شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور

هوية الکتاب

شِفاء الصُّدور

في شَرحِ زيارَةِ العَاشُور

تأليف: العلّامة الحاج ميرزا أبي الفضل الطهراني

(1273- 1316 ه - ق)

ترجمة و تحقيق محمد شعاع فاخر

الكتاب : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور

المؤلف : العلّامة الحاج ميرزا أبي الفضل الطهراني

الناشر : انتشارات المكتبة الحيدرية

عدد الصفحات والقطع : 883 صفحة وزيري

عدد المطبوع : 1500 جلد من الجزء الأول

الطبعة : الأولى

سنة الطبع : 1383 - 1426ه

المطبعة : شريعت

ص: 1

المجلد 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ردمك الجزء الأول : 5 - 000 - 503 - 964

ISBN : 964 - 503 - 000 - 5

ردمك الدوره : 1 - 002 - 503 - 964

ISBN: 964 - 503 - 002 - 1

الكتاب : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور / ج 1

المؤلف : العلّامة الحاج ميرزا أبي الفضل الطهراني

الناشر : انتشارات المكتبة الحيدرية

عدد الصفحات والقطع : 440 صفحة وزيري

عدد المطبوع : 1500 جلد من الجزء الأول

الطبعة : الأولى

سنة الطبع : 1383 - 1426ه

المطبعة : شريعت

سعر الدورة الواحدة (1 / 2): 6000 تومان

ص: 2

مقدمة المترجم

بسم الله الرحمن الرحيم

اقترح عليّ أخي الأثير أبو زينب أن أشد حيازيمي للترجمة وأغرق فيها حتى شحمة أذني ، وعلى الله سبحانه نجاتي وانتشالي، وسارع، فحمل البريد لي كتابين من أعزّ الكتب عليه، وهما : «شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور» و«كامل البهائي».

أمّا الكتاب الثاني فكنت أعرفه عن قرب وقد تصفحته ولم أتم قرائته ، فرأيته من مصادرنا المهمة وتكون ترجمته خدمة جليلة للغة العربيّة، وكنت عقدت العزم على ترجمة مجالس المؤمنين للقاضي التستري الشهيد ، ورحّب أبو زينب رعاه الله بالفكرة بادئ ذي بدء، ثمّ تشاغل أو شغل عنها ، وبقيت معلّقة برأسي حتى صرفني عنها أحد العلماء، ونهاني عن ترجمته، وعرض أسباباً ما اقتنعت بها وأضمرت الغدر أي أظهرت موافقته ولكنّي أسررت مخالفته لعلمي بجدوى الكتاب من الناحيه العلمية والأدبية والتاريخية، أما كونه يسبغ التشيع على الأولياء والخصوم فهو من هذه الناحية يصنعهم صنعاً من بعد صنع ، فهذا لا يضع من قيمة الكتاب العلميّة .

لئن يكن الفعل الذي ساء واحداً***فأفعاله اللائي س-ررن ألوف

ص: 3

ولكنّى أرجأت العمل بالفكرة إلى أجل غير مسمى حتى فاجأني الأخ العزيز الناشر أبو زينب بالكتابين السالفين، وكان علي أن أبدأ بالكامل لأهميته القصوى من حيث كونه مصدراً لا يستهان به أبداً ، واللغة العربية محتاجة إليه حاجة ملحة خلا أني رأيت أن أبدأ بشفاء الصدور تيمناً بالموضوع ومن وضع له وبمؤلّفه ، وما كنت أعلم - والله شاهد علي - أن أجد في الكتاب هذا الكم الهائل من العلم المفيد، وكلما توغلت فى الكتاب قرائة أو ترجمة اكتشفت جديداً تضرب إليه أباط الإبل.

ما عرفت كتاباً فيما ترجمته منحني هذه اللذة النفسيّة وأنى أنساب معه انسياب مواضيعه كالعذب الفرات، ورأيت ذلك تسديداً من الله ، ناهيك بالأسلوب الذي تفرد به المؤلف وهو مما ينشده المترجم، فقد كنت - وأنا أترجمه - كاني أعيد كتابته لأنه يكتب بلغة فارسية وأسلوب عربيِ مبين .

وطرت به فرحاً - وأنا أترجمه - وخلت المؤلّف حاضراً معي أساجله ويساجلني، ويزجي خطواتي بأفكاره السامقة، وعرفت فيه العالم الذي تهمه الحقيقة وحدها لأنه متعبد في محرابها مِن ثَمّ تراه شديد الوطأة على العالم إذا أخطأ.. وليس معنى ذلك أنّ حرمة العالم العلميّة غير مصونة عند المؤلّف كلاً، فهو كثير الاحترام عظيم التبجيل للعلم وأهله ولكنّه لا يرحم إذا نقد لنأيه بالنقد عن التقريظ فهو عنده الجلد وإقامة الحد وإن ترائى لبعضهم أنه غزل وتقريظ .

لذلك رأيته يلهب بسياط النقد قاموس الفيروزآبادي، وينعى عليه تسرعه في الحكم على اللغة وأخذه إيَّاها عن كل من هب ودبّ، بل ربما لامه إلى درجة التحميق لأنه يجعل من تصحيفه الكلمة لغة يفرضها على قارئيه فيخالونها مأثورة عن أوائل الواضعين وما هي إلا جملة أدخل مقاطعها الآخر بالأوّل فحسبها بعد هذه العلميّة الجراحية لغة حيّة أو مفردة منقولة عن إقحاح العرب، وقال عنه بعد أن تتبع هفواته : ما رأيت أكثر أخطاءاً من صاحب القاموس هذا مع احتجاجه به

ص: 4

أحياناً لأنّ الخطأ والخطائين والثلاثة والأربعة مثل كبوات الجواد لا تسقط الكتاب من ميزان الاعتبار.

وكما حاسب علماء اللغة حاسب إخوانهم في حقول العلم الأخرى، حتّى المجلسي مع إكباره لمقامه الشامخ، سلّط عليه مشرط النقد فاستخرج من كتابه داءاً دويّاً علماً منه بأن المجلسي قام بعمل جد عظيم حين جمع الأحاديث والكتب في كتاب واحد وصيّره مكتبة سهلة التناول، قريبة المأخذ في زمنه ، ولم يجمع الصحيح وحده بل حصر الأحاديث بجملتها الأحاديث بجملتها ف-ي ه-ذا الإطار، وأطلق للعلماء الإذن في التدقيق والتحقيق، واستخراج الصحيح من السقيم والمقطوع بصدوره من الموضوع فهو والحال هذه حلبة سباق تتفاضل فيه الجياد بين سابق ولاحق ومصل وهلمّ جرّاً.

والشيخ جوّال بفكره في هذا الكتاب الحافل والشرح الكامل فهو حين يعرض للمسألة لا يدرسها من وجه واحد أو وجهين اثنين بل يجيل فيها فكره حتى ينهكها بحثاً وتدقيقاً ولا يترك القارئ إلا على طرف الثماد بعد أن يعبّ العذب النمير من إبداعه وإفكاره الخلّاقة .

ولست أريد دراسة المؤلّف فى هذه المقدّمة لأنها لا تفي بحقه ولو حوّلتها إلى كتاب مطوّل ، ولكنّي أريد أن أضع القارئ على الواضحة من عمل هذا العملاق ثمّ أستودعه الله بعد أن يسلك الدرب إلى القمة ليبلغها .

كل هذا لم أكن أعلم به قبل الترجمة وإنّما بدأت به تعبداً حتى اكتشفت أنّي أعوم في بحر لجيّ بعبد القاع نائي الشطئان من هذا الشرح العلمي التاريخي الأدبي الفلسفي الروائي الأصولي الفقهي ففيه هذا وزيادة، ومن يقرأه يدرك م-ا أقول، وعلمت بأنه التسديد من الله والإلهام حيث اختار لي هذه البدئة الموفقة، والحمد لله

ص: 5

وكنت قبل أن أتعرّف على المؤلّف عرض لي ديوان شعر مطبوع في طهران ضخم إلى حد ما بالعربية لأديب طهراني ، فعجبت أن يكون البلد طهران والشاعر طهرانيّ والشعب القارئ فارسي والشاعر فارسي والشعر عربي، ولا أكتم القارئ أني اقتنيته وأنا على مثل اليأس من العثور على الجيد المفيد ، فلما طالعته أثار إعجابي واحتفظت به دليلاً على قدسيّة اللغة العربية وسحرها وما كنت أعلم أنّ شاعر الديوان هو نفسه شارح زيارة عاشوراء حتى دخلت من البوابة الواسعة لهذا الكتاب الرائع العظيم ، وعرفت مؤلّفه، فازددت شوقاً على شوقي.

ثم قرّبني من المؤلّف ولائه الشديد لأهل بيت نبيه وحبّه لهم وبغضه لأعدائهم ونأيه بالروح والجسد عن خصومهم واتخاذهم خصوماً له، ولو كان علم الله من بلد غير بلدي وأمة غير أمتي لتعلّقت به تعلّق الحبيب بالحبيب فكيف وه-و من البلد الذي أنتمى إليه وأحمل جنسيته وأتكلم لغته وإن نمتنى الأعراق إلى العرب على علم منّي بأن لا موضوعية للأجناس هنا بعد قيام الدولة الإسلامية في إيران حين اتخذت لكل رعاياها الجنسية الإسلامية أصلاً ومنشأ وانتماءاً وأنساباً، والحمد لله .

من جهة أخرى رأيت أن أواصل الترجمة فأدخل عالم الكامل للبهائي وهو ما يزال مغلقا عليّ عليّ لأني لم أقرأه بعد لأبدأ بترجمته وسوف أبدأها قريباً بإذن الله تعالى وحسن توفيقه .

بقي في نفسي شيء وددت أن أعرضه على القارئ وهو أن الأخطاء التي يراها في الكتاب جلّها تعود إلى الطبع والآلات الطابعة على أن السيد محمد المعلم يبذل في الكتاب قصارى جهده المشكور لتفادي الأخطاء ولكنها تقع حتماً لأنَّ العصمة من الخطأ الله وحده ، ولأنّ مخطوطة الكتاب حين تصل إلى يده تصل مخطوطة بيد مرتجفة أثر بها حادث الاصطدام - أجاركم الله - فجعلها لا تستقرّ

ص: 6

بالحرف كما ينبغي أن يكتب فتتنائي بعض حروفه عن بعضها أو بعض نقاطه على حروفه فتوضع هذه النقطة على غير حرفها وتلك الحركة على غير صاحبها ويضعف ما حقه التخفيف، أو يخفّف ما حقه التضعيف ، وهكذا دواليك ، فتأتي القرائة مصحفة فيقع الخطأ ، أعاننا الله وإياكم على تفاديه.

وآخر القول إنّي أردت قصداً أن لا أطيل في المقدمة ولا أفردها عن مقدمة الناشر - للمتن الفارسي - ولقد سبق سيدنا المحقق السيد علي الموحد الأبطحي أيده الله وسدّده إلى هذا الخير العميم حيث بذل جهداً مشكوراً لإخراج هذه اللؤلؤة المشعة والدرّة اليتيمة بحلّةٍ قشيبة وأعطى من فيض قلمه عطاءاً ثراً مفيد حيث حلّى هذا الكتاب بصياغة الهوامش النافعة والتعاليق الجديرة بالثقة والاطمئنان .

وإني والحق يقال استفدت من تحقيقاته الكثير وأغناني بذكر المصادر بدقة عن البحث عنها إلا ما رأيت البحث عنه وفيه لازماً خلا أني أخذت على المحقق ذكره للمصدر الأول الذي نقل عنه المؤلّف ثمّ يسارع فيأتي بالمصدر الثاني الذي نقل عن المصدر الأوّل فهو حين يروي الرواية عن المناقب يسارع فيثني بالبحار الذي نقل عن المناقب وهذا لا داعي له لأن المصدر الثاني لا يضفي على الرواية قوة أو صحة مضاعفة لأنه ناقل لها وليس مخرجاً ومع ذلك فهو لا يشين تحقيقه الرشيق الجميل الدال على الفضل وسعة الإطلاع وله الفضل أوّلاً لأنّه المتقدّم وآخراً لانتفاعنا بتحقيقه وأسئل الله لي وله التوفيق في خدمة هذا المذهب الشريف والنجاح كما أرجو لكل المتعاونين معناً في نشر هذا الكتاب الخير والأجر لا سيما سيدنا الاستاذ السيد المعلّم . أحسن الله إلى الجميع .

لهذا جعلتها صدراً لها وها هي - أي مقدمة الناشر للمتن الفارسي - تليها، والحمد الله أوّلاً وآخراً، والصلاة على حبيبه المصطفى وآله المستكملين الشرفاء.

ص: 7

مقدّمة الناشر (للمتن الفارسي)

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم ربّ بطل الشهداء الحسين بن علي علیهما السلام حمداً لا أمد له للربّ الرحيم الذي فتق في قلب الإنسان طاقات الود والمحبّة، وعلم أبجدية الحبّ والإيثار والفداء سالكي طريقه، وأنار مشعل التوحيد الوهاج في طريقهم، وأوقد بيادر أرواحهم ببارقة تجليه .

والشكر العميق للربّ الذي زيّن المصطفين من أبناء البشر وأوليائه بزينة حبّه وعشقه ، وقضى عليهم الشهادة في سبيله .

والحمد غير المتناهي للخالق العظيم الذي من أجل تعظيم الطريقة الحسينية وسالكها الحسين حلّى صدره المبارك بشارة لقب «ثار الله» وكنية «أبي عبدالله». ومن اليوم إلى أن تقوم الساعة وما دام العالم قائماً، يفتخر الكل في زيارته بترديد السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره» و «السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفناءك».

وجعل يوم عرفه أوّل يوم لعنايته بزوّاه وتوجّهه وتجلّيه لهم ثمّ للمثنين عليه والداعين في عرفاته، وحمل ملائكة السماوات السبع والأرض وما فيها في قبال هذه العظمة والشموخ ونكران الذات على تعظيمه كي يعرفوا سرّ الحكمة التي

ص: 8

قدرها في فطرة ابن آدم، ويلموا بها حق الإلمام ولا ينظروا إلى هذا الوجود الرباني العزيز إلّا بعين العناية .

والسلام والتحيّات على الأرواح الطاهرة للمولهين به والمدلهين بحبّه وحبّ مسلكه . وعلى الطلائع الأولى والقادة العظام من آدم إلى الخاتم وعلى أوصيائهم لاسيما أشرفهم أميرالمؤمنين علیه السلام و أوصيائه الكرام، المخبرين بصدق عن كربلاء وعاشوراء، الذين عرفوا البشرية بعمق الحادثة العظمى قبل وقوعها لكي يهب محبّو أبي عبدالله بوعي لنصرته ، والذود عن أهدافه، ولا يبخلوا ببذل الروح من أجل علوّ نداء التوحيد ونفى الشرك والنفاق، والابتعاد عن الأراذل والأوباش، لكي يحطوا رحالهم في حريم القرب الرّباني .

والصلاة والثناء العاطر على أصحاب ذلك الإمام الأوفياء المضحين ، الذين أقبلوا من كل حدب وصوب يحدوهم العشق حتى التحقوا بركبه ، واقاموا ملحمةً في يوم عاشوراء لا يذهب صداها إلى الأبد عن أذن الوجود، كي لا يغيبوا في حمئة النسيان والضياع، وتشمخ جباههم غراء في الزمان كله ؛ لأنّ هواء العشق خطير ، وعمل المحبّين المطهرين المتعلّقين بالواحد الأحد أخطر.

والحمد والشكر الذي لا قرار له الله الكريم الوهاب الذي منحني التوفيق حتى كتبت الكتاب القيم (منادیان راستين كربلاء وعاشوراء) لأحشر في زمرة المحبين ، وباستطاعتي أن أردّد:

درون شعله چون پروانه بسوختم ای دوست***بدین امید که از عاشقان حساب شوم

بنارك أحرقت مثل الفراش***وأمل أحسب في العاشقين

نعم، لو نلت توفيق نشر هذا الكتاب لكنت قدمت إضمامة من الورد التي لا يعتريها الذبول في تعاقب الزمان ولا يمحى رونقها في لفح زمهرير الشتاء إلى عاشقى الحسين ومحبّيه

ص: 9

ثمّ إنّ هذا الأثر الذي ترونه بين أيديكم (شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور) الذي تحمل الكاتب عبأ تحقيقه وتصحيحه والتعليق عليه، ورأيته لازماً لي واجباً عليّ لأنه واحد من الآثار العلمية والأدبية والتاريخية الثمينة الإسلامية، ويفهم موضوعه من اسمه بأكمل وجه وهو الذي يفصح عن عظمته وخواصه العلمية والتاريخية.

ومن المؤسف أن هذا الكتاب النفيس لم يقدّر حق قدره بشكل مؤلم، ولم يوله أهل الفضل والعلم العناية اللازمة، ولعلّ للغة التي كتب بها وهي الفارسية دخلاً في عدم الاهتمام به، وعسى الاهتمام به، وعسى أن يكون هو العامل الأصيل في ذلك أو من بعض عوامله ، على أنه كنز عظيم لا يصح التفريط به على الإطلاق.

والآن ومن أجل تبصر القرّاء الكرام ومعرفتهم أكثر وأكثر بهذا الكتاب القيم المفيد نوجه عنايتهم إلى النكات التالية :

1 - ما هي الزيارة ومن هو الزائر ؟

الزيارة في الاصطلاح معناها رؤية علم عظيم والمثول في حضرته من أجل أداء التحية له وتقديم أدب الاحترام اللائق به.

والزيارة للأقارب والأرحام والأحبة أمر عادي ولكنّها إذا كانت للأنبياء والأئمة المعصومين وكبار رجال الدين تحتوي على طقوس خاصة وخصائص مميّزة.

ولقد قيل : إن مجرد توجّه القلب إلى أولئك السادة تتحقق الزيارة ولكن ما أحسن الزيارة لو تمت على يد السالكين في معارج الحق ومناهج الربّ والرسول صلی الله علیه و آله وسلم ومحبّي آل البيت وأهل ولائهم من أجل نيل القرب منهم على نحو الزيارة ورؤية الحبيب بأحسن الكلام وأجمل العبارات يؤدون هذه الزيارة في حضرتهم .

ص: 10

وما أكمل هذه الزيارة أيضاً إذا أخذت طرقها وآدابها وتحيتها وثنائها وأخيراًكل ما يلتئم وهدف السالكين إلى حرم القرب من أولئك الكبار أنفسهم، وعملوا بدستور الحب والود بين التابع والمتبوع الذي ورد من جهتهم.

ومن هذه الجهة اتفقت كلمة أئمة المذهب وعلماء الطائفة على أنّ خير الزيارات وأفضل القربات ما جاء عن المعصومين فإنّه خير وسيلة من وسائل القرب لأهل الولاء - وكلام الملوك ملوك الكلام ، وربما ضمنوا مع بيان التحيات والآداب حقائق العرفان ودقائقه الدائرة في فلك الولاية والإمامة، بالشأن الذي ينبغى أن يكون عليه، فأرووا عطاشى زلال المعرفة، وأنقعوا غلتهم، بعناية وكفاية وسداد .

2 - دور الزيارة أو الدروس الحيّة

من المؤسف حقاً أن يقل الاعتناء بمحتوى الزيارة ويزداد الإقبال على ظاهر الألفاظ والكلمات الخاصة بهذه التعاليم الملكوتية ، في حين أن روح الزيارة في محتواها وهو دروس عميقة لتكوين الإنسان الفاضل وصنعه وهي تالية القرآن ونهج البلاغة والصحيفة السجّاديّة والأدعية المأثورة عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أي أنّها تأتي بعد هذه المحتويات المقدّسة في الرتبة لرقي الإنسان ورفع معنوياته ومنحه الروح الفاضلة تضعه في المكانة التي تؤهله لمعرفة معارف أهل البيت علیهم السلام ، لاسيما تلك المقدّمات والتقاليد والآداب والدساتير الموضوعة للعتبات المقدّسة وبيان طرق إجرائها للمتشرفين بلقاء الأحبة على تلك الساحات المشرفة التي بمجموعها تترك آثاراً عينية ومشاهدة ف-ي س-وق الإنسان باتجاه الكمال المطلوب، والبعد عن الأدناس، وعلى هذا الأساس رصد

ص: 11

جزاء عظيم وزائد عن الحدّ لمن وفقهم الله فبلغوا حرم القرب، ونالوا فضل الدنو من ذلك الحريم المطهّر .

3 - نظرة خاطفة على هذه التعاليم المفيدة

الأول : التوحيد ومعرفة الخالق .

الثاني : العجز والخضوع المطلق في قبال الذات الوحدانية ، وخالق الوجود ذي الجلال عزّ اسمه.

الثالث : الانعطاف نحو الجزاء والمثوبة الإلهية.

الرابع : البعد عن المحارم واجتنابها.

الخامس : تعاهد روح التقوى وتهذيبها وتربيتها .

السادس: رعاية حقوق المؤمنين.

السابع : تعليم روح الجهاد، وتقويم النفس والاستماتة في سبيل الله .

الثامن : إيجاد الصلة مع أولياء الله .

التاسع : التوجه إلى سيرة المصطفين وطريقتهم في الحياة ، حيث توجد في كلّ زاوية منها مدارس لتهذيب الإنسان ومثل عليا مقدّسة تحتذى لكلّ إنسان .

العاشر : بيان أهداف الأئمة المعصومين من إعلاء كلمة الحق والطاعة الخالصة والإيثار فى سبيل الحقِّ .

الحادي عشر : التوجّه إلى دقائق العرفان والاعتقاد والأخلاق والاجتماع والتاريخ وإجمالاً لما تقدم الأنس بالمعارف الإلهية المبثوثة في عبارات ومضامين تلك الزيارات والدروس.

ص: 12

4 - زيارة عاشوراء

زيارة عاشوراء هي مجموع الدروس الاعتقادية والسياسية والفكرية، وإظهار السخط والغضب على عدوّ أهل البيت المعصومين المطهرين، وهي المحك الذي يتميز به النفيس من الخسيس، وتقديم البرائة على الولاء أو التبري على التولي وهي الدعاء والتضرع إلى الله، وطلب المعونة على الانتقام من العدوّ والتوفيق فى أخذ الثأر منه ، وإرسال النداء تلو النداء بحيث تعكس كلّ عبارة فيه القيم الفاضلة ، وفصولاً لا تحتمل التردّد تفتح للإنسان طريقه، وفيها القدرة على منح الإنسان القوّة والاستقامة في قطع الطريق حتّى يصل إلى الحقيقة الراسخة.

5 - عظمة هذه الزيارة

لا شكّ في أنّ زيارة عاشوراء من الأحاديث القدسية وتنتهي سلسلة إسنادها إلى قال الله تعالى، وإمعان النظر في هذه المسألة يكشف لنا أهمية زيارة عاشوراء أكثر فأكثر من حيث كونها كلام الله وليست كلاماً عادياً، بحيث يستطيع المرء اجتيازه بسهولة، ومن هذه الجهة يرى العلّامة الكبير الطهراني ميرزا أبو الفضل - مؤلف الكتاب - وغيره من الشخصيات العلمية الإسلاميّة أنّ لكلّ كلمة من هذه الزيارة غوراً بعيداً وأسراراً مخبوثة، تحتاج إلى من يكشفها ويجلّيها.

6 - آثار و بركات زيارة عاشوراء

ليست الآثار والبركات الظاهرية والمعنوية لزيارة عاشوراء وتعظيمها وقرائتها ومداومة قرائتها ما هو بحاجة إلى بيان لأنه بمنزلة الشمس في رائعة النهار ، إلا أننا إظهاراً لتعظيم مكانة الروحانية الشامخة وتبياناً لطرق أصحابها وسلوكهم نعمد إلى ذكر نموذج من تلكم التأثيرات ونكتفي بها .

ص: 13

ذكر العلّامة عظيم الشأن صاحب كتاب «رياض الأنس» عن أستاذه جليل القدر آية الله العظمى الحاج عبد الكريم الحائري اليزدي أعلى الله مقامه الشريف (1):

لما كان في مدينة سامراء نشتغل بالطلب ، دخل علينا ذات يوم المرحوم آية الله العظمى الأستاذ الكبير السيّد محمّد فشاركي حلقة الدرس، وهو مضطرب الحال الشيوع الهيضة في ذلك الزمان ، وقد أصاب جماعة من العراقيين هذا الوباء المسري فقضى عليهم ، فقال السيّد المذكور هل تروني من المجتهدين ؟ قلنا: نعم ، فقال : ومن العدول ؟ قلنا : نعم - وكان غرضه بعد أخذ تأييدنا إصدار الحكم - ثم قال : إني أحكم على الشيعة جميعهم القاطنين في سامراء من ذكر وأنثى أن يتلو كل واحد منهم زيارة عاشوراء مرة واحدة نيابة عن السيدة المكرمة أمّ الإمام صاحب الزمان وأن يجعلوا هذه الأمّ المقدّرة شفيعة عند ولدها ال-م-ول-ى سيدنا المهدي ولي العصر وإمام الزمان عجل الله فرجه ليسأل الله تعالى برفع هذا البلاء عن شيعة سامراء .

قال المرحوم آية الله الحائري: فلما أصدر حكمه، وبما أن الخطر عام، ف-ق-د أطاعه الشيعة كلّهم فلم يصب الوباء واحداً منهم، ونجى الله تعالى من هذا البلاء العام ببركة زيارة عاشوراء الشيعة جمعاء .(2)

7 - دور کتاب شفاء الصدور

يظهر هذا الكتاب العلمي والأدبي والعقيدي والتاريخ عقائد الشيعة ومعارفهم

ص: 14


1- كان آية الله الحائري قبل الهجرة إلى إيران يسكن مدينة كربلاء وكان مشتغلاً فيها بالتدريس وتربية جماعة من الأفاضل وكان الكاتب من تلامذته المبرزين (هامش الأصل)
2- يحكي هذا النوع من القضايا عن عظمة عاشوراء وبركاته، وقد جمعناها في مجموع واحد تحت اسم زیارت عاشورا و شگفتیها وقد نشرناها والحمد لله . (المحقق)

وعظمة سيّدالشهداء علیه السلام و دور ثورته في إسقاط المؤامرة من الشجرة الملعونة الخبيثة - على لسان النبي والأئمة المعصومين - بني أمية ، ويبين كذلك عن عظمة عاشوراء وزيارتها، ويشرح اللطايف والدقايق الاعتقاديّة والأخلاقية والعرفانية والاجتماعية المودعة في عباراتها ومضامينها.

ولا يحتاج إلى بيان ما فيها من لزوم الاطلاع على المعارف الروحية وفاعليتها. ومما يؤسف له حقاً خفاء عظمة هذا الكتاب النفيس والدرّة البيضاء وسموّ شأنه ورفيع مرتبته على كثير من العلماء، ومن هذه الجهة لم يطبع إلا مرتين : الأولى في بمبئي ، والثانية في طهران بالأفست مع الأخطاء الكثيرة والتصحيف الكبير، وأحمد الله على لطفه حيث حملني حبّي للحسين علیه السلام وأصحابه على تحقيقه والتدقيق فيه وذكر مصادره ومداركه - بقدر الإمكان - ونشره بأسلوب جديد عصري، وتحمّل هذا العبأ الخطير ، على أمل قبوله من سيّد الشهداء مولانا أبي عبدالله الحسين روحي وأرواح العالمين له الفداء، وأن نكون مورد عناية شفيعة يوم الجزاء أمّه المظلومة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ومورد توجه و قبول بقيّة الله مهدي الزمان ولي العصر أرواحنا لمقدمه الشريف الفداء، ويكون ذخيرة لنا في يوم الجزاء.

8 - في شرح أحوال المؤلّف

كان المرحوم الحاج ميرزا أبو الفضل الطهراني عالماً عاملاً ولم يتخط المرحلة الثانية والأربعين من مراحل حياته ، وفي هذا العمر القصير استطاع الإلمام بكثير من العلوم لاسيما الفقه والأصول والحكمة والعرفان والأدبيات، وفي كثير من العلوم النظرية أوصل التحقيق فيها إلى درجة جعلها بمبعدة عن الوهم ومقربة من

ص: 15

الفهم الدقيق، وكان أقل مواهبه الشعر والقريحة ترسل بالعربية حتى لا تكاد تفرّق بينه وبين أكبر أساتيد العربية بحيث لم يصل إلى فصاحته وبلاغته في العربيّة نظير له من أبناء ،فارس، ولو رآه العرب العرباء لما علمو أنّ منشئ هذا الكلام الفصيح رجل من العجم ولغته اللغة الفارسي، وكان مشعلاً وهاجاً يتباهى به الإسلام والمسلمون

ولد هذا العالم العظيم - وهو خلف الفقيه المحقق ذي القدر الرفيع المرحوم الحاج ميرزا أبو القاسم الطهراني الكلانتري صاحب التقريرات - عام 1273 هجرية، ولما كان يتحلى بالفهم والفراسة والذكاء والعقل والدربة، فقد كمل في أقصر وقت في العلوم العقلية والأدبية والنقلية كلّها، ولشدة حافظته وقوتها كان يحفظ القصيدة إذا قرأها أو سمعها مرّةً واحدة ، وتنطبع في ضميره المنير كالنقش في الحجر، وكان يحفظ غالب أشعار العرب والعجم، فكان مثالاً يحتذى لأهل ،زمانه ، ويشهد لمكانته العلمية ما كتبه من المؤلّفات زمان بلوغه أو بعده بقليل، فهی خیر شاهد على الأمور السالفة .

هاجر المؤلّف إلى العتبات المقدّسة في سنة 1300 لكي يكمل دراسته العلمية ويحصل على الدرجات العالية مع ما كان يقول في حقه المرحوم ملا علي الكني - أعلى الله مقامه - من أنه كمل في كل علم وبلغ رتبة الاجتهاد الرفيعة، وما به من حاجة إلى الهجرة، ولكنّه قصد يومئذ العراق وأفاد من محضر المرحوم آية الله الحاج ميرزا حبيب الله الرشتي - أعلى الله مقامه - ونال شرف المثول في سامراء بدعوة من المرحوم آية الله العظمى الميرزا حسن الشيرازي، ونال الفائدة الكبرى من كمالات ذلك الرجل العظيم، وبأمره ألف كتاب «شفاء الصدور».

وفي سنة 1306 سافر إلى الحجّة بمعيّة الحاج السيّد محمّد الصرّاف الطهراني ، وعاد في سنة 1310 إلى مقره المألوف ووطنه الأصلي طهران، واشتغل بالتدريس

ص: 16

في المدرسة الحديثة البناء الناصرية، وقام مع التدريس بالفتوى ورتق أم--ور المواطنين وإقامة صلاة الجماعة.

وكان لتحليه في طلاقة اللسان وحلاوة البيان مع ما هو عليه من الرتب العلمية ودرجات التقوى سبباً داعياً وعاملاً مؤثراً فى ميل قلوب أهل الفضل إليه ، وإقبالهم عليه من شتى بقاع الدولة، مما أثار حسد بعض معاصريه فبالغوا في إزعاجه وآذوه وحمّلوه العذاب والعنت حتى وافاه الأجل في غرّة صفر سنة 1316 مصاباً بمرض الحصبة». وفي الثامن من الشهر المذكور ذهب إلى رحمة الله تعالى، وكان يعتقد بعض أهل العلم والاطلاع أنه رحل عن هذه الدنيا مسموماً.

دفن المرحوم في مقبرة والده الماجد الواقعة في صحن الحمزة وفي جوار عبد العظيم الحسني .

إعلان وإعلام

ما ذكر في بعض الكتب والتراجم من كون اسم المؤلّف أبا الفضل أحمد ووفاته كانت عام 1317 وأن جسده نقل إلى النجف فدفن هناك في وادي السلام لا حقيقة له بل اسمه أبو الفضل ومولده سنة 1273 ووفاته 1316 ومدفنه الشريف في مقبرة والده المعظم في جوار عبد العظيم في الري.

شيوخ المؤلّف وأساتذته

حضر الشيخ أبو الفضل في مبتدء حياته العلمية في محضر والده العظيم الحاج ميرزا أبي القاسم الطهراني الكلانتري . وبعد أن لبّى والده نداء ربّه قضى أغلب أوقاته في حلقة فقيهي الزمان ووحيدي الأوان السيد السند الآقا السيّد محمّد

ص: 17

الطباطبائي والعلم المعتمد الآثا ميرزا عبدالرحيم النهاوندي - نور الله مرقدهما - واشتغل عليهما بتحصيل الفقه والأصول.

وحضر في المعقول والعرفان على حكيمي العصر وفريدي الدهر الآقا ميرزا محمد رضا القمشئي والآقا ميرزابي الحسن جلوه - طيب الله تربتهما - وعمد إلى تدبيج بحوث الأستاذ الفريد الآقا محمد رضا القمشئي العرفانية والحكمية بصورة تقريرات وما تزال هذه البحوث إلى الآن موجودة في ذلك البيت الشريف.

وهاجر عام 1300 هجرية إلى العتبات المقدّسة وتشرف بحضور مجلس آية الله العظمى الميرزا حبيب الله الرشتي، ومن بعده حضر مجلس آية الله العظمى الحاج ميرزا حسن الشيرازي واستفاد من محضر هما كثيراً .

زملاء المؤلّف في العلم والبحث

كان هذا العالم العظيم فى أعماله العلمية له مباحثات مركزة علمية مع آية الله الميرزا محمد تقي الشيرازي وآية الله العظمى الآقا السيد محمد الاصفهاني.

آثار المؤلّف العلميّة والأدبية

1 - أرجوزة في النحو (1)

2 - الإصابة في قاعدة الإجماع على الإصابة (2)

3 - تراجم ؛

4 - تميمة الحديث - علم الدراية (منظوم) ؛

ص: 18


1- مقدمة ديوان المؤلف .
2- مقدّمة شفاء الصدور : 228 و 253 .

5 - تنقيح المقالة في تحقيق الدلالة ؛

6 - حاشية على رسائل الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه ؛

7 - حاشية وشرح على مكاسب الشيخ الأنصاري رحمة الله عليه(1)

8 - حاشية على رجال النجاشي (2)

9 - (شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور) طبع ف-ي بمبئي وف-ي ط-ه-ران بالأفست ؛

10 - صدح الحمامة ؛

11 - قلائد الدرر في علم الصرف ؛

12 - الدر الفتيق في علم الرجال ؛

13 - ديوانه العربي - طبع في طهران ؛

14 - منية البصير في بيان كيفية الغدير ؛

15 - ميزان الفلك فى علم الهيئة منظوم (3)

16 - منظومة في الإجماع.

تذكّر وإعلام

من أجل اطلاع أكثر ومعلومات أكبر عن أحوال هذا العالم الکبير المفيد الإسلامي وتأليفاته وآثاره العلمية والأدبية بإمكان القارئ الكريم الرجوع إلى أقوال العلماء الذين تناولوا شخصيّته العلمية والأدبية وتناولوا مكانته في عالم العلم، منها:

ص: 19


1- مقدّمة ديوان شفاء الصدور : 221
2- مقدمة الديوان ، شفاء الصدور : 243 و 444. (هامش الأصل)
3- مقدمة الديوان، شفاء الصدور : 228

1 - إبداع البديع في صنعة الاشتقاق، تأليف ميرزا حسن شمس العلماء الگرگانی، طبع طهران سنة 1328.

2 - أحسن الوديعة ، تأليف السيد محمد مهدي الكاظمي ، طبع الكاظمية .

3 - أعيان الشيعة ، تأليف العلّامة الكبير السيد محسن الشامي، طبع بيروت.

4 - جُنّة النعيم في أحوال عبد العظيم، تأليف الحاج ميرزا باقر .

5 - الذريعة ، تأليف العلامة عظيم الشأن الحاج الشيخ آغا بزرگ الطهراني .

6 - طبقات أعلام الشيعة 1 55 للعلّامة عظيم الشأن الحاج شیخ آغا بزرگ الطهراني .

7 - الكنى والألقاب، تأليف العلّامة العظيم المحدث القمي.

8 - مدينة الأدب، تأليف عبرة النائيني .

9 - مدينة المدينة ، تأليف عبرة النائيني.

10 - نامه فرهنگیان، تألیف عبرة النائینی

11 - ناسخ التواريخ الطراز المذهب، تأليف سپهر .

12 - ناسخ التواريخ الإمام زين العابدين، تأليف سپهر .

13 - نامه دانشوران، تأليف جماعة من الفضلاء

14 - مجموعة القدس، تأليف الشيخ أبي الفضل الطهراني مؤلّف كتاب «شفاء الصدور».

15 - معجم المؤلّفين 8 :71، تأليف عمر رضا كحالة.

16 - مقدّمة ديوان المؤلّف، تأليف العلامة محدّث الأرموي.

ولا يخفى أن خير ما كتب فى حق المؤلف هو هذه المقدمة لديوانه .

ص: 20

الإهداء..

إلى عتبة الحوراء الإنسيّة البتول العذراء فاطمة الزهراء - سلام الله عليها - المقدّسة، تلك السيّدة التي سادت العالمين، والتي جعلت وجودها فداء في سبيل صيانة الإسلام من أجل تسليمها ورضاها بقضاء الله في شهادة ولدها العزيز الحسين علیه السلام في طريق الإمامة حازت مقام الشفاعة وصارت شفيعة يوم الجزاء.

وإلى روح السيّدة العابدة الطاهرة العلوية الصالحة السلالة الصادقة للصدّيقة الكبرى علیها السلام التي تربت في ظل والد محبّ وامق ، رهين القلب بذلك المقام الرفيع ، والمشرّف بحرم القرب المهدوي التي بكتابة كتاب «مكيال المكارم» بأمر الحجّة عجل الله تعالى فرجه رفعت نفسها إلى درجة المصداق البارز لعنايته علیه السلام وصارت مصداقاً ل__«شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء» و«البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه».

وإلى السيّدة الكبرى التي بالتزامها بتلاوة القرآن والالتجاء بأهل بيت العصمة والطهارة لاسيما صاحب الزمان علیه السلام وجدت جلوة أخرى، وبإدمانها التوسل لاسيّما زيارة عاشوراء اتخذت مرآة روحها شفافيّة أخرى، وأصبحت عينها الناظرة في الظاهر والباطن، في النوم واليقظة تشاهد العتبات النورانية والعوالم الروحانية ، وإلى تلك الأم الرؤوم التي أدّت ما عليها من ديون للإسلام والروحانية بما بذلت من التربية لأولادها وقدّمتهم إلى الحوزة العلميّة المقدّسة في النجف وأصفهان، وأخيراً في يوم الأحد (1)في فجره ساعة ينادي المنادي (حي على الفلاح) أي دعي نفسك وارجعي إلى ربك راضية مرضية وادخلي في عبادي

ص: 21


1- اليوم المنسوب إلى مولى المتقين علي المرتضى وفاطمة الزهراء سلام الله عليها .

وادخلي جنتي ، لبت النداء، وفي وقت أذان الظهر اغتسلت غسل الشرف في حريم القدس مصحوباً بتلاوة زيارة عاشوراء وذكر يا زهراء أسلمت الروح، ومع غروب الشمس وُوري جسمها المطهر الثرى، وسط بكاء المشيعين، والعيون العبرى .(1)وانتقل مثالها البرزخي إلى حائر الحسين علیه السلام الأرض التي تلهج باسمها الله دائماً وعينها باكية ودموعها جارية وطائر روحها يرف بجناحه صوب حرم الأمن ذلك سرّ الله روحها ونور ضريحها.

ص: 22


1- 13 ربيع الأول 1407 المصادف آبان ماه 1365 ، وأقيم مرقدها الطاهر في حرم عالم كبير وشهيد امام زاده جعفر حفيد الإمام موسى الكاظم و امام زاده مرتضى حفيد الإمام زين العابدين مقابل حرم امام زاده إسماعيل بن المجتبى في اصفهان شارع الهاتف .

صورة خط المؤلّف

من بديع الاتفاق موافقة تاريخ هذا الكتاب لقولنا شرح زيارة عاشوراء (1309) مقصوراً وهو عنوانه وقلت فيه نظماً :

هاك مجموعة حوت كلّ معنى***من معاني زيارة العاشور

وإذا تم جمعها قلت أرّخ***بالشرح مجد شفاء الصدور

وكتب مصنفه العبد الآثم أبوالفضل (1309) منتصف رجب الأصم من السنة المذكورة.

صورة الخط المبارك لمجدّد المذهب سيد البشر على رأس المأة الثالثة عشرة حجة الإسلام الآقا الحاج ميرزا محمد حسن الشيرازي أعلى الله مقامه وكتبه تقريظاً على هذا الكتاب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الكتاب الشريف (شفاء الصدور) الحق إنّه كتاب غاية في الجودة والكمال والمتانة ، وجامع بين مراتب التحقيق والتتبع ، ومحيط بذكر أنواع الفضائل والمعارف ، وهو بجميع أصناف الناس وطبقاتهم نافع وممتع ، وقلّ نظيره في بابه . والجدير به أن يرجع إليه عامة القرّاء وأن يزيلوا المشاكل ويصححوا العقائد بالتأمل فى مباحثه ، ونأمل من الله الأقدس جلّ ذكره أن يحشر مع خامس آل العبا - عليه وعلى جده وأبيه وأمه وأخيه والطاهرين من ذريته أفضل الصلاة والسلام - كلّ من ساعد فى هذا الأمر وأعان بشكل من الأشكال لأنّ الكتاب أساساً موضوع لإحياء أمر ذلك الجناب وإعلاء كلمته بمحمد وآله الطاهرين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

حرّره الأحقر محمد حسن الحسيني

ص: 23

مقدمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. إنّ حمد الواحد المتعال شفاء لصدور سكان صوامع الملكوت الرب الذي

صبغ وجود الأنبياء العظام بلطفه الخاص بهم بأرجوان البلاء.

وإن جلاء عيون سدنة جوامع اللاهوت بنشر نعمه الواسعة العطاء، جلت آلائه ، الذي خاط خياط عنايته الخاصّة حلّة المصائب والعزاء على قامة أوليائه الكرام ، ثم الاعتصام بحبل الولاية المتين والاستمساك بعروة ولايتهم الوثقى، التي جعلها الله راية النجاة وسلّم ارتقاء الدرجات. وجعل لتوجّه القلوب النقيّة إلى عتباتهم المقدّسة من قريب أو بعيد، وهذا هو حقيقة الزيارة التي هي بمثابة الدرياق للدين المعاصي.

ومن هذه الجهة وهب سيّد الكائنات، وصفوة الموجودات وسيّد الأنبياء وخلاصة الأصفياء محمّد المصطفى وآله الكرام درجة خاصة ، وخص من الذرّيّة الدرية والعترة الفاطمية طليعة الشهداء وإمام السعداء ، شمع محافل أصحاب المحبّة، وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي علیهما السلام بمزيد الاختصاص حيث جعل الالتجاء إلى حضرته لذوي الحاجات الأكسير الأعظم، لاسيما زيارة عاشوراء من بينها فقد جعلها واسطة الفوز والرشاد، وبمنزلة الحجر المكرّم.

ص: 24

ثمّ جواهر الصلوات الزاكيات المنظومة، ولئالي التحيّات الناميات المنثورة على تلكم الأرواح المطهرة وعلى تلك الدرّة السماوية المضيئة، صاحب المقام المحمود، وشافع يوم الموعود، عظيم العظماء، وخاتم الأنبياء وآله الأطهار وعترته الأبرار، جنود الله في موضع الفداء والتضحية على الأولياء كافة لاسيّما فاتحة كتاب الإمامة والهداية، وخاتمة أبواب الوصاية والهداية الذي نال الخلافة بحق بل صار نفس الرسول المقدّسة بصدق ؛ أمير المؤمنين وإمام المتقين، وخليفة ربّ العالمين، وحجّة الله على أهل السماوات والأرضين صلّى الله عليهم وعلى من انتسب إليهم. ولعنة الله على من غصب حقه وجحد ما استحقه وناصبه وآله بالعداوة، أولئك طبع الله على قلوبهم وعلى أبصارهم غشاوة ، ما ت-ل-ي باللسان زيارة أو قُرء على الآذان بشارة .

وبعد : فيقول غارس رجله بالرمل ، المقيد بسلاسل العلائق ، والمصفّد بفخوخ الأمانى والعوائق ، الهائم فى بيداء الجهل، أبو الفضل ابن العلم المحقق الطهراني حوسبا حساباً يسيراً، وأُوتيا في النشأتين خيراً كثيراً لألواح الأرواح الصافية، وصفائح الألباب الزاكية :

لما تشرّفت عام ستّة بعد الثلاثمائة والألف الهجرية بزيارة بيت الله الحرام، ونلت الفيض الرباني هناك، طلب مني بعض الأخلاء الروحانيين ، وإخوان الإيمان أنا - القليل البضاعة الكثير الإضاعة ، أذاقه الله حلاوة مناجاته، وجعل النجح في الدارين مقروناً بحاجاته - أن أشرح زيارة عاشوراء ، وأفسّر فقراتها، فقرة بعد فقرة ببیان شاف وحدیث کاف، ليستفيد منه أبناء الفارسيّة وينالوا نصيبهم بمطالعته، ويحظى بمراجعته العلماء بشوق ورغبة، فاعتذرت - أنا القاصر - بقصور الباع وقلة الاطلاع، وضعف الحال، وترادف الأشغال وضيق المجال.

وكلّما بالغ الإخوان في الطلب، وكثر الإلحاح منهم عليّ والإصرار لديّ ، لم ألن

ص: 25

في الإجابة لعلمي بمقدار بضاعتي، ولم أستقبلهم بالإيجاب، وما زلت على هذا المنوال ، متباعداً على بليّة الرغبة وإجابة السؤال ، حتى أتممنا مناسك الحج وعاد الحجيج إلى الأوطان، ولما رجع «العبد الله» إلى مقره المألوف، وهي الأرض المقدّسة والبقعة المباركة، مقرّ سلطان الولاية، ودار الغيبة، مركز دائرة الهداية «عجّل الله تعالى فرجه» سامراء، وقد نلت الشرف بجواره ، وما زال البريد يحمل إلى الرسالة تلو الرسالة ، من خلان اليقين وإخوان الدين، تحتني على إجابة الرجاء المطلوب، ولم يبدر منّي سوى الردّ والزماع والصدّ والامتناع .

، إلى أن هلّت غرّة جمادى الأولى من عام 1308 ، عزم جناب محامد العضاب معالي الانتساب ، عمدة الأجلاء الأنجاب، وزبدة الأخلاء الأحباب ، الحاج السيد کاظم الصراف الطهراني دام توفيقه على تكرار الزيارة لبيت الله الحرام، ولكنه بدأ بتقبيل أعتاب فلك أئمّة سرّ من رأى علیه السلام، ففاز بدلك المقام، ونال هذا المرام لا ام فألحف في السؤال، وألح على حصول المقصود ، واستعان بصفوة البشر، عيوق الرتبة والشأن ، حامي حمى ،المسلمين كنز الراجين ، وكهف المحتاجين، طغراء صحائف الفقه والرئاسة، ومفترع رأس قائمة الكياسة والسياسة، مجمع بحري السيادة والسعادة ومشرق شمس الإضافة والإفادة آية الله في العالمين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، أستاد العلماء والمجتهدين، مربّي الفضلاء والمحصلين، شمس الإسلام والمسلمين سيّد الفقهاء والمجتهدين، ذخر الحكماء والمتكلّمين خاتمة الزعماء ، قادمة الرؤساء، غوث الملّة، عماد الشريعة ، ركن الشيعة، مستجار الأمة، محيي السنة ، مميت البدعة، ، مفني الأموال (1)، معيد الأمال، باب الأحكام، علم الأعلام ، خليفة الإمام في رعيّته ووصي آدم في ذرّيّته ، مفتي الفرق مرتضى الأمم ، سيّد الطائفة ، محقق الوقت ،

ص: 26


1- يعني بذلك أنه كان ينفق ما لديه من الأموال . هامش الأصل)

شيخ العصر ، علامة الزمان، مفيد الدهر ، مرآة السلف، مشكاة الخلف ، عدّة الفرقة الناجية ، ناصر العترة الزاكية وهو الذي :

أنته الرياسة منقادة***إليه تجرّر أذيالها

ولم تك تصلح إلا له***ولم يكن يصلح إلا لها

المنعقد على أفضليته الخناصر ، والمعترف بأعلميّته كلّ ،معاصر مولانا الأجل وكهفنا الأظلّ ، المنتهى إليه في عصرنا رياسة الإماميه في العلم والعمل، ذوالمناقب، أبو المفاخر ، فلك المكرمات ، شمس المعالي ، سيدنا الطاهر المعظم وأستاذنا البارع المقدّم «الحاج ميرزا محمد حسين الحسيني»؛ عترة ونجاراً، الشيرازي مولداً وداراً، العسكري هجرة وجواراً، المدعوّ في لسان الخاص والعام بحجة الإسلام ، مجدّد مذهب سيد البشر على رأس المائة الثالثة عشر لمؤلّفه :

علامة ملأ ثوبيه وليس له***من قبله أوّل أو بعده ثاني

زرت مطارفه والمجد حليتها***على كمال بدى في زيّ إنسان

من علمه يستمد المشتري شرفاً***فلا يقاس به يوماً بميزان (1)

لا زالت ألوية الإسلام بعلومه منشورة، ولا برحت جنود العلم بإفادته منصورة :

من قال آمين أبقى الله مهجته***فإنّ هذا دعاء يشمل البشرا

ومجمل القول أن الحاجّ المشار إليه لما بلغ زاوية بساط القرب الذي هو موضع سجود الصلحاء والزاهدين، ومقبل الفضلاء الراشدين، ونال فيض الوصول أسرع بطلب المأمول حتى بلغ درجة القبول. ولما تشرفت بزيارته، وبلغت محضر إفادته جرى الحديث بيننا حول الطلب المشار إليه ، فتمسك الداعي بعذره من قلة المؤونة وكثرة الأشغال النظرية ، والبعد عن عالم التتبع الذي

ص: 27


1- ديوان المؤلف : 345 .

لابد منه لإنجاح عمل كهذا، ومحاولة التدقيق والنظر والتأمل التي(1) هي واجب أهل الدعوة ، وبسطتُ هذا العذر بين يديه ؛ فلم يستمع إليه ، وأصدر أمره على نهج «الميسور لا يسقط بالمعسور» شريطة أن لا ينافى هذا العمل سائر الواجبات ، ولا يعارض بقيّة الأعمال والوظائف، وينبغي أن يكون الشرح على نحو الاختصار ؛ ليرغب فيه عامة الناس من كل طبقة، وينتفع بتأمل أبوابه وفصوله كل صنف ؛ ونظراً لما قاله الحكماء «المأمور معذور» ، وكان القول السائد «الميسور لا يسقط بالمعسور» من المقررات العقلية والشرعيّة ، واستمدّ هذا القليل البضاعة من يمن توجهات هذا الأستاذ الكبير ، ومحاسن عناية هذا العلّامة الشهير الذي كانت قطب رحى الإمامية إفاداته ، ومطاف أكابر فقهاء العصر تحقيقاته، أدام الله ظله ، ولا أعدمنا فضله.

ولمّا عُدت من زيارة المشهدين المقدسين في سلخ شهر رمضان المبارك من السنة المذكورة ، نصبت شباك الهمة لاصطياد وحش الفرصة، فكانت تواتيني الفرصة بين الحين والحين عند أوقات الراحة وأزمنة الفراغ من البحث والنظر ، فأصرف هذا الفصل من العمر لتلكم الغاية. فابتدأت بالأهم وهو الباب الثاني فقدّمته ، ووجهت القلب إليه ، واتخذته نصب عين الهمة إلى أن بلغت ختام الباب المذكور في التاريخ المسطور، مع ندرة الكتاب وقلة الأسباب، لاسيما في سامراء التي فقدت فيها روح الإعانة ، من حيث القلّة في العُدّة والعدد، وسدت أبواب الاستعارة .

في المحرّم العشر الأواخر منه شرعت في شرح الباب الأول من الكتاب، على أن ذلك كان في أثناء المدارسة والمناظرة فانتهزت الفرصة حتى أكملت الباب في غرّة صفر ببركة ساداتنا الأئمة وفضل الإمداد العلوي.

ص: 28


1- «التي» تابع للفظ «محاولة» . (المترجم)

ولم تقع يدي أو تسمع أذني على شرح متقدم، أو تعليقة سابقة بخصوص المورد لكي أستعين بمراجعتها وأقتدي بخطوطها على بلوغ الغاية، وبفضل الله عزّ وجلّ ومنه لم أخرج من أقسام التأليف السبعة ، التي لا ينبغي لكلّ عاقل أريب أو فاضل لبيب أن يصنّف خارج دائرتها وبعيداً عن مدارها ، وأنا أذكر هذه الأقسام من أجل تنبيه الناظرين وتذكرة المعاصرين.

قال ابن حزم الظاهري فى الرسالة الأندلسية؛ و وهي من المصنوعة في هذا الباب ، وقد اقتفى أثره في هذه الأقوال جلّ الفضلاء والحكماء ، واتخذوها قاعدة تبانوا عليها، فقالوا: لا ينبغي للعاقل إذا عزم على الكتابة والتأليف أن يتجاوز هذه البنود السبعة :

الأول : أن يبتدع ويبتكر ما لم يسبق إليه .

الثاني : أن يتم عملاً أو كتاباً ناقصاً ويكمل ذلك النقص منه .

الثالث : أن يعمد إلى إشكال مغلق فيحلّ رموزه ويوضح إشكاله ويفتح مغلقه .

الرابع : أن يختصر كتاباً مطولاً اختصاراً مفيداً غير مخل بحيث لا يتجاوز على أصله فيشوّه معالمه ويمسخ قواعده .

الخامس : أن يعمد إلى مسائل في موضوع ما متشتة هنا وهناك ، فيجمع شتاتها ويؤلف أبعاضها ويجمع شواردها ويلم أوابدها ، ويحسن تصنيفها بحيث يسهل على المستفيد تناولها من أقرب وجه وأحسنه.

السادس : أن يعمد إلى مسائل في باب من أبواب العلم أو موضوع من مواضيعه متشتة الأجزاء متباعدة الأبعاض فيعمد إلى جمعها وتأليفها، تحت سماع واحد، فيضع السنخ إلى سنخه، ويضمّ الصنف إلى صنفه ، والشقيق إلى شقيقه، والشبيه إلى شبيهه ، فتتألف بهذا الجمّ والتنظيم والتنضيد عائلة العلم، ويجتمع شملها، ويتلاقى شتاتها .

السابع : أن يعمد إلى مسألة في العلم أخطأ فيها مؤلّف قبله، فيصلح خطأها

ص: 29

ويقوم أوده ويهذبها ويبعد عن ساحتها عرض المؤلف الخاطئ وانحرافه، ویزكيها كما هي على الحقيقة.

وسائر المؤلّفات التي تضرب على غير هذه الأوتار السبعة مثل جلّ المؤلّفات، ليست أهلاً لعناية الفحول ولا تليق بمراجعة أرباب الألباب والعقول .

قالوا: وينبغي لكل مؤلف كتاب في فنّ قد سبق إليه ألا يخلو كتابه من خمس فوائد :

1 - استنباط شيء كان معضلاً.

2 - أو جمعه إن كان متفرّقاً .

3 - أو شرحه إن كان غامضاً .

4 - أو حسن نظم وتأليف .

5 - أو إسقاط حشو وتطويل.

قلت : وهذه الفوائد عند التحقيق قائمة بالأقسام السبعة(1) فليحافظ عليها أشدّ المحافظة فإنّها من أهم الأمور وأصعبها .

وقد سمّيت هذا الكتاب ب__ :

«شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور»

والآن إذا وقع هذا العمل موقع القبول عند الكبار والعظماء بلغت الأفلاك ارتفاعاً، وأضع قدمي على المشتري سعادة ، وبالطبع هذه الكرامة هي من ميامن التوجّهات والبركات القدسيّة لحضرة المستطاب الأجل السيد الأستاذ ضاعف الله قدره كما نشر بالخير في الآفاق ذكره «لأنّ من زنده قدحي وإيراثي ..».

بلبل از فیض گل آموخت سخن***ورنه نبود این همه قول و غزل بقیه در منقارش

تلّقت من الورد البلابل لحنها***فلم يك فى منقارها ذلك اللحن

ص: 30


1- سبقت الإشارة إليها عن ابن حزم (المترجم)

وإذا لم يسعف الحظ فلم يقع موقع القبول، ولم ينل المأمول فمرد ذلك إلى قصور الباع وهبوط نجم هذا الشقي ذي البضاعة المزجاة، ولكني أقول برجاء الواثق للعلماء الذين يسرحون الطرف في هذه الصحيفة أن يميطوا لثام المعاصرة من البين ويعتبروا هذا الفقير المحتاج من القدماء لا المعاصرين، ويرددوا الشعر الذي نظمه أبو تمام وجعله صاحب السرائر في ديباجة كتابه ، وهو قوله :

* الفضل للشعر لا للعصر والدار *

وأن لا يجعلوا القدم والمعاصرة مقياساً للتفوّق وميزاناً لتمييز الحق عن الباطل، والحالي عن العاطل، وأن يضعوا هذه النكتة نصب أعينهم وهو أن التقدم والتأخر أمران اعتباريان ينتزعان من انتساب أجزاء الزمان وفي الحقيقة لا يقدّم هذا الاعتبار شيئاً ولا يؤخّر ، ولا يزيد ولا ينقص ؛ لأنّ المعاصر لابد من تقدّمه على طبقة تأتي بعده ، والمتقدم كان معاصراً لطبقة وجدت معه ، كما قال الشاعر :

قل لمن لا يرى المعاصر شيئاً***ويرى للأوائل التقديما

إنّ هذا القديم كان حديثاً***وسيبقى هذا الحديث قديما

وما أحسن ما قال أبو العباس المبرد في الكامل : ليس لقدم العهد يقدّم المخطئ ، ولا لحدثانه يهضم المصيب، ولكن يعطى كلّ ما يستحق .. وقد نظمته

بقولي :

وليس لسبق العهد يفضل قائل***ولا لحدوث منه يهضم آخر

ولكن ليعط الكلّ ما يستحقه***سواء قديم منهم ومعاصر (1)

ص: 31


1- وفي الديوان ص 185 هكذا: «ولا لحدوث يحرم الفضل آخر». وبعده بل الكلِّ يُعطى كل ما يستحقه***سواء قديم منهم ومعاصر (هامش الأصل).

وتمثل السيّد الأجل ذوالمجدين المرتضى رضي الله عنه بل وسلام الله عليه كتابه الشهاب بهذا السطر

* السبق بالإحسان لا الأزمان *

ومن العجائب أنّ أهل كلّ زمان يشكون من هذه الظاهرة المفرّقة، ولهم هذا الرجاء أن يكون في عداد القدماء إذا انقضى الزمان، وابتلي المعاصرون بها. والغرض من هذا التطويل الممل هو حمل الناظرين في هذا الكتاب على النظر في العيوب الواقعية والنقائص الحقيقية والابتعاد عن اختراع النقود والنقائض بحكم اتحاد العصر ووجود المعاصر، وقصور المصنف عن اللحوق بركب القدماء «فإنّ الإنصاف خير شيم الأشراف»، وقال على علیه السلام : «أنظر إلى ما قال ولا تنظر إلى ما من قال»(1) مضافاً إلى ذكر الأعذار التي سلفت وأنّي ذكرتها على سبيل الحقيقة والواقع لا استناناً بسنّة الكتاب والمصنفين وعادة المؤلفين الذين درجوا على ذكر شواغلهم واختلال أحوالهم في ديباجة كتبهم جرياً على سنن التأليف عندهم، وإنما ذكرتها لتكون باعثاً للمطالعين على رفع عيوبه ، ودفع نواقصه، لينالوا المثوبة من الواحد الأحد، وهو المستعان المنان .

ويشتمل هذا الكتاب على بابين وخاتمة :

الباب الأوّل: في شرح سند رواية زيارة عاشوراء ومتنها .

الباب الثاني: في ترجمة ألفاظ الزيارة الشريفة .

الخاتمة: في ترجمة وبيان مشكلات الدعاء المعروف ب_«دعاء علقمة».

ونسأل الله أن يوفقنا وجميع المخلصين للحقّ.

ص: 32


1- من الأمثال المروية عنه الله في غرر الحكم ص 174 حرف الخاء وبلفظ آخر : «لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال» شرح ابن ميثم على المائة كلمة، الكلمة العاشرة ص 68 ، وغرر الحكم ص 232 ، وقد روي بلفظين آخرين هما: «لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قيل» (أمثال و حكم دهخدا 3: 1343) (أنظر إلى ما قيل ولا تنظر إلى ما قال امثال و حكم دهخدا 1 : 304) (هامش الأصل)

الباب الأوّل

اشارة

في شرح سند الزيارة الشريفة ومتنها

وهذه الزيارة كما هو المعروف في كتب الإمامية ضاعف الله أقدارها، وأحد مصادرها «المصباح»، والثاني كامل الزيارة ونحن أوّلاً نرويها من طريق الشيخ ثم نعمد إلى ذكر مواضع الفرق والاختلاف بين الروايتين بإشارات وافية.

ولي طرق كثيرة لهذا المتن تصلني بهذه الكتب ولكن ذكرها بأجمعها ينافي أسلوب هذا الشرح كما أنّ ترك السند من رأس أو تعليقه والاقتصار على المتن مجرّداً عنه يباين واجب المؤمن في الأمانة بنقل الحديث ، من ثَم نكتفي بطريق واحد وهو أحبّها إليّ وأعزّها عَلَيّ، وبهذا الطريق عينه نروي جميع الروايات الشيعية المذكورة في هذا الكتاب، بل إن هذا الطريق واسطتي أيضاً إلى جُلّ كتب أهل السنة سوى كتب معدودة من المتأخرين ، وإنما يحتاج إلى كمال السلسلة من حيث انشعابها في الأواسط حتى تصل بهم إلى المصدر على التفصيل المذكور في كتب الإجازات المبسوطة . فأقول مستمداً من آل الرسول (1):

1 - حدثني بالإجازة العامة الصحيحة بجميع ما حقت روايته وصحت له إجازته الشيخ الفقيه السعيد ، الموفّق الثقة الثبت الرحالة علامة ع-ص-ره وواحد

ص: 33


1- جاء في المتن باللغة العربية فلم يحتج إلى ترجمة المترجم.

دهره ، الرئيس المقدّم، والمطاع المعظم ، الجامع بين الفقه والزهادة، والمؤلّف بين العلم والعبادة «الشيخ محمد حسين بن هاشم الكاظمي» أصلاً، والغروي مسكناً ومزاراً ، روح الله رمسه، وقدّس نفسه، عصر الأربعاء الثاني والعشرين من رجب الأصب سنة 1305 في الدار التي نزلت فيها بالمشهد المقدس الغروي على مُشرِّفه السلام.

2 - عن الشيخ الإمام ، معلم علماء الإسلام، المُستسقى بوجهه الغمام ، المفضّل مداده على دماء الشهداء، والمتبرك بوطئ أقدامه أجنحة ملائكة السماء ، أنموذج الأنبياء والمرسلين ، علامة الأوصياء الغر الميامين ، حجّة الفرقة، خير الأمة ، واحد الأعصار، نادرة الفلك، بكر المشتري، أسطوانة الأساطين، وينبوع العلم والفقه واليقين من العلوم البحثيّة قسطاسها المستقيم، ومن المعارف الإلهيّة محدّثها العليم، رئيس الشيعة في عصره إلى يومنا هذا غير مدافع ، والمنتهى إليه رئاسة الإماميّة علماً وعملاً في الدنيا غير منازع ، مالك أزمة التحرير والتأسيس، ومربي أكابر أهل التصنيف والتدريس ، مليك سماء التدقيق ، والمستوي فوق عرش التحقيق ، أكمل الفقهاء والمتبحرين ، أتقن المتقدمين والمتأخرين ، قولاً بالإطلاق وشهادة بالاستحقاق المنكب على فهم إشاراته أذهان المحققين، والمفتخر بحلّ عويصاته أفكار المدققين، غاية فخر الفقهاء تحصيل مقاصده، ومنته-ى سعي الفضلاء تفصيل فوائده .

المضرب بزهده الأمثال والمضروب إلى علمه أباط الآبال، والمضروب سرادق رياسته على جبهة عيوق، فذلك لا حرج في مدحه بكل ما يمدح به بعد الأئمة مخلوق، المجتمع فيه محاسن الخلال ما لم يتفق من عنق الدهر لأحد من الرجال من عموم رئاسة طبّقت وجه البسيط ، ووفور علوم غيضت البحر المحيط ، إلى زهد في الدنيا وضيق في العيش لم يعهد من غير الوصيّين، وحشو في العبادة

ص: 34

ومواظبة عليها لم يسمع إلا من النبيين ، المنادى مشهور فضله في الآفاق، بحيّ على العلم والصلاح والمهيعل ، مبسوط كفّه في الأقطار، بحي على الجود والسماح، والداعي موفور زهده في الأصقاع، بحي على الفوز والفلاح، فلذلك طأطأ عنده كل شريف ، ولاذ إلى ظله كلّ عالم عريف ، فعكفت الهمم على الاقتداء بآثاره ، واتفقت الأمم على الاهتداء بأنواره، فلا الألسن تستطيع أن توفي حق ثنائه، ولا الأقلام تطيق تؤدي وظيفة واجب إطرائه .

صاحب المقامات المحمودة والكرامات المشهودة، والآيات الغير مجحودة، خلاصة الماء والطين برهان الإسلام والمسلمين ، قيّم الشيعة ، عظيم (زعيم) الإمامية ، أستاذ الأمم ، شيخ العرب والعجم ، بركة الوجود، شبكة السعود، بدر الساري، والمصون شمس علومه عن التواري شيخنا الإمام الأعظم آية الله العظمى ، حجّة الباري «مرتضى بن محمد أمين الجابري الأنصاري»(1) أهدى الله إليه طرائف السلام، وألحقه بمواليه الأصفياء الكرام وحشرنا تحت لوائه يوم القيام، ونفعنا الله ببركات علومه، ووفقنا لاتباعه، فلقد كان قدس الله نفسه كما شهد له بعض الأعاظم، عيانه أعظم من سماعه .(2)

3 - عن الشيخ الفقيه ، المحقق المدقق، الأوحد الأوثق ، جامع أشتات الفضائل العلميّة ،والعمليّة، والآخذ بأطراف العلوم الذوقية والبحثية، مؤسس أساس

ص: 35


1- أقول : أثقل السند بهذه العبارات الفخمة المتلاحقة التي أبرزت إعجابه بشيوخه ولكنها من دون طائل ، وما أحسنها عبارة لو خلت من هذه المبالغات وجائت سهلة على اللسان، خفيفة على الجنان ، وقد تكلف فيها السجع الذي زادها ثقلاً .
2- في الحديث: «كل شيء من أشياء الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكل شيء من أشياء الآخرة عيانه أعظم من سماعه». (منه)

الشريعة ومناهج أحكامها ، ومحرّر مستند الشيعة وعوايد أيامها «الحاج ملا أحمد النراقي» أحله الله رياض الأنس، وكساه ملابس القدس .

4 - عن سيّد الأمة ، وكاشف الغمة ، مهذب مقاصد المنطوق والمفهوم، ومحيي ما درس لشريعة جده من الرسوم الملقب بالاستحقاق ب_«بحر العلوم»، آية الله وبرهانه الجلي، والآخذ بأطراف الفخار العادي والمجد العدملي (1)، عرابة رأيه التأسيس والتعليم، وجهينة خبر التحقيق والنظر القويم، ودعيمص رمل التدقيق والفكر السليم من الأدب روضته الغضّ ، ومن التفسير نجمه الذي لا ينقض ، ومن الحديث عينه الفياض ، ومن العرفان درعه الفضفاض.

عماد الحكماء المتألهين ، أستاذ الفقهاء المتبحرين ، إمام المحدثين والمفسرين ، شمس المعارف ، كنز الطرائف ، ينبوع الفضل التالد والطارف ، سراج العارفين ، صاحب الكرامات (2)الباهرة، والمعجزات القاهرة «السيد محمد مهدى الطباطبائي» ضاعف الله قدره، وأعظم في الإسلام أجره.

5 - عن الشيخ الأعظم والإمام المقدّم، شيخ علماء الشيعة في الأمصار ، ومرجع فقهاء الإسلام فيما لحقه من الأعصار ، أستاد الكل ، ومفزعهم في الجلّ والمقل، ناشر لواء الاستنباط الاجتهادي، وناهج طريقة استفادة الأحكام عن المبادي محيي مدارس التحقيق بعد اندارسها ، ومعيد مشاهد العلم بعد انطماسها ، صاحب النفس القدسيّة، والأخلاق الزكيّة، والآداب النبوية، والكرامات الولوية ، مجدّد مذهب سيّد البشر على رأس المائة الثانية عشر ، شيخ الفقه وحامل لوائه، ومدير الحديث وكوكب سمائه

ص: 36


1- المجد التليد .
2- رأيت هذا اللقب له بخط شيخنا صاحب الجواهر في إجازته للشيخ عيسى الزاهد . ( منه )

بفوائده استقام قنا الإيمان، وبتحقيقاته نفق سوق العلم والبنيان ، كفيل أيتام آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، بحسن تأسيسه ، والمتطوّل حتى على المشتري بفضل تدريسه المعروف بالفريد، الملقب بالوحيد ، المدعو ب_«الآقا»، المشهور بالأستاذ الأكبر والمولى الأعظم، باقر علوم الأئمة، وباب نجاة الأمة ، مولانا الأعظم «محمد باقر البهبهاني ابن الشيخ الأفضل الأكمل الأعلم الأورع الأزهد «محمد أكمل الأصفهاني» قدس الله سرهما النوراني.

6 - عن أبيه .

7 - عن خاله غوّاص بحار الأنوار، ومروّج آثار الأئمة الأطهار ، وناشر علومهم في الأقطار والأمصار ، خاتم المحدثين، سادس المحمدين، عماد الفقها الراسخين، علامة العلماء الشامخين، مجدّد المذهب على رأس المائة الحادية عشر المذكور بالفضل والحديث على ألسنة البدو والحضر، مولانا «محمد باقر» ابن الشيخ المدقق الورع الصفي الزكي المقدّس في عالم النور، العلّامة في عالم الظهور «محمد تقي المجلسي» روح الله روحهما، وكثر بالسعادات فتوحهما.

8 - عن والده المشار إليه .

9 - عن شيخ الإسلام والمسلمين ، أكمل الحكماء والمتكلمين، أبرع الفقهاء والمتقنين أفضل الفقهاء والمحدثين، جامع دقايق العلوم وغرائبها ، وعارف

حقائق الرسوم وعجائبها المكشوف عن بصره ،الغطاء، والممدود المؤيد م-ن سلطان السماء ، ناصر طريقة العترة الطاهرة، ومحدّد مذهبهم على رأس المائة العاشرة ، المخصوص بالاتفاق على فضله والاعتراف [مع أنّ - ظ ] طبع الأنام على الخلاف، وفضله في الناس مسألة بغير خلاف شيخنا الإمام «بهاء الملة والدين محمد» بن العالم العلّامة والفاضل الفهامة، صاحب النفس القدسيّة والملكة الملكوتية، والأخلاق المرضيّة، رأس المحققين في زمانه، ورئيس المصنفين

ص: 37

بحكم أقرانه، شيخ الفقهاء والمحققين حسين بن عبدالصمد العاملي» سقى الله ضريحهما مياه الرضوان، وأحلّهما أعلى فراديس الجنان.

10 - عن عن والده .

11 - عن الشيخ الإمام ، خاتم فقهاء الإسلام، جامع العلوم والمعارف، والفائز

بالتالد والطارف ، المجاهد في سبيل الله ،بقلمه والباذل في نصرة الإسلام لدمه أفضل المحققين، أكمل المتبحرين لسان المتقدمين، ترجمان المتأخرين، شارح صدور المحدّثين، وجامع شمل المجتهدين، جمال الصالحين، ط-راز العارفين مقياس الحكماء والمتكلمين ، المتلوّة آياته على الألسنة، والمشهورة كرماته مدى الأزمنة، العالم الرباني، والهيكل الصمداني، شيخنا الشهيد «زين الدين بن علي العاملي» (1)المشهور بالشهيد الثاني ، قدس الله سره النوراني . 12 - عن الشيخ الجليل ، الفاضل النبيل «أحمد بن محمد بن خاتون العاملي».

13 - عن الإمام الأعظم ، والرئيس المعظم ، والمطاع المقدَّم ، ناصر الملة ، ناشر السنّة ، غيث الأمة ، تاج الشريعة فخر الشيعة، ركن الطائفة، مروّج المذهب، أستاذ العجم والعرب ، مدار التحقيق ، منار التدقيق ، مهذب الفرع ، محرّر الأصول، المغترف من بحر فضله الأساطين والفحول الفائز بقداح السعادة، والضارب بسهام الشهادة ، مولانا الأفضل، وشيخنا الأعلم الأكمل، البدر الشعشعاني «علي بن عبد العالي الكركي» المعروف بالمحقق الثاني ، رفع الله قدره، وشرف في الملأ الأعلى ذكره .

14 - عن الفقيه النبيه والعالم الوجيه، والثقة السديد ، والمحدّث السعيد «على ابن هلال الجزائري» قدس الله سره ، وضاعف أجره .

ص: 38


1- رأيت بخطه في مواضع كاتباً اسمه الشريف كذلك، وبه يرتفع الخلاف في اسمه . ( منه )

15 - عن قدوة الزاهدين، وعدة السالكين ، وعمدة الفقهاء الراشدين ، جمال العارفين، حلية المحدّثين ، كنز المحققين، شيخنا «الملا أحمد بن فهد الحلّى» أعز الله قدره العلى .

16 - عن الشيخ الأجل الأفخم، والفقيه الأكمل الأكرم «زين الدين على بن الخازن» قدّس سرّه .

17 - عن الشيخ الإمام ، برهان علماء الإسلام ، أُستاذ فقهاء الأنام، حجّة فضلاء الأيام ، بركة الشهور والأعوام، رئيس المذهب والملة، ورئيس المحققين الأجلة، منهل الفقه الصافي، ودرع التحقيق الصافي، مسهل سبيل الاجتهاد والنظر ، أفقه أهل البدو والحضر ، شمع جمع اليقين، ومشعل طريق المتقين، سراج الاهتداء، منهاج الاقتداء ، درّة تاج أرباب الإيمان، قرّة عين أصحاب الإيقان ، المشروح صدره بالعلم والعرفان والمنوّر قلبه بنور التحقيق والإتقان، الجامع في معارج السعادة، بين أقصى مدارج العلم ورتبة الشهادة ، صاحب الآيات الب-اهرة والكرامات الظاهرة، شيخنا الأقدم الأفضل المعروف بالشهيد الأول «شمس الدين محمد بن مكي» قدس الله سرّه الزكي.

18 - عن الشيخ الإمام ، واحد علماء الإسلام ، ذخر الحكماء والمتكلمين ، فخر الإسلام والمسلمين ، أستاد الفقهاء والمحدثين ، ديباجة كتاب التحقيق ، مصحف النظر الدقيق ، ملك العلماء والمناظرين ، «الإمام فخر الدين أبي طالب محمد» طيب الله ،مضجعه، وأحسن إليه مرجعه .

19 - عن والده الشيخ الإمام والمولى الهمام، علامة المشارق والمغارب ، مرغم الكفرة والنواصب آية الله في العالمين، وسيفه المسلول على رقاب المخالفين، حائز علوم الأنبياء والمرسلين، أفضل المتقدمين والمتأخرين، خليفة الأئمة المهديين ، محيي ما درس من مراسم الدين المنتهي إليه رياسة الإمامية في

ص: 39

الأعصار ، والخاضع دون سدّة علمه الفلك الدوّار ، شيخ المذهب، رئيس الملة، محرّر القواعد، مهذب العقائد، بحر العلوم، مفتي الفرق، محيي السنة، مميت البدعة ، شمس الأمة ، كشف الغمة ، كعبة الفقهاء ، مشعر العلماء، مطاف الحمكاء ، ركن المتكلمين، قبلة المحدثين ، مرجع الأفاضل أجمعين، ما من عالم في الأرض من الشيعة من عصره إلى يومنا هذا إلا واقتبس من مشك-اته، واستفاده من تحقيقاته ، بل هى العُدّة لكلّ ،محقق، وإليها اللجاء من كل مدقق ، العلم المنصوب والعلم المصبوب ، المسعود بالنفس الملكوتية، والمنصور بالآيات الجليّة، المؤيد من السماء، المشهور بأكرم الأسماء ، الملقب بالعلّامة، المشتهر بآية الله ، مولانا الأعظم، وإمامنا المعظم أبي منصور جمال الدين «حسن بن يوسف الحلّي» حشرنا الله تحت لوائه، ووفقنا للمسير بضيائه .

20 - عن الشيخ الإمام الأعظم والهمام المقدم المفخّم، مؤسس الفقه ، والأصول، ومحرّر المعقول والمنقول شيخ الطائفة بغير جاحد، وواح-د ه-ذه الفرقة وأي واحد ، الذي يكل لسان القلم عن تعداد فضائله ومقاماته ، مع أن جميع ما سمعت من مناقب من ذكرناه بعض كراماته ، الإمام السعيد أبي القاسم نجم الدين «جعفر بن سعيد الحلّى» المشهور بالمحقق الأوّل، تفضّل الله علينا بالانتفاع بعلومه .

21 - عن السيد الحسيب الأصيل، والفقيه المحدّث النبيل ، والنسابة الأديب الجليل «فخار بن معد الموسوي» نور الله ضريحه، وأحسن في رياض الخلد شريحه .

22 - عن العالم العامل، والمحدّث الكامل الفاضل الوجيه، والفقيه النبيه «شاذان بن جبرائيل القمّي» حشره الله مع النبي الاُميّ.

ص: 40

23 - عن الشيخ الأجل الأقدم الثقة الفقيه الأكرم «عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري» رفع الله مقامه ، وزاد في الخلد إكرامه .

24 - عن الشيخ الإمام، غرّة فضلاء الأنام ، شمس علماء الإسلام، قطب رحى الفضائل، بدر سماء الأفاضل ، منار الشيعة مدار الشريعة، علّامة الآفاق، واحد الأزمان ، معلم الفرق، مدرّس العلوم، شيخنا الأقدم «أبي علي الحسن» بن الشيخ المعروف بالمفيد الثاني ، أمده الله بالفيض السبحاني. 25 - عن والده الشيخ الإمام ، مدار رحى الإيمان مدى الأيام ، منقح علوم الإسلام، مشيد مباني الفقه والأصول والحديث والكلام، محرّر العقائد السمعية، مهذب القواعد الفقهيّة، مرصص أركان الملة المحمدية، مؤسّس أُصول الطريقة الجعفرية ، فاتح أبواب التحقيق، وممهد سبل التحصيل والتدقيق ، محصل مذهب الشيعة في الأصول والفروع، وجامع مختلف الأخبار في المقروع والمسموع كافل أيتام آل محمد علیهم السلام، والأب الروحاني لكافة العلماء الأعلام، معلّم الفضلاء المحققين بل إمامهم، ومربي الفقهاء المحصلين بل ملكهم وهمامهم .

أمير جيوش التأليف والتصنيف، والملقي إلى أقلامه أزمة الدين الحنيف ، بكتبه استفادت الإمامية إلى يومنا هذا على كثرة ،فضلائها، ولرياسته أذعنت على وفور رؤسائها، فهو معلّمهم الذي لا يعلم، ومقدّمهم الذي لا يقدم عليه أحد وإن تقدّم ، حتى لقبوه عن آخرهم بشيخ الطائفة ورئيس المذهب، وليس لأحد غيره، كائناً من كان أن يدعي بمثله، ويلقب بل غايته التقيد بالأعصار ، أو التخصيص ببعض الأمصار ، أما الإطلاق فهو مالك زمامه، والمعتقد فوق غاربه وسنامه، إليه فزع عظمائها، ومنه أخذ علمائها.

واحد نوع الإنسان، وحامل عرش العلم والإيمان، والمشار إليه في جميع القنوع بالبنان، أستاذ العالمين في العالم، وشيخ فقهاء بني آدم، خير الأمة وإمامها

ص: 41

بعد الأئمة، شيخنا الأقدم وإمامنا الأعظم «أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي» قدس الله سره القدّوسي، وشكر الله في الإسلام مساعيه الجميلة، كما نشر على ألسنة أهل الإيمان مدائحه الجليلة، إنه قدس الله نفسه، وطهر رمسه قال في المصباح ما لفظه :

شرح زيارة أبي عبد الله علیه السلام في يوم عاشوراء ، من قرب أو بعد : روى محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر علیه السلام قال :

من زار الحسين بن علي علیه السلام في يوم عاشوراء من المحرّم حتى يظلّ عنده باكياً، لقي الله عزّ وجلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حِجّة (1) وألفي عمرة، وألفي غزوة(1)، وثواب كلّ غزوة وحِجّة(2) وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزى مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والأئمة الراشدين عليهم السلام.(3)

قال : قلت : جعلت فداك، فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيه(4)، ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟

قال : إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره وأومأ إليه بالسلام واجتهد في الدعاء على قاتله، وصلّى من بعد ركعتين ، وليكن ذلك (5)في صدر النهار قبل أن تزول الشمس (6)، ثم ليندب الحسين علیه السلام وليبكيه ، ويأمر من في

ص: 42


1- ألفى ألف حجّة، وألفي ألف ،عمرة ، وألفي ألف غزوة . (كامل الزيارة)
2- حجّة بكسر الحاء للمرّة مع أن قياسها الفتح على خلاف القياس كما صرحوا به ، فافهم . (منه)
3- صلوات الله عليهم . (كامل الزيارة)
4- الضمير للبعيد لكن لا إشكال في نسخة كامل الزيارة فإنّ فيه : «وأقاصيها». وفيه أيضاً بعد البلاد في نسخة . (منه) .
5- واجتهد على قاتله بالدعاء ، وصلى بعده ركعتين، وليفعل ذلك . (كامل الزيارة)
6- قبل الزوال. (كامل الزيارة).

داره ممن لا يتقيه (1)بالبكاء عليه علیه السلام ، ويقيم في داره المصيبة (2)بإظهار الجزع، وليعز بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين علیه السلام ، وأنا الضامن (3)إذا فعلوا ذلك على الله عزّ وجلّ جميع ذلك.

قلت : جعلت فداك ، أنت الضامن ذلك لهم والزعيم(4)؟

قال : أنا الضامن (5)، وأنا الزعيم لمن فعل ذلك .

قلت (6): فكيف يعزي بعضنا بعضاً (7)؟

قال : تقولون : «أعظم الله (8)أجورنا بمصابنا بالحسين عليه السلام وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي من آل محمّد صلّى الله عليه وآله». وإن استطعت (9)أن لا تنشر يومك في حاجة فافعل ؛ فإنّه يوم نحسن لا تقضى فيه

ص: 43


1- ويأمر من في داره لا يتقين . (خ ل)
2- مصيبه . (كامل الزيارة)
3- فأنا ضامن لهم . (كامل الزيارة)
4- والزعيم به . (كامل الزيارة)
5- الضامن لهم. (كامل الزيارة)
6- قال : قلت . (كامل الزيارة)
7- بعضنا بعضهم . (كامل الزيارة)
8- عظم الله . (كامل الزيارة) نسخ المصباح والبحار وغيره مما نقل عنه فيما رأيت، وكثير من كتب الأدعية ك- «خلاصة الأذكار» و «جمال الصالحين» و«منهاج الفلاح وغير ذلك من الكتب المعتبرة «عظّم» بصيغة باب الإفعال ، وكان اشتهار عظم بصيغة باب التفعيل متابعه لزاد المعاد وهو عن الكامل، والأوّل موافق لاستعمال القرآن في قوله تعالى : «وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً» (الطلاق: 5) فلعل الأولى متابعة لفظه ولفظ رأس الحسين في قضية نزول الأنبياء عند رأس الحسين في الشام السلام على الولد الطيب، «السلام على الخلق الطيب، أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك». (راجع نور الأبصار ، ط مصر ، رواية سليمان الأعمش)
9- قال : وإن . (كامل الزيارة)

حاجة مؤمن، وإن قضيت لم يبارك له فيها، ولم ير فيها رشداً، ولا يدخر أحدكم لمنزله فيه شيئاً (1)، فمن ادّخر في ذلك اليوم (2)لم يبارك له فيما ادّخر (3)، ولم يبارك له في أهله ، فإذا فعلوا ذلك (4)كتب الله لهم (5)أجر ثواب ألف حجّة (6)، وألف عمرة ، وألف غزوة(7) كلها مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وكان لهم أجر (8)ثواب مصيبة كل نبي ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل (9)منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة .

قال صالح بن عقبة أو سيف بن عميرة : قال علقمة بن محمد الحضرمي : قلت لأبي جعفر علیه السلام : علمني دعاءاً أدعو به إذا لم أزره من قرب وأومأت من بعد البلاد ومن داري بالتسليم عليه .

قال : فقال لي: يا علقمة، إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام فقل عند الإيماء من بعد التكبير (10)هذا القول فإنك إذا قلت ذلك فقد دعوت

ص: 44


1- ولا تدخر لمنزلك شيئاً . (كامل الزيارة)
2- فإنّه من ادّخر لمنزله شيئاً . (كامل الزيارة)
3- يدخر . (كامل الزيارة)
4- فمن فعل (كامل الزيارة)
5- له (كامل الزيارة)
6- كذا في النسخ فهو إما بالتنوين وثواب ألف حجّة بدل عنه فيكون من قبيل التفصيل بعد الإجمال، أو بلا تنوين فيكون إضافته بيانية . ( منه )
7- ألف ألف حجّة وألف ألف عمرة وألف ألف غزوة . (كامل الزيارة)
8- وكان له ثواب . (كامل الزيارة)
9- الظاهر رجوع الضمير إلى «الشهيد» فيكون قرينة على إرادة الأعم من التحقيق والتنزيل وهو من كتب له أجر الشهيد ويمكن على بعد إرجاع الضمير إلى الصديق . (منه)
10- بعد الإيماء والتكبير . (خ - منه)

بما يدعو به زوّاره من الملائكة، وكتب الله لك (1)مأة ألف ألف درجة، وكنت كمن (2)استشهد مع الحسين علیه السلام حتى تشاركهم في درجاتهم ثم لا تعرف إلا في الشهداء الذين استشهدوا معه، وكتب لك ثواب زيارة كل نبي وكلّ رسول (3)وزيارة كل من زار الحسين علیه السلام منذ يوم قتل عليه السلام (4)وعلى أهل بيته . تقول:

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَابْنَ سَيِّدِ الوَصِيِّينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ ياثارَ الله وَابْنَ ثارِهِ وَالوِتْرَ المَوتُورَ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلى الاَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكُمْ مِنِّي جَميعاً سَلامُ الله أَبَداً مابَقِيتُ وَبَقِيَ اللَيْلُ وَالنَّهارُيا أَبا عَبْدِ الله لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلّتْ وَعَظُمَتِ المُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَمِيعِ أَهْلِ الإسْلامِ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّماواتِ عَلى جَمِيعِ أَهْلِ السَّماواتِ، فَلَعَنَ الله اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ الله فِيها، وَلَعَنَ الله اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ الله المُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ، بَرِئْتُ إِلى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ. يا أَبا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ، وَلَعَنَ الله آلَ زِيادٍ وَآلَ مرَوْانٍ وَلَعَنَ الله بَنِي اُمَيَّةَ قاطِبَةً وَلَعَنَ الله ابْنَ مَرْجانَةَ وَلَعَنَ الله عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَلَعَنَ الله شِمْراً، وَلَعَنَ الله اُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ، بِأَبِي أَنْتَ وَاُمِّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابِي

ص: 45


1- لها . (كامل الزيارة )
2- ممّن . (كامل الزيارة)
3- ورسول (كامل الزيارة)
4- صلوات الله عليه . (كامل الزيارة)

بِكَ فَأَسْأَلُ الله الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ(مَقَامِي) وَأَكْرَمَنِي بك أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ. اللّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيها بِالحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ، ياأَبا عَبْدِ الله إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ وَإِلى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَإِلى فاطِمَةَ وَإِلى الحَسَنِ وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِالبَرائةِ مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الحَرْبَ وَبِالبَرائةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ(1)، وَأَبْرَأُ إِلى الله وَإِلى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ ذلِكَ وَبَنى عَلَيهِ بُنْيانَهُ وَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلى أَشْياعِكُمْ، بَرِئْتُ إِلى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَتَقَرَّبُ إِلى الله ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ وَالبَرائةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ وَالنَّاصِبِينَ لَكُمْ الحَرْبَ وَبِالبَرائةِ مِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ وَوَلِيُّ لِمَنْ وَالاكُمْ وَعَدُوٌ لِمَنْ عاداكُمْ، فَأَسْأَلُ الله الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ وَرَزَقَنِي(2) البَرائةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ أَنْ يَجْعَلَنِي(3) مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرةِ وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي المَقامَ المَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ الله وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي(4) مَعَ إِمامِ مَهديٍ(5) ظاهِرٍ ناطِقٍ(6) بِالحَقِّ مِنْكُمْ، وَأَسْأَلُ الله

ص: 46


1- في بعض نسخ مصباح السيد زيادة «أهل البيت» هنا .
2- أي يرزقني (مصباح السيد)
3- وأن يجعلني . (مصباح السيد)
4- ثأركم . (كامل الزيارات) . راجع : شفاء الصدور 1: 62 هامش الأصل.
5- هدى - خ ل .
6- هنا في مصباح السيد زيادة «بالحق».

بِحَقِّكُمْ وَبِالَّشْأنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مايُعْطِي مُصاباً بِمُصِيبَتِهِ، مُصِيبَةً ماأَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَها فِي الإسْلامِ وَفِي جَمِيعِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ! اللّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقامِي هذا مِمَّنْ تَنالَهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَهٌ، اللّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمَماتِي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، اللّهُمَّ إِنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الاَكْبادِ اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلى لِسانِكَ وَلِسانِ(1) نَبِيِّكَ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ اللّهُمَّ العَنْ أَبا سُفيانَ وَمُعاوِيَةَ وَيَزِيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الابِدِينَ، وَهذا يَوْمٌ فَرِحَتْ(2) بِهِ آلُ زِيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الحُسَيْنَ صَلَواتُ الله عَلَيْهِ، اللّهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالعَذابَ(3) الاليم، اللّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هذا اليَوْمِ وَفِي مَوْقِفِي هذا وَأَيامِ حَياتِي بِالبَرائَةِ مِنْهُمْ وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ وَبِالمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيهِ وَعلَيْهِمُ السَّلام.

ثم تقول :اللّهُمَّ العَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابِعٍ لَهُ عَلى ذلِكَ، اللّهُمَّ العَنْ العِصابَةَ(4) الَّتِي جاهَدَتِ الحُسَيْنَ وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ عَلى قَتْلِهِ اللّهُمَّ العَنْهُمْ جَميعاً.. تقول ذلك مأة مرة .

ثمّ تقول :السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ الله وَعَلى الأَرواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللهِ أَبَداً مابَقِيتُ وَبَقِيَ اللَيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ الله آخِرَ

ص: 47


1- لسانك ولسان نبيك . (خ مصباح الشيخ والسيد والكفعمي)
2- فرح (مصباح السيد)
3- هنا في «خ» زيادة «الأليم».
4- «الذين» كذا عن خط ابن ادريس وابن السكوني . (منه)

العَهْدِ مِنِّي لِزِيارَتِكُمْ. السَّلامُ عَلى الحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ وَعَلى أَوْلادِ الحُسَيْنِ وَعَلى أَصْحابِ الحُسَيْنِ. . تقول ذلك مأة مرة .

ثم تقول : اللّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي وَأَبْدأْ بِهِ أَوَّلاً ثُمَّ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ، اللّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ خامِساً وَالعَنْ عُبَيْدَ الله بْنَ زِيادٍ وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أَبِي سُفْيانَ وَآلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.

ثم تسجد وتقول : اللّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلى مُصابِهِمْ(1)، الحَمْدُ للهِ عَلى عَظِيمِ رَزِيَّتِي، اللّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفاعَةَ الحُسَيْنِ يَوْمَ الوُرُودِ وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الحُسَيْنِ وَأَصْحابِ الحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلامُ.

قال علقمة : قال أبو جعفر علیه اسلام : إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة فافعل فلك ثواب جميع ذلك ...(2)

قال الشيخ : وروى محمد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وجماعة من أصحابنا إلى الغري بعد ما خرج أبو عبدالله علیه السلام ، فسرنا من الحيرة (3)إلى المدينة، فلما فرغنا من الزيارة

ص: 48


1- الحمد لله على مصابهم . (مصباح السيد)
2- مصباح الطوسي : 538 - 542 ، كامل الزيارات : 174 - 176 ، بحار الأنوار 98: 290 - 296 ط لبنان ، هامش الأصل
3- الحيرة في أخبار الدول : الحيرة - بكسر الحاء - أربعة مواضع : الأول : مدينة كانت بأرض الكوفة على ساحل البحر ، فإنّ بحر فارس في قديم الزمان كان ممتداً إلى أرض الكوفة والآن لا أثر للمدينة ولا للبحر ، ومكان المدينة دجلة، وكانت المدينة عمرت في زمان عمرو بن عدي فأقامت عامرة خمسمائة سنة . وقيل : بنيت في زمن بخت نصر ينسب إليه النعمان ابن امرئ القيس صاحب الحيرة من ملوك لخم، بنى بالحيرة قصراً يقال له الخورنق في ستين سنة ، ما بنى أحد من الملوك مثله ، ينسب إليها كعب ب-ن ع-دي الحميري. ثم ذكر المواضع الثلاثة ولا حاجة إلى ذكرها . (منه)

صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله علیه السلام فقال لنا: تزورون الحسين علیه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين علیه السلام من هاهنا - وأومأ إليه أبو عبد علیه السلام(1) وأنا معه ..

قال : فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر علیه السلام وودع في دبرها أمير المؤمنين علیه السلام وأومأ إلى الحسين علیه السلام منصرفاً بوجهه نحوه، وودع في دبرها وكان فيما دعاه في دبرها (2):

«يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ ، يا مُجيب دعوة المُضطَّرين ، يا كاشف كُرب المكرُوبين ، يا غياث المُستغيثين ، يا صريخ المُستصرخين ، يا من هُو أقربُ إليَّ من حبل الوريد ، يا من يحُولُ بين المرء وقلبه ، ويا من هُو بالمنظر الاعلى ، وبالاُفُق المُبين ، ويا من هُو الرَّحمنُ الرَّحيمُ على العرش استوى ، ويا من يعلمُ خائِنة الاعيُن وما تُخفي الصُّدُورُ ، ويا من لأ يخفى عليه خافية ، يا من لأ تشتبهُ عليه الاصواتُ ، ويا من لاتُغلِّطُهُ الحاجاتُ ، ويا من لأ يُبرمُهُ إلحاحُ المُلحِّين ، ويا مُدرك كُلِّ فوت ، ويا جامع كُلِّ شمل ، ويا بارئَ النُّفُوس بعد الموت ، يا من هُو كُلَّ يوم في شأْن ، يا قاضي الحاجات ،

ص: 49


1- «وأو ما إليه ...» من كلام صفوان والمراد بأبي عبد الله الصادق ، فكأنه استدل بفعله على ما ادعاه وطواه منقولاً على التفصيل الذي ذكره . ( منه )
2- يمكن رجوع الضمير إلى الزيارة أيضاً، ويمكن على بعد رجوعه إلى الإشارة المفهومة من سوق الكلام. (منه)

يا مُنفِّس الكُرُبات ، يا مُعطي السُّؤلات ، يا وليَّ الرَّغبات ، يا كافي المُهمَّات ، يا من يكفي من كُلِّ شيء ولا يكفي منهُ شي في السَّموات والارض أَسأَلُك بحقِّ مُحمَّد خاتم النبيين وعليٍّ أمير المُؤمنين ، وبحقّ فاطمة بنت نبيِّك ، وبحقِّ الحسن والحُسين، فإنِّي بهم أتوجَّهُ إليك في مقامي هذا ، وبهم أتوسَّلُ ، وبهم أتشفَّعُ إليك، وبحقِّهم أَسأَلُك واُقسمُ وأعزمُ عليك ، وبالشَّأْن الَّذي لهُم عندك وبالقدر الّذي لهُم عندك ، وبالَّذي فضَّلتهُم على العالمين (1)، وباسمك الّذي جعلتهُ عندهُم ، وبه خصصتهُم دُون العالمين ، وبه أبنتهُم وأَبنت فضلهُم من فضل العالمين حتَّى فاق فضلُهُم فضل العالمين(2) جميعا أسألُك أن تُصلِّي على مُحمَّد وآل مُحمَّد وأن تكشف عنِّي غمِّي وهمِّي وكربي ، وتكفيني المُهمَّ من اُمُوري ، وتقضي عنِّي دَيني(3) ، وتُجيرني من الفقر ، وتجيرني من الفاقة ، وتُغنيني عن المسأَلة إلى المخلُوقين (4)، وتكفيني همَّ من أخافُ همَّهُ، وجور من أَخافُ جوره ، وعُسر من أخافُ عُسرهُ ، وحُزُونة من أخافُ حُزُونتهُ(5)، وشرَّ من أخافُ شرَّهُ ، ومكر من أخافُ مكرهُ ، وبغي من أخافُ بغيهُ ، وسُلطان من أخافُ سُلطانهُ ، وكيد من أخافُ كيدهُ ، ومقدُرة من أخافُ مقدُرته عليَّ(6) ، وترُدَّ عنِّي كيد الكيدة ، ومكر المكرة اللهُمَّ من أرادني فأردهُ ، ومن كادني فكدهُ ، واصرفُ عنِّي كيدهُ ومكرهُ وبأْسهُ وأمانيَّهُ،

ص: 50


1- هنا في «خ ل» زيادة جميعاً».
2- هنا في مصباح السيد زيادة «أسألك».
3- ديوني. (مصباح السيد)
4- للمخلوقين . (مصباح السيد)
5- وحزن من أخاف حزنه . (مصباح (السيد)
6- أخاف مقدرته . (مصباح السيد)

وامنعهُ عنِّي كيف شئْت ، وأنّي شئْت. اللهُمَّ اشغلهُ عنِّي بفقر لا تجبُرُهُ ، وببلاء لا تستُرُهُ ، وبفاقة لا تسُدَّها ، وبسُقم لا تُعافيه ، وذُلٍّ لا تُعزُّهُ ، وبمسكنة لا تجبُرُها اللهُمَّ اضرب بالذُلِّ نصب عينيه(1) ، وادخل عليه الفقر في منزله ، والعلَّة والسَّقم في بدنه ، حتَّى تشغلهُ عنِّي بشُغل شاغل لا فراغ لهُ ، وأنسه ذكري كما أنسيتهُ ذكرك ، وخُذ عنِّي(2) بسمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وقلبه وجميع جوارحه ، وأدخل عليه في جميع ذلك السُّقم ، ولا تشفه حتَّى تجعل ذلك لهُ شُغلا شاغلا به عنِّي وعن ذكري واكفني يا كافي ما لا يكفي سواك فإنَّك الكافي لا كافي سواك ، ومُفرِّجٌ(3) لا مُفرِّج سواك ، ومُغيث(4) لا مُغيث سواك ، وجار لا جار سواك خاب من كان جارُهُ سواك ، ومُغيثُهُ سواك ، ومفزعُهُ إلى سواك ، ومهربُهُ إلى سواك، وملجأُهُ إلى غيرك ، ومنجاهُ من مخلُوق غيرك ، فأنت ثقتي ورجائِي ومفزعي ومهربي وملجاي ومنجاي ، فبك أستفتحُ ، وبك أستنجحُ ، وبمُحمَّد وآل مُحمَّد أَتوجَّهُ إليك وأتوسَّلُ وأتشفَّعُ ، فأَسأَلُك يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ ، فلك الحمدُ ، ولك الشُّكرُ ، وإليك المُشتكى وأنت المُستعانُ ، فأسألُك يا اللهُ يا اللهُ يا اللهُ ، بحقِّ مُحمَّد وآل مُحمَّد أن تُصلِّي على مُحمَّد وآل مُحمَّد وأَن تكشف عنِّي غمِّي وهمِّي وكربي في مقامي هذا كما كشفتَ عن نبيِّك همَّهُ وغمَّهُ وكربهُ ، وكفيتهُ هول عدُوِّه ، فاكشف عنِّي كما كشفتَ

ص: 51


1- بين عينيه . (مصباح السيد)
2- اللهم خذ . (مصباح السيد)
3- والمفرّج (مصباح السيد)
4- المغيب . (مصباح السيد)

عنهُ ، وفرِّج عنِّي كما فرَّجت عنهُ ، واكفني كما(1)كفيتهُ واصرف عنّي هول ما أخافُ هولهُ ومؤُونة ما أخافُ مؤُونتهُ ، وهمَّ ما أخافُ همَّهُ بلا مؤُونة على نفسي من ذلك ، واصرفني بقضاء حوائِجي ، وكفاية ما أهمَّني همُّهُ من أمر آخرتي ودُنياي.

يا أمير المُؤْمنين ويا أبا عبد الله ، عليكُما منِّي سلامُ الله أبدا ما(2) بقي الليلُ والنَّهارُ ، ولا جعلهُ اللهُ آخر العهد من زيارتكُما ولا فرَّق اللهُ بيني وبينكُما اللهُمَّ أحيني حياة مُحمَّد صلّى الله عليه وآله وذُرِّيَّته ، وأمتني مماتهُم ، وتوفَّني على ملَّتهم ، واحشُرني في زُمرتهم ، ولا تُفرِّق بيني وبينهُم طرفة عين أبدا في الدُّنيا والاخرة يا أمير المُؤْمنين ويا أبا عبدالله ، أَتيتُكُما زائِرا ومُتوسِّلا إلى الله ربِّي وربِّكُما ، ومُتوجِّها إليه بكُما ، ومُستشفعا بكُما إلى الله تعالى في حاجتي هذه فاشفعا لي فإنَّ لكُما عند الله المقام المحمُود ، والجاه الوجيه ، والمنزل الرَّفيع والوسيلة ، إنِّي أنقلبُ عنكُما مُنتظرا لتنجُّز الحاجة وقضائِها ونجاحها من الله بشفاعتكُما لي إلى الله في ذلك فلا أخيبُ ، ولا يكُونُ مُنقلبي مُنقلبا خائِبا خاسرا بل يكُونُ مُنقلبي مُنقلبا راجحا مُفلحا مُنجحا مُستجابا بقضاء جميع الحوائِجي(3) وتشفعا لي إلى اللهز انقلبتُ على ما شاء اللهُ(4) ولا حول ولا قُوَّة إلاّ بالله ، ومُفوِّضا أمري إلى الله ، مُلجئا ظهري إلى الله ، مُتوكِّلا على الله ، وأقُولُ حسبي اللهُ وكفى ، سمع اللهُ لمن دعا ، ليس لي وراء الله ووراءكُم يا سادَتِي

ص: 52


1- ما قد . (مصباح السيد)
2- هنا في «خ ل» زيادة : «بقيتُ و».
3- الحوائج (مصباح السيد)
4- ليست كلمة الواو في مصباح السيد (هامش الأصل)

مُنتَهى ، ما شاء ربِّي كان ، وما لم يشأْ لم يكُن ، ولا حول ولا قُوَّة إلاّ بالله أستودعُكُم الله ، ولا جعلهُ اللهُ آخر العهد منِّي إليكُما ، انصرفتُ يا سيِّدي يا أمير المُؤْمنين ومولاي وأنت يا أبا عبدالله ، يا سيّدي وسلامي عليكُما مُتَّصل ما اتَّصل الليلُ والنَّهارُ واصل ذلك إليكُما غيرُ محجُوب عنكُما ، سلأمي إن شاء ، اللهُ وأسأَلُهُ بحقِّكُما أن يشاء ذلك ويفعل فإنَّهُ حميد مجيد ، انقلبتُ يا سيِّديَّ عنكُما تائِبا حامدا لله ، شاكرا راجيا للاجابة(1) ، غير آيس ولا قانط ، آئِبا عائِدا راجعا إلى زيارتكُما غير راغب عنكُما ولا عن زيارتكُما ، بل راجع عائِد إن شاء اللهُ ، ولا حول ولا قُوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم ، يا سادتي رغبتُ إليكُما وإلى زيارتكُما بعد أن زهد فيكُما وفي زيارتكُما أهلُ الدُّنيا فلا خيَّبني اللهُ ما رجوتُ ، وما أمّلتُ في زيارتكُما ، إنّه قريبٌ مُجيبٌ.

قال سيف بن عميرة فسألت صفوان فقلت له : إنّ علقمة بن محمد لم يأتنا

بهذا عن أبي جعفر الا إنما أتانا بدعاء الزيارة ؟ فقال صفوان : وردت مع سيدي أبي عبد الله إلى هذا المكان ففعل مثل الذي فعلناه في زيارتنا، ودعا بهذا

الله الدعاء عند الوداع، بعد أن صلّى كما صلّينا ، وودّع كما ودّعنا .

ثم قال لي صفوان : قال لي أبو عبد الله : تعاهد (2)هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزُر به، فإنّي ضامن على الله تعالى لكل من زار بهذه الزيارة ودعا بهذا

ص: 53


1- الإجابة . (مصباح السيد)
2- في القاموس : تعهده و تعاهده واعتهده تفقده، ووروده في هذا الحديث دليل فصاحته . وما قيل من أنّ تعهد أفصح لأن التفاعل لا يكون إلا بين اثنين إن تمّ صار الاستعمال غلطاً ولا مساس له بالأفصحية. لكن هذا الاستعمال كاستعماله في تعاهد النعل في المسجد حجّة عليه . ومنه يظهر ما في كلام الروضة في ذلك المبحث على ما فيه من الحرارة التي لا يخفى ، فراجع (منه)

الدعاء من قرب أو بعد أن زيارته ،مقبولة، وسعيه مشكور ، وسلامه واصل غير مجوب ، وحاجته مقضيّة من الله بالغ(1)ما بلغ ، ولا يخيبنه .

يا صفوان ، وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي ، وأبي عن أبيه على بن الحسين مضموناً بهذا الضمان عن الحسين ، والحسين عن أخيه الحسن مضموناً بهذا الضمان والحسن عن أبيه أميرالمؤمنين مضموناً بهذا الضمان وأمير المؤمنين عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مضموناً بهذا الضمان ، ورسول الله عن جبرئيل مضموناً بهذا الضمان ، وقد الى الله عزّ وجلّ من زار الحسين بهذه الزيارة من قرب أو بعد ودعا بهذا الدعاء قبلت منه زيارته وشفعته في مسألته بالغاً ما بلغت، وأعطيته سؤله ، ثمّ لا ينقلب عني خائباً ، وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حاجته والفوز بالجنّة، والعتق من النار، وشفّعته في كلّ من شفّع خلا ناصب لنا أهل البيت، والى الله على نفسه وأشهدنا بما شهد (2)ملائكة ملكوته على ذلك .

ثم قال جبرئيل : يا رسول الله ، أرسلني الله إليك سروراً وبرى لك وسروراً وبشرى لعلي وفاطمة والحسن والحسين وإلى الأئمة من ولدك إلى يوم القيامة، فدام يا محمد سرورك وسرور علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة وشيعتكم إلى يوم البعث.

ثم قال لي أبو عبد الله علیه السلام يا صفوان ، إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة حيث كنت وادع بهذا الدعاء وسل ربّك حاجتك تأتك تأتك من من الله ، والله غير

ص: 54


1- كذا في المصباح والبحار 98: 300 ط لبنان، عنه فإن كانت النسخة كذلك فلعل البالغ حال عن الزائر أي بالغاً بحاجته ما بلغت ، وكذا فيما سيأتي ، والله أعلم . ( منه )
2- أي بوجه شهد أو «ما» مصدريّة أي بشهادة ملائكة ملكوته ، وعلى بعد يجوز كون الباء بمعنى «على» مع إمكان غلط النسخة فيكون الصواب حينئذ كما أشهدوا على .... ( منه )

مخلف وعده رسوله الله صلی الله علیه و آله وسلم ، بمنه ، والحمد لله ربّ العالمين ....(1)

إلى هنا انتهت رواية الشيخ الطوسي قدس الله رمسه . أما رواية كامل الزيارة فأرويها بهذا السند السالف عن شيخ الطائفة الأجل الأعظم أستاذ من تأخر وتقدّم ، زعيم الشيعة ومقيم الشريعة، ومن لا تقوم العبارة بواجب ثنائه، ولا يحوم القلم حول حومة بيانه وأوانه، مع أنّ جميع فضائل الشيعة راجعة إليه، ورقاب علمائهم عن آخرهم خاضعة لديه، لأنه رحالهم التي دينهم عليها يدور، وإلي-ه تجلب من العلم والنظر أعشار الجزور، المعبّر عنه في التوقيع الوقيع باللقب الرفيع، يخضع عنده الرفيع (وهو الأخ السديد والولي الرشيد، والشيخ المفيد ، والناصر للحق ، والداعي إليه بكلمة الصدق، وملهم الحق ودليله) ، وفيه غنى عن بسط الكلام وتطويله، فإنّ مدح الإمام إمام كل مدح ، ومن تصدّى للقول بعده فقد تعرّض للقدح «أبي عبدالله محمد بن محمد بن النعمان» رضي الله عنه وأرضاه، حامل علوم الأئمة علیهم السلام في الأمة المحمدية ، وناشر ومؤسس الطريقة الجعفرية في الشيعة الإمامية.

أروي عن الشيخ الأجل الأقدم والثقة الأعظم الأكرم أستاد المفيد ، وحسبه به من تجليل وتمجيد ، وكلّما يوصف به الناس من فقه وثقة وجميل فهو فوقه كما شهد له به النجاشي والعلامة أدام الله إكرامهما ،وإكرامه ، أبي القاسم «جعفر بن محمد بن قولويه القمّى» رضي الله عنه وأرضاه ، وأحلّه من فردوس الجنان أعلاه، وهي تختلف اختلافاً يسيراً مع رواية المصباح، ولابد من الإشارة إلى وجود هذا الفارق والتنبيه عليه، حيث أن نقل الرواية بكاملها يوجب العسر والحرج والتطويل والتكرار دونما فائدة، وقد أشرتُ إلى اختلاف النسخ في الهامش،

ص: 55


1- وشرع المؤلّف بترجمة الزيارة التي مرت إلى اللغة الفارسية ، وقال بعد ذلك :

ونرمي في هذا المقام إلى أمور مهمة وهي كما يلي :

منها : أن صورة السند كما يأتي لاحقاً حكيم بن داود بن حكيم وغيره، عن محمد بن عميرة وصالح بن عقبة ،معا عن عقبة بن محمد الحضرمي ومحمد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر علیه السلام .

ومنها : أنّ فقرة «ألفي حِجّة وألفي عمرة وألفي غزوة» جائت في عبارته «ألفي ألف» وعلى هذا القياس فإنّ الفقرة الواردة في ذيل الزيارة وفيها «ألف حِجّة» تكون في نسخة الكامل «ألف ألف».

الأمر الثالث : أنّ عبارة علقمة هي كما يلي : «قال صالح بن عقبة الجهني وسيف بن عميرة قال: علقمة بن محمد الحضرمي : قلت لأبي جعفر علیه السلام : علمني دعاءاً أدعو به في ذلك اليوم إذا أنا زرته من قريب ودعاءاً أدعو به إذا لم أزره عن قريب وأومأت إليه من بعد من سطح داري قال فقال : يا علقمة ، إذا أنت صلّيت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام وقلت عند الإيماء إليه ومن بعد الركعتين هذا القول فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة وكتب لك بها ألف ألف حسنة ، ومحي عنك ألف ألف سيئة، ورفع لك مأة ألف ألف درجة» إلى آخر الحديث.

ونقل الزيارة بعد هذه العبارة في مواضع تختلف ألفاظها مع ما في المصباح ونحن نورد عين عبارته في هذا المقام :

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا خِيَرَةَ اللَّهِ وَابْنَ خِيَرَتِهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَابْنَ سَيّدِ الْوَصِيِّينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوَتْرَ الْمَوْتُورَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي

ص: 56

حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، عَلَيْكُمْ مِنَّا (1)جَمِيعاً (2)سَلَامُ اللَّهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، يَا أَبا عَبْدِ اللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ ، فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيها ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي سِلْمُ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبُ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَعَنَ اللَّهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ ، يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَقَدْ عَظْمَ مُصَابِي بِكَ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ أَنْ يُكْرَمَنِي بِكَ ، ويَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِك مع إمام منصُورٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم . اللّهُمَّ اجْعَلْنِي وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عِنْدَكَ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ . سَيِّدِي يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَى فَاطِمَةَ وَإلَى الْحَسَنِ وَإِلَيْكَ بمُوَالاتِكَ يا أبا عبدالله وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ ، وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَمِنْ جَميع أَعْداءِكَ (3)وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ الْجَوْرَ وَبَني عَلَيْهِ بنْيانَهُ ، وَأَجَرىٰ ظُلْمَهُ وَجَوْرَهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَشْياعِكُمْ ، بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَ تَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ

ص: 57


1- مني - خ ل .
2- السلام عليكم - نسخة .
3- أعداءكم - خ ل .

أَعْدائِكُمْ ، وَالنَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَالْبَراءَة مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبُ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، موالٍ (1)لِمَنْ والاكُمْ ، معادٍ (2)لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ، وَرَزَقَنِي (3)الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ تَارِكُم مَعَ إِمَامٍ مَهْدِي ظَاهِرٍ ناطق لَكُمْ ، وَأَسْأَلُ الله بحَقَّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِينِي بِمُصَابِي بكُمْ أَ فَضَلَ مَا يُعْطِي مُصاباً بِمُصِيبَة ، أَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ ، مَا أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّتها في الإسلام وَفِي جَميعِ السَّماواتِ وَالأَرْضِينَ . اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتُ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ . اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ . اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَوْمُ تَنْزِلُ فِيهِ اللَّعْنَةَ على آلِ زِيَادٍ وَآلِ أُمَيَّةٍ وَابْنِ آكلَةِ الْأَكْبادِ اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلَى لِسانِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ . وَعَلَى يَزِيدِ ابْنِ مُعاوِيَة اللَّعْنَة أَبَدَ الآبدِينَ اللهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْم ، وَفِي مَوْقِفِي هذَا ، وَأَيَّامٍ حَيَاتِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَبِاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوَالاةِ لِنَبِيِّكَ وَأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ .

ثمّ تقول مأة مرّةٍ: اللَّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِم ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ

ص: 58


1- ولي - خ ل .
2- عدوّ - خ ل
3- أي يرزقني (مصباح السيد)

تَابِع لَهُ عَلَى ذَلِكَ . اللَّهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ(1) الْحُسَيْنَ وَتَابَعَتْ أعْدَانَهُ عَلَى قَتْلِهِ وَقَتْلِ أَنْصَارِهِ ، اللهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً .

ثمّ قل مأة مرّة: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللهِ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، وَلَا يَجْعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُمْ ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، وَعَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .

ثم تقول مأة مرة : اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظَالِم ظَلَمَ آلَ نَبِيِّكَ بِاللَّعْنِ ، ثُمَّ الْعَنْ أعْداءَ آل مُحَمَّدٍ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ . اللهم الْعَنْ يَزِيدَ وَأَبَاهُ ، وَالْعَنْ

عُبَيْدِ الله بْنِ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ وَبَني أُمَيَّةَ قَاطِبَةً إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

تسجد سجدة تقول فيها : اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ عَلَى مُصَابِهِمْ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيم رَزِيَّتِي فِيهِمْ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْن وَأَصْحابَهُ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ .

وبعد نقل الزيارة يقول : قال أبو جعفر علیه السلام : يا علقمة ، إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله.

ودلالة هذه العبارة على العموم من خلال لفظ «من دهرك» أقوى من دلالة عبارة المصباح، وتتمة الخبر المذكور في المصباح لم يذكره في كامل الزيارة، ومن هذه الاختلافات التي سقتها إليك بين الروايتين وأثبتُ بعضها في حاشية الزيارة يظهر لك أن عبارة صاحب البحار التي ساقها بعد ذكر زيارة كامل الزيارات وذكره سند

ص: 59


1- حاربت - خ ل .

المصباح وقوله بعد ذلك «وساق الحديث نحواً مما مر» (1)لا تخلو من مسامحة مخلّة بفهم الرواية .

وعلى العموم لما اطلعت على متن الحديث الشريف وسنده كما هو حقه فإننا نتكلم حول هذا الباب في مقصدين : المقصد الأوّل في سند الحديث الشريف، والكلام يقع في فصلين.

ص: 60


1- بحار الأنوار 98: 293 (المترجم)

[ المقصد الأوّل ]

اشارة

[ في سند الحديث الشريف ]

الفصل الأوّل

في تعريف آحاد الرواة لهذا الحديث وبيان حاله بحسب الاصطلاح من حيث الاعتبار والضعف

أما رواية الشيخ فإن بيانها كما يلي :

نقل الشيخ عن «محمد بن إسماعيل»، ومن المعلوم أن هذه الرواية تدلّ على حدوث النقل من كتابه وكانت الكتب في ذلك الزمان مقطوعاً بصدورها من مؤلّفيها ، وإنّما يذكر وسط السند لغرض اتصاله فحسب، فلو كان الطريق ضعيفاً فلا يضر ضعفه صاحب الكتاب أي لو كان الطريق إلى صاحب الكتاب ضعيفاً فلا يضر بحاله .

ولكنّنا لسنا بحاجة إلى هذا التقريب فإنّ طريق الشيخ - الطوسي - ينتهي بمحمد بن إسماعيل وهو طريق صحيح كما صرّح العلّامة العلّامة وغيره بذلك، بل يحتاج حتى للتأمل ؛ لأنّ الشيخ يروي عن المفيد وهو عن الصدوق وهو عن أبيه وهو عن أحمد بن محمد بن عيسى وهو عن محمد بن إسماعيل . وهذه الطبقة جميعاً من مشايخ الإمامية بحيث يمكن الوثوق والقطع برواية كل واحد منهم

ص: 61

ومحمد بن إسماعيل نفسه من أجلة الثقاة عند الإمامية وقد أجمعت الطائفة على جلالة قدره وعظم شأنه. وتسري وثاقته إلى من يروي عنه أي إلى شيخه؛ لأنّ ذلك دليل على توثيقه والاعتماد عليه.

«عن صالح» وهو مروي عنه أيضاً. وصالح هو ابن عُقبة - بضم العين وسكون القاف - ابن قیس بن سمعان - بفتح السين - . ذكره النجاشي في الرجال فقال : قيل : إنّه روى عن أبي عبدالله علیه السلام (1).

وذكر النجاشي للراوي في كتابه دليل على كونه إماميّاً - كما حققنا ذلك في موضعه - لأنّه كتب كتابه أصلاً لإحصاء مؤلّفي الشيعة وقد التزم النجاشي بذكر القدح أيضاً لو كان حاصلاً؛ سواءاً في ترجمة الراوي أو في موضع سواه من الكتاب ، ولما لم يورد فيه قدحاً علم أنّه سالم من عيوب الرواة، وهذا نوع مدح له.

ومن هذه الجهة كان الشيخ الفاضل تقي الدين الحسن بن داود يذكر ذلك في كثير من مواضع كتابه فيقول «أثنى عليه النجاشي» فيعترض من لا علم له ولا اطلاع عليه بقوله : لم نعثر على هذا الثناء في كلام النجاشي وما دروا أن الغرض من الثناء هو عدم ذكر القادح.

وقد أشار فحول هذه الصناعة إلى ذكر هذا المطلب في محلّه وقد ذكرت أنا ذو البضاعة المزجاة في حاشية رجال النجاشي مواقع هذه الفوائد بإشارات وافية، ولكن على سبيل الإجمال.

وذكره الشيخ في فهرسته وقال: «له كتاب» (2)وهذا دليل على استقامة الراوي في المذهب ؛ لأنّ الشيخ التزم في الفهرست بذكر علماء الإمامية إلا في المواضع

ص: 62


1- رجال النجاشي 1 : 200 رقم 532 .
2- الطوسي، الفهرست : 84 رقم 352 (المترجم)

التي يذكر فيها خلافاً، ولا يخلو إثبات الكتاب له من مدحه .

وقال العلّامة في حقه «كذّاب غالٍ لا يلتفت إليه». وتبادر إلى فهم محققي هذا الفنّ كالعلّامة المجلسي الأول والأستاذ الأعظم أن هذا القدح من ابن الغضائري ؛ لأن الغالب على كتاب الخلاصة للعلامة أنه تابع في الجرح والتعديل إلى الأصول الرجالية الخمس :

1 - رجال الشيخ ؛

2 - الفهرست ؛

3 - رجال الغضائري ؛

4 - رجال النجاشي ؛

5 - رجال الكشي.

وورد قليل من الجرح والتعديل في هذا الكتاب مستقلاً عنها. وكان من عادة

ابن الغضائري الوقيعة في الثقاة وجرحهم والقدح في العدول ونسبة الغلوّ بس الروايات المتضمنة مدح أهل البيت، وظاهر النجاشي كما جرى التمهيد له عدم صحة هذا القدح. ورواية محمد بن إسماعيل ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عنه مرشدة إلى اعتباره ودليل على الاعتماد عليه، وظاهر الصدوق الاعتماد على كتابه . لذلك عمل المشايخ الثلاثة : الصدوق والمفيد والطوسي - وهم مدار الفقه الجعفري - بأخباره .

إذاً الأقوى والأصح سلامة الخبر الذي يرويه من الطعن .

وكان أبوه عقبة بن قيس من أصحاب الصادق علیه السلام وقد وثق الشيخ المفيد وابن شهر آشوب في معالم العلماء جميع أصحاب الإمام الصادق علیه السلام ، وإذا ثبتت رواية صالح عن الإمام الصادق علیه السلام فهي دليل وثاقته أيضاً. وتثبت استقامته على المذهب عن طريق هذه الرواية.

ص: 63

ومجمل القول : بناءاً على رأي الشيخ أن الخبر هنا يتأرجح بين الحسن والصحة - طبقاً لمذهب المتأخرين - وبناءاً على طريقة السابقين الذين يصححون ما هو قطعي الصدور من الأخبار أن الخبر صحيح قطعاً. ووفقاً لطريقتنا التي تابعنا بها المتأخرين في الاصطلاح ، ولا تخلو حجّيّة متابعة المتقدمين من حجّة، وإن لم يصرحوا بالصحة .

هذا كله بقطع النظر عن ذيل الحديث فإنّ الأمر فيه أخف ؛ لأن فيه يروي محمد ابن إسماعيل الحديث عن سيف بن عميرة - بفتح السين المهملة - وهو عن علقمة وظاهر الرواية أنّ علقمة كان حاضراً وسمع الكلام وسأل تعليم الدعاء، مع أنّ حاجتنا تنحصر فيما نقله علقمة .

وصرّح الشيخ في الفهرست والنجاشي والعلّامة فى الخلاصة بوثاقة سيف. وقال النجاشي في حقه : «له كتاب يرويه جماعات من أصحابنا» (1)وهذا مدح عظيم ولم يقدح فيه أحد سوى الآبي في محكي كشف الرموز». وجاء في الطعن وإنّه قال : مطعون فيه ملعون». واستند فيه ظاهراً إلى ما نسبه ابن شهر آشوب إليه من الوقف ومن هذه الجهة قال الشهيد : «وربما ضعف بعضهم سيفاً والصحيح إنّه ثقة». وكلام ابن شهر آشوب مخالف لصريح الفهرست والنجاشي مع أنّ أحداً لم يوافقه عليه ، وقول الشيخين مقدّم على قوله البتة.

وطعن كشف الرموز مستند إلى قدح ابن شهر آشوب فيه كما مرت الإشارة إليه مع «انضمام عدم حجيّة الموثق» (2). ولو أننا افترضنا تقديم قول ابن شهر آشوب فإنّ شهادة المشايخ الثلاثة : النجاشي والعلّامة والشهيد بوثاقته باقية على حالها.

ص: 64


1- ) النجاشي: له كتاب يرويه جماعة يختلف برواياتهم. (رجال النجاشي 2 : 207 رقم 504) . (المترجم)
2- يقدّم رأي الجارح على المعدل ؛ لأنه ربما اطلع على أمر لم يطلع عليه المعدل أو الموثق . (المترجم)

وقد استوفينا حجيّة الأخبار في محلّها وأظهرناها على منصة الثبوت.

أمّا «علقمة بن محمد» فإنّ الشيخ في كتاب الرجال اعتبره من أصحاب الباقر والصادق علیه السلام وقال: «أسند عنه» (1)وهذه العبارة تفيد المدح في مذهب الكثيرين وإن كانت محل تأمّل . ولكن الشيخ الكشي نقل عنه مناظرة مع زيد بن علي تدلّ على بصيرته وحسن حاله. ويفهم من ذيل الرواية أن جلالة قدره بلغت شأنها الأقصى أن عدم ذكره في الرواية عارض رواية صفوان، ولا يندرج في الاحتمال نسيانه أو تجاهله وقد اعتذر صفوان بعذر آخر وزعم أن الحديث صدر في موضع آخر واشتمل على الدعاء.

وخلاصة القول : إنّه يظهر من كلام سيف وصفوان أن شرايط الرواية ذاتاً متوفّرة في علقمة، وهذا يعتبر إما تعديلاً أو مدحاً كبيراً. وبناءاص ع-ل-ى عموم شهادة الشيخ المفيد وابن شهر آشوب إنه يكون ثقة من ثم يعتبر الخبر بين الحسن والصحيح لهذا السبب ، إذا لم نأخذ بظاهر الشهادة كما هو الظاهر من عدم اعتبار العلماء هذا العموم موجباً للتوثيق، وللحصول على التفصيل في هذا المجال تراجع المطولات. وعلى كل حال فإنّه يكون حجّة على الصحيح.

وطريق آخر وقع للشيخ في ذيل هذا الحديث حيث رواه عن محمد بن خالد الطيالسي - بكسر اللام - منسوب إلى الطيالسة جمع الطيلسان لبيعه لها، وطريقه إليه كما هو مذكور في الفهرست ورجال النجاشي، ولم يقدح به أحد منهما بل ذكر أنّه صاحب كتاب ونوادر ثمّ هو إمامي ممدوح ، وروى عنه علي بن الحسن بن فضال ومحمد بن علي بن محبوب وجماعة من أجلاء القوم وهو دليل على غاية الاعتماد والاستناد .

ص: 65


1- رجال الطوسي : 262 . (المترجم)

وقال الشيخ في الرجال: روى عنه حميد أصولاً كثيرة .(1)

وهذا أيضاً يعتبر في عرفهم مدحاً جليلاً.

ومن مجموع هذه الأمارات يحصل الظنّ بعدالته لممارس علم الرجال من حيث قول الشيخ قال : سيف بن عميرة، فإذا كان حديث بهذه المثابة صحيحاً بالاتفاق لأنّ سنده طريق الشيخ إلى سيف وه-و م-علوم الصحة، وجلالة قدر صفوان لا تكاد تخفى على أحد ولا تحتاج إلى تنبيه . ثمّ إذا كان ذيل هذا الحديث من تتمة رواية محمّد بن خالد كما هو الظاهر فإنّه يحكم على ظاهره بالصحة و احتمال تصنيفه في الحديث الحسن احتمال بعيد.

ونتيجة البحث : إن هذه الرواية متناً وذيلاً في هذا المكان من المصباح نقلت بثلاث طرق ، ومن ملاحظة ما تقدّم فإنّ المحدّث الخبير والفقيه البصير يعذر إذا قطع بصدوره.

أما رواية الكامل فقد اشتملت على طريقين أو سندين :

الأولى : حكيم حکیم بن داود عن محمد بن موسى ، عن محمد بن خالد الطيالسي . وهذا الطريق وإن عُل بمحمد بن موسى لأنه ضعيف ظاهراً، وعندي أن حكيم بن داود مجهول الحال فعلاً ، ولكن الظاهر ظهوراً بيناً أنّ ذكر الطريق لأجل اتصال السند والرواية أخذت من الكتاب كما هو ظاهر عبارة الشيخ من أن كتاب محمد بن خالد موجود بحيازته بل صريح عبارة الفهرست ذلك، ويغلب على الظنّ أنّ الكتاب أيضاً موجود عند ابن قولويه وبهذا الاستظهار لا يتردّد أهل الفنّ عن القطع به .

كما أننا أوضحنا حال محمّد بن خالد وسيف بن عميرة وصالح بن عقبة ومحمد بن علقمة.

ص: 66


1- رجال الطوسي : 441 . (المترجم)

والطريق الثاني: يبدأ سنده بمحمد بن إسماعيل وقد حذف السند لتواتر الكتاب عنه . وعبارته التي يقول فيها: «ومحمد بن إسماعيل» إنه ليس عطفاً على علقمة بن محمد لتكون جزءاً من السند السابق - كما توهم ذلك بعض الأكابر - وإنّما هو سند مستأنف والعطف فيه على حكيم بن داود وليس من المستبعد بل من الممكن جداً أن تعود العبارة إلى محمّد بن خالد وحكيم بن داود ومحمد بن موسى؛ وهؤلاء طريق ابن قولويه إلى محمّد بن إسماعيل.

وعلى أيّة حال فإن المتأمل يقطع بفساد الاحتمال الأول (1)بأدنى التفات بل لا يحصل الترديد في أوّل النظرة في السند بين الاحتمالين.

وحال «صالح بن عقبة» معلومة.

و«مالك الجهني» من أصحاب الإمامين الباقر والصادق علیهما السلام وقد مدح الإمام الباقر في أبيات أخرجها صاحب الإرشاد، وهي :

إذا طلب الناس علم القرآن***كانت قريش عليه عيالا

وإن قيل أين ابن بنت النبي***نلت بذاك فروعاً طوالا

نجوم تهلل للمدلجين***جبال توازن علماً جبال (2)

وفي الكافي بسند صحيح أن الإمام الباقر قال له : أنتم شيعتنا ، ألا ترى أنك تفرط فى أمرنا أنّه لا يقدر على صفة الله ، فكما لا يقدر على صفة الله كذلك لا يقدر على صفتنا، وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن ، إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحاتّ عن

ص: 67


1- كون العطف على «علقمة بن محمد». (المترجم)
2- الإرشاد 2 : 157 و 158 . وفيه : «توارث علماً» .

وجوههما كما يتحات الورق عن الشجر حتى يتفرّقا ، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك .(1)

وهذا الخبر يتضمن مدحاً جليلاً لأن وصف الراوي بكونه لهم شيعة خير من النصّ على العدالة مأة مرّة.

وطريقه وإن اشتمل على محمد بن عيسى العبيدي عن يونس وقد توقف فيه بعض العلماء ولكننا أثبتنا بنحو واف عدالته وجلالة أمره في مواضع كثيرة . وقد شهد له بالوثاقة جمع من الأعيان والأكابر.

قال النجاشي في الرجال: «ثقة عين كثير الرواية حسن التصنيف»(2). وفي ردّه على الصدوق لقوله : «ما يكتبه محمّد بن عيسى عن يونس ويرويه لا صحة له» قال : وأنا رأيت الأصحاب - وهذه علامة على الإجماع - ينكرون على ابن بابويه ويقولون: «من مثل أبي جعفر»؟

وقال الفضل بن شاذان في حقه : «ومن في الأقران مثله» ؟

وصرّح الكشي في ترجمة محمد بن سنان بعدالته ونحن في رسالة «الإصابة» أثبتنا أنّ جميع ما في كتاب «اختيار معرفة الرجال» هو مختار الشيخ، والشيخ موافق على توثيق يونس، وأمّا تضعيفه في الفهرست فإنّه اتباع وترديد لما قال ابن بابویه .

وجاء في رسالة «أبو غالب» في بيان حال آل أعين إنه كاتب الإمام صاحب

ص: 68


1- الكافي 2 : 180 ح6. علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس ، عن يحيى الحلبي، عن مالك الجهني قال : قال لي أبو جعفر . (هامش الأصل، وقد جرت مطابقته مع نسخة تحقيق غفاري ط 1365ه دار الكتب الإسلامية)
2- عبارة النجاشي في الرجال كالتالي : كان وجهاً من أصحابنا متقدماً عظيم المنزلة . (الرجال 2 : 420 - 421) . (المترجم)

الزمان أرواحنا له الفداء بدون واسطة وصدرت في حقه توقيعات ك-ري-م-ة م-ن الناحية المقدّسة. وهذا حال عمّا للرجل من المقام الرفيع والمرام المنيع ، ولم يكن قدح ابن بابويه فيه لضعف في نفسه بل الظاهر أنّ ذلك راجع إلى تشكيك ابن الوليد في جواز إجازة الصغير، وليس لهذا وجه ، إذ سن البلوغ مشترط في الراوي عند الأداء لا عند التحمّل ، ولو سلّمنا جدلاً بذلك فإنّ اتفاق الأصحاب على خلافه كاف في ردّه .

ثم إن شهادة الكشي التي وجدناها في حقه وعبارة «رسالة أبي غالب» بالتفصيل الذي ذكرنا في محلّه وتوثيق النجالشي له يرفع (1)جميع وجوه الإشكال ، لهذا جزم جماعة من الأكابر والمحققين بعدالته ووثاقته .

ولا يضير اشتمال السند على «مالك» لأنّه واقع في طريق يونس بن عبدالرحمان ومقتضى القاعدة أنّ العصابة أجمعت على صحة الحديث المنتهى سنده إليه . وهذه العبارة إن لم تدلّ على عدالة جميع من يروي عنه فهي دليل على صحة الخبر كما حققنا ذلك على الوجه الأتم والأوفى في «رسالة الإصابة في قاعدة إجماع الصحابة» وقد بيّنا وجوهه ودلائله وأمارته ، وبناءاً على هذا يكون السند صحيحاً ولا مجال للمناقشة فيه . ويوجد في روضة الكافي خبر عن عبدالله ابن مسكان وهو من أصحاب الإجماع منقولاً عنه (2). وهذا يدل على علوّ رتبته في الرواية .

ومن مجموع هذه الأمارات تكون عدالته وجلالته أظهر من الشمس (3)مضافاً

ص: 69


1- فاعل الفعل «يرفع» قوله : شهادة الكشي (المترجم)
2- روضة الكافي: 146 ح 122 . (هامش الأصل) عنه عن ابن مسكان عن مالك الجهني قال : قال لي أبو عبد الله .. الخ . (المترجم)
3- قرن الغزالة - المؤلّف .

إلى أن رواية ابن مسكان ويونس بذاتها أمارة على المدح وابن أبي عمير الذي لا يروي إلّا عن الثقات يروي عنه، وهذا وحده كاف في تعديله، كما اعتمد على ذلك كثير من الأساطين وبيّنا ذلك في الرسالة المذكور بإطناب. ونظراً لما قلناه فإن العلّامة والشهيد قدس سرّهما في كتاب المواريث حكما بصحة حديثه .

ومجمل القول : إنّ رتبة الحديث في الطريق الثاني هي «الحسن» وقد بينا حسن حال صالح بن عقبة على طريقة الإجمال لا التفصيل. وتحصل بأيدينا أن صدر هذا الحديث المبارك نقله عدة من أصحاب الإمامين الباقر و الصادق علیهما السلام الوهم عقبة بن قيس وعلقمة بن محمد ومالك الجهني. ونقل متن الزيارة الشريفة علقمة عن الإمام الباقر علیه السلام كما فعل صفوان عن الإمام الصادق علیه السلام بالسند الذي سمعت ، وتكرّر مجيئه في الكتب المعتبرة المعتمدة، وروى الدعاء آخر الزيارة صفوان واشتهاره بدعاء علقمة لا وجه له وهو خطأ محض.

ومجمل القول أنّه لا ريب في اعتبار سند الرواية، وكان عمل الشيعة على تطاول الزمان وتمادي العصور والدهور على هذه الرواية حيث جعلوا هذه الرواية من أورادهم اللازمة وأذكارهم الدائمة، وتكون مع انضمام هذه القرائن قطعيّة الصدور مضافاً إلى كون إسنادها منه ما هو الصحيح ومنه ما هو الحسن.

وأخيراً بناء على روية مذهب التحقيق ليس في وثاقة سندها أدنى تأمل على الإطلاق. لهذا لم يطعن أحد من العلماء بصحة سندها ولم يتوقف فيه .

ص: 70

الفصل الثاني

لابد من التعرّض هنا لما قاله العلّامة المجلسي في هذا الباب ، فنقول : قال في زاد المعاد :

أما زيارته علیه السلام المشهورة فقد رواها الشيخ الطوسي وابن قولويه وغيرهما عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة وكلاهما رواها عن محمد بن إسماعيل وعقبة بن محمد الحضرمي وكلاهما عن مالك الجهني فإنّه قال : قال الإمام محمد الباقر علیه السلام ، ثم يأخذ بترجمة حديث كامل الزيارة حتى يصل إلى حديث محمد بن خالد الطيالسي وينقله أيضاً، وبعد نقل الدعاء المذكور يشرع في ترجمة حديث سيف ابن عميرة، وعبارة تحفة الزائر قريبة من هذه العبارة وظاهر كلامه يدلّ على أنّ المجموع من النقول ما هو إلا عبارات مشتركة بين الشيخ وابن قولويه .

وفي هذا القول وجوه من المناقشات يجل عنها مقام هذا العلّامة الذائع الصيت والمحدّث الكبير العلمي (1)ولكن نزولاً عند قوله تعالى: «الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ» (2)لأجل تنبيه الغافلين وتبيان الحق وإيضاح وجه الصواب فلابد من ذكرها بحيث لا تصطدم مع ما للشيخ من جلالة القدر ، ولقد اطلعت على جانب منها في كلام السيّد الأجل الأعظم حجّة الفرقة ، سيّد الطائفة ، الحاج السيد محمد باقر الرشتي الأصفهاني (3)وأنعم به اتفاقاً ونلت من هذا الاطلاع قدراً من الاستفادة، والله الموفق.

ص: 71


1- «العلمي» صفة لمقام (المترجم)
2- یونس : 35
3- كان هذا البحث جواباً على سؤال ورد على المرحوم آية الله عن زيارة عاشوراء وطبع ضمن مجموع «الأسئلة والأجوبة» ص 25 - 41 . (هامش المحقق)

المناقشة الأولى :

أنّ محمّد بن إسماعيل بحسب ما أفادته الرواية روى عن شيخين هما سيف ابن عميرة وصالح بن عقبة ولكن المجلسي قصر الرواية على محمّد بن إسماعيل واعتبرها منتهية إليه ؛ وهذا خلاف الواقع ؛ لأن عبارة «المصباح» و«كامل الزيارة» تنص على روايته عن شيخه صالح، وذيل عبارة المصباح صريحة بروايته عنه وعن سيف، وهذا غاية في الغرابة لكونه منافٍ للوضع الطبقي للرواة لأنهما أسنّ من محمد بن إسماعيل فهما من أصحاب الصادق والكاظم علیهما السلام وهو من أصحاب الكاظم والرضا والجواد علیهما السلام، و الذي درج عليه الناس وشاع بين الرواة هو رواية الأصاغر عن الأكابر لا العكس، وإن لم يكن مستحيلاً. ولكن العمل الرجالي قائم على تمييز الأسماء المشتركة بتميّز الطبقات غالباً، وجعل هذا الأمر خاصاً بهؤلاء الرواة يبدو بعيداً، ولو ألغينا هذا الوجه من الاعتبار ولم نسلم به فإن الوجه الأول يكفي في ردّ قول المجلسى.

المناقشة الثانية :

وأما قول المجلسي وكلاهما عن مالك الجهني» يقتضي أن رواية محمد بن إسماعيل عن مالك وهذا خلاف الواقع ؛ لأن رواية «المصباح» و«كامل الزيارة» تنص على أنه رواها عن صالح ولا يوجد في أيّ كتاب ما يحمل على التوهم من روايته عن كلا الاثنين، أضف إلى ذلك أن البحث في أحوال الرواة وترتيب الطبقات يقضي بفساد هذا الاحتمال ؛ لأنّ الشيخ قدس الله نفسه قال عن مالك بأنه توفي في عصر عصر الإمام الصادق علیه السلام ، ولم يعتبر أحد محمّداً بن إسماعيل من أصحاب الصادق علیه السلام بل اعتبروه من أصاغر أصحاب الكاظم وفتيانهم، وأدرك

ص: 72

آخر أيام الإمام الكاظم علیه السلام وبقى على قيد الحياة حتى وافي زمن الإمام الجواد ، من هنا جزمنا ببعد رواية صالح عنه كل البعد .

المناقشة الثالثة :

أنه نسب الرواية بهذا السند إلى الشيخ وابن قولويه كليهما ونحن فيما سلف نقلنا عبارة الإثنين بالتفصيل وبان لنا رواية الشيخ عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة التي يرويها عن أبيه عقبة ولم يرد ذكر لمالك في عبارة الشيخ سواء ما جاء منها في المصباح أو التي نقلها هذا المحدّث التحرير في البحار .(1)

المناقشة الرابعة :

أنّ علقمة روى الرواية عن الباقر علیه السلام من دون واسطة كما ورد في المصباح وكامل الزيارة، وكما نقلناها عنهما ولم نعثر على موضع منها أن علقمة رواها بواسطة مالك ، وربّما كان منشأ الوهم هو ما أشرنا إلى فساده من اعتبار المجلسي عبارة «ومحمد بن إسماعيل» عطفاً على علقمة بن محمد في كامل الزيارة بينما هو سند مستأنف وعلى أساس من هذا الوعهم عزا رواية سيف وصالح عن محمد بن إسماعيل، وقد علمت فيما سلف أنّ العطف إمّا أن يكون على حكيم بن داود على أبعد الوجهين ، أو على محمد بن خالد وهو الأظهر فعلاً في نظره.

وممّا ينتظم في هذا النسق أنه صرّح في ذيل حديث سيف ابن عميرة أن علقمة روی هذا الخبر بدون واسطة عن الإمام الباقر علیه السلام وهذا العلامة نفسه ترجم عين العبارة ولاحظ الأصل في كتابين إجمالاً وتفصيلاً، وحكاه في البحار ، ومع كل هذا

ص: 73


1- بحار الأنوار 98: 293 ط بیروت (هامش المحقق وجرى تطبيقها)

فقد اعتبر علقمة راوياً عن مالك مع قول علقمة نفسه «قلت لأبي جعفر علیه السلام » ومع هذا التصريح لا يتطرّق علينا احتمال حذف الواسطة بينه وبين الإمام الباقر علیه السلام .

المناقشة الخامسة :

أنّ ظاهر كلامه يدلّ على أنّ محمداً بن إسماعيل وعلقمة بن محمد متعاصران ويعيشان في زمن واحد وكلاهما يروي عن راو ،واحد، وعلمت فيما سبق بأنّ علقمة من أصحاب الصادقين علیهما السلام في حين أن محمداً بن إسماعيل من أصحاب الكاظم والرضا والجواد علیهم السلام ولا يمكن اتحاد ،طبقتهما، ويستحيل في ميزان الاعتبار تعاصر هما.

المناقشة السادسة :

لم يرد في أي كتاب آخر نسبة هذه الرواية وبهذا السند إلى غير الشيخ وابن قولويه ، ولم يسمع أحد بهذا في أُذنيه ولم يشاهده بعينيه وكما علمت أنّ الرواية مطلقاً لم تصح عن أحد، وأوّل من عزاها إلى غير الشيخ وابن قولويه هو المرحوم المجلسي وما وجدناه في الطروس، إنّ الرواية رويت عن علقمة؛ إما بطريق الشيخ أو بطريق ابن قولويه وإما مرسلة.

المناقشة السابعة :

ما نسبه إلى الشيخ من أنّ رواية المصباح نصت على أن ثواب زيارة يوم عاشوراء تعدل ألفي ألف حجّة ،وهكذا، وفي ذيل العبارة: أن ثواب زيارة البعيد تعدل ألف ألف حجّة مع أن المذكور في المصباح لا يتعدى الألفين والألف والذي ذكره من مضاعفة الألف إنّما هو رواية كامل الزيارة وقريب من هذا الخلط وقع في البحار كما قلنا ذلك.

ص: 74

المناقشة الثامنة :

ما ورد في ذيل حديث علقمة من ترجمة هذه العبارة «يا علقمة إذا أنت صلّيت ركعتين بعد أن تومى إليه بالسلام وقلت بالإيماء إليه هذا القول، فإنّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة .. الخ» (1)وهذه الترجمة عبارة كامل الزيارة، بينما لم تذكر العبارة التي ينبغي أن تذكر بعد قوله : «إنّك إذا قلت ذلك، ولقد سمعت عبارة الشيخ ولاحظت سياق ترجمتها وعرفت الفرق بينها وبين عبارة كامل الزيارة ، بل إن لفظ «بعد الركعتين كما سيأتي تصحيف لقوله بعد التكبير ، وهذا الاختلاف صار منشأ لمعركة آراء بين الفقهاء إذ كيف يسوغ لمحدّث أمين أن ينسب ذلك إلى الشيخ مع أنه لا يوجد له عين ولا أثر في كلامه وبالطبع يحمل ذلك على سائر الفقرات التي بدرت سهواً من مزبره .

المناقشة التاسعة :

أنه نسب رواية محمد بن خالد الطيالسي التي أوردها بعد نقل الزيارة في المصباح إلى ابن قولويه ولكنه لا أثر لذكر هذا الدعاء على الإطلاق ولا لهذا الخبر عن ابن قولويه فى كامل الزيارة.

المناقشة العاشرة :

أنّه نسب رواية صفوان إلى ابن قولويه وليس عنده من ذلك عين ولا أثر في كتاب كامل الزيارة، وقد تنبه نفسه إلى ذلك في بحار الأنوار فنقل صدر الحديث من كامل الزيارة ونسب الذيلين إلى الشيخ.

ص: 75


1- كامل الزيارة : 327

وهذه في حسابنا عشر مناقشات ولكنها تنحل بعد التأمل إلى اثنى عشر مناقشة ؛ لأنّ المناقشة الأولى والثانية تتضمن جهتين من البحث أحدهما مخالفة الواقع ، والثانية : مخالفة الطبقات. مضافاً إلى أننا حين نتتبع خصوصيات ك--لامه وجزئياته من ملاحظة كامل الزيارة ونسبة ما فيها للشيخ وبالعكس وبمراجعة ما ترجمناه والبحث في زاد المعاد وتأمل متن الخبر وملاحظة مواضع الاختلاف التي أشرنا إليها في الحاشية يظهر ذلك واضحاً.

ووقوع هذه الأخطاء من هؤلاء العظماء إنما حدثت بعين الله وذلك لنفي عنهم ولكي لا تتجمد الأذهان والقرائح في البحث والطلب ، ولكلّ واحد

العصمة بناءاً على ما قاله الأديب الحكيم

لكل مجتهد حظٌ من الطلبِ***فاسبق بعزمك سير الأنجم الشهب

حظّه من بذل الجهد واستفراغ الوسع وخلع ربقة التقليد ووضع قدمه في وادي حل المشكلات بتأمّل وتحقيق مستمداً العون من الله تعالى بشفاعة الأئمة

وإعانتهم وبالطبع لا يرجع خائباً بائساً، فارغ الوفاظ والله الموفق وهو العاصم

ص: 76

[ المقصد الثاني ]

في فقه الحديث وذكر محتملاته وتحقيق ما هو المطلوب من العمل بهذه الزيارة وذكر بعض الفوائد المتعلقة بها متناً وحكماً وفضلاً

ولمّا قضى قانون التعليم أن يوعب الحق الصراح والصدق القراح في الذهن الساذج والفهم الفارغ لكي يغرس جذره في تربة صالحة ويتمكن من النمو والرسو في تلك التربة ، كما قيل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى***فصادف قلباً فارغاً فتمكّنا

لأنّ ذكر الباطل إذا أخذ طريقه إلى القلب قبل غيره ربّما تمكّن منه، وكان البرهان المتأخر عنه غير قادر على إزالة آثاره ، وهذا شأنه شأن الصحيفة البيضاء النقيّة فإنّ ما يكتب فيها أوّل مرّة تعسر إزالته إلا بمحوه، وربّما فارق بضاعته الأولى.

ای برادر مزرع ناکشته باش***کاغذ اسپید نابنوشته باش

كن كارض البكر لا زرع بها***أو كطرس ما جرى فيه قلم

لذلك نشرع أوّلاً بذكر الاحتمال المرضي المختار ثمّ نتبع ذلك بذكر الأمو المحتملة الأخرى ، مع مناقشتها وبذل المحاولة في ردّها بالأدلة المقنعة بإذن الله

ص: 77

تعالى التي ترفع الشك وتكشف غبش الريب وتزيل الخطأ.

وقبل أن نبدأ بذلك يجب أن يعلم بأن خلافات عريضة جرت لفهم هذا الخبر ، كما حدثت مشاجرات طويلة بين العلماء العظام والفقهاء الكرام، ومنشأ الخلاف في الأعم الأغلب يعود إلى الاختلاف في عبارات نسختي الكامل والمصباح وهناك وجوه إضافية سوف نتعرّض لها أثناء الحديث بالشرح والتفصيل ، كما نعرض لمختلف الاحتمالات التي يثيرها هذا الخبر الشريف سواءاً اعتمدها جماعة من العلماء أو كانت مجرّد احتمال معروض للبحث والمداولة ولم ينسب إلى أحد وذلك في وجوه :

الوجه الأول:

من لوازم هذه الزيارة التوجه إلى الصحراء أو الصعود إلى السطح مع التكبير والإيماء إلى القبر المقدّس ثم تلاوة الزيارة بعد ذلك مصحوبة باللعن مأة مرّة والسلام مثلها ثمّ يدعو بدعاء «اللهم خصّ ..» ويقرأ دعاء السجود وبعد ذلك يصلى ركعتين ، هذا ما ورد في وجه أدائها .

ويمكن أن يقال بجواز خلوّها من التكبير والإصحار بها أو رقي السطح لها واعتبار ذلك من الآداب المكملة لا قوامها الذي هو جزء وجودها، بل قال العالم المتبحر الآقا محمد علي الكرمانشاهي في المقامع في زيارة البعيد يجوز التوجّه إلى القبلة كما يجوز التوجّه إلى القبر الشريف ولكن احتمال كون هذه الأمور غير مشترطة خلاف لظاهر الرواية لاسيما الإشارة والتكبير الذي يتركب العمل منه ويترتب الثواب عليه . نعم ربما قيل بسقوط الإصحار والسطح وله وجه وتوضيح هذا الوجه بحيث يرفع غواشي الأوهام ويسهل مسالك الأفهام، وظاهر الرواية كما يلي :

ص: 78

وذلك أنّ الإمام علیه السلام بعد أن أوضح زيارة عاشوراء لمالك أو لعقبة بن قيس وأمره بالصعود على السطح وبالإصحار والإيماء كان علقمة بن محمد شاهد الحال أيضاً فسأله أن يعلمه دعاءاً خاصاً يقوله عند الإشارة، ولم يكتف بمطلق السلام فأجاب الإمام طلبه وعلمه الدعاء الذي هو عبارة عن زيارة عاشوراء ، والظاهر في العمل السابق أن الصلاة مقدّمة على الإيماء ولكنّه لما طلب الدعاء مقارناً للإيماء إلى القبر الشريف علم منها أنّ الصلاة مقدّمة على الزيارة، وهذه قرينة واضحة ودلالة بينة على المطلوب لأنه لو كانت الزيارة بعد الصلاة والإيماء لكانت عملاً مستقلاً ولا ترتبط بسؤال علقمة .

ثمّ إنّ آداب المحاورة وحكمة السؤال والجواب وحكمهما لا يبيح أدباً عدم إجابة السائل إما نفياً وإما إثباتاً ، ثم لا ينبغي عند البلغاء أن يتخلل الكلام المتصل في موضوع كلام أجنبي عنه دون أن ينبه عليه الإمام لأنه يوهم ارتباطه من غير تنبيه بمجمل الموضوع المتكلم فيه .

وهذا لو كان صادراً من العامة والحوشية لكان ساقطاً مستهجناً فكيف يظنّ فيه ذلك وهو صادر من مشكاة الإمام مشرع الفصاحة وينبوع المحاسن تعالى شأنه عن ذلك علوّاً كبيراً.

وبناءاً على هذا فقوله: «أومأت» الواردة في عبارة السؤال معناها إرادة الإيماء أو أنها تعني نفس التوجه والانصراف إلى القبر الشريف المقدس وبالطبع فإن التأويل الثاني في عبارة «المصباح» يبدو بعيداً وهو قوله: «أومأت إليه من بعد البلاد بالتسليم». ومن المعلوم أن القصد أنّ القصد من الإ. الإيماء هو المصاحب للسلام ومحصله الإشارة مع السلام كما أن الظاهر من حال علقمة أنه طلب الدعاء الخاص بمقتضى سياق الرواية كما أشرنا إليه سابقاً للزيارة وليس بعدها .

وهنا دقيقة من دقائق الكلام وهو أن نص الجواب دليل على المطلوب وذلك

ص: 79

أن في بعض نسخ المصباح وتمام نسخ كامل الزيارة «قلت» أو «فقل عند الإيماء» وفي بعض النسخ ورد بلفظ «بعد الإيماء» أيضاً ولا يوثق بصحة هذه العبارة وعلى فرض صحتها يكون معناه بعد إرادة الإيماء أو بعد التوجّه بقرينة وجوب انطباق السؤال على الجواب.

يجب أن يعلم أنّ المراد بالإيماء إن كان مطلق التوجه أو الإشارة فما من داع للزوم الإصحار أو الصعود على السطح، وإن كان إشارة إلى السؤال كما يدلّ على ذلك اقترانه ب_«لام التعريف» مبنى على دستور العمل السابق حيث يقول : فإذا أديت العمل الذي أُمرت به فلابد من أن أتلو دعاءاً بعده وحينئذ يكون لازماً بعد فرض اللزوم.

والظاهر من إرادة الصحراء ليست على الحقيقة فلا خاصيّة له بل المراد مكان واسع وفضاء مفتوح كيفما كان ، وبالطبع لابد من فعل هذه الخصوصية من المكان الواسع أو الصعود على ظهر سطح لإحراز الواقع . ومن الشواهد على مذهبنا في توجيه الحديث ما ورد في نسخة «كامل الزيارة» إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ إليه وقلت عند الإيماء هذا القول فإنّك إن قلت ذلك فقد دعوت لأنّ صريح هذه الرواية قاض بأنك إذا صليت الصلاة بعد الإيماء وقلت هذا الكلام أثنائه فإنّك تحصل على الثواب ولا يبعد أن تكون عبارة كامل الزيارة «من بعد الركعتين» تحريف من الكتاب ولفظ الحديث هو من بعد التكبير الوارد في نسخة المصباح. ولا يعتري المتأمّل البصير والناقد الخبير ريب بأن هذا الحديث الوارد في الكتابين هو حديث واحد وإن ورد اختلاف فيه بالنقل ووقع ذلك في المتن والسند منه بحسب اختلاف الناقل أو تعدّد النقل أو خطأ الرواة، ولكن الظنّ القوي قائم باتحاد الحديث ونسخ المصباح غالباً أصح من نسخ كامل الزيارة بل وكما قال بعض الناقدين : إنّ كامل الزيارة ليست من الكتب المقروئة والمسموعة

ص: 80

والمعروضة على المشايخ بحيث لا يستطيع أن يساوي كتاب المصباح الذي هو حرز العلماء وتميمة الفقهاء عند الاختلاف، وسوف تظهر لنا وجوه أخرى ، عند ردّ الكلمة إلى فقرة عبارة المصباح فيما بعد إن شاء الله .

ومجمل القول: جاءت عبارة كامل الزيارة ونيل الثواب العظيم فيها مشروطاً بالصلاة بعد الإيماء والدعاء وهذه قرينة واضحة على عبارة المصباح إن الجزاء فيها داخل ضمن العبارة «فإنّك إذا قلت» ولفظ «فقل» وإن أوهم قبل التأمّل الجزاء ويكون بناءاً على ذلك الدعاء بعد الصلاة ولكن المتأمل في أطراف العبارة والناظر في السابق واللاحق من الكلام لا يشك في أن لفظ «فقل» تمهيد للجزاء وحقيقة الجزاء قوله فإنّك إذا قلت حيث جاءت الصلاة والإيماء في صدر الحديث المذكور ، وكان السؤال صرفاً للدعاء وإنّما ذكر هذا الشرط لمحض إحراز جميع أجزاء وشرائط العمل، ويبعد أن يكون المراد من قوله : إذا أنت صلّيت أي إذا أردت الصلاة ، ولو كان كذلك لقدّم الإيماء والسلام على الصلاة والزيارة، ولا يصح أن يقول بعد الإيماء لأن ظاهر التعددية هذه هي المقارنة ولو أراد فصل الصلاة لقال : «يقول : بعد الصلاة ...» وبناءاً على القول الوارد في كامل الزيارة «عند الإيماء يكون الأمر أظهر والخطب أسهل .(1)

ص: 81


1- ولو سلمنا أنه أراد وقوع الزيارة بعد الصلاة فوجهه بحمل التكبير الوارد في نسخة المصباح على الركعتين الواردتين في نسخة الكامل مدعين جواز حمل التكبير على الصلاة لأنها تفتتح به وهو ركن من أركانها ، وإن كانت هذه دعوى لا يصغى لسماعها ، فنقول : لما كانت حال المخاطب الآن هو البعد عن القبر الشريف ومقام الزيارة يقتضي العموم ولكن خصوصية السائل وتوجيه الخطاب بمن ابتلي بالبعد فإنّ الزيارة هذه لبيان حكم زيارة البعيد، ولما كان الأفضل للبعيد تقديم الصلاة كما يظهر ذلك من صحيحة هشام ومرسلة ابن أبي عمير ورواية سليمان بن عيسى عن أبيه التي أخرجها الكليني والشيخ عن الإمام الصادق ، ويظهر أنّ الإمام أمر بتقديم صلاة الزيارة بحقهم من ثمّ نقول بأمره بتقديم صلاة الزيارة . ومؤيد ذلك أنّ الخبر في بيان أحكام البعيد أولاً وفي سؤال علقمة أنّ حال البعد مقدم، إذن يظهر من ذلك أنّ وجه الكلام هو لبيان حال البعيد وإنّما ذكر القريب استطراداً وتعليماً وعلى هذا يكون التأخير متعيناً في حال القرب وفي حال البعد قياساً على سائر الزيارات تكون بالتخيير والتقديم أولى . ولعلّ مؤيد هذا هو التعبير عن التوجه إلى القبر الشريف بالإيماء لأنّ التوجّه إلى القبر لا مانع منه على القريب وغاية ما يستعمل ذلك بالنسبة لمن تبعد دياره عن القبر الشريف، والله أعلم بحقيقة الحال. (منه - هامش)

ومن شواد هذا التوجه الجليّة فهم سيف بن عميرة الراوي الجليل الشأن وقد عرفت مناقبه كما جاء في ذيل حديث الشيخ أن سيف روى عن صفوان أنه بعد الفراغ من زيارة أمير المؤمنين علیه السلام توجّه شطر قبر سيّد الشهداء الذي يكون في الحرم العلوي المطهر عكس القبلة، وقد نقل عن الإمام الصادق علیه السلام أن زيارة الحسين علیه السلام هنا مستحبة ثم قرأ في ذلك الوقت زيارة علقمة ثمّ صلّى ركعتين وتلا «يا الله» إلى آخره، ولا شك أن صفوان في هذا المكان زار أولاً ثمّ صلّى .

قال سيف هذا ما كان من خبر علقمة واحتمال كون المراد من الزيارة هو العمل بكامله مع اشتماله على الصلاة، أما الصلاة الثانية فهى صلاة وداع أمير المؤمنين علیه السلام فهو مقطوع بفساده لأن إطلاق عبارة الزيارة وإرادة العمل المركب من الصلاة والدعاء خلاف الظاهر ومن الجائز القطع بوجهين : الأوّل : أنّ لفظ «فدعا» المراد به نفس تلاوة الزيارة ولا يجوز في طريقه التعبير - ولا ينبئك مثل خبير - المراد بقوله «ودعا بالزيارة» إنّه يريد الصلاة . الثاني: أنّنا أشرنا أنّ الانصراف جهة قبر سيّد الشهداء يستدعي استدبار القبلة في حرم أمير المؤمنين وإذا اشتمل هذا العمل على الصلاة فينبغي أن يكون مستدبراً القبلة وهذا ضروري الفساد وذلك من ثوابت المذهب أنّه بدون عذر لا يصح استدبار القبلة حتّى في الصلاة المندوبة وهذا المطلب لا يحتاج إلى طويل شرح ولا إلى الاستدلال ، ولما كان عمل صفوان على ما ذكرنا علم سيف أن خبر

ص: 82

علقمة هو أوثق الأدلّة وهو أن صفوان في ذيل روايته عن الصادق أنّ الإمام علیه السلام بنفسه أجرى هذا العمل مع ما عرفت من عظيم ثوابه ويقيناً إنه ليس عملين.

إذا ظهر بحمد الله وثبت والمنة لله وجه الحق بالأمارات الحالية والمقاليّة وهو الوجه الذي ذكرناه ومن هذه الجهة اختار أكابر العلماء الاحتمال الذي اخترناه كما حكي عن الشيخ المفيد قدس الله نفسه الزكيّة وأعلى رتبته العلية في كتاب «المزار» أنّه بيّن طريقة العمل بهذه الزيارة وهي الابتداء مع اللعن والسلام والدعاء ثمّ تصلّي الركعتين وفي أحد كتب المزار القديمة من مصنفات قدماء العلماء وشوهدت النسخة العتيقة منه وفيها زيارة عاشوراء من قرب أو بعد، ينبغي أن يزار الحسين علیه السلام بهذه الزيارة وإن حصلت في مشهده صلّى الله عليه فتصير إليه وتقف على قبره وتجعل القبلة بين كتفيك وتكبّر الله تعالى وتزوره بهذه الزيارة وإن كنت في غير مشهده إلى الصحراء أو اصعد إلى سطح مرتفع في دارك حيث كنت من البلاد وكبر الله وأوم إلى قبر الحسين علیه السلام وقل بعد التكبير ..(1)

ثم أورد الزيارة باختلاف يسير مع النسختين المذكورتين وسنوافيك بها في فوائد خاتمة الباب إن شاء الله تعالى، ويقول بعد ذلك : ثم تصلي ركعتين .. إلى آخر ما قال وهذه العبارة نصّ على ما ذهبنا إليه إن كانت الألفاظ نفس ألفاظ الحديث، أو أنّ علقمة رواها ثانية بالمعنى وهي فصل الخطاب في المسألة والبرهان القاطع عليها وإن كانت من تعبير المصنف وفهمه والظاهر أنّه من معاصري صاحب الاحتجاج وهو من مشايخ ابن شهر آشوب وكلاهما يروي عن السيد العالم العابد أبي جعفر المهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي وهذا أيضاً يؤيّد مطلبنا ويشهد لنا .

ص: 83


1- هذه الفقرة وردت بالعربيّة وفيها مكان حصلت حصنت ولا معنى لها وإن بنيتها للمجهول وضعفت الصاد . (المترجم)

وكذلك عبارة «منهاج الصلاح» لآية الله العلامة أدام الله إكرامه الذي قال تستحب زيارة الحسين يوم عاشوراء من قرب أو بعد - إلى أن يقول : - السلام عليك ، إلى آخر دعاء السجدة وهو بذلوا مهجهم دون الحسين وكان المنهاج هو مختصر المصباح فإنّه عرف العمل إلى هذا المقدار من اعتباره التكبير وسائر اللوازم أيضاً من الآداب والمستحبّات في العمل المستحب ولا يتقوم العمل بها .

كما أن غالبية العلماء والمحققين الذين هم من أهل النظر والانتقاد يرون مثل هذه الخصوصيات فى الأشباه والنظائر لهذا العمل من المستحبّات تحمل على الآداب وهي شرط في الكمال.

ومن هذه الجهة ملنا إلى مذهب المحققين في أوّل تقرير الوجه وقوينا عدم اعتبار هذه الشرائط إلا على نحو الآداب ويرجع ترك ذكر الصلاة في كلام العلّامة إلى كون ركعتي الصلاة مستحبة في جميع الزيارات، ولا خصوصيّة لهذه الزيارة، ومثل هذين المزارين العبارة المحكية عن مزار الشيخ المعظم جليل المنزلة «محمد بن المشهدي» الذي اقتصر في نقل هذه الزيارة على المتن مطابقاً لما جاء في المصباح وحذف منها التكبير والصلاة وسائر اللوازم الأخرى.

وقال الشهيد نفسه في محكي المزار من الزيارات المخصوصة زيارة عاشوراء قبل زوال الشمس من قرب أو من بعد، فإذا أردت زيارة الحسين علیه السلام في هذا اليوم فأومأ إليه مسلّماً عليه واجهد وبالغ في لعن قاتليه ومحاربيه ثمّ قل إيماءاً السلام عليك يا أبا عبدالله وساق الرواية إلى آخر دعاء السجدة.

وبناءاً على اتفاق أفهام هذه الطائفة من أكابر فقهاء الشيعة رضي الله عنهم التي لابست فهم المعاني الدقيقة ومارست حلّ الألفاظ العويصة للكتاب والسنّة ، فإنّها ظاهرتنا على ما ذهبنا اليه ، وذكرنا قرائن عدة تدلّ عليه، وليس بعيداً من المنصف ذي الفهم السليم والإدراك الصحيح الجزم بما جزمنا به .

ص: 84

وكان من أساطين الفقهاء في هذا العصر الذين اطّلع هذا القليل البضاعة على مذاهبهم والدنا الفحل المحقق جزاه الله عن العلم وأهله خير الجزاء ووفاه من خزائن رحمته أوفر الأنصبة، فقد استمر قولاً وعملاً على ما ذكرناه أوّلاً وال-ي-وم يجري على هذا المنوال السيد الأجل الأستاذ دام ظله العالي عملاً وسلوكاً ولا يعمل بالاحتياطات المنسوبة إلى حضرته على الإطلاق.

تنبیه :

الذي يظهر من الحديث كفاية مطلق التكبير الذي يتحقق مصداقه بتكبيرة واحدة ولكن لما ورد في أخبار الزيارة الكثيرة اعتبار مائة تكبيرة فإنّه لا يستبعد على الفقيه المحقق المحتاط أن يراها مستحبّة في أوّل كل زيارة كما حكي ذلك عن بعض الفقهاء المعاصرين في كتاب المزار والكفعمي أثبت مأة تكبيرة في زيارة عاشوراء خاصة ومن المحتمل أن يكون استشعر من هذه الجهة ومن جهات أُخرى تعدّد الزيارة وعلى كل حال فإنّ الأحوط والأولى الإتيان بها وإذا زاد على الواحدة مأةً قاصداً بذلك القربة المطلقة فهو أوفق وأوثق البتة، والله العالم بحقايق أحكامه.

الوجه الثاني :

من محتملات الرواية بعد الاحتمال المذكور سلفاً - وهو أقرب من سائر الاحتمالات - أن يستقبل بوجهه قبر سيّد الشهداء أوّلاً ثمّ يسلّم بأية صيغة شاء ويلعن أعدائه وقتلته ثمّ يصلي ركعتين ويقرأ بعدها زيارة عاشوراء إلى آخر دعاء السجدة ثم يصلي بعد الدعاء ..(1)

ص: 85


1- من إفادات سيد العلماء العاملين آية الله العظمى آقا میرزا سید محمد هاشم بن الإمام العلامة الحاج میرزا زين العابدين الموسوي الأصفهاني المتوفى سنة 1318 صاحب «أصول آل الرسول» وغيرها من المصنفات وهو شقيق الإمام العلامة المجتهد المجاهد المجدّد آية الله العظمى الميرزا سید محمد باقر الموسوي الأصفهاني المتوفى سنة 1313 صاحب کتاب «روضات الجنّات» وغيره من المصنفات قدس الله سبحانه أرواحهم. س: بيّن لنا مجملاً كيفية زيارة عاشوراء ؟ ج: هناك عدد من الزيارات يمكن أدائها (وهذا ما أعتقده أنا أيضاً وقد بينت ذلك في رسالة مستقلة مبسطة بالدليل والدقة) وواحدة منها ومن الممكن أن تكون الوسطى وهي صحيحة أن يتوجه الزائر إلى مرقد سيد الشهداء المطهر وأن يقول : اللهم العن قتلة الحسين كثيراً أقلها عشر مرات وأن يكثر من قول : السلام عليك يا أبا عبد الله وأقلها عشر مرات، ثمّ يصلي ركعتي الزيارة بهذه النية ثمّ يشرع بقرائة زيارة عاشوراء المشهورة مع إرسال مأة لعنة على مستحقها ومأة سلام لمستحقه، وبعد الفراغ عندما يرفع رأسه م-ن السجدة يصلي ركعتين يقصد بها صلاة الزيارة، فإذا فعل ذلك يؤمل فيه أن يكون زار زيارة عاشوراء الصحيحة ، وإذا قرأ دعاء صفوان المعروف بدعاء علقمة بعد الصلاة الثانية يكون ذلك موجباً للكمال إلا أنه ليس شرطاً في الصحة

ويمكن الاستدلال على هذا الاحتمال أن بعض أجلّة العلماء المعاصرين دام تأييده استقرب أنّ ظاهر عبارة المصباح: «إذا أنت صليت الركعتين فقل ..» أنّ-ه بحكم تأخر الجزاء عن الشرط تكون قرائة الدعاء بعد الصلاة ورواية كامل الزيارات صريحة فى هذا المعنى حيث قال: «بعد الركعتين» ولكنّك علمت أن صدر الخبر وذيله ينصان على خلاف هذا المعنى لأنّ صدر الخبر يتضمّن فضل مطلق الزيارة التي تكون الصلاة بعدها كما صرح به الحديث الشريف نفسه وأشرنا مكرّراً إلى أن تمنّى علقمة أن يتعلّم دعاءاً يقرأه أثناء الزيارة، وجاء الجواب مطابقاً لسؤاله وظهور المقام مقدّم على ظهور الكلام باتفاق العقلاء في وجوه الاستفادة وكيفيات فهم المعاني.

وعلمت أنّ صفوان صلّى الصلاة آخر الزيارة وعلم سيف من رواية علقمة ذلك وقد روى صفوان فضله ، وهذه الجمل كلّ واحدة منها برهان قاطع على دفع

ص: 86

هذا الوجه بالتفصيل السالف وسوف يتضح لك والإعادة خالية من الاستفادة.

وما ظنّه بعضهم من أنّ المراد من الركعتين في كامل الزيارة هو التكبير من باب تسمية الجزء باسم الكلّ تكلّف فاسد وتعشق بارد والأولى حمله على غفلة الناسخ وخطأه .

ومن ثمّ لا يوثق بصدور هذا الكلام عن الإمام علیه السلام وإذا تلاشت الثقة بالصدور عن الإمام فقدنا الحجيّة فما بالك بفقدان الثقة بعدم الصدور، ولو فرضنا جدلاً صدور ذلك عن عن الإمام فإنّ الواجب أن يأوّل لأنّ ظهور سائر الكلام مقدّم على ظهور أحد أجزائه، وأرجو أن لا يؤدي اختلاف درجات الثواب في هذا العمل على تعدّده لأنّ الثواب أوّلاً لمطلق الزيارة وثانياً للخصوصية من حيث هي خصوصيّة، واذا وجد المطلق ضمن المقيّد فإنّ الثواب المذكور أوّلاً لهذا المطلق وهو الفرد الأكمل والقسم الأفضل منه كما أنّ ضمان قضاء الحاجات وكفالتها مختص برواية صفوان المتضمنة لدعاء الوداع بالشرح الذي مرّ آنفاً .

الوجه الثالث :

قرائة الزيارة والدعاء بتمام أجزائهما مرتين الأولى قبل الصلاة والثانية بعدها وهذا الاحتمال وارد في البحار (1)ولعل الوجه في ذلك أنه اعتبر الإيماء بعد الصلاة غير الإيماء السابق عليها ويستفاد من الحديث تلاوة الدعاء أثناء الإيماء ثمّ يأتي بهذه الأعمال وفساد هذا الوجه بيّناه في تقريب الوجه الأول وردّ الوجه الثاني مشروحاً؛ لأنّ الدعاء اللاحق هو نفس الإيماء السابق الذي يؤدّى قبل الصلاة وتؤدّى الأعمال المذكورة في أثنائه .

ص: 87


1- بحار الأنوار 98: 300 ط بيروت . قال المجلسي : في العبارة إشكال وتحتمل وجوهاً: الأول أن يكون المراد فعل تلك الأعمال والأدعية قبل الصلاة وبعدها مكرراً. (هامش الأصل والمترجم)

الوجه الرابع :

أن يتلو الزيارة حتّى يبلغ قوله «وآل نبيّك» ثمّ يقيم صلاة الركعتين ثم يشرع بعد أدائهما باللعن والسلام ودعاء «اللهم خصّ» ودعاء السجدة ويقرأ دعاء صفوان وتقريب هذا الوجه في الحديث القائل : إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام والمراد من السلام خصوص سلام زيارة عاشوراء «وهذا القول» إشارة إلى اللعن والسلام وسائر الأجزاء الآتية، وهذا الوجه ليس بعيداً لكي يحتاج إلى شرح هذا وإن ورد في البحار (1)فما من قاعدة تقتضي إرادة خصوص هذه الزيارة من السلام أو إرادة العن والسلام من «هذا القول» وهذا تفكيك ركيك للغاية.

الوجه الخامس :

المراد من السلام الزيارة واللعن والسلام ، وهذا القول إشارة إلى الدعاء «اللهم خصّ» وهذا الوجه أضعف من سابقه وأسخف .

الوجه السادس :

أن تكون الصلاة بعد اللعن وقبل السلام ويمكن استشعار إرادة السلام وما بعده من الدعاء من قوله: «وهذا القول فيكون المراد من السلام خصوص الزيارة فقد جاء في صدر الرواية المذكورة أن يجتهد بعد السلام ويبالغ في لعن قاتليه وهذا لما كان دستور العمل واحداً ينبغي أن يأتي بالسلام ويلعن مستحقّ

ص: 88


1- البحار 98: 301ط بيروت . قال : الثالث أن يكون المراد بالسلام قوله : السلام عليك إلى أن ينتهي إلى الأذكار المكرّرة ثمّ يصلي ويكرّر كلاً من الدعانين فإنه بعد الصلاة ويأتي بما بعدها .. الخ . (هامش الأصل وجرى تطبيقه مع الكتاب والزيادة من نقول المترجم)

اللعن ثمّ يصلّي بعد ذلك ويتلو سائر الأدعية ومن جملتها الإتيان بالسلام مأة مرّة. وكلّ ذي بصير بعد مراجعة ما ذكرناه يلم بفساد هذا الاحتمال فمن الواضح أنّه لا وجه للإشارة بخصوص السلام وما بعده وإذا كان ميزان المبالغة في لعن القتلة قبل الصلاة فينبغي أن تؤدى الصلاة قبل السجدة أو بعدها لأن دعاء «اللهم خص» اشتمل على اللعن كذلك فما المانع من الالتزام بقولنا: إن المبالغة في اللعن ورد في متن الزيارة فتكون الصلاة بعدها.

الوجه السابع :

أن تكون الصلاة قبل السجدة وعلى هذا يكون المراد من جملة هذا القول هو دعاء السجدة.

وضعف هذا القول واضح مما ذكرناه وهذه المحتملات جملة مذكورة في كتاب بحار الأنوار غير الوجه الأول. نعم لا يبعد أن يكون الوجه السادس الذي هو الوجع اسابع في تقسيمنا مشتملاً على الوجه الأوّل أيضاً حيث قال : السادس أن تكون الصلاة متصلة بالسجود .(1)

ويمكن أن يكون قصده بالاتصال وقوع الصلاة قبل كما يمكن وقوعها بعده وبناءاً على هذا يكون أعم من الوجه الأوّل والسابع ولكنه ذكر تقريباً غاية في القرابة حيث قال : وهذا أظهر لمناسبة السجود للصلاة ولا يمكن مطلقاً إثبات حكم شرعي بهذا الوجه كما لا يمكن استظهاره من اللفظ كما هو اللفظ كما هو واضح لأهل النظر والأنس بالاستدلال بحيث لا يحتاج إلى تنبيه .

ص: 89


1- بحار الأنوار 98: 300 السادس : أن تكون الصلاة متصلة بالسجود ولعلّ هذا أظهر لمناسبة السجود بالصلاة . (هامش الأصل والمترجم)

الوجه الثامن :

أورد المحدث الفاضل الشيخ إبراهيم الكفعمي في كتابه «الجُنّة الواقية وملخصه كما يلي :

أوّلاً: يرقى السطح أو يخرج إلى الصحراء ويسلّم على الحسين علیه السلام ويلعن قتلته لعناً متواصلاً ويبرأ منهم ثم يصلي ركعتين ويأخذ بعدهما بالبكاء والعويل ويقيم في بيته مجلس العزاء ويكثر من الندبة والمصيبة، ويقرأ دعاء التعزية وأوّله : «أعظم الله أجورنا .. الخ ويقول هذا الدعاء بعض لبعض ثم يكبر حتّى يبلغ به المائة، ويستقبل القبر المقدس ويقرأ الزيارة مع دعاء السجدة ثم يصلي ركعتين ويقرأ دعاء صفوان .

ووجه هذا الاحتمال الذي هو فتح لباب الخطأ والتشكيك في فهم ألفاظ الرواية الصريحة وأماراتها الظاهرة ؛ لأنّ من الواضح أن أحداً قبل الكفعمي لم يعدل عن ظاهر الخبر كما أقرّ بشهادة ذلك بعض المطلعين ، أنه جمع بين صدر الحديث وذيله، ولم يحمل كلام علقمة على إرادة الدعاء للزيارة بل طلب بعد الزيارة، الزيارة على بعد ومبدأ هذا قوله: علمني دعاءاً أدعو به ذلك اليوم إذا أنا زرته والجمود على ظاهر اللفظ جعل الظنّ محتملاً بأن القصد بعد وقوع الزيارة مع أن المتأمّل المنصف يلزم بأن غرض علقمة الدعاء حال الزيارة، والغالب أنّ مورد البحث في الظهورات اللفظية لا يصل إلى الجدل إلى حدّ الإلزام والإسكات لأنّ عمدة هذا الباب يتحكم فيه الذوق الخاص وهو عرضة لجريان القريحة التي بمساعدتها يستطيع المناظر أن يستفيد المراد من اللفظ ويصطاد بشباكها معاني العبارات، وكلّ من وهبه الله هذا الذوق يعرف وجه هذا الدعاء الذي أكثرنا من ترداده في هذا الباب.

ص: 90

وإلا فإنّ من ملك حاسة التمييز وقوّة الاستنباط صار فهمه حجّة عليه وهو مسئول عنه ومكلّف به وليس عليه النظر في قول من عداه .

مضافاً إلى أن ظاهر هذا الكلام يدلّ على اختصاص هذا العمل بيوم عاشوراء ولكن الذيل في موضعين يدلّ على عمومه كما أن أخذ الندبة والنياحة في هذا العمل خلاف لظاهر الحديث ، لأنّ الثواب منوط بمجرّد الزيارة والأدعية والصلاة كما هو الظاهر ، وجملة القول ممّا يمكن أن يقال فى هذا الوجه بأنّه أبعد الوج الوجوه .

الوجه التاسع :

وهو أوّلاً يقرأ زيارة أمير المؤمنين السادسة من زيارته المطلقة المذكورة في التحفة وأولها «السلام عليك يا رسول الله» وعرفت بالزيارة السادسة بناءاً ع-ل-ى ترتيب تحفة الزائر أية زيارة من زيارات أمير المؤمين علیه السلام أو يكتفى بالسلام عليه وصلاة هذه الزيارة هي ست ركعات إن كانت السادسة أو ركعتين إن كانت غيرها، وإذا اختار الزيارة السادسة فالأولى أن يتوجّه نحو قبر الحسين علیه السلام ويسلّم عليه بعدها وإذا قرأ متن زيارة عاشوراء كانت خيراً من السلام المطلق ثم يصلي ركعتين ثم يكبر الله مأة مرّة ويقرأ زيارة عاشوراء على النهج المقرر ويصلي ركعتين، ويقرا دعاء صفوان وهذا الوجه في الحقيقة هو وجه الجمع بين الوجوه كلها وقد روعي فيه الاحتياط .(1)

ص: 91


1- قال المرحوم آية الله العظمى المحقق صاحب القوانين في جامع الشتات ص 780 ط سنة 1303 : سؤال : بين لنا كيفية زيارة عاشوراء وزيارة أمير المؤمنين السادسة المذكورة في تحفة الزائر جمعها مع زيارة عاشوراء. جواب : إن الحديث في هذا الباب من المتشابهات ولا يخلو من إشكال، ولكن نظراً لما هو أظهر عندي أن يأتي بالزيارة موافقاً بها ما ذكره الكفعمي وهي من أراد زيارة عاشوراء على بعد فليصحر بها أو يرتقي على ظهر سطح ويشير إلى جهة قبر سيد الشهداء ويسلّم على الحسين بالشكل الذي يهواه ويكفي من السلام قوله : السلام عليك يا أبا عبدالله ورحمة الله وبركاته، ثمّ يصلّي بعد ذلك ركعتين ثمّ يقرأ زيارة عاشوراء ثمّ يشرع باللعن والسلام المذكورين في كتب الزيارة مأة مرّة ، لكل واحد منها ثم يأتي بدعاء السجدة ثم يصلي ركعتي الزيارة ثم يتلو الدعاء المأثور . وبما أن زيارة عاشوراء وزيارة أمير المؤمنين وزيارة أمير المؤمنين السادسة هما حديث واحد على الظاهر والإمام الصادق مزج بينهما فيستحب له أن يفعلهما معاً سواء عند قبر أمير المؤمنين أو قبر الحسين أو غيرهما من البلاد البعيدة. وطريقتهما كما يلي : أن يتوجه أولاً شطر قبر أمير المؤمين ثم يقرأ الزيارة السادسة إلى قوله : «فإني عبدالله ووليك وزائرك صلى الله عليك ...» ثمّ يصلّي ست ركعات الزيارة ثمّ يوجه وجهه شطر قبر سيد الشهداء ويزوره على الطريقة التي ذكرناها. ويقول الحاج ميرزا محمد علي الأديب الطهراني مصحح المفاتيح في حاشية كتاب المفاتيح ط شركة طبع الكتاب ص 455: لا يخفى أن أحد الموثوق بديانتهم الذي لا يخالجنا ريب في ورعه نقل لنا أن المرحوم آية الله اسيد محمد كاظم اليزدي طاب ثراه جرت عادته أن يقول : يجب أن يلتقي الزائر على مكان مرتفع ويبدأ بإحدى زيارات أمير المؤمنين ثم يصلي ركعتين ثم يكبر مأة مرّة، وبعد ذلك يقرأ متن زيارة عاشوراء مع اللعن على مستحقه مأة مرّه، ويسلّم مأة مرّة ويقرأ «اللهم خص» ودعاء السجدة بعد تلكم الركعتين. وسمعت أنا أيها العاصي المذنب من المرحوم آية الله الحاج كريم اليزدي طاب ثراه أنه قال : كانت طريقة المرحوم آية الله الشيرازي الكبير كما يلي ، ثم ساق هذا الطريق سوى زيارة الإمام والتكبير مأة مرة ، وقال : إنّه يرى أن هذه الطريق أقرب الطرق وأصحها وهو الجمع بين الأخبار . (ذريعة الزائر يا رهبر زوار ص 360 تأليف العلامة الحجّة الحاج إسماعيل الهاشمي دامت بركاته) .(هامش الأصل)

ومبدأ هذه الطريقة أنّه مذكور في رواية صفوان بعد زيارة أمير المؤمنين علیه السلام : زار الزيارة هذه التي رواها علقمة وعلى هذا تكون زيارة أمير المؤمنين علیه السلام جزءاً من هذا العمل وما رواه صفوان لهذه الزيارة من فضل فإنّما هي للعمل المركب منها ومن زيارة أمير المؤمنين علیه السلام ، ولما كان في خبر آخر من أبواب زيارة أمير المؤمنين علیه السلام المذكور عن صفوان أنه زار الزيارة السادسة أولاً ثمّ توجّه بعد

ص: 92

ذلك إلى قبر سيّد الشهداء علیه السلام وقرأ زيارة عاشوراء كما قال السيد في مصباح الزائر فإنه قال : بعد فراغك من الزيارة السادسة التي تنتهي بقوله: «وصلى الله عليك وسلّم كثيراً اقرأ زيارة عاشوراء فإنّها تتمة لذلك العمل وظاهر الرواية المنقولة من المزار الكبير في البحار الذي اعتبره صاحب البحار مزار محمد المشهدي كذلك أن صفوان قرأ الزيارة السادسة أوّلاً والضمانة الواردة في ذيل رواية صفوان لكليهما، وعبارتها كما يلي:

تعاهد بهذه الزيارة وادعو بهذا الدعاء وزرهما بهذه الزيارة فإنّي ضامن على الله لكل من زارهما بهذه ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بعد أن زيارته مقبولة ، إلى آخر الحديث .

إذاً، ظاهر الرواية تدلّ على اعتبار الزيارة السادسة لأمير المؤمنين شرطاً ف-ي المثوبات المقررة لهذا العمل واعتبار مطلق السلام نظراً لتكراره واعتبار زيارة عاشوراء لاحتمال إرادتها من السلام والصلاة نظراً لصدر الحديث، وقرائة سائر الفقرات مع قرائة الزيارة مجدداً لاعتبارها أنها هي المعنية بلفظ بهذا القول والصلاة أيضاً لأجل الزيارة حيث تأخر قوله «إذا صليت» فاعتبر إشارة إلى الصلاة. ونحن بينا في الوجوه السابقة ضعف هذا الوجه - المبنى على عدة وجوه منها - ومع ظهور اللفظ القوي على خلافها لا يبقى وجه للاحتياط. نعم ما ينبغي أن يعرض له في هذا الوجه هو عدم اعتبار زيارة أمير المؤمنين علیه السلام في تحقق هذا العمل على أننا ذكرنا ما هو الممكن في تقريبه وبيانه كما يلي:

أولاً : ظاهر رواية الشيخ أنّها تشير إلى زيارة علقمة التي رواها صفوان وبنى الثواب على أساس هذا العمل وهو زيارة سيّدالشهداء مع الدعاء وأبداً لا إشارة ولا إشعار في العبارة بأخذ زيارة أميرالمؤمنين شرطاً في تمام العمل، كما نقلنا نحن متن الحديث كلّه.

ص: 93

ولا حجّة عندنا على أن صاحب المزار الكبير التزم بنقل لفظ الحديث نفسه بل الظاهر أنه تصرّف بالنصّ حسب فهمه، كما يلوح ذلك على آثار جلّ المحدثين أحياناً، وهذا الأمر من الوضوح بمكان عند المنصف المتأمل للأخبار في هذا الباب وأنّ الأصل في هذا الباب طريق الشيخ وطريق ابن قولويه.

ولا يظهر من كلام السيّد إلا الفتوى على الحدس ، نعم بمقتضى الأخبار التي فيها ومن بلغ إن شملت فتوى الفقيه فلا ضير من العمل في هذا الاحتياط ، ولكنّ الكلام حول ما تقتضيه الأدلّة الاجتهادية، مهما كان هذا الوجه مبنياً على الاحتياط وغرض المؤلّف دفع توهم دخول الزيارة السادسة في نفس الأمر والواقع، وإلا فإن رواية المزار الكبير في باب الاحتياط فوق الكفاية .

ثانياً : إنّ زيارة عاشوراء عبارة عمّا رواه علقمة وعلى فرض ورود العملين كليهما في ذيل زيارة صفوان واعتبارهما واردين معاً فلا مدخلية لهما برواية علقمة بوجه من الوجوه، بل إنّ العملين متعدّدان وإن شمل أحدهما الآخر وقرّر لمجموعهما خواص أُخرى وثواباً زائداً.

ثالثاً: ظاهر خبر المفيد عليه الرحمة الذي هو أوثق وأسبق وأبصر وأعرف من ابن طاووس من جهات عدّة كما اعترف بذلك العلّامة المجلسي عليه الرحمة ولا يحتاج ذلك إلى الاستشهاد ، ونعم ما قيل:

مدح تعریف است و تخریق حجاب***فارق است از مدح و تعریف آفتاب

مادح خورشید مدّاح خود است***که دو چشم روشن و نامرمد است

المدح تعريف وإظهار***فهل يضمّ الشمس أسرار

ومادح الشمس على نفسه***أثنى وما في ذاك إضمار

بأنه لا يعتري جسمه***داء وما في العين عوار

وجملة القول : إن ظاهر خبره أنّ الزيارة السادسة وترتيب الدعاء بعدها

ص: 94

مخالف لعمل زيارة عاشوراء وللدعاء بعدها حيث أن عبارة المفيد المحكية في البحار كما يلي:

بعد الفراغ من أداء الستّ ركعات صلاة تلك الزيارة تقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين .. إلى آخره، ثمّ تشير إلى جانب قبر الحسين سيّد الشهداء علیه السلام وتقول : السلام عليك يابن رسول الله ، أتيتكما زائراً ومتوسلاً إلى الله تعالى ربّي وربّكما في زيارتكما .. إلى آخر دعاء صفوان ، ثم استقبل القبلة وقل: يا الله يا الله يا الله إلى أن تصل إلى قوله : من أمر دنياي وآخرتي وتضيف يا أرحم الراحمين، ثم تستقبل قبر أمير المؤمنين علیه السلام وتقول: «السلام عليك يا أمير المؤمنين والسلام على أبي عبدالله الحسين ما بقيت وبقي الليل والنهار ، ولا جعله الله آخر العهد من زيارتكما ولا فرق الله بيني وبينكما» (1).

والناظر في هذه الرواية وما فيها من الوجوه المتعدّدة الفارقة بين الروايتين من التقديم والتأخير والزيادة والنقيصة واختلاف الكيفيات وتعدد التوجه والاستقبال إلى جانب الإمام الحسين وأمير المؤمنين علیه السلام يقطع بتعدد الرواية.

وكيف يصح في حق الشيخ - مع ما هو عليه من الجلالة وثبوت الوثاقة والعدالة الذي وصفه الإمام علیه السلام بالتوقيع الشريف بقوله «ملهم الحق ودليله» إذ لو قُرء بفتح الهاء يكون معناه أنه ألهم الحق والدليل إلهاماً ، وإذا قرء بكسر الهاء ترتفع درجة مدحه مأة مرة أكثر من سابقها ويكون حاصله : إنّه الحق مع دليله، يفيض من نفسه القدسيّة على نفوس أهل الاستعداد والقبول ومن نال الحق وصل إلى الواقع ، فإنّ ذلك ببركة إعداد كمالاته العلمية والعمليّة وهذا فضل لا يدعى لغير الأئمة.

أقول : كيف يصح أن يقال في حق رجل مثل هذا أنه قدم الخبر أو أخره أو

ص: 95


1- بحار الأنوار 97: 309 (المترجم)

أضاف إليه ألفاظاً من عنده وأنّه فسّره ورتبه لمّا استحسنه مما يخالف الثابت عن الأئمّة علیهم السلام ؟! حاش لله أبد لا يمكن أن يطرأ هذا الظنّ على أحد وليس من العدل اعتباره في حق الشيخ المفيد، ولا يتمشى في حقه هذا الاحتمال وإن ظهر ذلك في البحار وتحفة الزائر واعتمدا عليه ولكنه والحق يقال غير قابل للتوجيه على الإطلاق. وبعد التسليم نقول : بناءاً على ما ذكرناه لو أن أحداً أراد أن يعمل بهذا من أجل الاحتياط فلا بأس بذلك ولا ضير عليه وذلك أنّ العمل بالدعاء الذي ذكره المفيد بعد الزيارة السادسة ثمّ يزور زيارة عاشوراء بالترتيب المذكور في كتاب «المصباح» الذي مرّت عليه نقوله ويقرأ بعدها الدعاء لكي يكون قد جمع بين الاحتمالين.

الوجه العاشر :

الاحتمال الذي ذكر أيضاً على سبيل الاحتياط في زاد المعاد وتحفة الزائر والواقع أن ذكر هذا الوجه والوجه السابق في عداد محتملات الخبر لا يبعد عن الاستطراد والاجترار والتطفل وإلا فإنّ الاحتمالين عمادهما الاحتياط والجمع بين المحتملات السابقة، وعبارة زاد المعاد كما يلي:

لمّا كانت العبارة مشوشة وهي عرضة للاحتمالات الزائدة فلو أن الزائر زار زيارة «السلام عليك يا أبا عبدالله» إلى آخر وآل نبيّك ثمّ يصلي صلاة الزيارة ثمّ يعيد الزيارة نفسها فهو الأحسن ولو أنه صلى بعد ذكر اللعن مأة مرّة وصلّى بعد ذكر السلام مأة مرّة ويوصلها بالسجدة ثمّ يصلّي بعد السجدة عندئذٍ يكون قد عمل بجميع الاحتمالات ولكنه لو عمل أولاً بإحدى الزيارات البعيدة فإنّ ذلك لا يكفيه.

وقال في التحفة بعد ذلك : ولو أنه جمع إلى هذه الزيارة زيارة أمير المؤمنين علیه السلام

ص: 96

السادسة كما أشرنا إليه في السابق يكون خيراً له لاسيما إذا أدى هذه الزيارة عند ضريح أمير المؤمنين علیه السلام .

