دعاء صنمي قريش
للإمام أمير المؤمنين عليه السلام
أبو محمّد العلوي
ص: 1
هوية الكتاب
ص: 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{الْحَمْدُ للّه ِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}
ص: 3
ص: 4
بسم اللّه المنتقم الجبّار
اللهمّ العن صنمي قريش ..
كلمات خرجت من بين شفتي سيّد الموحّدين أمير المؤمنين عليه السلام وهي تقطر دما وهو يعتصر ألما .
وكأنّي أنظر إليه حينما يصل إلى هذه الفقرات : ... وبطن فتقوه ... وضلع كسروه ... وجنين أسقطوه ... وهو يشهق بين عباراتها شهقة الموت - لولا الأجل المحتوم - .
سيّدي أبا الحسن ياإمام الصابرين ... لا أدري ماذا أقول وماذا أكتب عن مظلوميتك ومظلومية الزهراء الصدّيقة عليهاالسلام وقد خطر ببالي أن أجمع هذه الروايات المطابقة لمفاد هذا الدعاء العظيم « دعاء صنمي قريش » وأُهدي هذا الجهد المتواضع إلى حفيدك المنتظر ، القادم بأخذ الثار لأُمّه المظلومة الشهيدة ولإبنها المظلوم الشهيد حينما يرفع راية يالثارات الحسين عليه السلام .
فياحجّة اللّه ويابقيّة الماضين ويامنتقم آل محمّد ياحجّة بن الحسن المهدي ، روحي فداك ، أهدي إليك هذه الصفحات علّك تتقبّلها بفضلك الواسع .
ابن الزهراء - أبو محمّد
قم المقدّسة - عش آل محمّد صلى الله عليه و آله
شهر رمضان المبارك / 1427
ص: 5
ص: 6
بسم اللّه المنتقم الجبّار
هنا وهناك همسات على الشفاه تناهت إلى الآذان وارتفعت بمرور الأزمان .. ذلك في ظلّ دعم دعاة التقريب .. .
هنا وهناك أصوات تعلو ونداءات تتوالى وتدعو إلى : نبذ اللعن وفتح صفحة جديدة مع اخواننا الجدد .
الهمسات تحوّلت إلى الأصوات والأصوات إلى النداءات والنداءات إلى الصراخات !! لماذا اللعن ؟! لا تلعنوا في المجالس .. لا ترفعوا أصواتكم باللعن .. إنّهم اخواننا لا تجرحوا مشاعرهم .. كلّ ذلك لكي نتقرّب إليهم .. لكي نتّحد معهم أمام الباطل أمام قوى العالم .. أمام قوى الشرّ والضلال والانحراف .. .
تنازلوا عن آرائكم ومعتقداتكم .. اتركوا ما في كتبكم .. اضربوا الروايات عرض الحائط .. تجاهلوا مشاعر يتامى آل محمّد .. تناسوا البقيع الغرقد .. تغافلوا عن الجناية العظمى في سامرّاء .. لا تكترثوا لآهات الأرامل والأيتام من شهداء العراق وغيره .. كلّ ذلك لأجل الوحدة مع أبناء العامّة .
فنحن دعاء التقريب !!
وبالأحرى دعاة التذويب .
أتهضم الزهراء عليهاالسلام تراث أبيها بمرأى منكم ومسمع ومنتدى ومجمع .. توافيكم الدعوة فلا تجيبون وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، لقد نكصتم وانحرفتم بعد
ص: 7
الإيمان فبؤسا لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم .
لماذا هذا الخذلان ؟! {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّه ُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(1)}.
ألا وقد أخلدتم إلى التقريب وابتعدتم عن الحقّ الغريب وخلوتم بالدعة ونجوتم بالضيق من السعة فمججتم ما وعيتم ودسعتم الذي تسوّغتم {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعا فَإِنَّ اللّه َ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ(2)}.
واعلموا أنّه كلّما نجم قرن التقريب وأوقدتم نار الفتنة في الحقّ الغريب أطفأها اللّه فأنتم الآن - بهذه المواقف المخزية - على شفا حفرة من النار وستصبحون - إن لم
تكونوا كذلك الآن - مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان وموطئ الأقدام أذلّة خاسئين .
هاهو الشيطان لقد أطلع رأسه من مغرزه هاتفا بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين وللغرة فيه ملاحظين ، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافا وأحشمكم فألفاكم غضابا ، فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب والجرح لمّا يندمل والبقيع لما يعمر وسامراء بلا ناصر وأتباع أهل البيت عليهم السلام مضطهدون مطاردون مهجّرون مقتولون بلا مدافع .
فهيهات منكم وكيف بكم وأنّى تؤفكون وأنتم تستجيبون لهتاف الشيطان الغوي وإطفاء أنوار الدين الجلي وإهمال سنن النبي الصفي وتبتغون أن نكفّ عن لعن أعداء اللّه !!
أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون ، بلى قد تجلّى
ص: 8
لكم كالشمس الضاحية إنّ أعداء الزهراء ملعونون .
أيّها المسلمون أتمنع بضعة المختار حتّى من لعن أعدائها !!
يادعاة التقريب ! أفي كتاب اللّه أن لا نلعن أعداء الدين ؟! لقد جئتم شيئا فريا . أفعلى عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول : {بَلْ لَعَنَهُمْ اللّه ُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ(1)} {فَلَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الْكَافِرِينَ(2)} أليس أبو بكر وعمر من الكافرين ؟
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُم اللّه ُ وَيَلْعَنُهُم اللاَّعِنُونَ(3)} ألم يكتم أبو بكر وعمر وأتباعهما البيّنات والهدى {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّه ِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(4)}{كَيْفَ يَهْدِي اللّه ُ قَوْما كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللّه ُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(5)} {أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّه ِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(6)}{نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ(7)}.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
ص: 9
وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً(1)}، ألا تنطبق هذه الآية على أتباع أبي بكر وعمر وهما الجبت والطاغوت كما في صريح الروايات {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللّه ُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللّه ُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرا(2)}.
{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدا فِيهَا وَغَضِبَ اللّه ُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما(3)} النار ، {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(4)} {فَبَِما نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً(5)} ألم يقتل أبو بكر وعمر ، الأبرياء من المؤمنين إلى هذا اليوم وألم ينقض أبو بكر وعمر الميثاق الذي أخذه رسول اللّه منهم .
{لَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الظَّالِمِينَ(6)} ألم يظلما الرسول وعليا والزهراء عليهم السلام ؟
{وَعَدَ اللّه ُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللّه ُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ(7)} أليس أبو بكر وعمر وأتباعهما من المنافقين والمنافقات ؟
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّه ِ كَذِبا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ
ص: 10
الْأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّه ِ عَلَى الظَّالِمِينَ(1)} ألم يكذب أبو بكر وعمر وأتباعهما على اللّه فتشملهم لعنة اللّه في هذه الدنيا وفي الآخرة {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ(2)} {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ(3)}}وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّه ِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّه ُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ(4)}.
لقد أخذ الرسول صلى الله عليه و آله عهد اللّه في الخلافة من الأُمّة فنقضه أبو بكر وعمر وقطعوا ما أمر اللّه به أن يوصل في آل رسول اللّه وأفسدا في الأرض بالبغي والقتل والظلم وغصب الخلافة .
{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ(5)} {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنْ الْمَقْبُوحِينَ(6)} وأبو بكر وعمر هما سيّدا أئمّة الكفر ، وقد دعوا أقواما وأجيالاً إلى النار فعليهم اللعن في الدنيا والقبح في الآخرة .
{إِنَّ اللّه َ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرا(7)} }رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ
ص: 11
وَالْعَنْهُمْ لَعْنا كَبِيرا(1)} {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ(2)} نعم اللعن الكبير المستمر إلى يوم الدين يشمل أبا بكر وعمر وأتباعهما لعظيم الجناية {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ(3)} {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللّه ِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرا(4)}. أوليس هؤلاء الظلمة الفجرة الجبت والطاغوت وأتباعهما من أبرز مصاديق هذه الآيات كما في روايات أهل البيت عليهم السلام .
أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أهل البيت عليهم السلام .
يامعاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(5)} كلاّ بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأوّلتم وساء ما به أشرتم وشرّ ما منه اغتصبتم ، لتجدنّ واللّه محمله ثقيلاً وغبه وبيلاً إذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراء الضرّاء وبدا لكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ(6)}.
فنعم الحَكَم اللّه والزعيم محمّد صلى الله عليه و آله والخصم فاطمة عليهاالسلام والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ولا ينفعكم إذ تندمون ، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب
ص: 12
يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم .
يامعشر المسلمين ! ما هذه الغميزة في حقّ الزهراء عليهاالسلام والسنة عن ظلامتها ؟ سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا اهالة .. أتقولون انتهى الماضي وماتت الصراعات والخلافات وليحكم اللّه بين فاطمة عليهاالسلام وأبي بكر (عليه اللعنة) فخطب جليل استوسع وهيه واستنهر فتقه وانفتق رتقه وأظلمت الأرض لهذه المقولة واكدت الآمال وخشعت الجبال واضيع الحريم وأُزيلت الحرمة ، فهذه واللّه النازلة الكبرى والمصيبة العظمى في هذا القرن لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة .
ألا وقد قلنا ما قلنا على معرفة بالجذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ولكنّها فيضة النفس ونفثة الغيظ وبثّة الصدر وتقدمة الحجّة فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر نقبة الخف باقية العار موسومة بغضب الجبّار وشنار الأبد موصولة ب- {نَارُ اللّه ِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ(1)} فبعين اللّه ما تفعلون {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(2)}.
وإنّما نحن أتباع نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعملوا إنّا عاملون {وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ(3)} ولقد {سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّه ُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ(4)}.
ص: 13
إلى أي المذاهب تذهبون وبأي عقيدة تعتقدون ؟ هل أنتم شيعة علي والزهراء عليهماالسلام وهل تسلكون مسلكهما ؟ إن كان ذلك حقّا ... فهلمّوا مع علي في وضح النهار ومن فوق المنبر ونادوا بأعلى صوتكم : أما واللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ... فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ... إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ... .
وهلمّوا مع علي عليه السلام في سواد الليل المدلهم وارفعوا أكفّكم ونادوا بأعلى صوتكم : « اللهمّ العن صنمي قريش .. » نعم اصرخوا حتّى تصل أصواتكم إلى الأجيال اللاحقة كما وصلت نداءات علي عليه السلام من أعماق الليل قبل 1400 سنة : « اللهمّ العن صنمي قريش وجبتيها وطاغوتيها وافكيها وابنتيهما ... » .
لقد أفتى الفقهاء والمحدّثون باستحباب الدعاء بالأذكار والأدعية المأثورة في القنوت ، وذكروا جملة من ذلك ومنها دعاء صنمي قريش ، فقد رواه الكفعمي في البلد الأمين والمصباح ، ورواه الشيخ حسن بن سليمان الحلّي في المحتضر ، وقد صرّح الفقيه المعاصر آية اللّه العظمى السيّد صادق الشيرازي دام ظلّه بأفضلية هذا الدعاء
على سائر الدعوات في القنوت بما نصّه : ولعلّ الأفضل من الجميع دعاء صنمي قريش(1).
ودعاء صنمي قريش دعاء عظيم الشأن روي عن أمير المؤمنين عليه السلام وكان
ص: 14
يواظب عليه ومن أعظم ما يدلّ على علو شأن هذا الدعاء النفيس أنّ علماءنا ألّفوا في شرحه كتبا عديدة منها : ذخر العالمين في شرح دعاء الصنمين للمولى محمّد مهدي ابن المولى علي أصغر محمّد يوسف القزويني ورشح الولاء في شرح دعاء صنمي قريش للشيخ الجليل أبو السعادات أسعد بن عبدالقاهر بن أسعد الأصفهاني(1) كما تعرّض لذكره مع شرحه العلاّمة المجلسي . وقال العلاّمة المجلسي في البحار(2): ودعاء صنمي قريش مشهور بين الشيعة ، ورواه الكفعمي عن ابن عبّاس أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقنت به في صلاته ... وهو مشتمل على جميع بدعهما ، ووقع فيه الاهتمام والمبالغة في لعنهما بما لا مزيد عليه .
وقال الشيخ الأعظم الأنصاري : دعاء صنمي قريش الذي كان يقنت به أمير المؤمنين عليه السلام(3).
وقال الكفعمي عند ذكر الدعاء : هذا الدعاء من غوامض الأسرار وكرائم الأذكار وكان أمير المؤمنين عليه السلام يواظب في ليله ونهاره وأوقات أسحاره(4).
عن عبداللّه بن عبّاس عن علي عليه السلام أنّه كان يقنت به - أي بدعاء صنمي
ص: 15
قريش - : وقال : إنّ الداعي به كالرامي مع النبي صلى الله عليه و آله في بدر وأُحد بألف ألف سهم(1).
ص: 16
الدعاء العالي الشأن (دعاء صنمي قريش)(1)
بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْم-نْ الرَّحِيم
اللّهُمَّ الْعَنْ(2) صَنَمَي قُرَيشٍ وَجِبْتَيها وَطَاغُوتَيها وَإفْكَيها وَابْنَتَيهِما ، اللَّذَينْ خَالَفا أَمْرَكَ ، وَأَنْكَرا وَحْيَكَ ، وَجَحَدا إِنْعَامَكَ ، وَعَصَيا رَسُولَكَ ، وَقَلَّبا دِينَك ، وَحَرَّفا كِتابَك ، وَعَطَّلا أحْكامَك ، وَأَبْطَلا فَرائِضَك ، وَأَلْحَدا في آياتِك ، وَعادَيا أَوْلِياءَك ، وَوالَيا أَعْداءَك ، وَخَرَّبا بِلادَك ، وَأَفْسَدا عِبادَك .
اللّهُمَّ العَنهُما وَأَتْباعَهُما وَأَوْلِياءَهُما وَأَشْياعَهُما وَمُحِبِّيهِما فَقَد أَخْرَبا بَيْتَ النُّبُوَّة ، ورَدَما بابَه ، وَنَقَضا سَقْفَه ، وَأَلْحَقا سَماءَهُ بِأَرْضِه ، وَعالِيَهُ بِسافِلِه ، وَظاهِرَهُ بِباطِنِه ، وَاسْتَأصَلا أَهْلَه ، وَأَبادا أَنْصَارَه ، وَقَتَّلا أَطْفالَه ، وَأَخْلَيا مِنْبَرَهُ مِنْ وَصِيِّه ، وَوَارِثُ عِلْمَه ، وَجَحَدا إمامَتَه ، وَأشْرَكا بِرَبِّهِما ، فَعَظِّم ذَنْبَهُما ، وَخَلِّدْهُما في سَقَر ، وَما أَدْراكَ ما سَقَر ، لاَ تُبْقِي وَلا تَذَر .
اللّهُمَّ العَنْهُم بِعَدَدِ كُلِّ مُنْكَرٍ أَتَوه ، وَحَقٍّ أَخْفَوه ، وَمِنْبَرٍ عَلَوه ، وَمُؤْمِنٍ
ص: 17
أَرْجَوه ، وَمُنافِقٍ وَلَّوه ، وَوَلِيٍّ آذَوه ، وَطَرِيدٍ آوَوه ، وَصادِقٍ طَرَدُوه ، وَكافِرٍ
نَصَرُوه ، وَإِمامٍ قَهَرُوه ، وَفَرْضٍ غَيَّرُوه ، وَأَثَرٍ أَنْكَرُوه ، وَشَرٍّ آثَرُوه [ أَضْمَرُوْه ]، وَدَمٍ أَراقُوه ، وَخَبَرٍ [ خَيْرٍ ] بَدَّلُوه ، وَكُفْرٍ نَصَبُوه ، وَإِرْثٍ غَصَبُوه ، وَفَيءٍ اقتَطَعُوه ، وَسُحْتٍ أَكَلُوه ، وَخُمْسٍ استَحَلُّوه ، وَباطِلٍ أَسَّسُوه ، وَجَورٍ بَسَطُوه ، وَنِفاقٍ أَسَرُّوه ، وَغَدْرٍ أَضْمَرُوه ، وَظُلْمٍ نَشَرُوه ، وَوَعْدٍ أَخْلَفُوه ، وَأَمانٍ خانُوه ، وَعَهْدٍ نَقَضُوه ، وَحَلالٍ حَرَّمُوه ، وَحَرامٍ حَلَّلُوه ، وَبَطْنٍ فَتَقُوه ، وَجَنِينٍ أَسْقَطُوه ، وَضِلْعٍ كَسَّرُوه ، وَصَكٍّ مَزَّقُوه ، وَشَمْلٍ بَدَّدُوه ، وَعَزِيزٍ أَذَلُّوه ، وَذَلِيلٍ أَعَزُّوه ، وَحَقٍّ مَنَعُوه ، وَكَذِبٍ دَلَّسُوه ، وَحُكْمٍ قَلَّبُوه ، وَإِمامٍ خالَفُوه .
اللّهُمَّ العَنْهُم بِكُلِّ آيَةٍ حَرَّفُوها ، وَفَرِيضَةٍ تَرَكُوها ، وَسُنَّةٍ غَيَّرُوها ، وَرُسُومٍ مَنَعُوها ، وَأَحْكامٍ عَطَّلُوها ، وَأَرْحامٍ قَطَعُوها ، وَشَهاداتٍ كَتَمُوها ، وَوَصِيَّةٍ ضَيَّعُوها ، وَبَيْعَةٍ نَكَثُوها ، وَدَعْوى أَبْطَلُوها ، وَبَيِّنَةٍ أَنْكَرُوها ، وَحِيْلَةٍ أَحْدَثُوها ، وَخِيانَةٍ أَوْرَدُوها ، وَعَقَبَةٍ ارْتَقَوها ، وَدِبابٍ دَحْرَجُوها ، وَأَزْيافٍ لَزِمُوها ، وَأَمانَةٍ خانُوها .
اللّهُمَّ العَنْهُما في مَكْنُونِ السِّرِّ وَظاهِرِ العَلانِيَّةِ لَعْنا كَثِيرا أَبَدا دائِما سَرْمَدا لا انْقِطاعَ لأِمَدِه ، وَلا نَفَادَ لِعَدَدِه ، لَعْنا يَغْدُو أَوَّلُهُ وَلا يَرُوح آخِرُه ، لَهُم وَلأِعْوانِهِم ، وَأَنْصارِهِم ، وَمُحِبِّيهِم ، وَمَوالِيهِم ، وَالْمُسَلِّمِينَ لَهُم ، وَالْمائِلِينَ إِلَيْهِم ، وَالْنّاهِضِينَ بِاحْتِجاجِهِم ، وَالْمُقْتَدِينَ بِكَلامِهِم ، وَالْمُصَدِّقِينَ بِأحْكامِهِم .
ثمّ يقول : اللّهُمَّ عَذِّبْهُم عَذابا يَسْتَغِيثُ مِنْهُ أَهْلُ النّارِ آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ (أربع مرّات) .
ص: 18
عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال : « من حقّنا على أوليائنا وأشياعنا أن لا ينصرف الرجل منهم من صلاته حتّى يدعو بهذا الدعاء ، وهو :
(اللهمّ إنّي أسألك باسمك العظيم أن تصلّي على محمّد وآله الطاهرين ... إلى قوله عليه السلام :
اللهمّ وضاعف لعنتك وبأسك ونكالك وعذابك على الذين كفّرا نعمتك ، وخوّنا رسولك ، واتّهما نبيّك وبايناه(1) وحلاّ عقده في وصيّه ، ونبذا عهده في خليفته من بعده ، وادّعيا مقامه ، وغيّرا أحكامه ، وبدلا سنّته ، وقلبا دينه ، وصغّرا قدر حججك ، وبدءا بظلمهم ، وطرَّقا طريق الغدر عليهم ، والخلاف عن أمرهم ، والقتل لهم ، وارهاج الحروف عليهم ، ومنع خليفتك من سدّ الثلم ، وتقويم العوج ، وتثقيف الأود ، وإمضاء الأحكام ، وإظهار دين الإسلام ، وإقامة حدود القرآن .
اللهمّ العنهما وابنتيهما وكلّ من مال ميلهم وحذا حذوهم ، وسلك طريقتهم ، وتصدّر ببدعتهم لعنا لا يخطر على بال ، ويستغيث منه أهل النار ، العن اللهمّ من دان
بقولهم ، واتّبع أمرهم ، ودعا إلى ولايتهم ، وشكّ في كفرهم من الأوّلين والآخرين) »(2).
ص: 19
كالرامي مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله(1)
عن الرضا عليه السلام قال : « من دعا في سجدة الشكر بهذا الدعاء كان كالرامي مع النبي صلى الله عليه و آله يوم بدر .
« اللهمّ العن الذين بدلاّ دينك ، وغيّرا نعمتك ، واتّهما رسولك صلى الله عليه و آله ، وخالفا ملّتك ، وصدّا عن سبيلك ، وكفّرا آلاءك ، وردّا عليك كلامك ، واستهزءا برسولك ، وقتلا ابن نبيّك ، وحرّفا كتابك ، وسخرا بآياتك ، واستكبرا عن عبادتك ، وقتلا أولياءك ، وجلسا في مجلس لم يكن لهما بحقّ ، وحملا الناس على أكتاف آل محمّد عليه وعليهم السلام ، اللهمّ العنهما لعنا يتلو بعضه بعضا ، واحشرهما وأتباعهما إلى جهنّم زرقا ، اللهمّ إنّا نتقرّب إليك باللعنة لهما والبراءة منهما في الدنيا والآخرة ، اللهمّ العن قتلة أمير المؤمنين وقتلة الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اللهمّ زدهما عذابا فوق عذاب ، وهوانا فوق هوان ، وذلاًّ فوق ذلّ ، وخزيا فوق خزي ، اللهمّ دعهما في النار دعا ، وأركسهما في أليم عقابك ركسا ، اللهمّ احشرهما وأتباعهما إلى جهنّم زمرا ، اللهمّ فرّق جمعهم ، وشتّت أمرهم ، وخالف بين كلمتهم ، وبدّد جماعتهم ، والعن أئمّتهم ، واقتل قادتهم وسادتهم وكبراءهم ، والعن رؤساءهم ، واكسر رايتهم ، وألق البأس بينهم ، ولا تبق منهم ديّارا ، اللهمّ العن أبا جهل والوليد
ص: 20
لعنا يتلو بعضه بعضا ويتبع بعضه بعضا ، اللهمّ العنهما لعنا يلعنهما به كلّ ملك مقرّب وكلّ نبي مرسل وكلّ مؤمن امتحنت قلبه للإيمان ، اللهمّ العنهما لعنا يتعوّذ منه أهل
النار ، اللهمّ العنهما لعنا لم يخطر لأحد ببال ، اللهمّ العنهما في مستسر سرّك وظاهر
علانيّتك ، وعذّبهما عذابا في التقدير(1)، وشارك معهما ابنتيهما وأشياعهما ومحبّيهما ومن شايعهما إنّك سميع الدعاء » .
ص: 21
ص: 22
اللّهُمَّ الْعَنْ
... -...
قوام الدين بالولاية والبراءة وهما كجناحي الطائر لا يمكن أن يسموا إلاّ بهما ، ومن أبرز مصاديق البراءة : اللعن وقد تجلّت هذه الحقيقة في القرآن الكريم في
عشرات الآيات منها :
{ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّه ِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (1)} وقد أشرنا إليها في أوّل الكتاب تحت عنوان (إيها دعاة التقريب !!!) لذا أبتدأ سيّد الموحّدين أمير المؤمنين عليه السلام دعاءه باللعن قائلاً : « اللهمّ العن صنمي قريش ... » .
أبو جعفر عليه السلام قال : « إنّ الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام عليهما لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين »(2).
أبو جعفر عليه السلام في زيارة عاشوراء : « اللهمّ خصّ أنت أوّل ظالم باللعن منّي وأبدأ به أوّلاً ثمّ الثاني ثمّ الثالث ثمّ الرابع ، اللهمّ العن يزيد بن معاوية خامسا »(3).
ص: 23
رسول اللّه صلى الله عليه و آله مخاطبا أحدهما : « بئس الخلف خلفتني أنت وأصحابك ، عليكم لعنة اللّه ولعنتي »(1).
ص: 24
صَنَمَي قُرَيشٍ
... -...
الصنم : هو كلّ ما يعبد من دون اللّه .
ولقد اتّخذ القوم - ولا زالوا - أبا بكر وعمر صنمين يعبدونهما من دون اللّه وقدّموا كلامهما ورأيهما على كلام اللّه تبارك وتعالى وكلام الرسول العظيم صلى الله عليه و آله ، فها هم يقولون : قال اللّه وقال عمر (لعنه اللّه) ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال أبو بكر (لعنه اللّه) !!! ثمّ ينتهجون نهجهما ويتركون ما أمر به اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله !!
وأمّا الاضافة إلى قريش فهي كناية عن المخالفين الذين سلكوا سبيل قريش في معاداة الرسول صلى الله عليه و آله وقد ورد التصريح بأنّهما صنمان في روايات متعدّدة منها :
وَجِبْتَيها وَطَاغُوتَيها وَإفْكَيها
... -...
الجبت : الصنم ، السحر ، الساحر .
الطاغوت : رأس الضلال ، الشيطان الصارف عن طريق الخير ، كلّ معبود من دون اللّه .
الإفك : الكذب .
وقد كانا صنمين وساحرين وكانا رأس الضلال وكانا ذلك الشيطان الصارف عن كلّ خير وكانا معبودين من دون اللّه وكانا الكذب الواضح والصريح على اللّه وعلى رسوله الأمين ، ولأجل ذلك كلّه ورد التعبير عنهما ، بالجبت والطاغوت والإفك .
عن الإمام السجّاد عليه السلام : « من لعن الجبت والطاغوت لعنة واحدة كتب اللّه له سبعين ألف ألف حسنة ومحى عنه سبعين ألف ألف سيّئة ورفع له سبعين ألف ألف درجة ، ومن أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب له مثل ذلك » ، قال : فمضى مولانا علي ابن الحسين فدخلت على مولانا أبي جعفر محمّد الباقر فقلت : يامولاي ! حديث سمعته من أبيك فقال : « هات ياثمالي ! » فأعدت عليه الحديث فقال : « نعم ياثمالي ! أتحبّ أن أزيدك ؟ » فقلت بلى يامولاي ! فقال : « من لعنهما لعنة واحدة في كلّ غداة لم يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم حتّى يمسي ومن أمسى ولعنهما لم يكتب له ذنب في ليلة حتّى يصبح » . قال : فمضى أبو جعفر فدخلت على مولانا الصادق ، فقلت : حديث سمعته من أبيك وجدّك فقال : « هات ياأبا حمزة » فأعدت عليه الحديث ،
ص: 26
فقال : « حقّا ياأبا حمزة » ، ثمّ قال عليه السلام : « ويرفع له ألف ألف درجة » ثمّ قال : « إنّ اللّه واسع كريم »(1).
رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « جبت من المنافقين يترأّس عليهم ويستعمل في أُمّتي الرياء ويدعوهم إلى نفسه ويحمل على عاتقه درّة الخزي ويصدّ الناس عن سبيل اللّه ويحرّف كتابه ويغيّر سنّتي ويشتمل على إرث ولدي وينصب نفسه علما ويتطاول على إمامة مَن بعدي ويستحلّ أموال اللّه من غير حلّها وينفقها في غير طاعته ويكذّبني ويكذّب أخي ووزيري وينحّي ابنتي عن حقّها وتدعو اللّه عليه ... »(2).
وَابْنَتَيهِما
... -...
ما أفجع بالإنسان أن يرى الشرّ كلّ الشرّ في بيته وأمام عينيه وما أشدّ الألم أن يرى سيّد البشر كلّ الشرّ في بيته وبين يديه وهو صابر محتسب .
فقد كانت عائشة وحفصة في بيته وبين يديه وأمام عينيه ، وهو يعرف حقّ المعرفة أنّهما ستقتلاه وأنّهما وأبويهما سيجنيان الجناية العظمى بحقّه وبحقّ ابن عمّه
وبحقّ بضعته الطاهرة ، كلّ ذلك وهو ساكت صابر محتسب رضا بقضاءك ياربّ ! ولكن كانت الإرادة الإلهية تقتضي فضح هؤلاء الطغاة {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَىَّ عَنْ بَيِّنَةٍ(1)} ولذا كشف رسول الرحمة صلى الله عليه و آله والأئمّة الطاهرون عليهم السلام جانبا من القناع عن وجهيهما ، وسننتظر منتقم آل محمّد (صلوات اللّه عليهم) ليكشف القناع عنهما كاملاً - بإذن اللّه تعالى - فهل من معتبر ؟
الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى : { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثا (2)} هي حفصة قال الصادق عليه السلام : « كفرت في قولها { مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا (3)} وقال اللّه فيها وفي أُختها { إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللّه ِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (4)} أي زاغت والزيغ : الكفر »(5).
ص: 28
الإمام الصادق عليه السلام : « ثلاثة كانوا يكذبون على رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أبو هريرة وأنس بن مالك وامرأة »(1).
والمراد بالمرأة عائشة(2).
أبو عبداللّه عليه السلام : « تدرون مات النبي صلى الله عليه و آله أو قتل ؟ إنّ اللّه يقول : { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ (3)} فسمّ قبل الموت ، إنّهما سمّتاه !(4) فقلنا : إنّهما وأبويهما شرّ من خلق اللّه »(5).
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في وصيّته لعلي عليه السلام : « ياعلي ! إنّ فلانة وفلانة ستشاقانّك وتبغضانك بعدي ، وتخرج فلانة عليك في عساكر الحديد وتخلف الأُخرى تجمع إليها الجموع هما في الأمر سواء . فما أنت صانع ياعلي ؟ قال : يارسول اللّه ! إن فعلتا ذلك تلوت عليهما كتاب اللّه وهو الحجّة فيما بيني وبينهما فإن قبلتا وإلاّ خبّرتهما بالسنّة وما يجب عليهما من طاعتي وحقّي المفروض عليهما فإن قبلتاه وإلاّ أشهدت اللّه
ص: 29
وأشهدتك عليهما ورأيت قتالهما على ظلالتهما . قال : وتعقر الجمل وإن وقع في النار قلت : نعم . قال : اللهمّ اشهد ثمّ قال : ياعلي ! إذا فعلتا ما شهد عليهما القرآن فأبنهما (أي طلّقهما) منّي ، فإنّهما بائنتان وأبواهما شريكان فيما عملتا وفعلتا »(1).
« قال علي عليه السلام لرسول اللّه صلى الله عليه و آله : يارسول اللّه ! أمرتني أن أُصيّرك في بيتك إن حدث بك حدث ؟ قال : نعم ياعلي ! بيتي قبري . قال علي عليه السلام فقلت : بأبي وأُمّي فحد لي أي النواحي أُصيّرك فيه ؟ قال : إنّك مسخّر بالموضع وتراه . قالت له عائشة : يارسول اللّه فأين أسكن ؟ قال : اسكني أنت بيتا من البيوت ، إنّما هي بيتي ليس لك فيه من الحقّ إلاّ ما لغيرك ، فقرّي في بيتك ولا تبرّجي تبرّج الجاهلية الأُولى ولا تقاتلي مولاك ووليّك ظالمة شاقّة وأنّك لفاعلة ... »(2).
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ياحميراء ! إنّك تقاتلين عليا ! وأنت ظالمة »(3).
{ ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا (4)} فقال : واللّه ما عنى بقوله فخانتاهما إلاّ الفاحشة
ص: 30
وليقيمنّ الحدّ على فلانة (أي عائشة) فيما أتت في طريق (بصرة) وكان فلان (أي طلحة) يحبّها فلمّا أرادت أن تخرج إلى (البصرة) قال لها فلان : لا يحلّ لك أن تخرجي من غير محرم فزوّجت نفسها من فلان(1).
الإمام الباقر عليه السلام : أما لو قام قائمنا ردّت إليه الحميراء حتّى يجلدها الحدّ ، وحتّى ينتقم لابنة محمّد فاطمة عليهاالسلام منها ...(2).
ص: 31
اللَّذَينْ خَالَفا أَمْرَكَ
... -...
لقد أسّسا بنيانهما على مخالفة أمر اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله في كلّ صغيرة وكبيرة ، وذلك في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمام عينيه الكريمتين وبكلّ وقاحة وصلافة ، وأمّا بعد استشهاده فحدّث ولا حرج .
... فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « ياأبا بكر ! تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين ؟! »(1).
أمير المؤمنين عليه السلام مخاطبا أبا بكر لعنة اللّه عليه في حديث طويل : ... إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمركم ببيعتي ، وفرض عليكم طاعتي وجعلني فيكم كبيت اللّه يؤتى ولا يأتي ... الخبر(2).
في حجّة الوداع أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله مناديه أن ينادي : من لم يسق منكم هديا فليحل وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هديا فليقم على إحرامه ، فأطاع في ذلك بعض الناس وخالف بعض ، وجرت خطوب بينهم فيه وقال منهم قائلون : إنّ
ص: 32
رسول اللّه صلى الله عليه و آله أشعث أغبر نلبس الثياب ونقرب النساء وندهن ؟! وقال بعضهم : أما تستحيون تخرجون رؤوسكم تقطر من الغسل ورسول اللّه صلى الله عليه و آله على إحرامه ؟! فأنكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله على من خالف في ذلك وقال : لولا أنّي سقت الهدي لأحللت وجعلتها عمرة ، فمن لم يسق هديا فليحل ، فرجع قوم وأقام آخرون على الخلاف وكان فيمن أقام على الخلاف عمر بن الخطّاب ، فاستدعاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : مالي أراك ياعمر محرما ؟! أسقت هديا ؟ قال : لم أسق قال : فلِمَ لا تحل وقد أمرت من لم يسق بالإحلال ؟! فقال : واللّه يارسول اللّه لا أحللت وأنت محرم !! فقال له النبي صلى الله عليه و آله : إنّك لن تؤمن بها حتّى تموت . فلذلك أقام على إنكار متعة الحجّ حتّى رقى المنبر (أي عمر بن الخطّاب لعنه اللّه) في إمارته فنهى عنها نهيا مجدّدا وتوعّد عليها بالعقاب(1).
عن أبي عبداللّه عليه السلام : أنّ عليا عليه السلام لقي أبا بكر فقال : ياأبا بكر ! أما تعلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمرك أن تسلّم عليّ بإمرة المؤمنين وأمرك باتّباعي ؟ فأقبل يتوهّم عليه فقال له : اجعل بيني وبينك حَكَما : قال : قد رضيت فاجعل من شئت . قال : اجعل بيني وبينك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فاغتنمها الآخر وقال : رضيت . فأخذ بيده فذهب إلى مسجد قبا ، فإذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قاعد في موضع المحراب فقال له : هذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ياأبا بكر ! فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياأبا بكر ! ألم آمرك بالتسليم لعلي واتّباعه ؟ قال : بلى يارسول اللّه . قال : فارفع الأمر إليه . قال : نعم يارسول اللّه ...
ص: 33
فلقي عمر قال : مالك ياأبا بكر ؟ قال : لقيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمرني بدفع هذه الأُمور إلى علي فقال : أما تعرف سحر بني هاشم ، هذا سحر ، قال : الأمر على ما كان(1).
عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : إنّ أمير المؤمنين لقى أبا بكر فقال له : أما أمرك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تطيع لي ؟ قال : لا ، ولو أمرني لفعلت . قال : فامض بنا إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فانطلق به إلى مسجد قبا ، فإذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يصلّي ، فلمّا انصرف قال له علي عليه السلام : يارسول اللّه ! إنّي قلت لأبي بكر : أما أمرك رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن تطيعني فقال : لا . فقال رسول اللّه : قد أمرتك فأطعه . فخرج ولقى عمر وهو ذعر ، فقام عمر وقال له : ما بالك فقال له : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله كذا .. وكذا ، فقال له عمر : تبّا لأُمّة ولّوك أمرهم ، أما تعرف سحر بني هاشم ؟!(2).
... فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياعتيق ! وثبت على علي عليه السلام وجلست مجلس النبوّة ، لا يستحقّه غيره لأنّه وصيي وخليفتي فنبذت أمري وخالفت ما قلته لك وتعرّضت لسخط اللّه وسخطي وقد تقدّمت إليك في ذلك ، فانزع هذا السربال الذي أنت تسربلته بغير حقّ فخلّه لعلي وإلاّ فموعدك النار(3).
ص: 34
وَأَنْكَرا وَحْيَكَ
... -...
أساس الدين الإسلامي يبتني على نبوّة الرسول الأعظم محمّد المصطفى صلى الله عليه و آله فمن ينكر نزول الوحي عليه فهو الكافر لا ريب فيه . فما حال من يدّعي أنّه ساحر كذّاب مجنون ؟!!
قال عمر لأبي بكر لعنهما اللّه ... فما بالك اليوم تؤمن بمحمّد وبما جاء به ، وهو عندنا ساحر كذّاب(1).
ص: 35
وَجَحَدا إِنْعَامَكَ
... -...
إنّ اللّه سبحانه تعالى ينعم النعم فإن شكرها الإنسان فقد قال تعالى : {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ(1)} وإن كفر بها وجحدها فالخسارة عليه {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(2)} فلا يفوز بثوابه ولا ينجو من عقابه من يجحد نعم اللّه ، وأهون العقاب سلب تلك النعمة يقول الإمام علي عليه السلام : « إذا أقبلت عليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلّة الشكر »(3). وأي نعمة أفضل من وجود الطاهرين المطهّرين أهل البيت عليهم السلام ولكن الأُمّة جحدت النعمة فسلب اللّه منهم النعم المتتالية كما أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام : « ولو أنّ الأُمّة منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله اتّبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم »(4).
أمير المؤمنين عليه السلام : ... فوثبوا علينا وجحدوا فضلنا ومنعونا حقّنا(5).
ص: 36
وَعَصَيا رَسُولَكَ
... -...
منطق رؤوس المنافقين الجبت والطاغوت قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأقول .. !!
كان هذا منطقهما في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبعد استشهاده ، ولذا صرّح رسول اللّه بهذه الحقيقة مرّات ومرّات محذّرا الأُمّة من اتّباعهما وضلالهما ، ولكن هيهات فلا حياة لمن تنادي .
في رسالة أُسامة إلى أبي بكر : ... فقد علمت ما كان من قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله في علي عليه السلام يوم غدير خم فما طال العهد فتنسى ، أُنظر بمركزك ولا تخلِّف فتعصي اللّه ورسوله ، وتعصي من استخلفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليك وعلى صاحبك ، ولم يعزلني حتّى قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وإنّك وصاحبك رجعتما وعصيتما فأقمتما في المدينة بغير إذني ...(1).
قال الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله مخاطبا أُبي بن كعب : ياأُبيّ ! عليك بعلي فإنّه الهادي المهدي ، الناصح لأُمّتي المحيي لسنّتي وهو إمامكم بعدي فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه ، ياأُبي ومن غيّر أو بدّل لقيني ناكثا لبيعتي ، عاصيا لأمري ، جاحدا لنبوّتي ، لا أشفع له عند ربّي ولا أسقيه من حوضي(2).
ص: 37
الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله مخاطبا أبا بكر لعنه اللّه : « ... فنبذت أمري وخالفت ما قلته لك »(1).
الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله مخاطبا أمير المؤمنين عليه السلام : « ياعلي ! إنّ القوم نقضوا أمرك ، واستبدّوا بها دونك وعصوني فيك »(2).
استدعى (رسول اللّه صلى الله عليه و آله) أبا بكر وعمر (لعنهما اللّه) وجماعة ممّن حضر المسجد من المسلمين ثمّ قال : « ألم آمر أن تنفذوا جيش أُسامة ؟ » فقالوا : بلى يارسول اللّه ! قال : « فلِمَ تأخّرتم عن أمري ؟ » قال أبو بكر لعنه اللّه : إنّي كنت قد خرجت ثمّ رجعت لأُجدّد بك عهدا ، وقال عمر لعنه اللّه : يارسول اللّه ! لم أخرج لأنّني لم أُحب أن أسأل عنك الركب !! فقال النبي صلى الله عليه و آله : « نفّذوا جيش أُسامة نفّذوا جيش أُسامة » يكرّرها ثلاث مرّات(3).
