعد أن تقطع عن الشماريخ.
6- شجاك ظعون قوم: أحزنك رحيل قومٍ، رُبى يبرين: الربى جمع الرابية ما ارتفع من الأرض أو التلة و يبرين: اسم مكان.

أَمْ لِلْمَشِيبِ عَدَا عَلَيْكَ فَصِرْتَ مِنْ *** ذِكْرِ الشَّبَابِ بِلَوْعَةٍ وَ حَنِينِ؟

فَأَجَبْتُهُ: كَلاً وَ سُورَةِ هَلْ أَتَى *** قَسَماً وَ حَقِّ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ(1)

مَا شَفَّنِي ذِكْرُ الشَّبابِ وَ رَوْقُهُ *** فِيهِ اللَّذَائِدُ نِعْمَةُ المَمْنُونِ(2)

كَلاً وَ لاً لأَحِبَّةٍ فَارَقْتُهُمْ *** سَارُوا وَ بَعْدَ فِرَاقِهِمْ تَرَكُونِي

لكِنْ شَجَانِي مَا دَهَى سِتَّ النِّسا *** مِنْ لَوْعَةٍ وَ كَابَةٍ وَ سُجُونِ

حُزْنِي لَهَا تَبْكِي شَجِّى وَ تَأَلُماً *** وَ دُمُوعُهَا كَالْوَابِلِ المَهْتُونِ(3)

تَدْعُو: أَلاَ يَا وَالِدِي ضَيَّعْتَنِي *** فَالْوَجْدُ بَعْدَكَ وَ الأَسَى يَحْدُونِي

دَأَبِي أَحِنُّ وَ مُهْجَتِي مَسْعُورَةٌ *** وَ تَصُبُّ دَمْعاً كَالجُمَانِ جُفُونِي(4)

سِبْططَاكَ يا أَبَتِي لِفَقْدِكَ أَصْبَحُوا *** يَبْكُونَ أَعْظَمَ رَاحِمٍ وَ حَنُونِ

يَا بَضْعَةَ الْهَادِي وَ حَقٌّ وَلَائِكُمْ *** أَرْزَاؤُكُمْ يا سادَتِي تُشْجِيْنِي

أَبْكِيكُمُ حُزْناً بِلَوْعَةِ ثَاكِلٍ *** لَعِبَ الجَوَى بِفُؤَادِهِ المَحْرُونِ

ثُمَّ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمُ طُولَ المَدَى *** مِنْ خَالِقِ الأَكْوَانِ وَ التَّكْوِينِ(5)

ص: 43


1- سورة الدهر و نزولها في أهل البيت علیهم السلام.
2- ما شفني: ما رقَّني من النحول و ما أوهنني -رَوْق الشباب: أوّله.
3- الوابل: المطر الغزير المهتون: المتتابع من المطر.
4- مهجتي مسعورة: فؤادي مشتعل. الجمان: اللؤلؤ.
5- كنوز المدح و الرثاء ص32.

(12) أم الحسنين علیها السلام

(بحر الرمل)

الأستاذ حسن علي المرعي(*)(1)

من أنيسِ الحُورِ قدستُ اثنتينِ *** مريمَ العذرا، و أمَّ الحَسَنَيْنْ

عالَمٌ في أم عيسى طاهرٌ *** و على (الزهراء) طهرُ العَالَمَيْنْ

(فاطم) يا بنتَ من ضاءَتْ بهِ *** ظلمةُ الدنيا، فزانَ النشأتينْ

من ثمارِ الخُلدِ جاءتْ منحةً *** يومَ أسرى البدرُ بينَ الحَرَمَينْ

فمِن السدرةِ (طه) ضمَّها *** يومَ أضحى قابَ قوسين اللجينْ

جنةٌ في صلبِ طه أثمرتْ *** و إلى الكرارِ طرحُ الجنَّتَينْ

(فاطمُ الزهراءُ) يا أمُ الحسينِ *** ياعروسَ الحُور بين الرَوْضَتَينْ

يا بتولاً نُزَّهتْ عن ناقصٍ *** آخرَ الشهر... و عن ذينِ و ذينْ

أيُّها البكرُ حياةً كلَّها *** ما عجيبٌ... ليسَ بين الحُور بينْ

هبةْ المولى و ريحانُ النبيِّ *** أحلى عروسٍ لمصلّي القِبلَتَيْنْ

فإذا بالأرضِ يومٌ أزهرٌ *** و إذا بالنجمِ... عرسُ الأَزْهَرَينْ

و استحى التبرُ فلامهرِ به *** فحباها اللَّه ماءَ الرافِدَينْ

آهِ لو تدرينَ في شطَّ الفراتِ *** (فاطمَ الزهراءِ) ما حالُ الحُسينْ

إنهُ الدهرُ... و عاداتُ به *** في النعيمِ المحضِ. مشؤومُ اليدينْ

رحلتْ شمسُ النبيِّ المصطفى *** ليشعَّ الماسُ فيضاً مرّتينْ

ص: 44


1- (*) شاعر سوري معاصر من مدينة حمص -الثابتية.

فعويلٌ فاطميص يشربُ *** و دموعٌ إثرهُ في كل عينْ

و إذا الأعراب نارُ تصطلي *** و سياطُ الغدر تُدمي الساعدينْ

ضلعُها المكسورُ محنيًّ على *** (محسن) ما ذاقً عطفَ الأبوينْ

و علي الحرب صبرٌ كامل *** (أحمدُ) الموصي بأن الصبرَ زينْ

و قليلٌ ذاك في صبرِ الذي *** ضربةٌ منه تساويِ الثقلينْ

فبَنَتْ للحزنِ بيتاً (فاطم) *** قرشيُ اللبن... عد الحاكمينْ

و أتى وعدُ أبيها مسرعاً *** فإذا بالنورِ بينَ النيَرينْ

فاسألِ الأعرابَ عن رمثٍ لها *** و ماذا قبرُها لم ندرِ أينْ!؟

حدّثَ الرحمن وحياً مريماً *** و غريبٌ وحيُّ أم الطاهرينْ!!

قسماً... يبصرُ أملاكَ السما *** عابدٌ هاجر للَّه اثنتينْ

في صلاةِ حبلُها مستوثقٌ *** و منام صالح... بل رأي عينْ

و إذا طُهِّرَ قلبٌ خاشعٍ *** صار بيتُ اللَّه معصومَ البطينْ

فاسلكِ النجد الذي نقيتهُ *** ليس للنجدين دربُ بينَ بينْ

بعض حقٍ من فؤادٍ مؤمنٍ *** فعلينا لأبيِ الزهراءَ دَينْ

***

ص: 45

(13) يطيب لي البكا

(بحر الوافر)

الشيخ الدرمكي

نُحُولُ جِسْمِي لايَنْفَكُ عَنِّي *** وَ قَدْ صَارَ البُكَا شُغْلِي وَفَنِّي(1)

وَ قَلْبِي فِيهِ نِيرانٌ وَ وَجْدٌ *** وَ هَمِّي صَارَ مَمْرُوجاً بِحُزْنِي

يَطِيبُ لِي البُكَا فِي كُلِّ وَقْتٍ *** وَ أُسْعِفُ فِي الرَّزايا مَنْ سَعَفْنِي(2)

كَفَانِيَ مَوْتُ خَيْرِ الخَلْقِ طُرّاً *** بِأَنَّ النَّفْسَ فِي السُّلْوَانِ أُشْنِي(3)

أَخَذْتُمْ نِحْلَنِي ظُلْماً وَ إِرْثِي *** وَ حُلْتُمْ دُونَ مَا رَبِّي رَزَقْنِي(4)

ص: 46


1- في كتاب المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص362 ط/ مؤسسة انتشارات علامة -قم. «والبيت الذي يليه»: «...إنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدَّة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة...». انظر أيضاً: كتاب بحار الأنوار ج43 ص181 ط/ 2 مؤسسة الوفاء. و عوالم سيدة النساء، ج2 ص1080، و «روضة الواعظين» ص167.
2- جاء في كتاب الخصال ج1 ص273 ج15 ط/ جماعة المدرسين في الحوزة العلمية/ قم المقدسیة: «...و أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك...». انظر أيضاً في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص155 ح1 و كتاب أمالي الصدوق و المناقب ج3 ص322.
3- السُّلْوان: دواءٌ يُسقاه الحزينُ فيسلو و الأطباء يسمونه المفرح. الأُشْنُ: شيءٌ من العطر أبيض دقيق.
4- في كتاب أمالي الصدوق ص100 ضمن ح2 ط الخامسة منشورات مؤسسة الأعلمي -بيروت. «... وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها و قد دخل الذلّ بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقَّها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها...» . انظر «بحار الأنوار» ج43 ص172-173 ح13.

وَ سَبُّ البَضْعَةِ الزَّهْرَاءِ لما *** أنَتْ زَفْراً وَ قَالَتْ مَا نَصَفَنِي(1)

يَمَا فِي هَلْ أَتَى وَفَّيْتُ نَذْرِي *** فَيَا وَيْلٌ لِمَلْعُونِ غَصَبَنِي(2)

ص: 47


1- أن الصحيح هكذا (وسبُّوا البضعة الزهراء علیها السلام لما) و قد جاء في كتاب «عوالم سيدة النساء) ج2 ص650 منقولاً عن كتاب «الاختصاص»، «... فقالت: كتاب كتب لي أبوبكر بردّ فدك، فقال: هلمّيه إليّ فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن علیه السلام فأسقطت المحسن علیه السلام من بطنها ثم لطمها فكأني انظر إلى قرط في أذنها حين نفقت ثم أخذ الكتاب فخرقهُ».
2- في كتاب «فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم» ص255 ح2 ط الثانية/ نشر المرضية. نقلاً عن «تذكرة سبط بن الجوزي» ص313، «عن ابن عباس في قوله «تعالى»: «يوفون بالنذر» الآية [A من سورة الدهر] قال: مرض الحسن و الحسين علیهما السلام فعادهما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و معه أبوبكر و عمر و عادهما عامَّة العرب فقالوا: يا أبا الحسن علیه السلام لو نذرت على ولديك نذراً فكلُّ نذر لايكون له وفاء فليس بشيء فقال علي علیه السلام: عليَّ علیه السلام اللّه إن برأ ولداي مما بهما صمت اللّه ثلاثة أيام شكراً و قالت فاطمة علیها السلام كذلك، و قالت الجارية يقال لها فضة كذلك فألبس الغلامان العافية و ليس عند آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم قليل و لاكثير فانطلق علي علیه السلام إلى شمعون بن حانا اليهودي فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير فجاء به إلى فاطمة علیها السلام فقامت إلى صاع فطحنته و خبزته خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص و صلّى علیه السلام علي علیه السلام المغرب مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم فجاء سائل أو مسكين فوقف على الباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة... فأعطوه الطعام... و لما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة علیها السلام من الشعير و صفت منه خمسة أقراص و صلى علي علیه السلام المغرب و جاء إلى المنزل فجاء يتيم على الباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي أطعموني مما رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنة... فرفعوا الطعام و ناولوه إياه ثم أصبحوا و أمسوا في اليوم الثاني كذلك كما كانوا في الأول. فلما كان في اليوم الثالث طحنت فاطمة علیها السلام باقي الشعير و وضعته فجاء علي علیه السلام بعد المغرب فجاء أسير فوقف على الباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد صلي الله علیه و آله و سلم أسير محتاج تأسرونا و لاتطعمونا أطعمونا من فضل ما رزقكم اللّه... ثم رفعوا الطعام و أعطوه للأسير فلمّا كان اليوم الرابع دخل علي علیه السلام على النبي صلي الله علیه و آله و سلم يحمل ابنيه كالفرخين فلما رآهما رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: و أين ابنتي قال: محرابها فقام رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فدخل عليها و لقد لصق بطنها بظهرها و غارت عيناها من شدَّة الجوع فقال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: واغوثاه باللّه. آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم يموتون جوعاً فهبط جبرئيل علیه السلام و هو يقول: «يوفون بالنذر». و في عاقبة من ظلمها و عضب حقها. ورد في كتاب أمالي الصدوق ص100 ط الخامسة/ مؤسسة الأعلمي -بيروت: «...عن ابن عباس -في خبر طويل قال صلي الله علیه و آله و سلم:«...اللهم العن من ظلمها و عاقب من غصبها و ذلّل من أذلها و خلّد في أذلها و خلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها...». انظر کتاب بحارالانوار، ج43، ص173 ضمن ح13 و کتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص547 ح2. و «فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص760 ح17.

سَلُوا عَمَّ وَ طهَ إِنْ شَكَكْتُمْ *** سَلُوا يَاسِينَ ما رَبِّي رَزَقَنِي

فَقَالَ الرِّجْسَ ما تَرْضَى بِهذا *** و لاذا القَوْلُ فِي ذا اليَوْمِ يُغْنِي

فَمَاتَتْ وَ هُيَ فِي حَرْقٍ وَ كَرْبٍ *** تُواصِلُ حَرَّ زَفْرَتِهَا بِغَيْنِ(1)

ص: 48


1- غَيْن: عطش -و في كتاب أمالي الصدوق، ص100 ضمن ح2 ص5/ مؤسسة الأعلمي -بيروت. «...ثم يبتدىء بها الوجع فتمرض فيبعث الله «عزوجل» إليها مريم بنت عمران تمرّضها و تؤنسها في علتها فتقول عند ذلك: يا رب إني قد سئمت من الحياة و تبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي فيلحقها الله «عزوجل» بي، فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة...». انظر: کتاب بحار الأنوار ج43 ص173 ضمن ح13، وكتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص547 ضمن ح2. و القصيدة في (62) بيتاً، أخذنا منها ما نحن بصدده منتخب الطريحي ص166.

(14) نفحة من فاطم علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(*)(1)

بَحْرَانِ بالإيمانِ يَلْتَقِيانِ *** عَجَباً وَ هَلْ يَتَعَانَقُ البَحْرانِ؟

هِيَ تِلْكَ مُعْجِزَةُ السَّمَاءِ وَ حِكْمَةٌ *** فِيهَا بِأَمْرِ اللَّهِ يَلْتَقِيانِ

وَ هُناكَ بَيْنَهُما بِظُهْرِ بَرْزَخٌ *** لايَبْغِيَانِ وَ فِيهِ رِفْعَةُ شَانِ

وَ اللَّهُ أَخْرَجَ بِالطَّهَارَةِ مِنْهُمَا *** دُرَرَ الكَمَالِ وَ رَوْعَةَ المِرْجَانِ(2)

نَزَلَتْ بِذلِكَ آيَةٌ قَدْ سُمِّيَتْ *** عَلَوِيَّةٌ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ(3)

فِيها رَسُولُ اللَّهِ قِمَّةُ فَضْلِها *** وَ عَلِيُّ وَ الزَّهْرَاءُ وَ الحَسَنَانِ(4)

صَدَفُ البِحَارِ وَ إِنْ غَزَا أَعْمَاقَها *** يَرْسُو بِلُجَّتِهَا عَلَى اطْمِثْنَانِ(5)

ص: 49


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- المرجان: صغار اللؤلؤ و هو أشد بياضاً من اللؤلؤ، و قيل هو البسذ و هو جوهر أحمر يقال: إن الجن تلقيه في البحر.
3- و روى السيوطي في الدر المنثور ج6 ص142، قال أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قوله «تعالى» مرج البحرين يلتقيان هما عليّ و فاطمة علیهما السلام بينهما برزخ لايبغيان هو النبي صلي الله علیه و آله و سلم يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان هما الحسن و الحسين علیهما السلام سورة الرحمن آية19-22 راجع مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص318 و قد ولد الحسن علیه السلام في شهر رمضان سنة 3 ثلاث للهجرة راجع أعلام الورى ص205 و ذخائر العقبى ص118 و كشف الغمة ج2، ص140 و نور الأبصار ص131 و الطبري ج2، ص485 و537 والصواعق المحرق ص138. و تذكرة الخواص ص312.
4- في «البرهان في تفسير القرآن» ج1 ص392 ح5 / ط الثالثة/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «... و أما الصالحون فابنتي فاطمة علیها السلام و أولادها الحسن و الحسن علیهما السلام».
5- اللُّجَّة: معظم المياه.

صَعْبُ المَنَالِ يَضُمُّ دُرّاً غَالِياً *** أَثْمَانُهُ تَغْلُو عَلَى الأَثْمَانِ

وَاصْطَفَّ حَوْلَ البَحْرِ أَمْلاَكُ السَّما *** وَبِكُلِّ نَاحِيَةٍ مَشَى صَفَّانِ

وَتَمَخَّضَ البَحْرُ المُحِيطُ وَأُخْرِجَتْ *** أصْدَافُهُ وَغَدَتْ عَلَى الشُّطآنِ

رَقَصَتْ عَلَى وَتَرِ الدَّلالِ بِفَرْحَةٍ *** وَكَأَنَّهَا النَّسَمَاتُ بِالأَغْصَانِ

وَبَدا سَنا القَمَرَيْنِ يُشْرِقُ باسِماً *** فَوْقَ الثّرى وَالعَالِمِ النُّورانِي(1)

وُلِدَ الزَّكِيُّ فَمَرْحَباً بِوِلادَةٍ *** فَرِحَتْ بِها الأَيَّامُ فِي رَمَضَانِ(2)

رَیْحانَةُ الأَمَلِ المُشِعِّ لأَحْمَدٍ *** سَمْحُ السَّجَايا عَاطِرُ الأَرْدَانِ(3)

وَمَنَارُ أَحْلاَمِ الزَّمانِ وَبَهْجَةٌ *** لِلْمُصْطَفَى وَهْوَ الإِمَامُ الثَّانِي

عَيْنٌ بِهَا نَظَرَ الزَّمانُ إِلَى المَدَى *** فَرَأَى مَدَارَ الكَوْنِ فِي نُقْصانِ

مِيزَانُ عَدْلٍ لا يَتِمُّ بِكَفَّةٍ *** بِالكَفَّتَيْنِ عَدَالَةُ المِيزَانِ

شَعَّتْ بِآفَاقِ البِطَاحِ(4) مَنَارَةٌ *** أَنْوَارُها سَطَعَتْ عَلَى الأَكْوانِ

وُلِدَ الحُسَيْنُ ويا لَها مِنْ بَهْجَةٍ *** ضَحِكَتْ لَها الآمالُ فِي شَعْبَانِ

وَكِلاَهُما هُوَنَفْحَةٌ مِنْ فَاطِمٍ *** بِنْتُ الرَّسُولِ وَأَفْضَلُ النِّسْوَانِ(5)

ص: 50


1- سنا : ضوء.
2- الزكي أحد ألقاب الحسن علیه السلام و هي السبط و الزكي و المجتبى و التقي و الطيب و الولي، و السيد و كانت أم الفضل زوجة العباس قالت: رأيت كأن في بيتي عضواً من أعضائك يا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقال خيراً رأيتِ تلد فاطمة علیها السلام غلاماً فترضعينه فولدت الحسن علیه السلام و كانتِ ولادته ليلة النصف من رمضان على الصحيح المشهور. راجع أعيان الشيعة ج1، ص562 ط حديثة وقد ذكر أن رؤيا أم الفضل كانت بمولد الحسين علیه السلام راجع تذكرة الخواص ص210.
3- الأردان: مفردها الرَّدَن وهو الغزل أو الخزّ. أو مفردها الرُدن، أي أهل الكُم، أو طرف الكُم.
4- البطاح: جمع البطحاء وهي المسيل الواسع الذي يجتمع فيه الرمل والحصى.
5- في «إحقاق الحق» ج 42 منقولا عن «المناقب الرضوية» «...و أفضل العالمين من نساء الأولين و الآخرين فاطمة علیها السلام...» و جاءت أيضاً في «عوالم سيدة النساء» ج11/1 ص127.

وَمِنَ الوَصِيَّ طَهَارَةٌ قُدْسِيَّةٌ *** وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ يَنْتَميَانِ

سِبْطا مُحَمَّدِ وَالحَنِينُ يَشُدُّهُ *** لَهُمَا اشْتِدَادُ العَيْنِ لِلأَجْفَانِ(1) (2)

ص: 51


1- كان مولد الإمام الحسين علیه السلام السنة الرابعة للهجرة و بينه و بين الإمام الحسن علیه السلام طهر واحد و كان الحسن علیه السلام يشبه النبيّ صلی اللّه علیه و آله و سلم ما بين الصدر إلى الرأس و الحسين علیه السلام أشبه به ما دون ذلك و أول من سمّي بالحسن و الحسين علیهما السلام هما و قد حجب اللّه هذين الإسمين حتى سماهما رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم بهما وأما حَسْن و حَسِين علیهما السلام الموجودان في أنساب طيء فالأول بسكون السين والثاني بفتح الحاء و كسر السين راجع صبح الأعشى ج430 و كشف الغمة ج2 ص142 و143.
2- الامامان عليُّ و الحسن علیهما السلام ص 74 .

(15)خمسمائة درهم

(بحر الكامل)

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي(*)(1)

هذا عَلِيٌّ فِي السِّقَايَةِ دَائِبٌ *** يَسْقِي النَّخِيلَ بِدَاخِلِ البُسْتَانِ

وإِذَا بِابْنِ مَعَاذَ يُقْبِلُ نَحْوَهُ *** مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الخِلاَّنِ(2)

قَالاً لَهُ إِنَّ الزَوَاجَ مُحَلَّلٌ *** وَالنَّصُّ بَتَّ عَلَيْهِ فِي القُرْآنِ

لِمَ لا تُخَاطِبُ ابْنَ عَمِّكَ فِي الَّتِي *** أَمْسَتْ بِعُمْرِ الوَرْدِ وَالرَّيْحَانِ

فَتَكُونُ بِنْتُ المُصْطَفَى لَكَ زَوْجَةً *** مَعَهَا تَعِيشُ بِرَاحَةٍ وَأَمَانِ(3)

فَأَجابَ هَلْ سَيُوافِقُ الهَادِي عَلى *** ما أَبْتَغِي وَأَنَا الفَقِيرُ العَانِي؟

قالا لَهُ أَنْتَ الرَّبِيبُ لأَحْمَدٍ *** وَحَبيبُهُ وَأَخُوهُ مُنْذُ زَمانِ

ص: 52


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأوّل.
2- إبن معاذ: هو سعد بن معاذ.
3- جاء في «كشف الغمة» ج1 ص354 ط/ دار الكتاب الإسلامي _ بيروت رواية تؤكد المعنی: «.... ثم أقبل أبوبكر على عمر بن الخطاب و على سعد بن معاذ فقال: هل لكما في القيام إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام حتى نذكر له هذا؟ فإن منعه قلّة ذات اليد واسيناه وأسعفناه. فقال له سعد بن معاذ: قوموا بنا على بركة اللّه ويمنه... فقال أبوبكر:...إن أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوّجها زوّجها فما يمنعك أن تذكرها لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم و تخطبها منه... قال علیه السلام... واللّه إن فاطمة علیها السلام لموضع رغبة وما مثلي قعد عن مثلها غير أنه يمنعني من ذلك قلّة ذات اليد...». وفي «ذخائر العقبى» ص 33 ط/ مؤسسة الوفاء (1981): «... قال: يا رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم ذكرت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم ،فقال: مرحباً و أهلاً...».

وَبَدَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَاكَ قَنَاعَةٌ *** جَعَلَتْ خَفَاياهُ عَلَى اطْمِئْنَانِ

لِمَ لاَ يُجَرِّبُ حَظَّهُ فَلَعَلَّهُ *** يَحْظَى بِمَا قَدْ صُدَّ عَنْهُ اثْنانِ

وَمَضَى يَسِيرُ بِمِشْیِهِ مُتَقلِّعاً *** كَالسَّيْلِ مُنصّباً عَلَى الوِدْيانِ

مُتَشَبِّهاً فِي سَيْرِهِ بِنَبِیِّهِ *** مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَلاَ نِسْيانِ

إِذْ إِنَّ خَلْقَهُما بِنُورٍ وَاحِدٍ *** بِمَشِيئَةٍ كَانَتْ مِنَ الرَّحْمَنِ

وَهُنَاكَ قُرْبَ البابِ قادَتْهُ الخُطَى *** وَفُؤَادُهُ يَشْتَدُّ بِالخَفَقَانِ

وَبِطَرْقَةٍ فِيها النُّعُومَةُ وَالحَيا *** دَفَعاهُ نَحْوَ البَيْتِ بِاسْتِئْذانِ

وَبِدَاخِلِ البَيْتِ الكَرِيمِ تَقَابَلَتْ *** عَيْنَاهُ فِي مَرْأَى النَّبِي العَدْنَانِ

ماذا يُريدُ عَلِيُّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ *** فِي بَسْمَةٍ مَشْحُونَةٍ بِحَنَانِ؟

فَأَجابَهُ وَبِرُغْمِ اسْتِحْيَائِهِ *** إِنِّي ذَكَرْتُ لِفاطِمٍ بِجِنانِي

قَالَ النَّبِيُّ وَمَرحباً بِخُطُوبَةٍ *** كَانَتْ بِأَمْرِ الوَاحِدِ الدَّيَّانِ

اِذْهَبْ بِدِرْعِكَ ثُمَّ بِعْهَا وَأُتِنِي *** بِالمالِ مَهْراً دُونَ أَيِّ تَوَانِ(1)

ص: 53


1- تواني: فتور وتقصير وعدم اهتمام. و في جهاز الزهراء علیها السلام ورد في كتاب/ فاطمة الزهراء علیها السلام عبق الرسالة المحمديه لحسان عبد اللّه ص35: أقبل رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فقال لعلي علیه السلام: يا أبا الحسن علیه السلام انطلق الآن فبع درعك وائتني بثمنه حتى أهيىء لك ولابنتي فاطمة علیها السلام ما يعلمكما، قال علي علیه السلام فانطلقت فبعته بأربعمائة درهم سود هجرية (وروي 480 وروي 500) و أقبلت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم فطرحت الدراهم بين يديه فأعطى قبضة إلى أم أيمن لمتاع البيت و قبضة إلى أسماء للطيب وقبضة إلى أم سلمة للطعام وأنفد عماراً وأبا بكر وبلالا لابتياع ما يصلحها وكان ما اشتروه... 1- قميص 2- خمار 3- قطيفة سوداء خيبرية 4-سرير فرمل بشريط 5- فراشان من حنيش مصر حشو احدهما ليف وحشو الآخر من جز الغنم 6- أربع مرافق من أدم الطائف حشوها اذخر 7- ستر من صوف 8- حصير هجري 9- رحى اليد 10- سقاء من أدم 11- مخضب من نحاس 12- قعب للبن 13- شن للماء 14- مطهرة قرفته 15- جرة خضراء 16-كيزان خزف 17- نطع من أدم 18- عباءة 19- قربة ماء... قالوا: و حملناه جميعاً حتى وضعناه بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فلما نظر إليه بكى وجرت دموعه ثم رفع رأسه إلى السماء و قال: اللهم بارك لقوم جلَّ آنيتهم الخزف.

فأَطاعَ ثُمَّ الدَّرْعَ راحَ فَباعَها *** فِي خَمْسِمَائِةِ دِرْهَم رَنَّانِ

وَأَتَى بِهَا عِنْدَ الرَّسُولِ فَصَبَّها *** فِي حِجْرِهِ مِنْ غَيْرِ ما نُقْصانِ

وَدَعا رَسُولُ اللَّهِ كَامِلَ صَحْبِهِ *** فَأَذاعَ خُطْبَةَ سَبِّدِ الشُّجْعَانِ

إِذْ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ وَحْيَهُ *** بَحْرانِ بِالإِيمانِ يَلْتَقِيانِ(1)

وَ هُما خُطُوبَةُ حَيْدَرٍ مِنْ فَاطِمٍ *** وَزَواجُهُ مِنْها عَلَى الإِيْمانِ (2)

يَا رَبِّ بارِكْ فِيهِما وَعَلَيْهِما *** وَاجْعَلْهُما خَيْراً عَلَى الأَكْوَانِ(3)

ص: 54


1- جاء في «المناقب» ج3 ص319/ ط مؤسسة انتشارات علامه/قم رؤية ربما تؤكدالمعنى المذكور: «عن ابن عباس: أن فاطمة علیها السلام بكت للجوع والعري فقال النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم: اقنعي يا فاطمة علیها السلام بزوجك فواللّه إنه سيد في الدنيا سيد في الآخرة واصلح بينهما فانزل اللّه (مرج البحرين يلتقيان) يقول : انا اللّه أرسلت البحرين علي بن أبي طالب علیه السلام بحر العلم، وفاطمة علیها السلام بحر البنوة، يلتقيان يتصلان انا اللّه أوقعت الوصلة بينهما...».
2- والبيت الذي يليه ورد في «ذخائر العقبى» ص30، ط/ مؤسسة الوفاء (1981): «...ثم قال صلی اللّه علیه و آله و سلم: يا عليّ علیه السلام إن اللّه قد أمرني أن أزوِّجك فاطمة علیها السلام... فقال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: جمع اللّه شملكما و أسعد جدكما وبارك عليكما و أخرج منكما كثيراً طيباً...».
3- الاستيعاب ج3 ص1099 و عبد الفتاح عبد المقصود ج1 ص68 و سیره المصطفی ص326 وراجع مولد النور ص272.

(16) مخدومة الأملاك

(بحر الطويل)

الشيخ سلمان البلادي البحراني

إِلَى كَمْ وُلُوعُ القَلْبِ بِالغَادَةِ الحَسْنَا *** وَ ذِكْرَى لَيَالِي وَصْلِ بُتْنَةَ أَوْ لُبْنَى

تَهِيمُ بِتَيْهاءِ الضّلالِ كَأَنَّما *** أَمِنْتَ الفَنا لَوْ قَدْ ضَمِنْتَ البَقا ضِمْنا(1)

فَجَافِ جُنُوبَ الحَزْمِ عَنْ مَضْجَعِ الهَوَى *** وَ عَنْ حَقٌّ تَقْوَى اللَّهِ لاتُعمِض الجَفْنَا(2)

فَهَذَا بِلالُ الشَّيْبِ حَيْعَلَ بِالسُّرَى *** وَ صَرَّحَ مَا الدُّنْيا لِمُسْتَوْطِنٍ سُكْنَى(3)

كَفَاكَ مِنَ الدُّنْيَا الغَرُور غُرُورُها *** قُروناً أَبَادَتْهَا وَ لَمْ تَأْتَلِفْ قَرْنا

تُعَوِّضُهُمْ بَعْدَ القُصُورِ قُبورَهُمْ *** وَ بَعْدَ هَناهُمْ حَسْرَةً لَمْ تَكُنْ تَفْنَى

فَكَمْ عَانَقُوا بَعْدَ الغَوَانِي جَوَامِعاً *** وَ لَمْ تُوحِش الآباء بالخَلْسِ لِلأَبْنا(4)

وَ لَوْ أَنَّها سَاوَتْ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ *** لَمَا اتَّخَذَتْهَا الأَوْلِيَاءُ لَهُمْ سِجْنا

وَ فِي غَدْرِهَا بِالمُصْطَفَى وَ بِآلِهِ *** سَلاطينها بُرْهانُ مِقْدارِها الأَدْنَى

لَهُمْ سَدَّدَتْ مِنْ أَقْوُسِ البَغْيِ أَسْهُماً *** أَصَمَّتْ وَ أَصْمَتْ لِلْهُدَى القَلْبَ وَ الأُذنا

فَكَمْ كَابَدَ المُخْتَارُ مِنْ قَوْمِهِ أَذًى *** يَهِيجُ أَسَى يَسْتَغْرِقُ السَّهْلَ وَ الحَزْنا(5)

ص: 55


1- تهيم: تذهب و لاتدري أين تتوجه. تيهاء: الأرض التي تُضِلَّ كثيراً.
2- جاف: نحَّ و لاتلزم مكانك. جنوب: شقوق. الحزم: ضبط الأمر و إحكامه و الأخذ فيه بالثقة.
3- حيعل: قال: حي على الصلاة و هي كناية عن الأذان. السُّرى: يقال «عند الصباح يحمد القوم السُّرى» و هو مثل يضربونه في احتمال المشقة رجاء الراحة و السرى سير الليل.
4- الخلس: سلب الشيء بمخاتلة و عاجلاً.
5- الحزن: الأرض الغليظة المرتفعة.

فضَى نَحْبَهُ بِالسُّمُ وَ هُوَ مُعَالِجُ *** عَلَى رَغم أَنْفِ الدِّينِ سُقْماً لَهُ أَضْنَى

وَ قَدْ قَلَبَتْ ظَهرَ المِجَنْ لِحَيْدَرٍ *** فَكَمْ زَفَرَةِ أَبْدَى وَ كَمْ غُصَّةٍ جَنَا

يُسَبُّ عَلَى الأَعْوَادِ وَ هْوَ عَمِيدُها *** وَ رَبُّ الوَرَى فَرْضَ الوَلاءَ لَهُ سَنَّا

كَسَاهُ نَسِيجَ الدَّم سَيْفُ ابْنِ مُلْجَمٍ *** وَ كَمْ أَلْبَسَ الأَبْطَالَ مِنْ دَمِهَا الأَقْنَى(1)

وَ مَحْدُومَةُ الأَمْلاكِ سَيِّدَةُ النِّسَا *** سَلِيلَةُ خَيْرِ الخَلْقِ وَ الدُّرَّةُ الحَسْنا

أَتَاحَتْ لَهَا كَهْفُ العِدَى غُصَصَ الرَّدَى *** وَ ذَاقَتْ لَهَا سُمّاً مِنَ الحِقْدِ وَ الشُّحْنَا(2)

بِضَرْبٍ وَ ضَغَطٍ وَ اغْتِصَابٍ وَ ذِلَّةٍ *** وَ كَانَ حِمَاهَا العِزَّ وَ الأمْنَ وَ الحِصْنَا

عَلَى دَارِها دَارُوا بِجَزْلٍ لِحَرْقِهَا *** وَ كَانَتْ بِهَا الأمْلاَكُ تَلْتَمِسُ الإذْنَا(3)

وَ مِنْ بَعْلِهَا الهَادِي اسْتَحَلُّوا مُحَرَّماً *** كَمَا حَرَمُوها نِحْلَةَ المُصْطَفَى ضِغْنا

تَعَاوَتْ لِشِبْلَيْها كِلاَبٌ تَهِرُّ فِي *** وِ جَارٍ لَهَا فَاسْتَشْعَر الهُونَ وَ الوَهْنا

وَ مَا بَرِحَتْ مِنْ بَعْدِ حَامِي ذِمَارِها *** مُعَصَّبَةً رَأْساً وَ مُنْهَدَّةً رُكنا

عَلِيلَةَ جِسْمِ لِلنُّحُولِ مُلازِمٌ *** لِفَرْطِ الضَّنَا حَتَّىٰ حَكَىٰ قَلْبُهَا الْمُضْنَىٰ

إِذَا ذُكِرَتْ حَالاًتُهَا فِي حَيَاتِهِ *** تُؤَجَّجُ نَارُ الفَقْدِ فِي قَلْبِهَا حُزْنا

فَتَبْكِيهِ و الحِيطَانُ تَبْكِي لِصَوْتِهَا *** فَمَا بُقْعَةٌ إِلَّا وَ عَبْرَتُها سَخْنا

إِلَى أَنْ أَرَادَتْ رُوحُها العَالَمَ الَّذِي *** بَدَتْ مِنْهُ وَ اشْتَاقَتْ لِمَوْرِدِها الأَسْنَى

فَفَارَقَتِ الدُّنْيَا كَرَاهَةً لَبْئِهَا *** وَ رَافَقَتِ الأُخْرَى وَ غَايَتُهَا الحُسْنَى

فَنَاحَ لَهَا المِحْرَابُ إِذْ غَابَ نُورُهُ *** بِفُقْدَانِهَا وَ اسْتَبْدَلَ الطَّحْيَةَ الدَّجْنَا(4)

وَ عَيْنُ اللَّيَالِي أَفْرَحَ الدَّمُ جَفْنَها *** عَلَى أَنَّهَا تُحْيِي بِأَذْكَارِهَا وَهُنا

وَ بِشْرُ النَّهَارِ انْهَارَ طَوْدُ ضِيَائِهِ *** وَ عَادَ سِراراً وَجْهُهُ النَّيِّرُ الأَسْمى

وَ زَهْرَةُ ذِي الدُّنْيا ذَوَى غُصْنُ دَوْحِهَا *** لِفُقْدَانِهَا المَاءَ الَّذِي يُزْهِرُ الغُصْنا

ص: 56


1- دم أقنى: أشد حمرة.
2- الشحنا: العداوة امتلأت بها النفس.
3- انظر ما ورد في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص12.
4- الطخية: الظلمة. الدجنة: ليل داجن مظلم.

وَ شَمْسُ النَّهَارِ اسْوَدَّ بِالكَسْفِ وَجْهَهَا *** وَ جَلَّلَ بَدْرَ التّم خَسْفٌ بِهِ اكْتَنا(1)

فَيَا غَبْنَةَ الدُّنْيَا لِغَيْبَةِ فَاطِمٍ *** فَصَفْقَتُهَا مِنْ بَعْدِ صَفْقَتِهَا غَبْنَا

لِيَبْكِ عَلَيْهَا بِالعَفَافِ صَلاتُها *** وَ حُسْنُ صَلاةِ بِالظَّلامِ إِذا جَنَّا

لِتَبْكِ المَعَالِي الزُّهْرُ إِذْ غَابَ نُورُها *** بِغَيْبَةِ زَهْرِ الكَوْنِ عَنْ ذلِكَ المَعْنَى

وَ مَنْ ذَا يُعَزّي المُرْتَضَى بِقَرِينَةٍ *** لَقَدْ كَسَرَتْ مِنْ رَأْسِ شَوْكَتِهِ قَرْنَا؟

وَ مَنْ ذَا يُعَزَّي الأَحْسَنَيْنِ بِفَادِحٍ *** نَفَىٰ عَنْ حِسَانِ المَكْرُمَاتِ أَسَى حُسْنا؟

وَ مَنْ ذا يُعَزَّي رَبَّةَ الحُزْنِ زَيْنَبَاً *** فَمَا بَرِحَتْ مِنْ بَعْدِها ثَاكِلاً حَزْنا؟

فَيَا غِيرَةَ اللَّهِ اغْضَبِيْ مِنْ مُصِيبَةٍ *** أَصَابَتْ لِدَانِي قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى

بِبَضْعَتِهِ الزَّهْرَا الَّتِي لَمْ يَزَلْ بِهَا *** يَشِيدُ ثَنَاهُ طَبَقَ الإِنْسِ وَ الجِنَّا(2)

أَتَقْضِي بِرَغْمِ الدِّينِ مَظْلُومةً وَ لَمْ *** تَنَلْ فِي سِوَى اللَّيْلِ البَهِيمَ لَهُ دَفْنَا؟

وَ يُسْتَرُ مِنْ خَوْفِ العِدَى جَدَتْ لَهَا *** وَ قَبْرُ عِدَاهَا ظَاهِرٌ شَاهِرُ يُعْنَى(3)

فَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْظُرُ جِسْمَها *** كَسَا السَّوْطُ مِنْهَا الظَّهْرَ وَ البَطْنَ وَ المَتْنَا؟(4)

وَ أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْظُرُ ضِلْعَها *** يُكَسْرُهُ بَاغِ قَدِ اسْتَوْجَبَ اللَّعْنا؟(5)

وَ أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ يَنْظُرُ مُحْسِناً *** وَ قَدْ أَسْقَعُوهُ قَبْلَ أَنْ يُحْمِلَ السَّنَّا؟(6)

ص: 57


1- اکتنی: تسمّى به.
2- و الظاهر أن فيه إقواء بناء على قطف (الجنا) على الانس المضاف إلى (طبق) و لعلنا نرفع الإقواء إذ شطر البيت هكذا (يشيد ثناءٍ طَبَق الانس و الجنّا) و اللّه العالم.
3- انظر أمالي الصدوق ص523 ح9، و المناقب 138/3، و بحار الأنوار ج43 ص209.
4- في كتاب العوالم ج2/11 ص558 في حديث طويل عن سلمان (رضي الله عنه) فرفع عمر السيف. و هو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم فرفع السوط فضرب به ذراعها.
5- أنظر في كتاب بحار الأنور ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: حيث جاء فيه: فألجأها (أي قنفذ الملعون) إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
6- كتاب رياض المدح و الرثاء ص127.

(17) صدى الحق

(بحر الخفيف)

الأستاذ شفيق العبادي

علّمينا فقد سئِمنا الهوانا *** كيف يرقى إلى علاكِ مَدانا؟

كيفَ نسمو إليكِ يحدو بنا الشوقُ، *** و يعلو ذرى النجومِ عُلانا ؟

كيفَ نحيا و فوقنا يهتفُ العزّ *** و تمشي نحو السماءِ خُطانا؟

و نواري بعزمنا وإبانا *** حاضراً عائرَ الخُطى خزيانا

عقمتُ فيهِ للفضيلةِ رحمٌ *** و انطوى أمسُهُ العزيزُ مُهانا

***

کیفَ شاختْ بنا الأماني و كانتْ *** صرخاتُ الأمجاد رجعَ صدانا ؟

كيفَ أودى بنا الشتاتُ وعدنا *** يعثر الدربُ و الطريقُ سرانا؟

كيف يدنو إلى رحابك فكرٌ *** شَلَّهُ الوهمُ فانطوى و استكانا؟

و يغنّي -كما أردت- يراعٌ *** نسلَ الخوفَ من لهاهُ اللِّسانا

علّمينا فقدْ تهاوى عُلانا *** و كبا المجدُ صادياً ظمآنا

يا بنةَ المصطفى و غرسَ المعالي *** و صدى الحقِّ في ضميرِ سمانا

***

و صدى الحقِّ لم يزل يملأُ *** الآفاق شدواً و يُرهف الآذانا

و نسيجُ العفافِ تغزل منهُ *** مريمُ الطهرُ للتُّقى أرادنا

لكِ في خاطرِ المحبين يوم *** ملكَ القلبَ منهُمُ و الجنانا

***

ص: 58

کم وقفنا علیه نستلهمُ الذكرى *** و نحيي شروقَهُ مِهرجانا

«و نساقيه من كؤوسِ القوافي» *** خمرةَ الحبِّ و الوفاءِ دِنانا

و نفدْيه بالنفوسِ إذا ما *** أمَلَ البغيُ أن يهيضَ ولانا

طالعتنِي ذكراهُ تفترش الأُفق *** على مفرقِ الروْى عنوانا

و مشتْ بي إلى الوراءِ عصوراً *** شمتُ فيها وجهَ النبي عِيانا

حيث أحنى عليكِ مذ لحتِ نوراً *** منه يضفي على المدى إيوانا

و رأى فيكِ للرسالةِ ينبوعاً *** سيُثرِي معينُه الأزمانا

و تباهي بكِ الوجودُ و لم لا *** حيثُ لولاكِ ما استقامَ وكانا

***

و تلقاكِ طرفهُ راعفَ الجفن *** و قد كان خاشعاً وسْنانا

فنثرتِ الرجاء في نفسهِ *** الحيرى و أثلجتِ قلبَهُ الحرّانا

و فرشتِ الغدَ المهوم في الأفق *** على ضفةِ الرؤى ريحانا

يا بنةَ المصطفى وحسبُ منانا *** أن يرى عندكِ الولاء مَكانا

أتملاَك همسةً من جنونِ *** العشق تحدُو بخافِقي ألحانا

أسرتِ باحة الفؤاد فأرخى ** في يديِها كما تحبّ العنانا

***

أرهقت كبرياؤها عنت الدهر *** و أوهى صمودُها الأزمانا

كلّما شفّها الغرامُ تغنّتْ *** فأهاجتْ بشدوِها الأكوانا

و إذا مسّها الشعورُ تراءتْ *** فكرةً تملأُ الوجودَ بيانا

أتعبتْ مبدعاً و أقصت يراعاً *** و أهاضتْ فكراً و شلتْ لِسانا

یا بنةَ المصطفى ستبقين درباً *** يهب السائرينَ فيه الأمانا

و ستبقى ذكراكِ في مسمعِ الدهر *** نشيداً حلوَ البيانِ مصانا

ص: 59

كلما راعها المخاضُ بصبحٍ *** رقص الدهرُ حولَهُ نشوانا

و إذا أبطأ الزمانُ أطلّت *** من كُوى الخلدِ تستحثّ الزمانا

و احتضانُ الرسالة البكرِ طفلاً *** ذبت فيها مودةً وحنانا

فزكتْ بذرةً و طابت جذوراً *** و اشرأبتْ عبرَ المدى أغصانا

***

و رمالُ البطحاءِ تحضنُ *** للتاريخ فصلاً مضمخاً أشجانا

کم شرِبنا به الضنى و حملنا *** غصصَ الدهرِ في الحشا بركانا

***

واحتملنابه الهجيرَ و أرضُ *** الحقدِ تغلي رمالُها نیرانا

و عبرنا بهِ الرياح فما هيض *** جناحُ و لاخَفَضْنا بنانا

و الهديرُ الذي ملأَ الأرض *** دوياً قد استحالَ دخانا

علّمينا فقد سئمنا الهوانا *** كيف يدنو إلى علاكِ مَدانا

***

ص: 60

(18) ستُ أحزان

(بحر البسيط)

السيد صالح الحلي (*)(1)

لَوْ أَنَّ دَمْعِي يُطْفِي نَارَ أَشْجَانِي *** أَذَلْتُ دَمْعِيَ مِنْ قَلْبِي بِأَجْفَانِي(2)

أَوْ أَنَّ صَبْرِيَ يُجْدِينِي لَعُذْتُ بِهِ *** لكِنَّما مَلَّنِي صَبْرِي وَ سِلْوانِي

وَ كَيْفَ أَلْقَى سروراً وَ البَتُولُ بَنَى *** لَهَا عَلِيٌّ جِهاراً (بَيْتَ أَحْزَانِ)؟(3)

مَاتَتْ وَ لَمْ يَشْهَدُوا لَيْلاً جِنَازَتَها *** سِوَى (عَلِيٌّ وَ عَمَّارٍ وَ سَلْمَانِ)(4)

وَ فِي (الصَّحِيح) رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ بِهَا *** قَدْ قَالَ فَاطِمَةٌ رُوحِي وَ جُثْمَانِي(5)

ص: 61


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- أذلتُ: سفحتُ.
3- وردت الإشارة في ذلك في كتاب عوالم العلوم ج11/ 2 ص794-795 قال أميرالمؤمنين علیه السلام لفاطمة علیها السلام و هي لاتفيق من البكاء: يا بنت رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم إن شيوخ المدينة يسألونني أن اسألك إما ان تبكين أباك ليلاً و إما نهاراً (إلى أن قالت) فواللّه لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: إفعلي يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما بدا لك. ثم إنه علیه السلام بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى: بيت الأحزان.
4- ورد الحديث عن ذلك في كتاب سليم بن قيس ص213 قال ابن عباس: فلما كان في الليل دعا علي علیه السلام العباس و الفضل و المقداد و سلمان و أباذر و عماراً فقدم العباس فصلى عليها و دفنوها علیها السلام، فلما أصبح الناس أقبل أبوبكر و عمر و الناس يريدون الصلاة على فاطمة علیها السلام فقال المقداد. قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال: ألم أقل أنهم سيفعلون؟ قال العباس: انها أوصت أن لاتصليا عليها.
5- في كتاب فضائل الخمسة ج3 ص184 نقلاً عن صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق: روى بسنده عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».

وَ أَنَّهَا قَدْ قَضَتْ غَضْبَى عَلَى (نَفْرِ) *** فَقَوْلُهُمْ وَ شَنِيعُ الْفِعْلِ ضِدّانِ(1)

لَمْ نَدْرِ مَا السِّرُّ أَنْ تُبْتَزَ بَضْعَتُهُ *** جَهْراً وَ تُدْفَنَ فِي سِرِّ وَ كِتْمَانِ(2)

قَدْ أَسَّسَ الظُّلْمَ فِي الإِسْلَامِ (أَوَّلُهَا) *** وَ قَدْ أَزَادَ عَلَى مَا أَسَّسَ (الثَّانِي)

(وَثَالِثُ القَوْم) يَهْدِي مِثْلَ هَدْيهِمَا *** وَ عَنْهُ قَدْ أَخَذَتْ (أَبْنَاءُ سُفْيَانِ)

وَ بَدَّلَتْ سُنَنَ الإِسلام فِي بَدَعٍ *** وَ أَحْكَمَتْ مَا اشْتَهَتْهُ (آلَ مَرْوَانِ)(3)-(4)

ص: 62


1- في كتاب فضائل الخمسة ج3 ص187 بنقله عن الإمامة و السياسة لابن قتيبة ص قالت فاطمة علیها السلام لأبي بكر و عمر: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم و آله تعرفانه وتفعلان به؟ قالا: نعم فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: «رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي، فمن أحبّ فاطمة علیها السلام ابنتي فقد أحبَّني، و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة علیها السلام قد أسخطني؟» قالا: نعم سمعناها من رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم قالت: فإني اشهد اللّه و ملائكته انكما اسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم لإشكونكما اليه.
2- تبتز: تُسرق و تنهب. وردت الاشارة إلى ذلك في بحار الأنوار ج43 ص148 في قول فاطمة علیها السلام لأميرالمؤمنين علیه السلام و هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي و بلغة ابني» و قد مرت تفاصيل الحادثة في هوامش عدة فلانعيد.
3- بدَعْ: جمع البدعة و هي إدخال مالم يكن من الدين في الدين و هي محرَّمة و من الكبائر.
4- عن ديوان شعراء الحسين علیه السلام ص98 و القصيدة طويلة أخذنا منها ما نحن بصدده.

(19) الواثبين لظلم آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ صالح الكواز

هَلْ بَعْدَ مَوْقِفِنا عَلَىٰ يَبْرِينِ *** أُحْيِي بِطَرْفِ بِالدُّمُوعِ ضَنِينِ؟(1)

وَادٍ إِذَا عَايَنْتُ بَيْنَ طُلُولِهِ *** أَجْرَيْتُ عَيْنِي لِلظَّباءِ الْعِينِ

لَمُ تَخْبٌ نارُ قَطِيئَةٍ حَتَّى ذَكَتْ *** نَارُ الْفِرَاقِ بِقَلْبِيَ المَحْزُونِ(2)

وَ ابْتَاعَ جِدَّتَهُ الزَّمَانُ بِمُخْلَقٍ *** وَ رَمَى حِمَاهُ بِصَفْقَةِ المَغْبُونِ(3)

قَالَ الحُداةُ وَ قَدْ حَبَسْتُ مَطِيَّهُمْ *** مِنْ بَعْدِ مَا أَظْلَقْتُ مَاءَ شُؤُونِي

مَاذَا وُقُوفُكَ فِي مَلاعِب خُرَّدٍ *** جَدَّ العَفاءُ بِرَبْعِها الْمَسْكُونِ(4)

وَقَفُوا مَعِي حَتَّى إِذَا مَا اسْتَيْأَسُوا *** خَلَصُوا نَجِياً بَعْدَمَا تَرَكُونِي

فَكَأَنَّ يُوسُفَ فِي الدِّيارِ مُحَكُمٌ *** وَ كَأَنَّنِي بِصُواعِهِ اتَّهَمُونِي

وَيْلاهُ مِنْ قَوْمٍ أَسَاؤُوا صُحْبَتِي *** مِنْ بَعْدِ إِحْسانِي لِكُلِّ قَرِينِ

قَدْ كِدْتُ لَوْلاَ الحِلْمُ مِنْ جَزَعِي لِمّا *** أَلْقَاهُ أَصْفِقُ بِالشِّمَالِ يَمِينِي

لكِنَّمَا وَ الدَّهْرُ يَعْلَمُ أَنَّنِي *** القَى حَوَادِثَهُ بِحُلْم رَزِينِ

قَلْبِي يَقِلُّ مِنَ الهُمُوم جِبَالَها *** وَ نَسِيخُ عَنْ حَمْلِ الرَّدِاءِ مُتُونِي

ص: 63


1- أحبي: أدني، أحبى الرامي إذا أخطأ سهمه الهدف و الأنسب هنا أن يكون بمعنى أعطي من غير جزاء -ضنين: بخيل.
2- لم تخب لم تخمد و لم تنطفأ قطينة: سكن الدار ذكت: إشتعلت و إتقدت.
3- مخلق: بالٍ ،مهترىء المغبون المغلوب في الشراء.
4- خُرَّدِّ: الجواري الباكرات.

وَ أَنَا الَّذِي لاَأَجْزَعَنُ لِرَزِيَّةٍ *** لَوْلاً رَزَايَاكُمْ بَنِي يَاسِينِ

تِلْكَ الرَّزَايَا الْبَاعِثَاتُ لِمُهْجَتِي *** مَا لَيْسَ يَبْعَثُهُ لَظَى سِجِّينِ(1)

كَيْفَ الْعَزَاءُ لَهَا وَ كُلُّ عَشِيَّةٍ *** دَمُكُمْ بِحُمْرَتِهَا السَّمَاءُ تُرِينِي؟

وَ الْبَرْقُ يُذْكِرُنِي وَ مِيضَ صَوَارِمٍ *** أَرْدَتْكُمُ فِي كَفَّ كُلِّ لَعِينِ

وَ الرَّعْدُ يُعْرِبُ عَنْ حَنِينِ نِسَائِكُمْ *** فِي كُلِّ لَحْنٍ لِلشُّجُونِ مُبِينِ

يَنْدُبْنَ قَوْماً مَا هَتَفْنَ بِذِكْرِهِمْ *** إِلأَتَضَعْضَعَ كُلُّ لَيْثِ عَرِينِ

السَّالِبِينَ النَّفْسَ أَوّلَ ضَرْبَةٍ *** وَ الْمُلْبِسِينَ الْمَوْتَ كُلَّ طَعِينِ

لَوْ كُلُّ طَعْنَةِ فَارِسٍ بِأَكُفِّهِمْ *** لَمْ يَخْلُقِ المِسْبَارُ لِلْمَطْعُونِ(2)

لاعَيْبَ فِيهِمْ غَيْرُ قَبْضِهِمُ اللُّوا *** عِنْدَ اشْتِبَاكِ السُّمْرِ قَبْضَ ضَنينِ

سَلَكُوا يحاراً مِنْ دِمَاءِ أُمَيَّةٍ *** بِظُهُورِ خَيْلٍ لاَبُطُونِ سَفِينِ

مَا سَاهَمُوا الْمَوْتَ الزُوْامَ وَ لَااشْتَكُوْا *** نَصَباً بِيَوْمِ بِالرَّدَى مَقْرُون(3)

حَتَّى إِذَا الْتَقَمَتُهُمُ حُوتُ الْقَنا *** وَ هُيَ الأَمَانِي دُونَ خَيْرٍ أَمِينِ

نَبَذَتْهُمُ الهَيْجاءُ فَوْقَ تِلاَعِهَا *** كَالنُّونِ يَنْبُذُ بالعرا ذَاالنُّونِ(4)

فَتَحالُ كُلأ ثمَّ يُونُسُ فَوْقَهُ *** شَجَرُ الْقَنَا بَدلاً عَنِ الْيَقْطِينِ(5)

خُذْ فِي ثَنَائِهِمُ الْجَمِيلِ مُقَرِّضاً *** فَالْقَوْمُ قَدْ جَلُّوا عَنِ التَّأْبِينِ(6)

هُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ وَ الْقَتْلَى الأَلَى *** مُدِحُوا بِوَحْيِ فِي الْكِتَابِ مُبِينِ

لَيْتَ المَوَاكِبَ وَ الْوَصِيُّ زَعِيمُهَا *** وَقَفُوا كَمَوْقِفِهِمْ عَلَى صِفِّينِ

ص: 64


1- مهجتي: فؤادي. لظى سجِّين: لظى نار ولهب دائم أو شديد.
2- المسبار: ما يسبر به الجرح و يمتحن المعرفة مقداره.
3- الزؤام: السريع.
4- الهيجاء: الحرب. تلاع: ما علا من الأرض أو ما سفل. ينبذ: يطرح و يرمي به. ذاالنون: نبي اللّه یونس علیه السلام -العرا : الفضاء الذي لم يستتر فيه بشيء.
5- اليطين: ما لاساق له من النبات كالقثاء.
6- مقرّضاً: التقريض: صناعة القريض و هو الشعر.

بالطَّفْ كَيْ يَرَوُا الأَلَى فَوْقَ الْقَنا *** رُفِعَتْ مَصَاحِفَهَا اثْقاءَ مَنُونِ

جَعَلَتْ رُؤُوسَ بَنِي النَّبِيِّ مَكَانَها *** وَ شَفَتْ قَدِيمَ لَوَاعِجِ وَ ضَغونِ(1)

وَ تَتَبَّعَتْ أَشْقَى ثَمُودَ وَ تُبَّعَ *** وَ بَنَتْ عَلَى تَأْسِيسِ كُلِّ خَؤُّونِ

ألْوَاثِبِينَ لِظُلْم آلِ مُحَمَّدٍ *** وَ مُحَمَّدٌ مُلْقَى بِلاتَكْفِينِ

وَ الْقَائِلِينَ لِفَاطِم آذَيْتِنا *** فِي طُولِ نَوْحٍ دَائِمٍ وَ حَنِينِ(2)

وَ الْقَاطِعِينَ أَراكَةً كَيْلاً تَقِيلْ *** بِظِلِّ أَوْرَاقٍ لَهَا وَ غُصُونِ

وَ مُجَمْعِي حَطَبٍ عَلَى الْبَيْتِ الَّذِي *** لَمْ يَجْتَمِعْ لَوْلاهُ شَمْلُ الدِّينِ(3)

وَ الدَّاخِلِينَ عَلَى الْبَتُولَةِ بَيْتَها *** وَ المُسْقِطِينَ لَهَا أَعَزَّ جَنِينِ(4)

وَ الْقَائِدِينَ إِمَامَهُمْ بِنِجَادِهِ *** وَ الطَّهْرُ تَدْعُو خَلْفَهُمْ بِرَنِينِ(5)

خَلُّوا ابْنَ عَمِّى أَوْ لأَكْشِفَ فِي الدُّعا *** رَأْسِي وَ أَبْدِي لِلإلهِ شُجُونِي

مَا كَانَ نَاقَةُ صَالِحٍ وَ فَصِيلُها *** فِي الْفَضْلِ عِنْدَ اللَّهِ إِلا دُونِي

وَ رَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ بِمُقْلَةٍ *** عَبْرَى وَ قَلْبِ مُکْمَدٍ مَحْزُونِ

قَالَتْ وَ أَظْفارُ الْمُصابِ بِقَلْبِهَا *** غَوْثاهُ قَلَّ عَلَى العُدَاةِ مُعِيني

أَبَتاهُ هُذَا السَّامِرِيُّ وَ عِجْلُهُ *** تُبِعَا وَ مَالَ النَّاسُ عَنْ هَارُونِ

أَيُّ الرَّزَايَا أَتَّقِي بِتَجَلُّدٍ *** هُوَ فِي النَّوَائِبِ مُذْ حَبِيتُ قَرِينِي؟(6)

ص: 65


1- لواعج: الهوى المحرق. ضغون: أحقاد.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2 ص790 عن أبي عبد الله علیه السلام في حديث طويل قال: وأما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول الله صلي الله علیه و آله حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك.
3- في كتاب الامامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12) فدعا (أي عمر) بالحطب و قال: و الذي نفس عمر بيده: لتخرجنّ أو لاحرقنها على من فيها، فقيل له يا أباحفص: إن فيها فاطمة علیها السلام، فقال و إن.
4- في كتاب دلائل الإمامة ص45 و كان سبب وفاتها (أي الزهراء علیها السلام) أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً.
5- نجاده: حمائل سيفه.
6- تجلَّد: تصبَّر.

فَقْدِي أَبِي أَمْ غَصْبٍ بَعْلِي حَقَّهُ *** أَمْ كَسْرِ ضِلْعِي أَمْ سُقُوطِ جَنِينِي(1)

أَمْ أَخْذِهِمْ إِرْثِي وَ فَاضِلِ نِحْلَتِي *** أَمْ جَهْلِهِمْ حَقِّي وَ قَدْ عَرَفُونِي(2)

فَهَرُوا يَتِيميكَ الْحُسَيْنَ وَ صِنْوَهُ *** وَ سَأَلْتُهُمْ حَقي وَ قَدْ نَهَرُونِي

بَاعُوا بَضَائِعَ مَكْرِهِمْ وَ بِزَعْمِهِمْ *** رَبِحُوا وَمَا بِالْقَوْمِ غَيْرُ غَبِينِ

وَإِذَا أَضَلَّ اللَّهُ قَوْماً أَبْصَرُوا *** طُرُقَ الْهِدَايَةِ ضَلَّة فِي الدِّينِ(3)

ص: 66


1- روي في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت و أنّ في عضدها كمثل الدُملج من ضربته «لعنه اللّه» فألجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها.
2- في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: ثم أن فاطمة علیها السلام بلغها أن أبابكر قبض فدكاً فخرجت في نساء بني هاشم متى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبابكر تريد أن تأخذ مني أرضاً جعلها إلى رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم. و في كتاب فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر ط دار التعارف -بيروت (1983م) ص132. إن تأميم التركة النبوية من أوليات الخليقة في التاريخ و لم يؤثر في تواريخ الأمم السابقة ذلك و لو كان قاعدة متبعة قد جرى عليها الخلفاء بالنسبة إلى تركة سائر الأنبياء لأشتهر الأمر و عرفته أمم الأنبياء جميعاً، كما أن إنكار الخليفة لملكية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لفدك كان فيه من التسرع شيء كثير لأن فدكاً مما لم يوجف عليها بخيل و لاركاب بل استسلم أهلها خوفاً و رعباً باتفاق أعلام المؤرخين من السنة و الشيعة. و كل أرض يستسلم أهلها على هذا الأسلوب فهي للنبي صلى الله عليه و آله و سلم خالصه و قد أشار الله «تعالى» في الكتاب الكريم إلى أن فدكاً للنبي صلى الله عليه و آله و سلم بقوله:«وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ» الحشر: 6 و لم يثبت تصدّق النبي صلى الله عليه و آله و سلم بها و وقفه لها...
3- المجالس السنية ج5 ص141 أقول و قد خمِّس القصيدة عدد من الشعراء و سنورد. بعض تخاميسهم فيما يلي.

(20) الطهر فاطمة علیها السلام

(بحر الكامل)

الملك الصالح نصير الدين

طلائع بن رزيك(*)(1)

لَوْلا قِوامُكَ يا قَضِيب البانِ *** لَمْ يَحْسُنِ القُضْبانُ فِي الكُثْبانِ(2)

وَ لَوْ أَنَّ رِيقَكَ لَمْ يَذُقْهُ ذَائِقٌ *** ما طابَ طَعْمُ المَاءِ لِلْعَطْشَانِ

فَانْهَ العَذُولَ عَنِ المَلَامِ وَ قُلْ لَهُ: *** إِنَّ المَلَامَ عَنِ السُّلُوِّ نَهَانِي

وَ الحُبُّ، لابِالرَّأْيِ يَنْجُوهارِبٌ *** مِنْهُ و لابِشَجَاعَةِ الشُّجْعَانِ

هُمَا بِخَصْرٍ كانَ لَوْلا لِيْنُهُ *** يَنْقَدُّ تَحْتَ مَعاقِدِ الهِمْيان(3)

وَ بِسِحْرِ أَجْفانِ سَرافِينا وَ لَمْ *** نَعْلَمْ كَسَرْيِ النَّوْمِ فِي الأَجْفانِ

إِنْ قال: قَدْ لأحَتْ عذاراهُ عَلَى *** وَ جَناتِهِ وَ هُمَا، لَنا غدرانِ

أَوْ كانَ يُوسُفَ أَوْلاً فِي عَصْرِهِ *** لا فِي مَلَاحَتِهِ فَهَذا الثَّانِي

أَوْ حَالَفَ الأَحْزَانَ يَعْقُوبُ بِهِ *** فَأنا الكَرِيمُ بِحَالِفِ الإِحْسَانِ

أَنْهَبْتُ مَنْ يَرْجُو نَدَى كَفِّي وَ مَا *** أَنْهَبْتُ خَيْلِي مِنْ ذَوِي التِّيجانِ

وَ جَعَلْتُ مُلْكِي دُونَ مُلْكِي جُنَّةً *** يَحْمِيهِ حَدُّ نَوَائِبِ الحَدَثَانِ(4)

ص: 67


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.
2- البان: شجر معتدل القوام لين ورقه يشبه ورق الصفصاف و هو وورقه شديد الخضرة له زهر ناعم يخلف قروناً كقرون اللوبيا و يشبه القدبه لطوله. الكثبان: التل من الرمل.
3- الهميان: شداد السراويل أو التكة كيس تُجْعَل فيه النفقة و يُشَدُّ على الوسط.
4- الحدثان: نوائب الدهر.

وَ العِزُّ لَيْسَ يَحِلُّ فِي أَوْطَانِهِ *** حَتَّى يَحِلَّ المَالُ دَارَ هَوَانِ

عَمَّلْتُ خَيْلِي حِينَ رُضْتُ حِمامَها *** أَنْ تَهْتَدِي بِكَوَاكِبِ الخِرْصَانِ(1)

وَ سَلَكْتُ فِي حَرْبِي ثَلاثَةَ أَنْصُلٍ *** مِنْ عَزْمَتِي، وَ مُهَنَّدِي، وَ لِسانِي(2)

وَ تَحقَّقَ الأَعْداءُ إذْ وَاجَهتُهُمْ *** أَنْ لَيْسَ حِصْنِي غَيْرَ ظَهْرِ حِصانِي

لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي مَفخراً أَسْمُو بِهِ *** الاَّ ولاِئي لِلنَّبِيِّ، كَفَّانِي

قالَ النَّبِيُّ : لَنَا الكِتَابُ وَ عِتْرَتِي *** مِنْ أَهْلِ بَيْتِي لَيْسَ يَفْتَرِقانِ(3)

أَبَداً كَأَنَّهُما إِلَى أَنْ يَأْتِيا *** حَوْضِي وَ ضَمَّ بَنَانَهُ هاتان

وَ بِحَسْبِ حُبِّهِمُ قَدِيماً أَنَّهُ *** عُرِفَ النّفاقُ بِهِ مِنَ الإيمانِ

وَإِذَا رَوَى قَوْمٌ فَضَائِلَ غَيْرِهِمْ *** رُويت فضائلهم من القرآنِ

جَهِلُوا فَظَنُّوا أَنَّهُمْ كَسِوَاهُمُ *** حَتَّى أَتَى الفُرْقَانُ بِالفُرْقَانِ

يَا أَيُّها الإِنْسَانُ إِنْ تَكُ جاهلاً *** فاسْأَلْ بِهِم هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ

ما يَسْتَوِي مَنْ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ إِنْ *** أَنْصَفْتَهُمْ، وَ مُكَسِّرُ الأَوْثَانِ

كَلاً وَ لاَمَنْ لايُجِيبُ مُسائِلاً *** عن مُشْكلٍ وَ مُكَلِّمُ الثُّعْمَانِ

كَمْ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ فِي حَالَيْهِما *** فِي سَائِرِ الأَوْقاتِ وَ الأزمانِ

هذا يُعَاذُ بِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذْ *** يَعْتاذُ ذا مَسٌ مِنَ الشَّيْطَانِ

وَ بِيَوْم (خَيْبَرَ) إِذْ تَقَهُقَرَ أَوَّلٌ عَنْ *** حَوْمَةِ المَوْتِ الرُّوَامِ وَ ثَانِي(4)

لَمْ يُخْفٌ فَضْلُ الأَرْمَدِ العَيْنَيْنِ فِي *** غَمَراتِهِ عَمَّن لَهُ عَيْنَانِ(5)

ص: 68


1- عمّل: أمره و ولاه عمله. الخرصان: مفرده الخرص و هو حلقة الذهب أو الفضة أو غيرها.
2- النصل: السهم مهندي: سيفي.
3- إشارة إلى الحديث المروي عن النبي الأقدس صلي الله علیه و آله و سلم: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي علیهم السلام و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».
4- حومة الموت هجومه الموت الزؤام: الموت السريع أو الكريه.
5- الأرمد: من ألقاب الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و صفه به النبي الأقدس صلي الله علیه و آله و سلم.

ما كانَ فِي أَقْرانِهِ مُنْذُ الصِّبا *** أَحَدٌ سِوَاهُ، مُبارِزُ الأَقْرَانِ

أيَّامَ عَمْرُو العامِرِيُّ مُجهزٌ *** فِي الصَّفْ يَقْدُمُ أَوَّلَ الفُرْسانِ

أَفَغَيْرُهُ مِنْهُمْ يَقُولُ كَقَوْلِهِ *** إِنْ كَانَ يَسْمَعُ مَنْ لَهُ أُذُنَانِ؟

أللَّهُ رَبِّي ما عَبَدْتُ سِواهُ *** فِي عَصْرِ الصَّبا، و (مُحَمَّدٌ) رَبَّانِي

تاللَّهِ ما أَصْهارُهُ وَ نِسَاؤُه *** يَوْمَ الفَخَارِ وَ أَهْلُهُ سِيَانِ

أَوْلاهُمُ بالمُصْطَفَى فِي النَّاسِ مَنْ *** هُوَ، دُونَهُمْ وَ المُصْطَفَى إِخْوانِ

ما باهَلَ المُخْتَارُ أَهْلَ خِلافِهِ *** فِي دِينِهِ، بِفُلانَةٍ وَ فُلانِ

کَلاً، و لاصَلَّى وَ تِلْكَ وَ غَيْرِها *** مَعَهُ بِجُنْحِ اللَّيْلِ فِي الأَرْدانِ(1)

ما كانَ إِلا المُرْتَضَى في المرطِ *** بالإجماع، وَ الزَّهْراءُ، و السِّبطانِ(2)

أَفَخَرْتُمُ (بالغارِ) لَمَّا حَلَّهُ، مَعَهُ *** امرؤٌ فِي صَفْهِ وَ أَمانِ

وَ نَسِيتُمُ مَنْ بَاتَ فَوْقَ فِرَاشِهِ *** مُتَعَرِّضاً لِشِفَارِ كُلِّ يَمَانِ(3)

ما كانَتِ (الشُّورى) الَّتِي قَدْ لُفَقَتْ *** أَخْبارُها بِالزَّوْرِ وَالبُهتان

إِلا كَيَوْمِ بِالسَّقِيفَةِ شُیَّدَتْ *** فِيهِ مَبانِي الظُّلْمِ وَ العُدْوانِ

يَتَمَسْكُونَ لَهُمْ بِبَيْعَةِ فَلْتَةٍ *** وَ بِهَا نَقَضْتُمُ بيعَةَ الرِّضْوانِ

وَ رَوَيْتُمُ أَنَّ الوَصِيَّ أَجَابَهُمْ *** كُرْهاً، وَ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى العِصْيانِ

وَ الطُّهْرُ (فاطِمَةٌ) يُشَالُ لِبَيْتِها *** مِنْ أَجْلِهِ قَبَسٌ بِرَأْسِ سِنَانِ

أَفَمُنْقِذْ لَهُمُ مِنَ النِّيرَانِ مَنْ *** حَمَلُوا إِلَى ابْنَتِهِ لَظَى النِّيرانِ؟(4)

جَهَلُوا، وَ دِينُ الجَاهِلِيَّةِ فِيهِمُ *** باقٍ فَظَنُّوها مِنَ القُرْبانِ

ص: 69


1- الجنح: من الليل طائفة و قطعة منه الأردان مقدم كم القميص.
2- المرط: الكساء.
3- اليمان: السيف.
4- لعله إشارة إلى حرق بيت الزهراء علیها السلام من قبل عمر (الملعون). فقد روي في كتاب عوالم سيدة النساء ج2 ص558 عن سلمان: و دعا عمر بالنار فأحزمها في الباب ثم دفعه فدخل... إلى آخر الحديث.

وَ أَتَى ابْنُ هِنْدِ بَعْدَهُمْ فَأَثَارَ ما *** أَخْفَوْا مِنَ الأَحْقَادِ وَ الأَضْغَانِ(1)

وَغَدا يُنَازِعُهُمْ يَزِيدُ كَأَنَّما *** وَرِثَ الخِلافَةَ مِنْ أَبِي سُفْيَانِ

وَ اذْكُرْ ألالِ القَوْمِ إِذْ فَعَلُوا بِهِمْ *** أَضعاف ما فَعَلَتْ بَنُومَرْوَانِ

لاَحُرْمَةُ الإِيْمَانِ رَاعَوْهَا وَ لَمْ *** يُوفُوا بِمَا شَرَطُوا مِنَ الإِيمَانِ

وَ لَوَ أَنَّهُمْ كَانُوا نَصَارَىٰ عَظَّمُوا *** قَدْرَ الَّذِينَ لَقُوا مِنَ الرُّهْبَانِ

وَ بَنُو النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** أَعْضاؤُه فِيكُمْ فَعُدُّوها مِنَ الصُّلْبانِ

أَوْ مِثْلَ حافِرِ غير عِيسَى إِنَّهُمْ *** جَعَلُوهُ قِبْلَتَهُمْ بِكُلِّ مَكانِ(2)-(3)

ص: 70


1- الضغن: الحقد.
2- عَيْر: حمار.
3- ديوان طلائع بن رُزيك الملك الصالح ص143.

(21) الزهراء علیها السلام في الدار

(بحر الرمل)

الشيخ عبد الستار الكاظمي(*)(1)

أحْرَقُوا الدَّارَ عَلَى فَاطِمَةٍ وَ الحَسَنَيْنْ

وَ رَسُولُ اللَّهِ أَوْصَاهُم بحِفظِ الثَّقَلَينْ(2)

***

بَعْدَ مَا أَوْصَى النَّبِيُّ المُصْطَفَى أُمَّتَهُ

بِوَصاياهُ التِي أَمْلَى بِهَا حِكْمَتَهُ

أَكَدَ الإِبْلاغَ فِي أَنْ يَحْفَظُوا عِتْرَتَهُ

وَإِذَا بِالقَوْمِ خَانُوا أَمْرَهُ عَيْناً بِعَيْنْ

***

حَارَبُوا حَيْدَرَ بَعْدَ المُصْطَفَى لَمّا مَضَى

كَانَ فِي تَكْلِيفِهِ مُوصَى لِمَحْتُومٍ القَضَا

ص: 71


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في كتاب مرآة العقول ج5 ص320: فلما اخرجوه (علي علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت، فضربها قنفذ بالسوط عل عضدها فصار بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها... في كتاب مرآة العقول أيضاً ج5 ص320: و دفعها (قنفذ الملعون) فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها.

فَرَأَوْهُ صَابِراً عَنْهُمْ عَلِيَّ المُرْتَضَى

فَعَتَوا مُذْ حَاصَرُوا بَيْتَ أميرالمُؤمِنِينْ(1)

***

حَاصَرُوا الدَّارَ لِثَارِ عَنْ ضَحَايَا مِنْ بَدِرْ

بَدَّلُوا الإِسْلامَ بِالكُفر لأمر قَدْ قُدِرْ

ضَرَبُوا الزَّهْرَاءَ بالسَّوْطِ فَهَلْ مِنْ مَدَّكِرْ

لِيَرَى الكُفْرَ تَجَلَّى فِي وُلاةِ المُسْلِمِينْ

***

رَوَّعُوا الزَّهْرَاءَ فِي الدَّارِ فَيَا لِلْعَجَبِ

أَوَ لَيْسَتْ فَاطِمٌ فِي دِينِهم بِنْتُ النَّبِي؟

فَلِمَاذَا أَمْرَمُوا النَّارَ بذَاكَ القَصَبِ؟

هَلْ رَسُولُ اللَّهِ أَوْصَاهُمْ بِحَرْقِ الطَّاهِرِينُ؟

***

رَوْعُوها يَوْمَ كَانَتْ لأَبِيهَا فِي عَزاءْ

أحرقوا الدَّارَ عَلَيْهَا وَ أَجَدُّوا فِي العِدَاءْ

فَعَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الجَزَاءْ

يَوْمَ يَأْتِي النَّاسُ فِي الحَشْر لِرَبِّ العَالَمِينْ

***

ثُمَّ لاذَتْ فَاطِم بِالبَابِ دَفْعاً لِلْخَطَرْ

فَعَلَيْهَا أَظبَقُوا البَابَ بِأَمْرِ مِنْ عُمَرْ

ص: 72


1- عتوا: استكبروا و جاوزوا الحدّ.

أَنَّتِ الزَّهْرَاءُ يَا فِضَّةُ ذا ضِلْعِی انْكَسَرُ

سَنِّدِيني سَنِّديني أَسْقَطُوا مِنِّي الجَنِينْ

***

بأَبِي مَكْسُورَةَ الضّلْع وَ فِي الصَّدْرِ انْحَنَى

بِأَبِي مِنْ عَصْرَةِ البَابِ فَأَلْقَتْ مُحْسِنا

سَقَطَتْ لَمّا أُذِيقَتْ مَا أُذِيقَتْ مِحَنا

وَ عَلَيْهَا ضَجَّتِ الأَمْلاَكُ فِي العَرْشِ المَكِينْ

***

قَضَتِ الزَّهْرَاءُ ظُلْماً ثُمَّ مَاتَتْ فِي الأَسَى

أَنَّتِ الدُّنْيَا وَ صَارَ الصُّبْحُ فِيها حِنْدِسَا(1)

وَ مُحَيَّا الدَّهْرِ مِنْ آلاَمِهَا قَدْ عَبسا

فَعَلى مَنْ ظَلَم العِتْرَةَ لَعْنُ اللاَّعِنينْ(2)

ص: 73


1- حندس: ليل شديد الظلمة.
2- محيّا: وجه.

(22) فاطمة علیها السلام و الحسنان علیهما السلام

(بحر الرمل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

فَضْلُكَ السَّامِي عُلُوّاً يَا عَلِي *** لا يُدَانِيهِ مِنَ الخَلْقِ مُدَانْ(2)

***

أَنْتَ حَيَّرْتَ بِمَعْنَاكَ العُقُولْ *** أَ إِلَهٌ أَنْتَ أَمْ أَنْتَ رَسُولْ؟

لكِنِ الحَقُّ بِمَعْنَاكَ يَقُولْ *** أَنْتَ بَعْدَ اللَّهِ وَ الهَادِي وَلِي(3)

وَ قَسيمُ النَّارِ حَقاً و الجِنَانِّ(4)

ص: 74


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- مدانٍ: مقارب.
3- في البحار للمجلسي، ج27 ص319: عن أبي ذر الغفاري (رضي اللّه عنه) و هو آخذ بحلقة باب الكعبة «أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فسأنبئه باسمي: فأنا جندب أبوذر الغفاري -إلى أن قال- الا ايتها الأمة المتحيِّرة بعد نبيها لو قدّمتم من قدّم الله و أخّرتم من أخر الله و جعلتم الولاية حيث جعلها اللّه لما عال ولي اللّه و لما ضاع فرض من فرائض اللّه و لااختلف اثنان في حكم من احكام اللّه... فذوقوا و بال ما كسبتم». و في المناقب للخوارزمي/ ص209: عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يا علي علیه السلام إنك قسيم الجنة و النار و إنك تنقر باب الجنة فتدخلها بلاحساب». و لايخفى أن ما ورد في قوله (أإله انت أم انت رسول صلي الله علیه و آله و سلم)؟ استفهام للتعظيم و الإجلال فلا يحمل على المعنى الحقيقي.
4- الجنان: جمع جنة.

فَاتَّخَذْنَا اللَّهَ رَبِّاً لاَ سِوَاهُ *** وَ نَبِيَّاً أَحْمَداً حَيْثُ اصْطَفَاه

وَ اتَّخَذْنَاكَ كَمَا قَالَ الإِلهْ *** وَ كَما قَدْ جَاءَ بِالنَّيِّ الجَلِي(1)-(2)

هَادِياً يَقْرِنُ رَكْباً بالأمانْ

***

لِعَلِي المُرْتَضَى رَبِّ العَلَاءْ *** كَانَ نَصُّ الحُب بَلْ فَرْضُ الولاء

في وضوحٍ غَايَةٌ بَلْ فِي جَلاءْ *** يَوْمَ حُمُ حَيْثُ خَيْرُ الرُّسُلِ(3)

جَعْجَعَ الوَحْيُ بِهِ فِی ذَا المَكَانْ

***

نَزَلَ الوَحْيُ عَنِ الرَّبِّ الكَبِيرْ *** لِلنَّبِيِّ المُصْطَفَى خَيْرِ نَذِيرٌ

يا سفيراً قَدْ أَتَى خَيْرَ سَفِيرْ *** حُلَّ أَجْيَادَ العُلَى عَنْ عَطَل(4)

بِعُقودِ الوَحْيِ تَزْهُو لا الجُمَانْ

***

يَا رَسُولَ اللهِ بَلْغ مَا أَتَى *** مِنْ الهِ الخَلْقِ فِي خَيْرِ فَتَى

ص: 75


1- في البحار، ج39 ص202: عن النبي صلي الله علیه و آله وسلم «لايجوز أحد الصراط إلا و له براة بولايته و ولاية أهل بيته علیهم السلام. قال أبو سعيد:«يا رسول اللّه صلي الله علیه و آله وسلم ما معنى براة علي؟ قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم علي علیه السلام ولي الله.
2- الجلي: الواضح البيّن.
3- في كتاب مناقب علي بن أبي طالب علیه السلام لابن المغازلي، ص19: عن ابي هريرة قال: من صام يوم ثمانية عشرة خلت من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً و هو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلي الله علیه و آله وسلم بيد علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: نألست أولى بالمؤمنين من انفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله صلي الله علیه و آله وسلم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»... فقال عمر بن الخطاب: بخٍّ بخٍّ لك يا علي بن أبي طالب علیه السلام أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة، فأنزل الله «تعالى»: «اليوم اكملت لكم دينكم».
4- عطل: عطل الجيد أي خلا من الحلي.

وَ مَتَى خَالَفْتَ فِي أَمْرِ مَتَى *** لَمْ تُبلِّغ قَطُّ إذْ لَمْ تَفْعَلِ

وَ لَكَ العِصْمَةُ مِنَّا وَ الضَّمانْ

***

أَنْزَلَ الرَّكبَ عَلَى أَرْضِ تَفُورْ *** وَ ارْتَقَى مِنْبَرَ أَحْدَاجِ وَ كُورْ

أَيْنَ لاأَيْنَ مَزَامِيرُ الزَّبور *** مِنْ خِطَابِ المُصْطَفَى فِي المَحْفَلِ؟(1)

أخِذاً بِالسَّمْع مِنْهُم وَ الجَنانْ

***

بَيْنَمَا مِنْ جَرِّها تَغْلِي الرِّمَالْ *** وَ إِذَا الخُطْبَةُ مِنْ فَوْقِ الرِّحَال

أَرَأَيْتَ السَّيْلَ مِنْ رُوس الجِبَال *** وَلِذَا أَرْجُلُهَا لَمْ تَصْطَلِ(2)

أَمْ لَقَدْ أَسْكَرَهُمْ كَاسُ البَيَانْ

إِنَّ فِي الرَّوْعَةِ مِنْ خُطبَتِهِ *** إِنَّ فِي الصَّوْتِ وَ فِي صَيْحَتِهِ

كَأسَ لُطْف ظَلَّ فِي نَشْوَتِهِ *** كُلُّ ذِي لُبِّ مُضَاهِي الثَّمَلِ(3)

وَ عَلَى المُخْتَارِ مَعْقُودُ البَيَان

***

خاطباً فِي ذلِكَ الجَمُ الغَفِيرْ *** وَ لَقَدْ بَلَغَهُمْ وَحيَ القَدِيرْ

وَ هُوَ مَنْ أَسْمَعَهُمْ صَوْتَ النَّذِير *** مِثْلَ مُوسَى فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ(4)

وَ هُوَ خَیْرٌ مِنْهُ فِي كُلِّ زَمَانْ

***

ص: 76


1- المحفل: مكان اجتماع الناس.
2- روس: أصلها رؤوس في هذا البيت من القصيدة.
3- الثمل: أثمله الشراب أسكره.
4- الأوّل: الزمان الأول، أي القديم.

أَيُّهَا النَّاسُ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونْ *** أَنَّنِي أَوْلَى بِكُمْ أَمْ تُنْكِرُونْ

مِلءَ أَسْمَاعِهِمُ مِلْءُ العُيُون *** أَحْمَد فِي صَوْتِهِ وَالهَيْكَلِ

مَا لَهُ قطُّ نَظِیرٌ أَوْ مُدَانْ

***

فَأَجَابُوهُ بَلَى ثُمَّ بَلَىٰ *** مَا تَشَا فِينَا فَقُلْ مُمْتَثَلا

وَإِذَا الشَّمْسُ تُنِيرُ ابْنَ جَلا *** رَافِعاً مِنْ ضِبْعِهِ الهَادِي عَلِي(1)

أَرَأَيْتَ البَنْدَ يَعْلُو بِالسِّنَانْ

***

مَنْ أَكُنْ مَوْلاَهُ هذَا المُرْتَضَى *** حَيْدَرٌ مَوْلاَهُ، وَاللَّهُ قَضَى

إِنَّهُ كَانَ مِنَ اللَّهِ الرِّضا *** إِنَّهِ كَانَ لَكُمْ نِعْمَ الوَلِي

نايباً بعدي عَلَى إنْسٍ وَ جَانْ

***

أَيُّهَا النَّاسُ هُوَ السِّرُّ العَظِيمْ *** وَ عَلَيْكُمْ بِالصِّرَاطِ المُسْتَقِيم

أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالعَلِيم *** كُلَّمَا جَاءَ بِوَحْي مُنْزَلِ

فِیهِ قَدْ جَاذَبَنِي فَضْلَ عِنَانْ(2)

***

إِنَّهُ الذِّكْرُ المُبينُ النَّاطِقُ *** إِنَّهُ البَرُّ الأمينُ الصَّادِقُ

إِنَّهُ الدُّرُ النَّمِينُ الرّائِقْ *** وَ هُوَ وَالقُرْآنُ فِيكُم ثَقَلِي

فَانْظُرُوا كَيْفَ يَكُونُ الثَّقَلاَنْ

***

ص: 77


1- ضبعه: الضبع وسط العضد.
2- العِنان: سيرُ اللّجام الذي تمسكُ به الدابة و هو طاقان مستويان يقال فلان طويل العِنان: شريف عظيم السؤدد.

فَالخَلفُونِي أُمَّتِي فِي الثَّقَلَيْن *** وَ أَرُونِي فِيهِمَا قُرَّةَ عَيْن

سَيَجُوزَانِ المَدَى مُقْتَرِنَيْن *** ثُمَّ عَنْ غَيْرِهِمَا لَمْ أَسْأَلِ(1)

يَوْمَ لِلَّهِ یَقُومُ الثَّقَلانْ

***

فَمِنَ الآنَ فَقُوموا بایِعُوهْ *** حَيْثُ لايُفْلِحُ الأَتَابِعُوهْ

وَ عَلَى الأَعْدَاءِ طَراً شَايِعُوه *** لاتَخُونُوا اللَّهَ في التَّسلِيِمٍ لِي

فسَيَشْقَى كُلُّ مَنْ لِلَّهِ خَانْ

***

فَأَجَابَ القَوْمُ مِنْ كُلِّ النَّوَاحْ *** قَدْ سَمِعْنَا الرُّشْدَ وَالحَقَّ الصَّراحْ

وَ عَلَيْهِ أَصْفَقُوا راحاً براحْ *** وَ غَلَتْ أَفْئِدَةٌ كَالمِرْجَلٍ(2)

وَ كَبَا بَیْهُما طرْفُ اللِّسَانْ

***

بَايَعُوهُ وَ عَلَيْهِ سَلَّمُوا *** وَ هُمُ مَا آمَنُوا بَلْ أَسْلَمُوا

بَعْدَ أَيَّامٍ عَلَيْهِ ازْدَحَمُوا *** وَ عَلَيْهِ كَبَسُوا فِي المَنْزِلِ

وَبِهِ فَاطِمَةٌ وَ الحَسَنَانْ

***

فَاطِمٌ لَمْ تُرْعَ لَكِنْ رُوِّعَتْ *** حَيْثُ فِي إِنْفَاذِهِ قَدْ طَلَعَتْ

إِنَّهَا بِالسَّوْطِ لَمّا فُنُعَتْ *** قُتِلَتْ وَ المُرْتَضَى لَمْ يُقْتَلِ

وَ فَدَتْهُ، يَا بِنَفْسِي الفادِيَان(3)

ص: 78


1- سیجوازن: جاز المكان: تجاوزه و قطعه.
2- المرجل: القدر الكبير.
3- ديوان الربيعي ص76 موشحة في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام أخذنا منها ما نحن بصدده.

(23) يُخجل الغيث

(بحر الرمل)

الشيخ عبد العظيم الربيعي(*)(1)

أَحْرُفُ الحُسْنِ بِخَطَّ حَسَنِ *** كُتِبَتْ فِي وَجْهِ مَنْ تَيَّمَنِي(2)

قُلْتُ لِلْعَاذِلِ فِي حُبِّي لَهُ *** هَاكَ فَاقْرَأَها وَ لاَتَفْتَينِ

وَإِذَا حَقَّقَتَ أَسْبَابَ الهَوَى *** لاَتُكَلِّفْنِي بِمَا لَمْ يُمْكِ يُمْكِنِ

هُوَ لِلْحُسْنِ، وَ لِلْحُبِّ أَنَا *** مَنْ تَرَاهُ عَافَ شَمَّ السَّوسَنِ(3)

كُلُّ شَيْءٍ جَاءَ مِنْ مَعْدَنِهِ *** يَجْلِبُ الفَخْرَ لِذَاكَ المَعْدِنِ

وَ إِذَا أَخْفَى مُحِب شَوْقَهُ *** فَأَنَا فِي حُبِّهِ ذُو عَلَن

كَيْفَ أَخْفِيهِ وَ إظْهَارِي لَهُ *** حِلْيَةُ الفَخْرِ لِجِيدِ الزَّمَنِ

كَيْفَ يَخْفَى، وَ شُهُودُ العَدْلِ قَدْ *** أَفْصَحَتْ عَنْ سِرِّهِ لَمْ تُلْحِنِ؟(4)

أَبْحُرُ الدَّمْعِ، وَ نِيرانُ الجَوَى، *** وَ سُهَادِي، وَ نُحُولُ البَدِنِ

غَيْرَ أَنِّي كُلَّمَا قَدَّمْتُ مِنْ *** شَاهِدِ فِي حُبِّهِ لَم يُوقِنِ

كَثْرَةُ الأَشْهَادِ لاتُغْنِي إِذَا *** نَظَرُ الفِكْرِ بِهَا لَمْ يُمْعَنِ

وَ انْظُرِ المَوْلَى عَلِيّاً، كَمْ لَهُ *** مِنْ شَهِيدٍ وَ دَلِيلِ بَيْنِ(5)

ص: 79


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تَيَمني: تَيَّمه الحب: ذلّلَهُ.
3- عاف: كره و ترك.
4- تلحن: ألحن أخطأ في الإعراب.
5- في كتاب الإمام علي علیه السلام من حبه عنوان الصحيفة لأحمد الرحماني الهمداني ص91 الخبر الرابع قال: عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه و إلى آدم في علمه و إلى إبراهيم في حلمه و إلى موسى في فطنته و إلى عيسى في زهده فلينظر إلى علي بن أبي طالب علیه السلام» رواه أحمد بن حنبل في المسند. و رواه البيهقي في صحيحه. و في ص92 الخبر السادس: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «والذي نفسي بيده لولا أن تقول طوائف من أمتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم علیها السلام لقلت اليوم فيك مقالاً لاتمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة رواه أحمد بن حنبل في المسند. و في الفصحة نفسها الخبر التاسع عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «يا أنس أسكب لي وضوءاً، ثم قام فصلى ركعتين ثم قال: أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين و سيد المسلمين و يعسوب الدين و خاتم الوصيين و قائد الغر المحجلين، قال أنس: فقلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار و كتمت دعوتي فجاء علي علیه السلام فقال صلي الله علیه و آله و سلم: من جاء يا أنس؟ فقلت: علي علیه السلام، فقام إليه مستبشراً فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه فقال علي علیه السلام: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لقد رأيت منك اليوم تصنع بي شيئاً ما صنعته قبل، قال: و ما يمنعني و أنت تؤدي عني و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي؟»، رواه أبونعيم الحافظ في حلية الأولياء. في نهج البلاغة لابن أبي الحديد خ32 قال: «فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حُثالة القرظ و قراضَة الجَلَم». الحثالة : الرديُّ من كل شيء وما لا خير فيه. القرظ: ورق السَّلم أو شجر له شوك كثير. و الجَلَم: مقراض يجز به الصوف، و القراضة: ما يسقط منه عند الجز و القرض. و في المصدر السابق خ33 قال عبد الله بن عباس: دخلت على أميرالمؤمنين علیه السلام بذي قار و هو يخصف نعله . فقال لى: ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت: لاقيمة لها. فقال علیه السلام: واللّه لهي أحب إلي من إمرتكم إلاَ أن أقيم حقاً أو ادفع باطلاً و قال علیه السلام/ المصدر السابق خ235: «واللّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم» قال ابن منظور في لسان العرب مادة عرق: «و العظام إذا لم يكن عليها شيء من اللحم سميَّت عراقاً». و قال الشيخ محمد جواد مغنية: و قيل هو الكرش، و من الذي يأكل كرش الخنزير أو عظمه من يد مشوهة بالجذام و هل في الكون كله أبشع و أشنع من هذا الطعام و اليد التي تحمله هذه هي الدنيا في نظر علي قولاً و فعلاً و عاطفة و عقلاً و هذا هو واقعها و إن تحلت بالذهب و رفلت بالديباج و تعطّرت بالعنبر و إذا خدعت بها أنا و غيري من طلابها و كلابها فهل يخدع بها العقل السليم؟». و في ظلال نهج البلاغة لمغنية، ج4 ص358. و قال: «فواللَّه ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادَّخرت من غنائمها و فراً و لاأعددت لبالي نوبي طمراً و لاحزت من أرضها شبراً و لاأخذت منه إلا كقوت اتان دبره و لهي في عيني أوهى و أهون من عفصة مَقِرة النهج لابن أبي الحديد، خ45. قال ابن أبي الحديد «أقسم علي علیه السلام انه ما كنز ذهباً و لاادخر مالاً و لاأعدَّ ثوباً بالياً سملاً لبالي ثوبيه فضلاً أن يعد ثوباً قشيباً كما يفعله الناس في اعداد ثوب جديد ليلبسوه عوض الاسمال التي ينزعونها و لاحاز من أرضها شيراً و لاأخذ منها إلا كقوت اتان دبرة و هي التي عقر ظهرها فقل أكلها». النهج لابن أبي الحديد ج16 ص205. و في سخائه وجوده: في شرح النهج لابن أبي الحديد ج1 ص21 قال: «و أما السخاء و الجود فحاله فيه ظاهرة كان يصوم و يطوي و يؤثر بزاده و فيه أنزل «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» الإنسان:8. و روى المفسرون أنه لم يكن يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلاً و بدرهم نهاراً و بدرهم سراً و بدرهم علانية فأنزل فيه «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً» البقرة:274. و روي عنه أنه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتى مجلت يداه ويتصدَّق بالأجرة و يشد على بطنه حجراً. و قال الشعبي: «كان أسخى الناس كان على الخُلق الذي يحبه اللّه: السخاء و الجود ما قال «لا» لسائل قط. و قال عدوه و مبغضه الذي يجتهد في و صمه و عيبه معاوية بن أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لما قال له: جئتك من عند أبخل الناس فقال: «ويحك كيف تقول إنه أبخل الناس و هو الذي لو ملك بيتاً من تبر وبيتاً من تبن لانفد تبره قيل تبنه» و هو الذي كان يكنس بيوت الأموال و يصلي فيها و هو الذي قال: يا صفراء و يا بيضاء غرّي غيري و هو الذي لم يخلّف ميراثاً و كانت الدنيا كلها بيده إلا ما كان من الشام...

ص: 80

كَيْف قَدْ زُحْزِحَ بَعْدَ المُصْطَفَى *** عَنْ ذُرَى مَنْصِبِهِ العَالِي السَّنِي؟

إلى أن قال:

جُمِعَتْ فِيهِ مِنَ الأَصْدَادِ ما *** افْتَرَقَتْ لَكِنْ بِجَمْعِ حَسَنِ

أَزْهَدُ النَّاسِ وَ أَسْخَاهُمْ یَداً *** حَبْرُهُمْ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَنِ(1)

أطْعَنُ العَالَمِ بِالرُّمْحِ، سِوَى *** أَنَّهُ فِي دِينِهِ نِهِ لَمْ يُطْعَنِ

أَعْبَدُ العُبادِ أَتْقَاهُمْ سِوَى *** أَنَّهُ فِي دِينِهِ لَمْ يُدْهِنِ(2)

ص: 81


1- حبرهم: الحَبْر: العالم الصالح.
2- يدهن: يخادع. و جاء في شرح النهح لابن أبي الحديد ج1 ص27 قال: «وأما العبادة فكان أعبد الناس وأكثرهم صلاة و صوماً و منه تعلم الناس صلاة الليل و ملازمة الأوراد و قيام النافلة... و ما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده و السهام تقع بين يديه و تمر على صماخيه يميناً و شمالاً فلايرتاع لذلك و لايقوم حتى يفرغ من وظيفته و ما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده و أنت إذا تأملت دعواته و مناجاته و وقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وإجلاله و ما يتضمنه من الخضوع لهيبته و الخشوع لعزّته و الاستخذاء له عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص و فهمت من أي قلب خرجت وعلى أي لسان جرت و قيل لعلي بن الحسين علیه السلام -و كان الغاية في العبادة- أين عبادتك من عبادة جدك؟ قال: عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم.

أحْلَمُ الأُمَّةِ، لَوْلاً حِلْمُهُ *** لَمْ يُلاَقُوهُ بِمَلْقَى خَشِنِ

قيْدَ فِي بَنْدِ حُسّام طَالَمَا *** نَحَر الأبطال نَحْرُ البُدُنِ(1)

فَتَأَمَّلْ صَاحٍ، هَذَا حَيْدَرٌ *** أَمْ تَرَى المَوْقِف قَدْ أَذْهَلَنِي

مَنْ تَرَاهُ اقْتَحَمَ الغَابَ وَ مَنْ *** قَادَ ضِرْغَامَ الشَّرَى بِالرَّسَنِ

خَلْفَهُ الزَّهْرَاءُ لَكِنْ جَفْنُهَا *** يُخْجِلُ الغَيْثَ بِدَمْعِ هَتِنِ

وَ هْيَ تَدْعُو القَوْمَ لاَ وَاللَّهِ لَنْ *** تُؤْتِمُوا اليَوْمَ شَقِيقَ الحَسَنِ

حَسْبُكُمْ كَسْرُ ضُلُوعِي، غَصْبُكُمْ *** نِحْلَتِي، إِسْقَاطُكُمْ لِلْمُحْسِنِ(2)

ص: 82


1- البدن: جمع و هي الناقة أو البقرة المسمنة.
2- ديوان الربيعي ص67 و القصيدة في مدح أميرالمؤمنين علیه السلام.

(24) خير نسوان

(بحر البسيط)

السيد عدنان الغريفي البحراني(*)(1)

ص: 83


1- (*) هو السيد عدنان ابن السيد شبر ابن السيد علي الغريفي البحراني. ولد بالمحمرة من بلدان إيران الجنوبية سنة (1285 ه-) تقريباً و نقل السيد جواد شبر في أدب الطف أنه ولد في البصرة في غرة جمادى الثانية سنة (1283 ه-) والله العالم. مات عنه والده و عمره أربع سنوات فتولى تربيته خاله السيد سلمان، و لما بلغ الرابعة عشرة من عمره هاجر من المحمرة إلى النجف الأشرف بعد أن تكفل له الحاج حمود البحراني ،بمصاريفه و المترجم له كان آية في الحفظ و الذكاء فكانت دراسته على عمه السيد علي والد السيد مهدي البحراني و حضر في الفقه و الأصول على طريقة البحث (الخارج) على الشيخ محمد طه نجف، و أجيز منه و الشيخ الميرزا حبيب الله الرشتي و أجيز منه ومن السيد المجدد الميرزا حسن الشيرازي هاجر إلى سامراء في عهد الشيرازي بصحبة أستاذه الشيخ محمد طه نجف و معه الشيخ حسين نجف الصغير و السيد محمد سعيد الحبوبي، فطلب الشيخ من الميرزا الشيرازي أن يجيز المترجم له إجازة الاجتهاد فامتنع السيد المجدد الشيرازي مما لفت نظر أستاذه الشيخ، فسأله عن سر امتناعه، فأجابه بأن المانع من إجازته حداثة السن لا غير وأما علمه فأنا معترف به، و هذا المنصب والمقام لايمكن أن يسند إلى شخص بهذا السن، إلا أن الشيخ استمر يناقش الميرزا حتى أقنعه وأجازه وقد تصدى إلى رتبة الاجتهاد و الفتوى و لم يبلغ الثلاثين من عمره. أخذ العلم عنه السيد ناصر الإحسائي و السيد صالح الحلي الخطيب الشهير و الشيخ عيسى ابن الشيخ ناصر الخاقاني. مؤلفاته و آثاره عديدة منها: 1- قبسة العجلان من طور الإيمان. 2- حاشية على العروة. 3- حاشية على القوانين في الأصول. 4- منظومة في الحج زهاء ألف بيت. 5- الأنساب. 6- شرح شواهد المغني. 7- شرح التبصرة للحلي. و قد جمع أشعاره و نظمه في مجلد ضخم كبير. كتب الدكتور حسين علي محفوظ رسالة في أحواله سمّاها (النابغة البحراني). و نقل الخاقاني أنه سأل المترجم له يوماً عما يحفظ من الشعر فأجاب أنه يستحضر ثلاثين ألف بيت من الشعر، و كان يحفظ المتون و شرح ابن الناظم على الألفية متناً و شرحاً. و کان لایسمع شيئاً إلاحفظه حتى اللغة الأجنبية من مرَّة على الأكثر و من مرتين نادراً كاللغة التركية و الفارسية و الهندية و الإنكليزية و بهذا أصبح أصدق ما ذكره التاريخ عن ذكاء أبي العلاء المعري و أبي تمام و حماد عجرد في استحضارهم ثلاثين ألف أرجوزة للبنات البكر من العرب. و ذكره صاحب الحصون المنيعة قائلاً: و هو ابن أربع عشرة سنة و كان بهذا السن يحفظ أربعة عشر ألف بيت من الشعر و يحفظ القصيدة طالت أم قصرت بمجرد تلاوتها. و في أدب الطف اجتمع يوم الشاعر المعروف السيد جعفر الحلي و العلامة الشهير السيد محمد سعيد الحبوبي في الصحن الحيدري، فجاء المرحوم السيد عدنان فقال السيد جعفر (للاتحاد الروحي بينهما) جاءتنا ريح السمك من البحرين، فوصل و سلم و قال: خير من الباقلاء فإنها لارائحة لها. فقال السيد جعفر له: إن رائحة الشعر لتتنسم من الحلة الفيحاء من مسيرة خمسة فراسخ فقال له السيد عدنان: إذا سالت دموع في خدود *** تبين من بكى ممن تباکی فإما أن تنظم أبياتاً، و أنا أشطرها في الحال، و إما أن أنظم أبياتاً و أمهلك إلى سنة فاستغرب من قوله و قال قل: فقال السيد عدنان: واعجباً منك يا فؤادي *** يسعرك الدمع و هو غيث و أنت يا قلب تختشيه *** و هو غزال و أنت ليث مرِّيريث الخطي وئيداً *** لذاك مشي القطاة ريث فقال الحبوبي للسيد جعفر: و لاعمرك تستطيع أن تشطرها لأن في اللغة العربية خمس كلمات نظم السيد ثلاثاً و أبقى اثنتين و هن غيث و ليث و ريث. و نقلت هذه القصة إلى العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء فقال: لو كنت حاضراً لشطرتها فإن هناك كلمة سادسة غابت عن السيد الحبوبي و هي (غيث، حيث، ليث، ریٹ، ميث، جيث). توفي السيد المترجم له بالكاظمية يوم الخامس من شعبان سنة (1340 ه-) فكان يوماً مشهوداً و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف و دفن في إحدى حجر الصحن العلوي الشريف عن يسار الداخل من الباب السلطاني و أرّخ وفاته الشيخ جمعه الحائري بقوله: و نعى بها الروح الأمين مؤرخاً *** (عدنان قوض بعدك الإسلام).

ص: 84

دَعْ عنكَ حَزْوَى وَ ذِكْرَى شِعْبِ سَعْدَانِ *** وَ اسْتَوْقِفِ العِيسَ فِي أَكْنَافِ كُوفانِ(1)

وَ أَنْتُمْ تَرَى بُقْعَةٍ أَرْسَتْ بِرِفْعَتِهَا *** دَعَائِمَ فَوْقَ عُيُوقٍ وَ كِيوانِ(2)

وَ اجْعَلْ شِعَارَكَ لِلَّهِ الْخُشُوعَ بِهَا *** وَ لُذيقَبْر إِمَامِ الإِنسِ وَ الْجَانِ

أَلْقَاهِرُ الْقَادِرُ الْفَرْدُ الْعَلِيُّ وَ مَنْ *** قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرَ أَدْيَانِ

أَلأَوَّلُ الآخِرُ العَلامُ مَنْ نَطَقَتْ *** بِهِ الزَّبُورُ وَ تَوْرَاةُ ابْنِ عِمْرَانِ

أَلْبَاطِنُ الظَّاهِرُ الْحَبْرُ الَّذِي شَهِدَتْ *** بِمَا أَقُولُ بِهِ آيَاتٌ قُرآنِ

أَصْلُ الْوُجُودِ وَ عَيْنُ الْوَاحِدِ الأَحَدِ *** الرَّبِّ الوَدُودِ وَ مُرْدِي كُلِّ شَيْطَانِ(3)

مَنْ يُوشُعُ الطُّهْرُ مُوسَى عِنْدَ مَفْخَرِهِ *** مَنْ آصفُ المُلْكِ الْمَوْلَى سُلَيْمَانِ؟

أَخُو الرَّسُولِ أَبُوالسَّبْطَيْنِ حَيْدَرَةٌ *** زَوْجُ الْبَنُولِ وَ مُنْجِي المُذْنِبِ الجَانِي

أَوْلَئِكَ الغُرُّ أَصْحَابُ الْكِسَاءِ وَ مَنْ *** قَدْ بَاهَلَ اللهُ فِيهِمْ (أَهْلَ نَجْرَانِ)

يَا با طالباً (لِلْكِسا) شَرْحاً نُبَيِّنُهُ *** اسْمَعْ مَقَالِي وَ مَا أَرْوِي بِتِبْيَانِ

رَوَى النّقاتُ الْكِرَامُ الصَّادِقُونَ لَنَا *** رِوَايَةً وَرَدَتْ عَنْ خَيْر نِسْوَانِ

بِنْتِ الرَّسُولِ البَتُولِ الطُّهْرِ(فَاطِمَةً) *** ذَاتِ الْفَخَارِ وَ ذَاتِ الفَحْرِ وَ الشَّانِ(4)

إِنَّ النَّبِيَّ أَتَى يَوْماً لِمَنْزِلِهَا يَشْكُو *** لَهَا الضَّعْفَ شَكْوَى المُدْنَفِ الْعَانِي(5)

قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّى أَعِيدُكَ با *** للَّهِ الْمُهَيْمِن مِنْ ضَعْفٍ وَ أَهْوَانِ

فَقَالَ: قُومِي وَ غَطِّينِي بُنَيَّةُ بِا *** الْكِسَا الْيَمَانِيِّ إِنَّ الصَّعْفَ أَضْنَانِي(6)

ص: 85


1- العيس: الإبل البيض يُخالط بياضها سوادً خفيف أو كرام الإبل.
2- أَلثمْ: أَقَبلْ. عيوق و كيوان: كوكبان، و كيوان هو زُحَل.
3- مُرْدِي: مُهلِك.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب تاريخ بغداد ج12 ص331 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض و لم تطمث».
5- المدنف: العليل السقيم المريض -العاني: المتعب.
6- أضناني: أمرضني بحيث تمكّن مني الضعف و الهزال.

قَالَتْ: فَغَطَيْتُهُ مُذْ قَالَ لِي وَإِذَا *** ذَاكَ المُحَيّا وَ نُورُ البَدْرِ سِيَّانِ

فَمَا مَضَتْ سَاعَةٌ إلاَّ وَ قَدْ قَدِمَ *** السُبْطُ الزَّكِي إِلَى دَارِي وَ حَيَّانِي

وَ قَال: إنّي أَشُمُ الْيَوْمَ رَائِحَةَ *** الْمُخْتَارٍ جَدِّي بِلاَ زُورٍ وَ بُهْتَانِ

فَقُلْتُ هَا هُوَ ذَا تَحْتَ الْكِسَاءِ أَيَا *** سُرُورَ قَلْبِي وَ يَا رُوحِي وَ رَيْحَانِي

فَجَاءَهُ ثُمَّ حَيَّاهُ وَ قَالَ: أَلاَ *** هَلْ يَأْذَنُ الجَدُّ أَنْ أَغْدُو لَهُ ثَانِي

فَقَالَ: ادْخُلْ وَ كُنْ تَحْتَ الكِسَاءِ مَعِي *** يَا نُورَ عَيْنِي وَ يَا نَفْسِي وَ جُثْمَانِي

فَمَا مَضَتْ سَاعَةٌ مِنْ بَعْدِ ذَا وَ إِذَا *** بِالسِّبْطَ نَجْلِي غَرِيبِ الطَّفٌ وَافَانِي

فَقَالَ لِي بَعْدَ أَنْ حَيا تَحِيَّتَهُ *** مُسْتَبْشِراً جَزِلاً قَوْلاً بِإِعْلَانِ(1)

يَا أُمُّ: إِنِّي أَشُمُّ الْيَوْمَ رَائِحَةً *** لَدَيْكِ طَيِّبَةً أَوْدَتْ بِأَشْجَانِي

كَأَنَّهَا يَا بُنَةَ المُخْتَارِ رَائِحَةُ *** الجَدِّ العَطُوفِ وَ نَسْلِ الطُّهْرِ عَدْنَانِ

فَقُلْتُ هَا هُوَ ذَا وَ الْمُجْتَبَى وَلَدِي *** أَخُوكَ تَحْتَ الْكِسا السَّامِي ضَجِيعَانِ

فَجَاءَهُ ثُمَّ حَيَّاهُ وَ قَالَ لَهُ: *** هَلْ يَدْخُلَ الْيَوْمَ أَيْضاً سِبْطُكَ الثَّانِي

فَقَالَ ادْخُلْ وَ كُنْ تَحْتَ الْكِسَاءِ مَعِي *** يَا سَلْوَةَ البَضْعَةِ الزَّهرا وَ سِلْوَانِي

قَالَتْ: وَ جَاءَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى *** بَيْتِي سَرِيعا وَ حَيَّانِي وَ نَادَانِي

يَا بِنْتَ أَكْرَم مَبْعُوثٍ لأُمَّتِهِ *** وَ أَشْرَفِ الخَلْقِ مِنْ إِنْسِ وَ مِنْ جَانِ

إِنِّي أَشُمُّ لَدَيْكِ الْيَوْمَ رَائِحَةً *** الْهَادِي أَبِيكِ ابْنِ عَمِّي خَيْرِ خِلَانِ

فَقُلْتُ: هَا هُوَ ذَا تَحْتَ الكِسَاءِ مَعَ *** السِّبْطَيْنِ ابْنَيْكَ يَا حِصْنِي وَ إِحْصَانِي

فَجَاءَ نَحْوَ الْكِسَاء مُسْتَبْشِراً جَذِلاً *** مُسَلِّماً غَيْرَ كَسْلاَنٍ وَ لاَ وَانِي(2)

وَ قَالَ هَلْ يَأْذَنُ الْهَادِي الأمينُ بأَنْ *** أَكُونَ تَحْتَ الْكِسَا إِنْ كَانَ يَهْوَانِي؟

فَقَالَ ادْخُلُ أَخِي فِيهِ وَ كُنْ مَعَنا *** يَا خَيْرَ هَادٍ وَ مِطْعَام وَ مِطْعَانِ(3)

وَ جِئْتُ إِذْ دَخَلُوا فِيهِ مُسَلَّمَةً *** عَلَى النَّبِيِّ بِإِرْفَاقِ وَ إحْسَانِ

ص: 86


1- جَدْلاً: فَرِحاً.
2- و انٍ: ونى أي فتر و ضعف و كلّ وأعيا.
3- مطعام و مطعان: صيغتا مبالغة للطاعم و الطاعن.

وَ قُلتُ: هَلْ يَأْذَنُ البَرُّ العَطُوفُ أَبي *** بأن أكونَ مَعَ السَّبْطَيْنِ سِلْوَانِي

فَقَالَ لِي مُؤذناً تَمَّ السُّرُورَ بِكِ *** فِيهِ بما أَتَمَنَّى (اللَّهُ) أَعْطَانِي

قَالَتْ فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا فِيهِ خَمْسَتُنَا *** نَادَى الإِلهُ بِإِظْهَارِ وَ إعْلَانِ

أيَا مَلاَئِكَتِي وَ السَّاكِنِينَ مِنَ *** الغُرِّ الْكِرَام سَمَاوَاتِي وَ أَكْوَانِي

و عِزَّتِي وَ جَلالِي مَا خَلَقْتُ سَمَا *** مَبْنِيَّةَ لاَ وَ لاَأَرْضاً بِسُكَانِ

إلاَّ لِحُبِّ الْكِرَام الخَمْسِ مَنْ جُمِعُوا *** تَحْتَ الْكِسَاءِ بِهَذَا الْوَقْتِ وَ الآنِ

فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَنْ تَحْتَ الكِسَاءِ أَيَا *** رَبَّ الْعِبَادِ وَ مَوْلَى كُلِّ سُلْطَانِ

فَقَالَ: هُمْ أَهْلُ بَيْتٍ لِلنُّبُوَّةِ بَلْ *** هُمْ مَعْدِنٌ لِرِسالاتِي وَ خُزَانِي

هُمُ فَاطِمُ الزَّهرا وَ وَالِدُها *** وَ بَعْلُهَا وَ بَنُوها آل عَدْنَانِ

فَقَالَ: فَاهْبِطُ وَ بَلْعُ لِلنَّبِيِّ أخي *** القَدْرِ الْعَلِي تَحِيَّاتِي وَ رِضْوَانِي

قَالَتْ: فَجَاءَ وَحَيَّاهُ وَ قَالَ أَلاَ *** إِنَّ (الْعَلِيَّ ) الْجَلِيل الْقَدْرِ وَ الشَّانِ

يُقرِيكَ مِنْهُ تَحِيَّاتٍ مُعَظْمَةً *** مَشْفُوعَةً بِكَرَامَاتٍ وَ إِيمَانِ

وَ إِنَّهُ مَا دَحَا أَرْضاً وَ لاَخَلَقَ *** السَّبْعَ الطَّبَاقَ بِتَشبِيدٍ وَ بُنْيَانِ

وَ لاَجَرَى أَبَداً بَحْرٌ وَ سَارَ بهِ *** فُلكٌ وَ لاضَاءَ فِي الْآفَاقِ بَدْرَانِ(1)

كَلأَ وَ لاَدَارَ فِي السَّبْعِ العُلَى فَلَكٌ *** الأَّ لأَجْلِكُمُ مِنْ غَيْرِ بُهْتَانِ

وَ قَدْ رَضِي يَا أَخِي أَنِّي أَكُونَ لَكُمْ *** تَحْتَ الكِسَا سَادِسَاً هَلْ أَنْتَ تَرْضَانِي

فَقَالَ: ادْخُلْ فَإِنِّي قَدْ رَضِيتُ بِمَا *** يَرْضَى الإِلهُ بِهِ يَا خَيْرَ إِخْوَانِي

قَالَتْ: فَقَالَ (عَلِيٌّ) لِلنَّبِيِّ: أَلاَ *** يا أَشْرَفَ الخَلْقِ مِنْ إِنسِ وَ مِنْ جَانِ

مَا فِي الجُلُوسِ لَنَا تَحْتَ الكِسَاءِ مِنَ *** الْفَضْلِ المُعَدَّ لَدَى رَبِّي وَ رَحْمَانِي

فَقَالَ: َاعْلَمُ وَمَنْ بِالْحَقِّ أَرْسَلَنِي *** ثُمَّ اصْطَفَانِي وَ أَنْبانِي وَ نَاجَانِي

مَا مَحْفِلٌ جَمَعَ الأَشْيَاعَ وَ اذْكَرُوا *** هَذَا الْحَدِيثَ بِهِ يَا خَيْرَ إِنْسَانِ

ص: 87


1- بدران: من باب تغليب البدر على الشمس و البدران هما الشمس و القمر.

إلا وَ قَدْ أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ رَحْمَتَهُ *** عَلَيْهِمُ وَ جَزَاهُمْ خَيْرَ إِحْسَانِ

وَحَفَّ فِيهم إِلَى حِينِ افْتِرَاقِهِمُ *** غُرُّ المَلائِكِ مِنْ قَاصِ وَ مِنْ دَانِ(1)

وَ اسْتُغْفَرَتْ لَهُمُ عَنْ كُلِّ مَا اكْتَسَبَتْ *** أَيْدِيهِمُ وَ انْثَنَوْا عَنْهُمْ بِغُفْرَانِ

فَقَالَ وَاللَّهِ قَدْ قُرْنا وَ فَازَ بِنَا *** أَشْيَاعُنَا وَ الْعِدَى بَاتَتْ بِخُسْرَانِ

وَ قَالَ مَا اجْتَمَعَت أَشْيَاعُنَا وَ تَلَتْ *** هَذَا الْحَدِيثَ بِتَصْدِيقِ وَ إيمانِ

وَ فِيهِمُ كَانَ مَهْمُومٌ لِنَائِبَةٍ *** أَوْ فِيهِمُ كَانَ مَغْمُومٌ بِأَحْزَانِ

إلاَّ وَ فُرِّجَ عَنْهُ الْهَمُ وَ انْكَشَفَتْ *** تِلْكَ الهُمُومُ و فازَ بأمنِ رحمن

فَقَالَ (حَيْدَرَةٌ): فُرْنا وَ خَالِقُنَا *** يَوْمَ الْقِيَام وَ فِي الدُّنْيَا بِرِضْوَانِ

وَ فَازَ شِيعَتُنَا طَراً وَ قَدْ سُعِدُوا *** كَمَا سُعِدْنَا بِحُورٍ ثُمَّ وِلْدَانِ

يَا مُنْكِراً فَضْلَ أَصْحَابِ الْكِسَا سَفَهاً *** وَ رَاغِباً عَنْهُمُ مِنْ غَيْرِ رُهْبَانِ

إِنَّا عَذَرْنَاكَ تَصْدِيقاً لِسَيّدِنا *** الْهَادِي النَّبِيِّ وَ قَدْ نَادَى بِإِعْلَانِ

وَ حُرْمَةِ الْبَيْتِ وَ الهَادِي وَ عِتْرَتِهِ *** وَ تِلْكَ غَايَاتُ أَقْسَامِي وَ أَيْمَانِي

لَوْ أَجْمَعَ النَّاسُ طُرّاً فِي مَحَبَّتِهِمْ *** لَمَا طَغَا أَحَدٌ أَوْ عَالَ سَهْمَانِ(2)

ص: 88


1- حفَّ: أحدق و استدار و أحاط بالشيء -قاص ودانٍ: بعيد و قريب.
2- نقلت من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیه السلام ص50 و أيضاً عن كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام سيدة نساء العالمين -لمؤلفه عماد الدين حسين الأصفهاني ص141 و طبعت القصيدة أيضاً بحاشية كتاب (قبسة العجلان) للناظم نفسه الناظم و بخط حجري.

(25) دعاء الأبرار

(بحر الوافر)

عصام عباس(*)(1)

إلى الزهراءِ قَد رُفِع البَيانُ *** فَكانَ الرَّدُّ أن کُفلَ الأمانُ

فَقُلْ ما شاءَتِ الأقدارُ طُرَّاً *** مِنَ الرَّحمنِ قَد وُهِبَ الحَنانُ

فَسَّیِّدَتي بِها تُجلّى هُمومٌ *** أبوها المصطفَى بدرٌ يَبانُ

و حيدرُ بَعلُها نُورٌ تَجَلَّى *** وَ نَجلاهُ حِمى الإسلام صَانُوا

و بِضْعَتُها العقيلةُ لي مَلاذٌ *** سَيُرقِىءُ جرحَنا هذا اللِّبانُ(2)

فَأَرفَعُ دَعوَتي للَّهِ فيهِم *** وَ مِن رَبِّ العُلى كُتِبَ الضمانُ

***

بِزينِ العابدينَ رَفعْتُ كَفِّي *** دُعَاء بِالغَفيلَةِ يُسْتَعانُ

بِصِدقِ الصَّادِقِينَ دَعَوتُ رَبِي *** وَ في بَابِ الحَوائِج يُستَبَانُ

وَ بِالسُّلطانِ أُرقِئَتِ الجِراحُ *** وَ يُشري بالجوادِ شَدَا اللسانُ

وَ بِالهَادِي أزيلَ الهَمُّ كُلاً *** كَذَا بِالعَسكَرِيِّ أتَى الأمَانُ

وَ خاتَم عِترةِ الأطهارِ جُوداً *** بِقائِمِ آلِهِمْ يَصحُو الزَّمَانُ

فَهُمْ نورُ الإلهِ عَلَى البَرايَا *** وَسِيلَةَ دَعوةِ المضْطَرْ كَانُوا

بِهِمْ ضَمن الإلهُ جَوابَ دَاعٍ *** بِصِدْقٍ عَقِيدَةٍ تُعطى الحِسَانُ

ص: 89


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- سيرقىء: (رقأ) الدمعُ و الدم، أي سكنَ.

وَ كَم مَن رَاهَنُوا في غَيرِ هذا *** فَقَدْ خَسِرُوا وَ قَدْ خَابَ الرِّهَانُ

لِذا فَادعُوا الإلة بسرِّ طه *** وَ بِالآلِ الكِرامِ فَذا يُصَانُ

وَ أرفعُ سِرَّ نَجوانَا لِحَقِّ *** وَ مِنْ رَبِّ الورى مُنِعَ الضَّمَانُ

ص: 90

(26) رسالة إلى الزهراء علیها السلام

(مجزوء الكامل)

عصام عباس(*)(1)

إِلَيكِ يَا أمَّ الحسَنْ *** كَتبْتُ شَوقاً وَ شَجَنْ(2)

وَ في حَنايَا خَافِقي *** شَکواي مَنْ بِهِ امتحَن

هَمٌ أَذابَ أذابَ حُشَاشَتي *** قولي لِمَنْ أَشْكُوهُ مَنْ؟(3)

فَرفَعت کَفّي طَالِباً *** وَ القلبُ مِنْ بَلْواهُ أنْ

فَهيَ الدَّواءُ لِمِحنتي *** بنتُ النَّبِيّ المؤتمنْ

بَل زوجةْ الكَرَّارِ مَنْ *** لَمْ یسجدنَّ إلي وَثَنْ

هِیَ أُمُّ سِبْطَي أحمدٍ *** أُمُّ الحُسينِ كَمَا الحسنْ

بَل أُمُّ زینبَ مَرجِعِي *** سراً حِمايَ وَ في العَلَنْ

مَن حَطَّ رَحلي عِندَها *** وَغَدَتْ مَلاذِي وَ الوَطَنْ

يَا رَبِّ سَکِّن رَوعَتي *** وَ أَزِلْ شِرارَ القوم عَنْ

دَربي فَدَربي بالنبي *** سَرَى بِصبر وَ ائتَمَنْ

بالمصطفى و المرتَضَى *** وَ الطَّيبُ مِنْ أُمِّ الحسنْ

ص: 91


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- شجن: حزن.
3- حشاشتي: (الحشا) ما اضطمت عليه الضلوع.

(27) ريشتي و الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

عصام عباس(*)(1)

مَسَكْتُ بِريشَتي وَ شَدا حَنِيني *** لبنتِ المصطفَى الهادي الأمينِ

وَ غَنَّتْ رِيشَتي وَ شَدَتْ بِحُبِّ *** وَ قُلتُ لَهَا عَنِ الظُّهرِ اسْأَلِيني

فَقَالَت كَيفَ أَسأَلُ يَا رَفِيقي؟ *** فَقُلتُ هِيَ العَقِيدَةُ بَلْ يَقِيني

هي الزَّهراءُ مَنْ فِي الدَّهرِ خُصَّتْ *** بِتَطهِيرٍ بقرآنٍ مُبِينِ

فَخَطَّتْ رِيشتي ذَهَباً مُنَقَّى *** بِنورِ مُحَمَّدٍ وَ بِنُورِ ديني

فقَالَتْ أملٍ يَا مَنْ في غَرَامٍ *** تُحدثني شُعورَكَ في حَنينِ

فَقُلتُ لها ضَمِيني فَرطُ حُبّي *** لآلِ مُحمدٍ في كُلِّ حِينِ

فَحُبُّهم يُعبِّى جَوفَ قَلبي *** وَ يَسري في دَمي وَ شُعَاع عيني

فَمهلاً يَا فُؤَادِي لا تُبَالِ *** بِهَمِّ أنتَ في حِصنٍ حَصينِ

بِيَومِ وِلادَةِ الزَّهراءِ تَحلو *** تَهاني المؤمنينَ إلى الأمِينِ

وَ نَحن بأربعَاء قَد جُمِعنَا *** بِدارِ خُصِّصَتْ لِعُلومِ دِيني

بِمَجْلِسنَا يَطِيبُ نَسيمُ طه *** وَ يحضُرُ قائمُ البيتِ المتِيِنِ(2)

وَ يُدرسُ في كِتابِ اللَّهِ عِلمٌ *** يُفَسَّر ضِمن تَفسير مُبينِ

ص: 92


1- (*) مرت ترجمته في الجزء الثالث.
2- يشار إلى الدار: فهي دار العارف بالله العلامة الأستاذ الدكتور أسعد علي مرشد الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية خارج الوطن العربي.

بِتَنْزِيلِ وَ تَرتِيبِ مُنَقَّى *** مِنَ الآفاتِ مِن سُوءِ الظُّنونِ

وَ مِن حقدٍ تَرَبَّع في قُلُوبٍ *** عَمَاهَا البُعدُ عَن فهم اليقينِ

وَ مُرشِدُهُ يَذوبُ بِحُب طه *** وَ بالزهراءِ والدةِ الحسينِ(1)

يُتابِعُ سَيرَهُ بِخُطى عَليَّ *** وصيِّ المصطفَى الهادي الأمينِ

ص: 93


1- مرشده: هو العلامة الأستاذ الدكتور أسعد علي.

(28) بين الجدار

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

أَتَفِرُّ بَعْدَ الطَّفْ مِنْكَ عُيُونُ *** وَ بِهَا ضِيَا فَجْرِ الهُدَى مَدْفُونُ؟

بَشَرٌ بِيُمْنَاهُ جَرَى قَلَمُ القَضَا *** بِجَمِيعِ مَا هُوَ كَائِنٌ وَ يَكُونُ

فَجَرَى عَلَيْهِ بِهِ القَضَا عَنْ حِكْمَةٍ *** لِلَّهِ غَامِضُ سِرِّهَا مَكْنُونُ

فَأُصِيبَ فِي الزَّمَنِ القَدِيمِ بِفَادِحِ *** جَلَلٍ لَهُ يَوْمَ الطُّفُوفِ قَرِينُ

إلى أن قال:

وَ ابْنُ النَّبِيِّ رِدَاهُ َقَسْطَالُ الوَغَى *** فِي الطَّفْ لَمَّا حُزَّ مِنْهُ وَتِينُ(2)

بِحُسَامٍ مَنْ قَطَعَتْ يَدَاهُ أَراكةً *** مِنْهَا تُظلُّ عَلَى البَتُولِ غُصُونُ

فَكَمَا بِضَرْبِ السَّوْطِ وَ شَحَ جَنْبَهَا *** بِالخَيْلِ رُضَّتْ لِلْحُسَيْنِ مُتونُ(3)

ص: 94


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- القسطال: الغبار الساطع في الحرب، و تين: عرق في القلب يجري منه الدم إلى سائر العروق.
3- في كتاب «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 منقولة عن كتاب (علم اليقين في أصول الدين) ص686 للكاشاني. «...فأمر عمر قنفذ ابن عمه أن يضربها بسوطه فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها و جنبيها إلى أن أنهكها و أثر في جسمها الشريف...».

وَ بِلَصٌ بَاب حِينَ أَجْهَضَ حَمْلَهَا *** بِالسَّهُم أَرْدِي لِلْحُسَيْنِ جَنِينُ(1)

وَ بِقَطْعِهِمْ أَصْلَ الأَرَاكَةِ حَيْثُ لاَ *** ظِلاً عَلَى الزَّهْرَا البَتُولِ تَكُونُ

في كَرْبَلاءَ مِنَ الحُسَيْنِ جَراءةً *** قُطِعَتْ يَسَارٌ شُرفَتْ وَ يَمِينُ

وَ كَذَلِكَ السَّجَّادُ بَعْدَأَبِيهِ مَا *** بِالأسْرِ هَلْ يَدَيْهِ وَ هُوَ حَزِينُ

إِلَّا إلا الَّذِي قَادَ الوَصِيَّ مُلَبَّباً *** وَ لِفَاطِم الزَّهْرَا وَرَاهُ حَنينُ(2)

مَضْعُوظَةً بَيْنَ الجِدَارِ وَ بَابِها *** وَ مِنَ الشَّجُونِ فُؤَادُها مَشْحُونُ

تَدْعُوهُمُ: خَلُوا ابْنَ عَمِّي قَبْلَما *** أَدْعُو وَ طَرْفِي بِالدُّمُوعَ سَخِينُ

لَمْ يُشْفِكُمْ إِسْقَاط حَمْلِي مِنْ حَشَا *** كَبِدِي وَ فِيها حُرْقَةٌ وَ شُجُونُ(3)

عَنْ أَخْدِكُمْ بَعْلِي يُقَادُ مَلیباً *** مِنْ وَسْطِ دَارِي مَا لَدَيْهِ مُعينُ(4)

فَالْيَوْمَ مِنْ نَبْكِيهِ مِنْ أَهْلِ العَبا *** وَ لَهُ تَسِيلُ مِنَ العُيُونِ شُؤُونُ

ص: 95


1- لص الباب: إغلاقه. جاء في «الاحتجاج» ج1 ص109 -ط النعمان في النجف الأشرف (1966). «... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها جنبها...».
2- في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص339 ط/ مؤسسة انتشارات علامة/ قم. تفيد المعنى المذكور: «...عن سلمان الفارسي أنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام أنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام من منزله خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي الله علیه و اله و سلم بالحق لئن لم تخلوا لأنشرن شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم على رأسي...». انظر و أيضاً بحار الأنوار ج43 ص47 ضمن ح46. و في تفسير العياشي ج2 ص67 ضمن ح76 ط/ المكتبة العلمية الإسلامية/ طهران. «...ثم دخلوا فأخرجوا عليا علیه السلام ملبياً، فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي واللّه لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري...». انظر «البرهان في تفسير القرآن» ج2 ص93 ح4 ط3/ مؤسسة الوفاء -بيروت.
3- جاء في «دلائل الامامة للطبري» ص45 ط الثالثة في ايران قم المقدسة -منشورات الرضي. منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف (1963). «... و حملت بمحسن فلما قبض رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و جرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها و إخراج ابن عمها أميرالمؤمنين علیه السلام و ما لحقها من الرجل أسقطت به ولداً تماماً و كان ذلك أصل مرضها و وفاتها علیها السلام.
4- مليباً: مجروراً.

لِسُلالَةِ المُخْتَارِ لَمَّا وُشْحَتْ *** بِالسَّوْطِ مِنْهَا أَضْلُعٌ وَ مُتونُ(1)

أَمْ لِلْوَصِيِّ وَ قَدْ قَضَى مِنْ ضَرْبَةٍ *** بِشَبَا حُسَامٍ حَدُّهُ مَسْنُونُ؟(2)

أَمْ لِلْحُسَيْنِ المُبْتَلَى بِفَوَادِحٍ *** عَنْهَا جَمِيعُ الحَادِنَاتِ تَهُونُ؟

فَإِذَا جَرَى مِعْشَارُ ذِكْرِ مُصَابِهِ *** مِنْهَا الجِبَالُ الرَّاسِخَاتُ تَلِينُ(3)

ص: 96


1- في كتاب الاحتجاج، ج1 ص109 ط/ النعمان في النجف الأشرف (1966). «... وحالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها...».
2- شبا حسام: حدُّ السيف.
3- دیوان ملا علي آل رمضان ص268 والقصيدة في (41) بيتاً) أخذنا منها ما نحن بصدده.

(29) أزقت أهل المدينة

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

أَرْضُ المَدِينَةِ أَظْلَمَتْ أَوْطَانُهَا *** وَ تَنَكَّرَتْ لَمَّا قَضَى سُلْطَانُهَا

وَ بَكَى عَلَيْهِ المُرْسَلُونَ وَ كَيْفَ *** لَايَبْكِي لِمَنْ مِنْ سِرِّهِ بُرْهَانُها؟

وَ الأَرْضُ قَدْ عَجَّتْ عَلَيْهِ عَجَّةً *** مِنْ رَجْفَةٍ بَلَغَ السَّمَاءَ دُخانُهَا(2)

وَ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ البَتُولَهُ أَصْبَحَتْ *** مِنْ حُزْنِهَا مُنْهَدَّةً أَرْكَانُها

تَبْكِيهِ تَحْتَ أَراكَةٍ وَدُموعُهَا *** تَجْرِي عَلَى وَجْهِ الثَّرَى مَرْجَانُهَا(3)

فَاسْتَأَصَلُوا أَصْلَ الأَرَاكَةِ خِيفَةً *** أَنَّ البَتُولَ تُظِلُّهَا أَغْصَانُهَا

فَإِذَا سَجَا جُنْحُ الدُّجَى وَ تَذَكَّرَتْ *** فِيهِ تَهَجَّدَهُ يَذُوبُ جَنانُها(4)

فَتَنُوحُ نَوْحَ الوَرْقِ مِنْ قَلْبِ بِهِ *** قَبَساتُ وَجْدِ تَصْطَلِي نِيرانُها(5)

قَدْ أَرَّقَتْ أَهْلَ المَدِينَةِ وَ اشْتَكَتْ *** عِنْدَ الوَصِيِّ المُرْتَضَى أَعْيَانُهَا(6)

يَدْعُونَهُ: يَا مَنْ أَشَادَ حِمَى الهُدَى *** وَ المُشْرِكُونَ بِهِ فَنَتْ أَوْثَاتُهَا

هذِي ابْنَةُ المُخْتَارِ فَاطِمُ بَعْدَهُ *** مِثْلُ الحَمَامَةِ لَمْ تَنَمْ أَجْفَانُها

ص: 97


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- عجتُ: اشتدت الرياح فأثارت الغبار.
3- مرجانها: صغار اللؤلؤ.
4- سجا: دام و سكن. جنح الدجى: طائفة من الظلام. تهجّده: سهره.
5- الوَرْق: الحَمام. تصطلي: تستدفىء.
6- انظر ما ورد عن كتاب البحار ج43 ص155 باب ما وقع عليها من الظلم عن أبي عبدالله علیه السلام.

إِمَّا تَنُوحُ عَشِيَّةً أَوْ عُدْوَةً *** مَهمَا اكْفَهَرَّتْ فِي الحَشا نِيرانُها

فَدَعاهُمُ خَيْرُ الوَرَىٰ وَ دُمُوعُهُ *** تَجْرِي لِذِكْرَى أَحْمَدٍ هَتَانُها(1)

يا قَوْمِ هَلْ تَدْرُونَ فَاطِمَ مِنْ عُلاَ *** تُبْدِي الحَنِينَ إِذَا بَدَتْ أَحْزَانُها؟

تَبْكِي لِوَالِدِهَا حِذَاراً بعْدَهُ *** فِي هَذِهِ الدُّنْيا يَطولُ زَمَانُها

مَهْضُومَةٌ مَا بَيْنَ شَرِّ عِصَابَةٍ *** عَانَتْ بِرقَةِ جِلْدِها سِيِطانُها

وَ بِدَارِها قَدْ أَضْرَمُوا ناراً وَرَتْ *** فَكَأَنَّ فِي قَلْبِ النَّبِيِّ لِسانُها

نارٌ قد اشتعلتْ بِمَنْزِلِ فَاطِمٍ *** قَدْ شَبَّ فَسْطَاطَ ابْنِهَا لُهْبَانُها(2)

ص: 98


1- هتّانها: تتابع مطرها.
2- نقلت من ديران ملا علي آل رمضان ص96 و القصيدة طويلة أخذنا منها ما كان فى الزهراء علیها السلام.

(30) دار بها الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

یا حَیَّ دارٍ کَثِيرَةِ الأَحْزَانِ *** بِنْتَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى العَدْنَانِ(2)

كَمْ عَبْرَةٍ يَا دَارُ فِيكِ تَحَدَّرَتْ *** مِنْ أَعْيُنِ الزَّهْراءِ كالمَرْجَانِ(3)

حَتَّى قَدِ انْتَحَلَتْ لِطُولِ مُصابِها *** مِنْ فَقْدِ وَالِدِها عَظِيم الشَّانِ(4)

وَ عَنْ الْتِهابِ الشَّمْسِ كانَتْ تَلْتَجِي *** بِأَرَاكَةٍ مُلْتَفَّةِ الأَغْصَانِ

حَتَّى هُنالِكَ مِنْ تَمَادِي غَيْهِمْ *** قَطَعَ الأَراكَةَ ذانِكَ الرَّجُلانِ!!

دارٌ بِهَا الزَّهْراءُ طالَ حَنِينُها *** مِمَّا بِأخشاها مِنَ الأَشْجانِ(5)

ص: 99


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- (والبيت الذي يليه) في بحار الأنوار ج43 ص177 ضمن ح15 ط الثانية مؤسسة الوفاء. «... ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان» و كانت إذا أصبحت قدمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلاتزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها و لم تزل على ذلك إلى أن مضى لها بعد موت أبيها سبعة و عشرون يوماً.
3- المرجان و المفرد المرجانة و هي اللؤلؤة الصغيرة.
4- في «بحار الأنوار» ج43 ص156-157 ح5 «عن المناقب»... «و قالت علیه السلام: في جواب أم سلمة «رضوان الله تعالى عليها»، إذ قالت لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟: أصبحت بين كمد و كرب فقد النبي و ظلم الوصي...». و وردت في «المناقب» لابن شهر آشوب ج2 ص205.
5- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص362/ ط انتشارات علامة قم: «و روي أنها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة و تقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة؟ أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما؟ فلايدعكما تمشيان على الأرض و لاأراه يفتح هذا الباب أبداً و لايحملكما على عاتقه...». انظر كتاب روضة الواعظين، ص167 ط1/ مؤسسة الأعلمي. و كذا كتاب بحار ج43 ص181 ضمن ح16.

الجزء الخامس

أَرْوَوْا بِمَرْجانِ المَدامِعِ أَرْضَها *** فِي كُلِّ وَقتٍ مِنْكُمُ وَ زَمَانِ

مُسْتَشْعِرِيْنَ بِها انْتِحابَ البَضْعَةِ *** الزَّهْرا البَتُولِ وَ حَوْلَها الحَسَنانِ(1)

الْفَرْقَدُ الأَسْنَى الزَّكِيُّ المُجْتَبَى *** وَ شَقِيقُهُ السِّبْطُ الشَّهِيدُ الثَّانِي

المُبْتَلَى فِي كَرْبَلابِفَوادِحٍ *** فِي نَفْسِهِ وَ حُماتِهِ الأَقْرانِ

نَفَرٌ وَ قَوْهُ مِنَ الرَّدَى فَاسْتُشْهِدوا *** مِنْ حَوْلِهِ فَبَقِي بِلاأَعْوَانِ(2)

وَ لَطَالَما قَدْ ضَيَّقُوا الوِدْيانَ مِنْ *** جَيْشِ العِدَى بِالْهامِ وَ الأَبْدانِ

وَ قَدِ اسْتَدارَتْ حَوْلَهُ لِقِتَالِهِ *** مِنْ آلِ حَرْبٍ أَلْفُ أَلْفِ عِنانِ

إلى أن قال:

أمِنَ المُعَنِّي البَضْعَةَ الزَّهْرَا عَلَى *** قَتْلِ الشَّهِيدِ الفَرْقَدِ الهَمَدانِي

: 100


1- بحار الأنوار ج43 ص177 ضمن ح15: «...ثم رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لاترقاً دمعتها و لاتهدأ زفرتها و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمينن علیه السلام علي فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل و النهار فلا أحد منا يهنأ بالنوم في الليل على فُرشنا و لابالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معايشنا و إنّا نخيرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً...». و في كتاب كشف الغمة، ج2 ص93 ط دار الكتاب الإسلامي بيروت.«...قال: خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و قد أخذ بيد فاطمة علیها السلام و قال: من عرف فاطمة علیها السلام هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله .و سلم و هي بضعة مني و هي قلبي الذي بين جنبي...».
2- الرَّدى: الموت.

ما حالُها لَوْ شاهَدَتْهُ عَلَى الثَّرَى *** وَ الرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى سِنانِ سَنانِ(1)-(2)

ص: 101


1- (والبيت الذي سبقه) لعله أراد الرواية الواردة في كتاب البحار، ج32 ص222 ح8. حال الزهراء علیها السلام حين ترى الحسين علیه السلام يوم القيامة و هو مذبوح بلا رأس فما حالها لو رأته على الثرى... «...قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة علیها السلام في لمة من نسائها فيقال لها: إدخلي الجنة. فتقول: لاأدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي فيقال لها: انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين علیه السلام قائماً و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و اصرخ لصراخها و تصرخ الملائكة لصراخنا فيغضب الله «عزوجل» لنا عند ذلك فيأمر ناراً يقال لها: هبهب. قد أوقد عليها ألف عام حتى أسودَّت...».
2- دیوان ملا علی آل رمضان ص262 و القصيدة في (35) بيتاً أخذنا منها ما نحن بصدده.

(31) درة قدسية

(بحر الكامل)

الشيخ ملا علي آل رمضان(*)(1)

مَنْ جَدَّ عِرْنِينَ الْهُدَى وَ الدِّينِ *** مِنْ آلِ طهَ عِلَّةِ التَّكوينِ؟(2)

وَاجْتَتَ يُمْنَى هَاشِمٍ وَ شِمَالِهَا *** وَ آدَىٰ مِنْهُمْ كُلَّ لَيْثِ عَرِينِ(3)

مَنْ حَلَّ عَقْدَ نِظَامِ بَيْعَةِ أَحْمَدٍ *** لِوَصِيْهِ الْكَرَّارِ خَيْرِ أَمِينِ

وَ أَشَادَ أَفْنِيَةَ الضَّلالِ سَفاهَةً *** وَ اسْتَأَصَلَتْ يَدُهُ أُصولَ الدِّينِ

وَ أَنَّى إِلَى الزَّهْرا وَاجْهَضَ حَمْلَها *** سِقْطاً بِمَنْزِلِها فَنَايَاسِينِ

قَدْ لَصَّها بِالْبَابِ فَانْتَدَبَتْ أَلاَ *** يَا فِضَّةٌ قُومِي إِلَيَّ خُذِينِي(4)

قَتَلُوا جَنِينِي فِي الحَشَا يَا وَيْلَهُمْ *** لَمَا بِعَرْضِ الْبَابِ قَدْ عَصَرُونِي

أَوَ لَيْسَ قَالَ مُحَمَّدُ الْمُخْتَارُ: مَنْ *** آذى البتول سُلالَتِي يُؤْذِينِي(5)

وَ الْيَوْمُ قَدْ هَجَمُوا عَلَيَّ وَ أَخْرَجُوا *** بَعْلِي عَلِيّاً بَعْدَ مَا ضَرَبُونِي

فَلأَشْكِيَنَّ إِلَى الْجَلِيلِ بَلِيَّتِي *** وَ أَبُثُ دَمْعاً مِنْ جُفُونِ عُيُونِي

مَا كَانَ نَاقَةُ صَالِحٍ مِثْلِي وَ لَا *** فِي الْفَضْلِ كَانَ فَصِيلُهَا كَجَنِينِي

ص: 102


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جذ: قطع. عرنين: الأنف أو أوّل كل شيء.
3- اجتثّ: قطع. عرين: مأوى الأسد.
4- لصّها: التزقها.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم، قال: فإنها هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.

وَ أَنا ابْنَةُ الْمُخْتَارِ فَاطِمُ دُرَّةٌ *** قُدْسِيَّةٌ مِنْ جَوْهَرِ مَكْنُونِ

فَقَضَتْ وَ آثارُ السَّيَاطِ بِظَهْرِهَا *** وَ بِجَنْبِها حُزْنِي لَهَا وَ حَنِينِي(1)

ص: 103


1- نقلت من ديوان ملاعلي آل رمضان ص39. و القصيدة من (60) بيتاً نظمها في ما جرى على عترة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من بعد وفاة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و أخذنا ما نحن بصدده عن سيدة النساء.

(32) غصب الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

علي بن علي بن نما الحلي(*)(1)

يا غَزالاً غَازَلْتُ فِيهِ غَرَامِي *** فَأَبَى أَنْ يَدِينَ لِي أَوْ يَلِينِي

لا وَمَا رَقَ مِنْ مُدَامَةِ خَدَّيكَ *** وَ ماءٍ أُرِيقُهُ مِنْ جُفُونِي

وَ عَذَابِ يَحْمِلْنَ ظُلْمَكَ حَمْلِي *** لِعَذَابِ ظُلماً بِهِ تَبْتَلِينِي

منها في مدح علي بن أبي طالب «رضي الله عنه»:

أصِفُ السَّيِّدَ الَّذِي يَعْجَزُ الوا *** صِفُ عَنْ عَدْ فَضْلِهِ فِي السِّنِينِ

خَاصِفَ النَّعْلِ خَائِضَ الحربِ فِي بَدْرٍ *** وَ أُحْدٍ وَ الفَتْحِ حَوْضَ السَّفِينِ(2)

ذا القَضَايَا الَّتِي بِهَا حَصَلَ التَّمْيِيزُ *** بَيْنَ المَفْرُوضِ وَ المَسْنُونِ

سَلْ بَراةً عَمّنْ تَوَلَّتْ وَ أَفكرْ *** إِنْ طَلَبْتَ النَّجَاةَ فِكْرَ ضَنِينِ

أيُوَلَّى على البَرِيَّةِ مَنْ ليسَ *** عَلَى حَمْلِ سُورَةٍ بِأَمِينِ؟

إِنَّ فِي مَرْحَبٍ وَ خَيْبَرَ وَ البابِ *** بلاغاً لِكُلِّ عَقْلٍ رَصِينِ

وَ رُجُوعُ التَّيْمِي أَخْيَبَ بِالرّايَةِ *** كَفَّاً مِنْ صَفْقَةِ المَغْبُونِ

ص: 104


1- (*)علي بن نما الحلي علي بن علي بن نما بن حمدون بن أبي القاسم الكاتب من أهل الحِلّة السيفية، و هو أخو الحسين الأكبر. تصرف في الأعمال الديوانية، و كان فاضلاً و أديباً و شاعراً و هو شجاع في ولائه و تشيعه مدح الأكابر و سافر إلى الشام. توفي سنة (579 ه-).
2- خاصف النعل: أطبق على النعل مثلها و خرزها بالمخصف و المخصف هو مخرز الاسكاف. السفين: السفينة.

أَلِشَكُ مِنْ شَوْكَةِ الحَرْبِ حَادُّوا *** يَوْمَ أُحُدٍ أَمْ خِيفَةً لِلْمَنُونِ؟!

وَ أَرَى الحَالَتَيْنِ تُوجِبُ للإبْطالِ *** إِبْطالِ ما ادَّعَى مِنْ فُتُونِ

وَ كَفَىٰ فَتْحُ مَكَةٍ لِمَنِ اسْتَيْقَظَ *** أَوْ نَالَ رُشْدَهُ بَعْدَ حِينِ حِينَ

حِینَ وَلَّى النَّبِيُّ رَايَتَهُ سَعْدَ *** المُفَدَّى مِنْ قَوْمِهِ بِالعُيُونِ

فَشَجَاهُ الأَعْسَى عَلَيْهِم وَ *** للأوسِيِّ شِعبٌ مِنْ قَلْبِهِ غَيْرُ دُونِ

فَرَأَى أَنَّ عَزلَهُ بِعَلِيَّ *** هُوَ أَحْمَىٰ لِمَجْدِهِ مِنْ أُفُونِ(1)

عَجَبُ البَيْتِ إِذْ رَقَتْ قَدَماهُ *** كَتِفاً جَلَّ عَنْ يَدَيْ جِبْرِينِ(2)

رُتْبَةٌ لَوْ سَما سِوَاهُ إِلَيْها *** قَابَلَتْهُ الأَصْنامُ مِنْ غَيْرِ هُونِ

ثُمَّ قَالَتْ: أَتَكْسِرُونِيَ يا قَوْمِ *** وَ بِالأَمْسِ كُنْتُمُ تَعْبُدُونِي؟

وَ إِذَا مَا عَدَدْتَ سَبْقَ ذَوِي الهجرَةِ *** يَوْماً هِجَانِهِمْ وَ الهَجِينِ(3)

شَرِكَتْ لَيْلَةُ الفِرَاشِ بِفَضْلِ *** الكُلِّ شَتَّ النَّوَى بِحَيِّ قَطِينِ

وَ اشْرَحُوا القَلْبَ فِي أَسَامَةَ إِذَ *** أَبْطَلَ تَسْرِيحَ جَيْشِهِ وَ سُمُونِي

حيْثُ لاَيُمْكِنُ الوُثُوبُ أخو العَذْلِ *** وَ لاَعَادِلٌ أخو التَّمْكِينِ

إنَّ غَضبَ الزَّهْراءِ إِرْثَ أَبِيهَا *** وَ اذْكَارُ ارْتِجَاعِها بَعْدَ حِينِ(4)

لفَظِيعٌ لَمْ يَحْفَقُوا فِيهِ إِلاَّ *** لِلنَّبِيِّ الهَادِي وَ لاَ إِلَّ دينِ

يا لَهَا مِنْ فَرِيسَةٍ أَنْقَذَتْها *** بَعْدَ بُطْءٍ فَرَاسَةُ المَيْمُونِ

ص: 105


1- أفون: ضعيف الرأي. و الظاهر الصحيح من (أفین) لا (أفون) لأن أصله (أفنَ) ولاضرورة تجبرنا على (أفون) إذ الصيغة الصحيحة تحفظ الوزن أيضاً و اللَّه العالم.
2- جبرين: جبريل.
3- هجانهم: قبيحهم و عيبهم. والهجين: اللئيم.
4- في كنز الفوائد للكراجكي، ص361 يقول حول فدك و من عجائب الأمور تأتي فاطمة علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم تطلب فدك و تظهر أنها تستحقها فيكذب قولها و لاتصدق في دعواها و تردّ خائبة إلى بيتها ثم تأتي عائشة بنت أبي بكر تطلب الحجرة التي أسكنها إياها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و تزعم أنها تستحقها فيصدق قولها و تقبل دعواها و لاتطالب ببينِّة عليها.

منها:

سَيْفَ صِدْقٍ لَمْ يَأْلُ فِي اللَّهِ جَهْداً *** بِجِهَادٍ مَسْتَحْقَبِ لِلضُّعُونِ(1)

فَاقْتِضاهُ يَوْمِ السَّقِيفَةِ مَا اسْتَسْلَفَ *** فِي بَدْرٍ سَيفَهُ مِنْ دُيُونِ

إحَنٌ أعْجَزَتْهُمُ أَنْ يَلُوها *** وَ هْيَ مِنْ طَيْ كُفْرِهِمْ فِي كَمِينِ(2)

ص: 106


1- لم يألُ: لم يقصر و لم يبطأ، مستحقب للضغون للحقود. مجمع للحقود.
2- إحن: أحقاد. قال: محب الدين بن النجار: -ينشدها الشيعة في المواسم في مشاهد أهل البيت علیهم السلام. و لم نعثر على كل القصيدة و لم نجد ترجمة للشاعر في كتبنا. عن كتاب الوافي بالوفيات ج21 ص335 رقم 219 ذيل كتاب تاريخ بغداد لابن النجار ص344 رقم 149.

(33) خط البتولة علیها السلام واضح

(بحر الكامل)

السيد عمران المير

ذِكْرَاكِ يا بنتَ الأمينِ *** تَحْيَا عَلَى مَرُ السِّنِينِ

ذِكْرَاكِ أضْحَتْ شُعْلَةً *** وَضَاءَةً فَوْقَ الجَبِینِ

يا بِنْتَ الرِّسَالَةِ *** أَصْبَحَتْ نَبْعَ المَعِينِ(1)

یابِنت طة أَحْمَدٍ *** وَ أُمَّ أَشْبال العَرينِ(2)

ها قَدْ أَيثُكِ لَوْعَةً *** مِنْ قَلْبِي الواهِي الحَزِينِ

مَاذَا أَقُولُ وَ هَلْ سَتُجْدِي *** قَوْلَتِي نَفْعاً لِحِينِ؟

خَدَعُوا فَتاةَ العَصْرِ فِي *** أَسْلُو بِهِمْ ذَاكَ المُهِینِ

لَعِبُوا عَلَى عَقْلِ الفَتَاةِ *** نَصَبُوا لَهَا شَرَّ الکَمِینِ

قَدْ تَاجَرُوا بِعَفَافِها *** وَ أَصْبَحَتْ صِفْرَ اليَدَيْنِ

قَالُوا لَهَا إِنَّ التَّحَرُّرَ *** مِنْ ياءٍ خَيْرُ دِينِ

قَالُوالَهَا طَرْحُ الحِجَابِ *** تَقَدُّمٌ فِي العَالَمِینِ

هيّا اطْرَحِيهِ فَإِنَّكِ *** فِيهِ السَّجِينَةُ فِي سَجِينِ

قَالُوا لَها نُورِي عَلَى *** زَوْجِ لَكِ شَرِّ القَرِينِ(3)

ص: 107


1- المَعِين: الماء الجاري.
2- العرين: بيت الأسد.
3- القرين: المقرون بآخر المصاحب العشير الزوج.

قَالُوا لَهَا ثُورِي عَلَيْهِ *** وَ حَطْمِي غُلَّ اليَ الَيَدْينِ(1)

قُولِي لَهُ أَنَا حُرَّةٌ *** إِنْ شِئْتَ أُخْرُجْ يا قَرِينِي

إِنْي أُرِيدُ حَيَاةَ بِنْتِ *** الغَرْبِ فِي كُلِّ الشُّؤُونِ

خَطُّ... البَتُولَةِ وَاضِحٌ *** لاَلِلْيَسَارِ وَ لاَاليَمِينِ(2)

لا..لاتَكُونِي سِلْعَةً *** تُشْرَى الأَصْحَابِ المُجُونِ(3)

کُونِي مُرَبِّيَةٌ لِجِيلٍ *** شَاءَ رَبِّي أَنْ تَکُونِي

قُولِي سَأَحْمِلُ مَبْدَئِي *** حَتَّى وَ لَوْ قَطَعُوا يَمِينِي

لا لَنْ أَكُونَ بضَاعَةً *** جُلِبَتْ لِهَزِّ لِلْمُتُونِ

إِنِّي سَأَسْلُكُ دَرْبَ بَضْعَةِ *** أَحْمَدَ الهَادِي الأَمِ الأمِينِ

فَهِيَ الشَّفِيعَةُ يَوْمَ لا *** نَفْعٌ لِمَالٍ أَوْ بَنِینِ(4)

شَهِدَ الإِلهُ بِطُهْرِها *** فِي مُحْكَم الآي المُبِينِ(5)

صَلَّي عَلَيْهَا اللَّهُ ما *** غَنَّتْ طيورٌ فِي غُصُونِ

ص: 108


1- غُلّ: الغُلّ. هو القيد و هو طوق من حديد أو جلد يُجعَل في اليد أو العنق.
2- جاء في كتاب أحقاق الحق ج (19) ص11/ ط مكتبة آية الله المرعشي -مطبعة الخيام- رقم 1406 ه-: «...و سمّيت فاطمة البتول علیها السلام لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً، و قيل: لإنقطاعها عن الدنيا إلى اللّه». انظر کتاب عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج1 ص81 إحقاق الحق، ج10 ص26 الهامش.
3- تُشرى: تُباع.
4- في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص1188 ح8: «...سألت فاطمة علیها السلام النبي صلي الله علیه و آله و سلم أن يكون صداقها شفاعة لأمته القيامة فإذا صارت على الصراط طلبت صداقها.
5- إشارة إلى «آية التطهير» ففي كتاب ذخائر العقبى، ص23/ ط مؤسسة الوفاء -بيروت. «...عن واثلة بن الأسقع قال سألت عن علي في منزله فقيل لي: ذهب يأتي برسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إذ جاء فدخل رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و دخل فجلس رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على الفراش و أجلس فاطمة علیها السلام عن يمينه و علياً علیه السلام عن يساره و حسناً و حسيناً علیهما السلام بين يديه و قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام...».

(34) هداها القرآن

(بحر الخفيف)

الأستاذ فرات الأسدي(*)(1)

قمرٌ يشعُّ بهاءً حزينُ *** ملأ الليلَ وجهه المفتونُ

و تدانی فشفَّه خجل الأرض، *** و قد نمَّ طرفُها المرهونُ

لیتَها بالهوى تبوحُ إليه *** فيُناجى طيفٌ و تُروى شجونُ

كم أسرَّت جوّى يُلحُّ عليها *** و أذاع الأسرار حبُّ مكينُ

***

ضمّنَتْه الشكاةُ للألق المخضلِّ *** فيه أديمُها، و السنينُ

و لقاء سمعت إليه و طافتْ *** كل شوط حتى أضاء اليقينُ

طورُها مهدُ فاطم أين منه *** في التجلّي حراءُ أو سينينُ!

***

يا بنةَ النور، و العوالم جاءت *** كيف شاءت: تكونُ أو لاتكونُ

***

ص: 109


1- (*) هو الشاعر الأستاذ فرات الأسدي؛ ولد سنة (1380) ه-)، من عائلة علمية معروفة، أنهى شطراً من الدراسة الأكاديمية و درس عدة مراحل في الحوزة العلمية، و من نتاجه الأدبي: 1- (ذاكرة الصمت و العطش). 2- (صدقت الغربة يا إبراهيم). 3- (النهر وجهك). 4- (الخناجر الميتة): رواية، و له مساهمات فعّالة في النوادي الأدبية و الثقافية و الدينية، كما شارك في الصحافة و الكتابة الأدبية و يدير الآن دار الأدب الإسلامي: مشروع النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام في الشعر العربي.

و بأفلاكها مداراتُ هذا *** الكون صلّتْ، و سبّح التكوينُ

أُنظرينا فنحنُ رهطُ مواليك *** و ما ضيَّعَ اليسار يمينُ

لك ودٌ مخضوضر بدمانا *** أنت فيه، و التينُ و الزيتونُ

جذره القلبُ والحنايا غصونُ *** و له من تُراب خطوك طينُ

رفِّ لم يختلفْ لديه و تينُ *** أو أطاحت بنبضه سکَینُ

بل مضى، يمنحُ المفاداةَ عمراً *** علويّاً، شهيدهُ و السجينُ!

***

قمرٌ شاحبُ... و دربٌ حزينُ *** و المدى في حداده مركونُ

... المدى شائه المسافة يهوي *** دونه الليل و السُرى و العيونُ

عثر النجم فيه وارتدَّ ركبٌ *** أسلمته إلى خطاه الظنونُ

فإذا التيهُ رايةٌ و الخطايا *** جندها، و الحداةُ صوتٌ هجينُ

***

وإذا غايةُ المسيرة أن يشدَّ *** رهجُ، وأن تُساق مُتونُ!

***

لُعنَ الغدرُ أيُّ نصر ذليلٍ *** راح يجنيه حدُّهُ المسنونُ

أيُّ ذكرى منسيّة لبريق *** كان في الفتح يلتظي و يبينُ

حسبُه اليوم غمدُهُ و غبارٌ *** صدىءٌ باردٌ عليه يَرينُ!

***

خُيلاء السيوف تملأُ عطفَيه *** ادّعاءً... وَ يشمخ العرنينُ

ثمَّ لا شيءَ غير عزم دعيِ *** هو في زحمة العزائم دُونُ

إيه يا أُمّة السقيفة هلاً *** رفَّ جفنٌ... هلّا تندّى جبينُ

ص: 110

ما نفضت الأكفَّ من تربِ طه *** بعد حتى استفاق حقدٌ دفينُ

و صدورٌ موغرةً و غضونُ *** في وجوهِ يؤودهُنَّ مجونُ

ما توضّأنَ بالغدير ولكن *** غار تحت الجلود جدبٌ ضنينُ

هل تراها تطيقُ طهرَ عليّ *** و هو يشذى بمائه النسرينُ

***

أم تراها تجلُّ فاطمة *** الزهراء، و الحق حلفْها و الدينُ

و هُداها القرآن و الدمع إلفُ *** و صلاةٌ محزونةٌ... و حنينُ

***

و أطاحت بالأزهر الفاطميّ *** المجد، و انصاع تحتَها يستكينُ

وإلى الآن لم تزل ورؤاها *** ينسَلُ الوهمُ بينها و الهونُ!

و الغريُّ الذي بها راح يصلى *** و البقيعُ الذي بها مطعونُ

و غداً يثقلُ الحسابُ عليها *** كم يُؤدّى غرمٌ، و تُوفى ديونُ؟

فوراء الغيوبِ اللَّه أمرٌ *** و لخيل المهديّ شوطُ يحينُ!

ص: 111

(35) الحرمة الكبرى

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي(*)(1)

لَوْ كُنْتَ تَدْرِي مَاشُجُونِي *** مَا لُمْتَ ذَا الطَّرْفِ الهَتُونِ(2)

وَ لَمّا عَذَلْتَ أَخَا جَوّى *** مِثْلِي عَلَى فَرْطِ الأنِيْنِ(3)

دَعْ يا خَلِيَّ الْقَلْبِ ما *** فِي القَلْبِ مِنْ دَاءٍ دَفِينِ

دَعْ طَرَفي الْمَقْرُوحِ دَعْ *** جِسْمِي المُذَابَ مِنَ الحَنِينِ

وَ هْلاً مَعِي إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ *** دِينُهُمْ هُمْ فِي الحُبِّ دِينِي

أَوْلا فَقُمْ لاراشِداً *** فَاللَّوْمُ إِغْرَاءُ الْحَزِينِ

لاتَحْسَبَني ها زِلاً *** کَلاَ فما هُوَ مِنْ شُؤُونِي

لاتَعْجَبَنَّ فَفَوْقَ وُ سْعِي *** ماعرانِي مِنْ شُجُونِي

فِي الْحُزْنِ ما أَنَا مَفْرَدٌ *** وَ لَكُمْ بِهِ لِي مِنْ قَرِينِ

كَمْ وَالهِ مِثْلِي مَضَى *** فيما يَمُرُّ مِنَ السِّنِينِ

مُتَسَرْ بِلا لِلْحَشْرِ مِنْ *** فَرْطِ الأَسَى سِرْبالَ جُونِ(4)

لمُصَابِ سَيِّدَةِ النِّسَاء *** وَ رَبَّةِ الخِدْرِ الْمَصُونِ

بَقِيَتْ وَ يَا لَهْفِي عَلَيْهَا *** بَعْدَ وَالِدِها الأَمِينِ

مَا بَيْنَ كُلِّ مُنَافِقِ *** أَوْظَالِمِ رِجْسٍ لَعِینِ

ص: 112


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر فى الجزء الأول.
2- الطَّرْف الهتون: العين المتتابعة دموعُها.
3- عذلتَ: لُمْتَ.
4- جُون: أسود.

خَانُوا النَّبِيَّ بِهَا وَكَمْ *** أَوْصَى فَوَيْلٌ لِلْخَؤُونِ

وَ ضَئِيلُهُمْ أَرْقَوْهُ مِنْبَرَ *** أَحْمَد بَدَل البطینِ(1)

یَا وَيْلَهُمْ إِذْ يَعْدِلُونَ *** إِلَى الْغَبِيِّ عَنِ الطَّبِينِ(2)

وَ الحُرَّةُ الزَّهْرَاءُ بَضْعَتُهُ *** أَرَوْها كُلَّ هُونِ(3)

مَنَعُوا عَلَيْهِ بُكَاءَهَا *** وَ اسْتَأْصَلُوا ذَاتَ الْغُصُونِ(4)

وَ تُرَاثُها اغْتَصَبُوهُ حَتَّى *** أَصْبَحَتْ صِفْرَ الْيَمِينِ

وَ أَمَضُّ خَطْبٍ مُقرِحٍ *** لِلْقَلْبِ أَنْ ذَوِي الضُّغُونِ

هَجَمُوا عَلَى الدَّارِ الَّتِي *** هِيَ مَهْبِطُ الْوَحْيِ الأَمِينِ

وَ الحُرْمَةُ الكُبْرَى اسْتَباحُوها *** مِنَ الخِدْرِ المَصُونِ

وَ الطّهْرُ ظُلماً ضِلْعَها *** كَسَرُوا فَعَجَّتْ بِالرَّنِينِ(5)

ص: 113


1- أشار إلى ذلك سليم بن قيس في كتابه ص25 عن البراء بن عازب يقول: افتقدت أبابكر و عمر ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر و عمر و أبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة و هم محتجزون بالأزر الصنعانية لايمر بهم أحد إلا خبطوه فإذا عرفوه مدوا يده على يد أبي بكر، شاء ذلك أم أبى.
2- البطين: الفطين (ذو الفطنة والذكاء).
3- في كتاب العوالم ج2/11 ص574 قالت فاطمة علیها السلام في وصيتها لأميرالمؤمنين علیه السلام: لاتصلّي عليَّ صلى الله عليه و آله و سلم أمة نقضت عهد الله و عهد أبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في أميرالمؤمنين علیه السلام علي و ظلموني حقي و أخذوا ارثي و خرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك و كذبوا شهودي إلى أن قالت فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم باللّه و بأبي صلى الله عليه و آله و سلم أن يكفوا عنا وينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع و جهي فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم، فهذه أمة تصلّي عليّ؟! وقد تبرأ الله ورسوله صلى الله عليه و آله و سلم منهم، و تبرأت منهم.
4- (ذات الغصون) كناية عن الاراكة التي كانت تستظل بها في البقيع وتنوح والدها «سلام الله عليهما».
5- في كتاب بحار الأنوار ج43 ص173. ما أخبر به النبي الله صلي الله علیه و آله و سلم بظلم أهل البيت علیهم السلام بعده (إلى أن قال) وانتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت ارثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها و هي تنادي يا محمداه صلي الله علیه و آله و سلم.

وَ دَعَتْ بِفِضَّةِ عَجِّلِي *** قَدْ مَاتَ فِي بَطْنِي جَنِينِي(1)

وَ تَرَفَّقِي بِي وَيَكَ فَالْمِسْمارُ *** فِي الجنبِ الْيَمِينِ(2)

والْقَوْمُ مَا انْعَطَفُوا بَلَى *** عَطَفُوا عَلَى الْحِلْمِ الرَّزِينِ

وَ اسْتَخْرَجُوهُ مُلَبَّباً *** وَ هُوَ الهِزَبْرُ مِنَ الْعَرِينِ(3)

فَأَعْجَبْ لِحَبْلِ أَسْوَدٍ *** يَلْوِي عَلَى الْحَبْلِ المَتِينِ(4)

لانَاصِراً إِذْ يَسْتَغِيثُ *** وَ مَا هُنَالِكَ مِنْ مُعِينِ(5)

إِلاَّ الَّتِي خَرَجَتْ تُعَثُرُ *** بِالذُّبُولِ مِنَ الشُّجُونِ(6)

ص: 114


1- وردت الإشارة إلى ذلك في عوالم العلوم ج2/11 ص 941 بنقله عن البحار: قالت فاطمة علیها اللسام: آه يا فضة إليك فخذيني فقد واللّه قتل ما في أحشائي من حمل وسمعتها و هي مستندة إلى الجدار و اشتد بها المخاض و دخلت البيت فأسقطت سقطاً سمّاه علي محسناً.
2- وردت الإشارة إليه في «مؤتمر علماء بغداد» ص135 و الفقرة هي كالتالي: و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عصر عمر فاطمة علیها السلام بین الحائط و الباب عصرة شديدة أسقطت جنينها و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام يا أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و كذلك ذكر الفيلسوف المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سره في الأنوار القدسية الحادث بقوله: و لست أدري خبر المسمار *** سل صدرها خزانة الأسرار
3- الهزبر: من أسماء الأسد.
4- في كتاب سليم بن قيس ص38: فانطلق قنفذ (الملعون) فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و ثار علي ال إلى سيفه فسبقوه إليه و كاثروه و هم كثيرون فتناول بعض سيوفهم فكاثروه فألقوا في عنقه حبلاً.
5- في عوالم العلوم ج2/11 ص572 قالت الزهراء علیها السلام: واأسفاه عليك يا أبتاه صلي الله علیه و آله و سلم واثكل حبيبك أبوالحسن المؤتمن و أبوسبطيك الحسن و الحسين علیهما السلام إلى أن قالت فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير ثم أنها أنت أنّةٌ وقالت واقلة ناصراه واغوثاه واطول کربتاه و احزناه وامصیبتاه واسوء صباحاه.
6- ورد في عوالم العلوم أيضاً ج2/11 ص572 تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره مليّباً بثوبه يجرونه إلى المسجد. فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها وقالت واللَّه لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله صلي الله علیه و آله و سلم فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باتباعنا و مؤدَّتنا و التماسك بنا.

تَعْدُو وَ تَدْعُو خَلْفَهُمْ *** وَ نَصِيحُ بِالصَّوْتِ الْحَزِينِ(1)

خلّوا ابْنَ عَمِّي لا أُطِيقُ *** فِرَاقَهُ أَوْ تَقْتُلُونِي(2)

ص: 115


1- في العوالم ج2/11 ص 578 عندما قالت فاطمة علیها السلام لأبي بكر بعد أن استئذنا أميرالمؤمنين علي عليه السلام في الدخول عليها هو و عمر في مرضها الأخير الذي توفيت فيه ليعتذرا منها: واللّه لأدعونّ الله عليك في كلّ صلاة أصليها.
2- قلائد و فرائد ص107.

(36) بعد فقد المرشد

(بحر الكامل)

الشيخ كاظم بن المطر الأحسائي(*)(1)

بُعْداً لِقَوْمٍ بَعْدَ فَقَدِ المُرْشِدِ *** ضَلُّوا فَمَا فِيهِمْ تَرَى مِنْ مُرْشِدِ

تَرَكُوا الْوَصِيَّ وَ آزروا تَيْماً عَدِي *** أَلْوَائِبِينَ لِظلم آلِ مُحَمَّدِ(2)

وَ مُحَمَّدٌ مُلقى بِلاتَكْفِينِ

***

نَبَذُو الْكِتَابَ وَ مَا بِهِ قَدْبُيْنَا *** وَ وَصِيَّةٌ طَعَ بِهَا قَدْ أَعْلَنا

بَلْ فِي ذَوِي الْقُرْبى اقْتَدَوْا بِبَنِي الْخِنا *** وَ القَائِلِينَ لِفَاطِمِ آذَيْنِنا

فِي طُولِ نَوْحٍ دَائِمٍ وَ حَنِینِ

***

فَتَرَى تَقِيَّهُمُ وَ مَا فِيهِمْ تَقِي *** عَنْ ظُلم آلِ نَبِيِّهِ لايَتَّقِي

فَغَدا بِمَنْ هَضم الْبَتُولَ سَيَلْتَقِي *** وَ الْقَاطِعِينَ أَراكةً كي ما تقيلَ(3)

ص: 116


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- كانت هذه الأبيات المخمسة ضعيفة السبك متكررة القوافي تحتاج إلى التعديل الكثير فتفضل الشاعر الخطيب الشيخ جعفر الهلالي بإصلاحها و تعديل ألفاظها و قوافيها فألبسها هذا اللباس الجميل فشكراللّه سعيه و أجزل له المثوبة آزروا عاونوا.
3- في كتاب البحار ج43 ص155 (باب ما وقع عليها من الظلم). عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: و أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها... أنظر قافية النون القصيدة (7) الهامش رقم (11) أيضاً. تقيل: بمعنى تنام في منتصف النهار و منه القيلولة.

بِظِلِّ َأوْرَاقٍ لَهَا وَ غُصُونِ

فَكُرُ وَ جَانِبُ كُلَّ ذِي طَرْفِ قَذِي *** مَا فِي الأُلَى لِلْحَقِّ غَيْرِ المُنْبَذِ(1)

وَ أَعْجَبْ لَهُمْ وَ لِخَالِدٍ وَ لِقُنْفُذِ *** وَ مُجَمِّعي خطباً عَلَى الْبَيْتِ الَّذِي(2)

لَمْ يَجْتَمِعْ لَوْلاهُ شَمْلُ الدِّينِ

***

مَا كَانَ أَجْسَرَ أُمَّةً يَا لَيْتَها *** فَنِيَتْ وَ مَا سَبَقَ الْحَرُونُ كُمَيْتَها(3)

کَيْفَ اصْطَبَرْتَ عَلَيَّ يَوْمَ رَأَيْتَها *** وَ الدَّاخِلِينَ عَلَى الْبَتُولَةِ بَيْتَها

وَ المُسْقِطِينَ لَها أَعَزَّ جَنِينِ؟(4)

***

نَادَتْ أَذِكْرُ أَبِي عَلَى أَعْوَادِهِ *** يُتْلَى وَ يُكْسَرُ ضِلْعُ ذَاتِ وِدَادِهِ؟

لَيْتَ النَّبِيَّ يَرَى انْقِلَابَ بِلادِهِ *** وَ الْقَائِدِينَ إمَامَهُمْ بِنجَادِهِ

وَ الطُّهرُ تَدْعُو خَلْفَهُمْ بِرَنِينِ

***

ص: 117


1- طرف قذي: عين وقع فيها القذى و هو التبنة و نحوها و الظاهر أن (قذي) الصحيح فيها (قذٍ) ولكن أبدلت الياء بدل التنوين للضرورة و كذلك الأمر في البيت الذي يليه في (لقنفذ).
2- في كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص12 فدعا (عمر) بالحطب و قال: والذي نفس عمر بيده... الخ.
3- الحرون البغل الذي يقف و لم ينقذ كميت من الخيل ما كان لونه بين الأسود و الأحمر.
4- ما روي في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت و إن في عضدها كمثل الدملج من ضربته «لعنه اللّه» فألجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.

لَهَفِي لِفَاطِمَ حِينَ قَادُوا الأَنْزَعا *** مِنْ خَلْفِهِمْ تَعْدُو وَ تُدْرِي الأَدْمُعا

وَ تَصِيحُ وَيْلَكُمُ وَ كُلُّهُمْ وَعَى *** خَلُوا ابْنَ عَمِّي أَوْ لأَكْشِفَ بِالدُّعا

رَأْسِي وَ أَشْكُو لِلإِلَهِ شُجُونِي

***

لاصَبْرَ لاِمْرَأَةِ يُقَادُ كَفِيلُها *** قَسْراً لِقَوْم مَا اسْتَبَانَ جَمِيلُها

نَادَتْ وَ أَعْيُنُها هُنَاكَ تُجِيلُها *** مَا كَانَ نَاقَةُ صَالِحِ وَ فَصِيلُها

بِالفَضْلٍ عَنْدَ اللَّهِ إِلا دُونِي

***

هَمَّتْ بِرَفع قناعِهَا وَ لِعِلَّةٍ *** رَحِمَتْ طَعَاماً ما ارْعَوْوا عَنْ ضِلَّةٍ(1)

ثُمَّ انْتَنَتْ عَنْهُمْ بِشَكْوى ذِلَّةٍ *** وَ رَنَتْ إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ بِمُقلةٍ

عبْرَى وَ قَلب مُكْمَدٍ مَحْزُونِ

***

عَجَّتْ بِوَالِدِها لِشِدَّةِ كَرْبِها *** نَشَجَتْ فَأَشْجَتْ مَنْ غَدا فِي قُرْبِهَا(2)

نَدَبَتْ فَصَدَّعَتِ الْجِبَالَ بِنَدْبِهَا *** قَالَتْ وَ أَظْفَارُ المُصَابِ بِقَلْبِها

أبتاهُ قَلَّ عَلَى العُدَاةِ مُعِينِي

***

أَبَتاهُ شَخْصُك مُذْ تَغَيَّبَ ظِلُّهُ *** أَبَتَاهُ جَمْعِي قَدْ تَبَدَّدَ شَمْلُهُ

أَبَتَاهُ لِي نَيْمٌ تَظَاهَرَ غِلُّهُ *** أَبَتَاهُ هَذَا السَّامِرِيُّ وَ عِجْلُهُ

تبعاً وَ مَالَ النَّاسُ عَنْ هَارُونِ

***

ص: 118


1- طغاماً: أوغاد الناس. ما إرعووا: ما رجعوا.
2- نشجت: غصَّت بالبكاء من غير انتحاب.

خَلَّفْتَنِي مَا بَيْنَ أَظْهُرِ حُسَّدِي *** دَأْبِي الْبُكَاءُ فَعَبْرَتِي لَمْ تَنْفَدِ

وَ لِكَثرَةِ الأَرْزَاءِ لَمَّا أَهْتَدِي *** أَيُّ الرِّزايا أَتَقّى بتَجَلُّدِ؟

هُوَ بِالنَّوَائِبِ مُذْحَیِيتُ قَرِينِي

***

حُمَلْتُ هَمّاً لَوْ تَحَمَّلَ شِقَّهُ *** رَضْوَى لَذَابَ ضَنَى وَ أَعْجَزَ طَوْقَهُ(1)

كَمْ ذا أُعانِي مِنْ أَسى لاأَفْقَهُ *** فَقْدِي أَبِي أَمْ غَصْبُ بَعْلِي حَقَّهُ

أَمْ كَسْرُ ضِلْعِي أَمْ سُقُوطُ جَنِينِي

***

أَمْ رَوْعَتِي يَوْمَ الْهُجُومِ وَ ذِلَّتِي *** مَا بَيْنَهُمْ أَمْ قَوْدُ كَافِلِ عَيْلَتِي(2)

أمْ مَنْعُهُمْ نَوْحِي عَلَيْكَ وَ عَوْلَتِي *** أَمْ أَخْذُهُمْ أَرْضِي وَ فَاضِلُ نِحْلَتِي

أمْ جَهْلَهُمْ قَدْرِي وَ قَدْ عَرَفُونِي(3)

ص: 119


1- رضوی جبل بين المدينة و ينبع.
2- في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم: ثم أن فاطمة علیها السلام بلغها أن أبابكر قبض فدكاً فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبابكر تريد أن تأخذ منّي أرضاً جعلها لي رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم... إلى آخره.
3- قلائد و فرائد ص124.

(37) يا بنة الطهر

(بحر الرمل)

السيد محمد جواد فضل اللَّه(*)(1)

يا بْنَةَ الطُّهْرِ وَ مَا أَرْوَعَهَا *** ذِكَرُ مِنْكِ تَزينُ المِهْرَ جانا

أَنْتِ تَارِيخُ رِسَالَاتٍ بِهَا *** يُشْرِقُ الواقِعُ مَجْداً وَ كِيَانا

عِزَّةُ الإِيمانِ فِي دَعْوَتِهَا *** شِرْعَةٌ مِنْهَا هُدَى اللَّهِ اسْتَبانا

قَدْ حَمَلْناها وَ إِنْ أَزْرَىٰ بِنا *** شَانِيءٌ يَرْعَفُ حِقْداً وَ لَحانا(2)

فَهْيَ مِنّا رَعْشَةٌ فِي دَمِنا *** وَ هُيَ فِينَا خَفْقَةٌ تُحْيِي الجَنانا

دَوْحَةٌ مِنْ أَحْمَدٍ مَطلَعُها *** بَاسِقٌ أَعْظِمْ بِهِ مَجْداً مُصانا

حَسْبُها أَنَّ رِضاهُ مَدَدٌ *** مِنْ رِضاها... وَ رِضاها مُبْتَغانا

***

إِنَّهَا ذِكْرَى انْفِتَاحِ لِلسُّرَى *** وَ انْطِلَاقِ لِلذَّرَىٰ يُغْرِي سُرَانا

دَعْوَةُ الحَقِّ عَلَى صَفْحَتِهَا *** أَحْرُفٌ عُلْوِيَّةٌ خَطَّتْ عُلَانا

يُشْرِقُ الإِيمَانُ فِيها أَمَلاً *** بَاسِماً يَحْتَضِنُ الرُّوحَ احْتِضانا

فَتَعُودُ الأَنْفُسُ الحَيْرَىٰ بِهِ *** حَيَّةٌ تُورِقُ بِالنُّعَمَى حَنانا

وَ عَبِيرُ الخَيْرِ يُذْكِي حِسَّها *** بِعَطَايَاهُ فَتَحْوِيهِ افْتِتانا

لَوْ وَعيْنَا رَوحَهُ لانْصَهَرَتْ *** لِمُنَانَا هَذِهِ الأَرْضُ جِنانا

ص: 120


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أزرى: تهاون. شانيء: مبغض. يرعف: يخرج الدم من أنفه، لحاناً: خَطأ.

وَ لَكُنَّا غَيْرَ مَا نَحْنُ بِهِ *** قَلَقٌ يُلْهِبُ بالشَّكْوَى نِدَانا

وَ صُداعٌ مُثْقَلٌ يَحْفِرُهُ *** مَطْمَعٌ غِرٌّ كَمَا شَاءَ هَوَانا

وَ انْفِلاتٌ مِنْ مَقَابِيسَ صَفَتْ *** نُظماً تَزرَعُ فِي الدَّرْبِ هُدانا

وَ انْصِهَارٌ بِمُيُولٍ مَزَّقَتْ *** بِالأَباطِيلِ عَلَى الدَّرْبِ إِخانا

يَا لَذُلٍّ الفِكْرِ أَنْ تَسْحَقَهُ *** صَرْعَةُ التَّجْدِيدِ مِنْ وَحْيِ عِدانا

قَدْ حَمَلْنَا العِبْءَ مِنْ الاَمِهَا *** وَ مَشَيْنا يَلْحَسُ الشَّوْكُ خُطَانا

تُثْقِلُ المِحْنَةُ مِنّا مَطْمَحاً *** لِلسَّرَى أَغْنَى بِهِ المَجْدُ وَزَانا

قَدْ شَرِبْنَاها كُؤُوساً أُتْرِعَتْ *** عَلْقَماً وَ اللَّيْلُ غَافٍ فِي ذرانا(1)

وَ أَفَقْنَا وَ الشَّجا يَسْحَقُنَا *** نَرْقَبُ الأطْلَالَ ذُلاً وَ هَوانا

ها هُوَ المَجْدُ الَّذِي عِشْنَا لَهُ *** عَادَ شِلُوا فِي يَدِ الغَازِي مُهَانا(2)

***

يَا لِذُلِّ المَجْدِ أَنْ تَحْرُسَهُ *** أَعْیُنٌ تَعْشَىٰ إِذَا مَا الصُّبْحُ بانا(3)

يَظْمَأُ النُّورُ عَلَى أَحْدَاقِهَا *** وَ الضُّحَى يَخْطُرُ زَهُواً فِي سَمَانا(4)

تَحْسَبُ اللَّيْلَ صَبَاحاً مُشرِقاً *** وَ هيَ لاتَعْرِفُ لِلصُّبْحِ مَكَانا

وَ السَّرَابَ الجَدْبَ وِرْداً مَائِجاً *** كَذِبُ الأَحْلامِ فِيهِ يَتَدَانَی(5)

ص: 121


1- أُترِعَتْ: امْتُلِمْتُ. علقماً: حنظلاً أو كلّ شيءٍ مُرٌّ. غافٍ: النائم نومةً خفيفةً، الذي نعس. ذرانا: ملجأنا، أو فناء الدار.
2- الشلو: العضو من أعضاء الجسم.
3- أعين تعشى: لم تبصر و ساءت ليلاً و نهاراً. بان: ظهر.
4- أحداقها: جمع الحدقة و هي سواد العين الأعظم. زهواً: البُسْرُ الملوّن، يقال إذا ظهرت الحُمرة و الصُفرة في النخل، فقد ظهر فيه الزهو.
5- السراب: ما يشاهد نصف النهار من اشتداد الحرّ كأنه ماءٌ و يضرب به المثل في الكذب و الخداع. الجَدْب: المكان الذي انقطع عنه المطر و يبست أرضه. ورداً مائجاً: الماء الذي يوردُ و هو يموج.

وَ المَدَى صَحْواً لِيحْلُو صَفْوُهَا *** وَ هُوَ بِالإِعْصَارِ يَرْبَدُ احْتِقانا(1)

سَوْفَ يَصْحُو المَجْدُ مِنْ غَفْوَتِهِ *** وَ يَعُودُ الفَتْحُ زَهْواً فِي حِمَانا

وَ يُصَادُ الذِّئبُ فِي مَكْمَنِهِ *** بَعْدَ أَنْ شَلَّ عَلَى الدَّرْبِ الأَمَانَا

لِيَعُودَ الصَّحْرُ ضَاحِ فِي المَدَى *** يَمْسَحُ الجُرحَ وَيُرْوَى مِنْ ظَمانا

***

لانَعِي إِلا الصَّدَى مِنْ أَمْسِنَا *** سَاخِراً يَخْنُقُ بِالجُلَّى صَدانا

عَيْبُنَا أَنَّا عَلَى الدَّرْبِ إِذَا *** غَرَّبَ الحادي فَغَربي هَوانا

وَ إِذَا شَرَّقَ فَالشَّرْقُ لَنَا *** مَطْلَعٌ يَعْمُرُ بِالنُّورِ رُبانا

عَاطِفِيُّونَ فَأَنَّى الْتَفَتَتْ *** وُجْهَةُ السَّادِرِ تُسْدِيهِ العِنَانا(2)

نَحْسَبُ الصَّرْخَةَ مِنْ أَشْدَاقِهِ *** مُنْقِذاً مِنْ سَرَفِ الجُلَّى أَتانا(3)

وَ یَرِفُّ الفَتحُ فِي أَجْفَانِنَا *** حُلُماً تَرْشِفُ نُعْمَاهُ دُنَانا

وَ ليَمُتُ أمْسِ وَ يَحْيَا لِغَدٍ *** مَطلَعٌ يُرْكِزُ فِي الشَّمْسِ لِوانا

سَوْفَ نَسْقِي الأَرْضَ مِنْ أَشْلَائِهِمْ *** سَوْفَ لَنْ يَحْتَضِنَ الفَتْحَ سِوَانا

وَ هُنَا تَنْفَجِرُ السَّاحُ بِنَا *** وَ إِذَا نَحْنُ كَمَا كُنَّا وَكَانَا

***

يا أُسَاةَ الجُرْحِ إِنَّا هُهُنا *** لَمْ يَزَلْ يَرْعُتُ بِالبَلْوَى حِمَانا

قَدْ طَوَيْناها سِنِيناً حُمِّلَتْ *** بِالمَآسِي وَالَّذِي كَانَ كَفَانا

فَلْيَكُنْ مَاضِي أَسانا عِبْرَةً *** تَبْلُغُ الغَايَةَ فِيهَا بِسرانا

خَرِّ ما قُلْنَا وَمَا قَالُوا فَقَدْ *** مَلّتِ الأَسْمَاءُ مِنَا الهَدْيَانا

ص: 122


1- يربد: يحبس و يمنع -احتقاناً: احتباس البول أو الدم.
2- السادر: الذاهب في البلاد الذي لاينثني. نسديه: نحسنه.
3- أشداقه: زوايا الفم من باطنه. السرف: الضراوة بالشيء، و الولوع به.