تمّ كلام هذا المحدّث الجليل القدر ، ونحن ذكرنا مدارك هذه الاحتمالات التي مرت الإشارة إليها وبينا فسادها وضعفها إلى آخر الحدود شرحاً وتبياناً، ومع ما تقدم لا وجه للاحتياط بل يمكن أن يتوقف في مشروعية عمل كهذا من حيث تفصيله المعنى على الاحتمالات البعيدة والركيكة كما قال ذلك بعض الأكابر ، والله العاصم.

ولمّا بان بحمد الله سند هذا الخبر ومتنه على خير وجه وظهرت دلالته واضحة لا بد من التعرّض حينئذ لذكر بعض المطالب المتعلقة به ونحن نسوقها هنا على شكل فوائد و نختم بها هذا الباب .

الفائدة الأولى :

ذکر صاحب كتاب المزار القديم الذي تقدّمت الإشارة إليه متن هذه الزيارة باختلاف يسير مع نسخة المصباح ويمكن أن يشار إلى مواضع الاختلاف في هامش خاص ولكن من حيث سهولة تناوله والتبرك بألفاظه الشريفة ثانياً ننقل عين العبارة لكي يحرز من يتلوهما مع تطبيق العبارات في النسختين الجزم في وصوله إلى الثواب المنظور ؛ لأنّ العلماء اهتموا كثيراً بصحة هذا العمل وإحراز مثوبته من حيث عظمة القدر وجلالة الشأن، والنسخة ما يلي:

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ نَبِيِّ اللَّهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعَالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ ، السَّلامُ

ص: 97

عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحَ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ مِنِّي جَمِيعاً سَلامُ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، يَا أَبا عَبْدِ اللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرُّزيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلام ، وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى جَميع أَهْلِ الأَرَضِينَ ، فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالعُدْوانِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَلَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ، وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ ، بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ ، يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكَ ، وَحَرْبُ لِمَنْ حارَبَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ ، وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قاطِبَةً ، وَلَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً ، وَلَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأَكْرَمَنِي بِكَ ، أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَتَقَرَّبُ بِكَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَى فاطِمَةَ وَإِلَى الْحَسَنِ وَإِلَيْكَ بِمُوالاتِكَ وَبِمُوالاتِهِمْ وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ ذَلِكَ وَبَنى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ وَجَرىٰ فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَشْيَاعِكُمْ ، أَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيْكُمْ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَالنَّاصِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ

ص: 98

حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ، وَرَزَقَنِي الْبَراءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي مَعَ إِمَامٍ مَهْدِي ظَاهِرٍ نَاطِقٍ مِنْكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مَا يُعْطِي مُصاباً بِمُصِيبَة ، مُصِيبَةً مَا أَعْظَمَ رَزِيَّتَها فِي الْإِسْلامِ وَفِي جَمِيعِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (1). اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتُ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَهُ اللهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَمَاتِي مَماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ . اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَوْمُ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلَى لسانِكَ وَلِسانِ نَبِيِّكَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِف وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ ، اللهُمَّ الْعَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَد الآبدينَ ، وَهَذَا يَوْمُ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، اللَّهُمَّ فَضَاعِفُ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذابَ . اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ ، وَفِي مَوْقِفِي هَذَا ، وَأَيَّامٍ حَيَاتِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوَالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ .

ثم تقول : اللَّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تَابِعٍ لَهُ عَلَىٰ ذلِكَ . اللّهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ وَشَايَعَتْ وَبايَعَتْ عَلَى

قتْلِهِ ، اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً . تقول ذلك مأة مرّة .

ص: 99


1- الأرضين - خ ل.

ثم تقول : السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِناتِكَ ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللَّهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيارَتِكُمْ ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ ، وَعَلَىٰ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَىٰ أَوْلادِ الْحُسَيْنِ ، وَعَلَى أَصْحَاب الْحُسَيْن . تقول ذلك مأة مرّة .

ثم تقول : اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِم بِاللَّعْنِ مِنِّي ، وَابْدَأُ بِهِ أَوَّلاً ثُمَّ الثَّانِيَ ثُمَّ الثَّالِثَ والرَّابِعَ اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ بنَ مُعاوِيَة حَامِساً ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زياد

وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أَبِي سُفْيانَ وَآلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوَانَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

ثمّ تسجد وتقول : اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى مُصَابِهِمْ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيمٍ رَزِيَّتِي ، اللهُمَّ ارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُود، وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ .

ثمّ تصلي ركعتين وإن استطعت أن تزور الحسين بهذه الزيارة من دارك في كلّ يوم فافعل، ففي ذلك ثواب جزيل ووردت به الرواية عن الباقر أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين علیه السلام روى ذلك عنه علقمة ذلك عنه علقمة بن محمد الحضرمي .

الفائدة الثانية :

في كتاب المزار القديم المذكور أورد رواية أخرى تختلف مع المتن المذكور اختلافاً فاحشاً، بحيث لا يمكن الجمع بينهما، وليس فيها اللعن مأة مرّة ولا السلام، وهي تشارك الرواية المشهورة بالأجر والثواب، ونحن نسوق الرواية نفسها من ذلك الكتاب لكي يستطيع من يريد الاقتصار ويكتفي بها عن التفصيل متمكناً من ذلك.

ص: 100

قال في الكتاب المزبور : زيارة عاشوراء عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر الباقر علیه السلام قال: من أراد زيارة الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من محرّم فيظل فيه باكياً متفجّعاً حزيناً لقي الله عزّ وجلّ بثواب ألفي حجّة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كلّ حجة وعمرة وغزوة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول الله ومع الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين.

قال علقمة بن محمد الحضرمي : قلت لأبي جعفر علیه السلام : جعلت فداك ، ما يصنع من كان في بعد البلاد وأقاصيها ولم يمكنه المصير إليه في تلك البلاد؟

قال : إذا كان اليوم - يعني يوم عاشوراء - فليغتسل من أحب من الناس أن يزوره من أقاصي البلاد أو قريبها فليبرز إلى الصحراء أو يصعد سطح داره فيصلي ركعتين خفيفتين يقرأ فيها سورة الإخلاص فإذا سلّمت (1)فأومن إليه بالسلام ويقصد إليه(2) بتسليمه وإشارته ونيته إلى الجهة التي فيها أبو عبدالله الحسين صلوات الله عليه ، ثمّ تقول وأنت خاشع مستكين :

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا خِيَرَةَ اللهِ وَابْنَ خِيَرَتِهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا تَارَ اللهِ وَابْنَ ثَارِهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الوترُ الْمَوْتُورُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الإمامُ الْهَادِي الزَّکِيُّ وَعَلَى الأَرْوَاح

ص: 101


1- فيه تأييد لوقوع الزيارة بعد الصلاة لكن الظاهر تعدّد الرواية ولعله سأله مرتين فأجابه في كل مرة بنحو ، وبالجملة فبهذا الخبر لا يجوز رفع اليد عن ظاهر ذاك مع ضعف هذا بالإرسال وصحة ذلك كما سمعت سابقاً. (منه)
2- فيه الالتفات من الخطاب إلى الغيبة . ( منه )

التي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَأَقامَتْ في جوارِكَ ، وَوَفَدَتْ مَعَ زُوَّارِكَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ مِنِّي مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، فَلَقَدْ عَظُمَتْ بِكَ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَفِي أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرَضِينَ أَجْمَعِينَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ َراجِعُونَ ، صَلَواتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ وَعَلَى آبائِكَ الطَّيِّبِينَ الْمُنْتَجَبِينَ وَعَلَى ذُرِّيَّاتِكُمُ الْهُداةِ الْمَهْدِيِّينَ . لَعَنَ اللهُ أُمَّةً خَذَلَتْكَ وَتَرَكَتْ نُصْرَتَكَ وَمَعُونَتَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْسَتْ أَسَاسَ الظُّلْم لَكُمْ وَمَهَّدَتِ الْجَوْرَ عَلَيْكُمْ وَطَرَّقَتْ إِلَى أَذِيَّتِكُمْ وَجارَتْ ذَلِكَ فِي دِيارِكُمْ وَأَشْياعِكُمْ ، بَرِئتُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَيْكُمْ يَا سَادَاتِي وَمَوَالِيَّ وَأَئِمَّتِي مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ يَا مَوالِيَّ مَقامَكُمْ وَشَرَّفَ مَنْزِلَتَكُمْ وَشَأْنَكُمْ أَنْ يُكْرِمَنِي بِوِلايَتِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ وَالائتِمام بِكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، وَأَسْأَلُ اللهَ الْبَرَّ الرَّحِيمَ أَنْ يَرْزُقَنِي مَوَدَّتَكُمْ وَأَنْ يُوَفِّقَنِي لِلطَّلَبِ بِشَارِكُمْ مَعَ الْإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ الْهَادِي مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأَسْأَلُ اللهَ عَزَّوَجَلَّ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ أَنْ يُعْطِينِي بِمُصابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مَا أَعْطَى مُصاباً بِمُصِيبَةٍ ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَفْجَعَها وَأَنْكَاهَا لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْنِي فِي مَقَامِي مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتُ وَرَحْمَةً وَمَغْفِرَةٌ ، وَاجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، فَإِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . اللَّهُم إِنِّي أَتَوَسَّلُ وَأَتَوَجَّهُ بِصَفْوَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ

ص: 102

وَالطَّيِّبِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا ، اللهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَاهُمْ ، وَمَمَاتِي مَمَاتَهُمْ ، وَلَا تُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ، اللهُمَّ وَهَذَا يَوْمُ تَجَدَّدَ فِيهِ النّقْمَةُ ، وَتَنَزَّلَ فِيهِ اللَّعْنَةُ عَلَى اللَّعِين يَزِيدَ وَعَلَىٰ آلِ يَزِيدَ وَعَلَىٰ آلِ زِيادٍ وَعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ وَالشِّمْرِ . اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ وَالْعَنْ مَنْ رَضِيَ بِقَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ مِنْ أَوَّلِ وَآخِرِ لَعْنَا كَثِيراً ، وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِكَ ، وَأَسْكِتْهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ، وَأَوْجِبْ عَلَيْهِمْ وَعَلَىٰ كُلِّ مَنْ شَايَعَهُمْ وَبايَعَهُمْ وَتَابَعَهُمْ وَسَاعَدَهُمْ وَرَضِيَ بِفِعْلِهِمْ وَافْتَحْ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى كُلِّ مَنْ رَضِيَ بِذَلِكَ لَعَناتِكَ الَّتِي لَعَنْتَ بِها كُلَّ ظالِم ، وَكُلَّ عَاصِبٍ ، وَكُلَّ جاحِدٍ ، وَكُلَّ كَافِرٍ ، وَكُلَّ مُشْرِكٍ ، وَكُلَّ شَيْطَانٍ رَحِيمٍ ، وَكُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ وَآلَ يَزِيدَ وَبَنِى مَرْوانَ جَمِيعاً ، اللهُمَّ وَضَعَفْ غَضَبَكَ وَسَخَطَكَ وَعَذَابَكَ وَنَقِمَتَكَ عَلَى أَوَّلِ ظالِم ظَلَمَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكَ ، اللهُمَّ وَالْعَنْ جَمِيعَ الظَّالِمِينَ لَهُمْ وَانْتَقِمْ مِنْهُمْ إِنَّكَ ذُو نِقْمَةٍ مِنَ الْمُجْرِمِينَ ، اللهُمَّ وَالْعَنْ أَوَّلَ ظالِم ظَلَمَ آلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ ، وَالْعَنْ أَرْواحَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَقُبُورَهُمْ ، وَالْعَنِ اللهُمَّ الْعِصابَةَ الَّتِي نازَلَتِ الْحُسَيْنَ بْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَحَارَبَتْهُ وَقَتَلَتْ أَصْحَابَهُ وَأَنْصارَهُ وَأَعْوَانَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَشِيعَتَهُ وَمُحِبيهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَذُرِّيَّتَهُ ، وَالْعَنِ اللَّهُمَّ الَّذِينَ نَهَبُوا مالَهُ ، وَسَلَبُوا حَرِيمَهُ ، وَلَمْ يَسْمَعُوا كَلامَهُ وَلَا مَقالَهُ ، اللّهُمَّ الْعَنْ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ فَرَضِيَ بِهِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَالْخَلائِقِ أَجْمَعِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنَ وَعَلَى مَنْ سَاعَدَكَ وَعاوَنَكَ وَوَاسَاكَ بِنَفْسِهِ ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِي الدَّبِّ عَنْكَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلايَ وَعَلَيْهِمْ ، وَعَلَىٰ رُوحِكَ وَعَلَى أَزْواجِهِمْ ، وَعَلَى تُربتِكَ وَعَلَى تُرْبَتِهِمْ اللَّهُمَّ لَقِّهِمْ رَحْمَةً

ص: 103

وَرِضواناً وَرَوْحاً وَرَيْحاناً ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلايَ يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ ، يَابْنَ خَاتَم النَّبِيِّينَ ، وَيَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، وَيَابْنَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعَالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا شَهِيدُ يَابْنَ الشَّهِيدِ اللَّهُمَّ بَلِّغْهُ عَنِّي فِي هَذِهِ السَّاعَةِ ، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ ، وَفِي هَذَا الْوَقْتِ ، وَكُلِّ وَقْتٍ تَحِيَّةً وَسَلاماً ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ سَيْدِ الْعَالَمِينَ ، وَعَلَى الْمُسْتَشْهَدِينَ مَعَكَ سَلاماً مُتَّصِلاً ما اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَى الشُّهَداءِ مِنْ وُلْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، السَّلامُ عَلَى الشُّهَدَاءِ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ ، السَّلامُ عَلَى كُلِّ مُسْتَشْهَدِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَبَلِّغْهُمْ عَنِّي تَحِيَّةً وَسَلاماً ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاء فِي وَلَدِكَ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاء في وَلَدِكَ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلَيْكِ يَا فَاطِمَةُ يَا ابنةَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَلَيْكِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أَحْسَنَ اللهُ لَكِ الْعَزَاءَ فِي وَلَدِكِ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبا مُحَمَّدٍ الْحَسَنَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُه ، أحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاء فِي أَخِيكَ الْحُسَيْنِ ، السَّلامُ عَلَى أَرْواحِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ، الْأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْواتِ ، وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ، أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُمُ الْعَزاءَ فِي مَوْلاهُمُ الْحُسَيْنِ . اللهُمَّ اجْعَلْنا مِنَ الطَّالِبِينَ بِثَارِهِ مَعَ إِمَامٍ عَدْلٍ تُعِزُّ بِهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .

ثم اسجد وقُل: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى جَمِيعِ مَا يَأْتِي مِنْ خَطْبٍ ، وَلَكَ الْحَمْدُ

ص: 104

عَلَى كُلِّ أَمْرٍ ، وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى فِي عَظِيمِ الْمُهِمَّاتِ بِخِيَرَتِكَ وَأَوْلِيائِكَ وَذَلِكَ لِما أَوْجَبْتَ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْفَضْلِ الْكَثِيرِ . اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَالْمَقامِ الْمَشْهُودِ ، وَالْحَوْضِ الْمَوْرُودِ ، وَاجْعَلْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ وَاسَوْهُ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَبَذَلُوا دُونَهُ مُهجَهُمْ ، وَجَاهَدُوا مَعَهُ أَعْداءَكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِكَ وَرَجَائِكَ ، وَتَصْدِيقاً بِوَعْدِكَ ، وَخَوْفاً مِنْ وَعِيدِكَ ، إِنَّكَ لَطِيفٌ لِمَا

تَشَاءُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

قال الصادق علیه السلام : هذه الزيارة يزار بها الحسين بن علي علیه السلام من عند رأس أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين .

قال علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر علیه السلام : إن استطعت يا علقمة أن تزور في كل يوم بهذه الزيارة في دارك وناحيتك وحيث كنت من البلاد في أرض الله فافعل ذلك ولك ثواب جميع ذلك فاجتهدوا في الدعاء على قاتله وعدوّه ويكون في صدر النهار قبل الزوال - يا علقمة - واندبوا الحسين وابكوه، وليأمر أحدكم من في داره بالبكاء عليه وليقم عليه في داره المصيبة بإظهار الجزع والبكاء، وتلاقوا يومئذ بالبكاء بعضكم على بعض في البيوت وحيث تلاقيتم وليعزّ بعضكم بعضاً بمصاب الحسين صلوات الله عليه .

قلت : أصلحك الله ، كيف يعزّي بعضنا بعضاً ؟

قال : تقولون : أحسن الله أجورنا بمصابنا بأبي عبدالله الحسين علیه السلام ، وجعلنا من الطالبين بثأره مع الإمام المهدي الحقِّ من آل محمّد صلّى الله عليه وآله وعليهم أجمعين ، وإن استطاع أحدكم أن لا يمضي يومه في حاجة فافعلوا فإنّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن، فإن قضيت لم يبارك فيها ولم يرشد، ولا يدخرنّ

ص: 105

أحدكم لمنزله شيئاً فإنّه من فعل ذلك لم يبارك فيه .

قال الباقر علیه السلام: أنا ضامن لمن فعل ذلك عند الله عزّ وجلّ ما تقدّم به الذكر من عظيم الثواب وحشره الله في جملة المستشهدين مع الحسين صلوات الله عليه .

قلت لأبي جعفر علیه السلام : أصوم ذلك اليوم ؟ قال : صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت وأمهل إلى بعد العصر فإذا كان وقت العصر فأفطر على شربة من الماء ففي ذلك انجلت المعركة عن الحسين صلوات الله عليه وأصحابه وهم قتلى صلوات الله على أرواحهم وأجسامهم أجمعين ، ولعنة الله وسخطه وعذابه ونكاله ونقمته على كل من كان السبب في قتلهم وجدد الله عليهم العذاب الأليم، آمين رب العالمين .

ولا يخفى على القرّاء أن كتاب المزار القديم ظاهراً هو تلك النسخة القديمة التي شاهدها أحد فضلاء العصر سلّمه الله في المشهد الرضوي المقدّس، ونقل نسخة الزيارة هذه منه وجعلها في جزء خاص وأهداها إلى بعض فقهاء العصر رحمهما الله تعالى في طهران وأصل النسخة القديمة ما يزال موجوداً فعلاً في المشهد العلوي المقدس واستنسخت على هذه النسخة عدة نسخ وأن-ا أن-ق-ل الزيارة آنفة الذكر من النسخة القديمة نفسها (1)، والله الموفق .

ص: 106


1- يناسب المقام أن نروي طريقاً آخر لزيارة عاشوراء تسهيلاً للأمر . قال مول-ى ش--ري-ف ال-ش-ي-روان-ي ف-ي كتاب الصدق المشحون ص 199 ط تبريز : حدثني العالم النبيل والفاضل الجليل محمد بن الحسن الطوسي الخراساني صاحب كتاب «الفيروزجة الطوسيّة في شرح الدرة الغروية» في الفقه راجع الذريعة في الروضة المقدسة الرضوية على دفينها ألف سلام وتحيّة يوم الاثنين رابع محرم سنة 1248 ألف ومأتان وثمان وأربعين ، قال : حدثني رئيس المحدثين وشيخ المتأخرين العالم المحقق والفاضل المدقق الشيخ حسين [ابن الشيخ محمد أخي صاحب الحدائق] بن عصفور البحراني قال : حدثني والدي الماجد المحدّث ، عن أبيه، عن جده يداً بيد عن آبائهم المحدثين من محدثي البحرين عن سيدنا الإمام الهمام علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أنه قال : من قرأ لعن زيارة عاشوراء مرة واحدة ثم قال : «اللهم العنهم جميعاً» تسعاً وتسعين مرة كان كمن قرأه مائة مرة، ومن قرأ سلامها مرة واحدة ثم قال : السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين تسعاً وتسعين مرة كان كمن قرأه مأة تامة من أولها إلى آخرها ، الخبر ، انتهى ما في الكتاب ، وقد ذكرنا لهذه الرواية احتمالين : 1 - أن يكون تسعاً وتسعين مرة بياناً للعدد . 2 - أن يكون تتمة للعن والسلام وعليه يقرأ هكذا: اللهم العنهم جميعاً تسعاً وتسعين مرة ، وفي السلام يقول : السلام على الحسين .. وعلى أصحاب الحسين تسعاً وتسعين مرّة، ويكون نظير التهليلات الواردة في أيام ذي الحجة «لا إله إلا الله عدد الليالي والدهور» والله العالم.

1. Y...

·

-

-

الفائدة الثالثة :

الظاهر من صدر الحديث اختصاص العمل في يوم عاشوراء ولكن في ذيل خبر علقمة وذيل خبر صفوان يوجد فقرتان تدلان على عموم العمل ؛ أما ذيل خبر علقمة ففيه : إذا كنت تستطيع زيارة الحسين في كل يوم فافعل، فإنّك ستنال المثوبة كلّها، ويمكن بتأويل بعيد تنزيل هذه العبارة على الأمر بها في أيام عاشوراء كلّها (1)ولكن مع بعد هذا الاحتمال حتّى أنّه لا يستحق الذكر فإنّ عبارة كامل الزيارة لا يتبادر الذهن منها إلى هذا المعنى، حيث قال : إن استطعت زيارته بهذه الزيارة في كل يوم من عمرك فافعل ، كما سبقت إشارة عامرة إلى هذا الفرق . وأما فى ذيل خبر صفوان فقد قال : إذا عرضت لك حاجة فاقرأ هذه الزيارة أينما كنت وادعو بهذا الدعاء وسل الله تعالى حاجتك تقضى بإذن الله .

وهذان الفقرتان كلاهما نص في العموم بل الثانية أقوى ظهوراً في ذلك لأنّها تبدأ بلفظ يوم وظاهره أنّها يعني اليوم المعهود في إذن من مطلع الشمس إلى مغيبها.

ص: 107


1- حيث قال: «من زار الحسين يوم عاشوراء ...» قال : إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء. (هامش الأصل)

وإثبات مطلق الوقت من اليوم يحتاج إلى تجسّم الاستدلال وهذا وإن كان أمراً سهلاً بحمد الله ولكن في خبر صفوان ورد قوله : إذا حدث لك حاجة، وإطلاق الشرط هذا أو الشرطية بناءاً على الاختلاف المقرّر في علم الأصول يشمل جميع الأوقات وهنا ينبع إشكال وهو أن في إحدى فقرات الزيارة الشريفة ذكر في موضعين قوله «هذا يوم» وظاهر الإشارة أنّه اليوم الحاضر (1)وهذا لا يصح إلا إذا كان اليوم يوم عاشوراء ، ومن هذه الناحية جاء في كتاب «زاد المعاد» و«تحفة الزائر» للمروّج المجلسي جواز استبدال يوم قتل الحسين به وهذا المطلب محلّ نظر من عدة وجوه:

الأول : إنّه بعيد جداً إبدال لفظ بلفظ وهذه الروايات التي رويت في فضله ليس فيها لا تصريحاً ولا تلميحاً ما يدلّ على جواز التغيير، واحتمال أن يكون التغيير من ترخيص الكافي محلّ نظر كما هو الظاهر ويعلمه أهل الصناعة ؛ لأنه يكون من قبيل إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله» لأنّه لا يوجد دليل يدلّ على خصوصية هذا العمل وفضله بل القطع قائم بعدم الخصوصية ، وهنا يظهر من خبر علقمة وخبر صفوان أن الخصوصية لنفس الزيارة بألفاظها الشريفة .

ثانياً : الظاهر ممّا نقل سيف أنّ صفوان قرأ ذات الزيارة التي رواها علقمة في حرم أمير المؤمنين في غير يوم عاشوراء فلم يتصرّف فيها ولم يغير ألفاظها ولو كان تصرّف فيها قيد أنملة أو بمقدار رأس شعرة لنبه عليه وإلا للزمته الخيانة وتوثيقه يمنعها أو النسيان، وأصل البرائة يدفعه .

الثالث : الظاهر من أخبار الأدعية الخاصة والزيارات المخصوصة أنّ ألفاظها وترتيبها جزء لا يتجزء من الأثر الوارد الذي يجب التقيد به ولا يجوز المساس به أو تغييره ، إذ إنّه لكل مقام مقال معدود والذين لم يطلعوا على الأسرار والآثار

ص: 108


1- «اللهم إنّ هذا يوم تبركت فيه بنو أُمية ... وهذا يوم فرحت فيه آل زياد».

محجوبون عن نيل معنى هذه الخصوصية وقد صرّح بذلك في أخبار جمة، ونهي عن تغييرها ، ولولا هذا النهي لكنا قطعنا بعدم ضرره ولكن مع اعتبار هذا الأمر فإنّ النواهي في موقع القطع بعدم مدخلية الهيئة، إمّا أن لا توجد أصلاً أو لها وجود محدود جداً، وهذا من قبيل رواية أبان في مسألة إصبع المرأة المعروفة بين العلماء، والقياس على الأولوية القطعية، وهو إما متعسّر أو متعذر، وعندي أيها القليل البضاعة يتعين الشق الثاني .(1)

ومثله الخبر الذي رواه الصدوق في كمال الدين والسيد الأجل رضي الدين في المهج - نقلاً عنه - قال : عن عبدالله بن سنان قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق. قال: يقول: «یا الله یا رحمان یا رحیم، یا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». فقلت: «یا الله یا رحمان یا رحيم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك». قال : إنّ الله تعالى عزّ وجلّ مقلب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (2).

ومنها الخبر المروي في الخصال عن إسماعيل بن الفضل قال : سألت أباعبدالله عن قول الله عزّ وجلّ : «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» (3)فقال : فريضة على كل مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرات : «لا إله إلا الله وحده

ص: 109


1- أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله : ما تقول في رجل قطع اصبع من أصابع المرأة كم فيها ؟ قال : عشرة من الإبل . قلت : قطع اثنين ؟ قال : عشرون . قلت : قطع ثلاثاً ؟ قال : ثلاثون . قلت : قطع أربعاً ؟ قال : عشرون . قلت : سبحان الله ، يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ؟! - إلى أن قال : قال الإمام : يا أبان إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست محق الدين . (الكافي 7: 300 باب 20 ح 6) . (هامش الأصل).
2- الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة : 352 رقم 49 ، مهج الدعوات: 332. (المترجم)
3- طه : 130 .

لا شريك له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير». قال : فقلت : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت ويميت ويحيي». فقال: يا هذا، لا شك في أنّ الله أنّ الله يحيي ويميت ويميت ويحيي ولكن قل كما أقول.(1)

وفي الكافي وساق ثقة الإسلام السند إلى العلاء بن كامل أن صادق آل محمد علیهم السلام قال في تفسير الآية الكريمة «وَاذْكُر رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ» (2)تقول عند المساء «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو على كل شيء قدير» . قال : قلت : «بيده الخير ؟ قال : إنّ بيده الخير ولكن قل كما أقول لك ...(3).

وهذه المقولة من الأخبار تكشف لنا عن الخصائص حيث تقصر الأيدي عن التصرف بها ويؤيد هذا المذهب أن جماعة من أهل الحكمة البرهانية واليونانية وطائفة من أصحاب الحكمة اليمانية (كذا) الإيمانية مثل أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس وأبي علي بن سينا وحضرة أستاذ البشر خواجه نصيرالدين الطوسي قدّس سرّه القدّوسي وخاتم الحكماء والمجتهدين السيد الأجل الداماد وجماعة غيرهم من فضلاء المحققين مثل الخفري والأنطاكي وغيرهم قالوا: إن للحروف خواص وآثاراً وكمالات وتختلف آثارها طبقاً لانقسام الطبيعة إلى العناصر الأربعة وتتفاوت منازلها بحسب تعلقها بالكواكب السبعة والحرف بمنزلة الجسم والعقل بمنزلة الروح.

ص: 110


1- الخصال 2: 452 (المترجم)
2- الأعراف : 205 .
3- الكافي 2 : 527 رقم 17 ، تفسير البرهان ونور الثقلين ذيل الآية . (هامش الأصل) وبناءاً على هذا تكون الرواية بالمعنى فيها إشكال كبير ، فكيف أجازها بعضهم بل لعل نقل الرواية بعين ألفاظها التي خرج من فم الإمام أمر مستحيل وجلّ الرواية مروية بالمعنى خصوصاً ما تناقلته الأجيال شفاهاً. (المترجم)

ولكل حرف ثلاث نشأت فهو أحياناً فلكي وهذا حرف علوي طبيعي روحاني حقيقي. وأحياناً وسطي وهو داخل في عالم اللفظ والمنطق . وأحياناً رقمي خطّيّ ويعتبر سفليّاً، وكل حرف له جسم وروح ونفس وقلب وعقل وقوة كلّيّة وقوّة طبيعية والعدد صورة الجسم وضربه في مثله الروح وضربه في ثلاثة أمثاله النفس وفى أربعة أمثاله القلب و تمام ظهور القلب العقل، ومربع العقل وهو ضربه في نفسه قوّة كلّيّة وضرب القوّة الكلّيّة فى العشرة قوته الطبيعية . مثلاً :

الحرف «باء» جسمه «2» وروحه «4» ونفسه «12» وقلبه «16» وعقله «136» وقوته الطبيعية «18496» وقوته الكلّيّة «184960» ولكلّ واحد منها حكم يخصها ولكلّ حرف له أثر باختلاف المراتب ، وكذلك يذكرون لكل حرف لوازم ومراتب ونحن لسنا بصدد نقل هذه الحكايات والأقوال، ولا يتسع الكتاب لاستيعابها ولكن ذكرنا هذا الموجز لمحض الإشارة ويمكن أن تقاس سائر الأحكام على هذا.

وفي أخبار أهل العصمة وردت الإشارة في العناية بالحروف والاستفادة من الحروف النورانية ، بل ادّعى السيد الداماد في كتاب الجذوات التواتر عن أهل البيت حول ذلك وبنى ترتيب خواص الأدعية والأوراد والأذكار وأعداد على هذا الأمر ونحن وإن كنا محجوبين عن هذه الأسرار ولكن بعد إجماع هذه الطائفة من علماء وحكماء فلا يعترينا الشك قطعاً في اعتبار الألفاظ المخصوصة ، ومالم تُؤدَّ نفسها لا تحصل لنا البرائة اليقينية .

وهنا ينبغي أن تعلم بأنّ هذا الوجه ينبغي أن يحسب مستقلاً، وبعد ملاحظة هذه الوجوه فإنّ الراغب في الخواص والآثار المترتبة على زيارة عاشوراء ينبغي أن لا يتجاوز اللفظ المأثور إلى غيره ، وكما جاء في الرواية «هذا يوم» يقول الصيغة ذاتها ولا يتخطاها إلى مرادفها أو مساويها في المعنى ؛ لأنّ إحراز الآثار الواقعية والخواص النفس أمرية للعمل لا دخل لها في أصل البرائة وغايته رفع الحرج أو

ص: 111

القصور على الواجب أو المستحب إذا كان ذلك جارياً فيه كما ذكرنا جانباً منه مقرباً في محله.

والإشكال السابق لا وجود له في وادي الصحة لأنّ الإشارة جارية في الأوجه الثلاثة: الحضور الواقعي ، والحضور الذهني، والحضور الذكري . وفي هذه الزيارة كانت من أوّلها إلى آخرها في ذكر سيد الشهداء ومصائب كربلا ووقائع عاشوراء فصورتها الذهنيّة ماثلة نصب العين فما المانع من الإشارة وقول القائل «هذا كذا ويظهر ممّا قلناه على فرض التسليم لقول المخالف من جواز التغيير وتماميّة دليل الترخيص في إفادة الحكم بالتغيير يكفي تغيير الأوّل (1)وفى الكلمة الثانية (2)يقضي قانون الاحتياط بالإشارة إلى ذلك اليوم يوم عاشوراء، فيقول: «وهذا يوم». وقطعاً يكون ذلك مجزياً وصحيحاً وعربياً فصيحاً. والتغيير من غير سبب يجرد العمل من آثاره قطعاً أو احتمالاً، وينبغي الاحتراز من ذلك.

والأصحّ باعتقاد هذا القاصر الاقتصار على لفظ الرواية في كلا الموضعين وعمدة الأدلة فعل صفوان، والله العالم وهو العاصم .

الفائدة الرابعة :

يقول السيد الأجل رضي الدين بن طاووس في مصباح الزائر بعد رواية حديث زيارة عاشوراء وذيل الرواية المنقولة في المصباح تماماً : قال علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن طاووس : هذه الزيارة نقلناها بإسنادنا من (المصباح الكبير) وهو مقابل بخطّ مصنّفه ، ولم يكن فى ألفاظ الزيارة الفصلان اللذان يكرّران مأة مرّة وإنّا نقلنا الزيارة من المصباح الصغير فاعلم ذلك، انتهى .

ص: 112


1- اللهم إنّ هذا يوم تبركت به بنو أمية». (هامش الأصل)
2- وهذا يوم فرحت به آل زیاد (هامش الأصل)

وصريح هذه العبارة أنّ اللعن والسلام لم يكونا في نسخة السيد وما نسبه بعض قاصري الاطلاع من أن السيد قال : ليس في نسخة المصباح «مأة مرّة» بعد الدعاء وإجراء اللعن والسلام ويكفي قولهما مرّة واحدة ليس له وجه.

والظاهر بل المتيقن من النسخة التي يملكها السيّد فيها نقص عبارة وإن قوبلت بخط الشيخ لأنّ السهو والنقص بمنزلة الطبيعة الثانية للإنسان وتطابق سائر نسخ المصباح وسائر الكتب المؤلّفة في المزار التي ألفها علماء الشيعة رضي الله عنهم ومنها حصل النقل .

ويؤيد هذه الدعوى وجود الفقرة نفسها في المصباح الصغير كما اعترف بذلك السيد وهو اختصار للمصباح الكبير ولا وجه على الإطلاق للتسائل أو التأمّل .

الفائدة الخامسة :

نقول الكلام التالي وإن قلناه مراراً ولكننا نعيده لمجرد الإيضاح والإعلان من جديد : إنّك علمت بأنّ دعاء صفوان ليس شرطاً في عمل الزيارة، ويصح إتمام العمل بدونه ، أجل من الممكن ذكره لإحراز الفضيلة ولاثواب الخاصين وهو جيد جداً، لكن الالتزام به بوجه الخصوصية واعتقاد الشرطية لا يخلو من إشكال.

الفائدة السادسة :

أشرنا فيما سلف ونقول ثانية أن ذيل حديث علقمة وإن دل على عدم جواز إجراء عمل الزيارة في الليل للتصريح بلفظ «اليوم» كما تنص الفقرة «وهذا يوم» وهذا اليوم من الزيارة فإنّها تؤكد هذا المذهب ولكن في ذيل حديث صفوان وردت عبارة إذا حدث لك حاجة إلى آخر ما مرّ منها وهذا نص في العموم الزماني وليس لليل خصوصية واستعمال اليوم يطلق على الليل والنهار يعني هو المجرد الزمان المؤلف - بفتح اللام - من هذين الوقتين وهذا حاصل في لغة العرب

ص: 113

بكثرة الورود في أخبار أهل البيت علیهم السلام ، ولعله يفوت الحصر وقد صرح به الفقهاء والأدباء فلا تنافيه رواية علقمة ، وكذلك لا تنافيه عبارة متن الزيارة ؛ لأنّ الإشارة عن يوم عاشوراء وإن لم يجز العمل فيه أو الإشارة إلى الوقت الحاضر وإن كان سائر الأيام.

هذا وإن كان تشريع الزيارة ابتداءاً ليوم عاشوراء فإنّ استعمال «يوم» في الزيارة الشريفة يتناول مطلق الزمان والله العالم بحقائق أحكامه .

الفائدة السابعة :

نبين في هذه الفائدة وجهاً آخر لزيارة عاشوراء غير الذي اخترناه وإنكان قد تقدم سلفاً وشرحناه تفصيلاً فنقول :الآن من أراد الاحتياط الأولى أن يستقبل قبر سيّد الشهداء ثمّ يسلّم عليه ويبالغ في لعن قاتليه بأي لفظ كان ثمّ يصلي ركعتين ويقرأ بعدها زيارة عاشوراء مصحوبة باللعن والسلام، ويصلي ركعتين ثم يدعو بدعاء صفوان فإنّه يؤجر حينئذ ويعتبر قد أدى العمل طبقاً لمفهوم الرواية وحصل اليقين ببرائته .

الفائدة الثامنة :

النظر في الأدلّة يقتضي تأدية العمل في مجلس واحد بحيث يصدق عليه الوحدة العرفية وإن كان الجمود على ظاهر الأخبار والوقوف على متون الأدلّة يلزمنا بدقة بالوحدة العرفية بحيث لا يتخلل العمل فاصل من عمل أجنبي، يمحو صورة هذه الوحدة ولكنّ ظاهر الحال يخبر وقوع بعض الأفعال القليلة التي لا تدلّ على التعدّد العرفي لاسيما إذا كان الفاصل من سنخ العبادات ومقولة الأذكار مثل الاستخارة والصلاة وغيرهما ، ولا وجه للتأمل في ذلك على الظاهر وإن كان الأولى المحافظة على اتصال العمل الواحد بوجه من الوجوه مطلقاً، لأنّ رونق

ص: 114

العمل وروحانية العبادة منوطة بحضور القلب والإقبال على الله واجتماع الحواس وتوجه السر والعلن في جميع الأجزاء والشرائط ، وبالطبع الاشتغال بعمل آخر من شأنه أن يمحو هذه الاعتبارات والخصوصيات ويزيلها إلا في العبادة التي لا تشغل البال ولا تشتت الفكر في حال أداء ذلك العمل كما جرى في التصدق بالخاتم حال الركوع من الولى الأعظم أمير المؤمنين سلام الله عليه وعلى من انتسب إليه حيث صار سبباً لنزول الآية : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» (1)الآية .

سُئل ابن الجوزي أبو الفرج عبدالرحمان الحنبلي البغدادي الواعظ كيف تسنّى للإمام وهو في إقباله التام الالتفات إلى السائل حتى أنفق الزكاة ؟ فتمثل بالبيتين التاليين لحل الإشكال وجواب السؤال وأنشد:

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته***عن النديم ولا يلهو عن الكاس

أطاعه سكره حتى تمكن من***فعل الصحاة فهذا أفضل الناس

ولكن دقّة العلماء الحائمين حول الأسرار الدقيقة يعلمون جيّداً أنّ هذا المقام الرفيع لا يحصل لكلّ أحد بل هو من نصيب الأولياء العظام الذين بلغوا في مرحة العبوديّة ومقام الطاعة إلى أن يكونوا مظهراً لصفة لا يشغله شأن عن شأن وهذه الخاصية المثالية من نصيب ذلك الوليّ الأعظم وأتباعه الذين اقتفوا آثار الأئمّة الأطهار واقتبسوا من ضياء تلك الأنوار سعياً بأقدام الصدق والصفاء ، ومن الكلمات القصار لهذا القاصر - المؤلّف - قوله : «ما كلّ صيد غزالة ، ولا كل نجم غزالة» والله ولي التوفيق .

الفائدة التاسعة :

من مقرّرات علم الأصول أنه لو تعذر الإتيان بالمركب المشتمل على الأجزاء

ص: 115


1- المائدة : 55 .

والشرائط بتمامه ودار الأمر في الإتيان بالعمل بين ترك الجزء أو الشرط يحتمل إرجاع الأمر إلى اختيار المكلف وهو من المرجحات الخارجية ويحتمل أيضاً ترك الشرط والإتيان بالأجزاء ؛ لأن ترك الوصف أولى من ترك الموصوف ويمكن أن يقال باختيار المكلف الأهم وترك غير الأهم لأنه يحدث أحياناً أن يتقوّم الشيء بشرطه أكثر من جزئه لاسيما إذا كان من الأجزاء الكماليّة لا الأصلية. وهذا الاحتمال في بادئ الرأي أولى من غيره وإن لم يخلو من التأمّل. وعلى أية حال ففي زيارة عاشوراء إن عسر على المكلف الإتيان بالزيارة كلها في مجلس واحد ودار الأمر بين ترك الجزء أو ترك الشرط الذي هو وحدة المجلس الأقوى في النظر ترك اعتبار وحدة المجلس بل يجوز له إتيان العمل في مجالس متعدّدة كما صرح بذلك فى الرسائل ، والأولى أن يقلل من تعدد المجلس جهد الطاقة مثل أن يأتي ببقية الزيارة في مجلس آخر ليكون أداء العمل في مجلسين خير منه في ثلاثة مجالس ، وكلّما كان الفاصل الزمني بين مجلس ومجلس أقصر يكون العمل أقرب إلى الحقيقة وأنسب لوحدة المطلوب، والله العالم بحقايق أعماله .

الفائدة العاشرة :

ومن المناسب أن نقوم في هذه الفائدة بتحقيق لفظ عاشوراء لتعلّقه التام بهذه الأبواب وباسم الكتاب ، لهذا لابد من التعرّض لذكره .

اعلم بأنّ جماعة ذكروا أنّ اللفظ معرب ولم يك عربياً، وأصله من العبرانية وهو اليوم العاشر من (ماتشرى) اليهود، ويوجبون ،صومه، ولما قورنت الشهور اليهوديّة بالأشهر العربية وقع في اليوم العاشر من أوّل السنة وهو عاشر محرم الحرام كما وقع في اليوم العاشر من أوّل الشهور اليهودية.

وظاهر جماعة من اللغويين اعتباره عربياً ويشهد على ذلك قياس اللغة ومادة

ص: 116

«عشر» ولا يبعد اشتراك لغتين في كلمة في لغة مرادفة لأخرى في غيرها. مثل الصابون والتنور والكوزة وغير ذلك .

وفي فقه اللغة للثعالبي والمزهر للسيوطي يوجد عدد من هذه الألفاظ ويصح القول بأنّ الأصل عدم التقريب وهذا من الأصول العقلائية ولا يعنى الأصل الأصولي الدال على ثبوت الحالة السابقة والرجوع إلى استصحابها، وقد أُشير إليه في مطاوي كلمات اللغويين والنحويين.

وجملة القول أنّ ظاهرة الاستعمال والأخبار الصحيحة المتواترة في قتل سيد الشهداء علیه السلام إنه فى اليوم العاشر من المحرّم ، وتواتر القول في ذلك حتى لم يدع وجهاً للشك واحتمالاً للخلاف، وعبارة جماعة من اللغويين وفقهاء الفريقين شاهد على اعتبار عاشوراء اليوم العاشر من المحرّم وتاسوعاء اليوم التاسع منه .

وما جاء في صحيح البخاري عن ابن عبّاس من أنّ عاشوراء هو اليوم التاسع وتاسوعاء هو اليوم الثامن لا يعدو الكذب والافتراء .(1)

ويدلّ على كذب هذا المدعى ما روي في صحاحهم أيضاً، لأنهم رووا أنه صام يوم عاشوراء ، فقيل له : إن اليهود والنصارى تعظمه ، فقال علیه السلام : إذا كان العام المقبل صمنا التاسع .(2)

ص: 117


1- ابن عباس : أن رسول الله قال : لئن عشت - قال روح : لئن سلمت إلى قابل لأصومن التاسع - يعني عاشوراء - . (مسند أحمد بن حنبل 1 : 236) . أتيت ابن عباس وهو متوسد ردائه في المسجد الحرام فسألته عن صوم عاشوراء ، فقال : إذا رأيت هلال المحرم فأعد ، فإذا كان اليوم التاسع فأصبح صائماً ، فقلت : كذا كان محمد يصوم ؟ فقال : كذلك محمد يصوم (سنن أبي داود 2: 327 باب الصوم رقم 2446) . (هامش الأصل)
2- عبدالله بن عباس يقول : صام النبي يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه. قالوا: يا رسول الله ، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى . فقال رسول الله : فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع ، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله (سنن أبي داود 2: 237 باب الصوم رقم 2445) (هامش الأصل)

وهذا دليل على أن المراد منه يوم العاشر كما هو واضح، وجرى لفظ تاسوعاء على النهج العربي وجاء في الحديث مكرّراً، ولا عبرة بقول الجوهري بأنه مولِّد (1)؛ لأن المولد وهو عبارة عن الدخيل المستحدث في ألسنة المتأخرين وكلامهم ليس بحجّة ولم يستعمل في فصحاء العرب وأخبار الصادقين علیهم السلام بالاتفاق من هذه الطبقة، وهذا من الشبهات التي نتجت عن عدم التتبع في كلام أهل البيت ، ويوجد في كلامهم شيء كثير نظير «كنه» حيث اعتبره الجوهري مولداً واعتبر الأزهري «أزل» كذلك، وقد ذكر مكرّراً في نهج البلاغة وزبور آل محمد الصحيفة السجادية، وليس غرضنا استيفاء هذا القسم من أخطاء هؤلاء.

وفي لفظ عاشوراء لغات أخرى كثيرة مثل : عاشورا وعاشوراء بالمد والقصر، وعشورا وعشوراء وعاشوراء كما ورد ذلك في القاموس وغيره، وورد في أشعار العرب الفصحاء المتأخرين كما جاء في شعر ذي الحسبين الرضي حيث اعتبر جماعة من ا العامة والخاصة أشعاره مما يحتج بها، فقد قال:

فقلت هيهات فأت السمع قائله***لا يعرف الحزن إلا يوم عاشور

الفائدة الحادية عشرة

ويجب التنبيه والإشارة إلى أنّ زيارة عاشوراء لها امتياز وتقدم معلوم على سائر الزيارات ولها تفوّق مشهور ؛ لأنّ ظاهر خبر صفوان يدل على أن جبرئيل الأمين تلقّى هذه الزيارة من الربّ الجليل وأنزلها على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وظهر هذا الحكم في عهد الإمام الباقر علیه السلام كشأن سائر الأحكام التي تأخرت أحكامها بناءاً على الليل تلبيسها بمصالح منوطة بخصوصيات الزمان، وهذا الوجه هو معتمد أهل التحقيق، وعلى هذا فإنّ ألفاظها الشريفة تعدّ من الحديث القدسي وهو في

ص: 118


1- جاء في الصحاح : ويوم عاشوراء ، وعشوراء أيضاً ممدودان ولم يذكر شيئاً بعده.

الشرف والفضيلة حليف القرآن الشريف المجيد ، ونظير الكتاب الكريم لكون الاثنين كلام الله ، وهو في حجيّة الألفاظ وصحة المعاني مع القرآن كفرسي رهان، ورضیعی لبان.

والفرق بين الحديث القدسي بناءاً على مذهب بعضهم يتكوّن من أن القرآن كلام منزل بألفاظ معيّنة وترتيبات مخصوصة لقصد الإعجاز بسورة، والحديث القدسي كلام نزل بألفاظ معيّنة وترتيب مخصوص من الواحد الأحد سبحانه على قلب نبيّه لا لغرض الإعجاز كسائر كتب الله والصحف السماويةّ.

وبناءاً على هذا يكون الحديث النبوي موحى بمعناه وأوكل إلى النبي بيانه بتعبيره الخاص، ومذهب الإمامية مطبق على أنّ النبي لا يتكلم بغير الوحي كما ذكر ذلك في القرآن الكريم : «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(1) وإن خالف في ذلك أهل السنة والجماعة من أجل تصحيح قول عمر «إنّ الرجل ليهجر» بتفصيل لا يليق ذكره في هذا الموضع.

واعتبر جماعة الحديث القدسي خاصاً بما ألهمه النبي في المنام أو اليقظة ولكن على شكل إلهام من الله فهو من سنخ الوحي المنزل عليه .

قال السيد المحقق الداماد : يشبه أن يكون التحقيق أن القرآن كلام يوحيه الله سبحانه إلى النبي معنى ولفظاً ، فيتلقاه النبي من روح القدس مرتباً ويسمعه من العالم العلوي منظماً ، والحديث القدسي كلام يوحى إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم معناه فيجري الله تعالى على لسانه في العبارة عنه ألفاظاً مخصوصة في ترتيب مخصوص ليس للنبي أن يُبدّلها ألفاظاً ،غيرها ، أو ترتيباً غيره، والحديث النبوي كلام معناه ممّا

ص: 119


1- النجم : 3 و 4 .

يوحى إلى النبي فيعبر عنه حيث يشاء كيف يشاء(1) ، انتهى المقصود من كلامه، زاد الله في علوّ مقامه .

وقلت قبل ذلك في أُرجوزتي في الدراية الموسومة ب_«يتيمة الحديث»:

ثم الحديث منه قدسي نقل***كلامه بلا تحد إن نزل

كقوله جل علاه «الصوم لي»***فليس من سنخ الكلام المنزل

وللخوض في تحقيقه مقام آخر .

وخلاصة القول يجب أن يلتزم بآداب هذه الزيارة التي هي أشرف الأحاديث القدسيّة ودرّة لتاج هذه الجواهر السنية لكي ينال من المداومة بركات هذا الكلام الإلهي ، والوحي السماوي، وينخرط في سلك الكروبيين وسلسلة الملكوتيّين.

الفائدة الثانية عشرة :

لقد شوهد من زيارة عاشوراء من البركات الأخروية والمنافع الدنيوية والآثار الغريبة والخواص العجيبة وقضاء الحاجات ونيل المقاصد وحصول المطالب ما لا يستطيع إنسان حصره وإحصائه. وفي بعض المنامات الصادقة التي لها حكم المكاشفة الحقِّه علم من هذه الزيارة خصائص عظيمة ومنافع جليلة بحيث لا يمكن استقصائها، ونحن في هذه الفائدة نذكر قصة واحدة من هذه القصص التي يمكن القطع بحدوثها لكثرة الأمارات ووثاقة السند ونذكر أعظم المنافع الكريمة والفوائد العظيمة لهذه الزيارة والرؤيا كما يلي بيانها :

نقل الثقة الأمين والصالح الحاج ملا حسين اليزدي وهو من خيار المتنسّكين والأعيان المتعبدين في النجف الأشرف وهو بالديانة والصلاح مشهور عند

ص: 120


1- الرواشح السماوية : 205 (المترجم)

العلماء ومعروف عند الفقهاء، عن الحاج محمّد اليزدي وهو معروف بالوثاقة والأمانة والفضل والصلاح الذي يجد دوماً في إحراز متاع الآخرة وإصلاح نفسه وكان يبيت ليلاً في مقبرة بيزد تعرف ب_«مزار جوي هر هر» وفيها مدفن جماعة من أهل الصلاح الأخيار وكان له قرين منذ عهد الصبا وريعان العمر، تعارفا وتصافيا وتآخيا وكانا يذهبان معاً أيّام الطفولة إلى الكتاب إلى أن شبا وكبرا، فاختار أن يكون عشاراً وبقي يمارس هذه المهنة إلى أن جائه أجله المحتوم ودفن في المقبرة بالقرب من متعبّد هذا العبد الصالح وبعد أقل من شهر على موته رآه في الطيف بحالة حسنة ووضع جميل ، فجائه الرجل الصالح وسأله عن حاله قائلاً: أنا أشدّ الناس معرفة بك من المهد إلى اللحد، ومطلع على حالك اطلاعاً تاماً ، وأعلم أنه ليس للخير أو الصلاح طريق إلى ذلك ولا يقتضي عملك سوى العذاب، قل لي يا رجل بأي عمل حسن بلغت ما بلغت من رفيع المنزلة ؟

فقال : نعم ، حالي على ما وصفت وزيادة ، ولقد صبّ على عذاب واصب وبلاء شديد من ذلك اليوم إلى يوم أمس، ولكن ماتت زوجة الحدّاد «أشرف» ودفنت في هذا الموضع - وأشار إلى موضع لا يبعد عنه أكثر من مأة ذراع على الحدس والتخمين - وفي ليلة وفاتها زارها الإمام الحسين علیه السلام ثلاث مرّات، وفي المرّة الثالثة أمر برفع العذاب عن هذه المقبرة فانقلبت حالنا مرّة واحدة إلى ما تراه، واقترنت باتساع العيش والفراغ والرفاهية.

يقول الحاج محمد علي : فانتبهت من النوم متحيراً وما كنت على معرفة بالحدّاد ولا أعرف أين يقع بيته وأين تكون محلّته في هذا البلد، فذهبت إلى سوق الحدّادين وشرعت بالسؤال عن الحدّاد حتى تعرّفت عليه وسألته هل كانت لك امرأة ؟ قال : نعم ، توفيت أمس ودفنتها في ذلك الموضع - وذكر اسم

المقبرة - .

ص: 121

فقلت له : هل كانت تزور سيّدالشهداء في حياتها ؟

فقال : لا .

فقلت له : هل تقيم عزائه وتذكر ما جرى عليه ؟

فقال : لا .

فقلت له : أو تحضر مأتمه وتعين عليه ؟

فقال : لا .

عند ذلك سألني : ماذا تريد من هذه المناشدة ؟ وعم تبحث؟

فقصصت عليه أخبار الرؤيا ، فأجابني قائلاً: نعم، إن امرأتي كانت تدمن على زيارة عاشوراء ولما كانت هذه الزيارة المباركة آثارها أُخروية لذلك ببركة حلول شخص واحد يزورها في هذه المقبرة المليئة بالشطار والمذنبين وكان هذا الشخص يديم قرائتها رفع الله العذاب عن ساكني المقبرة كلّهم (1).

وأما آثارها الدنيوية فإنّها لم يداوم على قرائتها صاحب حاجة مهمة أربعين يوماً إلا قضى الله حاجته ، كما ثبت ذلك للعارف والعامي بالتجربة الصحيحة، وحقيق على أهل الإيمان عدم الغفلة عن هذا العمل الصحيح السند ، كثير المعونة ، قليل المؤونة، وعدم التساهل والتفريط به، وإذا قدر لأحدهم أحياناً أن ينال طلبته ويصل إلى بغيته من مراجعة هذا الشرح فلا ينساني من دعاء الخير، والله الموفق لكل خير ، وبه الاعتصام عن كلّ زيغ وضير .

والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم إلى يوم الدين.

ص: 122


1- طلب فضيلة المرحوم الآخوند الكرباسي وهو من الأوتاد في السير والسلوك وصاحب المقامات في وصيّته أن يدفن بإزاء قبر المرأة ولا تزال مقبرة الكرباسي بمقربة من قبر زوجة الحداد . (المحقق)

الباب الثاني

اشارة

في ترجمة الألفاظ الواردة في الزيارة وشرحها

بما يتّسع له هذا المختصر وما يسمح به اطلاع قليل البضاعة - المؤلّف - وللتمييز بينهما رمزنا للشرح بحرف «ش» وللترجمة بحرف «ج» .(1)

السلام

السلام (2)

ص: 123


1- وسوف نضطر لحذف الترجمة لأنها كتبت للناطقين بالفارسية ولا تعني الناطقين بالعربية . مِن ثَمّ نحذفها مع تقديم العذر سلفاً لسيدنا المؤلف . (المترجم)
2- «السلام عليك يا أبا عبدالله» وهنا ينبغي الإشارة إلى عدة مواضيع : 1 - أثر السلام في الإسلام ، 2 - ما هي العلة في ابتداء السلام بالكنية «أبا عبدالله» ، 3 - ما هو السبب في تكرّر السلام في هذه الزيارة وبقية الزيارات . البحث الأول لكل فريق وأُمّة مع اختلافها الطبقي في التحضّر والتبدّي تسكن المدن أو الصحراء ، لها تحية تناسبها ، يستقبل بعضها البعض بها ، كالإشارة بالرأس واليد ، أو رفع القبعة عن الرأس وغير ذلك، وكل واحدة من هذه التحايا أفرزتها إلى واقع الأمة عوامل خاصة عملت على إظهارها على منصة الوجود وجميع هذه الطرائق - مع شديد الفارق بينها - تحكي عن خضوع الضعيف للقوي واستعباد الثاني للأول وإحساس الأول بالضعة والانحطاط في مقابل ما يملكه الثاني من القوة القاهرة، وهذه المشاعر التي تنتاب الناس سواءاً عرف مصدرها أم لم يعرف إن هي إلا تلك الوراثة التي تلقتها الأمم من عهود البربرية السحيقة في القدم .. ومساحب باقية من ذيول عبادة الأصنام وثمرة من ثمار ذاك الغراس المُرّ . وكان هم الإسلام الأكبر القضاء على هذا الأساس وما يحمل ، وكل تقليد أو قاعدة أو آداب انتمت إليه واستمدت منها فقد أعلنها حرباً لا هوادة فيها ، مِنْ ثَمّ بذل الجهد العظيم في المحافظة على حرية الفطرة البشرية التي هي إحدى الهبات الربانية وهي إنسانية الإنسان، والعمل على إبقائها حية فاعلة . مِن ثُمّ قضى على أتباعه أن يتحابوا عند اللقاء ويسلم أحد المتقابلين على الآخر ويضعه في الصيانة والأمن على دمه وماله وملكاته الفاضلة، ووضع لذلك صيغة خاصة وهي : السلام عليكم أو عليك يعني لك الأمن والأمان والسلامة منّي ، أو بتفسير آخر ليكن اسم الله عليك ضارباً سجفه كالمظلة على رأسك، ومعنى ذلك ليكن الله سبحانه حافظاً وراعياً لك بالأمن والأمان والحفظ. وهذا سلام جعله الله ع-ن-وان-اً للتحيّة وعلى كل أحد سواء أكان عالياً أو دانياً رفيعاً أو وضيعاً قوياً أو ضعيفاً، سيداً أو مسوداً، أن يستقبل بها ملاقيه البحث الثاني في السلام على الحسين علیه السلام بدء بخطابه بكنيته أبا عبدالله ثم خاطبه يابن رسول الله وأمير المؤمنين و ... لأنّ العبارة هنا ذكرت الكنية التي وهبها الله له لتدل على مقام عبوديته، وهذا العنوان من امتيازات-ه وصفاته الذاتية والعنوان الذاتي مقدّم على الانتسابي . البحث الثالث س : لماذا كرر السلام في هذه الزيارة وزيارات بقيّة المعصومين مع أن عرف الناس قاض باعتبار تکراره لوناً من الهزء والسخرية والاستهانة ، فإذا قال القائل : السلام عليكم مثلاً ثم أردفها أخرى وأخرى ليم على ذلك لتبادر العبث والاحتقار إلى ذهن السامع ، ألا يكفي أن يقول الزائر : السلام عليك يا أبا عبدالله وابن رسول الله وابن أمير المؤمنين كما جاء في القرآن الكريم : «وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً» [مريم : 15 ] أو «وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أَبْعَثُ حَيّاً»[مريم : 33]. ج : نعم ، إذا كان السلام موجهاً إلى شخص ذي عنوان واحد وجهة واحدة فإن تكرار السلام يحمل معنى مضاداً للتوقير ، ولكن إذا تعددت الجهات وكانت كلّ جهة من جهات هذا الشخص ذات عظمة ووقع خاص في المجتمع تستحق وحدها السلام كان السلام مضافاً إلى أنه ليس إهانة ولا احتقاراً بل مدعاة للفخر والمباهات كما نقرأ في زيارة أمير المؤمنين : «السلام على المولود في الكعبة، المزوّج في السماء ، السلام على أسد الله في الوغى ، السلام على من شرفت به مكة ومنى ، السلام على صاحب الحوض وصاحب اللواء ، السلام على خامس أهل العباء...» فكل واحد من هذه الصفات لها من الفضيلة والشرف ما تستحق سلاماً وحدها، ونقول في زيارة عاشوراء : سلام عليك يا من حزت في مقام العبودية ( كنية أبا عبدالله) وسلام عليك يابن رسول الله وابن أمير المؤمنين. ونقرأ في زيارة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه : «السلام عليك حين تقرأ وتبين ، السلام عليك حين تصلي وتقنت ، السلام عليك حين تركع وتسجد ، السلام عليك حين تهلل وتكبر» [بحار الأنوار 53 : 171 رقم 5 باب ما خرج من توقيعاته] . وإذا كان العاشق المجازي يتدله بحبّ معشوقه ويظهره له دائماً ويعدد صفاته الطيبة تلذذاً بذكره ، لعلّ قلب صاحبه يعطف عليه ذات يوم، فمن الأولى أن يكون العشاق الحقيقيون لأهل البيت والناضجون على اللهب المقدّس من حبّهم على أمل أن تكحل عيونهم برؤية فجر السعادة وفي قبول سلام واحد مما يرسلون عليهم من التحايا يقعون موقع الرضا والعناية، ويتحول نحاس وجودهم إلى ذهب أبريز بأكسير محمّد وآل محمد (المحقق)

ص: 124

هذه الكلمة المباركة نحصر الحديث عنها في مقامين :

المقام الأول: في بيان معناها اللفظي

وهذا يحتاج إلى تمهيد مقدّمة فنقول : اعلم أنّ لكلّ قوم من الناس آداباً خاصه يمارسونها عند اللقاء الأوّل، وتدخل ضمن العادات المتبعة لهم، ومنها السلام المعبّر عنه بالتحية ، ومن جملتها ما قيل عن النصارى أن تحيّتهم وضع اليد على الفم ، ولكنّها في عصرنا الحاضر عبارة عن رفع قبعة الرأس، وتحيّة اليهود الإشارة ،بالإصبع، وتحيّة المجوس والعجم الانحناء والتعظيم، وتحية العرب قولهم: «حياك الله» أي أبقاك الله على قيد الحياة، وربّما خاطبوا ملوكهم بقولهم: «أبيت اللعن» (1)وأحياناً يقولونا: «عم صباحاً» أو «أنعم صباحاً» أو «نعمت صباحاً» أو

ص: 125


1- في الأساس في لعن : ومن المجاز أبيت اللعن وهي تحيّة الملوك في الجاهلية ، أي : لا فعلت ما تستوجب به اللعن، وفي عده مجازاً في حدود اللعن نظر . (منه) ولا مجال للنظر هنا لأن استعمال الكلمتين من أبيت واللعن في غير ما وضعتاله وهذا هو المجاز . (المترجم)

مساءاً، يقولون العبارات الثلاث كما قال عنترة بن شداد العبسي في مذهَبته :

يا دار عبلة بالجواء (1)تكلّمي***وعمي صبحاً دار عيلة واسلمي

وأشهر التحايا التي تقال في كل مناسبة هي حياك الله ومنها اشتقت كلمة «التحية» وهي من باب «التفعيل» وأصلها «تحييه» وزان تصليه ، وبعد ادغام اليائين صارت وزان «تقيه» ولمّا كانت هذه الكلمة لا تقال إلا في مقام التعظيم والتشريف مِن ثَمّ أُطلق على كلّ إكرام وإعظام لفظ «التحية» ومن هذا الباب «التحيات لله» هذه الكلمة الواردة في التشهد الكبير ، والظاهر أنّ هذا المعنى نفسه ورد في قوله تعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا»(2) والمراد مطلق الإكرام كما جاء في تفسير الشيخ الأقدم الأعظم علي بن إبراهيم القمي .(3)

وفي الخصال نقل عن الإمام أمير المؤمنين أنّه جعل التحية تعم تسميت العاطس .(4)

ص: 126


1- الجواء على وزن فعال: جبل يلي رحرحان من غربيه وبينه وبين الربذة ثمانية فراسخ (المترجم)
2- النساء : 86 .
3- تفسير القمي: 633 ، بحار الأنوار 76: 7، و 84: 273، وتفسير البرهان ذيل الآية . (هامش الأصل) في تفسير علي بن إبراهيم 1 : 145 ط الثالثة تصحيح السيد طيب الجزائري 1404 - قم .
4- قال أمير المؤمنين : السلام وغيره من البر . وفي البحار 75: 7ط بيروت مؤسسة الوفاء سنة 1403. (المترجم). وفي الخصال : أمرنا الا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وتسميت العاطس، ونصرة المظلوم، وإفشاء السلام .. إلى آخره وهو حديث طويل . (المترجم) الخصال : 633، بحار الأنوار 10 : 111 ، و 76: 54 ، تفسير البرهان ذيل الآية ، بحار الأنوار 44: 195 في فضل الإمام الحسين . (هامش الأصل) لم أجدها في الأجزاء المذكورة وفي :72: 17 أن النبي أمر بسبع وعد منها تسميت العاطس وإفشاء السلام، ومثله في 73: 2 و 340، و 78: 14 و 275 ، و 1101 : 212 ولم أعثر منها على ما ذكره المؤلف وفي كلّها يكون إفشاء السلام أحد المأمور بها. (المترجم)

وفي الصافي والبحار والمناقب في خبر الجارية التي أهدت الإمام الحسن علیه السلام طاقة ريحان وأعتقها واستشهد بالآية «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ»(1).

ويستفاد العموم من مجموع هذه الأخبار ويحمل على الاستحباب. وإذا أريد من لفظ التحيّة خصوص السلام، فلا يحمل على إرادة اللفظ نفسه كما توهم بعض المفسرين حيث لا يخفى ذلك على أصحاب النظر . وما جاء في شعر القطامي وهو من كبار شعراء العرب :

إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطلل***وإن بليت وإن طالت بك الطيل

وفي هذا الشعر الحماسي المعروف :

إنَّا محيّوك يا سلمى فحيّينا***وإن سقيت كرام الناس فاسقينا

وفي شعر عنترة في مذهبته :

حييت من طلل تقادم عهده***أقوى وأقفر بعد أُمّ الهيثم

وماشابه هذا من الشعر فالاحتمال قائم على أنّ المراد به مطلق الإكرام والتعظيم وأداء عادة التعارف والأظهر أنه دعاء بالحياة كما سبق بيانه والإشارة في الشعر إلى التحيّة المعروفة «حياك الله» كما فهم ذلك الأدباء . وبناءاً على هذا يمكن القول لزوماً بأن لفظ «حيا» و«يحيي» في هذه الأبيات مأخوذ من لفظ «حياك الله» مثل

ص: 127


1- وفي المناقب : جاءت جارية للحسن البطاق ريحان ، فقال : أنت حرّة لوجه الله . فقيل له في ذلك ، فقال : أدبنا الله تعالى : «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ» الآية ، وكان أحسن منها إعتاقها . (الصافي 476:1) وفيها عن الخصال : إذا عطس أحدكم قولوا يرحمك الله ، ويقول هو : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله تعالى «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا» الآية، ولعلّ هذا ما حمل المؤلف على القول بأن الإمام عد تسميت العاطس من التحية ، راجع الصافي :1 : 476 لما تقدّم (المترجم) في هامش الأصل : المناقب 3: 183 ، بحار الأنوار 84: 283 ، و 44 : 195 وجرى تطبيقها في المناقب ، ووجدتها في 43: 343 من البحار عن أنس، وفي 44: 195 منسوبة للإمام الحسين وهي عن أنس أيضاً . (المترجم)

البسملة والحوقلة المشتق (1)من اللفظ لا المعنى، ولكنّه بعيد .

وربّما يقال : لمّا كان الحياة لازمة لقول محتوك وحيّيت ، مِن ثُمّ نسب إلى الداعي من هذا اللفظ الدعاء بالحياة للسامع ، وصح إرادة الحياة والبقاء من هذا اللفظ وإن لم يصرّح بهما القائل ، ومثله قول: «جزاه الله خيراً» فإنه يستغني عنه بقول: جزاه خيراً بتضعيف الزاي وتفصيل هذه المسائل خارج عن مهام هذا المقام وخطته .

ويظهر مما قلناه في معنى التحيّة أنّ المراد بها أصل معناها وهو الحياة، وأحياناً تستعمل في البقاء ولما كانت التحيّة من لوازم الملوك وخصت بهم وبتقديم الاحترامات اللازمة للملك، وهي فريضة عرفيّة مِن ثَم راحت التحيّة تستعمل أحياناً بمعنى الملك كما قال زهير بن حباب الكلبي :

ولكلّ ما نال الفتى***قد نلته إلّا التحية

ويقول عمرو بن معد كرب الزبيدي :

أسير به إلى النعمان حتى***أنيخ على تحيّته بجند

أي ملكه . ونقل عن يعقوب بن السكيت أن المراد بلفظ تحيات في الصلاة يحمل على الملك ، والله أعلم بالصواب .(2)

فإذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم بأنّ التحيّة في الإسلام هي السلام كما يستفاد من تفسير الآية المنقول عن الخاصة والعامة : «وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً» (3)بناء على قرائة «السلام» المعروفة لا «السلم». وفي رواية أنها قرائة عاصم ابن أبي النجود رحمه الله تعالى .

ص: 128


1- ليس هذا اشتقاقاً وإنما هو نحت . (المترجم)
2- لم يشر إلى المصدر لملاحظته غير أنّي عثرت في إصلاح المنطق على قوله : التحية للملك ، وقولهم : التحيات الله أي الملك الله (إصلاح المنطق : 137). (المترجم)
3- النساء : 94 .

وخلاصة معنى الآية كما يلى : إذا حياكم أحد بتحية الإسلام وأظهر الإسلام بقوله «سلام عليكم» فلا تنكروا عليه ذلك ولا تسارعوا إلى تكذيبه ورميه بالشرك. هذا إذا قرء «مؤمن» بكسر الميم أي أنها اسم فاعل، أما إذا قُرئت بفتحها وهى القرائة المنسوبة إلى الإمام الباقر علیه السلام فيكون المعنى : لا تقولوا له لست آمناً لأنّ المسلم يطلب الأمان بالسلام .

وجملة القول : هذا المعنى وهو السلام تحية خاصة بالإسلام وهو من الوضوح بمكان ولا يحتاج إلى شاهد . وأما استشهاد بعضهم بالآية : «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» (1)فهي محلّ نظر وتأمّل.

معنى السلام :

وذكروا للسلام وجوهاً مختلفة :

منها : أنّ السلام اسم من أسماء الله عزّ وجلّ، والمراد من قول القائل : السلام عليكم أي الله تعالى ،حافظكم، وهذا الوجه وإن ذكر عن ابن الأنباري واقتصر عليه بعض المحدثين ولكنه يبدو للنظر قاصراً؛ لأن الجار والمجرور لا يؤدي معنى الحفظ كما إذا قيل : الله عليك ، والرحيم عليك فإنّ ذلك يبدو نشازاً في المعنى المقصود وهو خلاف الأصل فلا يصار إليه، مع كون صيغة السلام عليكم بالتعريف مساوية لغيرها في المعنى مثل : سلام عليكم بالتنكير ، فلا يتمشى المعنى المذكور في هذه الصيغة لتنكير لفظ السلام كما أن المعنى غير محتمل في سلاماً وسلام عليك (وبلغه سلامي) (2)وبلّغ إليه سلامي واقرأه السلام على الإطلاق.

الوجه الآخر أنّ لفظ «سلام» من باب التفعيل :وهو التسليم.

ص: 129


1- الأحزاب : 44 .
2- هذه الجملة من المترجم .

الوجه الثالث : إنّه مصدر مجرّد ومعناه السلامة. وهذان الوجهان يختلفان باختلاف الاستعمال وإن كان الوجه الثالث أقوى وأظهر في معناه .

وسمع السلام عن العرب بمعاني عدّة والأصل في المعاني كلها «السلامة». وجاء أيضاً بمعنى الحجارة الصلبة التي تمتاز بصلابتها ، وبمعنى الدوحة الواسعة، و بمعنى دجلة، وهذه كلها تأبى الصيغة فهي في مأمن وسلامة.

ويمكن اعتبار معنى السلامة في دجلة لسلامة مائها كما جاء عن الهادي علیه السلام في فضل سامراء حيث وصف مائها بالعذوبة. ويحتمل أن يكون سبب اسمها دار) (السلام) لوقوع دجلة فيها ، ومن ذلك الدلو إذا سلم من الآفات قيل له «سلم» شريطة أن يكون له مقبض ، وهذا المعنى جارٍ في «س ل م» وممّا تركب منها .

وكذلك بالنظر إلى هذا المعنى كان «السلام» من أسماء الله تعالى لأنه يحفظ سبحانه خلقه من الآفات والبلايا والشرور والنقائص ، أو أنه سبحانه خلق القدرة في ذوي الاستعداد والقابليات على الاستفادة من مراتب المواد الممكنة في تربية شمسه الرحمانية المشرقة من قاف إلى قاف على العالمين، والوصول إلى درجة كمال الاستعداد، ويحول بينهم وبين الموانع بضمان سلامتهم حتى يصلوا إلى ما قدر لهم من تلك الحدود، أو أنّه سمّي سلاماً باعتبار سلامته من نقائص الإمكان وتعاليه على أفق الحدوث، فهو السلام ومنه السلام وإليه السلام .(1)

ص: 130


1- وهذه العبارة حديث فاطمة الزهراء : الله السلام ومنه السلام وإليه السلام . (المواهب السنية : 264) سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : جاع النبي جوعاً ... فهبط جبرئيل عليه ومعه لوزة فقال : يا محمّد ، إن الله يقرئك السلام فقال : يا جبرئيل ، الله السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام . «المواهب السنية» : (232) سلمان الفارسي عن رسول الله .. فقلت : هو السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام . (بحار الأنوار 18 : 313 ط طهران) أبي سعيد عن رسول الله : إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام، وعلى جبرئيل السلام (بحار الأنوار 18 : 385 ط طهران) اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام وإليك يعود السلام ودارك دار السلام. (بحار الأنوار 100 : 412 ، مفاتيح الجنان أعمال مسجد الكوفة) اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام. (بحار الأنوار 101: 209 ط طهران) والسلام هنا ينطبق على المعاني الثلاثة : هو السلام باعتباره تعالى ذاتاً مقدّسة عن سمات الإمكان ، و «منه السلام» باعتبار أنه يحمي ويسلم خلقه من الآفات وذلك من ألطافه ، و«إليه السلام» باعتبار أن غاية الموجودات ذوات الاستعداد بلوغ القرب من حضرته كما قال الحكيم المعاصر : يا واهب العقل لك المحامد***إلى جنابك انتهى المقاصد وهو أحسن شعره فاحتفظ ما ذكرناه واغتنمه . (منه)

وجملة القول : أنّه علم ممّا تقدّم أن معنى السلام هو السلامة والراحة ، ولفظ الجار «على» في «عليك» يفيد الشمول والإحاطة كما في رحمة الله عليه و «رضوان الله عليه» وأمثالهما. ويظهر من كلام العلماء وجوه لترجيح هذه التحية وإن كان بعضها لا يخلو من النقاش في النظر الدقيق لولا أن الغرض في ذكر هذه المطالب الإقناع والتقريب ، ونشير إلى بعضها على وجه الإجمال:

الأول : توجد في صيغ التحية الأخرى ألفاظ خاصة من الدعاء وغيره وفي هذه التحية يوجد الإخبار بالسلامة الطاردة لجميع الآفات والشرور من الموت والقتل والأسقام والمذلة والفقر وغيرها؛ فهي أشمل .

الثاني : يرجع إلى العصر الجاهلي حين جرت العادة أن يغير البعض على البعض الآخر، أو يستولي على صاحبه بالغدر والحيلة، وكانت تحاياهم المعتادة لا تؤمن رخاء البال وسكون القلب بصراحة صيغة السلام يتضمن معناها راحة القلوب وسكينة النفس ، فهي أوّل ما يرد السمع من كلام المخاطب ويكون السلام مبدأ للتلاقى ، فيحمل في طياته نواة البشر وطيب النفس والأمان من جميع الصور المتخيّلة الضارّة.

ص: 131

الثالث : أنّ قول «حياك الله» جملة دعائية ولمّا كان الدعاء يستلزم الإجابة لا يستدعي اطمينان الخاطر وسكون النفس، بخلاف «السلام عليك» فإنّها جملة خبرية ومقتضاها تحقق السلامة والأنس، فإذا سمعها السامعون صارت سبباً في راحة الخاطر وسكون البال وأمان الفؤاد على أنّ من قال حياك الله له أن يعتذر إذا لزم الأمر أنّ دعائه لم يستجب ، ولكن لا عذر لصاحب الس-لام ف-ي الع-ذر لأنّ صريح الجمله الخبرية سلامة المسلَّم عليه من المسلم فإذا تخلّف عن مفادها عُدّ كذاباً صراحة لا ضمناً ؛ فافهم ...(1)

الرابع : قال العلماء : إن الأصل في جبلة الحيوان الخير أو الشر ؟ فمنهم من قال : الأصل فيها الشر وهذا كالإجماع المنعقد بين جميع أفراد الإنسان، بل نزيد ونقول :

إنه كالإجماع المنعقد بين جميع الحيوان والدليل عليه أنّ كلّ إنسان يرى إنساناً يعدو إليه مع أنه لا يعرفه فإنّ طبعه يحمله على الاحتراز عنه والتأهب لدفعه ولولا أنّ طبعه يشهد بأنّ الأصل في الإنسان الشر لما أوجبت فطرة العقل التأهب لدفع شر ذلك الساعي إليه بل قالوا هذا المعنى حاصل في كل الحيوانات فإنّ كلّ حيوان عدا إليه حيوان آخر فرّ ذلك الحيوان الأوّل واحترز منه فلو تقرر في طبعه أنّ الأصل في هذا الواصل هو الخير لوجب أن يقف (لأن أصل الطبيعة يحمل على الرغبة في وجدان الخير ولو كان الأصل في طبع الحيوان أن يكون خيره وشره على التعادل والتساوي وجب أن يكون الفرار والوقوف متعادلين فلما لم يكن الأمر كذلك بل كلّ حيوان توجّه إليه حيوان مجهول الصفة عند الأوّل فإنّ ذلك

ص: 132


1- رضي الله عن هذا الشيخ الجليل بما يتفتق عنه ذهنه من هذه المعاني، وهل يدرك بعض هذا أبناء الجاهلية وهم همج رعاع ؟!

الأوّل يحترز عنه بمجرد فطرته الأصليّة علمنا أن الأصل فى الحيوان هو الشر) (1).

كما قالت اللائكة في بدء الخليقة : «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ...» (2)وهو شاهد على المدعى.

«اذا ثبت هذا فنقول : دفع الشر أهم من جلب الخير [استدعى ذلك ] إذا وصل إنسان إلى إنسان كان أهم المهمات أن يعرفه أنه منه فى السلامة والأمن والأمان» (3)ليكون فارغ البال وآمن السرب وليعملا بعد ذلك بلوازم المؤاخاة ووظائف الملاقات ..

الخامس : أنّ لفظ السلام كما علمت هو اسم من أسماء الجلالة وبالابتداء بهذا الاسم تنال البركة وإن لم يكن ذلك مقصوراً لذاته ولا يوجد ما فيه من الشرف في الأسماء الأُخرى ولما كان سماعه يوحي بهذا المعنى فإنه يبعث البهجة في قلب السامع ويمنحه لذة أخرى وكأنه يشير إلى هذا المعنى وهو الحديث الذي رواه رئيس المحدثين عروة الإسلام محمد بن علي بن الحسين مرسلاً، ورواه الشيخ الشهيد في الأربعين مسنداً عن صادق آل محمد علیه السلام فقد نقلوا : إنّ الإمام قال بعد ذكر السلام «السلام اسم من أسماء الله» .(4)

ص: 133


1- الرازي ، مفاتيح الغيب 16 : 182 . والمؤلف أخذ منه ولم يُحل عليه . (المترجم)
2- البقرة : 30.
3- هذا من كلام الرازي في مفاتيح الغيب 16 : 182 ومابين الحاصرتين للمؤلف ، ولست أدري لماذا لم يشر إلى المصدر. (المترجم)
4- الروضة ، والبحار 76: 10 . قال رسول الله الله : «السلام من أسماء الله فافشوه بينكم». وفي أربعين 10 الشهيد حديث 22 ، والبحار 84: 306 رقم 20 بالإسناد عن زرارة عن أبي جعفر الباقر قال : سلّم عمار على رسول الله الا الله في الصلاة ثم قال أبو جعفر : إن السلام اسم من أسماء الله عز وجل. (هامش الأصل) وفي خصوص ما أورده المؤلف جاء في الأربعين للشهيد الأول عن الباقر ع : السلام اسم من أسماء الله تعالى (الأربعين : 51) . (المترجم)

وليس مستغرباً من بعض المحققين أن يقصر معنى السلام على الأول لأن ذلك عائد إلى عدم التعمق في بحث الحديث.

السادس : إن هذه التحية هي تحيّة الملائكة للأنبياء والموتى من المؤمنين أوّل دخولهم الجنّة كما جاء في حكاية لوط أنّ الملائكة قالوا للخليل: «سَلاماً قَالَ سَلامٌ» (1)وفي موضع آخر قال: «الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ» (2)وفي موضع آخر : «وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ».(3)

الوجه السابع : ما أشار إليه الرازي في تفسيره الكبير وهو مبني على النهج الخطابي وطريقة التقريب على نحو التحقيق والتنقيب من ثمّ جاز في نظر الفضلاء أن يتمم بشعر أو مثل إن لم يكن تاماً لأن ذلك حقيق بالمطالب من هذا القبيل، وخلاصة ما قال كما يلي ذلك لأنّ الأرواح البشرية أنواع مختلفة فبعضها أرواح خيّرة عاقلة وبعضها كدرة خبيثة وبعضها شهوانية وبعضها غضبية ولكلّ طائفة من طوائف الأرواح البشرية السفلية روح علوي قوي يكون كالأب لتلك الأرواح البشرية وتكون هذه الأرواح بالنسبة إلى ذلك الروح كالأبناء بالنسبة إلى ذلك الأب وذلك الروح العلوي هو الذي يخصها بالإلهامات تارة في اليقظة وتارة في النوم... وأيضاً الأرواح المفارقة عن أبدانها المشاكلة لهذه الأرواح في الطبيعة والصفات والخاصيّة يحصل لها نوع تعلق بهذا البدن بسبب المشاكلة والمجانسة وتصير

ص: 134


1- هود: 69
2- النحل : 32
3- الزمر : 73 .

كالمعاونة لهذه الأرواح على أعمالها ؛ إن خيراً فخير، وإن شرّاً فشر .(1)

ولمّا كان الإنسان عرضة لتزاحم جنود العلم والجهل وتعارض القوتين الملكية والحيوانية والحرب القائمة بين النفس والعقل، يحدث إثر ذلك في وجوده الصراع المستمر كما قالوا:

جان کشیده سوی بالا بالها***تن زده اندر زمین چنگالها

میل جان اندر علوم و در شرف***میل تن در کسب آب است و علف

ترفرف الروح في الأجواء صاعدة***والجسم في الأرض لم يخرج ولم يعف

ورغبة الروح في علم وفي شرف***ورغبة الجسم في ماء وفي علف

لهذا إن طرقت مسامعه كلمة فيها خبر السلامة حصل عنده البشارة ب-ال-راح-ة والطمأنينة ، ويكون ذلك أمارة على غلبة الجانب الملكوتي وقهر القوة الغضبية والشهويّة تحت لواء القوّة العاقلة وهذه التحيّة لاسيّما إذا كانت من مخبر صادق كامل خير من تحيّة «حياك الله» ومن أجل هذه اللطيفة رجّح بعضهم أن يكون الخطاب بلفظ الجمع «السلام عليكم» يشتمل جميع القوى النفسانية وتكون الإشارة بالسلامة إلى جيع التكثرات المنسجمة في هذا الوجود الوجداني ..(2)

وأنا أعتقد أنّ هذه اللطيفة يجب إجرائها في مكان الكثرة فيها محفوظة

ص: 135


1- هذا ما ذكره الرازي في تفسيره 16: 183 ، أما المؤلف فقد تصرّف بالنص وأضاف إليه شعراً ورأينا ترجمته لتعرف مدى الفرق بين النصين. (المترجم)
2- هذا معنی ترجمه كلام المؤلف وأما ما جاء في تفسير الرازي فقوله : وإذا عرفت هذا السر فالإنسان لابد وأن يكون مصحوباً بتلك الأرواح المجانسة له ، فقوله : «سلام عليكم إشارة إلى تسليم هذا الشخص المخصوص على جميع الأرواح الملازمة المصاحبة إياه بسبب المصاحبة الروحانية ... الخ . [مفاتيح الغيب 16: 183] والمؤلف غير النص تغييراً جذرياً وكان الألفاظ التي قدّم بها للنص في مبتدئه ، اعتبرها عذراً له من هذا التغيير الذي قلب المعنى رأساً على عقب لاسيما الشعر الفارسي الذي أدخله ضمن المتن المترجم حتى أن الناظر فيه يعتبره لأول وهلة أقوال الرازي وهو ليس كذلك .. ( المترجم)

ومتصوّرة ولكنّها في حق الأولياء والأنبياء لا يصح استعمالها لأنهم عند التجلّى يفقدون كثرتهم وتندك في تجلّي الوحدة الحقة والحقيقية، ويتجهون بكلهم قلباً وقالباً إلى الجانب القدسي من ثمّ جاء الخطاب واحداً في سلام الزيارات كلها «السلام عليك» ؛ فافطن واغتنم ...

الثامن: أنّها تحيّة الله لأنبيائه في عدة مواضع ، ولآل النبي صلی الله علیه و آله وسلم حيث يقول: «سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ» (1)ولعموم المؤمنين حيث يقول تعالى: «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» (2)وفي هذه الأثناء تتلاشى جميع التحايا وتضمحل لأنّه لا أثر يبقى للمخلوق عندما يتجلى الخالق ، ولا يتحقق له وجود.

یکی قطره باران زابری چکید***خجل شد چو پهنای دریا بدید

که جائی که دریاست من کیستم***گر او هست حقا که من نیستم

همت قطرة من غيمة وإذا بها***ترى البحر بالأمواج يرغي ويزيد

فقالت أمام البحر والموج من أنا؟***إذا كان بحر لا أعدّ وافقد

تنبيه :

اعلم أنّ الفخر الرازي ذكر في تفسيره الكبير : إذا ثبت هذا فقوله «سلام» لفظة منكرة فكان المراد منه سلام كامل تامّ (و) (إنّ التنكير يدلّ على الكمال) فقد صارت هذه النكرة موصوفة فصح جعلها مبتدأ .. (3)

واعتقادي أنّ هذا الكلام لا يصح من رأس، لأنّ مقامات الكلام مختلفة ، من ثمّ وردت في القرآن مختلفة وليست بصيغة واحدة ولو ادعي العكس لكان أولى «چه

ص: 136


1- الصافات: 130 .
2- الأحزاب : 44 .
3- مفاتيح الغيب 16 : 181 و ما بين القوسين يأتي قبل سابقه .

قصر طبيعت أتم از قصر بعض افراد اگرچه اعتبار کمال شود، چنانچه در الحمد الله تقریر داده اند والسلام على من اتبع الهدى» .. (1)

لطيفة :

ولما علمت أنّ معنى السلام هو القول للمخاطب : إنّ السلامة والاطمئنان ملأت جميعأقطارك ولن يصل مني إليك شرّ وضرر أبداً وإنك آمن من قبلي.

من هنا كان الزائر الماثل بين يدي الإمام أو الذي يزوره على بعد بعد تمثيله بمخيلته ويسلّم عليه أن يكون على حال لم تبدر منه بادرة سوء بحق الإمام لا في الوقت الحاضر ولا في غيره من الأوقات. ولمّا كان من المقطوع به أن هدف هؤلاء الأئمه ينحصر في هداية الأمة وصلاحها وإعلاء كلمة التوحيد وظهور آثار العبودية لله من الناس وإشاعة الطاعة في عمومهم فإنّهم حينئذ يألمون من إتيان المعصية وترك أوامره ظهرياً وفعل ،نواهيه، بل يتأذون من وجود الأخلاق الرذيلة من قبيل الحرص والكبر والرياء والعجب والبخل وحبّ الجاه والمال وأشباه ذلك.

ولقد كانت شكايات أمير المؤمنين علیه السلام على هذا الأساس وكذلك تظلمه، حيث أنّ الناس يعصون الله ولا يطيعون أئمة الهدى، ولا يبعد أن يكون قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما أُوذي نبي كما أُوذيت (2)ناظر إلى هذا المعنى لأنه لم تعصى أُمة نبيها وربها ما عصت هذه الأُمّة حيث غصبت الخلافة وآذت فاطمة وقتلت سيّدالشهداء وأنزلت

ص: 137


1- رأيت ترجمتها غير دقيقة فآثرت الأصل وأرجو من القارئ الدقة في ترجمتها . (المترجم)
2- ما أُوذي أحد مثلما أُوذيت (كنز العمال ج 3 حديث 5817 و 5818 عن الحلية وابن عساكر عن جابر ، وكنز العمال ج 11 ح 32160 و 32161، والجامع الصغير : 334) . (هامش الأصل) جرى تطبيقه في كنز العمال وفي شرح الجامع الصغير للمناوي رقم 7852. (المترجم)

من البلايا على الأئمة ما لم ينزل على رؤوس غيرهم ...(1)(2)

فتبين من هذا أنه لم يؤذ نبي كما أُوذي هذا النبي المكرّم صلی الله علیه و آله وسلم.

وحاصل الكلام أنّه يلزم الزائر أن يكيّف نفسه على وجه فيه رضى للإمام تلك الآونة ولا يؤذيه بسوء سلوكه ليصدق في بذل السلام وأدائه .

إذن، ينبغي عليه أن يطهر القلب بماء التوبة ويذري من عينيه دموع الندم، ثمّ يتقدّم بالسلام على الإمام.

غوطه در اشک زدم کاهل طریقت گویند***پاک شود اول و پس دیده بر آن پاک انداز

غرقت بماء الدم إذ قال رفقتي***تطهر من الآثام ثم انظر الطهرا

وإن لم يكن على الصفة التي ذكرناها فإنّه يكذب حينئذٍ في أوّل كلمة يقولها ويغدر، وهذا المعنى لا يتحقق للعبد إلا بتوفيق من الله وخلوص النيّة ، رزقنا الله ذلك بمحمّد وآله .

المقام الثاني : في لفظ «أبو عبدالله»

اعلم أنّ هذه الكلمة المباركة إنّما هى كنية وهي مأخوذة من الكناية ومعناها الإشارة إلى الاسم بالتلميح مع احتوائها على قرينة توجب الانتقال إلى المعنى

المقصود ، ومن هذه الناحية أطلق البصريون على «الضمير» اسم الكناية .

والكناية عند علماء البيان لا تتجاوز هذا المعنى، فإذا أريد التعمية على اسم أو

أُريد عدم ذكره صراحة كنّي عنه بالأب أو الأم أو الابن، فيدعى بلفظ «أب» أو «أم»

ص: 138


1- «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولُهُ» قال : نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين حقه وأخذ حق فاطمة وآذاها، وقد قال النبي من آذاها في حياتي كمن آذاني بعد مماتي. هامش الأصل نقلاً عن بحار الأنوار 17: 27
2- جرى تطبيقه في بحار الأنوار 43: 25 ط ثانية مؤسسة الوفاء بيروت 1403 .

أو «ابن» من قبيل : أبو عمر، وابن عباس، وأُمّ معبد، وهذه الكلمة تسمّى كناية كما تسمّى كنية لأنّها لا تدلّ على الذات دلالة الاسم الصريح، ولما كان الأغلب من الناس يأنف أن يدعى باسمه العلم .

والألقاب التي يضعها العجم في مقدّمة الأسماء مثل : سيد أو شيخ أو خان أو میرزا لم تكن معروفة عند العرب، لذلك فزعوا إلى الكنية فجعلوها أداة تعبير واعتبروا رعاية أدب اللياقة تكون بها ، كما قال شاعر الحماسة :

أكنيه حين أُناديه لأكرمه***ولا أُلقبه والسوءة اللقبا

كذاك أُدِّبْتُ حتى صار من خُلُقي***إنِّي وجدت ملاك الشيمة الأدبا

من هنا جرت بهم العادة أن يضعوا لكلّ واحد كنية وأحياناً يكنى المرء وإن لم يكن له ولد بل توضع له كنية حين ولادته تيمناً بذلك أن يكون ذا ولد ، والغالب أن يتكنّوا بما يتكنّى به أصحاب الأسماء الشهيرة كما لو وضعوا للوليد اسم علي فإنّ كنيته أبو الحسن ، أو الحسن فتكون كنيته أبا محمد ، لأنّ كنية الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن علیهما السلام أبو الحسن وأبو محمد.

والظاهر من الأخبار الكثيرة أنّ كنية الحسين علیه السلام أبو عبد الله منذ الصغر كما جاء ذلك في رواية أسماء بنت عميس أنّ النبي عند ولادته وضعه في حجره ثمّ قال : يا أبا عبدالله ، عزيز علي ، ثم بكى، فقلت: بأبي أنت وأُمِّي، فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأوّل فما هو ؟ قال : أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أُمية .(1)

وهذه الكنية مشتركة بين إمامين: أحدهما سيّد الشهداء والثاني الإمام الصادق علیه السلام ، والظاهر أنّ هذه الكنية وكذلك الاسم هدية من الله لهما .

ص: 139


1- بحار الأنوار 43 : 238 - 240 باب 11 عن العيون وابن شهر آشوب في المناقب، والبحار 44: 250 و 251 عن الأمالي . (هامش الأصل) جرى تطبيقه على البحار باب 31 (المترجم)

فائدة استطرادية :

جاء في كتاب «منتهى الإرب» : يقال : يكنى بأبي عبدالله مجهولاً ولا يقال يكنى بعبد الله . يعني إذا سُئل عن الكنية (فلان ما كنيته) فيقال له : «يكنى بأبي عبدالله» لا بعبد الله .. وأقول أنا : إذا قصد النافي عدم صحة العبارة (أي قول القائل يكنى بعبد الله) فلا وجه له لأنّ باء الجر تارة تتعلّق بالفعل «يكنى» وحينئذ يقال «يكنّى بأبي فلان» وأحياناً تكون الباء سببية وتكون العبارة عندئذ إنه بفلان صار صاحب كنية ولابد من دخول الباء على اسم الولد فيقال «يكنى بفلان».

أمّا إذا قصد النافى نفي الاستعمال فذلك خلاف الواقع وسببه قلّة التتبع وعدم الاطلاع على مذاهب استعمالات العرب لأنّ هذه عبارات شائعة مثل «يكنى بولده فلان» أو بعد ذكر الولد يقال «وبه يكنّى» وهذا جار في كلام السلف والطبقات التي يحتج بكلماتها حتّى فات حدود الإحصاء من ذلك عبارة ابن إسحاق وقتادة المحكية في «أسد الغابة» في ذكر النبي أنه «وبالقاسم كان يكنى».(1)

ومن شعر عبد المطلب علیه السلام الذي نسبته إليه الكتب المعتبرة أنه قال :

وصيت من كنيته بطالب***عبد مناف وهو ذو تجارب

وذلك مستعمل بكثرة عند الشعراء المتأخرين ، فلو ذهبنا نستقصي لطال بنا المقام وأدّى ذلك إلى الملل ونكتفي بهذا البيت الواحد من شعر أبي طالب المأموني وهو من الشعراء المشاهير في عهد الوزير الفاضل المحقق كافي الكفاة

ص: 140


1- أقول : لا وجه لما ذكره المؤلّف فإنّ العبارة التي ناقشها إنّما تختص بمن لا ولد له ولذلك عبر عنه بالمجهول فلا يجوز غيرها ، لأنه لا ولد له لكي ينسب إليه التكنّي به، أما من كان ذا ولد فحينئذ تصح العبارة التي ذكرها المصنف عند ذكر الولادة فيقال مثلاً : وكان له من الأولاد فلان وفلان وفلان و به كان يكنّي ، فلا منافاة بين القولين لأن العبارة الأولى تقال لمن ليس له ولد ، والثانية لمن ولد له أولاد (المترجم)

الصاحب الأجل أبي القاسم إسماعيل بن عباد وفي طبقة أبي سعيد الرستمي وأبي محمد الخازن حيث يقول في قصيدته الميمية المعروفة :

ولا تاج إلا ما تولّيت عقده***على جبهة الملك المكنّى بقاسم

ونحن لو لم نكن على النهج الذي نقله السيوطي في المزهر عن الإيضاح لأبي علي الفارسي وصاحب الكشاف ونجم الأئمة والمحقق الشريف والقاضي البيضاوي وعبد القادر البغدادي والشهاب الخفاجي وجماعة من الفضلاء الذي جوزوا الاستشهاد بشعر العلماء المولّدين لأنّ استعمالهم للفظ يعتبر رواية منهم لذلك اللفظ فهو حجّة حينئذ .

أقول : لو لم نكن على النهج المذكور لوجب التزامنا في خصوص هذا الشعر بالصحة لأنه أنشد بين يدي أعظم العلماء في لغة العرب وأُستاد مهرة الشعر

والأدب و«عبدالقاهر الجرجاني» الذي هو ترجمان البلاغة ، كان يلتقط فتات خوانه وفي خدمة حضرته تعلّم هذه العلوم وكتابه «المحيط» أو بحر اللغة المحيط ، وقرأ الصاحب الشعر وقبله وصين من نقد نادرة النقاد، ولم ينقل عن أحد من أدباء زمانه الذين يناصبونه العداء وكانوا على أهبة الاستعداد لنقد أقواله وأفعاله، نقد له أو مناقشة حول ذلك .

وكان أبو منصور عبدالملك الثعالبي وهو لسان العربية الناطق اختار هذا الشعر في كتابه يتيمة الدهر واعتبرها من الأفراد، وكتبت هذه الفقرات قبل اطلاعي على شعر أبي صخر الهذلي وهو من كبار الطبقة الثالثة من الشعراء ومن ف-حول المتقدمين المعبّر عنهم بالإسلاميين وشعره بالإجمال يصح الاستشهاد به ويحتج ب، وله قصيدة طنانة ذكر شطراً منها صاحب الأغاني وفي الحماسة شطراً آخر منها وهي بأجمعها موجودة في خزانة الأدب للبغدادي عبدالقاهر نقلاً عن ذيل «أمالي القالي» واستشهد سيبويه ومن تأخّر ببعض أبياتها وفيها هذا البيت:

ص: 141

أبى القلب إلا حبّها عامرية***لها كنية عمرو وليس لها عمرو

وظاهر هذا الاستمال أن نفس عمرو يقال ل كنية وبناءاً على هذا تكون الباء في قول القائل «یکنّی به عمرو» مثلاً للتعلّق بالفعل لا للسببية ودخلت الإسناد مجازاً لأن مدار الكناية ومناط الرمز في الحقيقة إنّما هو الاسم ، ولفظ الأب والأم بمثابة العلاقة والرابطة ، وإطلاق الكنية عليه بهذه العناية مستحسنة. وعلى كل حال فإنّ شعره في هذه القصيدة صحيحة النسبة إليه ، برهان قاطع على دفع إنكار المنكرين وتبيّن من هذا أن لا مندوحة من صحة الاستعمال.

ومن مجموع الأحاديث والأقوال التي ذكرناها يظهر وجه تكنية الشيخ الصدوق في كتاب «إكمال الدين» للإمام صاحب الزمان بقوله : «يكنى بجعفر» (1)أن غرضه يكنى بأبي جعفر كما جاء في خبر آخر «يكنّى بعمه»(2). وعمه يدعى جعفراً فتكون كنيته أبا جعفر . ورجّح العلامة المجلسي هذا الاحتمال وجوز أيضاً أن يكنّى عنه بجعفر للإيهام وهذا بعيد، والاحتمال الأول هو المطابق لطريقة الاستعمال يومذاك .

والعجيب أنّ بعض المعاصرين أيده الله استند إلى عبارة منتهى الإرب وجوّز الوجه الثاني وأشكل على العلامة المجلسي حيث استظهر الوجه الأوّل، وأظهر العجب من هذا المعنى واستغربه ، والله العالم بحقائق الأمور.

تنبیه :

أشرنا في البداية أنّ هذه الكنية اختصت بسيد الشهداء وينبغي أن تكون بإذن

ص: 142


1- إكمال الدين 2: 432 باب 42 رقم 11 وتفسيره ذيل الحديث، وبحار الأنوار 5 : 15 و 16 رقم 18 و 23 ، إثبات الهداة 3: 466 و 678 و 484 . (هامش الأصل)
2- المكنّى بعمه. إكمال الدين 1 : 318 رقم 5 وتفسيره ذيل الحديث ، وبحار الأنوار 51: 37 و 38 رقم 9 و 11 .

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم . ومن الواضح البيِّن أن النبي لا يفعل ذلك إلا بأمر الوحى ، ولابد من أن ينطوي سرّ من الأسرار في هذه الكنية ولا يكنى الإمام بها إلا لأمر بالغ الأهمية أو نكتة من الدقة بمكان مكين.

وليس بعيداً أن تكون بمثابة كنية النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم بأبي القاسم - كما جاء في بعض الأخبار - وليست تلقائية من قبيل الكنى المعروفة .

وبيانه كالتالي : لما اقدم الحسين علیه السلام من أجل تبيين مستوى عبادته وعبوديته ورسوخ قدمه في التوحيد ومحبة الربّ الأزلي، على أمر عجز عن الوصول إليه نبي من الأنبياء ولا ولى من الأولياء ما عدا جده وأباه وأخاه العظيم، وكلّهم قال بلسان حاله: «لو دنوت شبراً لاحترقت» لاسيما يوم العاشر من المحرّم حيث أقام عبادة جمعت جميع العبادات كلّها ؛ الظاهرية والأعمال القلبيّة. وكلّ فعل أفعاله وعمل من أعماله كالصوم والصلاة والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي حصلت من جنابه على نحو الحقيقة والواقع من قبيل الجهاد والأمر بالمعروف والصلاة وما أشبه ذلك ، وقسم آخر من أعماله كالحج والزكاة التي تحتاج إلى التأمل والتدبر لمحاكاتها مع رعاية التطبيق والتشبيه فقد أصبح بناءاً على ما تقدّم عبرة لأولي الأبصار وأصحاب العقول.

وكذلك بالنسبة إلى مكارم أخلاقه ومعالي أموره وشجاعته وسماجته ومروّته وغيرته وحميته وعفوه ومداراته الناس ونصيحته الأمة وإصلاح أمرها ويقينه

واطمئنانه وثباته ولينه وحسن معاشرته ومواساته وبره وملاطفته، هذه الصفات جميعاً التي ظهرت على حياته، وأعظمها جميعاً الصبر الذي يحتوي في الحقيقة على جميع المكارم والفضائل وصار باعثاً على تعجب ملائكة السماء ، وهم النفوس القدسيّة والعباد المكرمون ، وليس بعيداً أن تكون الفقرة المأثورة «لا يوم

ص: 143

كيومك يا أبا عبدالله» (1)إشارة إلى ما ذكرناه .

وذكر الفاضل والفقيه المعاصر في كتاب «خصائص الحسين» شرحاً مسهباً عن العبادات التي صدرت من جنابه يوم عاشوراء وقد أدّى حق هذا المورد كما يستحق أمثاله من أنواع التقريبات الخطابيه ، وحاصله :

أن الحسين علیه السلام لما كان له في مقام إظهار العبودية لله امتياز خاص وقدح معلّى وسهم أوفر كنّي لذلك بأبي عبدالله ، وهذا الوجه له صلة وثيقة في استعمالات العرب اللفظيّة، لأنّ من غلبت عليه صفة من الصفات يتخذ من تلك الصفة معنى مجرّداً ثم يطلق عليه كما كانوا يقولون: رأيت منه أسداً، وأحياناً يقولون: «فلان أبو جواد يعنون أنه صاحب جود عظيم وكرم زائد وما زال هذا الاستعمال شائعاً بين العرب، ولو ألقيت نظرة فاحصة إلى أقسام الكنى المنقولة عن العرب بتدبّر جيد وتمعن صحيح، وفكرت في الأمر تفكيراً جاداً فسوف تشاهد فصلاً ممتعاً وشطراً صالحاً من هذا النوع من الكنايات بحيث يرتفع به الإشكال والاستبعاد ، فقد كانوا يكنون «الفالوذج» بأبي سائغ ، والخلّ بأبي نافع، والسكباج بأبي عاصم ، والشمع بأبي مؤنس، والديك بأبي اليقظان وأمثال ذلك كثير . ومن ذلك ما أشرنا إليه من كنية النبي بأبي القاسم ، لأنّ الجنة والنار قسمتها بيده صلی الله علیه و آله وسلم.

الوجه الثاني : إنّ كلّ من عرف سياسة خلفاء الجور وأتباعهم في الأزمان المنصرمة ، عرف حتماً أنّ الحسين لو لم ينهض وترسخ قدمه في الجهاد ويبذل الجد والجهد في يوم عاشوراء في ميدان الفداء والتضحية، لانمحت الشريعة المحمّديّة من أساسها ، وتلاشت من وجه البسيطة كلّها ، وعاد الناس إلى سيرتهم

ص: 144


1- «لا يوم كيوم الحسين» الخصال . أمالي الصدوق : مجلس 70 رقم 10 ، بحار الأنوار 44: 298 . «ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله» أمالي الصدوق : مجلس 24 تحت رقم 3، بحار الأنوار 45: 218 ط لبنان .

الجاهلية ورجعوا القهقرى إلى شريعة الكفر، ولغلب الجبروت وانتصر الميل إلى الحباة العاجلة فلا ترى مسلماً على دين الهداية. وكانت الأسبقية في الدين للفضائح الأموية والقبائح التيمية والعدوية .

ولكن النهضة الحسينية قومت المعوج، وأصلحت الفاسد، وأقامت انحناء الدين، فكل من جاء بعده وعبد الله حق عبادته والتحف شريعة المصطفى

واقتدى به فهو من بركة وجود الحسين الا وجهاده «لولاه ما عرف الله» .. .(1)وعلى هذا فهو أب لعباد الله جميعاً على الحقيقة، لأنّ من معاني الأب المربي والمؤيّد وهو في لغة العرب شائع الاستعمال، سواء كان العبد عبد عبادة أو عبد عبوديّة، ولا يلزم منه استعمال اللفظ بأكثر من معنى لأنّ حقيقة العبوديه بحسب اللغة التذلّل، ومعنى التعبيد التذليل ، والعبادة من وظائف العبوديّة فلا إشكال حينئذ، والله أعلم.

ص: 145


1- فرائد السمطين 1 : 46ط بيروت بالإسناد عن الصادق : لم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها ولولا ذلك لم يعبد الله ... هامش الأصل جرى تطبيقها على فرائد السمطين، وهذا بعض الحديث . (المترجم)

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ.

«ابن» لفظ من الألفاظ التي زيدت فيها همزة الوصل بدلاً عن محذوف

واشتقاقه من البناء لأنّ وجود الابن مبني على وجود الأب، كما ذكر ذلك في مجمع البيان، وليس اشتقاقه من «البنو» كما هو معروف، وشاهده عدم استعمال «بنو» في سائر التراكيب، واستعمال البنوّة لا يمكن أن يكون دليلاً على القول الثاني لما ورد في مبناه من مجيء الفتوة مع أنّ تثنية الفتى فتيان ، وقلّة تبديل الياء بالتاء كما في البنت لا يعارض عدم ورود لفظ «بنو» .

من هذه الجهة روي عن الراغب وابن سيّدة في الحكم الميل إلى الاحتمال الأول(1) ولو فرضنا تعادل الأدلة فإنّه محل توقف وترديد كما في القاموس

وحكي عن الأخفش والجزم بالوجه الثانى لا وجه له .

«الرسول» لغة معناه المرسل وهو في الاصطلاح أخص من النبي .

وبالجملة أرى من المناسب أن نشير إلى الدليل القاطع على انتساب سيد الشهداء والإمام المجتبى وسائر أئمة الهدى إلى النبي بالبنوة الصحيحة وإن كان هذا المطلب مورداً لإجماع الإمامية ومن مسلّمات مذهبهم، وبلغ حدّ الضرورات الدينية لما ورد فيه من أخبار الصحيحة وآثار صريحة .

ولكن لما خالف في ذلك بعض أهل السنة والجماعة فعلينا الاستدلال عليهم

ص: 146


1- وأنقل لك ما قاله الراغب في المفردات : و «ابن» أصله بنو لقولهم الجمع أبناء وفي التصغير بني ، قال تعالى: «يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ»،«يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ»،« يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ»،«يَا بُنَيَّ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ» وسمّي بذلك لكونه بناءاً للأب فإنّ الأب هو الذي بناه وجعله بناءاً في إيجاده ويقال لكلّ ما يحصل من جهة شيء أو من تربيته أو بتفقده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره هو ابنه نحو فلان ابن حرب وابن السبيل للمسافر ، وابن الليل وابن العلم ... الخ . (المفردات : 62). (المترجم)

بالأدلة المقبولة عندهم مِن ثَم نكتفي بإثبات آيتين من كتاب الله الكريم وبعض الأخبار الثابتة لدى أهل السنة والجماعة التي استخرجناها من كتب علمائهم المعتبرة على وجه الإيجاز لئلا تبقى شبهة في القلوب، قلوب الناظرين في هذه الصفحات، وتتوطد عقايد السامعين وتكون محكمة الأركان ثابتة الأساس.

الاية الاولى

«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» .(1)

وخلاصة المعنى أنه سبحانه وتعالى خاطب نبيّه قائلاً: أي محمد ، لو جادلك أحد من الناس حول مخلوقية عيسى وكونه خلق بدون أب كما هو الحال في آدم ثمّ خاصمك في ذلك فقل له : هلم ندعو أبنائنا وتدعون أبنائكم، وندعو نسائنا وتدعون نسائكم، وندعو أنفسنا وتدعون أنفسكم، ثم تبتهل إلى الواحد الأحد أن يجعل الدائرة تدور على الكاذب وتحلّ اللعنة به ويبعد من رحمة الله تعالى.

دلّت هذه الآية على أنّ الحسنين علیهما السلام هما ابنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

يقول ابن الخطيب الرازي - وهو إمام أهل السنة وفخرهم وفخر دينهم - في تفسيره مفاتيح الغيب : (واعلم أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم لما أورد على نصارى نجران أنواع الدلائل وانقطعوا ثم دعاهم إلى المباهلة فخافوا وما شرعوا فيها وقبلوا الصغار بأداء الجزية، وقد كان علیه السلام على إيمانهم) روي أنه علیه السلام لمّا أورد الدلائل على نصارى نجران ثمّ إنّهم أصروا على جهلهم فقال علیه السلام: إن الله أمرنى إن لم تقبلوا الحجّة أن أباهلكم . فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك، فلمّا

ص: 147


1- آل عمران : 61 .

رجعوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - يا عبد المسيح، ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم - يا معاشر النصارى - أنّ محمداً نبي مرسل ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قط فعاش كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لكان الاستئصال ، فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

وكان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم خرج وعليه مرط شعر أسود، وكان قد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول: إذا دعوت فأمنوا فقال أُسقف نجران يا معشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، ثم قالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك . فقال صلوات الله عليه : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين، فأبوا، فقال: فإنّي أُناجزكم القتال ، فقالوا: مالنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك في كلّ عام ألفي حلّه ؛ ألفاً في صفر وألفاً في رجب ، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا .

وروي أنه علیه السلام لمّا خرج في المرط الأسود فجاء الحسن له فأدخله، ثم جاء الحسين علیه السلام فأدخله، ثمّ فاطمة ثمّ عليّ رضي الله عنهما، ثمّ قال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ

ص: 148

لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» (1)(2)، وإلى هنا نقلنا مجمل ما قال الفخر الرازي .

ويقول بعد ذلك : واعلم أنّ هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير(3) ومثله فعل نظام الدين النيشابوري في تفسيره وادّعى عليها الاتفاق والزمخشري في الكشاف، وناصر الدين البيضاوي في أنوار التنزيل وكذلك أبو السعود نقل ذلك بنفس الطريق، وشمس الدين سبط أبي الفرج بن الجوزي البغدادي في التذكرة روى اتفاق العلماء وأصحاب السير عليها، وابن روزبهان مع تعصبه الشديد في ردّ كشف الحق لآية الله العلّامة ادعى عليها الاتفاق أيضاً، ومثله فعل كمال الدين بن طلحة وأثبت نسبتها إلى جميع النقلة والرواة الثقات والعضدي في المواقف، والشريف في شرحها، والتفتازاني في وشرحه، وعلاء الدين القوشجي ولم يناقش السند أبداً، ومسلم بن الحجاج النيسابوري في صحيحه، وأبو عيسى الترمذي أيضاً في صحيحه، وقد أجمعت أهل السنة على تصحيح ما جاء فيهما من الأحاديث .

فقد روى هؤلاء جمياً أن النبى الله صلی الله علیه و آله وسلم بعد نزول آية المباهلة جمع هؤلاء الأربعة وقال: اللهم هؤلاء أهلي.

وفي الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي بعد نقله عن جابر أن قوله تعالى «أنفسنا» محمد وعلي و نسائنا فاطمة «وأبنائنا» الحسنان ، قال : هكذا رواه الحاكم

ص: 149


1- الأحزاب : 33 .
2- تفسير الفخر الرازي 8 85ط البهية بمصر . (هامش الأصل) وجرت مطابقته على الطبعة الثانية لدار إحياء التراث العربي بيروت 8: 80 ، ونقلت النص كله ولم أتابع المؤلّف لأنه مترجم للنص وله أن يختصر ويحذف وأنا ناقل النص فلا سبيل لي إلا نقله كما أورده صاحب المصدر الرازي . (المترجم)
3- نفسه 80:8

في مستدركه عن عليّ بن عيسى وقال : صحيح على شرط مسلم. ورواه أبو داود والطيالسي عن شعبة ، والشعبي، وروى ابن عبّاس والبراء نحو ذلك .

وذكر ابن الأثير هذه الرواية في أسد الغابة باختلاف أسد الغابة باختلاف يسير ، والقرماني في أخبار الدول، ومودّة القربي لسيّد علي الهمداني، وفي مناقب السبطين لمحب الدين الطبري، وذكرها ابن حجر الهيثمي في شرحه على همزية البوصيري، وذكرها أيضاً في الصواعق المحرقة واعترف بصحتها ، وذكرها جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء وشرح ديوان الحسين بن معين الدين الميبدي، والمحبّ الطبري المكي في ذخائر العقبى، وسيّد مؤمن الشبلنجي المعاصر المصري في نور الأبصار وادّعى اتفاق المفسرين عليها، والعارف القندوزي القسطنطيني المعاصر في مواضع عدّة وبطرق مختلفة .

وهؤلاء الكبار كلّ واحد منهم يُعدّ من أساطين عالم التسنّن ومن أماثل القوم وأساطينهم ، ولهم مراتبهم العلمية المعترف بها ، فقد نصوا عليها في تأليفهم، ولو ذهبنا نستقصي طرق هذه الرواية لكان المثنوي سبعين منا من القرطاس .(1)

ومن هذه الجهة لم يستطع إنكارها الفخر الرازي وهو قمة العصبية المذهبية، وموئل إنكار فضائل أهل البيت ولم يؤت القدرة على ردّها وقال هذه الآية دليل على أن الحسنين ابنا رسول الله، والحمد لله على وضوح الحجّة .

وأورد الزمخشري في الكشاف قائلاً: فإن قلت ما كان دعائه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه فما معنى ضمّ الأبناء والنساء ؟ قلت : ذلك أكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على

ص: 150


1- مثل فارسی «مثنوی هفتاد من کاغذ شود».

تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلك خصمه مع أحبته واعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة ، وخص الأبناء والنساء لأنّهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربّما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى قُتِل ، ومن ثمة كانا يسوقون مع أنفسهم الضعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق .

وقدّمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنّهم مقدّمون على الأنفس مفدون بها ، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على

فضل أصحاب الكساء (1)وهذا مجمل ما قاله صاحب الكشاف .

والعبد الله يقول : أوّلاً: الأولى أن يجعل الوثوق بالصدق والاطمئنان في تقديم الأبناء والنساء هو الأهم والأجدر لأنه وكما قال الزمخشري ينحصر هم الإنسان في مقام المحن والبلاء في نجاة الأبناء والنساء، ومع كل ما يتوقع من جراء هذه المباهلة فإنّ ذوي العزّة والمحبّة في مقام البلاء ونزول الداهية الدهماء يقدّمون الأبناء والنساء، وهذا دليل واضح على صدق الدعوى وثبات القدم ورسوخها حيث لا يوجد عاقل يجعل أطفاله وعياله وقاءاً له أمام البلاء النازل من السماء وفداء له في نزول القضاء المفاجئ..(2)

ثانياً : أنظر بعين الدقة والتأمل الجيد وبالبصيرة النافذة إلى هذا الرجل الذي هو علّامة طائفته المطلق كيف يذعن بأنّ فاطمة والحسنين الله أحبّ الخلق إلى

ص: 151


1- الكشاف 1 : 434 ولم نقنع بما أجمله المؤلّف لأن ذلك يؤثر على النص العربي في الكشاف . (المترجم)
2- رحم الله شيخنا الطهراني كان عليه أن يفطن إلى ما تحت هذا القول من نفي الفضل عن المباهل بهم حيث جعلوا تقديمهم بين يدي النبي يعود أولاً وبالذات إلى الطبع الأبوي وأنه قدمهم إشارة منه إلى صدق دعواه ورسوخ قدمه مع حبّه الشديد لهم ، ولو لم يكن واثقاً بالنصر والنجاة لصدقه لما قدمهم وليس ذلك لفضل فيهم وأمر من الله بتقديمهم . (المترجم)

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو وهم أفلاذ كبده وأنّهم أشد الناس به لصوقاً ودنواً وهمه فى نجاتهم من الأحداث أكثر من أي شخص آخر ثمّ يتقاعس عن أداء حقوقهم بحيث لا نظير له في ذلك ويقدم عليهم الأخسَ المعيب الفطرة الذي ليس له حسب أو نسب ويفضّله عليهم (1)نعوذ بالله من الخزي والخذلان .

الآية الثانية

«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ» إلى قوله تعالى: «وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاً بِكُمْ» (2).

أسند الشيخ الأعظم الأقدم ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني الرازي جزاه الله عن العترة الطاهرة خير الجزاء في جامعه العظيم وهو بشهادة المفيدة لأجل كتب الإسلام وأعظم مصنّفات الإمامية المسمّى ب_«الكافي» والشيخ الجليل العظيم أحمد بن أبي طالب الطبرسي قدّس سرّه الزكي في كتاب الاحتجاج وساقا السند إلى باقر علوم النبيين أبي جعفر الإمام محمد الباقر سلام الله عليه وعلى آبائه وابنائه أنه قال لأبي الجارود: يا أبا الجارود، ما يقولون لكم في الحسن والحسين علیهما السلام؟ قلت ينكرون عليهما أنهما ابنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

قال: فأي شيء احتججتم عليهم ؟ قال : احتججنا عليهم بقول الله عزّ وجلّ في عیسى بن مريم علیهما السلام: «وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ

ص: 152


1- ليس الزمخشري كما يقول عنه المؤلف بل هو معتزلي والمعتزلة رأيهم تفضيل أهل البيت أو رأي الأغب منهم والزمخشري من هؤلاء ، أليس هو القائل : فاز كلب بحبّ أصحاب كهف***كيف أشقى بحب آل النبي (المترجم)
2- النساء : 23 .

وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ »«وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى» (1)فجعل عيسى بن مريم من ذريّة نوح علیه السلام.

قال : فأيّ شيء قالوا ؟ قلت : قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب.

قال : فأي شيء احتججتم عليهم ؟ قلت احتججنا عليهم بقول الله تعالى لرسوله له : «قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ».(2) قال : فأي شيء قالوا ؟ قلت : قالوا : قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول : أبنائنا.

قال: فقال أبو جعفر علیه السلام : يا أبا الجارود، لأعطينكها من كتاب الله جل وتعالى أنهما من صلب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لا يردّها إلا كافر .

قلت : ومن أين ذلك جعلت فداك ؟ قال : من حيث قال تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ» الآية إلى أن انتهى إلى قوله: «وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ» فسلهم يا أبا الجارود: هل كان يحلّ لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم نكاح حليلتيهما ؟ فإن قالوا : نعم ، كذبوا وفجروا ، وإن قالوا: لا فهما ابناه لصلبه ...(3)(4)إلى هنا تمّت ترجمة الحديث المبارك إلا ما تخلله من ترجمة الآية ألفاظ قليلة.

وقريب من هذا الاستدلال الخبر الذي رواه في الاحتجاج منقولاً عن الإمام الكاظم علیه السلام أنّ الرشيد العباسي سأله : [كيف] جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ويقولوا لكم يا بنى رسول الله، وأنتم بنو علي وإنما ينسب

ص: 153


1- الأنعام : 84 - 85 .
2- آل عمران : 61 .
3- الكافي 8: 317 و 318 ، الاحتجاج 2 : 58 و 59 (المترجم)
4- الكافي 8: 317 ح 501 ، الاحتجاج 2 : 58 احتجاج الإمام الباقر (هامش الأصل)

المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء، والنبي جدّكم من قبل أُمَكم؟

فقلت يا أمير المؤمنين ، لو أنّ النبي نُشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ قال : سبحان الله ولم لا أجبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك. فقلت له : ولكنّه لا يخطب إليّ ولا أزوجه. فقال : ولم ؟! فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك . فقال : أحسنت يا موسى(1) .

أما الأخبار الواردة عن طريق أهل السنة والجماعة في أنّ الحسنين هل هما ابنا رسول الله أو عليّ أو أحدهما لم أعثر على فرقة ادعت نفيهما عن النبي في كتبهم المعتبرة على بضاعتي العلمية المزجاة، وكلّ منصف يذعن بتواتر ذلك ولا يتحمّل هذا المختصر حصر هذه الأخبار ، ولا في قدرتي إثباتها جميعاً بل لا يتسع الوقت لذلك من ثمّ نقتصر على بضعة أحاديث شريطة أن تكون غاية في الاعتبار ستداً ودلالة ، فنقول :

الأوّل: ما رواه محمّد بن إسماعيل البخاري الذي يعتبر كتابه عند العامة أصحَ الكتب بعد كتاب الله وهو الجامع الصحيح فقد روى فيه عن أبي بكرة قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة أخرى ويقول : ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين (2). وهذه إشارة إلى صلحه علیه السلام ومعاوية والمراد من إسلام هذا الأخير الظاهري وهو قول الشهادتين وليس فيه دلالة على إسلام أصحاب معاوية ، ولا تنافی الأدلّة الصريحة الدالة على كفر عدوّ أهل البيت كما يظهر ذلك لكلّ ذي

ص: 154


1- الاحتجاج 2 : 163 و 164 . (المترجم وهامش الأصل)
2- صحيح البخاري 5 : 32ط مطابع الشعب باب مناقب الحسن والحسين. (هامش الأصل) صحيح البخاري 3 : 170 ط بيروت دار الفكر الطبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باصطنبول 1401 المجلدات = 8. (المترجم)

بصيرة. وهذا الحديث بعينه مع إضافة لفظ «عظيمتين» بعد قوله «فئتين» مروي في الترمذي الذي يعتبر كتابه من أعظم الكتب السنّة الصحاح .(1)

ورأيته في غير هذين الكتابين في كتب كثيرة من كتب هذه الطائفة - العامة - ولا تنفع في إفلاج حجّة الخصم بعد كتاب البخاري لأنّهم يعتبرون أقواله حجّة قاطعة بل حكم بعضهم بكفر راد أحاديث البخاري، وأنت تعلم أن لا فرق في هذا الأمر بين الحسن والحسين .

الحديث الثاني: نقل محمد بن عبدالله الترمذي صاحب الصحيح في كتابه عن أسامة بن زيد قال : طرقت النبي صلی الله علیه و آله وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو مشتمل على شيء لا أدري ، فلما فرغت من حاجتي قال: فكشفه فإذا حسن وحسين علیهما السلام على وركه ، فقال : هذان ابناي وابنا بنتي ، اللهم إنِّي أُحبّهما فأحبهما وأحبَّ من يحبّهما (2)قال : هذا حديث حسن قريب . ورواه النسائي أحمد بن شعيب صاحب الصحيح في كتاب الخصائص مسنداً .(3)

الحديث الثالث: رواه أيضاً الترمذي في صحيحه عن يوسف بن إبراهيم أنّه سمع أنس بن مالك يقول : سُئل رسول الله : أي أهل بيتك أحب إليك ؟ قال : الحسن والحسين . وكان يقول لفاطمة : ادعي ابني فيشمهما ويضمهما إليه . قال :

ص: 155


1- صحيح الترمذي :3 : 192 ط الصاوي بمصر ، إحقاق الحق 10 : 664 عنه . (هامش الأصل) والحديث عن أبي برّة قال : صعد رسول الله المنبر فقال : إن ابني هذا سيد ، يصلح الله على يديه بين فئتين . هذا حديث حسن صحيح . قال : يعني الحسن (سنن الترمذي 5 : 323 ط دار الفكر طبعة ثانية 1403 تحقيق عبد الرحمان محمد عثمان) . (المترجم)
2- وقع خطأ من المترجم هنا فالمرجع المرقم من هامش الأصل برقم (2) هو للحديث المرقم برقم ،واحد ، أما هامش المترجم فهو صحيح، والحديث المرقم برقم (1) هامش الأصل فهو في ج 5 باب 31 رقم 3773
3- خصائص النسائي : 36 طبع التقدم بمصر . (هامش الأصل)

هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث أنس .(1)

الحديث الرابع: ذكر ابن حجر المكي صاحب الصواعق وهو متأخر في كتاب «المنح المكيّة» في شرح بيت البوصيري الذي قال فيه :

كنت تؤويهما إليك كما***أوت من الخط نقطتيها الياء

فقال : : وجاء من طرق صح بعضها ابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما .(2)

وذكر في الصواعق : أخرج ابن عساكر عن عليّ وابن عمر ، وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر ، والطبراني عن قرّة ومالك بن حريث، والحاكم أيضاً عن ابن مسعود مرفوعاً: ابناي هذان الحسن ... الخ .(3)

الحديث الخامس: ويقول في المنح أيضاً : روى البغوي وغيره: سمّى هارون ابنيه شبراً وشبيراً وإنّى سمّيت ابنى الحسن والحسين .(4)

الحديث السادس: وذكر ابن حجر في المنح أيضاً، ويؤيده ما صح عن عمر قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول : كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. وفي رواية زيادة الصهر والحسب وكلّ بني أُنثى عصبتهم لأبيهم ما عدا ولد فاطمة فإنّي أنا أبوهم وعصبتهم .(5)

ص: 156


1- صحيح الترمذي 3: 193 مصر الصاوي . (هامش الأصل) سنن الترمذي 5: 323 ط دار الفكر الثانية 1403 تحقیق عبدالرحمن محمد عثمان، بيروت. (المترجم)
2- يوجد في الصواعق المحرقة في الفصل الثالث ص 190 كثير من هذه الأخبار .
3- الصواعق المحرقة ، الفصل الثالث ، ص 191 الحديث الحادي عشر . (هامش الأصل)
4- وفي فرائد السمطين 1: 41 ط بيروت، عن سلمان الفارسي عن رسول الله : وابناي الحسن والحسين (هامش الأصل)
5- نقل هذا الموضوع علماء أهل السنة والجماعة في كتبهم بأسناد مختلفة وذكره بالتفصيل في «إحقاق الحق» 9: 648... وإحقاق الحق 18 : 331

والأولى ذكر أقواله التي ذكر من أجلها الحديث السالف وجاز به شاهداً عليها لأنّ به فوائد كثيرة. ويقول في شرح هذا البيت:

سُدْتُم الناس بالتقى وسواكم***سوّدته البيضاء والصفراء

إن سيادة الحسنين وذرياتهما من حيث النسب أشهر من أن تُذكر، ودليل ذلك آية المباهلة . ويقول بعض المفسرين أهل التحقيق ما من دليل أدلّ من هذه الآية على فضل فاطمة وعليّ والحسنين لأن النبي صلی الله علیه و آله وسلم دعاهم عند نزولها فحمل حسيناً وأخذ بيد الحسن ومشت فاطمة ورائهم وعلي وراء فاطمة فعلم من ذلك أنّهم المعنيون بالآية فصار أولاد فاطمة وذرّيّتها يدعون أبناء النبي صلی الله علیه و آله وسلم وينسبون إليه نسبة نافعة وحقيقته في الدنيا والآخرة وبرهان ذلك حديث صحيح عن النبي أنه خطب خطبة فقال : ما بال أقوام يقولون : إنّ رحمي لا ينفع ؟! بلى والله إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة .. إلى آخر الحديث .(1)

وروى الطبراني : إنّ الله جعل ذرّيّة كلّ نبي من صلبه وجعل ذريتي من صلب عليّ علیه السلام (2).

ص: 157


1- مستدرك الحاكم 4 : 74 وتمامه : وإنّي أيها الناس فرطكم على الحوض فإذا جئت قام رجال فقال هذا : يا رسول الله ، أنا فلان، وقال هذا يا رسول الله ، أنا فلان، فأقول : قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى ، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال محقق الكتاب قيد الترجمة : هذا إشارة أي الحديث الذي أسنده المؤلف إلى ابن حجر - إلى الروايات التي فيها أن عمر قال لأُمّ هاني : اعلمي بأنّ محمّداً لا يغني يغني عنك من الله شيئاً، وقال رسول الله في جوابه : ما بال قوم يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي، الحديث، وعزاه المحقق إلى إحقاق الحق 9: 480 ولم أعثر على الحديث الذي ذكره المؤلف في هذه الصفحة بل ذكر حديثاً عن الشفاعة كما بينت لك صدره وتتمته : إن شفاعتي تنال صادركم قبيلتان من قبائل اليمن . أخرجه الطبراني . وفي آخر : تنال صداً وحكماً . أخرجه الطبراني في الكبير . وهذا كله يختلف مع سياق شفاء الصدور . (المترجم)
2- الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير يختلف عن سياق المؤلف وهو كالتالي : عن عمر !! قال : سمعت رسول الله يقول : كل بني أُنثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم . (المعجم الكبير 3: 44) ط بيروت دار إحياء التراث العربي الثانية نشر مكتبة ابن تيمية القاهرة .. وقال محقق الكتاب قيد الترجمة : وبينت روايات هذا الموضوع في رسالة بالتفصيل وفي إحقاق الحق 9 48 و 18 : 644 ذكر ذلك مشروحاً. أقول : لا سياق في هاتين الصفحتين من إحقاق الحق يتفق وسياق المؤلّف ولكن سياق ص 644 يتفق وسياق المعجم الكبير . (المترجم)

وروى غير الطبراني من عدة طرق وفي بعضها زيادة: إذا كان يوم القيامة يُدعى الناس بأسماء أُمّهاتهم ليسترهم الله تعالى إلا علي وذريتهم فإنّهم يُدعون بأسمائهم لصحة نسبهم .

وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في العلل المتناهية وهو مردود لأنّ كثرة طرقه يلحقه بدرجة الحسن بل يرقى بها إلى درجة الصحيح، ومؤيده ما نقل بالطرق الصحيحة عن عمر : كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي .(1)

وفي رواية : زيادة صهري وحسبي ولكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم...(2)

إلى هنا كان الكلام الذي سمعته هو كلام ابن حجر الناصبي، والرواية صريحة بأنّ النبي أبوهم ولازمه أنهم أولاده كما هي دعوانا ، وقد ورد هذا الخبر في كثير من الكتب بألفاظ مختلفة مثل إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان المصري وأسد الغابة لابن الأثير ، وينابيع المودة للمعاصر القسطنطيني ونور الأبصار للشيخ مؤمن الشبلنجي المعاصر وغيرهم رووا الرواية بطرق عدة، وما شهد به ابن حجر من صحة هذه الرواية عن عمر من الفضل الذي شهدت به الأعداء، وهو فصل الخطاب، والفضل ما شهدت به الأعداء.

ص: 158


1- الطبراني، المعجم الكبير 3: 45. (المترجم)
2- المعجم الكبير 3 : 44 و 22 : 422. (المترجم)

الحديث السابع : قال محمد الصبّان المصري وهو من مشايخ أهل السنة الكبار في رسالة إسعاف الراغبين : روى ابن عساكر وابن مندة عن فاطمة أنها أتت بابنيها فقالت: يا رسول الله ، هذان ابناك فورتهما شيئاً ، فقال : أما حسن فله جرأتي وجودي، وأمّا حسين فله هيبتي وسؤددي وفي رواية: أما الحسن فله حلمي وهيبتي، وأما الحسين فقد نحلته نجدتي وجودي .(1)

فقول الزهراء سلام الله علیها وتقرير النبي صلی الله علیه و آله وسلم كلاهما حجّة .

الحديث الثامن: روى عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير الحافظ وهو من أعاظم الحفاظ وأجلّة المحدثين والمؤرّخين والمحققين عند طائفته في كتابه «أسد الغابة» في موضعين : عن عليّ بن أبي طالب قال : لما ولد الحسن سمّيته حرباً ، فجاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو . فلما ولد الحسين سميته ، فجاء النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : أروني ابني ما سمّيتموه؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو حسين، فلما ولد الثالث سمّيته حرباً، فجاء النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : أروني ابني ما سمّيتموه ؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسن ثمّ قال: إنّي سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر وشبير ومشبر .(2)

وهذا الحديث رواه محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى والحسين بن الديار بكري في تاريخ الخميس. وقال الديار بكري: رواه أحمد بن حنبل وأب-و

حاتم الرازی .(3)

ص: 159


1- إسعاف الراغبين : 166 ط مصر هامش نور الأبصار . (هامش الأصل)
2- أسد الغابة 2 : 11 رقم 1165 و 2 : 1173 . ولفظ الحديث من الجزء الثاني . ( هامش الأصل) وجرى تطبيقه على أسد الغابة 2 : 10 نشر إسماعيليان طهران.
3- راجع : ذخائر العقبى : 119 ط مكتبة القدسي 1356 هجرية.

تنبيه :

في أخبار الشيعة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم سماهم بهذه الأسماء بأمر الله ، ولم يسبقه أمير المؤمنين بتسميتهم ، كما سمعت في خبر تاريخ الخميس، وبعض أخبار الشيعة جاءت موافقة للخبر المتقدم والأول أظهر وأصح وأوفق بالقواعد ويلزم العلم بأن رواية ولادة المحسن في حياة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لا تتفق مع رواياتنا، وجاء في رواياتنا وعن طريق أئمتنا لولادته حديث آخر ذو تفصيل، ولا يتسع المقام الآن لذكره.

الحديث التاسع : ذكر الشيخ الفاضل المؤرّخ الحسين بن محمد الدياربكري وهو من أكابر علماء أهل السنة والجماعة - في تاريخ الخميس عن أسماء بنت

عميس قالت : قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا أسماء ، هلمي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فألقاها عنه قائلاً: ألم أعهد إليكم أن لا تلفّوا مولوداً في خرقة صفراء ، فلفيته (1)بخرقة بيضاء فأخذه فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى فقال (ثمّ قال - المصدر) لعلي علیه السلام : سمّيت ابني ؟ قال : ما كنت لأسبقك بذلك، فقال: ولا أنا سابق ربّي، فهبط جبرئيل فقال: يا محمد ، إن ربك يقرئك السلام ويقول لك : عليّ منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدك ، فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون ، فقال : وما كان اسم ولد هارون یا جبرئیل ؟ قال : شبّر ، فقال(2): إن لساني عربي ، فقال : سمه الحسن، ففعل.

فلما كان بعد حول ولد الحسين، فجاء النبي ، وذكرت مثل الأوّل وساقت قصة التسمية مثل الأوّل ، وأنّ جبرئيل أمره أن يسمّيه باسم ولد هارون شبير، فقال له

ص: 160


1- فلفيته - بالياء والتشديد كما في النسخ فإن صحت فلعله من قبيل التظنّي في نقل المضاعف إلى الناقص للتخفيف . (منه) وفي ذخائر العقبى : 130 ط قدسي «الففته». (هامش الأصل)
2- صلی الله علیه و آله وسلم

النبي مثل الأوّل ، فقال : سمه حسيناً . خرجه الإمام علي بن موسى الرضا علیه السلام ..(1)

وفي هذا الحديث ورد ذكر «ابن» وأطلق على الحسين في ثلاث مواضع، وهذا الحديث عينه مروي في ذخائر العقبى .. (2)

الحديث العاشر : ذكره الشيخ العارف الكامل المحدث الفاضل سليمان بن خواجه كلان الحسيني الحنفي النقشبندي القندوزي البلخي الإسلامبولي المعاصر في كتاب «ينابيع المودة» وفي «جمع الفوائد»(3): عبدالله بن شداد عن أبيه : خرج علينا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في إحدى صلواتي الليل، وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم صلی الله علیه و آله وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلّى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى الصلاة قال الناس يا رسول الله ، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر ، أو أنه يوحى إليك ؟ قال : كلّ ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته . ذكره النسائي في باب السجدة (4). وإنّي عثرت على هذا الخبر في نفس النسائي بعد ما نقلت من الينابيع العزو إليه .

ص: 161


1- تاريخ الخميس 2 : 418 ط الوهبية، وط بيروت. (هامش الأصل)
2- ذخائر العقبي : 130 ط قدسي، وإحقاق الحق 501:10 . (هامش الأصل)
3- جمع الفوائد : هو كتاب مأخوذ من أخبار جامع الأصول لابن الأثير الذي جمع به الصحاح الستة ومأخوذ أيضاً من جمع الزوائد للهيثمي نورالدين الذي جمع فيه مسند أحمد بن حنبل ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند أبي بكر البزاز والمعاجم الثلاثة للطبراني كما نقل ذلك في أول كتاب الينابيع . (منه)
4- ينابيع المودة : 168 ط إسلامبول، والمستدرك للحاكم 3: 165 ط حيدر آباد الدكن، وأسد الغابة 2: 389 ط مصر . (هامش الأصل) وجرى تطبيقه على ينابيع المودة ط دار الأسوة تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني ، الأولى 1416، 2: 43 ، وعلى المستدرك ط دار المعرفة بيروت تحقيق المرعشلي، 3: 166، و على أسد الغابة نشر إسماعيليان ، 2: 389، وعلى سنن النسائي ، ط دار الفكر بيروت أولى 1348، 2: 230 . (المترجم)

ومجمل القول أنّ الأخبار على هذا النمط في كتب أحاديث أهل السنة والجماعة كثيرة وهي في حنايا كتبهم خارجة عن حدّ الحصر .(1)

إشارة :

المشهور بين علماء الإمامية رضوان الله عليهم أن من كانت أُمّه من بني هاشم وأبوه من سواهم لا يستحق الخمس ولكن مذهب السيّد المرتضى خلاف ذلك وتبعه من المتأخرين صاحب الحدائق الشيخ يوسف البحراني فأجاز أخذه لهاشمي الأم، وبنو النزاع على مسألة ابن البنت ، وهل يقال له ولد أو لا ؟ والحق أن الإنكار غير متين على هذه المسألة بل مستند المشهور مرسلة حماد عن الإمام موسى الكاظم علیه السلام فقد روي صريحاً عن الإمام الكاظم علیه السلام أن النسب من جهة الأمّ إلى هاشم علیه السلام لا يوجب أخذ الخمس ولا تحريم الصدقة ، قال علیه السلام : فأما من كانت أُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له وليس له من الخمس شيء... (2)

شی ولا يقدح بالاحتجاج التضعيف بالإرسال لأنّ حمّاداً من أصحاب الإجماع وأخباره كلّها صحيحة كما أوضحنا ذلك في رسالة مفردة ببيان كاف على وجه لا تبقى معه شبهة .. على أنّ متن الرواية شاهد بنفسه على الصدق، راجع باب الخمس من أصول الكافى، وتأمل الحديث تأملاً جيداً من أوله إلى آخره فستطمئنّ بصدوره عنهم علیه السلام إن كنت من أهل الأنس بلسان الأئمة وتتبع أخبارهم

ص: 162


1- تجد الكثير منها في إحقاق الحق مجلدات 10 - 11 . (هامش الأصل منقولاً)
2- وسائل الشيعة 6 359. ومن كانت أُمه ... فإن الصدقات . (هامش الأصل) وجرى تطبيقه على الوسائل ط آل البيت قم الثانية 1414، 9: 271 . من كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن الصدقات تحلّ له وليس له من الخمس شيء ... الخ . (المترجم)

علاوة على أن الشهرة الاستنادية جابرة لكل نوع من أنواع الضعف ورافعة لكلّ قسم من أقسام العيب.

وفي أخبار كثيرة جاء ذكر الهاشمى والظاهر أن هذه النسبة تماماً مثل النسبة إلى القبيلة أو العشيرة لا تكون إلا من جهة الأب لا الأُمّ، وإن كانت بحسب الوضع اللغوي أعمّ من ذلك لأنّ ياء النسبة في جميع المراتب كالنسبة إلى الصنعة أو البلد أو المذهب واحدة لا فرق بينها، ومثلها مادة النسبة، وحمل الأخبار قطعيّة الصدور الواردة في فخر الأئمة بولادتهم من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأنهم أبنائه على المجاز والاستعارة ينافي مقام فضلهم الواقعي وشرفهم الحقيقي في نفس الأمر، بل المتأمل في الأخبار الكثيرة الواردة في هذا الباب والاستعمالات غير المقيدة بالقرينة يقطع بأنّ النزاع بين الأئمة وبني العباس يدور على الإطلاق الحقيقي، فإنّ بني العباس إما لجاجة وعناداً وإما خبثاً ودهاءاً منهم يجادلون في انصراف المعنى الحقيقي عن الأئمة في هذه المسألة لإلقاء الشبهة في أذهان العامة، والحديث الذي ذكرناه في ذيل الآية الثانية شاهد صدق على هذا المدعى .

من هذه الجهة ادّعى الشيخ المحقق الفقيه محمد بن إدريس الحلي في كتاب السرائر الإجماع على إطلاق الابن على ابن البنت على الحقيقة في باب المواريث، والكلام المفصّل الذي نقل عن السيد يحكي عدم الخلاف في المسألة.

وحكي عن شيخ الطائفة القول بإجماع الأمة على ذلك ودليل الخصوم بيت الشعر الذي قاله الجاهلي ک

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا***بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد (1)

ص: 163


1- ينسب هذا الشعر إلى عمر بن الخطاب ، جامع الشواهد : 91. (تعليقات المحقق)

وهذا الكلام أوّلاً مجهول القائل (1)خزانة الأدب 1 : 300 . (2) جامع الشواهد .91 (3) تفسير الرازي 8: 488 (4)تفسير القرطبي 104:4 و 7 : 31 . (5) آل عمران : 61 . (6) الأنعام : 84 - 85 . (7) منتخب الطريحي : 491 و 492 والحديث طويل . (هامش الأصل) وهو مترجم كما ترى . (المترجم). (8) تفسير العياشي 1 : 359. (المترجم) نفسه 1: 367، تفسير البرهان 1: 539 ذيل الآية الشريفة . (هامش الأصل). (9) النساء : 23 . (10) تجد هذا كله في تفسير البرهان 356:1 نور الثقلين 2 : 299 ذيل الآية الشريفة (11)، ولا يُدرى متى قاله صاحبه وفي أي طبقة

ص: 164


1- نسب هذا الشعر إلى عمر بن الخطاب
2- ونسبه بعضهم إلى أبي فراس همام الفرزدق
3- . وتمكنت يد السياسة الأثيمة من حمل علماء العامة في مقابل ظاهر الآية الشريفة وتصريح جمع غفير من علمائهم مثل الفخر الرازي
4- والقرطبي
5- وغيرهما وغيرهما، وروايات كثيرة ادعي لها التواتر والإجماع تنص على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله ، أن يقولوا الحسن والحسين ليسا ابني رسول الله استناداً على هذا الشعر الفارغ من المحتوى، ونحن من أجل إظهار واقع السياسة يومذاك وما كان يعانيه شيعة الإمام أمير المؤمنين من الضغط والإكراه ننقل رواية واحدة تدلّ على ما قلناه کنموذج على الواقع يومذاك... نقل الطريحي عن الشعبي الحافظ للقرآن قال : استدعاني الحجاج بن يوسف الثقفي يوم عيد الأضحى وقال : أي يوم هذا ؟ فقلت : عيد الأضحى قال الحجاج : بم يضحي الناس في هذا اليوم ؟ قلت : بالأضاحي والصدقات وأعمال البر . فقال الحجاج : إني نويت التقرب يقتل علوي . فقال الشعبي : فسمعت خشخشة القيود، فخفت أن أتطلع لئلا يستخف بي الحجاج ، فبينا أنا كذلك إذ بدى العلوي وقد وضعت السلاسل على عنقه والقيود من الحديد في رجليه ومعصميه ، فاستقبل الحجاج العلوي بوجهه وقال : أنت فلان بن فلان العلوي ؟ فقال : نعم ، أنا هو ذلك . فقال الحجاج : أنت القائل بأنّ الحسن والحسين أبناء رسول الله ؟ فقال العلوي: ما قلتها ولا أقولها بلى أقول الحسن والحسين ابنا رسول الله لصلبه برغم أنفك فقال الشعبي : فاستوى الحجاج جالساً - بعد أن كان متكئاً - لشدّة غضبه وانتفخ سحره إلى الدرجة التي قطع زرّ قميصه وأمر بتجديد ثيابه، ثمّ قال : أيها العلوي، إن جئت على ما تقول ببرهان من كتاب الله وهبتك ثيابي وأطلقت سراحك ، وإن عجزت عن ذلك قتلتك شر قتلة . يقول الشعبي : وكنت حافظاً للقرآن وأعرف وعده و وعیده و ناسخه و منسوخه، فلم تخطر ببالي آية تدل على ما يطلبه الحجاج، فحزنت للعلوي وكبر عليّ مقتله . قال الشعبي : فشرع العلوي بتلاوة القرآن وقال : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم» فقطع الحجاج تلاوته وقال : لعلك تريد الاحتجاج بآية المباهلة في القرآن : «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ»
6- ؟ فقال العلوي : أما والله إنّ فيها لمقنعاً ولكني أحتج بغيرها ، ثم أخذ يتلو قوله تعالى:«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم»«وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ»«وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى»
7- ثم سكت . فقال :الحجّاج : لم تركت عیسی ؟ هل جهلته ؟ فقال العلوي : صدقت يا حجاج، فكيف استقرّ عيسى في عقب نوح مع أنه لا أب له ؟ فقال الحجاج : من جهة أمه يعتبر من صلب نوح. فقال العلوي : وكذلك الحسنان في ولادتهما من رسول الله . فبهت الحجاج من هذا القول فكأنه ألقمه حجراً ...
8- . ونقل العياشي الحديث بصورة مختصرة وقال : أرسل الحجاج إلى يحيى بن معمر قال : بلغني أنك تزعم أنّ الحسن والحسين من ذرّيّة رسول الله .
9- وأخيراً كانت هذه المسألة تثير خنق الحكام في كل زمان من ثمّ تشتد وطأة ظلمهم على أبناء النبي وشيعتهم ، ولك أن ترجع إلى حديث الإمام الرضاء في مجلس المأمون، وحديث الإمام موسى بن جعفر مع هارون، واستدلال هذين الإمامين العظيمين على المسألة بالآية الشريفة «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ...»
10- وقالا : لا يحل للنبي الزواج من بناتنا وتحل له بناتكم
11- (المحقق)

ص: 165

هو، ولعله لشاعر قاله تقرباً إلى بنى أُميّة أو بنى العباس، شأنه شأن الموضوعات الكثيرة حولى المعنى ولو اطلعت على ما كان يضعه خلف الأحمر وحماد الراوية والأصمعي وغيرهم من الشعر وينسبونه إلى الأوائل، وهو ثابت في كتب الأدب، لما جعلت مثل هذه الأشعار دليلاً على المدعى ...

وثانياً : إن ما يصل ذهني القاصر أن معنى الشعر ليس لتقرير حقيقة لغوية ، لأنّ ذلك خارج عن نطاق الشعر بل يقوم بعض النحاة واللغويين والأدباء على انتحال الشعر لوضع لفظ فيه مورد خلاف بينهم ليسهل حفظها، ومعنى الشعر في هذا البيت أنّ الشاعر يقول : إنّ الذين يلبون ندائنا ساعة الحاجة ويشفون العله وينقعون الغله هم أبناء أبنائنا لأنهم أبنائنا أما أبناء البنات فهم بمنزلة البعداء لأنّهم يحيون مع آبائهم ويعينونهم، وليس معنى هذا أنه يريد نفي صدق الابن على أبناء البنات ، وهذا المنى لا يخفى على الأريب الذي يميّز دقائق الكلام .

و تفصيل هذا البحث خارج عن نطاق هذا المختصر، وتعرّضنا إلى هذه النكتة لكي تكون إشارة إلى بعض النابهين الناظرين في هذه الصفحات لئلا يحرموا من الفائدة ، والله المعين الموفق .

ص: 166

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ

الشرح : يقتضينا شرح هذه الكلمة المباركة الكلام في موضعين :

الموضع الأول: في لفظ أميرالمؤمنين

أما أمير فهو فعيل من الأمر ، مهموز الفاء ومصدره الإمارة والأمر ، ومعناه الآمر وهذا واضح لا غبار عليه ولكن ذكرنا لهذا المورد لوجود إشكال معروف متعلّق بهذه الكلمة .

في الحديث المنقول في علل الشرايع ومعانى الأخبار أن الكاظم علیه السلام أجاب من سأله عن وجه تسمية الإمام الله بأمير المؤمنين ، فقال: «لأنه يميرهم بالعلم» (1)ويدلّ هذا الخبر على أنّ اشتقاق «أمير» من مار يمير كما صرح بذلك جماعة ، من تم عمدوا إلى التوجيه والتأويل وتناولوا ذلك من عدة وجوه:

الأوّل: إنّ الكلمة مشتملة على القلب فقد نقلت عين الفعل إلى فاء الفعل ثمّ اشتق اللفظ منها . وهذا الوجه في غاية الضعف والسخافة لأنّ «مار» فعل أجوف وامر فعل مهموز ، ولو كان قلب، على أن ذلك مخالف للقاعدة فينبغي أن يكون

ص: 167


1- يميرهم العلم . معاني الأخبار : 63 ، علل الشرايع : 65 ، العياشي وبصائر الدرجات: 149 ، بحار الأنوار :37: 293. قد أفلحوا بك أنت والله أميرهم ؛ تُمير هم من علمك . حسن بن محبوب عن الصادق . ابن . شهر آشوب 1 359 في حمله وولادته . (هامش الأصل) وجرى تطبيقه على «علل الشرايع» ط المطبعة الحيدرية 1386 النجف ، 1: 161، وعلى معاني الأخبار للصدوق ط انتشارات اسلامي، الطبعة 1361 هجري شمسي تحقيق علي أكبر الغفاري : 63. (المترجم) أبان بن الصلت عن الصادق : سمّي أمير المؤمنين إنما هو من ميرة العلم وذلك أن العلماء من علمه امتاروا و من ميرته استعملوا . سلمان : سُئل النبي فقال : إنما يمير بهم العلم يمتاروا منه ولا يمتار من أحد . (ابن شهر آشوب 1: 548 في أنه أمير المؤمنين).

«يمر» وتكون صفته المشبهة «يمير» إلا أن يلتزم القائل بهذا بقلب الياء إلى همزة اعتباطاً وعلى خلاف القياس ليكون المصداق الحقيقي للمثل المعروف «زاد في الطنبور نغمة».

الوجه الثاني : تكون هذه الكلمة على سبيل الحكاية لأن أمير المؤمنين كفيل بإيصال الميرة والطعام إلى أهل الإيمان، فقال: «أنا أميرالمؤمنين» [فتكون كلمة أمير فعلاً مضارعاً - المترجم] فكانت هذه الجملة اسمه المبارك نظير تأبط شراً، وهذا الوجه وإن كان أقرب من الوجه الأول (1)ولكنه ضعيف أيضاً لأنّ الجملة إذا سمّي بها لا يتغيّر إعرابها وعلى هذا ينبغي أن يكون لفظ «أمير» مضموم دائماً حتّى إذا كان منصوباً أو مجروراً ولا تغيّره العوامل لأنه فعل وجزء الكلام وهو بالضرورة فاسد ومختل ، وفي الوجهين إشكال مشترك ومعلوم من الأخبار المتواترة أنّ لفظ «أمير» مأخوذ من الإمرة كما قال صلی الله علیه و آله وسلم : «سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين»(2)وهذا الحديث متواتر من جهة الشيعة وهو مروي في صحاح أهل السنة والجماعة ومسلَّم به ولم يقدح في الكتب الكلامية في سنده غالباً، مِن ثَمّ يكون القول في اشتقاقه من من مار باطلاً، وظهور الرواية التي أُبينها بعد ذلك يمنع منه .

الوجه الثالث : والذي أقطع به وذكره الشيخ الطريحي في كتابه مجمع البحرين في مادة «أمر» إجمالاً عن بعض الأفاضل وحكي عن العلّامة المجلسي أنه مختاره ونعم الوفاق، وبيانه على وجه التقريب بنظري القاصر كما يلى لما كان أمير المؤمنين بما يقتضي كونه مدينة العلوم وهو ذو أعلى مراتب الولاية وهي الرياسة على عامة القلوب والنفوس وجميع الأرواح الملكوتية والملائكة

ص: 168


1- بل هو أسخف مرات ومرات . (المترجم)
2- بحار الأنوار :37 290 ط لبنان مناقب ابن شهر آشوب 1 : 546 في أنه صلوات الله وسلامه عليه أمير المؤمنين وفيه أحاديث . (هامش الأصل)

الكروبيّة والعقول المجرّدة والنفوس المفارقة - عند من يقول بها - بفضله يعترف ومن بحره تغترف كما قلت

من علمه علم العقول ونورها***والبحر أصل العارض المتهلل (1)

المؤلّفه أيضاً :

عاجز چوگان عزمش از عناصر تا عقول***بنده فرمان حکمش از ملایک تا دواب

ولمّا كان جميع العوالم من الصدر إلى الساق يعني من مرتبة العقول التي بداية سلسلة النظام الجملي للعالم ، وقاعدة النور وسية قوس الوجود إلى مرتبة الهيولى، العجوز الشوهاء ومبدأ سلسلة العودية وقاعدة الظلمة ، كلّ ما في الوجود وفي أي مقام سواء بلسان النطق أو بلسان الاستعداد آمنوا بوجه من الوجوه كما في الآية الكريمة «وَإِن مِن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (2)وهي شاهد عدل على هذا العموم وهذه الدعوى .. ولمّا كانت هذه الأصناف المتقدّمة على الشاكلة التي ألمحنا إليها فلابد من حيازتها علماً يساوي إيمانها لذلك كان الجميع بمراتبها المختلفة تستمد من علمه (3)... وتستفيض بإفاضته (4)ذلك لأنه المرآة التي تنعكس فيها من

ص: 169


1- فيضه ، ديوان المؤلف : 251 .
2- الإسراء : 44 .
3- الجميع يستفيدون من العلم حتى الجنين في بطن أمه . حدّث الراوندي قال : إن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد - وكان علي صبياً - : رأيته يكسر الأصنام فخفت أن تعلم كفار قريش ذلك ، فقالت : يا عجباً ، أخبرك بأعجب من هذا وهو أنّي اجتزت بموضع كانت أصنامهم فيه منصوبة وعلي في بطني ، فوضع رجليه في جوفي شديداً لا يتركني أقرب منها وأن أمر في غير ذلك الموضع، وإن كنت لم أعبدها قط وإنما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله لا الأصنام [الخرائج والجرائح للراوندي 2 : 740 ، بحار الأنوار 42: 18 رقم 5 طبع طهران نقلاً عن خرائج الراوندي، ونقل هذا الحديث الشبلنجي في نور الأبصار ، والشيخ محمد الصبان المصري في إسعاف الراغبين مع شيء من التحريف، راجع شفاء الصدور :2 299] (المحقق)
4- راجع ص 447 من الكتاب. روي أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد وكان علي صبياً رأيته يكسر الأصنام فخفت أن يعلم كبار قريش ، فقالت : يا عجباً، أخبرك بأعجب من هذا، إنّي اجتزت بالموضع كانت أصنامهم فيه منصوبة وعلي في بطني فوضع رجليه في جوفي شديداً لا يتركني أن أقرب من ذلك الموضع الذي فيه وإنما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله لا للأصنام. بحار الأنوار 42: 18 ط [ طهران(هامش الأصل) ] مؤسسة الوفاء سنة 1403 بيروت . (المترجم)

أعلاها إلى أدناها الحقيقة المحمدية ، بل هو بحكم آية المباهلة عين نفسه المقدّسة بل جاء في أخبار العامة «عليّ روحي التي بين جنبي»(1) ونوره نوره وشجرته شجرته ومرجع علوم الخلايق جمياً مبتنى على علم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم تلميذه الخاص والطالب الظاهر الاختصاص بالأحديّة، وبحكم آية «عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى» (2)إنّه علمه فى مدارس القرب الإلهى علوم الأوّلين والآخرين.

وإذا عرفت هذه المقدّمة التي هي بمنزلة صغرى القياس، فإنّنا نقول : أن من المقرّرات العرفية والمسلّمات العادية أنّ كلّ من يتحمّل بكفالة رزق فريق من الناس أو طائفة منهم ويأخذ على عاتقه إيصال وجوه المعاش إليهم فإنّه يغدو أميرهم وهم المأمورون ، ويشعر بالقضية المعروفة : الإنسان عبد الإحسان ، وهذه القضية بمنزلة كبرى القياس، وبضم هاتين المقدمتين نخرج بقياس على الشكل التالي : علي يمير المؤمنين ، وكل من يمير قوماً فهو أميرهم، ينتج عليّ أمير المؤمنين وهو المطلوب.

ص: 170


1- مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي : 161 سطر 3ط انتشارات فرهنگ اهل البيت . «أنت روحي التي بين جنبي» . وفي فرائد السمطين :2 71 بالإسناد عن ابن عباس عن رسول الله في حديث: «دمك من دمي وروحك من روحي» .. وإحقاق الحق 149:4 عنه مفتاح النجا: 43 عن ابن النجار عن ابن مسعود قال رسول الله: علي بن أبي طالب مني كروحي من جسدي ، وأخرجه إحقاق الحق 5 242 ، أمالي علي الصدوق : 22 بالإسناد عن أمير المؤمنين عن رسول الله : «روحه روحي وطينته من طينتي ... والبحار 40 : 4 عنه .
2- النجم : 5 .

ولعلّ من شواهد هذا التأويل الحديث الوارد في كيفية ولادة أمير المؤمنين علیه السلام وأنّ رسول الله حين دخل بيت أبي طالب علیه السلام رآه علي ... «فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين علیه السلام وضحك في وجهه وقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته . قال : ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال : «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ» (1)إلى آخر الآيات ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : قد أفلحوا بك أنت والله أميرهم، تميرهم من علومك وأنت والله دليلهم وبك يهتدون (2)والظاهر أنّ تميرهم تفريع على أنت أميرهم والإمارة علة لجلب رزق علوم المؤمنين. وجملة القول : أنّ هذا التعليل راعى الجناس في أمير الفعل المضارع وأمير الصفة المشبهة ، كما في الآية الكريمة : «قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِنَ الْقَالِينَ» (3)والميرة في الأصل كما جاء في الصحاح بمعنى الطعام ، ومار يمير بمنى إيجاده وجلبه .(4)وفي القاموس : ذكر الميرة بمعنى جلب الطعام (5)وهذا بعيد ، وأخطائه في أمثال هذا كثيرة .

وعلى كل حال «لأنه يميرهم العلوم» ومعناه لما كان على جالب رزق العلوم للمؤمنين صار أمير المؤمنين ، وإطلاق الطعام على العلم في هذا الحديث يناسب الخبر المروي في الكافي في تفسير «فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ» (6)(زيد الشحّام

ص: 171


1- المؤمنون: 1 و 2
2- أمالي ابن الشيخ : 80 و 82، بحار الأنوار 35 38 ط ،لبنان، ابن شهر آشوب 1 359 في حمله وولادته. (هامش الأصل) وفي البحار : وقرأ تمام الآيات إلى قوله : «أُولئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ»«الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» فقال رسول الله وأنت والله دليلهم وبك يهتدون. وللحديث بقية، 37:35. (المترجم)
3- الشعراء : 168 .
4- الميرة الطعام يمتاره الإنسان (الصحاح 2 : 821) . (المترجم)
5- القاموس 2 : 127 . (المترجم)
6- عبس : 24 .

عن أبي جعفر علیه السلام في قوله عزّ وجلّ : «فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ» قال : قلت : ما طعامه ؟ قال : علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه ....(1)

وبالجملة فإنّ هذا بطريق الاستدلال الإنّي وهو الانتقال من المعلول إلى العلة يمكن تطبيقه لأنّ جلب الميرة وكفالة الرزق لازم الإمارة وأخذ دليلاً على تحقق الملزوم ، ومن الواضح جداً أن اختصاص القول بالعلم في هذا الحديث إنّما هو الشرافته ، ولكي تعمّم إمارة الإمام لكل مناحي الوجود ولا ينافي جلبه للرزق الظاهري ، كما تمطر السماء ببركته وتخضر الأرض بيمنه ، وينتفع الخلق ويرزقون «لولاه لساخت الأرض بأهلها» والله أعلم بالصواب .(2)

وجملة القول أن علياً علیه السلام من يوم قال الله «ألست» هو أمير المؤمنين على كلّ الموجودات في كلّ مكان حتى في اللوح المحفوظ كما جرت الإشارة إلى هذا التعميم من طريق أهل السنة والجماعة أيضاً.

يقول السيد علي الهمداني في كتاب مودّة القربي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم :قال : لو علم الناس متى سُمّي عليّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ...(3)

وفي هذا الكتاب أيضاً روى عن أبي هريرة أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : في يوم الست، ألست بربكم ؟ قالت الأرواح : أجل . فقال : أنا ربكم ومحمد نبيكم وعليّ أميركم (4).

ص: 172


1- الكافي 1: 49 كتاب 2 باب 16 ح 8. ( هامش الأصل) و 1: 50 تحقيق علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية ط ثالثة 1388 هجرية. (المترجم ومنه أخذنا الحديث)
2- فرائد السمطين 1: 45 ط بيروت ، بالإسناد عن الصادق : وبنا ينزل الغيث وينشر الرحمة ويخرج بركات الأرض ولولا ما في الأرض منا لساخت الأرض بأهلها. (هامش الأصل)
3- مودّة القربى : 248 الطبعة الثانية مكتبة المحمدي.
4- نفسه : 248 باب المودة الرابعة في أن علياً أمير المؤمنين، وبحار الأنوار 40: 77 عن فردوس الأخبار مثله . (هامش الأصل)

وفي كتاب اليقين عن عثمان بن أحمد السماك ذكر أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : في اللوح المحفوظ تحت العرش علي أمير المؤمنين .(1)(2)

وجملة القول : أنّ أشباه هذه الفضائل لهذا الإمام العظيم ليست من السهولة بحيث تضبط في كتاب أو توضع في صحيفة سلام الله عليه وعلى أخيه وآله

وذريته .

أما الإيمان : وهو من باب الإفعال ، من الأمن، وحقيقة حفظ النفس من عذاب العصيان أو الملكات الرديئة أو المحافظة على النبي من مخالفة رأيه، كما أنّ الإسلام بهذا الاعتبار مأخوذ من السلامة، ومقتضى القاعدة أن يكون هذان الفعلان متعديين بأنفسهما ولكن بتضمين معنى الإذعان يتعدّيان بالباء واللام وكذلك معنى التصديق والإقرار لأن اشتقاقها جميعاً من متعدّي .

واعتبر المحقق النراقي في معراج السعادة أقسام الإيمان أربعة ، فاصطلح على ذلك بقوله : القشر، وقشر القشر ، واللبّ ، ولبّ اللبّ ، ولكن التتبع يقتضينا فى موارد اطلاقات الكتاب والسنة أن نضيف مرتبة أخرى إلى القشر واللب فتكون الأقسام ستة:

الاوّل :

الوجود اللفظي الصرف، وهو ذلك الإقرار باللسان إذا لم ينفذ إلى القلب مطلقاً ولا يوجد فيه سوى الكفر وفائدته حفظ المال والنفس والطهارة الصوريَّة، وهذه المرتبة المسماة بالنفاق وتُدعى بالاصطلاح المتقدّم قشر القشر.

الثاني : الاعتقاد بالتوحيد والنبوّة مع إنكار الشروط المتضمن للقصور في مقام

ص: 173


1- اليقين : 93 ط نمونه قم ، تحقيق الأنصاري ، اولى 1413. (المترجم)
2- ينابيع المودة : 248 ط اسلامبول، المناقب المرتضويّة : 118 ط ،بمبي ، إحقاق الحق 6 : 152 عنهما مثله . (هامش الأصل)

الولاية، وهذا الثاني شريك الأوّل في الفائدة ، وعدمها ، وإذا ثبت لذوي الاعتقاد المذكور ثواب بموجب ما ورد في أخبارنا فإن ذلك راجع إلى القائلين بالولاية وهم شيعة الأئمة الإثنى عشر ، وهذه المرتبة بالاصطلاح المذكور قشر القشر.

الثالث : الاعتقاد بالأصول الخمسة طبقاً لمذهب الإمامية وإن لم يقترن بالعمل الصالح كسائر فسّاق الشيعة، ولهذه المرتبة شئون ومراتب في الموت والحياة والدنيا والآخرة ، من قبيل «سوره شفاء وقضاء حاجته أفضل من جميع المستحبّات وزيارته وعيادته وإعانته مستحبّة وتحرم غيبته، ويجب حفظ حياته واحترام ميتته بالصلاة والكفن والدفن وذلك واجب .. وتتعلّق بذاته أحكام كثيرة من الواجبات والمستحبّات والمحرّمات والمكروهات.. وربّما تقدّر له النجاة الأُخروية كما هو ثابت عقلاً ونقلاً، كتاباً وسنة وإجماعاً، ولا يستلزم عقابه على المعاصي خلوده في النار ، وإذا كان في الكتاب والسنة الإيعاد بالخلود في العذاب على بعض المعاصي فذلك مأوّل بطول الأمد وامتداد المكث، وهذه المرتبة بناءاً على الاصطلاح المتقدّم تدعى القشر.

الرابع : هذه المرتبة مع العمل الصالح وهو التقوى من المعاصي والدوام على الواجبات مثل عالم الزهّاد والعباد ، أو عدول العوام من أهل الإيمان وترتفع مرتبة هؤلاء على المرتبة السابقة إذ ليس عليهم عذاب، ولهم نعيم كثير ، وتنقدح في قلوبهم الأنوار بواسطة الاعتقاد الصحيح وصلاح العمل، ومجمل الكلام لعلهم ينالون بصيصاً من البصيرة في الأسرار الباطنية، وبرزخ-ه-م أشدّ وضوحاً، وإحاطتهم بالمقامات العالية المثالية أكثر منالاً، وتُدعى هذه المرتبة بالاصطلاح المذكور «اللب».

الخامس : هذه المرتبة نفسها مصحوبة بالعلم الكامل الموجب لشرح الصدر ونورانية الضمير ، وفضل هؤلاء على الطوائف كفضل القمر على سائر النجوم بل

ص: 174

كفضل النبي على سائر الأمة، وهذا المقام في الاصطلاح المشار إليه يُدعى «لب اللب».

السادس : هذه المرتبة مع إضافة اليقين «بلغ القلم إلى هنا وتحطمت ريشته» (1)

وهو مقام الأولياء والصدّيقين ونتيجته: رسوخ الكمالات النفسانية في القلب من الرضا والتوكل والإقبال والطاعة وخلع ربقة العلايق ونضو جلباب الهوى في الخلايق ووحدة الهم وعكوف الهمّة (2)على الواحد الأحد «حضرة الأحدية» جل جناب قدسه ، ولهذا القسم مراتب أيضاً وهو مقول على التشكيك

لمؤلّفه :

إنّ النجوم في ارتفاع قدرها***ليس سهاها في السنا كبدرها

واسم هذه المرتبة في الاصطلاح المذكور لب لب اللب.

وفي الكافي أنّ الإمام الصادق علیه السلام قال لجابر الجعفي : ما من شيء أعز من اليقين (3)(4)

(عن الوشاء، عن أبي الحسن علیه السلام قال : سمعته يقول... الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة ...) وما قسم الله في الناس شيء أقل من اليقين ..(5)

ص: 175


1- قلم اینجا رسید و سر بشکست ، مثل فارسي (المترجم)
2- الكافي ، باب فضل الايمان على الإسلام، 2 : 51 ح (هامش الأصل)
3- هذه الجمل العربية من وضع المؤلّف ولكنه أدخلها إلى اللغة الفارسيه وصعب علي ترجمتها بل هي غير ممكنة لذلك أبقيتها كما استعملها المؤلّف . (المترجم)
4- عن جابر قال : قال لي أبو عبد الله : يا أخا جعف، إن الإيمان أفضل من الإسلام وإنّ اليقين أفضل من الإيمان، وما من شيء أعز من اليقين (الكافي، تحقيق علي أكبر غفاري، المطبعة الحيدرية، الناشر دار الكتب الإسلامية، آخوندي، ط رابعة 1365 هجرية). (المترجم)
5- نفسه ، باب فضل الإيمان على الإسلام 2 : 52 و 51 3. (هامش الأصل والمترجم) وما بين القوسين ملحق بالكتاب من الكافي .

وفي رواية يونس بن عبدالرحمان قال: سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الإيمان والإسلام - إلى أن يقول : - فأي شيء اليقين ؟ قال : التوكل على الله ، والتسليم الله والرضا بقضاء الله ، والتفويض إلى الله (1).

والأخبار في هذا المورد كثيرة، وما تعرضت له من البيان إنما هو الإجمالي منه نالته يدي، ومن الممكن أن تضاف إلى المراتب الأربع الأخرى مراتب أُخرى تستفاد كلّ مرتبة منها من أخبار أهل بيت العصمة والطهارة . والإمارة على أصحاب هذه المراتب جميعاً تناط بأمير المؤمنين علیه السلام يعني كل من وضع قدمه في دائرة الرسالة المحمّديّة فالواجب عليه أن يطوّق عنقه بطاعة علي علیه السلام حتى لو كان منافقاً فإنّ عليه أن يطيعه في الظاهر ، ويتبع أوامره بحكم قوله صلی الله علیه و آله وسلم «من كنت مولاه فهذا على مولاه» (2)فتبين من هذا أن من أقر بولاية رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله وأطاع أمره فإنّه بنفس الدرجة يجب عليه الالتزام بولاية أمير المؤمنين ورئاسته .

الموضع الثانى فى بيان أن «أمير المؤمنين» لقب الهى خاص بعليٍّ علیه السلام فعدى عليه الآخرون ولقبوا أنفسهم به من دون استحقاق وغصبوا هذا الاسم الكريم .

اعلم أنّ ما اتفق عليه الإمامية ضاعف الله اقتدارها أنّ هذا اللقب خاص بالإمام على علیه السلام وثبتت له هذه الرتبة العلية منذ زمن النبوة، والأخبار من طرق الأئمة حول هذا المعنى لا تُعدّ ولا تحصى.

ولكن قال أبناء العامة أن لعلي علیه السلام شريكين من السابقين وسائر الخلفاء في هذا اللقب بل اعتبره البعض منهم من أوليات الثاني، وقالوا : أوّل

من تلقب بلقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

ص: 176


1- الكافي 2 : 52 ح 5 فضل الإيمان على الإسلام.
2- خطبة الغدير . (هامش الأصل)

ولكن في أخبارهم الصحاح والمعتبرة رويت أحاديث من الكثرة بمكان بهذا المضمون أنّ في العرش وفي الجنّة والمحشر وفي لسان جبرئيل والملائكة والنبي والمؤمنين وأخبار اليهود والمشركين وذي الفقار والسباع والمنافقين حتى عمر ، أمير المؤمنين لقب علي علیه السلام ، بحيث لا يمكن إحصاء ما ورد من الأخبار بهذا المعنى بل صرّح في بعضها بأن أحداً من السابقين أو اللاحقين لا يستحق هذا اللقب. روي ذلك عن أكابر الصحابة مثل حذيفة وأبي ذر ، ومذهب هؤلاء أن قول الصحابي حجة ، لما رووا: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».

ولمّا كان الاستدلال بحديث الخصوم في موقع الاختلاف أولى فإنني أسوق عدة أحاديث من طريقهم في هذا المختصر، ولقد كتب السيد الأجل الأزهد الأورع الأقدس أبو القاسم رضي الدين علي بن طاوس الحسيني رضي الله عنه وأرضاه كتاباً في هذا الموضوع جعل أحاديثه كلّها من طرقهم المعتبرة وكتبهم المعتمدة، وإذا كان فيه بعض الأخبار رواها من طرق الشيعة فإنّ ذلك لروايتها من طرق السنّة ، وروى مأتين وعشرين حديثاً في هذا الكتاب بأسانيد مختلفة متعدّدة واعترف نفسه بأنّه لم يستقص الأحاديث كلّها وهو كذلك. وأنا بدوري رأيت أخباراً كثيرة من طرق العامة غير هذه الأحاديث، ولكني أنقل هنا عشرة أحاديث من أجل التبرك والتيمّن من ذلك الكتاب مع حذف الأسانيد في هذا المختصر، منتخبة لتنوير قلوب الإخوان ولتكون قرة عين لأهل الإيمان.

الحديث الأول : في شهادة الله تعالى بثبوت هذا اللقب الشريف لعلي علیه السلام :

أبو الفتح محمد بن علي الكاتب الأصفهاني النطنزي (1)في كتاب الخصائص

ص: 177


1- نطنز - بنون وطاء مهملة ونون وزاي - ناحية معروفة ما بين اصفهان وكاشان وكانت في السابق من أعمال اصفهان وصرّح جماعة بنسبته إلى هذا البلد ومن عجایب الزمان أن واحداً من أدعياء الفضل والفنّ رأيته وكان يعد نفسه وحداً في فن الحديث والأدب والرجال ومع هذا فقد كان يصر على أن هذا اللفظ «نظيري» بنون مضمومة وظاء معجمة وياء مثناة وراء مهملة ولم تكن معه شبهة فضلاً عن الحجة والدليل، وإلى الله المشتكى (منه)

يوصل السند بابن عباس قال : لما خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه عطس فألهمه الله (الحمد الله ربّ العالمين) فقال ربِّه يرحمك ربّك، فلما أسجد له الملائكة تداخله العجب فقال : يا ربّ، خلقت خلقاً أحبّ إليك مني ؟ فلم يجب ، ثم قال الثانية فلم يجب ، ثمّ قال الثالثة فلم يجب ، ثمّ قال الله عزّ وجلّ له : نعم لولاهم ما خلقتك ! فقال : يا ربّ، فأرنيهم، فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ملائكة الحجب أن ارفعوا الحجب ، فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العرش ، فقال : يا ربّ، من هؤلاء ؟ قال : يا آدم هذا محمد نبيّي، وهذا عليّ أمير المؤمنين ابن عمّ نبيّي ،ووصيه وهذه فاطمة ابنة نبيّي ، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولد نبيّي ، ثمّ قال يا ،آدم هم ولدك ، ففرح بذلك ، فلما اقترف الخطيئة قال : يا ربّ، أسألك بمحمّد وعلى وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي ، فغفر له الله بهذا ، فهذا الذي قال الله عزّ وجلّ : «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ» (1)فلما هبط إلى الأرض صاغ خاتماً فنقش عليه (محمد رسول الله وعلي أميرالمؤمنين) ويكنى آدم ب_«أبي محمد» (2).

الحديث الثاني : شهادة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ابن مردويه وأوصل السند إلى أنس قال : كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في بيت أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فقال : يا أُم حبيبة، اعتزلينا فإنا على حاجة ، ثم دعا بوضوء فأحسن الوضوء ثم قال : إن أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيّد العرب وخير الوصيين وأولى الناس بالناس.

ص: 178


1- البقرة : 37 .
2- اليقين : 174 ط قم - نمونه ، تحقيق الأنصاري طبعة أولى 1413 هجري قمري .

فقال أنس : فجعلت أقول: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار . قال : فدخل علي علیه السلام فجاء يمشي حتّى جلس إلى جنب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فجعل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وجهه بيده ثم مسح بها وجه علي بن أبي طالب ، فقال علي : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال : إنّك تبلغ رسالتي من بعدي وتؤدّي عنّي وتُسمع الناس صوتي وتُعلّم الناس من كتاب الله ما لا يعلمون ...(1).

الحديث الثالث: شهادة جبرئيل : فيما نذكره من الحافظ أحمد بن مردويه المسمّى ملك الحفاظ وطراز المحدّثين من كتاب المناقب وساق السند إلى ابن عباس قال : كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في صحن الدار فإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي ، فدخل عليه فقال : كيف أصبح رسول الله ؟ فقال : بخير . قال دحية : إنِّي لأُحبّك وإن لك مدحة أزفها إليك ؛ أنت أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين، أنت سيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين (2)، لواء الحمد بيدك يوم القيامة تزفّ أنت وشيعتك مع محمد وحزبه إلى الجنان زفاً، قد أفلح من تولاك وخسر من تخلاك ، محبّو محمّد محبّوك ، ومبغضو محمد مبغضوك ، لن تنالهم شفاعة محمد ، أدن منّى يا صفوة الله ، فأخذ رأس النبي صلی الله علیه و آله وسلم فوضعه في حجره ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : ما هذه الهمهمة ؟ فأخبره الحديث ، قال صلی الله علیه و آله وسلم : لم يكن دحية الكلبي ، كان جبرئيل، سماك باسم سماك الله به وهو الذي ألقى محبتك في صدور المؤمنين ورهبتك في صدور الكافرين .(3)

وروى هذا الحديث باختلاف في السابق واللاحق وببعض التفاوت في يقين السيد الرضي بطرق متعدّدة.

ص: 179


1- میزان الاعتدال 1: 30ط القاهرة، وإحقاق الحق 4 : 344 ( هامش الأصل) اليقين : 135 . (المترجم)
2- وإنّما استثنى الرسل لأنه نبي آخر الزمان لا أنّهم أفضل منه لأنّ فضل النبي على الأنبياء من ضرورات مذهب الشيعة . ( منه )
3- اليقين : 129 - 130 . (المترجم)

الحديث الرابع : شهادة الشمس : أخطب خطباء خوارزم موفّق الدين بن أحمد المكي الخوارزمي الذي كان شيخ المحدثين وأثنى عليه محمد بن النجار ف-ي تذييل تاريخ بغداد كما نقل السيد ووصفه بالفقه والفضل والأدب والشعر والبلاغة وكان من تلامذة الزمخشري (1)في كتاب المناقب أسند عن الإمام الحسن العسكري عن آبائه الطاهرين أباً عن أب إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب : يا أبا الحسن ، كلّم الشمس فإنّها تكلّمك . قال علي علیه السلام : السلام عليك أيها العبد المطيع الله . فقالت الشمس : وعليك السلام يا أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ، يا علي ، أنت وشيعتك في الجنة. يا علي، أوّل من تنشق عنه الأرض محمد ثمّ أنت وأوّل من يحيي محمد ثمّ أنت وأوّل يُكسى محمد ثمّ أنت ، ثم انكبّ عليّ ساجداً وعيناه تذرفان بالدموع فانكب عليه النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا أخي وحبيبي، ارفع رأسك فقد باهي الله بك أهل سبع سماوات .. .(2)

لا يخفى أنّ علماء أهل السنة والجماعة متفقون على جلالة قدر الأئمة الإثنى عشر وعلمهم وتقواهم وصلاحهم وشرفهم وفضيلتهم، ولم يختلف في ذلك أحد من المسلمين، ولم يتوقف أحد من هذه الطائفة في أخبار الفضائل التي نقلت عنهم ولم تدركه شبهة حول ذلك .

الحديث الخامس : شهادة ذو الفقار : محمد بن جرير الطبري - وهو من أكابر

ص: 180


1- من هنا يعرف تغلغل الفضل بن روزبهان في الجهل حتى بحال علمائهم لأنه يقول في مقام إنكار فضائل أمير المؤمنين : الخوارزمي هذا مجهول الحال ولا يعرفه أحد، وليس لأخباره مأخذ معلوم، ويعلم حال الفضل الخالي من الفضل بعد شهادة ابن النجار بحق الخوارزمي . وفي العبقات توجد له ترجمة مسهبة . ( منه )
2- مناقب الخوارزمي : 64 ط طهران ، بحار الأنوار 41: 170 . (هامش الأصل) اليقين : 164 . (المترجم)

علماء أهل السنّة وعظمائهم وسنشير إلى مناقبه إجمالاً بعد نقل هذا الحديث إن شاء الله - ساق السند إلى ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أعطاني ربّ-ي ذا الفقار ، قال : يا محمّد خُذه وأعطه خير أهل الأرض فقلت من ذل : ذلك يا ربّ؟ قال: خليفتي في الأرض علي بن أبي طالب علیه السلام ، وإن ذا الفقار كان ينطق مع علي علیه السلام ويحدّثه حتى أنه هم يوماً بكسره ، فقال : مه يا أمير المؤمنين إنّي مأمور وقد بقي في أجل المشرك تأخير .(1)

ويقول السيد بعد نقل الحديث : أقول :أنا يمكن أن يكون سقط بعد قوله (همّ يوماً يكسره): «وقد ضرب به مشركاً فلم يقتله» (2)وهو كما قال وذيل

الحديث شاهد على ذلك .

تنبیه :

أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: هذا الاسم مشترك بين اثنين وكلاهما من بلاد طبرستان، ولكن الشيعي منهما من جده رستم وهو من أجلّة علماء الشيعة وله كتاب «المسترشد» و «الدلائل» وقد أثنى عليه النجاشي والعلّامة وسائر شيوخ الرجال من المتأخرين وصرّحوا بوثاقته وجلالة قدره وكثرة علمه، ويروي عنه النجاشي بواسطة السيد الجليل العظيم الحسن بن حمزة الطبري الذي قدم بغداد في السنة السادسة بعد الخمسين والثلاثمائة ، والظاهر أنّه من علماء المائة الرابعة.

والآخر هو محمد بن جرير بن كثير بن غالب كما نقل ذلك السيد الشهيد السعيد في كتاب المجالس عن التهذيب للنووي، وسماه الأستاذ الأعظم البهبهاني في التعليقة: محمد بن جرير بن غلاب، وهذا الاختلاف في الجدّ

ص: 181


1- إثبات الهداة 2 : 283 رقم 501 (هامش الأصل)
2- اليقين : 217 . (المترجم)

والأب كثير في الكتب الرجالية فاق حدّ الإحصاء ولكن ابن شهر آشوب في (معالم العلماء) سمّاه محمّد بن جرير بن يزيد ولا يخلو هذا الاسم من غرابة ولكنّه يقدّم على قول النووي عند التعارض، لأن جلالة ابن شهر آشوب في العلم تفوق النووي مأة مرّة، وما يحتمل من كون النووي أعلم به لاتحاد المذهب مدفوع بقرب زمن ابن شهر آشوب من زمنه وكلاهما من طبرستان، وعلى هذا تكون معرفة ابن شهر آشوب على كل حال به أكثر فيقدّم قوله لزوماً .

وبعد تحرير هذا الكلام وقفت على كلام ابن خلكان فرأيته سمّى جده «يزيد» أيضاً ولكنه ذكر «خالداً» (1)بعده وقال: «وقيل : يزيد بن كثير بن غالب وعلى هذا لاجرم أن تكون كلمة يزيد سقطت من نسخة التهذيب ويمكن أن تكون من باب النسبة إلى الجد.

وعلى كل حال فهو من أكابر علماء أهل السنة والجماعة وصاحب التفسير والتاريخ ، وينسب إلى أبي حامد الإسفراييني قوله : لو ذهب إنسان إلى الصين لطلب تفسير محمد بن جرير الطبري لم يكن مبعداً.

ونقل عن محمد بن خزيمة الذي أطلقوا عليه إمام الأئمة قوله : ما أعلم على أديم الأرض أعلم منه.

ونقل السيد الجليل المعاصر المولوي مير حامد حسين الهندي في كتاب «عبقات الأنوار» عن الذهبي واليافعي أنهما نعتاه بالإمامة وشهدا على أن التفسير والتاريخ من تأليفه.

وصرّح ابن خلكان في الوفيات وابن الأثير في الكامل الذي هو مختصر تاريخ

ص: 182


1- غالب . ط . (هامش الأصل)

الطبري (1)وابن خلدون في العبر، أنّ التاريخ منه ، وإصرارهم على نفي كتابه التاريخ عنه ونسبته إلى الطبري الثاني ذلك لأنّه فيه صدق مدعى الشيعة ومنه ينقل علمائهم ولما عجزوا عن إنكار فضله عمدوا عناداً منهم إلى إنكار كتابه وهذا من فرط غبائهم وجهلهم أو ضحالة دينهم، نعوذ بالله من ذلك (2).

وبالجملة فإنّ محمّد بن جرير صاحب كتاب الفضائل وصاحب كتاب إسناد حديث الغدير كما نقل السيد المذكور في كتاب «العبقات» في الهامش من أصل كتاب نتذكرة الحفاظ» للذهبي أنّه قال في ترجمة الطبري : ولما رأى الطبري ابن أبي داوود تكلم في حديث غدير خم كتب كتاب الفضائل وتحدّث فيه عن تصحيح حديث الغدير .

الحديث السادس: شهادة المنادي من بطنان العرش : الشيخ المحدّث صدر الحفّاظ محمّد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب

وأوصل السند إلى ابن عبّاس بن عبدالمطلب قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : يأتي على الناس يوم ما فيه راكب إلا نحن أربعة . فقال له العبّاس بن عبدالمطلب عمّه : فداك أبي وأمي، من هؤلاء الأربعة ؟ فقال : أنا على البراق، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه، وعمي حمزة أسد الله وأسد رسوله على ناقتي العضباء ، وأخي عليّ بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنّة مدرّجة الجنبين ؛ عليه حلتان خضراوان من كسوة الرحمان، على رأسه تاج من نور، لذلك التاج سبعون ركناً، على كلّ ركن ياقوتة حمراء تضيء للراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وبيده لواء الحمد ينادي:

ص: 183


1- سامح الله شيخنا الطهراني لقد ظلم صاحب الكامل ، إذ كيف يكون مختصر التاريخ الطبري وهو يورخ لحقبة طويلة مات الطبري قبل بلوغها ؟! (المترجم)
2- من اعتقد أنّ العلماء أهل السنة والجماعة ديناً فهو على خطأ لأنهم مرقوا من الدين بالقواعد التي كبلوا بها الدين. (المترجم)

«لا إله إلا الله محمّد رسول الله» فيقول الخلائق من هذا ؟ ملك مقرّب أو نبي مرسل أو حامل عرش ؟ فينادي منادي من بطنان العرش : ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل ولا حامل عرش ، هذا عليّ بن أبي طالب وصي رسول ربّ العالمين وأمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم (1).

الحديث السابع : شهادة أبي ذر : روى ابن مردويه عن داود بن أبي عوف قال : حدثني معاوية بن ثعلبة الليثي قال : ألا أحدثك بحديث لم يختلط ؟ قلت: بلى. قال : مرض أبوذر فأوصى إلى عليّ علیه السلام ، فقال بعض من يعوده: لو أوصيت إلى أميرالمؤمنين عمر كان أجمل لوصيتك من علي علیه السلام ! قال: والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقّ أمير أمير المؤمنين، والله إنّه للربيع الذي يسكن إليه ولو ق-د فارقكم لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض.

قال: قلت: يا أباذر ، إنا لنعلم أن أحبهم إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أحبهم إليك . قال : أجل. قلت: فأيهم أحب إليك ؟ قال : هذا الشيخ المضطهد حقه - يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام - .(2)وهذا الحديث مروي بطرق عدّة.

الحديث الثامن : شهادة الأسد : أبو جعفر محمد بن أبي مسلم ابن أبي الفوارس الرازي الملقب بمنتجب الدين في كتاب «الأربعين» وساق السند إلى منقض (3)بن الأبقع الأسدي أحد خواص أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام قال : كنت مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في النصف من شعبان وهو يريد موضعاً له

ص: 184


1- كفاية الطالب : 184 ط الحيدرية النجف الأشرف، تاريخ بغداد 13 : 122 ط السعادة بمصر ، مناقب الخوارزمي : 209 ط طهران و 250 ط تبريز ، وإحقاق الحق 4 : 498 و 500 . (هامش الأصل) واليقين 434 . (المترجم)
2- اليقين : 143 . (المترجم)
3- منقذ بن الأنقع - توضيح الدلائل للسيد شهاب الدين أحمد، إحقاق الحق 18 : 222

كان يأوي فيه بالليل وأنا معه حتى أتى الموضع فنزل عن بغلته وحمحمت البغلة ورفعت أُذنيها وجذبتني فحسّ بذلك أمير المؤمنين ، فقال : ما وراك ؟ فقلت: بأبى أنت وأُمّي، البغلة تنظر شيئاً وقد شخصت فلا أدري ماذا دهاها ؟

فنظر أمير المؤمنين علیه السلام سواداً قال : سبع ورب الكعبة، فقام من محرابه متقلّداً بسيفه فجعل يخطو نحو السبع ثمّ قال صائحاً له : قف فخف السبع ووقف فعندها استقرت البغلة، فقال أمير المؤمنين يا ليث، أما علمت أني ليث وأنّي الضرغام الهصور والقسور والحيدر - وهذه كلها أسماء للأسد -؟ ثم قال : ما جاء بك أيها الليث ؟ فقال السبع يا أمير المؤمين ويا خير الوصيين ويا وارث علم النبيين، ويا مفرّقاً بين الحق والباطل، ما افترست منذ سبع شيئاً وقد أضرّ ب-ي الجوع ورأيتكم من مسافة فرسخين فدنوت منكم وقلت: أذهب وأنظر هؤلاء القوم ومن هم ؛ فإن كان لي بهم مقدرة يكون لي فريسة .

فقال أمير المؤمنين علیه السلام : أيها الليث ، أما علمت أنّي علي أبو الأشبال [الأشباح] الأحد عشر ، ثمّ امتد السبع بين يديه وجعل يمسح يده على هامته ويقول: ما جاء بك أيها الليث؟ أنت كلب الله في أرضه . قال : يا أمير المؤمنين ، الجوع الجوع. فقال : اللهم ارزقه بقدر محمّد وأهل بيته . قال : فالتفت فإذا الأسد يأكل شيئاً كهيئة الجمل حتى أتى عليه ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، والله ما نأكل نحن معاشر السباع رجلاً يحبّك ويحبّ عترتك، ونحن أهل بيت ننتحل حبّ الهاشمي وعترته.(1)

ص: 185


1- ورد في كتاب اليقين ارزقه بقدر محمد وأهل بيته وعند المؤلف «بحق فذ محمد وأهل بيته» وجاء في الهامش تفسير لها : فذ : قد فذ الرجل عن أصحابه إذا شذ عنهم وبقي فرداً وهي كناية عن سيّدالشهداء وهو الذي فذ عن رسول الله وفاطمة الزهراء وأمير المؤمنين والإمام الحسن و عن أصحابه يوم العاشور ووقع وحيداً فريداً وقال سيد الشهداء : قد استرحت من هم الدنيا وغمها وبقي أبوك وحيداً. (هامش الأصل) وأحسب المحقق صحف الكلمة وخطرت له هذه الخاطرة . (المترجم)

ثم قال أمير المؤمنين علیه السلام : أيها السبع ، أين تأوي وأين تكون؟ فقال: يا أمير المؤمنين ، إنّي مسلّط على كلاب أهل الشام وكذلك أهل بيتي وهم فريستنا ونحن نأوي النيل .

قال : فما جاء بك الى الكوفة ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، أتيت الحجاز فلم أُصادف شيئاً وأنا في هذه البرية والفيافي التي لا ماء فيها ولا خير وإنّي لمنصرف من ليلتي هذه إلى رجل يقال له سنان بن وائل ممّن أفلت من حرب صفّين ينزل القادسية وهو رزقي في ليلتي هذه وإنّه من أهل الشام وأنا متوجه إليه، ثمّ قام بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام.

فقال علیه السلام لي : ممّ تعجبت ؟ هذا أعجب أم الشمس أم العين أم الكواكب أم ساير ذلك ؟ فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أحببت أن أُري الناس مما علمنى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من الآيات والعجائب لكانوا يرجعون كفّاراً. ثم رجع أمير المؤمنين علیه السلام إلى مستقره ووجّهنى إلى القادسية، فركبت ووافيت القادسية قبل أن يقيم المؤذن الإقامة ، فسمعت الناس يقولون: افترس سناناً السبع، فأتيت فيمن أتاه ننظر إليه فما ترك السبع إلا رأسه وبعض أعضائه مثل أطراف الأصابع وأتى على باقيه ، فحمل رأسه إلى الكوفة إلى أمير المؤمنين، فبقيت متعجباً فحدثت الناس بما كان من حديث أميرالمؤمنين والسبع، فجعل الناس يتبركون بتراب تحت قدم أميرالمؤمنين ويستشفون به، فقام فحمد الله وأثنى عليه فقال: معاشر الناس، ما أحبّنا رجل فدخل النار ، وما أبغضنا رجل فدخل الجنّة وأنا قسيم الجنة والنار، أقسم بين الجنّة هذا إلى الجنّة يميناً وهذا إلى النار شمالاً ، أقول لجهنم يوم القيامة : هذه لي وهذه لك، حتى تجوز شيعتي على الصراط كالبرق الخاطب، وكالرعد القاصف وكالطير المسرع وكالجواد السابق .

فقام إليه الناس بأجمعهم عنقاً واحداً وهم يقولون: الحمد لله الذي فضلك

ص: 186

على كثير من خلقه، ثم تلا أمير المؤمنين علیه السلام هذه الآية: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» .(1)تمّ الحديث المبارك.

وهناك روايات أخرى عن شهادة الذئب، وشهادة الدرّاج، وشهادة الجمل وشهادة سبعين بالسلام على قبره وهي مذكورة في كتاب اليقين ، وإنّي ذكرت هذا الحديث لما فيه من غرابة وامتياز وليكون سبباً لتسديد قلوب أهل الإيمان مع طوله ، والعجب من القوم الذين يسطرون مثل هذه الآيات البينات في كتبهم ثمّ يرتابون في أميرالمؤمنين ، نعوذ بالله من الخذلان وسوء التوفيق.