قال أصحابنا رضوان اللّه عليهم : كان أبو بكر وعمر وعثمان لعنهم اللّه من
ص: 38
جيش أُسامة ، وقد كرّر رسول اللّه صلى الله عليه و آله - لمّا اشتدّ مرضه - الأمر بتجهيز جيش أُسامة ولعن المتخلّف عنه ، فتأخّروا عنه واشتغلوا بعقد البيعة في سقيفة بني ساعدة وخالفوا أمره ، وشملهم اللعن ، فهل مثل هؤلاء يصلحون للخلافة ؟!.
عن سعيد بن جبير أنّه سمع ابن عبّاس يقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ! ثمّ بكى حتّى بلّ دمعه الحصى . قلت : ياابن عبّاس ! ما يوم الخميس ؟ قال : اشتدّ برسول اللّه صلى الله عليه و آله وجعه فقال : « ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا » فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما له أهجر ؟ استفهموه(1)؟
فقال : « ذروني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه » .
الرسول
صلى الله عليه و آله : ايتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا ... فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا فقال عمر لعنه اللّه : (ارجع فإنّه يهجر) فرجع(2).
عن ابن عبّاس قال : لمّا اشتدّ بالنبي صلى الله عليه و آله وجعه قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده . قال عمر لعنه اللّه : إنّ النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب اللّه
ص: 39
حسبنا . فاختلفوا وكثر اللغط فقال : قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع فخرج ابن عبّاس يقول : إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبين كتابه(1).
أُبي بن كعب مخاطبا أبا بكر لعنه اللّه : ياأبا بكر لا تجحد حقّا جعله اللّه لغيرك ولا تكن أوّل من عصى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في وصيّه وصفيّه ، وصدف عن أمره ، أُردد الحقّ إلى أهله تسلم ، ولا تتماد في غيّك فتندم وبادر الإنابة يخف وزرك ، ولا تخصّص بهذا الأمر الذي لم يجعله اللّه لك نفسك فتلقى وبال عملك ، فعن قليل تفارق ما أنت فيه ، وتصير إلى ربّك ، فيسألك عمّا جنيت {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ(2)}-(3).
ص: 40
وَقَلَّبا دِينَك
... -...
فقد أسلما طمعا ثمّ لقلب الدين وخطّطا في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لما بعد استشهاده ، حتّى يتسنّما كرسي الخلافة ويمرّرا مخطّطهما بكلّ سهولة ، وبعد ذلك أبدعا وأحدثا وقلبا الدين .. .
من محدثات المسمّى زيفا الخليفة !! أن جعل معرفة البلوغ بالقياس بالأشبار فإن وجد ستّة أشبار فهو بالغ وإلاّ فلا !!! كما أخرجه ابن أبي شيبة وعبدالرزّاق ومسدّد وابن المنذر في الأوسط كما في كنز العمّال 5 / 544 . وأمّا تلاعبه بالحدود تقليلاً وزيادة فلو راجعت المسانيد والسنن لوجدت منها العجب العجاب ، وكفاك منها شاهدا ما أورده في كنزل العمّال 5 / 544 ، وما بعدها من جملة مصادر(1).
ولقد أبدع هذا الضالّ المضل في الدين بدعا كثيرة منها : صلاة التراويح ، فإنّها كانت بدعة ما أنزل اللّه بها من سلطان ، فقد نصّ الباجي والسيوطي والسكتوراي وغيرهم على أنّ أوّل من سنّ التراويح هو عمر بن الخطّاب كما في محاضرات الأوائل
ص: 41
ص149 طبعة عام 1311(1).
فقد روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال : « أيّها الناس ! إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان في النافلة ، ولا تصلّوا صلاة الضحى ؛ فإنّ قليلاً في سنّة خير من كثير في بدعة ، ألا وإنّ كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة سبيلها في النار » . كما جاءت في الشافي 4 / 219 وشرح ابن أبي الحديد 12 / 283(2).
فقد روى عبدالرحمن بن عبدالقاري أنّه خرج مع عمر ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط فقال عمر : إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قاري واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، ثمّ خرجت معه ليلة أُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون . صحيح البخاري ج2 ص252 كتاب صلاة التراويح(3).
ومن بدعه وتقليب الدين أنّه وضع الخراج على أرض السواد ولم يعط أرباب الخمس منها خمسهم وجعلها موقوفة على كافّة المسلمين ، وقد اعترف بجميع ذلك المخالفون ، وصرّح بها ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ج12 / 287 وغيره ، وكلّ ذلك مخالف للكتاب والسنّة وبدعة في الدين .
ص: 42
وَحَرَّفا كِتابَك
... -...
وما دام الكتاب = القرآن الكريم يشعّ بين المسلمين فإنّ انحراف الأُمّة من المستحيلات ولأجل ذلك قاما بمحاولة تحريف الكتاب عبر تحريف تفسيره وتأويله حيث لم يتمكّنا من تحريف الألفاظ ! وبذلك هوت الأُمّة بعد أن فقدت الركنين والمقوّمين لبقائها : القرآن والعترة .
في الحديث القدسي :
« يامحمّد ! لن يرافقك وصيّك - عليا - في منزلتك إلاّ بما يمسُّه به من البلوى من فرعونه وغاصبيه الذي يجترئ عليّ ويبدّل كلامي ويشرك بي ويصدّ الناس عن سبيلي وينصب نفسه عجلاً لأُمّتك ... »(1).
الرسول صلى الله عليه و آله : « ياحذيفة ! جبت من المنافقين يترأّس عليهم ... ويصدّ الناس عن سبيل اللّه ويحرّف كتابه ويغيّر سنّتي ... »(2).
الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله مخاطبا أمير المؤمنين عليه السلام : « ... فاقتصر على الهدى إذا قومك عطفوا الهدى على الهوى ، وعطفوا القرآن على الرأي فيتأوّلوه برأيهم بتتبّع
ص: 43
الحجج من القرآن بمشتبهات الأشياء الطارئة عند الطمأنينة إلى الدنيا ، فاعطف أنت الرأي على القرآن إذا قومك حرّفوا الكلم عن مواضعه عند الأهواء الناهية والآراء الطامحة »(1).
من خطبة السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام : « ... يابن أبي قحافة ! أفي كتاب اللّه أن ترث أباك ولا أرث أبي {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئا فَرِيّا(2)} أفعلى عمد تركتم كتاب اللّه ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول : {وَوَرِثَ سُلَيَْمانُ دَاوُودَ(3)}... وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا ، أفخصّكم اللّه بآية أخرج منها أبي صلى الله عليه و آله ؟! أم هل تقولون : أهل ملّتين لا يتوارثان ؟ أولست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة ؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي ؟! .. »(4).
ص: 45
وَعَطَّلا أحْكامَك
... -...
بعد أن عطّلا الخلافة السماوية وقد شهدها أكثر من (120000) صحابي ، فهل هنالك من حرج أو صعوبة لو عطّل حكم إلهي ولم يشهده إلاّ عدّة أشخاص من محضر النبي صلى الله عليه و آله ؟!!
عن عمر أنّه قال : ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنا محرّمهنّ ومعاقب عليهنّ : متعة الحجّ ومتعة النساء وحي على خير العمل في الأذان(1).
قال شيخنا الأجل العلاّمة الأميني رحمه الله : في كتابه الغدير (ج6 ص110) : كأن أحكام القضايا تدور مدار ما صدر عن رأي الخليفة سواء أصاب الشريعة أم أخطأ ، وكأنّ الخليفة له أن يحكم بما شاء وأراد وليس هناك حكم يتّبع وقانون مطرد في الإسلام ، ولعلّ هذا أفضع من التصويب المدحوض بالبرهنة القاطعة .
ص: 46
تحريم المتعة(1)
عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبداللّه فأتاه آت فقال : إنّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر : فعلناهما مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ نهانا عمر عنهما فلم نعد لهما(2).
« وفي مثالب عمر أيضا » جاء : أنّه عطّل حدّ اللّه في المغيرة بن شعبة لمّا شهدوا عليه بالزنا ولقّن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة اتّباعا لهواه ، فلمّا فعل ذلك عاد إلى الشهود وفضحهم وحدّهم ، فتجنّب أن يفضح - وهو واحد وكان آثما - وفضح الثلاثة وعطّل حدّ اللّه ووضعه في غير موضعه(3).
عمر يرجم المتمتّع(4)
عن قتادة عن أبي نضرة قال : كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها قال فذكرت ذلك لجابر بن عبداللّه فقال : على يدي دار الحديث تمتّعنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلمّا قام عمر قال : إنّ اللّه كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء ، وإنّ
ص: 47
القرآن قد نزل منازله فأتمّوا الحجّ والعمرة للّه كما أمركم اللّه عزّوجلّ فابتّوا نكاح هذه
النساء فلن أُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة(1).
ص: 48
وَأَبْطَلا فَرائِضَك
... -...
يقول أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام كما في نهج البلاغة :
« الفرائض الفرائض أدّوها إلى اللّه تؤدّكم إلى الجنّة »(1).
« .. لا يسعد أحد إلاّ باتّباعها ولا يشقى إلاّ مع جحودها وإضاعتها .. »(2).
ولكن أبا بكر وعمر لعنهما اللّه قد سعيا في إبطال فرائض اللّه ، ليس ذلك فحسب وإنّما سنّا سنّة إبطال الفرائض فسرى ذلك في الأُمّة منذ ما يزيد على (1400) عام . وقد كشف أمير المؤمنين عليه السلام القناع عن بعض تلك الموارد .
أمير المؤمنين علي عليه السلام في حديث طويل :
« العجب لما خلط قضايا مختلفة في الجدّ بغير علم تعسّفا وجهلاً ، وادّعائهما ما لم يعلما جرأة على اللّه وقلّة ورع . ادّعيا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مات ولم يقض في الجدّ شيئا منه ، ولم يدع أحد يعلم ما للجد من الميراث ، ثمّ تابعوهما على ذلك وصدّقوهما .
وعتقه أُمّهات الأولاد ، فأخذ الناس بقوله وتركوا أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وما صنع بنصر بن الحجّاج وبجعدة بن سليم وبابن وبرة .
وأعجب من ذلك أنّ أبا كنف العبدي أتاه ، فقال : إنّي طلّقت امرأتي - وأنا غائب - فوصل إليها الطلاق ثمّ راجعتها وهي في عدّتها ، وكتبت إليها فلم يصل
ص: 49
الكتاب إليها حتّى تزوّجت ، فكتب له : إن كان هذا الذي تزوّجها دخل بها فهي امرأته وإن كان لم يدخل بها فهي امرأتك !!
وكتب له ذلك وأنا شاهد ، ولم يشاورني ولم يسألني ، يرى استغناءه بعلمه عنّي ، فأردت أن أنهاه ثمّ قلت : ما أُبالي أن يفضحه اللّه ثمّ لم يعبه الناس بل استحسنوه واتّخذوه سنّة وقبلوه عنه ، ورأوه صوابا ، وذلك قضاء لو قضى به مجنون نحيف سخيف لما زاد(1).
ثمّ تركه من الأذان (حي على خير العمل) فاتّخذوه سنّة وتابعوه على ذلك(2).
وقضيّته في المفقود أنّ أجل امرأته أربع سنين ثمّ تتزوّج فإن جاء زوجها خيّر بين امرأته وبين الصداق ، فاستحسنه الناس واتّخذونه سنّة وقبلوه عنه جهلاً وقلّة علم بكتاب اللّه عزّوجلّ وسنّة نبيّه صلى الله عليه و آله .
وإخراجه من المدينة كلّ أعمى .
وإرساله إلى عمّاله بالبصرة بحبل خمسة أشبار ، وقوله من أخذتموه من الأعاجم فبلغ طول هذا فاضربوا عنقه .
وردّه سبايا تستر : وهنّ حبالى .
وإرساله بحبل من ضبيان سرقوا بالبصرة ، وقوله من بلغ طول هذا الحبل
ص: 50
فاقطعوه .
وأعجب من ذلك أنّ كذّابا رجم بكذّابة فقبلها وقبلها الجهّال ، فزعموا أنّ الملك ينطق على لسانه ويلقّنه .
وإعتاقه سبايا أهل اليمن .
وتخلّفه وصاحبه عن جيش أُسامة بن زيد مع تسليمهما عليه بالإمرة .
ثمّ أعجب من ذلك أنّه قد علم وعلمه الناس أنّه الذي صدّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الكتف الذي دعا به ثمّ لم يضرّه ذلك عندهم ولم ينقصه .. »(1).
ص: 51
وَأَلْحَدا في آياتِك
... -...
الإمام الباقر عليه السلام : لمّا كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الغار ومعه أبو الفصيل قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّي لأنظر الآن إلى جعفر وأصحابه الساعة تعوم(1) بينهم سفينتهم في البحر ، وإنّي لأنظر إلى رهط من الأنصار في مجالسهم مخبتين(2) بأفنيتهم . فقال له أبو الفصيل : أتراهم يارسول اللّه الساعة ؟! قال : نعم . قال : فأرنيهم . قال : فمسح رسول اللّه صلى الله عليه و آله على عينيه ثمّ قال : انظر ، فنظر فرآهم ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أرأيتهم ؟ قال : نعم . وأسرّ في نفسه أنّه ساحر(3).
... إنّ الذي أكرهنا بالسيف على الإقرار به فأقررنا والصدور وغرة والأنفس واجفة والنيّات والبصائر شائكة ممّا كانت عليه من جحدنا ما دعانا إليه وأطعناه فيه رفعا لسيوفه عنّا ، وتكاثره بالحي علينا من اليمن ، وتعاضد من سمع به ممّن ترك دينه وما كان عليه آباؤه في قريش، فبهبل أُقسم والأصنام والأوثان واللات والعزّى ، ما جحدها عمر مذ عبدها ! ولا عبد للكعبة ربّا ! ولا صدّق لمحمّد صلى الله عليه و آله قولاً ، ولا ألقى السّلام إلاّ للحيلة عليه وإيقاع البطش به ، فإنّه قد أتانا بسحر عظيم ، وزاد في سحره على سحر بني اسرائيل مع موسى وهارون وداود وسليمان وابن أُمّه
ص: 52
عيسى ، ولقد أتانا بكلّ ما أتوا به من السحر وزاد عليهم ما لو أنّهم شهدوه لأقرّوا له بأنّه سيّد السحرة ، فخذ - يابن أبي سفيان - سنّة قومك واتّباع ملّتك والوفاء بما كان
عليه سلفك من جحد هذه البنية التي يقولون إنّ لها ربّا أمرهم بإتيانها والسعي حولها وجعلها لهم قبلة فأقرّوا بالصلاة والحجّ الذي جعلوه ركنا ، وزعموا أنّه للّه
اختلقوا(1)، فكان ممّن أعان محمّدا منهم هذا الفارسي الطمطاني [ الطمطماني ] : روزبه ، وقالوا إنّه أُوحي إليه : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ(2)}، وقولهم : {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ(3)}، وجعلوا صلاتهم للحجارة ، فما الذي أنكره علينا لولا سحره من عبادتنا للأصنام والأوثان واللاّت والعزّى وهي من الحجارة والخشب والنحاس والفضّة والذهب ، لا - واللاّت والعزّى - ما وجدنا سببا للخروج عمّا عندنا وإن سحروا وموّهوا ، فانظر بعين مبصرة ، واسمع بأُذن واعية ، وتأمّل بقلبك وعقلك ما هم فيه ، واشكر اللاّت والعزّى واستخلاف السيّد الرشيد عتيق بن عبدالعزّى على أُمّة محمّد صلى الله عليه و آله وتحكّمه في أموالهم ودمائهم وشريعتهم وأنفسهم وحلالهم وحرامهم ، وجبايات الحقوق التي زعموا أنّهم يجيبونها لربّهم ليقيموا بها أنصارهم وأعوانهم فعاش شديدا رشيدا يخضع جهرا ويشتدّ سرّا ...(4).
ص: 53
وَعادَيا أَوْلِياءَك
... -...
ومن أشدّ منهما عداوة للّه تعالى ولرسوله ولأمير المؤمنين عليهماالسلام فقد أسّسا بنيانهما على معاداة الأولياء حقدا وحنقا وحسدا لأولياء اللّه ، وقد أمر اللّه تعالى
بموالاتهم في قوله : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(1)}.
وهذه بعض الروايات التي تشير إلى معاداتهما للّه ولأوليائه الكرام :
عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن هذه الآية : {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه ِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(2)} قال : الذين يدعون من دون اللّه الأوّل والثاني والثالث . كذّبوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بقوله : « والوا واتّبعوه » فعادوا عليا ولم يوالوه ودعوا الناس إلى ولاية أنفسهم(3).
فبات (أبو بكر) لعنه اللّه في ليلته فرأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامه ممثّلاً له في مجلسه ، فقام إليه أبو بكر ليسلّم عليه فولّى وجهه ، فصار مقابل وجهه فسلّم عليه
، فولّى عنه وجهه فقال أبو بكر : يارسول اللّه ! هل أمرت بأمر فلم أفعل ؟ فقال رسول
ص: 54
اللّه صلى الله عليه و آله : أردّ السلام عليك وقد عاديت اللّه ورسوله وعاديت من والاه اللّه ورسوله ؟! ردّ الحقّ إلى أهله(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل :
... وإنّه صاحب صفية حين قال لها ما قال ، فغضب رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى قال ما قال .إنّه الذي مررت به يوما فقال : ما مثل محمّد صلى الله عليه و آله في أهل بيته إلاّ كنخلة نبتت في كناسة ! فبلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله فغضب وخرج فأتى المنبر ، وفزعت الأنصار فجاءت شائكة في السلاح لما رأت من غضب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال عليه السلام : ما بال أقوام يعيّروني بقرابتي ، وقد سمعوا منّي ما قلت في فضلهم وتفضيل اللّه إيّاهم ، وما خصّهم به من إذهاب الرجس عنهم وتطهير اللّه إيّاهم ؟!(2).
الإمام الكاظم عليه السلام : ... ربّما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه فإذا لقوهم اشمأزّوا منهم وقالوا : هؤلاء أصحاب الساحر والأهوج - يعنون محمّدا أو عليا عليهماالسلام - ثمّ يقول بعضهم لبعض : احترزوا منهم لا يقفون من فلتات كلامكم على كفر محمّد صلى الله عليه و آله فيما قاله في علي عليه السلام فينموا عليكم فيكون فيه هلاككم ...(3).
ص: 55
وَوالَيا أَعْداءَك
... -...
ومن يتقرّب إلى إيذاء العترة فإنّهما يتقرّبان إليه ومن يعادي أولياء اللّه يواليانه فهما أولياء أعداء اللّه .
(في حديث تغريم عمر لجميع عمّاله دون قنفذ) قال سليم : فلقيت عليا صلوات اللّه عليه وآله فسألته عمّا صنع عمر ؟ فقال : هل تدري لِمَ كفّ عن قنفذ ولم
يغرمه شيئا ؟ قلت : لا ، قال : لأنّه هو الذي ضرب فاطمة عليهاالسلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم ، فماتت عليهاالسلام وإنّ أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج .
قال سليم : انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليس فيها إلاّ هاشمي غير سلمان وأبي ذرّ والمقداد ومحمّد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن أبي عبادة فقال العبّاس لعلي عليه السلام : ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذا كما أغرم جميع عمّاله ؟ فنظر علي عليه السلام إلى من حوله ثمّ اغرورقت عيناه ثمّ قال : شكر له ضربة ضربها فاطمة عليهاالسلام بالسوط فماتت وفي عضدها أثره كأنّه الدملج(1).
ص: 57
وَخَرَّبا بِلادَك
... -...
إنّ القوانين الإلهية الحكيمة التي جاء بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله كانت كفيلة بتأسيس بلادا إسلامية يعمّ ربوعها الخير والرفاه والسلام ، يعيش المسلمون في ظلّها آلاف السنين بهناء وكرامة من دون عناء ومهانة ، ولكن هيهات ، فقد خرّبا بلاد اللّه بسحق تلك القوانين ، وفي مقدّمة هذه القوانين خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، فاضطربت البلاد وعاشت في أجواء يحكمها القتل والإرهاب إلى يومنا هذا .
في حديث لأمير المؤمنين عليه السلام : ولو أنّ الأُمّة منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله اتّبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ...(1).
عمّار بن ياسر : ... يامعاشر قريش يامعاشر المسلمين !!! ... فمروا صاحبكم فليردّ الحقّ إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ويظفر عدوّكم ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفوا فيما بينكم ويطمع فيكم عدوّكم ، فقد علمتم أنّ بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم وعلي أقرب منكم إلى نبيّكم وهو من بينهم وليّكم بعد اللّه ورسوله ... فما بالكم تحيدون عنه وتبتزّون عليا حقّه وتؤثرون الحياة الدنيا
على الآخرة بئس للظالمين بدلاً ، أُعطوه ما جعله اللّه له ولا تتولّوا عنه مدبرين ، ولا
ص: 58
ترتدّوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين(1).
سلمان الفارسي مخاطبا أبا بكر :
ياأبا بكر ! اتّق اللّه وقم عن هذا المجلس ، ودعه لأهله يأكلوا به رغدا إلى يوم القيامة ، لا يختلف على هذه الأُمّة سيفان ، فلم يجبه أبو بكر فأعاد سلمان فقال مثلها ، فانتهره عمر ، وقال : مالك وهذا الأمر ، وما يدخلك فيما هاهنا ؟! فقال : مهلاً ياعمر ! قم ياأبا بكر ! عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به واللّه خضرا إلى يوم القيامة ، وإن أبيتم لتحلبنّ به دما وليطمعنّ فيها الطلقاء والطرداء والمنافقون ، واللّه إنّي لو أعلم أنّي أدفع ضيما أو أعزّ للّه دينا لوضعت سيفي على عنقي ، ثمّ ضربت به قدما ، أتثبون على وصي رسول اللّه ؟! فابشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء(2).
ص: 59
وَأَفْسَدا عِبادَك
... -...
أمير المؤمنين عليه السلام : ... إنّ قريشا قد أضلّت أهل دهرها ومن يأتي من بعدها من القرون ...(1).
رسول اللّه صلى الله عليه و آله مخاطبا أبا بكر وعمر لعنهما اللّه في حديث : كأنّي بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا(2).
أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك منها واللّه ياعمر ! إذا أُفضيت إليك ، والويل للأُمّة من بلائك(3).
عبدالرحيم القصير قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام إنّ الناس يفزعون إذا قلنا إنّ الناس ارتدّوا ، فقال : ياعبدالرحيم ! إنّ الناس عادوا بعد ما قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله أهل جاهلية(4).
ص: 60
الإمام الصادق عليه السلام : لمّا ولّي أبو بكر بن أبي قحافة قال له عمر : إنّ الناس عبيد الدنيا لا يريدون غيرها ، فامنع عن علي وأهل بيته الخمس والفيء وفدكا ، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا عليا وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا وإيثارا ومحاباة عليها ، ففعل أبو بكر ذلك وصرف عنهم جميع ذلك(1).
أبوعبداللّه عليه السلام: يؤتى يوم القيامة بإبليس لعنه اللّه مع مضلّ هذه الأُمّة فيزمامين غلظهما مثل جبل أُحد ، فيسحبان على وجوههما فينسدّ بهما باب من أبواب النار(2).
أمير المؤمنين عليه السلام : أما إنّ معاوية وابنه سيليان بعد عثمان ثمّ يليها سبعة من ولد الحكم بن أبي العاص واحدا بعد واحد تكملة اثني عشر إمام ضلالة ، وهم الذين رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله على منبره يردّون أُمّته على أدبارهم القهقرى ، عشرة منهم من بني أُميّة ورجلان أسّسا ذلك لهم ، وعليهما مثل جميع أوزار هذه الأُمّة إلى
يوم القيامة(3).
لمّا خطب أبو بكر لعنه اللّه قام أُبي بن كعب فقال :
.. أفما تفقهون ، أما تبصرون ، أما تسمعون ، ضربت عليكم الشبهات ؟!
ص: 61
فكان مثلكم كمثل رجل في سفر أصابه عطش شديد حتّى خشي أن يهلك ، فلقى رجلاً هاديا بالطريق فسأله عن الماء فقال : أمامك عينان إحداهما مالحة والأُخرى عذبة ، فإن أصبت المالحة ضللت وهلكت ، وإن أصبت من العذبة هديت ورويت ، فهذا مثلكم أيّتها الأُمّة المهملة كما زعمتم . وأيم اللّه ما أُهملتهم ، لقد نصب لكم علم يحلّ لكم الحلال ، ويحرّم عليكم الحرام ، ولو أطعتموه ما اختلفتم ، ولا تدابرتم ، ولا تعلّلتم ، ولا برئ بعضكم من بعض ، فواللّه إنّكم بعده لمختلفون في أحكامكم ، وإنّكم بعده لناقضون عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإنّكم على عترته لمختلفون ، ومتباغضون ، إن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه ، وإن سئل هذا عمّا يعلم أفتى برأيه ، فقد تحاربتم وزعمتم أنّ الاختلاف رحمة ، هيهات أبى كتاب اللّه ذلك عليكم ، يقول اللّه تبارك وتعالى : {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(1)} وأخبرنا باختلافهم فقال : {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ(2)} أي للرحمة وهم آل محمّد وشيعتهم(3).
أمير المؤمنين عليه السلام : ... وقد علم المستحفظون ممّن بقى من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله إنّ عامّة أعدائي ممّن أجاب الشيطان عليَّ وزهد الناس فيّ ، وأطاع هواه فيما يضرّه في آخرته(4).
ص: 62
فَقَد أَخْرَبا بَيْتَ النُّبُوَّة ، ورَدَما بابَه ، وَنَقَضا سَقْفَه ، وَأَلْحَقا سَماءَهُ بِأَرْضِه ، وَعالِيَهُ بِسافِلِه ، وَظاهِرَهُ بِباطِنِه ، وَاسْتَأصَلا أَهْلَه ، وَأَبادا أَنْصَارَه ، وَقَتَّلا أَطْفالَه ، وَأَخْلَيا مِنْبَرَهُ مِنْ وَصِيِّه ، وَوارِثَ عِلْمَه
... -...
بيتٌ يشعّ نورا وبهاءً .
بيتٌ يلفّه العظمة والجلال .
بيتٌ يضيئ لأهل السماء كالشمس لأهل الأرض .
بيت يضمّ في جوانبه أعظم البشر بل أعظم الخلائق كلّها .
بيت يشهد خطوات الرسول صلى الله عليه و آله ومعالمه وآثاره .
وباب ذلك البيت باب يقف عنده الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله مرّات ومرّات يرفع صوته مناديا أهل الدار : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا(1)}.
وأهل ذلك البيت هم خيرة اللّه من خلقه .
هم امتداد النبوّة وفيهم بضعة النبي وفلذة كبده .. .
فماذا فعلوا بذلك البيت بعد رحيل صاحب البيت ؟!
رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ... ولكأنّي بأهل بيتي وهم المقهورون المشتّتون في
ص: 64
أقطارها(1).
إنّ من مطاعن جرائم عمر لعنه اللّه أنّه همّ بإحراق بيت فاطمة عليهاالسلام وقد كان فيه أمير المؤمنين وفاطمة والحسنان عليهم السلام وهدّدهم وآذاهم(2).
إنّ أبا بكر تفقّد قوما تخلّفوا عن بيعته عند علي عليه السلام فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم - وهم في دار علي عليه السلام - فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأُحرقنّها على مَن فيها ، فقيل له : ياأبا حفص ! إنّ فيها فاطمة !! قال : وإن .
وجاء بلفظ آخر في كنز العمّال 5 / 652 وقال : أخرجه ابن أبي شسيبة وفيه : وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندكم إن أمرتهم أن يحرق عليهم الباب .
ص: 65
عن عبداللّه بن عبّاس قال : لمّا حضرت رسول اللّه صلى الله عليه و آله الوفاة بكى حتّى بلّت دموعه من لحيته فقيل له : يارسول اللّه ! ما يبكيك ؟ فقال : « أبكي لذرّيتي وما تصنع بهم شرار أُمّتي من بعدي ، كأنّي بفاطمة إبنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي : ياأبتاه ! ياأبتاه ! فلا يعينها أحد من أُمّتي » ، فسمعت فاطمة عليهاالسلام ، فبكت ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « لا تبكين يابنية ! » فقالت : « لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكن أبكي لفراقك يارسول اللّه » . فقال لها : « أبشري يابنت محمّد بسرعة اللحاق بي فإنّك أوّل من يلحق بي من أهل بيتي »(1).
أمير المؤمنين عليه السلام : « ... فما من معين يعين ، وقد وثبتم على سلطان اللّه وسلطان رسوله ، فأخرجتموه من بيته إلى بيت غيره من غير بيّنة ولا حجّة »(2).
الإمام الباقر عليه السلام : « كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلّى على الرخامة الحمراء(3) بين العمودين فقال : في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن لا يردّوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبدا » قال : قلت : ومن كان ؟ قال :
ص: 66
« الأوّل والثاني وأبو عبيدة الجرّاح وسالم بن الحبيبة »(1).
علي عليه السلام : « يامعشر المهاجرين ! اللّه اللّه لا تخرجوا سلطان محمّد صلى الله عليه و آله في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيتكم وتدفعوا أهله عن مقامه من الناس وحقّه ... »(2).
أنّ عمر لعنه اللّه احتزم بازاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي : أنّ أبا بكر قد بويع له فهلمّوا إلى البيعة ، فينثال(3) الناس يبايعون ، فعرف أنّ جماعة في بيوت مستترون فكان يقصدهم في جمع كثير ، ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون ، حتّى إذا مضت أيّام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي - بن أبي طالب - عليهماالسلام فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ أو لأُحرقنّه على ما فيه ...(4).
قال حذيفة بن اليمان : ولّي أبو بكر فطعن في الإسلام طعنة أوهنه ، ثمّ ولّي عمر فطعن في الإسلام طعنة مرق منه(5).
ص: 67
وفي رواية أُخرى عنه رضى الله عنه ، قال : ولّينا أبو بكر فطعن في الإسلام طعنة ، ثمّ ولّينا عمر فحل الأزرار ، ثمّ ولّينا عثمان فخرج منه عريانا(1).
الإمام الصادق عليه السلام في قول اللّه عزّوجلّ : {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّه َ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(2)} قال : نزلت هذه الآية في فلان وفلان وأبي عبيدة بن الجرّاح وعبدالرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة ، حيث كتبوا الكتاب بينهم وتعاهدوا وتوافقوا لئن مضى محمّد صلى الله عليه و آلهلا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوّة أبدا ، فأنزل اللّه عزّوجلّ فيهم هذه الآية(3).
عن سليم بن قيس قال : كنت عند عبداللّه بن عبّاس في بيته ومعنا جماعة من شيعة علي عليه السلام فحدّثنا ، فكان فيما حدّثنا أن قال : ياإخوتي ! توفّى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم توفّى فلم يوضع في حفرته حتّى نكث الناس وارتدّوا ، وأجمعوا على الخلاف ، واشتغل علي بن أبي طالب عليهماالسلام برسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى فرغ من غسله وتكفينه
ص: 68
وتحنيطه ووضعه في حفرته ، ثمّ أقبل على تأليف القرآن . وشغل عنهم بوصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولم يكن همّته الملك لما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخبره عن القوم ، فافتتن الناس بالذي افتتنوا به من الرجلين ، فلم يبق إلاّ علي عليه السلام وبنو هاشم وأبو ذرّ والمقداد وسلمان في أُناس معهم يسير .
فقال عمر لأبي بكر : ياهذا إنّ الناس أجمعين قد بايعوك ، ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر ، فابعث إليه ، فبعث إليه ابن عمّ لعمر يقال له قنفذ ، فقال له : ياقنفذ ! انطلق إلى علي فقل له : أجب خليفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فانطلق فأبلغه ، فقال علي عليه السلام : ما أسرع ما كذّبتم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وارتددتم ؟! واللّه ما استخلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله غيري ، فارجع ياقنفذ ، فإنّما أنت رسول ، فقل له : قال لك علي عليه السلام : واللّه ما استخلفك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وإنّك لتعلم من خليفة رسول اللّه . فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فبلّغه الرسالة ، فقال أبو بكر : صدق علي ما استخلفني رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فغضب عمر ، ووثب وقام ، فقال أبو بكر : اجلس ، ثمّ قال لقنفذ : إذهب إليه فقل له : أجب أمير المؤمنين أبا بكر ، فأقبل قنفذ حتّى دخل على علي عليه السلام فأبلغه الرسالة فقال : كذب واللّه ، وانطلق إليه فقل له : لقد تسمّيت باسم ليس لك ، فقد علمت أنّ أمير المؤمنين غيرك ، فرجع قنفذ فأخبرهما ، فوثب عمر غضبان فقال : واللّه إنّي لعارف بسخفه وضعف رأيه ، وإنّه لا يستقيم لنا أمر حتّى نقتله فخلّني آتيك برأسه ، فقال أبو بكر : اجلس فأبى فأقسم عليه فجلس . ثمّ قال ياقنفذ ! انطلق فقل له : أجب أبا بكر ، فأقبل قنفذ فقال : ياعلي ! أجب أبا بكر ، فقال علي عليه السلام : إنّي لفي شغل عنه ، وما كنت بالذي أترك وصيّة خليلي وأخي وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور ، فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر . فوثب عمر غضبان ، فنادى خالد بن
ص: 69
الوليد وقنفذا فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا ، ثمّ أقبل حتّى انتهى إلى باب علي وفاطمة عليهماالسلام قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأقبل عمر حتّى ضرب الباب ثمّ نادى : يابن أبي طالب ! افتح الباب ، فقالت فاطمة عليهاالسلام : ياعمر ! مالنا ولك ، لا تدعنا وما نحن فيه ؟! قال : افتحي الباب وإلاّ أُحرقنّ عليكم ، فقالت : ياعمر ! أما تتّقي اللّه عزّوجلّ تدخل على بيتي ، وتهجم على داري ؟! فأبى أن ينصرف ، ثمّ عاد عمر بالنار فأضرمها في الباب ، فأحرق الباب ثمّ دفعه عمر فاستقبلته فاطمة عليهاالسلام ، وصاحت ياأبتاه ! يارسول اللّه ! فرفع السيف وهو في غمده فوجئ به جنبها فصرخت ، فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت ياأبتاه !
فوثب علي بن أبي طالب عليهماالسلام فأخذ بتلابيب عمر ثمّ هزّه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته ، وهمّ بقتله ، فذكر قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وما أوصى به من الصبر والطاعة ، فقال : والذي كرّم محمّدا صلى الله عليه و آله بالنبوّة ياابن صهّاك ! لولا كتاب من اللّه سبق لعلمت أنّك لا تدخل بيتي ، فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار وسلّ خالد بن الوليد السيف ليضرب به عليا عليه السلام فحمل علي عليه بسيفه ، فأقسم على علي فكفّ ، وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذرّ وعمّار وبريدة الأسلمي حتّى دخلوا الدار أعوانا لعلي عليه السلام حتّى كادت تقع فتنة .
فأُخرج علي عليه السلام وتبعه الناس وأتبعه سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار وبريدة وهم يقولون : ما أسرع ما خنتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم ، وقال بريدة بن الحصيب الأسلمي : ياعمر ! أتيت على أخي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ووصيّه وعلى ابنته فتضربها وأنت الذي تعرفك قريش بما تعرفك به ؟!
ص: 70
فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب بريدة وهو في غمده ، فتعلّق به عمر ومنع من ذلك . فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر ملبّبا ، فلمّا نظر به أبو بكر صاح خلّوا سبيله فقال : ما أسرع ما توثّبتم على أهل بيت نبيّكم ، ياأبا بكر ! بأي حقّ وبأي ميراث وبأي سابقة تحثّ الناس إلى بيعتك ؟! ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول اللّه ؟! فقال عمر : دع هذا عنك ياعلي فواللّه إن لم تبايع لنقتلنّك ، فقال علي عليه السلام : إذا واللّه أكون عبد اللّه وأخا رسوله المقتول ، فقال عمر : أمّا عبد اللّه المقتول فنعم ، وأمّا أخو رسول اللّه فلا ، فقال علي عليه السلام : أما واللّه لولا قضاء من اللّه سبق ، وعهد عهده إليّ خليلي لست أجوزه ، لعلمت أيّنا أضعف ناصرا وأقلّ عددا ، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم(1).
ص: 71
وَقَتَّلا أَطْفالَه
... -...
جريمة القتل جريمة عظيمة ، وعد اللّه عليها النار القاتل المجرم خالدا فيها حيث قال : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدا فِيهَا وَغَضِبَ اللّه ُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما(1)}.
فكيف إذا كان المقتول من أبناء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟!
وكيف إذا كان المقتول من أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ؟!
وكيف إذا كان القاتل امتهن جريمة القتل ؟!
وكيف إذا كان القاتل سنّ جريمة القتل ؟!
كلّ ذلك يسبّب تضاعف العذاب بما لا نهاية فيه .
وأوّل من يحكم فيهم (يوم القيامة) محسن بن علي عليهماالسلام وفي قاتله ، ثمّ في قنفذ ، فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط من نار ، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها ، ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتّى تصير رمادا ، فيضربان بها .
ثمّ يجثو أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي اللّه للخصومة مع الرابع وتدخل الثلاثة في جبّ فيطبق عليهم لا يراهم أحد ولا يرون أحدا ، فيقول الذين كانوا في ولايتهم : {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ
ص: 72
الْأَسْفَلِينَ(1)} قال اللّه عزّوجلّ : {وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(2)} فعند ذلك ينادون بالويل والثبور ، ويأتيان الحوض فيسألان عن أمير المؤمنين عليه السلام ومعهم حفظة فيقولان أُعف عنّا واسقنا وخلّصنا ، فيقال لهم : {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ(3)} بإمرة المؤمنين ، ارجعوا ظماء مظمئين إلى النار فما شرابكم إلاّ الحميم والغسلين ، وما تنفعكم شفاعة الشافعين(4).
الإمام الصادق عليه السلام : ... فخرجت (فاطمة) والكتاب معها فلقيها عمر فقال : يابنت محمّد ! ما هذا الكتاب الذي معك ؟ فقالت : كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك . فقال : هلمّيه إليّ ، فأبت أن تدفعه إليه فرفسها برجله !! وكانت عليهاالسلام حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثمّ لطمها ، فكأنّي أنظر إلى قرط في أُذنها حين نقف(5)، ثمّ أخذ الكتاب فخرقه ، فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة ممّا ضربها عمر ثمّ قبضت(6).
ص: 73
وسئل زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام وقد أصابه سهم في جبينه : من رماك به ؟ قال : هما رمياني ، هما قتلاني(1).
ص: 74
وَأَخْلَيا مِنْبَرَهُ مِنْ وَصِيِّه ، وَوارِثَ عِلْمَه
... -...
إنّ التعدّي على حقوق الآخرين جريمة لا يمكن أن يغفرها اللّه إلاّ إذا رضي صاحب الحقّ . هذه معادلة قائمة في نظام هذا الكون وهي جارية في حقّ أبسط الناس وأدناهم - بمرتبة الإيمان - حتّى بالنسبة إلى أهل الذمّة ، فكيف إذا كان الاعتداء على المؤمنين ، وكيف إذا كان من أولياء اللّه ، وكيف إذا كان سيّد البشر خاتم النبيين صلى الله عليه و آله ؟! كلّ ذلك يسبّب تضاعف العذاب ، وينتظر المعتدي العقاب الإلهي العظيم ، فهاهما اللعينان يتعدّيان على حقوق رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويصعدان منبره من دون إذن ، بل مع المنع من ذلك ، ويردّان الناس القهقرى ، فتذهب جهود رسول اللّه صلى الله عليه و آله وما لاقاه من الأذى والعناء في سبيل ترسيخ العقيدة حتّى قال الرسول : « ما أُوذي نبي مثل ما أُوذيت »(1) هدرا لولا حفظ اللّه ولولا استمرار العترة الطاهرة عليهم السلام في حفظ دين اللّه العظيم .
أصبح رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوما كئيبا حزينا فقال له علي عليه السلام : مالي أراك يارسول اللّه ! كئيبا حزينا ؟ فقال : وكيف لا أكون كذلك ، وقد رأيت في ليلتي هذه أنّ بني تيم وبني عدي وبني أُميّة يصعدون منبري هذا ، يردّون الناس عن الإسلام القهقرى .