وَ ارْمُقِ الوَاقِعَ يَا رَائِدَهُ *** كَيْفَ شَقَّتْ بِالصَّلاَلَاتِ عَصَانا؟

وَ عَرَى الأُمَّةَ مَنْ فَرَّقَها *** فَتَلاشَى عَزْمُهَا الصَّلْدُ وَهَانَا(1)

إِنَّها الرِّدَّةُ شَلَّتْ عَزْمَها *** وَ أَبَادَتْ بِالأَعَاصِيرِ قِوَانا

كُلُّ حِزْبٍ فِي المَدَى مَمْلَكَةٌ *** عِلْمُهَا أَنْ تَسْتَحِلَّ الصَّوْ لَجَانا(2)

هذِهِ الصَّرْعَةُ فِي وَاقِعِنا *** كُمْ شَكا الحُرُّ مَآسِيها وَ عَانَي

السُّجُونُ السُّودُ يَا لَوْعَتَها *** ظُلَم تَصْطَلُّ رُعْباً بِأسانا

***

وَإِذَا شِئنَاهُ نَصْراً شَافِياً *** مِنْ لِظَى الجُرْح وَإِنْ عَزَّ شِفانا

فَإِلَى الإِسْلاَم يَا قَادَتَنَا *** فَهْوَ لِلدَّاءِكَمَا كَانَ دَوَانا(3)

ص: 123


1- الصلد: الصلب.
2- الصولجان: العصا المعقوفة الرأس.
3- الإمام الصادق علیه السلام -خصائصه و مميزاته للسيد محمد جواد فضل اللّه ص17.

(38) فداها النفوس

(بحر المتقارب)

الشيخ محمد حسن الجواهر(*)(1)

أبَا صَالِحٍ كَلَّتِ الأَلسُنُ *** وَ قَدْ شَخَصَتْ نَحْوَكَ الأَعْيُنُ

نَعُجُّ إِلَيْكَ وَ أَنْتَ العَلِيمُ *** فِيمَا نُسِرُّ وَ مَا نُعْلِنُ(2)

أَتُغْضِي وَ قَدْ عَزَّ أَنْفُ الضَّلاَلِ *** وَ أَنْفُ الرَّشَادِ لَهُ مُذْعِنُ(3)

وَ يَمْلِكُ أَمْرَ الهُدَى كَافِرٌ *** فَيَغْدُو وَ فِي حُكْمِهِ المُؤْمِنُ

وَ أَهْلُ التُّقَى لَمْ تَجِدْ مَأْمَناً *** وَ أَهْلُ الشَّقا ضَمَّها المَأْمَنُ

ص: 124


1- (*)الشيخ محمد حسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد حسن صاحب کتاب (جواهر الكلام). ولد في النجف الأشرف سنة (1293 ه-) و نشأ بها و اختلف على كثير من أساتذه عصره و منهم الشيخ ملامحمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) و السيد محمد كاظم اليزدي صاحب العروة، و كان ملازماً لهما زماناً طويلاً مما جعله يتفوَّق على بعض زملائه و أخدانه، و حضر عند آغا رضا الهمداني و كان من خواصه فقد ارتقى مرتقّى كبيراً في الفضيلة، و منح إجازات عديدة تنص باجتهاده و أهليته لمجلس الفتوى من أساتذته و غيرهم بالرغم من عمره القصير. فكان تقياً و رعاً شديد الذكاء الفطنة بهي الصورة رائق الحديث له خط جميل و شعر رصین في شتي المناسبات خصوصاً في مرائي أهل البيت علیهم السلام فنظم كثيراً من الشعر و أجاد في أكثره، و له أرجوزتان الأولى في الكلام سماها (جواهر الكلام) و الثانية في أصول الفقه، و قد حفظ أكثره سميَّه الشيخ محمد حسن ابن الشيخ محسن الجواهر. توفي في النجف الأشرف ليلة الاثنين ثامن ذي القعدة من عام (1335 ه-). و دفن إلى جنب جده الشيخ محمد حسن في مقبرتهم و رثاه فريق من الشعراء.
2- نعج: نصيح و نرفع أصواتنا.
3- تُغضي: تطبق عينيك حتى لاترى شيئاً.

فَهَذِي الْبَقِيَّةُ مِنْ مَعْشَرٍ *** قَدِيماً لَكُمْ بَغْيَهُمْ أَكْمَنُوا

هُمُ القَوْمُ قَدْ عَصَبُوا فَيْئَكُمْ *** وَ غَيْرَكُمُ مِنْهُ قَدْ أَمْكَنُوا(1)

أَزَاحُوكُمُ عَنْ مَقَام بِهِ *** بِرَغْمِ الْهُدَى شَرَّهُمْ أَسْكَنُوا

أفِي اللَّهِ يَظْعَنْ عَنْهُ الْوَصِيُّ *** وَ شَرُّ دَعِي بِهِ يَقْطُنُ؟(2)

تَدَاعَوْا لِنَقْضِ عُهُودِ الأُلَى *** أَسَرُّوا النِّفَاقَ وَ لَمْ يُؤْمِنُوا

فَأَيْنَ إِلَى أَيْنَ نَصَّ الغَدِيرِ *** أَلمْ يُغْنِهِمْ ذلِكَ المَوْطِنُ؟

فَيَا بِئسَ مَا خَلَّفُوا أَحْمَداً *** بعِشرَتِهِ وَ هُوَ المُحْسِنُ

لَقَدْ كَتَمُوهُ شِقَاقَ النُّفُوسِ *** فَلَمَّا قَضَى نَحْبَهُ أَعْلَنُوا

كَأَنْ لَمْ يَكُونُوا أَجَابُوا دُعَاهُ *** وَ لَمْ يَرْعَوا الحَقَّ أَوْ يَذْعَنُوا

وَ أَعْظَمُ خَطْبٍ يُطِيشُ الحُلُومُ *** وَ كُلُّ شَجَى دُونَهُ هَيِّنُ(3)

وقُوفُ ابْنَةِ المُصْطَفَى بَيْنَهُمْ *** وَ فِي القَلْبِ نَارُ الأَسَى تَكْمُنُ(4)

وَ قَدْ أَنْكَرُوا مَا ادَّعَتْ غَاصِبِينَ *** وَ كُلُّ بِمَا تَدْعِي مُوقِنُ(5)

ص: 125


1- فيئكم: الغنيمة أو الخراج (الفَيْء).
2- يظعن: يرحل. يقطن: يسكن. دعي: مُتهم في نسبه أو الذي يدّعي غير أبيه أو غير قومه.
3- الخطب: الأمر العظيم المكروه، يطيش: يُذهِب العقل الحلوم ضدّ الطيش.
4- لعلّه إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2 ص647 عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: لما قبض رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة (صلوات الله عليها) فأخرجه من فدك فأتته فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر ادعيت انك خليفة أبي و جلست مجلسه و انك بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك و قد تعلم أن رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم صدَّق بها عليّ و أن لي بذلك شهوداً. فقال لها: ان النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم لايورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام، فأخبرته فقال: ارجعي إليه قولي له زعمت أن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم لايورّث، و ورث سليمان داود و ورث يحيى زكريا و كيف لاأرث أنا أبي. فقال عمر: أنت معلّمة قالت: و إن كنت معلّمة فإنما علمني ابن عمي و بعلي الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
5- في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232 دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعد ما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها فقالت له: لئن مُتَّ اليوم من كان يرثك؟ قال: ولدي و أهلي، قالت: فلم ورثت انت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دون ولده و أهله؟ الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. و في مجمع البحرين لفخر الدين الطريحي، ج5 ص283: و كانت لرسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم لأنه فتحها هو وأميرالمؤمنين علیه السلام و لم يكن معهما أحد فزال عنها حكم الفيء و لزمها اسم الأنفال -فلما نزل «فآت ذا القربى حقه» أي اعط فاطمة علیها السلام فدكاً اعطاها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إياها.

وَ تَقْضِي فِدَاهَا نُفُوسُ الوَرَى *** وَ تُدْفَنُ فِي اللَّيْلِ إِذْ تُدْفَنُ(1)-(2)

ص: 126


1- و كانت في يد فاطمة علیها السلام إلى أن توفي رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فأخذت من فاطمة علیها السلام بالقهر و الغلبة. في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص46 فغسلها أميرالمؤمنين علیه السلام و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة جاريتها و اسماء بنت عميس أخرجها إلى البقيع ليلاً. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- ادب الطف ج8 ص301.

(39) الزهراء علیها السلام سر سيبقى

(بحر الخفيف)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

إِصْغِ يَا دَهْرُ وَ أَنْصِنِي يَا سنينُ *** بُرْهَةً إِنَّمَا الحَدِيثُ شُجُونُ

وَ اهْدِنِي يَا نَوَازِعَ النَّفْسِ عَلِّي *** أَهْتَدِي مَا يُرِيدُ شَوْقٌ دَفِينُ

فَلَقَدْ جَارَ مِنْ ضَنَاهُ فُؤَادِي *** وَ لَقَدْ خَارَ مِنْ قِوَايَ الحَنِينُ(2)

يَتَلَظَّى إِنْ مَرَّ فِي ذِكْرَيَاتٍ *** يَتَمَلَّى أَطْرَافَهُ يَسْتَبينُ

هَلْ إِلَى نَفْحَةِ النُّبُوَّةِ تَدْرِي *** مِنْ سَبِيلٍ يَا أَيُّهَا اليَاسَمِينُ؟

هَلْ إِلَى مَرْبَضِ الإِمَامَةِ يَمْشِي *** مِنْ دَلِيلِ وَ هَلْ يُطَالُ العَرِينُ؟

فَامُلئِي يَا سَمَاءُ قَلْبِي ابْتِهَاجاً *** فَلَقَدْ صَدَّقَتْ لَدَيَّ الظُّنُونُ

وَ افْرُشِي الدَّرْبَ يَا مُرُوجُ إِلَيْهِمْ *** نَفَحَاتٍ وَ ظَلِّلِي يَا عُصُونُ

فَلَقَدْ طَالَ فِي التَّأَملِ صَبْرِي *** ثُمَّ أَدْرَكْتُ وَ اسْتَقَرَّ اليَقِينُ

نُقْطَةُ الوَصْلِ لِلنُّبُوَّةِ حِينَ *** انْشَنَّ مِنْها أَئِمَّةً وَ بَنُونُ

إِنَّها مِحْوَرُ الحَيَاةِ تَجَلَّى *** عِنْدَهَا الحُكْمُ وَ النَّهْي وَ الدِّينُ

وَ بِأَنَّ الزَّهْرَاءَ سِرِّ سَيَبْقى *** شَامِخاً وَ الخُلُودُ فِيهِ كَمِينُ(3)

ص: 127


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- صناء: مرضه الذي تمكّن منه الهزال و الضعف. خارَ: ضَعف و سقط.
3- في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ثم أظلمت المشارق و المغارب فشكت الملائكة إلى اللّه تعالى أن يكشف عنهم تلك الظلمة، فكلّم اللّه جل جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب في فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سميت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات...

أَظْهَرَتْ مِنْ تُرَائِهَا بَعْضَ بَعْضٍ *** فَإِذَا البَعْضُ فِي الوَرَى قَانُونُ

وَ إِلَى الكَوْنِ قَدَّمَتْ وَلَدَيْها *** حَسَنْ ذلِكُمْ وَ ذَاكَ حُسَيْنُ

***

إِيهِ يَا ذِكْرَيَاتُ مُرِّي تباعاً *** وَ اشْهَدِي أَنَّنا عَبِيدٌ وَ قَيْنُ

نَتَغَنَّى الأَمْجَادَ غَيْرَ أُباةٍ *** وَ بَقَايَا الدِّيَارِ لَسْنَا نَصُونُ

قَدْ شَهَرْنا السُّيُوفَ لا لِلأَعَادِي *** إِنَّما الفَرْدُ مِنْ أَخِيهِ طَعِينُ

مِنْ هُنَا أَوْ هُنَاكَ بَعْضُ صُرَاخٍ *** مِثْلَمَا يُظلِقُ الصُّرَاخَ سَجِينُ

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ بِالدِّينِ كُنْتُمْ *** يَوْمَ كَانَ المُلْكُ العَرِيضُ المَتِينُ

يَوْمَ كَانَ الشَّرْعُ المُقَدَّسُ ظِلاٌّ *** وَارِفاً مُشرِقاً لَدَيْهِ الجَبِينُ

أَيُّ نَقْصٍ بِهِ دَعَاكُمْ لِتَرْجُوا *** شِرْعَةَ الكُفْرِ سَنّها (لينينُ)(1)

أَوْ غُزَاةُ البِلاَدِ بِالمَالِ وَ العَهْرِ *** تَوَارَى مِنْ خَلْفِهِمْ صِهْيُونُ

وَ فِلَسْطِينُ... يَا لَمَهْزَلَةِ العَصْرِ *** دَعُوهَا فَلَيْتَكُمْ لَمْ تَكُونُوا

مِنْ دُعَاةٍ لِنَصْرِهَا فَتَرَاهُمْ *** أَخَذُوا الفِلْسَ وَ اسْتُبِيحَ الطِّينُ

وَ بِلُبْنَانَ ضَيَّعَ اللُّبَّ فِيهِ *** عُقَلاءٌ فَضَاعَ فِيهِ البَنُونُ(2)

وَ حُرُوبُ الصَّلِيبِ شُنَّتْ عَلَيْنَا *** أَيُّ غَدْرٍ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ الجَنِينُ

مَا عَهِدْنَا لِمِثْلِ لُبْنَانَ رَبْعاً *** يُورقُ الحِقْدُ فِيهِ وَ الزَّيْزَفُونُ(3)

إِنَّمَا الدَّهْرُ قَدْيُرِينا الأعا *** جِيبَ وَ يَجْلُو مِنْهُ الخَفَاءُ الدَّفِينُ

وَ اعْتِدَاراً أُمَّاهُ يَا فَاطِمُ *** فَالْيَوْمَ تَمُرُّ الذِّكْرَى وَ قَلْبِي حَزِينُ

ص: 128


1- وارفاً: ممتداً، متسعاً.
2- اللب: العقل.
3- الزيزفون: نوع من الشجر يوجد في لبنان.

(40) الشفاعة بالزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد محمد رضا القزويني(*)(1)

ظمآنَ أَصْبُو إِلَى الذُّكْرَىٰ فَتَرْوِينِي *** وَ الْيَوْمَ أَسْقِي بِهَا مَنْ كَانَ يَسْقِينِي

أَصْبُو لِذِكْرَاكِ وَ الدُّنْيا تَناقَلُها *** بُشْرَى السَّعَادَةِ لِلدُّنْيَا وَ لِلدِّينِ(2)

فَمُذْ وُلِدْتِ وَ يَا مِنْ فَرْحَةٍ عَظُمَتْ *** قَدْشَعٌ وَجُهُ رَسُولِ اللَّهِ في الحِينِ

وَ صَاحَ مُسْتَبْشِراً وَ الفَخْرُ يَمْلَؤُهُ *** إِنْ يَقْطَعُوا رحمي فاللَّهُ يُعْطِيني

أَيْنَ التَّوَارِيخُ عَنْ أَقْوَالِ شَانِئْهِ *** وَ حِكْمَةُ اللَّهِ فِي نَسْلِ المَيَامِينِ(3)

أَبْنَاءُ حَرْبٍ عَلَى تَارِيخِهَا انْقَرَضَتْ *** لكن بَنُو فَاطِمِ عَدُّ المَلَابِينِ

لقَدْ أَطلَّتْ عَلَى الدُّنْيا فَكَانَ بِهَا *** حِفْظُ الكَرَامَةِ لِلأُنْثَى بِمَقْرُونِ

وَ بُدِّلَتْ شِرْعَةُ الغَابِ الَّتِي حَكَمَتْ *** دُنْيا الأَعَارِيبِ فِي شَكْلٍ وَ مَضْمُون

بَيْنا يُبَرِّرُ عِلْجٌ قبحَ فِعْلَتِهِ *** وَ أَدِ البَنَاتِ بِأَعْرَافِ وَ قَانُونِ(4)

يَصِيحُ أَحْمَدُ هُذِي بَضْعَتِي وَ لَهَا *** قَلْبِي فَمَنْ كَانَ يُؤْذِيهَا فَيُؤْذِينِي(5)

ص: 129


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أصبو: أحن إليه.
3- شانئه: مبغضه.
4- وأد: دفن البنت و هي حيَّة.
5- في بحار الأنوار ج22 ص484: و عنه صلي الله علیه و آله و سلم في حديث طويل عند قرب وفاته، قال: «يا علي ادن مني فدنا منه فأخذ بيد فاطمة علیها السلام فوضعها على صدره طويلاً و أخذ بيد علي بيده الأخرى... إلى قوله صلي الله علیه و آله و سلم واللَّه يا فاطمة علیها السلام لاأرضى حتى ترضي».

حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ لاَمِنْ نَزْوَةٍ خَطَرَت *** لكِنَّهُ الوَحْيُ فِي قَوْلِ وَ تَعْيِينِ

فِدَاكِ قَال أَبُوكِ أنتِ سَيْدَةُ *** النساءِ ما كانَتِ الدُّنْيَا عَلَى دِينِ(1)

***

نَمَتْ وَ شَبَّتْ وَ كَانَ الطُّهْرُ شِيمَتُها *** أَنْقَى مِنَ الطَّهْرِ بَيْنَ الحُورِ وَ العِين(2)

هذَا عَلِيٌّ لَهَا كُفْرٌ فَزَوْجَها *** البارِي مِنَ العَرْشِ فِي لَوْحٍ وَ تَدْوِينِ(3)

وَ قَالَ مَهْرُكِ أَنْهارٌ فَأَصْدَقَها *** خُمْساً وَ مَا حُزنَ مِنْ مَاءٍ وَ مِنْ طِين

قَالَتْ وَ أَكْرِمْ بِهِ زَوْجاً وَلِي أَمَلٌ *** أَنَّ الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الحَشْرِ تُرْضِينِي

فَقَالَ هُذَا لَهَا وَ ازْدَادَ أَنَّ رِضَى *** الرَّحْمَنِ أَضْحَى لِمَا تَرْضَى بِمَرْهُونِ

فَاسْتَبْشِرُوا أُمَّةَ الهَادِي بِفَاطِم فِي *** أَمْرِ الشَّفَاعَةِ بِالزَّهْرَاءِ مَضْمُونِ(4)

***

يَا أَسْرَةَ الخَيْرِ لِلدُّنْيَا بِمَا نَذَرَتْ *** وَ مَا وَقَتْ فِي ثَلاثِ بِاسْمِ سِبْطَيْنِ

وَ أَطْعَمَتْ زَادَها المِسْكِينَ وَ ابْتَدَرَتْ *** إِلَى اليَتِيمِ لِمَأْسُورٍ وَ مَسْجُونِ

فَأَنْزَلَتْ (هَلْ أَتَى) فِيهِمْ تُبَشِّرُهُمْ *** بِجَنَّةِ الخُلدِ بِالأَنْهَارِ وَ التِّينِ(5)

ص: 130


1- روي في كتاب المجالس السنية ج2 الجزء الخامس ص63، عن عائشة: أقبلت فاطمة علیها السلام تمشي لا واللّه الذي لا إله إلا هو ما مشيها يخرم من مشية رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم، فلما رآها قال مرحباً يا بنتي مرتين قالت فاطمة علیها السلام فقال لي: أما ترضين أن تأتي يوم القيامة سيدة نساء العالمين؟! .
2- روي في كتاب البحار ج43 ص16 و 19: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم «الطاهرة» لطهارتها من كل دنس وطهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً.
3- روي في كتاب البحار ج43 ص92 فهبط عليَّ جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و آله و سلم إن الله جل جلاله يقول: لو لم أخلق علياً علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض، آدم فمن دونه».
4- فقد روي في كتاب سفينة البحار ج2 ص375: في حديث طويل عن اللّه «عزوجل»: يا فاطمة علیها السلام و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات و الأرض بألفي عام أن لاأعذب محبّيك و محبّي عترتك بالنار.
5- إشارة إلى قوله «تعالى» في سورة الدهر آية 8: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» فقد روي في كتاب روح المعاني ج29 ص185 ط -بيروت، قال أبوالفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي في حديث طويل ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم (علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام) أنه «سبحانه» لم يذكر فيها الحور العين و إنما صرّح «عزوجل» بولدان مخلّدين رعاية لحرمة البتول علیها السلام و قرة عين الرسول صلي الله علیه و آله و سلم.

أَلاَ نَظَرْتُمْ لأَسْرَانَا وَ قَدْ حَجَبَتْ *** بِهِمْ عِجَافُ سِنِينِ مِثْلَ ذِي النُّونِ(1)

أَلاَ رَغِيفٌ تَبَقَى مِنْ مَوَائِدِكُمْ *** إِلَى الأَسَارَى وَأَفْوَاجِ المَسَاكِينِ

وَ شَيْبَةُ الخَيْرِ فِيمَ زَادَ غَيْبَتُهُ *** شَيْباً عَلَى الرَّأْسِ فِي شَكْلِ الثَّمَانِينِ

غَدَوْتُ يَعْقُوبَ فِي هَمِّي لِفُرْقَتِهِ *** وَ وَالِدِي يُوْسُفاً فِي سِجْنِ فِرْعَوْنِ

أأَنْقُدُ الأمَلَ المَعْقُودَ نَحْوَكُمُ *** و أَنْتُمُ لأَمَانِي كُلِّ مَحْزُونِ؟

لاكَيْفَ أَنْقُدُ آمالاً شَبَبْتُ بِهَا *** وَ لَيْسَ تَفْقِدُها (لَيْلَى بِمَجْنُونِ)؟

ص: 131


1- عجاف سنين: غير ممطورة. أي لم يسقط فيها مطر.

(41) من ظلم البتول علیها السلام

(مجزوء الكامل)

الشيخ محمد سعيد المنصوري(*)(1)

بِنْتُ النَّبِيِّ غَدَتْ حَزِينَهْ *** لِفِرَاقِ سُلْطَانِ المَدِينَهْ

وَ حَنِينُها لَمَّاعَلاَ *** كُلٌّ لَهَا أَبْدَى حَنِينَهْ

وَ بَكَتْ مَلاَئِكَةُ السَّمَا *** لَمَّا بَكَى حَامِي عَرِينَهْ

اللَّهُ أكبرُ أَحْمَدٌ َ*** قضَى بِمِحْنَتِهِ سِنِينَهْ

لَمْ يَعْرِفُوا قَدْراً لَهُ *** شَجُوا بِأَحْجَارٍ جَبِينَهْ

وَ الْيَوْمَ مَاتَ فَحَيْدَرٌ *** مِنْ حُرْقَةٍ يَبْكِي قَرِينَهْ

قَدْ كَان في نُوبِ الزَّمَانِ *** وَ مِحْنَةِ الدُّنْيَا خَدِينهْ(2)

وَ مُذِ انْتَهَتْ أَيَّامُهُ الغَرَّا *** وَ حَالَ المَوْتُ دُونَهْ

نَادَاهُ بَعْدَكَ أَظْلِمَتُ *** دُنْيا لَهَا قَدْ كُنْتَ زِينَهْ

يا خَاتَمَ الرُّسُلِ الكِرَام *** وَ مَنْ سَقَى الظَّامِي مَعِينَهْ

الكَوْنُ بَعْدَكَ مُوحِشٌ *** وَ بِمِثْلِكَ الدُّنْيَا ظَنِينَهْ(3)

فَارَقْتَنا مِنْ بَعْدِمَا *** أَحْكَمْتَ لِلإِسلام دِينَهْ

وَ تَرَكْتَنَا رَهْنَ الخُطُوبِ *** وَ بَيْنَ أَحْقَادٍ دَفِينَهْ

ص: 132


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- خدينه: الخدين: الحبيب و الصديق.
3- ظنينه: متهمة، و ربما كانت تصحيف ضنينة. أي بخيلة، أي أن الدنيا لم تنجب غيرها.

يا وَيْلَ مَنْ ظَلَمَ البَتُولَ *** وَ عِشْرَةَ الهَادِي الأمينهْ

مَنْ بِالفَضِيلَةِ وَ التُّقَى *** وَ المَجْدِ وَ العُليا قَمِينَهْ

أَفَهَلْ جَزَاءُ مُحَمَّدٍ *** مِنْ تِلْكُمُ الزُّمَر اللَّعِينَهْ

غَصْبُ الشَّفِيعَةِ حَقَّهَا *** مِنْهُ وَ نِحْلَتِهَا الثَّمِينَهْ

وَ لِبَيْتِهَا مُذْ أَقْبَلُوا *** وَ بِلاً وقارٍ أَوْ سَكِينَهْ

قَتَلُوا هُنَاكَ جَنِینَهَا *** وَ المَرْءُ لاَيَنْسَى جَنِينَهْ(1)-(2)

ص: 133


1- کتاب دلائل الإمامة ص 45.
2- نقلت من «دیوان ميراث المنبر» ص20.

(42) قائدها النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم

(بحر الوافر)

السيد محمد صالح البحراني(*)(1)

عُقُودُ السَّعْدِ قَدْ نَثَرَتْ جُمَانَا *** وَ أَرْضُ الكَوْنِ قَدْ زَهَرَتْ جِنَانا(2)

وَ هَزَّ الدَّهْرُ مِنْ طَرَبٍ وَ أُنْسٍ *** بِأَعْمَاقِ القُلُوبِ رَقَى مَكَانا

وَ كَادَ بِكُلِّ رَوْضِ كُلُّ طَيْرٍ *** يَكُونُ بِمَدْحَ فَاطِمَةٍ لِسَانا

غَدَاةَ أَتَى النَّبِيَّ بَلاغُ وَحْيٍ *** حَبَا النُّورَينِ فِي السَّعْدِ اقْتِرَانا

بأن زَوْجُ مِنَ الزَّهْر عَليّاً *** فَمَا كُفْوٌ لَهَا لَوْلاهُ كانا(3)(*) ورد في الروايات ان اسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة علیها السلام و اسماء كانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب و لم تعد هي و لازوجها الاّ يوم فتح خيبر ولم تشهد الزفاف و التي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس اختها هي زوجة حمزة بن عبد المطلب و لعل الأخبار عنها و كانت اسماء اشهر من اختها عند الرواة فرووا عنها أو سها را و واحد فتبعوه و لعل اسماء المقصودة هنا هي اسماء بنت يزيد بن سكن. «الهامش لنفس الكتاب المذكور».(4)

ص: 134


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- جمانا: لؤلؤاً.
3- ما روي في كتاب كنز العمال ج6 ص152 قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : «إن اللّه أمرني أن أزوج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام». أخرجه الطبراني عن ابن مسعود (أقول) و ذكره الهيثمي أيضاً في مجمعه ج9 ص204 و قال: رواه الطبراني و رجاله ثقات و ذكره المناوي في فيض القدير في المتن ج2 ص215 و ذكره ابن حجر في صواعقه ص74. و في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام عبق الرسالة المحمدية لحسان عبد الله، ص39. كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم أمر نساءه أن يزين فاطمة علیها السلام و يطيبنها ثم دعاها و دعا بعلي علیه السلام فأخذ علياً علیه السلام بيمينه و فاطمة علیها السلام بشماله و جمعهما إلى صدره فقبَّل بين اعينهما ثم دعا بفاطمة علیها السلام و أخذ بيدها فوضعها في يد علي علیه السلام و قال: «بارك الله لك في ابنه علیها السلام... رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... يا علي علیه السلام نعم الزوج فاطمة علیها السلام و يا فاطمة علیها السلام نعم البعل علي علیه السلام». ثم أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بنات عبد المطلب و نساء المهاجرين و الأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة علسها السلام و ان يفرحن و يرجزن و يكبرن و يحمدن و لايقلن ما لايرضي اللّه و كانت النسوة يكبرن و دخلن الدار... ثم أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم بمخضب مملوء بماء فدعا بفاطمة علیها السلام فأخذ كفاً من حساء فضرب به على علیه السلام رأسها و كفاً بين يديها ثم رش جلدها ثم دعا بمخضب آخر لعلي و صنع معه كما صنع مع فاطمة علیها السلام ثم أمرهما أن يتوضاً ثم و ثب فتعلقت به و بكت فقال لها ما يبكيك؟ فقد زوَّجتك أعظمهم حلماً و اكثرهم علماً ثم خرج من عندهما فأخذ بعضاد في الباب فقال: «طهركما اللّه و طهر نسلكما، أنا سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم استودعكما اللّه و استخلفه عليكما». و اغلق الباب و امر النساء فخرجن فلما اراد الخروج رأي امرأة فقال: «من أنت؟» قالت: أسماء... فقال: «ألم آمرك أن تخرجي؟» قالت أسماء: بلى يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم -فداك أبي و امي- و ما قصدت خلافك ولكني اعطيت خديجة عهداً فحينما حضرت الوفاة خديجة بكت فقلت: اتبكين و انت سيدة النساء و انت زوجة النبي صلي الله علیه و آله و سلم و مبشرة على لسانه بالجنة فقالت: ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها لابد لها من امرأة تفضي اليها بسرها و تستعين بها على حوائجها و فاطمة علیها السلام حديثة عهد بعلي علیه السلام و اخاف أن لايكون لها من يتولى امرها حينئذ... فقلت: يا سيدتي لك علي علیه السلام عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت ان اقوم مقامك في هذا الأمر... فبكى رسول الله صلي اللّه علیه و اله و سلم فقال: «باللّه لهذا وقفت؟» فقلت: نعم واللّه -فدعا لى(*).
4- و قال الإمام علي علیه السلام صبيحة عرسه حينما سأله النبي صلي اللّه علیه و اله و سلم: «كيف وجدت أهلك؟» قال: نعم العون على طاعة اللّه.

فَلاَ هِيَ مِنْ سِوَاهُ تَنَالُ كُفُواً *** وَ لَا هُوَ غَيْرَهَا يَهْوَى الحِسَانا

فَقَامَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ يُبْدِي *** لِمَا بِالوَحْيِ فَاضَ لَهُ بَيانا

***

إِلَيْكُمْ يَا رِجَالَ العَصْرِ عُذْراً *** بمَنْ قَدْ تَمَّ خُطْبَتُهَا عِنانا(1)

فإنّي لَمْ أَكُنْ لأَرُدَّ عَنْهَا *** فَتَى إلا لأمرٍ لايداني

فَكُنْتُ الوَحْيَ أَنْتَظِرن مِمَّنْ *** إِلَيْهِ أَمْرُها يَلْقَى زَمَانا

وَ قَبْلَ مَجِيءٍ حَيْدَرَةٍ أَتَانِي *** لِزَامٌ أَنْ أَفُودَ لَهُ العِنانا(2)

ص: 135


1- عناناً: شرفاً و علواً و ارتفاعاً.
2- العنان: سير اللجام.

وَ قَدْ زَوَّجْتُهُ بِالدِّرْع إذْ لَمْ *** يَكُنُ مِمَّا سِوَاهُ يَرَى احْتِضانا

فَهَنُّوهُ بِمَا قَدْ خَصَّ إنْساً *** وَ لاتَرْمُوهُ بالحَسَدِ امْتِهانا(1)

فَإِنَّ اللَّهَ زَوَّجَهُ بِهَا فِي السّما *** قَبْلِي وَ قَلَّدَهُ ضَمَانا

وَ قَدْ أَوْحَىٰ إِلَى رِضْوَانَ فِيهِ *** ابْتِهَاجاً أَنْ يَزِينَ لَهُ الجِنَانا

فَزُيِّنَتِ الجِنَانُ وَ فِيهِ طُوبَى *** لَهُ اليَاقُوتُ تُنْثَرُ وَ الجُمانا

وَ فِي الأُخْرَىٰ لِشِيعَتِهِ رِقاعاً *** تَنَالُ مِنَ الجَحِيم بها أَمانا

وَ جِئْنَ الحُورُ يَلْتَقِطْنَ نِثاراً *** تَهَادَاهُ ابْتِهاجاً وَ افْتِتانا(2)

وَ رَدَّدْنَ الغِنَاءَ لَهُ بِيَاسِينَ *** وَ الرَّحْمنِ آياتٍ حِسانا

فَهَزَّتْ جَنَّةُ الفِرْدَوْس أُنساً *** كَأَنَّ بِهَا المَعَازِف و القِيَانا

فَمَهُمَا وَقَعَ الأَطْيَارُ لَحْناً *** لَهُ الأَشْجَارُ تَهْتَزُ افْتِنانا

بِهَا لِلْمَاءِ إِذْ يَجْرِي حَنِينٌ *** عَلَيْهِ الطَّلُّ وَ قَصا قد ابانا(3)

وَ أَوْحَى لِلمَلائِكِ حَيْثُ قَامُوا *** لَهُ فِي بَيْتِهِ المَعْمُورِ شَانا

وَ قَامَ عَلَيْهِمُ رَاحِيلُ يَلْقَى *** بِعَقْدِ وِصَالِ فَاطِمَةٍ بَيَانا

فَأَبْلَغَ فِي الخِطَابِ وَ لَيْسَ أَعْلَى *** بِهِمْ مِنْهُ وَ لاَأَحْلَى لِسَانا

وَ بَعْدَهُنَّ لَئِنْ يَنى علي *** بِهَا مَدَّتْ نسا الهادِي بَنانا(4)

فَجَاءَ المُصْطَفَى يُهْدِيهِ كَبْشاً *** نَمَى فِي الأَكْلِ أَكْباشاً سمانا

فَأَشْبَعَ كُلَّ مَنْ جَاؤُوا عَلَيْهَا *** وَ عَنْهَا مَنْ نَأَى أَهْدَى جِفَانا(5)

وَجِيءَ بِحُرَّةٍ وَجَنَا عَلَيْهَا *** تُزَتُ لِزَوْجِهَا الزَّهْرا افْتِرَانا

فَقَائِدُها النَّبِيُّ وَ خَلْفُها الرُّوحُ *** وَ الأمْلاكُ تُمْطِرُها الجُمانا

وَ إِسْرَافِيلُ بِاليُمْنَى وَ مِيكالُ *** بِاليُسْرَى لِخِدْمَتِهَا تَدَانَى

ص: 136


1- امتهاناً: احتقاراً و ابتذالاً.
2- تهاداه: أهدى بعضهم بعضاً.
3- قصا: من القصيّ، أي البعيد.
4- يني: من السنأي، أي البعد.
5- جفانا: قصاعاً كبيرة.

وَ خَلْفَهُمُ نِسَاءُ الوَحْيِ تَسْعَى *** بِأَلْحَان تهزُّ بهِ الزَّمَانا

يُجِدْنَ بِمَدْحِهَا نَغَمَاً رَخاماً *** تَرَى شَبَحَ الهُمُوم بِهَا تَفَانَى(1)

تَوَدُّ لَهَا النُّجُومُ هَوَتْ نِثاراً *** وَ سَيَّارَاتُهَا أَلْقَتْ جِرانا(2)

بِهَا الأَمْلاَكُ تَحْتَفِلُ ابْتِهاجاً *** لِتَشْرَكَ فِي الهَنَا إِنْساً وَجَانا

***

وَ فِي يَدِ حَيْدَرٍ يَدُهَا رَمَى إِذْ *** جَلَى مِنْهَا لَهُ وَجْهاً مُصانا

وَ بَاركَ إِذْ دَعَا لَهُما بِخَيْرٍ *** وَ ثُمَّ سَقَاهُمَا مِنْهُ لِبَانا

وَ أَوْصَى بِنتَهُ بِالزَّوْجِ حُسْناً *** وَ أَوْصَاهُ بِهَا حُسْناً ضَمَانا

***

فَهَلْ يَلْقَى كَهَذَا الفَضْل فَضْلٌ *** وَ هَلْ أَحَدٌ حَوَى مِنْ ذَاكَ شَانا؟

أَلَيْسَ لِذَاتِ ذِي العَلْيا عجِيباً *** تُقَاسِي بَعْدَ وَالِدِها هَوانا؟

فَمَا يَوْمٌ تَحِتُ بِها زَفافاً *** مَلاَئِكَةُ السَّما عَجَباً أَرانا

وَلكِنَّ العُجَابَ نَهارَ جَاءَتْ *** لِمَنْزِلِهَا اللَّئَامُ وَ مَنْ أعانا

فَأَسْقِطَ حَمْلُها عَصْراً وَ رَضُّوا *** وَرَاءَ البَابِ أَضْلُعَها اضْطِغانا(3)

وَ مِنْ ضَرْبِ السَّيَاطِ تَمُوتُ نَهْكاً *** بَرَى جِسْماً و أَوْهَنَها جِنانا(4)

وَ كَمْ عَانَتْ خُطُوباً قَبْلَهَا لَمْ *** يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الأَحْيَاءِ عَانَي

***

أَتَقْضِي بَضْعَةُ المُخْتَارِ ضَرْباً *** وَ نَهْكاً وَ امْتِهاناً وَ امْتِحَانا؟

وَ تَقْضِي وُلْدُها بِالظُّلْمِ هَذَا *** سُقِيَ سُمّاً وَذَا قَتْلاً مُهانا

ص: 137


1- رخاماً: رقيقاً.
2- نثاراً: متفرّقة -ألْقَتْ:جرانا: وطَنَتْ أنفسها أو ألقت أثقالها.
3- انظر كتاب سليم بن قيس الهلالي ص40 اضطغانا: انطواء على الأحقاد.
4- أنظر ما ورد عن «بحار الأنوار» ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم في القصيدة. نهكاً: مبالغة في العقوبة.

فَبَيْنَ فَتَّى يُقَاسِي السُّمَّ حَتَّى *** يَمُوتَ وَ بَيْنَ مَنْ يَلْقَى السِّنانا(1)

ص: 138


1- دیوان عرائس الجنان و نفائس الجنان ج1 ص30 (1371/4/17 ه- ).

(43) مهرجان العيد

(بحر الرَّمل)

السيد محمد علي العلي(*)(1)

فَجْرِي الفِكْرَ وَ غَذّي بَيانا *** وَ أَحِيلِي العِيدَ فِينَا مِهْرَجانا

فَجْرِي الفِكْر فَرِيض يَجْتَلِي *** هِمَماً خَانَ بِهَا العَزْمُ زَمَانَا

فَهْي لَوْلاكِ سَتَعْفُوحِقَباً *** وَ سَيَخْبُو وَقْدُها أَوْ يَتَفَانَي(2)

عَادَتِ الذِّكْرَى فَمَا أَرْوَعَهُ *** بُلبُلُ الحَفْلِ إِذا غَنَّى لِسانا

عَادَتِ الذِّكْرَى وَ قَدْ عَوَّدَنا *** شَرَفَ الخِدْمَةِ وَ فَّيْنَا رَجَانا

وَ أَفِيضِي قَبْسَةَ النُّورِ عَلَى *** ظُلْمَةِ القَلْبِ لِيَنْجَابَ عَمَانا

وَ افْتَحِي آمَالَنَا فِي مدحٍ *** هِيَ سِرُّ الفَوْزِ فِي نُجحِ مُنانا

وَ هْيَ عُنْوَانٌ يُجَلِّي حُبَّنا *** وَ هُيَ تَعْبِيرٌ لِمَكْنُونِ وَلاَنا

***

مِهْرَجَانُ العِيدِ هَذَا مَوْعِدٌ *** قَدْ قَطَعْنَاهُ مَعَ الذِّكْرَى أَتانا

فَأَدِرْ كَاسَ حُمَيَّاكَ عَلَى *** مَحْفِل العِيدِ لِتُسْقِينَا رِوانا

فَلَنَا فِي كُلِّ عَامِ وَقْفَةٌ *** تَشْحَذُ الفِكْرَ وَ تُذْكِينا بَيَانا(3)

في جَلِيلِ الذَّكَرِ إِذْ يُتْلَى بِهِ *** مِنْ حَيَاةِ الطُّهْرِ قُرآنُ هَدَانا

ص: 139


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- يخبو وقدها: يخبو أي يخمد و يسكن و ينطفىء و قدها اشتعالها.
3- تشحذ: تحذ.

فَنَرَاهَا وَ هْيَ فِي مَوْلِدِها *** وَ صِبَاهَا وَ بِهِ نَبْنِي صِبَانا

وَ هيَ فِي دَوْرِ شَبَابِ اذْ تَرَى *** حِكْمَةَ القَوْلِ وَ فِكْراً لايُدَانَى

وَ لَنَا التَّهْذِيبُ مِنْ مَنْطِقِهَا *** فَبِهِ نَنْعَمُ هَدْياً وَ اتَّزَانا

وَ نَرَاهَا وَ هُيَ أُمْ نَهَجَتْ *** لِبَنِيهَا أَعْظَمَ الأَخْلاقِ شَانا

وَ هُيَ دَرْسُ تَهْتَدِي أَبْنَاؤُنَا *** فِي عُلاهُ وَ بِهَا تَبْنِي الكيانا

وَ لَنَا مِنْ رِفْعَةِ الصَّوْنِ بِهَا *** مَنْهَجٌ تَأْخُذُهُ مِنْهَا نِسانا

وَ بِهِ تَرْكُولَهَا عِفَتُها *** وَ تَرَى الحِلْمَةَ عِزَّاً وَ أَمَانا

***

بَضْعَةَ المُخْتَارِ لأَزَالَ لَكِ *** مَوْقِفُ العِزَّةِ مَجْداً لَنْ يُدَانَى(1)

بضعَةَ المُخْتَارِ وَ الحَالُ وَ إِنْ *** مَرَّ بالجزأَةِ مَا أَوْهَى جِنَانا(2)

وَ أَبَادٍ لَعِبَتْ دَوْراً لَهَا *** وَ هُنَتْ شأناً وَ لَمْ تَنْقُصْكِ شَانا

مَا هُوَ الإِرْتُ وَ مَا السَّهْمُ وَ مَا *** فَدَكٌ عِنْدَكِ مَا كَانَ ضَمانا؟

ص: 140


1- في كونها بضعة النبي صلي الله علیه و آله و سلم أقول: فاطمة الزهراء علیها السلام سيدة الحسب و النسب و في قوله تعالى: «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ» المؤمنون، آية: 101. روى العلامة «المناوي» في «فيض القدير» بإسناده عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: «كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي... و روى الحافظ الحسكاني قال: أخبرنا عقيل بن الحسين عن عبداللّه بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «كل حسب و نسب منقطع يوم حسب و نسب منقطع يوم القيامة إلا حسبي و نسبي إن شئتم اقرأوا «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ». و فاطمة الزهراء علیها السلام هي سيدة الحسب و النسب المتصلين برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فهي طليعة المستثنين من هذه الآية الكريمة. انظر فضائل الخمسة ج2. و شواهد التنزيل ج1 ص407. و فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص164.
2- أوهى: أضعف.

مَا الَّذِي أَنْعَبَكِ مِنْ شَأْنِهَا *** غَيْرُ أَنْ تُنْفَقَ فِي اللَّهِ امْتِنَانَا؟

وَ لَئْنُ أَوْقَفَكِ الحَالُ بِهَا *** مُؤقِفَ الشَّاكِي مِنَ القَوْمِ هَوَاناً

موْقِفَ المُحْتَجٌ يُدْلِي حُجَجاً *** تَدْحَضُ البَاطِلَ رُوحاً وَكِيانا

لَمْ يَكُنْ ذَاكَ سِوَى أَنْ تَكْشِفِي *** وَاقِعَ الحَالِ بِهَا كَيْ يُسْتَبانا

وَ يَرَى التَّارِيخُ مَا أَغْفَلَهُ *** مِنْ صَرِيح الحَقِّ أَوْ عَنْهُ تَوَانَى(1)

إذْ يَرَى الحَقُّ بِهِ وَهُجَ الضُّحَى *** يَخْطَفُ الْأَبْصَارَ فِيهَا لمعانا

قَدْ عَرفْنَا الحَالَ إِذ أَلْزَمَهُمْ *** مَنْطِقَ الغَايَةِ أَخْذاً وَامْتِهَانا

وَ عَرِفْنَا مَنطِقَ الغَايَةِ لاَ *** يَعْرِفُ الإِنْصَافَ أَوْ يَرْضَى اتِّزَانا

غَيْرَ أَنَّا لانَرَى مَعْنَى بِهَا *** أَنْ نَرَى بِالبَابِ لِلْجَزَلِ مَكَانا

وَ نَرَى النَّارَ عَلَى شِدَّتِها *** حَيْثُ عَادَ البَيْتُ نَاراً وَ دُخانا

وَ هُجُوماً ضُيْعَ العَدْلُ بِهِ *** فِي حِماً قَدْ كَانَ أَحْرَى أنْ يُصَانَا

أيُّ مَعْنَى لِهُجُومٍ شُنَّ قَدْ *** عَادَ مِنْهُ الضّلْعُ فِي الصَّدْرِ مُبَاناً؟(2)

وَ عِمَادٌ لُبِّبَ الحَبْلُ لَهُ *** دُونَ أَن يُشْهرَ سَيْفاً أَوْ سِنانا

أَمِنُوا سَطوَتَهُ فَاسْتَأَسَدُوا *** مَنْ رَأَى الأمن مِنَ المَكْرِ اسْتِهَانا

وَ لَقَدْ كَانُوا عَلَىٰ عِلْمٍ بِهِ *** فَلَقَدْ كَانُوا وَ مَا كَانَ جَبَانا

قَدْ أَطَاعَ المُصْطَفَى فِي أَمْرِهِمْ *** حَيْثُ لَوْلاهُ لَهَابُوهُ طِعَانا

أكَذَا البَيْعَةُ لاَيُقْضَى لَهَا *** دُونَ أَن يُسْتَوْادَ العَدْلُ عَيَانا(3)

دُونَ أَنْ يَفْرِشَ فِي الدَّرْبِ لَهَا *** مِنْ ضَحايا الجَوْرِ أَكْباداً سِخَانا

وَيْحَ دُنْيَا الجَهْلِ مَا أَجْرَأَها *** أَنْ يَعِيش النَّاسُ مِنْهَا العُنْفُوانا

***

ص: 141


1- توانی: تضعف و تكلّ و تفتر و تعيى.
2- مباناً: منفصلاً منقطعاً.
3- يُسْتؤاد: يدفن في التراب و هو حيّ.

إِيهِ يَا أُخْتُ أَلَوْلاً كَمْ سَعِدَتْ *** أُمَّةٌ أَوْسَعَتِ العِرْضَ صِيانا

لَمْ تَكُنْ تَرْضَى بِأَنْ تَبْدُولَهَا *** كَاعِبٌ تَخْطَفُها الأَبْصَارُ آنا

وَ لَنَا نَحْنُ بِهِ الدِّينُ غِنّى *** حَيْثُ نَسْتَجْلِي مِنَ النَّهْجِ هُدَانا

فَلَكِ الزَّهْرَاءُ فِي حِشْمَتِها *** قُدْوَةٌ إِنْ رُمْتِهِ مَجْداً مُصَانا

وَ حَيَاةُ الجيل لأتُلزمنا *** أبَداً يَا أُخْتُ تَقْلِيدَ سِوَانا

فَحَيَاةُ الجِيل لأتُلْزِمُنا *** زَحْرَفَاتِ الفَنْ صِبْغاً وَ دِهانا(1)

ص: 142


1- أفراح الولاء ص101.

(44) لم أنس

(بحر الكامل)

الأستاذ محمود سبتي

كَمْ فِي سُوَيْدا قَلْبِهَا مِنْ غُلَّةٍ *** وَ بِجِسْمِهَا نَشَبَتْ مَخَالِبُ عِلَّةٍ؟(1)

لَمْ أَنْسَ إِذْ بَكَتِ النَّبِيَّ بِعَوْلَةٍ *** وَ رَنَتْ إِلَى القَبْرِ الشَّرِيفِ بِمُقْلَةٍ(2)

عَبْرَى وَ قَلْبٍ مُکْمَدٍ مَحْزُونِ

***

وَ سِيَاطُ قُنْفُذَ أَثَرَتْ فِي جَنْبِها *** وَ سَمَاءُ مُقْلَتِهَا تَدِرُّ بِسُحْبِها

حَتَّى إِذَا احْتَنَكَ الْجَوَى فِي لُبَّها *** قَالَتْ وَ أَظْفَارُ المُصَابِ بِقَلْبِهَا(3)

غَوْثَاهُ قَلَّ عَلَى العُدَاةِ مُعِ العُدَاةِ مُعِینِي

***

وَ بِقَلْبِها وَجْدٌ ثَوَىٰ فَأَقَلُّهُ *** ثُمَّ الرَّوَاسِي لاتُطِيقُ تقلّه(4)

فَدَعَتْ وَ مَدْمَعُهَا تَدَفَّقَ سَيْلُهُ *** أَبَتَاهُ هَذَا السّامِرِيُّ وَ عِجْلُه

تُبِعَا وَ مَالَ النَّاسُ عَنْ هَارُونِ

***

ص: 143


1- سويدا القلب: حَبَّتُه.
2- رنتْ أدامت النظر إلى الشيء بسكون الطَّرْف. مُقْلة: عين.
3- احتنك: استولى عليه. الجوى : شدّة الوَجْد من حزنٍ أو عشقِ.
4- وَجْد: حزن. ثوى: أقام شمّ الرواسي: الجبال العالية الثابتة الراسخة.

وَيْلٌ لِقَوْمٍ حَارَبُوا ابْنَةَ أَحْمَدِ *** هَتَكُوا حِمَاهَا قَبْلَ دَفْنِ مُحَمّدِ

فَغَدَتْ تُنَادِيهِ بِقَلْبِ مُكْمَدِ *** أَيُّ الرَّزَايَا أَتَّقِي بِتَجَلْدِ؟(1)

هُوَ فِي النَّوَائِبِ مُذْ حَیِيْتُ قَرِينِي

وَجْدِي تَنَاهَىٰ لَيْسَ وَجْدٌ فَوْقَهُ *** وَ شَجَايَ أَبْعَدَ عَنْ لِسَانِي نُطْقَهُ

أَيُّ الخُطُوبِ أَقلَّهُ إِنْ أَلقَهُ *** فَقْدِي أَبِي أَمْ غَصْبُ بَعْلِي حَقَّهُ

أَمْ كَسْرُ ضِلَعِي أَمْ سُقُوطُ جَنِينِ؟(2)

يَا لَيْتَنِي قَدْمُتُ قَبْلَ مَنِيَّتِي *** أَوْ أَنَّنِي أُلْحِدْتُ قَبْلَ مَذَلَّتِي

أَيُّ الخُطُوبِ لَهُ أَنُوحُ أَذِلَّتِي *** أَمْ أَخُذُهُمْ إِرْضِي وَ فَاضِلُ نِحْلَتِي

أمْ جَهْلُهُمْ حَقي وَ قَدْ عَرَفُونِي(3)

ص: 144


1- قلب مكمد: قلب محزون و مهموم جدا. تجلّد: تصبر.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص198 باب ما وقع عليها من الظلم فألجأها (أي قنفذ) إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها. و هي تكملة للرواية السابقة في الهامش السابق.
3- شعراء الغري ج11 ص198.

(45) نجيبة المصطفى صلي اللّه علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الأستاذ محمود مهدي

عَلَى البَقِيع ظِلالٌ مِنْ مَآسِينا *** تَبْكِي الطُّلُولُ لِشَجْوَاها وَ تُبْكِينا(1)

هُنَاكَ حَيْثُ تَقِرُّ الطُّهْرُ فَاطِمَةٌ *** بنتُ النَّبيِّ مفدانا وَ هادِينا

يَا بِنْتَ خَيْرِ الوَرَى يَا زَوْجَ حَيْدَرَةٍ *** يَا أَمَّ شِبْلَيْهِ يَا أَغْلَى أَمَانِينَا

مَا القَوْلُ مُجْدٍ بِمَا نَلْقَاهُ مِنْ عَنَتٍ *** مِمَّا أَصَابَكِ مِنْ بَغْيِ المُضِلِّينا

أَقْصَاكِ عَنْ إِرْثِكِ المَشْرُوعٍ لُؤْمُهُمُ *** وَ اسْتَحْدَمُوا بَعْدَ مَوْتِ المُصْطَفَى دِينا(2)

أَمْلَتْهُ أَهْوَاؤُهُمْ كُرْهاً وَ مَحْسَدةً *** حَتَّى غَدا الدِّينُ بِالأَهْوَاءِ مَرْهُونا

لازَالَ لِلْيَوْمِ مِنْ أَحْقَادِهِمْ نَبْذٌ *** فِيهَا رِيَاحُ عَوَادِيهِمْ تُفادِينا(3)

لَمْ يَكْفِ لَمَّا نَحَّوْا أَبا حَسَنِ *** عَنِ الخِلافَةِ وَ ابْتَزُوا لَهَا حِينا(4)

لَمْ يَكْفِ أَنَّهُمُ عَلَى الجَنِينِ قَضَوْا *** وَ حَطَّمُوا الضّلْعَ وَ اسْتَنُّوا الشَّجَا فِينا(5)

حَتَّى اسْتَبَاحُوا دِمَا السُبْطَيْن و أَسَفِي *** وَ أَحْرَقُوا كَيْدَ طَة وَ المُوَالِينا

***

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الهَادِي وَ حَقَّكُمُ *** إِنَّا عَلَى العَهْدِ لَازِلْنَا مُقِيمينا(6)

ص: 145


1- الطلول جمع الظَّلل و هو الأثر المتبقّي من الديار بعد فنائها.
2- انظر كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج16 ص232.
3- رياح عواديهم: العوادي الخيل المغيرة أو جماعة القوم يعدون للقتال.
4- ابتزّوا: اغتصبوا و سرقوا.
5- انظر کتاب دلائل الإمامة ص45.
6- انظر كنز العمال ج6 ص220.

يَا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الهَادِي مُصِيبَتِكُمْ *** لاشَيْءَ عَنْهَا بِذِي الدُّنْيَا يُعَزِّينا

كَيْف التَّجَلُدُ وَالآلامُ عَارِمَةٌ *** تَعُومُ فَوْقَ سُولٍ مِنْ مَآقِينا(1)

تَجْرِي الهُمُومُ وَ نَجْرِي فِي رَكَائِبِهَا *** مَعَ الزَّمَانِ وَ جَمْرُ الحُزْنِ يَكوِينا

يَا بَضْعَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ طَاهِرَةً *** وَ دُرَّةً بُلُورَتْ فَضْلاً وَ تَكوينا

فِي عَالَم النُّورِ خَطَّ اللَّهُ صُورَتَهَا *** وَ زَادَ فِي حُسْنِهَا الأَفْلاكَ تَزْيِينا(2)

بِالمَجْدِ جَلَّلَها، بِالفَخْرِ كَلَّلها *** بِالذِّكْرِ حَلَّلَها آياً وَ تَبْيِينا

بِاللُّطْفِ كَمَّلَها بِالعَطْفِ جَمَّلَها *** لِلْأَرْضِ أَنْزَلَهَا ذُخْراً لِتُنْجِينا(3)

نَجِيبَةُ المُصْطَفَى الدَّاعِي وَ فَلْذَتُهُ *** لِذِكْرِكِ اليَوْمَ شَامَ الحُزْنُ نَادِينا

ص: 146


1- التجلّد: التصبّر. عارمة: شديدة خارجة عن الحد مآقينا: دموعنا.
2- في كتاب العوالم ج1 ص76 عن جابر عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قلت له: لم سمّيت فاطمة الزهراء علیها السلام، زهراء؟ فقال: لأن الله «عزّوجلّ» خلقها من نور عظمته فلمّا اشرقت أضاءت السماوات و الأرض بنورها.
3- في كتاب كنزالعمال ج6 ص219: انما سمّيت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبّيها عن النار. و في كتاب فاطمة علیها السلام من المهد إلى اللحد للمرحوم السيد محمد كاظم القزويني «قدس سره» ص48. لقد بلغ من احترام الأئمة الطاهرين لاسم فاطمة علیها السلام أن رجلاً من أصحاب الامام الصادق علیه السلام دخل عليه يزوره فلما وقع بصر الامام الصادق علیه السلام على الرجل رآه مهموماً مغموماً فسأله عن سبب همه و غمه فأخبره الرجل قائلاً: ولدت لي ابنة... فسأله الامام علیه السلام عن اسمها. فقال: سميتها فاطمة علیها السلام... و ما كاد الامام الصادق علیها السلام يسمع بهذا الاسم حتى اطرق برأسه إلى الأرض و راح ينكت الأرض بأصبعه ثم قال: آه -آه -آه و قد اغرورقت عيناه و فاضت بالدموع ثم التفت إلى الرجل و قال له: «أما إذا سميتها فاطمة علیها السلام فلاتسبها و لاتلعنها و لاتضربها». فهى فاطمة علیها السلام لانها فطمت الذين احبوها و حملوا حبها في قلوبهم و انعكس على سلوكهم من النار و من العذاب. و هي فاطمة علیها السلام لأن الناس فطموا عن معرفتها و لهذا صارت معرفتها موازية لمعرفة ليلة القدر فلاتدركها إلا العقول النيرة و القلوب العامرة بالايمان و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و الليلة المباركة... و الكوثر الذي لاينقطع أبداً... و هي الطاهرة و الزكية...، و هي الراضية المرضية و هي المحدثة و الزهراء...، و بالتالي فهي البتول العذراء علیها السلام.

إِنَّا نَقُولُ وَ صِدْقُ الفِعْلِ شَاهِدُنا *** مَا كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ يُؤْذِينا

حَيْثُ الوَلاَ لَكُمْ بِالشَّرْع مُفْتَرَضٌ *** كَسُورَةِ الحَمْدِ فِي شَأْنِ المُصَلِّينا

لَنْ يُقْبَلَ الفَرْضُ إِلا فِي تِلَاوَتِهَا *** إِذْ كَانَ فِيهَا قَبُولُ الفَرْضِ مَرْهُونا

لِذَا رَضِعْنَا مَعَ الأَلْبَانِ حُبَّكُمُ *** مُنْذُ الوِلادَةِ وَ اسْتَرْعَى حَوَانِينا

يَسْرِي مَسَارَ الدِّمَا فِي كُلِّ جَارِحَةٍ *** فِينا، فَيُنْعِشَ أَحْشَانا وَ يُحْيِينا

إِنْ لَمْ تُشَرَّفْ بِمَرْآكُمْ نَوَاظِرُنَا *** فَحَسْبُنَا أَنَّ ذِكْرَاكُمْ تُنَاجِينا

سَنُصْبرُ الأَنْفُسَ الحَرَّى عَلَى مَضَضٍ *** حَتَّى أَبُوالقَاسِمِ المَهْدِي يُوَافِينا(1)-(2)

ص: 147


1- مضض: وجع المصيبة.
2- نفخات عاطرة ص82.

(46) سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

السيد مرتضى النجفي البهبهاني

أَصْحَابُ أَضْغَانٍ وَ حِقْدِ أَسْوَدِ *** نَكَنُوا الْعُهُودَ كَأَنَّها لَمْ تُعْقَدِ

تَعْساً لَهُمْ مِنْ عُصْبَةٍ لَمْ تَرْشِدِ *** الْوَائِبِينَ لِظلم آلِ مُحَمَّدٍ

وَ مُحَمَّدٌ مُلقى بِلاتَكْفِينِ

***

يا عُصْبَةٌ كَمْ فِي الْهُدَى عَادَيْتِنا *** وَ لأَجْلِهِ بِعِداكِ قَدْ ناصَبْيِنا

وَ بِكُلِّ مُعْضَلَةٍ لَقَدْ آتَيْتنا *** وَ الْقَائِلِينَ لِفَاطِمٍ آذيْتِنا

في طُولِ نوْحٍ دَائِمٍ وَ حَنِینِ

***

مَتَعُوا سَلِيلَةَ أَحْمَدٍ أَنْ تَسْتَظِلْ *** ظِلَّ الأَرَاكَةِ فِي دُمُوعَ تَسْتَهِلْ

تَعْساً لأَفْئِدَةِ بِغِلُ تَسْتَعِلْ *** وَ الْقَاطِعِينَ أَرَاكَةً كَيْ مَا تَقِلْ(1)

بِظِلِّ أَوْرَاقٍ لَهَا وَ هُمْ وَ غُصُونِ

***

مِنْ كُلِّ مَنْ هُوَ فِي مَقَالَتِهِ بِذِي *** وَ مُنَافِي فِي قَعْرِ نارٍ مُنْبَذِ

المُجْلَبِينَ عَلَى الْهُدَى بِتَلَذّذِ *** وَ مُجَمْعِي حَطَبٍ عَلَى البَيْتِ الَّذِي

لَمْ يَجْتَمِعْ لَوْلاهُ شَمْلُ الدِّينِ

***

ص: 148


1- غِلَ: حِقد و غشّ.

إنَّ البَتُولَةَ مَنْ يُلازِمُ سَمْتَها *** يَلْقَ السَّعَادَةَ فِي الْقِيَامَةِ وَقُنَها(1)

عجباً لِقَوْمٍ لَمْ يُرَاعُو صَوْتَها *** أَلدَّاخِلِينَ عَلَى الْبَتُولَةِ بَيْتها

وَ الْمُسْقِطِينَ لَهَا أَعَزَّ جَنِينِ

***

لَوْلا كِتَابُ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ *** مَانَالَ قَط مُوَحَدٌ لِمُرَادِهِ

وَيْلٌ لِكُلِّ مُجَاهِرٍ بِعِنادِهِ *** وَ الْقَائِدِينَ إمَامَهُمْ بِنجَادِهِ(2)

وَ الطُّهْرُ تَدْعُو خَلفَهُمْ بِرْنِينِ

***

عَصَرُوا الزَّكِيَّةَ ثَمَّ عَصْراً مُوجِعا *** وَ هُناكَ أَلْقَتْ خَيْرَ حَمْلٍ أَبْدِعا

قَامَتْ وَرَاءَهُم تُنَادِي الأَجْمُعا *** خَلُوا ابْنَ عَمِّي أو لأكشف بِالدُّعا

أَوْ رَأْسِي وَ أَشْكُو للإلهِ شُجُونِي

***

في الذِّكْرِ نَاقَةُ صَالِحٍ تَفْصِيلُها *** نَبْلُ لَهَا وَ لِقَوْمِهِ تَنْوِيلُها

وَ مُذِ اعْتَدُوا عَقَرُوا فَهُدَّ مَقيلُها *** ما كانَ نَاقَةُ صَالِحٍ وَ فَصِيلُها

بِالفضْلِ عِنْدَ اللَّهِ إِلا دُونِي

لَمّا رَأَتْهُمْ مَا انْثَنَوْا عَنْ فِعْلَةٍ *** وَ لِشَخْصِها لَمْ يَحْفَظُوا مِنْ حُرْمَةٍ

ضَجَّتْ وَ مِنْهَا عَيْنُها فِي عَبْرَةٍ *** وَ رَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ بِمُقْلَةٍ

عبْرَى وَ قَلبٍ مُکْمَدٍ مَحْزُونِ

ص: 149


1- سمتها: طريقها.
2- نجاده: حمائل السيف.

ص: 150

قافیة الهاء

أشارة

ص: 151

ص: 152

(1) نادت أباها صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر المتدارك)

الأستاذ أبو زهراء الكوفي

فاطمٌ قد قَضتْ بِنْتُ طه *** فالعَزالِعَلِيٍّ ورَاها(1)

***

ذَهَبَتْ تَشْتَكِي لأَبِيها *** أُمَّةً قَدْ أضاعَتْ هُداها

نَسِيَتْ بيّناتِ المثَانِي *** وكذا سُنّةَ الهادِي طه

عَطَّلَتْ ما حَواهُ الكِتابُ *** وعَلى الآلِ دارَتْ رَحاها

وَالنَّبِيُّ مُسَجًّى أَثاروا *** فِتْنَةً فَاسْتَحَقُّوا لَظاها(2)

***

كَسَرُوا ضِلْعَها وَالجَنِينُ *** أَسْقَطُوهُ فنادَتْ أَباها(3)

قُمْ فشاهِدْ عليّاً وَحِيداً *** بَيْنَ مَنْ حَكَمَتْ بِهَواها

ويْلَهُمْ قيَّدُوهُ بِحَبْلٍ *** كَيْ يُبايِعَهُمْ مُرْتضاها

وَهْوَ مَن فَوْقَ كَتْفِ النَّبیِّ *** هُبَلٌ بالفِقارِ اعْتَلاها

ص: 153


1- في كتاب إحقاق الحق ج 10 ص 183 عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم قال لفاطمة علیها السلام: هي خير بناتي، لأنها أُصيبت فيَّ.
2- لظاها: نارها أو لهيبها.
3- في كتاب إثبات الوصية ص 123. وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً، وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال: لا أفعل، فقالوا : نقتلك، فقال: إن تقتلوني فإني عبد اللّه وأخو رسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم...

قالَ بَايَعْتُكُمْ لا لِضَعْفٍ *** إنّما حاقِناً لِدِماها

قد عَلِمْتُمْ محلّي فَإِنِّي *** قُطْبُها لَوْ رَفَعْتُ لِواها

غَيْرَ أَنّي تَنَازَلْتُ عَنْهَا *** حامِياً للأُصولِ حِماها

فأَجابُوا عليّاً بغَدْرٍ *** قالَ فُزْتُ وَرَبِّ عُلاها

***

بَعْدَهُ المُجْتَبَى ماتَ سَمّاً *** وَحُسَيْنٌ قضَى بظُباها(1)

وَالرّزايا عَلَيْناتوالَتْ *** في العِراقِ يُدَوِّي صَداها

قُبَّةُ السِّبطِ قَدْ هَدَمُوها *** وَالضَّحايا أُلوفٌ فِداها

أَيُّها المَهْديُّ اظْهَرْفَهَا قَدْ *** بَلَغَ السَّيْلُ حَقَّ زُباها(2)

وَاستَقِمْ يا مُوالِي بِدَرْبٍ *** خَطَّهُ لكَ آلُ عباها(3)

ص: 154


1- ظُباها: حدود سيوفها أو أسنّتها
2- بلغ السيلُ حقَّ زُباها: يعني اشتدّ الأمر وانتهى إلى غاية بعيدة.
3- عدتي للآخرة في رثاء العترة الطاهرة ص27.

(2) صلى الإله عليها

(بحر البسيط)

الأستاذ أحمد بن الحاج رشيد منط

يا بَضْعَةً مِنْ زَعِيمِ الرُّسْلِ حَيّاها *** رَبُّ السَّمَاءِ وَحَيَّى الغُرَّ أَبْناها(1)

ما كانَ أَطْيَبها مِنْ زَهْرَةٍ نَبَتَتْ *** فَوْقَ الأَدِيمِ وَزَكَّى اللَّهُ مَنْشاها(2)

مِنْ مَعْشَرٍ وُدُّهُمْ فَرْضٌ وَرَبُّهُمْ *** لَمْ يَخْلُقِ الكَوْنَ لَوْلاهمْ وَلَوْلاها

فَاللَّهُ لمَّا بَرَى خَلْقاً وَكَوَّنَهُ *** مِن نُورِ أَحْمَدَ خَيْرِ الرُّسْلِ صَفّاها

وَمِن أَجَلِّ نِساءِ الخَلْقِ أَطْلَعَها *** كالشَّمْسِ تُشْرِقُ في الأَكْوانِ أَضْواها

وَرَبُّها مِنْ جَمِيعِ الرِّجْسِ طَهَّرَها *** وَفي دَررِ جَمِيعِ الفَضْلِ حَلاّها

ما بَيْنَ جِبْرِيلَ وَالمُخْتارِ والِدِها *** وَبَيْنَ صدِّيقَةِ المُخْتارِ مَرْباها

آباؤُها حُجَجُ البارِي وَصَفْوَتُهُ *** وَسَادَةُ الخَلْقِ فِي الدَّارَيْنِ أَبْناها

وَهْيَ الَّتِي بَضْعَةٌ مِنْ نُورِ وَالِدِها *** وَكانَ سِيما رَسُولِ اللَّهِ سيماها

وَكانَ جِبْرِيلُ بالآياتِ يُؤنِسُها *** وَمِنْ مَعارفِهِ المُخْتَارُ غَذّاها

يَقُولُ مَنْ أَغْضَبَ الزَّهْراءَ أَغْضَبَنِي *** وَاللَّهُ يَرْضَى عَلَى مَنْ كانَ أَرْضاها(3)

وَلَمْ يَكُنْ لنِسَاءِ الخَلْقِ سَيِّدَةٌ *** في النَّشْأَتَيْنِ عَلَى الإِطْلاقِ إِلاّها

ص: 155


1- في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 قال النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم: فإنما ابنتي - يعني فاطمة علیها السلام - بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.
2- الأديم: أديم الأرض ما ظهر منها وأديم النهار بياضه و كامله.
3- في كتاب كنز العمال للمتقي ج7 ص111 قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: «إن اللّه يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ».

مِنْ نورِها تَزْهَرُ السَّبْعُ الطِّباقُ إذا *** أُمُّ الحُسَيْنِ تَجَلَّتْ في مُصَلاّها

لأجْلِ ذا سُمِّيَتْ زَهْراءَ فاطِمَةً *** وَرَبُّها مَنْ بِهذا الاسْمِ سَمّاها

وَحَسْبُها سَيِّدُ الأَمْلاكِ جَلَّلَهُ *** كِساؤَها حينَ غَطّاهُ وغَطَّاهَا

وَهْيَ الّتي بَيْنَ أَهْلِيها قَدِ انْتُدِبَتْ *** حَتَّى تُباهِلَ أَهْلَ الكُفْرِ أَعْداها(1)

وهَلْ أَتى؟ هَلْ أَتى إلاّ بِمِدْحَتِها *** لَمّا وَفَتْ نَذْرَها وَاللَّهُ آتاها(2)

مُلْكاً كَبِيراً بهِ الرَّحْمنُ بَشَّرَها *** وَكَانَتِ الآيَةَ الغَرّا بِتَقْواها

وَكانَ يُجْلِسُها المُخْتارُ مَوْضِعَهُ *** إذا أتَتْهُ وَبِالتَّعْظِيمِ يَلْقاها

وَمِنْ جَمِيعِ فُنُونِ العِلْمِ عَلَّمها *** وَرَبُّها منْ جَمِيعِ الفَضْلِ أَعْطاها

وَعَقْدُها قَدْ تَولاّهُ الإلهُ عَلَى *** خَيْرِ البَرِيَّةِ إِيماناً وَأَقْضاها

وَلَمْ يَكُنْ مِنْ سِواها مَنْ بِمَقْدَمِهِ *** يُطَهِّرُ الأرْضَ مِنْ رِجْسٍ تَغَشّاها

تُنَكِّسُ النّاسُ يَوْمَ الحَشْرِ أَعْيُنَها *** حَتَّى تَمُرَّ وَنُورُ اللَّهِ يَغْشاها(3)

وَلَيْسَ يَعْرِفُ ما حازَتْهُ مِنْ شَرَفٍ *** إلاّ الذي صاغَها نُوراً وأَنْشاها

فَاقْصُرْ أُحَيْمِدُ عَنْ إِطْرَاءِ فَاطِمَةٍ *** مَهْما أَرَدْتَ بِقَرْضِ الشِّعْرِ إطْراها(4)

واللَّهِ واللَّهِ لا تُحْصِي فَضَائِلَها *** وَلَوْحُبِيتَ عَدِيدَ النَّجْمِ أَفْواها

فَهْيَ الّتِي عَنْ مَدِيحِ الخَلْقِ رُتْبتُها *** جَلَّتْ وَخالِقُها الرَّحْمنُ أَعْلاها

لَوْ كلُّ ماءِ بِحَارِ الأَرْضِ مِحْبَرةٌ *** وَأَصْبَحَتْ وَرَقاً عَلْياءُ دُنْياها

ص: 156


1- تباهل: تلاعن.
2- في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج 5 ص 530 فأتاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فرأى ما (أي علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام) من الجوع فأنزل اللّه «تعالى» «هل أتى على الإنسان حين من الدهر - إلى قوله - لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً»
3- تنکِّس: تطأطيء من ذل. إشارة إلى ما روي في كتاب ذخائر العقبى ص48 قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش يا أهل الجمع نكّسوا رؤوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم على الصراط».
4- إطراء: حُسن الثناء والمبالغة في المدح.

وَ كُلُّ عُودٍ على وَجْهِ الثَّرَى قَلَمٌ *** وَ كُلُّ نَفْسٍ إِلهُ العَرْشِ سَوّاها

كانُوا عَلَى الأرض كُتاباً وَكُلُّهُمُ *** رامُوا بأنْ يَنْعَتُوا ما الله أَوْلاها

لَمْ يَبْلُغُوا ذَرَّةٌ ممّا به مُنحَتْ *** مِنَ الفَضائل مِنْ ذِي العَرْشِ جِلّاها(1)

و هُيَ الّتي خُلِقَتْ من نُورِ بارئها *** فَأَيْنَ لِلْخَلْقِ الْمَامٌ بِمَعْنَاهَا(2)

لَكِنْ رَأَيْتُ عَلَى قَدْرِي مَدائِحَها *** فَرِيضةٌ وَ إِلهُ العَرْشِ زَكّاها

طُوبَى لِمَنْ صَيَّرَ الإِسْلامَ قائِدَهُ *** وَوَدَّ ابْناءَ ها طراً وَ والاها

وَ لَمْ أكُنْ أحْسِبُ الأَيَّامَ تَضْرِبُها *** وَ الدَّهْرَ يَجْهَلُ بَيْنَ النَّاسِ فَحْواها

وَ تُضْرَمُ النَّارُ في بَيْتٍ لَهَا سَكَنٌ *** فَرَّتْ به وَ هُوَ طُولُ العُمْرِ مَأواها(3)

وَ ذَلِكَ البَيْتُ أصْحابُ الكِساءِ به *** عَلِيُّ المُرْتَضَى الزَّاكِي وَ نَجْلاها

وَ تُمْنَعُ الإِرْثَ مِنْ طه وَ نِحْلَتَها *** مِنْهُ بأقوالِهِ القُرْآنُ يَأباها(4)

وَ فِي الدُّجى خُفْيَةً تُلْقَى بِحُفْرَتِها *** حَبِيبَةُ المُصْطَفَى خَيْرِ الوَرَى طه

وَ مَنْعُها صَيَّرَ الإسلام مُغْتَرباً *** وَ لَمْ يَزل لمقام الحَشْرِ يَنْعاها

وَ زَوْجُها المُرْتَضَى رُدَّتْ شَهادَتُهُ *** لها وَ كُذِّبَتِ الزَّهْرا وَ ابْناها

وَ إِنَّهُمْ كَالَّتِي قال الإلهُ بِهَا *** بِسْم المُهَيْمِن مُجْراها وَ مُرْساها

وَ كُلُّهُمْ شَهِدَ البارِي بِصِدْقِهِمُ *** وَإِنَّ مَنْ كَذَّبُوهُمْ كَذَّبوا اللَّه

وَ إِنَّ تَكْذِيبَها مِنْ بَعْدِ وَالِدِها *** أماتَها بَعْدَهُ غَضْبَىٰ وَ أَشْجَاها

وَ اللَّهُ يَخْزي الألى مِنْ بَعْدِ ما سَعِدُوا *** ما صَدَّقُوا بَضْعَةَ الهادِي بِدَعْواها

في يَوْمِ تَأْتِي إِلى الرَّحْمَنِ شاكيةً *** وَ العَرْسُ يَهْتَزُّ إِذعاناً لِشَكواها

ص: 157


1- جلاها: أي جلّى مدائحها.
2- إلمام: معرفة.
3- انظر ما ورد في كتاب العقد الفريد ج5 ص13 و غیره.
4- في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232: دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استخلف فسألته ميراثها من أبيها فمنعها ... نحلة: هبة، عطية، مهر المرأة.

وَ النَّارُ تَسْحَبُ كُلَّ الظَّالِمِينَ لَهَا *** وَ كُلَّ مَنْ في بنيها الغُر آذاها

وَ إِنْ أَشْقَى الوَرَى عِنْدَ الإِلَهِ غَداً *** مَنْ خَصْمُهُ عِنْدَهُ أَعْلَى الوَرَىٰ جاها

وَ حَسْبُها يَغْضَبُ البارِي إِذا غَضِبَتْ *** وَ عِنْدَهُ شَرُّ أَهْلِ النّارِ أَعْداها

صَلَّى الإِلهُ عَلَيْهَا كُلَّما طَلَعَتْ *** شَمْسُ النَّهارِ وَجَنَّ اللَّيْلُ عُقْباها(1)

ص: 158


1- خواطر الواجب في مدح الرسول وآله الأطايب ص16.

(3) هذه هي الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ أحمد حسن الدجيلي(*)(1)

أَلشَّمْسُ ما سَطَعَتْ وَضَاءَ سَنَاها *** إلاّ و أَنْتِ مَدَارُها و رَحَاها(2)

وَالمَجدُ مِنْ آبَائِكِ الغُرُ الأُلَى *** إِرْثٌ بِهِ شَمَعَ الفَخَارُ وتَاها(3)

مِنْ عَهْدِ (إسماعِيلَ) جَدِّكِ مَنْ بَنَى *** فِي أَرْضِ مَكَّةَ كَعْبَةً وَ رَسَاها

ص: 159


1- (*)هو الشيخ أحمد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ محسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ عبدالله الدجيلي. ولد في النجف الأشرف سنة (1342 ه-) الموافق (1924م) شبّ على حب الكمال و نشأ على الأدب، ربّاه والده الفاضل «رحمه اللّه» تربية صالحة و بعد أن درس المبادىء اشتغل بصناعة الشعر و نظمه فهو من شعراء هذه الأسرة، له شعر يتلى في المحافل التي تعقد في المناسبات من محافل التهاني و التعازي و له في ميلاد كل إمام نظم و قصيدة ومن قصيدة طويلة رثى بها والده يقول في أولها: أبي لستُ أدري كيف أرثيك في نظمي؟ *** و قد سامني من بعدك الدهر باليُتم درس المترجَم له السطوح كما أنه درس العربية على أبيه الشيخ حسن الدجيلي، و حضر بحوث الخارج عند كبار العلماء كالسيد الحكيم و السيد الخوئي و السيد السبزواري. و تخرّج من كلية الفقه مع الشيخ الوائلي والآصفي و السيد مصطفى جمال الدين، و يعتبر أوائل من التحق بمنتدى النشر و أسس لبناتها الأولى، وكان عضواً في جمعية الرابطة من الأدبية في النجف. و أما آثاره العلمية : 1- ديوان أزهار وأشواك) طبع في مطبعة النعمان في النجف الأشرف. 2-كتاب موجز عن المختار بن أبي عبيدة الثقفي، يتحدث عن ثورته العظيمة. و غيرهما من الآثار الثمينة.
2- سناها: ضوؤها.
3- تاه: ذهب متحيّراً.

وَ أَتى بِ- (زَمْزَمَ) وَ هْيَ آيَتُهُ الَّتي *** سَكَنَتْ لِهَاجَرَ نَفْسُها بِفِناها

حَتّى سَقَى بَطْحَاءَ مَكَّةَ وَارْتَقَتْ *** مِنْ أَصْغَرَيْهِ بَرَاعِمٌ رَبَّاها

أنْتِ المَنَارُ لَهُ وَ أَيُّ كَرَامَةٍ *** لَمْ تَبْلُغِي مِنْهَا أَعَزَّ عُلاها

وَ أَبوكِ (هَاشِمُ) مَنْ يُدَانِي فَضْلَهُ *** وَ هُوَ الرَّبِيعُ المُمْحِلاتِ رُبَاها(1)

قَدْ كَانَ صَيِّبُ كَفِّهِ لِقَبِیلِهِ *** كَالغَيْثِ إِذْ يَنْهَلُ فَوْقَ ثَرَاهَا(2)

إنَّ البُطولَةَ عِزَّةٌ وَ سَمَاحَةٌ *** وَ رَجاحَةٌ في العَقلِ لاتَتَناهى

أُولاءِ آباءٌ وَ تِلْكَ مَفَاخِرٌ *** كَبُرَتْ وَ نَاحَ عَلَى الأَنَامِ شَذاها

نُورُ النُّبُوَّةِ قَدْ مَشَى في صُلْبِهِمْ *** وَ أَظَلَّ في الدُّنْيا فَزَالَ عَمَاها

نُورٌ تَبلَّج في جَبِينِ مُحَمَّدٍ *** تَاهَتْ بهِ الدُّنيا وَ عَمَّ ضِيَاها(3)

لاغَرْوَ فَاللَّهُ اصْطَفَاهُ إِلَى الهُدَى *** يَحْمِي شَرِيعَةَ جَدْهِ فَحَماها

وَ اخْتَارَهُ مِرآة حَقٌّ مارَنَتْ *** عَيْن لَهُ إِلا أَزَالَ قَذَاها

وَإذا سُطورُ الغَيِّ بَانَ ضَلَالُها *** أَجْرى عَلَيْها رَوحَهُ فَمَحاها

***

مِنْ فَرْعِهِ الزَّاكِي البَتُولَةُ فَاطِمٌ *** لِلَّهِ مَنْشَؤُها وَ طِيبُ صِباها(4)

رَضَعَتْ نَدِيَ المَكْرُمَاتِ فَأُتْرِعَتْ *** كَاسَاتُها مِنْها فَكُنَّ حُلاها(5)

هِيَ بَضْعَةُ الهَادِي وَ زَوْجَةُ حَيْدَرٍ *** وَ السَّيْدَانِ الزَّاكِيَانِ ابْنَاها(6)

ص: 160


1- مُمْحِلات: المُمْحِل هو الجدب.
2- الصيبّ: السحاب ذوالمطر.
3- تبلّج: أشرق و أضاء.
4- في ينابيع المودة ص260 عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام «البتول» لأنها تبتلت من الحيض و النفاس.
5- أُترعت: امتُلِئَتْ.
6- في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم هلال الهلال عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي يعني فاطمة علیها السلام -بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها.

وَ هُمَا الإِمَامَانِ اللَّدَانِ تَبَوَّءَ *** اهَامَ السُّهَى وَ تَفَيَّئا بِذُراها

لَهُمَا مِنَ الآيَاتِ ما عَظُمابهِ *** فَلِذَا بِهِمْ أَثْنَى النَّبِيُّ وَ بَاهَى

كُلُ بأَحْكامِ الشَّرِيعَةِ عَالِمٌ *** فَكَأَنَّهُ عِنْدَ الفِطَامِ وَعَاها

مَشَيَا عَلَى مِنهاجها وَ صِراطِها *** وَ تَرَسَّمَا يَوْمَ الجِهَادِ خُطاها

وَ هُمَا قَدِ اتَّخَذَا النِّضَالَ سَفِينةُ *** الدِّينُ مَرْفَأَها وَ يُرْجُ سَماها

وَ شِراعُها الإيمانُ إِنْ عَصَفَتْ بها *** هُوجُ الرِّياحِ أَمَالَها فَثَناها(1)

لَكِنَّما الحَسَنُ الزَّكِيُّ بِثَاقِبٍ *** مِنْ فِكْرَةِ الإصلاحِ كَانَ يَراها

فَغَدا إمامَ المُصْلِحينَ وَ قَدْوَةً *** لِلمُتَّقِينَ وَ حُجَةً لِهُدَاها

***

وَ السِّبْطُ (عِنْوَانُ الإِباءِ) بِوَقْفَةٍ *** رَامُوا مَذَلَّتَهُ بِها فَأَبَاها(2)

للَّهِ مَوْقِفُهُ الكَرِيمُ بِسَاعَةٍ *** صُحُفَ الضَّلاَلِ بِكَرْبَلاءَ طَوَاها

قد لَقَّنَّ الأَحْرارَ دَرْساً لَمْ يَزَلْ *** ذِكْرَىٰ يَقُومُ عَلَى الرَّشادِ بِناها

إِنَّ العَقِيدَةَ في رَوَاقِ بِنائِهِ *** لِلْحَشْرِ مُرْتَفِعاً يَظَلُّ لِوَاها

غَذَّتْهُ فَاطِمَةُ البَتُولُ بِدَرِّها *** وَ حَبَتْهُ مِنْ الطافِها وَ مُنَاها

وَ حَبَاهُ وَالِدُهُ الوَصِيُّ بُطُولَةً *** ثَمَرَاتُهُ يَوْمَ الطُّفوفِ جَنَّاها(3)

هَذَانِ فَرْعَاهَا فَأَيَّةُ حُرَّةٍ *** مِثْلَ البَتُولِ سَمَا وَ عَزَّ حِمَاها؟

ما مَرْيَمُ العَذْرَاء أَعْلَى رُتْبَةً *** مِنْها ولا حوّاهُ أَعْظَمُ جَاهَا(4)

ص: 161


1- هوْج الرياح: هي التي لاتستوي في هبوبها و تقلع البيوت ثناها طواها وعطفها.
2- راموا: قصدوا.
3- حَباه: أعطاه من غير جزاء.
4- في كتاب لسان الميزان ج3 ص346 ط بيروت: لما خلق الله آدم و حواء علیهما السلام تبخترا في الجنة: وقالا من أحسن منّا ؟ فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية لم ير مثلها، لها نور شعشعاني يكاد يطفىء الأبصار، قالا: یا رب! ما هذه؟ قال: صورة فاطمة علیها السلام سيدة نساء ولدك. قال ما هذا التاج على رأسها؟ قال: علي علیه السلام بعلها علیها السلام. قال: فما القرطان؟ قال: ابناهما، وجد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفي عام.

حَازَتْ مِنَ الشَّرَفِ الرَّفِيعَ مَكَانَةً *** في شَأْنِها قَالَ النَّبِيُّ وَفَاهَا

هِيَ (بَضْعَةٌ مِنِّي) فَمَنْ وَالَى الهُدَى *** وَ أَطَاعَ أَمْرَ نَبِيْهِ وَالآها

هذِي هِيَ الزَّهْرَاءُ نَسْلُ مُحَمَّدٍ *** جَمَعَتْ خِصَالاً لا يُرَامُ مَدَاها(1)

إِنَّ الدَّرَارِي في مَقَرْ سَمَائِها *** هَيْهَاتَ تَبْلُغُ شَأْوَها وَ سَمَاهَا(2)

ما في النِّسَاءِ لَوِ اخْتَبَرْتَ نَظيرُها *** كَلاّ... و لاغَيْرُ البَتُولِ سِواها

ص: 162


1- في كتاب البحار ج40 ص44: في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ثم أظلمت المشارق و المغارب، فشكت الملائكة إلى الله «تعالى» أن يكشف عنهم تلك الظلمة فكلّم اللَّه «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النّور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سمّيت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات.
2- الدراري: الكواكب المضيئة الثاقبة.

(4) و ستبقى الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

الأستاذ أنور فرج اللَّه

قَدْ أَطَلَّتْ عَلى الدُّنَى بِسَناها *** وَجْهُها الصُّبْحُ وَ الضّياءُ رِداها

وَ اسْتَفاقَتْ مَعَ الرِّسالةِ طَلاًّ *** يَغْسِلُ الوَرْدُ قَلْبَه بِنَداها

وَ أريجُ المِيلادِ يَعْبَقُ في الدُّنيا *** عبيراً يَفُوحُ مِنْ بَيْتِ طه(1)

وَ الكمالُ انْحَنَى يُصلِّي إِلَيْهَا *** بِخُشُوع مُسْتَلْهِمَاً مِنْ هُداها

وَ الرّسولُ العَظِيمُ يَأْوِي إِلَيْهَا *** أَصْبَحَتْ أُمُّهُ وَ كانَ أَباها

تَهَبُ الحُبَّ لِلْجَدِيبِ فَيُضْحِي *** أَحْضَرَ الرَّوْحِ مُورِقاً مِنْ شَذاها(2)

فَهيَ فَوْقَ الخلودِ فَوْقَ قَوافِي *** الشَّعْرِ تَسْمُو على الرُّؤى بِعُلاها

أَلْهَمَ اللَّهُ حُبَّها كُلَّ طُهْرٍ *** وَ اصْطَفاها وَ كَوْثَراً سَمّاها

***

وَ أَتَيْناها نَحْمِلُ النَّبْضَ فَجْراً *** دَمَوِيّاً مُمَزَّقاً يَتَباهي(3)

وَ بهِ وَجْهُ صَدْرِنا وَ بِهِ لَوْنُ *** عُيُون تَوَرَّمَتْ بِقَذاها

رَسَمَ اللَّيْلُ في مَحاجِرِها الرُّعْبَ *** وَ أَلْقَى أَدْرانَهُ بِنقاها(4)

سَلَبَتْ قَلْبَنا نَزيفُ رُواهُ *** ضَيَّعَثنا تَشَتُّتاً في مَداها

ص: 163


1- أريج: رائحة طيّبة.
2- الجديب: المكان الذي انقطع عنه المطر فيبست أرضه.
3- يتباهى: يفاخر.
4- أدرانه: أقذاره و أوساخه.

وَ مَشَيْنا فما تَوانَتْ رِكَابٌ *** عَنْ مَنالِ المُنى وَ عَنْ مُبْتَغاها

***

أنْتِ يا فاطِمُ البتول حُداءٌ *** لِقَوَافِي السُّرَى وَ رَجع صَداها

تُلْهِمِينَ الرُّكْبانَ فَوْرَةَ عِشْقٍ *** لِقُلُوبِ مِنْ كَرْبَلا مُبْتَداها

شاطِىءَ الدِّفْءِ ضَيَّعَتْنا بِحارٌ *** يتنَاءى مع المَدى مِيناها(1)

شاطِيءُ الدَّفْءِ قَدْ أَتَيْنَا وَفِينا *** يَلْهَبُ الشَّوْقُ في العيونِ بُكاها

أَوْقِدِي لِلْعُيُونِ مِنْكِ ابْتِساماً *** كَفْكِفِي دَمْعَها وَ شُدّي خُطاها(2)

فَسَتَبْقَى القُلوبُ تَهْتَزُّ وَجْداً *** لِمَعِينٍ عَذبِ يُظفِي لَظاها

وَ سَتَبْقَى الزَّهراءُ قَبْضَ عَطاءٍ *** لِلْبَرايَا وَ نَرْتَجِي قُرْباها(3)-(4)

ص: 164


1- يتناءى: يبتعد.
2- كفكفي: امسحيه مرة بعد مرة.
3- في كتاب اعلموا أني فاطمة للعلامة الشيخ عبد الحميد المهاجر ج5 ص463 ، تقول الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام: «و جعل اللَّه العدل تنسيقاً للقلوب. و طاعتنا نظاماً للملة، و إمامتنا أماناً من «الفرقة نظرية الزهراء علیها السلام في الإمامة نظرية قائمة على التنسيق و النظام و الوحدة التنسيق في القلوب و النظام في المجتمع و الوحدة في العقيدة و الهدف. في ثلاث كلمات استطاعت فاطمة علیها السلام أن تقدم نظريتها في الإمامة بكل أبعادها و ظلالها... ففي هذه الجمل الثلاث تكمن روح الإسلام و عظمته و عالميته. لكي نستوعب الفكرة أو كل النظرية فإنه لابد لنا أن نلقى نظرة فاحصة و عميقة على الجمل الثلاث التي وردت في خطاب الزهراء علیها السلام واحدة واحدة و نستعرضها على الشكل التالي: لقد بنت الزهراء علیها السلام علة حكم من أحكام الإسلام ثم أعطت لكل جملة وظيفة خاصة بها فهي مثلاً قالت: و جعل اللَّه العدل تنسيقاً للقلوب بمعنى أنها كشفت عن ثمرة العدل و كيف أنه تنسيق للقلوب و تجعل القلوب في وثاق التنسيق و في تدفق الرحمة ومجراها. ثم قالت: و جعل طاعتنا نظاماً للجلسة أي إن طاعة أهل البيت علیهم السلام هي وحدها التي تجعل المجتمع منظماً و متناسقاً في حركته. ثم قالت : وإمامتنا أماناً من الفرقة أي أن الله «سبحانه وتعالى» قد جعل إمامة أهل البيت علیهم السلام أماناً من التفرقة و التفرق و الاختلاف بين الناس... بمعنى أن الإمامة هي وحدها القادرة على احتواء مشاكل الناس و تحويل التدابير و التقاطع إلى التواصل و التوادد على أننا من خلال نظرة واحدة مع شيء من التأمل و التدبر في أقوال الزهراء علیها السلام نستطيع أن نتبين الحقيقة بشكل أكثر وضوحاً. فهي مثلاً قد استعرضت نظريتها في الإمامة على نحو لم يسبق له مثيل قط في تاريخ الفكر الإسلامي... إذ لم يحدث أن إذ لم يحدث أن استعرض أحد من الأنبياء و لا من الأئمة علیهم السلام نظرية الإمامة في الإسلام بشكل يوازي نظرية الزهراء علیها السلام هذه في الإمامة أبداً. و في البحار ج2 ص3 كانت فتاة قد حضرت عند الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام و قالت لها: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء و قد بعثتني إليك أسألك فأجابتها فاطمة علیها السلام عن ذلك السؤال... ثم طرحت الفتاة سؤالاً ثانياً فأجابت الزهراء علیها السلام و سؤالاً ثالثاً... و راحت الفتاة تطرح الأسئلة على فاطمة علیها السلام و هي تجيبها بأفصح لسان و أعلى بيان إلى أن وصلت إلى السؤال العاشر فخجلت الفتاة من كثرة الأسئلة فقالت: لاأشق عليك يا بنة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم. قالت فاطمة علیها السلام: هاتي وسلي عما بدا لك... أرأيت من أكترى يوماً ليصعد إلى سطح بحمل ثقيل و كراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟ فقالت الفتاة لا. فقالت فاطمة علیها السلام اكثريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملأ ما بين الثرى و العرش لؤلؤاً فأحرى أن لايثقل عليٌّ علیه السلام.
4- رسالة الثقلين: العدد 14 ص207.

ص: 165

(5) بنت خير الورى

(بحر الخفيف)

الشيخ جابر الكاظمي(*)(1)

بايَعُوا كُلَّ ذِي ضَلالٍ سَفِيهِ *** وَ تَخَطَّوْا مِنَ الرَّشادِ لِتِيهِ(2)

ص: 166


1- (*) هو الشيخ جابر ابن الشيخ عبد الحسن بن عبد الحميد بن الجواد الكاظمي. ينتهي نسبه إلى ربيعة بن نزار فهو عربي الأصل و المنشأ ولكنه لم يلقب بقبيلته، و إنما عُرف بالكاظمي نسبة إلى بلده الكاظمية. ولد في مدينة الكاظمية سنة (1222 ه-)، و نشأ في أحضان العلم و الفضيلة و التُّقى، تتجاذبه السَّمات الهاشمية من جهة الأم فأمه سيدة علوية واسمها (هاشمية) بنت السيد جواد البغدادي كانت جليلة القدر عابدة زاهدة يُحكى أن صاحب كتاب الفُصول، و صاحب كتاب الجواهر كانا إذا جاءا لزيارة الإمامين الجوادين «عليهما آلاف التحية و الثناء» يزورانها في دارها لجلالتها. و كان المترجَم له، من طفولته مليح النكتة حاضر البديهة سريع الجواب حتى لقب ب- (أبي النوادر). حفظ أكثر شعر العرب وكان ينشده و يجيد إنشاده. و نقل السيد جواد شبر في أدب الطف قائلاً: (والشيخ جابر من فطاحل الأدباء، ملأ الأسماع بشعره متضلعاً في الكلام و التفسير و الحديث و التاريخ مع ورع، و تعفف و تقوى و نسك، لم يرَ في الشعراء بورعه و تقواه، و ولاؤه لأهل البيت علیهم السلام مضرب المثل، حلو الكلام عذب الألفاظ موزون النبرات). كانت دراسته الأولى في مدينة العلم و العلماء النجف الأشرف في الوقت الذي كانت تزخر بالشعراء و الأدباء، و هذه الأجواء صقلت مواهبه الأدبية، مما جعل شاعرنا من عباقرة الأدباء، و لو لم يكن له إلا تخميس الأزرية هذا لكفى دلالة على أدبه و شاعريته و براعته و جودة تفكيره و تمكنه من اللغة و معرفته بأساليب البيان... و المترجَم له كان ينظم الشعر باللغة الفارسية، و له ديوان شعر اسمه (سلوة الغريب و أهبة الأديب). وافته المنية في صفر سنة (1312 ه-) الموافق (1095) م و دفن في الكاظمية في الصحن الشريف فى الغرفة الثالثة عن يمين الراحل من باب فرهاد میرزا.
2- تیه: ضلال.

أشْقِياءُ وَ الإِبْنُ مِثْلُ أَبِيهِ *** نَقَضُوا عَهْدَ أَحْمَدٍ في أخِيهِ

وَ أذاقوا البتول ما أَشْجاها

مِنْهُمُ أَغْضَبَ البَتُولَةَ عِلْجُ *** إِذْ أَتَتْهُ تُراثَها مِنْهُ تَرْجُو

فَأَبَى الرّجُسُ إِذْ رآها تَعِجُّ *** وَ هِيَ العُروَةُ التي لَيْسَ يَنْجُو

غَيْرُ مُسْتَعْصِمٍ بِحَبْلٍ وَلاها

أَرْسَلَ اللَّهُ سَيْدَ الرُّسل طُرًّا *** بِالهُدَى وَ الشَّيْطَانُ يُعبَدُ جَهْرًا

وَمُذِ الحقُّ شَقَّ لِلْبَعْثِ فَجْرَا *** لَمْ يَرَ اللَّهُ لِلرِّسالةِ أَجْرَا

غَيْرَ حِفْظِ الوِدادِ في قُرباها

لَمْ تَزَلْ بَعْدَ أحْمَدَ الطُّهْرِ عَبْرَى *** بِغُمُومٍ مِنْ ذلِكَ الرِّجْسَ تَتْرَى(1)

وَيْلُ عِلْجٍ بها اسْتَخَفَّ وَ أَدْرَى*** لَسْتُ أُدْرِي إِدْ رُوِّعَتْ وَ هْيَ حَسْرَىٰ

عانَد القَوْمُ بَعْلها وَ أَباها

مُذ أضِيمَتْ مِنْ بَعْدِهِ أَيَّ ضَيْمِ *** لَمْ يَزَلْ حُزنُهُ لَدَيْها كَغَيْمِ(2)

جُرِّعَتْ مِنْ سِمامِ سامٍ وَ أَيْمِ *** يَوْمَ جَاءَتْ إلى عَدِيٍّ وَ تَيْمِ

وَ مِنَ الرّجدِ مَا أَطالَ بُكاها

قَدْ أَغاظُوا سَيْدَ الرُّسُلِ صِنْوَا *** حِينَ رَضُوا مِنْ فَاطِمَ الطُّهْرِ عُضْوا

وَ لَكَمْ بَشَّتِ المُهَيْمِنَ شَكْوَى *** فَدَعَتْ وَاشْتَكَتْ إلى اللَّهِ شَجْوَا

وَالرَّواسِيَ تَهْتَزُّ مِنْ شَكواها(3)

ص: 167


1- تترى: متتابعة.
2- ضيم: قهر و ظلم.
3- كأنه يرمي و يشير إلى دعوتها و شكواها إلى ما ورد في بعض الروايات من أن أبابكر و عمر بعدما عرفا بغضب و سخط الزهراء علیها السلام عليهما انطلقا إليها و استأذنا عليها علیها السلام فلم تأذن لهما فأتيا عليا علیه السلام الا فكلماه فأدخلهما عليها فلما قابلاها حولت وجهها إلى الحائط، فسلما عليها فردت عليهما بصوت خافت... إلى أن قالت: نشدتكما اللَّه ألم تسمعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يقول: رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخط فاطمة علیها السلام من سخطي فمن أحبَّ فاطمةَ علیها السلام ابنتي فقد أحبني و من أرضى فاطمة علیها السلام فقد أرضاني و من أسخط فاطمة فقد أسخطني؟... قالا: نعم سمعنا من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قالت: فإني أشهد الله و ملائكته أنكما اسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيتُ النبي صلي الله علیه و آله و سلم الأشكونكما إليه. قال أبوبكر: أنا عائد بالله «تعالى» من سخطه و سخطك يا فاطمة علیها السلام ثمَّ انتحب أبوبكر يبكي حتى کادت نفسه أن تزهق و هي تقول: لأدعوَنَّ الله عليكما في كل صلاة أُصَلِّيها. ثمَّ خرج باكياً فاجتمع عليه الناس فقال لهم: يبيتُ كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله تركتموني و ما أنا فيه لاحاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي راجع الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص14، و فدك في التاريخ ص92، و الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122، و النصّ و الاجتهاد ص88.

ثُمَّ عادَتْ بخُطبَةٍ وَ أَعادَتْ *** كَلِمَاتٍ لها الرَّواسِحُ مادَتْ(1)

وَ بَكَتْ وَاشْتَكَتْ بحزنٍ وَنَادَتْ *** فاطْمأَنَّت لها القُلُوبُ وَ كادَتْ

أَنْ تَزُولَ الأحْقادُ مِمَّنْ حَواها

حاجَجتْهُمْ بسُنَّةٍ وَ كِتَابِ *** أَفَلَجَتْهُمْ بِحِكْمَةٍ وَ صَوابِ(2)

حِينَ جاءَتْ وَ قَلْبُها بِالْتِهابِ *** تَعِظُ القَوْمَ في أتَمِّ خِطابِ

حَكَتِ المُصْطَفَى بهِ وحَكاها

وَ لِخَطب الخِطابِ أبْدَتْ حَنِيناً *** مَلاً الدهرُ رَنَّةً وَ أَنِينا

وَ أَسَى أَيْقَظَ النَّبِيَّ الأمينا *** أيُّها القَوْمُ راقبوا اللَّهَ فينا

نَحْنُ مِنْ رَوْضَةِ الجَلِيلِ جَناها

حُبُّنا دِينُ الحَقِّ وَ البُغْضُ كُفْرُ *** وَ وِلأنا يَوْمَ القِيامَةِ ذُخْرُ

وبهِ في الجِنانِ كَمْ شِیدَ قَصْرُ *** نَحْنُ مِنْ بارِي السَّماواتِ سِرُّ(3)

لَوْ كَرِهْنا وُجودَها ما بَراها

ص: 168


1- مادتْ: تحركتْ و اضطربت و زاغت و يقصد بالخطبة هي خطبتها بين المهاجرين و الأنصار لمن أرادها مراجعة المحجة لابن طاوس ص124، و الجوهري البصري البغدادي في السقيفة و فدك ص105.
2- أفلجت: استظهرت عليهم و فازت.
3- لعله إشارة إلى أنهم موضع سر الله تعالى فلقد جاء في ينابيع المودة نقلاً عن معاني الأخبار، 35 باب معنى الصراط حديث 5 جاء ما يلي: و قال أيضاً يعني الإمام الصادق علیه السلام نحن أبواب الله و نحن الصراط المستقيم، و نحن عيبة علمه، و تراجمة وحيه و نحن أركان توحيده و موضع سره.

وَينا اللَّهُ أَكْمَلَ الإِيمانا *** وَ لَنا زيَّنَ الإِلهُ الجِنانا

ولأَعْدائِنا بَرَى النِّيرانا *** بَلْ بآثارِنا وَ لُطفِ رِضانا

سَطَحَ الأَرْضَ وَ السَّماءَ بَناها(1)

مَنْ تَنَحَّى عنّا فَلِلْغَيْ يَصْبو *** وَ الَّذِي عَنْ طَريقِنا حادَ يَكْبُو(2)

فَبِنا يَرْضَى اللهُ وَ الخَيْرُ يَرْبُو *** وَ بِأَضوانِنَا الَّتي لَيْسَ تَخْبُو(3)

حَوَتِ الشُّهْبُ ما حَوَتْ مِنْ سَناها(4)

ص: 169


1- الظاهر أنه إشارة إلى ما ورد من أحاديث تؤّكد أنهم لولاهم لما خلق الله «تعالى» الجنة و النار و لاالسماء و الأرض و لاالأفلاك و لاالإنس و الجن فلقد قيل في الحديث القدسي عن اللّه «تعالى»: (يا أحمد لولاك لما خلقتُ الأفلاك و لولا عليّ علیه السلام لما خلقتك و لولا فاطمة علیها السلام لما خلقتكما) راجع عوالم البحراني ج1 ص43 ب4 ح1 ط أمير قم (1415ه) عن الجنة العاصمة فليراجع هناك للوقوف على مصادر الحديث. و سفينة البحار ج3 ص334 عن مجمع النورين 14. و هناك حديث آخر أكثر تفصيلاً هو كالآتي: عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: (... قال آدم علیه السلام...) من هؤلاء الخيبة الأشباح الذين أراهم أنهم من هيئتي و صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلِّقتك، و لولاهم لما خلقت الجنة و النار و لاالعرش، و لاالكرسي و لاالسماء، و لاالأرض، و لاالملائكة و لاالإنس و لاالجن. راجع فرائد السمطين ج1 ص36 ج1، و عوالم البحراني ج1 ص306 ح4، و غاية المرام ج5 ح1 و ص15 ح1 و فيه عن ابن عباس: (... فقال اللّه «عزوجل»: هؤلاء من ذريتك، و هؤلاء خير منك و من جميع خلقي، و لولاهم ما خلقتك و لاخلقت الجنة و النار و لاالسماء و الأرض). راجع عيون الأخبار ج1 ص306 ح67. و المعاني 124 ح1 و البحار ج11 ص164، و ج16 ص362 ح62 عن العیون.
2- يكبو: ينكبّ على وجهه.
3- يربو: يزيد، يزداد. تخبو: تخمد و تسكن و تنطفىء.
4- والبيت الأخير و ما قبله لعلهما مستفادان من الأحاديث التي تشير إلى أنهم صلي الله علیه و آله و سلم أنوار بهم تضيء السموات و الأرض و من هذه الأحاديث ما جاء في المناقب... قال: حدّثنا عمي الحسن علیه السلام، قال: سمعتُ جدي صلي الله علیه و آله و سلم يقول: (خُلقتُ من نور الله «عزوجل» وَ خُلقَ أهل بيتي علیهم السلام من نوري...) راجع البحار 20/15. و فيه عن البحار أيضاً ج23 ص308 (سألت أبا جعفر علیه السلام عن قوله:«فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا» فقال: يا أبا خالد النور واللّه الأئمة علیهم السلام من آل محمد آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم إلى يوم القيامة هم واللّه نور اللّه الذي أنزل و هم واللّه نور اللّه في السموات والأرض...) و راجع تفسير القمي: 683، و أصول الكافي1: 194. و الآية الثامنة من سورة التغابن و راجع العوالم للبحراني ج1 ص17 تجد فيه المزيد من الأحاديث بهذا المضمار.

فَحِمانَا لِلْوَحْيِ أَكْرَمُ مَنْزِلِ *** وَعُلانَا لِلدِّينِ أَعْظَمُ مَوْئِلِ

وَ هُدانا لِلْمُهْتَدِي خَيْرُ مَعْقِل *** وَ اعْلَموا أَنَّنا مَشاعِرُ دين اللَّهِ

فِيكُمْ فَأَكْرِمُوا مَثْواها

فَإِلَى فَضْلِنا لَدَى الحَشْرِ أَيْضٌ *** وَ لَدينا في جَنَّةِ الخُلْدِ حَوْضٌ(1)

وَ لنا في النَّعِيمِ أَزْهَرُ رَوْضٌ *** وَ لَنا مِنْ خَزائِنِ الغَيْبِ فَيْضٌ

تَرِدُ المُهْتَدُونَ مِنْهُ هُداها

إنّ رَبَّ السَّمَاءِ إِلَيْنَا تَجلَّى *** وَحَبانا أَمْرَ الجِنانِ وَ وَلَّى

وَبِها خَصَّ مَنْ بِنا قَدْ تَوَلَّى *** إِنْ تَرُومُوا الجنان فَهْيَ من اللَّه

إِلَيْنا هَديَّةٌ أَهْداها

بَلْ وِلانا الجِنانُ لاتَدَعُوها *** وَ الرّضا أُمُّ رَوْضِها وَ أَبُوها

فَاصْحَبُوا حُبَّنا وَ مِنَا خُذُوها *** هِيَ دارٌ لَنا وَ نَحْنُ ذَوُوها(2)

لايُرى غَيْرُ حِزْبِنا مَرْآها

خُلِقَتْ لِلَّذِي إِلَى الحَقِّ دانا *** لالِمَنْ خَانَ عَهْدَنَا وَجَفانا

فَجِنانُ النَّعِيمِ مَهْرُ وِلانا *** وَ كذاكَ الجَحِيمُ سِجْنُ عِدانا

حَسْبُهُم يَوْمَ حَشْرِهِم سُكْناها

لَيْتَ شِعْري وَ في الحَشَا أَيُّ كَيِّ *** لايُداوَى وَ أَيُّ داءٍ دَوِيٍّ(3)

ص: 170


1- أيض: صيرورة و عود.
2- ذووها أصحابها أهلها.
3- كي: إحراق الجلد بحديد أو غيره.

وَ أَسَى قَدْ طَوَى الأَسَى أَي طَيِّ *** أيُّها النَّاسُ أَي بِنْتِ نَبِيِّ

عَنْ مَواريثِها أَبُوها زواها؟(1)

أَفهَلْ مِنْكُمْ بِحَقِّ حَقِيقُ *** وَ بِنَصْرِي مِنْكُمْ يَقُومٍ وَ ثِيقُ؟

فَبَراني وَ الدَّمْعُ مِني عقيقُ *** كَيْفَ يَرْوِي عَنِّي تُراثي عَتِيقُ

بِأَحَادِيثَ مِنْ لَدُنْهُ افْتَراها؟

أَنْكَرُوا النَّصَّ في أُمورٍ أَتَوْها *** وَ وَصايا الإلهِ فينا أَبَوْها(2)

فَالأحاديثُ إِنْ عَلَيْنَا افْتَرَوْها *** هذه الكُتْبُ فَاسْأَلُوها تَرَوْها(3)

بِالمَوَارِيثِ ناطقاً فَحْواها

لَيْسَ يُجْدِيكُمْ مِنَ الذِّكْرِ ذِكْرُ *** إِذْبكُمْ قَدْ أَحاطَ غَيٌّ وَ كُفْرُ

فَبِمَعْنَى مِنْ آلِ يَعْقُوبَ سِرُّ *** وَ بِمَعْنَى يُوصِيكُمُ اللَّهُ أمرُ

شامِلٌ لِلْعِبادِ في قُرْباها

كُلُّ فَضْلِ لنا المُهيمنُ أَوْلى *** إِذْرآنا بذاكَ أَحْرَى وَ أَوْلَى(4)

وَإلينا أَهْدَى الوَصِيَّةَ طَوْلاً *** كَيْفَ لَمْ يُوصِنَا بِذلِكَ مَوْلانا

و تَيْماً مِنْ دُونِنا أَوْصاها؟

يا لَخَطْبِ أعْيا الورى إِعياءَ *** ولِداءٍ أعْيا الطَّبيِبَ دَواءَ(5)

إنْ ربَّا بِنَا بَرَى أنبياءَ *** هَلْ رآنا لانَسْتَحِقُّ اهْتداءَ؟

وَ اسْتَحَقَّتْ تَيْمُ الهُدَى فَهَداها

وَ هْيَ كَمْ أَحْدَثَتْ حُدُوثَ الرَّزايا *** وَ تَخَطَّتْ إلى أَشدَّ الخَطايا

ص: 171


1- زواها: نَحاها و بعدها.
2- أَبوها: رَفَضوها.
3- راجع الهامشين 11 و 12 من قصيدة الأزرية.
4- أَوْلى: أعطى. أَوْلى منه: أَجْدَرُ منه.
5- أعيا: كُلَّ و عجزَ و ضَعُفَ.

أتُراهُ لم يَرْعَ رُشْدَ الرَّعايا *** أمْ تُراهُ أَضلَّنا في البَرايا

بَعْدَ عِلْمٍ لِكَيْ نُصِيبَ خَطاها؟

أيُّها القَوْمُ هَلْ ذِمَامٌ يُراعى *** لِنَبِيَّ وَ فِي الدِّمَامِ وَ راعَى؟(1)

عادَ حَقّي في ظالِمِينَ مُضاعا *** أَنْصِفُوني مِنْ جَائِرَيْنِ أضاعا

ذمَّةَ المُصْطَفَى و ما رَعَياها

فَانظُروا مَنْ بِنا بِبَغْيِ تَحَكُمْ؟ *** وَ دَهانا بالجَوْرِ أَي مُذَمَّمْ؟

فَغَدَوْنَا مِنْ ظُلمَةٍ نَتَظَلَّمْ *** وَ انْظُرُوا في عواقبِ الدَّهْرِ كَمْ أَمْسَتْ

عُتاةُ الرّجالِ مِنْ صَرْعاها

قَدْ سَلَكْتُمْ مِنَ الصَّلالِ طُرُوقا *** وَ حَفِظْتُم مِنَ النّفاقِ شُقُوقا

و رأيتُم لِلغَيِّ وَ البَغْي سُوقا *** ما لَكُمْ قَدْ مَنعتُمونا حُقُوقا؟

أَوْجَبَ اللَّهُ في الكتابِ أَداها

وَ عَلَيْنَا عُتاتُكُمْ كَمْ تَعاتَتْ *** وَ عَلَى الحِقْدِ وَ الحَزَازَةِ باتَتْ(2)

وَ عَلَيْهِ عاشَتْ قُواكُمْ وَ مَاتَتْ *** وَ حَذَوْتُمْ حَذْوَ اليَهُودِ غداةَ

أَتخَذوا العِجْلَ بَعْدَ مُوسَى إِلَها

أَعلِمتُمْ إِذْ غَيَّكُمْ هَدَّ طَوْدا *** لِلْهُدَى كَمْ أَشَابَ لِلدِّينِ فَوْدا؟(3)

وَ لَكُمْ حِينَ ذُدْتُمُ الحَقَّ ذَوْدا *** قَدْ سَلَبْتُمْ مِنَ الخِلافةِ خَوْدا(4)

كانَ منّا قِناعُها وَرِداها

وَ رَمَيْتُمْ آلَ النَّبِيِّ بِغَدْرِ *** وَ قَعَدْتُمْ فِي الدِّينِ عَنْ كُلِّ نَصْرِ

ص: 172


1- ذمام: حرمة، حقُّ.
2- تعاتَتْ: استكبرتْ، و جاوَزت الحدّ.
3- فَوْداً: الفَوْد: الشَّعَر الذي على جانب الرأس مما يلي الأذنين إلى الأمام.
4- ذَوْداً: دَفْعاً ودفاعاً.

وَ أَغَرْتُمْ عَلَى الرّشادِ بِكُفْرِ *** وَ سَبَيْتُمْ مِنَ الهُدَى ذاتَ خِدْرِ

عَزَّ يَوْماً عَلَى النَّبِيِّ سِباها

يا طُغامَ الأَنامِ زِدْتُمْ فُجُورا *** وَ أَبَيْتُم في الدِّينِ إلا كُفُورا(1)

لَكُمُ الوَيْلُ كَمْ أَتيتُمْ أُمُورا *** تَدعونَ الإِسلامَ إفكاً و زُورا

كذَبَتْ أُمَّهَاتُكُمْ بادِّعاها

لَسْتُ أَدْرِي إِذْ عَنْ رشادِ صَدَدْتُمْ *** وَ لأَزْرِ الضَّلالِ بَغْياً شَدَدْتُمْ

ألِبَعْل سَجَدْتُمْ إِذْ سَجَدْتُمْ؟ *** أَيُّ شَيْءٍ عَدْتُمْ إِذ عَبَدْتُمْ؟

أَنْ يُولَّى تَيْمٌ عَلَى آلِ طَه

قَدْ جَعَلْتُمْ عَلَيْكُمُ أُمراءَ *** أَشْقِياءَ خانوا الهُدَى أَدْعياءَ

وَ التَمَنْتُمْ فَخُمْتُمُ أُمَناءَ *** إِذْ رَضِيتُمْ مِنْ دُونِنَا خُلفاءَ

لاَشْتَفَتْ مِنْ قُلُوبِكُمْ مَرْضاها

أَوْ أَعَنْتُمْ عَلَى الصَّلالِ مُعِينا *** لأُسْقِيتُمْ صَوْبَ الغَمام مَعِينا(2)

أو نَكَلْتُمْ عَنّا شَلِلْتُمْ يَمِينَا *** أَوْ أَبَيْتُمْ عُهُودَ أحْمَدَ فِينا

لا وُقِيتُمْ مِنَ الرَّزايا سُطاها(3)

إنَّمَا البُرْدَةُ التي قَدْ تَحلَّى *** بِحُلاها مَنْ عَنْ وِلأنا تَخلَّى

وَ تَولّى بَغْياً وَ عَنَا تَوَلَّى *** هَذِهِ البُرْدَةُ التي غَضِبَ اللَّهُ

عَلَى كُلِّ مَنْ سِوانا ارْتَداها

قدْ تَلَقَّعْتُمُ بِأَثوابِ نارِ *** وَ حُبِيتُمْ مِنْهَا بأَيِّ اسْتعارِ(4)

وَ اشْتَمَلْتُمْ مِنْها بِبُرْدَةِ عارِ *** فَخُذُوها مَقَرُونَةٌ بشَنارِ

ص: 173


1- طُغام جَهَلَة، وَ بفتح الطّاء: أَوْغادُ الناس.
2- المُعين: بِضَمِّ الميم: النصير، المَعِين: بفتح الميم: الماء الجاري.
3- سُطاها: قَهْرُها.
4- تلفّعتم: اشتملتم، و تغطِّيتم.

غَيْرَ مَحْمُودَةٍ لَكُمْ عُقْبَاهَا

سَلَبَتْكُمْ أَثوابَ كُلِّ فَخارِ *** وَ كَساكُم بها العُرَى كُلَّ عارِ

فَارْتَدُوها قَدْ طُرّزَتْ بشِرارِ *** وَ الْبَسُوْها لِباسَ عارٍ وَ نارِ

قَدْ حَشَوْتُمْ بالمُخْزِيَاتِ وِعاها

إِنْ نَسَلُكُمْ أَداءَ حَقٌّ جِوارِ *** أَوْ نَسَلْكُمْ وَفاءَ أَيِّ ذِمارِ(1)

أوْ نَسَلُكُمْ عَنْ نِحلَةٍ وَ عُقارِ *** لَمْ نَسَلُكُمْ لِحَاجَةٍ وَ اضْطِرارِ

بَلْ نَدلُّ الوَرَى عَلَى تَقْواها

إنْ بِغَدْرٍ سُدْتُمْ وَحَلٌ عُقُودِ *** وَ اتَّبَاعَ الهَوَى وَ نَقْضِ عُهُودِ

وَ بِبُخل وَ شِحْةٍ وَ جُمُودِ *** كُم لنا في الوُجُودِ رَشْحَةُ جُودِ

يُعْجِزُ السَّبْعَةَ البِحارَ غِناها

وَ لَنا حِكْمَةٌ ذَكَتْ لابزيتِ *** وَ سِباقٌ قَدْ فَاتَ كُلَّ كُمَيْتِ(2)

وَ عُلاً سادَ كُلَّ حَيَّ وَمَيْتِ *** عَلِمَ اللَّهُ أَنَّنا أَهْلُ بَيْتِ

ليس تأوي دَنِيَّةٌ مَأواها

فَوِلانا لِلنّاس أَعْظَمُ حِصْنٍ *** وَ مِنَ الهَوْلِ في غَدٍ أَيُّ أَمْنِ

كَمْ عَلَيْنا مَنَّ الإِلهُ بِمَنْ *** لَوْسَأَلْنَا الجَلِيل القاءَ عَدْنِ

أَوْ مَقَاليدَ عَرْشِهِ أَلقَاها

أيْنَ مِنْ شَأْوِ مَجْدِهِمْ كُلُّ شَانِ؟ *** قاصِرٌ عَنْ هِجَاهُ كُلُّ بَيانِ

إِنْ به فاءَ طُولُ دَهْرِي لِساني *** سَعْدُ دَعْنِي وَ هَجْوَ سُود المعاني

أَكْبَرُ الحَمْدِ في معاني هِجاها

قُلْ لِقَوْمِ سَعَتْ بِجُهْدِ فَسَادا *** وَ نَفتْ حَقَّقَ آل طة ارْتدادا

ص: 174


1- ذمار: كلّ ما يلزمك حمايتُه و حفظه و الدفاع عنه، و إنْ ضَيَّعْتَهُ لزمك اللوم.
2- ذَكَتْ: اشتدَّ لهيبُها. كميت: الكميت من الخيل ما كان لونه بين الأسود و الأحمر.

يا طَغاماً ضاهَتْ ثموداً وَ عَادا *** كيفَ تُنْفَى ابْنَةُ النَّبِيِّ عناداَ(1)

لانَفَى اللَّهُ مِنْ لَظَّيّ مَنْ نفاها

الأيِّ الأُمُورِ تُجْهَلُ قَدْراَ *** بنتُ خَيْرِ الوَرَى فَتُجْهَلُ قَبْراً؟

أم لأيِّ الأُمُورِ تُظْلَمُ جَهْراَ *** وَلأَيِّ الأُمُورِ تُدْفَنُ سرّاَ؟

بَضْعَةُ المُصْطَفَى وَ يُعْفَى ثَراها

نَغَّصُوا عَيْشَها وَ قَدْ كانَ رَغْداً *** وَ فُؤادُ الهُدَى لَها ذابَ وَقْداَ(2)

إذْ قَضَتْ وَهيَ أَوْفَرُ الخَلْقِ جُهْداً *** فمَضَتْ وَ هيَ أَعْظَمُ النَّاسِ وَجداً

في فَمِ الدَّهْرِ غُصَّةٌ مِنْ جَواها

فَاغْتَدَى قَلبُها عَلَى الصَّيْمِ يُطْوَى *** وَ اغْتَدَى دَمْعُها بِهِ الأَرْضُ تُرْوَى

تَخِذَتْ لِلأحزانِ كالقَبْرِ مَأْوَىٰ *** وَ ثَوَتْ لايُرى لها النَّاسِخُ مَثْوَى

أي قُدْسٍ يَضُمُّهُ مَثواها؟

قَدْ رَمَتْها يَدُ الحَقُودِ بِصَرْفِ *** لِلرَّزايا ذاقَتْ به أَي حَتْفِ

فَقَضَتْ وَ الزَّمانُ عَنْهَا بِخُلْفِ *** ثُمَّ هُمَّتْ بِبَعْلِهَا كُلُّ كَفِّ

وَاسْتَمدَّتْ لَهُ رِقاقَ مُداها

أُمَةٌ ضَلَّ إِذْ غَوَتْ مَسْعاها *** أُمَّةٌ خابَ حِينَ ضَلَّتْ رَجاها

أُمَّةً في الأنامِ ما أَشقاها *** أُمَّةٌ قاتَلَتْ إمامَ هُداها

يا تُرى أَيْنَ زالَ عَنْها حَياها

أَدْعِيَاءٌ قَدِ انْتَمَتْ لِطَغامِ *** لاتُبالِي في البَغْيِ مِنْ آثامِ

وَ ازَرَتْها في الغَيِّ أَيُّ سَوامِ *** كَمْ أرادَتْ إظفاءَ نارِ حُسامِ(3)

ص: 175


1- ضاهَتْ: شابَهَتْ.
2- رَعْداً : طيّباً مُتَسِعاً.
3- سُوام: العَرْض و ذكر الثمن طائر. و بفتح السين: الماشيةُ و الإبل الراعية.

صاغَهُ اللّهُ تَمْرَةً لِحَشاها

حِلْفُ کَفِّ بها لَهُمْ أَيُّ كَفِّ؟ *** وَ نَكَالٌ لَهُمْ وَ ارْغامُ أَنْفِ

وَ لِطَّغْيانِهِم بها أَيُّ حَنْفِ؟ *** بأَبي مَنْ لَهُ مَطاعِنُ كَفِّ

لايُداوَى مِنَ الرَّدَى كَلْماها

كَمْ بِها لِلرَّشادِ أَسْدَى صَنِيعا *** وَ بَنَى للإِسْلامِ حِصْناً رفيعا

إِذْ غَدا لِلْعُلُومِ كَهْفاً مَنِيعا *** إنَّ ذاتَ العُلُومِ تُنمى جَمِيعا

لِعَليَّ وَ كانَ رُوحَ نَمَاها

مُذيَدُ الصُّنْعِ لِلْهُدَى كَوَّنْتُهُ *** وَ بِحَلْيِ مِنْ فَضْلِها زَيَّنَتُهُ

كُلُّ أُكْرُومَةٍ بِمَجْدٍ عَنَتْهُ *** وَ كَذَا كُلُّ حِكْمَةٍ مَكَّنَتَهُ

مِنْ أَعالي سَنامِها فَامْتَطاها

فَمَعَالِيهِ لِلْفَضائِلِ الْفُ *** وَ أَيادِيهِ لِلْفَواضِلِ حِلْفُ

فَمَتَى يَلْتَجِي العُلَى فَهُوَ كَهْفُ *** وَ مَتى يُذْكَرِ النَّدَى فَهُوَ لُطْفُ؟

إنَّ مُحْيِي المَوَتى بِهِ أَحْياها

فيهِ لِلْغَي ساخَ كُلُّ أَساسِ *** وَ رَسا لِلْهُدَى بِهِ كُلُّ راسِ(1)

فَلِصَمُصابِهِ القَضاءُ مُواسِ *** وَ لأَقْدامِهِ تَزُولُ الرواسِي(2)

وَ المقاديرُ تَقْشَعِرُّ حَشاها

كَمْ مَعَالٍ مِنْهُ لَدَيها التَطَوُّلُ *** وَ عُلُومِ لَهُ عَلَيْهَا التَفَضَّلْ

فلَهُ انْقَادَ صَعْبُها بِتَذَلُّلْ *** وَ مَرامِي الأشرارِ سَدَّدَ سهم

اللّهِ مِنْهُ لَها فما أَخْطاها

بَحْرُ فَيْضٍ أَغْنَى افْتِقَارَ عُفاةِ *** لِلْوُجوداتِ مِنْهُ في رَشَفاتِ

ص: 176


1- ساخ: غاصَ و غابَ فيه، أو رَسَخَ.
2- صمصام: السيف الذي لاينثني.

وَ هُوَ إنْ بِالنَّوالِ مُحيي رُفَاتِ *** كَمْ لَهُ مِنْ مَواهِبٍ مُرْدَفَاتِ(1)

هي كالشَّمْسِ لايَحُولُ ضِياها

ص: 177


1- النوال: العطاء.

(6) في سماء علاما

(بحر الخفيف)

الحاج جواد بدقت الحائري(*)(1)

أهِيَ الشَّمْسُ في سَماءِ عُلاها *** أَخَذتْ كُلَّ وُجْهَةٍ بِسَناها؟

أمْ تَجلَّتْ بوَجْهَةٍ دونَ أُخرى ***و لِمَا أَنْتَ بالغي في هَوَاها

أَيْنَما تَنْبَرِي بِطَرْفَيْنِ في فَجٍّ *** مِنَ الدَّهْرِ لَم تَجِدْ إِلاّها

لاتَخَلْ حُبَّها مُصَاحِبَ نَفْسي *** أَخَرَتْهُ وَصْلاً بهِ عَنْ سِوَاها

كُلُّ قَلْبٍ يَضُمُّهُ صَدْرُ شرِّ *** وَجَهَتْهُ يَدُ الهَوَى تلَقَّاها

غَيْرَ أنّ الشُّؤونَ شَتَّى فَكُلٌّ *** بِسَبِيلِ بَدَتْ لَهُ وَ اهْتواها

وَ هُيامِي بها فَلَيْتَ مُحَلّيها *** بإِنشَاءِ مُهْجَتي جَلاَها(2)

هَيَ سِرُّ الهَوى فإِنْ تَلْقَ نفساً *** لِسِواها يَشُفُّها باحْتِواها

بَلَغَ الشَّوْقُ بِي إِلَيْهَا مُقاماً *** لَوْ تَرى النَّفْسُ تَرْكَهُ أعياها

كُلّ آنٍ قَلْبٌ يُمَزِّقُهُ البَيْنُ *** وَ عَيْنْ يَبينُ عَنْها کَراها

وَ رُبوعٌ تُرْوى بِقَبْضِ دُموعٍ *** كانَ مِنْ مَاءٍ مُهْجَتي مَجْراها

إِنما جَنَّةُ الفؤادِ تباهَتْ *** وَ وُجُوهُ الإشراق لاتَتَناها

و منها:

أَيُّهَا النَّاسُ عِشْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي *** لَنْ تَضِلُّوا إِنْدِنْتُمُ بِوِلاها

ص: 178


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- هيامي: محبتي.

هَجَرَ اللَّهُ وَ النَّبِيُّ بِهَذا *** أمْ لِحَالٍ في الدِّينِ قَدْ أَحْكَماها

دونَ هذا يَرْعَى جَبِرَيْنِ كِنْعَانُ *** فَواسَوْأَتاه لاِسْتِرْعاها(1)

أحماها عَنْ أَنْ تَرَى الحَقَّ حَامٍ *** أَرَأَتْهُ فَأَنْرَتْ مَرْآهَا؟

لَيْسَ تَقْضِي بَرَاءَةٌ دَفَعَ مَنْ يُعْزَلَ *** عَنْهَا بِمَنْ مَضَى وَ تَلاها

ما رَآه الإلهُ كُفْوَ أَداها *** إذْ لَدَيْهِ الهُداةْ مِنْ أكفاها

فمولوهُ أم دين البَرَايا *** أيُّ شِرْكِ عَدَتْهُ في دُنْيَاها؟

لاتَقُلْ قالَ ما أَرَادَ مِراءً *** أتجنّيتُ ما عَلَيْها مِراها

كُلُّ حَالٍ أَوْرَدْتُها في عَلِيَّ *** كانَ مِنَّا وَ مِنْهُمُ مَنْ رَوَاها

مَنْ روى لِي أَكْرُومَةً لِعَتِيقٍ *** لَيْسَ فينا مَنْ رَدَّها وَ أَبَاها

وَ عَلَيْنا الوَلاَ لأجلاَفِ تَيْمٍ *** وَ عَلَيْنَا البَرَاءُ مِنْ شَنْآها(2)

وَإِذا ما رَمَتْ فَلِمْ أمَّلَتْ ذا *** دونَ هَذَا وَ أَيُّ حَادٍ حَداها

وَ أَقَامَتْ غَيْرَ الوَصِيَّ وَصِيّاً *** هَلْ قَضَى أَنْ تُقِيمَهُ بِاهْتِداها؟

فَلْتُؤَمِّلْ غَيْرَ النَّبِيِّ نَبيّاً *** فَلْتُؤَمِّلْ غَيْرَ الإلهِ إِلهاً

أَوَ لَيْسَ الإلهُ أَوْضَحَ في *** فُرْقانِهِ لِلْوَرَى سَبيلَ هُداها؟

إِنْ جَرَتْ طوْعَهُ فأَيَّةُ أَيٍ *** تُنْبِيءُ بِالَّذي جَنَتْ مَعْنَاهَا؟

بَلْ تَحَدَّتْ صَحِيفَةٌ أَنْشَأَتْها *** أَيَّ قَوْمٍ كُتَّابَها مَنْشَاها؟

وَ أَقَامَتْ بِنَصْها خُلَفاءً *** وَ أعادَتْ إِلى النَّبِيِّ انْتِماها

هي قامَتْ بِنَصِّها كَيْفَ كَانَتْ *** خُلَفَاءَ النَّبِيِّ بَلْ خُلَفَاها؟

وَ كَهذا آباؤُها عابِدُوَ *** الأَوْثان كانَتْ آباؤها أهواها

يَصْنَعُونَ الأَوْثَانَ فِيهِمْ وَ مِنْ **** بَعْدُ يَخِرُّونَ سُجَّداً لِرِضَاها

ص: 179


1- جبرين: جبريل.
2- أجلاف: حمقى . شناها: باغضيها.

إِنَّهَا جَاهِلِيَّةٌ فَادْعَاءُ الدَّينِ *** إفك وَ ضلَّةٌ لإدِّعاها

إِنَّ عُقْبَاهُمُ لَظَّى وَ هْيَ عُقْبَى *** كُلِّ قومٍ ما راقَبَتْ عُقباها

كَيْف لم يَقْتَدِ بِهَذا وَصِيّاً *** كانَتِ الأَنْبِيَا بِهِ مُقتداها؟

بَلَغَتْ عُذْرَهَا فَأَيَّانَ تَعْشُو *** لِسَنَاهُ وَ الغَيُّ قَدْ أَعْمَاها(1)

وَا عَنائِي لِزَعْمِها نَهْجَها الحَقَّ *** فيا لَيْتَ لأَعْدَاهَا عَنَاها

أَيَّ حَقٌّ تَقْضِي لِمَا رَفَعَ الخالق *** عَنْ حَقَّهَا وَ نُكْرِ وَلاَها؟

تَدَّعِي أنَّها إرَادَةُ ذِي العَرْشِ *** فَأَيْنَ الإيمانُ مِنْ مُدَّعاها؟

أبغَير القُرآن أحْكُمُ احْكاماً *** إِلَيْهَا دونَ المَلاً أَوْحَاها؟

إِنْ أسالَتْ نَفْسُ النَّبِيِّ المَنايا *** فَاقْطَعُوا بَعْدَ فَقْدِها أَقْرِباها

أمْ دَعَتْ في الكِتابِ أَيِّ كَمَجْرَاهَا *** وَ حَاشَا الكِتَابُ عَنْ مَجْراها

كُلُّ مِصْدَاقِهِ المَوَدَّةُ في القُرْبي *** و مِنْ كُلِّ ما تُفِي اسْتَغْناها

فَلَعَلَّ النَّبِيَّ خَالَفَ ما جَاءَ *** فأوحَى بِقَطْعِها وَ قَلاها(2)

وَ أَقَامَتْ يَوْمَ السَّقِيفَةِ تَبْغِي *** أَنْ تُرَاعِي إنقاد ما أوْصَاها

ذاكَ يَوْمٌ لَوْلاَهُ ماخَلَقَ اللَّهُ *** جَحِيماً و لاتُشَبُّ لَظَاها

ما أَضَلَّ الأَنَامَ مِنْ مَبْدَأَ الدَّهرِ *** إلى أن يكادَ أَنْ يَتَناهى

غَيْرَ ما أَحْكِمَتْ بِهِ وَ مُضَلَاتِ *** جَمِيع الوَرَى بِهِ أحكمَاها

لَمْ يُوارَ النَّبِيُّ حَتَّى أُزِيلَتْ *** حُرْمَةُ الدِّينِ و اسْتُبِيحَ حِمَاها

ومنها:

لَيْتَ شِعْرِي ما قَادَهَا لِعَتِيقٍ *** أهدَاهُ أَمَالَهَا أَمْ عَمَاها

مَنْ رَأَى ذَا هُدًى رَأَىٰ غَصْبَ ذِي القُرْبَى *** حَباءً بهِ الإِلهُ حَبَاها

ص: 180


1- تعشو: يسوء بصرها. سناء: ضوؤه.
2- قلاها: بغضها.

يَوْمَ قَامَتْ نَوَادِبُ الدِّينِ تَدْعُو *** هَلْ مُغِيثٌ ولا يُجَابُ دُعاها

فَادِحٌ أَوْرَثَ البَتُولَ عَنَّاءَ *** كَانَ مِنْها مَنْشأ وَرَد رَداها

يَوْمَ جَاءَتْ تَنثُّ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ *** حَسْرَةً لِلمَعَادِ لاتَتَناهى(1)

ومنها:

فَلأَيِّ الأَحْوَالِ كَانَتْ تُنادِي *** وَلأَيِّ الأَشْيَاءِ قَدْ نَادَاها؟

فمَتى كانَ يَسْحَبُ الفَيْلَقُ المَجْدَ *** وَ يَنْجُو الكُمَاةُ يَوْمَ وَغَاها؟

وَ مَتَى أَبْصَرَتْهُ أُمَّةً حَرْبٍ *** في اقْتِحامِ الأَحْوَالِ قَدْ مَنَاها؟

أبِأُحْدٍ لَمَّا ارْتَقى ظُلْمَةَ الأَرْضِ *** وَ لَوْ نَالَ لاَرْتَقَى لِسَمَاهَا؟

وَإِذا كانَ مُؤْنِساً أَيؤَدِّي *** مِنْ دِمَا قَلْبِ أحمدٍ مِنْ دِماها؟

إِنْ مَنْ نابَ عَنْ نَبيَّ أَيَرْعى *** آله فيه أمْ يُبِيحُ حِمَاها؟

طارِقاً بَابَها بِجَذْوَةِ نَارٍ *** ما أُعِدَّتْ إِلا لِكَيْ يَصْلاها

زَعَما أَنْ أَحمداً وَ هُوَحَيَّ *** كانَ يُوصِيهِما بأَنْ يَزْوِياها(2)

بِمَراعِ الدِّينِ الحَنِيفِيَّ لَمْ يُوصِ *** وَ في قَطع بِنْتِهِ أَوْصَاها

هَلْ وَجَدْتَ النَّبِيَّ يُمْضِي عَنِ اللَّهِ *** أُمُوراً عَلَيْهِ ما أَمْضَاها

يَأْمُرُ النَّاسَ بِاتِّبَاعِ نُصوصِ *** الذِّكَرِ لْكِنْ لِنَفْسِهِ يَنْهاها

وَ نُصُوصٌ مِنَ الحَكِيمِ اللّوَاتِي *** بِالمَوَارِيتِ قَائِمٌ مَعْنَاها(3)

ص: 181


1- تنثّ: تعرق.
2- يزوياها: يمنعاها و ينحياها.
3- إشارة إلى غضب إرث الزهراء علیها السلام من قبل الأول و الثاني بحجة أن الأنبياء لاتورّث؛ و هذا الكلام ممّا ينافي الآيات الصريحة التي تخاطب عامة المسلمين بدون استثناء. فقد روي في كتاب اللمعة البيضاء ص382: أن فاطمة علیها السلام انطلقت إلى أبي بكر فطلبت ميراثها من نبي اللّه صلي الله عليه و آله و سلم فقال: إن نبي اللَّه صلي الله عليه و آله و سلم لايورّث، فقالت: أكفرت باللَّه و كذبت بكتابه؟ قال اللّه تعالى: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ») [سورة النساء، آية : 11].

كلُّ مَفْهُومِها إِذا قَامَ قَوْمٌ *** لَمْ يَحُرُ إِرْنَها سَوَى ابْنَاها

وَ عَلَى مَا افْتَرَوْهُ مِنَ أنَّ أبناءَ *** النَّبِيِّينَ لَمْ تَرثْ آبَاهَا

لِمَ سُلَيْمَانُ قَدْ تَأَرَّثَ دَاوُدَ *** وَ لِمْ ذُو الجَلالِ قَدْ أَوْحَاها؟

هَلْ أَضَلاً أمْ لَمْ يَكُونَا نَبِيَّيْنِ *** وَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ افْترَيَاها؟

أَمْ هُمَا خَالَفَا الجَمِيعَ وَ ضَلاَّ *** عَنْ سَبيل الإيمانِ و اغْتَصَبَاهَا

إنَّ رَبِّي على ادِّعاها شَهِيدٌ *** كُلُّ شِرْكِ فِيمَنْ يَوَدُّ ادِّعَاها

لَوْ دَرَى حِينَ اذْهَبَ الرِّجْسَ عَنْهَا *** أَنَّها تَفْتَرِي لَمَا زَكَّاها

إِنْ يَكُونَا دَانَا بِدینِ أَبيها *** ما أَغَصَّا فُؤادَها بِشَجَاها

دَهَياها مِنْ غَيْهِمْ بِدَوَاءٍ *** فَقَضَتْ وَ هُيَ تَشْتَكِي ما دَهَاهَا(1)-(2)

ص: 182


1- دواءٍ: مصائب أو أمور شديدة عظيمة.
2- القصيدة ملحمة في مناقب أهل البيت علیهم السلام بلغ عدد أبياتها (1265) بيتاً و هي على غرار هائية الأزري الشيخ كاظم (رحمة اللّه) و قد أخذنا منها ما نحن بصدده.

(7) حاربوا فاطماً علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ حسن بن حمود الحلي(*)(1)

لارَعى اللَّهُ قَيْلَةً وَ عَرَاها *** سُخْطُ مُوسى وَ حَلَّ مِنْهَا عُرَاها(2)

أغْضَبَتْ أَحْمَداً بِعَزْلِ إِمامٍ *** فيهِ كَمْ آيَةٍ جِهاراً تَلاها

واجَهَتْهُ بِما لِهَارونَ قِدْماً *** وَ اجَهَتْ قَوْمَهُ ضَلالاً سَفاها(3)

أَخَّرتْهُ وَ أَمَّرَتْ شَيْخَ تَيْمٍ *** سِرَّ كُفْرانِها وَ قُلبَ شَقاها

حَالَفَتْهُ على الضَّلالِ وَ حَادَتْ *** عَنْ أَخِي المُصْطَفَى مَنارِ هُدَاها

أَحْدَثَتْ لِلوَرَى أَحَادِيثَ كِذبٍ *** لانَبِي وَ لاوَصِيَّ رَوَاها

أَسْخَطَتْ رَبَّها فلارَضِيَ الرَّحْمَنُ *** عَنْهَا وَ خَالَفَتْ نَصَّ طه

فَلَكُمْ قال وارثي وَ وَصِيّي *** حَيْدرٌ وَ هُوَ لِلوَرَى مَوْلاها

هو مِنّي كَمِثْل هَارُونَ وَ هْوَ *** الفُلْكُ لِلعَالَمِينَ فيهِ نَجَاها

فَاحْفَظُوا لي وَصِيَّتِي بِابْنِ عَمِّي *** إِنَّهُ لِلعُلوم شَمْسُ سَماها

أَيُّها القَوْمُ إِنَّ بَعْدِي كِتَابَ اللَّهِ *** فِيكُمْ وَ عِتْرَتِي لَنْ تُضَاهَى

إِنْ مَنْ صَدَّ عَنْهُما كِبْرِيَاءً *** فَلَهُ النَّارُ في غَدٍ يَصْلاها

ص: 183


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- قَيْلَة: النوق التي تُحلب في وسط النهار. و لعله يريد بها هنا (بني قيلة) و هم الأنصار والله العالم.
3- سفاهاً: جهلاً.

فغَدا مِنْهُمُ يُقاسِي كِتابُ اللَّهِ *** هَجْراً والآلُ فَرْطَ جَفاها

حارَبُوا (فاطماً) وَ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ *** على الخَلْقِ حُبَّها وَ وَلاَها(1)

لَقِيّتْ مِنْهُمُ خُطُوباً عِظَاماً *** لايُطِيقُ الطَّوْدُ الأَشَمُّ لُقاها

كَسْرَ ضِلْعِ وَ غَصْبَ إِرْثٍ وَ لَطْماً *** وَ اهْتِضَاماً مِنْهُ اسْتَطَالَ عَنَاها(2)

أَخْرَجُوها مِنَ المَدِينَةِ قَهْراً *** مُذْ أَطَالَتْ لِفَقَدِ طهَ نَعَاها

وَ عَلَى هَضْمِها تَواطَأَتِ الأَنْصَارُ *** سِرًّا وَ أَظْهَرَتْ بَغْضَاها

عَزَلَتْ بَعْلَها عَنِ الحِلِّ وَ العَقْدِ *** عِناداً وَ أَمَّرَتْ أَدْعِيَاها

غَصَبَاهَا تُرَاثَها وَ لَظَى الوَجُدِ *** وَ فَرْطَ السَّقَامِ قَدْ أَوْرَثاها

دَفَعَاهَا عَنْهُ عِناداً وَ ظُلْماً *** مَزَّقَا (صَلَّها) وَ مَا رَاعَيَاها

وَ ادَّعَتْ نِحْلَةً لَهَا مِنْ أَبيها *** سَيِّدِ الأَنْبِيَا فَلَمْ يَنْحَلاها

فَانْتَنَتْ وَ الفَضاءُ ضَاقَ عَلَيْها *** وَ شُواظُ الزَّفِيرِ حَشْوُ حَشَاهَا(3)

وَ أَتَتْ دَارَها تَجُرُّ رِدَاهَا *** وَ الجَوَى كادَ أَنْ يُرِيها رَداها(4)

فَأَتَوْا نَحْوَ دَارِها وَ أَدارُوا الجَزْ *** لَكَيْ يُحْرِقُوا عَلَيْها خِبَاها(5)

عَصَرُوها بِالبابِ قَسْراً إلى أنْ *** كَسَرُوا ضِلْعَها وَ هَدُّوا قُوَاها

ص: 184


1- في كتاب درر السمطين ص178: أن النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: إن اللَّه يغضب لغضبك و تقدم ذكره في قصائد عديدة.
2- في كتاب مرآة العقول ج5 ص320.
3- شواظ: بكسر الفاء أو ضمّها الصياح، أو و لهب لادخان فيه.
4- رَداها: هَلاكها و موتها.
5- الجزل: صرام النخل. و جاء في كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586: أن أبابكر أرسل إلى علي علیه السلام يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر و معه فتيلة، فتلقته فاطمة علیها السلام على الباب، فقالت فاطمة علیها السلام: يا بن الخطاب أتراك محرقاً علي بابي؟ قال: نعم، و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك.

أَلجؤوها إلى الجِدَارِ فَأَلْقَتْ *** مُحْسِناً وَ هِيَ تَنْدُبُ الطُّهْرَ طه(1)

دَخَلُوا الدّارَ وَ هْيَ حَسْرَى فَقَادُوا *** بِنَجَادِ الحُسَامِ (حَامِي حِمَاها)(2)

بَرَزَتْ خَلْفَهُمْ تَقُومُ وَ تَكْبُر *** وَ حَشَاهَا ذَابَتْ بِنَارٍ شَجَاها

وَ عَلَى رَأْسِهَا قَمِيصُ أَبيها *** وَ عَلَى مَتْنِها اسْتَوى فَرْخَاها

وَ هْيَ تَعْدُو خَلْفَ الوَصِيَّ وَ تَدْعُو *** بِالْكِسارٍ فَلَمْ يُجِيبوا نِدَاها

أَيُّهَا القَوْمُ أطلِقُوا صَفُوةَ اللَّهِ *** إِمَامَ الأنام عَقْدَ وَلاَها

أوْ لأَدْعُوَ اللَّهَ العَظِيمَ بِشَجْوٍ *** فَتَخِرُّ الخَضْرَا عَلَى غَبْرَاها

فَأَتَاها العَبْدُ المَشُومُ فَأَدْمَى *** مَتْنَها فَانْتَنَتْ تُطِيلُ بُكاها(3)

وَ هيَ مِنْهُمْ بِمَسْمَعِ وَ بِمَرْأَى *** نُصْبَ عَيْنَيْهِمُ تُقاسِي أَذاها

آذياهَا عِنْدَ الحَياةِ وَ لَمَّا *** حَضَرَتْها الوَفَاةُ ما شَيَّعاها

دُفِنَتْ في الدُّجى وَ عفَّى عَليَّ *** قَبْرَها لَيْتَهُ اسْتَطَالَ دُجَاها(4)

أَفَمِثْلُ ابْنَةِ النَّبِيِّ يُوَارَى *** شَخْصُها في الدَّجَى وَ يُعْفَى ثَرَاها(5)

ص: 185


1- في كتاب الملل والنحل ج1 ص57: أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام ضرب بطن فاطمة علیها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها و كان يصيح: احرقوا دارها بمن فيها... و تقدم ذكر تفصيله عن مصادر عدة في هوامش عديدة فراجع.
2- حسری: حسرت خمارها عن وجهها و كشفت.
3- في كتاب سليم بن قيس ص134: فقال العباس لعلي «صلوات اللّه عليه» ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذاً كما أغرم جميع قنفذاً كما أغرم جميع عمّاله؟ فنظر علي علیه السلام إلى من حوله، ثم اغرو رقت عيناه ثم قال تشكو له ضربة ضربها فاطمة علیها السلام بالسوط فماتت و في عضدها أثره كأنه الدملَّج.
4- في كتاب البحار ج43 ص184 و 204 و213 فلما قضت نحبها «صلى اللَّه عليها» و هم في ذلك في جوف الليل، أخذ علي علیه السلام في جهازها من ساعته كما أوصته، فلما فرغ من جهازها أخرج علي الجنازة و أشعل النار في جريد النخل، و مشى مع الجنازة بالنار حتى صلّى عليها و دفنها ليلاً.
5- نقل من كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص128 و شعراء الحلة ج1 ص344.

(8) يوم غاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الشيخ حسين الشبيب(*)(1)

یا لَخَطْبَ في الدِّينِ هَدَّ قُوَاهُ *** يَوْمَ غَابَ النَّبِيُّ فِي مَثْواهُ

زَلْزَلَ الأَرضَ وَ السَّماءَ وَ أَبْكَى *** كُلَّ حَيَّ حُزناً تَعالَى اللَّهُ

وَ الهُدَى حِصْنُهُ تَزَلْزَلَ لَمّا *** قامَ جِبْرِيلُ فِي السَّما يَنْعَاهُ

صاحَ وَ الكائِنَاتُ بِالنَّوْحِ ضَجَّتْ *** وَ بَكى العَرْشُ حَسْرَةً لِبُكاهُ

قُبِضَ المُصْطَفَى فَوا فَجَعَةَ الدِّينِ *** مَاتَ غَوْتُ الأَنامِ وَ احَسْرَتاهُ

قُوّض اليَوْمَ سَيّدُ الرُّسل طه *** وَ النَّبِيُّونَ قَدْ أَقَامُوا عَزاهُ(2)

وَ غَدا الدِّينُ يَصْفِقُ الكَفَّ حُزْناً *** وَ الهُدَى بَعْدَهُ تَداعَى بِناهُ(3)

فَبِنَفْسِي وَ مُهْجَتِي وَ بِرُوحِي *** وَ بِقَوْمِي أَقِيهِ مِمّا دَهَاهُ

بَلْ وَيَا لَيْتَ جُمْلَةَ الخَلْقِ طُرّاً *** مِنْ جَمِيعِ اللُّغَاتِ راحُوا فِدَاهُ

لَهْفَ نَفْسِي عَلَيْهِ مات شهيداً *** مِنْ لهيبِ السُّمُومِ ذابَ حَشاهُ

وَ قَضى نَحْبَهُ حَمِيداً فَثَارَتْ *** بَعْدَهُ تَطلُبُ التّراتِ عِداهُ

نَقَضُوا عَهْدَهُ جِهاراً وَرَدُّوا *** كُلَّ ما قالَهُ وَ خانُوا أَخاهُ

ضَيَّعُوهُ في أَهْلِهِ وَ بَنِيهِ *** وَ أَذَاقُوهُمُ الذي أشجاهُ

ص: 186


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- قُوِّضَ: هُدِم والمراد انتقاله صلي الله علیه و آله و سلم إلى الرفيق الأعلى.
3- تداعی: تصدّع من غير أن يسقط.

عَزَلُوا حَيْدَراً كَأَنْ لم يَكُنْ فِي *** يَوْمِ خُمَّ دَعَاهُمُ لَوْلاهُ

وَ كَأَنْ لَمْ يَنادِ فِي يَوْمِ خُمِّ *** وَ هُوَ فَوْقَ الأَعْوادِ كُلَّ يَرَاهُ

واضِعاً كَفَّهُ بِضَبْع عَلِيَّ *** مُعْلِنَ الصَّوْتِ قائلاً في نِداه

أيها الناسُ سَلِّمُوا وَ أَطِيعُوا *** وَ لْيُبلغ كُلِّ إِلَى مَنْ وَراهُ

وَ اشْهَدُوا مَنْ أَنا لَهُ كُنْتُ مَوْلًى *** فَاعْلَمُوا أَنَّ حَيْدَراً مَوْلاه

هُوَ هذا وَليْكُمْ وَ عَلَيْكُمْ *** فَرَضَ الله حُبَّهُ وَ ولاهُ

هُوَ هَذا الإمامُ هذا ابْنُ عَمِّي *** شَرَّفَ اللهُ قَدْرَهُ وَ اجْتَباهُ

لاتَضِلُّوا فَتَخْسَرُوا وَ ازِرُوهُ *** لَيْسَ بَعْدِي فِيكُمْ إمام سِواهُ

ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ بَنُوهُ وَ مَنْ قال *** غَيْرَ قَوْلي فَسَوْفَ يَلْقَى جَزاهُ

إِنّ رَبَّ السَّماءِ وَ الأرضِ حَقاً *** قَد اصطفاه لِدِينِهِ وَ ارْتَضاهُ

قُمْتُ هذا المَقامَ عَنْ أَمْرِ رَبِّي *** وَ بِما قالَ لِي وَ ما أوْحاهُ

طاعَةُ المُرْتَضَى كطاعة ربيّ *** وَ كذا كُلَّ مَنْ عَصَاهُ عَصاهُ

وَ حَباهُ بِكُلِّ خَيْرٍ جَزِيلٍ *** وَ عَلَى كُلِّ خَلْقِهِ وَلاهُ

فَانْظُروا هَلْ يَكُونُ غَيْرَ عَلِيٍّ *** فَوْقَ كَتْفِ النَّبِي وَ طَتْ قَدَماهُ؟

أَمْ سَمِعْتُمْ في النَّاسِ غَيْرَ عَلِيٍّ *** قِيلَ خَيْرُ الوَرَى النَّبِيُّ أَخاهُ

وَلَكَمْ أَكَدَ الوَصِيَّةَ فِيهِ *** حَيْثُ صَفَاهُ رَبُّهُ وَاصْطَفَاهُ

لَمْ يَدَعْ حُجَّةً وَلكِنَّما القَوْمُ *** فِي العَمى وَالضَّلالِ وَ الغَيِّ تاهُوا

قَدَّمُوا غَيْرَهُ عَلَيْهِ وَ قَالُوا *** حِينَ أَعْيَوْا بِأَنْ يَنالُوا عُلاهُ

حَدَثُ السِّنّ في دُعابَةِ أَنْفٍ *** خَسِرُوا لاأبا إِلَيْهِمْ وَ شاهُوا(1)

سَلْهُمْ مَنْ بِسَيْفِهِ عُبِدَاللَّهُ *** وَ قَرُّوا أَنْ لَيْسَ رَبِّ سِواهُ

مَنْ أَبَادَ الكُماةَ في يَوْمِ بَدْرٍ *** وَ النَّبِي مَنْ بِنَفْسِهِ قَدْ فَداهُ؟

ص: 187


1- شاهوا: طمعوا.

مَنْ تَلَقَّى ابْنَ وُدَّ مَنْ قَلَعَ البابْ *** مَنْ رَعَى حَوْزَةَ الهُدَى وَ حِماهُ؟

مَنْ بِهِ أَسْفَرَ الهُدَى وَ اسْتَقَرَّتْ *** وَطأة الدِّينِ وَ اسْتَقامَتْ فَنَاهُ؟

مَنْ رَمَى بِالأَصْنامِ عَنْ حَرَمِ اللَّهِ *** وَ عَلَا كَتْفَ أَحْمَدٍ وَ ارْتَقاهُ؟

مَنْ إِلى السَّاغِبِينَ يَحْتَمِلُ القُوت *** خِفْيَةً فَوْق مَثْنِهِ في رِداهُ؟

مَنْ سِواهُ في النَّاسِ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ *** جُمْلَةَ الخَلْقِ يَهْتَدُوا بِهُدَاهُ؟

لَوْيَكُنْ ما لَهُ مِنْ الفَضْلِ إِلاّ *** يَوْمَ خُمَّ وَ خَيْبَر لَكَفاهُ

أوَ ما فَوْقَ زِنْدِهِ عَبَرَ الجَيْشُ *** بَعْدَما شَقَّ مَرْحَباً وَ بَراهُ

وَ أبادَ اليَهُودَ طُرّاً وَ أرْوَى *** مِنْ دماهُمْ حُسامَهُ وَ قَناهُ

وَ اخْتَصِرُ لاتُطِيلُ فمَنْ شَيَّد الدِّينَ *** بمنْ قامَ فَخْرُهُ لَوْلاهُ؟

وَ اسْأَلِ الصاحِبَيْنِ مِنْ بَعْدِ هَذا *** أَعَلى أَي ذَنْبٍ قَدْ ناصَباهُ

أَمِنَ العَدْلِ أَنْ يُقادَ أَسِيراً *** وَ إِلَى خَلْفِهِ تُشَدُّ يَداهُ؟

طَوَّقوا عُنُقَهُ بِحَبْلٍ وَ سَاقُوا *** ضارِعاً مُسْتَضاما يُبْدِي شَجاهُ(1)

وَ ابْنَةُ المُصْطَفى عداءَ وَ جَهْراً *** دَخَلُوا دَارَهَا وَ بِالظُّلمِ فاهوا(2)

ص: 188


1- مستضام: مظلوم. مقهور.
2- فقد ورد في «الاحتجاج للطبرسي» ج1 ص108/ دار النعمان -النجف: «... فقال عمر: أرسل إليه قنفذاً و كان رجلاً فظاً غليظاً جافياً من الطلقاء، أحد بني تيم فأرسله و أرسل معه أعواناً، فانطلق فاستأذن فأبى علي علیه السلام أن يأذن له فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر و عمر و هما في المسجد و الناس حولهما فقالوا: لم يأذن لنا فقال عمر: هو إن أذن لكم و إلا فادخلوا عليه بغير إذنه. فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة علیها السلام: «أحرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذنٍ فرجعوا ، فثبت قنفذ فقالوا: إن فاطمة علیها السلام قالت كذا وكذا، فحرّجتنا أن ندخل عليها البيت بغير إذن منها فغضب عمر و قال: ما لنا و للنساء ثم أمر أناساً حوله فحملوا حطباً و حمل معهم فجعلوه حول منزله و فيه علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام: والله لتخرجنّ و لتبايعن خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أو لأضرمنَّ عليك بيتك ناراً، ثم رجع قنفذ إلى أبي بكر و هو يخاف أن يخرج عليّ بسيفه لما قد عرف من بأسه و شدّته. ثم قال لقنفذ: إن خرج وإلا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكَّثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسود و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ «لعنه اللَّه» إياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ إضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».

وَ هْيَ حَسْرى القِناعِ وَ القَلْبُ مِنْهَا *** تَنْزِفُ العَيْنُ دَمْعَها مِنْ دِماهُ

كَسَرُوا ضِلْعَها أَراعُوا حَشاها *** أَسْقَطُوا حَمْلَها فَوا لَهْفَتاهُ(1)

لَطَمُوا خَدَّها وَ بالنَّارِ جَهْراً *** أَحْرَقُوا الباب وَ العُيونُ تَراهُ(2)

وَ مَضَوْا بِالوَصِيِّ أَسِيراً مِنْهُ *** كُلُّ عِلْجٍ قَدْ نالَ أَقْصَى مُناهُ(3)

وَ ابْنَةُ المُصْطَفَى تُنادِي بِصَوْتٍ *** زَلْزَلَ الكَوْنَ رَجْعُهُ وَ صَداهُ(4)

وَ تُنادِي يا قَوْمُ خَلُوا ابْنَ عَمِّي *** مَالَنَا كَافِلٌ وَحَامٍ سِواهُ

يا ذَوِي الارْتِدادِ وَ البَغْيِ خَلُّوا *** وَ هُيَ نُصْبَ العُيونِ تَعْدُو وَرَاهُ(5)

ص: 189


1- انظر الهامش السابق.
2- لعلَّه إشارة إلى ما جاء في كتاب أمالي الصدوق، ص116 ح2 ط الخامسة/ مؤسسة الأعلمي. «... قال له: أبكي من ضربتك على القرن و لطم فاطمة علیها السلام خدّها...». انظر كتاب بحار الأنوار ج44 ص149 ح17، ط الثانية/ مؤسسة الوفاء و ج28 ص51 ح20 ط الثانية/ مؤسسة الوفاء.
3- علج: (العلج) الكافر.
4- و «الأبيات التي تلته» في كتاب المناقب ج3 ص329: «...أنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام من منزله خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت: خلّوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرنَّ شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخن إلى اللّه فما ناقة صالح بأكرم على اللّه من ولدي». انظر: كتاب بحار الأنوار، ج43 ص47، ط الثانیة/ مؤسسة الوفاء. و في كتاب عوالم سيدة النساء، ج2 ص571-572 ضمن ح24 نقلاًعن کتاب علم اليقين في أصول الدين لللكاشاني. «...و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك. فعدلت إلى قبر أبيها صلي الله علیه و آله و سلم فأشارت إليه بحزنة و نحيب...».
5- نقلت من «ديوان الشبيب» ج1 ص14.

(9) بضعة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الحاج سعود الشملاوي(*)(1)

شِرْعَةُ الحَقِّ حَيْدَرٌ قَدْ بَنَاهَا *** وَ عَلَيْهِ يَدُورُ قُطْبُ رَحَاهَا(2)

كَانَ مِنْ مَهْدِهِ إِلَى اللَّحْدِ يَسْعَى *** فِي رِضَى اللَّهِ رُوحُهُ يَرْعَاهَا(3)

مِثلُهُ فِي الْوُجُودِ عَزَّ وُجُوداً *** لايُضَاهِي فِي فَضْلِهِ لايُضَاهَي(4)

خَصَّهُ اللَّهُ ذُو العَلَا بِمَزَايَا *** مَا حَوَى عُشْرَ عُشْرِها أَنْبِيَاها

مِنْ مَزَايَاهُ كَعْبَةُ البَيْتِ فِيها *** كانَ مِیلادُهُ فَطَابَ شَذَاهَا(5)

لَمْ يُشَارِكُهُ بالولادَةِ فِيهَا *** أَحَدٌ لا وَ لاالمُفَضَّلُ طَه

أُمُّهُ الطُهْرُ أَقْبَلَتْ وَ هِيَ حُبْلَى *** بِوَلِيدِ التَّقَى وَ بَدْرِ دُجَاهَا(6)

أَمَّتِ الْبَيْتَ كَيْ تَطُوفَ وَ تَسْعَى *** وَ إِذَا بِالْمَخَاضِ قَدْ وَافَاهَا

رَفَعَتْ رَأْسَها إلَى اللَّهِ تَدْعُو *** بِخَلِيل الْبَارِي وَ مَنْ فِي حَشَاهَا

رَبِّ سَهَّلْ لِي الْمَخَاصَ لأُكْفَى *** شِدَّةَ الْوَضْعَ فَاسْتَجَابَ دُعَاهَا

وَإِذَا وإذا بالجِدَارُ شُقَّ إِلَيْهَا *** مِنْ مَعَالِيو هذِهِ إِحْدَاها

ص: 190


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- قُطب: جمعها أقطاب: الحديدة في الطبق الأسفل من الرحى يدور عليها الطبق الأعلى. و القُطب: ملاك الشيء و مداره.
3- اللَّحد: القبر.
4- لايُضاهى: لايُشابَهُ و لايُشاكل و لايُماثل.
5- شذاها: الشذى: الطيب.
6- دُجاها: الدجى: ظلمة الليل.

دَخَلَتْ وَ الجِدَارُ سُدَّ عَلَيْهَا *** آيَةٌ مِنْ إِلَههَا أَسْدَاها

وَ عَلَيْهَا الإِلهُ سَهَّلَ وَضعاً *** فَبَدَا البَدْرُ فَانْجَلَتْ ظَلْمَاها(1)

وَضَعَتْهُ عَلَى الرُّخَامَةِ فَانْسَابَ ***ضِيَاهُ فَأَشْرَقَتْ أَرْجَاهَا

مَنْ سِوَاهُ عَلَى الرُّخَامَةِ مَوْلُودٌ *** صَعْدَةٌ غَيْرُ حَيْدَرٍ مَا ارْتَقَاهَا

فَتَحَ العَيْنَ لِلْحَيَاةِ بِبَيْتٍ *** وَ خُرُوجَاً بِمِثْلِهِ أَغْضَاهَا(2)

فَحْيَاةٌ بِمَسْجِد هِيَ تُبْدَى *** وَ أَخِيراً بمثلِهِ مُنْتَهاها

هذِهِ غَايَةُ المَرَام وَلكِنْ *** لَيْتَ شِعْرِي مَنْ غَيْرُهُ يَحْضَاهَا(3)

فَهيَ فِيهِ عَلَى عُلَاهُ دَلِيلُ *** أَنَّهُ عِنْدَ رَبِّهِ أَعْلاَها

شَرَّفَ الكَعْبَةَ الوَلِيدُ لَعَمْرِي *** مَابِهَا شُرِّفَ الْوَلِيدُ وَ بَاهَى

إلى أن قال:

كَمْ تَلَقَّوا مِنَ الرَّسُولِ عَنِ اللَّه *** نُصُوصاً في حقهِ أَبْدَاها

فَلِمَاذَا لَمْ يَسْتَجِيبُوا إِلَيْها *** حَسَداً أَمْ قُلُوبُهُمْ تَأَبَاهَا(4)

أمْ أَتَى المُرْتَضَى بِشَيْءٍ يُنَافِي *** مَنْهَجَ الْحَقِّ بَعْدَ غَيْبَةِ طَه؟!(5)

لَمْ يَكُنْ ذَا مِنْ الوَصِيَّ وَ حَاشَا *** نَفْسُ قُدْسِ إِلهُهَا زَكَاهَا

بَلْ هُمُ بَدَّلُوا الهُدَى بِضَلالٍ *** وَ غَدَوا يَخْبِطُونَ فِي عُمْيَاهَا(6)

قَدَّمُوا غَيْرَهُ مَعَ العِلْمِ مِنْهُمْ *** أَنَّهُ بَعْدَ أَحْمَدٍ أُولاها

لَيْتَ شِعْرِي مَن الَّذِي قَدَّمُوهُ *** هَلْ عَلَى وَجْهِ فَرْضِهَا أَدَّاها؟

أَمْ غَدًا يَسْتَقِي العُلُومَ (مِنَ المَخْلُوع *** فِي زَعْمِهِم) فَكَيْفَ امْتَطَاهَا؟!

ص: 191


1- فانجلت: انكشفت و زالتْ.
2- أغضاها: أقفلها بهدوء و روية.
3- يحضاها: يحصل عليها.
4- تأباها: ترفضها و لاترتضيها.
5- يُنافى: يُباين و يُناقض و يُعارض.
6- يخبطون: يسيرون على غير هدىً.

عَجَباً قَدَّمُوا الْمُؤَخَّرَ فِي الْفَضْلِ *** عَلَى سَابِقِ الْوَرَى مَوْلاَها!!

وَ غَدَوا يُلزمُونَ بَيْعَةً جَوْرٍ *** فَرَضُوهَا وَ اللَّهُ لَايَرْضَاهَا

فَأَبَى فَاعْتَدَوْا يُبيحُونَ بَيْتاً *** مِن بُيُوتِ إِلَهُهَا سَوَّاهَا

حَرَماً لاَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلُوها *** دُونَ إذْنِ وَ هُمْ أَبَاحُوا حِمَاهَا

وَ عَلَى بَضْعَةِ الرَّسُولِ تَجَرَّوا *** لَطَمُوا عَيْنَها أَرَاعُوا حَشَاها(1)

سَّرُوا ضِلْعَهَا أَهَاجُوا جَوَاهَا *** أَسْقَطُوا حَمْلَها أَسالُوا دِمَاها(2)

أسْقِطَتْ فَوْقَ عَنْبَةِ الْبَابِ وَ لْهَى *** تَنْتَخِي (فِضَّةٌ) وَ تَدْعُو أَبَاهَا

يَا رَسُولَ الْهُدَى عَلَيْكَ عَزِيزٌ *** أَنْ تَرَى ما تَجَشَّمَتْ أَعْدَاها

أَخَذُوا حَفَّنا تَبَاغَوا عَلَيْنَا *** أَخْرَقُوا بَيْتَنَا بِنَارِ لَظَاها

كَسَّرُوا أَضْلَعِي جَنِينِي أَلْقَوه *** قَتِيلاً يا وَيْلَ مَنْ سَواها

وَ اسْتَدَارُوا عَلَى عَلَيَّ وَقَادُو *** بِحَبْلٍ وَ هُوَ المُدِيرُ رَحَاها(3)

وَ غَدُوا يَسْحَبُونَ لَمْ يَرْهَبُوهُ *** وَ هُوَلَيْتُ الشَّرَى وَ رَبُّ وَغَاها(4)

أَوْقَفُوهُ كَيْ يَبْسُطُ الْكَتَ قَسْراً *** أَوْ يُذِيقُونَ بِالسُّيُوفِ رَدَاهَا

فَرَمَى نَحْوَ قَبْرِكِ الطُّهْرُ طَرْفاً *** بشُجُونٍ وَ دَمْعُهُ أَجْرَاها

ص: 192


1- تَجرَّوا: تَجَرَّأوا.
2- في البحار، و أخذت ج53 ص18. و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده يروم فتح الباب و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حامل بالمحسن لستة أشهر و اسقاطها إياه و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها.
3- في تفسير العياشي/ في تفسيره للآية: 150 الأعراف و الآية: 165 الأنفال: ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبباً و مروا به على قبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: فسمعته يقول: [يا بن ام إن القوم استضعفوني] و جلس أبوبكر في سقيفة بني ساعدة و قدم علي علیه السلام فقال له عمر: بايع...
4- الوغى: الحرب.

يَا أَخِي قَوْمُكَ الألى: اسْتَضْعَفُونِي *** وَ أَرَادُوا قَتْلِي بِحَدْ ظُبَاهَا(1)

يَا أَخِي ضَيَّعُوا وَصَايَاك فِينَا *** فَإِلَى اللَّهِ نَشْتَكِي عَدْوَاهَا

ص: 193


1- ظُبی: مفردها ظُبه، و هي حد السيف أو السنان و نحوهما.

(10) حسرتي للبتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الحاج سعود الشملاوي(*)(1)

حَسْرَتِي لِلْبَتُولِ بَضْعَةِ طَهَ *** إِذْدَهَاهَا بَعْدَ النَّبِي ما دَهَاها(2)

ما رَعَوْهَا وَ لارَعَوْا الطُّهْرَ حَتَّى *** مُنِعَتْ حِينَ فَقْدِهِ عَنْ بُكَاهَا

أخَذُوا نِحْلَةً لَهَا مِنْ أبِيهَا *** أُقْصِيَتْ عَنْ تُرَائِهِ بِنْتُ طَه(3)

ثُمَّ لَمْ يَكْتَفُوا بِسَلْبِ حُقُوقِ *** فُرِضَتْ لِلْبَتُولِ مِنْ مَوْلاهَا

بَلْ أَدَارُوا بِبَابِها ذَلِكَ الجَزْلَ *** عِنَاداً وَ النَّارَ شَبُوا سِفَاهَا(4)

هَجَمُوا عَنْوَةٌ عَلَيْهَا بِلا إِذْ *** عَلى العَيْنِ لَطْمَةً سَتَراهَا(5)

عَصَرُوهَا بِالبَابِ فَانْكَسَرَ الضِّلْعُ *** وَ الْقَوْا جَنِينَها مِنْ حَشَاهَا

فَهَوَتْ فَوْقَ (عَتْبَةِ) البَابِ تَدْعُو *** لأبِيهَا وَ أيْنَ تَلْقَى أَبَاهَا

يَا رَسُولَ الهُدَى عَلَيْكَ عَزِيزٌ *** لَوْ تَرَى مُذْ عَدَتْ عَلَيَّ عِدَاهَا

عَصَرُونِي وَ أَسْقَطُونِي جَنِينِي *** وَ عُبُونِي بِلظمَةٍ تَلقاها

ص: 194


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- في كتاب فيض القدير للمناوي ج6 ص220 أن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال لفاطمة علیها السلام: فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني.
3- أقصيت: أبعدت.
4- انظر كتاب أنساب الأشراف ج1 ص586 ، الجزل: الغليظ العظيم.
5- في كتاب البحار ج53 ص18-19 و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه وارسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب ،و تضرب و يقتل جنين في بطنها...

لَمْ تَزَلْ بَعْدَ حَادِثِ البَابِ ثَکْلَى *** فَرِحَتْ عَيْنُهَا لِطُولِ بُكَاهَا

تَتَلَظَّى عَلَى الفِرَاشِ وَتَشْكُو *** بِأَنِينٍ لِمَنْ يَعِي شَكْوَاهَا

ثُمَّ لَمَّا قَضَى إلهُ البَرَايَا *** بِقَضَاهُ وَيَوْمَهَا وافَاهَا

لِعَلِيٍّ أوْصَتْ بِكُلِّ الوَصَايَا *** وَدَّعَتْه وغُمِّضَتْ عَيْنَاهَا

وَقَضَتْ نَحْبَها وَدِيعَةُ طَه *** مِنْ أُنَاسِ قَدْ بَالَغُوا فِي عَدَاهَا

فَبَكَى حَيْدَرٌ لِفَقْدِ بَتُولٍ *** رَمَّلَتْهُ وَأيْتَمَتْ أَبْنَاهَا

شَالَ جُثْمَانَهَا المُقَدَّسَ لِلْغُسْلِ *** وَأَحْشَاؤُه يَشُبُّ لَظَاهَا

تَحْتَ أَثوَابِها يُغَسِّلُهَا الطُّهْرُ *** فَمَسَّتْ كُفُوفَهُ ضِلْعَاهَا

فَجَرَتْ دَمْعَةُ المُصَابِ عَلَى الخَدِّ *** وَأَوْدَى فُؤَادَهُ مَرْآهَا

فَتَقَوَّى لِرُزْئِها وَقَضَى الغُسْلَ *** عَلَيْهَا أَكْفَانَها سَوَّاهَا

وَضَعَ الظُّهْرَ في سَرِيرِ المَنَايَا *** وَانْبَرَى في وَدَاعِهَا وَلَدَاهَا(1)

هَوَيَا فَوْقَها - عَمْركَ اللَّهُ - *** فَضَمَّتْهُمَا إِلَيْهَا يَدَاهَا

فَجَرَتْ أدْمُعُ الفِرَاقِ كَجَمْرٍ *** مِنْ جُفُونٍ مَمْزُوجَةٍ بِدِمَاهَا

أُمِرَ المُرْتَضَى ألاَ أَرْفَعْهُمَا عَنْ *** صَدْرِهَا ... أَبْكَيَا جُنُودَ سَمَاهَا

وَلَهَا الحُورُ بالنِّيَاحَةِ عَجَّتْ *** وَقَدِ اشْتَاقَ أَحْمَدُ لِلِقَاهَا(2)

قَامَ نجَّاهُمَا وَنَادَى صِحَاباً *** حَمَلُوا فِي قُلُوبِهِمْ بَلْوَاهَا

شَيَّعُوهَا بِاللَّيْلِ سِرَّا فَأَوْرَتْ *** حَسْرَةً فِي القُلُوبِ مَا أَشْجَاهَا(3)

دَفَنُوهَا وفِي الفُؤَادِ رَزَايَا *** لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُنَّ إِنْسٌ سِوَاهَا

ص: 195


1- انبری: ظهر أو اندفع.
2- عجَّت: صاحت ورفعت صوتها.
3- انظر كتاب البحار ج43 ص184 و 204 و 213

جَاءَ في تُرْبَةِ البَتُولَةِ أقْوَالٌ *** لَعَلَّ الصَّوَابَ فِي قَوْلِ طه

بَيْنَ قَبْرِي ومِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ *** رَوْضِ تِلْكَ الجِنَان ذَا مَعْنَاهَا

مَعَ هَذَا رِوَايَةٌ (لابْنِ هَمَّامَ) *** عَلِيٌّ فِي رَوْضَةٍ وارَاهَا

فأحَادِيثُ فِي البَقِيعِ تَوَارَتْ *** تِلْكَ دَعْهَا فَهَذِهِ أَقَواهَا

فَإذَا شِئتَ أن تَزُورَ فَزُرْهَا *** عِنْدَ قَبْرِ النَبِي فَذَا مَنْوَاهَا

وَإذَا جِئْتَهَا فَصَلِّ وسَلِّم *** وَأكْثِر اللَّعْنَ لِلَّذِيْ عَادَاهَا

وَتَذَكَّرْ مِنَ الشَّجَى لَطْمَةَ العَيْنِ *** وأضْلاَعَها وَنَزْفَ دِمَاهَا

وَتَذَكَّرْ جَنِيْنها خَرَّمَيْتاً *** مِنْ حَشَاهَا بِالبَابِ مَاذَا عَرَاهَا

وَتَذَكَّرْ هُتَافَها يَومَ خَرَّتْ *** مِنْ جَوَى حُزْنِها تُنَادِي أَبَاهَا(1)

أبَتَا عَزَّ أنْ تَرَى مَا دَهَانِي *** مِنْ طُغَاةٍ قَدْ أسْخَطَتْ مَوْلاَهَا

كَسَرُوا أَضْلُعِي وَالْقَوْا جَنِينِي *** وَعُيُونِي بِلَطْمَةٍ أذْهَبَاهَا(2)

ص: 196


1- جوى: حرقة القلب.
2- نبضات الولاء ص 179.

(11) إلَيْكُمْ يا بَني طه

(بحر الهزج)

الشيخ سلطان علي الصابر(*)(1)

إِلَيْكُمْ يَا بَني طه *** تَحِيّاتٌ بِأَزْكاها

حبَاكُمْ رَبُّكُمْ طُرّاً *** بِعِزِّ دامَ ذِكْراها

***

وَأَنْتُمْ قَبْلُ أَنْوَارُ *** كِرامُ النّاسِ أطْهارُ

أُباةُ الضَّیْمِ أَحْرَارُ *** بِكُمْ ذُو الْعَرْشِ قَدْ باها

***

لَكُمْ بِاللَّوْحِ وَالقَلَمِ *** رُقِیٌّ شامخُ الْقِمَمِ

وَأَنْتُمُ سادَةُ الْأَمَمِ *** وَالنَّبیّ جَدُّكُمْ طه

***

أتانا خاتَمُ الرُّسُلِ *** دَليلاً أَحْسَنَ السُّبُلِ

فَزالَتْ عَثْرَةُ الزَّلَلِ *** فَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ تاهَا

***

وَفاقَتْ بِنْتُهُ الزَّهْرا *** بِمَجْدٍ مَرْيَمَ الْعَذْرا

ص: 197


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.

فَأَكْثِر مِدْحَةَ الْحَوْرا *** أَذُقْ مِنْ فِيكَ أَحْلاها

***

وَصِهْرُ الْمُصْطَفَى الْهادي *** عَلِیٌّ حُبُّهُ زادی

وَهذا نَهْجُ هْجُ أَجدادي *** خُذوا يا وُلْد أنْباها(1)

***

وَلي فِي الْمُجْتَبَى الْحَسَنِ *** مُمِيتِ الجَوْرِ وَالفِتَنِ

وَمُحْيِي الدِّينِ وَالسُّنَنِ *** لَئالي الْمَدْحِ أَرْقاها

***

حُسَیْنٌ شِبْلُهُ الثّاني *** إِمامُ الإِنْسِ وَالْجانِ

بِنَفْسٍ مِنْ دَمٍ قانی *** فَدی لِلدِّينِ أَزْکَاها

***

فَزِدْ يا رَبَّنا أَجْرا *** وَأَكْرِمْنَا بِهِمْ حَشْرا

فَمَنْ يَبْقَى لَنا ذُخْرا *** إذا ما غابَ أَوْفاها

***

وَمَنْ لي يَمْدَحُ الزَّهراء *** أَذُقْ مِنْ فيهِ أَحْلاها

ص: 198


1- أنباها: أنباءها، أي أخبارها.

(12) منظومة خطبة الزهراء علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد عباس المدرسي(*)(1)

ص: 199


1- (*) السيد عباس المدرسي هو السيد عباس ابن السيد محمد كاظم ابن السيد محمد جواد المدرّسي. ولد في كربلاء المقدسة في اليوم السابع من شهر محرم الحرام عام (1373 ه/ 1953م). ونشأ منذ صغره في جوّ الإيمان والفضيلة برعاية والده العالم الورع والعارف العامل آية اللّه السيد محمد كاظم المدرسي «رحمه اللّه». درس الدروس الابتدائية في مدارس كربلاء المقدسة التقليدية، وخاصة عند الشيخ علي أكبر النائيني، والشيخ ضياء الزبيدي. وأما دراسته العلمية الحوزوية. فقد أخذ المقدمات والسطوح لدى أساتذتها البارزين، منهم والده آية اللّه السيد محمد كاظم المدرسي، وآية اللّه الشيخ محمد حسين المازندراني، وآية اللّه السيد صادق الشيرازي، والأستاذ المربي العالم الفذّ الشيخ جعفر الرشتي حتى تهيَّأ للدراسات العليا فدرس الخارج على خاله المرجع الديني آية اللّه العظمى السيد محمد الشيرازي وآية اللّه العظمى الشيخ يوسف الخراساني. وفي مدينة قم المقدّسة حضر دروس الخارج عند كبار أساتذة الحوزة ومراجع التقليد، ومن أشهرهم: آية اللّه العالم الورع التقي الشيخ مرتضى الحائري والأستاذ آية اللّه الشيخ الوحيد الخراساني وآية اللّه الشيخ محمد جواد التبريزي، وآية الله السيد موسى الزنجاني. كما وأنه درس العرفان والعقائد على يد والده آية اللّه السيد محمد كاظم المدرسي. والمترجَم له: ألَّف كتباً دينية وأدبية كثيرة أهمها: 1- الإمام الحسين علیه السلام. 2- كيف تربح الحياة؟ 3- الحضارة في عصر الإمام المهدي علیه السلام. 4- الإنسان ذلك المسؤول. 5- كلمة الزهراء علیها السلام (قصيدة شعرية في خطبة الزهراء علیها السلام ) 6- المعاد. 7- أصول الفقه - مخطوط. 8- الصرف والنحو - مخطوط. 9- دیوان شعر - مخطوط. تفسير القرآن الكريم (يقع في عدة مجلدات، مخطوط). كما أسّس السيد المدرسي في قم مدرسة للعلوم الدينيّة باسم (مدرسة الإمام الصادق علیه السلام) كما وأنه أسس مجلة (أهل البيت علیهم السلام) وشارك في تأسيس مجلة (البصائر) الدوريَّة. ولا يزال المترجَم له يمارس دوره الثقافي في مختلف الأبعاد.

الحمدُ للَّهِ على ما أنعمَ، وَلهُ الشَّكرُ على ما ألهمَ، والثناءُ بما قَدّمَ من عموم نِعَمِ ابتداها، وَسُبُوغِ آلآءٍ أسداها، وَتَمَام مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإِحْصَاءِ عَدَدُها.

للأله العَظِيمِ حَمْدِي تَناهَى *** وَلَهُ الشُّكْرُ دُونَ أَنْ يَتَناهَى

فَلِنَعْمائِهِ الَّتِي لا تُجازَى *** وَلإِلْهامِهِ النُّفُوسَ هُداها

وَثَنائي بِطَيِّباتِ نَعِيمٍ *** لَمْ نُطالِبْهُ بَذْلَها فَابْتَداها

وَبِآلاءِ جُودِهِ سابِغاتٍ *** سائِغاتٍ إلى الوَرَى أَسْداها(1)

وَبِما جادَ مِنْ تمَامِ عَطايا *** جَمَّ أعْدادُهُنَّ عَنْ إِحْصاها

طالَ في مَرْقَدِ الزَّمَانِ نَواها *** تَناءَی عَنِ الجَزاءِ مَداها

ونأى عن الجزاءِ أمدُها، وتفاوتَ عن الإدراكِ أبَدُها، ونَدَبَهم لاستزادتِها بالشكرِ لاتصالِها، واستحمدَ إلى الخَلائِقِ بإجزالِها، وثنّى بالندبِ إلى أشباهِها، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللَّهِ وَحْدَهُ لا شريك لَهُ، كلمة جَعَل الإخْلاصَ تأويلها.

وتَنَاهى عَنِ النُّهَى دَرْكُ نُعْمَى *** أَبَدَ الدَّهْرِ تَسْتَمِرُّ عَطاها(2)

وَدَعاها لِتَسْتَزِيدَ نَداها *** بِاتّصالٍ - بِشُكْرِ مَنْ أَوْلاها

وَبِإِجْزالِها لَهُمْ طَلَبَ الحَمْدَ *** وثَنَّى بِنَدْبِها الأَشباها

ص: 200


1- آلاء: نِعَم.
2- النهى: جمع النُّهْيَة: العقول.

أُشْهِدُ اللَّهِ أَنَّهُ لَيْسَ إِلا اللَّهَ *** رَبِّاً وَ خالقاً وَ إلها

وَحْدَهُ اللَّه لاشَرِيكَ لَدَيْهِ *** كَوَّنَ الكَوْنَ وَ البَرايا بَراها(1)

كلمةُ الحَقِّ وَ الهُدَى وَ التعالِي *** وَ لُبابُ الإخلاص في مَغزاها

و ضمَّن القلوبَ موصولَها و أنارَ في التفكير معقولها، الممتنع مِنَ الأبصارِ رؤيتُهُ و مِنَ الألسن صفتُهُ و منَ الأوهامِ كَيْفِيتُهُ.

ابتدعَ الأشياءَ لامنْ شيءٍ كان قبلها، و أنْشَأها بِلا احتذاءِ أمثلةً امتَثَلها.

في مَطاوِي القُلوبِ وَصْلُ لِقاها *** وَلَدى الفِكْرِ وَهْجُها وَ رُؤاها(2)

لَيْسَ عَيْنٌ تَرى جَلالَةَ ذاتٍ *** عَجَزَ الوَصْفُ أَنْ يُدانى مَداها

كَلَّتِ الألْسُنُ البَليغَةُ حَتَّى *** لَيْسَ تَعْلُو لِوَصْفِهِ أَعْلاها

جَلَّ حَتَّى الأَوْهَامُ لاتَتَرقى *** نَحْوَ أَقداس كَيْفه أَرْقاها

خَلَقَ الكائناتِ خَلْقَ ابْتِداعٍ *** لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ قَبْلَهُ سَوَّاها

وَبَراها بِلا احْتِدَاءِ مِثالٍ ***كانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُسَوِّي بِناها

كَوَّنها بقدرتِهِ، وَ ذرأها بمشيّتِهِ مِنْ غيرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إلى تكوينها و لافائدة في تصويرها إلا تثبيتاً لحكْمَتِهِ وَ تنبيهاً على طاعَتِهِ وَ إظهاراً لقدرته وَ تعبداً لبريته، وَ إعزازاً لدعوته.

ثمّ جَعَلَ الثّوابَ على طاعَتِهِ، وَ وضَعَ العقاب على معصيته، زيادةً لعباده مِنْ نقمِتِه.

خَلَقَ الخَلْقَ بِالمَشيَّةِ مِنْهُ *** وَ برى بِاقْتِدارِیه أَشْياها

دُونَما حاجَةٍ لَهُ وَ انْتِفاعٍ *** مِنْهُ لِلصُّورَةِ الَّتي أبداها

بَلْ لِتَنْبِيهِها عَلى طاعَةِ اللَّهِ *** وَ تَثْبِيتِ حِكْمَةٍ جَلاّها

ص: 201


1- براها: خلقها.
2- وَهْجُها: اتقادها.