الحديث التاسع : شهادة اليهود من كتبهم السماوية : الشيخ منتجب الدين مذكور في كتاب «الأربعين» عن عبد الله بن خالد بن سعيد بن العاص قال : كنت مع أمير المؤمنين علیه السلام وقد خرج من الكوفة إذ عبر بالصعيد التي يقال لها النخلة على فرسخين من الكوفة، فخرج منها خمسون رجلاً من اليهود وقالوا: إنك عليّ بن أبي طالب الإمام ؟ فقال : أنا ذا ؟ فقالوا لنا صخرة مذكورة في كتبنا عليها اسم ستة من الأنبياء وهو ذا نطلب الصخرة فلا نجدها فإن كنت إماماً وجدنا الصخرة. فقال علي علیه السلام : اتبعوني .

قال عبدالله بن خالد فسار القوم خلف أمير المؤمنين إلى أن استبطن فيهم البر ، وإذا بجبل من رمل عظيم ، فقال علیه السلام : أيتها الريح انسفي الرمل عن الصخرة بحق اسم الله الأعظم، فما كان إلا ساعة حتى نسفت الرمل وظهرت الصخرة. فقال علي علیه السلام : هذه صخرتكم . فقالوا : عليها اسم ستة من الأنبياء على ما سمعنا وقرأنا

ص: 187


1- آل عمران : 173 و 174

في كتبنا ولسنا نرى عليها الأسماء! فقال علي علیه السلام : الأسماء التي عليها فهي في وجهها الذي على الأرض فاقلبوها . فاعصوصب عليها ألف رجل حضروا في هذا المكان فما قدروا على قلبها ، فقال علي علیه السلام تنحوا عنها، فمد يده إليها فقلبها، فوجدوا عليها اسم سنّة من الأنبياء أصحاب الشرايع : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام فقال النفر اليهود: نشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّد رسول الله وأنك أمير المؤمنين وسيّد الوصيين وحجة الله في أرضه؛ من عرفك سعد ونجى ومن خالفك ضلّ وغوى وإلى الحميم هوى، جلت مناقبك عن التحديد وكثرت آثار نعتك عن التعديد ...(1)

الحديث العاشر : شهادة أبي بكر وعمر: نقل الحافظ ابن مردويه عن سالم المنتوف [المشوق. بدون ذكر سالم - المؤلف ] مولى علي علیه السلام قال : كنت مع علي علیه السلام في أرض له وهو يحرثها حتى جاء أبوبكر وعمر فقالا : سلام عليك يا ير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقيل : كنتم تقولون في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال عمر : هو أمرنا بذلك .(2)

وشهادة أُخر لعمر في رواية أخرى رويت أنه قال : والله أنت أمير المؤمنين حقاً . فقال أمير المؤمنين : عندك أم عند الله ؟ فقال : عندي وعند الله (3).

وهذه رواية عثمان بن أحمد السماك، والآن يجمل بهذه الطائفة التي تنسب إلى السنة بزعمها أن تصغى إلى الحق وتفتح عيونها فإذا كانوا غير واثقين بشهادة الله والرسول - كما فعلوا مراراً من ردّ هذه الشهادة مثلاً قال الله تعالى : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ» (4)ومعناه أنه شهد بعدالة نفسه

ص: 188


1- الأربعين ، مخطوط : 41 ، إحقاق الحق :: 734 (هامش الأصل) اليقين : 252 . (المترجم)
2- اليقين : 133. (المترجم)
3- اليقين : 42 ، بحار الأنوار 37 : 307 رقم 30 باب 54ط بيروت . (هامش الأصل)
4- آل عمران : 18 .

ولكنّهم أنكروه ونسبوه إلى الظلم والجبر ، وجوّزوا على الله ارتكاب القبائح، تعالى الله عن ذلك. وشهد النبي صلی الله علیه و آله وسلم في أهل بيته بقوله: «ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً» ولكنّهم قدموا أبا حنيفة والشافعي على الصادق والباقر علیهما السلام اللذين هما خزان العلم الإلهي ومعدن الوحي والتنزيل وتمسكوا بمذهب أبي حنيفة وصاحبه .

ومن الراجح أن نشير إلى أنّ القوم من أجل تصحيح خلافة الرجلين جوّزوا على العقل أن يقدّم المفضول على الفاضل وهي من القبائح العقليّة، وأحياناً نفوا العصمة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم العياذ بالله - وجوزوا عليه قول «الهذيان» وقيّدوا الآية «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى»(1).. وقلد القوم الرجلين اللذين مرّ ذكرهما ، فلماذا لا يتبعونهما بما قالا من أن هذا اللقب الشريف أُطلق على الإمام من عهد النبي الله ولم يتلبس

به أحد من الناس وهو حق خاص ولقب ثابت الاختصاص لعلي علیه السلام .(2)

تنبیه :

علمت من الأخبار المذكورة اختصاص الإمام علیه السلام بهذا اللقب وجاء في الأخبار أنّ هذا اللقب لا يجوز أن يخاطب به أحد من الناس حتى الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه في عصر الظهور كما روى الحرّ العاملي في كتاب «الوسائل» عن العياشي قال : دخل رجل على أبي عبد الله علیه السلام فقال : السلام عليك يا

ص: 189


1- النجم : 3.
2- لا استعجاب من أبي حنيفة والشافعي .. وأضرابهم ممن استأجرتهم السياسة في سبيل تنفيذ أغراضها والوصول إلى مقاصدها ومأربها فباعوا ضمائرهم لأطماع المغرضين وآخرتهم بدنيا المفسدين ، إنما العجب من مثل ابن أبي الحديد مع اطلاعه على الأحاديث الكثيرة المروية في كتبهم كيف أنكرها وقال : وتزعم الشيعة أنه خوطب في حياة رسول الله بأمير المؤمنين خاطبه بذلك جملة المهاجرين والأنصار ولم يثبت في أخبار المحدثين .. شرح نهج البلاغة 1 : 5، وبحار الأنوار 67:35 ط طهران عنه (هامش الأصل)

أمير المؤمنين ، فقام على قدميه فقال : مه ، هذا الاسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين علیه السلام سمّاه الله به ولم يسم به أحد غيره فرضي به إلا كان منكوحاً، وإن لم يكن ابتلي به (ابتلی به) وهو قول الله في كتابه:«إن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إناثاً وإن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً» (1). قال قلت : فماذا يُدعى به قائمكم ؟ قال : السلام عليك يا بقيه الله السلام عليك يابن رسول الله (2).

وروى في الكافي عن أبي عبدالله الصادق علیه السلام قال : سأله رجل عن القائم يسلّم عليه بإمرة المؤمنين ؟ قال : لا ، ذاك اسم سمّى الله به أمير المؤمنين علیه السلام لم يسم به أحد قبله ولا يتسمّى به بعده إلا كافر ..(3)

ويوافق هذه الأحاديث التي نقلها أخطب خوارزم كما جاء في كتاب اليقين: قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : لما أُسري بي إلى السماء ثم من السماء إلى سدرة المنتهى ووقفت بين يدي ربّى عزّ وجلّ فقال لي: يا محمد ، قلت : لبيك وسعديك . قال : قد بلوت خلقي فأيهم رأيت أطوع لك ؟ قلت : ربّ عليّاً. قال: صدقت يا محمد، فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك ويعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ قال : قلت : اختر لي فإنّ خيرتك خيرتي [فإن جبرئيل خبّرني - المؤلف] قال : قد اخترت لك عليّاً فاتخذه لنفسك خليفة ووصيّاً ونحلته علمي وحلمي وهو أمير المؤمنين حقاً لم ينلها أحد قبله وليست لأحد بعده. يا محمد ، علي راية الهدى وإمام من أطاعني ونور أوليائي وهي الكلمة التي ألزمتها المتقين ؛ من أحبّه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني فبشره بذلك يا محمد . قلت : ربّي فقد

ص: 190


1- النساء : 117 .
2- وسائل الشيعة 14 : 600 ط آل البيت (المترجم) العياشي 1 : 276 ، تفسير البرهان 1: 415 ذيل الآية ، بحار الأنوار 9: 636 و 52: 373 رقم 165 أحوال صاحب الأمر . (هامش الأصل)
3- الكافي 1 : 411 باب 107 ح 9. (هامش الأصل) والكافي 1: 411 ط دار الكتاب الإسلامية الثالثة 1388

بشرته ، فقال علي علیه السلام : أنا عبدالله وفي قبضته ؛ إن يعاقبني فبذنوبي لم يظلمني شيئاً، وإن تمّم لى وعدي فالله مولاي. قال [اللهم] اجل قلبه واجعل ربيعه الإيمان به . قال : قد فعلت ذلك به يا محمد ، غير أني مخصّه بشيء من البلاء لم أخص به أحداً من أوليائي . قال : قلت : ربّ أخي وصاحبي ! قال: قد سبق في علمي أنه مبتلى، لولا علي لم يعرف حزبي ولا أوليائي ولا أولياء رسلي ...(1)

وأحاديث من هذا النوع في كتاب اليقين وغيره من طرق أهل السنّة كثيرة . وإذا تأمّلت هذه الأخبار التي اتفق الفريقان على نقلها تأملاً دقيقاً فستعرف ماذا يجري لمن انتحل هذا اللقب وأطلقه على نفسه من دون استحقاق في الدنيا والآخرة.

كذلك ما جاء في كتاب اليقين عن ابن عقدة - وهو من كبار الحفاظ ويساوي العسقلاني في الثقة والاعتماد وقد بالغ الخطيب البغدادي في الثناء عليه كما في اليقين - فروى وساق السند إلى الإمام الصادق علیه السلام في قوله تعالى: «فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سيِّئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوْا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ» (2)قال: فلما رأى فلان وفلان منزلة علي يوم القيامة إذا دفع الله تبارك وتعالى لواء الحمد إلى محمد صلى الله عليه و آله وسلم تحته كل ملك مقرب وكلّ نبي مرسل فدفعه إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون أي باسمه تسمون أمير المؤمنين .(3)

نكتة :

ممّا قلناه في معنى الإمارة يكن الإلمام بسبب صيرورة هذا اللقب من الخصائص ولا يجوز استعماله حتى للأئمة لأن الأئمة أفضل المؤمنين وله-م الإمارة على كلّ أحد لكثرة سوابقهم ووفور فضائلم في زمن النبوة ولا تحادهم مع

ص: 191


1- اليقين : 159 . (المترجم) مناقب الخوارزمي باب فضائل شتّى : 215 ط طهران .
2- الملك : 27
3- اليقين : 182. (المترجم)

الرتبة المحمدية فيما عدا النبوة (1)وهم الواسطة في وصول الأحكام والأسرار التي حملوها عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم، ودرجة الأبوة التي تستدعي وجوب الطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ، ولا توجد هذه الصفات في واحد من الأئمة وإن كان كل واحد منهم جامعاً جميع الكمالات وحائزاً تمام المقامات، سلام الله عليهم أجمعين.

وإنك حين تنظر في الأخبار وتلاحظ آداب سلوك الأئمة عند الزيارة وتدقق في أسلوب مخاطبتهم لصاحب الولاية الكبرى تدقيقاً تاماً فإنّهم في موضع يرون الإيمان به مقارناً الإيمان بالله ورسوله ، وفي موضع يرتفع أصواتهم ب--واس-يداه، وفي موضع ينادون أمام قبره بقولهم : عبدك وابن عبدك ، وفي موضع يتضرّعون إلى الله لقضاء حوائجهم بولايته، وفي موضع يتباهون بمحبته، وغير هذه الأمور من الموارد التي لا محلّ لذكرها الآن، وبالطبع لا ينبغي أن تطعن بالشك في صدرك، وينبغي أن يكون اعتقادك ثابتاً جازماً بأنّ لقب أمير المؤمنين مختص بعلي وحده على سبيل الحقيقة، ولا يستحق هذا المقام أحد من الخلق في الأوّلين

ص: 192


1- إن أمير المؤمنين عليّاً بن أبي طالب كرم الله وجهه كان صورة تحقيق حال النبي حيث قال : «لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل» ألا ترى أن عين اسمه كرم الله وجهه إلى عين معيته مع الإلهيّة، واللام والياء اللتان هما حرفا إضافة ونسبة وتمليك وتخصيص ينتظم منهما كلمة «لي» يعني في قوله : «لي مع الله وقت» كما كرم الله وجهه المبارك بجميع أجزاء روح الكشف فيه وصار روح الكشف ملكاً له وصار مخصوصاً من الله بهذه الكرامة وضع لام التمليك والتخصيص في اسمه وانضم في حضائر القدس ومشاهد الأنس إلى محبوبه ومطلوبه وبهذا السر حصلت له المعية مع الالهية لاجرم لما حصل له هذا الاتصال الشريف صار مضافاً منسوباً ربانياً صمدانياً أُميّاً مضافاً إلى أُمّ الكتاب وأُمّ اللباب في تحصيل المناسبة وحصول حال المعاينة والمشاهدة، ووضع الله تعالى ياء الإضافة والنسبة في آخر اسمه المبارك وهذه الياء كرسي ولايته وينبوع سعادته وهدايته . فرائد السمطين 1: 428ط بيروت . (هامش الأصل) أقول : يريد القوم أن يجعلوا الشريعة السمحة السهلة بمنزلة ثالوث النصارى لا يفهمه حتى حبرهم الأعظم، نحن في غنى عن قول والد الحمويني هذا بأحاديث أهل البيت السمحة السهلة وكلّ ما خالفها سواء أكان قولاً أو فعلاً لا حاجة لنا فيه . (المترجم)

والآخرين ، لأن كل أحد وفي أي مقام أو رتبة كان وكلّ موجود على ظهر الأرض في أي درجة كان ، كلّ ما ناله من الفيض من المبدأ الفياض إنما كان بتوسط «المقام المحمدي» وكان واسطة فيضه المقام العلوي كما قال : «لا يؤدّي عنّي إلا علي» (1)وفي خبر المعراج «لا يؤدّي عنك إلا عليّ (2)، والفعل في قوّة النكرة والنكرة في سياق النفي يفيد العموم كما أن حذف المتعلّق يفيد العموم (3)فتبين من هذا أنّ كلّ

ما يحصل من فيض وجود النبي لا يمكن أن يؤدى إلا بواسطة على علیه السلام .

تو به تاریکی علی را دیده ای***زین سبب غیری بر او بگزیده ای(4)

لقد أظلمت عيناك حين رأيته***لذا اخترت قوماً لا يساوون نعله

ص: 193


1- إشارة إلى قصه إبلاغ سورة برائة إلى أهل مكة حيث أرسل أبا بكر ثم ردّه وأرسل عليّاً بعده وقال النبي : لا يؤدي عني إلا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين. (المناقب للخوارزمي : 101 و 223 ط طهران)
2- أمالي الصدوق .... أمير المؤمنين عن رسول الله ... فهل اتخذت لنفسك من يؤدي عنك ويعلم عبادي .. (بحار الأنوار 18 : 371 رقم 18 ، وفي البداية والنهاية 5: 212 ط القاهرة في حديث الإسراء : هذا وليي والمؤدي عني . وإحقاق الحق 134:4 عنه) . (هامش الأصل)
3- الفعل «يؤدّي» هو في حكم النكرة ووقع في سياق النفي وحذف متعلقه وهو الذي يؤديه من ثم أفاد العموم. (المترجم)
4- من المناسب لإكمال البحث نقل حديث يتضمن العلة في عدم خطاب الإمام عليّ بأمير المؤمنين . قال ابن شهر آشوب : استفاض بين الخاص والعام أن أهل الكوفة فزعوا إلى أمير المؤمنين من الغرق لما زاد الفرات، فأتى الشاطئ الفرات وأسبغ الوضوء وصلى منفرداً ثم دعا الله ثم تقدّم إلى الفرات متوكناً على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء وقال : انقص بإذن الله ومشيئته ، فغاض الماء حتى بدت الحيتان ، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين، ولم ينطق منها أصناف من السموك وهي الجري والمارماهي والزمار ، فتعجب الناس لذلك وسئلوه عن علة ما نطق وصمت ما صمت ، فقال لا : أنطق الله ما طهر من السموك وأصمت عنّي ما حرمه ونجسه وبعده [مدينة المعاجز 2: 106. (المترجم) ونفسه : 111 الرقم 299 . هامش الأصل)]. والمفيد في الإرشاد مثله ثمّ قال : وهذا خبر مستفيض شهرته بالنقل والرواية كشهرة كلام الذئب وتسبيح الحصى بكفّه وحنين الجذع إليه وإطعامه الخلق من الطعام القليل ونحوه، وذكره الطبرسي في إعلام الورى . [مدينة المعاجز : 111 . ( هامش الأصل) الإرشاد 1 : 248 . (المترجم)] (المحقق)

وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ

لإيضاح هذه الكلمة وبيان شرحها ينبغي الكلام في مطلبين :

المطلب الأول: في إثبات وصيته علیه السلام

اعلم أنّ الوصي هو الذي يخوّله الموصي أن يتصرف بعد مماته فيما كان يتصرف به في حياته، كما يظهر ذلك من كتب اللغة وموارد الاستعمال. ولمّا كانت الأمور التى تختص بالأنبياء هي نشر الأحكام وهداية الأنام وإقامة النظام كانت وصايتهم عبارة عن النيابة على هذه الأمور.

ولابد لمن يتولى منصب الوصية أن يكون أعلم الأمة بما تحتاج إليه الأُمة، وأن يتميز عنها بمحاسن الأخلاق ومكارم الآداب التي هي لازمة الرئاسة العامة من قبيل شرف النسب والزهد والجود والشجاعة والفضيلة ، وأن يفضل جميع الخلق بهذه الملكات لكي يتسنّى له أداء العمل النبوي ، ويتم الغرض من البعثة على يديه، وتبقى آثار الشريعة ماثلة لديه، لأنّ وجود النقص في هذه الأمور ينعكس سلباً على الخلق فيبدو النقص في جانب من جوانب الحياة.

ونحن حين نكون على الحياد، ونلقي نظرة محايدة على الواقع ونفحص الأخبار فحصاً مستوعباً ندرك حتماً ونعلم علماً قطعياً بأنه ليس في الأمة من هو

نظير لأمير المؤمنين علیه السلام في هذه الصفات وجميع الكمالات أو يبلغ درجته.

الا الان أما من جهة الشرف فإنّه أوّل هاشمي أبواه ،هاشميان ، أبوه أبو طالب عمّ رسول الله وناصره ومعينه الذي ملأت خدماته للإسلام وجه البسيطة وعجز العدوّ والصديق حتى النواصب والخوارج عن إنكار فضله ونصرته للنبي صلی الله علیه و آله وسلم متواترة كتواتر ،وجوده، والذي ينكرها فلا مانع لديه من إنكار وجوده من رأس. وأمه

ص: 194

فاطمة بنت أسد التي كان النبي يسميها أُمّي، وكفنها يوم ماتت ببرده، واضطجع في قبرها كما ورد ذلك في ذخائر العقبى وأسد الغابة وغيرها من كتب العامة ، وكان ابن عم رسول الله وصهره زوج فاطمة وأبا الحسنين وجد الأئمة التسعة المعصومين وهم أفضل خلق الله في كلّ عصر .

أما من ناحية العلم فيكفي الحديث المتفق عليه وهو قول النبي : أنا مدينة العلم وعلي بابها ؛ فمن أراد المدينة فليأت الباب، وما أحسن ما قاله فردوسي الله درّه وعلى الله بره :

چه گفت آن خداوند تنزيل ووحی***خداوند امر و خداوند نهی

که من شهر علمم علیم در است***درست این سخن قول پیغمبر است

گواهی دهم کاین سخن را ز اوست***تو گوئی دو گوشم بر آواز اوست

ما الذي قاله الإله مشيداً***بعلي ربّ المقام العاي

إنّما المصطفى مدينة علم***وعليّ باب لعلم النبي

من أراد الدخول لابد أن***يدخل من باب فضله المأتي

قسماً إنّه لسر علي***ما قريب مثل البعيد القصي

وأما من حيث الزهد فيكفيه حديث طلاق الدنيا .

وأما من جهة الجود فإنّ سورة هل أتى شاهد عدل على ذلك.

وأما من جهة الشجاعة فإنّها لا تحتاج إلى دليل .وشاهد ولما كانت هذه الصفات هي شرايط ثبوت وصاية الأنبياء لم تجتمع في غيره قط ، وإنّ العقل السليم يحكم بالضرورة بأن علياً وصي النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

فإن قيل: من أين لكم هذا القول بأن لكل نبي وصيّاً ليكون علي وصيّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

ص: 195

فإننا نقول في الجواب :

أولاً : من استقراء سيرة الأنبياء .

وثانياً : البرهان العقلي الذي أوجب بعث الرسل وتنزيل الكتب فقد أثبت أنه ما من نبي إلا وله وصي، ولقد أجاد القائل وهو الأزري :

أنبي بلا وصي تعالى***الله عما يقوله سفهاها

وهذا الدليل الذي سقناه هنا وإن كان كافياً للذكي طالب الحقيقة والمجاهد طالب الهداية ولكننا من أجل إتمام الحجّة ننقل نماذج عدة من أخبار أهل السنّة والجماعة في إثبات وصيّته من كتبهم المعتبرة ونطلب التوفيق من الله سبحانه لأنّ المنازع في مسألة الوصيّة هذه الفرقة وحدها، وقد عمدت إلى السعي لإبطالها تصريحاً وتلويحاً منها ما قاله أحمد بن عبد ربه القرطبي الأندلسي في كتاب «العقد»: قال رسول الله في حق عليّ : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى (1)من هنا ادّعى الشيعة أنه وصيّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وبهذا أراد أن ينقض قول الشيعة في الوصيّة «وَيَأْبَى اللّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (2)وهذا الحديد من الأحايث المتواترة التي أثبتناها في محلها .(3)

من هؤلاء الخوارزمي في المناقب عن أبي الطفيل وهو آخر الصحابة موتاً ، فقد روى عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال: يا علي، أنت وصيّي، حربك حربي وسلمك سلمي (4).

ص: 196


1- العقد الفريد 2: 194 ط مصر الشرقية . هامش الأصل والعقد الفريد 5: 100 تحقيق أحمد أمين. (المترجم)
2- التوبة : 32 .
3- راجع عبقات الأنوار قسم حديث المنزلة، وإحقاق الحق 5: 132 .
4- الحديث في المناقب وليس فيه أنت وصيّي بل أنت على الحوض خليفتي : 129 ط مؤسسة النشر الإسلامي ثانية 1411

وفي المناقب بسنده عن الصادق عن آبائه علیهم السلام رفعه إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : إنّ الله لم يقبض روح نبي حتى يأمره بالوصيّة إلى أفضل عشيرته وعصبته ، وأمرني أن أوصي إلى عليّ فإنّي أثبته في كتب السلف بأنه وصيك وأخذت على هذا الميثاق من الخلايق والأنبياء والرسل، أخذت ميثاقهم على الربوبية لي وعلى النبوّة لك وعلى وصاية على وولايته لك.(1)

وفي المناقب بهذا السند أيضاً أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال الأُم سلمة : اسمعي وكوني شاهدة على أنّ عليّاً أخي في الدنيا والآخرة وحامل لوائي في الدنيا وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وهذا عليّ وصيّي وقاضي عداتي والذائد عن حوضي المنافقين.

وفي المناقب وفرائد السمطين للحمويني عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لفاطمة سلام الله علیها : إن الله اطلع على الأرض واختار زوجك وأمرني أن أزوجه منك وأتخذه وصيّاً .

وفي المناقب بالسند المار ذكره أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لعلي : إن لم تكن نبياً فأنت وصي نبي ووارثه بل أنت سيّد الأوصياء وإمام الأتقياء... .

وروى أبو نعيم في حلية الأولياء عن أبي برزة السلمي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لربه ليلة المعراج عليّ وصيّي وأخي .

وفي المناقب بالسند المذكور أن جبرئيل هبط على النبي فرحاً مستبشراً وقال: سررت بإكرام الله أخاك عليّاً فقد جعله وصيّك وإماماً لأمتك .

وروى الحمويني أيضاً في فرائد السمطين عن أبي ذر عن النبي أنه قال:

ص: 197


1- الحديث مترجم .

«أنا خاتم النبيين وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين» (1).

وروى الحمويني والخوارزمي عن الرضا عن أُمّ سلمة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : لكل نبي وصيّ وعلي وصيّي في عترتي وأهل بيتي وأُمتي من بعدي.(2)

وروى الموفق بن أحمد عن بريدة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : لكل نبي وصي ووارث وعلي وصيّي ووارثي.

وروى ابن المغازلي حديث الوصية بأسانيد عدّة عن جابر وابن عبّاس وبريدة .(3)

وروى الثعلبي في تفسير الآية الكريمة : «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» (4)عن البراء ابن عازب .

وأحمد بن حنبل وهو أحد الأئمة الأربعة في المسند عن أنس عن أنس بن مالك أنّه قال: سألت سلمان أن يسأل رسول الله عن وصيّه، فسأله سلمان، فقال النبي له : من وصي موسى ؟ قال : يوشع بن نون . فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إن وصيّي ووارثي ، يقضي ديني وينجز عداتي علي بن أبي طالب ..(5).

ونقل الخوارزمي في حديث القيامة الذي سمعته آنفاً عن ابن عباس أنه كان يقول : هذا عليّ وصيّ محمّد صلی الله علیه و آله وسلم . (6)

ص: 198


1- هذه الأحاديث مترجمة إلا ما وضع بين الأقواس الصغيرة.
2- مناقب الخوارزمي : 90 ط طهران عن أُمّ سلمة. (هامش الأصل)
3- مناقب الخوارزمي : 63 ط طهران بالإسناد عن أبي أيوب الأنصاري .. فأوحى الله إلي أن أُزوجك وأتخذك وصيّاً. (هامش الأصل)
4- الشعراء : 214 .
5- بحثنا عن الحديث في المسند وفي تفسير الثعالبي فلم أعثر عليه فعلمت أن يد التحريف حذفته من الكتابين .
6- مناقب الخوارزمي : 259 ط طهران. (هامش الأصل)

إذن نقل هذه الرواية عشرة من أصحاب أمير المؤمنين وأُمّ سلمة وابن عبّاس وبراء وأبو برزة وأنس وأبو أيوب وبريدة وجابر وأبو الطفيل ، ومع وجود هذا الجم الغفير من الثقاة لا أدري ما وجه الجحود والإنكار ؟!

وما كتبته جملة يسيرة وغيض من فيض من الروايات المتعلّقة في هذا الباب، إذ ليس الموضع موضع استقصائها.

وهذه الجملة اخترتها من فصل أو فصلين من كتاب (ينابيع المودة) للعارف القندوزي وهو أحد العلماء المعاصرين من أهل السنة والجماعة، مع الاختصار والاقتصار على موضع الحاجة علماً بأنّ البيت إن كان به دیار فقول واحد أو قولين يكفي في الاعتبار، ومن تتبع أخبار الماضين وألم بأشعار الغابرين واطلع على أحاديث الأصحاب والتابعين يصل إلى مرتبة اليقين من أنّ ظهور هذا الأمر كان من الوضوح بمكان إلى الحد الذي اعترف به من لم يؤمن بخلافة عليّ وولايته، كما نقل نصر بن مزاحم في كتابه ولوط بن يحيى الأزدي في كتابه وهما من العلماء الثقاة الذين أثنى عليهما علماء العامة، فقد نقلا في كتابيهما من الأشعار الكثيرة والأراجيز الوفيرة في حربي الجمل وصفين حيث صرح أصحابها من

العدو والولي بوصاية أميرالمؤمنين وشهرته بالوصي ...

وذكر ابن أبي الحديد جملة وافرة منها في كتابه شرح نهج البلاغة ونحن نورد لك موضع الشاهد منها :

يقول عبدالله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبدالمطلب في مدح أمير المؤمنين علیه السلام :

ومنّا علي ذاك صاحب حيدر***وصاحب بدر يوم شالت كتائبه (1)

ص: 199


1- شال الشيء ارتفع والكتيبة القطعة من الجيش أو الجماعة وفي المصدر وشفاء الصدور سالت كتائبه . (هامش الأصل)

وصي النبي المصطفى وابن عمه***فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

ويقول أبو الهيثم بن التيهان البدري :

إن الوصي إمامنا ووليّنا***برح الخفاء وباحت الأسرار

ويقول عمرو بن حارثة الأنصاري في مدح محمد بن الحنفية :

سمي النبي وشبل الوصي***ورايته لونها العندم(1)

وقال شاب من بني ضبة من النواصب في معسكر عائشة :

نحن بني ضبة أعداء علي***ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصي

ويقول سعيد بن قيس الهمداني من معسكر الإمام علیه السلام :

قل للوصي أقبلت قحطانها***فادع بها تكفيكها همدانها

ويقول زياد بن لبيد الأنصاري من جند الإمام وأصحابه:

كيف ترى الأنصار في يوم الكلب***إنا أُناس لا نبالي من عطب

ولا نبالي في الوصي من غضب***وإنّما الأنصار جدّ لا لعب

ويقول حجر بن عدي الكندي :

ياربّنا سلّم لنا عليّا***سلّم لنا المبارك المضيا

المؤمن الموحد التقيا***لاخطل الرأي ولا غويا

بلهاددياً موفقاً مهديا***واحفظه ربي واحفظ النبيًا

فيه فقد كان لنا وليّاً***ثم ارتضاه بعده وصيّا

ويقول خزيمة بن ثابت ذوالشهادتين :

يا وصي النبي قد أجلت الحرب***الأعادي وسارت الأظعان

وكذلك يقول خزيمة في يوم الجمل:

ص: 200


1- العندم: خشب أو نبات يصبغ به . (هامش الأصل) العندم: دم الأخوين وقيل هو الأيدع . (لسان العرب)

أعائش خلّي عن عليّ وعيبه***بما ليس فيه إنما أنت والده

وصيّ رسول الله من دون أهله***وأنت على ما كان من ذاك شاهده

ويقول عبدالله بن بديل الورقاء:

يا قوم للحظة العظمى التي حدثت***حرب الوصي وم-ا للحرب من آسي

ويقول عمر بن أحيحة يذكر ابن الزبير ويمدح المجتبى علیه السلام :

لست كابن الزبير لجلج في القول***وطأطأ عنان فسل (1)مريب

وأبى الله أن يقول بما قام***به ابن الوصي وابن النجيب

ويقول زحر بن قيس الجعفي :

أضربكم حتى تقروا لعلي***خير قريش كلها بعد النبي

من زانه الله وسماه الوصي***إنّ الوليّ حافظ ظهر الولي

وكذلك يقول :

فصلّى الإله على أحمد***رسول المليك تمام النعم

رسول المليك ومن بعده***خليفتنا القائم المدّعم

عليّاً عنيت وصي النبي***تجالد عنه غواة الأُمم

ويقول الأشعث بن قيس :

أتانا الرسول رسول الوصي***علي المهذب من هاشم

وزير النبي وذي صهره***وخير البرية والعالم

ونسب نصر بن مزاحم الأشعار التالية للإمام أمير المؤمنين علیه السلام فى كتاب صفّين :

يا عجباً لقد رأيت منكرا***كذباً من القول يشيب الشعرا

ما كان يرضى أحمد لو أُخبرا***أن يقرنوا وصيه والأبترا

ص: 201


1- الفسل : الضعيف الذي لا مروءة له ولا جلد . (هامش الأصل)

شاني الرسول واللعين الأخزرا***إنّي إذا الموت دني وحضرا..

إلى آخر الأشعار. وقول جرير بن عبدالله البجلي :

وصيّ رسول الله من دون أهله***وفارسه الحامي به يضرب المثل

ويقول نعمان بن العجلان الأنصاري :

كيف التفرّق والوصي إمامنا***وذروا معاوية الغوي وتابعوا

دين الوصي لتحمدوه أجلا

ويقول المغيرة بن الحارث بن عبدالمطلب :

فيكم وصيّ رسول الله قائدكم***وصهره وكتاب الله قد نشرا

وقول عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب رضي الله عنهم :

وصيّ رسول الله من دون أهله***وفارسه إن قيل هل من مُنازل

ومن خلال تأمّل هذه الأشعار التي قالها كثير من الصحابة الذين يرى أهل السنة والجماعة قول كلّ واحد منهم حجّة ، يقطع كلّ منصف صاحب دين أن الإمام يعرف في ذلك الزمان بصفة الوصاية عند كل أحد ، وسمعت قول ذلك المخذول الضبي القائل :

نحن بني ضبة أعداء علي***ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصى

ونكتفي بهذا القدر من أشعار العدو والولي المسلمة التي ذكرتها في الكتاب.

المطلب الثاني: في إثبات كون الإمام أمير المؤمنين سيّد الأوصياء

وهذا المعنى ثابت بعد إثبات الوصيّة لأنّ كلّ وصيّ يقتبس من نور موصيه، ويستمد من روحانيته الفيض الذي يحويه ، والقاعدة تقضي بأن المفيض إن كان أشرف كان المستفيض تبعاً له في أشرفيته، وكلما كان المتبوع أعظم كان التابع أعظم أيضاً ، ولما كان فضل نبينا على الأنبياء ثابتاً كان وصيه الذي يترسم خطى

ص: 202

النبي بقدم الولاية أفضل الأوصياء كما يجب أن تعلم أن الوصى تارة يكون وصيّاً بلا واسطة وأُخرى مع الواسطة. فإذا اعتبرناه وصيّاً بلا واسطة ومعنى ذلك أنّه المبلغ عن النبي وحامل أسراره ومتبع آثاره ومفيض أنواره وناشر أحكام شريعته المفروض على الآخرين الرجوع إليه والأخذ منه كما هو الظاهر في قيد عدم الواسطة وبهذه النظرة يكون أمير المؤمنين خاتم الأوصياء كما ثبت هذا اللقب له وفقاً للأخبار الكثيرة المرويّة من طرق الخاصة والعامة.

وإذا اعتبرنا الوصي أعم من ذي الواسطة وعدمها يكون الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه هو خاتم الأوصياء ولكن الاستعمال الأوّل أكثر شيوعاً في جده المرتضى علیه السلام ومن هذه الجهة كان جابر بن عبدالله الأنصاري إذا ذكر الإمام الباقر علیه السلام قال : حدثني وصيّ الأوصياء ..(1)

وبالنظر إلى الاستعمال الثاني «سيّد الوصيين» بمعنى أن على أوصياء النبي صلی الله علیه و آله وسلمالأخذ من جنابه علیه السلام .

وإنّما بلغتهم ودائع النبوّة وبدائع الولاية بواسطة ذاته المقدّسة ومن وراثتهم مقامه المحمود بلغوا درجة الرئاسة الكلية على ماسوى الله من هنا جاء في بعض

الزيارات مخاطبة(الإمام الحسين) بقول القائل: «يا وصي أمير المؤمنين» .(2)

ص: 203


1- ارشاد المفيد 2 : 160 ونسخة المؤلف : 280 ، بحار الأنوار 46: 286 ط بيروت، مناقب ابن شهر آشوب 2 : 273 في إمامة أبي جعفر ، بحار الأنوار 286:46 ط بيروت.
2- في زيارة الإمام الحسين : «السلام عليك يا وصي أمير المؤمنين». وفي زيارة العسكري: «السلام عليك يابن الأولياء الراشدين». وفي زيارة صاحب الأمر : «السلام عليك يا وصي الأوصياء». وفي فرائد السمطين :1 : 55 قال رسول الله : وأبو هما سيد الوصيين. یزید بن ساباط قال : دخلت على أبي عبد الله في مرضه الذي مات فيه ثم دعا موسى وعبد الله وإسحاق عبدالله و محمّداً وقال لهم : هذا وصيّ الأوصياء وعالم علم العلماء . الكافي : بالإسناد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبدالله في حديث الشامي : إن الإسلام قبل الإيمان صدقت وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنك وصيّ الأوصياء . ورواه الطبرسي في الاحتجاج والطبرسي في إعلام الورى والمفيد في الإرشاد. (إثبات الهداة 3: 78 الرقم 7) . (هامش الأصل) وجابر هو بن يزيد الجعفي لا الأنصاري . (المترجم - راجع الإرشاد 2 : 160)

ومجمل القول وردت روايات كثيرة عن أميرالمؤمنين علیه السلام من طرق العامة بتلقيبه بلقب سيّد الوصيين وخير الوصيين من هذه الحديث ما رأيته في اليقين من الروايات السبعة التي ذكرت الإمام علیه السلام بلقب خير الوصيين وفيه خمس روايات ذكرت الإمام علیه السلام البلقب سيد الوصيين.

وعندنا أخبار كثيرة وروايات وفيرة مبثوثة في تضاعيف كتب هذه الطائفة ومطاوي مؤلّفاتها يوجب ذكرها الخروج عن سياسة الاختصار (1). ومن أجل

التيمن بها نذكر الحديث أدناه من كتاب «مودّة القربى» تأليف السيد مير علي الهمداني الذي يوصف بأنه جامع الأنساب الثلاثة، عن ابن عباس قال : دعاني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال لى : أبشرك إنَّ الله تعالى أيدنى بسيد الأولين والآخرين والوصيين علي، فجعله كفو ابنتي فإن أردت أن تنتفع به فاتبعه .

اللهم نقسم عليك بحق هذا الوجود المبارك السعيد أن توفقنا لمتابعته وتنفعنا ببركته في الدنيا والآخرة .

تنبيه :

اعلم أنّ عارفي أهل السنة زوروا كلاماً في المسألة يخدع العوام وفحواه أنّ وصاية علي علیه السلام الباطنية ولم يُعهد إليه الرئاسة الظاهرية لأن مقامه أرفع من أن يلي

ص: 204


1- تجد تفصيلها في كتاب إحقاق الحق 4: 100 فراجعه إن شئت.

ذلك، وبهذا التقريب الباطل وهو من شبهات الشياطين صححوا خلافة خلفائهم .(1)

نقل الميبدي عن الشيخ علاء الدين السمناني أنّه قال : الولاية علم الباطن والوراثة علم الظاهر، والإمامة علم الباطن والظاهر ، والوصاية حفظ سلسلة الباطن ، والخلافة حفظ سلسلة الظاهر ، وكان عليّ بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ولياً ووارثاً وإماماً ووصيّاً ولم يكن خليفة ولكنه استخلف بعد عثمان ، تم كلامه .

والحق يقال : إنّ على كلّ عاقل أن يشتد عجبه من استيلاء سلطان الضلالة على هؤلاء وغرز مخالب الشيطان فيهم ، وأن تبلغ به الحيرة كل مبلغ ، وإن من أعجب العجايب ان يظل امرئ حائز على علم الظاهر والباطن جليس داره وحلس بيته ثمّ يختار بضعة أفراد ممن لا علم لهم ولا فهم ولا يعرفون موطئ قدمهم عن الشريعة والطريقة ولا يعلمون من ظواهر القرآن بمقدار ذرّة للرياسة الكلية والخلافة الالهية ، سبحان الله !

وكيف يتسنّى لمن لا علم له الرئاسة الظاهرة وهي حكومة على الأموال والنفوس والأعراض لعامة الخلق ويكون مرجعاً لجميع الأحكام ومبنيّاً لتمام الوقائع لجميع الطبقات المختلفة والفرق المتفاوتة من أصناف البشر وأخلاط الزمر وهو فاقد للعلم والمعرفة وغير مُلِمّ بمراتب الأمّة جميعها أقول بأي وجه يتيسر له ذلك ؟ ذلك هو الضلال المبين .

وما قالوه من أنّ الرياسة الظاهرية لا تناسب مقامه حيلة من وحي إبليس

ص: 205


1- أقول : ما عثرت على هذا القول منسوباً إلى هؤلاء في كتاب غير شفاء الصدور . وهم لا يرون الباطن من الإسلام فكيف يقولون به، نعم ممن اعترف بالوصيّة منهم قال : إنما وصاه على أهل بيته وليس على أُمته ومن لم يعترف بالوصية منهم فلا يحتاج إلى أحد القولين بل فزع إلى الجحود والإنكار ورآه أقرب الطرق إلى السلامة من مقارعة حجج الشيعة وصدمات براهينهم. (المترجم)

شيطانية ، لأنّ غرض الأنبياء لم يكن الرئاسة الظاهرية لكن لما توقف عليها هداية الخلق كافة ونشر أحكام الدين وإجراء الحدود وإغاثة الملهوف وإعانة المظلوم والاقتصاص من الظالم وحفظ رتب الخلق وطبقاتهم، وتوسعة أرزاق الفقراء وأخذ الوجوه الشرعية وأخيراً إقامة نظام معاش بني آدم الموجب لصلاح أهل العالم جميعاً لا يتمّ أبداً إلا بهذه الرياسة الظاهرية على الوجه الصحيح المطلوب للشرع مِن ثَمّ جعلها الله خاصة بالأولياء والأنبياء.

وإن عُدِم ذلك فإنّ المفاسد التي ما تزال من أوّل الدنيا إلى يومنا هذا تشاهد ويبلغ عنها تنشر في الأرض وتعم الفوضى ويستشري الظلم ، وهذا القدر كاف في توجيه عقول أهل الإنصاف .

ص: 206

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعَالَمِينَ

الشرح : ينبغي على مذهب البصريين أن يكون لفظ الزهراء مجروراً، لأنّ الاسم واللقب كليهما مفردان وهو مختار ابن مالك ، والتحقيق في ذلك أن اللقب يجوز فيه الاتباع والقطع ، فقد روى الفرّاء أ روى الفرّاء أنّه سمع من العرب: «هذا يحيي عينان وقيس قفه» وقال الفصحاء : «عبدالله بن قيسٍ الرقيات» بتنوين قيس، ونجم الأئمة الرضي اختار هذا ، ونحن سلكنا هذا المسلك في منظومتنا الممزوجة بالألفية ، وبناءاً على هذا فإن لم يثبت الجرّ جازت الوجوه الثلاثة وشواهد ذلك في أخبار آل محمّد وهم الحجة في ذلك كثيرة .

وهذه العبارة تشتمل على ثلاثة أسماء من أسماء البتول المقدّسة :

الأوّل: «فاطمة» وقد رويت علة تسميتها بهذا الاسم في العلل ومعاني الأخبار والعيون والأمالي وغيرها عن الأئمة الأطهار علیهم السلام بأسانيد مختلفة وألفاظ متفاوتة، ففي بعض هذه الروايات لأنّها فُطمت هي وشيعتها من النار .(1)

وفي بعضها: لأن الله فطم من أحبها من النار .(2)

وفي بعضها: أتدري أي شيء تفسير فاطمة ؟ قلت: أخبرني يا سيدي. قال: فطمت من الشر .(3)

وفي بعضها : إنّي فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث (4).

ص: 207


1- بحار الأنوار 43: 12 رقم 3 ط طهران.
2- نفسه 43: 12 ط طهران . (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 43: 10. (المترجم)
4- نفسه 43: 13 . (المترجم)

وفي بعضها : سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولّى ذريتي من النار(1). ويذكر هذا في وجه المناسبة. وجميع هذه الأخبار مذكورة في العلل ، الأوّل

في العيون، والثاني في المعاني والثالث في البحار عن الأمالي ..(2)

وتوجد هذه الرواية في كتب أهل السنة أيضاً بعبارة قريبة من الروايات المذكورة، ففي ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري رواها بثلاثة طرق ، وفي مودّة القربى والينابيع مروية أيضاً، وفي سائر كتبهم وليس مقامنا مقام الاستقصاء هنا وورد في هذه الأخبار إشكال ذكره العلماء وملخصه : إن لفظ فاطمة اسم فاعل ومعناه فعل الفطام من اللبان ومقتضى الأخبار الآنفة أن يكون اسمها «مفطومة» لا فاطمة . وأجيب على هذا السؤال بعدّة أجوبة :

الأوّل : إنّه اسم فاعل بمعنى المفعول، مثل ماء دافق و «عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ»(3) وهذا غاية في البعد ، لأنّ في الأمثلة المذكورة يحمل على المجاز الإسنادي كما ذكره علماء البيان وغالباً ما يتبادر إلى أذهان النحاة السطحيّين الذين لم يدركوا لباب لطايف العربيّة وصفو بدائع الكلام هذا المعنى.

الثاني : أن فعل «فطم» لازم ومتعدّي وهذا الاحتمال ذكره الفاضل المجلسي مع ذكره الاحتمال الأوّل، وهذا الاحتمال استظهره من عبارة القاموس حيث قال: أفطم السخلة حان أن تفطم فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة وفطيم (4)، انتهى .

ودلالة هذه العبارة على الاستعمال على وجه اللزوم ممنوعة بل يدلّ ظاهره - إن صح النقل - على صحة الاحتمال الأوّل مثل «سرّ كاتم» و«مكان عامر» الذي

ص: 208


1- بحار الأنوار 8: 50 . (المترجم)
2- بحار الأنوار 43: 12 ط طهران ، وإحقاق الحق 16:10 - 24 نقل هذه الأحاديث بالتفصيل .
3- الحاقة : 21 .
4- القاموس 1 : 1478 نشر المكتبة العلمية بيروت (المترجم)

اعتبره قصار النظر من النحاة فاعلاً بمعنى المفعول ، وبناءاً على مذهب التحقيق أن كل واحد من الأمثلة المتقدّمة باقي على معناه من اسم الفاعلية، مثلاً قول القائل «سر كاتم» لم يتغيّر من اسم الفاعل لأن معناه السرّ الذي يحمل في ذاته قوة كتمانه كأنما هو الكاتم ، وكذلك «السخلة فاطم» لأنها ببعدها عن أُمها كانت تبعد نفسها عن الرضاع بنفسها فسمّيت فاطماً لهذا الغرض.

ويبعد هذا الاحتمال أن أحداً من النحاة لم يعتبر التعدي واللزوم ضربة لازم للفعل، وطريقة صاحب القاموس أن يقول عنه الازم متعد» أو «يتعدّى ويلزم» ولم يقل بلزوم هذه القاعدة له .

مضافاً إلى أنّ من الأحاديث ما يخالف هذا الاحتمال وما قبله تنصيصاً وتصريحاً، كما ورد في عل الشرايع عن عبد الله المحض (1)قال : قال لي أبو الحسن (2): لم سمّيت فاطمة فاطمة ؟ قلت: فرقاً بينه وبين الأسماء . قال : إنّ ذلك لمن الأسماء ولكن الاسم الذي سمّيت به أنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يتزوج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر فيهم من قبله فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها فقطعه عمّا طمعوا ، فبهذا سمّيت فاطمة، لأنها فطمت طمعهم، ومعنى فطمت قطعت .(3)

وهذا الحديث ينص على أن لفظ فاطمة اسم فاعل متعد وهو وإن اختلفت وجوه حمله إلا أن الجمع بينها ممكن فيكون بمعنى انقطاع الطمث، وبمعنى منع

ص: 209


1- عبدالله المحض : عبدالله بن الحسن بن الحسن . راجع العلل والبحار . (هامش الأصل)
2- الظاهر إنه الإمام زين العابدين
3- علل الشرايع : 178 باب 142 مكتبة الحيدرية في النجف، بحار الأنوار 43: 13 رقم 7 (هامش الأصل) وجرى تطبيقه . (المترجم)

الشيعة من النار ، ومنع ذرّيّتها ، وبمعنى قطع طمع من يطمع بوراثة النبي وخلافته . أما إذا حملنا اللفظ على اسم المفعول أو جعلناه لازماً لا متعدّ فينبغي استبعاد هذا الخبر وطرحه .

تنبیه :

عبارة هذا الحديث كما رأيتها مشتملة على سؤال وجواب المجيب هو أبو الحسن، وبيان هذا الوجه للتسمية منه ولكن المؤرّخ المعاصر صاحب ناسخ) «التواريخ نسب السؤال والجواب كليهما إلى عبد الله المحض ولكن سياق الحديث ونظمه يدلان على تعدّد السائل والمجيب، لأنّه أخطأ أوّلاً في فهم الجواب وزعم أنّ هذا الاسم لم يسبق إليه من قبل ولكن الإمام قال : إنّه من الأسماء ثمّ أخذ في تبيين علة هذه التسمية، وسياق كتاب العلل والبحار كما نقلناه نحن إلا أن في ناسخ التواريخ جاء مكان «قال» لفظ «قلت» والظاهر أن خطأ الناسخ وقلة التدبّر جرّ إلى هذا الخلط وهذا هيّن في جنب ما لهذا الكتاب من جلالة وعظمة ومنفعة كبرى شكر الله سعيه وأحسن سقيه ورعيه.

الوجه الثالث : هو أنّ الله تعالى لما رفع العذاب في جهنّم عن الشيعة ببركة هذا الوجود الشريف فكانت الصدّيقة سبباً لهذه النعمة العظيمة لذلك سمّيت فاطمة من قبيل نسبة الفعل إلى السبب فسمّيت فاطمة سلام الله علیها، ومؤيد هذا المعنى الحديث المارّ «فطمت من تولاني» حيث صرحت بسببيتها في نجواها مع الخالق سبحانه ، بل بينت الظاهر من وجه التسمية حيث سبقها قولها «سميتني فاطمة» حيث يدرك ذلك المتأمل الذي من دأبه استفادة المعاني من الألفاظ ويصدّق به.

الاسم الثاني : الزهراء

ذكر في العلل لهذه التسمية جهتين :

ص: 210

الاولى : عن : عن الإمام الصادق علیه السلام : عن جابر عن أبي عبد الله علیه السلام قال : قلت له : لم سمّيت فاطمة الزهراء زهراء ؟ فقال : لأنّ الله عزّ وجلّ خلقها من نور عظمته فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة ساجدين قالوا الهنا وسيدنا ما لهذا النور ؟ فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب أنبيائي أفضّله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي .(1)

والثاني : برواية أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام : يابن رسول الله ، لم سمّيت الزهراء سلام الله علیها الزهراء ؟ فقال : لأنها تزهر لأمير المؤمنين علیه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور : كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيّض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة .

فإذا نصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها سلام الله علیها بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة سلام الله علیها فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها سلام الله علیها بالصلاة فيعلون أنّ الذي رأوه كان من نور وجهها.

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة سلام الله علیها فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله عزّ وجلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم

ص: 211


1- الصدوق، علل الشرايع 1: 179. (المترجم) بحار الأنوار 43: 12 . (هامش الأصل)

وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلی الله علیه و آله وسلم ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة سلام الله علیها، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين علیه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت، إمام بعد إمام ...(1).

وهذا مختصر مضمون الحديث المروي في علل الشرايع .(2)

وقريب من هذه الرواية ما رواه البحار عن المناقب عن أبي هاشم العسكري إنّه قال : سألت صاحب العسكر علیه السلام : لم سمّيت فاطمة الزهراء سلام الله علیها؟ فقال : كان وجهها يزهر الأمير المؤمنين علیه السلام من أوّل النهار كالشمس الضاحية وعند الزوال كالقمر المنير وعند غروب الشمس كالكوكب الدرّيّ.(3)

ونقل هذه العبارة في المناقب بعد العبارة (غريبين) التي ذكرها في وجه تسمية البتول، واشتبهت الحال على المؤرّخ المعاصر فأسقط اسم «أبو هاشم راوي

الحديث وروى الحديث عن الغريبين بلا واسطة وقال : حكى عبيد الهروي في الغريبين قال: سألت «صاحب العسكر» وهذا الخطأ غاية في الغرابة من عدة جهات، وأهل هذه الصناعة يعرفون ذلك وما من حاجة إلى البيان (4).

ص: 212


1- علل الشرايع 1: 179 (المترجم) علل الشرايع : 180 باب ،143 ، بحار الأنوار 43: 11 رقم 2 (هامش الأصل)
2- اختصره المؤلف ورويناه بطوله . (المترجم)
3- بحار الأنوار 42: 135 باب 122 أحوال رشيد الهجري وميثم (المترجم) بحار الأنوار 16:43 . (هامش الأصل)
4- أولاً : اسم الهروي أحمد بن محمد وكنيته أبو عبيد وليس اسمه عبيداً ثانياً : توفي الهروي عام عشر بعد الأربعمائة من الهجرة النبوية وبين وفاته ووفات الإمام العسكري مائة وخمسون عاماً فكيف يروي عنه ؟ ثالثاً : لم يعده أحد من أهل الشيعة ولا أهل السنة من أصحاب الإمام العسكري . رابعاً : أسقط لفظ أبو هاشم وهو كنية داود بن القاسم الجعفري وهو من أجلة أصحاب الجواد والهادي والعسكري والمنتظر الثقات. خامساً : لم يعز الرواية إلى ابن شهر آشوب ورواها بنحو الاستقلال والظاهر أنها بنحو الوجادة . (منه)

الاسم الثالث : سيّدة نساء العالمين

وفي الأخبار المتواترة عن أهل بيت العصمة والطهارة أنّ هذا اللقب الشريف ثابت لها بل صار ذلك من ضروريات مذهب الشيعة واعترف بثبوت هذا اللقب لها كثير من علماء أهل السنة والجماعة مثل الفخر الرازي والسعد التفتازاني في (المقاصد) و (شرح المقاصد) و (شرح العقائد) والشريف الجرجاني في شرح المواقف وعمر النسفي في العقائد ومحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي، ومحبّ الدين الطبري، والفضل بن روزبهان الاصفهاني وشمس الدين يوسف ابن

الجوزي ، وكمال الدين م بن طلحة وابن أبي الحديد وغيرهم.

ولما نشب الخلاف بين علماء السنّة مع وجود هذه التصريحات حول من هي الأفضل؟ وجاء في رسالة الشيخ محمد الصبان أن الأقرب عند الكثير تفضيل مريم على نساء العالمين ثمّ خديجة ثمّ فاطمة ثمّ عائشة ، وجماعة على تفضيل عائشة .(1)

وحكي عن الأشعري التوقف (2)ونقل عن شيخ إسلامهم ابن حجر المتقدم العسقلاني في شرح البهجة التفضيل من جهات فعايشة من جهة العلم أفضل وخديجة من جهة السبق إلى الإسلام وإعانة الرسول، وفاطمة من جهة القرابة وكونها بضعة النبي ، ومريم من جهة الاختلاف في نبوّتها. وهذا القول باطل جملة

ص: 213


1- إنما فصلوها لشديد بغضها لعلي وأهل بيته وأنا اليوم على استعداد لإثبات كفر عائشة بالأرقام. أما نفاقها فثابت لا شك فيه لقول النبي العلي : لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق ، وكانت عائشة تبغضه في حياة النبي وبعد وفاته فكيف صارت أفضل وصديقة ؟ (المترجم)
2- لعنه الله ولعن دينه.

لمخالفته للنصوص الثابتة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و عترته الأطهار .(1)

لأنّ اتفاق علماء الشيعة حاصل بأنّه ما من امرأة عند الله أقرب منزلة من فاطمة سلام الله علیها بل يستفاد من الأخبار أنّها سلام الله علیها أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين حتّى أُولي العزم (2)بل فضلها بعض العلماء على الحسن والحسين وسائر الأئمّة علیهم السلام . ولما كان قانون المناظرة يقتضى أن تحتج على الخصم بكتبه لذلك نحن نستمد العون من سيّدتنا سلام الله علیها ونورد قسماً من الأخبار الصحيحة الموثقة من كتب أهل السنّة والجماعة بعون الله تعالى الدالة على أن فاطمة سيدة نساء العالمين وأنّ جميع نساء العالمين دونها بالرتبة .

الخبر الأوّل : محمّد : محمد بن إسماعيل البخاري في الجامع الصحيح يقول : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة .(3)

وهذه الرواية وإن كانت مرسلة ولكن لورودها في كتاب البخاري تعتبر صحيحة عند أهل السنّة لأنه أجمعوا على تصحيح ما رواه البخاري في جامعه وإن

رواه الضعفاء أو كان مرسلاً كما صرّح ابن خلدون بذلك في مقدمته .

وهذا الحديث مرويّ في البحار عن مناقب ابن شهر آشوب ورواه مسلم في الصحيح وأبو السعادات في فضائل العشرة وأبو بكر بن شيبة في الأمالي والديلمي في الفردوس .(4)

ص: 214


1- ينبغي ألا يوثق بكلّ نقل فقد ثبت عن ابن حجر العسقلاني قوله : فاطمة أفضل من خديجة وعائشة بالإجماع ثم خديجة ثمّ عائشة . راجع القاضي عبدالنبي الأحمد نگري (جامع العلوم 1 :9) (المترجم) .
2- وهذا ما ذهب إليه مولانا الأميني في محاضراته التي ترجمناها إلى العربية بعنوان (فاطمة أم أبيها) وينبغي للمؤلف أن يستثني من أولي العزم والدها ويستثني من بقية الناس بعلها . (المترجم)
3- صحيح البخاري 5 : 20 - 21 ط المنيريّة. سيدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأمة ، رقم 6049. (المترجم)
4- بحار الأنوار 43: 37 ، وإحقاق الحق 10: 69 - 99 (هامش الأصل)

الخبر الثاني: رواه مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري في صحيحه بسندين وأحمد بن شعيب النسائي في الخصائص عن عائشة أن فاطمة سلام الله علیها قالت : قال لها النبي : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء الأُمّة .(1)

والظاهر أنّ الترديد من الراوي ومهما كانت ألفاظ الرواية فإنّها تدلّ على فضل الزهراء على مريم سلام الله علیها فإن كان اللفظ «المؤمنين» فمريم داخلة في هذا المفهوم ويشملها بنفسه إلا أن يدعى أنّ اللفظ ينصرف إلى مؤمني هذه الأمة وهنا يمنع من دخول مريم فيهم ، وإن قصد بالنساء نساء هذه الأمة فإنّها بمعونة الروايات المرويّة في هذا الجامع يكون بالإمكان إثبات مطلوبنا . وعلى كلا الحالتين فقد روي في باب فضائل الخديجة عن أمير المؤمنين أنّه قال : سمعت رسول الله قال : خير نساءها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد. وهذه الرواية رواها بأربعة أسانيد بمعنى أنّه كرّر «حا» الذي هو في اصطلاح المحدثين علامة على التحويل (ويسمونه حاء التحويل) ثلاث مرّات. وفي إحدى الطرق رواية أبي كريب عن وكيع، ولهذا يقول بعد نقل الحديث: إنّ وكيع أشار وهو يروي الرواية إلى السماء والأرض أي: إنّ مرجع الضمير «ها» في «نسائها» عينه وكيع وهو الدنيا كلها وهذا اللون من الإشارات رائج عند العرب.

ويفهم من هذا الحديث المروي في صحيح مسلم المتكرر الإسناد مرتبة مريم وخديجة من طريق أهل السنّة ، ولا شك بأنّ سيّدتنا خديجة سلام الله علیها من نساء هذه الأمة وفاطمة بحكم الحديث المذكور سيدة نساء هذه الأمة ولازمه أن تكون أفضل من مريم أيضاً لأنّ من فضل أحد المتساويين فضل الآخر بالملازمة وعلى

ص: 215


1- صحیح مسلم 7: 142 ط محمد صبيحي بمصر ، وإحقاق الحق 106:10 أحاديث. (هامش الأصل) وجرى تطبيقه في صحيح مسلم رقم 6260 . (المترجم)

هذا ففاطمة سلام الله علیها السيدة نساء العالمين بمقتضى الحديث الذي رواه مسلم وهو صحيح متفق عليه عند أهل السنة والجماعة وهذا البيان من غنائم هذا الشرح، والحمد لله على وضوح الحجّة.

الخبر الثالث : نقل عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالكريم بن الأثير الجزري في أسد الغابة في ذيل رواية مفصلة ينتهي سندها بمسروق عن عائشة أنّ فاطمة سلام الله علیها أخبرتها عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال لها: «ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين؟».

ثمّ نقل ذلك عن أبي صالح أنّه قال : رواه البخاري في الصحيح عن أبي نعيم وهذا من غريب الصحيح فإنّ زكريا روى عن الشعبي أحاديث في الصحيحين وهذا يرويه عن فراس عن الشعبي .(1)

الحديث الرابع : روى الترمذي في صحيحه عن حذيفة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : أما رأيت العارض عرض لي قبل ذلك، هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلّم عليّ ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة . (2)(3)

الخبر الخامس : نقل أحمد بن شعيب النسائي في كتاب الخصائص عن عائشة بأنها روت عن فاطمة سلا الله علیها أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لها : يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأُمّة وسيّدة نساء العالمين .(4)

ص: 216


1- أسد الغابة 5 : 522 ط مصر ، وإحقاق الحق 10: 27 ... ( هامش الأصل)
2- صحيح الترمذي 3 : 197 ط الصاوي بمصر ، وإحقاق الحق 10: 69 أحاديث 2 ، الخصائص : 43 ط التقدم بمصر ، إحقاق الحق 108:10 - (هامش الأصل)
3- الترمذي 5 : 326 بسياق يختلف عن سياق المؤلف . (المترجم)
4- الخصائص : 43 ط التقدم بمصر ، إحقاق الحق 108:10 . (هامش الأصل)

قال في الصواعق : أخرجه أحمد والنسائي وابن حبّان .

الخبر السادس: أحمد بن عبدالله بن محمد أبو العبّاس محبّ الدين الطبري المكي إمام أهل السنّة روى في ذخائر العقبي عن أم سلمة (1)أنها روت عن فاطمة الزهراء سلام الله علیها لأن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لها : أما ترضين أن تأتي يوم القيامة سيدة نساء العالمين أو نساء أهل الجنّة (2).

ولما وردت هذه الأخبار بسياقات مختلفة من طريق البخاري ومسلم والترمذي والدولابي وغيرهم مما احتمل تعدّد الواقعة ليجمع بينها وهذا وجه وجيه كما عمل ابن حجر في باب أخبار الكساء فقد احتمل تعدّد الخبر عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال : إن النبي صلی الله علیه و آله وسلم جمعهم مرّات تحت الكساء وقرأ عليهم آية

ص: 217


1- وصفه السيوطي في طبقات الشافعية بالإمام المحدثى فقيه الحرم شيخ الشافعية محدّث الحجاز وقال الصفدي في الوافي بالوفيات : شيخ الحرم الفقيه الزاهد المحدّث . ولقبه عبدالوهاب بن السبكي في طبقات الشافعية بشيخ الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافع. وقال الأسنوي في طبقات الشافعية : شيخ الحجاز ، كان عالماً عاملاً جليل القدر عالماً بالآثار والفقه. وأورد الذهبي في كتاب العبر ودول الإسلام وتذكرة الحفاظ والمعجم بأنّه الإمام المحدّث المفتي فقيه الحرم مصنّف الأحكام ، كان عالماً عاملاً جليل القدر عارفاً بالآثار ومن نظر في أحكامه عرف محله من العلم والفقه، عاش ثمانين سنة، مات سنة أربع وتسعين وستمائة ، وإذا أردت أن تحيط علماً بما قيل فيه من كلمات المدح فعليك بالرجوع إلى كتاب عبقات الأنوار تصنيف السيد الجليل المحدّث العالم نادرة الفرك وحسنة الهند ومفخرة لكهنو وغرّة العصر خاتم المتكلمين المولوي الأمير حامد حسين المعاصر الهندي الكهنوي قدس سره وضوعف بره، وإنّي أُدين الله بأنه منذ تأسيس علم الكلام إلى هذا اليوم حيث أكتب هذا المختصر ، لم يؤلف كتاب في مذهب الشيعة مثل هذا الكتاب المبارك من حيث اتفاق النقل وكثرة الاطلاع على كلمات الأعداء والإحاطة بالروايات الواردة من طرق الخصوم في باب الفضائل إلى آخر ما جاء فيها . فجزاه الله عن آبائه خير جزاء ولد عن والده ووفق خلفه الصالح لإتمام هذا الخير الناجح ، وما نقلناه نحن في هذا المقام من التعريف بالمحب الطبري إنما هو اختصار وجيز مما ورد في ذلك الكتاب .
2- ذخائر العقبي : 42 ط مكتبة القدسي بمصر . (هامش الأصل)

التطهير (1)كما فعل في حديث التمسك بالثقلين فقد قال : رواه عن النبي عشرون ونيف من الصحابة سمعوه منه في مواضع مختلفة .

الخبر السابع : روى في البحار عن مناقب ابن شهر آشوب وهو من أجلة علماء الإمامية وقد أثنى عليه علماء أهل السنة والجماعة ثناءاً بليغاً وقد اعترفوا بوثاقته وتقواه، كما نقل السيد الجليل المعاصر الهندي عن الوافي بالوفيات للصلاح الصفدي أنّه قال : محمد بن علي بن شهر آشوب أحد شيوخ الشيعة، حفظ أكثر القرآن وله ثماني سنين ، كان يرحل إليه من البلاد، وكان صدوق اللهجة، مليح المحاورة ، واسع العلم كثير الخشوع والعبادة والتهجد ، لا يكون إلا على وضوء، أثنى عليه ابن أبي طي كثيراً. ونقل عن صاحب القاموس في البلغة أنه اعترف بسعة علمه وكثرة عبادته ودوام وضوئه ، وكذلك اعترف السيوطي بهذه الفضائل وأضاف إليها : كثرة الخشوع .

وفي طبقات المفسّرين نقل شمس الدين محمد بن علي المالكي تلميذ جلال الدين السيوطي : اشتغل بالحديث ولقي الرجال وتفقه فبلغ النهاية حتى صار رحلة وتقدّم في علم القرآن والتفسير والنحو وكان إمام عصره وواحد دهره وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي ، واسع العلم كثير الفنون ، انتهت عبايرهم ملخّصة محذوفة الأكثر .

والسرّ في إسهابنا في نعت ابن شهر آشوب من كتب أهل السنة والجماعة لكي لا يتهم في نقله وإن كنت أنقل من بحار الأنوار في هذا الكتاب، ولكن المناقب كثيرة الصدور واسعة الانتشار والحمد لله . والكتب التي ينقل منها موجودة أيضاً والمفقود منها قليل .

ص: 218


1- «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهُرَكُمْ تَطْهِيراً».

ومجمل القول أنّ الشيخ في المناقب ينقل عن الخطيب البغدادي وقال : تاريخ بغداد عن الخطيب عن حميد الطويل عن أنس قال: قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : خير نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد وآسية امرأة فرعون . ثمّ إنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم فضّلها على سائر نساء العالمين في الدنيا والآخرة .(1)

وروت عائشة وغيرها عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : يا فاطمة ، إنّ الله اصطفاك على نساء العالمين وعلى نساء الإسلام وهو خير دين .(2)

أقول : يستفاد من هذا الحديث إذا كانت امرأة أفضل نساء هذه الأمة فلازم ذلك أن تكون أفضل نساء سائر الأمم وبناءاً على هذا تشهد الأخبار المروية في صحيح مسلم وصحيح الترمذي وخصائص النسائي وغيرها من الكتب المعتمدة لأهل السنة والجماعة التي أطلقت على سيدتنا الصدّيقة لقب «سيدة نساء الأُمّة» والآن لك أن تراجع وتتأمّل وتشكر النعمة عليك حيث حفظ فضل أهل البيت فلم يستطع أحد إهداره ، ولقد بذل العدوّ غاية الجهد لكي يكتم فضلهم فما استطاع ومع عظيم سعيه في ذلك فقد وصل إلينا من فضلهم ما يكفي لإقراره ونشره، وحالفنا التوفيق في ذلك ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، والحمد لله كلّما حمده الحامدون.

الخبر الثامن: بحار الأنوار عن المناقب عن حلية أبي نعيم عن جابر بن سمرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال في حق فاطمة سلام الله علیها : أما إنها سيدة النساء يوم القيامة .(3)

ص: 219


1- في تاريخ بغداد روايتان عن حميد الطويل وينتهي بالسند إلى أنس والثانية عن ثابت عن أنس وليس فيهما زيادة في الدنيا والآخرة . راجع : 7: 194 و 9 : 411 ط بيروت دار الكتب العلمية ، الأولى 1417 (المترجم)
2- بحار الأنوار 43: 36 (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 43: 37 (هامش الأصل)

الخبر التاسع : البحار عن المناقب عن تاريخ البلاذري وهو من أكابر مؤرّخي علماء السنة والجماعة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لها : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة .. (1).

الخبر العاشر : مير سيد علي الهمداني الذي يدعوه السنيون «عليّاً الثاني» قال في كتاب مودّة القربى عن فاطمة سلام الله علیها قالت : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين أو نساء أُمتي.(2)

وهذا الحديث يختلف عن حديث الخصائص اختلافاً ظاهراً لأنّ في الأوّل (سيدة نساء هذه الأمة) مقدّم على جملة (سيدة نساء العالمين) وفي هذا الحديث وردت جملة (أو نساء أُمتى) بحذف سيّدة وإضافة لفظ «أُمّة» وحذف لفظ «هذه» وهذه الجملة متأخرة وهي مشعرة بتعدد الحديث.

وهذا مجموع الأخبار العشرة التي استخرجناها من صحاحهم المعتمدة لديهم وما كنا ننوي الاستيفاء ولقد صرّح ابن أبي الحديد بتواتر خبر «فاطمة سيدة نساء العالمين» والحمد لله على وضوح الحجّة .

هذا وإن كانت هناك أخبار غيرها من طريق العامة ولكنها تستثني مريم بنت عمران، ولما كانت الأخبار المتقدمة تتفق مع أخبار الإمامية المنقولة عن أهل بيت الرسالة صلى الله عليهم وهم معادن العلم ومخازن الوحي مِن ثَمّ كانت لدينا أرجح وهي مقدّمة على ما سواها، وينبغى أن يهمل من الأخبار ما يعارضها ونحن وإن ألمعنا من قبل إلى أن إجماع الإمامية قائم على أن فاطمة سيدة نساء العالمين

ص: 220


1- نفسه 43: 37 (هامش الأصل)
2- مودة القربي : 260 ط بصيرتي، وفرائد السمطين 1: 55ط بيروت . قال رسول الله : وأمهما سيدة نساء العالمين. (هامش الأصل)

والأخبار حول المعنى لا تُعد ولا تحصى ولكننا نضع بين يدي هذا البحث حديثاً مباركاً جاء في أمالي الصدوق عن الحسن بن زياد العطّار وهو كما يلي ، يقول: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، اسيدة نساء عالمها ؟ قال : تيك مريم وفاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين (فقال : فقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ؟ قال : هما والله سيّدا شباب أهل الجنّة من الأولين والآخرين ....)(1)وروى نفس الحديث في البحار عن المناقب ولكنه رواه مرسلاً .(2)

والانصاف أنّ كلّ مسلم يجب عليه أن يمعن التفكير في مريم وفاطمة سلام الله علیهما فهل لمريم أب كالمصطفى وبعل كالمرتضى وشبل كالحسن المجتبى والحسين سيد الشهداء ؟

ومما لا شك فيه أن فاطمة أحبّ إلى رسول الله من مريم ومأة مثل مريم، وإذا أمعنت النظر في فضائلها وعلمت أنّ النبي كان يكثر من شمّها وتقبيلها وكان إذا أراد سفراً فإنّ آخر من يودعه فاطمة، وفي كلّ ليلة لا يغمض له جفن إذا لم يقبل وجهها وكان يقوم لمقدمها ويجلس أعلى المجلس حتى اعترضت عائشة على ذلك مراراً ، وقالت : لم تفعل هذا ؟! فيقول لها : إنّى أشم رائحة الجنّة. وكثيراً ما كان يقول : فاطمة بضعة منّي، وفاطمة روحي التي بين جنبي، وفاطمة فؤادي وقلبي وغيرها من الفضائل التي لا تنفد بمرور السنين والأعوام، فإذا راجعت ما تقدّم بتمعن وتدبّر علمت أن فاطمة سلام الله علیها أفضل خلق الله حتى لأنبياء والمرسلين، لأنّ

ص: 221


1- بحار الأنوار 43: 21 ح 10 . (هامش الأصل والمترجم، والزيادة بين قوسين من المترجم)
2- بحار الأنوار 43: 37 رقم 40 (هامش الأصل)

النبي صلی الله علیه و آله وسلم أفضلهم جميعاً وللجزء حكم الكل .(1)

أُمّ من بنت من حليلة من***ويل من سن ظلمها وأذاها

ص: 222


1- كفى في سموّ شأن الزهراء سلام الله عليها كلام خالقها: «الولا فاطمة لما خلقتكما» روي عن الشيخ إبراهيم بن الحسن الذرّاق عن الشيخ علي بن هلال الجزائري، عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي، عن الشيخ زين العابدين علي بن الحسن الخازن الحائري، عن الشيخ أبي عبدالله محمد بن كَي الشهيد بطرقه المتصلة إلى أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن بابويه القمي بطريقه إلى جابر بن يزيد الجعفي عن جابر بن عبدالله الأنصاري عن رسول الله عن الله تبارك وتعالى أنه قال : يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما . ثمّ قال جابر : هذا من الأسرار التي أمرنا رسول الله له بكتمانه إلا من أهله الجنّة العاصمة لمير جهاني : 149 نقلاً عن كشف اللثالي لصالح بن . عبدالوهاب بن العرندس . ومؤلف كتاب كشف اللثالي من علماء القرن التاسع من علماء الشيعة كان عالماً ناسكاً زاهداً ورعاً أديباً شاعراً، توفي سنة 840 ودفن في الحلة الفيحاء ومدفنه مزار يتبرك به ورجال الحديث من كبار الشيعة، راجع : جنّة العاصمة : 149 .

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ..(1)«إنما أنا عبد من عبيد محمد»بحار الأنوار 3: 283. (المترجم) (2)تجد هذه العبارة من كلام السيد نعمة الله الجزائري في كتاب نور البراهين» 2 : 113 . (المترجم)(3)بحار الأنوار 26 : 260 ، وعبد الله مكان وُحد . (المترجم) (4) النور : 35 . (5)حديث طويل في الجزء السادس والعشرين من بحار الأنوار ص 1. (المترجم) (6)بحار الأنوار 58 : 235 وتمامه : «فإنّ الشيطان لا يترائى بي» فليس الغرض من هذا القول حيث ذهب الكاتب . (المترجم) (7)

ص: 223


1- السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره ينحصر توجّه الإنسان إلى أولياء الحق ومظاهره ومحاله التامة بوجهين : الأول : النظر إليهم بعين الاستقلال وإنّهم كمحمّد وعلي ، هم الله سبحانه وما إلى ذلك وهذه الطريقة هي الكفر والإلحاد، وجرت الإشارة إلى ذلك من النبي إلى ذلك كقوله صلی الله علیه و آله وسلم : أنا عبد الله مرزوق ومخلوق . ويقول أمير المؤمنين : أنا عبد من عبيد محمد صلی الله علیه و آله وسلم.
2- ويقول الإمام الصادق الله : لو عرفت الله بمحمد ما عبدته ، وإن الله أجل من أن يعرف بخلقه
3- . الوجه الثاني : التوجه إلى مقام نورانية الأولياء لا بنحو استقلالهم بل لأنهم مظاهر نور الله ، ولا يبدو لهم ذات للناظر مستقلة عن هذا اللحاظ ، لذلك نحن حين نخاطبهم ، نقول : من عرفكم فقد عرف الله ، وجاء في أقوالهم : بنا عُرف الله ، وبنا عبد الله ،وبنا وحد الله
4- وأبى الله أن يعرف إلا بالرجال . ومن هنا يقول الله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ»
5- لاسيما إذا أخذ تفسير الآية من المأثور عن أهل البيت فإن المراد من المصباح والزجاجة محمد وآل محمد، لأنه عندما يلمح النور منعتقاً من حجاب الزجاجة لا يعيرها الناظر إليها اهتماماً بل ينحصر همه في مشاهدة النور ، كما يقول أمير المؤمنين : «یا سلمان یا جندب، معرفتي بالنورانية هي معرفة الله ومعرفة الله هي معرفتي»
6- وكذلك يقول : من رآني فقد رأى الحق
7- ومن عرفكم فقد عرف الله ، ومعرفة الله هي معرفة كلّ أهل زمان إمامهم. وقول أمير المؤمنين : «أنا الأول وأنا الآخر وأنا الظاهر وأنا الباطن، وأنا يد الله وأذن الله وعين الله» يمكن أن تطبق على مثل هذه المعاني، ومع ملاحظتها نقرأ في زيارة عاشوراء : «السلام عليك يا ثار الله و ابن ثاره». لأن النظر إلى ذلك الدم وآثاره وبركاته العجيبة لم يكن في الأصل إليه ولا المعوّل في الحقيقة عليه وإنما يجتازه البصر إلى الحق فيراه من خلاله ، وما المقصود بهذه الرؤية رؤية البصر بل البصيرة والوجدان ، لأنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. وفي مقابل ذلك يمكن أن نخاطب البرابرة الذين قذفت بهم الصحراء ، والعفاريت الأرجاس كمعاوية ونغله يزيد، فنقول : يا دم الشيطان وابن دم الشيطان ، و يا يد الشيطان ولسان الشيطان، ويا بعيداً عن الإنسانية لأنهما لا يملكان من الصفات غير الشيطنة والدنس والكبرياء الفارغة. (المحقق)

اعلم بأنّ الثأر في لغة العرب كما ورد في (أساس اللغة) والصحاح ومختار والألفاظ الكتابية معناه : الضغن ، وطلب الضغن ، وبهذه الملاحظة استعمل بمعنى الثأر للدم وبمعنى الدم، وفسره في القاوس بهذا المعنى ، والأصح ما ذكرناه في الاستعمال لأنّ القاموس لا يوثق به ولا يعتمد عليه في مثل هذه الأُمور . وعلى كل حال فالاستعمال جار بمعنى الدم وطلب الدم.

والمعنى الثاني هو المعنى المصدري يقولون : ثأرت حميمي وثارت فلاناً بحميمي يعني طلبت بدمه أو بواسطته كما ورد ذلك في أساس البلاغة وغيرها.

إذاً ، فالمطالب «ثائر» والقتيل مثئور ومثئور به وكذلك المطلوب وهو القاتل يسمّى المثأور. والعبارة الثانية ثأرت فلاناً بحميمي.

وأحياناً يدعى الثار بالطالب وهذا المعنى حمله في النهاية على حذف المضاف وانتقال حركته إلى المضاف إليه وفي المثل «يا لثارات الحسين». وبناءاً على ما ذهب إليه صاحب النهاية، تقديره : يا أهل ثارات الحسين يعني الطالبون بدم الحسين علیه السلام .

وأحياناً يطلق الثأر على القاتل ، وفي النهاية أوّل هذا المعنى على وجه «موضع الثأر» أو بحذف المضاف أو على المجاز بمعنى الملابسة والحلول، وعلى هذا

ص: 224

يراد من المثال المذور استنهاض القبيلة من أجل بيان فداحة الأمر وتقريعها لتنفصل بذلك عن الأنصار ويعرف حالها.

ونقل الزمخشري أنّ استعمال الثأر هنا بمعنى الطالب من قبيل استعمال المصدر في اسم الفاعل مثل عدل، وفي الثاني من قبيل استعمال المصدر في اسم المفعول مثل «صيد» وفي «يالثارات الحسين» الثار معناه نفس الذحل والدم وصيحتهم بهذا الشعار كأنّهم يقولون يا دماء الحسين تجمعي اليوم فإنه وقت الطلب، وهذا الكلام من رأسه إلى قدمه غاية في المتانة ونهاية في القوة وما هو بحاجة إلى تكلف ابن الأثير .

واحتمال آخر في معنى الثار أنه بمعنى الطالب وهو مخفف من ثائر نظير شاكِ مخفف من شائك، وبناءاً على هذا تحذف الهمزة منه وتبقى ألف الفاعل واللازم نطقها بالألف غير المهموزة بخلاف الوجوه السابقة حيث أن الكلمة المهموزة لأنّ الأصل فيها الهمزة ويؤتى بالألف تخفيفاً وإن كان الغالب في استعمالها بالألف، ومن هذه الجهة ضبطت في جميع كتب المزار بالألف اللينة ، ولا إشكال في ذلك ، وهذا الاحتمال وإن كان بعيداً إلا أنه أولى من احتمال ابن الأثير .

فإذا عرفت هذه المقدّمة فاعلم أنّ في المسألة وجوهاً محتملة :

الأوّل: يستفاد من كلام الفاضل المتبحر المحدث المجلسي في مزار البحار أنّ «ثار» بمعناه المصدري ولفظ أهل محذوف مقدّر وإضافته إلى لفظ الجلالة إضافة المصدر إلى الفاعل يعني يا من هو أهل لأن يطلب الله بدمه، وهذا خلاف الظاهر وتقديره خلاف الأصل.

الثاني: ما احتمله الشيخ الجليل فخر الدين الطريحي في مجمع البحرين أنّ-ه مصحف من «ثاير» وهذا مذكور في البحار أيضاً ولم يذكر أحد لهذا الوجه تقريباً ويمكن أن تكون إضافة «ثائر» إلى الله بتقدير اللام أي في سبيل الله وفي سبيل الله

ص: 225

طالب بالدم. ويمكن أن يكون طلبه بالدم نظراً لمن قتل قبله من أصحابه وأولاده أو بالنظر إلى الدماء البريئة التي أُريقت في زمن معاوية ويزيد.

وعلى هذا تقرير وابن ثاره يوجّه . وهناك وجوه واعتبارات يمكن تمشيها في الإضافة ولكنها بعيدة جداً، وهذا الوجه مختل لفظاً ومعنىً.

أمّا لفظاً فالالتزام بالتصحيف مع اتفاق النسخ الصحيحة على عبارة واحدة غريب مع كونه لا حاجة ماسة تدعو إلى هذا الاعتبار لأنك علمت ما ذهب إليه الزمخشري وابن الأثير من جواز استعمال «ثار» بمنى ثائر وكان في كلام الزمخشري وجهان ، وأنّ هذين المحدثين العليمين لم يطلعا على عبارة الأساس والنهاية وإن لم يكونا اطلعا فمن المستبعد الالتزام بالتصحيف.

وأما بحسب المعنى فظاهر فإنّ هذا اللقب ليس بهذا الاعتبار لاسيما وجود قرائن في بعض الزيارات على خلاف هذا المعنى نظير قوله : «في السماوات والأرض» وهذه الجملة تأتي بعد قوله : «الوتر الموتور» والظاهر رجوع اللفظ إلى الاثنين معاً حيث لا يتفق مع هذا الاحتمال .

ووجه آخر مذكور في مشكلات العلوم للفاضل النراقي وليس فيه شيء زائد على هذا المعنى وإن كان لم يشرح بيان الدلالة كما ينبغي، ونحن طلباً للاختصار

نعرض عن ذكره ونقده.

الوجه الثالث : أنّ الثأر بمعنى الدم والكلام مبني على التنزيل والتقدير يعني لو كان الله دمّ لكنت، وهذا من قبيل عين الله وجنب الله ويد الله ، وهذا الوجه لا أرى أني عثرت عليه عند أحدٍ ولكنه لا يبعد لأنه ليس معنى الثأر مطلق الدم بل الدم المراق الذي يطلب له القصاص كما هو ظاهر بيّن للمتتبع (1) بحار الأنوار 43: 335 ط طهران. (هامش الأصل) 43: 335ط بيروت. (المترجم) (2) بحار الأنوار 44 : 82. (هامش الأصل) صح التطبيق . (المترجم) (3) بحار الأنوار 45: 324. هامش الأصل والظاهر أن الخطاب مع يزيد لعنه الله ووقع ابن الزبير لعنه الله هنا خطاً. (4) بحار الأنوار 53:45 . ( هامش الأصل) (5) نفسه 45: 249 (هامش الأصل) (6).

ص: 226


1- الظاهر لا وجه لكلام المصنف هنا إذ الثأر بمعنى الدم ويمكن أن نأتي بموارد حول ذلك : قال الحسن بن علي : نعم ، اجتمعتم على جهل، وخرق منكم فزعمتم أن محمداً صنبور - أي أبتر لا عقب له - والعرب قاطبة تبغضه ولا طالب له بثأره
2- . وفي هذا استعمل الثار في مطلق الدم فإنّه بعد لم يهرق حتى يقال الدم المهراق ، وعلى هذا فالمعنى أنه ليس لرسول الله طالب الدمه لو أريق ، وهذه المعاني مستفادة بتعدد الدال . 2 - قال الحسن بن عليّ أيضاً مخاطباً لعتبة بن أبي سفيان : وأما وعيدك إياي بقتلي فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها حتى ألصق بك ولداً ليس لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديراً وبذلك حرياً، إذ تسومني القتل وتوعدني .
3- وفي هذا الحديث يقول : طلب ثأرك منه أي طلب الدم الذي له صلة بك، ولك أن تقتص من أجله، ولو كان المراد من الثأر الدم المهراق فما من حاجة لكلمة طلب ولا إلى كاف الخطاب بل يكفي أن يقول له : لو شغلت بالثار 3 - وقال ابن عباس مخاطباً لابن الزبير : فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي وقد قتلت ولد أبي وسيفك يقطر من دمي وأنت أحد ثأري فإن شاء الله لا يبطل لديك دمي ولا تسبقني بثأري وإن سبقتني في الدنيا فقبل ذلك ما قتل النبيون وآل النبيين فيطلب الله بدمائهم فكفى بالله للمظلومين ناصراً ومن المظلومين منتقماً فلا يعجبك إن ظفرت بنا اليوم فنظفر بك يوماً
4- . والظاهر من الثأر هنا الدم وبتعدد الدوال نعرف أنه الدم الذي يتصل بي ولي أن أقتص منك به وشاهده قوله : « لا يبطل لديك دمي» و«فيبطل الله دمائهم حيث جاء بالدم بدلاً من الثأر . 4 - قال رسول المختار : المختار يقرء عليك السلام ويقول لك : يابن رسول الله قد بلغك الله ثأرك ، ففعل الرسول ذلك ، وقال : الحمد لله الذي أجاب دعوتي وبلغني ثأري من قتلة أبي ، ودعا للمختار
5- . 5 - قالت فاطمة الصغيرة بلسان الحال : تنادي جدها يا جدانا***طلبنا بعد فقدك بالذحول
6- والذحول جمع الذحل يقال طلب بذحله أي بثأره فيعلم أن الذحل والثأر بمعني . وأما قوله : إن الثأر بمعنى الدم المهراق فغير صحيح لاستعمال الذحل بدل الثأر أيضاً فتأمل . (المحقق)

ص: 227

الوجه الرابع : اعتبار «ثار» بمعنى مثثور كما ورد في كلام الزمخشري ولكن ليس بمعنى القاتل بل المقتول بل القتيل كما ورد نظير قول القائل ثأرت حميمي، ويكون المعنى :هكذا أيها القتيل الذي يطالب الله بدمه. يؤيّد هذا المعنى عبارة الزيارة الواردة في كامل الزيارة عن يونس بن ظبيان عن صادق آل محمد علیه السلام أنه :قال : السلام عليك يا قتيل الله ، أي القتيل الذي يطلب الله بدمه .

ومجمل القول : أن المبعد لهذا الاحتمال هو عدم استعمال اللغويين له، ولم يصرّح أحد منهم بجواز استعماله وإن لم يمنع من القياس اللغوي، وله أشباه ونظائر موفورة في اللغة .

الوجه الخامس : أنّ «ثار» بمعنى الدم المطلوب وإضافته إلى الله لأنه المخصوص بالطلب به وهو وليه الحقيقي، وهذا أوجه المعانى وتكون الإضافة هنا بمعنى اللام على الوجه المتعارف ، والعجيب أني لم أعثر على من ذكر هذا الوجه مع استقامة معناه بصفة تامة وانطباقه على القواعد، وجريانه مع الأذواق السليمة.

ص: 228

وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ

الشرح : الوتر معطوف على الثار المنادى المضاف المنصوب فهو منصوب أيضاً بالتبع ، في الأصل بمعنى وجاء بمعنى الذحل أيضاً وهو الضغينة والدم وجاء بمعنى النقص والجناية وقتل الأقارب.

ويقول في الصحاح : الوتر بالكسر : الفرد والوتر بالفتح الذحل هذه لغة أهل العالية ، فأمّا لغة أهل الحجاز فبالضد منهم، وأما تميم فبالكسر فيهما ..(1).

وفي المصباح عن الأزهري عكس كلام الصحاح في لغة الحجاز والعالية(2)والأصل في جميع المعاني المذكورة هو الوتر بمعنى الفرد حيث أن كل زوج إذا أصبح فرداً يكون ناقصاً ومثله من يقتل منه قتيل يصير فرداً، والجناية عائدة إلى هذا النقص، والذحل وهو العداوة والنقص والدم يرجع إلى قتل الأقرباء وبالإمكان استفادة هذا المعنى من عبارة أساس البالغة .

والموتور معناه من بقى فرداً ومن أصيب بقتل واحد من أقربائه .

وفي الصحاح : الموتور : الذي قُتل له قتيل فلم يدرك بدمه (3).

ومن هذا الباب قولهم : فلان طلاب أوتار ،وترات، ومنه الحديث : «بكم يدرك الله ترة كلّ مؤمن (4).

ص: 229


1- صحاح الجوهري 2 : 842 مادة وتر.
2- هذا ما قاله صاحب المصباح المنير : الوتر الفرد والوتر الذحل بالكسر فيهما لتميم، وبفتح العدد وكسر الذحل لأهل العالية، وبالعكس وهو فتح الذحل وكسر الفرد لأهل الحجاز المصباح المنير 2 : 647 . (المترجم)
3- صحاح الجوهري 2 : 843.
4- مجمع البحرين في لغة ثار ، وكامل الزيارات، وبحار الأنوار 101: 153 ط طهران، ومفاتيح الجنان باب الزيارات المطلقة للإمام الحسين . و في البيان والتبيين 2 : 50ط الاستقامة بمصر قال : في رواية جعفر ابن محمد عن آبائه : ألا إن أبرار عترتي وأطايب أرومني أحلم الناس ... وإن بنا تدرك ترة كلّ مؤمن، وبنا تقطع ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا غنم وبنا فتح الله وبنا يختم لا بكم...

وفي مجمع البحرين وقع تصحيف سوف نتكلّم عنه تفصيلاً إن شاء الله في ذیل شرح هذه العبارة، ويمكن استخراج ثلاث احتمالات من لفظ الزيارة:

الأوّل : الوتر بمعنى الفرد والموتور من معناه ويكون تأكيداً لسابقه مثل حجر محجور وبرد «بارد ويوم أيوم» و«موت مانت» و«ليل أليل» و«شعر شاعر» وهذا المعنى وإن ذكره في البحار ومشكلات العلوم ولكنّه في نظر هذا العبد الله بعيد عن الصواب كثيراً لأنّه ليس بينه وبين الكلمة السابقة أيّة مناسبة وهو وارد في الزيارات المشار إليها أيضاً «السلام عليك يا وتر الله» وتوجيهه بالمتفرّد بالكمالات والمتميز من نوع البشر في عصره مع إضافته إلى لفظ الجلالة لا يتلائم جداً وإن ورد في البحار .

الثاني : لما كان الوتر بمعنى الفرد والموتور من قتل منه قتيل ، فيكون المعنى : يا أيّها الفرد الذي قتل أقربائك، وهذا المعنى مذكور في الكتابين السابقين وه-و أقرب من المعنى الأول ولكنه ينافي فقرة الزيارة المذكورة ثم هو غريب بحد ذاته.

الثالث : ما تبادر إلى ذهني من معنى الوتر بأنّه الدم المسفوك (1)وفحوى هذه العبارة هي: يا أيها القتيل الذين أقربائه وأصحابه - كما أقمنا الترجمة على هذا المعنى ، والإضافة إلى الله بهذا المعنى مناسب جداً لأنه قتيل في سبيل الله كما قيل له : قتيل الله .

ص: 230


1- ورد معنى الوتر بمعنى الدم كما جاء في كامل الزيارة الباب 108 نوادر الزيارات حديث 14 ص 234 : لما قتل الحسين سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة : اليوم نزل البلاء على هذه الأمة فلا ترون فرحاً حتى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم، ويقتل عدوكم، وينال بالوتر أوتاراً ؛ ففزعوا منه .

فائدة استطرادية :

في مجمع البحرين في مادة ثار يقول : إن في الحديث : «إذا خرج القائم يطلب بدم الحسين ويقول : نحن أولياء الدم طلاب الترة» (1)ومثله حديث وصف الأئمة : «بكم يدرك الله ترة كلّ مؤمن» (2)ولم ينقل في أيّ كتاب من كتب اللغة ثرة - بالثاء - وما من قياس يبيح لنا تبديل ثأر المهموز ب_«الثرة» وهذا المحدّث المتبحر نفسه ذكر الحديث الثاني في مادة ،وتر، وهذا تصحيف غريب جداً، وضرره على اللغة أكثر من أي مكان آخر لأن كتب اللغة إنّما وضعت ليحتج بها وتكون مرجعاً للجميع وأكثر أهل العلم غفل عن مثل هذه التصحيفات، فأقام قواعده العلمية على كلمات من هذا الطراز ، وربما ترتب عليه خطأ أكبر في الدين والدنيا، ولم أجد كتاباً في اللغة لحد الآن أكثر أخطاء من القاموس وكتاب مجمع البحرين، ففيهما كثير من الأخطاء والتصحيفات لاسيّما القاموس، حيث كتبت في إصلاح عيوبه كتب كثيرة ويكفيه ما كان يدعيه من أنّة استوعب اللغة كلّها ومع هذا الادعاء الضخم فقد أحصى عليه في تاج العروس عشرين ألف كلمة لم يذكرها ومع ذلك ففي الزوايا خبايا ، وما أقل كتب الصحاح التي ليس فيها زيادة فائدة على القاموس .

ومجمل القول نأتي ببعض التصحيفات الواردة في القاموس والمجمع نموذجاً لما قلناه آنفاً عنهما ليكون الأدباء وأصحاب الكمال العلمي على معرفة من ذلك .

ص: 231


1- تفسير القمي : أبي عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد الله في قوله : «أُذِّنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ...» إنَّما هو القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين وهو قوله : نحن أولياء الدم وطلاب الترة (بحار الأنوار 47:51 رقم 7 . (هامش الأصل)
2- مجمع البحرين 305:1

في القاموس مادة «خور» يقول: «الخور وادٍ وراء برجيل..»(1). وأصل العبارة كما يلي: «خور» وزان «غور» موضع في أرض نجد من ديار بني كلاب. وذكره حميد بن ثور في شعره فقال:

سقى السروة المحلال مابين زاين***إلى الخور وسمّي البقول المديم

ونقل الفاضل الأديب المتبحر المحدّث السيد علي خان في الطراز عن الأودي أنّة قال: خور وادٍ وزابن جبل فجاء صاحب القاموس فصحف الكلمة

حين جعل لفظ «وزابن» «وراء بر» ولفظ جبل جعله «جبل» فصارت الكلمة وراء برجيل والعجيب إذ لم يدخل في خلده برجيل ومعناه فهل هو حيوان أو جماد أو ملك، ونعم ما قال السيّد: إنّ هذا التصحيف يضحك الثكلى ويلهيها عن مصيبتها .. (2)

وقال في مادة قوقس : قاقيس بن صعصعة بن أبي الخريف، محدّث .

وهذا التصحيف لا يقل عن ذاك شناعةً، لأنّ العبارة المنقولة عن الذهبي في مشتبه الأنساب كالتالي: ذكر في «حريف» أوّلاً «عبدالله بن ربيعة السوالي» تابعي يكنى أبا الحريف - بفتح الحاء المهملة ضبطه الدولابي وخالفه ابن الجارود وبمعجمه وفاقاً أي وقع الخلاف في الحاء هل هي مهملة أو معجمة فأعجمها ولكن في الزاي أنّها معجمة وفاقاً . ثمّ قال : قيس بن صعصعة بن الخريف. فجاء هذا الفاضل وألقى نظرة على لفظ «وفاقاً» ففصل وفا عن باقيها وقرأها «وفاء» وبقيت «قا» أي القاف والألف فاحتار صاحبنا كيف يقرأها وأين يضعها بقي في

ص: 232


1- هذا ما قاله صاحب القاموس عن الخور : المنخفض من الأرض والخليج من البحر ومصب الماء في البحر وع بأرض نجد أو وادٍ وراء برجيل (القاموس المحيط 2 : 25 مادة خور). (المترجم)
2- ولم يستدرك عليه ذلك صاحب تاج العروس بل لم يزد على قوله برجيل كقنديل، ولم يذكر المصنف برجيل في اللام 3: 192 ولم أعثر عليها عند أحمد شدياق في الجاسوس على القاموس (المترجم)

حيرة إلى أن انتشله فكره الثاقب منها فألقاها على رأس قيس المسكين وخلع عليه هذه الخلعة القاقيسيّة الشريفة (1)والتصحيف من هذا النمط كثير في كتاب القاموس فإنّة فاق حدود الإحصاء (2).

وقال في (المجمع) في مادة حنف بحاء مهملة ونون أولاد الأحناف وهم الإخوة من أم واحدة وآباء متعدّدة، وضبط العلماء بأجمعهم هذه اللفظة في مادة (خيف) بخاء معجمة وياء مثناة تحتانية آخر الحروف الهجائية، وقالوا : إذا كان الأولاد من أب واحد وأمهات عدة فهم أبناء علات، وإذا كانوا من أُمّ واحدة وتعددت آبائهم فهم أبناء أخياف، وإذا اتحد أبواهم فهم أبناء أعيان وأصل الخيف وزان حول . اختلاف لون العين كأن تكون إحداهما سوداء والأخرى زرقاء، ومن هذا الباب ما جاء في البديع من صنعة الخيفاء وهي الالتزام بالمجيء بكلمة معجمة من بعدها كلمة مهملة نظير عبارة الحريري في المقامة المراغية الكرم :

ثبت الله جيس سعودك يزين***واللؤم غض الدهر جفن حسودك يشين

وكذلك ورد في المجمع في كتاب القاف باب ما أوّله النون في الخبز : نهى عن

ص: 233


1- على شيخنا المؤلّف أن يضع في الحسبان تلاعب النسّاخ بمؤلّفات العلماء فليس من الحق في شيء أن نلقي التبعة على صاحب الكتاب لأني لا أستبعد أن يكون هذا الجهل الفاضح من الناسخ وه-و ف-ي أكثر الأحيان كذلك إلا أن تكون النسخة مخطوطة بيد المؤلّف . (المترجم)
2- قال الزبيدي : (وقيس) هكذا في النسخ والصواب على ما سبق له في ق ق س قاقيس (بن صعصعة بن أبي الخريف المحدّث) روى عن أبيه ، الخ . فيرى قيس خطأ وقاقيس هو الصواب (تاج العروس 6: 83) . (المترجم)

النجقاء في الأضاحي . قال ابن الأعرابي : النجق أن يذهب البصر والعين مفتوحة(1)وليس في لغة العرب مثل هذه الصيغة بل اجتماع الجيم والقاف من علامات الدخيل كما نص على ذلك السيوطي في المزهر والشهاب الخفاجي صاحب الريحانة في شفاء الغليل نظير جوزق ومنجنيق. وهذا اللفظ نخق ونخقاء بباء موحدة وخاء معجمة كما صرّخ بذلك أساس البلاغة والنهاية وتاج المصادر للبيهقي والصحاح ومختار الصحاح والقاموس ومطابقه للنسخ المعتمدة للسامي الميداني (وفقه اللغة للثعالبي) وغيرها، وهذان التصحيفان وإن لم يكونا في غرابة القاموس ولكنّ مفسدتهما لا تقل عن ذلك.

ومن غرايب المجمع العبارة التي أوردها في ذكر الزبير حيث خلط بين ابن العوّام وابن عبدالمطّلب ومن هذا الخلط العجيب حصلنا على عجينة غريبة، كما

فعل صاحب كشف الظنون في لفظ تفسير الطوسي حيث خلط بين ترجمة الشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي، واخترع لنا مركباً غريباً من هذا الخلط . وهذا صديق حسنخاني البهوپالي في (أبجد العلوم) خلط بين أحوال نجم الدين الرضي وأحوال السيد الرضي وخرج من بين هذين بخلطة عجيبة، والإسهاب بذكر مثل هذه الأخطاء خارج من إطار هذا المختصر وخارج عن التناسب مع الموضوع المُعدّ له الكتاب.

وبهذا القدر مما ذكرناه يمكن أن يحدث ابتهاج وتلذذ في الأذهان المتوقدة والطباع الرقيقة المحبّة بالاستطراطات اللطيفة الأدبية والافتتانات الغريبة العلمية

فيحصل فيها توتب وقدح..

ص: 234


1- مجمع البحرين 4: 274 تحقيق السيد أحمد الحسيني طثانية 1408 مكتبة نشر الثقافة الإسلامية، ولم يلتفت المحقق إلى ذلك . (المترجم)

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَأَنَا خَتْ بِرَحْلِك

الشرح : الأرواح جمع روح وأصل الروح كما نقل ذلك عن أبي عبيدة بمعنى الطيب والطهارة ومن هنا سمّيت روح الإنسان روحاً وسمي الملائكة المطهرون أرواحاً، وجبرئيل روح القدس ، وسمّي الملك الأعظم في الآية الكريمة : «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ» (1)روحاً، ولقب عيسى بروح الله ، ويُدعى الملائكة والجنّ بالعالم الروحاني - بالضم - كما يقال لكلّ ذي روح روحاني.

والروح - بفتح الراء - شريك في هذا المعنى، فيقال: مكان روحاني يعني طيب، وزيادة النون جاءت على خلاف القياس في النسب وذلك من التغييرات فيه مثل ربّي ودهري وربّاني ورحوي - بفتح الراء ..

والريح: بمعنى الهواء مأخوذ منه ، لهذا يجمع على أرواح لأن معناه يلتئم مع الطيب والانشراح كما أنّ الروح معناه النسيم كما أنّ الروح والرياح - بالفتح - بمعنى الخمر مأخوذة من هذا، والريحان بمعنى الورد من وجوه اشتقاقات هذا المعنى وإنّما سمّيت روح الإنسان روحاً بلحاظ الطهر والطيب الذي كان لها في بدو التكوين وأصل الوجود قبل تلوّثها بالعلايق الجسمانية وتدنّسها باللوازم الهيولانيّة.

ومجمل القول أن استعمال الروح في الإنسان له وجوه عدة ، والظاهر أن المراد منه هنا هي النفس الناطقة الإنسانية وهي جوهر لطيف ملكوتي، تبقى بعد فناء البدن ، وهي من أمر الله تعالى، واختلفوا فى تجردها ومادّيّتها .

ونسب صاحب المقاصد القول بالتجرّد إلى محققي الإسلام ، والفاضل المقداد

ص: 235


1- النبأ: 38.

إلى محققي المتكلمين ، كما نقل ذلك عن طائفة كبيرة من علماء الإمامية مثل الصحابي المتكلّم عظيم الشأن رفيع المنزلة الثقة المسلم هشام بن الحكم كذلك نسب القول بالتجرّد إلى الشيخ المفيد ، والشيخ المفيد وعامة بني نوبخت من متكلمي الشيعة الإمامية .

وقال بتجرد النفس الناطقة أستاذ البشر خواجه نصیرالدين الطوسي والفاضل المحقق كمال الدين بن ميثم في شرح المأة كلمة، صرح بذلك وإن نسبه بعضهم إلى الخلاف وذلك ناشئ عن الغفلة .

والشيخ البهائي وسيّد الحكماء والمجتهدين ميرداماد والفقيه الحكيم المحدّث المتوحد المتبحر الكاشاني وتلميذه العارف المحقق المحدّث القاضي سعيد القمي والفاضل المحقق النراقي الأوّل وابنه المحقق العلامة النراقي الثاني والسيّد الأجل الأعظم رئيس الفرقة في عصره الحاج السيد محمد باقر الرشتي الاصفهاني، ومربي مشايخ عصره حجّة الطائفة رئيس الفرقة زعيم الشيعة، شيخ الدنيا ، أستاد العالم شيخنا المرتضى كما نقل ذلك عنه والدنا المحقق الفحل الذي كان لسانه الناطق ، وهذا العلّامة المتبحر ارتضى هذا المذهب واختاره قدّس الله أسرارهم ، وغيرهم من أعاظم الفقهاء وجمهور الحكماء المتشرعين الإمامية مثل صدرالمتألهين والمحقق اللاهيجي والمحقق المقدّس الورع النوري والحكيم الفقيه الفاضل الزنوزي وغيرهم من أساطين أهل الديانة والصيانة هؤلاء جميعاً قالوا بتجرد النفس ، ولهم على ذلك ظواهر آيات عدة وأخبار كثيرة توافقهم على هذا المذهب وأقاموا عليه البراهين العقلية.

وطائفة أُخرى وهم أكثر متكلمى الشيعة والمحدثين من العلماء رجحوا الجانب المادّي ، ولهذه الطائفة أيضاً ظواهر من الأخبار والآيات تمسكوا بها، وأقاموا أدلتهم العقلية عليه.

ص: 236

والعلّامة المجلسي أظهر التردّد في (السماء والعالم) وقال : فما يحك-م ب-ه بعضهم من تكفير القائل بالتجرّد إفراط وتحكم كيف وقد قال به جماعة من علماء الإمامية ونحاريرهم (1)، انتهى .

وجملة القول أنّ المسألة نظريّة وهي مشكلة للغاية وإن كان حلّ هذا الإشكال عن طريق النظر والاستدلال لقليل البضاعة مثلي ممكن ولكن الخوض في تحقيق مثل هذا النوع من المباحث ليس محل الاهتمام أولاً ، وثانياً هو خارج عن إطار هذا الشرح.

وتارة تستعمل الروح بمعنى الجسم والروح كليهما بعلاقة الحال والمحلّ، أو الملابسة كما يقول العرب فعلاً شال روحه أو يقولون «جرح روحه وهذا الاستعمال رائج في العراق والحجاز، وأنا سمعته منهم، ونظيره في لسان الفرس لسان عموم الشعب متداول معروف حيث يقولون: ألبس روحه أو جرح روحه، وهذه علاقة صحيحة واستعمال ،فصيح ، وتنزل على هذا العبارة الواردة في دعاء الندبة : «وعرجت بروحه إلى السماء» (2)لأنّ الضرورة قائمة على حدوث المعراج الجسماني والبرهان يدلّ عليه، كما بينا ذلك في موضعه .

ص: 237


1- بحار الأنوار 104:58 . وقال عقب ذلك : وجزم القائلين بالتجرّد أيضاً بمحض الشبهات ضعيفة مع أنّ ظواهر الآيات والأخبار تنفيه أيضاً جرأة وتفريط .... (المترجم)
2- الظاهر أن تصحيفاً وقع في نسخة مصباحي التي نقل منها المرحوم المجلسي ، وأما نسخة العالم الرباني الحاج ميرزا حسين النوري في كتابه [ تحيّة الزائر ] من (المزار القديم) و (مزار الشيخ محمد بن المشهدي) و (مصباح الزائر) للسيد: عرجت به هذا هو المنقول والدليل على تصحيف النسخة التي وردت فيها عبارة عرجت بروحه الجملتان وسخرت له البراق» و «عرجت به إلى سماءك» لأنّ عروج الروح لا يحتاج إلى البراق ، فالجملة الأولى إشارة إلى هذا، والثانية فيها عرجت به والضمير المجرور يتناول الروح والجسم كليهما ولو أراد الروح وحدها لما جاء به واكتفى بذكرها . (هامش الأصل)

وللروح إطلاقات أُخرى في لسان الأخبار وعرف العرفاء واصطلاح الأطباء، وما من حاجة تدعو إلى سردها .

والحلول وحلّ والمحل : النزول كما جاء في منتهى الإرب وتاج المصادر .

الفناء : بكسر الفاء وزان كساء ما امتد من جوانب الدار (1)حيث ينيخ الناس مراكبهم وابلهم وينزلون هناك .

وأناخه : من باب الإفعال أجوف واوي : (يقال : نوخ : أنخت البعير فاستناخ ونوخته فتنوّخ ، وأناخ الإبل أبركها فبركت) .(2)

رحل : الرحل منزل الرجل ومسكنه وبيته .(3)

وفي هذه الفقرة تحتمل وجوه:

الأول : المراد بهذه الأرواح خصوص أرواح الملائكة والأنبياء والأولياء الذين حضروا واقعة الطف لأنّ المستفاد من بعض الأخبار أنّ أرواح الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين والشهداء والصدّيقين حضروا يوم الطف ، ليشاهدوا الفداء والتضحية الخارقة للعادة ، ليشاهدوا في اليوم المشهود ذلك اليوم المحمود ، وهذا المعنى بعيد جداً. لأنّ ظاهر الحال رجوع السلام على الأصحاب الشهداء بل هذه الزيارة مختصة بالقتلى مطلقاً لهذا لم يحتمل أحد دخول علي بن الحسين فيها - وهو الإمام الرابع علیه السلام - والقرينة الدالة على ذلك هي زيارة جابر الأربعينية حيث وجّه خطابه إلى الأصحاب فقال : السلام على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبدالله .

والظاهر من لفظ الحلول والإناخة نوع الاستقرار والإقامة وهذا لا يناسب

ص: 238


1- لسان العرب 14 : 342 .
2- نفسه .3 65
3- لسان العرب : مادة رحل .

حضور الأنبياء والأولياء الذين حضروا ساعة الشهادة. وأوضح من هذه العبارة زيارة عاشوراء المذكورة في إقبال السيد الأجل طاب ضريحه من كتاب (مختصر المنتخب) : «السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت بساحتك وجاهدت في الله معك وشرت نفسها ابتغاء مرضات الله فيك» .(1)

على أن أصل المسألة في حضور الأنبياء وغيرهم لم تثبت بطريق صحيح أو معتمد من هنا لا وجه للجزم بتنزيل العبارة عليهم ، كما سمع ذلك عن البعض.

الوجه الآخر : المراد عموم الأرواح والنفوس المقدّسة الدائرة في فلك الحسين والمتجحفلة في حيّه وبقاعه ولها اتصال حقيقي بدون تكيّف أو قياس بذلك الجوهر الطاهر والعنصر المنير. وبناءاً على هذا يكون الرحل والفناء بمعنى اللبّ الواقعي لا الرحل والفناء الجسماني الظاهري. (والمعنى المتصوّر من هذه العبارة أنّ من أناخوا برحله وأقاموا بفنائه لا يقصد بذلك حقيقة الرحل والفناء بل توجّه القلوب والأفئدة إليه ...) وهذا الوجه أبعد من الوجه السابق من جهة وأقرب إليه من جهة أُخرى. وعلى كل حال فهو خلاف الظاهر وغاية في البعد.

الوجه الثالث : المعنى المراد منه هم أصحابه الأوفياء لا فرق بين الأقرباء والبعداء في الظاهر الذين هم أقرب إليه من كثير من أهله وأرحامه، وهذا الوجه هو المعين بحسب نظري القاصر، لكن نسبة الحلول والإناخة إليهم بعدة اعتبارات جائزة وصحيحة:

الأوّل: المراد بالأرواح هى الأجسام المقدّسة الطاهرة وقد مر أنفاء أن الروح تطلق هذا الإطلاق أحياناً، ولما كان أصحابه عليه وعليهم السلام كتب الله لهم حياة الخلود فهم القدر المتيقن والمصداق الحقيقي لمن قتل في سبيل الله ، والله

ص: 239


1- الإقبال : باب ذكر الزيارات في يوم عاشوراء : 42 .

تعالى يقول : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (1)لهذا أطلقت الروح وأريد بها الأجسام المطهرة المكرمة ولا مانع من ذلك، ويدل على هذه الوجه الجملة الآتية من زيارة جابر: «المنيخة بقبر أبي عبدالله» .(2)

وبناءاً على هذا يكون الرحل والفناء معناه القبر والحائر . فقد قال الشيخ المفيد : فأما أصحاب الحسين رحمة الله عليهم الذين قتلوا معه فإنّهم دفنوا حوله ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق والتفصيل إلا أنا لا نشك أنّ الحائر محيط رضي الله عنهم وأرضاهم وأسكنهم جنات النعيم .(3)

وقبر أبي الفضل وإن بعد شيئاً عن قبر الحسين علیه السلام ولكنه داخل في فناء سيد الشهداء ورحله ولا جرم يكون المعنى ذلك الحلول الجسماني الذي تم منهم وهم على قيد الحياة حيث نزلوا برحله وأقاموا في ساحته وهذا المعنى متفق مع ظاهر المعنى للرحل والفناء وهو به أنسب وأقرب، وتشهد بذلك عبارة الزيارة في إقبال السيّد لأنّ ظاهر عطف الجهاد والشراء تأخر وقوعه عن الحلول والإناخة.

الثاني : أن يراد بها نفس الأرواح المقدّسة وإن كان وصفها بالحلول والإناخة بناءاً على هذا المعنى لا يخلو من بعد لأنّ هذه الأوصاف لها ظهور في الحالات الجسميّة إلا أن ذلك ليس مختصاً بها بحسب الوضع اللغوي.

الثالث : المراد من الفناء والزحل، حضيرة القدس ومحل القرب ومحفل الملكوت حيث مجلس أُنس ذلك الكائن المقدس (الحسين) إذ من المقطوع الذي لا شك به أنّ أصحابه علیهم السلام في درجته وبالقرب من مقامه وهم جيرانه

ص: 240


1- آل عمران: 169 .
2- زيارة الأربعين من بحار الأنوار 101 : 330 (هامش الأصل)
3- الإرشاد 2: 126

ومطيفون بمنزله ومحل إقامته في تلك الديار السعيدة كما جاء في الأخبار الكثيرة ويعلم منها أنّهم قالوا شيعتنا معنا و في درجتنا في الجنّة .(1)وبناءاً على هذا تكون الأرواح هي نفسها باعتبار مصاحبتها الأبدان المثالية والأجساد البرزخية.

ويمكن أن يراد من الفناء مقام نفس سيّدالشهداء ودرجته الروحية والكمالية التي نالت شرف هذا السموّ لدنوّها المعنوي من الأحدية وجلالتها في حضرة الربوبية، إذ لا بدع أن يصل هؤلاء الأصحاب ببركة هذا الإمام العظيم وبقوة انجذابهم بهداية ذلك الولي المقتدر إلى تلك الرتبة الرفيعة والدرجة المنيعة ، كما كان يقول علیه السلام : ما رأيت أصحاباً أبر وأوفى من أصحابي . وكانوا كما قال لأن عقولهم تفتحت على الحق فأصمّوا آذانهم عن كلّ نداء غير ندائه.. فما سمعوه

ولن يسمعوه.

لمؤلّفه :

فبي وأبي هم من نفوس زكيّة***غدت في السبيل الحق منتهكات (2)

تنبيه :

اختلف العلماء والمؤرّخون اختلافاً عظيماً في عدد الشهداء عدد الشهداء من أصحاب الحسين الذين كانوا في ركاب سعادته ولكن الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد، وابن الأثير في الكامل (3)، والديار بكري في الخميس، والقرماني في أخبار الدول وغيره وظاهر المحكي عن البلاذري والواقدي والمدائني والطابري وغيرهم من

ص: 241


1- الريان بن شبيب بنقل عن الإمام الرضا ... أمالي الصدوق مجلس 27 رقم 5 ، عيون أخبار الرضا 1 : 299 ، بحار الأنوار 44: 286 رقم 23 (هامش الأصل)
2- كريمة ديوان المؤلف : 37.
3- كامل ابن الأثير :4 80ط بيروت. (هامش الأصل)

مهرة الصناعة المعتمد عندهم أنّهم اثنان وسبعون رجلاً؛ الفرسان منهم اثنان وثلاثون، والرجالة أربعون .

ونقل صاحب العقد الفريد جملة عن زحر بن قيس لعنه الله تدلّ على أنّهم سبع وسبعون إنساناً، ونسب هذه العبارة في حياة الحيوان وتاريخ الخميس إلى شمر بن ذي الجوشن لعنه الله ، ونقل في الإرشاد والفصول المهمة عن زحر أيضاً أنّهم ثمان وسبعون ، قال : ورد علينا الحسين في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته ..(1)وهذا يطابق ما نقله البحار عن محمد بن أبي طالب من أن عدد الرؤوس ثمان وسبعون رأساً (2).

ويظهر من عبارة الكشي في ترجمة حبيب أنهم كانوا سبعين رجلاً بذلوا لهم الأموال وأعطوهم الأمان فلم يزدهم ذلك إلا إصراراً على الموت وكانوا يستقبلون جبال الحديد وحدود السيوف والرماح بالنحور والصدور في حبّ سيّد الشهداء، وبالطبع كان فيهم الصبي الذي لم يبلغ الحلم، وهذا الخبر أقرب إلى

رواية الثمانية والسبعين.

وفي مطالب السئول والفصول المهمة أنّهم اثنان وثمانون رجلاً.

وفي مروج الذهب وشرح أبو العباس الشريشي على مقامات الحريري أنهم سبع وثمانون.

واختار ابن الجوزي في رسالة الردّ على المتعصب العنيد وسبطه والشيخ محمد الصبان في التذكرة والإسعاف أنّهم مائة وخمس وأربعون ؛ الفرسان منهم خمس وأربعون والرجال مائة راجل ، ونسب هذا العدد السيد في اللهوف إلى الإمام الباقر علیه السلام .

ص: 242


1- بحار الأنوار 45: 129 و 149. (هامش الأصل) وتمت مطابقته . (المترجم)
2- بحار الأنوار 45: 62 . (هامش الأصل) جرت مطابقته . (المترجم)

وقال أيضاً في تذكرة الخواص : وقال قوم: كان أصحاب الحسين علیه السلام سبعين فارساً ومائة راجل .

وروى : السيد الأجل الأزهد ابن طاووس في كتاب الإقبال رواية بسند حسن زيارة من الناحية المقدّسة تتضمّن أسامي الشهداء وأسامي قاتليهم لعنهم الله غالباً والإشارة إلى بعض الوقايع ونحن طلباً للبركة بهذه الزيارة وعموم نفعها ننقلها عينها من كتاب «الإقبال» (1) هكذا في جميع النسخ إلا أن هذا التاريخ لا يناسب ولادة وغيبة الإمام المهدي بفصل عدة سنوات فيحتمل تصحيف الرقم، أو أنها وردت عن الإمام الله العسكري وقد ذكر العلامة المجلسي هذين الاحتمالين في البحار 101 : 274 كما ذكر عوالم العلوم 63 : 787 مخطوط، هذه الرواية تحت عنوان: الأخبار الأئمة القائم أو أبيه . (المحقق) (2):

السلام عليك يا أوّلَ قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل ، صلى الله عليك وعلى أبيك إذ قال فيك : قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما

ص: 243


1- والعبارة في الإقبال كما يلي : فصل فيما نذكره من زيارة الشهداء في يوم عاشوراء رويناها بإسنادنا إلى جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي له قال : حدثنا الشيخ أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عياش [ الظاهر أحمد بن محمد بن عيّاش معاصر الشيخ لكن نسختي من الإقبال ومن البحار كما ذكرت فتبع منه ] قال : حدثني الشيخ صالح أبو منصور بن عبدالمنعم بن النعمان البغدادي الله قال : خرج من الناحية [ وظاهراً المراد بالناحية الإمام الحسن العسكري كما هو شايع في كثير من الأخبار مثل هذا الإطلاق لأنّ هذا التاريخ سابق على ولادة الإمام صاحب الزمان - منه الله ] سنة اثنتين وخمسين ومأتين
2- على يد الشيخ محمد بن غالب الاصفهاني حين وفاة أبي الله وكنت حديث الس-ن وك-تبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد الله وزيارة الشهداء رضوان الله عليهم ، فخرج إلي منه : «بسم الله الرحمان الرحيم، إذا أردت زيارة الشهداء رضوان الله عليهم فقف عند رجلي الحسين وهو قبر علي بن الحسين صلوات الله عليهما فاستقبل القبلة بوجهك فإنّ هناك حومة الشهداء الله وأوم وأشر إلى علي بن الحسين :وقل: السلام، إلى آخر الزيارة». (منه)

أجرأهم على الرحمان وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدنيا بعدك العفا ، كأني بك بين يديه مائلاً وللكافرين قائلاً :

أنا علي بن الحسين بن علي***نحن وبيت الله أولى بالنبي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني***أضربكم بالسيف أحمي عن أبي

ضرب غلام هاشمي عربي***والله لا يحكم فينا ابن الدعي

حتى قضيت نحبك ، ولقيت ربّك ، أشهد أنك أولى بالله وبرسوله ، وأنّك ابن رسوله وحجته ودينه ، وابن حجّته وأمينه ، حكم الله على قاتلك مرّة بن منقذ بن النعمان العبدي لعنه الله وأخزاه ومن شركه في قتلك وكان عليك ظهيراً ، أصلاهم الله جهنّم وسائت مصيراً ، وجعلنا الله م-ن م-لاقيك ومرافقيك ومرافقى جدك وأبيك وعمّك وأخيك وأُمّك المظلومة ، وأبرأ إلى الله من قاتليك ، وأسأل الله مرافقتك في دار الخلود ، وأبرأ إلى الله من أعدائك أُولى الجحود ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

السلام على عبدالله بن الحسين الطفل الرضيع المرمي الصريع المتشحط دماً ، المصعد دمه في السماء ، المذبوح بالسهم في حجر أبيه ، لعن الله راميه حرملة بن كاهل الأسدى وذويه.

السلام علی عبدالله بن أمير المؤمنين مبلي البلاء ، والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء ، المضروب مقبلاً ومدبراً ، لعن الله قاتله ه-ان-ي ب-ن ث-بيت

الحضرمي .

السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين ، المواسي أخاه بنفسه ، الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له ، الوافي الساعي إليه بمائه ، المقطوعة يداه ، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد الجهني وحكيم بن الطفيل الطائي .

السلام على جعفر بن أمير المؤمنين الصابر بنفسه محتسباً ، والنائي عن

ص: 244

الأوطان مغترباً ، المستسلم للقتال ، المستقدم للنزال ، المكثور بالرجال ، لعن الله قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي .

السلام على عثمان بن أمير المؤمنين سميّ عثمان بن مظعون ، لعن الله راميه بالسهم خولي بن اليزيد الأصبحي الأيادي والأباني الدارمي .

السلام على محمد بن أمير المؤمنين قتيل الأيادي الدارمي لعنه الله وضاعف عليه العذاب الأليم ، وصلى الله عليك يا محمد وعلى أهل بيتك الصابرين . السلام على أبي بكر بن الحسن الزكي الولى المرمي بالسهم الردي ، لعن الله قاتله عبدالله بن عقبة الغنوي .

السلام علی عبدالله بن الحسن الزكي ، لعن الله قاتله وراميه حرملة بن كاهل الأسدي.

السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب على هامته ، المسلوب لامته حين نادى الحسين عمّه فجلى عليه عمّه كالصقر وهو يفحص برجليه التراب والحسين يقول : بُعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك وأبوك ، ثم قال : عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك أو أن يجيبك وأنت قتيل جديل فلا ينفعك ، هذا والله يوم كثر واتره وقل ناصره ، جعلني الله معكما يوم جمعكما ، وبوّأني تبوأ كما ، ولعن الله قاتلك عمر بن سعد بن عروة بن نفيل الأزدي وأصلاه جحيماً وأعد له عذاباً .

السلام على عون بن عبدالله بن جعفر الطيار في الجنان حليف الإيمان ومنازل الأقران ، الناصح للرحمان ، التالي للمثاني والقرآن ، لعن الله قاتله عبدالله بن قطبة النبهاني .

السلام علی محمد بن عبدالله بن جعفر الشاهد مكان أبيه ، والتالي لأخيه ، وواقيه ببدنه ، لعن الله قاتله عامر بن نهشل التميمي .

ص: 245

السلام على جعفر بن عقيل ، لعن الله قاتله وراميه عمر بن خالد بن أسد الجهني .

السلام على القتيل ابن القتيل عبدالله بن مسلم بن عقیل ، ولعن الله قاتله عامر ابن صعصعة [ وقيل : أسد بن مالك ] .

السلام على أبي عبدالله بن مسلم بن عقيل ، ولعن الله قاتله وراميه عمر بن صبيح الصيداوي .

السلام على محمد بن أبي سعيد بن عقيل ، ولعن الله قاتله لقيط بن ناشر [ لقيط بن ياسر -خل ] الجهني .

السلام على سليمان مولى الحسين بن أمير المؤمنين ، ولعن الله قاتله سليمان ابن عوف الحضرمي .

السلام على قارب مولى الحسين بن علي علیه السلام .

السلام على منجح مولى الحسين بن علي علیه السلام .

السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين وقد أذن له بالانصراف : أنحن نخلّي عنك وبم نعتذر عند الله من أداء حقك ، لا والله حتى أكسر في صدورهم رمحي هذا ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولا أفارقك ، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك حتى أموت معك وكنت أوّل من شرى نفسه ، وأول شهيد شهد الله وقضى نحبه ففزت ورب الكعبة ، شكر الله لك استقدامك ومواساتك إمامك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال : يرحمك الله يا مسلم بن عوسجة ، وقرأ : ومنهم «مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً» (1)لعن الله

ص: 246


1- الأحزاب : 23 .

المشتركين في قتلك عبدالله الضبابي وعبدالله بن خشكارة البجلي ومسلم بن عبدالله الضبابي .

السلام على سعد بن عبدالله الحنفي القائل للحسين علیه السلام وقد أذن له ف-ي الانصراف : لا والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيك ، والله لو أعلم أنِّي أُقتل ثمّ أُحيا ثم أُحرق ثمّ أُبعث حياً ثمّ أُذرى ويفعل بي سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك وكيف أفعل ذلك وإنما هي موتة أو قتلة واحدة ثم بعدها هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً ، فقد لقيت حمامك وواسيت إمامك ولقيت من الله الكرامة في دار المقامة حشرنا الله معك في المستشهدين ورزقنا مرافقتكم في أعلا عليّين .

السلام على بشر بن عمر و الحضرمي ، شكر الله لك سعيك لقولك للحسين وقد أذن لك في الانصراف : أكلتنى إذاً السباع حيّاً إن كان فارقتك وأسأل

عنك الركبان ، وأخذلك مع قلة الأعوان ، لا يكون هذا أبداً .

السلام على يزيد بن الحصين الهمداني المشرقي القاري المجدل بالمشرفي .

السلام على عمرو بن كعب الأنصاري ، السلام على نعيم بن العجلان الأنصاري .

السلام على زهير بن القين البجلي ، القائل للحسين علیه السلام وقد أذن له في الانصراف : لا والله لا يكون ذلك أبداً ، أترك ابن رسول الله أسيراً ف-ي ي-د الأعداء وأنجو أنا ؟ لا أراني الله ذلك اليوم .

السلام على عمرو بن قرظة الأنصاري ، السلام على حبيب بن مظاهر الأسدي ، السلام على الحرّ بن يزيد الرياحي ، السلام على عبدالله بن عمير

الكلبي ، السلام على نافع بن هلال بن نافع البجلي المرادي ، السلام على أنس ابن كاهل الأسدي ، السلام على قيس بن مسهر الصيداوي ، السلام على جون

ص: 247

ابن حوي مولى أبي ذر الغفاري ، السلام على شبيب بن عبدالله النهشلي ، السلام على الحجاج بن زيد السعدي .

السلام على قاسط وكردوس (کرش - خ ل) ابني زهير التغلبيين ، السلام على كنانة بن عتيق ، السلام على ضرغامة بن مالك ، السلام على حوي بن مالك الضبعي ، السلام على زيد بن ثبيت القيسي ، السلام علی عبدالله وعبيدالله ابني يزيد بن ثبيت القيني (القيسي - خ ل) ، السلام علی عامر بن مسلم ، السلام على قعنب بن عمرو التمري ، السلام على سالم مولى عامر بن مسلم ، السلام على سيف بن مالك ، السلام على زهير بن بشر الخثعمي ، السلام على زيد بن معقل الجعفي .

السلام على مسعود بن الحجاج وأبيه ، السلام على مجمع بن عبدالله العائذي ، السلام على عمّار بن حسّان بن شريح الطائي ، السلام على حبّاب ابن الحارث السلماني الأزدي ، السلام على جندب بن حجر الخولاني ، السلام على عمر بن خالد الصيداوي ، السلام على سعيد مولاه ، السلام على یزید بن زیاد بن مهاصر الكندي ، السلام على زاهد مولى عمرو بن الحمق الخزاعي ، السلام على جبلة بن علي الشيباني ، السلام على سالم مولى بني المدينة الكلبي ، السلام على أسلم بن كثير الأزدي الأعرج ، السلام على زهير ابن سليم الأزدي ، السلام على قاسم بن حبيب الأزدي ، السلام على عمرو بن جندب الحضرمي ، السلام على أبي ثمامة عمر بن عبدالله الصائدي ، السلام على حنظلة بن سعد الشبامي ، السلام على عبدالرحمان بن عبدالله بن الكدر الأرحبى ، السلام على عمار بن أبي سلامة الهمداني .

السلام علی عابس بن أبي شبيب الشاكري ، السلام علی شوذب مولی شاکر ، السلام على شبيب بن الحارث بن سريع ، السلام على مالك بن عبدالله بن

ص: 248

سریع ، السلام على الجريح المأسور سوار بن أبي حمير الفهمي الهمداني ، السلام على المرتب معه عمرو بن عبدالله الجندعي .

السلام عليكم يا خير أنصار الله ، السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، بوّأكم الله مبوّأ الأبرار ، أشهد لقد كشف الله لكم الغطاء ، ومهد لكم الوطاء

ونحن لكم خلطاء في دار البقاء ، والسلام عليكم ورحمة الله وبر ركاته .(1)

وهذه الزيارة مؤيدة لأقوال ابن طلحة وابن الصباغ لأن عدد الأسماء المذكورة فيها بلغت اثنين وثمانين اسماً وفي جملتهم الطالبيون السبعة عشره وهي الرواية الأشهر كما رويت عن الباقر علیه السلام وإنّه قال: قتل من أولاد فاطمة سبعة عشر إن إنساناً .(2)

ونقل ابن عبد ربّه في (العقد) بواسطة روح عن زحر بن قيس الجعفي لعنه الله في مجلس يزيد، كما ذكر ابن عبد ربه بواسطة أبي الحسن المدائني عن الحسن البصري أن قتلى أولاد أبي طالب علیه السلام ستة عشر نفساً ويؤيده شعر سراقة الباهلي حيث يقول :

عين بكي بعبرة وعويلي***واندبي إن ندبت آل الرسول

تسعة منهم لصلب عليٍّ***قد أُصيبوا وسبعة لعقيلي

وفي البحار (3)عن المناقب القديمة عن بستان الطرف نقل نفس الخبر وقال : وفى رواية أُخرى أنّ الحسن بلغ بهم سبعة عشر.

وفي رواية ألعيون والأمالي عن الريان بن شبيب خال المعتصم الخليفة العباسي عن الإمام الرضاء علیه السلام أنهم ثمانية عشر نفساً .(4)

ص: 249


1- بحار الأنوار 45: 65 نقلاً عن الإقبال . (هامش الأصل)
2- بحار الأنوار 45 : 63 ط لبنان (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 45: 64 ط لبنان . (هامش الأصل)
4- العيون 1 : 299 باب 28 ح 58 نشر رضا مشهدی . وفي رواية ابن عباس عن أمير المؤمنين : يدفن الحسين فيها وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة وإنها لفي السماوات معروفة (بحار الأنوار 253:44 عن أمالي الصدوق المجلس 87 رقم 5) وفي رواية كمال الدين .. عن مجاهد عن ابن عباس عن أمير المؤمنين : وهذه أرض كرب وبلاء يُدفن فيها الحسين وتسعة عشر كلّهم من ولدي وولد فاطمة (إثبات الهداة 2 : 412) وفي رواية معاوية بن وهب عن جعفر بن محمد قال : يا شيخ ، ذاك دم يطلب الله تعالى به ما أصيب من ولد فاطمة ولا يُصابون بمثل الحسين ولقد قتل الالها في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا الله ... (بحار الأنوار 45 : 313 نقلاً عن أمالي المفيد) . وفي كامل ابن الأثير :4 83: فدخل زحر بن قيس على يزيد فقال : ما وراءك ؟ فقال : ابشر يا أمير المؤمنين بفتح الله وبنصره ! ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته . (هامش الأصل)

ويقول سبط ابن الجوزي: حاصل الروايات والأقوال أن القتلى تسعة عشر ،وذكر خبراً عن محمد بن الحنفية يؤيد دعواه.

ويقول ابن أبي الحديد في ذيل كلام الجاحظ حول مفاخرة بني هاشم بكثره القتلى : قلت: هذا أيضاً من تحامل أبي عثمان ، هلا ذكر قتلى الطف وهم عشرون سيّداً من بيت واحد قُتلوا في ساعة واحدة وهذا ما لم يقع مثله في الدنيا ؛ لا في العرب ولا في العجم .....(1)

ونقل عن أبي الفرج في مقاتل الطالبيين : إن القدر المسلّم أنّهم اثنان وعشرون

شهيداً (2).

وقال ابن شهر آشوب وصاحب المناقب ومحمد بن أبي طالب : اختلفوا في عدد المقتولين من أهل البيت علیهم السلام الأكثرون على أنهم كانوا سبعة وعشرين .(3)

وفي مصباح الشيخ الطوسي عن الصادق علیه السلام: تجلّت الهيجاء عن آل رسول

ص: 250


1- شرح نهج البلاغة (15 : 251 (المترجم)
2- مقاتل الطالبيين : 67 ، بحار الأنوار 45: 63 ط لبنان .
3- بحار الأنوار 45: 62 . (المترجم) وفي هامش الأصل ثمان وعشرون

الله صلی الله علیه و آله وسلم وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعاً ...(1)(2)

وأكثر هذه الأقوال يمكن جمعها حيث تكون حجّة أو مظنونة الاعتبار لأنّ في بعضها ورد القول : أولاد فاطمة، والظاهر ان المراد منها فاطمة بنت أسد وتساوق لفظ «طالبي» وفي بعضها آل الرسول وهو أعم من أولاد أبي طالب لأنه يشمل أولاد أبي لهب أيضاً ففي بعض الأخبار أنهم حضروا واقعة الطف، وزيارة الناحية لیست صريحة في انحصارهم.

ولكن بنظري القاصر أن رواية العيون والمحاسن أقوى من غيرها لأنّ سندها صحيح ومعتمد وهي مطابقة لما قاله زحر وشمر لعنهما الله في رواية الإرشاد وحياة الحيوان والفصول المهمة وتاريخ الخميس وكانا في المعركة، وتوافق رواية السيد في اللهوف عن سيد الساجدين علیه السلام حيث قال: رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي مضرّجين على رمضاء كربلاء ، وكذلك رواية البحار عن دلائل الإمامة عن سعيد بن المسيب : لما بلغ عبد الله بن عمر قتل الحسين وثمانية عشر من أهل بيته ، ركب إلى الشام ، ولام يزيد على ذلك فأراه يزيد كتاب أبيه فرضي وسكت بالتفصيل الذي لا موقع لذكره الآن .(3)

ويمكن ردّ رواية محمّد بن الحنفية إلى هذه الرواية لأنه قال : قتل تسعة عشر شاباً من شباب آل محمد كلّهم ركضوا في بطن فاطمة . ويدخل في هذا العنوان سيد الشهداء أيضاً. وكلمة شباب الواردة في الرواية إنّما هي للتغليب لأن بعضهم في سنّ اللبن، ولا يبعد أنّ من أوصلهم إلى سبعة عشر لم يعد عبدالله الرضيع

ص: 251


1- مصباح المتهجد : 782 ولم يتوجه المؤلف إلى قول الإمام في مواليهم إذ أنّهم ومواليهم المقتولين معهم يشكلون هذا العدد (المترجم)
2- مصباح المتهجد : 548 ، بحار الأنوار 66:45 عنه . (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 8: 220 مجلد الفتن والمحن ط أُفست. (هامش الأصل)

منهم ، إذن بالاستناد إلى هذا القول يقرب المعنى كما أن شعر سراقة الباهلي يمكن أن تكون الكلمة الثانية (سبعة لعقيل) مصحفة عن تسعة كما هي في الأولى (تسعة منهم لصلب علي) وهذا التصحيف كثيراً ما يحصل في الروايات، كما حدث في بعض المقاتل اليوم حيث كتب الاثنين «سبعة» وهذا مخالف للنسخ المتعدّدة المعتبرة كما أنّ تصحيف تسعة إلى سبعة وسبعين وتسعين وبالعكس كثير ، لذلك رأيت السيوطى في أدب المحاضرة والسحابة كثيراً ما يضبط اللفظة فيقول على سبيل المثال: سبعين - بالسين قبل الباء - .

ومن هذا الباب ما وقع في تصحيف خمسة وتسعين يوماً بعد وفاة النبي الذي يوافق الثالث من جمادى الثانية، والموافق لرواية الشيخ المفيد وأب-ي ج-عف-ر الطبري وابن طاووس والعلّامة والشهيد والكفعمي في وفاة الصدّيقة الطاهرة فاطمة عليها سلام الله ، رواية الخمسة والسبعين يوماً، وهي رواية معروفة ، ونوكل هذا التفصيل إلى موضع آخر ، والله أعلم بالصواب.

ص: 252

عَلَيْكُمْ مِنّي سَلامُ اللهِ

عَلَيْكُمْ مِنّي سَلامُ اللهِ (1)

ص: 253


1- «عليك مني سلام الله» وهنا أربعة أسئلة تفرض نفسها على الباحث : 1 - كيف يدرك الزائر معنى سلام الله ويبلغه الإمام 2 - لماذا يقول «سلام» «الله» ولا يقول سلامي). 3 - كيف يبلغ سلام الله من قبله . 4 - عندما يعمد الإنسان إلى تبليغ سلام الله لابد من انعتاقه من ذاته وتجرّده عن صفاته ليتمخض في وجوده لوجه الله وينظر بنور الولاية. و من أراد إبلاغ سلام الله لابد من نظره إلى ذاته على أنه مجرد ظلّ ، فكيف الجمع بين هاتين النظرتين : نظرة المحو والصحو ، فهو من الجهة الأولى يتجرّد عن ذاته ولا يشعر لها بوجود ، ومن الجهة الأخرى يحس بها إحساساً ثانوياً ظلياً، والفرق واضح بين الإحساس وعدمه. ونقول في الجواب عن الأوّل : لا يرتاب أحد في لزوم إدراك معنى سلام الله لمن أراد إبلاغه فلا يتيسر ذلك لعامة الناس لاسيما ذوي الرتب الدانية فصاحبها يكلّف شططاً حين يؤمر بتبليغ ما لا يدرك ولا يعرف، وتصبح المسألة عنده مرادفة للغو من دون درك للحقيقة وإن لم يعدم الأجر والثواب على كلّ حال ، وعلينا أن نخاطب الإمام بهذه العبارة كما يقال في الصلاة وسائر العبادات الأخرى. ولكن الزائر حين يلقى باله ويلقى نظره المعنوي إلى أصل نور الولاية من غير لواحق أو ملصقات كما أوضحه الكبار في موضعه يمكنه إدراك معنى سلام الله ، ومن ثَم إبلاغه : گر به این محجوب روئی آوری***پرده خود بینی از من بر دری نور رویت گر کفیل ما شود***ظلمت خود بینی از ما میرود إذا أقبلت يوماً من الحق نظرة***وأوشك للمحجوب أن يهتك السترا وخلّي الأنانيات يربو ظلامها***فتلك خشار لا يباع ولا يشرى فیطرد نور الحق عنه ظلامه***ويغدو بليل الذات يطلعه بدرا وتفكروا في هذه الآيات والروايات . «نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ»[التحريم: 8] «وَأَنِ اعْبُدُونِى هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ» [يس: 61] وبناءاً على قرائة أهل البيت فإنهم قرأوا : «هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ»[الحجر: 41]، «وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الليلة اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ» [النور: 40] «والمؤمن ينظر بنور الله»، «بنوره عاداه الجاهلون»، «بنوره آمن به المؤمن»، «المؤمن ،نور، مخرجه ،نور و مدخله ،نور، کلامه نور، منظره يوم القيامة إلى نور»،«قلب المؤمن عرش الرحمن» ، «العرش معدن أنوار «الله» و . وأما الجواب عن السؤال الثاني ، نقول : في هذه العبارة نوع من الخضوع والتواضع كأنّما الزائر يقول : لما كان سلامي زهيداً لا يعدل شيئاً، فليس من اللائق أن أقدمه للمولى ، ولكن سلام الله يليق بجنابه لذلك أقدمه له هدية ، كما قال الشاعر : سلام من الرحمن نحو جنابه***فإن سلامي لا يليق ببابه درود خدا بر جنابش بود***سلامم نه لایق به بابش بود و أما الجواب عن السؤال الثالث : لما كان الوافد للزيارة يهوى أن يقدّم هدية لمولاه لكي يزداد عنده قرباً بهذه الوسيلة فلم يجد أجدر به من سلام الله ، فيقول : سلام الله عليك منّي أقدّمه هديّة لجنابك . ويقال في الجواب عن السؤال الرابع: إن من استضاء بنور الحق وصار نورانياً ومصداقاً من مصاديق الآية الشريفة «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ» [النور : 35] واستطاع المخاطبة بلسان الحال : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» فإنّ شخصاً كهذا بإمكانه تبليغ سلام الله فيقول : عليك مني سلام الله ..... (المحقق).

أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ

أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ (1) عبارة الطريحي هكذا : وعن الراغب الأمد والأبد متقاربان لكن الأبد عبارة عن مدة الزمان التي ليس لها حد محدود ولا يتقيد يقال : أبداً كذا. والأمد مدة محصورة إذا أطلق وينحصر نحو أن يقال : أمد كذا مجمع البحرين (1 : 99 - المترجم) (2) ..

ص: 254


1- «أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ...». 1 - الأبد معناه الدهر ... لأنّ الإنسان مخلوق للبقاء وحقيقته دهرية، والأبد عمر الدهر ومدته، وحينئذ يريد الله تعالى أن يدوم هذا السلام ويتخطى الدنيا والآخرة ويبقى بقاء الدهر. وبناءاً على هذا يكون «أبداً» من ظرفاً لما بقيت مقدّماً عليه وبقي الليل والنهار» وهما ميزان الزمان . ومعنى قوله «أبداً» أي ما دام الزمان ودام الليل والنهار فإنّ هذا السلام باقي. وخلاصة المعنى طبقاً لهذا الاحتمال يكون كما يلي : سلامي عليك ما بقيت ببقاء الدهر وبقاء الليل والنهار وهما بقاء الزمان . 2 - الأبد يأتي بمعنى الزمان الطويل ، كما احتمل ذلك الشيخ الطريحي .
2- وبناءاً على هذا يكون معنى العبارة كما يلي : من حين زيارتي إلى آخر عمري وما دام لليل والنهار بقاء ووجود فهذا السلام باق و موجود. 3 - الأبد : ما لا آخر له ، ويقابل ما لا أول له ، وهو ذات الربوبية، وبناءاً على هذا الاحتمال يكون المعنى كما العبارة يأتي : سلامي عليك إلى ما لا نهاية من يومي زيارتي إلى آخر وجودي وما دام الليل والنهار . (المحقق)

المنصوب في هذه العبارة على الحاليّة ومؤكّد للعموم المستفاد من ضمير الجمع وفي الحال المؤكدة لا يلزم تقييد مضمون الجملة بل لا يماشي المعنى ومن هذا القبيل : «لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا» (1)وصرّح في الصحاح بأنّ جميعاً مؤكدة وهي منصوبة على الحالية كما في الكشاف وتفسير القاضي وغيرها، وفي هذا المثال يستفاد من القضيّة أنّ الحال مؤكّدة تأكيد العموم وهذا يعتبر من تنبيهات ابن هشام .

أبد : الظاهر أنه مشتق من «الأبود» ومعناه الإقامة في مكان واستعماله بمعنى الدهر والدائم والقديم من هذا المعنى. وفيما نحن فيه جائت بمعنى الدائم الأبدي وهذا الدوام المأخوذ في العبارة ظاهره على الحقيقة، ودليله القول التالي: «ما بقي الليل والنهار» لأنّ ذلك كناية عن التأبيد كما يستعمل الأشباه والنظائر له في هذا المعنى.

وأبداً منصوبة على الظرفية و«ما» في قوله: «ما بقيت» زمانية مصدرية أي مدة بقائي وبقاء الليل والنهار، ويمكن أن تكون الكلمة لتأبيد السلام وقيداً للمبتدأ حيث أن التأبيدات والشرايط المتعارفة في الشعر من هذا القبيل، وهذا المعنى أقرب وأنسب .

ويمكن أن يقال في تأبيد معنى «عليكم منّى» أنّه الإهداء والإرسال، أي أن سلام الله من جانبي عليكم، ويكون المعنى على هذا الوجه أن حالى على هذا المنوال من دوام التسليم واستمراره عليكم على وجه ان كان دائماً فأنا المسلّم وهذا السلام الإجمالي منزل تنزيل السلام المستمر التفصيلي عرفاً وشرعاً واعتباراً.

وهذا المعنى بعيد كما هو الظاهر البيّن .

ص: 255


1- یونس : 99 .

وفي لفظ «منّي سلام الله» احتمالان :

الأوّل : إنزال الإنسان نفسه منزلة من يحمل سلام الله ويدعي ذلك ويؤدّي سلام الله باعتباره يرى سلامه لا يليق بالمقام فهو يحمل سلام الله مكانه ، كهذا الشعر الذي أنشده البهائي في ديباجة بعض رسائله وصرّح بالجهة التي بيناها :

سلام من الرحمان نحو جنابكم***فإن سلامي لا يليق ببابكم

وهذا الشعر وإن كان ضعيفاً إلا أننا استشهدنا بمعناه (1)

والاحتمال الآخر : أنّ قول سلام الله عليكم دعاء بأن يرسل الله السلام عليهم، ولما كان توجه الداعي سبباً لهذه الرحمة والتسليم لهذا يعتبر هذا السلام ابتداءاً من الداعي وجاز له على هذا الوجه أن يقول منّي ، وفي السلام احتمالان :

الأوّل : أن يكون بمنزلة الصلاة المراد منه الرحمة لأنّ السلام تحيّة، وتحيّة الله إكرام وإعظام من جانبه سبحانه وبلوغ المسلم عليه إلى درجة القرب المعنوي ونزول أمطار الرحمة على أراضى الأرواح والأشباح.

والاحتمال الآخر : معناه التسليم بمعنى أنّ الله تعالى طهره وزگاه من جميع العيوب المتصوّرة وحفظه من فقد الكمالات المترقبة وأن يوصله إلى المعارج الرفيعة، ولما كان بهذه المثابة كان حرماً آمناً ووسيلة محكمة ، وبهذا السبب يتمّ الارتباط الوثيق والمناسبة الثابتة بين المسلم والمسلم عليه حتى أصبح رجاءاً للشفاعة وأملاً لوصول المثوبات العظيمة.

وفي جواز السلام على غير النبي وانتفاعه بهذا السلام بحث نرجئه إلى شرح كلمة «صلى الله عليه وآله وسلّم» المذكورة في الزيارة.

ص: 256


1- لست أرى فيه ضعفاً بل على العكس هو قويم مبتكر ولكن المؤلّف قرنه بشخصية قائله فبدى ضعيفاً لعظم هذه الشخصية . (المترجم)

التنبيه :

هذه العبارة الشريفة من صناعات البديع تستمل على صنعة «الالتفات» وهو عبارة عن الانتقال من أسلوب الخطاب إلى أسلوب الغيبة، وذلك بالتكلّم بأحدهما أو عكسه ، وهذا له دخل كبير في تحرّك خاطر المستمع وتطرية نشاطه وتوقد ذهنه وحسن تصدّيه للاستماع كما أن له تأثيراً غريباً عليه، وهو شايع في النظم العربي والفارسي ومنه الكثير وارد في القرآن الكريم كما جاء في قوله تعالى: «وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ»(1)وفي القرآن أيضاً : «حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ»(2).

وقال جرير في شعره:

متى كان الخيام بذي طلوح***سقيت الغيث أيتها الخيام

وشمس الشعراء سروس راست

زكلك او يكى خط خطه را زیر حکم کرد***الا ای کلک خواجه قوت و فعل وقدر داری

وفي هذه القصيدة عدد من الأبيات فيها هذه الصنعة. واحتواء هذه العبارة الشريفة على هذه الصنعة لا تحتاج إلى بيان لأنه كان يخاطب الأصحاب وفجئة انقلب إلى الغيبة ثمّ انتقل بعدها من الغياب إلى الخطاب، ثمّ سلّم عليهم حيث أنّ التوجه إليه يزداد بعد ذكر الأصحاب حتى يحضرهم في الذهن ويخاطبهم كما في قوله تعالى: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» وهو قريب من هذا الوجه.

فائدة :

أشرنا فيما سبق إلى أنّ في العبارة تأبيداً، وفي العربية عبارات وجمل تدلّ على

ص: 257


1- فاطر: 9
2- يونس : 22 .

التأبيد تجري علس ألسنة الفصحاء وعبائر العرب العرباء وهي متداولة بينهم ويأتون بها عندما يؤبدون ، ونحن نذكر منها عدداً محدوداً ونختار العبارة ذات الجرس العذب واللفظ الفصيح، والقرب من الأفهام:

الف - لا أفعل ذلك أبداً ما اختلف العصران .

ب - ماكر الجديدان .

ج - ما اختلف الملوان .

د - ما اصطحب الفرقدان .

ه- - ما تعاقب العصران والفتيان .

و - ما لاح النيران .

ز - ما حنّت النيب .

ح - ما أورق العود .

ط - ما دعا الله داع.

ى - ما عن في السماء نجم .

يا - ما طلع فجر

يب - ما بل بحر صوف .

يج - ما هتفت حمامة .

يد - ما لاح عارض

يه - ما ذرّ شارق .

يو - ما ناح قمري

یز - ما أن كان في الفرات قطرة .

يح - حتّى يحن الضب في أثر الإبل الصادرة .

ص: 258

يط - ما اختلف الدرّة والحرّة (1).

ك - ما اختلف الأجدان .

كا - ما غرّد الحمام .

كب - ولا أفعله أخرى الليالي.

كج - حتّى يرد الضب .

كد - ما أطّت الإبل.

که - ما خوى الليل والنهار.

کو - ما حد الليل والنهار .

كز - أبد الدهر .

كح - أبد الآبدين .

كط - أبد الآباد .

ل - سنّ الحسل (2).

وهذه ثلاثون كلمة اخترتها من كتاب «مزهر اللغة» لجلال الدين السيوطي وكتاب «الألفاظ الكتابية» لعبدالرحمان بن عيسى الهمداني، ووجدتها مستعملة في ألسنة أرباب الفصاحة والبلاغة. وهناك ألفاظ أُخرى ليست جامعة للشرائط أعرضنا عنها ومن أراد المزيد فعليه الرجوع إلى كتابين هما: إصلاح المنطق لابن السكيت، و«تهذيب الإصلاح» للخطيب التبريزي .(3)

ص: 259


1- اختلافها أنّ الدرّة تسفل والحرّة تعلو (منه). (هامش الأصل)
2- أي حتى يسقط سنّ الحسل وهو ولد الضب ولا يسقط سنه أبداً. (هامش الأصل)
3- وسوف يأتي من هذا كثير في كلام الإمام الصادق في ذيل مع إمام منصور أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلّم. (هامش الأصل)

يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَىٰ جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلامِ

الشرح : الجلال والعظمة كما جاء في كثير من كتب اللغة وغيرها أنّهما مترادفان وكلاهما بمعنى الكبر - بكسر الكاف وفتح الباء - ولكن ما توصلنا إليه بحسب الاستعمال أنّ العظمة تقابل الصغر، والجلالة تقابل الدقة ، كما يقال : «ماله دقّ ولا جل، ولا دقيقة ولا جليلة، وأتيته فما أدقني ولا أجلّني». ويقول العلماء: النظر الدقيق والنظر الجليل ، وإن وقع كثير منهم في الخطأ فقالوا: النظر الجلي.

يقول الفيومي في المصباح: الدقيق خلاف الجليل». وفي مكان آخر يوضع الغليظ ضدّ الدقيق ، وهذا لا يستقيم في ميزان النظر لأنّ لازم ذلك أن يكون الغليظ والجليل بمعنى كما هو ظاهر الفارابي في ديوان الأدب، لأنه فسّر العظم بالضخامة والضخامة بالغلظة ، ويرفع هذا الإشكال بما يلي:

.. إنّ بناء علماء اللغة ليس على تحقيق وتحديد المعاني الحقيقية، لأن هذا الأمر لا يمكن أن يتصيَّد من استعمال ،واحد ، وإحياناً يكون المعنى في نفس الإنسان حاضراً ولكنّه لا يجد الألفاظ التي تفيء بأدائه لكي يعبر بها عندما يصوغ عباراته للأفهام . لهذا عبر اللغويون بلوازم المعاني أو بالمعاني القريبة من المقصود التي تحوم حول المراد ونزلت عباراتهم على مقدار الأفهام وتفاوت السلائق ، نظماً ونثراً، فعبّروا بها من هذه الجهة وجد الاختلاف الفاحش بين اثنين من علماء اللغة في تفسير المعنى للفظ واحد مع أن المحقق البصير يدرك أن لا خلاف وإنّما أدى كل واحد منهما لازماً لملزوم مشترك وحقق معناه، وغالباً يعمد الأدباء وهم أبناء بجدة اللغة وفقهاء لسان العرب إلى تحمل المشاق في تتبع هذه المعاني وتحصيلها، ومن كان عالماً بهذه الحال ملماً بطرق الاستعمال وله

ص: 260

ممارسة وتتبع في لسان العرب ومعرفة أساليب التعبير عند القوم، ومطلعاً على انتقالات العرب في معانيها من معنى إلى معنى، وينظر الواقع نظراً تحقيقياً لا نظراً قشرياً تعلّمياً يستطيع استخراج المعاني المختلفة والوجوه اللطيفة والأسرار البديعة من كثير من موارد اللغة غير المنصوصة، وبهذا البيان الذي سقناه نكون قد فتحنا باباً عظيماً في فهم اللغات ، ورفعنا الاختلافات الكثيرة بين كلمات اللغويين الواقعة في فهم الكتاب والسنة والتي هي مرجع للفقهاء، تفطن لهذا جيّداً واغتنم الفرصة.

المصيبة : اسم فاعل من أصابه، وأصلها الوصول والبلوغ ولكنها غلبت في الاستعمال بالبلية إذا أصابت أحدهم إلى الدرجة التي إن لم يكن لها موصوف يتبادر منها هذا المعنى بخلاف ما إذا كان لها موصوف مثل الأفكار المصيبة والسهام المصيبة .. ومن توهّم الاشتراك في المعنيين فقد أخطأ.

الرزيّة : في الأصل «رزيئة» مهموزة وخففت الهمزة إلى ياء مثل خطيئة وخطية، وهي بمعنى المصيبة أيضاً.

ومن المناسب أن نذكر مورداً أو موردين من الأخبار والآثار الدالّة على عظم هذه المصيبة في الإسلام وإن كان المتأمل البصير لا يحتاج شهوداً ع-ل-ى هذه الدعوى حيث أنه من خلق الدنيا إلى يومنا هذا لم نر بعد البحث بالتاريخ والسير واقعة بكبر هذه الواقعة، بأن أُمّة من الأمم برزت لابن نبيها وأصحابه وأهل بيته في يوم واحد فيقتلونهم وينهبون رحلهم ومتاعهم، ويحرقون خيامهم، ويحملون رأسه ورؤوس أصحابه وأولاده مع العيال والأطفال من مدينة إلى مدينة، ومن بلد إلى بلد، ويعرضون مرّة واحدة عن الملة والدين الذي ينتسبون إليه ، ويطئونه بأقدامهم، وإنما جاءهم السلطان والقوّة من هذا الدين وليس غيره، ومطابق لهذا المعنى ما جاء في الأمالي عن صادق آل محمد الله عن أبيه ع-ن ج-ده لا أن

ص: 261

الحسين بن علي بن أبي طالب علیهما السلام دخل يوماً إلى الحسن علیه السلام فلما نظر إليه بكي، فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟ قال : أبكي لما يصنع بك . فقال له الحسن علیه السلام : إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يُدسَ إلي فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ؛ يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أُمّة جدّنا محمد له وينتحلون دين الإسلام فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونساءك وانتهاب ثقلك فعندها تحل ببني أُميّة اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار .(1)

وننقل هنا ثلاثة من الأخبار غير هذا الخبر.

أ - الشيخ الأجل الأقدم الأوثق أبو القاسم جعفر بن قولويه القمّي رضي الله عنه وأرضاه روى في كامل الزيارة وساق السند إلى صادق آل محمد علیهم السلام بأنه قال : لما قتل الحسين علیه السلام سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة : اليوم نزل البلاء على هذه الأمة فلا ترون فرحاً حتّى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ويقتل عدوّكم وينال بالوتر أوتاراً. ففزعوا منه وقالوا : إنّ لهذا القول لحادثاً قد حدث ما لا نعرفه ، فأتاهم خبر قتل الحسين علیه السلام بعد ذلك فحسبوا ذلك فإذا هي تلك الليلة التي تكلّم فيها المتكلم .(2)

ب - وفي علل الشرايع روى عن عبدالله بن الفضل قال : قلت لصادق آل محمد علیه السلام : یابن رسول الله ، كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغمّ وجزع وبكاء دون اليوم الذي قبض منه رسول الله علیه السلام واليوم الذي ماتت فيه فاطمة سلام الله علیها ،

ص: 262


1- أمالي الصدوق : 115. (المترجم) أمالي الصدوق : مجلس 24 رقم 3، بحار الأنوار 45: 218 رقم 44.
2- كامل الزيارات : 553 (المترجم) كامل الزيارات : باب 108 نوادر الزيارات ص 336 ح 14 . (هامش الأصل)

واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين علیه السلام ، واليوم الذي قتل فيه الحسن بالسمّ؟

قال: إن يوم الحسين علیه السلام أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام وذلك أن أصحاب الكساء الذي كانوا أكرم الخلق على الله تعالى كانوا خمسة ، فلما مضى عنهم النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقى أمير المؤمنين وفاطمة والحسن الحسين علیهم السلام فكان فيهم للناس عزاء وسلوة، فلما مضت فاطمة سلام الله علیها كان في أميرالمؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة ، فلما مضى منهم أمير المؤمنين علیه السلام كان للناس في الحسن والحسين

عزاء وسلوة ، فلما مضى الحسن علیه السلام كان للناس في الحسين علیه السلام عزاء وسلوة ، فلما قُتل الحسين علیه السلام لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة فكان ذهابه كذهاب جميعهم كما كان بقائه كبقاء جميعهم ؛ فلذلك صار يومه أعظم مصيبة .

قال عبدالله بن الفضل الهاشمي فقلت له : يابن رسول الله ، فلم لم يكن للناس في عليّ بن الحسين عزاء وسلوة مثل ما كان لهم في آبائهم علیهم السلام؟؟

فقال : بلى إنّ عليّ بن الحسين كان سيد العابدين وإماماً وحجّة على الخلق بعد آبائه الماضين ولكنّه لم يلق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولم يسمع منه وكان علمه وراثة عن أبيه عن جده عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكان أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام قد شاهدهم الناس مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في أحوال في أن يتوالي فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكّروا حاله مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وفيه ، فلما مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على الله عزّ وجلّ ولم يكن فى أحد منهم فقد جميعهم إلا

في فقد الحسين علیه السلام، لأنه مضى آخرهم فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة.(1)

ص: 263


1- علل الشرايع 1: 226. (المترجم) علل الشرايع 1: 125 - 127 باب 162، بحار الأنوار 44: 271 باب أنّ مصيبته أعظم المصائب . (هامش الأصل)

وفي هذا الحديث صرّح في مواضع منه بأن مصيبة سيّدالشهداء علیه السلام أعظم المصائب على المسلمين .

ويؤيد هذا الحديث كلام العالمة غير المتعلمة عقيلة الرسالة ورضيعة ثدي العصمة سيدتنا زينب - أرواحنا لتراب أقدامها الفداء - في الإرشاد للشيخ المفيد وغيره أنه قالت لسيدالشهداء ليلة عاشوراء والكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة وأبي عليّ وأخي الحسن، يا خليفة الماضي وثمال الباقی .(1)

ج - وفي الخصال : عن عمر بن بشر الهمداني قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذل الناس ؟ قال : حين قتل الحسين بن علي علیهما السلام ، وادعي زياد ، وقتل حجر بن عدي .(2)(3)

وسوف نوافيك بحكاية استلحاق زياد لعنه الله إن شاء الله في ترجمة حال عبیدالله بن زياد ... (4).

ومن هذه الأخبار وممّا يماثلها الدالة على عظم المصيبة في الإسلام كثيرة فاقت الحصر، ويقتضينا التقيّد بالاختصار تجنّب استقصائها.

ص: 264


1- بحار الأنوار 2:45 ط لبنان . (هامش الأصل) الإرشاد 93:2. (المترجم)
2- الخصال: 181 ، وأبو إسحاق هو الإمام الصادق (المترجم)
3- الخصال: 181 باب الثلاثة رقم 248 ، بحار الأنوار 44: 271 . (هامش الأصل)
4- ذيل «ولعن الله آل زياد»، ونقل هذه الواقعة في بحار الأنوار 44: 309 ، وابن أبي الحديد بالتفصيل . (هامش الأصل)

وَجَلَّتْ وعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ

الشرح : في أخبار الإمامية وآثارها وأهل السنة والجماعة عدة روايات وفيها ظهور العلامات الغريبة في السماء والأرض تدلّ على وقوع هذا الخطب الجليل والرزء العظيم وهي خارجة عن الحصر والإحصاء أما نحن فننقل عدداً منها في هذه الفقرة من الشرح تدلّ على عظم مصيبته علیه السلام في السماء على الملائكة في فصلين وننقل قسماً آخر من هذه الأخبار إن شاء الله في فقرة أُخرى التي لها ارتباط بعموم مصيبته علیه السلام مع مراعاة الاختصار.

فصلٌ

في ذكر تأثر الملائكة وبكائها بصفة عامة وجبرئيل بصفة خاصة، ولعلّ في أثناء بعضها ذكراً يدور حول التغييرات العامة ، ونأتي هنا بعدد محدود منها وتجد التفصيل في البحار ومدينة المعاجز للسيد المحدّث الجليل البارع السيد هاشم البحراني :

أ - في كامل الزيارة عن أبان بن تغلب أنه قال : قال صادق آل محمد علیهم السلام :إنّ أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي علیه السلام لم يؤذن لهم في القتال، فرجعوا في الاستئذان فهبطوا وقد قُتل الحسين علیه السلام ، فهم عند قبره شُعثٌ غُبْرٌ يبكونه إلى يوم القيامة (رئيسهم ملك يقال له : منصور).(1)

وروى فى كامل الزيارات أربعة عشر حديثاً آخر بأسانيد متفاوتة وعبارات مختلفة متقاربة من هذا المعنى، وبالطبع ملاحظتها بعين البصير الحاذق توجب لكم الحكم بتواترها ، أو تواتر معناها على الأصح ، وكلّها مذكورة في بحار الأنوار .

ص: 265


1- كامل الزيارات : 171 ومابين القوسين تتمة الرواية ولم يوردها المؤلّف . (المترجم) كامل الزيارات باب 77 رقم 9 ، بحار الأنوار 45: 226 رقم 12. (هامش الأصل)

ب - في بحار الأنوار عن محاسن البرقي: روي عن الإمام الصادق علیه السلام قال : وكل الله بالحسين بن علي علیه السلام سبعين ألف ملك يصلون عليه كل يوم شعثا غبراً منذ يوم قتل إلى ما شاء الله (1).

ج - وفي كامل الزيارة حديث طويل مشتمل على أن الملائكة مطيفة بحائر الحسين علیه السلام ليلاً ونهاراً يبكون ولا يفترون إلا وقت الزوال ووقت طلوع الفجر لأنّهم يحادثون في هذين الوقتين ملائكة السماء القادمين لزيارة قبر الحسين ويسألونهم من أخبار السماء (2)(3)

وسوف نذكر ذيل الحديث في فقرة أخرى إن شاء الله تعالى ، وما أوردنا ليست ترجمة تامة للحديث بل النقل بالمعنى .

د - وفي كامل الزيارة أيضاً عن صفوان الجمال عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سألته في طريق المدينة ونحن نريد مكة ، فقلت : يابن رسول الله ، مالي أراك كئيباً حزيناً منكسراً ؟ فقال : لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مسألتي . قلت : فما الذي تسمع ؟ قال : ابتهال الملائكة إلى الله عزّ وجلّ على قتلة أمير المؤمنين وقتلة الحسين ونوح الجنّ وبكاء الملائكة الذين حوله وشدّة جزعهم، فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم (4)؟!

ص: 266


1- بحار الأنوار 45: 222 . وتمام الحديث : يعني بذلك قيام القائم . (المترجم) كامل الزيارات : باب 28 رقم 5 ، بحار الأنوار 45: 222 رقم 9 ، وعبارة شفاء الصدور : البحار عن المحاسن صحفت البحار عن الكامل. (هامش الأصل)
2- كامل الزيارة : 176 . وهذا الحديث طويل إلى حد ما وأراه ينطبق على ما قاله المؤلف وإن وردت في كلمات المؤلّف ألفاظ لم أجدها في الحديث . (المترجم)
3- كامل الزيارة : 86 باب 27 رقم 16 ، بحار الأنوار 45 : 227 رقم 17 . (هامش الأصل)
4- كامل الزيارات : 187(المترجم) كامل الزيارات : 92 باب 28 رقم 18 (هامش الأصل)

ه- وفي كامل الزيارات أيضاً وساق السند إلى إسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : إني كنت بالحائر ليلة عرفة وكنت أُصلّي وثمّ نحو من خمسين ألفاً من الناس ؛ جميلة وجوههم طيبة روائحهم، وأقبلوا يصلون الليل أجمع فلما طلع الفجر سجدت ثمّ رفعت رأسي فلم أر منهم أحداً .

فقال لى أبو عبد الله علیه السلام : إنّه مرّ بالحسين علیه السلام خمسون ألف ملك وهو يقتل فعرجوا إلى السماء فأوحى الله تعالى إليهم مررتم بابن حبيبي وهو يقتل فلم تنصروه ؟ فاهبطوا إلى الأرض فاسكنوا عند قبره شعثا غبراً إلى أن تقوم الساعة .(1)

و - وفي العيون والأمالي عن الإمام الرضا علیه السلام في حديث الريان بن شبيب: في ولقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره فلم يؤذن لهم فهم عند قبره شعْثٌ غُبْرٌ إلى أن يقوم القائم فيكونون من أنصاره (2)

ز - كامل الزيارات : نقل عن سليمان(3): وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يعزيه بولده الحسين علیه السلام ويخبره بثواب الله إياه ويحمل إليه تربته(4).. ؟

ح - وفي كامل الزيارات عن ابن عباس قال: الملك الذي جاء إلى محمد صلی الله علیه و آله وسلم يخبره بقتل الحسين علیه السلام كان جبرئيل علیه السلام الروح الأمين منشور الأجنحة ،

ص: 267


1- كامل الزيارات : 226. (المترجم) كامل الزيارات : 115 باب 39 رقم 6 ، بحار الأنوار 45: 226. (هامش الأصل)
2- عيون أخبار الرضا 2: 268. (المترجم) عيون أخبار الرضا 1 : 299 ، أمالي الصدوق : مجلس ،27، بحار الأنوار 44 : 286 (هامش الأصل)
3- الظاهر أنه سليمان بن عبدالله أبو العلاء الغنوي الكوفي الذي ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (المترجم)
4- كامل الزيارات : 131. (المترجم) كامل الزيارات : 61 باب 17 رقم 8، بحار الأنوار 44: 236 رقم 27 . (هامش الأصل)

باكياً صارخاً قد حمل من تربة الحسين علیه السلام وهي تفوح كالمسك .. (فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : وتفلح أُمّتي تقتل فرخي أو قال: فرخ ابنتي! فقال جبرئيل: يضربها الله بالاختلاف فتختلف قلوبهم)(1)(2)

ونقل الرواية في الكامل بسند آخر

فصل

في الآثار والانقلابات التي حدثت في الفلك والفلكيات عند وقوع ه-ذه المصيبة العظمى والخطب الفادح وذكر عدد من أخبار الإمامية ضاعف الله اقتدارها ونصر من لدنه أنصارها. وفي هذا الباب:

أ - في التفسير للشيخ الأجل الأوثق الأقدم قدوة الطائفة علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي رضي الله عنه وأرضاه في تفسير الآية المباركة : «لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيا»(3) روی جابر عن باقر علوم النبيين أنه قال : لم يجعل الله ليحيى سمياً من قبل ولا للحسين بن على علیه السلام ، وبكت السماء أربعين صباحاً وبكت عليه الشمس مثلها، وبكاء الشمس طلوعها وغروبها في حمرة . وقيل : إن بكاء السماء بكاء أهلها وهم الملائكة .

وينبغي أن تكون العبارة الأخيرة لعلى بن إبراهيم، وأشار إلى ضعف الخبر بصيغة التضعيف «قيل» وهو ضعيف حقاً إذ لا يوجد دليل على هذا التأويل بل الأخبار دالّة على بكائها بالمعنى الحقيقي كما سيظهر لك في تضاعيف هذا الشرح.

ص: 268


1- كامل الزيارات : 131 ولم ينقل المؤلف ما وضعناه بين قوسين وهو تمام الحديث (المترجم)
2- كامل الزيارات : 61 باب 17 رقم 7. (هامش الأصل)
3- مریم 7 .

ب - في كامل الزيارة : عن رجل قال : سمعت أمير المؤمنين علیه السلام وهو يقول في الرحبة وهو يتلو هذه الآية: «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ» (1)وخرج عليه الحسين علیه السلام من بعض أبواب المسجد، فقال: أما إنّ هذا سيُقتل وتبكي عليه السماء والأرض (2)

ج - في الأمالي والعلل أن ميثم التمار قال لجبلة المكية: والله لتقتل هذه الأمة ابن بنت نبيّها في المحرّم لعشر يمضين منه وليتّخذنّ أعداء الله ذلك اليوم بركة وإنّ ذلك لكائن ... يا جبلة اعلمي أن الحسين بن على علیه السلام سيّد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء درجة يا جبلة، إذا نظرت السماء حمراء كأنّها دم عبيط فاعلمي أنّ سيّدالشهداء الحسين قد قتل.

قالت جبلة : فخرجت ذات يوم فرايت الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ وبكيت وقلت : قد والله قتل سيدنا الحسين علیه السلام(3) (4)

د - وفي الأمالي والعيون عن الريان بن شبيب عن الرضا علیه السلام أنه قال : ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ...(5)

ه- وفي كامل الزيارة عن رجل من أهل بيت المقدس ونواحيها عشية قتل الحسين بن علي علیه السلام، قلت : وكيف ذاك ؟ قال : ما رفعنا حجراً ولا مدراً ولا صخراً

ص: 269


1- الدخان: 29
2- كامل الزيارة : 180 تحقيق جواد القيومي طاولى 1417 ، النشر الإسلامي نشر الفقاهة . (المترجم) كامل الزيارات : 88 باب 28 رقم 1. (هامش الأصل)
3- علل الشرايع 1 : 228 . ولم يذكر المؤلف إلا موضع الشاهد من الحديث وما سبقه فهو منا . (المترجم)
4- أمالي الصدوق : مجلس 27 رقم 1، علل الشرايع ،1 : 217، بحار الأنوار 45: 202. (هامش الأصل)
5- عيون أخبار الرضا 2 : 268 وهو جزء من حديث طويل . (المترجم) أمالي الصدوق : مجلس 27 رقم 1، علل الشرایع 1 : 217، بحار الأنوار 202:45. (هامش الأصل)

إلا ورأينا تحتها دماً عبيطاً يغلى واحمرت الحيطان كالعلق، ومطرنا ثلاثة أيام دماً عبيطاً .. .(1)

و - وروى الشيخ الأجل الأعظم الأوثق عبدالله بن جعفر الحميري في (قرب الاسناد) عن حنان أنّ صادق آل محمّد :قال زوروا الحسين ولا تجفوه فإنّه سيّدالشهداء وسيد شباب أهل الجنّة وشبيه يحيى بن زكريا، وعليهما بكت السماء والأرض .(2)

ز - في كامل الزيارة عن علي بن مسهر القرشي قال : حدثتني جدتي أنها أدركت الحسين بن علي حين قتل قالت : فمكثنا سنة وتسعة أشهر والسماء مثل العلقة مثل الدم ما ترى الشمس .. (3)

ح - وفي الكامل أيضاً عن داود بن فرقد عن أبي عبدالله علیه السلام قال : احمرت السماء حين قتل الحسين سنة ويحيى بن زكريا وحمرتها بكائها .. (4)ط - في الكامل وساق السند إلى محمّد بن مسلمة عمّن حدّثه قال : لما قتل الحسين بن علي علیه السلام أمطرت السماء تراباً أحمراً (5).

ص: 270


1- كامل الزيارات : 160 . والسياق في الكامل يختلف عن سياق المؤلف لأن المؤلف نقل من موضع الشاهد من الحديث وترك الباقي وهو أهم ما في الحديث . (المترجم) كامل الزيارات : 77 باب 25(24) رقم 2 (هامش الأصل)
2- قرب الإسناد : 99 (المترجم) قرب الإسناد : 66 ، بحار الأنوار 45: 201 (هامش الأصل)
3- كامل الزيارات : 181 . (المترجم) كامل الزيارات : 89 باب 28 ، بحار الأنوار 45: 21 رقم 2 . (هامش الأصل)
4- كامل الزيارات : 182. (المترجم) كامل الزيارات : 89 باب 28، بحار الأنوار 210:45 رقم 21 . (هامش الأصل)
5- كامل الزيارات : 183(المترجم) كامل الزيارات : 89 باب 28 ، بحار الأنوار 45 211 رقم 25 .(هامش الأصل)

ى - وأيضاً في كامل الزيارات بسنده إلى سيد الساجدين أنه قال : إن السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي علیهما السلام . قلت : أي شيء كان بكائها ؟ قال : كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم.(1)

وأخبار من هذا اللون جمّة كثيرة وسوف تأتيكم قطعة منها في بيان عموم المصيبة، وليس المقصود في هذا المختصر الإحاطة بجميعها، وبهذا المقدار

المبين في هذا المقام كفاية.

ص: 271


1- كامل الزيارات : 184 (المترجم) كامل الزيارات : باب 28 ، بحار الأنوار 45: 211 والبراغ برغوث وهو الكلك في الفارسية . (هامش الأصل)

فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ أَسَّسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ

ش - الفاء تفريعيّة وحقيقة التفريق إفادة دخول الحكم السابق في اللاحق وفي هذا المقام لما جرى ذكر المصيبة جرت من تذكرها ثورة في النفس وهيجان وفار العداء لأعداء الله فاستحقوا اللعن، إذن لعظم المصيبة وجلال الخطب وكبر الرزية دخل في هذا اللعن..

وحقيقة المعنى تكون كما يلي : لمّا كان الأمر بهذه المثابة فلعن الله ذلك الفريق. وفاء التفريع معناه عکس معنى فاء التعليل ، مثل «اضربه فقد نام» وهذه بظاهرها جملة نحوية، وبالتدقيق الأدبي والتأمل الأصولي كلا الجملتين التفريعية والتعليلية حكمهما ،واحد ، وحقيقتهما إفادة العلّيّة غاية الأمر أنه في مكان يكون السابق علة للاحق، وفي مكان آخر يكون الأمر بالعكس.

لعن : ومعنى اللعن كما جاء في الأساس والنهاية وديوان الأدب وغيرها يستعمل للطرد والتبعيد من رحمة الله تعالى، وهو كما في النهاية يعتبر دعاءاً وسبّاً إلا أنّ في اعتقادي أنه من قبيل (جزاه الله خيراً) وإجمال هذا الكلام تقدّم في بيان لفظ السلام، وسيأتي نظيره في لفظ صلوات بمنّه وجوده.

الأُمَّة : بمعنى الفرقة والجماعة ، وأحياناً تكون بمعنى الواحد كما في الحديث: يحشر قس أمة وحده (1). والمراد به قس بن ساعدة الأيادي المشهور بالفصاحة شهرة واسعة وفي المثل : «أفصح من قس» إشارة إليه، ولقد بشر بنبوة النبي وإمامة الأئمة الاثنى عشر قبل البعثة وأشعاره مذكورة في بطون الكتب، وارتكب المعاصر المؤرّخ خطأ في تفسير هذه الكلمة واضحاً حين نزلها على أبي طالب

ص: 272


1- رحم الله قساً يحشر يوم القيامة أُمة وحده (سفينة البحار : باب الثقاف وبعده السين، بحار الأنوار 44: 240 . (هامش الأصل)

وجعل معنى قس من دون أن يؤيده عرف أو لغة كناية عن أبي طالب علیه السلام .

وجاء في الآية الكريمة : «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً» (1).

وبعض العلماء لهم تأويل آخر حول وصف إبراهيم بكونه أُمة، وهو كما يلي: كل نبي بحكم رياسته وإحاطته بمقام الأمة يعتبر هو الأمة كلها وباقي الأُمة بمثابة الأجزاء له ، وكلّما يبلغها يبلغه ، وتدلّ عظمته على عظمتها ، وكذلك بحكم التوحد بين الكل والجزء للأمة نصيب من كمالاته ، من ثم كانت الأُمّة المرحومة خير الأُمم وهذا بيان يتناول الرؤساء كافة وإن كانت رياستهم ظاهرية يتناولهم باعتبار العرف المتمشي فيهم على نحو واحد، لأنّ كلّ رئيس بلحاظ طاعة الأُمّة له تكون له الإحاطة والتسلّط على مرؤوسيه، وبهذا الاعتبار يعتبرهم افتراض-اً جزئه وه-ذه الجزئية التقديرية لا تنافي البساطة وهي من لوازم الإحاطة ، ومن هذه الجهة ينسب إلى نفسه كل عمل يصدر منهم أو يشركهم مع نفسه فيقول : فعلنا كذا وقلنا كذا. التأسيس: كما ورد في تاج المصادر ومنتهى الإرب و(المصباح): أسسته تأسيساً جعلت له أساساً. والأساس الأصل. والتأسيس والأساس نسبة أحدهما للآخر مبنية على التجريد مثل : «أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً»(2).. (يقال : أسرى يسرى وسرى يسري فهو سارٍ لغتان بمعنى واحد . والإسراء سير الليل ...) (3)ومعناه مطلق الجعل . والأساس بلسان النحويين المشهور يعتبر مفعولاً.

وهنا يحصل إشكال في أمثال هذه العبارة وحاصله : إن المفعول به عبارة عن شيء وقع عليه الفعل ولازمه وجوب وجود المفعول به قبل وجود الفعل لكي يتمّ

ص: 273


1- النحل : 120 .
2- الإسراء : 1 .
3- التبيان 6: 43 . ويكون بناءاً على هذا التأسيس والأساس معناهما واحد فرّق بينهما التجريد من الهمزة وعدمه . (المترجم)

وقوع الفعل عليه، وفي الموضع الذي تكون ذات الشيء موجودة في نفس الفاعل ، لا يمكن أن يسمّى هذا الشيء مفعولاً لعدم تناول وقوع الفعل له ، كما أشكل عبد القاهر وصاحب الكشاف وأتباعهما على الآية «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ» (1)وهو لا يزال عالقاً بخاطري.

والتزموا فى الجواب أن تكون هذه المنصوبات مفعولات مطلقاً، ولا دليل على وجوب كون المفعول المطلق مصدراً لأنّ المفعول المطلق هو فعل الفاعل وأثره لأنه حقيقة المفعول وما حصل عن الفاعل ، وفي مثل ضربت زيداً» المفعول الحقيقي هو الضرب وزيد من فعل - بالبناء للمجهول - الضرب به ، مِن ثَم قيل فيه المفعول به ويكون نائب الفاعل وهو لفظ المفعول في هذه العبارة الثانية هو مصدر الفعل الذي هو الضرب مثلاً غاية الأمر، أن الأثر في أغلب المواضع يكون أحياناً من مقولة المعاني والأحداث، وأحياناً من مقولة الذوات، كما في الخلق والجعل والإيجاد وأمثالها. كما قال الحافظ الشيرازي:

گفتم این جام بلورین به توکی داد حکیم***گفت آن روز که این گنبد مینا می کرد

حيث اعتبر العمل نفس القبة لأنّها فيض الفاعل وأثر الجاهل وذلك حاصل في ذاتها لا في وصفها .

وهذا الإشكال في دستور اللغة العربيّة له إشكال نظيره في الإلهيات وذلك في حمل الوجود على الماهيات وهو ينافي الفرعيّة ومعناها إثبات المعنى للشيء فرغ ثبوت ذلك الشيء ومن ثَمّ أنكر بعضهم قاعدة الفرعية من رأس، وهؤلاء خالفوا ضرورة العقول.

ص: 274


1- الأنعام: 1.

ولكن فريقاً آخر من العلماء كالمحقق الدواني وأصحابه خصصوا قاعدة الفرعية بغير الوجود ولكن المحققين مثل الشيخ الرئيس «أبو على» وأستاد البشر الخواجه وغيره قالوا : الوجود ليس ثبوت شيء لشيء بل ثبوت الشيء ويكون حينئذ حقيقة حمل الوجود التخصص لا التخصيص، وهذا هو الحق ، وقد تكلّمنا عن ذلك في موضعه بشكل مفصل وبيّناه كما هو الحال في هذه المسألة حيث أنّ الأمر ليس فعل شيء بشيء بل فعل الشيء فحسب ولا فرق بين فعلت الضرب وجعلت الأساس أي خلقته وفعلته وأوجدته . وهذا الحديث وإن عسر قبوله على النحويين السطحيين ومن لا رأي لهم ولا نظر ولكن أهل التحقيق بعد إمعان النظر لا يستبعدون ذلك كما التزم بذلك الزمخشري وهو أستاد الفنّ والبلاغة ومؤسس فهم معاني الألفاظ وأشار إليه.

ولكن جواب الإشكال على الوجه العربي الصحيح على أن يماشي مزاج الحكمة أيضاً وذلك باعتبار هذه الألفاظ في جميع الموارد مفعولاً به، مع التزامنا بالتقرير أعلاه لأنّ كلّ ماهيّة بقطع النظر عن إمكان تلبسها بالوجود معتبرة وحينئذ يكون لها لوازم بالنظر إلى هذه الملاحظة وتسمّى لوازم الماهية وبهذا الاعتبار تكون ذات أجزاء تتألف منها وبه يحصل التقرّر الماهوي ، كما أن المثلث - مثلاً - له ماهيّه مؤلّفة من سطح وخط وهما ضلعاه ووتره، وبعد حضور هذا المعنى وبروز هذه الملاحظة له يعرض له الوجود وهذا العروض العقلي سلّم به الجميع ؛ سواء قلنا بإصالة الماهية أو قلنا بإصالة الوجود ؛ لأن الفرق بين المذهبين يتم في الخارج ونشأة ترتب الآثار عليه لا في اللحاظ العقلي والاعتبار ،الذهني، وهذا المعنى مركوز في الأذهان العرفية وملحوظ في الأوضاع اللغوية، وبهذه الملاحظة يكون إحراز الموضوع في الاستصحاب في الحياة والوجود ، كما قرّر ذلك في فنّ

ص: 275

الأصول، بل يمكن أن نرتفع إلى أرقى من هذا أنّ أوهام العوام وأذهان الع--رف تتبادر إلى مذهب الجعل هذا وهو الانصاف .

ومجمل القول قلنا بناءاً على هذا الملاحظة أن فى مثل خَلَق وأوجد وأشباهها تعتبر الماهية مفعولاً بها والوجود هو الأثر ، كما في قضيّة زيد موجود وزيد معدوم يمكن أن نجري نفس الملاحظة في العقل وإلا فيلزم إما اجتماع النقيضين أو الحمل الذاتي غير المفيد، لأننا لو اعتبرنا زيداً معدوماً كان أوّل وإذا اعتبرناه موجوداً كان ثانياً.

والجواب أنّ الاعتبار يعود إلى الماهية مجردة من كل صفة من طرف الوجود أو العدم، ويمكن أن تلبس بهما وتكتسي بحلتهما، وتحقيق هذه المطالب بيناه بعون الله وحسن توفيقه في محلّها من بحوث الأصول والحكمة الإلهية ..(1)وهذا المقام لا يستحق من البسط أكثر من هذا.

وللصلاح الصفدي في شرح لامية العجم تفسير للبيت أدناه وهو : «والدهر يعكس أمالي ....» وقد جاء بأباطيل ملفقة في حل هذه الشبهة لا تنسجم مع أي من الأصول والقواعد العلمية ولولا أن التطويل يؤدّي إلى الملل لعرضت لكلماته وبينت معارضتها للقواعد الكلامية والأصولية العربية وهو وأمثاله لهم عذرهم في الجهل في تحقيق هذه المطالب ؛ فإنّ لكلّ صناعة أهلاً ، ولكلّ كريمة فحلاً .(2)

ص: 276


1- لا أكتم القارئ حرصاً على الأمانة العلمية أن الترجمة لهذه الفقرة لم تكن دقيقة على النهج الفلسفي وإنما ترجمت العبارة فحسب وكان علي لو أمكنني ذلك أن أضع هوامش تشرح هذه الأمور المغلقة للقارئ ولكني أعرضت عن ذلك لاقتضائه وقتاً طويلاً وجهداً مضاعفاً ولا أرى الأمر يستحق هذا الاهتمام من ثمّ أوكلت الأمر إلى القارئ أن لا يقنع بالترجمة هذه إن شاء بل ينفتح على أبواب أوسع توضح له جلية الحال . (المترجم)
2- لا ينبغي للعالم أن يعبر بهذا التعبير عن عالم مثله ، لأنّ للصلاح الصفدي مكانته العلمية، وأظن المؤلّف سلقه بهذه العبارة لنصبه فقد كان ناصبيّاً .

خلق الله للحروب رجالاً***ورجالاً لقصعة وثريد (1)

ظلم في أصل اللغة كما في ديوان الأدب والصحاح والمصباح والقاموس

: ومنتهى الإرب معناه وضع الشيء في غير موضعه. وقال في النهاية : أصله الميل والعدول عن الطريق. والوجه الأوّل أقوى (2)من جهة اتفاق جماعة من الأعلام عليه ومساعدة القرائن له. ويأتي أحياناً بمعنى النقص مثل : «وَلَمْ تَظْلِم مِنْهُ شَيئاً» (3)وأحياناً بمعنى المنع مثل : وما ظلمك أن تفعل أي منعك ، ومنه أخذ معنى الظلمة لأنّها سدّ البصر ومنع الباصرة من الإبصار والرؤية.

الجور : معناه العدول عن الطريق ويأتي بمعنى التعدّي والأصل فيه الأوّل كما صرح بذلك الأعلام.

أهل البيت : منصوب على الاختصاص وإن كان واقعاً بعد ضمير الخطاب كما في «بك الله نرجو الفضل» فإنّهم التزموا به. وتكرّر هذا التركيب في الأدعية والزيارات المأثورة عن أهل البيت علیهم السلام (4)، وإذا حكم النحاة بشذوذه بناءاً ع-ل-ى القياس فإنّه مسموم ، وإن كان بحسب الاستعمال أو الورود فإنّه ممنوع ونحن أثبتنا في حينه حجّيّة ألفاظ الأئمة على القوانين المشتركة العلمية وليس ذلك مختصاً بالشيعة القائلين بالعصمة بوجه لم نسبق إليه بعونه تعالى.

والمراد بالبيت بيت الرسالة والنبوّة ، وقد عرف لأنه معهود كما في آية التطهير. ومحصل القول سوف نشير إلى ذلك بعد هذا بمنّه وجوده ، وهذه العبارة

ص: 277


1- رحماك بالعلماء ياسيدي المؤلف فإن الصلاح الصفدي ليس من هذا النمط !
2- وجدت في النهاية : الإلحاد الميل والعدول عن الشيء، وفسر الإلحاد بالظلم والعدوان (236:4) والوجه الأول: وضع الشيء الخ . (المترجم)
3- الكهف : 33 .
4- يعني تركيب «عليكم أهل البيت». (هامش الأصل)

تحتوي على فقرات نحن نشير إليها ضمن عدد من المسائل (إن شاء الله) .

«مسألة»

المراد من الأمة التي أسست الظلم إما عموم الأمة التي ما أمهلت النبي بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى حتى يجهز ويوارى حتى وثبت تطالب بسلطانه ذلك السلطان الباطل والحطام الزائل ويمّمت قصد سقيفة بني ساعدة وخالفت النصوص المسموعة والآيات المشهورة والمبالغات غير المعدودة التي نوّه النبي بها بأهل بيته الكرام فأخرجت سلطان محمد من بيت الوحي والتنزيل، وتظافرت الجهود مابين تيم وعدي وأُميّة وغيرهم، وتحمّلوا جميع المفاسد التي وقعت في الدنيا حتى كفر الكفّار .. لأنّهم لو انحازوا عن هذا الأمر وتركوا الحق إلى أهله ولم يختالوا، لعلت كلمة الحق، وحدث في الأمة الولاء المطلق، وانتشر العدل في الأرض ، وقوي الإسلام كما أراد الله ، واقتلع جذور الشرك من جذمها، وقام أئمة الهدى على نشر الأحكام وإقامة النظام، وغابت الدول الباطلة التي استولت على دنيا الإسلام ونشرت الظلم والفسق في أرجاء الأرض عن عرصة الوجود، ولم ترق هذه الدماء المعصومة بالإسلام في الحروب، ولم تقع هذه المعاصي العظيمة التي يأنف المسلم من تحبيرها على الطروس، وما زالت تحدث وتمارس إلى هذا اليوم.

كما روى الشيخ الكشي عن داود بن النعمان قال : دخل کمیت بن زيد (كذا) الأسدي على الإمام الصادق علیه السلام فأنشده - وذكر نحوه ثمّ قال في آخره : إن الله عزوجل يحبّ معالى الأمور ويكره سفسافها.

فقال الكميت : يا سيّدي ! أسألك عن مسألة ، وكان الإمام علیه السلام المتكناً فاستوى جالساً وكسر في صدره وسادة ثم قال : سل ! فقال : أسألك عن الرجلين ؟

فقال : يا کميت بن زيد، ما أُهريق في الإسلام محجمة من دم ولا اكتُسِبَ مال من غير حلّه ، ولا نُكِحَ فرج حرام إلا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا ،

ص: 278

ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبرائة منهما .(1)

ص: 279


1- رجال الكشي : 206 . (المترجم) رجال الكشي : 707 رقم 363 ، معجم رجال الحديث 126:14 في کمیت ، کافی 8: 102 ح 75 . 10 عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير . ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير عن أبيه قال: سألت أبا جعفر عنهما ، فقال : يا أبا الفضل ! ما تسألني عنهما ؟! فوالله ما مات منا ميت قط إلا ساخطاً عليهما، وما منا اليوم إلا ساخطاً عليهما، يوصي بذلك الكبير منا الصغير ، إنهما ظلمانا حقنا ومنعانا فيئنا، وكانا أول من ركب أعناقنا، وبثقا علينا بثقاً في الإسلام لا يسكن أبداً حتّى يقوم قائمنا أو يتكلّم متكلمنا . ثم قال : أما والله لو قد قام قائمنا وتكلّم متكلمنا لأبدى من أمورهما ما كان يكتم ، ولكتم من أمورهما ما كان يظهر ، والله ما أُسست من بلية ولا قضية تجري علينا أهل البيت إلا هما أسسا أولها ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. (الوافي 28 كتاب الحجّة ، الكافي 8 : 345 ح 340). عبدالرحمان بن أبي عبدالله قال : قلت لأبي عبد الله : خبرني عن الرجلين ؟ قال : ظلمانا حقنا في كتاب الله عزّ وجلّ ومنعا فاطمة صلوات الله عليها ميراثها من أبيها وجرى ظلمهما إلى اليوم . قال : وأشار إلى خلفه ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما . (الكافي 8: 102 ح 74). حدّث أبو عبدالله محمد بن أحمد الديلمي البصري، عن محمد بن كثير الكوفي قال : كنت لا أختم صلاتي ولا أستفتحها إلا بلعنهما ، فرأيت في منامي طائراً معه تور من الجوهر ، فيه شيء أحمر شبه الخلوق، فنزل إلى البيت المحيط برسول الله ثم أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ثمّ ردّهما إلى الضريح وعاد مرتفعاً، فسألت من حوالي من هذا الطائر ؟ وما هذا الخلوق ؟ فقال : هذا ملك يجيء في كلّ ليلة جمعة يخلقهما ، فأزعجني ما رأيت فأصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما، فدخلت على الصادقين فلما رآني ضحك وقال : رأيت الطائر ؟ فقلت : نعم يا سيدي . فقال : اقرأ: «إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» [المجادلة : 10] فإذا رأيت شيئاً تكره فاقرأها ، والله ما هو ملك موكل بهما لإكرامهما بل هو موكل بمشارق الأرض ومغاربها ، إذا قتل قتيل ظلماً أخذ من دمه فطو قهما به في رقابهما لأنهما سبب كل ظلم مذ كانا. (ابن شهر آشوب 316:2 في إمامة أبي عبدالله الصادق ، إثبات الهداة 3: 146 الرقم 266). عبدالله بن كثير عن الصادق في خبرهما : والله أوّل من ظلمنا حقنا وحملا الناس على رقابنا وجلسا مجلساً نحن أولى به منهما فلا غفر الله لهما ذلك الذنب ، كافران ومن يتولهما كافر يعني عدوين له . وكان معنا في المجلس رجل من أهل خراسان يكنى ب_«أبي عبدالله» فتغير لون الخراساني لما أن ذكرهما ، فقال له الصادق : لعلك ورعت عن بعض ما قلنا ؟ قال : قد كان ذلك يا سيدي . قال : فهلا كان هذا الورع ليلة نهر بلخ حيث أعطاك فلان بن فلان جاريته لتبيعها فلما عبرت النهر فجرت بها في أصل شجرة كذا وكذا ؟ قال : قد كان ذلك ولقد أتى على هذا الحديث أربعون سنة ولقد تُبت إلى الله تعالى منه . قال : يتوب الله عليك إن شاء الله . (ابن شهر آشوب 2 : 323 في إمامة أبي عبدالله الصادق). وسيأتي ذيل «اللهم العن أول ظالم ظلم ...» كلام معاوية مخاطباً لمحمد بن أبي بكر : فأبوك أسه .. فراجع . الاحتجاج : في جملة احتجاج أمير المؤمنين على جماعة من المهاجرين والأنصار ، قال له طلحة في جملة مسائله عنه : يا أبا الحسن ، شيء أريد أن أسألك عنه رأيتك بثوب مختوم فقلت : أيها الناس ، لم أزل مشتغلاً برسول الله بغسله وكفنه ودفنه ثم اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته ... يا طلحة إنّ كلّ آية أنزلها الله عزّ وجلّ على محمد الله الله عندي بإملاء رسول الله وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد وكل حلال وحرام أو حد أو حكم أو شيء يحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة مكتوب بإملاء رسول الله وخط يدي حتى أرش الخدش. قال : كلّ شيء من صغير أو كبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب ؟ قال : نعم وسوى ذلك أن رسول الله أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ... ثمّ قال طلحة : لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عمّا سألتك عنه من أمر القرآن ، ألا تظهره للناس ؟ قال : يا طلحة، عمداً كففت عن جوابك فأخبرني عمّا كتب عمر وعثمان أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن ؟ قال طلحة : بل قرآن كله . قال : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنّة فإن فيه حجّتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا . قال طلحة : حسبي ، أما إذا كان قرآناً فحسبي . ثمّ قال طلحة فأخبرني عمّا في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك ؟ قال : إن الذي أمرني رسول الله أن أدفعه إليه وصبي وأولى الناس بعدي بالناس ابني الحسن ، ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين ، ثمّ يصير واحد بعد واحد من ولد الحسين حتى يرد آخرهم على رسول الله حوضه وهم مع القرآن لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم. ألا إن معاوية وابنه سيليانها بعد عثمان ثمّ سيليها بعد عثمان ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن العاص واحد بعد واحد تكملة اثنى عشر إمام ضلالة وهم الذين رأى رسول الله على منبره يردّون الأمة على أدبارها القهقرى، عشرة منهم من بني أُمية ورجلان أسسا ذلك لهم وعليهما مثل جميع أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة (الاحتجاج 1 : 225) . (هامش الأصل)

ص: 280

بل ورد في بعض الأخبار أنّ ذنوب الأولين والآخرين في أعناقهم وعنق سامري هذه الأمة الذي لقن العجل دعوى الرئاسة، وحوّل وجوه الناس بعد انصراف موسى عن هارون . قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسی .

وتأخر الآخرين به وترتب أفعالهم واستنادهم عليه من الوضوح بمكان ، وأما المتقدّمون فاستناد أفعالهم عليه بالنمط الذي يرجع به کل خ-ي-ر ن-ال-ه السابقون بوجود محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم لأن كل واحد من أبناء آدم لابد وأن تكمل فيه صفة من الصفات وتكون أحياناً صفة نقص فيأخذ الناقصون من هذه الصفة العائدة إلى مرتبة النفس ودرجة الحقيقة الأثر الظاهر فيهم وينالون نصيبهم منها سواء كانوا في السابقين أو اللاحقين وشرح هذه المسألة لا يتسع لها هذا المقام .

ويحتمل أن يراد من الأمة ذلك الشخص ذاته ، لأنه مثير الفتنة ومؤسسة البدعة ، وكان أوّل من تطاول إلى البيعة وامتدت الأيدي تبايعه في السقيفة مِنْ ثَمّ قال علماء العامة : انعقد الإجماع على خلافة فلان ببيعة فلان ووجب على عامة المسلمين اتباعه وفاهوا بهذا الكلام لتصحيح الإجماع المزعوم، لأن من المسلّم به والمتفق عليه عندهم وثبت في صحاحهم أنّ أمير المؤمنين وبني هاشم وجماعة من خواص الصحابة مثل الزبير وعمار وسلمان وحذيفة وأبوذر وغيرهم لم يبايعوا ما دامت سيدتنا الصدّيقة عليها الصلاة والسلام على قيد الحياة، ومع تخلّف هؤلاء يكون الإجماع قد انعقد ببيعة ذلك الواحد ومن هنا وجب عليهم

ص: 281

اتباعه وساغ لهم حرق بيت فاطمة سلام الله علیها لحفظ النظام وصلاح الخلق وإن احترق في داخله الحسنان علیهما السلام وفاطمة .

كما صرح بذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد والصاحب في روض المناظر والمسعودي في مروج الذهب عند الكلام على فتنة ابن الزبير وكذلك نقل هذا الأمر من تاريخ الواقدي والطبري وابن حرابة وصاحب كتاب أنفاس الجواهر.

وقال قاضي القضاة في المغني في العبارة المنقولة في «الشافي»: يجوز هذا التهديد بناءاً على المصلحة .(1)تاريخ الطبري 3 : 198 و 2 : 443 ط مصر القديم، وراجع شرح النهج 1 : 124 فقد رواه عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري، والملل والنحل 1 75 و 83 ط مصر تحت إشراف محمد فتح الله بدران ، ومروج الذهب. (2)إثبات الهداة 2 : 334 (3)وهذا قريب ممّا رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 12:1 وابن الشحنة في تاريخه بهامش الكامل 7 : 164 ، وأبو الفداء في تاريخه 1: 156 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد 2 : 254 ، واليعقوبي في تاريخه 2: 105 .

وهذا لفظ أبي الفداء : إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى عليّ ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها وقال : إن أبوا عليك فاقتلهم، فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار فلقيته فاطمة رضي الله عنها وقالت : إلى أين يابن الخطاب ؟ أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة، فخرج حتى أتى أبابكر فبايعه . كذا نقله جمال الدين بن واصل وأسنده إلى ابن عبد ربه المغربي ، انتهى .

وأما نص العقد الفريد في تعداد أسماء جماعة تخلّفوا عن بيعة أبي بكر قال : وه-م ع-ل-ي والعباس والزبير وسعد بن عبادة، وأما عليّ والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال : إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة ، فخرج علي حتى دخل على أبي بكر .... (العقد الفريد 2 : 250 و 3: 63 وراجع أيضاً أعلام النساء 3 : 7 و 12) (4)راجع الإمامة والسياسة ،1: 13، والإمام علي لعبد الفتاح عبد المقصود 1 : 255، وأعلام النساء 3: 6 و 21. (5) شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 134 و 2: 5 و 19 . (6)الملل والنحل : 83ط مصر تحت إشراف محمد فتح الله . (7)إحقاق الحق 2: 372 (8) بحار الأنوار 8: 60 ط أفست. (9)إحقاق الحق 2: 373 (10)لسان الميزان 1 : 268 (11) إثبات الهداة 2 : 373 الرقم 274 . (12)إحقاق الحق 2: 373 (13)دلائل الإمامة للطبري : 241ط انتشارات رضي . (14)

ص: 282


1- بعض أقوال العامة حول إضرام بيت فاطمة : قال العلامة الحلي في نهج الحق (ص (271) : طلب هو وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين و فيه أمير المؤمنين وفاطمة وابناهما وجماعة من بني هاشم لأجل ترك مبايعة أبي بكر . وذكر الطبري في تاريخه
2- قال : أتى عمر بن الخطاب منزل عليّ فقال : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن للبيعة . وذكر الواقدي : إنّ عمر جاء إلى عليّ في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن أسلم فقال : أخرجو أو لنحرقتها عليكم. ونقل ابن خيزرانة
3- في غرره قال زيد بن أسلم : كنت ممن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع عليّ وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا ، فقال عمر الفاطمة : أخرجي من في البيت وإلّا أحرقته ومن فيه . قال : وفي البيت علي وفاطمة الحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي ، فقالت فاطمة : تحرق على ولدي ؟ فقال : اي والله أو ليخرجن وليبايعن .
4- وقال ابن عبد ربه وهو من أعيان السنّة : فأما عليّ والعباس فقعدا في بيت فاطمة وقال له أبو بكر : إن أبيا فقاتلهما ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما الدار فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطاب، أجنت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم . و نحوه روی مصنف كتاب المحاسن وأنفاس الجواهر ، انتهى ما في نهج الحق. قول فاطمة عند إضرام البيت بعد ما سمعت بضعة المصطفى أصواتهم وهي تبكي حزينة كئيبة ، نادت بأعلى صوتها : يا أبه يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة
5- ؟ وقد رآها عمر لعنه الله تصرخ وتولول ومعها نسوة من الهاشميات تنادي : يا أبا بكر ، ما أسرع ما أغرتم على بيت رسول الله ، لا أكلّم عمر حتى ألقى الله
6- ضرب عمر لعنه الله بطن فاطمة وإلقاء محسنها قال الشهرستاني في الملل والنحل
7- نقلاً عن النظام ما لفظه : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها ، وماكان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين ، انتهى . وفي ذيل الصفحة هذه الكلمة : ألقت المحسن من بطنها
8- . قال ابن أبي الحديد - بعد ذكر هبار بن الأسود وأن رسول الله أباح دمه يوم فتح مكة لأنّه روّع زينب بنت رسول الله بالرمح ، وهي في الهودج وكانت حاملاً فرأت دماً وطرحت ذا بطنها ، قال : قرأت هذا الخبر على النقيب أبي جعفر ، فقال : إذا كان رسول الله أباح دم هبار لأنّه روّع زينب فألقت ذا بطنها فظاهر الحال أنه لو كان حياً لأباح دم من روّع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها . فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم إنّ فاطمة رُوِّعت فألقت المحسن ؟ فقال : لا ترو عني ولا ترو عنّي بطلانه فإنّي متوقف في هذا الموضوع لتعارض الأخبار .
9- وقال البلاذري لفظه على ما في إثبات الهداة : إنّه حصر فاطمة في الباب حتى أسقطت محسناً
10- . قال ابن حجر : أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث أبوبكر الكوفي الرافضي الكذاب ، مات في أول سنة 357 وقيل إنه لحق إبراهيم القصار ، حدث عن أحمد بن موسى وموسى بن هارون وعدة وروى عنه الحاكم وقال : رافضي غير ثقة . وقال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته (أي أحمد بن محمد السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث): أبو بكر الكوفي كان مستقيم الأمر عامة دهره ثمّ في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب حضرته ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفت فاطمة حتّى أسقطت بمحسن .. الحديث . الرفث الصدمة بالرجل في الصدر
11- . قال ابن قتيبة : قال أبو بكر عند موته : ليتني كنت تركت بيت فاطمة وإن كان أغلق علي الحرب .
12- اعتذار القوم عند تلك الامور قال المؤرّخ الثقة المسعودي في مروج الذهب في أخبار عبدالله بن الزبير وحصره بني هاشم في الشعب وجمعه لهم الحطب ما هذا لفظه : وحدّث النوفلي في كتابه في الأخبار عن ابن عائشة عن أبيه قال : ع--ن حماد بن سلمة قال : كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول : إنما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته كما أرهب بنو هاشم وجمع لهم لإحراقهم إذا هم أبو البيعة فيما سلف وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا، وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب أهل البيت وأخبار هم المترجم بكتاب حدائق الأذهان .. انتهى.
13- أين بقيّة الحطب بالإسناد عن أبي الجارود عن أبي جعفر قال : سألته : متى يقوم قائمكم ؟ قال : يا أبا الجارود ، ولا تدركون . فقلت : أهل زمانه ؟ فقال : ولن تدرك أهل زمانه، يقوم قائمنا بالحق بعد أياس من الشيعة ثم يدخل المسجد فينقض الحائط حتى يضعه إلى الأرض ثمّ يخرج الأزرق وزريق لعنهما الله غضين طريين يكلمهما فيجيبانه فيرتاب عند ذلك المبطلون فيقولون : يكلم الموتى، فيقتل منهم خمسمائة مرتاب في جوف المسجد ثم يحرقهما بالحطب الذي جمعاه ليحرقا به عليّاً وفاطمة والحسن والحسين وذلك الحطب عندنا نتوارثه، ويهدم قصر المدينة .
14-

ص: 283

ص: 284

نعوذ بالله من الخزي والخذلان في أي مذهب يسوغ حرق بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم وبنت النبي صلی الله علیه و آله وسلم وصهر وصهر النبي وأولاد النبي وخواص النبي من أجل أخذ البيعة الأعرابي جاهل مثل الرجل مع مخالفة النصوص المتعدّدة من النبي وآيات الكتاب العزيز، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هذا إلا اختلاق .

«مسألة»

يمكن أن يستدلّ على جواز لعن تلك الجماعة التي ظلمت محمّداً وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم وأقامت هذا الأساس ومهدت لهذا القياس من آيات القرآن موصولة إلى أخبار صحاح أهل السنّة ، والذين تخلّفوا إنّما حكم القرآن في هذا الأمر ونحن

ص: 285

هنا نكتفي بدليل واحد لأنّ العمومات في لعن الظالمين والكاذبين تملأ القرآن الكريم، وإثبات هذه العناوين الثلاثة لتلك الطائفة سهل ميسور بل الباحث في الأخبار والآثار يقطع بظلمهم وافترائهم وأنّهم ارتدوا عن الدين وطووا كشحاً عن الآخرة، وبيان هذا الدليل كالتالي:

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً» (1).

وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : فاطمة بضعة منّى فمن أغضبها أغضبني .(2)

وروى مسلم في صحيحه بطريق واحد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إنه قال في حقها : ابنتي بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها .(3)

وفي صحيح الترمذي حدّث عن النبي أنه قال : إنّما فاطمة بضعة منّي ؛ يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها . وفي نسخة : ينضيني ما أنضاها .(4)

وحاصل مضمون هذه الأخبار من هذه الصحاح الثلاثة التي كانت حاضرة لدي ساعة تأليف هذا الكتاب فأخرجتها منها بلا واسطة أنّ فاطمة بضعة منّي غضبها غضبي وأذيتها أذيّتي ، وتعبها تعبي ونصبها نصبي .

وفي صحيح البخاري في باب غزوة خيبر أنّ عائشة قالت : أرسلت فاطمة سلام الله علیها إلى أبي بكر تطلب ميراثها من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : لا نورث ما تركنا صدقة إنّما

ص: 286


1- الأحزاب : 57 .
2- صحيح البخاري ، باب مناقب قرابة رسول الله ومنقبة فاطمة بنت محمد :5 : 21 و 29 ط منيريّة مصر
3- صحیح مسلم 7: 140 ط محمد صبيح
4- صحيح الترمذي 3: 246 ط الصاوي بمصر

ياكل آل محمد من هذا المال، وإني والله لا أُغير شيئاً من صدقة رسول الله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله ، فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها. وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته .(1)

وذيل الحديث وإن كان مفيداً للشيعة ولكن لا ربط له بما نحن فيه ، ونشكر الله على وجود مثل هذه الأحاديث والأخبار الصحيحة التي تثبت غضب الزهراء سلام الله علیها على أبي بكر وإيذائه لها وغضبها وإيذائها يؤذي ويغضب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

وروى آية الله العلّامة عن مسند أحمد بن حنبل وأقرّ بذلك روزبهان أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : من أذى عليّاً فقد آذانى أيها الناس من آذى عليّاً بعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً .. (2)

وإذا ضممت هذه المقدّمة مع مضمون الآية إلى بعضها البعض يتركب القياس على الشكل التالي :

ص: 287


1- صحيح البخاري ح 4077. (المترجم) صحيح البخاري 5: 139 ط أميرية بمصر ، السنن الكبرى 6: 300 ط حیدرآباد، وحميدي في سدس حديث من المتفق عليه من مسند أبي بكر ، إثبات الهداة 2 : 333.
2- مثل هذا الحديث الذي يجعل إيذاء علي إيذاءاً لرسول الله وإيذائه إيذاء الله ، ومن أذى عليّاً يحشر يهودياً ونصرانياً، والتفصيل في إحقاق الحق 6: 390. (هامش الأصل) أما هذا الحديث فقد حذفوه من المسند كفعلهم في كل الأحاديث التي تدينهم وتبطل دعاواهم ولكن في المسند حديث عن عمرو ب-ن شاس وكان من أصحاب الحديبية وفيه قول النبي الله : ياعمرو ، والله لقد أذيتني ، قلت أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله ، قال : بلى من أذى عليّاً فقد آذاني (سمند أحمد بن حنبل 3: 483 ط دار صادر بیروت ، المجلدات 6) (المترجم)

أبو بكر آذى عليّاً ،وفاطمة ، وكلّ من آذى عليّاً وفاطمة فقد آذى رسول الله تكون النتيجة : أبو بكر أذى رسول الله .

ثمّ نأخذ هذه النتيجة فنجعلها صغرى لقياس آخر فنقول :

أبو بكر أذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله لعنه الله في الدنيا والآخرة وأعد له عذاباً مهيناً .

ونحن لا نصرّح بالنتيجة وما عليك إلا التأمل لتصل إليها .

وإن أحداً من أهل السنة والجماعة لا يستطيع المناقشة في واحدة من مقدمات هذين القياسين إلا أن يعرضوا عن القرآن أو عن صحيح البخاري الذي اعتبروه

أصدق كتاب بعد القرآن والحمد لله على وضوح الحجّة.

ومنه تعرف أحوال الباقين ممن أعانه لأنهم جميعاً شركاء في إيذاء عليّ وفاطمة بل أعوانه المباشرين لكثير من الظلم والوقايع، كما كانت الزهراء في كلّ مكان تتظلّم منهم وتظهر بالغ الألم، وقد روي ذلك عنها الكتب المعتبرة لأه-ل السنة والجماعة كما ذكر ذلك عز الدين أبو حامد عبدالحميد بن أبي الحديد عن المدايني في شرح نهج البلاغة وقال في وصفه : عالم محدّث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدّثون ورووا عنه مصنّفاته (1).

وكذلك فعل الشيخ الجليل الكبير الوزير الخطير بهاء الدين علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمّة في النسخة المقروئة على المصنف من ذلك الكتاب في ربيع الآخر سنة اثنين وثلاثين بعد الثلاثمائة حيث قرئت عليه ونقل منها وهاتان

ص: 288


1- نص عبارة ابن أبي الحديد كما يلي : وجميع ما نورده في هذا الفصل من كتاب أبي بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في السقيفة وفدك وما وقع من الاختلاف والاضطراب عقب وفاة النبي وأبو بكر الجوهري هذا عالم محدّث كثير الأدب ثقة ورع أثنى عليه المحدّثون ورووا عنه مصنّفاته (شرح نهج البلاغة 16 : 210 فليس هو المدائني كما قال المؤلف) . (المترجم)

كلاهما الخطبة المعروفة بخطبة المسجد التي أجابت بها نساء الأنصار وذكرت في الاحتجاج والبحار وناسخ التواريخ وغيرها وقد عزوها إلى ذلك الكتاب... والكلمات كلّها تظلّم وإظهار الألم والصدمة النفسية ومنها حيث تقول فيها: «بئسما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليه وفي العذاب هم خالدون»(1).

وتكفي هذه الكلمات في إثبات المدعى، وإذا أردت طلباً للتفصيل ملاحظة واحد من هذه الكتب التي أشرنا إليها والتي ذكرت الخطبة تفصيلاً أو ترجمتها فإنك سوف تصل بالتأمل الوجداني إلى القطع بالحديث الصحيح قطعي الصدور المنقول في كتب الإمامية مستفيضاً بل متواتراً من أنّ صادق آل محمّد قال : لما مات رسول الله ارتد الناس إلا ثلاثة - وفي رواية : إلا أربعة -: سلمان وأبوذر والمقداد وحذيفة ، وأمّا عمّار فإنّه حاص حيصة ثم عاد(2)

وبعد ملاحظة هذه الأخبار نتوجه جيّداً إلى أركان القضيه العامة : الصحابة كلّهم عدول ، وإنّها متزلزلة ما فى ذلك ريب وهدم بنائها من أسه ، ونرى من المناسب أن نطعم هذا الفصل بعدد من الأخبار المروية في كتاب البخاري عن ارتداد الصحابة وفتنهم وبدعهم المستحدثة التي أخبر عنها النبي صلی الله علیه و آله وسلم أيام حياته ، بصفة مختصرة «محض تسجيل الصواب وتحصيل الثواب» ونوردها بألفاظها من دون ترجمة كما وردت في الجامع ..

ص: 289


1- بلاغات النساء : 19، أعلام النساء 3: 1219 ط دمشق وكتب أخرى من العامة تجد تفصيلها في إحقاق الحق 306:10. (هامش الأصل)
2- روى حديث ارتداد الناس إلا ثلاثة أو أربعة ، بحار الأنوار 8: 50 أفست. (هامش الأصل) وأما حيصة عمّار فإن كانت الولاية فقد ولى سلمان على المدائن حتى مات فيها وإن كان أمر آخر فما هو هذا الأمر ليت شعري ؟ إنّ عمّار بقي على السنة متبعاً خطى عليّ لم ينحرف عنه طرفة عين وهذا ما أدين الله به ومن اعتقد بغير هذا فليستغفر الله منه فإنّه الضلال بعينه ، صلى الله على عمّار وصلى الله على سلمان .(المترجم)

أ - روى البخاري في باب الحوض عن عبد الله عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثمّ ليختلجنّ دوني فأقول: يا ربّ أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك .(1)

1 - عن حذيفة مثله .(2)

ج - عن أنس عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ليردن علي ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني أقول : أصحابي ، فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك .(3)

د - أبو حازم عن سهل بن سعد قال : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إني فرطكم على الحوض، من مرّ علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم.

قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم . فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول: إنّهم منّي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي .

وقال ابن عباس : سحقاً بعداً ، يقال : سحيق بعيد ، سحقه وأسحقه أبعده .

ه- عن أبي هريرة أنه كان يحدث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : ليرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون عن الحوض، فأقول : يا ربّي ، أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.

ص: 290


1- صحيح البخاري 8: 119 باب الحوض ط أميرية، وصحيح مسلم ج 7 باب الحوض ، والحميدي ف-ي الجمع بين صحيح مسلم والبخاري ومسند أحمد بن حنبل 5 : 333 و 388ط مصر ، ومثل هذه الروايات كثير تجد تفصيلها في بحار الأنوار 8: 8 ط أفست. (هامش الأصل)
2- نفسه .
3- نفسه .

و - عن ابن المسيب أنه كان يحدّث عن أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلئون عنه فأقول: يا ربّ، أصحابي ؟ فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.

وقال شعيب عن الزهري : كان أبو هريرة يحدّث عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : يحلون ، وقال عقيل : فيحلئون .

ز - عن أبي هريرة عن النبي مثله .

ح - عن أبي هريرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلم، قلت: أين ؟ قال : إلى النار والله . قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى فلا أراه يخلص منهم إلا مثل حمل [همل النعم] [همل - المصدر] النعم .

ط - عن ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر قالت : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إنِّي على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم وسيؤخذ ناس من دوني فأقول: يا ربّ، منّي ومن أُمتي . فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم .

فكان ابن أبي مليكة يقول : إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا.

وروي في كتاب الفتن عن ابن أبي مليكة عن أسماء عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : أنا على حوضي أنتظر من يرد عليّ فيؤخذ بناس من دوني فأقول : أمتي ؟ فيقول : لا تدري مشوا على القهقرى .

قال ابن أبي مليكة : اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن.

قلت : يمكن التعدد في الاستماع من أسماء ، ويجوز أن تكون أسماء غير بنت أبي بكر والظاهر الوحدة لكن لفظ الثاني أوضح وأصرح .

ى عن أبي حازم مثلما مرّ في باب الحوض.

ص: 291

يا: عن عبدالله قال : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إنكم سترون بعدي إثرة وأُموراً تنكرونها. قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم .

قلت : فيه إخبار باستئثار أعداء الله بفيء أهل البيت كما يوضحه كون الخطاب لابن عبّاس وفي ذيله أمر بالتقية ولزوم الصبر ، كما فيما قبله عن عبدالله بن يزيد: اصبروا حتى تلقوني على حوضي.

يب : عن أسامة بن زيد قال : أشرف النبي صلی الله علیه و آله وسلم على أطم من آلام المدينة ، فقال: هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا. قال: فإنّي لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر.

يج - عن ابن المسيب عن أبي هريرة : ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، القائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه ، فمن وجد فيها ملجأ أو ملاذاً فليعذبه .

يد - أبو سلمة بن عبدالرحمان عن أبي هريرة مثله.(1)

وفي المسألة في صحيح مسلم والترمذي وسائر الكتب أحاديث أُخرى أوضح وأكثر صراحة مما تقدّم ، وهذا المقدار كافٍ في معرفة الحق للمسلم المتديّن، ويعلم من هذه الأحاديث الأربعة عشر أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أخبر عن ارتداد جماعة من أصحابه ، وقال : إن الفتن تقع ويكون القاعد فيها خيراً من القائم ، وقال : تقع الفتنة في بيوتكم كقطر المطر .

وقال لأهل بيته : ستسلب حقوقكم بعدي فاصبروا واحتملوا ثقل وطأتها .

فهل يرى منصف أنّ هذه الإشارات منه صلی الله علیه و آله وسلم إلى غير غصب الخلافة وظلم فاطمة ؟ وهل يحتمل غيره ؟ ومتى وقعت فتنة وبلاء شامل غير هذه الفتنة في

ص: 292


1- ونورد لك أرقام الأحاديث من كتاب البخاري بعد ذكر رموزها : أ - رقم 6335 ، د - رقم 6797 ، ج - رقم 6341 ، ه- رقم 6344 ، ج - رقم 6346 ، ط - رقم 6352 ، يا - رقم 6798 ، يب - رقم 6806 ، يج - رقم 6826 (المترجم)

الإسلام ؟ ولعن الشيعة إنما ينصب على المرتدين والكفار والظالمين ، وإلا فأخيار الصحابة وخواص النبي صلی الله علیه و آله وسلم مثل سلمان وأبي ذر والمقداد وحذيفة وعمار وأبو الهيثم بن التيهان وعمرو بن الحمق الخزاعي وحجر بن عدي وعدي بن حاتم سلام الله عليهم جميعاً أحب الخلق إلى الشيعة بعد الأئمة عليهم السلام وصلوات الله عليهم، ويرون وجوب احترامهم وتكريمهم في السر والعلانية، ويرون من سب عموم الصحابة كافراً وتجب البرائة منه ، فتبين من هذا أن اتهام الشيعة بسب الصحابة كلّهم إنّما هو من مكائد الأعداء «سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ».(1)

نعم ، لما اختلفت أحوال الصحابة كما سمعت ومن الآيات الكثيرة يفهم كما هو من الضرورة أنّ المنافقين لم ينقرضوا بموت رسول الله ، فكانت حال الناس بعد وفات النبي واحدة لاميزة بينهم فلا يعرف الطيب من الخبيث ، ولا المنافق من المؤمن، ولا الثابت من المرتد .

أجل ، وضع الرسول بنفسه النفيسة ميزاناً صحيحاً وقسطاساً مستقيماً لتميزهم، حيث علم بالتواتر من رواية الفريقين أنّه قال : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا .

وقال في موضع آخر : مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق .

وقال في موضع آخر : الحق مع عليّ وعلي مع الحق . رواه ابن مردويه الحافظ في غير واحد .(2)

ص: 293


1- النور : 16 .
2- ينابيع المودة : 91ط اسلامبول هذا الحديث نقله كثير من العامة وتجد تفصيله في إحقاق الحق 5: 625. (هامش الأصل)

وفي موضع آخر يقول: اللهم أدر الحق معه حيثما دار . رواه الترمذي في صحیحه(1).

وقال لعمار : إن سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً فاسلك وادياً سلكه عليّ وخلّ الناس طرّاً . يا عمار ، إن عليّاً لا يزال على هدى . يا عمّار ، إنّ طاعة عليّ من طاعتي وطاعتي من طاعة الله. رواه العلّامة من طرق الجمهور (2).

وعلمائهم مثل ابن أبي الحديد وابن حجر وغيره اعترفوا بصحة هذه الأحاديث إذاً فميزان الهالك والناجي وفاروق الحق والباطل هو علي وأولاده علیهم السلام فمن سالمهم من الصحابه وسار على هداهم ،نجى، ومن خالفهم فهو الهالك ومن نصيب حزب الهالك. وقد أجاد القائل:

راز بگشا ای علی مرتضی***ای پس از سوء القضا حسن القضا

چون تو بایی آن مدینه علم را***آفتابی آن شعاع حلم را

باز باش ای باب رحمت تا***ابد بارگاه ماله كفوا احد

تو ترازوی احد خود بوده ای***بل زبانه هر ترازو بوده ای

الترجمة :

يا أخا المرتضى أزح عن جبين***السرّ ستراً عن الورى أخفاه

إنّما أنت للمدينة باب***أنت شمس للحلم أنت ضياه

لم يزل مشرعاً إلى أبد الدهر***براه من لا له أشباه

أنت ميزانه وفيك الموازين***عالت قضى بذاك الله

ص: 294


1- صحيح الترمذي 3: 166 ط داوي بمصر ، وهذا الحديث نقله كثير من العامة وتفصيله في إحقاق الحق ه : 625 . (هامش الأصل)
2- مناقب الخوارزمي : 63 ط تبريز ، إحقاق الحق 8: 461. (هامش الأصل)

وفي ذلك أقول في موشّحة طنانة نيروزية علوية :

هو شاهين لميزان الرشاد***بل هو الميزان في يوم العباد

وعلى عرفانه تُجزى العباد***بل هو الآخذ من هذا وذاك

يوم يدعوا كلّهم بالغين(1)

وهاهنا لطيفة منقولة من رجال الشيخ المقدّم أبي العباس النجاشي : إنّه حكى عن عبدالرحمان بن الحجاج قال : كنا في مجلس أبان بن تغلب فجائه شاب فقال: يا أبا سعيد أخبرني كم شهد مع عليّ بن أبي طالب علیه السلام من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم؟

قال : فقال له أبان كأنك تريد أن تعرف فضل علي علیه السلام بمن تبعه من أصحاب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم؟

قال : فقال الرجل : هو ذاك .

فقال : والله ما عرفنا فضلهم إلا باتباعهم إيَّاه .

قال : فقال أبو البلاد عض بظر أُمه ، رجل من الشيعة في أقصى الأرض وأدناه يموت أبان لا تدخل مصيبته عليه .. .(2)

قال : فقال أبان له : يا أبا البلاد، أتدري من الشيعة ؟ الشيعة الذين إذا اختلف الناس

ص: 295


1- ديوان المؤلف : 330. أحسن المؤلف في المعنى ولكنه أغضب المرحوم سيبويه حين حذف النون من يدعو بلا دخول عامل عليه وهو المسكين من الأفعال الخمسة، وأسقط شيخنا نونه بالقهر والقوة. (المترجم)
2- أقول : ما أقل أدب أبي البلاد وما أجفاه ، كان عليه أن يدعو لأبان بطول العمر أو بشيء من هذا وأن لا يلفظ فوه هذه الكلمة القبيحة التي يربأ بنفسه العاقل عن النطق بها لاسيما في مجلس فيه أبان وإن كان معناها ليس موحشاً كلفظها ، لأن معناها يزوج أمه ويأكل صداقها . (المترجم)

عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أخذوا بقول علي علیه السلام وإذا اختلف الناس عن عليّ أخذوا بقول جعفر بن محمد علیهما السلام .(1)

بل هاهنا كلام أعلى من هذا الكلام ومجمله : إن الشيعة من لا يسب أحداً من الصحابة ومن أجاز الشيعة لعنهم فليسوا من الصحابة لأنّ الصحابي هو الذي لقي النبي وآمن به وخرج من هذه الدنيا مؤمناً ، وإطلاق لفظ الأصحاب على غير هؤلاء هو من المجاز بقرينة العلاقة السابقة ولهذا نحن نصدق بأخبار فضائل الصحابة جميعاً ونقول : هؤلاء - المنحرفون - خارجون عن عنوان الصحابة وشاهدنا النص الوارد عن خير الأنام صلی الله علیه و آله وسلم : قاتلوا عمار ليسوا من أصحابي . وما من شك بأن معاوية وعمرو بن العاص وعبيدالله بن عمرو وجماعة أُخرى من الصحابة هم قاتلوه و لازم هذا الكلام أن معاوية وأضرابه وأترابه لعنهم الله جميعاً ليسوا من الأصحاب.

وأما الحديث المشار إليه فإنّ أبا عمرو أحمد بن عبد ربه المالكي الأندلسي رواه في كتاب «العقد الفريد» وساق السند إلى أُمّ سلمة أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لعمار : يابن سمية ، لا تقتلك أصحابي ولكن تقتلك الفئة الباغية(2). وهذا الاستنباط من المواهب الالهية التي حبي بها هذا العبد فلم أعثر عليها في كتاب ولم أسمعها من أحد.

وخلاصة الكلام أنّ الخوض في مثل هذه المطالب من مناهج علم الكلام وفي هذا الشرح المختصر لا يقتضي أكثر من هذا البيان وستعثر على جملة من

هذه الكلمات في تضاعيف الفصول القادمة إن شاء الله تعالى. ولله الحمد.

لباب الكلام في عدول الأصحاب وجورهم ذكر في فصول الرسالة المذكورة.

ص: 296


1- رجال النجاشي : 12 . (المترجم) النجاشي في بحث أبان ، ص 9 ، ط مكتبة داوري . (هامش الأصل)
2- العقد الفريد 2: 203 و 204ط الشرقية بمصر ، والحديث في هذا المورد منقول عن العامة بطرق مختلفة تجد تفصيل ذلك في إحقاق الحق 8: 422 (هامش الأصل)

«مسألة»

لا إشكال في أن لعن الله الله يوجب شدّة العذاب لهم، ونقل السيد المحدّث الجزائري في بعض مؤلّفاته إشكالاً في هذا الباب (1)وأجاب عنه بأجوبة عدّة، وترجمتها كما يلي(2):

وهاهنا اعتراض قوي وحاصله أن اللعن فعل اللاعن فكيف يكون فعل إنسان موجباً لعقاب إنسان آخر لأنه منافٍ لقواعد العدل، وجوابه من وجوه :

الأوّل : لما أنزل الله الأحكام أنزل مع كل حكم جزاءاً لكل فعل وترك، وأنزل معها جزاءاً للعن اللاعنين وبلغ ذلك جميع المكلّفين ، فكل من أقدم مجترءاً على ذلك فقد وضع نفسه عرضة لذلك الجزاء.

الثاني : إن هذا العذاب بمثابة الاقتصاص لأن العدوّ لمّا حال بين أهل الحق ومناصبهم واختفى أهل الحق عن الأنظار صوناً لحياتهم ، فشى الجهل في الناس وعمت الفوضى وازدادت الحاجة للأرزاق المادية والمعنوية، فيكون بناءاً على هذا أنّهم اغتصبوا حقاً من كل لاعن ويكون العقاب بإزاء هذا الحق المغتصب. الثالث : أنّ قلوب المؤمنين وأتباع أهل الحقِّ لما علمت بما ارتكبه العدو تألّمت قلوبهم واحترقت بنار المصاب فكان عذاب العدوّ بأزاء هذا التأثر والألم. هذا ما يقارب عبارات السيّد (3)، وهذا الإشكال والجواب غاية في الغرابة، ولست أدري كيف اعتبر الاعتراض قويّاً لأنّ هذا المعنى ليس من طبّ العلماء،

ص: 297


1- الأنوار النعمانية 1 : 141 الخاتمة. (هامش الأصل)
2- الظاهر أن المؤلّف استنبط هذه الأقوال الثلاثة من مجموع كلام السيد وإلا فقد بحثنا في الجزء الأول من كتابه فلم نعثر عليها . (المترجم)
3- ارجع إلى عبارات السيد عن اللعن في الأنوار النعمانية 1 : 112 و 1: 141 فلن تجد شيئاً من هذا ولا قريباً منه ، فهل جرى حذف في الكتاب ؟ الله أعلم . (المترجم)

وليس لأهل النظر أن ينظروا في مثل هذه الأقوال الواهية ويجيبوا عنها بأوهى منها إلا أن يكون على نهج أصحاب الحديث والسيّد منهم وله وجه في القوة. وليس من دأب السيد رحمه الله تعالى تعاطي المشكلات وحل المعضلات، ولو أنه أشار إلى الحديث الآتي لما كتبناه قط وحاصله أن المنافي للعدل تحمّل غير الفاعل بذنب الفاعل وقد نفاه القرآن بقوله: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (1)ولكن إذا دعى الداعي على فاعل فعلاً استحق بسببه اللعنة أن يزيد عذابه فهو عين العدل ورعاية لحالة المظلومين ومن هنا يظهر لك أنّ الأجوبة المذكورة لا ربط لها بالسؤال لاسيما الأوّل فإنّ الإشكال عينه متوجه إلي-ه ك-ما يعلم بذلك المتأمّل

الواعي ، وأصله في الخبر المعروف : إنّ الميّت ليعذب ببكاء الحي عليه (2).

والسيد الأجل السيد المرتضى سلام الله عليه تعرّض له بالشرح الوافي في تأويل الخبر الثالث من المجلس الثالث والعشرين من الأمالي ؛ فمن أراد من أهل الفضل مزيد الفائدة فليرجع إليه(3).

«مسألة»

المراد من أهل البيت خصوص أهل الكساء أحياناً كما جاء في آية التطهير التي اتفق عليها الفريقان، وظاهر عبارة الشيخ الأجل أمين الإسلام قدس الله نفسه الزكيّة في مجمع البيان أن بناء الشيعة كلّيّاً على هذا المذهب في الآية الكريمة آية التطهير .

ص: 298


1- الأنعام: 164 .
2- كنز العمّال : ج 15 رقم 42427 . (هامش الأصل) ورواه جمع غفير من حفاظ العامة وهو لا أصل له بل رأي رأه عمر وحمل الناس عليه وعزاه إلى النبي إما افتراءاً أو نسياناً وقد فنّدناه في كتابنا «منية الخطيب». (المترجم)
3- أمالي السيد المرتضى 1: 340 المجلس الخامس والعشرون (هامش الأصل) الأمالي 2 : 17 (المترجم)

وأحياناً يتناول اللفظ الأئمة الاثنى عشر ويكون خاصاً بهم كما جاء في أخبار التمسك ووجوب المتابعة لأنّ التمسك بأقوال غير المعصوم ومتابعته لا تجوز

مطلقاً، وليس معصوم في الإسلام غير هؤلاء الأربعة عشر .

وأحياناً يتناول اللفظ مطلق أقرباء النبي وهم من تحرم عليه الصدقة كما جاء مودتهم لا على التعيين وإعانتهم وتعظيمهم وتكريمهم.

وفقرة الزيارة تتناول الأقسام الثلاثة، والأولى الأول والثاني، والخطاب وإن كان سيد الشهداء لكنه لا ينافيه . ومخاطبة الواحد بصيغة الجمع تتمّ أحياناً لأنّ

خلال شخصه يتصوّر المجموع أو لتشريفه وتكريمه أو لأغراض أخرى.

ومن هذه الجهة، مع أنّ المخاطب الواقعي في زيارة الجامعة الواحد بشهادة قوله: «يا ولي الله» ولكنّه يتناول الأئمة الإثنى عشر بخطابه ، وضم الإمام المخاطب إلى المجموع من أجل الإعلان عن فضله وجلالة قدره: «السلام عليكم يا أهل بيت النبوة».

ص: 299

ويقول :

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيها

الشرح : الدفع (1): الازالة بقوّة كما جاء في منتهى الارب.

المقام : في الأصل مكان القيام ويستعمل توسعاً في المجلس والمكان، وكلّ ما يقع في المجلس أو ما كان بحاجة إلى قيام. ويستعمل أيضاً في المكانة والمنزلة الاجتماعية المعنوية كما قال المطرزي في حاشية المقامات ، إلّا أنّهم اتسعوا فيها واستعملوها استعمال المكان والمجلس ، قال الله : «خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً» (2)إلى أن قيل : لما يقام به من خطبه أو ما يشبهها مقامه . كما يقال له : مجلس . وقريب منه ما في الأساس، والسيد شارح الصحيح صرّح بتعميم المعنى المذكور وإن كان لا يحتاج إلى شاهد الشديد وضوحه وظهوره.

الإزالة : الإبعاد كما صرّح بذلك البيهقي.

الرتوب (3): الثبات كما ورد في تاج المصادر ومنتهى الإرب، رتب رتوباً ثبت ولم يتحرّك ، ومنه أخذ الترتيب يعني رتبه ترتيباً أثبته. والمرتبة بمعنى اسم المكان منه أيضاً. والترتيب الذي عرف ب_«وضع الشي في مرتبته» يرجع إلى هذا المعنى.

والمراد من الدفع عن المرتبة والإخراج من المقام الإلهي نفس المعنى من عدم تمكينهم من رياستهم الظاهرية وولايتهم الصورية ولا يقصد به حقيقة الإمامة وواقع الخلافة، لأنه غير قابل للغصب وهو أعلى آلاف المرات من أن تطاله يد

ص: 300


1- رجعنا في الكلمة إلى لسان العرب مادة دفع . (المترجم)
2- مریم : 73
3- رتب الشيء يرتب رتوباً وترتب ثبت فلم يتحرك (لسان العرب 1: 409) . (المترجم)

المخالفين لأنه منصب الهي وكمال نفساني ودرجة وهيبة.

وما قيل من أنّ الولاية بمنزلة الحليلة للأئمة واغتصبها المغتصبون منهم فتزوجها فالنواصب أبناء هذه البغيّة. ونزلوا أخبار خبث مولد النواصب هذا التنزيل وقالوا: إنّ الزوج الشرعي للولاية هم الأئمة علیهم السلام وقد عقد الله هذا الزواج في السماء .

وهذا حديث باطل ومردود وهو أدنى من كلام المبرسمين أصحاب الماليخوليا، والأولى أن ندعوه هذيان القلم، وأكثر من هذا لا يستحق من عناية العلماء لردّه ولا يتسق مع سابقة العلماء وشئوناتهم العلمية ورتب أهل الفضل كما قال الحكماء :

از سخن پُر در من هم چون صدف هر گوش را***قفل گوهر ساز یاقوت زمر پوش را

در جواب هر سؤالی حاجت گفتار نیست***چشم بینا عذر میخواهد لب خاموش را

لا تجعلن كل قول مثل جوهرة***تقرط الأذن فيها كي تحلّيها

أبعد عن العين بالأقفال جوهرة***فإنّ حق يتيم الدر تخفيها

ولا تجيبن يوماً كل مسألة***إطباق كل شفاه عذرها فيها

من الأشعار التي أنشدها الإمام الرضا علیه السلام في حضرة المأمون ونسبه إلى بعض فتيان آل عبدالمطلب كما ورد في العيون هذان البيتان:

وإذا ابتليت بجاهل متكلّف***يجد المحال من الأمور صوابا

أوليته مني السكوت وربّما***كان السكوت عن الجواب جوابا (1)

وجملة القول : إنّ هذه الفقرة من الزيارة مساوقة لفقرة الصحيفة السجادية

ص: 301


1- عيون أخبار الرضا 2: 157 وفيه بدل «ابتلیت» «بلیت» وبدل «متکلّف» «متحكم». (هامش الأصل) و في المجلد الأول منه ص 187 أربعة أبيات بدل البيتين . (المترجم)

وفيها يشير الإمام السجّاد إلى عيد الأضحى والجمعة وصلاة العيدين والخطبة ويقول: «اللهم هذا المقام لخلفائك وأصفياءك ومواضع أمناءك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها» (1)وهذا الابتزاز والإزالة والدفع كلّ ذلك ناشئ عن الصدر السالف والقرن الأوّل من عدول الصحابة ، ولا تتنافى عدالتهم مع ظلم أهل البيت وإيذاء فاطمة سلام الله علیها وإحراق بيتها والخلاف مع علي علیه السلام وبغض الحسنين ، كما مر عليك جانب من ذلك وعسى أن نشير فيما يأتي إلى جملة أخرى منه .

بل لا يتنافى ذلك عندهم مع تغيير جميع الفروع والأصول والأحكام وه--دم أساس الشريعة المقدّسة - على الصادع بها ألف سلام - كما يظهر ذلك من الأخبار المبثوثة في مطاوي كتبهم المعتمدة وأصولهم الصحيحة .

نقل السيد المحقق الأمين شارح الصحيفة المقدّسة من الجمع بين الصحيحين في مسند أبي الدرداء في الحديث الأول من أخبار البخاري قالت أم الدرداء : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمد شيئاً إلا أنّهم يصلون جميعاً .(2)

وفي الحديث الأوّل من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك نقل ع-ن الزهري قال: دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال : لا أعرض شيئاً ممّا أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيّعت (3).

وفي حديث آخر إنّه قال : ما أعرف شيئاً مما كان على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

ص: 302


1- الصحيفة السجادية، دعاء 49. (هامش الأصل) الكاملة : 281 نشر جامعة المدرسين . (المترجم)
2- صحيح البخاري 1 : 166 باب فضل صلاة الفجر في جماعة ، ط دار مطابع الشعب بمصر . ( هامش الأصل)
3- نفسه، باب تضييع الصلاة عن وقتها، ص 141 . (هامش الأصل)

قيل: فالصلاة؟ قال: أليس صنعتم ما صنعتم فيها .(1)

وهذه شهادة صريحة من أبي الدرداء وأنس بن مالك - وهما من أكابر الصحابة عند أهل السنة والجماعة - بأن أحكام الشريعة بأجمعها غيرت، وبدلت أحكام الشرع الشريف عامة، حتّى الصلاة وهي أظهر الواجبات وأعرف الفرايض، وجميع ما مرّ جرى على أيدي الصحابة والتابعين الذين رووا في حقهم «خير القرون قرني ثم القرن الذي يليه» .(2)

وإذا كان حال القرن الأول والثاني بهذه المثابة فما بالك بالقرون اللاحقة والأعصار التابعة التي تتبدل في كل يوم أحوالها، وتتنزّل شئونها باعترافهم.

وطبقاً للحديث سابق الذكر يمكن أن نقول:

* خذ جملة البلوى ودع تفصيلها *

ص: 303


1- نفسه
2- عمران بن حصين ، عن النبي عل الله قال : خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم . قال عمران : فما أدري قال النبي بعد قوله مرتين أو ثالثاً، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن . وفي خبر آخر : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم إيمانهم، وإيمانهم شهادتهم [صحيح البخاري ، 8: 113 باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ط دار و مطابع الشعب بمصر] . (هامش الأصل)

وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ

الشرح : التمهيد مأخوذ من المهاد بمعنى البساط والفراش أو من المهد بمعنى سرير الطفل، وكلاهما عائد إلى أصل واحد ونص في أساس البلاغة على أن التمهيد معناه التوطئة وتسهيل الأمر والإصلاح، والمراد في أمثال هذه الوقائع وتمهيد العذر من المعاني المجازية ومعناه بسطه وتهيئة قبوله.

والباء في «بالتمكين» للسببية على الظاهر والتمكين بمعنى الإقدار ، والظاهر أن اشتقاق المكان منه بحسب اللفظ ، وأما بحسب المعنى فاشتقاقه من الكون.

القتال بمعنى القتل والذبح والحرب.

والمقصود من الممهدين هم الأوائل الذين سهلوا السبيل ووطئوا الأمور، وهيئوا أسباب الظلم، لأنّه لولاهم وما ارتكبوه من السلوك الوحشي الخشن مع

أهل البيت لما جرأ الأواخر على ظلمهم بتلك القسوة المعهودة.

وهذا أصح الوجوه في تفسير الفقرة المعروفة «المقتول في يوم الجمعة أو الاثنين ..»(1)

ص: 304


1- كما في البحار 44: 199 و 201. وعن علي بن موسى الرضا : يوم الاثنين يوم نحس قبض الله عزّ وجلّ نبيه، وما أصيب آل محمد إلا يوم الاثنين . [الكافي ، باب صوم عرفة وعاشوراء ؛ بحار الأنوار 45: 94] وتأتي هذه الرواية بتفصيلها ذيل «اللهم إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو أمية». مروج الذهب .... وسمعت في جنازته «الإمام أبي الحسن الهادي» سوداء وهي تقول: ماذا لقينا من يوم الاثنين . [بحار الأنوار 207:50] ولنعم ما قيل : «ما قتل الحسين إلا في يوم السقيفة» فلعنة الله على من أسس أساس الظلم والجور على أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين . [بحار الأنوار 338:45] ولنعم ما نقله علي بن عيسى عن بعض الأصحاب عن القاضي أبي بكر بن أبي قريعة في ضمن أبيات له : وأريتكم أن الحسين***أصيب في يوم السقيفه ولأي حال اُلحدت***بالليل فاطمة الشريفه ولما حمت شيخيكم***عن وطي حجرتها المنيفه أوّه لب-نت محمد***ماتت بغضتها أسيفه فوالله لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب وتنادي بصوت حزين وقلب كتيب : وا محمداه ! صلى عليك مليك السماء ... وهذا حسين محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فساط مقطع العُرى .... [بحار الأنوار 59:45]

لأن يوم السقيفة حدث في يوم الاثنين، وقد أجاد الشاعر المفلق الحاج هاشم الكعبي حيث قال :

تا الله ما سيف شمر نال منك ولا***يدا سنان وإن جل الذي ارتكبوا

لولا الذي أغضبوا ربّ العُلى وأبوا***نص الولا ولحق المصطفى غصبوا

أصابك النفر الماضي بما ابتدعوا***وما المسبب لو لم ينجح السبب

ولا تزال خيول الحقد كامنة***حتى إذا أبصروها فرصة وثبوا

فادرك الكلّ ما قد كان يطلبه***والقصد يدرك لمّا يمكن الطلب

كفُّ بها أمّك الزهراء قد ضربوا***هي التي أختك الحورا بها سلبوا

وإن نار وغئ صاليت جمرتها***كانت لها كف ذاك البغي تحتطب

وليبك يومك من يبكيك يوم غدوا***بالصنو قودا وبنت المصطفى ضربوا

والله ما كربلا لولا السقيفة والإحياء***تدري(1) ولا لا النار ما الحطب

وورد في كثير من الأخبار لعن قاتلي سيّدالشهداء ومقاتليه، ولعلنا نشير إلى جانب منه فيما يأتي . ونكتفي هنا بذكر حديث واحد ليقوم بأداء حق هذا العنوان،

ص: 305


1- جاء في الكتاب «تعلم» ولا يستقيم بها الوزن فاستبدلنا بها «تدري» لأنّي أحفظها .هكذا.

ولئلّا تخلو هذه المقولة من هذه الأخبار من رأس.

وفي تفسير الإمام الحسن العسكري: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ» (1)نزلت في اليهود، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لما نزلت هذه الآية في هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد الله وكذبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله : أفلا أنبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: قوم من أمتي ينتحلون بأنهم أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب أرومتي ، ويبدلون شريعتي وسنتي، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى.

ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم، ويبعث على بقايا ذراريهم يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم.

ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبّيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقيّة تسكتهم .

ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين بن علي علیهما السلام رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً.

ألا وإنّ الراضين بقتل الحسين شركاء قتله

ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم، والمتقدمين بهم براء من دين الله .

ألا إنّ الله ليأمر الملائكة المقربين أن يتلقوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين علیه السلام إلى الخزان في الجنان فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها، وإنّ الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين علیه السلام ويلقونها في الهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها فتزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها، يشدّد بها على

ص: 306


1- البقرة : 84 .

المنقولين إليها من أعداء آل محمّد عذابهم ...(1).

اللهم اجر دموعنا في مصاب الحسين، ووفقنا للعن قتلته من الأولين والآخرين ، اللهم العنهم لعناً وبيلاً، وعذبهم عذاباً أليماً لا تعذب به أحداً من خلقك ، وصلّ على محمّد وآله الطاهرين من اليوم إلى يوم الدين.

ص: 307


1- تفسير الإمام العسكري : 367 ط أولى 1409 مهر - قم المقدسة . (المترجم) تفسير الإمام العسكري : 148 ، بحار الأنوار 304:44 رقم 17 ( هامش الأصل)

بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ

بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ..(1)

برء : من باب سمع أي فارق والتبري بمعنى المفارقة، وهذا المعنى مأخوذ من كتب الأدب من قبيل منتهى الإرب وتاج المصادر، وترجمة القزويني على القاموس، ولم تبيّن الكتب العربية حقيقة معنى البرائة، وبرأ من مرضه أي تنق وعوفي، وبرأ من دينه أي سقط عنه طلبه، وكلا المعنيين مأخوذ من المعنى المتقدم.

وفي تفسير مجمع البيان ومفاتيح الغيب لابن الخطيب الرازي فسّر البرائة بانقطاع العصمة، وهذا تفسير باللازم ..

وبعض المنتسبين إلى العلم فسّروا البرائة بالامتناع ، وبعد التتبع والفحص الكامل لم نجد وجهاً لهذا التفسير .

و سبب تعدّيته ب_«إلى» كان لإشرابه معنى توجّه أو تعطف، لأنّ المتبرء من واحد متقرّب إلى الآخر ، إذ المتبرء حين يدبر عنه يقبل على غيره فيثير حنقه بمحبة غيره ورعاية قربه، ولعلّ هذا المعنى هو الذي صحح دخول «إلى» على هذا الطرف.

والضمير في «منهم» راجع إلى جميع الطوائف المذكورة المراد من هذه الصفات أولئك الذين لهم المدخليّة التامة في ذلك الأمر حيث استندت إليهم الأفعال ممّا جرى على الحسين علیه السلام بنحو من الأنحاء لينفى عنهم عنوان الأشياع لها والأتباع وينطبق عليهم عنوان مستقل آخر .

تبع تباعاً وتباعاً : اقتفى أثر فلان وتبع وزان فرس بمعنى تابع ، ويطلق على

ص: 308


1- الصحيح من أشياعهم وأتباعهم . وغفلة من المؤلف أو الناسخ حدث التقديم والتأخير . (هامش الأصل)

المفرد والجمع مثل : «إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً» (1)وجمع أتباع، وتباعة ، وإن كان يطلق على المشي الظاهر ولكنّه من جهة التوسع في الإطلاق يتناول المعنوي أيضاً. وفي هذا السياق يوجد حديث مبنى على ذوق أهل المعرفة وليس هذا المقام موضع بیانه .

الشيعة : عبارة عن الأنصار والأتباع ، صرّح بذلك في المصباح وغيره، واشتقاقه من المشايعة ومعناها المتابعة والنصرة، وهو مأخوذ من التشييع والمشايعة بمعنى المصاحبة للتعظيم ، كما يستعمل في معنى مشايعة الموتى وتشييعهم ، وكلا الحقيقتين مأخوذ من الشيوع بمعنى الظهور لأنّ في لفظ : مشيّع ومشايع يتبادر الميت والضيف إلى الذهن وبه يتعالى اسمه ويشيع شرفه.

ومجمل القول : جمع الشيعة شيع ، وجمع الشيع أشياع ، وقد ارتكب الفيروزآبادي في القاموس خطأً القاموس خطأ حين اعتبر الأشياع والشيع كلاهما جمع التشيّع لأنّ قياس العربية لا يسمع بجمع «فعله» على «أفعال»وصرّح بما قلناه الفيومي في المصباح.

الولي : مأخوذ من ولي ومعناه الحقيقي القرب، ويستعمل في القرابة النسبية والقرب الروحاني وهو المحبّة، ويستعمل أيضاً في قرب الإحاطة وهو الرئاسة.

واعلم أن رعاية الصحة تتمّ في أمرين:

الأمر الأوّل : التنقية وهي دفع الفضلات والأخلاط الفاسدة .

والأمر الثاني: التقوية وهي حفظ البنية وبقاء المزاج الذي هو الصورة الخامسة الحاصلة من تفاعل الكيفيات الأربع ، المتداعية بالانفكاك والانفصال.

كما أن حصول الكمال الإنساني والترقّي النفساني في السلوك الأخلاقي بأمرين :

ص: 309


1- إبراهيم : 21

أحدهما : دفع الرذائل من قبيل الحسد واللؤم والقساوة وحبّ الجاه.

وثانيهما : كسب الفضائل من جنس العفو والسماح ورقة القلب والإعراض عن الخلق .

ومثله الإيمان وهو مصحح جميع الأعمال وميزان كل كمال مركب كذلك من جزئين .

الأوّل: البرائة من أعداء الله .

والثاني : محبّة الله وأوليائه .

وهذا المعنى مضافاً إلى ما جاء في سرده وتوضيحه من الكتاب والسنة فإنّه وارد في خصوص جماعة معينة من طريق أهل بيت النبي ؛ أهل العصمة والطهارة أرواحنا لهم الفداء، وذلك معترف به و مشهود به من جميع القلوب الصافية والنفوس الزاكية .

حيث ما من عاقل نبيه يستولي عليه الوهم بالقدرة على الجمع بين محبة إنسان ومحبة عدوّه، كما قال الشاعر في الحكمة الشعرية :

تحبّ عدوّي ثم تزعم أنني***صديقك إنّ الرأي منك لعازبُ

وللعقلاء أصحاب البصائر والقلوب الواعية تكفى هذه الآية المباركة التي يقول الحق تعالى فيها : «لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (1)وفي هذه الآيه المباركة وردت وجوه من تأكيد المنع عن موادة أعداء الله

ص: 310


1- المجادلة : 22 .

وفي الحديث المنقول عن العيون بطرق عدة أنّ الإمام الرضا علیه السلام كتب إلى المأمون في حديث طويل : حبّ أولياء الله واجب وكذلك بغض أعداء الله والبرائة منهم ومن أئمتهم ... ولعلنا نشير في أثناء البحث إلى جانب منه في مقام آخر .(1)

ص: 311


1- عيون أخبار الرضا 2: 122 رقم 35 ما كتبه الرضا الها إلى المأمون في محض الإسلام وشرايع الدين (هامش الأصل) وفي نسختي ص 124. (المترجم)

يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ

الشرح : السلم : بمعنى المسالمة والصلح والموادعة . لأنه جاء بمعنى المسالمة والصلح كما في القاموس وغيره، والظاهر عدم الاشتراك بل من باب استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل، فإما أن يكون محمولاً على المبالغة أو بتقدير ذو (أي ذو سلم) كما صرح بذلك الأدباء ، وهذا المعنى وإن لم يكن قياسياً بل متوقفاً على مقتضى الحال الخاصة التي يعرفها الأديب بالممارسة ، كما صرح بذلك الآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، وإن كانت الأمثلة التي استشهد بها لا تخلو من نقاش، ولكنّ الميزان في هذا الموضع ثابت ومحقق .

ومثله الحديث في كلمة «حرب والأظهر في رأي هذا العبد الله أنّها المعنى المصدري نفسه.

ويجب أن نقول ذلك من أجل إظهار كمال المطاوعة والتوغل في العبودية والمتابعة أنا وصلنا في هذا المقام إلى درجة أصبحنا حقيقة السلم مع من سالمكم ومصداقاً واقعياً للحرب لمن حاربكم.

اليوم : بحسب أصل اللغة من أوّل طلوع الشمس إلى غروبها كما هو المشهور اللغويين - ويطابق اصطلاح حكماء الفرس وعلماء الهيئة والحساب أو أنّه من أوّل طلوع الفجر حتى غروب الشمس كما صرح بذلك ابن هشام في «شرح الكعبية» والظاهر أنّ المعنى الثاني لليوم هو تحديد الزمن الشرعي من اليوم وليس المعنى اللغوي، وهذا القليل البضاعة أشار تلويحاً في «منظومة ميزان الفلك» إلى هذا المعنى:

واليوم من طلوع جرم الشمس***إلى غروبها بزعم الفُرْس

كذاك في النجوم والحساب***وذاك في السنة والكتاب

يؤخذ من طلوع فجر صادق***إلى ذهاب حمرة المشارق

ص: 312

وتفصيل هذه الجملة أنّ غاية النهار زوال الحمرة (1)كما هو المعروف من مذهب الإمامية ، أو غروب القرص كما هو مذهب أهل السنّة ، وقال بهذا شرذمة من علماء الشيعة نظراً إلى الأخبار المحمولة على التقية أو أنهم جعلوا الأخبار في القول السابقة حاكمة على الأخبار التي قال بها الشيعة لا الأقلية منهم فمالوا إليها وقالوا بها والإفاضة بها خارجة عن منهج هذا الشرح .

وأحياناً يطلق اليوم على مطلق الزمان كما صرح به ابن هشام في شرح الكعبية وحكى القول به عن سيبويه واستشهد بما أثر عن القوم من قولهم : أنا اليوم أفعل كذا، ويريدون الوقت الحاضر ، ومن هذا القبيل قولهم : تلك أيام الهرج، كما قال بعض شراح القاموس .(2)

وأكثر اللغويين والأدباء نصوا على هذا المعنى واستعماله في يوم القيامة أظهر ، لأنه مبنى على هذا المعنى غير ملحوظ به طلوعاً أو غروباً، ولابد من أخذهما في المعنى عند الوقوف على ظواهر العبارات.

وفي الحقيقة إننا وإن أمكننا القول عن حقيقة اليوم بأنه مدة ظهور الشمس في نصف الفلك المرئي ، وأخذ الطلوع والغروب في معناه للدلالة ع-ل-ى م-صاديق أفراده في الخارج، وبناءاً على هذا يكون يوم القيامة من مصاديق المعنى الأول، والله أعلم بالصواب.

القيامة : مصدر قيام ظاهراً ، يقال : قام قياماً وقيامة كما نقل بعض العلماء المتبحرين ،اللغويين، وإن لم يذكر في كثير من الكتب .

ص: 313


1- يجب تحديدها بالمشرقية وبها يعرف دخول الليل ، أما الحمرة المغربية التي تمتد بعد اختطاط الظلام فلا عبرة بها . (المترجم)
2- قال الزبيدي وقد يراد باليوم الوقت، ومنه الحديث : تلك أيام الهرج أي وقته ، ولا يختص بالنهار دون الليل. [تاج العروس 9: 115]

وإطلاق يوم القيامة على يوم الحشر إما بسبب قيام البشرية كافة من مضاجعها للعرض على الله تعالى ، وإما بسبب قيام الخلق كافة في ساحة العدل الرباني جلّت عظمة الله ، كما في قوله تعالى عزّ من قائل: «يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» (1).

وزعم بعضهم أنّ الكلمة مولّدة من السريانية بمعنى «قيماً» أي يوم الحشر وهذا غاية في البعد ، والأصح الأول.

والظاهر أن التعبير عن يوم الجمعة بيوم القيامة نظراً لهذا المعنى، لقيام الخطيب فيها بالخطبة أو لقيام الناس فيه كافة بالصلوات، أو لقيام أمر النبى فيه ، أو لتذكاره بأمر يوم القيامة ، والله أعلم ..

فائدة

في الأخبار الكثيرة المرويّة عن الفريقين أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لفاطمة وأمير المؤمنين علیه السلام : حربك حربي وسلمك سلمي (2)وكذلك قال لأهل العبا علیهم السلام : «أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم» أو قريباً من هذا اللفظ ، كما أوصل الترمذي في الجامع السند إلى زيد بن أرقم : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام : أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم .(3)

يتبين من هذا الحديث على أصول أهل السنة والجماعة كفر معاوية وأصحاب الجمل وأصحاب واقعة كربلاء جميعاً ، لأنّ من حارب رسول الله باتفاق الأمّة ونص الكتاب والسنّة كافر ، فإذا كان محارب هذه الجماعة محارباً لرسول الله فهو كافر البتة ..

ص: 314


1- المطففين : 6
2- بحار الأنوار 42: 261 وتجد ذلك أيضاً في الأجزاء التالية 26 - 27 - 32 - 33 - 37 - 38 - 39 - 40 - 65 . (المترجم)
3- انظر : سنن ابن ماجة القزويني 1: 52 (المترجم) صحيح الترمذي ، ج 5 باب 61 فضل فاطمة رقم 3870. (هامش الأصل)

وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ

الشرح : يمكن أن يكون الواو في مطلع الجملة للعطف، وتكون هذه الجملة الدعائية معطوفة على ما سبقها من اللعائن ، وعلى هذا الوجه تكون الجملة المتضمّنة للبرائة والاستسلام والمتابعة معترضة بين العاطف والمعطوف عليه، والنكتة المتصوّرة في وجه إقحام هذه الجملة بينهما أن الزائر وهو يمارس لعن الأعداء يتذكّر أعمالهم الشنيعة وآثارهم الفظيعة، فتقلبهم الأيام الخوالي فيهيج وجده الكامن وشوقه الساكن فيفقد السيطرة على نفسه وهو يستعرض جرائم القوم ومنكراتهم فيظهر البرائة منهم دونما اختيار منه ، وتدركه النفرة منهم ومن أتباعهم وأشياعهم من هنا يخاطب الإمام المظلوم لفرط حبّه وخلوص إرادته فيحمله ذلك على عرض مسالمته الكاملة ومتابعته الشاملة مع صفاء الباطن وخلوص النيّة بين يدي ساحة الإمام المقدّسة وسدّته الرفيعة .

وينعتق من هذا الكلام الذي اندفع فجئة على لسانه مرّة أخرى ويعدل عنه إلى الحديث الأوّل من لعن الأعداء ويعطف عليهم أولئك الذين هم أعيان الظالمين المستبين لهذا الخطب الفادح والرزء الجليل، والذين لهم أثر يذكر في جريان هذه الخطوب وإعانة على حدوثها فيأخذ بلعنهم واحداً واحداً، ويعطفهم على الأوائل لكي يشفي غيظه ويريح حنقه ويبرأ من لواعج صدره من ذكرهم بالتفصيل، كما يمكن أن تكون الواو استئنافية .

وعلى كل حال فإنّ النكتة تعود إلى ما ذكرناه تفصيلاً.

وسوف نذكر معنى الآل بعد هذا الحديث إن شاء الله ..(1).

ص: 315


1- ذیل «صلى الله عليه وآله». (هامش الأصل)

وزياد المنصوص عليه باللعن هو والد عبيد الله لعنهما الله المعروف بزياد بن أبيه وزياد بن أمّه وزياد بن عبيد وزياد بن سميّة، واشتهر بعد استلحاق معاوية إياه بابن أبي سفيان، وعبيد وسميّة كلاهما من موالي كسرى فأهداهما كسرى إلى أبي الخير بن عمر الكندي أحد أقيال اليمن، وأشار إلى ذلك أبوبكر بن دريد في مقصورته المعروفة ، فقال :

فخامرت نفس أبي الخير جوى***حتى حواه الحتف فيمن قد حوى

وشرح حاله في الشروح الدريدية وغيرها، وفي شرح الدريدية(1): وكان من حديثه مسيره إلى كسرى يستجيشه على قومه فأعطاه جيشاً من الأساورة فلمّا صاروا بكاظمة ونظروا إلى وحشة بلاد العرب فقالوا: أين نمضي مع هذا فعمدوا إلى سم فدفعوه إلى طباخه ووعدوه بالإحسان إليه (2)إن ألقى السم في طعام الملك ، ففعل ذلك ، فما استقر الطعام في جوفه حتى اشتدّ وجعه ، فلما علم الأساورة ذلك دخلوا عليه فقالوا له : إنك قد بلغت إلى هذه الحالة فاكتب لنا إلى الملك كسرى إنك قد أذنت لنا في الرجوع فكتب لهم بذلك.

ثم إنّ أبا الجبر خف ما به فخرج إلى الطائف البليدة التي بالقرب من مكة وكان بها الحارث بن كلدة طبيب العرب الثقفي، فعالجه فأبرأه فأعطاه سمية - بضمّ العين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء المثناة من تحتها وفي آخره هاء - وعبيداً - بضم العين المهملة تصغير عبد - وكان كسرى قد أعطاهما أبا الجبر في جملة ما أعطاه .. (3). وهذا يوافق ما نقله ابن عبد ربه وابن خلكان.

ص: 316


1- فيها : إنه أبو الجبر ولم يذكر سميّة ولا عبيداً. [الخطيب التبريزي، شرح مقصورة ابن دريد ، ص 59]. (المترجم)
2- إلى هنا أخذناه من هامش الخطيب : 59 .
3- ابن خلكان، وفيات الأعيان 6 : 356

ويقول ابن الأثير في الكامل وابن خلدون في العبر : أن سمية جارية لدهقان من أهل زنده رود أهداها للحارث بن كلدة لما عالجه ، والطريق الأوّل أتقن وأمتن.

وخلاصة القول : إنّ سميّة ولدت نافعاً على فراش الحارث ولكنّه نفاه ، ثم ولدت أبا بكرة الصحابي المعروف على فراشه فنفاه أيضاً ولم يعترف به، وأعطى سميّة لعبيد، وهؤلاء الثلاثة : زياد ونافع وأبوبكرة أولاد سميّة ومعهم شبل بن معبد الذين شهدوا على المغيرة لعنه الله بالزنا عند عمر بن الخطاب، وتلكأ زياد بشهادته بتلويح من عمر ، فدرأ عن المغيرة الحدّ وأقامه على الشهود وهي من أشدّ المطاعن على عمر ، كما هو مذكور بالتفصيل في الأسفار الكلامية. وقال في العقد الفريد كان الزانيات من النساء في الجاهلية ينصبن على بيوتهن رايات ليعرفن بذلك ويقصدهن الشباب وكان بغاة النفع من الناس يرسلون جواريهم في هذا السبيل كرهاً ليجمعن لهم الحطام الفاني والعرض الزائل وينالوا بذلك الحياة الدنيا، وقد أشار الله تعالى في محكم كتابه المجيد بقوله: «وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِهَهُنَّ»(1) يريد في الجاهليّة فَإنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) يريد في الإسلام.

وفي مروج الذهب وكانت سميّة من ذوات الرايات بالطائف تؤدّي الضريبة إلى الحارث بن كلدة وكانت تنزل بالموضع الذي نزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلّة يقال لها : حارة البغايا ...

وجاء أبو سفيان يوماً إلى أبى مريم السلولي وهو خمار في الطائف في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلا جارية الحارث بن كلدة سمية. فقال: ائتني بها على ذفرها وقذرها (يظهر من قول أبي سفيان هذا أنّه

ص: 317


1- النور : 33 .

وطأها قبل هذا اليوم) ... (إلى أن قال) والله لقد أخذ بدرعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً، فلم ألبث أن خرج علي يمسح جبينه، فقلت: مه يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها ..(1).

وولدت سميّة زياداً عام أوّل من الهجرة على فراش عبيدالله ، فكان يعرف بزياد بن عبيد وابن أمه وابن أبيه وابن سميّة، ولما بلغ أشده استكتبه أبو موسى الأشعري فأرسله فأرسله عمر عمر في حاجة فأحسن القيام بها فقدم على عمر وهو في المسجد ، فخطب بين يديه خطبة أعجب بها الحاضرون، فقال عمرو بن العاص : لو كان قرشيّاً لساق العرب بعصاه،

فقال أبو سفيان: أقسم بالله أنّي أعرف الذي وضعه في رحم أمه .

فقيل له: من يا تُرى ؟

فقال: أنا هو !

ولمّا استخلف أمير المؤمنين ، كان زياد معروفاً بالنزاهة ولم يظهر منه خلاف وكان إدراياً سياسياً حازماً ذا فطنة وكياسة، من ثمّ عهد إليه أمير المؤمنين بإدارة حدود فارس (2)، وأراد معاوية خديعته فما تأتى ذلك له ، وكتب إليه يوماً يتهدّده، فقال عقيب ذلك : أتعجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يخوّفني بقصده إياي ، وأثنى على أمير المؤمنين علیه السلام اثناءاً بليغاً فأرسل إليه أمير المؤمنين رسالة يحذره من مكر معاوية ويأمره بالثبات على عهده إلى أن استشهد أمير المؤمنين وانقضت أيامه عند ذلك فتح معاوية أحابيله عليه، واستعان عليه بخبث فطرته

ص: 318


1- مروج الذهب 2 : 15 و 16 بتصرف من المؤلف . (المترجم) و 3: 6 ط دار الهجرة (هامش الأصل)
2- لم يعهد إليه الإمام بذلك إنما كان بفعل ابن عباس لأنه والي البصرة يومئذ وفارس من توابعها . (المترجم)

ودنائة مولده وأوكل أمر جذبه نحوه إلى المغيرة بن شعبة وهو يومئذ رأس النفاق و معدن النصب فانطلت الحيلة على زياد واستلحقه معاوية وصيّره أخاه واعترف زياد حبّاً في الدنيا وميلاً إلى جاهها بخباثة مولده ورضي بأخوّة معاوية وأبوة أبي سفيان . وعند ذلك أقسم أبو بكرة أن لا يكلمه لأنّه زنى سميّة وقدح في نسبه .(1)

ولما استقر رأيهما على ذلك أرسلت إليه جويرية بنت أبي سفيان عن أمر أخيها معاوية ، فأتاها فأذنت له وكشفت عن شعرها بين يديه وقالت : أنت أخي، أخبرني بذلك أبو مريم .. ثمّ أخرجه معاوية إلى المسجد وجمع الناس، فقام أبو مريم السلولي ، فقال : أشهد أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف وأنا خمار في الجاهلية ، فقال : أبغني بغيّاً، فأتيته وقلت له : لم أجد إلا جارية الحارث بن كلدة سميّة ، فقال : إأتني بها على ذفرها(2)وقذرها.

فقال له زياد : مهلاً يا أبا ،مريم، إنما بعثت شاهداً ولم تبعث شائماً، فقال أبو مريم : لو كنتم كفيتموني لكان أحبّ إلي وإنّما شهدت بما عاينت ورأيت، والله لقد أخذ بكُم درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج علي يمسح جبينه ، فقلت : مه، يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم ، لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها .(3)

وفي رواية الكامل : فخرجت من عنده وإن اسكتيها لتقطر منيّاً .(4)

ص: 319


1- كان صرم أبي بكرة له قبل هذا التاريخ أي عندما تلجلج في الشهادة وكان أحد الشهود على المغيرة فأقسم أبو بكرة لا يكلمه مادام حياً (المترجم)
2- الذفر : الرائحة الخبيثة .
3- المسعودي 3 : 16 ط دار الكتب العلمية لبنان - 1411 (المترجم)
4- الكامل في التاريخ 3: 301 (المترجم)

ولولا أنّ ذلك في فضائح أعداء أهل البيت لما ذكرت هذه الجملة، ولكنها في

فضائهم وأنا مترجمها أيضاً..

ويقال : إن المتنبي قال في حقها :

أقم المسالح حول شفر سميّة***إنّ المني بحلقتيها خضرم

وخلاصة الحديث : إنّ معاوية بهذه الشهادة صيّر زياداً أخاه، وقام يونس بن عبيد فقال : يا معاوية، قضى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت أنّ الولد للعاهر وأنّ الحجر للفراش مخالفة لكتاب الله تعالى وانصرافاً عن سنّة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بشهادة أبى مريم على زنا أبي سفيان ..(1).

والحق أن هذا العار لا يمحوه الماء وهو طعن لا تجد له جواباً بأي كتاب ، وكان الفضل بن روزبهان التزم بالجواب على مطاعن معاوية في رده على نهج الحق وحين يبلغ الحديث إلى هذا الحدّ يقول : لم يكن معاوية بالخليفة الشرعي ف-لا يلزمنا الجواب عن كل مطاعنه . وهذه الحكاية مذكورة في جميع كتب أهل السنة والجماعة ، ولم يردّها أحد منهم ، وذكرها الشعراء في تلك الفترة وطعنوا بها على معاوية وزياد منهم عبدالرحمن بن الحكم أخو مروان لعنه الله :

ألا أبلغ معاوية بن حرب***مغلغلة من الرجل اليماني(2)

أتغضب أن يقال أبوك عفّ***وترضى أن يقال أبوك زاني

فأشهد أن رحمك من زياد***كرحم الفيل من ولد الأتان

وأشهد أنها حملت زياداً***وصخر من سميّة غير دان

ص: 320


1- مروج الذهب 3 : 17 (المترجم) والكامل لابن الأثير 442:3 ط بيروت. (هامش الأصل)
2- كذا في مروج الذهب وفي شرح النهج والوفيات فقد ضاقت بما تأتي اليدان وهو أثبت على هذه الرواية وقيل أنها ليزيد بن المفرغ فيصح ما ذكرناه في المتن . (منه)

وفي زيادٍ وإخوته يقول خالد النجاري :

إنّ زياداً ونافعاً وأبابكرة***عندي من أعجب العجب

إنّ رجالاً ثلاثة خلقوا***من رحم انثى وكلّهم لأب

ذا قرشيّ فيما يقول وذا***مولى وهذا ابن عمّه عربي(1)

وأشعار يزيد بن مفرغ جدّ السيد الحميري في هجاء عباد بن زياد معروفة. وقال ابن زياد ما آلمني شيء كما آلمني قول يزيد بن مفرّغ :

فكر ففي ذاك إن فكرت معتبر***هل نلت مكرمة إلا بتأمير

عاشت سميّة ما عشت وما علمت***أنّ ابنها من قريش في الجماهير

وكان لزياد عدد من الأولاد منهم عباد هذا ، وكانت لحيته طويلة جداً، فقال يزيد بن المفرغ يهجوه:

ألا ليت اللحى كانت حشيشاً***فنعلفها خيول المسلمينا

ومنهم عبيد الله لعنه الله وفي هجائهما يقول يزيد:

أعبّاد ما للؤم عنك محوّل***ولا لك أمّ من قريش ولا أب

وقل لعبيد الله مالك والد***بحق ولا يدري امرئ كيف ينسب

وأشعار يزيد بن المفرّغ في هذا الباب كثيرة وهي مذكورة في مطاوي كتب الأدب والتاريخ.

وابن زياد لعنهما الله هو الذي قتل شيعة أمير المؤمنين في البصرة والكوفة

ص: 321


1- مروج الذهب 3 : 7 وفيه بدل وكلّهم لأب» «مخالفي النسب» وبدل «ابن عمه» «بزعمه» . (المترجم) مروج الذهب 3: 6 ط دار الهجرة (هامش الأصل) في مروج الذهب أيضاً مفلفلة الخ 3: 17 ، وراجع وفيات الأعيان 6 : 359 ط دار الثقافة بيروت 1968 الدكتور إحسان عباس ، وفي شرح النهج : مفلفلة من الرجل اليماني ، وقال قبل ذلك : إن الأبيات النونية المنسوبة إلى عبد الرحمان بن أمّ الحكم ليزيد بن المفرغ وإن أولها ... الخ ، 16: 192 . (المترجم)

وسمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم، وأدخل حديدة محمية في عيونهم، لأنه كان يُعد منهم فهو يعرفهم على أحسن وجه (1)وهو أول من قتل المسلمين صبراً، ودفن عبدالرحمان بن حسان حيّاً في حبّ أمير المؤمنين علیه السلام ، كما روى ذلك ابن خلدون وابن الأثير ، وأوّل من نال حكومة العراقين، وأوّل من روّج سبّ أمير المؤمنين في العراقين.

وظنّ البعض أنّ قول الإمام الوارد في النهج «سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم مندحق البطن ، يأكل ما يجد وما لا يجد فاقتلوه، ولن تقتلوه، وإنّ-ه

سيدعوكم إلى سبي والبرائة منّي» (2)إشارة إليه ... والأظهر الإشارة إلى معاوية.

وقالوا : دهاة العرب أربع : زياد والمغيرة بن شعبة ومعاوية وعمرو بن العاص، كما ذكر الصلاح الصفدي في شرح لامية العجم بيتين من الشعر وفيه يذكر الشاعر أسمائهم :

من العرب العرباء قد عُدّ أربع***ذهاة فما يؤتى لهم بشبيه

معاوية عمرو بن عاص مغيرة***زياد هو المعروف بابن أبيه

عليهم اللعنة ، وهؤلاء الأربعة هم أولاد زناً، ومجتمعون على عداوة أمير المؤمنين علیه السلام . وبدع زياد وفتنه في الإسلام أكثر من أن تحصى.

الله قال ابن أبي الحديد وأراد زياد أن يعرض أهل الكوفة أجمعين على البرائة

ص: 322


1- أحسب المؤلف يتحدث عن زياد ووقع ابن زياد خطاً من الناسخ في أوّل الفقرة ... (المترجم)
2- الإشارة إلى معاوية لا إلى زياد وتمامه : فأما السب فستوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البرائة فلا تتبرأوا منّي فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة ... [نهج البلاغة 1 : 105] قال ابن أبي الحديد وكثير من الناس يذهب إلى أنه الله عنى زياداً ، وكثير منهم يقول : إنه عنى الحجاج، وقال قوم: إنّه عنى المغيرة بن شعبة ، والأشبه عندي إنه عنى معاوية لأنه كان موصوفاً بالنهم وكثرة الأكل وكان بطيناً، يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه [الشرح 4: 54 ]. (المترجم)

من عليّ علیه السلام ولعنه ، وأن يقتل كلّ من امتنع من ذلك ، ويخرّب منزله ، فضربه الله ذلك اليوم بالطاعون فمات لا رحمه الله بعد ثلاثة أيام وذلك في خلافة معاوية.(1)

ويؤيد ما قاله ابن أبي الحديد الخبر المروي في أمالي (ابن)(2) الشيخ بسند معتبر عن كثير بن الصلت قال : جمع زياد الناس برحبة الكوفة ليعرضهم على البرائة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام والناس من ذلك في كرب عظيم، فأغفيت فإذا أنا بشخص قد سدّ ما بين السماء والأرض ، فقلت له : من أنت ؟ فقال : أنا النقام ذو الرقبة ، أرسلت إلى صاحب القصر (3)فانتبهت مذعوراً وإذا غلام لزياد قد خرج إلى الناس فقال : انصرفوا ، فإنّ الأمير عنكم مشغول ، وسمعنا الصياح من داخل القصر ، فقلت في ذلك :

ما كان منتهياً عما أراد بنا***حتى تناوله النقاد ذوالرقبه

فأسقط الشق منه ضربة ثبتت***كما تناول ظلماً صاحب الرحبه (4)

والظاهر أنّ الشطر الأوّل من البيت الثاني فيه إشارة إلى الطاعون ، والقصد من صاحب الرحبة أمير المؤمنين علیه السلام .

تنبيه

عدّ ابن الأثير في أسد الغابة متبعاً أثر ابن عبد البر وابن مندة وأبي نعيم وأبي موسى زياداً لعنه الله من الصحابة مع أنه لم تكن له صحبة مع النبي ولم يرو عنه ، لأنه كان ابن عشر عند وفاة النبي وما كان في مكة و (5)لم يأت المدينة، ولو حدث

ص: 323


1- شرح ابن أبي الحديد 4: 58. (المترجم)
2- أمالي الشيخ صحيح . (المترجم)
3- يعني زياد لعنه الله . (المؤلف)
4- أمالي الشيخ الطوسي : 233
5- العجيب أن ابن الأثير على عدم صحبته ، فقال : وليست له صحبة ولا رواية . [أسد الغابة 2 : 215 ]

ذلك فإنّه بالمقدار الذي رأى فيه النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وتعريف الصحابي بناءاً على القول المشهور عند أهل السنّة وهو مختار الحاجبي والعضدي والتفتازاني وابن السبكي في (جمع الجوامع) والجلال المحلي في الشرح والبناني في الحاشية وغيرهم، يصدق عليه بزعمهم، والأكثر كما في الكتب التي ذكرناه على عدالة الصحابة المطلقة بلا فحص . وبناءاً على هذا فينبغي أن يكون زياد عادلاً سبّ أمير المؤمنين أو قتل خيار الصحابة من دون جرم ولا ذنب، وقد روى البخاري: «من آذى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب» (1).

والآن لا بديل عن واحد من اثنين : فإما أن لا يكون السب إيذاءاً، وإما أن لا يكون عليّ وأولاده وكبار الصحابة من الشيعة أولياءاً الله وتسمية سائر الصحابة المعادين لعلي علیه السلام وأهل بيته أولياء، لأنهم يستدلون بهذه الرواية في كتب أصولهم وكلامهم على حرمة سب الصحابة.

مضافاً إلى ما تقدّم فإنّ الإيمان شرط في اللقاء على صدق اسم الصحابي ، أنهم يعتبرون وهو في التاسعة مؤمناً وفي مقام إثبات سبق إسلام أمير المؤمنين على أبي بكر يقولون: لا يقبل إسلام الصبي وإنّما قبل إسلام عليّ عند ما بلغ أشده وكان ذلك بعد إسلام أبي بكر ، نعوذ بالله من الضلال والخذلان .

فائدة

في لعن آل زياد يدخل زياد قطعاً وذلك إما من باب تنقيح المناط (2)فإنّ لعن

ص: 324


1- من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب [صحيح البخاري 8: 13 باب 37 التواضع .. هامش الأصل) رقم الحديث 6261 وفيه : إن الله قال : من عادى لي ولياً ... الخ . (المترجم)
2- وهو تعيين العلة من بين أوصاف مذكورة أو إلحاق الفرع بالأصل بالفاء الفارق بأن يقال : لا فرق بين الأصل والفرع إلا كذا وذلك لا مدخل له في الحكم فيلزم اشتراكهما في الحكم لاشتراكهما في الموجب [القاموس القويم : 156 و 157] (المترجم)

آل زياد لانتسابهم إليه ورضاهم بفعله وفعل عبيد الله فيكون زياد داخلاً في اللعن بطريق أولى أو من جهة القول بشمول لفظ «الآل» له كما ادعاه بعض العلماء ، وسوف نشير إلى ذلك في شرح الصلوات على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، والله الموفق.

وأولاد زياد كما ذكرهم ابن قتيبة في المعارف هم عبدالرحمان والمغيرة وأبوسفيان وعبيدالله وعبد الله ، وأمهما مرجانة ، وسلم وعثمان وعباد وربيع وأبو عبيدة ويزيد وعنبسة وأمّ معاوية وعمر وغصن وعتبة وأبان وجعفر وسعيد وإبراهيم، وهؤلاء واحد وعشرون ما بين ذكر وأنثى لعنهم الله جميعاً ، آمين.

ص: 325

وَآلَ مَرْوانَ

الشرح : هم آل مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وهو المعروف بابن الطريد ، والملقب بالوزغ ، والمشهور بخيط باطل، وهو أشد الناس عداوة لله ورسوله وآل رسول الله لاسيما أمير المؤمنين علیه السلام ، واجتهد غاية الجهد - طيلة حكم عثمان إلى أن هلك بعده بسنين - في ستر مناقب أميرالمؤمنين وإيجاد مؤاخذات عليه كما كان يزعم لعنه الله .

وأبوه الحكم عمّ عثمان بن عفان وكان عدوّ النبي شديد العداوة له مجاهراً بها ، لا يتخفّى ويصرّح بشنآن النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهو طريد رسول الله بالاتفاق، نفاه النبي مع جماعة من أهل بيته وذكر وا لذلك أسباباً مختلفة وأشهرها أنه كان يمشي وراء النبي ويتخالج في مشيه مستهزءاً بمشية النبي صلی الله علیه و آله وسلم ويتمايل ذات اليمين وذات الشمال ، فلما رآه النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، قال : «فكذلك» فلتكن، ودعا عليه فصار يتخالج في مشيه على أثر دعاء النبي عليه ، وبقي على حاله إلى أن هلك ، ومن هذه الجهة طرده النبى صلی الله علیه و آله وسلم إلى الطائف كما ذكر ذلك المؤرّخون .(1)

وفي أصل أبي سعيد العصفري - وأنا بحمد الله أخذت من نفس ذلك الأصل : عن حماد بن عيسى ، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة بن اليمان ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على المنبر فاضربوه بالسيف، وإذا رأيتم الحكم بن أبي العاص فاقتلوه ولو تحت أستار الكعبة.

قال : ونفاه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى الدهلك أرض من أرض الحبشة ، قال : فلما ولي أبوبكر كلّموه فيه ، قال : فأبى أن يأذن له ... الحديث .(2)

ص: 326


1- كامل ابن الأثير 4 : 193 ط بيروت . (هامش الأصل)
2- أصل أبي سعيد ، الثاني من ستة عشر أصلاً ، ص 19 ، ط انتشارات شبستري (هامش الأصل)

وفي رواية: إن مروان ولد في الطائف ، وقيل في مكة ، وقيل : كان مع أبيه الحكم طفلاً يوم نفي، وظاهر بعض الروايات لعنه حين ولد بالمدينة، كما سوف أشير إليه إن شاء الله تعالى فيما يأتي من الحديث.

وأم الحكم الزرقاء بنت موهب، وكما ذكر ابن الأثير في كامل التاريخ كانت من ذوات الأعلام مشهورة بالزنا .(1)

وكان تعيير مروان بها في الأخبار والأشعار وعلى ألسنة الناس لنسبته إليها، منها ما نقله السيد في اللهوف عندما طلب من الإمام الحسين البيعة في المدينة في أوّل خلافة يزيد لعنه الله عندما قال مروان للوليد : لا تقبل أيها الأمير عذره ومتى لم يبايع فاضرب عنقه ، فغضب الحسين علیه السلام ثم قال : ويل لك يابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي (2).

وفي الكافي في ذيل الحديث الذي قاله الحسين علیه السلام في مروان : ويلي على ابن الزرقاء دباغة الأدم ...(3)

وفي البحار عن تفسير فرات الكوفي : إنّ مروان خطب يوماً فذكر علي بن أبي طالب علیه السلام فنال منه ... فبلغ ذلك الحسين فجاء إلى مروان، فقال: يابن الزرقاء،

ص: 327


1- كامل ابن الأثير 4 194 ط بيروت. (هامش الأصل) قال ابن الأثير : وكانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على ثبوت البغاء ، فلهذا كانوا يذمون بها ولعل هذا كان منها قبل أن يتزوجها أبو العاص بن أمية والد الحكم فإنّه كان من أشراف قريش ولا يكون هذا من امرأة وهي عنده . [الكامل 15:4] يقول المترجم : هذا التقدير كله إنّما هو من أجل عثمان ومعاوية وتقديرهما من أجل عمر لأنهما صنيعته، من هنا تدرك أنه أهل السنة أمة بني أمية وليسوا أُمة محمد . (المترجم)
2- ملهوف (كذا) : 17 - 18 ، بحار الأنوار 44: 211 (هامش الأصل) اللهوف : 17 (المترجم)
3- الكافي 6 : 19 باب الأسماء والكنى الرقم 7 ، بحار الأنوار 44: 211 (هامش الأصل) جرى تطبيقه (المترجم)

ويابن آكلة القُمّل ، أنت الواقع في عليّ (1)؟!

ونقل أبو مخنف في حديث أخذ البيعة أنّ سيّد الشهداء قال : يابن الزرقاء ، أنت تقتلني ؟! كذبت يابن اللخناء .. (2)

ومن هذه العبارات يظهر لنا أنّ أمّ الحكم لها صفات أخرى من قبيل: دباغة الأديم ، وأكل القمل ، ولخناء وهو بمعنى الجارية القذرة ، كريهة الرائحة. ويحتمل أن تكون هذه الصفات تعود لأمّ مروان أيضاً وهو ما يظهره العطف في رواية (فرات بن إبراهيم) ومن هذا وذاك تظهر «نجابة»!! مروان لعنه الله واضحة زائدة عن الحدّ .

ويزعم بعضهم أنّ لفظ «الزرقاء» وصف وما هو باسم علم على أحد، وهذا خطأ لأنّ من له اطّلاع على التاريخ لا يشك بذلك ، ولا يصح أن يكون شاهداً على ذلك عدم شرح المجلسي للفظ الزرقاء في بيانات البحار ، لأن لفظ العلم لا يحتاج إلى شرح فلا يعتبر إهمالاً منه او إشكالاً عليه .

وخلاصة القول أنّ مروان وأباه مكنا في الطائف إلى أن انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى، فشفّع فيه عثمان إلى أبي بكر بناءاً على لحمة النسب بينهما فلم يقبل

ص: 328


1- تفسیر فرات : 90، بحار الأنوار 211:44 (هامش الأصل) البحار 43: 344 باختلاف يسير وعزاها إلى المناقب، وكنت أبحث عن تفسير لقول الإمام أكلة القُمَل فلا أجده حتّى قرأت رحلة ابن فضلان فرأيته يذكر عن جماعة من الأتراك، فقال يصفهم ووقفنا في بلد قوم من الأتراك يقال لهم الباشغرة ، فحذرناهم أشدّ الحذر وذلك أنهم شر الأتراك وأقذرهم وأشدهم إقداماً على القتل، يلقى الرجل الرجل فيفرز هامته ويأخذها ويتركه وهم يحلقون لحاقهم يأكلون القمل ! يتتبع الواحد منهم درز قرطقة فيقرض القمل بأسنانه ، ولقد كان معنا واحد قد أسلم وكان يخدمنا وجد قملة في ثوبه فقصعها بظفره ثمّ لحسها وقال لما راني : جيد [رحلة ابن فضلان 1: 139 ط دمشق 1979 مديرية إحياء التراث العربي] فليس بعيداً أن تكون جدة مروان الزرقاء منهم . (المترجم)
2- أنت تأمر بقتلي [أبو مخنف : 12 طبع انتشارات أعلمي - طهران ]. (هامش الأصل)

برده، وحين استخلف عمر تشفَع إليه بعمه فلم يقبل ، ولما أسند الحكم إليه عمد إلى مروان والحكم ومن معهما من اهلهما فخالف بذلك صريح أمر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فكانت هذه من أعظم مطاعنه .

فصعب على الصحابة رؤية مروان والحكم وأراد عثمان أن ينتقم للحكم فعمد إلى نفي أبي ذرع و أعطى الحكم مأة ألف درهم من فيء المسلمين، وفعل بمروان فأعطاه في مجلس واحد خمس أفريقيا وقيمته - في قول جماعة - مأة ألف دينار وكان المسلمون جميعاً فيه شركاء وصادر فدكاً ونحلها إلى أقربائه ، وأعطى خراج سوق المدينة وقد تصدق به النبي صلی الله علیه و آله وسلم على المسلمين - برواية ابن قتيبة في المعارف - للحارث بن الحكم واختار مروان لوزارته وكتابة أسراره، فجرت منه وعثمان على قيد الحياة أحداث عظيمة وفتن موحشة وبدع غريبة طبقاً لميوله السافلة وأهوائه الباطلة، حتى أدّى ذلك إلى مقتل عثمان لعنه الله .

ويعتقد أهل السنة أن كتابة الكتاب وفيه قتل محمد بن أبي بكر وموقع بخاتم عثمان لعنه الله ويحمله غلام عثمان وهو على راحلته موجه إلى عبدالله بن أبي سرح والي مصر هو من فعل مروان بن الحكم ، وبرئوا عثمان من هذا الفعل الباطل كما هو مذكور في موضعه .

وكان مروان في حرب الجمل مع عائشة لعنة الله عليها، وفي هذه الحرب رمى طلحة بن عبیدالله بسهم فأودى بحياته، فأسره أمير المؤمنين بعد الهزيمة فتشفّع فيه الحسنان علیهما السلام إلى أبيهما فخلّى أمير المؤمنين علیه السلام سبيله وقالوا له : فليبايعك يا أمير المؤمنين ، فقال علیه السلام : أولم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته ، إنّها كف يهودية، لو بايعني بكفه لغدر بسبته (1)، أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه وهو

ص: 329


1- السبة، الاست، ومنه السب أي ذكر السبة فاستعمل في كل أمر قبيح توسعاً . (منه)

أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمراً ...(1)

ثمّ فرّ إلى معاوية بعد ذلك وقد جد واجتهاد بحكم خبث عنصره ومولده وسوء عقيدته في بغض أمير المؤمنين علیه السلام وولّي على المدينة مرتين بعد شهادة أمير المؤمنين .

وقال جماعة من المؤرّخين: إنّ عبد الرحمان بن الحكم قال في ولايته على المدينة هذين البيتين :

فوالله ما أدري وإنّي لسائل***حليلة مضروب القفا كيف يصنع

لحى الله قوما أمروا خيط باطل***على الناس يعطي ما يشاء ويمنع

وقال بعضهم : إنّ هذا الشعر قيل في خلافته ، ومن يومئذٍ سمّي مروان: خيط باطل ، لأنّه طويل مضطرب القامة، وخيط باطل في اللغة هو الهباء المنتشر في ضوء الشمس، وهو لسان الشمس شعاع ممتد فيها على شكل خط، ومن نسيج العنكبوت المسمّى مخاط الشيطان .

وأينما ولّي الخبيث يبذل الجد والجهد في سب أمير المؤمنين علیه السلام كما ذكر ابن الأثير أنه في كل جمعة يرقى منبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ويبالغ في سبّ أمير المؤمنين علیه السلام بحضرة المهاجرين والأنصار.

واستخلف في الشام بعد هلاك يزيد لعنه الله تسعة أشهر، وفي سنة ستّ وخمسين للهجرة التحق بالأسلاف الأجلاف في جهنّم ، والأخبار في لعنه ممّا رواه الفريقان كثيرة، ونحن نذكر ثلاثة من هذه الأخبار من كتب أهل السنة والجماعة المعتبرة لتكون حجّة عليهم .

ص: 330


1- نهج البلاغة ، البلاغة ، صبحي الصالح ، ص 107 الرقم 33. (هامش الأصل) شرح ابن أبي الحديد 6: 147 . (المترجم)

ذكر ابن الأثير في أسد الغابة وابن أبي الحديد عن الاستيعاب لابن عبدالبرّ تعقيباً على الشعر التالى الذي نظمه عبدالرحمان بن حسان بن ثابت في هجاء مروان وأشار إلى جنون أبيه وارتعاشه، فقال:

إن اللعين أبوك فارم عظامه***إن ترم ترم مخلّجاً مجنونا

يمشي خميص البطن من عمل التقى***ويظلّ من عمل الخبيث بطينا (1)

وروى الرواة بأنّ عائشة قالت لمروان لعنه الله : أشهد أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعن أباك وأنت في صلبه.

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي عن البخاري والنسائي وابن أبي حاتم في تفسيره وتفسير الفخر الرازي نقل هذا الحديث وبعده أنّ عائشة قالت لمروان : «وأنت بعض من لعنه الله - المؤلّف» ولكن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان بعض من لعنه الله .. (2).

وفي الدر المنثور للسيوطي ذكر أن عبيد بن حميد والنسائي واب-ن م-نذر والحاكم وابن مردويه وصححه ابن مردويه عن محمّد بن زياد أنّ عائشة قالت : ولكن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة الله... (3).

ويقول ابن الأثير في النهاية : ومنه حديث عائشة لمروان أن النبي لعن أباك وأنت فضض من لعنة الله ، أي قطعة وطائفة منها ، ورواه بعضهم فظاظة بظائين من الفظيظ ماء الكرش وأنكره الخطابي ، وقال الزمخشري : افتظظت الكرش إذا

ص: 331


1- شرح ابن أبي الحديد 6: 150 ، أسد الغابة 2 : 34 (المترجم)
2- تاريخ الخلفاء 1 : 203 ط مصر - السعادة أولى 1371 - 1952م.
3- الدر المنثور 6: 41 . (المترجم)

اعتصرت مائها كأنّه عصارة من اللعنة أو فعالة من الفظيظ : ماء الفحل : أي نطفة من اللعنة .(1)

ويقول الفيروزآبادي في القاموس : الفضض محرّكة كلّ متفرّق منتشر ، ومنه قول عائشة لمروان : فأنت فضض من لعنة الله، وروي فضض كعنق وغراب أي قطعة منها (2).

وفي حياة الحيوان وتاريخ الخميس عن الحاكم في المستدرك عن عبدالرحمان بن عوف !!(3)قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أُتي به النبي صلی الله علیه و آله وسلم فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه...(4).

وتناسب هذه الروايه ما ذكره ثقة الإسلام في الكافي مسنداً عن صادق آل محمد أنّ عبدالله بن طلحة قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الوزغ ، فقال : رجس وهو مسخ كله فإذا قتلته فاغتسل .

فقال : إنّ أبي كان قاعداً في الحجر ومعه رجل يحدثه فإذا هو بوزغ يولول بلسانه، فقال أبي للرجل : أتدري ما يقول هذا الوزغ ؟ قال : لا علم لي بما يقول، قال : فإنّه يقول : والله لئن ذكرتم عثمان بشتيمة لأشتمن عليّاً حتّى يقوم من هاهنا . قال : وقال أبي : ليس يموت من ن أمية ميت إلا مسخ وزغا(5).

ص: 332


1- نهاية ذيل لغة فضض 3 454 كامل ابن الأثير 507:3ط بيروت. (هامش الأصل) جرى تطبيقه المترجم إلا في الكامل فهو في ص 352ط بيروت دار الكتب العلمية 1415 ثانية تحقيق أبي الفداء .
2- الفيروز آبادي ، القاموس المحيط 2 : 340.
3- لا يجوز الترضَي عن هؤلاء ولكنها أمانة النقل.
4- الحاكم النيسابوري ، المستدرك 4: 479 . (المترجم)
5- روضة الكافي :: 232 حدیث 305. (هامش الأصل) و 8: 232 ط دار الكتب الإسلامية الثانية 1389. (المترجم)

ويظهر من هذا أن بين بني أمية والوزغ اتحاداً وسنخية في ولاء عثمان وعداء أمير المؤمنين علیه السلام وهو موافقهم على ذلك فإذا مات الميت منهم مسخ إليه من هنا سمى النبي صلی الله علیه و آله وسلم الحكيم ومروان وزعاً، وصرّح بهذا في الحديث المروي في الكافي عن عبدالرحمان بن أبي عبدالله أنّه قال : سمعت من أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : خرج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من حجرته ومروان وأبوه يستمعان إلى حديثه ، فقال له : الوزغ ابن الوزغ . قال أبو عبدالله : فمن يومئذ يرون أنّ الوزغ يستمع الحديث (1). ويظهر من هذا الخبر أن حقيقة مروان والوزغ واحدة إلا في اختلاف الصورة، وأخبر النبي عن ذلك وهو المطلع على حقائق الأشياء والمشرف على ماهية الموجودات والشاهد على اتحاد مروان والوزغ في الصفة هو استراق السمع.

ويظنّ بعضهم أنّ سبب طرد مروان لعنه الله الواقعة التالية. يقول الفخر الرازي: رأى النبي في المنام أن أولاد مروان ينزون على منبره ، فقص رؤياه على أبي بكر وعمر لعنهما الله واختلى بهما في بيته فلما انصرفا من عنده بلغه أنّ الحكم يروي خبر الرؤيا، فاتهم النبي عمر في إفشاء سرّه ، ولما تجلّى له أن الحكم كان يسترق السمع طرده، ومن هنا يظهر لنا إما أن يكون النبي يتهم المؤمن الصادق العقيدة نعوذ بالله ويسيء فيه الظنّ ، وإما أن لا يكون عمر مؤمناً ولا أميناً بل من أهل النفاق وإفشاء سرّ رسول الله، فإما أن يقبل الرازي الاحتمال الأوّل ويأبى الله ذلك والمؤمنون ، وأما الثاني فنعم الوفاق، والحمد لله رب العالمين.

وخلاصة القول كان الحكم يعرف بالوزغ كما ذكر ذلك أبو الفرج الأصفهاني - وهو مرواني - في كتابه الأغاني في ذيل حكاية وفود مروان على معاوية بعد عزله

ص: 333


1- روضة الكافي 8: 238 - ح 323. (هامش الأصل) و ص 238 نفس الجزء في ط دار الكتب الإسلامية 1389 هج_. (المترجم)

عن ولاية المدينة ، والحوار الذي دار بينهما يقول فغضب معاوية وقال: يابن الوزغ ، لست هناك . فقال مروان : هو ما قلت لك وأنا الآن أبو عشرة وأخو عشرة وعمّ عشرة وأوشك أن يتم العدد يعني الأربعين.

ويقول أبو الفرج وهذه إشارة منه إلى الحديث النبوي: «إذا بلغ بنو العاص أربعين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً» فهم ينتظرون هذه المدّة ويختم حديثه بقول الأحنف لمعاوية : لماذا تحملت من مروان هذا التطاول ؟ وما هي الإشارة بقول مروان ؟ فروى معاوية هذا الحديث وقال : فوالله لقد تلقّاها مروان من عين صافية ..

وفي النهاية مادة «دخل» يقول : الدخل العيب والعناد والغش، ومنه حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان دين الله دخلاً وعباد الله خولاً، وحقيقته أن يُدخلوا في الدين أموراً لم تجريها السنة ...(1)

ويقول في «خول»: الخول حشم الرجل وأتباعه ... ومنه حديث أبي هريرة : إذا بلغ بنو العاص ثلاثين كان عباد الله خولاً أي خدماً وعبيداً يعني أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم ..(2).

وجملة القول: حدّث في حياة الحيوان عن مستدرك الحاكم عن عمرو بن مرة الجهني وكانت له صحبة ، قال : إن الحكم بن أبي العاص استأذن على النبي صلی الله علیه و آله وسلم فعرف النبي صلی الله علیه و آله وسلم صوته وكلامه ، فقال : ايذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم وقليل ما هم يشرفون في الدنيا ويضعون في الآخرة، ذوو

ص: 334


1- النهاية :2 : 108 . (المترجم)
2- نفسه 2 : 88. (المترجم)

مكر وخديعة، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق(1).

ويقول ابن الأثير في الكامل: رويت أخبار كثيرة في لعنه ولعن من في صلبه رواها الحفاظ وفي أسانيدها كلام .(2)

وبعد تصحيح الحاكم ورواية جماعة - كما سمعت في كلام السيوطي ورواية ابن الأثير نفسه في أسد الغابة مع تعدّد الطرق - لا يبقى مجال للمناقشة .

ومن العجائب التي تسلب الفكر من عقل المرء أن مثل مروان الذي طرده النبي وأباه وسلخ عمره في عداوة أهل بيت الرسالة وأباح سبّ الحسنين وأبيهما وأشاعه وكان يدمن على ذلك في كل جمعة على المنبر ولعنه النبي صلی الله علیه و آله وسلم وسماه الوزغ ، وقال أمير المؤمنين علیه السلام : إن يده يد يهوديّة، وهو الذي قتل طلحة كما يعتقده أهل السنة والجماعة، وطلحة من الصحابة ومن العشرة المبشرة بزعمهم، فقد رماه وأقبل على أبان بن عثمان وقال له : قتلت واحداً من قتلة أبيك، ومع كلّ هذه العيوب والمساوي بعدّونه عدلاً منه تؤخذ أحكام الدين، وقد روى له البخاري ومسلم في كتابيهما وهما عند القوم أصح الكتب بعد القرآن.

وفي كشف الظنون: إنّ الإجماع حاصل بتعديل جميع من روي لهما في الصحيحين، ومن الأقوال المعروفة عند محدّثي أهل السنة من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، ومن هذه الجهة استدلّ ابن الأثير على عدالة مروان برواية البخاري عنه واخراجه له وبصلاة الحسنين خلفه دون أن يعيدا.

فيا للعجب إلى أية درجة بلغ الصلف بهؤلاء حيث اعتبروا صلاة الحسنين

ص: 335


1- المستدرك 4: 481 . (المترجم)
2- كامل ابن الأثير 193:4 ط بيروت . (هامش الأصل) وص 15 ط دار الكتب العلمية 1415 تحقيق أبي الفداء عبدالله القاضي . (المترجم)

خلفه دون إعادة دليل على عدالته ، وهذا استدلال واءٍ بناءاً على قواعدهم ، لأنهم لا يرون العدالة شرطاً في إمام الجماعة بل استدلّ في العقائد النسفيّة على عدم اشتراط العدالة بهذا وقال : ودليلنا على المدعى صلاة أئمة الدين وراء الخلفاء ء مع ظهور الجور منهم وانتشار الفجور عنهم .

من هنا تعرف من أين أخذ هؤلاء دينهم وعندما أعرضوا عن أهل بيت نبيهم صلی الله علیه و آله وسلم ثمّ إنّك تلم من هذا التخبّط بحال صحاحهم المزعومة وواقعها، لأن رواتها ورجال أسنادها مثل مروان وعبدالملك والمغيرة بن شعبة ومعاوية وعمرو بن العاص وأقرانهم وهم بأجمعهم لغير رشدة لعنهم الله جميعاً ، وهم جميعاً كفار منافقون لأن محكم ذلك أمير المؤمنين وقول النبي له - وهو ملاعين بشهادة النبيّ صلی الله علیه و آله وسلم ، من المتواترات - يا علي لا يبغضك إلا منافق ولا يحبّك إلا مؤمن (1).

والعمدة فيما نقول : أننا نثبت ضعف دينهم وفساد مبناهم بتوفيق الله تعالى من كتبهم ، ويتضح بذلك معنى قوله تعالى: «وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ» و «إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ» (2)ويتبين معناه ويثبت برهانه ويعلم بيانه والحمد لله على وضوح الحجة .

فائدة :

لا شك في شمول اللعن لمروان ودخوله ضمن اللعناء في هذا الدعاء يقيناً كأولاده أيضاً وأظهرهم أربعة عبدالملك وب-ه ك-ان يكنّى ، ونال الخلافة، وعبد العزيز وكان والياً على مصر، ومحمد ابنه وقد ولّي على الجزيرة ، وبشر وكان حاكماً على العراقين، وهؤلاء هم الأكبش الأربعة في كلام الإمام عند ابن أبي

ص: 336


1- تجد تفصيل هذه الأحاديث في إحقاق الحق 7: 187 .
2- الصافات: 173 و 172 .

الحديد وإن كان الأظهر والأشهر أنّها إشارة إلى أولاد عبدالملك الذين نالوا الخلافة فسوّدوا في عهدهم نهار الأمة وأوصلوها إلى الحضيض الأوهد وهم:

الوليد وسليمان ويزيد وهشام(1) ولم يتفق لإخوة أربعة نيل الخلافة غيرهم.

ويشمل قول أولاد مروان كل من خرج منه ونال الخلافة سواء من نالها في المشرق وأوّلهم عبدالملك وآخرهم مروان الحمار، أو من نالها في الأندلس وناحية المغرب وأولهم عبدالرحمان بن معاوية بن هشام بن عبدالملك وآخرهم هشام بن محمّد الملقب بالمعتمد بالله .

وظاهر هؤلاء جميعاً الرضا بفعل أسلافهم وادّعاء الحق في الخلافة، وهذا المقدار يكفى في جواز لعنهم والبرائة منهم .(2)

ص: 337


1- 1 - الوليد بن عبدالملك 2 - سليمان بن عبدالملك -3 - يزيد بن عبدالملك 4 - هشام بن عبدالملك (هامش الأصل)
2- قال الحسن بن علي : أما أنت يا مروان فلست أنا سببتك ولا سببت أباك ولكن الله عزّ وجلّ لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيه .. [الاحتجاج : (150] .( هامش الأصل)

وَلَعَنَ اللهُ بَنِي أُمَيَّةَ قاطِبَةً

الشرح : قاطبة حال كما مر القول في جميعاً». ومعنى قاطبة جميعاً كما ورد في الصحاح (1)ويظهر من عبارة الأساس أنه مجاز.

وأميّة هو ابن عبد الشمس بن عبد مناف بناءاً على المشهور.

وبنو أمية فرقتان: الأعياص وهم أبو العاص ، والعاص، وأبو العيص، والعيص وأولادهم. والعنابس وهم أولاد حرب بن أُميّة لأنّ اسم حرب عنبسة.

والأخبار فى لعن بني أمية خارجة عن الحدّ ومروية عن طريق الفريقين، وتعدادها يخرج هذا المختصر عمّا أعد له، ولكننا نورد عدداً منها شريطة كونها مروية في كتب العامة لأنهم أتباعهم وأشياعهم، ويعتبرونهم خلفاء رسول الله وأمراءاً للمؤمنين وأئمّة الأمّة وهم أولوا الأمر وطاعتهم واجبة ، لكي تتم الحجّة

عليهم ، ويفلجوا وتقطع عليهم منافذ العذر .

ثمّ ندرج في أثناء ذلك تيمناً وتبركاً أخباراً في نفس الموضوع عن طريق أهل البيت علیهم السلام لكي تكون سبباً لانشراح الصدور وانبساط القلوب، وأولى من ذلك البدأة بالآيات من القرآن الكريم التي صرّحت بلعنهم وذمهم، ثم نبدأ بذكر أخبار الفريقين.

ومن جملة الآيات قوله تعالى: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةٌ للنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً» .(2)

يقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير عن سعيد بن المسيّب، قال: رأى

ص: 338


1- قال الجوهري : وتقول : جاء القوم قاطبة أي جميعاً : 1 : 204 . (المترجم)
2- الإسراء : 60 .

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فسائه ذلك(1). وفي هذا التفسير أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الشجرة بنو أمية يعني الحكم بن أبي العاص .(2)

وكلامه في حديث هذه الرؤيا واتهام عمر(3) والإلزام الطريف الذي ألزمناه به بفضل الله وعونه وعون الأئمة الأطهار قد مرّ في أحوال مروان.

وروى النيسابوري عن ابن عبّاس أنّ الشجرة الملعونة بنو أمية .

يقول البيضاوي : وقيل: رأى قوماً من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة، فقال: هذا حطّهم من الدنيا يعطونه بإسلامهم وعلى هذا كان المراد بقوله إلا فتنة للناس» ما حدث في أيامهم (4)كناية عن هلاكهم في الآخرة .

وقريب من هذا الكلام في الكشاف مع بيان الرواية.

وفي البحار عن عمدة ابن البطريق عن تفسير الثعلبي نقل هذا الحديث بطريقين .(5)

وذكر ابن أبي الحديد عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب في حديث انّ عمر طويل سأل كعب الأحبار فقال : فإلى من يفضى الأمر تجدونه عندكم ؟ قال : نجده ينتقل بعد صاحب الشريعة والإثنين من أصحابه إلى أعدائه الذين حاربهم

ص: 339


1- الرازي، تفسير مفاتيح الغيب ، ج 20 المجلد العاشر ص 236 و 237 . (المترجم)
2- نفسه .
3- نفسه : 237 . قال : ورأى رسول الله في المنام أن ولد مروان يتداولون منبره فقص رؤياه على أبي بكر وعمر وقد خلا في بيته معهما فلما تفرقوا سمع رسول الله الحكم يخبر برؤيا رسول الله له فاشتد ذلك عليه وانهم عمر في إفشاء سره ثم ظهر أن الحكم كان يتسمع إليهم فنفاه رسول . ( المترجم)
4- البيضاوي 3: 454 ط دار الفكر - بيروت 1416 تحقيق عبد القادر عرفات العشاحونة (المترجم)
5- بحار الأنوار 8: 359 ط أفست. (هامش الأصل)

وحاربوه وحاربهم على الدين، فاسترجع عمر مراراً ، فقال : أتستمع يابن عباس أما والله لقد سمعت من رسول الله ما يشبه هذا سمعته يقول : ليصعدن بنو أمية على منبري، ولقد أريتهم في منامي ينزون عليه نزو القردة وفيهم أنزل: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةٌ لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ» الآية (1).

وفي المنشور الذي كتبه المعتضد بالله العبّاسي وأمر أن يُقرأ في البلاد كلّها - وسنذكره بطوله عند التعرّض لأحوال بني أمية إن شاء الله - يقول فيه : ثمّ أنزل الله فى شأنهم قرآناً يُتلى وقال تعالى: «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ» ولا خلاف بين أحد أنه تعالى يريد بني أمية.

وفي رسالة الجاحظ المفاخرة بين بني هاشم وبني أُمية ، أنّ بني هاشم يعتقدون أن الشجرة الملعونة هم بنو أمية ، وممّا لا ريب فيه أنّ بني هاشم لا يرون هذا الرأي ما لم يكن عندهم فيه خبر صحيح.

وفي تلك الرسالة أيضاً إلا أنه ممزوج بكلام ابن أبي الحديد والأظهر أن هذه الفقرة أجدر بها أن تكون من كلام الجاحظ فإن لم تكن له فهي لابن أبي الحديد يقول : قال المفسرون بأجمعهم بنزول الآية في بني أمية ورووا في هذا الباب أخباراً كثيرة ، وأنتم معاشر الأمويون لا تقدرون على إنكار ذلك، ومن هنا تعلم أن ذكر البيضاوي لها بصيغة التمريض غاية في التعصب .

ومن الوضوح بمكان أن تأويل الشجرة الملعونة بشجرة الزقوم لون من ألوان الانحراف وفقدان الأمانة ، وهذا التفسير قطعي الصدور في أخبار أهل البيت فقد جاء بطرق عدة في تفسير علي بن إبراهيم وتفسير مجمع البيان وفي البحار

ص: 340


1- شرح ابن أبي الحديد 12: 81 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، نشر دار إحياء التراث العربي. (المترجم)

والصافي وتفسير العياشي وألفاظ الروايات فيها متقاربة وفي بعضها ألحق تيم وعدي .(1)

ومن محاسن هذا التفسير وبدايع هذا التأويل جملة «فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً» ويحتمل أن يكون يزيد علماً وحمل الطغيان عليه من باب المبالغة وأنه بلغ به الطغيان حداً إن صار فرداً من أفراد الطغيان الحقيقي، واختصاصه بالذكر دون سائر الفروع الخبيثة لما جرى على يديه من المنكر العظيم والذنب الكبير والجرم الفادح والداهية الدهماء في وادي الطف .

ومن الآيات المأوّلة في بني أمية هذه الآية المباركة : «الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ» (2)كما ذكر البحار نقلاً عن عمدة ابن البطريق لله وهو رواها من تفسير الثعلبي يقول : قال عمر بن الخطاب: هما الأفجران من قريش : بنو المغيرة وبنو أمية .. (3)

فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين .(4)

وهذا الحديث مذكور في تفسير العياشي عن أمير المؤمنين علیه السلام بدون ذكر للتقسيم . وكلا الآيتين مذكورتان في مقدّمة الصحيفة الكاملة بالتفصيل المذكور.

والمراد بالنعمة في هذه الآية الإمام علیه السلام لأنّ جميع ما سوى سوى الله وجد بفضل وجودهم، فكان كل خير أصاب كل أحد وكلّ نفع جرى من كل أحد فهو بواسطة عليّ وأولاده علیه السلام وهم النعمة الحقيقية التى كفر بها بنو أمية وبدلوا نعمة الله وأحلوا قومهم دار البوار وبئس القرار .

ص: 341


1- أقول : لعن الله أبا بكر وعمر وأخزاهما، وهل قامت لبني أمية قائمة إلا بهما .
2- إبراهيم : 28 و 29 .
3- بحار الأنوار 18 : 360 ط أفست . هما الأفخران. إثبات الهداة 2 : 388 عن الواحدي في الوسيط . (هامش الأصل)
4- بحار الأنوار 31 : 537 عن الثعلبي بإسناده عن عمر بن الخطاب . (المترجم)

ويوافق هذه الأخبار ما ورد عن الصادقين في تفسير قوله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» (1)وروي في الصافي عن العياشي عن الصادق علیه السلام أنّه سأل أبا حنيفة عن هذه الآية ، فقال له: ما النعيم عندك يا نعمان ؟ قال : القوت من الطعام والماء البارد. فقال : لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه .

حتى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولنّ وقوفك بين يديه. قال : فما النعيم جعلت فداك ؟ قال : نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين ، وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداءاً ، وبنا هداهم الله إلى الإسلام وهي [هي] النعمة التي لا تنقطع ، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي صلی الله علیه و آله وسلم وعترته .(2)

وفي رواية أنه علیه السلام قال له : بلغني أنك تفسّر النعيم في هذه الآية بالطعام الطيب والماء البارد في اليوم الصائف؟ قال : نعم ، قال : لو دعاك رجل وأطعمك طعاماً طيّباً وسقاك ماءاً بارداً ، ثمّ امتن عليك به إلى ما كنت تنسبه ؟ قال : إلى البخل، :قال : أفتبخّل الله تعالى ؟ قال : فما هو ؟ قال : حبّنا أهل البيت .(3)

وفي العيون عن الرضاء علیه السلام قال : في الدنيا نعيم حقيقي، فقال له بعض الفقهاء ممن حضره : فيقول الله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» أما هذا النعيم في الدنيا هو الماء البارد ، فقال له الرضا - وعلا صوته -: كذا فسرتموه وجعلتموه على

ضروب فقالت طائفة : هو الماء البارد ، وقال غيرهم : هو الطعام الطيب، وقال

ص: 342


1- التكاثر : 8 .
2- تفسير البرهان 503:4، بحار الأنوار 24: 49 ط لبنان. (هامش الأصل) تفسير الصافي 5: 370 تحقيق الأعلمي ط مؤسسة الهادي قم الثانية 1416 . (المترجم)
3- تفسير الصافي 5 : 370 (هامش الأصل والمترجم) بحار الأنوار 10: 220 ط لبنان . (هامش الأصل)

آخرون هو طيب النوم ، ولقد حدثني أبي عن أبيه أبي عبد الله علیه السلام أن أقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله عزّ وجلّ «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» فغضب وقال : إِنَّ الله عزّ وجل لا يسأل عباده عمّا تفضّل عليهم به ولا يمنّ [يمتن] بذلك عليهم والامتنان بالإنعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف إلى الخالق عزّ وجلّ ما لا يرضى المخلوقين [به المخلوقين - المصدر] ولكن النعيم حبّنا أهل البيت وموالاتنا، يسأل الله عنه بعد التوحيد والنبوّة لأنّ العبد إذا وفى بذلك أدّاه إلى نعيم الجنّة الذي لا يزول ..(1)

وفي الكافي عن الصادق في هذه الآية قال : إنّ الله عزّ وجلّ أعزّ وأكرم من أن طعاماً فيسوعكموه ثم يسألكم عنه، ولكن يسألكم عمّا أنعم عليكم

يطعمكم بمحمّد وآل محمّد .(2)

وفي رواية عن الباقر علیه السلام : إنما يسألكم عمّا أنتم عليه من الحق (3).

وفي المحاسن عن الصادق قال : ثلاثة لا يحاسب العبد المؤمن عليهن : طعام يأكله، وثوب يلبسه وزوجة صالحة تعاونه وتحصن فرجه .

وفي رواية قال : إن الله أكرم من أن يسأل مؤمناً عن أكله وشربه (4).

ومن الآيات النازلة في ذمّ بني أُميّة سورة «إنا أنزلناه» المباركة، لأنّ المراد من ألف شهر دولة بني أمية وهي ألف شهر، وحرموا من فضل ليلة القدر وليلة واحدة من الخير الأخروي خير ألف مرّة من ألف شهر من الخير الدنيوي رياسة بني أمية ،

ص: 343


1- العيون 2 : 129 باب 35 (هامش الأصل) الصافي 5 : 170. (المترجم)
2- الكافي 6: 280 باب 33 - أطعمه . (هامش الأصل) تفسير الصافي 5: 171(المترجم)
3- الكافي 6 : 280 رقم 5 باب 33؛ تهذیب 7: 401 باب 34 حدیث 8 مثله . (هامش الأصل) الصافي 5 : 371 (المترجم)
4- المحاسن 2 : 399 حدیث ثمانين . (هامش الأصل) تفسير الصافي 5: 371 (الأصل والمترجم)

فقد روى الفخر الرازي في تفسيره الكبير وابن الأثير في أسد الغابة عن الإمام الحسن علیه السلام : إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رأى في منامه بني أمية يطئون منبره واحداً بعد واحد. وفي رواية : ينزون على منبره نزو القردة فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى : «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» إلى قوله : «خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» يعنى ملك بني أمية.

قال القاسم - وهو راوي الحديث : فحسبنا ملك بني أمية فإذا هو ألف شهر.

ثم يقول الرازي : طعن القاضي في هذه الوجوه ، فقال : ما ذكر من ألف شهر في أيام بني أمية بعيد لأنه تعالى لا يذكر فضلها بذكر ألف شهر مذمومة وأيام بني أمية كانت مذمومة .

ويجيب الرازي القاضي فيقول : واعلم أنّ هذا الطعن ضعيف وذلك لأنّ أيّام بني أُميّة كانت أياماً عظيمة بحسب السعادات الدنيوية فلا يمتنع أن يقول الله تعالى: إنّي أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك السعادات الدنيوية .(1)

ونفس الحديث مذكور في صحيح الترمذي باختلاف يسير في باب تفسير القرآن .

ويقول المسعودي في مروج الذهب وهو مرضي علماء العامة وأصلهم الجليل وركنهم الوثيق (2)، يقول : كان جميع ملك بني أمية إلى أن بويع أبو العباس السفاح ألف شهر كاملة لا تزيد ولا تنقص لأنّهم ملكوا تسعين سنة واحد عشراً شهراً وثلاثة عشر يوماً .

قال المسعودي : والناس متباينون في تواريخ أيامهم والمعوّل على ما نورده

ص: 344


1- تفسير الرازي، مفاتيح الغيب ، ج 32 مجلد 16 ص 31. (المترجم)
2- فريق كبير من العامة يطرح مروج الذهب ولا يراه شيئاً ويصرح بذلك ابن تيمية وينبز صاحبه بالرفض ويقول : إن له كتاباً اسمه «الوصيّة» وينهى عن قبول مرويات المسعودي . (المترجم)

وهو الصحيح عند أهل البحث ومن عني بأخبار هذا العالم، وهو أن معاوية بن أبي سفيان ملك عشرين سنة ، ويزيد بن معاوية ثلاث سنين وثمانية أشهر وأربعة عشر يوماً، ومعاوية بن يزيد شهراً وأحد عشر يوماً، ومروان بن الحكم ثمانية أشهر وخمسة أيام ، وعبد الملك بن مروان إحدى وعشرين سنة وشهراً وعشرين يوماً، والوليد بن عبدالملك تسع سنين وثمانية أشهر ويومين، وسليمان بن عبد الملك سنتين وستة أشهر وخمسة عشر يوماً ، وعمر بن عبدالعزیز سنتين وخمسة أشهر، ويزيد بن عبدالملك أربع سنين وثلاثة عشر يوماً، وهشام بن عبدالملك تسع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أيام، والوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة وثلاثة أشهر ، ويزيد بن الوليد بن عبدالملك شهرين وعشرة أيام.

(يقول) : وأسقطنا أيام إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك (1)كإسقاطنا إبراهيم بن المهدي أن يعدّ في الخلفاء العباسيين ، ومروان بن محمد بن مروان خمس سنين وشهرين وعشرة أيام إلى أن بويع السفّاح فتكون الجملة تسعين سنة وأحد عشر شهراً وثلاثة عشر يوماً يضاف إلى ذلك الثمانية أشهر التي كان مروان يقاتل فيها بني العباس إلى أن قتل فيصير ملكهم إحدى وتسعين سنة وسبعة أشهر وثلاثة عشر يوماً .. يوضع من ذلك أيّام الحسن وهي خمسة أشهر وعشرة أيام، وتوضع أيام عبد الله بن الزبير إلى الوقت الذي قتل فيه وهي سبع سنين وعشرة أشهر وثلاثة أيام فيصير الباقي بعد ذلك ثلاثاً وثمانين سنة وأربعة أشهر يكون ذلك ألف شهر سواء.

(ثمّ يقول :) وقد ذكر قوم أن تأويل قوله عزّ وجلّ : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»

ص: 345


1- إبراهيم بن الوليد تولى الحكم أربعة أشهر وكان أحياناً يخاطب بالخلافة وأحياناً يترك ذلك منه إلى أخلعه مروان الحمار . (منه)

ما ذكرناه من أيامهم (1)تم كلام المسعودي .

وتكرّر هذا المعنى في أخبار أهل بيت العصمة وكثر وجوده وطال وروده.

وفي الكافي وفي تفسير عليّ بن إبراهيم رضي الله عنهما أن المراد من «ألف شهر» أيام ملك بني أمية ليس فيها ليلة قدر .(2)

والظاهر أن القصد من ذلك حرمان بني أمية وأتباعهم من ثواب ليلة القدر ، لأن الكثير من أخبار فضل ليلة القدر وردت في أيامهم، ولم تحسب أيّام عثمان منهم وإن كان محسوباً من فروع الشجرة الملعونة ، والآيات والأخبار الأخرى تشمله، وفي القرآن الكريم نزلت آيات في ذمّ بني أميه ولكن بما أنّي أميل إلى الأمور المتفق عليها في كتاب الله عند الفريقين فلا أنقل شيئاً منها .

وهذه الزيارة احتوت على لباب عقائد الشيعة في أصول التولي والتبري، على أن ذكر أخبار المخالفين في هذا الباب أدخل في الإلزام وأوقع في الأهواء من ثمّ أكتفي بهذا المقدار مع ضيق المجال وقلة الأسباب وكثرة الشواغل النظرية وتعدّد المشاغل الفكرية ، والآن أذكر حديثين مضافاً إلى ما ذكرته في تفسير الآيات من كتب القوم:

ومثالب شهد المحبّ بنقصها***والنقص ما شهدت به الأحباب

أ - في حياة الحيوان ومثله في المستدرك للحاكم أنّه قال : عن مسلم الربعي عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : رأيت في منامي كأن بني الحكم بن العاص ينزون على منبري كما ينزو القردة، فما رئي النبي مستجمعاً ضاحكاً حتى مات .(3)

ص: 346


1- مروج الذهب 3: 259 و 260 تحقيق عبدالأمير ،مهنا نشر الأعلمي للمطبوعات 1411 - 1991. (المترجم)
2- تفسير القمي 2 : 431 (المترجم) البرهان 4 : 488 رقم 29 . (هامش الأصل)
3- حياة الحيوان ذيل قردة 2: 203 . (هامش الأصل) الحاكم النيسابوري ، المستدرك 4 : 480. (المترجم)

ويقول الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم .(1)

وعلمت فيما سبق من الأخبار أنّ الحديث يتناول مطلق بني أمية بمن فيهم شيخهم الثالث وليس بعيداً أن تتعدد رؤيا النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو أن تخصيص بني مروان من تحريف الرواة زمن معاوية لإخراج آل حرب، ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر.

ب - روى آية الله العلامة - أجزل ا تشريفه وإكرامه - في نهج الحق عن صاحب كتاب «الهاوية» وهو من أهل السنة والجماعة ، عن ابن مسعود أنّه قال : لكلّ شيء آفة وآفة هذا الدين بنو أمية....(2)

ج - في صحيح مسلم : هلاك أمتي على يد هذا الحي .(3)

وينقل هذا الخبر بعد ذكره لبني أمية ، وهذا قرينة على إرادة بني أمية من قوله : «هذا الحي» وهذا ما فهمه العلماء.

وعلى كل حال فإنّ ابن البطريق اعتبره من الأحاديث الذامة لبني أمية كما حكى عنه ذلك صاحب البحار، وخبر البخاري يعينهم ويؤيد هذا المعنى .

ويقول ابن حجر في رسالة (تطهير الجنان) روي بسند حسن أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال: «شرّ قبائل العرب بنو آميّة وبنو حنيفة وثقيف».(4) وذكر ابن حجر أيضاً في هذه الرسالة : وفي الحديث الصحيح وقال عنه الحاكم

ص: 347


1- بل قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه [نفسه: 480] . (المترجم)
2- نهج الحق وكشف الصدق : 312 ط ،لبنان، كنز العمال ،9/6 ، تطهير الجنان واللسان : 143 المطبوع في هامش الصواعق . (هامش الأصل)
3- صحیح مسلم 4: 2236 رقم 2917. (هامش الأصل) في صحيح مسلم : يهلك أمتي هذا الحي من قريش [رقم 7270] . (المترجم)
4- تطهير اللسان : 143 و 144 المطبوع في هامش الصواعق المحرقة . ( هامش الأصل)

بشرط الشيخين كان أبغض الأحياء أو الناس إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بنو أمية .. .(1)

والبخاري يجعل من عناوين كتابه قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم «هلاك أمتي على أغيلمة سفهاء»: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال : أخبرني جدّي قال : كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم بالمدينة ومعنا مروان. قال أبو هريرة : سمعت الصادق المصدوق يقول : هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش. فقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت فكنت أخرج مع جدّي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلماناً أحداثاً ، قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا: أنت أعلم.(2) وقول أبي هريرة كناية عن بني حرب وبني مروان، ومن هنا يعلم أن أبا هريرة روى هلاك أمتي على يد مروان لأنه شعبة من بني أمية . ومن العنوان الذي ترجم به الباب يعلم أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم سمى هذه الطائفة سفهاء وهم كذلك لأنهم باعوا الدين بالدنيا واتبعوا لغة المعازف والملاعب مثل الوليد الفاسق .

فقد جاء في تاريخ الخميس أنه دخل يوماً فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال بكارتها ، فقالت له الدادة : هذه دين المجوس، ، فأنشد:

من راقب الناس مات هماً***وفاز باللذه الجسور (3)

ونقل ابن أبي الحديد طي أخبار حمقى العرب، قال: ومن حمقى قريش سليمان بن يزيد بن عبدالملك ، قال يوماً : لعن الله الوليد أخي فلقد كان فاجراً، أرادني على الفاحشة .

ص: 348


1- المصدر السابق. (هامش الأصل)
2- البخاري 2: 242 جزء 4 باب المناقب، باب علامة النبوة في الإسلام (هامش الأصل) ولم يذكر ما قاله مروان في الطريق الأول 4 : 178 غلمة ؟ وفي الثاني :8 88 غلمة لعنة الله عليهم.
3- تاريخ الخميس 2 : 320ط بيروت. (هامش الأصل)

فقال له قائل من أهله : أسكت ويحك فوالله إن كان همّ لقد فعل .(1)

وذكر السيوطي في تاريخه مجمل هذا الخبر .(2)

وفي غالب كتب أهل السنة والجماعة أنّه أذن للصبح مرّة وعنده جارية يشرب الخمر معها، فقام فوطئها وحلف لا يصلي بالناس غيرها ، فخرجت وهي جنب سكرانة فلبست ثيابه و تنكرت وصلت بالناس ...(3)

وفي تاريخ الخميس أيضاً قال: أراد الوليد أن يحج وقال : أشرب الخمر فوق ظهر الكعبة .. .(4)

ومذكور في أكثر الكتب بل هو من المتواترات ومن الكتب التي ذكرته أدب الدنيا والدين للماوردي أنه استفتح بالقرآن يوماً فخرجت الآية: «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» (5)فوضع القرآن هدفاً ورماه بالسهام حتّى تناثر وقال:

تهددني بجبار عنيد***فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربّك يوم حشر***فقل يا رب مزقني الوليد (6)

وفي أدب الحيوان وغيره أنه صنع في حائط له حوضاً ملأه بالخمر، فكلّما رغب في الشرب رمى بنفسه في الحوض وأخذ يعبّ منه حتى تبين النقص فيه .(7)

ص: 349


1- شرح ابن أبي الحديد 18: 163 ط بيروت. (هامش الأصل والمترجم)
2- نظر أخوه إلى رأسه بعد ما قطع وهو سليمان بن يزيد ، فقال : بُعداً له، أشهد أنه كان شروباً للخمر ، ماجناً فاسقاً، ولقد راودني على نفسي [تاريخ الخلفاء 1: 251]. (المترجم) ص 251 مطبعة السعادة بمصر (هامش الأصل)
3- تاريخ الخميس 2 : 320 ط بیروت. (هامش الأصل والمترجم)
4- تاريخ الخميس 2 : 320 ط بیروت. (هامش الأصل والمترجم)
5- إبراهيم : 15 .
6- حياة الحيوان 1: 103 في خلافة الوليد تاريخ الخميس 2: 320
7- حياة الحيوان 1 : 103 في خلافة الوليد تاريخ الخميس 2 : 320 ط بيروت في خلافة الوليد . (هامش الأصل) وذكر أبو الفرج عن الوليد أنه قال يوماً : لقد اشتقت إلى معبد فوجه البريد إلى المدينة فأتى بمعبد وأمر الوليد ببركة قد هيئت له فملئت بالخمر والماء، وأتي بمعبد فأمره فأجلس والبركة بينهما وبينهما ستر قد أرخى ، فقال له : غنني يا معبد : لهفي على فتية ذلّ الزمان لهم***فما أصابهم إلا بما شائوا ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم***حتى تفانوا وريب الدهر عداء الأغاني 5: 240 (المترجم) .

وعده ابن أبي حجلة في ديوان الصبابة من الخلفاء خليعي العذار وأهل الدعابات .

وذكر داود الأنطاكي فى تزيين الأسواق أن الوليد عشق نصرانية، فراسلها فأبت عليه فكاد أن يطيشق عقله ، فتنكّر يوم عيد النصارى، وبايع صاحب البستان تتنزه فيه بنات النصارى فأدخله، فلما رأته قالت للبوّاب من هذا ؟ قال لها : مصاب، فجعلت تمازحه حتى اشتفى بالنظر إليها، فقيل : أتدرين من هذا ؟ قالت : لا ، قالوا لها : هو الخليفة ، فأجابت حينئذ وتزوج بها، وفيها يقول:

أضحى فؤادك يا وليد عميدا***صباً قديماً للحسان صيودا

من حبّ واضحة العوارض طفلة***برزت لنا نحو الكنيسة عيدا

مازلت أرمقها بعيني وامق***حتى بصرت بها تقبل عودا

عود الصليب فويح نفسي من رأى***منكم صليباً مثله معبودا

فسألت ربّي أن أكون مكانه***وأكون في لهب الجحيم وقود (1)

أجاب الله مسألته ..

وفي ذلك يقول أيضاً لما اشتهر أمره بها :

ألا حبّذا سعدى وإن قيل إنني***كلفت بنصرانيّة تشرب الخمرا

يهون علينا أن نظل نهارنا***إلى الليل لا أُولى نصلي ولا عصر (2)

ص: 350


1- الأنطاكي تزيين الأسواق 1: 311
2- تزيين الأسواق 1 : 250 دار حمد ومحيو . (هامش الأصل) نفسه 1 : 312. (المترجم)

وروى المسعودي في مروج الذهب عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال: كنت سميراً للوليد بن يزيد ، فرأيت ابن عائشة القرشيّ عنده ، وقد قال له : غنّني ، فغنّاه :

إني رأيت صبيحة العصر***حوراً نفين عزيمة الصبر

مثل الكواكب في مطالعها***عند العشاء أطفن بالبدر

وخرجت أبغي الأجر محتسباً***فرجعت موقوراً من الوزر

فقال له الوليد : أحسنت والله يا أميري أعد بحق عبد شمس، فأعاد ، فقال : أحسنت والله بحق أميّة أعد فاعاد فجعل يتخطّى من أب إلى أب ويأمره بالإعادة حتى بلغ نفسه ، فقال : أعد بحياتي ، فأعاد ، فقام إلى ابن عائشة فأكبٌ عليه ولم يبق عضواً من أعضائه إلا قبله وأهوى إلى ... يقبله ، فجعل ابن عائشة يضمّ ذكره بين فخذيه فقال الوليد والله لا زلت حتى أقبله، فأبرأه فقبل رأسه وقال : واطرباه واطرباه ، ونزع ثيابه فألقاها على ابن عائشة وبقي مجرداً إلى أن أتوه بثياب غيرها، ودعا له بألف دينار فدفعت إليه وحمله على بغلة له وقال : اركبها على بساطي وانصرف فقد تركتني على أحر من جمر الغضا.

قال المسعودي : وكان ابن عائشة غنّى بهذا الشعر يزيد بن عبدالملك أباه فأطربه وقيل : إنّه ألحد وكفر في طربه وكان فيما قال الساقيه : اسقنا بالسماء الرابعة، فكأن الوليد بن يزيد قد ورث الطرب في هذا الشعر عن أبيه (والشعر لرجل من قریش ...) (1)(2) المعجم الكبير : 147 مخطوط . (هامش الأصل) نفسه 3: 120 رقم الحديث 2861 ط بيروت دار إحياء التراث العربي، الثانية نشر القاهرة مكتبة ابن تيمية بدون تاريخ (المترجم) (3)مجمع الزوائد 9: 189 ط مكتبة القدسي القاهرة (هامش الأصل) (4) مقتل الحسين 1 : 160 ط الغري. (5)مسند أحمد ، آفة أصحاب الحديث : 118 . (6)

ص: 351


1- مروج الذهب 3: 215 ط دار الهجرة - ايران . (هامش الأصل) و 3: 342 و 343 تحقيق المهناط الأعلمي للمطبوعات - بيروت . (المترجم)
2- 1 - الطبراني : حدثنا الحسن بن العباس الرازي ، نا سلم بن منصور بن عمار ، نا أبي (ح). وحدثنا أحمد ابن يحيى الرقي ، نا عمرو بن بكر بن بكار القعنبي نا مجاشع بن عمرو قالا : نا عبد الله بن لهيعة عن أبي قبيل، حدثني عبد الله بن عمرو ابن العاص ، أن معاذ بن جبل أخبره : خرج علينا رسول الله متغير اللون ، فقال : أنا محمد ، أوتيت فواتح الكلام وخواتمه [ جوامع الحكم فواتحها وخواتمها - مقتل الحسين ] فأطيعوني ما دمت بين أظهركم فإذا ذهبت فعليكم بكتاب الله عزوجل ؛ أحلوا حلاله وحرموا حرامه، أتتكم المؤتتة ، أتتكم بالروح والراحة، كتاب من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم كلّما ذهب رجل جاء رجل، تناسخت النبوة فصارت ملكاً، رحم الله من أخذها بحقها وخرج منها كما دخلها ، أمسك يا معاذ واحص. قال : فلما بلغت خمسة قال : يزيد لا بارك الله في يزيد، ثمّ ذرفت عيناه ، ثمّ قال : نعي إلي حسين وأتيت بتربته وأخبرت بقاتله، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعاً . ثم قال : واها لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف ، أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد اسم فرعون، هادم شرائع الإسلام، يبوء بدمه رجل من أهل البيت، يسل الله سيفه فلا غامد له - فلا غماد له - واختلف الناس وكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه .
3- وروى الهيثمي من طريق الطبراني عن معاذ بن جبل مثله
4- . والخوارزمي عن أبي الفداء قال : أخبرنا محمد بن إسماعيل الصيرفي، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين ، أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمي ، أخبرنا الحسن ابن عباس الرازي مثله .
5- 2 - قال أحمد : أخبرنا ابن الحصين قال : أخبرنا ابن مالك قال : حدثنا عبدالله ابن أحمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبو المغيرة قال : حدثنا ابن عيّاش قال : حدثنا الأوزاعي وغيره عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب قال : ولد لأخي أم سلمة زوج النبي - غلام فسموه الوليد ، فقال النبي : سميتموه باسم فراعنتكم في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، هو شر على هذه الأمة من فرعون لقومه
6- . (المحقق)

وقال المسعودي أيضاً والمبرد في الكامل : إنّ الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه

ص: 352

النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأن الوحي لم يأته عن ربه ، كذب أخزاه الله !! من ذلك الشعر :

تلعّب بالخلافة هاشمي***بلا وحي أتاه ولا كتاب

فقل الله يمنعني طعامي***وقل الله يمنعني شرابي(1)

وأنا أستغفر الله من حكاية شعره وكتابة كفره . وروى هذا الشعر بل الكفر عن يزيد ويزيد عن أبي سفيان كما سنشير إليه فيما بعد إن شاء الله في كلامهم.

وكان من سوء أفعاله وطئه أمهات أولاد أبيه وله منهن أولاد وعرف على ألسنة الخلفاء من بعده وألسنة المؤرّخين من أهل السنّة بالوليد الفاسق والوليد الزنديق .

وفي تاريخ الخلفاء عن المعافى الجريري قال : جمعت شيئاً من أخبار الوليد ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من خرقه وسخافته وما صرّح به من الإلحاد في القرآن والكفر بالله ..(2).

وفي تاريخ الخميس عن الذهبي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد فهو أشدّ لهذه الأمة من فرعون على قومه ...(3).

والأمر العجيب والخطب الفضيع هو أن الوليد مع ما هو عليه من الشقاوة والشر والزندقة والفجور يعتبر إماماً مفترض الطاعة يُدعى بأمير المؤمنين ويسمى خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بل نقل عن القاضي عياض أنه أحد الخلفاء الإثني عشر المنصوص عليهم في الحديث المتواتر (4)المتفق عليه من الخاصة والعامة.

ص: 353


1- مروج الذهب 3: 216 ط دار الهجرة - ايران. (هامش الأصل) و 3 : 340ط الأعلمي للمطبوعات - بيروت 1411 - 1991 . (المترجم)
2- السيوطي ، تاريخ الخلفاء 1: 351 . (المترجم)
3- تاريخ الخميس 2: 320ط بيروت. (هامش الأصل والمترجم) والمؤلّف حذف صدر الحديث وفيه : عن عمر قال : ولد لأخي أم سلمة ولد سموه الوليد ، فقال له : سميتموه بأسماء فراعنتكم ... الخ .
4- جابر بن سمرة قال : سمعت النبي يقول : يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : كلّهم من قريش . [البخاري 8: 127 طبعة دار الفكر - بيروت] ومثله عن مسلم : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة. [الحديث رقم 4661 و 4662 و 4663] وفي مسند أحمد : لن يزال هذا الأمر عزيزاً ظاهر حتى يملك اثنا عشر كلهم ... [رقم الحديث 20488 و 20351 ، و 20383، و 20388 ، و 20417 و 20474] والطرق كثيرة وهو مروي في أكثر الكتب وتخبط القوم في تأويله ومنهم القاضي عياض كما قال المؤلف (المترجم)

وفي تاريخ الخلفاء عن ابن حجر العسقلاني المعروف بشيخ الإسلام ، شارح صحيح البخاري وصاحب كتاب «الإصابة» وغيره ، قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه ....(1)

ياللعجب كيف يسوغ لمسلم بل لإنسان أن يطلق على مثل هذا الفظ إمام ويطيعه، ويوجب على الأمة معرفته ؟! وهذا أثر الخذلان وسوء التوفيق وإلا فإنّ العاقل يربأ بنفسه عن هذا، وسوف أذكر شطراً صالحاً من تتمة هذا الباب في الكلام على سيرة يزيد لعنه الله ، بعون الله وحسن مشيئته . وسأنقل عين عبارة القاضي عياض وجملة من المطالب.

ونحن وإن أسهبنا في هذا المقام لكننا لم نخرج عن الغرض الأصلي وهو شرح مثالب بني أمية ونشر معايبها لأن سائر الق-وم م-ن ن-ف-س الط-راز وسالك ن-ف-س الطريق، وورثوا عن أبي سفيان والحكم الكفر والزندقة والإلحاد والفسق والفجور والجور والطغيان ، يتوارثه خلف عن سلف. ومن سبر تاريخ القوم لا يعتريه شك فيهم لاسيما ما يعود إلى أهل السنة والجماعة لأنّ سمة التعصب لا توسم بهؤلاء وإنّهم بذلوا غاية الجهد في إخفاء عيوب خلفائهم ولكن لم يتيسر لهم ذلك وتحوّل من مكان إلى آخر ومن كتاب إلى كتاب. وجرى الحقِّ على ألسنة القوم بتأييد الله وإمداداته السماوية ، وقد اعترفوا بفضائل أئمة الهدى ورذائل أعداء الله . كما أنّ لعلماء الشيعة بصفة عامة ولفضلاء الهند بصفة خاصة - أيدهم الله - في

ص: 354


1- تاريخ الخلفاء 1: 11 ط السعادة بمصر (هامش الأصل والمترجم) ط أولى 1371 هجرية 1952م.

استقصاء هذه السير حظاً موفوراً وسعياً مشكوراً، وإنّي وإن عدمت الفرصة المواتية وتحلّيت بقلة البضاعة ما أزال بين الفينة والفينة على سبيل الاستطراف والاستطراد أضمن بعضاً منها في هذا السفر المختصر، وأهمس به إلى السامعين . ومن محاسن الكتب وبدائع الرسائل المنشور الذي أمر المعتضد العباسي بكتابته وقرائته على المنابر سنة أربع بعد الثمانين والمأتين هجرية، ومنع السقائين من الترحم على معاوية لعنه الله ، كما ذكر ذلك محمّد بن جرير بن جرير الطبري في تاريخه ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرحه الحديدي.

ويشتمل هذا الكتاب او المنشور على طائفة من الأخبار والآثار في مساوئ بني أميّة ، ما تعود إلى الإفراد أو المجموع، واحتوى أكثر الأخبار عنهم، وتضمّن سائر بدعهم وفتنهم بنحو الإشارة والإجمال، ولما كان هذا الكتاب قولاً من أقوال خليفة من خلفاء أهل السنة فطاعته واجبة قطعاً، وفيه التحريض على لعن بني أمية والبرائة من معاوية وأحزابه .

ولما كان الكتاب غاية في الفصاحة والإتقان وجمال العربية، رأينا من الأولى أن ننقله بعينه من دون ترجمة ، لأن جمله ومطالبه تناثرت في مواضع عدة من هذا الكتاب ، وسيمر خلاله جمل أخرى منه إن شاء الله وستكون مطالعته للعلماء وأهل الفضل سبباً للمسرة والابتهاج، وفيه بعد الحمد والصلاة :

أما بعد ، فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة العامة من شبهة دخلتهم في أديانهم ، وفساد لحقهم في معتقدهم ، وعصبية قد غلبت عليها أهوائهم ونطقت بها ألسنتهم على غير معرفة ولا روية قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا بصيرة ، وخالفوا السنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة ، قال الله تعالى : «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدَى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي

شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور / ج 1

ص: 355

الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (1)خروجاً عن الجماعة ، ومسارعة إلى الفتنة ، وإيثاراً للفرقة ، وتشتيتاً للكلمة ، وإظهاراً لموالاة من قطع الله عنه الموالاة (2)وتبرأ منه العصمة ، وأخرجه من الملة ، وأوجب عليه اللعنة ، وتعظيماً لمن صغر الله حقه ، وأوهن أمره ، وأضعف ركنه من بني أمية الشجرة الملعونة ، ومخالفة لمن استنقذهم الله به من الهلكة ، وأسبغ عليهم به النعمة من أهل البركة والرحمة ، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، فأعظم أمير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك ورأى ترك إنكاره حرجاً عليه في الدين وفساداً لمن قلّده الله أمره من المسلمين وإهمالاً لما أوجبه الله من تقويم المخالفين وتبصير الجاهلين ، وأمير المؤمنين يخبركم :

معاشر المسلمين ، إنّ الله جلّ ثنائه لما ابتعث محمّداً بدينه ، وأمره أن يصدع بأمره بدأ بأهله وعشيرته ، فدعاهم إلى ربه ، وأنذرهم وبشرهم ونصح لهم وأرشدهم ، فكان من استجاب له وصدق قوله ، واتبع أمره يسير من بني أبيه من بين مؤمن بما أتى به من ربه وناصر لكلمته ، وإن لم ينبع دينه إعزازاً وإشفاقاً عليه (3)فمؤمنهم مجاهد ببصيرته ، وكافرهم مجاهد بنصرته

ص: 356


1- القصص : 50 .
2- ذكر الطبري هذا الكتاب ، فقال : وتحدّث الناس أنّ الكتاب الذي أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يُقرءُ بعد صلاة الجمعة على المنبر ، فلما صلى الناس الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قرائة الكتاب فلم يقرأ، فذكر أن المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه ... الخ ، وخوفوا المعتضد فأعرض عن قرائته، والذي خوّفه من آل أبي طالب يوسف بن يعقوب القاضي . [تاريخ الطبري 62:10 و 63]
3- أراه يعني بهذه الجملة سيدنا أبا طالب ، ومن المفارقات أن يصدر الكتب في لعن قوم ويقع سليب العقل والإرادة تحت هيمنتهم لأن رمي أبي طالب صلى الله عليه بعدم الإيمان ما هي إلا دعاوة أموية لعن الله من قالها ولعن الله من صدقها . (المترجم)

وحميّته ، يدفعون من نابذوه ، يقهرون من عازه وعانده ، ويتوتقون له ممّن كانقه وعاضده ، ويبايعون له من سمح له بنصرته ، ويتجسسون أخبار أعدائه ، ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين حتى بلغ المدى وحان وقت الاهتداء ، فدخلوا في دين الله وطاعته ، وتصديق رسوله والإيمان به ، بأثبت بصيرة ، وأحسن هدى ورغبة ، فجعلهم الله أهل بيت الرحمة وأهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، معدن الحكمة وورثة النبوة وموضع الخلافة ، أوجب الله لهم الفضيلة وألزم العباد كلّهم الطاعة .

وكان ممن عانده وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الكثير والسواد الأعظم ، يتلقونه بالضرر والتثريب ، ويقصدونه بالأذى والتخويف ، وينابذونه

بالعداوة ، وينصبون له المحاربة ، ويصدون عن قصده ، وينالون بالتعذيب من اتبعه ، وكان أشدّهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة ، أولهم في كل حرب ومناصبه ، ورأسهم في كلّ أجلاب وفتنة ، لا ترفع على الإسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها أبا سفيان بن حرب صاحب أحد والخندق ، وغيرهما وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب الله ، ثمّ الملعونين على لسان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في مواطن عدّة لسابق علم الله فيهم ، وماضي حكمه في أمرهم وكفرهم ونفاقهم ، فلم يزل لعنه الله يحارب مجاهداً ، ويدافع مكائداً ، ويجلب منابذاً حتى قهره السيف ، وعلا أمر الله وهم كارهون فتعوّذ بالإسلام غير منطو عليه ، وأسر الكفر غير مقلع عنه ، فغلبه وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم .

ثمّ أنزل الله تعالى كتاباً فيما أنزله على رسوله يذكر فيه شأنهم ، وهو قوله

ص: 357

تعالى : «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ» (1)ولا خلاف بين أحد من أنه تبارك وتعالى أراد بها بني أمية .

ومما ورد من ذلك في السنّة ورواه ثقات الأمة قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيه وقد راه مقبلاً على حمار معاوية يقوده ويزيد يسوقه (2): لعن الله الراكب والقائد والسائق .

ومنه ما روته الرواة عنه من قوله يوم بيعة عثمان : تلقفوها يا بني عبد شمس تلقف الكرة ، فوالله ما من جنّة ولا نار ، وهذا كفر صراح يلحقه اللعنة من الله ، كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مریم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون .

ومنه ما يروى من وقوفه على ثنية أحد من بعد ذهاب بصره ، وقوله لقائده : هاهنا رمينا محمداً وقتلنا أصحابه

ومنها الكلمة التي قالها للعبّاس قبل الفتح وقد عرضت عليه الجنود : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً ، فقال له العبّاس : ويحك ، إنه ليس بملك إنها

النبوة .

ومنه قوله يوم الفتح - وقد رأى بلالاً على ظهر الكعبة يؤذن ويقول : أشهد أن محمّداً رسول الله - : لقد أسعد الله عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد. ومنها الرؤيا التي رآها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فوجم لها ، قالوا : فما رئي بعدها ضاحكاً ، رأى نفراً من بني أمية ينزون على منبره نزو القردة

ص: 358


1- الإسراء : 60 .
2- يزيد هو ابن أبي سفيان من غير هند الذي غرسه أبو بكر في الشام، فكان أول فروع هذه الشجرة يغرس هناك ويقيمه أبو بكر .

ومنها إطراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الحكم بن أبي العاص لمحاكاته إياه في مشيته وألحقه الله بدعوة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم آفة باقية حين التفت إليه فرآه يتخلّج يحكيه ، فقال : كن كما أنت ، فبقي على ذلك سائر عمره ، هذا إلى ماكان من مروان ابنه في افتتاحه أوّل فتنة كانت في الإسلام واحتقابه [ واختقابه - بحار كل دم حرام سفك فيها أواريق بعدها .

ومنها ما أنزل الله على نبيه صلی الله علیه و آله وسلم : «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ» قَالُوا : ملك بني أمية .

ومنها أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم دعا معاوية ليكتب بين يديه فدافع بأمره واعتل بطعامه ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: لا أشبع الله بطنه ، فبقي لا يشبع ويقول : والله لا أترك الطعام شبعاً ولكن إعياءاً .

ومنها أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملّتي ، فطلع معاوية .

ومنها : أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه .

ومنها الحديث المشهور المرفوع أنه صلی الله علیه و آله وسلم قال : إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك من جهنّم ينادي : يا حنان يا منان ، فيقال له : الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين .

ومنها : انتزائه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكاناً وأقدمهم إليه سبقاً ، وأحسنهم فيه أثراً وذكراً علي بن أبي طالب ، ينازعه حقه بباطله ، ويجاهد أنصاره بضلاله وأعوانه ، ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور الله وجحود دينه ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون .

ويستهوي أهل الجهالة ، ويموّه لأهل الغباوة بمكره وبغيه الذين قدم رسول الله الخبر عنها ، فقال لعمّار بن ياسر : تقتلك الفئة الباغية ، تدعوهم إلى

ص: 359

الجنّة ويدعونك إلى النار ، مؤثراً العاجلة كافراً بالآجلة ، خارجاً من ربقة الإسلام ، مستحلاً للدم الحرام حتى سفك في فتنته وعلى سبيل غوايته وضالته [ دماءاً - المصدر ] ما لا يحصى عدده من أخيار المسلمين الذابين عن دين الله والناصرين لحقه .

مجاهداً في عداوة الله ، مجتهداً فى أن يعصى الله فلا يطاع ، ويبطل أحكامه فلا تقام ، ويخالف دينه فلا يدان ، وأن تعلو كلمة الضلال وترتفع دعوة الباطل ، وكلمة الله هي العليا ، ودينه المنصور ، وحكمه النافذ ، وأمره الغالب ، وكيد من عاداه وحادّه المغلوب الداحض ، حتى احتمل أوزار تلك

الحروب وما تبعها ، وتطوّق تلك الدماء وما سفك بعدها .

وسنّ سنن الفساد التي هي عليه إثمها وإثم من عمل بها ، وأباح المحارم لمن ارتكبها ، ومنع الحقوق أهلها ، وغرته الآمال ، واستدرجه الإمهال ، وكان أوجب الله عليه به اللعنة قتله من قتل صبراً من خيار الصحابة ، والتابعين وأهل الفضل والدين مثل عمرو بن الحمق الخزاعي ، وحجر بن عدي الكندي

فيمن قتل من أمثالهم على أن تكون له العزّة والملك والغلبة .

ثم ادّعائه زياد بن سميّة أخاً ونسبته إياه إلى أبيه ، والله تعالى يقول : «ادْعُوهُمْ لأَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ»(1) ورسول الله يقول : ملعون من أدعي

إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه ، وقال : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فخالف حكم الله تعالى ورسوله جهاراً ، وجعل الولد لغير الفراش ، والحجر لغير العاهر ، فأحلّ بهذه الدعوة من محارم الله ورسوله في أم حبيبة أمّ المؤمنين وفي غيرها من النساء من شعور ووجوه وقد حرمها الله ، وأثبت

ص: 360


1- الأحزاب : 5 .

بها من قربي قد أبعدها الله ما لم يدخل الدين خلل مثله ، ولم ينل الإسلام تبديلاً يشبهه .

ومن ذلك إيثاره بخلافة الله على عباده ابنه يزيد السكرين الخمير صاحب الديكة والفهود والقردة ، وأخذ البيعة له على خيار المسلمين بالقهر

والسطوة والتوعد والإخافة والتهديد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطلع على رهقه وخبثه ، ويعاين سكراته وفعلاته وفجوره وكفره ، فلما تمكن قاتله الله فيما تمكن منه طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين ، فأوقع بأهل المدينة في وقعة الحرّة الوقعة التي لم تكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش (1)فشفى عند نفسه غليله ، وظنّ أنه انتقم من أولياء الله وبلغ الثار الأعداء الله ، فقال مجاهراً بكفره ومظهراً لشركه :

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل

قول لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى رسوله ولا إلى كتابه ولا يؤمن بالله وبما جاء من عنده ، ثمّ أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن علي علیهما السلام مع موقعه من رسول الله ومكانه ومنزلته من الدين والفضل والشهادة له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنّة اجتراءاً على الله وكفراً بدينه

وعداوة لرسوله ومجاهرة لعترته واستهانة لحرمته كأنّما يقتل منه ومن أهل بيته قوماً من كفرة الترك والديلم ولا يخاف من الله نقمة ولا يراقب منه سطوة فبتر الله عمره وأخبت [اجتتْ - المصدر] أصله وفرعه ، وسلبه ما

ص: 361


1- ترى هذا الخبيث العباسي الذي لا يقل خبثاً عمن تبرأ منه لا يذكر ما فعله معاوية بالحسن وكيف قضى عليه بالسم فهو يعدد جرائمه ويقفز على هذه الجريمة لأن أجداده وآبائه لم يقلوا إجراماً عما جنى معاوية ونغله بحق أهل البيت . (المترجم)

تحت يده ، وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته .

هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله وتعطيل أحكام الله واتخاذ مال الله بينهم دولاً ، وهدم بيت الله ، واستحلالهم حرامه ونصبهم المجانيق

عليه ورميهم بالنيران [إيَّاه إليه - المصدر] لا يألون له إحراقاً وإخراباً ، ولما أ حرم الله منه استباحة وانتهاكاً ، ولمن لجأ إليه قتلاً وتنكيلاً ، ولمن أمنه الله

به إخافة وتشريداً ، حتى إذا حقت عليهم كلمة العذاب ، واستحقوا من الله الانتقام ، وملأوا الأرض بالجور والعدوان ، وعموا بلاد الله بالظلم والاقتسار ، وحلّت عليهم السخطة ، ونزلت بهم من الله السطوة ، أتاح الله لهم من عترة نبيّة وأهل وراثته ، ومن استخلصه منهم لخلافته مثل ما أتاح من أسلافهم المؤمنين ، وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين ، فسفك الله به دمائهم مرتدین كما سفك بآبائهم دماء آبائهم المشركين ، وقطع الله دابر الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .

أيها الناس ، إنّما أمر ليطاع ، ومثل ليتمثل ، وحكم ليفعل ، قال الله سبحانه وتعالى : «إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً» (1)وقال : «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» (2)فالعنوا أيها الناس من لعنه الله ورسوله ، وفارقوا من لا تنالون القربة من الله إلا بمفارقته .

اللهم العن أبا سفيان بن حرب بن أمية ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وولده وولد ولده .

اللهم العن أئمة الكفر وقادة الضلال وأعداء الدين ومجاهدي الرسول

ص: 362


1- الأحزاب : 64 .
2- البقرة : 159 .

ومعطّلي الأحكام ومبدلي الكتاب ومنتهكي الدم الحرام .

اللهم إنا نبرأ إليك من موالاة أعداءك ، ومن الإغماض لأهل معصيتك كما قلت : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .(1)

أيها الناس ، اعرفوا الحق تعرفوا أهله ، وتأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها فقفوا عندما وقفكم الله عليه ، وانفذوا كما أمركم الله به ، وأمير المؤمنين يستعصم بالله لكم ويسأله توفيقكم ، ويرغب إليه في هدايتكم ، والله حسبه وعليه توكله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .(2)

وإذا شئت الاطلاع على مساوئ بني أمية بأكثر من هذا أنظر «مفاخرة بني هاشم وبني أمية» الواردة في الشرح المذكور (3)مضافاً إلى الفوائد التي ساقها الشارح من عنده لأن الجاحظ وإن كان من أعداء أمير المؤمنين علیه السلام وكان كتب رسالة في إثبات إمامة المروانية وسمّاها «كتاب إمامة أمير المؤمنين معاوية ...» فقد ذكر في رسالة المفاخرة شطراً مقنعاً وفصلاً مشبعاً من خبث أع-راق هذه الشجرة الملعونة والطائفة المشئومة وسوء أخلاقها ودنائة حسبها وردائة نسبها ، ولله درّ أبي القاسم المغربي حيث قال :

ثم امتطاها عبد شمس فاغتدت***هزواً وبدل ربحها بخسار

وتنقلت في عصبة أموية***ليسوا بأطهار ولا أبرار

ابين مأفون إلى متزندق***ومداهن ومضعف وحمار

ص: 363


1- المجادلة : 22 .
2- تاريخ الطبري 8: 183 في ما وقع سنة 248 ، بحار الأنوار 8: 543 ط .اُفست (هامش الأصل) و أيضاً في الطبري 55:10 طبعة أخرى ، وشرح ابن أبي الحديد 15 : 180 .(المترجم)
3- شرح ابن أبي الحديد 15 : 262 ط بيروت.

قال ابن أبي الحديد فأما قوله في بين أميّة ما «بين مأفون ..» البيت ، فمأخوذ من قول عبدالملك بن مروان - مصدر ] وقد خطب فذكر الخلفاء من بني أمية قبله ، فقال : إنّي والله لست بالخليفة المستضعف، ولا بالخليفة المداهن ، ولا بالخليفة المأفون، عنى بالمستضعف عثمان، وبالمداهن معاوية، وبالمأفون يزيد بن معاوية، فزاد هذا الشاعر فيهم اثنين وهما المتزندق وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، والحمار وهو مروان بن محمّد بن مروان (1).

تنبیه

في البحار عن كامل البهائي - وهو من مصنفات عماد الدين الحسن بن على الطبري المعاصر للمحقق وأستاذ البشر قدّس سرّهما وكتبه لبهاء الدين محمد

الجويني في عهد هلاكو كما يستفاد ذلك من رياض العلماء للفاضل المتتبع الميرزا عبدالله المعروف بالأفندي تلميذ العلّامة المجلسي - ونقل عنه أنه قال : إنّ أميّة كان غلاماً رومياً لعبد شمس فلما ألقاه كيساً فطناً أعتقه ،وتبناه، فقيل أمية عبد شمس كما كانوا يقولون قبل نزول الآية زيد بن محمد ، والآية: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ» (2)ولذا روي عن الصادقين في قوله تعالى: «الم»«غُلِبَتِ الرُّومُ» (3)أنّهم بنو اُميّة . ومن هنا يظهر نسب عثمان ومعاوية وحسبهما وأنهما لا يصلحان للخلافة لقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الأئمة من قريش» .(4)

وفي البحار أيضاً عن إلزام الناصب قال: إن أمية لم يكن من صلب عبد شمس

ص: 364


1- ابن أبي الحديد 6 : 17 ط بيروت واللفظ من المصدر لا شفاء الصدور فإنّ فيه تصحيفات (هامش الأصل) وقد جرت مطابقته من المترجم.
2- الأحزاب : 40 .
3- الروم : 1 و 2 .
4- البحار :8 361ط أفست. (هامش الأصل) و 31: 543 ط دار الرضا بيروت - لبنان . (المترجم)

وإنّما هو من الروم فاستلحقه عبد شمس فنسب إليه، فنبو أُميّة كلّهم ليسوا من صميم قريش وإنّما هم يلحقون بهم ، ويصدق ذلك قول أمير المؤمنين علیه السلام : لصاق وليسوا صحيحي النسب إلى عبدمناف ، ولم يستطع معاوية إنكار ذلك .(1)

وروى المحقق المحدّث الكاشاني قدّس سرّه النوراني من كتاب «الاستغاثة في بدع الثلاثة» - وهو على التحقيق من مصنفات علي بن أحمد الكوفي صاحب کتاب (الأنبياء) وكتاب (الأوصياء) وهذا الكتاب مذكور في رجال النجاشي باسم (كتاب بدع الثلاثة) كما أورد ذلك المحقق التحرير الشيخ أسد الله الشوشتري ناقلاً عن تلميذه المتتبع الشيخ عبدالنبي الكاظمي في حاشية (نقد الرجال) مستمداً من إشارة الشيخ يوسف البحراني ويؤكد نسبة الكتاب إلى علي بن أحمد روايته بلا واسطة عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، ومع كلّ ما تقدّم نسب المحقق المذكور في كتاب الصافي والمحدّث المتبحر المجلسي في مقدّمة بحار الأنوار الكتاب لابن ميثم البحراني وهذا غريب جداً منهما جداً منهما مع سعة باعهما وكثرة اطلاعهما ..

وبالجملة ؛ ورد في الكتاب المذكور وهو مروي عن الكتاب المذكور وهو مروي عن علماء أهل البيت بأسرارهم وعلوّهم ووصل إلى علماء الشيعة أن قوماً ينسبون إلى قريش وليسوا منهم في حقيقة النسب وهذا من الأخبار التي لا يعلمها إلا معادن النبوة وورثة علم الرسالة وذلك نظير بني أمية حيث نفوهم عن قريش وألحقوهم نسباً بالروم وفيهم ورد تأويل هذه الآية «الم»«غُلِبَتِ الرُّومُ» ومعناها أنّهم غلبوا على الملك وسيغلبهم بنو العباس عجلين، وهذا التأويل يناسب قرائة ( غلبت) بصيغة المعلوم كما في الصافي، وجعلت هذه القرائة من الشواذّ.

ص: 365


1- بحار الأنوار 544:31

وفي البحار عن كنز الفوائد للعلامة الكراجكي روى قريباً من هذا المعنى بطريقين: أحدهما عن ابن عقدة، والآخر عن محمد بن العباس الماهيار صاحب التفسير المعروف، ويمكن أن يشار إلى ضعف النسب الأموي بأشعار أبي العطاء السندي وهو من مشاهير شعراء الدولتين المخضرمين التي نظمها في هجاء بني أميّة ، والشعر بنفسه مرغوب فيه وإن لم يؤت به شاهداً على ما تقدّم من نسب الأمويين، فلله درّه وعلى الله بره، فلقد أجاد ما شاء:

إنّ الخيار من البريّة هاشم***وبنو أمية أفجر الأشرار

وبنو أمية عودهم من خروع***ولهاشم في المجد عود نضار

أما الدعاة إلى الجنان فهاشم***وبنو أمية من دعاة النار

وبهاشم زكت البلاد وأعشبت***وبنو أمية كالسراب الحار

النصائح الكافية : 138(1)

فائدة

حكمت طائفة من بني أمية في المغرب، وسموا أنفسهم خلفاء ولكنهم لا يُعتدّ

بهم، ولا يُعدّون شيئاً، لاضطراب أيامهم على الأغلب، وتدهور أمور مملكتهم وكانت رقعة الأندلس صغيرة ، من ثَمّ لم تتجه إليهم الأنظار، ولم يحسب ملكهم في الأندلس من أيام بني أمية، كما أنّ أيّام عبد الملك لم تُعدّ لأنّها صاحبت فتنة ابن الزبير، لأنّ خلافته اختصت بالأردن ودمشق وما حولها (2)، ومثله معاوية فلم يُسم خليفة مع وجود الإمام الحسن وإن حكم مصر والشام.

ص: 366


1- النصائح الكافية : 143 . (المترجم)
2- لعل المؤلّف يقصد مروان أبا عبد الملك وأما عبد الملك ففي عهده قتل ابن الزبير وانتظمت له الأمور وخضع له العباد والبلاد.

فتبيّن من هذا أنّ ضيق رقعة الملك وقلّة المملكة توجب عدم الاعتداد بالمتحكم، ولا خصوصيّة للمشرق أو المغرب في ذلك ، كما هي الحال في بحار الأنوار فقد كانت وجهته المشرق فلم يعتد بغيره وكان عليه اعتماده وله عنايته، وهذا الوجه وإن كان بسبب ما قلناه من ضيق الرقعة وقلة البلاد والحك-م ف-ه-و صحيح من هذه الناحية وإلا فهو ضعيف وموهون.

توضیح

ظاهر العبارة في هذه الزيارة بصرف النظر عن تأكيد التعميم بلفظ قاطبة حيث يوجب سياق الكلام بها منع التخصيص، تكشف عن أن بني أمية أجمعين أكتعين أبصعين أتبعين خبثاء مستحقو اللعن.

لأن المتكلم لم يأخذ وصفاً في عنوان الحكم لينسحب على العام ويتعنون به فلا يوجد في عموم الأفراد وصف قابل لمعارضة الحكم ، فإذا حصل لنا الشك في جماعة من بني أمية هل قضوا على العقيدة الحقة والفطرة النقية وماتوا حين ماتوا مؤمنين بالحق غير دافعين له بل منكرين لسيرة ذويهم، فإننا نحكم بفساد اعتقادهم بناءاً على مقتضى هذا العموم في النص، حيث لعنهم قاطبة ، والمؤمن لا يستوجب اللعن إذا فلا يكون مؤمناً

وهذا نظير ما إذا قال المولى لغلامه : أكرم جيراني، فمع كون حاله تدلّ على عدم إكرام أعدائه ، فإنّ العبارة المذكورة كاشفة أنّ العدوّ لا يوجد في جيرانه وقد حققنا هذا المطالب في الأصول بصفة مستوفاة وشرحه والدنا المحقق في كتاب (مطارح الأنظار) شرحاً وافياً وكان له تحقيق مغن في هذا الباب عما عداه. ولكن يستخلص من هذه العبارة إشكال بيّن لا مندوحة من ذكره، وهو أن الحكم على بني أمية عامة بعدم الإيمان يعارضه وجود جماعة من القدماء والمتأخرين كانوا يوالون أهل البيت مثل خالد بن سعيد بن العاص وأبو العاص

ص: 367

ابن الربيع وهو من الأولى تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ، وثبت مع أمير المؤمنين علیه السلام ، كما نص على ذلك العامة والخاصة في كتبهم ، واعتبر الحرّ العاملي في أمل الآمل الأموي الأبيوردي الشاعر من علماء الشيعة وكذلك يظهر لنا بالتتبع أن كثيراً من الرجال والنساء المنسوبين إلى هذه الطائفة كانوا على جانب كبير من الاستقامة مثل أمامة بنت أبي العاص التي تزوّجها الإمام أمير المؤمنين بعد وفاة الصديقة الطاهرة علیها السلام البوصية منها، ومثل محمد بن حذيفة وأمه بنت أبي سفيان وكان من خواص أمير المؤمنين علیه السلام وتحمّل المشاق الصعبة في سبيل محبّته ، ودخل سجن معاوية في هذا السبيل، وعانى منه سنين عدداً ومعاوية لعنه الله خاله، ولم يتفق معه قط .

والجواب على هذا الاعتراض يمكن تحقيقه في وجوه :

الوجه الأوّل: الظاهر أنّ عموم اللفظ يشمل الموجودين ساعة الخطاب، لأنّ حكم الإضافة في الوضع أنها حقيقة في المعهود ولا معهود في تلك الآونة إلا الموجودون من الأمويين وهذا الوجه ضعيف لأنّ المراد من الموجودين إن كانوا في زمن الراوي الذي هو زمن الإمام الصادق أيضاً فينبغي أن لا يتناول اللفظ أولئك المتقدمين من بني أمية وهم الأكثر ونحن نقطع بدخول معاوية ويزيد في هذا اللعن . وإن كان القصد جميع الأزمان السابقة من إمام إلى إمام فالإشكال باق على حاله فى الأخيار المتقدمين منهم.

الوجه الثاني: أن نلتزم بفساد الفطرة الأموية وانحرافها وإن حصل لبعضهم الاستقامة في عهد ما من المجتمع فإنّ حكم الفطرة المعوجّة يغلب عليهم ويؤدّي إلى انحرافهم عن جادة الصواب ويحملهم ذلك على الارتداد ويخرجون من الدنيا على الضلال، نعوذ بالله العظيم.

ولو أننا قطعنا باستقامتهم السابقة فلا دليل على إحرازها ساعة الوفاة إلّا

ص: 368

بالاستصحاب، والدليل المذكور المتضمّن لتجويز لعنهم قاطبة أمارة كاشفة عن استيعاب واستغراق جميع الأفراد بحكم خباثتهم، من هنا نحكم بجواز لعنهم

والبرائة منهم .

ويجب أن يعلم أنّ المراد ببني أمية بحكم الوضع واللغة هم الرجال المنسوبون بالآباء إلى أميّة فلا وجه لعدّ أمامة وهي بنت أو محمد بن حذيفة وهو منسوب إليهم من جهة أمه وأمثالهما منهم ، بل لا سبيل لعدّ أبي العاص من بني أمية وإن جاء في ذلك خبر ضعيف .(1)

وفي رسالة مفاخرة الجاحظ أنّ بني أمية استدلوا على نفي الشجرة الملعونة عنهم بوجود أبي العاص (2).

فيهم وهذا القول غير ملتئم في ميزان تصحيح الأنساب لأنّ أبا العاص بن ربيع بن عبدالعزى بن شمس بن عبدمناف وهو عبشمي كما ذكر ذلك في أسد الغابة وغيرها.

ولا وجه لذكر الأبيوردي في الشيعة وإن ذكر ذلك الشيخ الحر في أمل الآمال، ولم يقم شاهداً على ذلك وكان بأشعاره يفخر بأمويته ويأسف على ضياع

ص: 369


1- محمد بن أحمد الكوفي الخزاز ، عن أحمد بن محمد بن سعد الكوفي ، عن ابن فضال، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي مسروق النهدذي، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة قال : دخل سعد بن عبدالملك وكان أبو جعفر يسمّيه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان على أبي جعفر فبينا ينشج كما تنشج النساء ، قال : فقال له أبو جعفر : ما يبكيك يا سعد ؟ قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن فقال له : لست منهم ، أنت أموي منا أهل البيت، أما سمعت قول الله تعالى عزّ وجلّ يحكي عن إبراهيم : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» [إبراهيم : 36]. [الاختصاص : 59، بحار الأنوار 46: 338 ط الله لبنان.] (هامش الأصل) الاختصاص : 85 تحقيق غفاري ط جماعة المدرسين - قم ، والبحار 46: 336 (المترجم)
2- ابن أبي الحديد 15: 263 ط بيروت (هامش الأصل)

الملك منهم وهذا الأمر ينافي التشيّع بل تقتضيه الفطرة الأموية الخبيثة.

وأخطاء الشيخ الحرّ من هذا النمط كثيرة ، لأنه عد أبا الفرج الأصفهاني وهو مرواني من علماء الشيعة الإمامية ، لأنه لم يكن إماميّاً بالإجماع بل كان من علماء الزيدية، وسرى الخطاء إلى الشيخ من قول بعضهم أنه من الشيعة وتخالف رواياته روايات الإمامية غالباً كما يظهر ذلك التتبع والتقصي في كتابه الأغاني ، إذ لا يجيز الإمامي أن ينسب إلى عبدالله بن جعفر ذي الجناحين الذي هو في عصره ثاني الحسنين وثالث القمرين استماع الغناء مع أنّ حليلته زينب سلام الله عليها عقيلة خدر الرسالة ومحجوبة ستر الإمامة ورضيعة ثدي الزهد والعصمة والوليّة، وربيبة حجر العلم الحكمة النبوية ، وكانت تعيش معه في بيت واحد.

وهكذا تجد من طراز هذه الترهات والخزعبلات في الأغاني الكثير .. وه-و الذي نسب الندم إلى الحسين من مسيره إلى كربلاء في يوم عاشوراء وكتابه (مقاتل الطالبيين) معروف، وتعرّضنا لشرح حاله وإن جاء على سبيل الاستطراد ولكنه إن تأملت مطلوب لذاته .

ومجمل القول إنّي أذكر في هذا المقام قطعة من الشعر له تدلّ على اختلال عقيدته :

لكنا أقاليم البلاد فأذعنت***لنا رغبة أو رهبة عظمائها

فلما انتهت أيامنا علقت بنا***شدائد أيام قليل رخائها

وكان إلينا في السرور ابتسامها***فصار علينا بالهموم(1) بكائها

وصرنا نلاقي النائبات بأوجه***رقاق الحواشي كاد يقطر مائها

وفي البيت الذي يقول فيه وصرنا نلاقي تداعى في خاطري شعر سيّد

ص: 370


1- في الهموم - وفيات (هامش الأصل)

الشعراء وخاتم الأدباء الشاعر الماهر والأديب المعاصر السيد حيدر الحلي حيث يقول :

من أين تخجل أوجه أمويّة***سكبت بلذات الفجور حيائها

ومن الشعر الذي يفخر به بنسبه هذه الأبيات وهي من نجدياته :

قالت لصحبي سراً إذ رأت فرسي***من الذي يتعدّى مهره خببا

فقال أعلمهم بي إن والده***من كان يجهد أخلاف العلى حلبا

ما مات حتى أقر الناس قاطبة***بعزّه وهو أعلى خندف نسبا

لم يكتف بالفخر بالعنصر الأموي فحسب بل جعله أعلى قبائل خندف في النسب مع ما علمت من ردّ بعضهم نسبهم في قريش وسوف يتجلى نسب أبي سفيان وأمّه حمامة وأهون بالخيبة والفضيحة من النسب الذي ينتهي إلى أبي سفيان ثمّ منه إلى أميّة .

ولو قيل للكلب أمثاله***عوى الكلب من لؤم هذا النسب (1)

وفي غيره من نجدياته يقول:

وإنّي وإن كان الهوى يستفزني***لذو مرة قطاعة للقرائن

أروم العلى والسيف يخضبه دم***بأبيض بتار وأسمر مارن

وإن خاشنتني النائبات تشبثت***بأروع عبل الساعدين مخاشن

إذا سمّته خسفا تلظى جماحه***وأجلين عن خصم ألد مشاحن

لئن سلبتني نخوة أمويّة***خطوب أعاينها فلست بحاضن

ص: 371


1- المشهور في البيت: ولو قيل للكلب يا باهلي***عوى الكلب من لؤم هذا النسب ولا معنى لقوله : أمثاله . (المترجم)

قاتله الله ما أشعره وفي موضع آخر من نجدياته. يقول خارج أدب النسيب ويشتد في تحمّسه في الغزل ثم يقول :

بني خيثم الله الله في دمي***فطالبه الذي قوله الفعل

ومرد على جرد بأيد تمدها***إلى الشرف الضخم الخلائف والرسل

دم أموي ليس ينكر فرده***وما بعده إلّا الفرار أو القتل

ألم يك في عثمان للناس عبرة***فلاتر حضوه طله إنه يغلوا

ولولا الهوى سارت إليكم كتيبة***يعضل من نجد بها الحزن والسهل

ومن تأمّل أشعاره هذه لا يبقى عنده أدنى شك في انحرافه وعدم استقامته وأكثر شعره تصريحاً بنواياه المقطوعة الأخيرة التي يستعيد فيها ذكرى دم عثمان ويتباهى بحروب الجمل وصفين، بل إنّ له أشعاراً في يوم الطفوف كما سوف تعلم أنّ بني أمية إنّما ألبسوها قميص عثمان وأثاروها معنونة بالطلب بدم عثمان ، ولقد ارتكبوا أموراً شنعاء انتقاماً لدمه وأخذاً بثأره.

والعجيب أنّ المقطوعة الأولى من شعره التي سلفت منا مذكورة في الوفيات والشيخ الحر العاملي أخذ شرح أحواله من الكتاب نفسه ولكنه غفل عن مضمون هذا الشعر .(1)

وجملة القول : إنك عرفت تقريب الوجه الثاني، والإنصاف أن الالتزام بهذا الوجه على الوجه الذي يلجئنا إلى رفع اليد عن الأمور المقطوع بها مع فرض التحقق من تحكيم هذا الدليل على استصحاب سلامة عقيدتهم أمر مشكل جداً

ص: 372


1- وفيات الأعيان 446:4 ، وفي القطعة بيت سقط من الناس وهو قوله : إذ ما هممنا أن نبوح بما جنت***علينا الليالي لم يدعنا حيائها والمؤلف ذكره بقرينة استشهاده ببيت الحلّي ولكن الناسخ أهمله غفلة . (المترجم)

لاسيما وأنّ هناك عمومات أخرى في فضائل المؤمنين بأيدينا لا يسهل الالتزام بتخصيصها بل هو صعب مستصعب، وربما كان في رواية حياة الحيوان التي سلفت (ذيل وآل مروان) لا تخلو من تأييد من أنّ النبي قال : ما أقل المؤمنين فيهم .(1)

لأنّ هذا الخبر مع ملاحظة اشتماله على ذمّ بني أمية ، مظنون الصدق، ولا أرى أحداً يقدح بخالد بن سعيد تمسكاً بهذا الحديث مع ما كان عليه خالد بن سعيد من إظهار الإخلاص والتودد والثبات، وما أظهره من حسن البيان في المسجد مع معارضته أبابكر وامتناعه من بيعته، وهذا بأجمعه مذكور بأهم المصادر التاريخية وتشتمل عليه أمهات الكتب الموثقة (2)ثمّ إنّه بعد هذا وذاك صحابي مؤمن مطيع لأهل بيت نبيه صلی الله علیه و آله وسلم والعمومات الواردة في فضل الصحابة ومدايح المهاجرين تشمله ولا دليل على إخراجه بخصوصه منها علاوة على أنّ الوجه الثالث موجب لظهور الوهن والضعف في هذا الوجه.

الوجه الثالث: المراد من بني أمية خصوص أولئك الذين أعانوا في غصب الخلافة وإطفاء نور الله وجحد كلمة الولاية، وشاركوا في مجريات الأحداث

ص: 373


1- رواية الخصال باب الأربعة : 108 بالإسناد عن الرضا عن أبيه عن آبائه أن رسول الله كان يحبّ أربع قبائل : كان يحبّ الأنصار وعبد القيس وأسلم وبني تميم، وكان يبغض بني أمية وبني حنيف [حليف - ظ] وبني ثقيف وبني هذيل ، وكان يقول : لم تلدني أم بكر ولا ثقفية ، وكان يقول : في كل حي نجيب إلا في بني أمية .
2- في الاحتجاج للطبرسي : 47، والخصال باب الإثني عشر 2: 67 : إنه من الإثني عشر الذين أنكروا على خلافته وجلوسه مجلس رسول الله ، بل أولهم، حيث قام فقال : يا أبا بكر ، اتق الله ... وفي الاحتجاج : 51 ، قال لعمر : يابن صهاك الحبشية ، أبأسيا فكم تهدّدوننا أم بجمعكم تفزعوننا ؟ والله إنّ أسيافنا أحد منكم وإنا لأكثر منكم وإن كنا قليلين لأن حجة الله فينا ، والله لو لا أني أعلم أن طاعة الله ورسوله وطاعة إمامي أولى لشهرت سيفي وجاهدتكم في الله إلى أن أبلي عذري فقال أمير المؤمنين : اجلس يا خالد فقد عرف الله مقامك وشكر لك سعيك. وراجع ترجمته في التنقيح 1: 391 (هامش الأصل)

بالسيف والسنان والقلم واللسان، وأظهروا بغض أهل البيت، ويؤيد هذه القضيّة أنّ هذا هو المتبادر إلى الأذهان من ذكر القضية مع ملاحظة الإشكال السابق. أضف إلى ذلك قلة مصاديق عنوان بني أمية لأنّ أبنائه النسبيين قليلو العدد، وأما الحكم وأولاده فكلّهم أبناء سفاح ولغير رشدة، وأما أولاد أبي سفيان فهم متهمون بخبث الولادة بل على التحقيق كانوا لغير رشدة كما سوف أشير إليه في محلّه إن شاء الله ، وأما أولاد أبي معيط وهم أولاد ذكوان أبيه فهم لصقاء؛ لأنّ ذكوان في رأي جماعة إنّه غلام أمية وألحقه بنسبه وتبنّاه كما أشار إليه في أسد الغابة (1).

فلابد من حمل العموم في الجملة المذكورة على الزيادة على الطائفة المشتملة على خلفائهم وأمرائهم، ويكون بناءاً على هذا لفظ بني أمية عنواناً عرفياً من أجل الإشارة إلى تلك الجماعة المعهودة، وحقيقة الإضافة في العهد شاهد صدق هذه الدعوى، ومجملاً يؤيد بل يصدّق هذا المعنى الخبر المذكور في الخصال في باب السبعة : للنار سبعة أبواب، وباب يدخل منه بنو أمية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد، وهو باب لظى، وهو باب سقر ، وهو باب الهاوية تهوي بهم سبعين خريفاً ....

وفي آخر الحديث : قال محمد بن فضيل الرزقي راوي الحديث : فقلت لأبي عبدالله علیه السلام : الباب الذي ذكرت عن أبيك عن جدك علیهما السلام أنه يدخل منه بنو أمية يدخله منهم من مات على الشرك أو من أدرك منهم الإسلام ؟ فقال : لا أمّ لك ، ألم تسمعه يقول : وباب يدخل منه المشركون والكفّار ، فهذا الباب يدخل فيه كلّ مشرك وكل كافر لا يؤمن بيوم الحساب ، وهذا الباب الآخر يدخل منه بنو أمية لأنّه

ص: 374


1- وقد قيل إن ذكوان كان عبداً لأمية فاستلحقه [أسد الغابة 5 : 90 ] وفي 1: 251 : ثم أدركته «أمية» وقد عمي يقوده غلام له يقال له ذكوان ...

هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصة يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار حطماً لا تسمع لهم فيها واعية ، ولا يحيون فيها ولا يموتون .(1)

وثبت هنا أنّهم فسّروا بني أمية بتلك الجماعة المخصوصة التي تقمصت سروال الخلافة وتشبثت بأذيالها ، وهذا التوجيه بنظري أقرب إلى التحقيق ، وهذا ليس تخصيصاً ليقول القائل : سياق هذا العام من حيث التأكيد يأبى التخصيص بل هو تخصص ومؤكد للتأكيد.

وفى هذا المقام مقال هو أهل لأن نعرض له بل ذكره لازم حتماً ، ومجمله كما يلي : يظهر من طائفة من الأخبار والآثار في الجملة مدح عمر بن عبدالعزيز من قبيل ما فعله من رفع السبّ عن أميرالمؤمنين عندما تسنّم غارب الخلافة، وكان معمولاً به فى العهد الأموي وأشاد به كثير عزة وقال الأبيات التالية في مدحه:

ولیت فلم تشتم عليّاً ولم تخف***برياً ولم تتبع بريّاً ولم تتبع مقالة مجرم

تكلمت بالحق المبين وإنما***تبيّن آيات الهدى بالتكلّم

وصدقت معروف الذي قلت بالذي***فعلت فأضحى راضياً كل مسلم

ألا إنما يكفي الردى بعد زيفه***من الأود البادي ثقاف المقوّم

ورد فدك على أهلها من آل مروان بعد أن نحلها عثمان مروان بن الحكم وأحسن إلى أهل البيت فلم يظلم منهم أحداً.

ونقل عن فاطمة بنت سيّدالشهداء أنها قالت: لو كان عمر بن عبدالعزيز حيّاً لما احتجنا .

ص: 375


1- الخصال 2 : 12 باب للنار سبعة أبواب. (هامش الأصل) الخصال: 361 تحقيق غفاري، نشر جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية. (المترجم)

ونقل العامة عن باقر علوم النبيين : لكل قوم نجيب وعمر بن عبدالعزيز نجيب بني أمية .(1)

ومن الأقوال المشهورة : الناقص والأشجّ أعدلا بني مروان، والناقص هو يزيد بن الوليد الذي نقص أعطيات أبيه ، والأشج هو عمر بن عبدالعزيز لوجود شجّة

في رأسه.

وفي كتاب قرب الإسناد ويصل السند إلى صادق آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم عن أبيه الباقر علیه السلام إنّه قال : لما ولّى عمر بن عبدالعزيز أعطانا عطايا عظيمة ، قال : فدخل عليه أخوه فقال له : إنّ بني أمية لا ترضى منك بأن تفضّل بني فاطمة عليهم ، فقال : أفضلهم لأني سمعت حتى لا أبالي أن أسمع أو لا أسمع أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يقول: إنّ فاطمة شجنة منّي ، يسرني ما أسرها، ويسوئني ما أسائها، فأنا أتبع سرور رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأتقى مسائته .. (2)

ويعثر المتتبع على أخبار من هذا القبيل ومن هذه الجهة توقف بعض الأكابر وهو الفاضل المتبحر الميرزا عبدالله أفندي صاحب «رياض العلماء» في هذا الكتاب جازماً عن لعنه ونقل كلامه وحكاه عنه ، ولست أود أن أذكر اسمه الشريف وأنسب إليه هذه الدعوى الباطلة في هذا الكتاب.. ولا وجه لذلك (3)بل

ص: 376


1- تاريخ الخلفاء : 230 ط السعاد بمصر . (هامش الأصل) وسُئل محمد بن علي بن الحسين عن عمر بن عبدالعزیز ، فقال : هو نجيب بني أمية وإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده .. الخ ، والسياق يخالف ما ذكره المؤلّف . (المترجم)
2- قرب الإسناد 1 : 53 (المترجم) تاريخ الخلفاء : 230 ط السعادة بمصر . (هامش الأصل)
3- أدع شيخي الجليل على رأيه في جواز لعن الرجل وأسأله عن الخلافة هل كان باستطاعته أن يردها إلى أهل البيت بين عشية وضحاها ؟ ومن أين لشيخنا أن ابن عبدالعزيز لا ينوي ردّها وقد كان فيما بلغنا من أخباره أنه ينوي التغيير والثورة على بني أمية حتّى أنّ ابنه عبد الملك طالبه بإعلان الثورة على كل ما هو أموي لكنّ أباه أجابه إني أخشى أن يستعينوا علينا بمن نثور من أجلهم أي الضعفاء، ومعناه أن الثورة لم تنضج بعد . ثمّ أسأل الشيخ عن قول الشريف : غير أني أقول إنك قد طبت***وإن لم يطب ولم يزك بيتك هل يجوز لعن الطيب ؟ وباعتقادي أن الشيخ قسى على ابن عبدالعزيز ومن حقه علينا السكوت ؛ لا نلعنه ولا نترحّم عليه . (المترجم)

لعنه أوضح الواضحات وأوجب الواجبات لأنه لا ذنب أعظم من ذنب غصب الخلافة وادّعاء الإمامة وقد فعلهما، وتحمّل هذا الوزر العظيم حياً وميتاً ، ولا ضرر على الأمّة أعظم من منع الأئمة حقهم في الأمر النهي ، وإذا كان قد أحسن فهو من أجل المصانعة ومداراة الملك .