ص: 75
فقلت : ياربّ في حياتي أو بعد موتي ؟ فقال : بعد موتك(1).
إنّ الحسين بن علي عليهماالسلام أتى عمر بن الخطّاب لعنه اللّه وهو على المنبر يوم الجمعة فقال له : انزل عن منبر أبي ، فبكى عمر ثمّ قال : صدقت يابني ! منبر أبيك لا
منبر أبي ...(2).
قال الإمام علي عليه السلام : « استخلف الناس أبا بكر وأنا واللّه أحقّ بالأمر وأولى به منه ، واستخلف أبو بكر وعمر وأنا واللّه أحقّ بالأمر وأولى به منه ... »(3).
عن أحمد بن همام قال : أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر فقلت : ياعبادة ! أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف ؟ فقال : ياأبا ثعلبة ! إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثوا ، فواللّه لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام كان أحقّ بالخلافة
من أبي بكر كما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحقّ بالنبوّة من أبي جهل - قال : - وأزيدكم ، إنّا كنّا ذات يوم عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله فجاء علي عليه السلام وأبو بكر وعمر إلى باب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فدخل أبو بكر ثمّ دخل عمر ثمّ دخل علي عليه السلام على إثرهما ، فكأنّما سفى على وجه رسول اللّه صلى الله عليه و آله الرماد ، ثمّ قال : « ياعلي ! أيتقدّمانك هذان وقد أمّرك اللّه عليهما ؟! » فقال أبو بكر : نسيت يارسول اللّه ، وقال عمر : سهوت يارسول اللّه ،
ص: 76
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ما نسيتما ولا سهوتما ، وكأنّي بكما قد سلبتماه ملكه وتحاربتما عليه ، وأعانكما على ذلك أعداء اللّه وأعداء رسوله ... »(1).
الإمام الصادق عليه السلام : « ... واللّه لقد جلسا مجلس أمير المؤمنين عليه السلام غصبا ولا غفر اللّه لهما ولا عفا عنهما ... »(2).
الإمام الحسين عليه السلام مخاطبا عمر لعنه اللّه : « ... أما واللّه لو أنّ للسان مقالاً يطول تصديقه وفعلاً يعينه المؤمنون لما تخطّيت رقاب آل محمّد صلى الله عليه و آله ترقى منبرهم وصرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم لا تعرف معجمه ولا تدري تأويله إلاّ سماع الآذان »(3).
ص: 77
وَجَحَدا إمامَتَه
... -...
الإمامة امتداد النبوّة ، والمنكر للنبوّة كافر ، فمنكر الإمامة كافر .
هذا حال الأتباع الذين ينكرون الإمامة ، فما حال غاصبي الخلافة ومنحّي الأئمّة من الإمامة الظاهرية ؟
هذا إن كانت النسخة « وجحدا إمامته » وأمّا إذا كانت النسخة « وجحدا نبوّته » فكفرهما أوضح من الشمس ، وفي بعض الروايات السابقة واللاحقة تصريح بإنكارهما النبوّة .
في رسالة عمر إلى معاوية لعنهما اللّه :
... ولقد وثبت وثبة على شهاب بني هاشم الثاقب ، وقرنها الزاهر ، وعلمها الناصر ، وعدّتها وعددها المسمّى بحيدرة المصاهر لمحمّد [ صلى الله عليه و آله ] على المرأة التي جعلوها سيّدة نساء العالمين يسمّونها : فاطمة ، حتّى أتيت دار علي وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين وابنتيهما زينب وأُمّ كلثوم [ صلوات اللّه عليهم ] ، والأمة المدعوّة بفضّة ، ومعي خالد بن وليد وقنفذ مولى أبي بكر ومن صحب من خوّاصنا ، فقرعت الباب عليهم قرعا شديدا ، فأجابتني الأمة ، فقلت لها : قولي لعلي : دع الأباطيل ولا تلج نفسك إلى طمع الخلافة ، فليس الأمر لك ، الأمر لمن اختاره المسلمون واجتمعوا عليه .
وربّ اللاّت والعزّى لو كان الأمر والرأي لأبي بكر لفشل عن الوصول إلى ما وصل إليه من خلافة ابن أبي كبشة ، لكنّي أبديت لها صفحتي ، وأظهرت لها بصري ، وقلت للحيين - نزار وقحطان - بعد أن قلت لهم ليس الخلافة إلاّ في
ص: 78
قريش ، فأطيعوهم ما أطاعوا اللّه ، وإنّما قلت ذلك لما سبق من ابن أبي طالب من وثوبه واستيثاره بالدماء التي سفكها في غزوات محمّد [ صلى الله عليه و آله ] وقضاء ديونه ، وهي - ثمانون الف درهم - وإنجاز عداته ، وجمع القرآن ، فقضاها على تليده وطارفه ، وقول المهاجرين والأنصار - لمّا قلت إنّ الإمامة في قريش - قالوا : هو الأصلع البطين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي أخذ رسول اللّه البيعة له على أهل ملّته ، وسلّمنا له بإمرة المؤمنين في أربعة مواطن ، فإن كنت نسيتموها - معشر قريش - فما نسيناها وليست البيعة ولا الإمامة والخلافة والوصية إلاّ حقّا مفروضا ، وأمرا صحيحا ، لا تبرّعا ولا ادّعاءً .
فكذّبناهم ، وأقمت أربعين رجلاً شهدوا على محمّد [ صلى الله عليه و آله ] أنّ الإمام
بالاختيار . فعند ذلك قال الأنصار : نحن أحقّ من قريش ، لأنّا آوينا ونصرنا وهاجر الناس إلينا ، فإذا كان دفع من كان الأمر له فليس هذا الأمر لكم دوننا ، وقال قوم : منّا أمير ومنكم أمير . قلنا لهم : قد شهدوا أربعون رجلاً أنّ الأئمّة من قريش ، فقبل قوم وأنكر آخرون وتنازعوا ، فقلت والجمع يسمعون : ألا أكبرنا سنّا وأكثرنا لينا . قالوا : فمن تقول ؟ قلت : أبو بكر الذي قدّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله في الصلاة ، وجلس معه في العريش يوم بدر يشاوره ويأخذ برأيه ، وكان صاحبه في الغار ، وزوج ابنته عائشة التي سمّاها : أُمّ المؤمنين .
فأقبل بنو هاشم يتميّزون غيظا ، وعاضدهم الزبير وسيفه مشهور وقال : لا يبايع إلاّ علي أو لا أملك رقبة قائمة سيفي هذا ، فقلت : يازبير ! صرختك سكن من بني هاشم ، أُمّك صفية بنت عبدالمطّلب ، فقال : ذلك - واللّه - الشرف الباذخ والفخر
الفاخر ، يابن حنتمة ويابن صهّاك ! أُسكت لا أُمّ لك . فقال قولاً فوثب أربعون
ص: 79
رجلاً ممّن حضر سقيفة بني ساعدة على الزبير ، فواللّه ما قدرنا على أخذ سيفه من يده حتّى وسّدناه الأرض ، ولم نر له علينا ناصرا ، فوثبت إلى أبي بكر فصافحته وعاقدته البيعة وتلاني عثمان بن عفّان وسائر من حضر غير الزبير ، وقلنا له : بايع أو نقتلك ، ثمّ كففت عنه الناس ، فقلت له : أمهلوه ، فما غضب إلاّ نخوة لبني هاشم ،
وأخذت أبا بكر بيده فأقمته - وهو يرتعد - قد اختلط عقله ، فأزعجته إلى منبر محمّد [ صلى الله عليه و آله ] إزعاجا ، فقال لي : ياأبا حفص ! أخاف وثبة علي : فقلت له : إنّ عليا عنك مشغول ، وأعانني على ذلك أبو عبيدة الجرّاح كان يمدّه بيده إلى المنبر وأنا أزعجه من ورائه كالتيس إلى شفار الجاذر متهوّنا ، فقام عليه مدهوشا ، فقلت له : أخطب ! فأغلق عليه وتثبّت فدهش ، وتلجلج وغمض ، فعضضت على كفّي غيظا ، وقلت له : قل ما سنح لك ، فلم يأت خيرا ولا معروفا ، فأردت أن أحطّه عن المنبر وأقوم مقامه ، فكرهت تكذيب الناس لي بما قلت فيه ، وقد سألني الجمهور منهم : كيف قلت من فضله ما قلت ؟ ما الذي سمعته من رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أبي بكر ؟ فقلت لهم قد قلت : سمعت من فضله على لسان رسول اللّه ما لو وددت أنّي شعرة في صدره ولي حكاية ، فقلت : قل وإلاّ فأنزل ، فتبيّنها واللّه في وجهي وعلم أنّه لو نزل لرقيت ، وقلت ما لا يهتدي إلى قوله ، فقال بصوت ضعيف عليل : ولّيتكم ولست بخيركم وعلي فيكم ، واعلموا أنّ لي شيطانا يعتريني - وما أراد به سواي - فإذا زللت فقوّموني لا أقع في شعوركم وأبشاركم ، وأستغفر اللّه لي ولكم ، ونزل فأخذت بيده - وأعين الناس ترمقه - وغمزت يده غمزا ، ثمّ أجلسته وقدّمت الناس إلى بيعته وصحبته لأرهبه ، وكلّ من ينكر بيعته ويقول : ما فعل علي بن أبي طالب عليهماالسلام ؟ فأقول : خلعها من عنقه وجعلها طاعة المسلمين قلّة خلاف عليهم في اختيارهم ،
ص: 80
فصار جليس بيته ، فبايعوا وهم كارهون ، فلمّا فشت بيعته علمنا أنّ عليا يحمل فاطمة والحسن والحسين (صلوات اللّه عليهم) إلى دور المهاجرين والأنصار يذكّرهم بيعته علينا في أربعة مواطن ، ويستنفرهم فيعدونه ليلاً ويقعدون عنه نهارا ...(1).
وَأشْرَكا بِرَبِّهِما
... -...
لم يؤمنا باللّه طرفة عين ... وإنّما أظهرا الإيمان لمقاصدهما الدنيئة . وقد تجلّت خطوات الشرك في حياتهما وفي أقوالهما وكلماتهما ، ففي رسالة عمر : « فبهبل أُقسم والأصنام والأوثان » واللّه يغفر كلّ خطيئة إلاّ الشرك .
في الحديث القدسي : ... يامحمّد ! ... غاصبه الذي يجتري عليّ ويبدّل كلامي ويشرك بي ويصدّ الناس عن سبيلي وينصب من نفسه عجلاً لأُمّتك ويكفر بي في عرشي(1).
عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال : قلت له : أسألك عن فلان وفلان ؟ قال : فعليهما لعنة اللّه بلعناته كلّها ، ماتا - واللّه - كافرين مشركين باللّه العظيم ..(2).
قال الإمام الصادق عليه السلام : لمّا استخلف أبو بكر أقبل عمر على علي عليه السلام فقال : أما علمت أنّ أبا بكر قد استخلف ؟ فقال له علي عليه السلام : فمن جعله لذلك ؟ قال : المسلمون رضوا بذلك . فقال علي عليه السلام : واللّه لأسرع ما خالفوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونقضوا عهده ولقد سمّوه بغير اسمه ، واللّه ما استخلفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فقال له عمر
ص: 82
(عليه لعائن اللّه) : كذبت فعل اللّه بك وفعل . فقال له عليه السلام : إن تشأ أن أُريك برهان ذلك فعلت . فقال عمر : ما تزال تكذب على رسول اللّه في حياته وبعد موته . فقال له عليه السلام : انطلق بنا ياعمر لنعلم أيّنا الكذّاب على رسول اللّه في حياته وبعد موته . فانطلق معه حتّى أتى القبر إذا كفّ فيها مكتوب « أكفرت ياعمر! بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجلاً ؟! » .
فقال له علي عليه السلام : أرضيت ؟ واللّه لقد فضحك اللّه في حياته وبعد موته(1).
في رسالة عمر بن الخطّاب لمعاوية لعنهما اللّه ... فبهبل أُقسم والأصنام والأوثان واللاّت والعزّى ما جحدها عمر مذ عبدها ، ولا عبد للكعبة ربّا ، ولا صدّق لمحمّد [ صلى الله عليه و آله ] قولاً ... فإنّه قد أتانا بسحر عظيم وزاد في سحره على سحر بني اسرائيل مع موسى وهارون وداود وسليمان وابن أُمّه عيسى ، ولقد أتانا بكلّ ما أتوا به من السحر وزاد عليهم ما لو أنّهم شهدوه لأقرّوا له بأنّه سيّد السحرة . فخذ يابن
أبي سفيان ! سنّة قومك وأتباع ملّتك والوفاء بما كان عليه سلفك ، من جحد هذه البنية التي يقولون إنّ لها ربّا أمرهم باتيانها والسعي حولها وجعلها لهم قبلة ..(2).
عن سليم قال : سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : .. فقال له صاحبه : لا
ص: 83
ولكن نتّخذ صنما عظيما نعبده ؛ لأنّا لا نأمن أن يظفر ابن أبي كبشة فيكون هلاكنا ، ولكن يكون هذا الصنم لنا ذخرا ، فإن ظفرت قريش أظهرنا عبادة هذا الصنم وأعلمناهم أنّا لن نفارق ديننا ، وإن رجعت دولة ابن أبي كبشة كنّا مقيمين على عبادة هذا الصنم سرّا ، فنزل جبرئيل عليه السلام فأخبر النبي صلى الله عليه و آله بذلك ، ثمّ خبّر به (رسول اللّه صلى الله عليه و آله) بعد قتلي ابن عبد ودّ ، فدعاهما ، فقال : كم صنما عبدتما في الجاهلية ؟
فقال : يامحمّد ! لا تعيّرنا بما مضى في الجاهلية .
فقال صلى الله عليه و آله : فكم صنم تعبدان يومكما هذا ؟
فقالا : والذي بعثك بالحقّ نبيّا ، ما نعبد إلاّ اللّه منذ أظهرنا لك من دينك ما أظهرنا .
فقال : ياعلي ! خذ هذا السيف ، فانطلق إلى موضع كذا وكذا فاستخرج الصنم الذي يعبدانه فاهشمه ، فإن حال بينك وبينه أحد فاضرب عنقه ، فانكبّا على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقالا : استرنا سترك اللّه (1)... .
أبو حمزة الثمالي : قلت لمولاي علي بن الحسين عليهماالسلام : ... أسألك عن الأوّل والثاني ؟ فقال : عليهما لعائن اللّه كلاهما مضيا واللّه مشركين كافرين باللّه العظيم(2).
ص: 84
فَعَظِّم ذَنْبَهُما ، وَخَلِّدْهُما في سَقَر ، وَما أَدْراكَ ما سَقَر ، لاَ تُبْقِي وَلا تَذَر
... -...
المعصية الصغيرة تعدّ كبيرة فيما إذا أصرّ عليها العاصي بأن ارتكبها مرّتين .
فما بال المعصية الكبيرة إذا تكرّرت عن عناد وإصرار ! وما بال تلك المعصية إذا صدرت تحدّيا لمقام الربوبية ! هذا في حقوق اللّه .
وأمّا حقوق الناس فيتضاعف العقاب ، وكيف الحال لو كانت المعصية تعدّيا على حقوق البشرية جمعاء ، من أوّلهم وإلى آخرهم .. .
إنّه العذاب الإلهي العظيم بما لا نهاية فيه أنّه ينتظر الجاني !
في الحديث القدسي : ... فإنّي بحولي وقوّتي وسلطاني لأفتحنّ على روح من يغصب بعدك عليا حقّه الف باب من النيران من سفال الفيلوق(1) ولأصلينّه وأصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه ، ولأجعلنّ ذلك المنافق عبرة في القيامة لفراعنة الأنبياء وأعداء الدين في المحشر ، ولأحشرنّهم وأوليائهم وجميع الظلمة والمنافقين إلى نار جهنّم زرقا كالحين أذلّة خزايا نادمين ، ولأخلدنّهم فيها أبد الآبدين(2).
ص: 85
عن أبي الحسن موسى عليه السلام في حديث طويل - يقول فيه - : ياإسحاق ! إنّ في النار لواديا يقال له سقر لم يتنفّس منذ خلقه اللّه ... وإنّ في ذلك القليب لحيّة يتعوّذ
أهل ذلك القليب من خبث تلك الحيّة ونتنها وقذرها وما أعدّ اللّه في أنيابها من السمّ
لأهلها ، وإنّ في جوف تلك الحيّة لصناديق فيها خمسة من الأُمم السالفة واثنان من هذه الأُمّة ، قال : قلت : جعلت فداك ومن الخمسة ومن الاثنان ؟ قال : ... ومن هذه الأُمّة الأعرابيان(1).
ص: 86
اللّهُمَّ العَنْهُم بِكُلِّ مُنْكَرٍ أَتَوه
... -...
فاعل المنكر يتحمّل ذنب نفسه لا ذنب غيره {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(1)}. ولكن الذي يسنّ سنّة سيّئة فإنّه يتحمّل وزر نفسه ووزر جميع من عمل بتلك السنّة ، فقد قال النبي الأعظم صلى الله عليه و آله : أيّما داعٍ دعا إلى الهدى فاتُّبع ، فله مثل أُجورهم من غير أن ينقص من أُجورهم شيء ، وأيّما داع دعا إلى ضلالة فاتُّبع فإنّ عليه مثل أوزار من اتّبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيء(2). وأبو بكر وعمر لعنهما اللّه لم يرتكبا المنكر فحسب ، وإنّما سنّا سنّة ارتكاب المنكرات فيتحمّلان وزر جميع تلك المنكرات وما أكثرها .
قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ(3)} قال : يحملون آثامهم ، يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام وآثام كلّ من اقتدى بهم . وهو قول الصادق عليه السلام : واللّه ما أُهريقت محجمة من دم ، ولا قرعت عصا بعصا ، ولا غصب فرج حرام ، ولا أُخذ مال من غير حلّه ، إلاّ ووزر ذلك في أعناقهما من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيء(4).
ص: 87
عن الحسن بن محمّد بن عبداللّه بن الحسن بن علي عليهماالسلام قال : ما رفعت امرأة منّا طرفها إلى السماء فقطرت منها قطرة إلاّ كان في أعناقهما(1).
{إِنَّ اللّه َ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ(2)} قال : العدل : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله والإحسان أمير المؤمنين عليه السلام ، والفحشاء والمنكر والبغي : فلان وفلان وفلان(3).
أنّه صلى الله عليه و آله لمّا سار إلى خيبر أخذ أبو بكر الراية إلى باب الحصن فحاربهم فحملت اليهود فرجع منهزما يجبّن أصحابه ويجبّنونه ، ولمّا كان من الغد أخذ عمر الراية فخرج بهم ثمّ رجع يجبّن الناس ، فغضب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : ما بال أقوام يرجعون منهزمين يجبّنون أصحابهم ؟ أما لأعطينّ الراية غدا رجلاً يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله كرّارا غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح اللّه على يده(4).
(في غزوة ذات السلاسل) استدعى (رسول اللّه صلى الله عليه و آله) أبا بكر (لعنه اللّه) فقال
ص: 88
له : خذ الراية وامض إلى بني سليم فإنّهم قريب من الحرّة . فمضى ومعه القوم حتّى قارب أرضهم وكانت كثيرة الحجارة والشجر وهم ببطن الوادي والمنحدر إليه صعب ، فلمّا صار أبو بكر لعنه اللّه إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا فانهزم أبو بكر من القوم . فلمّا قدموا على النبي صلى الله عليه و آله عقده لعمر بن خطّاب لعنه اللّه وبعثه إليهم ، فكمنوا له تحت الحجارة والشجر فلمّا ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه ، فساء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذلك(1).
في بيعة النساء مع رسول اللّه قال صلى الله عليه و آله : .. ولا تزنين . فقالت هند : أو تزني الحرّة ! فتبسّم عمر بن الخطّاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية ..(2).
قال جابر بن عبداللّه شهدت عمر (لعنه اللّه) عند موته يقول : أتوب إلى اللّه من ثلاث : من اغتصابي هذا الأمر أنا وأبو بكر من دون الناس ، ومن استخلافي عليهم ومن تفضيلي المسلمين بعضهم على بعض .
وقال أيضا : أتوب إلى اللّه من ثلاث : من ردّي رقيق اليمن ، ومن رجوعي عن جيش أُسامة بعد أن أمّره رسول اللّه صلى الله عليه و آله علينا ، ومن تعاقدنا على أهل البيت إن
ص: 89
قبض اللّه رسول اللّه أن لا نولّي منهم أحدا(1).
قال أبو بكر لعنه اللّه في مرضه الذي قبض فيه : فأمّا الثلاث التي صنعتها : فليت إنّي لم أكن تقلّدت هذا الأمر ؛ وقدّمت عمر بين يدي فكنت وزيرا خيرا منّي أميرا ، وليتني لم أُفتّش بيت فاطمة بنت رسول اللّه وأُدخله الرجال ..(2).
وقال لعنه اللّه في مرضه : أمّا التي وددت أنّي تركتها فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وإن كان أُعلن عليّ الحرب ، ووددت أنّي لم أكن أحرقت الفجاءة وأنّي قتلته سريحا أو أطلقته نجيحا ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين - عمر أو أبي عبيدة لعنهما اللّه - فكان أميرا وكنت وزيرا(3).
ص: 90
وَحَقٍّ أَخْفَوه
... -...
إنّ أبا بكر وعمر عليهما لعائن اللّه سعيا وبكلّ جهد أن يخفيا الحقّ ، أو يحولا بينه وبين أهله ، أو ينكراه ، ولكن أبى اللّه ذلك ، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ بِأَفْوَاهِهِمْ(1)}.
فما أن عرفا حقّا إلاّ وحاولا أن ينكرا ذلك الحقّ ويخفياه حتّى لو كان ذلك الحقّ جليا واضحا كوضوح الشمس كنبوّة النبي صلى الله عليه و آله أو كان ذلك الحقّ أمام امرأة ضعيفة تعتقد به .
عن عبداللّه بن سنان قال سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : كانت امرأة من الأنصار تودّنا أهل البيت وتكثر التعاهد لنا ، وإنّ عمر بن الخطّاب لقيها ذات يوم وهي تريدنا ، فقال لها : أين تذهبين ياعجوز الأنصار ؟. فقالت : أذهب إلى آل محمّد أُسلّم عليهم وأُجدّد بهم عهدا ، وأقضي حقّهم . فقال لها عمر : ويلك ليس لهم اليوم حقّ عليك ولا علينا ، إنّما كان لهم حقّ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأمّا اليوم فليس لهم حقّ ، فانصرفي . فانصرفت حتّى أتت أُمّ سلمة ، فقالت لها أُمّ سلمة : ماذا أبطأ بك عنّا ؟. فقالت : إنّي لقيت عمر بن الخطّاب .. فأخبرتها بما قالت لعمر وما قال لها عمر ، فقالت لها أُمّ سلمة : كذب ، لا يزال حقّ آل محمّد واجبا على المسلمين إلى يوم القيامة(2).
ص: 91
رسول اللّه صلى الله عليه و آله مخاطبا أبا بكر لعنه اللّه : ياأبا بكر ! آمن بعلي وبأحد عشر من ولده إنّهم مثلي إلاّ النبوّة ، وتب إلى اللّه بردّ ما في يديك إليهم فإنّه لا حقّ لك فيه ... فلمّا أخبر أبو بكر الخبر عمر قال : سحرك ، وإنّها لفي بني هاشم لقديمة ...(1).
قال عمر لعلي عليه السلام : إنّك على هذا الأمر يابن أبي طالب لحريص ، فقال عليه السلام : بل أنتم واللّه أحرص وأبعد ، وإنّا أخصّ وأقرب ، وإنّما طلبت حقّا لي وأنتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه(2).
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمّا عزموا على بيعة عثمان : واللّه لقد علمتم أنّي أحقّ بها من غيري وواللّه لأسلمنّ ما سلمت أُمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلاّ
على خاصّة ، التماسا لأجر ذلك وفضله وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه(3).
ص: 92
وَمِنْبَرٍ عَلَوه
... -...
إنّ منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله منبر الوحي وهو مجلس عظيم لا يستحقّه إلاّ من عيّنه اللّه تعالى لذلك ، وقد خصّه اللّه تبارك اسمه ورسوله صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام وللأئمّة عليهم السلام من ولده ولكن .. .
جاء الإمام الحسن بن علي عليهماالسلام إلى أبي بكر وهو على منبر سول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : انزل عن مجلس أبي ؟! قال : صدقت إنّه مجلس أبيك ثمّ أجلسه في حجره وبكى .. .
وقال الإمام الحسين عليه السلام : قلت لعمر : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك ؟! فقال عمر : لم يكن لأبي منبر ، وأخذني وأجلسني معه(1).
رسول اللّه صلى الله عليه و آله - مخاطبا أبا بكر لعنه - في حديث : .. ياعتيق ! وثبت على علي عليه السلام وجلست مجلس النبوّة وقد تقدّمت إليك في ذلك ، فانزع هذا السربال الذي تسربلته فخله لعلي عليه السلام وإلاّ فموعدك النار(2).
الإمام السجّاد عليه السلام : هما أوّل من ظلمنا حقّنا وأخذا ميراثنا وجلسا مجلسا
ص: 93
كنّا أحقّ به منهما ، لا غفر اللّه لهما ولا رحمهما ، كافران ، كافر من تولاّهما(1).
وَمُنافِقٍ وَلَّوه
... -...
من يبتعد عن منهج السماء ويعادي أولياء اللّه وينحّيهم عن مناصبهم الإلهية فلا يسعه إلاّ أن يوالي المنافقين أعداء اللّه ، ولا يرضون منه إلاّ أن يولّيهم الأُمور
فيخسر آخرته لدنيا غيره .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : ... فإنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى الله عليه و آله قلنا : نحن أهل بيته وعصبته وورثته وأولياؤه وأحقّ الخلائق به ، لا ننازع حقّه وسلطانه ، فبينا نحن على ذلك إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبيّنا منّا وولّوه غيرنا(1).
جابر الجعفي قال : قلّد أبو بكر الصدقات بقرى المدينة وضياع فدك رجلاً من ثقيف يقال له : الأشجع بن مزاحم الثقفي وكان شجاعا ، وكان له أخ قتله علي بن أبي طالب عليه السلام في وقعة هوازن وثقيف ، فلمّا خرج الرجل عن المدينة جعل أوّل قصده ضيعة من ضياع أهل البيت تعرف ببانقيا ، فجاء بغتة واحتوى عليها وعلى صدقات كانت لعلي عليه السلام ، فتوكّل بها وتغطرس على أهلها ، وكان الرجل زنديقا منافقا ...(2).
قال أمير المؤمنين عليه السلام في قضيّة الشورى للعبّاس بن عبدالمطّلب : أمّا إنّي أعلم أنّهم سيولّون عثمان وليحدثنّ البدع والإحداث ، ولئن بقي لأذكرنّك ، وإن قتل
ص: 95
أو مات ليتداولنّها بنو أُميّة بينهم ، وإن كنت حيّا لتجدني حيث يكرهون(1).
قال عمر لأبي بكر لعنهما اللّه : ما يمنعك أن تبعث إليه (علي عليه السلام) فيبايع فقال له أبو بكر : من نرسل إليه ؟ فقال عمر : نرسل إليه قنفذا فإنّه رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء و .. فأرسله وأرسل معه أعوانا وانطلق ...(2).
ص: 96
وَمُؤْمِنٍ أَرْجَوه
... -...
قال في البحار : وارجائهم المؤمن إشارة إلى أصحاب علي عليه السلام كسلمان والمقداد وعمّار وأبي ذرّ والإرجاء التأخير ومنه قوله تعالى : {أَرْجِهِ وَأَخَاهُ} مع أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يقدّم هؤلاء وأشباههم على غيرهم(1).
بل إشارة إلى نفس أمير المؤمنين عليه السلام فهو المؤمن حقّا بما للكلمة من معنى فقد قدّمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله واختاره للخلافة من بعده في مواطن كثيرة وعلى رؤوس الأشهاد ومنها حينما سئل عن خير الناس بعده حتّى يتبعوه فأجابهم صلى الله عليه و آله : اتّبعوا من أختاره من بعدي ومن أشتقّ له اسما من أسمائه ومن زوّجه اللّه ابنتي من عنده ومن وكّل به ملائكة يقاتلون معه عدوّه فقالوا : من هو يارسول اللّه ؟ قال : علي بن أبي طالب(2).
ولكنّهم أرجوه عن مقامه ومنصبه الذي اختاره اللّه له وجعلوه رابع الخلفاء !! وثمّ لم يتحمّلوه فحاربوه وقتلوه !!
ص: 97
وَوَلِيٍّ آذَوه
... -...
الحديث النبوي الشريف : « ما أُوذي نبي مثلما أُوذيت »(1).
وما أُوذيت عترة كما أُوذيت عترة النبي صلى الله عليه و آله .
فبعد استشهاد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ظهرت الأحقاد الدفينة فكلّ ما تحمّلاه وحاولا اخفاءه في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله برزت وبشدّة بعد استشهاده .
وأفرغا حقدهما وكراهيتهما دفعةً واحدة على آل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله الذين أمر اللّه تعالى بمحبّتهم ومودّتهم وموالاتهم : {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى(2)}.
عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : أخّر رسول اللّه ليلة من الليالي العشاء الآخرة ما شاء اللّه ، فجاء عمر فدقّ الباب فقال : يارسول اللّه نام النساء ، نام الصبيان ؟!
فخرج رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : « ليس لكم أن تؤذوني ولا تأمروني ، إنّما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا »(3).
ص: 98
عمر بن الخطّاب لعنه اللّه قال : كنت أجفو عليا ، فلقيني رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : إنّك آذيتني ياعمر فقلت : أعوذ باللّه ممّن آذى رسوله قال : إنّك قد آذيت عليا ، ومن آذى عليا فقد آذاني(1).
قالت فاطمة عليهاالسلام مخاطبة أبا بكر وعمر لعنهما اللّه : أسمعتما يقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله
في حقّي : من آذى فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه قالا : اللهمّ نعم ، قالت : فأشهد أنّكما قد آذيتماني (أسخطتماني)(2).
كان علي عليه السلام : يصلّي في المسجد الصلوات الخمس ، فلمّا صلّى قال له أبو بكر وعمر لعنهما : كيف بنت رسول اللّه ... إلى أن ثقلت فسألا عنها وقالا : قد كان بيننا وبينها ما قد علمت ، فإن رأيت أن تأذن لنا لنعتذر إليها من ذنبنا ، قال : ذلك إليكما .
فقاما فجلسا بالباب ودخل علي عليه السلام على فاطمة عليهاالسلام فقال لها : أيّتها الحرّة ! فلان وفلان بالباب ، يريدان أن يسلّما عليك فما ترين ؟ قالت : البيت بيتك ، والحرّة زوجتك ، افعل ما تشاء ، فقال : سدّي قناعك فسدّت (فشدّت) قناعها ، وحوّلت وجهها إلى الحائط ، فدخلا وسلّما ، وقالا : ارضي عنّا رضي اللّه عنك ، فقالت : ما دعاكما إلى هذا ؟ فقالا : اعترفنا بالاساءة ، ورجونا أن تعفي عنّا وتخرجي
ص: 99
سخيمتك فقالت : إن كنتما صادقين فأخبراني عمّا أسألكما عنه ، فإنّي لا أسألكما عن أمر إلاّ وأنا عارفة بأنّكما تعلمانه ، فإن صدقتما علمت أنّكما صادقان في مجيئكما ، قالا : سلي عمّا بدا لك . قالت : نشدتكما باللّه ، هل سمعتما رسول اللّه يقول : فاطمة بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني ؟ قالا : نعم . فرفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهمّ إنّهما قد آذياني ، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك ، لا واللّه لا أرضى عنكما أبدا حتّى ألقى أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأُخبره بما صنعتما ، فيكون هو الحاكم فيكما .
قال : فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور ، وجزع جزعا شديدا ، فقال عمر : تجزع ياخليفة رسول اللّه من قول امرأة(1)؟!
الإمام أبو عبداللّه عليه السلام : ما بعث اللّه رسولاً إلاّ وفي وقته شيطانان يؤذيانه ويفتنانه ويضلاّن الناس بعده .. وأمّا صاحبا محمّد صلى الله عليه و آله فحبتر وزريق(2).
في رسالة عمر إلى معاوية عليهما اللعنة وسوء العذاب :
.. فأتيت داره مستيشرا لإخراجه منها ، فقالت الأمة فضّة - وقد قلت لها قولي لعلي : يخرج إلى بيعة أبي بكر فقد اجتمع عليه المسلمون فقالت - إنّ أمير
ص: 100
المؤمنين عليه السلام مشغول ، فقلت : خلّي عنك هذا وقولي له يخرج وإلاّ دخلنا عليه وأخرجناه كرها ، فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب ، فقالت : أيّها الضالّون المكذّبون ! ماذا تقولون ؟ وأي شيء تريدون ؟ .
فقلت : يافاطمة ! .. فقالت فاطمة : ما تشاء ياعمر ؟!. فقلت : ما بال ابن عمّك قد أوردك للجواب وجلس من وراء الحجاب ؟. فقالت لي : طغيانك ياشقي أخرجني وألزمك الحجّة ، وكلّ ضالّ غوي . فقلت : دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء وقولي لعلي يخرج . فقالت : لا حبّ ولا كرامة أبحزب الشيطان تخوّفني ياعمر . وكان حزب الشيطان ضعيفا ؟! فقلت : إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل وأضرمتها نارا على أهل هذا البيت وأُحرق من فيه ، أو يقاد علي إلى البيعة ، وأخذت سوط قنفذ فضربت وقلت لخالد بن الوليد : أنت ورجالنا هلمّوا في جمع الحطب ، فقلت : إنّي مضرمها .
فقالت : ياعدوّ اللّه وعدوّ رسوله وعدوّ أمير المؤمنين ، فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه ، فرمته فتصعب عليّ فضربت كفّيها بالسوط فآلمها ، فسمعت لها زفيرا وبكاءً ، فكدت أن ألين وأنقلب عن الباب ، فذكرت أحقاد علي عليه السلام وولوعه في دماء صناديد العرب ، وكيد محمّد صلى الله عليه و آله وسحره ، فركلت الباب وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه ، وسمعتها وقد صرخت صرخة حسبتها قد جعلت أعلى المدينة أسفلها ، وقالت : ياأبتاه ! يارسول اللّه ! هكذا كان يفعل بحبيبتك
وابنتك ، آه يافضّة ! إليك فخذيني فقد واللّه قتل ما في أحشائي من حمل ، وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار ، فدفعت الباب ودخلت فأقبلت إليّ بوجه أغشى بصري ، فصفقت صفقة على خدّيها من ظاهر الخمار فانقطع قرطها وتناثرت إلى
ص: 101
الأرض ، وخرج علي ( عليه السلام) ، فلمّا أحسست به أسرعت إلى خارج الدار وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما : نجوت من أمر عظيم .
وفي رواية أُخرى : قد جنيت جناية عظيمة لا آمن على نفسي . وهذا علي قد برز من البيت ومالي ولكم جميعا به طاقة . فخرج علي وقد ضربت يديها إلى ناصيتها لتكشف عنها وتستغيث باللّه العظيم ما نزل بها ، فأسبل علي عليها ملاءتها وقال لها : يابنت رسول اللّه ! إنّ اللّه بعث أباك رحمة للعالمين ، وأيم اللّه لئن كشفت عن ناصيتك سائلة إلى ربّك ليهلك هذا الخلق لأجابك حتّى لا يبقى على الأرض منهم بشرا ، لأنّك وأباك أعظم عند اللّه من نوح عليه السلام الذي غرَّق من أجله بالطوفان جميع من على وجه الأرض وتحت السماء إلاّ من كان في السفينة ، وأهلك قوم هود بتكذيبهم له ، وأهلك عادا بريح صرصر ، وأنت وأبوك أعظم قدرا من هود ، وعذّب ثمود - وهي اثنا عشر ألفا - بعقر الناقة والفصيل ، فكوني - ياسيّدة النساء
- رحمة على هذا الخلق المنكوس ولا تكوني عذابا ، واشتدّ بها المخاض ودخلت البيت فأسقطت سقطا سمّاه علي : محسنا(1).
ص: 102
وَطَرِيدٍ آوَوه
... -...
إشارة إلى مروان بن الحكم وأبيه طرده رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المدينة المنوّرة التي كان فيها وقال فيه عندما ولد : هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون(1).
قال الإمام الحسين عليه السلام - في حديث - : .. وإنّي لا أعلم أنّ في الأرض ملعون ابن ملعون غير هذا وأبيه طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . أي مروان بن الحكم وأبوه العاص(2).
ص: 103
وَصادِقٍ طَرَدُوه
... -...
منطق القرآن هو : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه َ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(1)}.
وأمّا منطق أبي بكر وعمر لعنهما اللّه فهو : الإخراج والطرد والضرب بالدرّة !! فهاهي بعض الأحاديث في ذلك :
عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وجلس أبو بكر مجلسه ، بعث إلى وكيل فاطمة صلوات اللّه عليها فأخرجه من فدك ، فأتته فاطمة عليهاالسلام فقالت : ياأبا بكر ، ادّعيت أنّك خليفة أبي وجلست مجلسه ، وأنت بعثت إلى وكيلي فأخرجته من فدك ، وقد تعلم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صدق بها عليّ وأنّ لي بذلك شهودا(2).
فقال عمر لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر : ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فينا فيبايعك ، أو تأمر به فيضرب عنقه ؟! والحسن والحسين عليهماالسلام قائمان على رأس علي عليه السلام فلمّا سمعا مقالة عمر بكيا ورفعا أصواتهما : ياجدّاه يارسول اللّه ، فضمّهما علي عليه السلام إلى صدره وقال : لا تبكيا ، فواللّه لا يقدران على قتل أبيكما ، هما أقل وأذلّ وأدخر من ذلك ، وأقبلت أُمّ أيمن النوبية حاضنة
ص: 104
رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأُمّ سلمة فقالتا : ياعتيق ! ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمّد [ صلى الله عليه و آله ] ! فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد ، وقال : ما لنا وللنساء(1).
بريدة - مخاطبا عمر بن الخطّاب - :
ياعمر ! ألستما اللذين قال لكما رسول اللّه صلى الله عليه و آله انطلقا إلى علي عليه السلام فسلّما عليه بإمرة المؤمنين ، فقلتما أعن أمر اللّه وأمر رسوله ؟ فقال : نعم .
فقال أبو بكر : قد كان ذلك يابريدة ولكنّك غبت وشهدنا ، والأمر يحدث بعده الأمر . فقال عمر : ما أنت وهذا يابريدة وما يدخلك في هذا ؟! قال بريدة : واللّه لا سكنت في بلدة أنتم فيها أُمراء ، فأمر به عمر فضرب وأُخرج(2).
وَكافِرٍ نَصَرُوه
... -...
كلّ خطوة من خطواتهم كانت لنصرة الكفّار ابتداءً من تخطيطاتهم في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وذلك حين تآمروا لقتله كما في ليلة العقبة .
وثمّ تخلّفهم عن جيش أُسامة وذلك لغصب الخلافة والقضاء على الإسلام .
وثمّ قتل السيّدة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام و... كلّ ذلك نصرة للكفّار ولتحقيق أغراضهم للقضاء على الإسلام ، ولم يكتفوا بنصرة الكفّار فحسب بل هم أسّسوا أساس الكفر كما بيّن في هذه الرواية :
الإمام الكاظم عليه السلام : هما واللّه نصّرا وهوّدا ومجّسا فلا غفر اللّه ذلك لهما(1).
ص: 106
وَإِمامٍ قَهَرُوه
... -...
إنّ الإمامة مرتبة أعلى من النبوّة العامّة ، فإذا ارتقى النبي بعد نجاحه في الاختبارات الإلهية الصعبة فإنّه سيصبح إماما ، ولذا حينما تأهّل النبي إبراهيم عليه السلام بعد الابتلاء أصبح إماما ، فأعلى شخصية في الكون هو الإمام {وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاما(1)}.
والأئمّة هم أعظم شخصيات الكون بعد النبي صلى الله عليه و آله على الاطلاق ، ولقد حاول أعداءهم وهم أسوأ خلق اللّه من الأوّلين والآخرين كلّ جهدهم أن يقهروهم ويسلبوا حقوقهم ، وقد أشارت إلى هذه الحقيقة روايات متعدّدة منها :
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله في وصيّته لأمير المؤمنين عليه السلام : ياأخي ! إنّ قريشا ستظاهر عليك وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك(2).