لِيُبِينَ اقْتِدارَهُ سَوَّاها *** وَ يُعَبّدْ عَبيدَهُ أَنْشاها(1)

وَ لإِعزاز دَعْوَةِ الحقِّ وَ الخَيرِ *** وَ تَبقى على المَدى دَعْواها

وَ يَذُودُ العِبادُ شَرَّ جَحيمٍ *** سَخَّرَتْ نِقْمَةُ الإلهِ لَظاها(2)

النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم الأكرم و فلسفة الرسالة

و حياشةٌ لهم إلى جنّتِهِ.

وَ أشهدُ أنّ أبي (محمداً) عبدُهُ و رسولُه، اختارَهُ وَ انتجبهُ قَبْلَ أَنْ اجتَبلَه، وَ اصطفاهُ قبلَ أن ابتعَثَهُ، إذ الخلائِقُ بالغيب مكنونةٌ، وَ بستر الأهاويلِ مصونة، وَ بنهايةِ العَدَمِ مقرونَةٌ،

وَ إلى جَنَّةِ الخُلُودِ يُحاشي *** كُلَّ نَفْسٍ قَدْ لا زَمَتْ تَقْواها

وَ أَبِي المُصْطَفَى مُحَمَّدُ عَبْدٌ *** وَ رَسُولٌ لِلَّهِ لَيْسَ يُضاهى

تلْكُمُ النَّفسُ رَبُّها أَعْلاها *** وَ اجْتَباهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْراها

قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ الأمِينَ نَبِيّاً *** قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَ اصْطَفاها

إذْ تَوارَتْ خَلائِقُ اللَّهِ بِالغَيْب، *** وَ سِتْرُ الأَهْوَالِ قَدْ غَطَّاها(3)

وَ بِأَقصى نِهايَةِ العَدَمِ المَحْضِ، *** تَلاقى الأَعْدامُ في أجواها(4)

ص: 202


1- تسكين يعبّد للضرورة و إلا فحقه النصب عطفاً على ما قبله.
2- يدود: يدفع، سجّرت: أحمتُ نقمة: غضبظ. لظاها: نارها لهيبها.
3- توارثْ: اختفت.
4- المحض: الخالص الأغدام: بالكسر هو الفقدان، و هو: ضد الوجود، أَما بالفتح فهذا لم نعثر له في اللغةِ على أصل و لعل الشاعر أراد به أحد معنيين الأول: الأعدام: أي الأشياء المعدومة الوجود كقولك المعدومات أي الأشياء غير الموجودة و التي هي في معدودات العَدَم و أراد الشاعر جمعها ب- «أعدام على وزن أفعال و هذا تصرف». أما المعنى الثاني: الأعدام: أراد بها جمع «العَدَم» و هو غريب أيضاً و لعله تصرف أيضاً.

علماً منَ اللَّه تعالى بمآلِ الأمور وَ إحاطةَ بحوادثٍ الدّهورِ وَ معرفة بمواقعِ المقدور.

ابتعثَهُ اللَّه إتماماً لأمْرِهِ، وَ عزيمةً على إمضاءِ حُكمِهِ

فَيعِرفانِهِ مَالُ أمور *** الكَوْنِ مِنْ بَديها إلى مُنْتَهاها(1)

وَ بِما حاطَ بالحَوادِثِ عِلْماً *** وَ المجارِي الَّتي بها أَجْراها

وَ بِعرفانِهِ المَواقِعَ مِمَّا *** حَدَّدَتْها الأَقْدَارُ مِنْ مَبْداها

بَعَثَ المُصْطَفى الأمين رسولاً *** وَ الرِّسالاتُ كُلُّها أَنْهاها

لِيُتِمَّ الأَمْرَ الحكيم، وَ يمْضِي *** حُكْمَهُ، لِلْمُقَدَّراتِ قَضاها

وَ لإِنْفاذِ ما تَقَدَّر قِدْماً *** مِنْ مَقاديرِ حَتْمِهِ أَمْضاها

وَ إنفاذاً لمقادير حَتْمِهِ، فرأى الأممَ فِرَقاً في أديانهما، عكفاً على نيرانِها، وَ عابدةً لأوثانِها، منكرةً للَّهِ مَعَ عِرفانِها، فَأَنارَ اللَّه بمحمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم ظُلَمَها، وَ كَشَفَ عن القلوبُ بُهَمَها وَ جَلَّى عَن الأبصار غُمَمَها.

فَرَأى النّاسَ في الدُّروبِ حَيارى *** فرقاً في مسارها وَ رؤاها

بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ الحِجارةَ رَباً *** أَوْ عَلى النَّارِ عاكفاً يَهْواها

وَ بِرَغمٍ مِنْ عِلمِهِم يُنكرونَ اللَّهَ *** جَهْلاً وَ ضَلَّةً وَ سَفاها(2)

فَأَنارَ الجَلِيلُ بِالمُصطَفى المُختارِ *** ما اشْتَدَّ مِنْ ظَلام دُجاها

وَ قُلوبٌ في الغي طالَ بَقاها *** قَدْ أَرْاحَ النَّبِيُّ يُهمَ غَواها(3)

وَ عُيونُ عَشَتْ بِغُمَّةِ جَهْلٍ *** بِضِياءِ الهُدى المُنيرِ جَلاها

و قامَ في النَّاسِ بالهدايةِ، و أنقذهُمْ مِنَ الغوايَةِ، وبصَّرهم مِن العَمايَةِ، وَ هداهُمْ إلى الدّينِ القويم، وَ دعاهُمْ إلى الصّراطِ المُسْتَقِيم، ثم قبضَهُ الله إليهِ قَبضَ رأفَةٍ وَ اختيار، وَ رغبةٍ و إيثار.

ص: 203


1- مال: مرجع.
2- سفاهاً : جهلاً أو عدم الحِلم أو رداءة الخلق.
3- غواها: الغواية هي الضلال و الخيبة.

فمحَمَّدٌ صلي اللَّه علیه و آله و سلم من تَعَب هذِهِ الدارَ في راحَةٍ،

قامَ في النّاسِ مُنْذِراً وَ بَشيراً *** وَ إِلَى الرُّشْدِ وَ الفَلَاحِ دَعاها

أَنْقَذَ القَوْمَ بَعْدَ طُولِ ضَلالٍ *** بَصَّرَ النَّاسَ مِنْ خَطِيرِ عَمَاها

مُسْتَقِيمَ الصِّراطِ قَدْ دَلاهَا *** وَ إلى دينِهِ القويم هَداها

ثُمَّ عَنْ رَافَةِ بِهِ وَ الخَتِيَارِ *** قَبْض الله رُوحَهُ وَ اقْتَناها(1)

رَغْبَةً في لِقائِهِ وَ اشْتِيَاقاً *** آثَرَ اللَّهُ رُوحَهُ وَ اجْتَباها

وَ اسْتَراحَ الحَبيبُ مُدْراحَ عَنّا *** عافَ أتْعاب دارِنا وَ عَناها

قد حُفٌ بالملائِكَةِ الأبرار، وَ رضوانِ الرَّبِّ الغفّار، وَ مجاورة الملكِ الجبّارِ صلى اللَّه على أبي وَ نبّيِهِ، وَ أميِنِه على الوحي و صفّيَهِ، وَ خيرتِهِ من الخَلْقِ ،وَ رضيّهِ، وَ السّلامُ عليه وَ رحمة اللَّه وَ بركاته.

ثمّ التَفَتَتْ إلى أهْلِ المجلسِ و قالتْ:

حُفَّ في مَوْكِبِ المَلائِكَةِ الأَبْرارِ *** فَازْدانَ مِنْ ضِياهُ ضِياها(2)

بِجِوار العَزيزِ المَلِكِ الجَبَّارِ *** في الرُّتبَةِ الَّتي يَرْضاها

فَعَلى خِيرَةِ النَّبِيِّين طَه *** صَلَواتٌ لاتَنْتَهي ذِكْراها

رَحْمَةُ اللَّهِ وابلاً وَ عَلَيْهِ *** بَرَكاتُ السَّماءِ لاتَتَناهي

ثُمَّ الوَتْ خِطابها إذ تجارى الناسُ *** وَ ازَاحَمَتْ إلى لُقْياها

مسؤولية الناس تجاه الرسالة الإسلامية

أنتمْ -عبادَ اللَّه نصبُ أمرِهِ وَ نهيِهِ وَ حَمَلَةُ دينِهِ وَ وحيهِ، وَ أمناءُ اللَّه على أَنْفُسِكُمْ، وَ بلغاؤهُ إلى الأممِ.

ص: 204


1- اقتناها: اتخذها لنفسه و جمعها.
2- ازدان: بمعنى تزيّن أي تحسّن و تزخرف.

زعيمُ حقٍ لهُ فيكُمْ، وَ عهدٌ قدَّمَهُ إليكمُ، وَ بقيةٌ استخلفها عَلَيْكُمْ، كتابُ اللَّه الناطق، وَ القرآنُ الصّادق،

أيُّها النَّاسُ نُصْبَ أمْرِ وَ نَهي *** اللَّهِ أنْتُمْ وَ لِلرِّجَالِ نُهاها(1)

أَمَنَاءُ الإلهِ -جَلَّ-على *** أنفُسِكُمْ، وَ لِلْوَرى بُلغاها

قَدْ حَمَلْتُمْ ثِقَلَ الرِّسَالَةِ بَدْءاً *** وَ بِأَكْنَافِكُمْ أَبِي ألقاها

وَلَدَيْهِ فِيكُم مَنَارَةٌ حَقٌّ *** وَ لَهُ ذِمَّةٌ عَلَيْكُمْ وَفاها

وَ قَدِ اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ عَلَيْكُم *** إِذْ تَوَلَّى بَقِيَّةً أبْقاها

رَحْمَةُ اللهِ، آيةُ اللَّهِ *** نورُ اللَّهِ، وَ الحُجَّةُ التي جَلاّها

وَ النّورُ الساطع وَ الضياءُ اللامع بيّنَةٌ بصائِرهُ، منكَشِفَةٌ سرائرهُ متجلّيَّةٌ ظواهرهُ مغتبطٌ به أشيَاعُهُ قائِدٌ إلى الرضوانِ. اتِّباعُهُ، مؤد إلى النجاةِ استماعُهُ،

ساطِعٌ النّورِ دَفْتاء وَ مِنْهُ *** لَمْعَةُ الضّوءِ قَدْ تَلالاً ضِياها

بَيِّنَاتُ فِيهِ البَصائِرُ كَالصُّبْحِ *** وَ أَسْرَارُهُ الَّي أَبْدَاهَا

وَ تَجَلَّتْ ظَواهِرُ العِلم فِيهِ *** لَيْسَ تَخْفَى عَلَى العُقولِ رُؤاها

يَغْبِطُ العارِفونَ شِيعَةَ سِفْرٍ *** هَزَّ مِنْ أَنْفُسِ العِبادِ نُهاها(2)

قائِدٌ مَنْ مَشَى وَراهُ سَبيلاً *** كانَ رِضْوانُ رَبِّنا مَسْراها

وَ مُؤَدِّ إلى النَّجاةِ نُفوساً *** أَلْقَتِ السَّمْعَ عِنْدَهُ فَهَداها

بهِ تنالُ حُجَجُ اللَّه المنورة، وَ عزائمُهُ المفسّرة، وَ محارمُهُ المحذّرة، وَ بيّناتُهُ الجاليَة، وَ براهينُهُ الكافيَة، وَ فضائِلُهُ المندوبَة، وَ رخصُهُ الموهوبَة، وَ شرائِعُهُ المكتوبَة.

وَ بِهِ نالَتِ الوَرَى حُجَجَ اللَّه *** وَ أحكامَهُ الَّتي أَمْلاها

ص: 205


1- لُهاها: عقولها.
2- يغبط: يعظم في عينه و يتمنّى مثل حاله دون أن يتمنّى زوالها عنه.

مِنْ فُرُوضٍ عَزائِمِ واجباتٍ *** وَ مَناهِ مُحَرَّمُ إيتاها

بَيِّنَاتٍ مُجَلَّياتٍ حَشاها *** وَ بَراهِينَ كافياتٍ مَلأها

وَ رِياض مِنْ الفَضائِلِ تَدْعو *** كُلَّ مَنْ رامَ خَيْرَها وَ جَناها(1)

وَ المُباحاتُ فِعْلُها مُرْخَصاتٍ *** وَهَبَ النّاسُ أَمْرَها وَ حَباها

كُلُّ مَكْتوبِ شِرْعَةٍ فِيهِ فَافُهُمْ *** سِرَّ آياته الَّتي آتاها

فلسفة الشريعة الإسلامية

فجعل اللَّه الإيمانَ تطهيراً لكمْ منَ الشركِ، وَ الصلاةَ تنزيهاً لَكُمْ مِنَ الكِبْرِ، وَ الزكاةَ تزكيَةً للنفسِ وَ نماءً في الرزقِ وَ الصيامَ تثبيتاً للإخلاصِ وَ الحجِّ تشييداً للدّينِ، وَ العدلِّ تنسيقاً للقلوبِ،

فَلِتَطْهيرةِ النُّفوسَ مِنَ الشَّرُکِ *** عُيون الإيمانِ قد أَجْراها

وَ لِتَنْزيهِها مُغَرّرةَ الكِبْرِ *** أَقَرّ الصَّلاةَ في آناها

وَ لِتَزْكُو النُّفوسُ وَ الرِّزْقُ يَنْمو *** أوْجَبَ الخُمْسَ وَ الزَّكَاةَ قَضاها

وَ لِتَثْبيتِ جَوْهَرِ الصِّدِقِ وَ الإخلاصِ *** في النَّفْسِ لِلصّيامِ دَعاها

وَ لِيُعَلي بُرْجَ الشَّريعةِ نادى *** النَّاسَ بالحَجِّ داعِياً إيّاها

وَ لِتَنْسيقِهِ القُلوبَ جَميعاً *** شِرْعَةَ العَدْلِ سَنّها وَ بناها

وَإطاعتَنا نظاماً للملّةِ، وَ إمامَتَنا أماناً للفرقِةِ، وَ الجهادَ عزّاً للإسلامِ وَ الصبرَ معونَةً على استيجابِ الأجْرِ، وَ الأمرَ بالمعروفِ مصلحةً للعامةِ، وَ بَرَّ الوالدين وقايةٌ منَ السخطِ،

وَ أَقرَّتْ لَنا الإطاعَةُ حَتَّى *** يَسْتَقيم العباد في مَسْراها

وَ أَماناً لَكُمْ إمَامَةُ أَهْلِ *** البَيْتِ مِنْ فُرْقَةٍ تَشُبُّ لَظاها(2)

ص: 206


1- رامَ: قصد.
2- تشبّ لظاها: يشتعل لهيبها.

وَ لِتَعْتَزُّ رايَةُ اللَّهِ في *** الأَرْضِ قَضى بالجهادِ ضِدَّ عِداها

وَ لِتَسْتَوْجِبوا المَثوبَةَ أَجْراً *** جَعَلَ الصَّبْرَ سُلَّماً لاجْتِنَاها

وَ صَلاحُ العُموم في الأمْرِ بالمَعْروفِ *** وَ النَّهْي عَنْ مَسيرٍ غَواها(1)

وَ اثْقاءَ مِنْ غَضْبَةِ الرَّبِّ أَوْصى *** البِرَّ بِالوَالِدَيْنِ مَنْ يَخْشَاهَا

وَصِلَةَ الأَرْحَامِ مِنْمَاةَ لِلْعددِ و القصاصَ حقناً للدماءِ، وَ الوفاءَ بالنذرِ تعريضاً للمغفرةِ، وَ توفيةَ المكاييلِ وَ الموازينِ تغييراً للبخسِ، وَ النهيَ عن شربِ الخَمرِ تنزيهاً عَنِ الرجْسِ، وَ اجتنابَ القذفِ حجاباً عن اللعنَةِ،

وَ صِلاتْ الأرحامٍ مَنْساةُ عُمْرٍ *** وَ نُمُؤْ لِجَمْع مَنْ يَرْعاها(2)

وَ لَكُمْ قالَ -في القِصاصِ حَيَاةٌ *** حَفِظَ اللَّهُ في دِماهُ دِماها(3)

عُرْضَةُ العَفْوِ مِنْ إِلَهِ البَرايَا *** مَنْ عُهُودَ النُّذورِ قَدْ وَفَّاها

وَ لِحِفْظِ الحُقُوقِ أَنْ تَبْخَسُوها *** لِلْمَوازين قَدْ قضى إِيفاها

وَ لِتَنْزِيهِكُمْ نَهى عَنْ شرابِ *** الخَمْرِ حِفْظاً لِلْعَقلِ مِنْ بَلْواها

ص: 207


1- غواها: جهلها.
2- مَنْسَأة: مصدر ميمي من النَّسْي و النُّسْي، قال «تعالى»: «يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا» وَ النِّسى و النَّسى: هو ما يتركه المرتحلون من رذال متاعهم. و بهذا يمكن القول إنه يُراد في «مَنساة العمر» هو تركه أو تأخيره وهذا يعني إطالته و قال «تعالى»: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا...»الآية، ننسها: أي نتركها أو نؤخرها متروكةً و نأتي بغيرها مقدمةً عليها و قال «تعالى» أيضاً: «إنما النسيء زيادة في الكفر...». النسيء: تأخر الشيء و المراد في هذه الآية تأخيرهم تحريم المحرم، و النسأ: التأخير و تستطيع أن تقول «التأجيل» -يُقال: «نسأتُ الشَّيء» إذا أخرتُهُ في الحديث صلة الرحمِ مثراةٌ للمال- و مَنسأة في الأجل» و قیل: هي مظنَّة لتاأخیر الأخیل. و الظاهر أن هذا المعنى هو مُراد الشاعر راجع القاموس المحيط ص1725 مادة «نسا» و راجع مجمع البحرين للطريحي ص414 مادة «نسا» ط مؤسسة الوفاء -بيروت. مِنْساة: بكسر الميم هي العصا و أصلها بالهمز منْسأة.
3- قوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» الآية «179» سورة البقرة.

وَحِجاباً لَكُم عَنِ اللَّعْنِ لَمَّا *** حَرَّمَ القَذْفَ لِلنِّساءِ تَياها(1)

وَ تَرْكَ السَّرِقَةِ إيجاباً للعفّة، وَ حرّمَ الشِّرك خلاصاً لَهُ بالربوبية.

فاتَّقوا اللَّه حقَّ تُقاتِهِ، و لاتموتَنَّ إلا و أنتم مسلمون، و أطيعوا اللَّه فيما أَمَرَكُمْ بهِ وَ نهاكُمْ عنه فإنّه إنما يخشى اللَّهَ من عبادِهِ العِلماءُ.

ثم قالتْ:

وَ عَفافاً عَنِ الخِيَانَةِ في المالِ *** يتَركِ السِّرْمَاتِ قَدْ وَصَاها

وَلِكَيْ تُخلصوا العِبادَةَ حَقًّا *** حَرَّمَ الشرك وَ الرِّياءَ نَزاها(2)

فَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ حَقٌّ تقوى *** وَ احْذَرُوا النَّارَ جَمْرَها وَ لَظاها

لاتَمُوتوا إلا على شِرعةِ الإسْلامِ، *** وَ اسْتَعْصِمُوا جَميعاً عُراها(3)

وَ أَطِيعُوا -بِفِعْلِ ما أَمَرَ اللَّهُ، *** وَ بِالتَّركِ للمَناهِي- الإلها

ثُمَّ قالَتْ وَ جَلجَلَتْ أيُّها النَّاسُ، *** وَرَجُ المكانَ رَجْعُ صَداها(4)

اعلموا أنّي فاطمة علیها السلام

أيّها النّاسِ اعْلَموا أنى فاطمةٌ علیها السلام وَ أبى محمّدٌ صلي اللَّه علیه و آله و سلم!(5) أقولُ عَوْداً و بدءاً و لاأقولُ ما أقولُ غلطاً، و لاأفعل ما أفعلُ شَططاً، لَقَدْ جَاءكُمْ رسولٌ مِنْ أنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكُمْ.

ص: 208


1- تياها: تكبراً.
2- نَزاها: نزاهة و تنزيهاً.
3- عُراها: مفردها العروة و هي ما يوثق به.
4- جلجلت: صَوَّتت صوتاً شديداً. رج: هزَّ و حرّك.
5- جاء في «كشف الغمة» ج2 ص110 ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت، «خطبة الزهراء علیها السلام»: «...أنا فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم». وجاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص134... ثم قالت: أيها الناس اعلموا أني فاطمة علیها السلام و أبي محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم...»، ط 1966/ دار النعمان النجف.

أَيُّها النَّاسُ وَ اعْلَمُوا أَنّي الزَّهْرَاءُ، *** بِنْتُ الهَادِي المُبَشِّرِ طَه

وَ أَعِيدُ المَقالَ عَوْداً وَ بَدْءاً *** خَيْرُ ذِكْرَى لِمَنْ وَعَى ذِكْراها

حاش قَوْلِي مِنْ غَلطةٍ وَ تَعالى *** الفِعْلُ مِنِّي بِأَنْ يَشُطَّ تَياها(1)

قَدْ تَجَنَّبْتُ غَلطَةٌ وَ اشْتِباهاً *** وَ تَوَلَّقْتُ حِكْمَةَ وَ انْتِباها

جاءَكُمْ لِلْهُدَى رَسولٌ وَ مِنْ *** أنفُسِكُمْ جاءَ مُرشداً أهْداها

ماعَناها عَلى النَبيِّ عَزيزٌ *** وَ حَرِيصٌ بِكُلِّ خَيْرٍ أَتَاهَا

هكذا أنقذ الله العرب من الجاهلية

فبلَّغ بالرسالة، صادعاً بالنذارةِ، مائلاً على مدرجة المشركين، ضارباً ثبجَهُمْ، آخذاً بأكظامِهِم، داعياً إلى سَبيلِ ربّهِ بالحكمةِ وَ الموعظةِ الحسنةِ، يكسرُ الأصنامَ، وَ ينكتُ الهامَ.

فَلَقَدْ بَلغَ الرِّسالَةَ لِلَّهِ، *** وَ أعْلى إنْذارَ مَنْ عاداها

وَ عَلى المُشرِكينَ مالَ فَأقصى *** عَنْ طَريقِ العِبادِ شَرَّ أَذاها

ضارباً كاهِلَ التَجبُّرِ مِنْهُم *** سَدَّ أنظامِهِمْ عَلى مَجْراها(2)

وَ عَلَى حِكْمَةٍ وَ أَحْسَنِ وَعْظٍ *** كانَ يَدْعو إلى سَبيلِ هُداها

كُلَّما قامَ هَيْكَلِّ صَنَمِيٌّ *** هَدَّهُ مِنْ يَدِ النَبيِّ عَصاها

يَنْكُتُ الهامَ مِنْ رُؤُوسِ ضَلالٍ *** قَدْغَواها عَنْ رَبِّها طَغْواها(3)

بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.

فإن تعزوهُ و تعرفوهُ تجدوهُ أبي دونَ نسائِكُمْ، وَ أخا ابنِ عمي دونَ رجالِكُمْ، و لنعمَ المعزّى إليه صلي الله علیه و آله و سلم.

ص: 209


1- يشط: يبعد أو يتباعد.
2- أكظام: جمع الكَظَم و هو مخرج النفس.
3- ينكت: يضرب. الهام: جمع الهامة و هي رأس كلّ شيء و تطلق على الجثة.

أيُّ بَرْ بِالمُؤْمِنينَ رَحيمٍ *** أيُّ حِصْنِ لِعَزّها وَ حِماها

فَإذا ما عرفتموهُ جَلِيّاً *** وَ نَسَبْتُمْ خَيْرَ الورى أزكاها

دونَ نِسوانِكُمْ أَبي تَجِدُوهُ *** وَ كَفَتْني مَزيَّةً أُولاها(1)

وَ هُوَ مِنْ دُونِكُمْ أَخٌ لابنِ عَمِّي *** وَ كَفَتْهُ فَضيلَةٌ یُولاها(2)

وَ لَنِعْمَ الذي إلَيهِ انْتَسَبْنا *** حينَما الرَّبُ لِلنُّفوس بَراها

فَعَلَيْهِ وَآلِهِ اللَّهُ صَلَّى *** وَ عَلَيْهِ السَّلامُ لايَتناهى

حتى انهزم الجمعُ و ولّوا الدبُر، حتى تفرّى الليلُ عن صحبِهِ، وَ أسفرَ الحقُّ عن محضِه، وَ نطقَ زعيمُ الدين، وَ خرست شقاشِقُ الشياطين، وطاحَ وشيظُ النفاقِ، وَ انحلتْ عُقَدُ الكفرِ وَ الشقاقِ، و فهّم بكلمةِ الإخلاصِ في نفرٍ من البيضِ الخماص.

و كنتمُ على شُفا حفرَةٍ منَ النّارِ مذقة الشارب.

ذَاكَ حَتَّى الجُمُوعُ وَلَّتْ جَمِيعاً *** هَزَمَ اللَّهُ جَيْشَها وَقُواها

وَ تَوَلَّتْ أَدْبارَها وَ اسْتَغاثَ *** الجَيْشُ أُولى صُفوفِهِ أُخْراها

وَ انجَلى اللَّيلُ عَنْ مَنار صباحٍ *** و رُؤى الحقِّ أسْفَرَتْ مَرآها

وَ الشَّيَاطِينُ حينَ قامَ زَعيمُ *** الدِّينِ بِالنُّطْقِ حُرِّسَتْ أَفْواها

ص: 210


1- فقد جاء في ذخائر العقبى ص44 ط1981/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «...قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: «نبينا صلي الله علیه و آله و سلم خير الأنبياء و هو أبوك و شهيدنا خير الشهداء و هم عمّ أبيك حمزة...». و انظر كتاب أسد الغابة ج4 ص42، و إحقاق الحق، ج4 ص111، ج9 ص262.
2- في كتاب أمالي الطوسي، ج2 ص606: «... ثم اختار عليّاً فأمرني فزوجتك إياه و اتخذته بأمر ربي وزيراً و وصياً يا فاطمة علیها السلام إنّ عليّاً أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقاً و أقدمهم سلماً و أعلمهم علماً و أحلمهم حلماً و أثبتهم في الميزان قدراً... يا فاطمة علیها السلام إنّ علياً علیه السلام أخي و صفتي و أبو ولدي...». انظر: «البرهان في تفسير القرآن» ج4 ص211 ضمن ح6: «... قال: أما علمت أنَّ اللَّه اختار أباك فجعله نبياً و بعثه إلى كافة الخلق رسولاً صلي الله علیه و آله و سلم... اختار عليّاً علیه السلام...». انظر كتاب البرهان في تفسير القرآن، ج4 ص211 ضمن ح6.

وَ وَشيطُ النّفاقِ طاحَ وَ حُلَّتْ *** عُقَدُ الكفر والشقاق عُراها(1)

بِشَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ كُنْتُمْ *** مُذقَةَ الشرب مَجها مَنْ دَناها(2)

وَ نهزةَ الطَامع، و قبسةَ العُجلانِ، وموطىءَ الأَقدام، تشربونَ الطَّرْقَ و تقتاتونَ القدَّ و الورق، أذلَّةٌ خاسئينَ، تخافون أن يتخطفكُمُ الناسُ من حولكُمْ.

فأَنقذكُمُ اللَّه بمحمّدِ صلي اللَّه علیه و آله،

نُهْزَةُ الظَّامِعِينَ جَاعُوا والْعَجْلان *** في الدَّرْبِ قَبْسَةٌ أَوْراها(3)

وَ مَداساً كُنْتُمْ لِرَكْبِ السَّرايا *** أيُّ هَوْنٍ عَلى الذي ساراها

إذْ تَقِتُونَ وَرْقَةٌ أَوْ قَديداً *** وَ تَشِفُونَ خَبْطَ طَرْقٍ مِياها(4)

وَ مِنَ الذُّلِ خاسِئُونَ هُمودٌ *** وَ مِنَ النَّاسِ خائِفونَ أَذاها

خَوْفَ مَنْ حَوْلَكُمْ إذا ما أرادوا *** خَطفَكُمْ لَيْسَ رادِعٌ يَنْهاها

وَ قَضى اللَّهُ بالنَّبيِّ خَلاصَ *** العُرْبِ مِن بؤْسِها وَ شَرِّ بَلاها

بعد اللّتيّا، و التي بعد أن مُنيَ ببهم الرجالِ و ذؤبانِ العَربِ، وَ مردةِ أهلِ الكتابِ، كلّما أوقدوا ناراً للحربِ أطفأها اللَّه، أو نَجَمَ قرن للشيطانِ، أو فغرتْ فَاغرةٌ منَ المشركين،

فَنَجَوتُم إِذْ ذاكَ -بَعْدَ اللُّتيا *** وَ الَّتي- مِنْ عَذابِها وَ شَفَاهَا

بَعْدَ أَنْ رَدَّ لِلْفَناءِ عُلُوجاً *** تَتَحدَّى الكُماة لاتَخْشاها(5)

بُهَماً صَدَّتِ السَّبِيلَ عَلَيْهِ *** وَ كِتاباً لِيَعْرُب أَرْداها

ص: 211


1- وشيظِ: تاج أو حِلف أو دخيل في القوم أو خسيس أو لفيف من الناس ليس أصلهم واحداً. عُراها: ما يوثق به.
2- مُذْقَة: اللبن الممزوج بالماء. مجها: رماها.
3- نُهزة: فرصة العُجلان: المُسرع أوراها: أخرج نارها.
4- تقتّون: تجمعون قليلاً قليلاً. قديداً: لحماً مقدّداً جافاً يابساً. تشفّون: تشربون كلُّ الماء. طَرْق: ماء كدر.
5- عُلوجاً: عيراً أو حماراً مفرده العِلْج. الكماة: الشجعان.

و مِنْ أَهْل الكِتابِ كُلُّ عَنِيٍّ *** مَارِدٍ رَدَّ ضَرَّها وَ ضَراها(1)

كُلَّما أوقدوا إلى الحَرْبِ ناراً *** أظفَا اللَّهُ -عَزَّشَأناً- لَظاها

أَوْ نَبا لِلرَّجِيمِ قَرْنٌ وَ إِمّا *** فَتَحَ المُشْرِكونَ لِلشَّرِ فاها(2)

دور الإمام علي علیه السلام في بناء الإسلام

قذف أخاهُ في لهواتِها، فلاينكفىءُ حتى يطأ صِماخَها بأخمَصِهِ، و يخمد لهبَها بسيْفِهِ.

مكدوداً في ذاتِ اللَّه مجتهداً في أمر اللَّه، قريباً مِنْ رسولِ اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم، سيداً في أولياء اللَّه،

قَذَفَ المُصْطَفى أَخاهُ عَليّاً *** في خِضَمِّ الأهوالِ وَسْطَ لَهاها(3)

لا يُوَلِّي أو أنْ بِأَخْمَصِ رِجْلَيْهِ *** لأَصْماخ كِبْرِياها يَطاها(4)

ص: 212


1- عتيّ: مستكبر مجاوز الحدّ مارد مستكبر عاتٍ.
2- نَبَا: نَبَأَ نَباً: صاتَ خفيفاً، و نَبا نَباً و نبوءاً الشيءُ: ارتفع، و نَبَاً على القوم: طلع عليهم. راجع المنجد مادة «نَبَاً و النَّبأة: الصوت الخفي و الصيحة الصوت العالي. راجع مجمع البحرين ص406 مادة«نبا». و: نبا بصرهُ نُبوّاً و نُبيّاً و نَبْوَةً، و نبا السيف عن الضريبة نَبُواً و نَبْوَةً : كَلَّ، و نبا صورتُهُ: قبحَتْ. و نبا منزلُهُ بهِ: لم يوافقه و نبا جنبه عن الفراش: لم يطمئن عليه و نبا السَّهمُ عن الهدف: قَصَّر. و النباوة: ما ارتفع من الأرض، راجع كتاب القاموس المحيط ص1722 فصل النون مادة «نبا» و راجع مجمع البحرين مادة «نبا». و أقرب المعاني و أوضحها لمُراد الشاعر حسب سياق الأبيات ما قبل و ما بعد -هو المعنى الأول، فيكون المعنى من «أو نَبَا للرجيمِ قَرْنٌ» هو: أوصات أو ارتفع أو طلع للشيطان قَرْن. وَقَرْنَ اَلشَّيْطَانَ وَقَّرْنَاهُ المتبعون لِرَأيهِ أو تسلّطهِ وَ حُذِفَت الهمزة من «نَبَأَ» للضرورة.
3- جاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص136 «خطبة الزهراء علیها السلام»: «...كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللَّه أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلاينكفى حتى يطأ جناحها بأخمصه و يخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات اللَّه مجتهداً أمر اللَّه...».
4- أصماخ: جمع الصماخ و هو خرق الأذن الباطن الماضي إلى الرأس.

سَيْفُهُ يُخْمِدُ الحُرُوبَ وَ لَوْلاً *** سَيْفَهُ ذُوالفِقارِ دامَ بَقاها(1)

تِلْك ذاتٌ مکْدودَةُ النَّفس في اللَّهِ، *** وَ في أَمْرِهِ ارْتِهانُ قُواها

وَ عَليَّ لِلْمُصْطَفى لَمْعَةُ الضَّو *** لِلضَّوْءِ أو لمن أدْناها

سَيِّدُ المُؤْمِنِينَ في أَوْلِياءِ اللَّهِ، *** كَالبَدْرِ نَيْراً في سَماها

مُشمراً ناصحاً، مجداً كادحاً.

و أنتم في رفاهيةٍ مِنَ العَيْشِ وَ ادعونَ فاكهونَ آمنونَ تتربصونَ بنا الدوائر، و تتوكفّونَ الأخبارَ، و تنكصونَ عِنْدَ النزال، وَ تفرَّون مِنَ القتالِ.

ناصِحَ الفِعْلِ، كادِحاً وَ مُجِداً هِمَّةُ النَّفْسِ في رِضا مَوْلاها حينَ أَنْتُمْ فِي رَفرَفِ العَيشِ غَرْقى في حَياةٍ خَصيبَةٍ مَرْعاها في جنان مِنَ النَّعِيمِ وَدَاعٌ تَسْتَطيبون -آمِنينَ- جَناها

وَ لأَخْبارِنا مسامِعَ رَصْدٍ *** ضِدَّنَا أَمْ لَنا تَدور رَحاها

قَدْ تَرَبَّصْتمُ بِنا أَيَّ بَلْوى *** سَوْفَ تُكْفِي بِرَأْسِنَا بَلْواها(2)

فَبَسُوحِ القِتَالِ سَرْجُ فِرَارٍ *** وَ بِأَرْضِ النِّزالِ منْ أَخْزاها

الردّة و بدء المؤامرة ضد أهل البيت علیهم السلام

فلما أختار اللَّهَ لنبّيِهِ صلي اللَّه علیه و آله و سلم دارَ أنبيائِهِ، وَ مَأوى أصفيائِهِ، ظَهَرَ فِيكُمْ حَسَكَةُ النّفاقِ، وَ سَمُلَ جلبابُ الدينِ، وَ نَطَقَ كاظمُ الغاوينَ وَ نَبَغَ خامِلُ الأقلّينَ، وَ هدرَ فَنِيقُ المُبطلينَ، فَخَطرَ في عَرَصاتِكُمْ.

ثُمَّ لمّا الآلهُ خارَ لِذاتِ *** المُصْطَفى دارَ قُرْبِهِ أُخْراها(3)

دارَةَ الأنبياءِ وَ الرُّسُلِ مَأوى *** الأصْفياء الكِرامَ دونَ سِواها

ص: 213


1- مرّت الإشارة إلى دور الإمام علي علیه السلام في تثبيت الإسلام و تقويته فلانعيد.
2- تربّصتم بنا: انتظرتم لنا خيراً أو شرّاً يحلّ بنا أو انتظرتم فرصةً لتلحقوا بنا شرّاً.
3- خار: اختار.

سَلَّ فِيكُمْ سِلَّ النِّفَاقِ وَ أَبْدَى *** كُلَّمَا كَانَ فِي النَّفُوسِ اخْتفَاها

سَمُلَ الدين ثوبُهُ وَ عَلَيهِ *** غَيَّرتْ كُلُّ عُرْوَةٍ مَرْساها(1)

وَغَدًا السَّاكِتُ الغَوِيُّ نَطُوقاً *** وَ الخَمُولُ الرَّدِيُّ في أعْلاها

وَ اسْتَوى كُلُّ مُبْطِلٍ ذَا هَديرٍ *** يَتَخطّى بِعُجْبِهِ مَسعَاها

وَ أطلَعَ الشيطانُ رأسَهُ مِنْ مَغرِزِهِ هاتفاً بِكُمْ، فَألْفاكُمْ لدعوتِهِ مُستَجيبينَ، وَ للغرّة فيهِ مُلاحظين، ثم استنهضكُمْ فَوجَدَكُمْ خِفافاً ، وَ أحمشَكُمْ فَألفاكُمْ غضاباً ، فوسَمْتُمْ غَيْرَ إبلكُمْ، وَ أورَدَتُمْ غَيْرَ مشربكُمْ.

هذا و العَهْدُ قَريبٌ، وَ الكَلْمُ رَحيبٌ، وَ الجُرحُ لمّا ينْدَمِلْ،

و أَطَلَّ الشَّيْطَانُ مِمَّا تَخَفَّى *** رَأْسَهُ هاتِفاً بِكُمْ أَنهياها

فَراكُمْ مُطَوَّعينَ لَدَيْهِ *** مُسْتَجيبين دَعْوةً أَبْداها

وَ خِفافاً مُبادِرينَ رَكَضْتُمْ *** حِينَمَا فِتْنَةَ الهَوى أَلْقاها

وَ غِضاباً مُحَمَّسينَ وَ ثَبتُمْ *** حِينَمَا جَمرة الحَماسِ حَماها

فَنِياقاً لِغَيْرِكُمْ قَدْ وَ سَمْتُمْ *** وَ وَرَدْتُمْ لِمَنْ سِواكُمْ مياها

كُلُّ هذا وَ الْعَهْدُ مِنْهُ قَريبٌ *** وَ جُروحُ الفِراقِ رَحْبٌ فَضاها

المزاعم الباطلة للمتآمرين

وَ الرسولُ لمّا يُقْبَرُ.

ابتداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الفتنةِ، ألا في الفتنةِ سَقطوا وَ إن جهنم محيطةٌ بالكافرين، فهيهاتَ مِنْكُمْ!

وَ كَيفَ بِكُمْ؟ وَ أنّى تؤفكون؟ و كِتابُ اللَّهِ بينَ أظْهُرِكُمْ، أمورهُ ظَاهِرَةٌ، و أحكامه زاهرةٌ، وَ أعلامُهُ باهرةٌ،

ص: 214


1- عروة: ما يوثق به.

قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ النُّفوسُ وَ لمّا *** يُقْبَرُ المُصْطَفى بِطَيِّ ثَراها

وَ زَعَمْتُمْ: خَوفَ افْتِتَانِ بَدَرتُمْ *** فَلَعَمْري سَقَطْتُمُ في لَهاها(1)

سَعَّرَ اللَّهُ لِلْعُصاةِ جحيماً *** قَدْ أحاطت بِنارِها نُزلاها(2)

كَيْفَ هَيْهاتَ مِنْكُمُ ثُمَّ أَنَّى *** يُؤفَكُ القَوْمُ عَنْ سَبيلِ نَجاها(3)

وَ مَناراتُ ذِكْرِهِ لَيْسَ يَخْفى *** نورُها لِلَّذِي اسْتَنَارَ ضِياها

زاهراتُ الأحكام لاتَتَخَفَّى *** باهراتُ الأعْلامِ لاتَعْماها

وَ زواجرهُ لايحةٌ، وَ أوامِرُهُ، واضحةٌ، و قَدْ خَلَفْتُموهُ وَراءَ ظُهوركُمْ.

أَرَغبةً عَنْهُ تريدونَ؟ أم بغيره تحكمون؟ بِئسَ للظالمينَ بَدَلاً.

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام ديناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ.

واضحاتٌ أوامراً لائِحاتٌ *** تلكُمُ الزّاجِراتُ عَنْ أَهْواها

أَوَخَلَّفْتموا الكتابَ وَراكُمْ *** رائِدَ العالَمينَ دَرْبَ هُداها(4)

أَبِغَيْرِ القُرآنِ حُكْماً رَضِيتُمْ؟ *** أَمْ عَنِ الذِّكْرِ قَدْ رَغِبْتُمْ سِفاها؟(5)

ص: 215


1- أيضاً في كتاب الاحتجاج ، ج1 ص137 «من خطبة الزهراء علیها السلام»: «...هذا و العهد قريب و الكلم، رحيب والجرحُ لما يندملْ و الرسول لمّا يقبرُ. ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنةِ سقطوا و إن جهنم محيطة بالكافرين، فهيهات منكم...».
2- سَعر: أشعل.
3- يؤفك: ينقلب.
4- جاء في كتاب الاحتجاج، ج1 ص137 «من خطبة الزهراء علیها السلام»: «و كتاب اللَّه بين أظهركم، أموره ظاهرة و أحكامُهُ، زاهرة و أعلامه باهرة، و زواجره، لائحة و أوامره واضحة و قد خلَّفتموه وراء ظهوركم. أرغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلاً...».
5- سفاها: جِهالاً.

بئسَ لِلظَّالِمينَ ذاك بديلاً *** كَيْفَ بِالدُّونِ بَدَّلَتْ أزكاها؟(1)

وَ بِغَيْرِ الإسلام مَنْ دانَ دِيناً *** فَهُوَ في الخاسرين في أخْراها

أبَداً لَيْسَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ *** شِرعَةً غير ما بها وَصّاها

ثمّ لَم تلبثوا إلا ريثَ أن تسكن نُفرتُها وَ يسلس قُيُادها.

ثمّ أخَذْتُمْ تورونَ و قُدتَها، و تُهيجونَ جَمرتها، و تَسْتجيبون لهتافِ الشيطانِ الغَويّ، و إطفاء أنوارِ الدِّينِ الجَليّ،

ثُمَّ لَمْ تَلْبَعُوا هُنالِكَ إِلاَّ *** رَيْتَ أَنْ يَسْتَقِرَّ مَنْ وَلاّها

نُفْرَةُ الحُكْم تَسْتَريحُ وَ نَخْبُو *** وَ تَسير الأحداث في مَجْراها

فَتَقودُوا السَّوادَ سَلْساً عَلَيْنَا *** وَ تُثِيروا بوجهنا غَوْغاها(2)

وَ بِصَدْرِ الثَّاراتِ تُورون ناراً *** وَ تُهيجُونَ جَمْرَها وَ لَظاها(3)

وَ هناكَ الشَّيْطَانُ أَلْقَى إِلَيكُمْ *** دَعْوَةَ الشَّرِّ فَانْطَلَقْتُم وراها

فَسَعَيْتُمْ تُطّفون أنوارَ دينِ اللَّهِ *** مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُتِمَّ ضِياها

التآمر.. عودة إلى الجاهلية

و إخمادِ سنن النبي صلي الله علیه و آله و سلم الصّفيِّ،

تسرونَ حسواً في ارتغاء وَ تمشونَ لأهلِهِ و ولدِهِ في الخَمَر و الضَّرَّاءِ و نصبرُ منكم على مِثْلِ حزّ المُدى و وخزِ السنانِ في الحشى.

وَ أنتم -الآنَ- تزعمون أن لاإرث لنا، أفحكمُ الجاهليِةِ يَبغون؟

ص: 216


1- الدون: الأسفل، و تعريفها باللام غير وجيه.
2- سلساً: ليّناً منقاداً، غوغاها: جلبتها و لغطها.
3- الاحتجاج، ج1 ص137 «من خطبة الزهراء علیها السلام»: «...ثم لم تلبثوا إلاريث أن تسكن نُفرتها و يسلس قيادها، ثم أخذتم تورون و قدتها و تهيجون جمرتها و تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي». تورون: توقدون. لظاها: نارها، لهيبها.

سُنَنَ المُصْطَفى الأمِينِ قَصَدْتُمْ *** مَحْوَآثارها... وَ هَدْمَ بِناها

وَ تُسِرُّونَ حَسْوةً في ارْتِغَاءٍ *** وَ تُراؤُونَ لِلْعُيُونِ سِواها(1)

وَلالِ النَّبِيِّ تَمْشَونَ مَكْراً *** مَشْيَ مَن يَخْتَمِرُ إِلى ضَرَّاها

مِثْلَ وَخْز السِّنانِ مِنْكُمْ صَبَرنا *** أَوْ كَحَرُ المُدى تَحَمَّلْناها

وَ تَصدُّونَنا افْتِراءٌ وَزوراً *** عَنْ مَواريث رَبُّنا أَعْطاها(2)

أَفَمِنْ جاهِلِيَّةٍ قَدْتَولَّتْ *** تَبْتَعُونَ الْأَحْكامَ بَعْدَ جَلاها

القرآن الكريم يفنّد مزاعم المتآمرين في غصب فدك

وَ مَنْ أحسنُ مِنَ الله حُكماً لِقومٍ يُوقنونَ؟ أفلا تعلمون؟ بلى تجلّى لكم کالشمس الضاحية أني ابنُتُه.

أيها المسلمونَ! أَأُغْلَبُ على إرثيِهِ.

يا بنَ أبي قُحافَةِ،

أفي كتابِ اللَّه أن تَرِثَ أباكَ وَ لاأرِثُ أبي؟؟

أتُرى مَنْ يَكونُ أحْسَنَ في الحُكْم *** مِنَ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ نَزاها؟

إنّما يَعْقِلُ الحَقيقَة قَوْمٌ *** أيقنوا أنها سَبيلُ نَجاها

أفَلا تَعْلَمونَ بَلْ قَدْ تَجَلَّى *** أَنَّني بنتُه كَشَمْسِ ضُحاها؟

ص: 217


1- حَسْوَة: اسم مرّة من حسا بمعنى الجرعة -ارتغاء: أخذ ما على الشيء من رغوة.
2- في كتاب مسند أحمد بن حنبل، ج9، ط دار صادر: «عن عائشة زوج النبي صلي الله علیه و آله و سلم: أنها أخبرته أن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: لانورُث ما تركناه، صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم في هذا المال... فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك».

أيُّها المُسْلِمُونَ بِنْتُ رَسولِ اللَّهِ *** في إرثها يُرَدُّ ادِّعاها(1)

أو في الذِّكْرِ آيَةٌ يَابنَ تَيْمٍ *** نَزَلَتْ فيك دونَنا مَعْناها؟

حَظْوَةَ الإِرْثِ مِنْ أَبِيكَ تَلِيها *** وَ أَنا مِنْ أبي فلا أُولاها(2)

لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَريّاً !!.

أفَعَلى عَمَدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللَّهِ و نبذتموهُ وَراءَ ظُهورِكُمْ؟ إِذْ يَقُولُ:

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ».

وَ قالَ -فيما اقتص من خبر زكريا- إذْ قالَ:

«فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ».

فَلَقَدْ جِلتَ إِن زَعَمْتَ فَريّاً *** سَتَرى سَاعَةَ الحِسابِ جَزاها(3)

ص: 218


1- لعله إشارة إلى ما ورد في كتاب الاحتجاج، ج1 ص119، ط دار النعمان -النجف. «...لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم منها. فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لِمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أخرجت وكيلي من فدك و قد جعلها لى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم بأمر الله «تعالى»؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن. فقالت له أم أيمن: لاأشهد يا أبابكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنشدك باللَّه ألست تعلم أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة» فقال: بلى قالت فأشهد أن اللَّه «عزوجل» أوحى إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «واتِ ذا القربى حقه» فجعل فدكاً لها طعمة بأمر اللَّه. فجاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتاباً و دفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن فاطمة علیها السلام ادعت في فدك و شهدت لها أم أيمن و علي علیه السلام فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة علیها السلام فتفل فيه و مزقه، فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي».
2- في كتاب كشف الغمة، ح2 ص103 ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت: «روي أن فاطمة علیها السلام جاءت إلى أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقالت: يا أبابكر من يرثك إذا مت؟ قال: أهلي و ولدي قالت: فما لي لاأرث رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم؟ قال: يا بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم إن النبي صلي الله علیه و آله و سلم لايورث ولكن أُنفق على من كان ينفق عليه رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و أُعطي ما كان يعطيه...».
3- فريّاً: أمراً مختلفاً مصنوعاً أو عجيباً.

أَكِتابَ السَّمَاءِ عَمْداً تَرَكْتُمْ *** أَمْ تُرى قَدْ تَرَكْتُمُوهُ اشْتباها؟

هاكُمُ مِنْ نُصوصِهِ أَجْلاها *** إِنْ أَرَدْتُمْ إلى هُداهُ هُداها

لِسُلَيْمانَ إرْثُ داودَ أَضْحى *** سورَةَ النَّمْلِ أَرَّخَتْ ذِكْراها(1)

قالَ فِيما قَدْ قَصَّ عَنْ زَكَرِيَّا *** قِصَّةٌ بُيِّنَتْ لَكُمْ مَغْزاها

رَبِّ هَبْ لي مِنَ البَنِين وَليّاً *** وارِثاً لِي جَنى الحياة وراها

و قال: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ».

وقال: «يُوصيكُمُ الله في أولادِكُمْ ِللذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيين».

و قال: «إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ». وَ زعَمْتُمْ أن لاحَظوةَ لي! و لاإرثَ من أبي! أَفَخَصِّكُمْ الله بآيَةٍ أخرج أبي مِنها ؟ أم تقولون: إن أهلَ مِلّتين لايتوارثانِ؟ أَوَ لَستُ أنا و أبي من أهل مِلَّةٍ واحدةٍ؟

وَ قَضى اللَّهُ أَنَّ بَعْضَ أولي الأرْحامِ *** أولى بالبَعْضِ إذ أوْلاها

كُلّ أُنْثَى لَها مِنَ الإِرْثِ حَقِّ *** إِنَّمَا لِلذُّكورِ مِثلا عَطاها

وَ عَلى التَّارِكِينَ خَيْراً وَ قُرْبَى *** أَنْ يُوَصُوا بخَيْرِهِمْ قُرْباها

وَ زَعَمْتُمْ فِي الإِرْثِ مالي نَصيبٌ *** أجْتَنيهِ أَوْ حَظوةٌ أُولاها

أَوَ خصصْتُمُ بِآيَةِ إِرْثٍ *** وَ زَوى اللَّهُ والِدي مَعْناها؟(2)

أمْ تُرىْ لَيْسَ والدي وَ أنا مِنْ *** مِلَّةٍ وَاحِد المَرامِ اتْجَاها؟

ص: 219


1- في كتاب كشف الغمة، ج2 ص103: «...جاءت علیه السلام إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراثي من رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم. قال: إن الأنبياء لاتورّث ما تركوه فهو صدقة فرجعت إلى علي علیه السلام. فقال: ارجعي فقولي ما شأن سليمان علیه السلام ورث داود علیه السلام، و قال زكريا علیه السلام: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» فأبوا و أبى.
2- زوی: نحی، منع.

الإنذار

أم أنتُم أعلَمُ بخصوصِ القرآنِ و عُمومِهِ مِنْ أَبِي وَ ابْنِ عَمّي؟

فدونَكَها مَخطومةً مرحولةً تلقاك يَومَ حشرك.

فَنِعْمَ الحَكَمُ الله، و الزعيم محمّدٌ، و المَوعِدُ القيامَةُ و عندَ السّاعَةِ يخسرُ المُبطِلونَ، و لاينفعُكُمْ، إذ تَنْدمونَ،

أَوَ أَنْتُمْ مِنْ والِدِي وَ ابْنِ عَمِّي *** بِمَعاني القُرآنِ مِنْ أَدْراها؟

هاكَ مخطومَةً بِدُونِ عَناءٍ *** وَ اسْتَلِمُها مَرْحولَةً طَرَفاها(1)

فَسَتَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ فَانْظُرْ *** أَي وِزْرٍ من الحرامِ عَلاها

إِنَّمَا المَوْعِدُ الحِسابُ وَ نِعْمَ *** الحَكَمُ اللَّهُ وَ المُدَافِعُ طه

ساعَةَ الحَشْرِ إذْ تُدَوّي صَداها *** يَخْسَرُ المُبْطِلُونَ في مَلْقاها

ثُمَّ لاتَنْفَعُ النَّدامَةُ نَفْساً *** ذكرَتْ ثُمَّ خَالَفَتْ ذِكْراها

استنهاض الأنصار للدفاع عن الحق

ولِكُل نبأ مستقر، فَسَوفَ تَعلمونَ من يأتيه عذابٌ يُخزيه، و يحل عليهِ عذابٌ مُقيمٌ.

ثمّ رَمَتْ بِطَرفِها نحو الأنْصارِ فَقَالَتْ:

يا معشر النقيبة! و أعضادَ الملةِ و حَضَنَةَ الإسلام:

ما هذِهِ الغَمِيزَةُ في حقي؟

ولأنبائِها بذاتِ صَباحٍ *** مُسْتَقَرٌ إلى هُناكَ انْتِهاها

ص: 220


1- مخطومة: ناقة مخطومة هي التي وضع في أنفها حبل لتقاد به.

وَغَداتَعْلَمونَ مَنْ يَتَلَظَّى *** بِعَذَابِ يُخزيه في أُخراها

ثُمَّ مَالَتْ بِطَرْفِها طَرَف *** الأنْصار وَ القومُ في عَظيمٍ کَراها

مَعْشَرَ النَّصْرِ وَالنَّقيبةِ إيهاً *** بالأعضادِ ملةٍ وَ قواها(1)

أَيُّها الحاضِنونَ رايَةَ دِينِ اللَّهِ *** تَحْمُونَ عِزَّهَا وَ عُلاها

عَجَباً هَذِهِ الغَميزَةُ وَ الغَفْلَهُ *** مِنْ جَمْعِكُمْ بِحَقِّي أَراها(2)

و السَّنةُ عَن ظلامتى؟ أما كانَ رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم أبي يَقولُ:

«المرءُ يُحفَظُ في وُلدِهِ»؟

سرعانَ ما أحدثتُم، و عجلانَ ذا إهالَةٍ، و لَكُمْ طاقَةٌ بما أُحاولُ، و قوةٌ على ما أطلبُ و أزاولُ.

أتَقولونَ: مات محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم، فَخَطْبٌ جَليلٌ، اسْتَوسَعَ وَ هنُهُ

ما لَكُمْ عَنْ ظُلامَتي في منامٍ *** لاتَرُدُّونَ ضَرها و أَذاها

يُحْفَظُ المَرْءُ في بَنيهِ- أَماكانَ *** يَقولُ الرَّسُولُ- مَنْ يَرْعاها

فَلَعَجْلانَ ذا إهالَةٍ! فَانْظُرْ *** كَيْفَ سُرعان ما قَلبْتُم بِناها؟(3)

وَ لَكُمْ طاقَةٌ وَ قُوَّةُ رَهْطٍ *** لِلَّتي قَدْ طَلَبْتُ مِنْكُمْ أداها

أَتَقولونَ قَدْ تُوُفِّيَ طه؟ *** فَانْدَفَعْتُمْ إِلَى الوَرا عُقباها

فَلَقَدْ جَلتِ المُصيبَة وَاللَّه *** وَهَدَّتْ مِنَ الجَميعِ قِواها

و استَنْهَرَ فتقُهُ و انفَتَقَ رتقهُ، و أظلمت الأرضُ لِغَيْبَتِهِ، و کُسفَت النجومُ لمصيبَتِهِ، و أكْدَتِ الآمالُ و خَشعَتِ الجبالُ، وَ أُضِيعَ الحَرِيمُ وَ أُزِيلَت الحُرْمَةُ عند مماته.

ص: 221


1- النقيبة: العقل الطبيعة المشورة، نفاذ الرأي.
2- الغميزة: الضعف في العقل أو العمل.
3- عجلان: مسرع.

فتلك -واللَّه- النازلةُ الكبرى.

وَ قَدِ اسْتَنْهَرَ الفَتِيقُ عَرِيضاً *** مِثْلَما اسْتَنْفَقَ الرَّتيقُ وَراها(1)

غابَ وَ الأَرْضُ أَظْلَمَتْ وَ ادْلَهَمَّتْ *** وَ نُجومُ السَّماءِ غارَ ضِياها(2)

وَ عُروشُ الأمالِ مالتْ و زالَتْ *** عَن قُلوبِ المُؤملين مُناها

خَشَعَتْ ذِرْوَةُ الجِبالِ وَ ضاعَتْ *** حُرُماتُ الإسلام بَعْدَ إباها

وَ أَزِيلَتْ بِمَوْتِهِ وَ أُبِيحَتْ *** حُرْمَةٌ كَانَ رَبُّنَا أَغْلَاهَا

تِلْكَ وَاللَّهِ -في النَّوازِلِ- عُظمى *** وَقَعَةٍ لن يَكِرَّ مِثلُ بَلاها

و المصيبةُ العظمى، لامثلها نازلة و لابائِقَةُ عاجلة أعلنَ بها كتاب اللَّه -جل ثناؤهُ- في أفنيتكم، في ممساكم و مصبحكم، هتافاً و صراخاً، و تلاوةً و ألحاناً و لَقَبْله ما حلّ بأنبيائِهِ و رسلِهِ، حكمٌ فصلٌ،

و قضاءٌ حتمٌ.

وَ هْيَ عُظمى مُصيبَةٍ لَنْ يَرى الدهرُ *** قَريناً لها و لاأشباها

لَيْسَ مِنْ بائِقاتِ سُودِ اللَّيالي *** مِثْلَ ما عُجِّلَتْ عَلَيْكُمْ -سِواها(3)

وَ لَقَدْ أَعْلَنَ الكِتابُ السَّماويُّ *** بأَحْدائِها وَ سُوءِ انْقضاها

وَ عَلَيْكُمْ تُتْلَى صَباحاً مَساءً *** آيَةُ الرِدَّةِ الَّتي أنباها

وَ لَقَبْلَ النَّبي ماخل قدماً *** بِالنَّبيِّينَ مِنْ عَظيم بَلاها

فَضلُ حُكُم مُقَرَّرٍ وَ بَلايا *** حَتَّمَ اللَّهُ مِنْ قَديم قَضاها

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ».

ص: 222


1- استنهر: اتّسع. الفتيق: الشق. الرتيق: ضدّ الفتق، أو الإصلاح.
2- ادلهمَتْ: اشتدّ سوادها. غار: غاب و غرب.
3- باثقات: شرور.

إيهاً بني قيلَةَ! أأهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرأى مِنّي و مَسمعٍ وَ منتدى و مَجْمَعٍ.

إنَّما المُصْطَفى الأمينُ رَسُولٌ *** قَدْ خَلَتْ قَبْلَ بَعْدِهِ أَنْبِياها

أفَإِنْ ماتَ أَوْ تُوُفِّيَ قَتْلاً *** إِنْقَلَبْتُمْ إِلى الوَرَاءِ وَراها

وَ لَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ *** وَ يُوَلِّي فَلَن يَضُرَّ الإلة

سَيَجْزي الذي أتاهُ شَكوراً *** جَنَّةَ الخُلْدِ نِعْمَةً وَرِفاها

يا بَنِي قيلَةَ النّجادَةِ إيهاً *** أَوَ هَلْ أَهْضَمَنَّ في إرْثِ طه؟(1)

وَ لَأَنْتُمْ بِمَسْمَعِ مِنْ نِدَائِي *** وَ بِمَرْآيَ جَمْعُكُمْ وَ قِوَاها

تلبسُكمُ الدعوةُ، و تشملكم الخبرةُ و أنتم ذوو العددِ و العُدّةِ، و الأداة و القوة، و عندكم السلاحُ و الجُنَّةُ، توافيكم الدعوة فلاتجيبون؟ و تأتيكم الصرخةُ فلاتُعينونَ؟ و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاحِ

تَتَغَشَّاكُمُ الدَّعاوَةُ لِلنَّصْرِ، *** وَ يُمْني لِسَمْعِكُمْ أَنباها

وَ لأَنْتُمْ ذو عُدَّةٍ وَلَدَيْكُمْ *** عَدَدْ تَتَقي العدى بأساها

فَأَداةٌ وَ قوَّةٌ لا تُبارى *** وَ سِلاحٌ وَ جُنَّةٌ لاتُضاهى

أَسكوتٌ وَ دَعْوَةُ الحَقِّ صَکَّتْ *** سُورَآذانِكُمْ وَ دَوَّى صَداها؟(2)

أَجُمودٌ وَ دَعْوَةُ العَدْلِ هَزَّتْ *** مَجْدَ تاريخكُمْ وَ رَنَّ نِداها؟

أَوَلَسْتُمْ عَلى الصَّلاح عُرِفتُمْ *** وَ بِسَيْفِ الكِفاحِ في هَيْجاها

و النخْبَةُ التي انتخبتْ و الخيرةُ التي اختيرتْ قاتلتمُ العربَ و تحملتم

ص: 223


1- النجادة: حرفة النجاد و هو المنجد أي من يعالج الفرش و الوسائد و يخيطها.
2- صَكَّ: صَكَهُ صَكَاً: ضربه ضرباً شديداً أو لطمه. اصطاً القوم بالسيوف: تضاربوا بها. صَکَّ: صَلَّ صَكاً البابَ: أَعْلَقَهُ. و المعنى الأول هو مُراد الشاعر في قوله «صَكَتْ سورَ آذانكم»، بمعنى ضربتْ بشدة أو لطمت بشدةٍ سورَ آذانكم و القرينة على أن المراد هو المعنى الأول، هو قوله «ودَوَّى صداها».

الكَدّ و التعبَ و ناطحتمُ الأمَمَ، وَ كافحتمُ البُهم، لانبرحُ أو تبرحونُ، نأمُركُمْ فتأتمرون.

نُخْبَةَ النَّاصِرينَ لِلْحَقِّ كُنتُمْ *** خِيرَةَ المُصْطَفى الَّتي اسْتَصْفاها

أَوَلَسْتُمْ قاتَلْتُمُ العُرْبَ حَتَّى *** رُدَّ بَأسَاؤُها بصَدْرِ أَساها؟

وَ تَحَمَّلْتُمُ المَتاعِبَ دَهْراً *** وَ تَحَمَّلْتُمُ عَظيمَ عَناها

وَ تَناطَحْتُمُ بِدون تَوَانٍ *** أُمَمَ الأرْضِ في بَعيدِ قُرَاها(1)

وَ صَدَدْتُمْ مُكافِحِينَ عُلوجاً *** بُهَماً لاتَخافُ مَنْ يَلْقاها

فَلَنا الأمْرُ حَيْثُ كُنَا، وَ مِنْكُمْ *** -حَيْثُ كُنْتُمْ- إِطَاعَةٌ عِشناها

حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، و دَرّ حلب الأيام و خَضَعَتْ ثغرة الشرك، و سكنتْ فورةُ الإفكِ و خمدت نيرانُ الكفر و هدأتْ دعوةُ الهرج و استوسقَ نظامُ الدينِ.

فأنّى حِرتم بعد البيانِ؟ و أسررتم بعد الإعلان؟ و نكصتمْ بعدَ الإقدامِ؟

ذاكَ حَتّى رَحى الشَّريعَةِ دارَتْ *** حين دارَتْ بنا مدار رَحاها

حَلَبُ الدَّهْرِ دَرَّ خَيْراً وَ عَاضَتْ *** نَعْرَةُ الشِّرْكِ وَ انْتَهى غَوْغاها(2)

وَ خَبَا الكُفْرُ والشَّفَاقُ وَ قَرَّتْ *** فَوْرَةُ الإِفْكِ وَ انْمَحَى غَلْواها(3)

وَ هَديرُ الهَرْجِ اسْتَقَرَّ وَ قامَتْ *** نُظُمُ الدِّينِ في أَتَم بِناها

كَيْفَ بَعْدَ البَيانِ حِرْتُمْ وَ أَنَّى *** قَدْ نَكَصْتُمْ إِلى الوَرَاءِ تَياها؟

كَيْفَ ألحقيْتُمُ الوِلاية سِرّاً *** بَعْدَ إِعْلانِها وَ رَفْعِ لِواها؟

ص: 224


1- توان: ضعف و فتور و عجز و كلل.
2- غاضت: نقصت و نضبت.
3- خبا:حمد و سكن و طفىء. الإفك: الكذب.

حبّ الراحة سبب خذلان الحقّ!

و أشركتم بعدَ الإيمان؟

«أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».

ألا: قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفْضِ.

كَيْفَ بَعْدَ الإيمانِ لِلشِّرْكِ مِلْتُمْ *** وَ سَبيلَ الهُدى تَرَكْتُمْ هُداها

أولا تُعْلِنونَ حَرْبَ عَسيرٍ *** نَكَنَتْ ذِمَّة اليمين وَفاها؟

و بإخْراج خاتَمٍ الرُّسُلِ هَمُّوا *** بَدَوُوا حَرْبَكُمْ وَ أَجُوا لَظاها(1)

أَفَتَخْشَوْنَهُم فَلَلَهُ أَوْلَى *** بِتُقاكُمْ، وَ اللَّهُ أَعْظَمُ جاها

إِنْ تَكونوا عَبَدْتُموه بِصِدْقٍ *** وَ لَهُ عَفَرَ التُّرابُ الجِباها

إِنَّما قَدْ أَرى إلى الخَفْضِ مِلْتُمْ *** وَ اسْتَطَبْتُمْ مِنَ الحَيَاةِ حَلاهَا

وأبعدتم من هو أحقُّ بالبسط و القبض، و خلوتم إلى الدعة، و نجوتم من الضيق بالسعةِ، فمججتم ما وعيتم ودَسعتمُ الذي تسوغتم.

«إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ».

ألا: قَدْ قُلْتُ ما قُلت على معرفةٍ مني بالخذلةِ التي خامرتكُمْ و الغدرةِ التي استشعرَتْها قلوبكُمْ.

فَنَفَيْتُمُ مَنْ بِالخِلافَةِ أَوْلى *** وَ أَحَقُّ الأنام في استِعْلاها

وَ خَلَدْتُمْ لِراحَةٍ لَيْسَ تَبْقَى *** وَ هَرَبْتُمْ إِلَى نَعيم هَناها

ما وَعَيْتُمْ مَجَجْتُمُ وَ دَسَعْتُمْ *** ما تَسَوَّفُتُموهُ غِب امْتِلاها(2)

ص: 225


1- أَجوا لظاها: أشعلوا لهيبها و نارها.
2- مججتم: رميتم. دَسَعْتُمْ: دَسع يَدْسَعُ دَسْعاً: قاءَ مِلءَ فَمِهِ. و دَسَعَ بِقَيْلِهِ: رَمَى به -و دَسَعَ الشيء: دفعه، و الإناءَ: مَلأَه. وَ دَسَعَ يَدْسَعُ دسْعاً الرجلُ: أجزلَ العطاء. و المعنى الأول «قاءَ هو مقصود الشاعر بدليل ما قبله و هو «مَجَجتم» فيكون المراد «مَجَجْتم و أقاتم أو رميتم و تَقَيَّأْتم ملء الفم». غبّ: شرب الماء دون تنفّس.

فلئنْ تَكْفُرُوا وَ مَنْ حَلَّ في الأَرْضِ *** جَميعاً لاتُعْجِزونَ الإله

إِنَّما قُلْتُ ما ذكَرْتُ وَ إِنِّي *** عارِف مِنْ نُفوسِكُمْ مَخْباها

خَذْلَةٌ جالَتِ النُّفوسَ وَ غَدْرٌ *** شَعَرَتْهُ القُلوبُ في مَخْفاها

المستقبل الخطير للمتخاذلين

ولكنّها فيضةُ النفس، ونفثةُ الغيظ، و خَورُ القنا، و بثّةُ الصدر، و تقدمَةُ الحّجةِ.

فدونَكموها، فاحتقبوها دَبرَة الظَّهْرِ نَقبَةَ الخُفْ.

لكِنِ الظُّلْمُ أَنْرَعَ النَّفْسَ غَيْظاً *** فَاسْتَفاضَتْ عَلَى الَّذِي آذاها

وَقَنا لأنَ عودُهُ بِعَوادِي *** الجَوْرِ فَانْشَقَّ بِالأنين جَواها

وَ مِنَ القَلْبِ إذْ تَمَيَّزَ غَيْظاً *** نَفْئَةٌ يُحْرِقُ اللَّهيبَ لَظاها

وَ لِتَقْديمِ حُجَّةِ لَيْسَ إِلاَّ *** حَيْثُ لاعُذرَ عندَكُمْ عُقباها

دونَكُمُ للرِّكابِ فَاحْتَقِبوها *** ناقَةً صَعْبَةَ المِراس خُطاها(1)

فَوْقَ ظَهْرِ مُقَرّحٍ وَ بِحُفِّ *** رَقَّ دونَ الخُطى إلى مَرقاها

باقِيَةَ العارِ، موسومةٌ بِغَضب اللَّه، و شنارِ الأبدِ موصولةً بنارِ اللَّه الموقَدَةِ التيِ تطلعُ على الأفئدةِ فبعينِ اللَّه ما تفعلون «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ».

وَ ضمَةُ العَارِ وَالشَّنارِ وَ تَبْقى *** أَبَداً لَيْسَ يَنمحي سِيماها(2)

ص: 226


1- احتقبوها: اركبوها.
2- الشنار: العار، أقبح العيب. سيماها: علاماتها.

وَ هْيَ مَوْسومَةٌ مِنَ اللَّهِ بِالسُّخْطِ، *** وَ بِاللَّعْنَةِ التي تَصْلاها

شَرَّ مَوْصولةٍ بِنارِ جَحِيمٍ *** جَمَّرَ اللَّهُ مِنْ قَديم حَصاها

تِلْكَ نارٌ تُطِلُّ حَتَّى عَلى أَفُئِدَةِ *** الظَّالِمينَ مِنْ أَبْناها

وَ بِعَيْنِ المُهَيْمِنِ الفَرْدِ يَجْري ***كُلُّ ما قَدْ فَعَلْتُموهُ سِفاها

سَيَرَى الظَّالِمُونَ أَيَّ مَرَدِّ *** سَيُرَدُّونَ فِي غَدٍ عُقْبَاها

و أنا ابنة نذير لكم بين يدي

عذاب شدید .

فاعملوا إنا ،عاملون و انتظروا إنا منتظرون.

جواب أبي بكر

فأجابها أبوبكر (عبد الله بن عثمان) و قال:

وَ أَنا تَعْلَمونَ بِنْتُ نَذِيرٍ *** لَكُمُ مِنْ أَليم نارٍ بَراها

فَاعْمَلُوا نَحنُ عامِلُونَ وَ إِنَّا *** مِثْلُكُمْ فِي انْتِظارِ يَوْمَ جَزَاها

فَاسْتَوى الخَصْمُ لِلْجَوابِ وَكَانَ *** الخَصْمُ في ذِرْوَةِ الدَّهاءِ إزاها(1)

فَاسْتَهَلَّ الكَلامَ مَدْحاً طويلاً *** جَاءَ فِي أَهْلِهَا وَ خَصَّ أَبَاهَا

فَهُوَ أَدْرى بِفَضْلِها وَ عُلاها *** وَ هْيَ أَغْنى مِنْ مَدْحِهِ إِيَّاها

فَلَقَدْ جَلْجَلَ الكِتابُ وَ تَكْفي *** آيةُ الطُّهْرِ وَحْدَها مَعْناها(2)

ص: 227


1- الذِروة: جمع ذِرّى و ذُرِّى و هي العلوّ و المكان المرتفع من كل شيء أعلى شيء و المعنى الثاني هو الأقرب من مُراد الشاعر الدَّهاء: جودة الرأي و الحذق، و الدَّهاء: المكر و الاحتيال و المعنى الثاني هو مطلوب الشاعر.
2- جاء في كتاب ذخائر العقبى، ص21: «...نزلت هذه الآية على رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» في بيت أم سلمة فدعا النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم. فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام فجللّهم بكساء و على خلف ظهره ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً». جَلْجَلَ: صَوَّت صوتاً شديداً.

يابنة رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم!

لقد كانَ أبوكِ بالمؤمنينَ، عطوفاً كريماً، رؤوفاً رحيماً، على الكافرينَ عذاباً أليماً و عقاباً عظيماً،

كانَ أَوْلى أَنْ يَقْبَلَ الحَقَّ مِنْها *** لَوْ أَرادَ الهُدى إلى مَرْضاها

غَيْرَ أنَّ المَقْصود كانَ سِوى الحقُ، *** وَإلأ ما لَجَّ في إيذاها

وَ عُثاءُ الجُمْهُورِ أَسْلَسُ حُكْماً *** حينَ بِالمَكْرِ يُسْتَعْلُّ هَواها(1)

يَابْنَةَ المُصْطَفى الأمينِ رَسولِ *** اللَّهِ وَ الرَّحْمَةِ التي أَهْداها

كانَ بالمُؤمنينَ بَراً أَبوكِ *** أرْأَفُ النَّاسِ بِالوَرَى أَرْجاها

وَ عَلى الكافرينَ كانَ عَذاباً *** وَ عَظيمَ العِقابِ ضِدَّ طُغاها

إن عزوناهُ وجدناهُ أباكِ دونَ النّساءِ، وَ أخا الفِكِ دون الأخلاء، آثرهُ على كل حميم، و ساعدهُ في كلِّ أمْرٍ جسيم، لايحبّكُمْ إلا كلّ سَعِيدٍ، و لايبغضكمْ إلا كَلُّ شقي.

فأنتم عترةُ رسولِ اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم الطيبون، و الخيرةُ المُنتجبون،

إِنْ عَزَوْنَا مُحَمَّداً لَوَجَدْنا *** أَباكِ مِن دونِ كُل نِساها

دونَنا احتارَ الْفَكِ وتاخى *** حينَ أَحْبابَ دينه آخاها

وَ عَلَى كُلِّ صاحِبٍ وَ حَميمٍ *** آثر المُصْطَفَى عَلِيّاً وَ باهی(2)

ساعَدَ المُصْطَفى على كلِّ أَمْرٍ *** مِنْ أُمورٍ عَصَتْ عَلى أَقْواها

كُلُّ مَنْ يَرْتَضِي المَوَدَّةَ فِيكُمْ *** لَسَعيد وَ مَنْ شَقى يَأَباها(3)

ص: 228


1- غُثاء: زَبَد، أسلس: ألين و أكثر انقياداً.
2- باهی: فاخر.
3- في كتاب كتاب ذخائر العقبى، ص25 ط1981/ مؤسسة الوفاء -بيروت. عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: يا رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام.

أنْتُمُ الخِيرَة التي انتَجبَ اللَّهُ *** وَ الطَّيبِّونَ عِتْرةُ طهِ

الحديث -الفرية

على الخير أدلّتُنا، وإلى الجنّة مسالِكُنا. و أنتِ يا خيرةَ النساءِ، وَ ابنَةَ الأنبياءِ، صادقَة في قولِكِ سابقة في وفوِرِ عقلِكِ، غير مردودةٍ عن حقِّكِ، و لامصدودةٍ عن صدقكِ و اللَّه ما عدوت رأيَ رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم!!! و لاعملتُ إلا بإذنِهِ و إن الرائدَ لايكذبُ أهله و إني أشهدُ اللَّه و كفى به شهيداً، أني سمعتُ رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم يقول: «نحن معاشرَ الأنبياءِ لانورّث ذهباً و لافضةً و لاداراً و لاعقاراً .

وَ عَلى الخَيْرِ دَرْبُنَا، وَ جِنانُ *** الخُلدِ، أَنْتُمْ سَبيلُ مَنْ يَهْواها

أَنْتِ يا خِيرَةَ النِّسا، بِنْتَ خَيْرِ *** النّاسِ مِنْ بَدْئِها إلى مُنْتَهاها

قَوْلُكِ الصَّدْقُ دُونَ رَيْبٍ و أَنْتِ *** في وُفُورِ النُّهى على أَرْقاها

غَيْرَ مَرْدودَةٍ عَنِ الحَقِّ شَيْئاً *** أَوْ بِمَصْدودةٍ صَديقَ ادِّعاها

بَيْد أنّي سَمِعْتُ يَوْماً أَباكِ *** قال لي -قَبْلَ أَنْ يَموتَ- شِفاها

مَعْشَرُ الرُّسُل لاتورثُ داراً *** أَوْ نُضاراً أَوْ فِضَّةً أَوْ شِياها(1)

الدفاع الهزيل

و إنما نورثُ الكتاب و الحكمةَ و العلم و النبوّةَ، و ما كانَ لنا من طُعَمةٍ فلولي الأمرِ بعدَنا أن يحكمَ فيه بحكمهِ».

و قدَ جعلنا ما حاولته في الكراعِ و السلاحِ يقاتلُ بها المسلمونَ، و يجاهدونَ الكفارَ، و يجالدونَ المَرَدةَ الفَجَّار.

ص: 229


1- مرّت بعض الإشارات إليه فيما سبق. نُضار: الذهب أو الفضة و قد غلب على الذهب.

إنَّما العِلْمُ وَ النُبُوَّةُ وَ الحِكْمَةُ *** وَ الذِّكْرُ إِرْتُها وَ ثَراها

إِنَّهُم لايُوَرّثونَ سِواهُمْ *** مِثْلَما تُورِثُ الوَرى ابْناها

كُل ما كانَ طُعْمَةً فَلِوالي *** الأمْرِ مِنْ بَعْدِنا كما يَهواها

فَلَهُ دونَ غَيْرِهِ الحُكْمُ فيها *** كَيْفَما شاءَ يَسْتَطِيعُ قَضاها

وَ جَعَلْنا الذي طَلبْتِ كِراعاً، *** و سِلاحاً، و جُنَّةً لِوَغاها(1)

لِجِهادِ الكُفَّارِ في ساحة الحربِ، *** وَ دَحْرِ الفُجَّارِ في لُقياها

و ذلك بإجماع من المسلمين!!

لم أنفردْ به وحدي و لم استبد بما كانَ الرأي فيه عندي و هذه حالي و مالي، هي لكِ و بين يديك، لا تزوى عنكِ، و لاتُدْخِرُ دونكِ

أنتِ سيّدةُ أُمةِ أبيكِ، و الشجرةُ الطيبةُ لبنيكِ،

ها هُمُ المُسْلِمُونَ بَيْنَ يَدَيْكِ *** فَرَّروا كُلُّهُمْ عَلَى اسْتيفاها

أنا لَمْ أَنْفَردْ بذاك لوَحْدي *** مُسْتَبِداً بما ارْتَأَيْتُ إزاها

ثُمَّ هذا حالي و مَالي لَدَيْكِ *** هَذِهِ ثَرْوَتِي إِلَيْكِ عَطاها

لَيْسَ تُزْوى الأمْوالُ عَنْكِ وَ إِنّى *** دونَكِ لَسْتُ داخراً مَغْناها(2)

أنتِ بنْتُ النّبي سَيِّدَةُ النسوانِ *** مِنْ أُمَّةٍ أَبوك بَناها

أَنْتِ للرَّوْضَةِ المُطَهَّرَةِ الأطْيابِ: *** أَبْناكِ، أَصْلُها وَ بِناها

لايُدفعُ مالكِ من فضلك و لايوضعَ في فرعِكِ و أصلكِ، حكمُكِ نافذ فيما مِلكتْ يداي.

فهل تَرين أن أخالف في ذلك أبا صلي الله علیه و آله و سلم؟

جواب فاطمة الزهراء علیها السلام.

ص: 230


1- كِراعاً: كراع الأرض. ناحيتها. جُنّة: سترة. الوغى: الحرب.
2- تُزوى : تُجمع و تُقبضَ.

وَ لَكِ الفَضْلُ لَيْسَ يُدْفَعُ عَنْكِ *** مِنْ مَزايا جَلالِكِ أَدْناها

وَ لَكِ ذِرْوَةُ المعالى فروعاً *** و أصولاً سَمَتْ بكِ أفْصَاها

حُكْمُكِ الآنَ نَافِةٌ فَمُريني *** أتُريدينَ أن أخالِفَ طهَ؟!

قَدْ أَتَتْهُمْ بِحُجْةٍ مِنْ كِتاب اللَّهِ *** کَالشمسِ في أتَمِّ ضِياها

وَ أَتَوْها بِفِرْيَةٍ لَفَّقُوها(1) *** لِيُضِلُّوا بِذَلِكُمْ بُسطاها

فَتَصَدَّت وَ مَزَّقَتْ حُجُبَ الزُّورِ *** وَ أَلْقَتْ عَن الوجوه غِطاها

الحديث فرية و الرسول صلي الله علیه و آله و سلم لايخالف القرآن

فقالت (صلي الله علیه و آله و سلم): سبحانَ اللَّه! ما كان رسولُ اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم عن كتاب الله صادفاً و لالأحكامِهِ مخالفاً، بل كان يتبّع أثَرَه و يقفو سوَرَهُ، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور؟ و هذا بعدَ وفاتِهِ شبيهٌ بما بُغيَ لهُ من الغوائل في حياتِهِ.

وَ أَجابَتْ: سُبْحانَ رَبِّي وَحاشا *** المُصطفى بِالَّذِي افْتَرَيْتُمُ فاها

لَمْ يَكُنْ سَيِّدُ الوَرَى يَتَخَطَّى *** شِرْعَةَ الذِّكْرِ أَوْ يَرُومُ سِواها(2)

أَوْ لأَحْكامِهِ يُخالِفُ نَهْجاً *** وَ هُوَ يَدْعُو الوَرى لِنَهْجِ خُطاها

بَلْ لَقَدْ كانَ إِثْرَهُ يَتَقَفَى *** سُوَرَ الذِّكْرِ تابعاً إيّاها

أَمَعَ الغَدْرِ تُجْمِعُونَ عَلَيْهِ *** الزُورًا واها لِقَوْلِكُمْ ثُمَّ واها(3)

إِنَّ ذا بَعْدَ مَوْتِهِ لَشَبيهٌ *** بِالَّتي في حَياتِهِ لاقاها

هذا كتابُ الله حَكَماً عدلاً، و ناطقاً فصلاً، يقول:

«يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ».

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ».

ص: 231


1- فرية: افتراء و كذب. لفّقوها: زخرفوها و موهوها بالباطل.
2- يروم: يقصد.
3- واهاً : اسم فعلِ بمعنى أتعجبُ.

فبينَ (عزّوجلّ) فيما وزّع عليه من الأقساط،

كَمْ مِنَ الغَدْرِ وَ الغَوَائِلِ كِيدَتْ *** ضِدَّهُ لكن الإله کَفاها(1)

هذِهِ المُحْكَمَاتُ تَنْطِقُ فَضلاً *** وَ هُيَ تَقضي بالعَدْلِ في فَحواها

سُورَةَ الأنبياءِ إِذْ زَكَرِيّا *** سَأَلَ اللَّهَ فَاسْأَلُوا مَعْناها

في (يرثني... و آل يَعْقُوبَ) حُكْمٌ *** لاتَرى فِيْهِ شُبْهَةً وَ اشِتباها(2)

و سُلَيْمانُ إِذْ تَوَرَّثَ داوُوْدَ، *** كَمِثْلِ الأَبْناءِ مِنْ آباها(3)

و أبانَ الجَليلُ مِنْ كُلِّ قِسْطٍ *** وَ سِهام قَدْ وُزّعَتْ مَرْماها

و شرّعَ من الفرائِضِ و الميراثِ و أباحَ من حطّ الذكرانِ و الإناث.

ما أزاحَ علَّةَ ،المبطلين و أزال التظني والشُّبُهَاتِ في الغابرين.

كلاً، بل سوّلتْ لكم أنفُسكُمْ أمراً، فصبرٌ جميلٌ.

و الله المستعانُ على ما تصفون.

و المواريثَ وَ الفَرائِضِ لَمّا *** فَرَضَ اللَّهُ شَرْعَها وَ عَطاها

فَلِذُكْرانِها حظوظ وَ أُخرى *** للإناثى، أَباحَ حين قَضاها

ما أزاحَ التَعَلَّلاتِ، و أقصى *** عِلَّةَ المُبْطِلين في إجْراها(4)

لَيْسَ هذا... كَلاً...، وَلَكِنَّ أَمْراً *** سَوَّلَتْهُ نُفوسُكُمْ مِنْ غَواها(5)

و عزائي الصَّبْرُ الجَميلُ وَ رَبِّي *** مُسْتَعانِي عَلَى عَظيمِ جَناها

ثُمَّ لَمَّا رَأَى أَخُو تَيْمِ أَنَّ الحَقَّ *** أَقْوىٰ مِنْ فِرْيَةٍ سَمَّاها

ص: 232


1- الغوائل: جمع الغائلة و هي المهلكة، الشر، الفساد.
2- كما هو مذكور في الخطبة و هو قوله تعالى «يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ» [سورة النمل، آية: 16].
3- انظر آية: 6 من سورة مريم.
4- أقصى: أَبْعَدَ.
5- سوّلته: زيّنتهُ له و سَهَلتْهُ و هَوَّنَتْهُ. غواها: ضلالها.

جواب أبي بكر و الاعتراف بالخطأ

فقال أبوبكر:

صدقَ اللَّه، و صدق رسولُه صلي الله علیه و آله و سلم و صدقت ابنتُهُ علیها السلام، أنتِ معدن الحكمةِ، وَ موطنُ الهدى و الرحمَةِ، و ركنُ الدينِ، و عينُ الحجّة لاأبعد صوابكِ، و لاأنكر خطابكِ.

فَضَحَ الحقُّ كِذْبَهُ وَ تَعَرَّى *** الزُّورُ الثَّلْجِ تَحْتَ شَمْسِ نِداها

وَلَدى الصُّبْحِ طَلْعَةٌ إِنْ تَبَدّى *** يَنْمحي اللَّيْلُ فِي الْتِماعِ سَناها(1)

أَيَرُدُّ القُرآنَ أَمْ مَنْ أَتَاهُ؟ *** أَعَليا يَرُدُّهُ أَمْ أَباها؟

لَيْسَ يُجْدِي الإنكارُ للشَّمْسِ مَهُما *** لَجَّ في حَجْبِ نُورِها وَ ضِياها

صَدَقَ اللَّهُ وَ الرّسولُ وَ بِنْتُ *** المُصْطَفى فاطِمُ البَتولَةِ فاها

مَعْدِنُ الحِكْمَةِ الأَصِيلَةِ رُكُنُ *** الدِّينِ أَنْتِ، وَ لِلْهُدى مَرْساها

هؤلاء المسلمونَ بيني و بينك قلّدوني ما تقلّدتُ، و باتفاق منهم أخذتُ ما أخذتُ غيرُ مكابر و لامستبد، و لامستأثر، و هم بذلك شهود.

فاطمة الزهراء علیها السلام توجه الخطاب إلى الحاضرين.

فالتفتت فاطمة علیها السلام إلى الناس و قالت:

معاشرَ الناس!

لَسْتُ مُسْتَنْكِراً عَلَيْكِ خِطاباً *** أَوْ صَواب احتجاجةٍ آتاها

ها هُمُ المُسْلِمُونَ بَيْنِي وَمَا *** بَيْنَكِ فَاسْتَوْضِحي الجُمُوعَ رُؤاها

قَلَّدوني الَّذي تَقَلَّدْتُ لَوْلا *** القَوْمُ، ما كُنْتُ لَحْظَةً أُولاها

بِاتِّفاقِ مِنْهُمْ أَخَذْتُ رُبوعاً *** كَانَ لِلْمُصْطَفى الأمين رَعاها

لابِمُسْتَكْبِرٍ وَ لامُسْتَبِدِّ *** أَوْ بِمُسْتَأْثِرِ عَنِّي ثَراها

ص: 233


1- سناها: ضوؤها.

فأشارَتْ بِنْتُ الرَّسول إلى النَّاس، *** وَ قَهْرُ المُسْتَضْعَفينَ طَواها

عناد المتواطئين على الباطل

المُسرعةَ إلى قيل الباطل المُغضيةَ على الفعل القبيحِ الخاسِرِ ، أفلاتتدبرون القرآن أم على قلوبِ أقفالُها؟

كلا، بل رانَ على قلوبِكُمْ ما أسأتُمْ من أعمالِكمْ فأخذ بسمعكُمْ و أبصاركُمْ ،

أَيُّها المُسْرِعونَ نَحْوَ الأَباطيلِ *** تُحامِي عَنْ شِقْشِقاتِ رُغاها(1)

أَتَغُضُّونَ عَنْ قَبيح فعالٍ *** هِيَ مِنْ أَخْسَرِ الَّتي تَغْشاها

أَفَلا -يا عُصاةُ- تَدَّبرونَ *** الذُكْرَ أَمْ مَلَّتِ النُّفوسُ هُداها؟

أَمْ بِأَقفالها اسْتَبَدَّتْ قُلوبٌ *** فَاسْتَحبَّتْ عَلَى الرَّشادِ عَماها

لَيْسَ للقُلوبِ رانَ عَلَيْها *** لِلَّذِي قَدْ أسأتموهُ صَداها(2)

وَ لِهذا بِسَمْعِكُمْ أَخَذَ اللَّهُ *** وَ أَبْصارَكُمْ فَأَعْمَى ضِياها

ولبئسَ ما تأولْتُمْ و ساءَ ما بِهِ أشرتُمْ و شرّ ما منه اعتضتُمْ.

لتجدنَّ -واللَّه- محملهُ ثقيلاً، و غبّهُ وبيلاً إذا كشَفَ لكُمُ الغطاءَ و بانَ ما وراءه الضرّاء، و بدا لكُم من ربِّكُمْ ما لَمْ تكونوا تحتسبونَ، و خَسِرَ هنالِكَ المبطلون.

بِئْسَ نَهْجٌ أَوَّلْتُموهُ ضَلالاً *** وَ سَفَاهاً لِما أَشَرْتُمْ سَفاها(3)

ص: 234


1- شقشقات: جمع الشِقْشِقة و هي شيءٌ كالرئة يُخرجه البعير من فيه إذا هاج، أو الصوت و الهدير، رُغاها: رغوتها و زبدها أو صوتها و ضجيجها.
2- ران: غلب عليه.
3- سفاها: جهلاً.

شَرَّ ما أَعْتَضْتُمُ بِآسِنِ ماءٍ *** مِنْ غَدِير تَرَقْرَقَتْ أَمْواها(1)

ستلاقونَ -والعظيم- ثقيلاً *** مَحْمِلاً لايُطيقه ثَقَلاها

إذْ لَكُمْ كُشِفَ الغِطَاءُ وَ بانَ *** الضُرُّ مِمّا جَنَتْ يَداكُمْ وَراها

وَ بَدَتْ مِن الهِكُمْ سَطَواتٌ *** لَمْ تَكونوا لِتَحْسَبوا أدْناها

وَ هُنَاكُمْ سَتَعْلَمُونَ هُنَاكُمْ *** خَسِرَ المُبْطِلُونَ في عُقباها

وعادت فاطمة علیها السلام إلى دار علي علیه السلام!

ثُمَّ انكَفَأَتْ (علیه السلام).

و أميرالمؤمنينَ علیه السلام لايَتَوقعُ رُجوعها إليهِ و يَتَطلَّعُ طُلوعَها عَلَيْهِ.

فلمّا استقَرتْ بها الدارُ قالَتْ لأميرالمؤمنينَ علیه السلام:

يابنَ أبي طالب علیه السلام!

ثُمَّ مَالَتْ إلى ضريح أبيها *** تُودِعُ المُصْطَفى الأمينَ شَكاها(2)

وَ تَوارَتْ كَسيرَةَ القَلْبِ عَنْهُمْ *** فَلَقَدْ خَيَّبَ الجَميعُ رَجاها

ثُمَّ عادَتْ لِدارِها وَ دموعُ *** الوَجْدِ خَطَّتْ عَلَى الخُدودِ خُطاها

وَ أَميرُ الإيمانِ في كُلِّ آنٍ *** كانَ يَرْجُوْ طُلوعَها وَلِقاها

وَ هُنَاكُمْ لَمَّا اسْتَقَرَّبِها الدارُ، *** تَمادى الأسى بِصَدْرِ شَكاها

فَرَمَتْ نَحْوَهُ بِطَرْفِ كَسيرٍ *** وَ جَرَتْ في دُموعِها عَيْناها

استنهاض الإمام الممتحن علیه السلام!

اشتَمَلتَ شِمْلَةَ الجنينِ، وَ قَعَدت حُجْرةَ الظنين.

ص: 235


1- اعتضتم: استعضتم، استبدلتم عِوضاً عنه. آسن ماء: الماء الذي تغيّر لونه و طعمه و ريحه، غدیر: نهر، ترقرقت: تلألأت أو جرت جرياً سهلاً.
2- تمادى الأسى: بلغ فيه المدى.

طَمعَتْ أَنْ تُثيرَ في عَليَّ *** العَزْمَ و النَّجدَةَ المُدَوّي صَداها

وَ بُطولاتِ خَيْبَرٍ وَ حُنَيْنِ *** وَ مُرُوا ايه التي أَبْداها

فَلَعَلَّ الَّذي مَضى مِنْ مِياهِ *** النَّبْعِ غَفْلاً يَعودُ في مَجْراها

خاطَبَتْهُ يَابْنَ المُحامي أبي طالِبٍ *** زَيْنَ الرِّجالِ رَمْزَ إباها

كَيْفَ يا فاتِحَ الحُصونِ اسْتَمَلتَ *** اليَوْمَ مِنْ شَمْلَةِ الجَنينِ رِداها

قاعِداً حُجْرَةَ الظَّنينِ كَأَنْ لَمْ *** تَكُ لِلْحَرْبِ سَيْفَها وَفَتاها(1)

نَقَضتَ قادِمةَ الأجدلِ فَخانكَ ريسُ الأعزلِ.

هذا ابنُ أبي قحافَةَ يبتزني نحلَةَ أبي و بِلُغةَ ابنيِّ.

لَقَدْ أَجهَرَ في خصامي و ألفَيْتهُ الألدّ في كلامي، حتى حبستني قيلةُ نصرَها.

أَوَ ما قَدْ نَقَضْتَ مِنْ أَجْدَلِ الطَّيْرِ *** قَواديمَ يُتَقى بأساها؟

كَيْفَ قَدْ خانَ أَعْزَلُ الرِّيشِ شَهْماً *** كانَ في كُلِّ وَقْعَةٍ «لافَتاها»؟(2)

أَوَيَبْتَزُّها نُحَيْلَةَ. طه *** بُلْغَةَ ابْنَيَّ يَسْتَحِلُّ جَناها؟(3)

جاهِراً في عَداوَتي دونَ تَقْوى *** ماضياً في خُصومتي أَقْصاها

قَدْ وَجَدْتُ العَنيد لازالَ خَصْماً *** مِنْ ألد الخِصامِ في دَعْوَاها

ذاكَ حَتَّى الأَنْصَارُ قَدْ حَبَسَتْني *** النَصْرَ وَ اسْتَعْفَتِ الحُماةُ حِماها

وَ المهاجرةُ و صلَها و غضَّت الجماعةُ دونَ طرفها.

فلادافِعَ، و لامانع.

خرجتُ كاظمةُ و عدتُ راغمةً أضرعتَ خدّكَ يومَ أضعتَ حدّكَ افترستَ الذئاب و افترشتَ الترابَ.

ص: 236


1- الظنين: المتهم، المعادى لسوء ظنُّه و سوء الظن به.
2- و هو مأخوذ من الحديث المشهور (لافتى إلا علي علیه السلام و لاسيف إلا ذوالفقار).
3- يبتزّها: يسرقها و يسلبها قهراً. نُحيلة: عطيّة و هبة إعطاء المرأة مهرها.

و قُرابي المُهاجرين رِباطَ *** الوَصْلِ قَدَّتْ وَ مزَّقَتْ قُرْباها(1)

وَ الجماعاتُ غَضَّتِ الطَّرْف عَنِّي *** وَ كَأنّي مُخاطِبٌ ما سِوَاهَا

لَيْسَ مِنْ دافِعِ مُهججة الظُّلْمٍ، *** وَ لامانعٍ أليمَ أذاها(2)

رِحْتُ مَكْظومَةً بِصَبْرِيَ حَسْرى *** ثُمَّ مَرْعَومَةً رَجَعْتُ وَراها

حَدَّكَ الحَقَّ قَدْ أَضَعْتَ فَأَضحى *** ضارِعاً خَدُّكَ الذي لايُضاهي

إِفْتَرَسْتَ الذُّتَابَ كَيْفَ أَفْتَرَضْتَ *** اليَوْمَ وَجْهَ التُّرابِ مِنْ بَوْغَاها؟(3)

ما كففتَ قائلاً و لاأغنيتَ باطلاً و لاخيارَ لي ليتني مِتَّ قبل هينتي و دونَ ذلّتي.

عذيري اللَّه منكَ عادياً، و منكَ حامياً.

ويلاي في كلّ شارق!

ماتَ العَمَدُ و وهنَّ العضَدُ!!

ما كَفَفْتَ المُهَرِّجِينَ مَقالاً *** وَ عَنِ الظّالمينَ شَرَّ أذاها

وَ أَنا لاخَيارَ لي... فَلَوْ أَنَي *** كُنْتُ أَسْتطيعُ أَنْ أَرُدَّ بَلاها

لَيْتَني قَبْلَ هَيْئَتي كانَ مَوْتِي *** وَ الرَّدى دونَ ذلِّتي أَسقاها(4)

فَکَفاني مُحامياً وَ كَفاني *** مِنكَ رَبِّي مِنَ العِدى عَدْواها

آه... وَيُلايَ كُلَّما طَلَّ صُبْحٌ *** فَوْقَ دُنْيا مِنَ الأسى وَيْلاها

قَدْ تَوفّى العِمَادُ فَانْهَدَّ مِنّي *** عَضُد العِزَّ وَ الرَّجاءِ وَراها

شكواي إلى أبي!

و عدواي إلى ربي!

ص: 237


1- قدتْ: قطعتْ و شقّتْ.
2- مهجّجة: غائرة العين، أو المتمادية في الأَمر.
3- البوغاء: ما ثار من الغبار و دقاق التراب.
4- الرّدى: الموت.

اللَّهمَّ أنتَ أشدُّ قوةً و حولاً، و أحَدُّ بأساً و تنكيلا.

فَشَكاتي إلى أَبي وَ لِرَبِّ العَرْشِ *** عَدْوى ظُلامَتي مَرْساها

يا إلهي لأنتَ أعْظَمُ بَأساً *** وَ أَشَدُّ النّكال في عُقباها(1)

هَزَّهُ في خطابها الوَجْدُ و المَجْدُ *** وَ عِزُّ الإيمانِ في تَقْواها

وَ هُوَ لَوْلا وَصِيَّةٌ مِنْ نَبِيِّ *** اللَّهِ، أَحْرى بِأَنْ يُجيبَ نِداها

وَ يُعيد الأُمورَ ظَهْراً لِبَطْنٍ *** وَ يُنِيلَ المُنافِقينَ جَزاها

فَهوَ في البَأسِ لايُدانيهِ و بَاسٌ *** وَ هُوَ اقوى بِاللَّهِ مِن أَعْداها

كَيْفَ لَا، وَ هُوَ فِي الحُروبِ جَميعاً *** قُطبُ مِهْرَاسِها، وَ جَمْرُ وَغاها(2)

مَنَعَتْ سيّد الوَغَى أَنْ يُثير *** الحَرْبَ أَنَّ الأُمورَ في مَبْداها

كانَ دينُ الإسْلامِ عوداً طَريّاً *** والجماهيرُ هَشَّةٌ في انتِماها

أَشْفَقَ المُرْتَضى عَلَى نَبْتَةِ الإسلامِ *** مِنْ فِتْنَةٍ تَشُبُّ لَظاها(3)

غارِسُ الرَّوْضَةِ البهيّةِ أَوْلى *** أَنْ يُحامي بِرَوْحِهِ أَفْياها

وَ هُوَ ثاني بُناتِها، وَ المُرَوِّي *** زَرْعَها الغَضَّ وَ هُوَ حَامي حِماها

فقال أميرُالمؤمنين علیه السلام:

لاويلَ عليكِ، الويل لشانئكِ.

نَهْنِهِي عَنْ وجدكِ يا بنَةَ الصَّفْوَةِ و بَقيّة النُّبوّةِ، فما و نيتُ عن ديني و لاأخطأتُ مقدوري.

فإن كنتِ تريدينَ البُلغَةَ فَرزقُكِ مَضمونٌ.

قالَ مَهْلاً بِنْتَ النُّبوَّةِ مَهْلاً! *** إنَّما الصَّبرُ لِلتُّقاةِ حُلاها

ما لَكِ الوَيْلُ، بَلْ لِشانِكِ الوَيْلُ *** وَ أَقْسَى العَذابِ في أَخْراها

ص: 238


1- النكال: ما نكلتَ به غيرك كائناً ما كان.
2- مهراس: الهاون، الحجر المنقور المستطيل الثقيل الذي یُدقُّ.
3- تشبُّ لظاها: تُشعل نارها و لهيبها.

يَابْنَةَ الصَّفْوَةِ الصَّفِيَّةِ عِطرِ *** النُّورِ، بُقيا نُبوّةٍ أَبْقاها

نَهْنِهي النَّفْسَ وَجْدَها وَ اسْتَقِرِّي *** حانَ لِلنَّفْسِ أَنْ تُريحي جَواها(1)

فَعَنِ الدِّينِ ما وَنَيْتُ وَ عَمّا *** قَدَّرَ اللَّهُ ما خَطَوْتُ اشْتِباها

فَاطْمَئِنِّي لِبُلْغَةِ العَيْشِ أَنَّ اللّهَ *** في سابِقِ الزَّمانِ قَضاها

الكلمة الأخيرة لفاطمة علیها السلام!

وَ كفيلُكِ مَأمونٌ، و ما أعدّ لَكِ خيرٌ ممّا قُطع عنكِ، فاحتسبي اللَّه.

فقالت: حَسبي اللَّه و أمْسَكَتْ.

وَ كَفِيلُ ابْنَةِ النَّبي أَمِينٌ *** وَ هوَ اللَّه حافِظُ إيّاها

وَ جِنانٌ قَدْ مُهّدتْ لَكِ خَيْرٌ *** مِنْ قُرَى حَرَموكِ عَنْ مَغْناها

فَلَكِ اللَّهُ -جَلَّ- فَاحْتَسِبيهِ *** هَضْمَةُ الحَقِّ حَاسَ أَنْ يَنْساها

فَأَجابَتْ (اللَّهُ حَسْبِي) وَ فَرَّتْ *** وَ عَلَى الدَّهْرِ رَنَّةٌ مِنْ صَداها

وَ مَضَتْ إِذْ مَضَتْ عَلَى القَهْرِ حَسْرَىٰ *** ثُمَّ مَاتَتْ مَطوِيَّةٌ بأَساها(2)

ص: 239


1- نهنهي: كفّي و ازجري بالفعل أو القول.
2- بِأَسَاها: بحُزنها.

(13) صديقة الخليقة

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الحسين الحويزي(*)(1)

لِمَنِ العِيسُ في البطاح بَرَاها؟ *** مِثْلَ بَري القداح جَذْبُ بُرَاها(2)

حَائِراتٌ كَأَنَّهَا سِرْبُ طَيْرٍ *** حَسِبَتْ لُجَّةَ السَّرَابِ مِيَاها

وَ بِها الآلُ في المَفاوِزُ وَ القَفْرِ *** ريَاضٌ تَنَشَّقَتْ رَبَّاهَا(3)

ترْتَعِي جَمْرَةَ الهَجِيرِ غِذَاءً *** فَيَقِيها عَنْ جُوعِها وَ ظَمَاها

سَبَقَتْ أَرْبعَ الرِّيَاحِ بِمَجْرَى *** أَرْبَعَ وَ ارْتَمَتْ قَصِيَّ نَوَاها

شَمْأَلَ الرِّيحُ بُكْرَةً وَ النَّعَامَى *** وَ عَشِيّاً جَنُوبُها وَ صَبَاها(4)

وَ نَواصِي الآكَامِ في كلِّ نَصَّ *** مِنْ سُرَاهَا طَيُّ الفَلَاةِ فَلاها

يَعْمَلاتٌ شَقَّتْ بُطُونَ المَوانِي *** جَائِباتٌ بِطَاحَهَا وَ رُبَاها(5)

ساقَها لِلْورُودِ رَجْعُ حَنِينٍ *** مِنْ مَشُوقٍ حَيْثُ الزَّفِيرُ حَدَاها

قد أَقلَّتْ هَوادِجاً زَيَّنَتْها *** مِنْ هَوانِ النَّقى وُجوهُ مِيَاها

مَرَحاً تَنْثَنِي وَ تَهْوِي مِرَاحاً *** بِشَرَى وَجْرَةٍ ففَاقَتْ ظِبَاها(6)

ص: 240


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- العيس: كرام الإبل أو الإبل البيض يخالط بياضها سواد خفيف. البطاح: مسيل واسع فيه رمل و دقاق الحصى.
3- المفاوز: جمع المفازة و هي الصحراء القفر: الخلاء من الأرض لاماء فيه و لاناس و لاكلأ رياها: رائحتها الطيبة.
4- صباها: الصبا ريحٌ مهبها جهة الشرق.
5- يعملات: الإبل المطبوعة على العمل، جائبات: قاطعات.
6- وَجرةِ: حفرة تجعَل للوحش فإذا مرّت بها سقطت فأمسكت.

صَرَعَتْنا عُيونُ عِين كَعابٍ *** أَوْسَعَتْ طَعْنَةَ القَنا نَجلاَها(1)

وَ أَرَى أَضْعَفَ الجُفُونِ فُتوراً *** حينَ تَرْمِي حُبَّ الحَشَا أَقْوَاهَا

إنْ يُسَالِمُ لِجِيرَةِ الحَيَّ قَلْبِي *** فَلِحَرْبِ الهَوَى هوى سَلْمَاها

إلى أن يقول:

مِثْلُ زُهْرِ النُّجُومِ أَفْعَالُهُ الغُرُّ *** أَضَاءَتْ وَ بِنْتُهُ زَهْراها(2)

فَاطِمٌ بِنْتُ أَحْمَدٍ سَادَتِ الخَلْقَ *** جَمِيعاً رِجَالها وَ نِسَاها(3)

لَمْ تَنَلْ مَرْيَمَ وَآسِيَةُ الزَّهرا *** و لاسارَةٌ و لاحَوَّاهَا(4)

ذَكَرَ اللهُ قَائِلاً مَرَجَ البَحرَيْنِ *** لَكِنْ بِذِكْرِهِ قَدْ عَنَاها(5)

ص: 241


1- كعاب: جارية.
2- في كتاب دلائل الإمامة، ص54 ط الثالثة منشورات الرضي/ قم: «عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام لاعن فاطمة علیها السلام لم سميت الزهراء؟ فقال: لأنها علیها السلام كانت إذا قامت في محرابها يزهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص12 ح6 ط الثانية مؤسسة الوفاء و علل الشرائع ص215 ح3 ط الأولى/ مؤسسة الأعلمي -بيروت و «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ص64 ح15، ط منشورات جماعة المدرسين/ قم.
3- في كتاب مائة منقبة، ص128 المنقبة 67ط الأولى (1988م) الدار الإسلامية. «...و لو كان الحُسن هيئة لكانت فاطمة علیها السلام بل هي أعظم إن فاطمة علیها السلام ابنتي خير أهل الأرض عنصراً و شرفاً و كرماً».
4- جاء في كتاب المناقب ج3 ص323 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم. «عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم أنه قال: يا فاطمة علیها السلام أبشري فإن اللّه اصطفاك على نساء العالمين و على نساء الإسلام و هو خير دين». و انظر كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص122 ضمن حاشية9. و بحار الأنوار ج43 ص36.
5- جاء في كتاب المناقب ج3 ص318 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم: «عن جعفر الصادق علیه السلام و اللفظ له في قوله «تعالى»: «مرج البحرين يلتقيان» [سورة الرحمن، آية: 19] قال علي و فاطمة علیهما السلام بحران عميقان لايبغي أحدهما على صاحبه». انظر کتاب عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج1 ص98 ضمن ح5 و بحار الأنوار، ج43 ص32 ضمن ح39. ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت و البرهان تفسير ج4 ص266 ضمن حاشية 9 ط الثالثة/ مؤسسة الوفاء -بيروت.

صَاغَها مِنْ سَبائِكِ المَجْدِ تِبْراً *** خالصاً يَوْمَ صُنْعِهِ صَفَّاها(1)

هي صِدِّيقَةُ الخَليقَةِ جَمْعاً *** بِبَهَاهُ الجَلِيلُ فَضْلاً حَبَاها(2)

وَ هْيَ تُدْعَى شَفيعَةَ الخَلْقِ في *** الحُشْرِ وما في المَلاً شَفِيعٌ سِواها(3)

رَحْمَةٌ لِلأَنَامِ بِاللُّطْفِ جَاءَتْ *** أَبْعَدَ اللَّهُ كُلَّ مَنْ آذاها

يَغْضَبُ اللَّهُ حِين يُغْضِبُها الخَلْقُ *** وَ يَرْضَى عَن خَلْقِهِ لِرِضَاها(4)

بَضْعَةٌ مِنْ فُؤادِ خَيْرِ البَرَايَا *** وَ قَدِ اشْتُنَّ مِنْ حَشَاهُ حَشَاهَا(5)

وَ اجْتَبَى أُمَّها خَدِيجَةَ زَوْجاً *** بَذَلَتْ لِلْهُدَى جَمِيعَ ثرَاها

ص: 242


1- تبراً: ذهباً.
2- حباها: أعطاها من غير جزاء، و جاء في كتاب أمالي الطوسي، ص678 ط/ الثانية -مؤسسة الوفاء -بيروت. «عن أبي عبداللّه علیه السلام: ...و هي الصديقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص105 ح19. کتاب عوالم سیدة النساء ج 1 ص91 ح3، ج1 ص458 ح23.
3- جاء في كتاب أمالي الصدوق، ص25 ح4 ط الخامسة/ مؤسسه الأعلمي للطباعة. «و البيت الذي يليه»: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة علیها السلام على ناقة من نوق الجنة... فإذا النداء من قبل اللّه «جل جلاله» يا حبيبتي و ابنة حبيبي سليني تعطي و اشفعي تُشفّعي فوعزتي و جلالي لاجازني ظلم ظالم. فتقول: إلهي و سيدي ذريتي و شيعتي و شيعة ذريتي و محبّي و محبّي ذرّيتي فإذا النداء من قبل اللَّه «جل جلاله»: أين ذرية فاطمة علیها السلام و شيعتها و محبّوها و محبّو ذريتها؟ فيقبلون و قد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة علیها السلام حتى تدخلهم الجنة» . ح 1 ط انظر كتاب بحار الأنوار ج43 ص219 ح1 الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «روضة الواعظين» ص165 ط1/ مؤسسة الأعلمي.
4- في كتاب مسند أحمد بن حنبل، ج5 ص97 (الهامش) كتاب منتخب كنز العمال، ط دار صادر -بيروت. «يا فاطمة علیها السلام إن اللّه يغضب لغضبك و يرضى لرضاك انظر كتاب كنز العمال، ج63 ص674 37725 مثله.
5- في كتاب مسند أحمد بن حنبل، ج5 ص96، (الهامش) منتخب کنز العمال، ط دار صادر -بيروت. «فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».

أَوّلُ المُؤْمِنَاتِ بِاللَّهِ كَانَتْ *** وَ بِحِفْظِ النَّبِيِّ طَالَ عَنَاها

تِلكَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَرْافُ أَمْ *** عَنْهُمُ كُلُّ فِتْنَةٍ تَأباها

إن عَيْن النَّبيَّ أكْرَمُ عَيْنٍ *** لَمْ تُكَرَّمُ لأَجْلِها عَيْناها

يَوْمَ وَافَتْ بِالوَعْظِ تَزْجُرُ قَوْماً *** تَرَكَتْ رُشْدَها وَ وَافَتْ هَوَاها(1)

أثْبَتَتْ في الكِتاب حقاً مُبِيناً *** و الأبَاطِيلُ حُكْمُهُ قَدْ نَفَاها

فَدَكٌ في حَيَاةِ أَحْمَدَ أَعْطَتْهُ *** يَمِينُ الهُدَى إلى قُرْبَاها(2)

ص: 243


1- والبيت الذي يليه إشارة إلى خطبة الزهراء علیها السلام و ما جاء فيها من وعظ و تنبيه و إثبات حق مغتصب. و قد ورد نصها في كتاب الاحتجاج ج1 ص131، ط دار النعمان -النجف. «...أنه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة علیها السلام فدكاً و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها... افتتحت الكلام بحمداللّه و الثناء عليه و الصلاة على رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت في كلامها فقالت علیها السلام... أنتم عباد الله نصب أمره و نهيه و حملة دينه و وحيه و أمناء اللَّه على أنفسكم و بلغاؤه إلى الأمم زعيم حق له فيكم و عهد قدّمه إليكم و بقيّة استخلفها عليكم كتاب اللَّه الناطق و القرآن الصادق و النور الساطع و الضياء اللامع بينة بصائره منكشفة سرائره منجلية ظواهره مغتبطة به أشياعه قائد إلى الرضوان أتباعه... أيها المسلمون: أأغلب على إرثي؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب اللَّه ترث أباك و لاأرث أبي؟ «لقد جئت شيئاً فريا». أفعلى عمد تركتم كتاب اللَّه و نبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول: «و ورث سليمان داود» [سورة النمل آية: 16] و قال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكّريا إذ قال: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»[سورة مريم آية:5، 6] و قال: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ»[سورة الأنفال آية75] و قال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» [سورة النساء آية: 11] و قال: «إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [سورة البقرة آية180] و زعمتم أن لاحظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها...؟». انظر تفصيل ذلك في الجزء الأول مع ذكر المصادر و الإسناد.
2- في كتاب البرهان في تفسير القرآن، ج2 ص415 ح2 ط الثالثة مؤسسة الوفاء -بيروت. عن الرضا علیه السلام قال: قوله تعالى: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ» و خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها وا صطفاهم على الأمة قال فلما نزلت هذه الآية على رسول اللّه قال صلي اللّه علیه و آله و سلم: ادعوا لي فاطمة علیها السلام فدعيت له فقال: يا فاطمة علیها السلام قالت: لبيك يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم فقال: هذه فدك و هي مما لم يوجف عليها بخيل و لاركاب و هي لي خاصة دون المسلمين فقد جعلتها لك لما أمرني الله «تعالى» خذيها لك و لولدك». انظر كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج1 ص233 (الآية الخامسة) انتشارات جهان -طهران.

هل إلى الأنْبِياءِ أُنزِلَ حُكْمٌ *** إرْثُها لايَكُونُ في ابْنَاها؟(1)

أَوْ كَانَ الرَّسُولُ يَبْغِي إِلهاً *** وَاحِداً وَ البَتُولُ تَبْغِي إلها؟

أَمْ دَرَتْ ما لَها مِنَ الفَرْضِ لكِنْ *** طَمَعُ النَّفْسِ بِالمُنَى مَنَّاها

أَمْ تَرَى أَشْكَلَتْ عَلَيها الأَحَادِيثُ *** و فيما ادَّعَتْهُ كانَ اشْتِباها

وَ عَليّ ٌلايَعْرِفُ الحُكْمَ لَمَّا *** عَاجَلَتْهُ شَهَادَةً أَدَّاها(2)

جَرَّ فيها لِقُرْصِهِ النَّارَ وَ السِّبْطانِ *** كَانَا بِالحَقِّ مِنْ شُهَدَاها

ثُمَّ قَالُوا بِامْ أَيْمَنَ لَمْ تُفْصِحْ *** بَيَاناً مميزاً عَجْمَاها(3)

ضَيَّعَتْ عَهْدَ أَحْمَدٍ فِي بَنِيهِ *** وَ غُرُورُ الشَّيْطَانِ قَدْ أَغْراها

أوْصَتِ الطّهْرُ لايُصَلِّي عَلَيْها *** أَحَدٌ مِنْهُمُ لِيَوْمٍ فِنَاها(4)

ص: 244


1- و الأبيات التي تليه إشارة أيضاً إلى خطبة الزهراء علیها السلام ففي الاحتجاج ج1 ص138 ط دار النعمان: «...و زعمتم أن لاحظوة لي و لاإرث من أبي و لارحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل ملتين لايتوارثان أو لست أنا و أبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمّي فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم اللّه و الزعيم محمد صلي الله علیه و آله و سلم و الموعد القيامة و عند الساعة يخسر المبطلون».
2- (والأبيات التي تلته) في سليم بن قيس ص211 ط قسم الدراسات الإسلامية -مؤسسة البعثة: «...فقالت: يا أبابكر تريد أن تأخذ منّي أرضاً جعلها لي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم... دعا «أبوبكر» بدواة ليكتب به لها فدخل عمر فقال: يا خليفة رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لاتكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي فقالت فاطمة علیها السلام: ...عليّ علیه السلام و أم أيمن يشهدان بذلك، فقال عمر: لاتقبل شهادة امرأة أعجمية لاتفصح و أما عليّ علیه السلام فيجر النار إلى قرصته...». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص198 ضمن ح(29).
3- عجماها: إبهاماتها.
4- في كتاب روضة الواعظين، ص168 ط الأولى/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات: «...ثم قالت: أوصيك أن لايشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقّي فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله صلي اللّه علیه و آله و لاتترك أن يصلّي علي أحد منهم و لا من أتباعهم و ادفنّي في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار». انظر کتاب بحار الأنوار ج43 ص192 ضمن ح20، «عوالم سيدة النساء» ج2 ص1082 ضمن ح14.

وَ عَلِيٌّ في الأرض لَمَّا تَوارَتْ *** تُرْبَةُ القَبْرِ عَنهُمْ عَفاها

لَمْ تُراعَ البَتُولُ وَ هْيَ مِنَ العِصْمَةِ *** فِيهِمْ بَقِيَّةُ أَبْقَاهَا(1)-(2)

ص: 245


1- ربما يشير إلى الرواية المذكورة في كتاب أمالي الطوسي ص156 ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «...فقال علي علیه السلام لرسوله (رسول العباس بن عبد المطلب حيث جاء لعيادة الزهراء علیها السلام في مرضها التي توفيت به...) «...إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لم تزل ،مظلومة من حقها ممنوعة و عن ميراثها مدفوعة لم تحفظ فيها وصية رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و لارعي فيها حقّه و لاحق الله «عزّ وجلّ» و كفى باللّه حاكماً و من الظالمين منتقماً...». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص210 ضمن ح38 عوالم سيدة النساء ج2 ص1098 ح21.
2- نقلناها من مجلة تراثنا عدد (12) ص28 و هي ملحمة تربوا على ألف بيت و تسمى هذه الملحمة (فريدة البيان) في مدح النبي الأعظم صلي الله علیه و آله و سلم و عترته الأطهار علیهم السلام و هي على نسق الأزرية أخذنا منها ما يرتبط بالزهراء علیها السلام.

(14) يا كفيل الأيتام

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الحسين شكر(*)(1)

وَيْحَ قَوْمٍ رَضُوا عَنِ الدِّينِ بِالدُّنُيَا *** فما لِلْقُلُوبِ ما أَعْماها؟

ستَرَاهَا غَداً تُنَادِي ولَكِنْ *** لَيْتَ (لَمْ أتَّخِذْ فُلاناً) نِدَاها

أَيُوَلَّى مَنْ لَمْ يُوَلَّ لِعَجْزٍ *** مِنْهُ تَبْلِيغَ سُورَةٍ وَ أَدَّاها

غاصِبٌ بَضْعَةَ النَّبِي عِناداً *** مُسْقِط للجنين مِنْ أَحْشَاها(2)

رامَ إِحْرَاقَ دَارِها وَ مِنَ اللَّهِ *** تَعالى تَطْهِيرُها قَدْ أَتَاهَا(3)

أسْخَطُوا المُصْطَفَى بما خالَفُوهُ *** في وَصايا قَاصٍ ودَانِ وَعَاها

كُمْ وَ كَمْ بِالبَتُولِ أوْصى جِهاراً *** حَيْثُ أَوْصَى إِلهُهَا بِوَلاها(4)

ص: 246


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- انظر كتاب كشف الغمّة ج1 ص498.
3- رام: قصد. و جاء في كتاب ذخائر العقبى ص24 في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب آية: 33] نزلت في خمسة في رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.
4- في كتاب اعلموا أني فاطمة علیها السلام لعبد الحميد المهاجر، ج2 ص739 قال: قال اللّه «تعالى» «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» التكاثر، 8. أخرج العلامة الألوسي قال و في رواية العياشي أن أبا عبداللّه علیه السلام قال لأبي حنيفة في الآية: ما النعيم عندك يا نعمان؟ فقال: النون من الطعام و الماء البارد، فقال أبوعبدالله : لئن أوقفك الله بين يديه حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه فقال أبو حنيفة من النعيم؟ قال: نحن أهل البيت علیهم السلام النعيم أنعم اللّه «تعالى» بنا على العباد و بنا ائتلفوا بعد أن كانوا أعداء و بنا هداهم إلى الإسلام و هو النعمة التي لاتنقطع والله «تعالى» سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم سبحانه به عليهم و هو محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم و عترته علیهم السلام(تفسير روح المعاني ج30 ص226 ). و كلمة «أهل البيت علیهم السلام» شمولها لفاطمة الزهراء علیها السلام بالأولوية و الأولية لكلتيهما ثم لأولادها الأئمة الطاهرين علیهم السلام فهي و أسرتها هم المراد ب- «النعيم في هذه الآية الكريمة (فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن، ص 246).

فَاطِمٌ مِنْ مُحَمَّدٍ بَضْعَةٌ بَلْ *** سَخَطِي سُخطها رِضَايَ رِضَاها(1)

فَاحْفَظُونِي يا أَيُّها النَّاسُ فِيها *** فَهِيَ القَصْدُ مَنْ وِ لاقُرباها

لَسْتُ أَنْسى لَمّا أَتَتْ وَ هْيَ ثَكُلى *** يَوْمَ بالإِرْثِ طَالَبَتْ مَنْ زَوَاها(2)

أشبَهَتْ أَحْمَداً أَباها بِمَشْيِ *** وَ حَكَتْهُ فِي نُطْقِهِ و حَکَاها

وَدَّعَتْ وَ العُيونُ عَبْرَى وَقَانِي *** الدَّمْعِ كَالمُعْصَراتِ يَرْوِي ثَراها(3)

أيّها النَّاسُ لاَتَخُونُوا عُهُوداً *** أَوْجَبَ اللَّه وَ الرَّسُولُ وَفاها

أَمِنَ العَدْلِ َكانَ غَصْبُكُمْ إِرثِي *** هَلِ المُصْطَفَى بِذَلِكَ فَاهَا؟

جئتُم بِالخِلافِ حَيْثُ نَبَذْتُمْ *** مابِهِ عَنْ إِلهِهِ جَاءَ طَه

أوْ مَا أَنْبَأَ الإلهُ بِهِ عَنْ *** إِرْثِ يَحْيى لِمَنْ أَرَادَ انْتِبَاها؟

هَلْ أَتَتْ آيَةٌ بِمَنْعِيَ أَمْ هَلْ *** خَالَفَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ أَبَاها؟

أَمْ سِوَانا أَدْرى بِمَا أَنزَلَ *** اللَّهُ بِصُحْفِ فِي بَيْتِنا أَوْحاها

ثُمَّ أَبْدَتْ لَهُمْ كِتابَ رَسُولِ *** اللَّه و في نِحْلَةٍ بِهَا قَدْ حَبَاها

فَنَفَوْها وَ كَذَّبوا فِتْيَةٌ قَدْ *** شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُمْ أَزْگاها

آهِ وا ذِلَّةَ الهُدَى بَعْدَ عِزّ *** وَ انْتِهَاكَ الأسْتارِ بَعْدَ رَخَاها

ص: 247


1- في كتاب كنز العمال ج12 ص111 عنه صلي اللّه علیه و آله و سلم: فاطمة علیها السلام بضعة مني، يسعفني ما أسعفها.
2- زواها: نحاها و منعها. و جاء فى كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: إنه (أبوبكر) كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا ؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها فقال مماذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقّه.
3- فاني الدمع: أحمره.

فَتَولَّتْ مَكْسُورَةَ القَلْبِ تَدْعُو *** بِأَبيها وَ هَلْ يُفيدُ دُعاها

يَا كَفِيلَ الأيتام أَبْدَتْ رِجَالٌ *** بَعْدَمَا غِبْتَ في الثرى شَحْنَاها(1)

غَصَبَ القَوْمُ نِحْلَتي وَ تُراثِي *** و عَليَّ الأيامُ صَبَّتْ بَلاَها

كُنتُ لاأَخْتَشِي عَظِيمَ الرَّزَايَا *** وَ أَنَا اليوم أنقي أَذْناها(2)

ص: 248


1- شحناء: العداوة التي امتلأت منها النفس.
2- ديوان الشيخ عبد الحسين شكر ص84.

(15) فريدة في معاليها

(بحر البسيط)

الأستاذ عبد العزيز العندليب(*)(1)

شَنْفٌ مَسامِعَنا في يَوْمِ ذِكراها *** بِاسْمِ البَتُولِ وَحَدِّثْ عَنْ سَجاياها(2)

مُبَيِّناً بَعْضَ بَعْضٍ مِنْ فَضَائِلِها *** وَ مُبْدِياً جُزْءَ جُزءٍ مِنْ مَزاياها

بِحَسْبِها أَنَّها الزَّهْراءُ فَاطِمَةٌ *** وَ أَنَّها بَضْعَةٌ لِلْمُصْطَفَى طه(3)

مَا لَيْلَةُ القَدْرِ إلا رمزُ رِفْعَتِها *** وَ الشَّمْسُ إلا شعاعٌ مِنْ مُحَيَّاها؟

وَ هي التي فاقَتِ النِّسْوانَ قاطِبَةً *** وَ لَم يَكُنْ لَها مَن فِي الفَضْلِ أَشبَاها

حَبيبَةُ الخَالِقِ البَارَي وَ مَنْ فُطِمَتْ *** مِنَ اللَّظى هِيَ مَعْ مَنْ قَدْ تَوَلآها

وَ اللَّهُ في مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ طَهَّرَها *** مِنْ كُلِّ رِجسٍ وَ صفَّاهَا وَ أَصْفاها(4)

وَ اللَّهُ كَرَّمَها وَاللَّهُ عَظَّمَها *** وَ اللَّهُ مَجْدَها وَ اللَّهُ أَعْلاها

وَ اللّهُ مِنْ جَوْهَرِ التَّقْدِيسِ أَنْشأها *** وَ في مَجالَي العُلى وَالنُّورِ سَوّاها

ص: 249


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25: سمّيت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت و تقطعت عما هو معتاد العورات في كل شهر، و لأنها ترجع كل ليلة بكراً. و سميت مريم علیها السلام بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً -شنف: زيَّن.
3- انظر ما ورد في كتاب كشف الغمة ج1 ص498: عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم.
4- في كتاب سنن البيهقي ج2 ص150: عن أم سلمة أنها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [سورة الأحزاب، آية: 33]. قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام.

لَهَا النَّبِيُّ أَبٌ وَالبَعْلُ حَيْدَرَةٌ *** أَبُو الأَئِمَّةِ وَالسِّبطانِ إِبناها

ماذا أَقُولُ وَفَوْقَ القَوْلِ رُتَبَتُها *** وَاللَّفْظُ يَقْصُرُ عَنْ إِدراكِ مَعْناها

واللَّهُ يَرْضَى بما تَرْضى بهِ وكَفَى *** فَضْلاً ويُؤْذِيهِ ما قَدْ كانَ آذاها(1)

وَالمُصْطَفَى بالعُلَى وَالْمَجْدِ أَوْلاها *** وَقَدْ دَعاها لَهُ أُمّاً فأَسْماها

حَوْراءُ إنْسِيَّةٌ عَذْراءُ زاكِيَةٌ *** فَرِيدَةٌ في مَعالِيها وَتَقْواها(2)

فَلَمْ تَكُنْ (هَاجَرٌ) يَوْماً وَإن عَظُمَتْ *** كَمِثْلِ فاطِمَةٍ قَدْراً ولا جاها

وَبِنْتُ عِمرانَ لا تَرْقَى وإِنْ بَلَغَتْ *** في الفَضْلِ ما بَلَغَتْ مِعْشَارَ مَرْقاها(3)

وَلَمْ يَكُنْ في بَني حَوّاءَ قاطِبَةً *** لَوْلا عَلِيٌّ لَها كُفْؤٌ فَيَغْشاها(4)

يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى الهادِي الّتي عَجِزَتْ *** عَنْهَا العُقُولُ وَفِيها الفِكْرُ قَدْ تاها(5)

صَلَّى عَلَيْكِ إِلهُ العَرْشِ مَا طَلَعتْ *** شَمْسُ الضُّحَى وَجَرتْ فُلْكُ بِمَجْراها

ص: 250


1- في كتاب ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 ص 72: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم لفاطمة علیها السلام: إن الرب يغضب لغضبك ويرضى لرضاكِ.
2- في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 12 ص 331، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدميّة لم تحض ولم تطمث وإنما سمّاها فاطمة علیها السلام لأن اللّه فطمها ومحبّيها عن النار.
3- في كتاب ذخائر العقبى ص 44 عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم قال: أربع نسوة سيدات سادات عالمهن، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة علیها السلام بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم، وأفضلهن عالماً فاطمة «سلام اللّه عليها».
4- في كتاب كنوز الحقائق للمناوي ص 241 ولفظه: لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة علیها السلام كفؤ، قال: أخرجه الديلمي.
5- في كتاب خصائص النسائي ص 36 روى بسنده عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم يخطب على منبره هذا وأنا يومئذ محتلم (أي أنه قد بلغ الحلم) فقال : إن فاطمة علیها اسلام بضعة منّي.

(16) يا كوثر الفضل

(بحر المجتث)

الأستاذ عبد العزيز العندليب(*)(1)

يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى طه *** يامَن بِها الفِكرُ قَدْ تَاهَا(2)

يا مَن غَدا العَقْلُ مَبْهُوتاً *** حَيْرانَ في دَرْكِ مَعْنَاهَا

يا مَن بَرَاهَا فَأَصْفَاهَا *** رَبُّ البَرايا وَزكّاهَا(3)

وَالمَجْدَ وَالعِزَّ أَوْلاَهَا *** وَالخَيْرَ وَالفَضْلَ أعطَاهَا

يا مَن إلهُ الوَرَى يَرْضَى *** لِكُلِّ مَنْ كانَ أرضَاهَا(4)

ص: 251


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث
2- إشارة إلى ما روي في كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر ص 107: إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يسرنّي ما يسرها.
3- براها: خلقها.
4- روي في كتاب الإصابة لابن حجر ج 8 ص 159: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم لفاطمة علیها السلام: إن اللّه يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ. وعن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول :[الفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ بين عينيه محباً. فتقول : إلهي وسيدي سميتني فاطمة علیها السلام وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول «عز وجل»: صدقت يا فاطمةعلیها السلام، إني سميتك فاطمة علیها السلام، وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحبّ ذريتك وتولاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه، فأشفعك ليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنة. بحار الأنوار/ ج 43 ص 14 ح 11.

رَيْحَانَةُ المُصْطَفَى الهَادِي *** عَمَّ الدُّنَى طِيبُ رَيّاهَا(1)

نالَت مِنَ الفَضْلِ أَقْصاهُ *** وَمِنْ ذُرَى المَجدِ أعلاَهَا

زَهْراءُ يا آيَةَ البارِي *** في (لَيْلَةِ القَدْرِ) أَجْلاَها(2)

يا أُسْوَةَ الخَيْرِ وَالتَّقْوَى *** لِكُلِّ مَن يَعْرِفُ اللَّهَ

قَدْ فُقْتِ كُلَّ النِّسا قَدْراً *** اللَّهَ ما أَعْظَمَ الجَاهَا

یا كَوْثَرالفَضْلِ وَالنُّعْمَى *** وافَی بِهِ رَبُّهُ طه

يَا مَن سَمَتْ في مَعالِيها *** وَأعجَزَ الوَهْمَ مَرقَاهَا

ما كانَ أعْلَى مَزَايَاها *** حَقّاً وَأَحْلَى سجَايَاهَا(3)

طُوبَى لِمَنْ قَدْ تَولاّهَا *** وَوَيْلُ مَنْ كانَ عادَاهَا

يا رَبِّ إِنّا تَوَجّهْنَا *** إِلَيْكَ في يَوْمِ ذِكرَاهَا

فآتِنا مِنْكَ ما نَرْجُو *** وَمِن مُنَى النَّفْسِ أَقْصاها

و (ديرةَ الخيرِ) فَاحْفَظْها *** وَفُكَّ يا رَبِّ أَسْرَاهَا(4)

ص: 252


1- الدنى: جمع الدنيا.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 40 ص 44 في حديث طويل عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم. فأضاف النور إلى تلك الروح وأقامها مقام العرش فزهرت المشارق والمغارب بنور فاطمة الزهراء علیها السلام، ولذلك سمِّيت (الزهراء علیها السلام) لأن نورها زهرت به السموات ...
3- سجاياها: طبائعها.
4- 5/ جمادى الثانية/ 1412 ه.

(17) لست أنسى البتول

(بحر الخفيف)

الشيخ عبد الله الوائل الأحسائي(*)(1)

قال هذه القصيدة في مدح ورثاء النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم وأهل بيته علیهم السلام. وقد جارى بها قصيدة الأزري، وعدد أبياتها (1524) بيتاً، وقد بدأها بالنّسيبِ على ما تعارفه غيره من سائر الشعراء:

هذِهِ رامَةٌ وَهذِي رُبَاهَا *** فَاحْبِسا الرَّكْبَ سَاعةً في حِمَاها(2)

وَأَنِيْخا بها المَطَايا وَمِيلاً *** لِلثَّرَى وَانْشُقَا أَرِيجَ شَذَاها(3)

وَقِفَا بي ولو كَلَوْثِ إِزارٍ *** عَلَّ نَفْسي تَنالُ منها مُناها

واسألالي طُلُولَها عَنْ ظُعُونٍ *** سَارَ قَلْبِي لِسَيْرِها وَتَلاَها(4)

وَأُؤَدِّي لَهَا يَسِيرَحُقُوقٍ *** مِنْ كَثِيرٍ وأَيْنَ مِنّي أَدَاها

بِمَغَانٍ حَوَتْ حِسَانَ غَوَانٍ *** تَتَوارى الشُّمُوسُ حَوْلَ ضِيَاها(5)

مِنْ ظِباءٍ کَوَانِسٍ بِخُدورٍ *** حَجَبَتْها لُيُوثُها بِظُبَاها(6)

ص: 253


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- رامة: مستنقع يجتمع فيه الماء، موضع في البادية.
3- أنيخا: أبركا. الأريج: مصدر أرج، يقال أرجَ أرجاً وأريجاً وتأرّجَ: فاضت منه رائحة طيّبة فهو أَرج. والشذا: قوة ذكاء الرائحة.
4- ظعون: رواحل.
5- المغاني: جمع مغنى: المنازل، يقال ضربت مبانيهم وخلت مغانيهم. الغواني: جمع غانية: هي المرأة المتزوجة، أو الجارية التي غنيت بحسنها وجمالها. تتوارى: تختفي.
6- يقال: تكنس الظبي: تغيِّب واستتر في كناسه، والكناس هو بيت الظبي وكنّى الشاعر هنا بالحسان من النساء المصونات في بيوتهن بالظباء الكوانس.

يا خَلِيلَيَّ لاتَلُوما خَلِيعاً *** خَلَعَتْ نَفْسُهُ غَرَامَ سِوَاها(1)

وَاسْعِدَانِي سُعِدْتُما في غَرَامِي *** إِنَّ خَيْرَ الصِّحَابِ أَهْلُ وَفَاها

أَوْدَعَاني بِها أَبُثُّ شُجُوناً *** كَلَّمَتْ مُهْجَتي حُدودُ مُدَاها(2)

أَنَا فيها مُتَيَّمٌ وَغَرَامِي *** شَاهِدٌ أَنَّنِي قَتِيلُ هَوَاها؟

كيفَ تَهْوَى المُلاَمَ نَفْسُ مُعَنًّى *** كَثْرَةُ اللَّوْمِ في الهَوى أَغْراها

مالِنَفْسِي ولِلسُّلُوِّ وَهَذَا *** دَمُها أَهْرَقَتْهُ سِرْبُ دُمَاها(3)

صَبَّرَتْهُ خِضَابَها لأَكُفٍّ *** وَخُدودٍ قَضَيْتُ مِنْ قُبْلاَها

لَسْتُ أَنْسى وَكَيْفَ أَنْسى زَمَاناً *** قَدْ تَجَلَّتْ أَيَّامُهُ بِصَفاها؟

إلى أن يقول:

وزَوى نِحْلَةَ البَتولِ وَعَنْ إِرْثِ *** أَبِيها النَّبِيِّ قَدْ أَقْصَاها(4)

وَعَلى دَارِها دَارَها حَرِيقَ *** النَّارِ في عُصْبَةٍ له أَغْراها(5)

ص: 254


1- الخليع: جمع خلعاء: الخبيث الذنب، أو الرجل يجني الجنايات يؤخذ بها أولياؤه فيتبرّأون منه ومن جنايته ويقولون: إنّا خلعنا فلاناً، فلا نأخذ أحداً بجناية تجنى عليه، ولا نُؤاخذ بجناياته التي يجنيها، وكان يسمّى في الجاهلية الخليع. ويطلق لفظ الخليع على الضعيف أيضاً، ولعلّه المراد للشاعر، ويريد أنّ نفسه ضعفت أمام حبّها ولم يستطع كتمه.
2- المُدى: جمع مُدية: وهي الشفرة، سُمِّيت كذلك لأنّ بها انقضاء المدى.
3- الدُّمى: جمع دمية: الصور المزيّنة فيها حمرة كالدم الصنم.
4- زوى: جمع وقبض. النِّحلة : العطيّة والهبة، والضمير يرجع إلى أبي بكر الخليفة الأول، وموضوع النحلة التي ذكرها الشاعر يرتبط بفدك التي أنحلها النبيّ لابنته فاطمة علیها السلام لأنها مما لم يوجف عليها بخيلٍ ولا ركاب، فهي خالصة له بعد أن صالحه اليهود على النصف منها ولهم النصف الباقي عوض عملهم فيها، فأعطى الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم ما له من فدك لابنته فاطمة علیها السلام، وكان ذلك في السنة السابقة لهجرة النبيّ صلی اللّه علیه و آله وسلم راجع موضوع فدك: (ابن أبي الحديد في كتاب الإمام علي علیه السلام لابن حنیف عند قوله «بلى، كانت في أيدينا فدك .. الخ»)، وانظر (معجم البلدان للحموي ج 4 ص 238) وغيرها.
5- حديث النار التي أضرمت بباب الزهراء علیها السلام مما استفاضت به الروايات والأخبار، انظر (الإمامة والسياسة لابن قتيبة)، وجاءت العبارة هكذا: (وإن أبا بكر(ره) تفقد قوماً تخلَّفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب علیه السلام «كرّم اللّه وجهه»، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي علیه السلام، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بیده لتخرجنَّ أو لأحرقنّ على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة علیها السلام، فقال وإن !!؟ انظر الكتاب المذكور ص 19 مؤسسة الحلبي - القاهرة.

أُمُّها أَدْلَمٌ وأَدْلَمُ لازالَ *** في كُلِّ فِتْنَةٍ أَوْلاها(1)

لا رَعَى اللَّهُ أَدْلَما أيُّ دارٍ *** رَاعَها بِاللَّظَى وما رَاعَاها(2)

تِلكَ دَارٌ عَزَّتْ لَدَى اللَّهِ شَأْناً *** وبِتَنْزِيلِ وَحْيِهِ قَدْ حَباها

تِلكَ دارٌ بها نَشَا أَصْلُ طُوبَى *** وَالبَرَايَا تَعِيشُ في أَفْيَاها(3)

تِلكَ دارٌ حَوَتْ نُفُوسا إِذَا مَا *** نُمِيَتْ لِلنَّبِيِّ كانَ انْتِماها(4)

وَهْيَ في الأَرْضِ خِيرَةُ اللَّهِ فِي الخَلْقِ *** وَاللُّطْفُ الخَفيُّ في إِبْقاها(5)

حَيْدَرٌ والبَتُولُ فَاطِمَةُ الطُّهْرُ *** وُغُرُّ الوُجوهِ مَنِ ابْناها

أَمِنَ العَدْلِ أَنْ تُشَبَّ عَلَيْها *** النَّارُ وَاللَّهُ قَدْ أَعزَّ حِمَاها؟

أيُّ نَارٍ أَورى عَلَيْها لأَمْرٍ *** حَسْبُهُ أَنَّهُ غَداً يَصْلاها(6)؟

تِلكَ نارٌ مِنْ وَقْدِها مَالِكُ النَّارِ *** عَلى أَهْلِها بِهِ أَوْراها

لَسْتُ أَنْسى البَتُولَ حينَ أَتَتْهُ *** وَمِنَ الرَّوْعِ قَدْ أُرِيعَ حِجاها

تَبْتَغِي رَأْفَةً فلم تَرَ الاّ مِنْهُ *** ضَرْباً بهِ وَهَتْ جَنَباها(7)

مِنْهُ أَلْقَتْ جَنِينَها وَهْوَ لَمَّا *** يَرْعَوِي مِن فَظِيعةٍ قَدْ نَحَاها(8)

وجَرى ما جَرَى بِحَيْدَرَةٍ مِنْ *** مُفْظِعَاتٍ لَمْ أَسْتَطِعْ إِمْلاَها

ص: 255


1- أدْلم: الحية السوداء.
2- اللظى: النار.
3- أفياها: أفياءها، أَيْ ظِلالها.
4- انتماها: انتماءها.
5- إبقاه: الأصل: إبقاءها خُفِّفتْ للضرورة كما فيما سبقها أو ما سيلحقها.
6- أوْرى: أَشعل، يصلاها: يدخلها ويشوى فيها.
7- وَهَتْ: ضَعُفتْ و أوهنتْ.
8- جنينها: هو محسن الذي أسقطته بسبب عصرة الباب.

يَا لَقَوْمِي مِنْ مِحْنَةٍ أَوْرَثَتْنا *** ثَلْمَةٌ لَيْسَ يَلْتَقِي طَرَفَاها

أَبهَذا أَوْصى النَّبِيُّ بأَنْ تُؤذَى *** ذَرُوهُ الكرام في دُنْيَاها؟

أَبِنَصُ الكِتَابِ قَدْ خَصَّها اللَّهُ ***بِهَذا دُونَ الوَرى وَقَلاها؟

وِلتَيْمِ الوَلاَ وَ رِجْسِ عَدِيٌّ *** وَ هُمَا الأشْقَيانِ في أشْقِياها

زَحْزَحًا صِنْوَهُ اللَّصِيقَ وَداقا *** بَعْدَهُ لِلبَتُولِ ما أَضْناها(1)

أَوَمَا قَالَ أَحْمَدُ الظُّهْرُ فيها *** فَاطِمٌ بَضْعَتِي مِرَاراً حَكَاهَا؟(2)

فَرِضَاها رِضَايَ في كُلِّ حَالٍ *** وأَذائِي مُسْتَجْلَبٌ مِنْ أَذاها

لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَجَرَّى عَلَيْها *** وَ رَعَى اللَّهُ مُؤْمِناً رَاعَاها

بِأَبي دُرَّةُ الجَلالَةِ في سُوقِ *** البَلاَيا بِهِنَّ كَانَ اشْتَراها

دُرَّةٌ قَدْ عَلَتْ لَدَى اللَّهِ شَأناً *** وَ بِحُسْنِ الحِفَاظِ تُسَامُ في بَلْوَاها(3)

بَعْدَمَا أُودِعَتْ لَدَى صَدَفِ الحِكْمَةِ *** أَضْحَتْ تُسامُ في بَلْوَاهَا

جَلِيَتْ بَيْنَ كُلِّ وَغْدٍ دَنِيَّ *** وَ عَزِيزٌ عَلَى الجَلالِ جَلاها

حَجَرُ الحِكْمَةِ الَّذِي مِنهُ سَالَتْ *** أَعْيُنُ أَنْعَمَ الوجودَ نِدَاها(4)

كُنيَتْ في الوَرَى بِأَمْ أَبيها *** حَسْبُها سُؤدداً بهِ وكَفَاها(5)

ص: 256


1- الصُّنو: الأخ الشقيق. داق: حَمِقَ، وداق الطعام: ذاقه و أداق القومُ به: أحاطوه، الدُّوق: الحمق، داق:هزِلَ.
2- هذا البيت يفيد قول الرسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم في فاطمة الزهراء علیها السلام و حيث إنه قال: (فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و يريبني ما أرابها). و جاء عن البخاري أيضاً بسنده إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: (فاطمة علیها السلام بضعة منّي يغضبني ما يغضبها). قال النبهاني: و في رواية «فمن أغضبها فقد أغضبني». راجع كتاب الإصابة ج4 ص366، و حلية الأولياء ج2 ص40، و سنن ابن ماجة ج1 ص644، و كنز العمال ج12 ص107 و 112، و الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122 ، و الإمامة و السياسة لابن قتيبة ص14، و مسند أحمد ج2 ص442.
3- تُسام: تُعرض، تُذلّ.
4- أَفْعَمَ: مَلأَ.
5- قال العلامة: ابن شهر آشوب (رحمه الله علیه)... و كناها أم الحسن و أم الحسين و أم المحسن علیها السلام و أم الأئمة، و أم أبيها. راجع المناقب ج3 ص357. و عن الأربلي قال: كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم يعظَّم شأنها و يرفع مكانها و كان يُكنّها بأم أبيها علیها السلام... راجع كشف الغمة ج1 ص462، و المستدرك للحاكم ج3 ص51 و 161، و جامع الأصول ج9 ص145، و مجمع الزوائد ج9 ص201 و 202، و كنز العمال ج13 ص674 و طبقات ابن سعد (1938م)، و حلية الأولياء ج2 ص39، 43 و أسد الغابة ج7 ص220.

فَطَمَتْ مَنْ أَحَبَّها مِنْ لظى النَّارِ *** وَ اللَّهُ فَاطِماً أَسْمَاها(1)

وَ بِزَهْرَاءٍ لُقِّبَتْ حَيْثُ أَنْ قَدْ *** أَزْهَرَ الكَوْنُ مِنْ جَمَالِ بَهَاها

بِأَبِي وَ البَنِينَ وَ النَّفْسِ مِنِّي *** أَفْتَدِيها وَ قَلَّ مِنِّي فِداها

يَوْمَ جَاءَتْ أَبا الشرورِ وَ فِيها *** قَبَسَاتُ الأَسَى تَشُبُّ لَظَاها(2)

قَدْ اَلَمَّتْ بِقَلْبِها زَفَراتٌ *** قَلَّبتْها على مَقَالِي جَوَاها(3)

زَفَراتٌ بِقَلْبِها كَرَبَتْ أَنْ *** تَنْسِفَ الكائناتِ في أَفْنَاها

لَكِنِ اللَّهُ بِالوَصِيِّ عَلِيٍّ *** وَ بِشِبْلَيْهِ وَ البَتُولِ وَقَاها

تَشْتَكِي وَ المُهَاجِرين مَعَ *** الانْصارِ قَدْ أَحْدَقَتْ به زُعماها(4)

وَ تُنَادِي بِهمْ وَ كُلُّ لَدَيْها *** مُظرِقٌ لايَعِي بَليغَ نِدَاها

ص: 257


1- مفاد هذا البيت يشير إلى ما جاء عن ابن عباس أنه قال : (لما وُلدت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم سماها المنصورة، فنزل جبريل فقال: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم اللَّه يقرئك السلام و يقرىء مولودك السلام و هو يقول: ما وُلد مولود أحبَّ إلي منها و أنها قد لقبها باسم خير مما أسميتها، سماها فاطمة علیها السلام لأنها تفطم شيعتها من النار). و للاستيفاء من هذا المعنى يمكن مراجعة، ميزان الاعتدال ج2 ص400 و ج3 ص439 و لسان الميزان ج3 ص267، و هناك أحاديث مستفيضة في هذا الشأن على من طلبها مراجعة المناقب للمغازلي ص221 و 229 الحديث 403 و الحديث 416، و ينابيع المودة ج2 ص19 و ص20 و كنزالعمال ج6 ص219.
2- الأسى: الحزن، اللظى: النار.
3- مقالي: المراد هنا: أعماق و المقالي : جمع المَقْل: أسفل البئر، ما يكون أسفل البئر من تراب، و حصى موضع المغاص في البحر.
4- إشارة إلى خطبتها علیها السلام بين المهاجرين و الأنصار و هي موجودة في الكثير من المصادر منها المحجة لابن طاوس ص124 و الجوهري البصري البغدادي في السقيفة، و فدك ص105. و تفصيلها في الجزء الأول فراجع.

أَيُّهَا النَّاسُ كَيْفَ أُظْلَمُ فِيما *** بَيْنِكُمْ نِحْلَتي وَ إِرْثِي شِفَاهَا

وَ بمَرْآكُمُ جَمِيعُ اهْتِضَامي *** مِنْ مُرِيدَيْنِ أَقْصَياني سَفاها(1)

أَبِهَذا أَوْصاكُمُ اللَّهُ فِينَا *** و أَبِي لي وَصِيَّتي أَخْفاها؟

وَ بِأَمِّ الكِتَابِ أَنْزَلَ «قُلْ لا» *** وَ هْيَ فينا وَ كُلُّكُمْ قَدْ تَلاها

وَ بِإِرِثِي يقولُ «يُوصِيكُمُ اللَّهُ» *** وَ كُلُّ الوَرَى بِهَذِي عَنّاها

لِمَ أَبْتُرُّ ما لَدَيْكُمْ تُراثِي *** وَذِهِ النَّاسُ أَوْرَثَتْ آباها؟(2)

أوْ تَقُولُونَ إِنَّنَا أَهْلُ دِينٍ *** لَيْسَ مِنْ دِينِكُمْ وَذَا أَدْهَاها

أَأَبِي قَالَ دِينُ آلِي فِيكُمُ *** مِلَةٌ وَحْدَها وَ دِينِي سِواها؟

أوْ تَقُولون إِنَّ آل النَّبِيِّينَ *** مِنْ بَيْنِها قَدِاسْتَثناها

آيَةٌ خَصَّتِ الأباعِدَ بِالإرْثِ *** وَ لِلآلِ نَضُها أَقْصَاها

أَوَمَا قَدْ أَتى بايَةِ دَاوُودَ *** بأَنْ قَدْ تَوَرَّثَتْ أَبْنَاها؟(3)

وَ بِأَخرَى مُذْ قَدْ دَعَا زَكَريَا *** رَبَّهُ دَعْوَةٌ له أَخْفَاها

أَوَمَا قَالَ رَبِّ هَبْنِي وَلِيّاً *** وَ جَمِيعُ الوَرَى وَعَتْ مَعْناها؟(4)

أَمْ هُما في الأَنامِ غَيْرُ نَبِيَّيْنِ *** لَهُمْ وَ النُّبُوَّةَ ادَّعَياها

وَ الكِتَابُ المُبينُ أَعْرَبَ عَنْ أَنَّهما *** مِنْ إِلهِهِ انْتَحلاها

أنْصِفُونِي فَإِنَّني ابْنَتُهُ دُونَ *** رِجالاتِكُمْ وَ كُلِّ نِساها

وَإِذا ما أَبَيْتُمْ غَيْرَ هَضْمِي *** لِمُضِلَّيْنِ بُلْغَتِي انْتَزَعاها

حَكَمَ اللَّهُ وَ الخَصِيمُ أَبِي والسِّجْنُ *** نَارٌ تَرَوْنَ حَرَّا أَصْطِلاها

ص: 258


1- أقصياني: أبعداني. سفاهاً: جهلاً.
2- ابْتُزَّ: سُلِبٌ قهراً.
3- هي قوله تعالى: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ» [سورة النحل، آية: 16].
4- هي قوله تعالى: «فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»[سورة مريم، آية: 6].

فَأَصَرُّوا وَاسْتَكبَرُوا اسْتِكْباراً *** كَالسُّكَارَىٰ وَ لَمْ يَعُوا دَعْواها

جَرَّعُوها مِنَ الجَفَا غُصَصاً قَدْ *** أَوْرَدَتْها بورْدِهِنَّ جَفاها(1)

يَا أَخِلَّايَ فَاعْجَبُوا مِنْ نُفوسٍ *** بَذَلَتْ جُهْدَها بِمَحْضِ جَفَاها

لم يَفِدْ وَ عْظُها بها وَ هُيَ فيها *** شَابَهَتْ بَعْلَها تُقَى وَ أَبَاها

وَ كَفَاهَا بِأَنَّها هِيَ إِحْدَى كُبَرٍ *** أَنْذَرَتْ بها عَنْ غَواها

قَدْ زَكَتْ ذَاتُها وَ لَوْلاً زَكَاها *** ما مِنَ الرِّجْسِ رَبُّها زَكَّاها(2)

وَ هيَ فيها مواقع لِنُجومٍ *** نُورُها مُشْرِفٌ عَلى أَرْجاها

قَدْ تَجَلَّتْ جَلالةُ اللَّهِ فيها *** لِلبَرايا فَطابَ فيها اجْتِلاها

فَهْيَ قرآنُهُ الكَريمُ وَ تَفْصِيلٌ *** لآياتِ الهُدَاةِ مِنْ أَبْناها

قَسَماً بالسَّمَا َو رَبِّ بَناها *** وَ مِهَادٍ مِنْ تَحْتِها قَدْ طَحاها(3)

وَ جِيادٍ ضَوايحٍ شامِسَاتٍ *** بِسُرَاتٍ تَدَرَّعتُ بإباها(4)

ص: 259


1- يا أخلاي: بمعنى يا أخلائي. بمحض: بخالص.
2- يشير إلى قوله «تعالى»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا». [سورة الأحزاب آية: 33] و لقد جاء عن طرق العامة و الخاصة ما يؤكد أن هذه الآية نزلت في أهل البيت من آل الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و هم الخمسة أصحاب الكساء فلقد ورد في صحيح الترمذي ج5 ص30 و ص328 مسند ابن حنبل و ج5 ص25 مستدرک الحاكم، عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم في بيت أم سلمة (رحمه الله علیه) فدعا النبّي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام فجللهم بكساء و علي خلف ظهره، ثمَّ قال: هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً. قالت أم سلمة و أنا معكم يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم قال: أنت مكانك و أنت على خير و للاطلاع على المزيد في هذا المضمار يُراجع كتاب صحيح الترمذي ج2 ص209 و ج2 ص308، و أسد الغابة ج 2 ص وج 4 ص 29 ومشكل الآثار للطحاوي ج 1 ص 335، ومستدرك الحاکم ج3 ص133 و ص146 وص147،و تهذيب التهذيب ج2 ص297.
3- مهاد: أرض، طحاها: بسطها.
4- الضوابح: الخيلُ في عدوها أسمعت من أفواهها صوتاً ليس بصهيل و لاحمحمة. الشامس من الخيل: الذي يمنع ظهره، و لايمكن أحداً من ركوبه أو إسراجه، و جمعه شُمُس وَ شُمْس.

وَ مَهارِ بِسَيْرِها رَاقِصَاتٍ *** وَ إِلَى البَيْتِ سَيْرُها وَ سُرَاهَا(1)

إِنَّ تلكَ النُّفُوسَ أَمْرَضَها الكُفْرُ *** وَ أَعْيَا الطَّبِيبَ منه دَواها

أنْفُسٌ ذُو الجَلالِ لَمْ يَخْلُقِ النّيرَانَ *** إلالَهَا لِكَيْ تَصْلاها

عُذْيَتْ مَنْ إلى الدَّواهِي وَ مِنْ *** أَخْلافِ أَخْلاقِهِ بما قَدْ دَهاها(2)

شَارَكَتْهُ بما جَنِّى وَ هُيَ مَعْ ذا *** تَدَّعِي أَنَّها أَصابَتْ هُداها

ما لها وَ الهُدَى وَفي ظُلْمَةِ الجَهْلِ *** أَبُوجَهْلٍ كُلّها أَهْواها

ذاتُ سُوءٍ تَذَوَّتَتْ كُلَّ ذاتٍ *** مِنْ ذَواتِ الصّلالِ مِنْ طِخْياها(3)

مُجْرِياً ظُلْمَهُ على كُلِّ نَفْسٍ *** مِنْ لَدُنْ آدمٍ إلى مُنْتَهَاهَا

ظُلُماتٌ أَبْعَاضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ *** وَ عَلَيْهِ اسْتَدارَ لُجُّ عَمَاها(4)

كَيْفَ يُرْجَى خَلاصُهَا وَ هْيَ مِنْهُ *** كُوَّةٌ تَسْتَمِدُّ مِنْهُ اسْتِواها

ضاقَتِ الأَرْضُ مِنْ دَواهِيهِ حَتَّى *** عُدَّ مِنْها لأَنَّهُ مُسْتواها

وَ مُذِ اسْتَكْمَلَتْ لَهُ دَرَكَاتٌ *** فِي لَظَى ثُمَّ آنَ أَنْ يَلْقاها

نَصَّ بِالأمْرِ في الخِلافَةِ لِلرِّجْسِ *** أَخِيهِ وَ عَنْ عَلِيٍّ لَوَاهَا

عَجَبٌ مَا أَتَى وَ أَيُّ عَجيبٍ *** وَ هْيَ حال قَدْ أَعْجَبَتْ مَنْ وَعاها

هُوَ بِالأمس مُنْكِرُ خِيرَةَ الرُّسل *** بِإِيصاء مَنْ لَهُ يُعْطاها(5)

ص: 260


1- سُراها: سيرها بالليل.
2- الدواهي: المصائب، نوائب الدهر.
3- تَذَوَّتتْ: اتصفت بالذات. طخياها: الطخياء من الليالي: المظلمة، الطاخية: الظلمة الشديدة.
4- لُجَ: مُعْظم.
5- يلمح إلى وصايا الرسول صلى الله عليه و آله و سلم بشأن خلافة الإمام علي علیه السلام و أبرزها خطبته في غدير خم المشهورة التي جاء فيها ما يلي (... يا أيها الناس إن الله مولاي و أنا مولى المؤمنين و أنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه -يعني علياً علیه السلام- اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. هذا لفظ الحديث عن الطبراني و ابن جرير و الحكيم الترمذي عن زيد بن أرقم و قد نقله ابن حجر عن الطبراني و غيره بذات اللفظ فراجع ص25 من الصواعق، و راجع خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام للنسائي ص93 ط الحيدرية و ص21 ط التقدم بمصر و ص35 ط بيروت. و المناقب للخوارزمي الحنفي ص93 ط الحيدرية، و الغدير للأميني ج1 ص30.

وَ هُوَ أَوْصى بها إِلَيْهِ وَ لَمَّا *** يَدَعَ النَّاسَ تَقْتَفِي أَهْواها

لَيْتَ شِعري أهذهِ سُنَّةٌ كانَ *** أزكى العِبَادِ قَدْ أَخْطاها؟

وَ هُوَ فيها اهْتَدى وَ أَحْمَدُ في النَّاسِ *** مِنْ قَبْلُ ضَلَّ عَمَّا أَتَاها

إِنْ تَكُنْ سُنَّةٌ مِنَ اللَّهِ فَاللَّهُ *** بِهِ لِلْعِبادِ قَدْ أَجْرَاها

وَمَتى أَبْصِرَ النَّبِيُّ دَعَا النَّاسَ *** لأَمْرِ و نَفْسُهُ يَنْهاها

يَا لَقَومِي لِمَاجَنَاهُ عَدِيٌّ *** مُذْ علی کَوْرِها اسْتَوی بِوَلاها(1)

فَلَكَمْ سُنَّةٍ بها عَفاها *** وَ أَبَاطيلَ قَدْ أَشَادَ بِنَاها

بَاذِلاً جُهْدَهُ بإِخفاءِ أَحْكامِ *** نَبِيَّ الهُدَى بِجَعْلِ سِوَاها

وَ بِآلِ النَّبِيِّ لازالَ يُغْرِيِ *** النَّاسَ مِنْ بُغْضِهِ عَلى بَغْضاها

مُسْتَطِيلاً بِحِفْظِها وَ إذا مَا *** أَمَّهُ مُعْضِلٌ أَبَانَ عُلَاها(2)

وَ مِرَاراً يَقولُ لَوْلاً عَلِيٌّ *** عُمَرٌ هالِكٌ كَثِيراً حَکَاها(3)

وَ هْيَ منه جَرَتْ بِغَيْرِ اخْتِيِارٍ *** لَكِنِ اللَّهُ مِنْهُ قَدْ أَبْدَاها

لِتَرَى فِرْقَةٌ قَدِ ائْتَمَنَتهُ *** دِينها أَنَّها عَدَتْ مَنْجاها

ص: 261


1- الكوْر: الجماعة الكثيرة أو القطيع من الإبل و البقر-هذا بالفتح- و أما بضم الكاف فهو موضع الزنابير أو مجمره من طين. و الكُور -بالضم أيضاً- رحل البعير- أو الرحل بأداته.
2- معضل: الأمر المشكل المستغلق.
3- و في هذا المعنى يقول الصاحب بن عباد: هل مثل قولك إذ قالوا مجاهرةً؟ *** لولا عليّ هلكنا في فتاوينا و هو قول عمر بن الخطاب (لولا علي لهلك عمر) فلقد تكرر مثل هذا المعنى عنه فلقد قال مرّة ... (لا أبقاني اللَّه بعد ابن أبي طالب)، و قال أيضاً (يا أباالحسن علیه السلام لاأبقاني اللَّه لشدةٍ لستَ لها في بلدٍ لستَ فيه) و للاطلاع على التفاصيل لمن أرادها يمكن مراجعة الرياض النضرة ج3 ص166 و ذخائر العقبى ص80-82 ، و تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ط بيروت (1981م) مؤسسة أهل البيت علیهم السلام ص134-138.

لَمْ يَزَل هكذا إلى أَنْ أَجابَتْ *** نَفْسُهُ في اللَّظى دَواعِي شَقَاها

ثُمَّ في صُحْبَةٍ أَشَارَ لِشُورَى *** فَأَشارَتْ بِبَغْيِها شُورَاهَا

أَنْ يكونَ الزَّعِيمُ فيها ابنُ عَفَّانَ *** وَ مَا أَبْصَرَتْ بِسَيْلِ خَطاها

جَعَلَتْ حَيْدراً بها وَاحِداً مِنْها *** وَ عَنْهُ قَدِ اسْتَدارَتْ سِفاها

لَمْ تَدَعْهُ بها سِوَى لِلمُمارَاةِ *** بِهِ فَاسْتَبانَ فِيه مُرَاها(1)

فَسَعَى نَعْثَلٌ بها سَعْيَ مَنْ كَانَ *** مِنْ قَبْلِهِ وَ بَعدُ جَفَاها(2)

وَ بِهَا قَرَّبَ الأباعِدَ مِمَّنْ *** كانَ طَهَ عن دِينِهِ قَدْ نَفاها

مِثْل مَرْوانَ وَ الطَّلِيقَ ابْنَ سُفيانَ *** مع آلِهِ وَ هُمْ طُرَدَاها

ثُمَّ أَفضَى لها الخِلافَةَ سِرّاً *** لِيَكِيدَ الهُدَاةُ مِنْ أُمَنَاها

فَاسْتَطالَتْ لها القُرودُ على الأشدِ *** وَ مَنْ قَبْلُ أَحْمَدُ قَدْ رآها(3)

وَ هْيَ تَنْزُو بِظُلْمِها فَوْقَ أَعُوادِهِ *** عَدْراً قَدْ حَمَّ مِنْها أَذَاها

بَلْ هِيَ الدَّوْحَةُ التي لَعَنَ اللَّهُ *** و فِي الذِّكْرِ مَقْتُهُ قَدْ عَناها

ماسمعناخَليفةً لِنَبِيَّ *** قَطُّ أَعْدَاهُ غِيرَةً أَدْنَاهَا(4)

ص: 262


1- المُماراة و المُرى: الجدال و النزاع و اللِجاجة.
2- نعثل: شيخ أحمق.
3- يشير إلى رؤيا رآها النبي صلي الله علیه و آله و سلم في بني أمية فلقد جاء في الدر المنثور... أخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي علیه السلام أن رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم أصبح و هو مهموم فقيل: مالك يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال: (إني أريتُ في المنام كأنَّ أمية يتعاورونَ على منبري هذا، فقيل: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم لاتهتم فإنها دنيا تنالهم فأنزل اللَّه «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ» و فيه عن ابن أبي حاكم عن ابن عمر أنّ النبي صلي الله علیه و آله و سلم قال: رأيتُ وُلدَ الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، فأنزل اللَّه في ذلك «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ»: يعني الحكم و ولده. راجع ج3 ص148 من تفسير الميزان للطباطبائي.
4- ديوان الوائل الاحسائي ج1 ص72.

(18) فضائل الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الأستاذة عزيزة صندوق

نُورٌ أَضَاءَ الكَوْنَ لايَتناهى *** باهَتْ بِطَلْعَتِهِ السَّماءُ وَ طَهَ

حَقَّتْ بِمَهْدِ النُّورِ أَفْضَلُ نِسْوَةٍ *** حَنَّتْ مَلائِكُ ربِّنا تَلْقاها(1)

وَ تَعطَّرَتْ أرْجاءُ مَكَّةَ وَ ازْدَهَتْ *** أَرْضُ الحِجَازِ بِهَا وَ طَابَ ثَراها

أَلحورُ تُهْرِقُ كَوْثَراً مِنْ خُلْدِها *** وَ اللَّهُ أَحْسَنَ صورَةٍ أَعْطاها(2)

اللَّهُ أَكْبَرُ فاطِمٌ قَدْ أَقْبَلَتْ *** مَلأ الدُّنا وَ الخافِقَيْن سَناها

صِيغَتْ مِنَ الأَنْوَارِ تُبْهِرُ مَنْ رأى *** فَأَتَتْ فَريدَةَ دَهْرِها بِبَهاها

في يَوْم مَوْلِدِها السّلامُ لِفَاطِمٍ *** وَ مَحَبَّةٌ مِنْ مُهْجَتِي أَقْراها

رُبِّيتِ في كَنَفِ النُّبُوَّةِ و التُّقى *** تَحْمِيكِ عَيْنُ خَديجَةٍ وَ دُعاها

تَرجو إله العرشِ حِفْظُكِ مِنْ أَذِى *** وَ هُوَ العَلِيمُ بهَمْسِهَا وَ هَواها

ص: 263


1- (الأبيات التي تليه) في كتاب أمالي الصدوق، ص475. «... لاتحزني يا خديجة علیها السلام فإنا رسل ربك إليك و نحن أخواتك أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أُخت موسى بن عمران بعثنا اللَّه إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء. فجلست واحدة عن يمينها و أُخرى عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها فوضعت فاطمة علیها السلام طاهرة مطهرة. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبق في شرق الأرض و لاغربها إلا أشرق فيه ذلك النور و دخل عشرة من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة و إبريق من الجنة و في الإبريق ماء من الكوثر...».
2- تُهرِق: تُريق.

تَرويكِ مِنْ فَيْضِ المَحَبَّةِ نَهْلَةً *** وَ تَشُمُّ نَحْرَكِ كَيْ تَبَلَّ صَدَاها(1)

وَ مُحَمَّدٌ يُؤْوِيكِ بَيْنَ ضُلُوعِهِ *** وَ النَّفْسُ تَسْكُنُ إذ رأَتْ مَأَواها(2)

شَرَفٌ تَفَضَّلَتِ السّماءُ بِمَنْحِهِ *** خَيْرَ النّساءِ فَتُوجَتْ بِعُلاها

هِيَ كَوْثَرٌ حُورِيَّةٌ صِدِّيقَةٌ *** بَلَغَتْ كمالَ الخَلْقِ في مَحْياها

مَنْ كَالبتول بِنُسْكِها وَ عَفَافِها *** مَنْ مُثلُها في زُهْدِها وَتُقاها؟(3)

مَنْ هاجرتْ وَالدِّينُ قائِدُ رَكْبِها *** وَ البِشْرُ وَ الإيمانُ في مَسْراها؟

مَنْ قَدَّمَتْ للدِّينِ خِيرَةَ وُلْدِها *** أَعْطَتْ وَ لَمْ تَغْتَر فِي دُنْيَاهَا؟

عِلْمٌ و حِلْمٌ عِفَةٌ وَ مُروءَةٌ *** وَ الصَّبْرُ في اللأَوَاءِ بَعْضُ سَماها(4)

لاغَرْوَ إِنْ هِيَ كَابَدَتْ أَوْ عُذِّبَتْ *** فَالنَّصْرُ لِلإِسْلام كُلُّ مُناها

العِلْمُ يَنْهَلُ صافياً مِنْ نَبْعِهِ *** وَ الوَحْيُ يَهْبِطُ كَيْ يُعَلِّمَ طَه

فسَقاهُ ربِّي مِنْ بُحورِ عُلومِهِ *** وَ مُحَمَّدُ لِبَتُولِهِ لَقَّاها

وَ اخْتَارَ رَبُّ العَرْشِ أَفْضَلَ خَلْقِهِ *** فَامْتَازَ رَبِّي بَعْلَها وَ أَباها

قَدْ بَارَكَ الرّحمن آل المُصْطَفَى *** فَمُحالُ أنْ تَلْقَى لَهُمْ أَشْباها

ص: 264


1- صداها: المُراد هنا: عطشها.
2- جاء في «حلية الأولياء» ج6 ص123: «كان يعجبه صلي الله علیه و آله و سلم و إذا قدم أن يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين ثم خرج فأتى فاطمة علیها السلام فبدأ بها قبل بيوت أزواجه فاستقبلته فاطمة علیها السلام و جعلت تقبل وجهه وعينيه».
3- جاء في كتاب مسند فاطمة علیها السلام للسيوطي، ص8 و الدر المنثور ج6 ص261: «عن جابر أن رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم رأى على فاطمة علیها السلام كساء من أوبار الإبل و هي تطحن فبكى و قال: يا فاطمة علیها السلام إصبري على مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً، و نزلت: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى».
4- في كتاب الأصول من الكافي، ج1 الأول ص460 ح6 ط الرابعة (1401 ه-) دار صعب و دارالتعارف -بيروت. «...عن أبي جعفر علیه السلام قال: لما ولدت فاطمة علیها السلام أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم فسماها فاطمة علیها السلام ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث. ثم قال أبوجعفر علیه السلام: واللَّه لقد فطمها اللَّه بالعلم و عن الطمث في الميثاق».

وَ مُقَدّرٌ في عِلْمِ غَيْبِ إلهِنا *** هُمْ سادَةُ البَطْحاء مُنْذُ دَحاها(1)

زَهْراءُ رُوحِي وَ هْيَ بَضْعَةُ أَحْمَدٍ *** يَأْوِي لها يُؤْذِيهِ مَنْ آذاها(2)

أَعْطَتْ سِنينَ حَياتِها إِسلامَها *** وَ يَزِيدُ عَنْ ذاكَ العَطَاءِ جَزاها(3)

فَسَقَى هَوَاهُ دَماً لِفِلْذَةِ قَلْبِها *** وَ رَمَى بِظَاهِرِ جِلَّقٍ أسْراها(4)

لالَنْ تَكونَ فواطم أسطورَةٌ *** أَوْ صَفْحَةٌ كَفَّ القَضَاءِ طَواها

يَكْفِي لفاطِمَ أَنْ نَقولُ بِمَدْحِهَا *** لَمْ يَبْقَ دينُ مُحَمّدٍ لَوْلاها

يا آيةٌ حَوَتِ الفَضَائِلَ كُلَّها *** مِنكِ القَصَائِدُ أَلْحَمَتْ مَعْنَاها

فَفَضَائِلُ الزّهراءِ يُعْيِي حَصْرُها *** عَبَثاً يُحَاوِلُ مُدَّعِ إِحْصاها(5)

مَهمَا وَصَفْتُ فَإِنْ شِعْرِي قاصِرٌ *** فَالوَصْفُ يَعْجَرُ عَنْ بُلوغٍ مَداها

لالَنْ تَكُونَ كما ادعى أَعْداؤُها *** زَهْرَاءُ أَعْظَمُ أَن يُنالَ عُلاها

فَوَلاؤُها فَرْضٌ بِأَعْناقِ الوَرى *** وَ قُلوبُنا لاتَرْتَضِي بِسِوَاها(6)

امنَحْ إلهي رَحْمَةً أَبْناءَها *** شَفَعْ بِنَا يَوْمَ الحِسَابِ أَباها

أَیْتَامُها نَحْنُ الضُّعَافُ وَ حِزْبُها *** لَمْ نَدْرِ ما دَرْبُ الهُدى لَوْلاها

کَمْ زادَنا عزّاً بِفَاطِمَ عِنْدَما *** أُمّاً لِنَفْسِ مُحَمّدٍ أَسْماها

ص: 265


1- دحاها: خلقها و سوَّاها مَدْحيّة.
2- في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص25 ط2 -مؤسسة الوفاء. «...و قد قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، و من آذاها بعد موتي کمن آذاها في حياتي. و من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه و هو قول اللَّه: «إن الذين يؤذون الله ورسوله».
3- يزيد: هو يزيد بن معاوية «لعنه اللَّه علیه».
4- الجلّق: جلَّق بالشيء رمى به و جلَّق و جلَّق: دمشق و غوطتها.
5- إحصاها: إحصاءها.
6- جاء في كتاب دلائل الإمامة، ص 28 ط الثالثة/ منشورات الرضي: «... و لقد كانت مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن و الإنس و الطير و الوحش و الأنبياء و الملائكة...». انظر کتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص172 ح1.

مُهُمَا أَقمْنا فَالحَيَاةُ هُنَيْهَةٌ *** وَ الرُّوحُ رَاجِعَةً إِلَى مَوْلاها

وَاللَّهُ أَنْزَلَ في جَليل كِتَابِهِ *** نَفْسُ الشقاوةِ خابَ مَنْ دَسّاها

أمَّا التَّقيُّ ففي النَّعيمِ مُقامُهُ *** قَدْ فَازَ كُلُّ مُوَحَدٍ زَكَّاها

فَمُبَارَكٌ يا آلَ أحْمَدَ عَيْشُكُمْ *** فَنُفُوسُكُمْ وَجَدَتْ هُناكَ حماها

فالصدرُ في دار الخُلُودِ لأَحْمَدٍ *** وَ يَطُوفُ حَيْدَرُ حَوْلَهُ وَ ابْنَاها

رَبَّاهُ عَهْداً لَنْ نَحِيدَ بِخُطوَةِ *** لنُتَابِعَنَّ السَّيْرَ في مَسْراها

فَحَيَاتُها مِنْهاجُنا وَ نَجَاتُنا *** وَ مَدَى الحَياةِ سَنَقْتَدِي بِهُداها

مَنْ يُرْضِها يَظْفَرُ بِجَنَّةِ رَبِّهِ *** فَرِضا البتولةِ مِنْ رِضَا مَوْلاها(1)

ص: 266


1- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص554 ط الثالثة/ مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف: «...يا علي علیه السلام إني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام و كذلك ربي و الملائکة... ثم واللَّه يا فاطمة علیها السلام لاأرضى حتى ترضي ثم لاأرضى حتى ترضي».

(19) بنت خير نبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الشيخ علي بن حسن الجشي

كُلُّ نَفْسٍ لَمْ تَتَّبِعْ أَهْواها *** أَدْرَكَتْ في المعادِ أَقصى مُناها

وَ لَقَدْ نَوَّهَ النَّبيُّ بِذِكْرَى *** فاطِمِ وَ ارْتِضائِها وَ اجْتِباها

فَتَوَلَّوْا مُسْتَكْبِرِينَ كَأَنْ *** لم يَسْمَعُوا مَدْحَها وَ طِيبَ ثَناها

صَغَّرتْ قَدْرَها و قَدْ شاهِدَتْ مِنْ *** جُمَلِ الفَضْلِ جُمْلَةً لاتَناهى

وَرأَوْا عِزّةً لَهَا لَمْ تَنَلُها *** ذاتُ عِزّ في العالَمينَ سِواها

وَ هْيَ مَخدومَةُ المَلائِكِ كُلِّ *** فَخْرُهُ أَنْ يَنَالَ مِنْها رِضاها

كَيفَ لا وَهْيَ بِنْتُ خَيْرِ نَبِيَّ *** سَادَ مَنْ في سمائها وَثَراها

ضَرَبَ الدَّهْرُ ضَرْبَةً فإذا النّارُ *** تَلَظَّى ظُلماً بِبَابِ فِناها

لَمْ يَرَوا حَرْقَهُ بِمَنْ فيه أمراً *** مُنْكَراً فِعْلُه وَ عَنْهُ تَناهى

وَ عَلَيْهَا فِي بَيْتِها وَ هْيَ حَسْرَىٰ *** هَجَمُوا أَسْقَطُوا جَنِينَ حَشاها

لطَمُوا الخَدَّ لطْمَةً أَوْرَثَتْها *** حُمْرَةَ العَيْنِ لَيْتَ نَفْسِي فِداها

كَسَرُوا الضِّلْعَ وَرَّمُوا المَتْنَ وَ الجَنْبَ *** بِضَرْب السِّياطِ ما أَجْفاها!(1)

ص: 267


1- في كتاب سليم بن قيس ص40: و قد كان قنفذ «لعنه اللَّه علیه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه و بين زوجها- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت علیها السلام من ذلك شهيدة.

يَا بِنَفْسي مَحْرُومَةٌ مِنْ تُرَاثٍ *** مِنْ أَبيها وَ نِحْلَةٍ أَعْطاها(1)

فَأَتَتْ مَسْجِدَ النَّبِيِّ بِعَيْنٍ *** ماؤها لم يَقُمْ بإطفا جَواها

ثُمَّ أَنَّتْ بِأَنَّةٍ أَجْهَشَ القَوْمُ *** لها بالبُكا وَ هُمْ أَعْداها

فتأَنَّتْ عَنِ المَقالِ إلى أَنْ *** سَكَنُوا مِنْ نَشِيجِهِمْ لِبُكاها(2)

ثُمَّ أَلْقَتْ مَقَالة حار فيها *** حُكَماها وَ أَخْرَسَتْ بُلغاها

وَ أَبانَتْ هُنا لِكُمْ حِكْمَةَ التّكْوِین *** لِلْخَلْقِ وَ افْتِراضِ وَلاها

وَ تَجلّى الحَقُّ الصُّراحُ عِياناً *** و رَأَوْهُ كَالشَّمْسِ رَأْدَ ضُحاها(3)

فَطَوَوْا كُلَّ حُجَّةٍ نَشَرَتْها *** بِحَدِيثِ مُخَلَّقٍ بِافْتِراها

وَ اسْتَغانَتْ بِالمُسْلِمِينَ فَأَغْضَى *** الكُل عَنْها وَ لَمْ يُلَبُوا نِداها

أهْيَ تَشْكُو مِمَّنْ سِواها إِلَيْها *** أَمْ إِلَيْهَا مِنْها المتدت شَكْواها!

لَسْتُ أَنْسى عِتابَها لِعليِّ *** حينَ آبتْ مَرْغُومة بِجَواها

أنْتَ مَنْ وَ ابْنُ مَنْ ويُعْصَبُ حَقي *** بأباطِيلِها وَ أَنْتَ تَراها؟

وَ أَبوك الحامِي أَبِي مِنْ قُرَيْشٍ *** حِينَ هَمَّتْ به بماضِي شَباها(4)

وَ بِمَاضِيكَ كَمْ كَشَفْتَ كُروباً *** عَنْهُ إِذْ فرَّ صَحْبَهُ في وَغاها

أنتَ سيفُ الإلهِ ضارِبُ عَمْروٍ *** ضَرْبةٌ فَخْرُهَا لِيَوْمِ جَزاها

كَيْفَ لم تَحْمِني مِنَ القَوْمِ بالسَّيفِ *** وَ شَأْنُ الرجالِ تَحْمِي نِساها

كُنتُ في عِزّة على بابِ داري *** يَطْلُبُ الإذنَ والدي إن أتاها

ص: 268


1- في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362 أنه (أبوبكر ) كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر: فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها فقال: مماذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى. ثم أخذ عمر الكتاب فشقّه.
2- نشيجهم: صوتهم أثنا البكاء.
3- رَأد: رَأد الضحى هو وقت ارتفاع الشمس و انبساط الضوء.
4- ماضي شباها: الماضي هو القاطع و الشبا من السيف قدر ما يقطع به.

وَ بِمَرْأَى وَ مَسْمعِ مِنْكَ قَهْراً *** دَخَلُوا حيثُ لاخِمارَ فِناها(1)

وَ تَحَمَّلْتُ مِنْهُمُ فيكَ ما لَمْ *** أَسْتَطِعْهُ وَ مَا كَفَفْتَ أَذاها

لَيْتَني مُتُّ قَبْلَ ذُلّي وَمَنْ لَمْ *** تَرْتَضِ الذُّل كان فيه مُناها

لاتَخَلْ عَنْبَها عَلَى المُرْتَضى عَنْ *** سُخْطِ فِعْلٍ أَتاهُ لاوعُلاها

كَيْفَ لَاتَرْتَضِي فِعال عليَّ *** وَ هُوَيَقْفُو في كُلِّ فِعْل أباها؟

هِيَ مَنْ يَسْخَطُ الإِلهُ وَ يَرْضَى *** عِنْدَ سُخْطٍ مِنْهَا وَ عِنْدَ رِضاها

أترى يَسْخَطُ الإله وَ يَرْضى *** لِرِضاها لو كان عَنْ أَهْواها

يا بِنَفْسي عَلِيمَةً كَانَ فيما *** صَنَعَتْهُ أَحْيا شَريعَةَ طه

كَشَفَتْ عَنْ سَرائِرِ القَوْم فيما *** فَعَلَتْهُ وَ بَانَ خُبْثُ انْطِواها

وَ لِسُخْطٍ مِنْهَا عَلى القَوْمِ أَوْصَتْ *** لِعَليَّ بدَفْنِها في دُجاها(2)

فَهُنَاكَ ازْدادوا عُنُوا وَ هَمُّوا *** مِنْ عِنادِ أن يَنْبُشُوا مَثْواها(3)

ص: 269


1- خمار: الستر عموماً أو ما تغطي به المرأة رأسها.
2- دجاها: ظلمتها.
3- ديوان الشاعر ج1 ص92.

(20)من أي باب

(بحر البسيط)

الأستاذ علي عبد اللطيف البغدادي(*)(1)

من أيِّ بابٍ يراعُ المدحِ يدخلها؟ *** من ألف بابٍ بإحداها تكاملُها

و كيفَ لاشيء يأتي الشيء أجمعهُ *** و كيف يدرك مغزاها مُبَجّلها

و كيف يُدرِكُ عمقَ البحرِ ساحلُهُ *** و هي البحارُ و ما بانت سواحلُها؟

بل كيف يجرؤ حرف أن يكلِّمَها *** و أحرفُ اللَّه (بالتطهيرِ) تحملُها؟

ص: 270


1- (*) هو الشاعر علي الشيخ عبد اللطيف البغدادي و يلقِّب ب- علي العراقي. ولد في بغداد عام (1965م) و عاش فيها حتى عام (1999م) ثم غادر العراق و توجه نحو كل من الإمارات و الأردن و سوريا -دمشق حيث استقر فيها، و ما زال يقيم فيها و يمارس فيها العمل الصحفي. نظم الشعر بشكل مستمر مع الدراسة الحوزوية التي بدأ بها منذ عام (1998م) في بغداد. كما عمل في التدريس بعد تخرجه إضافة إلى التكسب. حاصل على بكالوريوس مترجمة للغة الانكليزية من الجامعة المستنصرية كلية الآداب للعام الدراسي (1989 م 1990م). أصدر مجموعته الشعرية الأولى في العراق نهاية عام (1999م) بعنوان (شظايا مورقة) و هي مجموعة قصائد ولائية و وجدانية و سياسية. صدرت له مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «سقف ركام» و هي من طبع و إصدار إتحاد الكتاب العرب في دمشق. نشر معظم قصائده في الصحف السورية و العراقية و غيرها عُرف بالشعر الولائي و شاعر أهل البيت علیهم السلام منذ كان في العراق و حتى في دمشق و معظم شعره لخدمة الدين الإسلامي و شخصياته العظيمة. لديه عشرات المشاركات و القراءات الشعرية في بغداد و المحافظات العراقية و الإمارات و الأردن و سوريا حيث ألقى و نشر معظم شعره.

وما يُقالُ لمن في «هل أتى» عظمتْ *** و «قل تعالوا» بها حقتْ منازِلُها

لكنّها قطرةٌ من فيضِ وابلِها *** و قولةٌ هام بالزهراءِ قائلُها

عسى شفاعتُها في الحشرِ تشملُهُ *** إذ خيرُ (مدخل صدق) لهوَ مدخلُها

و تلك قربان روحٍ علِّ تقبلُها *** وَ أدمعٌ من ضميرٍ جلِّ مُنْزِلُها

مولاةُ كل نساءٍ الكونِ أجمعِهِ *** فما على الأرضِ حوّاءٌ تُشاكلْها

فكلُّ مقولِ حمدٍ حينَ يحمدُها *** يعيا فكلُّ صفاتِ الحمدِ تشملُها(1)

هي البيانُ بلانطق فإنْ نَطَقَتْ *** فالحقُّ ترسلُهُ شمساً و يرسلُها

بتولُ صديقةٌ زهراءُ طاهرةً ***حوراءُ إنسيّةٌ تمّتْ فضائلُها

شفيعةٌ لمواليها مشفّعةٌ *** بأي وجهٍ مُعاديها يُقابلُها؟

يرضى الإلهُ إذا ترضى ووالدُها *** و النارُ موعدُ من بالفضلِ يغفلُها

فويلُ من قد بكتْ من غدرهِ الَمَاً *** و ويلٌ مَنْ بضعةُ المختارِ يخذُلها

و لا يجوزُ صراطَ اللَّه مبغضُها *** بها الجنانُ عِبادُ اللَّه يدخلُها

ص: 271


1- يعيا: يعجز.

(21) هره معدن العطاء

(بحر الخفيف)

الشيخ فرج العمران القطيفي(*)(1)

هِيَ شَمْسٌ رِدا الكمالِ تَرَدَّتْ *** وَ بِبَحْرِ النُّورِ الإلهي مُدَّتْ(2)

وَ لإصلاحِ كُلِّ شَيْءٍ أُعِدَّتْ *** هِيَ شَمْسُ شَمْسُ النَّهَارِ اسْتَمَدَّتْ

فاسْتَنَارَتْ أفلاکُها بِضِياها(3)

هذِهِ مَعْدِنُ العَطا و التَفَضُّلْ *** مَنْ بها يَنْفَعُ الرِّجا و التَّوَسُّلْ

للّذي اخْتارَها نجاةٌ إِلَى الكُلْ *** هذِهِ فاطِمُ البَتُولَةُ أُمُّ(4)

الأَوْصِيَاءِ الكِرَام بَضْعَةُ طه(5)

ص: 272


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- ردا الكمال تردّت: لبست رِداء الكمال و الرداء ما يُلبس فوق الثياب كالعباءة والجبة.
3- في «البرهان» ج1 ص392 ح5. «...ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیها السلام فخلق منه السماوات و الأرض فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة علیها السلام و نور ابنتي فاطمة علیها السلام من نور الله و ابنتي فاطمة علیها السلام أفضل من السماوات و الأرض... فأخرج اللَّه من نور ابنتي فاطمة علیها السلام قناديل فعلّقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات و الأرض ثم أشرقت بنورها فلأجل ذلك سميت الزهراء علیها السلام...». انظر: بحار الأنوار ج15 ص10 ح11، ج37 ص83 ضمن ح51.
4- في المناقب ج3 ص330/ ط المطبعة العلمية -قم يوضح المعنى: «...سمیت مريم بتولاً لأنها بتلت عن الرجال و سميت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها بتلت عن النظیر».
5- في «ذخائر العقبى» ص37/ ط مؤسسة الوفاء -بيروت. «... إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: إن فاطمة علیها السلام بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».