والحق يقال أنّ أهل السنة أثنوا عليه ثناءاً جميلاً وسموه عمر الثاني، ونحن نصفه أيضاً بهذا الوصف وننحو بحقه هذا النحو، ونعتقد فيه نفس المعتقد، ولقد نال العدل التقديري من عمر بالإرث لأنّه أمّه بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، بل تميزت سيرته الظاهرية عن سائر بني أمية ، وكلام الإمام الباقر - إن صح - فإنّه يحمل على نفس المعنى، فقول: عمر نجيب بني أمية ، معناه مضافاً إلى هذه الطائفة وإن كان في نفسه أخبث خلق الله ، ومثله قول : أعدلا بني مروان أي إنّ عدلهما بالنسبة إلى سائر الأمويين ، وإن كان قياسهم إلى العدول قياس الظالم إلى العادل.

وكيف يطلب عمر بن عبدالعزيز رضا فاطمة ولم يعهد بالخلافة إلى ولدها الإمام الباقر وهو إمام واجب الطاعة ومعجزاته وكراماته ملأت السهل والجبل وملأت سمع العدوّ وبصره وفمه ويده وكان معاصراً له ، ذلك هو الخسران المبين .

وروى في أصل عاصم بن حميد الحنّاط - الذي ملكت نسخته بعناية من الله جل ذكره - عن عبد الله بن عطا أنّه قال : كانت يدي بيد الإمام الباقر علیه السلام لما كان على عمر بن عبدالعزيز ثوبين ممصرين فقال الإمام الباقر : ليلين الولاية سريعاً ثمّ

ص: 377

يموت فيبكي عليه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء (1).

وهذه الرواية غاية في الاعتماد بل هي بناءاً على الأصل الذي أصلناه في حجيّة خبر الواحد حائزة على مرتبة نصاب الحجيّة والصحة لأنّ عاصم بن حميد ثقة جليل الشأن، روى عنه في أصله واعتبره نصر بن الصباح الذي يستند العياشي والكشي على أقواله في أكثر من مكان من نجباء أصحاب الصادق علیه السلام ودلالة ذلك على جلالة قدره ظاهرة، ونقل الشهيد الثانى فى كتاب الدراية نفس العبارة دونما نسبة إلى نصر بن الصباح وهذه إمارة الاعتماد وعلامة الاعتداد وموافقة هذا الخبر لعمومات لعن الغاصبين والمنحرفين عن أهل البيت وأعدائهم وإحباء أعدائهم وعموم اللعن المذكور في الزيارة كما بيّناه بنفسه معقل حصين وركن وثيق لمن حاله الشكّ .

أجل ، إنّ من الانصاف أنّ عمر بن عبدالعزيز عمل أعمالاً حسنة من قبيل رفع السب وردّ فدك ونحن نشكر له عمله هذا نظير مدح السيّد الأجل الأعظم

ص: 378


1- أصل عاصم بن حميد هو الأصل الثالث من ستة عشر أصلاً ، ص 23 الحديث الخامس، ونظيره الرواية التالية : أحمد بن محمد، عن الأهوازي ، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن دينار ، عن عبدالله بن عطا التميمي قال : كنت مع عليّ بن الحسين في المسجد فمر عمر بن عبدالعزيز عليه شراكا فضّة، وكان من أحسن الناس وهو شاب، فنظر إلى عليّ بن الحسين فقال : يا عبد الله بن عطا ، أترى هذا المترف ؟ إنّه لن يموت حتى يلي الناس . قال : قلت : هذا الفاسق ؟ قال : نعم ، فلا يلبث فيهم إلا يسيراً حتى يموت ، فإذا هو مات لعنه أهل السماء واستغفر له أهل الأرض [بصائر الدرجات : 45 ، بحار الأنوار 46: 327 ط لبنان ، إثبات الهداة 3 12] (هامش الأصل) أبو بصير قال : كنت مع الباقر في المسجد إذ دخل عمر بن عبدالعزيز متوكياً على موالي له ، فقال : ليلين هذا الغلام فيظهر العدل ويعيش أربع سنين ثمّ يموت فيبكي عليه أهل الأرض وتلعنه أهل السماء لأنه جلس مجلساً ولا حق له فيه ثم ملك وأظهر العدل وجهره . [إثبات الهداة 3: 51 عن الخرايج والجرائح]

الرضي وهو من أكابر الفقهاء والزهاد من أهل البيت ، له في ديوانه الشريف حيث خاطبه بقوله :

يابن عبد العزيز لو بكت العين***فتئ من أمية لبكيتك

غير أني أقول إنّك قد طبت***وإن لم يطب ولم يزك بيتك

أنت نزهتنا عن السب والقذف***ولو أمكن الجزاء جزيتك

ولو أني رأيت قبرك لاس_***تحييت من أن أرى وما حييتك

وقليل أن لو بذلت دماء البُدن***ضرباً على الذرى وسقيتك

دیر سمعان لا أغبك غادٍ***خير ميّت من آل مروان ميتك

أنت بالذكر بين قلبي وعيني***إن تدانيت منك أو قد نأيتك

وإذا حرّك الحشا خاطر منك***توهمت أنني قد رأيتك

وعجيب أني قليت بني مروان***طراً وإنني ما قليتك

قرب العدل منك لما نأى***الجور بهم فاجتنبتهم واجتبيتك

فلو أنّي ملكت دفعاً لما نالك***من طارق الردى لفديتك (1)

إرشاد

الأخبار في لعن عموم بني أمية كثيرة من طريق أهل البيت علیهم السلام ويستحب لعن بني أمية بعد كل فريضة كما روى ذلك شيخ الطائفة في التهذيب بسنده عن أبي جعفر باقر علوم النبيين علیهم السلام أنه قال لجابر الجعفي:

إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلا بانصراف لعن بني أُميّة ..(2)

ص: 379


1- ديوان السيد الرضى 1 : 215
2- التهذيب 1 : 165 و 227 ، بحار الأنوار 58 : 86. (هامش الأصل) التهذيب 2 : 109 و 321 (المترجم)

وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ

الشرح : المراد من ابن مرجانة هو ابن زياد وذكره باللعن بعد ذكر آل زي--اد وبني أمية وهو يشمله - كما مر في التحقيق السابق - لخصوصية له في قتل سيّدالشهداء، واحتمل المجلسي عليه الرحمة أنّ إفراده بالذكر لخبث مولده فلا يشمله حينئذٍ لفظ آل زيادٍ وبني أمية، وقد قلنا أنّ هذين الفرعين من بني أمية جميعاً أبناء سفاح ولغير رشدة، وإذا كان هذا هو الوجه فينبغي ذكر أحادهم ولا يقتصر الأمر على ابن زياد ،وحده، ونسبته إلى مرجانة لمزيد انتقاصه وذمه ليعلم مع حال أبيه حال أُمّه كذلك .

وكانت مرجانة من الزواني المعروفات وقد أشير إليها في الأشعار كما يقول في هذا الشعر سراقة الباهلي، ولنعم ما قال :

لعن الله حيث حلّ زياداً***وابنه والعجوز ذات البعول (1)

وقال جماعة : المراد من العجوز ذات البعول مرجانة، وظاهر العبارة المروية في رجال الشيخ الكشي في ترجمة ميثم التمار «يقتله العتل الزنيم ابن الأمة الفاجرة» (2)هذا وإن كانت الإشارة يمكن أن تدلّ على سميّة وربّما كانت أظهر من جهة .

وفي خطبة عاشوراء المروية في الاحتجاج : ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنين ....(3)وهذه العبارة صريحة بأنّ ابن زياد ولد الزنا أيضاً(4) مثل أبيه،

ص: 380


1- خالف شيخنا الجليل الطبري حيث قال : وكانت مرجانة امرأة صدق فقالت لعبيد الله حين قتل الحسين : ويلك ماذا صنعت وماذا ركبت .. الخ [ تاريخ الطبري 5 : 484] . (المترجم)
2- ليأخذنك ... رجال الكشي 1 : 85 رقم 140 . (هامش الأصل) جرى تطبيق ذلك . (المترجم)
3- بحار الأنوار 9:45ط بيروت. هامش الأصل 7:45 (المترجم)
4- يريد الإمام بالدعي استلحاقه بقريش ولكن نسبة الدعوة إلى عبيد الله هو ما قصده المؤلّف . (المترجم)

وسوف تسمع رأي أبناء العامة في ابن الزنا بأنّه أكثر نجابة (1)، والحق يقال : إنه لا أحد بعد الثاني أنجب من ابن زياد .

ولد ابن زياد ظاهراً في سنة ثمان وعشرين أو تسع وعشرين بعد الهجرة، و جمع له العراقان وهو ابن الثانية والثلاثين أي في سنة ستين من الهجرة، وكان أوّل وال يحوز في ولايته خراسان و آذربيجان والبحرين وعمان والهند وغالب الممالك الإيرانية ، ويقال : إن والده زياداً سبقه إلى ذلك. وفي عام واحد وستين شرع في قتل الحسين أرواحنا له الفداء.

وفي كتاب العقد الفريد أنّ عدد جيش الكوفة في عهد زياد كان ستين ألف مقاتل، ومن هنا يمكن العلم بما ورد في الأخبار المعتبرة من أنّ عدد الخارجين على الحسين كانوا ثلاثين ألفاً ولا غرابة في ذلك ؛ لأنّ الجيش الذي قوامه ستّون ألفاً يمكن تعبئة ثلاثين ألفاً منه في مدة وجيزة علاوة على ما يقال من أن ابن زياد يومها كان يستعدّ لقتال أهل الديلم ولكن طرأت وقعة كربلاء أثناء ذلك فحوّلت وجهه إليها دون بلاد الديلم، وبناءاً على هذا لا استبعاد في كثرة الجنود وتتابعها، فلعنة الله عليه وعلى جنوده.

ص: 381


1- إن الأحاديث الواردة في خبث ولد الزنا كثيرة، وفيها عناوين : منها : إن لولد الزنا علامات أحدها بغضنا أهل البيت. راجع سفينة البحار ، ذيل زني . ومنها : ولد الزناشر الثلاثة . راجع جامع الأصول لابن الأثير عن أبي هريرة 8: 79 الحديث 5924 ولكنّ بعض العامة يكذبون ذلك ويقولون : كذب الروافض ويلهم فيما ادعوا***في قولهم ابن الزنا لا ينجب هذا ابن خطاب الأمير وإنّه***أزكى البرية والأنام وأطيب تجارب السلف ، تصنیف هندو شاه صاحب نخجواني : 20 طبع بهمة ميرسيد حسن روضاتي ابن العلامة السيد محمد علي الروضاتي . وقال ميرزا حسن ابن الحكيم الصمداني في كتاب (الشمع واليقين) في معرفة الحق واليقين [بما يرجع إلى] قال القطب الشيرازي الشافعي في كتاب نزهة القلوب، نسب معاوية .... (المحقق)

وفي سنة سبع وستين هجرية - وكان عمره تسعاً وثلاثين عاماً - وصل إلى دركات الجحيم بيد واسطة الرحمة الإلهية والنعمة اللامتناهية إبراهيم بن الأشتر رضي الله عنهما، وتوجد في المقتل المنسوب إلى أبي مخنف واقعة عجيبة عن كيفية قتله ، ولما كانت الحكاية مستبعدة أعرضت عنها مع أنه لا غرض معتد به في هذه التفاصيل .

ومن العجايب أنّ قتله صادف ، أن قتله صادف يوم عاشوراء، ولما حملوا رأسه إلى الإمام السجاد فأدخل عليه وهو يتغدى، فقال علي بن الحسين علیهما السلام : أدخلت على ابن زياد لعنه الله وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه ، فقلت : اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدى، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي (1)كما فعل المخذول برأس الإمام المظلوم المبارك عليه وعلى جدّه وأبيه وأمه وأبنائه أفضل الصلاة

ص: 382


1- بحار الأنوار 45: 336. (هامش الأصل) و 45 : 335. (المترجم)

وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ

الشرح: عمر بن سعد بن أبي وقاص من الصحابة وأصحاب الشورى المتخلفين عن أمير المؤمنين ، وكان من كبار رجال عصره، وكان يرمى بالدعوة - بكسر الدال - وقد تعرّض علماء النسب لذكر نسبه . وجاء في مروج الذهب حديث حول المقام ننقله استطرافاً واستطراداً وهو كما يلي:

روى المسعودي عن محمد بن جرير الطبري قال : لما حج معاوية طاف في البيت ومعه سعد، فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة فأجلسه معه على سریره، ووقع معاوية لعنه الله في علي علیه السلام وشرع في سبّه .

فزحف سعد ثم قال: أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سبّ علي، والله لئن يكون في خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، والله لئن أكون صهراً لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وإن لى من الولد ما لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. والله لئن يكون قال لي ما قاله يوم خيبر : لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه الله ورسوله ويحبّ الله ورسوله ليس بفرار ، يفتح الله على يديه أحب إلى من أن يكون لى ما طلعت عليه الشمس. والله لئن يكون رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لي ما قال له في غزوة تبوك : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت، ثمّ نهض.

ثم يقول المسعودي : ووجدت في وجه آخر من الروايات وذلك في كتاب عليّ بن محمّد بن سليمان النوفلي في الأخبار عن ابن عائشة وغيره : إنّ سعداً لمّا

ص: 383

قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية (1)وقال له : اقعد حتّى تسمع جواب ما قلت : ما كنت عندي قط ألأم منك الآن، فهلا نصرته وقد قعدت عن بيعته ؟ فإنّي لو سمعت من النبي صلی الله علیه و آله وسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشئت .

فقال سعد: والله إنّي لأحق بموضعك منك.

فقال معاوية : يأبى عليك ذلك بنو عذرة، وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة.

قال النوفلي : وفي ذلك يقول السيد بن ذلك يقول السيد بن محمّد الحميري:

سائل قريشاً بها إن كنت زاعمه***من كان أثبتها في الدين أوتاداً

من كان أقدمها سلماً وأكثرها***حلماً وأطهرها أهلاً وأولادا

من وحد الله إذ كانت مكذّبة***تدعو مع الله أوثاناً وأنداد

من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا***عنها وإن بخلوا في أزمة جادا

من كان أعدلها حكماً وأقسطها***حلماً وأصدقها وعداً وإيعادا

إن يصدقوك فلم (2)بعدوا أباحسن***إن أنت لم تلق للأبرار حسّادا

إن أنت لم تلق من تيم أخا صلف***ومن عدي لحق الله حجادا

أو من بني عامر أو من بني أسد***رهط العبيد ذوي جهل وأوغادا

أو رهط سعد وسعد كان قد علموا***عن مستقيم صراط الله صدادا

قوم تداعوا زنيماً ثمّ سادهم***لولا خمول بني زهر لما ساد (3)

ص: 384


1- ضرط له عمل بفيه ما يشبه الضراط والمؤلّف فهم المعنى على الحقيقة ولذا قال : بادی از خود رها کرد براى او ، أي أطلق له الريح من تحته ، وهذا ينافي ما هم عليه لعن الله معاوية. (المترجم)
2- فلن .
3- مروج الذهب :3: 15 ط دار الهجرة - ايران . (هامش الأصل) 3 : 24 و 25 ط مؤسسة الأعلمي تحقيق عبد الأمير مهنا (المترجم)

ومن هنا يعرف نسب عمر بن سعد وسلامة فطرته عليهما اللعنة، فقد ورث الولادة المشبوهة من والده المنافق.

وحكي عن تقريب ابن حجر قيل إنّه من الصحابة وهذا خطأ لأنّ يحيى بن معين جزم بولادته يوم وفاة عمر بن الخطاب (1)ولا ينافي هذا الجزم ما ورد في الكامل بأنّه سعى لنيل أبيه الخلافة بعد هلاك عثمان (2)لأنه يعلم منه أنه لم يكن في ذلك الوقت طفلاً.

وفي الكامل أيضاً: عن ابن سيرين قال عليّ لعمر بن سعد : كيف وأنت إذا قمت مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنار فتختار النار .(3)

وفي أمالي الشيخ الصدوق رواية يرويها عن أبيه المعظم عن الكميداني [الكمنداني - المؤلّف ] عن ابن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن جعفر بن محمد الكوفي ، عن عبدالله السمين ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : بينا أمير المؤمنين علیه السلام يخطب وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلا نبأتكم به .

فقام إليه سعد بن أبي وقاص، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة.

فقال له : أما والله لئن سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله إنّك ستسألني عنها وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني، وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه .(4)

ص: 385


1- يقال : إنّ المولود في تلك الليلة هو عمر بن أبي ربيعة ولذا سمي باسم عمر . (المترجم)
2- کامل ابن الأثير 3: 33 بيروت - دار صادر . (هامش الأصل)
3- الكامل لابن الأثير :3: 33 بیروت - دار صادر . (هامش الأصل) 4 : 47. (المترجم)
4- أمالي الشيخ الصدوق : 133.

وهذا الخبر غاية في الضعف لضعف الكمنداني، وجعفر بن محمد الكوفي، وعبيد بن سمين مجهول بل ابن عيسى أيضاً، وإن كان المناسب في تدرّج الطبقات أن يكون الواسطة بين الكمنداني وابن أبي نجران أحمد بن محمد بن عيسى ، ولكن كان التعبير بابن عيسى خلاف المعهود .

وزبدة القول أنّ السند معلول والقرائن الدالة على خلافه واحد أو اثنان، وأوضحها أنّ سعداً كان من المتخلفين عن بيعة الإمام علیه السلام ولم يطأ أرض الكوفة

الهلال يومئذٍ ولم يضمّه مجلس تحت منبر الإمام علیه السلام مضافاً إلى أن سعداً يحظى بشيء من الاحترام لهجرته ولكونه أحد الذين رشّحهم عمر للخلافة، ولما كان عصر الإمام يتسم باضطراب الأمور وعدم الانتظام فلا يستدعي الحال هذا الجواب الشديد من جانب الإمام علیه السلام ، بل كان الإمام نفسه على طرف التقية وتأليف القلوب على أنّ سمة الصلاح الظاهري على سعد يردعه عن سؤال الجهال والحمقى .

ويؤيّده ما ورد في الاحتجاج نظير هذه الرواية مع اختلاف يسير وفيها مكان سعد وقام رجل وصرّح بطفولة وصغر تلك السخلة التي ما زالت تحبو على يديها ورجليها ويمكن أن يراد منه يزيد أبو خولى أو أنس أبو سنان، أما ذوالجوشن أبو الشمر فلم يكن أسلم بعد .(1)وكان الشمر في زمن أمير المؤمنين يعدّ من الرجال الأبطال كما سنذكره قريباً.

وخلاصة القول : كان لعمر بن سعد يوم عاشوراء من العمر سبع وثلاثون عاما ، وقتل في سنة ست وستين هجرية بيد كيسان أبي عمرة بأمر من المختار، وأقبلوا

ص: 386


1- ترجم له ابن حجر في الإصابة وقال : اسمه ذو الجوشن الضبابي - إلى أن يقول : وقيل له ذلك «ذوالجوشن» لأنّ صدره كان ناتئاً وكان فارساً شاعراً - إلى أن يقول : - وله حديث عند أبي داود من طريق أبي إسحاق عنه وقال إنه لم يسمع منه وإنما سمعه من ولد شمر ، والله أعلم . [2 : 410] وهذا يدل على أنه أسلم ولا يشك أحد بذلك ولكنه سرق من صدقات رسول الله عندما استعمله عليها . (المترجم)

بالرأس إلى مجلسه ووضع بين يدي ولده حفص، وقال له المختار : هل تعرف هذا ؟ فقال : نعم ولا خير في الحياة بعده، فأمر المختار بقطع رأسه وقال : عمر بالحسين وحفص بعلي بن الحسين ، لا والله ولو قتلت ثلاثة أرباع قريش لا تعدل أنملة من أنامل الحسين علیه السلام ، واستجيب للحسين دعائه عليه حيث قال: «سلّط الله عليك من يذبحك على فراشك لأنه وصل إلى دركات الجحيم من بيته وهو آمن في غاية الذل والمهانة.

نادرة

في تقريب ابن حجر - كما نقل الرواة ذلك - أن عمر بن سعد بن أبي وقاص المدني نزيل الكوفة صدوق لكن مقته الناس لكونه أميراً على الجيش الذين قتلوا الحسين من الثانية ، قتله المختار سنة خمس وستين أو بعدها ووهم من ذكره في الصحابة فقد جزم ابن معین بانه ولد يوم مات عمر بن الخطاب.. (1)انتهى .

وهنا يملك الإنسان العجب من اعتبار ابن سعد من طبقة التابعين بإحسان ويُعدّ له ويريد بحيلة أن يبرئه من قتل ريحانة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حيث يقول : كان أميراً ولا يقول : قتل الحسين علیه السلام .

والحق يقال : إن الدين الذي يرى يزيد إماماً مفترض الطاعة لا بدع إذا رأى ابن سعد عادلاً صادق اللهجة، ومنه يأخذون أحكام الدين وسوف نشير إلى ذلك فيما يأتي (2)من أنّ قواعد دين أهل السنة توجب أن لا يكون هؤلاء خارجين على الدين ، أنعم بهذه الشريعة والملة ، وأنعم بهذه الطريقة والمذهب(3).

ص: 387


1- تقريب التهذيب 1 : 717 طبعة ثانية ،1415 ، بيروت - دار الكتب العلمية . (المترجم)
2- في شرح «أمة أسرجت وألجمت وتنقبت» وشرح حال يزيد بن معاوية لعنهما الله . (هامش الأصل)
3- يقول ذلك على طريقة الهزء بهم ، أنعم وأنعم . (المترجم)

وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً

الشرح : شمر هو ابن ذي الجوشن لعنه الله ، وقيل اسمه أوس، وقيل اسمه شرحبيل بن الأعور الضبابي.

وجاء في أسد الغابة لابن الأثير في باب الذال : وإنّما قيل له ذوالجوشن لأنّ صدره كان ناتئاً.

يقول : أتيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ابن فرس لى يقال لها القرحاء ، فقلت : يا محمد ، أتيتك بابن القرحاء للتخذه ، قال : لا حاجة لي فيه، إن أحببت أن أقيضك به المختارة من دروع بدر فعلت . قال : قلت : ما كنت لأقيضه ، قال : فلا حاجة لي فيه .

ثم قال: يا ذا الجوشن ، ألا تسلم فتكون من أوّل هذه الأمة ؟ قال : قلت : لا ، قال : ولم ؟ قال : قلت : لأني رأيت قومك قد ولعوا بك، قال: وكيف قد بلغك مصارعهم ؟ قال : قلت : بلغني . قال : فأنّى يهدى بك ؟ قلت : أن تغلب على الكعبة وتقطنها ، قال : لعلّ إن عشت أن ترى ذلك، ثم قال: يا بلال، خذ حقيبة الرجل فزوده من العجوة (أغلى التمر - المؤلّف) فلما أدبرت قال : إنّه من خير فرسان بني عامر .

قال : فوالله إنّي بأهلي بالعودة إذ أقبل راكب، فقلت: من أين؟ قال: من مكة فقلت ما الخبر ؟ قال : غلب عليها محمّد ،وقطنها ، قال : قلت هبلتني لو أمّي أسلمت يومئذٍ ثمّ سألته الحيرة لأقطعنيها (1)وهذا مختصر الكلام المنقول عن ابن الأثير.

ثم يقول ابن الأثير بعد ذلك : وقيل : إنّ ابن إسحاق لم يسمع منه وإنما سمع

ص: 388


1- ابن الأثير ، أسد الغابة 2 : 138 . (المترجم)

حديثه من ابنه شمر بن ذي الجوشن (1)لعنه الله ..

وأمّ الشمر كما يظهر ذلك من خطاب الإمام الحسين له (يابن راعية المعزى)(2)يظهر من حاله أنّها معروفة بدنائة الفطرة وخبث الذات، لأنّ هذه الكلمة سواء أجريت على الحقيقة أو المجاز فإنّها دالة على القصد ولا شبهة في خباثة مولد الشمر وسوء نسبه وأنّه لغير رشده مطلقاً .

وكان الشمر لعنه الله يُعَدّ من شجعان الكوفة أصحاب الصيت، وكان في أوّل أمره مع أمير المؤمنين علیه السلام في عسكره.

وفي كتاب «نصر بن مزاحم» وذكر ذلك غير واحد من المؤرّخين العامّة والخاصة وروا عنه أنه قد كان خرج أدهم بن محرز من أصحاب معاوية إلى شمر بن ذي الجوشن في هذا اليوم، فاختلفا ضربتين فضربه أدهم على جبينه فأسرع فيه السيف حتى خالط العظم وضربه شمر فلم يصنع شيئاً فرجع إلى عسكره فشرب ماءاً وأخذ رمحاً ثم أقبل وهو يقول :

إنّي زعيم لأخي باهله***بطعنة إن لم أمت عاجله (3)

وضربة تحت الوغى فاصله***شبيهة بالقتل أو قاتله

ثم حمل على أدهم وهو يعرف وجهه وأدهم ثابت له لم ينصرف، فطعنه فوقع عن فرسه(4).

ورأيت في بعض الكتب وأنا أتذكرها الآن أنه انتمى إلى الخوارج وفعل فعلته الشنعاء يوم عاشوراء وهو منهم .

ص: 389


1- نفسه 2 : 138 (المترجم)
2- بحار الأنوار 45: 5 ط لبنان (هامش الأصل) جرت مطابقته، ويوجد في لواعج الأشجان للسيد الأمين : 123 . (المترجم)
3- (إن لم تكن عاجله - المؤلّف) ولا معنى لها (المترجم)
4- ابن أبي الحديد ، شرح النهج 5 : 213 (المترجم)

كان الشمر رجلاً أبرص . وروي في كتب العامة والخاصة مثل حياة الحيوان والبحار وغيرهما عن صادق آل محمد ، قيل له : كم تتأخر الرؤيا ؟ (فذكر منام رسول الله صلی الله علیه و اله وسلم فكان التأويل بعد ستين سنة) (1)أن النبي صلی الله علیه و اله وسلم رأى كلباً أبقع - أسود وأبيض - يلغ في دمه فعبرت الرؤيا بالشمر لعنه الله (2).

وكذلك جاء في بحار الأنوار عن سيّدالشهداء إنّه قال للشمر : رأيت كلاباً تنهشني ، أشدّها علي كلب أبقع (3). فلعنة الله عليه لعناً يملأ أقطار السماوات وآفاق الأرضين.

وقد أطرف الحسين بن الحجّاج البغدادي في قوله - ولعله يهجو به ابن سكرة الناصبي خذله الله :

وأبرص من بني الزواني***ملمع أبلق اليدين

قلت وقد لج في أذاه***وزاد ما بينه وبيني

يا معشر الشيعة أدركوني***قد ظفر الشمر بالحسين

وأخيراً قبض عليه المختار بن أبي عبيد سنة ست وستين للهجرة وأناله جزائه كما ورد في الكامل (4).

أو إنّه قُتل بيد أبي عمرة في قرية قريبة من الكوفة كما جاء ذلك في رسالة الشيخ الأجل ابن نما (5)سقى الله قبره.

ص: 390


1- هذا ما ذكره صاحب البحار ولكن المؤلف أورد قول النبي : رأيت كلباً أبقع يلغ في دماء أهل بيتي [بحار الأنوار 45 31] (المترجم)
2- بحار الأنوار 45: 31 (هامش الأصل)
3- نفسه 56:45 (هامش الأصل) ص 88 (المترجم)
4- بحار الأنوار 45: 336 كامل ابن الأثير 4 : 237 ط بيروت. (هامش الأصل)
5- بحار الأنوار 45: 338 (هامش الأصل)

وعن أبي الحسن علي بن سيف المدائني المؤرّخ المعروف ، وفي أمالي (ابن) الشيخ رضي الله عنهما أن شمراً طلبه المختار فهرب إلى البادية ، فسعي به إلى أبي عمرة فخرج إليه مع نفر من أصحابه فقاتلهم قتالاً شديداً فأثخنته الجراحة فأخذه أبو عمرة أسيراً وبعث به إلى المختار فضرب عنقه وأغلى له دهناً في قدر وقذفه فيها فتفسخ ووطئ مولى لآل حارثة بن مضروب وجهه ورأسه(1).

ولكن ذكر في نفح الطيب تأليف أحمد بن محمد المقري المالكي المغربي في تاريخ الأندلس أن الشمر قد فرّ من المختار بولده من الكوفة إلى الشام (فلما خرج كلثوم بن عياض للمغرب كان الصميل فيمن خرج معه ودخل الأندلس في طالعة بلج وكان شجاعاً جسوراً على قلب الدول فبلغ ما بلغ(2).

وإمارة الصميل وإن ذكرت في عبر ابن خلدون وغيره إلا أن هروب الشمر من الشام لا يلائم الواقع لأن مؤرّخي المشرق اتفقت كلمتهم على قتله، ويمكن أن يكون في هروبه الأول الذي نقلناه عن ابن نما ، لم يمكن الله من أولاده الخبيث فتواروا في بلاد الشام التي هي معدن النواصب واستقروا هناك ، ومن الشام انتقلوا إلى الأندلس التي تعرف اليوم بأسبانيول ، وكانت تشتهر قديماً باسم اسبانيا، فلعنة الله عليه وعلى من انتسب بعمله إليه .

ص: 391


1- الأمالي 1 : 250 الجزء التاسع ط النجف . (هامش الأصل) ونقلنا العبارة كلها من أمالي الطوسي : 244 المجلس التاسع . (المترجم)
2- هذا ما ذكره المقري 3: 26 ، وليس فيه ما ذكره المؤلف من أنّ الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن تأمر هناك وإنّما قال : وإنما ذكر ابن حيان أنّ القائم بدولة يوسف والمستولي عليها الصميل بن حاتم بن شمر بن ذي الجوشن الكلابي وجده شمر قاتل الحسين . 3: 27 (المترجم)

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ

الشرح : الإسراج اشتقاق جعلي من لفظ سرج وهو جامد لأن كل لفظ يتوقف جريان الحدث في معناه فهو جامد، ويكون الاشتقاق منه خلافاً للأصل ، لأنّ معنى الجريان والتحوّل الذي هو من لوازم المصادر لا يوجد فيه، مِن ثَمّ يسمّى هذا النوع من الاشتقاق الاشتقاق الجعلي، وقولهم في تعرّف التعدية ب_«جعل الشيء ذا مصدره» مبنى على التغليب أو أنّ القصد هو المصدر المطلق الذي هو المبد ومعنى أسرج جعله ذا سرج كما لا يخفى.

الإلجام : نظير الإسراج وهو مأخوذ من اللجام وهو معرب لكام تحقيقاً كما جزم بذلك الجوهري ولا وجه لترديد الفيومي والخفاجي .

تنقبت : يحتمل لهذا اللفظ وجوه منها ما ذكرها العلماء ومنها ما اختصصت باستنباطه .

منها : أنّه مأخوذ من النقاب الذي تضعه المرأة على وجهها حقيقةً وذلك إشارة إلى ما كان يفعله القوم في الحروب حين ينتقبون، وهذا الوجه ذكره في البحار .(1)(2)

الوجه الثاني : أن يكون من ذلك المعنى على وجه الاستعارة فإنّ النساء ينتقبن حين الخروج من منازلهن ومثلهنّ الرجال حين يخرجون إلى الحرب يحملون

ص: 392


1- بحار الأنوار 101: 301 ط طهران. (هامش الأصل) و 98 : 302: قال الكفعمي : يمكن أن يكون المعنى مأخوذاً من النقاب الذي للمرأة ، أي اشتملت بآلات الحرب كاشتمال المرأة بنقابها فيكون النقاب هنا استعارة.
2- يشهد له ما في البحار 35 60 ط طهران ابن عباس قال : لما نكل المسلمون عن مقارعة (قارع القوم : ضارب بعضهم بعضاً) طلحة العبدوي تقدّم إليه أمير المؤمنين ، فقال طلحة : من أنت ؟ (فحسر لثامه) (ما كان على الأنف وما حوله من ثوب أو نقاب) فقال : أنا القضم : (السيف) علي بن أبي طالب .

السلاح ويشتملون عليه شبه لامة الهيجاء بنقاب النساء، وهذا الوجه ذكره الكفعمي في حاشية المصباح .(1)

وكلا الأمرين بعيد غاية البعد لاسيما الثاني وهو ينافي الأذواق السليمة إذ لا وجه بين نقاب المرأه واستعداد الرجال للحرب، اللهمّ إلّا علاقة التضاد وإن لم

يذكره.

الوجه الثالث : مأخوذ من التنقيب بمعنى السير في الطريق مثل : «فَنَقَّبوا في الْبِلادِ» (2)وهذا المعنى قريب معناه بعيد لفظه وهو من الكفعمي أيضاً(3) عليه الرحمة .

الوجه الرابع : يكون مأخوذاً من النقبة وهو ثوب يشتمل به كالإزار (4)وهو شبيه بالسروال ، وتجعل له حجزة أي الموضع الذي يعقد منه ويمر الحزام منه من دون خصر. ويظهر من بعض موارد الاستعمال أنّه لباس يلتجأ إليه الفارس أحياناً بسهولته أو لأسباب غيرها . إذن هو كناية عن ذلك التهيؤ والإعداد ومن موارد استعماله العبارة المنسوبة إلى عمر التي تعرّض العلماء لشرحها مفرقة وقد وردت بتمامها في شرح نهج البلاغة . قال يذكر حال صباه في الجاهلية : لقد رأيتني مرّة وأختاً لي نرعى على أبوينا ناضحاً لنا قد ألبستنا أمناً نقبتها وزودتنا يمنتيها من

ص: 393


1- مصباح الكفعمي : 483 ، بحار الأنوار 302:101 (هامش الأصل)
2- ق : 36
3- أو يكون معنى تنقبت سارت في نقوب الأرض وهي طرقها الواحد نقب، ومنه قوله تعالى : «فَنَقَّبوا في الْبِلادِ» أي طوفوا وساروا في نقوبها أي طرقها ، قال : لقد نقبت في الآفاق حتى***رضيت من الغنيمة بالإياب راجع مصباح الكفعمي : 483 ، والبحار 98: 302. (المترجم)
4- بحار الأنوار 98: 302

الهبيد فنخرج بناضحنا، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي وخرجت أسعى عرياناً فنرجع إلى أمنا وقد جعلت لنا لفيتة من ذلك الهبيد فيا خصباه(1). ومنه يعلم حاله مع أخته في البادية وحال الناس معه عرياناً فتذكر حديث الإمارة التي سبق إلى ذكرها الإشارة (2)وتأمل حق التأمل في هذه العبارة.

وبناءاً على هذا تكون العبارة كقول القائل : ارتدى ثوبه أو لبس سرواله ، وهذا المعنى عرض لي أولاً ثمّ عثرت عليه في إشارة وردت في كلام الكفعمي(3).

الوجه الخامس : لا يبعد أن يكون المعنى كما تراثي لي أنه مأخوذ من نقب خف البعير إذا رقّ كما جاء في الشعر :

أقسم بالله أبو حفص عمر***ما مسها من نقب ولا دبر

وصرّح في الأساس أن تنقب بمعنى نقب، وهو كناية عن التعب والعنت في هذا العمل .

الوجه السادس : واحتمل احتمالاً أن يكون مأخوذاً من النقابة بمعنى الرياسة ومعنى ذلك أنّهم جمعوا العساكر وجيشوا الجيوش.

الوجه السابع : مأخوذ من النقاب بمعنى العريف أو بمعنى البصيرة، وانطباقه على ما نحن فيه أنّه إشارة إلى أنّهم علموا بالحرب وتأكدت لديهم أسباب القتال وتعرّف وجوه الجدال، وتنقب بمعنى تجسس وتتبع(4).

ص: 394


1- شرح ابن أبي الحديد 12: 20 مع اختلاف بسيط في بعض الكلمات (المترجم) ابن أبي الحديد 12: 130 ط بيروت. (هامش الأصل)
2- تجدها في شرح العن الله عمر بن سعد تحت عنوان «نادرة». (هامش الأصل) أورد المؤلف العبارة بالعربية.
3- المصباح للكفعمي : 483 ، بحار الأنوار 101 : 302 ط طهران . (هامش الأصل)
4- لسان لاعرب مادة نقب . والنقاب العالم بالأمور ، والنقاب المنقب - بالكسر والتخفيف - الرجل العالم بالأشياء الكثير البحث عنها والتنقيب عليها .

الوجه الثامن : أنه مشتق من النقيبة بمعنى المشاورة.

وهذان الوجهان الأخيران لم أجدهما في كتاب أحد والذي ثبت في كتب اللغة من هذه الوجوه هو تنقب المرأة وتنقب خفّ البعير ، ولم أعثر على باقي الوجوه لحد الآن في كتب اللغة ، ولكن بما أن هذا الاستعمال ثابت وأنّ الإخلال بوجوه المشتقات من المجرد والمزيد أكثر من النجوم وخ-ارج-ة ع-ن ح-د الإحصاء والحصر، وكل واحدة من هذه المحتملات من الوجوه لا تخلو من مناسبة فلا مانع من ذكرها ، وإن كان - والحق يقال - لا يخلو وجه منها من وجود الخلل، ولعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً .

التهيؤ : مشتق من الهيئة وهو بمعنى الكيفية الحاصلة من اكتناف أعراض مختلفة مثل الوضع واللون والمقدار على الجسم والفرق مابينها وبين الصورة يظهر باختلاف العرضيّة والجوهرية اصطلاحاً وإن استعملت الصورة عرفاً بالمعنى الأعمّ، والظاهر أنّ الأيئة والهيئة من أصل واحد، وحصل هذا الاختلاف من الإبدال. وباب الإبدال واللثغ باب واسع في لغة العرب، وعمد جماعة إلى استيفاء هذين البابين ومع ذلك بقيت عليهم مستدركات، وفي الزوايا خبايا ، وهذا المعنى اشتبه على صاحب القاموس في غالب ما كتب عنه، وعزى موارد الإبدال إلى تعدّد اللغة، ومن المواضع المنصوصة :

إبدال الهمزة والهاء : «هيم الله وأيم الله» في القسم.

و «هنا وأنا» في ضمير المتكلّم.

و«هيا وأيا» في النداء.

و«لهنّك ولأنك» في التأكيد.

و«هيه وايه» فى الاستزادة.

و«هال وآل» و«هداه وأدا»ه و «هروت وأروت» و «هراق وأراق» في الإراقة .

ص: 395

و«هسد وأسد» و «هجيج وأجيج» و«هياك وأياك» في الخطاب.

و«هوقه وأوقه» بمعنى الجماعة.

و«باه وباء» بمعنى الجماع. و أرجاه وأرجاء بمعنى التأخير.

و«بده وبدأ» و «داره و درأ» بمعنى طلع ودفع .

إلى غير ذلك من المواضع. ويؤيّد قول النافين إصالة عدم الوضع والذي له أنس ومعرفة بوجوه لغة العرب واختلاف ألسنتهم في الزيادة والنقصان التغيير والتبديل يجزم بصحة دعوى النفي.

وجملة القول : معنى التهيؤ اتخاذ هيئة أمر ما والاستعداد لأدائه، والتهيئة إعطاء الهيئة وإعداد العدة للأمر ، والله العالم .

ص: 396

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي

الشرح : وضع هذه الجملة في الأصل للدعاء بالفداء، ويكون المعنى هكذا : إذا داهمك بلاء أو آفة يجعل الله روح أبي وأمي فداء ووقاءاً لك، ويقع بهما البلاء

دونك ، ويدلّ هذا الكلام على تقديم المفدّى فى المحبة والإعزاز على الوالدين وتتوقف صحة الاستعمال على حياة المخاطب وحياة الوالدين ، لأن الميت لا يفدى ولا يُفدّى، وهذا المعنى غير خاف على أهل الفهم والإدراك. ومن هذا المعنى قول الكميت بن يزيد الأسدي في إحدى هاشمياته السبع يذكر فيها النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيقول :

أنقذ الله شلونا من شفا النار***به نعمة من المنعام

لو فدى الحي ميتاً قلت نفسي***وبني الفدا لتلك العظام

وفيه نقد يعرفه من ذاق طعم الأدب ونسل إليه ولو من حدب(1)وجملة القول : أنّ هذه الجملة التي نُقلت بلغت أعلى حدّ للظهور ؛ إما لغلبة الاستعمال أو للشهرة في مطلق التعظيم والإكبار لأحد من الناس ، وهذا القول لازم

ص: 397


1- لعله يشير إلى قوله : «أنقذ الله شلونا» لأنّ الشلو الجلد والجسد من كلّ شيء وكلّ مسلوخة أكل منها شيء فبقيتها شلو ولكن الشلو مأثور عن غيره من الشعراء كما قال الراعي : فادفع مظالم عيلت أبناءنا***عنا وأنقذ شلونا المأكولا فليس على الكميت نقد في استعمال هذا اللفظ على سنن إخوانه الشعراء ، وأغلب الظن أن المؤلّف انتقده على لفظ العظام التي أطلقها على النبي وهي لفظة مستكرهة في نعته . ( المترجم)

المعنى الأوّل وغالباً ما يؤتى بها ، ولا يراد منها إلا تجليل المخاطب وتعظيمه.(1)

ص: 398


1- الغرض من ذلك تجليل وتعظيم المخاطب ليس إلا لأن في كثير من الموارد لا توجد شرائط الفداء و بیان هذا المطلب كما يلي : أربعة شروط لازمة في الفداء الحقيقي : 1 - أن يكون المفتدي - اسم فاعل - حيّاً . 2 - أن يكون المفتدى - اسم مفعول - حياً أيضاً . 3 - من يفدي أدنى قدراً ممّن يفدى - بالبناء للمجهول. 4 - لا يجوز أن يكون الفادي أسمى قدراً . فإذا فقدت هذه اللوازم الأربعة كان الفداء صورياً لا واقعياً، ونحن نشاهد عدم رعاية هذه اللوازم الأربعة في كثير من الحالات في الأحاديث المروية عنهم، ومن أجل إثبات ذلك نأتي بشاهد من الروايات لكل لازم من هذه اللوازم الأربعة . أما الأول : عن علي بن الحسين ... وأقبل أمير المؤمنين ونزل جبرئيل على النبي فقال له : يامحمد اقرأ «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»«وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى»«وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى»[سورة الليل] إلى آخر السورة ، فقام النبي علا الله وقبل بين عينيه ثم قال : بأبي أنت قد أنزل الله فيك هذه السورة كاملة. [بحار الأنوار 37:41 الرقم 15 ، وراجع : بحار الأنوار 41: 270 طبع طهران] . أما الثاني : سويد بن : سويد بن غفلة قال : دخلت على عليّ بن أبي طالب ... ويحك يا فضة ، ألا تتقين الله في هذا الشيخ ؟ ألا تنخلون له طعاماً مما أرى فيه من النخالة ؟ فقالت : لقد تقدّم إلينا أن لا ينخل له طعام ، قال : ما قلت لها فأخبرته [ أي علياً ] فقال : [ علي ] بأبي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله عز وجل [بحار الأنوار. 40 : 331، ومثله بحار الأنوار 41: 138]. أما الثالث : بالإسناد عن جابر بن عبد الله أنّ النبي أقام أياماً لم يطعم طعاماً حتى شق ذلك عليه وطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منها شيئاً فأتى فاطمة فقال : يا بنية ، هل عندك شيء أكله فإنّي جائع ؟ فقالت : لا والله بأبي أنت وأمي ، فلما خرج ... فرجع إليها ، فقالت : بأبي أنت وأمي قد أتانا الله بشيء . [بحار الأنوار 68:43] وهذه التفدية من العجايب فإنّ فاطمة أفدت ( كذا) أباها لأبيها ، ولا تعدّد في ذلك وأفدت (كذا) أمها الميت (كذا) للحي . أما الرابع : روى المجلسي بالإسناد عن ابن عباس : لما كنا في حرب صفين دعا عليا ابنه محمّداً بن الحنفية، وقال له : يا بني شدّ على عسكر معاوية فحمل على الميمنة ... ثم رجع وبه جراحات وهو يقول : الماء الماء يا أبتاه.. فسقاه جرعة من الماء وصب باقيه بين درعه وجلده ، ثم قال : يا بني ، شدّ على القلب فحمل عليهم وقتل منهم فرساناً ثم رجع إلى أبيه وهو يبكي وقد أثقلته الجراح، فقام إليه أبوه وقبل ما بين عينيه (مما بين عينيه - خ) وقال له : فداك أبوك فقد سررتني والله يا بني بجهادك هذا بين يدي فما يبكيك أفرحاً أم جزعاً [بحار الأنور 106:42 ط طهران ، وراجع أيضاً 42: 117 و 43: 142 و 153 الرقم 11 ط طهران ]. (المحقق)

وصارت من الألفاظ المتداولة للتعارف كالألفاظ التي تصدر بها المكاتيب ومبادئ المراسلات في هذا الزمان من قبيل : فداك ما عداك ، وروحي فداك، وغيرها، وليس غرض القائل أو الكاتب الفداء الواقعي منها وإنّما تذكر لبيان رعاية عظمة المكتوب إليه وملاحظة قدره.

ومن هذا النمط عبارات الزيارة، وإن كان الإمام المخاطب باعتقادنا حيّاً وسميعاً بصيراً، ولكن ذلك لا يؤثر في المعنى، لأن صحة استعمال هذا الكلام مبني على الحياة الصورية الدنيوية، مضافاً إلى أن الفداء وهو الأبوان غالباً ما يكونان في عداد الموتى، ولم يحتمل أحد التفصيل في صحة الخطاب ، فيصح إن كانا حيين ويبطل عند موتهما، وإن كان بالإمكان رفع هذا الإشكال بالتنزيل والفرض، فيقال : إن مراد القائل للمخاطب إنّك أصبحت عندي بمنزلة لو كان والداي حيّين لفديتهما لك ولكن هذا الفرض لا يطرد في جميع الأمثلة.

ولا يصح استعمال هذه العبارة في كثير من الموارد كالرواية المنقولة عن الإمام الباقر في خطابه لأصحاب سيد الشهدا بأبي أنت وأمي(1). ولو احتمل كون الإمام

قال ذلك للتعليم ولم يقصد أباه بل تعليم السامع كيفية الزيارة مع كونه بعيداً .

ويمكن دفع الإشكال بقولنا إنّ الأئمة داخلون في عموم الحكم، وحينئذ

ص: 399


1- كامل الزيارات : 176 - 179 ، بحار الأنوار 101 : 292 ط طهران . (هامش الأصل)

يستحب لهم تلاوة هذه الزيارة والقول للأصحاب بأبي أنت وأمي ، ووالد الإمام إمام وبالطبع لا يصح فدائه لأي واحد من صحابة الحسين علیه السلام بالضرورة.

ومن هذا القبيل كلمات عقيلة الرسالة سلام الله عليها: «بأبي المهموم حتى مضى..» إلى آخر ما قالته في نياحتها على الإمام المظلوم (1)ذلك اليوم ، لأنّ الإمام أمير المؤمنين أجل قدراً من الإمام الحسين .

وذكرها النبي وفاطمة وخديجة في النياحة إما لأن فقد الحسين سيّدالشهداء فقد لهم جميعاً كما قالت ليلة العاشوراء: «اليوم مات جدّي رسول الله»(2) فناحت عليهم جميعاً ، أو أنّ العرف جرى بذكر النائح المعزى كبار أهله وإشرافهم من الموتى ويبكي على كلّ واحد منهم على حدة كما عليه الحال اليوم وعلى كل حال ما من وسيلة لدفع الإشكال في قوله : «بأبي خديجة الكبرى» إلا ما قلناه من الإشارة التي سلفت . والمنصف المتتبع لا يغفل من رشاقة هذا التحقيق.

ص: 400


1- «بأبي المهموم حتى قضى بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جده رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبي الهدى، بأبي محمد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي علي المرتضى ، بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء، بأبي من رُدّت عليه الشمس حتى صلى ...» [بحار الأنوار 45: 59 ، ط بيروت] . (هامش الأصل)
2- «یا حزناه، یا کرباه ، اليوم مات جدي رسول الله» [بحار الأنوار 45 59ط لبنان ] . اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي عليّ وأخي الحسن» [بحار الأنوار 2:45 ط لبنان] . (هامش الأصل)

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِك

الشرح : اللام جواب لقسم مقدر والتأكيد بالقسم و«قد» التي هي حرف تحقيق للإشارة إلى عظم المصيبة ويجوز في لفظ مصاب احتمالان:

الاوّل : اعتبار مصاب اسم مفعول مع حذف صلته وهي الباء حيث حذف حرف الجرّ وناب عنه الضمير المجرور فكان هو العامل ويسمى هذا النوع من الحذف في علم البيان الحذف والإيصال ، مثل لفظ «مشكوك ومولود» فإن معناه فيه ومولود فيه، وبناءاً على هذا يكون معنى المصاب والمصيبة واحداً فيقال: أصيب زيد بمرض كذا وزيد ،مصاب، والمرض مصاب به.

وباعتبار آخر يلحظ المرضى على أنه فاعل وزيد مفعول به ، لأنّ المرض وقع عليه، وحينئذ لا غرو أن يدعى المرض مصيبة، وأنّث بالتأويل(1)والفرق بين أصاب الله زيداً بكذا وأصاب زيداً كذا لا يدخل في لب المعنى ولا روح المطلب الذي نحرّره فلا نعرض له ، وإنّما الاختلاف يحدث بناءاً على وجوه الاعتبارات المقصودة للمتكلّم ، وبناءاً على هذا تكون الباء في «بك» للسببية، وأطلق عليها المتأدبون من الأدباء هذا الاسم وسماها القدماء باء الاستعانة ، ولما كانت هذه الباء تدخل على الأفعال الربانية كقولنا «خلق بكذا» و«أنشأ بكذا» لزم من ذلك نسبة الاستعانة إلى الواحد المتعالي سبحانه، وهو خارج عن حدود التأدب وقانون التعبّد .

الاحتمال الثاني : أن يكون «المصاب» مصدراً ميمياً من الإصابة ؛ لأنّ القاعدة في العربية أن يصاغ المصدر الميمي واسم الزمان واسم المكان من الأفعال

ص: 401


1- هو تأنيث مجازي، وتاء التأنيث لا تختص بالمؤنث فقط بل تدخل على الأسماء المذكرة مثل طلحة وشيبة وعتبة وغير ذلك . (المترجم)

المزيد، على صيغة اسم المفعول، وهي مسألة قياسية، وتكون هيئة اسم المفعول للمعاني الأربعة في هذا الباب المشترك، وهذه المسألة وإن كانت من الواضحات التي لا تحتاج إلى الشرح والإبانة إلا أنّ ابن أبي الحديد اختلط عليه الأمر فجاء بكلام عجيب نأتي به من باب الاستطراف والاستطراد، قال في شرح هذه الكلمة : «الآن إذ رجع الحق إلى أهله وانتقل إلى منتقله»(1): ومنتقل مصدر بمعنى الانتقال، نظير قولك: «ما معتقدك» أي اعتقادك .

وهنا غفل الشارح غفلة شديدة لأنّ منتقل نفسه اسم مكان ولا حاجة به إلى المضاف بل إذا ذكر لفظ الموضع وأضيف إليه فسد الكلام وصار غاية في الضعف والركاكة بخلاف موضع انتقاله وكذلك مالوا بدل لفظ منتقل بلفظ انتقال، فإنّ العبارة تنحط عن رتبة الفصاحة وتنزل عن الدرجة المتعارفة، وهذه الجملة لمجرّد الإشعار وإلا فإنّ المدعى كالشمس في رائعة النهار ، وما استشهد به من الشعر مع عدم الحاجة إليه فإنّه خطأ؛ لأنّ المعتقد يراد بظاهره وهو المفعول،

يقال : اعتقده واعتقد به .

وعلى كل حال، فالسؤال عن متعلّق الاعتقاد من قبيل العدل والتوحيد والتشيّع ، وهذه هي تعلّقات الاعتقاد المسئول عنها وغيرها، لا عن الاعتقاد الذي هو من مقولة الكيفيات الحاصلة في النفس، وما يقولونه من قولهم : ما اعتقادك مجاز فيه والمراد ما معتقدك بعكس ما تخيّله الشارح وهذا الخطأ من مثله الذي قضى عمره في تطلب علوم العربية وقواعد لغتها ونحوها وصرفها، وكان يدعي بلوغ الغاية القصوى ولم يتنازل عن عرشها قيد أنملة خطأ لا يحتمل وهو غاية في

ص: 402


1- شرح ابن أبي الحديد 1: 139 (المترجم) خطبه 2 ابن أبي الحديد 1: 140 ط بيروت. (هامش الأصل)

الغرابة ، والله العاصم (1).

وجملة القول : إنّ لفظ «مصاب» يأتي بمعنى الإصابة كما جاء في البيت التالي :

أظليم إن مصابكم رجلاً***أهدى السلام تحيّة ظلم

بنصب «رجلاً». روي أنّ أن إحدى القيان غنت في مجلس الواثق بهذا البيت ونصبت رجلاً، فجرى خلاف بين العلماء الحضور في النصب والرفع، وكانت الجارية تصرّ على النصب وتزعم أنّ أبا عثمان المازني له نصب وسمعت ذلك منه ، فأمر الواثق بإحضاره من البصرة.

ومن غرائب الاتفاق أن رجلاً من أهل الذمة تقدّم إليه في ذلك الوقت بحضور درسه في كتاب سيبويه فأبى عليه المازني ذلك وأغراه بدفع مأة دينار لقاء ذلك فامتنع أشدّ الامتناع وقال له المبرد: مالك رددته مع الحاجة وشدّة الفاقة ؟ فقال له : إنّ في كتاب سيبويه ثلاثمائة آية من كتاب الله تعالى ولم أستسغ تسليط هذا العلج عليه.

وخلاصة القول أن المازني قدم على الواثق وسأله عن إعراب البيت، فقال: النصب متعيّن ، فأخذ أحد الجالسين يحاوره ، فقال له المنزلة : هذه العبارة بمنزلة قولك: «ضربك زيداً ظلم» وأفلج الحاضرين بحجّته فأمر له الواثق بألف دينار.. وظهرت بهذه الواقعة كرامة للقرآن.

وعند التأمل يدرك الإنسان رغبة القوم في العلم والأدب حيث تحمّلوا المشاق من أجل إعراب جملة واحدة وكان ثمنها ألف دينار ذهباً، ولكن في زماننا هذا

ص: 403


1- يقول الشارح وانتقل إلى منتقله ففيه مضاف محذوف تقديره إلى موضع منتقله ، والمنتقل بفتح القاف مصدر بمعنى الانتقال كقولك : لي في هذا الأمر مضطرب أي اضطراب . قال : قد كان لي مضطرب واسع***في الأرض ذات الطول والعرض وتقول : ما معتقدك ، أي اعتقادك .. الخ . [شرح ابن أبي الحديد 1 : 139]

أعرض الناس عن العلم فلا يشترون ألف مسألة معضلة من علوم متفرقة بدينار واحد، والله المستعان .

لي أهل عصر كأن الله صوّرهم***من طينة الجهل فيها ماء إنكار

فالمستجير بهم إذ جلّ حادثه***كالمستجير من الرمضاء بالنار (1)

واحتمل الخفاجي أن يكون ابن السكيت هو الذي عارض المازني وهو احتمال بعيد جداً لأنّ المازني وابن السكيت كلاهما من عدول أصحابنا ومع غلبة التقيه في ذلك الزمان وقلة الشيعة لا يكون الخلاف بينهما متوجهاً في مجلس الخليفة. وارتكب الحريري في حكاية هذه القصة عدة أخطاء :

الأوّل : ذكر ظلوماً والصحيح أنها ظليم، كما رويناه، لأن هذا الغزل تشبيب بظليمة المكناة بأمّ عمران زوجة عبدالله بن مطيع ، وذكر اسمها الشاعر مرخّماً، وثقات أهل العرب يوافقونا على ما قلناه .

الثاني: نسبته الشعر إلى العرجي وهو عبدالله بن عمرو الأموي بينما نسبه ابو الفرج وهو قدوة جميع العلماء في هذه الفنون إلى الحارث بن خالد المخزومي.

الثالث : إنّه اعتبر المعارض للمازني اليزيدي النحوي واليزيدي كان في زمن هارون وتوفي سنة اثنتين وستين بعد المأة ومات الواثق سنة سبعة عشر بعد المأتين، إلا أن يريد باليزيدى بعض أولاده ويعرف باليزيدي أيضاً، وهذا خلاف الظاهر.

وحاصل المطلب - وإن بعدنا عن القصد - أن مصاباً الوارد في فقرة الزيارة إن اعتبرناه مصدراً فينبغي أن يكون مأخوذاً من المبني للمفعول فتكون العبارة هكذا: «لقد عظم مصيبتي فيك»(2)والأظهر في الباء على هذا الوجه أن تكون صلة للفعل وليست سببيّة .

ص: 404


1- ديوان المؤلف : 169 .
2- وردت في المتن مصايبتي وأصلحها المحقق «مصيبتي». (المترجم)

فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ وَأَكْرَمَنِي بِكَ

الشرح : يأتي السؤال في لغة العرب على نحوين: فتارة يتعدى بنفسه إلى مفعولين وأخرى يتعدّى إلى المفعول الثاني بالمجاوزة أي بحرف «عن» ويكون معناه في الصورة الأولى الطلب، يقولون : سألته الدرهم، وعلى الفرض الثاني يكون السؤال استعلاماً عن الحال أو المكان أو الكيفية كما يقولون: سألته عن الدرهم، عن حاله أو كيفيته أو جنسه ، وما جاء في القاموس وغيره من أن سألته الشيء وعن الشيء معناهما واحد خطأ محض في ظاهره لأنّ الناظر في مجاري استعمالات العرب يقطع باختلاف هذين الاستعمالين في كلام العرب مِنْ ثَمّ جاء في سورة الأنفال وهي قرائة أهل البيت وغيرهم: «يسألونك الأنفال» وقرأ غيرهم «يسألونك عن الأنفال»(1).

قال ابن جني : القرائة المعروفة هي الأولى لأنّ سؤالهم عن حال الأنفال التي يطلبونها ويريدون حيازتها.

وفي تاج المصادر: إنّ السؤال والمسألة بمعنى الطلب، وإرادة الجواب ع-ل-ى أمرٍ ما أجل لنا أن نقول كلاهما شريكان في الطلب، والف-رق ب-ي-ن الأمرين أنّ أحدهما طلب ذات الشيء والآخر طلب العلم لشيء.

وهذا التوجيه - إن صح في عبارة بعض اللغويين الذين فسّروا السؤال بالطلب المطلب - فإنّه غير متمس في كلام الفيروزآبادي، ولا يبعد أن يكون مخدوعاً بعبارة الجوهري حيث قال : وسألته الشيء وسألته عن الشيء ولم يذكر المعنى فتوهّم أنّ معناهما واحد ، وكانت عادة الجوهري عدم النصّ على المعنى الواضح

ص: 405


1- الأنفال: 1.

غالباً، ويكتفي بذكر مورد الاستعمال والأكثر أنه ينقل عبارة خاله إبراهيم الفارابي في ديوان الأدب وهذه الالتفاتة الدقيقة لم يدركها الفيروزآبادي، ومن ثَمّ توهم

اتحاد المعنى في العبارتين.

وجملة القول إنّ وضوح المسألة يغني عن كثرة التعرّض لها.

الإكرام : الإعظام والتنزيه بحسب الواقع أو السلوك، ويستعمل التكريم في الاعتبارين.

واستوفينا معنى «المقام» في الفقرات السالفة

ويحضرني في شرح هذه الفقرة الشريفة مطلبان :

المطلب الأوّل : في إكرام سيّد الشهداء علیه السلام وهو عبارة عن ألطاف الهية جرت في حقه وهي على ثلاثة أقسام: جنسيّة ونوعية وشخصية .

القسم الأوّل : من هذه الكرامات المقامات المعطاة للأنبياء والأولياء لقربهم من الواحد الأحد من حيث تمكنهم من التصرّف في هيولات الأشياء من تغيير صورهم وإنشائهم خلقاً آخر بإذن الله تعالى - كسائر المعاجز التي جرت ع-ل-ى أيديهم - المترجم - ومثل ذلك يقال في الكمالات النفسانية واللذائذ الروحانية التي جعلت من نصيبهم ، وللحسين علیه السلام منها الحظ الأوفى والسهم الأوفر ، وقد ذكرتها كتب العلماء تفصيلاً وهى موجودة هناك .

القسم الثاني : الخصائص التي منحها الله للأئمة الإثني عشر علیهم السلام من السلطان على سائر البشر والحكومة على عامة الموجودات والإمامة على ما سوى الله تعالى ببركة انتسابهم إلى خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وسلم ومن هذا اللحاظ تكون خصائصهم وشرفهم الثابتة عندنا سبباً لتفضيلهم على الأنبياء وأوصياء السلف.

وجملة القول أنّ هذه الفضائل عمد علماء الإمامية بالقدر الممكن إلى جمعها بجد وجهد كامل مستقاة من مشكاة ولاية أهل البيت علیهم السلام واستمدّوا من عون الله

ص: 406

وهمم أولئك السادة المطهرين فحرّروها في الكتب والطروس والمطوّلات، وكان الحسين علیه السلام بعد أبيه وأخيه بإجماع الإمامية بل الأمة أفضل من جميع الأئمّة .

القسم الثالث : ما امتاز به الحسين علیه السلام من جلالة القدر ورفعة الشأن وعلوّ المنزلة عن سائر الأئمة.

وهذه أمور عدّة عوّضه الله بها عما لاقاه من القتل، وأعطاه في قبال الشهادة التي نالها، وقد ذكر العلماء أربعة منها بعد التتبع في الأخبار المأثورة عن معدن الوحي

والتنزيل ..

الأوّل : أبوّة الأئمّة التسعة حيث أعطاه الله هذا الشرف الرفيع والجاه العريض، وحباه بهذه الفضيلة وخصه بها كما أشير إلى ذلك في الأخبار الكثيرة، ونوّهت

هذه الأخبار بالشرف الخاص والمزيّة المخصوصة بجنابه علیه السلام .

وروى الشيخ الأجل الأقدم عروة الإسلام رئيس المحدثين في كتابه المبارك «علل الشرايع» بسنده عن الإمام الصادق علیه السلام : (عن عبدالرحمان بن كثير

الهاشمي قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : جعلت فداك ، من أين جاء لولد الحسين علیه السلام الفضل على ولد الحسن وهما يجريان في شرع واحد ؟ فقال لا أراكم تأخذون به)(1) إن جبرئيل نزل على محمد وما ولد الحسين بعد ، فقال له : يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك .

فقال: يا جبرئيل، لا حاجة لي فيه، فخاطبه ثلاثاً ثم دعا عليّاً فقال له : إنّ جبرئيل يخبرني عن الله عزّ وجلّ أنه يولد لك غلام تقتله أمتك تقتله أمتك من بعدك . فقال : لا حاجة لي فيه يا رسول الله ، فخاطب علياً ثلاثاً ثم قال: إنه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة.

ص: 407


1- ترك المؤلّف العبارات التي جعلناها بين قوسين فلم يذكرها . (المترجم)

فأرسل إلى فاطمة أن الله يبشرك بغلام تقتله أمّتي من بعدي فقالت فاطمة : ليس لي حاجة فيه يا أبة ، فخاطبها ثلاثاً ثم أرسل إليها: لابد أن يكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة ، فقالت له : رضيت عن الله عزّ وجلّ، فعلقت وحملت بالحسين فحملت ستة أشهر ثمّ وضعته .(1)

وفي تفسير الشيخ الأقدم الأعظم عليّ بن إبراهيم بن هاشم رضي الله عنهما أيضاً في تفسير الآية الكريمة : «وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانا»(2) جاء أن الإحسان رسول الله ، وقوله : «بوالديه» إنّما عنى الحسن والحسين، ثمّ عطف على الحسين فقال : «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً» وذلك أن الله أخبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وبشره بالحسين قبل حمله، وأنّ الإمامة تكون في ولده إلى يوم القيامة ، ثمّ أخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده ، ثمّ عوّضه بأن جعل الإمامة في عقبه وأعلمه أنّه يُقتل ثمّ يُردّ إلى الدنيا وينصره حتى يقتل أعدائه(3). والخبر طويل ونقلنا منه محلّ الحاجة .

والظاهر أن تحريفاً جرى في الكتاب فوضع «الإحسان» مكان «الإنسان» وفي قرائة أهل البيت «الولدين» بدل «الوالدين» لأنّه بغير هذا التأويل لا تلتئم العبارة ، كما أشار إلى ذلك العلّامة المجلسي قدس الله سره(4).

وفي الكافي أيضاً روى قريباً من هذه الأخبار(5) عن أبي عبدالله الحسين علیه السلام

ص: 408


1- علل الشرايع 1 : 205 (المترجم) و 1 : 196 ، وبحار الأنوار 43: 245 (هامش الأصل)
2- الأحقاف : 15 .
3- تفسير القمي 2 : 296. (المترجم) وبحار الأنوار 43: 246 ط طهران . (هامش الأصل)
4- بحار الأنوار 43 : 247 ط طهران ، كامل الزيارة مثله بحار الأنوار 44: 233 . (هامش الأصل)
5- الكافي 1 : 464 باب 116، وكامل الزيارة : 57 ، بحار الأنوار 44 232 (هامش الأصل) وطابقنا بالكافي وأخذنا الرواية منه ، 1 : 464. (المترجم)

قال : إن جبرئيل نزل على محمد الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال له : يا محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، إنّ الله يبشرك بمولود يولد من فاطمة تقتله أمّتك من بعدك ، فقال : يا جبرئيل، وعلى ربّي السلام، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي .

فعرج ثمّ هبط الله فقال له مثل ذلك ، فقال : يا جبرئيل، وعلى ربّي السلام، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي . فعرج جبرئيل .

وفي الكافي أيضاً بطريق آخر نقل هذه البشارة تعقيباً على قضيّة فطرس(1).

ولا يخفى أنّ هذا الاختصاص للحسين علیه السلام دون الحسن علیه السلام وإن كان هذان السيّدان أنجب خلق الله وأشرف الناس نفساً ونسباً ، فلا جد أعظم من جدهما، كما ثبت ذلك بالضرورة، ويمكن أن نقول على ضوء هذه الملاحظة أنّ سيد الشهداء من حيث المجد وهو شرف مكتسب من الغير خير من جميع البرايا لأنّهما شريكان من جهة الآباء والسماء خير ما بها ،قمراها، إلا أنّ شرف الأبناء تفرّد به الإمام الحسين علیه السلام فلا يدانيه أحد من العالمين من هذه الناحية .

منزّه عن شريك في محاسنه***فجوهر الحسن فيه غير منقسم

الخصيصة الثانية : الشفاء بتربته المقدّسة، وما أحسن ما قاله شاعر معاصر :

بر جلای بَصَر از کحل جواهر چه اثر***باید از کحل در دوست غباری گیرند

وهل يذهب العمش الاكتحال***وإن كنت تكحل بالجوهر

بلی بغبارٍ بباب الحبيب***عيونك إن كحلت تبصر

ص: 409


1- فهبط جبرئيل على النبي فهنأه كما أمره الله عز وجل ، فقال له النبي : تقتله أمتي ؟ فقال له : نعم يا محمد ، فقال النبي : ما هؤلاء بأمتي ، أنا بريء منهم والله عزّ وجلّ بريء منهم، قال جبرئيل وأن-ا بريء منهم .. الحديث [الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة : 283] . (المترجم) كمال الدين 1: 398، بحار الأنوار 43: 248 ، وهذا الحديث أخذه المؤلف من بحار الأنوار وسمّى الكافي خطاً بدلاً من كمال الدين للصدوق .(هامش الأصل)

روى ثقة الإسلام بسند صحيح في الكافي عن أبي يحيى الواسطي عن رجل قال: قال أبو عبدالله علیه السلام : الطين حرام كله كلحم الخنزير ، ومن أكله ثم مات فيه لم أصل عليه، إلا طين القبر فإنّ فيه شفاءاً من كل داء، ومن أكله لشهوة لم يكن له فيه شفاء.. (1)

وروى ابن قولويه في كامل الزيارة والصدوق في العلل ذات الحديث(2).

وروى ثقة الإسلام أيضاً عن سعد بن سعد قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن الطين، فقال: أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلا طين قبر الحسين علیه السلام فإنّ فيه شفاءاً من كل داء ، وأمناً من كلّ خوف(3).

ورواه الشيخ في التهذيب (4).

ورواه ابن الشيخ المفيد الثاني في الأمالي، والراوندي في الخرايج بسنده عن الشيخ بطريق الأمالي وفيه اختلاف في الجملة مع طريق الكافي (5).

وفي كامل الزيارة أيضاً عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله علیه السلام قال : كل طين حرام على بني آدم ما خلا طين قبر الحسين علیه السلام من أكله من وجع شفاه الله تعالى(6).

وفي عيون أخبار الرضاء علیه السلام حدث عن المسيب بن زهير أنّ الإمام موسى بن جعفر بعد أن سُمّ قال : لا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبرّكوا به فإنّ كل تربة لنا محرّمة

ص: 410


1- الكافي 6 : 265 (المترجم) الكافي 6 : 265 باب 18 حديث 1. (هامش الأصل)
2- كامل الزيارة : 285 باب ،95، علل الشرايع : 532 ط النجف ، بحار الأنوار 101: 129 (هامش الأصل)
3- الكافي 6: 266 باب 18 و 378 کتاب 24 باب 143 ذیل حدیث 2.
4- تهذيب الأحكام 9 89 باب 2 حديث .112
5- الأمالي 1 : 326 ، بحار الأنوار 101: 120 رقم 7 .
6- كامل الزيارة : 286 باب 96. (هامش الأصل) وص 479. (المترجم)

إلا تربة جدّي الحسين بن علي علیه السلام فإنّه تعالى جعلها شفاءاً لشيعتنا وأوليائنا (1)(2).

وفى كامل الزيارة أيضاً مسنداً عن أحدهما علیهما السلام - وفي اصطلاح المحدثين أن الترديد بين الإمامين المروي عنهما يستعمل بين الإمامين الباقر والصادق علیهما السلام - أنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم من الطين فحرّم الطين على ولده.

قال : فقلت : فما تقول في طين قبر الحسين علیه السلام؟

(قال: يحرم على الناس أكل لحومهم ويحلّ لهم أكل لحومنا، ولكن الشيء

ص: 411


1- عيون أخبار الرضاء : 96 ا(لمترجم) 1: 104 حديث 6 وبحار الأنوار 101 : 118 (هامش الأصل) .
2- شبی در یک عبادتگاه مُهری***زیاری باصفا آمد بدستم چو گل بوئیدم و بوسیدم او را***هنوز از عطر روح افزاش مستم بگفتم از کدامین خاک پاکی***که دل ای مُهر بر مهر تو بستم بگفت از تربت پاک حسینم***که در دامان احسانش نشستم کمال همنشین در من اثر کرد***وگرنه من همان خاکم که هستم (المحقق) والأبيات المنظومة بالفارسية تكرّر معناها كثيراً و لكن رأيت أن أنقل صورة منها بالعربية تقرب من معناها وإن لم تستوعبه : تناولت من كف الحبيب بمسجد***تراباً عليه الخلق الله تسجدِ وقبلته لما شممت عبيره***عبيراً يغار الورد منه ويحسد فأسكر روحي العطر حتى سمي بها***إلى دارة الأفلاك يعلو وتصعد فقلت له من أي ترب مطهّر***إلى عطره الأكباد تهفو وتعقد فقال أنا من تربة الطفّ بضعة***وإني لعين الدهر كحل وأثمد تراب حسين طهر الله قدسه***تراب به باهى النبي محمد حضنت حسيناً فامتزجت بطيبه***فأي وجود من وجودي أسعد ولولا کمال نلته بجواره***فما أنا إلا رملة تتبدد (المترجم)

اليسير منه مثل الحمّصة).

واشتملت الرواية على جواز حاصله تجويز أكل القليل قدر الحمّصة (1)، وصريح الأخبار دال على اختصاص الحكم بالحسين علیه السلام كما أن ظاهر الفتاوى الاقتصار على طين تربته وإن دلّت بعض الأخبار على سريان الحكم بقبور النبي وسائر الأئمة علیهم السلام كالخبر الذي رواه في كامل الزيارة مسنداً عن أبي حمزة الشمالي إنه سأل الإمام الصادق علیه السلام ، قال : قلت: جعلت فداك، إني رأيت أصحابنا يأخذون من طين الحائر يستشفون به ، هل في ذلك شيء مما يقولون من الشفاء؟ قال : يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال وكذلك قبر جدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وكذلك طين قبر الحسن وعلي ومحمد ، إلى آخر الحديث .(2)

والظاهر أنّ قبر أمير المؤمنين علیه السلام سقط من الرواية ؛ لأن البحار والوسائل نقلا من كامل الزيارة بهذا السياق والمراد بعلي زين العابدين علیه السلام ومن محمد الباقر علیه السلام ولم يذكر قبره إما لكونه ما يزال على قيد الحياة أو لأمور أخرى.

إذاً، ظاهر الخبر عموم الحكم الشامل لجميع الأئمة ؛ لأن الحكم إذا سرى إلى الإمام الباقر فإنّ القطع بسريانه ممكن حينئذ ولا فرق بينهم علیهم السلام.

وفي كشكول الشيخ البهائي نضّر الله وجهه، أنّ هذا الحديث نقله جدّه الشيخ محمّد الجبعي من خط السيد الجليل ذي المناقب والمفاخر السيد رضي الدين علي بن طاووس ، وأن السيد المعظم نقل الحديث من الجزء الثاني من كتاب زيارات محمّد بن أحمد بن داود القمى بن داود القمي عن أبي حمزة. وسياق الكشكول متفق مع هذا السياق .

ص: 412


1- ما بين القوسين عبارة الرواية وأعرض عنها المؤلّف فذكرنا بعدها عبارته : ص 479
2- كامل الزيارة : 467. (المترجم) وص 280 و 93 ، وبحار الأنوار 126:101 . (هامش الأصل)

وفي كامل الزيارة أيضاً ورجال الكشي مذيلاً على حديث مفصل أن الإمام الصادق علیه السلام أعطى محمّداً بن مسلم شراباً لغرض علاجه ، وقال : في هذا الشراب تراب قبور آبائي علیهم السلام.

وهذان الخبران كلاهما غاية في الضعف ؛ لأنّ عدداً من رواته مجهول لا يعرف أو مجروح ، ولو لم يكن فيه إلا عبد الله الأصم الذي قال في حقه النجاشي: عبدالله ابن عبدالرحمان المسمعي البصري ضعيف غال ليس بشيء، له كتاب (المزار) سمعت ممّن رآه فقال : هو تخليط . وقال العلّامة في حقه ضعيف غالٍ ليس بشيء ، له كتاب في الزيارات يدلّ على خبث عظيم، ومذهب متهافت ، وكان من كذابة أهل البصرة ، لكفى ، وكلا الروايتين مشترك بين الراويين ومن هنا يعلم أنّهما لا يحتج بهما.

وإن اعتبر صاحب الجواهر وهنهما من عدم عمل العلماء بهما مع أنّ الأمر بعكس ذلك، ولا يخلو حكم المجلسي باعتبار سندهما من إشكال، ونقلت الإجماعات المتواترة بل الإجماع المحصل الاستشفاء بطين قبر سيّدالشهداء لكان مورداً لوقوع حكم العمومات من حرمة أكل الطين عليه ، ونحن على سبيل التنازل نجيب عن هذين الخبرين فنقول :

أما رواية محمّد بن مسلم فلا دلالة فيها على المدعى ، لأنه يحتمل أن يكون المراد من قول الإمام: «قبر» «آبائي قبر سیدالشهداء علیه السلام، والذي كثر أنسه بأساليب استعمالات اللغة العربية لا يدفع هذا الاستعمال ، مع تصريح هذه الرواية بمزجه بالماء وحينئذ لا مانع منه ، فتبيّن من هذا أن الاستشهاد به على تعميم المدّعى لا وجه له وإن ذكر ذلك في الوسائل والجواهر .

وأما رواية أبي حمزة الثمالي فلم تتعرّض لخصوص الأكل ليس فيه إلا ذكر الشفاء، ولا جرم من جواز ذلك بحمله واستصحابه فيكون موجباً للشفاء والبركة

ص: 413

بل لا يبعد مزجه بالماء وشربه بحيث لا يصدق عليه أكل الطين إذا لا تزول آثاره الواقعية بزوال صدق الإسم العرفي عليه، وهذا حمل قريب للغاية ووجيه جداً، من ثَمّ مال إليه المحقق المجلسي واختاره ، ومثله فعل المحقق النراقي.

وقال في الجواهر : يمكن حمل هذا الخبر بناءاً على جواز أكل التراب مطلقاً على حلّ أكل تراب القبور المقدّسة لأجل الاستشفاء وليس الطين ، ولا يخلو هذا الكلام من وجود الخلل، هذا وإن كان جواز أكل التراب والحجر لاختصاص الأدلة ومعاقد الإجماع وظواهر الفتاوى به وأن المقصود به الطين وهو عبارة عن التراب الممزوج بالماء سواء كان رطباً أو جافاً بدليل صحة التقسيم .

ولو قلنا بموافقة الحكم للاستعمال لكان لا يخلو من قوة، ومن هذه الجهة كانت فتوى الشيخ في الجواهر موافقاً للمحقق الأردبيلي والفاضل النراقي بجواز أكلهما مع أنّ تعدّي الحكم من الطين إلى التراب بدعوى اتحاد المناط بل عدم الالتفات إلى خصوصية في الاستعمال قول وجيه، ولكن مع فرض عدم التعدي اقتصاراً على النصوص وعملاً بالأصول كما هو الأقوى، فلا وجه في حمل الطين على التراب في خبر أبي حمزة مع ردّ السياق لهذا التأويل ، والله أعلم .

ومن خواص هذه التربة التي استنبطناها من تتبع الأخبار وفتاوى الفقهاء أمور:

أ - استحباب تحنيك المولود، وهو تدليك باطن فمه بالتربة كما روى الشيخ في التهذيب عن الحسين بن أبي العلاء أنه قال: سمعت الإمام الصادق علیه السلام يقول : حنكوا أولادكم بتربة الحسين علیه السلام فإنّها أمان(1).

ب - استحباب حمل التربة دفعاً للخوف، كما روى الشيخ في التهذيب وابن

ص: 414


1- تهذيب الأحكام 6: 6: 74. (المترجم) كامل الزيارات : 282 باب 93 مصباح الطوسي : 512 ، بحار الأنوار 101 : 139 ، التهذيب :6 : 74 باب 22 (هامش الأصل)

قولويه في كامل الزيارة عن الحسن بن عليّ بن المغيرة أنه روى عن بعض أصحابنا، وفي أمالي ابن الشيخ قدّس سرّهما بطريق آخر نص على الحارث بن المغيرة والسند غاية في الاعتبار للتكرار وغير ذلك بل الحكم بصحته لاحتمال أخذه من الكتاب وتواتره مع وجود طرق صحيحة أخرى لا تخلو من قوة.

ومجمل القول بأنّ الحارث يقول : قلت لأبي عبدالله علیه السلام : إنِّي رجل كثير العلل والأمراض وما تركت دواءاً إلا تداويت به، فقال لي: وأين أنت عن طين قبر الحسين علیه السلام فإنّ فيه شفاءاً من كل داء، والأمن من كل خوف، فقل إذا أخذته : «اللهم إني أسألك بحق هذه الطينة، وبحق الملك الذي أخذها، وبحق النبي الذي قبضها، وبحق الوصيّ الذي حلّ فيها صلّ على محمد وأهل بيته واجعل فيها شفاءاً من كل داء، وأماناً من كلّ خوف».

ثم قال : أما الملك الذي أخذها فهو جبرئيل أراها النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : هذه تربة ابنك تقتله أمتك من بعدك . والنبي الذي قبضها محمد صلی الله علیه و آله وسلم، والوصي الذي حلّ فيها فهو الحسين سيّد شباب الشهداء .

قلت : قد عرفت الشفاء من كل داء، فكيف الأمان من كل خوف؟

قال : إذا خفت سلطاناً أو غير ذلك فلا تخرج من منزلك إلا ومعك من طين قبر الحسين علیه السلام ، وقل إذا أخذته: «اللهم إنّ هذه طينة قبر الحسين وليك وابن وليك أخذتها حرزاً لما أخاف وما لا أخاف فإنّه يرد عليك ما لا تخاف .

قال الرجل : فأخذتها كما قال لي ، فأصح الله بدني وكان لي أماناً من كلّ خوف مما خفت وما لم أخف كما قاله . قال : فما رأيت بعدها مكروهاً (1).

ص: 415


1- تهذيب الأحكام 6: 74 و 75 واللفظ له . (المترجم) كامل الزيارات: 282 باب 93، تهذيب الأحكام 2: 26 ، أمالي ابن الشيخ : 201 ، الوسائل أبواب المزار : 411 ، بحار الأنوار 101 : 118 (هامش الأصل)

والأخبار من هذا النمط الدالة على أنّ التربة أمان من الخوف كثيرة ولكن أكلها دفعاً للخوف غير جائز إلا أن يكون الخوف نفسه مرضاً.

ج - استحباب صنع مسبحة منه كما ورد ذلك في أخبار كثيرة منها مزار البحار ومن المزار الكبير أخذ ذلك بسنده عن إبراهيم الثقفي أن أباه روى عن الإمام الصادق علیه السلام أن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنها عقدت خيطاً من الصوف وجعلته سبحة تعدّ بها التكبير ، فلما استشهد الحمزة سيّد الشهداء اتخذت من تراب قبره مسبحة ، وكان الناس يستعملونها، فلما استشهد الحسين علیه السلام عاد الأمر إليه واستعمل الناس تربته لفضلها على غيرها . (1)(2)

وفي التهذيب وساق السند إلى الإمام موسى بن جعفر علیه السلام قال - الراوي - دخلت عليه، فقال: لا تستغني شيعتنا عن أربع خمرة يصلّي عليها، وخاتم يتختم به ، وسواك يستاك به وسبحة من طين قبر أبي عبد الله علیه السلام فيها ثلاث وثلاثون حبّة ، متى قلبها ذاكراً الله كتب له بكل حبة أربعون حسنة ، وإذا قلبها ساهياً يعبث بها كتب له عشرون حسنة .(3)

وفي التهذيب أيضاً مسنداً أنّ الحميري سأل الفقيه(4) تحريراً قال: كتبت إلى الفقيه علیه السلام أسأله : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين قبر الحسين علیه السلام؟ وهل فيه فضل ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت يسبح به، فما في شيء من التسبيح

ص: 416


1- المزار الكبير : 119 ، بحار الأنوار 101 : 132 ط طهران. (هامش الأصل)
2- إنّ أوّل من صنع تربة للسجود عليها من قبر الحسين و مسبحة الإمام زين العابدين . [منتهى الأمال : 29 باب شهادة علي بن الحسين]. (المحقق)
3- تهذيب الأحكام 6: 75 (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 101: 132 رقم 61. (هامش الأصل)
4- كناية عن صاحب الزمان . (المؤلف)

أفضل منه ، ومن فضله إنّ المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له في ذلك التسبيح.(1)

د - استحباب وضعه مع الميت ومزجه بحنوطه كما جاء في ذيل هذا الخبر أن الحميري قال : كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله .(2)

ومن فحوى السؤال يعرف بأنّ هذا الفعل كان متداولاً بين الشيعة ومشتهراً عندهم وهو نفسه دليل آخر على المدعى، وكذلك يستحب كتابة الآيات

والشهادة بالتوحيد على كفن الميّت من تراب قبر سيد الشهداء علیه السلام.

وفي المدارك منقولاً عن الذكرى أنّ امرأة قذفها القبر مراراً لفاحشة كانت تصنع (فأمر بعض الأولياء بوضع تراب من قبر صالح معها، فاستقرّت .. ونقل الفاضل) أنها كانت تزني وتحرق أولادها ، وإنّ أمّها أخبرت الصادق علیه السلام ، فقال : إنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله اجعلوا معها شيئاً من تربة الحسين علیه السلام ، فاستقرت .(3)

ه- استحباب السجود عليه ، كما طابق النصوص ووافق الفتاوى ، بل هو شعار الإمامية في هذه الأعصار ، بل كان في السابق هو الكاشفة القطعية عن هوية التشيّع بناءاً على السيرة المحققة .. وعزى ابن بابويه في الفقيه على نحو الإرسال وهو لا يقل قبولاً عن غالب مسانيده أنه قال : السجود على طين قبر الحسين علیه السلام ينوّر

ص: 417


1- التهذيب 6 : 75. (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 101: 133 رقم 62. (هامش الأصل)
2- التهذيب 6 : 76. (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 101 : 133 . (هامش الأصل)
3- الشهيد الأول ، الذكرى : 66

إلى الأرض السابعة ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين علیه السلام كتب مسبحاً وإن لم يسبح بها .(1)

ونقل الشيخ الثقة الأمين أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي عن الحميري في كتاب الاحتجاج وهو على التحقيق من مؤلفاته كما عدّه من مصنفاته ابن شهر آشوب في معالم العلماء وهو من تلامذته، وهذا الأمر وإن كان بيّناً واضحاً اشتبه على الملا محمد أمين الاسترآبادي مع ما يدعيه من معرفة الحديث ومع ما كان ما كان يثيره من الصخب والضجيج حول إحاطته بفنونه فنسبه إلى أمين الإسلام صاحب (مجمع البيان )في الفوائد المدنية .

وجملة القول إنّه في الكتاب المزبور قال: سأل الحميري من إمام العصر روحنا له الفداء عن السجدة على لوح من طين القبر وهل فيه فضل - يقصد باللوح التربة المتخذة في هذا العصر - فأجاب علیه السلام : يجوز ذلك وفيه الفضل.(2)

والظاهر في تعريف الفضل أنه دائر فيما بين التربة وما يصح السجود عليه. وفي التهذيب بسند صحيح عن معاوية بن عمار قال : كان لأبي عبدالله - صادق آل محمد - خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبدالله علیه السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ، ثمّ قال: السجود على تربة أبي عبد الله علیه السلام يغرق الحجب السبع .(3)

ص: 418


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 268 (المترجم) 1: 86 ، الوسائل 2 : 207 باب استحباب السجود على تربة الحسين .
2- الاحتجاج 2: 489 . (المترجم) مصباح الطوسي : 514 ، بحار الأنوار 101: 135 ، الاحتجاج : 274، الوسائل باب الصلاة 2 : 608 . (هامش الأصل)
3- مصباح المتهجد : 733 و 734 . (المترجم) نفسه : 511 ، بحار الأنوار 101 : 135 رقم 74 ، الوسائل، الصلاة ، أبواب ما يسجد عليه 1 : 608، والرواية في مصباح الطوسي وأخطأ المصنف في نسبتها إلى التهذيب. (هامش الأصل)

وظاهر الحديث أنّ هذا كلام معاوية بن عمّار ولكنه بعيد ولو كان كذلك فهو حجّة أيضاً ؛ لأنّ محدّثاً عظيم الشأن كهذا المحدّث يعزب عن كلام - وإن كان هذا الكلام بنفسه شاهداً على صدوره عن الإمام - بدون سماعه وتلقيه عن الإمام.

وفي الوسائل والإرشاد للديلمي : كان الصادق علیه السلام لا يسجد إلا على تربة الحسين .(1)

والمراد من الحجب السبعة في حديث معاوية بن عمار السماوات السبع والمقصود عروج الصلاة إلى الملأ الأعلى وبلوغ القرب الحقيقي أو المعاصي السبع المانعة من قبول الأعمال وحجابها وتلك هي المعاصي التي رأى جماعة انحصار الكبائر بها كما ذكر ذلك في الكتب الفقهية : أ - الشرك ، ب - قتل النفس ، ج - قذف المحصنة ، د - أكل مال اليتيم ، ه- الزنا ، و - الفرار من الزحف ، ز - عقوق الوالدين .

ومعنى الخرق (2)لهذه الحجب أنه إن كان مقروناً بالتوبة الصادقة والعزم الثابت فإنّ الله تعالى يعفو عن الذنوب السالفة يمحوها ببركة هذه التربة المقدّسة .

ويمكن أن يكون المراد بالحجب السبعة طبقاً لاصطلاح أهل الأخبار الأدناس وجنود الجهل، بناءاً على ما ذهب إليه جماعة من أهل العلم بأنّ كلّيات الرذائل منحصرة في سبعة أجناس وتتفرع عنها سائر ملكات الرذائل ؛ لأن أصول الملكات العادلة أربعة : العدالة والعفّة والشجاعة والحكمة ولكلّ واحد منها ضدّان ما عدا العدالة فإنّ لها ضدّاً واحداً ، فضدّ العفّة الشره والخمود ، وضدّ الشجاعة الجبن

ص: 419


1- الإرشاد : 141 ، الوسائل : باب استحباب السجود على تراب قبر الحسين 605:11. (هامش الأصل)
2- مرّ عليك أنّ العبارة هي غرق لا خرق ، ولعل الحق مع المؤلف . (المترجم)

والتهوّر ، وضدّ الحكمة البلاهة والجربزة ، وضدّ العدالة الظلم (1)وهذه الصفات السبعة هي في الحقيقة طرق جهنّم نعوذ بالله منها .

وقال أحد أهل العلم :

همه اخلاق نیکو در میانه***که از افراط و تفریطش کرانه

میانه چون صراط المستقیم است***که هر دو جانبش قعر جحیم است

به باریکی و تیزی موی شمشیر***نه روی کشتن و بدون بر او دیر

عدالت چون یکی دارد زاضداد***همین هفت آمد این اضداد زاعداد

به زیر هر عدد سری نهفته است***از آن درهای دوزخ نیز هفت است

چنان گر ظلم دوزخ شد مهیا***بهشت آمد همیشه عدل را جا

ظهور نیکوئی از اعتدال است***عدالت جسم را اقصی الکمال است

الترجمة(2):

وإنّما أوسط الأخلاق أكملها***فاحذر بفعلك إفراطاً وتفريطا

صراطها مستقيم في جوانبه***جهنّم تغتلي كالقدر مسيوطا

كأنّها شفرة الصمصام صفحته***قد أصبح القتل في حديه مربوطا

إن كان للعدل ضدّ واحد فلما***ذكرت ضدّان مشروحاً ومخطوطا

وتحتها تختفي الأسرار معلنة***عن اللظى سبعة أبوابها احتيطا

إن كان للظلم نار الله موصدة***كان النعيم لعدل المرء مشروطا

إنّ الجميل من العدل الذي هو في***ظلّ الكمالات ممدوداً ومبسوطا

مثل العدالة حيث الله جسدها***في الخير لا في ضمير الحكم مغلوطا

ص: 420


1- يقول الفلاسفة : الفضيلة وسط بين رذيلتين فلا مناص من وجود ضدّ آخر للعدالة وهو الغلو بها حتى تخرج عن حد الاعتدال (المترجم)
2- ألمّت الترجمة بمجمل المعنى وليست حرفيّة لأنّ ذلك صعب المنال إلا على من يتفرغ لها ويبذل وسعه في هذا السبيل . (المترجم)

ولكن التحقيق يقضي بأنّ للعدالة ضدّين أيضاً : الأوّل الظلم الذي سمعته ، والثاني الانظلام، ويعبر عنه بالضيم لكي تتحقق الوسيطة ، لأن الوسط دونما طرق محال بالضرورة كما تقرّر في البرهان أنّ الوسط والطرف من براهين إبطال التسلسل ، وشرح هذه المسألة بصورة مبسوطة خارج عن مهمة هذا المقام، وإنّي قد بينت في بعض مسوداتي شرحاً تاماً لهذه المسألة.

وبناءاً على مذهب طائفة من الحكماء المسلمين الذين يحسبون على أهل العرفان يمكن أن يكون المراد من الحجب السبعة الحجب النورانيّة المسمّاة بمدن المحبة ومراتب الولاية ومنازل سفر الأولياء الباطني، وهذه مقامات سبعة : أ - مقام النفس ، ب - مقام القلب ، ج - مقام العقل ، د - مقام الروح ، ه - مقام السرّ ، و - مقام خفي، ز - مقام أخفى .

وهذه الأمور تكون باعتبار الثبات والملكة مقاماً، وباعتبار الزوال والتجدّد حالاً، ولعلّ المناجاة الشعبانية المعروفة التي ذكرها ابن طاووس عن ابن خالويه تشير إلى هذا المعنى.. واعترف العلّامة المجلسي باعتبار سندها، وكان الإمام أمير المؤمنين علیه السلام والأئمة من بعده علیه السلام يديمون قرائتها، وهي هذه :

«وَأنِرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك» (1).

وبناءاً على ما تقدّم إنّ كلّ من انعتق من ذاته بسرّ الصدق وباب الصفاء وتوجّه توجهاً تاماً وإقبالاً كاملاً في الصدق وكان متمسكاً بحبل ولاية سيّد الشهداء علیه السلام ويعفّر جبينه بتراب قبره ساجداً على تربته رفع الحجاب عنه وشاهد بعين البصيرة

ص: 421


1- بحار الأنوار باب الأدعية والمناجاة 94: 99ط طهران، مفاتيح الجنان أعمال شعبان المشتركة . (هامش الأصل)

وحقيقة الإيمان جمال المحبوب الحقيقي، ومن بلغ هذه المرتبة فقد بلغ رتبة البركة منه .

از ره گذر خاک سرکوی شما بود***هر نافه که در دست نسیم سحر افتاد

ما عطر الريح من مسك سرى سحراً***ترب المواكب قد مرت بواديكا

وهذا هو تقرير الاحتمال على نهج هذه الطريقة وإن كان في نفسه محل إشكال ، ولكن من حق العلم أن يؤدى بلسان أهله من كل طريقة فلا يزيد فيه ولا ينقص منه . ثمّ تذكر بعد ذلك المؤاخذات عليه، ولا يقتضي المقام بسط الكلام فيه بل مرادنا شرح فضائل التربة المقدّسة الحسينية، فهي الحصى الذي يجري عليه ماء السلسبيل، ونور جناح جبرئيل، ونميرة ماء الحيوان، ونكهة حديقة الرضوان، وكحل عيون الولدان ، وغاية طرر الحور العين في الجنان .

لمؤلّفه :

فيالها تربة يرقى بسجدتها***أقصى معارج توحيد و عرفان

يضوع المسك من ذكرى نوافجها***ولا تضوعه من ذكر نعمان

فمن يرصع بها اکلیل سؤدده***بنعله رضعت تيجان خاقان

ولو تأملها خضر العيون رأى***مرآة اسكندر في عين حيوان

كأنّما مسحت يوماً بها فبدت***بيضاء لامعة كف ابن عمران

فمن يشاهد بها الأسرار كان على***ملك الحقائق أعلى من سليمان

فارغب إليها ولا تطلب لها بدلاً***في سلسبيل ولا في روض رضوان

فذاك ماء وكالصداء ليس وذا***مرعى ولكنّه لا مثل سعدان (1)

ومجمل القول أنّ الإشارة جرت عن هاتين الخاصتين في دعاء الثلاث من

ص: 422


1- قسم من هذا الشعر مذكور في ديوان المؤلف : 344. (هامش الأصل)

شعبان الشريف الذي ذكر في المصباح الكبير وإقبال السيد ومنهما أخذ بحار الأنوار من أن التوقيع الوقيع صدر من الإمام العسكري خرج إلى وكيل الناحيه المقدسة أبي القاسم (القاسم - المؤلّف) بن العلاء (الهمداني) أن مولانا الحسين ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصُمهُ وادْعُ فيه بهذا الدعاء وساق الدعاء إلى قوله في وصف سيّدالشهداء:

«المفوَّض عن قتله أنّ الأئمة من نسله والشفاء في تربته ....» إلى آخر الدعاء (1).

ونحن وإن أطنبنا في ذكر أحكام التربة وخالفنا طريقة الاختصار إلا أنك عندما تدرك قدر هذه التربة المقدّسة وشرفها عند الله تعالى، وتعرف كيف أعزها الله وجعلها محترمة، وصيّر الإنسان محتاجاً إليها من ولادته إلى مابعد وفاته سوف تلم أن اختصاراً أشد من هذا مخلّ بفضلها ولا وجه له على الإطلاق .

الأمر الثالث : استجابة الدعاء تحت قبته وحول القبر الطاهر المقدس كما جاء في الأخبار المتواترة عن العترة الطاهرة والمأثورة ، نحن نذكر خبراً أو خبرين منها:

روى الشيخ المعظم ابن قولويه رضي الله عنه وأرضاه في مزاره وساق السند إلى أبي هاشم قال: بعث إلي أبو الحسن علیه السلام في مرضه وإلى محمد بن حمزة، فسبقني إليه محمد بن حمزة فأخبرني أنه ما زال يقول : ابعثوا إلى الحائر (ابعثوا إلى الحائر) - أي ابعثوا إلى الحائر من يدعو لي - فقلت لمحمد : ألا قلت له أنا أذهب إلى الحائر ؟ ثم دخلت عليه ، فقلت له : جعلت فداك ، أنا أذهب إلى الحائر ، فقال : أنظروا في ذلك - الظاهر أنّ الأمر منه علیه السلام إلى الحجاب والخدم ليعدّوا العُدّة

ص: 423


1- بحار الأنوار 53 : 95 (المترجم) مصباح الطوسي : 574 ، الإقبال : 185 ، بحار الأنوار 101 : 347 (هامش الأصل)

ويهيئوا أهبة الرحيل له - ثمّ قال : ابعثوا رجلاً إلى حائر الحسين علیه السلام يدعو لي ويسأل الله شفائي عنده ، أنظروا في ذلك أي تفكروا وتدبروا فيه بأن يقع وجه لا يطلع عليه أحد للتقيه، محمّداً ليس له سرّ من زيد بن علي وأنا أكره أن يسمع ذلك - كناية على أنّه ليس من الشيعة .. المؤلّف ..

قال - الجعفري - فذكرت ذلك لعلي بن بلال ، فقال : ما كان يصنع بالحائر وهو الحائر ؟! فقدمت العسكر فدخلت عليه، فقال لي: اجلس حين أردت القيام ، فلمّا رأيته أنس بي ذكرت قول عليّ بن بلال، فقال لى: ألا قلت له : إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يطوف بالبيت ويقبل الحجر وحرمة النبي صلی الله علیه و آله وسلم والمؤمن أعظم من حرمة البيت ، وأمره الله أن يقف بعرفة ، إنّما هي مواطن يحب الله أن يذكر فيها، والحائر من تلك المواضع (1)و(وأنا أحب أن يُدعى لي في المواطن التي يحب الله أن يُدعى بها، والحائر من هذه المواضع).

ونقل نفس الخبر بتغيير يسير في المتن ،والسند ، ورواه عنه متأخر و العلماء مثل المجلسي والشيخ الحر العاملي وغيرهما .

وروى الشيخ الفقيه الزاهد العارف أحمد بن فهد الحلّى في كتاب «عدة الداعي» أن الصادق علیه السلام أصابه وجع فأمر من عنده أن يستأجروا له أجيراً يدعو له عند قبر الحسين علیه السلام ، فخرج رجل من مواليه فوجد آخر على الباب فحكى له ما أمر به فقال الرجل : أنا أمشي لكن الحسين علیه السلام إمام مفترض الطاعة وهو أيضاً فكيف ذلك ؟ فرجع إلى مولاه وعرفه قوله، فقال: هو كما قال ، لكن ما عرف أنّ الله تعالى بقاعاً يستجاب فيها الدعاء، فتلك البقعة من تلك البقاع .(2)

ص: 424


1- كامل الزيارات : 459 . (المترجم) نفسه : 273 باب 90 ، بحار الأنوار 112:101. (هامش الأصل)
2- عدّة الداعي : 57. (المترجم) نفسه : 36 ، الوسائل أبواب المزار : 421 باب 76 حديث 2. (هامش الأصل)

وفي كامل الزيارات وساق السند إلى شعيب العقرقوفي عن أبي عبدالله قال : قلت له : من أتى قبر الحسين علیه السلام من الثواب والأجر جعلت فداك ؟ قال : يا شعيب ، ما صلّى عنده أحد (إلا قبلها الله منه) ولا دعا عنده أحد دعوة إلا استجيب له عاجله وآجله .(1)

وفي كامل الزيارات أيضاً عن المفضّل بن عمر قال : قال الصادق علیه السلام : زائر الحسين لا يسأل حاجة من حوائج الدنيا إلّا أعطاه (2).

والأخبار من هذه المقولة خارجة عن حدّ الإحصاء، بل ثبت بالضرورة في مذهب الإمامية - ضاعف الله اقتدارها وكثر أنصارها - أنّ استجابة الدعاء والشفاء في تربته، وهذا من مذهبها في غاية الوضوح وكمال الظهور ، بل لا يقل ظهوراً عن الخصيصة الأولى وهي كون الأئمة من نسله ، فلا حاجة إلى الاستشهاد بالأخبار والاستمداد من كلمات العلماء الأخيار «وقد أشرت إلى هذه الخواص الثلاث في قصيدة حسينية، ومدحت التربة المباركة الزكية بما لم أعرف السبق إليه ، فلا بأس بنقل ما يتعلق بذلك تطريزاً لديباجة الكتاب وادّخاراً لجزيل الأجر والثواب ، وهو :» (3)

ومن فوّض الله أمر الوجود***قبضاً وبسطاً إلى راحته

ومن عوض الله عن قتله***بأنّ الأئمة من عترته

وأن يستجاب دعاء الصريح***إذا ما دعا الله في قبته

وإن جعل الله فضلاً عليه***شفاء البرية في تربته

ص: 425


1- كامل الزيارات : 252 (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 101: 83. (هامش الأصل)
2- كامل الزيارات : 135 من حديث طويل. (المترجم) نفسه : 251 ، بحار الأنوار 101: 82 (هامش الأصل)
3- ما وضعناه بين الأقواس هو من نثر المؤلّف العربي . (المترجم)

فيا طيبها تربة أخجلت***نوافج للمسك في نفحته

أرى الخضر قد دسّ منها بما***استقاه فعمر في مدته

ترى القدس منها لنيل الفخار***يرضع تاجاً على قمته

ويغبطها العرش شوقاً كما***يقاسي المقيم من صبوته

لقد عفّر البدر فيها الجبين***وها أثر الترب في جبهته (1)

الخصيصة الرابعة : أنّ أيّام زيارته لا تُعد من أعمار زائريه كما جاء في أمالي ابن الشيخ رضي الله عنهما وساق السند إلى محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد علیهما السلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسين علیه السلام من قتله أن جعل الإمامة في ذرّيّته ، والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تُعدّ أيّام زائريه جائياً وراجعاً من عمره (2).

ومحصل ما مرّ أنّ الله عوّض الحسين عن القتل بهذه الخصال الأربع، وقد مرّ ثلاث منها ، والرابع عدم عدّ أيّام الزيارة ذهاباً وإياباً من عمر الزائر .

وقال ابن فهد في عُدّة الداعي والشيخ الحرّ العاملي نقل منه في الوسائل : روي أنّ الله عوّض الحسين من قتله أربع خصال: جعل الشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء تحت قبته ، والأئمة من ذرّيّته، وأن لا تُعَدّ أيام زائريه من أعمارهم(3).

ومروي في الأخبار الكثيرة من كامل الزيارة والمصباح والتهذيب والبحار والوسائل وغيرها (4)أنّ ترك زيارته موجب لقصر العمر كما أن زيارته توجب

ص: 426


1- ديوان المؤلف : 58 .
2- أمالي الطوسي : 317. (المترجم) نفسه : 201 ، الوسائل كتاب الحج أبواب المزار : 329 حديث 34 (هامش الأصل)
3- عُدة الداعي : 57 . (المترجم) نفسه : 35 ، الوسائل أبواب المزار : 421 باب 76 (هامش الأصل)
4- كامل الزيارة : 150 باب 61 ، بحار الأنوار 101: 46 ، الوسائل أبواب المزار : 335. (هامش الأصل)

طوله وبعد الأجل، وبما أنّ أخبار هذه الخصيصة فيها إشكال بحسب الظاهر ، حضرتني عده أجوبة عنها :

منها : أنّ رزقه في هذه الأيام لا يحسب من رزقه ال-م-قدر ولا تكتب ذنوبه فيكون نفي العمر عنه مجازاً بنفي لوازمه، ويؤيّده الأخبار الدالّة على عدم كتابة ذنوب الزائرين .

الثاني : أنّ الزيارة سبب في طول العمر، مثل صلة الرحم والصدقة ، فكأنّما هذه الأيام لا تحسب من العمر، ويؤيده أنّ الأخبار الواردة عن الصادق علیه السلام أنه نظر إلى أصحابه وقال: ولو قلت إن أحدكم ليموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقاً وذلك لأنكم تتركون زيارة الحسين ..(1)وهذا محصل ما يدور بخاطري من الروايات وأصل الخبر موجود في كتب المزار.

الثالث : أن لفظ آجالهم في الخبر بمعنى آجال الموت أي إنّهم لا يموتون أيام السفر، وهذا التوجيه مبنى على لفظ آجال الوارد في الخبر وليس الأعمار وم-ا كتبت إلّا الذي رأيته .(2)

الرابع : لا تعرض هذه الأيام - أيام الزيارة - في معرض الحساب يوم القيامة، وهذا في الواقع شيء واحد مع التوجيه سالف الذكر ، والأولى هو التوجيه الثاني، وهذا وإن بدى في ظاهره على طرف الإشكال لأنّ اللازم لهذا القول أن لا يلحق الموت أحداً من الزائرين وهذا خلاف المحسوس والمشاهد، ولكن جوابه :

أوّلاً: إنّ هذه الأمور المستحبة والمكروهة التي نسب إليها لوازم من المنافع

ص: 427


1- كامل الزيارة : 151 (المترجم) نفسه : 5 وبحار الأنوار 47:101 (هامش الأصل)
2- بالإسناد عن هيثم بن عبد الله الرماني ، عن أبي الحسن الرضا عن أبيه الله : قال أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق : لا تحسب من أعمارهم ولا تُعَدُّ من أجالهم. [كامل الزيارة : 136 باب 51]

والمضار ما هي إلا مجرد مقتضيات وليست عللاً تامة مِن ثَمّ لم يرد إلزام في مورد ما نسب إليها، ولا يستحيل في العقل عدم الوقوع ، فما المانع أن تقترن في بعض الموارد بالدفع لآثارها، أو تقترن بما يضاد تلكم الآثار فيكون سبباً لنقص العمر مثل قطع الرحم وترك الصدقة والظلم .

وثانياً : يمكن أن يقال أن خواص المستحبّات وآثارها التي تذكر مجتمعة لا تجري جميعها في الموارد كلّها بل ربما كان لكل واحد منها مورد يجري فيه ، مثلاً يأتي بعضها بسعة الرزق ، والآخر بخشوع القلب ، وثالث بطول العمر ، ورابع برفع البلاء، بحسب تفاوت المصالح واختلاف الاستعدادات ، وهكذا قد يؤدي البعض منها إلى حصول الاثنين والأكثر ، أو حصول الكل. وبناءاً على هذا لا يكون الاقتضاء متيقناً في جميع الموارد واحتمال وجود المقتضي وعدم حصول المانع كافٍ فى الفعل وتحريكه .

ثالثاً: إن أسباباً من هذا النوع على فرض تسليمها خاصة بالأمور المقدّرة في لوح المحور والإثبات لا المقدّرات الحتمية، ومن هذا القبيل الصدقة والدعاء فإن تأثيرهما في كثير من المقدّمات تأثير مشهود ولا مانع بل الأولى في زيارة سيّدالشهداء أن يكون لها هذا الأثر ، ونحن بحمد الله في العلوم العقلية وفي الموضع المناسب منها حللنا عقدة هذا الإشكال بأحسن وجه وأب-ي-ن ن-وع ، ولا يقتضي المقام الدخول فى هذا السياق.

تتمّة مهمّة

لما كانت الأخبار تتضمّن أحياناً ذكر الحائر وأحياناً ذكر القبر وأحياناً يأتي التعبير عن ذلك بألفاظ أخرى ، ولم يبيّن لهذه المواضع حد معلوم يحتوي في داخله على التربة والدعاء ، وكان هذا الإيهام سبباً لحيرة جماعة من المحققين

ص: 428

وذلك لاختلاف الأخبار ونزاع العلماء في تحديد الحائر لاسيما مسألة التقصير والإتمام التي يكون المكلف مخيّراً بينهما في الأماكن الأربعة وهى من مهمات المسائل الفقهيّة، ومن أسرار الأئمة وخواص الإمامية، رأيت من اللايق بي بقدر الوسع والطاقة واتساع هذا المختصر أن أشير إلى تحقيق المسألة :

اعلم أنّ الحائر في اللغة المكان المطمئنّ يجتمع فيه الماء فيتحيّر لا يخرج منه(1). كما ذكر ذلك ابن إدريس في السرائر ولعله مأخذو من الحور بمعنى العمق والقعر ، لأنّ الأرض الواطئة لابد أن تكون بالنسبة لما ارتفع عنها عميقة . وموضع قبر الحسين علیه السلام لما كان في أرض منخفضة كما يظهر ذلك من الصحن المقدّس ويشهد ذلك من جانب باب الزينبية وباب القبلة ، لهذا أطلق عليه اسم الحائر، ولا وجه لما قيل من سبب تسميته بأنّ المتوكل أمر بحرث القبر وأرسل عليه الماء فلم يصل إليه، ويستظهر هذا السبب من كتاب الذكرى، لأنّ في الأخبار الكثيرة الصادرة قبل خلق المتوكل يوجد فيها اسم الحائر ، وهذا من الوضوح بمكان حيث لا يمكن أن يستعمل هذا الاسم بناءاً على تلك الواقعة المتأخرة . ولا شبهة بأنّ المراد من الحائر قبر سيّدالشهداء علیه السلام .

واختلفت الأخبار في تحديده ؛ ففي كامل الزيارة عن عبدالله بن سنان ونقل ذلك بطريقين ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : قبر الحسين بن علي علیه السلام عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً روضة من رياض الجنّة(2).

ورواه الشيخ في التهذيب.

ص: 429


1- لسان العرب مادة حير . (المترجم)
2- كامل الزيارات : 113 (المترجم) نفسه : 112 ، بحار الأنوار 101: 106، التهذيب 6 : 72 ، بحار الأنوار 6: 108 (هامش الأصل)

وفي الكافي وثواب الأعمال وكامل الزيارة ومصباح المتهجد جميعاً عن إسحاق بن عمار عن الصادق علیه السلام : قال : سمعته يقول : الموضع قبر الحسين حرمة معلومة من عرفها واستجار بها أجير .

قلت صف لي موضعها .

قال : امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قدامه وخمسة وعشرين ذراعاً ،عند رأسه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه .. الحديث(1).

وفي كامل الزيارة والمصباح عن الصادق علیه السلام أنه قال: حرمة قبر الحسين فرسخ في فرسخ من أربعة جوانب القبر(2).

وفي الكامل والمصباح عن صادق آل محمد علیهم السلام أنه قال : حريم قبر الحسين خمس فراسخ من أربع جوانب القبر ..(3).

والصدوق عبر بنفس الرواية وقال: حريم قبر الحسين خمسة فراسخ من أربعة جوانبه(4).

وساق الشيخ - الطوسي .. المترجم - السند إلى صادق آل محمّد أنّ «التربة من قبر الحسين على عشرة أميال»(5).

ص: 430


1- الكافي 4 : 588 واللفظ له . (المترجم) كامل الزيارة : 272 مصباح المتهجد : 509، مصباح الكفعمي : 508 ، الكافي 4 : 580 ، ثواب الأعمال : 85، بحار الأنوار 101: 110 (هامش الأصل)
2- كامل الزيارات : 271 (المترجم) بحار الأنوار 101: 111 . (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 101 : 111 رقم 27 و 28 . (هامش الأصل)
4- الرواية في التهذيب 4 : 225 وليس فيه ذكر الصدوق (المترجم) نفسه 6: 72 ، بحار الأنوار 101: 116 . (هامش الأصل)
5- التهذيب :6: 72 (المترجم) نفسه وبحار الأنوار 116:101. (هامش الأصل)

وفي كامل الزيارة رفعه إلى أمير المؤمنين : حريم قبر الحسين فرسخ في فرسخ في فرسخ(1).

وفي الكامل ورفعه إلى الإمام الصادق علیه السلام قال : لو أنّ مريضاً من المؤمنين يعرف حق أبي عبدالله وحرمته وولايته أخذ له من طينه على رأس ميل كان له دواءاً وشفاءاً(2).

وفي رواية أخرى وقد أشير إليها سابقاً ، قال : يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس أربعة أميال(3).

وفي الكافي وكامل الزيارة ومصباح المتهجد وبحار الأنوار ومصباح الزائر رفعوه جميعاً إلى الإمام الصادق علیه السلام : يؤخذ من طين قبر الحسين من عند القبر على سبعين ذراعاً(4).

وروى الخبر نفسه في كامل الزيارة بطريق آخر وتغيير يسير «وعلى سبعين باعاً في سبعين باعاً»(5).

وفي البحار ومصباح الزائر رواى أنه قال بعد هذا الحديث : وروي في حديث آخر مقدار أربعة أميال، وروي فرسخ في فرسخ(6).

ص: 431


1- كامل الزيارة : 271 والرواية عن أبي عبد الله الصادق (المترجم) عن أبي عبد الله : فرسخ في عبدالله فرسخ من أربعة جوانبه كامل الزيارة ، المصباح، بحار الأنوار 101 : 111 رقم 25 و 26 و ص 114 رقم 35 . (هامش الأصل)
2- كامل الزيارة : 275 ، مكارم الأخلاق : 189، بحار الأنوار 101: 124 رقم 20 و 21.
3- كامل الزيارة : 280 ، بحار الأنوار 101 : 127 حدیث 23 . (هامش الأصل)
4- الكافي 4 : 588 ، كامل الزيارة : 285 ، مصباح الطوسي : 510 ، مصباح الزائر : 136 ، بحار الأنوار 101: 130 رقم 50-53 (هامش الأصل)
5- كامل الزيارة : 281 و 136 ، بحار الأنوار 101: 131 رقم 55 (هامش الأصل)
6- بحار الأنوار 101 : 131 رقم 54 (هامش الأصل)

وظاهر خبر أبي سعيد العصفري المنقول في أصله، وفي الكافي والتهذيب نقلاً عنه فى فخر أرض كربلاء: «الشفاء في تربتي»(1).

هذا ويعتبر الاستشفاء في مطلق تراب كربلاء وإن لم توجد هذه الفقرة في نفس الأصل الشريف الذي يوجد بحوزتي، ولابد من كونها قد حذفت، وتوجبه اختلاف الأخبار في تحديد البقعة التي يشملها اسم تربته علیه السلام بعد كون الغالب منها معتمداً ومعتبراً إما لتكرار إسناده أو وثاقة رواته أو كثرة وجوده في الكتب المعتمدة أو اشتمال الكتب الأربعة عليه أو اتفاق مضامينها مع مؤدى الأخبار الأخرى.

أقول : يمكن توجيه الاختلاف هذا أن المسافة التي تناط بها الحرمة من موضع القبر إلى خمسة فراسخ فإنّها مورد الاحترام وتنجيسها حرام ، وقد يؤدّي إلى الكفر أعاذنا الله إذا كان يقصد الإهانة، وكلّما دنت المسافة من القبر ازداد الفضل والحرمة حتى تصل إلى عشرين ذراعاً في مثلها، بل التراب الواق-ع على القبر الشريف أفضلها بالضرورة. ولكن من أجل امتداد رقعة التربة الأفضل بلغوا بها إلى ذلك الحدّ ومن بعده الخمس والعشرون ، ومن بعدها السبعون، ومن بعدها السبعون باعاً، ومن بعدها الميل، ومن بعده الفرسخ ، ومن بعده أربعة أميال وهكذا دواليك.

ص: 432


1- كامل الزيارات : 270 ، بحار الأنوار 101 : 110 رقم :17 وأشهد أنّها تربة الحسين شفاء من كل داء . مكارم الأخلاق عن أبي عبد الله : 189 ، بحار الأنوار 101: 132 رقم 6 ، مصباح الطوسي : 511، مصباح الزائر : 136 عن الصادق أن تربة الحسين من الأدوية، بحار الأنوار 101 : 135 رقم 73 ، المزار الكبير عن الإمام الباقر قال : عليك بتربة الحسين ال... بحار الأنوار 101 : 138 رقم 83، أمالي الطوسي 1: 326 عن الصادق أن الله جعل تربة جدّي الحسين شفاءاً من كل داء، بحار الأنوار 101 : 119 ، أمالي : 201، بحار الأنوار 44: 221 محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وجعفراً بن محمد يقولان : عوض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذريته والشفاء في تربته ...

وأشار شيخ الطائفة قدس الله ضريحه في التهذيب والمصباح (1)إلى هذا الوجه، ويمكن أن يراد من لفظ الحائر الوارد في بعض الأخبار أرض كربلاء

مطلقاً وإن كانت في الأصل لا تعدو موضع القبر المقدس أو خصوص الحرم من الخزانة إلى المنحر كما هو ظاهر عبارة السرائر من أنّه «ما دار سور المشهد والمسجد عليه» (2)أو أنه مطلق الصحن الشريف كما قال به جماعة، أو أنّه خصوص القدر الذي يحتويه الجانب القبلي وجانب اليمين واليسار باستثناء باب السدر كما نقل ذلك في البحار عن السيد الفاضل الأمير شرف الدين المجاور في النجف الأشرف وهو من مشايخ صاحب البحار ، والسيد المذكور نقل عن المعمرين من أهل كربلاء.

وشاهد صدق هذه الدعوى إطلاق العامة اسم كربلاء على هذا الموضع لأنّهم يستعملون لفظ كربلاء في الحائر ، وهذا الاستعمال وإن كان مجازاً فلامانع بعد شيوعه من الحمل عليه في مقام جميع الأخبار .. وكان هذا الاستعمال مثبتاً على ألسنة القدماء ومعاصري الأئمة أو القريبين من عصرهم، بل ربما وجد الشاهد على ذلك من أهل أهل البيت علیهم السلام .

وجملة القول : إذا تمّ هذا التقريب فإنّ رفع اختلاف الأخبار يكون سهلاً، ففي بعضها جاء التعبير بحرم الحسين مثل صحيحة عليّ بن مهزيار، وفي بعض الأخبار عند قبر الحسين ، وفي غيرها حائر الحسين علیه السلام .

ولا شبهة أن المراد من حرم الحسين علیه السلام ليس خصوص تلك البقعة المقدسة لأنّ سعة الحرم دليل على جلالة صاحبه، ولا يتلائم ما للحسين من جلالة القدر

ص: 433


1- التهذيب 6 : 72، مصباح الطوسي : 509 ، بحار الأنوار 101 : 112 .
2- السرائر : 78 ، بحار الأنوار 101 : 117 .

مع ما لحرمه من الضيق إذا اعتبر خصوص القبة والمشهد، وقد سمعت تحديده إلى خمسة فراسخ كما مرّت عليك أدلة تحديده بفرسخ.

والتعبير عن مكة والمدينة كما في صحيحة عليّ بن مهزیار بحرم الله وحرم رسوله كما أنّ الكوفة وكربلاء حرم أمير المؤمنين وحرم الحسين، والتفكيك بين هذه المدن الأربع بإرادة نفس البلدين من الأولين والمسجد والقبة وحدهما من الأخيرين غاية في الركة ، إذاً الظاهر من هذا الخبر جواز الإتمام في البلد كله ، وعند قبر الحسين لفظ مجمل وهو يصدق على الكثير والقليل، ويختلف المراد منه بحسب اختلاف عبارات الأخبار، فإذا قالوا مثلاً: أقام عند قبر الحسين ليلاً فلا مانع من إرادتهم كربلاء ، بل الظاهر من أخبار الباب هذا المعنى كما يبين ذلك من مراجعتها في الجوامع السبع العظام وغيرها .

ولفظ «الحائر» كما علمت يستعمله العرب فى هذا العصر بمعنى كربلاء، ويستفاد من عبارة السرائر حيث قال: «والمراد بالحائر ما دار سور البلد عليه لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة» (1)والتقييد بالحقيقة يدلّ على أنّ الاستعمال على غير وجه الحقيقة، ويستشمّ هذا المعنى من عبارة القاموس حيث قال: الحائر موضع قبر الحسين، ومثله الخبر الذي رواه الشيخ عن الصادق علیه السلام : من خرج من مكة أو المدينة أو مسجد الكوفة أو حائر الحسين قبل أن ينتظر الجمعة نادته الملائكة : أين تذهب لا ردّك الله(2) (2). وهو يدلّ على نفس المعنى لأن الخروج من القبة لا معنى له بل المراد الخروج من البلدة المقدّسة.

ص: 434


1- والمراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد - السرائر . (هامش الأصل) تجد العبارة في السرائر ضد ما قاله المؤلف : والمراد بالحائر سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة [1: 342] . (المترجم)
2- التهذيب 2 : 37 ، الوسائل أبوبا المزار باب 78 ص 426 . (هامش الأصل)

وجملة القول : إن هذا احتمال قوي وعلى فرض منعه نقول : إن الحكم لا يدور

مدار ما يصدق عنوان الحائر عليه بل ذكر الحائر من قبيل العنوان الخاص الموافق للعام ولا تنافي بينهما، ويقدّم ظهور خبر عليّ بن مهزيار على غيره وإصالة عدم جواز الإتمام في السفر ينقطع بهذا العموم، إذاً فالاقتصار على القدر المتيقن لا وجه له ، والأقوى جواز الإتمام في أرض كربلاء كلّها كما صرّح بذلك النراقي الثاني ومحكي المحقق في كتاب «السفر» ويحيى بن سعيد، ويحتمل ذلك من عبارة كامل الزيارات وهو المنقول عن السيّد والإسكافي، حيث عبروا بالمشاهد، وتحقيق هذه المسألة لا يتسع لها صدر المقام .. وكتبنا هذا المقدار بعنوان الاستطراد ولا حاجة إلى تعيين مراتب الاحتياط حتى يصل إلى عشرين ذراعاً حول القبر المقدس بعد مراجعة ما سلف والله العالم بحقائق أحكامه .

المطلب الثاني : إكرامنا بسيد الشهداء، وهذا على ثلاثة أقسام :

الأول : إكرامنا بنعم الوجود، فما يصل إلى كلّ واحد من هذه النعم فبيركة وجوده وجوده علیه السلام .

الثاني : الإكرام بالإسلام والإيمان والعلم والإيقان فما جرى من ينبوع الكمال في حياض قلوب أهل اليقين متشعب من بحر فضله

الثالث : الخصوصيات التي نالها المؤمنون من جنابه كثواب البكاء وثواب الرثاء وثواب الإبكاء وثواب الزيارة واستجابة الدعاء تحت قبته وكون الشفاء في تربته المقدسة حيث يكون بعضها ببركة وجوده المقدّس لاسيّما ما يصل الشيعة منها وتفاصيل هذه النعم تجدها متفرّقة في الكتب المفصلة ، ولا حاجة للإطناب بعد الالتفات لما ذكرناه من الإجمال حول ذلك .

تم الجزء الأول

والحمد لله ربّ العالمين

ص: 435

ص: 436

المحتویات....3

مقدمة المترجم....8

مقدّمة الناشر (للمتن الفارسي)....10

1 - ما هي الزيارة ومن هو الزائر ؟....11

2 - دور الزيارة أو الدروس الحية....12

3 - نظرة خاطفة على هذه التعاليم المفيدة....13

4 - زيارة عاشوراء....13

5 - عظمة هذه الزيارة !....13

6 - آثار وبركات زيارة عاشوراء....13

7 - دور كتاب شفاء الصدور....14

8 - في شرح أحوال المؤلّف....15

شيوخ المؤلّف وأساتذته....17

زملاء المؤلف في العلم والبحث....18

آثار المؤلّف العلميّة والأدبية....18

صورة خط المؤلّف....23

مقدّمة المؤلّف....24

ص: 437

الباب الأول

في شرح سند الزيارة الشريفة ومتنها

33 - 122

المقصد الأوّل: في سند الحديث الشريف....61

الفصل الأول : في تعريف آحاد الرواة لهذا الحديث وبيان حاله بحسب الاصطلاح من حيث الاعتبار والضعف....61

الفصل الثاني....71

المقصد الثاني : في فقه الحديث وذكر محتملاته وتحقيق ما هو المطلوب من العمل بهذه الزيارة وذكر بعض الفوائد المتعلقة بها متناً وحكماً وفضلاً....77

الباب الثاني

في ترجمة الألفاظ الواردة في الزيارة وشرحها

123 - 435

السلام....123

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ....146

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ....167

وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ....194

السَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ....207

السَّلامُ عَلَيْكَ يا نار الله وَابْنَ ثارِه....223

وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ....229

ص: 438

السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَأَنَاخَتْ بِرَحْلِك....235

عَلَيْكُمْ مِنِّي سَلامُ اللهِ....253

أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ....254

يَا أَبا عَبْدِ اللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلَى جَميع أَهْلِ الْإِسْلام....260

وَجَلَّتْ وعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ....265

فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ....272

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيها....300

وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهْدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ....304

بَرِثْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ....308

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ....312

وَلَعَنَ الله آل زياد....315

وَآلَ مَرْوانَ....326

وَلَعَنَ اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قاطِبَةً....338

وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ....380

وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ....383

وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً....388

وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ....392

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي....397

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ....401

فَأَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي أَكْرَمَ مَقامَكَ وَأَكْرَمَنِي بِكَ....405

تتمّة مهمّة....428

ص: 439

المجلد 2

هوية الکتاب

شِفاء الصُّدور

في شَرحِ زيارَةِ العَاشُور

تأليف

العلّامة الحاج ميرزا أبي الفضل الطهراني

(1273- 1316 ه - ق)

ترجمة و تحقيق محمد شعاع فاخر

الجزء الثاني

ص: 1

شبكة الفكر

alfeker.net

بسم الله الرحمن الرحیم

ردمك الجزء الأول : 5 - 000 - 503 - 964

ISBN : 964 - 503 - 000 - 5

ردمك الدوره : 1 - 002 - 503 - 964

ISBN: 964 - 503 - 002 - 1

الكتاب : شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور / ج 1

المؤلف : العلّامة الحاج ميرزا أبي الفضل الطهراني

الناشر : انتشارات المكتبة الحيدرية

عدد الصفحات والقطع : 448 صفحة وزيري

عدد المطبوع : 1500 جلد من الجزء الأول

الطبعة : الأولى

سنة الطبع : 1383 - 1426ه

المطبعة : شريعت

سعر الدورة الواحدة (1 / 2): 6000 تومان

ص: 2

أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ

أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ(1) مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ

الشرح الرزق بفتح الراء (2)إطعام العباد أقواتها، والرزق بالكسر هو الاسم نفسه.

الإمام : . معناه القائد وأصل اشتقاقه من أمّ بمعنى قصد ، وجميع تصاريف هذه المادة من قبيل أم وأمه وأمام بالفتح وأمم بمعنى الطريق المستقيم ترجع كلّها إلى هذا المعنى إما بواسطة أو بغير واسطة .

والمراد بالإمام في هذه العبارة خاتم الأولياء وبقية الأوصياء وحافظ دين الله وخلف أئمة الهدى ، غوث الزمان وقطب دائرة الأرض والسماء إمام العصر عجل الله تعالى فرجه، واختصاصه بلقب «المنصور» من جهة أنّه ولي الثأر وطلب دم سيّدالشهداء في عهدة سيفه المالك للعالم، كما أشير إلى هذا المعنى في الأخبار الكثيرة :

منها : هذا الخبر المروي في كامل الزيارة عن الصادق علیه السلام في تفسير الآية الكريمة : «وَمَن قُتِلَ مُظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِف فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً»(3) قال : ذلك قائم آل محمد، يخرج فيقتل بدم الحسين علیه السلام ، فلو قتل

ص: 3


1- طلب ثأر الحسين له من العظمة ما لا يعلمها إلا الله ، ولا يقدر على بيانها سواء أو إيضاح فضلها وثوابها ؛ لأنّ عظمة دم كل شخص وأهمية الطلب به مرتبطة بقدر صاحبه الكبير ، وكما أن المرء ليس بمستطاعه معرفة مقام الإمام الحسين ومنزلته على نحو الكمال ، كذلك لا يستطيع درك الطلب بدمه وأهميته . ولكي نعرف في حدود أبعادنا واستطاعتنا درك تلكم العظمة نطلب من الله في هذه الزيارة أن يجعلنا من الطالبين بثأره ، وأن يقسم لنا هذه السعادة. (هامش الأصل)
2- قال في لسان العرب : فالرزق - بفتح الراء - هو المصدر الحقيقي ، والرزق الاسم ويجوز أن يوضع موضع المصدر [السان العرب مادة رزق]. (المترجم)
3- الإسراء : 33 .

أهل الأرض لم يكن مسرفاً. وقوله «فلا يسرف في القتل» لم يكن ليصنع شيئاً يكون سرفاً.

ثمّ قال أبو عبدالله علیه السلام : يقتل والله ذراري قتلة الحسين بفعل آبائها(1).

وفي هذه الأخبار إشعار بأن لقب «المنصور» للإمام القائم هو من الله وضعه عليه ، لاستعماله في القرآن ، والمراد منه نفس صاحب الأمر .

ومن الطرائف أنّ من ألقابه أيضاً «الناصر لدين الله وفي هذه المناسبة قلت من قصيدة لي:

أعدّه الله في خزائنه***للنصر فهو المنصور والناصر

يأخذ ثار الآباء منه فلا***موتور إلا غداً له ناصر

ومن ملاحظه هذين البيتين يمكن الوصول إلى حلّ مشكل عويص ويمكن تصويره بقوله تعالى الحمد الله ، فقد أجازه جماعة في كلمة «الحمد الله» أن تكون الحامدية والمحمودية مختصة بالله، بمعنى أن يكون هو الحامد وهو وهو المحمود ، ولكن العلماء أوردوا على هذا التفسير أن الكلمة الواحد لا يمكن أن تؤدي معنيين في آنٍ ، أحدهما معلوم والآخر مجهول.

وجوابه أن طبيعة الحمد مختصة بالله تعالى سواءاً صدر الحمد منه ليكون حامداً أو من العبد ليكون «محموداً» كما أشرنا نحن في البيت الأول وقلنا: إن الله سبحانه أعدّ للنصرة فبنصر الله له يكون منصوراً، وبنصره للمظلومين يكون ناصراً .

وهاهنا سؤال وقد أبانته الأخبار وكشفت عن وجه الحقِّ فيه وهو أنّ طلب دم

ص: 4


1- كامل الزيارات : 135 (المترجم) كامل الزيارات : 63 باب 18 رقم 5 ، بحار الأنوار 45: 298 ط لبنان . (هامش الأصل)

الحسين من القاتل أمر لا مرية فيه ولكن ما ذنب ذرّيّته حتى يقتلوا بذنب ما جنته أيديهم مع أنّ القرآن جاء بخلافه، حيث يقول سبحانه: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»(1).

والجواب عن ذلك أنّ العقل الصريح والنقل الصحيح يحكم بأن الرضا بعمل قوم يُعدّ مشاركة من الراضي في ذلك العمل، ولما كانت ذراري القتلة راضين بعمل آبائهم متباهين بتلك الشنايع والفضائع التي ارتكبها آبائهم ويقولون: نحن وآبائنا قتلنا كما سمعت بعضاً من هذا الشعر (2)فيما سبق وبذلك استحقوا، وورد هذا الجواب في بعض الأخبار من قبيل «عيون أخبار الرضا علیه السلام» فقد ورد فيه جواب مثل هذا على التفصيل، وفي المجلد العاشر من بحار الأنوار (3)، فمن أراد مزيد الاطلاع فليرجع إلى هذين الكتابين.

ومن الممكن بل عليه شاهد من بعض الأخبار أنه في وقت الظهور الموفور السرور للإمام الغايب يسر الله بفرجه الرغايب، يحيي الله القتلة الأموات ويقتص منهم لذلك الدم الطاهر الذي أراقوه كما يفعل بالشيطانين ، وبناءاً على هذا لا يبقى للإشكال وجه .(4)

ص: 5


1- الأنعام : 164 .
2- في شرح الجملة «لعن الله بني أمية قاطبة».
3- عيون أخبار الرضا 1: 273 ، علل الشرايع 1 : 219، بحار الأنوار 45: 294 . (هامش الأصل)
4- جاء في أحوال ولي الأمر لال لالها عن الرجعة أن المفضل بن عمر قال للإمام الصادق : يا سيدي ، ثمّ يسير المهدي إلى أين ؟ قال : إلى مدينة جدّي رسول الله فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين. قال المفضّل : يا سيدي، من هو ذاك ؟ قال : يرد إلى قبر جده فيقول : يا معشر الخلائق ، هذا قبر جدي رسول الله فيقولون : نعم يا مهدي آل محمد . فيقول : ومن معه في القبر ؟ فيقولون : صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر (لعنهما الله) . فيقول - وهو أعلم بهما - والخلائق كلهم جميعاً يسمعون : من أبو بكر وعمر ؟ وكيف دفنا من بين الخلق مع جدّي رسول الله وعسى المدفون غيرهما ؟ فيقول الناس : يا مهدي آل محمد، ما هاهنا غيرهما، إنهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول الله وأبوا زوجتيه فيقول للخلق بعد ثلاث : أخرجوهما من قبريهما ، فيُخرجهما غضين طريين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما ، فيقول : هل فيكم من يعرفهما ؟ فيقولون : نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما، فيقول : هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما ؟ فيقولون : لا . فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام ثمّ ينتشر الخبر في الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين، ويقول للنقباء : ابحثوا عنهما وانبشوهما ، فيبحثون بأيديهم حتى يصلون (كذا) إليهما فيخرجوهما غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها ، فيقول المرتابون من أهل ولا يتهما هذا والله الشرف حقاً ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما، ويخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبّتهما وولايتهما فيحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما وينادي منادي المهدي كل من أحب صاحبي رسول الله وضجيعيه فلينفرد جانباً فتتجزأ الخلق جزئين: أحدهما موال والآخر متبرّ منهما . فيعرض المهدي على أوليائهما البرائة منهما، فيقولون : يا مهدي آل رسول الله ، نحن لم نتبرأ منهما ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة ، وهذا الذي بدى لنا من فضلهما ، أنتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحياة الشجرة بهما ؟ بل والله نتبرأ منك وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما ومن صلبهما وأخرجهما وفعل بهما ما فعل. فيأمر المهدي ريحاً سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية ، ثم يأمر بإنزالهما فينزلان إليه فيحييهما بإذن الله تعالى، ويأمر الخلائق بالاجتماع ثمّ يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور حتّى يقص عليهم قتلها بين بن آدم و جمع النار لإبراهيم ... وضرب سلمان الفارسي، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين الإحراقهم بها ، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط ورفس بطنها وإسقاطها محسنها وسم الحسن الله وقتل الحسين وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره ، وسبي ذراري رسول الله وإراقة دماء آل محمد وكل دم سفك حراماً ، وكل فرج نكح حراماً، وكل رين وخبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغشم منذ عهد آدم إلى وقت قيام قائمنا كل ذلك يعدّده عليهما ويلزمهما إياه فيعترفان به ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضره ثمّ يصلبهما على الشجرة ويأمر ناراً تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة ثمّ يأمر ريحاً فتنسفهما في اليم نسفاً . قال المفضّل : يا سيدي ، ذلك آخر عذابهما ؟ قال : هيهات یا مفضّل والله ليردن وليحضرن السيد الأكبر محمد رسول الله والصديق الأكبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليا وكل من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر ،محضاً ، وليقتضن منهم بجميعهم حتّى أنّهم ليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة ويردان إلى ما شاء ربهما [بحار الأنوار 53 : 12، وشجرة طوبى ورقة 122، كتاب يأتي على الناس زمان : 638] . (هامش الأصل) واللفظ لبحار الأنوار . (المترجم) نكتة تستحق الملاحظة كما أن النبي كان السبب في محو كل بدعة وقمع كل معصية وتذليل أهلها، وصار باعثاً على إشاعة أعمال البر ورفع مستوى العاملين به، من هذه الجهة عد شريكاً لكل عامل بمعروف في أجره أو ناهياً عن المنكر في مثوبته ، فإنّ هذين الرجلين عادت عليهما الأعمال التي أيدوها وشدّوا أزر أصحابها بالوزر لأنهما أقاما كل بدعة وكل فعل قبيح وهجرا الأعمال الصالحة وأهلها من ثُمَّ تحمّلا مع ذوي البدع وأهل الباطل الوزر كل الوزر ، ولذلك قال الإمام إن عليهما ذنوب العالمين من آدم إلى قيام الحجة المنتظر فإنّ ولي الأمر يحاسبهما على ذلك ويقتص منهما بعد الإثبات. (هامش الأصل)

ص: 6

ويبقى السؤال قائماً بناءاً على الوجه الأوّل عن الذرّيّة وهم اليوم قد انقرضوا على الأغلب، وسوف نوافيك ببعض الأخبار عن الأخذ بالثار وعن نصرة هذا الإمام العظيم الحجة بن الحسن علیه السلام الجده الإمام المظلوم فى الفقرة الآتية (1)التى لا تخلو من علقة بهذا الفقرة .

ص: 7


1- أطلبها في شرج : «أن يرزقني طلب ثاري مع إمام مهدي». (هامش الأصل)

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ...

الشرح : ولمّا كان اللفظ الشريف «الصلوات» تتعلّق فيه أبحاث لطيفة لذلك رأينا من المناسب أن نتعرّض لها على وجه الإجمال ، من ثمّ آثرنا إفرادها في متن مستقل ونحن نوردها ضمن فوائد .

الفائدة الأولى :

المشهور بين العلماء أن معنى الصلوات من الله هي الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار ، ومن البشر الدعاء غير أن هذا الحديث لا يستسيغه أصحاب الأذواق المعتد له ، لأن الأصل في اللفظ عدم حمله على الاشتراك مع أنّ مثل قوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي...» (1)لا يزال احتمال حمل اللفظ على أكثر من معنی قائماً وهو مظنة الوقوع في ضيق التأويل مع أن رحم فعل متعدّي بنفسه وصلّى فعل لازم وتفسير المتعدّي باللازم غير مستساغ ، وإذا تعدى فعل دعا ب_«على» يكون للشرّ ، يقال : دعا عليه وصلّى إذا عدّي ب_«على» يكون بمعنى الرحمة ، فيقال : صلّى الله عليه، ويستحيل اختلاف الحكم في مترادفين ، مِن ثَمّ قال العلماء : إن معنى جامعاً بينهما وهو الانعطاف وهو حقيقته، ويتجلى أثره في كلّ موقع ، بحسبه ، فالعطف من الله على وجه يناسب عظمة الربوبية،ومن الآخرين يناسب موقعهم من حيث الرتبة .

ومن المحتمل أن يكون تعبير العلماء عنه بقولهم : وهو «الأولى أن يقصدوا هذا المعنى وغرضهم بيان المراد منه لا ما استعمل فيه اللفظ ، ولكن الحال اشتبهت على نزر البضاعة وقليل الاطلاع فتوهم في اللفظ الاشتراك.

ص: 8


1- الأحزاب : 56.

الفائدة الثانية :

المشهور شهرة محققة بل ادعي عليه في المعتبر ومحكي المنتهى الإجماع وهو أن الصلاة على النبي لا تجب عند سماع اسمه أو ذكره، ولكن الشيخ الصدوق أوجبها وتبعه على ذلك الفاضل المقداد والمحقق الأردبيلي وصاحب المدارك والشيخ البهائي والآخوند ملا صالح المازندراني والمحدّث الكاشاني والمحدّث المجلسي والشيخ مهدي الفتوني وصاحب الحدائق وشارح الصحيفة السجادية السيد علي خان والشيخ عبدالله البحراني، كما نُقل ذلك عن بعضهم، وتشبثوا بوجوه لا تدل على ذلك إما من حيث الدلالة أو من ناحية السند ، وأصح أخبار الباب صحيحة زرارة وفيها جاء الأمر بالصلوات، وقال: «صل على النبي كلما ذكرته أو ذكره ذاكر»(1) .

والأمر وإن كان في نفسه ظاهراً في الوجوب ولكنه يصرف عنه بأدنى صارف، ولما كان الخبر يتضمّن ترتيب المستحبّات وجائت الصلوات ضمن ذلك من هنا كان الأمر فيه للاستحباب بل من الأخبار التى استدلوا بها ما يدل على الاستحباب مثل: «البخيل كلّ البخيل من إذا ذكرت عنده لم يصل عليّ» (2) ومثل : «من ذكرت (2)عنده فلم يصلّ عليّ أخطأ طريق الجنّة» (3)بل صرّحت بعدم الوجوب ويكفي في ذلك خلق الأدعية المأثورة و خطب الأئمة المشهورة ، بل تكفي في إثبات المدعى السيرة القطعية وإن كان الاحتياط يقتضينا لاسيما في المجالس العامة أن نجري الصلاة ولو مرّة واحدة من باب الأولى والأليق كما هو ظاهر المحقق المقدّس الأردبيلي.

ص: 9


1- وسائل الشيعة باب 35 و 42 من أبواب الأذان والإقامة (هامش الأصل)
2- الإرشاد : 285 ، بحار الأنوار 94: 61 ط طهران. (هامش الأصل)
3- ثواب الأعمال : 178 ، بحار الأنوار 94: 60 ط طهران . (هامش الأصل)

الفائدة الثالثة :

احتدم الخلاف بين علماء الفريقين في الصلاة على النبي وآله هل النفع يعود إلى المصلّي أو المصلّى عليه، واختار كل قول من القولين طائفة من العلماء، التحقيق مع القول الأوّل، وهو الذي اختاره العلّامة المجلسي الله في رسالة «العقائد» وغيره من الفقهاء والحكماء والمحدثين جماعة، لأنّ الأدلة العقلية والنقلية قائمة على هذا المدّعى ؛ لأنّ الفقر والحاجة يتقوّم بهما ذات الممكن والغني والمفيض هو الواجب تعالى شأنه.. ويستحيل على الإطلاق أن لا يكون الممكن محتاجاً وإلا انقلبت الحال، ومهما حصل للذوات الممكنة والمهيّات الجائزة من تحصيل الكمال وتكميل الذات فإنّما يستحيل عليها أن تخرج من دائرة الحاجة إلى المفيض الوهاب فتضع رجلها خارج تلكم الدائرة كما أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ» .(1)

بل المحقق أن الوجود كلّما كان أكمل وأقوى كان تعلّقه بالمبدأ أكثر ، واحتياجه إلى حضرة القدس ،أوفر ، وهذا هو فحوى الإمكان الوجودي بأن تكون ذاته متعلّقة بالمبدأ وجوهره ظلّ لذلك المبدأ.

وبعبارة :أوضح : إن الهيولى الإنسانية للنبوّة ومادتها الخاصة هي في أعلى

مراتب الاستعداد والقبول لجميع الفيوضات وتمام الخيرات فهي من الخيرات فهي من هذه الناحية لا تتناهى قوتها ، والمبدأ الفياض جلّ جلاله أيضاً غير متناهي القوة فلا قصور في طرف النبوّة من حيث القبول والتلقى ولا فتور من جهة المبدأ من حيث الفيض والعطاء، ومن لوازم الدعاء الاستجابة ولا يشترط لذلك إلا استعداد المحل وأهليته للدعاء ، وهذا حاصل كما هو المفترض على أكمل وجه وأتم المراتب،

ص: 10


1- فاطر : 15 .

وحينئذ يكون الدعاء مستجاباً حتماً وجائت الإشارة إلى هذا المعنى في الأخبار الكثيرة نظير ما ورد في نهج البلاغة المكرّمة : إذا كانت لك إلى الله سبحانه حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على النبي ثم اسأل حاجتك فإن الله أكرم من أن يُسئل حاجتين فيقضي أحدهما ويمنع الأخرى.(1)

وهذه العبارة الشريفة صريحة بأن الصلاة دعاء مستجاب. ولبعضهم في هذا المقام تقريب لطيف ومؤداه : إن حاجة الإنسان ذاتها معيبة والصلاة على النبي صحيحة ، والداعي ضمّ أحدهما إلى الأخرى ورفعهما إلى رحمة الربوبية، فينبغي أن يقبلهما معاً أو يردّهما معاً ، والثاني ممتنع فيتعين الأول إذ التفكيك لا يصح لأنه يرجع إلى تبعيض الصفقة وذلك شرعاً غير جائز .

وممّا يؤيّد مطلبنا الأدعية الشريفة المأثورة في تشريف النبي مثل تبيض وجهه وتعطيه المنزلة والوسيلة وترفع درجته وتعلّي كلمته ، وتظهر أمره وأمثالها مما ورد في فقرات الأدعية.(2)

وما احتمل من أنّ هذه العبارات ما هي إلا الألفاظ يكلف الإنسان النطق بها دون قصد الدعاء نفعها عائد للمكلّف دون من عداه ، هذا الاحتمال بارد بل يكاد يقتل من البرد ، ولا يرضى بهذا التمحل والتعسّف أي متأمّل مستقيم الذوق سليم القريحة ، مثلاً كيف تجيز - أيّها المسلم - أن يكون مثل هذا الدعاء الشريف الذي رواه العلّامة المجلسي في المقباس بسند صحيح في تعقيبات العصر عن الشيخ والسيد عن صادق آل محمد علیهم السلام مجرد كلام وألفاظ متهجاة وأنه دعاء

ص: 11


1- نهج البلاغة صبحي صالح : 538 الحكمة 361. (هامش الأصل) نهج اللاغة 4 : 84. (المترجم)
2- فلاح السائل : 206 ، بحار الأنوار :86: 89 وورد أيضاً عن رسول الله في شأن سيد الشهداء «إن لك درجة عند الله لا تنالها إلّا بالشهادة». (هامش الأصل)

لا يستجاب ، والآن إليك الدعاء المشار إليه :

«اللهم صلّ على محمد وآله في الليل إذا يغشى ، وصلّ على محمد وآله في النهار إذا تجلى ، وصل على محمد وآله في الآخرة والأولى ، وصلّى على محمّد وآله ما لاح الجديدان وما أطرد الخافقان وحدى الحاديان وما عسعس ليل وما ادلهم ظلام ، وما تنفّس الصبح وما أضاء الفجر . اللهم اجعل محمّداً خطيب وفد المؤمنين إليك ، والمكسو حلل اللإيمان إذا وقف بين يديك ، والناطق إذا خرست الألسن بالثناء عليك . اللهم اعل منزلته ، وارفع درجته ، وأظهر حجّته ، وتقبل شفاعته ، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته ، واغفر له ما أحدث المحدثون من أمته من بعده ، اللهم بلغ روح محمّد وآل محمّد عنّي التحيّة والسلام ، وأردد عليّ منهم تحيّة كثيرة

وسلاماً يا ذا الجلال والإكرام» (1).

ص: 12


1- ومن المؤيدات ما نقله السيّد نعمة الله الجزائري عن بعض العظماء ، قال : 1 - من المسلم به عند المسلمين أن النبي والأئمة الأطهار يزداد ثوابهم وترتفع درجتهم بازدياد أعمارهم وطولها وهو دليل على إمكان ارتفاع درجاتهم ورقي مقامهم 2 - إنّ رسول الله والأئمة الأطهار هم السبب الأول في هداية الناس واستقامتهم ، وبهم تمكن الناس من أعمال البر والعبادة وإرسال الصلوات ، ومن كان السبب في عمل الخير كان شريكاً في أجره ومثوبته، ومن هذه المقدمة تبرز لنا النتيجة وهي أن صلاة الأمة على النبي وآله تكون علة في ارتقاء درجة النبي والأئمة وحصولهم على الأجر العظيم والثواب الجسيم [زهر الربيع 2 : 286ط اسلامية طهران ]. (هامش الأصل) والنص مترجم أرجو ملاحظته في زهر الربيع. (المترجم) . ومن المؤيدات لما نحن فيه أخبار فضل ليلة القدر وشرفها لأن فيها تتنزل الملائكة ع-ل-ى ق-ل-ب النبي والإمام بالعلوم الجديدة ولولا ذلك لنفدت علومهم وهذا النص واحد من تلك الأخبار : أبو جعفر : لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أوّل ما خلق الله الدنيا ولقد خلق فيها أول نبي يكون وأوّل وصي يكون ، ولقد قضى أن يكون في كلّ سنة تهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد الله تعالى عزّ وجلّ علمه لأنه لا يقوم الأنبياء والمحدثون إلا أن تكون عليهم بما يأتيهم في تلك الليلة من الحجّة التي يأتيهم بها جبرئيل الله [تفسير البرهان ونور الثقلين، ذيل الآية الشريفة تنزل الملائكة والروح»]. (هامش الأصل)

ولا يصحّ ما يتصوّره البعض من أنّ الصفات التي تضمنتها فقرات الدعاء قد اتصف بها النبي فلا داعي إلى طلبها له بعد اتصافه بها، وهذا تصوّر لا أساس له ، لأن للكمال مراتب، وإنّ الفضل والشرف من الألفاظ المشككة، وكلّما تصوّرت للكمال مرتبة فإنّ فوق هذه المرتبة ما يعلوها ويزيد عليها وفوق كل ذي علم عليم، وهي قاعدة كلّيّة جارية فى الأشباه والنظائر .

لمؤلّفه :

فالنور في النزول والصعود***مشكك مختلف الوجود

وحينئذ يجوز أن يطلب بالسؤال المرتبة العليا لهذا الكمال وما توهّمه البعض من أنّ كلّ ما أمكن وصوله من الشرف والفضل للممكن فقد وصل إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مثله ، ومن هنا لا داعي إلى ذكر الصلوات لأنها تجرّ إلى العبث في القول حيث لا تستجلب أمراً مفقوداً من الشرف والفضل .

أقول : هذا مجرد تمويه بل يمكن أن تعتبر العبارة خادعة لعوام الناس السذج لأنّ لبّ هذا المعنى ينحصر في أمرين:

الأوّل: استغناء النبي عن الله حين استكمل الصفات المطلوبة فلا حاجة به إلى طلب غيرها من ربه إذ لا ينقصه شيء منها فقد تم غناه عن ربه وهذا المعنى ينافي الضرورات العقليّة لأنّ أعلى مراتب الكمال عند النبي العبودية فهي عنوان كتاب الفقر وبسملة صحيفة الاحتياج.

الأمر الثاني: الاعتقاد : الاعتقاد بعجز الله عن إفاضة الخير مجدّداً عليه - أعاذنا الله من هذا

ص: 13

الخاطر المذموم - وعدم قدرته على كسوته ثياب الكرامة الجديدة ، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً.(1)

نعم، وهاهنا كلام لفقه بعضهم على وتيرة الحكمة والفلسفة وخلاصته : إنّ مقام النبوّة خاتمة مقام العقول وفي مرتبة العقل يكون ما بالقوة عين ما بالفعل فليس في عالمه كمال مرتقب، وما يطلبه العقل من لزوم الكمال حاصل عنده ، ولا يوجد في هذا المقام محو وعدم وليس سوى الإمكان الذاتي والقيام الصدوري بالمبدأ الوهّاب والشاهد على هذا الادعاء الحديث النبوي : «أوّل ما خلق الله العقل وأوّل ما خلق الله نوري».(2)

والفرق البين فى المسألة هو أنّ العقل النزولى واجد للكمالات منذ البدء لكن العقل الصعودي لما كان مقدّراً عليه أن يطوي مراحل الكمال جميعاً وفي طيّ كلّ مرحلتين يتم له اجتياز قوسى الوجود ليصل أخيراً إلى تلك الدرجة ...

وجواب هذه الشبهة : لما امتنع انفكاك الهيولى عن الصورة، كان العقل الصعودي لوجود هيولاه غير متناهي القوّة حتّى أنّه ليجتاز بهذه القوة التي لا حدود لها درجة العقل النزولي . قال شاعرهم :

احمد ار بگشاید آن پر جلیل***تا ابد مدهوش ماند جبرئیل

ولو أحمد المختار يفتح جنحه***لأصبح جبرائيل حيران مدهوشا

ص: 14


1- «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً»[الإسراء : 43] . (هامش الأصل)
2- معاذ بن جبل : إن رسول الله الا الله قال : إن الله خلقني وعليّاً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف سنة . [علل الشرايع : 80 ، بحار الأنوار 15: 7 الرقم 7] قال الإمام علي بن أبي طالب : إن الله تبارك و تعالى خلق نور محمد قبل خلق السماوات والأرض والعرش والكرسي [الخصال 1 : 82، معاني الأخبار: 88، بحار الأنوار 15 5] والأحاديث كثيرة راجع بحار الأنوار (هامش الأصل)

والآية : «خُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً» (1)تدلّ على هذا الضعف الذي هو عبارة عن عدم التقيد بمرتبة خاصة، وتدلّ كذلك على وجود الاستعداد لقبول الكمالات غير المتناهية، النابعة من القوّة.

ومجمل القول : إن هذا الكتاب مبني على الاختصار فلا يحتمل بسط الجواب حول هذه المسألة، والذين لهم أنس بهذه العلوم يعلمون جيداً أنّ لباب حلّ هذا الإشكال مودع في هذين السطرين فلم يبق طريق للإشكال بناءاً على مذهبهم.

وتشبّث بعضهم بطائفة من الأحاديث وهذه أيضاً ليس لها من أثر كهذه الفقرة الواردة في زيارة الجامعة : «وجعل صلواتنا عليكم» (2)وهذا الاستدلال يماشي مذهب أبي حنيفة القائل بمفهوم اللقب (3)وإلا فالأمر من الشهرة بمكان حتى عند العوام أنّ إثبات الشيء لا يستلزم نفي ما عداه واشتمال الصلاة على الخواص

والآثار المعلومة لا توجب عدم وصول نفعها إلى غير المصلّي عليهم .

نعم، في هذا المقام حديث آخر أشار إليه المحقق ملا عبدالرزاق الكاشي في تفسير «حقائق التأويل» و محصله مع التحرير : إنّ حقيقة الصلوات هي إمداد الكمالات وإفاضتها وتأبيدها ، إذن المصلي حقيقة هو الله تعالى وأحياناً تكون في

ص: 15


1- النساء : 28 .
2- «وما خصنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا ، وطهارة لأنفسنا، وتزكية لنا، وكفارة لذنوبنا». (هامش الأصل)
3- مفهوم اللقب : المقصود باللقب : كل اسم سواء كان مشتقاً أو جامداً وقع موضوعاً للحكم كالفقير في قولهم : أطعم الفقير ، وكالسارق والسارقة في قوله تعالى : «السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا» وَمَعنى مفهومم اللقب نفي الحكم عمّا يتناوله عموم الاسم.. وكان أبا حنيفة يقول بهذا وهو أن الاسم إذا وقع موضوعاً للحكم كان له ظهور في الانحصار ، وعند العلماء عدم ذلك الظهور بل نفس موضوع الحكم بعنوانه لا يشعر بتعليق الحكم عليه فضلاً عن ذلك، وقد قيل : إن مفهوم اللقب أضعف المفهومات. [ورجعنا إلى شرح هذه المادة إلى كتاب أصول الفقه للشيخ المظفر 1: 120 بتصرف]. (المترجم)

مقام الجمع بلا واسطة وأحياناً في مقام التفضيل مع الواسطة وهو فعل العباد(1) وحقيقة صلوات المؤمنين هي هذه، وهو عبارة عن قبول الهداية وطبع لوح الوجود بطابع محبّته وهو نوع من الإمدادات المختصة به لغرض بلوغه مرتبة الكمال ، والغرض هو تعميم الفيض الربّاني إذ لو لم تكن المادة قابلة فلا أثر متصوّر للفاعل كما قيل : وجودي بك وظهورك منّي ، فلست تظهر لولاي لم أكن لولاك، وفي الحديث القدسي : لو أطاع الخلق كلّهم لخلقت خلقاً يعصوني كي أغفر لهم ليظهر للعيان عفوي وفضلي .(2)

ومثله يقال في تسليم المؤمنين عليه فإنّه لدفع آفة نقص الكمال مع إظهار جلال الدعوة العامة وقوّة فاعليته في مقام الهداية ، وبهذا الوجه يمكن الجمع بين القولين حيث أن فائدة الصلاة أوّلاً وبالذات تعود على المصلّي ثم باعتبار آخر من حيث الاقتدار وتكميل غرض البعثة وتحصيل مقصد الهداية تعود على المصلى عليه وتوجب رفع درجته وعلو شأنه وظهور كلمته كما قال: «فإنّي أباهي بكم الأمم ولو بالسقط» .(3)

ص: 16


1- الذي أدركته من هذه العبارة أنّ فائدة الصلاة أحياناً تختص بالمصلى عليه، وأخرى تجمع معه المصلي أيضاً . (المترجم)
2- أخرج أحمد وأبو يعلى والضياء عن أنس بن مالك ، قال : سمعت رسول الله يقول : والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم مابين السماء والأرض ثم استغفر تم لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده لو لم تخطأوا لجاء الله بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم. وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري : سمعت رسول الله يقول : لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون فيغفر لهم [تفسير الدر المنثور 5: 332 ذيل الآية 53 من سورة الزمر] . (هامش الأصل)
3- جامع الأخبار: 103 ، بحار الأنوار :103: 220 الرقم 24 ط طهران . (هامش الأصل)

وجملة القول : أنّي بنظري القاصر وما توصلت إليه بحثت المسألة من الجانب ولا يحتمل الكتاب تفصيلاً أوسع من هذا التفصيل.

الفائدة الرابعة :

ضم آل الرسول في الصلاة عليه إليه يتفق مع الأخبار الكثيرة المتواترة المروية من طرق الفريقين :

منها: أنّها نقلت فى أكثر الأصول المعتمدة لأهل السنّة وذلك حيث سألوا من النبي صلی الله علیه و آله وسلم : كيف نصلي عليك يا رسول الله ؟ فقال : قولوا: «اللهم صل على محمّد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» .(1)

وهذه الصلوات بخصوصها تجب في التشهد عند الشافعي بناءاً على قوله الثاني، وتستحبّ في قوله الآخر كما ذكر ذلك في تقريب أبي شجاع وشرح أبي القاسم وحواشيه ، وكلاهما من علماء الشافعية، وعمل الشافعيّة غالباً على هذه النسخة مع إضافة قول سيّدنا في «محمد» و«إبراهيم» في المواضع الأربعة .(2)

وهذا الشعر الذي نظمه الشافعي طالما تردّد في كثير من كتب الجماعة وعلى ألسنتهم واشتهر شهرة واسعة، يقول:

ص: 17


1- صحيح البخاري 4 : 146 و 8: 77ط أميرية بمصر ، وكتب أخرى ، راجع : إحقاق الحق 3: 22 و 9 : 524 . (هامش الأصل) راجع أرقام الأحاديث المخرجة في البخاري : 3241، 3242، 4506 ، 6118، 6119، 6121 ، وفي مسلم باب الصلاة على النبي بعد التشهد ، حديث رقم 858، 859، 862. وفي مسند أحمد رقم 1399 ، 11147 ، 17693 ، 17694 ، 17696 ، 17722 ، 21907 ، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. (المترجم)
2- على النحو التالي: «اللهم صل على سيدنا محمد ... كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم ... كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم». (هامش الأصل)

یا آل بيت رسول الله حبّكم***فرض من الله في القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم الفخر أنّكم***من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (1)

وروى صاحب ينابيع المودة والصواعق وجواهر العقدين أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : لا تصلّوا على الصلاة البتراء، قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله ؟ قال : تقولون : اللهمّ صلّ على محمّد وتسكتون، بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد .(2)

ومع وجود هذا كله فإن أهل السنة والجماعة يلتزمون بذكر النبي مجرّداً عن ذكر آله كي يظهروا عنادهم الفطري وانحرافهم الجبلي وإعراضهم عن الركوب في سفينة النجاة ودخول بيت نوح بيت السلامة .

وكذلك حين يذكرون أهل البيت يلزمون أنفسهم بترك الصلاة والسلام عليهم مع أنّ الله أشركهم في هذا الشرف مع النبوّة وثبت من الطرق المعتمدة جواز التسلية والتسليم على العترة الأطهار علاوة على أن صريح الآية: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ» (3)والآية الكريمة: «وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ»(4) والبشارة في «أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ» (5)هذه بأجمعها تدل على جواز الصلاة على عموم أهل الإيمان .

ونقل عن الصحابة أن الصلاة على الآل كانت جزو عملهم .

ص: 18


1- الصواعق : 88ط القديم، ينابيع المودة : 295ط اسلامبول، قال الشافعي ... (هامش الأصل)
2- ينابيع المودة : 295 ط اسلامبول ، إحقاق الحق 9 : 636 .
3- الأحزاب : 43 .
4- التوبة : 103 .
5- البقرة : 157 .

وروي في ينابيع المودّة عن أبي نعيم الحافظ وجماعة من المفسّرين وساقوا السند إلى مجاهد وأبي صالح ، وهذان الراويان نقلا القول عن ابن عبّاس أنّ «آل يس» في الآية الكريمة «سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ» (1)هم آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، ويس اسم من أسماء النبي صلی الله علیه و آله وسلم(2) مع ذلك يضيقون ذرعاً بالصلاة والسلام عليهم .

وأشار إلى علة ذلك في الكشاف بعد أن قال والقياس جواز الصلاة على غير النبي بدليل آية الزكاة : «وَهُوَ الَّذِي يُصَلِّي ...» الآية (3)وقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : «اللهم صل على أبي أوفى» يدلّ على التفصيل بين ذكر الصلاة بالتبع كما إذا قلت : اللهم صل على محمّد وآل محمّد ، فإنّك ذكرت الآل بتبع مشرّفهم عليه الصلاة والسلام وآله ، وهذا جائز باتفاق ، وذكر الصلاة بالاستقلال كما إذا أفردت أحداً بالاستقلال بأن تقول : صلّ على الصحابة من غير أن تسبق الصلاة على رسول الله الصلاة عليهم وهذا مكروه، لأنّ ذلك صار شعاراً لذكر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ولأنه يؤدّي إلى الاتهام

ص: 19


1- الصافات: 130 .
2- الرواية عن آل يس وأنهم آل محمد وردت كثيراً في كتب العامة ، وذكرت في إحقاق الحق تفصيلاً : 450 و 14: 360 .
3- «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» [الأحزاب: 43] الكشاف ذيل الآية 56 من سورة الأحزاب «صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» قال : فإن قلت : فما تقول في الصلاة على غيره ؟ قلت : القياس جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ [وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ]» وقوله : «وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ» [التوبة : 103] وقوله : «اللهم صل على آل أبي أوفى» ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك وهو أنها إن كانت على سبيل التبع كقولك : صلى الله على النبي وآله فلا كلام فيها ، وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه لأنّ ذلك صار شعاراً لذكر رسول الله ولأنه يؤدّي إلى الاتهام بالرفض، وقال رسول الله «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقف مواقف التُّهَم» .

بالرفض، وقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التّهَم» .(1)

وعن ابن القيم في فتح الباري نقل عنه ابن حجر قوله : المختار أن يصلّى على الأنبياء والملائكة وأزواج النبي وذرّيّته وأهل الطاعة على سبيل الإجمال ويكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعاراً ولاسيما إذا ترك في حق مثله أو أفضل منه كما يفعله الرافضة .. (2)إلى آخر كلامه .

والعجيب فيه أنّهم نقلوا في أصولهم الصحيحة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : «اللهم صل على آل أبي أوفى» و «اللهم صل على سعد بن عبادة».(3)

وفي فتح الباري إنّ الصلاة على غير الأنبياء في مذهب الحسن البصري ومجاهد وإسحاق وأبي ثور وداود والطبري جائزة (4).

وفي منهاج السنّة لابن تيمية - خذله الله - (بل لعنه الله) أنّه قال : وكذلك أبو حنيفة مذهبه أنه يجوز الصلاة على غير النبي صلی الله علیه و آله وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ (وهذا هو المنصوص عن أحمد في رواية غير واحد من أصحابه واستدل بما نقله عن علي أنه قال لعمر ، صلّى الله عليه) وهو اختيار أكثر أصحابه كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي محمد عبد القادر الجيلي وغيرهم (ولكن نقل

ص: 20


1- هذه عبارة صاحب الكشاف وقد مرت في الهامش السابق وذكرناها هنا مترجمة عن المؤلف. (المترجم)
2- فتح الباري 11 : 174 باب «هل يُصلّى على غير النبي» ط بيروت. (هامش الأصل) جرى تطبيق العبارة . (المترجم)
3- القول الفصل 2: 272 ط مطبعة «ارشيفل»، إحقاق الحق 3: 271. (هامش الأصل)
4- فتح الباري 11: 142 باب «هل يُصلّى على غير النبي» ط بيروت . (هامش الأصل)

عن مالك المنع من ذلك) (1). ومع اتفاق هذه الجماعة فما تأثير منع الزمخشري وابن القيّم .

وحصيلة ما نحن فيه بصورة لا يعتريها اللبس أن فتاوى القوم تعود أساساً إلى عنادهم للشيعة لأنهم يصلون على أئمتهم وأهل بيت نبيهم، وإن أجازه العقل وشهد برجحانه الكتاب والسنة والإجماع ، وإذا كان الأمر كذلك وأن القوم يعزفون عن الإحسان إلى أهل البيت وترك تبجيلهم وتكريمهم لأن الشيعة يفعلونه فعليهم أن يتركوا جميع الفرائض والسنن كذلك ، وصرّح محمد المحبّي الشامي وهو من فضلاء هذه الطائفة في كتابه «خلاصة الأثر» بهذا العناد والتعصب تعقيباً على شعر عبدالرحيم بن تاج الدين الدمشقي الذي نقله في فصل ترجمته، وهو هذا(2):

ص: 21


1- روى العامة بطرق كثيرة عن أمير المؤمنين وابن عباس وعمرو بن جميع وأبي ذر وأنس وأبي أيوب ... أن الملائكة صلت علي وعلى علي بن أبي طالب ... راجع : إحقاق الحق 16: 455 . (هامش الأصل) وراجع منهاج ابن تيمية لعنه الله 4: 152 . وأقول : بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين لا ينكر لأنّ حيطان دار أبيه قصار أولاً، ولأنه منافق يتدين بنبوة أبي بكر وعمر ويراهما أفضل من رسول الله ثانياً . ثم كيف يصلي أمير المؤمنين على من لعنه رسول الله مراراً ومنها يوم تخلفه عن جيش أسامة، ولكن هذا الخبيث ابن تيمية لا يقرّ له قرار حتى يكذب على أمير المؤمنين وينتزع منه كلمة ولو كانت مفتراة في تعديل عمر والثناء عليه . وأعجب من هؤلاء الذين يوالون رجلاً هم يعترفون بأن أمه حنتمة زانية ، وكيف يجعل الله ابن الزانية ولياً من أوليائه ؟! (المترجم)
2- قال : رأيت في «الگلستان» (والذي رأيته في الگلستان) للشيخ السعدي ما معناه : سئل بعضهم عن اليد اليمنى ما بالها مع فضلها الجزيل وكراماتها المعلومة لم يوضع فيها الخاتم ووضع في الشمال ؟ فقال : فنظمت هذا المعنى في بيتين : إن الفتى ... ثمّ ناقضته : تالله ما ذاك مخل بها***بل شرفت من واحد راحيم وإنّما الفضل لها زينة ***به اعتنت عن زينة الخاتم (هامش الأصل) والذي رأيته أنا في خلاصة الأثر كما يلي : والذي رأيته في الگلستان أن أول من وضع الخاتم في اليد جمشيد الملك ، فقيل له : لم وضعته في الشمال ولم تضعه في اليمين ؟ فقال : أما اليمين فزينتها كونها يميناً . فقيل : لأيّ شيء وضعته في الخنصر ؟ فقال : جبراً لها لأن ما عداها كبرها زينة لها . وقيل لبعضهم : لماذا حرمت اليمين من الخاتم ؟ فقال : أهل الفضل محرومون ... الخ . [خلاصة الأثر 2: 409 ط بیروت - دار صادر] والفرق بين العبارتين ،واضح ، وأما قول المحقق ثمّ ناقضته : تالله ما ذاك مخلّ بها***بل شرفت من واحد راحيم وإنما الفضل لها زينة***به اعتنت عن زينة الخاتم فقد جاء قبل حدیث الگلستان . (المترجم)

إن الفتى العالم مع علمه***تراه محروماً من العالم

مثل اليد اليمنى لفضل بها***قد منعت من زينة الخاتم

يقول : والتختّم باليسرى إنّما حدث في وقعة صفين حين خطب عمرو بن العاص فقال : ألا إنّي خلعت الخلافة من عليّ كخلع خاتمي هذا من يميني وجعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يساري، فبقيت سنة عمرو بين العامة إلى يومنا هذا ، وأمّا النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكذا الخلفاء الراشدون بعده فكانوا يتختمون باليمين، وقد ذكر فقهائنا ومنهم البرجندي في الرهن من كشف البزدوي أنّه يتختم باليسرى وقيل باليمنى إلا أنّه شعار الروافض فيجب التحرّز عنه .

قال شيخنا العلاء الحصكفي في شرح الملتقى (ملتقى الأبحر - المؤلّف ) : ولا شعور لنا بهذا الشعار في هذه الأمصار فتتبع أمر المختار يعني في الحديث افعلها في يمينك ، إذ ثبت الخيار كما جزم به بعض الأخيار أي اجعل الخاتم في يدك اليمنى ثم استطرد بعد هذا وذكر شعراً عن أبي عامر الجرجاني إنّه قال:

تختم في اليسار فلست تلقى***طراز الكم إلا في اليسار

وما نقصوا اليمين به ولكن***لباس الزين أولى بالصغار

لذاك ترى الأباهم عاطلات***وهنّ على الأكف من الكبار

ص: 22

إلى أن يقول : وقد عرفت الحديث، فكلّ هذا غفلة عنه (منه - المؤلّف)(1).

وفي يتيمة الثعالبي كلام طريف وهنا مكان نقله ، يقول : حكي أن أبا حفص الفقيه عاتب يوماً أبا أحمد على لبسه الخاتم في يمينه ، فقال أبو أحمد: إنّ فيه أربع فوائد :

إحداها : السنّة المأثورة من غير وجه عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه كان يتختم في اليمين وكذلك الخلفاء الراشدون بعده إلى أن كان من أمر صفين والحكمين ما كان حين خطب عمرو بن العاص ، فقال : إنّي خلعت الخلافة من عليّ كخلع خاتمي هذا من يميني وجعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يساري فبقيت سنة عمرو بن العاص بين العامة إلى يومنا هذا .

الفائدة الثانية : من كتاب الله تعالى وهي قوله : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا» (2)ومعلوم أن اليمين أقوى من اليسار فالواجب أن يكلّف حمل الأشياء الأقوى دون الأضعف.

والثالثة : من القياس وهو الاستنجاء باليمين صحيح والأدب في الاستنجاء باليسار، ولا يخلو نقش خاتم من اسم الله تعالى فوجب تنزيهه عن

مواضع النجاسة .

والرابعة : أنّ الخاتم زينة الرجال واسمه بالفارسيّة (انگشت آراى» فاليمين أولى به من اليسار .(3)

إلى هنا كان كلام أبي أحمد في أبي حفص الفقيه الذي حكاه الثعالبي في اليتيمة .

ص: 23


1- خلاصة الأثر 2: 409 دار صادر - بيروت. (هامش الأصل) وسمّى أبا عامر الفضل التميمي الجرجاني والمحقق تصرّف بالنصّ الذي نقله (المترجم)
2- البقرة : 256 .
3- يتيمة الدهر 4 : 68ط بيروت . (هامش الأصل) تحقيق محمد محى الدين عبد الحميد . (المترجم)

ويقول الراغب الأصفهاني في المحاضرات : كان خاتمه صلی الله علیه و آله وسلم حلقة فضة وعليه فص عقيق ، وكان يتختم به في يمينه ، وسبب اتخاذه أنّه كتب إلى ملك الروم فقيل : إنّه لا يقبل كتاباً إلا مختوماً، وأوّل من تختم في يساره معاوية ، وقيل شعر :

قالوا تختم باليمين وإنّما***مارست ذاك تشبيهاً بالصادق

وتقرباً مني لآل محمد***وتباعداً مني لكل منافق

الماسحين فروجهم بخواتم***اسم النبيّ بهنّ واسم الخالق

وفي كتاب المستظرف عن عائشة قالت: كان رسول الله الله يتختم في يمينه وقبض عليه الصلاة والسلام والخاتم في يمينه قال بعض من مدحه عليه الصلاة والسلام :

كفّ الرسالة ليس يخفى حسنها***وتمام حسن الكف لبس الخاتم

وذكر السلامي أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يتختم في يمينه والخلفاء بعده، فنقله معاوية (بل لعنه الله) إلى اليسار، وأخذ الأموية بذلك ، ثمّ نقله السفاح إلى اليمين فبقي إلى أيّام الرشيد (بل لعنه الله) فنقله إلى اليسار وأخذ الناس بذلك (1).

والآن دقق النظر وتأمّل قليلاً وانظر كيفية الديانة عند القوم فإنّهم يديرون ظهورهم للأخبار الصحيحة ويعزفون عن متابعة خلفائهم عداءاً لأهل بيت العصمة ومخالفة لأتباعهم وشيعتهم ويتركون السنة النبوية ويقتدون بالسنّة الأموية ويصرحون بأنّ التختم باليمين لما كان شعار الروافض فيجب عندئذ تركه ، ورفعوا هذا الشعار لأن الروافض لم يقتدوا بابن العاص وثبتوا على السنة النبوية، فياللعجب ولضياع دين سيّد العرب، وقد قلت بديها :

ص: 24


1- المستظرف للشيخ شهاب الدين أحمد الأبشيهي 2: 25 ط مصر . (هامش الأصل) وص 432 ط مؤسسة عز الدين، الأولى 1411 ه - 1991 م وفيه الجزء آن الأول والثاني في ترقيم واحد . (المترجم)

تختم باليمين فتلك أعلى***تكن في عد أصحاب اليمين

ولا تجعله عرضة نيل سوء***وفيه اسم المهيمن والأمين

ولا تعدل بذاك إلى شمال***فتحيي سنة الرجس اللعين(1)

الفائدة الرابعة :

اشتقاق آل من أول ، وقال جماعة : وإنّما يقال آل فلان لأنّهم أولهم، والأول

على ثلاثة أوجه:

1 - الأول الجسماني وهو عبارة عن القرابة الصورية والتولد الجسماني.

2 - الأول الروحاني، وهو عبارة عن تعلّم علوم أحد وكسب فضائله والتخلّق بأخلاقه .

ص: 25


1- قال مصنّف الهداية من الحنفية : إن مشروع التختم في اليمين ولكن لما اتخذته الرافضة جعلناه في اليسار ، وأول من اتخذ التختم باليسار خلاف السنة هو معاوية - كما في ربيع الأبرار للمخشري .. وقال ابن تيمية في منهاجه 2 : 143 عند بيان التشبه بالروافض : ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم ، فإنّه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميّز السنّي من الرافضي ، ومصلحة التميز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب، ونرى في موارد كثيرة تركهم للسنة مخالفة في العمل بالسنن . وذكر العلامة (مولانا الأميني) كثيراً منها في الغدير 10: 210 فراجع . نتف اسم كتاب أبي عبد الله السلامي : أن النبي كان يتختم في يمينه والخلفاء الأربعة بعده ، فنقلها معاوية إلى اليسار وأخذ بذلك فبقي كذلك أيام المروانية فنقلها السفّاح إلى اليمين ، فبقي إلى أيام الرشيد فنقلها إلى اليسار وأخذ الناس بذلك . واشتهر أن عمرو بن العاص عند التحكيم سلّها من يده اليمنى وقال : خلعت الخلافة من عليّ كخلعي خاتمي هذا من يميني وجعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يساري، والروايات والأشعار في ذلك كثيرة ، راجع مناقب ابن شهر آشوب 2 : 75 في لوائه و خاتمه . الصدوق، عن أبيه، عن سعد ، عن ابن علوان، عن عمرو بن ثابت، عن أبيه ، عن ابن بطريق، عن أمير المؤمنين : أنا سيد الوصيين ووصي سيد النبيين ... وزوجة سيدة نساء العالمين، أنا المتختم باليمين والمعفّر للجبين [أمالي الصدوق : 17 ، بحار الأنوار 39: 341] . (هامش الأصل)

3 - الأول النوراني ، وهو عبارة عن اتحاد النور ووحدة الذات السنخية وهو أشرف أنواع الأول .

وآل النبي الحقيقيون هم الذين تتحقق فيهم تلك الأقسام الثلاثة، ونحن بعد الاستقراء والتتبع الكامل لم نجد هذه الصفات كاملة ولا هذه الجهات تامة إلا في الأئمّة الاثنى عشر ومعهم فاطمة علیهم السلام .

أما الأوّل أعني الانتساب الصوري والتولد الجسماني الظاهر فأمر من الوضوح بمكان .

وأمّا الجهة الثانية فثبت بحديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» .

والحيثية الثالثة فثبت من الحديث الشريف «كنت أنا وعلي نوراً» والآية الكريمة : «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ» (1)ويشهد بذلك أهل الانصاف.

وأما من اعتقد من أهل السنّة أن الآل مطلق القرابة أو هم عموم الأمة فقد جانب الانصاف وليست أوّل قارورة كُسرت في الإسلام.

وعقد باباً في كتاب عيون أخبار الرضا لنقل كلام الإمام الرضاء علیه السلام في مجلس المأمون الملعون مع علماء العامة لإثبات الفرق بين الآل والأمة وهو الباب الثالث والعشرون من هذا الكتاب ونحيل إليه طالبي معرفة ذلك لطوله

ولكن للفخر الرازي مع ما هو عليه من شدّة العناد والعصبية في تفسيره الكبير کلام قريب من الانصاف ، يقول : آل محمّد هم الذين يئول أمرهم إليه ، فمن آل أمره إليه وكان أشدّ به وأكمل فهو آله ، وما من شك بأن العلقة بين علي وفاطمة والحسن والحسين وبين رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أشد العلقات، وهذا أمر معلوم بالنقل المتواتر فالواجب كونهم هم الآل .

واختلفوا أيضاً في الآل ، فقال بعضهم: الأقارب، وقال بعضهم : الأمة ، فإذا قلنا

ص: 26


1- آل عمران : 34 .

أولئك - الأربعة - أقربائه فهم آله ، أو قلنا بأنّهم أمته فهم آله أيضاً، إذاً هم آله على كل تقدير ، وأما من فهم محل خلاف ولم يقطع بهم أحد ، تم كلام الرازي ونحن نجعل هذا التقريب مطرداً في الأئمة الاثني عشر أيضاً.

الفائدة الخامسة :

لو أردنا إعراب صيغة الدعاء أعني صلّى الله عليه وآله» فإنّها تحتوي على العطف بالواو على الضمير المجرور ب_«على» من دون إعادة الجار -على- أي لم نقل (وعلى آله) شاهد على صحة مذهبنا لأننا أثبتنا في موضعه أنّ الأدعية والكلمات الصادرة عن الأئمة علیهم السلام لاسيما في موضع الدعاء والخطبة وأمثالهما لا سيما عن الصادقين ومن كان قبلهما علیهم السلام حجّة في العربية وقواعدها وتكفي شاهداً على إثبات اللغة لأن رواتنا لا يقلون عن الأصمعي الناصبي وأبي عبيدة الخارجي - المرتكبين لكل محظور وقبيح - والصادقين علیهم السلام في علم العربية ليسوا بأدنى منزلة من جرير والأخطل والفرزدق .

لاسيما في الزيارة الشريفة التي علمت سلفاً بأنّها حديث قدسي وه-و ف-ي حجيته كالقرآن والحديث النبوي الشريف، ومن هنا يعلم أن توقف الشيخ الأجل أبي الفتح الكراجكي في جرّ الآل في أدعية الصحيفة بالعطف، والتزامه بنصبه عطفاً على المحلّ كما جاء في حاشية السيد المحقق الداماد ونقل عنه ما هو إلا اقتصار على رأي بعض القشريين من النحاة والصحفيين من علماء العربية، ويعضد ذلك قرائة حمزة للآية الكريمة «تَسَائَلُونَ بهِ وَالأَرْحَامِ» بجر الأرحام (1)شاهد على هذا الدعوى ، وما جرى من اعتراض صاحب الكشاف عليه خطل في الرأي من غير مبنى، وتحقيق هذا الباب لا يناسب هذا الكتاب.

ص: 27


1- راجع مجمع البيان في تفسير الآية الأولى من سورة النساء.

اللهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ..

الشرح : الجعل على قسمين :

الأوّل: البسيط ومعناه إنشاء نفس الذات، وهذا الجعل بناءاً على قوانين العربية لا يحتاج إلى أكثر من مفعول

والثاني : الجعل المركب وهو إيجاد الصفة في الطرف الثالث وهو يحتاج إلى مفعولين .(1)

والجعل في هذه العبارة الشريفة من القسم الثاني كما هو واضح . الوجيه مأخوذ من الوجه بمعنى الجاه كما ورد في عبارة البخاري وقد مرّت عليك: «وكان لعلي وجه في حياة فاطمة» .(2)

والدنيا تأنيث الأدنى، ويعتمد على موصوف محذوف يمكن تقديره ب_«النشأة» أو الدار ، ومثله الوجه في تأنيث الآخرة ، والسبب في وصف النشأة بالدنيا وهي أفعل تفضيل يمكن أن تكون للمبالغة في الدنو أو الدنائة. ويستعمل أفعل التفضيل أحياناً في شدة اتصاف الشيء بالشيء بحيث كأن المفضل عليه مجازاً لا اعتبار لوجوده بأزائه كما صرّح بذلك الخفاجي في شرح الدرة، ونقل

ص: 28


1- الجعل - بالفتح وسكون العين المهملة - في اللغة بمعنى «كردن» على ما في الصراح وهو عند الحكماء على قسمين .. جعل بسيط وهو جعل الشيء وأثره نفس ذلك الشيء فلا يستدعي إلا أمراً واحداً ولا يكون بحسبه إلا مجعولاً فقط وحاصله إخراج شيء من العدم إلى الوجود، وقد أشير إليه في القرآن : «وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ» . و جعل مركب : وهو جعل الشيء شيئاً وأثره مفاد الهيئة التركيبية الحملية أعني اتصاف الماهية بالوجود من حيث أنه غير مستقل بالمفهومية ومرآة ملاحظة الطرفين وهو يتوسط بين الشيئين فيستدعي مجعولاً و مجعولاً إليه .. راجع : کشاف اصطلاحات الفنون 1 : 566 و 567 . (المترجم)
2- مرّت في المسألة الثانية شرح أسست أساس الظلم». (هامش الأصل)

عن غيره والاستعمال والتتبع شاهد عليه، وأحياناً يلاحظ فيه معنى التفضيل على عالم البرزخ الملحوظ هنا وهو عالم المثال والخيال المنفصل والملكوت الأدنى في اصطلاح علماء الإشراق والعرفاء ذوي الأذواق ، ولما كان عالم البرزخ له صلة بعالم الآخرة صار متوسطاً في الاعتبار، والدنيا نشأة متأخرة ، وبهذا الاعتبار سمّيت الدنيا كما جاء في فقرة الزيارة الجامعة : «وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى» شريطة أن لا تكون الأولى إشارة إلى عالم الأظلة أو الذرّ بناءاً على بعض الاحتمالات.

وقال الحكماء : لقد أشار الله إلى تثليث العوالم ، فالآية الكريمة : «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ» (1)لأنّ في هذه النشأة الحسي والتخيلي والعقلي والتذكّر يوجب أن نقول في العالم كله وفي الإنسان الكبير توجد عوالم ثلاث :

الأوّل: عالم الحس وهو نشأة الماديات .

والثاني : عالم التخيّل وهو موطن الصور المجرّدة من المواد الكثيفة العنصرية لأنّ خلوّ الصورة من المادّة خلاف البرهان، والذين نفوا المادّة عن عالم التخيّل كان نفيهم منزلاً على تفسيرنا حيث قيّدنا عالم التخيّل أو الصور المجرّدة بالعنصرية الكثيفة لئلا تستوجب اللوازم الدنياوية لكي يكون ما وردنا عن الشرع من حركة هذا العالم وترقيه وانتفاعه بالدعاء والمثوبات وأعمال الأخلاف والأقرباء الصالحة والأصدقاء والمؤمنين صحيحاً، وهذه الأمور وردت عن الشرع بصورة مقطوع بها بل حتى الرؤيا الصادقة والأمارات الأخرى.

والثالث : عالم التعقل وهو التجرّد من جميع اللوازم الدنياوية والمضايقات العنصرية وتعلقاتها هذا وإن لم تفترق عن المادة من رأس بل لابد من وجود مادة

ص: 29


1- الواقعة : 62

رقيقة لطيفة موجبة للتحوّلات العرضيّة معها بحكم تلازم الهيولا والصورة كما أشير إلى ذلك سابقاً وهذا هو عالم الآخرة الذي هو عالم الخلود والحياة الأبدية

«وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ» (1).

تنبيه :

جاء في تفسير الفخر الرازي المذكور أن الوجيه الذي يكون له وجه أي يكون .. معروفاً ،بالخير، وكلّ أحد وإن كان عند الله معروفاً لكن المعرفة المجردة لا تكفى فى الوجاهة فإنّ من عرف غيره ليكون خادماً له و أجيراً عنده لا يقال : هو وجيه عند فلان وإنّما الوجيه من يكون له خصال حميدة تجعل من شأنه أن يعرف ولا ينكر وكان كذلك .(2)

ولم أعثر لهذا التفسير على وجه ولا أعرف له موافقاً في سائر الآثار ، ولا تقتضي ذلك قواعد اللغة ، ولو صح ما قاله فلا موقع للنقض بالخادم والأجير وهما معروفان. وجملة القول : إنّ ما يجب معرفته فى هذا المجال هو : كيف تحصل الوجاهة عند الله في دار الدنيا، الآية الكريمة : «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ» (3)تحكم بأن الكرامة والوجاهة تناط بالتقوى عند الله تعالى، وللتقوى ثلاث مراتب :

الأولى : التقوى في العقائد ومعناها استقامة الدين وإحكام الإيمان .

الثانية : التقوى في الأعمال وهي عبارة عن الورع عن المحارم واجتناب المآثم وملازمة الواجبات وإدامة الطاعات وهذه المرتبة يجب تحصيلها بعد المرتبة

الأولى.

ص: 30


1- العنكبوت : 64 .
2- الفخر الرازي ، مفاتيح الغيب 25: 233 ط دار إحياء التراث العربي الثالثة - بيروت .
3- الحجرات : 13 .

الثالثة : التقوى في الأخلاق والملكات ، وذلك أن يقرأ المرء في مصحف قلبه فإن عثر على رذيلة فيه فهي بمنزلة آية العذاب فعليه أن يمحوها من قلبه بالبكاء والقرع والاستعاذة، وإن عثر على خصلة حميدة فهي بمنزلة آية الرحمة يشكر الله عليها ويسأله ثباتها ودوامها وأن يرزقه نظائرها وأمثالها لكي يستطيع بالجهاد التامّ والمشقة الكاملة دفع الراذئل وجلب المحامد وتحصيل المحاسن .

وهذه المراتب بأجمعها متوقفة على العلم لأنّ الجهل عجز ، ومن هنا يعلم بأنّ الكرامة عند الله تعالى مشروطة ومنوطة بالعلم كما قال سبحانه: «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ» (1)وقال في آية أخرى : «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» (2)ويقول فى آية ثالثة : «أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ» .(3)وليس مقصودنا من العلم هو الفاقد للعمل إلا أن يتحدا تماماً كالمقصود من التقوى في مرحلتها الأولى إن هي إلا الإيمان، ومقصودنا ذلك العلم الذي هو الاعتقاد القلبي والتحقق الواقعي مع الإذعان بصفات الربوبية والتصديق بالأنبياء والأئمة والكتب والملائكة والحشر والنشر المعبّر عنها بالمبدأ والمعاد.

وحاصل الحديث أن الزائر يطلب من ربّه في هذه الزيارة أن يسدّده للعروج في مدارج العلم والعمل بواسطة الاعتصام بالعروة الوثقى ومحبة الحسين والتمسك بالحبل المتين لكي يشمله رضى الله في الدنيا ويصل في الآخرة إلى مقام القرب ودرجة الأولياء .

اللهم اجعلني عندك وجيهاً بالحسين علیه السلام في الدنيا والآخرة بجاه محمد وعترته الطاهرة.

ص: 31


1- المجادلة : 11 .
2- الزمر : 9 .
3- الرعد : 16 .

يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَى فَاطِمَةَ وَإِلَى الْحَسَنِ وَإِلَيْكَ بِمُوَالاتِكَ وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ ، وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ وَأَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ ذَلِكَ وَبَنِى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ ، وَجَرىٰ فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَىٰ أَشْياعِكُمْ...

الشرح : التقرّب تفعّل من القرب، وصيغة التفعّل في هذا الباب يمكن أن تكون للطلب ولعلّها للمبالغة والأوّل أظهر .

وعبارة صاحب القاموس : تقرب به إلى الله تقرباً و وتقراباً يعني كتملاق أي طلب القربة والوسيلة من عنده (1)تشهد بذلك ، وإن لم يكن حجّة في نفسه ؛ لأن دعوى السماع من الواضع في هذا الموضع غاية في البعد ، والاستعمال على كلا الوجهين يمكن انطباقه وظاهر العبارة المذكورة فى الزيارة أنّ الباء بعد التقرّب تكون باء السببية - بموالاتك - ويستبعد في هذه الفقرة الواردة في الزيارة أن تكون للملابسة، ويكون المعنى هكذا: إنّي بولايتك والبرائة من عدوّك أطلب القرب أو شدّة القرب منك ، وما من شك فى أنّ المراد بالقرب هنا هو القرب المعنوي لا القرب المكاني.

ولا يحصل ذلك إلا بملازمة الطاعات ومجانبة المعاصي، والتخلق بأخلاق الله تعالى لينعتق من الإيمان الصوري ويتلبس بالإيمان الحقيقي «فإنّ لكلّ حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً».

ص: 32


1- إليك ما وجدته في القاموس : وتقرب به تقرّباً وتقراباً - بكسرتين - طلب القربة به . لم يزد على ذلك شيئاً . 1 : 158 ط دار الوفاء - جده - أولى 1406 تحقيق الدكتور أحمد عبد الرزاق الكبيسي . (المترجم)

الموالات : معناها المحبة والولاية ، وقد شرحنا سلفاً دلالة الولاية التي حقيقتها القرب على المودة .(1)

ويصاغ باب المفاعلة هنا من أجل تقوية المعنى المجرّد ؛ لأنّ اختلاف الصيغة وزيادة المباني والحروف في اللغة لا تخلو من نكتة ، وإن لم يصرّح العلماء غالباً بهذا المعنى في باب المفاعلة، إلا أن عامة قوانين اللغات وخصوصيات الكلمات ما هي إلا جوهرة الفنّ بيد أساطين الصناعة، وهي تقوي هذا الخيال وتقرّب هذا الاحتمال .

كل هذا يقال بعد صحة افتراضنا أن الولي في اللغة بمعنى المحبّ، ولكنّ بعضهم نفى هذا الاستعمال وبناءاً على هذا فإنّ استعمال الموالات والتولّي في المحبّة بملاحظة ملازمة تأكد القرب الذي هو مدلول الصيغة مع المحبّة، وعلى هذا يكون الولي مأخوذاً من الموالات مثل البديع من الإبداع ، وهذا الكلام يحتمل المناقشة في الجملة والتأمل .

وإن كان يستعمل في المتّبع على كل حال، والله العالم.

نصب : في أصل اللغة : كلّ ما نصب فجعل عَلَماً(2). وأكثر معاني هذا اللفظ من قبيل «النصب النحوي» والنصب الفناء الخاص، والنصيب بمعنى السهم من القسمة والنصاب بمعنى الحدّ ، والنصب بمعنى المعبود الباطل يرجع إلى هذا الاستعمال.

ومن وجوهه ما يقال من نصب له العداوة أو نصب له الحرب أو ناصبه العداوة. ومن فرع هذا الاستعمال الأخير «نصب» بمعنى عادى أمير المؤمنين علیه السلام ، وليس هذا المعنى من فروع المعنى اللغوي الأصلي إذ لا يعقل أن يضع الواضع

ص: 33


1- في شرح الفقرة برئت إلى الله وإليكم منهم ومن أتباعهم وأشياعهم وأوليائهم» . (هامش الأصل)
2- لسان العرب 1 : 758 (المترجم)

لفظاً وهو جزء من أصل وضع عام ، فلا تستعمل في معناه الذي وضع له إلا بعد أزمنة متطاولة، ويكون كل هذا ملحوظاً للواضع ، ويضع له لفظاً مع أن نصب لا تأتي بمعنى العداء على أيّ ،وجه، ولكنه لفظ حذف متعلّقه وهو العداوة، وكثر استعماله حتى صار يستعمل مجرّداً عن متعلقه في معناه. وما يقصده بعض اللغويين من قوله : إن نصب مجاز في عداوة أمير المؤمنين علیه السلام يقصد هذا المعنى الذي حققناه .