أمير المؤمنين عليه السلام : ... حتّى قهروني وغلبوني على نفسي ولبّبوني وقالوا لي : بايع وإلاّ قتلناك ، فلم أجد حيلة إلاّ أن أدفع القوم عن نفسي ؛ وذلك أنّي ذكرت
قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : « ياعلي ! إنّ القوم نقضوا أمرك واستبدّوا بها دونك وعصوني فيك ، فعليك بالصبر حتّى ينزل الأمر ألا وأنّهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم
ص: 107
سبيلاً إلى إذلالك وسفك دمك فإنّ الأُمّة ستغدر بك بعدي(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له : ... إنّ القوم حين قهروني واستضعفوني وكادوا يقتلونني ...(2).
أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له : ما لنا ولقريش ! وما تنكر منّا قريش ؟! .. قهرتني على ميراثي من ابن عمّي وأغروا بي أعدائي ووتروا بيني وبين العرب والعجم ، وسلبوني ما مهّدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وكدّي ، ومنعوني ما خلّفه أخي وجسمي وشقيقي وقالوا : إنّك لحريص متّهم(3).
ثمّ إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس على فراشه واجتمعوا حتّى أخرجوه سحبا من داره ملبّبا بثوبه يجرّونه إلى المسجد(4).
وجمعت جمعا كثيرا ؛ لا مكاثرة لعلي ولكن ليشد بهم قلبي وجئت - وهو محاصر - فاستخرجته من داره مكرها مغصوبا وسقته إلى البيعة سوقا ، وإنّي لأعلم
ص: 108
علماً يقينا لا شكّ فيه ، لو اجتهدت أنا وجميع من على الأرض جميعا على قهره ما قهرناه ، ولكن لهنات كانت في نفسه أعلمها ولا أقولها ، فلمّا انتهيت إلى سقيفة بني ساعدة قام أبو بكر ومن بحضرته يستهزؤون بعلي .
فقال علي : ياعمر ! أتحبّ أن أُعجّل لك ما أخّرته سواء عنك ؟ فقلت : لا ، ياأمير المؤمنين ! فسمعني واللّه خالد بن الوليد ، فأسرع إلى أبي بكر ، فقال له أبو
بكر : ما لي ولعمر ... ثلاثا ، والناس يسمعون ، ولمّا دخل السقيفة صبا(1) أبو بكر إليه ، فقلت له : قد بايعت ياأبا الحسن ! فانصرف ، فأشهد ما بايعه ولا مدّ يده إليه ، وكرهت أن أُطالبه بالبيعة فيعجّل لي ما أخّره عنّي ، وودَّ أبو بكر أنّه لم ير عليا في ذلك المكان جزعا وخوفا منه ، ورجع علي من السقيفة وسألنا عنه ، فقالوا : مضى إلى قبر محمّد ] صلى الله عليه و آله ] فجلس إليه ، فقمت أنا وأبو بكر إليه ، وجئنا نسعى وأبو بكر يقول : ويلك ياعمر ! ما الذي صنعت بفاطمة ، هذا واللّه الخسران المبين ، فقلت : إنّ أعظم ما عليك أنّه ما بايعنا ولا أثق أن تتثاقل المسلمون عنه . فقال : فما تصنع ؟ فقلت : تظهر أنّه قد بايعك عند قبر محمّد [ صلى الله عليه و آله ] ، فأتيناه وقد جعل القبر قبلة ، مسندا كفّه على تربته وحوله سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار وحذيفة بن اليمان ، فجلسنا بإزائه وأوعزت إلى أبي بكر أن يضع يده على مثل ما وضع علي يده ويقرّبها من يده ، ففعل ذلك وأخذت بيد أبي بكر لأمسحها على يده ، وأقول قد بايع ، فقبض علي يده ، فقمت أنا وأبو بكر مولّيا ، وأنا أقول : جزا اللّه عليا خيرا فإنّه لم يمنعك البيعة لمّا حضرت قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فوثب من دون الجماعة أبو ذرّ
ص: 109
جندب بن جنادة الغفاري وهو يصيح ويقول : واللّه ياعدو اللّه ما بايع علي عتيقا ، ولم يزل كلّما لقينا قوما وأقبلنا على قوم نخبرهم ببيعته وأبو ذرّ يكذّبنا ، واللّه ما بايعنا فى خلافة أبي بكر ولا في خلافتي ولا يبايع لمن بعدي ، ولا بايع من أصحابه اثنا عشر رجلاً لا لأبي بكر ولا لي ، فمن فعل يامعاوية ! فعلي واستشار أحقاده السالفة غيري ...(1).
ص: 110
وَفَرْضٍ غَيَّرُوه
... -...
عالمين عامدين غيّرا فرض اللّه وفرض رسوله صلى الله عليه و آله وما أكثر تلك الفرائض . هذا غير تغيير الفرائض التي صدرت عنهما جهلاً - إنّ أحسنّا بهما الظنّ - !!
أمير المؤمنين علي عليه السلام : ... فأنا رحمك اللّه ، فريضة من اللّه ورسوله عليكم ، بل أفضل الفرائض وأعلاها وأجمعها للحقّ وأحكمها لدعائم الإيمان وشرائع الإسلام ، وما يحتاج إليه الخلق لصلاحهم ولفسادهم ولأمر دنياهم وآخرتهم ، فقد تولّوا عنّي ودفعوا فضلي ، وفرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله إمامتي وسلوك سبيلي ، فقد رأيتم
ما شملهم من الذلّ والصغار من بعد الحجّة(1).
سأل صدقة بن مسلم عمر بن قيس الماصر عن جلوس علي عليه السلام في الدار ؟ فقال : إنّ عليا في هذه الأُمّة كان فريضة من فرائض اللّه أدّاها نبي اللّه إلى قومه مثل الصلاة والزكاة والصوم والحجّ ، وليس على الفرائض أن تدعوهم إلى شيء إنّما عليهم أن يجيبوا الفرائض ، وكان علي أعذر من هارون لمّا ذهب موسى إلى الميقات ، فقال لهارون : {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(2)} فجعله رقيبا عليهم ، وأنّ نبي اللّه صلى الله عليه و آله نصب عليا عليه السلام لهذه الأُمّة علما ودعاهم إليه ،
ص: 111
فعلي في عذر لمّا جلس في بيته ، وهم فى حرج حتّى يخرجوه فيضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ..(1).
الإمام الصادق عليه السلام في حديث فدك : ... فرجعت (فاطمة عليهاالسلام) إلى علي عليه السلام فأخبرته فقال : ارجعي إليه وقولي له : زعمت أنّ النبي لا يورّث وَوَرِثَ سُلَيَْمانُ دَاوُدَ وورث يحيى زكريا ، وكيف لا أرث أنا أبي ؟! فقال عمر : أنت معلّمة ، قالت : وإن كنت معلّمة فإنّما علّمني ابن عمّي وبعلي(2).
قال سليم : ثمّ أقبل (علي عليه السلام) على العبّاس ومن حوله ثمّ قال : ألا تعجبون من حبسه وحبس صاحبه عنّا سهم ذي القربى الذي فرضه اللّه لنا في القرآن ، وقد علم اللّه أنّهم سيظلمونا وينتزعونه منّا ...(3).
عن أبي المسيّب قال : أبى عمر أن يورّث أحدا من الأعاجم إلاّ أحدا ولد في العرب(4).
قضى عمر بن الخطّاب لعنه اللّه في امرأة توفّيت وتركت زوجها وأُمّها
ص: 112
وأُخوتها لأُمّها وأُخوتها لأبيها وأُمّها ، فأشرك عمر بين الأُخوة للأُمّ والأُخوة للأب والأُمّ في الثلث . فقال له رجل : إنّك لم تشرك بينها عام كذا وكذا ؟! فقال عمر : تلك
على ما قضينا يومئذ وهذه على ما قضينا(1).
ص: 113
وَأَثَرٍ أَنْكَرُوه
... -...
لا يخفى أنّ وجود آثار النبوّة والإمامة في الأُمّة لا يمكن لأولياء الطاغوت أن يعيشوا وينفّذوا مخطّطاتهم الشيطانية ، فلابدّ من محو تلك الآثار وإنكارها ؛ حتّى تنحرف الأُمّة عن المسيرة التي رسمها النبي الأعظم صلى الله عليه و آله وهذا ما أدّى بهما إلى إنكار تلك الآثار الإلهية .
فأخرجوه - أي عليا - من منزله ملبّبا ومرّوا به على قبر النبي صلى الله عليه و آله قال : فسمعته يقول : يا {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي(1)} وجلس أبو بكر في سقيفة بني ساعدة ، وقَدِم علي عليه السلام فقال له عمر : بايع ، فقال له علي فإن أنا لم أفعل فمه ؟ فقال له عمر : إذا أضرب واللّه عنقك ، فقال له علي : إذا واللّه أكون عبد اللّه المقتول ، وأخا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فقال عمر : أمّا عبد اللّه المقتول فنعم وأمّا أخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلا ، حتّى قالها ثلاثا ، فبلغ ذلك العبّاس بن عبدالمطّلب ، فأقبل مسرعا يهرول ، فسمعته يقول : ارفقوا بابن أخي ولكم عليّ أن يبايعكم ، فأقبل العبّاس وأخذ بيد علي عليه السلام فمسحها على يد أبي بكر ، ثمّ خلّوه مغضبا ، فسمعته يقول ورفع رأسه إلى السماء : اللهمّ إنّك تعلم أنّ النبي صلى الله عليه و آله قد قال لي : إن تمّوا عشرين فجاهدهم ، وهو قولك في كتابك : {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ(2)} قال : وسمعته يقول : اللهمّ وإنّهم لم يتمّوا عشرين ، حتّى قالها ثلاثا ثمّ
ص: 114
انصرف(1).
عن أبي عبداللّه - في حديث حول فدك - فقال أبو بكر لعنه اللّه : ياأُمّ أيمن ! إنّك سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول في فاطمة ؟ فقالت : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة . ثمّ قالت أُمّ أيمن : فمن كانت سيّدة نساء أهل الجنّة تدّعي ما ليس لها ؟! وأنا امرأة من أهل الجنّة ما كنت لأشهد بما لم أكن سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه و آله . فقال عمر : دعينا ياأُمّ أيمن ! من هذه القصص(2).
قال في البحار : والأثر الذي أنكروه إشارة إلى استيثار النبي صلى الله عليه و آله عليا من بين أفاضل أقاربه وجعله أخا ووصيا ، وقال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » وغير ذلك ، ثمّ بعد ذلك كلّه أنكروه !!(3).
قال أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر لعنه اللّه : هل أجمع بيني وبينك رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
فقال : نعم .
فخرجا إلى مسجد قبا ، فصلّى أمير المؤمنين عليه السلام ركعتين ، فإذا هو برسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال : ياأبا بكر ! على هذا عاهدتك ، فصرت به ؟!
ص: 115
ثمّ رجع وهو يقول : واللّه لا أجلس ذلك المجلس .
فلقى عمر ، وقال : ما لك كذا ؟
قال : قد واللّه ذهب بي فأراني رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال له عمر : أما تذكر يوما كنّا معه ، فأمر بشجرتين فالتقتا ، فقضى حاجته خلفهما ، ثمّ أمرهما فتفرّقتا ؟
قال أبو بكر : أمّا إذا قلت ذا ، فإنّي دخلت أنا وهو في الغار فقال بيده فمسحها عليه فعاد ينسج العنكبوت كما كان ، ثمّ قال : ألا أُريك جعفر وأصحابه تعوم(1) بهم سفينتهم في البحر ؟ قلت : بلى ، قال : فمسح يده على وجهي ، فرأيت جعفرا وأصحابه تعوم بهم سفينتهم في البحر ، فيومئذ عرفت أنّه ساحر فرجع مكانه ..(2).
ص: 116
وَشَرٍّ آثَرُوه
... -...
من يترك الحقّ فلا سبيل له إلاّ الرضوخ للباطل .
ومن يحارب الحقّ فلا سبيل له إلاّ أن ينصر الباطل .
علي عليه السلام هو الحقّ والحقّ هو ، ولقد أمر اللّه ببيعته يوم غدير خمّ ، وأكّد الرسول صلى الله عليه و آله ذلك مرارا ، ولكن أعوان الشيطان حينما تركوا الحقّ وحاربوه اضطرّوا إلى بيعة الشيطان وذلك هو الشرّ الذي آثروه .
هذا بالاضافة إلى أنّ جميع أقوالهم وأفعالهم وحركاتهم هي الشرّ بعينه .
قال عمر بن الخطّاب : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه المسلمين شرّها(1).
وَدَمٍ أَراقُوه
... -...
إراقة الدم كلمة تبعث في النفوس الأسى .
والإسلام ينهى بشدة عن القتل : {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُتَعَمِّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدا فِيهَا وَغَضِبَ اللّه ُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما(1)}. هذا جزاء من يقتل مؤمنا واحدا فما هو جزاء من يسنّ سنّة قتل المؤمنين ؟!
فما بال المؤمنين من أولياء اللّه ؟!
وما بال المؤمنين من خيرة خلق اللّه وهم عترة النبي الأعظم عليهم السلام؟!
دم أراقوه = دم جميع العلويين ، ابتداءً من سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
بل دم جميع المؤمنين إلى يوم القيامة ، بل دم جميع من سفك دمه ظلما وعدوانا وجورا وطغيانا حتّى وإن كان يهوديا أو نصرانيا .. .
فإنّهم أسوأ ذلك .. .
الإمام جعفر الصادق عليه السلام : كلّ ظلامة حدثت في الإسلام أو تحدث ، وكلّ دم مسفوك حرام ، ومنكر مشهور وأمر غير محمود ، فوزره في أعناقهما وأعناق من شايعهما أو تابعهما ورضي بولايتهما إلى يوم القيامة(2).
ص: 118
عن الكميت بن زيد الأسدي قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام قلت : خبّرني عن الرجلين ؟ قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثمّ قال : واللّه ياكميت ! ما أُهريق محجمة من دم ولا أُخذ مال من غير حلّه ولا قلب حجر عن حجر إلاّ ذاك في أعناقهما(1).
عبداللّه بن الحسن بن علي بن الحسين عليهماالسلام : وصار يطوف بالبيت فقال : وربّ هذا البيت وربّ هذا الركن ، وربّ هذا الحجر ، ما قطرت منّا قطرة دم ولا قطرت من دماء المسلمين قطرة إلاّ وهو في أعناقهما - يعني أبا بكر وعمر لعنهما اللّه -(2).
محمّد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب : ... اسكت فإنّك عاجز واللّه إنّهما لشركاء في دم الحسين عليه السلام(3).
سئل زيد بن علي عن أبي بكر وعمر لعنهما اللّه فلم يجب فيهما ، فلمّا أصابته الرمية فنزع الرمح من وجهه استقبل الدم بيده حتّى صار كأنّه كبد ، فقال : أين السائل عن [ فلان وفلان أي أبي بكر وعمر ] ؟ هما واللّه شركاء في هذا الدم ، ثمّ
ص: 119
رمى به وراء ظهره(1).
دماء المؤمنين ودماء السنانير(2)!
سئل محمّد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام عن أبي بكر وعمر لعنهما اللّه ؟ فقال : قتلتم منذ ستّين سنة في أن ذكرتم عثمان ، فواللّه لو ذكرتم [ فلانا وفلانا أي أبا بكر وعمر ] لكانت دماؤكم أحلّ عندهم من دماء السنانير ..(3).
عن محمّد بن أبي كثير الكوفي ، قال : كنت لا أختم صلاتي ولا أستفتحها إلاّ بلعنهما ، فرأيت في منامي طائرا معه تور من الجوهر فيه شيء أحمر شبه الخلوق فنزل إلى البيت المحيط برسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق ، في عوارضهما ، ثمّ ردّهما إلى الضريح ، وعاد مرتفعا ، فسألت من حولي : من هذا الطائر ؟ وما هذا الخلوق ؟ فقال : هذا ملك يجيء في كلّ ليلة جمعة يخلقهما ، فأزعجني ما رأيت ، فأصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما ، فدخلت على الصادق عليه السلام ، فلمّا رآني ضحك وقال : رأيت الطائر ؟ فقلت : نعم ياسيّدي ! فقال : اقرأ : {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئا إِلاَّ بِإِذْنِ اللّه ِ(4)} فإذا رأيت شيئا تكره فاقرأها ، واللّه ما هو ملك موكّل بهما لإكرامهما بل هو ملك موكّل
ص: 120
بمشارق الأرض ومغاربها إذا قتل قتيل ظلما أخذ من دمه فطوّقهما به في رقابهما ، لأنّها سبب كلّ ظلم مذ كانا(1).
أبو ذرّ الغفاري : يامعشر قريش ! أصبتم قباحة وتركتم قرابة ، واللّه لترتدنّ جماعة من العرب ولتشكنّ في هذا الدين ، ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيّكم ما اختلف عليكم سيفان ، واللّه لقد صارت لمن غلب ولتطمحنّ إليها عين من ليس من أهلها وليسفكنّ في طلبها دماء كثيرة(2).
قال ابن عبّاس : ثمّ إنّهم تآمروا وتذاكروا ، فقالوا : لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيا ، فقال أبو بكر : من لنا بقتله ؟ فقال عمر : خالد بن الوليد ، فأرسلا
إليه فقالا : ياخالد ! ما رأيك في أمر نحملك عليه ؟ قال : احملاني على ما شئتما ، فواللّه إن حملتماني على قتل ابن أبي طالب لفعلت ، فقالا : واللّه ما نريد غيره . قال : فإنّي له ، فقال أبو بكر : إذا قمتما في الصلاة صلاة الفجر ، فقم إلى جانبه ، ومعك السيف ، فإذا سلّمت فاضرب عنقه ، قال : نعم ، فافترقوا على ذلك ، ثمّ إنّ أبا بكر تفكّر فيما أمر به من قتل علي عليه السلام ، وعرف إن فعل ذلك ، وقعت حروب شديدة وبلاء طويل ، فندم على ما أمر به ، فلم ينم ليلته تلك حتّى أتى المسجد ، وقد أُقيمت الصلاة فتقدّم وصلّى بالناس مفكّرا لا يدرى ما يقول ، وأقبل خالد بن الوليد متقلّدا بالسيف حتّى قام إلى جانب علي عليه السلام وقد فطن علي عليه السلام ببعض ذلك . فلمّا فرغ أبو بكر من تشهّده
ص: 121
صاح قبل أن يسلّم : ياخالد لا تفعل ما أمرتك ، فإن فعلت قتلتك ، ثمّ سلّم عن يمينه وشماله فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيب خالد وانتزع السيف من يده ، ثمّ صرعه وجلس على صدره ، وأخذ سيفه ليقتله ، واجتمع عليه أهل المسجد ليخلّصوا خالدا ، فما قدروا عليه ، فقال العبّاس : حلّفوه بحقّ القبر لما كففت ، فحلّفوه بالقبر
فتركوه فتركه ، وقام فانطلق إلى منزله .
وجاء الزبير والعبّاس وأبو ذرّ والمقداد وبنو هاشم واخترطوا السيوف وقالوا : واللّه لا ينتهون حتّى يتكلّم ويفعل ، واختلف الناس ، وماجوا واضطربوا ، وخرجت نسوة بني هاشم فصرخن وقلن : ياأعداء اللّه ، ما أسرع ما أبديتم العداوة لرسول اللّه وأهل بيته ، لطالما أردتم هذا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم تقدروا عليه ، فقتلتم ابنته بالأمس ، ثمّ تريدون اليوم أن تقتلوا أخاه وابن عمّه ووصيّه وأبا ولده ، كذبتم
وربّ الكعبة ، وما كنتم تصلون إلى قتله ، حتّى تخوّف الناس أن تقع فتنة عظيمة(1).
ص: 122
وَخَبَرٍ بَدَّلُوه
... -...
وأمّا الأخبار التي بدّلوها فهي كثيرة ، فما من فضيلة من الفضائل التي وردت على لسان رسول اللّه صلى الله عليه و آله في شأن علي والزهراء والحسن والحسين عليهم السلام إلاّ وبدّلوها ووضعوا أمثال تلك الفضائل بشأن أبي بكر وعمر لعنهما اللّه وغيرهما .
وما من رذيلة من الرذائل التي تحلّت في حياة أبي بكر وعمر لعنهما اللّه وأتباعهما إلاّ وحاولوا أن ينسبوها إلى علي وإلى أهل بيته عليهم السلام إن استطاعوا ذلك وإن لم يستطيعوا فاتّهموا بها شيعة علي عليه السلام .
ويكفي لذلك تبديل الخبر الوارد عن النبي في حقّ علي عليه السلام أنّه الصدّيق وأنّه الفاروق ، وإذا بهم يسرقون ذلك الوسام من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليزيّنوا به أبا بكر وعمر !!
وهكذا قوله صلى الله عليه و آله : الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة(1).
وإذا بهم يضعون هذا الحديث : أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة(2).
والأحاديث في ذلك كثيرة جمع بعضها العلاّمة الأميني في الغدير ج5 ص318 فراجع .
ص: 123
أمير المؤمنين علي عليه السلام في كلام له : ... فكيف آسى على من صدّ الحقّ بعد ما تبيّن له واتّخذ إلهه هواه وأضلّه اللّه على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره
غشاوة ، فمن يهديه من بعد اللّه إنّ هداه للهدى وهما السبيلان : سبيل الجنّة والنار
والدنيا والآخرة .
فقد ترى ما نزل بالقوم من استحقاق العذاب الذي عذّب به من كان قبلهم من الأُمم ، وكيف بدّلوا كلام اللّه وكيف جرت السنّة فيهم من الذين خلوا من قبلهم(1).
ص: 124
وحكم قلبوه
... -...
الأحكام الإلهية هي الأحكام التي جاء لأجلها المرسلون ، وعذّبوا في سبيل إبلاغها أشدّ تعذيب . وشرّدوا وقتّلوا و ... .
والذي يخالف الحكم الإلهي ولم يحكم به ذلك هو الكافر الظالم الفاسق {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ(1)}، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(2)}، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(3)}.
وأمّا هما فقد عرفا حكم اللّه وخالفاه وأنكراه وقلباه .
أنّ فاطمة عليهاالسلام لمّا أتت أبا بكر لعنه اللّه فقالت : .. أملك هو لك ولأقربائك ؟!
قال : لا ، بل أنفق عليكم منه وأصرف الباقي في مصالح المسلمين . قالت : ليس هذا بحكم اللّه تعالى(4).
عن جبير بن مطعم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يكن يقسّم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئا كما قسّم لبني هاشم ، وكان أبو بكر (لعنه اللّه) يقسّم الخمس نحو قسم رسول اللّه صلى الله عليه و آله غير أنّه لم يكن يعطي قربى رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما يعطيهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله(5).
ص: 125
وَكُفْرٍ أبدعوه
... -...
لو تركوا عليا عليه السلام للخلافة لما بقى على وجه الأرض كافر .
ذلك أنّ منهج النبي صلى الله عليه و آله كان منهجا لو طبّق بحذافيره - بالقرآن والعترة - لأسلم جميع النصارى واليهود والمجوس وغيرهم .
ولكنّهم غيّروا وحرّفوا وغصبوا الخلافة وقالوا : حسبنا كتاب اللّه ، ثمّ لم يعملوا به . فكفر جميع الطوائف في أعناقهما .
عن إسحاق بن عمّار ، عن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، قال : قلت : جعلت فداك ، حدّثني فيهما بحديث ، فقد سمعت عن أبيك فيهما بأحاديث عدّة . قال : فقال لي : ياإسحاق ! الأوّل بمنزلة العجل ، والثاني بمنزلة السامري . قال : قلت : جعلت فداك زدني فيهما ؟ قال : هما واللّه نصّرا وهوّدا ومجّسا ، فلا غفر اللّه ذلك لهما(1).
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من ناصب عليا للخلافة بعدي فهو كافر قد حارب اللّه ورسوله ، ومن شكّ في علي فهو كافر(2).
وكان في وصيّته (رسول اللّه صلى الله عليه و آله) : ياعلي ! اصبر على ظلم الظالمين ؛ فإنّ
ص: 127
الكفر يقبل والردّة والنفاق مع الأوّل منهم ثمّ الثاني وهوشرّ منه وأظلم ثمّ الثالث(1).
الإمام الصادق عليه السلام : لمّا أُخرج بعلي عليه السلام ملبّبا ، وقف عند قبر النبي صلى الله عليه و آله قال : يابن أُمّ ، إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني . قال : فخرجت يد من قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله يعرفون أنّها يده وصوت يعرفون أنّه صوته نحو أبي بكر : ياهذا أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجلاً ؟!(2).
عمر بن الخطّاب لعنه اللّه : أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بلحيتي - وأنا أعرف الحزن في وجهه - فقال ياعمر ! إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، أتاني جبرئيل آنفا فقال : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، فقلت : أجل إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، فممّ ذاك ياجبرئيل ؟ قال : إنّ أُمّتك مفتتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير . فقلت : فتنة كفر أو فتنة ضلالة ؟ قال : كلّ سيكون ، فقلت : فمن أين ذلك وأنا تارك فيهم كتاب اللّه ؟ قال : بكتاب اللّه يضلّون ، وأوّل ذلك من قبل أُمرائهم وقرّائهم ، يمنع الأُمراء الحقوق فيسأل الناس حقوقهم فلا يعطونها ، فيفتتنوا ويقتتلوا ، ويتّبعوا القرّاء هوى الأُمراء فيمدّونهم في الغي ثمّ لا يقصرون . فقلت : ياجبرئيل ، فبم يسلم من يسلم ؟ قال : بالكفّ والصبر ، إن أُعطوا الذي لهم أخذوه ، وإن منعوه تركوه(3).
ص: 128
وَكَذِبٍ دَلَّسُوه
... -...
فقد جعلت الخبائث في بيت وجعل مفتاحها الكذب(1) وهما (عليهما لعائن اللّه) قد كذبا على اللّه وعلى رسوله والمعصومين عليهم السلام وعلى جميع الأُمّة .. حتّى افتضحا على مرّ الدهور .
ابن عبّاس : لمّا توفّى ابن لصفية عمّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله فبكت عليه وصاحت .. فاستقبلها عمر بن الخطّاب فقال : ياصفيّة ! قد سمعت صراخك ، إنّ قرابتك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لن تغني عنك من اللّه شيئا ! فبكت ، فسمعها رسول اللّه صلى الله عليه و آله - وكان يكرمها ويحبّها - فقال : ياعمّة ! أتبكين وقد قلت لك ما قلت ؟! قالت : ليس ذاك أبكاني يارسول اللّه ، استقبلني عمر بن الخطّاب فقال : إنّ قرابتك من رسول اللّه صلى الله عليه و آله لن تغني عنك من اللّه شيئا .
قال فغضب النبي صلى الله عليه و آله .. فصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ، كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي فإنّهما موصولة في الدنيا والآخرة(2).
ص: 129
عن عبداللّه بن سنان ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : كانت امرأة من الأنصار تودّنا أهل البيت وتكثر التعاهد لنا ، وإنّ عمر بن الخطّاب لقيها ذات يوم وهي تريدنا ، فقال لها : أين تذهبين ياعجوزَ الأنصار ؟ فقالت : أذهب إلى آل محمّد صلى الله عليه و آله أُسلّم عليهم وأُجدّد بهم عهدا ، وأقضي حقّهم . فقال لها عمر : ويلك ليس لهم اليوم حقّ عليك ولا علينا ، إنّما كان لهم حقّ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأمّا اليوم فليس لهم حقّ ، فانصرفي . فانصرفت حتّى أتت أُمّ سلمة ، فقالت لها أُمّ سلمة : ماذا أبطأ بك عنّا ؟ فقالت : إنّي لقيت عمر بن الخطّاب .. وأخبرتها بما قالت لعمر وما قال لها عمر ، فقالت لها أُمّ سلمة : كذب ، لا يزال حقّ آل محمّد صلى الله عليه و آله واجبا على المسلمين إلى يوم القيامة(1).
كان عمر بن الخطّاب يخطب الناس على منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فذكر في خطبة أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم فقال له الحسين عليه السلام من ناحية المسجد : انزل أيّها الكذّاب عن منبر أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله لا منبر أبيك(2).
قال أبو بكر - لفاطمة الزهراء عليهاالسلام - : فإنّ عائشة تشهد وعمر أنّهما سمعا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ... فقالت : هذا أوّل شهادة زور شهدا بها ...(3).
ص: 130
قد اعترف عمر لعنة اللّه عليه بأنّ عليا والعبّاس كانا يرياه هو وصاحبه من الكذّابين .
ففي صحيح مسلم : أنّ عمر قال لعلي عليه السلام والعبّاس ... قال أبو بكر (كذا وكذا) : فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ... وقلت (كذا وكذا) فرأيتماني كاذبا آثما
غادرا خائنا(1).
ص: 131
وَإِرْثٍ غَصَبُوه
... -...
الإرث هو ما جعله اللّه لأولياء الميّت ، وقد يعتبر - عند البعض - تعويضا وتسكينا لآلامهم جرّاء المصيبة النازلة .
والغصب جريمة تدين الغاصب في الدنيا والآخرة ، فكيف إذا كان المغصوب منه مصابا بمصيبة عظمى ، أنّه كالملح على الجرح .
إنّهما لعنهما اللّه ، لم يكتفيا بقتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله سرّا ، وبدل أن يأتيا لتسلية الزهراء عليهاالسلام بالفاجعة العظمى وتسكين آلامها جاءا لرشّ الملح على الجرح بغصب ما بقي من آثار النبوّة بين يديها ... إنّه الإرث المغصوب .
رسالة أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي بكر لمّا بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء عليهاالسلام فدك : ... واقتسموا مواريث الطاهرات الأبرار ، واحتقبوا ثقل الأوزار ، بغصبهم نحلة النبي المختار ...(1).
فاطمة الزهراء عليهاالسلام : ... أنّ أبا بكر قد غصبني على فدك وأخرج وكيلي منها(2).
عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت لمّا اجتمع رأى أبي بكر على منع
ص: 132
فاطمة عليهاالسلام فدك والعوالي وأيّست من اجابته لها ، عدلت إلى قبر أبيها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فألقت نفسها عليه وشكت ما فعله القوم بها وبكت حتّى بلّت تربته بدموعها عليهاالسلام وندبته(1).
العبّاس مخاطبا أبا بكر : ... قد تسمّيتم بأسمائنا ، ووثبتم علينا في سلطاننا ، وقطعتم أرحامنا ، ومنعتم ميراثنا ، ثمّ أنتم تزعمون أن لا ارث لنا ، وأنتم أحقّ وأولى بهذا الأمر منّا ، فبعدا وسحقا لكم أنّى تؤفكون(2).
أمير المؤمنين عليه السلام : ... فحمله هواه ولذّة دنياه واتّباع الناس إليه أن يغصب ما جعل لي(3).
أمير المؤمنين عليه السلام : اللهمّ أنّي أستعديك على قريش ؛ فإنّهم قطعوا رحمي وغصبوني حقّي وأجمعوا على منازعتي أمرا كنت أولى به(4).
الإمام الباقر عليه السلام : ... إذا كان كلّ موسم - الحجّ - أخرج الفاسقان الغاصبان ثمّ
ص: 133
يفرّق بينهما ههنا - عند الحجرات - لا يراهما إلاّ إمام عدل فرميت الأوّل اثنتين والآخر ثلاثة لأنّ الآخر أخبث من الأوّل(1).
ص: 134
وَفَيءٍ اقتَطَعُوه
... -...
من كان وقحا يصنع ما يشاء
لا شكّ أنّ سيرة أبي بكر وعمر لعنهما اللّه الوقاحة والجرأة على اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله وعلى أهل بيته عليهم السلام .
فمن لا يستحي أن يغصب إرث النبي صلى الله عليه و آله علانية لا يستحي أن يقتطع الفيء سرّا .
في رواية طويلة : ... ثمّ قال أمير المؤمنين عليه السلام : ما لكم لا تكافحون عن سيّدكم ؟! واللّه لو كان أمركم إليّ لتركت رؤوسكم وهو أخف على يدي من جني الهبيد على أيدي العبيد ، وعلى هذا السبيل تقسّمون مال الفيء ؟! أُف لكم ...(1).
الإمام الصادق عليه السلام : لمّا ولّي أبو بكر بن أبي قحافة قال له عمر : إنّ الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها فامنع عن علي وأهل بيته الخمس والفيء وفدكا ، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا عليا وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا وإيثارا ومحاباة عليها(2)، ففعل أبو بكر ذلك وصرف عنهم جميع ذلك(3).
ص: 135
قال عمر لعنه اللّه مخاطبا فاطمة الزهراء عليهاالسلام : فدك لك خاصّة والفيء لكم ولأوليائكم ؟! ما أحسب أصحاب محمّد يرضون بهذا !
قالت فاطمة عليهاالسلام : فإنّ اللّه عزّوجلّ رضي بذلك ورسوله رضى به .. ومن عادانا فقد عادى اللّه ومن خالفنا فقد خالف اللّه ومن خالف اللّه فقد استوجب من اللّه العذاب الأليم والعقاب الشديد في الدنيا والآخرة(1).
ص: 136
وَسُحْتٍ أَكَلُوه
... -...
أدّت بأصحابها إلى ارتكاب جميع المحرّمات .
هذه فلسفة قسم من جنايتهما وكنموذج :
العاقل الذي يشرب الخمر لا يبقى عنده العقل ليكفّ زمام نفسه ، فكيف بمن يشرب الخمر ولا عقل لديه أو له عقل شيطاني ؟! إنّه مسرح الشيطان {إِنَّ الشَّيَاطِينَ
لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ(1)} فالخطوة الأُولى شرب الخمر ، والخطوة الأخيرة هجو النبي صلى الله عليه و آله وإنكار النبوّة ، وبينهما : إن لم تستح فاصنع ما شئت(2).
قال عمر لأبي بكر في حديث : باللّه ياأبا بكر ، أنسيت شعرك في أوّل شهر رمضان الذي فرض اللّه علينا صيامه ، حيث جاءك حذيفة بن اليمان وسهل بن حنيف ونعمان الأزدي وخزيمة بن ثابت في يوم جمعة إلى دارك ليتقاضونك دَينا عليك ، فلمّا انتهوا إلى باب الدار سمعوا لك صلصلة في الدار ، فوقفوا بالباب ولم يستأذنوا عليك ، فسمعوا أُمّ بكر زوجتك تناشدك وتقول : قد عمل حرّ الشمس بين كتفيك ، قم إلى داخل البيت وابتعد عن الباب لئلاّ يسمعك أحد من أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله فيهدروا دمك ، فقد علمت أنّ محمّدا صلى الله عليه و آله قد أهدر دم من أفطر يوما من
ص: 137
شهر رمضان من غير سفر ولا مرض خلافا على اللّه وعلى محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقلت لها : هات لا أُمّ لك فضل طعامي من الليل ، واترعي الكأس من الخمر ، وحذيفة ومن معه بالباب يسمعون محاورتكما ، فجاءت بصحفة فيها طعام من الليل وقعب مملوء خمرا ، فأكلت من الصحفة وكرعت من الخمر في ضحى النهار وقلت لزوجتك هذا الشعر :
ذريني أصطبح ياأُمّ بكر***فإنّ الموت نفث عن هشام
...
يقول لنا ابن كبشة سوف***نحيى وكيف حياة أشلاء وهام
ولكن باطلٌ ما قال هذا***وإفك من زخاريف الكلام
ألا هل مبلّغ الرحمن عنّي***بأني تارك شهر الصيام
وتارك كلّ ما أوحى إلينا***محمّد من أساطير الكلام
فقل للّه : يمنعني شرابي***وقل للّه : يمنعني طعامي
ولكن الحكيم رأى حميرا***فألجمها فتاهت في اللجام
فلمّا سمعك حذيفة ومن معه تهجو محمّدا صلى الله عليه و آله ، قحموا عليك في دارك ، فوجدوك وقعب الخمر في يدك ، وأنت تكرعها ، فقالوا لك : ياعدو اللّه خالفت اللّه ورسوله ، وحملوك كهيئتك إلى مجمع الناس بباب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقصّوا عليه قصّتك ، وأعادوا شعرك ، فدنوت منك وساررتك وقلت لك في الضجيج : قل إنّي شربت الخمر ليلاً ، فثملت فزال عقلي ، فأتيت ما أتيته نهارا ، ولا علم لي بذلك ، فعسى أن يدرأ عنك الحدّ . وخرج محمّد صلى الله عليه و آله فنظر إليك ، فقال : أستيقضوه ، فقلت : رأيناه وهو ثمل يارسول اللّه لا يعقل ، فقال : ويحكم الخمر يزيل العقل ، تعلمون هذا
ص: 138
من أنفسكم وأنتم تشربونها ؟! فقلنا : نعم يارسول اللّه وقد قال فيها امرؤ القيس الشاعر شعرا :
شربت الإثم حتّى زال عقلي***كذاك « الخمر يفعل » بالعقول
ثمّ قال محمّد صلى الله عليه و آله : أنظروه إلى إفاقته من سُكرته .
فأمهلوك حتّى أريتهم أنّك قد صحوت ، فساءلك محمّد صلى الله عليه و آله ، فأخبرته بما أوعزته إليك ، من شربك لها بالليل(1).
فما بالك اليوم تؤمن بمحمّد وبما جاء به ، وهو عندنا ساحر كذّاب فقال : ويحك ياأبا حفص ! لا شكّ عندي فيما قصصته عليّ(2).
من مظالم عمر وأكله الأموال سحتا وتفريقها بغير الحقّ ما ورد في البحار : أنّه كان يعطي من بيت المال ما لا يجوز ، فأعطى عائشة وحفصة عشرة آلاف درهم في كلّ سنة ، وحرم ومنع أهل البيت عليهم السلام خمسهم الذي جعله اللّه لهم ، وكان عليه ثمانون ألف درهم من بيت المال يوم مات على سبيل القرض ولم يجز شيء منه ذلك ...(3).
عن أبان قال : قال سليم بن قيس : كتب أبو المختار بن أبي الصعق إلى عمر هذه الأبيات :
ص: 139
ألا أبلغ أمير المؤمنين رسالة ***فأنت أمير اللّه في المال والأمر
وأنت أمين اللّه فينا ومن يكن ***أمينا لربّ الناس يسلم له صدري
فلا تدعنّ أهل الرساتيق والقرى ***يخونون مال اللّه في الأدم والحمر
وأرسل إلى النعمان وابن معقل ***وأرسل إلى حزم وأرسل إلى بشر
وأرسل إلى الحجّاج واعلم حسابه ***وذاك الذي في السوق مولى بني بدر
ولا تنسينّ التابعين كليهما ***وصهر بني غذوان في القوم ذا وفر
وما عاصم فيها بصفر عيابة ***ولا ابن غلاّب من رماة بني نصر
واستل ذاك المال دون ابن محرز ***وقد كان منه في الرساتيق ذا وفر
فأرسل إليهم يخبروك ويصدقوا ***أحاديث هذا المال من كان ذا فكر
وقاسمهم - أهلي فداؤك إنّهم ***سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
ولا تدعوني للشهادة إنّني ***أغيب ولكنّي أرى عجب الدهر
أرى الخيل كالجدران والبيض كالدمى ***وخطية في عدّة النمل والقطر
ومن ريطة مطوية في قرابها ***ومن طي أبراد مضاعفة صفر
إذا التاجر الداري جاء بفأرة ***من المسك راحت في مفارقهم تجري
تنوب إذا نابوا وتغزوا إذا غزوا ***فإنّ لهم مالاً وليس لنا وفر
فقال ابن غلاّب المصري :
ألا أبلغ أبا المختار أني أتيته***ولم أك ذا قربى لديه ولا صهر
وما كان عندي من تراث ورثته ***ولا صدقات من سبي ولا غدر
ولكن دارك الركض في كلّ غارة ***وصبري إذا ما لموت كان ورى السمرى
بسابغة يغشى اللبان فضولها ***أكفكفها عنّي بأبيض ذي وقر
ص: 140
قال سليم : فأغرم عمر بن الخطّاب تلك السنة جميع عمّاله أنصاف أموالهم لشعر أبي المختار ، ولم يغرم قنفذ العدوي شيئا - وقد كان من عمّاله - وردّ على ما أخذ
منه - وهو عشرون ألف درهم - ولم يأخذ منه عشره ولا نصف عشره ، وكان من عمّاله الذين أُغرموا أبو هريرة وكان على البحرين فأُحصي ماله فبلغ أربعة وعشرين ألفا ، فأغرمه اثنى عشر ألفا(1).