هذِهِ مَنْ بِبَيْتِها الوَحْيُ أُنْزِلْ *** وَلَدَيْها الأَمْلاكُ تَرْقَى وَتَنْزِلْ

هذهِ مَنْ لِلدِّين مَأْوَى وَ مَعْقِلْ *** زَوْجَةُ المُرْتَضَى عَلِيٌّ أَميرِ

الْمُؤْمِنِينَ الكَرارِ حامِي حِماها(1)-(2)

ص: 273


1- «...لما خرج مرحب برجله بعث النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم و أبابكر برايته مع المهاجرين في راية بيضاء فعاد يؤنب قومه و يؤنبونه، ثم بعث عمر من بعده فرجع يجببن أصحابه و يجبنونه حتى ساء النبي صلي الله علیه و آله و سلم ذلك ، فقال صلي الله علیه و آله و سلم: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله و رسوله ويحبّه الله و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم كراراً غير فرار يأخذها عنوة». انظر: «المناقب لابن شهر آشوب» ج3 ص127.
2- شعراء القطيف، ج1 ص26.

(22) جز الفؤاد

(بحر الخفيف)

الشيخ قاسم محيي الدين

كَيْفَ تَنْسَى مُصَابٌ بَضْعَةِ طَه *** إذْ دَهَاهَا مِنَ الأَسَى مَا دَهَاهَا؟(1)

أَنْحَلَتْ جِسْمها الرّزَايَا فَأَبْدَتْ *** لَهُفَ نَفْسِي لِمَا بِهَا شَكْوَاهَا(2)

وَ أَقَامَتْ بِهَا الدَّوَاهِي كُرُوباً *** لَمْ يُطِقُ حَمْلَ بَعْضِهِنَّ سِوَاهَا

وَبِها الحُزْنُ مُنْذُ شَبَّ زَفيراً *** مُصْعِداً صَوْبَ الدّموعِ مِيَاهَا

فَهيَ رَهْنٌ لِلْمُرْجِفَاتِ الَّتي قَدْ *** أَوْقَدَتْ نَارَها وَ أَبْدَتْ أَسَاهَا(3)

قَدْ أَبَى قَلَبُها السُّلُوَّ فَأَمْسَتْ *** وَ هْيَ حَرَّى الفُؤَادِ تَنْعَى أَبَاهَا

أَحْرَقَتْها أحْشَاؤُهَا حَيْثُ قَدْ *** أنْفَذَتِ الدَّمْعَ فِي سَبِيلِ بُكاها

وَدَهَاهَا القَضَا بِكُلِّ مُلِمًّ *** مُؤلم و الجَوَى أَبَادَ قُواها

أَوْ هَنَتْهَا الخُطُوبُ لمّا رَمَتْها *** بِعَظِيمِ الأسَى وَ طُولِ عَنَاهَا

فَكَانَّ الهُمومَ نَبْلُ فِسِيِّ *** وَ كَأَنَّ المَرْمَى لَهَا أَحْشَاهَا

شَابَ مِنْها الوَرْدَ الرِّدَى بِرَزَايَا *** شَابَ مِنْها لَمّا دَهَت فَوْدَاهَا(4)

وَ عَرَاهَا الوَجْدُ المُبَرِّحُ قَسْراً *** لَهْفَ نَفْسِي لِفَرْطِ وَجْدٍ عَرَاها

ص: 274


1- دهاها: دهاه الأمر: أصابه.
2- الرزايا: جمع رزيّة و هي المصيبة.
3- المرجفات: الأخبار الكاذبة.
4- فوداها: الفودان جانبي الرأس.

ذَابَ مِنْها فُؤَادُهَا وَحَشَاهَا *** لَمْ يَزَلْ مِنْ جَوَاهُ رَهْنَ لَظَاهَا

أحْرَقَتْها نَيْرانُهَا فَأَذَالَتْ *** أَدْمُعاً تُشبه الحَيَا عَيْنَاهَا

إِنَّ فِي قَلْبِها جِرَاحَاتِ حُزْنٍ *** لَيْسَ تَوْسَى وَ قَدْ أَطَالَتْ أَسَاهَا

لَوْ تَرَاهَا وَ هيَ الشَّجِيَّةُ حُزناً *** وَ مُمِضُّ الأسْقامِ قَدْ أَضْنَاهَا

وَ هيَ تَبْكِي بَكَاءَ فَاقِدَةِ الصَّبْرِ *** لِمَا قَدْ أَلَمَّ عَزَّ عَزَاهَا(1)

شَأْنُها النّوْحُ مُذْ يَدُ الخَطْبِ شَجُواً *** فَدَحَتْ نَارَهَا بِزِنْدِ جَوَاهَا

حَرُّ قَلْبِي لَهَا وَ قَدْ أَسْلَمَاهَا *** لِمُلِمٌ مِنَ الأَسَى جِبْتَاهَا

أَبْعَداهَا عَنْ فَيْنِهَا غَصَبَاهَا *** نِحْلَةَ المُصْطَفَى وَمَا وَرَّثَاهَا

قَصَدًا دَارَهَا عِنَاداً وَ حِقْداً *** بِأَفَاعِيلٍ مُنْكَرِ أَضْمَرَاهَا

أَحْرَقَا بَيْتَها وَ قَدْ أَسْقَطَاهَا *** مُحْسِناً بِالَّذِي بِهِ روّعَاهَا

كَسَرَا ضِلْعَهَا مُذِ انْتَهَزَاهَا *** فُرْصَةً بَعْدَ أَنْ أَبَاحًا حِمَاهَا

نَثَرا قُرْطَهَا انْتِثَارَ عُقُودِ *** الدَّمْعِ مِنْ عَيْنِهَا لِفَرْطِ بُكَاهَا

خَرَقَا صَكَّهَا عُنُوَّاً وَ كُفْراً *** لَطَمَا خَدَّهَا وَ لَمْ يَرْعَيَاهَا(2)

ص: 275


1- في كتاب أهل البيت علیهم السلام لتوفيق أبوعلم، ص167 قال: إن علياً علیه السلام بنى لفاطمة علیها السلام بيتاً الفاطمة علیها السلام بيتاً في البقيع سمي «بيت الأحزان» و هو باق إلى هذا الزمان و هو الموضع المعروف بمسجد فاطمة علیها السلام في جهة قبة مشهد الحسن و العباس. و إليه أشار ابن جبير بقوله: ويلي القبة العباسية بيت فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم و يعرف بيت الأحزان. يقال: إنه هو الذي أوت إليه و التزمت الحزن فيه منذ وفاة أبيها صلي الله علیه و اله و سلم. لقد عاشت السيدة الزهراء علیها السلام بعد الرسول صلي الله علیه و اله و سلم و له خمسة و سبعين يوماً ما رُئيت ضاحكة قط تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين و الخميس فتقول: هنا كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و هنا كان المشركون. و قال أيضاً: المسرَّة الوحيدة التي ابتسمت فيها بعد موت أبيها له عندما نظرت إلى أسماء بنت عميس و هي على فراش الموت و بعد أن لبست ملابس الموت فابتسمت و نظرت إلى نعشها الذي عُمل قبل وفاتها و قالت: سترتموني ستركم اللَّه. فكانت هذه هي اللحظة الوحيدة التي رئيت فيها مبتسمة بعد وفاة الرسول اللَّه صلي الله علیه و اله و سلم.
2- صکّها: الصك: العقد أو الوصية.

قَصَدَاهَا بِكُلِّ هَوْلٍ مُلِمٍّ *** وَ بِسَوْطِ الزَّنِيم قَدْ أَوْجَعَاهَا

غَصَبَا بَعْلَهَا وَ مَا رَاعَيَاهُ *** لاَوَ عَلْيَائِهِ وَ لاَرَاعَيَاهَا

لَمْ تَزَلْ بِالهَوَانِ بَعْدَ أَبِيهَا *** حَيْثُ سِيمَتْ ضَيْماً تُقَاسِي أَذَاهَا

أخْرَجَتْ بَعْلَهَا يُقَادُ هَوَاناً *** أُمَةٌ مَا اهْتَدَتْ فَما أشْقَاها

قَعَدتْ مُذرَأتْ حِمَاهَا أَسِيراً *** بِيَدَيْ كُلِّ مُلْحِدٍ مَا رَعَاهَا

شَأْنُهَا النَّوْحُ و البُكَا لا تَرَى مِنْ *** مَفْزَعِ غَيْرَ نَوْحِهَا وَ بُكَاهَا

حَرُّ قَلْبِي لَهَا وَ قَدْ مَنَعُوهَا *** أَنْ تُطِيلَ الأَسَى وَ تَبْكِي أَبَاهَا

فَهيَ مُنْهَدَّةُ القُوَىٰ بِمُصَابٍ *** جَلَّ وَقعَاً وَ السُّقْمُ قَدْ أَضْنَاهَا

لاَتَلُمْهَا إنْ أَعْوَلَتْ بِنَحِيبٍ *** أَوْ أَذَالَتْ دُمُوعَهَا مِنْ حَشَاهَا(1)

حيْثُ قَدْ رَوَّعُوا حِمَاهَا وَ فِيها *** أَوْدَعُوا حُرْقَةٌ يَشُبُّ لَظَاهَا

فَقَضَتْ نَحْبَهَا وَ شَيْعَهَا خَيْرُ *** إِمَام وَ فِي الدُّجَى وَارَاهَا

دُفِنَتْ بِنْتُ أَحْمَدِ الظُّهْرِ سِرّاً *** وَ بِرَغْمِ العَلْيَاءِ عَنَّى ثَرَاهَا

يَا إِمَامَ الهُدَى إِلاَمَ التَّغَاضِي *** وَالعِدًا قَدْ عَدَوْا عَلَى أَبْنَاهَا(2)

قَتَلُوا المُجْتَبَى وَ أَرْدَوْا حُسَيْناً *** دَامِيَ النَّحْرِ مُودَعَاً غَيْرَاهَا

قَدْ كَسَتْهُ الدِّمَا بُرُودَا بِنَفْسِي *** مُنْ غَدَا رَهْناً بِفَتْكِ ضُبَاهَا(3)

ص: 276


1- أذالت: أذال الدمع: سفحه.
2- في كتاب بحار الأنوار ج45 ص54: «... و بعد أن قتل أصحاب الحسين علیه السلام حملوا عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك «لعنه اللَّه» على كتفه و ضربة آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبابها علیها السلام لوجهه و كان قد أعيا و جعل ينوء و يكبو فطعنه سنان بن أنس النخعي «لعنه اللّه» في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ثم رماه سنان أيضاً بسهم فوقع السهم في نحره... ثم إن عمر بن سعد قال لرجل عن يمينه: انزل ويحك إلى الحسين علیه السلام فأرحه... فنزل إليه خولي بن يزيد الأصبحي «لعنه اللّه» فاجتزَّ رأسه... و قيل بل جاء إليه شمر وسنان بن أنس.
3- بروداً: جمع برد و البرد ثوب مخطط.

نَهَبَتْ شِلْوَهُ المَوَاضِي وَ أَرْدَتْهُ *** صَرِيعاً مُوَسَّداً رَمْضَاهَا

رَفَعَتْ رَأسَهُ عَلَى الرِّمْح جَهْرًا *** وَ سَبَتْ نِسْوَةٌ يَعُزُّ سَبَاهَا(1)-(2)

ص: 277


1- في كتاب الإرشاد للمفيد ص245 قال: و لما استشهد الحسين علیه السلام و أصحابه سار عمر بن سعد مع أسارى أهل البيت علیهم السلام و رؤوس الشهداء إلى الكوفة و كان رأس الحسين علیه السلام يقرأ القرآن في الكوفة و هو على الرمح. فروي عن زيد بن أرقم أنه قال: مُرَّ به عليَّ و هو على رمح و أنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا»[سورة الكهف آية: 9] فوقف واللَّه شعري و ناديت رأسك واللَّه يابن رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أعجب و أعجب. و في كتاب مقتل الحسين علیه السلام للمقرم ص305 قال: و بعد الزوال ارتحل الجيش إلى الكوفة و معه نساء الحسين علیه السلام وصبيته و جواريه و عيالات الأصحاب و كنّ عشرين امرأة و سيروهّن على أقتاب الجمال بغير وطاء كما يساق الترك و الروم وهن و دائع خير الأنبياء.
2- الشعر المقبول في رثاء الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم وآل الرسول ص10.

(23) بضعة المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الخفيف)

الشيخ كاظم الأزري(*)(1)

ص: 278


1- (*) الشيخ ملاكاظم بن محمد بن مهدي الأزري البغدادي. ولد المترجَم له الشيخ كاظم الأزري في بغداد سنة (1143 ه) على الأصح، و لم تزل داره التي ولد فيها قائمة في محلة (رأس القرية) من بغداد. و قد جاء لقب الأزري من جَدِّهم و هو محمد بن مراد بن المهدي بن إبراهيم بن عبد الصمد بن علي التميمي البغدادي، الذي لقب بالأزري لأنه كان يتعاطى بيع الأزري لأنه کان یتعاطي بیع الأزر المنسوجة من القطن و الصوف. و بيت الأزري بيت أدب و علم و ثراء كانت تقطن بغداد منذ أكثر من ثلاثة قرون، و قد اشتهر من بين أفرادها علمان هما الشيخ كاظم، و الشيخ محمدرضا. و قد درس المترجم له العلوم العربية و الفقه و الأصول على فضلاء عصره، ولكنه أولع بالأدب و أخذ ينظم الشعر و لم يبلغ العشرين عاماً، و كان سريع الخاطر حاضر النكتة و قّاد الذهن قوي الذاكرة، و تروى له نوادر كثيرة منها أن ابن الراوي قال له يوماً في إحدى الندوات الأدبية: بلغني عنك أنك مجنون فأجابه الأزري: وبلغني عنك أنك مأفون، فإن صدق الراوي ففي ،و فيك، و إن كذب الراوي فلعنة الله على الراوي. و منها أنه قدم النجف الأشرف فاجتمع عليه الأدباء و العلماء و منهم السيد صادق الفحام و استنشدوه فأنشد من شعره فلم يوفّه السيد صادق حقه بالاستحسان و الإجادة، وما زاد على كلمة: موزون، فأنشأ الأزري: عرضت در نظامي عند من جهلوا *** فضيَّعوا في ظلام الجهل موقعهُ فلم أزل لائماً نفسي أعاتبها *** من باع درّاً على الفحام ضيّعهُ و كان المترجَم له محترماً لدى العلماء و الوجهاء من أبناء عصره حتى أن السيد مهدي بحر العلوم كان يقدمه على كثيرين من العلماء لبراعته في المناظرة ولطول باعه في التفسير والحديث ولا طلاعه الواسع على التاريخ و السير و قيل إنه كان قصير القامة مع سمنة فيه، و هو لايفارقه السلاح ليلاً و نهاراً خشية على نفسه أعدائه. و في سنة ألف و مائة و نيف و ستين من الهجرة حج بيت اللَّه الحرام. و له في حجه قصيدة مطلعها: أنخ المطيّ فقد وفدت على الحمى *** وَ الْثم ثراه محيياً و مسلّما و يعدّ المترجم له شيخنا الأزري من مفاخر الأدباء و الشعراء، و أكثر الخبراء بالأدب يعدون الشيخ كاظم الأزري في طليعة شعراء العراق و من فحولهم البارزين و هو يتمتع بمكانة سامية في كافة الأوساط الأدبية، و لم يكن في بغداد أشعر منه منذ نهاية العصر العباسي حتى عهده الذهبي، و قد تشهد لذلك قصيدته الهائية المعروفة (لمن الشمس في قباب قباها). و نقل الشيخ عباس القمي في الكنى عن المتتبع الخبير سيدنا الأجل السيد أبي محمد الحسن الصدر (قدس سره) أنه قال إن القصيدة الهائية كانت تزيد على ألف بيت و كانت مكتوبة في طومار فأكلت الأرضة جملة منها و وقعت النسخة المأكولة بيد السيد صدر الدين العاملي فاستخرج منها الموجود المطبوع الذي خمسه الشيخ جابر الكاظمي. و قال أيضاً ينقل من صاحب المستدرك في كتاب (شاخة طوبى) أن العلامة المحقق الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر كان يتمنى أن يكتب في ديوان عمله القصيدة الهائية الأزرية، و يكتب الجواهر في ديوان الأزري مكان القصيدة. توفي الشيخ الأزري في غرة جمادى الأولى سنة (1211 ه-) ببغداد و دفن في مقبرة أسرته في الكاظمية تجاه المقبرة المنسوبة إلى الشريف المرتضى (رحمه الله علیه).

لِمَنِ الشَّمْسُ في قِبابِ قُباها *** شَكٍّ جِسْمُ الدُّجَى بِرُوح ضِياها؟(1)

وَ لِمَنْ هذِهِ المَطايا تَهادَى *** حَي أَحْياءَها وَ حَيَّ سُرَاها؟

يَعْمَلاتٌ تُقِلُّ كُلَّ غَرِيرِ *** قَدْ حَكَنَهُ شَمْسُ الضُّحَى وَحَكاها(2)

ما أراني بَعْدَ الأَحِبَّةِ إِلاَّ *** رَسُمَ دارٍ قَدِ انْمَحَى سيماها

كُمْ شَجَتْنِي ذات الجناح سُحَيْراً *** حِينَ طَارَ الهَوَى بِها فشَجَاها

ذَكَّرتْني وَ ما نَسِيتُ عُهُوداً *** لَوْ سَلا المَرْءُ نَفْسَهُ ما سَلاها

نَبَّهَتْ عَيْنِي الصَّبابَةُ وَ الوَجْدُ *** وَ إنْ كانَ لَمْ يَنمُ جَفْناها

فَتَتَبَّهتُ لِلَّتِي هِيَ أَشْقَى *** وَ الهَوَى لِلْقُلُوبِ أَقْصَى شَقاها

يا خَلِيلَيَّ كُلَّ بِاكِيَةٍ لَمْ *** تَبْكِ إلا لِعِلَّةٍ مُقلَتاها

لاتَلُوما الوَرْقاءَ في ذلِكَ الوَجْدِ *** لعَلَّ الَّذِي عَراني عَراها(3)

ص: 279


1- قباب: جمع القُبَّة و هي بناء مستدير مُقَعَّر. و القُباب: من الأنوف: الضخم.
2- يعملات: النوق المطبوعة على العمل. غرير: شاب لاخبرةً له، أو الخلق الحسن. حكى: شابه.
3- الورقاء: الحمامة، أو التي يضرب لونها إلى الخضرة و تُشَبَّه بها النفس و هي المقصودة هنا.

خَلْياها وَ شَأْنَهاخَلِّياها *** فَعَساها تُبَلُ وَجْداً عَساها

كانَ عَهْدِي بها قَرِيرَةَ عَيْنٍ *** فَاسْأَلُأَهَا بِاللَّهِ مِمَّ بُكاها؟

لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِلْحَمائم نَوْحِي *** أَمْ لَدَيْها لَوَاعِجِي حاشاها؟(1)

إلى أن يقول:

نَقَضُوا عَهْدَ أحْمَدٍ في أَخِيهِ *** وَ أَذَاقُوا (البَتُولَ) ما أَشجاها؟

وَ هيَ العُرْوَةُ الَّتِي لَيْسَ يَنْجُو *** غَيْرُ مُسْتَعْصِمٍ بِحَبْلِ وَلاها

لم يَرَ اللَّهُ لِلنُّبُوَّةِ أَجْراً *** غَيْرَ حِفظ الوِدادِ في قُرباها(2)

لَسْتُ أدْرِي إِذْ رُوِّعَتْ و هَيْ حَسْرَىٰ *** عانَدَ القَوْمُ بَعْلَها وَ أَباها

يَوْمَ جَاءَتْ إِلى عَدِيٍّ وَ تَيْمٍ *** وَ مِنَ الوَجْدِ ما أَطالَ بُكاها

فَدَعَتْ وَ اشْتَكَتْ إلى اللَّهِ شَجُوا *** وَ الرَّواسِي تَهْتَزُّ مِنْ شَكْواها(3)

فَاطْمَأَنَتْ لَهَا القُلُوبُ وَ كادَتْ *** أَنْ تَزُولَ الأحْقادُ مِمنْ حَواها

تَعِظُ القَوْمَ في أَتّمِ خطابٍ *** حَكَتِ المُصْطَفَى بِهِ وَحَكاها

أَيُّها القَوْمُ راقِبُوا اللَّهَ فينا *** نَحْنُ مِن روضَةِ الجَليلِ جناها

نَحْنُ مِنْ بارى السَّمَواتِ سِرُّ *** لَوْ كَرِهْنا وُجُودَها ما بَراها

بَلْ بِآثَارِنا وَ لُطْفِ رِضانا *** سَطَحَ الأَرْضَ وَ السَّماءَ بَنَاها

وَ بِأَضْوَائِنَا الَّتِي لَيْسَ تَخْبُو *** حَوَتِ الشُّهْبُ ما حَوَتْ مِنْ ضِيَاهَا(4)

ص: 280


1- لواعج: جمع لعجة و هي الهوى المحرق.
2- مضمون المصراعين مستفادان من قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» جاء عن الفخر الرازي في تفسيره ج27 ص166 و مجمع الزوائد ج7 ص103 عن ابن عباس قال: لما نزل قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ...» [سورة الشورى، الآية: 23] قالوا يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك الذين وجَبَتْ علينا مودتهم؟ قال صلي الله علیه و آله و سلم: «علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام». و قد أخرج هذا النَّص مشاهير علماء السنة في أسفارهم.
3- الرواسي: الجبال الراسخة.
4- تخبو: تخمد و تسكن وتنطفىء.

وَاعْلَمُوا أَنَّنا مَشاعِرُ دِينِ اللَّهِ *** فيكُمْ فَأَكْرِمُوا مَثواها

وَ لَنا مِنْ خَزائِنِ الغَيْبِ فَيْضٌ *** تَرِدُ المُهْتَدُونَ مِنْهُ هُداها

إِنْ تَرُومُوا الجنان فهي مِنَ *** اللَّهِ إلينا هَدِيَّةٌ أهداها(1)

هِيَ دارٌ لَنا وَ نَحْنُ ذَوُوها *** لايرى غَيْرُ حِزينا مَرْآها

وَ كَذاكَ الجَحِيمُ سِجْنُ عِدانا *** حَسْبُهُمْ يَوْمَ حَشْرِهِ سُكْناها

أيُّها النَّاسُ أَي بِنْتِ نَبِيَّ *** عَنْ مَوَارِيشِهِ أَبوها زَواها؟(2)

كَيْفَ يَرْوِي عَنِّي تُراثي عَتِيقٌ *** بأحادِيثَ مِنْ لَدُنْهُ افْتَراهَا؟(3)

هذِهِ الكُتبُ فَاسْأَلُوها تَرَوْهَا *** بِالمَوَارِيثِ ناطقاً فَحْواها(4)

وَ بِمَعْنَى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ) أَمْرٌ *** شامِلٌ لِلْعِبادِ في قُرْباها

كَيْفَ لَمْ يُوصِنَا بِذلِكَ مَوْلانا *** وَ تَيْماً مِنْ دُونِنَا أَوْصاها؟

هَلْ رَآنَا لانَسْتَحِقُّ اهْتِداءً *** وَ اسْتَحقَّتْ تَيْمُ الهُدَى فَهَداها؟

أمْ تُراهُ أَضَلَّنا في البَرايا *** بَعْدَ عِلْمٍ لِكَيْ نُصِيبَ خَطاها

أنْصِفُونى مِنْ جائِرَيْن أضاعا *** ذمَّةَ المُصْطَفَى وَ ما رَعَياها

وَ انْظُروا في عَواقِبِ الدَّهْرِكَمْ *** أَمْسَتْ عُتاةُ الرِّجالِ مِنْ صَرْعاها

ص: 281


1- تروموا: تقصدوا.
2- زواها: نَحاها و مَنَعَها.
3- عندما طالبت الزهراء علیها السلام بفدك على أنها إرثها من أبيها صلي الله علیه و آله و سلم زَعَمَ أبوبكر بأنه سمع من أبيها صلي الله علیه و آله و سلم قوله: نحن معاشر الأنبياء لانورث و إن ما تركناه فهو صدقة. و هذا البيت إنما يشير لهذا الحديث المُفترى الذي يخالف النصوص القرآنية. راجع الإمامة و السياسة لابن قتيبة ج1 ص14، و فدك في التاريخ ص92 و الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122، و النص و الاجتهاد ص88.
4- إشارة إلى بعض ما جاء في القرآن من قوله «تعالى»: «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ...» الآية: 16 من سورة النحل و كذلك قوله «تعالى»: «...فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ...» الآية:5-6 من سورة مريم.

ما لَكُمْ قَدْ مَنَعْتُمونا حُقوقاً *** أَوْجَبَ اللَّهُ فِي الكِتابِ أَداها؟(1)

وَ حَذَوْتُم حَذْوَاليَهُودِ غَداةَ *** اتَّخَذُوا العِجْلَ بعدَ مُوسَى إلَها

قَدْ سَلَبْتُمُ مِنَ الخِلافَةِ خَوْداً *** كَانَ مِنْا قِنَاعُها وَرِداها(2)

وَ سَبَيْتُمْ مِنَ الهُدَى ذاتَ خِدْرٍ *** عَزَّيَوْماً عَلَى النَّبِيِّ سِباها

إِنْ رضِيتُمْ مِنْ دُونِنا خُلَفَاءً *** لااشْتَفَتْ مِنْ قُلُوبِكُمْ مَرْضاها

أَوْ أَبَيْتُمْ عُهُودَ أَحْمَدَ فِينا *** لأوُقِيتُمْ مِنَ الرزايا سُطاها

تَدْعُونَ الإسْلامَ إِفْكاً وَ زُوراً *** كَذَبَتْ أُمَّهَاتُكُم بادِّعاها

أَيُّ شَيْءٍ عَبَدْتُمُ إِذْ عَبدْتُمْ *** أَنْ يُولّى تَيْم عَلى آلِ طَهَ؟

هذهِ البُرْدَةُ التي غَضِبَ اللَّهُ *** عَلَى كُلِّ مَنْ سِوانَا ارْتَداها

فَخُذُوها مَقْرُونِةٌ بِشَنارٍ *** غَيْرَ مَحْمُودَةٍ لَكُمْ عُقباها

وَ أَلْبَسُوها لِباسَ عار وَ نارٍ *** قَدْ حَشَوْتُمْ بالمُخْزِيَاتِ وِعاها

لَمْ نَسَلَّكُمْ لِحَاجَةٍ وَ اضْطِرارٍ *** بَلْ نَدلُّ الوَرَى على تَقْواها

كُمْ لَنا في الوُجُودِ رَشْحَةُ جُودٍ *** يُعْجِزُ السَّبْعَةَ البِحَارَ غِناها

عَلِمَ اللَّهُ أنَّنا أَهْلُ بَيْتٍ *** لَيْسَ تَأْوِي دَنِيَّةٌ مأواها

لَوْ سَأَلْنَا الجَلِيلَ إلقاء عَدْنٍ *** أو مقاليدَ عَرْشِهِ ألقاها

سَعْدُ دَعْنِي وَ هَجْوَ سُودِ المَعَانِي *** أَكْبَرُ الحَمْدِ في مَعانِي هِجاها

ص: 282


1- لعلها: حق الإمام علي علیه السلام في الخلافة، و كذلك حق الزهراء علیها السلام في فدك الذي اغتصب منها بغياً بغير حق. و قصة فدك لاتحتاج إلى كثير توضيح لشهرتها و تواتر الأخبار فيها و للاستزادة يمكن مراجعة كتاب البحار ج43 و ج 2/11 من العوالم و كشف الغمة للعلامة الأربلي ج2 و السيرة الحلبية ج3 ص400 و فتوح البلدان للبلاذري ص37، و السقيفة لأبي بكر الجوهري نقلاً عن شرح النهج للمعتزلي، و الخرايج للراوندي ص9 و شرح نهج البلاغة لا بن أبي الحديد ج16 و غيرها الكثير و المستفيض.
2- خَوْداً: امرأة شابة.

كَيْفَ تُنْقَى ابْنَةُ النَّبِيِّ عِناداً؟ *** لانَفَى اللَّهُ مِنْ لَظَى مَنْ نفاها

وَلأَيِّ الأُمُورِ تُدْفَنُ سِراً *** بَضْعَةُ المُصْطَفَى وَ يُعْفَى ثَراها؟(1)

فَمَضَتْ وَ هُيَ أَعْظَمُ النَّاسِ وَجَداً *** فِي فَمِ الدَّهْرِ غُصَّةٌ مِنْ جَواها

وَ تَوَتْ لايَرى لَها النَّاسُ مَثْوَى *** أَيُّ قَذَسٍ يَضُمُّهُ مَثْواها

ثُمَّ هَمَّتْ بِبَعْلِهَا كُلُّ كَفِّ *** وَ اسْتَمدَّتْ له رِقاقَ مُداها

أمَّةٌ قائلَتْ إمامَ هُداها *** يا تُرى أَيْنَ زَالَ عَنْهَا حَياها؟

كَمْ أَرادَتْ إظفاءَ نارِ حُسام *** صاغَهُ اللَّهُ تَمْرَةٌ لِحَشاها(2)

بأبي مَنْ لَهُ مَطاعِنُ كَفَّ *** لايُداوِي مِنَ الرَّدَى كَلْماها

إِنَّ ذاتَ العُلُومِ تُنْمَى جميعاً *** لِعَلِيَّ وَ كانَ رُوحَ نَمَاها

وَكَذا كُلُّ حِكَمَةٍ مَكَّنَتْهُ *** مِنْ أَعالي سَنامِها فَامْتَطاها

وَ مَتى يُذْكَرِ النَّدَى فَهُوَ لُطْفٌ *** إِنَّ مُحْيِي المَوْتَى بهِ أَحْياها

وَ لأَقْدامِهِ تَزُولُ الرَّواسِي *** وَ المَقادِيرُ تَقْشَعِرُّ حَشاها

وَ مَرامِي الأسْرارِ سَدَّدَ سَهُم *** اللَّهِ مِنْهُ لَها فما أخْطاها

كُمْ لَهُ مِنْ مَواهِبٍ مُرْدَفَاتٍ *** هِيَ كَالشَّمْسِ لايَحُولُ ضِياها

ص: 283


1- روى الواقدي بإسناده عن عكرمة، قال: سألت ابن عباس: متى دفنتم فاطمة علیها السلام؟ قال: دفناها بليلٍ بعد هدأة، قال: قلت: فمن صلى عليها؟ قال: علي علیه السلام. و روى مثله القاضي أبوبكر أحمد بن كامل بإسناده في تاريخه عن الزهري، و ذَكَرَ في كتابه في مكان آخر أيضاً أن أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيَّبوا قبرها. و روى سفيان بن عيينة و عبداللّه بن أبي شيبة مثل ذلك و ذكره البلاذري في تاريخه، و قد نقل المرتضى في الشافي رواية الطبري له في التاريخ ج3 ص240 حوادث سنة (11ه-)، و نقل كلَّ ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ج16 عند شرح كتاب أميرالمؤمنين علیه السلام إلى عثمان بن حنيف و حيث إن مضامين العديد من أبيات القصيدة مرت الإشارة إليها في قصائد عديدة فلا نعيد.
2- كَلْماها: جروحها.

(24) هي أسوة للأمهات

(بحر الكامل)

الدكتور محمد إقبال(*)(1)

ص: 284


1- (*)هو الدكتور الفيلسوف محمد إقبال اللاهوري الباكستاني. ولد في الرابع و العشرين من ذي الحجة سنة (1289ه-) و الموافق (1873م) في مدينة سيالكوت. أدخله أبوه إلى مكتب ليتعلم القرآن ففاق أترابه لذكائه و نال جوائز كثيرة، ثم انتقل إلى مدارس عالية و كليات شهيرة فانتدب أستاذاً للتاريخ و الفلسفة في الكلية الشرقية في لاهور ثم اختير لتدريس الفلسفة و اللغة الإنكليزية بكلية الحكومة التي تخرج منها و نال إعجاب تلاميذه و زملائه بسعة علمه و حسن خلقه و سداد رأيه وبعد عشر سنوات سافر إلى أوروبا بعد ما دوّى صوت إقبال في محافل الأدب ينشد قصائده وقد حرصت الصحف على نشر شعره، و أيقن الشعراء و العلماء أن لهذا الشاب شأناً و أول قصائده الرنّانة التي ألقيت في حاشد قصيدته التي أنشدها في الحفل السنوي لجماعة حماية الإسلام في لاهورجمع (انجمن حماية الاسلام) سنة (1899م) و عنوانها (أمين يتيم). سافر المترجَم له إلى عدة بلدان طلباً للعلم، ثم عاد إلى وطنه سنة (1908م) حيث عمل بالمحاماة و قرض الشعر. و قد ذاع صيته في الهند وكثر عشاق أدبه و مريد و فلسفته و قد دعا في شعره إلى نبذ التصوف الأعجمي الذي يؤدي إلى إماتة الأمة و بشر بالتصوف العملي الذي يدعو إلى العمل و الجهاد. و تدل أشعاره و قصائده على تمجيد الشخصيات الإسلامية كلها. و حسبنا أن نقول: إن إقبال يدعو إلى إدراك الذات و تقويتها و إلى العمل الدائب و الجهاد الذي لايفتر و يرى أن الحياة في العمل و الجهاد و الموت في الاستكانة و السكون. محمد إقبال شاعر نابغة و فيلسوف مبدع و تحتفي الباكستان بذكراه كل عام لأنه فيلسوف و شاعر و نجم في سمائها. قال الدكتور عبدالوهاب عزام في اليوم الحادي و العشرين من شهر نيسان سنة (1938م) و الساعة الخامسة من الصباح في مدينة لاهور، مات رجل كان على هذه الأرض عالماً روحياً يحاول أن ينشىء الناس نشأة أخرى و يسنّ لهم في الحياة سنة جديدة. مات محمد إقبال الفيلسوف الشاعر الذي وهب عقله و قلبه للمسلمين و للبشر أجمعين.

المَجْدُ يُشْرِقُ مِنْ ثَلاثِ مَطالِع *** في مَهْدِ فَاطِمَةٍ فَما أعلاها(1)

هِيَ بنتُ مَنْ؟ هي زَوْجُ مَنْ؟ *** مَنْ ذَا يُدانِي في الفخار أَباها؟

هِيَ وَ مُضَةٌ مِنْ نُورِ عَيْنِ المُصْطَفَى *** هَادِي الشعوبِ إِذا تَرُومُ هُدَاها(2)

هُوَ رَحْمَةٌ لِلعَالَمِينَ وَ كَعْبَةُ *** الامَالِ في الدُّنيا وَ في أُخراها

مَنْ أَيْقَظَ الفِطرَ النِّيَامَ بِرُوحِهِ؟ *** وَ كَأَنَّهُ بَعْدَ البِلَى أَحْيَاهَا

وَ أَعَادَ تَارِيخَ الحَيَاةِ جَدِيدَةً *** مِثْلَ العَرَائِسِ في جَدِيدِ حُلاَها

وَ لِزَوْجِ فَاطِمَةٍ بِسُورَةِ (هَلْ أَتَى) *** تَاجٌ يَفُوقُ الشَّمْسَ عِندَ ضُحاها

أَسَدٌ بِحِصْنِ اللَّهِ يَرْمِي المُشْكِلاتِ *** بِصَيْقَلٍ يَمْحُو سُطُورَ دُجاها(3)

إيوانُهُ كُوخٌ وَ كَنْزُ ثَرَائِهِ *** سَيْفٌ، غَدَا بِيَمِينِهِ تَیّاها(4)

في رَوْضِ فَاطِمَةٍ نَما غُصْنَانِ لَمْ *** يُنْجِبْهُما في النَّيِّرَاتِ سِوَاها(5)

ص: 285


1- ثلاث: أصلها ثلاثة حذفت التاء للضرورة.
2- تروم: تقصد و في البيت إشارة إلى ما ورد في «بحار الأنوار» ج43 ص8 ضمن8 ح 11 عن كتاب «عيون المعجزات»: «... فقالت: اعلم يا أباالحسن علیه السلام أن الله «تعالى» فلق نوري و كان يسبح الله «جل جلاله» ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة أوحى الله «تعالى» إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة و أدرها في لهواتك ففعل؟ فأودعني الله «سبحانه» صلب أبي صلي الله علیه و آله و سلم ثم أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني و أنا من ذلك النور أعلم ما كان و ما يكون و ما لم يكن». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص19 أيضاً.
3- صيقل: سيف.
4- إيوانه: الإيوان هو المكان المتّسع من البيت يحيط به ثلاثة حيطان أو هو القصر.
5- في كنز الفوائد، ج1 ص236 ح16: «... فأوحى الله «عزوجل» إليّ : أن قد ولد لك حوراء إنسيّة فزوج النور من النور: النور فاطمة علیها السلام من نور علي فإني قد زوّجتها في السماء و جعلت خمس الأرض مهرها و يستخرج فيما بينهما ذرية طيبة و هما سراجا الجنة الحسن و الحسين علیهما السلام و يخرج من صلب الحسين علیه السلام أئمة علیهم السلام يقتلون و يخذلون فالويل لقاتلهم و خاذلهم...». انظر البحار ج36 ص361 أيضاً.

فَأَمِيرُ قافِلَةِ الجِهَادِ، وَ قُطْبُ دايرَةِ *** الوِئام والانْحَادِ ابْنَاها

حَسَنُ الَّذي صَانَ الجَمَاعَةَ بَعْدَما *** أَمْسَى تَفَرَّقُها يَحِلُّ عُراها(1)

تَرَكَ الخِلافَةَ ثُمَّ أَصْبَحَ في الدِّيَا *** إِمَامَ أَلْفَتِهَا، وَ حُسْنَ عُلاها

وَ حُسَيْنُ في الأَبْرارِ، و الأَحْرَارِ، ما *** أَزْكَى شَمَائِلَهُ وَ مَا أَنْدَاها

فَتَعلَّمُوا دِينَ اليَقِينِ مِنَ الحُسَيْنِ *** إِذا الحَوَادِثُ أَظمَاتْ بلَظَاها

و تَعَلَّمُوا حُريَّةَ الإِيمَانِ مِنْ *** صَبْرِ الحُسَيْنِ، وَ قَدْ أَجَابَ نِدَاها

الأمهاتُ يَلِدْنَ لِلشَّمس الضياءِ *** و للجَوَاهِرِ حُسْنَها وَ صَفَاها

ما سِيرَةُ الأَبْنَاءِ، إلا الأُمَّهَاتُ، *** فَهُمْ إذا بَلَغُوا الرقيَّ صَدّاها؟

هِيَ أَسْوَةٌ لِلأُمَّهاتِ، وَ قُدْوَةٌ *** بِتَرَسمِ القَمَرِ المُنيرِ خُطاها

لَمّا شكا المُحْتَاجُ خَلْفَ رِحَابِها *** رَفَّتْ لِتِلْكَ النَّفْسِ في شَكْوَاها

جَادَتْ لِتُنْقِذَهُ بِرَهُن خِمَارِها *** یا سُحْبُ أَيْنَ نَدَاكِ مِنْ جَدواها؟(2)

نُورٌ تَهَابُ النَّارُ قُدْسَ جَلالِهِ *** وَ مُنَى الكَواكِبِ أَنْ تَنالَ ضِيَاهَا

جَعَلَتْ مِنَ الصَّبْرِ الجَمِيلِ غِذَاءَهَا *** وَ رَأَتْ رِضَا الزَّوْجِ الكَرِيمِ رِضَاها(3)

ص: 286


1- عُراها: مفردها العروة و هي ما يوثق به كالحبل ونحوه.
2- (والأبيات التي تلته) في «عوالم سيدة النساء» ج1 ص228 ح1 ط الثالثة، مؤسسة الإمام المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف -قم المقدسة «... روي أن علياً علیه السلام لاستقرض من يهودي شعيراً فاسترهنه شيئاً فدفع إليه ملاءة فاطمة علیها السلام رهناً و كانت من الصوف فأدخلها اليهودي إلى داره و وضعها في بيت. فلما كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة بشغل فرأت نوراً ساطعاً في البيت أضاء به كلّه فانصرفت إلى زوجها علیها السلام فأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءاً عظيماً فتعجب اليهودي من ذلك و قد نسي أن في بيته ملاءة فاطمة علیها السلام، فنهض مسرعاً و دخل البيت فإذا ضياء الملاءة ينشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير يلمع من قريب فتعجب من ذلك أمعن النظر في موضع الملاءة فعلم أن ذلك النور من ملاءة فاطمة علیها السلام. فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه و زوجته تعدو إلى أقربائها... فأسلموا كلهم...». انظر کتاب بحار الأنوار، ج43 ص30 ح36. و المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص339. جدوى: عطية.
3- جاء في كتاب تفسير فرات الكوفي، ج1 ص83 سورة آل عمران من آية: 37 ح60 ط/ مؤسسة النعمان/ بيروت. «...قالت فاطمة علیها السلام العلي علیه السلام: لا والذي أكرم أبي بالنبوة و أكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء اغتذيناه و ما كان شيء أطعمناه منذ إلايومين شيء کنت أوثرك به على نفسي و على ابني هذين الحسن و الحسين علیهما السلام فقال علي علیه السلام: يا فاطمة علیها السلام ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً فقالت: يا أبا الحسن علیه السلام إني لأستحيي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لاتقدر عليه...». انظر كتاب كشف الغمة ج2 ص95 ط دار الكتاب الإسلامي بيروت (1981م)، و «بحار الأنوار» ج43 ص59 ح51 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت، و «ذخائر العقبى» ص45 ، ط مؤسسة الوفاء -بيروت (1981م).

فَمُها يُرَتِّلُ آيَ رَبِّكَ، بَيْنَمَا *** يَدُها تُدِيرُ عَلَى الشَّعِيرِ رَحَاها

بَلَّتْ وَ سادَتَها لآلِى دَمْعِها *** مِنْ طُولِ خَشْيَتِها، وَ مِنْ تَقْوَاها(1)

جِبْرِيلُ نَحْوَ العَرْشِ يَرْفَعُ دَمْعَها *** كالطَّلِّ يَرْوِي فِي الجِنانِ رُبَاها(2)

لَوْلاً وُقُوفي عِنْدَ أمْر المُصْطَفَى *** وَ حُدُودِ شِرْعَتِهِ، وَ نُحْنُ فِدَاها

لَمَضَيْتُ لِلتَّطْوَافِ حَوْلَ ضَرِيحِها *** وَ غَمَرْتُ بِالقُبُلاتِ طِيبَ ثَرَاها(3)

ص: 287


1- مما يشير إلى بعض ذلك ما ورد في «إرشاد القلوب» ص105 ط الرابعة/ مؤسسة الأعلمي. «... و كانت فاطمة علیها السلام تنهج في صلواتها من خوف الله «تعالى»». انظر کتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص279 ح6.
2- الطلّ: المطر الضعيف الندى.
3- أهل البيت فاطمة الزهراء علیها السلام توفيق أبوعلم ص295.

(25) ربيبة خدر

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد بن علي آل نتيف(*)(1)

يَابْنَ طه حتّى مَتى يابنَ طه *** برعاياكَ يَسْتَقِيمُ أذَاها

شَفَّها السُّقْمُ وَ البَلايَا كَسَتْها *** وَ حَكَى لَيْلَها الظَّلامَ ضُحاها(2)

وَ رَزاياكُمُ عَرَتْنا وَ مِنْ عَيْنِ *** المَعَالي أظفَتْ مُنِيرَ ضِياها

لِهَاشِمٍ حَرَّ قلبي فَمَا لِهَاشِمٍ مِنْ ذَنْبٍ *** إِذا قِيسَ فَضلُها بِعِداها

بِهِمُ الكَوْنُ قَدْ أَنَارَ ولُوْلَاهُمْ *** لَما كانَ أَرْضُها وَ سَماها

أو عميٌّ عَنْ مَنْقَبٍ كان للهادي *** قَديماً لما السماءَ رَبَّاهَا

قِيلَ للطُّهْرِ يا مُحَمَّد لولاكْ *** ما دَحَى الأَرْضَ وَ السَّماء بناها(3)

فَرَضَ اللَّهُ في القَدِيمِ وَ لاهُمْ *** وَ وَلا العَهْد في الورى مُذْ بَراها(4)

ص: 288


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- شفّها: أوهنها حكى شابه.
3- دحى: بسط.
4- وردت في محبة أهل البيت علیهم السلام الأخبار كثيرة منها ما قال رسول اللَّه صلي الله علیه و اله و سلم: يا علي علیه السلام إن هذا النهر (الكوثر ) لي ولك و لمحبيك من بعدي حق اليقين، ج2 ص199. و في حديث (... فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق فلا يبقى محب لأهل البيت إلا رفعت إليه صكاً فيه فكاكه من النار فصار أخي و ابن عمي وابنتي فكاك رقاب رجال ونساء من أمتي في النار الصواعق المحرقة، ص173. و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: معرفة آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم براءة من النار، وحب آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم جواز على الصراط، و الولاية لآل محمد صلى الله عليه و آله و سلم أمان من العذاب. ينابيع المودة، ص22 و في كتاب شعاع من نور فاطمة علیها السلام للعلامة السيد مرتضى الشيرازي ص30-31 قال: و الشهادة في سبيل اللّه تعتبر سبباً لغفران الذنوب. كما قال الإمام الباقر علیه السلام: أول قطرة من دم الشهيد كفارة لذنوبه إلا الدين فإن كفارته قضاؤه كما في كتاب من لايحضره الفقيه ج3، ص183، باب2، ح 3688. فهل يُستغرب أن تكون محبة من خلق الكون لأجلهم و في محبتهم -كما في حديث الكساء-. سبباً لذلك؟ إضافة إلى أن الروايات تعمم مفهوم الشهادة ومصداقها لقوله صلي الله علیه و آله و سلم: من مات على حب آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم مات شهيداً عوالم المعارف ج21 ص354 عن صاحب الكشاف و الثعلبي في تفسير قوله «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا» قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: «من مات على حب آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم مات شهيداً...». فهو شهيد له ما له من الدرجات و المنزلة ولا يضر بذلك إجراء أحكام الشهيد من حيث الغسل وما أشبه ذلك عليه إذ أن المنصرف عن (مات شهيداً) غير ذلك أو أن الأدلة دلت على استثناء ذلك و على كل حال فليس ذلك مخلاً بالمقصود بل قد يؤكده فتدبر جيداً. براها: خلقها.

لَوْ خَلَتْ مِنْهُمُ البلاد لزالَتْ *** ثُمَّ لَوْلاهُمُ النَّدَى مَا سَقاها

وَيْلَ قَوْمٍ قَدْ زاحَمُوهُمْ عِناداً *** وَ مَقامَاتِهِمْ أَحَلُّوا سِفاها

وَ نَفَتْهُمُ بالقَهْرِ ظُلْماً وَ حِقْداً *** لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ رِجْسٍ نَفاها

وَثَبُوا بَعْدَ أَحْمَدٍ وَ أَبانُوا *** لِقُلُوبِ عَلَى الحُقودِ انْطَواها

غَشِيَتْ آلَهُ المصائِبُ وَ الطُّهر *** طريحاً ما ضُمَّ في القَبْرِ طاها

ثُمّ قادُوا مَنْ لَوْ رَآهُمْ وَمَنْ في *** الأَرْضِ بِالسَّيْفِ لَحْظَةً لمحاها

أَوْقَفُوهُ كَالعَبْدِ وَقْفَةَ ذُلُّ *** فَتداعى مِنَ المَعَالي بِناها

وَ الّتي لَمْ تَزَلْ رَبيبَةً خِدْرٍ *** بَعْدَ طه الأمين أجَّ حِماها(1)

قَنَّعُوها ضَرْباً عَلَى الرَّأْسِ حتَّى *** سَكَبَتْ نَفْسَها بقَيْضِ دِماها

عُصِرَتْ بَيْنَ بابِها يا لَقَوْمِي *** عَصْرَةٌ أَسْقَطَتْ جَنِينَ حَشاها(2)

عَجَباً كَيْفَ َخالَفُوا لِرَسُولِ *** اللَّهِ فيها وَ طالَما قَدْ حَباها

لَمْ تَزَلْ بِنْتُ أَحْمَدِ في قَليلِ *** العُمْرِ تَشْكُو للَّهِ طُولَ أَذاها

ص: 289


1- أج: أوقد وأشعل.
2- في كتاب الوافي بالوفيات ج5 ص347: أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام یوم البیعة حتی ألقت المحسن من بطنها.

وَ قَضَتْ رَحْمَةُ الوُجودِ بِشَجوِ *** وَ هِيَ النُّقْطَةُ التي لَوْلاها

وَ النَّرى ضَمَّ جِسْماً في ظَلامٍ *** الليلِ خَوْفاً وَفِيهِ أَعْفَى ثَراها(1)

فَجَمِيعُ الوُجُودِ تَهْتِفُ شَجُواً *** (في فَمِ الدَّهْرِ غُصَّةٌ مِنْ جَواها)(2)

ص: 290


1- جواها:حرقة قلبها من حزن.
2- عبرة المؤمنين ص48 و القصيدة في (56) بيتاً. أخذنا منها ما نحن بصدده.

(26) سميت فاطماً علیها السلام

(بحر الخفيف)

الشيخ محمد جواد الخراساني

طَلَعَتْ نَجْمَةٌ فَلاحَ ضِيَاهَا *** فِي الثّرى وَانْتَهى الثَّريا بَهاها(1)

أَشْرَقتْ في حَرِيمِ مَكَّةَ شَمْسُ *** فَاسْتَنَارَتْ بِمَرْوِها وَ صَفَاها

نَوَّرَتْ شَمْسُ احْمَدَ إِذْ تَجَلَّتْ *** عَرَفَاتٍ وَمَشْعَراً وَمِنَاها

هِيَ شَمْسُ وَلا تَقُلْ شَمْسُ كَوْنٍ *** في سَماءِ الهُدَاءِ شَمْسُ هُدَاها

نَجْمَةٌ لاكَنَجْمَةٍ فِي السَّمَاءِ *** هي أُمُّ النُّجومِ رُوحي فِدَاها

هِيَ واللَّه للنُّبُوَّةِ شَمْسٌ *** تُشْرِقُ الوَحْيَ وَ النَّبيُّ سَماها

هِيَ مِنْ دَوْحَةِ الوِلايَةِ فَرْعُ *** وَ عَلَيْها يَدُورُ قُطب رَحاها

هِيَ أُمُّ القُرى الّتيِ بارَكَ اللَّهُ *** بِهَا كَانَ آمِناً مَنْ أَتَاهَا

هِيَ مِشْكاةُ عِصْمَةِ اللَّهِ حَقّاً *** فَأَضاءَتْ بِهَا لِذاكَ اصْطَفاها

سُمِّيَتْ فَاطِماً لأنْ فَطَمَ اللَّه *** عَنْ جَحِيمٍ مُحِبَّها بِوَلاها(2)

وُلِدَتْ مِنْ خَدِيجَة الظُّهْرِ طُهْراً *** إِذْ مِنَ الرِّجْسِ رَبُّها صَفَّاها(3)

ص: 291


1- لأح: ظهر.
2- كنز العمال ج6 ص219 و فرائد السمطين ص58 قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إنما سميت ابنتي فاطمة علیها السلام لأن الله فَطمها و فطم من أحبها من النار.
3- في كتاب البحار ج43 ص16-19. إنما سمّيت فاطمة علیها السلام «بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة» لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة ولا نفاساً . انظر أيضاً كتاب مستدرك الصحيحين للحاكم ج3 ص147 و سنن البيهقي ج2 ص149، و ابن جرير في تفسيره ج22 ص5.

هِيَ في العِلْمِ نُخْبَةٌ مِنْ أبيها *** مَثَلٌ مِنْهُ في صِفاتٍ حَوَالها

دارُها مَهْبِطُ المَلائِكِ لا *** لِلْوَحْيِ بَل لاِقْتِبَاسِهِم مِنْ ضِيَاها

خَدَمَتْها مُقَرَّبُوهُمْ كِجِبْرِيل *** وَ مِيكالَ آمِلينَ حِمَاها

بَلَغَتْ في العُلى مَعَارِجَ حَتَّى *** بَدَأَ اللَّهُ بِاسْمِها حِينَ بَاهى(1)

في مَلَيكِ السَّمَا فَبانَ عَلَيهِم *** فَضْلُها وَ ارْتِفَاعُها وَ عُلاها

وَ بَدا فَضْلُها لَهُم إِذْ دَهَتْهُم *** ظُلْمَةٌ قَدْ تَخَبَّطُوا في دُجَاها(2)

فَعَلَتْ ضَجَّةُ المَلائِكَ مِنْهَا *** فَأَتَاهُم بِنُورِها فَزَواها

فَمِنَ اليَوم سُمِّيت في السَّماءِ *** باسْمِ زَهْراءَ حِلْيَةً لِسَناها(3)

وَ تَجَلَّتْ بِهِ بِطَيْبَةَ دَهْراً *** في غُدُوِّ وَ ضَحْوَةٍ وَ مَساها

أبْيَضاً أَصْفَراً وَ أَحْمَرَ لَوْناً *** حِينَ قَامَتْ لِفَرضِها وَ دُعاها

بضْعَةُ المُصْطَفى أَذَاه أَذاها *** وَ رِضَا اللَّهِ مُنْطَوٍ في رِضَاها(4)

حُبُّها حُبُّهُ وَ حُبُّ رَسولٍ *** بُغْضُها بُغْضُه عِداهُ عِداها

لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةٌ انْكَرَتْها *** ظَلَمَتْهَا وَ لَمْ تُراعِ أَباها

غَصَبُوا النِّحْلَة التي خَصَّها اللَّهُ *** بِها وَ النَّبِيُّ أَيْضاً حَبَاها(5)

أخرَقُوا بَابَ دَارِها وَ هِيَ تَدْعُو *** مِن وَرا البابِ يَسْمَعُونَ نِداها(6)

ص: 292


1- باهی: فاخر.
2- تخبّطوا: ساروا على غير هدّى.
3- في كتاب إحقاق الحق ج19 ص16. عن عائشة: كنّا نخيط و نغزل و ننظم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة علیها السلام. و قالت: إذا أقبلت فاطمة علیها السلام كانت مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و كانت لاتحيض قط لأنها خلقت من تفاحة الجنة، و لقد وضعت الحسن علیه السلام بعد العصر، و ظهرت من نفاسها فاغتسلت وصلت المغرب، و لذلك سميت الزهراء علیها السلام.
4- انظر ما ورد في كتاب كشف الغمة ج1 ص498. و في صحيح الترمذي ج2 ص319 عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم (فإنما ابنتي- يعني فاطمة علیها السلام- بضعة مني يريبني ما رابها و يؤذيني ما آذاها).
5- حباها: أعطاها من غير شيء بإزائه.
6- في كتاب وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص78 و دعا (أبوبكر) بكتاب كتب فيه بإرجاع فدك إلى الزهراء علیها السلام فخرجت من عنده و الكتاب معها فصادفها عمر في الطريق و عرف أنها كانت عند أبي بكر، فسألها عن شأنها فأخبرته بكتابة أبي بكر برد فدك عليها، و طلب الكتاب، منها فامتنعت فرفسها برجله و أخذ الكتاب منها قهراً و بصق فيه وخرقه و قال هذا فيء للمسلمين يشهد بذلك عائشة و حفصة و أوس بن الحدثان فقالت: بقرت كتابي بقراللَّه بطنك، انظر أيضاً الاحتجاج ج1 ص119. في كتاب تلخيص الشافي ج3 ص76 عن أبي عبد الله جعفر بن محمد صلى الله عليه و آله و سلم قال: واللَّه ما بايع علي حتى رأى الدخان دخل بيته و في كتاب العوالم ج2/11 ص568 (وأخذت النار في خشب الباب).

عَصَرُوا بابَها عَلَيْهَا إِلَى أَنْ *** كَسَرُوا ضِلْعَها وَكَلَّ نِداها(1)

ذا بِسَوْطٍ وَذَا بِنَعْلِ حُسَامٍ *** ذَاكَ بِاللَّوْمِ وَ الشَّمَاتَةِ فَاهَا(2)

أسْقَطُوا مُحْسِنَا وَ قادُوا عَلِيّاً *** وَ هِيَ مِنْ خَلْفِهِم تُنادِي أَبَاهَا(3)

عَجَباً مِنْ حَيَائِهِم مَنَعُوها *** بَعْدَ ذا عَنْ بُكاتِها وَرِثاها

يَا بْنَةَ المُصْطَفَى فِدَاكِ جَوَادٌ *** بِئْسَ مَا قَدْ جَزَوْكِ يَا ابْنَةَ طه!

قِصَّةُ العِجْل لاتكونُ عَجيباً *** بَعْدَما أحْدَثوا وَ سَنّوا أذاها(4)

ص: 293


1- في كتاب مرآة العقول ج5 ج5 ص320. فلما أخرجوه (علی علیه السلام) حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فصار عضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها و دفعها، فكسر ضلعاً من جنبها، و ألقت جنيناً من بطنها... انظر كتاب البحار أيضاً ج43 ص198.
2- فاها: تكلّم و نطق.
3- في كتاب لسان الميزان ج1 ص268 أن عمر رفس فاطمة علیها السلام حتى أسقطت بمحسن. و في دلائل الإمامة ص45: (و كان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً).
4- انظر کتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في الشعر العربي ص360.

(27) ما أعظم الزهراء علیها السلام

(بحر الكامل)

الشيخ محمد سعيد الجشي(*)(1)

صلّى الإلهُ على البتولِ وَ آلِها *** من تخضعُ الأملاكُ عندَ جلالِها

الطهرُ فاطمةٌ سليلةُ (أحمدٍ) *** من يشرقُ الإعجازُ في أقوالِها

ما قورِنَتْ شمسُ الضحى بسنائِها *** إلا تسامَتْ رفعةً بكمالِها

هي شعلةٌ من (أحمدٍ) وضاءةٌ *** و الشمسُ تمنحُ ضوءَها لهلالِها

مانالها غيرُ (الوصي) لأنهُ *** ورثَ المكارمَ من أجلِّ رجالِها

فاقَ الأنامَ مَنَاقِباً وَ فضائلاً *** رُدت إليه الشمسُ بعدَ زوالِها

***

ما أعظمَ (الزهراء) درّة عصمةٍ *** قد عمّ هذا الكون فيضُ نوالِها

قد أزهرَ الملكوتُ من أنوارِها *** وَ سما رواقُ المجدِ تحتَ ظلالِها

نبويةُ الأعراقِ طيبةُ الشذا *** عطر الجنانِ يضوعُ من أذيالِها

اللَّه شرفها وَ عظّمَ شأنها *** وَ إمامةُ الإسلامِ في أنجالِها

سادتْ نساءَ العالمين بفضلها *** و بطهرِها وفخارِها وَ مقالِها

ص: 294


1- (*) الشيخ محمد سعيد بن أحمد بن محمد حسن بن علي الجشي القطيفي (1338-1410 ه-): ولد في قلعة القطيف و نشأ بها على والده المقدس، قرأ مقدماته الأدبية و الشرعية على الشيخ حسين البريكي و أخيه الشيخ محمد صالح البريكي، نظم الشعر في مناسبات شتى و كان في شعره مادحاً وراثياً لأهل البيت و كان ورعاً صالحاً ذكياً فطناً من الشخصيات الجليلة في بلده له (في محراب الذكرى): ديوان شعره.

هي شعلةٌ للحق ناطقةٌ به *** يزهوُ الهدى بيميِنِها و شِمالِها

الكوثرُ العذبُ الطهورُ بنطقِها *** نبعُ الهدى ينسابُ من سلسالِها

شبه (الرسولِ) شمائلاً و خلائقاً *** ما (مريمٌ) في الفضلٍ من أمثالِها

مَن ذا يمثالُها (ففاطمُ) علّة *** يهمي سحابُ الفضلِ من أفضالها

***

ما كانَ يُشبهها بنهجِ خصالها *** الأوريثةُ نهجِها و خصالِها

هي (زينبٌ) من أشعلتَ بخطابِها *** قبساً يضيءُ على مدى أجيالِها

قد ورثتها كل فضلٍ باذخ *** و لذا سمتْ كالشمسِ في أفعالِها

ص: 295

(28) هي علیها السلام البتول

(بحر البسيط)

السيد مرتضى القزويني(*)(1)

قُمْ وَاسْقِنَا مِنْ كُؤُوسِ الرَّاحِ أَحْلاها *** وَ رَوِّنَا بِرَحِيقٍ مِنْ حُمَياها(2)

وَ أَنْشِدُ لنا مِنْ أَغانِي الحُبَّ أَعْذَبَها *** و غَنّنا من نِعَامِ البِشْرِ أَشْجاها

دَعْنا نَبِيتُ نَشَاوَى إذ يُجَلُلُنَا *** سِتْرٌ من اللَّهِ يَمْحو ما اقْتَرفْناها(3)

نُحْيِي بِهَا لَيْلَةً قَمْرَاءَ زَاهِرَةٌ *** طُوبَى لِمَنْ بِالهَوى وَالحُبِّ أَحْياها

ما أَسْعَدَ العَيْشَ فيها بَلْ وَ أَرْغَدَهُ *** ما أَجْمَلَ الطَّقْسَ فيها ما أُحَيْلاها

لَيْلٌ بِهِ ضَاءَتِ الدُّنْيا بِسَيْدَةٍ *** لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ هَذا الخَلقَ لَوْلاها

هِيَ البَتُولُ وَمَا أحْلى اسمها بِفَمِي *** هِيَ الزَّكِيَّةُ بِنْتُ المُصْطَفَى طَه(4)

أُمُّ القُرى ازْدَهَرَتْ وَ البَرْقُ جَلَّلَها *** حَتَّى أَحَاطَ بِأَقْصاها وَ أَدْناها

مِنْ دُرَّةٍ سَطَعَتْ قَدْ طَابَ مَغْرِسُها *** وَ غُرَّةٍ لَمَعَتْ قَدْ جَلَّ مَعْنَاهَا

وَ زَهْرةِ أَيْنَعَتْ فَاحَتْ رَوائِحُها *** وَ زَهْرَةٍ طَلَعَتْ فَاقَتْ بِأَضْواها

وَ وَمُضَةٍ تَخْطُفُ الأَبْصارَ لَمْعَتُها *** وَ آيَةٍ حَيْرَ الأَلْبَاب مَغْزَاها(5)

ص: 296


1- (*)مرت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- الراح: الخمر. الرحيق: الخمر أو ضرب من الطيب. حُمَيّا: سَوْرة الخمر أو الخمر: نفسها.
3- نشاوی: سُکاری.
4- انظر كتاب المناقب المرتضوية ص119.
5- في كتاب البحار ج43 ص44: عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: لما خلق اللَّه الجنة خلقها من نور وجهه، ثم أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، و أصاب فاطمة علیها السلام ثلث النور، و أصاب علياً و أهل بيته ثلث النور. فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و من لم يصبه من ذلك النور ضلّ عن ولاية آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم.

297

قافية الهاء

(1)

فَسُورَةُ الكَوْثِر اختصَّتْ بها شَرَفاً *** وَ حَسْبُها سُورَةٌ تَسْمُو بِعَلْياها(1)

أُمُّ الإمامَةِ لا أُمَّ تُساجِلُها *** فَضْلاً و لاأَحَدٌ في الفَضْلِ ضاهاها(2)

بنتُ الرِّسالةِ لابنتُ تُمَاثِلُها *** نُبْلاً و لاكائِنٌ في العِزَّ جَارَاها

مَنْ أَذْهَبَ الرِّجْسَ عَنْهَا اللَّهُ جَلَّ وَ مَنْ *** بها مَلائِكَةُ الرَّحْمَنِ قَدْ باهي(3)

إنْ أَقْبَلَ الصُّبْحُ صَامَتْ عَنْ لذَائِذِها *** أَوْ عَسْعَسَ اللَّيْلُ قَامَتْ في مُصَلاَها(4)

إذا أَقَامَتْ صَلاةٌ بِاسْمِ بَارِئْها *** أَوْحَى إِلَى مَلَكِ أَمْراً فَنَادَاها

يا بِنْتَ أَحْمَدَ إِنَّ اللَّهَ طَهَّرَكِ *** ثُمَّ اصْطَفَاكِ عُلا أَعْظِمْ بِذَا جَاهَا

فَاللَّهُ شَرَّفَها وَ اللَّهُ فَضَّلَها *** وَ اللَّهُ طَهَّرَها وَ اللَّهُ زَكَّاها

وَ اللَّهُ زَوْجَهَا وَ اللَّهُ أَصْدَقَها *** وَ خُطبَةَ العَقْدِ فَوْقَ العَرْشِ أَلْقاها(5)

أنَّى لِمِثْلِيَ أَنْ يُحْصِي مَآثِرَها *** وَ كَيف لي شَرْحُ نُبْذٍ مِنْ سَجاياها؟

هذِي شَرِيعَةُ جُودِ سَاغَ مِنْهُ لَها *** مَنْ جَاءَها عاطِشاً يَحْظَى بِرَيَّاها

ص: 297


1- كتاب التفسير الكبير للفخر الرازي ج 32 ص124: في تفسير قوله «تعالى»: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»: و القول الثالث: الكوثر أولاده. قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت ردّاً علی من عابة علیها السلام بعدم الأولاد...
2- تساجلها: تباريها و تفاخرها.
3- في كتاب الدر المنثور في تفسير آية التطهير من سورة الأحزاب ج5 ص199 قال و ص 199» قال: و أخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» و في البيت سبعة جبريل و ميكائيل و علي و فاطمة و الحسن و الحسين رضي الله عنهم و أنا على علیه السلام باب البيت، قلت: يا رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم ألست من أهل البيت علیهم السلام؟ قال: إنك إلى خير، إنكِ من أزواج النبي صلي الله علیه و آله و سلم.
4- عسعس: أظلم.
5- في كتاب البحار ج43 ص92: عن علي علیه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة علیها السلام و قالوا: خطبناها علیها السلام إليك فمنعتنا و زوّجت علياً علیه السلام؟ فقلت لهم: واللَّه ما أنا منعتكم و زوجته بل اللَّه منعكم و زوّجه فهبط علي جبرئيل فقال: يا محمد صلي الله علیه و اله و سلم إن اللَّه «جل جلاله» يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفؤ على وجه الأرض، آدم فمن دونه.

هَذِي شَفِيعةُ يَوْمِ الحَشْرِ سَيِّدَةُ *** النِّسوانِ قَدْ فَازَ مَنْ بِالقَلْبِ وَالأَها(1)

هذِي رَبيبَةُ وَحْيِ اللَّهِ قَدْ فَظَمَتْ *** مِنَ العَذَابِ مُحِبيِّها وَ أَبْنَاها(2)

وذِي خِزانَةٌ سِرِّ اللَّهِ فَاطِمَةٌ *** طُوبَى لِشِيعَتِها تباً لأعْداها

يا بِنْتَ أَشْرَفِ خَلْقِ اللَّهِ كُلِّهِمْ *** وَ سَيِّدِ الرُّسُلِ عَقْلَي فِيكِ قَدْ تَاهَا

يا بَضْعَةَ المُصْطَفَى قَدْ حِرْتُ فِيكِ وفي *** ما قَالَهُ المُصْطَفَى فِيكِ وَ مَا فَاها(3)

أَعْطَاكِ رَبُّ العُلا جَاهاً وَ مَنْزِلَةٌ *** مَا جَاوَزَتْكِ وَ لالِلْغَيْرِ أَعْطاها

آتاكِ مِنْ عِنْدِهِ في الحَشْرِ مَرْتَبَةً *** مَا لِلأَئِمَّةِ أَوْ لِلرُّسُلِ آتاها

يا رَبَّةَ الوحْي نَفْسي فِيكِ جائِشَةٌ *** بِحُبُها فَاشْفَعِيها يَوْمَ بَلْوَاها

وَ أَنْقِذِيها مِنَ الأَهْوَالِ سَيِّدتي *** لِتُسْعِدِيها بِدُنْيَاهَا وَ عُقباها

هذِيِ صحِيفةُ حُبِّي فِيكِ نَاصِعَةٌ *** مُبْيَضَةٌ فَاشْهَدِي لى يَوْمَ أَوْتَاهَا

فَأَرْشِدِينِي إِلَى مَا كُنتُ أَطْلُبُه *** وَ أَبْلِغِينِي مِنَ الغاياتِ قُصْوَاها

ص: 298


1- في كتاب البحار ج43 ص65 و101: في حديث طويل قال أبوجعفر علیه السلام: واللَّه يا جابر إنها ذلك اليوم (يعني القيامة) لتلتقط شيعتها و محبيّها كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحب الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي اللَّه في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا فيقول الله «عزوجل»: يا أحبّائي ما التفاتكم وقد شفّعت فيكم فاطمة علیها السلام بنت حبيبي؟
2- فطمت قطعت و منعت في كتاب كنز العمال ج6 ص219 و لفظه: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام لأن الله فطمها و محبّيها من النار قال: أخرجه الديلمي عن أبي هريرة -يعني عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم-...
3- في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: «فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي ما أرابها و يؤذيني ما آذاها».

(29) القدسية السامي علاها

(بحر الوافر)

الأستاذ محمود مهدي

تَجَلَّتْ شَمْسُ هَدْي في ضُحاها *** وَ أَشْرَقَتِ المَعَالِمُ مِنْ سَناها

وَ فِي دَلَجِ السُّرى الحادِي تَغنَّى *** بِمَوْلِدِها وَ فِيها الكون قد باهَى(1)

فلا تُخْفِي السُّؤالَ خَلاكَ ذَمُّ *** عَنِ الشَّمْسِ الَّتي الحادِي عَناها

وَ شَعْشَعَ نُورُها في كُلِّ مَنْحًى *** وَ طَوَّقَ فُسْحَةَ الدُّنْيا صَداها

هِيَ الرَّيحانَةُ الذاكِي شَذاها *** لِسِرِّ الطُّهْرِ مَولاها اصْطَفاها

هِيَ الكَنْزُ المَصونُ لِكُلِّ جِيلٍ *** مِنَ الإعجاز باريِنا بَراها

هِيَ المشكاةُ مِشْكاةُ الدَّرَارِيْ *** هِيَ القُدْسِيَّةُ السَّامِي عُلاها

هِيَ الفَحْوَى لِقامُوسِ المَعالي *** هِيَ الزَّهْرا البَتُولُ فَتاةُ طه

وَ ايْمُ اللَّهِ لاتُعْطَى صِفَاتٌ *** كَهْذِي مِنْ بَني الدنيا سِواها

يَضِيقُ الوَصْفُ عَنْ حَصْرِ المَعاني *** الَّتِي فِيها مُكوِّنُها حَباها(2)

فَمِنْ حَقِّ المَعالي أن تُباهِي *** بِبِنْتٍ كانَ هادِينا أباها

وَ مِنْ حَقِّ المفَاخِرِ أَنْ تُحَبِّي *** عَلِيّاً فارِسَ الهيجا فتاها(3)

فلا التَّقْدِيرُ يَبْلُغُ مُسْتَواهَا *** وَ لَوْ لَتَمَتْ ثَرايانا ثَراها(4)

وَ مَنْ تِلْكَ الّتي تَدْنُو لِبنتٍ *** جَرَى طَبْعُ النُّبُوَّةِ في دِماها

ص: 299


1- الدلج: السير في الليل كله أو في آخره. السرى سير الليل.
2- حباها: أعطاها من غير جزاء.
3- الهيجا: الحرب.
4- لثمت: قَبَلت.

لَقَدْ حَازَتْ فَتَاةُ الدِّينِ مَجْداً *** إِلَيْهَا مِنْ مُرَبِّيها تَناهَى

تَتَالَي مِنْ أَبِيها مِنْ عَلِيٌّ *** لِذاكَ الفِكْرِ لم يُحْصَرْ مَداها

لَها صِلَةٌ بِرُوح اللَّهِ عِيسَى *** يَدُ الأَقْدارِ قَدْ حَاكَتْ عُراها(1)

لِمُوسَى لِلْخَلِيلِ بِكُلِّ داعٍ *** إِلى دَرْبِ الهُدَى تُنْمَى ذُراها

كَرِيمَةُ أحْمَدَ المُخْتارِ طَهُ *** رَقَى فَوقَ التَّصوُّرِ مُسْتَواها

مَصُونَةٌ حُرَّةٌ فُضْلَى كَفاهَا *** مِنَ الرِّجْسِ المُهَيْمِنُ قَدْكَفاها

ضئيل كُلُّ مَدْح في بَتُولٍ *** رِضا الرَّحْمَنِ يُقْرَنُ في رِضاها(2)

وَ إِنَّ الدَّينَ في زوجٍ كريمٍ *** لها وابنَيْن عَليَاهُ بناها

يَميناً قاطعاً لَوْلا عَلِيٌّ *** لَظَلَّ الرَّفْضُ يَجْبَهُ مَنْ أَتَاها(3)

قرانٌ لَمْ يَكُن فيه اختيَارٌ *** سوَى لِلَّهِ تكريماً وجَاها

أَلا هَنّوا أباحَسَن بزَوْجٍ *** تخَّطّى دُرّة العليا مداها

وَ هَنُوها به إذ قد تساوت *** شَوَامِعُ مُرْتَقاهُ بِمُرْتَقاها(4)

ص: 300


1- عراها: العروة ما يوثق به.
2- كتاب تهذيب التهذيب ج12 ص441: قال رسول الله صلي الله علیه و اله و سلم الفاطمة علیها السلام: إن اللَّه يغضب لغضبك و يرضى لرضاك. و في كتاب (اعلموا أني فاطمة علیها السلام للعلامة الخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر ج2 ص188 في تفسير الآية الشريفة (لأن أشركت ليحبطن عملك) يجيء معنى آخر في التفسير أو قل: في سبب نزول الآية أن أذى فاطمة علیها السلام يعني الشرك باللَّه... و النبي لم يشرك طرفة عين لأن الآية جعلت ملاك الشرك هنا هو أذى فاطمة علیها السلام. و النبي لم يؤذ فاطمة علیها السلام و كيف يؤذيها و هو القائل: من آذى فاطمة علیها السلام فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله... و يقول في موطن آخر: إن رضا فاطمة علیها السلام من رضاي و سخطها من سخطي. و في حديث ثالث يقول: إن الله ليغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها. كما جاءت هذه الأحاديث في صحاح المسلمين و في البحار والكتب الأربعة و غيرها من كتب التفسير و الحديث و التاريخ. إذن: فالآية لا تعني أن النبي آذى فاطمة علیها السلام... أبداً. و إنما الآية تريد أن تربي الأمة الإسلامية على احترام الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام... إنها فاطمة علیها السلام و ما أدراك ما فاطمة علیها السلام... إن من أدركها أو أدرك معرفتها فقد أدرك ليلة القدر.
3- في کتاب مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص204: قال رسول اللّه صلط الله علیه و آله و سلم: إن اللّه أمرني أن أزوج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام.
4- نفحات عاطرة، ص19.

(30) يا يوم فاطمة علیها السلام

(بحر الکامل)

منذر الساعدی

في ذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام:

يا يومَ فاطمةٍ و يا بلواها *** فَتتْ فؤاداً هاجَ في ذكراها

يا يومَ فاطمةٍ كأنك مأتمٌ *** فيك الصباح و ليلُهُ ينعاها

ساعاتك الأولى اقضّت مضجعي *** اللَّه أكبر يا سعيرَ لظاها

كيف التصبّر و ابنة المختار قد *** غيلت و أُرسل للسماء نداها؟

كيف التصبّر و هي تشكوهمّها *** و من الذي ستهزهُ شكواها؟

أفذا جزاءُ للنبي وآلهِ *** غدروا ببضعته وطالَ بكاها؟

لمّا المنيّة عاجلته سريعةً *** الناس بالزهراء قد أوصاها

إذ قال من كبدي البتول لقَطعة *** يؤذي فؤادي من يرومُ أذاها

و يسرَّني مَن لايعاديها و *** لايبدي النفورَ و نِعم مَن والاها

أُمي البتول و ياانثيال حنانها *** لي ما عرفت وداعةً لولاها

كم ضلّلتني بالمودة والصفا *** ما عفّت البضع البتول أباها

قد قال هذا للخلائق كلّها *** فهل استجاب المغرضون لطه؟

أم ابغضوا الزهراء بعد وفاته *** و تزاحموا من أجل حرق خباها؟

غصبوا لها حقاً فراحت تشتكي *** من ظلم قومٍ يغصبون حماها

دخلوا إلى البيت المقدس عنوةً *** لم يرحموها في اشتداد أساها

ص: 301

دفعوا عليها الباب و هي أسيّةُ *** و على الدموع تعوَدت عيناها(1)

فعلى أبيها لايخفُّ بكاؤها *** و رحيله أودى بعزّ مناها

و ترى الأعادي هشمت أضلاعها *** من بعده و مصائباً تلقاها

اليوم قرب الباب تسقط حملها *** من بعد أن خارت جميع قواها

سقطت و نزف الضلع يحكي ما جنت *** زمر العتاة بما أراد هواها

يا حفنةً خانت وصايا أحمدٍ *** يوم القيامة نارها تصلاها

هتكوا وصيته بفاطمة التي *** هي قدوة في خُلقها و تقاها

هي في النشور شفيعةُ لمن ارتدى *** ثوب الكرامة وانتقى تقواها

أما الذي عادى البتول و أهلها *** يُصلى بنارٍ يُستدام لظاها

***

يايوم فاطمةِ أراكَ بمدمعٍ *** جارٍ كساقية لها مجراها

دُمْ فالبتول اليوم في غصص الأسى *** و تجهمت من حولها دنیاها

لو جفَّ في عينيك دمعُ مصابها *** فاندب بقلبك و امتثل لصداها

و كذاك يا شيعيَ أذكر محنةً *** دارت على الزهراء في بلواها

واصنعْ من الدمع الغزير مودّةً *** يندى وفاءً خالصاً معناها

واستصرخ الإحساس في صدر الجوى *** أن يستجيب لهمّها وأساها

ما ماتت الزهراء في أرواحنا *** هي حيّةُ بل مات من عاداها

ستظل ينبوع القداسة والتقى *** و نظل نُسقى من نمير عطاها(2)

ص: 302


1- أسية: من (الأسى) أي الحزن.
2- نمیر: عذب.

(31) حرة سادت البرايا

(بحر الخفيف)

السيد ميرزا مهدي الشيرازي(*)(1)

دُرَّةٌ أَشْرَقَتْ بِأَبْهَى سَنَاها *** فَتَلاَلا الوَرَى فَيَا بُشْرَاها

لَمَعَ الكَوْنُ مِنْ سَنَانُورِ قُدْسٍ *** بِسَنَا نَارِهِ أَضَاءَ طُوّاها

يالَهَا لمْعَةً أَضَاءَتْ فَأَبْدَتْ *** لَمَعَاتٍ أَهْدَى الأنامَ هُدَاها

یا جُمادی كَفاكَ فَخْراً لَدَى *** الأشُهُرِ مَهُما تَفَاخَرَتْ في عُلاها

كَشَفَ اللَّهُ فيكَ عَنْ سِرِّهِ الغَيْبَ *** وَ أَهْدَى البَتُولَ لِلطُّهْرِ طه(2)

طلَعَتْ في سَما العُلاَ شَمْسُ قُدْسٍ *** زَهَرَتْ عَنْ ذُرَى النُّهى زَهْرَاها

حَبَّذا هَاشِمٌ وَ حَبَّ قَصِيٌّ *** حَبَّذا مِنْ كَرِيمَةٍ وَلَدَاها

هِيَ نورُ اللَّهِ الَّذي لَيْسَ يُطْفَى *** وَ هْيَ الصَّفْوَةُ التي أصْفَاها(3)

ص: 303


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- في كتاب إحقاق الحق ج10 ص25 نقلاً عن المناقب المرتضوية ص119: سمّيت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتّلت و تقطّعت عما هو معتاد العورات في كل شهر، و لأنها ترجع كل ليلة بكراً. و سمّيت مريم سلام الله علیها بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً.
3- في كتاب بحار الأنوار ج15 ص10: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إن اللّه خلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام قبل أن يخلق آدم علیه السلام حين لاسماء مبنية و لاأرض مدحيّة، و لاظلمة و لانور و لاشمس و لاقمر و لاجنّة و لانار. فقال العباس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم؟ فقال: يا عمَّ: لما أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نوراً ثم تكلّم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً ، ثم خرج النور بالروح فخلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، فكنا نسبحه حين لا تسبیح و نقدّسه حين لاتقديس.

دَوْحَةٌ عَمَّتِ البَسِيطَ ثِمَاراً *** زَهْرَةٌ نَوَّرَ الوَرَى قَمَرَاها(1)

حُرَّةٌ سَادَتِ البَرَايَا جَمِيعاً *** مِنْ لَدُنْ بَديها إلى مُنْتَهاها

لَمْ يَكُنْ فِي الْوُجُودِ لَوْلا عَلِيٌّ *** كُفْؤُهَا آدَمَ فَمَنْ عَزَّ جَاهَا(2)

بَلَغَتْ مَبْلَغاً سَمَتْ عَنْ عَدِيلٍ *** لَيْلَةُ القَدْرِ نُخْبَةٌ لاتُضَاهى(3)

يا لَها نُخْبَةً حَوَتْ مَكْرُمَاتٍ *** قَصَّرَ العَالِمُونَ عَنْ إِحْصاها

لا وَ لَمْ يُحْصِ فَضْلَها غَيْر مَنْ أَحْصى *** نُجُومَ السَّمَا وَ عُشْبَ ثَراها

كَيْفَ يُحْصى مَدِيحُ بَحْرِمَعَانٍ *** خَفِيَتْ مُنْتَهى وَ مَا أَخْفَاها؟

أو يُحْصَى مَدِيحُ طَوْدٍ مَعَالٍ *** رُفِعَتْ حَيْثُ طَائِرُ العَقْلِ تَاها(4)

أَيْنَ يُحْصَى مَدِيحُ كَنْزِ لَآلٍ *** لَمْ يَبِن للأنام إلا ثَرَاها؟

لاتَرُمُها فَإِنَّهَا سِرُّغَيْبٍ *** إِنْ تَجَلَّتْ أَوِ اخْتَفَتْ لَنْ تَرَاها

شَمْسُ قَدْسٍ تَجَلَّتْ بِالمَعالي *** وَ عَلتْ في ذُرّى العُلا أعْلاها

فَأَبَتْ أَنْ يَنَالَها الوَهُمُ إلاَّ *** أنها آيةٌ تَعَالي عُلاها

مَرْيَمُ الطُّهْرُ لَمْ تَنَلُها عَلاهٌ *** لا وَ لا کَلثمٌ وَ لا مَنْ سِواها(5)

خَيْرَاتُ النِّسَاءِ طُرّاً نُجُومٌ وَهِيَ *** البَدْرُ مُذْ بَدَا أخْفَاها

كَيْفَ لا وَ الرِّجَالُ لاَكُفْوَ فِيها *** أَفَيُرْجى كُفْوٌلَها في نِسَاها؟

ص: 304


1- البسيط: الأرض.
2- في كتاب البحار كتاب البحار ج43 ص92: في حديث طويل: يا محمد صلى الله عليه و آله و سلم إن اللّه «جل جلاله» يقول: لو لم أخلق علياً علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض، آدم فمن دونه...
3- لاتضاهى: لاتُشابه.
4- تاهَ: تحيّر وضاع. طود: جبل عظيم.
5- في كتاب البحار ج43 ص78: إنما سمّيت فاطمة علیها السلام محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن اللّه اصطفاكِ و طهّركِ و اصطفاكِ على نساء العالمين، يا فاطمة علیها السلام، اقنتي لربّكِ و اسجدي و اركعي مع الراکعین (إشارة إلى الآيتين: 42 و 43 من سورة آل عمران). فتحدّثهم و يحدّثونها. فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مریم کانت سيدة نساء عالمها و إن اللّه جعلكِ سيدة نساء عالمكِ و عالمها و سيدة نساء الأولين و الآخرين.

خِيرَةٌ فاقَتِ البَرَايَا وَ فَاقَتْ *** آيَةٌ خَيْرُ الوَرَى مَعْنَاها

زَهْرَةٌ جَنْبُها ذَكَاءٌ وَ جَنْبٌ *** حَلَّ بَدْرٌ وَ جانبٌ فَرْقَداها(1)

فالأُلَى هُمْ قُطبُ العَوالِم طُرّاً *** هِي فيهم قُطْبٌ تُدِيرُ رَحاها

ذلِكَ الفَضْلُ لايُدانِيهِ فَضْلُ *** تِلكَ أُقْسُومَةٌ أَبَتْ أَنْ تُضَاهَى

هِيَ حَوْرَاءُ فاقَتِ الحُورَ حَتَّى *** خَدَمَتْ في وِلادِها لِعَيَاها(2)

فَاطِمَ لِلْوَلاَءِ عَنْ كُلِّ هَوْلٍ *** لأيَخَافُ العَذَابَ مَنْ والاها(3)

خَلَقَ اللَّهُ آلَ أَحْمَد أَنْواراً *** فَكَانَتْ مِنْ بَيْنِهَا زَهْرَاهَا(4)

عَرِفَتْها الأَمْلاكُ يَوْمَ تَجِلَّتْ *** فَغَدَتْ عُرْفَةٌ لأَهْلِ كِسَاها

سَادَ آبَاؤُها قَدِيماً فَزَادُوا *** سُؤدُداً مِنْ نَدَى سَمَا عَلياها

بَيْتُها بَيْتُ سُؤدُدٍ وَ مَعَالٍ *** فَاقَ هَامَ السَّمَاءِ عَنِ ابْنَاها

كَيْفَ أُحْصِي مَدِيحَهَا بِبَيَانٍ *** وَ بِهَا اللَّهُ في السَّمواتِ باهى؟(5)

ص: 305


1- فَرْقد: نجمٌ قريب من القطب الشمالي يهتدى به و المقصود بالفرقدين هنا الحسنان.
2- في كتاب دلائل الإمامة ص53 عن زينب بنت علي علیه السلام قالت: حدَّثتني أسماء بنت عمیس: قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم -و قد كنت شهدت فاطمة علیها السلام قد ولدت بعض ولدها فلم یرَّ لها دم، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إن فاطمة علیها السلام ولدت فلم نر لها دماً؟ قال: إن فاطمة علیها السلام خلقت حورية إنسية.
3- في كتاب سفينة البحار ج2 ص375: في حديث طويل عن اللّه «عزوجل»: يا فاطمة و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات و الأرض بألفي عام أن لاأُعذب محبّيك و محبّي عترتكِ بالنار.
4- في كتاب البحار ج43 ص44: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لما خلق اللَّه الجنة خلقها من نور وجهه، ثم أخذ ذلك النور فقذفه فأصابني ثلث النور، و أصاب فاطمة علیها السلام ثلث النور، و أصاب علياً علیه السلام و أهل بيته علیهم السلام ثلث النور. فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى ولاية آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم و من لم يصبه من ذلك النور ضلّ عن ولاية آل محمد صلى الله عليه و آله و سلم.
5- لعل مما يشير إلى ذلك ما في كتاب بحر المعارف ص428: عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في حديث طويل على ساق العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام خير خلق اللّه.

بَلَغَتْ مِنْهُ رُتْبَةً كان فيها *** سُخْطُهُ سُخْطَها رِضاهُ رِضاها

جُعِلَتْ أَوْلِيَاؤُهُ مِن بَنيها *** بُعِثَتْ أَنبياؤُهُ بِوَلَاها

زُوجَتْ مِنْ سَمِيهِ في سَمَاهُ *** شُفَعَتْ في عِبادِهِ في جَزَاها(1)

جَنَّةٌ عَرْضُها السَّمَوَاتُ وَ الأَرْضُ *** أُعِدَّتْ لِمُتَّقِ وَالاَها

وَ يُناغِي لِوُلْدِها حَامِلُ الوَحْيِ *** وَ تَرْعَى الأَمْلالُ عِزَّ حِمَاها

أَشْرَفُ العَالَمِينَ أَنْجَالُها الغُرُّ *** وَ هُمْ يَفْخَرُونَ في مُنْتَهاها

أَشْرَفُ العَالَمِينَ أنْجالُها الغُرُّ *** أُصولُ الوَرَى بُدُورُ هُداها

وَ هُمُ في عُلاهُمُ لا يُداني *** تُلْفِهِمْ يَفْخَرُونَ في مَنْماها

تِلْكَ أَكْرُومَةٌ تُبِينُ عَلاءً *** فَلْيُباهِ مَنْ يَنْتَمِي لِعُلاها(2)

لَعَنَ اللَّهُ أُمَةً ضَيَّعُوها *** لَمْ يُرَاعُوا لَها مَقاماً وجاها

رَجَعُوا جَاهِلِيَّةً فأَباحُوا *** حُرْمَةَ اللَّهِ وَ اسْتَبَاحُوا أذاها

جَعَلُوا غَنِيمَةً إِذْرَأَوْهَا *** فَقَدَتْ حِصْنَها المَنِيعَ أَبَاها

فتَنَادَوا أَخْلافُ ثَارَاتِ بَدْرٍ *** أَشْقِيَاءٌ يَقُودُها أَشْقَاها

ذَاكُمُ يَوْمُكُمْ هَلُمُوا عِجَالاً *** لِتَنَالُوا الأَحْقَادَ مِنْ آلِ طَهَ

تِلْكُمُ فُرْصَةٌ فلا تَغْفَلُوها *** وَ الْقَفُوا دَوْلَةً لَهُمْ لاتُنَاهى

فَجَثَوْا هَجْمَةً بَابَ دَارٍ *** حَكَمَ اللَّهُ أَنْ يُهَابَ حِماها

وَ اسْتَطالُوا حِلْماً وَ صاحُوا صِياحاً *** تَرَكَتْ في الدُّهورِ رَجْعَ صَدَاها

ص: 306


1- سميِّهِ: سمِّي اللّه يعني علياً علیه السلام لأنه اشتق من العلي. في كتاب ملحقات إحقاق الحق ج18 ص174، في حديث طويل عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فوالذي بعثني بالكرامة و استخصَّني بالرسالة ما أنا زوجته ولكن اللّه «تبارك وتعالى» زوّجه من فوق عرشه، و ما رضيت حتى رضی عليّ علیه السلام، و ما رضي عليّ علیه السلام حتى رضيت و ما رضيت حتى رضيت فاطمة علیها السلام، و ما رضيت فاطمة علیها السلام حتى رضي اللّه ربِّ العالمين.
2- يباهي: يفاخر.

وَ عَلى البَابِ أَضْرَمُوا نَارَ حِقْدٍ *** تَتَلَظَّى إلى النُّشورِ لَظَاها(1)

هَتَكُوا عُنْوَةً حِمَاهَا حِمَى اللَّهِ *** وَ آذَوْا نَبِيَّهُ بِأَذاهَا(2)

مَنَعُوها تُراثَهَا مِنْ أَبِيها *** غَصَبُوا حَقَّها الَّذي آتاها(3)

كَذَّبُوها حَيْثُ ادَّعَتْهُ وَجَاءَتْ *** بِشُهود لها على دَعْواها

بِشُهودِ عَدْلٍ وَ أَيِّ شُهودٍ *** رَبُّها وَ النَّبِيُّ قَدْ زَكَياها

بِشهودٍ مُطَهَّرينَ مِنَ الرِّجْسِ *** كِرَامٍ مِنَ الوَرَى أَتْقِياها(4)

ص: 307


1- تتلظى: تشتعل و تلتهب. و في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب نهج الحق و كشف الصدق ص271 و رواه أيضاً تاريخ اليعقوبي ج2 ص105 ، و تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ج7 ص164: نقل ابن خيزرانة في غرره، قال زيد بن أسلم: كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة علیها السلام حين امتنع علي و أصحابه عن البيعة أن يبايعوا، فقال عمر لفاطمة علیها السلام: أخرجي من في البيت و إلا أحرقته و من فيه. قال: و في البيت علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و جماعة من أصحاب النبي صلي الله علیه و آله و سلم، فقالت فاطمة علیها السلام تحرق على ولدي؟ قال: إي واللَّه أو ليخرجنّ و يبايعنَّ.
2- عنوة: أخذ الشيء قهراً و قسراً.
3- في كتاب اللمعة البيضاء ص328: إن فاطمة علیها السلام انطلقت إلى أبي بكر فطلبت ميراثها من نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: إن نبي الله صلى الله عليه و آله و سلم لايورث، فقالت: أكفرت باللَّه و كذبت بكتابه؟ قال اللَّه «تعالى»: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ». [سورة النساء، آية 11].
4- نقلت من كتاب أعيان الشيعة ج50 ص119.

(32) نحلة البتول علیها السلام

(بحر الخفيف)

الحاج مهدي الفلوجي(*)(1)

ص: 308


1- (*) هو الحاج مهدي ابن الحاج عمران ابن الحاج سعيد الفلوجي. ولد في الحلّة الفيحاء عام (1282ه-) و نشأ بها كان حسن الأخلاق طاهر الضمير، كثيرالبشاشة، عفَّ اللسان. و كان يتعاطى التجارة و يحترف بيع البزّ، و يرتدي برأسه العمة السورية، و كان من ذوي الجدة و الثروة و المكانة المرموقة في البلد. و تخرج في الأدب على الشاعر الكبير الشيخ حمادي نوح فسار على سيرته يقرض الشعر، فكان من الذين وعوا الشيء الكثير من أشعار العرب القدامى، و هو لم يجعل الشعر آلة استجداء منذ عرفه و زاول ،نظمه بل خص به أهل البيت علیهم السلام و ما تجاوز ذلك ففي آل القزويني و أضرابهم من ذوي المجد و السؤدد و كان مكثراً من النظم أيام كانت سوق الأدب رائجة في الحلة. أما في أواخر أيامه فلا يكاد يسمع له صوت لقلة رغبة المجتمع و عدم تذوقهم لأساليب الشعر القديم فهو من طليعة الشعراء المحافظين في الحلة، وله ديوان. و ترجمه اليعقوبي في (البابليات) و ذكر أن له ديواناً ضخماً لم يطبع قد حوى كثيراً من القصائد التي لاتقلّ بمتانتها عن روائع الأكابر من شعراء عصره، و له بعض القصائد في السياسة و الاجتماع و منها القصيدة التي مطلعها: أهاتفة البان من لعلع *** هلمي العراق و نوحي معي و ترجم له الشيخ النقدي في (الروض النضير). كما ترجم له الخاقاني في (شعراء الحلة) و شبّر في (أدب الطف) و روى له نماذج من الشعر و التواريخ و لتعلقه بآل البيت علیهم السلام كان أكثر ما نظم فيهم علیهم السلام. وكانت وفاته في الكاظمية في يوم الثلاثاء خميس جمادى الثانية من عام (1357ه-) على أثر مرض عضال أعيا الأطباء علاجه، و نقل جثمانه إلى الحلة بموكب حافل فاستقبله أهلوها و شيعوه إلى مرقده الأخير في النجف الأشرف، و دفن بالديوان الذهبي أمام الحضرة الحيدرية.

هِيَ دُنْيا وَ لِلْفَنامُنْتَهاها *** لَعِبٌ جِدُّها وَوَاءٍ قُواها(1)

إِنَّما هذِهِ الأَنامُ نِيامٌ *** سَتَرى بَعْدَ أنْ تَمُوتَ انْتِباها

هي دارُ جَوامِع الضّدِّ فِيها *** صُبْحُها مُضْحِكَ وَمُبْكٍ مَساها

بَدَأَ اللَّهُ خَلْقَهُ فَابْتَلاهُمْ *** فِتَناً أَظْهَرَ الكِتابُ خَفاها

هِي أُمُّ النَّجْدَيْنِ رُشْدِ وَتِيهٍ *** سَلَكَ المُهْتَدُونَ نَهْجَ هُداها(2)

حَفِظوا عِتْرَةَ النَّبِيِّ بِيَوْمٍ *** سَفكَتْ عِتْرَةُ الضَّلالِ دِماها

يَوْمَ قَدْ سَخَّرَ الحُرُوبَ ابْنُ حَرْبٍ *** بِجُمُوعِ قَدْ سَدَّ فِيها فَضاها(3)

وَ أحاطوا عَلَى الأطائِبِ مِمَّنْ *** أَكْمَل اللَّهُ دِينَهُ بِوَلاها

فَاسْتَثَارَتْ مِنَ الخِيامِ رِجالٌ *** كَبُدورٍ تَطالعتْ مِنْ سَمَاهَا

كَشَفوا لَيْلَ نَفْعِها بِسُيوفٍ *** بَرَقَ المَوْتُ تَحْتَ وَ مُضِ شَباها(4)

یَلْبَسُونَ الدروعَ وَ هُيَ قُلوبٌ *** مُحْكَماتِ العُرى بِيَوْمِ لِقاها

ثَبَتَتْ لِلْجِلادِ وَ هْيَ عِضابٌ *** بالتِلْكَ الهِضابِ ما أرْساها

شَكَرَتْ صُنْعَها الوَغَى أَفْتِدِي مَنْ *** شَكَرَتْ صُنْعَها الجَمِيلَ وغاها

أَرْخَصَتْ أَنْفُساً عَلَى الدِّين عَزَّتْ *** يا لِتِلْكَ النُّفُوس ما أَغلاها

وَ بِجَرْعاءِ كَرْبَلا يَوْمَ حَلُّوا *** فِيهِمُ حَلِّ كَرْبُها وَ بَلاها

بُورِكَتْ أَرْضُ كَرْبَلا فَهيَ أَرْضٌ *** تَتمنَّى الأفلاكُ لَثْمَ ثَراها(5)

تُرْبَةٌ قَدَّسَتْ بِالِ عَلِيَّ *** طُهُرَتْ يَوْمَ صُرِّعُوا بِفناها

بِأَبي المحرمين عَجِّتْ إِلى اللَّهِ *** بِإِهْلالِها فَوَدَّ لِقاها(6)

ص: 309


1- واهٍ: ضعيف.
2- تیه: ضلال.
3- سَعّر: أوقد و أشعل.
4- شباها: حدودها.
5- لَثْم: تقبيل.
6- فَوَدَّ: فأحب.

قَدَّمَتْ هَدْيَها وَ هُنَّ نُفُوسٌ *** يَا لِتِلْكَ النُّفوسِ مَا أَهْداها

تَرَكَتْها سُيوفُ أَبْناءِ حَرْبٍ *** في (مِنی) كَرْبَلا أَضاحِي مِناها

مُذْ تَعَرَّتْ عَنِ المَخِيطِ بُروداً *** خَلَعَ الدِّينُ بُرْدَها فَكَساها

بَرَزَتْ لِلطَّوافِ دُونَ بُيُوتٍ *** شَرَّفَ اللَّهُ بَيْتَهُ بِحِماها

یا حِمى الحِجْرِ وَ الحَجُونَ اغتبقها *** وَقْعةً فَجَّر الصُّخُورَ شَجاها

هذِهِ أَنْجُمُ الهِدايَةِ غَابَتْ *** بَعْدَما أَشْرَقَ الوُجُودَ سَناها

فَلَوْ أَنَّ البُكاءَ يُجْدِي عَلَيْهِمْ *** نَشَرتْ زَهْرَها السَّما بِبُكاها

أَوْجُهُ في الصَّعِيدِ تُشْرِقُ نُوراً *** وَ أبُوالفَضْلِ فِيهمْ أَسْناها

حَفِظَ الدِّينَ فَادِياً أيَّ نَفْسٍ *** وَدَّ جِبْرِيلُ أَنْ يَكُونَ فِداها

تَرَكَ الجَمْعَ كالسَّوامِ شُروداً *** وَ هُوَ ذُو لُبْدَةٍ يَكرُ وَرَاها(1)

عُرقَتْ فِيهِ نَحْوَةٌ مِنْ أَبِيهِ *** وَ كَذا الأسْدُ تَقْتَفِي أَباها

لَمْ يَطأُ طَرْفُهُ ضُحى الحَرْب إلاَّ *** قَنَنَ الهامَ مِنْهُمْ وَالجباها

راجِزاً فِيهمْ أَنا ابْنُ مُقيمٍ *** أوَدِ الدِّينِ فاستقام بِناها(2)

مَلَكَ الماءَ ظامياً لَمْ يَرِدُهُ *** بِمواساتِهِ الحَياةَ سَلاها

فَعَلَى الدِّينِ عَزَّ قَطْعُ يَدي مَنْ *** حَوْزَةُ الدِّينِ في يَدَيْهِ حَماها

وَ هَوى بِالعَمُودِ مِنْهُ عِمَادٌ *** بَعْدَهُ نُكِّسَتْ لَوِيَّ لِواها

وَ نَضى السَّيْف بَعْدَهُ ابْنُ أَبِيهِ *** وَ هُوَ فِيهِ لولا القَضا أَفْناها

هُوَ سِرُّ الإِلَهِ سِبْطُ نَبِيَّ *** خَتَمَ اللَّهُ بِاسمِهِ أَنْبِياها

وَ هُوَ الخِيرةُ الَّتي جَهِلَتْها *** فِئةُ الغيّ وَ الإلهُ ارْتَضاها

إِنَّ للَّهِ حِكْمَةٌ فِيهِ يَغْدُو *** ثاوِياً طَعْمَ سُمْرِها وَ ضُباها

ص: 310


1- السَّوام: الماشية و الإبل الراعية -ذو لُبْدَة: الأسد و اللُّبْدَة هی الشعر المجتمع بین کتفي الأسد.
2- أَوَد الدين: اعوجاجه.

أَدْرَكَتْ ثارَها أُمَيَّةُ منْهُ *** وَ شَفَتْ فِيهِ حِقْدَها طُلَقاها

حَرَّمتْ ماءهَا المُباحَ عَلَيْهِ *** بَعْدَما أَوْرَدَ السُّيوف دِماها

أَوْطَأَتْهُ سَنابِكَ الخَيْلِ عَدْواً *** بَعْدَما أَوْطَأ الخُبُول طُلاها(1)

سَوَّدَ اللَّهُ بِالعِراقِ وُجوهاً *** قَتَلتْ خَيْرَ مَنْ يُرِيدُ هُداها

قتلَتْ خِيرةَ الأَنامِ حُسَيْناً *** بِضُبا أَلْعَنِ الوَرَى أَشْقاها

أَسْفَرَ الصُّبْحُ عَنْ دُجى لَيْلِ وَ هُمٍ *** إِنَّ تِلْكَ الأَرْجاسَ مِنْ أَوْلاها

طَمِعُوا بِالحَياةِ وَ هُيَ مَتاعٌ *** بِئْسَ ما قَدَّمُوا لِيَوْمِ جَزاها

ظَهَرَ الانْقِلابُ مِنْهُم بِفَقَدِ *** المُصْطَفَى وَ النُّصُوصِ شَقُوا عَصاها

وَ بِقاعُ الغَدِيرِ في يَوْمِ خُمِّ *** شَهِدَتْ أَنَّ حَيْدَراً مَوْلاها

غَصَبُوا نِحْلَةَ البَتُولِ عِناداً *** وَ إِلهُ السَّمَاءِ قَدْ أَوْلاها(2)

إِنَّما نارُها التي أَضْرَمُوها *** عِنْدَ بابِ الزَّهْراءِ ما أَوْراها(3)

أُضْرِمَتْ بِالطُّفُوفِ مِنْها خِيامٌ *** لِبَني الوَحْيِ فَاسْتَمَرَّ سَناها

دَخَلُوا دارَ خِدْرِ مَنْ عَلِمُوها *** أنَّ في وَحْیِهِ الإِلهُ حَباها

أَسْقَطُوها الجَنِينَ رَضَاً وَقادُوا *** مَنْ لَهُ الأَمْرُ لَوْ يَشاءُ مَحاها(4)

مَنْ لَهُ في الحُروبِ أَعْلامُ فَخْرٍ *** عَقَدَتْها الأفلاكُ فَوْقَ ذُراها

يَوْمَ بَدْرٍ وَ خَيْبَرٍ وَ حُنَيْنِ *** هُوَ مِصْباحُها وَ قُطبُ رَحاها

ص: 311


1- سنابك: أطراف الحوافر.
2- في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي ج16 ص232: «دخلت فاطمة علیها السلام على أبي بكر بعدما استخلف فسألته ميراثها من أبيها، فمنعها...».
3- في كتاب العقد الفريد ج5 ص13 في حديث طويل: حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام، و قال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فقالت علیها السلام: يا بن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...
4- في كتاب الاحتجاج ج1 ص109 في حديث طويل: فأرسل أبوبكر إلى قنفذ أضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها...

وَ بِيَوْمِ الفُتُوحِ أَسْنى المَعالي *** حازهَا المُرْتَضَى وَ حَازَ سِواها

كَمْ لَهُ في المُبِيتِ ثُمَّ شِعارٌ *** فِيهِ أَمْلاكَهُ المُهَيْمِنُ باهِي

وَ لَهُ المَوْلِدُ الشَّرِيفَ مَحَلاًّ *** عَنْ مَزايا تَقَدَّسَتْ أَنْ تُضاهي(1)

ص: 312


1- البابليات ج4 ص124.

(33) كم عانت الزهراء علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد هاشم الشخص(*)(1)

ص: 313


1- (*)هو الخطيب السيد هاشم ابن محمد ابن السيد هاشم بن محمد بن هاشم بن عبد الحسين بن علي بن محمد بن أحمد ابن السيد علي الشخص. ولد في بلدة القارة بالأحساء، فجر الجمعة في السابع عشر من شهر صفر المظفر عام (1377 ه-). و بها درج بواكير طفولته و أوائل نشأته، ثم نزح يافعاً إلى النجف الأشرف بصحبة أسرته لطلب العلم وتلقي الدراسات الدينية. تلقى دروسه على يد أساتذة النجف الأشرف منهم والده السيد محمد الشخص، و السيد عدنان السيد محمد الناصر، و السيد مهدي ابن السيد محسن التبريزي و الشيخ إبراهيم الدماوندي، و الميرزا علي الزنجاني و السيد محمد رضا الخرسان و الشيخ محمد باقر الإيرواني، و الشيخ كثير الباكستاني والسيد محيي الدين الغريفي و الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم. و تلقى بعض دروس التفسير على يد الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رضي الله عنه)، و في عام (1400 ه-) عاد إلى موطنه في الأحساء، و بعد سنة هاجر إلى قم المشرّفة، و واصل دراسته في حوزتها الدينية على يد ثلة من الأساتذة، منهم السيد أحمد المددي و الشيخ الباياني و الشيخ الوحيد الخراساني و الفاضل اللنكراني، و السيد محمود الهاشمي و غيرهم. و المترجم له واصل الخطابة في منتصف عقد حياته الثاني، فأصبح من الخطباء في الأحساء و الخليج و خوزستان و سوريا و أمريكا و كندا و غيرها و ألف عدة كتب، منها: 1- أعلام هجر عشرة مجلدات، طبع منه الجزءان الأول و الثاني. 2- عالم الآخرة في القرآن الكريم، قيد التأليف. 3- بلغة الخطيب وتحفة الأديب، قيد التأليف. 4- تحقيق القصيدة (قيد الوصية) طبع في بيروت، و القصيدة معروفة و مذكورة في الذريعة، و هي في المواعظ و الآداب و مكارم الأخلاق من إنشاء العلامة الشيخ محمد بن عبد الله الرمضان الإحسائي المتوى سنة (1240 ه-). 5- ديوان شعر صغير. أحبّ الشعر و نظمه في اللهجتين الفصحى و العامية و قرضه في اللسانين الفصيح و الدارج و قد سجل أهم ما قاله من شعر في ديوان صغير ذكرناه ضمن مؤلفاته.

عجيبةٌ هذه الدنيا وبلواها *** كمْ حلَّ في آلِ طهَ من رزاياها

كَمْ كابَدُوا محناً لم يَلْقَها أحدٌ *** و هم من الناس أزكاها و أتْقاها

قاسُوا من الظُلمِ ألواناً و نالَهُم *** من البلا ما صروف الدهر أنساها(1)

ما منهُم من قضى إلا و مهجتُه *** قد قطَّعَتْ بلظى الأشجانِ أحشاها

شتّى مصارعُهُم منهم قضى ظماً *** ذبحاً و منْهُم سمومُ الغدرِ يُسقاها

و في السجونِ عديدٌ منهمُ قُتِلوا *** و في المباني لَقَت بعضٌ مناياها

منهُم بطيبةَ قد حَلُّوا و بعضُهُم *** بكربلاءَ و أرضِ الكرخِ مثواها

و بالغريِ و سامراءَ بعضُهُم *** و في خراسانَ بدرٌ حلِّ أقصاها

لكنَّ أم الرَّزايا بلْ وأفضَعَها *** ما حلَّ بالطُّهر بنتِ المصطفى طه

لهفي لها كمْ رأتْ من بعدِ والدها *** من الأذى ما لِعَيْنِ الذين أدماها

تجرَّعتْ غصصاً لو أن أيسَرَها *** قد حَلَّ بالراسياتِ الشُمَّ أفناها

يا للخطوبِ ابنةُ المختارِ فاطمةٌ *** لم يُرْعَ بعدَ رسولِ اللَّه قَرباها

جارُوا عليها و لم يرعَوْا مكانَتَها *** و هي التي بُعلاها الذكرُ قد فاها

(فقل تعالوا) أتتْ فيها كذاك أتى *** في فضلها (هل أتى) واللَّه زكّاها

و كمْ أشادَ بها المختارُ وهو بها *** أدرى و كم علناً أوصى بإرضاها

فكيفَ يُجنى عليها كيفَ يظلمها الزَّمانُ *** ما أظلمَ الدنيا و أَقساها؟

من البكا مُنِعت من إرثها حُرِمت *** وحقَّها غُصبتْ والكلُّ عاداها

و كم بهم خطبتْ كم أعلنَتْ و دعتْ *** لم يحفظوها و لم يَرْعَوا وصاياها

***

ص: 314


1- صروف الدهر: تقلبّاته.

و أعظمَ الخطبِ أن يؤتى لمنزلِها *** بالجزل(1) و النارِ كي للنارِ تصلاها؟

و قال قائلُهم للدَّار أحرِقها *** حتى و إنْ حلَّها الزهراءُ و ابناها

اللَّهُ أكبرُ أينَ المسلمونَ مضَوْا *** كيفَ ابنةُ المصطفى يُؤتى لإيذاها؟

لدارِها دخلُوا ظُلماً و ما أخذُوا *** إذناً و جبريلُ دوماً كانَ يَغشاها

فلاذتِ الطهرُ خلفَ البابِ تسترُها *** فنالَها منهمُ ما أسخَطَ اللَّه

لضلعِها كَسَرُوا و الخدَّ قد لَطَمُوا *** و أسقَطَتْ مُحسناً واهاً لها واها

ما أجرأَ القومَ ما أقسى قلوبَهُمُ *** كيفَ البتولةُ منها رضَّ ضلعاها؟

بصدرِها أنبتُوا المسمارَ فانبعثَتْ *** منهُ الدماءُ ألا ويلٌ لأعداها

حنَّت وأنَّتْ وخرَّت بالثرى وبكَتْ *** و المرتضى قيدَ مكتوفاً لأَشقاها

***

اللَّه كم عانتِ الزهراءُ من محنٍ *** كَمْ جَرَّعُوها من الأقذاءِ أشجاها

كم روّعوها و كم أجروا مدامِعَها *** دماً و لم يحفظوا للمصطفى جاها

حتى غدتْ بفراشِ الموتِ من مرضٍ *** و من أذًى نالها تشكُو لمولاها

و مذدنا الموتُ منها أصبحتْ بأسّى *** أصابَها الحزنُ إشفاقاً لأَبناها

أوصَتْ بهم حيدراً و القلبُ في قلقٍ *** عليهِمُ و جَرَتْ بالدمِ عيناها

ما أدري ما حالُ مولانا الوصيِّ و قد *** رأى البتولة تمليهِ وصاياها؟

قالتْ له هل بدا مني إليكَ خطاً *** يوماً و هل خنتُ حاشا الطهرُ حاشا

فأظلمَ الأفق في وجهِ الإمام أسّى *** على الزكية كيفَ الدهر أضناها؟

أجابَها أنتِ أتقى أن أو بخَكِ *** و أنتِ خيرُ نساء الأرض أَرضاها

قالت إذا أنا فارقت الحياةَ فلا *** تدع بني يصيبُ الضيمُ إياها

و ارفقْ بهم وتزوجْ من أمامةَ إذ *** تكون مثلي لأولادي بِرحماها

ص: 315


1- الجزل: ما عظم من الحطب ويبس.

اللَّه اللَّه في نجليِ الزكي وفي *** شبليِ الحسين و في الحوراءِ فارعاها

و لاتدع عصبةً جارتْ عليَّ بأن *** تأتي إليَّ لتشييعي لطَغْواها

لايحضُرُوا أبداً نعشي و في جِنحِ *** الظلامِ جثتي واريها بمثْواها

يا ساعدَ اللَّه قلبَ المرتضى فلكم *** رأى خطوباً يُشيبُ الطفلَ مرآها

ما حالهُ و يرى الزهراءَ من كمدٍ *** لقد دنا حينَها و السُّقمُ أعياها

حتى قَضتْ و هي من ضيمٍ ألمَّ بها *** تبث للخالقِ الرحمن شكواها

ماتتْ بغضتها ظلماً فوا أسفي *** على البتولةِ كيفَ الموتُ وافاها

في زهرةِ العمرِ كيف الحتفُ عاجلها *** كيف الخطوب دهتها و البلا جاها؟

ماتتْ سليلةُ طه المصطفى كَمَداً *** ماتتْ و لما تَمُتْ منها سجاياها(1)

و المرتضى و بنُوه الغُر أفجعهم *** وقعُ المصابِ على الزهرا وبلواها

والكلُّ أجرى عليها دمعَهُ بدمٍ *** و الحزنُ للنار في الأحشاء أوراها(2)

ماتتْ و في ليلها بالسرِّ قد دُفنت *** بنتُ النبي فكيفَ الدهرُ أخفاها

أعفي ثراها و لم يُعرف له أثر *** ما السرُكيف و من للقبرِ أعفاها

أوه لبنتِ الهدى ماتتْ بغَصَّتها *** أوه لمرقدِها المعفِي و مثواها

ص: 316


1- سجاياها: خصالها و أخلاقها الحميدة.
2- أوراها: أججها. أشعلها.

(34) عمر الزهور

(بحر الرّمل)

الأستاذ هيثم سعود الكربلائي

يا ربِّي عَجِّلْ بِوَفاتِي *** ضاقَتْ في عَيْنَيْ حَياتي(1)

فأَنَا بِنْتُ رَسُولِ اللَّهْ *** وَ لِمَنْ أَشْكُو يا رَبّاه؟

***

يا إلهَ الكَوْنِ إنّي بِنْتُ خَيْرِ الأَنْبِيَاءِ

فأبي المُخْتارُ طَهَ وَ أَنَا خيرُ النِّسَاءِ(2)

جئتُ يا ربّاهُ أَشْكُو عُظمَ هَمِّي و شَقائي

أَنا في عِزِّ شَبابِي امْتُحِنْتُ بِالبَلاءِ

فَبِعُمْرِ الزُّهور -ابْتَمَثْنِي الدُّهورُ- وَ سَكَنْتُ القبورْ

ص: 317


1- في بحار الأنوار ج43 ص177 ط2 مؤسسة الوفاء -بيروت. ضمن ح15 ما جاء عن الزهراء علیها السلام إنها: «... ثم زفرت زفرة و أنت أنّة كادت روحها أن تخرج ثم قالت: قلّ صبري و بان عنّي عزائي *** بعد فقدي لخاتم الأنبياء إلى أن تقول علیه السلام: يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً *** فلقد تنغّصت الحياة يا مولائي
2- جاء في «كنز العمال» ج12 ص102 ح34191: «عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: خير رجالكم علي علیه السلام و خير شبابكم الحسن و الحسين علیهما السلام و خير نسائكم فاطمة علیها السلام...».

موتُ أَبِي قَدْ أَنْقَضَ ظَهْرِي *** و أُنادِيهِ بِدَمْعِ يَجْرِي(1)

مَنْ لِي بَعْدَكَ يا أبتاهُ؟ *** و لِمَنْ أَشْكُو يا ربّاهُ؟

***

أَفْجَعْتني يا إلهي تِلْكُمُ البَلْوى الأليمهْ

لَمْ أكُنْ أَعْلَمُ أنّى بَعْدَهُ أَحْيا يَتِيمَهْ

بَيْنَ قَوْمِ إسْتحِلّوا حُرْمَةَ الهَادِي العَظِيمَهْ

كُنْتُ أَبْكِيهِ ولكنْ زُمْرَةُ البَغْيِ اللَّئِيمهْ

مَنَعَتْنِي البُكا -غَصَبَتْ فَدَكا- لِمَنِ المُشْتَكَى(2)

ما زالَ يَرِنُّ بِآذاني *** مَنْ آذاها قَدْ آذانِي(3)

وَ بِقَلْبِي تَشْتَعِلُ الآهُ *** وَ لِمَنْ أَشْكُويا ربّاهْ

***

وَ أَبي قد كانَ أَوْصى قائِلاً يا كُلَّ صَحْبِي

ص: 318


1- أنقض ظهري: أثقلَه. في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص17،«... يا أبتاه صلي اللَّه علیه و آله و سلم بقيت والهة وحيدة و حيرانة فريدة فقد انخمد صوتي و انقطع ظهري و تنغّص عيشي و تكدّر دهري فما أجد يا أبتاه صلي اللَّه علیه و آله و سلم بعدك أنيساً لوحشتي و لارادّاً لدمعتي و لامعيناً لضعفي فقد فني بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرئيل و محلّ ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه صلي اللَّه علیه و آله و سلم الأسباب و تغلّقت دوني الأبواب فأنا للدنيا بعدك قالية و عليك ما تردّدت أنفاسي باكية لاينفد شوقي إليك و لاحزني عليك».
2- جاء في كتاب صحيح مسلم، المجلد 1381/3 54 ط: «عن عائشة قالت: كانت فاطمة علیها السلام تسأل أبابكر نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من خيبر و فدك و صدقته بالمدينة فأبى أبوبكر عليها ذلك». سنن البيهقي 301/6 سنن أبي داود 129/2.
3- في مسند أحمد 5/4: «عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: انها -فاطمة علیها السلام- بضعة منّي يؤذيني ما آذاها و ينصبني ما أنصبها» و يوجد في كتاب صحيح الترمذي 698/5 ح3869 و يوجد في كتاب كنزالعمال 107/12 ح34215 و منتخب كنز العمال 96/5 و لسان العرب 758/1.

ابْنَتِي الزَّهْراءُ رُوحِي بينَ جَنْبَيَّ وَ قَلْبِي(1)

إنّ مَنْ أرْضى بتولاً فَهُوَ فِي الحَشْرِ بِقُرْبي(2)

إِنْ مَنْ يُرْضِي بتولاً يُرْضِيَ المَعْبُودَ رَبِّي

يا إلهَ الوَرى-لَيْتَهُ قَدْ دَرَى- بَعْدَهُ ما جَرَى

كافَأَهُ الأصْحابُ بِقَدْرِ *** إِذْ دَفَعُوا البابَ إِلى صَدْري

وَ قَضَى المُحْسِنُ واوَيْلاهُ *** و لِمَنْ أَشكُو يا رَبَّاهُ؟

***

بَيْنَ آهاتِي وَ حُزْنِي وَ مُصابِي وَ احْتضاري

وَ أَنيني لِجَنِينِي وَدَمِ في الصَّدرِ جارِي

دَخَلَ الأصْحابُ دارِي وَيْلَ أعْدائِي بِداري(3)

ص: 319


1- في كتاب «أمالي الصدوق» ص99-100، ط 5/ مؤسسة الأعلمي -بيروت: «... و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبيِّ و هي الحوراء الإنسيةَ، متى قامت في محرابها بين يدي ربها «جلّ جلاله» زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض...». انظر:كتاب بحار الأنوار، ج43 ص172 ح13، كتاب إرشاد القلوب ج2 ص295، ط4/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
2- في كتاب ينابيع المودة، ج1ص 314 ط الأولى في إيران/ انتشارات الشريف الرضي. «قال النبي صلي الله علیه و اله و سلم: يا سلمان من أحبَّ فاطمة علیها السلام ابنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حب فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر ذلك المواطن الموت و القبر و الميزان و الصراط و الحساب فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي اللّه عنه...». انظر كتاب إرشاد القلوب، ج2 ص294 ط4/ مؤسسة الأعلمي. «مقتل الحسين علیه السلام» للخوارزمي ص59/ ط منشورات مكتبة المفيد -قم، «بحار الأنوار» ج27 ص116 ح94.
3- والبيت الذي يليه إشارة إلى ما جاء في كتاب تفسير العياشي، ج2/ 66 ح76: «... فرأتهم فاطمة أغلقت الباب في وجوههم و هي لاتشك أن لايدخل عليها إلاَ بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره -و كان من السعف- ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبياً...». انظر كتاب البحار 227/28 ح14، البحار 206/28 ح5 ، البرهان 93/2 ح4، 229/28 ح15.

أَسْرَعُوا نَحْوَ عَليَّ يا لَمصابي وَانْكِسارِي

وَ رَأَيْتُ اللَّئامُ -كَيْفَ قادُوا الإمامْ- بِحبَالِ الخِصامْ

وَ رَكَضْتُ و يَسْبِقُني هَمِّي *** زَاجِرَةٌ خَلُوا ابْنَ عَمِّي(1)

لاأَمْك يا قَوْمُ سِوَاهْ *** و لِمَنْ أَشْو يا ربّاهْ؟

***

ليسَ لي غَيْرُ عَلِيٌّ وَ هُوَ بِالصَّبْرِ مُقَيَّدْ

وَلَظى الصَّبْرِ لَهِيبٌ يا إِلهِي كَيْفَ تُخْمَدْ(2)

إن قَوْمِي أسْخَطُوني أيها المَعْبُودُ فَاشْهَدْ؟(3)

إنّهمْ قَدْ أَغْضَبوني أَغْضَبُوا الهادي مُحَمَّدْ

أنا بِنْتُ الرَّسُولُ -كَيْفَ حُزْنِي يَزُولُ؟- وَ جَبِيني يَقُولْ

وَ لولا المِسْمَارُ وَ إِسقاطي *** كنْتُ الثَّالِثَ لِلأَسْبَاطِ

سِبْطُ أَخَواهُ افْتَقَداهْ *** وَ لِمَنْ أَشْكُو يا ربّاهُ؟

ص: 320


1- جاء في كتاب المناقب، ج3 ص339/ ط المطبعة العلمية/ قم: «...أنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام من منزله خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر فقالت علیها السلام: خلّوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي الله علیه و آله و سلم بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرنَّ شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم على رأسي...». انظر: بحار الأنوار ج43 ص47 ضمن ح46.
2- لظى: نار، لهيب.
3- في كتاب الإمامة و السياسة، ج1 ص14 و في العوالم ج2 ص578 ضمن ح27 «... قالت: فإني أشهد اللّه و ملائكته أنكما أسخطتماني و ما أرضيتماني و لئن لقيت النبي صلي الله علیه و آله و سلم لأشكونكما إليه...».

ربِّي عَجِّلْ بوَفَاتِي ضَاقَ فِي عَيْنَيَّ عُمْرِي

قَدْ سَئِمْتُ العَيْش حُزناً بَيْنَ آلامِي وَ دَهْرِي

وَ لَقَدْ أَوْصَيْتُ أَنْ لاَيَعْلَمَ القَوْمُ بِقَبْرِي(1)

وَ إِذا ما حانَ حَشْرِي أُبْلِغُ النَّاسَ بسرِّي

إنّ سِرِّي الدَّفينُ -يَوْمَ حَشْرِي يَبِينْ- حِينَ يَبْكِي الجَنِينْ

وَ يَصيحُ بِحُزْنِ يا رَبِّي *** أُسْقِطَتُ جَنيناً ما ذَنْبي

وَ لِيَسْتَمِع الكُل نَداهُ *** وَ لِمَنْ أَشْكُو يا ربَّاُهُ؟

***

ص: 321


1- في كتاب روضة الواعظين، ص169. «... و ادفني في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار... و دفنوها في جوف الليل و سوّى علي حواليها قبوراً مزوّرة مقدار سبعة حتى لايعرف قبره...».

(35) شمس أم القرى

(بحر الخفيف)

لأحد الشعراء

أَشْرَقَتْ شَمْسُ أَحْمَدٍ بِضِيَاهَا *** فَأَضَاءَتْ بِنُورِها ما سِوَاها

طَلَعَ الصُّبْحُ بِعْدَما طَلَعَتْ *** شَمْسُ آلِ الرَّسُولِ مِنْ بَطْحَاها

شَمْسُ أُمِّ القُرَى وَ أُمّ أبيها *** بِأَبِي تِلْكَ أَفْتَدِي وَ أَباها(1)

يَا لَشَمْسٍ إِذا تَجَلَّتْ بِأَرْضٍ *** بَدَّلَ اللَّهُ بِالنُّجُومِ حَصاها

يَا لَشَمْسِ إِذا أَفاضَتْ قُبوراً *** قَامَ أَمْواتُها على أَحْيَاها

يَا لَشَمْسِ إِذا تَجَلَّتْ لأَعْمَتْ *** عَيْنَ كُلِّ الوَرى بِأَنْ لاتَراها

يَا لَشَمْسِ لَوْ أَسْفَرَتْ مِنْ حِجَابٍ *** وَ الخَتَفَتْ مِنْ حِجَابِها مِنْ حَياها(2)

قَدْ تَجَلّى الإله فيها بنورٍ *** مِثل ضَوْءِ النَّهَارِ بَلْ أَجْلاها

أَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّ شهر الجمادى *** قَدْ مَضَى ما مَضَى وَها أُخْرَاها(3)

ص: 322


1- في كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني المجلد 12 ط الأولى/ دار صادر -بیروت، ص440 ح2861: «فاطمة علیها السلام: بنت رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم تكنى أم أبيها و تعرف بالزهراء علیها السلام». انظر كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص90 ج4. و المناقب، لابن شهر آشوب ج3 ص357 في «كناها علیها السلام، و في «كشف الغمة» ج2 ص88 «و كان النبي صلي الله علیه و آله و سلم يعظم شأنها و يرفع مكانها و كان يكنيها بأم أبيها علیها السلام».
2- أسفرت من حجاب: كشفت عن وجهها الحجاب.
3- في كتاب دلائل الإمامة، ص10، ط الثالثة -منشورات الرضا علیه السلام -قم. «عن أبي عبد اللّه قال: ولدت فاطمة علیها السلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منه... و قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه...». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص9 ح16. و كتاب عوالم سيدة النساء، ج 1 ص47-48.

وُلِدَتْ فَاطِمٌ بِمَكَّةَ طُهْراً *** يالَنَفْسٍ زَكِيَّةٍ زَكَاها(1)

إِنَّ أَرْضَ الحِجازِ مَاسَتْ سُروراً *** كَعَرُوسٍ تُزَفُّ في مَثْواها(2)

فأنارَتْ بُيُوتَ مَكَّةَ بَلْ مِنْ *** فَوْقِ سَبْعِ الطَّبَاقِ شَعَّ سَناها

ضَحِكَ المَشْعَرانِ وَ الرُّكْنُ وَ *** البَيْتُ لِميلادِها وَ مَا قَدْ تَلاها(3)

وَ تَلالا جَمَالُها فَوْقَ عَرْشٍ *** وَ تَعَالَى جَلالُها في ذُرَاها

يَا لَبُشْرَىٰ بِمَوْلِدِ البَضْعَةِ *** الزَهْرَاءِ مَنْ قَد تَقَدَّسَتْ أَسْماها

يالبُشرى لأمها مِنْ وَليدٍ *** عِوَضاً لِلذُّكورِ مِنْ أُنْثاها(4)

هِيَ وَاللَّهِ قَدْ تَقَبَّلَها الرَّحْمنُ *** مِنْهَا وَ بِالقَبُولِ اصْطَفاها(5)

ص: 323


1- والأبيات التي تليه لعلها إشارة إلى الرواية المذكورة في «دلائل الإمامة» ص9 «...فوضعت خديجة سلام الله علیها فاطمة علیها السلام طاهرة مطهَّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، و لم يبقَ في شرق الأرض و لافي غربها موضع إلا أشرق فيه النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها و دخلت عشر من الحور العين مع كل واحدة طست من الجنة، و غسلتها بماء الكوثر، و أخرجت خرقتين بيضاوتين أشد بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك و العنبر فلقتها بواحدة وقنعتها بالأخرى ثم استنطقتها فنطقت بشهادة أن لا إله إلا اللّه و أن أباها محمداً صلي الله علیه و آله و سلم سيد الأنبياء صلي الله علیه و آله و سلم، وأن بعلها سيد الأوصياء علیه السلام، و أن ولديها سيدا الأسباط علیهما السلام، ثم سلّمت عليهن وسمت كل واحدة باسمها و ضحكن إليها و تباشرت الحور العين و بشَّر أهل الجنة بعضهم بعضاً بولادتها وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم وبذلك لقبت الزهراء علیها السلام ثم قالت: خذيها يا خديجة سلام الله علیها طاهرة مطهرة زكية ميمونة بورك فيها و في نسلها فتناولتها خديجة سلام الله علیه فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص3 ضمن ح1، و «أمالي الصدوق» ص476 ضمن ح1، و في «المناقب» ج3 ص340 (عن المفضل بن عمر) رواية قريبة من الرواية المذكورة آنفاً.
2- ماستْ: مشتْ و هي تتمايل و تتبختر مثواها مكان إقامتها.
3- المشعران: عرفة و المشعر الحرام (المزدلفة).
4- في كتاب «دلائل الإمامة»، ص 8: «... فقال: يا خديجة سلام الله علیه هذا جبرائيل يبشرني بأنها أنثى و أنها النسمة الطاهرة الميمونة و إن اللَّه سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة في الأمة و يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه».
5- جاء في كتاب أمالي الصدوق، ص100 ضمن ح2 ط الخامسة مؤسسة الأعلمي: «...فعند ذلك يؤنسها الله «تعالى» ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مریم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام إن اللّه اصطفاك و طهَّرك و اصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة علیها السلام اقنتي لربك و اسجدي و اركعي مع الراكعين...». انظر: كتاب بحار الأنوار، ج43 ص173 ضمن ح13.

آنَسَتْ أُمَّهَا لِوَحْدَتِها إِذْ *** حَدَّثَتْها بِالحَمْلِ مِنْهَا شِفَاها(1)

طَابَ مِنْ طِيبِها المَشَاعِرُ جَمْعاً *** وإلى الآنَ طَابَ فيهِ شَذَاها

جَمَعَ اللَّهُ أُمَّهَاتِ بَتُولٍ *** عِندَ ميلادها إلى حَوَّاها(2)

فَتبادَرْنَ مُشْفِقاتٍ عَلَيْهَا *** مَعَ سَطْلٍ وَ كَوْثَرٍ في إِناها(3)

ثُمَّ حَفَّتْ مِنْ حَوْلِها باسماتٍ *** مِثْلَ حَفٌ النُّجومِ مِنْ جَوْزَاها(4)

وَحْدَتْ رَبَّها بِحُسْن ثناءٍ *** عَجِزَ النَّاسُ عَنْ أَداءِ ثَناها

ص: 324


1- في كتاب أمالي الصدوق، ص475 ح1: «عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام؟ فقال: نعم إن خديجة علیها السلام لما تزوّج بها رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم هجرتها نسوة مكة فكن و لايدخلن عليها و لايسلمن عليها و لايتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة علیها السلام لذلك و كان جزعها و غمّها حذراً عليه الا اللَّه فلما حملت بفاطمة علیها السلام كانت فاطمة علیها السلام تحدثها من بطنها و تصبرها و كانت تكتم ذلك من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فدخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوماً فسمع خديجة علیها السلام تحدّث فاطمة علیها السلام. فقال لها يا خديجة علیها السلام من تحدثين قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني...». انظر كتاب دلائل الإمامة، ص8 و بحار الأنوار ج43 ص2 ح1.
2- في «ذخائر العقبى» ص44-45، ط مؤسسة الوفاء -بيروت. «...فينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال و النور ما لايوصف. فقالت لها إحداهن: أنا أمك حواء، و قالت الأخرى: أنا آسية بنت مزاحم، و قالت الأخرى أنا كلثم أخت موسى و قالت الأخرى: أنا مريم بنت عمران أم عيسى علیه السلام جئنا لنلي من أمرك ما يلي النساء...».
3- في المناقب ج3 ص340: «عن المفضل... و دخل عشر من الحور العين معهن الأباريق و الطاس و في الأباريق ماء من الكوثر...». و انظر أيضاً كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص58 منقولاً عن مشارق الأنوار حيث جاء: «... إن خديجة علیها السلام لما حضرتها الولادة بعث الله «عزوجل» إليها عشرين من الحور العين بطشوت و أباريق و ماء من حوض الكوثر...». انظر کتاب بحار الأنوار ج43 ص3 ، و أمالي الصدوق ص476 ، ج1.
4- حفَّت: أي أحاطت.

شَهِدَتْ في نُبوَّةٍ لأَبِيها *** وَ عَلَى بَعْلِها إِمَامٍ هُدَاها(1)

نَسَمَّتْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ *** مِنْ بَنِيها وَ مِنْهُمُ سِبْطاها

بِأَبِي ثُمَّ أُسْرَتي ثُمَّ أَهْلي *** ثُمَّ مالِي و ما سِوَاها فِدَاها

بِأَبِي فاطماً وَ قَدْ فُطِمَتْ *** بِاسْمِها نَارُ حَشْرِها وَلَظَاها(2)

بأَبِي كُفُرُها عَلِيُّ تَعَالَى *** هُوَ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَ مَنْ أَكْفاها(3)

هِيَ عَيْنُ الحياة في ظُلُمَاتٍ *** وَ حَياةُ القُلُوبِ مِنْ جَدْوَاها

هِيَ وَاللَّهِ آيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ *** بَلْ رَحْمَةٌ لَهُ أَهْدَاها

هِي عِندَ الإلهِ أَعْظَمُ خَلْقاً *** وَ بِهَا دَارَ في القُرونِ رَحاها(4)

هي مشكاةُ عِصْمَةٍ عُلِّقَتْ *** مِنْ سَمَاءِ الوُجُودِ مِثْلَ ذَكاها

هَلْ يَكُن في الوُجُودِ مِنْها شَبيةٌ *** قُلْ أَبُوها وَ بَعْلُها وَلَداها

إنّها خِيرَةُ النِّسَاءِ جَميعاً *** وَ لَها الفَضْلُ مِنْ جَميع نِسَاها(5)

ص: 325


1- انظر کتاب عوالم سيدة النساء ج1 ص58 ح4.
2- في كتاب عيون أخبار الرضاء علیه السلام، ج2 ص46 ح174 انتشارات جهان/ طهران: «قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: إني سميت ابنتي فاطمة علیها السلام، لأن اللَّه «عزوجل» فطمها و فطم من أحبها من النار». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص12 ح4.
3- جاء في كتاب ينابيع المودة، للقندوزي ج2 ط الأولى/ دار الأسوة للطباعة، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني. ص67 ح56 . «لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة علیها السلام كفو» راجع: كتاب كشف الغمة، و بحار الأنوار، ج43 ص141 ح37.
4- لعله أشار إلى الرواية المذكورة في كتاب أمالي الطوسي، ص678 ، ط الثانية -مؤسسة الوفاء -بيروت. «عن أبي عبد اللَّه... و هي الصدّيقة الكبرى علیها السلام و على معرفتها دارت القرون الأولى». انظر كتاب بحار الأنوار ج43 ص105 ح19، كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص91 ح3، ج1 ص458.
5- جاء في صدر البيت عن كتاب كنز العمال، ج12 ص102 ح34191. قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم: خير رجالكم علي بن أبي طالب علیه السلام و خير شبابكم الحسن و الحسين علیهما السلام و خير نسائكم فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم». انظر کتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص130-131 ح30. و في عجز البيت ورد في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج2 ص62 ح252. «قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: الحسن و الحسين علیهما السلام خير أهل الأرض بعدي و بعد أبيها و أمهما أفضل نساء أهل الأرض». انظر كتاب بحار الأنوار، ج43 ص19 ح5.

ما أَرَادَتْ مِنَ الدَّنِيَّةِ شَيْئاً *** فَأَبَى اللَّهُ عَاجِلاً في عَطَاها

أَثْبَتَتْ نَفْسَها بِزُهْدٍ وَ قَالَتْ *** في الصَّبَاحِ ليُحْمَدَنَّ سُراها

إنّما الحُورُ أَشْرَقَتْ مِنْ قُصُورٍ *** بِعُيونٍ حَوْراءَ حَتَّى تَرَاها

فَأَتى قَوْمُهَا إِلَيْهَا بِظُلْمٍ *** يَا لَها خُطَةٌ فَمَا أَقْساها(1)

ما رَعَوْا حُرْمَةَ النَّبِيِّ بِرَهْطٍ *** وَ نَسُوا ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ جَاها

مَنَعوها حُقوقَهَا مِنْ عِنَادٍ *** مِنْ عَوالٍ وَ حَائِطٍ وَ زَواها(2)

يا لَقَوْمٍ طَغَوْا بِظُلْمِ إِمَامٍ *** مِثْلَ عَادٍ تَزْدادُ في طَغْوَاهَا(3)

كَسرُوا ضِلْعَها بِرَفْسٍ فيا *** لَلَّهِ مِنْ كَسْرَةِ آلَمَتْ أَعْضَاها(4)

ص: 326


1- والبيت الذي يليه، في كتاب عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج2 ص575 ح26 عن (نوائب الدهور): «لما أوقف علي تكلم فقال: أيتها الغدرة الفجرة... فاستعدوا للمسألة جواباً و لظلمكم لنا أهل البيت علیهم السلام احتساباً أو تضرب الزهراء علیها السلام نهراً و يؤخذ منا حقنا قهراً و جبراً فلانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد؟ ...فليت ابن أبي طالب مات قبل يومه فلايرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البرّة فتباً تباً و سحقاً سحقاً ذلك أمر إلى اللَّه مرجعه و إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مدفعه فقد عزّ على علي بن أبي طالب علیه السلام أن يسوّد متن فاطمة علیها السلام ضرباً و قد عُرف مقامه و شوهدت أيامه...».
2- في كتاب مسند أحمد بن حنبل، ج1 ص9: «عن عائشة: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي الله علیه و آله و سلم في هذا المال... فأبى أبوبکر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً... فوجدت فاطمة علیا السلام على أبي بكر في ذلك.
3- طغواها: ظلمها و طغيانها.
4- في كتاب الاحتجاج، ج1، ط دار النعمان النجف صفحة 109. «... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها»...». انظر كتاب عوالم سيد النساء ج2 ص558.

أينَ مِنْ ذِي الفِقَارِ مُرْهَفٌ حَدِّ *** سُلَّ عَنْ غَمْدِهِ وَغَدَاةَ يَرَاها؟

كُفَّ عَنْ عَزْمِهِ بِعِزْمَةِ صِدْقٍ *** وَ عَلى ما قَضَى به أَمْضَاها

كَفَّهُ عَهْدُهُ لَهُ وَلَوْلا *** ذَاكَ طَيَّ السِّجِلِّ كان طَوَاها(1)

ص: 327


1- نقلت من كتاب رياحين الشريعة، ج1 ص65.

(36) و أتت فاطم علیها السلام

(بحر الخفيف)

لأحد أشراف مكة المكرمة(1)

ما لِعَيْنِي قَدْ غابَ عَنها کَراها *** وَ عَراها مِنْ عَبْرَةٍ مَا عَراها(2)

أَلِدَارٍ نَعِمْتُ فيها زَماناً *** ثُمَّ فارَقْتُها فَلاَ أَغْشاها

أمْ لِحَيّ بانُوا بِأَقْمَارٍ تِمَّ *** يَتَجَلَّى الدُّجَى بِضَوْءِ سَناها

ص: 328


1- نقل السيد محسن الأمين في المجالس السنية ج5 ص137 أنه وُجدت هذه القصيدة بخط الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني (قدس الله روحه) و هي فريدة في بابها، و يظهر من آخرها أنها لأحد أشراف مكة المكرمة، و توهم بعضهم أنها للجذوعي ناشيء من البيت الذي فيه اسمه مع أنه ظاهر في الجذوعي منشدها و أن منشأها غيره ويرتئي الخطيب الأستاذ المدقق الشيخ محمد علي اليعقوبي أنها للشريف (قتادة بن إدريس بن مطاعن) فإنه كان أديباً شاعراً و لم يعرف هذه السلسلة مثله، و هو الذي كتب إلى الناصر العباسي أو ابنه المستنصر لما أرسل إليه يطلب مجيئه إلى العراق، فلما وصل المشهد الشريف الغروي خرج أهل الكوفة لتلقيه و كان من جملة من خرج في غمار الناس أسد قد ربطوه في سلسلة، فلما رآه قتادة تطير من ذلك و قال: لاأدخل بلاداً قوم معهم تذل فيه الأسود ثم كتب إلى الخليفة: بلادي و إن جارت علي عزيزة *** و لو أنني أعرى بها و أجوع أبيات خمسة ذكرها في كتاب عمدة الطالب ص166 طبعة بيروت، و قيل: إن قتادة هو من ملك مكة سنة 597 ه و طرد الهواشم عنها و كانت وفاته كما في شذرات الذهب ج5 ص76 سنة 617 ه- و عاش أكثر من ثمانين سنة و جاء ذكره في الكامل لابن الأثير ص79 حوادث سنة 601 و النجوم الزاهرة ج6 ص206 و البداية لابن كثير ج13 ص41 و الأعلام للزركلي ج2 ص789 و هناك قصة لهذه القصيدة عن المرجع الديني السید المرعشی.
2- كراها: نُعاسها.

أمْ لِخَوْدٍ غَرِيرةِ الطَّرْفِ تَهُوا *** فِي بِصِدق الوداد أو أهواها

أم لصافي المُدامِ مِنْ مُزَّةِ الطَّعْمِ *** عقارٍ مِشْمُولَةٍ أسْقاها

حاش للَّهِ لَسْتُ أَطْمِعْ نَفْسِي *** آخر العُمْرِ فِي اتباع هَواها

بَلْ بُكائِي لِذِكْرِ مَنْ خَصَّها اللهُ *** تَعَالَى بِلُطْفِهِ وَ اجْتَباها

خَتَمَ اللَّهُ رُسُلَهُ بِأَبِيها *** وَ اصْطَفاهُ لِوَحْبِهِ وَاصْطَفاها(1)

وَحَباها بِالسَّيْدَيْنِ الزَّكيِّیْنِ *** الإمامَيْنِ مِنْهُ حِينَ حَباها

وَ لِفِكْرِي في الصَّاحِبَيْنِ اللَّذَيْنِ *** استَحْسَنا ظُلمَها و ما راعَياها

مَنعا بَعْلَها مِنَ العَهْدِ وَ العَقْدِ *** وَ كَانَ المُنِيبَ وَالأَوّاها(2)

وَ اسْتَبَدا بإمْرَةٍ دَبَّراها *** قَبْلَ دَفْنِ النَّبِيِّ وَ انْتَهراها

وَ أَتَتْ فاطِمٌ تُطالِبُ بِالإِرْثِ *** مِنَ المُصْطَفَى فَما وَرَّقاها(3)

لَيْتَ شِعْرِي لِمْ خُولِفَتْ سُنَنُ القُرْآنِ *** فِيها وَاللَّهُ قَدْ أَبْداها؟

رَضِيَ النّاسُ إِذْتَلَوْهَا بِمَا لَمْ *** يَرْضَ فيها النَّبِيُّ حِينَ تَلاها

نُسِخَتْ آيَةُ المَوارِيثِ مِنْها *** أَمْ هُما بَعْدَ فَرْضِها بَدَّلاها

أمْ تَرَى آيةَ المَوَّدَةِ لَمْ تَأْتِ *** بِوُدَّ الزَّهْراءِ فِي قُرُباها(4)

ثُمَّ قالاً أبُوكِ جاءَ بِهذا *** حُجَّةٌ مِنْ عِنادِهِمْ نَصَباها

ص: 329


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص78: عن أبي عبداللَّه علیه السلام يقول: إنما البحارج سمّيت فاطمة علیها السلام محدَّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام، إن الله اصطفاكِ و طهَّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين.
2- المنيب: المُقبل إلى اللَّه، التائب، الأوّاه: كثير التأوّه و هو الشكوى والتوجع.
3- في التفسير الكبير للرازي في ذيل الآية: 6 من سورة الحشر ... فلما مات (رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم) و ادعت فاطمة علیها السلام أنه كان ينحلها فدكاً فقال أبوبكر أنت أعز الناس عليّ فقراً و أحبّهم إليّ غنّى لكني لاأعرف صحة قولك و تقدم الكلام عن ذلك مفصلاً.
4- إشارة إلى قوله «تعالى» في سورة الشورى آية: 23 «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» فقد روي في كتاب الكشاف ج3 ص467 قيل: يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام...

قالَ لِلأَنْبِياءِ حُكْمٌ بأَنْ لا *** يُورِثُوا في القديم وانْتَهراها(1)

أفَبِئْتُ النَّبِيِّ لَمْ تَدْرِ إِن كانَ *** ذَنَبِيُّ الهُدَى بِذلِكَ فاها

بَضْعَةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ خالَفَتْ ما *** قال حاشا مَوْلاتَنا حاشاها(2)

سَمِعَتْهُ يقولُ ذاكَ وَجاءَتْ *** تَطلُبُ الإِرْتَ ضَلَّةً وَسَفَاها

هي كانَتْ لِلَّهِ اتْقَى وَكانَتْ *** أفْضَلَ الخَلْقِ عِفَّةً وَ نَزاها

أَوَ أو تَقُولُ النَّبِيُّ قَدْ خَالَفَ القُرُآنَ *** وَيْحَ الأَخْبَارٌ مِمَّنْ رَوَاهَا؟

سَلْ بِإِبْطالِ قَوْلِهِمْ سورة النَّمْلِ *** وَ سَلْ مَرْيَم التي قَبْلَ طاها

فَهُمَا يُنْبِتَانِ عَنْ إِرْتِ يَحْيَى *** وَ سُلَيْمَانَ مَنْ أرادَ انْتِباها

فَدَعَتْ وَاشْتَكَتْ إلى اللَّهِ مِنْ ذاكَ *** وَ فاضَتْ بِدَمْعِها مُقْلَتاها

ثُمَّ قَالَتْ فَنِخلةٌ لي مِنْ وا لِدِي *** المصطفى فَلَمْ يَنْحَلاها(3)

فَأَقامَتْ بها شُهُوداً فَقالُوا *** بَعْلُها شاهِداً لها وَ ابْناها

لَمْ يُجِيزُوا شهادةَ ابْنَي رَسُولِ اللَّهِ *** هَادِي الأنام إِذْ ناصباها

لَمْ يَكُنْ صادِقاً عَلِيٌّ و *** لافا طِمَةٌ عِنْدَهُمْ وَلاَ وَلَداها

كَانَ أَتْقَى للَّهِ مِنْهُمْ عَتِيقٌ *** قُبِّحَ القائِلُ المُحالَ وَشاها

جَرْعاها مِنْ بَعْدِ والدها الغَيْظَ *** مِراراً فَبِئسَ ماجَرَّعاها

أَهْلُ بَيْتٍ لم يَعْرِفُوا سُنَنَ الجَوْرِ *** الْتِباساً عَلَيْهِمْ وَ اشْتِياها

لَيْتَ شِعْرِي ما كانَ ضَرَّهُما الحِفْظُ *** لِعَهْدِ النَّبِيِّ لَوْ حَفِظاها

ص: 330


1- في كتاب دلائل الصدق ج3 ص56: لما توفي رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علماً، فقال أبوبكر: سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم يقول: «إنا معاشر الأنبياء لانورث ما تركناه صدقة».
2- في كتاب كشف الغمة ج1 ص498: عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم في حديث: و من أنصفكِ فقد أنصفني، و من ظلمك فقد ظلمني، لأنّكِ مني و أنا منكِ و أنتِ بضعة مني و روحي التي بين جنبي. ثم قال صلي الله علیه و آله و سلم: إلى الله أشكو ظالميكِ من أُمّتي.
3- نحلة: هبة، عطيّة.

كان إكْرامُ خاتَمِ الرُّسُلِ الهادِي *** البَشِيِر النَّذِير لَوْ أَكْرَمَاها(1)

إِنَّ فِعْلَ الجَمِيل لَمْ يَأْتِياهُ *** وَ حِسانُ الأَخْلاقِ مَا اعْتَمَدَاها

وَ لَوِ ابْتِيعَ ذاكَ بِالثَّمَنِ الغالِي *** لِي لَما ضاعَ في اتْباعِ هَواها

وَ لَكانَ الجَمِيلُ أَنْ يُقْطِعاها *** فَدَكاً لاالجَمِيلَ أَنْ يَقْطَعاها

أتُرَى المُسْلِمِينَ كَانُوا يَلُومُو *** نَهُما فِي العَطاءِ لَوْ أَعْطَياها؟

كانَ تَحْتَ الخَضْراء بِنْتِ نَبِيِّ *** صادقٍ ناطِقٍ أمِينٍ سِواها

بنْتُ مَنْ أُمُّ مَنْ حَلِيلَةُ مَنْ؟ وَيْلٌ *** لِمَنْ سَنَّ ظُلمَها وَ أَذاها

ذاكَ يُنْبِيكَ عَنْ حُقُودِ صُدُورٍ *** فَاعْتَبِرْها بالفِكْرِ حينَ تَراها

قُلْ لَنا أَيُّها المُجادِلُ في القَوْلِ *** عَنِ الغَاصِبَيْنِ إِذْ غَصَباها

أَهُما ماتعمَّداها کَما قُلتَ *** بِظُلْمٍ كَلاً وَ لااهْتَضماها

فَلِماذا إذْ جُهَّزَتْ لِلقاءِ اللَّهِ *** و عِنْدَ المَمَاتِ لَمْ يَحْضُراها؟(2)

شَبعَتْ نَعْشَها مَلائِكَةُ الرَّحْمنِ *** رِفقاً بِها وَ ما شَيَّعاها

كانَ زُهْداً في أجْرِها أمْ عِناداً *** لأبيها النَّبِيِّ لَمْ يَتْبَعَاها؟

ص: 331


1- نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ج3 ص351 استغراب النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي من إصرار الشيخين على منع فاطمة علیها السلام فدكاً، و قال: لو كانت فدك للمسلمين كما زعما، فهلا استنزلا المسلمين عن حقوقهم كما استنزلهم النبي صلي الله علیه و آله و سلم عن قلادة ابنته زينب التي بعثها فداء عن زوجها أبي العاص يوم بدر مع أن زينب لاتداني فاطمة علیها السلام في المنزلة المجعولة لها من الله «تعالى» و كلما أراد ابن أبي الحديد الدفاع عن الزلة لم ير طريقاً واضحاً و بالآخرة اعترف بأن القاضي عبدالجبار بن أحمد قال: إنهما لم يأتيا حسناً في شرع التكرم.
2- في كتاب المجالس السنية ج3 ص122: فلما توفّيت قام أميرالمؤمنين علیه السلام بجمیع ما وصّته، فغسّلها في قميصها و أعانته على غسلها أسماء بنت عميس، و أمر الحسن و الحسين علیهما السلام أن يدخلان الماء، و لم يحضرها غيره و غير الحسنين و زينب علیهم السلام و أم كلثوم و فضّة جاريتها و أسماء بنت عميس و كفّنها في سبعة أثواب ثم صلى عليها، و كبر خمساً، و دفنها في جوف الليل و عفى قبرها و لم يحضر دفنها و الصلاة عليها إلاّ علي و الحسنان علیهم السلام و نفر من بني هاشم و خواص علي علیه السلام.

أَمْ لأَنَّ البَتُولَ أَوْصَتْ بِأَنْ *** لايَشْهَدا دَفْنَها فَما شَهِداها

أَمْ أَبُوها أَسَرَّ ذاكَ إِلَيْها *** فأَطاعَتْ بِنْتُ النَّبِيَّ أَباها

كَيْفَ ما شِئْتَ قُلْ كَفاكَ فَهُذِي *** فِرْيَةٌ قَدْ بَلَغَتْ أَقْصَى مَداها(1)

أَغْضَباها وَ أَغْضَبا عِنْدَ ذاکَ اللَّهَ *** رَبَّ السَّمَاءِ إِذْ أَغْضَباها

وَكَذا أَخْبَرَ النَّبِيُّ بأَنَّ اللَّهَ *** يَرْضَى سُبْحَانَهُ لِرِضاها(2)

لانَبِيُّ الهُدَى أُطِيعَ وَ *** لَافاطِمَةٌ أُكْرِمَتْ وَ لاحَسَناها

وَحُقُوقُ الوَصِيَّ ضُبِّعَ مِنْها *** ماتَسامَى فِي فَضْلِهِ وَ تَناهَى

تِلْكَ َكانَتْ حَزازَةٌ لَيْسَ تِبْرا *** حِينَ رُدّا عَنْها وَ قَدْ خَطَباها(3)

وَغَداً يَلْتَقُونَ وَ اللَّهُ يَجْزِي *** كُلَّ نَفْسٍ بَغْيَها وَ هُداها

فَعَلَى ذلِكَ الأَساسِ بَنَتْ صاحِبَةُ *** الهَوْدَجِ المَشُومِ بِناها

وَ بِذاكَ اقْتَدَتْ أُمَيَّةٌ لَمّا *** أَظْهَرَتْ حِقْدَها عَلَى مَوْلاها

لعَنُوهُ بالشَّامِ سَبْعِينَ عاماً *** لَعَنَ اللَّهُ كَهْلَها وَفَتاها

ذَكَرُوا مَصْرَعَ المَشايخ في بَدْ *** روَقَدْ ضَمَّخَ الوَصِيُّ لحاها(4)

وَ بِأَحْدٍ مِنْ بَعْدِ بَدْرٍ وَ قَدْ أَتْعَسَ *** فِيها معاطِساً وَجِباها

فاسْتَجادَتْ لَهُ السُّيوف بِصِفينَ *** وَجَرَّتْ يَوْمَ الطُّفُوفِ قَناها

لَوْ تَمَكَّنْتُ بِالطُّفوفِ مدَى الدَّهْرِ *** لَقبَّلْتُ تُرْبَها وَ ثَراها

أَدْركَتْ ثارَها أُمَيَّةُ بِالنّارِ *** غَداً في مَعادِها تَصْلاها

أشْكُرُ اللَّهَ أَنَّنِي أَتَوَالَى *** عِشْرَةَ المُصْطَفَى وَأَشْنَا عِداها(5)

ص: 332


1- فرية: كذب و افتراء.
2- في كتاب فرائد السمطين ج2 ص46: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إن اللَّه «عز وجل» ليغضب لغضب فاطمة علیها السلام، و يرضى لرضاها.
3- الحزازة: وجع في القلب من غيظ و نحوه.
4- ضمّخ: لطّخ.
5- أشناً: أبغض.

ناطقاً بِالصَّوابِ لاأَرْهَبَ الأعْداءَ *** في حُبِّهِمْ و لاأَخْشاها

نُحْ بِها أيُّها الجَذُوعِيُّ وَ اعْلَمْ *** أَنَّ إِنْشَادَكَ الَّذِي أَنْشاها

لَكَ مَعْنِّى فِي النَّوْحِ لَيْسَ يُضاهَى *** وَ هْيَ تاج للشِّعْرِ في مَعناها

قُلْتُها لِلثَّوابِ وَاللَّهُ يُعْطِي *** الأَجْرَ فيها مَنْ قالَها وَ رَواها

مُظْهِراً فَضْلَهُمْ بِعَزْمَةِ نَفْسٍ *** بَلَغَتْ في وِ دادِهِمْ مُنْتَهاها

فَاسْتَمِعْهَا مَنْ شَاعِرِ عَلَوِيِّ *** حَسَنِيَّ في فَضْلِها لايُضاهَى

سادَةُ الخَلْقِ قَوْمُهُ غَيْرَ شَكِّ *** ثُمَّ بَحاءُ مَكَةٍ مَأواها

ص: 333

ص: 334

قافیة الواو

أشارة

ص: 335

ص: 336

(1) هي رحمة

(بحر الكامل)

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة(*)(1)

حَسْبِي جَوّى إِنْ ضاقَتِ السَّلوى *** عَلَيَّ أَنالُ الغَايَةَ القُصْوَى

وَ أَصِيحُ (فاطِمَتاهُ) مِنْ وَلَهٍ *** كَيْما أَفُورٌ بِجَنَّةِ المَأْوَى

اللَّهُ جَلَّلَها وَ أَكْرَمَها *** بِالعِلم وَ الإِيمان وَ التَّقوَى(2)

أيَلُومُنِي في حُبِّ فاطِمَةٍ *** مَنْ قَدْ أَطَاعَتْ رَبَّهَا نِضْوَا؟(3)

إنَّ السماواتِ العُلى شَرُقَتْ *** بِطُلُوعِها وَ اسْتَأنَسَتْ حَوَّا

کَرَمٌ کما نَبْعُ الزُلالِ لَهُ *** طَعْمُ لَذيذٌ يُشْبِهُ الحَلْوَى

قالَ الرسولُ بِانَّ فاطِمَةً *** هِيَ بَضْعَةٌ مني بها نَجْوَى(4)

ص: 337


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص743 ح3 ط الثانية/ انتشارات المرضية. «قال علي علیه السلام: لقد أعطيت زوجتي مصحفاً فيه من العلم ما لم يسبقها إليه أحد خاصة من الله و رسوله صلط الله علیه و آله و سلم».
3- نضوة هزيلة أو ضعيفة أي من كثرة عبادتها و انقطاعها إلى ربها أصابها الهزال و الضعف (سلام الله عليها و على أبنائها أجمعين). في كتاب عوالم سيدة النساء، ج1 ص194 ضمن ح6 نقلاً عن كتاب الثاقب في المناقب. «... وإن الله «تعالى» رحم ضعف فاطمة علیها السلام لطول قنوتها بالليل...».
4- فی کتاب علل الشرايع ج1 ص220 ضمن ح2 ط1/ مؤسسة الأعلمي -بيروت. «... فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام أما علمت أن فاطمة علیها السلام بضعة منّي و أنا منها...».

تَعْنُولها السَّبْعُ الشَّدادُ كما *** بنْتُ الغُصونِ تَحلّقتْ نَشْوَى(1)

أنا قَدْ فُتِنْتُ بِفَاطِم وَلَكُمْ *** أَهْفُو لِذِكْراهَا وَ كَمْ أَهْوَى

يا مَنْ لها قِيثارَتي عَزَفتْ *** كالطَّيْرِ يَشْدُو مُلْهِما شَدْوَا(2)

هِيَ رَحْمَةٌ جاءَ البَشِيرُ بِها *** لِلْعَالَمِينَ لِتَمْحَقَ البَلْوَى(3)

امَّا مُحِبُّوها فَإِنَّ غداً *** يَتناولونَ المَنَّ وَ السَّلْوَى

سَأظلُّ بِالزَّهْراءِ مُفْتَتَناً *** كالمُسْتَهام يَضِحُ بِالشَّكْوَى(4)

ص: 338


1- نشوى: سكرى.
2- يشدو: يغنّي.
3- ( والبيت الذي يليه) في فاطمة الزهراء علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلي الله علیه و آله و سلم ص615 ح1... «عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: لفاطمة علیها السلام وقفة على باب جهنم فإذا القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب و قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ بين عينيه محبّاً فتقول: إلهي و سيدي سميتني فاطمة علیها السلام و فطمت بي من تولاني و تولّى ذريتي من النار و وعدك الحق و أنت لاتخلف الميعاد فيقول اللَّه «عزوجل»: صدقت يا فاطمة علیها السلام إني سميتك فاطمة علیها السلام و فطمت بك من أحبك و تولاك و أحبّ ذريتك و تولاهم من النار، و وعدي الحق و أنا لاأخلف الميعاد و إنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه، فأشفعك ليتبين لملائكتي و أنبيائي و رسلي و أهل الموقف موقفك منِّي و مكانتك عندي فمن قرأت بين عينيهِ مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنة».
4- المستهام: الذي ذهب فؤاده و خُلِبَ عقله من الحبّ أو غيره.

(2) بني الوحى

(بحر المتقارب)

الشيخ عبد الحسين شكر(*)(1)

أمِنْ ذِكرِ وادي النقا فاللِّوى *** بدا في المحاجرِ ما في الجوى

أم القلبُ في أدمعِ العينِ سالَ *** غداةً تذكرتُ يوم النَّوى

و صَحباً رعَوْا في رياضِ الجنان *** و صرفُ الزمانِ بهم ما ارعوى

إلى أن يقول:

فمن مبلغنْ بني هاشمٍ *** برزءِ لوى عَضْبَهم فالتوى

لقد ألبسَ الرسلَ ثَوبَ الحدادِ *** و أبكى ملائِکَها في الهوا

بني الوحي هل تغمضونَ الجفونَ *** و غصنُ المكارم منكُمْ ذوى

ألستم بيومِ الوغى معشراً *** يخوضونَ نَزَّاعةَ للشوى(2)

أطلّتْ رزاياً على مجدِكُم *** طوينَ رواقَ العُلا فانطوى

حرائرُكُم في السِّبا ثُكَلٌ *** أضرَبهنَّ الظما و الطَّوى

متى شمنَ فوقَ الصعادِ الرؤوس *** بأدمعهِن الصعيدٌ ارتوى

و تلكَ بنُو الوحي أجسامُهُم *** تضيءُ بها أمُ وادي طوى

و طالت علی شهبِها مذحوتْ *** مليكاً على المكرماتِ احتوى

فقومُوا بني هاشم علکم *** تجازُون کل امری مانوی

ص: 339


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الشوى: قحف الرأس وكنى بالبيت عن نار الحرب.

دُهیتم بدهماءَ من معشرٍ *** أقامُوا من الغَيِّ بيتاً خوى

فما آلُ سفيانَ لولا الأُلى *** و لولا السقيفةُ مانينوى

هم ابتدعُوا غصبَ ميراثكم *** و قام بهم ليزيدش اللوا

و هم جرَّأوُا القومَ من قولهم *** لأحمدَ قد ضلَّ أوقد غوى

زَوَوْا حقَّ فاطمةٍ و الوصيِ *** لذا عن حسينٍ يزيدٌ زوی(1)

لئِن آمنُوا اليومَ من مكرِكُمْ *** فلا يأمنُوا من شديدِ القوى

فسوفَ يبددُهم صارمٌ *** ردی نفخةً الصورِ فيه انطوى

يكفِ إمامٍ يُقيمُ الهدى *** و يورقُ للدِين غصناً ذوى

ص: 340


1- زوى الشيء: نحاه و تأتي بمعنى طواه و قبضه.

(3) مأتم الزهراء علیها السلام

(بحر الوافر)

الأستاذ علي محمد الحائري(*)(1)

بَكَيْتُ بمَأْتَمِ الزَّهْرَاءِ شَجْوَا *** مُصاباً هَزَّ تَهْلاناً وَ رَضْوى(2)

إذا رَقْرَقْتُ دَمْعِي في المآقي *** نَضَوْتُ مَلاءَةَ الأفراح نَضْوا(3)

وَ مَنْ أَلِفَ الخُطُوبَ مُبرِّحاتٍ *** رَأَى الدُّنْيا خِلال أسِّى وَبَلوى(4)

أَنِضويْ لا بَرَكَتْ على صَعِيدٍ *** ضُلُوعُكَ من حمارٍ لَيْسَ تُكْوى(5)

وَ صَبْرِي لارَكَمْتَ إلى شَفِيفٍ *** مِنَ السِّلْوانِ مُحْتَقَب لِسَلوى(6)

وَ عَيْني لا مَللْتِ صِحَابَ سَهْدٍ *** يُؤَرِّقُ مِنْ مَنَامِكِ رَيْتَ يُطوى(7)

تَلَذِّينَ الكَري دَعَةٌ وَ خَفْضاً *** وَ آلُ البَيْتِ مَذْعُورونَ مأوى(8)

و تَرْتَكنين للأحلامِ تَسْجُو *** وَ مَا عَيْنُ الهَوائِم ثَمَّ سَجُوا(9)

ص: 341


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- سهلاناً و رضوى: ورد في القصيدة (ثهلاناً) بالثاء و لا وجود له في اللغة، و قد يكون اسم جبل.
3- نضوت: جرَّدت و نزعت.
4- مبرحات: مجهدات متعبات و مؤذيات أذى شديداً.
5- نضو: (يضنوه) بكسر النون هزيل الحيوان و ضعيفهُ.
6- رکمت: اجتمعت بكثرة. شفيف: رقيق. محتقب: مجتمع. سلوى: كلّ ما يُسلّي الإنسان.
7- سهر: قلة النوم، الأرق.
8- دعة: السكينة، الراحة و خفض العيش.
9- تسجو: تسكن ليلاً.

تُقاذِفُهُمْ تَنائِفُ مُلْبِداتٌ *** بِهَا الذُّؤْيانُ طَاوِيَةً تَلوى(1)

ركابُهُمُ طوائِحُ في البَرارِي *** وَ رَكْبُهُمُ تَزَيَّغَ حَيْثُ يُضوا(2)

كَأَنَّهُمُ الدَّيالِمُ في سَباءٍ *** عُيونُ السُّوءِ تَخْرُرُهُم رُنُوّا

وَ إِنَّهُمُ وَ لازالَتْ حُباهُمْ *** عَواقِدَ فِي ذُرىّ شَمَخَتْ سُمُوا

بُيُوتُ أنْزَلَ الرَّحْمٰنُ فِيها *** جَلالَ الوَحْيِ فَاسْتَعْلَتْ عُلُوَّا

عَلَى عَتَباتِها جِبْرِيلُ أَرْسَى *** جَناحاً وَ اسْتَعزَّ لها دُنُوَّا

وَ فاطِمُ من سِراجِ الوَحْي ضَوْءٌ *** تُزاحُ بهِ الدُّجُنَّةُ حَيْثُ ضَوَّى(3)

وَ فاطمُ مِنْ نَسيج الخُلْدِ رَوْحٌ *** تَضَوَّعَ مِسْكُها الدُّنيا زُهُوا(4)

وَ فاطِمُ مِنْ رُؤى الإيمانِ طَيْفٌ *** وَ فاطِمُ في فم الأجيالِ نَجْوَى

ص: 342


1- تنائف: جمع التنوفة و هي البرية لاماء فيها و لاأنيس، ملبدات: بكسر الباء أي اللاصقات بالأرض و المدقعات.
2- تَزَيَّعَ: مال.
3- في كتاب البرهان في تفسير القرآن ج1 ص393 ضمن ح5. «...ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیها السلام، فخلق منه السماوات و الأرض، فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة علیها السلام و نور ابنتي فاطمة علیها السلام من نور اللَّه و ابنتي فاطمة علیها السلام أفضل من السماوات والأرض... ثم أمر اللَّه الظلمات أن تمرّ على سحائب النظر، فأظلمت السماوات على الملائكة، فضجّت الملائكة بالتسبيح و التقديس، و قالت: إلهنا و سيدنا منذ خلقتنا و عرَّفتنا هذه الأشباح لم نرَ بؤساً فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنّا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة علیها السلام قناديل فعلّقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات و الأرض، ثم أشرقت بنورها فلأجل ذلك سميت «الزهراء علیها السلام» فقالت الملائكة: إلهنا و سيِّدنا لمن هذا النور الزاهر الذي قد أشرقت به السماوات والأرض؟ فأوحى اللّه إليها: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة علیها السلام ابنة حبيبي، و زوجة وليّتي و أخي نبتي و أبي حججي على عبادي. أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم و تقديسكم لهذه المرأة و شيعتها و محبّيها إلى يوم القيامة». انظر كتاب بحار الأنوار، ج37 ص83 ضمن ح51.
4- في كتاب «مقتل الحسين علیه السلام» للخوارزمي ص63-64، ط مكتبة المفيد -إيران/ قم: «عن عائشة قالت: كنت أرى رسول اللّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم لايقبَّل فاطمة علیها السلام فقلت: يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم إني أراک تفعل شيئاً ما كنت أراك تفعله من قبل؟ فقال: يا حميراء إنه لما كان ليلة أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة فوقفت على شجرة من شجر الجنة لم أرَ في الجنة شجرة هي أحسن حسناً و لاأبضَ منها ورقة و لاأطيب ثمرة، فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها فصارت نطفة في صلبي. فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة سلام الله علیها فحملت بفاطمة علیها السلام فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة فاطمة علیها السلام». و ورد رسول أيضاً: «قال رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم ليلة أسري بي إلى السماء أتاني جبرائيل علیه السلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها فعلقت خديجة سلام الله علیها بفاطمة علیها السلام فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة، شممت رقبة فاطمة علیها السلام». انظر كتاب إحقاق الحق، ج10 ص3 عن مستدرك الحاكم.

وَ سَيّدةُ النّساءِ بِدُونِ رَيْبٍ *** وَ رَوْضُ عَقِيدَةٍ وَمَنارُ تَقْوَى(1)

رَعَتْ ذِمَمَ الأُنوثة في احتشامٍ *** وَ إِصرارٍ من الإِصرارِ أقوَى(2)

مِنَ وَ فَرْعُ الغُصْنِ بالأَعْياصِ جئلٌ *** مِنَ الثَّمَراتِ مُكْتَسِبٌ نُمُوَّا(3)

أرادَ اللَّهُ لِلنِّسْوانِ شَأُواً *** فَقَدَّمَ آدَماً مِنْ قَبْلِ حَوَّا

وَ كُلُّ نَسْجُ خَلْقِ لاسَواءٍ *** وَ سُبْحانَ الَّذي في البَدْءِ سوّى

و تَربِيَةُ الأوانِسِ مِنْ قَلِيبٍ *** يُمَرُّ أُجَاجُهُ وَ يُسَرُّ خُلْوَا(4)

أَلا إِنْ شِئْتَ فَاسْتَجْلِ السَّجايا *** مِنَ الزَّهْرَاءِ وَ اتَّرِكِ العُتُوَا(5)

هِي القِمَمُ الأَصائِلُ في كَيانٍ *** تَناسَقَ وَ اسْتوى جِذراً وَ عُلُوا

ص: 343


1- في كتاب ذخائر العقبى، ص40، ط مؤسسة الوفاء -بيروت. «...أما ترضي أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة...».
2- في كتاب بحار الأنوار ج43 ص54 ضمن حاشية48: «و روي عن علي علیه السلام قال : كنّا جلوساً عند رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقال : أخبروني أيَّ شيء خير للنساء... فقالت: ولكني أعرفه، خير للنساء أن لايرين الرجال، و لايراهن الرجال. فرجعت إلى رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم فقلت: يا رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم سألتنا أيّ شيء خير للنساء، و خير لهن أن لايرين الرجال و لايراهنَّ الرجال قال: من أخبرك فلم تعلمه و أنت عندي؟ قلت: فاطمة علیها السلام فأعجب ذلك رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم و قال: إن فاطمة علیها السلام بضعة مني». انظر کتاب مقتل الحسين علیه السلام، للخوارزمي ص63.
3- الأعياص: جمع عيص و هو الأصيل و جاء أيضاً بمعنى منبت خيار الشجر، و جاء أيضاً بمعنى الشجر الملتف. جئل: كثير و ملتف.
4- أجاجه: ملحُه المرُّ. قَليب: بئر.
5- عتوّاً: تجاوزاً للحدّ و استكباراً. كما جاء في كتاب بحار الأنوار، ج43 ص15 ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «...و سميت فاطمة علیها السلام البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً و ديناً و حسباً، و قيل: لانقطاعها عن الدنيا إلى الله «تعالى»...»، و قد مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.

(4) فداها علیها السلام أبوها صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الطويل)

السيد غياث آل طعمة

إِلاَمَ بِنَارِ الْبُعْدِ يَا سَيِّدِي نُكْوَى؟ *** وَ هَلْ يُسْتَلَذُّ العَيْسُ مِنْ دُونِ مَنْ نَهْوَى(1)؟

وَ هَلْ يُؤنِسُ الأَرْوَاحَ مِيلادُ حُجَّةٍ *** وَ نَفْرَحُ وَ المَوْلُودُ حَقَّتْ بِهِ البلوى؟

تَفَاذَفَهُ هَمُ الْعَوَالِم فَانْتَنَتْ *** جَوَائِحُهُ بِالحُزْنِ مِمَّا بِهَا تُكْوَى

فَأَنَّى أَدَارَ الطَّرْف جَوْرٌ وَ مِحْنَةٌ *** وَ مُضْطَهَدٌ فِي الْبُؤْسِ يَرْجُو النَّجَا رَجُوا(2)؟

وَ نَحْنُ جَرَتْ فِي الْقَلْبِ أَبْحُرُ وُدُكُمْ *** فَأَثْمَرَتِ الإِيمَانَ وَ اعْشَوْشَبَ التَّقْوَى

فَصُبَّتْ عَلَيْنَا الْعَادِيَاتُ بِحُبِّكُمْ *** لِتَصْرِفَنَا عَنْكُمْ فَزِدْنَا بِكُمْ زَهُوا

تُصَبُّ عَلَيْنَا النَّائِبَاتُ كَأَنَّمَا *** خُلِقْنَ لَنا وَ الدَّهْرُ يَلْهُو بِنَا لَهُوا(3)

كَأَنَّ لَدَى الْبَاقِينَ مِنْ نَسْلِ تَيْمِها *** بَقِيَّةَ نَارِ أَدْرَكُوهُ بِنَاتَوّا

فشتِّتَ مِنَا الشَّمْلُ حَتَّى كَأَنَّنَا *** هَشِيمٌ ذَرَتْهُ الرِّيحُ فِي عَاصِفٍ دَوّى

يَؤُوبُ إِلَى أَوْ كَارِهِ الطَّيْرُ آمِناً *** وَ نَحْنُ نَجُوبُ التِّيهَ لَيْسَ لَنَا مَأوى(4)

إِلَيْكَ شَكَوْنا ما بِنَا مِنْ مُلِمَّةٍ *** فَإِنْ أَنْتَ لاتُصْغِي لَنَا لِمَنِ الشَّكوى(5)

ص: 344


1- إلامَ: إلى متى.
2- أَنَّى: من اين، أو كيف.
3- النائبات: جمع نائبة و هي الداهية و المصيبة.
4- وكر الطير: بيت الطير وعشه و مأواه.
5- الملمة: كل أمرٍ صعبٍ أحاط بالانسان وَ أَلمَّ به.

فَهَبْنا الْمَعَاصِي أَخْجَلَتْنَا لَدَيْكُمُ *** أَلَسْنَا بِكُمْ نَسْتَمْطِرُ الصَّفْحَ وَ الْعَفْوا؟

وَ هَبْنَا الْخَطايا أَسْقَطَتْنا أَلَمْ يَكُنْ *** لِرُضَعِنا شَأْنٌ بِهِ تُکْشَفُ الْبَلْوَى؟

وَ لالِعَفَافِ الطَّاهِرَاتِ كَرَامَةٌ *** وَ تَغْفُو عَلى ما نالَهُنَّ أَسَى غَفُوا(1)

وَ إِنْ تَكُ قَدْ أَعْرَضَتْ عَنا أَمَا تَرَى *** عَلَى عِتْرَةِ الْمُخْتَارِ كَيْفَ بَغَوْا بَغْوا(2)؟

أمَا غَاضَكَ الْمُخْتَارُ مُلْقَى بِدَارِهِ *** وَ حَيْدَرَةٌ عَنْ حَقِّهِ جَهْرَةً يُرْوَى؟

يُقَادُ أَسِيراً وَ هُوَ نَفْسُ مُحَمَّدٍ *** أَعَزُّ عَلَى ذِي الأَرْضِ مَنْ وَلَدَتْ حَوّا(3)

وَ لَوْ شَاءَ أَنْ يُغْنِي الْوُجُودَ أَبَادَهُ *** فَفِي كَفِّهِ الأَفْلاَكُ ما إِنْ يَشَأْ تُطْوَى(4)

وَ لَوْلاَهُ لاَ الإِسْلامُ قَامَ عَمُودُهُ *** وَ لَاصَوْتُ دَاعِي اللَّهِ فِي الْكَوْنِ قَدْ دَوَّى

أَتُغْضِي عَنِ الزَّهْرَاءِ أَسْقِطَ حَمْلُها *** وَ سَوْطُ لِمَمْلُوكِ عَلَى مَثْنِهَا يُلْوَى(5)؟

وَ تُلْطَمُ مَنْ طه يَقُولُ لِفَضْلِهَا *** فِدَاهَا أَبُوها فَهْيَ مِدْحَتُها القُصْوَى(6)

وَ تُحْرِقُ دَارٌ عَظَمَ اللَّهُ شَأْنَها *** فَلِلْوَحْيِ وَ الأَمْلاكِ تُرْبَتُها مَهْوَى(7)

ص: 345


1- الأسى: الحزن و الهم.
2- بَغَوْا: البغي هو الظلم بغير حق.
3- جاء في كتاب علم اليقين في أصول الدين للكاشاني ص686 الفصل20 قال: ثم إن عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فأتوا بحطب فوضعوه على الباب و جاؤوا بالنار ليضرموه فصاح عمر و قال: واللَّه لئن لم تفتحوا لنضر منه بالنار ثم انهم تواثبوا على اميرالمؤمنين و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى اخرجوه سحباً من داره ملبيا بثوبه يجرونه إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر.
4- أباده: أهلكه.
5- ورد في كتاب البحار ج53/ ص18-19، في حديث طويل: ضرب عمر لها بالسوط على عقدها حتى صار كالدملج الاسود و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر و اسقاطها إياه...
6- في كتاب البحار للمجلسي ج8 ص240، في حديث طويل... .. و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تشفع وجهي فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذنى...
7- مَهْوى: هنا بمعنى مَهبط، أو محل هبوط الوحي و مختلف الملائكة.

وَ أَنَّتْ أَنِيناً ضَمَّنَتْهُ مُصَابَها *** وَ لَوْ نَالَهُ بَعْضُ لَذَابَ أَسَى رَضْوَى(1)

وَ تُحْرَمُ مِنْ بَكِّ الرَّسُولِ لَوَاعِجاً *** وَ تُمْنَعُ أَنْ تُبْدِي الْمَصَائِبَ وَ الشَّجُوا

وَ يُعْفَى ثَرَاها وَ هْيَ سَيِّدَةُ النِّسا *** وَ لَكِنَّما فِي كُلِّ قَلْبٍ لَهَا مَثْوَي(2)

وَ إِنْ تَنْسَ هَلْ تَنْسَى الحُسَيْنَ مُجَدَّلاً *** وَ خَيْلُ بَنِي سُفْيَانَ قَدْ رَضَتِ الشَّلُوا(3)؟

وَ زَيْنَبُكُمْ تُسْبَى وَ خِدْرُ سُمَيَّةٍ *** مَصُونٌ فَيَا لِلَّهِ مَا أَعْظَمَ الْبَلْوَى

تَصَفَّحَها وَ هْيَ العَزِيزَةُ حَاسِراً *** أَرَاذِلُ لَوْ بَالَغْتَ فَلْساً فَمَا تَسْوَى

أَثِرُها فَأَطْرَافُ الطُّفُوفِ غَلِيلَةٌ *** وَ لَيْسَ سِوَى مِنْ فَيْض أَعْدَائِكُمْ تَرْوَى(4)

أَثِرُها يَذُوبُ الكَوْنُ مِنْ جَمْرٍ غَيْظِهَا *** وَ طَهُرْ تُرَابَ الأَرْضِ وَ امْحُ العِدَى مَحُوا

وَ نَحْنُ عَلَى عَهْدِ الوِلايَةِ لَمْ تَزَلْ *** تَهِيجُ بِنَا فِي الشَّرْقِ أَفْئِدَةٌ تَهْوَى

عَشِقْنَا المَآسِي فِي هَوَاكُمْ فَإِنَّنَا *** نَرَى عَلْقَمَ الآهَاتِ مِنْ أَجْلِكُمْ حُلُوا(5)

وَ مِنْكُمْ غَذَيناها فَمَهُما تَعَاظَمَتْ *** تَهُونُ لِمَا يَلْتُمْ لَنَا بِكُمُ السَّلوى

فَإِنْ نَكُ ظُلْماً قَدْ أُبِيحَتْ دِمَاؤُنَا *** وَ أَعْنَاقُنَا لِلهِ فِي حُبِّكُمْ تُلْوَى

وَ قَدْ سَامَنَا الأَعْدَاءُ أَلْفَ مَهَانَةٍ *** وَ مِنْهُمْ سَمِعْنَا فِي مُوَالاَتِكُمْ هَجُوا(6)

فَذَرْهُم يَخُوضُوا فِي الحَيَاةِ وَ يَلْعَبُوا *** وَ يَتَّخِذُوا أَنا أَطَعْنَاكُمُ هُزْوا

وَ لَاتَحْسَبَنْ أَنَا نَحِيدُ لِمِحْنَةٍ *** تُلِمُ بِنَا أَوْفَادِحٍ كَدَّرَ الصَّفْوا

ص: 346


1- رضوی: اسم جبل.
2- في كتاب البحار ج43 ص213: فلما قضت نحبها علیها السلام و هم في ذلك في جوف الليل أخذ علي علیه السلام في جهازها و ساعته كما أوصته فلما فرغ من جهازها أخرج علي الجنازة و أشعل النار في جريد النخل و مشى الجنازة بالنار حتى صلّى عليها و دفنها ليلاً. يُعفى: يُدرس و ينمحى مثوى:مَأوى، مكان، مُسْتَقَر.
3- مجدلاً: مطروحاً على الأرض. السُّلوا: العضو من أعضاء الجسد.
4- غليلة: شديدة العطش.
5- العلقم: الشديد المرارة.
6- الهجو: الكلام البذيء، أو الذم.

فَعِزَّتُنَا أَنَا أَرِقَاهُ حُبِّكُمْ *** وَ ذِلَّتُنَا إِنْ نَنْأَى عَنْكُمُ وَ لَنْ نَقْوى(1)

فَطِينَتُنَا مِنْ فَاضِلِ الطِّينِ نَشْؤُها *** فَمَا مِنْ سَبِيلٍ أَنْ نَضِلَّ وَ أَنْ نَغْوَى

وَ تِلْكَ لَعَمْر واللَّهِ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ *** حَبَانًا بِهَا مِنْ فَضْلِهِ عَالِمُ النَّجْوَى(2)

ص: 347


1- تنأى: نبتعد.
2- حبانا: اختصَّنا بعطائها إيانا، أو اختصنا بالعطاء. و قد مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

ص: 348

قافية الياء

أشارة

ص: 349

ص: 350

(1) صلوا على بنت علیها السلام النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

أبوالقاسم الصنوبري

في المنازِلِ حاجَةٌ نَقْضِيها *** إلاالسَّلامُ وَ أَدْمُعٌ نُذْرِيها

وَ تَفَجَّعٌ لِلْعَيْن فيها حَيْثُ *** لاعَيْشٌ أُوازيهِ بِعَيْشي فيها

أَبْكِي المنازِلَ وَ هْيَ لَوْ تَدْرِي الذي *** بَعَثَ البُكاء لَكُنْتُ اَسْتَبْكِيها

باللَّهِ يا دَمْعَ السَّحَائِب إسْقِهَا *** وَ لَئِنْ بَخِلْتَ فَأَدْمُعِي تَسْقِيها

يا مُغْرِياً نَفْسي بِوَصْف عَزيزَةٍ *** أَغْرَيْتَ عَاصِيَةٌ عَلَى مُغْرِيها

لاخَيْرَ في وَصْفِ النِّساءِ فَأَعْفِنِي *** عَمَّا تُكلفنيهِ مِنْ وَصْفيها

يا رُبَّ قافيَةٍ حَلا إمضاؤُها *** لم يَحْلُ مَمْضاها إلى مُمْضِيها

لاتُظمِعَنَّ النفسَ في إعطائِها *** شَيْئاً فَتَطْلُبَ فوق ما تُعْطِيها

حُبُّ النَّبيِّ مُحَمَّدٍ وَ وَصِيْهِ *** مَعْ حُبِّ فاطِمَةٍ وَ حُب بنيها(1)

ص: 351


1- في كتاب «بحار الأنوار» ج27 ح94 ط الثانية مؤسسة الوفاء -بيروت. عن سلمان رضوان الله تعالى عليه قال: قال النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: «يا سلمان من أحبَّ فاطمة علیها السلام ابنتي فهو في الجنة معي و من أبغضها فهو في النار يا سلمان حبّ فاطمة علیها السلام ينفع في مائة من المواطن أيسر تلك المواطن الموت و القبر و الميزان و المحشر و الصراط و المحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة علیها السلام رضيت عنه و من رضيت عنه رضي الله عنه...». و جاءت الرواية أيضاً في «إحقاق الحق» ج10 ص166، و في ينابيع المودة ج1 ص314 ط الأولى في إيران -انتشارات الشريف الرضي الطبعة السابعة/ المكتبة الحيدرية- النجف (1965م). و عن ابن عباس قال: سمعت أميرالمؤمنين علیه السلام يقول: (ثم يقول جبرائيل علیه السلام: يا فاطمة علیها السلام سلي حاجتك، فتقولين: يا رب شيعتي: فيقول اللَّه: قد غفرت لهم فتقولين: يا رب شيعة شيعتي. فيقول اللَّه: انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة فعند ذلك تود الخلائق أنهم كانوا فاطميين فتسيرين و معك شيعتك و شيعة ولدك و شيعة أميرالمؤمنين علیه السلام آمنة روعاتهم، مستورة عوراتهم قد ذهبت عنهم الشدائد و سهلت لهم الموارد يخاف الناس و هم لايخافون و يظمأ الناس و هم لايظمؤون...». بحار الأنوار، ج43 ص227 ح13.