و من هنا يظهر خطأ ما تخيّله صاحب الحدائق من أن النصب في اللغة حقيقة هو التدين ببغض علي أمير المؤمنين علیه السلام استناداً إلى ظاهر عبارة القاموس الذي قال : «.... النواصب والناصبية وأهل النصب : المتدينون ببغضة علي» (1)ال ولا وجه له ؛ لأن مهمة اللغوي لا تنحصر في بيان جزئيات موارد الاستعمال، والاستعمال أعمّ من الحقيقة، وقد علمت أن احتمال كون اللفظ حقيقة في هذا المعنى لا يتمشى مع واقع الوضع.

علاوة على أن عبارة صاحب القاموس نفسها تنادي بخلاف دعواه لأنه قال بعد العبارات المنقولة «لأنّهم نصبوا له أي عادوه» لأنّ صريح صريح هذا الكلام أنّ الاستعمال من باب إطلاق الكلّي على الفرد لا من جهة أخذ الخصوصية في مفهوم اللفظ وتفسير النصب بالعداوة من جهة إفادة حاصل المعنى وتقريب الدلالة هي التي بيناها .

ومن هنا يُعلم أنّ من التزم بمجازيّته فإنّما هو من باب إطلاق الكلّي على فرده وغفل عما اعتبره الأصوليون من كون ذلك حقيقة أيضاً ولكن كونه حقيقة بهذا

ص: 34


1- «النواصب والناصبية وأهل النصب المتدينون ببغضة علي لأنهم نصبوا له أي عادوه». القاموس 1: 177. (المترجم)

الوجه لا يفيد صاحب الحدائق شيئاً ؛ لأن غرضه المبغوض وهو أمير المؤمنين في المفهوم الحقيقي للفظ ، وقد ظهر حاله .

جری : بمعنى سال ، وحكي عن الراغب أن «الجري» المرّ السريع ، وأصله في الماء ونحوه، وأحياناً يكنّى به عن الاستمرار باعتبار أن الفعل الذي ينقطع لا جریان ،له واستعماله في جري الفرس وجري السفينة وساير مواضع الاستعمال هو على سبيل التشبيه أو التوسع ، وإنّما سمّيت الأمة جارية لأنها تجري في الخدمة .

يقول في المصباح الجارية السفينة سميت بذلك لجريانها في البحر، ومنه قيل للأمة جارية على التشبيه لجريانها مستسخرة في أشغال مواليها، والأصل فيها الشابة لخفتها ، ثم توسعوا فيها حتى سمّوا كل أمة جارية وإن كانت عجوزاً لا تقدر على السعى تسمية بما كانت عليه .

والمحكي عن المحيط : إنّما سمّيت جارية لأنّها تجري في الحوائج.

وقال في أساس البلاغة : وسمّيت جارية لأنها تستجري في الخدمة.

والمحكي عن المهذب وقانون اللغة مثله

وعبّروا في بعض الكتب عن الجارية بالقينة - بقاف وياء مثناة تحتية ونون - وهي مؤنّث القين بمعنى الأمة كما أن القين معناه العبد ، وغفل صاحب القاموس عن هذه الكلمة غفلة صعبة وصحفها تصحيفاً عجيباً لأنه قرأها «فتيية» مؤنّث فتى ، ولما رأى أن هذا الإطلاق ليس صحيحاً لإطلاقه على الجمل والفرس وأمثالهما ، ألحق من نفسه لفظ من النساء النساء ء وقال: «الجارية الفتية من النساء» ولم يوجد في كتب اللغة عن الجارية أنّها الفتية من النساء، وإن كان منه غير عجيب فإنّ له في ذلك اليد الطولى والمرتبة العليا .

ومجملاً نقول : المراد بالفقرة من الزيارة «وجرى في ظلمه وجوره عليكم» أنّه استمر في طريق ظلمه وجوره. و«عليكم» متعلق بالظلم والجور، وحكي في

ص: 35

بعض النسخ أن الفقرة السالفة كما يلي: جرى ظلمه وجوره ... بحذف «في وبناءاً على هذا يكون المراد من الجريان الوقوع ، ولأنه احتوى على معنى آخر في نفسه وهو أن نسبة الجريان بالذات لا بالحدث، وهذا المعنى يتوقف على رمزية الاعتبار وزيادة النكات اللطيفة وهو تصرّف في اللفظ، موجب لحركة الذهب والانتقال إلى المعنى وهو في النفس أوقع وفي القلب أحلى.

وغالباً ما به يناط حسن التعبير كما أن أصحاب القرائح اللطيفة والأذهان الدقيقة الذين يتعاطون لطايف البيان وبدائع الكلام لأول وهلة يتوجهون إليه ومن فقد هذا الذوق والمزاج فلا ينفعه طول البيان وكثرة التطويل «ومن لم يستضيء بمصباح لم يستضيء بإصباح».

فائدة استطراديّة

ثبت كفر النواصب بالإجماعات المستفيضة والأخبار المتكثّرة المعتبرة المنجيرة بعمل الأصحاب، ولكن وقع الخلاف في تحقيق الموضوع وتعيين مفهوم الناصب في أخبار الباب، وعبارات الأصحاب، لأنه ورد في الأخبار «الناصب لأهل بيتى حرباً ...» وجاء تفسيره في بعض الأخبار: «هو من نصب العداوة لأهل بيت محمد»، وفي أخرى: «من دان بمعاداتهم»، وجاء في موضع منها: «من نصب العداوة لعلي علیه السلام»، وفي خبر آخر «من أعلن بالعداوة» وفي رواية أخرى: «من نصب العداوة لشيعتهم» وفي طريق آخر: «من قدم الجبت والطاغوت» كما استقصى ذلك بعض الفقهاء المعاصرين، وترجع هذه الأخبار غالباً إلى معنى واحد وهو : «التديّن ببغض أهل البيت».

كما وردت في عبارة القاموس، وإن اختص ذلك بأمير المؤمنين علیه السلام كبعض الأخبار وإنّما اختص به دون من عداه فلأنه من أجلاء أهل البيت بل كان سيّدهم وصار من لوازمه إظهار العداوة له وإعلانها، ونصبها ، وصار محكاً لذلك، ونصب

ص: 36

الحرب أحد أفراد النصب، ونصب العداوة لشيعته علیه السلام راجع إلى نصب العداوة له لأنهم شايعوه وتابعوه، وعندنا في علوم ماوراء الطبيعة ثابت أن الحكم على المحيّث راجع إلى الحيثية لوجوب رجوع ما بالعرض إلى ما بالذات.

وتقديم الجبت والطاغوت المراد منه ما نفي بسببهم استحقاق عليّ للمحبة كما يظهر ذلك في رسالة الجاحظ فإنّ الملاحظة منه أنه في الوقت الذي يقدّم أبابكر على أمير المؤمنين ، يتضمن التقديم نفى الفضيلة عن أمير المؤمنين .

والمراد بقولنا التدين بالنصب او النصب هو التديّن بكذا إظهاره من الدين لا الاعتقاد الواقعي بالعداوة لأهل البيت علیهم السلام عتقاد الواقعي ليدخل كفر الجحود الذي هو أشد أنواع الكفر .

وحديث جنادة عن الإمام الحسن علیه السلام أنه قال للحسين علیه السلام : «كلهم يتقرب إلى الله» (1)يشير إلى هذا المعنى .

وإلا فلا يعقل أن مرادهم التقرّب الحقيقى فإنّ من غير المعقول أن يتأتى ذلك من جميعهم بعد ظهور البينات وقيام الحجج وقرب عهدهم من أمير المؤمنين علیه السلام ورسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و إن كان متصوّراً من بعضهم.

ص: 37


1- ثابت ابن أبي صفية الثمالي قال : نظر علي بن الحسين السيد العابدين إلى عبيد الله بن العباس بن عليّ ابن أبي طالب فاستعبر ثم قال : ما من يوم أشدّ على رسول الله من يوم أحد ؛ قُتل فيه عمّه الحمزة ابن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب . ثم قال : ولا يوم كيوم الحسين ، از دلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة كل يتقرب إلى الله عزّ وجل بدمه وهو بالله يُذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً [الخصال 1: 68 ، أمالي الصدوق : المجلس 70 الرقم 10 ، بحار الأنوار 44: 298 ، عوالم العلوم : 348] . قال ابن نما : ثم دعا جندب بن عبد الله الأزدي وكان شيخاً ، فقال : يا عدو الله ، ألست صاحب أبي تراب ؟ قال : بلى لا أعتذر منه . قال : ما أراني إلا متقرباً إلى الله بدمك . قال : إذاً لا يقربك الله منه بل يباعدك . قال : شيخ قد ذهب عقله، وخلى سبيله [بحار الأنوار 45 121]. (هامش الأصل)

إذن يكون معاوية وعمرو بن العاص والمنصور وهارون وأشباههم الذين عندهم علم تفصيلي بفضائل الإمام ومع ذلك يظهرون له العداوة من أعظم النواصب .

وأخيراً، بعد تأملنا في مؤدى مجموع الأخبار ظهر ذلك جلياً لدينا، ومثله يقال في كلمات أصحابنا عن النصب والنواصب فإنّه من الممكن إرجاعها إلى هذا المعنى غالباً ، ولم يظهر عليهم الحكم بكفر أهل الخلاف قاطبة ما عدا هذه الطائفة أي لم يظهر عليهم ترتيب آثار الكفر بحسب الظاهر عليهم؛ لأنّ الإجماع مفقود بالضرورة ، والأخبار خاصة بالنواصب وقد بيّنا معناه، ولا وجه لادعاء النصب لجميع أهل الخلاف بمقتضى رواية المعلى بن خنيس: «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحداً يقول إنّي أبغض محمّد وآل محمّد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولّونا وتتبرّؤوا من أعداء نا» (1)لأنّه بعد غضّ النظر عن ضعف طريق الخبر ، يكون فحواه بعد التأمل أنه لا أحد يجاهر بعداوة النبي وآله ويبارزهم بل يظهرون عداوة الشيعة تعبيراً عن عداوتهم لهم وبالطبع هؤلاء هم النواصب .

ولكن الكلام في الصغرى لأن عوام العامة لا يحملون العداوة للشيعة من هذه الناحية أي لاتباعهم آل محمّد بل عداوتهم راجعة إلى البرائة من الصحابة حيث يفعلها بعض الشيعة والعامة لا يعدّون أنفسهم عدوّ آل محمّد لأنّهم أنفسهم يلعنون عدوّ آل محمد والنزاع بيننا صغروي وإن كنا بعون الله أثبتنا هذه المقدّمة الممنوعة من كتبهم أنفسهم، ولكن إلزامنا لهم لا دخل له باعتقادهم الفعلي، ولو فرضنا جدلاً أنهم يحملون في ضمائرهم عداوة كامنة للآل فإنّه لما لم يكن لنا

ص: 38


1- معاني الأخبار : 104 . (هامش الأصل) وجرى تطبيقه، وبعد الحديث : وقال : «من أشبع عدواً لنا فقد قتل ولياً لنا» . (المترجم) علل الشرايع : 200 عن عبد الله بن سنان عن الصادق . بحار الأنوار 27 233 ط تهران (هامش الأصل)

دليل عليها فإننا لا نستطيع أن نعاملهم معامله الكافر ؛ لأن مناط الحكم يعود إلى الإعلان والإظهار كما اعتبرتهما الأخبار، كاشفين عن التدين الحقيقي كما مرّت الإشارة إليه بالشرح السالف .

وأمّا الأخبار الواردة بكفر مطلق أهل الخلاف فإنّها لما كانت معارضة بالأخبار الواردة في معاملتهم كما لو كانوا مسلمين من حيث الطهارة وجواز المعاشرة والمؤاكلة وحلّ المناكحة والمصاهرة وأكل ذبائحهم، والأخبار المتظافرة - ب--ل المتواترة الواردة في الفرق بين الإسلام والإيمان المبثوثة في مطاوي كتب الأخبار سيما الكتاب الجليل القدر والعظيم الشأن الكافي، في الباب المعقود لهذا المعنى ، المتفقة مع السيرة القطعية المحققة التي لا تحتمل الترديد والشك، تنزل منزلة الكفر الباطني . إذ لا مانع باختلاف أحكام الكفار لاختلاف أقسامهم، وهذا المعنى ثابت في الجملة بين الفريقين واستشعرت طائفة هذا الفرق من عبارات الفقهاء في موارد خاصة، ويستشم هذا المعنى من عبارات الشيخ في التهذيب وعبارات السيد في تنزيه الأنبياء.

وظهر من مجمل ما قلناه أن القول بكفر مطلق أهل الخلاف ووجوب الاجتناب الفعلي منهم لا وجه له في وادي التحقيق وإن كان صاحب الحدائق مصراً بإصرار بليغ على التصدّي لإثبات هذا الأمر، واعتضد بطائفة من الأخبار وكلمات الفقهاء الأخيار ، وإذا لم يكن فى هذه الأخبار دليل على خلاف مدعاه فليس فيها دليل على إثباته ، أو إنّها قابلة للتأويل بتوجيه قريب. ومع كل هذا فقد طعن طعناً بليغاً وعرّض تعريضاً أكيداً على المتأخرين على وجه ينافي فضله وهو من أهل الفضل ، ولا يليق بمقامهم المنيع. ونحيل على الكتب المفصلة في بسط الكلام حول هذا المقام ولم نقصد إلا بيان لمعة منه هنا ، وإظهار لمحة من حقيقته، والله الموفق .

ص: 39

وجملة القول أن ما حققناه من مجموع ما جاء في هذه الفائدة أن الإشارة إلى کفر محاربي سيّد الشهداء علیه السلام في الفقرة : «من نصب لك الحرب» من المسلمات بل إنّ هذا المعنى من ضروريات المذهب الشيعي ، ولا يحتاج إلى الاستدراك . لأنّه علاوة على كون هذه المحاربة أمارة النصب وهي على التحقيق السبب المستقل لكفر هذه الطائفة من الخوارج والفئة الباغية، فإن الخروج على الإمام وهتك حرماته والتصدّي لقتله وسفك دمه المقدّس ، كل واحد منها سبب ت-ام للكفر فإنّها قد اجتمعت في محاربي سيّد الشهداء ، ولا حاجة بنا إلى إثبات كفر هذه الطائفة بل الطائفة السابقة التي هي مطلق النواصب التي يرجع كفرها إلى مسألة إنكار الضروري كما يظهر ذلك من كلام بعض الأساطين ؛ لأن مسألة كفر منكر الضروري محلّ خلاف هل هو لجهة الموضوعية أو بسبب الكاشفية؛ فإنّ طائفة من كبار المحققين المتأخرين مثل المقدّس الأردبيلي والفاضل الهندي وجمال المحققين والمحقق القمّي وأستاد اساتيد عصرنا في الرسائل وغيرهم قدّس سرّهم ذهبوا إلى الاحتمال الثاني وهو الأقوى.

وبناءاً على هذا لا يحكم بكفرهم مع وجود الشبهة، وهذا المعنى مقطوع بفساده في حق المحاربين والخوارج، وفي حق النواصب خلاف الظاهر إذن الأولى أن نرجع في إثبات كفر هذه الطوائف إلى الأدلة التي تكفّرهم خاصة ، ولا نرجع المسألة إلى القاعدة الكلية وهي كفر منكر الضروري.

والمتأمّل المتصفح للأخبار أن اعتبار الولاية جزء الإيمان المبثوثة في الأصول المعتمدة والمصادر الوثيقة والكتب الصحيحة لأساطين علماء الشيعة رضوان الله عليهم من قبيل الجوامع السبع العظام (1)وغيرها مجتمعة ومتفرقة، يجزم أو

ص: 40


1- الكافي، من لا يحضره الفقيه ، التهذيب ، الاستبصار ، العلل ، العيون، الخصال. (هامش الأصل)

يشرف على الجزم بأنّ الولاية شأنها شأن التوحيد والنبوة من الأركان الأصلية والعناصر الأسطقسية الأسطقسية للإيمان، وبفقدها تفقد حقيقة الإيمان، ولا تترتب عندئذ أحكام الإيمان على فاقدها بشكل مطلق سواءاً كان ذلك عن قصور أو تقصير.

كما أن حال التوحيد والنبوّة كذلك بالاتفاق أو بضرورة الإسلام. نعم، الفرق الوحيد يتجلى بين القاصر والمقصّر فقد نفى جماعة من المحققين وأهل النظر بالقرائن الصريحة العقليّة والشواهد الصحيحة النقليّة العقاب عن القاصر جازمين بذلك، وتحقق القصور خارج الواقع، ونفس الأمر يتمّ بملاحظة أحوال أصناف البشر ومراجعة أخلاق أخلاط الزمر ، وتأمّل الفروق في القابليات و اختلاف مؤهلات الناس واستعداداتهم من الوحشيّة والتمدن والهمجيّة والقروية والبدوية والزنجيّة والروميّة ، وكونهم رجالاً أو نسائاً فإن ذلك يختلف من حال إلى حال بتفاوت مراتب الوجود وتبيان درجات النفوس، وهذا أمر محسوس ومطلب مشهود

وليس يصح في الأفهام شيء***إذا احتاج النهار إلى دليل

وطعن بعض الأخباريين على بعض أساطين الفرقة ورؤساء المذهب في اختيار نفي العقاب عن القاصر ناشئ عن القصور في الطاعن نفسه .

وكتابة هذه الجملة كانت على سبيل الاستجرار والتطفل، ومحصل الغرض وحاصل المطلب هو أن علماء الإمامية رضي الله عنهم أطبقت كلمتهم على كفر محاربي سيّدالشهداء وجواز لعنهم وسبهم ، وتشهد بذلك أخبار العامة على هذا المدعى بين مصرّحة ،وملوّحة، وسوف ينقل هذا القليل البضاعة بعون الله جلّ ذكره في تضاعيف هذا الشرح طائفة من أخبار الفريقين حول هذه المعاني مفرقة خلال الشرح والإكثار منها في هذا الموضع ينافي شرطنا في الاختصار، والله الموفّق وهو الهادي.

ص: 41

بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيُّكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَالنَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوّ لِمَنْ عاداكُمْ ...

الشرح : لما كان الاعتقاد بإمامة أهل البيت علیهم السلام من أهم أصول الدين ، وقوام هذا الأصل بركنين أساسيين : الأول : التولّي ، والثاني : التبري ، كما هي الحال في طبّ الأبدان فإنّ صحة المرء منوطة بالتنقية وهي دفع الأخلاط العفنة والمواد الفاسدة، والتقوية وهي حفظ القوى الأصلية وإعانة الأرواح على تناول الأعمال، وكذلك الحال في طبّ النفوس فإنّ الكمال النفساني أيضاً مشروطة بالتخلية، ومعناها : إزالة الملكات الرذيلة والأخلاق الرديئة، والتحلية ومعناها جلب الملكات العادلة والأخلاق الفاضلة .

إذن ، يكون الطب الإيماني أيضاً بحاجة إلى هذين الركنين ؛ لأن التبري ومعناه البرائة من أعداء أهل البيت يجعل بأزاء التنقية والتخلية. والتولي ومعناه المحبة والودّ لهذا البيت العظيم ، تجعل في قبال التقوية والتحلية المذكورين آنفاً. وبما أنّ الغاية من هذه الزيارة هي إظهار المشايعة والمتابعة الواقعية لأهل البيت علیهم السلام ، وكان قوام ذلك بهذين الركنين السالفين ، لهذا عبّر عنهما بهذه الزيارة الشريفة بأساليب مختلفة ووجوه متعدّدة :

فأحياناً يأتي ذلك ضمناً في لعن أعدائهم على سبيل الاستطراد والاستتباع كأنّما الغليان النفسي والشوق الباطني يثور بذكر مساوئ الأعداء، ويهيج الإخلاص لهم، وانسياقاً وراء مقتضيات المحبّة الجبلية لهذه الثلة المباركة

ص: 42

والعداوة الفطريّة «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» (1)لتلك القبيلة المعادية يظهر المرء البرائة والتألم منها .

وأحياناً تختص الحال بسيد الشهداء فيجعل المؤمن تولّي أوليائه والتبرّي من أعدائه رأس مال القرب وواسطة التقدّم بين يدي الواحد الأحد جل مجده، وسيد الرسل صلی الله علیخه و آله وسلم وسيّد الأولياء وسيدة النساء والإمام المجتبى علیهم السلام الذين هم أقرب الخلق إلى الله وأحبّ الناس إلى سيّد الشهداء «وأتقرب إلى الله وإلى رسوله» ويتمّ قرائة الفقرة السابقة، وبعد أن يجعل ذلك وسيلة للتقرّب وواسطة للتقدّم يعود فينشأ البرائة الفعليه تأكيداً للبرائة وتقوية للمطلوب ويقول: «برئت إلى الله» .

وأحياناً يعم بخطابه جميع أهل البيت فيتقرب إلى الله بإظهار البرائة من أعدائهم ، والولاية لهم ولشيعتهم فيقول: «وأتقرب إلى الله وإليكم ..... وأحياناً بعبارة أخرى على سبيل الفذلكة وجني النتيجة يقول : «إني سلم لمن سالمكم» إلى آخره.

ومحصل القول هو : من كان معكم فأنا معه ، ومن كان عيكم فأنا عليه ، ليس لي سواكم في الدنيا والآخرة ، أنت لي فحسب، وأنتم سبيل سعادتي ووسيلة نجاتي وقربي.

نگسلد رشته امید گران باری جرم***زمره ای را که شما حبل متینید همه

سیزده تن زشما چاشنی از یکتن یافت***زان نمکدان حقیقت نمیکنید همه

ومع أن الأحاديث الواردة في فضل أولياء آل محمد ومثالب أعدائهم أكثر من أن يمكن حصرها في مكان واحد أو درجها في سفر واحد ، فإننا نكتفي هنا بذكر حديث واحد محكياً عن تفسير الثعلبي مسنداً ومذكور في كتاب الكشاف وتفسير

الرازي الكبير مرسلاً ليكون حجّة على الخصم ، والحديث كما يلي :

ص: 43


1- الروم : 30 .

روی صاحب كتاب ينابيع المودة عن كتاب فصل الخطاب للخواجه محمّد پارساي البخاري النقشبندي وهو من أجلاء عرفاء العامة ومحدّثيهم وعلمائهم أنه قال : روى الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره عن الإمام محمد بن أسلم الطوسي، عن يعلى بن بعيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : من مات على حب آل محمّد مات شهيداً .

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له .

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً .

ألا ومن مات على حب آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان.

ألا ومن مات على حب آل محمّد بشره ملك الموت ثمّ منكر ونكير.

ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة .

ألا ومن مات على حب آل محمّد مات على السنة والجماعة. ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله .

ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً.

ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة (1)(2)الطوسي ، النهاية : 112 . (المترجم) (3)الحديث مترجم. (المترجم) نور الأنوار للمرندي : 272 . (هامش الأصل) (4) نور الأنوار : 272 (هامش الأصل) السرائر 3: 639 ، الصوارم المهرقة : 248 ، بحار الأنوار 27 : 58 ح 17. (المترجم) (5) نور الأنوار : 272 . (هامش الأصل) السرائر 3: 640 ، بحار الأنوار 27 : 58 ح 18 . (المترجم) (6) نور الأنوار : 272 . (هامش الأصل) السرائر 3: 640 ، بحار الأنوار 27: 58 ح 19 . (المترجم) (7)علل الشرايع 1 : 134 ، عيون أخبار الرضا 1: 291 ، أمالي الصدوق : 8، بحار الأنوار 66: 236 . (هامش الأصل) الأربعون حديثاً للشهيد الأول: 65 - 66 الحديث الثامن والعشرون، رسالة في العدالة للشهيد الثاني : 267 ، وسائل الشيعة 16 : 178 ط آل البيت ، بحار الأنوار 27 : 54 ح 8 (المترجم) (8)رجال الكشي : 344 و 391 (هامش الأصل) وص 528 (المترجم) (9) بحار الأنوار 18 : 7 (المترجم) 207:8ط کمپاني (هامش الأصل) (10) تفسير الإمام العسكري : 354 . (المترجم) (11)البرهان، تفسير سورة البقرة ذيل الآية .86 (هامش الأصل) الجلد الأوّل ص 267 السطر 17 (المترجم) (12) بحار الأنوار 27 : 223 ح 11 عن التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري . (هامش الأصل) تفسير الإمام العسكري الله : 47 ح 21 . (المترجم) (13) بحار الأنوار 316:50 و 317 (المترجم) وص 317(هامش الأصل) (14) البقرة : 256 . (15) زهر الربيع 2 : 258ط الإسلامية - طهران. (هامش الأصل) زهر الربيع : 291 - 292 ط النجف الأشرف . (المترجم) (16)زهر الربيع 2 : 190 ط النجف الأشرف . (هامش الأصل) مُترجم. (المترجم) (17) شعشعة الحسيني ، أمارة الولاية تأليف زند كرماني ، مطبوع ، ص 51، وفور الأثر تأليف الشيخ محمد رضا الثامني الشيرازي ، مطبوع ، ص 91. (هامش الأصل) مُتَرْجَمْ. (المترجم) (18) شجرة طوبى ، الورقة 180 (هامش الأصل) (19)

ص: 44


1- ينابيع المودة : 399ط اسلامبول . ورواه جمع غفير من علماء العامة، ذكر ذلك في إحقاق الحق 9: 489 مفصلاً (هامش الأصل)
2- بعد ذكر الحديث شرع المؤلّف في ترجمته ملخصاً فعلّق عليه المحقق فقال : البرائة والنقمة على أعداء الدين عدت واحدة من أصول الدين. واعتبرت ذات أجر وثواب كثير ، والآن نذكر بعضاً من أقوال أساطين الدين وندرج بعض الروايات التي عثرنا عليها في الموضوع : 1 - قال الشيخ الطوسي في النهاية : ولا تصل خلف الناصب ولا خلف من يتولى أمير المؤمنين إذا لم يتبرأ من عدوّه إلا في حال التقيّة
3- . 2 - قال رسول الله : أقسم بالله الذي أرسلني بالنبوة واختارني على الخلق كافة أن جبرئيل أخبرني لو أنّ عبداً عبد الله ألف سنة ولم يتولك والائمّة من نسلك ولم يتبرأ من عدوهم فإن الله لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً؛ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر - أو كما قال -.
4- 3 - الصفواني [في أنس العالم] : إنّ رجلاً قدم على أمير المؤمنين فقال له : يا أمير المؤمنين ، أنا أحبك وأحبَ فلاناً - وسمّى بعض أعدائه - فقال : أما الآن فأنت أعور ، فإما أن تعمى وإما أن تبصر .
5- يقول الشاعر : ای که گوئی هم علی و هم رمع***اعوری از نور ظلمت بهره ور یابیاپروانه این نور شو***یا برو خفاش باش و کورشو تحبّ عليّاً وأعدائه***فأنت بمنزلة الأعور فإما ترى نوره كله***وإما كمهت فلم تبصر 4 - قيل للصادق : إن فلاناً يواليكم إلا أنه يضعف عن البرائة من عدوّكم . قال : هيهات ، كذب من ادعى محبتنا ولم يتبرأ من عدونا .
6- 5 - روي عن الرضا إنه قال : كمال الدين ولايتنا والبرائة من عدوّنا
7- . 6 - عن أبي محمد العسكري عن آبائه قال : قال رسول الله لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبدالله أحب في الله وابغض في الله ، ووال في الله وعاد في الله ، فإنّه لا تُنال ولاية الله إلا بذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا عليها يتوادّون وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً . فقال له : وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله عز وجل ؟ ومن ولي الله عزّ وجلّ حتى أواليه ؟ ومن عدوّه حتّى أعاديه ؟ فأشار رسول الله إلى علي فقال له : أترى هذا ؟ فقال : بلى ، قال : ولي هذا ولي الله فواله ، وعدوّ هذا عدو الله فعاده ، قال : وال وليّ هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك ، وعاد عدوّ هذا ولو أنه أبوك أو ولدك
8- . أهمية اللعن وذم تاركه 1 - قال رسول الله : من تألّم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله
9- . 2 - عن أبي حمزة الثمالي قال : قلت لعلي بن الحسين : أسألك عن شي أنفي عنّي به ما قد خامر الامين نفسي . قال : ذلك لك . قلت : أسألك عن الأول والثاني ، فقال : عليهما لعائن الله كلاهما ، مضيا والله كافرين مشركين بالله العظيم .
10- - قال رسول الله : قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذريتي وأطائب أرومتي ، ويبدلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى ، ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهدياً من ولد الحسين المظلوم، يحرفهم [بسيوف أوليائه] إلى نار جهنم
11- . ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبّيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقيّة تسكتهم ، ألا وصلى الله على الباكين على الحسين بن علي رحمة، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً .
12- 4 - عن الإمام الصادق عن آبائه عن رسول الله صلوات الله عليهم أنه قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت فلعن في خلواته أعداءنا بلّغ الله صوته جميع الأملاك من الثرى إلى العرش ، فكلما لعن هذا الرجل أعداء نا لعناً ساعدوه ولعنوا من يلعنه ثمّ ثنوا فقالوا : اللهمّ صلّ على عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه ، ولو قدر على أكثر منه لفعل ، فإذا النداء من قبل الله عزّ وجلّ : قد أجبت دعاءكم وسمعت نداءكم وصليت على روحه في الأرواح ، وجعلته عندي من المصطفين الأخيار
13- . ه - قال علي بن عاصم للإمام العسكري : إني عاجز عن نصرتكم بيدي وليس أملك غير موالاتكم والبرائة من أعداءكم واللعن لهم في خلواتي ، فكيف حالي يا سيدي ؟ فقال : حدثني أبي عن جدي رسول الله قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت ولعن في خلواته أعدائنا ، بلغ الله صوته إلى جميع الملائكة، فكلما لعن أحدكم أعداء نا ساعدته الملائكة ولعنوا من لا يلعنهم ، فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له وأثنوا عليه، وقالوا : اللهم صلّ على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل، فإذا النداء من قبل الله تعالى يقول : يا ملائكتي ، إني قد أجبت دعائكم في عبدي هذا وسمعت نداءكم وصليت على روحه مع أرواح الأبرار وجعلته من المصطفين الأخيار
14- . تفوق التولي على التبري أو تقدم اللعن على الصلوات كثير من علماء الإسلام يرون تقديم التبري على التولي ، وأقاموا الدليل على ذلك ، وكتب بعضهم الرسائل المستقلة حول الموضون ، منها «أمارة الولاية» تأليف زند الكرماني مطبوع ، ورسالة «فضل اللعن على الصلاة» وهذه الرسالة مثبتة برقم 2842 في مكتبة «ملك» بطهران وإليك بعضاً من الدلائل والشواهد حول الموضوع : 1 - يظهر فضل التبرّي في كلمة الإخلاص الشريفة «لا إله إلا الله» والآية الشريفة : «فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى»
15- واللعن مائة مره في زيارة عاشوراء على التولي وهو الإقرار بالربوبية والإيمان بالله وذكر السلام، ومن هنا يُعرف أهمية التبري. نقل السيد الجزائري : وُصف للملك ركن الدولة بن بويه الديلمي ، الشيخ الأجل محمد بن بابويه ، و مجالسه وأحاديثه ، فأرسل إليه على وجه الكرامة ، فلما حضر قال له : أيها الشيخ ، قد اختلف الحاضرون في القوم الذين يطعن عليهم الشيعة، فقال بعضهم : يجب الطعن، وقال بعضهم لا يجوز ، فما عندك في هذا ؟ فقال الشيخ : أيها الملك ، إن الله لم يقبل من عباده الإقرار بتوحيده حتّى يفنوا كلّ إله وكلّ صنم عُبِدَ من دونه ، ألا ترى أنه أمرهم أن يقولوا : «لا إله إلا الله» ف_«لا إله» غيره وهو نفي كلّ إله عُبد دون الله و«إِلَّا الله» إثبات الله عزّ وجلّ، وهكذا لم يقبل الإقرار من عباده بنبوة محمد حتى نفوا كل من كان مثل مسليمة وسجاح والأسود العبسي وأشباههم، وهكذا لا يقبل القول بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلا بعد نفي كلّ ضدّ انتصب للأمة دونه . فقال الملك : هذا هو الحق .
16- 2 - في التولي - مثل الصلاة على النبي وآله - سرور الموالي والآل، وفي التبري مثل اللعن على العدو سرور الموالين وكبت المعادين وتعذيبهم وإذلالهم.
17- 3 - الموارد التي جاء اللعن فيها في القرآن الكريم كثيرة تبلغ أعدادها العشرات [ حدود 100 آية ] ولكن موارد الصلوات لا تتجاوز أصابع اليد منها تظهر أهميه اللعن. 4 - للمحبة والتولي مراتب : 1 - المحبة اللسانية . 2 - المحبة القلبية . 3 - المحبة القلبية إلى درجة نصرة المحبوب والدفاع عنه، والتنفّر من عدوّه، ولكلّ واحدة منها درجات. فالمحبة التي تجاوزت مرحلتها الأولى وبلغت إلى مستوى الدفاع والتبري واعتبرت حبيبها العقل الخالص ومنشأكل خير واعتبرت الخصم والعدوّ جهلاً محضاً ومنشأكل شر ، كما جاء في الحديث: «ذكركم ذكر الله «وذكر عدوّكم ذكر الشيطان» ، «إن ذكر الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه» هي خيرها . ولمّا كان التولّي لا يكشف عن أية مرتبة من المراتب المتقدّمة وكان التنفّر والتبرّي من العدو يحكي عن آخر درجات الحب يمكن أن يظهر أن التبرّي من التولّي أعلى وأعلى. جاء خياط بقميصين إلى الإمام الصادق وقال : واحدة كنت ألعن عدوّكم وأنا أخيطها ، والثانية أصلّي عليكم، فأيّها تختار ؟ فاختار الإمام القميص الذي خاطه وهو يلعن ، وقال : هذه أحب إلي
18- . قال الشاعر : چندی به سفر بودم و چندی به حضر***دیدم بسی زاهل دانش و هنر معلوم شده ز صحبت اهل بصر***ذکری نبود نکوتر از لعن عمر أنا امرئ قطعت عمري بالسفر***صحبت من صحبت من أهل النظر فلم أجد أشهى إلى أهل البصر***أوقع في القلوب من لعن عمر هر کس که گوید تبری ضرر است***آن را نه زدین و زایمان خبر است فرزند علی اگر تبّری نکند***فرزند علی نیست زنسل عمر است
19- من قال عن بغض ذوي النصب لِمَه ؟***ليس له في عالم الدين سمه وليس ينمي لعلي المرتضى***وإنما ينمي إلى ابن حنتمه

ص: 45

ص: 46

ص: 47

ص: 48

من هذا الخبر الشريف يظهر لأهل الانصاف ؟؟؟ والحمد الله على وضوح الحجّة وظهور الكلمة وجريان الحق على لسان الأعداء.

ص: 49

فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ، وَرَزَقَنِي الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ...

الشرح : لمعرفة الأئمة علیهم السلام المراتب :

المرتبة الأولى : الإحاطة بمقامهم كما هو حقه ، وهذه المرتبة ليست في حيّز أفهامنا .

جمله ادراکات از خرهای لنگ***او سوار بادپایان چون خدنگ

والحديث الشريف: «من عرفنا فقد عرف الله» يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى(1)علل الشرايع بالإسناد عن سلمة بن عطا عن أبي عبد الله... بحار الأنوار 23 : 83 الرقم 22 ، كنز الكراجكي : 151 وبحار الأنوار 23: 93 الرقم 40 ، وراجع تفسيره في البحار في الموضعين . (2) الاحتجاج : 121 عن أمير المؤمنين، بحار الأنوار 24 : 14 «لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتكم»، بصائر الدرجات : 52 ، بحار الأنوار 24: 251 الرقم 8. (3)بحار الأنوار 26 : 1 و 6 ، راجع أيضاً : مشارق أنوار اليقين : 160 . (4)بصائر الدرجات : 30 ، بحار الأنوار 106:26 ح 5 و 107:26 ح 10 . (5) مناقب ابن شهر آشوب 2 : 27 في مراكب أمير المؤمنين ومراقيه في الآخرة (6) الأعراف: 172 . (7) كشف الغمّة عن الدلائل للحميري ، إثبات الهداة 3: 426 . (8) مناقب ابن شهر آشوب 2: 432 في إمامة جواد الأئمة (9) والحديث المعروف الذي رواه الشيخ الصدوق عليه الرحمة أنّ

ص: 50


1- قال له [أي للحسين] رجل : يابن رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، فما معرفة الله ؟ قال : معرفة أهل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته
2- «ونحن الأعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا»
3- . «یا سلمان و یا جندب ، قالا : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : معرفتي بالنورانية معرفة الله عز وجل، ومعرفة الله معرفتي بالنورانية ... أوّلنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد، وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا، ونحن إذا شئنا شاء الله ، وإذا كر هنا كره الله
4- . سدير عن أبي جعفر ، سمعته يقول : نحن خزان الله في الدنيا والآخرة، وشيعتنا خزاننا، ولولانا ما عُرف الله .
5- الإمام الصادق : الأوصياء من آل محمد الاثني عشر (كذا) لا يعرف الله إلا من عرفهم.
6- أبو هاشم قال : كنت عند أبي محمد فسأله محمد بن صالح عن قول الله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»
7- ثم ذكر الجواب، إلى أن قال أبو هاشم : فجعلت أتعجب في نفسي من عظم ما أعطى الله وليه وجزيل ما حمله ، فأقبل إلي أبو محمد فقال : الأمر أعجب مما عجبت منه يا أبا هاشم ما ظنك بقوم من عرفهم فقد عرف الله ، ومن أنكرهم أنكره الله
8- . فصاح [الإمام محمد التقي الجواد ] بي : يا عسكر ، تشكون فننبئكم ، وتضعفون فنقويكم، والله لا وصل إلى حقيقة معرفتنا إلا من من الله عليه وارتضاه لنا ولياً
9- . (1) قال النبي يا علي ، ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك، وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري . [ابن شهر آشوب 51:2 في المفردات من مناقبه ، بحار الأنوار 39: 84ط طهران] (2) قال أمير المؤمنين في كلام له مع سلمان وأبي ذر : يا سلمان ويا جندب ... لأننا كلنا واحد، أوّلنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا . [بحار الأنوار 26: 7، وتقدم ما يدل على ذلك وتأتي في أحاديث أخرى - أيضاً - ذيل فقرة «أسأله أن يبلغني المقام المحمود الذي لكم عند الله»]

النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : يا علي ، ما عرف الله إلا أنا وأنت، ولا عرفني إلا الله وأنت، ولا عرفك إلا الله وأنا ...(1). بناءاً على ثبوت أحكام أمير المؤمنين للأئمة من ولده أن يكون شاهد صدق على المدعى ؛ لأنّهم شركاء في الخصائص والأحكام والصفات كما ورد في الأخبار (2) .

المرتبة الثانية : الاطلاع على أسرارهم ،وسرائرهم، والوقوف على بواطنهم وضمائرهم إلى المثوى الذي لا يخرج عن الإطار البشري، ولهذا أيضاً مراتب وهو مقول على التشكيك ، ودرجة الخصيصين من الشيعة والصدّيقين والأولياء،

ص: 51

ويظهر من أخبار أهل البيت أن سلمان الفارسي وأبا حمزة الثمالي ويونس بن عبدالرحمن مولى آل يقطين وجماعة آخرين وصل كلّ واحد منهم إلى مرتبة من مراتب هذا المقام. ويستفاد من مجموع الأخبار أنه ليس في الصحابة أفضل من سلمان ، وهذا الحكم لا يجري في أهل البيت لأن سلمان وإن كان منهم إلّا أنّه مُنَزَّل إلى ذلك تنزيلاً، وهو من المحقق من الطائفة أي من أهل التشيع .

المرتبة الثالثة : الاطلاع على مراتب كمالاتهم ومدارج مقاماتهم العالية كما يظهر ذلك من أخبار أهل البيت وآثارهم الشريفة من العلم والحلم والتقوى والشجاعة والسماحة، واحتياج جميع الخلق في جميع أمورهم إليهم.. وكونهم وسطاء لجميع الفيوض الإلهيّة والمواهب الربانية ، ولهم الإمامة على ما في الوجود جميعاً، وهذه المرتبة هي مقام العلماء والفقهاء والمؤمنين والحكماء والعرفاء ومن اقتبس من مشكاة أنوارهم أو اغترف من بحر فضائلهم المحيط أكثر يكون أرسخ قدماً في هذه المرحلة وأرفع درجة فيها.

المرتبة الرابعة : الاعتراف بإمامتهم ومالهم من الكمالات إجمالاً وهذه حظ العوام من الناس.

وهذه المراتب جميعاً تتفاوت على نحو التشكيك فتكون عند بعض أجلا وأكمل منها عند البعض الآخر ، ويرجع إلى اختلاف الاستعداد عند الأصحاب. لمؤلّفه :

واختلاف الهيولات دليل***لاختلاف الحظوظ والأنصباء (1)

وتجري المراتب الثلاثة بل الأربعة في معرفة أوليائها على حسب مراتبهم أيضاً. والمعية على ثلاثة أقسام ...

المعيّة القيوميّة وهي عبارة عن الإحاطة بوجود الشيء بالحيثية التي يستحيل

ص: 52


1- والبيت مضطرب وزناً ومعنى (المترجم) ديوان المؤلف : 12 .

معها الانفكاك ، ومعنى ذلك أنّ المقيم لو سلب علاقة الإقامة منه ينعدم من الوجود، وهذه المعيّة هي معيّة الله مع خلقه . «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ»(1). قال النظامي ونعم ما قال:

زیر نشینی عَلَمت کائنات***ما به تو قایم چه تو قائم بذات

الثاني : معيّة المصاحبة وهي عبارة عن انضمام شيء لشيء بحسب الجسمانية کانضمام شخصين لبعضهما البعض أو خطين أحدهما إلى الآخر.

الثالث : المعيّة الروحانية وهي التماثل في الأخلاق والأطوار والتشابه في السلوك والأفعال، وهذه المعية عموماً نادرة جداً وهي قليلة الاتفاق .

وما يطلبه السائل من الله تعالى هو المعيّة الروحانية مع أهل بيت النبوة في الدنيا والآخرة، وهذا المعنى لا يتحقق إلا إذا تدرّجت النفس في مراقي الكمالات وأماطت عنها رداء الرذائل وجلت صدأ الشقاوة بصيقل العلم والعمل من مرآة القلب لكي تنعكس هذه الأنوار المقدّسة بحسب مرتبتها وتتلألأ ظلالها في ذاتها . وحينئذ تبلغ درجة المعيّة حتماً ويقيناً. فتبين من هذا أن روح المعيّة هي المعيّة الأولى وهي لا تتم إذا فقدت السنخية .

ولمّا كان مقدّمة هذا العمل تولّي الذوات القدسيّة والأنوار الإلهيّة بحقيقة الولاية وتمام المتابعة، ويناسب ترائي هذه الدرجة معرفة الله بحق وذكره من خلال هذه المعرفة، لأنّ ذلك ذاتاً وسيلة عظمى لنيل هذا المقام وصفة جمالية يوجب ذكرها تحريك سلسلة الإجابات، فيسأل الله نيل هذا المقام .

وبناءاً على هذه الملاحظة استعملت فاء التفريع بعد البرائة وأثبت الله تعالى صفة الإكرام بمعرفتهم .. «وأكرمنى بمعرفتكم» لكي تكون موجبة لجلب أمثال هذا الشرف وإعطاء أمثال هذه الكرامة ، والله أعلم .

ص: 53


1- الحديد : 4 .

وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَ كُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ...

الشرح : جاء معنى القدم في كتب اللغة على معان عدّة منها قدم الرجل وهو أشهر معانيها ، والآخر الفضل والسابقة كما حكوا ذلك عن الواحدي في «البسيط» واستشهد بهذا البيت لغيلان ذي الرمة أنّه قال :

وأنت امرئ من ذؤابة (كذا)(1)*** لهم قدم معروفة ومفاخر

والمعنى التالي نقل عن أحمد بن يحيى : القدم ما قدمت من خير .

والمعنى التالي نقل عن ابن الأنباري : القدم عبارة عن العمل الذي يطلب به التقدّم بلا تأخير أو إبطاء .

وقال الفخر الرازي: واستعمال القدم في هذه المعنى لأنها لا يتم السبق والسعي إلا بها ، ولمّا كانت السبب في وجودها سميت بها ، كما يقال للنعمة يد، وهذا الوجه لا يتم إلا فى المعنى السابق ، والمعنيان الآخران مأخوذان من التقدم.

ويمكن أن يقال في القدم أيضاً بأنّها مأخوذة منه ، لأنّها سبب للتقدم. وعبارة الفخر الرازي مأخوذة من الكشاف وهي منحصرة في المعنى السابق، ونشأ هذا الإشكال من التصحيف والإبدال.

وفي الآية الكريمة : «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ» (2)ذكر المفسرون لها احتمالات عدّة:

الأوّل: المراد بالقدم الأعمال الصالحة، وهذا يرجع إلى المعنى الذي ذكره أحمد بن يحيى .

ص: 54


1- «وأنت امرؤ من أهل بيت ذؤابة» وبعده العجز من قصيدة يمدح بها بلال بن أبي بردة لعنه الله . ديوانه 2 : 1011 ط بيروت مؤسسة الإيمان، شرح أبي نصر الباهلي، الثانية 1402. (المترجم)
2- يونس : 2 .

الثاني : معناها الثواب.

الثالث: شفاعة النبي، ونسب هذا الوجه في التفسير الكبير إلى ابن الأنباري وقال: استشهد بهذا البيت:

صل لذي العرش واتخذ قدماً***ينجيك يوم العشار والزلل (كذا) (1)

ومعلوم أنّ هذا الشعر شاهد على المعنى الأوّل ولا يدلّ على إرادة الشفاعة بوجه من الوجوه، ولعله خطأ من الناسخ وإن كان بعيداً إلى حد ما، والله أعلم.

وفسّر بعضهم القدم بالمقام، والظاهر أنّ ذلك بعلاقة القيام الذي لا يتحقق إلا بالقدم .

وفي تفسير حقائق التأويل، فسّر القدم تارة بالسابقة العظيمة حسب العناية الإلهيّة وتارة بمقام القرب الحاصل من التخصيص والتشريف الأزلي بحسب الاجتباء الرباني ، وكلا المعنيين يناسب ما ورد في أخبار أهل البيت علیهم السلام فإنّها فسّرته أحياناً بالشفاعة وأحياناً بالولاية وأحياناً بالوجود النبوي المقدّس ؛ ومرجعها واحد فإنّ المقصود من مقام النبي صلی الله علیه و آله وسلم هو مقام الشفاعة، والشفاعة لا تحصل إلا بحصول الولاية، ولا تلائم هذه المعاني بأجمعها معنى فقرة الزيارة هذه إلا معنى الولاية وهو غاية في البعد.

وأحسن الوجوه طبقاً لقوانين العربية في الآية الكريمة وفي فقرة الزيارة أن يكون لفظ «قدم صدق» مثل يد الشمال وهي استعارة ترشيحيّة والمعنى: أن تثبت قدمي اليمنى عندكم وهي كناية في أن يكون الداعى بصدق الإرادة والعقيدة الحقة معهم في الدنيا والآخرة .. ولا تصدر عنه في النشأتين خيانة أو كذب .

ومن هنا يعلم أن ما ذكره الكشاف ومن تابعه مثل الرازي والبيضاوي

ص: 55


1- وينبغي أن يكون «العثار». (المترجم)

والنيشابوري وغيرهم من أنّ إضافة قدم إلى الصدق للتأكيد ويكون محصل معناه لهم قدم صدقاً مثلاً لا وجه له ، وهو بعيد عن الذوق السليم، ولما كانت نتيجة قدم الصدق على النحو الذي قلناه هو نيل الشفاعة في الآخرة فإنّها جائت في أخبار آل الرسول مرويّة عن الكافي وتفسير عليّ بن إبراهيم وتفسير العياشي وغيرها من الوجوه المذكورة فإنّها ترجع إلى الشفاعة كما بيّناه .

ص: 56

وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقامَ الْمَحْمُودَ الَّذي لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ...

الشرح : التبليغ ، تفعيل من البلاغ، ويتعدّى إلى مفعولين، وورد في الأدعية الكريمة تارة بلّغ بي وبنيتي ، وبلغ بهم ، والباء هنا زائدة للتأكيد وهذا شاهد مذهب الأخفش من جواز إقحام الباء في الإيجاب.

المقام مرّ معناه بحسب اللغة (1)وفي اصطلاح العارفين كل كمال ينال السالك فإن زال سمّي حالاً، وإن ثبت سمّي مقاماً . إذن ، فالمقام في مراتب القلوب بمثابة الملكة في صفات النفوس، واستعمال المقام في هذا المقام يناسب هذا المعنى .

الحمد : معناه بالفارسيّة «ستايش كردن» واختلفوا في التفريق بين معاني الحمد والشكر والمدح ، وغالباً تكون ديباجات كتب العلماء مشحونة منه إلى الحد الذي يدرك الأذكياء الملل من مطالعته وتأمله، فالأولى أن لا نعرض له وندخل إلى تفسير المقام المحمود .

ادّعى في مجمع البيان إجماع المفسرين على أن المراد من المقام المحمود في الآية الكريمة: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةٌ لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً محموداً» (2)هو

مقام الشفاعة(3) وهذا المعنى وإن كانت الأخبار الصحيحة تقتضيه في الآية الكريمة وفي المقام التقريبي الذي ستسمعه ولكن إجماع المفسرين ليس حجّة بوجه من الوجوه ؛ لأنّ مرجع المفسرين إلى مثل الكلبي والسدي والحسن وعطاء وقتادة ومجاهد وهم الطبقة الأولى من المفسرين، وتفسير هؤلاء يأتي أحياناً بحسب الذوق الذي اكتسبوه لطول المران وبعضهم يفسّر القرآن تمشّياً وراء

ص: 57


1- في شرح فقرة «ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم ....» (هامش الأصل)
2- الإسراء : 79 .
3- وقد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة مجمع البيان 6 : 284 . (المترجم)

الأهواء النفسانية والتسويلات الشيطانية ، وجماعة منهم بادعاء السماع من مشايخ التفسير مثل ابن عباس وابن مسعود وعكرمة وغيرهم، وبناءاً على أصول الإمامية المتبعة ليس قول أحد من هؤلاء حجّة ، وإن كان ابن عباس رضي الله عنهما مضافاً إلى عدم ثبوت وسائط السند وفي حال النقل لا تتوفر شروط القبول في أي واحد منهم ، بل المتبع إما من ظاهر اللفظ المستأنس من اللغة والمتمرن بفهم معانيها يجد ذلك كما كانت عليه طريقة علماء الفريقين خلفاً عن سلف ثابتة على استفادة المطالب الرشيقة والمعاني الدقيقة من آيات القرآن فلم تجمد القرائح ولم تتوقف الأفهام لأنّ الحسن أو قتادة نطق أو رأى كذا.

وإمّا أن يجد ذلك عند أهل البيت الذين نزل القرآن في بيوتهم ، وهم المخاطبون به ، ووصل تفسيره عنهم بطرق معتمدة ، بل يرجع في المحكمات إلى الأوّ(1)فإن كان موافقاً للظاهر فنعم الاتفاق وإلا فمحمول على التأويل المخزون وإظهار بعض البطون. نعم، في المتشابهات التي لا تستنبط من الظواهر ينحصر المرجع إلى الأخبار، وإذا ما استشهد أحياناً بقول المفسرين فلا يخلو إما لتأييد الفهم المدعى وإما لإلزام الخصم وإلا فلا حجّة بقول الحسن ونظائره بحال من الأحوال. ويناسبه ما في الاحتجاج عن عبدالله بن سليمان قال : كنت عند أبي جعفر علیه السلام فقال له رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى : إنّ الحسن البصري يزعم أنّ الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم من يدخل النار ! فقال أبو جعفر علیه السلام : فهلك إذن مؤمن آل فرعون والله مدحه بذلك ، وما زال العلم مكتوماً منذ بعث الله رسوله نوحاً ، فليذهب الحسن يميناً وشمالاً فوالله ما يوجد العلم إلا هاهنا ، صدق ولي الله عن رسول الله عن الله(2).

ص: 58


1- أي ظاهر اللفظ المستأنس باللغة ... الخ . (المترجم)
2- الاحتجاج 2 : 68 ط دار النعمان .

و مجمل القول أنّ هذا الحديث وإن ذكر استطراداً إلا أننا أوردناه لتذكرة بعض المعاصرين الذين يرون أنّ الاقتصار على أقوال المفسرين وخيالاتهم لابد منه،

ولا يستحسن تخطّيها، وهذا تحيل طريق واشتباه عجيب ظاهر البطلان جداً.

والخلاصة أن ظاهر لفظ «المقام المحمود» هو تلك الدرجة من الكلام المستوجبة لحمد كلّ أحد من جميع الجهات، وهو نتيجة لقرب النبي من قيامه بالنوافل، ويمكن أن يراد فيه المقام المحمود بالحذف والإيصال أي المقام الذي يقع فيه الحمد كما يدلّ عليه ما جاء في توحيد الصدوق عن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام(حديث طويل يقول فيه علیه السلام) وقد ذكر أهل المحشر ثمّ يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلی الله علیه و آله وسلم وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه عليه أحد قبله ، ثمّ يثني على كلّ مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصدّيقين والشهداء ثم بالصالحين فتحمده أهل السماوات وأهل الأرض، فلذلك قول الله عزّ وجلّ : «عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً» (1)فطوبى لمن كان في ذلك اليوم له حظّ ونصيب ، وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم حظ ونصيب .(2)

وفي هذه الرواية إشعار على أن المقام الحمود مقام يقع فيه حمد الخلق له، ويمكن بشيء من التأمل إرجاعه إلى الوجه الأوّل ؛ لأن الحديث فرع الحمد على حسن ثناء النبي على ربّه وبلاغ الثناء وكمال الحمد بالمعرفة التامة وشدّة القرب ووفور العلم، ولما امتاز عن الأنبياء وسائر المخلوقات بحسن الثناء بلغ درجة الكمال التي استوجب بها حمد الخلق أجمعين لاسيما حين جعل الفيض الخاص والرحمة المخصوصة قسمة بين أتباعه من أهل الإيمان فقد صار سبباً لشكر قوم

ص: 59


1- الإسراء : 79 .
2- توحيد الصدوق، تفسير نور الثقلين 3: 205 الرقم 390. (هامش الأصل) التوحيد : 261. (المترجم)

و موجباً لحسرة آخرين، وصار علة لظهور مقاماته في عرصة الحشر والعرض الأكبر ، فقد أثنى عليه الوجود وعموم الموجود طوعاً وكرهراً، وحمدوه كافة وصلوا من أجل جلالته .

وكلهم من رسول الله ملتمس***غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم

والتفسير بالشفاعة في الأخبار من هذه الجهة أيضاً وهي واحدة من مصاديق المقام المحمود وإن كان في عبارة زيارة الجامعة يظهر التعدّد في المقام المحمود

والشفاعة : «ولكم المودّة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود والمكان المعلوم عند الله عزّ وجلّ والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة».

ويظهر من هذه العبارة الفرق بين المقام المحمود والشفاعة وإلا لما تعدّدا إلا أن نقول : إن الكمال اعتبر في المقام المحمود فكانت الشفاعة داخلة ضمنه . وثانياً إنّما ذكرت الشفاعة وأفردت عن المقام المحمود لاختصاصها بمزيد التشريف، لاسيما مع التصريح باتصافها بالقبول فإنّها تولد لذة أخرى في الأسماع، وطرباً جديداً في قلوب المحتاجين .

وجملة القول : إنّ ظاهر فقرة الزيارة وهذه الزيارة الجامعة مشاركة الأئمة للنبي صلی الله علیه و آله وسلم في المقام المحمود أيّاً كان معناه وعمومات الأخبار المعتمدة دالة على مشابهة الأئمّة لذلك الجناب في جميع الفضائل . نعم، الفرق المتصوّر في عالم الفرق من حيث أنّ حقيقة الكمال والذات الفاضلة من مقولات التشكيك كان هذا

الاختلاف متصوّراً والواقع أن درجة الإصالة والوساطة محفوظة لمقام النبوة.

في الكافي وساق السند إلى صادق آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : ما جاء به على آخذ به، وما نهى عنه أنتهي عنه ، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم،

ص: 60

ولمحمّد الفضل على جميع الخلق - إلى أن قال : - وكذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد .(1)

وفي الكافي أيضاً بسند آخر ومتن قريب من هذا المتن يقول بعد التسوية بين النبي والوصي وبذلك جرت الأئمة واحداً بعد واحد .(2)

وفي كلا الخبرين يقول أمير المؤمنين علیه السلام : وأقرّ لي جميع الملائكة والروح والرسل بما أقروا به لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم .

وأيضاً في خبر آخر بعد تعميم التسوية وجرى للأئمة واحداً بعد واحد - إلى أن قال : - يجري لآخرهم من الله مثل الذي جرى لأوّلهم، ولا يصل أحد إلى ذلك إلا بعون الله تعالى .(3)

وشاهد العقل على هذا العموم بأيدينا لأن مقتضى الوراثة المعنوية والانتساب الروحاني والاتصال بلا تكيف والقياس القلبي والاشتقاق اللبي بين الوصي والنبي هي انتقال جميع الكمالات من المورث إلى وارثه وكلما كانت طبقة الوارث أقرب والواسطة أقل كانت جهة الاتصال أقوى وانتقال الميراث أشدّ . وبالضرورة ليس أحد من أئمة الهدى أقرب منه إلى مقام النبوة الخاتمة التي هي منبع الفيوضات الربانية ومشرق الأنوار السبحانية ، مِن ثَم كانت كمالات النبوة على الوجه الأتمّ سارية في وجوده ومتجلّية لا محاله ، وإن لم يجز إطلاق اسم «نبي» عليه ومن هذه الجهة قال أمير المؤمنين في الخطبة القاصعة : قال لي النبي : إنّك لتسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي وإنّك لوزير ، وإنك لعلى خير .(4)

ص: 61


1- الكافي 1 : 196 باب 14 ح اكتاب الحجة . (هامش الأصل)
2- الكافي 1 : 197 باب 14 ح 2 كتاب الحجة . (هامش الأصل)
3- الكافي 1 : 198 باب 14 ح 3 كتاب الحجة . (هامش الأصل)
4- الخطبة الخامسة (5/5) 190. (هامش الأصل)

أخيراً نقول : إنّ مشاركة أئمّه الهدى في هذه الكمالات وإن كانت على وجه الظلّيّة والأصلية (1)إلا أن أصل اتصافهم بها طبقاً للأخبار المتواترة بالمعنى ، بل هذا هو المرتكز في أذهان الشيعة ليس موضعاً للشك أو الترديد، وهذا كلام مفروغ منه عند الجميع إلا أن المسألة التي يمكن أن تحرّر للنزاع هي : ما وجه اتصاف الآخرين بهذه الكمالات؟ وتظهر جليّة الحال بقليل من التأمل وذلك بالاعتبار السالف من أن هذه الكمالات والفضائل جميعها على التحقيق مشككة ومختلفة المراتب ومتفاوتة المدارج ؛ لأن درجات الكمال بصورة عامة لا تتناهى، وليس لها حدود تنتهى عندها، وفي متابعة الأئمة إمكان نيل كلّ شرف والوصول إلى كلّ فضل ، ولا مانع من طلب بلوغ هذه الدرجة بالدعاء .. لأننا نجد في كثير من الأخبار ما يدل على إمكان بلوغ هذه الدرجة «كان معنا وفي درجتنا» (2)وهذا منزل على الاختلاف المذكور الذي لا ينافي الاجتماع على التعدّد الذي لا يعارض الاتحاد.

إنّ النجوم في علو قدرها***ليس سهاها في السنا كبدرها

تتميم

فسّر قوم من أهل المعارف «المقام المحمود» بختم الولاية المحمدية المطلقة ، ويتم ذلك بظهور المهدي علیه السلام ، ومادام لم يبلغ هذه فإنه ما يزال في مقام الحامدية والمحمودية، فإذا بلغ قوسا الدائرة الأوج الختامي للصعود، وظهرت شمس الحقيقة من مغرب الولاية فإنه حينئذ يتجلّى بتمام كمالاته المرتقبة على الوجه الأتمّ من دون نقص أو كسر على ما هي عليها.

إذن، فمقام المحمودية للنبي إنّما يتأتى عندما تستوفي البعثة أهدافها، وتكمل

ص: 62


1- لعله يريد بالظلية أن جانباً منها تبع للنبي والجانب الآخر وهو الأصلية ذاتي لهم.
2- الأمالي ، مجلس 27 الرقم 5 ، عيون الأخبار 1 : 299 ، بحار الأنوار 44 286 .

دائرة الولاية، وينتشر الإيمان في القلوب المستعدة، ويمحى الظلم والعصيان رأساً من على وجه الكرة الأرضيّة، وهذا الكلام يناسب هذه الزيارة على فرض تحققه، وتمنّي بلوغه كناية عن طلب درك تلك الدولة السعيدة، وزيارة تلك الطلعة الرشيدة . «اللهم أرنا تلك الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة».

ای حجّت منتظر که رویت هست***پاک آینه تجلی یزدان

سبحان الله خدا نه چونت***رخ در سبحات غیب شد پنهان

يا قائم الآل يا من في محياه***على اليقين تجلى ربنا الله

ما غبت عن ناظر الدنيا بغيبته***في مغرب الغيب ربّ قد عبدناه

وجملة القول أن هذا الوجه ملائم تماماً للقول التالي الذي قيل لتكميل هذا الفرض وتوضيح هذا القصد .

ص: 63

وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي مَعَ إِمَامٍ مَهْدِي ظَاهِرٍ نَاطِقٍ مِنْكُمْ ...

وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي مَعَ إِمَامٍ مَهْدِي ظَاهِرٍ نَاطِقٍ مِنْكُمْ ...(1)

الشرح: مرّ معنى الرزق والثأر سلفاً(2)وفائدة التكرار في هذه العبارات وإعادة هذا الطلب إما لإظهار منتهى التشوّق وغاية التضرّع في حصول هذا الانتقام، وإمّا لأنه في الفقرة الأولى أضاف الثأر إلى أهل البيت «وثأركم» يريد أن ينصرهم ويطلب بدمائهم، وهنا في هذا المقام أضافه إلى نفسه «ثأري» من أجل الملاحظة التالية وهي أنّه لمّا كان من شيعتهم فكأنّ الظلم الواقع عليهم واقع عليه ؛ لاتصال الفطري بهم ، وبناءاً على القاعدة المطردة بين الناس أن ما يقع على الرؤساء والأقرباء ينسب وقوعه على العشيرة والأتباع، فيقولون فعلنا وسمعنا كذا، وإنّما الفاعل والسامع غيرهم - الرئيس أو القريب - وهذه سنه مطّردة وقاعدة مستمرّة في باب التعبير عند العرب والعجم .

وإما لأنّ الظلم واقع عليه فعلاً ودمه مراق حقاً من أثر الظلم الواقع على أهل البيت ؛ لأنه لو كانت دولة الحق قائمة ودولة الباطل مهزومة لما غلب الباطل ولم يقع الاعوجاج والظلم على وجه الأرض. فلم يقع كل هذا الفعل الفضيع والعمل الشنيع من سفك للدماء وهتك للأعراض وسلب للأموال مطلقاً ...(3)النور : 36 - 37 .(4)الزيارة الجامعة . (5)بحار الأنوار 252:50 (هامش الأصل) (6) نور الأنوار للمرندي : 412. (هامش الأصل) (7)جاءت هذه العيارة بالفارسيّة هكذا: «ما يكيم اندر بدن» (المترجم) (8)ما في المعاني تقسيم وأعداد***وليس تجزية فيها وإفراد (9)الحديد : 17 (10) الإسراء : 33 . (11)هود : 46 . (12)

ص: 64


1- جاء في كامل الزيارة: «طلب ثاركم» وفي المصباح: «طلب ثاري» (هامش الأصل)
2- في قوله : «أن يرزقني طلب ثارك» ، ومعنى الثار في قوله : «السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره» (هامش الأصل)
3- في بعض النسخ : «طلب تأركم» ولعله هو الصحيح وتوافق الفقرة المارّة «طلب ثأرك مع إمام منصور» ولكنّ العبارة السالفة : «طلب ثأري» ليست باطلة ولا هي خطأ ، فقد ذكر العلماء لها وجوهاً : 1 - إنّ النبي والأئمة الأطهار هم وسائط الفيض التي عمّ الموجودات كلّها جميعاً، ومنهم حسب الوجود كله الفيض ، وأينما رفع منار فهو منهم كما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة : بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض ... بكم ينفس الهم ويكشف الضر ، وأشرقت الأرض بنوركم .... . وروي عن أمير المؤمنين أنه قال : «أنا أحيي وأميت». ومن هذه الجهة عرفوا بأنهم قوام العالم ووسيلة الوجود وسبب خلق الموجودات . ولكن من جهة أخرى وباعتبار جانبهم البشري يقول النبي : أنا عبد الله ، اسمي محمد ، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً ...» ويقول أيضاً: «أنا عبد الله مرزوق ومخلوق» ويقول أمير المؤمنين : «أنا عبد من عبيد محمد». وبلحاظ المعنى الثاني يقول قائلهم : «جالسوا من يذكركم الله رؤيته» لأنّ لأولئك نور الله والعظمة الربانية ، وإنما تجلوا في بيوت ليراهم الناس ، وبواسطتهم يتوصلون لمعرفة الله جلّت عظمته . «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ ن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ... رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةً وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ»
4- وقالوا: «من رآني فقد رأى الحق» و«من عرفني بالنورانية فقد عرف الحق» و «من عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله» ويكون مع ملاحظة هذه الجهة قتل أحدهم وإطفاء نوره قتلاً لمفيض النور ومعطيه . لو جئته لرأيت الناس في رجل***والدهر في ساعة والعمر في نار ولمّا كان نور الأئمة والأنبياء نوراً واحداً مع حفظ مراتبهم، لذلك قالوا : «وإنّ أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض»
5- . وهذه مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منا ،واحد ، وإذا كان معنى المسألة واحدة جرى لآخرنا ما جرى لأوّلنا ، وأولنا وآخرنا في العلم والأمر سواء ، ولرسول الله وأمير المؤمنين فضلهما .
6- و «من زار أولنا زار آخرنا ، ومن زار آخرنا فقد زار أولنا ، ومن تولى أولنا تولى آخرنا ، ومن تولى آخرنا فقد تولّى أوّلنا»
7- . ونحن الأولون ونحن الآخرون» و «أوّلنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد ؛ فلا تفرقوا بيننا ...». و«كلنا قائم بأمر الله ..» و«أنا محمد ومحمد أنا» و «نحن اثنان في بدن ...»
8- و«أنا من حسين وحسين منّي» «وحسين لحمي ودمي، من جفاه فقد جفاني»، ويقول الإمام الحسين : «أنا آدم أنا نوح ....». يقول الملا الرومي : در معانی قسمت و اعداد نیست***در معانی تجزیه و افراد نیست
9- أطلب المعنى من القرآن قل***لا تفرق بين آحاد الرسل وحقاً يقال : إن المصيبة التي نزلت في الحسين نزلت برسول الله وبتمام الأنبياء والأئمة الأطهار والمؤمنين، وقتل سيد الشهداء قتل لهم جميعاً. وصح ما يقال في الزيارة : «أن يرزقني طلب ثأري» وصح أن ينسب الثأر إلى نفسه. وإلى هذه الملاحظة يمكن أن يعزى قول رسول الله ما أوذي نبي كما أوذيت، مع أن إيذاء النبي لا يعدل المصاعب التي تلقاها نوح وصبر على ذلك ، وكان النبي مأموراً بالدفاع والجهاد وهو يعطيه فرصة من التنفيس عن بعض الآلام. ويقول الإمام الصادق : «شيعتنا منا ، خُلقوا من فاضل طينتنا ، يحزنون لحزننا، ويفرحون لفرحنا». ويقول : «نحن جذور الشجرة وشيعتنا ورقها فإذا تضرر الجذر الحق الضرر بالورق». 2 - للقتل مراتب ونماذج ؛ فأحياناً يزال وجود الشخص كله بالقتل ، وربما محوا آثاره الكمالية وحرموا الآخرين من الاستفادة منه ، وأحياناً يعرض الشخص للقتل و ... لذا جاء في الروايات: «من أذاع سرنا قتلنا» و «لعن الله أمة قتلتكم بالأيدي والألسن» و «من رضي بقتل قوم فهو منهم» وموارد أخرى، ومن هذه الجهة يمكن أن يقال لكل واحد من الموارد إعلان فلان مقتول ومن الناحية هذه قال أمير المؤمنين :«أنا أميب وأحيي» وفسروا هذه الجملة على النحو التالي : أحيي السنة وأميت البدعة . ويقول الإمام زين العابدين اليها متحدثاً عن حكم القصاص ألا أخبركم بقتل هو أعظم من هذا القتل؟ قالوا: بلی، قال : أعظم من هذا القتل قتل امرئ بشكل لا تمكن له الحياة من بعده وذلك بإضلاله عن نبوة محمد وولاية عليا ، وإدخاله في طريق يتبع به أعداء علي ، وهذا هو القتل الذي ينبغي أن يخلد صاحبه بالنار . وقال الإمام الباقر في تفسير الآية الشريفة : «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»
10- إن الله تعالى يحيي الأرض بعد موتها لقائم آل محمد . ونقرأ في زيارة صاحب الأمر : «السلام على محيي المؤمنين» . وأيضاً نقول في دعاء الندبة لإظهار الشوق لظهور الإمام : «أين محيي معالم الدين وأهله ...» . والآن يظهر معنى عبارة الزيارة جليّاً شريطة وضع المطالب السالفة نصب العين على النحو التالي : اللهم مد في أجلي حتى أطلب الثأر ثأر ذلك الدم الذي هو أصل الحياة وأصل حياتي العلمية وكمالاتي ، وبإراقته حجزوني عن الكمالات الإنسانية وصاروا سبباً في هلاكي . 3 - كلّ العلماء - من العامة والخاصة - على هذه العقيدة وهي أنّ النبي وأوليائه هم آباء الأمة الروحانيون كما قال النبي : «أنا وعلى أبوا هذه الأمة». وكذلك يرى الجميع أولاد القتيل هم أولياء دمه ومن حقهم المطالبة بثأره وإجراء القصاص على القاتل كما قال الله تعالى: «وَمَن قُتِلَ مُظلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّه سُلْطَاناً» .
11- ومن المسلم به أن من لا يقتدي بأبيه الروحاني فهو من أتباع إبليس ومن حزبه، ومن ثم لا يكون «الولي» أباء الروحاني ، كما أن : پسر نوح با بدان بنشست***داستان نبوتش گم شد وصار ابن نوح من الأخبيثن***فضاعت نبوّته بينهم وجاء النداء من الله مخاطباً نوحاً : «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»
12- . و مما تقدم نأخذ من المقدّمات النتيجة التالية وهي أن الإمام الحسين الأب الروحي لأحبائه وشيعته وهؤلاء بعد الأئمة المعصومين فهم أولياء دم الحسين المقدمين لاسيما ولي العصر أرواحنا لمقدمه الشريف فداء في الدرجة الأولى يحسبون فيمن يطلب بدمه إذاً يصح لهم القول: «اللهم ارزقني حتى أطلب بدم أبي الروحي».

ص: 65

ص: 66

الهداية : معناها فيما يقتضيه التحقيق واختاره أهل التحقيق أيضاً الإرشاد والدلالة سواء كانت موصلة أو لا، وما ذكر قوم من أنّه ينظر إلى ما يتعدّى به فإن كان باللام أو ب_«إلى» فهو بمعنى الرشاد وإيضاح الطريق، وإن كان متعدّياً إلى مفعولين فهو بمعنى الإيصال ، وهذا التفصيل مع كونه خلاف الاعتبار فهو خلاف الاستعمال الصحيح لأنه يمكن أن يقال إذا تعدّى إلى المفعولين فهو متضمّن

ص: 67

الإرائة لأنّها تتعدّى إلى مفعولين، وإذا تعدّى ب_«إلى» واللام ، فهو مضمّن معنى الإيصال لأنه يتعدّى بأحدهما، وفي القرآن المجيد : «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ» (1).

والمراد هنا صرف الإرائة لأنه لا منة فى الإيصال إلى طريق الشر، بل لعله يفضي إلى التناقض لأن الوصول إلى الخير أو الشرّ إذا كان في الأمر الواحد فهو تناقض صريح ، وكذلك : «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» (2)فالمراد منه ليس الإيصال بالضرورة.

وتأتي الهداية أحياناً بمعنى التلويح ، وفي هذه الحال تتعدى باللام ، وأما تعديها بمفعولين أو ب_«إلى» فإن ذلك بتضمينها معنى الإرائة والتعريف، وأحياناً تشرّب معنى الإيصال والإرشاد، وأحياناً تكون البداية بمعنى التوفيق، وهو تهيأة أسباب الخير، فتستعمل في ذلك ويقابلها الإضلال بمعنى الخذلان ، ومنه قوله تعالى: «وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ» (3)، وقول الشاعر:

فلا تعجلن هداك المليك***فإنّ لكل مقام مقالا

وظنّ الزمخشري في الكشاف أن مفهوم الإيصال مأخوذ في مفهوم الهداية مطلقاً وهو عبارة عن : الدلالة الموصلة إلى المطلوب، واستدلّ بثلاثة أوجه :

الأول : وقوع الضلالة مقابلة للهداية في قوله تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى» (4). ولو لم يكن مأخوذاً من الوصول لما حصلت المقابلة .

الثاني : لو لم يكن كذلك لما كان لفظ مهدي مثلاً أو مهتدي يستعمل في مقام المدح لأنه بناءاً على المعنى غير المختار يكون الاهتداء أعم من الوصول وعدمه.

ص: 68


1- البلد : 10
2- الإسراء : 9 .
3- الرعد : 33 .
4- البقرة : 16 .

الثالث : إنّ الاهتداء مطاوع هدى يقال هديته فاهتدى ، كما يقال : كسرته فانكسر، فالانكسار لازم وقوع الكسر كذلك الاهتداء لازم وقوع الهداية.

وهذه الوجوه الثلاثة بعيدة عن مشرب التحقيق، مباينة لطريق النظر مباينة تامة ؛ لأنّ الدليل الأول لا دلالة له على المطلوب، وبيانه : أن الهدى في الآية الكريمة مصدر بمعنى المفعول أي الاهتداء لا الإهداء والضلال بمعنى فقدان الطريق، ومعناه أنّ هؤلاء يستبدلون الضلالة بالهدى ولا دلالة فيه على أخذ الوصول، وعلى فرض التسليم يكون تفضّلاً بقرينة الضلال، وقد علمت أن المدعى في الاستعمال في الأعم والخاص لا ينافي العام ، والاستعمال أعم من الحقيقة كما تقرّر ذلك في علم الأصول.

وأما الدليل الثانى فجوابه أنّ لفظ مهدي لما أورد في مقام المدح كان ذلك قرينة على اعتبار الانتفاع والاهتداء وإلا فمن المعلوم أنه لو قال قائل : هدي فلم يهتد لم يكن مدحاً بل هو الذمّ بعينه .

وأمّا الدليل الثالث فهو مخدوش بوجهين :

الأول: لا لزوم في تحقق الأثر في الفعل المطاوع دائماً؛ لأن أفعال المطاوعة تارة تكون بمعنى الانفعال والتأثر الواقعي وفي هذه الصورة يكون صدق وقوع الفعل من الفاعل موقوفاً على انطباع المتأثر بالفعل وتأثير المؤثر، وأحياناً تكون بمعنى القبول والمتابعة ، مثل : أمرته فأتمر، حيث يكون الائتمار عبارة عن الاتباع والاستماع ، وفي الصورة الأولى يكون حصول الانفعال لازماً لوقوع التأثر، وفي الصورة الثانية ليس الأمر كذلك، ومعنى ذلك أنّ الحقيقة فيه ليست إيجاد أثر الفاعل في المقابل بل هو فعل له نوع تعلّق بالقابل، لهذا قول «كسرته فلم ينكسر»

ص: 69

مجاز (1)وأمرته فلم يأتمر حقيقة فما المانع أن يكون الاهتداء بمثابة الائتمار لأن الهداية بمعنى الدلالة والإرائة، ومعنى الاهتداء معرفة الطريق، ولا مانع من أن نقول فلم يهتد ، بالوجه المتقدّم - أي على الحقيقة لا المجاز (المترجم) ..

الثاني : سلّمنا أنّ الانفعال لازم الفعل بوجه مطلق، فإذا قيل : هديته وجب أن يقع اهتدى بعده لا محالة ولكن هناك فرق بين أن يكون شيء لازماً لشيء في تحقق مصداقه الخارجي وبين أن يكون مأخوذاً في مفهومه ومعتبراً في حقيقته؛ لأنه لا يعتقد أحد أن مفهوم الاحتراق مأخوذ في مفهوم الإحراق لتلازمهما الخارجي وإلا لكانت المعلومات جميعاً معتبرة في مفاهيم عللها، وهذا ضروري الفساد وبديهي البطلان .

ونظير هذا التوهّم ما وقع لبعض المحققين في مقاييسه في تعريف البيع ونحن كشفنا عنه في محله من مكاسب الشيخ الأنصاري ونبهنا على اندفاعه. وأخيراً فيما ظهر شرحنا أنّ حقيقة الهداية لا تتضمن معنى الإيصال ، كما صرّح بذلك جماعة من المحققين المستأنسين بمجاري العبارات وتمييز المفاهيم كالشيخ الطبرسي والسيد شارح الصحيفة والمحقق الشريف وغيرهم من علماء الفريقين.

أقسام الهداية ..

الأول : الهداية باتجاه جلب المنافع ودفع المضار مضافاً إلى المشاعر الظاهرة والمدارك الباطنة والقوّة العاقلة الحاكمة بين المشاعر الجزئيّة والمدارك الحسّيّة . واختيار الضرر على النفع أو العكس أو ترجيح أحدهما مفوض إليها وهي بمنزلة

ص: 70


1- وإنّما صار مجازاً لأن قوله «كسرته» معناه وقوع الحقيقة بالكسر فإذا نفاه بعد ادعاء وقوعه كان مجازاً ، أما الأوّل فليس فيه هذا المعنى فإن أمرته لا يدلّ على قبول الأمر من المأمور لذلك جاء النفي في موقعه. (المترجم)

الإمام أو النبي في العالم الصغير، وهذا النوع عام في أفراد النوع الإنساني، ويحتمل شموله أيضاً لسائر الحيوانات والنباتات بل الجمادات كذلك رعاية التشكيك وحفظ المراتب، وسوف نشير إن شاء الله في الفقرات القادمة (1)إلى صحة هذا العموم.

وقول الله تعالى: «أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى»(2)ناظر إلى هذا المعنى ومعلوم أنّ حطّ الإنسان من هذه الهداية أوفر ونصيبه أكمل ، وبناءاً على جواز اختلاف مراتب الإنسانية يكون الأمر فيها كما يلي : فمن كان كمال الحقيقة الإنسانية فيه أتم وأكمل كان تجليه بوصف الهداية بهذا المعنى أجلى وأبين.

القسم الثاني : نصب الدلائل العقليّة وجعل الطرق العلميّة التي تفرّق بين الحق والباطل، وتميز بين الصحيح والسقيم، والصلاح من الفساد، والضلال من الرشاد، وقد أشارت إلى هذا القسم الآية الشريفة «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»(3) وحقيقة العلم عبارة عن هذا المعنى كما قال الحكيم السنائي :

علم چه بود فرق دانستن حقی از باطلی***نی کتاب زرق شیطان جمله از برداشتن

العلم في مفهومه الكامل***ما ميّز الحق من الباطل

من نال من دفتر إبليسه***لم ينسلخ من صفة الجاهل

القسم الثالث : الهداية بإرسال الرسل وتنزيل الكتب واللطف في تأييد البديهيات العقلية بالسمعيات، وأشار الله تعالى إلى هذا النوع بقوله: «وَأَمَّا ثَمُودُ

ص: 71


1- في شرح: «مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام على جميع أهل السماوات والأرض». (هامش الأصل)
2- طه : 50 .
3- البلد : 10 .

فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى» .(1)

القسم الرابع : الهداية بالسير إلى الحظائر القدسيّة والسلوك حتى بلوغ مقامات الأنس العالية وذلك بانطماس آثار التعلقات الجسمانية واندراس جلابيب العلايق الهيولانية والاستغراق فى ملاحظة أسرار الجلال ومطالعة أنوار الجمال، وهذه الهداية خاصة بالأولياء وخواص المؤمنين.قال عزّ من قائل:«اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ» (2)وإطلاق الهادي على الله عزّ وجلّ باعتبار جميع مراتب الهداية كما يظهر ذلك من عبارة الشهيد في القواعد وابن فهد في العُدّة وغيرهم بنحو الإشارة الإجماليّة بعد توجّههم للتفصيل الذي ذكرناه .

ونتيجة الهداية - بخاصة في المعنى الرابع - هي العلم كما ورد في إنجيل أهل البيت وزبور آل محمّد : «اللهم صل على محمّد وآل محمد وقنا بك واهدنا إليك ولا تباعدنا عنك ، إن من تقه يَسْلِم، ومن تهده يعلم، ومن تقرّ به إليك يغنم»(3).

وأنت ترى كيف جعل الهداية سبباً للعلم ، إذن فمن كان مهدياً فيجب أن يكون عالماً بجميع المراتب، وثمرة العلم هداية الآخرين، وتفسير المهدي بالهادي هو من قبيل التفسير باللوازم والخواص، وتعليل تسميته بصدور الهداية منه هو من مقولة التعليل بالغايات والمنافع، وهذا النوع من التعبير في أساليب المحاورات وفنون المكالمات والمخاطبات أكثر عددداً من النجوم بل لا يُعدّ ولا يُحصى.

وبهذا التقريب يرتفع الإشكال الوارد ظاهراً في بعض الأخبار، فقد سُئل المعصومون عن القائم عجّل الله فرجه لماذا سمّي القائم بالمهدي ؟ فقال : إنّما

ص: 72


1- فصلت : 17
2- البقرة : 257 .
3- الصحيفة السجّاديّة : دعاء 5 . (هامش الأصل)

سمّي القائم مهديّاً لأنه يهدي إلى أمر قد ضلوا عنه (1)كما في إرشاد المفيد نقلاً عن الصادق علیه السلام .

ونقل في غيبة الطوسي أنه قال : لأنه يهدي إلى كلّ أمر (خفي) .(2)

ونقلت كذلك أخبار بهذا المضمون فلم يبق موضع للإشكال أو موضع للسؤال بعد الشرح التفصيلي الذي ذكرناه .

الظهور : الظهور بدو الشيء كما هو صريح كتب اللغات جميعاً، وفي إطلاق اسم «ظاهر» على الإمام القائم بوجوه أتت على البال :

الأوّل: كان سبب الإطلاق بعلاقة ما جرى منه أول أمره حيث غاب عن الأبصار ، أو أن التشبيه بالظهور له حصل يقيناً بالواقع وما هو عليه من الاختفاء فيكون التجوّز في أمر عقليّ.

الوجه الثاني: أن المراد من الظهور هو الواقعي الفعلي فإنّ ملاحظة كثرة الدلائل ووفور الشواهد من العقل والنقل على وجوده على وجه لو أن شخصاً توجّه بأقل التفات لرأى آثار وجوده المبارك على جميع الأشياء، فيصدق بظهوره ووضوح وجوده ، وهذا نظير «تفسير الغالب» و«المنصور» في قوله تعالى : «فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ» (3)و «إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ» (4)«وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ» (5)لأن المقصود الغلبة بالحجّة والنصرة بالبرهان.

ص: 73


1- الإرشاد 2 : 383 (المترجم)
2- الطوسي، الغيبة : 471 . (المترجم) إرشاد المفيد غيبة الطوسي، علل الشرايع ، بحار الأنوار 51: 28 ط طهران. (هامش الأصل)
3- المائدة : 56 .
4- الصافات: 172
5- الصافات: 173 .

الوجه الثالث : الظهور في قلوب الشيعة والتجلّي في سرّ خواص المؤمنين كما جاء في حديث عليّ بن مهزياره المروي في كتب كثيرة من القدماء رضي عنهم وهو أنّه علیه السلام ليس محجوباً «إنّما حجبه سوء أعمالكم» (1).

وجاء في حديث آخر تراه عيون العارفين بفضله، الشاكرين الكاملين، ويبشرون بوجوده أولئك الشاكين في وجوده (2)بحار الأنوار 52 : 172 (3)يس : 30. (4)الغيبة للنعماني : 141 ، بحار الأنوار 51: 112 و 113. (5) بحار الأنوار 51: 55 (6)الكافي 1 : 337 ، الغيبة للنعماني ، دلائل الإمامة ، بحار الأنوار 52: 154 الرقم 9 ومثله في 142:51 عن إكمال الدين والعلل . (7)الغيبة للنعماني. (8)الغيبة للنعماني ، بحار الأنوار 52: 155 الرقم 10 . (9) زيارة الإمام الحسن العسكري .(10).

ص: 74


1- جنّة المأوى المطبوع في البحار :53 : 131 ، نوائب الدهور 3: 358.
2- فقلت : يا مولاي ، وهل تجوز المراجعة في أمري ؟ قال : لا ، قلت : يا مولاي ، وهل تأذن لي في أن أحكي كلما قد رأيته وسمعته ؟ قال : لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم ، إلا كيت وكيت ، وعين ما لا أقوله
3- . * المفضّل بن عمر : قال أبو عبدالله : قال أمير المؤمنين على منبر الكوفة : وإن من ولائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة ، لا ينجو منها إلا النومة ؟ قيل : يا أمير المؤمنين ، وما النومة ؟ قال : الذي يعرف الناس ولا يعرفونه . واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة الله ولكن الله ولكن الله سيعمي خلقه منها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجّة الله ، لساخت بأهلها ، ولكن الحجّة يعرف الناس ولا يعرفونه كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون ، ثم تلا : «يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ».
4-
5- * الإمام الصادق : صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم ولا يعرفونه حتى يأذن الله ، يعرفهم نفسه
6- . * سدير الصيرفي قال : سمعت أبا عبدالله الصادق يقول : إن في صاحب هذا الأمر لشبهاً من يوسف، فقلت : فكأنك تخبر بغيبة أو حيرة ؟ فقال : ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك ؟ إن إخوة يوسف كانوا عقلاء الباء أسباطاً أولاد أنبياء دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه ورادّوه [راودوه - المصدر] وكانوا إخوته وهو أخوهم ، لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه وقال لهم : أنا يوسف، فعرفوه حينئذ، فما ينكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله جل وعزّ يريد في وقت من الأوقات أن يستر حجّته عنهم ، لقد كان يوسف إليه ملك مصر ، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك ، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر صر، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتى يأذن الله أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتى قال له إخوته : إنك لأنت يوسف ؟ قال : أنا يوسف
7- . * إسحاق بن عمار : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد يقول : للقائم غيبتان ، إحداهما طويلة والأخرى قصيرة ، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها [إلا خاصة مواليه في دينه] .
8- * إسحاق بن عمار : قال أبو عبد الله : القائم غيبتان ، إحداهما قصيرة والأخرى طويلة [الغيبة ] الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته ، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه .
9- * «السلام عليك يا أبا الإمام المنتظر ، الظاهرة للعاقل حجّته ، والثابتة في اليقين معرفته المحتجب عن أعين الظالمين ، والمغيب عن دولة الفاسقين»
10- . غوطه در اشک شدم کاهل طریقت گویند***پاک شو اول پس دیده بر آن پاک انداز طهرت بالدمع عيني حين أخبرني***أهل الطريقة ، ألق الطهر بالطاهر (هامش الأصل)

ويتفق مع هذا الكلام القصص والأخبار المنقولة عن رؤية ذلك الجناب المقدّس أبان الغيبة في متون الكتب وبطون الطروس.

ومجمل القول أنه بعد الالتفات التفصيلي إلى جميع تلك القصص المتواترة

ص: 75

وإن كان بعض هذه القصص ذاتاً يفيد القطع بوقوعه.

أقول : بعد الالتفات لهذه التفاصيل المبثوثة في المصادر الموثقة، لا يقدح في صحة مضمونها ضعف سند بعضها أو ضعف دلالته لأن هذه الصفة موجودة في جميع الأخبار المتواترة أو في أكثرها .

نطق : الناطق ينطق نطقاً تكلّم (1)بصوت وحروف مفهمة للمعنى ، كما جاء ذلك في القاموس (2)فليس مطلق التكلّم إذن بل الإبانة في الجملة وإفهام المعنى مأخوذ فيه واتصاف الإمام بهذا الوصف عند ارتفاع التقية وظهور الكلمة وانكشاف الأستار وتبين الأسرار في عصره كما يلاحظ ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في ته وطريقته خلافاً لآبائه الطاهرين حيث كتموا أسرار العلوم ولباب المعارف لغلبة الظالمين عليهم ولعدم استعداد نفوس معاصريهم كما فعل أمير المؤمنين علیه السلام حين أشار إلى صدره المبارك وقال : إنّ هاهنا لعلماً جماً لو وجدت له حملة» (3). ولو في هذا المقام للتمني، ويقول سيد الساجدين كذلك :

إنّي لأكتم من علمي جواهره***كي لا يراه أخو جهل فيفتتنا

وربّ جوهر علم لو أبوح به***يقال لي أنت ممن يعبد الوثنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن***إلى الحسين وأوصى قبل الحسن (4)

ص: 76


1- لسان العرب 10 : 354
2- نطق ينطق نطقاً ومنطقاً ونطوقاً : تكلم بصوت وحروف تعرف بها المعاني . (القاموس 3: 285 - المترجم)
3- نهج البلاغة صبحي صالح : 496 الحكمة 147 . (هامش الأصل)
4- يارب جوهر علم لو أبوح به***لقيل لي أنت ممّن يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمي***يرون أقبح ما يأتونه حسنا إنّي لأكتمل من علمي جواهره***كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا وقد تقدم في هذا أبو حسن***إلى الحسين ووصى قبله الحسنا الإتحاف بحب الأشراف، ط مصر ، شرح ديوان أمير المؤمنين : 15 (مخطوط)، غرائب الاغتراب : 70، لطائف المتن 2 : 89ط مصر ، ينابيع المودة، إحقاق الحق 12: 84-85 (هامش الأصل)

وأما ستر الأحكام الشرعيّة والإبقاء على الأحكام الظاهرية أو العدول بمقتضى التقية التي وردت في أخبار أهل بيت العصمة بشكل خارج عن حدّ الحصر والإحصاء، فإنّ هذه الموانع ترفع في عهده الميمون وأيّام هذا الإمام المُؤمَّل المأمون . «اللهم أرنا تلك الطلعة الرشيدة والغُرّة الحميدة».

ومجمل القول : أنّ ما دلّت عليه هذه الفقرة والفقرة السابقة هو من اختصاص القائم من آل محمد علیهم السلام بولاية الثأر وطلب دم القتلى من أهل البيت الأطهار وهو مدلول الأخبار الكثيرة التي يمكن أن يدعى لها التواتر، واستقصائها ينافي نهجنا بالاختصار، وتركها من رأس أيضاً ينافى مهمة هذا الشرح، فنكتفى بحديث أو حديثين على روية الاختصار.

روى الشيخ السعيد الموفّق جعفر بن قولويه في كامل الزيارة، وروي في البحار وأمالي شيخ الطائفة ، وساقوا السند إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق علیه السلام أنه قال : لما كان من أمر الحسين بن علي ما كان ، ضجّت الملائكة إلى الله تعالى وقالت: يا ربّ، يفعل هذا بالحسين صفيك وابن نبيك ؟ قال : فأقام لهم ظل القائم علیه السلام وقال بهذا أنتقم له من ظالميه .(1)

وفي علل الشرايع عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت أبا جعفر محمد بن عليّ الباقر : كلكم قائمين (كذا) بالحقِّ ؟ قال : بلى ، قلت : فلم سمّي القائم قائماً ؟ قال : لما قتل جدي الحسين علیه السلام ضحت الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب وقالوا:

ص: 77


1- بحار الأنوار 45: 221 الرقم 3ط بيروت. (هامش الأصل والمترجم)

إلهنا وسيدنا أتغفل عمّن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك ؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليهم : قروا ملائکنی ، فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين ، ثمّ كشف الله عن الأئمة من ولد الحسين علیه السلام للملائكة، فسرت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلي، فقال الله عزّ وجلّ : بذلك القائم أنتقم منهم (1).

تنبیه نافع

لقد تقرّر في موضعه أنّ الوجود الواحد ربّما كان مصداقاً لعناوين متعدّدة ومنشأ لانتزاع مفاهيم مختلفة ، وكلّما كان هذا الوصف أظهر في الوجود دلّ على كمال الوجود وقوة تحققه وبرنت ساحته من الأعدام (2)وتنزه ذيله من الليسيات (3)إذن تكثر الألقاب في شيء دليل على شرفه وفضله قطعاً، ومن هذه الجهة ورد في القرآن على سبيل المدح والمباهات: «لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى» (4).

ومن هنا أيضاً بذل العلماء أقصى الجهد ومنتهى الهم لإحصاء أسماء الله تعالى وتعداد ألقاب النبي والأئمة والقرآن وقرّروا وجهات النظر في معاني إطلاقها بقدر الإمكان من العقل والنقل ، وليس في هذا مجملاً مورد للإشكال ، ولكنّ المهم هو الحصول على الميزان الذي يميّز من الألفاظ ما يجوز إطلاقه لقباً وما لا يجوز، فلم أعثر عليه في كلام أحد . والذي يظهر بالتأمل من مطاوي كلمات العلماء ومواضع ذكر هذه الألقاب أنّ اللقب والإسم على أقسام : فمنها الأعلام وحده أن يوضع بواسطة الواضع على المسمّى مثل «الله» و «محمد» و«قرآن».

ص: 78


1- علل الشرايع 1 : 154 والمؤلّف حذف صدر الحديث، بحار الأنوار 45: 221 ط طهران. (هامش الأصل)
2- جمع عدم . (المترجم)
3- قالوا : إنّ ليس نفي الأيس، وهو الوجود فيكون ليس لا وجود يعني العدم. (المترجم)
4- طه : 8

ومنها أن يذكر صراحة في الكتاب أو السنّة كالنور في القرآن، والذكر في حق النبي مثلاً، ومن هذا القبيل الألفاظ الواردة في الزيارات الخاصة.

ومنها أن ينتزع اسم من وصف ثابت للمسمّى في الكتاب والسنّة كما يسمّى الله تعالى «ماكراً» لأنّه قال : «وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ» (1)وفي دعاء السحر : «ولا تمكر بي في حيلتك» وفي هذا النوع من أسماء الله أظهر الشهيد عليه الرحمة في القواعد التردّد .(2)

ولكن المتتبع لموارد ذكر الألقاب أنه يذكر في هذا المقام . ومنها أن يذكر لقب لا يدلّ على الملقب به إلا بتأويل، وليس في ظاهر العبارة ما يدلّ عليه مثل: «ماء معين ورب الأرض من ألقاب صاحب الزمان عجل الله تعالی فرجه .

القسم الخامس : أن يشتهر اللقب على ألسنة الخاصة دون أن يذكر في الكتاب أو السنّة، ولكنّه دليل على الفضل ومُشعِر بالمدح مثل «أبو الأرواح» وهو باصطلاح العرفاء من ألقاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا فرق بين هذه الألقاب أن يكون اللقب عاماً والملقب به أحد مصاديقه ولكنّه بالقرينة تخصص به مثل لفظ رسول ونبي أو كونه اختصاصيّاً منذ وضعه الأوّل مثل : خاتم النبيين» مفرداً أو مركباً، نظير الجملة : «من لم يجعل الله له شبهاً» في ألقاب الحجّة عجل الله فرجه . وإذا ذكر هذا المفرد مجرّداً عن الإضافة أو مضافاً إليه فإنّه يحسب لقبين مثل «الصاحب» و «صاحب الزمان».

ص: 79


1- آل عمران : 54
2- قال الشهيد محمد بن جمال الدين العاملي في القواعد والفوائد ص 270 : ما ورد به السمع لكن إطلاقه في غير مورده يوهم النقص كما في قوله تعالى : «وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ» وقوله : «اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» فلا يجوز أن يقال الله : يا مستهزئ أو يا ماكر أو يحلف به ، وكذا منع بعضهم من أن يقال : اللهم أمكر بفلان وقد ورد هذا في دعوات الصباح إما اللهم استهزء به ، أو اللهم لا تستهزئ بي ، ففيه كلام . ( هامش الأصل)

وإذا كان اللفظ واحداً ولكنه يتعدّد بالمضاف إليه فإنّه يجعل اثنين في الحساب مثل «صاحب الغيبة» و«صاحب الدار» في ألقاب الإمام صاحب الزمان علیه السلام .

بل حتى لو اتحد المضاف إليه في المعنى وتعدّد في اللفظ يحسب لقبين كذلك مثل «صاحب الزمان» و «صاحب العصر».

وإذا ألقيت سمعك إلى هذا التفصيل فاعلم أنّ قوماً سمت بهم الهمة إلى إحصاء ألقاب الحجّة فأوصلوها في بعض الكتب إلى مأة وثمانين لقباً ولكن مع ذلك بحكم «وفي الزوايا خبايا» فإنّ بعض ألقاب الإمام ومنها ما هو المشهور ومنها ما هو مسطور في المصادر الموثقة والأصول المعتمدة لم تذكر في موضع ، والآن أذكر جملة منها على قلّة البضاعة وبملاحظة الميزان المذكور بإمكان المتتبع المتوسع أن يضيف عليها في طول الزمان ألقاباً كثيرة (1).

الأول: «أبو الوقت» وحقيقة الأبوّة هنا تعني التدبير والرياسة الكلية لأن المتعارف بين العرب إطلاق لفظ «أب» على الزعيم ومقيم كلّ أمر ، ومن هذا الباب جاء لقب «أبو الأرواح» في كنى خاتم الأنبياء وينخرط في سلكه قول الأزري:

لم تكن هذه العناصر إلّا***من هيولاه حيث كان أباها

ولقب «أبو الوقت» من ألقابه المعروفة عند فريق العرفاء كما ورد لفظ هذا اللقب في الدعاء المشتمل على مدائح الأئمة الاثنى عشر المنسوب إلى محيي الدين بن عربي .(2)

الثاني: إمام الزمان» واشتهاره الله بهذا اللقب لا يحتاج إلى دليل ، ولا مندوحة

ص: 80


1- مؤلف كتاب مفتاح الكتب الأربعة في كتابه النفيس يأتي على الناس زمان بلغ بالألقاب 185 لقباً. (هامش الأصل)
2- راجع الصلوات الكبيرة لمحيي الدين بن عربي التي نقلها «گلزار بلاغي»

من ذكر ألقابه مثل : ولي الله وخليفة الله في ألقابه ثمّ العدول عن ذكر هذا اللقب بل قائم الزمان وقيم الزمان وهي من ألقابه علیه السلام من هذا القبيل.

الثالث: «إمام العصر» وتعدّد هذين اللقبين بالمضاف إليه «الزمان» و«العصر» كما مرّ في تعدّد لقب صاحب الزمان وصاحب العصر ، ولا يُتوهّمنّ أنّ الاستغناء حاصل عن هذين اللقبين باللقبين المذكورين ، كلا لاختلاف اللفظ والمعنى وكلّ واحد منهما كافٍ في التعدّد كما سبق ذكره .

الرابع: «باب الله» خوطب علیه السلام بهذا اللقب في زيارة «آل يس» وهذا باب تفتح منه أبواب لأنّهم استدلوا على شمول الزيارة له من وجود هذه الألقاب فيها، وأشرنا إليها في الميزان المذكور ومع ملاحظة هذا المعنى فإن من قرأ الزيارات المأثورة فما ورد فيها من مخاطبته وتعظيمه بألفاظ تشتمل عليها الزيارة إنّما هي ألقابه مثل «خليفة آبائه المهديين» و «دليل إرادة الله» و«ربّاني آيات الله» و«حافظ حق الله» و«المقدّم» و«المأمول» وأمثال ذلك . ولا فرق بين المأمول الذي صيّروه لقباً باستنادهم إلى هذه الزيارة وبين الألفاظ التي أهملوها، كذلك لا فرق بين اللفظ الذي يخاطب به في حال حضوره وبين اللفظ الذي يقال عنه في غيبته .

الخامس: «خليفة آخر الزمان» نقل في صحيح مسلم عن أبي سعيد وجابر أنّ النبي صلی الله علیه و اله وسلم قال : يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعد عَدّاً(1) . واشتمال صحيح مسلم على هذا الحديث يوجب القطع بصدوره، كما قيل:

ومناقب شهد العدوّ بفضلها***والفضل ما شهدت به الأعداء

ص: 81


1- مسند أحمد بن حنبل 3 38 و 233 ط الميمية بمصر ، إحقاق الحق 13 : 250 ونقل عن كتب كثيرة . (هامش الأصل) صحيح مسلم الرقم 7263 : يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده ... (المترجم)

ولا زلت أذكر أني وجدت في كلام العرفاء التعبير عنه بخليفة آخر الزمان مراراً وتكراراً .

السادس: «خاتم الأولياء» وهذا اللقب لجنابه شايع في اصطلاح الصوفية ، لأنه خاتم الدوريّة للولاية المحمّديّة واستكمال النفوس البشرية واستتمام الغرض من البعثة وظهور الصلاح المطلق وعلوّ كلمة الحق ، وكل هذه يكون في عهده السعيد، وصرّح محيي الدين بن عربي بهذا . كلماته ، وعبارته معروفة في البشارة بجنابه .

ويقول الميبدي في شرح الديوان المهدي خاتم الولاية المحمّديّة المطلقة الذي هو من سلالته ومثله خاتم الأولياء ، وإن كان اختلاف اللفظ كافٍ التعدّد في كما ذكر سابقاً، وشعر محيي الدين مشهور الذي يقول فيه :

ألا إن ختم الأنبياء شهيد***وعين إمام العالمين فقيد

السابع: «طاووس أهل الجنّة» روي عن ابن عبّاس في كثير من الكتب العامة والخاصة عن فردوس الديلمي أن النبي صلی الله علیه و اله وسلم قال : «المهدي طاووس أهل الجنّة» (1)وهذا المعنى إما بلحاظ أنّ الإمام يمتاز عن أهل الجنّة بعلوّ المقامات وارتفاع الدرجات كما يمتاز الطاووس عن سائر الطيور بالجمال المخصوص، أو أنّه رؤيته تجلب السرور والراحة لأهل الجنّة كما يحصل عند الناس من البهجة الزائدة والنشاط الوافر عند مشاهدة الطاووس.

الثامن: «الظاهر» كما سمعت ذلك في عبارة الزيارة الشريفة، وبهذه المناسبة نحن أدرجنا التنبيه هنا ولا فرق بين الناطق المذكور فى ألقابه استناداً إلى هذه الزيارة الشريفة والظاهر الذي أهملوه.

ص: 82


1- الطرائف، بحار الأنوار 51 : 105 الرقم 41. (هامش الأصل) الطرائف : 178. (المترجم)

التاسع: «غاية النور» .(1)

العاشر: «منقذ الأُمة».

الحادي عشر : «مصدر الأمور» روى المسعودي عليه الرحمة في كيفية بدء الخلقة حديثاً مرسلاً عن الإمام الصادق علیه السلام والإمام رواه عن آبائه الكرام أباً عن جد عن أميرالمؤمنين علیه السلام . ويقول المسعودي : وذكرت سنده في كتبي الأخرى، وفي ختام الحديث ولم يزل الله يخبأ النور تحت الزمان إلى أن وصل محمداً صلی لله علیه و آله وسلم في ظاهر الفترات فدعا الناس ظاهراً وباطناً وندبهم سراً وإعلاناً واستدعى الله التنبيه على العهد الذي قدّمه إلى الذرّ قبل النسل فمن وافقه واقتبس من مصباح النور المقدّم اهتدى إلى سيره واستبان واضح أمره، ومن ألبسته الغفلة استحق السخط ، ثمّ انتقل النور إلى غرائرنا ولمع في أئمتنا فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض فبنا النجاة ومنا مكنون العلم ، وإلينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج خاتمة الأئمة ومنقذ الأمّة وغاية النور ومصدر الأمور ؛ فنحن أفضل المخلوقين وأشرف الموحدين وحجج ربّ العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا وقبض عروتنا .(2)

وليس بعيداً أن يكون الفاضل المتتبع الميرزا محمد رضا المدرس صاحب «جنات الخلود» اعتبر «خاتمة الأئمة» من ألقاب الإمام اعتماداً على هذه الرواية، وفي هذه الحالة لا يصح التفكيك بوجه من الوجوه .

والمراد من «غاية النور» إما أن يكون منتهى الفضل والكمال لأن الكمال أشرف أنواع النور ، وإما أن يكون نور النبوّة والولاية الذي هو مشرق شموس الإرشاد

ص: 83


1- في الرواية التالية ذكر الاسم الحادي عشر «غاية النور» و «منقذ الأمة».
2- مروج الذهب 1: 43 باب المبدء وشأن الخليقة. (هامش الأصل)

والهداية ينتهي إليه ، لأنّ الغاية إما أن تكون بمعنى «المنتهى إليه الشيء» وإما أن يكون معناه أن الغرض من خلق عالم الأنوار هو وجوده المقدّس كما قال في حق جده «لولاك لما خلقت الأفلاك» (1)بحار الأنوار 15 : 27 و 57: 198. (2) بحار الأنوار 36 : 302 (3)بحار الأنوار 15 : 12 و 38 : 81 (4)العلل والعيون والإكمال ، بحار الأنوار 18 : 345 و 26: 335 و 60: 303 و 668 . (5)بحار الأنوار 36: 337 (6)بحار الأنوار :7 350 و 11 : 172 و 26 : 320 (7)بحار الأنوار 17 : 317 (8)بحار الأنوار 74: 116 . (9) مدينة المعاجز : 153 . (10)الغدير 2: 300 ط 2 وتمام الروايات في ذلك . راجع : إحقاق الحق 9: 105 و 106، وكتاب الغدير 5: 435. (11)عيون الأخبار 1 : 262 ، العلل ،1 : 6 ، كمال الدين، بحار الأنوار 18 : 345 و 26 : 335 و 60 : 304 الرقم 16 . (12).

ص: 84


1- حديث «لولاك لما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقتك» وحديث «لولا رسول الله وعلي لما خلقت العالم» وحديث «لولا أهل البيت لما خلقت العالم» وحديث «لولا فاطمة لما خلقتكما» : روى أبو الحسن البكري أستاد الشهيد الثاني في كتاب الأنوار عن أمير المؤمنين أنه قال : كان والله لأنه ولا شيء معه ، فأول ما خلق نور حبيبه محمد قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والأرض واللوح والقلم ... والحق تبارك وتعالى ينظر إليه ويقول : يا عبدي، أنت المراد والمريد ، وأنت خيرتي من خلقي، وعزتي وجلالي لولاك لما خلقت الأفلاك، من أحبك أحببته ، ومن أبغضك أبغضته
2- . وفي حديث المعراج بعد تصريحه تعالى باختياره نبيه وأولياته الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، قال تعالى : فلولاكم ما خلقت الدنيا والآخرة ولا الجنّة والنار
3- . وفي الحديث القدسي المروي عن مولانا الصادق في معاني الأخبار، والعلل ، بعد بيان نبوّة الرسول وإمامة أمير المؤمنين قال : لولاهما ما خلقت خلقي.
4- الإمام علي بن موسى الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين قال : قال رسول الله ما خلق الله عز وجل خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي ... يا علي ، لولا نحن ما خلق آدم ولا حوّاء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض .
5- وفي النبوي العلوي : ولو لانا لم يخلق الله الجنّة ولا النار ولا الأنبياء ولا الملائكة
6- . وفي رواية المفضّل عن الصادق في وصف خلقة الأرواح قبل الأجساد : بعد ما راى آدم أسماء النبي والأئمة على ساق العرش ، قال تعالى : لولاهم ما خلقتكما .
7- وفي تفسير الإمام العسكري في حديث : قال الشجرة : دعوتك لتشهدي لي بالنبوة بعد شهادتك لله بالتوحيد، ثمّ تشهدي بعد شهادتك لي ، لعلي هذا بالإمامة وإنّه سندي وظهري وعضدي وفخري وعزّي ولولاه ما خلق الله عز وجل شيئاً مما خلق
8- . ويشهد على ما تقدّم في البحار 39: 350 او رواية العيون عن الرضاء كما في البحار 16 : 362 . وقال العلامة المجلسي : إن رسول الله وأمير المؤمنين أبوا هذه الأمة لصيرورتهما سبباً لوجود كل شيء وعلة غائية لجميع الموجودات كما في الحديث القدسي: «لولا كما لما خلقت الأفلاك».
9- والروايات في ذلك أكثر من أن تحصى، منها ما في مدينة المعاجز
10- رواية كريمة غريبة كالدر في وصف خلقة النبي وآله المعصومين وجوامع فضلهم وأنه لولاهم ما خلق الله شيئاً، فراجع إليه . وروى العامة من طرقهم عن أبي هريرة عن النبي عل الله أنه قال : لما خلق الله تعالى آدم أبا البشر ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح ... قال تعالى: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك ، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي ، لولاهم ما خلقت الجنّة والنار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجنّ ....
11- أبو الصلت الهروي عن الرضا صلوات الله عليه ، عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليهم، قال : قال رسول الله : ما خلق الله عز وجل خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه مني . قال علي صلوات الله عليه : فقلت : يا رسول الله ، فأنت أفضل أو جبرئيل ؟ فقال : يا علي ، إن الله فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من ولدك ، وإن الملائكة لخدّامنا وخدام محبينا . يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا . يا علي ، لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حوّاء ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ؛ لأنّ أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده، ثمّ خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وإنا عبيد لسنا بآلهة يجب أن يعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلا الله ، فلما شاهد واكبر محلّنا كبرنا لتعلم الملائكة أنّ الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به ، فلما شاهدوا ما جعله لنا من العزة والقوة قلنا : لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله، فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا : الحمد لله ، لتعلم الملائكة ما يحق الله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته [ نعمه - خ ل] فقالت الملائكة : الحمد لله ، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد وتسبيحه وتهليله و تحمیده و تمجیده. ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه ، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبودية ولادم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف لا أكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون ؟ وإنّه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى ، وأقام مثنى مثنى ، ثمّ قال لي : تقدّم يا محمد ، فقلت له : يا جبرئيل، أتقدّم عليك ؟ فقال : نعم ، لأنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبيائه على ملائكته أجمعين وفضلك خاصه ، فتقدّمت فصليت بهم ولا فخر ، فلما انتهيت إلى حجب النور قال لي جبرئيل : تقدّم يا محمّد و تخلف عني ، فقلت : يا جبرئيل، في مثل هذا الموضع تفارقني ؟! فقال : يا محمد ، إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عزّ وجلّ فيه إلى هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جل جلاله ، فزح بي في النور زخة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه فنوديت : يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك ، فإيَّاي فاعبد وعلي فتوكل فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي ، لك ولمن تبعك خلقت جنتي ، ولمن خالفك خلقت ناري ، ولأوصياءك أو جبت كرامتي ، ولشيعتهم أو جبت ثوابي . فقلت : يا ربّ ، ومن أوصيائي ؟ فنوديت : يا محمد ، أوصياءك المكتوبون على ساق عرشي ، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش فرأيت اثنى عشر نوراً في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي : أولهم علي بن أبي طالب وآخر هم مهدي أمتي . فقلت : يا ربّ، هؤلاء أوصيائي من بعدي ؟ فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي وأوصياني وأصفيائي و حجتي (حججي - خ ل ) بعدك على بريتي وهم أوصياءك وخلفاءك وخير خلقي بعدك ، وعزتي وجلالي لأُظهرنَّ بهم ديني، ولأ علين بهم كلمتي ، ولأطهرنَ الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأمكنته (ولأ ملكته - خل) مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرنّ له الرياح، ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، فلأنصرنه ،بجندي، ولأمدته بملائكتي حتى تعلو دعوتي وتجمع الخلق على توحيدي ، ثمّ الأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أولياني إلى يوم القيامة
12- . وفي كتاب (مجمع النورين) للفاضل المرندي ص 14 قال : وفي الحديث القدسي : لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك . كما ذكره الوحيد البهبهاني . وروي في بحر المعارف : لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك . وفي ضياء العالمين للشيخ أبي الحسن الجد الأمّي للشيخ محمد حسن صاحب الجواهر بزيادة فقرة : «ولولا فاطمة لما خلقتكما» [ ونحوه في ص 187 من كتاب المرندي ] ... انتهى ما في (مجمع النورين). وقد تقدم مصدر آخر لحديث لولا فاطمة لما خلقتكما في المجلد الأول لكتابنا هذا.

ص: 85

ص: 86

ووجه انطباق منقذ الأمة على جنابه ظاهر لأن بعدله الشامل كل مبتلى يستريح.

سبزه زطرف و من چگونه بروید***روید زانسان امید از دل حرمان

لاله به صحن چمن چگونه بخندد***خندد از آنگونه عدل در رخ احسان

يا سائلي كيف تخضر الرياض وقد***أودى بها المحل أو هوج الأعاصير

تخضر تشبه آمالاً بخافق إن_***سان يُعذبه جري المقادير

وكيف يضحك نوار على دمن كالعدل يضحك في إحسان مشكور وكذلك كونه مصدر الأمور ظاهراً لأنّ ببركته الدنيا قائمة ، وأرزاق الخلائق متصلة :

نطفه ای بی مهر او صورت نبندد در رحم***قطره ای بی امر او نازل نگردد از سما

خاصیت بخش نباتات از سپندان تا بعود***رنگ پرد از جمادات از شبه تا در ناب

ص: 87

ولا تحمل الأرحام إلا بحبه***ولا تنزل الأمطار إلا بأمره

ولا قام نبت الأرض إلا بيمنه***ولا البحر مختالاً عليه بدره

وأظهر ما في فقرة مصدر الأمور أنه في زمن إشراق شموس سلطانه تغرب كواكب السلاطين، ويصبح الأمير مأموراً، والملك مقهوراً في جميع الدنيا، كما قيل:

دست بکش بر درش هزار سکندر***غاشیه کش بر درش هزار سلیمان

الثاني عشر : «من يملأ الأرض قسطا وعدلاً» ووصفه بهذه العبارة متواتر في أخبار الخاصة والعامة، وبالطبع ، لم يستند الذين اعتبروا من ألقابه : «من لم يجعل

الله له شبيهاً» على برهان أقوى من هذا البرهان فلا وجه للتفريق بينهما. وأخيراً نقول : ثبت بعد ملاحظة الميزان المذكور وتتبع مطاوي الأخبار والتأمل في الآثار الواردة أن ألقابه علیه السلام أكثر مما ذكرت ، ونحن اقتصرنا على هذا العدد تيمناً بذكرها

ص: 88

وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصَابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مَا يُعْطِي مُصاباً بمُصِيبَة ...

الشرح : السؤال هنا بمعنى القسم، والباء في «بحقكم» متعلّقة بمحذوف تقديره «مقسماً» لأنه لا شك أن الباء المذكورة جيء بها للقسم، وحقيقته في طلب الشفاعة والتوسل .

حق الشيء يحق حقاً وجب ووقع بلا شك (1)كما جاء في القاموس، وثبتت حقيقة الحق ، ومن هذه الجهة كان الحق من أسماء الجلالة وكذلك يقال الحق في مقابل الباطل وكذلك يستعمل الحق في العدل والأمر والمقضي والإسلام والمال والملك والواجب والموجود والصدق والموت والجزم في هذه جميعاً بهذا الجامع، ومن هذا الباب الحقِّ مقابل الحكم مثل حق المطالبة بالعوض مثلاً في البيع الذي أشار إليه فى القاموس ، وقال : واحد الحقوق ... والمراد بحق الأئمة في هذه العبارة إما الشرف والفضل الثابت لهم عند الله عزّ وجلّ بالأحقية التي لهم عنده لنصرة الدين ونشر المعارف وزرع الإيمان في أراضي صدور أهل الاستعداد وسقايته بأنهار بيان الحقائق كما جاء في كثير من الأدعية «بحقك عليهم وبحقهم عليك» .(2)

ص: 89


1- القاموس 1 : 1129 ط بیروت، المكتبة العلمية .
2- اللهم بحقهم إليك أتوسل وأسأل سؤال ... ( دعاء الثالث من شعبان). اللهم إني أسألك بنور وجهك الذي لا يطفأ ، وبوجه محمد حبيبك المصطفى ، وبوجه وليك علي المرتضى ، وبحق أوليائك الذين انتجبتهم أن تصلي على محمد وآل محمد. (أعمال يوم المباهلة) فبحق من ائتمنك على سره واسترعاك أمر خلقه ، كُن لي إلى الله شفيعاً ومن النار مجيراً. (الزيارة المطلقة لأمير المؤمنين) وأسألك بحقهم لما استجبت لي دعوتي وقضيت لي حاجتي . (زيارة الأئمة في سرّ من رأى) . عبد الله بن مسعود: دخلت يوماً على رسول الله فقلت : يا رسول الله ، أرى الخلق لا تصل إليه ، فقال : يا عبد الله ، لج المخدع ولج البيت : دخل ، المخدع بيت داخل البيت الكبير ] فولجت المخدع وعليه يصلي وهو يقول في سجوده وركوعه : اللهم بحق محمد عبدك اغفر للخاطئين من شيعتي، فخرجت حتى أخبر رسول الله فرأيته وهو يصلي وهو يقول : اللهم بحق علي بن أبي طالب عبدك اغفر للخاطئين عن أمتي . قال : فأخذني من ذلك الهلع العظيم، فأوجز النبي في صلاته فقال : يابن مسعود ، أكفر بعد إيمان ؟ فقلت : حاشا وكلا يا رسول الله ، ولكني رأيت عليّاً سأل بك ورأيتك تسأل الله به فلا أعلم أيكم أفضل عند الله ؟ قال : اجلس یابن مسعود، فجلست بين يديه ، فقال لي : اعلم أن الله خلقني وعلياً من نور عظيم قبل خلق الخلق بألفي عام إذ لا تسبيح ولا تقديس، ففتق نوري فخلق منه السماوات والأرض ، وأنا والله أجل من السماوات والأرض ، وفتق نور علي بن أبي طالب فخلق منه العرش والكرسي ، وعلي بن أبي طالب أفضل من العرش والكرسي، وفتق نور الحسن فخلق منه اللوح والقلم ، والحسن والله أجل من اللوح والقلم ، وفتق نور الحسين وخلق منه الجنان والحور ، والحسين والله أجلّ من الجنان والحور . ثم أظلمت المشارق والمغارب فشكت الملائكة إلى الله تعالى أن يكشف عنهم تلك الظلمة فتكلم الله جل جلاله بكلمة فخلق روحاً ثم تكلم بكلمة فخلق من تلك الكلمة الأخرى نورا .... [ابن حسنويه في در بحار المناقب ، إحقاق الحق 5 : 250 ونظيره في ملحقات شرح نهج البلاغة 4 : 558 ، إحقاق الحق 7 87 عنه ، وبحار الأنوار :36: 73 و 40 44] .

ولعل المعنى الأوّل في هذه الفقرة باعتبار الإطلاق والانسجام أنسب في العبارة التالية [وبالشأن الذي لكم] .

ويناسبه الخبر المشهور من أن قوماً يدخلون الجنة ويدعون «الحقية» ولا يعرفون من الإيمان سوى القسم بحق أمير المؤمنين (1).

ص: 90


1- جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن عبدالله بن جعفر ، عن محمد بن أحمد الأنصاري قال : وجه قوم من المفوّضة والمقصرة كامل ابن إبراهيم المدني إلى أبي محمد ال . قال كامل : فقلت في نفسي : أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي ، قال : دخلت على سيدي أبي محمد نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه ، فقلت في نفسي : ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله ، فقال متبسماً : يا كامل، وحسر عن [ ذراعيه ] فإذا مسح أسود خشن على جلده ، فقال : هذا الله وهذا لكم، فسلّمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخی، فجائت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها ، فقال لي : يا كامل بن إبراهيم فاقشعررت من ذلك وألهمت أن قلت : لبيك يا سيدي ، فقال : جنت إلى ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال بمقالتك ؟ فقلت : إي والله ، قال : إذن والله يقل داخلها والله إنّه ليدخلها قوم لهم الحقية ، قلت : يا سيدي ، ومن هم ؟ قال : قوم من حبّهم لعليّ يحلفون بحقه ولا يدرون ما حقه وفضله ، ثم سكت عني ساعة ثم قال : وجنت تسأل عن مقالة المفوّضة، كذبوا ، بل قلوبنا أوعية المشية الله ، فإذا شاء شئنا والله يقول : «وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ» [الإنسان : 30] ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه فنظر إلى أبو محمد متبسماً ، فقال : يا كامل، ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي، فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك . قال أبو نعيم : فلقيت كاملاً فسألته عن هذا الحديث فحدثني به [الغيبة للنعماني بسندين، ودلالة الإمامة للطبري بسنده ، بحار الأنوار 52: 51 (هامش الأصل)]

الشأن: جاء في الصحاح والقاموس وغيرهما الأمر والحال (1)ولكن يستعمل في العرف العام بمعنى الفضل والشرف كما يقولون «له شأن ولا شأن له» وهذا على سبيل الكناية كما هي الحال في لفظ «مقام».

والمراد من شأن الأئمة عند الله معلوم إجمالاً ولو أردناه بيانه بالتفصيل لخرج عن طاقة البشر ومدارك الخلق .

منقار بند رستی هزار جای***تا اولین دریچه او طایر قیاس

لكن عند مراجعة الأخبار والتأمل في طواياها يبيّن لنا أن الأمر يعود إلى كلّ شخص بحسبه وبقدر استعداده، يمكن الاستفادة من معرفة مقاماتهم العالية .

گر بریزی بحر را در کوزه ای***چند گنجد قسمت یکروزه ای

لو وضعت البحر بالكوز فما***قدر ما يحمله من يومه

اختلاف أوعية القلوب إلى اختلاف استعدادات النفوس التي هو منشأ ويرجع تباين الأذواق وتعدّد المذاهب من العلماء الكبار، ويظهر ذلك في ملاحظة

ص: 91


1- الصحاح 5 : 2141 . وقال في القاموس : الخطب والأمر . 4: 238. (المترجم)

حالات الصحابة والقدماء من الرمي بالغلو والارتفاع والتخليط ، وهو موجود في الرجال، ومشروح هذا الإجمال.

ولقد كتبت شرحاً جديراً بالرعاية في رسالة «الإصابة في قاعدة الإجماع على العصابة» وفي «منظومة الإجماع» حول هذا الباب على قلة البضاعة .

ويناسب هذا الباب الخبر الشريف المروي في الكافي : روى ثقة الإسلام رضي الله عنه وأرضاه بسند صحيح عن ضريس الكناني قال: سمعت أبا جعفر يقول - وعنده أناس من أصحابه - : عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفونا أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم لضعف قلوبهم فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا ، أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم (1).

والحمد لله وله المنّة إنّ عموم الناس بما هو أكثر من المئة السالفة على أثر المساعي الجميلة لعلماء الإسلام ونشر أخبار أهل البيت في هذا الزمان قد أخذوا قصب الرهان من حيث رسوخ ولاية الأئمة والاعتقاد الإجمالي بعلو مقامات فضلهم .

الإعطاء : وحقيقة العطاء البذل بدون توقع المدح والشكر وإلا كان معاوضة ولهذا اسم المعطي على الإطلاق لا يليق إلا بالخالق والتكليف بشكره من باب إدراك الحسن والقبح العقلي، ويحكم به العقل، وإنّما الأوامر الشرعية لمحض الإرشاد ولا تعني الجزاء على العطايا الإلهية، وكيف يمكن ذلك وتوفيق الشكر

ص: 92


1- الكافي 1 : 261 كتاب الحجة باب 48 الرقم 4 . (هامش الأصل)

ذاته من عطاياه السنيّة وهو يجرّ إلى التسليم .(1)

از دست و زبان که برآید***كز عهده شکرش بدر آید

كم ذا يطيق بذل حقّ الشكر***باليد باللسان أو بالذكر

الفضل في أصل اللغة الزيادة كما صرحوا بذلك ، وهو أحياناً باعتبار الكيفية وأحياناً باعتبار الكمّيّة، وأحياناً بقوّة سنخيّة الوجود ويراد بالأفضل الأكثر ويمكن أن يراد به الأكمل ، والجمع أولى كما هو الظاهر.

المصاب والمصاب في الأوّل مصدر مبني للمفعول، وفي الثاني اسم مفعول ، والتحقيق في لفظه مرّ آنفاً مع الفوائد المتعلقة به (2)والأخبار حول المصابين . والصابرين ليست قليلة ليمكن حصرها. والآية الكريمة :«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»«الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»«أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»(3) إنّها فهرست كتاب السعادة، وديباجة أوراق الفضل والشرف وموضع المثل المعروف: «كل الصيد في جوف الفرا» لأنه ما جاء في الأخبار حول المعنى فهو شرح لاجمالي الآية الكريمة.

ص: 93


1- لأنه كلما أعطاك شكرته والشكر من عطايا، فتشكره على الشكر وهكذا حتى يتسلسل . (المترجم)
2- في شرح: «لقد عظم مصابي بك». (هامش الأصل)
3- البقرة : 155 - 157 .

مُصِيبَةً مَا أَعْظَمَهَا وَأَعْظَمَ رَزِيَّتَهَا فِي الْإِسْلَامِ وَفِي جَمِيعِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ...

الشرح : نصب «مصيبة» في عبارة الزيارة بتقدير «أصف» و«أذكر» و«أعنى» وأمثالها، وقطع الوصف عن الموصوف في العربيّة يفيد المدح أو الذمّ، ولهذا يقال غالباً أنّ هذه الكلمة منصوبة «بالمدح» وفائدته تبيّن اتصاف الموصوف بالصفة على وجه لو أنه ذكر مستقلاً بدون الاعتماد على موصوف لا يفهم منه إلا أن الموصوف غاية في الوضوح اختصاصه بهذه الصفة وهذا نوع من المبالغة غاية اللطافة وفنّ من البيان في منتهى الشرافة وإن لم أعثر على من ذكر هذه الجهة ولم يخطر بخاطري من صرّح بها .

ما أعظمها : الجملة وإن كانت إنشائيّة إلّا أنّ وقوعها في حيّز الصفة لا تنافي الموصوف كما هو المشهور ، ويقدّر لها «أقول» (أي أقول ما أعظمها).

رزيّة : مرّ معناها في أوائل الزيارة (1)إلا أنّ ما ينبغي الكشف عنه هنا هو وجه إضافتها إلى المصيبة مع أن ظاهر اللغويين أن معناها المصيبة ويترائى لي في هذا

الاستعمال وجهان :

الأول : أنها للتأكيد، ومن المعروف في لغة العرب أنّهم عندما يريدون المبالغة في بلوغ الموصوف كمال الوصف في صفته فإنّهم يشتقون من الموصوف كلمة يصفونه بها فيقول مثلاً: يوم أيوم وليل أليل ، وشعر شاعر وموت مائت، وهم ناصب كأنّهم يرون أن في اليوم يوماً آخر منطو في داخله، وفي الشعر نفس شاعره منطو فيه ، لبلوغه درجة الكمال ، بالاتصاف بالشعرية ، وبناءاً على هذا فإنّ دلالة هذه الإضافة على التأكيد واضحة لأنّ مؤداها أنّ هذه المصيبة بلغت من

ص: 94


1- في شرح الفقرة «يا أبا عبدالله لقد عظمت الرزيّة».

الشدّة بحيث استبطنت مصيبة أخرى، وهذا النوع من الاستعمالات لا يخلو من الخيال .

الوجه الآخر : أن أصل الرزء معناه النقص ويمكن القطع بأن الرزيّة وزان نقيصة وزناً ومعنى واستعماله في المصيبة للزوم النقص لها إما في الأموال أو اللأنفس أو الثمرات، وبناءاً على ما تقدّم فهي مصدر يستعمل أحياناً في أصل معناه وهذا الوجه لا يبعد كثيراً عن المعنى وإن كان الإنصاف يقتضينا بأن الوجهين كليهما لا يخلوان من نوع مسامحة وليس بحاجة إلا إلى قدر من العناية ولعلّ النظر يجلو لنا وجهاً آخر. والمراد من أهل السماوات والأرض مطلق الموجودات وليس العقلاء خاصة كما يظهر في تأمّل الشواهد القادمة وكما يظهر من مدلول ظاهر اللفظ أنّ الحكم لا يشمل السماوات والأرض بذاتيهما ؛ لأن الحكم منصب على أهلهما إلا أنهما داخلان في مناط الحكم ومعلومان من مساق التعبير وقد مرت إشارة إجماليّة قبل هذه الفقرة السابقة بعموم مصيبة .

ومن المناسب أن نذكر هنا جملة من الأخبار من كتب الشيعة وآثاراً من كتب العامة لأن اعتراف القوم بمثل هذه الأمور الغريبة دليل واضح على أحقية الطريقة الإمامية كثر الله أنصارها وضاعف اقتدارها ، وقبل الدخول في ذكر الأخبار المذكورة يجب أن تعلم بأن لا غرابة عقلاً ونقلاً في تألّم الموجودات من السماوات والأرضين من المصيبة المحرقة التي ألمت بالإمام المظلوم الغريب لأنه ثبت في محلّه من علوم مافوق الطبيعة أن الصفات العارضة على الموجودات :قسمان: قسم منها تعرض عليه العوارض مثل الطول والعرض والعمق والتحيّز والحاجة إلى الغذاء والماء بعد تخصصه الطبيعي أو الرياضي، وقسم منها تعرض عليه العوارض بما هو موجود أي يكفي في عروض تلكم الصفات عليه نفس وجوده وتحقق هذا الوجود مثل العلم والسمع والبصر، وبالطبع يعتبر هذا القسم

ص: 95

لازم الوجود لأنه يكفي في عروضها الوجود الصرف بغض النظر عن جميع الأشياء، ولما كان الوجود مختلفاً في الموجودات فمرّة يكون عين الذات وأخرى هو بحاجة إلى علةٍ موجدة، ويكون في موضع أقوى منه في موضع آخر، وغنيّاً صرفاً في مكان، وفي مكان فقيراً بحتاً ، مِن ثَمّ اختلفت آثاره باختلاف مراتبه، وتفاوت مدارجه من الغنا والفقر والكمال والنقص والشدّة والضعف والأصلية والظلية .

إذن، يكون العلم في موضع عين الذات قوياً شديداً كاملاً بل غير متناهي الشدة، وفي موضع في غاية الضعف ونهاية النقصان ، وتمام الظلية وإن كان يسمّى علماً في كلا الموضعين. ومن هذا البيان يظهر أنّ هذا البيان يظهر أنّ جميع الأشياء تتمتّع بقسط من هذه الصفات ونموذج من هذه المعاني ولا شيء موجود ليس فيه بقدر حظه من الوجود وبمقدار نصيبه من تحقق هذه عوارض الحقايق الوجودية.

اگر خواهی که گردد بر تو آسان***و ان من شيء لا یک دم فرو خوان

إن شئت تلقى الحل للمعضل***فاقرأ وإن من شيء لا تعجل

والآية الكريمة: «أنطَقْنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ» (1)تشعر بهذا المعنى وحكماء الإشراق وإن لم يذكروا القاعدة بهذا العموم إلا أنهم وغيرهم قائلون بأن الحيوانات مدركة للكليات كما يظهر ذلك في أعمال النحل وهندسة الأبابيل من صنع بيوتها وسائر عجايب أفعالها لكلّ عاقل غير مسبوق بالشبهة في ذهنه بل قالوا بالحسّ الضعيف للنبات أيضاً كاتجاه جذور النباتات والأشجار المزروعة على حوافي الأنهار إليها ، وتدلّي أغصانها بالتجاه النهر .

ومن ملاحظة الظاهرة الغرامية التي ادّعاها بعضهم للنخل ومن التوجه إلى فروع الكرمة حين تتسلق جداراً فإذا تم الجدار اتجهت إلى الآخر رأعجب من

ص: 96


1- فصلت : .21

الجميع شجرة القرع التي تدنو فروعها من الجدار وقبل أن تناله تلتف عليه وتتجه إلى طرفه الآخر، ومن هذه الناحية حمل العلماء على اعتقاد أن للشجر حسّاً في الجملة ، وهذا القول أرضى أستاد البشر والعقل الحادي عشر الخواجه نصير الدين الطوسي قدس الله سرّه القدوسي، وكفى به حجّة.

ولا وجه للمشهور من جعل إدراك الكليات فصلاً للإنسان لأنه حيوان ناطق، وذكر ذلك في حده لأنّ قدماء الحكماء اعتبروا الناطق بمعنى المتكلم بالغلبة مميّزاً له ، كما صرح بذلك قيصري الرومي في شرح الفصوص، ولكن المتأخرين اعتبروا النطق بمعنى إدراك الكليات وليس بعيداً أن يكون غير متطابق مع صريح اللغة ، ولا يعرض للذهن أن التكلّم عرض وفصل ذاتي وحينئذ كيف يكون فصلاً لأنّ هذا الإشكال نفسه يصدّق في النطق بمعنى إدراك الكليات لأنه أيضاً عرضيّ بالضرورة والجواب مشترك ، والغرض من الاثنين الإشارة إلى ذلك الجوهر منشأ انتزاع هذا الوصف الذي لم تمسكه يد لحد الآن، وينبغي أن يشار إليه باللوازم من هذه الجهة .

يقول الشيخ الرئيس في (رسالة الحدود) : إدراك الحدود الحقيقية للأشياء خارج عن طاقة البشريّة لأنّه موقوف على نيل حقائقها والدعاء النبوي معروف: اللهم أرني حقائق الأشياء كما هي (1)من هذه الناحية لا يوجد تعريف في أبواب

ص: 97


1- عوالي اللثالي 4 : 132 الرقم 228. قال : اللهم أرنا الحقايق كما هي، وفي ذيله عن التفسير الكبير للرازي 6: 26 سورة طه : «اشْرَحْ لِي صَدْرِي» فإنّ عين العقل ضعيفة فاطلع يا إلهي شمس التوفيق حتى أرى كلّ شيء كما هو ، وهذا في معنى قول محمد : «أرنا الأشياء كما هي». وفي مرصاد العباد ص 309 الباب الثالث من الفصل السابع عشر ، ولفظه ما نقله : (خواجه در استدعاء : «أرنا الأشياء كما هي» ظهور أنوار صفات لطف و قهر میطلبد انتهى ما في ذيل عوالي النالي . وفي كنوز الحقائق للمناوي المطبوع في هامش «الجامع الصغير للسيوطي» ط مصر : «اللهم أرني الدنيا كما تراها صالحي عبادك». وقال المولوي في المثنوي ط علاء الدولة ص 115 السطر 15: طعمه بنموده به ما و آن بوده شست***آنچنان بنما به ما آن را که هست (هامش الأصل)

العلوم يخلو من المناقشة بحيث يصل إلى المنتهى نقياً من العيوب.

وخلاصة الحديث ولب المسألة والمطلب أنّه لم يقم دليل عقليّ على عدم شعور الأشياء كلّها وعدم الإدراك في الحيوانات بل الدليل والحسن على خلافه كما أشير ذلك إجمالاً ، والآيات القرآنية وشواهد الأخبار على هذا المعنى كثيرة مثل الآية الكريمة : «وَإن مِن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» (1)وبناءاً على قرائة «تفقهون» بصيغة الخطاب تكون الدلالة أوضح، ويؤيده رجوع ضمير العاقل تسبيحهم إلى شيء ؛ لأنّ الحكم مبني على هذه الحيثية .

ويثبت مدّعانا الأخبار المتواترة بالمعنى بل هى أكثر من متواترة من قبيل عرض الإيمان وعرض الولاية وأخبار مفاخرة كربلاء والكعبة وأخبار ذك-ر الحيوانات وأخبار إيمان بعضها وتكلّمها ببعض القضايا الدينية مثل تسليم الغزال والضب وشهادة الأسد وتألّم الناقة والفرس، وأخبار شهادة الأمكنة على عمل الخير أو الشرّ وأخبار فضل المسجد وسروره وحزنه بالعبادة والمعصية، وأخبار تأثر الجمادات في الوقائع العظيمة في الإسلام، ولا يقتضي المقام بسطاً لهذا المطلب أو تعداداً لوقائعه

ومن هذه الجهة قال قوم: إن معجزة النبي صلی الله علیه و آله وسلم في تسبيح الحصى بيده كان بسماع صوت الحصى ولا جهة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره أو إلى التأويل ، وما من حجّة تلزمنا بنكران هذه القضايا سوى الاستبعاد وعدم الأنس بها لعدم

ص: 98


1- الإسراء : 44 .

جريان العادة بمثلها بل الاستئناس بفتح باب التأويل والتصرف في الظواهر منافٍ للعقول الجزئية قبل التأمل، ولنعم ما قيل:

فاش تسبیح جمادات آیدت***وسوسه تأويلها بربایدت

جملگی اجزاء عالم در جهان***باتومیگویند پیدا و نهان

ما سميعیم و بصیریم و خوشیم***با شما نامحرمان ما خامشیم

كلّما في الوجود يلهج بالحمد***لرب سبحانه معبود

الجماد الذي تراه بلا نطق***يناجي وكلّ ما في الوجود

إنّ تأويله ينافي عقولاً***خلقت مرشداً إلى المعبودِ

ومن القول ظاهر ومن القول خفيّ***بكل معنى مفيد

إن تكن عارفاً ستفقه ما يجري***سميعاً تقول هل من مزيد

ليس يدري الحديث إلا الأخلاء***وينأى عن الغريب البعيد (1)

وفي نظير ذلك أقول عن لسان قوم مشيراً إلى برهانه :

عشق الله ذاته فتجلّى***عشقه في مظاهر الأشياء

ليس حاس كأس الهوية إلا***وهو يحسو سلافة الأهواء

واختلاف الهيوليات دليل***لاختلاف الحدود والإنصباء (2)

وأخيراً نقول : إذا وجدت هذه المقدّمة طريقها إلى الذهن وتقرّرت واستقرت الأخبار الكثيرة دالة على أن الموجودات أجمع تألمت لمصيبة هذا الإمام المظلوم

ا المؤلمة، وكلّ موجود جرى منه البكاء بالشكل الذي يلائم هويته، وأوشكت الانقلابات الواقعية أن تلمّ في اجزاء العالم بواسطة الارتباط الواقعي والمناسبة

ص: 99


1- الشعر للمترجم محاولاً به ایجاب معنى الأبيات الفارسيه الثلاثة فيه ، فليس هو من قبيل الترجمة .
2- ديوان المؤلف : 12 . (هامش الأصل)

الحقيقية التي هي عبارة عن تلقي الفيض الإلهي بوساطة ذلك الوجود المقدّس والاستمداد من بركات ذاته السعيدة في نيل الترقيات المرتقبة لكل واحد منها في كماله الطبيعي لعلاقتها مع ذلك الجناب الخصب (سيد الشهداء) ولقد تجلّى بشكل ظهر جلياً للعدو والصديق ، المؤمن والكافر ، فشهدوا وشاهدوا، ولما كان استقصاء هذه الأخبار برمتها يستدعي وضع كتاب مستقل لذلك قسمتها إلى فصلين فأثبت فيهما من كل قسم طرفة ومن كل نوع لمحة.

الفصل الأوّل

فى ذكر بعض الأخبار الواردة عن أهل البيت الأطهار التي تفيد عموم المصاب ، البعض منها يفيد ذلك بنفسه ، والبعض الآخر بانضمام خبر إليه ، وهاهنا

نقتصر على عدد من الأخبار :

الأوّل: روى الشيخ الصدوق في أماليه وأوصل السند إلى سيد الساجدين علیه السلام أن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام دخل يوماً إلى الحسن علیه السلام فلما نظر إليه بكي، فقال له : ما يبكيك يا أبا عبدالله ؟ قال أبكي لما يُصنع بك... ثم راح الإمام الحسن يعدّد مصائبه له الواقعة في كربلاء المذكورة في كتاب أمالي، وفي ذيل الخبر قال: فعندها - أي بعد شهادتك - تحلّ ببني أمية اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار .(1)(2)

الثاني : الشيخ الصدوق المتقدّم وابن قولويه في كامل الزيارة مسنداً عن عروة ابن الزبير أنّه قال : سمعت أبا ذرّ وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له

ص: 100


1- أمالي الصدوق، مجلس 24 ، تحت رقم 2 ، بحار الأنوار 45: 218 الرقم 44 . ( هامش الأصل)
2- الأمالي : 116 . (المترجم)

الناس : يا أباذر ابشر فهذا قليل في الله تعالى، فقال: ما أيسر هذا ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي علیه السلام قتلاً - أو قال : ذبح ذبحاً - والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة أعظم قتلاً منه [بعد الحسين أعظم قتلاً منه] وإن الله سيسل سيفه على هذه الأُمّة لا يغمده أبداً، ويبعث ناقماً [قائماً من ذرّيّته فينتقم من الناس وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار وسكان الجبال في الغياض والآكام وأهل السماء من قتله لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم، وما من سماء يمرّ به روح الحسين علیه السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك يقومون قياماً ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة ، وما من سحابة تمرّ وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله، وما من يوم إلا وتعرّض روحه على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيلتقيان ...(1).

الثالث: أيضاً في الكتاب الشريف كامل الزيارة مسنداً عن زرارة (سلام الله عليه)(2) قال : قال أبو عبدالله : يا زرارة، إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وإن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة ، وإنّ الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت ، وإنّ الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين علیه السلام، وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد، وما زلنا في عبرة بعده، وكان جدّي إذا ذكره بكى حتّى تملأ عيناه لحيته، وحتى يبكي البكائه رحمة له من رآه ، وإنّ الملائكة عند قبره ليبكون لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة، ولقد خرجت نفسه علیه السلام فزفرفت جهنّم زفرة كادت تنشق

ص: 101


1- كامل الزيارة : 74 ، بحار الأنوار 45: 219 . (هامش الأصل) وكامل الزيارة 73 نسخة المترجم .
2- سلام الله عليه ليست من ألفاظ الحديث. (هامش الأصل) وكان المؤلّف أراد بذلك أن يظهر ولائه لزرارة لاختلاف الأقوال فيه . (المترجم)

لزفرتها، ولقد خرجت نفس عبيدالله بن زياد ويزيد بن معاوية فشهقت جهنّم شهقة لولا أنّ الله حبسها بخزانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها، ولو يؤذن لها ما بقي شيء إلا ابتلعته ولكنها مأمورة مصفودة، ولقد عتت على الخزان غير مرّة حتى أتاها جبرئيل فضربها بجناحه فسكنت، وإنّها لتبكيه وتندبه ، وإنّها لتتلطّى على قاتله ، ولولا من على الأرض من حجج الله لنقضت الأرض وأكفأت بما عليها ، وما تكثر الزلازل إلا عند اقتراب الساعة ، وما من عين أحبّ إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة سلام الله علیها وأسعدها عليه ووصل رسول الله وأدّى حقنا ..(1)إلى آخر الحديث الشريف في فضل الباكين .

الرابع : وكذلك في كامل الزيارة مسنداً أنّ أبا بصير قال عن أبي جعفر قال : بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين بن علي حتى ذرفت دموعه.(2)

الخامس : وكذلك في نفس الكتاب وساق السند إلى الحسين بن ثوير قال: كنت أنا ويونس بن ظبيان والمفضل بن عمر وأبو سلمة السراج جلوساً عند أبي عبد الله علیه السلام فكان المتكلّم يونس، وكان أكبرنا سناً ، وذكر حديثاً طويلاً يقول : ثمّ قال أبو عبد الله علیه السلام : إن أبا عبد الله علیه السلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهنّ، وما ينقلب في الجنّة والنار من خلق ربنا، وبكى على أبي عبدالله إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه .

قلت: جعلت فداك، ما هذه الثلاثة أشياء ؟

ص: 102


1- كامل الزيارات ، باب 26 ، بحار الأنوار 206:45 الرقم 13 . (هامش الأصل) وفي نسخة المترجم ص 80.
2- نفسه ، باب 26 ص 79 ، بحار الأنوار 45 : 205 الرقم .. (هامش الأصل)

قال : لم تبك عليه البصرة ولا دمشق ولا آل عثمان بن عفان .(1)

والظاهر أن المراد من آل عثمان هم خصوص بني أمية أو مطلق أصحابه ومحبّيه الذين يقال لهم العثمانية.

السادس : وفي الكتاب المذكور عن أبي بصير مسنداً أنه قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام ما أحدثه فدخل عليه ابنه فقال له : مرحباً ،وضمه، وقال: حقّر الله من حقركم ، وانتقم ممّن ،وتركم، وخذل الله من خذلكم ، ولعن الله من قتلكم ، وكان الله لكم وليّاً وحافظاً وناصراً، فقد طال بكاء النساء وبك-اء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء ، ثم بكى وقال : يا أبا بصير ، إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم . يا أبا بصير، إنّ فاطمة سلام الله علیها التبكيه وتشهق ... ثم ذكر بكاء فاطمة سلام الله علیها ولوعتها تفصيلا (2).

السابع : في العلل والأمالي ويصل السند إلى ميثم التمار أنّه قال لجبلة المكيّة : والله لتقتل هذه الأمة ابن بنت نبيها في المحرم لعشر يمضين منه ، وليتّخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة، وإنّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهد عهده إليّ مولاي أمير المؤمنين علیه السلام ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كلّ شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في السماء، ويبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ومؤمنوا الإنس والجن وجميع ملائكة السماوات والأرضين ورضوان ومالك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً.

ص: 103


1- كامل الزيارات : 77 ، بحار الأنوار 206:45 الرقم 12 ، وكامل الزيارات ص 80 في نسخة المترجم .
2- كامل الزيارة ، باب 26 ، بحار الأنوار 45: 208 ط بیروت، وص 82 و 83 من كامل الزيارة نسخة المترجم

ثمّ قال : وجبت لعنة الله على قتلة الحسين علیه السلام كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس.

قال جبلة : فقلت له يا ميثم فكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي قُتل فيه الحسين علیه السلام اليوم بركة ؟ فبكى ميثم ...(1)إلى آخر الحديث وسنعرض له إن شاء الله بعد هذا في موضعه.

الثامن : في الكتاب المذكور ويصل السند إلى واحد من أهل بيت المقدس أنه قال : والله لقد عرفنا أهل بيت المقدس ونواحيها عشيّة قتل الحسين بن علي علیه السلام قلت : وكيف ذاك ؟ قال : ما رفعنا حجراً ولا مدراً ولا صخراً إلا ورأينا تحتها دماً عبيطاً يغلي ، واحمرت الحيطان كالعلق ، ومطر ثلاثة أيام دماً عبيطاً، وسمعنا منادياً ينادي في جوف الليل يقول :

أترجو اُمّة قتلت حسيناً***شفاعة جده يوم الحساب

معاذ الله لا نلتم يقيناً***شفاعة أحمد وأبي تراب

قتلتم خير من ركب المطايا***وخير الشيب طرّاً والشباب

وانكسفت الشمس ثلاثة أيام ثم تجلت عنها وانشبكت النجوم فلما كان من غد أرجفنا بقتله فلم يأت علينا كثير شيء حتى نعي إلينا الحسين علیه السلام .(2)

التاسع : وفي الكامل أيضاً بسند معتمد عن الصادق علیه السلام إنه قال : بعث هشام بن لها عبدالملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام فلما دخل عليه قال له: يا أبا جعفر، أشخصناك لنسألك عن مسألة لم يصلح أن يسألك عنها غيري ولا أعلم في

ص: 104


1- علل الشرايع 1: 217 و 227 نسخة المؤلّف، وأمالي الصدوق مجلس 27 تحت رقم 1 ، والبحار 45: 202. (هامش الأصل واللفظ للعلل)
2- كامل الزيارات : 77 ، بحار الأنوار 45: 204 الرقم 6 . (هامش الأصل)

الأرض خلقاً ينبغي أن يعرف أو عرف هذه المسألة إن كان إلا واحداً .

فقال أبي : ليسالني أمير المؤمنين عمّا أحب فإن علمت أجبت ذلك وإن لم أعلم قلت لا أدري وكان الصدق أولى بي.

فقال هشام: أخبرني عن الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب بما استدلّ به الغائب عن المصر الذي قتل فيه على قتله وما العلامة فيه للناس ؟ فإن علمت ذلك وأجبت فأخبرني هل كان تلك العلامة لغير علي في قتله ؟

فقال أبي : يا أمير المؤمنين، إنّه لما كان تلك الليلة التي قتل فيها أمير المؤمنين علیه السلام لم يرفع عن وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط حتى طلع الفجر وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها هارون أخو موسى علیه السلام وكذلك كانت تلك الليلة التي قُتل فيها يوشع بن نون، وكذلك كانت تلك الليلة التي رفع منها عيسى بن مريم إلى السماء، وكذلك كانت تلك الليلة التي قتل فيها شمعون بن حمون الصفا، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، وكذلك كانت الليلة التي قتل فيها الحسين بن علي علیه السلام .

قال : فتربد وجه هشام حتى انتقع لونه وهم أن يبطش بأبي(1)

وللحديث بقيّة لا تهمّ موضوعنا وسوف يأتي نظير هذا الحديث في كلام ابن عبد ربه .

العاشر : السيّد الأجل رضي الدين بن طاوس في (الملهوف) (كذا) عن سيد الساجدين علیه السلام أنه قال في خطبته عندما دخل المدينة : أية عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالها ؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها والسماوات بأركانها والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها والحيتان ولجج البحار

ص: 105


1- كامل الزيارات : 75 ، بحار الأنوار 204:45 (هامش الأصل)

والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون (1)، إلى آخر الخطبة.

في كل سطر من هذه الخطبة يفلق الجبل، ويجف الخضم ، والأخبار من هذا النمط عموماً وخصوصاً في بكاء الأنبياء بخاصة آدم وعيسى وموسى والنبي صلّى الله عليهم في مواقع عدّة، وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن علیهم السلام وانكساف الشمس ومطر السماء الدم وصبغ الثياب بها وفوران الدم من الأرض وعويل الملائكة مطلقاً لاسيما خدّام قبره المطهر إلى الحد الذي يقطع بصدورها من رآها إذا كان خالياً من الأغراض. والحق أنه تجاوزت التواتر المعنوي.

ووردت في الزيارات الشريفة كلمات تدلّ على عموم دعوانا من قبيل الزيارة التي ذكرت في ذيل رواية الحسين بن ثوير في كامل الزيارة: «أشهد أن دمك سكن في الخلد واقشعرت له أظلة (2)العرش، وبكى له جميع الخلايق ، وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهنّ وما بينهنّ ، ومن ينقلب في الجنّة والنار من خلق ربنا ما يُرى وما لا يُرى» (3).

وفي الزيارة الواردة في مصباح الزائر : يقال إن السيد المرتضى علم الهدى رضوان الله عليه زار سيّدالشهداء بها وهي المشهورة بزيارة الناحية المقدّسة: «لقد صرع بمصرعك الإسلام، وتعطلت الحدود والأحكام، واظلمت الأيام،

ص: 106


1- الملهوف :(كذا) : 82 ، بحار الأنوار 45: 148 ، العوالم 17: 469. (هامش الأصل) اللهوف : 201. (المترجم)
2- الظاهر أن أظلة ظلال (جمع الجمع) وهو جمع ظلّ ، وعالم الظل والأظلة والظلال في الأخبار جمع مذكورة، والمراد بها الأنوار المقدّسة والأرواح العلوية كما جاء (المصطفى في الظلال) في ألقاب النبي ، وأظله العرش بناءاً على هذا أرواح الملائكة المقربين وأنوار القادسة المهيمين (كذا) والكروبيين ، وهناك احتمالات أخرى لا تناسب سائر مجالات الاستعمال اللفظي وإن ذكرت في مزارات البحار ج 101 ص 154 رحم الله صاحب البحار . (هامش الأصل)
3- كامل الزيارات : 197، بحار الأنوار 101 ص 152. (هامش الأصل)

وانكشفت الشمس ، وأظلم القمر ، واحتبس الغيث والمطر ، واهتز العرش والسماء، واقشعرت الأرض والبطحاء ، وشمل البلاء، واختلفت الأهواء، وفجع بك الرسول ، وأزعجت البتول ، وطاشت العقول». (1)

وجاء في زيارة أخرى بأبي وأمي من بكته لطيب وفاته سماء الله وأرضه وملائكته .(2)

وكثير من هذا القبيل في الأخبار ، وهذا المقدار كافٍ للإشارة.

الفصل الثاني

في بيان بعض أخبار علماء أهل السنة وأقوالهم التي شهدت بوقوع الآث-ار الغريبة من هذه المصيبة العظمى في السماء والأرض بحيث يمكن من ملاحظة مجموع هذه الروايات والاخبار القطع بادعاء عموم المصيبة، ونحن على سبيل التطفل والاستطراد نورد بعض عجايب الأمور من مقولة الكرامات وهي مشارك في ملاك حكم هذه الوقائع نذكرها من أجل تسديد قلوب الضعفاء والشيعة وتشييد العقائد من كلا أئمتهم .

منها : روى شيخهم المقدّم وإمامهم المعظم مسلم بن الحجاج النيسابوري في الجامع الصحيح - الذي أجمعوا على صحة رواياته وعدالة رواته - في تفسير الآية المباركة : «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ» (3)لما قتل الحسين بكت السماء وبكائها حمرتها .(4)

ص: 107


1- مصباح الزائر : 117 ، بحار الأنوار 101 : 232 . (هامش الأصل)
2- بحار الأنوار 101: 253 (هامش الأصل)
3- الدخان: 29 .
4- صحيح مسلم ، أول جزء 5 ، بحار الأنوار 217:45 . (هامش الأصل)

وقريب من هذا الخبر ما جاء في تفسير علي بن إبراهيم في ذيل هذه الآية أنّ الحسين علیه السلام مر على أبيه أمير المؤمنين علیه السلام فقال : لكن هذا ليبكين عليه السماء والأرض ، وقال : وما بكت السماء والأرض إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن على علیهم السلام .(1)

ونقل في تفسير الثعلبي قال : مطرنا دماً بأيام قتل الحسين علیه السلام .(2)

وروى أحمد بن عبد ربه القرطبي بن عبد ربه القرطبي الأندلسي في كتاب (العقد) بسند متصل متعدد عن محمد بن شهاب الزهري المعروف قال : خرجت مع قتيبة أريد

، المصيصة فقدمنا على أميرالمؤمنين عبدالملك بن مروان وإذا هو قاعد في أيوان له ، وإذا سماطان من الناس على باب الأيوان ، فإذا أراد حاجة قالها للذي يليه حتّى تبلغ المسألة باب الأيوان ، ولا يمشي أحد بين السماطين .

قال الزهري : فجئنا فقمنا على باب الأيوان ، فقال عبدالملك للذي عن يمينه : هل بلغكم أيّ شيء أصبح في بيت المقدس ليلة قتل الحسين بن علي ؟ قال : فسأل كل واحد منهما صاحبه حتى بلغت المسألة الباب فلم يردّ أحد فيها شيئاً.

قال الزهري: فقلت : عندي في هذا علم ، قال : فرجعت المسألة رجلاً عن رجل حتى انتهيت إلى عبدالملك ، سلّمت عليه ، فقال لي : من أنت ؟ قلت : أنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري . قال : فعرّفني بالنسب ، وكان عبدالملك عبیدالله طلّابة للحديث [فعرفته]، فقال: ما أصبح ببيت المقدس يوم قتل الحسين ب-ن عليّ بن أبي طالب؟

ص: 108


1- بحار الأنوار 45: 201 . (هامش الأصل) وتفسير القمي 2 : 291 (المترجم)
2- بحار الأنوار 45 : 217 ، الكشف والبيان للثعلبي 8: 353 دار إحياء التراث العربي سنة 1422 - بيروت . (المترجم)

وفي رواية عليّ بن عبدالعزيز عن إبراهيم بن عبدالله ، عن أبي معشر ، عن محمد بن عبدالله بن سعيد بن العاص، عن الزهري إنّه قال : الليلة التي قتل في صبيحتها الحسين بن عليّ .

قال الزهري: نعم، حدثني فلان - ولم يسمه لنا - أنه لم يرفع تلك الليلة التي صبيحتها قتل الحسين بن علي بن أبي طالب حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم عبيط .

قال عبدالملك : صدقت ، حدثني الذي حدّثك وإنّي وإياك في هذا الغريبان .(1)ثمّ قال لي : ما جاء بك ؟ قلت: [جنت مرابطاً ، قال : الزم الباب، فأقمت عنده فأعطاني مالاً كثيراً ، إلى آخر القصة التي لا ترتبط بما نحن فيه .

وذكر ابن حجر في الصواعق أن الزهري لما أتم حديثه مع عبدالملك ، قال له عبدالملك : لم يبق من يعرف هذا غيري وغيرك فلا تخبر به . قال : فما أخبرت به إلا بعد موته.(2)

وفي سيرة عبدالملك بن هشام في توالي قصه حاملي الرأس الشريف وحديث الراهب المذكور في كتب الفريقين يقول موافقاً لما نقله شمس الدين «قزغلي» في التذكرة : ثمّ إنّهم أخذوا الرأس وساروا ، فلما قربوا من دمشق قال بعضهم لبعض : تعالوا حتى نقسم الدنانير لا يراها يزيد فيأخذها منه ، فأخذوا الأكياس وفتحوها وإذا الدنانير قد تحوّلت خزفاً، وعلى أحد جانب الدينار مكتوب : «وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ» (3)الآية ، وعلى الجانب الآخر: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيُّ

ص: 109


1- العقد الفريد 2 : 215 . (هامش الأصل) و 4 : 386ط القاهرة ، لجنة التأليف والترجمة 1967 . (المترجم)
2- الصواعق المحرقة : 116 ، وفي نسخة المترجم ص 195
3- إبراهيم : 42 .

مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (1)فرموها في بردى نهر بدمشق .(2)

وفي التذكرة أيضاً : حكى الزهري عن أم سلمة قالت : ما سمعت نواح الجن إلا الليلة التي قُتل فيها الحسين ، سمعت قائلاً يقول :

ألا يا عين فاحتفلي بجهدٍ***ومن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا***إلى متجبّر في ثوب عبدِ

قالت اُمّ سلمة : فعلمت أنه قد قتل الحسين (3)(4)

وقال الشعبي : سمع أهل الكوفة قائلاً يقول في الليل :

أبكي قتيلاً بكربلا***مضرّج الجسم بالدماء

أبكي قتيل الطغاة ظلماً***بغير جرم سوى الوفاء

أبكي قتيلاً بكى عليه***من ساكن الأرض والسماء

هتك أهلوه واستحلوا***ما حرم الله في الإماء

يا بأبي جسمه المعري***ألا من الدين والحياء

كل الرزايا لها عزاء***وما لذا الرزء من عزاء

ونقل عن الزهري أيضاً قال : ناحت عليه الجنّ فقالت :

ص: 110


1- الشعراء: 227 .
2- التذكرة : 273 ط المطبعة العلمية في النجف ، الخرائج ، بحار الأنوار 186:45 . (هامش الأصل) وفي نسخة : التذكرة : 237 .
3- أمالي الصدوق ، المجلس 29 الرقم 2 ، بحار الأنوار 45: 238 بدل فاحتفلي» «فانهملي»، وبدل «ثوب عبد ملك عبد» ، تاریخ ابن عساکر مسنداً ومرسلاً 4 341 ، والخصائص للسيوطي 2 : 127 ، مجمع الزوائد 9: 199 ، تذکرة الخواص : 152 . (هامش الأصل)
4- تذكرة الخواص : 242 . (المترجم)

خير نساء الجن يبكين شجيّات(1)***ويلطمن خدوداً كالدنانير نقيات

ويلبسن ثياب السود بعد القصبيّات

قال : وممّا حفظ من قول الجنّ :

مسح النبي جبينه***وله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش***وجده خير الجدود

قتلوك يابن الرسول***فأُسكنوا نار الخلود (2)

وذكر هشام بن محمد قال : لما قُتل الحسين علیه السلام سمع قاتلوه قائلاً يقول في السماء :

أيّها القاتلون ظلماً حسيناً***ابشروا بالعذاب والتنكيل

كلّ أهل السماء يدعو عليكم***من نبي ومرسل وقبيل

قد لعنتم على لسان ابن داود***وموسى وصاحب الإنجيل (3)

وفي التذكرة أيضاً عن محمد بن سعد صاحب الطبقات : إن هذه الحمرة لم تُر في السماء قبل أن يُقتل الحسين .(4)

قال جدّي أبو الفرج في كتاب التبصرة : لما كان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب فليستدلّ بذلك على غضبه وإنّه أمارة السخط، والحق سبحانه ليس

ص: 111


1- في كثير من نسخ الكتب المختلفة جاء الشعر على هذه الصورة ولكنه غير موزون ، وأثبت في بعض الكتب على الوجه التالي : «نساء الجنّ يندبن نساء الهاشميات» وهذا أوفق . ونقل هذه الأشعار في البحار 45: 236 . (هامش الأصل)
2- التذكرة : 280 ط المطبعة العلمية في النجف. (هامش الأصل) وفي نسخة المترجم ص 242 ط منشورات الشريف الرضي
3- التذكرة : 153 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 62 و 63 ، بحار الأنوار 45 236 ، وفي نسخة المترجم : التذكرة : 242.
4- تذكرة الخواص ط الغري : 283 ، وفي نسخة المترجم : 245

بجسم فأظهر تاثير غضبه على قتل الحسين علیه السلام بحمرة الأفق وذلك دليل على عظم الجناية .(1)

وقال ابن سيرين لما قتل الحسين اظلمت الدنيا ثلاثة أيام ثم ظهرت هذه الحمرة.

وساق السند إلى هلال بن ذكوان قال : لما قتل الحسين علیه السلام لها مكتنا شهرين أو ثلاثة كأنّما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس .

قال : وخرجنا في سفر فمطرنا مطراً بقى أثره في ثيابنا مثل الدم.

وقال ابن سعد : ما رفع حجر في الدنيا إلا وتحته دم عبيط ، ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مده حتى تقطعت.

وقال السدي: لما قتل الحسين بكت السماء دماً وبكائها حمرتها.

وقال ابن سيرين وجد حجر قبل مبعث النبي صلی الله علیه و آله وسلم بخمسمائة سنة ، عليه مكتوب بالسريانيّة فنقلوه إلى العربيّة فإذا هو :

أترجو أمة قتلت حسيناً***شفاعة جده يوم الحساب

وقال سليمان بن يسار وجد حجر مكتوب عليه :

لابد أن ترد القيامة فاطم***وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعانه خصمائه***والصور في يوم القيامة ينفخ (2)

وإلى هنا تمّ ما نقلته من التذكرة لسبط ابن الجوزي ، والحكاية الأخيرة تشبه تماماً الواقعة المشهورة المذكورة بخط الشيخ الجليل صاحب الكرامات شمس

ص: 112


1- التذكرة : 283 ط الغري، وعنه في الصواعق المحرقة 194 ط مصر . (هامش الأصل) وفي نسخة المترجم في التذكرة ص 246 .
2- تذكرة الخواص : 284ط الغري، ونسخة المترجم ص 246 نشر الرضي .

الدين بن علي الجباعي جد الشيخ البهائي لأنه وجد عقيق أحمر مكتوب عليه :

أنا دُرّ من السما نثروني***يوم تزويج والد السبطين

كنت أنقى من اللجين بياضاً***صبغوني بدم نحر الحسين (1)

وما في الكشكول وزهر الربيع وغيرها : صبغتني دماء نحر الحسين، وهذا أولى. ووجد على قطعة صفراء في النجف مكتوباً :

صفرة لوني ينبيك عن حزني***لسيّد الأوصياء أبي الحسن

ووجد مكتوباً على جوهرة سوداء:

لست من الحجارة بل جوهر الصدف***حال لوني لفرط حزني على ساكن النجف

وفي زهر الربيع للمحدّث المطّلع السيد نعمة الله الجزائري إنّه قال: وجدنا في مدينة شوشتر حجراً أصفر صغيراً أخرجه الحفّار من بطن الأرض وعليه مكتوب بلونه: «بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله محمد رسول الله ، عليّ ولي الله ، لمّا قُتل الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام كتب بدمه على أرض حصباء: «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (2)(3)

وفي زماننا حدثت مثل هذه الوقايع كما أخبرني والدي المحقق عن الشيخ الفقيه الفاضل الشيخ عبد الحسين الطهراني له أنه لما قصد الحلّة وقعت هذه

ص: 113


1- كنت أصفى من اللجين بياضاً صبغتني دماء نحر الحسين (زهر الربيع 2 : 45 ط النجف . - هامش الأصل)
2- الشعراء : 227
3- رأيت صخره مقدار الكف صفراء أخرجوها من قعر الماء في نهر من أنهار شوشتر ، مكتوباً عليها من نفسها : لما قتل الحسين الشهيد بأرض كربلاء كتب دمه على أرض الحصباء ، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» . (زهر الربيع 2 : 45 ط النجف الأشرف)

الحادثة وهي أنهم قطعوا شجرة وشرحوها طولاً فوجدوا منقوشاً في باطنها على كل لوح : «لا إله إلا الله محمد رسول الله ، عليّ ولي الله» .

وأنا بنفسي رأيت في طهران «ماسة» صغيرة تعدل نصف حبة عدس وعليها كتابة تبدو في باطنها اسم الإمام أمير المؤمنين «علي»علیه السلام بحيث كل من شاهدها يجزم

يقيناً بأنها ليست صنعاً ، والياء من الاسم الشريف مجرورة إلى أسفل تحته، ويتكوّن منها ومن العين واللام قبلها وقبلهما «يا» فيحدث من المجموع لفظ «يا علي».

وقصص من هذا النمط شوهد كثيراً في التاريخ ، منها كما في نفح الطيب عن كتاب «نشق الأزهار» أنّ في جامع قرطبة ثلاثة أعمدة من رخام أحمر مكتوب على الواحد اسم محمد ، والآخر صورة عصى موسى وأهل الكهف، وعلى الثالث صورة غراب نوح عليه الصلاة والسلام خلقها الله تعالى ولم يصنعها صانع .(1)

وأخيراً ليس غرضنا الاستقصاء بل استئناساً للقصة التي ذكرها صاحب التذكرة ونكتفي بهذا القدر ، وباستطاعة المتتبع ذي الاطلاع تأليف رسالة في هذا الباب .

وفي الصواعق المحرقة لأحمد بن حجر الهيثمي الشافعي المكّي ، عن أم سلمة قالت : فلمّا كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول :

أيّها القاتلون جهلاً حسيناً***أبشروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم على لسان ابن داود***وموسى وحامل الإنجيل (2)

ص: 114


1- نفح الطيب 1 : 520 ط دار صادر 1968 تحقيق الدكتور إحسان عباس . (المترجم)
2- الصواعق : 193. (المترجم) وفي الهامش: أيها القاتلون جهلاً حسيناً***أبشروا بالعذاب والتنكيل كلّ أهل السماء يدعو عليكم***ونبي ومرسل وقبيل قد لعنتم على لسان ابن داود***وموسى وصاحب الإنجيل البداية والنهاية لابن كثير 8: 200 ط مصر ، تاریخ ابن عساکر 4: 341 ط روضة الشام، كفاية الطالب : 295 ط الغري، نظم درر السمطين : 217 ط مطبعة القضاء، ينابيع المودة : 320 ط اسلامبول، والصواعق المحرقة : 193 ط مصر ، تاريخ الأمم والملوك 4 357ط الاستقامة، ومآخذ أُخر ، فراجع إحقاق الحق 576:11 . ( هامش الأصل)

ونقل عن سيرة ملا عمر فقال: وروى الملا أن علياً علیه السلام مرّ بقبر الحسين، فقال : هاهنا مناخ ركابهم، وهاهنا موضع رحالهم ، وهاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمّد يُقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض (1)

ونقل رواية أمّ سلمة من طريق آخر .

وروى أيضاً عنها أنها سمعت صوت الجنّ ينوحون على الحسين «مسح النبي جبينه ....» الخ (2).

وسمعت مناحة أخرى :

أنعي حسيناً جبلاً***كان حسين جبلاً (3).

وسمع من آخرين من الجنّ: «ألا يا عين فاحتفلي بجهد ... إلى آخره».(4)

ص: 115


1- الصواعق المحرقة : 193 ط القاهرة (هامش الأصل والمترجم)
2- مسح الرسول جبينه***فله بريق في الخدود أبواه من عليا قريش***جده خير الجدود
3- أنعى حسيناً هبلاً***كان حسين جبلا محاضرات الأبرار 2 160 ط مصر . أتقى حسيناً هبلا***كان حسين جبلاً الخصائص الكبرى 2 : 127 ط حیدر آباد ينابيع المودة : 320ط اسلامبول (هامش الأصل)
4- ألا يا عين فاحتفلي بجهد***و من يبكي على الشهداء بعدي على رهط تقودهم المنايا***إلى متجبر في ملك عبد المعجم الكبير للطبراني ، كفاية الطالب : 294 ط الغري، مقتل الخوارزمي 2 95ط الغري.

وروى في الصواعق أيضاً ولما قتلوه بعثوا برأسه فبيناهم كذلك إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم من حديث فكتبت سطراً بدم:

أترجو أمةً قتلت حسيناً***شفاعة جده يوم الحساب

إلى آخره . أخرجه منصور بن عمّار، وذكر غيره أن هذا البيت وجد بحجر قبل مبعثه بثلاثمائة وأنّه مكتوب في كنيسة من الروم لا يدرى من كتبه .

وذكر أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة عن نصرة الأزدية أنّها قالت: لما قتل الحسين بن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وبابنا وجرارنا مملوءة دماً، وكذا روي في أحاديث غير هذه.

ومما ظهر يوم مقتله من الآيات أيضاً أن السماء اسودت اسوداداً عظيماً حتى رؤيت النجوم نهاراً ، ولم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط .

وأخرج أبو الشيخ أنّ الورس الذي كان في عسكرهم تحوّل رماداً .

وحكى ابن عيينة عن جدته أن جمالاً ممّن انقلب ورسه رماداً أخبرها بذلك ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل الفئران فطبخوها فصارت مثل العلقم .(1)

وحكى أيضاً وظاهر الضمير في كلام ابن حجر رجوعه إلى سفيان بن عيينة : وإن السماء احمرت لقتله وانكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار ، وظنّ الناس أن القيامة قد قامت ، ولم يرفع حجر في الشام إلّا رؤي تحته دم عبيط .(2)(3)

ص: 116


1- هذا وما قبله تجده في الصواعق المحرقة ص 194 ط القاهرة . (هامش الأصل والمترجم)
2- نفسه : 194 . (المترجم)
3- نضرة الأزدية أنّها قالت : لما قتل الحسين بن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وجبابنا وجرارنا مملوءة دماً. (ذخائر العقبى : 144 ط القدسي بالقاهرة، والصواعق المحرقة : 194 ط القاهرة - هامش الأصل).

وعن عثمان بن أبي شيبة أن السماء مكثت بعد قتله سبعة أيام ترى على الحيطان كأنّها ملاحف معصفرة من شدّة حمرتها.

ونقل ابن الجوزي عن ابن سيرين : أنّ الدنيا أظلمت ثلاثة أيام ثم ظهرت الحمرة في السماء .

وقال أبو سعيد: ما رفع حجر من الدنيا إلا وتحته دم عبيط ، ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدة حتّى تقطعت.

وأخرج الثعلبي وأبو نعيم ما مرّ من أنّهم مطروا دماً، زاد أبو نعيم فأصبحنا وجبابنا وجرارنا مملوءة دماً.

وفي رواية : إنّه مطر كالدم على البيوت والجدر بخراسان والشام والكوفة، وأنه لما جيء برأس الحسين إلى دار زیاد سالت حيطانها دماً.

وأخرج الثعلبي أنّ السماء بكت وبكاءها حمرتها. وقال غيره : احمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ثم لا زالت الحمرة بعد ترى بعد ذلك .

وإن ابن سيرين قال: أخبرنا أنّ الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين. ثم حكى كلام ابن الجوزي الذي ذكر علّة لهذه الحمرة، وذكره سبطه آنفاً وذكر حديث الزهري مجملاً. ونقل عنه أيضاً أنّه سمع هذا الحديث من غير عبدالملك. وذكر عن سيرة ملا عمر عن أم سلمة أنة سمعت نوح الجنّ عليه(1)

وفي كتاب ينابيع المودة عن جواهر العقدين للسمهودي وهو من أكابر علماء مصر، روى حديث الزهري، وعن ذلك الكتاب أيضاً ما يوافق حكاية صاحب الينابيع عن ابن البرقي وساق السند إلى صالح إمام مسجد بني سليم عن أشياخٍ له

ص: 117


1- كلّ الذي تقدّم نقله المؤلّف عن صواعق ابن حجر ص 194 من دون تعليق . (المترجم)

قالوا: غزونا أرض الروم فإذا كتاب في كنيسة من كنائسهم بالعربية :

أترجو أمة قتلت حسيناً***شفاعة جده يوم الحساب

فقلنا لأهل الروم من كتب هذا ؟ قالوا ما ندري .

وعن محمد بن سيرين قال : وجد حجر قبل مبعث النبي بثلاثمائة سنة ، عليه مكتوب بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فهو : «أترجو أمة قتلت حسيناً» إلى آخره. وقال سليمان بن يسار وجد حجر عليه مكتوب بالنظم وهو هذا: «لابد أن ترد القيامة فاطم»... إلى آخره .(1)

ويؤيده ما رواه الحافظ ابن الأخضر في كتاب «العترة الطاهرة» أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدم فتتعلّق بقائمة من قوائم العرش فتقول يا عدل، احكم بيني وبين قاتل ولدي فيحكم لابنتي وربّ الكعبة (2).

وتجد في جواهر العقدين ما نقله في الينابيع عن الصواعق المحرقة، وفي الينابيع أيضاً.

وعن (جمع الفوائد) وهو الكتاب الكبير الذي جمع بين الكتابين الكبرين أحدهما جامع الأصول لابن الأثير والآخر (مجمع الزوائد) لنور الدين الهيثمي،

ص: 118


1- لابد أن ترد القيامة فاطم***و قميصها بدم الحسين ملطخ ويل لمن شفعانه خصمانه***والصور في يوم القيامة ينفخ التذكرة : 284 ط الغري، ينابيع المودة : 331ط اسلامبول، نظم درر السمطين : 219. (هامش الأصل) وفي نسخة المترجم 3: 45 من الينابيع .
2- مقتل الحسين للخوارزمي : 52 ، المناقب لابن المغازلي، فردوس الأخبار للديلمي ، ينابيع المودة : 260 ، الشبلنجي في نور الأبصار : 125ط مصر (هامش الأصل)

نقل عن الزهري أنّه قال : ما رفع حجر بالشام إلا وجد تحته دم عبيط ، ولم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط .(1)

وهذه العبارات تختلف مع الفقرات السابقة التي رويت بوجوه مختلفة في كلام شمس الدين البغدادي سبط أبي الفرج وكلام ابن حجر المتأخر صاحب الصواعق.

وعن أبي القبيل قال : لما قتل الحسين علیه السلام انكسفت الشمس حتى بدت الكواكب.

وكذلك روي عن أبي قبيل قال : لما قتل الحسين بن علي رضوان الله عليهما بعث برأسه إلى يزيد فنزلوا أوّل مرحلة فجعلوا يشربون ويتحيّون بالرأس فبينما هم كذلك إذ خرجت عليهم من الحائط قلم حديد فكتبت سطراً بدم:

أترجو أمة قتلت حسيناً***شفاعة جده يوم الحساب

فهربوا وتركوا الرأس (2)[ثم عادوا إليه].

وهذه الأحاديث مرويّة في معجم الطبراني من مرويات الطبراني أيضاً كما جاء ذلك في جمع الفوائد.

وفي مقتل أبي مخنف وهو معتمد بين الفريقين وتوجد نسخته منقولة في الينابيع، والفقير - يعني المؤلّف نفسه (المترجم) - لدفع بعض الاحتمالات أنقل عبارة الينابيع (ذكر أن القوم جلسوا يشربون) وإذا رأوا يداً خرج من الحائط معه قلم يكتب بدم عبيط شعراً:

أترجو أمة قتلت حسيناً***شفاعة جده يوم الحساب

ص: 119


1- ينابيع المودة : 221 ط اسلامبول . (هامش الأصل)
2- نفسه 3: 45 . (المترجم)

فلا والله ليس لهم شفيع***وهم يوم القيامة في العذاب

لقد قتلوا الحسين بحكم جور***وخالف أمرهم حكم الكتاب

فهربوا ثم رجعوا ثم رحلوا من ذلك المنزل وإذا هاتف يقول :

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم***ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفقتدي(1)***منهم أسارى ومنهم ضُرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم***أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

فلما وصلوا بلد تكريت (نشرت الأعلام وخرج الناس بالفرح والسرور فقالت النصارى للجيش : إنّا بُراء مما تصنعون أيّها الظالمون) فلما رحلوا من تكريت (وأتوا على وادي النحلة) فسمعوا بكاء الجنّ وهنّ يلطمن خدودهنّ ويقلن شعراً «مسح النبي جبينه إلى آخره....» وأخرى تقول:

ألا يا عين جودي فوق خدي***فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا***(إلى) متجبّر في الملك وغدِ) (2)

قال أبو مخنف نصبوا الرمح الذي عليه الرأس الشريف المبارك المكرّم إلى جانب صومعة الراهب فسمعوا صوت هاتف ينشد ويقول :

والله ما جئتكم حتى بصرت به***بالطف منعفر الخدين منحورا

وحوله فتية تدمى نحورهم***مثل المصابيح يغشون الدجى نورا

ص: 120


1- في ينابيع المودة ص 230 ط اسلامبول و 3 : 89 دار الأسوة تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني نسخة المترجم: «عند مفتقدي».
2- وفي المعجم الكبير هكذا : ألا يا عين فاحتفلي بجهد***ومن يبكي على الشهداء بعدي علی رهط تقودهم المنايا***إلى متحير في ملك عبد وفي كفاية الطالب : إلى متحيّر . (ص 294)

كان الحسين سراجا يستضاء به***الله يعلم أني لم أقل زورا

مات الحسين غريب الدار منفرداً***ظامي الحشاشة صادي القلب مقهورا

فقالت أمّ كلثوم : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا ملك الجنّ ، أتيت أنا وقومي

لنصرة الحسين (رضي الله عنه وأرضاه) فوجدناه مقتولاً، فلمّا سمع الجيش من الجنّ فتيقنوا بكونهم من أهل النار (1).

وفي ينابيع المودّة بلا واسطة عن تفسير الثعلبي روى عن السدّي أنّه قال : لمّا قتل الحسين بن علي علیهما السلام بكت عليه السماء وبكائها حمرتها.

وحكى ابن سيرين : إن الحمرة لم تر قبل قتله .

وعن سليم القاضي قال : مطرتنا السماء دماً أيام قتله.

وعن إبراهيم النخعي قال: خرج عليّ كرّم الله وجهه فجلس في المسجد، واجتمع أصحابه فجاء الحسين، فوضع يده على رأسه فقال: يا بني، إنّ الله ذمّ أقواماً في كتابه فتلا هذه الآية : «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ» (2)وقال: يا بني، لتقتلنّ من بعدي ثم تبكيك السماء والأرض . قال : وما بكت السماء والأرض إلا على يحيى بن زكريا وعلى الحسين ابني.(3)

ومرت ترجمة (4)هذا الخبر في الفصل الأوّل من أخبار الشيعة (5).

وفي الينابيع عن كثير بن شهاب قال : بينا نحن جلوس عند عليّ في الرحبة إذ طلع الحسين علیه السلام قال : إن الله ذكر قوماً بقوله : «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ»

ص: 121


1- ينابيع المودة : 352ط اسلامبول . (هامش الأصل) 3: 89 (نسخة المترجم)
2- الدخان : 29 .
3- ينابيع المودة : ص 322 ط اسلامبول . (هامش الأصل) و 3: 101. (نسخة المترجم)
4- ينابيع المودة : 322 ط إسلامبول .
5- الفصل الثاني من تفسير القمي : 108

والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليقتلنّ هذا ولتبكين عليه السماء والأرض .(1)

وفي حياة الحيوان : رُئي هذا البيت: أترجو أمة ... إلى آخر على جدار في دير راهب ، فلمّا سُئل عنه قال : رُئي قبل البعثة بخمسمائة عام . وقال بعضهم : فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطراً بالدم : (أترجو أمة ) .. الخ .(2)

وفي غرر الخصائص للوطواط أنهم قالوا يعني المشهور أن رأس الحسين علیه السلام حملوه إلى مجلس يزيد ووضع بين يديه فخرجت يد من الحائط وكتبت على جبهة يزيد المشئومة هذا البيت

وفي

خطط المقريزي هذه العبارة : لما قتل الحسين بكت السماء وبكاءها حمرتها .

وعن عطاء في قوله تعالى: «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُم قال : بكائها حمرة أطرافها.

وعن الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين علیخه السلام إلا وجد تحته دم عبيط .

ويقال : إن الدنيا أظلمت يوم قتل ثلاثاً، وأصابوا في عسكر الحسين يوم قتل إبلاً فنحروها وطبخوها فصارت كالعلقم ، وما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاً.

و روي أن السماء أمطرت دماً فأصبح كلّ شيء مملوئة دماً ، انتهى كلامه .(3)

وهذه العبارة منقولة في نور الأبصار للشبلنجي المصري الشافعي المعاصر .

ونوح الجن عن أم سلمة وكتابة «أترجو ...» على جدار دير الراهب مذكور في الفصول المهمة.

ص: 122


1- ينابيع المودة : 322ط اسلامبول
2- 1 : 60 ط القاهرة ، تاريخ الإسلام والرجال : 386 عن حياة الحيوان ، الأخبار الطوال : 109، تاريخ الخميس 2 : 299 ط الوهيبة . (هامش الأصل)
3- نور الأبصار : 123 ط مصر عن خطط المقريزي (هامش الأصل)

وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف (المعصفرة) المصفرة والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكان قتله يوم عاشوراء وكسفت الشم- يوم عاشوراء وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله .

وقيل : إنّه لم يقلب حجر ببيت المقدس يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط ، وصار الورس في عسكرهم رماداً، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل النيران وطبخوها فصارت مثل العلقم .(1)

وروى أبو نعيم في الدلائل حديث أمّ سلمة وسماع نوح الجن .

ونقل أيضاً عن أمالي ثعلب أنه روى حديث أبو حباب الكلبي أنه قال: قصدت كربلاء وقلت لرجل من أشراف العرب : أخبرني عمّا يقال عن سماعكم نوح الجن ؟ فقال: لن تجد أحداً إلا وقد سمع نوحهم، قلت: أخبرني أنت عمّا سمعته، فقال : سمعت الجنّ ينوحون بهذا الشعر : «مسح النبي جبينه ... إلى آخره».

وقال السيوطي في (عقود الجمان) في صنعة أسلوب الحكيم : يعتقد علماء الهيئة أن الشمس لا تنكسف إلا في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين أو في وفاة النبي يوم العاشر من ربيع الأول - بناءاً على اعتقاد أهل السنة والجماعة - فإنّها قد كسفت برواية الزبير بن بكار وفي يوم مقتل الحسين علیه السلام العاشر من محرّم كسفت أيضاً كما هو المشهور في التواريخ.

وفي شرح الهمزية لابن حجر ومن جملة الآيات الظاهرة يوم مقتل ذلك

ص: 123


1- السيوطي، تاريخ الخلفاء : 80ط الميمنية بمصر . (هامش الأصل) و 1 : 207 مطبعة السعادة بمصر 1371 . هجري ، الطبعة الأولى . (المترجم)

الشهيد المظلوم أنّ السماء مطرت دماً ومُلئت الجرار دماً، واسود الهواء حتى ظهرت الكواكب في السماء، واشتدّت الظلمة حتى ظنّ الناس أن القيامة قامت، وتضاربت النجوم، وانقض بعضها على بعض، واختلطت، ولم يرفع حجر إلا وجد تحته دم عبيط يتفجّر ، وظلّت الدنيا ثلاثة أيام مغبرة مظلمة ومن يومئذ ظهرت الحمرة فيها ، وقيل : امتدت إلى ستة أشهر ، وبعد ذلك أخذت تظهر دائماً . وروي عن ابن سيرين لم تظهر الحمرة في الشفق حتى قتل الحسين علیه السلام.

وفي الكامل : قال رجل من أهل بيت المقدس أقسم بالله أن المقدسيين علموا بقتل الحسين علیه السلام يوم عاشوراء وذلك أنّهم ما رفعوا حجراً عن حجر إلا وجدوا تحته دماً عبيطاً يجري (ومكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنّما يلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع) وسمع في آخر الليل منادياً ينادي بهذا الشعر: أترجو أمة قتلت حسين ...» إلى آخره، وبقيت الشمس ثلاثة أيام منكسفة لا تظهر وأمطرت السماء دماً عبيطاً وتضاربت النجوم، وكنا نحدّث أنفسنا عن وقائع وقعت فلم يمض طويل وقت حتى جاء الخبر بمقتل الإمام المظلوم(1).

تنبيه

ما سمعته مكرّراً في هذا الفصل من ظهور الحمرة في آفاق السماء على أثر قتل سيّد الشهداء ، وقال الشاعر :

وعلى الدهر(2) من دماء الشهيدين***عليّ ونجله شاهدان

وهما في أواخر الليل فجران***وفي أولياته شفعان

ص: 124


1- لم أعثر عليها في الكامل ولا شك بحذفها وهذه شنشنة القوم ، نعم في الكامل العبارة التي وضعتها بين قوسين وذكر المؤلّف بعضها . (المترجم)
2- المشهور وعلى الأفق . (المترجم)

وحيث أن الأذهان العادية المأنوسة بتأويل السمعيات تستبعد هذه المجريات استناداً على القوانين الهيئويّة، وقد تقرّر في علم الهيئة أن الشمس كلّما ارتفعت الأفق كان ظلّ الأرض وهو شكل مخروط مستدير قاعدته في الأرض ورأسه في فلك الزهرة خلافاً للشمس يتجه من سمت الرأس إلى جانب المغرب، ويظهر في الأفق ضوء كاذب شبيه بذنب السرحان ثمّ ينتشر شيئاً فشيئاً حتى يظهر الصبح الصادق وهو الفجر المستدير ، والفجر العارض يبيّن في الأفق وتظهر الحمرة التي هي بسبب اختلاط النور بالظلمة في الفلق، ثمّ تميد الضوء رويداً رويداً وينبسط على المعمور كله حتى تظهر الشمس. وفي غروب الشمس تكون المسألة بالعكس حيث تظهر الحمرة أوّلاً لقرب الشمس من مغربها وميل ظلّ الأرض جهة المشرق، ثمّ كلّما بعدت الشمس يتناقص الحمرة ويزداد البياض اتساعاً ويكون موازياً للفجر الصادق ، ثمّ ينقص قليلاً قليلاً حتى يكون بمثابة خط دقيق مثل ذنب السرحان في جهة الصبح ولا يدوم طويلاً حتى يتلاشى ، وتعود الظلمة تقهر النور وهي الغسق ، وأثبتت التجربة الصحيحة أن سبب حدوث الحمرة التي تكون في أوّل الفجر الصادق هي عندما تنحط الشمس عن الأفق بثمانية عشر درجة.

وكذلك غاية الشفق يكون حينما تنحط الشمس عن أفق (يح)(1)كما هو مذكور بالتفصيل في الهيئة وهذا القليل البضاعة - المؤلّف - أشار إليها في منظومته: «ميزان الفلك» وهذه الأبيات من تلك المنظومة :

والحال في الغروب تحت الأفق***يعكسه فالصبح عكس الشفق

ص: 125


1- هكذا وجدتها عند المؤلّف ولم يشر إلى شرحها المحقق ولست أدري هل هي حروف رمزية أشار بها المؤلف إلى بعض الحقائق الفلكية أو هي خطأ لفظي وأرجح أن يكون الأول ولكن على المحقق أن يشير إليه إلا أن يكون مثلي . (المترجم)

يطلع الحمرة فيه أوّلاً***ثم معارض البلاء يجتلى

ثم بياض استطال واستدق***فينتفي طُرّاً ويقهر الغسق

ودلّت التجربة الصحيحه***أنّ انحطاط الشمس في الصبيحه

في الابتداء عند فجر قد صدق***يح وكذاك عند غاية الشفق

والجواب عن هذا الإشكال وإن لم أجد غيري قد تعرّض له ، أقول :

أولاً : إن قواعد الهيئة لا تنتهي إلى الضروريات والبراهين المسلمة بل الغالب عليها أن تكون مقارنات بعد الوقوع وهي من قبيل الحجج النحوية وهي في الحقيقة استدلال من المعلوم العام على العلّة الخاصة ولهذا أنكر علماء أروبا تلك القواعد وشرعوا لأنفسهم في بناء قواعد جديدة بحيث تضبط ب-ه-ا الحركات واختلاف الفصول والحركات الليلية ،والنهارية، وإن كان بعضها محلّ نظر وبعضها الآخر مخالف للقوانين الشرعيّة ولا دليل على حدوث الحمرة على أثر حركة الشمس ، وما المانع أن يكون النور كلما ازداد قوة كان بياض الفجر أشدّ وضوحاً إلى شروق الشمس. والشاهد على وقوع الكسوف في يوم عاشوراء وهذا يمكن ادعاء التواتر عليه الرواية الفريقين له - مع أن قواعد القوم كما سمعته من كلام السيوطي حيث جرت الإشارة إليه تقتضي ما لم يكن القمر في عقدة الرأس والذنب وهو عبارة عن نقطة تقاطع منطقة ممثل القمر مع منطقة البروج وهو المسمّى بالجوزهر ، ولما كان هذا الجوزهر ممرّاً لمركز التدوير ، فإذا كان بجانب الشمال سمّي راساً ، وإذا اتجه بجانب الجنوب سمّي ذنباً ومع هذا الوصف فإذا اجتمع القمر مع الشمس في برج واحد ففي هذه الصورة يكون القمر كاسفاً للشمس وأخفاها عن الأنظار، ويظهر القمر فى الأفق ، ولما كان في ذاته كثيفاً مكدّراً لا تظهر له للعين صورة ، وقد أشرت إليه في الميزان بقولي :

وهو بإحدى العقدتين إن وقع***وكان إذ ذاك مع الشمس اجتمع

ص: 126

يكسف جرم الشمس من جرم القمر***ولا يرى إلا الأخير في النظر (1)

وفي هذه الصورة تكسف الشمس لا محالة إما في الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين وإلا فلا يجتمع هذا الكوكبان .(2)

ثانياً: سلّمنا إما تفضّلاً أو بملاحظة التقريب الذي أوردناه ولكن لا يلزم أن تحدث الحمرة الواقعية المحسوسة التي تدرك بالحواس فما المانع أن يكون ظهور الحمرة الظاهرية على أثر شدة الحمرة الواقعية المستندة إلى هذه الحادثة العظيمة.

وأخيراً إن شهادة عدوّ أهل البيت وخصومهم في هذا الباب موجباً لتيقن كلّ منصف خال ذهنه من الشبهات بوقوع هذه الواقعة - ولا يلقي السمع لمثل هذه التلفيقات في ردّ أمور معلومة موجبة لاستيقان أهل الإيمان وسبباً لمزيد اطمئنانهم.

ص: 127


1- يقول علماء الهيئة اليوم عن الكسوف والخسوف أنّهما احتجاب الضوء المنبعث من جرم سماوي احتجاباً جزئياً أو كلياً بسبب من تحرّك جرم سماوي آخر واتخاذه وضعاً معترضاً فإذا كان الضوء المتجب هو الشمس دعيت هذه الظاهرة كسوفاً ، وإذا كان الضوء المتجب هو صوء القمر دعيت تلك الظاهرة خسوفاً وإنما يقع الكسوف أو الخسوف لأنّ الأرض والقمر جرمان سماويان مظلمان فما أن يمر القمر مباشرة بين الشمس والأرض حتى يحدث الكسوف ، وما أن تعترض الأرض مباشرة بين الشمس والقمر حتى يحدث الخسوف والكوسف الكلي نادر جداً وفيه يتحوّل ضوء النهار إلى ظلمة تامة وتترائي النجوم كشأنها أثناء الليل ويحدث انخفاض ملحوظ في الحرارة وما هي إلا دقائق معدودات حتى تبدو الشمس للعيان كرّة أخرى ..... (عن موسوعة المورد المترجم)
2- يمكن أن يقال بعد وقوع التواتر في النقل وظهور الرويات الخاصة والعامة في كسوف يوم عاشوراء أن المراد ليس الكسوف الاصطلاحي بل لعظم الواقعة وجلال الموقف وشدّة المصاب حجب الله ضوء الشمس على وجه أظلم نهارها وظهرت النجوم وتكون قواعد الهيئة بناءاً على هذا التوجيه على حالها. (منه)

اللهمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ . اللهم اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَمَاتِي مُماتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ...