فقال أبان : قال سليم : فلقيت عليا صلوات اللّه عليه وآله فسألته عمّا صنع عمر ؟ فقال : هل تدري لِمَ كفّ عن قنفذ ولم يغرمه شيئا ؟ قلت : لا . قال : لأنّه هو
الذي ضرب فاطمة عليهاالسلام بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم فماتت عليهاالسلام ، وإنّ أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج(2).
قال أبان : قال سليم : انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليس فيها إلاّ هاشمي غير سلمان وأبي ذرّ والمقداد ومحمّد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة ، فقال العبّاس لعلي عليه السلام : ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذا كما غرم جميع عمّاله ؟ فنظر علي عليه السلام إلى من حوله ، ثمّ اغرورقت عيناه ، ثمّ قال : شكر له ضربة ضربها فاطمة عليهاالسلام بالسوط فماتت وفي عضدها أثره كأنّه الدملج(3).
ثمّ قال عليه السلام : العجب ممّا أشربت قلوب هذه الأُمّة من حبّ هذا الرجل وصاحبه من قبله ، والتسليم له في كلّ شيء أحدثه . لئن كان عمّاله خونة وكان هذا المال في أيديهم خيانة ما كان حلّ له تركه ، وكان له أن يأخذه كلّه ، فإنّه فيء
ص: 141
للمسلمين ، فما باله يأخذ نصفه ويترك نصفه ؟!
ولئن كانوا غير خونة فما حلّ له أن يأخذ أموالهم ولا شيئا منها قليلاً ولا كثيرا وإنّما أخذ أنصافها . ولو كانت في أيديهم خيانة ، ثمّ لم يقرّوا بها ولم تقم عليهم
البيّنة ما حلّ له أن يأخذ منهم قليلاً ولا كثيرا .
وأعجب من ذلك إعادته إيّاهم إلى أعمالهم : لئن كانوا خونة ما حلّ له أن يستعملهم ، ولئن كانوا غير خونة ما حلّت له أموالهم(1).
ص: 142
وَخُمْسٍ استَحَلُّوه
... -...
فاطمة الزهراء عليهاالسلام سيّدة نساء العالمين تطالب حقّها في الخمس ، وتصرّ على ذلك فيمنعانها وهما يصرّان على ذلك .
أيّها البكري ، لا خيار لديك : إمّا أن تقف بجانب بضعة المصطفى صلوات اللّه عليهما وآلهما فلذة كبده أو تقف بجانبهما وتكشّر عن أنيابك أمام سيّدة نساء أهل الجنّة ، وعندئذ لابدّ وأن تحضّر جوابك للمصطفى المختار صلى الله عليه و آله !! حيث يوقفك أمام المنتقم الجبّار .
عائشة : أنّ فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقى من خمس خيبر ...(1).
الإمام الصادق عليه السلام : لمّا ولّي أبو بكر بن أبي قحافة قال له عمر : إنّ الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها ، فامنع من علي وأهل بيته الخمس والفيء وفدكا ... ففعل أبو بكر ذلك وصرف عنهم جميع ذلك(2).
ص: 143
وَباطِلٍ أَسَّسُوه
... -...
لإبادة الحقّ لابدّ من تأسيس الباطل .
هذه فلسفة المنافقين المبطلين المستغلّين .
وقد ابتدأ عمر وأبو بكر لعنهما اللّه بتطبيق هذه الفلسفة .
فلإبادة دين الحقّ الذي أتى به الرسول صلى الله عليه و آله لابدّ من تأسيس الباطل في طيّاته ليختلط الحقّ بالباطل ويتيه المؤمنون في ذلك ويرعى خلفاء الجور من دون رادع .
عن مالك أنّه بلغه المؤذّن جاء عمر يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما فقال : الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في الصبح(1).
خالد بن يحيى قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام ... لِمَ سمّي عمر الفاروق ؟ قال : نعم ألا ترى أنّه قد فرّق بين الحقّ والباطل وأخذ الناس بالباطل(2).
قال المؤرّخون : إنّ عمر أوّل من سنّ قيام شهر رمضان في جماعة وكتب به إلى البلدان ، وأوّل من ضرب في الخمر ثمانين وأحرق بيت رويشد الثقفي - وكان نباذا - وأقام في عمله بنفسه وأوّل من حمل الدرّة وأدّب ، بها وقيل بعده كان درّة
ص: 145
عمر أهيب من سيف الحجّاج(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في حديث له : ... والدليل على كذبهم وباطلهم وفجورهم أنّهم سلّموا عليّ بإمرة المؤمنين بأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2).
بريدة الأسلمي مخاطبا أبا بكر لعنه اللّه : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، ماذا لقى الحقّ من الباطل ياأبا بكر ؟! أنسيت أم تناسيت أم خدعتك نفسك سوّلت لك الأباطيل ، أو لم تذكر ما أمرنا به رسول اللّه صلى الله عليه و آله من تسمية علي بإمرة المؤمنين والنبي
بين أظهرنا ، وقوله في عدّة أوقات : هذا أمير المؤمنين وقاتل القاسطين ، فاتق اللّه
وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها ، وانقذها ممّا يهلكها ، واردد الأمر إلى من هو أحقّ به منك ولا تتمادى في اغتصابه ، وارجع وأنت تستطيع أن تراجع ، فقد محضتك النصح ودللتك على طريقة النجاة ، فلا تكوننّ ظهيرا للمجرمين(3).
ثمّ خالفوا أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 146
وَجَورٍ بَسَطُوه
... -...
وأمّا جورهما فقد ملأ الخافقين ، فما من صغيرة ولا كبيرة إلاّ وشمله جورهما ، وكما مرّ وسيأتي في الأحاديث أنّ جميع المظالم الواقعة على وجه الكرة الأرضية فإنّما هي منهما ، ويكفي لشدّة جورهما ما جرى منهما على سيّدة نساء العالمين بضعة المصطفى وفلذة كبده فاطمة الزهراء عليهاالسلام .
فاطمة الزهراء عليهاالسلام في خطبتها : ... أأُغلب على إرثي جورا وظلما ؟ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(1)}.
وقد جاء في بيان المجلسي رحمه الله : عن حمران ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقرأ : {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ} يعني : الثالث ، {وَمَنْ قَبْلَهُ} الأُوليين [ الأوّلان ] ، {وَالْمُؤْتَفِكَاتُ} : أهل البصرة ، {بِالْخَاطِئَةِ} الحميراء ... (فالمراد بمجيء الأوّلين
والثالث بعائشة أنّهم أسّسوا لها بما فعلوا من الجور على أهل البيت عليهم السلام أساسا به تيسّر لها الخروج والاعتداء على أمير المؤمنين عليه السلام ، ولولا ما فعلوا لم تكن تجترئ على ما فعلت)(2).
ص: 147
وَظُلْمٍ نَشَرُوه
... -...
وأمّا الظلم الذي نشروه فلا يمكن أن يعدّ ويحصى ، فما من مظلمة على وجه الكرة الأرضية إلاّ وهي في أعناقهما وبسببهما ، فقد أسّسا أساس الظلم ، ولولاهما لما
جرى ما جرى على آل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولما جرى ما جرى على العالمين . وقد صرّح بظلمهما في بعض الروايات وإليكم بعضا منها :
بينا علي عليه السلام يخطب إذ قام أعرابي فصاح : وا مظلمتاه ! فاستدناه علي عليه السلام فلمّا دنا قال له : إنّما لك مظلمة واحدة وأنا قد ظلمت عدد المدر والوبر(1).
وفي رواية أُخرى : إنّه دعاه فقال له : ويحك ! وأنا واللّه مظلوم أيضا هات فلندع على من ظلمنا(2).
عن أبي جعفر عليه السلام قال : لقى أمير المؤمنين عليه السلام أبا بكر في بعض سكك المدينة .
فقال : ظلمت وفعلت .
فقال : ومن يعلم ذلك ؟
قال : يعلمه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ص: 148
قال : وكيف لي برسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى يعلمني ذلك ؟ لو أتاني في المنام فأخبرني لقبلت ذلك .
قال علي عليه السلام : فأنا أُدخلك على رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، (فأدخله) مسجد قبا ، فإذا برسول اللّه صلى الله عليه و آله في مسجد قبا .
فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اعتزل عن ظلم أمير المؤمنين عليه السلام .
فخرج من عنده ، فلقيه عمر ، فأخبره بذلك ، فقال له : اسكت ! أما عرفت سحر بني عبدالمطّلب(1).
أمير المؤمنين عليه السلام : ... إنّي لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله(2).
أنّ عليا عليه السلام قال وقد سمع صارخا ينادي أنا المظلوم فقال : هلم فلنصرخ معا ، فإنّي ما زلت مظلوما(3).
أمير المؤمنين عليه السلام مخاطبا خالد بن الوليد في حديث طويل : ... فاتّق اللّه
ص: 149
ياخالد ! ولا تكن للخائنين رفيقا ولا للظالمين ظهيرا(1).
أبو قحافة حول خلافة ولده أبي بكر : إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحقّ من أبي بكر لقد ظلموا عليا حقّه ولقد بايع له النبي وأمرنا ببيعته(2).
المقداد بن الأسود مخاطبا أبا بكر : ارجع ياأبا بكر عن ظلمك وتب إلى ربّك والزم بيتك ، وابك على خطيئتك وسلّم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك ، فقد علمت ما عقده رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عنقك من بيعته وألزمك من النفوذ تحت راية أُسامة بن زيد ..(3).
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إذا ظلمت العيون العين كان قتل العين على يد الرابع من العيون ، فإذا كان ذلك استحقّ الخاذل له لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين . فقيل له : يارسول اللّه ما العين والعيون ؟ فقال : أمّا العين فأخي علي بن أبي طالب عليهماالسلام وأمّا العيون فأعداؤه ، رابعهم قاتله ظلما وعدوانا(4).
ص: 150
وَوَعْدٍ أَخْلَفُوه
... -...
لقد وعدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالإطاعة ولكنّهما خالفا .
ولقد وعدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله باتّباع علي عليه السلام ولكنّهما خالفا .
ولقد وعدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك في حياته صلى الله عليه و آله ولكنّهما خالفا .
ووعد أبو بكر لعنه اللّه بعد استشهاده صلى الله عليه و آله ، ولكنّه خالف .
في حديث طويل عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السلام : ... فبات (أبو بكر) في ليلته ، فرأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامه ممثّلاً له في مجلسه فقام إليه أبو بكر ليسلّم عليه ، فولّى وجهه ، فصار مقابل وجهه ، فسلّم عليه فولّى عنه وجهه فقال أبو بكر : يارسول اللّه ! هل أمرت بأمر فلم أفعل ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أردّ السلام عليك وقد عاديت اللّه ورسوله وعاديت من والاه اللّه ورسوله ، ردّ الحقّ إلى أهله ... قال : قد رددت عليه يارسول اللّه بأمرك .
فأصبح وبكى وقال لعلي عليه السلام : ابسط يدك فبايعه وسلّم إليه الأمر وقال له : أُخرج إلى مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأخبر الناس بما رأيت في ليلتي وما جرى بيني وبينك ، فأُخرج نفسي من هذا الأمر وأُسلّم عليك بالإمرة قال : فقال علي عليه السلام : نعم .
فخرج من عنده متغيّرا لونه عاليا نفسه ، فصادفه عمر وهو في طلبه فقال : ما حالك ياخليفة رسول اللّه ؟ فأخبره بما كان منه وما رأى وما جرى بينه وبين علي عليه السلام .
فقال عمر : أُنشدك باللّه ياخليفة رسول اللّه ! أن تغترّ بسحر بني هاشم فليس
ص: 151
هذا بأوّل سحر منهم .
فما زال به حتّى ردّه عن رأيه وصرفه عن عزمه ورغّبه فيما هو فيه وأمره بالثبات عليه والقيام به ، قال : فأتى علي عليه السلام المسجد للميعاد ، فلم ير فيه منهم أحدا ، فأحس بالشرّ منهم ، فقعد إلى قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فمرّ به عمر فقال : ياعلي ! دون ما تروم خرط القتاد ، فعلم بالأمر وقام ورجع إلى بيته(1).
ص: 152
وَعَهْدٍ نَقَضُوه
... -...
ما أعظم العهود التي نقضوها .
فها هما ينقضان عهد اللّه جلّ جلاله وما أعظمها من خيانة .
وها هما ينقضان عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وما أعظمها من خيانة .
وهاهي الأُمّة تتبعهما في نقض العهد .
فهما المسؤولان عن نقض الأُمّة عهدها .
وبذلك يحرم الجميع عن الحضور في الصلاة على الجثمان الطاهر لبضعة المصطفى وحبيبة المرتضى سيّدة نساء أهل الجنّة عليهاالسلام ، بوصيّة منها ، وما أعظمها من خسارة وحرمان !
قال علي بن إبراهيم في قوله : {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى(1)}. نزلت في الذين نقضوا عهد اللّه في أمير المؤمنين عليه السلام {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} ... أي هون لهم ، وهو فلان ، {وَأَمْلَى لَهُمْ} ... أي بسط لهم أن لا يكون ممّا قال محمّد صلى الله عليه و آله شيئا(2).
(في حديث طويل) ... فسكت أبو بكر وشخصت عيناه نحو رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال له : ويلك ياأبا بكر ! أنسيت ما عاهدت اللّه ورسوله عليك في المواطن الأربعة
ص: 153
لعلي عليه السلام ؟!
فقال : ما نسيتها يارسول اللّه .
فقال : ما بالك اليوم تناشد عليا عليه السلام فيها ويذكرك فتقول : نسيت(1).
رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ياأبا الحسن ! إنّ الأُمّة ستغدر بك وتنقض عهدي ، وإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى(2).
فاطمة الزهراء عليهاالسلام : لا تصلّ عليّ أُمّة نقضت عهد اللّه وعهد أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أمير المؤمنين عليه السلام(3).
أمير المؤمنين عليه السلام : ... ها أنا ذا كما ترى من أوّل الليل اعتراني الفكر والسهر لما تقدّم من نقص عهد أوّل هذه الأُمّة المقدّر عليها نقض عهدها ، إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر من أمر من أصحابه بالسلام عليّ في حياته بإمرة المؤمنين(4).
أمير المؤمنين عليه السلام : ... فلم أشعر بعد أن قبض النبي صلى الله عليه و آله إلاّ برجال من بعث أُسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم ، وأخلوا مواضعهم ، وخالفوا أمر
ص: 154
رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيما أنهضهم له ، وأمرهم به ، وتقدّم إليهم من ملازمة أميرهم ، والسير معه تحت لوائه حتّى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه ، فخلّفوا أميرهم مقيما في عسكره وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حلّ عقدة عقدها اللّه عزّوجلّ لي ورسوله صلى الله عليه و آله في أعناقهم فحلّوها ، وعهد عاهدوا اللّه ورسوله فنكثوه ، وعقدوا لأنفسهم عقدا ضجّت به أصواتهم واختصّت به آراؤهم ، من غير مناظرة لأحد منّا بني عبدالمطّلب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له : ... وكيف أثبت اللّه عزّوجلّ عليهم الحجّة ، وقد نسوا ما ذكّروا به من عهد نبيّهم وما أكّد عليههم من طاعتي وأخبرهم من مقامي ، وبلّغهم من رسالة اللّه عزّوجلّ في فقرهم إلى علمي وغناي عنهم وعن جميع الأُمّة ممّا أعطاني اللّه عزّوجلّ .. ألا وإنّي أُخبركم أنّه سيحملون على خطّة من جهلهم وينقضون علينا عهد نبيّكم لقلّة علمهم بما يأتون وما يذرون(2).
ص: 155
وَحَلالٍ حَرَّمُوه
... -...
عن عمران بن سودة الليثي في حديث له مع عمر : ذكروا أنّك حرّمت المتعة في أشهر الحجّ - وهي حلال - ولم يحرّمها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولا أبو بكر فقال : أجل(1).
عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبداللّه فأتاه آت فقال : إنّ ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر : فعلناها مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثمّ نهانا عمر عنهما فلم نعد لهما(2).
(من مطاعن عمر) أنّه منع من المغالاة في صدقات النساء وقال : من غالى في مهر ابنته أجعله في بيت مال المسلمين لشبهة أنّه رأى النبي صلى الله عليه و آله زوّج فاطمة عليهاالسلام خمسمائة درهم فقامت إليه امرأة ونبّهته بقوله تعالى : {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا(3)} على جواز المغالاة فقال : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى المخدّرات في البيوت(4).
ص: 156
وقد ورد ذلك في مصادر متعدّدة من كتب أهل السنّة فراجع هامش البحار .
كلّ الناس أفقه من عمر(1)
عمر : لا يبلغني أنّ أمرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي صلى الله عليه و آله إلاّ ارتجعت ذلك منها ، فقامت إليه امرأة فقالت : واللّه ما جعل اللّه ذلك لك إنّه تعالى يقول : {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا(2)} فقال عمر : كلّ الناس أفقه من عمر حتّى ربّات الحجال ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت ، فاضلت إمامكم ففضلته(3).
(من مطاعن عمر) ما روي أنّ عمر أطلق تزويج قريش في سائر العرب والعجم وتزويج العرب في سائر العجم ، ومنع العرب من التزويج في قريش ، ومنع العجم من التزويج في العرب ، فأنزل العرب مع قريش والعجم مع العرب منزلة اليهود والنصارى إذ أطلق تعالى للمسلمين التزويج في أهل الكتاب ولم يطلق تزويج أهل الكتاب في المسلمين ..(4).
ص: 157
لقد أرادا تحريف الدين كاملاً فبدءا بغصب الخلافة مقدّمة لذلك ، ثمّ بدءا بتغيير الأحكام عبر تحريم ما أحلّه اللّه ، كتحريم المتعتين ، وتحريم زواج العجم من
العرب ، وتحريم زواج العرب من قريش ، وتحريم الصداق حسب رغبة النساء ، وغير ذلك ، وقد وردت الإشارة إلى هذه الخطوات في عدّة روايات منها :
عن أبي نضرة قال : كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهي عنها قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبداللّه فقال : على يدي دار الحديث ، تمتّعنا مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلمّا قام عمر قال : إنّ اللّه كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء وإنّ القرآن قد نزل منازله فأتمّوا الحجّ والعمرة للّه كما أمركم اللّه وأبتوا نكاح هذه النساء ، فلن أُوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى عثمان بن حنيف : بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء فشحّت عليها نفوس قوم ..(2).
قال سليم : كتب أبو المختار بن أبي الصعق إلى عمر هذه الأبيات :
أبلغ أمير المؤمنين رسالة ***فأنت أمير اللّه في المال والأمر
وأنت أمين اللّه فينا ومن يكن ***أمينا لربّ الناس يسلم له صدري
ص: 158
فلا تدعنّ أهل الرساتيق والقرى ***يخونون مال اللّه في الأدم والخمر
وأرسل إلى النعمان وابن معقل ***وأرسل إلى حزم وأرسل إلى بشر
وأرسل إلى الحجّاج واعلم حسابه ***وذاك الذي في السوق مولى بني بدر
ولا تنسينّ التابعين كليهما ***وصهر بني غذوان في القوم ذا وفر
وما عاصم فيها بصفر عيابة ***ولا ابن غلاّب من رماة بني نصر
واستل ذاك المال دون ابن محرز ***وقد كان منه في الرساتيق ذا وفر
فأرسل إليهم يخبروك ويصدقوا ***أحاديث هذا المال من كان ذا فكر
وقاسمهم أهلي فداؤك إنّهم ***سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
ولا تدعوني للشهادة إنّني ***أغيب ولكنّي أرى عجب الدهر
إراء الخيل كالجدران والبيض كالدمى ***وخطية في عدّة النمل والقطر
ومن ريطة مطوية في قرابها ***ومن طي أبراد مضاعفة صفر
إذا التاجر الداري جاء بفأرة ***من المسك راحت في مفارقهم تجري(1)
فقال ابن غلاّب المصري :
ألا أبلغ أبا المختار أني أتيته***ولم أك ذا قربى لديه ولا صهر
وما كان عندي من تراث ورثته ***ولا صدقات من سبا ولا غدر
ولكن دراك الركض في كلّ غارة ***وصبري إذا ما لموت كان ورى السمرى
بسابغة يغشى اللبان فضولها ***أكفكفها عنّي بأبيض ذي وقر
قال سليم : فأغرم عمر بن الخطّاب تلك السنة جميع عمّاله أنصاف أموالهم
ص: 161
لشعر أبي المختار ، ولم يغرم قنفذ العدوي شيئا - وقد كان من عمّاله - وردّ عليه ما أُخذ منه - وهو عشرون ألف درهم - ولم يأخذ منه عشره ولا نصف عشره ، وكان من عمّاله الذين أُغرموا أبو هريرة على البحرين فأُحصي ماله فبلغ أربعة وعشرين ألفا ، فأغرمه اثني عشر ألفا .
فقال أبان : قال سليم : فلقيت عليا صلوات اللّه عليه وآله فسألته عمّا صنع عمر ؟ فقال : هل تدري لِمَ كفّ عن قنفذ ولم يغرمه شيئا ؟! قلت : لا . قال : لأنّه هو الذي ضرب فاطمة صلوات اللّه عليها بالسوط حين جاءت لتحول بيني وبينهم فماتت صلوات اللّه عليها ، وإنّ أثر السوط لفي عضدها مثل الدملج .
قال أبان : قال سليم : انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليس فيها إلاّ هاشمي غير سلمان وأبي ذرّ والمقداد ومحمّد بن أبي بكر وعمر بن أبي سلمة وقيس بن سعد بن عبادة .
فقال العبّاس لعلي عليه السلام : ما ترى عمر منعه من أن يغرم قنفذا كما غرّم جميع عمّاله ؟ فنظر علي عليه السلام إلى من حوله ، ثمّ اغرورقت عيناه ، ثمّ قال : شكر له ضربة ضربها فاطمة عليهاالسلام بالسوط فماتت في عضدها أثره كأنّه الدملج .
ثمّ قال عليه السلام : العجب ممّا أشربت قلوب هذه الأُمّة من حبّ هذا الرجل وصاحبه من قبله ، والتسليم له في كلّ شيء أحدثه .
لئن كان عمّاله خونة وكان هذا المال في أيديهم خيانة ما كان حلّ له تركه ، وكان له أن يأخذه كلّه ، فإنّه فيء للمسلمين ، فما باله يأخذ نصفه ويترك نصفه ؟!
ولئن كانوا غير خونة فما حلّ له أن يأخذ أموالهم ولا شيئا منها قليلاً ولا كثيرا وإنّما أخذ أنصافها .
ص: 162
ولو كانت في أيديهم خيانة ، ثمّ لم يقرّوا بها ولم تقم عليهم البيّنة ما حلّ له أن يأخذ منهم قليلاً ولا كثيرا .
وأعجب من ذلك إعادته إيّاهم إلى أعمالهم ، لئن كانوا خونة ما حلّ له أن يستعملهم ، ولئن كانوا غير خونة ما حلّت له أموالهم(1).
ص: 163
وَحَرامٍ حَلَّلُوه
... -...
واستمرارا لنهجهم في تحريف الدين قاما بتحليل ما حرّمه اللّه تبارك اسمه ورسوله صلى الله عليه و آله قولاً وعملاً ؛ كتحليل الفقّاع ، ورجم الحامل ، ورجم المجنونة ، ومصادرة وسرقة ميراث رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحجج واهية وأحاديث كاذبة وهو محرّم عليهم بشدّة ، وشرب الخمر في نهار شهر رمضان وغير ذلك ، كلّ ذلك في روايات متواترة :
قال الزمخشري(1): أنزل اللّه في الخمر ثلاث آيات ... فكان المسلمون بين شارب وتارك إلى أن شربها رجل ودخل في صلاته فهجر فنزلت : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى(2)} فشربها من شربها من المسلمين حتّى شربها عمر فأخذ لحى بعير فشجّ رأس عبدالرحمن بن عوف ثمّ قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر :
وكائن بالقليب قليب بدر ***من القينات والشرب الكرام
وكائن بالقليب قليب بدر ***من الشيزى المكلّل بالسنام
أيوعدنا ابن كبشة أن سنحيى ***وكيف حياة ، أصداء وهام
أيعجز أن يردّ الموت عنّي ***وينشرني إذا بليت عظامي
ألا من مبلّغ الرحمن عنّي ***بأني تارك شهر الصيام
ص: 165
فقل للّه يمنعني شرابي ***وقل للّه يمنعني طعامي(1)
فبلغ ذلك رسول اللّه صلى الله عليه و آله فخرج مغضبا يجرّ ردائه فرفع شيئا في يده ليضربه فقال : أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله فأنزل اللّه : {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللّه ِ وَعَنْ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ(2)} فقال عمر : انتهينا انتهينا ... .
أقول : قال المحقّق في هامش البحار(3) بعد نزول آية التحريم :
قال الخليفة : انتهينا انتهينا .. فلم نجده قد انتهى !! إذ هاهو يقول كما في السنن الكبرى والمحاضرات للراغب الإصفهاني وكنز العمّال وغيرهم بألفاظ متعدّدة : إنّا نشرب هذا الشراب الشديد(4).
وفي الجامع الكبير والعقد الفريد وغيرهم أنّه شرب وشرب إلى أن مات .. قال عمر بن ميمون : شهدت عمر حين طعن أُتي بنبيذ فشربه(5).
ص: 167
وفي أحكام القرآن للجصّاص وجامع مسانيد أبي حنيفة(1): أنّه كان يحبّ الشراب الشديد .. وجاء في سنن النسائي وغيره عنه : إذا خشيتم (رابتكم) من نبيذ شدّته فاكسروه بالماء(2).
الكميت بن زيد الأسدي قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام ... قلت : خبّرني عن الرجلين ؟ قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثمّ قال : واللّه ياكميت ! ما أُهريق محجمة من دم ولا أُخذ مال من غير حلّه ولا قلب حجر عن حجر إلاّ ذاك في أعناقهما(3).
(من مطاعن عمر) أنّه أمر برجم حامل حتّى نبّهه معاذ وقال : إن يكن لك سبيل عليها فلا سبيل لك على ما في بطنها ، فرجع عن حكمه ، وقال : لولا معاذ لهلك عمر(4).
ولقد تكرّر هذا من عمر ، ونبّهه على خطأه أكثر من واحد ، منها ما جاء في
ص: 168
الرياض النضرة(1) وعدّة مصادر أُخرى : من أنّ عليا أمير المؤمنين عليه السلام قال : ما بال هذه - المرأة الحامل - ؟ فقالوا : أمر عمر برجمها ، فردّها علي وقال : هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها ولعلّك انتهرتها أو أخفتها ؟
قال : قد كان ذلك .
قال : أو ما سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : لا حدّ على معترف بعد بلاء ، إنّه من قيّد أو حبس أو تهدّد فلا إقرار له ، فخلّى سبيلها ثمّ قال : عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، لولا علي لهلك عمر(2).
من مطاعن عمر (لعنه اللّه) ومن المحرّمات التي فعلها أنّه أمر برجم مجنونة زانية ، فمرّ عليها علي بن أبي طالب عليهماالسلام أثناء الرجم فخلّصها وقال : إنّ القلم مرفوع عن المجنون حتّى يفيق فقال : لولا علي لهلك عمر ، وقد ورد ذلك بعدّة ألفاظ(3).
قال عمر لأبي بكر - في حديث - : باللّه عليك ياأبا بكر ، أنسيت شعرك (في) أوّل شهر رمضان الذي فرض اللّه علينا صيامه ، حيث جاءك حذيفة بن اليمان وسهل بن حنيف ونعمان الأزدي وخزيمة بن ثابت في يوم جمعة إلى دارك
ص: 169
ليتقاضونك دَينا عليك ، فلمّا انتهوا إلى باب الدار سمعوا لك صلصلة في الدار ، فوقفوا
بالباب ولم يستأذنوا عليك ، فسمعوا أُمّ بكر زوجتك تناشدك وتقول : قد عمل حرّ الشمس بين كتفيك ، قم إلى داخل البيت وأبعد عن الباب لئلاّ يسمعك أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله فيهدروا دمك ، فقد علمت أنّ محمّدا صلى الله عليه و آله قد هدر دم من أفطر يوما من شهر رمضان من غير سفر ولا مرض خلافا على اللّه وعلى محمّد رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله) .
فقلت لها : هات لا أُمّ لك فضل طعامي من الليل ، واترعي الكأس من الخمر ، وحذيفة ومن معه بالباب يسمعون محاورتكما ، فجاءت بصحفة فيها طعام من الليل وقصب مملوء خمرا ، فأكلت من الصحفة وكرعت من الخمر في ضحى النهار وقلت لزوجتك هذا الشعر :
ذريني أصطبح ياأُمّ بكر ***فإنّ الموت نفث عن هشام
إلى أن انتهيت في شعرك :
يقول لنا ابن كبشة سوف ***نحيى وكيف حياة أشلاء وهام
ولكن باطلاً قد قال هذا ***وإفكا من زخاريف الكلام
ألا هل مبلّغ الرحمن عنّي ***بأني تارك شهر الصيام
وتارك كلّ ما أوحى إلينا ***محمّد صلى الله عليه و آله من أساطير الكلام
فقل للّه : يمنعني شرابي ***وقل للّه : يمنعني طعامي
ولكن الحكيم رأى حميرا ***فألجمها فتاهت في اللجام(1)
فلمّا سمعك حذيفة ومن معه تهجو محمّدا صلى الله عليه و آله ، قحموا عليك في دارك ،
ص: 171
فوجدوك وقعب الخمر في يدك ، وأنت تكرعها ، فقالوا لك : ياعدو اللّه خالفت اللّه ورسوله ، وحملوك كهيئتك إلى مجمع الناس بباب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقصّوا عليه قصّتك ، وأعادوا شعرك ، فدنوت منك وشاورتك وقلت لك في ضجيج الناس : قل إنّي شربت الخمر ليلاً ، فثملت فزال عقلي ، فأتيت ما أتيته نهارا ، ولا علم لي بذلك ، فعسى أن يدرأ عنك الحدّ .
وخرج محمّد صلى الله عليه و آله فنظر إليك ، فقال : أيقظوه ، فقلت : رأيناه وهو ثمل يارسول اللّه لا يعقل ، فقال : ويحك الخمر يزيل العقل ، تعلمون هذا من أنفسكم وأنتم تشربونها ؟!
فقلنا : نعم يارسول اللّه وقد قال فيها امرؤ القيس شعرا :
شربت الخمر حتّى زال عقلي ***كذلك (الخمر يفعل) بالعقول
ثمّ قال محمّد صلى الله عليه و آله : انظروه إلى إفاقته من سكرته .
فأمهلوك حتّى أريتهم أنّك قد صحوت ، فساءلك محمّد صلى الله عليه و آله ، فأخبرته بما أوعزته إليك ، من شربك لها بالليل .
فما بالك اليوم تؤمن بمحمّد صلى الله عليه و آله وبما جاء به ، وهو عندنا ساحر كذّاب .
فقال : ويحك ياأبا حفص ! لا شكّ عندي فيما قصصته عليّ ، فاخرج إلى ابن أبي طالب فاصرفه عن المنبر(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له : ... ازدحموا على الحطام وتشاحوا على الحرام
ص: 172
ورفع لهم علم الجنّة والنار ، فصرفوا عن الجنّة وجوههم وأقبلوا إلى النار بأعمالهم ، دعاهم ربّهم فنفروا وولّوا ، ودعاهم الشيطان فاستجابوا وأقبلوا(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له : ... فإنّ قريشا صغّرت عظيم أمري (قدري) واستحلّت المحارم منّي واستخفّت بعرضي وعشيرتي وقهرتني على ميراثي من ابن عمّي ...(2).
ص: 173
وَنِفاقٍ أَسَرُّوه
... -...
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا(1)}.
{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللّه ُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرا(2)}.
{سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ(3)}.
لا شكّ ولا ريب أنّ أبا بكر وعمر أبطنا الكفر وأظهرا الإسلام ، ولمّا نصب الرسول صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام للخلافة قالا : واللّه لا نرضى أن تكون النبوّة والخلافة لبيت واحد .
فلمّا توفّي النبي صلى الله عليه و آله أظهروا ما أسرّاه من النفاق بغصب الخلافة وقتل الصدّيقة الطاهرة عليهاالسلام وسائر الجنايات الأُخرى .. .
أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له : يابن عبّاس ! أنا أولى الناس بالناس بعده ، ولكن أُمور اجتمعت على رغبة الناس في الدنيا وأمرها ونهيها وصرف قلوب أهلها عنّي ، وأصل ذلك ما قال اللّه عزّوجلّ في كتابه : {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ
ص: 174
اللّه ُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما(1)} فلو لم يكن ثواب ولا عقاب لكان بتبليغ الرسول صلى الله عليه و آله فرض على الناس اتّباعه ، واللّه عزّوجلّ يقول : {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا(2)}، أتراهم نهوا عنّي فأطاعوه !
والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة وغدا بروح أبي القاسم صلى الله عليه و آله إلى الجنّة لقد ، قرنت برسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث يقول عزّوجلّ : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا(3)}.
ولقد طال يابن عبّاس ! فكري وهمّي وتجرّعي غصّة بعد غصّة لأمر أو قوم على معاصي اللّه وحاجتهم إليّ في حكم الحلال والحرام ، حتّى إذا أتاهم من الدنيا أظهروا الغنى عنّي ، كأن لم يسمعوا اللّه عزّوجلّ يقول : {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ(4)}، ولقد علموا أنّهم احتاجوا إلي ولقد غنيت عنهم {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا(5)} فمضى من مضى قال علي بضغن القلوب وأورثها الحقد عليَّ ، وما ذلك إلاّ من أجل طاعته في قتل الأقارب مشركين ، فامتلوا غيظا واعتراضا .
ولو صبروا في ذات اللّه لكان خيرا لهم ، قال اللّه عزّوجلّ : {لاَ تَجِدُ قَوْما
ص: 175
يُؤْمِنُونَ بِاللّه ِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه َ وَرَسُولَهُ(1)} فأبطنوا من ترك الرضا بأمر اللّه ، ما أورثهم النفاق ! وألزمهم بقلّة الرضا الشقاء !
وقال اللّه عزّوجلّ : {فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّا(2)} فالآن يابن عبّاس ! قرنت بابن آكلة الأكباد وعمرو وعتبة والوليد ومروان وأتباعهم ، فمتى اختلج في صدري وأُلقي في روعي أنّ الأمر ينقاد إلى دنيا يكون هؤلاء فيها رؤساء يطاعون فهم في ذكر أولياء الرحمن يثلبونهم ويرمونهم بعظائم الأُمور من إفك مختلف ، وحقد قد سبق ، وقد علم المستحفظون ممّن بقي من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّ عامّة أعدائي ممّن أجاب الشيطان عليّ وزهد الناس فيّ ، وأطاع هواه فيما يضرّه في آخرته وباللّه عزّوجلّ الغنى ، وهو الموفّق للرشاد والسداد .
يابن عبّاس ! ويل لمن ظلمني ، ودفع حقّي ، وأذهب عظيم منزلتي ، أين كانوا أُولئك وأنا أُصلّي مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله صغيرا لم يكتب عليّ صلاة وهم عبدة الأوثان ، وعصاة الرحمن ، وبهم توقد النيران ؟! فلمّا قرب إصعار الخدود ، واتعاس الجدود ، أسلموا كرها ، وأبطنوا غير ما أظهروا ، طمعا في أن يطفئوا نور اللّه وتربّصوا انقضاء أمر الرسول وفناء مدّته ، لما أطمعوا أنفسهم في قتله ، ومشورتهم في دار ندوتهم ، قال اللّه عزّوجلّ : {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّه ُ وَاللّه ُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(3)} وقال : {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّه ُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(4)}.
ص: 176
يابن عبّاس ! هداهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حياته بوحي من اللّه يأمرهم بموالاتي ، فحمّل القوم ما حمّلهم ممّا حقد على أبينا آدم من حسد اللعين له ، فخرج
من روح اللّه ورضوانه ، وأُلزم اللعنة لحسده لولي اللّه ، وما ذاك بضارّي إنّ شاء اللّه شيئا .
يابن عبّاس ! أراد كلّ امرئ أن يكون رأسا مطاعا يميل إليه الدنيا وإلى أقاربه فحمله هواه ولذّة دنياه واتّباع الناس إليه أن يغصب ما جعل لي .
ولولا اتّقائي على الثقل الأصغر أن يبيد فينقطع شجرة العلم وزهرة الدنيا وحبل اللّه المتين ، وحصنه الأمين ، ولد رسول اللّه ربّ العالمين لكان طلب الموت والخروج إلى اللّه عزّوجلّ ألذّ عندي من شربة ظمآن ونوم وسنان ، ولكنّي صبرت وفي الصدر بلابل ، وفي النفس وساوس ، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّه ُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ(1)}.
ولقديما ظلم الأنبياء ، وقتل الأولياء قديما في الأُمم الماضية والقرون الخالية {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللّه ُ بِأَمْرِهِ(2)}.
واللّه أحلف - يابن عبّاس - أنّه كما فتح بنا يختم بنا ، وما أقول لك إلاّ حقّا .
يابن عبّاس ! إنّ الظلم يتّسق لهذه الأُمّة ويطول الظلم ، ويظهر الفسق ، وتعلو كلمة الظالمين ، ولقد أخذ اللّه على أولياء الدين أن لا يقارّوا أعداءه ، بذلك أمر اللّه في كتابه على لسان الصادق رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال : {تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ
ص: 177
تَعَاوَنُوا عَلَى الاْءِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(1)}.
يابن عبّاس ! ذهب الأنبياء فلا ترى نبيا ، والأوصياء ورثتهم ، عنهم أخذوا علم الكتاب وتحقيق الأسباب ، قال اللّه عزّوجلّ : {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّه ِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ(2)}، فلا يزال الرسول باقيا ما نفدت أحكامه ، وعمل بسنّته ، وداروا حول أمره ونهيه .
وباللّه أحلف يابن عبّاس ! لقد نبذ الكتاب ، وترك قول الرسول إلاّ ما لا يطيقون تركه من حلال وحرام ، ولم يصبروا على كلّ أمر نبيّهم : {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ(3)} {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ(4)}، فبيننا وبينهم المرجع إلى اللّه : {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(5)}.
يابن عبّاس ! عامل اللّه في سرّه وعلانيته تكن من الفائزين ، ودع من اتّبع هواه وكان أمره فرطا(6).
الإمام الكاظم عليه السلام في كتابه إلى علي بن سويد : ... فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردّا على اللّه عزّوجلّ كلامه وهزءا برسوله صلى الله عليه و آله ، وهما الكافران عليهما لعنة اللّه
ص: 178
والملائكة الناس أجمعين ، واللّه ما دخل قلب أحد منهما شيء من الإيمان منذ خروجهما من حالتيهما وما ازدادا إلاّ شكّا ، كانا خدّاعين مرتابين منافقين حتّى توفّتهما ملائكة العذاب إلى محلّ الخزي في دار المقام(1).
جاء بريدة ، وعمران بن حصين إلى أبي بكر وذكّره بريدة بقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين أمر المسلمين بالسلام على علي عليه السلام قائلاً : « سلّم على أمير المؤمنين » .
فقال بريدة لأبي بكر : وكنت أنت ممّن سلّم عليه بإمرة المؤمنين . فقال أبو بكر : قد أذكر ذلك .
فقال له بريدة : لا ينبغي لأحد من المسلمين أن يتأمّر على أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد أن سمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله بأمير المؤمنين ، فإن كان عندك عهد من رسول اللّه عهده إليك أو أمر أمرك به بعد هذا فأنت عندنا مصدّق .
فقال أبو بكر : لا واللّه ما عندي عهد من رسول اللّه ولا أمر أمرني به ، ولكن المسلمين رأوا رأيا فتابعتهم به على رأيهم . فقال له بريدة : واللّه ما ذلك لك ولا
للمسلمين خلاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال أبو بكر : أرسل لكم عمر ، فجاءه ، فقال له أبو بكر : إنّ هذين سألاني عن أمر قد شهدته ، وقصّ عليه كلامهما .