أَهْلُ الكساءِ الخَمْسَةُ الغُرَرُ الَّتي *** يَبْنِي العُلاَ بِعُلاهُمُ بانيها

كَمْ نِعْمَةٍ أَوْلَيْتَ يا مولاهُمُ *** في حُبِّهِمْ فَالحَمْدُ لِلْمَوْلِيها

إِنَّ السَّفاءَ بِشِغْلِ مَدْحِي عَنْهُمُ *** فَيَحِنُّ لي أن لاأكونَ سَفيها(1)

هُمْ صَفْوَةُ الكَرَم الَّذي أصفاهُمُ *** وُدّي وَ أَصْفَيْتُ الذي يُضفِيها

أَرْجُو شفاعَتَهُمْ فَتِلْكَ شفاعةٌ *** يَلْتَذْ بَرَدَ رَجائِها راجيها

صَلُّوا عَلَى بِنْتِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ *** بَعْدَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ أبيها(2)

وَ ابْكُوا دِمَاءٌ لو تُشَاهِدُ سَفكَها *** في كَرْبَلاءَ لما وَنَتْ تَبْكِيها

تِلْكَ الدّماءُ لَوْ أَنَّها تُرقى إذَنْ *** كانَتْ دِماءُ العَالَمينَ تَقِيها

لَوْ انَّ مِنْهَا قَطرَةٌ تُقدى إذَنْ *** كُنَّا بنا و بغَيْرِنا نَفْدِيها

إنّ الذينَ بغَوْا إراقَتَها بَغَوْا *** مَشْؤُومَةَ العُقْبَى عَلَى بَاغيها

قُتِلَ ابْنُ مَنْ أَوْصى إِلَيْهِ خَيْرُ مَنْ *** أَوْصَى الوصَايا قطُّ أو يُوصِيها

رَفَعَ النّبِيُّ يَمينَهُ بِيَمِينِهِ *** لِيَرى ارْتِفَاعَ یمینه رائيها

في موضِعٍ أَضْحَى عَلَيْهِ مُنَبِّهاً *** فيه و فيه يُبدِىءُ التَّنْبِيها

آخاه في «خُمِّ» وَ نوَّه باسمِهِ *** لم يَأْلُ فِي خَيْرِ به تَنْوِيها(3)

هُوَ قالَ: أَفْضَلُكُمْ على إنَّه *** أَمْضَى فَضِيتَه الَّتِي يُمْضِيها

ص: 352


1- السفيه: الجاهل.
2- في كتاب دلائل الإمامة ص28، ط الثالثة -منشورات الرضي -قم- منشورات المطبعة الحيدرية (1963م)، النجف الأشرف: عن أبي جعفر علیه السلام: «و لقد كانت علیه السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة...». وورد أيضاً في عوالم سيدة النساء علیها السلام ج1 ص173.
3- نوه: أظهر و أشاد به لم يألُ: لم يقصر و لم يبطىء.

هُوَ لي كهارون لموسى حَبَّذا *** تَشْبِيه هارونَ بِهِ تَشْبِیها

يَوْمَاهُ يَومٌ لِلْعِدى يَرْوِيهِمُ *** جَوْراً وَ يَوْمَ لِلْقَنَا يَرْوِيها

يَسَعُ الأنامَ مَشُوبَةٌ وَ عُقُوبَةٌ *** كِلْتاهُما تَمْضِي لِما يُمْضِيها(1)

ص: 353


1- الغدير ج3 ص والقصيدة في (42 بيتاً).

(2) هدية ربي

(بحر الطويل)

السيد إسماعيل الحميري(*)(1)

وَحَدَّثنا عَنْ حارث الأغورِ الّذي *** نُصَدِّقُهُ في القَوْلِ مِنْهُ وما يَرْوي(2)

بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَفْسي فِداؤُهُ *** وَ أَهْلي وَمَالي طاوِي الحَشَا يَطْوِي(3)

لِجُوعِ أصابَ المُصْطَفَى فَاغْتدى إلى *** كَرِيمَتِهِ وَ النَّاسُ لاهُونَ في سَهْوِ(4)

ص: 354


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر فى الجزء الثالث.
2- الحارث الأعور بن عبد الله بن كعب الهمداني من خاصة شيعة أميرالمؤمنين علیه السلام توفي بالكوفة سنة (65 ه-).
3- طاوي الحشا: ضامر البطن.
4- في «ذخائر العقبى» للطبري ص45-46 ط/ مؤسسة الوفاء. «إلى آخر الأبيات». «عن أبي سعيد قال: قال علي علیه السلام ذات يوم يا فاطمة علیها السلام هل عندك من شيء تغذينيه؟ قالت: لاوالذي أكرم أبي بالنبوة ما أصبح عندي شيء أغديكه، و لاأكلنا بعدك شيئاً، و لاكان لنا شيء بعدك منذ يومين إلا شيء أوثرك به على بطني و على ابني هذين، قال: يا فاطمة علیها السلام ألا أعلمتني حتى أبغيكم شيئاً قالت إني أستحي من الله أن أكلفك ما لاتقدر عليه. فخرج من عندها واثقاً بالله حسن الظن فاستقرض ديناراً... حتى دخل على النبي صلي الله علیه و آله و سلم فصلى الظهر و العصر و المغرب فلما قضى النبي صلى الله عليه و آله و سلم صلاة المغرب مرَّ بعلي في الصف الأول فغمزه برجله فسار خلف النبي صلى الله عليه و آله و سلم حتى لحقه عند باب المسجد ثم قال: يا أباالحسن علیه السلام هل عندك شيء تعشينا به، فأطرق علي لايحر جواباً حياءً من النبي صلى الله عليه و آله و سلم قد عرف الحال الذي خرج عليها فقال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إمّا أن تقول لافننصرف عنك أو نعم فنجيء معك. فقال له حباً و تكريماً، اذهب بنا و كأن الله سبحانه و تعالى قد أوحى إلى نبيه أن تعش عندهم. فأخذ النبي صلى الله عليه و آله و سلم بيده فانطلقا حتى دخلا على فاطمة علیها السلام في مصلاها و خلفها جفنة تفور دخاناً، فلما سمعت كلام النبي صلى الله عليه و آله و سلم خرجت من المصلى فسلمت عليه و كانت أعز الناس عليه فردَّ عليها السلام و مسح بيده على رأسها و قال: كيف أمسيت؟ عشينا غفر اللّه لك و قد فعل فأخذت الجفنة فوضعتها بين يديه فلما نظر علي ذلك و شمَّ ريحه رمی فاطمهة علیها السلام ببصره رمياً شحيحاً، فقالت: ما أشحَ نظرك و أشدَّه... فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم ما في سمائه و يعلم ما في أرضه إني لم أقل إلاحقاً قال: فأنى لك هذا الذي لم أر مثله ولم أشم مثل رائحته و لم أكل أطيب منه؟ فوضع النبي صلي اللَّه علیه آله و سلم كفه المباركة بين كتفي علي ثم هزها و قال: يا علي علیه السلام هذا ثواب الدينار، و هذا جزاء الدينار هذا من عند اللَّه إن اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب»، (الحسنة بعشرة أمثالها). و في كتاب/ درة الناصحين للنحوبوي/ ص66 ، مرضت فاطمة علیها السلام ذات يوم فجاء عليّ علیها السلام إلى منزلها فقال: يا فاطمة علیها السلام ما يريد قلبك من حلاوات الدنيا؟ فقالت: يا علي علیه السلام أشتهي رماناً فتفكر ساعة لأنه ما كان معه شيء، ثم قام و ذهب إلى السوق واستقرض درهماً واشتری به رمانة فوجه إليها فرأى شخصاً حريفاً مطروحاً على قارعة الطريق فوقف عليّ علیه السلام فقال له: ما يريد قلبك يا شيخ؟ فقال: يا علي علیه السلام خمسة أيام هنا و أنا مطروح و مر الناس عليَّ علیه السلام و لم يلتفت أحد إلي يريد قلبي رماناً... فتفكر في نفسه ساعة فقال لنفسه: اشتريت رمانة واحدة لأجل فاطمة علیها السلام فإن أعطيتها لهذا السائل بقيت فاطمة علیها السلام محرومة، و إن لم أعطه خالفت قوله تعالى: «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ» و النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «لاتردوا السائل و لو كان على فرس» فكسر الرمانة فأطعم الشيخ فعوفي في الساعة وعوفيت فاطمة علیها السلام. و جاء علي وهو مستحي فلما رأته فاطمة علیها السلام قامت إليه و ضمته إلى صدرها فقالت: أما إنك مغموم فوعزة الله «تعالى» و جلاله إنك لما أطعمت ذلك الشيخ الرمانة زال عن قلبي اشتهاء الرمان. ففرح علي بكلامها فأتى رجل فقرع الباب فقال علي علیه السلام من أنت! فقال: أنا سلمان الفارسي افتح الباب فقام علي علیه السلام و فتح الباب و رأى سلمان الفارسي و بيده طبق مغطى رأسه بمنديل فوضعه بين يديه فقال علي علیه السلام: ممن هذا يا سلمان؟ فقال: من اللَّه إلى الرسول صلي الله علیه و آله و سلم و من الرسول إليك... فكشف الغطاء فإذا فيه تسع رمانات فقال: يا سلمان: لو كان هذا لي لكان عشراً لقوله «تعالى»: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا». فضحك سلمان فأخرج رمانة من كمه فوضعها في الطبق فقال: يا علي علیه السلام واللَّه كانت عشراً ولكن أردت بذلك أن أجربك...

فَصادَفَها وَ ابْنَي عليَّ وَ بَعْلَها *** و قَدْ أطْرَفُوا مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ كالنِّضْوِ(1)

فقالَ لها يا فَطْمُ قُومي تَناولي *** وَ لَمْ يَكُ فيما قال يَنْطِقُ بالهَزْوِ(2)

هَدِيَّةُ رَبِّي إنّهُ مُترَحِّمٌ *** فقامتْ إلى ما قالَ تُسْرِعُ بالخَطْوِ

فَجاءَتْ عليها اللَّهُ صلّى بِجَفْنَةٍ *** مُكَرَّمة باللَّحْمِ جزْواً على جزْوِ

ص: 355


1- النَّضو: السهم الذي فسد من كثرة ما رُمي به، الثوب البالي.
2- یا فَطْمُ : منادى مرحم أصله يا فاطمة علیها السلام.

فَسَمُّوا وَ ظَلُّوا يُطْعِمُونَ جميعَهُمْ *** فبخَ بخَّ لَهُمْ نَفْسي الفداء وَ ما أَحْوِي

فَقَالَ لها ذاك الطعام هديّةٌ *** مِنَ اللَّهِ جبريلٌ أتاني به يَهْوِي

و لَمْ يَكُ مِنْهُ طَاعِماً غَيْرَ مُرْسَلٍ *** وَ غَيْرَ وَصِيَّ خَصَّهُ اللهُ بالصَّفْوِ(1)

ص: 356


1- دیوان السيد الحميري ص456، و لعل هذه الأبيات إشارة إلى ما روت الخاصة و العامّة منهم: ابن شاهين المروزي و ابن شيرويه الديلمي عن الخدري و أبي هريرة: أن علياً علیه السلام أصبح ساغباً، فسأل فاطمة علیها السلام طعاماً، فقالت: ما كان إلا ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي و على الحسن و الحسين علیهما السلام، فقال: ألا أعلمتني فأتيتكم بشيء؟ فقالت: يا أباالحسن علیه السلام إنّي لأستحيي من إلهي أن أُكلّفك ما لاتقدر عليه فخرج و استقرض من النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله المقداد قائلاً ما شاء الله، فناوله علي الدينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه فنام. فخرج النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم فإذا هو به فحركه، فقال له: ما صنعت؟ فأخبره، فقام وَ صلّى معه فما قضى النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم صلاته إلا و قال: يا أبا الحسن علیه السلام هل عندك شيء نفطر عليه فنميل معك؟ فأطرق لايجيب جواباً حياءً منه، و كان اللَّه أوحى إليه أن يتعشى تلك الليلة عند عليّ علیه السلام. فانطلقا حتى دخلا على فاطمة علیها السلام و هي في مصلاها و خلفها جفنة تفور دخاناً، فأخرجت فاطمة علیها السلام الجفنة فوضعتها بين أيديهما، فسأل علي علیه السلام أنّى لكِ هذا؟ قالت: هو من فضل اللَّه و رزقه، إنّ اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب قال: فوضع النبيَّ كفّه المبارك بين كتفي عليّ علیه السلام، ثم قال: يا علي علیه السلام هذا بدل دينارك ثم استعبر النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم باكياً، و قال: الحمدللَّه الذي لم يمتني حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا علیه السلام لمريم سلام الله علیها. و في رواية الصادق علیه السلام: أنّه أنزل اللَّه فيهم: «ويُؤثِرُون على أَنْفُسِهِم و لوخصاصَة» [الحشر: 9].

(3) صبت علي مصائب

(بحر الكامل)

حسين بن علي العشاري البغدادي

لَهْفِي عَلى قَمَرِ وَ سَيْفِ مُعْمَدٍ *** وَ عَلَى أبي الطُّهْرِ(1) البَتُولِ مُحَمَّدِ

ص: 357


1- في آية التطهير، هناك تنبيهان: أحدهما: أن الآية دلّت على عصمة الخمسة لأن الرجس فيها عبارة عن الذنوب كما في «الكشاف» و غيره و قد تصدّرت بأداة الحصر و هي «إنما» فأفادت أن إرادة اللَّه «تعالى» في أمرهم مقصورة على إذهاب الذنوب عنهم و تطهيرهم منها و هذا كنه العصمة و حقيقتها. و قد أورد النبهاني في أول كتابه الشرف المؤبد هذه الآية، فنقل عن جماعة من الأعلام ما يدل على أنهم قد فهموا منها عصمة أهلها علیها السلام و إليك ما نقله بعين لفظه: قال: اللَّه قال الإمام أبوجعفر محمد بن جرير الطبري في «تفسيره» يقول الله «تعالى»: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس و الفحشاء يا أهل محمد صلي الله علیه و آله و سلم و يطهَّركم من الدنس الذي يكون في معاصي الله تطهيراً. قال: و روي عن أبي زيد أن الرجس ههنا الشيطان. قال: و ذكر -أي الطبري- بسنده إلى سعيد بن قتادة أنه قال: قوله: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» فهم أهل بيت علیهم السلام طهَّرهم اللّه من السوء و خصهم برحمة منه. قال: و قال ابن عطية: و الرجس اسم يقع على الإثم و العذاب و على النجاسات و النقائص فأذهب اللَّه جمیع ذلك عن أهل البيت علیهم السلام قال: و قال الإمام النووي: قيل: هو الشك، و قيل: هو العذاب و قيل: الإثم. قال الأزهري: الرجس اسم لكل مستقذر من عمل أو غيره . و فسّر الشيخ محيي الدين بن العربي لفظ الرجس في الباب (29) من (فتوحاته) بكل ما يشين و إليك عبارته... قال: و قد ذكر النبي صلي الله علیه و آله و سلم قد طهَّره اللّه و أهل بيته علیهم السلام تطهيراً و أذهب عنهم الرجس و هو كل ما يشينهم فإن الرجس هو القذر عند العرب... ثانيهما: أنها دلَّت بالالتزام على إمامة أميرالمؤمنين علیه السلام لأنه ادعى الخلافة لنفسه و ادعاها له الحسنان علیهما السلام و فاطمة علیها السلام و لايكونون كاذبين لأن الكذب من الرجس الذي أذهبه الله عنهم و طهرهم تطهيراً... الكلمة الغراء في تفضيل فاطمة الزهراء علیها السلام-عبد الحسين شرف الدين الموسوي- ص42.

قالَتْ وَ قَدْ نادَتْ بِقَلْبِ مُوقَدِ *** (ماذا على مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدِ)

(أَنْ لايَشُمَّ مَدى الزمانِ غَواليا)(1)

غابَتْ محاسِنُ في القرى فَكَأَنها *** شَمْسُ وَ قَدْ غابَتْ وَآوَتْ كِنَّها(2)

مُذْ حَقَّقَتْ نصي البعادَ وَ ظَنَّها *** (صُبَّتْ عَلَيَّ مَصائِبٌ لَوْ أَنَّها)

(صُبَّتْ على الأيَّامِ صِرْنَ لَياليا)

و أيضاً لحسين بن علي العُشاري البغدادي -مصدراً و معجزاً:

(ماذا على مَنْ شَمَّ تُربةَ أَحْمَدٍ) *** أَنْ لايَكُونَ عَنِ المَوَدَّةِ نَائِيا

وَ وَدْتُ قَلْباً قَدْ وَ هَى(3) لِفِراقِهِ *** (أنْ لايَسمَّ مَدَى الزَّمانِ غَواليا)

(صُبَّتْ عَليَّ مصائب لو أنّها) *** وَرَدَتْ عَلَى جَبَلٍ لأَصْبَحَ هَاوِيا

و مُصيبتي في المُصْطَفَى لَوْ أَنّها *** (صُبَّتْ على الأيام صِرْنَ لياليا)(4)

ص: 358


1- غواليا: جمع الغالية و هي الإصابة بنازلة، و ورد أيضاً الغالية أخلاط من الطيب (المنجد ص556).
2- كِنّها: بيتها، وقاءها و سترها.
3- وهى: انشق ضعف.
4- ديوان العشاري ص475.

(4) قوموا إلى فاطم علیها السلام

(بحر البسيط)

السيد حسين الغريفي

الشاخوري

سَلْ جِيرَةَ الدَّارِ عَنْ تَرْحَالِ أَهْلِيهَا *** هَلْ أَزْمَعَ العُوْدَ بِالأَظْعَانِ حَادِيهَا(1)

وَانْزِل لَكَ الخَیْرُ، وَ اسْتَمْطِرْ بِهَا جَزعاً *** سَحَابَ دَمْعِكَ بِاسْمِ اللَّهِ مُجْرِيهَا؟

دَمْعُ يُذِيبُ أَدِيمَ الخَدَّ سَائِلُهُ *** وَ زَفْرَةٌ يُحْرِقُ الأَحْشَاء وَارِيها(2)

بُعْداً لِيَوْمِ النَوَى عَنْ سَاحَتِي فَلَقَدْ *** أَقْوَى مَعَالِمَ صَبْرِي مِنْ مُقَاوِيهَا(3)

سَارُوا وَ مَا خَلَّفُوا رَغْمَا عَلَيَّ سِوَى *** رَعِي النُّجُومِ لِعَيْنِي فِي دِيَاجيهَا(4)

وَ لَا عَلَى العِيسِ قَدْ شَدَّت حُمُولَهُمُ *** إِلا بِبُغْيَةِ نَفْسِي مَنْ تُسَلِّيهَا(5)

خَلَفْتُ لَمْ أَسْتَمِعُ نَدْباً لِثَاكِلَةٍ *** كَلأَ وَ لاَحُزْنِي تَرْجِيعُ نَاعِيهَا

وَ لابَكَيْتُ لِذِكْرَىٰ رَبِّعِ كَاظِمَةٍ *** وَ لاشَجَانِي مِنَ الأَظلالِ عَافِيهَا(6)

حَتَّى ذَكَرْتُ قَتِيلَ الطَّلِف فَانْبَعَثَتْ *** كَالسُّحْبِ حُمراً دُمُوعِي مِنْ أَمَاقِيها(7)

ص: 359


1- جيرة: الجيران. حاديها: حادي الابل هو سائق الابل، أو يكون أمامها فيحدوها لتلحق به.
2- واريها: نارُها أو لهيبها.
3- النوى: البعد و الفراق.
4- دياجيها: مفردها دجى و هو الظلام أو الليل المظلم.
5- العيس: النياق أو النوق وهي الجمال التي يُظعن بها.
6- الأطلال: الشاخص من الآثار. عافيها: المندرس، الممحو منها.
7- أماقيها: عيونها.

مِنْ حَوْلِهِ فِتْيَةٌ صَرْعَى كَأَنَّهُمُ *** بُدُورُتَم تَهَاوَتْ مِنْ مَعَالِيهَا

فَاعْتَضتُ بِالبِشْرِ حُزْناً وَالنَّعِيمِ شَقَاٌ *** وَ الأَهْلِ وَحْشاً وَ عَنْ دَارِي تَقَاصِيهَا(1)

فَالدَّمْعُ مَا بَيْنَ مَنظوم وَ مُنْتَشِرٍ *** وَ الرِّزْهُ يَنْشُرُ أَحْزَانِي وَ يَطْوِيهَا

وَ احَسْرَتَاهُ لِقَتْلَى الطَّفِّ قَدْ نَسَجَتْ *** عَلَيْهِمُ الرِّيحُ قُمْصاً مِنْ سَوَافِيهَا(2)

يَبُلُّ أَجْسَادَهُمْ طَلُّ الرُّبى بَدَلاً *** عَنِ الخَلِيطَيْنِ مِنْ أَدْنَى مَثَاوِيها(3)

وَ الوَحْشُ تَرْتَاعُ أَنْ تَدْنُو لِمَصْرَعِهِمْ *** كَمَا تُرَاعُ ظِبَاهَا مِنْ ضَوَارِيهَا(4)

قَدْ أَلْبِسُوا مِنْ نَجِيعِ الطَّعْنِ بُرْدَهُمُ *** قَدْ نَمَّقَتْهُ الأَعَادِي مِنْ عَوَالِيهَا(5)

وَ جُرْعُوا مِنْ حُدُودِ البِيضِ كَأسَ رَدَى *** وَ فِي المَعَادِ رَحِيقُ الخُلْدِ يَرْوِيهَا(6)

كَأَنَّ فَيْضَ دِمَاهُمْ مِنْ مَنَاحِرِهِمْ *** عَلَى البَسِيطَةِ نَشْرٌ مِنْ غَوَالِيهَا(7)

صَرْعَى عَلَى التَّرْبِ مَا أَيْدِ تُقَلِّبُهُمُ *** الأَّ يَدُ الرِّيح أَوْ أَيْدِي عَوَادِيهَا

لِلَّهِ كَمْ لَهُمُ فِي نَيْنَوَىٰ جِئَثُ *** مِنْ غَيْرِ غُسْلِ وَ لاَلَحْدٍ يُوَارِيهَا(8)

وَ كَمْ لَهُمْ فِي رُؤُوسِ السُّمْرِ وَ الهفِي *** مِنْ شَيْبَةٍ حُضْبَتْ مِنْ حُمْرِ قَانِيهَا

وَ كَمْ لَهُمْ مِنْ أَسِيرٍ لَايَضُرُّ لَهُ *** يَشْكُو عَظِيمَ صُبَابَاتٍ يُقَاسِيهَا(9)؟

يَا قَاصِداً كَرْبَلا مَهْلاً بِنَا فَعَسَى *** تَلْقَى بِهَا البَضْعَةَ الزَّهْرا نُعَزِّيهَا

قِف سَاعَةً نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى الحُسَيْن وَمَا *** أَصَابَهُ مِنْ مُصِيبَاتِ بِوَادِيهَا

ص: 360


1- فاعتضتْ: استعضت و اتخذت هذا عوضاً على ذاك.
2- سوافيها: رملها و ترابها.
3- طَلُّ: الطَّل: النَّدى. الرُّبى: ما ارتفع من الأرض، التلال.
4- ترتاع تخاف و تضطرب و تفزع. ظِباها: جمع ظبي و هو الغزال ضواريها: السباع من الحيوانات کالأسد و النمر، مفردها ضاري.
5- نجيع النجيع من الدم: ما كان مائلاً إلى السواد. بُردهم: مفردها. بُردة: ثوب مخطط.
6- حدود البيض: الحدود مفردها حَدٌ و هو حَدَّ السيف، و البيض هي السيوف.
7- البسيط: الأرض.
8- يُواريها: يسترها يدفنها.
9- صبابات: الصبابة بضم الصاد: بقية الماء و نحوه في الاناء و الصَّبابة بفتح الصاد الشوق.

لَهْفِي لَهَا حِينَمَا جَاءَتْ لِمَصْرَعِهِ *** مَعْ حُورٍ عِيْنِ حَزِينَاتٍ تُبَاكِيهَا

قَدْ ضَمَّحَتْ جَيْبَهَا مِنْ فَيْضِ مَنْحَرِهِ *** وَ خَضَبَتْ شَيْبَهَا حُزْناً وَ كَفَّيْهَا(1)

تَقُولُ وَ الدَّمْعُ فَوْقَ الحَدْ مُنْطَلِقٌ *** وَاحَسْرَتَا لِصَرِيعِ فِي یَوَادِيها

يَرْنُو إِلَى الشَّطُ مَوْقُودَ الحَشَا ظَمَاً *** مَا بَلَّهُ مِنْ قَلِيلِ المَاءِ تُظفِيهَا(2)

وَ الوَحْشُ مُنْقَعَةُ الأحشاء تَكْرَعُ فِي *** نمِيِرها لَمْ تَخَفْ غَابَاتِ ضَارِيهَا(3)

يَا عَارِي الطَّفْ مَا حَاكَتْ لِجِثَّتِهِ *** إِلا الصَّبَا حُلَلاً مِنْ نَسْجِ دَارِيهَا(4)

أفْدِيكَ تَهْوِي طَعِيناً آه وَاحُزْنِي *** مَنْ ذَا لِطَعْنَتِكَ النَّجْلاَ يُدَاوِيها(5)

كَيْفَ الدَّوَاءُ لِمَجْرُوحِ الْحَشَاءِ وَ قَدْ *** مَضَتْ أَنَابِيبُ أَرْمَاحِ العِدًا فِيهَا

أَفْدِيكَ شِلُوا عَلَى الرَّمْضَاءِ مُنْعَفِرَاً *** قَطِيعَ رَأْسِ وَحِيداً فِي مَحَانِيهَا(6)

أفْدِيكَ ظَمْآنَ مَمْنُوعَ الوُرُودِ وَ *** لاَتُسْقَى بِغَيْرِ نَجِيعِ مِنْ مَوَاضِيهَا(7)

أَفْدِيكَ يَا طَوْدَ عِزّ بَعْدَهُ انْهَدَمَتْ *** أَطْوَادُ عِزِّي مِنْ أَعْلَا رَوَاسِيهَا

خَابَتْ ظُنُونِي وَ أَخْطا فِيكَ صَائِبُهَا *** لَمْ أَلْقَ غَيْرَ المَنَايَا مِنْ أَمَانِيهَا(8)

مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنْ أَلْقَاكَ مُنْجَدِلاً *** تَرُضُّ جُنَّتَكَ العُلْيَا مَدَاكِيهَا

ص: 361


1- ضَمَّحَتْ: لَطَخَتْ. جيبها: ثوبها. خَضَّبَتْ: لَوَّنَتْ.
2- يرنو: رنا إلى الشيء: أدام النظر إليه. استوقدت النار: اشتعلت. الموقد و المستوقد: موضع النار فيكون الموقود: الذي أوقدت النار فيه فصار موقوداً.
3- منقعة: مؤنث منقع: كأنه يريد انها اجتمعت في الماء واستقر قرارها حتى كسرت الغُلَّة. تكرعُ: تمدُّ عنقها و تتناول الماء بفمها من موضعه أو تخوض فيه سواء شربت أم لم تشرب فهي كأنها تعبثُ و تلعب فيه بعد أن ارتوت.
4- الصبا: ريح مهبها جهة الشرق. حُللاً: ثياباً.
5- تهوي: تسقط. طعيناً: مطعوناً. النجلاء: الواسعة الطويلة العريضة.
6- شِلُواً: جمعها اشلاء، و اشلاء الإنسان: اعضاؤه بعد البلى و التفرّق. منعفراً: مُمَرَّغاً في التراب و مُتَرَّباً، صار لونه كالعَفَر والعَفَر هو ظاهر التراب.
7- مواضيها: السيوف و الأسنة.
8- المنايا: جمع مَنيَّة و هي الموت.

لَيْتَ الجِيَادَ الَّتِي رَضَتْ سَنَابِكُهَا *** جِثْمَانَهُ عُقْرَتْ فِي الرَّكْضِ أَيْدِيهَا(1)

أَمَا دَرَتْ أَنَّهُ فِي شَأْوِ حَلْبَتِهَا *** يَوْمَ الرِّهَانِ وَ فِي الهَيْجا مُجْلِيهَا(2)

ذَابَتْ مِنَ الحُزْنِ أَحْشَائِي عَلَيْكَ وَ قَدْ *** شَابَتْ ذَوَائِبُ رَأْسِي بَعْدَ دَاجِيهَا(3)

وَ أَلْبَسَتْنِي يَدُ البَرْحَاءِ ثَوْبَ ضَنَا *** وَ جَرَّعَتْنِي كُؤوساً مِنْ مَرَازِيهَا

وَ أَظْلَمَتْ بَهْجَةُ الأَيَّامِ بَعْدَكَ يَا *** شَمْسَ المُسَرَّةِ بَدْرِي فِي لَيَالِيهَا

آهِ و مِنَ الْبَيْنِ بَعْدَ الاجْتِمَاعِ فَهَلْ *** لَنَا اجْتِمَاعٌ بِأَيَّامٍ نُقَضِّيهَا(4)؟

وَيْلاهُ مَنْ ذَا إِلَى الأَبْنَامِ يَجْمَعُهَا *** وَ مَنْ لِنسْوَتِكَ التَكْلَى يُسَلِّيهَا؟

وَ مَنْ لأَمْكَ يَا مَنْ عَزَّ نَاصِرُهُ *** عَلَى رَزِيَّتِهَا الشَّنْعَا يُعَزِّيهَا؟

وَيْلاَهُ مَا رَحِمَتُكَ القَوْمُ يَا وَلَدِي *** أَلَمْ تَكُنْ نَجْلَ دَاعِيهَا وَ سَاقِيهَا(5)؟

كَفَى بِأُمِّكَ حُزْناً حَزُّ رَأْسِكَ مِنْ *** فَفَاكَ يَا فَجْعَةٌ جَلَّتْ مَرَاثِيهَا(6)

كَفَىٰ بِهَا حُزْناً أَنْ يَتْرِكُوكَ بِلاَ *** سِتْرِ لِجُنَّتِكَ الغَرّا يُغَطِّيها

وَ لَهْفَ نَفْسِي لِزَيْنِ العَابِدِينَ لَهُ *** نَوْحٌ كَنَوْحِ الثَكَالَىٰ فِي نَوَاعِيهَا

يَطْوِي الفَلاَ كَابياً ذَا غُلَّةٍ وَ ضَنَا *** عَلَى الطَّوَى بَاكِياً لَهْفِي لِطَاوِيهَا(7)

يُنَاوِحُ الوُرْقَ شَجُوا مِنْ جَوَاهُ إِذَا *** جَنَّ الظَّلامُ عَلَيْهِ فِي فَيَافِيها

إِذَا رَنَتْهُ النِّسا حَنَّتْ عَلَيْهِ أَسَى *** يُسْرَى بِهَا حُسْراً أَسْرَى لِطَاغِيهَا

وَ رَأْسُ وَالِدِهِ مَعَ رُوس فِتْيَتِهِ *** يَجْرِي عَلَى سُمْرِهَا قَانِي تَرَاقِيهَا(8)

يَتْلُو أَمَامَهُمُ الآيَاتِ لاَعَجَباً *** مِنْ سَيْدٍ فِيهِ قَدْ أَثْنَتْ مَثَانِيهَا

ص: 362


1- الجياد: الخيل. جثمانَهُ: جسمه. عُقرت: قيدت أو حبست أو ربطت.
2- الهيجاء: الحرب.
3- داجيها: سودها.
4- البين: الفراق.
5- نجل: ابن ولد.
6- جَلَّتْ: عَظُمَتْ.
7- غُلَّة: عطش، ظمأ.
8- سمرها: رماحها.

يَا نَكْبَةً عِنْدَهَا الزَّهْرَا قَدِ انْتُكِبَتْ *** وَ هُدِّمَتْ مِنْ ذُرَى التَّقْوَى سَوَامِيهَا(1)

يُمْسِي الحُسَيْنُ غَرِيبَ الدَّارِ مُنْعَفِراً *** وَ تَعْلُو حَرْبٌ عَلَى أَعْلاَ مَبَانِيهَا

وَآلُ أَحْمَد[...] الخِدْرُ سَافِرَةٌ *** وُجُوهُهَا نَادِبَاتٌ فِي صَحَارِيهَا

وَآلُ سُفْيَانَ مَضْرُوبٌ أَكِلَّتُهَا *** تُنَاطُ سِتراً عَلَيْهَا فِي مَغَانِيهَا

يَا أُمَّةً فَسَقَتْ فِي دِينِهَا فَسَقَتْ *** آلَ الرَّسُولِ كُؤوساً مِنْ دَوَاهِيهَا(2)

يَا وَيْلَهَا كَفَرَتْ فِي دِينِهَا قَعرت *** أَعْنَاقَ آل رَسُولِ اللَّهِ هَادِيهَا

دَارَتْ عَلَيْهِمْ وَ مَا دَارَتْ وَمَا رَقَبَتْ *** إِلا وَ لَاذِمَّةٌ فِي جَنْبِ وَالِيهَا(3)

فِي كُلِّ يَوْمٍ ذَبِيحٌ مِنْ مَوَاضِيهَا *** لِلآلِ أَوْ بِنَقيع السُّمِ تُرْدِيها

أَلَمْ يَكُونُوا ذَوِي القُرْبَى أَمَا نَزَلَتْ *** فِي وُدِّهِمْ آيَةٌ مِنْ عِنْدِ بَارِيهَا؟

وَ هَلْ أَتَى «هَلْ أَتَى» فِي غَيْرِ فَضْلِهِمُ *** أَلَمْ تَكُنْ آيَةُ النَّظهير تَكْفِيهَا

مَتَى نَرَى بَهْجَةً يَجْلى بِطَلْعَتِهَا *** عَنْ غُرَّةِ الحَقِّ جَهْراً جَوْرَ مُخْفِيهَا

قُمْ وَامْلاً الأَرْضَ عَدْلاً مِثْلَ مَا مُلِئَتْ *** جَوْراً فَإِنَّكَ هَادِيهَا وَحَامِيهَا

يَا آلَ أَحْمَدَ يَا مَنْ دَوْحُ حُبِّهِمُ *** وَ فَضْلِهِمْ أَثْمَرَتْ عَفْواً لِجَانِيهَا

إلى أن يقول:

(أَيْنَ الشَّفِيقُ عَلَى الزَّهْرَا يُوَاسِيهَا؟) *** قُومُوا إِلَى فَاطِم الزَّهْرَا نُبَاكِيهَا

سَلْ جِيرَةَ الدَّارِ عَنْهَا فَهْيَ عَالِمَةٌ *** بِهَا فَقَدْ طوقت مِنْ جُودِ أَهْلِيهَا(4)

ص: 363


1- دری: ذروة و ذروة الشيء: أعلاه و أسماه.
2- فَسَقَتْ الأولى خرجت عن دينها. و الفاء من أصل الكلمة. فَسَقَتُ الثانية سَقَتْ أروث و الفاء حرف عطف ليست من أصل الكلمة.
3- إلا: عهداً.
4- موسوعة شعراء البحرين ج1 ص304.

(5)كاشف الكرب

(بحر الخفيف)

الشيخ سلمان بن أحمد البحراني

(الملقب بالتاجر)(*)(1)

أيُّ رُزْءٍ شَجَا الرَّسُولَ النَّبِيا *** وَ البَتُولَ العَذْرَا وَ أَبْكَى الزِّكِيَّا(2)

وَ لَزِنْدُ الأحْزانِ فِيهِ حُسَيْنٌ *** قَدَحَ الكَائِنَاتِ نَعْياً شَجِيّا(3)

يَوْمَ جبْرِيلُ في المَلائِكِ نَادَى *** في السَّمَا نَاعِياً إِلَيْهِمْ عَلِيًّا

يَوْمَ فِيهِ ابن ملجم لِقَطَامٍ *** غَالَ بِالسَّيْفِ في السُّجُودِ الوَصِيَّا(4)

كَمْ حَبَاهُ وَ كَمْ كَسَاهُ وَ رَبَّاًهُ *** وَ أَدْنَاهُ حَيْثُ كَانَ قَصِيَّا

لَمْ يَزِدْ في العُتُل إلاعُتُوَّاً *** وَ نُفُوراً مِنْهُ وَ كَانَ شَقِيّا(5)

لَوْ تَرَاهُ وَ اللَّيْلُ دَاجٍ يُنَاجِي *** وَسْطَ مِحْرَابِهِ الفَخيم العَليَّا(6)

ص: 364


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- الرزء و الرزيّة: المصيبة أو الداهية.
3- نعياً: نعى إلينا فلاناً: أخبرنا بوفاته.
4- في «المناقب»، ج3 ص311: «... ثم تفرقوا فدخل ابن ملجم الكوفة فرأى رجلاً من أهل التيم تيم الرباب عند قطام التميمية، و كان أميرالمؤمنين علیه السلام قتل أباها الأخضر و أخاها الأصبغ بالنهروان فشغف بها ابن ملجم و خطبها فأجابته بمهر... فقبل ابن ملجم ذلك قالت و يحك من يقدر على قتل علي و هو فارس الفرسان و مغالب الأقران و السباق إلى الطعان، و أما المالية فلابأس علي منها قال: أقبل...».
5- العُتلَ: الجاني الغليظ. في «المناقب» ج3 ص309: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: يا علي علیه السلام أشقى الأولين عاقر الناقة و أشقى الآخرين قاتلك».
6- في «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد ج13 ص200: «... و أما العبادة فكان أعبد الناس، و أكثرهم صلاة و صوماً، و منه تعلم الناس صلاة الليل، و ملازمة الأوراد و قيام النافلة و ما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده أن يبسط له نطيع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ، ورده و السهام تقع بين يديه و تمر على صماخيه يميناً و شمالاً فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته. وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده، و أنت إذا تأملت دعواته ومناجاته و وقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه و إجلاله وما يتضمنه من الخضوع لهيبته، و الخشوع لعزّته و الاستخذاء له عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص و فهمت من أي قلب خرجت، و على علیه السلام أي لسان جرت. و قيل لعلي بن الحسين علیه السلام و كان الغاية في العبادة: أين عبادتك من عبادة جدك قال: عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم».

قُلْتُ مُوسَى بِطُورِ سِينَا لَهُ اللَّهُ *** تَجَلَّى فَخَرَّ يَدْعُو نَجِيَّا

يَغْسِل الأرْضَ بِالدُّمُوع خُشُوعاً *** لَوْسَقَتْ مَيْتَ زَرْعِهَا قَامَ حَيًّا(1)

يُلْبِسُ اللَّيْلَ خِلعَةٌ مِنْ سَنَاهُ *** فَيُجِيلُ الظَّلامَ صُبْحاً مُضِيَّا

وَ المُرَادِي فِيْهِ يَخْتَلِسُ *** الخِيلَةَ إِذْ ذَاكَ بُكْرَةً وَ عَشِيا

خَضَّبَ الشَّيْبَ مِنْهُ في عِشْقٍ رود *** أَرْشَفَتْهُ رُضَابَهَا السُّكَرِيَّا(2)

فَغَشَى الخَطْبُ أَرْضَ كُوفَانَ حَتَّى *** زَلْزَلَ الحَيْرَةَ الأَسَى وَالغَرِيَّا

فَارَ تَنُّورُ نَوْحِهَا بِزَفِيْرٍ *** فَاضَ فِيهِ طَوْفَانُ نُوحٍ دَوِيّا

ص: 365


1- في «المناقب» ج2 ص103 ط مؤسسة انتشارات علامة -قم. «قال معاوية لضرار بن ضمرة صف لي علياً علیه السلام قال كان واللَّه صوّاماً بالنهار، قوّاماً بالليل، يحبّ من اللباس أخشنه و من الطعام ،أجشبه و كان يجلس فينا و يبتدىء إذا سكتنا، و يجيب إذا سألنا، يقسم بالسوية و يعدل في الرعية لا يخاف الضعيف من جوره و لايطمع القوي في ميله والله لقد رأيته ليلة من الليالي و قد أسدل الظلام سدوله، و غارت نجومه وهو يتململ في المحراب تململ السليم و يبكي بكاء الحزين، و لقد رأيته مسيلاً للدموع على خده قابضاً على لحيته يخاطب دنياه فيقول: يا دنيا أبي تشوقت ولي تعرضت؟ لاحان حينك، فقد أبنتك ثلاثاً، لارجعة لي فيك، فعيشك قصير و خطرك يسير آه من قلة الزاد و بعد السفر ووحشة الطريق».
2- رود: الإرادة المشيئة. رضابها الرضاب لعاب العسل. ذكر في كشف الغمة ج2 ص53 ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت. «... إني سمعت رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم الصادق المصدق يقول: إنك ستضرب ضربة ههنا و أشار إلى صدغيه فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك و يكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود...».

وَ لأَهْلِ السّماءِ قَامَ عَزَاءٌ *** وَ دَّعَرْشُ الإلهِ فِيهِ الهُوِيَّا

غِيلَ شَهْرُ الصَّيَام في خَيْرِ مَنْ صَامَ *** وَ صَلَّی بِهِ وَ نَاجَى مَلِیَّا(1)

فَخَلاً مِنْبَرٌ حَلاً فِيهِ بِالوَعْظِ *** وَ أَضْحَى بِالعُطْلِ يُكسَى حُليًّا

وَ نَعَاهُ المَيْمُونُ وَ الدَّرْعُ وَ السَّيْفُ *** وَلَدْنٌ بالبأسِ طَالَ الثُّريِّا

وَ اسْتَعدَّتْ لِلثُّكْلِ عَلْيَا قُصَيِّ *** مُذْ عَلاهَا قَدْ كانَ فِيهِ قَصِيّا

غَلَبَ الحزنَ غَالِباً حَيْثُ فِيهِ *** فَقَدَتْ حَبْلَها المتِينَ القَوِيَّا

جدعَتْ فِيهِ أَنْفَ فِهْرِ بِغَيِّ *** قَتَلَتْ هاشماً وَ أَحْبَتْ أُمَيَّا(2)

فَغَدَتْ تَلْطِمْ الوجُوهَ لُؤَيّ *** وَ لَوَتْ جِيدَهَا تَنِخُ بُكِیًّا

وَ أَنَا خَتْ عَلَى نِزَارِ شُجُونٌ *** لَفَعَتْ بِالدَّمُوع مِنْها المُحَيَّا(3)

يَا سَمَاءً مَا طَاوَلَتْهَا سَمَاءٌ *** كَيْفَ طَالَ الشَّقِيُّ مِنْكِ الثَّرَيَّا

عَجَباً كَيْفَ شُقَّ مِنْكَ جَبِيناً *** وَ لَكَ السَّيْفُ كَانَ خِلاً و فِيّا

كَيْفَ لَمْ تَنْكَفِي عَلَيْهِ سَمَا *** بَاسِكَ سُخطاً فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ شَيَّا

جَفْنُ كَعْبٍ قَدْ كَانَ يَبْخَلُ بالدِّمْعِ *** فَلَمّا فُقِدْتَ صَارَ سَخِيًّا

كَادَتِ الأَرْضُ أَنْ تَميدَ بِمَنْ فِيها *** وَ تُطْوَى السَّمَا لِرُزُئِكَ طَیًا

يَابْنَ شَيْخ البَطْحَا وَمَنْ كَانْ فينا *** الفَارِسَ الشَّهْمَ وَ الفَتَى العَبْقَرِيَّا

كُنتَ بَاباً إلى مَدِينَةٍ عِلمٍ *** المُصْطَفَى وَ المُهَذبَ المَوْذَعِيّا(4)

ص: 366


1- غيل: أُخِذ غدراً.
2- جدعت: قطعت.
3- لفعت: غَطّت أو دثّرت.
4- اللوذعيا: الذكي الفطن. وورد في أمالي الطوسي ص308: «عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم آخذاً بيد علي بن أبي طالب علیه السلام و هو يقول: هذا أمير البررة و قاتل الفجرة منصور من نصره، مخذول من خذله، ثم رفع بها صوته: أنا مدينة الحكمة و علي علیه السلام بابها فمن أراد الحكمة فليأت الباب. انظر بحار الأنوار ج4 ص401.

وَ بِكَ اللَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ آدَمَ *** و اخْتَارَهُ إِلَيْهِ صَفِيّا

وَ عَلَا فِيكَ شَانُ ادْرِيسَ حَتَّى *** نَالَ مِنْ رَبِّهِ مَكَانَاً عَلِيًّا

وَ ابْنُ مَتَى لَوْلاَكَ بَاتَ بِبَطْنِ *** الحوتِ لِلْحَشْرِ دَائِماً سَرْمَدِيَّا(1)

وَ خَلِيلُ الرَّحْمَن لَوْلاكَ مَا *** كَانَتْ عَلَيْهِ النيرانُ بَرْداً دَفِيّا

وَ لِيَعْقوب يُوْسُفَ حُزْتُهُ وَفْقَ *** بُكَا أَحْمَدٍ عَلَى ابْنِكَ حَيّا

وَ بِيَحْيَى جِبْرِيلُ بَشْرَ قُدْماً *** حَيْثُ وَ الاَكَ شَيْخُهُ زَكَرِيَّا

وَ بِكَ الرّوحُ بِكْرُ مَرْيَمَ يَدْعُو *** فَإِذَا الطَّينُ صَارَ خَلقاً سَويّا

طِبْتَ في السّاجِدِينَ حَلْياً وَ رَحْماً *** فَعَلَيْكَ السّلامُ مَيْتاً وَ حَيَّا

كَيْفَ تُرْوَى مِنَ الخِلافَةِ يَا مَنْ *** كَانَ لِلْمُصْطَفَى أَخَاً وَ وَصِيَّا

فِيكَ قَدْ شُدَّ أَزْرُ أَحْمَدَ حَتَّى *** شِدْتَ مِنْ دِينِهِ بِنَاءٌ عَلِيًّا

وَ عَجِيباً تُقَادُ يَا قَائِدَ الغُرِّ *** بِحَبْلٍ وَ كُنتَ لَيْئاً جَرِيَّا

مَا خَلاَ مِنْكَ مِنْبَرُ الحَرْبِ يَوْماً *** وَ أَرَى مِنْبَرُ النَّبِيِّ خَلِيَّا

أَدَرَوْا في عُدُو لَهُمْ عَنْكَ أنْ قَدْ *** قَلدُوا عَهْدَ أَحْمَدَ السَّامِرِيَّا

بِكَ بَاهَى الإلهُ في الحُجْبِ أَمْلاَ *** كاً وَ سَماك في السِّماءِ إليَّا

لَكَ عِلْمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ *** وَ مَزَايَا تَفُوقُ بِالنُدْرِيَّا

وَ مَعَانٍ تَجِلُّ في الحُسْنِ مِنْ أنْ *** يُدْرِكَ العَقْلُ كُنْهَها المَعْنَويَّا

أيْنَ يَا نَدْبُ رَاحَ عَنْكَ إِيَاءٌ *** فِيكَ قَدْ شَخَصَ الإِبَا الهَا شِمِيَّا

حين بالنّارِ حِيطَ مَنْزِلُكَ السَّامِي *** وَ لَاحِطْتَ بِالْعَذَابِ عَدِيَّا

وَلَدى البَابِ فَاطِماً أَسْقَطُوهَا *** مُحْسِناً فَاشْتَكَتْ وَ نَادَتْ إِليَّا

يَابْنَ عَمِّي يَا كَاشِفَ الكَرْبِ *** أَدْرِكْنِي وَ أَظْهِرْ مِنَ العَجَائِبِ شَيَّا

لَمْ تُغِتْهَا مِمَّا دَهَاهَا بِهِ قُنْفُذُ *** اذْكُنْتَ أنْتَ ذَاكَ الأبِيَّا(2)

ص: 367


1- سرمديا: دائماً.
2- رياض المدح و الرثاء ص307.

(7) لاتنس بضعة أحمد

(مجزوء الكامل)

الشيخ سلمان المحسني الفلاحى(*)(1)

اللَّهُ ما فَعَلَتْ أُمَيَّهْ *** بِبَنِي المُطَهَّرَةِ الزَّكِيَّهْ(2)

لَمْ يَرْحَمُوا يُتْمَ اليَتيمِ *** وَ لَمْ يَرِقُوا لِلصَّبِيَّهْ

ص: 368


1- (*)هو الشيخ سلمان ابن الشيخ محمد ابن الشيخ حسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد المحسني الفلاحي. ولد في الفلاحية من بلاد خوزستان ليلة العاشر من المحرم سنة (1281 ه-) و فيها نشأ و تربى تحت رعاية والده الحجة الشيخ محمد المحسني الذي كان من العلماء في الفلاحية. درس المترجم له في الفلاحية على أعلامها المقدمات للعلوم الحوزوية مثل شرح اللمعة الدمشقية في الفقه ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته فحضر فيها على عدد من العلماء المحققين و الفقهاء المجتهدين منهم العلامة الحجة الشيخ محمد طه نجف الذي كان أكثر حضوره عليه حتى أصبح ممن يشار إليه بالفضل و العلم و المعرفة في الحوزة العلمية في النجف و له الإجازة بالرواية من قبل العلامة الشيخ محمد حرز الدين صاحب كتاب (معارف الرجال). و الشيء الذي يذكر عن المترجم له أنه ملك مكتبة كبيرة جامعة فيها الشيء الكثير من الكتب المخطوطة الجليلة، و لم يبق اليوم من هذه الكتب إلا الشيء اليسير عند بعض أرحامه في الفلاحية، و مما يذكر عنه أنه كانت تأتي إليه الأموال فيصرفها على الفقراء و المساكين و كان مأواه و مقره بيتاً من قصب لم يبن له داراً حتى من الطين زهداً في هذه الدنيا. و هو فقيه و مجتهد و أديب و شاعر. وافاه الأجل في الفلاحية في 15 جمادى الأول سنة (1341 ه-) فعطلت لوفاته الأسواق و شيّع بحفاوة و تبجيل و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن بوادي السلام.
2- في كتاب البحار ج43 ص16-19: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً.

يا لَلْحَمِيَّةِ لِلنَّبِيْ *** وَآلِهِ يالَلْحَمِيَّهْ

راحَتْ حرائِرُهُمْ *** سَبايا لِلدَّعِيِّ ابْنِ الدَّعِيَّهْ

وَ جُسُومُهُمْ صَرْعى *** تُناهِبُها السُّيوفُ المَشْرَفِيّهْ(1)

ما بالُ أَرْؤُسِهَا تُدارُ *** عَلَى القَنا بَيْنَ البَرِيّهْ

ماتت عُطاشى لأحشاً *** بَرَدَتْ و لاكَبْدٌ نَدِيَّهْ

يا غُلَّةَ القَلْبِ الضَّرُومِ *** وَ حَرَّةَ النَّفْسِ الشَّجيّهْ(2)

باللَّهِ أُقْسِمُ وَالنَّبِيِّ *** وَ لَيْسَ بَعْ وَلَيْسَ بَعْدَهُمُ اليَّهْ

ما شاعَ في الأرض الفسادُ *** و أَظْهَرَ المَغْويُّ غَیَّهْ

إلا الألَى قَصَدُوا الوَصِيَّ *** وَ نَازَعُوهُ في الوَصِيَّهْ

لاتَنْسَ بَضْعَةَ أَحْمَدٍ *** وَ اذْكُرْ مُصِيبَتَها الجَلِيَّهْ(3)

إِذْ أَقْبَلَتْ تَمْشِي *** تَحُفُّ بها نِسَاءٌ هَاشِمِيَّهْ

اللَّهُ بْنَ الله يا بن أبي قحافَةَ *** كَمْ حَمَلْتَ لنا الأذيهْ

يَوْمَ السَّقِيفَةِ مَاخَلَقْتَ *** عَلَى الوَرى إلا بَليّهْ

ما كانَ أذهى مِنْكَ يَوْمَ *** مُحَرَّم في الغاضريهْ

كمْ لَيْلَةٌ باتَتْ وَ لَيْسَ سِوي *** الحَنِینِ لَهَا عَشِيَّهْ

(حتى إِذا ماتتْ وَ مَا *** ماتَتْ مكارِمُها السَّنِيَّة)

(ماتَتْ وَ بَيْنَ ضُلوعِها *** آثارُ ضَرْبِ الأَصْبَحِيَّهْ)(4)

ص: 369


1- السيوف المشرفية: السيوف المنسوبة إلى مشارف الشام و هي قرية من أرض العرب تدنو من الريف.
2- غُلّة: شدّة العطش، الضروم: كثير الاشتعال.
3- في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم ج2 ص40 قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فإنما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها.
4- الأصبحية: الخيل الأصبحية هي التي بين عينيها صبحة أي شعر أسود يشوبه بياض و جاء في كتاب سليم بن قيس ص40. و كان قنفذ لعنه اللَّه حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه وبينهم- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت صلى الله عليها من ذلك شهيدة.

(اللَّهُ ما قاسَتْ بِهِ *** كَبِدُ البَتُولِةِ مِنْ سُمَيَّهْ)(1)

ص: 370


1- معجم شعراء الحسين (مخطوط) و الأبيات الثلاثة الأخيرة مقتبسة من قصيدة أخرى. راجع كتاب أعلام هجر ج1 لهاشم محمد الشخص ص359.

(7) فاطمة علیها السلام في الدار

(بحر البسيط)

الأستاذ عادل الكاظمي(*)(1)

وَقَوْلَةٍ لِ- (عَليَّ) قالَها (عُمَرُ) *** ما نَحْنُ فيه بقايا مِنْ مَآسيها(2)

(حَرَقْتُ دارَكَ لا أَبْقي عَلَيْكَ بِها *** إِنْ لَمْ تُبايِعُ وَ بِنْتُ المُصطفى فيها)

يَوْماً أَتى دارَ وَحْيِ اللَّهِ مُنْتَفِضاً *** بِالنَّارِ يُوعِدُها حَرْقاً يُمَحْيها

قالوا لَهُ: (فاطم) في الدّارِ قال: (وَإِنْ) *** بِغِلْظَةٍ أَعْجَزَتْ حَتَّى مُداريها(3)

فَقَوْلَةٌ أَفْصَحَتْ عَنْ دِينِ صاحِبِها *** هَلْ كَانَ بِالحَقِّ أَمْ بِالظُّلْم مُلْقيها؟

وَ قُلْ لِمَنْ عَدَّ هذا القَوْلَ مَكْرُمَةً *** لِلْمَكْرُماتِ بِسَهُم الإِفْكِ تَرْميها(4)

سائِلْ (أباحَفْصَ) هَلْ كَانَتْ مَقولَتُهُ *** وَفْقَ الشَّرِيعَةِ؟ أَمْ حُكْماً تُنا فيها؟

أفي الكِتاب؟ وَذا القُرْآنُ شاهِدَةٌ *** آيَاتُهُ أَنَّهَا لِلْكُفْرِ تُنْميها

أمْ سُنَّةُ المَصْطَفَى جاءَتْ بِها وَ لَهُ *** عِلْمٌ بِأَسْرارِها فَانْصاعَ يُحْيِيها

ص: 371


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الأبيات تشير إلى أن ما حل ببضعة الرسول صلي الله علیه و آله و سلم، و ما لاقت من محن كانت السبب المباشر في سلب حياتها كما سلبت حقوقها والتي من أجلها قامت قيامة عمر فدعا ببعض حرس الحكومة الجديدة والذين يستمدون غلظتهم من غلظة سيدهم التي لطغيانها أصبحت المعلم البارز من معالم خلقه وسيرته الذاتية و جاء هذا الجمع و على رأسهم عمر يحملون الحطب ليحرقوا بيت فاطمة علیها السلام على من فيه حتى أن الناس المتجمهرين ضجّوا لهذا الأسلوب فقالوا له : إن في البيت فاطمة علیها السلام قال: وإن.
3- انظر الإمامة والسياسة 13/1، العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي259/4-260، طبعة لجنة النشر و التأليف بمصر.
4- الإفك: الكذب.

إِنَّ الَّذي يَهْتِكُ (الزَّهْراءَ) حُرْمَتَها *** ما كانَ يَوْماً لأي الذِّكْرِ تاليها

أَلَيْسَ قَوْلُ رَسولِ اللَّهِ: فاطِمَةٌ *** بَقيَّتي فيكُمُ بِالفَضْلِ يُضفيها؟

وَ (فاطِمٌ) بَضْعَةٌ مِنّي فَيُؤْلِمُني *** ما كانَ يُؤْلِمُها يا بِئْسَ مُؤْذِيها(1)

يا لَهْفَ (فاطِمَ) خَلْفَ البابِ إِذْ وَقَفَتْ *** تَدْعو أَباها عَسَى يَأْتِي فَيَحْمِيها

لَمْ يَبْلُ جِسْمُكَ وَالأحْكامُ قَدْ بُلِيَتْ *** وَ السّامِرِي بِحُكم الجَوْرِ ماحِيها

(قَدْ كانَ بَعْدَكَ أَنْباءُ وَ هَنْبَئَةٌ *** لَوْ كُنْتَ شَاهِدَها) هانَتْ دَواهيها(2)

قتْلُ الجَنينِ وَ كَسْرُ الضّلعِ أَعْظَمُها؟ *** أَمْ غَصْبُ حَقّي وَ أَهوالٌ الاقيها؟

يا بابَ (فاطِمَ) ما لاقيْتَ مِنْ مِحَنٍ *** تُشْجِي الكرامَ وَ ما زالَتْ تُقاسِيها(3)

ص: 372


1- انظر صحيح البخاري 302/2 باب المناقب.
2- هنبثة: أمر شديد أو اختلاط في القول -دواهيها: الدواهي جمع الداهية و هي المصيبة أو الأمر العظيم أو الأمر المنكر.
3- أخذت هذه الأبيات من قصيدة قالها في الإمام أميرالمؤمنين علیه السلام و هي من ألف و دوّنها في كتاب سماه ألف بيت في وليد الكعبة).

(8) كفاني أسى

(بحر الطويل)

السيد عباس المدرسي(*)(1)

كَفَّائِي أَسْى لاتُوقِظَنَّ جِرَاحِيَا *** وَدَعْ وَجْدَ قَلْبِي فِي مَطاوِيهِ ثَاوِيَا(2)

أرَى الْحَقِّ يَهْدِي إِنْ مَلَكْتَ بَصِيرَةً *** وَ لَيْسَ لأَعْمَى الفِكْرِ وَ القَلْبِ هَادِيَا

هُوَ العَقْلُ يَهْدِي مَنْ يَرُومُ هِدَايَةً *** وَ مَنْ رَامَ مَهْوَاةَ الضَّلَالِ المَهَاوِيَا(3)

إِذَا أَنْتَ أَنْكَرْتَ الصَّبَاحَ وَضَوْءَهُ *** فَحَظُكَ قَدْ أَنْكَرْتَ لاالصُّبْحَ صَاحِيَا

فَلاَالشَّمْسُ يَخْبُو نُورُهَا لِمُعَانِدٍ *** وَ لَااللَّيْلُ يَهْدِي لِلطَّرِيقَةِ سَارِيا(4)

وَ مَا النَّجْمُ فِي جوّ السَّمَاءِ يُضِيرُهَا *** عَلَى الأَرْضِ أَعْمَى يُنْكِرُ النَّجْمَ ضَاوِيَا

بَصَائِرُ فَافْتَحْ فِي الضَّمِيرِ شُعَاعَهَا *** تَرَى الدَّهْرَ دَوَّاراً عَلَى الغَدْرِ طَاوِيَا

عَلَى خَاطِرِي ذِكْرَىٰ وَفِي الْقَلْبِ لَوْعَةٌ *** يُصَعْدُ مِنْ جَمْرِ المَصَائِبِ آهيا

دَعِ العَيْنَ تَسْقِي الْجُرْحَ فَالْقَلْبُ لاَهِبٌ *** ضَرَاماً وَدَعْ فِي النَّائِبَاتِ سُؤَالِيَا(5)

غَدَاةَ بِدَارِ الوَحْيِ أَلْقَتْ رِحَالَهَا *** فَوَافِلُ حُزْنٍ مُنْقَلَاتٌ مَآسِیَا

وَسَلْ قِصَّةَ الغَدْرِ القَدِيمِ سَقِيفَةً *** فَثَمَّةَ عَادتْ دَوْرَةُ الشِّرْكِ ثَانِيا(6)

ص: 373


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- ثاوياً: مقيماً.
3- رام: قصد -مهوى: مسقط.
4- يخبو: يخمد و يطفأ.
5- النائبات: النوازل المصائب، الحوادث.
6- وردت الكثير من الروايات عن السقيفة و ما جرى فيها فلا نعيد.

وَسَلْ عَنْ أَرَاكَ هَاطِلاَتٍ دُمُوعِهَا *** وَ عَنْ قَدَكِ سَلْ قَهْرَهَا وَ الخَوَافِيَا(1)

وَ عَنْ بَيْتِ أَحْزَانِ المَدِينَةِ حُزْنَهَا *** وَ دَمْعِ جَرَى فِيهَا وَ لَازَالَ جَارِيَا(2)

وَ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ مُرَّ أَنِينِهَا *** وَ عَنْ طُولِ شَكْوَاهَا المَرِيرِ اللَّيَالِيَا(3)

وَ عَرِّجُ عَلَى بَيْتِ الْبَتُولَةِ فَاطِمٍ *** فَإِنَّ أَنِينَ الدَّارِ يَكْفِيكَ هَادِيَا

تَئِنُّ وَ قَدْ هَدَّ الفِرَاقُ قَرَارَهَا *** وَ ذَوَّبَهَا جِلْداً عَلَى العَظم ذَاوِيَا(4)

إِلْهِيَ ! قَدْ هَدَّ الأَسَى قَلْبَ فَاطِمٍ *** وَ لَمْ يُبْقِ إِلا الوَجْدَ وَ الحُزْنَ وَارِيَا

ص: 374


1- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص633 ح26. «قال الإمام الصادق علیه السلام للمفضل بن عمر لمّا بويع أبوبكر أشار عليه عمر أ« یمنع علیاً علیه السلام و أهل بيته علیهم السلام الخمس والفيء وفدكاً فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوه و أقبلوا إليك رغبة في الدنيا فصرفهم أبوبكر عن جميع ما هو لهم...».
2- في «بحار الأنوار» ج43 ص177 ضمن ح15: «... فقالت: يا أباالحسن علیه السلام ما أقل مكثي بينهم، و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالله لاأسكت ليلاً و لانهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال لها علي علیه السلام: افعلي يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ما بدا لك. ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان و كانت إذا أصبحت قدَّمت الحسن و الحسين علیهما السلام أمامها و خرجت إلى البقيع باكية فلاتزال بين القبور باكية فإذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين علیه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها...».
3- في «بحار الأنوار» ج43 ص175 ضمن ح15. «والأبيات التي تلته». «...ثم أقبلت تعثر في أذيالها و هي لاتبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى الله عليه و آله و سلم فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المئذنة فقصرت خطاها ودام نحيبها و بكاها إلى أن أغمي عليها... فلما أفاقت من غشيتها قامت و هي تقول: رفعت قوَّتي و خانني جلدي و شمت بي عدوي و الكمد قاتلي، يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم بقيت والهة وحيدة وحيرانة فريدة فقد انخمد صوتي، و انقطع ظهري، و تنغص عيشي، و تكدر دهري، فما أجد يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم بعدك أنيساً لوحشتي و لارادّاً لدمعتي و لامعيناً لضعفي فقد فُني بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرئيل و محل ميكائيل انقلبت بعدك يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم الأسباب، و تغلقت دوني الأبواب. يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم انقطعت بك الدنيا، بأنوارها و زوت زهرتها، و كانت ببهجتك زاهرة فقد اسود نهارها فصار يحكي حنادسها رطبها و يابسها، يا أبتاه لازلت آسفة عليك إلى التلاقِ... رُميتُ يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم بالخطب الجليل و لم تكن الرزية بالقليل و طرقت يا أبتاه صلى الله عليه و آله و سلم بالمصاب العظيم...».
4- ذاوياً: ذابلاً و قد نشف ماؤه.

فَوَا وَحْشَةَ الأَيَّامِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ! *** وَوَا ذِلَّةَ الأَيَّامِ مِمَّا دَهَانِيَا

رَمَتْنِي مُصِيبَاتُ الزَّمَانِ لَوْ أَنَّهَا *** رَمَتْ وَضَحَ الأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا(1)

إلهِي وَ قَدْ عِفْتُ الحَيَاةَ وَ أَهْلَهَا *** فَعَجُلْ وَ قَاتِي لاأُرِيدُ حَياتِيَا

وَ مَا طَالَ مِنْ بَعْدِ الحَبِيبِ فِرَاقُهَا *** وَ سُرْعَانَ مَا كَانَ الفِرَاقُ تَلاَقِيَا

عَلَى الجَمْرِ أَتْلُو ذِكْرَيَاتِ بَلَائِهَا *** تَمُرُّ عَلَى قَلْبِي فَأَنْسَى بَلائِيَا

غَداةَ عَلَى دَارِ البَتُولةِ جَمَّعَا *** جُمُوعاً مِنَ الغَوْغَاءِ ضَلَّتْ مَرَامِيَا(2)

عَلَىٰ بَابِ دَارٍ كَانَ لِلْوَحْيِ وَالهُدَى *** مَنَاراً وَ مِيعَاداً وَ لِلدين رَاعيَا

فَجَاءَتْ وَقَدْ مَضَّ المُصَابُ فُؤَادَهَا *** تُنَادِي بِهِ مَا لِلْعَتِيقِ وَ مَالِيَا(3)

وَ يَا وَيْلَكُمْ فِي الدَّارِ أَحْفَادُ أَحْمَدٍ *** أَبِالنَّارِ جِئْتُمْ تُحْرِقُونَ صِغَارِيَا(4)

أَبَوْا وَأصَرُّوا فِي العِنَادِ وَأَضْرَمُوا *** عَلَى البَابِ أَحْطَابَ الصَّغَائِنِ ضَارِيَا

فَدَارَتْ إِلَى جَنبِ الجِدارِ وَلَمْ يَكُنْ *** سِوَى البَابِ يَحْمِيهَا الهُجُومَ المُعَادِيَا

ص: 375


1- في كتاب «مقتل الحسين علیه السلام» للخوارزمي ج1 ص80 ط/ مكتبة المفيد -قم . «... و لما دفن رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم رجعت فاطمة علیها السلام إلى بيتها و اجتمع إليها نساؤها فقالت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون انقطع عنّا واللّه خير السماء... و وقفت على قبره فقالت: ما ضرَ من قد شمَّ تربة أحمد *** أن لايشم مدى الزمان غواليا صبت عليّ مصائب لو أنها *** صبت على الأيام صِرْنَ لياليا انظر: «إحقاق الحق» ج10 ص431.
2- الغوغاء: الكثير المختلط من الناس، السفلة من الناس و المتسرعين إلى الشر. و جاء في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص571 ح24 نقلاً عن كتاب علم اليقين في «أصول الدين»: «... ثم إنّ عمر جمع جماعة من الطلقاء و المنافقين و أتى بهم إلى منزل أميرالمؤمنين علیه السلام فوافوا بابه...».
3- مضَّ: آلم و أوجع.
4- في «العقد الفريد» لابن عبد ربه ج4 ص260/ ط دار الكتاب العربي -بيروت (1983م). «... فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...». انظر: بحار الأنوار ج28 ص339 ضمن ح59.

وَ لَجُوا بِهِ دَهْساً وَ قَدْ هَدَّهُ اللَّظى *** وَرُدَّ عَلَى أَضْلاعِهَا البَابُ دَاوِيَا

فَوَيْلِي لِبنْتِ المُصْطَفَى حِينَ حُوصِرَتْ *** تُنَادِي أَبَاهَا وَ الوَصِيَّ المُحَامِيَا

أَكَانَ عَلَى مَرْأَى الإِمَام وَ مَسْمَعِ *** غَدَاةَ أَصَابُوا ضِلْعَهَا؟ لَسْتُ دَارِيَا؟

سَلِ البَابَ وَ المِسْمَارَ ثَمَّةً مَا جَرَى *** تَفَاصِيلُ آلام البتولةِ وَافِيَا(1)

هَوَتْ وَ هَوَى وَرْدٌ تَكَسَّرَ غُصْنُهُ *** عَزِيزاً عَلَى بَيْتِ النُّبُوَّةِ غَالِيَا

وَدَارُوا عَلَى لَيْثِ العَرِينِ بِدَارِهِ *** وَ بِالحَبْلِ قَادُوا سَيْدَ القَوْمِ نَاثِيَا

يَصِيحُ أَلا وَاجَعْفَرَاهُ وَلاَ أَخٌ *** وَ يَدْعُو أَلاَ وَاحَمْزَتَاهُ مُحَامِيَا

وَ تَسْأَلُنِي عَنْ فَاطِمِ وَمُصَابِهَا *** تَفَاصِيلِ مَاسَاةٍ تَوَالَتْ مَآسِيَا

فَسَلْ لَيْلَةٌ تُخْفِي الجُرُوحَ بِمَتْنِهَا *** وَ نَعْشاً عَلَى كَفَّ الأَحِبَّةِ عَالِيَا

وَسَلَّ عَنْ يَتَامَىٰ فَاطِمٍ عُمْرَ فَاطِمٍ *** وَ عَنْ حَسَنٍ سَلْ وَالحُسَيْنِ المَرَاثِيَا

وَ عَنْ قَاهِرِ الأَحْزَابِ فَائِحِ خَيْبَرٍ *** إِذِ انْهَدَّ وَهُوَ الشَّامِحُ الطَّوْدِ باكيَا

يَقُولُ أَيَا مَاضُونَ بِالنَّعْشِ مُهْلَةً *** فَمَا بَعْدَ هَذَا اليَوْمِ أَرْجُو تَلاَقِيَا

دَعُوهَا يُوَدِّعْهَا اليَتَامَى فَإِنَّهَا *** مَضَتْ لَمْ تُوَدِّعْ -حِينَ غَابَتْ- صِغَارِيَا

وَ يَا نَعْشُ رِفقاً بالعَزِيزَةِ إِنَّهَا *** مُجَرَّحَةٌ لاتُخْدِسُ الجُرحَ ثَانِيَا

ألا آخرَ اللَّهُ الوَصِيَّ .. وَكَفَّهُ *** تَدُرُّ إِلَى عُمقِ التُّرَابِ الأَمَانِيا

رَنَا نَحْوَ قَبْرِ المُصْطَفَى وَ دُمُوعُهُ *** تُشاطِرُهُ أَحْزَانَهُ وَ التَّعَازِيا(2)

ص: 376


1- جاء في «مؤتمر علماء بغداد» ص37 ط الأولى دار المودة بيروت (1993م): «... و نبت مسمار الباب في صدرها و صاحت فاطمة علیها السلام: أبتاه يا رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم أنظر ماذا لقينا بعدك...».
2- ورد في كتاب التهذيب 469/1. «عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أول نعش أحدث في الإسلام نعش فاطمة علیها السلام، إنها اشتكت شكوتها التي قبضت فيها و قالت لأسماء: إني نحلت و ذهب لحمي ألاتجعلين لي شيئاً يسترني؟ قالت أسماء: إني إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك؟ فإن أعجبك أصنع لك، قالت: نعم، فدعت بسرير فأكبته لوجهه ثم دعت بجرائد فشددته على قوائمه ثم جللته ثوباً، فقالت: هكذا رأيتهم يصنعون. فقالت: اصنعي لي مثله استريني سترك اللَّه من النار». انظر «بحار الأنوار» ج3 ص212، 213 ح43.

وَدِيعَتُكَ الزَّهْرَاءُ عَادَتْ كَمَا تَرَىٰ *** وَلَكِنَّهَا عَادَتْ وَ لَيْسَتْ كَمَا هِيَا(1)

مُكَسَّرَةَ الأَضلاع مَقْهُورَةَ الهَوَى *** مُفَرَّحَةَ الأَجْفَانِ حُمْراً مَافِيَا

فَسَلْ كَعْبَةَ الأَسْرَارِ حَالِي وَ حَالَهَا *** وَ سَلْ قِبْلَةَ الأَحْزَانِ حُزْنِي وَافِيَا

فَكَمْ مِنْ غَلِيلِ لاَيَزَالُ بِصَدْرِهَا *** مُقِيماً، وَ مَا بَثْتُ إِلَيَّ الشَّكَاويا

سَتَعْرِفُ عَنْ مُسْوَدَّةِ المَتْنِ مَا بِهَا *** وَ تَعْلَمُ عَنْ مُحْمَرَةِ العَيْنِ مَابِيَا

وَدِيعَةُ كَنْزِ العَرْشِ عَادَتْ لِدَارِهَا *** وَ فَرَّتْ وَلكِنْ سَلَّبَتْنِي قَرَارِيَا

عَلَى زَفَرَاتِ الحُزْنِ نَفْسِي حَبِيسَةٌ *** فَيَا لَيْتَهَا قَدْ رَافَقَتْ زَفَرَاتِيَا(2)

ص: 377


1- (والبيت الذي يليه) في «الأصول من الكافي» للكليني ج1 ص458 ح3 ط4 /دار صعب دار التعارف -بيروت: «عن أبي عبداللَّه الحسين علیه السلام قال: لما قبضت فاطمة علیها السلام دفنها أميرالمؤمنين علیه السلام سراً و عفى على موضع قبرها ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم قال: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عنّي والسلام عليك و على ابنتك و زائرتك و البائنة في الثرى ببقعتك، و المختار الله لها سرعة اللحاق بك قل يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عن صفيتك صبري و عفا عن سيدة نساء العالمين تجلّدي إلا أن في التأسي لي بسنتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسّدتك في ملحودة ،قبرك، و فاضت نفسك بين نحري و صدري بلى و في كتاب اللَّه لي أنعم القبول: إنا لله وإنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة و أخذت الرهينة، و اختلست الزهراء علیها السلام، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أمّا حزني فسرمد، و أما ليلي فمسهد و هم لايبرح من قلبي أو يختار اللَّه لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد، مقيّح و هم مهج سرعان ما فرّق بيننا وإلى الله أشكو. و ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال و استخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بله سبيلاً و ستقول: و يحكم الله و هو خير الحاكمين... فبعين الله تدفن ابنتك سراً وتهضم حقها ويمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر وإلى الله يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم المشتكى وفيك يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أحسن العزاء صلى الله عليك وعليها السلام و الرضوان...». انظر «بحار الأنوار» ج43 ص193 ح21/ ج43 ص211 ضمن ح40: و «المناقب» ج3 ص364، و «كشف الغمة» ج2 ص130.
2- كلمة الزهراء علیها السلام ص122.

(9) بنت المصطفى صلي اللّه علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الأستاذ عبد المسيح الأنطاكي(*)(1)

عرج عَلَى طَيْبَةٍ وَ انْزِلْ مَغَانِيهَا *** وَسَائِلِ النَّاسَ شاكيها وَ بَاليها(2)

لعلَّ يَلْقاكَ فيها مَنْ يُجِيبُكَ عَنْ *** تلكَ الشُّجونِ الّتي عَمَّتْ أَهاليها

الأ تَرى النَّاسَ في خافِي مَنازِلِها *** إلفَ الهُمومِ بها تُقضِي لِبارِيها

وَكُلٌّ خِلْ يُسِرُّ الكَرْبَ يُنْفِسُهُ *** لِصَحْبِهِ وَ بِهِ هَمْساً يُناجِيها

أَسِحْ لَعَلَّكَ تَدْرِي مَا يُضَعْضِعُ سُكِّانَ *** المَدِينَةِ مَكِّيها وَ طَيِبِيها(3)

أَوْ عَلَّ صَفْوَةَ هاتِيكَ الوُجُوهِ بها *** تُغني عَنِ القَوْلِ أَنْ تُبْدِيهِ مَنْ فيها

ص: 378


1- (*) هو عبدالمسيح بن فتح الله الأنطاكي الحلبي. ولد في حلب سنة (1291ه-) و نشأ بها نشأة ثقافية علمية، و هو يُعد من الأدباء و الكتاب و الشعراء و الصحفيين المشهورين و ينقل أنه من أصل يوناني هاجر أحد أجداده إلى أنطاكية و استوطنها، و منها جاءهم هذا اللقب الأنطاكي، و بعدها انتقلت عائلته إلى مدينة حلب و أقامت فيها. قام المترجَم له بأعمال ثقافية و أنشطة واسعة حيث أسس مجلة الشذور، و جريدة الشهباء ثم حولها إلى اسم العمران. أقام الأستاذ الأنطاكي بمصر و رحل إلى عدن و الكويت و ترك آثاراً علمية منها: 1- رحلة الرياض المزهرة بين الكويت والمحمرة. 2- نيل الأماني في الدستور العثماني. 3- القصيدة العلوية. 4- الدر الحسان في منظومات و مدائح الشيخ خزعل خان. و افته المنية في سنة (1341ه-).
2- مغانيها: منازلها.
3- أسخ أساح أي جال في البلاد للتنزه أو التفرّج أو غير ذلك. يضعضع: يُخْضِع و يُذِلُّ.

نَعَمْ لَقَدْ جَزَعَتْ مِنْ مِحْنَةٍ دَهَمَتْ *** بِإِثرِ أُخْرى فأَنْسَتْها تُهنيها(1)

في أَمْسِها رُزِنَتْ رُزْعاً بهادِيها *** وَ اليَوْمَ ابْنَتَهُ الأَقْدَارُ تَنْعِيها

وها لَها أَنَّ بِنْتَ المُصْطَفَى ذَهَبتُ *** غَضبى إليه فَتَشْكُو وَ هُوَ مُشْكِيها

وَمَنْ بِحَقِّكَ لايُعْنى بِفَاطِمَةٍ *** وَ مَنْ بِكُلِّ عزيز لَيْسَ يَفْدِيها؟

وَ كَيْفَ قَدْ أَصْبَحَتْ مِنْ بعدِ ما عَلِمَتْ *** بأَنَّ لِلْمَوْتِ كَانَ الحُزْنُ حَادِيها؟

وَ إنّها لَقَضَتْ عَنْ لَوْعَةٍ وأسى *** قَدْ أَوْهَياها فما أجدى تَداوِيها(2)

وَ إِنَّهَا احْتَرقَتْ في نَارِ زَفْرَتِها *** وَ لَمْ يَكُنْ دَمعُها الهامي مُطفّيها

وَ إِنْها غَرقَتْ في سَيْلِ أَدْمُعِها *** وَ مَا الزَّفيرُ مِنَ التَّغْرِيقِ مُنْجِيها

وَ إِنّها قَدْ غَدَتْ في قُرْب والِدِها *** تَأْوِي الجنانَ التي الأَبْرارُ تَأْويها

أَجَلْ فَبِنْتُ رَسولِ اللَّهِ ما صَبَرتْ *** عَلى اللّيالي الّتي أَدْجَتْ دَياجيها

وَ مَا اسْتَطَاعَ عَلِيٌّ مَعْ بَلاغَتِهِ *** بِسَرْدِ آي التَأَسِّي أَنْ يُؤَسِّيها

وَ لَمْ تَزل كارِثَاتُ الدَّهْرِ تُنْحِلُها *** وَ لِلْمَنِيَّةِ بِالإسْراعِ تَمْشِيها

حتّى قَضَى اللَّه أنْ تَقْضِي بِكُرْبَتِها *** حَزينَةَ النَّفْسِ كانَ اليَأْسُ غاشِيها

بِذمّةِ اللَّهِ ذاتُ الطُّهْرِ فَاطِمَةٌ *** وَ اللَّهُ في رَحَباتِ الخُلْدِ مُثْوِيها(3)

ص: 379


1- جزعت: أظهرت الحزن و الكدر. دهمت: غشيت.
2- أوهياها: أضعفاها.
3- في كتاب البحار ج43 ص19: إنما سميت فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي الله علیه و آله و سلم الطاهرة لطهارتها من كل دنس و طهارتها من كل رفث و ما رأت قط يوماً حمرة و لانفاساً. و لفاطمة علیها السلام عنداللَّه تسعة أسماء: عن يونس بن ظبيان قال: قال أبوعبداللّه الصادق علیه السلام: الفاطمة علیها السلام تسعة أسماء عنداللَّه «عز وجل»: فاطمة علیها السلام... و الصدّيقة... و المباركة... و الطاهرة... و الزكية... و الراضية... و المرضيّة... و المحدثة... و الزهراء... ثم قال علیه السلام: أتدري أي شيء تفسير فاطمة علیها السلام؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر... قال: ثم قال: لولا أن أميرالمؤمنين علیه السلام تزوّجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه... هكذا شقّ اسمها... «قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم الفاطمة علیها السلام: شقّ اللّه لك يا فاطمة علیها السلام اسماً من أسمائه فهو الفاطر و أنت فاطمة علیه السلام» البحار/ ج43 ص10. على أن أسماء النبي صلي الله علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام كلها مشتقة من أسماء الله و قد أشار إلى ذلك حسان بن ثابت بقصيدته التي يقول في مطلعها: نبي أتانا بعد يأس و فترة *** من الدين والأوثان في الأرض نعبد إلى أن يقول: و شقّ له من اسمه ليجلِّه *** فذو العرش محمود و هذا محمد على أننا نقرأ في الدعاء العبارة التالية «اللهم يا حميد بحق محمد صلي الله علیه و آله و سلم... و يا عالي بحق علي علیه السلام... و يا فاطر بحق فاطمة علیها السلام... و يا محسن بحق الحسن علیه السلام... و يا قديم الإحسان بحق الحسين علیه السلام». و هذا الدعاء يكشف بدوره عن أن من أسماء النبي وأهل بيته علیهم السلام مشتقة أسماء اللَّه «عزوجل» و ذلک تکریماً و اجلالاً لهم.

لَئِنْ فَضَتْ وَ هْيَ يا لِلَّهِ ساخِطَةٌ *** فَالمُصْطَفَى في السَّما العُليا يُراضِيها

وَ إِنْ تَكُنْ حُرِمَتْ في الأَرْضِ تَسْلِيَةً *** فَفِي الجِنانِ تُلاقِي ما يُسَلِّيها(1)

لكنّها تَرَكَتْ مِنْ بَعْدِها الحَسَنَيْنِ *** يَبْكِيان على وافي تَنَحيِّها

وَ غادرتْ بَعْلَها يَبْكِي لِفُرْقَتِها *** أَمْناً وَ يُمْناً وَ تَوْجِيهاً وَ تَرْفيها

وَ خَطْبُها ضاعَفَ الحُزنَ المُبَرِّحَ في *** نَفْسِ العَلي الذي ما انْفَكَ يَرْثِيها

وَ بَعْدَ ما أُودِعَتْ في وَسَطِ حُفْرَتِها *** لِرَحْمَةِ اللَّهِ والإجلال عاشِيها

تَطَلَّعَ المُرْتَضَى اسْتِطلاع ذي لَهَفٍ *** إلى التُّرابِ الّذي أَمْسى مُغَطّيها

ثُمَّ إِلى تُرْبَةِ الهادِي تَوَجَّهَ في *** أَليمِ أَحْزانِهِ ما استطاع يُخْفِيها

وَ قالَ يا أَحْمَدُ الهادي عَلَيْكَ سَلامي *** مَعْ سَلَامِ الَّتِي تَهْوَىٰ تُلاقِيها

هذِي الَّتي لَحِقَتْ عَلْياكَ مُسْرِعَةً *** وَ فِي جِوارِكَ حَلَّتْ كَيْ تُواسِيها

قَلَّ اصْطِبارِي قَلاً عَنْ صفيّتكَ *** الزَهْرًا وَ نَفْسِي هذا الخَطْبُ مُوهِيها(2)

لَكِنْ بِفُرْقَتِكَ العُظمى وَجَدْتُ *** لِنَفْسي في المُصِيبَةِ هذي ما يُسَلِّيها

ما بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي إِنَّ نَفْسَكَ قَدْ *** فاضَتْ ولَبَّتْ نِدا رَبِّ يُناديها

وَ في حُفَيْرَتِكَ العُلْيا دَفَنْتُكَ *** مَحْزوناً وَ لَوْعَةُ نَفْسِي أَنْتَ تَدْرِيها

ص: 380


1- اعلموا أني فاطمة علیها السلام ج2 ص340 للشيخ الخطيب عبد الحميد المهاجر.
2- مُوهيها: مُضعِفُها.

لِلَّهِ نَحْنُ وَ نَحْنُ الرَّاجِعونَ إِلَيْه *** رَجْعَةٌ لَيْسَ منَّا مَنْ يُعاصِيها

إِنَّ الوَدِيعَةَ مني اليَومَ قَدْ أُخِذَتْ *** وَ اسْتُرْجِعَتْ لَمْ تَكُ الأقدارُ تُرْجِيها

و إِنْ حُزْنِيَ باقٍ سَرْمَداً أَبداً *** به طِوالَ اللَّيالي ظَلْتُ أُحْيِيها

حَتَّى يَخَارُ لِيَ اللَّهُ الرَّحِيمُ دِياراً *** أنت يا خَيْرَ خَلْقِ اللَّه تَئْوِيهَا(1)

وَ إِنَّ ابْنَتَكَ الزَّهراءَ تُخْبِرُكَ *** الأخْبارَ عَنْ حالنا السوأى وَ تَرْوِيها(2)

وَ سَوْفَ تَعْلَمُ مِنْهَا أَنْ أُمَتَكَ العَربا *** على هَضْمِها أَمْسَى تَجَنِّيها

فَأَحِفّها كَرَماً مِنْكَ السَّؤَالَ وَكُنْ *** مُسْتَخْبِراً حَالَنَا مِنْها فَتَحْكِيها

هذا وَلَمْ يَظْلِ العَهْدُ المَجيد بنا *** عَهْدُ النبوَّةِ في سامِي تجَلِّيها

وَ الذِّكْرُ مِنْكَ الذي يَحْلُو تَذَكُرُهُ *** ما أَخلَقَتْهُ الليَّالي في تَتَالِيها

ثُمَّ السّلامُ عَلَى رُوحَيْكُما عَطِرٌ *** أَتْلُوهُ ما في السما لاحَتْ دَرارِيها(3)

سَلامُ غَيْرِ بَغِيض لا و لاسَئِمٍ *** مُوَدّع زَهْرَةَ الدُّنيا وَمَا فيها

إِن انْصَرَفْتُ فَلَيْسَ الانصراف مَلا *** لا و المَلالَةَ مِثلي لايُدانِيها

وَ إِنْ أَقَمْتُ فما عَنْ سُوءٍ ظَنِّي باللَّهِ *** المُعَزِّي الحَزاني في تَعازِيها

و لا بما وَعَدَ اللَّهُ الأُلى صَبَرُوا *** على المَصَائِبِ داهِيها وَ قاسِيها

بِذَا لَقَدْ وَدَّعَ المَحْزُونُ حَيدَرَةٌ *** بِنْتَ الرَّسُول التي يبْكِي تَنائِيها(4)

وَ الحُزنُ أَشْغَلَهُ عَمَّا أَهَمَّ سِواه *** مِنْ مَطامِع دنيا خابَ راجِيها(5)

ص: 381


1- تئويها: تقيمها.
2- في كتاب البحار ج4 ص44 في حديث طويل عن النبي صلي الله علیه و آله و سلم: فكلم اللَّه «جل جلاله» كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سميّت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات...
3- الدراري: جمع الدرّي هو الكوكب الثاقب المضيء كالدرّ.
4- تنائيها: تباعدها.
5- كتاب: القصيدة العلوية المباركة ص203 لعبد المسيح أنطاكي بك، صاحب جريدة العمران في مصر.

(10) محبوبة النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الأستاذ عبد المسيح الأنطاكي(*)(1)

شَبَّتْ بِحِجْرِ رَسولِ اللَّهِ فَاطِمَةٌ *** كَما تُحِبُّ المَعالِي أَنْ تُلاقيها(2)

وَ في حِمى رَبِّهِ العَلْيا خديجةُ قَدْ *** نَشَتْ كما الظُّهْرُ وَ الآدابُ تَشْهِيها

وَ نَفْسُها الْبَتَقَتْ مِنْ نَفْسٍ وَالِدِها *** وَ أَنها فَهِيَ تَحْكِيهِ وَ تَحْكِيها(3)

ص: 382


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- في دلائل الإمامة ص11 ط الثالثة/ منشورات الرضي -قم: «لم تزل فاطمة علیها السلام تشب في اليوم كالجمعة و في الجمعة كالشهر و في الشهر كالسنة، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من مكة إلى المدينة... و تزوج سودة أول دخوله المدينة فنقل فاطمة علیها السلام إليها ثم تزوّج أم سلمة بنت أبي أمية فقالت أم سلمة: تزوّجني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و فوض أمر ابنته إليّ فكنت أؤدبها و أدلها و كانت و اللَّه أأدب مني و أعرف بالأشياء كلها و كيف لاتكون كذلك و هي سلالة الأنبياء صلوات الله عليها و على أبيها و بعلها و بنيها». انظر بحار الأنوار ج43 ص10 ح16، «عوالم سيدة النساء» ج1 ص61 ح1.
3- والبيت الذي يليه: في إحقاق الحق ج19 ص17، نقلاً عن كتاب «أهل البيت علیه السلام، ل- «توفيق أبو علم». عن أنس بن مالک عن أمه: إن السيدة فاطمة علیها السلام لما كانت كأنها القمر ليلة البدر، و عندما عن وضعتها السيدة خديجة سلام الله علیها و رأت في وليدتها «فاطمة الزهراء علیها السلام» أنها صورة من أبيها العظيم سرّها ذلك الشبه و أنه بركة من بركات اللَّه عليها و على آل البيت الكرام». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص63 ح5. و في كتاب «كشف الغمة» ج2 ص92/ ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت: «و روي عن علي علیه السلام فقال: كنا عند رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم فقال: أخبروني أي شيء خير للنساء؟ فعيينا بذلك كلّنا حتى تفرقنا فرجعت إلى فاطمة علیها السلام فأخبرتها الذي قال لنا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و ليس أحد منا علمه و لاعرفه، فقالت: ولكني أعرفه خير للنساء أن لايرين الرجال و لايراهنّ الرجال. فرجعت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقلت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم سألتنا أي شيء خير للنساء؟ و خير لهن أن لايريَنَّ الرجال و لايراهنّ الرجال. قال: من أخبرك فلم تعلمه و أنت عندي؟ قلت: فاطمة علیها السلام. فأعجب ذلك رسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم و قال: إن فاطمة علیاه السلام بضعة منّي». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص54، «حلية الأولياء» ج2 ص40-41، قريب منه (عن أنس).

تَفرَّدت بالذكا وَ العِلْم و اتَّخَذَتْ *** منَ الخَلائِقِ و الآداب سامِيها

وَاللَّهُ كَمَّل تكميلاً مَحَاسِنَها *** الزَّهراء فَسَافِرُها زاءِ وَ خافِيها(1)

وَ إِنّها غُرَّةٌ بَيْنَ النِّساءِ فَلا *** بنت لحَوَّاءَ تَدْنُو مِنْ مَعاليها(2)

و ما القَرائِحُ تَقْوى أَنْ تُصَوِّرَ ما *** فَوْقَ القُروسِ وَ إِنْ تَزْكُو معَانيها(3)

وَ حَسْبُنَا أنَّ له كانَ مُعْطِيها *** عِنايَةً لَمْ يَكُنْ لِلْغَيْرِ يُعْطِيها(4)

وَ كَانَ مُنْزِلُها تاللَّهِ مَنْزِلَةً *** عَليَاءَ مِنْ نَفْسِهِ بِاليُمْنِ تأويها

و كانَ يَنْظُرُها في بَيْتِهِ مَلِكاً *** بادِي السَّنَا مَا انْتَنَتْ تُبْدِيهِ تَنْبِيها

كانَتْ تَعُزُّ عليه عِزّةٌ حُرِمَتْ *** لها شَقيقاتُها مِثْلاً وَ تَشْبِيها

ص: 383


1- سافرها: من سفر أي ظهر وبان و المعنى أنها «سلام الله عليها» ظاهرها حسن جميل، و باطنها كذلك فهي الكاملة ظاهراً و باطناً.
2- في كتاب «دلائل الإمامة» ص54 ط الثالثة منشورات الرضي/ قم. «عن المفضل قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: أخبرني عن قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام أنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: تلك مريم كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين إلى الآخرين». انظر: «معاني الأخبار» ص107 ح1 ط منشورات جماعة المدرسين 1379. «روضة الواعظين» ص180.
3- القرائح: جمع القريحة و هي الملكة التي يقتدر بها على الإجادة في نظم أو كتابة. الطروس: الصُحُف.
4- (والأبيات التي تلته) في المناقب ج3 ص323، ط مؤسسة انتشارات علامة -قم. «سأل بزل الهروي الحسين بن روح «رضي الله عنه» فقال: كم بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم؟ فقال: أربع فقال: أيتهن أفضل؟ فقال: فاطمة علیها السلام. قال : و لِمَ صارت أفضل و كانت أصغرهن سنّاً، و أقلهن صحبة لرسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم؟ قال: لخصلتين خصها اللّه بهما: إنها ورثت رسول الله صلى اللّه عليه و آله و سلم و نسل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم منها و لم يخصها بذلك إلا بفضل إخلاص عرفه من نيَّتها». انظر «بحار الأنوار» ج43 ص37، عوالم سيدة النساء علیها السلام، ج1 ص141 ح62.

وَ كانَ يَذْكُرُ فيها أُمَّها وبها *** يَلْقى خديجةَ في أسْمى مَبَادِيها

وَ كانَ صلّى عليهِ اللَّهُ يُبْهِجُهُ *** مِنْ دَهْرهِ ساعَةٌ فيها يُوافِيها(1)

وَ قَدْ أَزاحَ إِلهُ العَرْشِ غُمَّتَهُ *** بها وَ سَرّى تباريحاً يُعانيها(2)

وَ نَفْسُهُ وَجَدَتْ في برِّ فاطِمَةٍ *** لَدى الخُطوبِ الَّتي تُدْهِي تَعازِيها(3)

كانَتْ تُواسِيهِ في راضِي تَبَسُّمِهَا *** وَ كانَ في عَطْفِهِ الأَسْمَى يُؤَاسِيها

ما قال فاطِمَةً إِلا وَ أَفْرَحَهُ *** ذِكْرُ اسْمِها فَهْوَ لا يَنْفَكُ يُسْمِيها

وَ قَدْ أَذَلَّتْ عَلَيْهِ وَهُوَ وَالِدُها *** وَ قَدْ تَجَنَّتْ وما أَشهى تَجَنِّيها

وَ كانَ يَسْعَى إلى تفريحها أبداً *** حتى تَبِيتَ على هانِي تَلَهِّيها

وَ يَسْأَلُ اللَّهَ في سِر وفي عَلَنٍ *** أَنْ يَصْطَفِيها مِنَ الأيَّامِ صافِيِها

فما دَعَتْهُ لِحَاجِ وَهْيَ تَطْلُبُها *** إِلا وكانَ لِمَا تَرْجُو مُلَبِّيها

وما دَعاها لِغَيْرِ الابتهاج بها *** إذا تَجَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ مَخابِيها

يقومُ إِنْ أَقْبَلَتْ كَيْما يَسير إلى *** عالي مَكانَتِها في القَوْمِ تَنْوِيها(4)

ص: 384


1- جاء في «مسند أحمد بن حنبل» ح5 ص275: «قال: كان رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة علیها السلام و أول من يدخل عليها إذا قدم فاطمة علیها السلام». انظر: «ذخائر العقبى» ص37. «ينابيع المودة» ص198.
2- سرّی: کشف. التباريح: الشدائد، الشرور، الأذايا، كُلف المعيشة في المشقة والشدّة.
3- في «عوالم سيدة النساء» ج1 ص251 نقلاً عن كتاب «أبان بن عثمان»: «...فلما دنت فاطمة علیها السلام من رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و رأته قد شُجَّ في وجهه و أدمي فوه إدماء صاحت، و جعلت تمسح الدم و تقول: اشتدَّ غضب اللّه على من أدمى وجه رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم...».
4- في «سنن الترمذي» ج5 ص700 ح3872: «عن عائشة قالت: ...و كانت إذا دخلت على النبي اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم قام إليها فقّبلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبّلته و أجلسته في مجلسها...». انظر: «ذخائر العقبي» ص40.

حَسْبُ النِّساءِ فَخاراً أَنَّ فاطمةً *** مِنَ النسا ولها أَنْ تُكْثِرَ التّيها(1)

نَعَمْ فَقَدْ شَرَّفَ اللهُ النساء بهَا *** وَ إِن تَكُن جميعاً مِنْ حَواشِيها

وَ عَمْرُكَ اللَّهُ مَنْ كانَتْ كَفَاطِمَةٍ *** وَ قَدْ تَناهى كما قُلْنا تَعالِيها(2)

و مَنْ أَبُوها خِيارُ الخَلْقِ أَجْمَعِها *** وَ أَنها خَيْرُ أُمْ في أَناسِيها

وَ مَنْ قُرَيْسٌ وَ هُمْ أَسْمَى الأَعارِبِ *** أَهْلُوها وَ مَجْدُهُمُ جازَ الأَتاوِيها(3)

وَ مَنْ غَدَتْ خَيْرَ أُنثى في شَمائِلِها *** الحَسْنا التي تُبْهِرُ الدنيا زَواهِيها(4)

وَ مَنْ نَشِعُ شُعاعَ الشَّمسِ جَبْهَتُها *** و لاتَلالِيَ إذ لأحَتْ تَلالِيها(5)

وَ مَنْ تُقِيمُ المعالي وَ المَفاخِرُ حَوْلِيها *** إذا جَلَسَتْ في صَدْرِ نادِيها

هِيَ الجديرةُ بالكَفِّ الكريمِ لها *** من المَفاخِرِ وَ العَلْيا يُحاكيها(6)

وَ العُرْبُ تَطْلُبُ أَكْفَاءَ تُزَوِّجُهُمْ *** بَناتِها سُنَةٌ تَأْبَى تَعَدِّيها

ص: 385


1- التّيه: الصلف الكبر، أو الضلال.
2- في «الخصال» ص206 ح25 ط جماعة المدرسين -قم المقدسة: «...فيما أوصى به النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم إلى عليّ علیه السلام: إن اللّه «عز وجل» أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين بعدي ثم اطلع الثالثة فاختار الأئمة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطلع الرابعة فاختار فاطمة علیها السلام على نساء العالمين». انظر: بحار الأنوار ج43 ص26 ح24.
3- الأتاويه: مفردها التؤه هو الهلاك، ما يُضَلُّ فيها من الفلوات.
4- تبهر: تضيء و يقلب ضوؤها.
5- في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج1 ص75 ط الثالثة/ مؤسسة الإمام المهدي عج اللّه تعالی فرجه الشریف -قم. منقولاً عن كتاب «أخبار الدول» ص87: «قالت عائشة: كنا نخيط و نغزل و ننظّم الإبرة بالليل في ضوء وجه فاطمة علیها السلام». انظر: «إحقاق الحق» ج10 ص244 و 309.
6- فقد ورد في «المناقب لابن شهر آشوب» ج2 ص29: عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: لولا أن اللّه «تعالى»خلق أميرالمؤمنين علیه السلام لم يكن لفاطمة علیها السلام كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص107، «كشف الغمة» ج2 ص98 «قريب من هذه الرواية».

وَ كُلٌّ عَقْدِ بِغَيْرِ الكفءِ تَحْسَبُهُ *** عاراً عَلَيْهَا لَدَى الأَقْرانِ يُخْزِيها

فَمَنْ يَلِيقُ بِبِنْتِ المُصْطَفَى حَسَباً *** ومَنْ مِنَ العَرَبِ العَرْباءِ كافِيها(1)؟

وَ مَنْ يُناسِبُ طَه كَيْ يُصاهِرَهُ *** وَ هيَ المُصاهَرَةُ المسعودُ مُلْفِيها؟

غَيْرَ العَلِيِّ رَبيبِ المُصْطَفَى وَ لَهُ *** سَبْقُ الهِدَايَةِ مُذْ نادى مُنادِيها

فَإِنَّهُ بعدَ طه خيرُ مَنْ ولَدَتْ *** قُرَيْسُ منذُ بَا البارِي ذَراريها

وَ إِنَّهُ بَطلُ الإسلام تَعْرِفُهُ *** تِلْكَ الحروب التي أمسى مُجَليها

وَ أَعْلَمُ النَّاس بالشَّرْع المُشرَّفِ بَعْدَ *** المُصْطَفى لا و أَجْلَى النَّاسِ تَفْقِيها

وَ أَظْهَرُ النَّاسِ نِيّاتٍ وَ أَطْيَبُها *** قَلْباً إِذا ما أَرَدْنَا أَنْ نُجَارِيها

وَ أَبْلَغُ النَّاسِ أَقوالاً وَ أَفْصَحُها *** خِطابَةٌ وَ هُوَ يُنْشِيها وَ يُلْقِيها

وَ أَزْهَدُ النَّاسِ في الدُّنيا وَ زُخْرُفِها *** وَ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ مُغْرِي مَلاهِيها

وَ أَرْحَبُ النَّاسِ صَدْراً بِالعُفاةِ إذا *** وافَتْهُ ما في يَدَيْهِ كَانَ يُوليه

هذا العميدُ المُفدّى كُفْءُ فَاطِمَةٍ *** وَ خَيْرُ نِدِّ لها مِنْ دُونِ أَهْلِيها

لِذَلِكَ اخْتارَهُ رَبُّ السماء لها *** بَعْلاً و أَمْسَتْ به الدُّنْيا تُهَنِّيها(2)

و قَبْلَهُ عُمَرُ وافى بِإِثْرِ *** أَبي بَكْرٍ وَ كُلُّهما قَدْ كانَ يَبْغِيها(3)

جاء الخُطبَتِها طه فقالَ أَنَا *** مُسْتَنْظِرٌ لابنتي حُكْمَ القَضا فيها

كذاكَ رَدَّهُمَا الرَّدَّ الجميل *** لامُرِ اللَّهِ لِلْمُرْتَضَى العالِي مُهَيِّيها

ص: 386


1- العَرب العرباء: الصُرَحاء الخُلّص.
2- انظر «الخصال» ج2 ص412 ح16/ ط جماعة المدرسين -قم المقدسة. وانظر: «بحار الأنوار» ج43 ص97-98 ضمن ح8 ، «عوالم سيدة النساء»، ج1 ص366 ح2.
3- (والأبيات التي تلته) في «كشف الغمة» ج1 ص353 ط دار الکتاب الإسلامي -بيروت. «...و لقد خطبها من رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم أبوبكر فقال له رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: أمرها إلى ربها فخطبها بعد أبي بكر عمر بن الخطاب فقال له رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: كمقالته لأبي بكر...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ضمن ح32:

حتى إذا أَذِنَ البارِي بِخُطبَتِهَا *** إلى عَلِيٌّ سَعى طَه يُراضِيها(1)

فجاءَها قائِلاً: إنّ العليَّ فَتى *** قُرَيْشٍ يَبْغِي فَتاتِي جَاءَ رَاجِيها

قالَتْ : أَتُزَوِّجُني من مُتْرَبِ أَبتا *** وسائِلُ الدَّمْعِ يَهْمِي مِنْ مَآقيها(2)

فقال: وَاللَّهِ لَمْ آذَنْ بِزِيجَتَكِ *** الزَّهراءِ إلا لأَنَّ اللَّة راضيها

وَ مَا تَكَلَّمْتُ فيها قَبْلَ أَمْرِ الهي *** فَهُوَ لِي مِنْ سَماهُ كانَ مُوحِيها

قالَتْ: إذن يُعيةُ الخَلاقِ نافذةٌ *** وَ قَدْ رضيتُ بها إِنِّي أُجَرِّبها

و كانَ أَوْعَزَ طهُ لِلْعَلِيِّ بأنْ *** يَأْتِيهِ لِلْخُطْبَةِ المَغْبُوطِ حاظِيها(3)

فقد أتاه أبوبَكْرِيُبَشِّرُهُ *** بِنِعْمَةٍ لَيْسَ الأَهُ مُلاقِيها(4)

ص: 387


1- والأبيات التي تليه: في «إحقاق الحق» ج17 ص91 الثامن. «والأبيات التي تلته». «لما خطب علي علیه السلام فاطمة علیها السلام من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم فقال لها: أي بنية إن ابن عمك علياً علیه السلام قد خطبك فما تقولين؟ فبكت ثم قالت كأنما إنما ادخرتني لفقير قريش؟ فقال: والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه من السماء، فقالت فاطمة علیها السلام: رضيت بما رضي الله لي». انظر: «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج1 ص407-408.
2- يهمي: يسيل.
3- المغبوط: الذي أصابته الغبطة و هي أن يعظم في عينيه و يتمنى مثل ما له دون أن يريد زوالها منه.
4- «والأبيات التي تلته» في كشف الغمة كشف الغمة ج1 ص353، ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت: «... قال و إن أبابكر و عمر كانا ذات يوم جالسين في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و معهما سعد بن معاذ الأنصاري فتذاكروا أمر فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال أبوبكر: قد خطبها الأشراف من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم فقال: إن أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوجها زوّجها و إن علي بن أبي طالب علیه السلام لم يخطبها من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم و لم يذكرها له و لا أراه يمنعه ذلك إلاّ قلة ذات اليد وإنه ليقع في نفسي إن اللّه عزّ وجلّ و رسوله صلى اللَّه عليه و آله و سلم إنما يحبسانها عليه قال: ثم أقبل أبوبكر على عمر بن الخطاب و على سعد بن معاذ. قال: هل لكما في القيام إلى علي بن أبي طالب علیه السلام حتى نذكر له هذا؟ فإن منعه قلة ذات اليد واسيناه وأسعفناه، فقال له سعد بن معاذ وفقك الله يا أبابكر فما زلت موفقاً قوموا بنا له؟ على بركة الله و بمنّه ... فلما نظر إليهم علي علیه السلام قال: ما وراءكم و ما الذي جئتم فقال أبوبكر يا أبا الحسن علیه السلام إنه لم يبق خصلة من خصال الخير إلا و لك فيها سابقة و فضل و أنت من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم بالمكان الذي قد عرفت من القرابة و الصحبة و السابقة و قد خطب الأشراف من قريش إلى رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم ابنته فاطمة علیها السلام فردّهم و قال: إنّ أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوّجها ،زوّجها، فما يمنعك أن تذكرها لرسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و تخطبها منه؟ فإني لأرجو أن يكون الله «عزوجل» و رسوله اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم إنما يحبسانها عليك. قال: فتغرغرت عينا علی علیه السلام بالدموع و قال: يا أبابكر لقد هيجت مني ساكناً و أيقظتني لأمر كنت غافلاً عنه و اللّه إن فاطمة علیها السلام لموضع رغبة و ما مثلي قعد عن مثلها غير أنه يمنعني من ذلك قلة ذات اليد، فقال أبوبكر: لاتقل هذا يا أباالحسن علیه السلام فإن الدنيا و ما فيها عند اللّه «تعالى» و عند رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم كهباء منثورا... و أقبل إلى رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فكان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في منزل زوجته أم سلمة... ثم إنه دخل على رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فقال: السلام عليك يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و رحمة اللّه و بركاته... و قد أتيتك خاطباً راغباً أخطب إليك ابنتك فاطمة علیها السلام فهل أنت مزوّجي يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم؟ قالت أم سلمة: فرأيت وجه رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم يتهلل فرحاً و سروراً...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص125-126 ط2/ مؤسسة الوفاء.

وَ كانَ مَعْهُ أَبُوحَفْصِ يُرافِقُهُ *** بِذِي المُهمَّةِ حَسْبَ الأَمْرِ يَقْضِيها

قالاً: التّمِسُ مِنْ رَسولِ اللَّهِ فَاطِمَةً *** فما لِغَيْرِكَ يَابنَ الوُدْ مُعْطِيها

فقالَ: ذَكَرْتُمانِي لاعَدِمْتُكُما *** بِنِيَّةٍ طالما قَدْ كُنْتُ ناوِيها

وَ سَار يَخْطُبُ بِنْتَ المُصْطَفَى عَجَلاً *** فَلَمْ يَخِبُ بِرِغابٍ كانَ مُسْدِيها

كذا أبوقاسِمٍ باليُمْنِ زَوَّجها *** مِنْهُ وَ أُمَّتُهُ تُهْدِي تَهَانِيها

زُفَّتْ إِلَيْهِ بإجلالٍ وَ أَحْمَدُ يَدْعُو *** أَنْ يَزِيدَهُما الرَّحْمَنُ تَرْفِيها(1)

جَزَى يُرفه في هذا القِرانِ كَما *** مَضى إلى بِنْتِهِ الزَّهْراءِ يُرْفِيها(2)

و قالَ: بارِكْ إلهَ العَرْشِ عَقْدَهُما *** أَكْثِرُ ذَراريهما المَحْمُودَ ناشِيها(3)

ص: 388


1- والأبيات التي تليه: في كشف الغمة ج1 ص369/ ط دار الكتاب الإسلامي -بيروت. «... قال: نزلنا نزف فاطمة علیها السلام إلى زوجها فكبر جبرئيل ثم كبر ميكائيل ثم كبر إسرافيل ثم كبرت الملائكة ثم كبر النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم ثم كبر سلمان الفارسي فصار التكبير خلف العرايس الا الله سنة من تلك الليلة فجاء بها فأدخلها على علي علیه السلام فأجلسها إلى جنبه على الحصير القطري ثم قال: يا علي علیه السلام هذه بنتي فمن أكرمها فقد أكرمني و من أهانها فقد أهانني ثم قال: اللهم بارك لهما و عليهما و اجعل منهما ذرية طيبة إنك سميع الدعاء...». وانظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص441.
2- جزى يُرْفه: أي خدمه و أحسن إليه أو سعى بما هان و عزَّ من خدمة.
3- والبيت الذي يليه: في «المناقب لابن شهر آشوب» ج3 ص356، ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم. «...قال: نعم العون على طاعة الله و سأل فاطمة علیها السلام فقالت: خير بعل فقال: اللَّهم اجمع شملهما و ألّف بين قلوبهما و اجعلهما و ذريتهما من ورثة جنة النعيم، و ارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة و اجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك، و يأمرون بما يرضيك...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص117.

زفافُ سَعْدِ به الأَمْلاكُ قَد شَرِكَتْ *** أَهْلَ الدُّني بالتهاني مِنْ أَعاليها

أَيُّ البَشائِرِ أَسْمى من يشارَةِ ذَيَاكَ *** القِرانِ وهَلْ بُشرى تُسَامِيها

بَدْرُ الحَنيفيةِ السَّمْحَاءِ قارَنَ شَمْساً *** قَدْ أَضَاءَتْ سَنَى مِنْ صُلْب واليها

وَمِنْهُما انْتَظَرَ النَّسْلُ المبارَكُ تَمْلأُ *** الأَرضَ خَيْراتُهُ الكَثْرى فَتُحْيِيها

فاللَّهُ كَفَرَهُمْ وَاللَّهُ طَهَّرَهُمْ *** وَ اللَّهُ أَوْلاهُمُ عِزّاً وتَوْجِيها

وَ اللَّهُ أَوْجَبَ وافي الاَحترامِ لَهُمْ *** وَحُبُّهُمْ إِنَّ ذا ذِكْرَى لِنَّاسِيها

فَمَنْ يُناوِيهِمُ ناوَى الرِّسالَةَ في *** شَخْصِ الرَّسولِ فَكُفْرٌ مَنْ يُناوِيها(1)

وَ إِنْ عَائِشَةٌ مِنْ نَفْسِها شَهِدَتْ *** شهادةً لَمْ تَذَرْ شَكَّا لِراويها(2)

قالَتْ: عَلِيٌّ وَذَاتُ الظُّهْرِ زَوْجَتُهُ *** كَانَا أَحَبَّ الوَرى طراً لهادِيها(3)

ص: 389


1- يناويها: يعاديها.
2- في أمالي الطوسي، ص254: «... دخلت مع أمي على عائشة فذكرت لها عليّاً علیه السلام فقالت: ما رأيت رجلاً كان أحبَّ إِلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم منه، و ما رأيت امرأة كانت أحب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم من امرأته». انظر: «بحار الأنوار» ج40 ص37 ح12، و العقد الفريد ح2 / 194، و ينابيع المودة 204.
3- کتاب: القصيدة العلوية المباركة و التي بلغ عدد أبياتها (5595) بيتاً، و كلها بقافية واحدة و القصيدة حسب الأصل المتوفر بأيدينا لاتخلو من أخطاء مطبعية.

(11) جوهرة الكون

(بحر البسيط)

الشيخ علي أبو المكارم

أتى بها اللّهُ إظهاراً لِقُدْرَتِهِ *** مِنْ جَنَّةِ الخُلْدِ لا أُنثى تُباريها

وَ لَيْسَ تَهْوِى سِوى العَدْلِ الَّذِي اتَّسقَتْ *** بِهِ الشَّريعةُ في أَعْلَى مَباديها

تَضُمُّ في جَنْبِها الإحسانَ مُنْبَثِقاً *** يَرْمي الصَّرامةَ قاصِيها وَدانيها

بُرْدَ التقى من نسيج الدِّينِ قَدْ لَبِسَتْ *** وَ خَوْفُ ذي العِزَّةِ العَلْياءِ مُضْنِيها(1)

نديّها الفَضْلُ مهما رُمتَ من حِكَمٍ *** فَاقْصُدْ كفيتَ التَّواني فَضْلَ ناديها(2)

نَفْسي فداؤكِ أُمَّ المُجْتَبَى حَسَنٍ *** زَوْجَ الوَصِي وَ بِنتَ الطّهْرِ هَادِيها

أمُّ الحسينِ وَ مَنْ فاقَ الورى شَرَفاً *** وَ ثَوْرَةٌ في الوَرى عَزَّتْ مَبَانيها

أَهْلُ الكِساءِ وَ حَسْبِي أَنَّهُ شَرَفٌ *** تَعْنُو لَهُ النَّاسُ تَقْديساً وَ تَنْزِيها

وَ صَفْوَةٌ طَهَّرَ الجَبَّارُ ساحَتَها *** وَ أَنْزَلَ الذِّكْرَ لُطفاً في مَغانِيها(3)

وَ دَوْلَةٌ لايَهِدُّ الجَوْرُ ما رَسَمَتْ *** على جَبِينِ البَرايا مِنْ أياديها

قَدْ بِاهَلَ المُصْطَفَى خَيْرَ الأَنامِ بِهِمْ *** نَجْرَانَ حِينَ تَرامَتْ في دَواهِيها

فكانَ خَيْبَتُهُمْ في الأَمْرِ تَفْضَحُ ما *** قَدْ بَيَّتُوهُ وَعَزَّ اللَّهُ داعيها

وَليْتَهُمْ حَيْثُ لايَبْقى بهم أَحَدٌ *** تُرمى به شِرْعَةَ الهادِي وَ نَادِيها

ص: 390


1- مُضنيها: مُمْرِضها بحيث تمكّن منها الضعف والهزال.
2- التواني: الفتور والكلِّ والعجز.
3- مغانيها: منازلها.

لَوْ أَنَّهُمْ باهَلُوهُ لَمْ يَعُدْ لَهُمُ *** مِنْ نَافِحَ جَذْوَةٌ لِلنَّارِ مُذْكِيها

وَ كَانَ دَأَبُهُمْ هَوْناً عَلَى نَفَرٍ *** فَأَوْتَرَتْ أُسْهُما فِي وَجْهِ رَامِيها

سَلِ البريّةَ عَنْ أسمى دَراريها *** وَ عَنْ مَنارِ ضُحاها في مَعاليها

عَنْ عِلةِ الكَوْنِ عَنْ أَسمى جَواهِرِهِ *** عَنِ الرِّسالة في دُنيا لآليها

عَنْ نُسْخَةِ الحَقِّ مَنْ أَعْطَاهُ مالِكُهُ *** مُلْكَ الحياة و كانَ المرتجي فيها

عَنْ حِكْمَةِ اللهِ في يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ *** لَهُ بِهَا الأمرُ فَالمُخْتَارُ قاضيها

عَنِ النَّبيِّ الرَّسُولِ الطُّهْرِ خَيْرِ بني *** حوّاءَ في مُبْدِيءِ الدُّنيا وَ تَاليها

مُحَمَّدٌ شَرَّفَ الدُّنيا بسيرَتِهِ *** و لاتَزالُ سَل التاريخ يَروْيِها

تِلْكَ الجَهالةُ في تيّارِ نَقْمَتِها *** أَوْدَتْ بِكُلِّ امْرى زُوراً وَ تَمْوِيها

وَ كان فيها حصيداً كُلُّ ذي عِظم *** و المؤمِنُ الصُّلْبُ أَضْحَى مِنْ مَراعيها

وَ أَصْبَحَ النَّاسُ لادِينٌ و لاشرَفٌ *** فَالخَمْرُ أَصْغَرُ ذَنْبٍ في مَعاصيها

فازْدانتِ الأرْضُ في ميلادِهِ وَ سَمَتْ *** تَطاولاً فَهُوَ دُونَ الخَلْقِ مُحْييها

وَ تِلْكَ آيَاتُهُ في الكَوْنِ ساطِعَةُ *** المَجْدُ يَحْدِمُها وَ الحَقُّ يَحْمِيها

مَنْ ذا رَأى النَّارَ تَخْبُو في طَبيعَتِها *** كَأَنَّ طول المدى قَدْ َعادَ يُخْبيها(1)

مَنْ ذا رأى لِصروح المُلْكِ خاشِعَةً *** ما بَيْنَ مَنْ رَفَعَتْ قِدْماً بِأَيْدِيها

هذا أذان بأنّ الظُّلْمَ مُنْدَثِرٌ *** وَ أَنَّ أَحْمَدَ يَبْقى وَ هُوَ راعيها

يَقْتَادُ سُفْنَ نَجاةِ الخَلْقِ قاطِبَةً *** يقولُ فيها ارْكَبوا فاللهُ مُجْرِيها

وَ يَوْمَ مَبْعَثِهِ قَدْ جاءَ مُنْبَثِقاً *** بِشِرْعَةٍ تُنْقِذُ الدُّنْيا وَ مَنْ فيها

و خطَّ في جَبْهَةِ الأَجْيالِ حِكْمَتَه *** وَ كانَ لِلْغايةِ القْصوى مُجَلِّيها

آياتُهُ الغُرُّ وَ القرآنُ أَعْظَمُها *** أَعْظِمْ بآياتِهِ أَعْظِمْ بوَاعيها

وَ في صعيدِ الوَرى خَطَّ السَّلامَ وَ لَمْ *** يَبْغِ الحُروب وَ أَعْطَى القَوْسَ باريها

ص: 391


1- تخبو: تخمد و تنطفىء.

نَعمْ يُناضِلُ عَنْ أَقداسِ شِرْعَتِهِ *** فَلَمْ يَكُنْ بِجَبَانِ الطَّبْعِ خاوِيها

عَلَى جَنَاحَ الليالي كُنتَ قاضيها *** هل ذُقْتَ عَلْقَمها في صَفْوَ حالِيها؟

وَ هَلْ قَضَيْتَ عَلَيْها في خُصومَتِها *** أَمْ صَدَّعَتْ جَنْبَك العالي مَخَازيها؟

وَ هَل كُشَفْتَ إلى الأجيالِ كُلْفَتُها *** أم كَلَّفَتْكَ مِنَ الدُّنْيا مآسِيها؟

هِيَ اللَّيالي وَ كَمْ في سُودِها نَكَدٌ *** تُودي النَّهارَ جِهاراً في حَرابيها(1)

خانَتْ عليّاً أميرالمؤمنينَ *** و أبناءَ الرسولِ و ما أَخْطَتْ مَرامِيها

مَنْ أَنْتَ يا دَهْرُ ماذا أنتَ مُحْدِثُهُ *** بِالمُرْتَضَى خِيرَةِ الدُّنيا وَ راعِيها؟

وَ أَشْرَفِ النَّاسِ مَجْداً في أرومَتِهِ *** مَا بَيْنَ غايرها طراً وَ مَاضيها

ما بَيْنَ ساقي ضيوفِ اللَّهِ مُقْرِيْها *** وَ سادِنِ الكَعْبَةِ الغَرَا وَ حَاميها(2)

وَ بَيْنَ أُمِّ سَمَتْ بَيْنَ النِّساءِ هُدى *** وَذَيْلِ طُهْرٍ تَعَالَى اللَّهُ مُهْدِيها

أَعْظِمْ بِأُمِّ عَلِيَّ مِنْ سُلالَتِها *** تَسْمُو النِّسَاءَ فَخَاراً في مَعَالِيها

أَعْظِمْ بِوَالِدِه الزَّاكي وَمَنْ شَمَخَتْ *** أُمُّ القُرى بِعُلاهُ في الوَرى تِيها(3)

فَدّى الرَّسُولَ و والاهُ وَشايَعَهُ *** وَ للرِّسالةِ أَضْحَى وَ هُوَ حاميها

وَآثَرَ اللَّهَ إيماناً بِنَزْعَتِهِ *** حَتَّى مَضى طَاهِرَ الأَبْرادِ ناقِيها

تَهَنى أَبَا الحَسَنِ الهَادِي بِخَيْرِ أَبٍ *** مِنْ بَيْنِ أُمَّتِهِ بِالطُّهْرِ سَامِيها

وَ هَلْ تَنالُ المُرَيَّا ساعِدٌ جُدِمَتْ؟ *** إِنَّ المُرَيّا لَتَسْمُو مَنْ يُجاريها

ضَلَّتْ أُميِّ بِنُكْرانِ الحَقِيقَةِ مِنْ *** عَلْيَاكَ حتّى أَتَى الشَّحْناءَ آتيها(4)

نُكرانُ فَضْلِ أبيكَ الظُّهْرِ شِنْشِنَةٌ *** جَنَى المخازي بها في الناسِ جانيها(5)

ص: 392


1- خرابيها: جمع الحِرباءة، ضربٌ من الزحافات تتلوّن في الشمس ألواناً مختلفة و يُضرب: بها المثل في التقلَّب.
2- مُقْري: طالب الضيافة. سادن: خادم.
3- تيهاً: تكبّراً و فخراً.
4- الشُّحناء: العداوة امتلأت منها النفس.
5- شِنْشِنة: الخلق و الطبيعة العادة.

وَ حمَلَتْ أَلْسُنُ الأَزْمَانِ شَقْوَتَها *** وَ ضَلَّ مُنْكَرُ فَضْلِ مِنْهُ تَمْوِيها

و أَنكَرُوا بَيْعَةً قامَ النَّبِيُّ بِهَا *** (يَوْمَ الغَديرِ) وَ أَرْسَى مِنْ صَيَاصِيها

لازِلْتَ في النَّاسِ مَظْلُوماً أَبا حَسَنٍ *** وَ الحُرُّ تَفْقِدُهُ الدُّنيا تَهانيها

بنْتُ النَّبِي رَسولِ اللهِ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ *** مَنْ فِى النّسَا طُرّاً تُحاكيها(1)؟

ص: 393


1- في كتاب مستدرك الصحيحين ج3 ص156 عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال -و هو في مرضه الذي توفي فيه-: يا فاطمة علیا السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين، و سيدة نساء هذه الأمة، و سيدة نساء المؤمنين؟ قال: هذا إسناد صحيح. و في كتاب اعلموا أني فاطمة علیا السلام لعبد الحميد المهاجر، ج2 ص537 قال: فاطمة علیها السلام هي الكلمة... بل هي أم الكلمات التي تلقاها الأنبياء من قبل اللّه «عزوجل» فتاب عليهم بفضلها و ببركات تلكم الكلمات. وكانت فاطمة علیها السلام هي الكلمة الأكثر تألقاً و نوراً في عالم الملكوت لأنها هي المحور في كل الكلمات المذكورة والتي هي فاطمة علیها السلام و أبوها و بعلها و بنوها و اقرأوا معي هاتين الآيتين إذا شتم. قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»[سورة البقرة آية 37]. فقد روى العلامة الحافظ ابن المغازلي الشافعي في مناقبه عن عبد الله بن عباس، سأل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه؟ قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: سأله بحق محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام إلا ما تبت علي فتاب عليه (مناقب آل أبي طالب ص 63). و أخرج نحواً منه علامة الشوافع السيوطي في تفسيره الدر المنثور ج1 ص60 و آخرون أيضاً ككتاب فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص17. و قال أيضاً: «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» [سورة البقرة آية 124] روى القندوزي الحنفي بإسناده عن المفضل قال: سألت جعفر الصادق علیه السلام عن قوله «عزوجل» «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ» قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه. و هو أنه قال: يا رب أسألك بحق محمد صلى اللّه عليه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام إلا تبت عليَّ) فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم. فقلت له: يابن رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فما يعني بقوله «فأتمهن»؟ قال: يعني : أتمهن إلى القائم المهدي عج الله تعالی فرجه الشریف اثني عشر إماماً تسعة من الحسين علیه السلام (ينابيع المودة ص25). و هذا يعني أن فاطمة الزهراء علیها السلام كانت إحدى الكلمات التي عناها القرآن الكريم في هذه الآية (المباركة) و أوجبت اختيار الله تعالى بهن نبيَّه العظيم إبراهيم الخليل علیه السلام(فاطمة الزهراء علیها السلام في القرآن ص 25).

لَم يَفْقِدِ الناسُ مِنْ ظَه أظلَّتَهُ *** إِنَّ امتداد حياةِ المُجْتَبى فيها

لِذاك كنّى رَسُولُ اللَّهِ بَضْعَتَهُ *** حقاً بأم أبيها في مَعانيها(1)

فالسِّلْمُ في الحَسَنِ الزاكي لها سَبَبٌ *** في نَسْجِ بُرْدَتِهِ فِي طُهْرٍ مُسْدِيها

وَ ثَوْرَةٌ للحُسَيْنِ الظُّهْرِ تَجْبُرُ مِنْ *** كَسْرِ عراها وَحْيَ اللَّه آسيها

وَ فَلْسَفَاتُ مَعالي الدِّينِ تَظْهَرُ في *** صَحيفةِ السيِّدِ السَّجادِ هاديها

وَ باقرُ العِلْم مَنْ أَسْمى أَشِعَّتِها *** وَ جَعْفَرُ الصَّادِقُ المِعْوَارُ مُبْدِيها

وَ كَاظِمُ الغَيْظِ رَمْنٌ مِنْ قَداسَتِها *** وَ فِي الرِّضا مَجْدُ راعيها وَراوِيها

وَ في الجوادِ لها عُمْرٌ وإِنْ قَصُرَتْ *** أَيَّامُهُ فَهُوَ بدر في لياليها

و في أبي الحَسَنِ الهادي مَكارِمُها *** و في ابْنِهِ شَمُخَتْ عزّاً مَغانيها

وَ في ابنها الحُجَّةُ الباقي مَنابِرُها *** سَمُونَ عِزّاً أَعَزَّ الله حاميها

إِلَيْهِ تُعْزى معالي الحقِّ أَجْمَعُها *** فجلَّ فيما لَهُ يُعزى وَ عازيها

به الحَقَائِقُ تَبْدُو وَ هْيَ ضَاحِكةٌ *** مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ أَساءَ الصُّنْعَ طاويها

وَ تَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً في حُكومَتِهِ *** وَ دَوْلَةُ الجَوْرِ دُكَّتْ في مَهَاوِيَها

لذاك أَنْكَرَتِ الظُّلامُ دَولَتَهُ *** وَنِيَّةُ الفُحْشِ تُبْدِي خُبْتَ ناويها

يا مَنْ بِهِ بَشَرَتْ كُتُبُ السَّماءِ ويا *** عِدل الكتاب وآيَ الحقِّ حاويها

يا صاحِبَ العَصْرِ يا صَرْحَ الرِّسالَةِ قُمْ *** وَ انقُذْ شَريعَةَ طَهَ مِنْ أَعادِيها

فَالنَّاسُ ضَلَّتْ فَمِنْهُمْ أَنْفُسٌ كَفَرتْ *** وَ ساقَها لِجَحِيم النار حاديها

وَ أَنْفُسٌ عَصَتِ الباري بِنِعْمَتِهِ *** وَأصبَحَتْ شِيْماً في حُبِّ مُغْرِيها

مَا أَبْصَرَتْ رُسُداً طاشَتْ حُكُومَتُها *** وَ الْمُؤْمِنُونَ ضحايا في مَواميها(2)

نَبْعُ الرِّسالة في صافِي لآلِيهَا *** سِبْطُ الرَّسولِ مُجَليها وَ حَاويها

ص: 394


1- في كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص5: إنما فاطمة علیها السلام بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها.
2- الموامي: المفاوز الشاسعة.

فَاللُّؤلؤ المُنتقى في الذِّكرِ مِنْ (حَسَنٍ) *** به تَسامي من الأخيادِ حاليها

لِلْمُصْطَفَى وَعَلِي خَيْرُ ما نَسَبَتْ *** أَطرافُ قَوْم وَ فَازَ المُجْتَبَى فيها

سيادتان له في الناسِ جَمْعُهُما *** قِيَادَةٌ جَمَعَ الزاكي نَواحِيها

مَنْ مِثْلُهُ في البرايا كلُّ مَكْرُمَةٍ *** تُعَدّ لِلأنبياء الغُرُ أُوتيها؟

تَحدَّثَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ أُمَّتِهِ *** فَكَانَ لِلْغَايَةِ القصوى مُجَلِّيها

هذا هُوَ الذَّكرُ في الآياتِ يَنْعَتُهُ *** وَ كانَ عِدْلاً له فضلاً وَ تَشبيها

خَطَّى بأُمَةِ خَيْر المُرْسَلينَ إلى *** أَسمى الفَضَائِلِ فِي أَرْقى مَبانيها

قدْ أَمْسَ المُصْطَفَى للسلم خُطَّتَهُ *** وَ لِلزَّكِي بِهِ رُوح تُناجيها

حتّى أقام لها الزاكي وَ رَوَّجَهَا *** وَ كانَ للأُسُسِ العَليَاءِ بانيها

هذا القُعودُ الّذي أَرْسَى قَواعِدَهُ *** في أُمَّةِ المُصْطَفَى الزَّاكي مُرَبِّيها

لِكَيْ يَقُومَ أَبي الصَّيْم مُنْتَقِماً *** مِن الطَّعَاةِ لِتَرْدَى نَفْسُ تيها

حتى إذا ما انتهى في شوْطِهِ ومَضى *** جاءَ الحُسَيْنُ أَبُو الأحرارِ يُطْرِيها

أقامها ثَوْرَةٌ عَصْمَاءَ صارخةً *** أَحْيَا بها شِرْعَةَ الهادِي وَ دَاعيها(1)

نورانِ قَدْ نشرا للْمُصْطَفَى عَلَماً *** تَقْضِي الظُروفُ به في حُكمٍ باريها

حياتُهُ كُلُّها سِلْمٌ وَ مَصْلَحَةٌ *** لِلْمُسْلِمِينَ بِرَهُم مِنْ أَفاعيها

بِهِ قَدْ اقتلِعَتْ آلامُ أُمَتِهِ *** و قَطَّعَ اللَّهُ فيهِ كُلَّ داحِيها

و أَبْصَرَتْ رُشْدّها من بعدِ هُدْنَتِهِ *** لكنّها قَدْ تَعامَتْ في مَناَفيها

وَدَسَّ فِرْعَوْنُها سُمّاً لِيَقْتلَهُ *** فنالَ مِمَّا ابتغى فيه أَمانيها

مَضى و ما زالَ مظلوماً مصائِبُهُ *** على اِمْتِدَادِ اللّيالي لَيْسَ نُحْصِيها

أَللمكارِمِ فَضْلُ الذِّكْرِ عالِيها *** أم للخُرافاتِ في دنيا سَعاليها(2)

ص: 395


1- ثورة عصماء: منيعة.
2- سعالي جمع سُعلاء زعم القصاصون أنهم خلقوا بصورة الإنسان و منهم الناطق الشاعر يصادون و يوكلون وزعم بعض العرب أنهم جن، و سَعالي أيضاً: الغول أو أنثى الغول.

لِلْبَيْتِ لِلْكَعْبَةِ الغَرَاءِ مِنْ حَرَمِ *** أَمْ لِلْمَتَاهَاتِ فِي أَشْقَى صَحاريها

لِلْمَنبع الظهر في وادي العُلى شَرَفٌ *** أَمْ لِلدعارة في مَرْمَى سَواقيها

لكن، ويا للأسى الأيامُ تَرْفَعُ مَنْ *** دَنَى وَ تَخْفِضُ عالي الرُّوح ساميها

يُدعى يزيد أميرالمؤمِنينَ و َيُضْحِي *** السَّبْطُ مُلْقَى عَلَى الرَّمضاءِ داميها

أيْنَ الخِلافَةُ باللَّه قَدْ هَزُلَتْ *** إذا يزيدُ الخَنا في الناسِ داعيها؟

يَزيدُ ما كانَ الأنَتْنُ سَيِّئةٍ *** قَضَتْ على شِرْعَةِ الهادي وَ ناديها

مَنْ ذا معاويةٌ في عِهْرِ مَنْبَعِهِ *** خَلْطُ الفجورِ تَرامَتْ في مجاريها؟

قَدْ حرّمَ اللهُ والهادي خلافَتَهُ *** لكنْ تَعدّى لها مِنْ كَفَّ طَاغِيها

حُكْمُ الوِرَاثَةِ مِنْ صَخر الضَّلال رَمَى *** بِالعِهْرِ ابْنَاهُ قاصِيها ودانيها

هَذِي مَعَالِمُ خَيْرِ المُرْسَلِينَ غَدَتْ *** تُبَاحُ مَبْنِّى وَ مَعْنِّى بَيْنَ أَهْلِيهَا

قَدْ غَيَّرُوا سُنّةَ الهادي وَكَمْ رُمِيَتْ *** أرضُ الحجازَيْنِ مِنْهُم في دواهيها

لذاك أضحى رَسُولُ الفَتْح يُعْلِنُها *** بصَرْخَةٍ يَمْلأُ الأَرْجَاءَ داويها

حيّوا حُسَيْنَ المعالي في تَحرُّرِهِ *** وَ الصَّحْبُ تَرْفَعُ بَنْدَ الحقِّ أيديها

وعَظَّمُوا فيه أُختاً لامثيلَ لها *** في ثَوْرَةٍ شَبَّ للإيمان زاكيها

عقيلةُ الطالبِييْنَ الأُباةَ وَ مَنْ *** هَذَتْ عروش البغايا في نواديها

أَمْلَتْ على الدَّهْرِ آياتِ البُطُولَةِ في *** عَزم به تُنْعِش المَوْتى و تُحيِیِها

ما ضَعْضَعَ الخَطْبُ منها بيتَ نَجْدَتِها *** وَ تِلْكَ خُطْبَتُها أَمْضَى مَواضيها

و قد رَأَتْ في الثَّرى صَرْعى أَحِبَّتَها *** وَ فَوْقَها صَبَّتِ الدُّنيا دَواهيها

إنَّ الرِّسالة لا تَخْبُو أَشِعَتُها *** وَ العِشرَةُ الغُر أبواب لأَهْلِيها

ص: 396

(12) يا إلهي بفاطمِ علیها السلام

(بحر الخفيف)

السيد علي خان المشعشعي

الحويزي(*)(1)

يا إلهي بقاطِمِ بِأَبِيها *** بِعَلِيَّ وَبالهُداةِ بَنيها

بَضْعَةُ المُصْطَفَى البَتُولُ فَمَنْ *** مِثْلُ بَنِيها وبعْلِها وَأَبيها(2)؟

ص: 397


1- (*) هو السيد علي خان ابن السيد خلف ابن السيد عبد المطلب بن حيدر بن محسن المشعشعي الحويزي و ينتهي نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام المشعشعي الحويزي و هو أحد حكام الحويزة. ذكره شيخنا الحر العاملي في (أمل الآمل) و قال: كان فاضلاً عالماً شاعراً جليل القدر، له مؤلفات في الأصول و الإمامة و غيرها. و أثنى عليه صاحب (رياض العلماء) وقال: كان من تلامذة الشيخ عبداللطيف بن علي بن أبي جامع تلميذ الشيخ البهائي. و أيضاً ذكره السيد الجزائري في (الأنوار النعمانية) بجميل الثناء. ترك المترجم له آثاراً العلم و الدين و الأدب كما ذكر الأميني في الغدير منها: 1- النور المبين في النص على أمير المؤمنين في أربع مجلدات. 2- تفسير القرآن الكريم، في أربع مجلدات. 3- خير المقال شرح قصيدته المقصورة أربع مجلدات في مدح النبي والآل. 4- نكت البيان في مجلد. 5- مجموعة مشتملة على طرائق المطالب أرسلها هدية للشيخ علي سبط الشهيد الثاني. 6- رسالة أخرى قد أرسلها إلى الشيخ علي المذكور. 7- رسالة أخرى أرسلها أيضاً إلى الشيخ علي. 8- ديوان شعره الموسوم (خير جليس و نعم أنيس) و توجد نسخة منها في مكتبة السيد الحكيم في النجف الأشرف بخط الشيخ محمد السماوي.
2- والأبيات التي تليه في «ينابيع المودة» ص310 ط الأولى في إيران -منشورات الشريف الرضي. «عن رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم وإنما سميت فاطمة علیها السلام البتول لأنها تبتلت من الحيض و النفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء. في «إحقاق الحق» ج18 ص457 منقولة عن كتاب أهل البيت ط السعادة بالقاهرة: «عن علي بن أبي طالب علیه السلام: دخل رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم على علي و فاطمة علیهما السلام و أخذ بعضادتي الباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت علیهم السلام الرحمة و موضع الرسالة، و منزل الملائكة، يا بنية إن الله سبحانه وتعالى اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار أباك فجعله نبياً، ثم اطلع الثانية فاختار منهم زوجك علياً فجعله لي أخاً ،و وصياً، ثم اطلع الثالثة فاختارك و أمك فجعلكما سيدتي النساء، ثم اطلع الرابعة فاختار ابنيك فجعلهما سيدي شباب أهل الجنة، فقال العرش : أي ربي ابني نبيك صلي الله علیه و آله و سلم زيني بهما، فهما يوم القيامة في ضفتي العرش بمنزلة الشفتين من الوجه...». وورد أيضاً في «عوالم سيدة النساء» ج1 ص 124-125 ح14.

أوْ كَمِثْل الزَّهْرَا وَكُلٌّ غدا مِنْهُمْ *** قَرِيباً مِنْ ذِي الجَلالِ وَجِيها

بَلَغُوا رُتْبَةً فَكُلُّ قريبٍ *** عاجِرٌ أَنْ يُنالَ أَوْ يَرْتَقِيها

نَجِّنِي مِنْ عَذَابٍ حَشْرِي وَخَلَّصْني *** مِنْ شِدَّةِ تَوَرَّطت فيها

وَ بِحُبِّي لَهُمْ وَ حُسْنِ رَجَائِي *** لَقْني بُغْيَتِي الَّتي أرْتَجِيها

فلَعَلِّي أَرى بِنَوْمِي بَشِيراً *** مُخْبِراً لِي بِنُجْح ما أَبْتَغِيها

لَيْسَ عِنْدِي مِنْ فِعْلِ خَيْرِبِهِ *** أَرْجُو سِوى حُبِّهِمْ يُبَلِّغُنِيها

وَ سِوىَ بُعْضٍ مَنْ تَعدّى عَلى *** الزَّهْرا وَعَنْ أَخْذِ حَقْهَا يَزْوِيها(1)

كَذَّبُوها واللَّهُ طَهَّرها مِنْ كُلِّ *** رجس بآية يُبْدِيها(2)

ص: 398


1- يزويها: يمنعها و ينحّيها.
2- في «الاحتجاج» ج1 ص122-123 منشورات دار النعمان/ النجف: «...فقال أميرالمؤمنين علیه السلام: يا أبابكر تقرأ كتاب اللّه؟ قال: نعم، قال: أخبرني عن قول الله «عزوجل»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»[سورة الأحزاب آية 33] فيمن نزلت فينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم، قال: فلو أن شهدوا على فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أُقيمه على نساء المسلمين قال: إذن كنت عند اللّه من الكافرين قال و لم قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله و حكم رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم...». انظر أيضاً: «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص752.

خاصَمُوها وَاللَّهُ خَصْمُ لِمَنْ *** خاصَمَها في غَدٍ وَمَنْ يُؤذيها(1)

مَنْ أَبُوها مَنْ بَعْلُها مَنْ بَنُوها *** أَنْكَرُوا حَقَّها بِنَصْ أَبِيها

وَ أَبيها لَوْ أَضْمَرُوا بَعْضَ حُبِّ *** لأبيها لراقَبُوا اللَّهَ فيها

ما أَرى القَوْمَ يُؤْمِنُونَ بِبَعْثٍ *** وَ عَذابٍ وجَنَّةٍ تُؤويها

أَنَسَوْا آيَةَ المَوَدَّةِ في القُربی *** وأَجْرَ النَّبيِّ إِذْ يَقْتَضِيها(2)

غَصَبُوها وَبَعْدَ إِذْ أَسْقَطُوها *** وَ تَمادَوا بالظلم في أَهْليها(3)

ص: 399


1- والأبيات التي تليه في «كشف الغمة« ج 2 ص93 ط دار الكتاب الإسلامي /بيروت. قال رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: «إن فاطمة علیها السلام شعرة مني فمن آذى شعرة منّي فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه ملء السماوات والأرض». وردت أيضاً الرواية في بحار الأنوار ج43 ص54 ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت. و في كتاب «ذخائر العقبى» ص25 لمحب الدين الطبري ط مؤسسة الوفاء/ بيروت، يوضح ذلك المعنى: «عن ابن عباس قال: لما نزلت «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى :آية 23] قالوا: يا رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي و فاطمة و ابناهما علیهم السلام... و روي أنه لو قال «إن اللّه جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي علیهم السلام وإني سائلكم غداً عنهم». جاء مثلها في تفسير «فرات» ج2 ص388-389 ح516 «...إلى... وابناهما» على اختلاف بسيط. و أيضاً ج2 ص389 ح517 «...إلى ... وابناهما» على اختلاف بسيط. و أيضاً ج2 ص390 ح518-519- 520 «... إلى... وابناهما». و في «بحار الأنوار» ج43 ص172 ح13 رواية ربما تؤكد المعنى، ط الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «...كأني بها و قد دخل الذل بيتها و انتهكت حرمتها و غصبت حقها و منعت إرثها و كسر جنبها و أسقطت جنينها...».
2- آية المودة «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» [سورة الشورى، آية : 23].
3- تمادوا: داموا على فعلهم ولجوا بلغوا فيه المدى وقد ورد في هذه الأبيات إلى آخر القصيدة في «تفسير فرات» ج1 ص322 ح437، ط/ مؤسسة النعمان، بيروت «لما نزلت على النبي صلي الله علیه و آله و سلم الآية «فات ذا القربى حقه» دعا النبي صلي الله علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام فأعطاها فدك فقال: «هذا لك ولعقبك من بعدك».

لَسْتُ أدْرِي خِلافَةٌ خَلَعُوها *** مِنْ عليَّ لِمَنْ تُرى تُعْطِيها؟

وَ هيَ الرُّتْبَةُ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ *** بها دونَ كُلِّ مَنْ يَبْتَغِيها

أَنَسَوْا بَيْعَةَ الغَدير وما ظَنِّي *** نَسَوْها وَ المُصْطَفَى يُجْرِيها

وَ تَنادَوْا إلى سَقِيفَةِ شِرْكٍ *** وتَواطَوْا عَنِ اجتبابِ ذَوِيها(1)

ص: 400


1- نقلت من كتاب النور المبين في نص علي أميرالمؤمنين علیه السلام مخطوطات مكتبة المرعشي، و قد وردت بعض أبيات هذه القصيدة مختلفة القافية و مختلة الوزن فتفضل بإصلاحها فضيلة الخطيب الشيخ جعفر الهلالي.

(13) عزج على قبر النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الكامل)

الشيخ علي منصور المرهون

و له مخمساً قول بعضهم عن لسانها علیها السلام

عَرِّجُ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ مُحَمّدٍ *** وَ الْقَمْ تُراباً خَالَطَ العِطْرَ النَّدِي(1)

وَاهْتِف بأخزانٍ وقَلْبِ مُكْمَدِ *** ماذا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدِ(2)

أنْ لاَ يَشُمَّ مَدَى الزَّمانِ غَوالِيا(3)

عَفِّرْ جَبينَكَ نادِباً خَيرَ الوَرى *** وَ ارْفَعْ لَهُ ُصوتَ الشَّكَايَةِ مُخْبِرا

أَسْمِعْهُ قولاً لَمْ يَكُن فيه افترا *** قُلْ لِلْمُغَيَّب تَحْتَ أطباق الثَّرى

إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَرْخَتِي وَ نِدائِيا

قَدْ أَظْهَرَتْ كُلُّ الصَّحابةِ ضِعْنَها *** وَ تَعَمَّدَتْ ظُلْمي وَفِعْلاً سَنَّها(4)

وَ عَلَى وَصيَّكَ غارةٌ قَدْ شَنّها *** صُبَّتْ عليّ مَصائِبٌ لو أنّها

ص: 401


1- الثمَّ: قَبَلْ.
2- مکمد: محزون، مغموم غماً شديداً.
3- غوالي: جمع الغالية و هي الأخلاط من الطيب.
4- في كتاب البحار ج53 ص18-19: وإدخال قنفذ يده «لعنه اللّه» يروم فتح الباب، و ضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، و ركل الباب برجله حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن لستة أشهر و إسقاطها إيّاه، وهجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت ،خمارها، و هي تجهر بالبكاء و تقول: واأبتاه وارسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب و يقتل جنين في بطنها... ضغنها: حقدها.

صُبَّتْ عَلَى الأَيَّامِ صِرْنَ لياليا(1)

ص: 402


1- دیوان المرهونيات ص18.

(14) صائنة المجد

(بحر السريع)

الشيخ فاضل الصفار(*)(1)

أو لِبنْتِ المُصْطَفَى الزَّاكِيَهْ *** كَمْ لَوْعَةٍ أَمْسَتْ بها باكيهْ(2)

***

آه لَها بَعْدَ أَبيها الرَّسولْ *** دائِمَةُ الحُزْنِ عَلَيْهِ تَجُولْ

تَنْدُبُهُ طَوْراً وَ طَوْراً تَقُولْ *** يا أبتاه بالعَزا بَاقِيَهْ

***

مَقْرُوحةَ العَيْنِ عَلَيْهِ بَكَتْ *** ناحِلَةَ الجِسْمِ بِسُقْمِ قَضَتْ

زافِرَةَ الأَحْشاءِ مِمّا رَأَتْ *** لَهُفِي لها شاكِيَةً باكِيَهْ

***

لَهُفِي لَها إِذْ أَحْرَقُوا دارَها *** وَ البَضْعَةُ الزّهرا بأَخْدارِها(3)

ص: 403


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- يجوز في (لوعةٍ) هنا النصب و الجر معاً.
3- في «عوالم سيدة النساء علیها السلام» ج2 ص573 ح25 منقولاً عن «إرشاد القلوب»: «... فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب وناشدتهم باللَّه و بأبي صلي اللّه علیه و آله و سلم أن يكفّوا عنا باللّه و بأبي اللّه أن يكفوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار کالدملج، و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع و جهي. فضربني بيده حتى انتثر قرطي في أذني، و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم،...».

صائِنَةُ المَجْدِ بأَسْتَارِها *** يَا وَيْلَهُمْ مِنْ زُمْرَةٍ جانِيَهْ

***

يا لَيْتَ شِعْرِي كَمْ رَأَتْ مِنْ مُصابْ *** يُصَدْعُ الصَّخْرَ وَيُبْكِي السَّحابْ(1)

لما استجارَتْ عَنْهُمُ خَلْفَ بابْ *** فَلَمْ يُراعُوا تِلْكُمُ الهَادِيَهْ

***

لَهْفِي لها مِنْ لَوْعَةِ المِسْمَارِ *** باتَتْ بِهَا مَسْلُوبَةَ القَرَارْ

تسِحُ نُورَ الوَحْي بالإِهْدارِ *** تنزفُهُ أَضْلاعُها الزَّاكِيّهْ(2)

***

حَزِينةَ القلبِ قَضَتْ بالدموعْ *** تَنْدُبُ حقاً ضائعاً بالخُنوعْ(3)

وَ صَرْحَةُ الأعضاءِ عِنْدَ الضلوعْ *** أَمْسَتْ بها صارِخَةَ دامِيَهْ

***

إِنْ أَنسَ لاأنسى عليّاً يُقادْ *** يَأْسِرُهُ الصَّبْرُ بِحَبْلِ النَّجادِ(4)

حَيْثُ يَرى بَضْعَةَ خَيْرِ العِبادْ *** تَلْطِمُها عِقْدَاً يَدُ الطَّاغِيَهْ

***

وَكَيْفَ أَنسى لظمةَ الخُدودِ *** وَ قُرْطَها المَنْفُور فَوْقَ الجِيدِ؟

وَ ضَرْبَها وَ سَقْطَةَ الوَلِيدِ *** وَ حُمْرَةَ العَيْنِ لها ناعِيَهْ(5)

***

ص: 404


1- يصدّع: ينشق.
2- تسحَّ: تصبّ صباً غزيراً.
3- الخنوع: الذل.
4- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 نقلاً عن «كتاب علم اليقين في أصول الدين». «... ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبّباً بثوبه يجرونه إلى المسجد... و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر...».
5- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص575-576 منقولاً عن «نوائب الدهور». «أيتها الغدرة الفجرة ... فاستعدوا للمسألة جواباً، و لظلمكم لنا أهل البيت علیهم السلام احتساباً، أو تضرب الزهراء علیها السلام قهراً، وزيؤخذ منا حقنا قهراً و جبراً؟ لانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد فليت ابن أبي طالب علیه السلام مات قبل يومه فلايرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البرّة، فتباً تباً، و سحقاً سحقاً و ذلك أمر إلى الله ،مرجعه و إلى رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم مدفعه فقد عزّ على علي بن أبي طالب علیه السلام أن يسود متن فاطمة علیها السلام ضرباً و قد عُرف مقامه و شوهدت أيامه...».

بِمُهْجَتِي أَفْدِي سُقوط الجنينْ *** مِنْ لَهْفَةِ الطُّهْرِ عَلَيْهِ رَنينْ

نَوْحٌ بِدَمْعٍ ساكِبٍ أَوْ أنينْ *** في مُسْمَعِ الدَّهْرِ له حاكِيّهْ

***

لِلَّهِ رَيْبُ الدَّهْرِ فيماجَرى *** خَطبٌ فَظيع رُزُؤُهُ قَدْ سَرَى

في آلِ بَيْتِ الوَحْي خَيْرِ الوَرَى *** قُلْ لي فَهَلْ أَبقى لَهُمْ باقيهْ؟(1)

ص: 405


1- 25 صفر 1409 ه- كربلاء العراق.

(15) هي الحوراء علیها السلام

(بحر الوافر)

المهندسة كوثر شاهين

دَعُوني أَبْتَدِي حَرْفي صَلاةً *** عَلَى المُخْتارِ طه وَالوَصِيِّ

وَ لِلسِّبْطَيْنِ وَ الزَّهْرَاءِ حَرْفي *** وَ لِلْحَوْراءِ بِالدَّمْعِ السَّخِيِّ

وَ مَنْ نَزَلَتْ بِها الآياتُ تَتْرى *** وَ مَنْ فُطِمَتْ بِأَكْنَافَ النَّبِيِّ (1)

وَ مَنْ في كُلِّ فاتِحَةٍ تَجَلَّتْ *** بِأَنْوارٍ مِنَ اللَّهِ الوفيّ

و مَنْ وُلِدَتْ بِمَكَّة بَعْدَ خَمْسٍ *** وَ في الإسراء في الصُّلْبِ الزَّكيِّ

بِها حَمَلَتْ خَدِيجَةُ بَعْدَوَهُنٍ *** تُحَدِّثها مِنَ الرَّحِمِ الوَضِيّ (2)

وَ تَحْضُرُ أَرْبَعٌ سُمْرٌ طوالٌ *** وَ حُورُ العين بالطَّيبِ النَّديِّ

وَ مَاءٍ كَوْثرٍ عَذْبِ طَهُورٍ *** لِغَسْلِ بَتُولِ طة والوليِّ

وَ إِذْ نَطَقَت تَباشَرَ رُسُلُ رَبِّ *** سَلاماً طيباً باسم العَلِيِّ

وَ بالسِّبْطَينِ مِنْ بَعْلٍ كَرِيمٍ *** لِنَسْل قَدْ تَبارك بِالوَصِيَ

فأَشْهَدَتِ السَّماءَ بِلا إلهٍ *** سِوَى الرحمنِ أَنْزَلَ لِلنَّبِيِّ

بِسُورَةِ (هَلْ أَتَى) في كُلِّ بَابٍ *** سَلامُ اللهِ لِلْوَجْهِ البَهيَّ (3)

ص: 406


1- تَتْرى: متتابعة، أكناف مفرده الكنف و هو الجانب أو الظلّ حضن الإنسان و هذا الأخير هو الأنسب.
2- وَهْن: ضعف. الوضيّ: النظيف الحسن.
3- في كتاب أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص530 في حديث طويل عن ابن عباس قال في قوله تعالى: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» إنها نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام.

لِخَيْرِ النِّسْوَةِ اللأتِي اصْطَفِينَ *** مِنَ الدَّارَيْنِ بِالخُلْقِ الرَّضِيِّ

بِها بَحْرُ النُّبُوَّةِ بَحْرُ طه *** وَ بَحْرُ المُرْتَضَى الهادِي النقي

لِيَخْرُجَ مِنْهُما السِّيْطَانِ نُوراً *** وَ زَيْنُ العابِدينَ مِنَ التَّقيِّ

هُوَ البَكَّاءُ لِلْحَوراءِ يَهْدِي *** بِبَيْتِ الحُزْنِ بِالدَّمْعِ السَّخيّ

صَلاةٌ في قيام في قُعودٍ *** بِذكرِ اللَّهِ بِالقَوْلِ السَّمِيِّ

فَيا حَوْراءَ له لي صَلاةٌ *** إِلَيْكِ بِأَدْمُعِ المُزْنِ الرَّوِيِّ(1)

أجِيءُ لِرَوْضَةٍ مَابَيْنَ قَبْرٍ *** وَ مِنْبَرِ سَيِّدِ الخَلْقِ العَليّ

أُعَفِّرُ جَبْهَتِي وَأَمُدُّ كَفَي *** لأَضْرَعَ بِالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ (2)

وَ مَنْ قَدْ أَحْصَنَتْ لِلَّهِ نَفْساً *** بِقَوْلِ الحَقِّ وَ النَّهْجِ السَّوِيِّ

فَحَرّمَ نَسْلَها مِنْ لَمْسِ نَارٍ *** وَ شِيعَتَها، فَيا مَنْ بِالغَرِيِّ(3)

عَلَيْكَ سَلامُ رَبِّكَ في جِنانٍ *** مَعَ الحَوْراءِ بِالنُّورِ البَهِيِّ

فَحَيُّوا بِالصَّلاةِ مُقامَ طه *** وَ حَيُّوا بِالوِلايَةِ لِلطالبي

وَخَيْرِ الخَلْقِ مِنْ إِنسِ وَجِنَّ *** وَ بابِ العلم من بعد الهدي(4)

بهِ الآيَاتُ قَدْ نَزَلَتْ تباعاً *** و في خُمِّ وَ خَيْبَرَ مِنْ عَلِيّ

لأُمّ أبيها فاطِمَةُ البَتُولُ *** وَ وَارِثَةُ الطّهارَةِ وَ النَّبِي

قَرِينَةُ سَيْدِ الثَّقَلَيْنِ تَشْكُو *** لِرَبِّ العَرْشِ مَظْلَمَةَ الجَنِيِّ

هي الحَوْراءُ لا أَبْغِي سواها *** بِبِرَّ أَقْتَفِي نَهْجَ الرَّضيّ

قَسِيمٍ النَّارِ وَ الجنّاتِ رُوحِي *** فِداكَ أبا تُرابٍ مِنْ وَصِيِّ

ص: 407


1- المزن: المطر. الروي: الذي يروي العطاشى.
2- أعفّر: أمرغ و أدسّ في التراب.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب كنز العمال ج6 ص219: إنما سميت فاطمة علیها السلام لأن اللَّه فطمها و محبّيها عن النار. الغري: النجف الأشرف.
4- الهدي: أي النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم الهادي.

وَ مِنْ زَوْجِ لِخَيْرِ نِساءِ أَرْضٍ *** وَ في الدَّارَيْنِ بِالنُّورِ البَهِيِّ

سَلامُ اللَّهِ حَوْراءٌ لِطه *** لآلِ البَيْتِ مِنْ رَبِّ سخيّ

لِكُلِّ المُؤْمِنِينَ بِهِمْ جَمِيعاً *** أَئِمَّةِ طُهْرِ آلَاءِ العَلِيِّ

فَصلُّوا إِخْوَتي في ذكرِ أُمِّ *** هِيَ الزَّهْراءُ مِن نُورٍ الجَليِّ (1)

هِيَ الحَوْراءُ بَحْرٌ مِنْ عُلومٍ *** وَ مِنْها نَسْلُ له وَ الوَصِيَّ

مُبارَكةٌ طَهُورٌ في سماءٍ *** وَ نُورُ المُصْطَفى، أُمّ الصَّفيّ (2)

ص: 408


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج40 ص44 في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: فكلّم اللَّه جل جلاله كلمة فخلق منها روحاً، ثم تكلّم بكلمة فخلق من تلك الكلمة نوراً، فأضاف النور إلى تلك الروح و أقامها مقام العرش فزهرت المشارق و المغارب في فاطمة الزهراء علیها السلام، و لذلك سميت «الزهراء علیها السلام» لأن نورها زهرت به السموات...
2- فاطمة الزهراء علیها السلام في ديوان الشعر العربي ص345.

(16) اللَّه يحكم

(بحر الكامل)

الشيخ محسن أبو الحب (الكبير)(*)(1)

لاتَعْبسي وَجْهاً عَليَّهْ *** ما راعَ مِنْكِ القَلْبَ رَبَّهْ

كَلاً وَ لاحاوَلَتُ قُرْباً *** مِنْ منازِ لكَ القَصِيَّهْ

إِنْ تَقْرُبي أَوْ تَبْعُدي *** سيّان أَمْرهُما لديَّهْ

إِنّي لآنِفُ أَنْ يَقُولَ *** النّاسُ فيكِ هُزاً وَ فِيَّهْ(2)

شَيْءٌ عجيبٌ قَبْلَهُمْ *** شيخٌ تَعَشَّقَهَا صَبِيَّهْ

یا حَبَّذا لَوْ أَنَّ لِي *** نَفْساً مِنَ البَلوى خَلِيَّهْ

هِيَ أَقْلَقَتْ كَبِدِي وَ أَسْكَنَتِ *** القَذى في ناظِريَّهْ

يا بئسَمَا نُمْسي وَ نُصْبِحُ *** فِيهِ مِنْ فِعْلٍ وَنِيَّة

هذا عَلى هذا يَصُولُ *** و ذاكَ يُغْضِبُ ذاكَ فِيَّهْ

باللَّهِ أُقْسِمُ وَ النَّبيِّ *** وَ لَيْسَ بَعْدَهما البَنِيَّهْ

ما شاعَ في الأَرْضِ *** الفَسادُ وَ أظهَر البِدْعَ الخفيهْ

إلا الأُلى جَحدوا الوَصِيَّ *** وَ نَازَعُوهُ في الوَصيَّهْ(3)

وَهُمُ الَّذِينَ عَدَوا على *** دارِ المُطَهَّرَةِ الزَّكِيّهْ

ص: 409


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- آنفُ: أترفّع وَ أتنزّه منه أو أكرهه.
3- جحدوا: أنكروا.

جَمَعُوا لَها حَطباً و جاؤوا *** يَتْبَعُ المَغْرِيُّ غَيَّهْ(1)

لَمْ يَحْفَظُوارب السَّما *** فيها و لاحَفِظُوا نَبِيَّهْ

آلَوْا على أن لايُبقُّوا *** من بَني الهادي بَقِيَّهْ

ألقَوْمُ قَصْدهُمُ النَّبِي *** وَ مُذْ مَضَى قَصَدُوا وَصِيَّهْ

إِنْ لَمْ تُصَدِّقْ ما أقولُ *** فَسَلْ عَنِ القَوْمِ ا الثَّبيَّهْ

نَزَعُوا لَها سَهُما وَلَكِنْ *** أخطأَ السَّهْمُ الرَّمِيَّهْ

لاتَنْسَ بَضْعَةَ أَحْمَدٍ *** وَ اذْكُرْ مُصِيبَتَها ال الجَلِيّهْ(2)

إِذْ أَقْبَلَتْ َتمْشِي تَحُفُّ *** بها نِسَاءٌ هَاشِميَّهْ(3)

جَاءَتْ لتَطْلُبَ إِرْثَها *** إِذْ لَمْ تَزَلْ عَنهُ غَنِیَّهْ

لكنْ لِتُنْبي النَّاسَ أَنَّ *** النَّاسَ عَادُوا جاهليّهْ

ولعلّها تَهْدِي نفوساً *** عَنْ غَوايَتها غَوِيَّهْ

وَ دَعَتْ وَكانَ دعاؤُها *** أجْلى مِنَ الشَّمْسِ المُضِيَّهْ

فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا *** وَ كأَنَّ دَعْوَتَها خَفِیَّهْ

ياقومُ مَالَكُمُ سَكَتُمْ *** عَنْ ظُلامَتي الشَّنِيَهْ

إِرثي يَفوزُ بِهِ بَنو اللَّخْنا *** وَ يُحْبَسُ عَنْ بَنِیّهْ(4)

ص: 410


1- في كتاب العقد الفريد ج5 ص13 الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر علي علیه السلام و العباس و الزبير و سعد بن عبادة فأمّا علي علیه السلام و العباس و الزبير فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة علیها السلام، و قال له: إن أبوا فقاتلهم. فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...
2- في كتاب مسند كتاب مسند أحمد بن حنبل ج4 ص328 قال النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم: فإنّما هي فاطمة علیها السلام بضعة منّي يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها.
3- تحفَّ: تحيط بها.
4- اللخنا: اللَّخناء: المرأة منتنة المغابن و هي مطاوي الجسد. و جاء في كتاب شرح النهج لابن أبي الحديد ج16 ص274 أن أبابكر لما شهد أميرالمؤمنين علیه السلام كتب بتسليم فدك إليها فاعترض عمر قضيّته وخرق ما كتبه.

اللَّه يابن أبي قحافة *** كَمْ تَرُومُ بنا الأذيّهْ(1)

لاتَمْنَعُوني نِحْلَتي *** وَ دَعُوا حُقودَ الجاهليهْ

اللَّهُ يَحْكُمُ لي بها *** وَيَجُورُ حُكْمُكُمُ عَلَيْهْ

مَا كُنتُمُ إِلا بهائِمَ *** عِمايَتِها وَدِيَّهْ

حتّى بنا رَبُّ السَّما *** أعْطَاكُمُ هذي العَطِيّهْ

فَغَدَوْتُمُ تَجْنُوه مِنْ *** ثَمرِ العُلا فِينَا جَنِيَّهْ

لو أنَّ لي بكُمُ يَداً *** فيما أحاولُهُ قَويهْ

لَنَسِیتُمُ أَيَّامَ بَدْرٍ *** وَ الحُروبِ الأَوَّليّهْ

لَكِنَّ دَهْرِي خان بي *** قسراً وَ أَوْهَنَ سَاعِدَيّهْ(2)

هذا رَهِين التُرْبِ *** مَدفوناً وذَا رَهْنُ الرَّزية

مَنْ لِلْخِلَافَةِ مُذْ سَلَبْتُمْ *** جِيَدها الخالي حِليّهْ

هذا أبوحَسنٍ لها *** أَكْرم بهِ راعِي رَعِيّهْ

هذا عَلِيٌّ خَيْرُكُمْ *** حَسَباً وأَحْسَنُكُمْ سَجِيّهْ

مَاذَا نَقَمْتُمْ مِنْهُ وَ هُوَ أَشَدُّ *** حُكْماً في القَضِيَّهْ

يَوْمَ السَّقِيفةِ ما خَلَقَتْ *** على الوَرى إِلا بَلِيَّهْ

ما كانَ أَدْهى مِنْكَ *** يَوْمَ مُحَرَّم في الغاضريهْ

أَنْتَ الَّذّي البَسْتَ ثَوْبَ *** الشُّكل فاطمَةَ الرَّضِيّهْ

کَم لَيْلَةٍ باتَتْ وَ لَيْسَ *** سِوَى الحنينِ لها خَشِيّهْ

حَتَّي إذا ماتتْ وما *** ماتَت مكارِمُها السَّنِيّهْ

بأَبى الّتي دُفِنَتْ وَ عُفّيَ *** قَبْرُها السامي بَقِيّهْ

ص: 411


1- تروم: تقصد.
2- أوهن: أضعف.

دُفِنَتْ وَ بَيْنَ ضُلوعِها *** آثارُ ضَرْبِ الأَصْبَحِيَّهْ

يَا بِنْتَ خَيْرِ العَالَمِينَ *** وَ صَفْوَةِ اللَّهِ الصَّفيّهْ

أرجوكِ لی غَوْثاً *** إِذا مَدَّ الزَّمانُ يداً إِليهْ

وَ لِحَاجَةٍ أَوْفاقةٍ *** لايَشْمُت الأعدَاءُ بِيَّهْ

ص: 412

(17) في كربلا فاطم علیها السلام

(بحر البسيط)

الأستاذ محمد أحمد الشاخوري

فِي كَرْبَلا فَاطِمٌ فَرْحَى أَمَاقِيها *** تَنْعَى حُمَاةَ حُمَاةٍ ذُبحوا فِيها(1)

تَبْكِيهِمُ وَ تَقُولُ اليَوْمَ وَاحُزْنِي *** أَيْنَ النَّبِيُّ أَبِي يَأْتِي يُوَارِيها(2)؟

وَ أَيْنَ بَعْلِي أَمِيرُالمُؤْمِنِينَ؟ مَضَى *** وَ خَلِّفَ الوُلدَ صَرْعَى فِي بَرَارِيها

آهٍ عَلى جُتَثٍ بِالطَّفِّ قَدْ قُطَعَتْ *** رُؤُوسُها وَ هَجِيرُ الصَّيْفِ يَصْلِيها(3)

آهٍ عَلَى جُتَثٍ فِيها الْقَنَا لَعِبَتْ *** وَ أُرْكِزَتْ مَاضِياتٌ فِي تَرَاقِيها(4)

آهٍ عَلَى فِتْيَةٍ صَرْعَى وَكَانَ بِهَا *** لِلدِّينِ وَ الحَقِّ قَدْ نَادَى مُنَادِيها

حُزْناً عَلَيْهَا وَ مَا الأَحْزَانُ مُبَرِدَةٌ *** غَلِيلُ قَلْبٍ عَطُوفٍ غَيْرِ سَالِيهَا(5)

يا فِتْيَةً ذُبِحَتْ فِي كَربلا وَثَوَتْ *** عَلَى الْوُجُوه عَرَايَا فِي صَحَارِيها

بِنْتُمْ فَبَانَ لَكُمْ سَلْوَانُ فَاطِمَةٍ *** وَ لاَعِجُ الوَجْدِ بِالأَشْجَانِ يُشْجِيها(6)

ص: 413


1- القرح: الجرح، و قرحى: مجروحة.
2- يواريها: وارى يُواري تؤريةً الشيء: أخفاه ، وتَوارَى الشيءُ استتر.
3- الهجير: شدة الحر في نصف النهار من الصيف و الهجير أيضاً: ما بين الكوفة و البصرة.
4- القنا: الرماح. تراقيها: التَرّقوة: مقدَّم الحَلْق في أعلى الصدر حيث يترقّى فيه النفس. ماضيات: الماضيات و المواضي: السيوف.
5- الغليل: هو العطشان عطشاً شديداً، العطش الشديد.
6- بنتم فبان: بان ظهر و اتَّضَح، و بان: انقطع و فارق. سُلوان: سلا سَلواً و سُلُّوا و سُلْواناً و سَلِيَ الشيء عنه: نسيه طابت نفسه عنه و ذهل عن ذكره و هجره. اللاعج: الهوى المحرق. الوجد: الحزن. الأشجان: مفردها شجن و هو الهم والحزن. يشجيها: يحزنها.

يَا نَازِلِينَ عَلَى الْبَوعًا مَلاَبِسُهُمْ *** فَيْضُ النُّحورِ الْجَوَارِي وَيْل مُجْرِيها

هَلْ عِنْدَكُمْ خَبَرٌ مِنْ أُمِّكُمْ؟ فَلَقَدْ *** مِنْ رُزْهِكُمْ فِي الْعَزَا شَابَتْ نَوَاصِيها

تَكَادُ حِينَ تُنَاجِيكُمُ ضَمَائِرُها *** يَقْضِي عَلَيْهَا الأَسَى لَوْلاَ تَأْسِّيها

حَالَتْ لِفُقْدَانِكُمُ أَيَّامُهَا فَغَدَتْ *** سُوداً وَكَانَتْ بِكُمْ بيضاً لَيَاليها(1)

إِنَّ الزَّمَانَ الَّذِي قَدْ كَانَ يُضْحِكُها *** أُنساً بِقُرْبِكُمُ قَدْ عَادَ يُبْكِيها

تَقُولُ وَاحُزْنِي، بَلْ آهِ وَاحْسَنِي *** هَذَا حُسَيْنِي قَتِيلٌ فِي فَيَافِيها

هَذَا حُسَيْنِي رَضِيضُ الصَّدْرِ مُنْجَدِلاً *** تَسْفُو عَلَى جِسْمِهِ الْعَارِي سَوَافِيها(2)

مَنْ يَكْسِبُ الأَجْرَ يَأْتِي بِالسَّرِيرِ إِلَيَّ وَمَنْ *** إِلَى الصَّلاةِ يَقُمْ سَرْعاً يُصَلِّيها؟

وَ مَنْ مِنَ الآلِ وَ القُرْبَى يَوْمِ لِكَيْ *** فِي قَبْرِها رَحْمَةً مِنْهُ يُوَارِيها؟

ومنها:

تَبْكِي عَلَى فِتْيَةٍ كَانَتْ مَجَالِسُهُمْ *** أَنْوَارَتِمُ بِها تُجلى دَياجِيهَا(3)

تَبْكِي مَصَابِيحُ نُورِ اللهِ قَدْ خَمِدَتْ *** أَنْوَارُها وَنَعَى الأَكْوَانَ نَاعِيها(4)

بُعْداً لِقَوْمٍ دَعَتْ سَادَاتِها غَرَضاً *** لِنَبْلِها وَ رُفاتاً مِنْ مَدَاكِيها(5)

سُحْقاً لِقَوْمٍ دَعَتْ بِالطَّفِّ سَادَتَها *** غَرِيبةً تَرْتَوِي مِنْها مَوَاضِيها

ص: 414


1- فغدَت: تحولت وصارت.
2- منجدلاً: مطروحاً على الأرض. تسفو: من سفت الريح التراب: ذرته أو حملته فهي سافية، جمعها سافيات و سواف.
3- دياجيها: ظلماتها.
4- خَمِدَتْ: خَبَتْ و انطفأ نورها.
5- غَرَضاً: هنا بمعنى هدفاً.

(18) أم الحسين علیها السلام

(بحر البسيط)

الشيخ محمد بن أحمد آل

عصفور

أَيْنَ الشَّفِيقُ عَلَى الزَّهْراً يُوَاسِيهَا *** فِي نَوْحِهَا وَنَعَاهَا فِي غَوَالِيهَا(1)؟

وَ يَبْدُلُ العُمْرَ وَقْفاً لِلبُكَاءِ عَلَى *** أُمِّ الحُسَيْن فَقَدْ جَزَّتْ نَوَاصِيهَا(2)

قَدْ خَانَهَا الدَّهْرُ كَيْداً فِي أَطَائِبِهَا *** وَافَجْعَتَاهُ لَهَا قُومُوا نُعَزِّيهَا(3)

وَ يَجْعَلُ العُمْرَ دَأْباً وَالنِّياحَ عَلَى *** تِلْكَ الحَزِينَةِ إِنْ كُنَّا نُوَالِيها

تُبْدِي الحَنِينَ مِنَ القَلْبِ الحَزِينِ عَلَى *** فَقْدِ الْبَنِينَ وَ مَا جَفَّتْ أَمَاقِيهَا(4)

تُبْدِي الصُّرَاخَ كَمَا تَنْعَى الحَمَامُ عَلَى *** فَقَدِ الْفِرَاحَ وَ مَا تَفْنَى نَواعِيها

لَمْ يُوفِهَا الدَّهْرُ شَيْئاً مِنْ أَطَائِبِهَا *** مَفْجُوعَةٌ قَلْبُهَا قَرْحَى أَمَاقِيهَا(5)

عَاشَتْ عَلَى غُصَص تُبْدِي نَوَادِبَهَا *** لَمْ يَتْرِكِ الْبَيْنُ شَخصاً مِنْ ذَرَارِيهَا(6)

يَكُوا لَهَا إِذْ أَتَتْ بِالطَّفْ زَائِرَةٌ *** مَعْ نِسْوَة نُكَلٍ كُلِّ تُعَزّيها

ص: 415


1- غواليها: الدواهي، البلايا المنايا.
2- جزتْ: الجز هو القطع، و الجِزَة: ما يُجَزُّ من صوف الشاة. فيصير المعنى هنا انها علیها السلام نتفت شعر رأسها حتى قطعت بعض خصلات شعرها سلام الله عليها.
3- أطائبها: يريد به جمع أطايب و أطياب مفردها طيب.
4- تُبدي: تُظهر أماقيها: يقصد ما جفّت دموع عيونها و الأماقي هي زاوية العين من طرف الأنف التي ينزل منها الدمع.
5- فرحى: مجروحة.
6- ذراريها: أولادها و نسلها.

تَبْكِي عَلَى نَجْلِهَا وَالشَّعْرَ نَاشِرَةٌ *** وَ الجَيْب مَازَقَةٌ تُنْشِي مَرَاثِيهَا(1)

يَا سَاكِنَ الطَّفْ وَالغَبْرَاءِ مُرْتَهَناً *** بِالرَّغْمِ فِيكَ العَدا أَمْضَتْ مَوَاضِيها(2)

لاقَوْكَ مُنْفَرِداً أَلْقُوكَ مُنْصَرِعاً *** تَسْفِي عَلَى جِسْمِكَ السَّامِي سَوَافِيها(3)

أَرْدَوْكَ يَا وَلَدِي مِنْ غَيْرِ مَا سَبَبٍ *** وَ رَكَّبُوا رَأْسَكَ العَالِي عَوَالِيهَا(4)

آهٍ عَلَيْكَ وَ مَا وَافَاكَ حَيْدَرَةٌ *** يَوْمَ الظُّفُوفِ لَأَفْنَى كُلَّ مَنْ فِيهَا

قرمُ الحُرُوبِ وَمَنْ تُحْمَد مَوَاهِبُهُ *** لَكِنَّ قَبْلَكَ أَرْدَاهُ مُرَادِيهَا

یَعْزُزُ عَلَى شُبَّرٍ يُبْصِركَ مُنْجَدِلاً *** تَجْرِي عَلَى صَدْرِكَ العَالِي مَدَاكِيهَا

أَوْدَاهُ بَعْدَ أَبِيهِ السُّمُّ وَاحْزَنِي *** مِنْ كَفْ جَعْدَةَ قَدْ خَابَتْ أَمَانِيهَا(5)

یَعْزُزُ عَلَى أَمكُم صُنْعَ العَدَاةِ بِكُمْ *** يَا طَالَ مَا سَهَرَتْ فِيكُم لَيَالِيهَا(6)

يَا غَائِبِينَ وَ مَنْ أَبْكَتْ مَصَائِبُكُمْ *** عَيْنِي وَ صَارَتْ بِكُمْ قَرْحَى أَمَاقِيهَا

عُودُوا عَلَى أُمِّكُمْ بَعْدَ الشَّتاتِ عَسَى *** تَشْفِي الغَلِيلَ فَقَدْ ضَاقَتْ مَسَاعِيهَا(7)

عُودُوا عَلَيَّ لَعَلِّي عِنْدَ رُؤْيَتِكُمْ *** تَقِرُّ عَيْنِي وَ نَارَ الوَجْدِ أُطْفِيهَا(8)

عُودُوا عَلَى أُمِّكُمْ فَالْحُزْنُ أَنْحَلَها *** بَعْدَ الفِرَاقِ وَقَلَّ اليَوْمَ وَالِيهَا

أَوْ حَشْتُمُونِي وَمَا عُودْتُ هَجْرَكُمْ *** فَمَنْ لأَمكُمُ النَّكْلَى يُسَلِّيها

يَا رَاحِلِينَ قِفُوا لِي كَيْ أَوَدْعَكُمْ *** تِلْكَ العُهُودُ الَّتِي كُنّا نُوَافِيهَا

وَ كَيْفَ تَهْنَى لِيَ الدُّنْيَا وَ بَهْجَتُهَا *** لَمَّا رَحَلْتُمْ عَنِ الدُّنْيَا وَ مَنْ فِيهَا

ص: 416


1- الجيب: الثوب مازقة: ممزّقة.
2- مرتهناً: رهيناً محتجزاً. أمضت: هنا بمعنى اغرسَتْ او طعنت مواضيها: سيوفها.
3- تسفي: تذر و تبعثر. سوافيها: ذرات رمالها. أو رمالها و ترابها.
4- أرْدَوْك: طرحوك أرضاً قتيلاً. عواليها: يقصد الرماح.
5- أوداه: بمعنى أرواه: أي أماته.
6- يعزز: يصعب يشق. العُداة: الأعداء المعتدون.
7- الشتات: التشتت والفراق.
8- الوجد: الحزن لفقد الحبيب.

لَمْ تَهْنَ لِي لَذَّةٌ مِنْ بَعْدِ رُزْنِكُمْ *** بَدَلْتُمُ حَيَاتِي بِالمُرُ حَالِيها

يَا قَاتِلِي وَلَدِي أَوْجَعْتُمُوا كَبِدِي *** مَا جُرُمَتِي عِنْدَكُمْ حَتَّى أَوَافِيهَا؟

مَنْ ذَا يُسَاعِدُنِي بِالرزْء فِي وَلَدِي *** وَ يَكْسِبُ الأَجْرَ فِي المَقْتُولِ هَادِيهَا؟

رَبَّيْتُهُ وَ بَذَلْتُ الجُهْدَ مِنْ شَغَفِي *** وَ قُلْتُ يَبْقَى لأَيْتَامِ يُوَالِيهَا

مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الدَّهْرَ يَحْسِدُنِي *** فِيمَنْ أُحِبُّ فَيَا شَوهاً لِجَانِيهَا

أفْدِيكَ يَا وَلَدِي عَظشَانَ مُلْتَهفاً *** تَرْنُو الفُرَاتَ وَ لَمْ تَسْطِعْ تُوَافِيهَا(1)

آهٍ عَلَيْكَ وَقَدْ عَزَّ النَّصِيرُ وَ مَا *** تَلْقَى سِوَى البَتْرَ لِلأَعْدَا تُصَالِيهَا

حَتَّى رَمَوكَ عَلَى البَوْغَاءِ مُنْجَدِلاً *** يَا لَيْتَ أُمَّكَ تَحْتَ البَتْرِ تَبْرِيهَا(2)

رُوحِي فِدَاكَ وَمَا أَلْقَاكَ مُنْصَرِعاً *** وَ الشِّمرُ بِالسَّيفِ لِلأَرْوَاحِ يَفْرِيهَا(3)

يَا رَاكِبَ الصَّدْرِ رِفْقاً بِالحُسَيْنِ فَقَدْ *** أَوْجَعْتَ قَلْبِي بَلْ أَغْضَبْتَ بَارِيها

يَعْزُزُ يعزز عَلَى جَدّكَ المُخْتَارِ یا وَلَدِي *** تَأْوِي القِفَارَ وَ ثَاوِ فِي بَرَارِيهَا

مَنْ كَانَ بَعْدَكَ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَمَنْ *** يُولِي القُرَى وَمَنْ لِلصُّحُفِ تَالِيهَا(4)؟

مَنْ كَانَ يُؤْنِسُها بِالذِّكْرِ فِي سَحَرٍ *** أَوْ كَانَ فِي المِحَنِ الشَّنْعا يُسَلِّيهَا؟

قَدْ كُنتَ مَفْزَعَها حِيناً يَلُمُ بِهَا *** ضُرُّ الزَّمَانِ وَمَا شَحُصُ يُعَادِيها

وَ اليَوْمَ يَا وَلَدِي بِالقَهْرِ تَأْسُرُهَا *** شَرُّ الأَنَامِ وَ مِنْ حُليّ تُعَرِّيهَا

لَهَفِي لِزَيْنَبٍ مِنْ حُزْنٍ وَ مِنْ كَمَدٍ *** تَدْعُو بِفَاطِمَةِ الصُّغْرَى تُنَادِيهَا

يَا بِنْتُ قومي إلى الْمَوْلَى نُوَدِّعُهُ *** حَانَ الرَّحِيلُ وَقَدْ نَادَى مُنَادِيها

هَاكِ الدَّوَاءَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ *** مِنْ ذِي الجُرُوح الَّتِي فِيهِ وَ دَاوِيهَا

ص: 417


1- ترنو: هنا بمعنى ترى و تُبصر و تتوقع. تسطع: تستطيع. تُوافيها: تصل إليها.
2- البَوْغاء: ما ثار من الغبار والتراب.
3- يَفْريها: يقطعُها وَ يَشُقُها، و هنا بمعنى ينتزعها أو يُزهقها.
4- تاليها: يتلو لها و يقرأها من التلاوة و القراءة.

قَالَتْ أَيَا عَمَّتَا كَيْفَ العِلاجُ؟ وَ قَدْ *** شِيلَ الكَرِيمُ عَلَى أَعْلَا عَوَالِيهَا(1)

وَالكَفُّ مُنْقَطِع وَالصَّدْرُ مُنْصَدِعٌ *** قُومِي إِلَى جُنَّةِ العَارِي نُوَارِيهَا

لِلَّهِ كَمْ جُنَثٍ مِنْ غَيْرِ مَا جَدَثٍ *** تَسْدُو عَلَيْهَا الظَّبا وَ الشَّمْسُ تُبْلِيهَا(2)

وَ الطَّيْرُ يَفْرُسُهَا وَالوَحْشُ يُؤنِسُهَا *** وَ الثَّرْبُ مَلْبَسُهَا وَالحَرُّ يَصْدِيها(3)

حَتَّى حُمِلْنَ عَلَى الأَقْتَابِ عَارِيةً *** تَرْنُو هُنَاكَ لَهَا شَزْراً أَعَادِيهَا(4)

يَا سَائِقَ الطَّعْن بالأَسْرَى يُعْنِفُهَا *** سَيْراً تَرَفَّتْ بِهَا بِاللَّهِ حَادِيها

رِفْقاً فَفِي الرَّكْبِ أَوْلادِي فَوَاحَزَنِي *** لَمْ يَكْفِكُمْ مَا فَعَلْتُمْ فِي مَوَالِيهَا(5)

قَتْلَى وَأَسْرَى عَلَى الأَقْتَابِ تَحْمِلُهُمْ *** أَمَا مُحَمَّدٌ فِي الأبنا يُوصِيهَا

أَيُجْمَعُ الشَّمْلُ مِنْ هِنْدِ وَقَدْ مَلَأَتْ *** كُلَّ الفِجَاجِ وَمَا شَخْصٌ يُعَادِيهَا(6)؟

وَ وُلْدُ حَيْدَرَةٍ شَتَّى وَقَدْ صَرَعَتْ *** مِنْهَا العِدَاةُ لُيُوناً فِي صَحَارِيهَا

وَ وُلْدُ أَهْل الْخَنَا فِي الدُّورِ نَازِلَةً *** جَمْعاً وَدُورِي خَوَالٍ مِنْ أَهَالِيهَا

فَفْرَاءُ مُوحِشَةً بَعْدَ الأنيس وَ مَا *** فِيهَا سِوَى البُومُ سَكْنَى فِي نَوَادِيهَا(7)

يَا أُمَّةً رَضِيَتْ قَتْلَ الحُسَيْنِ وَ قَدْ *** أَرْضَتْ يَزِيدَ الْخَنَا خَابَتْ مَسَاعِيهَا

مَا زَالَ لَعْنُ عَلَيْهَا اللَّهُ يُرْسِلُهُ *** وَ فِي عَذَابِ سَعِيرِ النَّارِ يُلْقِيهَا

يَا شِيعَةً جَعَلُوا عَقْدَ الوَلاَءِ لَهُمْ *** دِرْعاً مِنَ النَّارِ قَدْ فُرْتُمْ وَ بَارِيهَا

بِنْتَ النَّبِيِّ أَتَاكِ القِنُ مُلْتَجِئْاً *** يَا رَحْمَةَ اللَّهِ مَنْ يَرْجُو مُرجِيهَا(8)

ص: 418


1- شيل: مبني للمجهول من شال يشيل أي يرفعه على الشيء، أو من مكان إلى مكان.
2- الظبا: مفردها الظُبَة و هي حد السيف أو السنان.
3- يصديها: يسبب لها العطش أو الظمأ: يُعطشْها.
4- الاقتاب: جمع قُتُب: الرحل الذي يُشَدُّ على البعير.
5- مواليها: جمع مولى والمراد هنا المولى مولى القوم وسيدهم و والي أمورهم.
6- الفجاج: الأماكن وربما البعيدة منها مفردها فَج.
7- قَفْراء: خالية لا سكن فيها ولا ساكن يقطن فيها . فهي موحشة.
8- القن: عبدٌ مُلِكَ هو وابواه اقْتَنَّ: اتخذ قُنا و القُنّ هو الجبل الصغير. و الظاهر أن المعنى الأول هو المراد.

لاَتَتْرُكِينِي لَدَى نَارِ الوُقودِ لِقى *** حَاشَا مُحِبِّكِ تُؤْذِيهِ أَفَاعِيها

إِنِّي رَقَدْتُ إِذَا شَخْصُ [...] *** لَمَّا شَكَرْتُ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا

يَقُولُ إِنَّكَ مِنْ خُدام فَاطِمَةٍ *** بَعْدَ المَمَاتِ فَلَايَخْشَىٰ مُوَالِيهَا

إِلَيْكَ مِنِّي عَرُوساً قَدْ نَشَتْ وَنَمَتْ *** فِي الهِنْدِ لَكِنْ بِكُمْ دَابَاً أَزَكيها

إِنِّي بِكُمْ أَرْتَجِي وَضْعَ الذُّنُوبِ مَعاً *** وَالسَّامِعُونَ قَصِيدِي ثُمَّ قَارِيها

إنِّي أُومِلُ بِالمُخْتَارِ يَشْفَعُ لِي *** يَوْماً يَكُونُ عَلَى الْجَنَّاتِ وَاليها

حَاشَاهُ يَحْرِمُنِي يَوْماً أَلُوذُ بِهِ *** وَ المُؤْمِنُونَ بِهِ كُلُّ يُرَجِّيها

وَ كَيْفَ يَطْرِدُنِي وَ الفَضْلُ شِيمَتُهُ *** أَمْ هَلْ تَضِيق بِعُصْفُورٍ يؤاويها

صَلَّى اللهُ عَلَى المُخْتَارِ رَحْمَتَهُ *** وَآلِهِ مَا حَدَى بِالعِيسِ حَادِيهَا

ص: 419

(19) يا باب فاطمة علیها السلام البتول

(بحر الكامل)

الشيخ محمد جمعة(*)(1)

(يا راكباً هَيْماءَ مِرْقا *** لأجُسُوراً شَدْقَميَّهْ)(2)

باللَّهِ إِنْ جُزْتَ الحِجا *** زَوجِلتَ هاتيك الثَّنِيَّهْ(3)

عَرِّج على مَهْوى النُّبُوَّةِ *** وَ الإمامَةِ والوَصِيّهْ

وَ امْرُرٌ عَلَى بَيْتِ البَتُولِ *** وَ مَوْثِلِ الشَّرَفِ العَلِيَّهْ(4)

وَ انْشُرْ حَديث البابِ *** وَ اتْلُ رُزْهُ سَمعَ الزَّكيّهْ

يا باب فاطِمَةَ البتولِ *** و ما شَهِدْتَ مِنَ الرزيَّهْ

ص: 420


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- هَيْماء: المفازة لاماء فيها. مرقاً: يقال «امترق الشيء» أي مضى و نفذ سريعاً. شدقميَّة: واسعة الشِدْقين و شدق الوادي ناحيته.
3- الثنية: المنعطف.
4- في كتاب ينابيع المودة ص260 عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: وإنما سميت فاطمة علیها السلام (البتول) لأنها تبتلت من الحيض و النفاس. و في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام، محمد علي دخيل ص171، قال الدكتور علي إبراهيم حسن: و حياة فاطمة علیها السلام هي صفحة فذة من صفحات التاريخ نلمس فيها ألوان العظمة فهى ليست كبلقيس أو كليوبترة استمدت كل منهما عظمتها من عرش كبير و ثروة طائلة و جمال نادر... و هي ليست كعائشة نالت شهرتها لما اتصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش وتتحدى الرجال... ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة ، و الجلالة حكمة ليس مرجعها الكتب و الفلاسفة والعلماء، وإنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجآت... و جلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء وإنما من صميم النفس.