الشرح : النيل : معناه بلوغ الشيء كما جاء في كتب اللغة العربية والفارسية.

والصلوات جمع الصلاة ومرّ تحقيقها (1)وجاء في اشتقاقها كلمات بعيدة عن مقام العلم والعلماء ، وكانت مورداً لكثير من الإشكال، والأولى أن تكون مأخوذة من «صلّى» بمعنى حرّك الصلوين وهما العرقان المحيطان بطرفي الذنب والعظمان القريبان منهما اللذين ينحينيان بانحنائهما، والمصلّي هو الذي يأتي بعد السابق من خيل الحلبة وهو مأخوذ من هذا المعنى لأنه يبلغ صلوي السابق .

وجملة القول : لمّا كانت التصلية بهذا المعنى تقتضي الانعطاف والانحناء الصوري فهي أحياناً تستعمل في الأركان المخصوصة المشتملة على الركوع والسجود بجامع الانحناء وتحريك الصلوين وأحياناً تستعمل بمعنى التعطّف والانحناء الباطني نظير ألفاظ الميل والانحناء والانعطاف وأشباهها فإنّها نفسها تستعمل في أفعال القلوب على سبيل التمثيل أو التوسع في الاستعمال، وهذه الطريقة التي أشرنا إليها اختارها صاحب الكشاف، وبناءاً على هذا لا وجه لما اشتهر على السنة علماء الأصول من أن لفظ صلاة بمعنى الدعاء وإن كان استعمل في بعض أشعار أبناء الجاهلية بهذا المعنى لكن الاستعمال أعم من الحقيقة .

والذين لهم علم بأنساب اللغات ووجوه انتقالها من المعاني إلى نظائرها بصفة جيّدة فإنّهم لا محالة على مذهب صاحب الكشاف ، الذي لم يبلغ مبلغه في فهم معاني الألفاظ والاستفادة من خصوصيات العبارات ووجوه تحوّلها في أساليب اللغات أحد من علماء الأدب.

ص: 128


1- في شرح «صلى الله عليه وآله». (هامش الأصل)

الرحمة : المعنى الموافق لظاهر كتب اللغة هو رقّة القلب وانعطافه الموجب للتفضّل وهو من خواص الأجسام واشتقاق الرحم منه لأنّ انعطافه على ما فيه، وإطلاقه على واجب الوجود سبحانه كسائر عوارض الأجسام من الغضب والرضا وغيرهما على وجهين :

الأوّل: ما قاله الشهيد السعيد في القواعد (1)وساعده جماعة من أهل التحقيق ، :قال وأسماء الله تعالى إنّما يؤخذ باعتبار الغايات التي أفعال دون المبادئ

التي هي انفعالات .

وحاصل هذا الكلام أن هذه الأوصاف الملاحظة لنا لها مبادئ راجعة إلى تأثرات وعوارض الأجسام مثل الحياء وهو انفعال النفس في مقام مخصوص وله ثمرات وآثار من مقولة الفعل والتأثير من قبيل الفضل والإحسان في خصوص محلّ السؤال، وتستعمل هذه الألفاظ بالاعتبار الثاني لا الأول وحينئذ تكون مستعملة على ضوء نتائجها المخصوصة بغض النظر عن أسبابها وعللها الطبيعية وبناءاً عليه فهي جميعاً ألفاظ مجازيّة .

الثاني : ما قاله جماعة من أكابر المحققين وتحريره كالتالي أن المعنى الواحد تنشأ له لوازم باعتبار اختلاف نشأته وتعدّد مواطنه وربّما استحال نفسه إلى حقائق

مختلفة مع كونه معنى عاماً مشتركاً بين جميع المراتب ويكون لفظه اسماً لذلك المعنى العام مثل العلم الذي يعرض لنا وله أسباب وعلل ولوازم عدّة ومن كان مترفعاً عن مستوانا فهو منزّه منها ويكون جوهراً في عالم العقول والنفوس (2)

ص: 129


1- والرحمة لغة رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضّل والإحسان ومنه الرحم لانعطافها على ما فيه وأسماء الله تعالى إنّما تُؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال (هامش الأصل والمترجم) القواعد 2 : 167 ، وفي هامش الأصل ص 265 .
2- أي العلم. (المترجم)

ولكنّه في ذات واجب الوجود تعالى ليس جوهراً ولا عرضاً بل عين ذاته المقدّسة المتعالية عن شوائب الأعدام والنقائص جلّ ذكره وعزّ قدره.

ولفظ العلم موضوع لذلك القدر المشترك بين المراتب الثلاث وهو خارج عن خصوصيات العلل والمعلولات واللوازم والحدود ومثله الرحمة التي هي اسم للمرتبة الخاصة والدرجة المخصوصة المستلزمة للفضل والإحسان على الآخرين غاية الأمر أنّ هذا العمل ينبعث في البشر من صفة جسمانية وهي ر رقة القلب ، وهذا معنى كلام بعض المحققين الذي قال: «العوالم متطابقة فما وجد في الأدنى من الصفات الكمالية يوجد في الأعلى على وجه أرفع وأبسط».

وتخصيص اللغويين المعنى باللفظ إما لقصور علمهم وضيق أفقهم وعدم سعة دائرة التعقل عندهم كما هو المتصوّر في اقتصارهم على اللغويات من أمثالهم، وإما أنّهم يكتفون بذكر لوازم الشيء عن ذكره ؛ لأن اللغة لا تلتزم بأكثر من هذا وأنّهم لم يجدوا أكثر مما وجدوه (1). ونحن نزلنا اختلاف أهل اللغة في معنى اللفظ الواحد أو كثرة المعاني للفظ واحد في كلام بعضهم على هذا المذهب، وبهذه الملاحظة لهذا السرّ وغيره من الأسرار يفتح باب واسع في فهم اللغة والاجتهاد في تعيين معاني الألفاظ (2)وهذا الباب خاص بأرباب القرايح اللطيفة

ص: 130


1- وأقول لمولانا الشيخ : إن كنا نتهم علماء اللغة إلى هذه الدرجة المزرية، وبفضلهم عرفنا معاني الألفاظ وأصول وضعها واشتقاقها فمن أين لسادتنا العلماء الذين تحدث سماحته عنهم هذه المعاني التي توصلوا إليها وبنوا مناهجهم على ضوئها فهي إما أن تكون مأخوذة من أصل الوضع وبهذا يرجع إلى اللغوي، وإما أن تكون مستعملة مجازاً ولا ضير في ذلك فالمجال فيه مفتوح للشعراء كما هو مفتوح للعلماء فلا وجه لاتهام علماء اللغة . (المترجم)
2- أقول لمولانا الشيخ : إنّ الاجتهاد مفسد للغة وهو إن جاز في الأحكام الدينية أراه غير جائز في الأحكام اللغوية لأنه في الأول يرجع إلى حجّة وهي القرآن والسنة، وفي الثاني يرجع إلى العقل وهو مختلف . (المترجم)

والأذهان الدقيقة من الممارسين المتأملين في مجاري الاستعمالات والمطلعين على أساليب لغة العرب والله الموفق.

وفي هذا المقام إشكال آخر وهو ما معنى طلب الرحمة بعد أن وسعت رحمته كل شيء «وسعت رحمته كل شيء». والجواب على ذلك أن رحمة الله ع-ل-ى

قسمين:

الأوّل: عام ويدخل في دائرته كلّ ما يصدق عليه اسم شيء وموجود حتى العدم باعتبار وجوده الذهني الذي يحمل مفهومه ، وهذه هي الرحمة التي سبقت الغضب بل حتى الغضب يرحم من حيث كونه وجوداً .

الثاني: خاص وهو منوط باختلاف الاستعدادات وتفاوت القابليات، والأولى الرحمة الرحمانية والإشارة إليها بقوله تعالى: «مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ» (1)في اعتقاد بعضهم ، والثاني الرحمة الرحيميّة، وهذا اصطلاح مأخوذ من أحاديث أهل بيت العصمة كما قال الإمام الصادق علیه السلام «الرحمن» اسم خاص الصفة عامة، و«الرحيم» اسم عامّ لصفة خاصة(2). ومعنى ذلك أن ذلك أنّ اسم الرحمن خاص لا يطلق على غير الله وموضوع بأزاء الصفة العامة وهي الرحمة المبسوطة على هياكل الموجودات ، والرحيم اسم عام يجوز أن يطلق على غير الله ولكن معناه صفة خاصة قائمة ببعض الموارد واختلاف كمالات الأشياء منوط به ، إذن يقصد بسؤال الرحمة هذه المرتبة وإن كانت تنال نصيباً من هذه الرحمة أيضاً وتختص بكمالات مخصوصة ولكن فيض رحمة الله غير محدودة ووجود المبذ الفيّاض لا

ص: 131


1- الملك : 3.
2- الرحمه اسم خاص بصفة عامة، والرحيم اسم عام بصفة خاصة. (مجمع البيان، نور الثقلين 1 : 12 - هامش الأصل)

ينتهي عند حدّ : «لا یزیده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً إنّه هو العزيز الوهاب».

ومن هذه الجهة لمّا كانت كلّ طبيعة طالبة لكمالها تطلب الزيادة بالتوسل بأسباب الإفاضة وهم أئمة الهدى علیهم السلام، والمأمول من رحمة الله أن تبلغ المقصد ولما كانت الصلوات والرحمة من أسباب المغفرة وإن لم تظهر آثارها إلا بعد الغفران فقد ذكرت في المقدم.

ويمكن أن يكون المراد من الصلوات القرب والكمال النفساني في الدنيا والمراد من الرحمة الكمال الأخروي وارتفاع الشأن والدرجة ، ولا ينافي هذا المعنى ما قاله في الفقره السابقة «مقامي هذا ..» إذ لعلّ قصده هو أن يحصل في مقامه هذا على صفة بملاحظتها يكون مرحوماً في الآخرة نظير تعقل الواجب التعليقي الذي هو على التحقيق ترجع إليه جميع الواجبات المطلقة أو المقصود طلب الاستحقاق والأهلية المحققة .

المغفرة : مصدر ميمي من الغفران، وهو كما في شرح الصحيفة وساير كتب اللغة من القاموس والصحاح وغيرهما بمعنى الستر» ولكنه في معنى الستر الخاص الصادر من القادر على المؤاخذة مع التجاوز ، ولا يقال : غفر زيد ذنب مولاه ولا عيبه، وقيد التجاوز الموجود في التعريف معتبر من خارج اللفظ بل أكمل مراتب الستر رفع آثاره الوجودية بحيث لا يمكن الاستدلال على وجوده ؛ لأن ماله ظهور في الوجود على شكل من الأشكال لا يُعدّ مستوراً، ومع عدم التجاوز يحق العقاب ويعرف وجود الذنب إذن لا يُعدّ مستوراً حقيقة خلافاً لما يتجاوز عنه من رأس ويعفي عنه حيث أن إطلاق الستر بناءاً على هذا المعنى أحق وأولى.

وليعلم أن معنى بمجموعه يلتئم مع معنى الآية الكريمة : «الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ

ص: 132

وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (1)لأنه بعد ذكر عظم مصيبة سيّدالشهداء علیه السلام وابتلائه بتلك المصيبة وإظهار الصبر والالتزام بأمر الله تعالى فإنه يستحق الأجر وهو أجر الصابرين الذي وعدهم به في كتابه الكريم ... فلذلك توجّه إلى طلب كرم الله الذي لا يتناهى ثم شرع في التبتل والضراعة.

محيى: مصدر ميمي من حيي يحيى كما أن ممات مصدر ميمي من مات يموت، ويبعد أن يكون اللفظان اسم مكان وبناءاً على الأوّل فهما مفعولان مطلقان، وعلى الثاني مفعول فيه والفرض منه بيان الحدّ والرتبة اللتين كانت عليهما حياة محمّد وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم ومؤدى الوجهين واحد لأن الغرض من ذلك هو الطلب من الله أن يجعل الداعى تابعاً لهم وثابتاً على عقائدهم الشريفة وأخلاقهم الكريمة في جميع الأحوال من الموت والحياة، وأن يصله بدرجة المتابعة المطلقة المبيّنة بقوله تعالى: «فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ» (2)ليحظى بمحبوبيته (3) العيون : 219، بحار الأنوار 36: 244 - 56 ط طهران، أمالي الصدوق : 347 مثله . (هامش الأصل) العيون 1 : 62 ، بحار الأنوار 23: 111 و 25: 193 ، أمالي الصدوق : 32 وسياقه مختلف . (المترجم) (4) بصائر الدرجات : 15 ، بحار الأنوار 36: 248. (هامش الأصل) في بصائر الدرجات روايات عدة بهذا السياق وفيها زيادات على ما ساقه المحقق وأقرب رواية إلى روايته هي رقم 9 وفيها: «من سرّه» بدل «من أحبّ» وتختم بقوله : «ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم». (بصائر الدرجات : 50 ، بحار الأنوار 23: 137 - المترجم) (5)كامل الزيارات : 71 ، البحار : 44 : 260 ، عوالم العلوم : 138. (هامش الأصل) كامل الزيارات : 69 و 71 و في البحار عدد من الأحاديث بهذا المعنى وفيها بعض الاختلافات اليسيرة ، راجع : ح 22 وج 23 وج 36 والصفحات 122 و 136 و 137 و 138 و 139 و 227 إلى آخره . (المترجم) (6) بصائر الدرجات : 14 ، بحار الأنوار 36: 247 الرقم 61 ، كامل الزيارات : 69 ح3 وفيه عن أبي جعفر ، بحار الأنوار 44: 259 و 302 ، عوالم العلوم : 136 عن أبي عبد الله . (هامش الأصل) بصائر الدرجات عدة أحاديث في معنى ما ساقه المحقق وجميعها تختلف مع سياقه بألفاظ أو عبارات ، راجع الصفحات 51 و 52 و 53 ، ومثله في بحار الأنوار وكامل الزيارات . (المترجم) (7) كامل الزيارات : 69 ، البحار 44: 302 ، عوالم العلوم : 597 . (هامش الأصل) (8)بصائر الدرجات : 15 ، بحار الأنوار 36 : 248 الرقم 64 . (هامش الأصل) (9) بحار الأنوار 39: 259 ، مناقب ابن شهر آشوب 2: 4 في محبته ل . (هامش الأصل) . (10) أمالي الصدوق : 33 ، بحار الأنوار 36: 227 و 44 : 258 ط طهران، عوالم العلوم - الإمام الحسين 135 . (هامش الأصل) (11)المناقب لابن شهر آشوب 3: 5 (المترجم) (12) بحار الأنوار 39 :267 الرقم 42 (هامش الأصل) (13)حلية الأولياء وفضائل أحمد وخصائص النطنزي ، بحار الأنوار 39: 259 ، كشف الغمة : 28 - 31، بحار الأنوار 39: 276 الرقم 52 ، كتاب الأربعين للحافظ أبي بكر محمد بن أبي نصر عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم ... بحار الأنوار 39 275 مناقب ابن شهر آشوب :42 في محبته (هامش الأصل) (14) أمالي الشيخ : 314، بحار الأنوار 38: 120 الرقم 66 ، وبالإسناد عن مطرف عن زيد بن أرقم ... بشارة المصطفى : 194 ، بحار الأنوار 39: 285 الرقم 75 (هامش الأصل) (15) بصائر الدرجات : 50 ، بحار الأنوار 44: 258 ، عوالم العلوم : 136 . (هامش الأصل) (16) کتاب سلیم بن قيس : 168 ، بحار الأنوار 96:40-97 (هامش الأصل) (17)الكافي 1 : 316 و 319، بحار الأنوار 49: 224 الرقم 17 . (هامش الأصل) (18) العيون 1 : 33، بحار الأنوار 48: 277 (هامش الأصل) (19) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 38، بحار الأنوار 42: 152 الرقم 20 ط طهران. (هامش الأصل) (20)وبالطبع بحكم الحديث القدسي : لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل

ص: 133


1- البقرة : 156 و 157 .
2- آل عمران: 31
3- وما يلي مرسوم من أراد حياة محمد وآل محمد ومماتهم : 1 - حديث أمير المؤمنين : ماجيلويه وأحمد بن علي بن إبراهيم وابن ناتانة جميعاً عن علي ، عن أبيه ، عن محمد بن علي التميمي قال : حدثني سيدي علي بن موسى الرضا عن آبائه عن علي عن النبي أنه قال : من سره أن ينظر إلى القضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله عز وجل بيده ويكون متمسكاً به فليتول عليا والأئمة من ولده فإنهم خيرة الله وصفوته وهم المعصومون من كل ذنب وخطيئة
4- . * أحمد بن محمد، عن الحسينب بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي العلاء الخفاف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله : من أحب أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن التي وعدني ربّي ؛ قضيب من قضبانه غرسه بيده ثم قال له كن فكان [ وهي جنة الخلد ] فليتول عليّاً [ بن أبي طالب - المصدر ] والأوصياء من بعده، فإنهم لا يخرجونكم من الهدى ولا يدخلونكم في ضلالة . عبدالله بن محمد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن إبراهيم بن محمد بن میمون ، مثله
5- . 2 - حديث الإمام الباقر : محمد الحميري، عن أبيه ، عن ابن أبي الخطاب ، عن محمد بن حماد الكوفي ، عن إبراهيم بن موسى الأنصاري ، عن مصعب ، عن جابر ، عن محمد بن علي قال : قال رسول الله : من سرّ أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن غرسها ربي بيده فليتول عليّاً ويعرف فضله والأوصياء من بعده [بعدي -خ ] ويتبرأ من عدوّي ، أعطاهم الله فهمي وعلمي ، هم عترتي من لحمي ودمي ، أشكو إليك [إلى - المصدر ] ربي عدوّهم من أمتي ، المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي، والله ليقتلن ابني ثم لا تنالهم شفاعتي .
6- 3 - حديث الإمام الصادق عن رسول الله . * أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد ، عن فضاله، عن أبي المعزى ، عن محمد بن سالم ، عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبدالله يقول : قال رسول الله من أراد أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنّة ربي جنة عدن غرسها ربّي بيده فليتولّ عليّ بن أبي طالب وليتول وليه وليعاد عدوّه وليسلّم الأوصياء من بعده فإنّهم عترتي من لحمي ودمي، أعطاهم الله فهمي وعلمي ، إلى الله أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم والقاطعين فيهم صلتي [ والقاطعين صلتي - المصدر ] وأيم الله ليقتلنّ ابني ، لا أنالهم الله شفاعتي .
7- * ابن الوليد ، عن الصفار، عن اليقطيني، عن زكريا المؤمن ، عن أيوب بن عبدالرحمن وزيد بن الحسن و عباد جميعاً عن سعد الإسكاف ، قال : قال أبو عبد الله [ أبو جعفر - المصدر ] قال رسول الله : من سره أن يحيا حياتي [ محياي - المصدر ] ويموت مماتي ويدخل جنّة عدن [ فليلزم ] قضيب غرسه ربّي بيده فليتول عليّاً والأوصياء من بعده وليسلّم لفضلهم فإنّهم الهداة المرضيّون، أعطاهم الله فهمي وعلمي وهم عترتي من لحمي [ خلقي - الأصل ] ودمي ، إلى الله أشكو عدوهم من أمتي ، المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي، والله ليقتلن ابني لا أنالهم الله» [لا نالتهم - خ والبحار ] شفاعتي
8- . 4 - حديث الإمام علي بن موسى الرضا : أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن بشار [ يسار - المصدر ] عن أبي الحسن الرضا قال : قال رسول الله من أحب أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن التي وعدني ربي قضيب من قضبانه غرسه بيده ثم قال له : كن فكان فليتول علي بن أبي طالب والأوصياء من بعده فإنّهم لا يخرجونكم من هدى ولا يدخلونكم في ضلاله . عبدالله بن محمد، عن إبراهيم بن محمد، عن عبدالرحمن بن أبي ، مثله .
9- 5 - أحاديث الصحابة عن رسول الله : * ابن عباس وأبو هريرة عن رسول الله الله من سره أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن منزلي منها غرسه ربّي ثم قال له كن فيكون، فليتول علي بن أبي طالب ولياً ثم الأوصياء من ولده فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ...
10- * بالإسناد عن ابن عباس قال : قال رسول الله : من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن منزلي ويمسك قضيباً غرسه ربي عز وجل ثمّ قال له كُن فكان فليتول علي بن أبي طالب وليأتم بالأوصياء من ولده فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، إلى الله أشكو أعدائهم من أمتي ، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي، وأيم الله ليقتلنّ ابني الحسين بعدي لا أنالهم الله شفاعتي .
11- * ابن شهر آشوب : قال عبدالله بن موسى تشاجر رجلان في الإمامة فتراضيا بشريك بن عبدالله ، فجاءا إليه ، فقال شريك : حدثني الأعمش عن شقيق عن سلمة عن حذيفة اليمان ، قال النبي : إن الله عزّ وجل خلق عليّاً قضيباً من الجنّة فمن تمسك به كان من أهل الجنّة . فاستعظم ذلك الرجل وقال : هذا حديث ما سمعناه، نأتي ابن دراج، فأتياه فأخبراه بقصتهما ، فقال : أتعجبان من هذا؟ حدثني الأعمش عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : إن الله خلق قضيباً من نور فعلقه ببطنان عرشه لا يناله إلّا علي ومن تولاه من شيعته . فقال الرجل : هذه أخت تلك ، نمضي إلى وكيع، فمضيا إليه فأخبراه بالقصة، فقال وكيع : أتعجبان من هذا ؟ حدثني الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : إن أركان العرش لا ينالها إلا علي ومن تولاه من شيعته . قال : فاعترف الرجل بولاية علي .
12- قال خطيب منبج : لقد غرس الإله بدار عدن***قضيباً وهو خير الفارسينا من الياقوت يستعلي وينمو***على قضبانها حسناً ولينا فإن شئتم تمسكتم فكونوا***بحبل أخي من المتمسكينا وقال الصفر البصري : يروى بأن أبا هريرة قال لي***إني ملأت من النبي مسامعا من رام أن يتمسك الغصن الذي***من أحمر الياقوت أصبح لامعا من غرس ربّ العالمين وزرعه***من جنتي عدن تبارك زارعا فليلقين لولاية الهادي أبي***حسن عليّ ذي المناقب تابعا * حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله الله الله : من سره أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي
13- . * زيد بن أرقم عن النبي قال : من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي عزّ وجلّ غرس قضبانها بيده فليتول علي بن أبي طالب فإنه لم يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة .
14- * جماعة ، عن أبي المفضّل ، عن عبد الله بن أبي ياسين ، عن محمد بن عبدالرحمن بن كامل ، عن علي بن جعفر الأحمر ، عن يحيى بن يعلى، عن عمار بن زريق ، عن أبي إسحاق، عن زيد بن مطرف ، عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله من أحب أن يحيى حياتي ويموت موتي ويدخل الجنة التي وعدني ربّي فليتول علياً بعدي فإنّه لن يخرجكم من هدى ولا يدخلكم في ردى .
15- * محمد بن الحسين [محمد بن الحسن - المصدر ] عن يزيد بن شعر [ يزيد شعر - المصدر ] عن هارون ابن حمزة ، عن عبدالرحمن ، عن سعد الإسكاف، عن محمد بن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله من سره أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنّة ربي التي وعدني جنة عدن منزلي ، قضيب من قضبانه غرسه ربي تبارك وتعالى بيده فقال له كن فكان ، فليتول علي بن أبي طالب والأوصياء من ذرّيّته، إنّهم الأئمة من بعدي هم عترتي من لحمي ودمي، رزقهم الله فضلي و علمي ، وويل للمنكرين فضلهم من أمتي ، القاطين صلتي، والله ليقتلن ابني ، لا أنا لهم الله شفاعتي .
16- من أراد أن يطهر قلبه عرفه ولاية علي بن أبي طالب، ولم يبلغ إبراهيم وموسى وعيسى المرتبة إلا بذلك سليم بن قيس : سمعت رسول الله يقول : إن الله توحد بملكه فعرف أنواره نفسه ثم فوض إليهم وأباحهم جنّته ، فمن أراد أن يطهر قلبه من الجن والإنس عرّفه ولاية عليّ بن أبي طالب، والذي نفسي بیده ما استوجب آدم أن يخلقه الله وينفخ روحه من روحه أن يتوب عليه ويرده إلى جنته إلا بنبوتي والولاية لعليّ بعدي، والذي نفسي بيده ما أري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ولا اتخذه خليلاً إلا بنبوّتي والإقرار لعلي بعدي، والذي نفسي بيده ما كلّم الله موسى تكليماً ولا أقام عيسى آية للعالمين إلا بنبوّتي ومعرفة عليّ بعدي، والذي نفسي بيده ما تنبأ نبي إلا بمعرفتي والإقرار لنا بالولاية، ولا استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية والإقرار لعليّ بعدي .
17- تفسير حياة محمّد وآل محمد ومماتهم أحمد بن مهران، عن محمد بن علي ، عن أبي الحكم ، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري وعبدالله بن محمّد بن عمارة، عن يزيد بن سليط قال : لما أوصى أبو إبراهيم ، أشهد إبراهيم بن محمد الجعفري وإسحاق بن محمد الجعفري وإسحاق بن جعفر بن محمد وجعفر بن صالح ومعاوية الجعفري ويحيى بن الحسن بن زيد بن علي وسعد بن عمران الأنصاري ومحمد بن جعد بن سعد الأسلمي - وهو كاتب الوصية الأولى [أي وصيّة آبائه كما سيشير إليه قوله ، وقد نسخت قبل ذلك في صدر الكتاب أو تحت الختم . قيل : المراد أنّ هذه الوصيّة موافقة لوصاياهم فالمعنی نسخت بعين كتابة هذه الوصية التي وصيا بها - بحار الأنوار 49: 228] - أشهدهم أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأن البعث بعد الموت حق ، وأنّ الوعد حق ، وأن الساعة حق، وأن القضاء حق، وأن الوقوف بين يدي الله حق ، وأن ما جاء به محمد حق ، وأن ما نزل به الروح الأمين حق ، وأن الوقوف بين يدي الله حق ، وأن ما جاء به محمد حق ، وأن ما نزل به الروح الأمين حق، على ذلك أحيي وعليه أموت ، وعليه أبعث إن شاء الله .
18- * ابن إدريس ، عن محمد بن أبي الصهبان، عن عبد الله بن محمد الحجّال أنّ إبراهيم بن عبدالله الجعفري حدثه عن عدة من أهل بيته أن أبا إبراهيم موسى بن جعفر أشهد على وصيّته إسحاق بن جعفر بن محمد بعد أن أشهدهم أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأن البعث بعد الموت حق ، وأن الحساب والقصاص حق ، وأن الوقوف بين يدي الله حق ، وأن ما جاء به محمد حق حق حق ، وأن ما نزل به الروح الأمين حقّ ، على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه أبعث إن شاء الله ...
19- * حمدويه وإبراهيم معاً، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد ، عن سلام بن سعيد ، عن عبدالله بن عبد ياليل عن رجل من أهل الطائف قال : أتينا ابن عباس رحمة الله عليهما نعوده في مرضه الذي مات فيه . قال : فأغمي عليه في البيت فأخرج إلى صحن الدار ، قال : فأفاق فقال : إن خليلي رسول الله قال : إني سأهاجر هجرتين، وإني سأخرج من هجرتي، فهاجرت هجرة مع رسول الله وهجرة مع عليّ وإني سأعمى فعميت، وإني سأغرق فأصابني حجّة فطر حني أهلي في البحر فغفلوا عنّي فغرقت ثمّ استخر جوني بعد، وأمرني أن أبرأ من خمسة من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم ، فقالوا : لا قدر ومن المرجئة وهم الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا الله أعلم. قال : ثمّ قال : اللهم إني أحيا على ما حيي عليه علي بن أبي طالب وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب ، قال : ثم مات فغسل وكفن ثمّ صلي على سريره . قال : فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه فرأى الناس إنما هو فقهه فدفن .
20-

ص: 134

ص: 135

ص: 136

ص: 137

ص: 138

حتى أحبه فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده

ص: 139

التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ...(1)كما في بعض الطرق، فإذا أحبّه الله صدرت منه أعمال إلهية واستنشقت منه روح الرحمن كما في الحديث الصحيح المتفق عليه في حق أويس : إني وجدت روح الرحمن من طرف اليمن» (2)ونعم ما قيل :

چون اویس از خویش فانی گشته***بود آن زمینی آسمانی گشته بود

ص: 140


1- الكافي 2 : 352 ح 5 كتاب الكفر والإيمان باب 145 (هامش الأصل)
2- أويس القرني كان ممن شهد له رسول الله بالجنة ولم يره ، وشهد مع أمير المؤمنين صفين واستشهد بها. روي عن أمير المؤمنين أنه أخبره النبي أنه يدرك رجلا من أمته يقال له أويس القرني يكون من الله حزب الله ، يموت على الشهادة ، يدخل في شفاعته مثل ربيعة و مضر . روي عن رسول الله أنه كان يقول : تفوح روائح الجنّة من قبل قرن ، واشوقاه إليك يا أويس القرني، ألا ومن لقيه فليقرئه مني السلام. فقيل : يا رسول الله ، ومن أويس القرني ؟ قال : إن غاب عنكم لم تفتقدوه، وإن ظهر لكم لم تكترثوا به، يدخل الجنّة من شفاعته مثل ربيعة ومضر ، يؤمن بي ولا يراني ، ويُقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في صفين . قيل لأويس القرني : كيف أصبحت ؟ قال : كيف يصبح رجل إذا أصبح لا يدري أيمسي ، وإذا أمسى لا يدري أيصبح ؟ (سفينة البحار 1: 53 مادة أوس). قال أمير المؤمنين بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة : يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً، يبايعوني على الموت. قال ابن عباس : فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم من العدد أو يزيدوا عليه فيفسدوا الأمر علينا، وإني أحصي القوم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعة وتسعين رجلاً ، ثم انقطع مجيء القوم ، فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا حمله على ما قال ؟ فبينما أنا مفكّر في ذلك إذا رأيت شخصاً قد أقبل حتى دنا وهو رجل عليه قباء صوف ومعه سيف وترس وأداوة ، فقرب من أمير المؤمنين ، فقال : أمدد يديك لأبايعك ، قال علي : وعلى ما تبايعني ؟ قال : على السمع والطاعة والقتال بين يديك أو يفتح الله عليك ، فقال : ما اسمك ؟ قال : أويس القرني ، قال : نعم، الله أكبر ، قد أخبرني حبيبي رسول الله أني أدرك رجلا من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله ، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر . قال ابن عباس : فسري عني . (الخرائج - البحار 41: 300 في إخباره بالغائبات). (هامش الأصل)

آن هلیله پروریده در شکر***چاشنی تلخیش نبود دگر

آن هلیله رسته از ما و منی***از هلیله شکل دارد طعم نی

والله أعلم بمراد أوليائه .

وحين أويس لم يحس بذاته***وطينته صارت إلى عالم السما

وذات المذاق المرديفت بسكر***فلم يتجرّع طعمها المرء علقما

وهذا الطليق الحرّ من شكل نطفة***دع الشكل ما أعلاه حرّاً وأعظما

ص: 141

اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ ...

الشرح : التبرك : التيمن بالشيء ، كما جاء في كتاب منتهى الإرب» وهو يوافق ما هو مذكور في القاوس والصحاح وغيرهما، وهو مشتق من البركة بمعنى النماء والزيادة وذخيرة السعادة والأصل في معنى البركة من برك البعير إذا أناخ في موضع فلزمه ، ولمّا كان مبرك البعير يستلزم الثبوت والدوام قياساً إلى حاله ه في الحركة ، والأمر السعيد الباقي المتزايد إذا كان ثابتاً استعمل فيه ، كما قال ابن الأثير في النهاية : اللهم بارك على محمد وآل محمد، أي ثبت وأدِمْ له ما أعطيت من التشريف والكرامة. وسمّي الحوض بركة لأن الماء يدوم فيه، كما في الصحاح حيث قال ذلك : «ويقال : سمّيت بذلك لإقامة الماء» وترجع سائر الاستعمالات أيضاً إلى هذا المعنى.

وقال ابن الأثير في النهاية بعد ذكره معنى البروك ومعنى الزيادة والنماء: «والأصل الأوّل» والوجه ما بيّناه.

وفي شرح الصحيفة عن الراغب الأصفهاني وهو من مهرة أهل الصناعة هذه أنّه قال: «البركة ثبوت الخير الإلهي» وهذا الكلام شاهد على التحقيق السالف .

وهذا النوع من التوسع في لغة العرب ليست من القلة بحيث يمكن الإحاطة بها، من هذه الجهة أنكر بعض فقهاء اللغة الاشتراك فيها وهذا وإن لم يكن صحيحاً قطعاً إلا أن أكثر موارد الاشتراك - اللفظي - وقد حسبه اللغويون القشريون متعدّد المعنى وتابعهم السطحيون من أهل الصناعات وجروا على ظواهر كلامهم راجع إلى الاشتراك المعنوي وإلى المناسبات البعيدة والانتقالات الخفية وقد كانت بنظر اللغويين في بدو الانتقال قريبة ظاهرة إلا أن تطاول الزمان ونسيان القرائن أخفت المناسبة فكان الاشتراك لذلك، فمن كان يتتبع بذهن وقاد كتب

ص: 142

الأدباء العارفين بالحقيقة والباحثين عن الدقيقة أصحاب الإجادة والتصرف مثل السيدين الجليلين - رضي الله عنهما - المرتضى والرضي، ونجم الأئمة والسيّد عليخان والزمخشري والمطرّزي، والخطيب التبريزي، والراغب الأصفهاني والجوهري أحياناً، والفيومي وابن الأثير وغيرهم من أصحاب معرفة لباب معاني البيان ونيل حقائق مقاصد الكلام ، شريطة أن يكون على بصيرة من وجوه الاستفادات وبيانات القوم، وطريقة العرب عند التحوّل في أساليب المعاني وفنون التعبير فإنّه يستطيع بمعونة الملكة القوية والطريقة السويّة أن يلمّ بالمناسبات والقرائن في كثير من المواضع ، ويصبح نسابة اللغة ومحققاً في فنّ الأدب.

وأخيراً نقول : إن تبرك بنى أُميّة في مثل هذا اليوم المشئوم على وجوه :

الأوّل: ادّخار القوت والأطعمة في هذا اليوم إعلاناً للسرور بقتل الإمام المظلوم ، وهذه ثلمة كبيرة في الإسلام - وهي علامة على الخيبة والخسران ومنبع الفساد والعار - حيث اعتبروه يوم فتح وظفر وادّخروا أطايب الطعام فيه إلى العام القادم ؛ لأنّه يوم سعادة لهم وسعة في الرزق ورغد في العيش كما جاء في الأخبار المأثورة عن أهل بيت العصمة علیهم السلام فقد نهوا عن هذا الأمر مراراً وتكراراً من باب التعريض ببني أمية لعنهم الله .

ففي الأمالي والعيون وغيرهما وسيق السند إلى الإمام الرضا علیه السلام أنه قال: من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزّ وجلّ يوم القيامة يوم فرحه و سروره، وقرّت بنا في الجنان عينه ، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه المنزله شيئاً لم يبارك له فيما ادّخر وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد

ص: 143

وعمر بن سعد لعنهم الله إلى أسفل درك من النار .(1)

وقال شيخ الطائفة - قدس الله نفسه الزكية - في «المصباح الكبير» بسنده عن الإمام الباقر علیه السلام ضمن خبر طويل في آداب أعمال يوم عاشوراء الذي قرأناه في الباب الأوّل من شرح سند الزيارة المقدّسة الشريف على التمام أنّه قال لعلقمة : وإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فإنّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن فإن قضيت لم يُبارك ولم ير فيها رشداً، ولا يدخرنّ أحدكم لمنزله فيه شيئاً، فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادخره، ولم يبارك له في أهله ... الخ .(2)

كناية عن أولئك الذين طعموا من تلك الذخيرة فإنّ الله يسلب منهم البركة جميعاً من العلم والعمل والرزق والمعاش والدين والدنيا، ويلازمهم الشؤم والنحس، وينتقلون من خزي الدنيا إلى عذاب الآخرة، والله عالم بمراد أوليائه .

وأخبار أخرى حول هذا المعنى يجدها المتتبع ، وتوجد أخبار في كتب العامة تطابق ما ذكره الأئمة من منع الادخار والتبرك الأموي لا فائدة من ذكرها.

الوجه الآخر من وجوه التبرك، إقامة تقاليد العيد من التوسعة على العيال وتجديد الثياب وقص الشارب وتقليم الأظفار والمصافحة والمعايدات الأخرى التي درج الناس على اتخاذها في الأعياد ، وهي سنة بني أمية وأتباعهم - وهم عامة أهل السنة والجماعة - التي جروا عليها كما يشاهد اليوم فعلاً في بلادهم لاسيما البلاد النائية عن بلاد التشيّع مثل مكة والمدينة، فقد اعتادوا على تسمية هذا اليوم

ص: 144


1- أمالي الصدوق : 112 المجلس السابع والعشرون، بحار الأنوار 44 :284 ، عوالم العلوم ، مجلد الإم-ام الحسين : 540 عن الأمالي . (هامش الأصل) اللفظ للأمالي : 129 في نسخة المترجم .
2- مصباح الطوسي : 538 - 542 ، كامل الزيارات : 174 ، بحار الأنوار 98: 290 و 296 ط لبنان . (هامش الأصل) وفي نسخة المترجم من المصباح : ص 773

«بعيد العاشور» وبالغوا في إظهار المسرّات به بحيث لا يشبه ما يجري فيه من التقاليد والأفراح أيّ عيد من أعيادهم من يشاهد حالات أهل المدينة في يوم عاشوراء الذين هم شرار خلق الله - كما ورد في حديث معتبر - يقف ع-ل-ى م-ا يضمرون في خواطرهم من أنواع المسرات في ذلك اليوم، كيف يظهرون الفرح والنشاط في يوم وقوع هذه المصيبة العظيمة ؟!

خاطب عبدالملك بن حبيب السلمي - وهو عالم الأندلسيين ويقال عنه أنّ-ه ألف ألف كتاب-واحداً من خلفاء بني أمية وهنأه في يوم عاشوراء بهذه الأبيات:

لا تنس لا ينسك الرحمن عاشورا***واذكره لا زلت في التاريخ مذكورا

قال النبي صلاة الله تشمله***قولاً وجدنا عليه الحق والنورا

فيمن توسّع في إنفاق موسمه***أن لا يزال بذاك العام ميسورا

وقال في نفح الطيب : وهذا البيت الثالث نسيت لفظه فكتبته بالمعنى والوزن إذ طال عهدي به ، والله تعالى أعلم (1).

وانظر كيف حرّضه على الإنفاق وحرّكه على التوسعة في يوم عاشوراء ونسبه إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : من وسع في الإنفاق في هذا اليوم وسّع عليه في العام كلّه وقضى عامه باليسر والراحة ، نعوذ بالله من هكذا أكاذيب التي أضيفت إلى الشريعة وألصقوها بالله ورسوله ، فما أحسن ما قاله عالم حكيم متزن الأخلاق :

دین تو را در پی آرایشند***در پی آرایش و پیرایشند

بسکه بر او بسته شده برگ و ساز***گرتو ببینی نشناسیش باز

حملوا دينك ما لم يحتمل***بالأكاذيب وأقوال السفل

غيّروا الدين فلو أبصرته***لم يكن ديناً من الله نزل

ص: 145


1- نفح الطيب 2 : 2 (المترجم)

ولقد جمع الشاعر الفاضل أحمد بن منير الطرابلسي رحمة الله عليه في قصيدته التترية التي خاطب بها السيد الشريف الأجل المرتضى الرازي وه-و متأخر عن السيّد الأجل الأعظم المرتضى ذي المجدين قدّس سرّه الزكى وألحقه بالمقام العلي العلوي وعمي على الكثيرين أنّ الخطاب معه عقائد أهل السنة ، والعجيب فى أن جماعة منهم مثل تقى الدين ابن حجّة في كتاب ثمرات الأوراق أن القصيدة تطابق معتقداتهم، وفي هذه القصيدة يشير إلى الأمور المتعلقة عاشوراء جميعها فيقول:

وحلقت في عشر المحرّم***ما استطال من الشعر

ونويت صوم نهاره***وصیام أيام أخر

ولبست فيه أجل ثوب*** للملابس يدّخر

وسهرت في طبخ الحبوب***من العشاء إلى السحر

وغدوت مكتحلاً أصافح***من لقيت من البشر

ووقفت في وسط الطريق***أقصُّ شارب من غَبَر

الأمر الثالث من وجوه التبرك : الالتزام باستحباب صوم هذا اليوم وقد وضعوا ذلك أخباراً كثيرة والتزموا بصيام هذا اليوم كما صرحوا في متون شروح كتب الفتوى وكتب أخبارهم باستحباب صومه وتأكد ندبه من غير وجه ، وإن كان لي معهم موقف حوار ونقاش على مبناهم معهم وسنوافيك به في آخر البحث إن شاء الله تعالى، وسمعت الإشارة إليه في شعر ابن منير .

والظاهر أنّ التطابق على الاستحباب وفضله حاصل من المذاهب الأربعة ولا خلاف عندهم في المسألة لأن المسألة أساساً تعود إلى أصولهم وهي معاداة أهل البيت علیهم السلام وهو قاسم مشترك بين الطوايف الأربعة ولا اختصاص له بطائفة دون أخرى، ويجب أن تعلم أن أخباراً في استحباب صوم عاشوراء وردت من طرقنا

ص: 146

وأخباراً تذمّ ذلك ، ويناسب هذا المقام الإتيان بشطر من أخبار القسمين ونذكر بعضاً من وجوه رفع التعارض الذي ذكره العلماء رضوان الله عليهم، ونذكر في أثناء ذلك ما يعن لنا من الأفكار التي يسدّد لها الباري سبحانه بفضل واستمداد أهل البيت علیهم السلام ، فنقول إذاً:

روى الشيخ في التهذيب وساق السند إلى أبي همام أن الإمام أبا الحسن الرضاء علیه السلام قال : صام رسول الله يوم عاشوراء .(1)

وفي سنده إلى مسعدة بن صدقة روى عن الإمام الصادق علیه السلام أنه روى عن الإمام الباقر علیه السلام أن علياً علیه السلام قال : صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة .(2)

وكذلك أسند عن عبد الله بن ميمون القداح عن الصادق علیه السلام عن أبيه أنه قال: صيام يوم عاشوراء كفارة سنة .(3)

وأسند عن جعفر بن عثمان أنه روى عن صادق آل محمّد أنّه قال: كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم كثيراً ما يتفل في يوم عاشوراء في أفواه الأطفال المراضيع من ولد فاطمة سلام الله علیها من ريقه فيقول : ما نطعمهم شيئاً إلى الليل. وكان يروون من ريق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وكانت الوحش تصوم يوم عاشوراء على عهد داود (4).

وأسند أيضاً عن الزهري عن على بن الحسين علیه السلام أن يوم عاشوراء من الأيام

ص: 147


1- وسائل الشيعة، كتاب الصوم، باب 20 الرقم 1 ص 337. (هامش الأصل) تهذيب الأحكام 4 299 . (المترجم)
2- وسائل الشيعة ، باب 20 الرقم 2. (هامش الأصل) تهذيب الأحكام 4 : 299 . (المترجم)
3- وسائل الشيعة ، باب 20 الرقم .3. (هامش الأصل) تهذيب الأحكام 4: 299. (المترجم)
4- وسائل الشيعة ، باب 20 الرقم 4. (هامش الأصل) تهذيب الأحكام 4: 309 باب الزيادات . (المترجم)

التي يكون المرء في صومه بالخيار ؛ إن شاء صام وإن شاء أفطر .(1)

وأسند أيضاً عن كثير النوا عن الإمام أبي جعفر علیه السلام إنه قال : لزقت السفينة سفينة نوح - يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح علیه السلام من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم ...(2)

وهذه مجموع الأخبار الواردة في استحباب صوم يوم عاشورا التي أوردها الشيخ شرف الله قدره في التهذيب واقتصر عليها في كتب الاستدلال والأخبار المعتبرة مثل (الوسائل).

وأما أخبار المنع : فإنّ الصدوق له بإسناده عن زرارة ومحمد بن مسلم رضي الله عنهما روى عنهما أنّهما سألا أبا جعفر الباقر الا عن صوم يوم عاشوراء ، فقال :

كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك (3).

وساق الكليني روح الله رمسه السند إلى عبدالملك بأنّه قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرّم ، فقال : تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم وأيقنوا أن لا يأتي الحسين علیه السلام ناصر ولا يمده أهل العراق بأبي المستضعف الغريب. ثمّ قال : وأمّا عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين صريعاً بين أصحابه، يوم وأصحابه صرعى حوله عراة ، أفصوم يكون في ذلك اليوم ؟ كلا ورب البيت

ص: 148


1- وسائل الشيعة ، كتاب الصوم، الباب 20 الرقم 6 . (هامش الأصل) تهذيب الأحكام 4 : 296 باب 67 وجوه الصيام. (المترجم)
2- وسائل الشيعة ، كتاب الصوم ، الباب 20 الرقم 5. (هامش الأصل) تهذيب الأحكام 300:4. (المترجم)
3- وسائل الشيعة ، كتاب الصوم، باب 21 الرقم (هامش الأصل) و 10: 459. (المترجم)

الحرام ، ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرِّيَّاتهم، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام؛ فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطاً عليه ، ومن ادّخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه ، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك (1).

وفي الكافي والتهذيب أيضاً بإسنادهما عن جعفر بن عيسى اليقطيني قال: سألت الرضا علیه السلام عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه ، فقال : عن صوم ابن مرجانة لعنه الله تسألني ، ذلك يوم ما صامه إلا الأدعياء من آل زياد بقتل الحسين صلى الله عليه، وهو يوم تشائم به آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم ويتشائم به أهل الإسلام واليوم المتشائم به الإسلام وأهله ، لا يصام ولا يتبرك به ، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه صلی الله علیه و آله وسلم وما أصيبت آل محمّد إلا في يوم الاثنين فتشائمنا به، وتبرك به أعداءنا،ويوم عاشوراء قتل الحسين وتبرك به ابن مرجانة وتشائم به آل محمد فمن صامها وتبرك بهما

لقي الله عزّ وجلّ ممسوخ القلب، وكان محشره مع الذين سنّوا صومهما وتبرّكوا بهما .(2)

وفي أصل زيد النرسي وهو من الأصول المعتبرة ونحن أثبتنا في علم الرجال في موضعه منها (حاشية رجال النجاشي) إجمالاً وتفصيلاً اعتباره، ونقل عنه عنه في الكافي والتهذيب أيضاً، يقول: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبدالله علیه السلام عن

ص: 149


1- وسائل الشيعة باب 21 الرقم 2 ، الكافي 4 : 147 . (المترجم)
2- وسائل الشيعة ، باب 21 الرقم .2. (هامش الأصل) تهذيب الأحكام 4: 301 واللفظ له، والكافي 146:4. (المترجم)

صوم يوم عاشوراء ، فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد .

قال : قلت : وما كان حظهم من ذلك اليوم ؟ قال : النار ، أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرّب من النار ..(1)

والحديث ذاته أثبته الشيخ المفيد قدس الله سره السعيد أيضاً في كتاب المقنعة بإرسال معتمد .(2)

وكذلك حدّث ثقة الإسلام ضاعف الله قدره وشيخ الطائفة رفع الله ذكره عن نجيّة بن الحارث العطّار مسنداً أنه قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال : صوم متروك بنزول شهر رمضان، والمتروك بدعة.

قال نجبة : فسألت أبا عبد الله علیه السلام من بعد أبيه علیه السلام عن ذلك، فأجابني بمثل جواب أبيه ، ثمّ قال: أما إنّه صوم يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين بن عليّ صلوات الله عليهما (3).

وفي الكافي والتهذيب أيضاً مسنداً عن زرارة أنه روى عن الصادقين علیهما السلام قالا : لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار (4)إذا كان ينافي الدعاء ، وهذا القيد موصول بالأخبار الأخرى.

ص: 150


1- وسائل الشيعة ، كتاب الصوم، باب 21 الرقم 4. (هامش الأصل) 10 : 461. (المترجم)
2- المقنعة : 377 ط قم 1410 تحقيق جامعة المدرّسين . (المترجم)
3- وسائل الشيعة، كتاب الصوم، باب 21 الرقم 5. هامش الأصل الكافي 146:4 باب صوم عرفة وعاشوراء ، تهذيب الأحكام 2 : 301 ح 13 باب المواقيت . (المترجم)
4- وسائل الشيعة ، كتاب الصوم، باب 21 الرقم 6. (هامش الأصل) الكافي 4 : 146، والتهذيب 4: 300 ولم أعثر على القيد في الكتب الثلاثة (المترجم)

وفي التهذيب ومجالس الشيخ اعزّ الله شأنه وساق السند إلى أبى غندر (1)عن أبيه عن أبي عبدالله قال : سألته عن صوم يوم عرفة ، فقال : عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة ، قلت : فصوم عاشوراء ، قال : ذاك يوم قُتل فيه الحسين علیه السلام فإن كنت شامتاً فصم ، ثمّ قال : إن آل أميّة نذروا نذراً إن قتل الحسين أن يتخذوا ذلك اليوم عيداً لهم يصومون فيه شكراً ويُفرحون أولادهم، فصارت في آل أبي سفيان سنّة إلى اليوم فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح ذلك اليوم .

ثم قال: إن الصوم لا يكون للمصيبة ولا يكون إلا شكراً للسلامة، وإنّ الحسين علیه السلام أصيب يوم عاشوراء فإن كنت فيمن أصيب به فلا تصم، وإن كنت شامتاً ممّن سره سلامة بني أمية فصُم شكراً الله تعالى (2).

هذه جملة من الأخبار الواردة في المنع من صوم يوم عاشوراء والاختلاف ظاهر بين الطائفتين من الأخبار ، لهذا عمد علماء الشيعة رضوان الله عليهم إلى الجمع بينها وتوجيهها وخطر لي عدد من الوجوه في رفع التنافي والاختلاف بينها من خلال تتبعي في مطاوي كلمات الأصحاب.

الوجه الأول

أن الصوم يقع على قسمين : الأوّل: صوم الترك وعنوانه التعييد والمسرّة، والثاني صوم الحزن لمن ألمت بهم المصيبة وتنزل الأخبار الناهية على القسم

ص: 151


1- في السند الحسين بن أبي غندر . (المترجم) وقال المحقق : أبو غندر ، بضم العين المعجمة وسكون النون كما أثبت ذلك العلّامة في الإيضاح . (منه)
2- وسائل الشيعة ، كتاب الصوم باب 21 الرقم 7 ، بحار الأنوار 45 : 95 (هامش الأصل) وسائل الشيعة 10: 462. (المترجم)

الأوّل ، وأخبار الإذن بالصوم على القسم الثاني. فارتفع الاختلاف بهذا ونسبوا هذا الجمع إلى المشهور بل ادعوا عليه الإجماع كما أن عبارات الغنية تشتمل عليه. وفي الرياض والجواهر نفي وجود الخلاف لاستحباب الحزن والإنصاف يقضي سقوط هذا الجمع إذ ليس له طريق في مشرب الاستدلال، ولا مسرح في وادي الصحة لأنّه :

أولاً : نأتي إلى أخبار الطائفة الأولى فنجدها من حيث السند لا تقوم بمقابلة الأخبار المانعة لأنّ خبر «مسعدة» في هذا الموضع ليس بحجة لأنه باعتراف الكشي والشيخ في الفهرست والاختيار (1)والعلّامة في الخلاصة وغيرهم، عامي المذهب ومن الطائفة الخبيثة البترية وهى أخبث فرق الزيدية مضافاً إلى أن هارون بن مسلم الراوي عنه بتصريح النجاشي والعلّامة قدّس سرّهما يقول بمذهب أهل الجبر والتشبيه ، وهذا كاشف عن فساد مذهبه وإن كان قد وثّقوه.

وفي الخبر الثاني عبدالله بن ميمون القداح نقل الكشي عن جبرئيل ، عن محمد ابن عيسى أنّه زيدي المذهب ولا وجه لتضعيف هذا السند لأن جبرئيل بن أحمد معتمد عند الكشي وهذه أمارة الجلالة بل الوثاقة ، ومحمّد بن عيسى من أجلة الثقات، وسياق رواية عبدالله حيث عبّر عن الإمام الصادق بجعفر في خصوص هذا الخبر شهادة إجمالية على المدعى كما أن علمائنا في كثير من المواضع استدلوا بهذا التعبير على الانحراف.

وفي الخبر الثالث جعفر بن عثمان مشترك بين جماعة ويونس بن هشام مجهول.

ص: 152


1- وإن كان الموجود في أيدينا من زمان العلامة إلى زماننا هو اختيار الكشي ونحن أبنا في (رسالة قاعدة الإجماع) مشروحاً أن جميع ما في (اختيارات معرفة الرجال) هو مذهب الشيخ الطوسي مِن ثَمّ نسبناه إليه في الاختيار. (منه)

وفي الخبر الرابع كثير النوا وهو من أخبث الطوائف يعني العامة البترية.

وفي الخبر الخامس الزهري وفسقه مع كفر إبليس توأمان، والعجب أنهم يقابلون بهذه الأخبار مع قلة العدد وضعف السند الأخبار الناهية ثم يقومون بمحاولة الجمع بينها والروايات الناهية جميعها معتبرة يعضدها تعدّدها ووجودها في الكتب المعتبرة والأصول المعتمدة وسلامة أسانيدها غالباً.

فتبيّن الآن أن لا تكافئ بين الأخبار كما صرح بذلك جماعة .

وثانياً : الأخبار المانعة توافق أعمال الشيعة وأصولها، والأخبار المجوّزة توافق مذهب أهل السنة والجماعة .

وثالثاً : الأخبار المجوّزة ضعيفة الدلالة على المطلوب لأنّ الخبر الأوّل يجتمع مع النسخ وسوف نبين عما قريب أن جماعة قالوا بوجوب صوم عاشوراء قبل شهر رمضان ، وبناءاً على هذا جملة (صام رسول الله يوم (عاشورا) لا تدلّ إلا على الوقوع في الجملة .

والخبر الثالث لا دلالة فيه على العموم الاصطلاحي لأنه أثبت الصوم للأطفال والوحش، وسوف ترى قريباً أنّه مُنَزَّل على الوجه المختار .

وحديث كثير النوا لا يدلّ على الندب ؛ لأن حكاية صوم نوح إنّما كان بعلة خاصة وهي لزوق السفينة على الجودي وهو مبني على صحة القول باستصحاب أحكام الشرائع السابقة بعد تسليمنا بأنّ خصوصيّة فعل في موضع مخصوص لا يدلّ على الشرعية المطلقة.

وحديث الظهر غير ظاهر في الاستحباب على وجه خاص ؛ لأن معنى الإباحة في العبادات أنّ العمل ثابت على الثواب المقرّر لطبيعته فلا هو زائد عليها ليكون مستحبّاً، ولا ناقصاً عنها ليكون مكروهاً ، والأخبار المانعة كل خبر منها يدلّ على المنع بألسنة مختلفة ، ويضيف الصائمين في قائمة ابن زياد وجنده ويزيد ،وأتباعه، وكفى به خزياً وهواناً.

ص: 153

ورابعاً : إن الأخبار المانعة باعتراف الفئة التي حاولت الجمع بينها تامة الحجّيّة وقد بلغت نصاب الكمال في صحة الاحتجاج بها، وقد كان التصريح فيها والتنصيص على خلاف الجمع كما في حديث عبدالملك: «ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن وهذا صريح في أن الحزن لا يناسب الصوم بل الوارد في الأخبار الكثيرة عن الفريقين أنّ الصوم من وظائف الأعياد ولوازم الشكر والامتنان للمنعم. وفي خبر جعفر بن عيسى اختلاف العنوانين في التبرك والصوم، وحينئذ حمل

الصوم المنهي عنه على التبرّك خلاف الظاهر .

وفي خبر أبي غندر صرّح بأنّ الصوم لا يكون على المصيبة وإنّما هو للشكر على السلامة حيث قال: «فإن كنت شامتاً فصُم» وهذه الفقرة صريحة بأنّ الصوم معلول للشماتة ولو كان له وجه آخر متصوّر لا يصح هذا التعليق من الإمام علیه السلام الصريح في العليّة المنحصرة وضعاً أو إطلاقاً، كما هو مقرّر في علم الأصول، وكما هو واضح لذوي العلم والفهم كفلق الصبح ونور الشمس.

ومع وجود هذه التصريحات يكون الجمع بمثابة الطرح ، وأخيراً هذا الجمع لا يصح بوجه من الوجوه ولا صحة للشهرة والإجماع بل لم أجد للقائل تابعاً من الأوائل إلى الأواخر كما سأشرحه .

الوجه الثاني

الذي احتمله المحقق الأردبيلي أن الأخبار المجوّزة منسوخة، وهذا الاحتمال معتضد ببعض الأخبار الدالة على أن صوم يوم عاشوراء كان واجباً أوّلاً ثم ترك كما سمعت في صحيحة زرارة، وخبر نجيّة بن الحارث ، وجاء في كتب الصحاح لأهل السنة وتواريخهم أن صوم يوم عاشوراء فرض في السنة الأولى من الهجرة وفي السنة الثانية نسخ بشهر رمضان وإن اختلفوا في وجه فرضه.

ص: 154

البخاري و(صحيح مسلم) و(الترمذي) نقلوا ببعض الطرق أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم دخل المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى . قال : فأنا أحق بموسى منكم ، فصامه وأمر بصيامه (1).

وفي بعض طرق مسلم والترمذي أنّ عاشوراء يوم تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه (2).

ولكن المتأمّل في أخبار كربلاء وأخبار الصوم يجزم بأن عاشوراء من بدو العالم كان يوم مصيبة وغمّ وهم، بل ورد في بعض الأخبار أنّ الوحوش والطيور أيضاً تعزف عن الأكل والشرب كما سمعت في خبر عبدالله بن ميمون القداح أن الوحوش كانت تصومه في عهد داود (3)ومنع الأطفال من الأكل والشرب مُنَزَّل على هذا المعنى لا على الصوم الاختياري، وروايات أخرى في أبواب كتب المقاتل بهذا المعنى كثيرة جداً.

وحكايات كثيرة وقصص في كتب التاريخ منها ما جاء في (إنسان) (العيون) منقولاً عن أحدهم أنه اعتقاد تقديم فتات الخبز والحبّ إلى النمل فإذا كان يوم عاشوراء عزفت النمل عن الأكل .(4)واعتبروا هذه الحكاية شاهداً على استحباب صيام يوم العاشر ولكنّهم كشفوا السرّ عن منتهى شقائهم ونصبهم .

وفي خبر آخر نقله العامة : أوّل طائر صام يوم عاشوراء الصرد (5)وحكم

ص: 155


1- صحيح البخاري رقم الحديث 1962 ، وصحيح مسلم رقم الحديث 2611 واللفظ للبخاري.
2- الترمذي رقم الحديث 747. (المترجم)
3- خبر جعفر بن عثمان عن الإمام جعفر الصادق . (هامش الأصل)
4- مقتل الخوارزمي 2 : 91ط الغري، إحقاق الحق 11 : 490. (هامش الأصل) والخبر .مترجم.
5- قال القرطبي : ويقال له الصرد الصوام روينا في معجم عبد الغني بن قانع عن أبي غليظة بن خلف الجمحي قال : رأني رسول الله وعلى يده صردة ، فقال : هذا أول طائر صام يوم عاشوراء . وكذلك أخرجه الحافظ أبو موسى والحديث مثل اسمه غليظ . قال الحاكم وهو من الأحاديث التي وضعها قتلة الحسين رواه أبو عبدالله ابن معاوية بن موسى بن أبي غليظ ، قال : رأني رسول الله وعلى يده صرد ، قال : هذا أوّل طير صام عاشوراء . (بحار الأنوار 61: 261 ، مستدرك السفينة ذيل صرد)

بوضعه الحاكم في المستدرك .(1)لو صح هذا الحديث ولم يكن كذباً فإن الصرد أوّل طائر تنبه إلى مأتم سيّدالشهداء ومنع نفسه من اللذائذ في يوم عاشوراء ...(2) كامل الزيارات : 98 ، بحار الأنوار 45: 213 ، عوالم العلوم : 492 . (3) كامل الزيارات : 99 ، بحار الأنوار 45 :214 (4) كامل الزيارات : 99 ، بحار الأنوار 45: 214 ، عوالم العلوم : 492 . (5)كامل الزيارات : 99 ، بحار الأنوار 45: 214 ، عوالم العلوم : 493 . (هامش الأصل) (6).

ص: 156


1- لم أعثر على مطلب كهذا في المستدرك ، ولعلّ المؤلّف العظيم أخذ هذا من البحار ، وفيه : قال الحاكم : وهو من الأحاديث التي وضعها قتلة الحسين، وهذه العبارة حملته على القول بتكذيب الحاكم له .
2- يؤيّد هذا الحديث روايات الشيعة : * حسين بن أبي غندر عن أبي عبد الله قال : سمعته يقول في البومة ، فقال : هل أحد منكم رآها نهاراً ؟ قيل له : لا تكاد تظهر بالنهار ولا تظهر إلا ليلاً. قال: أما إنّها لم تزل تأوي العمران أبداً ولا تأوي إلا الخراب ، فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتى يجنّها الليل ، فإذا جنّها الليل فلا تزال ترنّ على الحسين حتّى تصبح.
3- * ابن فضال ، عن رجل، عن أبي عبدالله قال : إن البومة لتصوم النهار فإذا أفطرت تدلّهت [ ندبت - المصدر ] على الحسين حتّى تصبح .
4- . * الحسن بن علي الهيثمي قال : قال أبو عبد الله : يا أبا يعقوب، رأيت بومة قط تنفس بالنهار ؟ فقال : لا ، قال : وتدري لم ؟ قال : لا ، قال : لأنّها تظل يومها صائمة [ على ما رزقها الله ] فإذا جنّها الليل أفطرت على ما رُزقت ، ثمّ لم تزل ترنّم [ ترنّ - خ ] على الحسين حتى تصبح .
5- * حكيم بن داود بن حكيم، عن سلمة، عن الحسين بن علي بن صاعد البربري قيماً لقبر الرضاء قال : حدثني أبي قال : دخلت على الرضا فقال لي : ترى هذه البومة، ما يقول الناس ؟ قال : قلت : جعلت فداك ، نسألك ، قال : فقال لي : هذه البومة كانت على عهد جدي رسول الله تأوي المنازل والقصور والدور ، وكانت إذا أكل الناس الطعام تطير فتقع أمامهم فيرمى إليها الطعام وتستقي ثم ترجع إلى مكانها ، ولمّا قتل الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما خرجت من العمران إلى الخراب والجبال والبراري، وقالت : بنس الأمة أنتم قتلتم ابن بنت نبيكم ولا آمنكم على نفسي .
6-

ويظهر من أخبار الصوم في كتب الفريقين أنّه خاص بالشكر والسعادة بالأعياد، ورفع شرف قدر الأيام المخصوصة.

ومن ملاحظة هذين الأمرين في يوم عاشوراء ، يتبين لنا أنّه من بدو العالم لم يكن الصوم الاصطلاحي مستحبّاً على الإطلاق كما يظهر من بعض الأخبار المشرعة له والتي أشرت إليها. ويعلم أيضاً أن صيام اليهود بسبب سرورهم واتباع نبيهم المواطنة مسرتهم.

وعلامة أخرى تدلّ على كذب هذه الأخبار المذكورة أن غرق فرعون وجنوده لم يكن في يوم عاشوراء وهذا الخبر من الموضوعات كما ستستمع إليه في خبر ميثم إن شاء الله ، وخبر نجيّة بن الحارث ، وقوله علیه السلام : «أما إنّه صوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنّة» شاهد عدل على صدق هذا المدعى.

ويؤيد هذا المعنى ما نقله السيّد الأجل الأعظم رضی الدین ابن طاووس - نفعنا الله بعلومه - في كتاب الإقبال عن كتاب تاريخ نيشابور للحاكم في ترجمة نصر ابن عبدالله النيشابوري وساق السند إلى سعيد بن المسيب عن سعدان أنّه قال : «إنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم لم يصم عاشوراء» وهذا صريح في كذب ادعاء تشريع السصوم مع أنّ الراوي من معتمدي أهل السنّة.

وأخيراً نقول: إن الظاهر من أخبار النسخ أيضاً أنها من أجل التقية كما أشرنا إلى أن طريقة القوم مشعرة بهذا، ومن هذه الجهة نفى بعض علمائنا رضي الله عنهم أصل تشريع صوم عاشوراء مطلقاً ولم يعمل بمقتضى هذه الأخبار كما أشير

ص: 157

إلى هذا المطلب في مجمع الزيادة) و(الذخيرة) وغيرهما، فتبين مما قلناه أن احتمال النسخ باعتباره مؤسساً على حكم سابق ضعيف مضافاً إلى أن هذا الاحتمال لو كان جارياً فإنّما يجري في الخبر الحاكي عن صوم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وعلى فرض سريانه إلى الخبر المنقول عن أمير المؤمنين علیه السلام فإنه يتم على وجه نقول فيه : إن كلا الخبرين يتعلّقان بما قبل النسخ ولكن على الخبرين الأخيرين لا يجري هذا الاحتمال إلا في صورة واحدة وذلك بالتزامنا بوجود الناسخ والمنسوخ في أخبار الأئمة أيضاً، وهذا المعنى وإن كنا قويناه في بحوث الأصول وفي باب توجيه تأخير التخصيص والتقييد عن العام بوجه لا نراه في هذا المقام يستحق الإشادة والذكر خلا أن هذا التوجيه لا يتمشى فى الأخبار المجوّزة لأنّ الشيعة قبل صدور هذه الأخبار وأعطف عليهم خواص المحبين ما كانوا يصومون يوم عاشوراء بعنوان الاستحباب الخاص قطعاً ولم يكن الحكم فيه طبقاً لما تقدّم كما يفهم من الأخبار الناهية صراحةً.

الوجه الثالث

حمل أخبار التجويز على تقيّة الإمام علیه السلام في بيان الحكم أو بيان الحكم الواقعي للمبتلى به تقيّةً، وبناءاً على هذا فإنّ بعضهم أفتى بحرمة صوم يوم عاشوراء مطلقاً، وبعضهم أفتى بالحرمة بشرط الخصوصية في يوم عاشوراء، والإشكال على هذا القول بالإجماع أو الشهرة المحققة لا وجه له. وإن أصرًا في الرياض والجواهر على ذلك نظراً بما تقدّم في الوجه الأوّل من القول بالاستحباب على المشهور، وادعى عليه الإجماع في الغنية ، وكلا القولين محل إشكال لأن المحقق الثاني في جامع المقاصد والشهيد الثاني في المسالك فسروا عبارة المحقق والعلّامة قدست أسرارهم القائلين من جملة المستحبّات صوم يوم عاشوراء على

ص: 158

وجه الحزن بأنّ المراد من ذلك الإمساك قدراً من اليوم إلى بعد الزوال ثم يفطر الصائم بعد ذلك .

قال في (جامع المقاصد) : أي صومه ليس معتبراً شرعاً بل هو إمساك بدون نية الصوم لأن صومه متروك كما وردت به الرواية فيستحبّ الإمساك فيه إلى بعد العصر حزناً وصومه شعار بني أمية سروراً بقتل الحسين علیه السلام .(1)

وقال في المسالك : أشار بقوله على وجه الحزن إلى أن صومه ليس صوماً معتبراً شرعاً بل هو إمساك بدون نية الصوم لأن صومه متروك كما وردت به

الرواية ، وينبه على ذلك قول الصادق علیه السلام : «صُمْه من غر تبييت وافطره من غير تشميت، وليكن فطرك بعد العصر» فهو عبارة عن ترك المفطرات اشتغالاً عنها بالحزن والمصيبة وينبغى أن يكون الإمساك المذكور بالنية (2)(لأنه عبادة).

وفي مجمع الزيادة والذخيرة احتملا أنّ المراد هذا المعنى بل استقرّ به في الذخيرة، وظاهر عنوان الوسائل أيضاً الموافقة على هذا كما هو معلوم للناظر .

ويقول الشيخ الفاضل عليّ بن شاه محمود البافقي وهو من معاصري المروّج المجلسي ، وله ترجمة في أمل الآمل (3)في كتابه منهاج الفلاح: «والمراد من الصوم إمساك بدون نيّة على وجه الحزن والغم ؛ لأنّ بني أمية يصومون يوم عاشوراء على وجه السرور بقتل «الحسين ، تمّت عبارته بعينها (4).

ص: 159


1- المحقق الكركي، جامع المقاصد 3: 86ط قم المهدية 1408 .
2- الشهيد الثاني ، مسالك الأفهام 2 : 78ط، قم، بهمن ، الأولى 1413ه.
3- قال في أمل الآمل : مولانا عليّ بن شاه محمود البافقي فاضل صالح عابد معاصر ، له كتب منها : منهاج الفلاح في أعمال السنة، وكتاب مجمع المسائل في الفقه ، خرج منه الطهارة والصلاة، يجمع الفروع والأدلة والأقوال والأحاديث انتهى (منه) . (هامش الأصل)
4- العبارة مترجمة لأن الكتاب موضوع بالفارسية . (المترجم)

وما قاله بعض المتأخرين من أن احتمال المسالك مناف لعبارة (المعتبر) لم أجد لها عيناً أو أثراً بعد الفحص التام في المعتبر، نعم نقل في المعتبر أخباراً مختلفة والجمع الأوّل المطابق لعبارة الشرايع منقول من تهذيب الشيخ وسوف يأتيك تأويل عبارة الشيخ.

وبعد تصريح هذين القدوتين المقدَّمين والأستاذين المعلّمين اللذان هما لسان الفقهاء وترجمان الأصحاب، ومن مرادهما يفهم المراد من عبارة المعتبر والتهذيب، ودليل هذا التفسير عبارة الشيخ في المصباح حيث يقول : فإذا كان يوم عاشوراء أمسك عن الطعام إلى بعد العصر ثم تناول شيئاً يسيراً من التربة .(1)لأنه من الظاهر أن تتم معرفة كلام الشيخ في التهذيب من خلال فهم هذين العبارتين وبمعونتهما كما فهم ذلك هذان المحققان النحريران .

ومن جملة الأدلة على المعنى المذكور هو أني وجدت في كتاب (مسار الشيعة) وهو من مصنفات الشيخ المفيد المشهورة قدس سره السعيد، حيث يقول: «وفي العاشر منه مقتل سيدنا أبي عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب من سنة إحدى وستين من الهجرة وهو يوم تجدّد فيه أحزان آل محمد وشيعتهم ، وقد

جاءت الرواية عن الصادقين علیهما السلام باجتناب الملاذ فيه وإقامة سنن المصائب والإمساك عن الطعام والشراب إلى أن تزول الشمس والتغذي بعد ذلك بما يتغذى به أهل المصائب كالألبان وما أشبه بها دون الملاذ من الطعام والشراب» انتهى بألفاظه .(2)وهذا الكلام صريح على أن فتوى الشيخ المفيد على الوجه المذكور لا

ص: 160


1- المصباح : 547 ، بحار الأنوار 45: 63. (هامش الأصل) وفي نسخة المترجم من المصباح . ص 771ط بيروت، فقه الشيعة، الطبعة الأولى 1411 .
2- الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة : 43 ط دار المفيد - بيروت الثانية 1414 هجرية، والمؤلف ساق ترجمة العبارة بالفارسية ثمّ أتبعها بالعربية فلم نجد ترجمة الترجمة لازمة لنا . (المترجم)

الصوم الاصطلاحي - ولما كان الشيخ الطوسي لها نقل التوجيه المذكور من الشيخ المفيد علمنا أن مراده من الصوم الحزني هو ما تضمنته عبارة الشيخ المفيد الذي صرّح به الشيخ رضوان الله عليه في المصباح.

وبناءاً على هذا فإنّ جميع عبارات الأصحاب ما عدى طائفة منهم صرّحت بالخلاف مُنَزَّلٌ على هذا المعنى ، إذاً فالمشهور عدم استحباب صوم يوم عاشوراء والعمل على طبق رواية المصباح عن عبدالله بن سنان كما تقرّر عمل الشيعة الإمامية والسيرة القطعية على هذا .

وفي (مجمع الفائدة) ادعى شهرة العمل على طبق هذه الرواية إجمالاً، وأفتى المحدّث الكاشاني والمروج المجلسي - قدس سرهما - بأولوية ترك الصوم مما ظاهره الكراهة

وفي مجمع الفائدة والذخيرة كانا بين التقوية والترديد .

ومن المتأخرين المحقق النراقي والفقيه الورع الكلباسي الأولى عندهما الترك بل أفتى المحقق النراقي بالحرمة إذا قصد بالصوم الخصوصية، ومع كلّ هذا من أين بدى الاختلاف - ظ والإجماع والشهرة .

والعجيب في الأمر أننا لو افترضنا عدم متابعة المحقق الثاني والشهيد الثاني في معرفة مراد الأصحاب فكيف نستطيع هجران خلافهم. والمحدّث الكاشاني والعلّامة المجلسي والمحقق الأردبيلي بل ما نسبه المحقق الأردبيلي إلى رواية المصباح الظاهرة في عدم استحباب صوم يوم عاشوراء من العمل والشهرة، والفاضل البافقي وصاحب الرسائل في المسألة «بغير خلاف نجده» نقول كما في الجواهر والرياض، وأخيراً ينبغي نقل خبر المصباح بعينه كي لا نحتاج إلى ملاحظة كتاب آخر بعد ملاحظته .

روى الشيخ في المصباح عن عبد الله بن سنان قال : دخلت على أبي عبدالله

ص: 161

في يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ، ظاهر الحزن، ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : يابن رسول الله ، ما بكاءك لا أبكى الله عينيك ؟ فقال لي : أفي غفلة أنت؟ أما علمت أن الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم ؟

فقلت : يا سيدي فما قولك في صومه ؟ فقال : صُمه من غير تبييت وافطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كما لا [كملا - الوسائل ] وليكن إفطارك بعد [ صلاة - الوسائل ] العصر بساعة على شربة من ماء فإنّه في ذلك تجلّت الهيجاء [ عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم - الوسائل ] وانكشف الملحمة عنهم .(1)

قال في الذخيرة والعمل بمضمون هذه الرواية متجه وكأنه المقصود كما قال بعض الأصحاب إلا أنه خلاف ما صرّح به جماعة منهم.

والحاصل أن دعوى الشهرة لاستحباب عاشوراء لا وجه له بل لا قائل فيه فيمن عدى المتأخرين، وكلّ ما يراد إجرائه من الوظائف في يوم عاشوراء الشرعية والمستحبّة تضمّنها خبر المصباح، والصوم إذا قصد بمعنى الخصوصية والاستحباب فهو بدعة ومحرّم ، وإذا كان بمعنى التبرك فهو الكفر بعينه والخروج من ربقة الدين، وإذا القصد في صومه كان بمعنى الفضيلة المطلقة لمطلق الصوم عملاً بالإطلاقات فهو مكروه وناقص الثواب لأنه تشبه ببني أمية ومن تشبه بقوم فهو منهم كما سمعت من الجماعة الذين سبق ذكرهم ورأيت ما في كلامهم ، ولو لم يكن في الأمر إلا فتوى هؤلاء الفحول والأساطين يمكن الحكم بكراهته بناءاً على عموم التسامح في أدلة السنن في المكروهات والاكتفاء بفتوى الفقيه في تحديد البلوغ كما قال به جماعة .

ص: 162


1- مصباح المتهجد : 547 ، وسائل الشيعة ، باب 20 أبواب الصوم المندوب الرقم 7 (هامش الأصل)

الوجه الرابع

الذي بلغه فكري القاصر هو حمل أخبار الصوم على الإمساك الناقص، وأخبار النهي على الإمساك الصومي، ويمكن أن نجعل خبر المصباح المنجبر بعمل الطائفة وهو حجّة يقيناً شاهداً على هذا الجمع ، ولما كان التصرف في المدلول أولى من التصرّف بجهة الصدور فإنّ هذا الوجه هو أقرب المحامل، وإن كان خلاف الظاهر في نفسه ولا يبعد أن يساعد عليه العرف.

وأخيراً نقول: إنّ حكم المسألة هو الذي حرّرناه آنفاً: صوم عاشوراء متردّد بين الكفر والحرمة والكراهة، وبالقطع ليس مستحبّاً في مذهب أهل البيت وفقه آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم، ولا موضع فيه لاحتمال ذلك .

واعلم بأن تحقيق صوم عاشوراء وبسطه وتتبع أخباره بالبحث والتحقيق من غنائم هذا الكتاب إذ لم أجده في كتاب آخر ، والحمد لله ، والله أعلم بحقائق

أحكامه .

الأمر الرابع : من وجوه التبرك بيوم عاشورا اعتبار الدعاء وطلب الحوائج في-ه من الأمور المستحبة ، ومن هذه الجهة وضعوا له مناقب وفضائل لا أصل لها من الصحة وهي مفتراة على السنة المعصومة قطعاً، ولفقوا عدداً من الأدعية لقنوها للعاصين وعلموهم إيَّاها ليلتبس الأمر وتعم الشبهة كما يقرئون في الخطبة التي أنشأوها في بلادهم ويرفعون لكل نبي في مثل هذا اليوم وسيلة وشرفاً زائدين كإخماد نار النمرود وقرار سفينة نوح وإغراق جند فرعون ونجاة عيسى من طلب اليهود ، وأحياناً يفوّهون بكلام يموّهون به على العوام ، ويخدعون البسطاء، كقولهم : وهذا يوم اختاره الله لقتل ابن بنت نبيه كما سوف أشرح في الجملة الآتية

ص: 163

ما جاء عن عبد القادر الكيلاني .(1)

فياللعجب كيف انقلب هذا اليوم فكان لجميع الأنبياء زيادة فضل وإنعام ونجاة ، وكان لنبينا بلاءاً وقتلاً وأسراً لآله وعترته، إلا أن يعدّوا ذلك نعمة للإسلام ويقولوا : - العياذ بالله - هؤلاء الخوارج !! في هذا اليوم.

كما نقل ذلك الشيخ الصدوق قدس الله لطيفه وأجزل تشريفه في كتاب الأمالي والعلل مسنداً عن بجيلة المكيّة أنّها قالت: سمعت ميثم التمار يقول : والله لتقتلنّ هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر مضين منه ، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة وإن ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره، أعلم ذلك بعهد عهده إليّ مولاي أمير المؤمنين علیه السلام (ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كلّ شيء).

ونحن أوردنا شطراً من هذا الحديث فيما تقدّم إلى أن تقول [بجيلة - المؤلّف جبلة - المصدر : فقلت له يا ميثم وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن علي علیهما السلام يوم بركة ؟

فبكى ميثم : وقال سيزعمون بحديث يضعونه أنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم علیه السلام ، وإنما تاب الله على آدم علیه السلام في ذي الحجة، ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت وإنّما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة، ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي وإنّما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وإنّما كان ذلك في شهر ربيع الأول (2).

ص: 164


1- في شرح: «وهذا يوم فرحت به آل زیاد و آل مروان بقتلهم الحسين»
2- علل الشرايع 1: 227 ، أمالي الصدوق : 110 ، البحار 45: 202 ، عوالم العلوم : 457. (هامش الأصل) الأمالي : 127 وعلل الشرايع 1 : 228) (المترجم)

وهاهنا حضرتني لطيفة وأنا أحرّر في الكتاب، أن استقرار سفينة نوح في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يناسب تماما يوم الغدير ، يوم نصب الإمام أمير المؤمنين على الأمة لأنه حقيقة سفينة نوح بنص «مثل أهل بيتي كسفينة نوح ؛ من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق ...» وقبل هذا اليوم كانت سفينة الولاية مضطربة خوفاً من المنافقين، ولما جاء الوعد بالعصمة «والله يعصمك» ونزل الأمر من الله سبحانه على سفيره «بلّغ ما أنزل إليك والله يعصمك من النساس» رست سفينة نوح على جودي التنصيص وتصريح صاحب الرسالة ، وهنا هدأ بال ركابها بوصولها إلى ساحل الأمان.

وأخيراً مع كلّ هذا التصريح والتأكيد في خبر ميثم وهو في الحقيقة من معالم النبوة والإمامة ، والدليل على أحقيّة طريقة الشيعة حيث روت مثل هذه الأخبار اليقينية وصحح الشيخ الخبر المذكور لمطابقته للواقع المحسوس ورواه مكرّراً في كتابيه مع التزامه في كتبه بعدم رواية الخبر ما لم يحكم بصحته الشيخ العظيم محمد بن الحسن بن الوليد الله يكون الخبر يقيناً معتمداً وموثقاً ويقيني الصدور . والعجيب في الأمر أن بعض الأصحاب عوّل على حديث كثير النوا وجعله شاهداً على استحباب الصوم يوم عاشوراء ، والحديث كما يلي :

روى الشيخ في التهذيب مسنداً عن كثير النوا عن أبي جعفر قال : لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح من معه من الجن والإنس أن صوموا ذلك اليوم. قال أبو جعفر أتدرون ما هذا اليوم ؟ هذا اليوم الذي تاب الله عزّ وجلّ فيه على آدم وحواء ، وهذا اليوم الذي فلق فيه الله البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى فرعون ، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم، وهذا اليوم الذي تاب فيه على قوم يونس، وهذا اليوم الذي ولد فيه

ص: 165

عیسى بن مريم ، وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم ...(1)

وآثار الكذب والوضع ظاهرة على هذا الحديث، وظهر تكذيبه من حديث ميثم ، ويمكن إثبات فقراته واحدة واحدة بالتتبع من الأخبار والتواريخ بأنّها خلاف الواقع، مثلاً جاء عن ولادة إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله السلام في عدد من الأخبار أنّها في أوّل ذي الحجة، وأما حال كثير النوا فقد كشفناها قبل وبصورة إجمالية ويحسن بنا هنا أن نكشفها على نحو التفصيل :

نسبه الشيخ في رجاله إلى البتريّة والبتريّة بضم الباء الموحدة وسكون التاء المثناة أتباع كثير النوا، وسميت بهذا الاسم نسبة إليه لأنه أبتر بمعنى قطيع اليد، وكثير هذا والحسن بن صالح وسالم بن أبي حفصة والحكم بن عيينة وسلمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحدّاد كما جاء في اختيار الشيخ الطوسي من رجال الكشي ابتدعوا مذهباً دعوا به ولاية علي بن أبي طالب ثمّ خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ، ويثبتون لهما إمامتهما وينتقصون عثمان وعائشة والزبير وطلحة، ويثبتون لكلّ من خرج من ولد علي علیه اسلام الإمامة (2)فزيد عندهم إمام ولكن أباه السجاد وأخاه الباقر وسائر أئمة أهل البيت ما عدى الحسنين علیهما السلام ليسوا أئمّة .

وروى بسند معتبر عن الصادق علیه السلام أنه قال : لو أنّ البتريّة صف واحد مابين المشرق والمغرب ما أعز الله بهم ديناً.

ونقلوا عن زيد أنه استقبل البترية بوجهه وقال لهم : بترتم أمرنا بتركم الله ، فسمّوا البتريّة .

ومن هذه الجهة توهّم بعض القاصرين تصحيف اللفظ لأنّه «تبريّة بتقديم التاء

ص: 166


1- تهذيب الأحكام 1: 437، وسائل الشيعة ، باب 20 أبواب الصوم المندوب الرقم 5. (هامش الأصل)
2- اختيار معرفة الرجال :2 : 499 بتصرف بسيط

المثناة وتشديد الراء نسبة إلى التبري ولكنه مع كونه خلافاً لما صرّح به أئمة هذا الفنّ فإنّ الحديث نفسه يدلّ عليه لأن لفظ الحديث كما يلي: بترتم أمرنا بتركم

الله فسُمّوا البُتريّة».

ومذكور في سائر الكتب أنّهم سُمّوا «البترية» بكثير لأنّه مبتور اليد .

وجاء في الخلاصة والفهرست وسائر كتب المؤرّخين أن كثير عامي المذهب كما نقل عن البرقي ، وبعضهم اقتصر على بتريته .

وفي رجال الكشي ويريد به «الاختيار» للطوسي بسند معتبر عن الصادق علیه السلام أنه قال : اللهم إنى إليك من كثير النوا بريء في الدنيا والآخرة .

ونقل أيضاً عن محمد بن يحيى قال : قلت لكثير النواء : ما أشدّ استخفافك بأبي جعفر علیه السلام؟ قال : لأني سمعت منه شيئاً لا أحبّه أبداً، سمعته يقول: إنّ الأرض السبع تفتح لمحمّد وعترته .(1)

وبسند معتبر أيضاً عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: إن الحكم ابن عيينة وسلمة وكثير النواء وأبا المقدام والتمار يعني سالماً أضلوا كثيراً ممّن ضل من هؤلاء ، وإنّهم ممن قال الله عزّ وجلّ : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْم الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ» (2)(3)

وفي تكملة نقد الرجال عن العوالم عن تفسير العياشي نقل ذات الخبر .

ومع هذه المذمة في الأخبار التي صدرت بحقه ومع شديد عداوته للأئمة الا من أين لنا أنّه لم يضع تلك الأحاديث لتنفير قلوب الشيعة بهذه الأكاذيب ليصل

ص: 167


1- اختيار معرفة الرجال :2 511 (المترجم)
2- البقرة : 8.
3- رجال الكشي وتنقيح المقال ذيل كثير النواء وحكم بن عيينة (هامش الأصل)

إلى غرضه من نفي إمامتهم في رأي بعض الجاهلين والمغفلين ؟ وعلى فرض تسليم صحة الخبر لابد من كونه صادراً على وجه التقيّة لأنه ثابت بالضرورة من مذهب الشيعة أن يوم عاشوراء يوم مشئوم كما مرّ في خبر المصباح، وليس يوماً مباركاً لتتواتر فيه نعم الله على الأنبياء .

وأعجب من هذا كلّه ما لفقه من دعاء موافقاً لهذه الأكاذيب وحوّله إلى أيدي العامة ، وذكر في كتب بعض الغافلين عن حقيقة الأمر، وبالطبع قرائة هذا الدعاء بدعة وحرام، ونحن نورده من أجل تنبيه الناس فحسب لكي يجتنبه كلّ من اطلع عليه، وهو هذا :

«بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان الله ملأ الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش لا ملجأ ولا منجأ من الله إلّا إليه ، سبحان الله عدد الشفع والوتر،

وعدد كلماته التامات وهو العفو للمعاصي برحمته ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبي ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير ، وصلى الله على خير خلقه محمّد وآله أجمعين» .

ثمّ يصلّي بعده على النبي عشر مرات ويقول :

یا قابل توبة آدم يوم عاشوراء، يا رافع إدريس إلى السماء يوم عاشوراء ، يا مسكن سفينة نوح على الجودي يوم عاشوراء ، يا غياث إبراهيم من النار يوم عاشوراء، يا جامع شمل يعقوب يوم عاشوراء، يا فارج كرب ذي النون يوم عاشوراء ، يا كاشف ضرّ أيوب يوم عاشوراء ، يا غافر ذنب داود يوم عاشوراء ، يا سامع دعوة موسى وهارون يوم عاشوراء ، يا زائد الخضر في علمه يوم عاشوراء ، یا رافع عيسى بن مريم إلى السماء يوم عاشوراء ، صلّ على محمّد وآله الطاهرين والأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، يا قاضي الحاجات اقض حاجاتي في الدنيا والآخرة وطول عمري في طاعتك

ص: 168

ورضاك بحرمة يوم عاشوراء، يا ولي الحسنات يا دافع السيئات والبليات يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا مالك يوم الدين ، إياك نعبد وإياك نستعين ، اكفني ما أهمني من أمر الدنيا والدين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمّد وآله الطيبين وعترته الطاهرين أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين».

وما من شكّ بأنّ هذا الحديث وضعه أحد نواصب المدينة أو خوارج مسقط أو من شاكلهم ، وأتموا ظلم بني أمية ، وسوف يأتيكم بعض المباحث التي لها مساس بحكاية أحوال أهل السنة والجماعة ونقل أقوالهم في هذا الباب، واستحباب إقامة المناحة والعزاء في هذا اليوم في شرح الفقرة التالية (1)وإذا أمكن تنظيم مباحث هذا الشرح مع مبحثه يمكن أن تستخرج رسالة مستقلة في هذه المسألة.

ص: 169


1- هذا يوم فرحت به آل زیاد (هامش الأصل)

وَابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ اللَّعِينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ ، فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَمَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ ...

الشرح : الأكل في أصل اللغة يقال لغير السائل ولا يصح استعماله في الشرب لأنّه بالفارسيّة أعم من الشرب كما ورد في استعمال فصحاء القوم نظماً ونثراً

(شصت کلمه دامغاني) يقول :

اسبی که صفیرش نزنی می نخورد آب***نه مرد کم از اسب و نه می کم از آبست

والخيل تشرب بالصغير فلا أرى***أدنى من الخيل الرجال وأصغرا

كلا ولا حظ السلاف إذا جرى***في الدن من ماء أقلّ وأحقرا

وأحياناً يستعمل في مطلق الاستيلاء والتصرف لأن غالب أفرادهما في مأكولات الأكل وأظهر أفراد الاستيلاء الإتلاف بنحو الأكل بملاحظة أن استعماله يعم جميعا لتصرفات الاستيلائية حتى الأشياء غير المنقولة كما في الآية الكريمة: «وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ» (1)استعمل بهذا المعنى، ويقال في المثل

الفارسي: «أكل بيت فلان» وما شابه هذا الاستعمال.

كبد : معروف ويقابل الرئة في العربيّة، وهذه الكلمة وإن كانت مفردة وكل مفرد من أجزاء بدن الإنسان فهو مذكر ، ولكنّها ومفردات أخرى من جسم الإنسان ستثناة من هذه القاعدة ، وهذه واحدة من ثلاثين أسماء من أسماء أعضاء الجسم مصدّرة بالكاف وهي هذه الكفّ والكرسوع ، والكوع، والكتف، والكاهل، والكبد، والكتد ، والكلية ، والكمرة ، والكعب، والكذوب ، والكعبرة «عقدة مكبّلة حائدة عن الرأس» والكثفة «محرّكة دائرة من الشعر عند الناصية تثبت صعداً»

ص: 170


1- البقرة : 188 .

والكرسمة والوجه ولا يقال إلا في الشتم والكرّ وأصل العنق، والكراويس «وما شخص من عظام البدن كالمنكبين والمرفقين» والكعاس «عظم السلامي» والكاتبة «مابين الكتفين إلى أصل العنق» والكلكل «الصدر» والكشح «الجنب وهو من لدن الورك إلى الخصر» والكفل ، والكاذة «لحم مؤخّر الفخذ» والكراع «من الإنسان ما دون الركبة» ، والكرشة «الذكر»، والكظر «ركب المرأة» ، والكلثوم والكعثب وهما الفرج فأما اسمه المشهور فهو على الصحيح تعريب مولّد ولا حجّة في شعر من نظمه في (كافات الشتاء) بقوله :

جاء الشتاء وعندي من حوائجه***سبع إذا القطر عن حاجاتنا حبسا

إلى آخره (1)والكين «لحم باطن الفرج» والكراض «حلق الرحم».

ويُحكى عن ابن خالويه أنه صنف جزءاً فى أعضاء الإنسان المصدّرة بالكاف فبلغ فيها المائة، وهذا عجيب للغاية وهو دالّ على التوسع والاطلاع الوافر .

لعين بمعنى الملعون وسبق معنى اللعن (2).

لسان: في الأصل بمعنى الجارحة المخصوصة، ويستعمل في اللغة بمعناه للمناسبة مثل : اختلاف ألسنتكم، ويستعمل في مطلق «التكلّم» وهذا المعنى أنسب في هذا المقام ، وليس المراد معناه الأول لأنه يستحيل إثبات الجارحة للباري تعالى إلا أن لا يقصد بالإسناد الحقيقة، والظاهر من مجيء على في الجملة هذا المعنى ، ولو أريد به معنى الكلام لكان استعمال حرف الجرّ أولى ، لما يعرفه صراف المعاني ونقّاد الألفاظ .

وينبغي أن يعلم بأنّ لفظ لسانك موجود في بعض نسخ المصباح دون بعضها

ص: 171


1- كن وكيس وكانون وكاس طلا بعد الكباب و ... ناعم وكسا
2- في شرح : فلعن الله أُمّة أسست أساس الظلم ..... (هامش الأصل)

ويخلو منها كتاب (زاد المعاد) والبحار وهما يطابقان لغة المصباح ولكنّي لما وجدتها في بعض النسخ ذات الاعتبار رأيت إثباتها في المتن .

نبيّ : مأخوذ من النبأ بمعنى الخبر، وكانت النبوة في الأصل النبوئة مثل المرونة والمروّة ، واشتقاقها من النبأ بمعنى «ارتفع» خلاف الظاهر، وقرائة نافع نبيء بالهمز في القرآن كله .

ونحن إن اعتبرنا القراءات غير متواترة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم بل مشهورة بل أجمعوا على ذلك أمثال الشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم، بل جاء في كتاب «الروض» و «المقاصد العليّة دعوى إجماع العلماء على نقل الإجماع عليها إلا أننا لا نشك في تواتر القراءات السبعة وكلّها تطابق القواعد النحوية والصرفية واللغة، فتبين من هذا أن قرائة «نبيء» دليل على صحة اشتقاقها من نبأ ، واحتمال تعدّد الاشتقاق فأحياناً يعتبر مشتقاً من النبو الناقص الواوي وأحياناً من نبأ وكلاهما يطلق بمعنى واحد ، وهذا ليس بعيداً.

والفرق بين النبي والرسول في وجود الكتاب والشرع مع الثاني، ويكون النبي أعم منه .

كلّ : يستعمل على وجهين :

الأوّل : العموم المجموعي وهو موضع القضية والمنظور إليه بالاستقلال (مثل: كلٌ إليه راجعون)

والثاني: العموم المرآتي وهو والسور والمرأة التي تعكس أفراد المضاف إليه بأجمعهم (مثل كلّ إنسان) والظاهر منه في الجملة مع قطع النظر عن القرائن الحافّة بالكلام، هو المعنى الثاني .

الموطن : موضع الشيء ومكانه ، كما في منتهى الإرب، وهذا المعنى موافق للقاموس والصحاح، ويظهر من عبارة أساس البلاغة أن حقيقة الوطن هو الإقامة

ص: 172

في مكان ما ، كما هو المعروف من معناه، واستعماله في غير ما وضع له مثل مواطن الحرب ومواطن النسك في الحج إنّما هو استعمال تجوّز مبنى على ادعاء أن الثبات والقرار مطلوب في هذه المقامات على وجه تكون كأنها الوطن ويعبّر عنها بالموطن ، وهذا المعنى أدق وألطف يوافق ظواهر الاستعمال.

وقف : يأتي متعدّياً ولازماً كما في الصحاح والقاموس وغيرهما، وهاهنا مشتقّ من المعنى اللازم والمراد من الموقف موضع الوقوف.

وينبغي الكلام على شرح هذه الفقرة في موضعين :

الموضع الأوّل : آكلة الأكباد هند أمّ معاوية وابنة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكانت جادة في عداوتها الله ورسوله ، وحضرت موقعة أحد ، ويُنسب لها هذا الرجز:

نحن بنات طارق***نمشي على النمارق

إن تقبلوا نعانق***أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

وكانت تحرّض الكفّار لسوء طويتها على القتال، وكانت ترمى بالفاحشة كما قال ابن أبى الحديد وابن عبد ربه ، بل يفهم من كتب التاريخ أنها كانت في مكة من النساء المشهورات بذلك، بل رأيت في بعض الكتب بأنها من ذوات الأعلام كما نقل ذلك في نهج الحقِّ عن هشام بن السائب واعترف به ابن روزبهان ، وسوف نعرض لهذه المسألة في شرح نسب ابنها معاوية (لعنه الله) .

ولما قتل الوحشي غلام جبير بن مطعم سيّد الشهداء الحمزة علیه السلام في حرب أحد جائت هند إلى جنّته واستخرجت كبده ووضعتها في فمها ولاكتها فحوّلها الله صخرة فما أثرت بها أسنانها ثم مثلت بالحمزة ونظمت أعضائه من الأذن والأنف والمذاكير قلادة وعلّقتها في عنقها فاقتدين بها سائر نساء قريش ففعلن فعلها بالشهداء، فعظم ذلك على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فتفطر كبده وأهدر دم هند وكان ذلك

ص: 173

حتى جاء عام الفتح وأسلم أبو سفيان ،مرغماً ، فأظهرت هي الإسلام أيضاً، وقبله النبي لأنه رحمة للعالمين، وعفى عنها ، ولما جاءت للبيعة وبايعت النبي فكان ضمن عقود البيعة لها وللنساء عامة «أن لا يزنين» فقالت هند : وهل تزني الحرّة ؟ فالتفت النبي إلى عمر وتبسّم وذلك كناية عن أنّها لطهارة جيبها ونقاء ذيلها اعتراها العجب من هذا الكلام فقالت : وهل تزني الحرّة، ويمكن أن يكون استقباله عمر بوجهه الشريف فلكي ينبهه أنه خارج من هذا الشأن لأن أمه إن كانت قد زنت فهي أُمه ، وخارجة من تعجب هند وغيرها(1)

ونقل سبط ابن الجوزي عن كتاب مثالب هشام بن محمّد الكلبي النسّابة بعد ذكره زنا هند، أن الشعبي قال : وقد أشار رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى هند يوم فتح مكة بشيء من هذا، فنقل الخبر كما نقلناه.

ومجمل القول أنّ هنداً بعد إسلامها عاشت على النفاق إلى أن هلكت وذهبت إلى جهنم وبئس المصير في خلافة عمر في اليوم الذي مات فيه أبو قحافة فرافقت روحها روحه إلى العذاب. ومن يوم أكلت فيه كبد الحمزة حازت لقب «آكلة الأكباد» وعلّق هذا العار إلى يوم القيامة في أولادها (2)كما قالت عقيلة خدر الرسالة والهداية ، ورضيعة ثدي النبوة والولاية زينب بنت علي علیهما السلام في خطبتها الشريفة ، - وهذه الخطبة بقطع النظر عن اعتبار سندها فإنّ بذاتها دليلاً على صدقها بل بلغت حدود الإعجاز ومن شواهد الإعجاز على صدق دعوة جدّها وأبيها وأخيها العظيم - : نوكيف يُرتجى مراقبة من نبت لحمه بدماء الشهداء ولفظ فوه أكباد الأزكياء».

ص: 174


1- وفي الفخري لابن الطقطقي أنه استقبل بذلك عمه العباس . (المترجم)
2- سيأتي في حديث (ج) ضمن أحاديث لعن رسول الله والأنبياء يزيد وقاتلي الحسين . خبث هند ولعن رسول الله لها ولنسلها (هامش الأصل)

وقال حسّان بن ثابت بعد ذلك اليوم شعره في هجائها :

أشرت لكاع وكان عادتها***لؤماً إذا أشرت مع الكفر

أخزى الإله وزوجها معها***هند الهنود طويلة البظر

ويقول في هجائها أيضاً:

لمن سواقط ولدان مطرحة***باتت تفحّص في بطحاء أجياد

باتت تفحّص لم يشهد قوابلها***إلّا الوحوش وإلا حيّة الوادي

وفي هاتين المقطوعتين أشار حسّان إلى زنا هند وفساد نسبها أيضاً، وهو مقطوع به .

ومن جملة المقررات ما قاله الشيخ المفيد عليه الرحمة في الإرشاد وأبو جعفر النقيب في نقض العثمانية من لزوم الاحتجاج بالشعر كما يحتج بالنثر ، وهذا معنى العبارة المعروفة «الشعر ديوان العرب والعمائم تيجانها، والاحتباء حيطانها» لأنّهم بالشعر يثبتون أنسابهم وأحسابهم ومناقبهم ومراتبهم ، كما يظهر الرجوع إلى ديوان مراتب العسكر ومناصب أمراء الجيش وسائر الأمراء والأعيان اختلاف شئونهم وتفاوت اقدارهم.

وأخيراً إنّ الشعر الذي هجي به هند وأبو سفيان وأولادهما أكثر من أن يحيط به بيان ، أو يحصيه لسان ، ونحن ما نورده في كل باب من أبواب هذا الكتاب إنّما هو على سبيل المثال لا الحصر.

الموضع الثاني : الظاهر أن المراد من ابن أكلة الأكباد يزيد لعنه الله ، ولعنه على لسان الله إما أن يكون إشارة إلى الشجرة الملعونة لأنه فرع منها (1)(2)فقد تكلّمنا

ص: 175


1- الإسراء : 60 .
2- أوردت فصلاً نافعاً عن الشجرة الملعونة في كتابي الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية . (المترجم)

عنها بالتفصيل الذي يحتمله هذا المختصر (1)وإما أن يكون إشارة إلى لعنه على لسان أنبياء الله كما سنوافيك به إن شاء الله تعالى. وإما أن يكون إشارة إلى

الأحاديث القدسية التي جاءت في لعنه ونحن نذكر أحدها في هذا المقام .

في كامل الزيارة وساق السند إلى ابن أبي يعفور عن الصادق علیه السلام قال : بينما رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في منزل فاطمة والحسين علیه السلام في حجره إذ بكى وخرّ ساجداً ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمد ، إنّ العليّ الأعلى تراءى إليّ في بيتك هذا في ساعتي هذه في أحسن صورة وأهيأ هيأة فقال لي: يا محمد أتحبّ الحسين ؟ قلت: يا ربّ، قرة عيني وريحانتي وثمرة فؤادي وجلدة ما بين عيني، فقال لي: يا محمد ، ووضع يده على رأس الحسين علیه السلام : بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني، ونقمتي و لعنتي وسخطى وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناواه ونازعه ، أما إنّه سيّد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة، وسيّد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين، وأبوه أفضل منه وخير فاقرأه السلام وبشره بأنّه راية الهدى ومنار أوليائي وحفيظي وشهيدي على خلقي وخازن علمي وحجّتي على أهل السماوات وأهل الأرضين والثقلين الجنّ والإنس .(2)

والمراد من لعن يزيد على لسان رسول الله يمكن تصويره على وجوه :

الأول : أن يكون الكلام مطابقاً للظاهر أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أينما يكون وحيثما يحل على نحو الاستغراق الشمولي والعمومي الأصولي ، بلا استثناء لموضع يلعن يزيد في الأوّل أو الآخر صريحاً لا بالإشارة والتلميح، وهذا المطلب وإن كان

ص: 176


1- في شرح جملة: «لعن الله بني أمية قاطبة». (هامش الأصل)
2- كامل الزيارات : 70 و 71 ، البحار 44: 238 ، عوالم العلوم : 132 الرقم 2. (هامش الأصل)

مطابقاً لظاهر الكلام ولكنه مستبعد في الجملة

الثاني : أن المقصود بعموم المواقف والمواطن بحسب الأنواع لا بحسب الأفراد، وخلاصة المعنى أن يكون على النحو التالي: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في تمام الأحوال بحسب الأنواع بهذا المعنى سواءاً فى الوقوف أو الجلوس في السفر أو الحضر، في السلم أو الحرب في الركوب أو المشي، في البيت أو خارجه، في البلد أو البرية، على المنبر أو على الأرض في الخلاً أو الملأ، في السرّ أو العلن بحسب كل حال وكل مقام يمكن افتراضهما يلعن يزيد مرّة واحدة على أقلّ تقدير إما بنحو التصريح أو بالكناية والتلميح، جهراً أو إخفاتاً.

وهذا وإن كان في المجموع المكوّر خارج عن حدّ الظهور لأنّ ظاهر العموم شمول ذوات الأفراد وليس إرادة الأنواع ولكنّه أقرب من المعنى الأول - تصديقاً -

الثالث: أنّ كلّ نبي غرضه على كل حال بحكم أنه منصرف بكله إلى عالم القدس ومتوجّه لتحصيل مراضي الواحد الأحد جلّ ذكره بترويج الشرع وتبليغ الأوامر والنواهي وهداية الخليقة ولذا كل من وقف موقفاً ينافي حكماً من الأحكام الإلهيّة ويمانع من إجرائه ساعة التبليغ فيكون بطبيعة الحال ذلك النبي بلسان الحال أو المقال مباعداً لذلك الشخص ، ولاعناً له ، إما بطلب من الله أو بمباعدته إيَّاه لأن معنى لعنه بعده عن الرحمة الإلهيّة، والأنبياء هم رحمة الله، ولقب نبي آخر الزمان بالرحمة للعالمين لشمول نبوّته العموم ولرأفته الكاملة ، ولما كان عمل يزيد يؤدي إلى إزالة الشرع بتمام أجزائه بقتله الحسين علیه السلام لأنه في الحقيقة الدين

كله كما قيل :

نزد کوته نظران ماشطه صورت دین***نزد ارباب نظر معنی دینند همه

يراه قصير العقل في الدين حسنه***ولكن يراه الأعلمون هو الدين

أو أن ولايته علیه السلام شرط في صحة الأعمال جميعاً فتكون عداوته أو تصفيته من

ص: 177

الوجود عداوة للدين وتصفية له ، وأن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في تمام الأحوال التي يبلغ بها الأحكام ، له حكم حتى في حالة السكوت أو النوم إذا دل دليل على رجحانهما أو وجوبهما في كل وقت يقتضي فيه الوجوب .

فتبيّن من هذا أنّ كلّ آنة من آنات الوجود النبوي الشريف بحسب كمال نبوّته لا تخلو من لعن أعداء أهل البيت علیهم السلام لأنهم قوام الشرع وتمام الدين لاسيما يزيد وأقرانه ، الذين زاد سعارهم في سبيل إطفاء نوره وإخفاء ظهوره، وأظهروا خلاف الحق والعداوة الله عزّ وجلّ، وهذا المعنى وإن كان لأول وهلة يبدو بعيداً عن الأذهان العامة ولكنّ ذوي الذوق السليم وأصحاب السليقة القويمة يجزمون بذلك بأدنى التفات ويعزبون عن الاحتمالين السابقين من رأس.(1)

ومجمل القول أنه يحسن بنا ذكر جملة من الأخبار في هذا الموضع تتضمّن لعن يزيد على لسان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بل سائر الأنبياء بل الموجودات كافة.

أ - روى الشيخ الصدوق في أماليه وساق السند إلى صفية بنت عبدالمطلب علیه السلام قالت : لما سقط الحسين علیه السلام من بطن أمه فدفعته إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فوضع النبي لسانه في فيه [فمه] وأقبل الحسين على لسان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يمصه. قالت: وما كنت أحسب رسول الله يغذوه إلا لبناً أو عسلاً.

قالت : فبال الحسين علیه السلام فقبل النبي بين عينيه ثمّ ددفعه إلي وهو يبكي ويقول: لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بني - قالها ثلاثاً - . فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله ؟ قال : بقيّة الفئة الباغية من بني أمية لعنهم الله .(2)

ص: 178


1- يمكن أن تراد المعاني الثلاثة بناءاً على أن للحديث القدسي بطوناً يفهمها كل واحد بقدر ما عنده من فهم وسعة صدر واستعداد فيصل إلى غاية مهمة من فهمه وينال مطلباً مفيداً، والعلم عند الله . ( منه )
2- أمالي الصدوق : 117 ، البحار 43: 243 ، عوالم العلوم : 13 . (هامش الأصل) وفي نسخة المترجم من الأمالي : 136

ب - وفي بحار الأنوار عن الأمالي روى عن أسماء بنت عميس أنها قالت في بيان حكاية ولادة الإمام المظلوم علیه السلام التي تقدمت جملة منها في أوائل الكتاب في إثبات إطلاق لفظ ابن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عليه وسمعتها(1):

قالت أسماء : لما حملت الحسين إلى جده صلی الله علیه و آله وسلم استقبله بوجهه وقال: إنّه سيكون لك حديث ، اللهم العن قاتله .(2)

وفي هذا الحديث أيضاً: فلما كان في يوم سابعه [ثامنه - المؤلّف] جائني النبي فقال : هلمي ابني، فأتيته به ... قالت: ثمّ وضعه في حجره ثم قال : يا أبا عبدالله ، عزيز علي ، ثم بكى ، فقلت : بأبي أنت وأمي ، فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو : ؟ قال : أبكي على ابني هذا تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر بالله العظيم . ثمّ قال : اللهم إنّي أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذرّيّته ، اللهم أحبهما وأحب من يحبّهما ، والعن من يبغضهما ملأ السماء والأرض .(3)

ج - وفي (بحار الأنوار) عن (مناقب ابن شهر آشوب) روى عن ابن عباس قال : سألت هند عائشة أن تسأل النبي تعبير رؤياها ، فقال : قولي لها فلتقصص رؤياها ، فقالت : رأيت كأن الشمس قد طلعت من فوقي والقمر قد خرج من مخرجي وكأن كوكباً قد خرج من القمر أسود فشدّ على شمس ، خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها فاسود الأفق لابتلاعها ، ثم رأيت كواكب بدت من السماء وكواكب مسودة في الأرض إلا أن المسودة أحاطت بأفق الأرض من كل مكان.

ص: 179


1- الحديث التاسع منقول من تاريخ الخميس. (هامش الأصل)
2- أمالي الصدوق، عيون أخبار الرضا ، بحار الأنوار 44: 250 (هامش الأصل)
3- نفس المصادر التي ذكرت في صدره (المترجم) وفي البحار 44: 251 .

فاكتحلت عين رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بدموعه ثمّ قال : هي هند ، أخرج-ي ي-ا ع-دوة الله - مرتين - فقد جدّدت عليّ أحزاني ، ونعيت إلي أحبابي ، فقال : اللهم العنها والعن نسلها .(1)

د - وفي كامل الزيارة مسنداً، وفي البحار أيضاً عن تفسير فرات بن إبراهيم قال : حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعناً عن أبي عبدالله علیه السلام قال : كان الحسين علیه السلام مع أمّه تحمله، فأخذه النبى صلی الله علیه و آله وسلم وقال : لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك وأهلك المتوازرين عليك ، وحكم الله بيني وبين من بيني وبين من أعان عليك .(2)

ه - عن ابن نما (مثير الأحزان) عن ابن عبّاس قال : لما اشتد برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مرضه الذي مات فيه ، ضم الحسين إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ويقول : مالي وليزيد ، لا بارك الله فيه، اللهم العن يزيد ، ثمّ غشي عليه طويلاً وأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول : أما إنّ لي ولقاتلك بين يدي الله عزّ وجلّ ...(3)

ونعم ما قيل:

این انتقام گر نفتادی به روز حشر***با این عمل معامله دهر چون شدی

إذا لم ننتقم في الحشر***إنّ الدهر ينتقم

وسوف ينال ما يجني***وسوف تضمّه الحمم

و - في الخصال وساق السند إلى سيد الساجدين ، أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : سته لعنهم

ص: 180


1- مناقب آل أبي طالب 4 : 72 ، بحار الأنوار 44: 263. (هامش الأصل) وفي نسخة المترجم من المناقب 3: 227 ط الحيدرية ، النجف 1376 .
2- تفسير الفرات : 55 ، كامل اليارات : 168 ، البحار 44 262 ، عوالم العلوم : 140 - 141 . (هامش الأصل) واللفظ لفرات ونسخة المترجم من تفسيره ص 171 (المترجم)
3- بحار الأنوار 44: 266 الرقم 24 . (هامش الأصل)

الله وكلّ نبي مجاب الدعوة الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر الله ، والتارك لسنّتي ، والمستحل من عترتي ما حرم الله والمتسلّط بالجبروت ليذل من أعزه الله ويعزّ من أذله الله ، والمستأثر بفيء المسلمين المستحل له .(1)

ز - وفي كامل الزيارة روى عن كعب الأحبار أنّه قال: أوّل من لعن قاتل الحسين ابن علي علیهما السلام إبراهيم خليل الرحمان لعنه وأمر ولده بذلك وأخذ عليهم العهد والميثاق، ثمّ لعنه موسى بن عمران وأمر أمته بذلك ، ثمّ لعنه داود وأمر بني إسرائيل بذلك ، ثمّ لعنه عيسى وأكثر أن قال: يا بني إسرائيل ، العنوا قاتله وإن أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه فإنّ الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء مقبل غير مدیر(2)، إلى آخر الحديث .

ح - وروى الشيخ الجليل فخر الدين الطريحي النجفي في المنتخب مرسلاً أنّ آدم علیه السلام لما أهبط إلى الأرض لم ير حوّاء فصار يطوف الأرض في طلبها فمرّ بكربلاء فاعتل وأعاق وضاق صدره من غير سبب وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتى سال الدم من رجله فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي ، هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به فإنِّي طُفْتُ جميع الأرض ما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض ؟ فأوحى الله إليه : يا آدم ، ما حدث منك ذنب ولكن يُقتل في هذه الأرض ولدك الحسين علیه السلام ظلماً فسال دمك موافق لدمه، فقال آدم: يا

ص: 181


1- الخصال: 338 ، البحار 44: 300 ، عوالم العلوم : 597 .
2- قال المجلسي في بيان هذه العبارة : «فإنّ الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء مقبل غير مدبر» الصواب أن يقال : مقبلاً لأنه حال من الشهيد، وبناءاً على ما في النسخ أنه بالرفع صفة للشهيد لأنّه قوة النكرة والذي يصل إليه نظري أن خبره مقبل غير مدبر، وكالشهيد حال من الاسم ولا مانع عندنا من مجيء الحال من المبتدء والأظهر أن يكون خبراً بعد الخبر ، واحتمال أن يكون مقبل حالاً لا وجه له ؛ لا لفظاً ولا معنى وكونه وصفاً ركيك : ( منه )

ربّ ، أيكون الحسين نبيّاً ؟ قال : لا ولكنه سبط النبي محمد ، فقال : ومن القاتل له ؟ قال : قاتله يزيد ، فقال آدم: فأي شيء أصنع يا جبرئیل ؟ فقال : العنه يا آدم ، فلعنه أربع مرات ومشى خطوات إلى جبل عرفات فوجد حوّاء ...(1)

ط - وفي المنتخب أيضاً : إنّ نوحاً لما ركب السفينة طافت به جميع الدنيا فلمّا مرّت بكربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق فدعا ربه وقال : إلهي ، طُفْتُ جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض ، فنزل جبرئيل وقال : يا ،نوح في هذا الموضع يُقتل الحسين سبط محمد صلی الله علیه و آله وسلم خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء ، فقال : ومن القاتل له يا جبرائيل ؟ قال : قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين، فلعنه نوح أربع مرات، فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه .(2)

ى - وأيضاً في المنتخب روي أنّ إبراهيم مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم علیه السلام وشجّ رأسه وسال دمه، فأخذ فى الاستغفار وقال: إلهي ، أي شيء حدث منّي ؟ فنزل إليه جبرائيل وقال : يا إبراهيم، ما حدث منك ذنب ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء فسال دمك موافقة لدمه، قال: يا جبرائيل، ومن يكون قاتله؟ قال : لعين أهل السماوات والأرض، والقلم جرى على اللوح بلعنه، فأوحى الله إلى القلم أنك استحققت الثناء بهذا اللعن، فرفع إبراهيم يديه ولعن يزيد لعناً كثيراً وأمن فرسه بلسان فصيح (فقال إبراهيم لفرسه : أي شيء عرفت حتى تؤمن على دعائي ، فقال : يا إبراهيم، أنا

ص: 182


1- المنتخب : 48 . (المترجم) بحار الأنوار 44: 243 الرقم 37 (هامش الأصل)
2- نفسه : 48 (المترجم) بحار الأنوار 44 243 الرقم 38 .

أفتخر بركوبك على فلما عثرت وسقطت عن ظهري عظمت خجلتي وكان سبب ذلك من يزيد .(1)

يا - وفي المنتخب أيضاً روي أن إسماعيل علیه السلام كانت أغنامه ترعى بشط الفرات فأخبره الراعي أنّها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوماً، فسأل ربه عن سبب ذلك، فنزل جبرئيل علیه السلام وقال : يا إسماعيل، سل عنمك فإنّها تجيبك عن سبب ذلك ، فقال : لم لا تشربين من هذا الماء ؟ فقالت بلسان فصيح : قد بلغنا أنّ ولدك الحسين علیه السلام السبط محمّد يُقتل عطشاناً فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزناً عليه، فسألها عن قاتله؟ فقالت يقتله لعين أهل السماوات والأرضين والخلائق أجمعين . فقال إسماعيل : اللهم العن قاتل الحسين علیه السلام.(2)

يب - وفي المنتخب أيضاً روي أن موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون، فلما جاء إلى أرض كربلاء انخرق نعله وانقطع شراكه ودخل الحسك في رجليه وسال دمه ، فقال : إلهي ، أيّ شيء حدث منّي ؟ فأوحى الله إليه : إنّ هنا يقتل الحسين وهنا يسفك دمك موافقة لدمه، فقال ربّ، ومن يكون الحسين ؟ فقيل له: هو سبط محمد المصطفى وابن علي المرتضى ، فقال : ومن يكون قاتله؟ فقيل : هو لعين السمك في البحار والوحوش في القفار والطير في الهواء، فرفع موسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمن يوشع بن نون على دعائه ، ومضى لشأنه.(3)

يج - وفي المنتخب أيضاً روي أن سليمان علیه السلام كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء فمرّ ذات يوم وهو سائر في أرض كربلاء ، فأدارت الريح بساطه ثلاث

ص: 183


1- نفسه : 48 و 49 والعبارات بين القوسين تمام الرواية ولم يذكرها المؤلف . (المترجم) بحار الأنوار 44: 243 الرقم 38 .
2- المنتخب : 49. (المترجم) وبحار الأنوار 44: 243 الرقم 40.
3- المنتخب للطريحي : 49. (المترجم)، بحار الأنوار 44 : 244 الرقم 41 . (هامش الأصل)

دورات حتى خافوا السقوط، فسكنت الريح ونزل البساط في أرض كربلاء ، فقال سليمان للريح لم سكنت ؟ فقالت : إن هنا يقتل الحسين علیه السلام ، فقال : ومن يكون الحسين ؟ قالت هو سبط محمد المختار وابن عليّ الكرّار ، فقال : ومن قاتله؟ قالت : لعين السماوات والأرض يزيد، فرفع سليمان يديه ولعنه ودعا عليه وأمن على دعائه الإنس والجنّ ، فهبّت الريح وسار البساط ...(1)

يد - وفي المنتخب أيضاً روي أن عيسى كان سائحاً في البراري وم-ع-ه الحواريون فمروا بكربلاء فرأوا أسداً كاسراً قد أخذ الطريق فتقدّم عيسى إلى الأسد وقال له : لم جلست في هذا الطريق ولا تدعنا نمر فيه ؟ فقال الأسد بلسان فصيح : إنّي لم أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين ، فقال عيسى : ومن يكون الحسين ؟ قال : سبط محمد النبي الأمي وابن علي الولي ، قال : ومن قاتله؟ قال : قاتله لعين الوحوش والذئاب والسباع أجمع خصوصاً أيام عاشوراء، فرفع عیسى يديه ولعن يزيد ودعا عليه وأمن الحواريون على دعائه ، فتنحى الأسد عن طريقهم ومشوا لشأنهم ... .(2)

ويوجد في كتب الأخبار والمقتل نظير ما تقدّم شيء كثير، واستقصائها شأن المطوّلات، والأخبار المنقولة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم «لا أنالهم الله شفاعتي ولا تنالهم شفاعتي والويل لمن قتله، واللهم اخذل من خذله واقتل من قتله» ونظيرها من التعابير النبوية إنّما مفادها اللعن وتوجد في العيون والعلل والأمالي والمناقب وكامل الزيارة والبحار وغيرها وهي خارجة عن الحصر، وما ذكرناه هنا يكفي، وسوف يأتي لعن يزيد في فقرة أُخرى لاحقاً بإذن الله.

ص: 184


1- المنتخب : 49. (المترجم) بحار الأنوار 44: 244 الرقم 42 (هامش الأصل)
2- المنتخب : 49 و 50 (المترجم) وبحار الأنوار 44: 244 الرقم 43 . (هامش الأصل)

اللهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيانَ ...

الشرح : ذكر لعن أبي سفيان مستقلاً جاء في سياق تذكر مساوئ ب-ن-ى أُميّة وأفعال يزيد الشنيعة لأنه فرع من فروع الشجرة الملعونة، وثمرات تلك الأصول

غير ميمونة .

وأبو سفيان اسمه صخر بن حرب بن أُميّة ، وأُمّه صفية بنت مزن الهلالية ، ولقد رأيت في بعض المراجع أنّها كانت زانية إلا أنّي نسيته.

وكان أبو سفيان لغير رشدة، وولد قبل الفيل بعشرة أعوام، وظلّ حياته كلها جاداً في عداوة الله ورسوله والإجلاب على النبي وتسعير الحروب وسوق الجنود وقيادة الأحزاب، ولا تقوم فتنة في قريش إلا ولأبي سفيان لعنه الله قدم فيها راسخة، وسعي بالغ إلى قهره الإسلام، فأسلم عام الفتح مضطراً مقهوراً، وعاش

بعد ذلك منافقاً، وكان في حصار الطائف مع النبي فأصيبت عينه بسهم فعارت وذهبت عينه الثانية في حرب اليرموك فأضرّ ، وكان فى حرب هوازن من المؤلّفة قلوبهم وصار نصيبه من الغنائم مائة بعير وأربعين أوقية فضة، ونال ولداه معاوية ویزید مثل نيله وقتل ولده الآخر واسمه حنظلة - وبه كان يكنّى فيقال له أبو حنظلة - في بدر بيد أمير المؤمنين علیه السلام فتقدّم جيش أبيه وأخيه وأقربائه إلى النار وصار طعمة جهنّم .

وأولاد أبي سفيان هم معاوية ، وعمر ، وعتبة ، وصخرة، وهند، ورملة ، وآمنة، وأُمّ حبيبة، وجويرية ، وأمّ الحكم، وحنظلة، وعنبسة، ومحمد، وزياد باستحاق معاوية إيّاه - كما مر (1)- ويزيد ، ورملة الصغرى ، وميمونة ، كما ذكر ذلك ابن قتيبة - في كتاب المعارف.

ص: 185


1- في شرح «ولعن الله آل زياد». (هامش الأصل) والعجيب من المؤلف أنه يذكر زياد في أولاده والنبي يقول : «الولد للفراش وللعاهر الحجر». (المترجم)

وذهب إلى الجحيم عام ثلاثين للهجرة، وهجاه حسّان بن ثابت أبان المهاجاة بين المسلمين والكفّار بشعر كثير، ونحن من أجل أن نضفي على الكتاب زينة خاصة نذكر قطعتين منها . قال حسان بن ثابت في حرب أحد :

عضضت بأير من أبيك وخاله***وعضت بنو النجار بالسكر الرطب

فلست بخير من أبيك وخاله***ولست بخير من معاظلة الكلب (1)

ولست بذي دين ولا ذي أمانة***ولست بخير من لؤي ولا كلب

ولكن هجين ذو دناة لمقرف***مجاجة ملح غير صاف ولا عذب

وله أيضاً:

ولست من المعشر الأكرمين***لا عبد شمس ولا نوفل

وليس أبوك بساقي الحجيج***فأقعد على الحسب الأرذل

ولكن هجين منوط بهم***كما نوطت حلقة المحمل

تجيش من اللؤم أحسابكم ***كجيش المجاجة في المرجل (2)

وهذه الأبيات صريحة في خبث مولده وفساد نسبه ، لأنه نفاه من عبد شمس وجعله لصيقاً به.

واعلم بأنّ حال أبي سفيان في النفاق وعداوة أهل بيت الرسالة أشهر من أن تذكر ، وأظهر من أن تنكر .

ص: 186


1- لعلها «معاظظة الكلب» وهذا في رأيي أولى ، وليست في ديوانه ، ولا أشار المؤلّف إلى مصدرها لنتطلبه . (المترجم)
2- وفي رواية «المشاشة» وهي واحدة المشاش، رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها ، وأهمل المؤلّف بيتاً خامساً له : فلو كنت من هاشم في الصميم***لم تهجنا وركي مصطلي (الديوان : 189)

وفي نهج البلاغة قابله بتكريم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال: «منا النبي ومنكم المكذب .(1)

وذكره ابن قتيبة وهو قطب دائرة النصب والإعراض فى المؤلّفة قلوبهم ولم يقل بعد ذكره - كما هي عادته في ذكر أمثاله -«وحسن إسلامه» وهذا دليل على أن نفاقه لا يمكن ستره وإلا لكان ذكر هذه الجملة من أجل تعديل معاوية عليه الهاوية.

والجاحظ لعنه الله (2)الذي هو عدوّ مجاهر لأمير المؤمنين علیه السلام يقول في رسالة المفاخرة بين بني هاشم وبني أُميّه : «قد عرفنا كيف كان أبو سفيان في عداوة النبي وفي محاربته له وإجلابه عليه وغزوه ،إيَّاه، وعرفنا إسلامه حيث أسلم، وإخلاصه كيف أخلص ، ومعنى كلمته يوم الفتح حين رأى الجنود ، وكلامه يوم حنين، وقوله يوم صعد بلال على الكعبة فأذن، على أنه أسلم على يدي العبّاس والعباس هو الذي منع الناس من قتله وجاء به رديفاً إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وسأله فيه أن يشرّفه وأن يكرمه وأن ينوّه به ، وتلك يد بيضاء ومقام مشهود ، ويوم حنين غير مجحود، فكان جزاء بيته أن حاربوا عليّاً وسمّوا الحسن وقتلوا الحسين وحملوا النساء على الأقتاب حواسر وكشفوا عن عورة عليّ بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه كما يُصنع بذراري المشركين إذا دخلت دورهم عنوة» .

إلى أن قال: «وأكلت هند كبد حمزة فمنهم آكلة الأكباد ، ومنهم كهف النفاق ، ومنهم من نقر بين ثنيتي الحسين علیه السلام بالقضيب» انتهى.(3)

ص: 187


1- الرسائل ، عدد 28. (هامش الأصل) تحقيق عبده ط دار المعرفة بيروت . (المترجم)
2- لم يكن للجاحظ دين ليحاسب عليه إنما كان يتلاعب بالأحداث ؛ فنارة يكون أموياً وأخرى علوياً وهو ، کافر بالاثنين . (المترجم)
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 . (هامش الأصل) ص 236 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط دار إحياء الكتب العربية - بيروت . (المترجم)

وأنت ترى الجاحظ مع عصبيته ومروانيته وسفيانيته وقد كتب رسائل في فضائل هؤلاء الثلاثة ، كيف شهد على أبي سفيان ووصفه بأنّه كهف النفاق، ولم يكن مخلصاً في الإسلام، وتكفينا شهادة هذين الناصبين - وهما عند النواصب من أعظم العدول - في نفاقه ودوام كفره .

واتفق العلماء على أنه من المؤلفة قلوبهم وأنه دخل الإسلام حيلة ونفاقاً، ولم يثبت دليل يرفع عنه هذا الاتهام. وحينئذٍ تترتب عليه أحكام النفاق الشرعية جميعاً من من جواز لعنه ووجوب التبرّي منه وغيره بقاعدة الاستصحاب، ونص الكتاب الكريم في مسألة الرؤيا التي سلفت (1)يشهد بلعنه لأنه في الحقيقة أصل الشجرة الملعونة، والمؤرّخون من العامة والخاصة أثبتوا ذلك، وقد جائت الإشارة في كتاب المعتضد إلى الأمة بلعن معاوية بذلك ، وفيه :

بعد أن استتبت الأمور في خلافة عثمان لبني أُميّة، وأدخل عثمان إلى بيته دار به بنو أُميّة وأظهروا الفرح بما جاءهم من الأمر والنهي، وأغلقوا الباب ع-ل-ى الداخلين الغرباء، وفي هذا الحين رفع أبو سفيان عقيرته وقال: أفيكم من يُحتَشَم ؟ فقالوا : كلا ، فقال : يا بني أمية، تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا قيامة ، فلمّا سمع عثمان ذلك خاف أن تنتشر كلمته في المسلمين فتحدث فتنة فأمر بإخراجه .

من هنا ألمّ أهل المعرفة والدقة أن ثالث المنافقين عثمان، ففي سره شارك أبا سفيان في عقيدة الكفر والنفاق ولكن حمله على تأديب أبي سفيان رعاية المصلحة (2)وإلا لكان عاقبه بالقتل لأنّ هذا جزاء المرتد لا بالإخراج.

ص: 188


1- في شرح: «ولعن الله بني أُمية قاطبة». (هامش الأصل)
2- صدق المؤلّف فلو كان جاداً في عقابه لحاسبه حساب المرتد لأنّ كلمته تدلّ على ارتداده وقد حارب أبو بكر الآلاف من المسلمين واستحل دمائهم على عقال بعير فكيف لم يقتل هذا المرتد ؟ (المترجم)

ومجمل الحديث أن لعن رسول الله له ولو لديه من الأخبار المشهورة التي نقلها ابن أبي الحديد عن البيهقي والزمخشري مرويّة ، ورويت في كتاب المعتضد عن الثقات قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيه وقد رآه مقبلاً على حمار ومعاوية يقوده ويزيد يسوقه : لعن الله الراكب والقائد والسائق (1).

ونقل ابن أبي الحديد من كتاب المفاخرات للزبير بن بكار قال: اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص والوليد بن عقبة بن أبي معيط وعتبة بن أبي سفيان بن رب والمغيرة بن شعبة وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي علیه السلام قوارص، وبلغه عنهم مثل ذلك ، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن الحسن قد أحيا، وذكره إلى آخره، فبعثوا خلفه ، فلمّا أقبل تطاول عليه الخبثاء كل واحد منهم بجرأته المعهودة على الحق كما جاء تفصيله في الكتاب المذكور، وبعد ذلك تكلّم سيد شباب أهل الجنّة وخاطب معاوية وفى أثناء كلامه قال : أنشدك بالله يا معاوية ، أتذكر يوماً جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله ،

فقال : اللهم العن الراكب والقائد والسائق.

ثم خاطب الحاضرين فقال: وأنتم أيها الرهط نشدتكم الله ، ألا تعلمون أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردّها :

أولها : يوم لقي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم خارجاً من مكة إلى الطائف، يدعو ثقيفاً إلى رسول الدين، فوقع به وسبّه وسقهه وشتمه وكذبه وتوعده وهم أن يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف عنه .

ص: 189


1- مرّ في شرح «لعن الله بني أُمية» كتاب المعتضد (هامش الأصل) وانظر عند ابن أبي الحديد 15: 175. (المترجم)

والثانية : يوم العير ، إذ عرض لها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهي جائية من الشام فطردها أبو سفيان وساحل بها فلم يظفر المسلمون بها، ولعنه رسول الله صلی الله علیه و آله ودعا عليه ، فكانت وقعة بدر لأجلها.

والثالثة:

يوم أحد حيث وقف تحت الجبل، ورسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في أعلاه وهو ينادي: أعل هبل - مراراً - فلعنه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عشر مرات ولعنه المسلمون .

والرابعة : يوم جاء بالأحزاب وغطفان واليهود، فلعنه رسول الله وابتهل.

والخامسة : يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدّوا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عن المسجد الحرام والهدي معكوفاً أن يبلغ محلّه ، وذلك يوم الحديبية ، فلعن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أبا سفيان ولعن القادة والأتباع وقال : (ملعون كلّهم ، وليس فيهم من يؤمن) فقيل یا رسول الله ، أفما يرجى يرجى الإسلام لأحد منهفكيف باللعنة ؟ فقال : لا تصيب اللعنة أحداً من الأتباع ، وأما القادة فلا يفلح منهم أحد .

والسادسة : يوم الجمل الأحمر.

والسابعة : يوم وقفوا لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثني عشر رجلاً منهم أبو سفيان ، فهذا لك يا معاوية .

ثم راح يعدّد مثالب البقيّة .(1)

ونقل تقي الدين بن حجّة وهو من أكابر أدباء أهل السنة في كتابه «ثمرات الأوراق» فصلاً من هذا، ويقول : قال علیه السلام : «... وأنشدكم بالله ، أتعلمون أن معاوية كان يقود بأبيه على جمل وأخوه هذا يسوقه، فقال رسول الله : لعن الله الجمل وقائده وراكبه وسائقه ؟» (2).

ص: 190


1- شرح ابن أبي الحديد 6: 290
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 102 ط مصر . (هامش الأصل)

وأخيراً، لا تخفى حال أبي سفيان عن المنصف المتتبع وإن كان أهل السنّة والجماعة بناءاً على رأيهم في تعديل الصحابة كلّهم، يلزمهم أن يعتقدوا بأنّ عداوة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و واستمرار النفاق والقول للعبّاس: «لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً لا تنافي العدالة، والاتفاق العجيب وقوع أبي سفيان بأزاء رسول الله ومعاوية بأزاء أمير المؤمنين، ويزيد بأزاء الشهداء، وعداوة كلّ واحد منهم ليست من الهوان بحيث يحيط بها بيان .

ص: 191

وَمُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ ...

الشرح المشهور أن معاوية ابن هند من أبي سفيان ولكن يرى المحققون أنه لغير رشدة .

قال الراغب الأصفهاني في المحاضرات، ونقل ابن أبي الحديد عن الزمخشري في ربيع الأبرار قال : كان معاوية يُعزى إلى أربعة إلى مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة، وإلى العباس بن عبدالمطلب، وإلى الصباح مغن كان لعمارة بن الوليد.

قال : وكان أبو سفيان دميماً قصيراً، وكان الصباح عسيفاً لأبي سفيان شاباً وسيماً فدعته هند إلى نفسها فغشيها وقالوا إنّ عتبة بن أبي سفيان من الصباح

: أيضاً، وقالوا : إنّها كرهت أن تدعه في منزلها فخرجت إلى أجياد (1)فوضعته هناك، وفي هذا المعنى يقول حسّان أيّام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قبل عام الفتح :

لمن الصبي بجانب البطحاء***في الترب ملقى غير ذي مهد

ص: 192


1- أجياد جبل للنزهة في مكة المعظمة شرفها الله تعالى وهو في الأصل جمع جواد بمعنى الفرس ، وإنما سمّي بهذا الاسم لأنّ «تتبع» كانت ترعى أفراسها به ، وسمّي أجياداً بذلك ، ومن موارد استعماله في الشعر قول ابن الفارض في تاثيته المعروفة الصغرى: سقى بالصفى الرعي ربعاً له الصفا***وجاد بأجياد ثرى فيه ثروتي وهذه العبارة مع ما فيها من الغموض والإبهام وهو طابع كتاب القاموس لا تخلو من الخطأ لأنك علمت أنه جمع جواد الواوي لا جمع جيد البائي لذلك ينبغي أن يذكر في مادة جود في تعداد جموع الجواد كما فعل إسماعيل بن عباد النيشابوري وهو جوهري اللغة ، وفعل في الصحاح مثل فعله . ومن النوادر أنه لم يذكر في جمع جواد أجياد أبداً وإن لم يكن الخطأ من أي نوع ليس عجيباً عليه ولا نادراً في كتابه ، والذي يحتوي على أخطاء في هذا الكتاب لا تحصر فهو القاموس المحيط بالأخطاء والأغاليط ، والله العاصم. (منه)

نجلت به بيضاء آنسة***من عبد شمس صلتة الخدّ .. (1)

ونقل آية الله العلّامة نصر الله وجهه عن الكلبي النسابة وهو من الثقات عند الإمامية وأقرّ ابن روزبهان أن معاوية كان يُدعى لأربعة : عمارة ومسافر وأبي سفيان ورجل رابع لم يذكر اسمه، وكانت هند أُمّه من ذوات الأعلام ، وكانت مولعة بالسودان ، فإذا وضعت وليداً أسود عمدت إليه فقتلته، وحمامة وه-ي واحدة من جدّات معاوية كانت صاحبة راية في سوق المجاز وبلغت إلى آخر حدود الزنا، ومن هنا يعرف نسب أبي سفيان لأنه نغل من سفاح.

وذكر السيد المحقق الشهيد الثالث في كتاب إحقاق الحق عن كتاب نزهة القلوب للقطب الشيرازي وهو علّامة العلماء عند الإمامية قال : أولاد الزنا ينجبون لأنّ الزاني يندفع للفعل بشهوة ونشاط فيكتسب الولد من هذا كمال القوّة ، وما كان من الحلال فإنه يتم بتصنّع وتكلّف، ومن هذه الجهة كان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان من الدهاة المعدودين .

ثم ساق ما ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار من نسبهم (2)وذكره سبط ابن

ص: 193


1- شرح ابن أبي الحديد 1: 336
2- روى العالم الجليل الشيخ يوسف البحراني الله وغيره عن محمد بن السائب الكلبي وأبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتاب (الصلابة في معرفة الصحابة) وكتاب (التنقيح في النسب الصريح) وهؤلاء رووا عن عبدالله بن سيابة بأنه قال : نكاح الشبهة قسم من أقسم النكاح والمتولد من الشبهة والزنا أنجب من المولود من الفراش وأحياناً تظهر منهم علامات من الدهاء تناسب حالهم وشأنهم، والعرب يفخرون بذلك في ظهور مثل ذلك في قبالهم أو سلالات كراعهم . ثم شرع في بيان نسب رمع [شجرة طوبى العلامة النوري، ص 2] وقال العلامة السبزواري في كتاب (نزهة القلوب) : أولاد الزنا يخرجون نجباء أزكياء لأنّ الزاني يزني بشهوة ونشاط فيخرج الولد تاماً وما كان من الحلال فإنما يتم بتكلف من الرجل قبال المرأة ، ومن هذه الجهة كان معاوية وعمرو بن العاص من دهاة الناس [شجرة طوبى ، ورقة 168] . (هامش الأصل)

الجوزي كلاماً مبسوطاً عن كتاب الكلبي في شرح قول الإمام الحسين لمعاوية لعنه الله قال : وقد علمت الذي ولدت عليه .

وهذا الإجمال موافق لما تقدّم ، ولما كان الاطلاع عليه لاحقاً لما مرت الإشارة إليه رأينا إعادته موجبة للتكرار ، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب التذكرة. وبالجملة فما أحقه بقول ابن الحجّاج :

يابن النساء الزواني العاهرات ومن***سلقلقيّاتهم قد حضن من خلف

يابن التي نتفت من بعض شعرتها***بيتاً من الشعر يغني جملة السلف

هلك معاوية في النصف من رجب عام خمسين وتسع للهجرة على قول

وعام ستين على قول آخر ، وضعفه المؤرّخ المعاصر نظراً لأن قتل الحسين علیه السلام في يوم الجمعة العاشر من محرم الحرام. وإذا رجعنا القهقرى ودققنا في حساب الشهور يكون يوم الجمعة العاشر من محرّم واقعاً في عام واحد وستين لا عام ستين، ولكن المشهور والمعتمد هو القول الأول.

وقال بعضهم : كان عمره عند وفاته سبعاً وثمانين سنة، وبناءاً على هذا تكون ولادته قبل البعثة بسبع سنين .

ويقول ابن قتيبة : كان عمره اثنتين وثمانين سنة وبناءاً على هذا تكون ولادته قبل البعثة بثلاثة عشر سنة أي بعد الفيل بسبع وعشرين سنة .

وأولاده عبد الرحمن، ويزيد وعبدالله ، وهند، ورملة ، وصفية .

وأظهر إسلامه بعد الفتح بعد ما أخذ الإسلام بخناقه ، ولكنّه اتخذ طريق النفاق مسلكاً له ، وكان في حرب حنين من المؤلفة قلوبهم، وأعطي من سهامهم كما أشرنا إليه(1)أعطي أربعين أوقية فضَةً على المشهور من الروايات.

ص: 194


1- في شرح: «اللهم العن أبا سفيان». (هامش الأصل)

وقال في نهج الحق : ولما أهدر النبي دمه في فتح مكة أقبل مضطراً إلى العبّاس ولجأ إليه قبل وفاة النبي بخمسة أشهر واستشفع به، وشهر إسلامه، وتشفّع له العباس بأن يجعله النبي كاتباً عنده (1)فكان يكتب أحياناً للنبي مكاتباته، وما اعتبره بعضهم من كونه من كتاب الوحي إنّما هو محض افتراء واختلاق ، والذي قلناه عن كتابته صرّح به كثير من مؤرّخي الخاصة والعامة .

وملخص القول: إنّ أبا بكر لما سيّر العساكر والجيوش إلى جهة الشام أمر عليها يزيد بن أبي سفيان وجعل أخاه معاوية وأباه أبا سفيان تحت رايته، ولما هلك يزيد وسار إلى حيث يستقر أجداده وضع مكانه معاوية وأمره على الشام كله، وكان بقية زمان أبي بكر وخلافة عمر وعثمان له ولاية الشام مستقلة ، فأكثر في هذا الحكم المديد من إحداث البدع وإحياء السنن الكسروية والقيصرية، وظهرت عليه مظاهر التجبّر والتكبّر والتبختر حتى قال له عمر ذات يوم: «أنت كسرى العرب» وكان مولعاً بالعقار يشربها ومتمرساً بأنواع الفجور جارياً في هذا السنن بجد ونشاط حتى قبل أن يلي الخلافة بأيَّام، ثمّ قال قوم بأنّه أقلع عن ذلك، وقال آخرون : هذا في الظاهر وأما في الباطن فقد كان سائراً في السرّ على تناول كاسات العقار ومقيما على تداول العهار .

ولما بلغ عليّ إلى حقه وتسنّم غارب الخلافة قصرت الغاصبين والناصبين عن الامتداد إلى أانيهم فلم يقرّ معاوية على ولايته لاشتهاره بين الناس كلهم ، فقام بحرب ضروس على الإمام بحجّة الطلب بدم عثمان فسلّت السيوف في ذلك و قامت الحرب على قدم وساق إلى أن رحل الإمام عن هذا الوجود الفاني بقلب حزين وصدر بالغيظ مشحون من مفاسده، وعمرو بن العاص ومكائدهم حتى

ص: 195


1- شرح نهج البلاغة 2: 102 نهج الحق للعلامة الحلي : 310 (هامش الأصل)

شرب الإمام كأس الشهادة دهاقاً، عمد معاوية إلى محاربة الحسن حتى تم الصلح بينهما وامتدت هذه الفترة عشرين عاماً كان فيها ، أميراً، ومثلها استقل بالخلافة بالباطل وتفرد بالولاية فامتدت إمارته أربعين سنة.

وجملة القول إنك سمعت لعنه من فم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في شرح حال أبي سفيان. وفي ربيع الأبرار للزمخشري وهو موافق لما حكاه العلامة في نهج الحق أن النبي كان في خطبته فأخذ معاوية بيد ولده يزيد وقام من المجلس فلم يسمع الخطبة ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : «لعن الله القائد والمقود أي يوم يكون لهذه الأمة من معاوية (لعنه الله) ذي الإسائة» (1).

والظاهر أنّ لفظ أخيه صحفت بابنه في عبارة نهج الحق لأنّ خط العلّامة وعندي منه سطور وهو مبعث فخر لي واعتزاز ، موجودة في كتبي، ضعيف جداً، ومثل هذا التصحيف كثيراً يدور على أقلام الكتاب وإلا فمن المستبعد كثيراً أن يكون يزيد في زمان النبي صلی الله علیه و آله وسلم مولوداً لأن مدة عمره معلومة، ولعل الخطأ في نسخة «ربيع الأبرار» فلم يلتفت إليه العلّامة.

إذن ، لا يكون طعن ابن روزبهان في الرواية صحيحاً ولو سلمنا جدلاً لما يقوله ابن روزبهان فإنّ القدح في الحديث ينحصر بكونه من المتشابهات. وأما لعن معاوية فهو القدر المتيقن من مضمون الخبر ولا يصح التخلّي عنه ، والتفكيك في الحجّة، لاسيّما على وجه تستفاد فيه الأحكام من ألفاظ مختلفة فيكون بعضها حجّة والبعض الآخر فاقداً لها أثبتناه في علم الأصول لا مانع منه .

وفي [كتاب - ط] (نهج الحق) يقول : واعترف الفضل بن روزبهان بفضل الله

ص: 196


1- نهج الحق : 310 . (هامش الأصل)

أنّ النبي كان يلعنه دائماً ويقول: «اللعين بن اللعين ، الطليق بن الطليقم .(1)

وروي عن النبي أيضاً في كتاب المعتضد أنّه قال : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه .(2)

ونقل في صحاح أهل السنة أيضاً أن الخلافة من بعدي ثلاثون ثمّ يكون ملكاً عضوضاً .(3)

لذلك اعترف ابن روزبهان بأنّ معاوية ليس من الخلفاء بل هو من الملوك ووقع سائر أوليائه في ضيق الخناق فعمدوا إلى التأويل وجائوا بأشياء باطلة ملفقة ومحصلها أن الملك أدنى من الخلافة بدرجة ولا ينافي صدق اسم الخلافة عليه ، وهذا كلام ابن خلدون وابن حجر ، وظاهر الحديث ينادي بخلاف ذلك لأنّه :

أولاً قابل الملك بالخلافة .

وثانياً سمّى الملك عضوضاً أي إنّه شديد وهذا ينافي أن يكون خلافة ناقصة أي كونه على حق وإن لم يصل إلى كمال الزمان السابق. وفي أخبار أخرى سماه

ملكاً وجبرية وملكاً وجبروتاً، وهذان الكلمتان لا يقبلان التأويل.

ثالثاً ويدلّ على بطلان هذا الوجه ما نقله السيوطي في كتاب تاريخ مصر من طبقات محمّد بن سعد فقد نقل سعد فقد نقل مسنداً أن قال لسلمان : هل أنا ملك أو

ص: 197


1- الطليق بن الطليق اللعين بن اللعين. نهج الحق : 309
2- مضى تخريجه في كتاب المعتضد . (هامش الأصل)
3- رواه في الصواعق المحرقة : 217 عن أبي داود والترمذي والنسائي والجمع بين الصحيحين عن مسند أنس بن مالك وأبي عامر أن النبي الله الله قال : أول دينكم نبوّة ورحمة، ثمّ ملك ورحمة ، ثم ملك جبرية، ثمّ ملك عضوض يستحل فيه الحرّ والحرّة». راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي : 9 ، ونهاية اللغة لابن الأثير 3 353 مع تفاوت يسير، وأحمد بن حنبل في المسند 456:1 ، وتطهير اللسان لابن حجر : 16 ، ونهج الحق للعلامة : 316.

خليفة ؟ فقال له سلمان : إذا حبيت درهماً من بلاد المسلمين أو أقل من الدرهم ووضعته في غير حقه فأنت ملك لا خليفة .

وكذلك ساق السند إلى سفيان بن أبي العوجاء أن عمر قال: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك ؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم.

قال قائل : يا أمير المؤمنين ، إنّ بينهما فرقاً.

قال : ما هو ؟

قال : الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا فى حق ، وأنت بحمد الله كذلك، والملك يعتسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا .

وهذان الخبران أولهما قول صحابي وهو حجّة ، والثاني تقرير عمر علاوة على أنّه مبطل لخلافته لإظهاره الشك وقسمه على الجهل بواقع الحال ، وهذا مبطل الخلافة معاوية وغيره منهم .

فظهر أنّ المراد بالملك الظالم المتعسف فتبيّن أن توجيه هذه الفرقة باطل والالتفات إلى هذا الجواب من خصائص هذا الكتاب.

ومجمل القول أن ابن الأثير نقل في أسد الغابة عن عبدالرحمان الزبيري أن عمر قال : إنّ هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ما بقي منهم

أحد ، ثمّ في كذا كذا، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا المسلمة الفتح شيء .(1)

لقد نفى عمر الخلافة عن معاوية - والحمد لله - بعناوين ثلاثة ؛ لأنّه طليق وابن طليق، وهو من مسلمة الفتح إن كان أسلم (وليس من أهل بدر - المترجم) وهذا الاستدلال ممّا انفردت به.

ونقل ابن الأثير وغيره عن ابن عباس مسنداً أنه قال: كنت ألعب مع الصبيان

ص: 198


1- أسد الغابة 4 : 388 وقال : أخرجه الثلاثة . (المترجم)

فجاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فتواريت خلف باب فجاء وحطأني حطأة وقال : اذهب فادع لي معاوية (لعنه الله) قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، ثمّ قال : اذهب فادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : لا أشبع الله بطنه ... (1)

وذكر ابن خلكان في ترجمة النسائي صاحب الخصائص قال : وخرج إلى دمشق فسُئل عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس حتّى يفضل.

وفي رواية أخرى ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك .(2)

ووصف ابن خلكان النسائي فقال : الحافظ كان إمام عصره في الحديث، وامتدحه .

ونقل عن أبي سعيد صاحب تاريخ مصر إنّه قال : كان إماماً في الحديث ثقة ثبتا .(3)

وهذه المسائل حجّة من النسائي لأنه من أصحاب السنن وكتابه أحد الصحاح الستة.

ونقل ابن حجّة الحموي فى ثمرات الأوراق عن الإمام الحسن علیه السلام في مجلس المفاخرة : أنشدكم الله والإسلام ، أتعلمون أن معاوية كان يكتب الرسائل لجدّي فأرسل إليه يوماً فرجع الرسول وقال : هو يأكل ، فردّ الرسول ثلاث مرات كل ذلك وهو يقول: هو يأكل ، فقال النبي : لا أشبع الله بطنه، أما تعرف ذلك في بطنك يا معاوية ؟ ...

ص: 199


1- أسد الغابة 4 : 386، صحيح مسلم 4 : 194 .
2- وفيات الأعيان 1 : 66 ونقلنا الخبر برمته . (المترجم)
3- نفسه 1 : 68. (المترجم)

ونقل السيد الشهيد من تاريخ اليافعي أن معاوية ابتلي بدعاء النبي صلی الله علیه و آله وسلم بشدة الجوع ، وهذا الأمر من المسلّمات المتواترات أن معاوية يأكل مرات عدة ف-لا يشبع ويمل من كثرة الأكل. قيل : إنه يأكل البعير الكامل .

قال الراغب وابن أبي الحديد وغيرهما : كان معاوية يأكل حتى يربع ، ثم يقول : ارفع ما شبعت أكلت حتى مللت ، وقال الشاعر :

وصاحب لي بطنه كالهاويه***كأن في أحشائه معاويه

وقال السنائي :

هست چون معاویه آز(1)***که بخاک از تو دست بردارد باز

وفي مختصر (ربيع الأبرار) المعروف بروض الأخبار يقول : كانت العرب لا تعرف الألوان إنما كان طعامهم اللحم يطبخ بماء وملح، حتى كان زمن معاوية

فاتخذ الألوان وتنوّق فيها، وما شبع مع كثرة ألوانه الدعاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

والعجيب أنّ مسلماً في صحيحه روى الحديث التالي وأحاديث أخرى في مضمونه أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجراً (2). وهذا الحديث واضح أنّه موضوع المصلحة معاوية لتعديله وإصلاح حاله، ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر. لأنه لا يمكن أن يلعن نبي معصوم مبرء من الخلل والزلل أحداً ثم تكون له بركة ورحمة.

ثم مما لا يشك فيه أن ذلك الوجود القدسي والهيكل النوراني مع تمام تجرده وكمال تألّهه لا يغضب على من لا يستحق الغضب بصريح قوله تعالى: «وَمَا يَنطِقُ

ص: 200


1- هكذا ورد الشعر مختل الوزن ولم يظهر لي معناه بل ولا بعضه فما أمكنت ترجمته . (المترجم)
2- صحیح مسلم، رقم الحديث 6561

عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» (1)والدليل عموم هذه الدعوى. وعلى فرض التسليم لصحة هذه الأخبار جدلاً فنقول: إن صحت فينبغي أن يكون معاوية والحكم خارج الأمة، لأن دعاء النبي ظهر فيهما بما جرى على أيديهما من المساوئ كما مر في حال الحكم (2)وما سمعته عن اليافعي والزمخشري وصاحب (روض الأخبار) وابن حجّة وغيرهم عن معاوية (3)وبناءاً على هذا ينبغي أن يكون الاثنان كافرين وشدّة اهتمام عثمان بالحكم وردّه بعد نفيه عن المدينة إليها كاشف عن حاله ، والحرّ يكفيه الإشارة.

وفي نهج الحق روى عن ابن عمر أنه قال : سمعت النبي يقول : سيخرج عليكم رجل يموت على غير سنتي، فخرج معاوية (لعنه الله ) .(4)

والأخبار المتواترة فى كفر ونفاق مبغض أمير المؤمنين علیه السلام الواردة في طرق أهل السنة الصحيحة كثيرة، ويكفي آخر حديث الغدير: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» وعداوة معاوية لأمير المؤمنين وسبه له أظهر من أن يمكن سترها أو إخفائها أو شرحها ، ولم أجد من أهل السنّة من ردّها أو أنكرها إلا ابن خلدون في مقدّمة تاريخه فإنّه استبعد أن يكون معاوية سبّ أمير المؤمنين علیه السلام ، وهذا القول منه وإن كان إنكار المتواتر ولكنّي على قلة اطلاعي رأيت أكثر من مأة كتاب من كتب أهل السنّة تنقل أن معاوية سب أمير المؤمنين علیه السلام بل حتى ابن خلدون نفسه صرّح في ذيل أخبار معاوة (لعنه الله) بأنّ المغيرة بن شعبة سبه وكتب عن حجر بن عدي قائلاً بأن سبب قتله إبائه من سب أمير المؤمنين علیه السلام ، ومع ما هو عليه

ص: 201


1- النجم : 3 و 4 .
2- شرح جملة : وآل مروان. (هامش الأصل)
3- في شرح عبارة : «ومعاوية بن أبي سفيان». (هامش الأصل)
4- کتاب صفين لنصر بن مزاحم : 247 ، تاريخ الطبري 11 357 نهج الحق : 310 (هامش الأصل)

يظهر من حاله أنّه يعترف بأن سب أمير المؤمنين علیه السلام منكر وموجب للخروج من الملّة لأنّه إن ثبتت الصغرى فإنّنا نثبت تواتر الكبرى بشهادته، وكفر معاوية لعنه الله برهاني ومسلّم الطرفين، والحمد لله على وضوح الحجّة.

وهذا المقام وإن استوجب البسط لكن رعاية الاختصار توجب الصمت، وفي أخبار كثيرة بالطرق المعتبرة بل يمكن الحكم عليها بالتواتر أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال العمّار : «تقتلك الفئة الباغية» (1)وقتله أبو العالية الجهني من جنود معاوية لعنهما الله ، ولما قامت الفتنة في جيش معاوية أشاع بين الناس أن عماراً قتله ألقاه من طعمة لسيوفنا ورماحنا وهو عليّ، ولما سمع الإمام قوله قال : فينبغي أن يكون الحمزة قتله رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

ومجمل القول بأنّ الأخبار في ذمّ معاوية خارجة عن حدّ الحصر، وعن بعض متتبعي فضلاء الهند، أنّه نقل مأتي خبر من الطرق المعتمدة لأهل السنّة فيكون الخلاف بينه وبين أمير المؤمنين كالخلاف بين أبي جهل وبين رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثابت بالضرورة، ويستحيل الجمع بين المتناقضين، فعلينا إما موالاته ومعاداة عليّ أو العكس، ولكن أهل السنّة اختاروا الشق الأوّل كما نقل عن كتب علماء ماوراء النهر أنّه يشترط في الستنّن أن يكون بقدر ... من عداوة عليّ في القلب (2)وابن ... خلكان رفع الحجاب في ترجمة عليّ بن جهم الناصبي نقل ذلك عن الخطيب البغدادي أنه كان فاضلاً متديّناً ثمّ يقول : وكان مع انحرافه عن عليّ بن أبي طالب وإظهاره التسنّن مطبوعاً مقتدراً على الشعر.(3)

ص: 202


1- الإصابة 2 : 512 ، الاستيعاب : 480 ، تهذيب التهذيب :7 409 قالوا : وقد تواترت الأحاديث أنّ عمّار تقتله الفئة الباغية. (هامش الأصل)
2- إحقاق الحق 7: 447 ففيه ما يفيد المقام . (هامش الأصل)
3- إحقاق الحق 1 : 2 و 64 و 7 : 448 عن وفيات الأعيان. (هامش الأصل)

وهنا يمكن الحصول على فائدتين :

الأولى : إن النصب ينافي التدين.

والثانية : إن إظهار التسنّن بالانحراف عن علي علیه السلام لأن الظاهر أن جملة وإظهاره التسنّن عطف تفسير على الانحراف فظهر منه أنّ التسنّن مشروط

بالانحراف عن أمير المؤمنين وبغضه ، وهذه استفادة لطيفة .

ومن هذه الجهة نسب السيد المحقق الشهيد الثالث نصر الله وجهه في مجالس المؤمنين إلى ابن خلكان في الترجمة المذكورة : ألقول بأنّ عداوة عليّ شرط في التسنّن .. (1)(2)

ولم يلتفت متأخّروا أهل السنّة كصاحب التحفة في باب المكايد من الكتاب المذكور طريقة استنتاج الشهيد الثالث لعبارته السالفة لذلك عمد إلى تخطئته وتكذيبه ... وبناءاً على ما تقدّم فإنّ دعاء الحديث المتواتر «اللهم عاد من عاداه» ينطبق على أهل السنّة عامة إلا أن يتشبثوا بذيل حديث مسلم (3)أن لعن النبي من دواعي المغفرة وليس سبباً للبعد عن رحمة الله لأنّ النبي - العياذ بالله - أحياناً يتلاعب به الشيطان فيتعرّض للسهو والنسيان وغلبة الطبيعة البشرية في الغضب والرضا - ثمّ يفيق من هذه الحالة ويرجع إلى الاستواء .. (4).

ص: 203


1- هذا اعتذار عن السيد الشهيد الثالث لأنّ العبارة بلفظها لا توجد لكن توجد بمعناها ويؤيد قول سيدنا الشهيد الثالث قول شيخنا المرحوم أبي الحسن الخنيزي في كتابه «دعوة الحق»: لا يموت السنيّ إلا وفي نفسه شيء من عليّ . (المترجم)
2- مر في إحقاق الحق 1: 64 و 7: 488 . (هامش الأصل)
3- اللهمّ إنّي بشر ، مر آنفاً (المترجم)
4- أقول : لعن الله من قال ذلك فلقد أخزوا أنفسهم بما وضعوه لتعديل رجل ضال منحرف ؛ لأن النبي إن كان يقول غير الحق في حالة الغضب ثم يعود إلى الصواب فإنّه كذلك في حالة الرضا فقد يغلب عليه الاعجاب برجل فيقول فيه مادحاً غير الحق أيضاً فيكون المدح على غير حقيقته ومخالفاً لطبيعته وحينئذ يكون كلّ ما وضعوه في حق سادتهم لعنهم الله من هذا القبيل لا يمكن أن يصدق أو يقطع به لأن قائله معرض لطغيان الطباع الغالبة وحاله حال الشاعر ، وهنا لا أملك إلّا لعنهم والبرائة منهم . (المترجم)

وفي الحقيقة إن هذه الحركة الماحقة للدين ما هي إلا لتوجيه أفعال عمر بن الخطاب لعنه الله وأخزاه الذي منع من كتابة الكتاب بنص البخاري ومسلم ونسب إلى النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم الهجر - العياذ بالله - والهذيان مفترياً بذلك على الله ورسوله لكى يثبتوا أنّ النبوّة لا تحجز صاحبها عن الهجر والهذيان (قلم اینجا رسید و سر بشکست)

إن المر إذا وصل إلى هذا الحدّ من الجهل والسخف وبلغ في العناد والتعصب إلى هذه الدرجة فإنّ الحديث معه لا يليق بأهل العلم والمعرفة .

وأخيراً لمعاوية أوائل عدة يمكن تصيدها من كتب التاريخ:

فهو أوّل من وضع البريد.

وأوّل من وضع ديوان الخاتم، وسببه أن أمر لرجل بمائة ألف درهم فلعب الرجل بالكتاب بعد فتحه وصيّر المبلغ مأتي ألف، من ثمّ وضع معاوية «ديوان

«الخاتم فأتبعه من جاء بعده واقتفى سنته.

وأوّل من اتخذ المقصورة في المسجد بدعةً .

وأوّل من خطب جالساً بدعة.

وأوّل من حبق على المنبر بمسمع ومشهد (1)كما قال الراغب ذلك .

وأوّل من نقض العهد بجرأة كما قال ذلك على منبر الكوفة بعد إبرامه الصلح مع الإمام الحسن علیه السلام ، قال : «إنِّي شرطت للحسن شروطاً وكلها تحت رجلي» .

وأوّل من خالف الحديث الصحيح : الولد للفراش وللعاهر الحجر .

ص: 204


1- سبقه إلى ذلك ولي نعمته عمر لعنه الله .

وأوّل من أظهر سبّ أمير المؤمنين علیه السلام وأشاعه بين الناس.

وأوّل من أقدم على قتل ذرّيّة النبي حين سمّ الإمام الحسن علیه السلام كما ثبت ذلك في الكتب المعتمدة لأهل السنة. وفي قصيدة ابن عبدون يقول:

وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن***أتت بمعضلة الألباب والفكر

فبعضنا قائل ما اغتاله أحد***وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر

وأوّل من أخذ البيعة لولده واستخلف يزيد وطوّق إثمه في عنقه .

وأوّل من استخدم الخصيان .

وأوّل من أمر بتجريد الكعبة من كسوتها وكان الرسم قبل ذلك جرى برفع كسوتها شيئاً فشيئاً دون تجريدها.

وأوّل من أحيا رسوم الأكاسرة وجلس في مجلسه على السرير. وأوّل من عبث رعيته معه في اللهو من دون أن تهابه .

وأوّل من قتل صبراً كما فعل بحجر بن عدي.

وأوّل من رفع الرؤوس على أطراف الرماح كما فعل بعمرو بن الحمق.

وأوّل من استحلف في البيعة وتابعه الحجّاج فاشترط اليمين في البيعة كما رويت هذه المسألة في كتب أهل السنّة .

وفي التي ذكرنا من بدعه وفتنه كفاية عن غيرها ، وليست بحاجة إلى بيان ، ومن لم يستضيء بمصباح لم يستضيء بصباح.

تذييل وتسجيل

لمّا كان جواز لعن معاوية بل سائر المنافقين من الصحابة محل نزاع عظيم وخلاف كبير بين طائفتي الشيعة وأهل السنة والجماعة، ونحن بينا على طريقة الاحتجاج في هذا الكتاب قدراً يكفي في تصديق المنصف المستبصر ولكن نقل

ص: 205

حول الموضوع رسالة لبعض قدماء الزيدية جامعة لمجامع الكلام ومحيطة بأطراف المقصود ولم يتوان دقيقة واحدة في علاج الموضوع وقد ذكرها الفاضل التحرير عبدالحميد بن أبي الحديد في الجزء العشرين من شرح نهج البلاغة في شرح كلمة الإمام في خطابه للمغيرة بن شعبة وحديثه معه ، قال :

دعه يا عمّار فإنّه لن يأخذ من الدين إلا ما قاربه من الدنيا، وعلى عمد لبّس على نفسه ليجعل الشبهات عاذراً لسقطاته ...(1)

ونحن هنا نورد مجمل كلام ابن أبي الحديد ونحسب معاني تلك الرسالة لإتمام الحجّة وإكمال النعمة ، ومن كانت له رغبة في التفصيل أو اشتاق إلى فصاحة العبارات ذاتها فعليه بالرجوع إلى الموضع الوارد في الرسالة .

قال ابن أبي الحديد وحضرت عند النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في سنة إحدى عشرة وستمائة ببغداد وعنده جماعة وأحدهم يقرأ في الأغاني لأبي الفرج، فمرّ ذكر المغيرة بن شعبة وخاض القوم فذمه بعضهم واثنى عليه بعضهم، وأمسك عنه آخرون، فقال بعض فقهاء الشيعة ممن كان يشتغل بطرف من علم الكلام على رأي الأشعري : الواجب الكف والإمساك عن الصحابة وعمّا شجر بينهم .

فقد قال أبو المعالي الجويني(2): إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم نهى عن ذلك وقال: إياكم وما شجر بين صحابتي ، وقال : دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً لما بلغ مد أحدكم ولا نصيفه وقال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم

ص: 206


1- شرح نهج البلاغة 20 : 8 (المترجم وهامش الأصل)
2- المؤلّف حذف بعض فقرات الرسالة ورأيت إثباتها لعموم فائدتها ولأنّ تلخيصها بالترجمة يجوز قبوله ، أما وأنا أنقل الأصل ذاته فالتلخيص مذهب لكثير من فائدته وإن كلفني جهداً. (المترجم)

وقال : خيركم القرن الذي أنا فيه ثمّ الذي يليه ثمّ الذي يليه ثمّ الذي يليه، وقد ورد في القرآن الثناء على الصحابة وعلى التابعين، وقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، وقد روي عن الحسن البصري أنه ذكر عنده الجمل وصفّين فقال : تلك دماء طهر الله منها أسيافنا فلا تلطخ بها ألسننا .

ثم إن تلك الأحوال قد غابت عنا وبعدت أخبارها على حقائقها فلا يليق بنا أن نخوض فيها ، ولو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ لوجب [أن يحفظ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيه ومن المروءة] أن يحفظ رسول الله في عائشة زوجته وفي الزبير ابن عمته وفي طلحة الذي وقاه بيده.

ثمّ ما الذي ألزمنا وأوجب علينا أن نلعن أحداً من المسلمين أو نبرأ منه ! وأيّ ثواب في اللعنة والبرائة ! إنَّ الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلّف لم لم تلعن ؟ بل قد يقول له : لم لعنت ؟ ولو أن إنساناً عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصياً ولا آثماً، وإذا جعل الإنسان عوض اللعنة استغفر الله كان خيراً له .

ثمّ كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة وأولئك قوم كانوا أمراء هذه الأمة وقادتها ، ونحن اليوم في طبقة سافلة جداً عنهم فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم؟ أليس يقبح من الرعيّة أن تخوض في دقائق أُمور الملك وأحواله وشئونه التي تجري بينه وبين أهله وبني عمه ونسائه وسراريه، وقد كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم صهراً لمعاوية وأخته أم حبيبة تحته فالأدب أن تحفظ أُمّ حبيبة وهي أُمّ المؤمنين في أخيها .

وكيف يجوز أن يلعن من جعل الله تعالى بينه وبين رسول الله مودّة ! أليس المفسرون كلهم قالوا هذه الآية أنزلت في أبي سفيان وهي قوله تعالى : «عَسَى اللَّهُ

ص: 207

أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِنْهُم مَوَدَّةً» (1)فكان ذلك مصاهرة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أبا سفيان وتزويجه ،ابنته على أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت وما كان القوم إلا كبني أم واحدة ولم يتكدّر باطن أحد منهم على صاحبه قط ، ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع. فقال أبو جعفر : قد كنت منذ أيام علقت بخطي كلاماً بخطي كلاماً وجدته لبعض الزيدية في هذا المعنى نقضاً ورداً على أبي المعالي الجويني فيما اختاره لنفسه من هذا الرأي وأنا أخرجه إليكم لأستغني بتأمله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه فإنّي أجد ألماً يمنعني من الإطالة في الحديث، لاسيما إذا خرج مخرج الجدل ومقاومة الخصوم، ثمّ أخرج من بين كتبه كرّاساً قرأناه في ذلك المجلس وأستحسنه الحاضرون ، وأنا أذكر هاهنا خلاصته قال :

لولا أن الله أوجب معاداة أعدائه كما أوجب موالاة أوليائه وضيق على المسلمين تركها إذا دلّ العقل عليها أو صح الخبر عنها بقوله سبحانه : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ» (2)وبقثوله تعالى: «وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ»(3)وبقوله سبحانه : «لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ» (4)ولإجماع المسلمين على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه وولاية أوليائه، وعلى أنّ البغض في الله واجب والحبّ في الله واجب لما تعرّضنا لمعاداة أحد من الناس في الدين ولا البرائة منه، ولكانت عداوتنا للقوم تكلّفاً ولو ظننا إنّ الله عزّ وجلّ يعذرنا إذا

ص: 208


1- الممتحنة: 7 .
2- المجادلة : 22 .
3- المائدة : 81
4- الممتحنة : 13 .

قلنا: يا ربّ غاب أمرهم عنّا فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى ، لاعتمدنا على هذا العذر، وواليناهم ، ولكنا نخاف أن يقول سبحانه لنا: إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم فلم يغب عن قلوبكم وأسماعكم، قد أتتكم به الأخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الإقرار بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم وموالاة من صدقه ومعاداة من عصاه وجحده ، وأمرتم بتدبر القرآن وما جاء به الرسول، فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غداً: «رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلاً» .(1)

فأما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها وأوجبها ، ألا ترى إلى قوله : «أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» (2)فهو إخبار معناه الأمر ، كقوله : «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ» (3)وقد لعن الله تعالى العاصين بقوله : «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ» (4)وقوله : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهيناً» (5)وقوله : «مَّلْعُونِينَ أَيْنَما تُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتَّلُوا تَقْتِيلاً« (6)وقال تعالى لإبليس : «وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ» (7)وقال: «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الکَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً» (8)

فأما قول من يقول : (أيّ ثواب في اللعن؟ وإنّ الله تعالى لا يقول للمكلّف لم لم )

ص: 209


1- الأحزاب : 67 .
2- البقرة : 159 .
3- البقرة : 228 .
4- المائدة : 78
5- الأحزاب : 57 .
6- الأحزاب : 61 .
7- ص: 78 .
8- الأحزاب : 64 .

تلعن ؟ بل قد يقول له : لم لعنت ؟ وإنّه لو جعل مكان لعن الله فلاناً ، اللهم اغفر لي لكان خيراً له، ولو أنّ إنساناً عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يؤاخذ بذلك) فكلام جاهل لا يدري ما يقول ؟ اللعن طاعة ويستحق عليها الثواب إذا فعلت على وجوهها وهو أن يلعن مستحق اللعن الله وفي الله ، لا في العصبية والهوى . ألا ترى أن الشرع قد ورد بها في نفي الولد ونطق بها القرآن وهو أن يقول الزوج في -- الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، فلو لم يكن الله تعالى يريد أن يتلفظ عباده بهذه اللفظة وأنّه قد تعبّدهم بها لما جعلها من معالم الشرع ولما كرّرها في كثير من كتابه العزيز، ولما قال في حق القائل : «وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ» (1)وليس المراد من قوله «ولعنه» إلا الأمر لنا بأن نلعنه ، ولو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه لأن الله تعالى قد لعنه، أفيلعن الله تعالى إنساناً ولا يكون لنا أن نلعنه ؟! هذا ما لا يسوغ في العقل . كما لا يجوز أن يمدح الله إنساناً إلا ولنا أن نمدحه، ولا يذمّه إلا ولنا أن نذمّه . وقال الله تعالى: «هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَر من ذلِكَ مَثوبَةٌ عِندَ اللهِ مَن لَعْنَهُ اللهُ» (2)وقال : «رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيِنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً» (3)وقال عزّ وجلّ : «وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا» (4).

وكيف يقول القائل : إنّ الله تعالى لا يقول للمكلّف لم لم تلعن ؟ ألا يعلم هذا القائل أنّ الله تعالى أمر بولاية أوليائه، وأمر بعداوة أعدائه فكما يسأل عن التولّي يسأل عن التبري. ألا ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقال له : تلفظ بكلمة

ص: 210


1- النساء : 93
2- المائدة : 60 .
3- الأحزاب : 68 .
4- المائدة : 64 .

الشهادتين ثم قل: برئت من كل دين يخالف دين الإسلام فلابد من البرائة لأن بها يتم العمل ! ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر:

تودّ عدوّي ثم تزعم أنّني***صديقك إن الرأي عنك لعازب

فمودة العدوّ خروج عن ولاية الولي، وإذا بطلت المودة لم يبق إلا البرائة لأنه لا يجوز أن يكون الإنسان في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى وعصاته بأن لا

يودهم ولا يبرأ منهم بإجماع المسلمين على نفي الواسطة .

وأما قوله : (لو جعل عوض اللعنة استغفر الله لكان خيراً له) فإنّة لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره ولا قبل منه لأنه يكون عاصياً الله تعالى، مخالفاً أمره في إمساكه عمّن أوجب الله تعالى عليه البرائة منه وإظهار البرائة ، والمصرّ على بعض المعاصي لا تقبل توبته واستغفاره عن البعض الآخر ، وأما من يعيش عمره ولا يلعن إبليس فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر، وإن كان يعتقد وجوب لعنه ولا يلعنه فهو مخطئ على أنّ الفرق بينه وبين ترك لعنه على رؤوس الضلال في هذه الأمة كمعاوية والمغيرة وأمثالهما أن أحداً من المسلمين لا يورث عنده الإمساك عن لعن إبليس شبهة في أمر إبليس والإمساك عن لعن هؤلاء وأضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم وتجنّب ما يورث الشبهة في الدين واجب ، فلهذا لم يكن الإمساك عن لعن إبليس نظيراً للإمساك عن لعن هؤلاء.

قال : ثم يقال للمخالفين : أرأيتم لو قال قائل : قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف فليس ينبغي أن نخوض في قصتهما، ولا أن نلعنهما ونعاديهما ، ونبرأ منهما هل كان هذا إلا كقولكم : قد غاب عنا أمر معاوية والمغيرة بن شعبة وأضرابهما فليس لخوضنا في قصتهم معنىً !

وبعد : فكيف أدخلتم أيها العامة والحشوية وأهل الحديث أنفسكم في أمر

ص: 211

عثمان ، وخضتم فيه ، وقد غاب عنكم ! وبرئتم من قتله ولعنتموهم وكيف لم تحفظوا أبا بكر الصديق !!! في محمد ابنه فإنّكم لعنتموه وفسقتموه، ولا حفظتم عائشة المؤمنين في أخيها محمد المذكور ومنعتمونا أن نخوض وندخل أنفسنا في أمر علي والحسن والحسين ومعاوية الظالم له ولهما، المتغلب على حقه وحقوقهما وكيف صار لعن ظالم عثمان من السنّة عندكم، ولعن ظالم عليّ والحسن والحسين تكلّفاً!

وكيف أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة وبرئت ممن نظر إليها ومن القائل لها يا حميراء ، وإنما هي حميراء ، ولعنته بكشفه سترها ومنعتنا ن-ح-ن ع--ن الحديث في أمر فاطمة وما جرى لها بعد وفاة أبيها ؟

فإن قلتم : إن بيت فاطمة إنّما دخل، وسترها إنما كشف حفظاً لنظام الإسلام وكيلا ينتشر الأمر ويخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة الطاعة ولزوم

الجماعة.

قيل لكم وكذلك ستر عائشة إنما كشف وهو دجها إنّما هتك لأنّها نشرت حبل الطاعة وشقت عصا المسلمين، وأراقت دماء المسلمين من قبل وصول علي بن أبي طالب إلى البصرة وجرى لها مع عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة ومن كان معهما من المسلمين الصالحين من القتل وسفك الدماء ما تنطق به كتب التاريخ والسير ، فإذا جاز دخول بيت فاطمة لأمر لم يقع بعد جاز كشف ستر عائشة على ما قد وقع وتحقق، فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب معها التخليد في النار والبرائة من فاعله من أوكد عرى الإيمان، وصار كشف بيت فاطمة والدخول عليها منزلها وجمع الحطب ببابها وتهدّدها بالتحريق من أوكد عرى الدين وأثبت دعائم الإسلام وممّا أعزّ الله به المسلمين وأطفأ به نار الفتنة

ص: 212

والحرمتان واحدة والستران واحد (1).

وما نحب أن نقول لكم أن حرمة فاطمة أعظم ومكانها أرفع وصيانتها لأجل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أولى فإنّها بضعة منه وجزء من لحمه ودمه، وليست كالزوجة الأجنبية التي لا نسب بينها وبين الزوج وإنّما هي وصلة مستعارة، وعقد يجري مجرى إجار المنفعة وكما يملك رقّ الأمة بالبيع والشراء، ولهذا قال الفرضيّون: أسباب التوارث ثلاثة سبب ونسب وولاء، فالنسب القرابة، والسبب النكاح ، والولاء ولاء العتق ، فجعلوا النكاح خارجاً عن السبب، ولو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الأقسام الثلاثة قسمين .

وكيف تكون عائشة وغيرها في منزلة فاطمة وقد أجمع المسلمون كلّهم من يحبّها ومن لا يحبها منهم أنها سيدة نساء العالمين ؟

قال : وكيف يلزمنا اليوم حفظ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في زوجته وحفظ أم حبيبة في أخيها، ولم تلزم الصحابة أنفسها حفظ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في أهل بيته ولا ألزمت الصحابة أنفسها حفظ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في صهره وابن عمه ، ابن عفّان ، وقد قتلوهم ولعنوهم ، ولقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان الصحابة يلعن عثمان وهو خليفة منهم عائشة كانت تقول : اقتلوا نعثلاً لعن الله نعثلاً، ومنهم عبدالله بن مسعود، وقد لعن معاوية عليّ ابن أبي طالب وابنيه حسناً وحسيناً وهم أحياء يرزقون بالعراق، وهو يلعنهم بالشام على المنابر ويقنت عليهم في الصلوات، وقد لعن أبوبكر وعمر سعد بن عبادة وهو حي ، وبرئا منه وأخرجاه من المدينة إلى الشام، ولعن عمر خالد بن الوليد لما قتل مالكاً ابن نويرة، وما زال اللعن فاشياً في المسلمين إذا عرفوا من

ص: 213


1- لا يقول أحد إلا من أعمى الله قلبه بالمساواة بين فاطمة علي وعائشة لعنها الله ؛ هذه صاحبة الجمل وتلك سيدة نساء العالمين. (المترجم)

الإنسان معصية تقتضي اللعن والبرائة .

قال : ولو كان هذا أمراً معتبراً وهو أن يحفظ زيد لأجل عمرو فلا يلعن لوجب أن يتحفظ الصحابة في أولادهم فلا يلعنوا لأجل آبائهم، فكان يجب أن يحفظ سعد بن أبي وقاص فلا يلعن ابنه عمر بن سعد قاتل الحسين، وأن يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد صاحب وقعة الحرّة وقاتل الحسين ومخيف المسجد الحرام بمكة وأن يحفظ عمر بن الخطاب في عبيدالله ابنه قاتل الهرمزان والمحارب عليا في صفّين.

قال : على أنه لو كان الإمساك عن عداوة من عادى الله من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأصحابه رعاية عهده وعقده لم نعادهم ولو ضربت رقابنا بالسيوف ولكن محبّة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليست كمحبّة الجهال الذين يصنع أحدهم محبّته لصاحبه موضع العصبية وإنما أوجب الله ورسول الله محبّة أصحابه لطاعتهم الله فإذا عصوا الله وتركوا ما أوجب محبّتهم فليس عند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم محاباة في ترك لزوم ما كان

عليه من محبّتهم ولا تغطرس فيم العدول عن التمسك بموالاتهم.

فلقد كان صلی الله علیه و آله وسلم يحبّ أن يعادي أعداء الله ولو كانوا عترته كما يحبّ أن يوالي أولياء الله ولو كانوا أبعد الخلق نسباً منه، والشاهد على ذلك إجماع الأمة على أن الله تعالى قد أوجب عداوة من ارتد بعد الإسلام وعداوة من نافق وإن كان من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وإن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو الذي أمر بذلك ودعا إليه .

وذلك أنه صلی الله علیه و آله وسلم قد قطع يد السارق، وضرب القاذف، وجلد البكر إذا زني ، وإن كان من المهاجرين والأنصار . ألا ترى إنّه قال : لو سرقت فاطمة لقطعتها، فهذه ابنته الجارية مجرى نفسه لم يحابها في دين الله ولا راقبها في حدود الله ، وقد جلد أصحاب الإفك ومنهم مسطح ابن أثاثة وكان من أهل بدر.

قال : وبعد فلو كان محل اصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم محل من لا يعادى إذا عصى

ص: 214

الله سبحانه ولا يذكر بالقبيح بل يحبّ أن يراقب لأجل اسم الصحبة ويغضى عن عيوبه وذنوبه لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثنائه في القرآن لما اتبع هواه فانسلخ ممّا أُوتي من الآيات وغوى، قال سبحانه: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ» (1)ولكان ينبغي أن يكون محلّ عبدة العجل من أصحاب موسى هذا المحل لأن هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولاً جليلاً من رسل الله سبحانه .

قال : ولو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة لعلمت ذلك من حال أنفسها لأنهم أعرف بمحلّهم من عوام أهل دهرنا ، وإذا قدرت فعل بعضهم ببعض دلتك على أن القصة كانت على خلاف ما سبق إلى قلوب الناس اليوم. هذا عليّ وعمار، وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت، وجميع من كان مع علي علیه السلام من المهاجرين والأصنار لم يروا أن يتغافلوا عن طلحة والزبير حتى فعلوا بهما وبمن معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا .

وهذا طلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم وفي جانبهم لم يروا أن يمسكوا عن علي حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا.

وهذا معاوية وعمرو لم يريا عليّاً بالعين التي يرى بها العامي صديقه أو جاره ولم يقصروا دون ضرب وجهه بالسيف ولعنه ولعن أولاده وكلّ من كان حيّاً من

أهله وقتل أصحابه وقد لعنهما هو أيضاً في الصلوات المفروضات ولعن معهما أبا الأعور السلمى وأبا موسى الأشعري وكلاهما من الصحابة .

وهذا سعد بن أبي وقاص ومحمّد بن مسلمة وأسامة بن زيد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبدالله بن عمر وحسّان بن ثابت وأنس بن مالك لم يروا أن

ص: 215


1- الأعراف : 175 .

يقلدوا عليّاً في حرب طلحة ولا طلحة في حرب عليّ، وطلحة والزبير بإجماع المسلمين أفضل من هؤلاء المعدودين لأنهم زعموا أنهم قد خافوا أن يكون عليّ

قد زلّ في حربهما وخافوا أن يكونا قد غلطا وزلا في حرب عليّ.

وهذا عثمان قد نفى أباذر إلى الربذة كما يفعل بأهل الخنا والريب.

وهذا عمّار وابن مسعود تلقيا عثمان بما تلقياه به لمّا ظهر لهما - بزعمهما - منه ما وعظاه لأجله ، ثمّ فعل بهما عثمان ما تناهى إليكم ، ثمّ فعل القوم بعثمان ما قد علمتم وعلم الناس كلّهم.

وهذا عمر يقول في قصة الزبير بن العوام لما استأذنه في الغزو ها إنّي ممسك بباب هذا الشعب أن يتفرّق أصحاب محمد صلی الله علیه و آله وسلم في الناس فيضلوهم.

وزعم أنّه وأبابكر كانا يقولان : إنّ عليّاً والعباس في قصة الميراث زعماهما كاذبين ظالمين ،فاجرين، وما رأينا عليّاً والعباس اعتذرا ولا تنصلا، ولا نقل أحد من أصحاب الحديث ذلك، ولا رأينا أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنكروا عليهما ما حكاه عمر عنهما ونسبه إليهما، ولا أنكروا أيضاً على عمر قوله في أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنهم يريدون إضلال الناس ويهمّون به، ولا أنكروا على عثمان دوس بطن عمّار ولا كسر ضلع ابن مسعود ولا عمار وابن مسعود ما تلقيا به عثمان كإنكار العامة اليوم الخوض في حديث الصحابة، ولا اعتقدته الصحابة في أنفسها ما يعتقدوه العامة فيهما ، اللهم إلا أن يزعموا إنّهم أعرف بحق القوم منهم.

وهذا عليّ وفاطمة والعبّاس ما زالوا على كلمة واحد يكذبون الرواية «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» ويقولون إنّها مختلقة .(1)قالوا: وكيف كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 216


1- مع كلّ هذا وفي الشيعة وجوه بارزة راحت تأوّل هذا القول المزعوم وتوجد له الوجوه والاحتمالات البعيدة التي تضحك الشكى، منهم سيدنا الشهيد الصدر في كتاب فدك والشيخ البياضي في كتاب الصراط المستقيم بل والمفيد أيضاً في بعض كتبه . وأقول لهؤلاء وغيرهم ممن يعزف على هذا الوتر المتهرء ، إنّها إسائة بحسن نية إلى أهل البيت وإلى الصدّيقة منهم خاصة، وكأنهم استشعروا من أنفسهم فضاعة الكذب على رسول الله من صحابي متقدّم فراحوا يخرجون له الوجوه والتأويلات، وأقول لهم بصراحة ولا أخشى أحداً إلا الله : إن أبا بكر لعنه الله كذب على رسول الله فتبوأ مقعده من النار . (المترجم)

يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة ونحن أولى الناس بأن يؤدى هذا الحكم إليه .

وهذا عمر بن الخطاب يشهد لأهل الشورى أنّهم النفر الذين توفّي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو عنهم راض ، ثم يأمر بضرب أعناقهم إن أخروا فصل الإمامة ، هذا بعد ان ثلبهم وقال في حقهم ما لو سمعته العامة اليوم من قائل لوضعت ثوبه في عنقه سحباً إلى السلطان ثمّ شهدت عليه بالرفض واستحلّت دمه، فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضاً فعمر بن الخطاب أرفض الناس وإمام الروافض كلّهم.

ثمّ شاع واشتهر من قول عمر : كانت بيعة أبى بكر فلتة وقى الله شرّها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، وهذا طعن في العقد وقدح فى البيعة الأصلية.

ثمّ ما نقل عنه من ذكر أبى بكر في صلاته وقوله عن عبد الرحمن ابنه دويبة سوء ولهو خير من أبيه .

ثم عمر القائل في سعد بن عبادة وهو رئيس الأنصار وسيدها اقتلوا سعداً قتل الله سعداً، اقتلوه فإنه منافق ، وقد شتم أبا هريرة وطعن في روايته، وشتم خالد بن الوليد وطعن في دينه، وحكم بفسقه وبوجوب قتله، وخوّن عمرو بن العاص ومعاوية ونسبهما إلى سرقة مال الفيء واقتطاعه (1)وكان سريعاً إلى المسائة كثير

ص: 217


1- اقرأ كتابي الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية التعرف علاقة عمر لعنه الله الصميمة بمعاوية وكيف قواه ليجعل منه واجهة لحرب عليّ في المستقبل . (المترجم)

الجبه والشتم والسب لكلّ أحد ، وقل أن يكون في الصحابة من سلم من معرّة لسانه أو يده ، ولذلك أبغضوه وملوا أيامه مع كثرة الفتوح فيها ، فهلا احترم عمر الصحابة كما تحترمهم العامة ؟ إما أن يكون عمر مخطئاً وإما أن يكون العامة على خطأ (1).

فإن قالوا : عمر ما شتم ولا ضرب ولا أساء إلى عاص مستحق لذلك.

قيل لهم : فكأنا نحن نقول : إنا نريد أن نبرأ ونعادي من لا يستحق البرائة والمعاداة ، كلّا، ما قلنا هذا ولا يقول هذا مسلم ولا عاقل ، وإنما غرضنا الذي إليه نجري بكلامنا هذا أن نوضح أن الصحابة قوم من الناس لهم ما للناس وعليهم ما عليهم ؛ من أساء منهم ذممناه ، ومن أحسن منهم حمدناه، وليس لهم على غيرهم من المسلمين كبير فضل إلا بمشاهدة الرسول ومعاصرته لا غير ، بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم لأنهم شاهدوا الأعلام والمعجزات فقربت اعتقاداتهم من الضرورة ونحن لم نشاهد ذلك فكانت عقائدنا محض النظر والفكر ومعرضة للشُّبَه والشكوك ، فمعاصينا أخف لأنا أعذر.

ثمّ نعود إلى ما كنا فيه فنقول: وهذه عائشة أم المؤمنين خرجت بقميص رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقالت للناس : هذا قميص رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لم يبل وعثمان قد أبلى سنّته ، ثمّ :قول : أقتلو انعثلاً قتل الله نعثلاً، ثمّ لم ترض بذلك حتى قالت : أشهد أن عثمان جيفة على الصراط غداً ، فمن الناس من يقول : روت في ذلك خبراً، ومن الناس من يقول : هو موقوف عليها ، وبدون هذا لو قاله انسان اليوم يكون عند العامة زنديقاً.

ثم حصر عثمان حصرته أعيان الصحابة فما كان أحد ينكر ذلك ولا يعظمه ولا يسعى في إزالته وإنّما أنكروا على من أنكر على المحاصرين له وهو رجل كما علمتم من وجوه أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم من أشرافهم ثم هو أقرب إليه من أبي

ص: 218


1- أقول : عمر والعامة كاليهود والنصارى كلاهما مخطئان . (المترجم)

بكر وعمر، وهو مع ذلك إمام المسلمين والمختار منهم للخلافة، وللإمام حقّ على رعيته عظيم ، فإن كان القوم قد أصابوا فإذن ليست الصحابة في الموضع الذي وضعتها به العامة ، إن كانوا ما أصابوا فهذا هو الذي نقول من أن الخطأ جائز على آحاد الصحابة كما يجوز على أحادنا اليوم، ولسنا نقدح في الإجماع ولا ندعي إجماعاً حقيقياً على قتل عثمان ، وإنّما نقول : إن كثيراً من المسلمين فعلوا ذلك والخصم يسلّم أنّ ذلك كان خطأ ومعصية فقد سلّم أن الصحابي يجوز أن يخطئ ويعصي وهو المطلوب.

وهذا المغيرة بن شعبة وهو من الصحابة، ادّعي عليه الزنا وشهد عليه قوم بذلك فلم ينكر ذلك عمر ولا قال هذا محال وباطل لأن هذا صحابي من صحابة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لا يجوز عليه الزنا، وهلا أنكر عمر على الشهود وقال لهم : ويحكم هلا تغافلتم عنه لما رأيتموه يفعل ذلك فإنّ الله تعالى قد أوجب الإمساك عن مساوئ أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأوجب الستر عليهم ؟ وهلا تركتموه لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في قوله : (دعوا لي أصحابي) ما رأينا عمر إلا قد انتصب لسماع الدعوى وإقامة الشهادة، وأقبل يقول للمغيرة يا مغيرة ذهب ربعك يا مغيرة ذهب نصفك ، يا مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك ، حتى اضطرب الرابع فجلد الثلاثة(1). وهلّا قال المغيرة لعمر : كيف تسمع في قول هؤلاء وليسوا من الصحابة وأنا من الصحابة ورسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد قال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) (2)ما رأيناه قال ذلك بل استسلم الحكم الله تعالى.

ص: 219


1- إنّما اضطرب الرابع بتلقين عمر له ، والرابع هو زياد بن أبيه . (المترجم)
2- وما أحسن قول الشاعر : صحابه گرچه ایشان کالنجومند***ولى بعض كواكب نحس و شومند زهر الربيع : 348 ط بيروت - (هامش الأصل)

وهاهنا من هو أمثل من المغيرة وأفضل ، قدامة بن مظعون لما شرب الخمر في أيام عمر فأقام عليه الحدّ وهو رجل من علية الصحابة ومن أهل بدر، والمشهود لهم بالجنّة ، فلم يردّ عمر الشهادة ولا درأ عنه الحدّ لعلمه أنه بدري، ولا قال قد نهى رسول الله لعل الله عن ذكر مساوئ الصحابة .

وقد ضرب عمر أيضاً ابنه حدّاً فمات وكان ممن عاصر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولم تمنع معاصرته له من إقامة الحدّ عليه .

وهذا عليّ علیه السلام يقول : ما حدثني أحد بحديث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلا استحلفته عليه أليس هذا اتهاماً لهم بالكذب وما استثنى أحداً من المسلمين إلا أبابكر على ما ورد في الخبر .(1)

وقد صرّح غير مرّة بتكذيب أبي هريرة وقال : لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم .

وقال أبوبكر في مرضه الذي مات فيه : وددت أني لم أكشف بيت فاطمة ولو كان أُغلق علي حرب ، فندم، والندم لا يكون إلا عن ذنب.

ثم ينبغي للعاقل ان يفكر في تأخر علي علیه السلام عن بيعة أبي بكر ستة أشهر إلى أن ماتت فاطمة ؛ فإن كان مصيباً فأبوبكر على الخطأ في انتصابه في الخلافة ، وإن كان أبوبكر مصيباً فعليّ على الخطأ في تأخره عن البيعة وحضور المسجد.

ثمّ قال ابوبكر في مرض موته أيضاً للصحابة فلما استخلفت عليكم خيركم في نفسي - يعني عمر - فكلّكم ورم لذلك أنفه يريد أن يكون الأمر له لما رأيتم الدنيا قد جاءت ، أما والله لتتخذن ستائر الديباج ونضائد الحرير، أليس هذا طعناً في الصحابة وتصريحاً بأنة قد نسبهم إلى الحسد لعمر لما نص عليه بالعهد ولقد

ص: 220


1- حاشا عليّاً أن يقول هذا وقد ثبت عنده كذب أبي بكر في حديث لا نورث . (المترجم)

قال له طلحة لما ذكر عمر للأمر : ماذا تقول لربّك إذا سألك عن عباده وقد ولّيت عليهم فظا غليظاً ؟ فقال أبوبكر : اجلسوني اجلسوني، بالله تخوفني ؟! إذا سألني قلت : وليت عليهم خير أهلك ، ثم شتمه بكلام كثير منقول، فهل قول طلحة إلا طعناً في عمر ؟ وهل قول أبي بكر إلا طعن في طلحة ؟

ثمّ الذي كان بين أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود من السباب حتى نفى كلّ واحد منهما الآخر عن أبيه وكلمة أبي بن كعب مشهورة منقولة : ما زالت هذه الأمة مكبوبة على وجهها منذ فقدوا نبيّهم ، وقوله : ألا هلك أهل العقدة والله ما أسى عليهم إنما أسى على من يضلّون من الناس.