فقال عمر : قد سمعت ذلك ولكن عندي المخرج من ذلك .
فقال له بريدة : عندك ؟ قال : عندي قال : فما هو ؟
ص: 179
قال : لا تجتمع النبوّة والملك في أهل بيت واحد ... .
فقال : ياعمر ! إنّ اللّه عزّوجلّ قد أبى ذلك عليك أما سمعت اللّه في كتابه يقول : {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللّه ُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكا عَظِيما(1)} فقد جمع اللّه لهم النبوّة والملك .
قال : فغضب عمر حتّى رأيت عينيه توقدان ثمّ قال : ما جئتما إلاّ لتفرّقا جمع هذه الأُمّة وتشتّتا أمرها ، فما زلنا نعرف منه الغضب حتّى هلك(2).
ص: 180
وَغَدْرٍ أَضْمَرُوه
... -...
لا يغدر المؤمن بل لا يغدر الصادق وإن لم يكن مؤمنا ، فقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أمّا علامة الصادق فأربعة : ... ويجتنب الغدر(1).
وما هو مصير الغدر ؟ إنّه النار .
فقد خطب علي عليه السلام على المنبر بالكوفة فقال : ألا إنّ لكلّ غدرة فجرة ولكلّ فجرة كفرة ألا وإنّ الغدر والفجور والخيانة في النار(2).
هذا في المرء الذي يغدر بإنسان مثله ، فكيف بمن بالدين والمذهب والأساس الذي يبنى على الغدر ؟!
وكيف إذا كان الغدير بحيرة الخلق ؟!
والغريب أنّ عمر - وفي صحاحهم يصرّح ويعترف بأنّه وصاحبه أبا بكر لعنهما اللّه غادران ، وذلك في منظار أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله كما سيأتي نصّ الحديث .
فكيف حال من يعتقد به أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه غادر ؟!
بعد قضية فدك ودفاع علي عليه السلام عن مظلومية الزهراء عليهاالسلام رجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما ، وبعث أبو بكر إلى عمر فدعاه ، ثمّ قال له : أما رأيت مجلس علي منّا في هذا اليوم ! واللّه لئن قعد مقعدا آخر مثله ليفسدنّ علينا أمرنا ، فما الرأي ؟ فقال عمر : الرأي أن تأمر بقتله ، فقال : فمن يقتله ؟
ص: 181
قال : خالد بن الوليد . فبعثا إلى خالد بن الوليد فأتاهما .
فقالا له : نريد أن نحملك على أمر عظيم .
فقال : احملاني على ما شئتما ، ولو على قتل علي بن أبي طالب ( عليه السلام) .
قالا : فهو ذلك .
قال خالد : متى أقتله ؟
قال أبو بكر : احضر المسجد وقم بجنبه في الصلاة ، فإذا سلّمت فقم إليه واضرب عنقه .
قال : نعم .
فسمعت أسماء بنت عميس - وكانت تحت أبي بكر - فقالت لجاريتها : اذهبي إلى منزل علي وفاطمة عليهماالسلام واقرئيهما السلام ، وقولي لعلي : {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ(1)}. فجاءت .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : قولي لها : إنّ اللّه يحول بينهم وبين ما يريدون .
ثمّ قام وتهيّأ للصلاة ، وحضر المسجد ، وصلّى لنفسه خلف أبي بكر ، وخالد بن الوليد يصلّي بجنبه ومعه السيف ، فلمّا جلس أبو بكر في التشهّد ندم على ما قال وخاف الفتنة ، وعرف شدّة علي وبأسه ، فلم يزل متفكّرا لا يجسر أن يسلّم ، حتّى ظنّ الناس أنّه قد سها .
ثمّ التفت إلى خالد فقال : ياخالد ! لا تفعلنّ ما أمرتك ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته .
ص: 182
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ياخالد ! ما الذي أمرك به ؟!
فقال : أمرني بضرب عنقك .
قال : أو كنت فاعلاً ؟!
قال : إي واللّه لولا أنّه قال لي : لا تقتله قبل التسليم لقتلتك .
قال : فأخذه علي فجلد به الأرض ، فاجتمع الناس عليه .
فقال عمر : يقتله وربّ الكعبة .
فقال الناس : ياأبا الحسن ! اللّه اللّه ، بحقّ صاحب القبر .
فخلّى عنه ، ثمّ التفت إلى عمر فأخذ بتلابيبه وقال : يابن صهّاك ! واللّه لولا عهد من رسول اللّه وكتاب من اللّه سبق لعلمت أيّنا أضعف ناصرا وأقلّ عددا ودخل منزله(1).
ومن الغريب أنّ عمر يصرّح أنّ عليا عليه السلام والعبّاس كانا يعتقدان فيه وفي أبي بكر أنّهما كاذبان آثمان غادران خائنان وإليك نصّ الحديث :
مالك بن أوس - في رواية طويلة - قال : قال عمر لعلي عليه السلام والعبّاس ... قال أبو بكر : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا نورّث وما تركناه صدقة ، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ، واللّه يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ .
ثمّ توفّى أبو بكر فقلت أنا ولي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وولي أبو بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا واللّه يعلم أنّي لصادق بارّ تابع للحقّ فولّيتهما(2).
ص: 183
فاطمة الزهراء عليهاالسلام في خطبتها : ... أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له :
ياأبا بكر ! وعلى مثلي يتفقّه الجاهلون ؟ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمركم ببيعتي وفرض عليكم طاعتي وجعلني فيكم كبيت اللّه الحرام يؤتى ولا يأتي فقال : ياعلي ! ستغدر بك أُمّتي من بعدي كما غدرت الأُمم بعد مضي الأنبياء بأوصيائها إلاّ قليل(2).
قيل لأمير المؤمنين عليه السلام في جلوسه عنهم ؟
قال : إنّي ذكرت قول النبي صلى الله عليه و آله : إن رأيت القوم نقضوا أمرك واستبدّوا بها دونك وعصوني فيك ، فعليك بالصبر حتّى ينزل الأمر ، فإنّهم سيغدرون بك(3).
أمير المؤمنين عليه السلام :
أيّها الناس ! إنّكم قد أبيتم إلاّ أن أقول : أما وربّ السماوات والأرض ، لقد
ص: 184
عهد إليّ خليلي أنّ الأُمّة ستغدر بك من بعدي(1).
عن أنس بن مالك قال :
مرض علي عليه السلام فثقل ، فجلست عند رأسه فدخل رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه الناس فامتلأ البيت ، فقمت من مجلسي ، فجلس فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله فغمز أبو بكر عمر فقام ، فقال : يارسول اللّه ! إنّك كنت عهدت إلينا في هذا عهدا وإنّا لا نراه إلاّ لما به ، فإن كان شيء فإلى مَن ؟ فسكت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلم يجبه ، فغمزه الثانية فكذلك ثمّ الثالثة .
فرفع رسول اللّه صلى الله عليه و آله رأسه ثمّ قال : إنّ هذا لا يموت من وجعه هذا ، ولا يموت حتّى تملياه غيظا وتوسعاه غدرا وتجداه صابرا(2).
رسول اللّه صلى الله عليه و آله : .. والذي نفسي بيده - ياعمر ! - لا يموت علي حتّى يملأ غيظا ويوسع غدرا ويوجد من بعدي صابرا(3).
ص: 185
وَبَطْنٍ فَتَقُوه
... -...
« المرأة ريحانة وليست بقهرمانة فدارها على كلّ حال »(1).
هكذا يأمرنا الإسلام ، فهذه هي وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام بالنسبة إلى النساء جميعا وفي جميع الأحوال :
وأمّا إذا كانت المرأة حاملاً فتتأكّد الوصيّة ويشتدّ الأمر برعايتها في فترة الحمل ؛ ولذا يرفع عنها وجوب الصوم فيما إذا خافت على نفسها أو جنينها ، وذلك رعاية لمشاعرها وأحاسيسها وتقديرا لها لما تقوم به من عمل عظيم في رعاية الإنسان الذي كرّمه اللّه وجعله خليفة في الأرض .
هذا منطق الإسلام بالنسبة إلى الحبلى .
ولكن منطق أبي بكر وعمر لعنهما اللّه واضح إنّه :
الهجوم .. التهديد .. الصراخ .. الرعب .. الحطب .. النار .. الضرب .. العصر .. إسقاط الجنين والقتل والدمار .
حدث كلّ ذلك مع سيّدة نساء العالمين وهي تحمل في جنباتها حفيدا لرسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى نادت وهي بين الحائط والباب : ياأبتاه ! يارسول اللّه ! أهكذا يصنع بحبيبتك ؟!
يقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حقّ ابنته فاطمة عليهاالسلام - في حديث - :
« وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وهي بضعة منّي وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي وهي روحي التي بين جنبي وهي
ص: 186
الحوراء الإنسية »(1).
ويقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله في حقّ ابنته فاطمة عليهاالسلام أيضا :
« فاطمة بضعة منّي من سرّها فقد سرّني ومن ساءها فقد ساءني »(2).
ويقول صلى الله عليه و آله أيضا مخاطبا ابنته فاطمة عليهاالسلام : فداك أبوك(3).
ويقول صلى الله عليه و آله وقد التزمها : اللهمّ إنّها منّي وأنا منها(4).
هذه هي فاطمة عليهاالسلام .
فكيف لنا أن نتعامل معها ! يجب أن نتعامل معها كما نتعامل مع الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله لأنّها منه وهو منها .
إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين (المحسن) من بطنها وكان يصيح : احرقوا دارها بمن فيها .
وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين(5).
ص: 187
وَضِلْعٍ كَسَّرُوه
... -...
الرسول صلى الله عليه و آله ... رسول الإنسانية ... رسول الرحمة ، وفي يوم فتح مكّة كان يوم العفو العام عن الجميع حتّى المشركين وهو يوم الإعلان عن المرحمة ينادي بأعلى صوته : اذهبوا فأنتم الطلقاء . ويعفو عنهم ، ولكن مع ذلك يهدر دم هبّار بن الأسود(1)!
لماذا ؟!! لأنّه روّع ابنة رسول اللّه صلى الله عليه و آله زينب ، وهي في طريق الهجرة إلى المدينة فأسقطت(2)!
فما بالك بمن روّع بضعة الرسول وفلذة كبده وروحه التي بين جنبيه سيّدة نساء العالمين وحبيبة المصطفى السيّدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام !!
عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
وإنّي لمّا رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأنّي وقد دخل الذلّ بيتها وانتهكت حرمتها وغصبت حقّها ومنعت إرثها وكسر جنبها وأسقطت جنينها وهي تنادي : يامحمّداه ! فلا تجاب وتستغيث فلا تغاث .
فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية تتذكّر انقطاع الوحي عن بيتها مرّة ، وتتذكّر فراقي أُخرى ، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع
ص: 188
إليه إذا تهجّدت بالقرآن ، ثمّ ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيّام أبيها عزيزة ... .
فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك : « اللهمّ العن من ظلمها وعاقب من غصبها وذلّل من أذلّها وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها » فتقول الملائكة عند ذلك : آمين(1).
فحملوا حطبا وحمل معهم عمر وجعلوه حول منزله وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام ثمّ نادى عمر حتّى أسمع عليا عليه السلام : واللّه لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول اللّه أو لأضرمنّ عليك بيتك نارا ، ثمّ رجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يخاف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه ، لما عرف من بأسه وشدّته ، ثمّ قال لقنفذ : إنّ خرج وإلاّ فاقتحم عليه ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم نارا ، فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار علي إلى سيفه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثروا عليه فضبطوه وألقوا في عنقه حبلاً .
وحالت فاطمة عليهاالسلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها ، وإنّ بعضدها مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها .
فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : اضربها ، فألجأها إلى عضادة باب بيتها فدفعها فكسر ضلعا من جنبها وألقت جنينا من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت من ذلك شهيدة صلوات اللّه عليها . ثمّ انطلقوا بعلي عليه السلام ملبّبا(2).
ص: 189
وَجَنِينٍ أَسْقَطُوه
... -...
الإمام الصادق عليه السلام :
لمّا أُسري بالنبي صلى الله عليه و آله قيل له : .. وأمّا ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقّها غصبا الذي تجعله لها ، وتضرب وهي حامل ، ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ثمّ يمسسها هوان وذلّ ثمّ لا تجد مانعا وتطرح ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب .
أبو عبداللّه عليه السلام : ... .
فخرجت (فاطمة عليهاالسلام) والكتاب معها ، فلقيها عمر فقال : يابنت محمّد ! ما هذا الكتاب الذي معك ؟ فقالت : كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك ، فقال هلمّيه إلي .
فأبت أن تدفعه إليه ، فرفسها برجله وكانت - حاملة بابن اسمه المحسن - فأسقطت المحسن من بطنها ، ثمّ لطمها ، فكأنّي أنظر إلى قرط في أُذنها حين نقفت ، ثمّ
أخذ الكتاب فخرقه(1).
عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله حول ما يجري على فاطمة عليهاالسلام : ... .
فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي فتقدم عليّ محزونة مكروبة ، مغمومة ، مغصوبة ، مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهمّ العن من ظلمها وعاقب من غصبها ، وذلّل
ص: 190
من أذلّها وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها . فتقول الملائكة عند ذلك : آمين(1).
حتّى أدميتها(2)
فيما احتجّ به الحسن عليه السلام على معاوية وأصحابه أنّه قال لمغيرة بن شعبة :
أنت ضربت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالاً منك لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ومخالفة منك لأمره وانتهاكا لحرمته ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يافاطمة أنت سيّدة نساء أهل الجنّة ، اللّه مصيرك (أي مغيرة بن شعبة) إلى النار .
فلمّا أن رأى علي عليه السلام خذلان الناس إيّاه وتركهم نصرته ، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر ، وتعظيمهم إيّاه ، لزم بيته .
فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنّه لم يبق أحد إلاّ وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة ؟ وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا ، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما ، فقال له أبو بكر : من نرسل إليه ؟ فقال عمر : نرسل إليه قنفذا ؛ فهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء ، أحد بني عدي بن كعب ، فأرسله وأرسل معه أعوانا ، وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام فأبى أن يأذن لهم ، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يؤذن لنا .
ص: 191
فقال عمر : اذهبوا فإن أذن لكم وإلاّ فادخلوا بغير إذن !! فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليهاالسلام : أحرج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن ، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون ، فقالوا : إنّ فاطمة قالت كذا وكذا ، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن .
فغضب عمر وقال (لعنه اللّه) : ما لنا وللنساء ثمّ أمر أُناسا حوله بتحصيل الحطب وحملوا الحطب وحمل معهم عمر ، فجعلوه حول منزل علي عليه السلام وفيه علي وفاطمة وابناهما .
ثمّ نادى عمر حتّى أسمع عليا وفاطمة : واللّه لتخرجنّ عليّ ولتبايعنّ خليفة رسول اللّه وإلاّ أضرمت عليك النار ، فقامت فاطمة عليهاالسلام فقالت : ياعمر ! مالنا ولك ؟! فقال : افتحي الباب وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم ، فقالت : ياعمر ! أما تتّقي اللّه
تدخل عليّ بيتي ؟
فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثمّ دفعه فدخل .
فاستقبلته فاطمة عليهاالسلام وصاحت ياأبتاه يارسول اللّه ! فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها ، فصرخت ياأبتاه ! فرفع السوط فضرب به ذراعها ، فنادت يارسول اللّه ! لبئس ما خلّفك أبو بكر وعمر ، فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته ، وهمّ بقتله ، فذكر قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وما أوصاه به ، فقال : والذي كرّم محمّدا صلى الله عليه و آله بالنبوّة يابن صهّاك لولا كتاب من اللّه سبق ، وعهد عهد إليّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلمت أنّك لا تدخل بيتي .
فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتّى دخلوا الدار ، وثار علي عليه السلام إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدّته فقال أبو بكر لقنفذ : ارجع فإن خرج فاقتحم عليه بيته ، فإن امتنع
ص: 192
فاضرم عليهم بيتهم النار ، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه ، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه ، فألقوا في عنقه حبلاً ، وحالت بينهم وبينه فاطمة عليهاالسلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإنّ في عضدها مثل الدملج من ضربته لعنه اللّه ثمّ انطلقوا بعلي عليه السلام قيل(1) حتّى انتهى به إلى أبي بكر ، وعمر قائم بالسيف على رأسه ، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح .
قال : قلت لسلمان : أدخلوا على فاطمة بغير إذن ؟! قال : إي واللّه ، وما عليها خمار فنادت : ياأبتاه يارسول اللّه ! فلبئس ما خلّفك أبو بكر وعمر ... ، تنادي بأعلى
صوتها ، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون ما فيهم إلاّ باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول : إنّا لسنا من النساء ورأيهنّ في شيء .
قال : فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يقول : أما واللّه لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنّكم لم تصلوا إلى هذا أبدا ، أما واللّه ما ألوم نفسي في جهادكم(2).
ص: 193
وَصَكٍّ مَزَّقُوه
... -...
إنّهم مزّقوا كلّ شيء ... .
مزّقوا المقدّسات ... .
مزّقوا القرآن ... .
مزّقوا صحيفة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
مزّقوا قلب الرسول ... .
مزّقوا قلب الوصي ... .
مزّقوا قلب الزهراء عليهاالسلام .
مزّقوا قلب الحسن والحسين وزينب ... .
مزّقوا قلب كلّ مؤمن ومؤمنة .
حتّى إنّ الرسول صلى الله عليه و آله شهد عليهم بذلك وهو في فراش الموت ، فقد قال صلى الله عليه و آله : اسودّت وجوه أقوام وردّوا ظماء مظمئين إلى نار جهنّم ؛ مزّقوا الثقل الأوّل الأعظم وأخّروا الثقل الأصغر ، حسابهم على اللّه (1).
فاطمة الزهراء عليهاالسلام :
لا تصلّ عليّ أُمّة نقضت عهد اللّه وعهد أبي رسول اللّه صلى الله عليه و آله في أمير المؤمنين علي عليه السلام وظلموني حقّي وأخذوا إرثي وخرقوا صحيفتي(2) التي كتبها لي أبي بملك
ص: 194
فدك(1).
أبو عبداللّه عليه السلام : ... .
فكتب (أبو بكر) لها كتابا ودفعه إليها ، فدخل عمر ، فقال : ما هذا الكتاب ؟ فقال : إنّ فاطمة ادّعت في فدك وشهدت لها أُمّ أيمن وعلي عليه السلام فكتبته فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزّقه(2).
أبو جعفر عليه السلام ... :
فاستقبلها عمر فقال : من أين جئت يابنت رسول اللّه ؟
قالت : من عند أبي بكر من شأن فدك قد كتب لي بها .
فقال عمر : هاتي الكتاب ، فأعطته فبصق فيه ومحاه ، عجّل اللّه خزاه(3).
أبو عبداللّه عليه السلام : ... .
فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر فقال : يابنت محمّد ! ما هذا الكتاب الذي معك ؟
فقالت : كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك .
ص: 195
فقال : هلمّيه إليّ .
فأبت أن تدفعه إليه ، فرفسها برجله - وكانت حاملة بابن اسمه المحسن - فأسقطت المحسن من بطنها ثمّ لطمها .
فكأنّي أنظر إلى قرط في أُذنها حين نتف(1)، ثمّ أخذ الكتاب فخرقه(2).
{مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ(3)} قال المنّاع : الثاني ، (والخير) ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وحقوق آل محمّد عليهم السلام .
ولمّا كتب الأوّل كتاب فدك يردّها على فاطمة عليهاالسلام شقّه الثاني فهو {مُعْتَدٍ مُرِيبٍ(4)} {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللّه ِ إِلَها آخَرَ(5)} قال : هو ما قالوا نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة والخمس(6).
أبو ذرّ الغفاري رضوان اللّه عليه قال : لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى الله عليه و آله : {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ(7)} قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ترد أُمّتي يوم القيامة على خمس رايات ، فأوّلها مع عجل هذه الأُمّة فآخذ بيده ، فترجف قدماه
ص: 196
ويسودّ وجهه ووجوه أصحابه .
فأقول : ما فعلتم بالثقلين بعدي ؟!
فيقولون : أمّا الأكبر ، فخرقناه ومزّقناه وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه .
فأقول : ردّوا ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم ، فيؤخذ بهم ذات الشمال لا يسقون قطرة .
ثمّ ترد عليّ راية فرعون هذه الأُمّة فأقوم فآخذه بيده ثمّ ترتجف قدماه ويسودّ وجهه ووجوه أصحابه .
فأقول : ما فعلتم بالثقلين بعدي ؟!
فيقولون : أمّا الأكبر فمزّقناه وأمّا الأصغر فبرئنا منه ولعناه .
فأقول : ردّوا ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم فيؤخذ بهم ذات الشمال لا يسقون قطرة(1).
ص: 197
وَشَمْلٍ بَدَّدُوه
... -...
بينما يأمر الإسلام بتوحيد الكلمة واجتماع الأُمّة والابتعاد عن الفرقة ورصّ الصفوف ولمّ الشمل ، ترى إنّ أبا بكر وعمر وأتباعهما إلى يومنا هذا يسعون كلّ السعي في تبديد الشمل مهما كان .
فقد رأوا أنّ أهل البيت عليهم السلام هم القوّة العظمى - مادّية ومعنوية - فلابدّ من إنهاء هذه القوّة بأيّة صورة ومهما كلّف الأمر ، ولابدّ من تبديد الشمل حتّى لا يمكن
الاجتماع حولهم والاستضاءة بنورهم والسير في ظلالهم ؛ ولذلك عمدوا إلى إبعاد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وقتل سيّدة نساء العالمين الزهراء عليهاالسلام بتلك الصورة الفجيعة ، ثمّ استمرّت سلسلة الاغتيالات لأهل البيت عليهم السلام ولأتباعهم وأنصارهم وشيعتهم وإلى يومنا هذا ، حيث الظلم والاضطهاد والتشريد والتهجير القسري في البلاد الإسلامية لشيعة أمير المؤمنين عليه السلام وثمّ اغتيالهم و.. .
كلّ ذلك لأجل أن لا يبقى هنالك نور يستضاء به ولا يبقى لهم شمل واجتماع ، ولم يقتصر أمر تبديد الشمل على أُسرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله بل شملت القريب والبعيد الداني والقاصي ، حسب الأهواء والمشتهيات السياسية والنفسانية ، حسب الأغراض والأعذار الواهية التي لا تمتّ إلى الشرع بصلة ولا تنبع عن الحكمة والعقل وتبتعد عن القيم الإسلامية ، بل تبتعد حتّى عن الفطرة الإنسانية والعاطفة البشرية .
أمير المؤمنين عليه السلام :
بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول اللّه صلى الله عليه و آله إذ التفت إلينا فبكى .
ص: 198
فقلت : ما يبكيك يارسول اللّه ؟
فقال : أبكي ممّا يصنع بكم بعدي .
فقلت : وما ذاك يارسول اللّه ؟
قال : أبكي من ضربتك على القرن ، ولطم فاطمة خدّها ، وطعنة الحسن في الفخذ ، والسمّ الذي يسقى ، وقتل الحسين(1).
عن محمّد بن سعيد ، قال : بينا عمر يطوف في بعض سكك المدينة إذا سمع امرأة تهتف من خدرها :
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ***أم هل سبيل إلى نصر بن حجّاج
إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل ***سهل المحيّا كريم غير ملجاج
تنميه أعراق صدق حين تنسبه ***أخي قداح عن المكروب فياج
سامي النواظر من بهر له قدم ***يضيء صورته في الحالك الداجي
فقال : ألا لا أرى معي رجلاً تهتف به العواتق في خدورهنّ ! عليّ بنصر بن حجّاج ، فأُتي به ، وإذا هو أحسن الناس وجها وعينا وشعرا ، فأمر بشعره فجزّ ، فخرجت له وجنتان كأنّهما قمر ، فأمره أن يعتمّ فاعتمّ ، ففتن النساء بعينيه ، فقال عمر : لا واللّه لا تساكنني بأرض أنا بها فقال : ولِمَ ياأمير المؤمنين ؟! قال : هو ما أقول لك ، فسيّره
إلى البصرة(2).
ص: 200
وخافت المرأة التي تسمع عمر منها ما سمع أن يبدر إليها منه شيء ، فدسّت إليه أبياتا :
قل للأمير الذي يخشى بوادره ***مالي وللخمر أو نصر بن حجّاج
إنّي بليت أبا حفص بغيرهما ***شرب الحليب وطرف فاتر ساجي
لا تجعل الظنّ حقّا أو تبيّنه ***إنّ السبيل سبيل الخائف الراجي
ما منية قلتها عرضا بضائرة ***والناس من هالك قدما ومن ناجي
إنّ الهوى رمية التقوى فقيده ***حفظي أقرّ بألجام وأسراجي
فبكى عمر ، وقال : الحمد للّه الذي قيّد الهوى بالتقوى .
وكان لنصر أُمّ فأتى عليه حين واشتدّ عليها غيبة ابنها ، فتعرّضت لعمر بين الأذان والإقامة ، فقعدت له على الطريق ، فلمّا خرج يريد الصلاة هتفت به وقالت : ياأمير المؤمنين ! لأُجاثينّك(1) غدا بين يدي اللّه عزّوجلّ ، ولأُخاصمنّك إليه ، أجلست عاصما وعبداللّه إلى جانبيك وبيني وبين ابني الفيافي والقفار والمفاوز والأميال ؟! قال : من هذه ؟ قيل : أُمّ نصر بن الحجّاج ، فقال لها : ياأُمّ نصر ! إنّ
عاصما وعبداللّه لم يهتف بهما العواتق من وراء الخدور .
ثمّ روي عن الأصمعي ... أنّ نصر بن الحجّاج كتب إلى عمر كتابا هذه صورته :
لعبداللّه عمر .. من نصر بن الحجّاج : سلام عليك ، أمّا بعد ، ياأمير المؤمنين !
لعمري لئن سيّرتني أو حرمتني ***لما نلت من عرضي عليك حرام
ص: 201
أئن غنّت الذلفاء يوما بمنية ***وبعض أماني النساء غرام
ظننت بي الظنّ الذي ليس بعده ***بقاء فما لي في الندى كلام
وأصبحت منفيا على غير ريبة ***وقد كان لي بالمكّتين مقام
سيمنعني عمّا تظنّ تكرّمي ***وآباء صدق صالحون كرام
ويمنعها ممّا تمنّت صلاتها ***وحال لها في دينها وصيام
فهاتان حالانا فهل أنت راجع ***فقد جبّ مني كاهل وسنام
فقال عمر : أما ولي إمارة فلا ، وأقطعه أرضا بالبصرة ودارا ، فلمّا قتل عمر ركب راحلته ولحق بالمدينة(1).
وروى عبداللّه بن يزيد : أنّ عمر خرج ليلة يعس فإذا نسوة يتحدّثن ، وإذا هنّ يقلن : أي فتيان المدينة أصبح ؟ فقالت امرأة منهنّ : أبو ذؤيب واللّه ، فلمّا أصبح
عمر سأل عنه ، فإذا هو من بني سليم ، وإذا هو ابن عمّ نصر بن حجّاج ، فأُتي إليه ، فحضر ، فإذا هو أجمل الناس وأملحهم ، فلمّا نظر إليه قال : أنت واللّه ذئبهنّ ! ويكرّرها ويردّدها لا والذي نفسي بيده لا تجامعني بأرض أبدا .
فقال : ياأمير المؤمنين ! إن كنت لابدّ مسيري فسيّرني حيث سيّرت ابن عمّي نصر بن الحجّاج ، فأمر بتسييره إلى البصرة ، فأُشخص إليها(2).
ص: 202
وَعَزِيزٍ أَذَلُّوه
... -...
الإسلام يأمر بإعزاز العزيز عبر إكرامه وتقديره واحترامه و... حتّى وإن كان كافرا .
فهاهو رسول اللّه رسول الرحمة والإنسانية يصرّح قائلاً :
ارحموا عزيز قوم ذل(1).
فإذا كانت رؤية الإسلام لعزيز قوم ذلّ هي الرحمة والإكرام .
فما هي رؤية الإسلام لعزيز من المؤمنين ؟
وما هي رؤية الإسلام لعزيز من الأولياء ؟
وما هي رؤية الإسلام لعزيز رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
ومن هو أعزّ من علي وفاطمة عند رسول اللّه (صلوات اللّه عليهم أجمعين) ؟
ولكن ياليتك كنت موجودا يارسول اللّه لترى بأُمّ عينيك ماذا فعلوا بأعزّائك حتّى قالت بضعتك وفلذة كبدك :
قل للمغيّب تحت أطباق الثرى ***إن كنت تسمع صرختي وندائيا
صبّت عليّ مصائب لو أنّها ***صبّت على الأيّام صرن لياليا
قد كنت ذات حمى بظلّ محمّد ***لا أخش من ضيم وكان حمى ليا
فاليوم أخضع للذليل وأتّقي ***ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا
فإذا بكت قمرية في ليلها ***شجنا على غصن بكيت صباحيا
ص: 204
فلأجعلنّ الحزن بعدك مونسي ***ولأجعلنّ الدمع فيك وشاحيا
ماذا على من شمّ تربة أحمد ***أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا(1)
الإمام الصادق عليه السلام :
لمّا أُسري بالنبي صلى الله عليه و آله إلى السماء قيل له : ... .
وأمّا ابنتك فتظلم وتحرم ويؤخذ حقّها غصبا وتضرب وهي حامل ويدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها - بغير إذن - ثمّ يمسّها هوان وذلّ ثمّ لا تجد مانعا وتطرح
ما في بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب . قلت إنّا للّه وإنّا إليه راجعون(2).
الرسول صلى الله عليه و آله :
وإنّي لمّا رأيتها تذكّرت ما يصنع بها بعدي ، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها وانتهكت حرمتها و... فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك : اللهمّ العن من ظلمها وعاقب من غصبها وذلّل من أذلّها وأخلد في نارك من ضرب جنبها حتّى ألقت ولدها . فتقول الملائكة عند ذلك : آمين(3).
أتى عمر بن الخطّاب منزل علي فقال : واللّه لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ
ص: 206
للبيعة(1).
وروى الواقدي أنّ عمر بن الخطّاب جاء إلى علي عليه السلام في عصابة فيهم أُسيد بن حضير وسلمة بن أسلم فقال : أخرجوا أو لنحرقنّها عليكم .
وروى ابن خنزابة في غرره قال زيد بن أسلم : كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة عليهاالسلام حين امتنع عليه السلام علي وأصحابه عن البيعة ، فقال عمر لفاطمة : أخرجي من في البيت أو لأحرقنّه ومن فيه ، قال : وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه و آله .
فقالت فاطمة عليهاالسلام : أتحرق عليا وولدي ؟! قال : إي واللّه أو ليخرجنّ وليبايعنّ(2).
ص: 207
فأمّا علي عليه السلام والعبّاس فقعدا في بيت فاطمة عليهاالسلام وقال أبو بكر لعمر بن الخطّاب إن أبيا فقاتلهما ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما النار ، فلقيته فاطمة فقالت : ياابن الخطّاب ! أجئت لتحرق دارنا ؟! قال : نعم(1).
أمير المؤمنين عليه السلام :
اليوم أكشف السريرة عن حقّي ، وأُجلي القذى عن ظلامتي حتّى يظهر لأهل اللبّ والمعرفة أنّي مذلّل مضطهد مظلوم مغصوب مقهور محقور وإنّهم ابتزّوا حقّي ، واستأثروا بميراثي(2).
ص: 208
وَذَلِيلٍ أَعَزُّوه
... -...
لكم يؤلم قلب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يرى الأذلاّء وهم يرتقون منبره ظلما وجورا ويتكلّمون باسمه وكأنّهم المنصوبون للخلافة من قبله .
ولكنّهم هم الأذلاّء الذين تجبّروا بغصبهم الخلافة من أهلها ، وهؤلاء هم الأذلاّء الذين تعزّزوا بإيذائهم للعترة الطاهرة(1).
أمير المؤمنين عليه السلام : ... .
فإنّه لمّا قبض اللّه نبيّه صلى الله عليه و آله قلنا : نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد ولا يطمع في حقنا طامع ، إذ انتزى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الإمرة لغيرنا وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ويتعزّز علينا الذليل .
ص: 209
وَحَقٍّ مَنَعُوه
... -...
الحقّ المغصوب يبقى في ذمّة غاصبه إلى أن يرضى صاحبه .
وبعد الأداء يبقى كذلك في ذمّة غاصبه إلى أن يرضى صاحبه .
وقد يغفر اللّه تعالى عن ذنب من ضيّع حقّه .
ولكن لا يمكن أن يغفر اللّه من ضيّع حقّ الناس إلاّ أن يسترضيهم .
وأنّى له ذلك لو كان الحقّ عاما يتعلّق بجميع الناس !!
وأبو بكر وعمر لعنهما اللّه ضيّعا حقّ اللّه في خلافة الأرض وفي ... .
وأبو بكر وعمر لعنهما اللّه ضيّعا حقّ رسول اللّه في خليفته وفي ... .
وأبو بكر وعمر لعنهما اللّه ضيّعا حقّ العترة في الخلافة وفي ... .
وأبو بكر وعمر لعنهما اللّه ضيّعا حقّ الناس - جميع الناس - في قيادتهم وفي ... .
فكيف المخلص ؟!
أمير المؤمنين عليه السلام :
فواللّه ما زلت مدفوعا عن حقّي ، مستأثرا عليّ منذ قبض نبيَّهُ صلى الله عليه و آله حتّى يوم الناس هذا(1).
الزهراء عليهاالسلام : ... فإن انتزعا منّي البلغة ومنعاني اللمظة فأحتسبها يوم الحشر
ص: 210
زلفة ، وليجدنّها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم(1).
أمير المؤمنين عليه السلام : اللهمّ أجز قريشا فإنّها منعتني حقّي وغصبتني أمري(2).
الحسن بن علي عليهماالسلام : إن أبا بكر منع فاطمة عليهاالسلام وبني هاشم سهم ذوي القربى وجعلها في سبيل اللّه في السلاح والكراع ..(3).
أمير المؤمنين عليه السلام : ... ياأبا بكر ! إذا رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيا ويقول لك : إنّك ظالم لي في أخذ حقّي الذي جعله اللّه لي ورسوله دونك ودون المسلمين ، أتسلّم هذا الأمر إليّ وتخلع نفسك منه(4)؟
في رسالة أُسامة بن زيد إلى أبي بكر : ... .
واعلم : أنّي ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين : فلا واللّه ما رضينا بك ولا ولّيناك أمرنا ، وانظر أن تدفع الحقّ إلى أهله وتخلّيهم وإياه فإنّهم أحقّ به
منك(5).
ص: 211
وَإِمامٍ خالَفُوه
... -...
من خالف الإمام وخرج من طاعته ولم يعرف إمام زمانه « مات ميتة جاهلية » هذا ما اتّفق عليه الشيعة والسنّة .
أمّا من الشيعة ، فلتواتر ذلك عندهم عن الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله : « من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية »(1).
وأمّا السنّة ، ففي كتبهم المعتبرة بل في صحاحهم : « من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية »(2).
ومن هو ذلك الإمام الذي خالفوه ؟
إنّه أمير المؤمنين علي عليه السلام .
فقد تطرّق رسول اللّه صلى الله عليه و آله بذلك مرّات عديدة ومنها : قوله : « علي هو الإمام والحجّة بعدي »(3) ولكن القوم مع علمهم بإمامته وخلافته خالفوه ، فهم في نار جهنّم خالدون .
في حديث لملك من الملائكة للرسول الأعظم صلى الله عليه و آله :
يامحمّد ! تتبعه - أي عليا عليه السلام - من أُمّتك أبرارها وتخالف عليه من أُمّتك
ص: 212
فجّارها(1).
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام : ... .
ياعلي ! إنّ أصحاب موسى اتّخذوا بعده عجلاً فخالفوا خليفته وستتّخذ أُمّتي بعدي عجلاً ثمّ عجلاً ثمّ عجلاً ويخالفونك ، وأنت خليفتي على هؤلاء ، يضاهئون أُولئك في اتّخاذهم العجل .
ألا فمن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيق الأعلى ، ومن اتّخذ بعدي العجل وخالفك ولم يتب فأُولئك مع الذين اتّخذوا العجل زمان موسى ولم يتوبوا ، في نار جهنّم خالدين مخلّدين(2).
عمر بن الخطّاب مخاطبا سلمان : ... .
ياسلمان ! اقبل منّي ، أقول لك ، ما علي إلاّ ساحر ، وإنّي لمشفق عليك منه والصواب أن تفارقه وتصير في جملتنا(3).
ص: 213
وَآيَةٍ حَرَّفُوها
... -...
لقد وضعا كلّ جهدهم لتحريف القرآن - زيادة ونقيصة - .
لقد حاولا أن يحرّفا الإسلام ويجعلاه كالمسيحية واليهودية .
ولكن هيهات واللّه هو الحافظ {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(1)}.
فاضطرّا لمنع تدوين الحديث ووضع الأحاديث الكاذبة ، وأدخل التحريف في التفسير والتأويل .
قال عمر : كنّا نقرأ آية الرجم : « الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من اللّه واللّه عزيز حكيم !! »(2).
قال أمير المؤمنين عليه السلام : ... .
لن يخفى على ما بيّتم فيه ، حرّفتم وغيّرتم ، وبدّلتم تسعمائة حرف .
ثلاثمائة حرّفتم ، وثلاثمائة غيّرتم ، وثلاثمائة بدّلتم .
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند اللّه (3).
ص: 214
وَفَرِيضَةٍ تَرَكُوها
... -...
الفرائض الإلهية هي مجموعة القوانين التي أتى بها النبي الأعظم صلى الله عليه و آله من اللّه تعالى ، والمتتبّع لها عن اعتقاد هو المؤمن حقّا .
ولكن تاركها ومنكرها خارج عن دائرة الإيمان بل عن دائرة الإسلام .
فعن الصادق عليه السلام : إنّ اللّه عزّوجلّ فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافرا(1).
هذا وأهمّ الفرائض مودّة ذي القربى ، فقد جعلت أجرا لرسالة رسول اللّه صلى الله عليه و آله : {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى(2)}.
فهل ياترى أدّى القوم حقّ هذه الفريضة ؟!
أمّ تركوها بين الحائط والباب وهي تصرخ : ياأبتاه يارسول اللّه ! هكذا يصنع بحبيبتك وابنتك !!
وأمّا غيرها من الفرائض التي تركها الشيخان وأنكراها فهي ممّا لا تعدّ ولا تحصى ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض تلك الأُمور :
أمير المؤمنين علي عليه السلام في حديث طويل :
والعجب لهدمه منزل أخي جعفر وإلحاقه في المسجد ، ولم يعط بنيه من ثمنه قليلاً ولا كثيرا ، ثمّ لم يعب ذلك عليه الناس ولم يعيّروه ، فكأنّما أخذ منزل رجل من
ص: 215
الديلم وفي رواية أُخرى : دار رجل من ترك كابل(1).
أمير المؤمنين عليه السلام - فيما ذكره من بدع عمر - : والعجب لجهله وجهل الأُمّة أنّه كتب إلى جميع عمّاله : إنّ الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلّي ، وليس له أن يتيمّم بالصعيد حتّى يجد الماء ، وإن لم يجده حتّى يلقى اللّه .
وفي رواية أُخرى : وإن لم يجده سنة ، ثمّ قبل الناس منه ورضوا به .
وقد علم وعلم الناس أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد أمر عمّارا وأمر أبا ذرّ أن يتيمّما من الجنابة ويصلّيا وشهدا به عنده وغيرهما فلم يقبل ذلك ولم يرفع به رأسا(2).
ص: 216
وَسُنَّةٍ غَيَّرُوها
... -...
حاولوا - كلّ جهدهم - أن يغيّروا جميع سنن النبي صلى الله عليه و آله ولولا ما وصلنا من أحاديث أهل البيت عليهم السلام لكانت سنن عمر بين أيدينا اليوم نعمل بها - والعياذ باللّه - بعنوان مزوّر هو أنّها سنن النبي صلى الله عليه و آله .