قَدْ كُنْتَ باباً للمُصابِ *** بِيَشْرَبِ لِلْغاضِرِيَّهْ(1)

أَوَ ما شَجاك دماؤُها *** سالَتْ كَمِیزابِ جَرِيَّهْ؟

وَ بِعَتْبَةٍ زُهِقَ الجنينُ *** وَذاقَ لَوْعاتِ المَنِيّهْ(2)

مَهَّدْتَ أَنْواع المصابِ *** لآلِ حربٍ أَوْ أُمَيَّهْ

فيكسرِ ذاكَ الضّلْعِ *** رُضَتْ أَضْلُعٌ بالأَعْوَجِيَّهْ(3)

وَ بِذَلِكَ مِسْمَارِ قَدْ *** ساَلَتْ دماء الفاطميهْ

لُطِمَتْ على الخَدَّ الأَسيلِ *** فكَمْ تُقاسِي مِنْ بَلِيّهْ(4)

لُطِمَتْ بِمَحْضَرِ صاحِبِ *** النَّفْسِ المُعزَّزَةِ الأَبِيَّهْ

لُكِزَتْ بِغِمْدِ السَّيْفِ *** فَانْتدَبَتْ إلى خَيْرِ البَرَيّهْ(5)

وَ دِماؤُها قَدْ خَضَّبَتْ *** باب الإمامةِ وَ الوَطِيّهْ(6)

یا باب فاطِمَ قَدْ أَحَلُتَ *** صباحَهَا سُودَ المَسِيّهْ

أَذْبَلَتْ زَهْرَةَ عُمْرِهَا *** لَم تَبْتَسِمْ حَتَّى المَنِيّه

ص: 421


1- يثرب: المدينة المنوّرة الغاضرية كربلاء المقدسة.
2- لوعات: حرقات الهوى والحزن والوجد. في كتاب الوافي بالوفيات ج5 ص347: أن عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام یوم البیعة حتی ألقت المحسن من بطنها.
3- في كتاب سليم بن قيس ص40 في حديث طويل: و كان قنفذ «لعنه اللّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط -حين حالت بينه وبين زوجها- و أرسل إليه عمر: إن حالت بينك و بينه فاطمة علهیا السلام فاضربها فألجأها إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها...
4- الأسيل: اللين، المستوي و في كتاب البحار ج53 ص18-19. في حديث طويل عن الصادق علیه السلام: و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد و صفقة خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها و هي تجهر بالبكاء وتقول واأبتاه وارسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم ابنتك فاطمة علیها السلام تكذب و تضرب، و يقتل جنين في بطنها...
5- في كتاب سليم بن قيس ص36-37 ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام و صاحت يا أبتاه يا رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم فرفع عمر السيف و هو في غمده، فوجأ به جنبها...
6- الوطية: الأرض.

باتتْ مُعَصَّبَةَ الجَبِينِ *** وَ عَيْنُها تَهْمِي سَخِيّهْ

وَ أَحَلْتَ أيّامَ الأَئِمَةِ *** كُلَّهُمْ رُزُءاً عَزي عَزِيهْ

وَ نَحَرْتَ أفراحَ النَّبِيِّ *** وَ آلَهُ بالمش وَآلَهُ بالمَشْرَفِيّهْ(1)

ص: 422


1- المشرفية: السيوف المشرفية و هي المصنوعة في قرية المشارف من قرى الشام و قيل: اليمن.

(20) السمات الفاطمية

(بحر الرمل)

الأستاذ محمد طاهر حسين جلواح

يا مُزُونَ النَّسَمَاتِ الْفَاطِمَيَّة *** رَطْبِي تِلْكَ الْقُلُوبَ الْحَجَرِيَهْ(1)

رَطَّبِیها بِغَزِيرِ الْمَاءِ حَتَّى *** يَرْتَوِي الْمَاءُ وَتُروى الْبَشَرِيَّهْ(2)

صَدِئَتْ مُنْذُ قُرُونِ وَتَهَاوَتْ *** وَ تَهَاوَى مَجْدُها وَالأَبْجَدِيَّهْ

شُغِلَتْ فِي تُرَّهاتٍ وَاسْتَرَاحَتْ *** لِهَبَاءِ الْهَرْجُ فِي كُلِّ قَضِيَّهْ(3)

جُعِلَتْ لِلنَّوْمِ عُمْراً... دُونَ لَيْلٍ *** خُصَّ لِلنَّومِ... فَنَامَتْ سَرْمَدِيَّهْ(4)

إِجْعَلِيها يَا مُزُونَ الطُّهْرِ.. طُهْراً *** وَاغْسِلِيها مِنْ تَفَاهَاتٍ غَبِيَّهْ

هُزِّي مِثْلَ الأَرْضِ إِذْ تَهْتَزُّ شَوْقاً *** حِينَ تَهْمِي السُّحُبُ الْحُبْلَى الْهَمِيَّهْ(5)

إِغْضَبِي لِلشَّعْرِ فِي سَاحِ الْقَوَافِي *** كَيْفَ صَارَ الشَّعْرُ سُوقاً... بَرْبَرِيَّهْ؟

(فَرْنَجُوهُ) أَوَّلُوهُ قَطَعُوهُ... *** صَادَرُوهُ نَزَعُوا مِنْهُ . . الشَّظِيَّهْ(6)

انْظُرِيهِ بَاكِياً فِي كُلِّ يَوْمٍ *** بَعْدَ أَنْ أَبْكَى مُلوكاً وَ رَعِيَّهْ

ص: 423


1- المزون: جمع مزنة: الغيوم الممطرة.
2- بغزير: بكثير بوافر.
3- الهَرْج: الفتنة و الاختلاط و الهِرْج بالكسر: الأحمق، الضعيف من كلِّ شيء.
4- السَرْمد: الدائم. لَيْلٌ سَرْمَدٌ طويل ، السَّرْمدي: ما لاأول له و لاآخر.
5- تهمي: تَصُبُّ أو تسيل أو تمطر والهميَّة: الضالة التائهة.
6- فَرْنَجُوهُ: جعلوه إفْرَنجياً أي ،فَرَنسياً، والإفرنج هم الفرنسيون. الشظية: يريد أنهم نزعوا منه ساقَهُ و جعلوه بلا قوائم و أصول. فالشظية هى عظم الساق.

هَا هُوَ الشَّعْرُ غَدَا لُعْبَةَ عَاثٍ *** مِثْلَمَا عَاثَ بِبَحْرِ الْعَرَبِيَّهْ(1)

اغْضَبِي لِلْحُبُ قَدْ جَاءَ بِجَلْدٍ *** يَحْمِلُ الْغِلَّ... بِأَيْدِ عَاطِفِيَّهْ(2)

وَ يَمِيناً لِلرِّعَابِ السُّودِ تُرْمَى *** وَ جُسُوراً لِلنَّوَايا(التَّتَرِيَّه)(3)

إغْضَبِي لِلحُبِّ قَدْ جَاءَ بِجَلْدٍ *** يَحْمِلُ الْغِلَّ بِأَيْدِ عَاطِفِيَّهْ

آهٍ... يَا نِعْمَةَ وَهَّابِ الْعَطَايَا *** آهِ يَا أَجْمَلَ إِحْسَاسِ الْبَرِيَّهْ

آهِ يا حُبًّا غَدًا (نُكْتَةَ) لاءٍ *** بَعْدَكِ الْعُمْرُ لَيَالٍ هَا مِشِيَّهْ(4)

إِغْضَبِي لِلأَرْضِ فِي كُلِّ الزَّوَايَا *** تَنْقُصُ الأَرْضُ وَ لَمْ تُبْقِ بَقِيَّهْ

قُلْتُ لِلأَرْضِ: أَهْنِيكِ سَلاماً *** قَالَتِ الأَرْضُ: سَلامَ الهَمَجِيَّهْ

قُلْتُ لِلأَرْضِ: أهنيك... يساراً *** قَالَتِ الأَرْضُ: يَسَارَ الشَّغَبِيَّهْ

قُلْتُ يَا أَرْضُ: أَمِيطِي عَنْ هُمُومٍ *** قَالَتِ: الْجَهْلُ وَ أَمْرَاضٌ خَفِيَّهْ

اِغْضَبِي لِلْحَقِّ مَسْلُوباً مُغَطَى *** يَدَّعِيهِ الْكُلُّ... حَتَّى الْوَثَنِيَّهْ

كُلُّ حِزْبٍ فَرح... فيما لَدَيْهِ *** وَ سِوَاهُ فِي الْجَحِيمِ الأَبَدِيَّهْ

يَا مُزُونَ البَضْعَةِ الزَّهْرَا أَطِلِّي *** إِنْ تَطلي... فَلَقَدْ حِزتِ البَغِيَّهْ

يَا بُنَةَ الْهَادِي و َيَا مِحْوَرَ فِكْرٍ *** أَشْعِلِي دَيْجُورَنَا شَمْساً مُضِيَّهْ

ص: 424


1- عاثٍ: من بالغ في الفساد أو الكبر أو الكفر فهو عاث. و تأتي بمعنى عابث أيضاً. و عاثَ عُثوَّاً: أي بالغ في الفساد أو الكفر أو الكبر.
2- الغِلِّ: الحقد و الغش والغُلّ بالضم: طوق من حديد أو جلد يُجعلُ في اليد أو العنق.
3- الرِّغاب: مفردها الرغيب: الواسع الجوف من الناس وغيرهم.
4- النكتة: النقطة السوداء في الأبيض أو البيضاء في الأسود. الأثر الحاصل من نكتِ الأرض، شبه الوسخ في السيف والمرآة ونحوهما. و النكته أيضاً: المسألة الدقيقة أُخرجت بدقة نظر وامعان فكر. و النُّكته أيضاً: الجملة اللطيفة تؤثر فى النفس انبساطاً. و لَعلَّ الشاعر يريد المعنى الأخير أو ما يشبهه و هي حكاية مختصرة يأتي بها المتحدث ليُضحك بها الآخرين أو قل هي جملة يُراد منها اضحاك الآخرين و لعلها تدخل في باب اللهو لذلك قال (نكتة لاهٍ) و اللاه هو اسم فاعل من لها يلهو لَهْواً فهو لاه. هامشية الهامش: حاشية الكتاب.

(مَسَّنا الضُّرُ) وَ أَثْقَالُ وَ دَهُرٌ *** وَ (اسْتِمانات) لإِثْبَاتِ الْهَوِيَّهْ(1)

أَرْشِدِينا إِنَّنَا حَقَّاً... حَيَارَى *** قَرِّبِينَا... لِلدِّيَارِ الْعَلَوِيَّهْ

أخَذَتْنَا (بَهْرَجَاتٌ) فَاتِنَاتٌ *** مُهْلِكَاتٌ عَنْ تَعَالِيم سَنِيَّهْ(2)

حَرَفَتْنا نَحْوَ بَحْرِ طَلْسَمِيٍّ *** كَيْفَ نَنْجُو مِنْ بُحُورٍ طَلْسَمِيَّهْ؟

بَيْنَ... أَحْلامِ، وَصَوْتٍ فَزَجِيِّ *** وَ حُرُوفِ تَسْلِبُ العَيْنَ الجَلِيهْ

ثُمَّ آمالٍ، وَ قَمْعِ وَ انْتِقَاصٍ *** وَ ابْتِسَامَاتٍ وَ جَلْدٍ وَ أَذِيَّهْ

يَا بْنَةَ الْهَادِي وَيَا أُمَّ أَبِيهَا *** طِبْتِ يَا سَيْدَتِي... نَفْساً زَكِيَّهْ(3)

اعْذُرِينِي إِنْ بَدَتْ مِنِّي هُمُومٌ *** وَ مَآسٍ وَأَحَادِيتٌ شَجِيَّهْ

طَابَ يَوْمٌ لَكِ يَنْسَابُ رَذاذاً *** نَاعِماً كَالهَمْس فِي أُذُنِ صَبيَّهْ

نَاعِماً كَالْبَرَدِ الْغَافِي بِسَفْحٍ *** طَابَ طَعْماً، وَ ارْتَوَتْ مِنْهُ صَدِيهْ(4)

طَابَ يَوْمٌ لَكِ... شَلالاً وَ سِحْراً *** وَ احْتِفَالاً وَأَهَازِيجَ... نَدِيَّهْ(5)

ص: 425


1- استماتات: محاولات مُضنية متعبة خطيرة مستميتة.
2- سَنيَّة: مضيئة جلية.
3- إشارة لما ورد في مقاتل الطالبيين للاصفهاني، ص29. بإسناده إلى جعفر بن محمد عن أبيه صلي الله علیه و آله و سلم إن فاطمة علیها السلام كانت تكنى أم أبيها علیها السلام.
4- صَدِيَّة: عَطِشة.
5- أهازيج: جمع أهزوجة ضرب من الاوزان الشعرية يُتغنى بها وبحر من البحور الشعرية يُقال له «بحر الهَزَج».

(21) خيرة اللَّه

(بحر الخفيف)

الأستاذ المفجع البصري

أَيُّهَا اللأَيْمِيُّ لِحُبِّي عَلِيًّا *** قُمْ ذَمِيما إلى الجَحِيم خِزْيَا

أَبِخَيْرِ الأَنَامِ عَرَّضْتَ لازِلْتَ *** مَذُودا عَنِ الهُدَى مَزْوِيَّا(1)؟

أَشْبَهَ الأَنْبِيَاءَ كَهْلاً وَ زَوْلا *** وَ فَطِيما وَ رَاضِعا وَ غَذِيَّا(2)

كَانَ فِي عِلْمِهِ كَادَمَ إِذْ عُلْمَ *** شَرْحَ الأَسْمَاءِ وَ الْمَكَنِيّا(3)

وَ كَنُوحٍ نَجَّى مِنَ الْمُلْكِ مَنْ سَیَّرَ *** فِي الْفُلْكِ إِذْ عَلاَ الجُودِيَّا(4)

وَ عَلِيٌّ لَمَّا دَعَاهُ أَخُوهُ *** سَبَقَ الحَاضِرِينَ وَ البَدَوِيَّا(5)

ص: 426


1- المذود: السوق و الطرد و الدفع، و في الحديث الشريف: ليذادن رجال عن حوضي أي ليطردن و المذود البعيد المزوي: المطرود.
2- الزول: الغلام الظريف الشجاع الجواد. انظر تعليقة البيت في سبب تسمية القصيدة. الفطيم: مصدر للفعل قطم، و فطم الصبي فصله عن الرضاع فهو مفطوم و فطيم.
3- في البيت اشارة إلى الآية الكريمة «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ...»[البقرة، الآية : 31].
4- الجُودي: بضم الأول و تشديد الياء جبل بآمد و قيل بالجزيرة قرب الموصل و المراد به الموضع الذي استوت عليه سفينة نوح علیه السلام. و في البيت إشارة إلى الآيتين:40 و44 من سورة هود والآية: 28 من سورة المؤمنين. فالشاعر تطرّق في البيت إلى طوفان نوح و السفينة التي صنعها لقومه و الحديث الشريف الآتي: عن انس و عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم مثل أهل بيتي علیهم السلام كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تعلّق بها فاز ومن تخلف عنها غرق. انظر ذخائر العقبي ص20 اسعاف الراغبين 111 ، ينابيع المودّة 27.
5- قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق المجلد12 ورقة62 أ، عن عروة بن الزبير قال: إنّ عليّاً علیه السلام أسلم و هو ابن ثمان سنين. و عن انس بن مالك قال: بعث النبي صلي الله علیه و آله و سلم يوم الاثنين و أسلم علي يوم الثلاثاء و بمثل هذا نقل ابن عساكر سبعين. حديثاً عن خمسة عشر من الصحابة الاجلاء في أنّ الامام علياً علیه السلام أول من آمن باللّه و رسوله صلي الله علیه و آله و سلم، أما الطرق التي نقل عنها فهي كثيرة منها عن زرارة و عن مجاهد و عن الحسن بن زيد و عن شريك، و عن الحسن البصري، و عن أبي رافع، وعن أنس بن مالك، و عن ابن عبّاس، و عن أبي أيوب الانصاري، و عن سلمان الفارسي و عن أبي ذر و عن يعلى بن مرّة الثقفي... انظر السنن الكبرى206/6، الاستيعاب1090/3، المستدرك111/3، أسد الغابة17/4 تاريخ الاسلام للذهبي ط193، البداية والنهاية25/3 حيدر آباد، تاریخ بغداد134/1 شرح النهج لابن أبي الحديد116/4، ذخائر العقبى58 ينابيع المودة60 ، كنز العمال 396/6 و400 و 156.

وَ عَلِيُّ قَبْلَ الْبَرِيَّةِ صَلَّى *** خَاضِعاً حَيْثُ لايُعَايَنُ رَیَّا(1)

كَانَ فِي السّلْمِ عَابِداً ذَا اجْتِهَادٍ *** وَلَدى الحَرْبِ ضَيغَماً قَسْوَرِيا(2)

كَانَ لِلطَّعْنِ وَالجِرَاحَاتِ فِي اللَّهِ *** صَبُوراً وَ فِي الحُرُوبِ جَريَّا(3)

ص: 427


1- في البيت اشارة إلى الحديث الشريف عن ابن عباس قال: قال النبي صلي الله علیه و آله و سلم: إن أول من صلى معي عليٍّ علیه السلام فرائد السمطين الباب الأول ص47. و عن الحسن الزكي عن اميرالمؤمنین علیه السلام قال:انا عبداللَّه و اخو رسوله صلي الله علیه و آله و سلم و انا الصدّيق الأكبر لايقولها بعدي كاذب مفتري، لقد صليت مع رسول الله صلي الله علیه و آله و سلم قبل الناس بسبع سنين و انا أوّل من صلى معه. اسناده من طريق ابن أبي شيبة و ابن ماجه و الحاكم و الطبري و غيرهم، كالحافظ الهيثمي و احمد و أبوعمرو في الاستيعاب و ابن قتيبة في المعارف، و في الخصائص ص2؛ قال النسائي: اخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبدالرحمن قال حدثنا شعبه عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن ارقم قال: أوّل من صلّى مع الرسول صلي الله علیه و آله و سلم علي «رضي الله عنه». انظر شرح النهج4/ 117 و120 البداية و النهاية25/3 ، كفاية الطالب47-50 ذخائر العقبى59 كنز العمال156/6، الاستيعاب1090/3 و1091 و1095، تاریخ ابن عساكر م65/12.
2- الضيغم: الأسد قسوريا: نسبة إلى القسورة و هو العزيز الذي يقهر غيره فيغلبه و منها الآية الكريمة (فرت من قسورة ﴾[المدثر الآية .51] عن ابن أبي الحديد قال : واما العبادة فكان أعبد الناس و اكثرهم صلاة وصوماً ومنه تعلّم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام النافلة. وما ضنّك برجل كانت جبهته كَثِفنَة بعير لطول سجوده. مقدمة الجزء الأول من شرح النهج ص17. القسورة: انثى الأسد.
3- قال ابن عساکر: اخبرنا أبو البركات الانماطي انبأنا أبوالفضل بن خيرون انبأنا ابوالقاسم بن بشران أنبأنا أبوعلي بن الصوّاف انبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، انبأناعون بن سلام، انبأنا أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس إن راية المهاجرين کانت مع علي في المواقف كلّها يوم بدر، ويوم أحد، و يوم خيبر و كذلك يوم الاحزاب، و يوم فتح مكة و لم يزل معه في المواقف كلها. و عن ابن عساكر أيضاً: عن ابن عباس قال: لعلي علیه السلام أربعة خصال، هو أول عربي و عجمي صلى مع النبي صلي الله علیه و آله و سلم، و هو الذي كان لواؤه في كل زحف، و هو الذي صبر معه یوم المهراس انهزم الناس كلهم غيره، و هو الذي غسله وهو الذي أدخله قبره. انظر ذخائر العقبى 72 نور الابصار77 ينابيع المودة48 حلية الأولياء62/1 ، الاستيعاب1100/3، مجمع الزوائد123/9، كفاية الطالب193، شواهد التنزيل91/1، شرح النهج117/4، تاریخ ابن عساكر م12/ ورقة 74 أ.

كَانَ صَدِّيقَها وَ فَارُوقَهَا الأَعْظَم *** حَقَّاً وَالسَّابِقَ الأَولِيَّا(1)

وَ أَمِيراً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَعْسُوباً *** لَهُمْ يَنْهَجُ الصِّرَاطَ السَّوِيا(2)

ص: 428


1- قال ابن عساكر أخبرنا أبوبكر محمد بن الحسين انبأنا أبوالحسين بن الهندي، انبأنا علي بن عمر بن محمد الحري، انبأنا أبوحبيب العباس بن محمد بن أحمد البري انبأنا ابن بنت السدي يعني اسماعيل بن موسى انبأنا عمر بن سعيد البصري، عن فضيل بن مرزوق عن ابي نخيله، عن سلمان و أبي ذر قالا: أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بيد عليِّ علیه السلام فقال: الا ان هذا اول من آمن بي و هذا أول من يصافحني يوم القيامة، و هذا الصديق الاكبر و هذا فاروق هذه الأمّة يفرّق بين الحق و الباطل و هذا يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظالمين ينابيع المودة60 كفاية الطالب47، شرح النهج172/9، البداية والنهاية26/3، كنز العمال156/6 و394، تاريخ ابن عساكر م12 ورقة 66 أ، الخصائص3. و عن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: «يا قوم اتبعوا المرسلين»، و حزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال «اتقتلون رجلاً أن يقول ربي اللَّه» و علي بن أبي طالب علیه السلام و هو افضلهم. اخرجه ابن عساكر في تاريخه م12/ورقة 66 ب و 140 ب.
2- عن بريدة الاسلمي، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن نسلّم على عليّ بن أبي طالب علیه السلام بإمرة المؤمنين و نحن سبعة، و انا اصغر القوم يومئذ تاريخ ابن عساكر م12/ ورقة 38 أ، حلية الأولياء 63/1. عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: يا أنس اسكب لي وضوءاً، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال: يا أنس اول من يدخل عليك من هذا الباب أميرالمؤمنين علیه السلام و سيّد المسلمين و قائد الغر المحجلين و خاتم الوصيين صلى الله عليه و آله و سلم. قال أنس: قلت: اللهم اجعله رجلاً من الانصار و كتمته، إذ جاء علي، فقال -الرسول صلى الله عليه و آله و سلم- من هذا يا أنس؟ فقلت: عليّ علیه السلام. فقام مستبشراً فاعتنقه، ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، و يمسح عرق عليّ علیه السلام بوجهه قال عليّ علیه السلام: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لقد رأيتك صنعت بي شيئاً ما صنعت من قبل؟ قال -الرسول صلى الله عليه و آله و سلم- و ما يمنعني وانت تؤدي عنّي و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي. انظر كنز العمال157/6، حلية الأولياء63/1 ، ذخائر العقبى70، ينابيع المودة81، شرح النهج169/9، تاریخ ابن عساكر م12/ ورقة 161 ب. عن الامام عليَّ علیه السلام قال: قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: عليّ يعسوب المؤمنين و المال يعسوب المنافقين. اخرجه ابن عساكر أيضاً م 12 / ورقة 138 أ. اليعسوب: امير النحل و ذكرها ثم أطلق على كل رئيس يعسوباً، و اليعسوب السيد و الرئيس و المقدم عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم لعلي بن أبي طالب علیه السلام انت الطريق الواضح وانت الصراط المستقيم.

كَانَ مِثَلَ النَّبِيِّ زُهْداً وَ عِلْماً *** وَ سَرِيعاً إِلَى الْوَغَى أَحْوَذيَا(1)

كَانَ لِلأُمَّةِ الضَّعِيفَةِ كَهْفاً *** كَافِلاً إِنْ ضَاعَ رَاعٍ رَعِيّا(2)

وَ عَلِيُّ مِنْ كَسْبِ كَفَّيهِ قَدْ *** اعْتَقَ أَلفاً بِذَاكَ كَانَ حَرِيَّا

(فَحَبَاهُ فِي خِيرَةِ النِّسْوَانِ *** عُرْسا وَجَنَّةَ وَ صْفِيّا)(3)

ص: 429


1- عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: يا عليَّ علیه السلام ان الله «تعالى» قد زيَّنك بزينة لم تزيَّن العباد بزينة احب إلى اللّه تعالى منها، و هي زينة الأبرار عند الله «عزوجل»، الزهد في الدنيا و وهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً و يرضون بك اماماً. انظر حلية الأولياء71/1، شواهد التنزيل1/ الحديث487، اسد الغابة33/4، كفاية الطالب81 ينابيع المودة146، كنز العمال6/ 159، شرح النهج166/9 تاريخ ابن عساكر م12/ورقة132. الوغى: الحرب، الموت. الأحوذي المشمّر في الامور القاهر لها، الذي لايشذ عليه منها شيء، و الأحوذي الحاد المنكمش في أمور الحسن لسياق الأمور، و يراد به هنا الذي يغلب في الحرب.
2- عن زاذان عن علي انه كان يمشي في الاسواق وحده و هو وال يرشد الضال و يعين الضعيف و يمرّ بالبيّاع و البقَّال فيفتح عليه القرآن و يقرأ «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَايُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا». انظر كنز العمّال6/ 158 و 409، تاریخ دمشق لابن عساكر م12 ورقة 190 أ. و قال الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم مخاطباً اصحابه في شأن الامام علي علیه السلام: «إنه أولكم إيماناً وأوفاكم بعهد الله وأقومكم بأمر الله وأعدلكم في الرعية وأقسمكم بالسوية وأعظمكم عند الله مزية». انظر كفاية الطالب139، ذخائر العقبى86 ، كنز العمال156/6، تاريخ دمشق م157/12 ب.
3- حبا الشيء: دنا و الحباء العطاء بلا من و لاجزاء، و منه اشتقت المحاباة، و حابيته في محاباة. و المراد بالبيت أن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم اصطفى علياً علیه السلام و خصه بتزويجه فاطمة علیها السلام. في تزويج فاطمة علیها السلام قال الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم لفاطمة علیها السلام: يا ابنتي واللَّه ما اردت أن ازوجك إلاخير اهلي ثم قام و خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم. قطعه من حديث طويل اخرجه النسائي في الخصائص32. و عن أحمد بن شعیب قال اخبرنا جرير بن حريث قال اخبرنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد اللّه بن يزيد عن أبيه قال: خطب أبوبكر و عمر فاطمة علیها السلام، فقال رسول اللّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: انها صغيرة فخطبها علي «رضي اللَّه عنه فزوَّجها منه». الخصائص31، كفاية الطالب163، ذخائر العقبى30، الصفي: المختار عن محمد بن نافع بن عجير عن أبيه عن علي رضي اللَّه عنه». قال: قال النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم: امَّا انت يا علي علیه السلام انت صفيّي و أميني. اخرجه النسائي في الخصائص 19.

وَكَذَا كَفَّلَ الإِلهُ عَلِيّاً *** خِيرَةَ اللَّهِ وَارْتَضَاهُ كَفِيّا(1)

فَرْعُ عُودٍ أَغْصَانُهُ حَسَنَاهِ *** زاكياً غَرْسٌ أَصْلُهُ أَبَطحِيَّا(2)

وَ رَأَى جِفْنَةٌ تَفُورُ لَدَيْهَا *** مِنْ طَعَامِ الجِنَانِ لَحْماً طَرِيّا(3)

خِيرَةٌ بِنْتُ خِيرَةٍ رَضِيَ *** اللَّهُ لَهَا الخَيْرَ وَالإِمَامَ رَضِيّا

وَ إِذَا ارْتَاسُ وَالبَتُولُ وَنَجْلاَهُ *** مَعَ المُصْفَى الْكِسَا الحَضْرَمِيّا(4)

ص: 430


1- خيرة اللَّه: يقصد بها الشاعر سيدة النساء فاطمة علیها السلام.
2- ابطحي: من بطح و البطح البسط و البطحاء مسيل فيه دقاق الحصى و البطحاء مكة و المراد به هنا كريم في اصله عريق في حسبه ونسبه وكيف لايكون ذلك و ابوهما وصي رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم وامهما سيّدة نساء العالمين، و جدّهما خاتم الانبياء صلي اللَّه علیه و آله و سلم و المرسلين...!!!
3- الجفنة: القصعة الكبيرة و في الأصل خصت بوعاء الاطعمة. لهذا البيت حديث مشهور. مرَّ ذكره سابقاً في عدة هوامش انظر ذخائر العقبي ص45.
4- ارتاش: التحف. عن عمر بن ابي سلمة ربيب رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم قال: نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم «عليه افضل الصلاة والسلام»: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا...»في بيت ام سلمة «رضي اللَّه عنها»، فدعا النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم فاطمة علیها السلام و حسنا و حسينا علیهما السلام فجلَّلهم بكساء و علي خلف ظهره ثم قال: اللَّهم هؤلاء اهل بيتي علیهم السلام فأذهب عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيرا. قالت أم سلمة: و انا معهم يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال: انت على مكانك وانت على خير. أخرجه الترمذي و قال حسن علیه السلام. اقول ان الحافظ محب الدين الطبري اشار إلى من خرّج هذا الحديث، كمسلم و احمد عن عائشة و عن ابي سعيد الخدري، كما واخرجه الطبراني و غيره. انظر ذخائر العقبى21 كفاية الطالب12 و130 و227 ، اسعاف الراغبين106، ينابيع المودّة107 كنز العمال56-40، المستدرك133/3 شواهد التنزيل17/2، الاصابة 207/4، الخصائص9 و 16.

و بِهِمْ بَاهَلَ النَّبِيُّ فَحَازُوا *** شَرَفاً يَشْرِكُ الرِّقَابَ حَنِيّا(1)

فَعَلَيْهِمْ أَزْكَى وَأَذْكَى صَلَاةٍ *** وَ سَلَامِ يَقْفُو الزَّكِيَا الذَّكِبًا(2)

ص: 431


1- باهل: وابتهل في الدعاء اذا اجتهد ومبتهلا اي مجتهدا في الدعاء والابتهال: التضرّع إلى اللَّه مخلصاً له مع المبالغة في السؤال، والمراد به هنا الاحتجاج، ومنه الآية الكريمة:«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»[آل عمران الآية : 61]. عن حذيفة بن اليمان قال: جاء العاقب والسيد اسقفا نجران يدعوان النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم إلى الملاعنة، فقال العاقب للسيد: ان لاعن بأصحابه فليس بنبي، و إن لاعن بأهل بيته علیه السلام فهو نبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم...!!! فقام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدعا عليّاً علیه السلام فأقامه عن يمينه ثم دعا الحسن فأقامه عن يساره ثم دعا الحسين علیه السلام فأقامه عن يمين عليّ، علیه السلام ثم دعا فاطمة علیها السلام فاقامها خلفه، فقال العاقب للسيد لا تلاعنه انك ان لاعنته لانفلح نحن و لااعقابنا !! فقال: رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لو لاعنوني ما بقيت بنجران عين تطرف. انظر شواهد التنزيل126/1، كفاية الطالب52 ، الخصائص67، مسند احمد97/3 حديث1608، الاصابة4 /271 ، غاية المرام300.
2- أخذت هذه الأبيات من قصيدة المفجع البصري والتي تحتوي على (160) بيتاً، والمسماة (قصيدة الأشباه). واقتصرنا على موضع الشاهد.

(22) زهراء علیها السلام أم أبيها صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر البسيط)

الشيخ مهدي حسن المصلي(*)(1)

إني احتميتُ بحب جَلَّ باريهِ *** ما خاب من فاطمُ الزَّهراء تَحِميه

يا زهرةَ الكونَ يا لحناً يُردّدهُ *** كُلّ الوُجود یحبِّ في نَواديه

يا زهرةَ الكون يا نوراً أطلَّ على *** الكون الفَسيح فجلى كل ما فيه

منك استمدَّ شُعاعُ الشَّمس رونَقَهُ *** و الرّوضُ منك جمالٌ في نواحيه

يا زهرةً فاحَ منها العطرُ فَانْطَلَقَتْ *** أشذاؤُه لنعيم الخُلْد تَرْويه

أنتِ الجمالُ و أنت الخيرُ أنت على *** درب الهُدى مشعلٌ مَا ضَلَّ رائيه

أنتِ الصِّراطُ وَ خَطُ الحَقِّ سَيِّدتي *** وَمَنْ أَحَبَّكَ فَالرَّحمنُ يُدنيه

يا بَسْمَةَ الكَوْن يَا إشعاع خافقه *** يَا نَسْمَةً عَبقَتْ منْهَا لياليه

***

زَهْرَاءُ أُمُّ أبيها قدوةً خُلقَتْ *** للنَّاس كي يَنْقُذَ الظَّمْآن راويه

ما زلتِ تلقين درساً للنساء وَ هَلْ *** رأيٌ لفاطم يَنْبُو حَدَّ ماضيه

ص: 432


1- (*) هو الأستاذ الفاضل الشيخ مهدي بن الحاج حسن بن الحاج عيسى المصَّلي: ولد في سنة (1383 ه-) في جزيرة تاروت القطيف، أكمل شطراً من الدراسة الأكاديمية، ثم التحق بالحوزة العلمية في قم المقدسة سنة (1400 ه-)، ثم واصل دراسته الحوزوية متنقلاً بين القطيف و الأحساء و سوريا و لايزال يواصل مسيرته العلية في النجف الأشرف، و من مؤلفاته: 1- (رسالة في غسل الوجه) استدلالية مطبوع. 2- (الأصول النقية مخطوط). 3- (ديوان شعر) مخطوط، و له كتابات أخرى و له مشاركات فعالة النوادي الثقافية الدينية و الأدبية.

علمتهنّ دروب الحقِّ واضحةً *** لالبس فيها وأنَّ الله يحمِيه

علمتهنّ لماذا خلقهنَّ و ما *** حُبُّ الإله ليمشي في مراضيه

أنتِ اقتنعتِ بتسبيحٍ على طهرٍ *** عن خادم و الضَّنا بالجسمِ يدويه

لتعلون فعلكِ المعطاء صرخته *** هذا رضا اللَّه في أجلى معانيهِ

***

یا فرحةَ الخلق یا میلاد فاطمةٍ *** ولاك كلّ زوايا الأرض تحييه

طوبي فيا أيها الميلادُ هل سمعت *** أذناك نصاً عن الزَّهراء ترويه

فقال -إي- ذا رسول اللَّه كم نَطَقَت *** شفاهُهُ بحديث الفضل تحويه

هي سادتِ الأجيال وَ انْطَلَقتُ *** إلى العُلا لتدوي في مرافيه

تجيءُ تلتقطُ الأحبابَ فاطمةٌ *** كالطَّير يلقطُ من حَبِّ غواليه

إلى الجنان و قد فازَ الَّذي علقت *** بفضل فاطمةٍ في الحشر أيديه

فإنَّه سائر للخُلدِ تخدمُهُ *** الحورُ الحسانُ و في أعلى مَراقيه

مَنْ كانَ أعماله في النار تلقيه *** لحب فاطمة الزَّهراء يُنجيه

***

زهراءُ إنّي محبّ كل جارحة *** غَنَّتْ فرقت بذكراكِ قوافيه

زهراءُ إِنِّي مُحبٌ ليس معضلة *** عن حبِّك المخصبِ الريَّان تثنيه

زهراءُ إن فؤادي صفة نغماً *** هدية لجمال الكون أهديه

إليك عُمُري و ما أغلاك يا عُمْري *** لكنَّني لكِ يا زهراءُ أفديه

زهراء عبدُك يوم الحشر في خطرٍ *** و العبدُ حقِّ على مولاهُ يحميه

بك أحتمي و بحُبِّ الطُّهر قد فُطمت *** ذرّاتُه من عذاب خابَ صاليه

لا لن تمسَّ ذُيُول النَّار نضرته *** من كانَ حُبُّك من أسْمَى مباديه

ص: 433

ص: 434

الأراجيز

أشارة

ص: 435

ص: 436

(1) حورية إنسية علیها السلام

(بحر الرجز)

أبومحمد المنصور باللَّه

الْحَمْدُ لِلْمُهَيْمِنِ الجَبَّارِ *** مُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ(1)

وَ مُنْشِي الغَمَامِ وَ الأَمْطَارِ *** عَلَى جَمِيعِ النِّعَمِ الْغِزَارِ

***

ثُمَّ صَلاَةُ اللَّهِ خَصَّتْ أَحْمَدا *** أَبَا البَتُولِ وَ أَخَاهُ السَّيِّدا(2)

وَ فَاطِماً وَ ابْنَيْهما سُمَّ العِدَى *** وَآلَهُمْ سُفْنَ النَّجاةِ وَ الهُدَى

***

يا سَائِلِي عَمَنْ لَهُ الإِمَامَهْ *** بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَالزَّعامهْ(3)

ص: 437


1- مكوّر الليل على النهار: مُدْخِل الليل في النهار.
2- في «ينابيع المودة» ج1 ص354 ط الأولى/ انتشارات الشريف الرضي. «... و الآية الثانية: «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»... قال: لما نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا اللَّهم صل على محمد و آل محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم...».
3- والأبيات التي تليه: لعل ما جاء في «الكافي للكليني» المجلد الأول ص295 ط الرابعة/ دار صعب -دارالتعارف بيروت «... فلما رجع رسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم من حجة الوداع نزل عليه جبرائيل علیه السلام فقال: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» فنادى الناس فاجتمعوا و أمر بسمرات؟ فقمَّ شوكهنّ ثم قال: يا أيها الناس من وليّكم و أولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا: الله و رسوله صلي اللّه علیه و آله و سلم. فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللَّهم وال من والاه و عاد من عاداه -ثلاث مرات-... فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم و قالوا: ما أنزل الله جلّ ذكره هذا على محمّد قط و ما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه...».

وَ مَنْ أَقَامَ بَعْدَهُ مُقَامَهُ *** وَ مَنْ لَهُ الأمْرُ إِلَى القِيَامَهْ

***

خُذْ نَفَثَاتِي عَنْ فُؤَادٍ مُنْصَدِعْ *** يَكَادُ مِنْ بَثْ وَحُزْنٍ يَنْقَطِعْ(1)

لِحَادِثِ بَعْدَ النَّبِيِّ مُتَّسِعْ *** شَتَّت شمْلَ المُسْلِمِينَ المُجْتَمِعْ

***

الأَمْرُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيُّ المُرْسَلِ *** مِنْ غَيْرِ فَصْلِ لابْنِ عَمِّهِ عَلِي

كَانَ بِنَصِّ الوَاحِدِ الفَرْدِ العَلِي *** وَ حُكْمِهِ عَلَى العَدُوِّ وَ الوَلِي

***

وَ الأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ مَشْهُورُ *** فِي النَّاسِ لامُلغَى وَ لاَمَسْتُورُ

وَ كَيْفَ يُخْفَى مِنْ صَباحٍ نُورُ؟ *** لَكِنْ يَزِلُّ الخَطِلُ المَحْسُورُ(2)

ويقول فيها:

وَكَانَ فِي البَيْتِ العَتِيقِ مَوْلِدُهْ *** وَ أُمُّهُ إِذْ دَخَلَتْ لاَتَقْصِدُهْ(3)

وَ إِنَّما إِلَهُهُ مُؤَيَّدُهْ *** فَمَنْ نَفَاهُ فَالجَحِيمُ مَوْعِدُهْ

***

ثُمَّ أَبُوهُ كَافِلُ الرَّسُولِ *** وَ مُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَ التَّنْزِيلِ(4)

ص: 438


1- منصدع: منشق مكسور.
2- الخَطِل: الأحمق، ذوالكلام الكثير الفاسد، ذوالمنطق المضطرب.
3- في كتاب «المناقب» ج2 ص173 «... فلما قربت ولادته أتت فاطمة علیها السلام إلى بيت اللَّه و قالت: ربي إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل و كتب مصدقة بكلام جدي إبراهيم فبحق الذي بنى هذا البيت و بحق المولود الذي في بطني لما يسرت عليّ علیه السلام ولادتي فانفتح البيت و دخلت فيه فإذا هي بحواء و مريم و آسية و أم موسى و غيرهن فصنعن مثل ما صنعن برسول الله صلي اللّه علیه و آله و سلم وقت ولادته فلما ولد سجد على الأرض...».
4- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج1 ص35 «...كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم في حجر عبدالمطلب فلما أتى عليه اثنان و مائة سنة و رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ابن ثمان سنين جمع بنيه و قال: محمد صلى الله عليه و آله و سلم يتيم فآووه و عائل فأغنوه احفظوا وصيتي فيه. فقال أبولهب: أنا له؟ فقال: كف شرّك عنه. فقال عباس: أنا له؟ فقال: أنت غضبان لعلك تؤذيه فقال أبوطالب أنا له؟ فقال: أنت له يا محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم أطع له، فقال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: يا أبه لاتحزن فإن لي رباً لايضيعني فأمسكه أبوطالب في حجره و قام بأمره يحميه بنفسه و ماله و جاهه في صغره من اليهود المرصدة له بالعداوة و من غيرهم من أعمامه ومن العرب قاطبة الذين يحسدونه على ما آتاه الله من النبوَّة صلي اللَّه علیه و آله و سلم».

فِي قَوْلِ أَهْلِ العِلْمِ وَ التَّحْصِيلِ *** فَهَاتِ فِي آبَائِهِمْ كَفِيلي

***

وَ أَمُّهُ رَبَّتْ أَخَاهُ أَحْمَدا *** وَاتَّبَعَتْهُ إِذْ دَعَا إِلَى الهُدَى

فَكَمْ دَعَاهَا أُمُّهُ عِنْدَ النَّدا *** وَ قَامَ فِي جِهَازها مُمَجّدا

***

الْبَسَها قَمِيصَهُ إِكْرَامًا *** وَ نَامَ فِي حَفِيرِها إعْظاما

وَ مَدَّ لِلْمَلائِكِ القِياما *** حَتَّى قَضَوْا صَلاتها تَمَاما

***

وَ هُوَ الَّذِي كَانَ أَخاً لِلْمُصْطَفَى *** بِحُكْمِ رَبِّ العَالَمِينَ وَ كَفَى

وَ اقْتَسَما نُورَهُما الْمُشَرَّفا *** فَاعْدِدْ لَهُمْ كَمِثْلِ هذا شَرَفا(1)

***

وَ زَوْجُهُ سَيدة النساءِ *** خَامِسَةَ الْخَمْسَةِ فِي الْكِسَاءِ(2)

ص: 439


1- في كتاب «إرشاد القلوب» ص403: «...إن اللَّه خلقني و خلق علياً علیه السلام و لاسماء و لاأرض و لاجنة و لانار و لالوح و لاقلم و لما أراد اللَّه عزّ وجلّ بدو خلقنا فتكلّم بكلمة فكانت نوراً ثم تكلم بكلمة ثانية فكانت روحاً فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعلياً علیه السلام منهما...». راجع: بحار الأنوار ج 43 ص 17 ح16.
2- في كتاب «المناقب» ج3 ص346 ط، المطبعة العلمية (والأبيات التي تلته). عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم: و عقد جبرئيل و ميكائيل في السماء نكاح علي و فاطمة علیهما السلام فكان جبرئيل المتكلم عن علي علیه السلام و ميكائيل الراد عنّي. و في حديث خباب بن الأرت. إن الله «تعالى» أوحى إلى جبرئيل علیه السلام: زوّج النور من النور و كان الولي اللَّه و الخطيب جبرئيل و المنادي ميكائيل و الداعي إسرافيل و النائر عزرائيل و الشهود ملائكة السماوات و الأرضين...».

أَنْكَحَها الصِّدِّيقُ فِي السَّمَاءِ *** فَهَلْ لَهُمْ كَهْذِهِ العَلْيَاءِ؟

***

اللَّهُ فِي إنْكَاحِهَا هُوَ الوَلِي *** وَ جِبْرَئِيلُ مُسْتَنابٌ عَنْ عَلِي

وَ الشُّهَداءُ حَامِلُو العَرْشِ العَلِي *** فَهَلْ لَهُمْ كَمِثْل ذَا فَاقْصُصْهُ لِي؟

***

حُورِيَّةٌ إنْسِيَّةٌ سَيَّاحَهْ *** خَلَقَها اللهُ مِنَ التَّفَّاحهْ(1)

وَأَكْرَمَ الأَصْلَ بِهَا لِقَاحَهْ *** فَهَلْ تَرَى إِنْكَاحَهُمْ إِنْكَاحَهْ؟

***

وَابْناهُ مِنْهَا سَيِّدا الشَّبابِ *** وَابْنَا رَسُولِ اللَّهِ عَنْ صَوَابِ

مُرْتَضِعا السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ *** فَهَلْ لَهُمْ كَهْذِهِ الْأَسْبَابِ

***

هُما إمامانِ بنّصُ أَحْمَدا *** إذ قال: قاما هكذا أَوْ قَعَدا

إِذْ وَخَصَّ فِي نَسْلِهِما أَهْلَ الهُدَى *** أَئِمَّةَ الحَقِّ إِلَى يَوْمِ النِّدا(2)

***

ص: 440


1- في ذخائر العقبي ص36 ط/ مؤسسة الوفاء. عن عائشة قالت: قلت يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم ما لك إذا جاءت فاطمة علیها السلام قبلتها حتى تجعل لسانك في فيها كله كأنك تريد أن تلعقها عسلاً؟ قال: نعم يا عائشة إني لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنة فناولني منها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما نزلت واقعت خديجة سلام الله علیها، ففاطمة علیها السلام من تلك النطفة، و هي حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها». انظر: ينابيع المودة ج1 ص233. و توجد في لسان الميزان ج160/5.
2- أخذناها من أرجوزة لشاعرنا المنصور في الإمامة و هي قيمة جداً تشتمل على (708) بيتاً. انظر الغدير ج5 ص418.

(2) زَينُ الجِنَانِ

(بحر الرّجز)

ديك الجن الحمصي

إِنَّ الرَّسُول لَمْ يَزَلْ يَقُولُ *** وَ الخَيْرُ ما قالَ بِهِ الرَّسُولُ

إِنَّكَ مِنِّي يا عَلِيَّ الأَبِي *** بِحَيْثُ مِنْ مُوساه هرونُ النَّبِي(1)

لكِنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي *** فَأَنْتَ خَيْرُ العَالَمِينَ عِنْدِي

وَ أَنْتَ مِنِّي الزِّرُّ مِنْ قَمِيصِي *** وَ مَا لَمِنْ عَادَاكَ مِنْ مَحِيصِ(2)

وَ أَنْتَ لِي أَخٌ وَأَنْتَ الصِّهْرُ *** زَوَّجَكَ الَّذِي إِلَيْهِ الأَمْرُ

رَبُّ العُلى بِفَاطِم الزَّهْراءِ *** ذَاتِ الهُدَى سَيِّدَةِ النِّسَاءِ

أَوَّلُ خَلْقٍ جَاءَ فِيهَا خَاطِبا *** عَنْكَ إِلَيَّ جَائِياً وذاهِبا

وَ قَالَ: قَدْ قَضَى إِلهُكَ العَلِي *** بِأنْ تُزَوِّجَ الْبَتُولُ بِعَلِي(3)

ص: 441


1- الشطر الأول يشير به إلى ما ورد عن الرسول صلي اللّه علیه و آله و سلم أنه قال: (أنت مني وأنا منك) راجع ألأحاديث المتعددة. هذا الشأن في الخصائص للنسائي ص36. و الرياض النضرة ج202 و كنوز الحقائق للمناوي ص37 و كنز العمال ج123/3 و مشكل الآثار للطحاوي ج174/4. أما الشطر الثاني من هذا البيت فلعله اشارة إلى قول النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم لعلّي علیه السلام: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لانبيِّ بعدي) راجع مجمع الهيثمي ج9 ص111 و كنز العمال ج6 ص154 و خصائص النسائي ص19 و صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، و مسند ابن حنبل، و الطحاوي في مشكل الآثار و صحيح مسلم، و أسد الغابة ج4 ص26 و مصادر هذا الحديث كثيرة جداً و هو من الأحاديث المتواترة، ذكرنا بعضها.
2- المحيص: المهرب.
3- ورد في الأحاديث أنَّ الله «تعالى» أمر النبيّ صلي اللّه علیه و آله و سلم بتزويج فاطمة علیها السلام من علي علیه السلام حيث أنه صلي اللّه علیه و آله و سلم قال لعلي علیه السلام: «يا علي علیه السلام إنَّ الله أمرني أن أتخذك صهراً راجع ذخائر العقبى ص86: و جاء عنه صلي اللّه علیه و آله و سلم عن علي علیه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: أتاني ملك فقال: يا محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم إن اللَّه يقرأ عليك السلام و يقول لك: إني زوّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلام في الملا الاعلى، فزوجها منه في الأرض». راجع ذخائر العقبى ص31 و راجع في هذا المضمار كنز العمال204/9، و مجمع الهیثمي ج204/9 و فيض القدير للمناوي ج2 /215، و كنوز الحقائق ص29، و راجع الرياض النصرة ج2 ص183و صواعق ابن حجر ص84 و 85.

فَزَيَّنَ الجَنَّاتِ أَحْلَى زِينَهْ *** وَ اجْتَلَتِ الحُورُ عَلَى سَكِينَهْ

وَلاَحَتِ الأَنْوَارُ مِنْهُ السَّاطِعَهْ *** وَصَفَّ أَمْلاكَ السَّمَاءِ السَّابِعَهْ

وَ قُمْتُ عَنْ أَمْرِ إِلهِي أخطبُ *** فِيهِمْ وَأَعْطَاهُمْ كَمَا قَدْ طَلَبُوا(1)

ثُمَّ قَضَى اللَّهُ إِلَى الجِنَانِ *** أَنْ يُجْتَنَى الدَّانِي مِنَ الأَغْصَانِ(2)

فَأَمْطَرَتْهُمْ حُلَلاً وَحُلْيا *** حَتَّى رَعَوْا ذُلِكَ مِنْهَا رَعْيا(3)

فَمَنْ حَوَى الأَكْثَرَ مِنْهُنَّ افْتَخَرْ *** بِالفَضْلِ فِيمَا حَازَهُ عَلَى الأَخَرْ

فَرُدَّ مَنْ يَخْطُبُ فَاللَّهُ قَضَى *** بِأَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِلْمُرْتَضَى(4)

وَ قَدْ حَبَانِي مِنْكُمُ السِّبْطَيْنِ *** هُمَا بِحُلْي العَرْشِ كَالقُرْطَيْنِ(5)

فَالحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَدْحَباً *** لِخَمْسَةِ الأَشباح أَصْحَابِ العَبا(6)

ص: 442


1- ربما يشير إلى خطبة الرسول صلي اللّه علیه و آله و سلم عند تزويجه علي بفاطمة علیها السلام و لقد وردت هذه الخطبة في مصادر كثيرة نذكر منها: الرياض النظرة ج2 ص183. و ذخائر العقبى ص29. و صواعق ابن حجر ص84-85 فراجع.
2- يُجْتَنى: يُتناول.
3- في هذا المعنى ورد عن الرسول صلي اللّه علیه و آله و سلم أنه قال: «... ثمَّ امَرَ الجنان فحملت الحلي والحلل ، ثمَّ امْرَها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منهم شيئاً يومئذ أكثر مما أخذه غيره افتخر به إلى يوم القيامة... راجع حلية الأولياء لأبي نعيم ج5 ص59، و تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج4 ص128؛ و راجع بهذا المعنى أيضاً ذخائر العقبي للطبري ص32. و قريب منه راجع الرياض النضرة ج2 ص184. و قريب منه أيضاً راجع أسد الغابة ج2 ص358 و ج1 ص206، و تاريخ بغداد ج4 ص210. و صواعق ابن حجر ص103.
4- المرتضى: لقب من ألقاب الإمام علي علیه السلام.
5- السبط: واحد الأسباط ، و هو ولد الولد و يريد بها الحسن و الحسين علیهما السلام.
6- حبا: أعطى؛ و اصحاب العبا هم المعروفون بأصحاب الكساء و هم: النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم و الإمام علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام. و يقصد في «خمسة الأشباح» ما جاء في الأحاديث الكثيرة ومنها ما ورد عن رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم أنه قال: إن اللَّه خلقني و خلق علياً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام... إلى ان قال... قلت : على أيّ مثال؟ قال: أشباح نور...». لقد ورد هذا الحديث من طرق -متعددة فمنها: فرائد السمطين36/1 ح1، و غاية المرام، 5 ح1 و ص15 ح1 ، و أرجح المطالب461، و الاحقاق203/9 و ص253، و تأويل الآيات137/1 ح16 ، و البرهان392/12 ح5، و علل الشرائع 208 ح11، و البحار7/15 ح7 و ج35 ص34 ح32 و ج43/57 ح16، ح154 ، و مدينة المعاجز203 و 237 ، و حلية الأبرار: 494/1 ، و دلائل الإمامة: 59 ، و مقتضب الأثر و الجواهر السنية، و الكافي و غيرها.

هُمُ لِمَنْ والاهُمُ أَمَانُ *** إِذْ كَانَ فِيهِمْ يَكْمُلُ الْإِيْمَانُ

وَ هُمْ يَدْعُونَ الَّذِي لَهُمْ قَلَى *** لِلنَّارِ دعاً حَيْثُ كَانَ المُصْطَلَى(1)

وَ هُمْ هُداةُ الخَلْقِ لِلرَّشادِ *** وَ الفَوْزُ فِي المَبْدَا وَالمَعَادِ(2)

ص: 443


1- قلى: أبغض و المصطلى: المشتعل. دغَّه: دفعه دفعاً عنيفاً و بجفوة، و منه قوله سبحانه:«فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ» [سورة الماعون، الآية: 2] و قوله تعالى: «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا» [سورة، الطورالآية: 13].
2- ديوان ديك الجن الحمصي ص57.

(3) خامس الأطهار علیهم السلام

(بحر الرجز)

الشيخ سلطان علي الصابر(*)(1)

حَديثُنا عَنْ جابِرِ الْأَنْصَارِي *** فَاصْغِ لَهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَطْهَارِ

قالَ: رَوَتْ سَيِّدَةُ النِّساءِ *** حَديثَهَا المَوْسومَ بِالْكِساء

تَقولُ: جاءَ سَيِّدُ الْأَنامِ *** يَزورُني يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ

فَقالَ لي: في بَدَني ضَعْفاً أَرى *** جِئْتُ أَذوقُ عِنْدَكِ طيبَ الْكَرى(2)

فَقُلْتُ: بِاللُّطْفِ وَبِالْإِحْسانِ *** أُعِيذُكَ بِالْمَلِكِ الْمَنّانِ

فَقالَ: یا بِنْتاهُ ناوِليني *** ذاكَ الْكِسَاءَ وَبِهِ غَطَّيني

وَقَدْ أَتَيْتُ بِالْكِسَا الْيَماني *** وَفِيهِ غَطَّيْتُ سَنَا الْإِيمَانِ

ثُمَّ تَلألأ وَجْهُهُ كَالْبَدْرِ *** في لَيْلَةِ الْكَمالِ بَعْدَ الْعَشْرِ

وَما قَضَيْتُ ساعَةً مِنَ الزَّمَنُ *** إلا رأيت قادماً إبني الْحَسَنْ

فَجاءَ نَحْوي ولَدي مُسْلِّماً *** فَقُلْتُ: أَقْدِمُ يا فُؤادي مُكْرَما

فَقالَ: يا أُمّاهُ بِنْتُ الْخِيَرَة *** في بَيْتِنا أَشَمُّ ريحاً عَطِرَة

طَيِّبَةً فَيالَها مِنْ رائِحَة *** كَأَنَّها مِنْ طِيبِ جَدّي فائِحَة

ص: 444


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الرابع.
2- الكرى: النعاس أو النوم.

قُلْتُ: نَعَمْ يا وَلَدي تَحْتَ الْكِسا *** جَدُّكَ ذا فِيهِ تَغَطّى وَاكْتَسَى

فَجاءَ نَحْوَهُ ابْنُهُ مُبْتَسِماً *** كَمَنْ رَأى أمامَهُ بَدْرَ السَّما

ما إِنْ دَنَا السِّبْطُ لَدَيْهِ وَقَفا *** مُسَلِّماً عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى

فَفاهَ بِالْمَدْحِ لَهُ لَمْ يَحِدِ *** فَأَطْرَبَ الأَفْنَانَ وَالْغُصْنَ النَّدي(1)

فَقالَ: یا جَدّاهُ هَلْ تَأْذَنُ لي *** أَنْ أَدْخُلَ الْكِسا لِنَيْلِ الْأَمَلِ؟

أَجابَهُ هَيّا إِلَيَّ أَسْرَعِ *** نَعِمْتَ عَيْناً وَلَدَي فَكُنْ مَعي

***

ثمَّ أتاني ثانِيُ السِّبْطَيْنِ *** مُهْجَةُ قَلْبِ سَيِّدِ الْكَوْنَيْنِ

مُبَجِّلاً لي بَهْجَةُ الأَزْمَانِ *** مُسَلِّما يُبْدِيهِ بِالْإِحْسَانِ

فَقَالَ لي مُذْ شَمَّ تِلْكَ الرَّائِحَة *** ذا طيبُ جَدّي وَشَذاهُ فائِحَة

قُلْتُ: نَعَمْ جَدُّكَ ذا شَمْسُ الْعُلَى *** وَذا أخوكَ فِي الْكِساءِ دَخَلا

فَجَاءَ نَحْوَ جَدِّهِ مُسَلِّما *** حَتَّى يَفوزَ بِالْكِسا وَيَنْعَمَا

ماسَ دَلالاً يَنْثَنِي وَيَمْدَحُ *** كَبُلبُلٍ فَوْقَ الْغُصونِ يَصْدَحُ

فَقَالَ: يَا جَدَّاهُ هَلْ تَأْذَنُ لي *** فَأَكْتَسِي عِندَكُما يا أَمَلي

قالَ: أَذِنْتُ لَكَ يا رَجايا *** وَنورَ عَيْني شافِعَ الْبَرايا

فَأَفْسَحَ الْمَجَالَ في ذاكَ الْكِسا *** ثُمَّ دَنَا السِّبْطُ إِلَيْهِ وَاكْتَسَى

***

ثُمَّ أَتى مِن بَعْدِهِ الْوَصِيُّ *** ذاكَ الْإِمَامُ الْمُرْتَضى عَلِيُّ

ص: 445


1- الأفنان: أغصان الأشجار.

فَقالَ لي: يا بِنْتَ خَيْرِ الْبَشَرِ *** أَراكِ مُسْتَبْشِرَةً فَأَبْشِري

ما هذِهِ الرّائِحَةُ المُعَطَّرَة *** أَشَمُّها في بَيْتِكِ مُنْتَشِرَة

فَطالَما شَمَمْتُ تِلْكَ الرّائِحَة *** مِنِ ابْنِ عَمّي وَحَبيبي فائِحَة

قُلْتُ: نَعَمْ تَحْتَ الْكِساءِ هذا *** وَإِنَّ شِبْلَيْكَ بِهِ قَدْ لاذا

فَمُذْ رَأى أنَّ أباها عِنْدَها *** وَجْهُهُ بِالْبُشْرِ أَنَارَ وَازْدَهَى

ثُمَّ دَنا أَبُو الْأَئِمَّةِ الْهُدَى *** مُسَلّماً عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى

مُسْتَأْذِنَا مِنْ سَيِّدِ الْأَنامِ *** ذِي الْعِزِّ والإِجْلالِ والْإِكْرامِ

قالَ: نَعَمْ أَبَا الْهُداةِ الْخِيَرَة *** وَوارِثي مِنَ الْكِرامِ الْبَرَرَة

أَنْتَ أَخي شارِكْني في كِسائي *** طوبى لِمَنُ في يَدِهِ لِوائي

فاغْتَنَم الفَخْرَ بِهَذَا السُّؤْدَدِ *** حِينَ اكْتَسَى لَدَى النَّبِيِّ الأَمْجَدِ(1)

فَتابَعَتْ فاطِمُ سَيْرَ الْخَبَرِ *** لِتَقْتفي لِما لَهُمُ فِي الْأَثَرِ

لِذا دَنَتْ نَحْوَ الْكِسا مُسَلِّمَة *** قالَ ادْخُلي مَحْبُوَّةً مُكَرَّمَة

أَلْفُ سَلامٍ وَجَميلُ مِدْحَتي *** عَلَيْكِ مِنّي ابْنَتي وَبَضْعَتي

رَيْحانَتي هَيّا إلَيَّ وَادْخُلي *** مَحْبُوَّةٌ أَنْتِ بِهِ فَأَكْمِلي

وَدَخلتْ تحتَ الْكِساءِ فاطِمَة *** خامِسَةً لهم بذاك خاتِمَة

وَعِنْدَمَا الْجَمِيعُ فيهِ اجْتَمَعوا *** فَشَعَّ بِالْأَنْوَارِ ذاكَ الْمَوْضِعُ(2)

ثُمَّ تَقولُ إِذْ بِهِ أَحَلَّنا *** أَظْهَرَ لِلْأَنَامِ فَرْضَ حُبِّنا

فَأَوْمَا إلَى السَّماءِ راجِياً *** بِرَفْعِهِ طَرْفَ الْكِسَاءِ داعِيا

فَقالَ: رَبِّ هؤلاءِ عِشْرَتي *** وَأَهْلُ بَيْتي وَأَعَزُّ أَسْرَتي

ص: 446


1- السؤدد: الرفعة والسمو.
2- الجميع: هم الرسول محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم وأهل بيته الإمام علي وفاطمة وإبناهما الحسن والحسين علیهم السلام أجمعين.

أَبْدانُهُمْ مِنْ بَدَني حَيْثُ تَرى *** وَدَمُهُمْ مِنْ دَمي أَيْضاً قَدْ جَرى

فَكلّ ما يُؤْلِمُهُمْ يُؤْلِمُني *** وَكُلُّ ما يُحْزِنُهُمْ يُحْزِنُني

فَإِنَّني حَرْبٌ لِمَنْ حارَبَهُمْ *** وَإِنَّني سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَهُمْ

كَما أُعادي كُلَّ مَنْ عاداهُمُ *** كَما أُوالي كُلَّ مَنْ والاهُمُ

هُمُ الْغِياثُ لا غِنَاءَ عَنْهُمُ *** وَهُمْ كَنَفْسي أَنَا أَيْضاً مِنْهُمُ

فَاجْعَلْ عَلَيْنَا رَبَّنَا الْغُفْرانا *** وَرَحْمَةً مِنْكَ كَذَا الرِّضْوانا

وَمِنْ لَدُنْكَ صَلَواتٌ واصِلَة *** توصِلُها في بَرَكاتٍ حافِلَة

وَأَذْهِبِ الرِّجْسَ إِلهَ النَّاسِ *** وَطَهِّرِ الْجَمْعَ مِنَ الأَدْنَاسِ(1)

ثُمَّ دَعَا لِكُلِّ مَنْ وَلانَا *** فَنَشْكُرُ الْبارِي بِما أَوْلانا

فنودِيَ الْأَمْلاكُ حِينَ اجْتَمَعوا *** مِنْ صاحِبِ الْعَرْشِ أَلا فَاسْتَمِعوا

أنْبِتُكُمْ مَعَاشِرَ الْأَمْلاكِ *** لَوْلاهُمُ لَمْ أَخْلُقَنْ أَفْلاكي

وَلا سَماخَلَقْتُها مَبْنِيَّة *** وَلَيْسَ أَرْضٌ هَكَذا مَدْحِيَّة

وَلا تَرَوْنَ قَمَراً مُنِيراً *** وَلَيْسَ شَمْسٌ لِتُضِيءَ نورا

وَلا خَلَقْتُ فَلَكاً يَدورُ *** وَلا تَدورُ فِي الْفَضا بُدُورُ

وَلَيْسَ ماءٌ فِي الْبِحارِ يَجْري *** كَلاّ وَلا فُلْكُ الْبِحَارِ تَسْري

وَلَمْ يَكُنْ إلاّ لِحُبّي وَالْوِلا *** لِهَؤُلاءِ الْخَمْسِ ساداتِ الْمَلا

فَقالَ جَبْرَئيلُ يَا رَبَّ الْعُلَى *** أَخْبِرْني يا مَوْلايَ مَنْ هُمُ الْأُلى

قالَ نَعَمْ هُمْ دَوْحَةُ النُّبُوَّة *** وَمَعْدِنُ التَّنْزِيلِ وَالْفُتُوَّة

هُمْ فاطمٌ وَضَيْفُها أبوها *** وَبَعْلُها بِجَنْبِه بَنُوها

قالَ الْأَمينُ أَفَهَلْ تَأْذَنُ لي *** أَنْ أَهْبِطَ الْأَرْضَ لِذاكَ الْمَحْفِلِ؟

ص: 447


1- الأدناس: مفردها الدنس و هو الوسخ القذر.

حَتّى أَكونَ فِي الْكِساءِ سادِسا *** مُقْتَبِساً مِنْ نُورِهِمْ مَقابِسا

قالَ أَذِنْتُ لَكْ يا جِبْريلُ *** بَلِّغْ سَلامي مِلؤُه التَّبْجيلُ

وَقُلْ: بِلُطفٍ الْعَلِيُّ ذُو الْعُلى *** يَخُصُّكُم بِالْفَضْلِ مِنْ دونِ الْمَلا

فَهَبَطَ الْأَمينُ جَبْرَئيلُ *** يَحُفُّهُ السَّلامُ وَالتَّبْجِيلُ

وَاسْتَأْذَنَ الدُّخولَ مِنْ مُحَمَّدِ *** لِكَيْ يُباهي بِعَظِيمِ السُّؤُدَدِ

قالَ: أَذِنْتُ، لَكَ أنْ تُباهي *** فَكُنْ مَعي أمِينَ وَحْيِ اللَّهِ

فَدَخَلَ الْكِسَاءَ بِالتَّبْشِيرِ *** وَكانَ يَتْلو آيةَ التَّطْهِيرِ

فَقالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْحاها *** طوبى لِمَنْ فازَ بِها فَباها(1)

قَالَ عَلِيٌّ لِلرَّسولِ الْأَعْظَمِ *** فَما لَنا عِنْدَ الْإِلهِ الْمُنْعِم

قالَ يَمِيناً بِالَّذِي اصْطَفاني *** وَاخْتَارَني بِالْوَحْيِ وَاجْتَباني

إذا جَرى حَديثُنا في مَحْفِلِ *** وَاسْتَشْفَعوا بِنا لِنُجْحِ الْأَمَلِ

إلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ كانَتْ واصِلَة *** وَفيهِمُ حَفَّتْ جُنودٌ نازِلَة

وَاسْتَغْفَرَتْ لِلْجَمْعِ ما تَطَرَّقوا *** في ذِكْرِنَا حَتَّى إِذا مَا افْتَرَقوا

وَمَنْ يَكُن في جَمْعِهِمْ مُهْموما *** يَرْفَعُ عَنْهُ الْكَرْبَ وَالْهُمُوما

أَوْ كانَ فيهِمْ أَحَدٌ مَغْموما *** يَكْشِفُ عَنْهُ الْحُزنَ وَالْغُمُوما

وَكُلُّ طالِبٍ لِحاجَةٍ دَعا *** إلاّقَضَى اللَّهُ لَهُ وَاسْتَمَعا

قالَ عَلِيٌّ فَوَرَبِّ الْكَعْبَةِ *** فُزْنا إِذاً وَفازَتِ الْأَحِبَّة

فاحَ شَذاهُ ما رَوَتْهُ فَاطِمَة *** نُطْفي بِها حَرَّ الْجَحِيمِ الْحَاطِمَة

مُذْ شَعَرَتْ زَوْجَتُهُ الْمُكَرَّمَة *** قَدْسُعِدَ الْخَمْسُ بِتِلْكَ الْمُكْرُمَة

فَأَقْبَلَتْ إِلَى الْحَبِيبِ فَعَسَى *** أَنْ تُدْرِكَ الدُّخُولَ في ذاكَ الْكِسا

ص: 448


1- طوبى: على وزن (فعلى)، من الطيّب قلبوا الياء واواً لضمة ما قبلها. (وطوبى) اسم شجرة في الجنة.

أَجابَها حِينَ دَنَتْ مُسَلِّمَة *** أَنْتِ بنفسِ الخير أُمْ سَلَمَة

وَفِي الْخِتَامِ يَسْأَلُ الرَّحْمانا *** عَبْدُهُمُ مَنْ يُدَّعَى سُلْطانا

أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ الزَّلاّتِ *** وَيَدْرَأَ الْهُمُومَ وَالْعِلاّتِ(1)

وَيَغْفِرَ اللَّهُ لِرَاعِي الْمَحْفِلِ *** وَقارِىءِ الْحَدِيثِ وَالْمُحْتَفِلِ

أَلْفُ سَلامٍ وَصَلاةٍ عَطِرَة *** عَلَى النَّبِيِّ وَالكِرامِ البَرَرَة

ص: 449


1- يدرأ: يدفع.

(4) جوهرة الرحمن

(بحر الرجز)

سليمان ظاهر

هل كانَ في النّساءِ مثلُ فاطمِ **** في غابرٍ وحاضرٍ وقادمِ؟

أختُ البتولِ مريمِ الّتي ارتقى *** جلالُها عن وصمةِ اللوائمِ

في حَرَمِ الوحيِ وفي حجرِ التقى *** قد نشأت في أمنعِ المحارمِ

سيّدةُ أعظِمْ بها سيّدةً *** كان لها جبريلُ خيرُ خادمِ

جوهرةٌ نظَّمَها الرحمن في *** سمطِ العلى أعظِمْ به من ناظمِ(1)

وحسبُها فخراً بأنّ الفخرَ لا *** يُعزى إذا يُعزى لغيرِ الفاطمِ

معصومةٌ أُمٌّ لمن نفوسُهُم *** لم تنوِ حتّى لمم المآثمِ

ولو بها بناتُ حوّاء اقتدتْ *** ما وُلِدت من آثمِ وجارمِ

ولوسبيلَها سلكنَ في العلى *** لم يلدنْ غيرَ الأبيِّ الحازمِ

ولو تقاسَمْنَ تُقاها لم يكنْ *** في النّاس من يصبُو إلى المحارمِ

ماكانتاآسيةٌ ومريمُ *** لتدركا في الفخرِ شأو فاطمِ(2)

من قاسَ فيها غيرَها كان كمنْ *** راح يَقيسُ الدوَّ بالنعاثمِ(3)

مخلوقةٌ من جوهرِ الفضلِ الذي *** عنه تشظَّى صدفُ المكارمِ

ص: 450


1- السمط: الخيط ما دام فيه الخرز ، وإلاّ فهو سلك. «مختار الصحاح».
2- شأو: (الشأو) الغاية والأمد.
3- الدو: المفازة. والنعاثم منازل القمر، تشبه بالنعامة وهي ثمانية أنجم.

مشتقةٌ من نبعةِ الوحي و لم *** تنشأ بغيرِ حرمِ الفواطمِ(1)

كانتْ ضياءَ قبلَ أن ينشقَّ عن *** وجه الوجودِ سُدف الكمائمِ

و حسبُها بأنّهاخامسةٌ *** لخمسةٍ هم خيرُ ولدِ آدمِ

و من تكنْ والدةُ السبطين و *** التسعةُ غوثُ الخلقِ في العظائمِ

أئمةُ النَّاسِ وجحدُ فضلِهم *** جريمةٌ من أعظمِ الجرائمِ

إن جهلتْ أقدارُهم فطوْلُهم *** بادٍ على الأشرافٍ و الأعاظمِ

والأرضَ إن تجهل بها أقدارُهُم *** ففي السماءِكم بها من عالمِ

ما كانَ إلا ناشراً حديثَهُم *** و فضلَهم في الكونِ كلَّ كاتمِ

و زوجةُ الوصيَّ و ابنةُ الذي *** كانَ لرسلِ اللَّه خيرَ خاتمِ

و بنتُ من قد أسلمتْ و أحمد *** ليس لهُ في الخلقِ من مسالمِ

فهل لها في الفخرِ من مشاركِ *** و في العلاء المحضِ من مسالمِ

قد ذهبتْ في طرفي كلّ علاً *** و من مزايا الفضلِ بالكرائمِ

من لم يكنْ بها و في أبنائِها *** معتصماً فماله من عاصمِ

صلّى عليها اللَّهُ ما أومضت بروقُ *** و انحلّت عرى الغمائمِ(2)

ص: 451


1- في لسان العرب: الفواطم اللائي ولدن النبي قرشيّة و قيسيتان و يمانيتان و أزدية و خزاعية.
2- الذخيرة إلى المعاد في مدح محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم وآله الأمجاد؛ ص198، 199، 200.

(5) طَريقُ الكَمَال

(بحر الرجز)

شفيق عبد القادر

الشيخ علي أبو المكارم

بسمِ الإلهِ الرَّاحِم الرَّحيمِ *** خَالق هذا العَالَمِ العَظيمِ

فَاتِحِ بَابِ الرَّحمةِ البَدِيعِ *** رَبِّ كريمٍ مُبصِرٍ سَمِيعِ

مَنْ يَكشِفُ الضُّرَّ وَيُذهِبُ الحَزَنْ *** مُقتَدِرُ بالعِزّ قَطُ لم يُعَنْ

وَ كُلُّ شيءٍ كائنٌ بقولِهِ *** «كُنْ» لَيسَ يَمضي أبداً عَنْ حولِهِ

أعلى مقامَ العَابدينَ صِدقا *** لهمْ بيومِ الحشرِ خَيرٌ يَبقى

وَ أركَسَ الظَّالمَ في الحضِيضِ *** مَنْ قَدْ دَعا بالكُفرِ والنَّقِيض

لأنَّهُ العَادِلُ فوقَ مَنْ عَدَلْ *** أهدَى الطَّريقين لِكُلِّ مَنْ عَقلْ

ثمَّ الصَّلاةُ مَابقى الزَّمانُ *** يُثقَلُ مِنْها بالرِّضَا الميزانُ

على النَّبيِّ المُصطفى وَالخِيَرَةُ *** مِنْ آلِهِ الأطهَارِ دَومَاً عَطِرَةُ

وَاتْلُ إذا شِئتَ بأن تَنالا *** خَيْراً مِنْ الرَّحمنِ بَلْ كَمالا

حَديث صِدقٍ قَدْ رَوَاهُ الفُضَلا *** مِنْ كُلِّ ذي عِلمٍ عَظِيمٍ كَمُلا

کَجابرِ المبرورِ مَاجِدِ الذُّرَى *** راوي الأحاديثِ بصدقٍ لامِرَا

صَاحبِ خير المرسَلين المصطفى *** وآلهِ السَّادَةِ أصحَابِ الصَّفا

فقد رَوى و ذي معاني مَا روَى *** تأتيكَ كالدُّرُ فَخُذْ ذَا المُحتوَى

وَ اطلُبْ بها النَّجاة يومَ الحشرِ *** يومَ الزُّحامِ وَ البَلا وَ العُسْرِ

ص: 452

لِتَسكنَ الجنَّةَ في ارِتفَاعِ *** مُجَاوِراً آلَ النَّبيِّ الدَّاعي

رَوى عَنِ الزَّهرَاءِ قَولاً يمجدُ *** قدْ جاءني يوماً أبي «مُحَمَّدُ»

قَالَ السَّلامُ يَا بنتَيْ وَ إنَّني *** ضَعفاً أرى بُنَيَّتي في بَدني

قَالتْ: مِنَ الضَّعفِ أُعيذُ وَالِدي *** أشرفَ مخلوقٍ وَ خيرَ عابدِ

فقال يا بنتَاهُ بالكِسَاءِ *** فَلتأتِني يا خِيرَةَ النِّسَاءِ

فَأَسْبَلَتْ فَاطِمَةٌ عَليهِ *** ذاكَ الكِسَا ناظرة إليهِ

ثمَّ أتانَيْ الحَسَنُ الكَرِيمُ *** بَعدَ مُضِيِّ سَاعَةٍ يَحُومُ

سَلَمَ، قَالَ الدَّارُ أُمِّي عَطرةُ *** كانَّ فيها وَالِدَ المُطَهَّرَةُ

قالَتْ نَعَمْ يا خِيرَة الأولادِ *** تحت الكِسَاءِ أَفضَلُ الأجدَاد

فَرَاحَ شِبلي لِلكِسَا وَ سَلَّمَا *** مُسْتَأْذِناً، وَ لِلرَّسُولِ عَظَمَا

فقالَ طَه مرحباً بابني *** يا صَاحِبَ الحوضِ ألا اذنُ مِنِّيْ

تَقولُ بعد ساعةٍ أتانيْ *** مُسلِّماً سبط الرَّسُولِ الثانيْ

يَقُولُ: إِنِّي قَدْ شممتُ عِطرا *** كَعِطرِ جَدِّيْ مَنْ تَعَالَى قَدرا

فَقُلْتُ حَقّاً قُرَّةَ العيونِ *** فَالمصطفى تحتَ الكسَا الثَّمِينِ

مع الزكيِّ المجتَبيْ، فَأَقْبَلْ *** إليهمَا إِذَنَّ الدُّخولِ يَسألْ

قَالَ: سَلامٌ أيْ نبيَّ الرحمةْ *** وَ كاشِفَ الكربَةِ وَالمُلِمَّةْ

يَا دَاعِي اللَّهِ ألا مِنْ إذنِ *** إليَّ بالدُّخولِ يُمضي حُزني

قَالَ: نَعَمْ، فَادْخُلْ شَفيع أُمَّتي *** يا قرَةَ العَينِ وَ حَاميْ شِرعَتيْ

فَجاءَ في الأثناءِ مَولى البَرَرَةُ *** وَ قالَ مِن بعدِ السَّلامِ حيدرةْ

أشمُّ في الدَّارِ عَبيراً ذاکیا *** کَطیبِ طه مَنْ لَهُ وَلائِيا

قالت: نعمْ فذا أخوك المصطفى *** مع الكريمينِ هذا مُلتَحِفَا

نجاءَ سيفُ اللَّهِ كن يستَأْذِنَا *** مُسلّماً على الرَّسول مُعلِنا

ص: 453

قَالَ لهُ المختَارُ أهلاً بعليْ *** خَليفتيْ وَ صاحبِ اللوا العليْ

فَأَقْبَلَتْ نَحْوَ الكسا البتُولُ *** أُم أبيها المصطفى تقُولُ

خيرُ سلام يا أبي وَ رَحمةْ *** يا مُظهِرَ الدِّينِ وَ نُورَ الأُمَّةُ

أيأذنُ الوَالِدُ خَيرُ مُرسَلِ *** أنْ أغتديْ تَحتَ الكِسَاءِ الأمثَلِ

قَالَ: نَعَمْ بُنَيَّتِي وَ بَضعَتي *** فَلتَدخُليْ يَا أُمَّ خَيرِ عِشرَةِ

فَاجْتَمَعُوا وَ اكتَمَلوا تحتَ الكِسَا *** مِثلَ نُجُومِ قد أضاءَتْ حِندِسَا

فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ بالكِسَاءِ *** رافعاً اليمنى إلى السَّمَاءِ

يَقولُ: يَا رَبَّ الأنام هؤْلا *** هُمْ أهل بيتي سيدي دُونَ الملا

وَ خَاصَّتيْ، وَ حامَّتيْ، وَ لَحمُهُمْ *** لَحميْ، وَ دَمِّيْ يا إلهي دَمُهُمْ

يُؤْلِمُني ذاكَ الَّذي يُؤلِمُهُمْ *** وَ يُحْزِنُ المختار ما يُحْزِنُهُمْ

وَ إِنَّنِي حَربُ لِمَنْ يُحَارِبُ *** وَ لِلذيْ سَالَمَهُمْ مُقَارِبُ

وَ مَنْ يُعَادِهم أعادِهِ وَ مَنْ *** أحبَّهمْ فذا حبيبُ المُؤتَمَنْ

مِنّي إلهي إِنَّهُمْ وَ إِنَّني *** مِنهُمْ (فَهُمْ رُعَاةُ هذي السُّنَنِ)

فَاجْعَلْ إلهي الصَّلَوَاتِ (الهادِيَةْ) *** وَ البَرَكَاتِ (العَالِيَاتِ) البَاقِيَةْ

وَ الرَّحْمَةَ (الحُسْنَى) و(أزهى) مَغْفِرَةْ *** وَ (حُسنَ) رِضْوانِ لِيَومِ الآخِرَةْ

على الكرام عترةِ النبيِّ *** و المرتضى سيفِ الهدى الأبيِّ

وَ أذهِبِ الرِّجسَ إِلَهِي عَنهُمُ *** يَا مَالِكَ المُلكِ كذا طَهَّرَهُمُ

قالَ: إلَهُ العَالَمِينَ الأعظَمُ *** يَا سَاكِنِي هَذي السَّمَوَاتِ اعْلَمُوا

بِأَنَّني لَمْ أبنِ هَذهِ السَّمَا *** وَ لادَحَوتُ الأَرضَ مَنْ فِيهَا المَلا

وَ لاأثرتُ البَدرَ، وَ الشَّمسُ لَمَا *** ضَاءَتْ وَ لاالأفلاكُ دارتْ في السَّمَا

وَ البَحْرُ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يجريْ *** وَ الفُلْكُ في مِيَاهِهِ أَنْ تَسرِيْ

الاَّ لحُبِّ خَمسةٍ كِرامٍ *** مَنْ ضَمَّهُم ذَاكَ الكسَاءُ السَّاميْ

قَالَ الأُمِينُ أيْ إلهَ الورى *** مَنِ الذينَ ضَمَّهُم ذاكَ الكِسَا

ص: 454

فَقالَ: بَيتُ الوَحي مَعدِنُ الرَّسَالَةِ *** التي عَلَتْ، وَهُمْ سِتْ النِّسَا

فَاطِمَةٌ وَ المصطَفَى أَبُوهَا *** وَ بَعْلُها كذلِكُمْ بَنوهَا

فَقَال جبريلُ أيَا رَبِّي فَهَلْ *** تَأْذَنُ أن أكونَ مَعهُمْ في العَجَلْ؟

قَالَ: نَعَمْ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلى *** رَبِّ الكَمَالِ المصطَفَى مُبَجِّلا

مُسلّماً، وَ قَالَ رَبُّكَ العَليْ *** يُقرِئُكَ السَّلامَ يا خير نَبيْ

وَ بالتَّحِيَّاتِ وَبالإكْرَام قَدْ *** خَصَّكُمُ يَا خَيرَ مَنْ تَعَبَّدْ

وَ إِنَّهُ يُقسِمُ بالجلالِ *** وَ العِزَّةِ العُليَا بلامِثَال

بأَنَّهُ مَا كَانَتِ السَّمَاءُ ** تُوجَدُ، لاالأرضُ، وَلاالضّياءُ

وَ الفَلَكُ العَظِيمُ مَا دَارَ، وَ *** لاجَرَتْ بحَارٌ وَ بِهَا الفُلكُ سَرَى

إلا لعظمِ شأنِكم بينَ الورى *** عند إلهِ العالمين ذي العلا

وَ أنْ أكونَ سَادِساً قَدْ أذِنَا *** وَ أَنتَ هَلْ تَأْذَنُ يَا نُورَ الدُّنَا

قَالَ: سَلامَ يا أمينَ الوحيِّ قَدْ *** أذنتُ فَأَدخلْ بجَلالٍ لايُحدْ

فَصَارَ إِيَّاهُمْ وَ نَالَ الفَخرَا *** يتلوْ عَلَيهِمْ بالخُشُوعِ ذِكرَا

يَقُولُ: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...» *** وَحيَّ مِنَ اللَّهِ لَكُمْ أَوحَاهُ

قَالَ عَليَّ: يا خِتَامَ الأنبيا *** مَا فَضْلُ ذَا عِنْدَ الهِ الاتْقِيَا

فَقَالَ طه والذي إصطَفَانِي *** مَا ذكر الأنَامُ في مَكانِ

حَديثنَا هذا وَفِيهمْ شِيعَةْ *** إِلا وَ نَالُوا رحمةً وسيعةْ

وَ اسْتَغْفَرَتْ لَهُمْ مَلائِكُ السَّمَا *** بِرَحْمَةٍ تَحُفُهُمْ، فَذَا حِمَى

هذا لَهُمْ مَا دَامُوا في استِمَاعِ *** يَتلُونَ هذا القول في اجتِمَاع

قال عَليُّ : إي وَرَبِّ الكعبة *** فُرْنَا وَ فَازَتْ شِيعَةٌ مُحِبَةْ

فَقَالَ خَيرُ الخَلقِ وَ هوَ يقسمُ *** مُعَدِّدَاً فَضلَ الكِسَاءِ يُعلِمُ

بهِ يَنَالُ كُلُّ ذِي هَمْ فَرَجْ *** وَ غَمُ مَغْمومِ بفضلِهِ اندَرَجْ

وَ طَالِبُ الحاجّةِ تُقضَى حَاجَتُهْ *** فالخيرةُ الأطهارُهُم سادَتُهْ

ص: 455

فَقَالَ سَيف اللَّهِ فَرْنَا حَقًّا *** ثمَّ سُعِدنا بتعيم يَبقى

وَ الشَّيعَةُ الأبْرَارُ فازُوا أَبَداً *** بمَا سَيلقَاهُمْ مِنَ الخَيرِ غَدَا

***

يا عَالِماً بالحال يا أكرمَ مَنْ *** يُعطي بلا خوفٍ وَ لايُحْلِ وَ مَنْ

مُنَّ عَلَينَا بالذيْ نَرجُوهُ مِنْ *** دِينِ وَدُنياً وعلى الأخرى أعِنْ

بحَقِّ خَيرِ المُرسَلِينَ المصطَفَى *** وَ صِهرهِ الكرَّارِ مَنْ لَهُ وَفَى

وَ ابنَةِ طَه فَاطم سَيِّدَتي *** وَ المُجْتَبى كَذَا شَهِيدِ الأُمَّةِ

وَآلِهِ الأبْرَارِ رَبَّاهُ استَجِبْ *** وَ اظْهِرَنْ مَنْ غَابَ عَنا وَ حُجِبْ

وَ أَفْعَلْ بنَا مَا أَنتَ أهلُ لَهُ *** وَأَعطِ مِسكِينَكَ مَأمُولَهُ

يَا رَبِّ وَ اخْتِمْ لَنَا بِالسَّلامِ *** وَ اعْظِمْ لَنَا المِنحَةَ في الخِتَام

تِجَارَةً لَدَى الخِتَامِ رَائِحَةْ *** أعلَى صَلاةٍ، ثُمَّ تُتْلَى الفَاتِحَةْ

ص: 456

(6) بضعة النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم

(مجزوء الرَّجز)

السيد صالح الحلي(*)(1)

ليتَ يرَى الَّذِي جَرَى الهَادِي النَّبِيُّ المُؤْتَمَنُ *** مِنْ بَعْدِ مَا غَابَ عَلَى أُمِّ الحُسَيْنِ وَ الحَسَنُ

***

قَدْ هَجَمُوا الدَّارَ عَلَيْهَا وَ هْيَ حَسْرَى لَاتَرَى *** مِنْ رَاحِم يَرْحَمُهَا إِلا الوَصِيَّ حَيْدَرا

أَوْصَى النَّبِيُّ حَيْدَراً مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَصْبِرَا *** فَيَا لَهَا وَصِيَّةٌ أَلْقَتْهُ فِي لُجُ المِحَنْ(2)

يَا بِئْسَ مَا قَدْ خَلَّفُوا نَبِيَّهُمْ فِي عِتْرَتِهْ *** كَأَنَّهُمْ أَوْصَاهُمُ أَنْ يَكْسِرُوا ضِلْعَ ابْنَتِهْ

وَ أَنْ يَقُودُوا بَعْلَهَا الكَرَّارَ فِي عِمَامَتِهْ *** كَمَا يُقَادُ (الفَحْلُ) قَسْراً بِالعِنَانِ وَ الرَّسَنْ

***

مَا صَالِحٌ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً مِنْ أَبِي *** كَلأَ وَ لانَاقَتهُ فِي شَأْنِهَا تُقْرَنُ بِيْ

أَمْ لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُوا أَنِّيَ بَضْعَةُ النَّبِي *** أَهْكَذَا يُصْنَعُ بِي بِالسِّرِّ فِيكُمْ وَ العَلَنْ(3)؟

***

لَمَّا رَأَوْهَا خَرَجَتْ مِنْ خَلْفِهِمْ بِابْنَيْهَا *** عَادَ الزَّنِيمُ لأَطِمَا تَعْساً لَهُ خَدَّيْهَا(4)

ص: 457


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- لُج المحن: الجمع الكثير من المحن و هي التي يمتحن بها الإنسان من بلايا.
3- في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم عن النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: فإنما ابنتي -يعني فاطمة علیها السلام- بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.
4- ما روي في كتاب العوالم ج11 ص568 و هجوم عمر و قنفذ و خالد بن الوليد، و صفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها وهي تجهر بالبكاء.

لَطْمَتُهُ قَدْ أَنْثَرَتْ مِنْ أُذُنِهَا قُرْطَيْهَا *** وَ أَوْدَعَتْ فِي عَيْنِهَا الحُمْرَةَ فِي مَدَى الزَّمَنْ

***

فَمُذْ رَأَتْهُمْ خَرَجَتْ تَعْثَرُ بِالثِّيَابِ *** حَاسِرَةً وَ الجِسْمُ قَدْ ذَابَ مِنَ الأَوْصَابِ(1)

مُذْ دَخَلُوا مَنْزِلَهَا لأَذَتْ وَرَاءَ البَابِ *** وَ اسْتَتَرَتْ بِالبَابِ مِنْ ذَوِي الحُقُودِ وَالإِحَنْ(2)

***

دَعَا الزَّنِيمُ عَبْدَهُ ارْجِعْ إِلَيْهَا رُدَّهَا *** فَأَقْبَلَ العَبْدُ لَهَا يَضْرِبُ مِنْهَا زِنْدَها(3)

وَ كُلَّمَا رَامَ اللعِينُ رَدُّها وَ طَرْدَها *** عَنْ بَعْلِها لَمْ يَسْتَطِعْ ما رامَ عُباد الوَثَنْ

***

حَتَّى أَتَتْ تَعْدُو عَلَى إِثْرِهِمُ لِلْمَسْجِدِ *** ثَاكِلَةً فِي عَبْرَةٍ تَجْرِي وَ قَلْبٍ مُوقَدِ

لاَأَدَعُ البَابَ وَلاالعَضَادَ نَيهَا مِنْ يَدِيْ *** أَوِ اتْرُكُوا أَبَا الحُسَيْنِ سَالِماً أَهْلَ الفِتَنْ

***

فَيَا لَهَا مِنْ لَوْعَةٍ لا تَنْقَضِيْ مَدَى الأَبَدْ *** مَا تَرَكَتْ رُوحاً لَنَا فِي رَاحَةٍ وَ لَاجَسَدْ

وَ هَلْ لَنَا مِنْ رَاحَةٍ فَاطِمُ مَاتَتْ فِي كَمَدْ *** مَا ذُكِرَتْ إِلا وَ قَدْ فَارَقَتِ الرُّوحُ البَدَنْ(4)-(5)

ص: 458


1- الأوصاب: الأمراض والأوجاع الدائمة ونحول الجسم.
2- الإحن: الأحقاد.
3- الزنيم: اللئيم الدعي. روي في الاحتجاج ج1 ص109 و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها.
4- روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص109 فدفعها أي قنفذ الملعون فكسر ضلعاً جنبها و ألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراشها حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها.
5- نقلت من شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص122.

(7) أم أبيها علیها السلام

(بحر الرَّجز)

الشيخ صالح الطرفي(*)(1)

لِبِضْعَةِ المُخْتَارِ أُمِّ الْحُجَجِ *** مَناقِبٌ وَضاءَةٌ كَالسُّرُجِ

بِهَديِها يُسْلَكُ مِنْهَاجُ الْهُدَى *** مِن دُونِ أي عَثَرةٍ أَوْ عِوَجِ

وَ لِلنّسا سَيِّدَةُ النِّسَا غَدَتْ *** سِيرَتُها الْمُثْلَى كَأَسْنَى مَنْهَج(2)

أُمَّ أَبِيها كُنْيَتْ فَاطِمَةٌ *** فَهيَ ابْنَةُ أَمِّ وَ لامِنْ حَرَجٍ

بِبِرِّها بِهِ نَسَمَّتْ أُمَّهُ *** بِهَا يُرى في الْكَرْبِ بابُ الفَرَجِ

لَكِنَّهَا مِنْ بَعْدِهِ قَدْ أَصْبَحَتْ *** مِنْ غَمِّهَا لَهْفِي لَهَا فِي لُجَجِ(3)

قَدْ عايَنَتْ مِنَ الرَّزايا كَثْرَةٌ *** لَوْلا نُهَاهَا لَمْ تَجِدْ مِنْ مَخَرَجِ

فَيا لِضِلْع فِي في الأسى مُضَمَّدٍ *** وَ يَالِجِسْمِ بِالصَّنَا مُنْدَرجِ(4)

ص: 459


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- إشارة إلى ما روي في خصائص النسائي ص34 قال: قال رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: «إن ملكاً السماء لم يكن زارني فاستأذن اللّه في زيارتي فأخبرني و بشرني أن فاطمة علیها السلام بنتي سيدة نساء أمتي»، أقول و ذكره المتقي أيضاً في كنز العمال كنز العمال ج6 ص221.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب مقاتل الطالبيين ص29. أن فاطمة علیها السلام كانت تكنى: أم أبيها و رواه أيضاً. أسد الغابة ج9، ص211، و تهذيب الكمال ج22 ص142، و تهذيب التهذيب ج12 ص440. لجج: جماعة كثيرة أو الشدائد السود.
4- الضنا: المرض و الضعف و الهزال. و في البيت إشارة إلى كسر ضلع الزهراء علیها السلام من قبل القوم فقد روي في كتاب سليم بن قيس ص37. عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) في حديث طويل قال: فانطلق قنفذ، فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن، و بادر علي علیه السلام إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم -إلى أن یقول سلمان- فأرسل عمر إلى قنفذ: أخرجها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. و قد مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.

(8) أفضل النساء

(بحر الرجز)

الشيخ عبد علي الماحوزي

إلى قوله (ما سار كوكب وحل في السماء) و الباقي للشيخ فرج العمران

أفْتَتِحُ الكَلاَمَ بِاسْم الخَالِقِ *** مُصَلِّياً عَلَى النَّبِيِّ الصَّادِقِ

وَ آلِهِ الأَظهَارِ سَادَةِ الوَرَى *** ما حَلَّ فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ وَسَرى

يَقُولُ رَاجِي العَفْوِ يَوْمَ يَذْهَلُ *** يَوْمَ تَرَى العِبَادَ فِيهِ تَعُولُ

أَقلُّ خَلْقِ اللَّهِ عِلْماً وَ عَمَلَ *** أَكْثَرُهُمْ خَطَأَ وَ ذَنْباً وَ زَلَلْ(1)

عَبْدُ عَلي الأَسِيرُ الجَانِي *** أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنَ النِّيرانِ

وَ بَعْدُ: فَالإِنْسانُ فِي دَارِ العَنا *** لازالَ فيها بِالبَلا مُمْتَحَنا

أَعْنِي بِهِ الجَامِعَ لِلْوَصْفِ الحَسَنْ *** لاكُلُّ فَرْدِ يُبْتَلَى وَ يُمْتَحَنْ

بَل الَّذِي قَدْ حَازَ عِلْماً وَ تُقَى *** وَ لِلْمَعَالِي وَ الكَمَالِ قَدْ رَقَى

ذاكَ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَ مَنْ *** يُحِبُّهُ فَهُوَ حَقِيقٌ بِالمِحَنْ

وَ أَسْأَلُ اللهَ بِأنْ يَهْدِينِي *** مُتَّكِلاً عَلَيْهِ أَنْ يُعِينَنِي

فِي رِحْلَتِي فِي سَفَرٍ وَ فِي حَضَرْ *** أَذْكُرُ فِيهَا مَا جَرَى مِنَ القَدَرْ

رَوَى النّقاتُ مِنْ رُواةِ الخَبَرِ *** خَيْرٌ حَدِيثٍ مُسْتَدٍ مُعْتَبَرِ(2)

ص: 460


1- زَلَلْ: انحراف و سقوط.
2- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص930 ذكر سند حديث الكساء حيث جاء: «رأيت بخط الشيخ الجليل السيد هاشم عن شيخه السيد ماجد البحراني عن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني عن شيخه المقدس الأردبيلي عن شيخه علي بن عبد العالي الكركي عن الشيخ علي بن هلال الجزائري عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي عن الشيخ علي بن الخازن الحائري عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشهيد الأول عن أبيه عن فخرالمحققين عن شيخه العلاّمة الحلي عن شيخه المحقق عن شيخه ابن نما الحليّ عن شيخه محمد بن إدريس الحلي عن ابن حمزة الطوسي صاحب «ثاقب المناقب» عن الشيخ الجليل محمد ابن شهرآشوب عن الطبرسي صاحب الاحتجاج عن شيخه الجليل الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي عن أبيه شيخ الطائفة عن شيخه المفيد عن شيخه ابن قولويه القمي عن شيخه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن قاسم بن يحيى الجلاء الكوفي عن أبي بصير عن أبان بن تغلب البكري عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن فاطمة الزهراء علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم...».

عَنْ أَفْضَلِ النِّساءِ ذاتِ المِحَنِ *** فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ أُمِّ الحَسَنِ

قالَتْ عَلَيْها أَفْضَلُ السَّلامِ *** بَيْنا أَنَا يَوْماً مِنَ الأَيَّامِ

فِي مَنْزِلِي إِذْ بِالنَّبِيِّ قَدْ دَخَلْ *** أَبِي رَسُولُ اللَّهِ خَاتَم الرُّسُلْ

فَقَالَ يا فَاطِمُ إِنِّي لأَجِدْ *** في بَدَنِي آثَارَ ضَعْفٍ لَمْ يُجَدْ(1)

فَقُلْتُ بِاللَّهِ أَبِي أُعِيذُكَا *** مِنْ كُلِّ ضَعْفٍ وَأَذًى يُؤْلِمُكا

فَقَالَ یا فاطِمُ يا سِنَّ النِّسا *** مُسْرِعَةٌ قُومِي وَهاتِي لِي الكَسا

بِلاَ تَوَانٍ وَبِهِ غَطَّينِي *** ثُمَّ اسْأَلِ اللَّهَ بِأَنْ يَشْفِينِي

فَقَالَتِ الحَوْرَاءُ ثُمَّ جِئْتُهُ *** بِمَا أَرَادَ وَ بِهِ غَطَيْتُهُ(2)

فَصِرْتُ نَحْوَهُ أَكَرُرُ النَّظَرُ *** وَ وَجْهُهُ كَالبَدْرِ فِي الرَّابِعُ عَشَرْ(3)

فَمَا مَضَى إِلا قَلِيلٌ مِنْ زَمَنْ *** إِذْ جَاءَنَا مُسَلِّماً ابْنِي الحَسَنْ

فَقَال يا أُمُّ أَشُمُّ مِنْكِ *** رَائِحَةٌ طَيِّبَةً كَالمِسْكِ

ص: 461


1- «والبيت الذي يليه» «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931. «...قال : إني أجد في بدني ضعفاً، فقلت له: أعيذك باللّه يا أبتاه صلي اللّه علیه و آله و سلم من الضعف...».
2- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931: «...فقال: يا فاطمة علیها السلام ايتيني بالكساء اليماني فغطيني به، فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به».
3- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931: «... و صرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله...».

كَأَنَّها رَائِحَةُ المُختارِ *** جَدِّي رَسُولِ المَلِكِ الجَبَّارِ

قُلْتُ نَعَمْ جَدُّكَ وَهُوَ نَائِمْ *** تَحْتَ الكِسَا فَجَاءَ وَ هُوَ العَالِمُ

سَلَّمَ ثُمَّ قال يا جداهُ *** يا مَنْ بِهِ شَرَّقَنَا الإِلهُ

تَأْذَنُ لِي أَدْخُلُ يا جَدِّي مَعَكْ *** تَحْتَ الكِسا فَقَالَ قَدْ أَذِنْتُ لَكْ

قَالَتْ عَلَيْهَا أَفْضَلُ الثَّناءِ *** ثُمَّ أَتَى الحُسَيْنُ فِي الأثناءِ

فَقالَ يا أُمَّ أَشُمُ رَائِحَهْ *** طَيِّبَة عِنْدَكِ وَهْيَ فَائِحَهْ

كَأَنَّها رَائِحَةُ المِسْكِ النَّدِي *** أَظُنُّها أَنْفاسُ جَدِّي أَحْمَدِ

قُلْتُ نَعَمْ تَحْتَ الكِسا مَعَ الحَسَنْ *** أَخِيكَ جَدُّكَ النَّبِيُّ المُؤْتَمَنْ

فَجَاءَ نَحْوَ جَدِّهِ مُسْتَبْشِرًا *** وَ قَالَ يا جَدّاهُ يا خَيْرَ الوَرَى

صَلَّى عَلَيْكَ اللَّهُ ثُمَّ سَلَّما *** ما سار كَوْكَبٌ وَ حَلَّ فِي السَّما

ياجَدُّ يا جَدُّ هَلْ تَأْذَنُ لِي أَنْ أَدْخُلاَ *** تَحْتَ الكِسا؟ قالَ ادْخُلَنْ مُبَجَّلا(1)

فَمَا مَضَى الأَقَلِيلٌ إِذْ أَتَى *** مُسَلِّماً حَيْدَرَةُ الظهرُ الفَتَى(2)

فَقُلْتُ: يا أبا الحُسَيْنِ وَ الحَسَنْ *** صَلَّى عَلَيْكَ اللهُ ما دَامَ زَمَنْ

فَقَالَ يا أُمَّ الكرام البَرَرَهْ *** أَشُمُّ فِي بَيْتِكِ ريحاً عَطِرَهْ(3)

كَأَنَّها رِيحُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** أَشْرَفِ مَنْ لَهُ المُهَيْمِنُ اصْطَفَى

قَالَتْ لَهُ سِبُّ النِّساءِ فاطِمُ *** تَحْتَ الكِسا والحَسَنَيْنِ نائِمُ

فَجَاءَ نَحْوَ ذَلِكَ الكِسا الَّذِي *** مِنْهُ فَشَتْ رَوَائِحُ المِسْكِ النَّدِي

ص: 462


1- مبجلا: مُعظَما.
2- في المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص282 الإمام الطاهر القمر الباهر الماء الطاهر الفرات الزاخر الأسد الخادر الربيع الباكر الخير و الذكر الصديق الأكبر الشفيع في المحشر الموت الأحمر و العذاب الأكبر أبوشبير و أبوشبر المسمى بحيدر وما أدراك ما حيدر...».
3- والأبيات التي تليه في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص932 ضمن حديث الكساء. «...يا فاطمة علیها السلام إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة أخي و ابن عمي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقلت: نعم ها هو مع ولديك تحت الكساء...».

مُسلّماً عَلَى النَّبِيِّ الفاضِل *** مُسْتَأْذِنَاً قالَ لَهُ ادْخُلْ يا عَلِي

وَ بَعْدَ ذَا سِتُّ النِّسا أَتَتْ إِلَى *** نَحْو الكِسا تُبْدِي السَّلامَ أَوَّلا

تَطْلُبُ إِذْنا مِنْ أَبِيها الهَادِي *** قَالَ ادْخُلِي وَالِدَةَ الأَمْجَادِ

فَاکْتَمَلُوا خَمْسَتُهُمْ تَحْتَ الكِسا *** عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ صُبْحاً وَمَسا(1)

فَعِنْدَ ذاكَ خَالِقُ الأفلاكِ *** سُبْحَانَهُ قَدْ قَالَ لِلأَمْلاكِ(2)

وَ عِزَّتِي مَلائِكَ السَّماءِ *** وَ قُدْرَنِي أَنْ لَيْسَ مِنْ سَمَاءِ

مَبْنِيَّةٍ وَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ تُرى *** مَدْحِيَّةً وَ لاأَنَرْتُ قَمَرا(3)

وَ مَا خَلَقْتُ شَمْسَها المُنيرهْ *** وَ الفَلَكَ الدَّوَّارَ لَنْ أُدِيرَهْ

وَمَا خَلَقْتُ البَحْرَ وَالفُلْكَ الَّتِي *** تَجْرِي إِلَى نَفْعِ الوَرَى بِرَحْمَتِي

إلا لِحُبْ مَنْ حَوَاهُمُ الكِسَا *** وَ مَنْ هُمُ؟ كَانُوا لأَرْضِ حَرَسا

فَقالَ جِبْرِيلُ الأَمِينُ رَبَّنا *** وَ مَنْ هُمُ قَالَ الكِرَامُ الأُمَنا

وَ مَنْ هُمُ بَيْتُ النُّبُوَّةِ العَلِي *** كَانُوا لَهُ أَهْلاً وَ فَضْلُهُمْ جَلِي؟

وَ لِلرِّسالَةِ اغْتَدَوْا مَعَادِنَا *** مِنْ قَبْلِ أَنْ أُنشي بِصُنْعِي كائِنا

هُمْ فَاطِمٌ وَالمُصْطَفَى النَّبِيُّ *** وَالِدُها وَبَعْلُها عَلِيُّ

وَ الحَسَنانِ السَّيِّدانِ ابْناها *** وَ رَحْمَتِي تَخُصُّ مَنْ وَالاها

فَقَالَ هَلْ تَأْذَنُ لي يا ذَا الكَرَمِ *** أَهْبِطُ سَادِساً لَهُمْ؟ قَالَ نَعَمْ

ص: 463


1- في «معاني الأخبار» ص107 ح1: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: أخبرني عن قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في فاطمة علیها السلام، إنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم علیها السلام كانت سيدة نساء عالمها و فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين». انظر: «دلائل الإمامة»، ص54 ، روضة الواعظين ص180.
2- في «بحار الأنوار» بحار الأنوار ج22 ص494 ضمن ح40 ط الثالثة/ دار إحياء التراث العربي -بيروت و مؤسسة الوفاء بيروت «قال صلى اللّه عليه و آله و سلم: ....أصحاب الكساء الخمسة أنا سیدهم و لافخر عترتي أهل بيتي علیهم السلام السابقون المقربون يسعد من اتَّبعهم وشايعهم...».
3- مدحيّة: مبسوطة.

فَجَاءَهُمْ نَحْوَ الكِسا الَّذِي سَما *** عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى مُسَلِّما

يَقُولُ إِنَّ خَالِقَ البَرِيَّهْ *** يُقرِيكُمُ السَّلامَ وَالتَّحِيَّهْ

وَ هُوَ يَقُولُ قَدَّمَتْ أَسْماهُ *** مُخاطباً لِسَاكِنِي سَمَاهُ

مُنَوِّهاً بِفَضْلِكُمْ أَهْلَ الرِّضا *** ثُمَّ أَعَادَ جِبْرَئِيلُ ما مَضَى

وَ إِنَّهُ لِي بِالدُّخُولِ يَأْذَنُ *** فَيَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِي تَأْذَنُ؟

قَالَ بَلَى فَعِنْدَ ذَاكَ دَخَلا *** وَ آيَةَ التَّطْهِيرِ (إِنَّما) تَلاَ

قَالَ عَلِيٌّ ما لذا الجُلُوسِ *** مِنَ الكَرَامَاتِ لَدَى القُدُّوسِ

فَقَالَ وَالَّذِي اصْطَفَانِي يا عَلِي *** ما كَانَ مَحْفِلٌ مِنَ المَحَافِلِ

مَحَافِلِ الشَّيعَةِ ذِكْرُ ذا الخَبَرْ *** جَرَى بِهِ إِلا وَخَالِقُ البَشَرْ

عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةَ فِيهِ أَنْزَلا *** وَ عَمَّهُمْ بِجُودِهِ تَفَضُّلا

وَ حَفَّتِ المَلائِكُ الكِرَامُ *** بِهِمْ لَهُمْ تَحْرِسُ مَا اسْتَقَامُوا

يَسْتَغْفِرُونَ الوَاحِدَ المَنّانا *** لَهُمْ وَ يَسْأَلُونَهُ الجِنَانا

قَالَ عَلِيٌّ نَحْنُ وَ الشَّيعَةُ قَدْ *** فُرْنا وَرَبِّ الكَعْبَةِ الفَرْدِ الصَّمَدْ

فَقَالَ خَيْرُ الأَنْبِياءِ مُقْسِما *** بِالقَسَم الَّذِي مَضَى وَأَعْلَمَا

ما فِيهِمُ مَهْمُومُ الأَفَرَّجا *** ذُو العَرْشِ هَمَّهُ وَنَالَ الفَرجا

وما بِهِمْ مَعْمُومُ إِلا وَكَشَفْ *** عَنْهُ الإله الغَمَّ والضُّر انْكشَفْ

وَ لَيْسَ فِيهِمْ طالِبٌ لِحَاجَهْ *** الأَ لَهُ قَضَى الإِلهُ الحَاجَهْ

فَقَالَ حَامِي حَوْزَةِ الإسلامِ *** إذا وَ رَبِّ البَيْتِ وَ المَقَامِ

فُزْنا كذا أشياعُناقَدْ فَازُوا *** فَوْزاً عَظِيماً وَالجِنَانَ حَازُوا

وَقَدْ سُعِدْنَا فِي ذِهِ الدُّنْيَا وَ فِي *** دَارِ الخُلُودِ بِعَظيم الشَّرَفِ

فَيَا إِلهِي اخْتِمُ لَنَا بِالحُسْنَى *** وَ اسْلُكْ بِنَا إِلَى المَقَام الأَسْنا

وَ حِينَ فَاحَ مِسْكُ خَتْمِها النَّدِي *** فَعَطَّرَ الكَوْنَ بِعِطرِ جَيْدِ

ص: 464

سميتها يا صاح مِفْتَاحَ الفَرَجْ *** أَرْجُو بِهَا تَنْحَل عَنْيَ الرَّتَجْ(1)

ثُمَّ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ العَالِي *** عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى وَالآلِ(2)

ص: 465


1- الرّتج: الباب العظيم الباب المغلق و فيه باب صغير.
2- شعراء القطيف ج2 ص184.

(9) ليلة القدر

(بحر الرجز)

الشيخ عبد الله بن معتوق(*)(1)

ما العُذْرُ لِلأُمَّةِ فِيمَا سَلَكَتْ *** عَنْ لَيْلَةِ القَدْرِ الَّتِي قَدْ هُتِكَتْ(2)؟

ما العُذْرُ عَنْ زُجَاجَةِ المِصْباحِ *** اذْ كُسِرَتْ ظُلماً لَدى الصَّباحِ(3)؟

ما العُذْرُ عَنْ مَوْؤُودَةٍ إِذْ سُئِلَتْ *** يَوْمَ الجَزا بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(4)؟

ما العُذْرُ لِلأُمَّةِ عَنْ أُمِّ القُرَى *** إِذْ عُقلَتْ أَبْيَاتُها عَنِ القرّى؟

ص: 466


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- لعله يشير إلى ليلة القدر التي بها ضرب ابن ملجم «لعنة الله عليه» الإمام علياً علیه السلام بالسيف على رأسه في المحراب و القصة معروفة لاتحتاج إلى مزيد شرح.
3- جاء في تفسير قوله «تعالى»: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ...» إلى آخر الآية [سورة النور، الآية : 35] أن المراد من «الزجاجة كأنها كوكب دري» هو الإمام علي علیه السلام راجع تفسير نور الثقلين ج3 ص603 مطبعة الحكمة. و البرهان في تفسير القرآن ج3 ص134.
4- البيتان مقتبسان من قوله «تعالى»: «وإِذا الموؤودة بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» [سورة التكوير، الآية:8-9] و ربما يشير بهما إلى إسقاط فاطمة الزهراء علیها السلام لجنينها «محسن» و ذلک عند الهجوم علی دارها و عصرها بالباب و ضربها و لقد سبقت الاشارة إلى ذلك مع ذكر المصادر لها ولابأس هنا من إيراد بعض المصادر لمن أحبَّ الاطلاع، فراجع في هذا الشأن الكافي للكليني ج8 ص343 ح541 و البحار ج28 ص261-282، و الاحتجاج ج1 تحت الرقم 38 و نوائب الدهور للميرجهاني ص194 و كتاب سليم بن قيس ص134، و العقد الفريد لابن عبد ربه ج2 ص250. و تاريخ أبي الفداء ص156، و اعلام النساء ج3 ص127 و تاريخ الطبري ج3 ص198، و الإمامة والسياسة ج1 ص13 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص57 و هناك مصادر كثيرة من طرق العامة والخاصة على اننا اكتفينا بهذا المقدار.

ما العُذْرُ عَمَّا فَعَلُوا مِنْ مُنْكَرِ *** مِمَّا قَدِيماً مِثْلُهُ لَمْ يُذْكَرِ؟

وَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أُولِي الأَدْيَانِ *** وَ غَيْرِهِمْ فِي سَالِفِ الأَزْمَانِ

فَهَلْ جَرَى مِنْ أُمَّةٍ فِيمَا سَلَفْ *** عَلَى بَنَاتِ الأَنْبِيا أَهْلِ الشَّرَفْ؟

كَمَا جَرَى عَلَى ابْنَةِ الرَّسُولِ *** فاطِمَةَ الزَّكِيَّةِ البَتُولِ

مِنَ الأذَى وَالذُّلُّ وَالإِهَانَةٍ *** مِنْ بَعْدِ ذَاكَ العِزَّ وَالصَّيانَةِ

ما فَاطِمٌ وَ هَجْمَةُ الأَشْرَارِ *** فِي دَارِها وَهْيَ بِلاَخِمَارِ(1)؟

ما فاطمٌ ما البابُ و الجِدَارُ *** ما الضَّغطُ ما الإِسْقَاط وَالمِسْمَارُ؟

ما فاطِمٌ ما حُمْرَةُ العَيْنَيْنِ *** ما الضَّرْبُ وَ اللَّظمُ عَلَى الخَدَّيْنِ؟

ما الطُّهْرُ ما إِضْرَامُ تِلْكَ النَّارِ *** بِبَابِهَا وَ هُيَ ابْنَةُ المُخْتَارِ(2)؟

ما فَاطِمٌ ما مَجْلِسُ الرِّجالِ *** ما الطُّهرُ ما التَّكْذِيبُ فِي المَقَالِ؟

مَا الطُّهْرُ ما الدَّعْوَى بِغَيْرِ حَقِّ *** وَ الحَقُّ شَاهِدٌ لَهَا بِالصِّدْقِ(3)؟

ص: 467


1- لقد سبقت الإشارة إلى هذا المعنى في حادثة الهجوم على دار الزهراء علیها السلام في هوامش سابقة.
2- يشير الشاعر في هذين البيتين إلى جريمة احراق دار الإمام علي و فاطمة الزهراء علیهما السلام و ابنيها الحسن و الحسين علیهما السلام و لقد شارك في هذا الأمر المفجع قنفذ بن عمير التميمي و الممغيرة بن شعبة وزيد بن أسلم و غيرهم بقيادة «عمر» و لقد مرّت تفاصيل هذه الحادثة في هوامش عديدة.
3- ديوان الشيخ عبداللَّه بن معتوق بن مرهون التاروتي المتوفى(1362/5/1 ه-) من شعراء القطيف ص61 عن الأزهار الأرجية ج2 ص200.

(10)آل النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم الأكرمين

(بحر الرّجز)

الشيخ عبد الله الوائل الإحسائي(*)(1)

تَباً لِدُنْيا غادَرَتْ أَهْلَ الْعَبا *** بِصُروفِها فَتَشَتَّتُوا أَيْدِي سَبا(2)

أوَ لَمْ تَكُنْ تَدْرِي بِأنْ وُجودَهُمْ *** سَبَبٌ لِكُلِّ الكَائِنَاتِ تَسبَّبا(3)

لَكَنَّها طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ فَلا *** تَصْفُو لِذي نَفْسٍ عَليْها مَشْرَبا

ما لاح بارِقُها بإقبالِ امْرِىءٍ *** إلاوَعَادَ عَلَيْهِ بَرْقاً خُلَّبا(4)

فَاحْذَرْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ مِنْهَا وَاحْتَرِزْ *** عَنْ سُمِّها إِنْ كُنْتَ حُرّاً طَيِّبا

ص: 468


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- في صحيح الترمذي ج2 ص209 قال: روي بسنده عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبی صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»[سورة الأحزاب الآية: 33]. في بيت أم سلمة فدعا فاطمة و حسناً و حسيناً علیهم السلام فجعلهم بكساء و علياً علیه السلام خلف ظهره فجعلهم بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام فأذهب عنهم عنهم الرجس و طَّهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة: و أنا معهم يا نبي اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم؟ قال له: أنت على مكانك و أنت على خير» و رواه الطحاوي في مشكل الآثار ج1 ص335 وابن الأثير في أسد الغابة ج2 ص12.
3- جاء ضمن حديث الكساء المروي في كتاب عوالم العلوم ج2 ص933 إشارة إلى ذلك. فبعد دعاء النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم و قوله: (أنا حرب لمن حاربهم و سلم لمن سالمهم و عدو لمن عاداهم و محب لمن أحبهم إنهم مني و أنا منهم فاجعل صلواتك و بركاتك و رحمتك و غفرانك و رضوانك عليَّ و عليهم و أذهب عنهم الرجس و طَّهرهم تطهيراً. فقال اللَّه «تعالى»: يا ملائكتي و سكّان سماواتي إني ما خلقت سماءً مبنية و لاأرضاً مدحية و لاقمراً منيراً و لاشمساً مضيئة و لافلكاً يدور و لابحراً يجري و لافلكاً يسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء).
4- برقاً خلباً: برقاً يكون في السحاب الذي لامطر فيه فكأنه يخدعُ.

ما سالمتْ أحداً وَ راحَ مُسَلَّماً *** مِنْهَا وَلَوْ بَلَغَ الثَّرَيَا مَنْصِبا

أَيْنَ الجَبَابِرَةُ الأُولى عَركَتْهُمُ *** عَرْكَ الأَديم فَأَصْبَحُوا فيها نَبا

وَ قُصورُهُمْ مِنْ بَعدِ مَنْعَةِ عِزَّهِمْ *** أَمْسَتْ خَراباً لاتردْ لَهُمُ نَبا

نَعَبَ ابنُ دايةَ بالفَنَاءِ عَلَيْهِمُ *** فَبِشُومِ طَائِرِهِ بِهِمْ طارُوا ثبا(1)

سَكَنُوا اللحودَ فهَلْ تَرى لِوُجودِهِمْ *** أَثَراً فَكُلُّ فَنَائِهَا قَدْ غُيَّبا

وَ كَفاكَ مِنْهَا مَا أَصَابَ بَني الهُدَى *** مِمَّا يَرُوحُ الطِّفْلُ منهُ أَشيَبا

آلُ النَّبِيِّ الأَكْرَمِينَ وَ مَنْ لَهُمْ *** مَجْدٌ عَلَى أَوْجَ المَجَرَّةِ طنَّيا(2)

سامَتْهُم الخَسْفَ الذَّرِيعَ عِصابَةٌ *** فيها قَدِ امْتَطَوا الصَّلالَةَ مَرْكَبا(3)

قُبِضَ النَّبِيُّ وَ قَدْ سَقَوْهُ بِبَغْيِهِمْ *** مَضَضاً بِهَا قَدْ رَاحَ مُضْنِّى مُتْعَبا(4)

وَ البَضْعَةُ الزَّهْرا سَقَوْها بَعْدَهُ *** غُصَصاً مِثَالَ دُعافِها لَنْ يُشْرَبا(5)

وَ جَنينَها أَلْقَوْا وَبَزُوا إِرْثَها *** ظُلْماً وَ مَنْزِلُها بِنَارِ أُلْهِبَا

وَ جَؤُوا أَضالِعَها وَقادُوا جُرْأَةً *** مِنْ عُقْرِ مُنْزِلِها الوَصِيَّ مُلَبَّبا

حَتّى قَضَتْ وَ لْهَا لايَرْقَى لها *** دَمْعٌ وَ عَبْرَتُها تَزيدُ تَصَوُّبا(6)

ص: 469


1- ثباً: جمعاً.
2- طنَّبا: شدَّ الأطناب و هي الجبال الطويلة.
3- الخسف الذريع: الذل أو النقص السريع أو الفظيع.
4- مضضاً: -وجع المصيبة- اللبن الحامض.
5- ذعافاً: ذعف الطعام أي جعل فيه السم، موت ذعاف: سريع.
6- يشير الشاعر في هذه الأبيات الأربعة السابقة إلى عدة أمور و هي: إلقاء الجنين. و أما قضية الإرث فورد عنها أن فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم مما أفاء اللّه عليه في المدينة فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد صلي اللّه علیه و آله و سلم هذا في المال. فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك. راجع ج1 ص9 من مسند أحمد و السنن الكبرى: ج76 ص300. و في الاحتجاج للطبرسي ج1 ص90 عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: لما بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم و أما حزنها و ولهها و بكائها، ورد عن عمرو بن دينار عن الباقر علیه السلام: قال ما رئيت فاطمة علیها السلام ضاحكة قط منذ قبض رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم حتى قبضت مناقب ابن شهر آشوب ج3 ص119. و في ج3 من كتاب مناقب ابن شهر آشوب أيضاً ص322: و رأس البكائين ثمانية: آدم، و نوح، و يعقوب، و يوسف، و شعيب، و داود، و فاطمة علیها السلام و زين العابدين علیه السلام قال الصادق علیه السلام: أما فاطمة علیها السلام فبكت على رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم حتى تأذى أهل المدينة، فقالوا لها: آذيتنا بكثرة بكائك إما أن تبكي بالليل و إما أن تبكي بالنهار و كانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي.

وَ المُرْتَضَى مِنْ بَعْدِ غَصْبٍ مَقامِهِ *** أَرْداهُ في مخرابه ماضي الشَّبا(1)

وَ المُجْتَبَى أَوْدَى بِسُم جُعَيْدَةٍ *** في الصَّوْمِ لِلَّهِ العَلِيِّ تَقَرُّبا(2)

ص: 470


1- في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج8 ص290: روي بسنده عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً و هو يوم غدير خم لما أخذ النبي اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم بيد علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا بلى يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب علیه السلام أصبحت مولاي ومولى كل مسلم و مسلمة فأنزل اللّه: اليوم أكملت لكم دينكم [المائدة، الآية: 3] الحديث. و يشير الشاعر في عجز البيت إلى مقتل الإمام علي عليه السلام يد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم المرادي في محراب صلاته و قد أنبأه رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم بذلك. ففي مستدرك الصحيحين ج3 ص143 قال: عن حيان الأسدي: سمعت علياً علیه السلام يقول: قال رسول اللَّه صلي اللّه علیه و آله و سلم: إن الأمة ستغدر بك بعدي و أنت تعيش على ملّتي و تقتل على سنتي أحبك أحبني و من أبغضك أبغضني و إن هذه ستخضب من هذا، يعني لحيته من رأسه. قال الحاكم: صحيح. وفي كنز العمال ج6 ص398 المصدر السابق نفسه قال: «عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم لعلي علیه السلام: إنك مستخلف مقتول، و إن هذه مخضوبة من هذا يعني لحيته من رأسه. قال: أخرجه الطبراني وابن عساكر.
2- في كتاب الصواعق المحرقة ص140 لابن حجر العسقلاني: «و كان سبب موته أن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي دس إليها يزيد أن تسمه و يتزوجها و بذل لها مائة ألف درهم ففعلت، فمرض أربعين يوماً فلما مات بعثت إلى يزيد تسأله الوفاء بما وعدها فقال لها: إنا لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا. و راجع أيضاً مستدرك الصحيحين ج3 ص176: روی بسنده عن قتادة بن دعامة السدوسي قال: سمَت ابنة الأشعث بن قيس الحسن بن علي علیه السلام و كانت تحته و رشيت على ذلك مالاً».

وَ لَهُمْ بِيَوْمِ الطَّفْ رُزُءٌ لِلْهُدَى *** قَدْراحَ بِالدُّل الطويل مُجَلبَبَا(1)-(2)

ص: 471


1- يشير الشاعر إلى استشهاد الإمام الحسين علیه السلام و آل بيته في كربلاء بأمر من يزيد «لعنه اللّه» تلك الحادثة المعروفة حتى قبل وقوعها لإخبار رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم بها ففي كتاب الصواعق المحرقة ص192 قال: استأذن ملك القطر ربه أن يزورني فأذن له و كان في يوم أم سلمة فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: يا أم سلمة احفظي علينا الباب لايدخل أحد، فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين علیه السلام فاقتحم فوثب على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فجعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يلثمه و يقبله، فقال له الملك: أتحبه؟ قال: نعم قال: إن أمتك ستقتله، و إن شئت أريك المكان الذي يقتل به فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها قال ثابت كنا نقول إنها كربلاء». و راجع كنز العمال ج6 ص223 عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إن جبرائيل أتاني و أخبرني أن ابني هذا يقتل و إنه اشتد غضب اللّه على من يقتله». قال: أخرجه ابن عساكر عن أم سلمة.
2- القصيدة (116) بيتاً في ديوان الدرر الفاخرة في مدائح العترة الطاهرة.

(11) طاهرة مطهرة

(بحر الرجز)

الشيخ عبد المجيد أبو المكارم(*)(1)

الحَمْدُ لِلَّهِ ذي الجَلالِ *** وَ خَالِقِ الخَلْقِ بِلا تِمْثالِ

الوَاحِدِ الفَرْدِ العَظِيم الأَحَدِ *** رَبِّ العِبَادِ ذلِكَ المُوَحَّدِ

هُوَ الإِلهُ مُوجِدُ الأَكْوَانِ *** وَ مُغْدِقُ النَّعْمَا عَلَى الإِنْسَانِ(2)

الواحِدُ الفَرْدُ بِلاً مُعِينِ *** وَ القَادِرُ الحَيُّ بِلاَ قرين

وَ خَالِقُ الخَلْقِ إِلَى العِبادَهْ *** حَقَّاً حَقِيقاً لَيْسَ لِلرِّفادَهْ(3)

بِقَوْلِهِ الكَرِيمِ فِي التُّبْيَانِ *** فَخُذْ بَيَانَهُ مِنَ القُرْآنِ

وَ مَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَى *** غَيْرِ عِبَادَةٍ كَصَوْمِ وَصَلا

وَ مَا أَرَدْتُ مِنْهُمُ ارْتِزَافَا *** كَلأَ وَ لاَطَعَامَ مُسْتَشاقا

إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ فِي طُولِ الأَبَدْ *** وَ قُوَّتِي مَتِينَةٌ فَلا تُحَدْ

ثُمَّ الصَّلاَةُ لِلنَّبِيِّ الهَادِي *** المُصْطَفَى المُخْتَارِ نُورِ النَّادِي

وَ خَاتَمِ الرُّسُلِ وَ سَيْدِ الأُمَمْ *** مِنْ كُلِّ مَخْلُوقِ لِعُرْبِ وَ عَجَمْ

وَ آلِهِ الأَطْهَارِ ساداتِ الوَرَى *** وَ مَنْ بِهِمْ تَنَوَّرَتْ أُمُّ القُرَى

كَذَا الوَصِيُّ حَيْدَرُ الكَرَارُ *** أَخُو النَّبِيِّ سَيِّدُ الأَبْرَارِ

ص: 472


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- مُعْدِق: مُوَسّع.
3- الرفادة: السرج ، دعامة السرج أو الرحل، خرقة تجعل على الجرح.

وَ هُوَ ابْنُ عَمُ المُصْطَفَى الرَّسُولِ *** وَ الزَّوْجُ لِلطَّاهِرَةِ البَتُولِ

بنْتُ الرَّسُولِ فَاطِمُ الزَّهْراءِ *** حَوْرَاءُ قُدْسِ سَيْدَةُ النّساءِ(1)

قدْ أَوْصَلَتْ رِسَالَةُ النَّبِيِّ *** إِمَامَةَ المَوْلَى الوَصِي الزَّكيِّ

مِنَ الإِلهِ الوَاحِدِ المَنَّانِ *** وَ فَضْلُها قَدْ بَانَ فِي التِّبْيانِ

صِدِّيقَةٌ طَاهِرَةٌ مُطَهَّرَهْ *** شَفِيعَةٌ شَافِعَةٌ مُقَدَّرَهْ(2)

هذَا النَّبِيُّ المُصْطَفَى يَقُولُ *** فَاطِمَةٌ بَضْعَتِي البَتُولُ(3)

ص: 473


1- في علل الشرايع ج1 ص213 باب143 ط1-مؤسسة الأعلمي -بيروت. «عن جابر بن عبداللّه عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قلت له لم سميِّت فاطمة الزهراء علیها السلام زهراء؟ فقال علیه السلام: لأن اللَّه «عزّوجل» خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها و غشيت أبصار الملائكة و خرّت الملائكة اللّه ساجدين، و قالوا: الهنا و سيدنا ما هذا النور؟ فأوحى اللّه إليهم: هذا نور من نوري أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي، أفضله على جميع الأنبياء، و أخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون إلى حقي، و أجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي». انظر: «دلائل الأمامة» ص54. «إحقاق الحق» ج19 ص11 (مثله) يوضح معنى البيت. في «إحقاق الحق» ج10 ص10-11: «وكان المختار كلما اشتاق إلى الجنة و نعيمها قبل فاطمة علیها السلام و شمَّ طيب نسيمها فيقول حين يتنشق نسمتها القدسية: إن فاطمة علیها السلام الحوراء، إنسيّة». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص42 ح19.
2- في «الكافي» ج1 ص458 ح2: «عن علي بن جعفر علیه السلام عن أخيه أبي الحسن علیه السلام قال: إن فاطمة علیها السلام صديقة شهيدة». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج1 ص42 ح19. و في «إحقاق الحق» ج10 ص367منقولاً من «اخبار الدول». «...إنها علیها السلام لما سمعت بأنّ أباها زوجها وجعل الدراهم مهراً لها قالت: يا رسول اللّه صلي اللّه علیه و آله و سلم إنّ بنات الناس يتزوّجن بالدراهم فما الفرق بيني و بينهنّ أسألك أن تردّها وتدعو اللّه «تعالى» أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبريل علیه السلام و معه بطاقة من حرير مكتوب فيها: «جعل اللّه مهر فاطمة الزهراء علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت و قالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي و شفعت في عصاة أمة أبي» . وانظر: «إحقاق الحق» ج19 ص129 أیضاً.
3- في «كشف الغمة« لأبي فتح الأربلي ج2 ص92 ط -دار الكتاب الإسلامي: «...خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم و قد أخذ بيد فاطمة علیها السلام و قال: من عرف هذه فقد عرفها و من لم يعرفها فهي فاطمة علیها السلام بنت محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم و هي بضعة منّي و هي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص80 ح69 و أيضاً ص54 ضمن ح48 و «إحقاق الحق» ج10 ص212 و ج19 ص75.

فَمَنْ لَيُؤْذِي بَضْعَتِي يُؤْذِينِي *** كذا رِضاؤها نَعَمْ يُرْضِينِي

وَ إِنَّها لَيَغْضَبُ اللَّهُ لَها *** كذا لَيَرْضَى اللَّهُ فِي رِضائِها(1)

كَيْفَ وَ قَدْ قَاسَتْ مَصَائِبَ الزمن *** بَعْدَ أَبِيها مِنْ تَوَفَّرِ الفِتَنْ؟

مَنْعُ بُكَائِها عَلَى الرَّسولِ *** قَدْ قَلَعُوا أَراكَةَ البَتُولِ

فَمَا لِبَيْتٍ سِيمَ بِالأَحْزَانِ *** إِذْنَكَبُوها بِأَذَى الإِعْلانِ

حاشُوا عَلَيْهَا فِي مَصَائِبِ الزَّمَنْ *** وَ أَلْحَقُوا بِهَا أَكَابِرَ المِحَنُ

قاستْ مِنَ المَصَائِبِ العَدِيدَهْ *** أَهْوالُها مَعْرُوفةٌ شَدِيدَهْ

مِنْ أُمَّةٍ ما راقَبَتْ إِسْلاما *** وَ خَالَفَتْ لِلْمُصْطَفَى النّظاما

جَاءَتْ تُؤَدِّي حِقْدَها لِلْهادِي *** وَ أَقْبَلَتْ تَسْعَى عَلَى مِرْصَادِ(2)

قَدْ مَنَعُوا فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ *** عَنْ حَقَّها مِنْ مُوجِدِ النَّعْمَاءِ(3)

أَنْحَلَها الهَادِي بِأَمْرِ الخَالِقِ *** فَانْتَهَبُوها بِعِنادِ زاهِقِ

وَ لَيْتَ هذا صارَ بِالكِفَايَهْ *** كَيْفَ وَهُمْ قَدْ رَكَبُوا الغِوَايَهْ

ص: 474


1- في «مجالس المفيد» ص95 ح4 ط/ جماعة المدرسين -قم- المطبعة الإسلامية. عن الباقر علیه السلام عن أبيه علیه السلام عن جده (عليهم السلام) قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: إن اللَّه يغضب لغضب فاطمة علیها السلام و يرضى لرضاها». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص19 ح2.
2- مرصاد: طريق.
3- ورد في «مسند أحمد بن حنبل» ج1 ص9 ط/ دار صادر: «عن عائشة زوج النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم أنها أخبرته: إن فاطمة علیها السلام بنت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم مما أفاء اللَّه عليه بالمدينة و فدك و ما بقي من خمس خيبر فقال أبوبكر: إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال: لانورث ما تركناه صدقة إنّما يأكل آل محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم في هذا المال... فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك». انظر: «السنن الكبرى» للبيهقي ج6 ص300 /ط دار المعرفة -بيروت.

فَوَصَلُوا لِدَارِهَا بِالنَّارِ *** وَ أَضْرَمُوا الجَزَلَ بِبابِ الدَّارِ(1)

فَخَاطبتْهُمْ بِخِطَابِ لَيْنِ *** لَعَلَّهُمْ يَرْتَدِعُوا عَمَّا عُنِي

وَ ذَكَرَتْهُمْ عَلَّهُمْ يَسْتَرْجِعُوا *** أَوَامِرَ الحَقِّ فَلَمْ يَرْتَدِعُوا(2)

بَلْ أَضْرَمُوا النَّارَ وَ أَنَّى تَخْتَرقْ *** باباً إِلَى اللَّهِ فَكَيْفَ يَحْتَرقْ؟

نَعَمْ فَكَانَ مِنْ عِصِيِّ النَّخْلِ *** وَ كَانَتِ النَّارُ لَهُمْ مِنْ جَزْلِ

فَظَهَرَ العُجابُ مِنْهُمْ كَيْفَ لَا *** تَأْكُلُ هَذِي النَّارُ باباً حَصَلا؟

كَيْفَ وَ هَذِي النَّارُ نارُ الجَزْلِ؟ *** شَيء كذا يَأْبَاهُ حُكْمُ العَقْلِ

ظَنُّوا بِبِنْتِ المُصْطَفَى المِصْدَاقِ *** أَبْعَدَتِ النَّارَ عَنِ الإِحْراقِ

لذا تَجَشَّمُوا إِلَى الإِيذَاءِ *** وَ آلمُوا لِفَاطِمِ الزَّهْرَاءِ(3)

إِذْ أَدْخَلَ الرِّجْسُ لِسَوْطِهِ وَ قَدْ *** آذَى لبنتِ المُصْطَفَى حَيْثُ وَرَد

آلمَ لِلْكَفْ مِنَ البَنُولِ *** بِنْتِ الشَّفِيعِ المُصْطَفَى الرَّسُولِ

وَ بَعْدَ أنْ تَالمَتْ بنْتُ النَّبِي *** طَهَ الرَّسُولِ الهَاشِمِي العَرَبِي

فَانْفَتَحَ البابُ عَلَى إِجْبارٍ *** وَلاَذَتِ الزهراء لِلجِدَارِ(4)

ص: 475


1- الجزل: صرام النخل. و قد جاء. في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص574 ضمن ح25 «...فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم باللَّه و بأبي صلي اللّه علیه و آله و سلم أن يكفّوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبى بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أُذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم...».
2- يرتدعوا: أصلها يرتدعون حذفت النون لأنه من الأفعال الخمسة و لاوجه لحذف النون عن (یسترجعون).
3- تجشموا: تكلّفوا .
4- (والبيت الذي يليه) في «مؤتمر علماء بغداد» ص59 ط4: «...و لما جاءت فاطمة علیها السلام خلف الباب لترد عمر و حزبه عَصَر عمر فاطمة علیها السلام بين الحائط و الباب عصرة شديدة قاسية حتى أسقطت جنينها، و نبت مسمار الباب في صدرها: و صاحت فاطمة علیها السلام أبتاه يا رسول اللّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أنظر ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة». و في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 منقولاً من «علم اليقين في أصول الدين» للكاشاني. «... فلما عرفت فاطمة علیها السلام أنهم يحرقون منزلها قامت و فتحت الباب فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم فاختبت فاطمة علیها السلام وراء الباب و الحائط...».

رَاعِيَةً لِلسِّتْرِ وَ الحِجَاب *** فَعُصِرَتْ بِالعَمْدِ بَيْنَ البَابِ

فَارْتَكَرُ المِسْمَارُ وَسْطَ الصَّدْرِ *** وَ اسْتَرْسَلَ الدَّمُ عَلَيْهَا يَجْرِي

وَ انْكَسَرَ الضّلْعُ بِهَا لَها الفِدا *** وَ وَقَعَتْ مَغْشِيَّةٌ بَيْنَ العِدى(1)

وَ أَسْقَطُوا لِلْمُحْسِنِ الجَلِيلِ *** وَ لَطَمُوا لِخَدِّها الأَسِيلِ(2)

فَاحْمَرَّتِ العَيْنُ بِلَظمِ الكَفِّ *** وَ انْخَسَفَتْ وَاللَّهِ كُلَّ الخَسْفِ

فَهَجَمُوا وَلَمْ يَكُنْ مِنْ إِذْنِ *** فِي دَارِها دُونَ احْتِرَام أَمْنِ

وَ فَاطِمُ الزّهرا عَلَى الأَعْتابِ *** مُغْشَى عَلَيْهَا نُخْبَةُ الأَطْيَابِ

فَأَخَذُوا حَيْدَرَةَ المِغْوَارِ *** وَ حُجَّةَ اللَّهِ الوَلِي القَهَّارِ(3)

قادُوهُ بِالحَبْلِ إِلَيْهِ أَخْرَجُوا *** وَ ارْتَجَتِ الأُفُقُ لَهُ وَ أَزْعَجُوا

لِلدِّينِ مَعَ أَوْلادِهِ وَ فاطِمَهْ *** وَ قَدْ أَفَاقَتْ بِنْتُ طُهَ قَائِمَهْ

ص: 476


1- في «الاحتجاج» ج1 ص109، ط دار النعمان: «... ثم قال لقنفذ إن خرج و إلا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً فانطلق قنفذ، فاقتحم هو واصحابه بغير إذن، و بادر علي إلى سيفه ليأخذه، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسوداً و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها و بينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها و ألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».
2- الأسيل: اللين الأملس. كما جاء في «أمالي الصدوق» ص115 ح2 المجلس28 ط5/ مؤسسة الأعلمي. «...قال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: أبكي من ضربتك على القرن و لطم فاطمة علیها السلام خدّها وطعن الحسن علیه السلام في الفخذ والسمّ الذي يسقى... و قتل الحسين علیه السلام». و نظر: «بحار الأنوار» ج28 ص51 ح51 ح 20 و ج44 ص149 ح17.
3- المغوار: كثير الغارة.

قَدْ نَسِيَتْ جَمِيعَ ما كانَ بِهَا *** نَاظِرَةٌ فِي الحَالِ رَحْبَ دارِها

قَائِلَةٌ أَيْنَ عَلِيُّ المُرْتَضَى؟ *** وَ قَدْ أَجَابَتْ فِضَّةٌ قَالَتْ مَضَى

بِالحَبْلِ قَدْ قَادُوهُ يا أُمَّ الحَسَنْ *** فَخَرَجَتْ فَاطِمُ فِي ذَاكَ الحَزَنْ(1)

هَاتِفَةً فِي القَوْم خَلُّوا المُرْتَضَى *** هذا ابْنُ عَمِّي مُبْعِدٌ كُلَّ لَظَى(2)

فَاسْتَدْرَكُوها بالسياط المُؤلِمَهْ *** صَاحَتْ إِلهِي أَنْتَ جَبَّارُ السَّمَا

فَدَمْلَجُوا مُتونَها بِالضَّرْبِ *** وَ أَثَّرُوا أَعْضَادَها يا رَبِّي(3)

فَلَمْ تَعُدْ لِلدَّارِ لَكِنْ وَصَلَتْ *** لِبَابِ مَسْجِدِ الرَّسُولِ وَقَفَتْ

قَائِلَةٌ خَلُوا الوَصِيَّ عَلِيا *** بَابَ الهُدَى وَ المُرْتَضَى الصَّفِيَّا(4)

ص: 477


1- جاء في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص572 نقلاً عن علم اليقين في «أصول الدين» للكاشاني: «...ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه و اجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ملبباً بثوبه يجرونه إلى المسجد فحالت فاطمة علیها السلام بينهم و بين بعلها و قالت: واللَّه لاأدعكم تجرون ابن عمي ظلماً ويلكم ما أسرع ما خنتم اللَّه و رسوله فينا أهل البيت علیهم السلام و قد أوصاكم رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم، باتباعنا و مودتنا و التمسك بنا و قال اللَّه «تعالى»: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى». قال: فتركه أكثر القوم لأجلها فأمر عمر قنفذ ابن عمه أن يضربها بسوطه، فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثر في جسمها الشريف و كان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها وقد كان رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم سمّاه محسناً، و جعلوا يقودون أميرالمؤمنين علیه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدي أبي بكر فلحقته فاطمة علیها السلام إلى المسجد لتخلصه فلم تتمكن من ذلك فعدلت إلى قبر أبيها صلي اللَّه علیه و آله و سلم فأشارت إليه بحزن و نحيب...».
2- لظی: نار.
3- دملجوا: أتقنوا صيغته كما يصاغ الدملج و هو حلي يلبس في المعصم.
4- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج3 ص339-340 ط/ المطبعة العلمية ب- قم. إنه لما استخرج أميرالمؤمنين علیه السلام خرجت فاطمة علیها السلام حتى انتهت إلى القبر. فقالت: خلوا عن ابن عمي فواللَّه الذي بعث محمداً صلي اللَّه علیه و آله و سلم بالحق لئن لم تخلّوا عنه لأنشرن شعري و لأضعن قميص رسول الله صلي اللَّه علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخن إلى الله «تعالى» فما ناقة صالح بأكرم على اللَّه من ولدي قال سلمان فرأيت واللَّه أساس حيطان المجسد تقلعت أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها و قلت: يا سيدتي و مولاتي إن الله «تبارك و تعالى» بعث أباك رحمة فلاتكوني نقمة فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت خياشيمنا». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص47 ضمن ح46 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت، ج28 ص206 ح5.

أَوْ لافَأَدْعُو دَعْوَةٌ مُجَابَهْ *** نَعَمْ وَ إِنِّي بَضْعَةُ النَّجابَهْ

هُناكَ كادَتْ تَرْفَعُ القِناعا *** بِدَعْوَةِ تَهْلِكُ لِلْجَمَاعَهْ

مَدَّتْ إِلَى القِنَاعَ يُمْنَى اليَدِ *** إِذِ العَذَابُ قَدْ أَتَى بِجَدِّ

فَارْتَفَعَتْ حِيطَانُ ذَاكَ المَسْجِدِ *** هذا عَذَابٌ قَدْ أَتَى لِلْمَعْهَدِ

جَاءَ العَذابُ بِغُبارِ مُحْرِقِ *** وَ عَمَّ فِي العَالَمِ لكِنِ التَّقِي

دَامَ الحِفاظ مِنْهُ لِلْكَرَامَهْ *** إِلَى الرَّسُولِ صَاحِبِ الغَمَامَهْ

فَقَالَ يَا سَلْمَانُ رُمْ لِلْبابِ *** فَإِنَّ بِنْتَ أَحْمَدَ فِي البابِ(1)

بَلِّغْ رسالةً إِلَيْها قَائِلا *** إِنَّ أَباكِ رَحْمَةٌ قَدْ أُرْسِلا

بَلِّغْ فَلاَتَكُونِي نِقْمَةٌ لِلْعَالَمِ *** وَ الصَّبْرَ يا بِنْتَ النَّبِيِّ الأَكْرَمِ

فَجَاءَ سَلْمانُ بِدَمْعِ مُنْحَدِرْ *** يا بِنْتَ طَهَ سيدي خَيْرِ البَشَرْ

أَخْبَرَها بِمَا يَقُولُ الْمُرْتَضَى *** وَ هُوَ القَسِيمُ لِلْجِنانِ وَ اللَّظَى(2)

ص: 478


1- في «تفسير العياشي» ج2 ص67/66 ضمن ح76ط/ المكتبة العلمية الإسلامية. «... ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً علیه السلام ملبياً، فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر، أتريد أن ترملني من زوجي؟ واللَّه لئن لم تكف عنه لأنثرنّ شعري و لأشقنّ جيبي، و لآتين قبر أبي و لأصيحنَّ إلى ربّي، فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم، فقال علي السلمان أدرك ابنة محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفيان واللَّه إن نشرت شعرها و شقت جيبها و أتت قبر أبيها صلي اللَّه علیه و آله و سلم و صاحت إلى ربها لايناظر بالمدينة أن يخسف بها و بمن فيها فأدركها سلمان رضوان اللَّه تعالى عليه فقال: يا بنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم إن اللَّه إنما بعث أباك رحمة فارجعي فقالت: يا سلمان يريدون قتل علي علیه السلام ما على عليّ صبر فدعني حتى آتي قبر أبي فأنثر شعري و أشق جيبي و أصيح إلى ربي فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة و علي علیه السلام بعثني إليك و يأمرك أن ترجعي إلى بيتك و تنصرفي. فقالت: إذن أرجع و أصبر و أسمع له و أطع» وانظر الهامش رقم 4 في الصفحة السابقة. «بحار الأنوار» ج28 ص227 ح14. و «البرهان» ج2 ص93 ضمن ح4.
2- اللظى: النار.

فَأَجْهَشَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ صَائِحَهْ *** سَلْمانُ دَعْ لَوْمَكَ عَن ها لفادِحهْ

ما قَصَّرَ الأَعْداءُ فِيمَا فَعَلُوا *** قَدْ هَجَمُوا دارِي وما قَدْ عَمِلُوا

صَابِرَةٌ فِي كُلِّ ما قَدْ وَقَعا *** إِلأَعَلِيَّ لاَ يَكُونُ مَرْتَعا

رَادُوا لِقَتْل المُرْتَضَى العَظِيمِ *** كَلاَّ وَ حَقِّ الخَالِقِ الرَّحِيمِ

أَلاَ تَرَى سَلْمانُ مَتْنِي كُلْما *** وَ اتْرَكَزَ المِسْمارُ نابعاً دَما؟

وَ أَسْقَطُوا حَمْلِيَ مُحْسِناً وَ قَدْ *** آذُونِي بِالعَصْرِ اعْتِداءَ وَ عَمَدْ

وَ كَسَرُوا ضِلْعِي وَخَدِّي لَطَمُوا *** وَ غَصَبُوا حَقّي وَ دَارِي هَجَمُوا

وَ مَزَّقُوا ما كانَ مِنْ كِتَابِ *** قَدْ حُقَّ فِيهِ الحَقُّ بِالصَّوابِ

أَما عَلِيٌّ لَيْسَ عَنْهُ صَبْرُ *** فَإِنَّهُ الإيمانُ وَ هْوَ الذِّكْرُ

ما رَجَعَتْ إِلا عَلِيٌّ مَعَها *** مَظْلُومَةٌ مَغْبُونَةٌ لكِنَّها(1)

نَفْسِي فِداها بَقِيَتْ عَلِيلَهْ *** بِكَثْرَةِ المَصَائِبِ الجَلِيلَهْ

ضَرْباً وَ لَطْماً مَعْ وَقَع الحَمْلِ *** مَصَائِبٌ لَمْ تَنْحَصِرْ بِالعَقْلِ

وَ قَدْ غَدَتْ فَاطِمَةُ البَتُولُ *** مَحْمُودَةٌ لَيْسَ لَهَا مَقِيلُ(2)

وَ أَصْبَحَتْ فَوْقَ الفِرَاشِ بِحُزَنْ *** تُعَالِجُ الآلامَ مِنْ تِلْكَ المِحَنْ

قَدْ بَقِيَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى *** بُرْهَةَ وَقْتٍ نُورُها فِيهِ اخْتَفَى

حِينَ أَرادَ الخَالِقُ الكَرِيمُ *** وَقتَ اعْتِلالٍ صابَها عَظِيمُ

أَنْ تُرْفَعَ الزَّهْرا لِمَوْضِع العُلُى *** بِأَمْرِ رَبِّ الخَلْقِ جَلَّ وَعَلا

فَأَقْبَلَ الوَعْدُ لِبنْتِ أَحْمَدِ *** وَ فِيهِ فَارَقَتْ لِطِيب المَحْتِدِ(3)

أَلْقَتْ وَصاياها إِلَى الكَرَّارِ *** وَ اعْتَكَفَتْ فِي طَاعَةِ الجَبَّارِ(4)

ص: 479


1- مغبونة: مغلوبة.
2- مكمودة: محزونة و مهمومة غماً شديداً.
3- المحتد: الأصل.
4- في «بحار الأنوار» ج43 ص201 ضمن ح30 ط2/ مؤسسة الوفاء -بیروت. «عن أبي جعفر علیه السلام قال: بدأ مرض فاطمة علیها السلام بعد خمسين ليلة من وفاة رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم فعلمت أنها الوفاة فاجتمعت لذلك تأمر عليّاً علیه السلام بأمرها و توصيه بوصيتها و تعهد إليه عهودها و أميرالمؤمنین علیه السلام يجزع لذلك و يطيعها في جميع ما تأمره، فقالت: يا أباالحسن علیه السلام إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم عهد إلي و حدّثني: أني أول أهله لحوقاً به و لابد ممّا لابدّ منه فأصبر لأمر اللَّه «تعالى» و أرض بقضائه قال و أوصته بغسلها و جهازها و دفنها ليلاً ففعل، قال و أوصته بصدقتها و تركتها قال: فلما فرغ أميرالمؤمنين علیه السلام من دفنها لقيه الرجلان فقالا له ما حملك على ما صنعت؟ قال علیه السلام: وصيّتها و عهدها».

حَتَّى قَضَتْ لِنَحْبِها مَضْرُوبَهْ *** مَنْهُوبَةٌ لِحَقِّهَا مَغْصُوبَهْ(1)

وَ مَاجَتِ الأَرْضُونَ فِي فِرَاقِهَا *** كَذَا السَّمَاءُ السَّبْعُ عِنْدَ مَوْتِهَا(2)

وَ الشَّمْسُ غَابَتْ وَ كَذَاكَ البَدْرُ *** وَ أَظْلَمَ الكَوْنُ وَ حَلَّ الضُّرُّ

مِنْ مَوْتَةِ الزَّهْرَاءِ أُمِّ الحَسَنِ *** وَ بَضْعَةِ المُخْتَارِ نُورِ الزَّمَنِ

عَلَيْكِ يا بِنْتَ الهُدَى سَلامُ *** مِنَ الإِلهِ وَلَكِ الإِنْعَامُ

مِنْ خَادِمٍ أَبْدَى لَكِ التَّحِيَّهُ *** سَيِّدَتِي يَا فَاطِمُ الزَّكِيَّة

أَرْجُو شِفالي يا بِنْتَ المُعَظَّمِ *** طهَ النَّبِيِّ الأَوْحَدِي الأَكْرَمِ(3)

كَذَا سَلاَمِي لَكِ مَعْ أَبِيكِ *** وَ بَعْلِكِ الكَرارِ مَعْ بَنِيكِ

وَ الحَمْدُ لِلَّهِ العَظِيمِ الشَّانِ *** وَ خَالِقِ التَّكْوِينِ وَ الإِمْكَانِ(4)

ص: 480


1- في «أمالي الطوسي» ص155 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «... إن فاطمة علیها السلام بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم لم تزل مظلومة، من حقَّها ممنوعة، و عن ميراثها مدفوعة، لم تحفظ فيها وصية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم و لاروعي فيها حقه و لاحق اللَّه «عزّوجل» و كفى باللَّه حاكماً و من الظالمين منتقماً...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص209 ضمن ح38.
2- ماجت: تحركت و اضطربت.
3- الأوحدي: الوحيد في رتبته.
4- المراثي الإسلامية في رثاء العترة النبوية ص48 . و قد مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.

(12) بضعة الأمين

(بحر الرجز)

الشيخ عبد المجيد أبوالمكارم(*)(1)

آهِ مِنَ المِسْمَارِ كَيْفَمَا فَعَلْ *** فِعْلَتَهُ لِلْحَشْرِ لَمّا تَضْمَحِلْ(2)

نَكَّسَ عَامُودَ الهُدَى وَالدِّينِ *** بِفِعْلِهِ بِبَضْعَةِ الأَمِينِ

مَزَّقَ لِلصَّدْرِ وَأَوْهَاهَا عَلَى *** عَتْبَةِ دَارٍ أَسْقَطَتْ سِنَّ المَلاَ(3)

وَ أَحْرَقَ البابَ وَ أَوْهَى العَضُدا *** وَ قَادَ نُورَ اللَّهِ سُلْطَانَ الهُدَى

هَدَّمَ رُكْنَ الدِّينِ حِينَمَا فَعَلْ *** فِعْلَتَهُ السَّوْداءَ مِنْ خَيْرِ العَمَلْ(4)

ذَاكَ الهُجُومُ سَوَّدَ التَّارِيخَ فِي *** كُلِّ الدُّهورِ أَبداً لَمْ يَخْتَفِ(5)

وَ قَدْ بَغَتْ شَوْكَاتُهُ طُولَ الدُّنَى *** لِلْحَشْرِ لا تُحْمَدُ نِيرانُ الخَنَى(6)

ص: 481


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- تضمحل: تتلاشى و تنحل.
3- أوهاها: أضعفها.
4- و يقصد من (خير العمل)كناية عن مولانا أميرالمؤمنين علیه السلام و قد جاء في «المناقب» ج3 ص361. ط/ مؤسسة انتشارات علامة -قم. قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم العلي علیه السلام قبل موته: السلام عليك يا أباالريحانتين أوصيك بريحانتين من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك عليك. قال: فلما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال علي علیه السلام: هذا أحد الركنين. فلما ماتت فاطمة علیها السلام قال علي علیه السلام: هذا هو الركن الثاني». انظر «ذخائر العقبى» ص56 ط1981/ مؤسسة الوفاء -بيروت. «كنز العمال» ج11 ص625. و مثله «أمالي الصدوق» ص116 ح4 و البحار ج43 ص173 ح14.
5- في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص580 نقلاً من كتاب «ملتقى البحرين» ص418: أن عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجل على بيتها علیها السلام.
6- الخنى: نوائب الدهر، الغدر.

ضَرْبٌ وَلَظمْ ثُمَّ إِسْقاط حَصَلْ *** عَصْرُ لِبِنْتِ المُصْطَفَى ضَيمٌ نَزَل

حَرْقٌ لِبابِ اللَّهِ مَعْ كِتَابِهِ *** سَبَبُهُ المِسْمَارُ فِي جَرَائِهِ

وَ قَادَ خَيْرَ الخَلْقِ بَعْدَ المُصْطَفَى *** بِالحَبْلِ قَسْراً وَبِهِ الدِّينُ اخْتَفَى(1)

وَ أَوْرَتَ الدُّلَ لِيَوْمِ الحَشْرِ *** فَأَحْزَنَ المُخْتَارَ كُلَّ الدَّهْرِ

جَاءَ بِهِ فِرْعَوْنُ هَذِي الأُمَّهْ *** قَدِ اسْتَحقَّ اللَّعْنَ مِنْ ذِي الرَّحْمَهْ

كَمَا لَهُ العَذَابُ فِي طُولِ الزَّمَنْ *** مِنْ يَوْمِ عَصْرِ الظُّهْرِ بِنْتِ المُؤْتَمَنْ

مَنْ جَاءَ بِالإيذا لبِنتِ المُصْطَفَى *** آذى اللهَ حَيْثُمَا قَدْ وَصَفَا(2)

طُولَ الزَّمانِ بَائِسٌ لَعِينُ *** نَعَمْ كَمَا بَيْنَهُ الأَمِينُ

كَذَا الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ لِلنَّبِي *** وَ آلِهِ الأظهَارِ أَهْلِ الأَدَبِ(3)

ص: 482


1- و قد ورد في معنى البيت: «...فجمعوا الحطب الجزل على بابنا و أتوا بالنار ليحرقوه و يحرقونا فوقفت بعضادة الباب و ناشدتهم باللَّه و بأبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم أن يكفّوا عنّا و ينصرونا فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج و ركل الباب برجله فردّه عليّ علیه السلام و أنا حامل فسقطت لوجهي و النار تسعر و تسفع وجهي، فضر بني بيده حتى انتثر قرطي من أذني و جاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم...». انظر: «عوالم سيدة النساء» ح2 ص575.
2- ورد في «الاحتجاج» ج1 ص109: «...فانطلق قنفذ فاقتحم هو و أصحابه بغير إذن و بادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا في عنقه حبلاً أسودا». أنظر؛ «بحار الأنوار» ج22 ص328 ح36.
3- في «كشف الغمة» ج2 ص93 ط/ دار الكتاب الإسلامي -بيروت. «خرج رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم و قد أخذ بيد فاطمة علیها السلام بنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم و هي بضعة منّي و هي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللَّه». وعن جابر بن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: «إن فاطمة علیها السلام شعرة منّي فمن شعرة مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن أذى الله لعنه ملء السموات والأرض». الرواية الأولى انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص54 ضمن ح48. «الإحقاق» ج10 ص212 و ص213. و الرواية الثانية: انظر؛ بحارالأنوار ج43 ص54.

كَذَا سَلاَمٌ مِنْ خَدِيمٍ أَبَدا *** يَرْجُوهُمُ الصَّلاحَ فِي يَوْمِ النِّدا

كَذاكَ يَرْجُو صِحَةٌ فِي نِعَم *** لِلْجِسْم وَالعَيْنِ فَأَنْعِم مَغْنَمِي

عَبْد المَجِيدِ وَحَفِيدُ جَعْفَرٍ *** وَ ابْنُ عَلِيَّ القَد ذَاكَ الأنْوَرِ(1)

ص: 483


1- المراثي الإسلامية ص53.

(13) بنت الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الرجز)

الخطيب ملا عطية الجمري(*)(1)

وَ لهَني تَجَاوُبُ الأَرزاءِ *** بِالمُصْطَفَى والآلِ وَ الزَّهْراءِ

ص: 484


1- (*)هو الخطيب ملّاعطية بن علي بن عبد الرسول بن محمد بن حسين بن إبراهيم بن مكي ابن الشيخ سليمان البحراني الجمري نسبة للقرية المعروفة ب- (قرية بني جمرة) التي هي اليوم مقرّ هذه الأسرة المعروفة. ولد المترجَم له في القرية المذكورة في جمادى الأولى سنة (1317 ه-) و نشأ فيها، و تربّى بین أحضان والده الذي كان يمتهن التجارة، و هاجر مع أسرته إلى خُرَّمشهر جنوب إيران في عام (1327ه)، و قد وجد المترجم له في خرمشهر ما يحقق مراده من التلمذة على يد علمائها و أدبائها و خطبائها، إذ تاقت نفسه إلى خدمة سيّد الشهداء عن طريق ارتقاء المنبر الحسيني المقدّس علیه السلام. و بقي في خرَّمشهر عشر سنين، و اشتاق بعدها إلى بلاده و أحبابه، فرجع إلى البحرين عام (1338 ه-) و تتلمذ على الشيخ عبداللَّه بن أحمد العرب الجمري الشهيد و كان هذا الشيخ خطيباً أديباً فقيهاً استطاع أن يربي المترجم له و يدرسه دراسة متقنة. أكمل مترجمنا دراسته العلمية على يد صاحب الفضيلة الشيخ محسن ابن الشيخ عبداللَّه إذ أخذ على يده النحو و الصرف و الأدب. استقلّ المترجَم له في خطابته استقلالاً تاماً سنة 1330 ه- إذ راح يرقى المنبر في خرمشهر و البحرين و الأحساء و الهند و العراق و إيران، و كان جُلّ قراءته أيام المحرم في حسينية الحاج أحمد بن ناصر و كان قد بدأ خطابته فيها، و لقد حضرت مجالسه هناك عندما كنت أرقى المنبر الحسيني في البحرين سنة (1393 ه-) فكان حقاً أستاذاً بارعاً في فنون الخطابة الحسينية. و كان من أصدقاء أستاذنا الخطيب البارع الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي، و كنت ألاحظ أنه إذا جاء زائراً إلى كربلاء المقدسة كان يحضر في مجالس الشيخ هادي الخفاجي. و كان الشيخ هادي ملتزماً بأن يقرأ شعر ملّاعطية في المجالس وفي ليلة كنت حاضراً في المجلس و ملّاعطية حاضر و إذا بالشيخ هادي يقول يا ملاعطية إن الجمرة الأولى تحرق أكثر من الجمرة الثانية و الثالثة مشيراً إلى كتاب الجمرات الودّية الجزء الأول. و إنه أكثر تأثيراً من جزأيه الثاني و الثالث. و شاعرنا الملّاعطية لم يقتصر نظمه على الشعر العامي باللغة الدارجة (النبطي) فحسب، و ليس ديوانه (الجمرات الودية) العنوان الأوّل على عبقريته، و إن جاء هذا في فنّه آية من الابداع بل له من الشعر الفصيح ما يعرب عن تفوّقه في الأدب، فإذا قرأت من شعره وجدت الروح السحرية التي تتجلى غالباً في العباقرة من الشعراء و حسبنا دليلاً هذه القصيدة المذكورة. لَبَّى نداء رَبّه بعد خدمة حسينية امتدت زهاء سبعین عاماً فتوفي في ليلة السبت في الثلاثين من شهر شوال سنة (1401 ه-) في بومباي بالهند ثم حمل جثمانه إلى البحرين، و شيّع تشیعاً منقطع النظير، و دُفن في بني جمرة، و قبره معروف يشار إليه هناك.

أَبْدَتْ لها الأُمَّةُ ما قَدْ أَضْمَرَتْ *** لها مِنَ الأَضْغَانِ وَ الشَّحْنَاءِ(1)

فكابَدَتْها محناً لولا مَسَتْ *** طَوْداً لزال عن ثَرى البَوْغاءِ(2)

وَ جَرَّعَتْ سِنَّ النِّسا مِنَ الأَسَى *** فَوادِحاً جَلَّتْ عن الإحْصاءِ

سَلْ عَنْ دُخُولِ الدّار فِيهِ ماجَرَى *** يا صاحِ مِنْ داهِيَةٍ دَهْياء(3)

ص: 485


1- الأضغان: الأحقاد الشحناء : العداوة امتلأت منها النفس.
2- البوغاء: التراب عامة و قيل هي التربة الرخوة و قيل التراب الناعم.
3- داهية: مصيبة -دهياء: شديدة. و خلاصة ما أورده المؤرخون من السنة و الشيعة عن هذه الأبيات كما في كتاب سليم بن قيس ص249 و العقد الفريد ج2 ص254 و مناقب ابن شهر آشوب ص388 و بحار الأنوار ج53 ص19 و مروج الذهب ج2 ص301 ما يلي: غضب رجال من المهاجرين و الأنصار في بيعة أبي بكر منهم الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام و الزبير بن العوام و طلحة بن عبيد الله و أبوذر و عمار بن ياسر و آخرون غيرهم فبعث أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة الزهراء علیها السلام الذي أصبح معقلاً للمعارضين لأبي بكر و خلافته و قال له: إن أبوا فقاتلهم و أمّا عن علي بن أبي طالب علیه السلام فقد قال أبوبكر لعمر: ائتني به بأعنف العنف فانطلق عمر بن الخطاب و خالد بن الوليد إلى بيت فاطمة علیها السلام فلما قيل لعمر: فاطمة علیها السلام بالدار قال: و إن ثم أوقدوا الحطب الذي جمعوه ليحرقوا الدار بمن فيها و هجموا على الدار فقامت سيدة النساء عندما سمعت أصواتهم علها تحول بينهم و بين زوجها فضربها عمر و ضغط عليها الباب حتى أسقطت جنينها محسن و نبت المسمار في ضلعها ثم صاح بها يا فاطمة علیها السلام دعي عنك حماقات النساء فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة و الخلافة وعندما رأت الزهراء علیها السلام ما يحل بها وبزوجها صاحت بأعلى صوتها علیها السلام: يا أبت يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم لشد ما لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبي قحافة. ثم أخذوا الإمام علياً علیه السلام و اقتادوه إلى المسجد ليبايع قهراً بعد أن تكاثروا عليه و شدّوا و ثاقه و عندما أرادت الزهراء علیها السلام أن تلحق بهم ضربها عمر بالسوط ثم أتبعها قنفذ بسوط آخر فماتت و إن في عضدها كمثل الدملج في ضربته و عندما استطاعت أن تلحق بالمسجد مرة أخرى قائلة: خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمداً صلي اللَّه علیه و آله و سلم بالحق لأن لم تخلوا لأنشرن شعري و لأضعن قميص رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم على رأسي و لأصرخن إلى اللَّه تعالى فما ناقة صالح بأكرم على اللَّه من ولدي قال: سلمان فرأيت واللَّه أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ فبعث الإمام علي علیه السلام به إلى فاطمة علیها السلام قائلاً: يا إبنة رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم بعث أبوك رحمة فلاتكوني نقمة فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا.

مِنْ عَصْرِها وَ لَظْمِها عَداوَةً *** و مِن جَنين غيل في الأَحْشاءِ(1)

و مُذْ بَدَتْ تَدْفَعُ عن حَيْدَرَةٍ *** إِذ أَخْرَجُوهُ جُرْأَة الأَعْداءِ

صاغَ لها الدَّملَجَ في ساعِدِها *** سوطٌ تلوّى في يَدٍ لعناءِ

وَ انْدَفَعَتْ خَلْفَهُمُ لِمَسْجِدٍ *** غَصَّ بأهلِ البَغْيِ وَ الغَوْغاءِ(2)

تَدْعو وَ كَفَّاها على هامَتِها *** خَلُّوا عَلِيّاً رُعْتُمُ أبنائي(3)

فَما جَتِ الأَرْضُ وَ مَارَتِ السَّما *** وَ اضْطَرَبَتْ جَوانِبُ الأَرْجاءِ(4)

وَ لم تَكُنْ تَقْصِدُ إِهْلاكَهُمُ *** إِذْ شَأْنُها الصَّبْرُ على البَلْواءِ

بَلْ لِتُرِيهم ما به رَبُّ الورى *** أَكْرَمَهَا مِنْ سابِغِ النَّعْمَاءِ

كُمْ خُطبَةٍ صَمَّتْ بها آذانَهُمْ *** تَكْشِف كُلَّ طَخْبَةٍ عَمْياءِ(5)

لكِنَّهُمْ عن الهُدى في صَمَمٍ *** فَقابَلوا بالأُذُنِ الصَّمّاءِ

فَأَمَّتِ القَبْرَ له شَاكِيَةً *** فِعَالَهُمْ بِالمُهْجَةِ الحَراءِ

ص: 486


1- الإشارة إلى إسقاط (المُحسن) بسبب ما تعرّضت له الزهراء علیها السلام أثناء هجومهم على الدار.
2- الغوغاء: السفلة من الناس و المتسرعين إلى الشرّ.
3- رعتم: أخفتم، أفزعتم.
4- ماجت: ارتفعت و هاجت. مارت: ماجتْ و اضطربتْ.
5- لعلها طيخة و ليست طخية و الطيخة وردت بمعنى الفساد و وردت أيضاً زمن الطيخة أي زمن الفتنة و الحرب (لسان العرب).

وَ انْكَفَات للمُرْتَضى مُبْدِيَةً *** باللرِّجالِ رِنّةَ النِّساءِ

فعادَ قَلْبُ المُرْتَضى في حَرَقٍ *** مُضْرَمَة بالهمَّةِ الشَّمَاءِ(1)

يَقولُ صَبْراً يابْنَةَ الهادي فَكَمْ *** اللَّهِ مِنْ حُكْمِ وَ مِنْ إِمضاءِ

وَ هكذا بِنْتُ الرَّسولِ كابَدَتْ *** حتَّى دَهاها عاجِلُ الفَناءِ(2)

قَدْ لَزِمَتْ فِراشَها مِنْ بَعْدِهِ *** لِعُظم ما لاقَتْ من البَلاءِ

فَفارَقَتْ دار الفنا لْكِنَّها *** تَحِنُّ لِلْكَرَارِ وَ الأَبْناءِ

ص: 487


1- الشمّاء: المرتفعة.
2- دهاها: أصابها بمصيبة.

(14) مظهر الأنوار

(بحر الرجز)

الشيخ علي بن حسن الجشي

رُوي لنا عن معدنِ الأسرارِ *** بضعةِ طه مظهرِ الأنوارِ

قالتْ أبي المختارُ سلطانُ الرسل *** عليَّ في المنزلِ يوماً قد دَخَلْ

فقالَ لي في بدني ضعفاً أجدْ *** قلتُ كفيتَ بالإلهِ ما تجدْ

قال عليَّ بالكسا اليمانِي *** كيما تغطي بالكسا جثمانِي

قالتْ فغطيتُ أبي و لم أزلْ *** ناظرةً إليه إذ أضا المَحَلْ

و وجههُ يسطعُ منهُ النورُ *** كالبدرِ في تمامِه ينيرُ

فما مضتْ ساعةُ إلاّ وأتى *** قرّةُ عيني المجتبى خيرُ فتى

فقال يا أمُّ و يا بنتَ الهدى *** عليكِ مني السلامُ سَرْمَدا

قالت بنيَّ و السلامُ الأسنى *** عليكِ يا من تمَّ حسناً معنى

فقال يا أماه إني لأشمُ *** رائحةٌ بطيبها تحيى الرِّمَم(1)

كأنها تضوّعت من أحمدا *** جدي فمثلُ طيبِه لن يُوجدا(2)

قالتْ نعم ها جدّكَ المختارُ *** تحتَ الكسا و هو لهُ دثارُ

فأقبلَ السِّبط الزكيُّ المجتبى *** نحوَ الكسا حتى دنا و اقتربا

قال السلامُ من إلهِ العالمِ *** عليكَ يا سيدَ ولدِ آدمِ

ص: 488


1- الرمم: العظام البالية.
2- تضوّعت: فاح عطرها و إنتشر.

و قال هل أدخلُ يا أفضلَ مَنْ *** كان يكُن قال: أجل بُني حَسَنْ

تقولُ ثم جاءَ من بعدِ الحسنْ *** قرّة عينيَّ الشهيدُ الممتحَنْ

و بالسلامِ افتتحَ الكلاما *** أجبته برده إكراما

فقال إنّي لأشمُ رائحةً *** كأنها من طيبِ جدي فائحةْ

قلتْ نعم جدك مع أخيكَ *** تحتَ الكسا بمهجتِي أفديكا

ثم دنا و كرَّر السلاما *** على النبيِّ جدِهِ إِعظاما

و استأذنَ النبيَّ في الدخولِ *** قال له أدخلْ في لقاكَ سولي(1)

قالتْ فعندَ ذاك جاءَ المؤتمنْ *** نفسُ النبي المصطفى أبوالحسَنْ

قال السلامُ بضعةَ المختارِ *** عليكِ في الأدوارِ والأكوارِ

قلتْ وهكذا السلامُ الدائمُ *** عليكَ ما قامتْ بكَ العوالمُ

فقالَ لي: أشمُّ طيباً فاحَ و لمْ *** أَخَلْهُ إلاطيبَ صِهِرِي و ابن عمْ(2)

قلتُ نعمْ ها هو معَ نجليكَ قَدْ *** ضمهمُ الكساءُ يا باب الرَشَدْ

هناكَ أقبل الوصيُّ المرتضى *** يؤمُ خير مصطفى و مرتضى

قال عليكَ مني السلامُ مما *** قرَّت بك الأرضُ و قامت السَّما

و قال هل أدخلْ معكَ يا بنْ عَم؟ *** قال نعم أنتَ شقيقي في القِدمْ

ثم دنتْ والدةُ السبطينِ *** كفوِ الوصي مجمعِ البحرينِ

تكرّر السلام و المخاطبةْ *** بیا رسول اللَّه طوراً و أبهْ

يا منْ له الولايةُ الكبرى هلْ *** تأذن بالدخول لي؟ قال أجَلْ

قالتْ فلما اكتملُوا تحت الكسا *** و فيهمُ طاولَ حتى الأطلسا

لم تدرِ ما هذا الكساءُ قد جمَعْ *** إذ ضمَّ خيرَ من لهُ الباري ابتدعْ

ص: 489


1- سولي: سؤلي، أي سؤالي.
2- أخله: أعتقده.

طوى مكارماً وأسرارَ جمَعْ *** لنشرِها فضا الوجودِ لم يسعْ

وكم لهذا الاجتماعِ من أثرْ *** مباركٍ عمَّ الوجودَ واستمرْ

وقد تجلّی اللّهُ للتنويهِ في *** سمائِه بما حووا من شرفِ

أوحى هناكَ مالكُ الأملاكِ *** إليهُم يا ساكِني أفلاكي

وعزّتي وبجلالي لم أكُنْ *** أوجِد موجوداً من الخلق يكُنْ

وما رفعت من سما مبنيّه *** ولا دحوتُ أرضها المدحيّه

ولم تكن من قمرٍ منيرِ *** ولم تكن شمسٌ تضي بالنورِ

ولم يكنْ من فلكِ دوّارِ *** أو أبحرٍ تجري وفُلكٍ ساري

ألاّ وكانَ في محبةِ الأُلى *** تحتَ الكساءِ اجتمعُوا أهل الوِلا

فهؤلاءِ الخمسةُ الذين هُمْ *** تحتَ الكساءِ رحمتي بهمْ تَعُمْ

فدلَّ أن لولاهُمُ لمْ يَكنِ *** في الأرضِ والسماءِ من مكوِّنِ

إذ كلُ شيءٍ للمكانِ مفتقرْ *** وبانتفاهُ ينتفي مايفتقرْ

فقال جبريلُ وَمَنْ تحتَ الكسا *** يا ربُّ؟ قال ربُّنا تقدّسا

هم من لهمْ بيتُ النبوّةِ انتسبْ *** ومعدنُ الرسالةِ السامي لقبْ

همُ فاطمٌ والمصطفى أبوها *** وبعلُها وخيرتي بنُوها

وإن تقديمَ الجليلِ الزهرا *** عليهُم ذكراً أبانَ سِرّا

لا يسعُ التصريحُ لكن من فهِمْ *** بأنها أم أبيها يغتنِمْ

فقال جبريلُ فهل تأذنُ أَنْ *** أكونَ سادساً لهُمْ يا ذا المِنَنْ؟

أرادَ أَنْ يجعلَ حلَّ منصبهْ *** متمماً لما اقتضتْهُ المرتبهْ

قال نعمْ هنالكُم تنزلا *** مسلماً يُنهي سلامَ ذي العُلا

وهو يقولُ ثمَّ قَصَّ مامضى *** وإنه جاءَ ليبلغَ الرِّضا

فهلْ تری یا صاحبَ الولايةْ *** تأذنُ لي حتى أنال الغايهْ؟

وربما يسألُ سائلٌ فطِنْ *** لِم يطلبِ الإذن وربُّه أَذِنْ

ص: 490

قلتُ هنا أجوبةٌ تنوعَتْ *** لكنها عن واحدٍ تفرعَتْ

الإذنُ لم يحوّلْ الماهيّةْ *** في الروحِ بلْ المصطفى العليّه(1)

وإن للعلةِ أعلى هيمنَهْ *** فيستحيلُ أن تزولَ السلطنَهْ

قال إليكَ قد إذنتُ فدخَلْ *** فقال قد أوحى لكم عزَّ وجَلْ

وهو يقولُ إنما يريدُ *** بها خُصصتم ولكُم مزيدُ

بوحيهِ جلَّ لها اقتضى المحَلْ *** حيث أبانت سرَّ جعلِهم عللْ

دلت بأنْ ليسَ سواهُمُ اتصف *** بما تضمنتْ لعمرِي من شرفْ

قد أذهبَ الرجسَ وبالتطهيِر مَنْ *** فلم يشب كمالهم نقصٌ دَرَن(2)

فتمَ فيهمُ اقتضى الإيجادِ *** من الحكيم المطلقِ الجوادِ

وغيرهمْ ما تمَّ فيه الإقتضا *** إلاّ إذا شاؤوا فهم سرُّ القَضا

وكم لذي الآيةِ من أسرارِ *** يرجعُ عنها ثاقبُ الأفكارِ

قال عليّ وهو البابُ لما *** مدينةَ العلم حوَتْ مستفْهِما

ما لجلوسِنا من الفضلِ لدى *** ربِّ الورى يا خيرَ داعٍ للهدی

فقالَ خیرُمخبرٍ أمينِ *** يؤكدُ الأخبارَ باليمينِ

ليعلمَ المؤمنَ أن للخبرْ *** منزلةً شامخةً ذاتَ خَطَرْ

فيطمئنَ وينالَ ما قصَدْ *** إذ نجحهُ نِيطَ بحسنِ المعتَقَدْ

قال ومن صيَّرَني نبيّا *** وبالرسالةِ اصطفى نجيّا

لم تذكرِ الشيعةُ هذا الخبرا *** بمجمعٍ إليهم فوقَ الثرى

إلا عليهمْ أنزلَ الجبارُ *** رحمتَهُ والمَلَكُ الأبرارُ

حفتْ بهم واستغفرت لهمْ إلى *** أنْ يتفرَّقُوا بأمرِ ذي العُلا

ص: 491


1- الماهية: أصل تكوين الشيء.
2- درن: وسخ.

قال إذاً فُزنا وربِّ الكعبةْ *** ومن لَنا يُدِينُ بالمحبَّهْ

قالَ وقد أقسَم بالذي سبَقْ *** خيرُنبيِّ لم يفُهْ إلاّ بحَقْ

وما بهِم مهمومُ أو مغمومُ *** إلاّ وزالَ الغمُ والهمومُ

ولم يكنْ من طالبٍ الحاجة *** الاّ قضى الربُّ الكريمُ الحاجَةْ

فقالَ فُزنا وسَعُدنا المرتَضَى *** دنيا وعُقبى والذي لنا ارتَضَى

و هكذا شيعتُنا فازوا بنا *** في النشأتين وبنا نالُوا المُنى

ص: 492

(15) حبيبة الحبيب

(بحر الرّجز)

الشيخ علي بن حسن الجشي

حَبِيبَةُ الحَبِيبِ بِنْتُ المُصْطَفَى *** كُفْؤُ عَلِيِّ وَكَفاهَا شَرَفا(1)

وَفَضْلُها كالشَّمْس ما بِهِ خَفا *** حتّى على الرُّسْلِ لها تَفضيلُ

***

وربَّما يَكْبُرُ عندَ مَنْ جَهِلْ *** تَفْضِيلُها عَلَى الوَرَى حتّى الرُّسُلْ

ألَمْ يَكُنْ أهْلُ الكِسا هُمُ العِلَلْ *** وَهَلْ يُساوِي العِلَّةَ المَعْلُولُ؟

***

ألَم تَكُنْ من نورِ أَفْضَلِ الرُّسُلْ *** ومَنْ بَراهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟

مِن نورِهِ المُشْرِقِ مِنْ صُبْحِ الأَزَلْ *** إِذْ لا مُعَلَّلٌ ولا تَعْليلُ

***

ص: 493


1- انظر محبة النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم لها. في حلية الأولياء لأبي نعيم، ج 2 ص 300 حيث روى بسنده عن أبي ثعلبة الخشني يقول: قدم رسول اللّه 2لی اللّه علیه و آله وسلم من غزاة له فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين وكان يعجبه إذا قدم يدخل المسجد فيصلي فيه ركعتين ثم خرج فأتى فاطمة علیها السلام فبدأ بها قبل بيوت أزواجه فاستقبلته فاطمة علیها السلام وجعلت تقبّل وجهه وعينيه وتبكي فقال لها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ما يبكيك؟» قالت: أراك قد شحب لونك. فقال لها: «يا فاطمة علیها السلام إن اللّه «عز وجل» بعث أباك بأمر لم يبق على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلاّ أدخله به عزاً أو ذلاً يبلغ حيث بلغ الليل.»

وكَمْ لها في البَدْءِ والخِتامِ *** وَهذِهِ الدَّارُ مَقامٌ سامِي

خُصَّتْ به مِنْ خالقٍ الإنْعامِ *** أثْبَتَهُ المَنْقُولُ وَالمَعْقُولُ

***

وَهْيَ لَعَمْرِي عِلَّةُ الإيجادِ *** وَكَمْ عَلَى الخَلْقِ لَها أَيادِي(1)

في هذِه الدّارِ وَفِي المَعادِ *** وَالكُلُّ مِنْ أَهْوالِهِ مَذْهُولُ

***

وكَمْ لها هُنَالِكُمْ مِنْ مَوْطِنِ *** يَنْفَعُ حبُّها لِكُلِّ مُؤْمِن

أَيْسَرُها المَوْتُ فَهُمْ بِمَأمَنِ *** حَيْثُ عَلَى وِدادِها التّعويلُ(2)

ص: 494


1- أيادي: نِعَم وأفضال.
2- كتاب الديوان ج 1 ص 86.

(16) آل النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم

(بحر الرَّجَز)

الشيخ علي بن مقرب العيوني

يَا وَاقِفاً بِدِمْنَةٍ وَمَرْبَعِ *** إِبْكِ عَلَى آلِ النَّبِيِّ أَوْ دَعِ

يَكْفِيكَ مَا عانَيْتَ مِنْ مُصابِهِمْ *** مِنْ أَنْ تَبَكَّى طَلَلاً بِلَعْلَعِ(1)

تُحِبُّهمْ قُلْتَ وَتَبْكِي غَيْرَهُمْ *** إِنَّكَ فِيمَا قُلْتَهُ لَمُدَّعِ

أمَا عَلِمْتَ أَنَّ إفراط الأَسَى *** عَلَيْهِمُ عَلامَةُ التَّشَيُّعِ؟

أَقْوَتْ مَغَانِيهم فَهُنَّ بِالبُكا *** أَحَقُّ مِنْ وادي الغَضا وَالأَجْرَعِ(2)

يَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَنُوحُ مِنْهُمُ *** وَمَنْ لَهُ يَنْهَلُ فَيْضُ أَدْمُعِي؟

ألِلْوَصِيَّ حِينَ فِي مِحْرابِهِ *** عُمِّمَ بِالسَّيْفِ وَلَمَّا يَرْكَعِ؟

أَمْ لِلْبَتُولِ فَاطِم إذ مُنِعَتْ *** عَنْ إِرْثِهَا الحَقِّ بِأَمْرِ مُجْمَعِ؟(3)

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَهَا يَا هذِهِ *** لَقَدْ طلَبْتِ باطِلاً فارْتَدِعِي

أبوكِ قَدْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ *** مُصَرِّحاً في مَجْمَعٍ فَمجْمَعِ

ص: 495


1- لعلع: كَسْر. أو ضعف من تعب أو مرض.
2- أَقْوَتْ: نزلت في قفر. أو افتقرت، أو فني زادهم أو جاؤوا ولم يكن معهم شيء. مغانيهم: منازلهم. وادي الغضا: وادٍ كثر فيه شجر الغضا وهي شجرة من الأَثل خشبها من أصلب الخشب وجمرها يبقى زمناً طويلاً لا ينطفىء. وادي الأجرع: وادٍ كثرت فيه نوقٌ قلّتْ ألبانُها وكأنّه ليس في ضرعها إلاّ جُرَع.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب ينابيع المودة ج1 ص310 عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم: «وإنما سمّيت فاطمة البتول علیها السلام لأنها تبتّلت من الحيض والنفاس لأن ذلك عيب في بنات الأنبياء» أو قال: «نقصان».

نَحْنُ جَمِيعُ الأَنَبِيَاءِ لانُرِي *** أَبْنَاءَنا لإرثنا مِنْ مَوْضِعِ

وَمَا تَرَكْنَاهُ يَكُونُ مَغْنَماً *** فَارْضَيْ بِمَا قَالَ أَبوكِ وَاسْمَعِي

قَالَتْ فَهَاتُوا نِحْلَتي مِنْ وَالِدي *** خَيْرِ الأَنامِ الشَّافِعِ المُشَفَّعِ

قَالُوا فَهلْ عِنْدَكِ مِنْ بَيِّنَةٍ *** نَسْمَعُ مَعْنَاها جَمِيعاً وَنَعِي

فَقَالَتْ أَبنائِي وَبَعْلِي حَيْدَرٌ *** أَبُوهُما أَبْصِرْ بهِ وَأَسْمِعِ

فَأَبْطَلُوا إِشْهادَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ *** نَصُّ الْكِتَابِ عِنْدَهُمْ بِمُقْنِعِ

وَلَمْ تَزَلْ مَهْضُومةٌ مَظْلُومةً *** بِرَدِّ دَعْواها وَرَضِّ الأَضْلُعِ(1)

وَأُلْحِدَتْ فِي لَيِلها لِغَيْظِها *** عَلَيْهِمُ سِرًّا بِأَخْفَى مَوْضِع(2)الذبالة : الفتيلة.(3)علّبَة أثر فيه وخدشه.(4)التأنيب : المبالغة في التوبيخ.(5)المأفون: الضعيف الرأي.(6)

ص: 496


1- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 43 ص 198 فألجأها (أي قنفذ الملعون) إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعاً من جنبها فألقت جنيناً من بطنها.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب دلائل الإمامة للطبري ص 46 فغسّلها أمير المؤمنين ولم يحضرها غيره والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت عميس أخرجها إلى البقيع ليلاً... وفي كشف الغمة ج1 ص454 : ان فاطمة علیها السلام هي سليلة النبوَّة صلي اللَّه علیه و آله و سلم ورضيعة درّ الكرم والأبوة.. ودرّة صدف الفخار.. وغرّة شمس النهار وذبالة
3- مشكاة الأنوار وصفوة الشرف والجود.. وواسطة قلادة الوجود.. نقطة دائرة المفاخر.. قمرها له المآثر.. الزهرة الزهراء علیها السلام والغرّة الغراء.. العالية المحل.. في رتبة العلاء السامية المكانة المكينة في عالم السماء.. المضيئة النور المضيئة الضياء.. المستغنية باسمها عن حدّها ووسمها .. قرّة عين أبيها ومداد قلب أمها.. الحالية بجواهر علاها.. العاطلة من زخرف دنياها.. أَمَةُ اللّه وسيدة النساء.. جمال الآباء وشرف الأبناء.. يفخر آدم بمكانها.. ويبوح نوح بشدة شأنها ويسمو ابراهيم بكونها من نسله.. وينجح إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله وكانت ريحانة محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم من بين أهله.. فما يجاريها في مفخر إلاّ معَلّب
4- ولا يباديها في مجد إلاّ مؤنب
5- ولا يجحد حقها إلاّ مأفون
6- ولا يصرف عنها وجه إخلاصه إلاّ مغبون..