أقبل علي عليه السلام على القوم فقال :
العجب لقوم يرون سنّة نبيّهم تتبدّل وتتغيّر شيئا شيئا وبابا بابا ثمّ يرضون ولا ينكرون بل يغضبون له ويعتبون على من عاب عليه وأنكره !!
ثمّ يجيئ قوم بعدنا فيتّبعون بدعته وجوره وإحداثه ويتّخذون إحداثه سنّة ودينا يتقرّبون بهما إلى اللّه بعدنا ، فيتّبعون بدعته وجوره وإحداثه ويتّخذون إحداثه سنّة ودينا يتقرّبون بها إلى اللّه ، في مثل تحويله مقام إبراهيم عليه السلام من الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الموضع الذي كان فيه في الجاهلية الذي حوّله منه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وفي تغييره صاع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومدّه ، وفيهما فريضة وسنّة ، فما كان زيادته إلاّ سوء ؛ لأنّ المساكين في كفّارة اليمين والظهار بهما يعطون ما يجب في الزرع ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : اللهمّ بارك لنا في مدّنا وصاعنا ، لا يحولون بينه وبين ذلك ، لكنّهم رضوا وقبلوا ما صنع(1).
ص: 217
إنّ أبا الصهباء قال لابن عبّاس هات من هناتك ، ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأبي بكر واحدة ؟ فقال : قد كان ذلك ، فلمّا كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم(1).
يقول أمير المؤمنين عليه السلام : ... .
أما واللّه لئن أحييتم سنّتكم لقد أخطأتم سنّة نبيّكم ، ولو جعلتموها في أهل بيت نبيّكم لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم(2).
كانت سنّة الرسول صلى الله عليه و آله التختّم باليمين وأصبحت سنّة عمر التختّم باليسار(3).
ص: 218
وَأَحْكامٍ عَطَّلُوها
... -...
يقول اللّه تبارك وتعالى ويقول أبو بكر وعمر لعنهما ما لا يقوله اللّه ورسوله صلى الله عليه و آله .
يقول اللّه : {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى(1)}.
والخليفة يقول : إنّ القاتل الجاني سيف من سيوف اللّه .
يقول اللّه : {وَلاَ تَجَسَّسُوا(2)} والخليفة يتجسّس !!
يقول اللّه : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللّه ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ(3)} والخليفة يقضي في موضوع واحد ب- (70) حكما !!
وعشرات الموارد الأُخرى .
فهل أنت موحّد أم أنت عمري ؟
اختر أحد الاثنين .
من مطاعن أبي بكر عليه اللعنة أنّه ترك إقامة الحدّ في خالد بن الوليد وقد قتل مالك بن نويرة ونزا على امرأته من ليلته .
وأشار إليه عمر بقتله وعزله فقال : إنّه سيف من سيوف اللّه على أعدائه وقال
ص: 219
عمر مخاطبا لخالد : لئن ولّيت الأمر لأقيدنّك له(1).
وفي خبر آخر ... أنّ عمر لمّا سمع ذلك تكلّم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال : إنّ القصاص قد وجب عليه فلمّا أقبل خالد بن الوليد قافلاً دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلمّا دخل المسجد قام إليه عمر فنزع الأسهم عن رأسه فحطّمها ثمّ قال : ياعدي نفسه ! أعدوت على امرئ مسلم فقتلته ثمّ نزوت على امرأته ، واللّه لنرجمنّك بأحجارك .. وخالد لا يكلّمه ولا يظنّ إلاّ أن رأى أبي بكر مثل ما رأى عمر فيه حتّى دخل إلى أبي بكر واعتذر إليه فعزّزه وتجاوز عنه .
فخرج خالد - وعمر جالس في المسجد - فقال : هلم إليّ يابن أُم شملة ، فعرف عمر أنّ أبا بكر قد رضى عنه فلم يكلّمه ودخل بيته(2).
ومن الأحكام التي عطّلها عمر قضاؤه في قتل قاتل عفا عنه بعض أولياء الدم كما أورده الشافعي(3).
ص: 220
ومن الأحكام التي عطّلها عمر لعنه اللّه :
أنّه كان يعس ليلة فمرّ بدار فيها صوتا فارتاب وتسوّر فوجد رجلاً عنده امرأة وزق خمر .
فقال : ياعدي اللّه ! أظننت أنّ اللّه يسترك وأنت على معصية ؟
فقال : لا تعجل ياأمير المؤمنين ! إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث قال اللّه : {وَلاَ تَجَسَّسُوا(1)} وتجسّست وقال : {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا(2)} وقد تسوّرت ، وقال : {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتا فَسَلِّمُوا(3)} وما سلّمت .
قال : فهل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ قال : نعم واللّه لا أعود . قال : اذهب فقد عفوت عنك(4).
وكان عمر يتلوّن في الأحكام حتّى روي أنّه قضى في الجد بسبعين قضيّة(5)
ص: 221
وقد قال البيهقي(1) عن عبيدة قال : إنّي لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضيّة كلّها ينقض بعضها بعضا .
وذكر ابن أبي الحديد : كان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثمّ ينقضه ويفتي بضدّه وخلافه(2). قضى في الجد مع الأُخوة قضايا كثيرة مختلفة ثمّ خاف من الحكم في هذه المسألة فقال من أراد أن يتقحّم (يقتحم) جراثيم جهنّم فليقل في الجد برأيه(3). وهذا يدلّ على قلّة علمه ، وأنّه كان يحكم بمجرّد الظنّ والتخمين والحدس من غير ثبت ودليل ... .
ومن الأحكام التي عطّلها عمر ترك القود ممّن يستحقّه محاباة كما أورده البيهقي(4).
ص: 222
وَأَرْحامٍ قَطَعُوها
... -...
قطع الرحم من المحرّمات الشديدة التي نهى عنه الإسلام ولعن القرآن قاطع الرحم فقد قال تعالى : {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللّه ُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ(1)}.
وفي آية أُخرى : {وَاتَّقُواْ اللّه َ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ(2)}.
وأي رحم أشرف وأفضل وأولى من رحم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟!
فعن أبي عبداللّه عليه السلام : إنّ الرحم معلّقة بالعرش تقول : اللهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني وهي رحم آل محمّد(3).
ولكن هؤلاء القوم انتهكوا الحرمات ولم يرعوا حقّا حتّى لرحم رسول اللّه .
فلندع عليهم لعنهم اللّه وأصمّهم وأعمى أبصارهم .
أمير المؤمنين عليه السلام : .. اللهمّ إنّي أستعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنّهم قطعوا رحمي وصغّروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي . وفي رواية أُخرى : حقّا كنت أولى به من غيري(4).
ص: 223
وَشَهاداتٍ كَتَمُوها
... -...
{وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ(1)}. هكذا يأمر اللّه تبارك اسمه في القرآن المجيد .
ولكن القوم كتموا الشهادات وكتموا حقوق أمير المؤمنين والعترة عليهم السلام
وفضائلهم ومناقبهم التي ذكرها اللّه تبارك وتعالى والنبي صلى الله عليه و آله .
وذلك حسدا وعداوة .
وخاصّة حقّ أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في الخلافة .
وقد شهدوا أنّ الرسول صلى الله عليه و آله يصرّح بذلك في مواطن عديدة .
ولقد طلب الإمام علي عليه السلام منهم في المسجد أن يشهدوا بما سمعوا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله حينما قال : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » ولكنّهم أبوا ولم يشهدوا فدعا أمير المؤمنين عليه السلام عليهم ، وياليتهم اكتفوا بكتمان الشهادة بل أنّهم تعدّوا ذلك فأنكروها ، وردّوا شهادة من شهد بها وكذّبوا الشهود !!
يقول اللّه تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللّه ِ(2)}.
ويقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : من كتم شهادة ... أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر وفي وجهه كدوح(3) تعرفه الخلائق باسمه ونسبه(4).
ص: 224
فاطمة الزهراء عليهاالسلام أوصت بأن لا يصلّ عليها أحد منهم وعلّلت ذلك بأنّهم : .. كذّبوا شهودي وهم - واللّه - جبريل وميكائيل وأمير المؤمنين عليه السلام وأُمّ أيمن(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له : ... .
العجب لقوم يرون سنّة نبيّهم تتبدّل وتتغيّر شيئا فشيئا وبابا بابا ثمّ يرضون ولا ينكرون ، بل يغضبون له ويعتبون على من عاب عليه وأنكره .
ثمّ يجيء قوم بعدنا فيتّبعون بدعته وجوره وإحداثه ويتّخذون إحداثه سنّة ودينا يتقرّبون بهما إلى اللّه في مثل : .. .
وقبضه وصاحبه فدك وهي في يدي فاطمة عليهاالسلام مقبوضة ، قد أكلت غلّتها على عهد النبي صلى الله عليه و آله فسألها البيّنة على ما في يدها ، ولم يصدّقها ولا صدّق أُمّ أيمن ، وهو يعلم يقينا كما نعلم أنّها في يدها ، ولم يكن يحلّ له أن يسألها البيّنة على ما في يدها ، ولا أن يتّهمها ، ثمّ استحسن الناس ذلك وحمدوه وقالوا : إنّما حمله على ذلك الورع والفضل !! ثمّ حسّن قبح فعلهما أن عدلا عنها فقالا : - نظن - إنّ فاطمة لن تقول إلاّ حقّا ، وإنّ عليا لم يشهد إلاّ بحقّ ، ولو كانت مع أُمّ أيمن امرأة أُخرى أمضيناها لها ، فحظيا بذلك عند الجهّال ، وما هما ومن أمرهما أن يكونا حاكمين فيعطيان أو يمنعان ، ولكن الأُمّة ابتلوا بهما فأدخلا أنفسهما بما لا حقّ لهما فيه ولا علم لهما فيه .
ص: 225
وقد قالت فاطمة عليهاالسلام حين أراد انتزاعها ، وهي في يدها : أليست في يدي وفيها وكيلي ، وقد أكلت غلّتها ورسول اللّه صلى الله عليه و آله حي ؟ قالا : بلى . قالت : فلِمَ
تسألاني البيّنة على ما في يدي ؟! قالا : لأنّها فيءٌ للمسلمين ، فإن قامت بيّنة وإلاّ لم نمضها . قالت لهما - والناس حولهما يسمعون - : أفتريدان أن تردّا ما صنع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتحكما فينا خاصّة بما لم تحكما في سائر المسلمين ؟!
أيّها الناس ! اسمعوا ما ركباها . أرأيتما إن ادّعيت ما في أيدي المسلمين من أموالهم أتسألونني البيّنة أم تسألونهم ؟ قالا : لا ، بل نسألك .
قالت : فإن ادّعى جميع المسلمين ما في يدي تسألونهم البيّنة أم تسألونني ؟
فغضب عمر ، وقال : إنّ هذا فيء للمسلمين وأرضهم وهي في يدي فاطمة تأكل غلّتها ، فإن أقامت بيّنة على ما ادّعيت أنّ رسول اللّه وهبها لها من بين المسلمين وهي فيئهم وحقّهم نظرنا في ذلك .
فقالت : حسبي أنشدكم باللّه أيّها الناس ، أما سمعتم رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : إنّ ابنتي سيّدة نساء العالمين ؟ قالوا : اللهمّ نعم قد سمعناه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله قالت : أفسيّدة نساء أهل الجنّة تدعى الباطل وتأخذ ما ليس لها(1)؟!
ص: 226
وَوَصِيَّةٍ ضَيَّعُوها
... -...
وصايا رسول اللّه صلى الله عليه و آله هي أعظم من الدنيا وما فيها ، بل هي أعظم من الآخرة بما فيها من النعيم .
والوصيّة هي الأقوال والتوصيات التي يتركها الموصي لمن بعده .
ولكنّهم وبكلّ سهولة ضيّعوا وصيّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
وياليتهم فعلوا ذلك بعد استشهاده حيث كان غائبا عنهم ، ولكنّهم بكلّ جسارة ووقاحة ضيّعوا وصاياه في زمن حياته الشريفة .
بل وصلت بهم الوقاحة والجرأة والجسارة إلى أن يضيّعوا وصاياه أمام عينيه وبحضرته الشريفة .
فبعد أن أكّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله مرارا وتكرارا ب- : إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا(1). نراهم بعد استشهاده يتركون العترة ، بل يحاربون العترة ويرفعون شعار : حسبنا كتاب اللّه ، وياليتهم عملوا بكتاب اللّه ، ولكنّهم تركوه وراء ظهورهم .
ونراهم في حضرة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله حينما يأمرهم « ايتوني ... لن تضلّوا بعدي أبدا »(2) تراهم بكلّ وقاحة وطغيان يقولون : إنّ الرجل ليهجر(3).
ما أعظمها من جناية .
ص: 227
سلمان الفارسي مخاطبا أبا بكر : ياأبا بكر ! إلى من تسند أمرك إذا نزل بك القضاء وإلى من تفزع إذا سئلت عمّا لا تعلم وفي القوم من هو أعلم منك وأكثر في الخير إعلاما ومناقب منك وأقرب من رسول اللّه صلى الله عليه و آله قرابة وقدمة في حياته .
وقد أوعز إليكم فتركتم قوله وتناسيتم وصيّته فعمّا قليل يصفو لك الأمر حين تزور القبور وقد أثقلت ظهرك من الأوزار لو حملت إلى قبرك لقدمت على ما قدمت ، فلو راجعت إلى الحقّ وأنصفت أهله لكان ذلك نجاة لك يوم تحتاج إلى عملك ، وتفرد في حفرتك بذنوبك ، وقد سمعت كما سمعنا ورأيت كما رأينا فلم يردعك ذلك عمّا أنت له فاعل ، فاللّه اللّه في نفسك فقد أعذر من أنذر(1).
ص: 228
وَبَيْعَةٍ نَكَثُوها
... -...
{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّه َ(1)}.
والذين يخونون البيعة إنّما يخونون اللّه .
لقد بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أن يتّبعوا أوامره ويطيعوه ويقتدوا به ، ولا يخالفوا أمره . وأمرهم صلى الله عليه و آله بالبيعة لعلي عليه السلام فبايعوا عليا عليه السلام وسلّموا عليه بامرة المؤمنين ولكن سرعان ما انقلبوا على أعقابهم ونقضوا العهد ونكثوا البيعة ، ثمّ اجتمعوا في السقيفة وبايعوا أبا بكر لعنه اللّه على الخلافة والرسول صلى الله عليه و آله لم يدفن بعد .
فهذه الخيانة خيانة كبيرة .
إنّها خيانة لعلي عليه السلام ... .
إنّها خيانة للنبي الأعظم صلى الله عليه و آله ... .
إنّها خيانة اللّه تعالى ... .
رسول اللّه صلى الله عليه و آله مجيبا أُبي بن كعب حين سأله : من هذا ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ... :
هذا ملك من ملائكة اللّه ربّي عزّوجلّ ، ينبئني أنّ أُمّتي تختلف على وصيّي علي بن أبي طالب عليه السلام .
وإنّي أُوصيك ياأبي ! بوصيّة إن حفظتها لم تزل بخير ، ياأُبي ! عليك بعلي فإنّه الهادي المهدي الناصح لأُمّتي ، المحيي لسنّتي ، وهو إمامكم بعدي ، فمن رضى بذلك
ص: 229
لقيني على ما فارقته عليه .
ياأُبي ومن غير أو بدل لقيني ناكثا لبيعتي عاصيا أمري جاحدا لنبوّتي ، لا أشفع له عند ربّي ، ولا أسقيه من حوضي(1).
أمير المؤمنين مخاطبا أبا بكر لعنه اللّه حول البيعة :
ياأبا بكر ! هل تعلم أحدا أوثق من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد أخذ بيعتي عليك في أربعة مواطن - وعلى جماعة معك منكم وفيهم عمر وعثمان - : في يوم الدار ، وفي بيعة الرضوان تحت الشجرة ، ويوم جلوسه في بيت أُمّ سلمة ، وفي يوم الغدير بعد رجوعه من حجّة الوداع .
فقلتم بأجمعكم : سمعنا وأطعنا للّه ولرسوله .
فقال لكم : اللّه ورسوله عليكم من الشاهدين .
فقلتم بأجمعكم : اللّه ورسوله علينا من الشاهدين .
فقال
صلى الله عليه و آله : فليشهد بعضكم على بعض وليبلّغ شاهدكم غائبكم ، ومن سمع منكم فليسمع من لم يسمع .
فقلتم : نعم يارسول اللّه ، وقمتم بأجمعكم تهنّون رسول اللّه وتهنّوني بكرامة اللّه لنا .
فدنا عمر وضرب على كتفي وقال بحضرتكم : بخ بخ يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى المؤمنين .
ص: 230
فقال أبو بكر : لقد ذكّرتني أمرا ياأبا الحسن لو يكون رسول اللّه صلى الله عليه و آله شاهدا فأسمع منه . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : اللّه ورسوله عليك من الشاهدين ، ياأبا بكر ! إذا رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيا يقول لك أنّك ظالم في أخذ حقّي الذي جعله اللّه ورسوله لي دونك ودون المسلمين . أتسلّم هذا الأمر إليّ وتخلع نفسك منه ؟
فقال أبو بكر : ياأبا الحسن ! وهذا يكون أن أرى رسول اللّه حيا بعد موته ويقول لي ذلك حقّا ؟!!
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : نعم ياأبا بكر .
قال : فأرني ذلك إن كان حقّا ؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : اللّه ورسوله عليك من الشاهدين إنّك تفي بما قلت ؟
قال أبو بكر : نعم .
فضرب أمير المؤمنين عليه السلام على يده وقال : تسعى معي نحو مسجد قبا .
فلمّا ورداه تقدّم أمير المؤمنين عليه السلام فدخل المسجد وأبو بكر من ورائه ، فإذا برسول اللّه صلى الله عليه و آله جالس في قبلة المسجد ، فلمّا رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي عليه .
فناداه رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إرفع رأسك أيّها الضليل المفتون .
فرفع أبو بكر رأسه وقال : لبّيك يارسول اللّه ، أحياة بعد الموت يارسول اللّه ؟!
فقال : ويلك ياأبا بكر {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
ص: 231
قَدِيرٌ(1)}.
قال : فسكت أبو بكر وشخصت عيناه نحو رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
فقال له : ويلك ياأبا بكر أنسيت ما عاهدت اللّه ورسوله عليك في المواطن الأربعة لعلي عليه السلام ؟
فقال : ما أنساها يارسول اللّه .
فقال : ما بالك اليوم تناشد عليا عليه السلام فيها ، ويذكّرك وتقول : نسيت ... ؟! وقصّ عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما جرى بينه وبين علي بن أبي طالب عليه السلام ... إلى آخره ، فما نقص منه كلمة وما زاد فيه كلمة .
فقال أبو بكر : يارسول اللّه ! فهل من توبة ؟ وهل يعفو اللّه عنّي إذا سلّمت هذا الأمر إلى أمير المؤمنين ؟
قال : نعم ياأبا بكر ، وأنا الضامن لك على اللّه ذلك إن وفّيت .
قال : وغاب رسول اللّه عنهما(2).
أمير المؤمنين في خطبة له ... :
فتبرّأوا رحمكم اللّه ممّن نكث البيعتين وغلب الهوى به فضَلَّ ...(3).
ص: 232
{وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ(1)} قال : الحلاّف - فلان - ، حلف لرسول اللّه صلى الله عليه و آلهأنّه لا ينكث عهد(2).
أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له ... :
أخبرني صلى الله عليه و آله أنّ الأُمّة ستخذلني وتبايع غيري ...(3).
أمير المؤمنين عليه السلام مخاطبا خالد بن الوليد ... :
ويلك ياخالد ما أطوعك للخائنين الناكثين(4).
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ(5)} بنكثهم وبغيهم وإمساكهم الأمر من بعد أن أبرم عليهم إبراما ، يقول : إذا ماتوا ساقتهم الملائكة إلى النار فيضربونهم من خلفهم ومن قدّامهم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللّه َ(6)} يعني : موالاة فلان وفلان ظالمي أمير المؤمنين عليه السلام {فَأَحْبَطَ
ص: 233
أَعْمَالَهُمْ(1)} يعني التي عملوها من الخيرات : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّه ِ(2)} قال : عن أمير المؤمنين عليه السلام{وَشَاقُّوا الرَّسُولَ(3)} أي قاطعوه في أهل بيته بعد أخذه الميثاق عليهم له(4).
ص: 234
وَدَعْوى أَبْطَلُوها
... -...
ما أقبحهما وهما يردان على سيّدة نساء أهل الجنّة عليهاالسلام !!
ما أقبحهما وهما يردان على علي أمير المؤمنين عليه السلام !!
وقد قال الرسول صلى الله عليه و آله في حقّه : علي مع الحقّ والحقّ مع علي عليه السلام(1). و : علي مع القرآن والقرآن مع علي(2).
فهما يردان على الحقّ وعلى القرآن !
الصدّيقة الزهراء عليهاالسلام :
إنّ المهاجرين برسول اللّه وأهل بيت رسول اللّه هاجروا إلى دينه والأنصار بالإيمان باللّه ورسوله وبذي القربى أحسنوا ، فلا هجرة إلاّ إلينا ، ولا نصرة إلاّ لنا ولا اتّباع بإحسان إلاّ بنا ، ومن ارتدّ عنّا فإلى الجاهلية ، فقال لها عمر : دعينا من أباطيلك(3).
عمر ... : وإنّ عليا زوجها يجرّ إلى نفسه ، وأُمّ أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه(4).
ص: 235
وَبَيِّنَةٍ أَنْكَرُوها
... -...
البيّنة بالمعنى الأعمّ : الدليل والحجّة .
وإنكار البيّنة هي الوسيلة التي يتّخذها الكفّار لتكذيب الرسالات السماوية .
فما هم قوم هود يخاطبونه : {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ(1)} والحال أنّه قد أظهر لهم البيّنة .
وهاهم بنو اسرائيل تأتيهم البيّنات ولكنّهم بكفرهم وجحودهم يبدّلون نعمة اللّه {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّه ِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللّه َ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)}.
وهاهو الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله يخاطب الكفّار {إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي(3)} ولكن قومه ينكرون ويكذبون {وَكَذَّبْتُمْ بِهِمَا(4)}.
وتستمرّ المسيرة التي كانت مع الأنبياء ليتوارثها الأوصياء فهاهم ينكرون البيّنة الواضحة بحجج وأعاذير واهية فجزاؤهم سوء العذاب بما كانوا يصدقون .
... فقال لها عمر عليه لعائن اللّه : دعينا من أباطيلك وأحضرينا من يشهد لك بما تقولين ! ، فبعثت إلى علي والحسن والحسين وأُمّ أيمن وأسماء بنت عميس - وكانت
ص: 236
تحت أبي بكر بن أبي قحافة - فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادّعته .
فقال - عمر - : أمّا علي فزوجها .
وأمّا الحسن والحسين ابناها .
وأمّا أُمّ أيمن فمولاتها .
وأمّا أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم وقد كانت تخدم فاطمة وكلّ هؤلاء يجرّون إلى أنفسهم .
فقال علي عليه السلام : أمّا فاطمة فبضعة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومن آذاها فقد آذى رسول اللّه ومن كذّبها فقد كذّب رسول اللّه .
وأمّا الحسن والحسين فابنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيّدا شباب أهل الجنّة من كذّبهما فقد كذّب رسول اللّه إذ كان أهل الجنّة صادقين .
وأمّا أنا فقد قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أنت منّي وأنا منك وأنت أخي في الدنيا والآخرة ، والرادّ عليك هو الرادّ عليّ ، ومن أطاعك فقد أطاعني ومن عصاك فقد عصاني .
وأمّا أُمّ أيمن فقد شهد لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالجنّة ، ودعا لأسماء بنت عميس وذرّيتها .
قال عمر : أنتم كما وصفتم أنفسكم ولكن شهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل !
فقال علي عليه السلام : إذا كنّا كما نحن كما تعرفون ولا تنكرون وشهادتنا لأنفسنا لا
ص: 237
تقبل وشهادة رسول اللّه لا تقبل فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون(1).
أبو بكر مخاطبا فاطمة الزهراء عليهاالسلام :
هلمّي ببيّنتك . فجاءت بأُمّ أيمن وعلي عليه السلام ... فقال عمر : أنت امرأة ولا نجيز شهادة امرأة وحدها ، وأمّا علي فيجرّ إلى نفسه(2).
قال ابن عبّاس في حديث له ... : ثمّ إنّ فاطمة عليهاالسلام بلغها أنّ أبا بكر قبض فدكا فخرجت في نساء بني هاشم حتّى دخلت على أبي بكر .
فقالت : ياأبا بكر ! تريد أن تأخذ منّي أرضا جعلها لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتصدّق بها عليّ من الوجيف الذي لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ؟ أما كان قال رسول اللّه المرء يحفظ في ولده ؟ وقد علمت أنّه صلى الله عليه و آله لم يترك لولده شيئا غيرها ؟
فلمّا سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها دعا بداوة ليكتب به لها ، فدخل عمر فقال : ياخليفة رسول اللّه لا تكتب لها حتّى تقيم البيّنة بما تدعى .
فقالت فاطمة عليهاالسلام : نعم أُقيم البيّنة ، قال : مَن ؟ قالت : علي وأُمّ أيمن ، فقال عمر : لا تقبل شهادة امرأة أعجمية لا تفصح ، وأمّا علي فيجرّ النار إلى قرصه ، فرجعت فاطمة عليهاالسلام وقد دخلها من الغيظ ما لا يوصف ، فمرضت ...(3).
ص: 238
وَحِيْلَةٍ أَحْدَثُوها
... -...
ما أكثر الحيل التي أحدثوها وقد اتّفقوا على أن يشهدوا على أمير المؤمنين عليه السلام بكبيرة توجب الحدّ إن لم يبايع ، حتّى أنّ السيّدة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليهاالسلام شهدت بكثرة حيلهم وخدعهم ، كلّ ذلك لأجل ملك يومين من الدنيا فبئس من باع آخرته لدنياه(1).
وبئس أتباعهم الذين باعوا آخرتهم لدنيا غيرهم .
فاطمة الزهراء عليهاالسلام : ... إن قحيف تيم وأحيول عدي(2).
قال في بيان البحار(3) بعد كلام : والاحيول تصغير الأحول وهو لو لم يكن أحول ظاهرا فكان أحول باطنا لشركه ، بل أعمى ويقال أيضا ما أحوله ، أي ما أحيله . وقد صرّح في الصحاح(4) وقال : قال الفرّاء : يقال : هو أحول منك أي أكثر حيلة وما أحوله ، ونحوه في اللسان(5).
أمير المؤمنين عليه السلام ... :
ص: 239
ثمّ سبقني إليه التيمي والعدوي كسباق الفرس احتيالاً واغتيالاً وخدعة وغلبة(1).
رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ليردن على الحوض أقوام ممّن صحبني ومن أهل المكانة منّي والمنزلة عندي ، حتّى إذا وقفوا على مراتبهم اختلسوا دوني وأخذ بهم ذات الشمال فأقول : ياربّ ! أصحابي أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك وأنّهم لم يزالوا مرتدّين على أدبارهم القهقرى منذ فارقتهم(2).
الإمام الحسين عليه السلام مخاطبا عمر ... :
المخطئ والمصيب عندك سواء فجزّاك اللّه جزاك وسألك عمّا أحدثت سؤالاً حفيّا ...(3).
ص: 241
وَخِيانَةٍ أَوْرَدُوها
... -...
لقد اعترف عمر لعنه اللّه أنّ عليا عليه السلام والعبّاس كانا يراه وصاحبه من الخائنين فهل بعد اعتراف عمر لعنه اللّه وشهادة أخ النبي وعمّه صلى الله عليه و آله أدنى شك ؟!
ففي صحيح مسلم(1): .. قال عمر لعلي عليه السلام والعبّاس ... :
قال أبو بكر : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : لا نورّث ما تركناه صدقة ، فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ، واللّه يعلم أنّه لصادق بار راشد تابع للحقّ !!
ثمّ توفّى أبو بكر ، وأنا ولي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وولي أبو بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا(2).
أمير المؤمنين عليه السلام مخاطبا خالد بن الوليد : ويلك ياخالد ! ما أطوعك للخائنين الناكثين .. فاتّق اللّه ياخالد ! ولا تكن للخائنين رفيقا ولا للظالمين ظهيرا(3).
فحالت فاطمة بينهم وبين بعلها وقالت : واللّه لا أدعكم تجرون ابن عمّي ظلما ويلكم ! ما أسرع ما خنتم اللّه ورسوله فينا أهل البيت ؟
وقد أوصاكم رسول اللّه باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا(4).
ص: 242
وَعَقَبَةٍ ارْتَقَوها ، وَدِبابٍ دَحْرَجُوها
... -...
وبكلّ سهولة أرادوا القضاء على رمز الإسلام ليتسنّموا سنام الخلافة بسرعة ولتعود الأُمّة إلى الشرك !!
وخطّطوا لذلك تخطيطات متعدّدة ومتقنة ، ومنها ليلة العقبة .
ولكن جميع تلك المخطّطات والمؤامرات باءت بالفشل ، حيث لم تتمّ الحجّة - بعد بالخلافة - لعلي بن أبي طالب عليهماالسلام ففضحهم اللّه .
ولولا عفو رسول اللّه صلى الله عليه و آله وحلمه لأمر بضرب أعناقهم .
الإمام العسكري عليه السلام :
لقد رامت الفجرة الكفرة ليلة العقبة قتل رسول اللّه صلى الله عليه و آله على العقبة ، ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب عليه السلام ... .
ثمّ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمر بالرحيل في أوّل نصف الليل الأخير ، وأمر مناديه فنادى : ألا لا يسبقنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحد إلى العقبة ولا يطؤها حتّى يجاوزها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة فينظر من يمرّ به ، ويخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمره أن يستتر بحجر .
فقال حذيفة : يارسول اللّه إنّي أتبيّن الشرّ في وجوه رؤساء عسكرك ، وإنّي أخاف إن قعدت في أصل الجبل وجاء منهم من أخاف أن يتقدّمك إلى هناك للتدبير عليك يحسّ بي ، فيكشف عنّي فيعرفني وموضعي من نصيحتك فيتّهمني ويخافني فيقتلني ؟
ص: 243
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : إنّك إذا بلغت أصل العقبة فاقصد أكبر صخرة هناك إلى جانب أصل العقبة وقل لها : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله يأمرك أن تنفرجي لي حتّى أدخل في جوفك ، ثمّ يأمرك أن ينثقب فيك ثقبة أبصر منها المارّين ، ويدخل عليّ منها الروح لئلاّ أكون من الهالكين ، فإنّها تصير إلى ما تقول لها بإذن اللّه ربّ العالمين .
فأدّى حذيفة الرسالة ، ودخل جوف الصخرة ، وجاء الأربعة والعشرون على جمالهم وبين أيديهم رجّالتهم ، يقول بعضهم لبعض : من رأيتموه ههنا كائنا من كان فاقتلوه لئلاّ يخبروا محمّدا أنّهم قد رأونا هنا فينكص محمّد ، ولا يصعد هذه العقبة إلاّ نهارا فيبطل تدبيرنا عليه .
فسمعها حذيفة واستقصوا فلم يجدوا أحدا ، وكان اللّه قد ستر حذيفة بالحجر عنهم . فتفرّقوا ، فبعضهم صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك ، وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال ، وهم يقولون : ألا ترون حين محمّد كيف أغراه ، بأن يمنع الناس من صعود العقبة حتّى يقطعها هو لنخلو به هاهنا ، فنمضي فيه
تدبيرنا وأصحابه عنه بمعزل ، وكلّ ذلك يوصله اللّه من قريب أو بعيد إلى أُذن حذيفة ويعيه .
فلمّا تمكّن القوم على الجبل حيث أرادوا كلّمت الصخرة حذيفة وقالت : انطلق الآن إلى رسول اللّه فأخبره بما رأيت وما سمعت ، قال حذيفة : كيف أخرج عنك وإن رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم ؟ قالت الصخرة : إنّ الذي مكّنك من جوفي ، وأوصل إليك الروح من الثقبة التي أحدثها فيّ هو الذي يوصلك إلى نبي اللّه وينقذك من أعداء اللّه .
فنهض حذيفة ليخرج وانفرجت الصخرة فحوّله اللّه طائرا فطار في الهواء
ص: 244
محلّقا حتّى انقضّ بين يدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ أُعيد إلى صورته ، فأخبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله بما رأى وسمع ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أو عرفتهم بوجوههم ؟ قال : يارسول اللّه كانوا متلثّمين ، وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم فلمّا فتّشوا الموضع فلم يجدوا أحدا أحدروا اللثام فرأيت وجوههم فعرفتهم بأعيانهم وأسمائهم فلان وفلان حتّى عدّ أربعة وعشرين .
فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ياحذيفة إذا كان اللّه يثبت محمّدا لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه ، إنّ اللّه تعالى بالغ في محمّد أمره ولو كره الكافرون .
ثمّ قال : ياحذيفة ! فانهض بنا أنت وسلمان وعمّار ، وتوكّلوا على اللّه ، فإذا جزنا الثنية الصعبة فائذنوا للناس أن يتبعونا .
فصعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو على ناقته وحذيفة وسلمان أحدهما آخذ بخطام ناقته يقودها ، والآخر خلفها يسوقها ، وعمّار إلى جانبها ، والقوم على جمالهم ورجّالتهم منبثّون حوالي الثنية على تلك العقبات ، وقد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول اللّه صلى الله عليه و آله ويقع في المهوى الذي يهول الناظر إليه من بعده(1).
في حديث الغدير :
وقد كان أبو بكر وعمر تقدّما إلى الجحفة ، فبعث وردهما ثمّ قال لهما النبي صلى الله عليه و آله متهجّما : ياابن أبي قحافة وياعمر بايعا عليا بالولاية من بعدي . فقالا : أمر من اللّه
ص: 245
ومن رسوله ؟ فقال : وهل يكون مثل هذا عن غير أمر اللّه ، نعم أمر من اللّه ومن رسوله ، فقال : وبايعا ثمّ انصرفا .
وسار رسول اللّه صلى الله عليه و آله باقي يومه وليلته حتّى إذا دنوا من عقبة هرشى تقدّمه القوم ، فتواروا في ثنية العقبة ، وقد حملوا معهم دبابا ، وطرحوا فيها الحصا .
فقال حذيفة : فدعاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ودعا عمّار بن ياسر وأمره أن يسوقها وأنا أقودها ، حتّى إذا صرنا رأس العقبة ، ثار القوم من ورائنا ، ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة ، فذعرت وكادت أن تنفر برسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فصاح بها النبي أن أُسكني ، وليس عليك بأس . فأنطقها اللّه تعالى بقول عربي مبين فصيح ، فقالت : واللّه ، يارسول اللّه لا أزلت يدا عن مستقرّ يد ، ولا رجلاً عن موضع رجل ، وأنت على ظهري ، فتقدّم القوم إلى الناقة ليدفعوها فأقبلت أنا وعمّار نضرب وجوههم بأسيافنا ، وكانت ليلة مظلمة فزالوا عنّا وأيسوا ممّا ظنّوا ، وقدّروا (ودبّروا) .
فقلت : يارسول اللّه ! مَن هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى ؟ فقال : ياحذيفة ! هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة ، فقلت : ألا تبعث إليهم يارسول اللّه
رهطا فيأتوا برؤوسهم ؟ فقال : إنّ اللّه أمرني أن أعرض عنهم ، فأكره أن تقول الناس إنّه دعا أُناسا من قومه وأصحابه إلى دينه فاستجابوا ، فقاتل بهم حتّى إذا ظهر على عدوّه ، أقبل عليهم فقتلهم ، ولكن دعهم ياحذيفة ! فإنّ اللّه لهم بالمرصاد ، وسيمهلهم قليلاً ثمّ يضطرّهم إلى عذاب غليظ .
فقلت : ومن هؤلاء القوم المنافقون يارسول اللّه صلى الله عليه و آله ! أمن المهاجرين أم من الأنصار ؟ فسمّاهم لي رجلاً رجلاً حتّى فرغ منهم ، وقد كان فيهم أُناس أنا كاره أن يكونوا فيهم ، فأمسكت عند ذلك .
ص: 246
فقال رسول اللّه ياحذيفة ! كأنّك شاكّ في بعض من سمّيت لك ، ارفع رأسك إليهم ؟ فرفعت طرفي إلى القوم ، وهم وقوف على الثنية ، فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا ، وثبتت البرقة حتّى خلتها شمسا طالعة فنظرت واللّه إلى القوم فعرفتهم رجلاً رجلاً ، فإذا هم كما قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعدد القوم أربعة عشر رجلاً ، تسعة من قريش ، وخمسة من سائر الناس .
فقال له الفتى : سمّهم لنا يرحمك اللّه تعالى ! قال حذيفة : هم واللّه : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقّاص ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، هؤلاء من قريش ، وأمّا الخمسة الأُخر فأبو موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة الثقفي ، وأوس بن الحدثان البصري ، وأبو هريرة وأبو طلحة الأنصاري(1).
أبو محمّد الحسن بن علي في حديث لأحمد بن إسحاق ... :
فلمّا ظهر أمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله تساعدا مه على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه صلى الله عليه و آله طمعا أن يجدا من جهة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ولاية بلد إذا انتظم أمره وحسن حاله واستقامت ولايته ، فلمّا أيسا من ذلك وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة وتلثّما مثل من تلثّم منهم ونفرا بدابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله لتسقطه ويسير هالكا بسقوطه بعد أن صعدا العقبة فيمن صعد ، فحفظ اللّه نبيّه من كيدهم ولم يقدروا أن يفعلوا شيئا(2).
ص: 247
عن حذيفة بن اليمان قال :
الذين نفروا برسول اللّه ناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر : أبو الشرور (أبو بكر) وأبو الدواهي (عمر) وأبو المعازف (معاوية) وأبوه وطلحة وسعد بن أبي وقّاص ، وأبو عبيدة ، وأبو الأعور ، والمغيرة وسالم مولى أبي حذيفة وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ، وأبو موسى الأشعري وعبدالرحمن بن عوف ، وهم الذي أنزل اللّه عزّوجلّ فيهم : {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا(1)}-(2).
ص: 248
وَأَمانَاتٍ خانُوها
... -...
الأمانة : علي عليه السلام والطاهرون من ولده عليهم السلام .
وقد قال عنهم تعالى : {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى(1)}.
المؤتمِن : اللّه جلّ جلاله والرسول الأعظم صلى الله عليه و آله .
المؤتمَن : الأُمّة .
النتيجة : الخيانة في أمانة اللّه ورسوله بأبشع أنواعها .
أوّل الخائنين : أبو بكر وعمر لعنهما اللّه .
العذاب المنتظر : {وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ(2)}.
عثمان بن حنيف مخاطبا أبو بكر :
سمعنا رسول اللّه يقول : أهل بيتي نجوم الأرض فلا تتقدّموهم وقدّموهم فهم الولاة بعدي .
فقام إليه رجل فقال : يارسول اللّه ! وأي أهل بيتك ؟ فقال : علي والطاهرون من ولده وقد بيّن صلى الله عليه و آله .
فلا تكن ياأبا بكر أوّل كافر به ولا تخونوا اللّه والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون(3).
ص: 249
أبو الحسن الكاظم عليه السلام في كتابه إلى علي بن سويد ... :
فإنّهم الخائنون الذين خانوا اللّه ورسوله وخانوا أماناتهم .
وتدري ما خانوا أماناتهم ؟ ائتمنوا على كتاب اللّه فحرّفوه وبدّلوا ودلّوا على ولاة الأمر منهم ، فانصرفوا عنهم فأذاقهم اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون(1).
ص: 250
اللّهُمَّ العَنْهُما في مَكْنُونِ السِّرِّ
... -...
وبعد كلّ هذا ، ألا يستحقّان اللعن ؟
فإنّ لم يستحقّا فمن هو المستحقّ اللعن ؟!
وهذا القرآن بين أيدينا مليء باللعن .
عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال قلت له : أسألك عن فلان وفلان ؟ قال : فعليهما لعنة اللّه بلعناته كلّها ماتا واللّه كافرين مشركين باللّه العظيم(1).
أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له :
والعنوا رحمكم اللّه من انهزم الهزيمتين إذ يقول اللّه : {إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفا فَلاَ تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللّه ِ(2)} وقال : {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(3)}.
اغضبوا - رحمكم اللّه - على من غضب اللّه عليهم .
وتبرّؤوا - رحمكم اللّه - ممّن يقول فيه رسول اللّه : ترتفع يوم القيامة ريح سوداء تختطف من دوني قوما من أصحابي من عظماء المهاجرين ، فأقول :
ص: 251
أصحابي . فيقال : يامحمّد ! إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك .
وتبرّؤوا - رحمكم اللّه - من النفس الضالّ من قبل أن يأتي : يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خلال فيقولوا : رَبَّنَا أَرِنَا الَّلذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الْأَسْفَلِينَ ومن قبل أن يقولوا : يَا حَسْرَتَي عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أو يقولوا : {وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الُْمجْرِمُونَ(1)} أو يقولوا : رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا(2).
لَهُم وَلأِعْوانِهِم
... -...
إنّ أبا بكر وعمر عليهما لعائن اللّه أسّسا أساس كلّ ظلم وفعلا ما فعلا من الجرائم الفظيعة بحقّ اللّه تبارك وتعالى وبحقّ النبي المصطفى ، وتعدّيا على حريم الوصي المرتضى والصدّيقة الكبرى ، وانتهكا حرمة الإسلام .
حتّى صدر القرار بلعنهم والبراءة منهم وفضحهم .
سرّا كما في هذا الدعاء العظيم وفي منتصف الليالي وفي قنوت أمير المؤمنين عليه السلام .
وعلانية كما في الخطبة الشقشقية ومن فوق المنبر على شفتي أمير المؤمنين عليه السلام .
فهذا ما يستحقّانه !
ولكن ما هو ذنب من لم يحضر تلك الوقائع البشعة ... ولم يكن في ذلك الزمان معهما ، وإنّما جاء بعد مئات السنين في صورة مسلم تابع لهما يقتدي بهما ، فلماذا تشمله لعنات أمير المؤمنين عليه السلام في آخر هذا الدعاء العظيم في قوله عليه السلام : لهم ولأعوانهم وأنصارهم ومحبّيهم ومواليهم والمسلمين لهم والمائلين إليهم والناهظين بأجنحتهم والمقتدين بكلامهم والمصدّقين بأحكامهم .
إنّ السرّ يكشفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث يقول : من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه ، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده(1). وقال صلى الله عليه و آله في حديث : ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شاهده وأتاه(2).
ص: 253
ويقول علي عليه السلام : العامل بالظلم والراضي به والمعين عليه شركاء ثلاثة(1).
ويقول علي عليه السلام : إنّما يجمع الناس الرضا والسخط ، فمن رضي أمرا فقد دخل فيه ، ومن سخطه فقد خرج منه(2).
ويقول علي عليه السلام : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم(3).
نعم العلاقة الفكرية لا يعرف لها حدود من جهة الزمان والمكان .
والمرء أينما كان يحشر مع من يحبّ فقد روي في صحيح البخاري(4) عن النبي (المرء مع من أحبّ)(5).
ولذلك حينما انتصر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل على العصاة المردة من أعدائه قال له أحد أصحابه : وددت أنّ أخي فلانا كان شاهدا ليرى ما نصرك اللّه به على أعدائك . فسأله الإمام عليه السلام : أهوى أخيك معنا ؟ فقال : نعم . فقال الإمام عليه السلام : فقد شهدنا ، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان(6).
فالأجيال القادمة ترتبط ارتباطا وثيقا بأفعال القرون الماضية حتّى تعدّ منهم فكرا وقولاً وعملاً ، وتحسب من كيانهم وتكون ضمن منظومتهم .
هذا في البعد الإيجابي وكذلك في البعد السلبي .
ص: 254
فهاهو علي عليه السلام يقول : إنّما يجمع الناس الرضا والسخط وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم اللّه بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا(1).
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى كلّ داخل في باطل إثمان أثم العمل به وأثم الرضا به(2).
يقول ابن أبي الحديد : لا فرق بين الرضا بالفعل وبين المشاركة فيه ، ألا ترى أنّه إذا كان ذلك العمل قبيحا استحقّ الراضي به الذمّ كما يستحقّه الفاعل له .
والرضا يفسّر على وجهين : الإرادة وترك الاعتراض ، فإن كان الإرادة فلا ريب أنّه يستحقّ الذمّ لأنّ مريد القبيح فاعل للقبيح ، وإن كان ترك الاعتراض مع القدرة على الاعتراض فلا ريب أنّه يستحقّ الذمّ أيضا ؛ لأنّ تارك النهي عن المنكر مع ارتفاع الموانع يستحقّ الذمّ(3).
إذا كان هذا حال الراضي بصريح قول أمير المؤمنين عليه السلام وإقرار المنصفين ومنهم ابن أبي الحديد .
فما هو حال أعوانهم وأنصارهم ومحبّيهم ومواليهم والمسلّمين لهم والمائلين إليهم والناهضين بأجنحتهم والمقتدين بكلامهم والمصدّقين بأحكامهم ؟
إنّهم يستحقّون كلّ ما يستحقّه أُولئك وسيحشرون معهم ويستحقّون اللعن كلّ اللعن سرّا وعلانية .
ص: 255
في حديث قدسي يقول اللّه تعالى لرسوله :
.. فإنّي بحولي وقوّتي وسلطاني لأفتحنّ على روح من يغصب بعدك عليا حقّه ألف باب من النيران من سفال الفيلوق(1) ولأصلينّه وأصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه ، ولأجعلنّ ذلك المنافق عبرة في القيامة لفراعنة الأنبياء وأعداء الدين في المحشر ولأحشرنّهم وأوليائهم وجميع الظلمة والمنافقين إلى نار جهنّم زرقا كالحين أذلّة خزايا نادمين ولأخلدنّهم فيها أبد الآبدين(2).
الإمام الصادق عليه السلام : كلّ ظلامة حدثت في الإسلام أو تحدث ، وكلّ دم مسفوك حرام ، ومنكر مشهور ، وأمر غير محمود ، فوزره في أعناقهما وأعناق من شايعهما أو تابعهما ورضى بولايتهما إلى يوم القيامة(3).
الإمام السجّاد عليه السلام : لا غفر اللّه لهما ولا رحمهما ، كافران ، كافر من تولاّهما ، كافر من أحبّهما(4).
ص: 256
الإمام الباقر عليه السلام :
مثل فلان - أبي بكر - وشيعته مثل فرعون وشيعته ، ومثل علي عليه السلام وشيعته مثل موسى وشيعته(1).
رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
إذا ظلمت العيون العين كان قتل العين على يد الرابع من العيون ، فإذا كان ذلك استحقّ الخاذل له لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين .
فقيل له يارسول اللّه ! ما العين والعيون ؟ فقال : أمّا العين فأخي علي بن أبي طالب عليه السلام وأمّا العيون فأعداؤه ، رابعهم قاتله ظلما وعدوانا(2).
أقول : العيون الأربعة هم : عتيق أو عبداللّه (أبو بكر) ، عمر ، عثمان ، عبدالرحمن بن ملجم .
الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى : {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّه ُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ(1)} قال :
حقيق على اللّه أن لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من حبّهما ..(2).
اللّهُمَّ عَذِّبْهُم عَذابا يَسْتَغِيثُ مِنْهُ أَهْلُ النّارِ آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ
... -...
لا يمكن لأحد أن يصف ذلك ؛ فكلّما أردت استقصاء حدود الجناية لعجزت . وعلى قدر عظم الجناية يكون العذاب .
وما يذكر هنا ليس إلاّ جزءا من العذاب لهما لجزء من جناياتهما .
فلا يمكن تحديد مقدار العذاب والجناية لا زالت مستمرّة .
فاطمة الزهراء عليهاالسلام قامت مغضبة وقالت :
اللهمّ إنّهما ظلما ابنة نبيّك حقّها ، فاشدد وطأتك عليهما(1).
قالت فاطمة الزهراء عليهاالسلام مخاطبة عمر بن الخطّاب لعنه اللّه ... :
ومن عادانا فقد عادى اللّه ومن خالفنا فقد خالف اللّه ، ومن خالف اللّه فقد استوجب من اللّه العذاب الأليم والعقاب الشديد في الدنيا والآخرة(2).
الإمام الحسين عليه السلام مخاطبا عمر بن الخطّاب وهو على منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ... : وله (أمير المؤمنين علي عليه السلام) في رقاب الناس البيعة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله نزل بها جبرئيل عليه السلام من عند اللّه تعالى لا ينكرها أحد إلاّ جاحد بالكتاب قد عرفها
ص: 259
الناس بقلوبهم وأنكروها بألسنتهم ، وويل للمنكرين حقّنا أهل البيت عليهم السلام ، ماذا يلقاهم به محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن إدامة الغضب وشدّة العذاب(1)؟
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ(2)}، قال : الفلق جبّ في جهنّم يتعوّذ أهل النار من شدّة حرّه ، سأل اللّه أن يأذن له أن يتنفّس فأذن له ، فتنفّس فأحرق جهنّم .
قال : وفي ذلك الجبّ صندوق من نار يتعوّذ أهل الجبّ من حرّ ذلك الصندوق ، وهو التابوت ، وفي ذلك التابوت ستّة من الأوّلين وستّة من الآخرين ، فأمّا الستّة من الأوّلين : فابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود إبراهيم الذي ألقى إبراهيم في النار ، وفرعون موسى ، والسامري الذي اتّخذ العجل ، والذي هوّد اليهود ، والذي نصّر النصارى .
فأمّا الستّة التي من الآخرين :
فهو الأوّل والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم لعنهم اللّه (3).
الإمام الصادق عليه السلام : إنّ أهل النار يتأذّون بهما وبأصواتهما كما تتأذّون بصوت
ص: 260
الحمار(1).
أمير المؤمنين عليه السلام :
وقد كان لي حقّ حازه دوني من لم يكن له ، ولم أكن أُشركه فيه ، ولا توبة له إلاّ بكتاب منزل أو برسول مرسل ، وأنّى له بالرسالة بعد محمّد صلى الله عليه و آله ولا نبي بعد محمّد صلى الله عليه و آله وأنّى يتوب وهو في برزخ القيامة غرّته الأماني وغرّه باللّه الغرور قد أشفى {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّه ُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(2)}.
عن عبداللّه بن بكر الأرجاني ، قال :
صحبت أبا عبداللّه عليه السلام في طريق مكّة من المدينة ، فنزلنا منزلاً يقال له : عسفان ، ثمّ مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق موحش ، فقلت له : يابن رسول اللّه ! ما أوحش هذا الجبل ! ما رأيت في الطريق مثل هذا ؟
فقال لي : يابن بكر ! تدري أي جبل هذا ؟ قلت : لا ، قال : هذا جبل يقال له : الكمد ، وهو على واد من أودية جهنّم ، وفيه قتلة أبي الحسين عليه السلام : استودعهم فيه تجري من تحتهم مياه جهنّم من الغسلين والصديد والحميم ، وما يخرج من جب الجوي ، وما يخرج من الفلق من آثام ، وما يخرج من طينة الخبال ، وما يخرج من جهنّم ، وما يخرج من لظى ومن الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الجحيم ،
ص: 261
وما يخرج من الهاوية ، وما يخرج من السعير - وفي نسخة أُخرى : وما يخرج من جهنّم ، وما يخرج من لظى ومن الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الحميم - وما مررت بهذا الجبل في سفري فوقفت به إلاّ رأيتهما يستغيثان إليّ ، وإنّي لأنظر إلى قتلة أبي فأقول لهما : إنّما هؤلاء فعلوا ما أسّستما لم ترحمونا إذ ولّيتم ، وقتلتمونا
وحرمتمونا ، ووثبتم على حقّنا ، واستبددتم بالأمر دوننا ، فلا رحم اللّه من يرحمكما ، ذوقا وبال ما قدّمتما ، وما اللّه بظلاّم للعبيد ... .
فقلت له : جعلت فداك ! أين منتهى هذا الجبل ؟ قال : إلى الأرض السادسة وفيها جهنّم على واد من أوديته ، عليه حفظة أكثر من نجوم السماء وقطر المطر وعدد ما في البحار وعدد الثرى ، قد وكّل كلّ ملك منهم بشيء وهو مقيم عليه لا يفارقه(1).
قال العالم عليه السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قال :
ما من عبد ولا أمة أعطى بيعة أمير المؤمنين عليه السلام في الظاهر ونكثها في الباطن ، وأقام على نفاقه إلاّ وإذا جاءه ملك الموت ليقبض روحه تمثّل له إبليس وأعوانه وتمثّل النيران وأصناف عذابها لعينيه وقلبه ومقاعده من مضايقها ، وتمثّل له أيضا الجنان ومنازله فيها لو كان بقي على إيمانه ووفى ببيعته ، فيقول له ملك الموت : أُنظر ! فتلك الجنان التي لا يقدر قدر سرّائها وبهجتها وسرورها إلاّ اللّه ربّ العالمين ، كانت معدّة لك ، فلو كنت بقيت على ولايتك لأخي محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان إليها مصيرك
ص: 262
يوم فصل القضاء ، لكنّك نكثت وخالفت فتلك النيران وأصناف عذابها وزبانيتها ومرزباتها وأفاعيها الفاغرة أفواهها ، وعقاربها الناصبة أذنابها ، وسباعها الشائلة مخالبها ، وسائر أصناف عذابها هو لك وإليها مصيرك ، فعند ذلك يقول : {يَا لَيْتَنِي
اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً(1)} فقبلت ما أمرني به والتزمت من موالاة علي عليه السلام ما ألزمني ، قوله عزّوجلّ : {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنْ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللّه ُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللّه ُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللّه َ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(2)}-(3).
في حديث الإسراء عن أبي عبداللّه عليه السلام : لمّا أُسري بالنبي صلى الله عليه و آله قيل له ... :
وأوّل من يحكم فيه محسن بن علي عليهماالسلام في قاتله ثمّ في قنفذ فيؤتيان هو وصاحبه فيضربان بسياط من نار ، لو وقع سوط منها على البحار لغلت من مشرقها إلى مغربها ، ولو وضعت على جبال الدنيا لذابت حتّى تصير رمادا ، فيضربان بها ، ثمّ يجثو أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه بين يدي اللّه للخصومة مع الرابع .
وتدخل الثلاثة في جب فيطبق عليهم لا يراهم أحد ، ولا يرون أحدا ، فيقول الذين كانوا في ولايتهم : {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنْ الْجِنِّ وَالاْءِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ
ص: 264
أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنْ الْأَسْفَلِينَ(1)} قال اللّه عزّوجلّ : {وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(2)} فعند ذلك ، ينادون بالويل والثبور ، ويأتيان الحوض يسألان عن أمير المؤمنين عليه السلام ومعهم حفظة فيقولان : اعف عنّا واسقنا وخلّصنا ، فيقال لهم : {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ(3)} بإمرة المؤمنين ارجعوا ظماء مظمئين إلى النار فما شرابكم إلاّ الحميم والغسلين ، وما تنفعكم شفاعة الشافعين(4).
أمير المؤمنين عليه السلام :
والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، أنّهما ظلماني حقّي ونغّصاني(5) ريقي وحسداني وآذياني ، وأنّه ليؤذي أهل النار ضجيجهما ورفع أصواتهما وتعيير رسول اللّه صلى الله عليه و آله إيّاهما(6).
الإمام الباقر عليه السلام في تأويل هذه الآية : {فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ(7)}:
ص: 265
ذلك الثاني لا يعذّب اللّه يوم القيامة عذابه أحد(1).
الإمام الكاظم عليه السلام ... وهم على أصناف :
منهم من هو بين أنياب أفاعيها تمضغه .
ومنهم من هو بين مخاليب سباعها تعبث به وتفترسه .
ومنهم من هو تحت سياط زبانيتها وأعمدتها ومرزباتها تقع من أيديها عليه ما تشدّد في عذابه وتعظّم خزيه ونكاله .
ومنهم من هو في بحار حميمها يغرق ويسحب فيها .
ومنهم من هو في غسلينها وغساقها يزجره فيها زبانيتها .
ومنهم من هو في سائر أصناف عذابها(2).
أُميّة {رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابا ضِعْفا فِي النَّارِ(1)} يعنون الأوّلين(2).
عبداللّه بن بكر الأرجاني ، قال : صحبت أبا عبداللّه عليه السلام في طريق مكّة من المدينة ، فنزل منزلاً يقال له : عسفان ثمّ مررنا بجبل أسود على يسار الطريق وحش ، فقلت : يابن رسول اللّه ما أوحش هذا الجبل ؟ ما رأيت في الطريق جبلاً مثله ؟! فقال : يابن بكر ! أتدري أي جبل هذا ؟ هذا جبل يقال له : الكمد ، وهو على واد من أودية جهنّم ، فيه قتلة أبي الحسين صلوات اللّه عليه ، استودعهم اللّه فيه ، تجري في تحته مياه جهنّم من الغسلين والصديد والحميم الآن ، وما يخرج من جهنّم ، وما يخرج من طينة خبال ، وما يخرج من لظى وما يخرج من الحطمة ، وما يخرج من سقر ، وما يخرج من الجحيم ، وما يخرج من الهاوية ، وما يخرج من السعير .
وما مررت بهذا الجبل في مسيري فوقفت إلاّ رأيتهما يستغيثان ويتضرّعان .
وإنّي لأنظر إلى قتلة أبي فأقول لهما : إنّ هؤلاء إنّما فعلوا لما أسّستما لم ترحمونا إذ ولّيتم وقتلتمونا وحرمتمونا ووثبتم على حقّنا واستبددتم بالأمر دوننا ، فلا رحم اللّه من رحمكما ، ذوقا وبال ما صنعتما وما اللّه بظلاّم للعبيد .
وأشدّهما تضرّعا واستكانة الثاني ، فربّما وقفت عليهما ليتسلّى عنّي بعض ما في قلبي وربّما طويت الجبل الذي هما فيه - وهو جبل الكمد - .
قال قلت له : جعلت فداك فإذا طويت الجبل فما تسمع ؟ قال : أسمع أصواتهما يناديان : عرّج علينا نكلّمك فإنّا نتوب ، وأسمع من الجبل صارخا يصرخ بي أجبهما
ص: 267
وقل لهما : {اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ(1)} قال : قلت له : جعلت فداك ومن معهم ؟ قال : كلّ فرعون عتا على اللّه وحكى اللّه عنه فعاله ، وكلّ من علّم العباد الكفر(2).
عن إبراهيم بن عبدالحميد قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فأخرج إليّ مصحفا قال : فتصفّحته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب : هذه جهنّم التي كنتما بها تكذّبان فاصليا فيها لا تموتان فيها ولا تحييان .. يعني الأوّلين(3).
وفي تفسير القمّي : قرأ أبو عبداللّه عليه السلام : هذه جهنّم التي كنتما بها تكذّبان تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان يعني الأوّلين يعني زريقا وحبتر(4).
قال علي بن إبراهيم في قوله : {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ(5)} فإنّها كناية
عن الذين غصبوا آل محمّد حقّهم : {يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللّه َ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا(6)} يعني في أمير المؤمنين عليه السلام : {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا(7)} وهما رجلان ، والسادة الكبراء هما أوّل من بدأ بظلمهم وغصبهم .
ص: 268
قوله : {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ(1)} أي طريق الجنّة ، والسبيل : أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ يقولون : {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنا كَبِيرا(2)}-(3).
قال سليم : .. فلقيت محمّد بن أبي بكر فقلت : هل شهد موت أبيك غيرك وغير أخيك عبدالرحمن وعائشة وعمر ؟ قال : لا ، قالت : وسمعوا منه ما سمعت ؟ قال : سمعوا منه طرفا فبكوا ، وقال : هو يهجر ، فأمّا كلّ ما سمعت أنا فلا .
قلت : فالذي سمعوا ما هو ؟ قال : دعا بالويل والثبور ، فقال له عمر : ياخليفة رسول اللّه ! لِمَ تدعو بالويل والثبور ؟! قال : هذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومعه علي بن أبي طالب عليه السلام يبشّراني بالنار ، ومعه الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة ، وهو يقول : قد وفّيت بها وظاهرت على ولي اللّه ، فابشر أنت وصاحبك بالنار في أسفل السافلين .
فلمّا سمعها عمر خرج وهو يقول : إنّه ليهجر ! قال : لا واللّه ما أهجر أين تذهب ؟ قال عمر : كيف لا تهجر وأنت ثاني اثنين إذ هما في الغار ؟! قال : الآن أيضا ! أو لم أُحدّثك أنّ محمّدا - ولم يقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله - قال لي وأنا معه في الغار : إنّي أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر ، فقلت : أرنيها ، فمسح يده على وجهي فنظرت إليها ، وأضمرت عند ذلك أنّه ساحر ، وذكرت لك ذلك بالمدينة ، فأجمع رأيي ورأيك أنّه ساحر .
ص: 269
قال عمر : ياهؤلاء ! إنّ أبا بكر يهذي فاجتنبوه واكتموا ما تسمعون منه لئلاّ يشمت بكم أهل هذا البيت .
ثمّ خرج وخرج أخي وخرجت عائشة ليتوصّلوا للصلاة ، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوه ، فقلت له - لمّا انفردت به : قل : لا إله إلاّ اللّه ، قال : لا أقولها ولا أقدر عليها أبدا حتّى أرد النار وأدخل التابوت ، فلمّا ذكر التابوت ظننته يهجر ، فقلت
: أي تابوت ؟ فقال : تابوت من نار مقفل بقفل من النار فيه اثنا عشر رجلاً ، أنا وصاحبي هذا ، قلت : عمر ؟ قال : نعم ، وعشرة في جب من جهنّم عليه صخرة ، قلت : هل تهذي ؟ قال : لا واللّه ما أهذي ، لعن اللّه ابن صهّاك هو الذي أضلّني عن
الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين ، ثمّ ألصق خدّه بالأرض ، فما زال يدعو بالويل والثبور حتّى غلبه النوم ، ثمّ دخل عمر عليّ ، فقال : هل حدث بعدنا شيئا ؟ فحدّثتم .
فقال : .. ، اكتم ! هذا كلّه هذيان ، وأنتم أهل بيت يعرف لكم الهذيان في موتكم . قالت عائشة : صدقت ، قال لي عمر : إيّاك أن يخرج منك شيئا ممّا سمعته ويشمت به إلى علي بن أبي طالب وأهل بيته ...(1).
ص: 270
الإهداء... 5
إيها دعاة التقريب... 7
الدعاء العالي الشأن (دعاء صنمي قريش)... 17
حقّنا على أوليائنا... 19
كالرامي مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 20
اللّهُمَّ الْعَنْ
البراءة من الدين... 23
لم يتوبا... 23
أوّل ظالم... 23
بئس الخَلَف... 24
صَنَمَي قُرَيشٍ
... ويعبدون أبا بكر (لعنه اللّه)... 25
ذكر الصنمين... 25
وَجِبْتَيها وَطَاغُوتَيها وَإفْكَيها
لعن الجبت والطاغوت... 26
جبت من المنافقين... 27
مَن هم الجبت والطاغوت... 27
ص: 271
وَابْنَتَيهِما
كفرهما في القرآن... 28
الكذب على رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 29
وقتلا رسول اللّه !... 29
أمر الرسول صلى الله عليه و آله بطلاقهما... 29
ظالمة شاقّة... 30
حميراء ظالمة... 30
.. وأتت الفاحشة... 30
الانتقام لفاطمة عليهاالسلام... 31
اللَّذَينْ خَالَفا أَمْرَكَ
مخالفة حكم اللّه ... 32
بيعة علي عليه السلام... 32
لن تؤمن... 32
سحر بني هاشم... 33
تبّا لأُمّة... 34
موعدك النار... 34
وَأَنْكَرا وَحْيَكَ
ساحر كذّاب... 35
وَجَحَدا إِنْعَامَكَ
جحدوا فضل أهل البيت عليهم السلام... 36
ص: 272
وَعَصَيا رَسُولَكَ
تعصي اللّه ... 37
جحد النبوّة... 37
نبذت أمري... 38
عصوني... 38
نفّذوا جيش أُسامة... 38
جيش أُسامة... 38
وهل الرسول يهجر ؟!... 39
إنّه يهجر !... 39
الرزيّة كلّ الرزيّة... 39
أوّل من عصى... 40
وَقَلَّبا دِينَك
عمر وأشبار البلوغ !!... 41
بدعة تراويح عمر... 41
ولكن ماذا عن فعل عمر ؟... 42
الخراج ، الخمس... 42
وَحَرَّفا كِتابَك
يحرّف كتابي... 43
يحرّف كتاب اللّه ... 43
حرّفوا الكلم... 43
أفي كتاب اللّه ... 44
ص: 273
وَعَطَّلا أحْكامَك
وما أسهل تعطيل الأحكام الإلهية !!... 45
« حي على خير العمل »... 45
تحريم المتعة... 46
تعطيل حدّ الزنا... 46
عمر يرجم المتمتّع... 46
وَأَبْطَلا فَرائِضَك
موارد متعدّدة لإبطال الفرائض... 48
تركه حي على خير العمل... 49
وَأَلْحَدا في آياتِك
إنّه ساحر !!... 51
من رسالة عمر إلى معاوية (عليهما اللعنة والعذاب)... 51
وَعادَيا أَوْلِياءَك
عادوا عليا 7... 53
عاديت من والاه اللّه ... 53
تعيير قرابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 54
إيذاء الأولياء... 54
عمر مع 300 رجل... 55
وَوالَيا أَعْداءَك
يشكرون ضارب فاطمة عليهاالسلام .. !!... 56
ص: 274
وَخَرَّبا بِلادَك
منذ قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 57
تعظم الفتنة... 57
لتحلبنّ دما... 58
وَأَفْسَدا عِبادَك
اضلال الدهر... 59
القتال لأجل الدنيا... 59
الويل للأُمّة... 59
ارتدّوا... 59
عبيد الدنيا... 60
مضلّ هذه الأُمّة... 60
أوزار الأُمّة... 60
فقد تحاربتم... 60
أجابوا الشيطان... 61
فَقَد أَخْرَبا بَيْتَ النُّبُوَّة ... وَوارِثَ عِلْمَه
بيت النبوّة ما أعظمه من بيت !... 62
المقهورون... 62
إحراق بيت فاطمة عليهاالسلام... 63
لأحرقنّها... 63
ياأبتاه... 64
هل من معين ؟... 64
ص: 275
إن مات رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 64
سلطان محمّد صلى الله عليه و آله... 65
الحطب والنار... 65
طعن في الإسلام... 65
لا تكون الخلافة... 66
.. وأحرق الباب... 66
وَقَتَّلا أَطْفالَه
أوّل من يحكم فيه... 70
أسقطت المحسن... 71
وقتلا زيد بن علي... 72
وَأَخْلَيا مِنْبَرَهُ مِنْ وَصِيِّه ، وَوارِثَ عِلْمَه
يصعدون منبري... 73
غصب مجلس علي عليه السلام... 74
علي أحقّ بالأمر... 74
سلبتماه ملكه... 74
مجلس أمير المؤمنين 7... 75
ترقى منبرهم... 75
وَجَحَدا إمامَتَه
جحدوا أمره... 79
جحدوا فضلنا... 79
الآحاد في الكعبة !... 79
ص: 276
وَأشْرَكا بِرَبِّهِما
يكفر في العرش... 80
كافران مشركان... 80
أكفرت ياعمر ؟... 80
أقسم بهبل والأصنام !... 81
اتّخذا صنما للعبادة... 81
فَعَظِّم ذَنْبَهُما ، وَخَلِّدْهُما في سَقَر ، وَما أَدْراكَ ما سَقَر ...
عبرة للفراعنة !... 83
وادي سقر... 84
اللّهُمَّ العَنْهُم بِكُلِّ مُنْكَرٍ أَتَوه
ذنوب أهل العالم... 85
بكاء المظلومين... 86
المنكر في القرآن... 86
الفرار من الزحف... 86
الفرار مرّة أُخرى... 86
سيرتهم الزنا... 87
هل يتوب الطاغوت ؟!... 87
وَحَقٍّ أَخْفَوه
لا حقّ لآل محمّد صلى الله عليه و آله... 89
إنّه ساحر... 90
يحولون بين الحقّ وأهله... 90
ص: 277
وَمِنْبَرٍ عَلَوه
منبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 91
مجلس النبوّة... 91
جلسا مجلسا... 91
عمدا إلى الأمر... 92
وَمُنافِقٍ وَلَّوه
نفر المنافقون... 93
الزنديق المنافق... 93
ليحدثنّ البدع... 93
فظ غليظ جاف... 94
وَمُؤْمِنٍ أَرْجَوه
هو المؤمن حقّا... 95
وَوَلِيٍّ آذَوه
آذى رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 96
آذيت عليا عليه السلام... 97
آذيتماني... 97
لا أرضى عنكما أبدا... 97
شيطانان يؤذيانه... 98
كيف آذوا فاطمة عليهاالسلام... 98
وَطَرِيدٍ آوَوه
ملعون ابن ملعون... 101
ص: 278
وَصادِقٍ طَرَدُوه
ما هو موقفنا تجاه الصادقين ؟... 102
إخراج وكيل الزهراء عليهاالسلام... 102
إخراج أُمّ سلمة وأُمّ أيمن... 102
إخراج بريدة... 103
طرد المظلوم... 103
وَكافِرٍ نَصَرُوه
فلا غفر اللّه لهما... 104
وَإِمامٍ قَهَرُوه
ظلمك وقهرك... 105
بايع وإلاّ قتلناك... 105
كادوا يقتلوه !!... 106
قهرتني على ميراثي... 106
يجرّونه إلى المسجد... 106
في رسالة عمر إلى معاوية... 106
وَفَرْضٍ غَيَّرُوه
أفضل الفرائض... 109
علي فريضة... 109
النبي صلى الله عليه و آله لا يورّث !... 110
سهم ذي القربى... 110
لا إرث لغير العرب !... 110
ص: 279
تقسيم الإرث حبس الأهواء... 110
وَأَثَرٍ أَنْكَرُوه
إنكار الأُخوّة !... 112
هذه قصص ، دعينا منها... 113
إنّه ساحر... 113
وَشَرٍّ آثَرُوه
شرّ بيعة... 115
اقتلوه... 115
يكفينا شرّه... 115
وَدَمٍ أَراقُوه
كلّ دم مسفوك... 116
محجمة دم... 117
قطرة من دماء المسلمين... 117
.. ودم الحسين عليه السلام... 117
حتّى دم زيد بن علي... 117
دماء المؤمنين ودماء السنانير!... 118
دماء المظلومين إلى أين ؟... 118
دماء كثيرة... 119
وكادوا أن يقتلوا عليا عليه السلام... 119
وَخَبَرٍ بَدَّلُوه
بدّلوا كلام اللّه ... 121
ص: 280
وحكم قلبوه
ليس حكم اللّه ... 123
منع القربى حقّهم... 123
وَكُفْرٍ أبدعوه
من هوّد اليهود... 124
فهو كافر... 124
الكفر يقبل... 124
أكفرت ياأبا بكر ؟... 125
فتنة الكفر... 125
وَكَذِبٍ دَلَّسُوه
الكذب مفتاح كلّ شرّ... 126
غضب النبي صلى الله عليه و آله... 126
أُمّ المؤمنين تشهد أنّه كذّاب... 127
أيّها الكذّاب... 127
أوّل شهادة زور... 127
أبو بكر وعمر كاذبان... 128
وَإِرْثٍ غَصَبُوه
مواريث الطاهرات... 129
غصب فدك... 129
الشكوى عند قبر الرسول صلى الله عليه و آله... 129
منعتم ميراثنا... 130
ص: 281
غصب حقّ علي عليه السلام... 130
غصبوني حقّي... 130
الفاسقان الغاصبان... 130
وَفَيءٍ اقتَطَعُوه
من كان وقحا يصنع ما يشاء... 132
تقضمون الفيء ؟!... 132
منع الخمس والفيء وفدك... 132
رضى اللّه أم رضى عمر ؟!... 133
وَسُحْتٍ أَكَلُوه
بطون ملئت من الحرام... 134
أترعي الكأس من الخمر... 134
خونة أم لا ؟... 136
وَخُمْسٍ استَحَلُّوه
خمس خيبر... 140
عبيد الدنيا... 140
إبطال حقّنا... 141
الحسد والعداوة... 141
وَباطِلٍ أَسَّسُوه
الصلاة خير من النوم... 142
أخذ الناس بالباطل... 142
أوائل عمر... 142
ص: 282
الدليل على باطلهم... 143
ما لقى الحقّ من الباطل ؟... 143
وَجَورٍ بَسَطُوه
الجور على سيّدة نساء العالمين... 144
الجور على أهل البيت عليهم السلام... 144
وَظُلْمٍ نَشَرُوه
عدد المدر والوبر... 145
اعتزل عن ظلم علي عليه السلام... 145
ما زلت مظلوما... 146
أنا المظلوم... 146
ظهير الظالمين... 146
لقد ظلموا عليا... 147
ارجع عن ظلمك... 147
ظلم العيون... 147
وَوَعْدٍ أَخْلَفُوه
رسول اللّه يولّي عن أبي بكر... 148
وَعَهْدٍ نَقَضُوه
عهد اللّه ... 150
معاهدة اللّه ورسوله... 150
نقض عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 151
الصلاة على السيّدة الزهراء عليهاالسلام... 151
ص: 283
نقضت الأُمّة عهدها... 151
بعد أن قبض النبي صلى الله عليه و آله... 151
وَحَلالٍ حَرَّمُوه
لم يحرّمها رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 153
اتّباع الرسول أم اتّباع عمر ؟... 153
صدقات النساء... 153
كلّ الناس أفقه من عمر... 154
التزويج على سنّة عمر... 154
رجمته بالحجارة... 155
من كلّ الدنيا : فدك... 155
هل هم خونة أم لا ؟... 155
وَحَرامٍ حَلَّلُوه
أخذ مال من غير حلّه... 161
رجم الحامل... 161
رجم المجنونة... 162
شرب الخمر في نهار رمضان... 162
تشاحوا على الحرام... 164
القهر على الميراث... 165
وَنِفاقٍ أَسَرُّوه
ما هو جزاء المنافقين ؟... 166
ما أورثهم النفاق... 166
ص: 284
كانا منافقين... 170
التأمّر على علي عليه السلام... 171
وَغَدْرٍ أَضْمَرُوه
التخطيط لقتل علي عليه السلام... 173
أبو بكر وعمر غادران... 175
الإجماع على الغدر... 176
ستغدر بك أُمّتي... 176
سيغدرون بك... 176
ستغدر بك... 176
توسعاه غدرا... 177
يوسع غدرا... 177
وَبَطْنٍ فَتَقُوه
ألقت الجنين من بطنها... 179
وَضِلْعٍ كَسَّرُوه
وكسر جنبها... 180
فكسر ضلعها من جنبها... 181
وَجَنِينٍ أَسْقَطُوه
تضرب وهي حامل... 182
فرفسها برجله... 182
ضرب جنينها... 182
حتّى أدميتها... 183
ص: 285
رجل فظ غليظ جاف... 183
وَصَكٍّ مَزَّقُوه
خرقوا صحيفة رسول اللّه ... 186
أخذ الكتاب ومزّقه... 187
بصق فيه ومحاه... 187
خرقه... 187
شقّه الثاني... 188
عجل هذه الأُمّة وفرعونها... 188
وَشَمْلٍ بَدَّدُوه
آل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 190
التغريب لا لذنب !... 191
التبعيد للجمال !... 193
وَعَزِيزٍ أَذَلُّوه
العزيز عزيز مهما كان... 194
الخبر المفجع في ليلة الإسراء... 195
كيف يصنع بفاطمة العزيزة... 195
لأحرقنّ عليكم... 195
أجئت لتحرق دارنا ؟!... 197
إنّي مذلّل... 197
وَذَلِيلٍ أَعَزُّوه
يتعزّز علينا الذليل... 198
ص: 286
وَحَقٍّ مَنَعُوه
المدفوع عن حقّه... 199
انتزعا منّي... 199
منعتني حقّي... 200
منع فاطمة وبني هاشم... 200
ظالم في أخذ حقّي... 200
ادفع الحقّ إلى أهله... 200
وَإِمامٍ خالَفُوه
مخالفة الفجّار... 201
اتّخذوا العجل... 202
ما علي إلاّ ساحر... 202
وَآيَةٍ حَرَّفُوها
آية الرجم... 203
تسعمائة حرف... 203
وَفَرِيضَةٍ تَرَكُوها
هدم الدار بلا تعويض !... 204
ترك الصلاة... 205
وَسُنَّةٍ غَيَّرُوها
ما أكثر السنن التي غيّروها... 206
سنّة النبي تتبدّل وتتغيّر... 206
الطلاق على عهد الرسول وعهد عمر... 207
ص: 287
أخطأتم سنّة النبي صلى الله عليه و آله... 207
التختّم باليمين... 207
وَأَحْكامٍ عَطَّلُوها
قتل بلا قصاص... 208
القصاص بعد العفو... 209
تجسّس الخليفة !... 210
موضوع واحد و (70) حكما !... 210
الهدية إلى الجاني... 211
وَأَرْحامٍ قَطَعُوها
قطعوا رحمي... 212
وَشَهاداتٍ كَتَمُوها
كذّبوا شهودي... 214
لم يشهد إلاّ بحقّ... 214
وَوَصِيَّةٍ ضَيَّعُوها
تناسيتم وصيّته... 217
وَبَيْعَةٍ نَكَثُوها
بيعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 218
رسول اللّه يأخذ البيعة... 219
نكث البيعتين... 221
حلف أن لا ينكث... 222
ستخذلني... 222
ص: 288
إطاعة الناكثين... 222
العذاب الإلهي لنكثهم... 222
وَدَعْوى أَبْطَلُوها
دعينا من أباطيلك... 224
يجرّ إلى نفسه... 224
وَبَيِّنَةٍ أَنْكَرُوها
بيّنة من أهل الجنّة... 225
أُمّ أيمن تشهد... 227
المرأة الأعجمية... 227
وَحِيْلَةٍ أَحْدَثُوها
أحيول... 228
احتيالاً واغتيالاً... 228
ما أحدثوا بعدك... 229
عمّا أحدثت... 229
وَخِيانَةٍ أَوْرَدُوها
الكاذبان الآثمان الغادران الخائنان... 230
الخائنين الناكثين... 230
وَعَقَبَةٍ ارْتَقَوها ، وَدِبابٍ دَحْرَجُوها
الفجرة الكفرة ليلة العقبة... 231
هم واللّه أبو بكر وعمر و...... 233
تلثّما في تلك الليلة... 235
ص: 289
من هم الذين أرادوا قتل النبي صلى الله عليه و آله ؟... 236
وَأَمانَاتٍ خانُوها
لا تخونوا أماناتكم... 237
خانوا أماناتهم... 238
اللّهُمَّ العَنْهُما في مَكْنُونِ السِّرِّ
كلّ لعنات اللّه ... 239
العنوا رحمكم اللّه ... 239
لعنهما كلّ غداة... 240
لَهُم وَلأِعْوانِهِم
واللّه تبارك وتعالى يتحدّث... 244
كلّ ظلامة... 244
كفر أتباعهما... 244
بين شيعة أبي بكر وشيعة فرعون... 245
العين المظلوم والعيون الظالمة... 245
وأمّا الشياع... 245
وأمّا محبّيهما... 246
وأمّا المسلّمين لهم... 246
وأمّا الأتباع... 246
اللّهُمَّ عَذِّبْهُم عَذابا يَسْتَغِيثُ مِنْهُ أَهْلُ النّارِ آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ
ما مقدار عظمة الجناية وبشاعتها ؟... 247
دعاء فاطمة عليهاالسلام... 247
ص: 290
عقاب من خالف اللّه ... 247
شدّة العذاب... 247
أصحاب التابوت... 248
تأذّى أهل النار منهما... 248
لا توبة له... 249
قاتل الحسين عليه السلام... 249
مع ملك الموت... 250
سياط جهنّم... 251
وأشدّ العذاب : تعيير رسول اللّه صلى الله عليه و آله... 252
لا يعذّب عذابه أحد... 252
بين الأفاعي وأسباع... 253
شدّة صراخهما... 253
شرّ مآب... 253
يستغيثان ويتضرّعان... 254
هذه جهنّم... 255
ضعفين من العذاب... 255
مع أبي بكر في آخر لحظاته !!... 256
ص: 291