(17) هدية الولاء في نظم حديث الكساء

(بحر الرجز)

السيد فاخر آل فاخر الموسوي

بسم الذي قد برَأ الخلائقْ *** وللهدى قد أظهَرَ الحقائقْ

والحمدُ اللّه على نوالهْ *** حب النبيِّ المصطفى وآلهْ

العترةُ الطاهرةُ الهداةُ *** عليهمُ السلامُ والصلاةُ

يُستنزلُ الخيرُ بهم والرحمهْ *** بذكرهم تُكشفُ كلُّ غمهْ

من ذلكم رَوت لنا قضيهْ *** بلفظها فاطمة الزكيهْ

حديثَها الموسومَ بالكساءِ *** من ألْفه مفصلاً للياءِ

قالت ففي يوم من الأيامِ *** قد خصني النبيُّ بالسلامِ

فزارني في حجرتي وحيد *** وهو لما قد خصني سعيدا

فقلت يا أبي لك التحيهْ *** مني عليك سيدَ البريهْ

فقال يا فاطمُ إني أجدُ *** ضعفا ويشكو اليومَ مني الْجسدُ

أجبتُهُ ه أعيذكَ باللَّهِ *** من كل ضعفٍ يا عظيمَ الجاهِ

فقال لي يا خيرة النسوانِ *** غطيني قومي بالكسا اليماني

فأقبلت والدةُ الأئمهْ *** تُنفِّذ الأمر له بهمهْ

تقولُ جئتُ له بالكساءِ *** غطيتُهُ فيه رجا الشِّفاءِ

فبينما إليه كنتُ أنظرُ *** أرى الضيا ووجهُهُ منوّرُ

كأنهُ البدرُ بذا الجمالِ *** في ليلةِ التمامِ والكمالِ

ص: 497

فلم تمرَّ ساعةٌ من الزمنْ *** حتى رأيتُ مقبلاً نحوي الحسنْ

أهدى بكلِّ أدبٍ سلامَهْ *** أجبتهُ ودائمُ السلامهْ

فقال يا أماهُ هذي رائحه *** كأنّها من ثوبِ جدي فائِحَه

قلتُ نعم ياسيدَ الأبناءِ *** مغطّى جدك بالكساءِ

فجاءَهُ مُسلماً منادي *** تأذنُ لي يا رحمةَ العبادِ

أجابه يا صاحبَ الحوضِ أجلْ *** أدخل معي يا نورَ عيني بالعجلْ

فضمهُ إليه بالكساءِ *** كما تقولُ خيرةُ النساءِ

فلم تمرَّ ساعةٌ حتى أتى *** قرةُ عينيَّ شهيدُ كربلا

بكل إجلالٍ علي سلما *** وعن نسیمِ شمَّها مستفهِما

فقال يا أماه فيكِ رائحهْ *** كأن جدي عندكِ يا صالحهْ

أجبته يا قرةَ العيونِ *** ذا صنوكَ الزكيُّ معْ ياسينِ

تحتَ الكساءِ جالساً بجنبهْ *** فاذهب إليه يا نجيعَ قلبهْ

فجاءَهُ مسلَّماً حسينُ *** نحوَ الكسا و كلُّه يقينُ

وقال يا خيرَ من اصطفاهُ *** ربُّ العلى وللهدى اجتباهُ

أ أدخلُ في جنبكم تحت الکسا *** صلی عليكَ اللّه صبحاً ومسا

أجابَهُ النبيُّ يا ريحانتي *** أنتَ الحسينُ حاملٌ شفاعتي

أجل أذنتُ لك في الدخولِ *** يا سيدَ الشبابِ والشبولِ

فالتحفَ السبطُ كما تقولُ *** تحتَ الكسا فاطمةُ البتولُ

قالت وجاء حينها أبو الحسنْ *** أميرُ كل مؤمنٍ مسلَّمَنْ

فقال يا فاطمةٌ أشمُّ *** رائحةً طيبةً تعمُّ

كأنها رائحةُ النبیِّ *** ذي العبق المعطّرِ الذكيِّ

أجبتُ يا من سُمِّيَ بالأميرِ *** لكل من آمنَ بالغديرِ

عليكُمُ السلامُ من ربِّ السما *** ذا ولديَّ والنبيُّ تحتَ الكسا

ص: 498

فجاء نحوَ الكساالوصيُ *** منادياً يا أيها النبيُ

في حجرك الميمونِ قد ربیتُ *** بكلِّ فضل لك قد عنيتُ

تأذنُ أن أنضمّ في الكساءِ *** قال نعم يا واجبَ الولاءِ

أجل وأنتَ حاملٌ لوائي *** بغيركُم لا خيرَ في وِلائي

فانضمَ في الكسا أبو الأئمهْ *** صنوُ الهدى بالبرِ والمَلَمَّهْ

وبعدَ ذاك نادت البتولُ *** مقبلةً يا أيها الرسولُ

أتأذنُ للبضعةِ الزكيهْ *** ياصاحبَ المكارمِ السنيهْ

أجابَها بإذنه يابنتي *** بالمكرمات والكسا خُصِصتي

يا بضعتِي وخيرةَ النساءِ *** تدثري بجنبي في الكساءِ

قالت فعندَ ذلكم أقبلتُ *** مع الجميعِ في الكسا دخلتُ

و حینما تحتَ الکسا اكتملنا *** دعا أبي وبعدَهُ آمنّا

قد رفعَ اليمنى إلى السماءِ *** وممسكاً بحرفيِ الكساءِ

منادياً يا محيي كل مَيْتِ *** إهدِ الورى لحبِّ أهلِ بيتي

فهؤلاء حامتي وخاصَّتي *** قد كملتْ بودِّهم رسالتي

فإن من دمي غدت دماؤهمْ *** كما وهم من لحمتِي لحومهمْ

وكلُّ ما يؤلمهم يؤذيني *** كما الذي يحزنهم يُشجيني

وحبُّهم حبٌّ لنا يكونُ *** وودُّهم كما في الذكرِ دينُ

وإنني حربٌ لمن حاربتمْ *** كما أنا سلم لمن سالمتمْ

فاجعل عدائيَ لمن عاداهمْ *** وزد إلهي الحب من والاهمْ

لأنني منهُم وهم مني هدًى *** من وَدَّهم فهو إلى الدين اهتدى

فإننا محمدٌ جميعُ *** من جاءنا كناله شفیعُ

وكُلُّناسفينةٌ واحدةُ *** للعالمين رحمةٌ نازلةُ

فصلِّ يا ربِّ عليهمُ كما *** طهَّرتهم من كلِّ ذنب عاصما

ص: 499

وبارك اللهم في ذرّيتي *** واجعل رضاكَ عنهمُ بعصمةِ

وأذهبنَّ عنهمُ كل دَنسْ *** وزکِّهم من كلّ رجس ونَجَسْ

فقال ربُ البيت والمقامِ *** ومُسمِعُ الملائكِ الكرامِ

فإنني أُقسم في جلالي *** وعزّتي الشأواء في جمالي

ما كنتُ قط خالقُ الضياءا *** ولم أكن أن أبرأ القضاءا

كلا ولا من طُلّعٍ عشيهْ *** وليس من شمس بها مضیهْ

كما ولامن قمرٍينيرُ *** وليس فيها فَلَك يدورُ

ولا بحارا في الأراضي تجري *** كلا ولا فُلْكاً عليها تسري

وإني لم أخلق سما مبنیهْ *** كلا ولا أرضٌ غدت مدحيّهْ

إلا لأجل حبِّ هؤلاءِ *** الخمسةِ الأطهار في الكساءِ

أفضلُ من جميعِ ما برئتُ *** لأجلهم كل الذي خلقتُ

فقال جبرائيلُ الأمينُ *** يارب مَنْ تحت الكسا يكونُ

فقال أعني أحمدا وآلَهْ *** أهلَ النبيِّ معدنَ الرسالهْ

هم فاطمُ والمصطفى أبوها *** وبعلُها وبعدَها بنوها

فقال يا ربُّ ألا أكونُ *** سادسَهُم بخدمةٍ معينُ

أجابه فاهبط كما تريدُ *** واتل اليهم: إنما يريدُ

فجاءَ جبريلُ لنا مسلِّماً *** على الرسول المجتبى المكرَّما

مبشّراً يقول إن اللَّهَ *** في الملا الأعلى بكم قد باها

ومقسماً بالعز والجلالِ *** وحق ما برئتُ من جمالِ

فإنني لم أخلقِ الخضراءا *** كلا ولم أمهّد الغبراءا

ولا جعلتُ قمراً منيراً *** كلا ولا من فَلَكٍ يدورا

وليس بحرٌ في الوطاء يجري *** ولا بها فُلُكاً هناك تَسري

وليسَ شمسٌ في السماء تشرقُ *** كلا ولا خلقٌ هناك يُرزَقُ

ص: 500

إلا لأجلِ هؤلاءِ الخمسِ *** تحتَ الكسا قد طهروا من رجسِ

وجئتكم بآيةِ تذكيرا *** بأنه طهَّركم تطهيرا

و قد تحدّث له كما سبقْ *** من نظمِ ذا العبد على نحوِ النسقْ

و قال أهدَى لكُمُ الكرامهْ *** كما وقد خصكَ بالسلامهْ

و مؤذناً بأن أكونَ بالعبا *** فتأذنُ يا خيرَ من قَدْ صَحبا

قال نعم فأقبل الأمينُ *** تحتَ الكسا بجنبِه قرينُ

فكانَ جبريلُ بنا يفتخرُ *** ما إن تُلي في الخلق هذا الخبرُ

قالتْ فقال المرتضى مستفهِما *** ما الفضلُ للجلوس ذا تحتَ الكسا

فأقسمَ الرسولُ بالنبوّهْ *** يا أيها المختصُ بالأخوهْ

فوالذي بحقِّه اصطفاني *** و للورى لدينهِ اجتباني

حتى جُعلتُ للهدى نبياً *** و حاملاً رسالتِي نجيا

مهما تُلي حديثنا الكساءُ *** فواجبٌ أن يُرفع الدعاءُ

و ما تلاه محفلٌ مجتمعُ *** و فيه من شيعتِنا يستمعُ

إلا وهم يستوجبونَ الرحمهْ *** و زيدَ كلُّ واحدٍ في النعمهْ

هذا و حفتْ بهمُ الملائكْ *** و استغفرتْ في جمعهِم لذلكْ

فقال لما سمعَ الوصيُّ *** فاز بربِّ الكعبة الوليُ

فقال عند ذلك الرسولُ *** أيا أخي وذا لهم قليلُ

فوالذي بالحقِّ قد نبئتُ *** من عندهِ و بالهدى بُعثتُ

ما إن تلى الحديثَ ذا أولئكْ *** إلا عليهم نزلتْ ملائكْ

تحفوفيهم و لهم تستغفرْ *** و جمعُها بذكرنا منوّرْ

و ليس فيهمُ يوجد مهمومُ *** أو أحدٌ من بينهم مغمومُ

إلا و فرَّج اللَّه همومَهْ *** و يكشفنْ عن ذلكم غمومهْ

أو طالبٌ لحاجةٍ قضاها *** و كلُّ نفس أُعطيت رِضاها

ص: 501

فقال يا رسولَ اللَّه فُزنا *** إذن و ربِّ الكعبة قد سَعُدنا

فالحمدُللَّه على الآلاءِ *** ماخصَّ فيه شيعةُ الولاءِ

واشمُلهُم يا ربُّ بالصلاةِ *** و نجهم في الحشرِ و المماةِ

و تم معنّى خبر الكساءِ *** ما قد روي عن خيرةِ النساء

فالعنْ بحقِّهم إلهي المُنكِرا *** و ابعث إليه ناكراً ومنکَرا

و أصله يا عدلُ في جهنمِ *** في غمرةٍ من العذاب المؤلمِ

و نجني بحقِّهم في الدنيا *** كذا أكون معهم في الأخرى

و احشرنِ في شفاعة الزهراءِ *** بذكرنا حديثَها الكساءِ

تلك التي قد طلبَ الأمينُ *** بالبابِ منها خادماً يكونُ

يستشرفُ الأمين عند بابِها *** و يهتكوا منها العدى حجابَها

تعساً لهم أيرفعونَ النارا *** و هي بحزن ترثُ المختارا

قد كبسُوا على الزهراءبيتَها *** ياليتها لم تأتهم ياليتَها

قد كسروا بالبابِ منها الضِّلعا *** و احمرتْ العين و أدموا الدَّمعا

قد سقطت من شدةِ المصابِ *** و أسقطُوا محسنَها بالبابِ

فانتدبتْ بفضةٍ خذيني *** بصدركِ يا هذي سنديني

فقد واللَّه أسقطوا جنيني *** كما أصبتُ ضربةً بعيني

و خلفَ بابي عصروني عصرا *** فأدركوا من النبيِّ وترا

و قد جرى الدمَّ من المسمارِ *** وذاك سقطي محسنٌ في الدارِ

و حينما درت بإبن عمِّها *** قامت و لاشيءَ بها أهمَّها

تندبُ شجوا و تنادي الناسا *** خلُّوا الهدى أو اكشفنَّ الراسا

يا عجباً أتستباحُ الحرمهْ *** من النبي و يضربون الحرمهْ

و ههنا ينقطعُ البيانُ *** فإن عنهُ يقصرُ اللسانُ

و نختمُ بالحمدِ و الثناءِ *** لمن هدانا خالصَ الولاءِ

ص: 502

مصلياً على الهدى النبيِّ *** و ابنيه و الزهراءِ و الوصيِّ

فالسرُّ في الكساهي الصلاةُ *** عليهمُ كما رَوى الرواةْ

فصلِّ ياربِّ عليهم دائماً *** واجعلني للسبطِ الشهيدِ خادما

وإني من نسلِ البتول فاخرْ *** بين الملا بحبِّها مفاخرْ

من أهلِ بيت العلماءِ العلوي *** ذاك فخارُ بن معدِّ الموسوي

فارحم إلهي الوالدين العلما *** بحقِ أصحابِ الكساءِ الكُرما

ص: 503

(18) أرجوزة الكساء

(بحر الرجز)

إبراهيم غلوم حسين أحمد(*)(1)

أبدأُ باسمِ الواحدِ الكريمِ *** إلهِنا المنعمِ والرحيمِ

ثم أصلّي أفضلَ الصلاةِ *** على أبي القاسمِ والهداةِ

عترتِهِ الأطائبِ الأطهارِ *** سادةِ الأماجدِ الأبرارِ

لقد رووا عن جابرِ الأنصارِي *** عليه رضوانُ العلى البارِي

قال بأنني سمعتُ فاطمهْ *** أم أئمةِ الهدى والعالمهْ

قالت أتاني سيدُ البريه *** متجهاً إليّ بالتحيّه

قال سلامُ ربِّنا عليكِ *** تحیةً أهديتُها إليكِ

ص:504


1- (*) هو الشاعر إبراهيم غلوم حسين أحمد اللاري الكويتي من مواليد دولة الكويت في شوال 1380 هجرية الموافق 1961 ميلادية. خريج جامعة الكويت وله شهادة بكالوريوس اقتصاد 1985م نشأ في بيئة دينية حيث إن والديه كانا و لازالا ملازمين للحضور إلى المساجد والحسينيات والمجالس الدينية وعلى هذا شبّ شاعرنا. أحب وعشق الشعر منذ نعومة أظافره وكان يحفظ كثيراً من الشعر الشعبي والفصحى، ولهذا كان ينظم بعض الشعر باللهجة المحلية وبعد وفاة المرجع الديني آية اللّه العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشریف) هاج به الحزن وعبر عن حزنه بأبيات شعرية مطلعها: (دموعي من القلب الكئيب سجام) *** فقد غاب عنا سيد وإمامُ وتلقى مدحاً كثيراً من الشعراء وخاصة أصدقاءه كالشاعر الأديب الأستاذ عبد العزيز العندليب وسماحة الخطيب العلامة الشيخ علي حيدر المؤيد وغيرهما شجعوه وواصل كتابة الشعر فكتب بعدها قصائد حول الإمام الحسين علیه السلام وأخيراً أرجوزة الكساء ولا زال يواصل كتابة الشعر وفقه اللّه وإيانا.

أجبتهُ يا سيدَ الأنامِ *** يهديكَ ربّي أفضلَ السلامِ

فقال لي أشعرُ في جسمي وَهَنْ *** قلتُ أعاذك الجليلُ ذو المِنَنْ

فقالَ إيتيني وغطِّي بدني *** ببردةٍ جيءَ بها من يَمَنِ

لما أتيتُهُ بما كانَ أمَرْ *** رأيتُه كالبدرِ في الليلِ اِزدَهَرْ

وبعدهَ جاءَ الإمامُ المُجتبى *** مسلماً قلتُ له يا مَرَحَبا

فقال يا أُمّي أشمُّ غاليهْ *** كأنَّها من النبيِّ آتيهْ

قلتُ بأنَّ جدكَ المؤيدْ *** تحتَ الكساءِ ههنا مُمَدَّدْ

وثم إذ دنا الإمامُ الممتحنْ *** مستأذناً من النبيِّ المؤتمَنْ

أجابَهُ يا زهرةً في الروضِ *** أدخل فأنتَ صاحبُ للحوضِ

ما هي إلا ساعةٌ من الزمَنْ *** إذ بالحسينِ قد أتَى بعدَ الحَسَنْ

قال سلاماً أُمَّناالزكيّه *** حبيبةَ النبيِّ يا رضيِّه

قلتُ سلاماً يا حبيبَ ربِّي *** وقرةَ العينِ ونورَ القلبِ

فقالَ ما أطيبَ هذي الرائحةْ *** كأنها من النبي فائِحةْ

قلتُ نعم فداك روحي والبدنْ *** فالمصطفى تحتَ الكسا معَ الحَسَنْ

ونحو جدهِ الحسينُ مذ دنا *** مسلماً وبعدَهُ مستأذناً

أجابَهُ النبيُّ بابتسامة *** أدخل فأنْتَ شافعُ القيامَة

جاء عليُّ بعدَهُمْ للدارِ *** قال سلاماً بضعةَ المختارِ

إني أشمُّ عندكِ العشيّةْ *** رائحةً طيبةً زكيّةْ

مصدرُها أَيَّتُها البتولُ *** هو ابن عمي المصطفى الرسولُ

قلتُ نعم يا أيها الوصيُّ *** تحتَ الكسا والدي النبيُّ

فجاءَ حيدرٌ إلى الكساءِ *** قال سلامٌ يا أبا الزهراءِ

أريد إذناً منكَ بالدخول *** تحتَ الكسا بالبشرِ والقبولِ

قال النبيُّ يا حبيبَ ربِّنا *** أدخل على الرحبِ وكن بقربِنا

ص: 505

ثم أتيتُ بعدَهُم نحوَ النبي *** استأذنُ الدخولَ في تأدبِ

قال أدخلي يا فاطمُ تحتَ الكسا *** يا زهرةَ الخلدِ وخيرةَ النسا

وثم كلنا إذ اجتمعنا *** من النبي المصطفى سَمِعنا

يا ربِّ إن هؤلاء عترتي *** سيرتُهُم مشتقةٌ من سيرتي

دماؤُهُم ولحمُهُم من قِدمِ *** مخلوطةٌ أصلاً بلحمِي ودمِي

إن ما يرضيهُمُ يرضيني *** كذا وما يؤذيهُمُ يؤذيني

سِلمٌ أنا ربِّ لمن سالمَهُمْ *** حربٌ أنا ربِّ لمن حاربَهُم

همُ بضعةٌ مني وإني منهمُ *** ولا تطيقُ النفسُ بعدا عنهُمُ

ياربِّنا صلِّ عليهم وعلى *** إليهم الرحمة أرسل وإلى

ربِّ وطهرهم من الأرجاسِ *** دوماً وأبعدهِمْ عن الأنجاسِ

اللّه نادى في السماواتِ العلا *** مخاطباً من كان فيها مِنْ مَلا

أنْ ما خلقتُ من سماً أو أرضِ *** وما فرضتُ فيهما من فرضِ

كلا وما خلقتُ شمساً أو قمرْ *** ولا الجبالَ والبحارَ والشجَرْ

إلا لأجلِ خمسةٍ تحتَ العَبا *** هم الكرامُ الأتقياءُ النُّجبا

هنا انبرى مستوضحاً جبريلُ *** منادياً يا أيها الجليلُ

بيِّن لنا من الأُلى يا حقُّ *** لكل ذلك الثنا استحَقُّوا

أجابَهُ الخالقُ يا جبريلُ *** هم فاطمُ الزهراءُ والرسولُ

معَ الوصيِّ والدِ السبطين *** والحسنِ الزاهرِ والحسينِ

قال الأمينُ ربِّ هل تأذنُ لي *** لأصبحَ السادسَ في بيتِ علي

قال لهُ اللّه نعم أذنتُ لكْ *** والروحُ دربَ منزلِ الهادي سلَكْ

حيّا وقال: أطيبُ السلام *** من ربِّنا وأوفرُ الإكرامِ

عليكَ يا واسطةَ الإيجادِ *** وشافعَ الأمةِ في المعادِ

أقسَمَ ربّي بجلالِ قدرتِهْ *** وبارتفاعِ شأنِهِ وعِزّيِهْ

بأنّهُ لم يخلقِ الأكوانا *** والنارَ والجنةَ والزمانا

ص: 506

إلا لأجلِكُم وأجلِ حبِّكُمْ *** وخصَّني بأن أكونَ قُرْبَكُمْ

قال النبيُّ يا رسولَ ربَّنا *** أهلاً والفُ مرحباً بقربِنا

فقالَ جبريلُ من الخبيرِ *** جئتكُمُ بآيةِ التطهيرِ

فأنتمُ صفوتُهُ من الورى *** وخيرُ من يمشي على وجهِ الثرى

وعندها قال الوصيُّ المجتبى *** ما فضلُ اجتماعنا تحتَ العَبا

أجابَه الهادي البشيرُ يا علي *** ما ذكرُوا مجلسنا في محفلِ

وفيه جمعٌ من جموعِ الشيعهْ *** وهي التي لربها مطيعَهْ

إلا وحلتْ نعمٌ الرحمنِ *** عليهمُ بالفضلِ والرضوانِ

ومن دعاءِ الملأ الأعلى لهم *** يصلحُ ربُّنا الكريمُ بالَهُم

فاستبشرَ الوصيُّ من هذا الخبرْ*** وقال فازَ من بجمعنا حَضرْ

قال النبيُّ للإمامِ المرتضى *** إعلمْ بأن اللّه قُدما قد قضى

بأن شيعةً لنا إن شكَرُوا *** خالقَهُم وأمرَنا إن ذكَرُوا

يفرّجُ اللّه عن المهمومِ *** ويكشفُ الغمَّ عن المغمومِ

وحاجةُ المحتاج تقضى بكمُ *** كرامةً من اللطيفِ لكمُ

قال عليُّ فازت الأحبة *** ونحنُ فزنا بإلهِ الكعبة

وقد روى إمامُنا الشيرازي *** حديثَهُم بالسندِ الممتاز

فارجع إلى (الدعاء والزيارة) *** ترى الحديثَ واضحَ العِبارة

وارجع إِلى كتابِ (فقه فاطمهْ) *** وراجعِ الدليل في المقدمهْ

معنعناً في ذلكَ الكتابِ *** بلفظهِ البديعِ والجذابِ

فأسألِ اللّه بأن ينفعَهُ *** وللفراديس العلى يرفعَهُ

ويعلي اللّه بهِ مقامَهُ *** ثمَّ ويسعى نورَهُ أمامَهُ

وفي الختامِ أشكر الشيخ علي *** الدائمِ التوجيهِ والتشجيعِ لي

مع التحياتِ إلى الحبيبِ *** العندليبِ الشاعرِ الأديبِ

ص: 507

(19) روضة النبي صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الرجز)

الشيخ كاظم آل نوح

أَیُّ رَشَاً أَهَاجَنَا بُغَامُهُ *** أَرَاعَهُ القَانِصُ أَوْ أُوَامُهُ(1)

يتْلَعُ بِالجِيدِ حَذَارِ قَانِصٍ *** أَمْ شَافَهُ مِنَ الحِمَى بَشَامُهُ(2)

فَالرَّوْضُ قَدْ حَفَّ كِنَاسَهُ وَذِي *** مِنْ نُورِهِ تَفَتَّحَتْ أَكْمَامُهُ(3)

أَيُّ كِنَاسٍ ضَمَّ ظَبْياً شَادِناً *** أَمْ ذَاكَ رِئْبَالٌ وَذَا أَجَامُهُ؟

وَأَحَرباً مِنْ لَحْظِهِ وَفَتْكِهِ *** أَمَا رَثَا لَمْ تُخْطِنَا سِهَامُهُ؟

منْ مُنْصِفِي مِنْهُ وَمِنْ قَوَامِهِ *** أَمَا يَحُسُّ طَاعِناً قَوَامُهُ؟

لَمْ يَصْحُ مِنْ سُكْرٍ وَكَيْفَ تَرْتَجِي *** صَحْوَتَهُ وَرِيقُهُ مُدَامُهُ(4)؟

رِيمٌ رَمَى الصَّبَّ بِسَهْمِ صَدّهِ *** مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْضِي بِهِ مَرَامَهُ

هَامَ بِهِ القَلْبُ فَقَلْبِي أَبَداً *** لاَ يَنْقَضِي وَقَدْ جَفَا هُيَامَهُ(5)

وَمَا عَسَى يُجْدِي الهُيَامُ رَامِقاً *** مِنْ بَعْدِ مَا شَابَتْ أَسًى لِمَامُهُ

بِمَفْرَقِي الشَّيْبُ بَدَا وَقَدْ مَضَى *** شَرْخُ الشَّبَابِ وَانْقَضَتْ أَيَّامُهُ

لِفَادِحٍ بَعْدَ النَّبِيِّ قَدْ جَرَى *** فِي القَلْبِ يُورِي أَبَداً ضِرَامُهُ

ص: 508


1- بغامه: البُغام: صوت الظبية. أهاجنا: أثارنا.
2- يتْلع: تلع الظبي: أخرج رأسه عما كان فيه.
3- كِنَاسه: الكِناس: بيت الظبي. أكمامه: وروده.
4- مدامه: الخمر سمِّيت بذلك لإدامتها في الإناء.
5- هيامه: الهيام الجنون من العشق.

قَدْ رُفِضَتْ شِرْعَتُهُ وَغَیِّرَتْ *** سُنَّتُهُ وَبُدِّلَتْ أَحْكَامُهُ

إِنْ تَتْلُ مِنْهَا وَأَولو الأَرْحَامِ فِي *** الذِّكْرِ يُرَى قَدْ قَطِّعَتْ أَرْحَامُهُ

أَبْرَمَ عَقْداً لاَ يُحَلُّ فَاغْتَدَى *** مُنْتَقَضاً مِنْ بَعْدِهِ إِبْرَامُهُ(1)

عَدَوْا عَلَى دَارِ البَتُولِ بَعْدَهُ *** قَسْراً وَلَمْ يُرْعَ بِهَا ذِمَامُهْ(2)

وَمُذْ قَضَتْ الْحَدَهَا حَيْدَرَةٌ *** وَاللَّيْلُ كَانَ غَامِراً ظَلاَمُهُ(3)

فِيْ رَوْضَةِ النَّبِيِّ أَوْ حُجْرَتِهَا *** أَوْ فِي البَقيعِ ضَمَّهَا رِغَامُهُ

وَظَلَّ حَيْدَرٌ جَلِيسَ بَيْتِهِ *** يَبْكِي وَتَبْكِي حَوْلَهُ أَیْتَامُهُ

وَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَابِراً *** مُضْطَهَداً حَتَّى دَهَى حِمَامُهُ(4)-(5)

ص: 509


1- أبرم: أبرم الأمر: أحكمه.
2- في كتاب، سليم بن قيس، ص 36 قال: ... أمر عمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناها علیهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع علياً علیه السلام وفاطمة علیهما السلام: واللّه لتخرجن يا علي علیه السلام ولتبايعن خليفة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وإلاّ أضرمت عليك النار. فقالت فاطمة علیهما السلام: يا عمر ما لنا ولك؟ فقال: افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم. فقالت: يا عمر أما تتقي اللّه تدخل عليَّ علیه السلام بيتي؟! فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجاً به جنبها فصرخت: يا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها فنادت: يا رسول اللّه لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر ...
3- في كتاب، سليم بن قيس، ص 213 قال: قال ابن عباس: فقبضت فاطمة علیها السلام من يومها فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء.. فلما كان في الليل دعا علي علیه اسلام المقداد وسلمان وأبا ذر وعماراً فصلى عليها ودفنوها فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة علیهم السلام. فقال المقداد: قد دفنا فاطمة علیها السلام البارحة فالتفت عمر إلى أبي بكر وقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال العباس: إنها أوصت ألاّ تصليا عليها.
4- حِمامه: الحِمام: الموت.
5- دیوان آل نوح ص 240 مطبعة المعارف - بغداد (1955م).

(20) يستأذن الأمين جبرئيل

(بحر الرجز)

ملا محسن سلمان البحراني

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا *** بِالمُصْطَفَى وَالمُرْتَضَى مَوْلانا

أَخْرَجَنَا مِنْ ظُلْمَةِ النِّفَاقِ *** بِالمُصْطَفَى مُهَذَّبِ الأَخْلاَقِ

وَبِالوَصِيِّ المُرْتَضَى مِنْ بَعْدِهِ *** وَبِالأَئِمَّةِ الهُدَى مِنْ وُلْدِهِ(1)

صَلَّى عَلَيْهِمْ رَبُّنَا وَشَرَّفا *** مَا إِنْ سَعَى مَا بَيْنَ مَرْوَ وَالصَّفَا

وَهَا أَنَا شَرَعْتُ فِي الرِّثَاءِ *** مُنَظِّماً رِوَايَةَ الكِسَاءِ

رَوَتْ لَنَا فَاطِمَةٌ هُذَا الخَبَرْ *** لِكَيْ يُزِيلَ الهَمَّ عَنَّا وَالكَدَرْ(2)

تَقُولُ يَوْماً جَاءَنِي المُخْتَارْ *** تَشِعُّ فِي جَبِينِهِ الأَنْوَارُ

فَقَالَ لِي يَا خِيرَةَ النِّسْوَانِ *** ضَعْفٌ أَرَاهُ اليَوْمَ قَدْ عَرَانِي

عَلَيَّ بِالكِسَا بِهذَا الحِينِ *** وَفِيهِ يا فَاطِمَةٌ غَطِّينِي

قَالَتْ فَجِئْتُهُ بِذلِكَ الكِسا *** فَقَالَ لِي أَحْسَنْتِ يَا سِتَّ النِّسا

فَصِرْتُ أَرْنُو وَجْهَ سَيِّدِ البَشَرْ *** إِذَا بِنُورِهِ عَلاَ نُورَ القَمَرْ(3)

وَمُذْ مَضَتْ هُنَيْئةً مِنَ الزَّمَنْ *** جَاءَ أَبُو مُحَمَّدِ الطُّهْرُ الحَسَنْ

ص: 510


1- في كتاب «أمالي الشيخ الطوسي» ص343 ط الثانية (1981م) مؤسسة الوفاء - بيروت: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: إن أخي ووزيري ووصيي في أهلي علي بن أبي طالب «صلوات اللّه عليه».
2- الكدَر: الغمّ.
3- لعله إشارة إلى ما جاء في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931.

فَقَالَ يَا بِنْتَ النَّبِيِّ الهَادِي *** وَمَنْ أَبُوهَا سَيِّدُ العِبَادِ

أَشُمُّ رِيحَ المِسْكِ فِي حِمَاكِ *** كَأَنَّهَا رِيحُ النَّبِيِّ الزَّاكِي

قَالَتْ نَعَمْ تَحْتَ الكِسا قَدِ اضْطَجَعْ *** وَنُورُهُ مِنْ وَجْنَتَيْهِ قَدْ سَطَعْ

فَرَاحَ نَحْوَهُ الإِمَامُ السَّامِي *** مُسْتَئْذِناً مِنْ سَیِّدِ الأَنامِ

يَقُولُ يَا جَدَّاهُ يَا خَيْرَ المَلا *** تَأْذَنُ لِي تَحْتَ الكِسَا أَنْ أَدْخُلا

قَالَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى يَا مَرْحبا *** ادْخُلْ مَعِي تَحْتَ الكِسا يَا مُجْتَبَى

تَقُولُ بِنْتُ المُصْطَفَى فَاطِمَةٌ *** لَمْ تَمْضِ بَعْدَ ذَاكَ إِلاَّ سَاعَهٌ

إِذْ جَاءَ سِبْطُ المُصْطَفَى حُسَيْنُ *** وَمِنْ ضِياهُ يَزْهَرُ الجَبِينُ

فَقَالَ لِي يَا أُمِّي الشَّفِيقَهْ *** وَأَظْهَرَ النِّسَاءِ فِي الحَقِيقَهْ

رِيحٌ أَشُمُّها بِهذَا المَنْزِلِ *** أَظُنُّها رِيحَ النَّبِيِّ المُرْسَلِ

فَقُلْتُ يَا رَيْحَانَةَ المُخْتَارِ *** وَمَنْ أَبُوهُ حَيْدَرُ الكَرَّارِ(1)

ها هُوَذا تَحْتَ الكِسا مُدَّثِرُ *** مَعَ أَخِيكَ المُجْتَبَى مُسْتَتِرُ(2)

فَأَقْبَلَ السِّبْطُ بِثَغْرٍ بَاسِم *** مُسْتَئْذِنَاً مِنَ النَّبِيِّ الهَاشِمِي(3)

فَقَالَ يَا جَدّاهُ هَلْ تَأْذَنُ *** أَنْ ادْخُلْ مَعَكُمْ فِي الكِسا يا مُؤْتَمَنْ

قَالَ النَّبِيّ يَا أَيُّها الحَبيبُ *** أَدْخُلَ معانا أَيُّهَا النَّجِيبُ

ص: 511


1- في «ينابيع المودة» ج 2 ص 305 من الباب 56 ح 872 ط1 /دار الأسوة للطباعة (1416): «عن أم سلمة (رضي الله عنه) قالت: سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم يقول : سمّي الناس مؤمنين من أجل علي ومن لم يؤمن يعني لم يكن مؤمناً في أمتي. و سمّي مختاراً لأن اللّه اختاره و سمّي المرتضى علیه السلام لأن اللّه ارتضاه و سمّي علياً علیه السلام لم يسمَّ أحد قبله باسمه و سميت فاطمة علیها السلام بتولاً...».
2- مدّثر: متغطّي بما يتغطى به النائم و هو الدثار.
3- لعله إشارة لما ورد في «سنن الترمذي» المجلد الخامس، ص658 ح3775 ط المكتبة الإسلامية «حسين علیه السلام مني و أنا من حسين علیه السلام أحبَّ اللّه من أحبَّ حسيناً الحسين علیه السلام سبط من الأسباط» وانظر «ينابيع المودة» ج1 ص374.

تَقُولُ بِنْتُ المُصْطَفَى فَمَا مَضَى *** إِلاَّقَلِيلٌ ثُمَّ جَاءَ المُرْتَضَى

فَقَالَ يَا سَيِّدَةَ النِّسَاءِ *** وَتُحْفَتِي مِنْ خَالِقِ السَّمَاءِ

إِنِّي أَشُمُّ عِنْدَكِ فِي الدَّارِ *** رِيحاً كَرِيحِ المُصْطَفَى المُخْتَارِ

قَالَتْ نَعَمْ تَحْتَ الكِسا مُكْتَنِفا *** أَيْضاً وَشِبَلاَكَ مَعَاهُ الْتَحَفَا(1)

فَجَاءَ نَحْوَ المُصْطَفَى الطُّهْرُ عَلِي *** مُسْتَئْذِناً مِنَ النَّبِيِّ الأَفْضَلِ

يَقُولُ هَلْ تَأْذَنُ لِي يَا مُؤْتَمَنْ *** أَن مَعَكُمُ تَحْتَ الكِسَا أَدْخُلَنْ؟

قَالَ النَّبِيُّ المُصْطَفَى ذُو الجَاهِ *** ادْخُلْ مَعَانا يَا وَلِيَّ اللَّهِ

فَعِنْدَها بِنْتُ النَّبِي البَتُولُ *** جَاءَتْ إِلَى نَحْوِ الكِسَاءِ تَقُولُ

تَقُولُ يَا خَيْرَ الوَرَى تَأْذَنُ لِي *** أَدْخُلْ مَعَاكُمْ فِي الكِسَا؟ قَالَ ادْخُلِي

وَمُذْهُمُ تَحْتَ الكِسَاءِ اجْتَمَعُوا *** أَشْرَقَ بِالأَنْوَارِ ذَاكَ المَوْضِعُ

هُنَالِكَ اللَّهُ العَلِيُّ الأَكْبَرُ *** أَسْمَعَ أَمْلاَكَ السَّمَاءِ يُخْبِرُ

يَقُولُ ما خَلَقْتُ شَيْئاً بِالفَلاَ *** كَلاَّ وَلاَ بَدْراً وَلاَ شمْساً وَلاَ

عَرْشاً وَلاَ كُرْسِي وَلاَ أَمْلاكا *** كَلاَّ وَلاَ فُلْكاً وَلاَ أَفْلاكا

وَمَا خَلَقْتُ اللَّوْحَ كَلاَّ وَالقَلَمْ *** وَلَمْ يَكُنْ وُجُودُ شَيْءٍ مِنْ عَدَمْ

إلاَّ لأَجْلِ الخَمْسَةِ الَّذِينَ هُمْ *** تَحْتَ الكِسَا وَإِنَّنِي شَرَّفْتُهُمْ

فَقَالَ جِبْرَئِيلُ مَنْ عَنَيْتَهُمْ *** وَمَنْ عَلَى كُلِّ المَلاَ فَضَّلْتَهُمْ؟

فَقَالَ هُمْ وَعِزَّتِي أَهْلُ الوَفا *** وَمَنْ هُمُ قَدَّمْتُهُمْ فِي الاصْطِفا

فَاطِمَةُ وَالمُصْطَفَى أَبَاها *** وَبَعْلُهَا وَالسَّيِّدَانِ ابْنَاها

فَقَالَ جِبْرَئِيلُ هَلْ تَأْمُرُنِي *** أَنْ أَهْبِطَ الأَرْضَ لِذَاكَ المَوْطِنِ؟

فَقَالَ قَدْ أَذِنْتُ يا جِبْرِيلُ *** فَاهْبِطْ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا أَقُولُ

فَجَاءَ جِبْرِيل بِإِذْنِ البَارِي *** مُسْتَئْذِناً مِنْ صَفْوَةِ الجَبَّارِ

ص: 512


1- مكتنف: محاط به.

مُذْ صَارَ جِبْرَائِيلُ فِي الكِسا مَعا *** النُّبَلاَ وَالنُّجَبَاءُ الشُّفَّعا

بَلَّغَهُمْ ما قالَهُ رَبُّ السَّما *** ثُمَّ ابْتَدَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ إِنَّما

هُنَاكَ قَالَ المُرْتَضَى الأَمِيرُ *** لِلْمُصْطَفَى أَخْبِرْنِي يَا بَشِيرُ

مَا فِي جُلُوسِنا مِنَ النَّفْضِيلِ *** عِنْدَ الإِلهِ الوَاحِدِ الجَلِيل؟

قَال النَّبِيُّ المُصْطَفَى وَحَقِّ مَنْ *** أَرْسَلَنِي بالحق يا أبَا الحَسَنْ

ما إِن تُلِي هذَا الخَبَرْ فِي مَحْفِلِ *** وَفِيهِمُ ذُو عَاهَةٍ أَوْ مُبْتَلِي(1)

إِلاَّ أزالَ اللَّهُ عَنْهُ عَاهَتَهْ *** وَصاحِبُ الحاجاتِ يَقْضِي حَاجَتَهْ

لا وَالَّذِي صَیَّرَنِي نَبِيّا *** واخْتَارَنِي لِوَحْيِهِ نَجِيّا

ما إِنْ قُرِي فِي مَحْفَلٍ هذا الخَبَرْ *** وَفِيهِمُ جَمْعٌ مِنَ الشِّيعَة الغُرَرْ

وَفِيهِمُ مَغْمُومُ أَوْ مَكْرُوبُ *** إلاَّ وَعَنْهُ تُکْشَفُ الكُرُوبُ

أَوْ دَاعِياً لِدَيْنِهِ تُقْضَى لَهُ *** دُيُونُهُ وَيُجْلا عَنْهُ غَمُّهُ

وَرَحْمَةُ الباري بِهِمْ تَحُفُّهُمْ *** وَتَنْزِلُ الأَمْلاكُ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ

هُناكَ قَالَ المُرْتَضَى إِمَامُنا *** فُزْنا وفازَتْ شِيعَةٌ تَودُّنا

فُزْنا وَرَبِّ المَسْجِدِ الحَرَامِ *** وَزَمْزَمٍ وَالرُّكْنِ والمَقَامِ

لكِنَّنِي فِي غايَةِ التَّعَجُبِ *** مِنْ أَهْلِ بَيْتِ المُصْطَفَى المُنتَجَبِ

يَسْتَأْذِنُ الأَمِينُ جِبْرَئِيلُ *** عَلَيْهِمُ وَيَهْجُمُ الضَّلِيلُ

وَقَدْ رَوَى سَلِيمُ عَنْ سَلْمَانِ *** قَدْ دَخَلُوا الدَّارَ بِلاَ اسْتِئْذانِ(2)

ص: 513


1- عاهة: آفة.
2- والأبيات التي تليه ورد في كتاب «سليم بن قيس» ص 39 - 40 ط/ قسم الدراسات الإسلامية - قم - البعثة طهران. «قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي واللّه وما عليها خمار فنادت يا أبتاه يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر... وقد كان قنفذ «لعنه اللّه» حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط - حين حالت بينه وبين زوجها - وأرسل إليه عمر: إن حالت بينك وبينه فاطمة علیها السلام فاضربها. فالجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً ...».

وَأَسْقَطُوا بِنْتَ النَّبِي المُخْتَارِ *** جَنِينَها بِالبَابِ وَالجِدَارِ

وَأَثْبَتُوا فِي صَدْرِها مِسْمارا *** وَأَخْرَجُوا مُلَبَّباً کَرَّارا

هذَا وَبِنْتُ المُصْطَفَى المَرْضِيَّهْ *** قَدْ وَقَعَتْ لَحِينِها مَغْشِيَّهْ

وَقَدْ أَفاقَتْ فاطِمُ البَتُولُ *** وَانْتَدَبَتْ بِفِضَّةٍ تَقُولُ

يا فِضَّةٌ قُومِي لَكِ خُذِينِي *** قَدْ أَسْقَطُوا يا فِضَّةٌ جَنِينِي

فَهاكُمُ يا آلَ بَيْتِ الهَادِي *** ماقالَهُ الجانِي مِنَ الإِرْشَادِ

مَنِ اسْمُهُ مُعاكِسٌ لِفِعْلِهِ *** مَنْ لَمْ يَزَلْ مُشْتَمِلاً بِجَهْلِهِ

والحَمْدُ لِلَّهِ العَلِيِّ المُقْتَدِرِ *** وَفَّقَنِي لِنَظْمِ هذَا الخَبَرِ

لِكَيْ بِهِ فِي مَحْشَرِي أَفُوزُ *** وَالأَجْرَ مِنْ رَبِّ السَّما أَحُوزُ

وَلْنَجْعَلِ الصَّلاةَ فِي كَمَالِهِ *** عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى وَآلِهِ

مِنْ بَعْدِها نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ العَلِي *** لِلنَّفْسِ وَالإِخْوَانِ ثُمَّ مَنْ يَلِي

وَمُحْسِنٌ طَالِبُ مِنْ مَوْلاَهُ *** الْخَيْرَ فِي الدُّنْيا وَفِي أُخْراهُ

وَكَاتِبُ الأَحْرُفِ يَرْجُو رَبَّهُ *** يَغْفِرُ فِي يَوْمِ الحِسَابِ ذَنْبَهُ(1)

ص: 514


1- دیوان شعلات الأحزان ص7.

(21) روضة الصدق

(بحر الرجز)

الدكتور محمد إقبال(*)(1)

نَغَمَاتُ المَرْءِ عَزْفُ المَرْأَةِ *** هُوَ مِنْ مِحْنَتِها فِي عِزَّةِ

عَشِقَ الحَقَّ، رَبَّاهُ حِجْرُها *** ذَلِكَ اللَّحْنُ حَوَاهُ صَدْرُها

الَّذِي قَدْ بَهَرَ الكَوْنَ سَنَاهْ *** قَرَنَ الطِّيبَ إِلَيْهَا وَالصَّلاَهْ(2)

جَهِلَ القُرآنَ جَهْلاً مُسْلِمُ *** قَدْ رَآها أُمَّةً لا تَعْظُمُ

كُشِفَتْ بِالأُمِّ أَسْرَارُ الحَيَاهْ *** بِخِلاَلِ الأُمِّ تِسْيَارُ الحَيَاهْ

أَيُّها العَاقِلُ مَالُ الأُمَّةِ *** لَيْسَ مِنْ عِقيانِها وَالفِضَّةِ(3)

إِنَّهُ أَوْلاَدُها مِلْءُ الأَمَلْ *** فِي ذَكَاءٍ وَنَشَاطٍ وَعَمَلْ

تَحْفَظُ الأُمُّ إِخاءَ الأُمَّةِ *** وَقُوَىٰ قُرْآنِنَا وَالمِلَّةِ

أُمُّ عِيسَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ *** بِثَلاَثٍ تَزْدَهِي فَاطِمَةٌ(4)

قُرَّةُ العَيْنِ لِخَيْرِ الأَوَّلِينْ *** خاتَمِ الرُّسْلِ، وَخَيْرِ الآخِرِينْ

نَافِخُ الرُّوحِ بِدُنْيا الوَهَنِ *** خَالِقُ العَصْرِ جَدِيدِ السُّنَنِ

وَهْيَ زَوْجُ المُرْتَضَى ذَا البَطَلِ *** أَسَدُ اللَّهِ، الحَكِيمِ، الفَيْصَلِ

مَلِكٌ فِي الكوخِ، زُهْداً قَدْ أَقَامْ *** كُلَّ ما يَمْلِكُ وِرْعٌ وَحُسَامْ

ص: 515


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في هذا الجزء.
2- بهره: غلبه بنوره. سناه: ضوؤه ونوره.
3- عقيانِها: العِقْيان هو الذهب الخالص.
4- تزدهي: تتكبّر و تفتخر.

وَ هْيَ أُمُّ السَّيِّدَيْنِ الأَكْرَمَيْنْ *** حَسَنٍ، خَيْرِ حَلِيمٍ وَحُسَيْنْ

ذَا سِرَاجٌ فِي ظَلاَمِ الحَرَمِ *** حَافِظٌ وَحْدَةَ خَيْرِ الأُمَمِ

ازْدَرَى المُلْكَ ابْتِغَاءَ الأُلْفَةِ *** أَطْفَأَ النِّيرانَ بَيْنَ الإِخْوَةِ

ذَاكَ فِي الأَبْرَارِ رَبُّ العَلَمِ *** أُسْوَةُ الأَحْرَارِ فِي الخَطْبِ العَمِي

سِيرةُ الأَوْلاَدِ صُنْعُ الأُمَّهاتْ *** وَخِلاَلُ الخَيْرِ طَبْعُ الأُمَّهاتْ

زَهْرَةٌ فِي رَوْضَةِ الصِّدقِ البَتُولْ *** أُسْوَةُ النِّسْوَةِ فِي الحَقِّ البَتُولْ

فَاقَةُ السَّائِلِ أَذْرَتْ دَمْعَها *** لِيَهُودِيِّ أَبَاعَتْ دِرْعَها

كُلُّ مَنْ فِي الأَرْضِ قَدْ طَاعَ لَهَا *** وَرِضَاهَا حِينَ تُرْضِي بَعْلَها

نُشِئتْ ما بَيْنَ صَبْرٍ وَرِضَى *** فِي الفَمِ القُرْآنُ، وَالكَفِّ الرَّحَى

دَمْعُهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ جَرَى *** فِي مُصَلاّها يَفُوقُ الجَوْهَرَا

لَقَطَ الرُّوحُ الأَمِينُ الدُّرَرا *** وَعَلَى العَرْشِ المُعَلَّى نَثَرا

أنَّا لَوْلاَ الشَّرْعُ عَنْ هذا نَهَى *** وَإِلَى شَرْعِ الرَّسُولِ المُنْتَهَى(1)

ص: 516


1- في «معاني الأخبار» ص 267 ح 1: «عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة. لأن قبر فاطمة علیها السلام بين قبره ومنبره، وقبرها روضة من رياض الجنة وإليه ترعة من ترع الجنة». وفي كتاب «إحقاق الحق» ج 10 ص 476. «.. قيل: إن قبر فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم بالمسجد المنسوب إليها بالبقيع وهو المعروف ببيت الأحزان ويجب أن يأتيه ويصلي فيه، وقيل: إن قبرها في بيتها وهو مكان المحراب ...». وفي كتاب «من لا يحضره الفقيه ج 2 ص572: «...اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة علیها السلام فمنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر وأن النبي صلی اللّه علیه السلام إنما قال: بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة لأن قبرها بين القبر والمنبر. ومنهم من روى: أنها دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد، وهذا هو الصحيح عندي». انظر: «بحار الأنوار» ج100 ص196 ح13. وفي «التهذيب» ج6 ص9 ح10: «ذكر الشيخ في «الرسالة»: إنك تأتي الروضة فتزور فاطمة علیها السلام لأنها مقبورة هناك وقد اختلف أصحابنا في موضع قبرها فقال بعضهم: إنها دفنت في البقيع، وقال بعضهم: إنها دفنت بالروضة، وقال بعضهم: إنّها دفنت في بيتها فلما زاد بنو أمية في المسجد صارت من جملة المسجد وهاتان الروايتان كالمتقاربتين. والأفضل عندي أن يزور الإنسان الموضعين جميعاً وإنه لا يضرّه ذلك ويحوز به أجراً عظيماً وأما من قال: إنها دفنت في البقيع فبعيد من الصواب». انظر: «بحار الأنوار» ج100 ص192 ح4.

طُفْتُ حَوْلَ القَبْرِ إِجْلالاً لَهَا *** نَاشِراً مِنْ سَجَدَاتِي حَوْلَها

فِيكِ تَسْمُو لِلْمَعَالِي فِطْرَةُ *** فَاتَّبِعِي الزَّهْرَاءَ نِعْمَ الأُسْوَةُ

عَلَّ غُصْناً مِنْكِ يَأْتِي بِحُسَيْنْ *** فَتَرَى النُّضْرَةَ رَوْضَاتٌ ذَوَيْنْ(1)

ص: 517


1- كتاب (نداء إقبال) ص 109.

(22) أم الأئمة علیها السلام

(بحر الرجز)

الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي(*)(1)

ص: 518


1- (*) هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين المعروف بالحر العاملي، وينتهي نسبه إلى شهيد كربلاء الحر بن يزيد الرياحي «رضوان اللّه عليه». وآل الحر من الأسر العلمية العريقة والأصيلة التي استوطنت في جبل عامل وإيران وغيرهما من البلاد وقد اشتهرت ب«آل الحر» وأنجبت هذه الأسرة الكريمة عدداً كبيراً من رجالات العلم والأدب، وكتب التراث والتراجم تزخر بذكرهم، وعميد هذه الأسرة العلمية هو المترجَم له صاحب التأليفات القيّمة والآثار الحميدة، وهو شيخ الفقهاء والمحدّثين والشهير بالحر العاملي. ولد في قرية مشغرة إحدى قرى جبل عامل ليلة الجمعة الثامن من شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين بعد الألف من الهجرة النبوية وبها نشأ نشأته الأولى، وفيها قضى أيام صباه وشبابه، فكان يحضر على والده المقدس مقتبساً ومتتلمذاً في أخذ العلوم والمعارف فقرأ عليه جملة من كتب العربية والفقه وأيضاً درس عند عمه الشيخ محمد بن علي وكان في قرية جبع ودرس عند الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني جملة من كتب العربية والرياضة والفقه والحديث وغيرها، وأخذ أيضاً من عدد كبير من أساطين العلم وكبار المدرسين في عصره فارتوى من مناهلهم الروية، وروى عن شيوخ الرواية والحديث في وقته. فالمترجَم له: كان يدير حلقة كبيرة للتدريس عامرة بالطلبة المخلصين المجدين في العلم فاغترفوا من نميره ما وسعته أفكارهم وقدراتهم، فكان في مشهد الرضا علیه السلام من أكبر المدرسين في يومه ودرسه غاصاً بالعلماء. و مع انشغاله بالتدريس وتربية العلماء، فقد أثرى المكتبة الإسلامية بكتب كثيرة يكفيك أن أحدها (وسائل الشيعة) الذي أصبح بعد تأليفه إلى الآن مورد استنباط الأحكام عند فقهاء أهل البيت علیه السلام. ولنذكر كتبه كما ذكرها هو «رحمه اللّه» في كتاب أمل الآمل: 1- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، وهو من أشهر كتبه. 2- من لا يحضره الإمام، وهو فهرس تفصيلي لكتاب وسائل الشيعة. 3- هداية الأمة إلى أحكام الأئمة علیهم السلام. 4- الفوائد الطوسية. 5- إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. 6- أمل الآمل في علماء جبل عامل. 7- الفصول المهمة في أصول الأئمة علیهم السلام. 8- العربية العلوية واللغة المروية. 9- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة. 10- رسالة الاثني عشرية في الرد على الصوفية. 11- رسالة في خلق الكافر وما يناسبه. 12- كشف التعمية في حكم التسمية. 13- رسالة الجمعة. 14- رسالة نزهة الأسماع في حكم الإجماع. 15- رسالة توافر القرآن. 16- رسالة الرجال. 17- رسالة أحوال الصحابة. 18- تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان. 19- رسالة بداية الهداية في الواجبات والمحرمات. 20- الجواهر السنية في الأحاديث القدسية. 21- الصحيفة السجادية الثانية . 22- ديوان شعر يقارب عشرين ألف بيت أكثره في النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم و أهل بيته الأطهار علیهم السلام. 23- إجازات كثيرة لتلامذته. 24- تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة. وهناك عدد كبير من المؤلفات لا يسعنا ذكرها. فشيخنا الحر العاملي على علميته وفقاهته العالية كان مقتدراً ومتمكناً من قرض الشعر، فطرق أبوابه من المدح والرثاء والهجاء والغزل والوصف والوعظ والتخميس وغيرها فقد انطلق شاعراً مبرزاً يجول في ميادين الشعر المختلفة فتجمع لديه ما يقارب عشرين ألف بيت وأكثرها في مدح ورثاء النبي وأهل البيت علیهم السلام ويتميز بطول النفس في النظم. الشيخ (قده) زار المراقد المقدّسة في العراق مرتين وسافر إلى إيران لزيارة مرقد الإمام الرضا علیه السلام بخراسان سنة (1073م) كما صرح هو بذلك وطابت له مجاورة الإمام الرضا علیه السلام فحط رحله هناك فكانت خراسان مأنس نفسه ومجلس درسه فأقام حوزة علمية قوية في مشهد الإمام الثامن فاجتمع حوله طلاب العلم وكان مصداقاً لقوله «تعالى»: (واجعلني مباركاً أينما كنت) فكان مباركاً وسافر إلى مدينة أصفهان والتقى فيها بالعلامة المجلسي وأجاز أحدهما الآخر. وأيضاً سافر إلى شيراز والتقى بالعلماء وحج بيت اللّه أربع مرات والحجة الثالثة ذهب ماشياً من وقت الإحرام إلى أن فرغ وكان معه جماعة مشاة نحو سبعين رجلاً ونقل المحدِّث القمي أنه وجد بخط الحر العاملي رؤيا في سبب هذه الحجة. وافاه الأجل المحتوم في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة (1104 ه) وصلى عليه أخوه العلامة الشيخ أحمد صاحب الدر المسلوك واقتدى به الألوف من الناس ودفن في إيوان حجرة من حجرات الصحن الرضوي الشريف الملاصق لمدرسة ميرزا جعفر وهو اليوم مشهور يقصده المؤمنون بقراءة القرآن والفاتحة.

ص: 519

وَوُلِدَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْراءُ *** البَضْعَةُ الزَّكِيَّةُ الحَوْرَاءُ

بِمَكَّةَ الغَرّاءِ يَوْمَ الجُمُعَهْ *** فِي مُلْكِ يَزْدَجَردَ مُبْدِي السُّمْعَهْ

وَذَاكَ قَبْلَ رَجَبٍ بِعَشْرِ *** وَقِيلَ قَبْلَهُ بِنِصْفِ شَهْرِ

لِخَمْسَةٍ مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ *** المُصْطَفَى المُكَرَّمِ الزَّكِيِّ

وَقَدْ رَوَوْا مُخَالِفُونَا قَبْلَهُ *** بِخَمْسَةٍ وَمَنْ رَوَاهُ أَبْلَهُ(1)

وَعِنْدَ هذَا عُمْرُهُ عِشْرُونا *** ثُمَّ ثَمَانِي كَمُلَتْ سِنِينا

وَفِيهِما عَشْرُ سِنِينَ خَلْفُ *** وَالخَبَرُ الأَخِيرُ فِيهِ ضَعْفُ(2)

جَاءَتْ كَمَرْيَمٍ وَمَنْ لِمَرْيَمَا *** بِمَا حَوَتْ مِنْ مُنْتَمٍ وَمُنْتَمَى

بِنْتُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى المُخْتارِ *** أُمُّ الهُدَاةِ السَّادَةِ الأَبْرَارِ

ص: 520


1- أبله: ضعيف العقل عاجز الرأي.
2- والأبيات التي قبله إشارة من الشاعر إلى الروايات المختلفة والمتناقضة التي سجلها بعض المؤرخين لغاية «في نفس يعقوب» لتؤرخ ولادتها المباركة. في الاستيعاب، ج4 ص373 قال: ولدت فاطمة علیها السلام سنة إحدى و أربعين من مولد رسول اللّه صلي الله علیه و آله و سلم... و زعم محمد بن إسحاق انها ولدت قبل أن يوحى إلى النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم. و في رواية أن فاطمة علیها السلام كانت أصغر بنات النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم سناً ولدت وقريش تبني الكعبة وكانت فيما قبل تكنى أم أسماء... و لعل الصحيح أن ولادتها كانت في يوم الجمعة في العشرين من شهر جمادى الثاني السنة الخامسة بعد البعثة. ذكرها المجلسي في البحار، ج43 ص8. انظر المناقب أيضاً ج3 ص357 و إحقاق الحق ج1 ص11.

زَاهِدَةٌ عَابِدَةٌ عَلِيمَهْ *** تَقِيَّةٌ نَقِيَّةٌ كَرِيمَهْ(1)

أَمَّا المَدَايِحُ الَّتِي جَاءَتْ لَهَا *** وَقَدْ أَبَانَتْ فَضْلَها وَنُبْلَها

فَهْيَ كَثِيرَةٌ فَلَيْسَتْ تُحْصَى *** وَلَوْ بَذَلْتَ الجُهْدَ أَوْ تُسْتَقْصَى

مِنَ الإِلهِ وَالنَّبِيِّ وَعَلِي *** وَوُلْدِهِ فِي فَضْلِ بِنْتِ المُرْسَلِ

مَعْصُومَةٌ نَأَتْ عَنِ الذُّنُوبِ *** بَرِيَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ العُيُوبِ(2)

مِنْ أَهْلِ بَيْتِ المُصْطَفَى بِالنَّصِّ *** قَدْ برُعَتْ بِفَضْلِهَا المُخْتَصِّ

وَشَارَكَتْ يَوْمَ الكِسَاءِ وَالعَبا *** فِي المَجْدِ بَعْلاً وَبَنِينَ وَأَبا

وَهْيَ لَعَمْرِي أَمْجَدُ الأَنامِ *** وَأَشْرَفُ الأَماجِدِ الكِرَامِ

مَنْ كَأَبِيهَا بَيْنَ آباءِ الوَرَى *** وَمِثْلُ مَجْدِ بَعْلِها لَيْسَ يُرى(3)؟

ص: 521


1- في المناقب ج 3 ص 341: «ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة علیها السلام كانت تقوم حتى تتورم قدماها...». انظر بحار الأنوار ج 43 ص 84 ح 7. وروى المحب البغدادي في تاريخه/ ج 12 ص 331 بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: «ابنتي فاطمة علیها السلام حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث وإنما سمِّاها فاطمة علیها السلام لأن اللّه فطمها ومحبيها عن النار».. وذكره ابن حجر في صواعقه ص 96. وفي ذخائر العقبى، ص 44 ذكر حديثاً عن أسماء في ولادة فاطمة علیها السلام بالحسن علیه السلام قالت أسماء: فقلت يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم إني لم أر لها دماً في حيض ولا في نفاس، فقال صلی اللّه علیه و آله وسلم: «أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهَّرة لا يُرى لها دم في طمث ولا ولادة؟».
2- في «ذخائر العقبى» ص 21، مؤسسة الوفاء - بيروت - (1981م). «.. نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: (إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). في بيت أم سلمة فدعا النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم وفاطمة وحسناً وحسيناً علیهم السلام فجللهم بكساء وعليّ علیه السلام خلف ظهره ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». وفي صحيح مسلم/كتاب فضائل الصحابة/ باب فضائل أهل البيت علیهم السلام بسنده عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة؛ خرج رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء الحسين علیه السلام فدخل معه ثم جاءت فاطمة فادخلها ثم جاء علي علیه السلام فادخله ثم قال: «(إنما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً )» ويوجد في المستدرك للحاكم. ج 3 ص 147، وفي سنن البيهقي، ج 2 ص 149. وفي الدر المنثور للسيوطي في تفسير الآية: 33 من سورة الأحزاب.
3- جاء في «البرهان في تفسير القرآن» ج 4 ص 211 ح 6 (والأبيات التي تلته) قال صلی اللّه علیه و ساله وسلم: لها «يا فاطمة علیها السلام توكّلي على اللّه واصبري كما آباؤك من الأنبياء وأُمهاتك من أزواجهم، ألا أُبشرك يا فاطمة علیها السلام قالت: بلى يا نبي اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم - أو قالت يا أبة - قال: أما علمت أن اللّه اختار أباك فجعله نبيّاً وبعثه إلى كافة الخلق رسولا. ثم اختار علياً فأمرني فزوَّجتك إيّاه، واتخذته بأمر ربي وزيراً،ووصياً يا فاطمة علیها السلام إنّ عليّاً علیه السلام أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقاً وأقدمهم سلماً وأعلمهم علماً وأحلمهم حلماً وأثبتهم في الميزان قدراً فاستبشرت فاطمة علیها السلام فأقبل عليها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم فقال: هل سررتك يا فاطمة علیها السلام. قالت: نعم يا أبة. قال: أفلا أزيدك في بعلك وابن عمك من مزيد الخير وفواضله؟ قالت: بلى يا نبي اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم. قال: إن علياً علیه السلام أول من آمن باللّه «عز وجل» ورسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم من هذه الأمة هو وخديجة سلام اللّه علیها أمّك وأول من وازرني على ما جئت، يا فاطمة علیها السلام إن علياً علیه السلام أخي وصفیّي وأبو ولدي إن علياً أُعطي خصالاً من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده فأحسني عزاك واعلمي أن أباك لاحق باللّه «عز وجل» ...». أنظر «بحار الأنوار» ج 22 ص 502 ح 48.

وَوُلْدُها ناهِيكَ مِنْ أَوْلادِ *** أَزْكَى العِبادِ أَشْرَفُ العُبّادِ

لَوْ فَاخَرَتْ لَمْ تَرَ مِنْ مُفَاخِرِ *** يَقْدِرُ أَنْ يَفُوهَ بِالمَفَاخِرِ

مَنْ ذا الَّذِي يُفَاخِرُ البَتُولا *** وَمَنْ حَوَى كَمَا حَوَتْ تَفْضِيلا

يُؤْذِي النَّبِيَّ كُلُّ ما يُؤذِيها *** نَصٌّ جَلِيلٌ فَدَع التَّمْوِيها(1)

طَلَّقَتِ الدُّنْيا كَفِعْلِ بَعْلِها *** وَاشْتَغَلَتْ عَنْهَا بِحُسْنِ فِعْلِها

لاَ تَعْرِفُ اللَّذَّاتِ وَالتَّنَعُّما *** وَالحُلَي وَاللِّبسَ عُلاً وَكَرَما

وَقَوْلُهَا دُونَ النِّساءِ حُجَّهْ *** يُوضِحُ لِلْمُسْتَرْشِدِ المَحَجَّهْ(2)

ص: 522


1- التمويه: التزوير والزخرفة وتبليغ ما هو خلاف. وجاء في صحيح البخاري كتاب النكاح، باب ذبّ الرجل عن ابنته، عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: «انما هی فاطمة علیها السلام یرینی ما رابها ويؤذيني ما آذاها». ورواه أبو داود في صحيحه ج 12 فی باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء... ورواه أحمد في مسنده ج 4 ص 328 ورواه أبو نعيم في حليته ج 2 ص 40. وفي صحيح مسلم/ كتاب فضائل الصحابة/ باب فضائل فاطمة علیها السلام روی بسنده عن المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: «إنما فاطمة علیها السلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها...» وذكره الفخر الرازي في تفسير آية المودة في سورة الشورى وقال: «يؤذيني ما يؤذيها» وذكره في سورة المعارج في تفسير قوله «تعالى»: (وفصيلته التي تؤويه) ولفظه: «فاطمة علیها السلام بضعة مني».
2- في ذخائر العقبي، ص 44: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله العلي علیه السلام: «أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة... الخ الحديث». وعن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلاّ أن يكون الذي ولدها... يوجد في حلية الأولياء ج 2 ص 42.. والاستيعاب ج 2 ص 751.

أَنْصَحُ أَهْلِ دَهْرِهَا وَأَبْلَغُ *** وَنِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهَا أَسْبَغُ

ما مِنْ عُلاً وَشَرفٍ إلاَّ لَها *** قَدْ أُعْطِيَتْ كَمَا لَهَا كَمَالَها

مَظْلُومةٌ صَابِرَةٌ مُحْتَسِبَهْ *** إِلَى الكَمَالِ وَالعُلَا مُنْتَسِبَهْ(1)

قَدْ صَبَرَتْ طَوْعاً عَلَى أَذَاها *** وَاسْتَبْشَرَتْ بِالمَوْتِ إِذْ أَتاها

وَمِثْلُها مِنَ المَماتِ يَجْزَعُ *** إِذْ هِيَ فِي سِنِّ الشَّبابِ تَرْتَعُ(2)

جاءَ إِلَى خَدِيجَةٍ إِذْ وَلَدَتْ *** أَرْبَعَةٌ مِنَ النِّساءِ قَدْ بَدَتْ(3)

ص: 523


1- ورد في «كشف الغمة» ج 2 ص 79 ط/ دار الكتاب الإسلامي - بيروت. عن عائشة: أن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم دعا فاطمة علیها السلام في شكواه الذي قبض فيه فسارها بشيء فبكت ثم دعاها فسارّها فضحكت، فسألت عن ذلك فقالت: أخبرني النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم أنه مقبوض فبكيت ثم أخبرني أني أول أهله لحوقاً به فضحكت... انظر «ذخائر العقبى» ص 41 «وسنن الترمذي» ج 5 ص 700 ح 2 387 وأيضاً ح 3873. ومما يدل على كمالها وعلو مكانتها وشرف انتسابها ما نزل في حقها في القرآن الكريم... عن عمار بن ياسر في قوله «تعالى»: (فاستجاب لهم ربهم أن لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) قال: فالذكر علي والأنثى فاطمة علیها السلام وقت الهجرة.. انظر المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 102. وفي تفسير القمي، ص 704 في سورة المدثر آية 35 و 36 (إنها لأحدى الكبر نذيراً للبشر) عن أبي جعفر علیه السلام قال: يعني فاطمة علیها السلام.
2- ترتع: تقيم وتتنعم وتأكل وتشرب ما تشاء في خصب وسعة ورغدٍ.
3- في أمالي الصدوق ص 486 ضمن ح 1 ط/ 5 مؤسسة الأعلمي - بيروت: «... فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين منّي ما تلي النساء في النساء فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوَّجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً فاغتمت خديجة سلام اللّه علیها لذلك. فبينا هي کذلک إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة سلام اللّه علیها فإنّا رسل ربك إليك ونحن إخواتك أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا اللّه إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها وأخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة علیهاالسلام طاهرة مطهَّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق من شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طشت من الجنة وإبريق من الجنة وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين أشدّ بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية. انظر «دلائل الإمامة» ص 908 ط/ الثالثة المنشورات الرضى - قم و «بحار الأنوار» ج 43 ص 302 ح1 و مثله المناقب ج3 ص340 وذخائر العقبي ص44.

فِيهِنَّ مَرْيَمُ البَتُولُ العَذْرا *** إِذِ النِّساءُ قَدْ أَرَتْها هَجْرا

قُلْنَ لَها اخْتَرْتِ اليَتِيمَ المُعْدَمَا *** قَالَتْ بَلِ المُعَظَّمَ المُكَرَّما

تَقَبَّلَتْها مَرْيَمٌ لَمَّا أَتَتْ *** نَاهِيكَ مِنْ فَضِيلَةٍ قَدْ ثَبَتَتْ

وَجَاءَها مِنْ بَعْدِها اثْنَتَا عَشَرْ *** حَوْرَاءَ قَدْ فِقْنَ مَحَاسِنَ البَشَرْ

غَسَلْنَ فَاطِمَاً بِمَاءِ الجَنَّهْ *** فَكَانَ مِمَّا تَتَّقِيهِ جُنَّهْ

أَلْقابُها البَتُولُ وَالزَّهْرَاءُ *** وَالطُّهْرُ وَالصِّدِّيقَةُ الحَوْرَاءُ(1)

سَيِّدَةُ النِّساءِ وَالمُبارَكَهْ *** لَيْسَتْ بِفَضْلِ مَجْدِها مُشَارَكَهْ

وَبَضْعَةٌ طاهِرَةٌ زَكِيَّهْ *** رَضِيَّةٌ زَاكِيةٌ مَرْضِيَّهْ

عَدِيلَةٌ لِمَرْيَمٍ مُحَدَّثَهْ *** لِكُلِّ مَجْدٍ وَعَلًى مُورّثَهْ

ص: 524


1- «في معاني الأخبار» ص 64 ح 15: «... سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن فاطمة علیها السلام لم سمَّيت زهراء؟ فقال: لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض.» انظر: «علل الشرائع» ج 1 ص 215 ح 3. «بحار الأنوار» ج 43 ص 12 ح 6. «دلائل الإمامة» ص 54. وفي نوادر المعجزات قال أبو عبد اللّه علیه السلام لفاطمة علیها السلام: تسعة أسماء: فاطمة - المباركة - الطاهرة - الزكيّة - المرضيّة - المحدّثة - الزهراء - البتول. توجد في المناقب لابن شهر آشوب، ج 3 ص 133.. يقول: واسماؤها العذراء - الزهراء - الحوراء - المباركة - الطاهرة - الزكيّة - الراضيّة - المرضيّة - المحدّثة - مريم الكبرى - الصدّيقة الكبرى - ويقال لها في السماء النوريّة - السماوية - الحانية.

وَقَدْ رَوَتْ كُنْيَتُها أُمُّ أَيْمَنا *** أُمُّ الأَئِمَّةِ الهُدَاةِ الأُمَنا

أُمُّ الحُسَيْنِ المُجْتَبَى أُمُّ الحَسَنْ *** فَاسْمَعْ إِلَى جَمْعٍ وَتَعْدَادٍ حَسَنْ

خَصَّ بِهَا مِنْ دُونِ غَيْرِهِ عَلَى *** نَقْدٍ غَدالَهُ بِها فَخْرٌ عَلاَ

وَفَخْرُها بِهِ لَعَمْرِيْ أَعْظَمُ *** وَمَا عَسَى فِي مِثْلِ هذَا يُنْظَمُ

خَطَبَهَا أَكَابِرُ الصَّحَابَهْ *** كُلُّ دَعا السَّعْدَ فَمَا أَجَابَهْ

وَكَمْ لَقَدْ عُودِيَ فِيهَا وَحُسِدْ *** مِمّنْ أَرَادَها سِوَاهُ وَاضْطُهِدْ

نَسَبُها أَعْرَفُ مِنْ أَنْ يُذْكَرا *** فَقَدْ غَدا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَشْهَرا

وكانَ عُمْرُها مِنَ الأَعْوَامِ *** ثَمَانِ عَشْرٍ وَمِنَ الأَيَّامِ

خَمْسَةَ عَشْرٍ فِي حَدِيثٍ صَدَقَهْ *** وَقَوْلِ مَنْ تَبِعَهُ وَصَدَّقَهْ

وَقِيلَ بَلْ تَزِيدُ أَيْضاً عَشْراً *** مِنَ السِّنِينَ قِيلَ بَلْ وَأُخْرَى

ثَمَانِ أَعْوَامٍ قُبَيْلَ الهِجْرَهْ *** وَبَعْدَ ذَاكَ مَعْ أَبِيهَا عَشْرَهْ

وَبَعْدَهُ مُخْتَلَفٌ كَمْ يَوْمَا *** عَاشَتْ فَدَعْ عَنْكَ المَرا وَاللَّوْما

خَمْسٌ وَسَبْعُونَ وَأَرْبَعُونا *** خَمْسٌ وَتِسْعُونَ أَوِ التَّسْعُونا

أَوْ نِصْفُ حَوْلٍ فَاعْتَبِرْ أَقْوَالَهُمْ *** وَانْظُرْ وَحَقِّقْ أَيُّهَا أَقْوَى لَهُمْ

وَانْظُرْ إِلَى مِيلاَدِهِمْ ثُمَّ احْسِبِ *** ثُمَّ اجْبُرِ النَّفْسَ وَتَمِّمْ تُصِبِ

وَلِيُّها اللَّهُ الَّذِي زَوَّجَهَا *** بِالمُرْتَضَى وَبِالتُّقَى تَوَّجَها

فَيَا لَهَا مِنْ شَاهِدٍ بِفَضْلِهَا *** وَفَضْلِ خَيْرِ الأَوْصِياءِ بَعْلِها

لَمْ يَتَوَلَّ اللَّهُ تَزْوِيجَ أَحَدْ *** مِنْ خَلْقِهِ إِلاَّ ثَلاَثَةً فَقَدْ

تَزْوِيجَ آدَمٍ بِحَوَّا أَمَتِهْ *** وزَيْنَبٍ مِنَ النَّبِيِّ خِيرَتِهْ

وَفَاطِمَ الزَّهْراءِ بِالإِمامِ *** خَيْرِ الأَنامِ كَاسِرِ الأَصْنَامِ

أَوْلاَدُها الخَمْسُ الحُسَيْنُ وَالحَسَنْ *** وَزَيْنَبٌ مِنْ أُمِّ كُلْثُومٍ أَسَنْ

وَأَسْقَطَتْ بِمُحْسِنِ يَوْمَ عُمَرْ *** وَفَتْحِهِ البَابَ كَما قَدِ اشْتَهَرْ

وَنالَها بَعْدَ النَّبِيِّ إِذْ مَضَى *** وَانْقادَ طَوْعاً رَاضِياً عَنِ القَضا

ص: 525

لِذاكَ ما يُوجِعُ كُلَّ قَلْبِ *** وَيُسْتَهانُ مِنْهُ كُلُّ خَطْبٍ

حُزْنٌ وَذُلٌّ وَاضْطِهادُ ظَالِمِ *** وَوَحْشَةٌ لاحَتْ عَلَى المَعَالِمِ

إِذْ مَنَعَتْ مِمَّا أَبُوها قَدْ تَرَكْ *** وَزَادَها غَصْبُ العَوَالِي وَفَدَكْ

وَقِيلَ إِنَّ ابْنَ أَبِي قُحَافَهْ *** لَمَّا أَتَتْهُ تَرْتَجِي إِنْصَافَهْ

ثُمَّ أَقَامَتِ الشُّهُودَ كَتَبا *** لَهَاكِتاباً شَافِياً وَمَا أَبَى

ثُمَّ رَآها فِي طَرِيقِها عُمَرْ *** فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنْها وَبَقَرْ(1)

قَالَتْ بَقَرْتَها الإِلهُ يَبْقَرُ *** بَطْنَكَ فَاستَهْونَ ذَاكَ عُمَرُ

فَانْظُرْ إِلَى دُعائِهَا المُجَابِ *** ما دُونَهُ لِلَّهِ مِنْ حِجَابِ

وَفَاتَهَا فِي صُحْبَةِ الاثْنَيْنِ *** ثَالِثُ شَهْرٍ جَاءَها بِالبَيْنِ

وَهُوَ جُمادى الثانِ مِنْ بَعْدِعَشَرْ *** سِنِينَ مِنْ هِجْرَةِ سَيِّدِ البَشَرْ

سَبَبُهُ قِيلَ حُضُورُ الأَجَلِ *** وَقِيلَ مِنْ ضَرْبَةِ ذَاكَ الرَّجُلِ

إِذْ سَقَّطَتْ لِوَقْتِها جَنِينَها *** وَلَمْ تَزَلْ تُبْدِي لَهُ أَنِينَها

وَقِيلَ فِي حَادِي وَعَشْرِ رَجَبِ *** تُوُفِّيَتْ نَجِيبَةُ المُنْتَجَبِ

وَدَفْنُها لَيْلاً لَهُ أَسْبَابُ *** وَلَيْسَ فِي ثَبُوتِهِ ارْتِيابُ

مَدْفَنُها قِيلَ البَقِيعُ الأَنْوَرُ *** عِنْدَ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ اشْتُهِرُوا

وَقِيلَ فِي الرَّوْضَةِ بَيْنَ القَبْرِ *** وَالمِنْبَرِ العَالِي الشَّرِيفِ القَدْرِ

وَقِيلَ بَل فِي بَيْتِها المُشَرَّفِ *** أَوْبَيْتِ الأَحْزَانِ الشَّرِيفِ فَاعْرِفِ

وَكَوْنُها فِي بَيْتِها الصَّدُوقُ *** حَقَّقَهُ وَشَأْنُهُ التَّحْقِيقُ

وَعِنْدَما زَادَتْ بَنُو أُمَيَّهْ *** فِي الحَضْرَةِ الشَّرِيفَةِ البَهِيَّهْ

صَارَ ضَرِيحُ بَضْعَةِ البَتُولِ *** وَبَيْتُهَا فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ

وَيَنْبَغِي لِمُبْتَغِي الزِّيارَةِ *** لَها عَلَى الطَّرِيقَةِ المُخْتَارَةِ

ص: 526


1- بَقَرَ: شقَّ مزّقَ.

تَعْمِيمُ كُلِّ هذِهِ المَواضِعِ *** بِذَاكَ إِذْ كُلٌّ يَرَى كَالشَّايِعِ

وَدَفْنُها فِي بَيْتِها أَصَحُّ *** نَقْلاً وَهَلْ يُشْبِهُ لَيْلاً صُبْحُ

أَذْكُرُ مَا أَذْكُرُهُ وَمَا عَسَى *** أَقُولُ فِيهَا وَهْيَ أَشْرَفُ النِّسا

آلُ مُحَمَّدٍ أَجَلُّ الخَلْقِ *** لأَجْلِهِمْ كَانَ ابْتِدَاءُ الخَلْقِ

وَإِنَّهُمْ خُلاَصَةُ الوُجُودِ *** أَشْرَفُ ما فِي الكَوْنِ مِنْ مَوْجُودِ

شَرَفُهُمْ وَفَضْلُهُمْ لَا يُجْحَدُ *** بِهِ يَقِرُّ نَاطِقٌ وَجَلْمَدُ(1)

إِذَا اعْتَبَرْتَ لَمْ تَجِدْ فَضِيلَةْ *** إِلاَّلَهُمْ وَلَمْ تُصِبْ رَذِيلَهْ

وَانْظُرْ إِلَى أَعْدَائِهِمْ أَقَرُّوا *** بِفَضْلِهِمْ هَلْ فَوْقَ ذَاكَ فَخْرُ؟

صَلاَتُنا عَلَيْهِمُ مَفْرُوضَهْ *** تَبْطُلُ إِنْ لَمْ تُذْكَرِ الفَرِيضَهْ

فَهَلْ تَرَىٰ شَارَكَهُمْ إِلاَّ النَّبِي *** فِي ذَاكَ مَعْ عَظِيمِ مَا بِهِ حُبِي

وَفَاطِمٌ مِنْهُمْ بِغَيْرِشَكِّ *** فامْدَحْ وَبَالِغْ آمناً مِنْ إِفْكِ

فَكُلُّ ما يُقَالُ فِيهِمْ حَقٌّ *** مِنَ المَدِيحِ وَالثَّنا وَصِدْقُ

وَكُلُّ مَا قَالَ لِسَانِي فِيهِمُ *** فَدُونَ ما فِي القَلْبِ مِنْ حُبِّهِمُ

وَإِنَّنِي أَرْجُو بِهِمْ خَلاَصِي *** وَالفَوْزُ يَوْمَ الأَخْذِ بِالنَّوَاصِي

وَلَنْ يَخِيبَ فِيهِمُ رَجَاءُ *** بَلْ يُسْتَجَابُ بِهِمُ الدُّعَاءُ(2)

ص: 527


1- جلمد: صخر.
2- تراجم أعلام النساء: ج 2 ص 313.

(23) بضعة الهدى

(بحر الرّجز)

الشيخ محمد حسن سميسم(*)(1)

يا أَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ بِعَلِي *** ما فِيهِ أُنْزِلَتْ مِنَ النَّصِّ الجَلِي(2)

قُلْ يا عِبَادِي خَيْرُ بُشْرَى لَكُمُ *** اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمُ

اليَوْمَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي *** فَلاَ تَخَافُوا بَعْدَ ذَاكَ نِقْمَتِي

وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاما *** وَقَدْ جَعَلْتُ المُرْتَضَى إِماما(3)

ص: 528


1- (*) مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- أشار بهذا البيت إلى الآية الشريفة (يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل اليك من ربك فإن لم تفعل فما بلِّغت رسالته واللّه يعصمك من الناس) [سورة المائدة آية 70] وجاء في خطبة أنه صلی اللّه علیه و آله وسلم قال: فأوحى - وهو اللّه الكافي الكريم - فأوحى إليَّ: بسم اللّه الرحمن الرحيم. يا أيها الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم بلِّغ ما انزل... [الآية].. معاشر الناس، ما قصرتُ في تبليغ ما انزل اللّه «تعالى» إليَّ وانا مُبيِّنَّ لكم سبب نزول هذه الآية: ان جبرائيل هبط إليَّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن السلام ربي، وهو السلام، ان اقوم في هذا المشهد فأعْلِمْ كل ابيض واسوَد أنَّ علي بن أبي طالب علیه السلام أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي الذي محله منّي محل هارون من موسى إلاّ إنه لا نبيّ بعدي، وهو وليكم من بعد اللّه ورسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم وقد أنزل اللّه «تبارك وتعالى» عليَّ بذلك آية من كتابه:«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ». وعلي بن أبي طالب علیه السلام أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع.. إلى آخر الخطبة راجع الاحتجاج ج 1 ص 66، وراجع اسباب النزول للواحدي ص 150، والتفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير هذه الآية من سورة المائدة.
3- يشير في هذا البيت والذي يليه إلى قوله «تعالى»:«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا». المائدة. وجاء في الدر المنثور في تفسير هذه الآية عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسولّ اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم علياً یوم غدیر خم فنادى له بالولاية، هبط جبرائيل عليه بهذه الآية: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...». وقال أيضاً في تفسيرها، عن أبي هريرة قال: لما كان يوم غدير خم، إلى أن قال... قال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: «من كنت مولاه فعلیُّ مولاه، فأنزل اللّه، (اليوم اكملت لكم دينكم)». وراجع تاريخ بغداد ج8 ص290.

فَقَامَ قَائِماً نَبِيُّ الرَّحْمَةِ *** يَخْطُبُ فِي مَحْضَرِ جُلِّ الأُمَّةِ

يَقُولُ مَنْ كُنْتُ أَنَا مَوْلاَهُ *** فَالمُرْتَضَى مَوْلًى لَهُ يَرْعَاهُ

مَنْ لاَ يُوَالِيهِ فَمَا وَالاَنِي *** وَمَنْ يُعَادِيهِ فَقَدْ عَادَانِي(1)

فَجِسْمُهُ جِسْمِي وَلَحْمِي لَحْمُهُ *** وَعَظْمُهُ عَظْمِي وَمِنِّي دَمُهُ(2)

هذَا الَّذِي رَبُّ السَّما قَدْ عَيَّنَهْ *** وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَهْ(3)

ص: 529


1- يريد في هذا البيت ما جاء في خطبة الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم يوم غدير خم بشأن الامام العلي علیه السلام(من كنت مولاه فهذا عليُّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه راجع الاحتجاج ج1 ص66 والغدير ج1 ص30، والصواعق المحرقة لابن حجر ص25 وخصائص أمير المؤمنين علیه السلام للنسائي ص93 ط الحيدرية وص 21 ط التقدم بمصر وص35 ط بیروت، وراجع مناقب الخوارزمي الحنفي ص93 ط 1 ، المطبعة الحيدرية.
2- جاء في الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم قال: إنَّ علياً منّي، روحه من روحي وطينته من طينتي وهو أخي وأنا اخوه... إلى آخر الحديث. راجع امالي الصدوق، 31 ح 3، والبحار، 226/36 ح 2 والصراط المستقيم، 15/2، وراجع في هذا المضمون خصائص النسائي ص 36، والرياض النضرة ج 2 ص 202 وكنوز الحقائق للمناوي ص 37، وكنز العمال ج 3 ص 123 ومشكل الآثار للطحاوي ج 3 / 174. وفي قوله «ص» (لحمه لحمي ودمه دمي - يعني علياً) راجع تاريخ بغداد ج 2 ص 204 وذخائر العقبى ص 92، ومجمع الهيثمي ج 2 ص 111، وكنز العمال ج 6 ص 154، وكنوز الحقائق ص 161.
3- جاء في مسند أحمد بن حنبل بسنده عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم... وساق الحديث إلى أن قال: فأخذ - يعني النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم - بيد علي علیه السلام فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر فقال له: هنيئاً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. راجع المسند المذكور ج4 ص281. وفي تفسير الرازي في ذيل تفسير قوله «تعالى»: (يا أيها الرسول بلِّغ...). الآية. جاء ما معناه: حينما نزلت هذه الآية أخذ - يعني النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم - بيده - يعني علياً علیه السلام - وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. راجع المصدر المذكور. وراجع في هذا الشأن تاريخ بغداد للبغدادي ج 8 ص 290 وفيض القدير ج 6 ص217، وذخائر العقبى ص 68، وصواعق ابن حجر ص 107 الاّ انه ليس فيه «ومؤمنة». وراجع الرياض النضرة ج 2 ص 170 وفيها «مولى كل مسلم» وهناك مصادر غيرها من طرق العامة والخاصة آثرنا عدم ذكرها لكثرتها واكتفينا بهذا المقدار فإن فيه الكفاية ومبلغ المطلب.

هذَا هُوَ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ *** هذَا فَتًى يَخْدِمُهُ جِبْرِيلُ

هذَا هُوَ الزَّبُورُ وَالفُرْقانُ *** هذَا هُوَ الْأَزْمَانُ وَالأَكْوَانُ

هذَا الَّذِي آدَمُ لَمَّا أَنْ غَوَى *** بِجَاهِهِ دَعَا وَإِلاَّ لَهَوَى

وَهُوَ الَّذِي قَدْ سَيَّرَ السَّفِينا *** وَيُونُسٌ بِهِ رَأَى اليَقْطِينا(1)

وَفِيهِ نَاجَى رَبَّهُ الخَلِيلُ *** وَفِيهِ عُوفِي ذَلِكَ العَلِيلُ(2)

لَوْلاَهُ ما جَازَ بِبَحْرٍ مُوسى *** كَلاَّ وَلاَ كَالَّم مَوْتاً عِيسَى

كَلاً وَلاَ كَانَتْ نُجُومٌ تَسْرِي *** كَلاً وَلاَ كَانَتْ بِحَارٌ تَجْرِي

هذَا عَلِيٌّ عِلَّةُ الإِيجَادِ *** هذَا هُوَ الحَاكِمُ فِي المِيعادِ(3)

إِلَيْهِ فِي مَحْشَرِكُمْ مَصِيرُكُمْ *** وَقَدْ قَرَأَتُمْ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ(4)

هذَا الَّذِي شَيَّدَ رُکْنَ الدِّينِ *** بِسَيْفِهِ القَاطِعِ لِلْوَتِينِ(5)

يَقُولُ كُلُّ مَنْ إِلَيْهِ يَصِلُ *** إِنَّ أَخَاكَ مُكْرَهٌ لاَ بَطَلُ

لَهُ مَزَايا قَطُّ لا تُضاها *** لَمْ يُحْصِهَا سِوَى الَّذِي سَوَّاها(6)

ص: 530


1- اليقطينا: ما لا ساق له من النبات كالقثاء وغلب على القرع المستدير.
2- العليل : يقصد به نبي اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم أيوب علیه السلام.
3- أشار بهذا البيت إلى ما قاله الإمام في خطبته الشهيرة ب«البيان» من أنّه «قسیم الجنة والنّار» ومنه حديث الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم في نفس هذا المعنى.
4- أشار بالشطر الثاني منه إلى ولايته التي نصَّ بها القرآن الكريم: (إنما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ [سورة المائدة، آية: 60].
5- الوتين: عِرقٌ في القلب يجري منه الدم إلى العروق كلّها.
6- لاتضاهى: لاتشابه و لاتُناظر.

أَلَيْسَ بَلَّغْتُ بِما أُرْسلْتُ بِهْ *** فَاحْتَفِظُوا فَالأَمْرُ غَيْرُ مُشْتَبِهْ(1)

فَقَامَ قَوْمٌ مِنْهُمُ وَسَلَّمُوا *** عَلَيْهِ بِالأَمْرِ الَّذِي قَدْ أَلْزَمُوا

لكِنَّهُمْ سُرْعَانَ مَا قَدْ غَدَرُوا *** وَالنَّصُّ فِي غَدِيرِ خُمِّ أَنْكَرُوا

وَلِلَّذِي قَدْ بَايَعُوهُ قَهَرُوا *** وَضِلْعَ بَضْعَةِ الهُدَى قَدْ كَسَرُوا

وَغَلَّقُوا مِنْ دُونِهَا الأَبْوَابا *** وَنَبَذُوا المِيثاقَ وَالكِتَابا

يَا لَهَفَ نَفْسِي لاِبْنَةِ النَّبِيِّ *** إِذْ خَرَجَتْ تَعْدُو مَعَ الوَصِيِّ

تَقُولُ خَلُّوا وَالِدَ السِّبْطَيْنِ *** يا قَوْمُ هذَا سَيِّدُ الكَوْنَيْنِ

تَبْغُونَ فِي أَنُ تُيْتِمُوا أَوْلادِي *** أَلَيْسَ رَبُّ العَرْشِ بِالمِرْصَادِ(2)

فَقَالَ... يا غُلامُ أَرْجِعْها *** وَإِنْ أَبَتْ فَبِالعَصَا أَوْجِعْها

وَلَسْتُ أَقْوَى أَنْ أَقُولَ ما جَرَى *** وَأَنْتَ عَالِمٌ وَتَدْرِي الخَبَرا

ص: 531


1- إشارة إلى قول الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم في خطبة الغدير «ألا هل بَلّغت..».
2- تُبتِمُوا: من أيْتَم يُيْتِمُ وأيتَمَ إذا قَتَل أباهُ فصيَّره يتيماً.

(24) جَوْهَرَةُ القُدس

(بحر الرجز)

الشيخ محمد حسين الأصفهاني(*)(1)

ص: 532


1- (*) هو الشيخ محمد حسين ابن الحاج محمد حسن بن علي الغروي الأصفهاني. ولد في النجف الأشرف في اليوم الثاني من محرم الحرام سنة (1296 ه) وكان والده من مشاهير تجار الكاظمية، وذوي اليسار والإحسان والجاه العريض وموصوفاً بحب العلم والعلماء. فنشأ في أحضان الفضيلة والنعمة وتربى في ظل أسرته تحت رعاية والده الكريم ونال منه التربية الصالحة، ومنذ نعومة أظفاره تعشَّق العلم والفضيلة، وكان والده المشجع والحافز والممهد له السبيل إلى تحصيل العلم والمترجَم له كانت دراسته الأولى في الكاظمية وقد بدت عليه معالم النبوغ والذكاء المفرط، فتعلّم القراءة وشيئاً من المقدمات، ثم هاجر إلى النجف الأشرف لإكمال المراحل الدراسية هناك فتتلمذ في بادىء الأمر على العلامة الشيخ حسين التوسركاني ونظرائه من الأجلاء المدرسين حيث حضر عليهم في مرحلة السطوح، وحضر في الفقه والأصول بحث العلامة المحقق الشهير السيد محمد الفشاوكي المتوفى سنة (1316 ه)، وحضر أيضاً بحث المحقق الفقيه الشيخ آغا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه، وحضر على الحكيم الفيلسوف میرزا محمد باقر الأصطهبانائي الحكمة والكلام، وحضر بحث زعيم الحوزات الدينية، فلازمه أكثر من اثني عشر عاماً، واستقلَّ بعد وفاته بالتدريس. واستمر أكثر من ربع قرن يرتشف من معين أساتذته أبطال العلم حتى ظهر بين أقرانه متفوِّقاً عليهم في ذكائه وفطنته، فكان له المرجعية والزعامة في التدريس، وتشهد له النجف الأشرف بكفاءته العلمية، فكانت حلقة درسه ملتقى عامة أرباب الفضيلة والعلم، وتخرَّج على يده عدد كبير من العلماء والمجتهدين والمراجع المعروفين، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن له باعاً طُولى في الأدب والشعر باللغتين العربية والفارسية وقيل إن خطه من أجمل الخطوط. خلف كتباً كثيرة منها: 1- نهاية الدراية وهو حاشية على الكفاية تمتاز بالعمق العلمي والمناقشات الدقيقة. 2- رسالة الصحيح والأعم. 3- رسالتان في المشتق. 4- رسالة في الطلب والإرادة. 5- رسالة في علائم الحقيقة والمجاز. 6- رسالة في الحقيقة الشرعية. 7- رسالة في تقسيم الوضع إلى الشخصي والنوعي. 8- حاشية على المكاسب. 9- عدة رسائل في مختلف أبواب الفقه تزيد على الثلاثين. 10- ديوان شعر فارسي في مدح ورثاء أهل البيت علیهم السلام. 11- أرجوزة بالعربية وهي التي سماها (الأنوار القدسيَّة) فيها أربع وعشرون قصيدة في تاريخ النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم والأئمة الاثني عشر وأولادهم «صلوات الله عليهم أجمعين» وهناك الكثير من آثاره العلمية في الفقه والأصول والحكمة والفلسفة والأدب. وافاه الأجل المحتوم فانطفأ هذا المشعل النيّر ليلة الخامس من شهر ذي الحجة الحرام سنة (1361 ه) عن عمر يناهز الستة والستين عاماً، فكان يومه مشهوداً إذ خسر به الإسلام أحد رجالاته والعلم أحد أبطاله.

جَوْهَرَةُ الْقُدْسِ مِنَ الكَنْز الْخَفِي *** بَدَتْ فَأَبْدَتْ عالِياتِ الأَحْرُفِ

وَقَدْ تَجَلَّى مِنْ سَمَاءِ الْعَظَمَهْ *** فِي عَالَمِ الأَسْمَاءِ أَسْمَى كَلِمَهْ

بَلْ هِيَ أُمُّ الكَلِماتِ المُحْكَمَهْ *** فِي غَيْبِ ذاتِها نُكَاتٌ مُبْهَمَهْ

أُمُّ أَئِمَّةِ العُقُولِ الغُرِّبَلْ *** (أُمُّ أَبِيها) وَهْوَ عِلَّةُ العِلَلْ(1)

رُوحُ النَّبِيِّ فِي عَظِيمِ المَنْزِلَهْ *** وَفِي الكَفاءِ كُفْؤٌ مَنْ لا كُفْوَ لَهْ(2)

ص: 533


1- في «المناقب» لابن شهر آشوب ج 3 ص 357: ط، مؤسسة انتشارات علامة - قم «... كناها: أم المحسن، أم الحسين، أم الحسن، أم الأئمة، أم أبيها». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 16 ح 15».
2- فی «كشف الغمة» ج 2 ص 124 ط، دار الكتاب الإسلامي - بيروت: «... وأنت بضعة منّي وروحي التي بين جنبيَّ...» انظر «بحار الأنوار» ج 28 ص 76 ج 34. في كتاب «اعلموا أني فاطمة علیها السلام» لعبد الحميد المهاجر، ج 4 ص 565 يقول: كان النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم یحب أن يسمع فاطمة علیها السلام تناديه: يا أبه، لان صوتها العذب كان ينسكب سروراً في قلبه وقد ورد في حياتها أنه كانت تناديه يا أبه ثم غيرت النداء بعد نزول الآية (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) النور، 63. فما كاد يسمعها النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم تناديه يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم حتى قال لها: يا بنية لم تنزل فيكِ و لافي أهلك، قولي يا أبه فإنه أحبّ للقلب وأرضى للرب، وهنا نقرأ الحديث كما جاء في كتب السيرة النبوية الشريفة. قالوا: انه لما نزلت على النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم (ولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) قالت فاطمة علیها السلام: فتهيبت النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم أن أقول له يا أبه فجعلت أقول له: يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم فأقبل عليَّ علیه السلام فقال لي: يا بنية لم تنزل فيك ولا في بنية لم تنزل فيك ولا في أهلك من قبلك أنت منّي وأنا منك وإنما نزلت في أهل الجفاء والبذخ والكبر... قولي: يا أبه فإنه أحبّ للقلب وأرضى للرب... ثم قبل: النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم جبهتي ومسحني بريقه مما احتجت إلى طيب بعده. اقرأ أيضاً فاطمة علیها السلام بهجة قلب المصطفى صلی اللّه علیه و آله وسلم، ج 1 ص 110. وفي «عيون اخبار الرضا». ج 225 ضمن ح 3 ط، انتشارات جهان - طهران: «... فهبط عليّ جبرائيل فقال: يا محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم إن اللّه «جل جلاله» يقول: لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة علیها السلام ابنتك كفو على وجه الأرض آدم فمن دونه». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 92 ح 3.

تمَثَّلَتْ رَقِيقَةَ الوُجُودِ *** لَطِيفَةً جَلّتْ عَنِ الشُّهُودِ

تَطَوَّرَتْ فِي أَفْضَلِ الأَطوَارِ *** نَتِيجَةَ الأَدْوَارِ وَالأَكْوار(1)

تَصَوَّرَتْ حَقِيقَةَ الكَمالِ *** بِصُورَةٍ بَدِيعَةِ الجَمَالِ

فَإِنَّهَا الحَوْرَاءُ فِي النُّزولِ *** وَفِي الصُّعُودِ مِحْوَرُ العُقُولِ

يُمَثِّلُ الوُجُوبَ فِي الإِمْكانِ *** عِيَانُهَا بِأَحْسَنِ العِيانِ

فَإِنَّهَا قُطْبُ رَحَى الوُجُودِ *** فِي قَوْسَي النُّزُولِ وَالصُّعُودِ

وَلَيْسَ فِي مُحِيطِ تِلْكَ الدَّائِرَهْ *** مَدَارِها الْأَعْظَمِ إِلاَّ (الطَّاهِرَهْ)

مَصُونَةٌ عَنْ كُلِّ رَسْمٍ وَسِمَهْ *** مَرْمُوزَةٌ فِي الصُّحُفِ المُكَرَّمَهْ

(صِدِّيقَةٌ) لا مِثْلُها صِدِّيقَهْ *** تُفْرِغُ بِالصِّدْقِ عَنِ الحَقِيقَهْ(2)

بَدَا بِذلِكَ الوُجُودِ الزَّاهِرِ *** سِرُّ ظُهُورِ الحَقِّ فِي المَظَاهِرِ

ص: 534


1- الطَّور: مفردها الطوْر: الهيئة، الحال، التارة، الصنف، يقال: «الناس أطوار» أي أصناف وهو المراد هنا. - الأكوار: جمع الكور وهو الطبيعة والسجية.
2- في «أمالي الطوسي» ص678 ط الثانية مؤسسة الوفاء - بيروت: قال الإمام الصادق علیه السلام: «وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى» انظر «بحار الأنوار» ج 43 ص 105 ضمن ح 19.

هِيَ البَتُولُ الطُّهْرُ وَالعَذْرَاءُ *** كَمَرْيَمَ الطُّهْرِ وَلاَ سَوَاءُ(1)

فَإِنَّها سَيِّدَةُ النَّساءِ *** وَمَرْيَمُ الكُبْرَى بِلاَ خَفَاءِ(2)

وَحُبُّهَا مِنَ الصَّفاتِ العالِيَهْ *** عَلَيْهِ دَارَتِ القُرُونُ الخَالِيَهْ

تَبَتَّلَتْ عَنْ دَنَسِ الطَّبِيعَهْ *** فَيَالَها مِنْ رُتْبَةٍ رَفِيعَهْ(3)

مَرْفُوعةُ الهِمَّةِ وَالعَزِيمَهْ *** عَنْ نَشْأَةِ الزَّخارِفِ الذَّمِيمَهْ

فِي أُفُقِ المَجْدِ هِيَ الزَّهْرَاءُ *** لِلشَّمْسِ مِنْ زَهْرَتِهَا الضِّياءُ(4)

بَلْ هِيَ نُورُ عَالَمِ الأَنْوَارِ *** وَمَطْلَعُ الشُّمُوسِ وَالأَقْمَارِ

رَضِيعَةُ الوَحْيِ مِنَ الجَلِيلِ *** حَلِيفَةٌ لِمُحْكَمِ التَّنْزِيلِ

مَفْطُومَةٌ مِنْ زَلَلِ الأَهْوَاءِ *** مَعْصُومَةٌ عَنْ وَصْمَةِ الخَطاءِ(5)

مُعْرِبَةٌ بِالسِّتْرِ وَالحَيَاءِ *** عَنْ غَيْبِ ذاتِ بَارِیءِ الأَشْياءِ

ص: 535


1- في إحقاق الحق ج 10 ص 25 منقولاً عن «مودة القربى»: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: وسميّت فاطمة علیها السلام بتولاً لأنها تبتلت كل ليلة. معناه ترجع كل ليلة بكراً وسمِّيت بتولاً لأنها ولدت عيسى بكراً». انظر ينابيع المودة ج 2 ص 305 ضمن باب 56 ح 872 ط 1/ دار الأسوة (1416 ه).
2- في المناقب ج 3 ص 357 ط مؤسسة انتشارات علامة/ قم (... فاطمة علیها السلام، البتول الحصان، الحرَّة...، مريم الكبرى، الصدّيقة الكبرى...). انظر «بحار الأنوار» ج 43 ص 10.17.
3- تبتّلت: انقطعت. وفي المناقب ج 3 ص 330: وقال صلی اللّه علیه و آله وسلم لعائشة: يا حميراء إن فاطمة علیها السلام ليست كنساء الآدميين لا تعتل كما تعتلن». انظر بحار الأنوار ج 43 ص 16 ضمن 14 وعوالم سيدة النساء ج 11/1 ص 10 ح 5.
4- في «علل الشرائع» ج 1 ص 215 ح 3 ط الاولى/ مؤسسة الأعلمي - بيروت. «عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السلام: عن فاطمة علیها السلام لم سمّيت زهراء؟ فقال : لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض. انظر: «معاني الأخبار» ص 64 ح 15 ط/ منشورات جماعة المدرسين في قم. و«بحار الأنوار» ج 43 ص 12 ح 6. و«دلائل الإمامة» ص 54 ط الثالثة/منشورات الرضى.
5- وصمة: عار وعيب.

رَاضِيَةٌ بِكُلِّ ما قَضَى القَضا *** بِمَا يَضِيقُ عَنْهُ وَاسِعُ الفَضا

زَكِيَّةٌ مِنْ وَصْمَةِ القُیُودِ *** فَهُيَ غَنِيَّةٌ عَنِ الحُدُودِ

يا قِبْلَةَ الأَرْوَاحِ وَالعُقُولِ *** وَكَعْبَةَ الشُّهُودِ وَالوُصُولِ

مَنْ بِقُدُومِها تَشَرَّفَتْ (مِنَى) *** وَمَنْ بِهَا تُدْرَكُ غَايَةُ المُنَى

وَبَابُها الرَّفِيعُ بَابُ الرَّحْمَه *** وَمُسْتَجارُ كُلِّ ذِي مُلِمَّهْ(1)

وَمَا الحَطِيمُ عِنْدَ بَابِ فَاطِمَهْ *** بِنُورِها تُطْفَأُ نَارُ الحَاطِمَهْ(2)

وبَيْتُهَا المَعْمُورُ كَعْبَةُ السَّما *** أَضْحَى ثَرَاهُ لِلثَرَايا مَلْثَما(3)

وَخِدْرُها السَّامِي رِواقُ العَظَمَهْ *** وَهْوَ مَطَافُ الكَعْبَةِ المُعَظَّمَهْ

حِجَابُها مِثْلُ حِجَابِ الباري *** بَارِقَةً تَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ

تُمَثِّلُ الوَاجبَ في حِجَابِها *** فَكَيْفَ بِالإشْرَاقِ مِنْ قُبابِها

يا دُرَّةَ الْعِصْمَةِ وَالْوِلايَهْ *** مِنْ صَدَفِ الحِكْمَةِ وَالعِنَايَهْ

مَا الكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ فِي السَّمَاءِ *** مِنْ ضَوْءِ تِلْكَ الدُّرَّةِ البَيْضاءِ؟

وَالنَّيِّرُ الْأَعْظَمُ مِنْها كَالسُّها *** كَيْفَ وَلاَ حَدَّ لَهَا وَمُنْتَهَى

أَشْرَقَتِ الْعَوَالِمُ الْعُلْوِيَّهْ *** بِنُورِ تِلْكَ الدُّرَّةِ البَهِيَّهْ

يا دَوْحَةً جَازَتْ سَنامَ الفَلَكِ *** بَلْ جَاوَزَ السِّدْرَةَ فَرْعُها الزَّكِي

يَا دَوْحَةً أَغْصَانُها تَدَلَّتْ *** بِمَوْضِعٍ فِيهِ العُقُولُ ضَلَّتْ

دَنَتْ إِلَى مَقامِ أَوْ أَدْنَى فَلا *** تَتْبَعُ مِنْ ذلِكَ أَعْلَى مَثَلاَ

يَا شَجَرَ الطُّورِ وَأَيْنَ الشَّجَرَهْ *** مِنْ دَوْحَةِ المَجْدِ الأَثِيلِ الْمُثْمِرَهْ(4)

وَإِنَّما السِّدْرَةُ وَالزَّيْتُونَهْ *** عُنْوَانُ تِلْكَ الدَّوْحَةِ المَيْمُونَهْ

ص: 536


1- الملمة: النازلة الشديدة من نوازل الدنيا.
2- الحاطمة: النار الشديدة لأنها تحطم ما يلقى فيها.
3- مَلْثماً: موضعاً للقبلة والتقبيل.
4- الأثيل: الأصيل.

أَثْمَارُها الغُرُّ مَجالِي الذَّاتِ *** مَظَاهِرُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفاتِ

مَبادىءُ الحَيَاةِ فِي البِدايهْ *** وَمُنْتَهَى الغَاياتِ فِي النِّهَايَهْ

أَثْمَارُها عَزَائِمُ الْقُرْآنِ *** فِي صَفَحَاتِ مُصْحَفِ الْإِمْكَانِ

أَثْمَارُها مَنَابِتٌ لِلْمَعْرِفَهْ *** مِنْ جَنَّةِ الذَّاتِ غَدَتْ مُقْتَطَفَهْ

لَكَ الهَنَا (يا سَيِّدَ الوُجُودِ) *** فِي نَشَآتِ الْغَيْبِ وَالشُّهودِ

بِمَنْ تَعَالَى شَأْنُها عَنْ مِثْلِ *** كَيْفَ ولا تَكْرارَ فِي التَّجَلِّي

لا يَتَثَنَّى هَيْكَلُ التَّوْحِيدِ *** فَكَيْفَ بِالنَّظِيرِ وَالنَّديدِ؟

وَمُلْتَقَى الْقَوْسَيْنِ نُقْطَةٌ فَلاَ *** تَرَى لَها ثانِيَةً أَوْ بَدَلاَ

وَحِيدَةٌ فِي مَجْدِها الْقَدِيمَ *** فَرِيدةٌ فِي أَحْسَنِ التَّقْوِيمِ

بُشْراكَ (يا أَبا العُقُولِ العَشَرهْ) *** بِالبَضْعَةِ الطَّاهِرَةِ المُطَهَّرَهْ

مُهْجَةُ قَلْبِ عَالَمِ الْإِمْكَانِ *** وَبَهْجَةُ الفِرْدَوْسِ فِي الجِنَانِ

غُرَّتُها الْغَرّاءُ مِصْباحُ الهُدَى *** يُعْرَفُ حُسْنُ الْمُنْتَهَى بِالمُبْتَدَا

وَفِي مُحَيَّاها بِعَيْنِ الْأَوْلِيا *** عَيْنَانِ مِنْ مَاءِ الحَياةِ وَالحَيا

بَلْ وَجْهُهَا الكَرِيمُ وَجْهُ البَارِي *** وَقِبْلَةُ العَارِفِ بِالأَسْرَارِ

بُشْرَاكِ يا خُلاَصَةَ الإِيجادِ *** بِصَفْوَةِ الْأَنْجَادِ وَالْأَمْجَادِ

أُمُّ الكِتَابِ وَابْنَةُ التَّنْزِيلِ *** رَبَّةُ بَيْتِ العِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ

بَحْرُ النَّدَى وَمَجْمَعُ البَحْرَيْنِ *** قَلْبُ الهُدَى وَبَهْجَةُ الكَوْنَيْنِ(1)

وَاحِدَةُ النَّبِيِّ أَوَّلُ العَدَدْ *** ثَانِيَةُ الوَصِيِّ نُسْخَةُ الأَحَدْ

وَمَرْكَزُ الخَمْسَةِ مِنْ أَهْلِ العَبا *** وَمِحْوَرُ السَّبْعِ عُلوّاً وَإِبا

لَكَ الهَنا يا سَيِّدَ الْبَرِيَّهْ *** بِأَعْظَمِ المَوَاهِبِ السَّنِيَّهْ

أَتَاكَ طَاووسُ رِياضِ الأُنْسِ *** بِنَفْحَةٍ مِنْ نَفَحاتِ القُدْسِ

ص: 537


1- الندى: الجود والعطاء.

مِنْ جَنَّةِ الصِّفَاتِ وَالأَسْمَاءِ *** جَلَّتْ عَنِ المَدِيحِ وَالثَّنَاءِ

فَارْتَاحَتِ الأَرْوَاحُ مِنْ شَمِيمِها *** وَاهْتَزَّتِ النُّفُوسُ مِنْ نَسِيمِهَا

بِهَا انْتَشَى فِي الكَوْنِ كُلُّ صَاحِ *** وَطَابَتِ الأَشْبَاحُ بِالأَرْوَاحِ(1)

تُحْيِي بِهَا الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها *** وَمَرْجِعُ الأَمْرِ غَدَا إِلَيْها

لَهْفِي لَهَا لَقَدْ أُضِيعَ قَدْرُها *** حَتَّى تَوَارَى بِالحِجَابِ بَدْرُها(2)

تَجَرَّعَتْ مِنْ غُصَصِ الزَّمَانِ *** مَا جَاوَزَ الحَدَّ مِنَ البَيَانِ

وَمَا أَصَابَهَا مِنَ المُصَابِ *** مِفْتَاحُ بَابِهِ «حَدِيثُ البَابِ»

إِنَّ حَدِيثَ البَابِ ذُو شُجُونِ *** مِمّا بِهِ جَنَتْ يَدُ الخَؤُونِ

أَيَهْجُمُ العِدَى عَلَى بَيْتِ الهُدَى *** وَمَهْبِطِ الوَحْيِ وَمُنْتَدَى النَّدَى(3)؟

أيَضْرُمُ النَّارَ بِبَابِ دَارِها *** وَآيَةُ النُّورِ عُلاَ مَنَارِها؟

وَبابُها بابُ نَبِيَّ الرَّحْمَهْ *** وَبَابُ أَبْوَابِ نَجَاةِ الأُمَّهْ(4)

بَلْ بَابُهَا بَابُ العَلِيِّ الأَعْلَى *** فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قَدْ تَجَلَّى

ما اكْتَسَبُوا بِالنَّارِ غَيْرَ العَارِ *** وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابَ النَّارِ

مَا أَجْهَلَ القَوْمَ فِإِنَّ النَّارَ لاَ *** تُطْفِيءُ نُورَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلاَ(5)

ص: 538


1- انتشى: سكر.
2- توارى: استتر.
3- في تفسير العياشي ج 2 ص 66 و 76 فيمن هجم على دار بضعة الرسول صلی اللّه علیه و آله وسلم: «... قال عمر: قوموا بنا إليه. فقام أبو بكر وعمر وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وقنفذ...»... انظر «بحار الأنوار» ج 28 ص 227 ج 14. والبرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 93 ج 4.
4- في «كشف الغمة» ج 2 ص 83 ط/دار الكتاب الإسلامي - بيروت «عن نافع بن أبي الحمراء قال: شهدت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم ثمانية أشهر إذا خرج إلى صلاة الغداة مرّ بباب فاطمة علیها السلام فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته. الصلاة «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص53 ضمن ح48.
5- في «بحار الأنوار» ج53 ص18. «... وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم (عليهم سلام اللّه) وفضة واضرامهم النار على الباب، وخروج فاطمة علیها السلام إليهم، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللّه و على رسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفىء نور اللّه؟ واللّه متم نوره...». انظر: «عوالم سيدة النساء» 2 ص 567 ح 19.

وَإِنَّ كَسْرَ الضِّلْعِ لَيْسَ يَنْجَبِرْ *** إِلاَّ بِصَمْصَامِ عَزِيزٍ مُقْتَدِرْ(1)

إِذْ رَضَّ تِلْكَ الأَضْلُعَ الزَّكِيَّهْ *** رَزِيَّةٌ لاَ مِثْلُها رَزِيَّهْ

وَمِنْ نُبوعِ الدَّمِ مِنْ ثَدْيَيْها *** يُعْرَفُ عِظْمُ ما جَرَى عَلَيْهَا

وَجَاوَزَ الحَدَّ بِلَطْمِ الخَدِّ *** شُلَّتْ يَدُ الطُّغْيَانِ وَالتَعَدِّي(2)

فَاحْمَرَّتِ العَيْنُ وَعَيْنُ المَعْرِفَهْ *** تُذْرَفُ بِالدَّمْعِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَهْ

وَلاَ تُزِيلُ حُمْرَةَ العَيْنِ سِوَى *** بِيضِ السُّيُوفِ يَوْمَ يُنْشُرُ اللِّوا

وَلِلسِّیَاطِ رَنَّةٌ صَداها *** فِي مَسْمَعِ الدَّهْرِ فَمَا أَشْجَاهَا

وَالأَثَرُ البَاقِي كَمِثْلِ الدُّمْلُجِ *** فِي عَضُدِ الزَّهْرَاءِ أَقْوَى الحُجَجِ(3)

وَمِنْ سَوَادِ مَتْنِهَا اسْوَدَّ الفَضَا *** يا سَاعَدَ اللَّهُ الإِمَامَ المُرْتَضَى

ص: 539


1- صمصام: السيف الذي لا ينثني والظاهر أنه كناية عن ظهور صاحب الأمر «عجل اللّه تعالی» فرجه الشريف وجعلنا من انصاره وشيعته فإنه الآخذ بحق ظلامات آبائه وأجداده علیها السلام وفي الاحتجاج ج 1 ص 109 ط/دار النعمان - النجف: «... فأرسل أبوبكر إلى قنفذ: اضربها. فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها وألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة. انظر: «عوالم سيدة النساء» ج 2 ص 558 ضمن ح 2.
2- في «أمالي الصدوق» ص 116 ضمن ح 2 ط 5/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. «... أبكي من ضربتك على القرن ولطم فاطمة علیها السلام خدّها و...». انظر «بحار الأنوار» ج28 ص51 ح20. و ج44 ص149 ح17.
3- الدملج: الحلي الذي يلبس في المعصم. وجاء في كتاب «الاحتجاج» ج 1 ص 109 ط/دار النعمان - النجف: «... و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عقدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها».

وَوَكْرُ نَعْلِ السَّيْفِ فِي جَنْبَيْها *** أَتَى بِكُلِّ ما أَتَى عَلَيْها(1)

وَلَسْتُ أَدْرِي خَبَرَ المِسْمَارِ *** سَلْ صَدْرَها خُزَانَةَ الأَسْرَارِ

وَفِي جَبِينِ المَجْدِ ما يُدْمِي الحَشَا *** وَهَلْ لَهُمْ إِخْفَاءُ أَمْرٍ قَدْ فَشَا؟

وَالبَابُ وَالجِدَارُ وَالدِّمَاءُ *** شُهُودُ صِدْقٍ ما بِهِ خَفَاءُ

لَقَدْ جَنَى الجَانِي عَلَى جَنِينِها *** فَانْدَكَّتِ الجِبَالُ مِنْ حَنِينِهَا(2)

أَهكَذَا يُصْنَعُ بِابْنَةِ النَّبِي؟ *** حِرْصاً عَلَى المُلْكِ فَيَا لِلعَجبِ

أَتُمْنَعُ المَكْرُوبَةُ المَقْرُوحَهْ *** عَنِ البُكَا خَوْفاً مِنَ الفَضِيحَهْ

تَاللَّهِ يَنْبَغِي لَهَا تَبْكِي دَما *** ما دَامَتِ الأَرْضُ وَدَارَتِ السَّما

لِفَقْدِ عِزِّها أَبِيها السَّامِي *** وَلاِهْتِضَامِهَا وَذُلِّ الحَامِي(3)

أَتُسْتَباحُ نِحْلَةُ الصِّدِّيقَهْ *** وَإِرْثُها مِنْ أَشْرَفِ الخَلِيقَهْ(4)؟

كَيْف يُرَدُّ قَوْلُها بِالزُّورِ *** إِذْ هُوَ رَدُّ آيَةِ التَطْهِيرِ؟

ص: 540


1- في كتاب «دلائل الإمامة» للطبري ص 45، ط الثالثة - منشورات الرضى - قم: «... وكان سبب وفاتها أن قنفذاً مولى الرجل لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً...». انظر: الكافي ج 6 ص 18 ح 2.
2- اندکت: انهدَّت حتى سويت في الأرض.
3- في «المناقب» ج 2 ص 205: «... أصبحت بين كمد وكرب فَقْدُ النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم وظلم الوصي هُتكَ واللّه حجابه من أصبحت إمامته مقتضبة...». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 156 - 157.
4- في «صحيح مسلم» ج 4 ص 30 ح 52 (1759) ضمن باب (16) ط الأولى/مؤسسة عز الدين (1987م): عن عائشة: أن فاطمة علیها السلام بنت النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم قال: «لا نورِّث ما تركناه صدقة»... فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة علیها السلام منها شيئاً فوجدت فاطمة علیها السلام على أبي بكر في ذلك...». انظر: «إحقاق الحق» ج 10 ص 478.

أَيُؤْخَذُ الدِّينُ مِنَ الأَعْرَابِي *** وَيُنْبَذُ المَنْصُوصُ بِالكِتَابِ(1)؟

فَاسْتَلَبُوا ما مَلَكَتْ يَداها *** وَارْتَكَبُوا الخِزْيَةَ مُنْتَهَاها

يَا وَيْلَهُمْ قَدْ سَأَلُوها البَيِّنَهْ *** عَلَى خِلافِ السُّنَّةِ المُبَيَّنَهْ(2)

وَرَدُّهُمْ شَهَادَةَ الشُّهُودِ *** أَكْبَرُ شَاهِدٍ عَلَى المَقْصُودِ

وَلَمْ يَكُنْ سَدُّ الثُّغُورِ غَرَضا *** بَلْ سَدُّ بَابِها وَبَابُ المُرْتَضَى

صَدُّوا عَنِ الحَقِّ وَسَدُّوابَابَهْ *** كَأَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا عَذَابَهْ

ص: 541


1- ينبذ: يُطرح ويرمى به.
2- في «الاحتجاج» ج 1 ص 119 - 123 ط/دار النعمان - النجف، هذا البيت والذي يليه،: عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار، بعث إلى فدك في إخراج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم منها فجاءت فاطمة الزهراء علیها السلام إلى أبي بكر ثم قالت: لم تمنعني ميراثي من أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم بأمر من اللّه«تعالى»؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت له أم أيمن: لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم. أنشدك باللّه ألست تعلم؟ أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم قال: «أم أيمن امرأة من أهل الجنة». فقال: بلى قالت: فأشهد أن اللّه «عز وجل» أوحى إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: (وآت ذا القربى حقه) فجعل فدكاً لها طعمة بأمر اللّه. فجاء علي علیه السلام فشهد بمثل ذلك. فكتب لها كتاباً ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب. فقال: إن فاطمة علیها السلام إدّعت في فدك وشهدت لها أمُّ أيمن وعلي علیه السلام فكتبته لها فأخذ عمر الكتاب من فاطمه علیها السلام فتفل فيه ومزّقه. فخرجت فاطمة علیها السلام تبكي فلمّا كان بعد ذلك جاء علي علیه السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة علیها السلام ميراثها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم وقد ملكته في حياة رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم؟ فقال أبو بكر: هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهوداً أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم جعله لها. وإلاّ فلا حقّ لها فيه. فقال أمير المؤمنين علیه السلام: يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين قال: لا. قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادّعيت أنا فيه من تسأله البيّنة؟ قال: إيّاك أسأل البينة. قال فما بال فاطمة علیها السلام سألتها البيئة على ما في يديها و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم وبعده و لم تسأل المسلمين البينة على ما ادّعوها شهوداً كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟ فسكت أبوبكر فقال عمر: يا علي علیه السلام دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حجّتك فإن أتيت بشهود عدول وإلاّ فهو فيء للمسلمين لاحق لك ولا لفاطمة علیها السلام فيه..».

أَبَضْعَةُ الطُّهْرِ العَظِيمُ قَدْرُهَا *** تُدْفَنُ لَيْلاً وَيُعْفى قَبْرُها(1)؟

ما دُفِنَتْ لَيْلاً بِسِتْرٍ وَخَفا *** إِلاَّ لِوَجْدِهَا عَلَى أَهْلِ الجَفَا

ما سَمِعَ السَّامِعُ فِيمَا سَمِعَا *** مَجْهُولَةً بِالقَدْرِ وَالقَبْرِ مَعَا

يَا وَيْلَهُمْ مِنْ غَضَبِ الجَبَّارِ *** بِظُلْمِهِمْ رَیْحَانَةَ المُخْتَارِ(2)

ص: 542


1- في كتاب «روضة الواعظين» للنيسابوري ص 168 ط الأولى/مؤسسة الأعلمي - بيروت «... ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فإنهم أعدائي وأعداء رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلم وأن لا يصلي عليَّ علیه السلام أحد منهم ولا من أتباعهم وادفني الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار... ودفنوها في جوف الليل وسوَّى عليَّ علیه السلام حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها.». انظر أيضاً صحيح البخاري ج 5 ص 139 ط مصر.
2- نقلت من كتاب وفاة الصديقة الزهراء ص 126، الأنوار القدسية ص 31.

(25) حق البتول علیها السلام

(بحر الرجز)

السيد محمد حسين الكيشوان(*)(1)

ص: 543


1- (*)السيد محمد حسين ابن السيد كاظم ابن السيد علي بن أحمد الموسوي القزويني الكاظمي الشهير بالكيشوان. ولد في النجف الأشرف عام (1295 ه) ونشأ فيها وترعرع فی مدارسها العلمية ومجالسها الأدبية، فانكبّ على طلب العلم والمعارف الدينية والكمالات النفسانية. يعد المترجَم له من أصحاب الفضيلة العالية، ومن مشاهير الأدباء والشعراء البارزين. ذكره صاحب (الحصون) فقال: فاضل مشارك في العلوم سابق في المنثور والمنظوم له فكرة تخرق الحجب وهمّة دونها الشهب، وشعره يسيل رقّة وخطَّه يشبه العذار دقة إلى أخلاق وطيب أعراق، وحلو محاضرة مع الرفاق ونسك تقي بعيد عن الرياء والنفاق وله شعر كثير بديع التركيب. وأيضاً ذكره النقدي في (الروض النضير) فقال: من فضلاء العصر وشيوخ الأدب، له إلمام تام بجملة العلوم، وله تأليف في بعضها. وقال الخاقاني في (شعراء الغري): عالم كبير وكاتب مبدع وشاعر مشهور، وهو من الفقهاء المتبحّرين، والأدباء المرموقين، وآثاره تدل على علو مقامه وسعة علمه. وذكره السيد شبرّ في (أدب الطفّ) فقال: مشهور بعلمه ،وتحقيقه ذو نظر صائب وفكر وقّاد، أديب له الصّدارة في المجالس والمكانة السامية عند العلماء وأهل الدين. وكان المترجَم له مولعاً بالتراث العلمي وقد أفنى زمناً طويلاً من أجل إحياء الكثير من الكتب النادرة بخط جميل وضبط قوي ومقابلة على باقي النسخ المخطوطة الأخرى ليثق من صحة ما رسمه فكان خبيراً في هذا الميدان الفكري الرائع ومخطوطاته من أروع المخطوطات وأحسنها. وشاعرنا كان مربياً لجيل من الرجال البارزين، فقد أخذ عليه كثير من الأعلام كثيراً من العلوم، فلم يبخل بشيء من معارفه وآدابه رغم أنه عاش في فاقة وإقتار. ترك آثاراً علمية قيّمة كثيرة في مختلف العلوم وقد دوَّنها مترجموه. وأما شعره فيعد من الطراز الأول بين معاصريه لا سيما في مضمار الرثاء، حيث نالت مراثيه إعجاب المولعين بمراثي آل البيت علیهم السلام، وترددت روائعه على ألسنة الخطباء. وافته المنية في النجف الأشرف ليلة الأحد 28 من ذي القعدة سنة (1356 ه)، ودفن في الصحن العلوي في الجهة الغربية الشمالية «رحمه اللّه برحمته الواسعة».

ما لَكَ لا العَيْنُ تَصُوبُ أَدْمُعا *** منكَ ولا القَلْبُ يَذُوبُ جَزَعا(1)؟

فأَيُّ قَلْبٍ قَدْ أَتاهُ نَبَأُ *** الزَّهَراء ما ذابَ ولا تَصدَّعا؟

أَمَا وَعى سَمْعُكَ ما جَرى لَها *** فَأَيُّ سَمْعٍ فاتَهُ وما وَعى؟

وما دَرَيْتَ باللّذَيْنِ اسْتَنْهَضا *** جاثِيَةَ الغَيِّ فَهَبَّتْ سُرَّعا؟

سَلاّ مِنَ الأحْقادِ سَيْفَ فِتْنَةٍ *** عادَبها أَنْفُ الرَّشادِ أَجْدَعا

وَأَلْقَحاها فِتْنَةً تَحْمِلُ في *** نَتاجِها مِنَ الضَّلالِ البِدَعا

وَانْتَهَزاها فُرْصَةً فَاحْتَلَبا *** مِنْ ضَرْعِها كَأْسَ النِّفاقِ مُتْرَعا(2)

وَاتَّبَعا نَهْجَ الهَوَى وَخَالَفا *** مِنَ الرَّسُولِ شَرْعَهُ المُتَّبعا

فَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ عُذْرٍ لَهُما؟ *** وَقَدْ أَساء بَعْدَهُ ما صَنَعا

وَأَيَّ قُرْبَى وَصَلا مِنْهُ وَعَنْ *** عِتْرَتِهِ حَبْلَ الوَلا قَدْ قَطَعا؟

فَقُلْ لِتَيْمٍ لا هُدِيتَ بَعْدَ ما *** طافَ أَخُوكَ بالضَّلالِ وَسَعَى

خَفَّ لِداعِي الكُفْرِ نَهْضاً فَانْثَنَى *** بِثِقْل أَعْباء الشَّقا مُضْطَلِعا

فَقامَ وَهْوَ يَسْتَقِيلُ عَثْرَةً *** كَبا على الغَيِّ بِها فَلا لَعا(3)

دَرَوْا بأَنَّ فاطِماً بَضْعَتُهُ *** فَما رَعَوْا حُرْمَتَها ولا رَعَى(4)

ص: 544


1- تصوب: تنصب وتنزل.
2- مترعا: ممتلئاً.
3- يستقيل عثرة: يسأل أن ينهضهُ من سقوطه. كبا: انكب على وجهه. لا لعا: لا أنعشك للّه.
4- في (علل الشرايع) ج1 ص221 (الطبعة الأولى مؤسسة الأعلمي - بيروت). «... وقالت لنسوة حولها: حوّلن وجهي فلما حوّلن وجهها حوّلا إليها. فقال أبو بكر يا بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك واجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عمّا كان منّا إليك، قالت: لا أُكلّمّكما من رأسي كلمة واحدة حتى ألقى أبي وأشكوكما إليه وأشكو صنعكما وفعالكما وما ارتكبتما منّي، قالا: إنّا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنّا ولا تؤاخذينا بما كان منّا فالتفتت إلى عليّ علیه السلام وقالت: إني لا أُكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شيء سمعاه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم فإن صدقاني رأيت رأيي، قالا: اللهم ذلك لها وإنا لا نقول إلاّ حقاً ولا نشهد إلاّ صدقاً. فقالت: أنشدكما باللّه أتذكران أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم استخرجكما في جوف الليل لشيء كان حدث من أمر عليّ علیه السلام؟ فقالا: اللهم نعم، فقالت: أنشدكما باللّه هل سمعتما النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم يقول: «فاطمة علیها السلام بضعة منّي وأنا منها ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد مماتي؟» قالا: اللهم نعم. فقالت: الحمد اللّه ثم قالت: اللهم إني أُشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي واللّه لا أُكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقی ربی فأشكوكما إليه بما صنعتها به وبي وارتكبتها منّي. فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني...».

كَيْفَ يَطِيبُ شِيمةً وعُنْصُراً *** وعَنْ أَرُومِ البَغْيِ قَدْ تَفَرَّعا(1)

وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ضَلَّةً *** فَفَرَّقُوا مِنَ الهُدَى ما اجْتَمعا

وَأَظْهَرُوا باطِنَةَ الكُفرِ عَمًى *** مُذْ أَبْصَرُوها فُرْصَةً وَمَطْمَعا

وَخالَفُوا نَصَّ الوَلاءِ بَعْدَما *** أَماطَ عَنْ وَجْهِ الرَّشادِ بُرْقَعا(2)

وَغادَرُوا حقَّ البَتُولِ نَهْلَةً *** تَجَرَّعُوها بالضَّلالِ جُرَعا

وَافْتَتَنُوا مِنْ وَلَعٍ بِسَورَةِ *** الدُّنْيا فَهامُوا بالدَّنا يا وَلَعا

قَدْ اَوْدَعَ الثٍّقْلَيْنِ فيهم فأَبَوْا *** أَنْ يَحْفَظُوا لأحْمَدٍ مَا اسْتَوْدَعا

وَأَجْمَعُوا النارَ لِيُحْرِقُوا بِها *** البَيْتَ الَّذِي بِهِ الهُدَى تَجَمَّعا(3)

بَيْتُ عُلاً سَما الضُّرَاحَ رِفْعَةً *** وَكانَ أَعْلَى شَرَفاً وأَرْفَعا(4)

ص: 545


1- أروم: أصل، حسب.
2- أماط: نحّى وأبعد.
3- جاء في كتاب «العقد الفريد» لابن عبد ربه ج 4 ص 259 260 ط، دار الكتاب العربي - بيروت (1983م). «... فقعدوا في بيت فاطمة علیها السلام حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة علیها السلام وقال له: إن أبوا فقاتلهم فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة علیها السلام فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم...».
4- الضراح: البيت المعمور في السماء الرابعة.

أَعَزَّهُ اللّهُ فما تَهْبِطُ فِي *** كَعْبَتِهِ الأمْلاكُ إِلاَّخُضَّعا

بَيْتٌ مِنَ القُدْسِ وَناهِيكَ بِهِ *** مَحَطَّ أَسْرارِ الهُدَى وَمَوْضِعا

وَكانَ مَأْوَى المُرْتَجِي والمُلْتَجِي *** فَما أَعَزَّ شَأْنَهُ وأَمْنَعا

فَعادَ بَعْدَ المُصْطَفَى مَهْتُوكَةً *** حُرْمَتُهُ وفَيْئُهُ مُوَزّعا

وَأَخْرَجُوا منه عَلِيًّا بعدَما *** أُبِيحَ مِنْهُ حَقُّهُ وانْتُزِعَا

قادُوهُ قَهْراً بِنَجادِ سَيْفِهِ *** فَكَيْفَ وَهْوَ الصَّعْبُ يَمْشِي طَیِّعا(1)

مانَقِمُوا مِنْهُ سِوَى أَنَّ لَهُ **** سابِقَةَ الإِسلامِ والقُرْبَى مَعا

وَأَقْبَلَتْ فاطِمُ تَعْدُو خَلْفَهُ *** وَالعَيْنُ مِنْها تَسْتَهِلُّ أَدْمُعا

فَانْتَهَرُوها بِسِياطِ قُنْفُذٍ *** وَكَسَّرُوا بِالضَّرْبِ مِنْها أَصْلُعا

فَانْعَطَفَتْ تَدْعُو أَباها بِحَشًى *** تَساقَطَتْ مَعَ الدُّمُوعِ قِطَعا

يا أَبَتا هذا عَلِيُّ أَعْرَضُوا *** عَنْهُ ضَلالاً وَابْنُ تَيْم تُبِعا

أَهْتِفُ فِيهِمْ لا أَرَى واعِيَةً *** تَعِي نِدائِي لا ولا مُسْتَمِعا

ص: 546


1- لعله أراد الإشارة إلى الرواية الواردة في (تفسير العياشي) ج 2 ص 67 (ط المكتبة العلمية الإسلامية - طهران). «... فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة علیها السلام أغلقت الباب في وجوههم وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها فضرب عمر الباب برجله فكسره. وكان من سعف. ثم دخلوا فأخرجوا علياً علیه السلام ملبياً. فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبا بكر أتريد أن ترمّلني من زوجي؟ واللّه لئن لم تكفَّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقنَّ جيبي ولآتينَّ قبر أبي ولأصيحنَّ إلى ربي. فأخذت بيد الحسن والحسين علیهم السلام وخرجت تريد قبر النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم. فقال علي علیه السلام لسلمان: أدرك ابنة محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفيان واللّه إن نشرت شعرها وشقَّت جيبها وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها ويحن فيها فأدركها سلمان (رضوان اللّه «تعالى» عليه) فقال: يا بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم إن اللّه بعث أباك رحمة فارجعي. فقالت يا سلمان يريدون قتل علي علیه السلام وما على عليّ علیه السلام صبر فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري وأشق جیبی وأصيح إلى ربي فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة وعليّ علیه السلام بعثني إليك ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك وتنصرفي...».

أمْسَى تُراثِي فِيهِمُ مُغْتَصَبا *** مِنِّي وَحَقِّي بَيْنَهُمْ مُضَيَّعا

وَانْكَفَأَتْ إِلى عَلِيٍّ بَعْدَما *** تَجَرَّعَتْ بِالغَيْظِ سُمًّا مُنْقَعا(1)

قالَتْ أَتُغْضِي وَالنِّفاقُ صارِخٌ *** حَتَّى اسْتَعاذَ الدِّينُ منه فَزَعا؟

وَنِمْتَ عَنْ ظَلامَتي عَفْواً وَأنْتَ *** المُوقِظُ العَزْمَ إِذا الدَّاعِي دَعا

أَحْجَمْتَ وَالذِّئابُ عَدَتْ واثِبةٌ *** فَاقْتَحَمَتْ منك العَرِينَ المَسْبَعا

وَكَيْفَ أَضْرَعْتَ عَلَى الذُّلِّ لهمْ ***خَدَّكَ وَهْوَ لِلْعِدَىٰ ما ضَرَّعا

عَزَّ عَلَيْكَ أنْ تَرى تَسُومُني *** مِنْ بَعْدِ عِزِّي قَبْلَةُ أَنْ أَحْضَعا

تَهَضَّمَتْنِي بالأَذَى وَلَمْ أَجِدْ *** مأوًى إلَيْهِ أَلْتَجِي وَمَفْزَعا

ألِفْتُها مُعْرِضَةً عَنِّي وَما *** أَبْقَتْ بِقَوْسِ الصَّبْرِ مِنِّي مَنْزَعا

فَقالَ يَا بِنْتَ النِّبيِّ احْتَسِبي *** حَقَّكِ في اللّهِ وخَلِّي الجَزَعا

وَأَجْمِلي صَبْراً فَما وَنَيْتُ عَنْ *** دِينِي ولا أخْطَأَ سَهْمِي مَوْقِعا(2)

ص: 547


1- مُنقعاً: مجتمعاً في «الاحتجاج» ج 1 ص 145 ط دار النعمان (1966) عن هذا البيت والأبيات التي تليه: «... ثم انكفأت علیهم السلام وأمير المؤمنين علیه السلام يتوقَّع رجوعها إليه ويتطلَّع طلوعها عليه فلما استقرت بها الدار، قالت لأمير المؤمنين علیه السلام: يا بن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني لقد أجهد في خصامي وألفيته ألدّ في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع خرجت كاظمة وعدت راغمة اضرعت خدك يوم أضعت حدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلاً ولا أغنيت طائلاً ولا خيار لي ليتني مت قبل هنيئتي ودون ذلتي عذيري اللّه منه عادياً ومنك حامياً ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهن العضد شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا وأشد بأساً وتنكيلا. فقال أمير المؤمنين علیه السلام: لا ويل لك بل الويل لشانئك ثم نهنهي من وجدك يا بنة الصفوَّة وبقية النبوَّة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعدّ لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي اللّه.. فقالت : حسبي اللّه وأمسكت...».
2- وني: فتر وضعف وكَلَّ وأعيا.

فَاسْتَرْجَعَتْ كاظِمَةً لِغَيْظِها *** مُبْدِيَةً حَنِينَها المُرَجَّعا

حَتَّى قَضَتْ مِنْ كَمَدٍ وَقَلْبُها *** كادَ بِفَرْطِ الحُزْنِ أنْ يَنْصَدِعا(1)

قَضَتْ وَلكِنْ مُسْقَطاً جَنيتُها *** مُوَلَّعاً فُؤادُها مُروَّعا

قَضَتْ وَمِنْ ضَرْبِ السِّياطِ جَنْبُها *** ما مَهَّدَتْ لَهُ الرَّزايا مَضْجَعا

قَضَتْ على رَغْمِ العُلَى مَقْهُورةً *** ما طَمِعَتْ أَعْيُنُها أنْ تَهْجَعا

قَضَتْ وَما بينَ الضُّلوعِ زَفْرَةٌ *** مِنَ الشَّجَى غَلِيلُها لَنْ يَنْقَعا(2)

ص: 548


1- ينصدع: ينشق.
2- غليلها لن ينقع: لن يسكن عطشها. المجالس السنية ح 5 ص 146.

(26) بضعة المختار

(بحر الرّجز)

الشيخ محمد سعيد المنصوري (*)(1)

يا طالِباً مِنْ بَضْعَةِ المُخْتارِ *** أَنْ تَبْكِي بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ(2)

تَقُولُ قَدْ أَقَضَّتِ المَضَاجِعُ *** مِنْ نَوْحِها وَأَجْرَتِ المَدَامِعُ(3)

ص: 549


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الأول.
2- في بحار الأنوار ج 43 ص 177 ط/الثانية/مؤسسة الوفاء/بيروت: «... واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا على أمير المؤمنين علیه السلام فقالوا له: يا أبا الحسن علیه السلام إن فاطمة علیها السلام تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم فيء الليل على فراشنا ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا وإنا نخيرّك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً...» وفي كتاب «اعلموا أني فاطمة علیها السلام» للعلامة الشيخ عبد الحميد المهاجر ج 8 ص 679 - 680 يقول: السؤال هو: كيف تأذى أهل المدينة ببكائها؟ وهل من المعقول أن يتأذى الآخرون ببكاء انسان قابع في داره؟ بصراحة نقول: لم يكن بكاء الزهراء علیها السلام بهذا الشكل من السهولة والعفوية كما يتبادر إلى الأذهان، بل إن البكاء عند فاطمة علیها السلام كان بكاءاً سياسياً أكثر منه عاطفياً،أجل، كانت فاطمة علیها السلام تبكي لتعمّق جانب المظلومية في الاسلام حتى تتمكن من توجيه ضربة قاضية بوجه الظالمين، أما السبب في أذية رجال المدينة فيكمن في أن بيوت المدينة كانت متلاصقة ومتقاربة وكانت كل نساء المدينة في حالة اصغاء كامل لصوت فاطمة علیها السلام بحيث إذا بكت الزهراء علیها السلام تجاوبت مع بكائها كافة النساء الأمر الذي كان يحوِّل المدينة عن بكرة ابيها إلى مأتم للحزن وذلك انها لم تكن وحدها الباكية وانما كل امرأة في المدينة كانت تبكي لبكاء فاطمة علیها السلام، فبكاؤها إذن كان جزءاً من مسيرة الجهاد الطويل التي قطعتها الزهراء علیها السلام اشواطاً حارة ملتهبة في حياة أبيها الرسول الأعظم صلی اللّه علیه و آله وسلم وهي الآن بعد وفاة والدها تأبى إلاّ أن تكمل المسيرة.. وفي هذه العملية الساخنة تبدو وكأنها بركان يتفجَّر من الغيظ على اعداء اللَّه والانسانية، تبدو وكأنها تقود تظاهرة غارقة في الدموع مشبعة بروح الجهاد والتضحية.
3- أقضَّت: خشنت. مَضاجِع: موضع الاضطجاع. والاضطجاع هو وضعُ الجنب على الأرض، وواحدة الاضطجاع: الضَّجْعة: الرقدة، فيكون المعنى المراد هو: موضع الرقود.

إِنْ كُنتَ حَقّاً بَاكِياً شَجَاها *** هَلاّ كَفَفْتَ النَّفْسَ عَنْ أَذاها

غَصَبْتَ مِنْهَا النِّحْلَةَ المَعْلُومَهْ *** فَأَصْبَحَتْ مَظْلُومَةً مَهْمُومَهْ(1)

وَمِنْكَ كَانَ الأَمْرُ لِلْخِطابِ *** بِكَسْرِ ضِلْعِ الطُّهْرِ خَلْفَ البابِ

فَأَسْقَطَتْ مُحْسِنَها قَتِيلا *** وَذَاكَ أَمْرٌ أَغْضَبَ الجَلِيلا

وَضَرْبُ مَتْنَيْها مَعَ اليَدَيْنِ *** وَلَطْمَةُ الخَدِّ وَجُرْحُ العَيْنِ

أَبْكَى رَسُولَ اللَّهِ وَالكَرَّارا *** وَأَحْزَنَ الأَمْلاَكَ وَالأَبْرَارا

وَثَمَّ تَأْتِي قِصَّةُ المِسْمَارِ *** مُذْ رَدَّ ذاكَ العِلْجُ بَابَ الدَّارِ

فَكَمْ شَكَتْ حَرارةَ المُصابِ *** لِبَارىء الكَوْنِ مِنْ الصَّحابِ

حَتَّى مَضَتْ لِرَبِّها قَتِيلَهْ *** كَئِيبَةً حَزِينَةً نَحِيلَهْ(2)

وَأُلْحِدَتْ بِاللَّيْلِ بِنْتُ الهادِي *** وذَاكَ رُزُءٌ فَتَّ فِي الأَعْضادِ(3)-(4)

ص: 550


1- في «أمالي الطوسي» ص 207 ط الثانية (1981م) مؤسسة الوفاء - بيروت: «قالت علیه السلام في جواب عائشة بنت طلحة: أسائلن عن هنةٍ... فلما خبأ نور الدين وقبض النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم الأمين نطقا بفورهما ونفثا بسورهما وأدلا بفدك فيالها لمن ملك، تلك أنها عطيّة الربّ الأعلى للنجيّ الأوفى ولقد نحلنيها للصبية السواغب من نجله ونسلي وإنها ليعلم اللّه وشهادة أمينة فإن انتزعا منّي البلغة ومنعاني اللمظة واحتبستها يوم الحشر وليجدنها آكلها ساعرة حميم في لظى جحيم».
2- في «أمالي الصدوق» ص 99 - 100 ضمن ح 2 ط 5/ مؤسسة الأعلمي - توضيح المعنی: «... قال صلی اللّه علیه و آله وسلم: أما ابنتي فاطمة علیها السلام... فتقدم عليَّ علیه السلام محزونة مكروهة مغمومة مغصوبة مقتولة...». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 172 - 173 ضمن ح 13. وج 28 ص 39 ضمن ح1، و«إرشاد القلوب» ج 2 ص 295 ط 4/مؤسسة الأعلمي للطباعة - بيروت.
3- في «المناقب» ج 3 ص 363 ط/مؤسسة انتشارات علامة قم - المطبعة العلمية بقم. «قالت عائشة: عاشت فاطمة علیها السلام بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها عليّ ليلاً وصلّى عليها». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 183 ضمن ح 16. «إحقاق الحق» ج 10 ص 456. فتّ في الأعضاد: كسر قواها وأضعفها.
4- من دیوان ميراث المنبر ص 30.

(27) حديث الباب

(بحر الرّجز)

الشيخ محمد علي قسام(*)(1)

ص: 551


1- (*)هو الشيخ محمد علي ابن الشيخ خليل الشهير بقسام، وآل قسام من الأسر العريقة التي لها شهرتها ومكانتها في النجف الأشرف، وقد برز فيها العديد من الشخصيات العلمية والأدبية والثقافية والسياسية. ولد شاعرنا في النجف الأشرف سنة (1299ه) من أبوين كريمين، توفي عنه والده وعمره لم يتجاوز السنتين، فتولى تربيته أخوه الفاضل الشيخ قاسم قسام فأحسن توجيهه وأهَّله لأن يكون من أصحاب الفضيلة العالية، فاتجه إلى الخطابة فأخذ فنونها من الخطيب الشهير الشيخ محمد تامر، وقد حالفه التوفيق المسنود بهمته حتى ذاع صيته واشتهر ذكره، حتى عد من عمالقة خطباء المنبر الحسيني وقد ذكره الخاقاني في شعراء الغري قائلاً: (وأصبح في خطابته ثاني اثنين فكان الأول السيد صالح الحلي والثاني هو، ولكنه امتاز على الأول بإيجابيته فقد انحاز إلى جنب العلماء والمصلحين، وساند القوى الرصينة من أهل الفضل). كما كان المترجم له من الخطباء المجاهدين الذين وقفوا في وجه الاحتلال البريطاني للعراق، وكان بكل شجاعة وقوة يرقى المنبر في الصحن الحيدري فيثير حماسة الجماهير ويدفعهم إلى الالتفاف حول زعماء الدين في النضال ضد الانكليز، وتشهد له مدن العراق نضاله وجهاده خصوصاً في كربلاء والكاظمية وبغداد والحيرة وغيرها، وبعد إخماد الثورة حبسه الانكليز وهدموا داره في الحيرة. ومنعوه من ممارسة الخطابة فترة من الزمن، وعندما اعتلى فيصل عرش العراق عاد إلى دوره الخطابي وإرشاده الديني. وإلى جانب تفوقه الخطابي ودوره الجهادي فإنه شاعر مجيد له قصائد كثيرة جُلَّها في أهل البيت علیهم السلام. وافاه الأجل المحتوم في بغداد في المستشفى الملكي ليلة الجمعة 24 جمادى الأولى في سنة (1373ه) المصادف 29 كانون الثاني (1954م) وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف وشيع تشييعاً كبيراً، ودفن في الصحن الحيدري، وأقيمت له الفواتح بمشاركة جمع من العلماء والخطباء والأدباء.

مَنْ مُبْلِعٌ عَنِّي النَّبِيَّ الهادِي *** سَلامَ عَبْدٍ خالِصِ الْوِدَادِ؟

أغْنِي النَّبِيَّ صَفْوَةَ الْأَمْجَادِ *** وَالْأَنْجَادِ بَلْ وَعِلَّةَ الإِيجَادِ

وَهْوَ الَّذِي لَوْلاهُ لَمْ تُخْلَقْ سَما *** كَلاَّ وَلا مِنْ كَوْكَبٍ وَقَّادِ

أَفْدِيهِ مِنْ رَسُولِ حَقٍّ صادِقٍ *** أَرْسَلَهُ (الحَقُّ) إلَى العِبادِ

قَدْ قَالَ لَمَّا نَزَّلَ الْوَحْيَ لَهُ *** فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ بِالرَّشَادِ

مُبَلِّغاً أَحْكامَ دِينِ رَبِّهِ *** مُؤَيَّداً بالنَّصْرِ وَالسَّدادِ

وَبَعْدَ ذا هاجَرَ مِنْ (أُمِّ القُرى) *** (لِيَثْرِبٍ) لِلْأَمْرِ بِالْجِهادِ

وَشَاطَرَتْهُ (الأَوْسُ َوالْخَزْرَجُ) *** فِي أَمْوَالِها الطّارِفِ وَالتِّلادِ

وَوَازَرَتْهُ في الحُرُوبِ كُلِّها *** عَلى جُمُوعِ الشِّرْكِ والْإِلْحادِ

لكِنَّها قَدْ خَسِرَتْ صَفْقَتَها *** فَانْقَلَبَتْ عَنِ الْهُدَى والهادِي

فَإِنْ تَكُنْ قُرَيْشُ قَدْ تَظَاهَرَتْ *** بِمَا تَجُنُّهُ مِنَ الْأَحْقَادِ

فَإِنَّهَا تَطْلُبُ أَوْتاراً لها *** تَوَدُّ هَدْمَ البَيْتِ وَالعِمادِ

فَهَلْ لِإِبْنَا (قَيْلَةٍ) مِنْ تِرَةٍ *** عِنْدَ النَّبِيِّ خِيرَةِ الْأَمْجَادِ(1)

ألَمْ يُبَايِعُوهُ أَنْ يُدافِعُوا *** عَنْ أَهْلِهِ بِالنَّفْسِ وَالْأَوْلادِ؟

سُرْعانَ أَنْ ساءَتْ عَواقِبُ رُشْدِهِمْ *** فَاسْتَبْدَلُوا الصَّلاحَ بِالفَسَادِ

وَبایَعُوا (ضَئِيلَ تَيْمٍ) وَيْحَهُمْ *** أَهَلْ يُقاسُ الذَّرُّ بِالأَطْوادِ(2)

وَأَصْبَحُوا أَعْضَادَ (تَيْمٍ) كُلُّهُمْ *** وَلَيْسَ لِلْوَصِيَّ مِنْ أَعْضَادِ

وَأَبْعَدُوا مَنْ هُوَ أَوْلَى بِهِم *** وَقَرَّبُوا الْحَرِيَّ بِالإِبْعادِ

وَاغْتَصَبُوا مِنْ فَاطِمٍ وَيْلَهُمُ *** (نِحْلَتَها) بِالْبَغْيِ وَالْعِنادِ(3)

ص: 552


1- الترةٍ: الثأر.
2- الأطواد: جمع طَوْد وهو الجبل العظيم.
3- في هذا البيت والبيت الذي بعده إشارة إلى ما روي في كتاب الاحتجاج ج 1 ص 119 عن أبي عبد اللّه علیه السلام قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم منها فجاءت فاطمة علیها السلام إلی أبی بكر ثم قالت: لمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم بأمر اللّه «تعالى»؟ الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة. وفي الاختصاص، ص 178 عن أبي عبد اللّه علیه السلام وسلم قال: لما قبض رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وجلس أبو بكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة («صلوات اللّه عليها») فأخرجه من فدك - إلى أن قال - فقال لها (أي أبي بكر): إن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم لا يورّث. فرجعت إلى علي علیه السلام فأخبرته، فقال : ارجعي إليه قولي له: زعمت أن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم لا يورّث وورث سلیمان داود، وورث يحيى زكريا، وكيف لا أرث أنا أبي؟.. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وَقَدْ أَضَاعُوا حَقَّها وَأَثْبَتُوا *** حَدِيثَ إِفْكِ كاذِبِ الْإِسْنادِ

للَّهِ مِنْ مَصائِبٍ أَهْوَنُها *** تَهُدُّ رُكْنَ السَّبْعَةِ الشِّدادِ

فَهَلْ رَأَيْتَ قَبْلَها ثَعالِباً *** تَدُوسُ في عَرِينَةِ الْاسادِ

فَأَخْرَجُوا الوَصِيَّ مِنْ مَنْزِلِهِ *** مُلَبَّباً يُقادُ بِالنِّجادِ

وَفاطِمُ الزَّهْرَاءِ تَعْدُو خَلْفَهُمْ *** صارِخَةً لا تُؤتِمُوا أَوْلادِي(1)

وَرَنَّةُ السِّياطِ فَوْقَ مَتْنِها *** لَهاصَدًى باقٍ إلَى المِعادِ(2)

وَلَمْ يُغِثْها أَحَدٌ مِنْهُمْ وَهُمْ *** قَدْ سَمِعُوها بَيْنَهُمْ تُنادِي

تَدْعُو أَباها تَشْتَكِيهِمْ عِنْدَهُ *** وَدَمْعُها يَصُوبُ كَالْعِهادِ(3)

تَدْعُو وَنارُ الْوَجْدِ في فُؤادِها *** كَأَنَّها تَقْدَحُ في زِنادِ

ص: 553


1- إشارة إلى أخذ الإمام علي علیه السلام كرهاً من قبل القوم للمبايعة وخروج الزهراء علیها السلام لنصرة الإمام علي علیه السلام فقد روي في تفسير العياشي في تفسير الآية (150) من سورة الأعراف. فخرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبا بكر، أتريد أن ترمَّلني من زوجي - واللّه - لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي. الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج 53 ص 18 عن الصادق علیه السلام في حديث طويل - وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود. الحديث طويل.
3- العهاد: أول مطر الربيع. وفي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس، ص 36 وفي حديث طويل عن سلمان، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة علیها السلام وصاحت: يا أبتاه يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، فرفع عمر السيف - وهو في غمده - فوجأ به جنبها فصرخت یا أبتاه فرفع السوط فضرب به ذراعها. الحديث.

مَنْ يُخْبِرُ المُخْتارَعَمَّا لَقِيَتْ *** بَضْعَتُهُ مِنْ صَحْبِهِ الْأَوْغادِ؟

عَزَّ عَلَيْهِ أَنْ يَراها بَعْدَهُ *** ناحِلَةً حَلِيفَةَ السُّهادِ

وَدَعْ حَدِيثَ البابِ عَنْكَ جانِباً *** فَرُزْؤُهُ يَفُتُّ بِالْأَكْبادِ(1)

أيُّ رَزاياها أعُدُّها وَقَدْ *** جَلَّتْ رزاياها عَنِ التَّعْدَادِ

أنارَهُم أَنْسَى وَهَا شُعْلَتُها *** لا تَنْطَفِي تَشُبُّ في الفُؤادِ؟

أَمْ ضِلْعَها المَكْسُورَ وَهْيَ لَمْ تَزَلْ *** مَمْنوعَةً مِنْهُ عَنِ الرُّقادِ(2)

أَمْ كَيْفَ أَنْسَى عَضُدَ الزَّهْرَا وَذا *** دُمْلُجُهُ قَدْ فَتَّ بالْأَعْضادِ(3)

أَمْ حُمْرةَ العَيْنِ وَتِلْكَ نَكْبَةٌ *** واللَّهِ لا تُنْسَى مَدَى الآبادِ

وَاطْوِ حَدِيثَ السِّقْطِ لا تَنْشُرُهُ *** فَنَشْرُهُ يُذِيبُ قَلْبَ الهادي(4)

وَسَلْ عَنِ (المِسْمارِ) مِنْها صَدْرَها *** وَفي الدِّمَا يُغْنِي عَنِ الْأَشْهَادِ

وَلا تَسَلْ عَنْ فِعْلِ سَيْفِ (خالدٍ) *** ماذا جَنَى وَاللَّهُ بِالْمِرْصَادِ

وَدَفْتُها لَيْلاً وَسَتْرُ قَبْرِها *** دَلاّ عَلى فَضِيحَةِ الْأَعادِي(5)

ص: 554


1- إشارة إلى ما روي في البحار ج 53 ص 18 عن الصادق علیه السلام - في حديث طويل - وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود، وركل الباب برجله حتى أصاب بطنها، الحديث.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص 40 عن سلمان الفارسي (رض) في حديث طويل قال: فأرسل عمر إلى قنفذ: اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها. الحديث.
3- فتَّ: كسر وهشم. وفي البيت إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس ص36 عن سلمان الفارسي (رض) - في حديث طويل - قال: فضربها قنفذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إياها. الحديث.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب سليم بن قيس، ص 40 عن سلمان الفارسي (رض) في حديث طويل، قال فأرسل عمر إلى قنفذ، اضربها، فألجأها، إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها وألقت جنيناً من بطنها.
5- إشارة إلى ما روي في كتاب مصباح الأنوار ص 256 عن أبي جعفر علیه السلام قال: دفن أميرالمؤمنين علیه السلام فاطمة علیها السلام بنت محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم بالبقيع ورشَّ ماءً حول تلك القبور لئلا يعرف القبر و بلغ ذلك أبابكر وعمر أن علياً علیه السلام لدفنها ليلاً - الحديث طويل - أخذنا منه موضع الحاجة.

يا فَجْعَةَ الدِّينِ أَبِنْتَ أَحْمَدٍ *** فاطِمَةٍ تُدْفَنُ بِالسَّوادِ(1)؟

ص: 555


1- شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص124 والأخلاق المرضية في دروس المنبرية ص349.

(28) مصائب الزهراء علیها السلام

(بحر الرجز)

الشيخ محمد علي قسّام(*)(1)

قال: هذه القصيدة قبل وفاته في رثاء السيدة زينب بنت علي علیه السلام وما جرى عليها مع أخيها الحسين علیه السلام ويقارن بينها وبين أمها سيدة نساء العالمين علیها السلام، يقول فيها:

لَوْلاَكُمُ يَا آلَ بَيْتِ المُصْطَفَى *** مَا كَانَ مِنْ لَوْحٍ وَلاَ مِنْ قَلَمِ

وَلَمْ تَكُنْ أَرْضٌ وَلَمْ تَكُنْ سَماً *** كَلاّ وَلاَ غَيْثٌ هَمَى مِنْ دِيَمِ(2)

وَأَنْتُمُ عِلَّةُ إِيجَادِ الوَرَى *** أيْ وَالَّذِي أَوْجَدَهُمْ مِنْ عَدَمِ

وَإِنَّنِي بِحُبِّكُمْ مُعْتَصِم *** فَأَنْتُمُ يَا سَادَتِي مُعْتَصَمِي

وَإِنْ تَعُدُّ نِعْمَةَ اللَّهِ فَلاَ *** تُحْصَى وَمَنْ يَسْطِيعُ عَدَّ الأَنْجُم

لكِنَّمَا وَلاَؤُكُمْ أَفْضَلُ مَا *** قَدْخَصَّنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ نِعَمِ

وَهْوَ لَنَا يَوْمَ المَعَادِ عُدَّةٌ *** نَرْجُو بِهِ الخَلاَصَ مِنْ جَهَنَّم

وَلَيْسَ لِي مِنْ عَمَلٍ عَمِلْتُهُ *** أَرْجُو نَجَاةً فِيهِ غَيْرَ مَأْتَمِ

لِزَيْنَبَ الحَوْرَاءِ بِنْتِ فَاطِم الزَّهْرَاءِ *** بِنتِ المُصْطَفَى المُكَرَّمِ

بنْتُ عَليِّ الطُّهْرِ مَنْ هَدَى الوَرَى *** بِسَيْفِهِ إِلَى الصِّرَاطِ الأَقْوَمِ

وَهْيَ الَّتِي لاَ شَكَّ فِي عِصْمَتِهَا *** قَدْ جَاءَ هَذَا فِي بَيَانٍ مُحْكَمِ

ص: 556


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في القصيدة السابقة.
2- غيث: مطر. همی: سال لا يثنيه شيء. دِيمِ: الديمة مطرٌ يدوم في سكون من غير رعد و لابرق.

وَآيَةُ التَّطْهِيرِ فِي عِصْمَتِهَا *** شَهَادَةً أَعْظِمْ بِهَا مِنْ أَعْظَمِ

مِنْ ذلِكَ السَّجّادِ قَدْ قَالَ لَهَا *** عَالِمَةٌ أَنْتِ بِلاَ تَعَلُّمِ

اللَّهُ مَاذَا كَابَدَتْ مِنْ مِحَنٍ *** زَيْنَبُ لاَ يَسْطِيعُ نَشْرَهَا فَمِي

شَاطَرَتِ الحُسَيْنَ فِي نَهْضَتِهِ *** صَابِرَةً وَالصَّبْرُ أَحْلَى مَطْعَمِ

قَدْ شَاطَرَتْهُ عَنْ بَصِيرَةٍ بِهَا *** عَالِمَةً بِسِرِّهَا وَالحِكَمِ

وَهْيَ لَعَمْرِي مَثَّلَتْ وَالِدَهَا *** لاَ سِيَّمَا فِي الصَّبْرِ وَالنَّكَلُّمِ

وَلَيْتَ شِعْرِي عَلِمَتْ فَاطِمَةٌ *** مَا لَقَتْ زَيْنَبُ أَمْ لم تَعْلَمِ(1)؟

أَمْ هَلْ رَأَتْ فَاطِمَةٌ كَمَا رَأَتْ *** زَيْنَبُ مِنْ خَطْبٍ مُرِيعٍ مُؤلِمِ(2)؟

وَإِنْ تَكُنْ مَصَائِبُ الزَّهْرَاءِ قَدْ *** هَدَّتْ قوى الدينِ الحَنِيفِ الأَعْظَمِ

لكِنَّهَا مَا حُمِلَتْ مَسبيَّةً *** أَسِيرةً مِنْ ظَالِمٍ لأَظْلَمِ

وَلاَ رَأَتْ جِسْمَ الحُسَيْنِ فِي الثَّرَى *** مُبَضَّعاً مِنْ قَرْنِهِ لِلْقَدَمِ(3)

قَدْ هَشَّمَتْ خَيْلُ العِدَاةِ صَدْرَهُ *** لِلَّهِ مِنْ صَدْرٍ لَهُ مُهَشَّمِ

وَلاَ رَأَتْ فَوْقَ السِّنَانِ رَأْسَهُ *** مُرَتِّلاً آيَ الكِتَابِ المُحْكَمِ

ص: 557


1- في البيت إشارة إلى ما ورد في كتاب عوالم سيدة النساء، ج 2 ص 843 ح 21 منقولاً عن «المختصر» ص132. «روي أن فاطمة علیها السلام» لما توفي أبوها صلی اللّه علیه و آله وسلم وقالت الأمير المؤمنين علیه السلام: إني لأسمع من يحدّثني بأشياء ووقائع تكون في ذريتي...».
2- (والبيت الذي يليه) إشارة لما ورد في كتاب «أمالي الصدوق» ص 99 - 100 من ح 2 تؤكد هذا المعنى. ط، الخامسة - مؤسسة الأعلمي/بيروت. «... وإني لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها وقد دخل الذلّ بيتِها وانتهكت حرمتها وغصبت حقّها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها وهي تنادي: يا محمّداه صلی اللّه علیه و آله وسلم فلا تجاب وتستغيث فلا تغاث فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية. تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة وتتذكر فراقي أخرى وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن. ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة...».
3- مبضّعاً: مقطّعاً.

لِلَّهِ مِنْ رَأْس عَلَى رأْسِ القَنَا *** يُشْرِقُ كَالبَدْرِ بِلَيْلٍ مُظْلِمِ

وَلاَ رَأَتْ يَزِيدَ فِي مَجْلِسِهِ *** جَذْلاَنَ يَتْلُو الشِّعرَ فِي تَرَنُّمِ(1)

يَا لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا *** يَنْشُرُهَا وَلَيْسَ بِالمُسْتَعْظَمِ

يُدْنِي إِلَيْهِ الرَّأْسَ وَهْوَ بَاسِمٌ *** شَمَاتَةً يُقْرِعُهُ بِالمَيْسَمِ(2)

ص: 558


1- جذلان: فَرِحاً.
2- الحسين و الحسينيّون ص 207.

(29) تراث فاطم علیها السلام

(بحر الرجز)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

الاَمَ فِي كُلِّ صَباحٍ وَمَسا *** نُعَلِّلُ النَّفْسَ بِعَلَّ وَعَسى(2)؟

نَرْقَبُ مِنْكَ طَلْعَةً نَيِّرَةً *** تَجْلُو دُجَى الغَيِّ إِذَا مَا عَسْعَسا(3)

فَأَنْتمُ النُّورُ الَّذي قَدْ خَالَهُ *** (الكليمُ) نَاراً فَأَتَى مُقْتَبِسا

يَابْنَ الأُلَى تُسْتَدْفَعُ الْبَلْوَى بِهِمْ *** وَالْقَطْرُ يُسْتَسْقَى بِهِمْ إِنْ حُبِسا

قَدْ كَادَ أَنْ يُمْحَى الْهُدَى وَأَوْشَكَتْ *** أَعْلامُ دِينِ الْحَقِّ أَنْ تَنْطَمِسا

تُغْضِي وَآبَاؤُكَ قَدْ تَجَرَّعَتْ *** مِنِ المَنَايا أَكْؤُساً فَأَكْؤُسا

عَزّ عَلَى الْهَادِي النَّبيِّ لَوْ يَرى *** رَبْعَ الهُدَى مِنْ بعدِهِ قَدْ دَرَسا

أَوْصَى بِوَصْلِ آلِهِ أَصْحابَهُ *** فَعادَ مَا أَوْصَى بِهِ مُنْعَكِسا

فَيَا بِنَفْسِي أَسَدَ اللّهِ غَدا *** فَرْداً وَفِي أَيْدِي الذِّئابِ افْتُرِسا

يَرى تُراثَ فَاطِمٍ بَيْنَ الْعِدَى *** مُقْتَسَماً وَفَيْئَهُ مُخْتَلَسا(4)

ص: 559


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- عَلَّ وعسى: أداتا الترجّي.
3- عسعسا: أَظلم أو مضى.
4- الفيء: الغنيمة.. مختلساً: مسلوباً معجلاً. وفي البيت إشارة إلى فدك كما في الرواية الواردة في «البرهان في تفسير القرآن» ج 2 ص 415 الطبعة الثالثة (1983) مؤسسة الوفاء، تأليف السيد هاشم البحراني: «عن عطية العوفي قال: لما افتتح رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم خيبر وأفاء اللّه عليه فدك وأنزل عليه (وآت ذا القربى حقه) فقال: «يا فاطمة علیها السلام لك فدك». وفي كتاب الخرائج والجرائح للراوندي، ج 1 ص 112 ح 187، روي عن أبي عبد اللّه علیه السلام أن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم خرج في غزاة فلما انصرف راجعاً نزل في بعض الطريق فبينما رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم يطعم والناس معه إذ أتاه جبرئيل فقال: يا محمد قم فاركب، فقام النبي صلی اللّه علیه و آله فركب وجبرائيل معه فطويت له الأرض كطي الثوب حتى انتهى إلى فدك، فلما أهل فدك وقع الخيل ظنوا أن عدوهم قد جاءهم فغلّقوا أبواب المدينة ودفعوا المفاتيح إلى عجوز لهم في بيت لهم خارج المدينة ولحقوا برؤوس الجبال. فأتى جبرائيل العجوز حتى أخذ المفاتيح ثم فتح أبواب المدينة ودار النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم في بيوتها وقراها فقال جبرائيل: يا محمد هذا ما خصك اللّه به وأعطاكه دون الناس وهو قوله تعالى: (وما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى) في قوله تعالى: (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء) ولم يعرف المسلمون ولم يطؤوها ولكن اللّه أفاءها على رسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم وطوّف به جبرائيل في دورها وحيطانها وغلّق الباب ودفع المفاتيح إليه فجعلها رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم في غلاف سيفه وهو معلّق بالرحل ثم ركب وطويت له الأرض كطي الثوب، ثم أتاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهم على مجالسهم ولم يتفرقوا لم يبرحوا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: «قد انتهيت إلى فدك وإنی قد أفاءها اللّه علي» فغمز المنافقون بعضهم بعضاً. فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم: «هذه مفاتيح فدك» ثم أخرجها من غلاف سيفه ثم ركب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وركب معه الناس فلما دخل المدينة دخل على فاطمة علیها السلام فقال: «يا بنية إن اللّه قد أفاء على أبيك بفدك واختصه بها فهي له خاصة دون المسلمين افعل بها ما أشاء وأنه قد كان لأمك خديجة سلام اللّه علیها على أبيك مهر وأن أباك قد جعلها لك بذلك وانحلتكها لك ولولدك بعدك». قال: فدعا بأديم ودعا علي بن أبي طالب علیه السلام فقال: «اكتب الفاطمة علیها السلام ابفدك غلة من رسول اللّ صلی اللّه علیه و آله وسلم) فشهّد على ذلك علي بن أبي طالب علیه السلام ومولى لرسول اللّه وأم أيمن. فقال رسول اللّه: «إن أم أيمن امرأة من أهل الجنة»، وجاء أهل فدك إلى النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم فقاطعهم على أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنه.

وَاقْتَطَعُوا مِنْ دُونِها أَراكَةً *** قَدْ مَنعُوها تَحْتَها أَنْ تَجْلِسا

وَإِنَّ ناراً أُضْرِمَتْ فِي بَابِها *** شَبَّتْ بِأَطْنابِ الْحُسَيْنِ قَبَسا(1)

وَاهاً لآِلِ اللّهِ بَعْدَ الْخِدْرِ قَدْ *** طافُوا بِهِنَّ مَجْلِساً فَمَجْلِسا

غَادَرْنَ أَجْسادَ الْحُمَاةِ بِالْعَرا *** وَقَدْ صَحِبْنَ بِالْعَوالِي الأَرْؤُسا

سَوافِراً بَعْدَ الْحِجالِ لَمْ يَكُنْ *** شِعارُها إِلا الزَّفيرَ والأسَى(2)

ص: 560


1- لعله إشارة إلى ما جاء في «الإمامة والسياسة» ج 1 ص 12 الطبعة الثالثة. مؤسسة الوفاء (1981): «قال: وإنّ أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي علیه السلام فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي علیه السلام فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقتّها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة علیها السلام، فقال: وإن».
2- و هي من نظمه في سنة (1334 ه-)، عن الذخائر ص 87.

(30) علي علیه السلام كفؤ فاطمة علیها السلام

(بحر الرجز)

الشيخ محمد علي اليعقوبي(*)(1)

أَيَّ الْمَعَالِي لَمْ يَنَلْ غاياتِها *** أَمْ أَيَّ فَخْرٍ لِذُراهُ ما ارْتَقَى

قَدْ خَصَّهُ (الْمُخْتَارُ) دَوْنَ غَيْرِهِ *** بِفاطِمٍ خِيرَةِ نِسْوانِ الْوَرَى

لَوْلا عَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ كُفْوٌ لَها *** مِنْ أَوَّلِ الدُّنْيَا إِلَى يَوْمِ الْفَنَا(2)

زَوَّجَهُ اللّهُ بِها وَقَبْلَهُ *** كُمْ خاطِبٍ جاءَ أباها فَأَبَى(3)

ص: 561


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثاني.
2- انظر (2/1). وانظر ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 177، نقلاً عن كنوز الحقائق للمناوي ومثله كذلك في مودة القربى بسنده عن ابن عباس.
3- في الروض الفائق ص256: «ولقد خطبها أبو بكر وعمر، فقال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: إنّ أمرها إلى اللّه تعالى. ثم إن أبابكر و عمر و سعد بن معاذ كانوا جلوساً في مسجد رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، فتذاكروا أمر فاطمة علیها السلام، فقال أبوبكر: قد خطبها الأشراف فردّهم رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، وقال: إن أمرها إلى اللّه «عزّ وجل»، وإن عليّاً لم يخطبها ولم يذكرها، ولا أرى ما يمنعه من ذلك إلاّ قلّة ذات اليد، وإنه ليقع في نفسي أنّ اللّه تعالى ورسوله صلی اللّه علیه و آله وسلم إنما يحبسانها لأجله». وفي دلائل الإمامة للطبري ص12 - 13: «عن أنس بن مالك قال: ورد عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفّان إلى النبيّ اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم، فقال له عبد الرحمن: يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم؛ تزوّجني فاطمة علیها الیلام ابنتك، وقد بذلت لها من الصداق مائةَ ناقةٍ سوداءَ، زُرْقَ الأعين، محمَّلةً كلَّها قباطي مصر، وعشرة آلاف دينار - و لم يكن من أصحاب رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم أيسر من عبد الرحمن وعثمان - و قال عثمان: وأنا أبذل ذلك، وأنا أقدم من عبد الرحمن إسلاماً ! فغضب النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم من قوليهما، فتناول كفّاً من الحصى، فحصب به عبد الرحمن وقال له: إنك تهوِّل عليّ بمالك؟ فتحوّل الحصى دُرّاً، فقُوِّمت دُرّةٌ من تلك الدرر، فإذا هي تفي بكل ما يملكه عبد الرحمن. وهبط جبرائيل في تلك الساعة، فقال: يا أحمد، إن اللّه يقرئك السلام، ويقول: قم إلى علي بن أبي طالب علیه السلام، فإن مَثَله مثل الكعبة... الخ» وتجد نظيراً لذلك أيضاً في خصائص النسائي ص31 و ابن الجوزي في التذكرة ص316 ، و الهيثمي في مجمع الزوائد و المتقي الهندي في کنزالعمال ج 2 ص99 ، و في معالم الزلفى للسيد هاشم البحراني ص397 و القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص175، و غيرها من الفريقين.

رامُوا الْعُلَى فَأَخْطَأوا مَنارَها *** هيهات ما أَصابَ كُلُّ مَنْ رَمَى

(لَوْ لَمْ يَكُن خَيْرَ الرّجالِ لَمْ تَكُنُ *** زَوْجَتَهُ فاطِمَةٌ خَيْرُ النسا)(1)

إنَّ الَّذِي كانَ مِنَ الْمَهْرِ لَها *** فَوْقَ السَّمَا أَوْفَرُ مِمَّا فِي الثَّرَى(2)

واعجبا ماءُ الْفُراتِ مَهْرُها *** وَ مِنْهُ يُحْرَمُ ابْنُها فِي كَرْبَلا(3)

ص: 562


1- البيت لابن حمّاد الشاعر المشهور و لم نعثر على أصل العقيدة لابن حماد حتى يمكن معرفة المعنى الأصلي الذي أراده الشاعر. أما البيت فظاهره يحتمل وجهين؛ الأول: بقراءة (تكن) تامّة، فيكون خير الرجال اسماً لها و الثاني : بقراءتها ناقصة، و يكون خير الرجال خبراً لها. و على الأوّل يكون المعنى: لولا علي علیه السلام لما كان لفاطمة علیها السلام كفو، كما صرّحت به بعض الأحاديث، انظر الهامش الأول من هذه القصيدة والمعنى على الوجه الثاني: أن علياً علیه السلام هو خير الرجال لأن الزهراء علیها السلام صارت زوجة له.
2- راجع البحار للمجلسي ج43- باب تزويجها علیها السلام. و فيه ينقل (رحمه اللّه علیه) عن جمع غفير من علماء الجمهور -سوى ما نقله بأسانيده عن مشايخنا-منهم ابن بطة، و ابن المؤذن و السمعاني في كتبهم بالإسناد عن ابن عباس و أنس و منهم ابن مردويه في كتابه بإسناده عن علقمة و منهم الخطيب في تاريخه و شيرويه الديلمي و ابن شاهين و غيرهم و قد وجدناه نحن في ينابيع المودة للقندوزي ص177 وهو بدوره ينقله عن الإصابة لابن حجر في ترجمة سنان بن شفعلة الأوسي، وعن مودة القربى للسيد علي الهمداني نقلاً الخوارزمي في المناقب عن موسى بن علي القرشي عن قنبر بن أحمد عن بلال بن حمام مؤذن رسول الله الا الله ، ونقله أيضاً عن جواهر العقدين.
3- قال المجلسي في البحار ج43 ص113: و في الجلاء و الشفاء في خبرٍ طويل «عن الباقر: ...و جعلت لها في الأرض أربعة أنهار الفرات و نيل مصر، و نهروان و نهر علي بلخ فزوجها أنت يا محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم- والخطاب لجبرئيل علیه السلام- بخمسمائة درهم تكون سُنّةً لأمتك.

(31) خير النساء علیها السلام

(بحر الرجز)

السيد محمد علي بن

محسن الموسوي الغريفي

هاكَ حديثاً جاءَ عن خيرِ النِّسا *** خامسةِ الأَقطابِ أصحابِ الكِسا

و غيرَهُ مما اقتضاهُ النظمُ *** وصحَّ حيثُ لايسوغُ الكَتْمُ

مما أبانَ فضْلَهُم واشتَهَرا *** وإن أغاضَ ذكرَهُ مَنْ كَفَرا

أذكرُ في الحديثِ ماقد وَقَعا *** في غيرِهِ كأنما صارَ مَعَا

مرتبطاً كما اقتضاهُ الحالُ *** و ما اقتضى أن يَحسُنَ المقالُ

مضمّناً إياه في المقالِ *** أجعلهُ نحو لسانِ الحالِ

قلتُ أتاني زائراً يوماً أبي *** فاطمةُ الزهراءِ بضعةُ النبي

و قالَ إنّي واجدٌ في بدنِي *** ضعفاً عليّ بالكساءِ اليَمَنِي

غطّي به جسمَ أبيكِ المصطفى *** فاطمة لكي تنالِي الشَرَفا

بما حبانا ربُّنا الودودُ *** من إننا من أجلنا الوُجودُ

قلتُ أعيذُ المصطفى من ضعفِ *** بواجبِ الوجودِ خيرِ كهفِ

قالتْ أتيتُ بالكسا اليمانِي *** غطيتُهُ به كما أوصانِي

فصرتُ بعد ذا إليهِ أنظرُ *** و وجههُ کالبدرِ نوراً يُزهر

قالتْ وجاءَ بعدَه الرضيُّ *** نجلِي سبطُ المصطفى الزكيُّ

ذاك شبيهْ المجتبى والمؤتمنْ *** خلقاً و خلقاً ذاك ابنهُ الحسنْ

مسلّماً يقول من في الدارِ؟ *** أشمُّ طِيبَ أحمدِ المختارِ

ص: 563

قلتَ عليكَ ولدي السلامُ *** فذا الكساءُ تحتَهُ الهمامُ

و جاءَهُ مسلّماً مستأذناً *** عليهِ بالدخولِ لما أَنْ دَنا

قال عليكَ جدّي السلامُ *** صلّى عليكَ المفضلُ العلامُ

قال و هلْ أَدخلُ في الكساءِ *** عليكَ كي أهنأَ بالحباءِ؟

قال نعمْ أذنتُ في الدخولِ *** عليكَ منّي أحسنَ المقولِ

قالتْ و جاءَ بعدَهُ الشهيدُ *** سبطُ النبيِّ المصطفى الرشيدُ

أعني حسيناً من به السعادهْ *** و من لهُ في الجنةِ السيادهْ

أقبلَ بالسلامِ و التحيهْ *** مبتدءاً بأمهِ المرضيّةْ

يقولُ يا بنةَ النبيِّ الهادِي *** أشمُّ طيب المصطفى الجوادِ

قلتُ عليكَ سيدَ العبادِ *** منّي السلامُ طيبُ الميلادِ

تحتَ الكساءِ جدُّكَ الرضيُ *** وسبطُ طهَ الحسنُ التقيُّ

أما ترى نورُهُما تلالا *** علی ضیاءِ البدر قد تعالى؟

جاءَ الحسينُ نحو سيدِ البشرْ *** مستبشراً يحكِي محيَّاه القمرْ

مسلّماً عليهِما مستأذناً *** من النبيِّ من له تمَّ الهنا

اكتَنَفا جدَّهُما تحتَ الكِسا *** و ارتضعا منهُ النُّهى و اقتَبَسَا

قالتْ و لما كانَ بعد ساعةْ *** جاءَ الوصيُّ صاحبُ الشفاعَةْ

ذاك قسيمُ النارِ و الجنانِ *** ذاكَ شريكْ الوحيِ و البيانِ

ذاك إمامُ الإنسِ و الجنِ الوليُّ *** ذاكَ أبوالسبطينِ مولانا عليُّ

يقولُ يا بنةَ النبيِّ ذي الرَشَدْ *** و سيدِ الرسلُ البشيرِ المعتمَدْ

عليكِ مني أفضلُ السلامِ *** ما خُطَّ في الألواحِ بالأَقلامِ

أشمُ طيبَ المصطفى الرسولِ *** أخي ابنِ عمِي الصادقِ المقولِ

فقلتُ منّي عادتْ التحيَّهْ *** عليكَ يا خيرَ الورى سجيَّه

هذا الرسولُ حاضنٌ شبليكا *** مشرفاً تحت الكِسا لابنيْكا

ص: 564

قالتْ وراحَ المرتضى و اقترَبا *** نحوَ الهداةِ الغرِّ أصحابَ العَبا

يقولُ يا مَنْ ُخصَّهُ الرحمنُ *** من بينِنا و اختارَهُ المنَّانُ

أرسله الباري نذيراً للبشَرْ *** ينقذُهُمُ يومَ الجزاءِ من سَقَرْ

عليكَ صلَّى مالكُ البريّهْ *** عليكَ منّي أفضلُ التحيّهْ

يا هَل ترى لي معكُمْ تحتَ الكسا *** مقتبِساً منكَ الهُدى ملتمِسا؟

أدخلْ كي أفوزَ بالكرامهْ *** و أبتغِي من ذي العُلى الزعامَهْ

قال مجيباً والدُ البتولِ *** لأجلكُم تحتَ الكسا دُخولي

عليكَ فادخلْ معنَا السلامُ *** و أنتَ بعدِي القائدُ الهُمامُ

قالتْ و لما اجتمعَ الأبرارُ *** تحتَ الكسا و أحمدُ المختارُ

فاطمةُ الزهراءِ نورُهم سطَعْ *** حتى أضاءَ البيتَ منهُمْ و اتَّسَعْ

قالتْ و قمتُ نحوَهُم مسلّمهْ *** عليهم و من أبي مستعلِمَهْ

و قلتْ صلّى الملكْ الجليلُ *** عليكَ هل لي يصلُحُ الدخولُ؟

فيمنْ حواهُ ذا الكِسا اليمانِي *** ادخَلنَي بفضِلِه غطّاني

و قال لي أنتِ غذاة الجنةْ *** سيدةٌ دونَ نساءِ الأمَّةْ

عليكِ مني بضعتِي السلامُ *** ما دامتِ الألواحُ و الأقلامْ

لما حواهمْ ذلكَ الكساءْ *** و كلُّ صيدِ حازَه الفراءُ

بفضلهم جلَّ و عزَّ أعلَما *** على البرايا مُعلناً أهلَ السَّما

نادي بسكانِ السما أملاكِي *** عصمتُكُمْ أسكنتُكُم أفلاكِي

لكنْ برأتُ أشرف البرايا *** حازُوا النُهى و أفضلَ السجايا

هم خمسةٌ أودعتُهُمْ أسراري *** قد سُترتْ عن غيرِهِم أستارِي

بعزّتي أُقسِمُ و الجلالَهْ *** همْ حجّتي واضحةُ الدلالهْ

و ما خلقتُ من سما مبنيّهْ *** كذا و لاأرضاً لها مدحيّهْ

و ما خلقتُ فلَکَاً یدورُ *** كلا و لابدراً له ينيرُ

ص: 565

و ما خلقتُ من بحارٍ جاريَهْ *** كلا و لافُلكاً ترَوها سارِيَهْ

وما برأتُ الشمسَ و النهارا *** و لاخلقتُ الحُجْبَ و السِّتارا

ألا لأجلِ من حوَى الكساءُ *** و من بهم يُستدفعُ البلاءُ

فقالَ جبرائيلُ ياربِّ و مَنْ *** تحتَ الكساءِ من على السرِّ ائتمنْ؟

فقالَ هُمْ فاطمة و طه *** والدُها و بعلُها و ابناها

هم أهلُ بيتِ الوحي و الدلالَةْ *** و معدنُ التنزيلِ و الرسالَةْ

هذا الحديثُ فضلُهُم أبانا *** كفى بهِ مستنداً بُرهانا

هم علةُ الإيجادِ و الدوامِ *** هم أسسُ الإيمانِ و الإسلامِ

لولاهُمُ ما خُلِقَتْ جنان *** لولاهم ما سُجّرت نیرانُ(1)

لولاهُمُ ما كانَ شمسٌ و قمرْ *** لولاهُمُ ما كان أرضٌ و شَجَرُ

لولاهُمُ ما كانتْ الأفلاكُ *** لولاهُمُ ما عُبدَتْ أملاكُ

لولاهُمُ ما كانَ جنَّ و بشرْ *** لولاهُمُ ما كانَ بحرٌ و مدَرْ

هم سفنُ النجاةِ بابُ حطَّهْ *** يهلكُ من دانَ بغيرِ الخُطَّهْ

هم آيةْ التطهيرِ و القُربى هُمُ *** هم آيةُ الخمسِ هم التقدمْ

هم شركاءُ الوحيِ في التمسكِ *** هم مرجعُ الأمةِ في التشككِ

قالَ الأمينُ بعد ذا البيانِ *** مستأذناً من ذِي العُلى المنّانِ

يا ربِّ هل تأذنُ في السعاده *** فاجتنِي بقريِهم سيادهْ؟

أهبطُ فيهم سادساً أكونُ *** مبشراً لفضلِهم أبينُ

فقال ذو العزةِ و الجلالَهْ *** إبنْ لهُم في هذهِ العَجَالَهْ

حبوتُهُم بما أشا من رحمهْ *** منحتهم دونَ الورى بالعصمهْ

جاء الأمينُ ها بطاً نحو الكسا *** مسلّماً مسترفداً مقتبِساً

ص: 566


1- سجرت: أبحر التنور أحماه.

يقول يا من خُصَّ بالسفارهْ *** و اختارَهْ اللطيفُ للنذارهْ

إلهنا أقراكَ بالسلامِ *** و خَصَّكَ الباريءُ بالإكرامِ

و هو يقولُ قَسَماً مبروراً *** و عزّتي فكنْ بذا مسروراً

و بالحلالِ ما خلقتُ خَضرا *** مبنيةً و لادحوتُ غَبْرا

و لاخلقتُ الفُلكَ و البحارا *** و لابرأتُ قمراً أنارا

و لاخلقتُ فَلَكاً يدورُ *** كلا و لاشمساً به تسيرُ

ألا و في محبةِ الأبرارِ *** محمدٍ و آلهِ الأطهارِ

لأجلكُمْ كان الوجودُ عن عَدَمْ *** بحبّكُم نلنا من اللَّهِ النِّعَمُ

مَنَّ عليَّ أن أكونَ الباري *** سادسُكم مصاحبَ الأبرارِ

فامننْ عليَّ أن أحوزَ ذا الشرفْ *** و أسكَنَ الفردوسَ فيكم و الغُرَفْ

قال النبيُّ أُدخل و ما إنْ دَخَلْ *** طوبى لهُ حيث اجتنى خيرَ العمَلْ

تلا عليهمْ آيةَ التطهيرِ *** عن اللطيفِ العاصمِ القديرِ

قال عليٍّ عندما تمَّ العَددُ *** أَبِنْ لناخيرَ الوَرى و المحتَشَدْ

ما الفضلُ عندَاللَّهِ في الجلوسِ *** تحتَ الكِسا هل من هدَّى مأنوسِ؟

قال مجيباً والذي بالرحمهْ *** و بالهدى أرسلَنِي في الأمّهْ

ذا خبرٌ يشيّدُ الإمامهْ *** يجعلُكم لدينِهِ الدعامَهْ

يثبتُ فيكُم عصمةَ المنّانِ *** بما به من واضح البُرهانِ

فيه حديثُ قدْسُهُ المبينُ *** جاءَ بهِ من عندِهِ الأمينُ

ذا خبرٌ من الأمينِ مستمعْ *** ما ذُكِرَتْ آياته في مجتَمَعْ

و فيه جمع شايعُوا أولادِي *** لهم عليهِم سمةُ الودادِ

ألا وفيهم حُلتِ الكرامهْ *** من ذي العُلى الفزعةِ القيامهْ

حُفَّتْ بهم ملائكُ الغفرانِ *** حلت بهم نفائسُ الرحمنِ

و استغفرتْ لمن حواهُ المحفلُ *** ممنِ إليه المنتهى و المَؤئِلُ

ص: 567

حلّتْ بهم رحمتُهُ ما دامُوا *** كأَنَّهُم قامُوا له أو صَامُوا

قال عَليُّ عندَ ذاكَ فُزنا *** بما حبانا رَبُّنا سَعُدنا

قال النبيُّ والذي اصطفانِي *** أرسلنِي بالحقِّ و اجتبانِي

مبشّراً و منذراً نَجِيا *** و داعياً و هاديّاً مرضيّا

ذا خبرٌ بفضلِنَا يُنادي *** حياشةً للخلقِ و العبادِ

ما ذُكِرَتْ في محفلٍ أو نادِي *** يجمعِ أهلِ الرشدِ و السدادِ

آياتُهُ الناصعةُ المنوّرهْ *** محكمةٌ عن فضلِنا المعبّرهْ

و فيهِ جمعٌ من ذوي الولايهْ *** شيعتُنا و من لهُم درايهْ

و من لهُمْ في لبِّنا المكانُ *** كما لنا في لبِّهم حنانُ(1)

و كانَ فيهمْ أحدٌ مهموماً *** إلا و كانَ همُّه معدُوما

أو كانَ فيهمْ أحدٌ ذا غمِّ *** إلا و كانَ هَمُّه ذا عُدمِ

و لم يكنْ ذا حاجةٍ و مسألهْ *** إلا قَضى ربُّ العلى الحاجة لَهْ

قال عليٍّ صاحبُ الولايهْ *** من في غدٍ في كفّهِ السِّقايهْ

فاز إذاً شيعتنا و فُزنا *** كسَعْدِهم و ربِّنا سَعُدنا

دنيا و أخرى كانتِ السَّعادهْ *** و نبتغي من ذي العُلى الزيادَهْ

أعظِم بِهِ كمْ رحمةٍ أولاها *** أعززْ به كمْ نعمةٍ والأها

أحمُدُه في السرِّ و الإعلان *** أشكُرُه بالفضلِ و الإحسانِ

أقولُ فيمن قد حوى الكساءُ *** بهم لنا قد كَمُلَ الولاءُ

بهم علينا قد أتمَّ النعمهْ *** خالقُنا فيها لها من رحْمَهُ

به أعوذْ و الكسا و من حوى *** و بالوِلا وحبِّ من فيهِ ثَوى

و بالهْدى و من به قد نزَلا *** و بالحديثِ و بمنْ له تَلا

ص: 568


1- لبنا: (اللب) القلب.

بهمْ أعيذْ بدنِي من المرضْ *** وصيني من كلِ داء و عرضْ

اعيذُ ديني و كذاكَ أهلي *** كذاك عامِي أن يرى كالجَهْلِ

أختمُ ذا النظمِ بصلّى اللَّهُ *** على محمدٍ و ذي قرباهُ

أرجُو بذاكَ الفوزَ و السعادهْ *** أرجُو بذاك العفوَ و الرِّفادهْ(1)

أرجُو بذاكَ سعةً في المالِ *** و عصمة في القول و الفعالِ

حتى أعودَ للجزا بلا لمم *** أأمن العقبى فلا أخشى أَلَم(2)

أجاورُ الأقطابَ أصحابَ الكسا *** أرجو بهم ذاك المُنى ملتمِسا

ناظمُها يرجو أن يكونا *** محمدُ الفِعال مستعينا

بربِّه و رهطِه آلِ العبا *** على همة إليه اقتربا

ينظمُها خالصةً مقبولهْ *** لحشرهِ نافعةً مرحولهْ

ثمَّ السلامُ و بهِ الختامُ *** عليهمُ ما قامتِ الأعلامُ

ص: 569


1- الرفادة: العطاء و الإعانة و الصلة.
2- لمم: صغائر الذنوب.

(32) فاطمة علیها السلام خير النساء

(بحر الرّجز)

السيد محمد القزويني(*)(1)

روَتْ لَنَا فَاطِمَةً خَيْرُ النّسا *** حَدِيثَ أهْل الفَضْل أَصْحاب الكِسا

تقُولُ إِنَّ سَيْدَ الأَنَامِ *** قَدْ جَاءَنِي يَوْماً مِنَ الأَيَّامِ

ص: 570


1- (*) السيد محمد ابن السيد مهدي القزويني، ينتهي نسبه الشريف إلى محمد بن زيد بن علي بن الحسين علیه السلام و أمه كريمة الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير. ولد في الحلة سنة (1262 ه-) و فيها نشأ و حين بلغ سن البلوغ هاجر إلى النجف الأشرف مع أخويه الكبيرين السيد ميرزا جعفر و السيد ميرزا صالح، فدرس المعاني و البيان و المنطق و الفقه والأصول ثم رجع إلى الحلة و اشتغل بالتدريس، فهذَّب جملة من شباب الحلة و أعاد الكرّة للنجف لاستكمال الفضيلة مع أخويه المذكورين فانكب على الدرس و أخذ العلم من مختلف جوانبه، فكان المترجَم له، موسوعة علم و أدب، فإذا تحدَّث فحديثه كمحاضرة وافية تجمع الفقه والتفسير والأدب واللغة والنقد مضافاً إلى الفصاحة واللباقة وعذوبة المنطق وتزينه سمات العبادة والورع، فمن مميزاته أنه یحرص كل الحرص على مصلحة الأمة و الرأفة بالضعيف فلاتأخذه في اللَّه لومة لائم. و بعد وفاة والده السيد مهدي القزويني أخويه الكبيرين «رحمة اللَّه عليهما» قام بأعباء الزعامة الدينية من الحلة فكان المرجع في الأحكام الشرعية و الأمور الاجتماعية و صلاة الجماعة في المسجد العام مواضباً على التدريس في الفقه والأصول و تربية النشء بالتربية الصالحة، و قام بإصلاحات عامة من تجديد بناء مراقد العلماء العظام التي كادت أن تنطمس معالمها، فيشكر على ما بذل من جهد كبير. و ترك المترجَم له كثيراً من الآثار العلمية منها منظومة في المواريث ورسالة في علم التجويد و القراءات، و رسالة في مناسك الحج وغيرها وكل هذا يدلنا على مواهبه. اختاره الله و دعاه إليه، فلبّى النداء فجر يوم الخميس الخامس من محرم الحرام سنة (1335 ه) في مسقط رأسه -الحلة- و حُمل إلى النجف الأشرف و دفن في مقبرتهم الواقعة في محلة العمارة.

فَقَالَ لِي إِنِّي أَرَى فِي بَدَنِي *** ضَعْفاً أَراهُ اليَوْمَ قَدْ أَنْحَلَنِي

قُومِي عَلَيَّ بِالكِسا اليَمَانِي *** وَ فِيهِ غَطْنِي بِلا تَوَانِي(1)

فَقُمْتُ نَحْوَهُ وَ قَدْ لَبَّيْتُهُ *** مُسْرِعَةَ وَ بِالكِسا غَطَيْتُهُ

وَ صِرْتُ أرنُو وَجْهَهُ كَالبَدْرِ *** فِي أَرْبَعٍ بَعْدَ لَيَالٍ عَشْرِ

فَمَا مَضَى إلا اليَسِيرُ مِنْ زَمَنْ *** حَتَّى أَتَى أَبُو مُحَمَّدِ الحَسَنُ

فَقَالَ يَا أُمَّاهُ إِنِّي أَجِدُ *** رَائِحَةَ طَيِّبَةً أَعْتَقِدُ

بِأَنَّهَا رَائِحَةُ النَّبِيِّ *** أَخِي الوَصِيِّ المُرْتَضَى عَلِيٌّ

قُلْتُ نَعَمْ هَا هُوَ ذَا تَحْتَ الكِسا *** مُدَّثِرٌ بِهِ تَغَطَّى وَاكْتَسَى

فَجَاءَ نَحْوَهُ ابْنُهُ مُسَلِّما *** مُسْتَأْذِناً فَقَالَ ادْخُلْ كَرَمَا

فَمَا مَضَى إِلا القَلِيلُ إِلاَّ *** جَاءَ الحُسَيْنُ السُبْط مُسْتَقِلا

فَقَالَ يا أُمَّ أَشُمُ عِنْدَكِ *** رَائِحَةٌ كَأَنَّهَا المِسْكُ الذَّكِي

وَ حَقٌّ مَنْ أَوْلاكِ مِنْهُ الشَّرَفا *** أَظُنُّها رِيحُ النَّبِيِّ المُصْطَفَى

قُلْتُ نَعَمْ تَحْتَ الكِسَاءِ هَذَا *** بِجَنْبِهِ أَخُوكَ فِيهِ لاذا

فَأَقْبَلَ السِّبْطُ لَهُ مُسْتَأْذِنَا *** مُسَلِّما قَالَ لَهُ ادْخُلْ مَعَنا

فَمَا مَضَى مِنْ سَاعَةِ إِلا وَقَدْ *** جَاءَ أَبُوهُمَا الغَصَّفَرُ الأَسَدْ

أبُوالأَئِمَّةِ الهُدَاةِ النُّجُبَا *** المُرْتَضَى رَابِعُ أَصْحَابِ العَبا

فَقَالَ يا سَيِّدَةَ النِّساءِ *** وَ مَنْ بِهَا زُوِّجْتُ فِي السَّمَاءِ

إنِّي أَشُمُّ فِي حِماكِ رَائِحَهْ *** كَأَنَّهَا الوَرْدُ النَّدِيُّ فَاتِحَهْ

يَحْكِي شَدَّاها عُرْفَ سَيِّدِ البَشَرْ *** وَ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَ لَبَّى وَ اعْتَمَرْ(2)

قُلْتُ لَهُ تَحْتَ الكِسَاءِ الْتَحَفَا *** وَ ضَمَّ شِبْلَيكَ وَ فِيهِ اكْتَنَفَا

فَجَاءَ يَسْتَأْذِنُ مِنْهُ سَائِلا *** مِنْهُ الدُّخُولَ قَالَ ادْخُلُ عَاجِلاً

ص: 571


1- تواني: الكل والفتور والحجز.
2- يحكي: يشابه.

قَالَتْ فَجِلتُ نَحْوَهُمْ مُسَلَّمَهْ *** قَالَ ادْخُلِي مَحْبُوةٌ مُكَرَّمَهْ(1)

فَعِنْدَمَا بِهِمْ أَضَاءَ المَوْضِعُ *** وَ كُلُّهُمْ تَحْتَ الكِسَاءِ اجْتَمَعُوا

نَادَى إِلهُ الخَلْقِ جَلَّ وَ عَلاَ *** يُسْمِعُ أَمْلاَكَ السَّمَوَاتِ العُلَى

أُقْسِمُ بِالعِزَّةِ وَ الجَلالِ *** وَ بِارْتِفَاعِي فَوْقَ كُلِّ عَالِي

مَا مِنْ سَما رَفَعْتُها مَبْنِيَّهْ *** وَ لَيْسَ أَرْضُ فِي الثّرَى مَدْحِيَّهْ(2)

وَ لاَخَلَقْتُ قَمَراً مُنيرا *** كلاً وَ لاشَمْساً أَضَاءَتْ نُورا

وَ لَيْسَ بَحْرٌ فِي المِيا و ِيَجْرِي *** كَلاً وَ لاَفُلْكُ البِحَارِ تَسْرِي

إلا لأَجْلِ مَنْ هُمُ تَحْتَ الكِسا *** مَنْ لَمْ يَكُنْ أمْرُهُمُ مُلْتَبسا

قَالَ (الأَمِينُ) قُلْتُ يَا رَبِّ وَمَنْ *** تَحْتَ الكِسا بِحَقِّهِمْ لَنا أَبِنْ؟

فَقَالَ لِي هُمْ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ *** وَ مَهْبِطُ التَّنْزِيلِ وَالجَلالَةِ

وَ قَالَ هُمْ فَاطِمَةٌ وَ بَعْلُها *** وَ المُصْطَفَى وَ الحَسَنَانِ نَسْلُها

فَقُلْتُ يا رَبَّاهُ هَلْ تَأْذَنُ لِي *** أنْ أهْبِطَ الأَرْضِ لِذَاكَ المَنْزِلِ؟

قَالَ نَعَمْ فَجِئْتُهُمْ مُسَلِّماً *** مُسْتَأْذِنَا أَتْلُو عَلَيْهِمْ (إِنَّما)

يَقُولُ إِنَّ اللّهَ خَصَّكُمْ بِهَا *** مُعْجِزَةٌ لِمَنْ غَدًا مُنْتَبِها

أقْرَأَكُمْ رَبُّ العُلَى سَلامَهْ *** وَ خَصَّكُمْ بِغَايَةِ الكَرَامَهْ

وَ هُوَ يَقُولُ مُعْلِناً وَ مُفْهِما *** أَمْلاكَهُ الغُرَّ بِمَا تَقَدَّما

قَالَ (عَلِيَّ) قُلْتُ يَا حَبِيبِي *** مَا لِجُلُوسِنَا مِنَ النَّصِيبِ؟

قَالَ النَّبِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَانِي *** وَ خَصَّنِي بِالوَحْيِ وَ اجْتَبَانِي

مَا إِنْ جَرَى ذِكْرٌ لِهَذَا الخَبَرِ *** فِي مَحْفِلِ الأَشْيَاعِ خَيْرِ مَعْشَرٍ

إِلَّا وَ أَنْزَلَ الإِلهُ الرَّحْمَهْ *** فِيهِمْ وَ حَقَّتْهُمْ جُنُودُ جَمَّهْ

منَ المَلائِكِ الَّذِينَ صَدَقُوا *** تَحْرِسُهُمْ فِي الدَّهْرِ مَا تَفَرَّقُوا

ص: 572


1- محبوة: معطاة من غير جزاء.
2- مدحية: مبسوطة.

كَلاً وَ لَيْسَ فِيهِمُ مَغْمُومُ *** الأَوَ عَنْهُ تُحْشَفُ الهُمُومُ

كَلاً وَ لاَطَالِبُ حَاجَةٍ يَرَى *** قَضَاءَهَا عَلَيْهِ قَدْ تَعَسَرا

الأقضَى اللَّهُ الكَرِيمُ حَاجَتَهْ *** وَ أَنْزَلَ الرِّضْوَانَ فَضْلاً سَاحَتَهْ

قَالَ (عَلِيَّ) نَحْنُ وَالأَحْبَابُ *** أَشْيَاعُنَا الَّذِينَ قِدْماً طَابُوا

فُرْنَا بِمَا نِلْنَا وَ رَبِّ الكَعْبَهْ *** فَلْبَشَكُرَنَّ كُلَّ فَرْدِ رَبَّهْ

یا عَجَباً يَسْتَأْذِنُ الأَمِينُ *** عَلَيْهِمُ وَ يَهْجُمُ الخَؤُونُ

قَالَ سَلِيمٌ قُلتُ باسَلْمَانُ *** هَلْ هَجَمَ القَوْمُ وَ لَااسْتِتَذَانُ(1)؟

فَقَالَ إي وَ عِزَّةِ الجَبَّارِ *** وَ مَا عَلَى الزَّهْرَاءِ مِنْ خِمَارِ(2)

لكِنَّها لأذَتْ وَرَاءَ البَابِ *** رِعَابَةً لِلسِّتْرِ وَ الحِجَابِ

فَمُذْ رَأَوْما عَصَرُوها عَصْرَةً *** كَادَتْ بِنَفْسِي أَنْ تَمُوتَ حَسْرَةً(3)

تَصِيحُ يا فِضَّةُ أَسْنِدِينِي *** فَقَدْ وَ رَبِّي قَتَلُوا جَنِينِي

فَأَسْقَطَتْ بِنْتُ الهُدَى وَاحُزْنَا *** جَنِينِهَا ذَاكَ المُسَمَّى (مُحْسِنا)

وَ لَمْ يَرُعْهَا كُلَّما قَدْ فَعَلُوا *** لَكِنَّها قَدْ خَرَجَتْ تُوَلُولُ

فَالبَعَثَتْ نَصِيحُ بَيْنَ النَّاسِ *** خَلُوهُ أَوْ لأَكْشِفَنَّ رَاسِي(4)

وَ لَوْ يَشاءُ فَرَّقَ الجُمُوعا *** وَ تَرَكَ العَاصِي لَهُ مُطِيعا

ص: 573


1- في كتاب سليم بن قيس ص39 قال سليم: قلت لسلمان: أدخلوا على فاطمة علیها السلام بغير إذن؟ قال: إي واللّه و ما عليها خمار فنادت يا ابتاه يا رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم فلبئس ما خلفك أبوبكر وعمر وعيناك لم تتفقاً في قبرك.
2- خمار: مطلق الستر أو ما تستر به المرأة رأسها.
3- في كتاب سليم بن قيس ص40 قال: كان قنفذ مولى أبي بكر حين ضرب فاطمة علیها السلام بالسوط حين حالت بينه و بين زوجها... و أرسل إليه عمر إن حالت بينك و بينه فاطمة علیها السلام، فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها و دفعها فكسر ضلعها من جنبها فألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة.
4- بعد أن دخلوا بيتها و أخرجوا علياً ملبياً خرجت فاطمة علیها السلام فقالت: يا أبابكر أتريد أن ترملني من زوجي؟ واللَّه لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري و لأشقن جيبي و لآتين قبر أبي و لأصيحن إلى ربي فأخذت بيد الحسن و الحسين علیهما السلام و خرجت تريد قبر النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم فقال علي علیه السلام السلمان: [أدرك ابنة محمد فإني أرى جنبتي المدينة تكفيان واللَّه إن نشرت شعرها وشقت جيبها وانت قبر أبيها وصاحت إلى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها و بمن فيها . انظر البحار، ج28 ص227 و في البرهان ج2 ص93. و في البرهان ج2 ص93 ح4... و الاختصاص، ص181.

بصَوْلَةٍ تَرَى الجَنِينَ أَشْيَبا *** تُذَكَّرُ المُنَافِقِينَ (مَرْحَبا)(1)

وَ ضَرْبَةٍ يَبْرِي لَهَا أَعْنَاقَها *** مِنْ قَبْلِهَا عَمْرُو بْنُ وُدْ ذَاقَهَا(2)

لكِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ المُخْتَارِ *** أَنْ يَعْمِدَنَّ سَيْفَ ذِي الفِقَارِ(3)

ص: 574


1- ابن شهر آشوب في مناقبة ج3 ص129...: روى بريدة أن علياً علیه السلام لضرب مرحباً على مقدمه فقد الحجر و المغفر ونزل في رأسه وقع في الإضراب و أخذ المدينة... و ذكر أنه سمع أهل العسكر صوت ضربته... و لما قلق على رأس مرحب كان الفتح.
2- في المناقب لابن شهر آشوب/ ج3 ص136: یسير إلى نفس المصير الذي لاقاه عمرو بن ود العامري في غزوة بدر والذي قال عنه رسول اللَّه واصفاً خروج الإمام علي علیه السلام الملاقاة عمرو: خرج الإيمان كله إلى الكفر كله... و قال عن مبارزته تلك: لمبارزة علي بن أبي طالب علیه السلام لعمرو بن ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة...
3- في كتاب سليم بن قيس، ص20 قال: أقبل النبي صلي اللّه علیه و آله و سلم على علي علیه السلام فقال: يا علي علیه السلام إنك ستلقى من قريش شدَّة من تظاهرهم عليك و ظلمهم لك فإن وجدت أعواناً فجاهدهم فقاتل من خالفك بمن وافقك فإن لم تجد اعواناً فاصبر واكفف يدك ولا تلق بيدك إلى التهلكة... و أخرج القندوزي في ينابيع المودة، ص182 قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: يا علي علیه السلام انك ستبلى بعدي فلا تقاتلن... نقلت من كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام للمقرم ص47، رياض المدح والرثاء ص3.

(33) بنت نبي الهدى صلي الله علیه و آله و سلم

(بحر الرجز)

السيدة معاذة أُم س سعد بن معاذ(1)

أقولُ قَوْلاً فيهِ ما فيهِ *** و أَذْكُرُ الخَيْرَ وَ أُبْدِيهِ

مُحَمَّدٌ خَيْر بَني آدمٍ *** مافِیهِ مِنْ كِبْرِ وَ لاتيهِ

بِفَضْلِهِ عَرَّفنا رُشْدَنا *** فاللَّهُ بِالخَيْرِ يُجازِيهِ

وَ نَحْنُ مَعْ بِنْتِ نَبيِّ الهدى *** ذِي شَرَفٍ قَدْمُكِّنَتْ فیهِ(2)

ص: 575


1- في زفاف فاطمة الزهراء علیها السلام اجتمع رجالات بني هاشم يمشون في موكب السيدة، و أمر النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم بنات عبدالمطلب (عماته) و نساء المهاجرين و الأنصار أن يرافقن فاطمة علیها السلام في تلك المسيرة، و كانت زوجات الرسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم يمشين قدامها و يرجزن و كانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز ومن النساء التي كانت تردد و تقرأ معاذة أم سعد بن معاذ وهذه أبياتها.
2- في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، ص131 قال: قال: أخرج الثعلبي عن الباقر علیه السلام قال: سئل رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم عن قوله «تعالى»: «الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ» [سورة الرعد، آية: 29]. فقال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: «هي شجرة في الجنة أصلها في داري و فرعها على أهل الجنة فقيل له يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم سألناك عنها فقلت: هي شجرة في الجنة أصلها في دار علي وفاطمة وفرعها على أهل الجنة؟ فقال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: إن داري و دار علي و فاطمة علیهما السلام واحد غداً في مكان واحد و هي شجرة غرسها الله تعالى و تبارك بيده و نفخ فيها من روحه تنبت الحلي و الحلل و إن أغصانها لتدلى من وراء سور الجنة...». و في بحار الأنوار، ج37 ص59: روى أبوهريرة أنه سجد رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم خمس سجدات بلاركوع، فقلنا له في ذلك فقال: أتاني جبرائيل فقال: «إن الله يحب علياً فسجدت... فرفعت رأسي فقال: إن اللَّه يحب الحسن فسجدت... فرفعت رأسي فقال: إن اللَّه يحب الحسين فسجدت... ثم قال: إن اللَّه يحب فاطمة علیها السلام فسجدت... ثم قال: إن اللَّه يحب من أحبهم فسجدت».

في ذِرْوَةٍ شامِخَةٍ أَصْلُها *** فما أَرى شَيْئاً يُدانِيهِ(1)

ص: 576


1- فاطمة الزهراء علیها السلام من المهد إلى اللحد.

(34) ما بال عينيك

(بحر الرجز)

السيد مهدي الأعرجي(*)(1)

مَا بَالُ عَيْنَيْكَ دَمَاً تَنْسَكِبُ *** وَ نَارُ أحشاك أسى تَلْتَهبُ؟

أَهَلْ تَذَكَّرْتَ عُهُوداً سَلَفَتْ *** لَزَيْنَبٍ فَأَرْقَتْكَ زَيْنَبُ؟

أم هل تشَوَّقت ظِباءً سَنَحَتْ *** بِالجَزَع أم راك ذاك الرَّبْرَبُ(2)؟

أمْ َهلْ شَجَتْكَ أربعٌ قَدْ دَرَسَتْ *** فَأَخْلَقَتْ جَدْتَهُنَّ الحُقَبُ؟

أمْ هَلْ دَهَتْكَ الحَادِثَاتُ مِثْلَما *** دَهَتْ فؤادي يَوْمَ طه النُّوبُ؟

يَوْمَ قضى فيهِ النَّبِيُّ نَحْبَهُ *** فظَلّتِ الدُّنيا لَهُ تَنتَحِبُ

وَ انْقَلَبَ النَّاسُ عَلَى أعقابِهِمْ *** وَ لَنْ يَضُرُّ اللَّهَ مَنْ يَنْقَلِبُ(3)

ص: 577


1- (*)مرّت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الربرب: القطيع من بقر الوحش.
3- إشارة إلى انقلاب القوم على أعقابهم بعد موت النبي الله قال تعالى:«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ». [سورة آل عمران الآية: 114]. و روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص91 عن أبي المفضل محمد بن عبدالله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة قال: و قبض رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم وقت الضحى من يوم الاثنين بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها -إلى أن قال- ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة وجاؤوا به إلى سقيفة بني ساعدة فلما سمع بذلک عمر أخبر بذلك أبابكر فمضيا مسرعين إلى السقيفة و معهما أبوعبيدة بن الجراح، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار و سعد بن عبادة بينهم مريض فتنازعوا الأمر فآل الأمر إلى أن قال أبوبكر في آخر كلامه للأنصار: إنما أدعوكم إلى أبي عبيدة ابن الجراح أو عمر و كلاهما قد رضيت لهذا الأمر و كلاهما أراهما له أهلاً. فقالت الأنصار: نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منا و لامنكم فنجعل منا أميراً، و منكم أميراً و نرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار، فقال أبوبكر بعد أن مدح المهاجرين: و أنتم يا معاشر الأنصار ممن لاينكر فضلهم و لانعمتهم العظيمة في الإسلام- إلى أن يقول المفضل. فقال الحباب بن المنذر الأنصاري: يا معشر الأنصار امسكوا على أيديكم فإنما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يجترىء مجتر على خلافكم، و لن يصدر الناس إلا عن رأيكم. و أثنى على الأنصار ثم قال: فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا و لانقنع بدون أن يكون منا أمير و منهم أمير فقام عمر ابن الخطاب فقال: هيهات لايجتمع سيفان في غمد واحد أنه لاترضى العرب أن تؤمركم و نبيها من غيركم إلى أن يقول المفضل -فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال: يا معشر الأنصار أمسكوا على أيديكم و لاتسمعوا مقال هذا الجاهل و أصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، وإن أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فأجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم فأنتم واللَّه أحق به منهم، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها وأنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب والله لئن أحد ردّ قولي لأحطمن أنفه بالسيف.

وَ أَقْبَلُوا إلَى (البَتُولِ) عَنْوَةً *** وَحَوْلَ دارِها أُديرَ الحَطَبُ

فَاسْتَقْبَلَتْهُمْ فاطِمٌ وظَنُّها *** إِنْ كلَّمَتْهُمْ رَجَعُوا وَانْقَلَبُوا

حَتّى إذا خَلَتْ عَنِ البابِ وَقَدْ *** لاذَتْ وَرَاهَا مِنْهُمُ تَحْتَجِبُ

فَكَسَرُوا أَصْلاعَها وَاغْتَصَبُوا *** مِیراثَها وَ لِلشُّهودِ كَذَّبُوا(1)

ص: 578


1- أما عن ميراثها وتكذيب الشهود مضافاً إلى ما تقدم ورد في عوالم العلوم ج2/11 ص 635. و روى العلامة في (كشكوله) المنسوب إليه: عن المفضل بن عمر قال: مولاي جعفر الصادق علیه السلام لما ولي أبوبكر بن أبي قحافة قال له: عمر إن الناس عبيد هذه الدنيا لايريدون غيرها فامنع علياً علیه السلام و أهل بيته علیهم السلام الخمس والفيء و فدكاً، فإن شيعته إذا علموا ذلك تركوا علياً و أقبلوا إليك رغبة في الدنيا وإثاراً ومحاماة عليها، ففعل أبوبكر ذلك و صرف عنهم جميع ذلک... إلى قوله... قال على علیه السلام الفاطمة علیها السلام: صيري إلى أبي بكر وذكريه فدكاً فصارت فاطمة علیها السلام إليه و ذكرت له فدكاً مع الخمس و الفيء، فقال: هاتي بينة يا بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم فقالت: أما فدك... إلى... فقال عمر هاتي بينة يا بنت محمد صلى الله عليه و آله و سلم: على ما تدعين فقالت فاطمة علیها السلام: قد صدقتم جابر بن عبد الله وجرير بن عبد الله و لم تسألوهما البينة. و بينتي في كتاب اللَّه... إلى... فقال لها عمر: إلى... فقال لها عمر: دعينا من أباطيلك و أحضرينا من يشهد لك بما تقولين فبعثت إلى علي و الحسن و الحسين علیهم السلام و أم أيمن و أسماء بنت عميس و كانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادعته فقال: أما علي فزوجها وأما الحسن والحسين فابناها و أما أم أيمن فمولاتها و أما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم و قد كانت تخدم فاطمة علیها السلام و كل هؤلاء يجرون إلى أنفسهم. إلى آخر الرواية أخذنا موضع الحاجة.

وَ أخْرَجُوا (الكَرارَ) مِنْ مَنْزِلِهِ *** وَ هُوَ بِبَنْدِ سَيْفِهِ مُلَبَّبُ(1)

يصبحُ أَبْنَ اليَوْمَ مِنّي (حَمْزَةٌ) *** يَنْصُرُنِي (وَجَعْفَرٌ) فَيَغْضَبُ

وَ خَلْفَهُمْ (فاطِمَةٌ) تَعْثر في *** أذيالِها وَقَلْبُها مُنشَعِبُ

تَصِيحُ خَلّوا عَنْ (عَلِيٍّ) قَبْلَ أَنْ *** أَدْعُو وَفِيكُمْ أَرْضُكُمْ تَنْقَلِبُ(2)

فَأَقْبَلَ (العَبْدُ) لَهَا يَضْرِبُها *** بالسَّوْطِ وَ هيَ بِالنَّبِيِّ تَنْدُبُ

يا والدي هذا (عَلِيَّ ٌ) بَعْدَ *** عَيْنَيْكَ عَلَى اغْتِصابِه تَأَلَّبُوا

ص: 579


1- مُلَبَّب: متردّد-مجرور.
2- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2/11 ص 567 نقلاً عن البحار: روي عن الحسين ابن حمران عن محمد بن إسماعيل، و علي بن عبد الله الحسني عن أبي شعيب، و محمد ابن ،نصیر، عن عمر بن الفرات عن محمد بن المفضل عن المفضل بن عمر عن الصادق علیه السلام -في حديث طويل-: وجمعهم الجزل و الحطب على الباب لإحراق بيت عليه أميرالمؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و زينب و أم كلثوم علیهم السلام و فضة و إضرامهم النار على الباب و خروج فاطمة علیها السلام إليهم و خطابها علیها السلام لهم من وراء الباب و قولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على اللَّه و على رسوله صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفىء نور اللَّه؟ واللَّه متم نوره وانتهاره لها: وقوله كفّي يا فاطمة علیها السلام فليس محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم حاضراً و لاالملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عنداللَّه و ما علي إلا كأحد من المسلمين، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعاً. فقالت و هي باكية: اللهم إليك نشكو فقد نبيك صلي اللَّه علیه و آله و سلم و رسولك وصفيك و ارتداد أمته علينا و منعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك صلي اللَّه علیه و آله و سلم المرسل، فقال لها عمر دعي عنك يا فاطمة علیها السلام حماقات النساء، فلم يكن الله ليجمعكم النبوّة صلي اللَّه علیه و آله و سلم و الخلافة و أخذت النار في خشب الباب و إدخال قنفذ يده («لعنه الله») يروم فتح الباب- إلى أن يقول: -و خروج أميرالمؤمنين علیه السلام من داخل الدار محمر العين حاسراً حتى ألقى ملاءته عليها و ضمّها إلى صدره و قوله لها: يا بنت رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم قد علمت أن أباك بعثه اللَّه رحمة للعالمين فاللَّه اللَّه أن تكشفي خمارك، و ترفعي ناصيتك، فواللَّه يا فاطمة علیها السلام لئن فعلت ذلك لاأبقى اللَّه على الأرض من يشهد أن محمداً صلي اللَّه علیه و آله و سلم رسول اللَّه، و لاموسى و لاعيسى و لاإبراهيم و لانوح و لاآدم و لادابة تمشي على الأرض و لاطائراً السماء إلا أهلكه اللَّه. إلى آخر الحديث.

وَ أعْزَلُوهُ جَانِباً وَ أَمَّرُوا *** ضَئِيلَ تَيْمِ بَعْدَهُ وَ نَصَّبُوا(1)

تَجاهَلُوا مَقَامَهُ وَهُوَ الَّذِي *** بِسَيْفِهِ في الحَرْبِ قَدْ (مَرْحَبُ)

وَ لَوْ تَرانِي وَالْعِدَى تَحالَفُوا *** عَليَّ لَمّا غَيَّبَتكَ التُّرَبُ

وَ جَرَّعُونِي صَحْبُكَ الصَّابَ وَقَدْ *** تَراكَمَتْ مِنْهُمْ عَلَى الْكُرَبُ(2)

وَ لَمْ تَزلَ تَجْرَعُ مِنْهُمْ غُصَصاً *** تَنْدَكُ مِنْهَا الراسياتُ الهُضَّبُ

حتى قضتْ بِحَسْرَةِ مَهْضُومَةً *** حُقُوقُها وَقَيْتُها مُسْتَلبُ(3)

ص: 580


1- إشارة إلى عزل الإمام علي علیه السلام عن حقه بالخلافة وتنصيب أبي بكر، فقد روي في كتاب الاحتجاج ج1 ص95 في حديث طويل عن أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيباني بإسناده الصحيح عن رجال ثقة قال: فقال عمر: يا علي علیه السلام أما لك بأهل بيتك أسوة؟ فقال علي علیه السلام: سلوهم عن ذلك، فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا: واللَّه ما بيعتنا لكم بحجة على علي علیه السلام و معاذ اللَّه أن نقول إنا نوازيه في الهجرة و حسن الجهاد و المحل من رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم إلى أن قال أميرالمؤمنين علیه السلام: -يا معاشر المهاجرين والأنصار الله الله لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ولا تخرجوا سلطان محمد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم و لاتدفعوا أهله عن حقه ومقامه في الناس، فواللَّه معاشر الجمع إن الله قضى وحكم و نبيه أعلم و أنتم تعلمون بأنا أهل البيت علیهم السلام أحق بهذا الأمر منكم أما كان القارىء منكم لكتاب الله الفقيه في دين الله المضطلع بأمر الرعية، واللَّه إنه لفينا لافيكم فلاتتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً و تفسدوا قديمكم بشر من حديثكم. فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر و قالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن علیه السلام لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان فقال علي علیه السلام: يا هؤلاء كنت أدع رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم مسجى لاأواريه و أخرج أنازع في سلطانه واللَّه ما خفت أحداً يسمو له و ينازعنا أهل البيت فيه و يستحل ما استحللتموه، و لاعلمت أن رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم اللَّه ترك يوم غدير خم لأحد حجة و لالقائل مقالاً، فأنشد الله رجلاً سمع النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم يوم غديرخم يقول: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله أن يشهد الآن بما سمع. قال زيد بن أرقم فشهد اثنا عشر رجلاً بدرياً بذلك وكنت ممن سمع القول من رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم فكتمت الشهادة يومئذ فدعا عليّ عليّ علیه السلام فذهب بصري.
2- الصاب: ثمر طعمه مر.
3- إشارة إلى ما روي في كتاب العوالم ج2/11 ص 565 ، لما قبض رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم و جرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها و إخراج ابن عمها أميرالمؤمنين علیه السلام و ما لحقها من الرجل أسقطت به ولداً تماماً، و كان ذلك أصل مرضها و وفاتها. و في البحار ج43 ص172، ح13 عن أمالي الصدوق، في خبر طويل قد أثبتناه في باب ما أخبر النبي هلال الهلال بالظلم أهل البيت علیهم السلام قال: و أما ابنتي فاطمة علیها السلام فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين آخرين و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي و هي روحي التي بين جنبي... إلى قوله صلي اللَّه علیه و آله و سلم... إلى قوله... و إني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي كأني بها و قد دخل الذلُّ بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها واسقطت جنينها علیها السلام... إلى آخر قوله. فينها: الخراج أو الغنيمة.

وَ أَخْرَجَ الكَرَارُ لَيْلاً نَعْشَها *** (وَزَيْنَبٌ) مِنْ خَلْفِهِمْ تَنْتَحِبُ(1)

فَقَالَ لِلزكي سكتها فَلا *** يُسْمَعُ جَهْراً صَوْتُها الْمُحَجَّبُ

فَلوْ يراها بالطُّفوفِ وَالْعِدى *** مِنْهَا الرِّداءَ وَالْخِمَارَ تَسْلُبُ

تَجُولُ في وادي الطُّفوفِ كَيْ تَرى *** أظفَالَها مِنَ الْخِيام هَرَبُوا

ثُمَّ انْتَنَتْ نَحْوَ أَخِيها وإذا *** بهِ علَى وَجْهِ الثّرى مُخَضَّبُ(2)

ص: 581


1- إشارة إلى ما روي في كتاب عوالم العلوم ج 2/11 ص 1119 سئل أميرالمؤمنين علیه السلام عن علة دفنه لفاطمة علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم ليلاً؟ فقال: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها و حرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها.
2- من وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص147.

(35) خامسة الأطهار علیها السلام

(بحر الرجز)

السيد مهدي الأعرجي(*)(1)

يَا أَيُّهَا الرَّبْعُ الَّذِي قَدْ دَرَسًا *** بَاكَرَكَ الغَيْثُ صَبَاحاً ومسا

كمْ زَمَنِ فِيكَ قَضَيْتُ لاأرى؟ *** الأحَبيباً أَوْ نَدِيماً مُؤنِسا

حَيْثُ تَرى وَجْهَ النَّرى مِنْ نَسْج *** كَفَّ الْغَيْثِ ثَوْباً سُنْدُسِيًّا لَبِسَا

وَ الرَّاحَ يَجْلُوهَا الرَّشَا فِي أَكْوسٍ *** قَدْ طَابَ ساقِيها وَ طابَتْ أَكْوسا(2)

أَرْدَتْنِي الأَوْزارُ لَكِنِّي تَخَلَّصْتُ *** بِمَدح (فَاطِم) خَيْرِ النّسا

مَنْ شَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْرَها *** وَ أَذْهَبَ الرَّحْمَنُ عَنْهَا الدَّنَسَا(3)

بِنْتُ النَّبيِّ الطُّهْرِ بَلْ بَضْعَتُهُ *** خَامِسَةُ الأَطْهَارِ أَصْحَابِ الكِسَا

فَكَمْ بِهَا كَانَ يَقُولُ (أحْمَدٌ) *** لِلْمُسْلِمينَ مَجْلِساً فَمَجْلِسا؟

فَاطِمَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَها *** أَغْضَبَ جَبّارَ السَّمَاءِ وَأَسا(4)

ص: 582


1- (*) مرت ترجمة الشاعر في الجزء الثالث.
2- الراح: الخمر.
3- و ذلك لأنها مشمولة بقوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» [سورة الأحزاب آية: 33] ، فقد روي في كتاب مستدرك الصحيحين للحاكم ج3 ص147: خرج رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم غداة و عليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء الحسين علیه السلام فدخل معه ثم جاءت فاطمة علیها السلام فأدخلها ثم جاء علي علیه السلام فأدخله ثم قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» أقول: ورواه البيهقي أيضاً في سننه ج2 ص149 ورواه ابن جرير في تفسيره ج22 ص5.
4- إشارة إلى ما روي في كتاب صحيح الترمذي ج2 ص319 في فضل فاطمة علیها السلام بنت محمد عن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم قال: «فإنما ابنتي. يعني فاطمة علیها السلام بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما آذاها». و في كتاب فرائد السمطين ج2 ص46: قال النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم: «إن اللَّه عز وجل» يغضب لغضب فاطمة علیها السلام، و يرضى لرضاها». أقول و في كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام من المهد إلى اللحد للسيد كاظم القزويني كتب في وصفها: فاطمة علیها السلام، و ما أدراك من فاطمة علیها السلام؟ شخصية إنسان تحمل طابع الأنوثة لتكون آية على قدرة الله البالغة و اقتداره البديع العجيب... فإن اللَّه تعالى خلق محمداً صلى اللَّه عليه و آله و سلم ليكون آية قدرته في للَّه الأنبياء... ثم خلق منه بضعته و ابنته فاطمة الزهراء علیها السلام لتكون علامة و آية على قدرة الله في إبداع مخلوق أنثى تكون كتلة من الفضائل و مجموعة من المواهب. فلقد أعطى الله «سبحانه وتعالى» فاطمة الزهراء علیها السلام أوفر حظ من العظمة... و أوفى نصيب من الجلالة بحيث لايمكن لأية أنثى أن تبلغ تلك المنزلة... فهي من فصيلة أولياء اللَّه الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض. و نزلت في حقهم آيات محكمات في الذكر الحكيم تتلى آناء الليل و أطراف النهار منذ نزولها إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم القيامة... شخصية كلما ازداد البشر نضجاً و فهماً للحقائق و اطلاعاً على الأسرار ظهرت عظمة تلك الشخصية بصورة أوسع... و تجلّت معانيها ومزاياها بصورة أوضح. إنها فاطمة الزهراء علیها السلام... اللَّه يثني عليها و يرضى لرضاها ويغضب لغضبها... و رسول اللَّه ينوه بعظمتها و جلالة قدرها... و أميرالمؤمنين علیه السلام لاينظر إليها بنظر الإكبار و الإعظام... و أئمة أهل البيت علیهم السلام لاينظرون إليها بنظر التقديس و الاحترام.

يَا وَيْحَ مَنْ أَغْضَبَها فِي فَيْئِها *** وَ مَا رَعاهَا بَلْ تَجافى وَقَسَا(1)

إِذْ قَالَ يَا قَوْمِ احْفَظُونِي فِي ابْنَتِي *** فَعادَ قَوْلُهُ لَهُمْ مُنْعَكِسا

أَصْبَحَ مِنْ بَعْدِ النَّبيِّ ضِلْعُها *** مُنْكَسِراً وَفَيْتُها مُخْتَلَسا(2)

وَ أَقْبَلُوا بِجَمْعِهِمْ لِدارِها *** وَ أَضْرَمُوا بِالْبَابِ مِنْهَا الْقَبَسا(3)

ص: 583


1- فينها: غنيمتها و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب السيرة الحلبية ج3 ص362: إنه (أي الخليفة الأول) كتب لها بفدك، و دخل عليه عمر فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب كتبته لفاطمة علیها السلام بميراثها من أبيها. فقال: ممّاذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى؟ ثم أخذ الكتاب فشقه.
2- مُخْتَلسا: مستلب بمخاتلة و معاجلة و في البيت إشارة إلى ما روي في كتاب البحار ج43 ص198: فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه اللَّه فألجأها إلى عضادة باب بيتها و دفعها فكسر ضلعاً من جنبها...
3- إشارة إلى ما روي في كتاب إثبات الوصية ص123. قال المؤرّخ المسعودي: فأقام أميرالمؤمنين علیه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم فوجهوا إلى منزله، فهجموا عليه و أحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً، وضغطوا سيدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً...

وَ فِي نِجَادِ السَّيْفِ قَادُوا بَعْلَها *** (عَلِيّاً) النَّدْبَ الهزبِرَ الأَشْوَسا(1)

تَاللهِ لَوْلا أَنَّهُ مُوصَى لِمَا *** أَلْفَوْاقِيادَهُ لَدَيْهِمْ سَلِسَا

وَ فَاطِمٌ خَلْفَهُمُ وَ دَمْعُها *** يَنْهَل مِنْ أَجْفَانِها مُنْبَجا

تَصِيحُ خَلّوا عَنْ عَلِيٌّ وَهُيَ فِي *** أَذْيَالِها تَعْمُرُ مِنْ فَرْطِ الأَسى

وَ لَمْ تَزل تَجْرَعُ مِنْهُمْ غُصَصَاً *** يَدُلُّ (رَضْوى) وَقَعُها وَ إِنْ رَسَا(2)

حَتَّى فَضَتْ غَضْبَى عَلَيْهِمْ وَ بِهَا *** لِقَبْرِها لَيْلاً (عَلِيٌّ) هَمَسا(3)

ص: 584


1- الندب: السريع إلى الفضائل الظريف النجيب الخفيف في الحاجة لأنه إذا ندب إليها خَفَّ لقضائها. الهزبر الأسد الأشوس: الرافع رأسه تكبراً.
2- رضوى: جبل بين المدينة وينبع. رسا: ثبت.
3- دیوان شعراء الحسين علیه السلام ج1 ص155.

(36) الكساء اليماني

(بحر الرجز)

الشيخ مهدي الحجار

صلّوا على الخمسةِ أصحابِ العَبا *** أفضلِ خلقِ اللَّه أُمّاً و أبا

روتْ لنا البتولُ خيرَ القِصصِ *** حديثَ سبطيها و طهَ و الوصِي

قالتْ أتاني والدي محمدُ *** فقال يابنتاه ضعفاً أجدُ

فقلتُ عوّذتكَ بالرحمنِ *** يا أبتاهُ من طارقِ الزمانِ

فقال يابنتاهُ ناوِلينِي *** الكسااليمانِي و بِهِ غطَّيني

فمذ تغطّى فيه صرتُ أنظُرُ *** لوجهه كالبدرِ حينَ يُسفَرُ

فما تقضتْ ساعةٌ من الزمنْ *** حتى أتى قرةُ عيني الحسَنْ

فقال يا أماهُ ما هذا الشذا *** جدّي هنا قلتُ بلی ها هوذا

فجاءَ نحو جدِّه ملتمسا *** بأن يكونَ معهُ تحتَ الكسا

مسلماً عليه بالتبجيلِ *** مستأذناً عليه بالدخولِ

فقال یا ریحانتي وشبحي *** أدخل معي فأنت روحِ الروحِ

فما استمرَ ساعةٌ من الأمدْ *** حتى أتى الشهيدُ فلذةْ الكبدْ

و بالسلام بعد ما حيّاني *** يا أمُّ يا سيدِتِي نادانِي

إني أشمُّ نفحةً في الدارِ *** كأنهار رائحةُ المختارِ

قلتُ أجل يا ولدي إن أبيّ *** و ابني في هذا الكساءِ مختبِي(1)

ص: 585


1- مختبي: من الإختباء أو الإختفاء.

فقالَ و هو للسرورِ يُبدي *** عليك صلى ربُّنا يا جَدّي

تأذنُ يا جدَاهُ بالدخولِ *** قال نعمْ و أنعمِ القبولِ

ألستَ مِني يا حسينُ وأنا *** منك فما الحاجةُ أن تستأذنا؟

ثمَّ أتى من بعدهم عليُّ *** أبوالحسين السيدُ الوصيُّ

فقالَ يا فاطمةُ الزكيهْ *** عليكِ مني أفضلُ التحيهْ

أشمُ في داركِ خيرَ شمِ *** كأنها رائحةُ ابن عمّي

قلتُ أجل إن أخاك المصطفى *** و ابنيك في هذا الكساءِ التحفِا

فأقبلَ الكرارُ خيرُ البشرِ *** بعد النبي الطاهرِ المطهرِ

و بالصلاةِ والسلامِ أعلنا *** على النبيِّ ثم منه استأذنا

قال أخي تأذنُ أن أغدو معكْ *** قال بلى أخي قد أذنتُ لكَ

فادخل فأنتْ ياعليِّ مني *** هارونُ من موسى فبلّغ عنّي

ثم أتتْ سيدةُ النساءِ *** من بعدهم تمشِي إلى الكساءِ

و افتتحتْ بأفضلِ السلامِ *** على أبيها سيدِ الأنامِ

و بعد ذاكَ استأذنتْ عليهِ *** بأن تضمَّ نفسَها إليهِ

فقالَ يا بضعةً خيرِ الرسلِ *** ريحانتِي أنتِ هلّمي فادخلِي

فقال لما اكتملوا و اجتمعوا *** ربُّ السما يا ساكنِيها استمعُوا

و عزَّتي و رفعتي وجُودي *** أهلُ الكساءِ علةُ الوجودِ

لولاهمُ لم أخلقِ الأملاكا *** كلا و لاالنجومَ و الأفلاك

كلاَ و لاأرضاً و لاسَما و *** لاشمساً و لابدراً و لاكان المَلا

غايةُ خلقي للورى حبُّهُمُ *** فقال جبريلُ إلهي من هُمُ

قال هم خمسةُ وهم طه *** و فاطمٌ و بعلُها و أبناها

فقال جبرائیلُ ياربِّ العلى *** تأذنُ لي عليهمُ أن أنزِلا

لكَي أكونَ سادسَ الأشباحِ *** قال إذاً تفوزُ بالنجاحِ

ص: 586

فأنزل عليهمْ و اتل قولِي إنما *** يريد تطهيركُمُ ربُّ السما

فجاءَ وهو رافعٌ للصوتِ *** بآيةِ الطهرِ لأهلِ البيتِ

و قال يا من قد هدى الأناما *** ربُّ السما يقرِئُكَ السَّلاما

و هو يقولُ لك أي وحقّي *** من أجلِ حبكم خلقتُ خلقِي

و أنه آذن بالمصیرِ *** لكي أكونَ سادسَ العشيرِ

فهل ترى لي يا نبيَّ الرحمةْ *** بأن أكونَ معكُم للخدمةْ؟

قال نعم حبيبي ياجبريلُ *** أدخل فقد جاز لكَ الدخولُ

فعندها قال عليُّ ذو العلى *** لأحمدَ المختارِ يا مولى المَلا

بيَّن لنا يا عاليَ الجنابِ *** مالجلوسِنا من الثوابِ؟

فقال و هو الصادقُ الأمينُ *** و عنه يُروى الخبرُ اليقينُ

حديثنا ما ذكرتهُ الأمهْ *** في محفلِ إلا ونالُوا الرحمهْ

و لادعا اللَّهَ به مهمومُ *** الاَ وعنه زالتِ الهمومُ

و طالبُ الحاجة إن دعا بهِ *** فوراً يرى قضاءَها من ربهِ

قال إذاً فزنا وربِّ الكعبهْ *** و نالت الشيعةْ أعلى الرُتبهْ

ص: 587

(37) ساعد الزهراء علیها السلام

(بحر الرّجز)

السيد نصر الله الحائري(*)(1)

ص: 588


1- (*) السيد نصر الله الحائري هو أبوالفتح عز الدين نصراللَّه بن الحسين بن علي الحائري الموسوي الفائزي و ينتهي نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام. كان مدرساً بالروضة المنوّرة الحسينية و لذلك يقال له (المدرس) قال: عبداللَّه السويدي البغدادي: إنه يعرف بابن قطة و كذا في نشوة السلافة و يعد السيد من عمالقة العلم و الأدب، و من أجلة العلماء و أكابر الفضلاء و الشعراء. كان شخصية لامعة في عصره له مجلس تدريس في الحضرة الحسينية المطهَّرة يحضره طائفة كبيرة من أفاضل أهل العلم. و ذكره الشيخ محمد رضا الشبيبي في مجلة الاعتدال النجفية، فقال: يُعدّ الأستاذ المحدِّث الأديب السيد نصر الله الحائري «رحمه اللَّه علیه» من أئمة الأدب في منتصف القرن الثاني عشر. شدَّت إليه الرحال و كانت له في الحائر مدرسة مشهورة و خزانة من أنفس خزانات الكتب فی عصره جلب إليها النسخ المختارة من الأقطار البعيدة. فقد كان الأستاذ المشار إليه رحالة كثير الأسفار و قد زار القسطنطينية و عواصم البلاد الايرانية وسواها غير مرة. روى عنه و قرأ عليه أشهر أدباء العصر الذي يلي عصره أو الطبقة التي تلي طبقته، و منهم بعض آل النحوي و منهم على الغالب الأستاذ اللغوي الأديب السيد صادق الفحام النجفي و هذا من اشهر أدباء العصر المذكورين الذين تخرجوا على الحائري، و السيد مير حسين الرضوي النجفي صاحب الديوان و قد منح إجازات في الرواية والاجتهاد من مشاهير الأعلام و أعاظم الرجال. ومن تصانيفه: 1-كتاب الروضات الزاهرات في المعجزات بعد الوفاة. 2- سلاسل الذهب المربوطة بقناديل العصمة الشامخة الرتب. 3- رسالة في تحريم التبغ، وغير ذلك. و في عصر المترجم له قام السلطان (نادرشاه) بمحاصرة بغداد بجيوشه حوالى ثمانية أشهر، و حديث ذلك مشهور في تاريخ العراق، ممّا اضطر الدولة العثمانية إلى أن تعقد الصلح مع نادرشاه على أن يكف عن غاراته هذه من جانبه، و أما العثمانيون فعليهم أن يعترفوا بمذهب الشيعة رسمياً و أن يكون لهم محراب خامس في مكة المكرمة، و إمام للصلاة في الحرم و أن يكون أمير الحاج للشيعة من قبله على الطريق البري العراقي. إن السلطان بذل سياسة كبرى من أجل توحيد كلمة المسلمين و إماتة الخصومات والخلافات الطائفية، فقام نادر شاه بزيارة العراق وتوجه إلى النجف الأشرف لزيارة الإمام أمير المؤمنين فأمر بتذهيب القبة العلوية والمئذنتين والإيوان الشرقي وهي أول قبة كسيت بالذهب في العراق في سنة (1155ه). قال المترجم له قصيدة بهذه المناسبة مؤرخاً تذهيب القبة، وقد خمس هذه القصيدة تلميذه الشيخ أحمد النحوي ومطلع القصيدة: إذا ضامك الدهر يوماً وجارا *** فلذ بحمى أمنع الخلق جارا و قام نادرشاه أيضاً بزيارة مرقد أبي الشهداء الإمام الحسين علیه السلام في مدينة كربلاء المقدسة و في هذه الرحلة كان من أعظم اهدافه أن يجمع علماء الإسلام على الوئام. فقد أحضر الشيخ علي أكبر الطالقاني من علماء دار السلطنة و مفتيها و شيوخ الإسلام من إيران و أفغانستان و أحضر الشيخ عبد الله الآلوسي من بغداد فكتبوا الحكم والمحضر و وقعوه و أقاموا الجمعة جميعاً بجامع الكوفة، و كانوا في حدود خمسة آلاف و خطيبهم و إمامهم السيد نصر الله الحائري. و في تلك السنة أرسل نادرشاه السيد المترجم له مع هدايا و تحف إلى الحرمين إتماماً لذلك الأمر، فذهب و رجع فاتحاً، و في مرة ثانية من زيارة (نادرشاه) لمدينة النجف و كربلاء اجتمع بسيدنا المترجم له و أرسله من قبله إلى (القسطنطينية) في أيام سلطنة السلطان محمود العثماني لإمضاء الاتفاق المتقدم الذكر، ولكنه -و يا للأسف- لم يكمل تبليغه حسبما أراد فقد و شى به مفتي صيدا عند السلطان العثماني، فأمر بقتله فقتل هناك لأسباب تتعلق بشؤون الدين الإسلامي وكان ذلك بتاريخ (1168ه-) في (اسطنبول) عن عمر يقارب الخمسين و دفن هناك أسكنه الله فسيح جناته». و هكذا ختم حياته على غرار ما بدأها مجاهداً في سبيل الحق و العقيدة الراسخة و الإيمان المستقر فكان من الخالدين.

مِنْ غيرِ جُزمِ الحُسَيْنُ يُقْتَلُ *** وَ بِالدِّمَاءِ جِسْمُهُ يُغَسَّلُ

وَ يُنْسَجُ الأَكْفانُ مِنْ عَفْرِ الثَّرَى *** لَهُ جُنُوبُ وصَباً وَ شَمالُ(1)

وَ قُطْنُهُ شَيْبَتُهُ وَ نَعْشُهُ *** رُمْحٌ لَهُ الرِّجْسُ «سنانٌ» يَحْمِلُ

ص: 589


1- جنوب و صبا و شمال: ثلاثة أنواع من الرياح فالصبا ريحٌ مهبها جهة الشرق و يقابلها الدبور و الشمال ريح الشمال و الجنوب ريح مهبها الجنوب.

وَ يُوطِئُونَ صَدْرَهُ خَيْلُهُمُ *** وَ العِلْمُ فِيهِ وَ الكِتابُ المُنزَلُ

وَ يَشْتَكِيْ حرَّ الظَّما وَ السَّيْفُ مِنْ *** أَوْداجِهِ يُرْوَى دَماً وَيُنْهَلُ

وَ المُرْتَضَى السّاقِي عَلَى الحَوْضِ غداً *** أَبوهُ وَ الجَدُّ «النبيُّ المُرْسَلُ»

و أُمُّهُ (الطُّهْرُ) (الفُرَاتُ) مَهْرُها *** وَ كَفُهُ كَمْ فاضَ منها جَدْوَلُ(1)

وَ المُسْلِمُونَ لايُبالُونَ بما *** جَرَى وَ قَدْ خَرَّتْ لِذاكَ الأَجْبُلُ

وَ هَدَّ رُكْنَ العَرْشِ مِمّا نالَهُ *** وَ الأَرْضُونَ أَصْبَحَتْ تَزَلْزَلُ

وَ قَدْ بَكَى رَكنُ السَّمَوتِ دَماً *** وَ أَمْسَتِ الأملاكُ فيها تَعْولُ

وَ (المُصْطَفَى) وَ(فاطمٌ) وَ الحَسَنُ) *** السِّبْطُ بَكَوْا ممّا دَها وَ وَلْوَلُوا(2)

أَفْدِيهِ فَرْداً مَا لَهُ مِنْ ناصِرٍ *** سِوَى أَسَى وَ عِبْرَةٍ تَسَلْسَلُ

قَدْ حَرَّمُوا المَاءَ عَلَيْهِ قَسْوَةٌ *** وَ هُوَ لِخِنْزِيرِ الفَلا مُحَلَّلُ

وَ صَرَّعُوا أَصْحَابَهُ مِنْ حَوْلِهِ *** فِيا لِشهبٍ في الترابِ تَأفُلُ

وَ يا لأسادٍ عَلَيْها قَدْ سَطَتْ *** بَنُو كِلابِ لاسَقاها مَنْهَلُ

وَ أَرْكَبُوا نِساءَهُ عاريةً *** على مَطايا لَيْسَ فِيها ذُلُلُ

ص: 590


1- في دلائل الإمامة للطبري ، ص18، طقم في حديث طويل: فأوحى اللَّه «تعالى» إليه -إلى محمدصلي اللَّه علیه و آله و سلم- أني قد زوّجت علياً علیه السلام بفاطمة علیها السلام في سمائي تحت ظل عرشي و جعلت جبرئيل خطيبها و ميكائيل وليّها و إسرافيل القابل عن علي علیه السلام و جعلت نحلتها من علي علیه السلام خمس الدنيا و ثلثي الجنة و أربعة أنهار في الأرض الفرات و دجلة و النيل و نهر بلخ. راجع المناقب لابن شهر آشوب، ج3 ص351، فصل في تزويجها علیها السلام.
2- في كتاب البحار، ج44 ص232 ح19، عن كامل الزيارة عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال: دخلت فاطمة علیها السلام على رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم و عيناه تدمع فسألته ما لك؟ فقال: «إن جبرئيل أخبرني أن أمتي تقتل حسيناً علیه السلام فجزعت و شقّ عليها...». و في كتاب البحار، ج44 ص149 ح17 ط بيروت باب أحوال وتواريخ الإمام الحسن علیه السلام عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: بينا أنا و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم إذ التفت الينا فبكى فقلت: ما يبكيك يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال: «أبكي مما يصنع بكم بعدي». فقلت: وما ذاك يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال: «أبكي من ضربتك على القرن و لطم فاطمة علیها السلام خدها وطعنة الحسن علیه السلام في الفخذ و السم الذي يسقى و قتل الحسين علیه السلام قال فبكى أهل البيت علیهم السلام جميعاً».

وَ نِسْوَةُ الطاغِي يَزِيدَ في حِمَى *** أَمْنِ عَلَيْهِنَّ السُّجُوفُ تُسْبَلُ

وَ أَرْضَعُوا ثَدْيَ المَنايا طِفْلَهُ *** و مَهْدُهُ صُخُورُها وَ الجَنْدَلُ(1)

وَ أَطْلَقُوا دَمْعَ عَلَيَّ ابْنِهِ *** وَ كَيْفَ لا وَهُمْ لَهُ قَدْ غَلَّلوا

فَيا لَهِيفَ القَلْبِ لاتُظف و لو *** همى من الدَّمْعِ سَحابٌ يَهْطُلُ(2)

و يا لِساني جُدْ بأنواع الرَّثا *** على إمام قَدْ بَكَتْهُ الرُّسُلُ

وَ ساعِدِ الزَّهْراءَ إِنَّ نَوْحَها *** عَلَيْهِ مِنهُ (يَذْبُلُ) يُقَلْقَلُ

كَيْفَ بها إذا أَتَتْ وَ شَعْرُها *** مِنْ فَوْقِ عَيْنَيْها عَنَاءٌ مُسْبَلُ(3)؟

وَ في يَدَيْها ثَوْبُهُ مُضَمَّخٌ *** بِالدَّمِ وَ الأعْداءُ طراً ذُهَلُ

وَ هُوَ بلارَأْسٍ فَتُبْدِي صَرْخَةً *** مِنْها جَمِيعُ العَالَمِينَ تَذْهَلُ(4)

فَيأمُرُ الجَبَّارُ جَلّ شَأْنُهُ النَّارُ *** و قد أظلَمَ مِنْهَا المَدْخَلُ

فَتَلْقِط الأرْجاسَ عَنْ آخِرِهِمْ *** فَيَصْهَلُونَ وَسْطَها وَتَصْهَلُ(5)

ص: 591


1- الجندل: الصخر العظيم أو مجموعة من الحجارة.
2- همی: سال.
3- في كتاب عيون أخبار الرضا علیه السلام، ج2 ص8، ح21. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم: «تحشر ابنتي فاطمة علیها السلام يوم القيامة و معها ثياب مصبوغة بالدماء تتعلق بقائمة من قوائم العرش تقول: يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي...». قال رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: ويحكم الله لابنتي و رب الكعبة».
4- في ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص258، ح5. قال رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و سلم: «إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة علیها السلام في لمّة من نسائها فيقال لها: ادخلي الجنة فتقول : لاأدخل حتى أعلم ما صنع بولدي من بعدي... فيقال لها انظري في قلب القيامة فتنظر إلى الحسين علیه السلام قائماً و ليس عليه رأس فتصرخ صرخة و أصرخ بصراخها و تصرخ الملائكة لصراخنا فيغضب اللَّه «عزوجل» لنا عند ذلك فيأمر ناراً يقال لها: هبهب قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودت فيقال لها... التقطي قتلة الحسين علیه السلام و حملة القرآن فتلتقطهم فإذا صاروا في حوصلتها صهلت و صهلوا بها و شهقت و شهقوا بها... راجع كتاب بحار الأنوار ج43 ص222 ح8 باب تظلمها في القيامة.
5- يصهلون: يصوتون.

يا آلَ «طه» أنْتُمُ ذَخِيرَتي *** وَ لَيْسَ لي سِوَى وَلاكُمْ مَوْثِلُ

فاتحِفُوني في غَدٍ بِشَرْبَةٍ *** تُظفى بها نارٌ بقلبي تَشْعَلُ(1)

صلّى عَلَيْكُمْ رَبُّنا ما أَرْقَلَتْ(2) *** شَوْقاً إلى قَصْدِ حِماكُمْ إِبلُ(3)

ص: 592


1- اتحفوني: أهدوا إلي.
2- أرقلت: أسرعت.
3- ديوان السيد نصر الله الحائري ص50.

(38) باب البتول فاطمة علیها السلام

(بحر الرجز)

القاضي النعمان

قبايَعَاهُ جَهْرَةً وَ قَالاَ *** بَلْ أَنْتَ خَيْرُ مَنْ نَرَاهُ حالا(1)

وَ قَامَ مِنْهُمْ أَهْلُ قَتْلَى بَدْرِ *** وَ غَيْرُها وأَهْلُ حِقْدِ الأَسْرِ

فَبَايَعُوا، وَ هُمْ رُؤُوسُ قَوْمِهِمْ *** فَبَايَعَ النَّاسُ لَهُ مِنْ يَوْمِهِمْ

الأَّ قليلاً مِنْهُمُ قَدْ عَلِمُوا *** مَا كَانَ مِنْ نَبِيْهِمْ فَاعْتَصَمُوا

وَ قَصَدُوا إِمَامَهُمْ عَلِيًّا *** فَقَالَ: لَسْتُمْ فَاعِلِينَ شَيّا

قَالُوا: بَلَى نَفْعَلُ، قَالَ: انْطَلِقُوا *** مِنْ فَوْرِكُمْ هَذَا إِذَنْ فَحَلْقُوا(2)

ص: 593


1- والأبيات التي تليه في «الاحتجاج» ج1 ص93 ط دار النعمان النجف: «... فقال أبوبكر: هذا عمر و أبوعبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيهما شئتم. فقال عمر و أبوعبيدة: ما نتولى هذا الأمر عليك امدد يدك نبايعك فقال بشير بن سعد و أنا ثالثكما. و كان سيد الأوس، و سعد بن عبادة سيد الخزرج فلما رأت الأوس صنع سيدها بشير وما ادعت إليه الخزرج عن تأمير سعد أكبوا على أبي بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا...».
2- في «الاحتجاج» ج1 ص107: «...فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلّقين رؤوسهم معهم سلاحهم و قد بايعوه على الموت...». و في كتاب «سليم بن قيس» ص31: «...فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعين رجلاً فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معم سلاحهم ليبايعوا على الموت فأصبحوا فلم يوافق منهم أحد إلا أربعة فقلت: لسلمان من الأربعة؟ فقال: أنا و أبوذر و المقداد و الزبير بن العوام ثم أتاهم لعليا من الليلة المقبلة فناشدهم فقالوا: نصبحك بكرة فما منهم أحد أتاه غيرنا ثم أقام الليلة الثالثة: فما أتاه غيرنا».

رُؤُوسَكُمْ كُلكُمُ لِتُعْرَفُوا *** مِنْ بَيْنِهِمْ بِدالِكُمْ وَانْصَرِفُوا

إِلَيَّ كَيْما أنْصِبُ القِتالا *** حَتَّى يَكُونَ رَبُّنا تَعَالَى

يَحْكُمُ فِينَا بَيْنَنَا بِحُكْمِهِ... *** فَفَشِلُوا لَمّا رَأَوْا مِنْ عَزْمِهِ

وَ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِ الأَسَبْعَهْ *** وَ اسْتَحْسَنَ البَاقُونَ أَخَذَ البَيْعَهْ(1)

وَ كُنْتُ قَدْ سَمَّيْتُهُمْ فَقَالا *** لَسْتُ أَرَى عَلَيْكُمُ قِتالا

لأَنَّكُمْ فِي قِلَّةٍ قَلِيلَهْ *** لَيْسَ لَكُمْ بِجَمْعِهِمْ مِنْ حِيلَهْ

فَجَلَسُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَنْظُرُوا *** ماذا يَرَى فِي أَمْرِهِمْ وَ يَأْمُرُ

فَجَاءَهُمْ عُمَرُ فِي جَمَاعَهْ *** إِذْ لَمْ يَرَوْا لِمَنْ أَقَامَ طَاعَهْ(2)

حَتَّى أَتَوْا بَابَ البَتُولِ فَاطِمَهْ *** وَ هْيَ لَهُمْ قَالِيَةٌ مُصَارِمَهْ(3)

فَوَقَفَتْ مِنْ دُونِهِ تَعْذِ لُهُمْ *** فَكَسَّرَ البَابَ لَهُمْ أَوَّلُهُمْ

فَاقْتَحَمُوا حِجَابَهَا فَعَوَّلَتْ *** فَضَرَبُوها بَيْنَهُمْ فَأَسْقَطَتْ

فَسَمِعَ القَوْلَ بِذَاكَ فَابْتَدَرُ *** إِلَيْهِمُ الزُّبَيْرُ -قَالُوا- فَعَثَرْ

فَبَدَرَ السَّيْفَ إِلَيْهِمْ فَكَسَرْ *** وَ أَطْبَقُوا عَلَى الزُّبَيْرِ فَأُسِرْ

فَخَرَجَ الوَصِيُّ فِي بَاقِيهِمْ *** إِذْ لَمْ يَرَوْا دِفَاعَهُمْ يُنْجِيهِمْ

فَاكْتَنَفُوهُمْ وَ مَضَوْا فِي ضِيقِ *** حَتَّى أَتَوْا بِهِمْ إِلَى عَتِيقِ

ص: 594


1- لم نعثر في المصادر المتوفرة بأيدينا على رواية تقول كانوا سبعة بل الأغلب ذكر انهم أربعة واللَّه العالم.
2- في كتاب «الاحتجاج» ج1 ص109: «...ثم قال لقنفذ إن خرج وإلا فاقتحم عليه فإن امتنع فأضرم عليهم بيتهم ناراً، فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه و ألقوا عليه حبلاً أسودا و حالت فاطمة علیها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها فأرسل أبوبكر إلى قنفذ اضربها. فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها وألقت جنيناً من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة «صلوات الله عليها».
3- قالية: مبغضة مصارمة: مقاطعة.

إلى أن قال:

يَا حَسْرَةً مِنْ ذَاكَ فِي فُؤَادِي *** كَالنَّارِ يُذْكِي حَرَّهَا اعْتِقَادِي

وَ قَتْلُهُم فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ *** أَضْرَمَ حَرَّ النَّارِ فِي أَحْشَائِي

لأنَّ فِي المَشْهُورِ عِنْدَ النَّاسِ *** بِأَنَّهَا مَانَتْ مِنَ النَّفَاسِ

وَ أَمَرَتْ أَنْ يَدْفِنُوها لَيْلا *** وَ أَنْ يُعَمّى قَبْرُهَا لِكَيْ لا(1)

يَحْضُرُها مِنْهُمْ سِوَى ابْنِ عَمِّهَا *** وَ رَهْطِهِ ثُمَّ مَضَتْ بِغَمها

صَلَّى عَلَيْهَا رَبُّهَا مِنْ مَاضِيَهْ *** وَ هْيَ عَنِ الأُمَّةِ غَيْرُ رَاضِيَهْ

فَبَايَعُوا كُرْهاً لَهُ تَقِيَّهْ *** وَ اللَّهُ قَدْ رَخَضَ لِلْبَرِيَّهْ

لأَنَّهُ الرَّؤُوفُ بِالعِبَادِ *** فِي الكُفْرِ لِلْكُرْهِ بِلاَ اعْتِقَادِ

إلى أن قال:

وَ قَدْ رُوِيَ فِي ذَاكَ فِيمَا ثَبَتَا *** بِأَنَّهُ قَالَ لَهُ لَمّا أَتَى

بايِعُ: فَقَالَ: إِنْ أَنَا لَمْ أَفْعَلْ *** قَالَ: إِذَنْ آمُرُهُمْ أَنْ تُقْتَلْ(2)

فَأشْهَدَاللَّهَ عَلَى اسْتِضْعَافِهِ *** وَ بَايَعَ الغَاصِبَ فِي خِلافِهِ

خَوْفاً مِنَ القَتْلِ، وَبَايَعَ النَّفَرْ *** لَهُ عَلَى الكُرْهِ لِخَوْفِ مَنْ حَضَرْ

ص: 595


1- يُعمَّى: يخفى و«... فلما أن هدأت العيون ومضى شطر من الليل أخرجها علي و الحسن و الحسين علیهم السلام، و عمار و المقداد و عقيل و الزبير و أبوذر و سلمان و بريدة و نفر من بني هاشم و خواصه صلوا عليها و دفنوها في جوف الليل، و سوى علي حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لايعرف قبرها و قال بعضهم من الخواص: قبرها سوّي مع الأرض مستوياً فمسح مسحاً سواء مع الأرض حتى لايعرف موضعه...». انظر: «بحار الأنوار» ج43، ص191 ح20.
2- في كتاب «سليم بن قيس» ص45: «...ثم قال : قم يا بن أبي طالب فبايع فقال: فإن لم أفعل؟ قال: إذن واللَّه نضرب عنقك، فاحتج عليهم ثلاث مرات ثم مد يده -من غير أن يفتح كفه- فضرب عليها أبوبكر و رضي بذلك منه، فنادى علي علیه السلام قبل أن يبايع -والحبل في عنقه-: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني».

فَإِنْ يَكُونُوا اسْتَضْعَفُوا الأَمِينا *** فَقَبْلَهُ مَا اسْتَضْعَفَتْ هَارُونا

أُمَّةٌ مُوسَى إِذْ أَرَادُوا قَتْلَهُ *** فَقَدْ أَرَادَتْ قَتْلَ ذَاكَ قَبْلَهُ

وَ سَلَكُوا سَبِيلَهَا فِي الفِعْلِ *** فِي الأَوْصِيَاءِ مِثْلَ حَذْوِ النَّعْلِ

بِالنَّعْلِ وَ القُذَّةِ إِذْ تَمَثَلُوا *** كَمِثْلِ مَا قَالَ النَّبِيُّ المُرْسَلُ(1)

ص: 596


1- القدة: الأذن من الإنسان والفرس، ريش السهم البرغوت.

(39) خَيْرُ نِسَاءِ الْأَمْةِ

(بحر الرجز)

الشيخ هادي آل كاشف الغطاء(*)(1)

ص: 597


1- (*)الشيخ هادي ابن الشيخ عباس بن علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء. ولد في النجف الأشرف سنة (1287ه_). نشأ في بيت العلم و الكمال و الهيبة و الجلال و تتلمذ على فطاحل العلم والكمال ومنهم الشيخ ملامحمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) و شيخ الشريعة الأصفهاني و السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، و يروي إجازة عن السيد حسن الصدر و الشيخ آغا رضا الهمداني و نال مرتبة الاجتهاد وأصبحت قلوب الناس متعلّقة به ومنجذبة إليه لفضله وعلمه وورعه وتقواه وتواضعه وسيرته الطيبة ما جلس إليه أحد إلا انجذب إليه لروحانيته و أفاض عليه من نميره العذب. و اختلف على مجلسه و حلقته العشرات من الأفاضل الذين انتهلوا من معينه و استفادوا من فقاهته، فقد كان من مشاهير مراجع عصره و من الذين آمن بهم رعيل كبير من وجوه الأتقياء و الزهاد فاقتدوا به ورجعوا إلى رأيه. نظم الشعر في حداثة سنه مع أخدانه أبطال الشعر و نوابغ الفن أمثال الشيخ جواد الشبيبي و الشيخ آغا رضا الأصفهاني و السيد جعفر الحلي و أضرابهم. و أما آثاره العلمية فكثيرة فقد ألف كتباً في الفقه والأصول وطبعت له عدَّة رسائل عملية أشهرها (هدى المتقين) طبعت سنة (1342 ه_) و شرح شرائع الإسلام و شرح تبصرة المتعلمين للعلامة الحلي و له منظومة في النحو، و أخرى في الإمامة، و مستدرك نهج البلاغة، و مصادر نهج البلاغة ،و مداركه، و أما المنظومة المسماة (المقبولة الحسينية) فلازال خطباء المنبر الحسيني يجعلونها موضع الشاهد لأحاديثهم الحسينية، وكانت له مكتبة ضخمة تضم المئات من الكتب الثمينة والمخطوطة النادرة. كان لنعي المترجم له رنّة أسى هزت أرجاء العراق خاصة والحوزات العلمية في كل مكان عامة و كان ذلك في ليلة الأربعاء في 9 محرم سنة (1361 ه_) و كان يوماً مشهوداً و اشترك سائر الطبقات بمواكب العزاء في تشييعه حتى أودع في مقبرة الأسرة الخاصة بآل كاشف الغطاء مع والده وجده «رحمهم اللَّه جميعاً».

فَاطِمَةٌ خَيْرُ نِسَاءِ الأُمَّهْ *** مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ عُصِمَتُ وَ وَضَمَهْ(1)

خَيْرُ النَّسَاءِ فَاطِمُ الزَّهْرَاءِ *** يُرْهِرُ نُورُها إِلَى السَّمَاءِ

قَدْ فَطَمَتْ عَنِ الجَحِيمِ الحَاطِمَهْ *** شِيعَتَها فَسُمِّيَتْ (بِفَاطِمَهْ)(2)

مامِثلُها في كُلِّ أَقْرَبَائِهِ *** لامِنْ بَنَاتِهِ وَلا نِسَائِهِ

قَدْ وُلِدَتْ مِنْ بَعْدِ عَامِ البِعْثَهْ *** وَ قَدْ حَوَتْ دُونَ بَنِيهِ إِرْثَهْ(3)

وَ كَانَ مِنْهَا دُونَ مَنْ عَدَاهَا *** مِنْ أَهْلِهِ نَسْلُ النَّبِيِّ طاها

(أُمَّ أَبِيها) وَ هْيَ أُمُّ ابْنَيْهِ *** أَحَبُّ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَيْهِ

لَوْلاً (عَلِيٌّ) لَمْ يَكُنْ كُفْوٌ لَهَا *** مِنْ (آدَمٍ) إِلَى مِنَ الخَلْقِ انْتَهَى

مَنْ بِهِمُ تَابَ الإِلهُ وَ عَفا *** عَنْ آدَمِ وَ قَدْ كَفَاهُ شَرَفا

وَ مَنْ بِهِمْ بَاهَلَ سَيِّدُ الوَرَى *** وَ قُلْ تَعَالَوْا أَمْرُهَا لَنْ يُنْكَرا(4)

(وَ هَلْ أَتَى) فِي حَقِّهَا وَ كَمْ أَتَى *** مِنْ آيَةٍ وَ مِنْ حَدِيثٍ ثَبَتا

لَمَّا رَوَوْهُ فِي الصَّحِيحِ المُعْتَبَرْ *** مِنْ أَنَّها بَضْعَةُ سَيِّدِ البَشَرْ

وَ بَضْعَةُ المَعْصُومِ كَالمَعْصُومِ *** فِي الحُكْمِ بِالخُصُوص وَ العُمُومِ

لأَنَّهَا مِنْ نَفْسِهِ مُقْتَطَعَهْ *** فَحَقُها فِي حُكْمِهِ أَنْ تَتْبَعَهْ

إِلاَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ الدَّلِيلُ *** فَإِنَّنا بذاك لاتَقُولُ

بِذَاكَ وَ لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِها مَا وَرَدا *** فِي شَأْنِها فَالحُكْمُ لَنْ يَطَّرِدا

ص: 598


1- وصمة: عيب و عار.
2- في «ذخائر العقبى» ص26: «قال رسول اللّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم: يا فاطمة علیها السلام أتدرين لم سميت فاطمة علیها السلام؟ فقال علي علیه السلام: يا رسول اللّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم لم سميت؟ قال: لأنها فطمت هي و شيعتها من النار».
3- انظر «علل الشرائع» ج1 ص212 ح5 ط الأولى/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -بيروت «بحار الأنوار» ج43 ص14 ح10.
4- باهل: لاعَنُ، و تقدم في هوامش عديدة ذكر العديد من الآيات التي نزلت في حق أهل البيت علیهم السلام و البيتان إشارة إلى آية المباهلة «قل تعالوا ندعو ابناءنا وأبناءكم...». و سورة الدهر في قوله «تعالى»: «هل أتى على الإنسان حين من الدهر»...الخ .

وَآيَةُ التَّطْهِيرِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى *** عِصْمَتِها مِنَ الذُّنُوبِ كَمَلا

أَذهَبَ عَنْهَا رَبُّهَا الرِّجْسَ كَمَا *** طَهَّرَها فِي الخَلْقِ عَمّا وصَما

صَلِّ عَلَيْهَا إِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى *** فَاطِمَةٍ يُغْفَرْ لَهُ مَا فَعَلا

وَ رَبُّهُ يُلْحِقُهُ امْتِنَانَا *** بِالمُصْطَفَى فِي الخُلْدِ حَيْثُ كانا

وَيْلٌ لِمَنْ مَاتَتْ عَلَيْهِ غَضْبَى *** فِي شَأْنِهَا لَمْ يَرْعَ حَقَّ القُرْبَى

قَدْ بَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيهَا المُصْطَفَى *** شَهْراً وَ عُشراً فَعَلَى الدُّنْيَا العَفَا(1)

وَ قِيلَ شَهْرَيْنِ وَ نِصْفَ شَهْرِ *** قَدْ بَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيهَا الطُّهْرِ

وَ قِيلَ تِسْعِينَ مِنَ الأَيَّامِ *** وَ خَمْسَةٍ تَكُونُ بِالتَّمَامِ(2)

وَ قِيلَ فِي ذلِكَ أَقْوَالٌ أُخَرْ *** وَ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الَّذِي اشْتَهَرْ

هذَا وَلكِنْ أَوَّلُ الأَقْوَالِ *** أَنْسَبُها بِمُقْتَضَى الأَحْوَالِ

فَإِنَّهَا لأَقَتْ مِنَ الأَهْوَالِ *** وَ سَيّىء الأَفْعَالِ وَالأَقْوَالِ

مَا لَوْ يُلاقِي بَعْضُهُ الجِبَالا *** لَزُلْزِلَتْ مِنْ وَقْعِهِ زِلْزِالا

وَ كَيْفَ تَبْقَى مُدَّةٌ مِنَ الزَّمَنْ *** مِنْ بَعْدِ هَاتِيكَ الخُطُوب وَ المِحَنْ

يَكْفِي لِمَوْتِهَا مِنَ الأَخْطَارِ *** وَقْعَةُ بَيْن (البابِ وَالجِدَارِ)

في دَارِها قَدْ هَجَمُوا عَلَيْهَا *** قَدْ رَوْعُوها وَ أَخَافُوا ابْنَيْها

وَ شَاهَدَتْ بِعَيْنِهَا مَا قَدْ جَرَى *** مِنْهُمْ عَلَى ابْنِ عَمُها مَوْلَى الوَرَى

ص: 599


1- في كتاب «كشف الغمة» ج2 ص75 ط/ دار الكتاب الإسلامي. عن أبي جعفر محمد بن علي علیه السلام قال: ولدت فاطمة علیها السلام بعد ما أظهر اللَّه نبوّة نبيه و أنزل عليه الوحي بخمس سنين و قريش تبني البيت...». انظر «بحار الأنوار» ج43 ص7 ح8:
2- في «المناقب» ج3 ص357 «والأبيات التي تليه» قبض النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم و لها يومئذ ثماني اللَّه عشرة سنة و سبعة أشهر و عاشت بعده اثنين و سبعين يوماً و يقال: خمسة و سبعون يوماً وقيل: أربعة أشهر و قال القرباني قد قيل: أربعون يوماً و هو أصح». انظر «البحار» ج 43 ص180 ح16.

مِنْ بَيْتِها قَدْ الخَرَجُوهُ قهرا *** يُقَادُ بِالنَّجَادِ قَوْدَ الأَسْرَى(1)

رَأَتْ مِنَ الذُّلَّةِ وَ الهَوَانِ *** وَ قِلَّةِ الأَنْصَارِ وَ الأَعْوَانِ(2)

وَمِنْ أَبِيهَا مَنَعُوا مِيرَاثَهَا *** وَ لَمْ تَجِدْ فِي القَوْمِ مَنْ أَغَاثَهَا

لَمْ يَحْفَظُوا بَضْعَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ *** وَ يُحْفَظُ المَرْءُ بِحِفْظِ وُلدِهِ

لقَدْ أَضَاعُوا حَقَّها جهارا *** وَ أَنْكَرُوا حُجَّتَها إنكارا

وَ طَلَبُوا بَيْنَةً مِنْهَا عَلَى *** مَا كَانَ تَحْتَ يَدِها مُسْتَعْمَلا(3)

ما طَلَبَتْ لأن يُصِيبُوا رُشدا *** ما طَلَبَتْ إلأ لأنْ تُرَدًا

كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَمْرَ (فَدَكَ) *** وَ لادَرَوْا بِمَنْ لَهَا كَانَ مَلَكْ

أَكَانَ يَحْفَى أَمْرُهَا عَلَيْهِمُ *** وَ لَمْ يَصِلُ مِنْ خَبَرِ إِلَيْهِمُ

وَ هَلْ بهذا الأمْرِ مِنْ خَفَاءِ *** وَ إِنَّهَا نُحَيْلَةُ الزَّهْرَاءِ(4)

وَ كَيْفَ تَسْتَعْظِمُ غَصْبَهُمْ فَدَكْ *** أَوْ يَعْتَرِيكَ اليَوْمَ فِي ذلِكَ شَكٍّ؟

وَ قَدْ جَنَوْا مَا هُوَ أَدْهَى وَأَمَرْ *** وَ ارْتَكَبُوا أَمْراً عَظِيماً ذا خَطَرْ(5)

خِلافَةٌ تَقَمَّصُوها غَصْبا *** مِنْ أَهْلِهَا وَانْتَهَبُوها نَهْبا(6)

ص: 600


1- النجاد: حمائل السيف و في عوالم سيدة النساء ج2 ص572 ضمن ح24 منقولاً عن «علم اليقين في أصول الدين».
2- «...ثم إنهم تواثبوا على أميرالمؤمنين علیه السلام و هو جالس على فراشه واجتمعوا عليه حتى أخرجوه من داره مليباً بثوبه يجرونه إلى المسجد...
3- في بحار الأنوار ج28 ص61 ط2/ مؤسسة الوفاء -بيروت: «...و أما ابنتك فتظلم و تحرم ويؤخذ حقها غصباً الذي تجعله لها و تضرب و هي حامل و يدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ثم يحسّها هوان و ذلّ ثم لاتجد مانعاً...». انظر: «عوالم سيدة النساء» ج2 ص545 ح1.
4- نحيلة: عطية صغيرة وهبة.
5- أدهى: الداهية المصيبة، الأمر العظيم، الأمر المنكر.
6- جاء في «الاحتجاج» ج1 ص115 ط/ النعمان النجف: «...روي أن أباقحافة كان بالطائف لما قبض رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم و بويع لأبي بكر فكتب ابنه إليه كتاباً عنوانه (من خليفة رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم إلى أبي قحافة أما بعد فإن الناس قد تراضوا بي فإني اليوم خليفة اللَّه فلو قدمت علينا كان أقر لعينك قال: فلما قرأ أبوقحافة الكتاب قال للرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم: ما منعكم من علي علیه السلام؟ قال : هو حدث السن وقد أكثر القتل في قريش وغيرها و أبوبكر أسن منه. قال أبوقحافة: إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر لقد ظلموا علياً علیه السلام حقه و قد بايع له النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم و أمرنا ببيعته.

وَاغْتَصَبُوا مِنَ الوَصِيَّ حَقَّهْ *** وَ لَمْ يُرَاعُوا قُرْبَهُ وَ سَبْقَهْ

لَوْ رَاقَبُوا مَعَادَهُمْ وَ أَنْصَفُوا *** لأَذْهَنُوا لأَمْرِهِ وَ اعْتَرَفُوا

هَلْ فِيهِمُ مَنِ اقْتَفَى آثَارَهُ *** أَوْ شَقَّ فِي مَكْرُمَةٍ عُبَارَهُ

وَ هَلْ لَهُمْ مِنَ العُلُومِ وَ الحِكَمْ *** مِعْشَارُ مَا قَدْ صَحَ عَنْهُ وَارْتَسَمْ؟

لَهُ مِنَ الفَضَائِلِ الْمَاثُورَهْ *** مَا لَمْ تَسَعُهُ الصُّحُفُ المَنْشُورَهْ

عِلْماً تُقَى شَجَاعَةٌ فَصَاحَهْ *** زُهْداً حِجّى عِبادَةٌ سَمَاحَهْ

هذَا مَعِ الغَضْ عَنِ النُّصُوصِ *** عَلَيْهِ بِالعُمُومِ وَالخُصُوصِ

مِنْ آيَةٍ تُتْلَى وَمِنْ نَصَّ خَبَرْ *** عَنِ النَّبِيِّ المُصْطَفَى قَدِ اشْتَهَرْ

وَ أَوْضَحَ الحَقَّ النَّبِيُّ الأُمِّي *** لِلنَّاسِ طُرّاً فِي (غَدِيرِ خُمْ)(1)

فَمَنْ تَرَى أَوْلَى بِهَذَا الأمر؟ *** فَاحْكُمُ بِوجْدَانِكَ ياذَا الخُبْرِ

وَ كَيْفَ وَ التَّقْدِيمُ لِلْمَغْضُولِ *** تَمْنَعُهُ أَوَائِلُ العُقُولِ

باسم أَمِيرِالمُؤْمِنِينَ الحُتُصّا *** وَ كَمْ عَلَى هَذَا حَدِيثٍ نَصَّا

فلاً تُسَمَّ أحَداً سِوَاهُ *** وَ إِنْ يَكُنْ ذلِكَ مِنْ أَبْنَاهُ

أخُو النَّبِيِّ وَ أَبُوسِبْطَيْهِ *** وَ نَفْسُه نَحُلُ فِي جَنْبَيْهِ

أَخُوهُ وَ ابْنُ عَمِّهِ وَ صِهْرُهُ *** بِهِ كَهَارُونَ يَشُدُّ أَزْرَهْ(2)

ص: 601


1- في «الخصال» ج1 ص173 ط/ جماعة المدرسين -قم: «قالت سيدة النسوان فاطمة علیها السلام لما منعت فدك و خاطبت الأنصار فقالوا: يابنت محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم لو سمعنا هذا الكلام قبل بيعتنا لأبي بكر ما عدلنا بعلي علیه السلام أحداً فقالت: و هل ترك أبي يوم غدير خم لأحد عذراً».
2- أزره ظهره و جاء في كتاب «القطرة» للسيد أحمد المستنبط ص153 ج2 ح67 (ط الثانية/ مكتبة نينوى الحديثة)«...هذا أخي و ابن عمي و صهري و وارث علمي علي بن أبي طالب علیه السلام...». و انظر «مجمع البحرين» ج4 ص356 باب (شيع) ط/ الثانية/ مؤسسة الوفاء -بيروت.

أفضلُ مَنْ صَلَّى وَ صَامَ وَ اقْتَرَبْ *** بَعْدَ نَبِي الحَقِّ سَيْدِ العَرَبْ

مَنْ لَمْ يُوالِهِ فَلا إيمانَ لَهْ *** وَ اللَّهُ لَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ عَمَلَهْ

لاَتَصْبِرُ الشُّمُّ الرِّعانُ صَبْرَهْ *** وَ لاَتُدَانِي حِلْمَهُ وَ قَدْرَهْ(1)

شاهَدَ فِيهِمْ (فَاطِماً) وَ ظُلْمَها *** وَ غَصْبَها حقوقها وَ هَضْمَها

يَسْمَعُ مِلْءَ سَمْعِهِ شَكْواها *** ثُمَّ يَرَى بِعَيْنِهِ بُکَاها

ما كانَ يَرْضَى أَنَّهَا تُهْتَضَمُ *** أَوْ أَنَّها بَعْدَأَبِيهَا تُظْلَمُ

أَكَانَ مِنْهُ ذَاكَ جُبْناً وَ حَذَرْ *** أَوْ عَجْزاً عَنِ النضال وَ خَوَرْ(2)؟

لاوَالَّذِي كَوَّنَهُ بِجُودِهِ *** أَكْبَرُ آيَةٍ عَلَى وُجُودِهِ

بَلْ ذَلَّلَ النَّفْسَ لِعِزَّ الدِّينِ *** وَ مَا انْطَوَى فِي عِلْمِهِ المَكْنُونِ(3)

ص: 602


1- الشُّمُ: شمَّ شمماً: تكبَّر و الجبل و الأنف ارتفع أعلاه فهو أشم. مرَّ رافعاً رأسه: يقال «و عرضت عليه كذا فإذا هو شُمَّ لايريده» أي شمُّ أنفه رافعه شامخ به. به الرّعان: الرعن -رعان و رعون: أنف الجبل الجبل الطويل. و فى هذه البيت و الأبيات التي تليه إشارة لما ورد في عوالم سيدة النساء ج2 ص575 ح26 منقولاً من کتاب «نوائب الدهور» ج3 ص157: «... أيتها الغدرة الفجرة... فاستعدوا للمسألة جواباً ولظلمكم لنا أهل البيت احتساباً اَوَ تُضرب الزهراء علیها السلام نهراً و يؤخذ منا حقنا قهراً و جبراً فلانصير و لامجير و لامسعد و لامنجد... فليت ابن أبي طالب علیه السلام مات قبل يومه فلا يرى الكفرة الفجرة قد ازدحموا على ظلم الطاهرة البرّة فتباً تَباً و سحقاً سحقاً ذلك أمر إلى اللَّه مرجعه و إلى رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم مدفعه، فقد عزّ على علي بن أبي طالب علیه السلام أن يسوَّد متن فاطمة علیها السلام ضرباً و قد عُرف مقامه و شوهدت أيامه... فالصبر أيمن و أجمل و الرضا بما رضي الله أفضل لكي لايزول الحق عن وقره و يظهر الباطل من وكره حتى ألقى فأشكو إليه ما ارتكبتم من غصبكم حقي و تماطلكم صدري و هو خير الحاكمين...».
2- خور: فتور و ضعف و انكسار.
3- وفاة الصديقة الزهراء علیها السلام ص123.

(40) أزهرت مكة

(بحر الرجز)

الشيخ هادي اليعقوبي(*)(1)

و من أرجوزته في المعصومين علیهم السلام عند ذكر الصديقة الزهراء علیها السلام قوله:

لفاطمِ الزهراءِ خيرُ مولدِ *** سُرّ بهِ قلبُ النبي أحمدِ

و سرَّ قلبُ الدينِ والدنيا زهتْ *** بنورِ بنتِ المصطفى و أشرقَتْ

و ضاءتِ الأرضُ و قد شعَّ الفضا *** به وعرشُ اللَّه ليلاً قد أضا

و أزهرتْ مكةُ ثم كلُّها *** بنورِ من يذكرُ دهراً فضلَها

و الناس يرنونَ السماءَ زاهرةْ *** بنورِ أم الحسنين الطاهرة

ص: 603


1- (*) هو الشيخ هادي بن محمد حسين بن يعقوب اليعقوبي النجفي. خطيب واعظ شاعر. ولد فى النجف سنة 1321 و نشأ في الحلة على جده و أبيه و عمومته. رافق عمه شیخ الخطباء الشيخ محمد علي اليعقوبي سنين عديدة و سكن معه في الحلة ثم الكوفة سنة1339، ثم الحيرة سنة1342، ثم عاد إلى النجف سنة 1359 و استفاد من صحبته و أخذ عنه الخطابة والأدب حتى برع فيهما. اشتغل بطلب العلوم الدينية فأخذها على العلامة السيد محمد علي الغريفي ،و غيره ثم صار وكيلاً شرعياً في مدينة الحيرة من قبل الإمام الشيخ محمد رضا آل ياسين، بعدها عاد إلى النجف وسكنه بقية عمره. والمترجم له شاعر نظم ب«العامية والفصحى»، كثير الإنتاج و له عدة دواوين ضاع أكثرها و لم يسلم من ذلك إلا «كشكول» و أرجوزة سماها «نظم الدرر في أحوال المعصومين الأربعة عشر علیهم السلام» نظمها في الحلة أيام شبابه وقد تلف أكثرها، وديوان عشر أسماه «حلبات الآداب» بخطه يوجد في مكتبة الإمام الحكيم العامة. توفي في النجف سنة 1396 و دفن به.

بهذهِ الليلة قد باتَ المحبْ *** بفاطمِ الزهراء مسروراً طَرِبْ

ذي ليلةٌ بها لنا أفراحُ *** و للأعادي كلُّها أترَاحُ

بها نهنّي المصطفى محمدا *** عالي الفخارِ والمقامِ الأمجدا

ثم نهتّي الدينَ في خيرِ النسا *** فاطمةٍ بكلِ خير و مسا

ص: 604

(41) تحت الكساء

(بحر الرجز)

السيد هاشم محسن الموسوي(*)(1)

قَالَ ابْنُ مُحْسِنِ اللعيبي هاشِمُ *** مَنْ قَدْ نَمَاهُ المُرْتَضَى وَ فَاطِمُ

الحَمْدُ لِلَّهِ مُصَلّياً عَلَى *** مُحَمَّدٍ وَالآلِ أَرْبابِ العُلَى

وَ بَعْدُ: إِنِّي قَدْ نَظَمْتُ خَبَراً *** لَنَا رَوَتْهُ العُلَماءُ الخُبرا

عَنِ البَتُولِ فَاطِم تَقُولُ *** يَوْماً أَتَى مَنْزِلِي الرَّسُولُ(2)

ص: 605


1- (*)هو السيد هاشم ابن السيد محسن ابن السيد علي اللعيبي الموسوي. ولد في (النشوة) من البصرة عام (1309ه) و تربى في حجر والده المحسن التربية الطيبة و تغذى من علومه و معارفه و أخلاقه و شب و نشأ على حب العلم النافع و الأخلاق الحسنة. درس في النجف الأشرف برهة من الزمان و آونة من الدهر ثم آب إلى بلده و مسقط رأسه (النشوة) مكرماً و محترماً. و بعد وفاة والده السيد محسن أعطيت له وكالة من قبل المرجع الكبير زعيم المذهب السيد أبي الحسن الأصفهاني. و بعد وفاة السيد أبي الحسن حصل على وكالة من قبل المرجع السيد محسن الحكيم فكان حقاً مؤدياً لدوره الديني و الإرشادي، فجزاه الله عن الإسلام و المسلمين خيرالجزاء. و في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر صفر عام (1376 ه_) لبِّى نداء ربه و أجاب داعي مولاه، و نقل جثمانه إلى النجف الأشرف مشيَّعاً تشييعاً باهراً و دفن في الغري الأقدس في مقبرتهم المعروفة «صب الله عليه شآبيب رحمته» و أسكنه بحبوحة جنته.
2- لعل هذا والأبيات التي تليه إشارة إلى ما ورد في «عوالم سيدة النساء» ج2 ص931 «عن الكساء الشريف المقدس»: «عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن فاطمة الزهراء علیها السلام بنت رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم، قال: سمعت فاطمة علیها السلام أنها قالت دخل علي أبي رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم في بعض الأيام، فقال: السلام عليك يا فاطمة علیها السلام فقلت: و عليك السلام. قال: إني أجد في بدني ضعفاً، فقلت له: أعيذك باللَّه یا أبتاه صلي اللَّه علیه و آله و سلم من الضعف. فقال: يا فاطمة علیها السلام أيتيني بالكساء اليماني فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به.».

سلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِي آتِينِي *** بِذَا الكِسَاءِ وَبِهِ غَطيني

قُلْتُ لَهُ أَفْدِيكَ يَا خَيْرَ الوَرَى *** ماذا تَحِسُّهُ وَمَا الَّذِي عَرَا

قَالَ أُحِسُّ ضَعْفاً أَعْتَرَانِي *** فِي بَدَنِي يا خيرَةَ النِّسْوَانِ(1)

لَمَّا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي أَتَيْتُهُ *** بِذلِكَ الكِسَاءِ قَدْ غَطَيْتُهُ

وَ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنَ النَّهارِ *** أَتَى ابْنِي الزَّكِي ذُو الأَنْوَارِ(2)

سَلَّمَ قَائِلاً أَشُمُ رَائِحَهْ *** عِنْدَكِ يَا أُمَّاهُ كَانَتْ فَائِحَهْ(3)

كَأَنَّهَا رَائِحَةُ المُخْتَارِ *** المُصْطَفَى جَدِّي حَبِيبِ البَارِي

قُلْتُ نَعَمُ يا زَهْرَةَ الزَّمَانِ *** ذَا نَايَمٌ تَحْتَ الكِسا اليَمَانِي

جَاءَ لَهُ مُسَلِّماً مُسْتَأْذِنَا *** بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ فَأَذِنَا

فَدَخَلَ الزَّكِيُّ مَعْ خَيْرِ البَشَرْ *** وَ تَحْتَ ذُلِكَ الكِسا قَدِ اسْتَقَرْ

بَعْدَ مُضِي سَاعَةٍ أَتَانِي *** فَلْذَةُ قَلْبِ المُصْطَفَى حَيَّانِي(4)

سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَأُشُمْ *** ريحاً كَرِيح المُصْطَفَى ذَيْنِ الشَّيَمْ

قُلْتُ نَعَمْ بُنَيَّ هَذَا جَدُّكَا *** تَحْتَ الكِسَاءِ نَائِمٌ فَدَيْتُكا

مُذْ سَمِعَ الحُسَيْنُ بِاسْم جَدْهِ *** أَبْدَى السَّلامَ طَالِباً مِنْ عِنْدِهِ

لأَنْ يَكُونَ مَعَهُ تَحْتَ الكِسا *** قَالَ لَهُ ادْخُلِ الكِسَ المُقَدَّسا

ص: 606


1- اعتراني: غشيني.
2- في المصدر السابق أيضاً: «...فما كانت إلا ساعة و إذا بولدي الحسن علیه السلام قد أقبل...».
3- أيضاً في المصدر نفسه: «... فقال لي: يا أماه إني أشمُّ عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم...».
4- هو والأبيات التي تليه ورد في المصدر نفسه: «... فما كانت إلا ساعة وإذا بولدي الحسين علیه السلام قد أقبل... فأقبل عند ذلك أبوالحسن علي بن أبي طالب علیه السلام و قال...».

وَ بَعْدَ سَاعَةٍ أَتَى ابْنُ عَمِّي *** كَاشِفَ كَرْبِي وَ مُزِيلُ غَمِّي

سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِي إِنِّي أَشُمْ *** رِيحاً ذكياً لِلْوَرَى حيثُ يَعُمْ

قُلْتُ أَبِي يَا كَاشِفَ الكُرُوبِ *** عَنْ وَجْهِهِ عِنْدَ لِقا الحُرُوبِ

فَجَاءَ نَحْوَ المُصْطَفَى مُسَلِّما *** مُسْتَأْذِنَاً قَالَ ادْخُلَنْ حَامِي الحِمَى(1)

قدْ أذِنَ المُخْتَارُ لِلْكَرارِ *** بِأَمْرِ خَلاقِ السَّما الجَبَّارِ

فَدَخَلَ الإِمَامُ حَامِي الجَارِ *** تَحْتَ الكِسا مَعَ النَّبِي المُخْتَارِ

تَقُولُ فَاطِمٌ هُنَاكَ قُمْتُ *** عَلَى أَبِي خَيْرِ الوَرَى سَلَّمْتُ

وَ قُلْتُ هَلْ تَأْذَنُ لِي؟ قَالَ نَعَمْ *** قَدْ أَذِنَ اللَّهُ الكَرِيمُ ذُو النَّعَمْ

هُنَا لِكُمْ سَيِّدَةُ النِّسْوَانِ *** قَدْ دَخَلَتْ تَحْتَ الكِسَا اليَمَانِي(2)

فَکُمِّلُوا تَحْتَ الكِسَاءِ الصَّفْوَهْ *** مَنْ لَيْسَ فِي الكَوْنِ سِوَاهُمْ صَفْوَهْ(3)

هُنَاكَ نَادَى المَلِكُ الجَلِيلُ *** أَمْلاكَهُ وَ عِزَّتِي يَقُولُ(4)

ص: 607


1- والأبيات التي تليه ورد في المصدر السابق... و قال علیه السلام: السلام عليك يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال له و عليك السلام يا أخي ويا وصيّتي و خليفتي و صاحب لوائي قد أذنتُ لك فدخل علي علیه السلام تحت الكساء ثم أتيت نحو الكساء و قلت: السلام عليك يا أبتاه يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال: و عليك السلام يا بنتي و يا بضعتي قد أذنت لك فدخلت تحت الكساء.
2- في «أمالي الصدوق» ص245 ح12 ط الخامسة/ مؤسسة الأعلمي -بيروت. «...عن النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال: ابنتي فاطمة علیها السلام سيدة نساء العالمين...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص22 ح13.
3- في «ذخائر العقبى» للطبري ص21 ط مؤسسة الوفاء-بيروت (1981م) «عن أم سلمة أن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم جلّل على الحسن و الحسين و على فاطمة علیهم السلام كساء و قال: اللَّهم هؤلاء أهل بيتي علیهم السلام و حامتي أذهب عنهم الرجس و طهَّرهم تطهيراً، فقالت أم سلمة: أنا معهم يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال: إنك على خير». انظر: الجامع الصحيح للترمذي المجلد الخامس/ ص699 باب61 ح3871.
4- في «عوالم سيدة النساء» ص933 ضمن حديث الكساء. «فقال اللَّه «عزّ وجل»: يا ملائكتي و يا سكان سمواتي إني ما خلقت سماءً مبنية و لاأرضاً مدحيّة و لاقمراً منيراً و لاشمساً مضيئة و لافلكاً يدور و لابحراً يدور و لابحراً يجري و لافلكاً تسري إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء. فقال الأمين جبرائيل: يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال «عزّ وجل» هم أهلُ بيت النبوَّة صلي اللَّه علیه و آله و سلم و معدن الرسالة و هم فاطمة علیها السلام و أبوها صلي اللَّه علیه و آله و سلم و بعلها و بَنُوها علیهم السلام».

مَا خُلِقَ الخَلْقُ وَ لا الأَكْوَانُ *** إِلا لِمَنْ تَحْتَ الكِسَاءِكَانُوا

فَقَال جِبْرِيلُ لِرَبِّ العِزَّهْ *** يَا سَيِّدِي مَنْ هَؤُلاَ الأَعِزَّهْ

فَقَالَ هُمْ فَاطِمُ مَعْ أَبِيهَا *** وَ بَعْلِهَا وَ الأَصْفيا بنيها

مُذْ سَمِعَ الأَمِينُ مِنْ رَبِّ العُلَى *** ذِكْرَ الأُولَى قَدْ شُرِّفُوا عَلَى المَلا

فَعِنْدَ ذاقَدْ طَلَبَ الأَمِينْ *** يَنزِلُ صَادِساً لَهُمْ يَكُونُ

فَجَاءَهُ الندا مِنَ السَّلامِ *** كُنْ مَعَهُمْ وَاقْرَأَهُمُ سَلامِي

فَهَبَط الأمِينُ بِالسَّلام *** عَلَى النَّبِي وَآلِهِ الكِرَامِ

ثُمَّ تَلاَجِبْرِيلُ ذَاكَ القَسما *** وَ هُوَ الَّذِي بِهِ الإِلهُ أَقْسَما(1)

وَ قَال لِلنَّبِي هَلْ تَأْذَنُ أَنْ *** أَدْخُلَ سَادِسَاً لَکُمْ؟ قَالَ ادْخُلَنْ

فَدَخَلَ الرُّوحُ الأمينُ مَعَهُمْ *** تَحْتَ الكِسَا وَصَارَ سَادِساً لَهُمْ

وَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ *** أَوْحَى إِلَيْكُمْ ثُمَّ (إِنَّمَا) تَلاَ(2)

قَالَ عَلِيَّ لِلنَّبِيِّ الأَكْرَمِ *** ما فَضْلُ هَذَا المَجْلِسِ المُعَظَّمِ(3)

قَالَ النَّبِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَانِي *** وَ خَصَّنِي بِالوَحْيِ وَ اجْتَبَانِي

ص: 608


1- انظر الهامش رقم 3 في الصفحة السابقة.
2- في المصدر السابق: «فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء فقال لأبي: إن اللَّه عزّ وجل قد أوحى إليكم يقول: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».
3- والأبيات التي تلته وردت في المصدر السابق أيضاً: فقال علي لأبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند الله؟ فقال النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم: والذي بعثني نبياً واصطفاني بالرسالة نجياً ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا إلا ونزلت عليهم الرحمة. وحقت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى أن يتفرقوا».

لَمْ يَجْرِ ذِكْرُ ذا الحَدِيثِ الأَقْدَسِ *** بَيْنَ المُحِبينَ لَنَا فِي مَجْلِسِ

الأ عَلَيْهِمْ مِنْ وَلِيِّ النِّعْمَهْ *** قَدْ هَطَلَتْ مُؤْنُ الرضا والرَّحْمَهْ

وَحُفَّ بِالأمْلاكِ ذَاكَ المَوْضِعُ *** وَ اسْتَغْفَرُوا اللهَ لَهُمْ مَا اجْتَمَعُوا(1)

وَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنِ المَهْمُومِ *** مَا كَانَ قَدْ عَرَاهُ مِنْ هُمُومِ

وَ كَشَفَ اللَّهُ عَنِ المَغْمُوم *** مَا قَدْ أَصَابَهُ مِنَ الغُمُوم

وَ قُضِبَتْ لِطالِبِ الحَاجَةِ مَا *** قَدْ كَانَ طَالِباً وَنَالَ المَغْنَماً

فَقَالَ حَيْدَرٌ وَرَبِّ الكَعْبَهْ *** فُزْنَا كَمَا حُزْنَا عَظِيمَ الرُّتْبَهْ

وَ هَكَذا أَشْيَاعُنَا قَدْ فَازُوا *** لأَنَّهُمْ نُورَ الهُدَى قَدْ حَازُوا

وَ مَنْ يُوَالِي غَيْرَنا مِنَ البَشَرْ *** فَالنَّارُ مَثْوَاهُ وَبِئْسَ المُسْتَقَرْ(2)

وَالحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الهِدَايَهْ *** إِلَى طريق الحَقِّ وَالوِلايهْ(3)

ص: 609


1- حفت بالأملاك: أحاطوا به.
2- انظر الهامش رقم 3 في الصفحة السابقة.
3- الأزهار الأرجية ج6 ص21.

(42) نور فاطم علیها السلام

(بحر الرجز)

لأحد الشعراء

أَنْوَارُهُمْ سَاطِعَةٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ *** يُكْتَبَ فِي اللَّوْحِ وُجُودٌ وَ زَمَنْ(1)

ص: 610


1- في البيتين اشارة إلى الكثير من الاحاديث التي تؤكد أن النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم و أهل بيته علیهم السلام خلقوا قبل خلق الدنيا و كانوا اشباحاً من نور، فلقد ورد في الحديث عن رسول اللَّه صلي الله علیه و آله و سلم أنه قال: إنَّ اللَّه خلقني و عليّاً و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام، من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام قلتُ: فأين كنتم يا رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم؟ قال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: قدام العرش نسبح اللَّه و نحمده و نقدسه و نمجده، قلتُ: على أي مثال؟ قال صلي اللَّه علیه و آله و سلم: اشباح نور حتى إذا أراد اللَّه أن يخلق صورنا صيّرنا عمود نور ثمَّ قذفنا في صلب آدم...» راجع علل الشرائع. 208 ح11، و البحار7/15 ح 7 و ج35 ص34 ح32 و ج43/57 ح 16 و ص124. و مدينة المعاجز: 203 و 237 ، و حلية الأبرار:494/1 و دلائل الإمامة: 59. و جاء في حديث آخر عن الامام الصادق علیه السلام انه علیه السلام قال : «إنَّ الله تبارك وتعالى» خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي ارواحنا. قيل له: يا بن رسول اللَّه صلي اللَّه علیه و آله و سلم و من الأربعة عشر؟ فقال: محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم و علي و فاطمة و الحسن و الحسين علیهم السلام و الأئمة من ولد الحسين علیه السلام آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال و يُطهر الأرض من كل جور و ظلم». راجع إكمال الدين: 335/2 ح7 ، البحار: 23/15 ح40 و ج 15/25 ح29 و اثبات الهداة، 404/2 ح254 و اعلام الورى 408. وحديث الاشباح ورد في عدة طرق والفاظ على أن المعنى المراد واحد في جميعها ولك ان شئت أن تراجع بعض المصادر منها فرائد السمطين: 1/ 36 ح1. و غاية المرام 5 ح1 و ص15 ح1 و أرجح المطالب461. و الاحقاق: 203/9 و ص253 و علل الشرائع و دلائل الامامة، و مدينة المعاجز، و حلية الأبرار، و مقتضب الاثر، والجواهر السنية و غيرها.

وَجَاءَ عَنْ سَلْمَانَ فِي نَصِّ الخَبَرْ *** ما قَالَهُ النَّبِيُّ سَيِّدُ البَشَرْ(1)

لعَمِّهِ العَبَّاسِ إِذْ أَتَاهُ *** يَسْأَلُ عَمّا فُضِّلَتْ ابناهُ

وَحَيْدَرٌ وَابْنَتُهُ الزَّهْرَاءُ *** وَكُلُّهُمْ مِنْ هَاشِمِ سِوَاءُ

فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَانِي *** مِنْ نُورِهِ القُدْسِيِّ وَاصْطَفَانِي

وَالخْتَارَ حَيْدَراً إِلَى الوِلاَيَهْ *** وَالحَسَنَيْنِ حُجَّةً وَآيَهْ(2)

ص: 611


1- سلمان: هو سلمان الفارسي (رحمه اللَّه علیه) و هو مولى رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم و أصله من فارس من رامهرمز، قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم: «سلمان منا أهل البيت علیهم السلام». راجع أسد الغابة 421/2، وكنز العمال ج11 ص690. و لعلَّ الشاعر يريد ما رواه سلمان الفارسي عن رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم إذ قال - رحمة اللَّه علیه-كنت جالساً عند النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلَّم فرد النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم ورحب به فقال: يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم بم فضل اللّه علينا أهل البيت عليّ بن أبي طالب علیه السلام والمعادن واحدة؟ فقال النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم: إذن اخبرك يا عم، إن اللّه خلقني وخلقَ علياً علیه السلام، ولا سماء ولا أرض، ولا جنة ولا نار، ولا لوح، ولا قلم، فلما أراد اللّه «عز وجل» بدو خلقنا تكلم بكلمة فكانت نوراً، ثمَّ تكلَّم بكلمةٍ ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما فاعتدلا، فخلقني وعلياً منهما. ثمَّ فتق من نوري نور العرش، فأنا اجلُّ من العرش، ثمَّ فتق من نور علي نور السماوات، فعلي أجلُّ من نور السماوات ثمَّ فتق من نور الحسن علیه السلام نور الشمس، ومن نور الحسين علیه السلام نور القمر فهما أجلُّ من نور الشمس والقمر... وللحديث تتمة.
2- الأحاديث في هذا المضمار كثيرة ومستفيضة وقد تناقلها العامة والخاصة وسوف نشير إلى أهم المصادر لمن أرادَ الاطلاع ويكفينا هنا أن نورد حديثاً ذكره القندوزي الحنفي في ينابيع المودة، قال: اخرج أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن المغازلي الواسطي الشافعي في كتابه المناقب بسنده عن سلمان الفارسي قال: سمعت حبیبی محمداً صلی اللّه علیه و آله وسلم يقول: كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللّه «عزّ وجل» يسبح اللّه ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق آدم أودع ذلك النور في صلبه فلم نزل أنا وعلي في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب، ففيَّ النبوّة وفي علي الإمامة. وقال أخرجه الديلمي أيضاً في كتابه «الفردوس» ج 3/ 283 ح 4851 وراجع البحار 20/15 ، وفرائد السمطين 43/1 ح 7 وص 40 ح 4 ومناقب الخوارزمي 318 الفصل 19 ح 320. وكنز العمال 450/11 ومجمع الزوائد 223/8. ومجمع الفوائد 21/2. ونور الأبصار للبكري ط مؤسسة البلاغ الطبعة الأولى - بيروت ص 10 وما بعدها. وراجع إن شئت الاختصاص للمفيد، والبصائر للصفار، وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 1 - ص 10، وص 305 طبع منشورات الشريف الرضي - قم - إيران.

وَالعَرْشُ قَدْ كَرَّمَهُ الرَّحْمنُ *** مِنْ فَضْلِ نُورِي فَلِيَ الإِحْسَانُ(1)

وَالأَرْضُ وَالسَّبْعُ العُلَى السَّوَارِي *** وَغَيْرُها مِنْ نُورِ (حَامِي الجَارِ)(2)

وَقَدْ قَضَى اللَّهُ عَلَى الغَزَالَهْ *** أَنْ لاَ يَكُونَ نُورُها أَصالَهْ(3)

فَهْيَ تَشِعُّ مِنْ ضِيَاءِ الحَسَنِ *** وَالقَمَرِ الزَّاهِرِ طُولَ الزَّمَنِ(4)

مِنَ الحُسَيْنِ خَامِسِ الكِسَاءِ *** يَسْطَعُ نوراً فِي دُجَى الظُّلْمَاءِ(5)

وَضَجَّتِ الأَمْلاَكُ بِالدُّعَاءِ *** إِلَى الإِلهِ فاطِرِ السَّماءِ

وَاسْتَمْنَحَتْهُ يَوْمَ عَمَّها العَنا *** أَنْ يَكْشِفَ الظَّلْماءَ عَنْهُمْ بِسَنا(6)

فَعِنْدَها أَظْهَرَ نُوراً لامِعاً *** مِنْ نُورِ فَاطِمٍ أزَالَ البُرْقُعا(7)

فَلَقَّبَ البَتُولَ بِالزَّهْرَاءِ *** رَمْزٌ إِلَى ذَيَّالِكَ النِّساءِ(8)

ص: 612


1- اشارة إلى قوله صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ثمَّ فتق من نوري نور العرش، فأنا أجلّ من العرش...».
2- اشارة إلى قوله صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ثمَّ فتق من نور علي نور السماوات» «حامي الجار» هو الإمام علي علیه السلام.
3- الغزالة: من أسماء الشمس.
4- والقمر، مجرور بالعطف على «غزالة» فيكون التقدير هكذا «وقد قضى اللّه على الغزالةِ والقمر الزاهر أن لا يكون...
5- تُعربُ نوراً باعتبارها حال، منصوبة ولا تُعرب نورٌ على انها فاعل لفعل «يسطع» لأنَّ المعنى يضطرب على هذا الوجه من الإعراب لأن «القمر الزاهر» هو الذي «يسطع نوراً» من ضياء الحسين علیه السلام فتأمل. وفيه اشارة إلى قوله صلی اللّه علیه و آله وسلم: «ثم فتق من نور الحسن علیه السلام نور الشمس ومن نور الحسين علیه السلام نور القمر...».
6- استمنحته: طلبت منه، أو طلبت منه أن يمنحها. بسنا:بضیاء.
7- البرقع: ما تستر المرأة به وجهها.
8- هذا البيت وثلاثة أبيات قبله إشارة إلى قوله صلی اللّه علیه و آله وسلم «وكانت الملائكة تسبِّح اللّه وتقدِّسه وتقول في تسبيحها: سبوح قدوس من انوار ما أكرمها على اللّه، فلما أراد اللّه «تعالى» أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمه وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا، منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسأل بحق هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنا فقال اللّه «عز وجل»: وعزتي وجلالي لأفعلن. فخلق نور فاطمة الزهراء علیها السلام يومئذٍ كالقنديل، وعلقه في قرط العرش، فزهرت السماوات والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سمِّيت فاطمة علیها السلام «الزهراء». وللاطلاع راجع عوالم العلوم للبحراني ج 1/11 ص 17 وما بعده، وهنالك روايات اخرى الفاظها مختلفة ومؤدَاها واحد، وكلها تؤكد هذا المعنى فراجع ارشاد القلوب: 403، وبحار الأنوار ج 37 ص 82 - 83 ط - بیروت مؤسسة الوفاء الطبعة الثانية (1983م)، وتأويل الآيات 137/1 ح 16، والبرهان 392/1 ح 5، والبحار أيضاً ج 17/43 ح 16، ومصباح الأنوار: 69، واذا شئت راجع، حديث الاشباح مثلاً في فرائد السمطين: 36/1 ح 1، وغاية المرام 5 ح 1 وص 15 ح 1، وأرجح المطالب، 461، والاحقاق 203/9 وص253، وعلل الشرائع، ودلائل الامامة ومدينة المعاجز، وحلية الأبرار، ومقتضب الاثر، والكافي والجواهر السنية وغيرها الكثير اكتفينا بهذا المقدار. نقلت من كتاب فاطمة الزهراء علیها السلام سيدة نساء العالمين ص 59. المؤلف عماد الدين حسين الأصفهاني.

ص: 613

(43) تفاحة الجنة

(بحر الرجز)

الأحد الشعراء

أَلْقابُ بِنْتِ المُصْطَفَى كَثِيرَهْ *** نَظَمْتُ مِنْهَا نُبْذَةً يَسِيرَهْ

نَفْسِي فِدَاها وَفِدا أَبِيهَا *** وَبَعْلِها الوَلِيِّ مَعْ بَنِیهَا

سَيِّدَةٌ إلنْسِيَّةٌ حَوْرَاءُ *** نُورِيَّةٌ حَانِيّةٌ عَذْراءُ(1)

كَرِيمَةٌ رَحِيمَةٌ شَهِيدَهْ *** عَفِيفَةٌ قَانِعَةٌ رَشِيدَهْ(2)

شَرِيفةٌ حَبِيبَةٌ مُحْتَرَمَهْ *** صَابِرَةٌ سَلِيمَةٌ مُكَرَّمَهْ

صَفِيَّةٌ عَالِمَةٌ عَلِيمَهْ *** مَعْصُومَةٌ مَغْصُوبَةٌ مَظْلُومَهْ(3)

ص: 614


1- في «ذخائر العقبى» ص26، ط (1981م) مؤسسة الوفاء -بيروت: «عن النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم قال: ابنتي فاطمة علیها السلام حواء آدمية». و في (المناقب) لابن شهر آشوب ج3 ص357ط/مؤسسة انتشارات علامة - قم«... فاطمة علیها السلام،البتول ،الحصان، الحرّة ،السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة ،الزكيّة ،الراضيّة، المرضيّة، المحدّثة، مريم الكبرى، الصدّيقة الكبرى، ويقال لها في السماء: النورّية، السماويّة، الحانية». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص16 ح15.
2- في «الكافي» ج1 ص458 ح2: «عن علي بن جعفر عن أخيه أبى الحسن علیه السلام قال: إن فاطمة علیها السلام صدّيقة شهيدة».
3- في «علل الشرائع» ج1 ص216 ط الأولى/مؤسسة الأعلمي -بيروت. «... إن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة علیها السلام «إن اللّه اصطفاك وطهَّرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين...». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 78 ح 65. مثله «أمالي الصدوق» ص 394 ط الخامسة/مؤسسة الأعلمي - بيروت. وفي «أمالي الصدوق» ص 99 ح2: «... فيلحقها اللّه «عز وجل» بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي فتقدم عليَّ علیه السلام محزونة مكروبة، مغمومة مغصوبة مقتولة...». انظر: «بحار الأنوار» ج 43 ص 172 ضمن ح 13، ج 28 ص 38 ضمن ح 1.

مَيْمُونَةٌ مَنْصُورَةٌ مُحْتَشِمَهْ *** جَمِيلَةٌ جَلِيلَةٌ مُعَظِّمَهْ(1)

حَامِلَةُ البَلْوَى بِغَيْرِ شَكْوَى *** حَلِيفَةُ العِباده وَالتَّقْوَى

حَبِيبَةُ اللَّهِ وَبِنْتُ الصَّفْوَهْ *** رُكْنُ الهُدَى وَآيَةُ النُّبُوَّهْ

شَفِيعَةُ العُصاةِ أُمُّ الخِيَرَهْ *** تُفَّاحَةُ الجَنَّةِ وَالمُطَهَّرَهْ(2)

ص: 615


1- في «أمالي الصدوق»، ص 475 وص 476: «... قال صلی اللّه علیه و آله وسلم: يا خديجة سلام اللّه علیها هذا جبرئيل علیه السلام يبشرني أنّها أنثى وأنها النسلة الطاهرة الميمونة...». «... وقالت النسوة: خذيها يا خديجة سلام اللّه علیها طاهرة مطهّرة زكيّة ميمونة...». انظر: «دلائل الإمامة» ص 8. «بحار الأنوار» ج 43 ص 2 ح 1 ط الثانية/مؤسسة الوفاء بيروت. «روضة الواعظين» ص160 ط الأولى/ مؤسسة الأعلمي - بيروت. «المناقب» ج1 ص340 ط/مؤسسة انتشارات علامة - قم. «وفي تفسير فرات» ج 1 ص 321 ح 435 ط/مؤسسة النعمان - بيروت. «... فقال: إن اللّه أهدى إليك تفاحة من الجنة. فأخذتها وقبّلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري. ثم قال: يا محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم كُلها، قلت: يا حبيبي يا جبرئيل هدية ربي تؤكل؟ قال: نعم، قد أُمِرتُ بأكلها فأفلقتها، فرأيت منها نوراً ساطعاً ففزعت من ذلك النور. قال : كُلْ فإن ذلك نور المنصورة وفي الأرض فاطمة علیها السلام. فقلت: يا جبرائيل علیه السلام ومن المنصورة؟ قال: قال جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة علیها السلام قال: يا جبرئيل علیه السلام ولم سمِّيت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة علیها السلام؟ قال : سمِّيت فاطمة علیها السلام في الأرض لأنها فطمت شيعتها من النار، وفطمت أعداءها عن حبها. وهي في السماء منصورة وذلك قول اللّه «تعالى» في كتابه: (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر اللّه) بنصر فاطمة علیها السلام لمحبّيها». انظر: «بحار الأنوار» ح 43 ص 18 ح 17 ط 2/مؤسسة الوفاء - بيروت. «بحار الأنوار». 43 ص 4 ح 3 ط 2/مؤسسة الوفاء - بيروت. «البرهان» ج3 ص258 ح 6.
2- في «إحقاق الحق» ج 10 ص 367: «... أنها لما سمعت بأن أباها زوّجها وجعل الدراهم مهراً لها، قالت: يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم إنّ بنات الناس يتزوَّجن ،بالدراهم فما الفرق بيني وبينهن أسألك أن تردّها وتدعو اللّه «تعالى» أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبريل علیه السلام ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: جعل اللّه مهر فاطمة الزهراء علیها السلام شفاعة المذنبين من أمة أبيها، فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت، وقالت: إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أمة أبي». أيضاً: «إحقاق الحق» ح19 ص129. ج19 ص 131.

سَيِّدَةُ النِّسَاءِ بِنْتُ المُصْطَفَى *** صَفْوةُ رَبِّها وَمَوْطِنُ الهُدَى(1)

قُرَّةُ عَيْنِ المُصْطَفَى وَبَضْعَتُهْ *** مُهْجَةُ قَلْبِهِ كَذَا بَقِيَّتُهْ(2)

حَكِيمَةٌ فَهِيمَةٌ عَقِيلَهْ *** مَخرُونَةٌ مَكْرُوبَةٌ عَلِيلَهْ

عَابِدَةٌ زَاهِدَةٌ قَوَّامَهْ *** بَاكِيَةٌ صَابِرَةٌ صَوَّامَهْ

عَطُوفَةٌ رَؤُوفَةٌ حَنّانَهْ *** الْبَرَّةُ الشَّفِيقَةُ الأَنَّانَهْ

وَالِدَةُ السِّبْطَيْنِ دَوْحَةُ النَّبِي *** نُورٌ سَمَاوِيٌّ وَزَوْجَةُ الوَصِي(3)

بَدْرٌ تَمامٌ غُرَّةٌ غَرَّاءُ *** رُوحُ أَبِيها دُرَّةٌ بَيْضَاءُ

وَاسِطَةُ قِلادَةِ الوُجُودِ *** دُرَّةُ بَحْرِ الشَّرَفِ وَالجُودِ

وَلِيَّةُ اللَّهِ وَسِرُّ اللَّهِ *** أَمِينَةُ الوَحْيِ وَعَيْنُ اللَّهِ

ص: 616


1- في «إحقاق الحق» ج10 ص101. إن اللّه «تعالى» لما خلق الحور العين في نهاية الحسن والجمال، قالت الملائكة: إلهنا ومولانا وسيّدنا هل خلقت خلقاً أحسن منهنّ؟ فجاءهم النداء من العلي علیه السلام الأعلى: إني خلقت سيدات نساء العالمين وفضلتهن على الحور العين كفضل الشمس على الكواكب، وهن: آسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران، وخديجة سلام اللّه علیها بنت خويلد، وفاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم».
2- في «أمالي الصدوق» ص100 ط الخامسة/مؤسسة الأعلمي - بيروت: «... هي بضعة منّي وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبيَّ...». انظر: «بحار الأنوار». ج43 ص172 ح13.
3- روى الطبري في كتابه «ذخائر العقبى» ص55 ط/مؤسسة الوفاء - بيروت: «... قال: تزوَّج عليّ علیه السلام فاطمة علیها السلام فولدت له حسناً وحسيناً ومحسناً وزينب وأم كلثوم ورقية علیهم السلام فماتت رقية علیها السلام ولم تبلغ. و قال غيره: ولدت حسناً و حسيناً و محسناً علیهم السلام فهلك محسن علیه السلام صغيراً، وأم كلثوم علیها السلام و زينب علیها السلام و لم يتزوَّج عليها حتى ماتت علیه السلام، و لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عقب إلاّ من فاطمة علیها السلام و أعظم بها مفخرة».

مَكِينَةٌ فِي عَالَمِ السَّمَاءِ *** جَمَالُ الأبا شَرَفُ الأَبْنَاءِ

دُرَّةُ بَحْرِ العِلْمِ وَالكَمالِ *** جَوْهَرَةُ العِزَّةِ وَالجَلاَلِ

قُطْبُ رَحَى المَفَاخِرِ السَّنِيَّهْ *** مَجْمُوعَةُ المَآثِرِ العَلِيَّهْ

مِشْكاةُ نُورِ اللَّهِ وَالزُّجاجَهْ *** كَعْبَةُ الآمالِ لأَهْلِ الحَاجَهْ

لَيْلَةُ قَدْرٍ لَيْلَةٌ مُبَارَكَهْ *** ابْنَةُ مَنْ صَلَّتْ بِهِ المَلائِكَهْ(1)

قَرَارُ قَلْبِ أُمَّها المُعَظَمَهْ *** عَالِيَةُ المَحَلِّ سِرُّ العَظَمَهْ

مَكْسُورَةُ الضِّلْعِ رَضِيضُ الصَّدْرِ *** مَغْصُوبَةُ الحَقِّ خَفِيُّ القَبْرِ(2)

ص: 617


1- في «تفسير فرات» ج2 ص218 ح747: «عن أبي عبد اللّه علیه السلام لأنه قال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) الليلة فاطمة علیها السلام والقدر اللّه فمن عرف فاطمة علیها السلام حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص65 ح58.
2- في «أمالي الصدوق» ص100 ح2: «... كأني بها وقد دخل الذل بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ، ص172 ح13، ج28 ص38 ح1. وفي «المناقب» ج3 ص363. «... إن أمير المؤمنين و الحسن و الحسين علیهم السلام دفنوها ليلاً و غيّبوا قبرها ...». انظر: «بحار الأنوار» ج43 ص183.

(44) طاهرةْ معصومةْ صديقة

(بحر الرجز)

لأحد الشعراء

مِيلادُ بِنْتِ المُصْطَفَى المُخْتَارِ *** شَقَّ ظَلاَمَ اللَّيْلِ بِالأَنْوَارِ(1)

***

عَلَّقَتِ الأَيَّامُ أَبْرَاد الهَنَا *** إِذْ بَلَغَ الرَّاجُونَ غَايَاتِ المُنَى

لَقَدْ جَلاَ جُلَّ مَيَادِينِ السَّمَا *** وَفَاقَ ضَوْءَ السُّحْبِ وَالأَقْمَارِ

***

وَقَرَّ فِي صَدْرِ الهُدَى أَفْرَاحُهُ *** وَأَوْغَلَ الرُّشْدُ بِهِ إِصْلاَحُهُ(2)

فَكُلُّ عَيْنٍ نَظَرَتْ إِيضَاحَهُ *** يَحْكِي ضِيَاءَ الكَوْكَبِ السَّيّارِ(3)

***

لِمَوْلِدِ الزَّهْرَاءِ جَنَّاتُ العُلَى *** تَزَخْرَفَتْ وَالحُورُ مَا بَيْنَ المَلاَ

ص: 618


1- في كتاب (أمالي الصدوق) الطبعة الخامسة (1980) (منشورات الأعلمي للمطبوعات) ص 475 المجلس السابع والثمانون في رقم (1). «حدثنا الشيخ الجليل... عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة علیها السلام فقال: نعم إن خديجة سلام اللّه علیها... فوضعت فاطمة علیه السلام طاهرة مطهَّرة فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور... وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك».
2- أوغل: بالغ.
3- يحكي: يُشبه.

تَزَيَّنَتْ وَالكَوْثَرُ العَذْبُ حَلاَ *** مُصَفِّقاً فِي صَفْوِ مَاءٍ جَارِي

***

وَالكَوْنُ طُرّاً عَجَّ فِيهَا فَرَحاً *** وَقَدْ نَفَى الرَّحْمَنُ عَنْهَا التَّرحَا(1)

وَبَابُ جَنَّاتِ النَّعِيمِ انْفَتَحَا *** لِفَضْلِهَا وَسُدَّ بَابُ النَّارِ

***

وَأَعْلَنَتْ بِالْبِشْرِ سُكَّانُ السَّمَا *** وَالمَلأُ الأَعْلَى بَدَا مُبْتَسِما

وَجَاءَتِ الأَمْلاَكُ كُلاً خَدَمَا *** لِفَاطِمٍ أَمْراً مِنَ الجَبَّارِ(2)

***

فَأَحْدَقَتْ حَوْلَ أَبِيهَا المُصْطَفَى *** وَالرُّوحُ فِي الصَّفِّ احْتِرَاماً وَقَفَا(3)

هَنَّتْهُ بِالزَّهْرَاءِ أُمِّ الشُرَفا *** عَلَى البَرَايَا أَمَنَاءُ البَارِي

***

بِالنَّیِّرَيْنِ زَيَّنَتْ سِبْطَي الهُدَى *** هُمَا إِمَامَانِ عَلَى طُولِ المَدَى

لاَ فَرْقَ إِنْ قَامَا هُمَا أَوْقَعَدَا *** أَمْرُهُمَا مَاضٍ عَلَى الأَقْطَارِ

***

صدِّيقَةٌ لَهَا الرَّسُولُ وَالِدُ ** وَبَعْلُهَا حَيْدَرُ ذَاكَ المَاجِدُ

ص: 619


1- عجّ: صاح ورفع صوته. الترح: الحزن.
2- لعله يشير في هذا البيت إلى بعض ما ورد في كتاب (مناقب آل أبي طالب) ج 3 مؤسسة انتشارات علامة بقم ص 337 عن أبي ذر الغفاري قال: بعثني النبي صلی اللّه علیه و آله و سلم أدعو علياً علیه السلام فأتيت بيته و ناديت فلم يجبني، فأخبرت النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم فقال: عُد إليه فإنه في البيت فأتيت ودخلت عليه فرأيت الرحى تطحن ولا أحد عندها فقلتُ لعلي علیه السلام: إن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم يدعوك فخرج متوشحاً حتى أتى النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم فأخبرت النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم بما رأيت فقال: يا أباذر لا تعجب فإن اللّه ملائكة سيّاحون في الأرض موكلون بمعونة آل محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم.
3- أحدقت: أحاطت.

وَالغُرُّ مِنْ أَبْنَائِهَا الفَرَاقِدُ(1) *** أَوْ إِنَّهُمْ كَوَاكِبُ الأَسْحَارِ

***

زَوَّجَهَا فَوْقَ السَّماخَلاّقُهَا *** وَمَنْ بِهِ تَشَرَّفَتْ بُرَاقُهَا(2)

وَكُلُّ نَهْرٍ فِي الدُّنَا صَداقُهَا *** هَذَا الصَّحِيحُ جَاءَ فِي الأَخْبَارِ(3)

***

نَالَتْ بِهَا المَلاَئِكُ المَرَاتِبَا *** وَقَدْ رَأَتْ فِي عُرْسِهَا عَجَائِبَا

فَقَامَ (رَاحِيلُ) عَلَيْهِمْ خَاطِبَا *** وَذَلِكَ سِرٌّ مِنَ الأَسْرَارِ(4)

ص: 620


1- الفراقد: مفردها الفرقد وهو نجم قريب من القطب الشمالي يهتدى به وبجانبه آخر أصغر.
2- جاء في (ذخائر العقبى): «عن علي علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم أتاني ملك فقال: يا محمد صلی اللّه علیه و آله وسلم إن اللّه «تعالى» يقرأ عليك السلام ويقول لك: إني قد زوَّجت فاطمة علیها السلام ابنتك من علي بن أبي طالب علیه السلاک في الأعلى فزوَّجها منه في الأرض».
3- الدنا: مخفف الدنيا. صداقها: مهرها. ولعل في هذا البيت إشارة إلى ما جاء في عوالم العلوم ج 1/11 ص 461 (الطبعة الثانية تحقيق ونشر مؤسسة الإمام المهدي (عج) «أوحى اللّه إلى الأمين جبرئيل علیه السلام: أن أرق منبر الكرامة، فرقى حتى استوى على المنبر واقفاً فقال خطيباً: الحمد اللّه الذي خلق الأرواح وفلق الأصباح وصوَّر على عرشه خمسة أشباح محیی الأموات وجامع الشتات ومخرج النبات ومنزل البركات النبات ومنزل البركات... بارىء الأنام ومنشىء الغمام لا تشتبه عليه الأصوات، ولا تخفى عليه اللغات لا يأخذه نوم ولا نسيان... ونشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً صلی اللّه علیه و آله وسلم عبده ورسوله، ونشهد أن علي بن أبي طالب علیه السلام خليفة نبيه،... وأشهدوا يا ملائكتي المقربين والملائكة الراكعين والملائكة المسبحين وجميع أهل السماوات والأرضين بأنيّ زوَّجت سيدة نساء العالمين بنت محمد الأمين فاطمة الزهراء علیها السلام بعلي بن أبي طالب علیه السلام سيد الوصيين ألا أن لها بأمر رب العالمين خمس الدنيا أرضها وسماؤها وبرها وبحرها وجبالها وسهلها. وأوحى اللّه «تعالى» إليهم أني قد زوَّجت ولیّي ووصیّي رسولي علي بن أبي طالب علیه السلام، بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء علیها السلام.
4- في مناقب آل أبي طالب ج3 ص347 (مؤسسة انتشارات علامة. قم) قال: «وقد جاء في بعض الكتب أنه خطب راحيل في البيت المعمور في جمع من أهل السماوات السبع فقال: الحمدللّه الأول قبل أوليه الأولين، الباقي بعد فناء العالمين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، و بربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب، وسترنا من العيوب، أسكننا في السماوات، وقربنا إلى السرادقات وحجب عنا النهم للشهوات وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته عن افك الملحدين،.. ثم قال بعد كلام: اختار الملك الجبار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمه سيدة النساء بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين فوصل حبله بحبل رجل من أهله وصاحبه، المصدق دعوته المبادر إلى كلمته على الوصول بفاطمة البتول علیها السلام ابنة الرسول صلی اللّهه علیه و آله وسلم». وروي أن جبرئیل علیه السلام روى عن اللّه «تعالى» عقيبها قوله «عز وجل»: الحمد ردائي والعظمة كبريائي والخلق كلهم عبيدي وامائي زوَّجت فاطمة علیها السلام أمتي من علي صفوتي اشهدوا ملائكتي.

حوّا وَسَارَةٌ وَهَاجَرٌ مَعَا *** وَأُمُّ مَنْ لِلَّهِ قُدْماً رُفِعَا

كَرَائِمٌ سُدْنَ النِّسَاءَ أَجْمَعَا *** لكِنَّ لِلزَّهْرَاءِ عُدْنَ جَوَارِي(1)

***

طَاهِرَةٌ مَعْصُومَةٌ صِدِّيقَهْ *** سَالِكَةٌ مِنَ الهُدَى طَرِيقَهْ

شَرِيفَةٌ فِي نَسَبٍ عَرِيقَهْ *** وَالِدَةُ الأَطْهَارِ وَالأَبْرَارِ

***

شَفِيعَةُ الشِّيعَةِ فِي يَوْمِ الجَزَا *** وَرَسْمُهَا فِي اللَّوْحِ سِرّاً رُمِزَا(2)

ص: 621


1- قد يوحي هذا البيت إلى الرواية الواردة في «مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب ج3 ص 323 حيث قال: «روت عائشة وغيرها عن النبي صلی اللّه علیه و آله وسلم أنه قال: يا فاطمة علیها السلام أبشري فإن اللّه اصطفاك على نساء العالمين و على نساء الإسلام وهو خير دين». وكذلك جاء في (المستدرك) لأبي عبد اللّه النيشابوري ج 3 ص 156 قال: «عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أن النبي صلى اللّه عليه و آله وسلم قال وهو في مرضه الذي توفي فيه: يا فاطمة علیها السلام ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين»؟.
2- ورد في «تفسير فرات الكوفي» ج2 مؤسسة النعمان للطباعة والنشر، بيروت (1992) حيث جاءت في ص. 444 446 فقرة رقم 587 جاء فيها : عن ابن عباس (رضي اللَّه عنه) قال: سمعت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام يقول : دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ذات يوم على فاطمة علیها السلام وهي حزينة فقال لها: ما حزنك يا بنية؟... ثم يقول جبرئيل علیه السلام: يا فاطمة علیها السلام سلي حاجتك؟ فتقولين: يا رب شيعتي، فيقول اللّه: قد غفرت لهم، فتقولين: يا رب شيعة ولدي، فيقول اللّه : قد غفرت لهم. فتقولين: يا رب شيعة شيعتي، فيقول اللّه: انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة، فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين فتسيرين ومعك شيعتك وشيعة ولدك وشيعة أمير المؤمنين علیه السلام آمنة روعاتهم مستورة عوراتهم قد ذهبت عنهم الشدائد وسهلت لهم الموارد...

بِاسْمِهَا قَلْبُ الهُدَى تَحَرَّزا *** مِنْ كُلِّ دَاءٍ فِي الزَّمَانِ سَارِي

***

لِذَاتِهَا الجَلِيلُ فَضْلاً مَنَحَا *** وَقَدْ بَنَى السَّمَاءَ وَالأَرْضَ دَحَا(1)

ص: 622


1- دحا: بسط. وقد جاء في هذا المعنى في كتاب عوالم العلوم ج 11/1 ص 20 عن كتاب مصباح الأنوار: «روى أنس بن مالك قال: صلى بنا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم في بعض الأيام صلاة الفجر ثم أقبل علينا بوجهه الكريم فقلت: يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسر لنا قوله تعالى: (فأولئك الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) [سورة النساء، الآية: 69] فقال صلی اللّه علیه و آله وسلم: أما (النبيّون) فأنا وأما (الصديقون) فأخي عليّ علیه السلام وأما (الشهداء) فعمّي حمزة، وأما (الصالحون) فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين علیهم السلام. قال: وكان العباس حاضراً فوثب وجلس بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله وسلم وقال: ألسنا أنا وأنت وعليّ وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام من نبعة واحدة؟ قال : وما ذاك يا عم؟ قال : لأنك تعرّف بعلي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام دوننا؟ قال: فتبسّم النبي للّه صلی اللّه علیه و آله وسلم وقال: أما قولك يا عمّ ألسنا من نبعة واحدة فصدقت ولكن يا عم إن اللّه خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام قبل أن يخلق اللّه آدم حين لا سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار. فقال العباس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم؟ فقال: يا عم لمّا أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة فخلق منها نوراً، ثم تكلّم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، ثم مزج النور بالروح فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح ونقدّسه حين لا تقديس، فلما أراد اللّه «تعالى» أن يُنشىء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري من نور اللّه ونوري أفضل من العرش. ثم فتق نور أخي عليّ علیه السلام فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور علي علیه السلام ونور علي من نور اللّه وعلي أفضل من الملائكة، ثم فتق نور ابنتي فاطمة علیها السلام فخلق منه السماوات والأرض فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة علیها السلام ونور ابنتي فاطمة علیها السلام من نور اللّه وابنتي أفضل من السماوات والأرض. ثم فتق نور ولدي الحسن علیه السلام وخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن علیه السلام ونور الحسن علیه السلام من نور اللّه والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثم فتق نور ولدي الحسين علیه السلام فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين علیه السلام ونور ولدي الحسين علیه السلام من نور اللّه وولدي الحسين علیه السلام أفضل من الجنة والحور العين. ثم أمر اللّه الظلمات أن تمر على سحائب النظر فأظلمت السماوات على الملائكة فضجّت الملائكة بالتسبيح والتقديس وقالت: إلهنا وسيّدنا منذ خلقتنا وعرّفتنا هذه الأشباح لم نر بؤساً فبحق هذه الأشباح إلاّ ما كشفت عنّا هذه الظلمة، فأخرج اللّه من نور ابنتي فاطمة علیها السلام قناديل فعلّقها في بطنان العرش فأزهرت السماوات والأرض ثم أشرقت بنورها فلأجل ذلك سميِّت «الزهراء علیه السلام» فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر الذي أشرقت به السماوات والأرض؟ فأوحى اللّه إليها: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة علیها السلام ابنة حبيبي وزوجة ولييّ و أخی نبیّی وأبي حججي على عبادي أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة. قال: فلما سمع العباس من رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله وسلم ذلك، وثب قائماً وقبّل بين عيني عليّ علیه السلام وقال: واللّه يا علي أنت الحجة البالغة لمن آمن باللّه واليوم الآخر».

وَالشَّمْسُ مِنْ نُورِ هُدَاهُ وَالضُّحَى *** تَبَلَّجَتْ مِنْ تِلْكُمُ الأَنْوَارِ(1)

ص: 623


1- تبلَّجت: أشرقت وأضاءت. قلائد الأنشاد في النبي وآله الأمجاد ص477.

ص: 624

الفهارس العامة

أشارة

1- فهرس الشعراء

2- فهرس التراجم

3- فهرس القصائد و البحور

4- فهرس الموضوعات

ص: 625

ص: 626

1-فهرس الشعراء

الإسم *** المقطوعة

إبراهيم غلوم حسين أحمد *** الأراجیز(18).

ابن الحجاج البغدادي *** ن(1).

الشيخ أبوالحسن الخليعي *** ن(2)، ن(3).

الأستاذ أبوزهراء الكوفي *** ن(4)، ه_(1).

أبوالقاسم الصنوبري *** ي(1).

الأستاذ أبومحمد المنصور باللَّه *** الأراجیز(1)

الأستاذ أحمد بن رشيد منط *** ه_(2).

الشيخ أحمد حسن الدجيلي *** ه_(3).

السيد إسماعيل الحميري *** ي(2).

الأستاذ أنور فرج اللَّه *** ه_(4).

الشيخ جابر الكاظمي *** ه_(5).

الحاج جواد بدقت الحائري *** ن(5)، ه_(6).

الشيخ جواد الحلي *** ن(6).

الشيخ حسن البحراني القيسي *** ن(7)، ن(8)، ن(9)، ن(10)، ن(11).

الشيخ حسن بن حمود الحلي *** ه_(7).

حسن بن علي العشاري *** ي(3).

الأستاذ حسن علي المرعي *** ن(12).

الشيخ حسين الشبيب *** ه_(8).

السيد حسين الغريفي الشاخوري *** ي(4).

الشيخ الدرمكي *** ن(13).

ديك الجن الحمصي *** الأراجیز(2).

ص: 627

الحاج سعود الشملاوي *** ه_(9)، ه_(10).

الأستاذ سعيد العسيلي العاملي *** ن(14)، ن(15).

الشيخ سلطان علي الصابر *** ه_(11)، الأراجیز(3).

الشيخ سلمان البحراني (التاجر) *** ي(5).

الشيخ سلمان البلادي البحراني *** ن(16).

الشيخ سلمان المحسني الفلاحي *** ي(6).

الأستاذ سلمان هادي آل طعمة *** و(1).

سليمان ظاهر *** الأراجیز(4).

الأستاذ شفيق العبادي *** ن(17).

شفيق عبدالقادر *** الأراجیز(5).

السيد صالح الحلي *** ن(18)، الآراجیز(6).

الشيخ صالح الطرفي *** الأراجیز(7).

الشيخ صالح الكواز *** ن(19).

الملك الصالح طلائع بن رزيك *** ن(20).

الأستاذ عادل الكاظمي *** ي(7).

السيد عباس المدرسي *** ه_(12)، ي(8).

الشيخ عبدالحسين الحويزي *** ه_(13).

الشيخ عبدالحسين شكر *** ه_(14)، و(2).

الشيخ عبدالستار الكاظمي *** ن(21).

الأستاذ عبد العزيز العندليب *** ه_(15)، ه_(16).

الشيخ عبد العظيم الربيعي *** ن(22)، ن(23).

الشيخ عبد علي الماحوزي *** الأراجیز(8).

الشيخ عبد الله بن معتوق *** الأراجیز(9).

الشيخ عبد الله الوائل الإحسائي *** ه_(17)، الأراجیز(10).

الشيخ عبدالمجيد أبوالمكارم *** الأراجیز(11)، الأراجیز(12).

الأستاذ عبد المسيح الأنطاكي *** ي(9)، ي(10).

السيد عدنان الغريفي البحراني *** ن(24).

الأستاذة عزيزة صندوق *** ه_(18).

عصام عباس *** ن(25)، ن(26)، ن(27).

ص: 628

الخطيب ملاعطية الجمري *** الأراجیز(13).

الشيخ ملا علي آل رمضان *** ن(28)، ن(29)، ن(30)، ن(31).

الشيخ علي أبوالمكارم *** ي(11).

علي بن علي بن نما الحلي *** ن(32).

الشيخ علي بن حسن الجشي *** ه_(19)، الأراجیز(14)، الأراجیز(15).

الشيخ علي بن مقرب العيوني *** الأراجیز(16).

السيد علي خان المشعشعي الحويزي *** ي(12).

الأستاذ علي عبداللطيف البغدادي *** ه_(20).

الأستاذ علي محمد الحائري *** و(30).

الشيخ علي منصور المرهون *** ي(13).

السيد عمران المير *** ن(33).

السيد غياث آل طعمة *** و(4).

السيد فاخر آل فاخر الموسوي *** الأراجیز(17).

الشيخ فاضل الصفار *** ي(14).

الأستاذ فرات الأسدي *** ن(34).

الشيخ فرج العمران القطيفي *** ه_(21).

الشيخ قاسم محيي الدين *** ه_(22).

االشيخ كاظم آل نوح *** الأراجیز(19).

الشيخ كاظم الأزري *** ه_(23).

الشيخ كاظم بن المطر الإحسائي *** ن(35)، ن(36).

المهندسة كوثر شاهين *** ي(15).

لأحد الشعراء *** ه_(35)، الأراجیز(42)، الأراجیز(43)، الأراجیز(44).

لأحد أشراف مكة المكرمة *** ه_(36).

الشيخ محسن أبوالحب الكبير *** ي(16).

ملا محسن الحاج سلمان البحراني *** الأراجیز(20).

الدكتور محمد إقبال *** ه_(24)، ي(17)، الأراجیز(21).

ص: 629

الشيخ محمد بن أحمد آل عصفور *** ي(18).

الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي *** الأراجیز(22).

الشيخ محمد بن علي آل نتيف *** ه_(25).

الشيخ محمد جمعة *** ي(19).

الشيخ محمد جواد الخراساني *** ه_(26).

السيد محمد جواد فضل اللَّه *** ن(37).

الشيخ محمد حسن الجواهر *** ن(38).

الشيخ محمد حسن سميسم *** الأراجیز(23).

الشيخ محمد حسين الأصفهاني *** الأراجیز(24).

السيد محمد حسين الكيشوان *** الأراجیز(25).

السيد محمد رضا القزويني *** ن(39)، ن(40).

الشيخ محمد سعيد الجشي *** ه_(27).

الشيخ محمد سعيد المنصوري *** ن(41)، الأراجیز(26).

السيد محمد صالح البحراني *** ن(42).

الأستاذ محمد طاهر حسین جلواح *** ي(20).

محمد علي بن محسن الموسوي الغريفي *** الأراجیز(31).

السيد محمد على العلى *** ن(43).

الشيخ محمد علي قسام *** الأراجیز(27)، الأراجیز(28).

الشيخ محمد علي اليعقوبي *** الأراجیز(29)، الأراجیز(30).

السيد محمد القزويني *** الأراجیز(32).

الأستاذ محمود سبتي *** ن(44).

الأستاذ محمود مهدي *** ن(45)، ه_(29).

السيد مرتضى القزويني *** ه_(28).

السيد مرتضى النجفي البهبهاني *** ن(46).

السيدة معاذة أم سعد بن معاذ *** الأراجیز(33).

المفجع البصري *** ي(21).

منذر الساعدي *** ه_(30).

السيد مهدي الأعرجي *** الأراجیز(34)، الأراجیز(35).

الشيخ مهدي الحجار *** الأراجیز(36).

ص: 630

الشيخ مهدي حسن المصلي *** ي(22).

السيد ميرزا مهدي الشيرازي *** ه_(31).

الحاج مهدي الفلوجي *** ه_(32).

السيد نصر الله الحائري *** الأراجیز(37).

القاضي النعمان *** الأراجیز(38).

الشيخ هادي آل كاشف الغطاء *** الأراجیز(39).

السيد هاشم محسن الموسوي *** الأراجیز(41).

الأستاذ هيثم سعود الكربلائي *** ه_(34).

ص: 631

2-فهرس التراجم

الإسم *** الصفحة

إبراهيم علوم حسين أحمد *** 504

ابن الحجاج البغدادي *** 11

الشيخ أحمد حسن الدجيلي *** 159

الشيخ جابر الكاظمي *** 166

الحاج جواد بدقت الحائري *** 23

الشيخ جواد الحلي *** 27

الشيخ سلمان المحسني الفلاحي *** 368

السيد عباس المدرسي *** 199

الأستاذ عبد المسيح الأنطاكي *** 378

السيد عدنان الغريفي البحراني *** 24

الخطيب ملا عطية الجمري *** 484

علي بن علي بن نما الحلي *** 104

السيد علي خان المشعشعي الحويزي *** 397

الأستاذ علي عبد اللطيف البغدادي *** 270

الأستاذ فرات الأسدي *** 109

الشيخ كاظم الأزري *** 278

الدكتور محمد إقبال *** 284

الشيخ محمد بن حسن الحر العاملي *** 518

الشيخ محمد حسن الجواهر *** 124

الشيخ محمد حسين الأصفهاني *** 532

السيد محمد حسين الكيشوان *** 543

ص: 632

الشيخ محمد سعيد الجشي *** 294

الشيخ محمد علي قسام *** 551

السيد محمد القزويني *** 570

الشيخ مهدي حسن المصلي *** 432

السيد مهدي الفلوجي *** 308

السيد نصر الله الحائري *** 588

الشيخ هادي آل كاشف الغطاء *** 597

الشيخ هادي اليعقوبي *** 603

السيد هاشم الشخص *** 313

السيد هاشم محسن الموسوي *** 605

ص: 633

3- فهرس القصائد و البحور

-النون-

لا أكذب اللَّه إن الصدق ينجيني *** يد الأمير بحمداللَّه تحييني *** 11

(المقطوعة 1/بحر البسيط)

يا عين لالخلوّ الربع و الدمن *** باكي الرزايا سوى الباكي على السكن *** 14

(المقطوعة 2/بحر البسيط)

لم أبك من وقفة على الدمن *** و لالخل نأى و لاسكن *** 17

(المقطوعة 3/بحر المنسرح)

قد قضت باهتضام *** بنت خیر الأنام *** 19

(المقطوعة 4/بحر الرمل)

فوق الحمولة لؤلؤ مكنون *** زعم العواذل أنهن ظعون *** 23

(المقطوعة 5/بحر الكامل)

من شامخات المجد دك رعانها *** خطب أطاش من الورى أذهانها *** 27

(المقطوعة 6/بحر الكامل)

مالي وللبين أشجاني وآلمني *** كأنه بترات كان يطلبني *** 29

(المقطوعة 7/بحر البسيط)

لاينقضي أبداً وجدي و أحزاني *** أبكي و قد سال من عيني عينان *** 35

(المقطوعة 8/ بحر البسيط)

مالي أرى لوّامتي تلحوني *** و بلومها و عتابها تؤذيني *** 38

(المقطوعة 9/بحر الكامل)

أرزاء بنت محمد تشجیني *** و لما عراها تستهل جفنوني *** 40

(المقطوعة 10/بحر الكامل)

هیهات تهدأ زفرتي و حنيني *** مما عرا و يجف دمع عيوني *** 42

(المقطوعة 11/ بحر الكامل)

ص: 634

من أنيس الحور قدست اثنتين *** مريم العذرا، و أمّ الحسنين*** 44

(المقطوعة 12/بحر الرمل)

نحول جسمي لاينفك عني *** و قد صار البكا شغلي و فني *** 46

(المقطوعة 13/بحر الوافر)

بحران بالإيمان يلتقيان *** عجباً و هل يتعانق البحران *** 49

(المقطوعة 14/بحر الكامل)

هذا علي في السقاية دائب *** يسقي النخيل بداخل البستان *** 52

(المقطوعة 15/ بحر الكامل)

إلى كم ولوع القلب بالغادة الحسنا *** و ذكرى ليالي وصل بثنة أو لبني *** 55

(المقطوعة 16/بحر الطويل)

علّمينا فقد سئمنا الهوانا *** كيف يرقى إلى علاك مدانا *** 58

(المقطوعة 17/ بحر الخفيف)

لو أن دمعي يطفي نار أشجاني *** أذلت دمعي من قلبي و أجفاني *** 61

(المقطوعة 18/بحر البسيط)

هل بعد موقفنا على يبرين *** أحبي بطرف بالدموع ضنين *** 63

(المقطوعة 19/بحر الكامل)

لولا قوامك يا قضيب البان *** لم يحسن القضبان في الكثبان *** 67

(المقطوعة 20/بحر الكامل)

أحرقوا الدار على فاطمة و الحسنين *** و رسول اللَّه أوصاهم بحفظ الثقلين *** 71

(المقطوعة 21/بحر الرمل)

فضلك السامي علواً يا علي *** لايدانيه من الخلق مدان *** 74

(المقطوعة 22/بحر الرمل)

أحرف الحسن بخط حسن *** كتبت في وجه من تيمني *** 79

(المقطوعة 23/بحر الرمل)

دع عنك حزوى و ذكرى شعب سعدان *** و استوقف العيس في أكناف كوفان *** 83

(المقطوعة 24/بحر البسيط)

إلى الزهراء قد رفع البيان *** فكان الرد أن كفل الأمان *** 89

(المقطوعة 25/ بحر الوافر)

إلیک یا أم الحسن *** کتبت شوقاً و شجن *** 91

(المقطوعة 26/مجزوء الكامل)

ص: 635

مسکت بريشتي و شدا حنيني *** لبنت المصطفى الهادي الأمين *** 92

(المقطوعة 27/ بحر الوافر)

أتقر بعد الطف منك عيون *** و بها ضيا فجر الهدى مدفون *** 94

(المقطوعة 28/بحر الكامل)

أرض المدينة أظلمت أوطانها *** و تنكرت لما قضى سلطانها *** 97

(المقطوعة 29/بحر الكامل)

يا حي دار كثيرة الأحزان *** بنت النبي المصطفى العدنان *** 99

(المقطوعة 30/بحر الكامل)

من جذ عرنين الهدى و الدين *** من آل طه علة التكوين *** 102

(المقطوعة 31/بحر الكامل)

يا غزالاً غازلت فيه غرامي *** فأبى أن يدين لي أويليني *** 104

(المقطوعة 32/بحر الخفيف)

ذكراك يا بنت الأمين *** تحيا على مر السنين *** 107

(المقطوعة 33/بحر الكامل)

قمر یشع بهاء حزين *** ملأ الليل وجهه المفتون *** 109

(المقطوعة 34/بحر الخفيف)

لوکنت تدري ما شجوني *** ما لمت ذا الطرف الهتون *** 112

(المقطوعة 35/بحر الكامل)

بعداً لقوم بعد فقد المرشد *** ضلّوا فما فيهم ترى من مرشد *** 116

(المقطوعة 36/بحر الكامل)

يابنة الطهر و ما أروعها *** ذكر منك تزين المهرجانا *** 120

(المقطوعة37/ بحر الرمل)

أبا صالح كلّت الألسن *** و قد شخصت نحوك الأعين *** 124

(المقطوعة38/ بحر المتقارب)

إصغ يا دهر وانصتي يا سنين *** برهة إنما الحديث شجون *** 127

(المقطوعة 39/بحرالخفيف)

ظمآن أصبو إلى الذكرى فترويني *** و اليوم أسقي بها من كان يسقيني *** 129

(المقطوعة40/ بحر البسيط)

بنت النبي غدت حزينة *** لفراق سلطان المدينة *** 132

(المقطوعة 41/مجزوء الكامل)

ص: 636

عقود السَّعد قد نشرت جمانا *** و أرض الكون قد زهرت جنانا *** 134

(المقطوعة 42/بحر الوافر)

فجري الفكر و غذّي بيانا *** و أحيلي العيد فينا مهرجانا *** 139

(المقطوعة 43/بحر الرمل)

كم في سويدا قلبها من غلة *** عبرى و قلب مكمد محزون *** 143

(المقطوعة 44/بحر الكامل)

على البقيع ظلال من مآسينا *** تبكي الطلول لشجواها و تبكينا *** 145

(المقطوعة 45/بحر البسيط)

أصحاب أضغان و حقد أسود *** و محمد ملقى بلاتکفین *** 148

(المقطوعة 46/بحر الكامل)

-الهاء-

فاطم قد قضت بنت طه *** فالعز العلي وراها *** 153

(المقطوعة 1/ بحر المتدارك)

يا بضعة من زعيم الرسل حياها *** ربّ السماء وحتى الغر أبناها *** 155

(المقطوعة 2/بحر البسيط)

الشمس ما سطعت وضاء سناها *** إلا وأنت مدارها و رحاها *** 159

(المقطوعة 3/بحر الكامل)

قد أظلت على الدّني بسناها *** وجهها الصبح و الضياء رداها *** 163

(المقطوعة 4/بحر الخفيف)

بايعوا كل ذي ضلال سفيه *** و تخطوا من الرشاد لتيه *** 166

(المقطوعة 5/بحر الخفيف)

أهي الشمس في سماء علاها *** أخذت كل وجهة بسناها *** 178

(المقطوعة 6/بحر الخفيف)

لارعى اللَّه قيلة و عراها *** سخط موسى و حلّ منها عراها *** 183

(المقطوعة 7/بحر الخفيف)

يا لخطب في الدين هدّ قواه *** يوم غاب النبي في مثواه *** 186

(المقطوعة 8/بحر الخفيف)

شرعة الحق حیدر قد بناها *** و عليه يدور قطب رحاها *** 190

(المقطوعة 9/ بحر الخفيف)

ص: 637

حسرتي للبتول بضعة طه *** إذ دهاها بعد النبي مادهاها *** 194

(المقطوعة 10/بحر الخفيف)

إلیکم یا بني طه *** تحیات بأزکاها *** 197

(المقطوعة 11/بحر الهزج)

للإله العظيم حمدي تناهی *** و له الشكر دون أن يتناهى *** 199

(المقطوعة 12/ بحر الخفيف)

لمن العيس في البطاح براها *** مثل بري القداح جذب براها *** 240

(المقطوعة 13/بحر الخفيف)

ویح قوم رضوا عن الدين بالدنيا *** فما للقلوب ما أعماها *** 246

(المقطوعة 14/بحر الخفيف)

شنف مسامعنا في يوم ذكراها *** باسم البتول و حدّث عن سجاياها *** 249

(المقطوعة 15/بحر البسيط)

يا بضعة المصطفى طه *** یا من بها الفكر قد تاها *** 251

(المقطوعة 16/بحر المجتث)

هذه رامة وهذه رباها *** فاحبسا الركب ساعة في حماها *** 253

(المقطوعة 17/بحر الخفيف)

نور أضاء الكون لايتناهى *** باهت بطلعته السماء و طه *** 263

(المقطوعة 18/ بحر الكامل)

كل نفس لم تتبع أهواها *** أدركت في المعاد أقصى مناها *** 267

(المقطوعة 19/بحر الخفيف)

من أي باب يراع المدح يدخلها *** من ألف باب بإحداها تکاملها *** 270

(المقطوعة 20/ بحر البسيط)

هي شمس ردا الكمال تردت *** و يبحر النور الإلهي مدت *** 272

(المقطوعة 21/بحر الخفيف)

كيف تنسى مصاب بضعة طه *** إذ دهاها من الأسى مادهاها *** 274

(المقطوعة 22/ بحر الخفيف)

لمن الشمس في قباب قباها *** شف جسم الدجی بروح ضياها *** 278

(المقطوعة 23/بحر الخفيف)

المجد يشرق من ثلاث مطالع *** في مهد فاطمة فما أعلاها *** 284

(المقطوعة 24/بحر الكامل)

ص: 638

یابن طه حتى متى يا بن طه *** برعاياك يستقيم أذاها *** 288

(المقطوعة25/ بحر الخفيف)

طلعت نجمة فلاح ضياها *** في الثرى وانتهى الثريا بهاها *** 291

(المقطوعة 26/بحر الخفيف)

صلى الإله على البتول وآلها *** من تخضع الأملاك عند جلالها *** 294

(المقطوعة 27/بحر الكامل)

قم واسقنا من كؤوس المراح أحلاها *** و رونا برحيق من حميّاها *** 296

(المقطوعة 28/بحر البسيط)

تجلت شمس هدي في ضحاها *** و أشرقت المعالم من سناها *** 299

(المقطوعة 29/بحر الوافر)

یایوم فاطمة ويا بلواها *** فتّت فؤاداً هاج في ذكراها *** 301

(المقطوعة 30/بحر الكامل)

درّة أشرقت بأبهى سناها *** فتلالا الورى فيا بشراها *** 303

(المقطوعة 31/بحر الخفيف)

هي دنيا وللفنا منتهاها *** لعب جدّها وواه قواها *** 308

(المقطوعة 32/بحر الخفيف)

عجيبة هذه الدنيا وبلواها *** كم حلّ في آل طه من رزاياها *** 313

(المقطوعة 33/بحر البسيط)

يا ربي عجَّل بوفاتي *** و لمن أشكو یا رباه *** 317

(المقطوعة 34/ بحر الرمل)

أشرقت شمس أحمد بضياها *** فأضاءت بنورها ماسواها *** 322

(المقطوعة 35/بحر الخفيف)

ما لعيني قد غاب عنها كراها *** و عراها من عبرة ما عراها *** 328

(المقطوعة 36/بحر الخفيف)

-الواو-

حسبي جوى إن ضاقت السلوى *** علي أنال الغاية القصوى *** 337

(المقطوعة 1/ بحر الكامل)

أمن ذكر وادي النقا فاللَّوى *** بدا في المحاجر ما في الجوى *** 339

(المقطوعة 2/بحر المتقارب)

ص: 639

بكيت بمأتم الزهراء شجوا *** مصاباً هز ثهلاناً و رضوى *** 341

(المقطوعة 3/بحر الوافر)

إلام بنار البعد يا سيدي نكوى *** و هل يستلذ العيش من دون من نهوى *** 344

(المقطوعة 4/بحر الطويل)

-الياء-

ما في المنازل حاجة نقضيها *** إلا السلام و أدمع نذريها *** 351

(المقطوعة 1/بحر الكامل)

و حدّثنا عن حارث الأعور الذي *** نصدقه في القول منه و ما يروي *** 354

(المقطوعة 2/بحر الطويل)

لهفي على قمر و سيف مغمد *** أن لا يشم مدى الزمان غواليا *** 357

(المقطوعة 3/بحر الكامل)

سل جيرة الدار عن ترحال أهليها *** هل أزمع العود بالأظعان حاديها *** 359

(المقطوعة 4/بحر البسيط)

أي رزء شجا الرسول النبيَّا *** و البتول العذرا و أبكي الزكيا *** 364

(المقطوعة 5/ بحر الخفيف)

الله ما فعلت أميه *** ببني المطهرة الزكيّه *** 368

(المقطوعة 6 /مجزوء الكامل)

وقولة ل_(علي) قالها (عمر) *** ما نحن فيه بقايا من مآسيها *** 371

(المقطوعة 7/بحر البسيط)

كفاني أسّى لاتوقظن جراحيا *** ودع وجد قلبي في مطاويه تاویا *** 373

(المقطوعة8/بحر الطويل)

عرّج على طيبة و انزل مغانيها *** وسائل الناس شاكيها و باليها *** 378

(المقطوعة 9/ بحر البسيط)

شبت بحجر رسول اللَّه فاطمة *** كما تحب المعالي أن تلاقيها *** 382

(المقطوعة 10/بحر البسيط)

أتى بها اللَّه إظهاراً لقدرته *** من جنة الخلد لاأنثى تباريها *** 390

(المقطوعة 11/بحر البسيط)

يا إلهي بفاطم بأبيها *** بعلي و بالهداة بنيها *** 397

(المقطوعة 12/بحر الخفيف)

ص: 640

عرّج على قبر النبي محمد *** و الثم تراباً خالط العطر الندي *** 401

(المقطوعة 13/ بحر الكامل)

آه لبنت المصطفى الزاكية *** كم لوعة أمست بها باکیه *** 403

(المقطوعة 14/ بحر السريع)

دعوني أبتدي حرفي صلاة *** على المختارطه و الوصي *** 406

(المقطوعة 15/بحر الوافر)

لاتعبسي وجهاً عليّه *** ما راع منك القلب ريه *** 409

(المقطوعة 16/ بحر الكامل)

في كربلا فاطم قرحى أماقيها *** تنعي حماة حماة ذبحوا فيها *** 413

(المقطوعة 17/بحر البسيط)

أين الشفيق على الزهرا يواسيها *** في نوحها ونعاها في غواليها *** 415

(المقطوعة 18/ بحر البسيط)

يا راكباً هيماء مرقالاً *** جسوراً شدقميّه *** 420

(المقطوعة 19/بحر الكامل)

يا مزون النسمات الفاطمية *** رطبي تلك القلوب الحجريه *** 423

(المقطوعة 20/ بحر الرمل)

أيها اللائمي لحبي عليَّا *** قم ذميماً إلى الجحيم خزيا *** 426

(المقطوعة 21/بحر الخفيف)

إني احتمیت بحب جلّ باریه *** ما خاب من فاطم الزهراء تحميه *** 432

(المقطوعة 22/ بحر البسيط)

-الأراجيز-

الحمد للمهيمن الجبار *** مكوّر الليل على النهار *** 437

(المقطوعة 1/ بحر الرجز)

إن الرسول لم يزل يقول *** و الخير ما قال به الرسول *** 441

(المقطوعة 2/بحر الرجز)

حديثناعن جابر الأنصاري *** فاصغ له في الخمسة الأطهار *** 444

(المقطوعة 3/ بحر الرجز)

هل كان في النساء مثل فاطم *** في غابر وحاضر و قادم *** 450

(المقطوعة 4 / بحر الرجز)

ص: 641

بسم الإله الراحم الرحيم *** خالق هذا العالم العظيم *** 452

(المقطوعة 5/ بحر الرجز)

ليت يرى الذي جرى الهادي النبي المؤتمن *** من بعد ما غاب على أم الحسين و الحسن *** 457

(المقطوعة6/ بحر الزجر)

لبضعة المختار أم الحجج *** مناقب و ضّاءة كالسرج *** 459

(المقطوعة 7/ بحر الرجز)

أفتتح الكلام باسم الخالق *** مصلّياً على النبي الصادق *** 460

(المقطوعة 8 /بحر الرجز)

ما العذر للأمة فيما سلكت *** عن ليلة القدر التي قد هتكت *** 466

(المقطوعة 9/بحر الرجز)

تباً لدنيا غادرت أهل العبا *** بصروفها فتشتتوا أيدي سبا *** 468

(المقطوعة 10/بحر الرجز)

الحمد للّه ذي الجلال *** وخالق الخلق بلا تمثال *** 472

(المقطوعة 11/بحر الرجز)

آه من المسمار كيفما فعل *** فعلته للحشر لما تضمحل *** 481

(المقطوعة 12/بحر الرجز)

ولّهني تجارب الأرزاء *** بالمصطفى والآل والزهراء *** 484

(المقطوعة 13/بحر الرجز)

روي لنا عن معدن الأسرار *** بضعة طه مظهر الأنوار *** 488

(المقطوعة 14/بحر الرجز)

حبيبة الحبيب بنت المصطفى *** كفؤ عليّ وكفاها شرفا *** 493

(المقطوعة 15/بحر الرجز)

يا واقفاً بدمنة ومربع *** إبك على آل النبي أودع *** 495

(المقطوعة 16/بحر الرجز)

بسم الذي قد برأ الخلائق *** وللهدى قد أظهر الحقائق *** 497

(المقطوعة 17/بحر الرجز)

ابدأ باسم الواحد الكريم *** إلهنا المنعم والرحيم *** 504

(المقطوعة 18/بحر الرجز)

أيّ رشاً أهاجنا بغامه *** أراعه القانص أو أوامه *** 508

(المقطوعة 19/بحر الرجز)

ص: 642

الحمد لله الذي هدانا **** بالمصطفى و المرتضی مولانا *** 510

(المقطوعة 20/بحر الرجز)

نغمات المرء عزف المرأة *** هو من محنتها في عزّة *** 515

(المقطوعة 21/ بحر الرجز)

و ولدت فاطمة الزهراء *** البضعة الزكية الحوراء *** 518

(المقطوعة 22 /بحر الرجز)

يا أيها الرسول بلّغ بعلي *** ما فيه أنزلت من النص الجلي *** 528

(المقطوعة 23/بحر الرجز)

جوهرة القدس من الكنز الخفي *** بدت فأبدت عاليات الأحرف *** 532

(المقطوعة 24 /بحر الرجز)

مالك لاالعين تصوب أدمعا *** منك و لاالقلب يذوب جزعا *** 543

(المقطوعة 25/ بحر الرجز)

يا طالباً من بضعة المختار *** أن تبكي بالليل و النهار *** 549

(المقطوعة 26/بحر الرجز)

من مبلغ عني النبي الهادي *** سلام عبد خالص الوداد *** 551

(المقطوعة 27/بحر الرجز)

لولاکم یا آل بيت المصطفى *** ما كان من لوح و لامن قلم *** 556

(المقطوعة28/ بحر الرجز)

إلام في كل صباح و مسا *** نعلل النفس بعلّ و عسى *** 559

(المقطوعة 29/بحر الرجز)

أي المعالي لم ينل غاياتها *** أم أيّ فخر لذراه ما ارتقى *** 561

(المقطوعة 30/بحر الرجز)

هاك حديثاً جاء عن خير النسا *** خامسة الأقطاب أصحاب الكسا *** 563

(المقطوعة 31/بحر الرجز)

روت لنا فاطمة خير النسا *** حديث أهل الفضل أصحاب الكسا *** 570

(المقطوعة 32/ بحر الرجز)

أقول قولاً فيه مافيه *** و أذكر الخير و أبديه *** 575

(المقطوعة 33/بحر الرجز)

ما بال عينيك دماً تنسكب *** و نار أحشاك أسًى تلتهب *** 577

(المقطوعة 34/بحر الرجز)

ص: 643

يا أيها الرّبع الذي قد درسا *** باكرك الغيث صباحاً و مسا *** 582

(المقطوعة 35/ بحر الرجز)

صلّوا على الخمسة أصحاب العبا *** أفضل خلق الله أمّاً و أبا *** 585

(المقطوعة 36/ بحر الرجز)

من غير جرم الحسين يقتل *** و بالدماء جسمه يغسّل *** 588

(المقطوعة 37/ بحر الرجز)

فبایعاه جهرة و قالا *** بل أنت خير من نراه حالا *** 593

(المقطوعة 38/بحر الرجز)

فاطمة خير نساء الأمة *** من كل ذنب عصمت و وصمه *** 597

(المقطوعة 39/بحر الرجز)

لفاطم الزهراء خير مولد *** سرّ به قلب النبي أحمد *** 603

(المقطوعة 40/بحر الرجز)

قال ابن محسن اللعيبي هاشم *** من قد نماه المرتضى و فاطم *** 605

(المقطوعة 41/بحر الرجز)

أنوارهم ساطعة من قبل أن *** يكتب في اللوح وجود و زمن *** 610

(المقطوعة 42/ بحر الرجز)

ألقاب بنت المصطفى كثيرة *** نظمت منها نبذة يسيره *** 614

(المقطوعة 43/بحر الرجز)

ميلاد بنت المصطفى المختار *** شقّ ظلام الليل بالأنوار *** 618

(المقطوعة 44/ بحر الرجز)

ص: 644

4- فهرس الموضوعات

سورة الفاتحة *** 5

تقریظ *** 7

قافیة النون

(1) أهل الجنان *** 11

(2) البتول الطهر واقفة *** 14

(3) أنا ابنةُ المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 17

(4) بنتُ خير الأنام *** 19

(5) جنين فاطمة علیها السلام *** 23

(6) شامخات المجد *** 27

(7) أمُّ الأتقياء علیها السلام *** 29

(8) أشجى البتولة *** 35

(9) أُمُّ الهداة علیها السلام *** 38

(10) وجد البتول *** 40

(11) يا بضعة الهادي علیها السلام *** 42

(12) أم الحسنين علیها السلام *** 44

ص: 645

(13) يطيب لي البكا *** 46

(14) نفحةٌ من فاطمٍ علیها السلام *** 49

(15) خمسمائة درهم *** 52

(16) مخدومة الأملاك *** 55

(17) صدى الحق *** 58

(18) بيتُ أحزان *** 61

(19) الواثبين لظلم آل محمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 63

(20) الطهر فاطمة علیها السلام *** 67

(21) الزهراء علیها السلام في الدار *** 71

(22) فاطمة علیها السلام و الحسنان علیهما السلام *** 74

(23) يُخجلُ الغيث *** 79

(24) خير نسوان علیها السلام *** 83

(25) دعاء الأبرار *** 89

(26) رسالة إلى الزهراء علیها السلام *** 91

(27) ريشتي و الزهراء علیها السلام *** 92

(28) بين الجدار *** 94

(29) أرّقت أهل المدينة *** 97

(30) دار بها الزهراء علیها السلام *** 99

(31) درّةٌ قدسية *** 102

(32) غصب الزهراء علیها السلام *** 104

ص: 646

(33) خط البتولة علیها السلام واضحٌ *** 107

(34) هُداها القرآن *** 109

(35) الحرمة الكبرى *** 112

(36) بعد فقد المرشد *** 116

(37) يابنة الطهر صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 120

(38) فداها علیها السلام النفوس *** 124

(39) الزهراء علیها السلام سِرُّ سيبقى *** 127

(40) الشفاعة بالزهراء علیها السلام *** 129

(41) من ظلم البتول علیها السلام *** 132

(42) قائدها النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 134

(43) مهرجان العيد *** 139

(44) لم أنس *** 143

(45) نجيبة المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 145

(46) سَلِيلَةُ أَحْمَدٍ صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 148

قافية الهاء

(1) نادت أباها صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 153

(2) صلى الإله عليها *** 155

(3) هذه هي الزهراء علیها السلام *** 159

(4) وستبقى الزهراء علیها السلام *** 163

(5) بنت خير الورى *** 166

ص: 647

(6) في سماء عُلاها *** 178

(7) حاربوا فاطماً علیها السلام *** 183

(8) يوم غاب النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 186

(9) بضعة الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 190

(10) حسرتى للبتول علیها السلام *** 194

(11) إِلَيْكُمْ يا بَني طه *** 197

(12) منظومة خطبة الزهراء علیها السلام *** 199

النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم الأكرم و فلسفة الرسالة *** 202

مسؤولية الناس تجاه الرسالة الإسلامية *** 204

فلسفة الشريعة الإسلامية *** 206

اعلموا أني فاطمة علیها السلام! *** 208

هكذا أنقذ اللَّه العرب من الجاهلية *** 209

دور الإمام عليّ علیه السلام في بناء الإسلام *** 212

الردّة و بدء المؤامرة ضد أهل البيت علیهم السلام *** 213

المزاعم الباطلة للمتآمرين *** 214

التآمر... عودة إلى الجاهلية *** 216

القرآن الكريم يفنّد مزاعم المتآمرين في غصب فدك *** 217

الإنذار *** 220

استنهاض الأنصار للدفاع عن الحق *** 220

حبّ الراحة سبب خذلان الحقّ! *** 225

ص: 648

المستقبل الخطير للمتخاذلين *** 226

جواب أبي بكر *** 227

الحديث -الفرية *** 229

الدفاع الهزيل *** 229

الحديث فرية و الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم لايخالف القرآن *** 231

جواب أبي بكر و الاعتراف بالخطأ *** 233

عناد المتواطئين على الباطل *** 234

و عادت فاطمة علیها السلام إلى دار عليّ علیه السلام! *** 235

استنهاض الإمام الممتحن *** 235

الكلمة الأخيرة لفاطمة علیها السلام! *** 239

(13) صديقة الخليقة *** 240

(14) يا كفيل الأيتام *** 246

(15) فريدة في معاليها *** 249

(16) يا كوثر الفضل *** 251

(17) لست أنسى البتول *** 253

(18) فضائل الزهراء علیها السلام *** 263

(19) بنت خير نبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 267

(20) من أيّ بابٍ *** 270

(21) هذه معدن العطاء *** 272

(22) حرّ الفؤاد *** 274

ص: 649

(23) بضعة المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 278

(24) هي أسوة للأمهات *** 284

(25) ربيبة خدرٍ *** 288

(26) سميت فاطِماً علیها السلام *** 291

(27) ما أعظم الزهراء علیها السلام *** 294

(28) هي البتول علیها السلام *** 296

(29) القدسية السامي عُلاها *** 300

(30) يا يوم فاطمة علیها السلام *** 301

(31) حرةٌ سادت البرايا *** 303

(32) نحلة البتول *** 308

(33) كم عانت الزهراء علیها السلام *** 313

(34) عمر الزهور *** 317

(35) شمس أم القرى *** 322

(36) وأتت فاطمُ علیها السلام *** 328

قافیة الواو

(1) هي رحمة *** 337

(2) بني الوحي *** 339

(3) مأتم الزهراءِ علیها السلام *** 341

(4) فداها أبوها *** 344

ص: 650

قافیة الیاء

(1) صلّوا على بنت النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 351

(2) هدية ربي *** 534

(3) صبّت علي مصائبٌ *** 357

(4) قوموا إلى فاطم علیها السلام *** 359

(5) كاشف الكرب *** 364

(6) لا تنس بضعة أحمد صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 368

(7) فاطمة علیها السلام في الدار *** 371

(8) كفاني أسًى *** 373

(9) بنت المصطفى صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 378

(10) محبوبة النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 382

(11) جوهرة الكون *** 390

(12) يا إلهي بفاطمٍ علیها السلام *** 397

(13) عرّج على قبر النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 401

(14) صائنة المجد *** 403

(15) هي الحوراء علیها السلام *** 406

(16) اللَّه يحكم *** 409

(17) في كربلا فاطم علیها السلام *** 413

(18) أم الحسين علیه السلام *** 415

(19) یا باب فاطمة علیها السلام البتول *** 420

ص: 651

(20) النَّسماتِ الفاطمية علیها السلام *** 423

(21) خيرة اللَّه *** 426

(22) زهراءٌ علیها السلام أُمُّ أبيها *** 432

الأراجیز

(1) حورية إنسية *** 437

(2) زَيْنُ الْجِنَانِ *** 441

(3) خامس الأطهار علیها السلام *** 444

(4) جوهرة الرحمن *** 450

(5) طَريقُ الكَمَال *** 452

(6) بضعة النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 457

(7) أم أبيها علیها السلام *** 459

(8) أفضل النساء *** 460

(9) ليلةِ القدرِ *** 466

(10) آل النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم الأكرمين *** 468

(11) طاهرة مطهّرة *** 472

(12) بضعة الأمين *** 481

(13) بنت الرسول صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 484

(14) مَظْهَرُ الأنوار *** 488

(15) حبيبة الحبيب *** 493

(16) آل النبيّ صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 495

ص: 652

(17) هدية الولاء في نظم حديث الكساء *** 497

(18) أرجوزة الكساء *** 504

(19) روضة النبي صلي اللَّه علیه و آله و سلم *** 508

(20) يستأذن الأمين جبرئيلُ *** 510

(21) روضة الصدق *** 515

(22) أم الأئمة علیها السلام *** 518

(23) بضعة الهدى *** 528

(24) جَوْهَرَةُ الْقُدْسِ *** 532

(25) حق البتول علیها السلام *** 543

(26) بضعة المختار *** 549

(27) حديث الباب *** 551

(28) مصائب الزهراء علیها السلام *** 556

(29) تراث فاطم علیها السلام *** 559

(30) عليّ علیه السلام كفؤ فاطمة علیها السلام *** 561

(31) خير النساء *** 563

(32) فاطمة علیها السلام خيرُ النساء *** 570

(33) بنت نبيّ صلي اللَّه علیه و آله و سلم الهدى *** 575

(34) ما بال عينيك *** 577

(35) خامسة الأطهار علیها السلام *** 582

(36) الكساء اليماني *** 585

ص: 653

(37) ساعد الزهراء علیها السلام *** 588

(38) باب البتول فاطمة علیها السلام *** 593

(39) خَيْرُ نِسَاءِ الْأُمَّةِ *** 597

(40) أزهرت مكة *** 603

(41) تحت الكساء *** 605

(42) نور فاطم علیها السلام *** 610

(43) تفاحة الجنة *** 614

(44) طاهرةٌ معصومةٌ صديقة *** 618

الفهارس العامة

1- فهرس الشعراء *** 627

2- فهرس التراجم *** 632

3- فهرس القصائد و البحور *** 634

4- فهرس الموضوعات *** 645

ص: 654

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.