ثمّ قول عبدالرحمن بن عوف ما كنت أرى أن أعيش حتى يقول لي عثمان : يا منافق ، وقوله : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما ولّيت عثمان شسع نعلي وقوله : اللهم إنّ عثمان قد أبى أن يقيم كتابك فافعل به وافعل.

وقال عثمان العلي علیه السلام في كلام دار بينهما : أبو بكر وعمر خير منك ، فقال علي: أبوبكر كذبت أنا خير منك ومنهما ؛ عبدت الله قبلهما وعبدته بعدهما .

وروی سفیان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: كنت عند عروة بن الزبير فتذاكرنا كم أقام النبي بمكة بعد الوحي ، فقال عروة: أقام عشراً، فقلت: كان ابن عبّاس يقول : ثلاث عشرة ، فقال : كذب ابن عبّاس .

وقال ابن عبّاس : المتعة حلال، فقال له جبير بن مطعم كان عمر ينهى عنها ، فقال : يا عدوّ نفسه من هاهنا ضللتم ، أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وتحدّثني عن عمر .

وجاء في الخبر عن علي علیه السلام : لولا ما فعل عمر بن الخطاب في المتعة ما زنى إلا

ص: 221

شقي. وقيل: ما زنى إلا شفاء أي قليلاً .(1)

ومجمل القول تدور مثل هذه الكلمات كثيراً على ألسنة الأصحاب وتخطئة بعضهم لبعض في الأحكام الفقهيّة والشرعية كثيرة ، ولقد جاء شطر منها في مقال هذا العالم الزيدي الذي نقلناه على وجه التحصيل [التفصيل - ظ] (2)إلى أن يقول :

قال المتكلّم : وكيف يصح أن يقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ؟ لا شبهة أن هذا يوجب أن يكون أهل الشام في صفين على هدى وأن يكون أهل العراق أيضاً على هدى ، وأن يكون قاتل عمار بن ياسر مهتدياً، قد صح الخبر الصحيح أنه قال : تقتلك الفئة الباغية، وقال في القرآن: «فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله» (3)فدل على أنها ما دامت موصوفة بالمقام على البغي مفارقة لأمر الله ومن يفارق أمر الله لا يكون مهتدياً.

وكان يجب أن يكون بسر بن أرطاة الذي ذبح ولدي عبدالله بن عباس الصغيرين مهتدياً؛ لأنّ بسراً من الصحابة أيضاً.

وكان يجب أن يكون عمرو بن العاص ومعاويه اللذان كاننا يلعنان عليّاً أدبار الصلاة وولديه مهتدين.

وقد كان في الصحابة من يزني ومن يشرب الخمر كأبي محجن الثقفي، ومن يرتد عن الإسلام كطليحة الأسدي ابن خويلد فيجب أن يكون كلّ من اقتدى بهؤلاء في أفعالهم مهتدياً.

وإنّما هذا من موضوعات متعصبة الأموية فإنّ لهم من ينصرهم بلسانه

ص: 222


1- شرح ابن أبي الحديد 2: 21 - 25 . (المترجم)
2- إن لم ينقله المؤلف مفصلاً في ترجمته إياه فقد نقلته على تمامه وكماله دون حذف منه إتماماً للفائدة . [المترجم]
3- الحجرات : 9

وبوضعه الأحاديث إن عجز عن نصرهم بالسيف.

قال : فأما ما ورد في القرآن من قوله تعالى: «لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ» (1)وقوله : «مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ» (2)وقول النبي عل الله : إن الله اطلع على أهل بدر ، إن كان الخبر صحيحاً فكله مشروط بسلامة العاقبة.

ومن الصحابة الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب، ومنهم حبيب بن مسلمة بن الذي فعل ما فعل بالمسلمين في دولة معاوية، وبسر بن أرطاة عدوّ الله وعدوّ

رسوله .

وفي الصحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس.

وقال كثير من المسلمين : مات رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولم يعرفه الله سبحانه ك-لّ المنافقين بأعيانهم وإنّما كان يعرف قوماً منهم ولم يعلم بهم أحداً إلا حذيفة فيما زعموا .(3)(فما الذي جرى لهم وأين ولّوا بعد رسول الله - المؤلّف) .

قال : والعجب من الحشويّة وأصحاب الحديث إذ يجادلون على معاصي الأنبياء ، ويثبتون أنّهم عصوا الله تعالى وينكرون على من ينكر ذلك ويطعنون فيه ويقولون قدري معتزلي ، وربّما قالوا : ملحد مخالف لنص الكتاب ، وقد رأينا منهم الواحد والمائة والألف يجادلون في هذا الباب، فتارة يقولون : إن يوسف قعد من امرأة العزيز مقعد الرجل من المرأة، وتارة يقولون : إن داود قتل أوريا لينكح ،امرأته، وتارة يقولون : إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان كافراً ضالاً قبل النبوة، وربما ذكروا زينب بنت جحش وقصة الفداء يوم بدر، فأما قدحهم في آدم علیه السلام وإثباتهم

ص: 223


1- الفتح : 18 .
2- الفتح : 29
3- شرح ابن أبي الحديد 20 : 29 و 30 و 33

معصيته ومناظرتهم من يذكر ذلك فهو دأبهم وديدنهم، فإذا تكلم واحد في عمرو ابن العاص أو في معاوية وأمثالهما ونسبهم إلى المعصية وفعل القبيح احمرت وجوههم وطالت أعناقهم وتخازرت أعينهم، وقالوا مبتدع رافضي يسبّ الصحابة، ويشتم السلف، فإن قالوا إنّما اتبعنا في ذكر معاصي الأنبياء نصوص الكتاب ، قيل لهم فاتّبعوا في البرائة من جميع العصاة نصوص الكتاب (1)فإنّه : تعالى قال : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» (2)وقال: «فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ» (3)وقال : «أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ» (4)ثم يسألون عن بيعة علي علیه السلام : هل هي صحيحة لازمة لكل الناس ؟ فلابد من (بلي) فيقال لهم : فإذا خرج على الإمام الحقِّ خارج أليس يجب على المسلمين قتاله حتّى يعود إلى الطاعة ؟ فهل يكون هذا القتال إلا البرائة التي نذكرها لأنه لا فرق بين الأمرين وإنّما برتنا منهم لأنا لسنا في زمانهم فيمكننا أن نقاتل بأيدينا فقصارى أمرنا الآن أن نتبرأ منهم ونلعنهم وليكون ذلك عوضاً من القتال الذي لا سبيل إليه (5).

وهذا خلاصة كلام ذلك الرجل الزيدي (6). والحق يقال إنه كلام متين ومتقن ومبني على قواعد المناظرة وصادر عن كمال الديانة وتمام النظر والاطلاع وبعد ملاحظته بدقة لا تبقى حجّة لمدّع في الإمساك عن سب الصحابة الذين هم من قبيل معاوية وأضرابه .

ص: 224


1- مع أننا نستطيع أن نستدلّ على معاصي الصحابة من ظواهر الكتاب . (المؤلف)
2- المجادلة : 22 .
3- الحجرات : 9.
4- النساء : 59 .
5- شرح ابن أبي الحديد 20 : 32 و 33. (المترجم)
6- نقلنا شطره الأكبر كما هو من دون تلخيص . (المترجم)

وإن كان الانصاف يقتضينا أنّ لعن معاويه لا يفتقر إلى دليل، فمن دقق النظر فيه وفي أبويه وأبنائه لعنه بالضرورة ، وقد أجاد الحكيم السنائي زاد الله سنائه حيث قال:

داستان پسر هند مگر نشنیدی***که از او و سه کس او به پیمبر چه رسید

پدر او در دندان پیمبر بشکست***مادر او جگر عم پیمبر بمکید

او بناحق حق داماد پیمبر بستاد***پسر او سر فرزند پیمبر ببرید

بر چنین قوم تو لعنت نکنی شرمت باد***لعن الله يزيد وعلى آل يزيد

خذ أخي واعلم بما***قد فعل النغل العنيد

نغل هند وأبي سفيان***في العهد البعيد

كف صخر كسرت سناً***نو الدر النضيد

لنبي الله خير الخلق***في هذا الوجود

أمه قد أكلت***أحشاء مولانا الشهيد

نغله قد قتل ال_***سبط بأوباش عبيد

أفلا تلعنهم لعناً***على الدهر يزيد

لعن الله يزيد***وعلى آل يزيد

تنبيه

أراد أهل السنّة لضيق مجالهم وسوء حالهم وغاية اضطرارهم أن يخترعوا مناقب لمعاوية ولكنّهم عجزوا عن ذلك كما جاء في رسالة الصمصام القاطع لعبدالحق الدهلوي في شرح «سفر السعادة ، فقد قال : لم يثبت حديث صحيح واحد في باب فضائل معاوية لعنه الله . وقيل : لم يثبت له إلّا كتابته بين يدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلموحتى هذه لم تثبت أيضاً ، كذا في جامع الأصول وغيره، تمّ كلام عبدالحق .

وأما حديث : اللهم اجعله هادياً مهدياً فهو دائر على طرق ثلاث وفي طريقين

ص: 225

منها يتردّد اسم محمد بن إسحاق بن حرق اللؤلؤي البلخي . وقال ابن الجوزي في رسالته (الرد على المتعصب العنيد) : كان كذاباً يبغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام .

وذكره قتيبة بالسوء وقال : سمعت عنه أنّه سبّ أمير المؤمنين علیه السلام بالكوفة ولمّا أرادوا القبض عليه هرب.

وقال أبو علي صالح بن محمد الحافظ : إن محمداً بن إسحاق كذاب وضاع، وكان يروي أحاديث منكرة.

وقال ابن حبّان : يروي عن الثقات شيئاً لا يحلّ روايته .

وفي الطريق الآخرة إسماعيل بن محمد ، وروى ابن الجوزي عن الدارقطني أن إسماعيل كذاب ، مضافاً إلى أنه كما اعترف بذلك ابن الجوزي أن يكون محارب

أمير المؤمنين هادياً مهدياً ، كما يشهد بذلك الحديث : حربك حربي.

وجملة القول : إنّهم لعجزهم تشبثوا بالآية: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» (1)فلقبوه بخال المؤمنين، وفساد هذا الخيال ظاهر ؛ لأن المراد هنا ليست الحقيقة الوالدة بالضرورة كما صرح بذلك السيّد الأجل المرتضى سلام الله عليه في شرح قصيدة الحميري المذهبة والفخر الرازي خذله الله تفسيره الكبير، وإن المراد من إطلاق الأُم على أزواج النبي صلی الله علیه و آله وسلم إثبات حرمتهن أو المراد بذلك حرمة الزواج منهنّ بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، أو وجوب احترامهنّ ما دُمْنَ على الصراط المستقيم والجادة القويمة من الشريعة كما أن حال الأمهات مشبهة لحالهنّ : «وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا» .(2)

ص: 226


1- الأحزاب : 6.
2- العنكبوت: 8

وبناءاً على هذا يكون مؤدى الآية التنزيل والتشبيه على سبيل الاستعارة وهي على التحقيق الحقيقة الادعائية ومجاز في أمر عقليّ أو على سبيل التشبيه البليغ من قبيل زيد أسد ، بناءاً على المذهب المشهور، وهذا في حقيقته راجع إلى الأوّل . والجوهري العارف بأصناف الجوهر المميز بين أقسام التعابير وطرق المحاورات وأنحاء الأساليب يلم بأدنى التفات بما ندعيه .

وعلى أي تقدير افترضته لا تترتب عليه لوازم الأُمّ وأحكامها من ثَمّ أبنائهن لسن أخوات ومحارم للمسلمين (1)كما أن أُمهاتهن لسن جدّات، وأخواتهن لسن خالات ، ولا يحرمن على أي واحد من المسلمين بل يجوز للمسلم أن ينكح ابنة زوجة النبي من غيره كزينب بنت أم سلمة ، وبهذا الوصف كيف يكون أخوهنّ خالاً للمؤمنين ، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن تكون هند جدة المؤمنين كما قاله السيد ، ويكون أبو سفيان جدهم ، أو تترتب على منزلته جميع الأحكام أو يُغضّ الطرف عنها بأجمعها وحينئذ ما هو الفرق بين هؤلاء ومعاوية ؟ وما الذي أوجب التفكيك وأثبت هذا الاعتبار الركيك ؟

ومع غضّ النظر عن جميع ذلك نريد أن نعلم من هي الأفضل عائشة أو أُمّ حبيبة (2)؟ لا ریب سيختارون الأوّل، وفي هذا الحال سنقول لهم : لم لا يكون محمد بن أبي بكر رضي الله عنه ولعن الله أباه خالاً للمؤمنين ؟ إلا أن يقولوا: إنّ محمداً كان موافقاً لعلي واستشهد معه وقد كان الله عبداً صالحاً وولداً ناصحاً من ثمّ سقط من رتبة اعتبارهم، بل قتله معاوية بن خديج لعنه الله بأمر من عمرو بن العاص لعنه الله فى فتح مصر ، ووضع جنّته فى جيفة حمار وأحرقه كما هو مذكور في أدب المحاضرة للسيوطي وغيره من كتب العامة والخاصة، والآن قبره يوجد

ص: 227


1- لو كن أمهات على الحقيقة لجاء إبداء زينتهن لأبنائهنّ المؤمنين كما هي عليه حال الأم الحقيقية ، إقرأ الآية : «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ» . (المترجم)
2- كلاهما لا فضل لهما يا سيدي، وإن أردت الحق والقياس فأُم حبيبة أفضل . (المترجم)

في مصر وهو مدفن لبقية الأعضاء التي سلمت من النار لهذا الولد الصالح ، أو أنه مكان مقتله ولكنة مهجور ويزوره الشيعة تقيّة وإن كنت وفقت لزيارته مراراً ، وجرت عادة السنّة أن يولوا قبره ظهورهم ويقرؤوا الفاتحة لأبيه ، وعند عوام العجم مثل معروف يقول : الخير يعرف باب بيت أهله .

وعلى فرض التسليم لخؤلته وهو نسبة عارضة، فما الذي تجديه مع خباثته - الظاهرة الذاتية ؟ لقد آمن الحكيم السنائي بخؤلته لعدم اطلاعه على التحقيق

المتقدم ولكنه قال وأحسن :

پسر هند اگرچه خال من است***دوستی ویم بکاری نیست

ور نوشت او خطی زبهر رسول***بخطش نیز افتخاری نیست

در مقامی که شیر مردانند***در خط و خال اعتباری نیست

إن كان خالي ابن هند لست أقبله***خالاً ولا حبّه في القلب مركوز

وإن غدى لرسول الله كاتبه***فليس في ذاك تكريم وتعزيز

وتأنف الأسد من خال بوجنتها***والخطّ والخال للوجنات تطريز

وقد نظمت البيتين التاليين مع التحقيق المتقدّم مع رعاية الجناس التام ولزوم ما يلزم وذلك في سفري الذي قصدت به الشام من طريق الحج وفي دمشق نظمت الأبيات وقلت:

قيل لي فيم لا تعدّ ابن هند***لك خالاً فقلت ليس بخال

وإذن هند جدة وأبو سفيان***جدّد وذاك أكذب خال

ولئن خطّ للرسول كتاباً***فهو خط عن فهو خط عن السعادة خالي

وإذا عدّت الفحول المزايا***لم تكن عبرة بخط و خال (1)

ص: 228


1- ديوان المؤلف : 279 و 280 . (هامش الأصل)

وَيَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ...

يزيد بن معاوية لقد سبق ومرّ بك من حالات جده وأبيه ما اتسع له هذا المختصر، وأمّه ميسون بنت بجدل الكلبية.

وفي البحار : قال مؤلّف إلزام النواصب وغيره : إنّ ميسون بنت بجدل الكلبية أمكنت عبد أبيها من نفسها فحملت يزيد لعنه الله ، وإلى هذا أشار الكلبي :

فإن يكن الزمان أتى علينا***بقتل الترك والموت الوحي

فقد قتل الدعي وعبد كلب***بأرض الطف أولاد النبي

أراد بالدعي عبيدالله بن زياد لعنه الله.. ومراده بعبد كلب : يزيد ابن معاوية لعنهما الله .(1).

ويؤيد الأخبار الواردة في كامل الزيارات بسندين عن كليب بن معاوية وإسماعيل بن كثير وعن عبدالخالق وداود بن فرق وعبد الله بن مسكان عن الصادق علیه السلام أنه قال : قاتل الحسين ولد زنا .(2)وهذا الخبر إن لم يكن متواتراً فهو متفق مع أصول الشيعة ويعتبر مقطوعاً بصدوره لأن بعض طرقه صحيح وبعضها مشتمل على أصحاب الإجمال مثل زرارة ومحمد بن أبي عمير ومنها خمس روايات نقلها خمسة من أصحاب الصادق علیه السلام .

وقاتل الحسين عنوان يندرج تحته شمر وابن سعد وابن زياد ويزيد لعنهم الله ، ونحن أشرنا إلى ولاداتهم لغير رشدة ولا نعيد .(3)

ص: 229


1- بحار الأنوار 44 : 309 (المترجم وهامش الأصل) وعوالم العلوم : 601. (المترجم)
2- كامل الزيارة : 78، بحار الأنوار 303:44 ، عوالم العلوم (الإمام الحسين): 600 هامش الأصل كامل الزيارات : 163 ط النشر الإسلامي - قم - الأولى 1417 . (المترجم)
3- في شرح قوله : لعن الله عمر بن سعد ولعن الله شمراً . (هامش الأصل)

وجملة القول انه لا خلاف في هلاك يزيد وأنّه سنة أربع وستين للهجرة، والمشهور الموافق لتاريخ الكامل وتاريخ الخلفاء ومختصر أبي الفداء وتتمة ابن الوردي وغير ذلك أنه كان في ليل الرابع عشر من ربيع الأول انتقل إلى دركات النار . وقال بعضهم : السابع عشر منه .

ووقع الاختلاف في عمره هل هو ثلاث وثلاثون أو ست أو ثمان وثلاثون، والأخير هو الأشهر . وزعم السيوطي أن ولادته كانت سنة خمس وعشرين، وإلا

ففي ست وعشرين هجريّة، وهذا يلائم سنّ الثامنة والثلاثين لذلك المخذول.

وأولاده طبقاً لما جاء في المعارف: معاوية وخالد وعبدالله الأكبر وأبو سفيان وعبدالله الأصغر وعمر وعاتكة وعبد الرحمن وعبدالله أصغر الأصاغر ، وعثمان

وعتبة الأعور ويزيد ومحمد وأبوبكر وأُمّ مزيد وأُمّ عبدالرحمن(1).

ويزيد عليه اللعنة قضى عمره باللعب بالقرود والفهود وشرب العقار وأنواع القمار وهتك حرمات الإسلام وقتل الذرّيّة الطاهرة وكشف الستر عن نساء المهاجرين والأنصار وإهانة الحرم النبوي الشريف وسفك دماء أه-ل الم-دينة واسترقاق الأحرار من كبار التابعين وهدم الكعبة وإحراق كسوتها المعظمة وغيرها مما لا يتسع المقام لذكره، وهذا مشتهر غاية الاشتهار، ومنتشر غاية الانتشار، وأوّل من أشاع الفسق والفجور وجاهر بشرب الخمر وسماع الأغاني.

وقال ابن الجوزي في رسالة تجويز لعن يزيد ذهب وفد إلى الشام من المدينة ولما رجعوا أعلنوا سبّه وقالوا: قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر

ويعزف بالطنابير، ويلعب بالكلاب.

وروي عن عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة أنّه قال في حق يزيد : إن رجلاً

ص: 230


1- ابن قتيبة ، المعارف : 153 . (المترجم)

ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاءاً حسناً .

من هنا ظهرت مناقب إمام أهل السنّة من شرب الخمر وترك الصلاة واللعب بالكلاب والضرب على الطنبور والناي ووطئ الأمهات - أمهات أولاد أبيه - والأخوات والبنات ، لعنه الله ولعن أشياعه .

وجاء في مروج الذهب أنّه كان يحضر مجالس الطرب ويؤتى بالقيان ، فيشرب وابن زياد إلى جانبه، ويأمر الساقي أن يسقيه ويقرأ هذا الشعر المشوم:

اسقني شربة تروي مشاشي***ثم صل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السرّ والأمانة عندي***ولتسديد مغنمي وجهادي

وفي كامل التواريخ مذكور : قال عمر بن سبيئة : حج يزيد في حياة أبيه ، فلمّا بلغ المدينة جلس على شراب له فاستأذن عليه ابن عباس والحسين ، فقيل له : إن ابن عبّاس إذا وجد ريح الشراب مع الطيب (عرفه، فلم يأذن له، وأذن للحسين علیه السلام فلم وجد ريح الشراب مع الطيب ، فقال : الله درّ طيبك ما أطيبه، فما هذا ؟ قال : هو طيب يصنع بالشام ، ثم دعا بقدح فشربه ثم دعا بآخر ، فقال : اسق أبا عبدالله، فقال له الحسين : عليك شرابك أيها المرء لا عين عليك منّي ، فقال یزید :(1)

ص: 231


1- لم يدركني العجب من ابن الأثير ولا من يزيد ولا من الراوي بقدر ما أدركني من المؤلف الذي نقل رواية موضوعة تصرح بكذب واضعها لعنه الله ولم يخضعها للنقد العلمي بحيث يتناول سندها أولاً وينظر فيه نظر الناقد البصير فيرى من الراوي وعمّن روى وهل هي مسندة أو مرسلة، ومن عمر بن سبيئة هذا راوي الخبر فلم تعرفه كتب الرواة ولا معاجم الرجال، والسند في الكامل مقصور عليه، ومن ثَمّ يكون أدنى من حديث مرسل ثمّ ما بال الشيخ غفل عن المتن فلم يخضعه للنقد الواعي البصير، فهل من اللائق بالحسين أن يجلس في مجالس يزيد الذي أنكر عليه وعلى أبيه أفعالهم وتعدّيهم على الأمة وغمطهم لحقها وظلمهم لها، والحسين لم يدخل على معاوية إلا مكرهاً أو منكراً - بكسر الكاف - فكيد يدخل على يزيد الخمور والفجور ؟ ثم هل كان هذا قبل ولايته للعهد أو بعدها ؟ فإن كان بعدها فحال الحسين مع يزيد معروفة، وأما قبلها فلم يحدّثنا التاريخ الصحيح عن زيارة يزيد المدينة وهذه الرواية تترك زيارته من دون تاريخ وتقول في حياة أبيه فحسب دون تعيين السنة وهذا دليل كذبها ووضعها ، وإن قصر الكاذب مرة فقد قصر راوي الكذب ألف مرة لاسيما إذا كان ممن يوالي أهل البيت . (المترجم)

ألا يا صاح للعجب***دعوتك ذا ولم تجب

إلى الفتيات والشهوات***والصهباء والطرب

وباطية مكللة***عليها سادة العرب

وفيهنّ الذي تبلت***فؤادك ثم لم تبت

فنهض الحسين وقال: بل فؤادك يابن معاوية تبلت (1).

من هذه القصّة يظهر صلب هذا الإنسان السافل القذر وقلة حيائه وسوء فطرته وفرط دنائته .(2)

وفي مروج الذهب أيضاً: إنه كان ليزيد قرد يكنى بأبي قيس، يحضره مجلس منادمته ويطرح له متكناً، وكان قرداً خبيثاً ، وكان يحمله على أتان وحشية قد ريضت وذلّلت لذلك بسرج ولجام يسابق بها الخيل يوم الحلبة، فجاء في بعض الأيام سابقاً، فتناول القصبة ودخل الحجرة قبل الخيل وعلى أبي قبيس قباء من

ص: 232


1- لا يخفى ما في الخبر من قوله : «لا عين عليك» وأنه من الأكاذيب، ولكن نقله من باب الإلزام للنواصب والتفكيك في الأصول وفي الأقارير في الفقه غير عزيز ولما فيه من الاستهجان أغمضنا عن ترجمته ( منه )
2- ويظهر أن سماحتك بنقلك لهذه الفرية حاطب ليل، وكيف تجعل ما فيه حط لمقام الإمامة والعصمة إلزاماً للناصب بل ليس من المستبعد أن يجعلها الناصب إلزاماً عليك رحمك الله ، أنا لا أشك بولائك و علمك ونجابتك وإلا لكان لي معك حديث آخر . (المترجم)

الحرير الأحمر والأصفر مشمّر وعلى رأسه قلنسوة من الحرير الأحمر منقوش ملمّع ذات ألوان بشقائق وعلى الأتان سرج من الحرير الأحمر منقوش ملمّع بأنواع من الألوان فقال في ذلك بعض شعراء الشام في ذلك اليوم :

تمسك أبا قيس بفضل عنانها***فليس عليها إن سقطت ضمان

ألا من رأى القرد الذي سبقت به***جياد أمير المؤمنين أتان (1)

الحق يقال هؤلاء المؤمنون الذين يسفكون دماء ابن النبي ويقترفون مع بنات الصحابة المحرّم ويربطون الخيل في حرم النبي وتخلو المدينة من سكانها بحيث يبول الكلب على ... العياذ بالله بحاجة إلى أمير مثل هذا ؛ تارة يصطاد بالنمور، وأُخرى يسابق بالقرود ، وأحياناً هو حليف القمار والخمور، وأحياناً رفيق الناي

والطنبور .

وأخيراً روى السيوطي في تاريخ الخلفاء عن مسند أبي يعلى عن أبي عبيدة بن

الجراح عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : لا يزال أمر أمتى قائماً بالقسط حتى يكون أوّل من ثلمه رجل من بني أُمية يقال له يزيد.(2)

وفي مسند الروياني روى عن أبي الدرداء أنه قال : سمعت النبي صلی الله علیه و آله وسلم يقول : أوّل من يبدل سنّتي رجل من بني أُميّه يقال له يزيد .(3)

ص: 233


1- مروج الذهب 3: 79 و 80 (المترجم)
2- تاريخ الخلفاء، وتطهير اللسان لابن حجر : 64ط القاهرة، الصواعق المحرقة : 221 (هامش الأصل) السيوطي ، تاريخ الخلفاء 1 : 208 ط مطبعة السعادة بمصر ، 1371 أولى . وأظنّ - والله العالم - أن جملة يقال له يزيد ألحقت بالنص بآخره ولذلك يرويها صاحب جمع الشمل بدونها ويقول : أولته الخوارج بعثمان ابن عفان، فلو كانت الجمله موجودة لما تناولت نعثل لعنه الله ولكنّهم ألحقوها لئلا تشمله لعنهم الله ولعنه .
3- الصواعق المحرقة : 222 (هامش الأصل)

ولقد سمعت أخبار لعن يزيد في الفقرة السابقة وعرفت أدلة لعنه من كلام ذلك الرجل الزيدي مشروحاً، وينبغي بعد هذا أن لا يقع خلاف في الأمة على جواز لعنه لأن من يقتل كبد النبي ويسبي عياله في الأطراف والأكناف من بلد إلى بلد كما يفعل بأسرى الكافرين من غير أن ترعى لهم حرمة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأن يرتكب في حقهم ما لا يليق بالمسلم تحمله من أي جنس كان طبعاً يكون شخص كهذا مستحقاً لللعن .

ومع كلّ هذا فإنّ الغزالي الذي يدّعي متابعة شريعة النبي صلی الله علیه و آله وسلم بل يدعي دعوى الوصول والشهود، ويرى نفسه نبع العلم والعمل، والبالغ أقصى مراتب المنى والأمل (والأهل) لم يستح من الله ورسوله فمنع منعاً باتاً من لعن يزيد فنجم من بعده طائفة يحملون في صدورهم الحقد القديم ولا يجرؤون على التصريح به ولكنّهم يسرونه بإظهار التخلّف عن العترة ويضمرون حرمة لعن يزيد كما سمعنا ورأينا الكثير من ذلك طيلة إقامتنا في سامراء من قضاتهم ومتعصبيهم، والآن أرى من الصواب من أجل فضيحة هذا الشيخ الضال الذي هو عمدة أهل الجهل والضلال، نقل كلامه ثمّ الجواب على شُبهه لينال عموم أهل الإيمان ثواب لعنه لأنه في رأس القائمة من أتباع يزيد ، فنقول :

قال ابن خلّكان في ترجمة عليّ بن محمّد الطبري المشهور بالكياء الهراسي بعد نقل كلام له في المنع عن لعن يزيد سنشير إليه : وقد أفتى الإمام أبو حامد الغزالي في مثل هذه المسألة بخلاف ذلك فإنّه سُئل عمن صرّح بلعن يزيد لعنه الله هل يحكم بفسقه أم لا؟ وهل يكون ذلك مرخّصاً له فيه ؟ وهل كان يزيد قتل الحسين أم كان قصده الدفع ؟ وهل يسوع الترحم عليه أم السكوت عنه أفضل ؟ تنعم بإزالة الاشتباه منّا.

فأجاب : لا يجوز لعن المسلم أصلاً، ومن لعن المسلم فهو الملعون، وقد قال

ص: 234

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : «المسلم ليس بلعان وكيف يجوز لعن المسلم ولا يجوز لعن البهائم وقد ورد النهي عن ذلك ، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي ، ويزيد صح إسلامه، وما صح قتله الحسين ولا أمره به ولا رضاه بذلك، ومهما لا يح منه لا يجوز أن يظنّ ذلك به فإنّ إسائة الظنّ بالمسلم أيضاً حرام وقد قال الله تعالى: «اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» (1)وقال النبي الله صلی الله علیه و آله وسلم : إن الله حرّم من المسلم ماله ودمه وعرضه، وأن يظنّ به ظنّ السوء. ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين أو رضي به فينبغي أن يعلم أنّ به غايه الحماقة فإنّ من قتل من الأكابر والوزراء والسلاطين فى عصره لو أراد أن يعلم حقيقة من قتله، ومن الذي أمر بقتله ، ومن الذي رضي به ، ومن الذي كرهه لم يقدر على ذلك وإن كان قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهد فكيف لو كان في مكان ظ ] بعيد ، ومن زمن قديم قد انقضى فكيف يعلم ذلك فيما قد انقضى، فكيف يعلم ذلك فيما انقضى قريب من أربعمائة سنة في مكان بعيد وقد تطرق التعصب في الواقعة فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب فهذا أمر لا يعرف حقيقته أصلاً، وإذا لم يعرف وجب إحسان الظن بكل مسلم.

وعلى هذا فلو ثبت على مسلم أنه قتل مسلماً فمذهب أهل الحق إنّه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر بل هو معصية، وإذا مات القاتل فربّما مات بعد التوبة ، والكافر لو تاب من كفره لم يجز لعنه فكيف من تاب عن قتل ، وبم يعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ، فإذن لا يجوز لعن أحد ممّن مات من المسلمين ، ومن لعنه كان فاسقاً عاصياً الله تعالى، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصياً ، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له في القيامة لم

ص: 235


1- الحجرات : 12 .

لم تلعن إبليس، ويقال للاعن : لم لعنت؟ ومن أين عرفت أنه مطرود ملعون ؟ والملعون هو البعيد من الله ، وذلك غيب لا يعرف إلا فيمن مات كافراً فإن ذلك علم بالشرع ، وأما الترحم عليه فهو جائز مستحب بل هو داخل في قولنا في كلّ صلاة : اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات فإنّه كان مؤمناً، والله أعلم، كتبه الغزالي، انتهى كلام الوفيات .(1)

وذكر نحواً من هذا في كتاب (آفات اللسان) من المجلد الثالث من إحياء العلوم ولكنّه جوّز اللعن مقيداً كأن يقول : اللهم العنه إن مات قبل التوبة.

وخلاصة هذه الأساطير التى هى من إفرازات الحشيش والأفيون، وهي أنه أجاب السائل عن جواز لعن يزيد وعن صحة قتل سيد الشهداء بأمره وهل يجوز الترحم عليه أو لا؟ فيقول في الجواب : لا يجوز لعن المسلم، ويزيد مسلم ونسبة قتل الحسين أو رضاه به أو أمره إسائة ظنّ بالمسلم، ومن أجاز ذلك أو صححه فإنّه بحكم الكتاب والسنة غاية في الرعونة .. وسوء الظن بالمسلم حرام ولو أن سلطاناً أو اميراً أو وزيراً في زماننا قتل أحداً لعسرت معرفة الحقيقة عن القاتل أو الآمر من هو ؟ وإن كان السلطان قريباً من مسرح القتل ويراه الرائون فكيف إذا وقع القتل في زمان بعيد ومكان شاسع وقد مرّ على هذا القتل قرابة أربعمائة عام فكيف تعرف حقيقته، ومع عدم العلم يجب إحسان الظن بأهل القبلة ، ولو ثبت على مسلم القتل فإنّ ذلك لا يوجب الكفر عند الأشاعرة ويمكن أن يموت القاتل بعد التوبة، ولا يجوز لعن الكافر بعد التوبة فكيف بالقاتل، ومن ذا الذي يجزم بأنّ يزيد مات قبل التوبة أو يعلم ذلك ، إذن لا يجوز لعن المسلم مطلقاً، ومن لعنه عُدّ فاسقاً عاصياً ، ولو جاز لعنه ثم سكت لم يكتب عاصياً، ولو

ص: 236


1- وفيات الأعيان 3 : 288 ط بيروت، دار الثقافة، تحقيق إحسان عباس (المترجم)

لم يلعن إبليس طول عمره لا يُسئل عن ذلك يوم القيامة ، ولو لعن لسئل عن ذلك، لأن اللعن طرد من الرحمة والملعون مطرود من رحمة الله ، وكيف تعرف حاله وهو بعيد ، والإخبار عنه تخرّص بالغيب إلا في حق امرئ مات على الكفر ، وأمّا الترحم على يزيد فهو جائز ومستحب بل هو داخل في قولنا في كلّ صلاة : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، ويزيد كان مؤمناً (1)، وهذا حاصل تحقيق الغزالي الذي ألقاه على قلبه الشيطان، استمداداً من باطن يزيد بحكم : «إنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم زخرف القول».

والحق يقال أنّ ادّعاء الإيمان ليزيد يتم بثمن باهض على أولياء أهل البيت علیهم السلام حيث أنه قتل أولاد النبى وساق بناته ونسائه حواسر على الجمال من بلد إلى بلد ومن تنوفة إلى تنوفة، كأنهم أسرى الترك والكابل ، يتصفّح وجوههن القاصي والداني من العراق إلى الحجاز ، وحمل رأس ابن النبي على السنان فتارة يصلبه على باب داره وأخرى يضعه في الطشت ، ويشرب الخمر ثمّ يلقي عليه ثمالة الكأس، ويظهر الفرح والسرور، ويضرب شفتيه وأسنانه استخفافاً بقضيبه وهي من أعظم المصائب عند الإنسان الغيور فياللعجب أن يكون شخص مثل هذا مؤمناً والترحم عليه مستحباً .

المؤلّفه :

قل لمن لا يجيز لعن يزيد***أنت إن فاتنا يزيد يزيد

زادك الله لعنة وعذاباً***وله الله ضعف ذاك يزيد..(2)

ص: 237


1- احتاج المؤلّف إلى عرض هذا التلخيص لأنه اعتبره بمثابة الترجمة للنص السابق واضطررت إلى متابعته وإن كان قد تكرّر تواً لأني رأيت عدم ترجمته تحدث ثغرة في الكتاب . (المترجم)
2- ديوان المؤلّف : 280. (هامش الأصل)

ونحن نعرض لجواب هفوات الغزالي ونجيبه على جزئيات كلامه على نحو الإجمال لا التفصيل وإن كان هذا الكلام غاية في الضعف والركاكة وإيغالاً في الفساد والسخافة، ولا يستحق الردّ بل لا يجد المسلم لا ولا الكافر الملتفت إلى الأصول والقواعد الإسلامية شبهة من هذه الكفريات والأباطيل، ولكننا لإثبات أن هذا الكلام صدر من صاحبه تعصباً للباطل وعناداً للحق وهو صرف زندقة وإلحاد نعرض لإبطال أقواله قولاً قولاً :

أما قوله: «لا يجوز لعن المسلم» فجوابه أن لعن المسلم إن كان على الإسلام فهذا غير جائز طبعاً وهو كفر ، وإذا كان لعنه من دون سبب فهو غير جائز أيضاً ويُعدّ فسقاً، وإذا أُريد باللعن اللعن المطلق لعناوين أخرى مثل الظلم والفسق وشرب الخمر وقتل النفس وأمثال ذلك فهذا مخالف لنصوص الكتاب والسنة - أي عدم تجويزه - بل ينافي الضرورات من دين الإسلام لأن اللعن على العناوين المذكورة ورد كثيراً فى القرآن والحديث المتواتر، وهو يفوق حدّ الحصر.

واستشهاده بأنّ المسلم ليس بلعان يظهر جوابه مما حكى ابن الجوزي عن خط القاضي أبي الحسن محمد بن القاضي أبي يعلى وتصنيفه فإنّه صنف كتاباً في بيان من يستحق اللعن، وذكر فيهم يزيد ، وقال : الممتنع من ذلك إما أن يكون غير عالم بجواز ذلك أو منافقاً يريد أن يوهم بذلك ، وربما استغر الجهال بقوله: المؤمن لا يكون لعاناً وهو محمول على من لا يستحق اللعن.

وأما قوله: يزيد «مسلم» فهو أوّل الكلام لأن أقواله وأفعاله كليهما يدلان على كفره، على أنه لا يوجد سبب يدلّ على إسلامه وتحوّله من الكفر إليه لأنك سمعت كفر جده وأبيه اللذين عاشا في ظل الشرك عمرهما كله تفصيلاً فلا يعدان والحال هذه من المسلمين، فمتى ولج الإسلام بيته بعد هذا ليحكم به له ؟

أما دلالة أقواله على كفره فهي ظاهرة مثل هذا الشعر الذي قاله في نعت الخمر :

ص: 238

شميسة كرم برجهها قعر دنّها***ومشرقها الساقي ومغربها فمي

فإن حرمت يوماً على دين أحمد***فخذها على دين المسيح ابن مريم

ومثل هذا الشعر الذي أنكر به المعاد ونقله عنه الكياالهراسي :

أقول لصحب ضمّت الكأس شملهم***وداعي صبابات الهوى يترنّم

خذوا بنصيب من نعيم ولذّة***فكل وإن طال المدى يتصرّم

ومثل هذا الشعر الذي ذكر جمع من المؤرّخين أنّه تمثل به بعد دخول أهل البيت مجلسه وهو شعر ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل

وأوّل الأبيات هذه :

لعبت هاشم بالملك فلا***خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم***من بني أحمد ما كان فعل

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل

قال ابن الجوزي الحنبلي في رسالته الموسومة ب_«الردّ على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد» : أنبأنا علي بن عبدالله الزاغولي قال : أخبرنا أبو جعفر بن مسلمة ، عن أبي عبدالله المرزباني قال : أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب قال : أخبرنا عبدالله بن أبي معد الورّاق قال : حدثنا يحيى الأحمري قال : أنبأنا ليث عن مجاهد قال : جيء برأس الحسين بن عليّ فوضع بين يدي يزيد بن معاوية فتمثل بهذين البيتين:

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحاً***ثم قالوا لي بغيب لا تشل

قال مجاهد : نافق فيها ثم والله ما بقي في عسكره إلا تركه أي عابه ولامه .

ص: 239

قلت : هذه الأبيات لابن الزبعرى ثمّ نقل شيئاً منها وقال : وذلك أن المسلمين قتلوا يوم بدر منهم خلقاً فقتلوا منهم يوم أحد خلقاً فاستشهد به يزيد وكأنه غيّر بعضها ويكفى استشهاده بها خزياً.

ونسب سبط ابن الجوزي الأبيات الأربعة ليزيد وروى البيتين الأوليين «لعبت هاشم» إلى آخره عن الشعبي وأنّها نسبها إلى يزيد (1)وقدّس الله روح الرضي حيث قال وأجاد

طلبت ترات الجاهلية عندها***وشفت قديم الغل من أحقادها

زعمت بأنّ الدين سوّغ قتلها***أوليس هذا الدين من أجدادها

ومجمل القول : نقل المسعودي في مروج الذهب : وكتب إلى ابن الزبير :

أدعو إلهك في السماء فإنني***أدعو عليك رجال عك واشعر

كيف النجاة أبا حبيب منهم***فاحتل لنفسك قبل أتي العسكر (2)

ونقل في ديوانه وشهد به سبط ابن الجوزي وهو معروف في كتب المقاتل أنّه أنشد هذين البيتين لما ورد أهل البيت الشام وكان يزيد في منظره على جيرون

(مجاز في الجامع الأموي) اللذين أخبرا عن كفره القديم ونفاقه الدفين :

لما بدت تلك الحمول وأشرقت***تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت نح أو لا تنح***فلقد قضيت من النبي ديوني (3)

قال في التذكرة : قال الزهري : لمّا جاءت الرؤوس كان يزيد (لعنه الله) في منظرة على جيرون، فأنشد لنفسه: «لما بدت» إلى آخره .

ص: 240


1- تذكرة الخواص : 235
2- مروج الذهب 3: 81 (المترجم)
3- التذكرة : 235 وفيها من الغريم وعند المؤلف جيحون وهو تصحيف . (المترجم)

وروى سبط ابن الجوزي أيضاً عن ابن عقيل أنّه قال : وممّا يدلّ على كفره وزندقته فضلاً عن سبّه ولعنه أشعاره التي أفصح بها بالإلحاد وأبان عن خبث

الضمائر وسوء الاعتقاد، فمنها قوله في قصيدته التي أولها:

عليه هاتي واعلني وترنّمي***بذلك إنّي لا أحب التناجيا

حديث أبي سفيان قدماً سمى به***إلى أحد حتى أقام البواكيا

ألا هات (1)فاسقيني على ذاك قهوة***تخيّرها العنسي كرماً شئآميا

إذا ما نظرنا في أمور قديمة***وجدنا حلالاً شربها متواليا

وإن مت يا أُمّ الأحيمر فانكحي***ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا

فإنّ الذي حدثت عن يوم بعثنا***أحاديث طسم تجعل القلب واهيا

ولابد لي من أن أزور محمّداً***بمشمولة صفراء تروي عظاميا

قال القزغلي : ومنها :

لو لم يمس الأرض فاضل بردها***لما كان فيها (2)مسحة للتيمم

ومنها : «لما بدت تلك الحمول ....» وقد ذكرناها .

ومنها قوله :

معشر الندمان قوموا***واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام***واتركوا ذكر المعاني

شغلتني نغمة العيدان***عن صوت الأذان

وتعوّضت عن الحور***عجوزاً في الدنان

إلى غير ذلك مما نقلته من ديوانه انتهى .(3)

ص: 241


1- سقيني - المؤلّف .
2- عندي - المؤلّف .
3- التذكرة : 260 و 261 .

وأما أفعاله فيكفي في فظاعتها قتل سيدالشهداء علیه السلام ريحانة النبي صلی الله علیه و آله وسلم وسيد شباب أهل الجنّة ومحبوب حبيب الله ، ومن المعلوم أن قتله هتك لحرمة جده صلی الله علیه و آله وسلم ، ولقد أفتى علماء أهل السنة كما ورد في الصواعق أن رمي الصحف في القاذورات كفر لأنه راجع إلى هتك حرمة الشرع ، سبحان الله ! فكيف لا يكون قتل فلذة كبد الرسول وبضعة الطاهرة البتول هتكاً لحرمة الشرع النبوي وموجباً للكفر، والله درّ منصور النمري شاعر هارون في الجهر والعلن ومادح أمير المؤمنين سرّاً بل كان يكنى بهارون عن أمير المؤمنين لقول النبى صلی الله علیه و آله وسلم فيه :

«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» كما ذكره السيد في الغرر والدرر ، قال :

لا شكّ عندي في كفر قاتله***لكنني قد أشتُ في الخاذل

يقتل ذرّيّة النبي ويرجون***جنان الخلود للقاتل

مضافاً إلى ما فعله من الاستخفاف بحق العترة الطاهرة بعد القتل من النهب والأسر وسوقهنّ أسرى إلى بلاد ليس معهنّ من حماتهنّ حمي، ولا من ولاتهنّ ولي، يتصفّح وجوههن القريب والبعيد، والشريف والوضيع، الذي لا يناسب أدنى حدود الإسلام.

يقول ابن الجوزي في رسالته (الردّ على المتعصب العنيد) : ليس العجب من فعل عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد وإنّما العجب من خذلان یزید و ضربه بالقضيب على ثنية الحسين علیه السلام وإغارته على المدينة أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج (1)أو في الشرع أنّهم يدفنون .

أما قوله : لي أن أسبيهم فأمر لا يقنع لفاعله ومعتقده باللعنة، ولو أنه احترم

ص: 242


1- لقد فعل أبو بكر بن أبي قحافة بالعرب باسم الردّة من القتل والحرق والنهب والأسر حين سلّط السفّاح خالد بن الوليد عليهم ما فعله يزيد بالمدينة ، فما الفرق بين الأول والآخر ليت شعري!(المترجم)

الرأس حين وصوله وصلى عليه ولم يتركه في طست ولم يضربه بقضيب ما الذي كان يضرة وقد حصل مقصوده من القتل، ولكن أحقاد جاهلية ودليلها ما تقدّم من إنشاده «ليت أشياخي ببدر شهدوا...» الخ.

وكذلك دليل كفره وقعة الحرّة وانتهاك حرمة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيها ما أشرنا إلى ذلك إجمالاً .

ومختصر القول في بيانها أن عبد الحق الدهلوي وهو من أكابر المتأخرين وأهل الهند السنّة ، يقول في كتابه (جذب القلوب إلى ديار المحبوب) وهو كتاب موضوع في تاريخ المدينة ، قال : قال القرطبي : كان سبب خروج أهل المدينة عنها كما جاء في بعض الأحاديث وقعة الحرّة حين بلغت المدينة المطهرة في الرونق والعمارة إلى أحسن مرتبة وأكمل درجة وكانت تعج ببقايا الأصحاب من المهاجرين والأنصار والعلماء أصحاب الوزن الرفيع من التابعين والأخيار ، ولمّا تواترت الحوادث عليها هجرها أهلها خوفاً من توالى الأحداث وحدوث الآفات، ورحوا من ذلك الموضع الذي هو محلّ الرحمات ومتنزل البركات .

وأرسل يزيد بن معاوية لعنهما الله مسلم بن عقبة المرّي في جحفل جرّار من الشام لقتال أهل المدينة وأمره بالتمثيل بهم على أقبح وجه ، وأباح لهم مدة ثلاثة أيام، فهتكوا الحرمات واستحلوا الفروج والدماء، ومن هذه الجهة سميت واقعة الحرة .(1)

وقعت هذه الحرّة في حرّة واقم التي تبعد ميلاً عن الحرم النبوي الشريف فقتل فيها ألف وسبعمائة من بقايا المهاجرين والأنصار والعلماء الأخيار، وعشرة آلاف

ص: 243


1- للمدينة حرار تحيط بها وهي الحجارة السوداء وقد وقعت هذه في إحداها فسميت الحرة باسمها وليست اشتقاقاً من الحرية كما تصوّر صاحب هذا الكلام (المترجم)

من غمار الناس ما عدا النساء والأطفال، وقتل سبعمائة شخص من حملة القرآن المجيد وسبعة وتسعون من قريش، قتلوا بالسيف صبراً، وأُبيح الفسق فيها والزنا والفساد إلى الحد الذي وضعت ألف امرأة بعد هذه الواقعة من الزنا أولاداً، وربطوا الخيل في مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم وبالت وراثت في الموضع الذي هو روضة من رياض الجنّة أي بين القبر والمنبر . وأخذ البيعة ليزيد من الناس على أنهم عبيد وخول إن شاء باع وإن شاء أعتق، وإن شاء أذن لهم بالطاعة أو قسرهم على المعصية.

ولما قال يزيد بن عبدالله بن رفعة: أبايعكم على كتاب الله وسنة رسوله، ضربوا عنقه فوراً.

-

يقول هذا العبد - المؤلّف - : إنّ هذا العمل نتيجة لما فعله عبدالرحمن بن عوف لعنه الله في بيعة أمير المؤمنين حين أبي قبولها على كتاب الله وسنّة رسوله ي--وم الشورى وعند ذلك قال له على كتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الشيخين لعنهما الله ، فأبى علي علیه السلام وقال : بل على كتاب الله وسنة رسول الله ، فأبى عبدالرحمن لعنة الله عليه وبايع عثمان ، والحقيقة أن عبدالرحمن يتحمل وزر أفعال يزيد وهي في عنقه (1)كما يحصل ذلك للعاقل المتأمّل المحايد.

بعد ذلك قال عبد الحق : قال القرطبي عن رواة الأخبار أن المدينة في ذلك الوقت خلت من أهلها تماماً وصارت ثمارها وفواكهها للوحوش والهوام والبهائم ، واتخذت الكلاب والحيوانات في المسجد الشريف بيوتها وأوجارها، وصح ما أخبر عنه الصادق ، وبان للعيان ما حدث عنه ، انتهى كلام (جذب القلوب).(2)

ص: 244


1- سيدي أيّها الشيخ الجليل إن الوزر الأكبر في عنق الكلبين اللذين تصديا لها واغتصباها من أهلها . (المترجم)
2- ويناسب المقام نقل كلام السعد التفتازاني وابن حجر : قال السعد والحق أن رضاء يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت مما تواتر معناه وإن كانت تفاصيله أحاداً، فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه فلعنه الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه . وفي المسايرة : واختلف في كفر يزيد فقيل : نعم ، وقيل : لا ، وقيل بالتوقف، وقد أجاز لعنه أحمد بن حنبل والقاضي أبو يعلى، وحزمه الغزالي وابن عربي (لعنهما الله) . وقال ابن حجر : وصحَ أيضاً أنه رأى ثلاثين منهم ينزون على منبره نزو القردة فغاضه ذلك وما ضحك بعده إلى أن توفاه الله سبحانه وتعالى ، ولعله هؤلاء ويزيد بن معاوية فإنه من أقبحهم وأفسقهم، بل قال جماعة من الأئمة بكفرهم . راجع تطهير الجنان و تذييله ص 53 ط القاهرة . (هامش الأصل)

وأخيراً مع هذا القدر من الهتك والاستخفاف في حرم النبي فمن شك في كفر يزيد فإنّه هو الكافر طبعاً فلعنة الله عليه وعلى من والاه وعلى من نصره أو مال إليه. ونقل ابن الجوزي عن المدائني قريباً من هذا في رسالة الردّ على المتعصب العنيد وهو صاحب التاريخ، ووثقه ، ونقل ابن حجر هذه الوقائع تفصيلاً وقال: وأخيفت أهل المدينة أياماً فلم يتمكن أحد دخول مسجدها حتى دخلته الكلاب والذئاب وبالت على منبره صلی الله علیه و آله وسلم تصديقاً لما أخبر ، انتهى موضع الحاجة.

والسبب الثاني : هتك الكعبة كما قال ابن الجوزي في مقاتلة ابن الزبير، وقذفت الكعبة بالمجانيق يوم السبت ثالث ربيع الأول ، وأخذ رجل قباء (كذا) من رأس رمح فطارت به الريح واحترق البيت.

وتفصيل هذين الواقعتين مذكور في الكتب المعتمدة لأهل السنّة مثل (كامل) ابن الأثير) و(تاريخ أبو الفداء) و (تاريخ ابن الوردي) وغيرها، وليس غرضنا من هذا الكتاب التاريخ بل لمحض الإشارة وإتمام الحجّة ننقل أحياناً نقولاً مختصرة من الوقائع للمناسبة ، والله الموفق. ووافقنا جماعة من أهل السنة على كفر يزيد كابن حجر في الصواعق ، فقد قال: اعلم أنّ أهل السنّة اختلفوا في تكفير يزيد بن معاوية وولي عهده من بعده، فقالت

ص: 245

طائفة : إنّه كافر لقول سبط ابن الجوزي وغيره المشهور أنّه لمّا جاءه رأس الحسين جمع أهل الشام وجعل ينكث رأسه بالخيزران وينشد أبيات ابن الزبعرى: «ليت أشياخي ببدر شهدوا» (1)إلى آخره . ثمّ نقل كلام ابن الجوزي عن كتاب التذكرة لسبطه ونحن نقلناه من الكتاب ذاته وظاهر العبارة كما يلي:

إن مذهب مجاهد تكفير يزيد ونقل ذلك عن إمامهم أحمد بن حنبل . وحكي عن ملا علي القاري في كتاب الشرح الفقه الأكبر أنه وافق على كفر يزيد رداً على سؤال أتاه عن ذلك وتمسك بواحد من الوجوه السابقة وقال : قيل : نعم لما روي عنه ما يدلّ على كفره من تحليل الخمر وتفوّهه عند قتل الحسين وأصحابه إنّي جازيتهم ما فعلوا بأشياخ قريش وصناديدهم وأمثال ذلك ولعله وجه ما قال الإمام أحمد بكفره لما ثبت عنده نقل تقريره لا لما وقع منه من الاجتراء على الذرّيّة الطاهرة كالأمر بقتل الحسين علیه السلام ، انتهى كلامه .

وسنذكر كلام التفتازاني عمّا قريب إن شاء الله وما أحسن ما قاله عمارة الفقيه اليمني الشاعر المشهور في التعريض بكلام يزيد هذا وحال بني أُميّة، ولله درّه

وعلى الله برّه .

غصبت أُمية إرث آل محمد***سفهاً وشنت غارة الشنآن

وغدت تخالف في الخلافة***أهلها وتقابل البرهان بالبهتان

لم تقتنع حكامهم بركوعهم(2)***ظهر النفاق وغارب العدوان

وقعودهم في رتبة نبوية***لم يبنها لهم أبو سفيان

حتى أضافوا بعد ذلك أنهم***أخذوا بثأر الكفر في الإيمان

ص: 246


1- الصواعق المحرقة : 220 ط القاهرة . (هامش الأصل)
2- هكذا هي وأظنّها بركوبهم . (المترجم)

فأتى زياد في القبيح زيادة***تركت يزيد يزيد في النقصان

وجملة القول فإنّ هذا المذهب ليس من بدع الروافض وإن زعمه الغزالي

خذله الله إن مات على كفره وزندقته وإلحاده وتعصبه وجحوده ،وعناده، ونحن باستطاعتنا أن نثبت كفر يزيد من طرق أهل السنة الصحيحة وأخبارهم عموماً وخصوصاً مثل كفر منكر الولاية لأهل البيت ومبغضهم ومحاربهم، وشانئ الحسنين علیهما السلام استلزام إيذاء النبى الموجب للكفر بحمد الله ولكن لمّا كانت هذه الطائفة لا تستحق الخطاب لعنادهم وتعصبهم وإنّ الغشاوة التي على قلوبهم ليست من الخفّة بحيث ترتفع أو تزول بهذه البيانات والإلزامات لم تر من اللازم تطويل المقال مع ضيق المجال ، ولا فائدة تبتغى وراء ذلك.

إن كان في البيت أحد***يكفي نداء واحد

مع أن مطالعة هذا الكتاب سابقه ولاحقه تغني عن بسط الكلام في هذا المقام والله الهادي.

وأما قول الغزالي نسبة القتل ... الخ فقد كفانا مؤنة جوابه الملا سعد التفتازاني الذي ملأ صيته بين أهل السنة والجماعة سمع الدنيا في كتابه (شرح العقائد النسفيّة) وشرح المقاصد وأظهر حكم الغزالي تلويحاً يقول في الكتاب : الأوّل: الحق أن رضا يزيد بقتل الحسين علیه السلام واستبشاره بذلك وإهانة أهل بيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مما تواتر معناه وإن كان تفصيله أحاداً فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه.(1)

ويقول في شرح المقاصد: ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدلّ بظاهره

ص: 247


1- والغزالي منهم ، والعجب من الشهيد السيد الشوشتري كيف جعله من الشيعة. (المترجم)

على ان بعضهم قد حاد عن طريق الحق وبلغ حدّ الظلم والفسق وكان الباعث له الحقد والعناد والفساد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة والميل إلى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوماً ولا كل من لقي النبي صلی الله علیه و آله وسلم بالخير موسوماً إلا أنّ العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق ، وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار والمبشرين بالثواب في دار القرار .

وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء إذ يكاد يشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، وينهد منه الجبال، وتنشق الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور ومرّ الدهور فلعنة الله على من باشر أو رضى أو سعى ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى.

فإن قيل : فمن علماء المذهب من لا يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد .

قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية طريقاً إلى الاقتصاد في الاعتقاد بحيث لا تزل الأقدام عن السواء ولا تضل الأفهام بالأهواء ، وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق ؟ وكيف لا يقع عليهما الاتفاق... إلى آخر ما قال.

والمنّة الله على أنّ هذا العلامة عظيم الشأن من أهل السنة اعترف بظهور الفسق والظلم الناشئ عن الحقد والعناد من الصحابة ، وأن الظلم لأهل البيت بلغ حدّاً أبكى معه الجمادات والحيوانات، وعلماء السنة مجمعون على لعن يزيد، وإنّما

ص: 248

جرى المنع لئلا يسري منه إلى معاوية ، ومن معاوية إلى عثمان، ومن عثمان إلى عمر ، ومن عمر إلى أبي بكر (1)لأن هؤلاء سلسلة واحدة وحبل واحد فلا يسوغ لعن الأوّل والترحم على الآخر، ولعلّ إلى هذه السلسلة أشار تعالى بقوله : «خُذُوهُ فَغُلُوهُ»«ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ»«ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ» (2)ونحن سنوضح هذه المقالة في ذيل شرحنا لهذه الفقرة بقدر ما يتسع له الوقت وحجم الكتاب بمنّة تعالى .

من هنا علمت حال الغزالي من كونه منكراً للمتواتر إما للمصلحة اعتمد المنع وفي الحقيقة إنّه من المجوّزين والحمد لله على الوفاق.

وأما قوله : «لو أنّ سلطاناً ....» إلى آخر كلامه فإن كان قصده أن تعيين الواقعة مع بعد العهد وتطاول الزمن مشكل فهو مسلّم، وإن زعم أن ذلك مستحيل فهو سدّ لباب إثبات الشرايع وإنكار إمكان التواتر وبناءاً على هذا لا يبعد أن يقول له اليهود والنصارى من أين جاءك العلم بأن شخصاً يدعى محمّداً بعث في أرض تهامة وادّعى النبوة وأقام المعجزة على دعواه ؟ فما يجيب به اليهودي نجيب نحن به يهودي الأُمّة الذي لقب نفسه بحجّة الإسلام وفي الحقيقة ينبغي أن يدعى ب_(شبهة الكفر) حذو النعل بالنعل لأنّه لا جواب له إلا دعوى تواتر النقل وتظافر الأخبار، وثبت عندنا بهذا التواتر نفسه قتل يزيد لسيد الشهداء ورضاه بذلك كما اعترف بذلك شارح العقائد النسفية.

ص: 249


1- شاهد هذا القول قول الغزالي وغيره ويحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين وحكاياته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فإنّه يهيج على بغض الصحابة والطعن فيهم .. الصواعق .. المحرقة : 223 (هامش الأصل) وأنا بدوري لا أملك لهم إلّا اللعنة التي جرت على لساني يوم نطقت وسوف تكون آخر كلمة أقولها إن شاء الله . (المترجم)
2- الحاقة : 30 - 32 .

وأما قوله: «من أين يعلم أن يزيد لم يتب» وجوابه أن إصراره على الفعل وإهانته لأهل البيت بعد قتلهم وسروره و استبشاره وجلوسه مع ابن زياد في مجلس الشراب وأمره الساقي بسقيه ومدحه بالأمانة وأنه صاحب السر في أشعاره السابقة تكفي في إثبات إصراره وسبط ابن الجوزي يروي القصّة على النحو التالي:

إنه استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة وقرب مجلسه ورفع مجلسه وأدخله على نسائه وجعله نديمه وسكر ليلة وقال للمغنّي : غن ، ثمّ قال يزيد بديهاً:

اسقني شربة تروي فؤادي(1)***ثمّ مل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السرّ والأمانة عندي***ولتسديد مغنمي وجهادي

قاتل الخارجي أعني حسيناً***ومبيد الأعداء والحسّاد (2)

وفي الفتاوي الكبرى وهي من الأصول المعتمدة عند أهل السنة والجماعة مروي أن صاحبها قال : اكتحل يزيد بدم الحسين وبالأثمد لتقرّ عينه(3)، ومن هنا

ص: 250


1- مشاشي - المؤلّف .
2- تذكرة الخواص : 260 . (المترجم)
3- إن كان شيخنا الجليل يقصد ب- «الفتاوى الكبير الفتاوى الكبرى لابن تيمية لعنه الله ، فقد جاء فيه : وسُئل شيخ الإسلام عمّا يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور وعزوا ذلك إلى الشارع فهل ورد في ذلك عن النبي حديث صحيح أم لا ؟ وإذا لم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا ؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم والحزن والعطش وغير ذلك من الندب والنياحة وقرائة المصروع (كذا) وشق الجيوب هل لذلك أصل أم لا ؟ الجواب : الحمد لله رب العالمين ، لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي ولا عن الصحابة ولا استحب ذلك أحد من المسلمين ؛ لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئاً؛ لا عن النبي ولا الصحابة ولا التابعين ، لا صحيحاً ولا ضعيفاً، لا في كتب الصحيح ولا السنن ولا المسانيد، ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة ، ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا إن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام، وأمثال ذلك . ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء ، ورووا أنّ في يوم عاشوراء توبة آدم واستواء السفينة على الجودي وردّ يوسف على يعقوب وإنجاء إبراهيم من النار وفداء الذبيح بالكبش ونحو ذلك . ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله الله عليه سائر السنة، ورواية هذا كله عن النبي الله كذب ولكنه معروف م-ن رواية سفيان بن عيينة (لعنه الله) عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه ، قال : بلغنا أنه من وسع ع-ل-ى أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته . وإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة، إلى آخر ما قال [الفتاوى الكبرى :2: 295 فأنت ترى أن القول الذي عزاء المؤلّف إلى الفتاوى لا يوجد فيها ولعله يقصد كتاباً آخر يحمل مثل هذا الاسم ، والله أعلم] . (المترجم)

ندرك أنّ اكتحالهم في يوم عاشورا مستند إلى الأسوة بيزيد لعنه الله ولعن من استن بسنّته ، ومع أن توبته لم تثبت وحكم كفره ما يزال قائماً ثابتاً فليس من سبب يدعو للاستدلال خلاف ذلك، ولا دليل على قبول التوبة من كلّ مذنب، لأن وجوب التوبة تحقيقاً لا يعود إلى العقل بل يوجب الوعد ، ولا يوجد هذا الوعد بحق يزيد لعنه الله ، فقد جاء في كتاب العيون بثلاثة طرق عن الإمام الرضا علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : إن موسى بن عمران سأل ربه عزّ وجلّ فقال : يا ربّ، إن أخي هارون مات فاغفر له، فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى ، لو سألتني في الأوّلين والآخرين لأجبتك ما خلا قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام فإنّي أنتقم له من قاتله .(1)

في وحديث وحشيّ وقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم غيّب وجهك عنى لا أراك شاهد على المدعى كما جاء في أسد الغابة عن وحشيّ أن النبي قال له : ويحك ! غيب وجهك

ص: 251


1- عيون أخبار الرضا ال 2 : 47 ، بحار الأنوار 44 300 ، عوالم العلوم : 606. (هامش الأصل) وجرى تطبيقه على العيون (المترجم)

عنّى لئلا أرى وجه قاتل الأحبة ...(1)

فلو أنّه رأى يزيد لارتعد بدنه واحترق لبه وتراخت عبراته، وقد أجاد ابن الجوزي حيث قال: وأنين العبّاس وهو مأسور ببدر منع النبي النوم فكيف بأنين الحسين ؟! ولما أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي : غيب وجهك فإنّي لا أحبّ أن أرى من قتل الأحبّة ، وهذا الإسلام يجب ما قبله فكيف بقلبه أن يرى من ذبح الحسين علیه السلام وأمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال ، انتهى لفظه في رسالة الردّ على المتعصّب العنيد .

وأي مسلم يرضى بتوبة يزيد لو فرضناها محالاً، فيرحمه الله ويبونه الجنّة على أن حقوق المسلمين في هذه الواقعة معقودة في عنق يزيد ، والتوبة لو صحت أنها تنفعه فإنّها تسقط حق الله دون ما سواه، وقوله تعالى: «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله» (2)لا يصح نزولها في وحشي كما يظهر ذلك من أخبار أهل البيت ، ولو سلّمنا جدلاً بالتوبة فإنّ الآية شاهد على عدم وجوب قبولها على الله سبحانه، ويثبت مطلبنا ما جاء من امتنان الله على خلقه في خلق النار وعذاب جهنّم في سورة الرحمن (3)لأنه لو بطل الجزاء ولم يؤخذ للمظلوم من ظالمه ولم توضع جهنّم نصب عين الظالم فإنّ ذلك يكون جوراً داخلاً على المظلومين.

وأما ما قاله الغزاليّ: «لا يجوز لعن المسلم وهو كفر وإلحاد وزندقة وتدليس و تلميع ومخرقة» ففي القرآن الكريم لعن الله طائفة من الناس وإن كانوا مسلمين ويزيد تنطبق عليه عناوين اللعن جميعاً ، ومنها يعرف جواز لعن يزيد، وقد ذكر

ص: 252


1- أسد الغابة في ترجمة الوحشي. (هامش الأصل)
2- التوبة : 106 .
3- «يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِن نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ»«فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»«فَإِذَا انشَقَّتِ السَّماءُ فَكَانَتْ وَرْدَةٌ كَالدُهَانِ» [الرحمن : 35 - 37] . (هامش الأصل)

الفاضل الزيدي شطراً منها، ونحن هاهنا نسوق آيات ثلاثاً من القرآن المجيد تنطبق انطباقاً تاماً على يزيد وتلعنه صراحة مع غضّ النظر عن الآية الكريمة

والشجرة الملعونة في القرآن (1)التي أجازت لعن بني أمية قاطبة .

الآية الأولى : «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً» .(2)ولمّا كان يزيد قد أباد جماعة من المؤمنين بل سيد شباب أهل الجنّة بالقهر والظلم والغلبة فهو ملعون ومغضوب عليه ومخلد في نار جهنّم ، وحال به العذاب العظيم حتماً إن شاء الله .

الآية الثانية : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعْنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» (3)ابن الجوزي وساق السند إلى صالح ابن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي : إن طائفة من الناس ينسبونا إلى موالاة يزيد، فقال أبي : وهل يوالى يزيد مؤمن أو من جعل الله فيه خيراً ؟ فقلت له : ولم لا تلعنه إذاً ؟ فقال : ومتى رايتنى لعنت أحداً، وأنت ألا تلعن من لعنه الله ورسوله في كتابه ؟ قلت وأين لعنه الله في القرآن ؟ فقرأ قوله تعالى: «فهل عسيتم ....» الآية ، ثم قال : وهل أشدّ فساداً من القتل.

وأورد على هذه الآية عبد المغيث البغدادي في رسالته التي كتبها في منع لعن يزيد ، يقول : نزلت هذه الآية في اليهود وليس لها صلة بغيرهم.

وأجابه ابن الجوزي أنّ راوي اختصاص نزولها في اليهود مقاتل وحده، وأجمع المحدثون على تكذيبه مثل البخاري ووكيع والساجي والرازي والنسائي

ص: 253


1- الإسراء : 60 .
2- النساء : 93 .
3- محمد : 22 و 23

وغيرهم، وهل يكون مع قول أحمد في نزولها في المسلمين قول آخر مقبول ؟ ولو سلّمنا جدلاً نزولها في اليهود، فإن خصوص المورد لا يوجب خصوص الحكم كما هو مقرّر في علم الأصول.

الآية الثالثة : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِينا» (1). وما من شك بأن يزيد أذى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة، وبناءاً على ما ذكره البخاري ومسلم في الصحيحين ورواه أحمد في المسند كما سلف في أوائل الكتاب(2) وإيذائهم إيذاء لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، فتبين مما تقدم أن لعنه مصرَّح به في القرآن، ولعل أهل السنة والجماعة يجنحون إلى لعنه أكثر من جنوحهم إلى تكفيره.

قال عليّ بن برهان الشافعي فيما حكى عنه في سيره ناقلاً عن الكيا الهراسي ما لفظه وقد استفتى الكيا الهراسي من أكابر ائمتنا معاشر الشافعية وكان من رؤوس تلامذة إمام الحرمين عن يزيد هل هو من الصحابة ؟ وهل يجوز لعنه ؟ فأجاب بأنّه ليس من الصحابة لأنه ولد في أيام عمر بن الخطاب، وللإمام أحمد قولان في لعنه تلويح وتصريح، وكذا للإمام مالك وكذا لأبي حنيفة، ولنا قول واحد التصريح دون التلويح ، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد والصيّاد بالفهد ومدمن الخمر وشعره في الخمر معلوم ، انتهى . ونقل هذه المقالة ابن خلكان في ترجمة الكيا الهراسي المسمّى عليّ بن محمد ابن علي الطبري عنه .

ومحصل القول أنّ الأئمة الأربعة متفقون على جواز لعن يزيد بل انعقد

ص: 254


1- الأحزاب : 57 .
2- في شرح: «لعن الله أُمّة أسست أساس الظلم». وما روي لأن العامة: «من حاربكم فقد حارب رسول الله ومن سالمكم فقد سالم رسول الله». (هامش الأصل)

إجماعهم على هذا ، والغزالي خرق الإجماع من الأئمة مضافاً إلى مخالفة القرآن الكريم، بل خالف نصوصه الصريحة كالذي رواه ابن الجوزي أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : من أخاف المدينة أخافه الله ، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً .

وهاهنا لطيفة تناسب المقام لا مناص من ذكرها. يقول مجير الدين الحنبلي في كتابه «الأنس الجليل» الذي كتبه في تاريخ القدس والخليل، وهو من كتب القوم الجليلة، يقول تحت عنوان «مدن وقرى بيت المقدس»: منها إقطاع تميم الداري الذي أقطعه له النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وهي الأرض التي ولد بها بلد سيّدنا الخليل عليه الصلاة والسلام ، وما حولها من الأرض، وكتب له في ذلك قطعة أديم من خف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام بخطه .

وقد حكى المؤرّخون لفظ الإقطاع على وجوه مختلفة ، وقد رأيت عند التكلّم على الإقطاع المشار إليه القطعة الأديم التي يقال إنّها من خفّ أمير المؤمنين على ابن أبي طالب وقد صارت رنّة وفيها بعض أثر الكتابة، ورأيت معها ورقة مكتوبة في الصندوق الذي فيه القطعة الأديم منسوب خط هذه الورقة إلى أمير المؤمنين المستنجد بالله العباسي تغمده الله برحمته ، كتب فيها نسخة الإقطاع وصورة ما كتبه المستنجد بخطه :

الحمد لله ، هذه نسخة كتاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي كتبه لتميم الداري وإخوته في سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوك في قطعة أديم من خفّ أمير المؤمنين علي وبخطة نسخته كهيئته رضي الله تعالى عنه وعن جميع الصحابة : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أنطاه محمد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم التميم الداري وإخوته حبرون والمرطوم وبيت عينون وبيت إبراهيم وما فيهنّ نطيّة بت بينهم ونفذت وسلّمت ذلك لهم ولأعقابهم ؛ فمن آذاهم آذاه الله ، فمن آذاهم لعنه الله.

ص: 255

شهد عتيق بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وكتب علي ب-ن أبي طالب وشهد ، وقد نسخت ذلك من خط المستنجد بالله كهيئته، ولعلّ هذا أصح ما قيل فيه، والله أعلم.

واستمر هذا الإقطاع بيد ذرّيّة تميم الداري يأكلونها إلى يومنا وهم مقيمون ببلد سيّدنا الخليل عليه الصلاة والسلام، وهم طائفة كثيرة يقال لهم: الدارية، وهذا ببركات النبي صلی الله علیه و آله وسلم .

وتقدّم عند ذكر الصحابة أن تميم الداري كان أميراً على بيت المقدس وق--د تعرّض بعض الولاة لآل تميم وأراد انتزاع الأرض منهم ورفع أمرهم إلى القاضي أبي حاتم الهروي الحنفي قاضي القدس الشريف فاحتج الداريون بالكتاب ، فقال القاضي : هذا الكتاب ليس بلازم لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أقطع تميماً ما لم يملك ، فاستفتى الوالي الفقهاء وكان الإمام أبو حامد الغزالي الله حينئذ ببيت المقدس قبل استيلاء الإفرنج عليه ، فقال : هذا القاضي كافر فإنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : زويت لي الأرض كلها، وكان يقطع الجنّة فيقول : قصر كذا ،لفلان، فوعده صدق وعطاؤه حقّ ، فخزي القاضي والوالي وبقي آل تميم على ما بأيديهم، وكانت هذه الحادثة حين كان أبو بكر ابن العربي بالشام، وتقدّم في ترجمته أنه دخل إلى الشرق في سنة خمس وثمانين وأربعمائة وقدم إلى الشام وبيت المقدس .(1)

كان هذا كلام صاحب تاريخ بيت المقدس، وتميم بن أوس الداري هذا له ترجمة في أُسد الغابة و(السحابة) (كذا) (2)وغيرهما من الكتب التي ترجمت للصحابة.

ويشتمل هذا الحديث على ثلاث :فوائد

ص: 256


1- مجير الدين الحنبلي ، الأنس الجليل 2: 81 و 82ط المكتبة الحيدرية - النجف 1386 ه. (المترجم)
2- لعله يريد الإصابة .

الأولى : يظهر للإنسان الناظر فيه كيف يلعن النبي من أذى أولاد تميم الداري ولكنه لا يلعن من أذى أولاده (هذا لا يجوزه عاقل فضلاً عن فاضل وإن جوّزه الخبيث الجاهل(1)) .

الثانية : بيان أحوال علماء أهل السنة وولاتهم وكيفية مخالفتهم للنصّ النبوي الصريح، وكيف يجتهدون في مقابل النصّ ويحكمون بخطأ المشرع في إقطاع الأراضي ، وورثوا هذا الاجتهاد من خليفتهم (لعنه الله) الذي منع من كتابة الكتاب وحكم بهذيان النبي صلی الله علیه و آله وسلم . وقال في موضع آخر: «متعتان محلّلتان كانتا على عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أنا أحرمهما وأعاقب عليهما».

الثالث : إنّ الغزالي حكم بكفر هذا القاضي ولم يحكم بكفر يزيد الذي قطع فرع شجرة النبوة وأنكر الشرع والشارع صراحة ، ونفى البعث والوحي والكتاب ويدعي هو الإسلام في حين يرى عدو الله ورسوله وقاتل ذرّيّة البتول مسلماً بالله ويا للمسلمين أهون بهذه الشريعة والملة وأهون بهذا المذهب والطريقة.

وأما قوله : «كلّ من لعن يزيد فهو فاسق وعاص فلقد سمعت أولاً أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وثانياً : الأئمة الأربعة، وثالثاً علماء المذهب كما عرفت في كلام شارح المقاصد ذلك، فإن قصد الغزالي بحكمه عموم الأمة فهو كفر صريح، وإن قصد العلماء من مذهبه ونسب إليهم الفسق والعصيان فإنّنا نتفق معه على فسقهم وعصيانهم وإن خالفناه في الاستدلال .

وأما قوله : «لو جاز لعنه» إلى آخره، فهو كلام سخيف ومنهار من أساسه، لأنّ ترك لعن الكفّار والمنافقين ناشى من الكفر والنفاق ، كترك لعن إبليس، بل لعن يزيد وأمثاله أشدّ لزوماً من لعن إبليس كما عرفت الفرق في كلام الرجل الزيدي

ص: 257


1- هذه العبارة جاءت بالعربية . (المترجم)

الذي سلف .

وأما قوله: «من أين يعلم» الخ ، فهو كلام ضعيف وظاهر الفساد ، لأن القصد من لعنة شخص هو الدعاء عليه باللعنة مثل لعنه الله ، واللهم العنه ، وهو إنشاء ، وليس إخباراً، ومعناه الطلب من الله أن يبعده من رحمته وليس إخباراً عن الغيب هذا أولاً ، وأما ثانياً فإن البعد من رحمة الله يعرف بإخبار الأنبياء الذين هم سفراء الله .. تعالى بينه وبين خلقه ؛ لأنّ الجنّة دار القرب من الله ، والنار دار البعد عنه ، فمن أخبروا عنه أنّه من أهل الجنّة كان قريباً من رحمة الله ، ومن أخبروا عنه أنه من أهل النار فهو البعيد عنها، وفهم هذا المطلب يعود إلى الشرع ويسهل فهم المسألة في الرجوع إليه .

وأما جواز الترحم على يزيد لعنه الله واندراجه في عموم قوله : «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات فهو من باب زاد في الشطرنج بغلة (1)وزاد في الطنبور نغمة وإلا فلم يسمع من أحد من علماء الإسلام إلا عن عبدالمغيث البغدادي صاحب الرسالة في المنع من لعن يزيد ومحيي الدين ابن العربي وعبدالقادر الجيلاني وعامة النواصب ، وليس واحد منهم مسلماً فلم يلتزم بذلك غيرهم ، وإن كان من لوازم مذهبهم كما سوف تعرفه إن شاء الله .

وكيف كان فقد انتقض - ولله الحمد - غزل الغزالي، وانصرم حبل كيده وضلالته، ودمرنا على بنيان بيانه المؤسس على شفا جرف هار من غيّه وضلالته.

نادرة

وعن عجائب الأمور أنّ الغزالي مع إصراره الشديد على المنع من لعن يزيد وإنكاره رضاه بقتل سيدالشهداء ، يعجب في كتاب (سرّ العالمين) من أولئك

ص: 258


1- لأول مرّة أعثر على مثل مثل هذا في اللغة العربية. (المترجم)

الذين ينكرون نسبة القتل إلى يزيد بعد عدة كلمات في ردّ خلافة الخلفاء الثلاثة ، وبيان غلبة الهوى والعصبية عليهم، ومن المناسب نقل نفس عبارته في هذا الكتاب ليظهر للعين تهافته الصريح وتناقضه الواضح بين كلاميه واعترافه هذا من فضل مذهبنا الحق الذي يعترف خصومه بين الفينة والفينة لإتمام الحجّة

، الإلهيّة وبالإمدادات من فيوض الولاية، قهراً باللوازم والمؤيدات لهذا المذهب «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» .(1)

قال الغزالي في كتابه المسمّى بسرّ العالمين وكشف ما في الدارين :

المقالة الرابعة في ترتيب الخلافة : اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن آل أمرها إليه ، فمنهم من زعم أنها بالنص، ودليلهم قوله تعالى «قُل لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً» (2)وقد دعاهم أبو بكر إلى الطاعة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فأجابوه .

وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ...» (3)الآية قال في الحديث : إنّ أباك هو الخليفة من بعدي يا حميراء ، وقالت امرأته : إذا فقدناك فإلى من نرجع ؟ فأشار إلى أبي بكر ، ولأنه أمّ بالمسلمين على بقاء رسول الله والإمامة عماد الدين، هذا جملة ما يتعلّق به القائلون بالنصوص.

وقالوا : لو كان على أوّل الخلفاء لانسحب عليهم ذيل الفناء ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في خلافته كونه رابعاً للخلفاء كما لا يقدح في نبوّة رسول

ص: 259


1- الأنفال : 42 .
2- الفتح : 16 .
3- التحريم: 3.

الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه كان آخراً.

والذين عدلوا عن هذه الطريقة زعموا أنّ هذا تعلّق فاسد جاء على زعمكم وأهويتكم ، فقد وقع ميراث في الخلافة والأحكام مثل داود وسليمان وزكريا ويحيى، قالوا: كان لأزواجه ثمن الخلافة فبهذا تعلقوا ، وهذا باطل ، إذ لو كان ميراثاً لكان العبّاس أولى ، لكن أسفرت الحجّة عن وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث عن خطبة يوم غدير خم باتفاق الجمعي، وهو يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال عمر : بخ بخ يا أبا الحسن ، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وهذا تسليم ورضا وتحكيم ، ثم بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرئاسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود وخفقان الهوى في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول ، وفتح الأمصار ، سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأوّل، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون .

ولما مات رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال قبل وفاته : ایتونی بدوات وبياض لأزيل عنكم إشكال الأمر وأذكركم من المستحق بعدي قال عمر: دعوا الرجل فإنّه ليهجر وقيل : يهذي .

فإذا بطل تعلقكم بتأويل النصوص فعدتم إلى الإجماع وهذا منقوض أيضاً فإنّ العباس وأولاده وعليّاً وزوجته وأولاده لم يحضروا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في مبايعة الخزرجي.

ودخل محمّد بن أبي بكر على أبيه في مرض موته ، فقال : يا بني ، انت بعمك عمر لأوصي له بالخلافة ، فقال : يا أبه، أكنت على حق أو باطل ؟ فقال : على حق ، فقال : أوص بها لأولادك إن كان حقاً، ثم خرج إلى علي علیه السلام وجرى ما جرى .(1)

ص: 260


1- لا يصح هذا الخبر مطلقاً لأن عمر محمد عند وفاة أبيه سنتان اثنتان فكيف حاوره بما حاوره به . (المترجم)

وقوله على منبر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : أقيلوني فلست بخيركم أفقاله هزلاً أم جداً أم امتحاناً ؟ فإن كان هزلاً فإنّ الخلفاء منزّهون عن الهزل، وإن كان جداً فهذا نقض للخلافة ، وإن كان امتحاناً فالصحابة لا يليق بهم الامتحان لقوله تعالى: «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِنْ غِلَّ» (1)فإذا ثبت هذا فقد صارت إجماعاً وشوري بينهم، هذا الكلام في الصدر الأوّل .

وأمّا في زمن عليّ ومن نازعه فقد قطع الشرع قولكم في الخلافة بقوله : إذا بويع الخليفتان فاقتلوا الآخر منهم ، والعجب كلّ العجب من حق واحد كيف

ينقسم ضربين، والخلافة ليست بجسم لا ينقسم، ولا بعرض يتفرّق ، ولا بجوهر يحدّ ، فكيف تباع أو توهب .

وفى حديث أبي حازم أوّل حكومة تجري فى المعاد بين على ومعاوية فيحكم لعليّ بالحق والباقون تحت الشبه .

وقول المشرع لعمّار بن ياسر : «تقتلك الفئة الباغية» فلا ينبغي للإمام أن يكون باغياً والإمامة ضيّقة لشخصين كما لا تليق الربوبية لاثنين .

أما الذين بعدهم طائفة تزعم أن يزيد لم يكن راضياً بقتل الحسين علیه السلام فأضرب لكم مثلاً في ملكين اقتتلوا فملك أحدهما الآخر أفتراه يقتله العسك-ر في غير اختيار صاحبها إلا غلطاً، ومثل الحسين لا يحتمل حاله الغلط لما جرى من القتل والعطش والسبي وحمل الرأس إجماعاً من جماهير المسيرين ، وقتل الأمة المغنية حيث مدحت عليّاً في غنائها أفتراه قتلها بغضاً لعلي أم لها ؟

وقول يزيد بن معاوية لعلي بن الحسين زين العابدين : أنت ابن الذي قتله الله ؟

ص: 261


1- (1) الأعراف : 43 .

قال : بل ابن الذي قتله الناس ، ثم تلا قوله تعالى: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً» (1)أفتراك يا يزيد تجعل جهنّم لربّك جزاءاً وتخلّده فيها وتغضب عليه وتلعنه وتعدّ له عذاباً عظيماً ؟!

فإن قلت : هذه البراهين معطلة لا يحكم بصحتها حاكم الشرع ، فنقول في حججكم مثل ما تقولون .

ثمّ إجماع الجماهير بشتم عليّ على المنابر ألف شهر أمركم الكتاب أم السنّة أم الرسول ؟ ثمّ الذين بعدهم من غيرهم أخذوها نصاً أم سنّة أم إجماعاً؟ لكن أخذوها بسيف أبي مسلم الخراساني، فانظروا إلى قطع إجماعكم بسيف الشرع حيث قال : لكم الخلافة بعدي ثلاثون ، ثمّ يتولّى ملك جبروت، وبقوله للعبّاس: يا أبا الأربعين ملوكاً، ولم يقل خليفة ، والملوك كثير والخليفة واحد في زمانه انتهى .

وبه نقض إبرامه فيا عجباً من تهافت قوليه وتنافر كلاميه ، ومن هذه الجهة نسبه بعضهم إلى التشيع (2)بل يقولون إنه التقى السيد الأجل المرتضى، وأسلم على يديه ونسبوا إليه الشعر التالي :

يار بر من عرض ایمان کرد و رفت***پیر کبری را مسلمان کرد و رفت

لقد قدم الإسلام لي ثم عافني***فأسلم شيخ كافر ثمّ أسلمه

وكانت ولادة الغزالي بعد مضى سنين من وفاة السيّد المرتضى، لذا قالوا : إنّه السيد مرتضى الرازي صاحب (تبصرة العوام) ولا زال عالقاً بخاطري أنّ الفاضل

ص: 262


1- النساء : 93
2- يعني الشهيد القاضي التستري في مجالس المؤمنين، وأنا أشك أن يكون هذا الكتاب للغزالي لأنه بعد عن روحه وأسلوبه بعد السماء عن الأرض . (المترجم)

المحقق الكرمانشاهي ابن الأستاذ الأعظم في المقامع انتصر لهذا الاحتمال واعتبره السيّد المحقق الشهيد على جاري عادته في تكثير عدد الشيعة في قبال ادعاء أهل التسنّن الباطل من أنّ التشيّع صناعة صوفية.. من الشيعة بل من علمائهم ، وهذا المحقق العالم وإن كان معذوراً وعند أجداده الكرام مأجوراً على اتخاذ هذه الخطّة لكنا بحمد الله لسنا بحاجة إلى رجل كالغزالي لأن في عالم التشيع المئات من أمثال الغزالي من الحكماء الراسخين والعرفاء الشامخين والفقهاء

الراشدين والصلحاء الزاهدين من علماء الشيعة، فما الحاجة إلى تلفيق مثله ؟!

والطائفة التي فيها مثل أستاد البشر الخواجه نصير الذي اعتبره المؤالف والمخالف استاداً مسلماً به فيسبغون عليه أحياناً لقب أفضل المحققين وأحياناً يسمونه العقل الحادي عشر، وأحياناً سلطان الفقهاء والحكماء والوزراء كما جاء في إجازة الشهيد الثاني للشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي ، ويقولون أحياناً عنه أفضل أهل عصره في العلوم النقلية كما شهد بحقه العلّامة والمحقق الثاني . وتارة يقولون عنه : أفضل من شاهدناه في الأخلاق كما قال ذلك العلّامة في إجازته بني زهرة.

ومصنّف الزيج الخاقاني المدعو ميرزلغ بيك ، فقد أثنى عليه ثناءاً بليغاً، وصدر العلم والعلماء عنه في سرور وجذل(1).

ص: 263


1- قال فيه : وكان في مواقع بعض النجوم تقديم وتأخير فرصدنا الخسوفات بقدر الوسع وعدلنا موقع القمر مع باقي الكواكب طبقاً للرصد الذي وضعه الفيلسوف بحق والحكيم المطلق المولى الأعظم والحبر الأعلم، مظهر الحقائق، ومبدع الدقائق ، أستاد البشر ، أعلم أهل البدو والحضر ، متمم علوم الأوائل والأواخر ، كاشف معضلات المسائل والمآثر ، سيّد الحكماء ، أفضل العلماء ، سلطان المحققين المدققين ، ينبوع الحكمة، نصير الملة والدين، محمد بن محمد بن الحسن الطوسي، قدس الله نفسه، وزاد في حظائر القدس أنسه ، لأنّ من المعلوم بلوغه جميع العلوم إلى درجة الكمال لاسيما ف-نّ الرياضات، بل هو المتمم والمكمّل لهذا الفنّ ، ولو نظرت إليه بعين الانصاف لعلمت أنه خلاق علومه - إلى أن قال : - هو شمس أوج الكمال ، وفنّان نحن في قباله بمنزله الذرّة ، حاش لله بل أقل منها . ويشهد لنا على هذا المدعى القوشجي في أول شرحه - مع شديد عداوته ومخاصمته له في المذهب، و نسخته معروفة .. ويقول المحقق عليه الرحمة في رسالة (التياسر) : حري في نثار الفرايد المولى أفضل علماء الإسلام وأكمل فضلاء الأنام ، نصير الدنيا والدين، محمد بن محمد بن الحسن الطوسي، أيّد الله بهمته العالية قواعد الدين ومدركاته ، ومهد بمباحثه السامية بنيانه - إلى أن قال: وفرض على من يقف على فوائد هذا المولى الأعظم من علماء الأنام أن يبسطوا لديه الانقياد والاستسلام ، وأن يكون قصاراهم التقاط ما يصدر عنه من جواهر الكلام، فإنه شفاء الأنفس وجلاء الأفهام، غير أنه - ظاهر الله إجلاله ولا أعدم أوليائه فضله وإفضاله - سوّغ لي الدخول في الباب وأذن لي أن أورد ما يخطر في الجواب . فانظر إلى اعتراف المحقق الذي انعقدت عليه الخاصة بفضله ووجوب الاستسلام لديه وإنه أفضل علماء الإسلام. (منه)

وما أحسن ما قاله الأستاذ الأعظم البهبهاني في تعليقة رجال الميرزا : لا يحتاج إلى التعريف لغاية شهرته مع أنّ كلّما يقال فيه فهو دون رتبته .

والحقِّ يُقال: إن ألفاً مثل الغزالي وخيراً من الغزالي عليهم أن يلتقطوا الحب من بيادر تحقيقات هذا المحقق الشهير والعلّامة الكبير، بل لو نظرت بعين الانصاف ونبذت العصبية جانباً لاعتبرت الخواجه أفضل علماء بني آدم(1)من بدو الدنيا إلى يومنا هذا.

ويكفي في فضله أنّ علماء الفرنجه جعلوه في كتابه «المجسطي» في قبال إعجاز القرآن حين أنكروا العجز عن الإتيان بمثله ، وردوا على الإسلام ونقضوا

ص: 264


1- وهنا ينبغي أن يحد شيخنا الكريم من غلوه في هذا الفيلسوف العظيم فإنّ حكماً كهذا الحكم يعتمد على الاستقراء أو الحصر العقلي وكلاهما غير متيسر في حق المؤلف، ثمّ علينا أن ننظر بعين الواقع إلى رجالنا لئلا تضيع علينا حقائقهم في ظل المبالغات . (المترجم)

عليه بما قالوا بأن الزمن لم يأت بمثل الخواجه في المجسطي .(1)

وقد جعله صاحب كشف الظنون وغيره في المرتبة الأولى من الطبقة الأولى من المصنّفين، واعترف بأن له على جميع أهل العلم حقاً ظاهراً تجب مراعاته ، ولقد بلغ من الفضل والتحقيق أن إشكالاً واحداً في عبارة التجريد ف-ي ب-ح-ث الماهية متوهّماً حمل السعد التفتازاني على عدم الرضا بنسبة الكتاب إليه لعدم تصديقه بصدور خلاف منه ، وقال : إن هذا ينبئ عن أن نسبة هذا الكتاب لغير هذا المحقق ، مع أن شأن كتاب التجريد أجل من أن يُنسب إلى غيره، وهذا هو كلام التفتازاني مع ظهور عداوته ومنافسته للخواجه الذي ما يزال أتباع السعد يجأرون من صدمة بنانه وبيانه وحدة سيفه وسنانه. والحمد لله على وضوح الحجّة.

واعتبر الصلاح الصفدي في (شرح لامية العجم) الخواجه من الذين لم يبلغ أحد شأوهم في فنّ «المجسطي» (2)وخصصه بالمجسطي عناداً وحسداً.

ص: 265


1- وأربأ بسيدي الشيخ عن مثل هذا الدليل الفج على فضل الشيخ لأنه باطل من القول، وكيف يجعل الباطل دليلاً على الحق، وإن للفرنجه وعلمائهم رأياً مختلفاً في القرآن، وما منهم أحد إلا وهو ينظر إلى القرآن بعين الحقد الصليبية ولو أنهم يتأتى لهم لفضّلوا عليه حتى مؤلفات «أجاثا اكريستي». (المترجم)
2- اختلفت الأقوال فيه : فقال بعضهم : إنّه كتاب وضعه كاهن مجوسي يدعى مجست ، في أحكام عبادة النار . و قال آخرون : إنّه اسم كتاب كتبه اقليدس الفيلسوف اليوناني في علم الرياضيات. وقال آخر : إنّه رسالة كتبها بطلميوس ولا ارتباط له بطقوس النار . ومنهم من قال : هو كتاب في الرياضيات يشتمل على دلائل علم الهندسة وأصولها وأشكالها، وضعه بطلميوس وكان في الأصل يطلق على علم الهيئة وعلم الأفلاك والأرض ومقادير الحركات وكميات الأبعاد والأجرام، ويدعى في اليونانية بعلم الترتيب ، لأنّ هذا العلم لم يكن قبل بطلميوس بهذا الترتيب، وقال بعضهم إنّه نتاج أفكار اقليدس ، وفعلاً إن الترجمة التي كتبها نصير الدين الطوسي هي من وضع هذا الفيلسوف ، وإذا رجعنا إلى أصوله في اليونانية نراه يسمى ««مگیس سونتا كسين» أي الترتيب العظيم فعربه العرب إلى مجسطي وحلوه بلام التعريف فصار المجسطي، ودخلت هذه الكلمة المعربة إلى اللغة الفرنسيّة هكذا: «الماژست». وقال بعضهم : إنّها رسالة في علم الهيئة تأليف بطلميوس القلوذي لا اقليدس ، وليست كتابين . (راجع موسوعة دهخدا مادة مجسطى - المترجم) وقال في موسوعة المورد : المجسطي موسوعة فلكية ورياضية ألفها عالم الفلك اليوناني بطلميوس حوالي العام 140 للميلاد، كانت مرجعاً رئيساً لعلماء الفلك العرب والأوربيين حتى مطلع القرن السابع عشر تقريباً، ترجمت إلى العربية نقلاً عن السريانية عام 828 للميلاد ثم ترجمت إلى اللاتينية نقلاً عن العربية في الثاني من القرن الثاني عشر وهي تقع في ثلاثة عشر كتاباً. (راجع موسوعة المورد 12111 مادة مجسطي - المترجم)

خجسته رهنموی ذو فنونی***که در هر یک بود چون مرد یک فن

في كل فن بارع كأنه***لم يتخذ سواه يوماً فنّه

وجملة القول أنّ فضائل هذا البحر الموّاج الذي هو في ظلمات الجهل سراج وهاج ، أعظم من أن تلخص في هذه الصفحة.

وياعجباً منّي أحاول وصفه***وقد فنيت فيه القراطيس والصحف

ونعم ما قيل:

کتاب فضل تو را آب بحر کافی نیست***که ترکنی سر انگشت و صفحه بشماری

كتاب فضلك لا يكفي لقارئه***يم يندي به أطراف أصبعه

فيكشف الصفحات الغرّ مائدة***تفني المياه ولم يبلغه لمطلعه

ومع وجود هذا البحر الذي ليس له ساحل وهو أستاذ علماء الدنيا فما حاجتنا للتباهي بأمثال الغزالي وما غرضنا بأشباهه وإنما خصصنا الذكر بالعلّامة الطوسي قدس الله سرّه القدّوسي لقوّه امتيازه بجامعيّة فنون الكمالات وأخذه بأطراف صنوف العلوم وجمعه شتات أنحاء الفضائل، وتسالم الكل على رجحان وزنه

ص: 266

وجلالة قدره، وإلا والحمد الله تعالى فإنّ لنا في جميع العلوم العقلية والحكمة العملية والنظرية من الإلهي والطبيعي والرياضي والطب وغيره وجميع العلوم الإسلامية من الحديث والتفسير والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب واللغة والنحو والصرف والشعر والتاريخ وغير ذلك رجالاً فحولاً صناديد، وأسانيد نبغوا في هذه الطائفة من القيروان إلى القيروان(1) وسطعت أنوار فضلهم على العالم وكل واحد في فنّه أعظم من الغزالي مأة مرّة كما وردت أسمائهم الشريفة في الكتب المؤلّفة في هذا الفنّ ، والحديث في هذا المضمار وإن طال إلا أنه لا يخلو من فائدة .

وعلى كل حال، فإنّ المظنون بل المتيقن في الغزالي هو النصب والعداوة المعهودة لاسيما إذا دققنا في سائر مواضيع كتاب (سر العالمين) وتصريحه بالمطالب التي ذكرناها هو من باب تأييدات الهية لإظهار المناقب والمثالب على لسان الأعداء ليظهر الحق وتتمّ الحجّة عليهم وتطمئن قلوب المؤمنين، ونحن نعمل بفتواه ضدّه ونختم كلامنا بهذا الدعاء : (اللهم العن الغزالي إن مات على ضلالته ولم يرعو عمّا كان عليه من غيّه وجهالته) (2).

إلزام وإرغام

مقتضى أصول أهل السنة وقواعدهم ما قاله الغزالي ، وما ذكرناه نحن في هذا المجال إنّما هو على سبيل الإلزام والجدل لا الالتزام بجميع مقدمات مذهبهم ، لأن لازم مذهبهم الأساسي هو أن يزيد لعنه الله إمام حق وطاعته واجبة ، وسيدالشهداء

ص: 267


1- القيروان وزن شیروان تقال لحدود مجموع العالم والقيروان اسم مدينة في المغرب وتقال أيضاً للمشرق والمغرب. (هامش الأصل نقلاً عن البرهان القاطع)
2- العبارة بين قوسين غربية من المؤلف . (المترجم)

خارج عليه والعياذ بالله فقتله بحق كما اعترف بذلك بعض علمائهم(1)، وشرح هذا المقام هو ما قاله صاحب المقاصد ، يقول :

تنعقد الإمامة بطرق متعدّدة منها بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء و وجوه الناس إذا أمكن حضورهم مجلس عقد البيعة ولا يشترط عدد مخصوص ولا يشترط أيضاً اتفاق أهل سائر البلاد، بل لو انعقد البيعة بواحد من أهل الحلّ والعقد لكفى .

وإنّما يقول هذا لأنه من المسائل المقطوع بها المتواترة ونقل مجمله في الصحاح السنّة ولم يحضر بيعة الأوّل أمير المؤمنين ولا الحسنان وابن عبّاس وبنو هاشم كافة وجماعة من الصحابة أمثال سلمان والمقداد وأبي ذر وأبي الهيثم بن التيهان وخالد بن سعيد والزبير وجماعة أخرى، وتخلّفوا عنها إلى مدّة، وبناءاً على هذا لا يكون الإجماع على خلافة أبي بكر حاصلاً، وكان تصديه للخلافة هذه المدّة فسوقاً وعصياناً، وهذا هدم الخلافة وإبطال لقياس الجلافة . پ

فتصدى لدفع هذا الإشكال العضدي في المواقف والبيضاوي في الطوالع والتفتازاني في المقاصد وشرحه، ومير سيّد شريف في شرح المواقف وغيرهم على النحو التالي :

ليس المراد من أهل الحل والعقد إجماعهم كلّهم بل تنعقد الخلافة ببيعة الواحد والاثنين منهم كما حصل الإجماع بهذه الكيفية على بيعة أبي بكر ومثله عمر، وصار واجباً على غيرهم اتّباعهم.

وفي كلام شارح المقاصد دقيقة زادت على غيره ونشير إليها، وهي :

لم يدخل في أهل الحل والعقد من عدى عمر ، فأمير المؤمنين والحسنان

ص: 268


1- هو الفقيه الأندلسي أبو بكر بن العربي لعنه الله صاحب كتاب العواصم من القواصم (المترجم)

وفاطمة سلام الله علیها ووجوه بني هاشم ليسوا من أهل الحل والعقد، ومثلهم سائر الأكابر من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان، سبحان الله! يهبط جبرئيل في بيت عليّ ويقوم الإسلام بسيفه ولا يؤخذ رأيه في بسط وقبض عمل الإسلام سبحانك هذا بهتان عظيم.

ومجمل القول ؛ يقول شارح المقاصد :

الطريق الثاني من طرق إثبات الخلافة الاستخلاف ونصّ الإمام السابق على الإمام اللاحق.

والطريق الثالث : قيامها بالقهر والاستيلاء ، إذامات الإمام السابق وقام من بعده اللاحق المؤهل لها والجامع لشرائط الإمامة فتصدّى للأمر بالشوكة القاهرة فإنّ الخلافة تنعقد له (حين يسلم من معارض يساويه) (1)وإن كان جاهلاً فاسقاً على الأظهر (2)تمّ كلام التفتازاني .(3)

ومن الواضح أن الطرق الثلاثة تحققت في خلافة يزيد:

أما الإجماع فإن أهل الشام جميعاً بايعوه بل أخذت له البيعة في حياة معاوية حين أرسل إلى الأطراف والأكناف من أخذ له البيعة كما يظهر ذلك من تواريخهم المعتمدة ، بل الإجماع على بيعة يزيد أشدّ إحكاماً منه على بيعة أبي بكر لأنه ببيعة عمر واحد صار إماماً، وهذا بايعته الألوف من الناس الذين كلّ واحد منهم عمر

زمانه، وكان على الباقين متابعته .

وأمّا نصّ الخليفة السابق عليه فقد نص عليه إمامهم معاوية وهو واجب الطاعة

ص: 269


1- أضفت هذه العبارة لعلمي بدخولها في مجموع رأيهم وإن كان المؤلف أهملها . (المترجم)
2- شرح المقاصد 2 : 271 و 272 .
3- العبارة مترجمة .

عندهم .

ويقول ابن حجر في الصواعق وفي رسالة (تطهير الجنان) الذي كتبه في إثبات فضائل معاوية ، يقول : أصبح معاوية بعد صلح الحسن إماماً واجب الطاعة مصيباً، وكان قبل ذلك باغياً إلا أنّه سار بالعدل في الرعية ولم يكن إماماً ، واجتهد في حربه الإمام أميرالمؤمنين والحسن فأخطأ لأنهما إماما حق، ولكن بعد ذلك لم يكن شك في إمامته ولزوم طاعته .(1)

ويقول السيوطي في أوّليّات معاوية : إنّه أوّل من جعل ولده ولياً للعهد.

وأما القعهر والغلبة فمعلوم لأنّ كلّ من قاتلوه قتلهم وأباد خضرائهم، وعلى فرض فسق يزيد فإنّ ذلك لا ينافي إمامته لما سمعته من شرح المقاصد أن الإمامة مع الشوكة لا تنافي الفسق والجهل إذا كان منذ البداية، أما الطارئ فلا ينافي الخلافة في جميع أشكالها لأن في أخبارهم لاسيما الصحيحين الحثّ على لزوم الطاعة ووجوب متابعة السلطان والمنع من شقّ العصى والخروج على السلطان وإن كان غاية في الفسق ، كما سيرد عليك خبران من البخاري ومسلم.

ويقول شارح العقائد النسفية في ذيل عبارة المصنّف : «ولا يعزل الإمام بالفسق والجور» بعد أن فسّر الفسق بالخروج عن طاعة الله ، والجور الظلم على عباد الله ، وقال : لأنّه قد ظهر الفسق وانتشر الجور من الأئمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدين ، والسلف كانوا ينقادون لهم ويقيمون الجمعة والأعياد ، ولا يرون الخروج عليهم، ولأن العصمة ليست شرطاً في الإمامة ابتداءاً فبقاءاً أولى تم كلامه بعينه.

بل نقل من جامع الرموز أن السلطان إذا كان واجب الطاعة لم يكن عليه ولاية الأحد أعلى منه مرتبة ؛ سواءاً عدل أو ظلم . وقال بعضهم : العدالة مشترطة وإطلاق

ص: 270


1- الصواعق المحرقة : 218 ، وتطهير الجنان : 17 - (هامش الأصل) والنصّ مُتَرجَم . (المترجم)

أدلّة متابعة السلطان تشعر بعدم شرطيّة الإسلام أيضاً. وبناءاً على هذا يقول بإمامة يزيد حتى أولئك الذين يعتقدون فسقه.

ومن جملة الشواهد على هذا القول المدّعى ، أن خلف خليفتهم المحترم الذي يعتبرونه زاهد الصحابة وهو عبدالله بن عمر كان يرى طاعة يزيد لازمة ونقض بيعته حراماً كما جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن نافع مولاه، وقول مسلم: «باب الأمر بلزوم الجماعة» عن نافع قال: جاء عبدالله بن عمر إلى عبدالله بن مطيع حين كان من أمر الحرّة ما كان زمن يزيد بن معاوية لعنهما الله ، فقال : اطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة، قال: إني لم أتك لأجلس ، أتيتك لأحدثك، سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول : من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة .

ورواه بطريقين عن نافع ، وروى بطريق آخر عن زيد بن أسلم عن أبيه معنى حديث نافع عن ابن عمر ، ولفظ حديث البخاري الذي هو أصح الكتب عندهم بعد كتاب الباري: «لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده ، فقال : إني سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول : ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة ، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله ، إنّي لا أعلم غدراً أعظم من أن يبايع رجل على بيعة الله ورسوله ثمّ ينصب له القتال، وإنّي لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا بايعه في هذا الأمر إلا كانت [ كان - ظ ] الفصل بيني وبينه .(1)

انتهت الحكاية عن رسالة الصمصام القاطع للسيّد المؤيد السيد محمد والد السيد الفاضل النحرير السيّد دلدار علي الهندي قدّس سرّهما، ونسخة البخاري

ص: 271


1- صحيح البخاري 1: 166 ، سنن البيهقي : 159 ، مسند أحمد 2: 96. (هامش الأصل) رقم الحديث في البخاري 6853 . (المترجم)

عندي إلا أن ضيق المجال عاقلني عن مراجعتها إليها، ولا بأس بعد وثاقة الناقل لاسيّما مثل هذا الفاضل .(1)

وظاهر كلام جماعة منهم أن يزيد إمام منصوص عليه من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وملخص المسألة كما يلي: فقد نقل متواتراً عن الفريقين على وجه التسالم: لا ينقضي هذا الأمر حتى يقوم في الأمة اثنا عشر أميراً وخليفة كلهم من قريش. ولفظ البخاري ومسلم مشترك بناءاً على ما نقله السيوطى : لا يزال هذا الأمر عزيزاً ينصرون على من ناواهم .(2)

وفي صحيح مسلم : لا يزال أمر الناس ماضياً ما ولاهم اثنا عشر رجلاً.

وروى مسلم أيضاً : إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنى عشر خليفة .

وروى مسلم أيضاً : لا يزال أمر الإسلام عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة .

وفي تاريخ الخلافة عن أحمد : لا يزال الأمر ماضياً ...

ونقل عنه أيضاً: لا يزال هذا الأمر صالحاً.

ونقل عن البزار : لا يزال أمر أمتي قائماً حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

وأخيراً إنّهم نقلوا هذا الحديث بسياقات مختلفة بل ادعوا عليه التواتر، وهذا الحديث دليل على أحقيّة مذهب الشيعة والإثنا عشر رجلاً الذين يستوي عليهم

ص: 272


1- أنظر إلى دقة هذا العالم الكبير فقد أبت ذمته إلا أن يصارح القاري بالمصدر الذي أخذ منه رواية البخاري (المترجم)
2- راجع البخاري رقم الحديث 3808 بغير هذا اللفظ ولكن نفس المعنى، ومثله مسلم رقم الحديث 4658. (المترجم) الحديث والرواية في هذا الموضوع نقل عن النبي بالتواتر ، ونقله كتاب عوالم العلوم بالتفصيل مع المستدركات في مجلد النصوص على الأئمة الاثني عشر لتحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي ، وإحقاق الحق 13 : 1- 74 (هامش الأصل)

لباس الخلافة وتليق بهم الخلافة العظمى والزعامة الكبرى ليسوا سوى الإثني عشر إماماً الذين تعتقد الإمامية بإمامتهم ، بل الأخبار بمثل هذه المغيبات من دلائل نبوة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وورد التصريح بأسمائهم ونسبهم عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ورواه الشيعة الإمامية ضاعف الله اقتدارها إجمالاً وتفصيلاً بما يفوق حد التواتر ، وكتاب «كفاية الأثر» للشيخ الأقدم عليّ بن محمد الخزاز القمي الذي لم يُكتب كتاب في جودته في الإمامة عند الشيعة إلى اليوم دليل واضح وبرهان قاطع على هذا المدعى.

ويوجد في مرويات أهل السنة والجماعة أكثر من مأة حديث مصرّحة بأسمائهم الشريفة وألقابهم الكريمة ، ومع كلّ هذا فقد هرع أهل السنة إلى ضيق التأويل وضيقوا على أنفسهم الخناق فوقعوا في حيص بيص من التأويلات والتوجيهات حفظاً لأصولهم وتشييداً لقواعدهم الباطلة، وألزموا أنفسهم استخراج هذا العدد «اثنا عشر من خلفائهم فذكروا وجوهاً حشر يزيد في غالبها.

منها ما جاء في تاريخ الخلفاء وغيره عن القاضي عياض ، وروي عن ابن حجر العسقلاني صاحب (التقريب) و(فتح الباري) أنه استحسنه ، ومحصل كلام السيوطي هكذا:

قال القاضي عياض : لعلّ المراد بالإثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزّة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة أمية ووقعت بينهم العباسية فاستأصلوا أمرهم .

قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري: كلام القاضي عياض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه لتأييده بقوله : في بعض طرق الحديث: «كلهم يجتمع عليه الناس وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته، والذي وقع أنّ

ص: 273

الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثمّ علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفّين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ، ثمّ لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبدالملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد، ثمّ سليمان ، ثم يزيد ، ثم هشام ، وتخلّل بين سليمان ويزيد عمر بن عبدالعزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبدالملك ، اجتمع الناس عليه لما مات عمّه ،هشام فولي نحو أربع سنين ثمّ قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذٍ ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك .(1)

ويظهر من هذا الكلام أن يزيد من الخلفاء المنصوص عليهم، والعجيب في أمر هؤلاء أنّهم لم يذكروا معاوية بن يزيد ولا عمر بن عبدالعزيز وكلاهما إمام عادل عندهم ، نعم ربّما كان ذنب معاوية بن يزيد أنّه أقرّ بظلم أبيه وجده كما ذكر ابن حجر ذلك في الصواعق المحرقة، واعترف من حيث لا يشعر بحقيقة المسلك الأموي حيث قال :

ومن صلاحه الظاهر أنّه لمّا ولي صعد المنبر فقال : إنّ هذه الخلافة حبل الله وأن جدّي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه علي ابن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته فصار في قبره رهيناً بذنوبه ، ثمّ قلّد أبي الأمر وكان غير أهل له ، ونازع ابن بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقصف عمره وانبتر [كذا في الصواعق، وفي الكتاب : أبتر ] عقبه وصار في قبره رهيناً ، ثم بكى وقال: إن من أعظم الأمور علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أباح الخمر [كذا

ص: 274


1- السيوطي، تاريخ الخلفاء 1 : 11 .

في المصدر ، وفي الكتاب : الحرم ] وخرب الكعبة ، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد بمرارتها، فشأنكم أمركم والله لئن كذا في المصدر، وفي الكتاب وإن ]

: كانت الدنيا خيراً فقد نلنا منها حظاً ، ولئن كانت شرّاً كفى ذرّيّة أبي سفيان ما أصابوا منها ، ثمّ تغيب في منزله حتى مات بعد أربعين يوماً(1). انتهى ما في الصواعق .

وفيه شهادة واضحة لما ادّعيناه في حال يزيد ومعاوية.

وأما عمر بن عبدالعزيز فذنبه ترك سبّ أمير المؤمنين لذلك لم يحسبوه من الخلفاء الإثني عشر.

وألمّ بعضهم بشناعة هذا التقسيم فرتبوا الخلافة على وجه آخر بحيث أخرجوا الوليد الفاسق الذي سلفت الإشارة عنه عنها ، ووضعوا مكانه مروان الملعون وقالوا: انتقل الأمر بعد الخلفاء الأربعة إلى معاوية بصلح الإمام الحسن علیه السلام وبعده يزيد وبعده معاوية ابنه ، ثم وقع الخلاف بين عبد الله بن الزبير ومروان ، ثم استقل مروان بالأمر، ثمّ جاء بعده عبدالملك ابنه ثمّ الوليد بن عبدالملك ثمّ من بعده سلیمان ثمّ عمر بن عبد العزيز وهو ختام الإثني عشر .

وروي هذا الكلام أيضاً عن ابن حبّان في شرح صحيحه.

ومجمل القول أن القولين مشتركان في عد يزيد إماماً ، وكذلك جعلوا الدليل على إمامة يزيد الحديث المتواتر : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» الوارد في صحاحهم والمذكور في كتب الفريقين الكلامية ؛ لأن الظروف في زمن يزيد كانت مهيأة له من الإجماع والنصّ ما لم يتهيأ لغيره، فلا مناص من عده إمام زمانه .

«واحتمل بعض متأخريهم من المراد بإمام زمانه هو القرآن» وهذا احتمال

ص: 275


1- الصواعق المحرقة : 224ط القاهرة . (هامش الأصل)

سخيف جداً لأنّ ظاهر اللفظ تعدّد الأئمة مضافاً إلى ما كان يرويه عبدالله بن عمر - وقد مرّ آنفاً - وهو صريح في هذا المعنى ، وأنّ لكلّ زمانٍ إماماً .

ونقل ابن أبي الحديد أن عبدالله بن عمر طرق على الحجاج بابه ليلاً ليبايع لعبد الملك كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام زعم لأنّه روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال : من مات ولا إمام له (ولم يعرف إمام زمانه - المؤلّف) مات ميتة جاهلية»(1). وبالطبع إن كان عبدالملك إماماً فلا مانع من إمامة يزيد .

وجملة القول أن قواعد هذه الطائفة ولوازم أصولها تقتضي إمامة يزيد لعنه الله . بل رووا أخباراً أخرى في فضائل يزيد، ومن هنا ينبغي أن يعتبر إماماً مفترض الطاعة، وأن الخروج عليه بغي، والخارج باغ ويستحق القتل كما صرح بعض علمائهم بهذا اللازم مثل عبد المغيث البغدادي في رسالته المنع من لعن يزيد يقول - كما نقل ابن الجوزي في رسالة الردّ عليه - : ذهب قوم إلى أن الحسين كان خارجياً، وعبد الله الرقاوي في (تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين) بعد أن قال في شرح أحوال الإمام الحسين علیه السلام وأن يزيد بن معاوية دس إليه السمّ على يد امرأة من أهل الري فبقي أربعين يوماً عليلاً دنفاً ثمّ ودّع الحياة الفانية بعد ذلك، يقول عن يزيد:

وفي مدة خلافته أرسل إلى الحسين وقتله لكونه امتنع من البيعة - إلى أن قال : - ولا يجوز لعنه على الراجح ، انتهى .

مع اعترافه بكونه قاتل الحسين علیه السلام لكنه لا ل لكنه لا يرى لعنه جائزاً، وأشار إلى قتل سيّدالشهداء وقال : لكونه امتنع من البيعة فيكون قتله بناءاً على هذا سائغاً .

ص: 276


1- شرح نهج البلاغة 13 : 242 . (المترجم) ومرّ الحديث عن صحيح البخاري وصحيح مسلم : 258 (هامش الأصل)

ونقل عن محيي الدين ابن عربي (1)كلاماً في الصواعق صرّح بجميع ما قلناه على سبيل الإجمال وعبارته هكذا

لم يقتل الحسين إلا بسيف جده أي بحسب اعتقاده الباطل أنّه الخليفة والحسين باغ عليه والبيعة سبقت ليزيد ويكفي فيها بعض أهل الحل والعقد وبيعته كذلك لأنّ كثيرين أقدموا عليها مختارين لها هذا مع عدم النظر إلى استخلاف أبيه له، أما مع النظر لذلك فلا تشترط موافقة أحد من أهل الحل والعقد على ذلك (2)، انتهى بألفاظه .

والعجب من بعض الشيعة أنّهم بعد وقوفهم على مثل هذه الأقوال ما زالوا يظهرون الهوى والميل إلى الغزالي ومحيي الدين بزعم أن هذه الفرقة هم أهل العرفان، يا للعجب من رسوخ محبّة التصوّف في عروقهم قبل رسوخ محبّة التشيّع (3)ثمّ إن أراد هؤلاء التصوّف فليجنحوا مع صوفية الشيعة فما الحاجة إلى الميل لأعداء أهل البيت الذين أعرضوا عن معادن العلم كالحسن البصري ومحمد الغزالي ومحيي الدين بن عربي . نعم ، لو أنّهم تابوا فإنّ هذه الشنعة لا تعلق بهم، والظاهر أنّهم بهذه الملاحظة يعمدون إلى توجيه كلماتهم العلمية وقد سبقهم إلى غالباً في أكثر الموارد السيد المحقق الشهيد الثالث ولكننا أفصحنا عن

هذا الزعم ،عذره والله العالم .

وجملة القول : إن ابن حجر أراد التفصي عن هذا الإشكال ، فقال : إن حرمة

ص: 277


1- الصحيح أنّه القاضي أبو بكر ابن العربي (هامش الأصل)
2- خلاصة عبقات الأنوار 4 : 237 . (عنه)
3- خفي على المؤلف أن محيي الدين بن العربي المالكي غير ذاك الصوفي، وقد فرق العلماء بينهما بأداة التعريف ؛ العربي للفقيه، وعربي للصوفي، وقد خدعه اتحاد اسميهما ولقبيهما ووالديهما، ولكن الاتجاه مختلف عند الاثنين . (المترجم)

الخروج على الإمام الجائر تتم بإجماع الأمة ولم يحصل إجماع على الحرمة آنذاك، وكان الحسين مجتهداً فاقتضى اجتهاده الخروج فخروجه كان بحق إذاً ، ونحن قبلاً أشرنا إلى حديثين عن البخاري ومسلم وجعلنا ذلك شاهداً أن ابن عمر روى أنّ الخروج على الإمام الجائر وخلع يد الطاعة حرام على كل حال . ومثل هذا الخبر أخبار كثيرة عنهم وردت في مضمونه ولكن ذلك لا يوصل إلى مكان .

وابن الجوزي دلّس تدليساً غريباً وكشف عن لون جديد من ألوان الخيانة في مذهبه، فقد قال في رسالة ردّ مانع لعن يزيد : إنّ الإجماع منعقد على وجوب نصب إمام على الأمة لأنّ انتظام أمر الدين منوط بوجوده ، وللإمام شروط وصفات عدة اجتمعت بجملتها عند الحسين علیه السلام وقال الفقهاء : لا تجوز ولاية المفضول على الفاضل إلا مع وجود المانع من الخوف أو الجهل بالسياسة ، قال :

«.... ويدلّ على تقديم الأفضل أنّ في الصحيحين من حديث عمر أن أبابكر يوم السقيفة أخذ بيد عمر وبيد أبي عبيدة بن الجراح وقال : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ، قال عمر : كان والله أن أقدم فيضرب عنقي لا يقربني من ذلك إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبوبكر . هذا حديث

متفق على صحته .

ولما ولّى أبوبكر عمر دخل عليه جماعة فقالوا: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر وقد ترى غلظته ؟! فقال أبوبكر : اجلسوني، أبالله تخوّفوني ؟ أقول : اللهم استخلفت خير أهلك .

وفي الصحيح : إن عمر لما جعل الخلافة شورى في ستة قال: يشهدكم ابن عمر ، ليس له من الأمر شيء، وقد كان ابن عمر خيراً من ألف يزيد .

ثم يقول : لمّا ثبت بأنّ الصحابة يسعون وراء الأفضل ليقلدوه باعتباره أحقّ، فهل يشك أحد بأنّ الحسين أحق من يزيد بالخلافة؟ كلا، بل لا يشكّون في

ص: 278

أولئك الذين يقلون رتبة عن الحسين مثل عبدالرحمن بن أبي بكر وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عبّاس ؛ لأن هؤلاء جميعاً لهم الحسب والنسب والنجدة والكفائة والعلم الوافر ، ولا تدنو رتبة يزيد من أدناهم، فما الوجه إذن في تقديمه .

تمّ كلام ابن الجوزي بعد حذف ما لا صلة له بموضوعنا ، وفساد هذا القول ظاهر ؛ لأنّ مدار الخلافة لو كان على الأفضلية بطلت خلافة الثلاثة البتة (1)لأنه لا يشك عاقل في وجود إنسان بعد النبي في الحسب والنسب والعلم والحلم والشجاعة والسماحة والعقل والرفق والصلابة في ذات الله والجهاد والسابقة وسائر الفضائل التي يعتبرها العاقل فضلاً أو صارت فضائل باعتبار اسلامي قريعٍ (2)لأمير المؤمنين علیه السلام أو قرين.

ومن هذه الجهة أنكر الأشاعرة وجوب تقديم الفاضل ، ونسبة هذا القول إلى مطلق الفقهاء خطأ، واستدلوا على عدم اعتبار الأفضلية بقصة الشورى ، فقد كان بعضهم أفضل من بعض، فكانوا جميعاً إمام الإمامة في مستوى واحد ، فكيف جعل ابن الجوزي هذه الحكاية شاهداً على تقديم الأفضل، وينبغي أن يقرّ الجميع بفضل أمير المؤمنين وتقدّمه كما قال الملا سعد التفتازاني في شرح العقائد :

والانصاف أنّه إن أريد بالأفضلية كثرة الثواب فللتوقف جهة ، وإن أريد كثرة ما يعدّه ذوو العقول من الفضائل فلا جهة له .

وقال بعض المحشّين من أعيانهم المتأخرين : أى فلا جهة للتوقف بل يجب أن يجزم يجزم بأفضلية عليّ كرّم الله وجهه إذ قد تواتر في حقه ما يدل على عموم

ص: 279


1- بتشديد التاء ومعناها قطعاً، وهي لفظ عربية وإن دخلت اللغة الفارسية كغيرها من اللغات (المترجم) .
2- قريع صفة للإنسان في عبارة (في وجود إنسان). (المترجم)

مناقبه ، ووفور ،فضائله واتصافه بالكمالات، واختصاصه بالكرامات. هذا هو المفهوم من سوق الكلام، ولهذا قيل فيه رائحة الرفض، لكنّه فرية بلا مرية ، إذ أكثرية فضائل علي وكمالاته العليّة تواتر النقل فيه معنى بحيث لا يمكن لأحد إنكاره ، ولو كان هذا رفضاً وتركاً للسنة لم يوجد من أهل الرواية والدراية سنّيّ أصلاً، فإيّاك والتعصب فى الدين والتجنّب عن الحق واليقين .

وأخيراً على فرض تسليم لزوم الأفضلية فإن تقديم المفضول لحكمة أو مانع جائز كما يقول بهذه الأفضلية أهل بغداد والبصرة، وأشار ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في مقدّمته قائلاً: الحمد الله الذي قدم المفضول على الفاضل المصلحة اقتضاها (التكليف) الحكمة (1)ومن أين حصل له العلم أن لا يكون هناك مانع ، لأنّ الناس إن بايعوا سيّدالشهداء واستتب الأمر له واستقل به فسوق يثبت إمامة أخيه وأبيه ، وعند ذلك يذري دين أهل السنة بالريح ولا مانع أقوى من هذا المانع ، كما نقل ابن أبي الحديد ذلك عن أحد علماء أهل السنة والجماعة (وهو عليّ بن الفارقي مدرّس المدرسة الغربية ببغداد) :

فقلت له: أكانت فاطمة صادقة ؟

قال : نعم .

قلت : فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك عندك صادقة ؟

فتبسم ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها لجائت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه الاعتذار والموافقة بشيء لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدعى كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود.

ص: 280


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 3 (المترجم)

وقال ابن أبي الحديد وهذا كلام صحيح .(1)

والحق يقال أن الرجل صدق، وفهم الوضع جيّداً، مضافاً إلى هذا كله فليس سبب الإمامة مطلق الأفضلية بل لابد من تحقق أسباب ثلاثة لكي يكون الأفضل أحق بالإمامة ، ويعتقد السنة في الحسين أنه لا نص عليه ولا شوكة له، ولم يبايعه أحد ، فكيف يكون إماماً بالنسبة لهم ؟ إنّما إمامه يزيد فحسب، وإن شاء الله سوف يذهبون مع إمامهم يسوقهم الملائكة الغلاظ الشداد إلى دركات الجحيم عندما يأتي «يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم». وقد أجاد مهيار الديلمي حيث قال مخاطباً العرب:

ما برحت مظلمة دنياكم***حتى أضاء كوكب من هاشم

نبلتم به وكنتم قبله***سرّاً يموت في ضلوع كاتم

ثمّ قضى مسلّماً من ريبه***فلم يكن عن غدركم بسالم

ثقفتموا عهوده في أهله***وجزتم عن سنن المراسم

وقد شهدتم مقتل ابن عمه***خير مصلّ في الورى وصائم

وما استحل باغياً إمامكم***يزيد في الطف من ابن فاطم

وها إلى اليوم الظبا خاضبة***من دمهم مناسر القشاعم

يقول سبط ابن الجوزي: وتطرّق إلى هذه الأمّة العار بولايته عليها حتى قال أبو العلاء المعري يشير بالشنار إليها :

أرى الأيام تفعل كل نكر***فما أنا في العجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسيناً***وكان على خلافتكم يزيد

والغرض من إيراد هذه الجملة هو إثبات أنّ أهل السنّة تخلّفوا عن سفينة النجاة

ص: 281


1- شرح نهج البلاغة 16 : 384 (المترجم)

التي تضمنها الحديث المنقول بالتواتر : مثل أهل بيتي كسفينة نوح ؛ من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق». وكذلك نقل بالتواتر أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال: «إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي» ؛ فالنبي صلى الله عليه و آله وسلم يدعو إلى التمسك بالعترة وركوب سفينة نوح، والقوم مهدوا لأنفسهم أصولاً وقواعد يكون يزيد الذي قتل فلذتي كبد رسول الله وريحانتيه أحدهما بسم جعدة والآخر بشفرة - تشمر بن ذي الجوشن لعنه الله ، بمقتضاها إماماً مفترض الطاعة ، كما التزم نجل خليفتهم المحترم زاهد الصحابة باعتقادهم بإمامته ، ومع أنه لم يبايع أمير المؤمنين كما نقل ذلك في الاستيعاب لابن عبدالبر - فقد أصرّ على بيعة يزيد وبيعة عبد الملك ، ولما كان صحابياً فقد وجب الاقتداء به في إمامة يزيد بحكم «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وهذا وحده دليل مستقل.

فتبيّن من هذا أنّ يزيد إمام أهل السنة والجماعة وخليفتهم، والحمد لله الذي جعلنا متمسكين بولاية أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين، ووفققنا للبرائة من يزيد

ومستخلفيه من المنافقين بل الكافرين .

ص: 282

عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْآبِدِينَ ...

الشرح : الأبد كما جاء في الصحاح والقاموس ومنتهى الإرب وغيرها بمعنى الدهر، ويقولون: الأبد الأبيد مثل دهر داهر ، وليل أليل، ويوم أيوم ، وشعر شاعر، وموت مائت، وهم ناصب يعتبرون نفس الصفة موصوفاً، ويشتقون له صفة من لفظه ليدلّ على التكرار والاشتمال على هذا الوصف ويفيد المبالغة ويقولوا في مقام التأبيد : أبد الآبدين ودهر الداهرين وأبد الأبيد وأبد الأبدية وأبد الآبدين مثل الأرضين، وأبد الآبد وأبد الدهر ، وأبيد الأبيد.

وهذه الألفاظ تدلّ على الدوام والاستمرار والبقاء والاتصال، ونحن ذكرنا في شرح الجملة: «ما بقي الليل والنهار ثلاثين الليل والنهار» ثلاثين لفظاً من ألفاظ التأبيد الجارية على ألسنة الفصحاء القدماء والمستعملة في محاوراتهم وخطاباتهم، وهذا من ذاك ، وقد ذكرناه هناك ، والله أعلم.

ص: 283

وَهَذَا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلَ زِيادٍ وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَام ...

الشرح : يستعمل الفرح أحياناً بمعنى السرور وأحياناً بمعنى البطر كما جاء في كتب اللغة من الصحاح والقاموس وغيرهما، والمراد بالبطر النشاط مع الغرور (1)ومن هذا الباب قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ» (2)وليس الذمّ لمطلق الفرح، ولفظ الزيارة يحتمل المعنيين ، والأنسب بحال زیاد و حال آل مروان هو المعنى الثاني، والذي يحتاج إلى شرح من سائر ألفاظ الزيارة شرحناه في الفقرات السابقة .

ومن الصواب هنا نقل ما يدلّ على فرح آل مروان وآل زياد من أقوال الفرقة السنّيّه وما يدلّ على فرحهم هم أنفسهم لأنهم فى حقيقة الأمر آل زياد وآل مروان تشملهم اللعنة من هذه الزيارة التي ذكرناه في مواضع من هذا الكتاب لذوي الألباب الذين أصل الحديث معهم .

المسعودي وهو من أعظم علماء الشيعة القدماء كما يظهر ذلك من التأمل في طيات كلماته في مروج الذهب وهو شاهد على ما أقول ، وإن كان يذكر في بعض المواقع من كتابه من باب التقيّة أو الاحتمال أو نقل الخبر الضعيف مطالب مخالفة المذهب الحق ، وهذا المعنى صار سبب الالتباس على المحقق الألمعي أغا محمد علي ابن الأستاذ الأعظم خلافاً للجميع فقد صرّح بعدم تشيعه، ومن رأى كتابه إثبات الوصيّة لا يعتريه ريب في تشيعه، وذكر أبو العباس النجاشي في فهرسته

ص: 284


1- قال في اللسان البطر ، النشاط وقيل التبختر ، وقيل احتمال النعمة ، وقيل : الدهش والحيرة، وقيل البطر : الطغيان فى النعمة . (لسان العرب مادة بطر - المترجم)
2- القصص : 76 .

مناقبه ومع هذا فهو معتمد أهل السنّة به يثقون وعليه يعتمدون(1)، ولا يوجد مؤرّخ لم يعتمد عليه من هؤلاء ابن خلدون فإنّه يقول في المقدّمة :

وقد دوّن الناس وأكثروا وجمعوا تواريخ الأمم والدول في العالم وسطروا، والذين ذهبوا بفضل الشهرة والأمانة المعتبرة ، واستفرغوا دواوين من قبلهم في صحفهم المتأخرة وهم قليلون لا يكادون يجاوزون عدد الأنامل ولا حركات العوامل مثل ابن إسحاق والطبري وابن الكلبي ومحمّد بن عمر الواقدي وسيف عمر الأسدي والمسعودي وغيرهم من المشاهير المتميزين عن الجماهير. بهذه الملاحظة فإنّ النقل عن المسعودي في مروج الذهب الذي طبع مراراً وتكراراً مستقلاً وتبعاً في مصر، وهذا في نفسه دليل على الاعتماد عليه عندهم وقد وردت ترجمته في فوات الوفيات مذكورةً بالتفصيل لا يكون خارجاً عن صناعة الجدل ، مضافاً إلى أن ابن أبي الحديد وافقه على مذهبه .

جملة القول أنه قال في مروج الذهب مسنداً : قال الحجاج يوماً لعبدالله ب--ن هانئ وهو رجل من أودحي من اليمن وكان شريفاً في قومه، شهد مع الحجاج مشاهده كلّها وشهد معه تحريق البيت وكان من أنصاره وشيعته : والله ما كافأناك بعد ، ثم أرسل إلى أسماء بن خارجة وكان من فزارة أن زوج عبدالله ابن هانئ ابنتك ، فقال : لا والله ولا كرامة، فدعا له بالسياط ، فقال : أنا أزوّجه، فزوجه ، ثمّ بعث إلى سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية أن زوج عبدالله بن هانئ ابنتك، قال : ومن أود ؟ والله لا أزوّجه ولا كرامة ، قال هاتوا السيف، قال: دعني حتى أشاور ،أهلي، فشاورهم، فقالوا: زوّجه لا يقتلك هذا الفاسق، فزوه، فقال له

ص: 285


1- ردّ ابن تيمية كتابه «مروج الذهب» واعتبره من الكتب المخالفة لهم وشاهده على ذلك أن لصاحبه كتاباً اسمه إثبات الوصية . (المترجم)

الحجّاج : يا عبدالله قد زوّجتك بنت سيّد بني فزارة وابنة سيّد همدان وعظيم كهلان ، وما أود هنالك

فقال : لا تقل أصلح الله الأمير ذلك، فإنّ لنا مناقب ماهى لأحد من العرب.

قال : وما هي هذه المناقب ؟

قال : ما سبّ أمير المؤمنين عثمان في نادٍ لنا قط

قال : هذه والله منقبة .

قال : وشهد منا صفين مع أميرالمؤمنين معاوية سبعون رجلاً وما شهدها مع أبي تراب منا إلا رجل واحد وكان والله ما علمته امرئ سوء.

قال : وهذه والله منقبة .

قال : وما منا أحد تزوّج امرأة تحبّ أبا تراب وتتولاه.

قال : وهذه والله منقبة .

قال : وما منا امرأة إلّا نذرت إن قتل الحسين أن تنحر عشر جزائر لها، ففعلت

قال : وهذه والله منقبة .

قال : وما منا رجل عرض عليه شتم أبي تراب ولعنه إلا فعل وقال: وأزيدكم ابنيه الحسن والحسين وأمّهما فاطمة .

قال : وهذه والله منقبة .

قال : وما من أحد من العرب له من الملاحة والصباحة ما لنا، وضحك، وكان دميماً شديد الأدمة مجدّراً في رأسه أعجر مائل الشدق أحول قبيح الوجه وحش المنظر (1)

(يقول المؤلّف) : إلى هنا كانت ترجمة كلام (مروج الذهب) وهده الأمور التي

ص: 286


1- مروج الذهب :3 : 162 و 163 . (المترجم)

اعتبرت مناقب كلّ واحدة منها عجيبة العجائب، وهذه المناقب ورثها علماء أهل السنّة من أسلافهم، واقتفوا آثارها كما ذكر عبد القادر الكيلاني الذي يعتبر الغوث الأعظم والهيكل الصمداني في محكي كتاب الغنية الذي هو تأليفه بشهادة جماعة من أعلام أهل السنّة ، قال ما لفظه :

وقد طعن قوم على صيام هذا اليوم العظيم وما ورد فيه من التعظيم وزعموا أنّه لا يجوز صيامه لأجل قتل الحسين بن علي فيه، وقالوا: ينبغي أن تكون المصيبة فيه عامة [لجميع الناس لفقده - المصدر] وأنتم تأخذونه يوم فرح وسرور وتأمرون فيه بالتوسعة على العيال والنفقة الكثيرة والصدقة على الضعفاء المساكين، وليس هذا من حق الحسين على جماعة المسلمين، وهذا القائل خاطئ ومذهبه قبيح فاسد ؛ لأن الله اختار لسبط نبيه صلی الله علیه و آله وسلم الشهادة في أشرف الأيام وأعظمها وأجلّها وأرفعها عنده ليزيده بذلك رفعة في درجاته وكرامة مضاعفة إلى كراماته ، ويبلغه منازل الخلفاء الراشدين الشهداء بالشهادة.

ولو جاز أن يتخذ [نتخذ - المصدر] يوم موته مصيبة لكان الاثنين أولى يوم بذلك إذ قبض الله فيه نبيّه ، وكذلك أبو بكر الصديق قبض فيه وهو ما روى هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة قال أبوبكر لي أي يوم توفّي النبي ؟ قلت : يوم الاثنين، قال: إنّي أرجو أن أموت فيه، فمات فيه، وفقد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وفقد أبي بكر (1)أعظم من فقد غيرهما ، وقد اتفق الناس على شرف يوم الإثنين وفضيلة صومه وأنّه يعرض فيه وفي يوم الخميس أعمال العباد وكذلك [يوم - المصدر] عاشوراء لا يتخذ [يتخذ - المصدر] يوم مصيبة ، ولأنّ يوم عاشوراء يتخذ يوم مصيبة ليس بأولى من أن يتخذ يوم عيد وفرح وسرور لما قدمنا ذكره وفضله من

ص: 287


1- في كلّ وادٍ أثر من ثعلبة . (المترجم)

يوم نجى الله فيه أنبياءه من أعدائهم وأهلك فيه أعدائهم الكفار من فرعون وقومه وغيرهم، وأنه خلق السماوات والأرض والأشياء الشريفة [فيه - المصدر] وآدم وغير ذلك ، وما أعد الله لمن صامه من الثواب الجزيل والعطاء الوافر وتكفير الذنوب وتمحيص السيئات فصار عاشوراء مثل [بمثابة - المصدر] بقية الأي-ام الشريفة كالعيدين والجمعة وعرفة وغيرها . ثمّ لو جاز أن يتخذ هذا اليوم يوم مصيبة لاتخذته الصحابة والتابعون لأنّهم أقرب إليه منا وأخص به منا ، انتهى كلام الناصب الدعيّ.

ومحصل حديثه أنّ ردّ الشيعة على أهل السنة في اتخاذ يوم عاشوراء يوم فرح وسرور حديث واه وكلام باطل ، لأنّه يوم مبارك وميمون اختاره الله لشهادة ابن النبي ليزيد في كرامته ، وإذا كان يوم عاشوراء يوم مصيبة فيوم الإثنين الذي توفّي فيه رسول الله وأبوبكر وكلاهما أعظم منه يوم مصيبة أيضاً مع كون صيامه مستحباً وراجحاً ، والأعمال تعرض على الله فيه وفي يوم الخميس، بل ينبغي أن يكون يوم عاشوراء يوم فرح واستبشار لنزول البركات المختصة به، مثل خلق السماوات والأرض ، وخلق آدم ، ونجاة الأنبياء ، وهلاك أعداء الله فيه مثل فرعون وقومه، ولاستحباب الصوم فيه وزيادة ،فضله ، وإذا كان هذا اليوم يوم مصيبة لم يخف على الصحابة والتابعين لقرب منه وشدّة اختصاصهم به، ولم يفعل أحد منهم ذلك .

وهذا خلاصة كلام عدوّ الله ورسوله ، وشناعة هذا الكلام وظهور فساده بحيث لا يخفى على أي مسلم ذي دين ولا يشك في بطلانه أحد، ونحن ذكرنا في مواضع من هذا الشرح بطلانه بما فيه غنية وكفاية، ولكن لإتمام الحجّة وإزاحة العلة نعرض له في هذا الموضع من الشرح إجمالاً .

أما قوله : «إنّه يوم مبارك اختاره الله لشهادة ابن بنت نبيه ليضاعف له به الأجر»

ص: 288

فهو تدليس يخدع به العوام والسُدّج، وإلا فلا تخفى حاله على العاقل العارف بالحقايق ، ولا يعتقد أحد بأن شرف اليوم يكون سبباً في قتل الأنبياء وأبنائهم فيه، وجرت عادة الناس أن يحسبوا اليوم الذي يموت فيه أحبائهم من أب أو أمّ أو ولد أو أخ أو ذي رحم يوم نحس ويتشائمون به ويتطيرون منه ، ولا يحتاج هذا الأمر إلى برهان .

وأما ما قاله: «لو صح ذلك لكان يوم الإثنين يوم نحس»

أولاً : هناك فرق واضح بين وقوع اليوم في العام مرة ووقوعه في الأسبوع مرّة كيوم عاشوراء ويوم الإثنين ، ولا يصح النقض مِن ثُمّ كان يوم الثامن والعشرين

، من صفر وهو يوم وفات سيد الأنبياء عند الشيعة يوم العزاء الأعظم، وما يجري في عاشوراء من الآداب يجرونه فى هذا اليوم بلا أدنى تفاوت .

وثانياً: يوم الإثنين يوم نحس مستمر وورد في أخبار أهل البيت أنه يوم بني أمية ويعتبر يوم مصيبة المسلمين، وليس له عندنا أية حرمة ولا حجّة علينا في أخبار عدوّنا لأنّها بأجمعها كذب ووضع وافتراء والبخاري الذي يرون كتابه أصدق كتاب بعد القرآن وكتابه أصح الكتب كان أكذب البرية كما ظهرت حالات أسانيده في كتاب «استقصاء الأفهام» للسيد الجليل المعاصر المولوي مير حامد حسين - نوّر الله ضريحه وعرف واقعها .

وإذا ما كنا نحن نستدل بها أحياناً فإنّما هو لإفحام الخصم وإلزامه بالحجّة ، والاحتجاج بها على الشيعة خارج عن أدب الحوار والمجادلة وفاقد للصواب.

وثالثاً : موت الأوّل يجب أن يكون سب البركة واليمن لا موجباً للشؤم والنحس ، اللهمّ إلّا بالنظر لمن يخلفه من حيث هو فظ غليظ القلب ويكون الناس

معه كالمستجير من الرمضاء بالنار ، وبهذه الملاحظة يكون يوم نحس وشؤم.

ص: 289

وأما قوله: «لو كان يوم عاشوراء يوم فرح فهو الأولى لبركاته» فلقد مرّ عليك (1)أن حدوث هذه الوقايع في-ه ه-و محض الكذب وعين الافتراء، وه-و م-ن

موضوعات النواصب .

وأما قوله : «إنّ الصوم فيه مستحبّ» فقد مرّ عليك آنفاً بأن الصوم مردّد فيه بين

الكفر والحرام والمكروه (2)وأما قوله : «إنّ الصحابة والتابعين لهم لم يتخذوه يوم مصيبة» فهو مخدوش بالمراد منه هل أنّة قبل وقوع المصيبة أو بعدها ؟ فإن كان قبل مقتل سيّدالشهداء فهو خارج عن محلّ النزاع لأن في ذلك اليوم لم يكن عزاء بحسب الظاهر وإذا كان بعد القتل فما المراد بالصحابة والتابعين ، فهل هم أتباع يزيد ومعاوية أو أتباع أهل البيت علیهم السلام ؟ فإن كان المراد الأوّل فأفعالهم ليست حجة ، وإن كان الثاني فإنّ نسبة ذلك إليهم كذب فقد اتخذوا هذا اليوم من أوّل يوم وقعت فيه المصيبة يوم حزن وبكاء ، وإن كانوا لم يظهروا ذلك علناً لوجود الموانع في بعض الظروف، وقد أبدع بعض النواصب وهو ابن حسكينا في الاعتذار عن الاكتحال يوم عاشوراء حيث قال :

ولائم لام في اكتحال***يوم استباحوا دم الحسين

فقلت دعني أحق عضو***يلبس فيه السواد عيني

فإنّه اعترف بذلك وأجاد في شعره المشتمل على زندقته في تزيينه عيون القاصرين ، وكأنّه أوحي إليه من الشياطين .

وابن حجر المكي في كتاب (الصواعق) حكى كلام جماعة من هذه الطائفة

ص: 290


1- في شرح قوله : «اللهم إنّ هذا يوم تبركت به بنو أمية». (هامش الأصل)
2- في شرح قوله : «اللهم هذا يوم تبركت فيه بنو أمية». (هامش الأصل)

وذكر بعض الأخبار الذي تمسكوا ببدعهم من أجلها، والعجيب في الأمر أنّه مع صلابته الحجرية التي أخرجته من الطبيعة البشرية فقد اعترف بفساد مداركهم وضعفها وإنكان قد طعن في الشيعة لإقامتهم عزاء سيّدالشهداء وقيامهم بواجب النياحة والبكاء ، ونحن استمداداً من بركة سيّد الشهداء وخامس آل العباء علیهم السلام بإذن الله تعالى سوف نعرض لدفع شبهاته ،وترهاته ، وننقل هنا حاصل كلامه ومجمل حديثه كالتالي :

وإيّاه ثمّ إيّاه أن يشغله ببدع الرافضة ونحوهم من الندب والنياحة والحزن ، إذ ليس ذلك من أخلاق المؤمنين وإلا لكان يوم وفاته صلی الله علیه و آله وسلم أولى بذلك وأحرى، أو ببدع الناصبة المتعصبين على أهل البيت أو الجهال المقابلين الفاسد بالفاسد، والبدعة بالبدعة، والشرّ بالشرّ من إظهار غاية الفرح والسرور واتخاذه عيداً، وإظهاراً لزينة فيه كالخضاب والاكتحال ولبس جديد الثياب وتوسيع النفقات وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات، واعتقادهم أن ذلك والمعتاد، والسنّة ترك ذلك كله فإنّه لم يرد في ذلك شيء يعتمد عليه، ولا أثر صحيح يرجع له .

وقد سُئل بعض أئمّة الحديث والفقه عن الكحل والغسل والحنّاء وطبح الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور يوم عاشوراء ، فقال : لم يرد فيه حديث صحيح عنه صلی الله علیه و آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه ، ولا استحبّه أحد من أئمة المسلمين ؛ لا من الأربعة ولا من غيرهم ، ولم يرد في الكتب المعتمدة في ذلك صحيح ولا ضعيف ، وما قيل أنّ من اكتحل يومه لم يرمد ذلك العام، ومن اغتسل لم يمرض كذلك ، ومن وسع على عياله فيه وسع الله عليه سائر سنته وأمثال ذلك من فضل الصلاة فيه وأنّه كان فيه توبة آدم واستواء السفينة على الجودي وإنجاء إبراهيم من النار ، وإفداء الذبيح بالكبش ، وردّ يوسف على يعقوب فكل ذلك موضوع إلا

ص: 291

حديث التوسعة على العيال لكن في سنده من تكلّم فيه، فصار هؤلاء لجهلهم يتخذنه موسماً، وأولئك لرفضهم يتخذونه مأتماً ، وكلاهما مخطئ مخالف للسنة ذكر ذلك جميعه بعض الحفاظ ، وقد صرّح الحاكم بأن الاكتحال يومه بدعة مع روايته خبر : إنّ من اكتحل بالأثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه أبداً ، لكنّه قال : إنّه

منكر، ومن ثم أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق الحاكم.

قال بعض الحفاظ : ومن غير تلك الطريق - أي أنه موضوع بأي طريق نقل .

ونقل المجد اللغوي - أي صاحب القاموس - عن الحاكم أنّ سائر الأحاديث في فضله غير الصوم وفضل الصلاة فيه والإنفاق والخضاب والإدهان والاكتحال وطبخ الحبوب كله موضوع ومفترى.

وبذلك صرّح ابن القيم أيضاً ، فقال : حديث الاكتحال والإدهان والتطيب يوم عاشوراء من وضع الكذابين والكلام فيمن خص يوم عاشوراء بالكحل ...(1).

تمّ ما أردنا نقله من كلام ابن حجر، وفي هذا الكلام مواضع يحتج بها على المطالب المذكورة :

الأوّل منها : قلنا في شرح الفقرة السابقة (2)أنّ علماء السنة والجماعة افتروا أخباراً موضوعة في فضائل عاشوراء، وذكر ابن حجر جملة من هذه الأخبار .

الثاني : قلنا إنّها موضوعة ومختلقة، ووضعت كذباً وافتراءاً، وشهد شاهد من أهلها وهو ابن حجر، ونقل عن ابن القيم والحاكم وابن الجوزي والمجد اللغوي وبعض أئمّة الحديث الاعتراف بكذبها .

الثالث : اعترف بأنّها بدعة.

ص: 292


1- الصواعق المحرقة : 183 و 184 . (هامش الأصل والمترجم)
2- «اللهم هذا يوم تبرّكت فيه بنو أمية».

الرابع : اعترف بنصب فاعلها وعلى هذا يكون أكثر أهل السنة والجماعة بل جميعهم ما عدى ما عدى طائفة منهم ابتلوا بمعاشرة أهل الحق فاضطروا لمماشاتهم على وجه التقيّة هم نواصب ؛ لأن الغالب في بلادهم عمل هذه الشعائر، ولقد اطلع الحجاج على ما يفعله أهل مكة والمدينة وبلغت أسماء سائر الناس كأهل مكة الذين هم بعد أهل المدينة أنصب خلق الله وشاهدنا من غرائب هذه الجماعة إبان إقامتنا في البلدة الشريفة سامراء ما يضيق عنه اللسان ويكلّ عنه البيان، منها أنّهم أقاموا حفلة عرس في تلك السنة - سنة إقامة المؤلّف في سامراء /المترجم - يوم عاشوراء وكان زفاف العروس إلى بيت عريسها ليلة الحادي عشر من المحرّم .

ومجمل القول: إن تيمّن أهل السنّة وتبركهم في يوم عاشوراء واقع مشهور مسموع صداه، مهتوك ستره بحيث لا يقبل الإنكار ، ويكفي هذا المقدار في إثبات هلاكهم وضلالهم ، وأنهم مع وجود الأوامر البليغة والتأكيدات الشديدة على محبة أهل البيت الذين جعل الله مودتهم أجر الرسالة وأجمع كل مسلم على لزوم التمسك بهم ووجوب الاقتداء بجنابهم ، وهذا مسلّم عند الفريقين، فإنّهم - أهل السنّة والجماعة - تخلّفوا عن سفينة النجاة بحيث اعتبروا يوم قتلهم ونهبهم وأسرهم من أعيادهم، وجعلوا من السنّة في هذا اليوم الاكتحال والتطيب وارتداء الثياب الجديدة والإدهان وسائر لوازم العيد، ومن هذه الجهة أطلقوا على أنفسهم

اسم السنّة حيث أنهم عملوا بسنّة يزيد وبني مروان (لعنهم الله جميعاً).

گر مسلمانی از اینست که اینان دارند***وای اگر از پس امروز بود فردائی

إن كان إسلامهم هذا الذي نقلوا***ويل لهم من عذاب الله يوم غد

وقد أجاد أبو الحسين الجزار في قوله :

وبعود عاشورا يذكرني***رز الحسين فليت لم يعد

يا ليت عيناً فيه قد كحلت***لشماتة لم تخل من رمد

ص: 293

ويداً به لمسرّة خضبت***مقطوعة من زندها بيدي

أما وقد قتل الحسين به***فأبو الحسين أحق بالكمد

وهذه شواهد صدق على ما قاله سيد الساجدين علیه السلام في الخطبة التي قرأها بعد دخوله المدينة، قال فيها: «لو أنّ النبي تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا»(1) فلعن الله أوّلهم وآخرهم.

تذييل

كلّ ما يقام ممّاهو متعارف عليه بحمد الله في بلاد الشيعة من إقامة العزاء والاجتماع في المجالس ونشر الأعلام ونصب الخيام والتشبيه وتمثيل واقعة عاشوراء في بعض بلاد الهند وصنع الضريح المقدّس ورفعه على الاكتاف وغير ذلك من الحداد ولبس السواد وتعطيل الأسواق في يوم عاشورا والخروج في الشوارع بمواكب اللطم والنياحة وما كان من هذا النمط فجميع ذلك مشروع وراجح في الشريعة المطهرة ، ودليلنا على هذا المدعى من طريقين :

الطريق الأوّل: بناءاً على مسلك علماء الإمامية وفقه أهل البيت علیهم السلام ، وهذا المطلب وإن كان غنيّاً عن الدليل بناءاً على ما في أصول مذهبنا وهو غاية في الوضوح إلا أننا نشير إشارة إجمالية إلى بعض موارد الاشتباه وضمناً نقيم الدليل على عموم المسألة .

اعلم أن الأخبار وردت متواترة في استحباب البكاء على سيدالشهداء وتذكر مصابه والإبكاء بل والتباكي أيضاً، ومعناه اتخاذ شكل البكاء وإظهار الحزن على هيئة الباكي لا كما توهمه بعض القاصرين أنّه الرياء في البكاء؛ لأنّ البكاء على سيّدالشهداء عبادة بالضرورة والرياء في العبادات نظير القياس في الأدلة

ص: 294


1- اللهوف : 202 (المترجم)

والربا في المعاملات غير جائز بوجه من الوجوه. مضافاً إلى هذا فقد جاء في الأخبار الكثيرة الواردة في إحياء أمر أهل البيت علیهم السلام والأئمة علیهم السلام وفضل الجلوس في المجالس التي تحيي أمرهم وكذلك في الأخبار المتعدّدة ما ورد من الجزع مكروه على كلّ شيء إلا الجزع على سيّدالشهداء، وورد في الأخبار أن أيام عاشوراء أيام مصيبة أهل البيت وحزنهم، وورد أيضاً عنهم يحزنون لحزننا، ويفرحون لفرحنا والحثّ على تجديد عزاء ذلك الإمام الغريب وإقامة طقوس عزائه كما ورد تجويز لطم الخدود وشق الثياب .

ومن هذه الأخبار يعرف جواز هذه الأفعال كلّها واستحبابها ورجحانها عموماً وخصوصاً ؛ إما بالإصالة أو أنّها من باب المقدّمة وتوضيح المطلب مع الاختصار

بنقل بعض الأحاديث فى هذا الباب وتطبيقها إجمالاً على الأمور المذكورة "

روى الشيخ الصدوق في الأمالي مسنداً عن الإمام الرضا علیه السلام : من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يجيء فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .(1)

والحديث ذاته روي في العيون ولكن مكان قوله «من ذكر مصابنا» جاء قوله : «من تذكر مصابنا».

وفي أمالي الشيخ وساق السند إلى معاوية بن وهب قال : قال الإمام الصادق علیه السلام : كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين (2)

ص: 295


1- الأمالي ، المجلس 17، وبحار الأنوار 44: 278 ، والعيون 1: 294 ، والبحار 44 : 278 رقم 2 ، عوالم العلوم : 531 ح 14 . (هامش الأصل)
2- الأمالي 1: 163 ، بحار الأنوار 44 : 280 رقم 9 ، عوالم العلوم : 533 رقم 6. (هامش الأصل)

وروي في كامل الزيارة بطريقين عن صادق آل محمد علیهم السلام : ما ذكر الحسين بن عليّ عند أبي عبدالله في يوم قط فرئي أبو عبد الله متبسماً في ذلك اليوم والليل.(1)

وفي قرب الإسناد وساق السند إلى الصادق لأنه قال لفضيل بن يسار : تجلسون وتحدّثون ؟ قال : نعم جعلت فداك قال : إن تلك المجالس أُحبّها فأحيوا أمرنا ، رحم الله من أحيا أمرنا يا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر .

وفي أمالي الصدوق وساق السند إلى الإمام الرضا علیه السلام عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا الله : إن المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال فاستحلت فيه دمائنا وهتك فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونسائنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهيت ما فيها من ثقلنا ، ولم تُرعَ لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حرمة في أمرنا. إن يوم الحسين قرح جفوننا، وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء وأورثتنا [يا أرض كرب وبلاء أورثتنا] الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ؛ فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام .

ثم قال علیه السلام : كان أبي علیه السلام إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً ، وكانت الكتابة لها تغلب عليه حتتّى يمضي منه عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين علیه السلام .(2)

وفي الأمالي وساق السند إلى الإمام الرضا علیه السلام أنه قال علیه السلام : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان كان يوم عاشوراء

ص: 296


1- کامل الزيارة باب 36 ، البحار 44 : 280 (هامش الأصل)
2- الأمالي : مجلس 27 رقم 2 ، بحار الأنوار 44: 283 رقم 17 ، عوالم العلوم : 538 الحديث الأول (هامش الأصل) الأمالي : 128. (المترجم)

يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزّ وجلّ يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرّت بنا في الجنان عينه ، ومن سمّى يوم عاشوراء يوم بركة وادّخر فيه لمنزله شيئاً لم يبارك له فيما ادّخر ، وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيدالله بن زياد وعمر ابن سعد لعنهم الله إلى أسفل درك من النار (1).

وفي العيون والأمالي وساق السند إلى شبيب بن الريان عن الإمام الرضا في حديث طويل أنّة قال : يابن شبيب ، إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان فاحزن لحزننا وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنّ رجلاً تولّى حجراً لحشره الله معه الله معه يو القيامة (2).

وفي كامل الزيارة وساق السند إلى أبي هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبد الله علیه السلام فقال لي: أنشدني ، فأنشدته ، فقال : لا كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره ، قال : فأنشدته :

امرر على جدث الحسين***فقل لأعظمه الزكيه

قال : فلما بكى أمسكت أنا فقال مر فمررت قال : ثم قال: زدني زدته فأنشدته :

یا مریم قومي فاندبي مولاك***وعلى الحسين فاسعدي ببكاك (3)

قال : فبكى وتهايج النساء ، قال : فلما أن سكتن قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنّة، ثمّ جعل ينقض واحداً واحداً حتى بلغ

ص: 297


1- الأمالي ، المجلس 27 رقم 4 ، بحار الأنوار 44 : 285 رقم 4 ، عوالم العلوم : 539 2. (هامش الأصل) الأمالي نسخة المترجم المجلس 27 ص 129 . (المترجم)
2- أمالي الصدوق : 130 (المترجم) الأمالي : المجلس 27 رقم 5 ، العيون 1 : 299 ، بحار الأنوار 44: 284 ، عوالم العلوم : 539 3. (هامش الأصل)
3- الشعر للحميري وذكر في الأغاني قسماً منها . ( منه )

الواحد ، فقال : من أنشد في الحسين علیه السلام فأبكى واحداً فله الجنّة . ثمّ قال : من ذكره فبكى فله الجنّة .

وفي الكامل أيضاً (روى عن أبي عبدالله) قال : لكلّ شيء [سر - المؤلّف] ثواب إلا الدمعة علينا (1)، أي إنّ إخفاء كلّ أمر عبادي له ثواب (لئلا يتبادر إليه الرياء) إلا البكاء علينا فإنّ إعلانه من أجل تعظيم شعائر الإسلام وإحياء أمر أئمّة الأنام فإنّه مطلوب لذاته .

واحتمل المجلسي عليه الرحمة أن يكون مكان قوله «سر» «شيء» ومعنى نفي الثواب عن البكاء أي أنّة غير محدود بحدود، وهذا غاية في البعد بل لا يستحق تسجيله في كتاب علمي، والحق أنّه هو المعنى الأوّل الذي ذكره العلّامة المجلسي نفسه .

وفي ثواب الأعمال روي هذا الحديث باختلاف «فقال: أنشدني كما يسير تنشدون يعني بالرقة» وفي آخر الحديث يقول: «ومن ذكر الحسين عنده فخرج

من عينيه مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنّة» .(2)

والمراد من قوله في الحديثين: «لا كما تنشدون» أو «أنشدي كما تنشدون» أن أبا هارون على الظاهر راعى حرمة الإمام فلم يقرأ الشعر بلحنهم الخاص تأدباً فاعترضه الإمام وطلب منه أن يكون على نهج النياحة المعهودة عند الراثين وبالرقة المطلوبة التي يقرئون بها عند قبره، ومن الغرائب أن العلّامة المجلسي عليه الرحمة ضبط لفظ الرقة في البحار بالفتح وحملها على قرى عدة تقع غربي

ص: 298


1- كامل الزيارات : 106 ، البحار : 44: 287 ، عوالم العلوم : 542 ح 4. (هامش الأصل) وكامل الزيارة نسخة المترجم ص 86. (المترجم)
2- ثواب الأعمال : 84. (المترجم) ثواب الأعمال : 110 ، بحار الأنوار 44: 289 ، عوالم العلوم : 542 . (هامش الأصل)

بغداد بالعراق على نهر الفرات في أعماق ديار بكر (1)وهذا النوع من التصحيفات اللفظية والمعنوية الدائرة في أحاديث البحار حملت على الظن بأنّها لا ترجع إلى ذلك العالم النحرير والناقد البصير ؛ لأنّ هذا العلّامة ذو المرتبة الرفيعة ينبغي أن يترفع عن مثل هذه الاشتباهات الواضحة والأخطاء الظاهرة لأن مقامه الرفيع أسمى من ذلك مئة مرّة.. والله أعلم .(2)

وفي منتخب الشيخ الطريحي مرسلاً أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم لما أخبر ابنته فاطمة بقتل

ص: 299


1- قرائة «الرقة» بفتح الراء وهو اسم قرية ، والمجلسي الله أخذه من الفيروزآبادي فلا لوم عليه . (هامش الأصل) هذا لو كان الموضوع لغوياً أما وهو من المواضيع الخاصة بالشيعة فلا ينبغي أخذه من لغوي بل الرجوع به إلى أصوله فهو ملوم على كل حال . (المترجم)
2- من أوهام بيانات البحار 45: 109 ضبط لفظ «قصة» بالقاف والصاد المهملة في خطبة سيدتنا زينب الطاهرة بالكوفة ب_«فضة» [طبقاً لنسخة المصدر : 130 ، وعوالم العلوم : 387] ويقول ابن الأثير في النهاية : «القصّة» الجص ومنه حديث زينب بنت عليّ : «أو كقصة على ملحودة ولم تجر العادة بتزيين القبر بالفضّة. ومن العجايب التي تدعو إلى الحيرة والاعتبار وينبغي أن ينزه منها مقام العلامة المجلسي العالي، فقد قال في شرح البيتين المثبتين في الديوان المبارك ورثاء سيدة النساء : فقد قال في الأمثال في البين قائل***أضرّ به يوم الفراق رحيل لكل اجتماع من خليلين فرقة***وكل الذي دون الفراق قليل التضريب مبالغة في الضرب، والبين الفراق ، أي أضرب المثل الذي قاله القائل يوم الفراق الذي هو رحيل ، والمثل قوله : «لكل اجتماع» (بحار الأنوار (43 : 216) وهذا مما لا يكاد ينقضي منه التعجب فإنّه تصحيف لفظي ومعنوي جعل الإضرار المتصل بحرف الجر تضريباً وجعل الرحيل وهو فاعل اضرب خبراً محذوفاً، وجعل الجملة وصفاً للفراق، وأعاد الضمير المجرور الراجع إلى العامل إلى المثل المفهوم من العبارة، وهذا لا ينبغي صدوره من أصاغر الطلبة فإنّه من مضحكات الثكالى ، ولا يجوز لعاقل فضلاً عن فاضل نسبته إلى ذلك الحبر التحرير والناقد البصير ، والله العالم. (هامش الأصل) أقول : لم ينفرد الشيخ المجلسي في جمع بحار الأنوار ولا في التعليق عليه فقد شاركه جم غفير من أهل الفضل والعلم ومن طلابه أيضاً فلا بدع أن تكون هذه هفوة بدرت من أحد مساعديه وبقيت عالقة في الكتاب حتى تحمل وزرها الشيخ وهو أعلى وأجلّ من ذلك . (المترجم)

ولدها الحسين وما يجري عليه من المحسن بكت فاطمة سلام الله علیها بكاءاً شديداً وقالت : يا أبتى متى كون ذلك ؟ قال : في زمان خال مني ومنك ومن علي، فاشتد بكاءها، وقالت يا أبة، فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : يا فاطمة، إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل في كل سنة .(1)

وفي الكافي والتهذيب وساق السند إلى صادق آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم قال : قال لي أبي : يا جعفر، أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى.(2)

وفي التهذيب وساق السند إلى الصادق علیه السلام عن خالد بن سدير بن سدير قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن رجل شقّ ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له ،فقال : لا بأس بشق الجيوب، قد شقّ موسى بن عمران على أخيه هارون، ولا يشقّ الوالد على ولده، ولا زوج على امرأته وتشقّ المرأة على زوجها، وإذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته حنث يمين ولا صلاة لهما حتى يكفّرا ويتوبا من ذلك ، وإذا خمشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً، وفي الخدش إذا دميت وفي النتف كفاره حنث يمين ولا شيء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة ، وقد شققت الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين ابن علي علیهما السلام ، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب .(3)

ومن هذا الحديث الشريف يظهر شرف بيت العصمة وجلالتهم لأن الإمام

ص: 300


1- المنتخب 1 : 29 المجلس الثاني . (المترجم) وبحار الأنوار 44 : 292 ، عوالم العلوم الإمام الحسين ع : 534 . ( هامش الأصل)
2- الكافي 5: 117. (المترجم) باب 35 ح 1، التهذيب 6 : 358 باب 93 ح 146. (هامش الأصل)
3- التهذيب :: 325 المترجم وهامش الأصل آخر الكفارات .

يحتج بفعل بنات علي وفاطمة في يوم عاشوراء ليدلّ على أنّهنّ على ما هنّ عليه من البلاء المبرم لم يفعلن ما يخالف الشرع ولعلهنّ دليل الإباحة لأنّهنّ ربّين فى منزل الوحي ونشأن في خدر العصمة والطهارة ورضعن من درّها سلام الله عليهن أجمعين.

واستدل ابن إدريس في السرائر بذيل الحديث على جواز شقّ الثوب ، ومن هنا نعلم بقطعيّة صدور هذا الخبر ؛ لأنّ مبناه في الأصول المنع من حجية خبر الواحد كما هو مشهور عند أهله .

وهذه جملة من أخبار هذا الباب

ويمكن أن نستفيد منها أحكاماً كلّيّة منها البكاء ، ومنها الإبكاء ، ومنها إحياء أمر الأئمة، ومنها وجوب الاقتداء بهم في الفرح والحزن، وأحكاماً جزئية منها استحباب الاجتماع وذكر الحديث، ومنها استحباب اجتماع النساء في موضع يستمعن فيه إلى الرجال في مجالس العزاء كما جاء فى خبري أبي هارون(1) واستحباب ترقيق الصوت وتحزينه على وجه يستثير البكاء ويحفظ حرمة العزاء واستحباب نياحة النساء وندبتهنّ على سيّدالشهداء كما اتضح ذلك من خبر الكافي والتهذيب، حيث لا فرق بين الأئمة من هذه الجهة، واستحباب اللطم وشق الجيوب على سيّدالشهداء واستحباب تجديد عزائه، والالتزام به ف-ي كلّ عام، واستحباب إظهار الكآبة والحزن في يوم عاشوراء، واستحباب ترك الكسب والسعي وراء الحوائج في يوم عاشوراء ، وما كان من هذا القبيل من الأحكام.

ولا يضرّ في الأخبار ضعف إسناد بعضها ، لأن التسامح في أدلّة السنن من القواعد الإجماعية، مضافاً إلى تعدّد أخبارها ومطابقتها لروح المذهب وأصوله

ص: 301


1- مرّ في كامل الزيارة رقم 100 و 106 (هامش الأصل)

ولعلّ المتتبع لا يعدم العثور على خبر صحيح في كل واحد منها .

ومجمل القول أنّ ما هو متداول اليوم بأيدي الشيعة لم يخرج من إطار الأقسام المذكورة؛ لأنّ النصوص تشمل انعقاد المجالس للعزاء ومجالس الشبيه مضافاً إلى كونها إبكاءاً وإحياءاً وهما منصوص عليهما ، ولا ينبغي احتمال حرمة عقد مجالس الشبيه لدخول بعض المنكرات فيها من قبيل الغناء والكذب؛ لأنّ الحديث في نفس المجلس لا فيما يتخلله من الحرام، فهو لا مانع منه .

وأجازه المحقق القمي صريحاً في أجوبة مسائله، وأم-ا ق-رائ-ة اللطميات والضرب على الصدور المعبّر عنه بالموكب فيظهر جوازه من الحديث الآخر إذ لا فرق بين اللطم على الخدّ واللطم على الصدر ، وعلى فرض وجود الضرر في الجملة فإنّ ذلك لا ينافي العبادة ؛ لأنّه من الممكن أن نقول في قوله لا ضرر أراد نفي الإلزام لانفي المصلحة .

يعني إذا قصد المكلّف إحراز المصلحة الواقعية للفعل فارتكبه فإنّه ينال ثوابه ، نعم يعبّر لنا لسان «لا ضرر» عن عدم الرغبة في شيء لوجود الضرر ولوجوده أرفع يدي عن نيل المطلوب من أجل التسهيل والتوسعة على المكلّفين ؛ لا من أجل تصدر المصلحة مع وجود المفسدة كما قرّرنا ذلك في محله تلقياً من السيد الأستاذ أنار الله برهانه كما عظم في الدين والدنيا شأنه .

كما يستحبّ لبس السواد وكسوة البيت بالسواد طلباً للقيام بواجب العزاء ولتعظيم الشعائر وإحياء أمر الأئمة علیهم السلام ، وما ورد من كراهة لبس الثياب السود مع أن في بعضها ذكر السبب من كونه إشعاراً بترك سنة بني العباس الذين جعلوا لبس السواد شعاراً لهم حكم واقع في نفسه لولا المعارض، ونحن بملاحطه طريان عنوان آخر وهو العزاء والاستعانة بعرف هذا الزمان حيث اتخذ السواد شعاراً للحزن يكون مجرى حديثنا ، لهذا أفتى جماعة من الفقهاء مثل صاحب الجواهر

ص: 302

وغيره في باب الحداد على المعتدة عدّة الوفاة ترك التزيّن بثياب مصبغة والألوان تختلف باختلاف العادات ويجب عليها ارتداء ثياب العزاء سواء كانت سواداً أو غيره .(1) يؤيده ما ورد في كتاب تاريخ النياحة على الإمام الحسين ينقل عن الدكتور عبداللطيف السعداني في مقالة له يقول فيها : تتغيّر صورة الحياة في كل عام بدنو شهر محرم في المغرب ، لأن الناس يودعون أنسهم وشهواتهم، وفي هذا الشهر يتحوّل مدن المغرب كلها إلى ضوضاء وهرج ومرج لا يمكن تصويره إلا أن نقول حدثت حادثة عظمى لهؤلاء الناس وألمت بهم، وهذا لأنهم استشعروا أن شهر المحرم هو شهر العزاء لأنّ الحزن والألم فيه تغلف القلوب، ويعزب الناس عن التجمل والزينة حتى يتركون غسل ثيابهم وبيوتهم، ويهجرون التزاوج في هذا الشهر، ويتركون الطبول والأصوات الموسيقية والغناء ، بل الناس في بلاد المغرب يرتدون الثياب البيضاء لأنها ثياب الحزن عندهم لهذه المناسبة ، وتقوم طائفة العلويين بإجراء هذه الطقوس من أوّل المحرم إلى اليوم العاشر منه ، وأما غيرهم من الأشراف المحترمين فإنّ طقوسهم تمتد إلى نهاية الشهر وفي يوم الشهادة يعمدون إلى طبخ الطعام ويتصدقون به ويغتنم التجار وطبقة المياسير هذه المناسبة لبذل المال. ولكن باقي الناس يتركون الطعام تقرباً إلى الله وتظهر عليهم أمارات الحزن ولا تفارقهم، وكانوا يعتقدون أن المرء لا يبكي تلقائياً بل للحصول على السعادة من إراقة هذه الدموع الغالية حزناً على مصاب الشهيد . وأما الأطفال فإنّهم يتخذون الذكرى الحسينية على شكل لعبة تراود نفوسهم البريئة وترى الكبار يناولونهم جرار الماء إشارة إلى عطش ذلك السيد الشهيد الذي فارق الدنيا على ظماً، وأعظم شيء يثير انتباه المرئ تلك المناظر التمثيلية ومشاهد الشبيه التي تحكي الواقعة وتجري في كل سنة في المراكز المهمة من البلاد مثل مدينة بكناس وفاس ومراكش ... (2)

وجاء في بعض الأخبار أنّ الإمام الصادق علیه السلام ارتدى ثياباً بيضاً يوم عاشوراء (3).واقتفى بعض الفقهاء المعاصرين هذه السنة فلبس ثياباً بيضاء وخرج على الناس يوم العاشر ، وهذا خطأ؛ لأن المؤيد في زماننا لبس السواد، وكان البياض شعار الحزن في العصر العباسي كما هو وارد في التاريخ، وجرى الإمام علیه السلام على عرف أهل زمانه وعادتهم ولما كان عرف اليوم يقضى بالسواد ثياباً للحداد

ص: 303


1-
2-
3- مع كثرة تتبعنا لم نعثر على مصدره . (هامش الأصل)

استحبّ لبسها نظراً لعمومات الباب مضافاً إلى وجود خبر خاص في المسألة : في البحار عن المحاسن وساق السند إلى عمر (و) بن علي بن الحسين قال : لما قتل الحسين بن علي صلوات الله عليه ، لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح ، وكن لا يشتكين من حرّ ولا برد ، وكان علي بن الحسين علیه السلام يعمل لهنّ الطعام للمآتم ..(1)

ص: 304


1- المحاسن: 420 ، بحار الأنور : 188 (79: 84 - المترجم) جعفر بن قولويه في (كامل الزيارة عن الحسين بن عليّ الزعفراني عن محمد بن عمر النصيبي ، عن هشام بن سعد، عن المشيخة في خبر أنّ ملكاً من ملائكة الفردوس الأعلى نزل على البحر ونشر أجنحته عليها ثم صاح صيحة وقال : يا أهل البحار ، البسوا أثواب الحزن فإنّ فرخ الرسول مذبوح (مستدرك الوسائل ، أبواب أحكام الملابس في غير الصلاة : ص 221) ابن شهر آشوب في المناقب عن تاريخ الطبري أن إبراهيم الإمام أنفذ إلى أبي مسلم لواء النصرة وظل السحاب وكان أبيض ، طوله أربعة عشر ذراعاً ، مكتوب عليها بالحبر : «أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ولكن الله على نصرهم لقدير فأمر أبو مسلم غلامه أرقم أن يتحوّل بكل لون من الثياب ، فلمّا لبس السواد قال : معه هيبة فاختاره خلافاً لبني أمية، وهيبة للناظر ، وكانوا يقولون : هذا السواد حداد آل محمد وشهداء كربلاء وزيد ويحيى . (مستدرك الوسائل) قال ابن فهد في التحصين : قيل لراهب رُني عليه مدرعة شعر سوداء : ما الذي حملك على لبس السواد ؟ فقال : هو لباس المحزونين وأنا أكبرهم ، فقيل له : من أي أنت محزون ؟ قال : لأني أصبت في نفسي وذلك أني قتلتها في معركة الذنوب فأنا حزين عليها ، ثمّ أسبل دمعه . (مستدرك الوسائل : 222 احکام الملابس في غير الصلاة ، ص 220) فخر الدين الطريحي في (المنتخب) أن يزيد لعنه الله استدعى بحرم رسول الله فقال لهنَّ : أيما أحب إليكنّ : المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة ولكم الجوائز السنية ؟ قالوا : نحب أولاً أن ننوح على الحسين . قال : افعلوا ما بدا لكم ثمّ أخليت لهم الحجر والبيوت في دمشق فلم تبق هاشمية ولا قرشيّة إلا ولبست السواد على الحسين وندبوه على ما نقل سبعة أيام . (مستدرك الوسائل باب الصلاة أحكام الملابس في غير الصلاة ، ص 221) الطريحي في (المنتخب) : قالت سكينة : يا يزيد، رأيت البارحة رؤيا وذكرت للرؤيا ... فإذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقتهنّ وزاد في نورهنّ امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها وعليها ثياب سود وبيدها قميص مضمخ الدم إلى أن ذكرت أنها كانت فاطمة الزهراء . (مستدرك الوسائل ، أبواب أحكام الملابس غير الصلاة ، ص 221) . (هامش الأصل)

وهذا الخبر مع ملاحظة تقرير الإمام بل بدونه نظراً للاحتجاج بفعل الفاطميات كما سمعت في خبر «اللطمة» في باب الكافي...(1)

ولكن ينبغي أن يحترز من تسويلات الشيطان والنفس الأمارة بالسوء ووساوس إبليس فلا يلبس ثياب الحداد من أجل الزينة حيث يبالغ بثمنها وإناقتها، ومثلها يقال في تعطيل الأسواق وترك التكسب المتعارف من باب العمل بحديث الأمالي (2)، وأوّل من قام بتطبيق هذا الخبر وإقامة هذه السنّة معزّ الدولة أحمد بن بويه حين أقامها في عام اثنتين وخمسين بعد الثلاثمائة للهجرة كما جاء في شرح شافية أبي فراس ، نقلاً عن تاريخ الذهبي :

وفي سنة 352 في يوم عاشوراء ألزم معزّ الدولة أهل بغداد بالمأتم والنوح على الحسين بن علي علیه السلام هو أمر بأن تغلق الأسواق، وأن يعلّق عليه المسوح، وأن لا يطبخ طبّاخ ، وخرجت نساء الشيعة مسخّمات يلطمن وينحن، وفعل ذلك سنوات . وقال ابن الوردي في تتمة المختصر : وفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة أمر معز الدولة بالنياحة واللطم ونشر شعور النساء وتسويد وجوههن على الحسين، وعجزت السنّة عن منع ذلك لكون السلطان مع الشيعة . و تابعه بعد ذلك المعز لدين الله أبو تميم معد بن منصور العبيدي الفاطمي الذي تربع على سرير مصر والمغرب في سنة أربعين بعد الثلاثمائة كما جاء في خطط المقريزي، قال: قال ابن زولاق في يوم عاشوراء من سنة ثلاث وستين وثلاثمائة انصرف خلق من الشيعة وأشياعهم إلى المشهدين قبر كلثوم ونفيسة

ص: 305


1- الكافي 1 : 286 .
2- الأمالي الصدوق : ص 112 ، بحار الأنوار 44: 284

ومعهم جماعة من الفرسان المغاربة ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين واقتفى سنين عدداً سلاطين الشيعة في إيران، والحمد لله آثار الأئمة الأطهار في ممالك إيران في إقامة هذا الشعار وإجراء هذه السنة النبوية لشرع النبي المختار ونالوا التوفيق يوماً بعد يوم في الترويج الزائد والتأييد المتنامي لهذه الشعائر

الحسينيّة.

وأمّا ما التزم به أهل السنّة من الاكتحال والاختصاب وسائر العادات الخبيثة مضافاً إلى شاهد صريح العقل في خلافه فإنّ عملهم ذاته واقع ميزان-اً للباطل وأمارة للخلاف عملاً بموجب أخبار التعادل والتراجيح حيث قالوا: خُذ ما خالف العامة فإنّ الرشد في خلافهم، وهو دليل الكراهة واستحباب الترك ، بل إذا نوى به التبرك يئول إلى الكفر ، وإذا اتخذ لأصل خصوصية الاستحباب فهو بدعة وتشريع، وإذا كان للمتابعة ويؤخذ بعنوان المستحبّ العام من غير نظر إلى خصوصيّته فإنّ محض التشبه بهم مكروه، ويستفاد من عدد من الأخبار كراهتها واستحباب الالتزام بتركها .

في الكامل عن صادق آل محمد علیهم السلام ما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجّلت حتى أتانا رأس عبيد الله ..(1)

وروى ابن نما في مثير الأحزان عن الصادق : ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رُئي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتّى قتل عبيدالله بن زياد .(2)

وروى عن فاطمة بنت علي علیهما السلام : ما تحنّات امرأة منا ولا أجالت في عينها مروداً

ص: 306


1- كامل الزيارات ، بحار الأنوار 45: 207 (هامش الأصل)
2- کشي ، محمد بن مسعود ، بحار الأنوار 45: 344 الرقم 12 ، عوالم العلوم : 652 .

ولا امتشطت حتى بعث المختار رأس عبيد الله (1).

وهذه الأمور من باب المثال والغرض منها الالتزام بلوازم العزاء ، ولما دلّت الأخبار السابقة على أنّ هذه الأيام العشر لاسيّما يوم عاشوراء أيّام عزاء الأئمّة وكآبتهم وحزنهم فيكون الاقتداء ببني هاشم راجحاً في أيام العزاء، وترك ذلك مكروه.

وفي رواية المصباح وسوف نشير إليه أنه قال لعبدالله بن سنان: یا عبدالله بن سنان ، إن أفضل ما تأتي به في هذا اليوم أن تعمد إلى ثياب طاهرة فتلبسها وتسلّب، قلت : وما التسلّب ؟ قال : تحلّ إزارك وتكشف عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصاب .(2)

ومن هنا يعرف أنه لا خصوصيّة لرفع اليد وشقّ الثوب إلا لكونهما يريان حال المصاب، فتبيّن من هذا أن بقاء الإنسان أشعث أغبر في يوم عاشوراء .

ومن الأخبار في وصف الملائكة زوّار الحسين علیه السلام لكونهم شعثا غبراً ، ومن أخبار منع الطيب يمكن الفقيه الاستدلال على كراهة الحمّام والتطيب .

ومجمل القول : كلّ ما هو لوازم العزاء فهو مستحبّ ، وما كان من لوازم الابتهاج والفرح فهو إما كفر وإما حرام أو مكروه.

وما هو متداول في بلاد الهند من تمثيل الضريح المقدّس يوم عاشوراء لم أعثر في كلام علماء الهند على استدلال بخصوصه ويمكن أن يستدلّ على رجحانه بما

رواه شيخ الطائفة له في المصباح عن عبدالله سنان ، قال :

وروی عبدالله بن سنان قال : دخلت على سيّدي أبي عبدالله جعفر بن محمد -

ص: 307


1- بحار الأنوار 386:45 (هامش الأصل)
2- مصباح المتهجد : 547 ، بحار الأنوار 304:101 (هامش الأصل)

ونحن نقلنا صدر الرواية في أخبار الصوم واستحباب الإمساك يوم عاشوراء حتى تزول الشمس ومرت عبارته في صدر الورقة ، وقال بعد ذلك علیه السلام : - ثم تخرج إلى أرض مقفرة أو مكان لا يراك به أحد، أو تعمد إلى منزل لك ، فقال : أو في خلوة منذ حين يرتفع النهار فتصلي أربع ركعات تحسن ركوعها وسجودها - إلى أن قال : - ثم تمثل لنفسك مصرعه ومن كان معه من ولده وأهله ولتسلم وتصلّي عليه ، إلى آخر الحديث .(1)

وروى هذا الحديث السيّد في الإقبال باختلاف في السند وتغيير بسيط في اللفظ ، فقال : وتمثل بين يديك مصرعه وتفرغ ذهنك وجميع بدنك وتجمع له

عقلك .(2)

وفي لفظ التمثيل احتمالان

الأوّل: أن تمثل مقتله ومصرعه في قلبك

والثاني : تمثيله في الخارج بالنقش أمامك .

وعبارة المصباح يمكن حملها على المعنى الأوّل لولا ما ورد فيها من قوله : «لنفسك» إذ لو كان المقصود هو المعنى الأوّل لقال : في نفسك ، إلا أن عبارة الإقبال بعيدة عن التأويل ؛ لأن قوله بين يديك يبعده كقوله: «وتفرغ ذهنك» إلى آخر الفقرات فإنّها تبعد الاحتمال المخالف.

ويؤيد هذا المعنى أيضاً الأخبار الواردة في زيارة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم .(3)

ص: 308


1- مصباح المتهجد : 547 ، بحار الأنوار 45: 63 (هامش الأصل)
2- الإقبال : 41 ، البحار 316:101 . (هامش الأصل) الإقبال 3: 66 . (المترجم)
3- يقول العلامة المجلسي الله في (زاد المعاد) في أعمال عيد المولد النبوي في السابع عشر م-ن رب-ي-ع الأول ، يقول : قال الشيخ المفيد والشهيد والسيد ابن طاووس (رحمة الله عليهم) : إذا كنت ببلد غير بلاد طيبة وأردت زيارة رسول الله اغتسل وأقم لك قبراً شبيهاً بقبره وخُطّ عليه اسمه المبارك وقف وهو بين يديك وتوجّه بقلبك نحوه، وقال ... وفي هامش «الصحيفة الهادية» أو «الصحيفة المهدية» ص 82 ينقل عن الشيخ البهائي : من كان في مهم وهو في شقة نائية عن العمران فليخط خطوطاً أربعة ويفترضها قبر النبي افتراضاً وليحدق في هذه الخطوط التي اعتبرها قبراً للنبي علا الله وليشر إليها وليقل اثنى عشر ألف مرة «صلى الله عليك يا رسول الله» فسوف يكفى هذا المهم إن شاء الله ، وينال قائلها حالة من الأنس والمسرة، وهذا مجرب

ويستحبّ هنا تمثيل الضريح الطاهر وما احتمل من شمول حرمة التصوير له فهو من قصور الباع لأن الفرض من التصوير المحرّم تجسيم صور ذوات الأرواح وتصوير غيرها كالأشجار فإن ذلك جائز وكذلك تصوير الجماد باتفاق المسلمين بل بضرورة الدين جائز ، وتصوير كل بناء مشاكل الصورة جماد أو مشاكل الصورة بناء آخر ، وهذا من القسم الأخير الجائز ، وأهل السنّة لفرط جهلهم وغاية حمقهم والعصبيتهم المفرطة ولأنّهم غرقى بحر الضلالة يتمسكون بكل حشيشة تردّ الشيعة لعلّ فعلهم هذا يلقي الشبهة في قلوبهم كما يزعمون أو في قلوب الضعفاء منهم ويضلّون مسلماً كما ضلّوا.

والطعام الذي يصنع فى بلاد الشيعة في أيام عاشوراء لا يحمل عنوان التوسع والتنعم في المعيشة بل بعنوان صنع الطعام لأصحاب المأتم ، وإسناد أمر العزاء وإقامة نظام مجلس المصيبة كما سمعت ذلك في ذيل خبر المصيبة، ويمكن أن يستفاد هذا المعنى من أخبار وفاة حمزة ووفاة جعفر وغيره الواردة في هذا الباب (1)، والله العالم .

ص: 309


1- قال الطريحي في حديث مناجاة موسى ، قد قال: يا رب ، لم فضلت أمة محمد على سائر الأمم ؟ فقال الله تعالى : فضّلتهم لعشر خصال . قال موسى : وما تلك الخصال التي يعملونها ؟ قال الله تعالى : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء . قال موسى : يا رب، وما العاشوراء ؟ قال : البكاء والتباكي على سبط محمد و المرئية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى . ياموسى، ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزى على ولد المصطفى إلا وكانت له الجنّة ثابتاً فيها ، وما من عبد أنفق من ماله في محبة ابن بنت نبيه طعاماً وغير ذلك درهماً أو ديناراً إلا وباركت له في دار الدنيا الدرهم بسبعين درهماً ، وكان معافاً في الجنّة ، وغفرت له ذنوبه . وعزتي وجلالي ما من رجل أو امرأة سال دمع عينيه في يوم عاشوراء وغيره قطرة واحدة إلا وكتب له أجر مأة شهید (مجمع البحرين - ذيل لفظ عشر ، زهر الربيع 1: 331 ط بيروت) . (هامش الأصل)

لم نعرض لمباني علماء أهل السنة وفقههم وإن كانت الأدلّة التى نذكر هاهنا حجّة عند الشيعة ايضاً إلّا أنّنا في الطريق الأول ذكرنا الأدلّة التي يختص بها الشيعة فلم نشر إلى تلك ومبناهم هنا يحتوي على دليلين : الأوّل القرآن ، والثاني، السنّة، وهي الأحاديث المروية من طرقهم، وهذا القسم وإن كان الأصل فيه الكذب والافتراء كما يظهر ذلك من ملاحظة أحوال رجالهم ونقلة أخبارهم النواصب والخوارج والوضاعين والكذابين ؛ لأن هذه الطائفة أصل الكذب ومعدن الوضع وينبوع الافتراء ومنشأ الأباطيل ومبدأ الأضاليل، وقد بيّن ذلك وأوضح شطراً منه في كتب الشيعة - والحمد لله - مثل (نصرة المؤمنين) للفاضل المؤيد السيف المهند الميرزا محمد مهدي و (استقصاء الإفحام) للسيد الجليل النبيل مرتضى الأمم المولوي المعاصر المير حامد جعل الله من رحمته كفلين، فقد ذكرا كل ذلك ببيان وافٍ وبرهان كافٍ ، إلا أننا لما أعربنا في الأصول الممهدة عن حجّيّة الخبر الموثوق الصدور وإن رواه الكاذب الوضاع ، وأخبار هذه الطائفة في فضائل أهل البيت بلحاظ ما جبلوا عليه من العداوة لهم أو أجبروا على ذلك محفوفة

بقرائن الصدق، كما قيل:

ومليحة شهد العدوّ بفضلها***والفضل ما شهدت به الأعداء

ص: 310

وإذا اشتملت الأخبار على أمرين أحدهما موافق لمذهب الشيعة، والثاني مخالف له فإنّه غير حجّة إذ يحتمل إلحاقه بطريق الدسّ والتدليس واختلاف الوثوق في جزء كلام واحد لم تكن وثاقته بشخص راويه ، وإنما بالاستناد إلى أمور خارجة لم يكن نادر الوقوع ولا عزيز الوجود. ولو افترضنا جدلاً إطراح رواياتهم بأجمعها المخالف منها والموافق ؛ لكذبهم ووضعهم وفسقهم ونصبهم وكفرهم فلا مناص من قبولها في مقام الاحتجاج عليهم.

وجملة القول ؛ يقول الله تعالى فى القرآن: «وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب» (1)ويقول سبحانه: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ الله» (2)وفي سبيل التفريع عليه يقول: «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ» الآية ، ويقول في موضع آخر : «وَمَن يُعَلِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ» .(3)

والشعار مشتق من الشعور بمعنى ما يشعر به، لهذا فسروه في الصحاح وفي تفسير الرازي بإعلام طاعة الله، وقالوا عنه في بعض كتب التفسير لأهل السنة «معالم دين الله» والثلاثة واحد في المعنى والمراد بالحرمات وإن وقعت في مسائل الحجّ إلّا أنّها اختصاص لها به بل الكبرى كلّيّة ، ولا شك بأن أهل الرسالة والعصمة التى هى أجر الرسالة من شعائر طاعة الله ومن معالم الدين، ومن أنكر ذلك فهو خارج من دين نبي آخر الزمان بالضرورة ؛ إذا الأمر الذي يقوم بتعظيم هذه الشعائر وهذه الحرمة هو التقوى والخير .

وأيضاً من الدلالة على مطلبنا بعد الآيات ما نقله ابن حجر في شرح الهمزية ،

ص: 311


1- الحج : 32 .
2- البقرة : 158 .
3- الحج : 30

وكفى بتناقض قوليه حجّة ملزمة عليه ، وهو كالذي يأتي في شرح هذا الشعر الذي قاله الناظم :

وقست منهم قلوب على من***بكت الأرض فقدهم والسماء

يقول : اقتباس المعنى من الآية الكريمة : «فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأَرْضُ» (1)لأن مفهوم الآية أن السماء والأرض يبكيان على المؤمن، وإذا كان هذا في مطلق المؤمنين - كما علم من الآية - فما ظنك بآل البيت النبوي والسر العلوي ؟! ويقول بعد تأويلات كثيرة : ولا مانع من حمله على الحقيقة لأنّه ممكن ورد به الشرع فلا يخرج عن ظاهره إلا بدليل ، ومرّ كلام مسلم والثعلبي وغيرهما في تفسير هذه الآية في شرح الفقرات السابقة .(2)

وأما الأخبار أوّلاً فيما ذكره ابن حجر في شرح الهمزية غنيّة عن القول وكفاية ، لأنّه قال في الشرح البيت التالي للبيت السابق :

فأبكهم ما استطعت إن قليلاً***من عظيم المصاب فيه البكاء

أي مدة استطاعتك تأسياً بنبيك ، ثم بجبرئيل ، ثم بعلي علیه السلام . روى ابن سعد عن الشعبي قال : مرّ علي كرم الله وجهه (3)بكربلاء عند مسيره إلى صفين فوقف وسأل

ص: 312


1- الدخان : 29
2- في شرح: «مصيبة ما أعظم رزيّتها».
3- وجه هذا القول الذي يطلق على أمير المؤمنين - كرّم الله وجهه - مضافاً إلى ما رووه من حديث أنهم يقولون : لأنّه لم يسجد لصنم قط فوجهه الشريف مكرَّم ، وفي (نور الأبصار) و(إسعاف الراغبين) من كتبهم مذكور : إنّ فاطمة بنت أسد لما كانت حاملاً به كلما أرادت تعظيم صنم وضع علي رجله المباركة في بطنها ومنعها من ذلك لأنه لم يسجد لغير الله منذ ولجته الروح إلى أن فارقته، ولم يعبد غيره، وهذا الخبر وإن كان من حيث الدلالة على عبادة فاطمة بنت أسد للأصنام لا يوافق قواعدنا وأخبارنا مطلقاً، إلا أن يحمل على التقيّة من الكفّار إلا أن كونه معجزة لأمير المؤمنين اعترف بها العدوّ ، لذلك لم أتحاش عن ذكره ولم أمسك القلم عن كتابته . (منه)

عن اسم هذه الأرض ، فقيل له : كربلاء، فبكى حتى بل الأرض من دموعه ، ثمّ قال: دخلت على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قال : كان عندي جبرئيل آنفاً، وأخبرني أن ولدي الحسين يُقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ، ثمّ قبض جبرئيل قبضة من تراب الأرض أشمني إياها ، فلم أملك عيني أن فاضتا .(1)

وأخرج الترمذي أنّ أمّ سلمة رأت النبي باكياً، وبرأسه ولحيته التراب، فسألته ، فقال : قُتل الحسين آنفاً.

وكذلك رأه ابن عبّاس نصف النهار أشعث أغبر ، بيده قاروة فيها دم يلتقطه فسأله، فقال: دم الحسين وأصحابه، لم أزل أتتبعه منذ اليوم، فنظروا فوجدوه قتل

ذلك اليوم .(2)

ثمّ يتسائل فيقول : جاء في الخبر الصحيح النهي عن البكاء، ويجيب نفسه أنّ المراد بالبكاء هنا الحزن والتأسف على ما أصاب الدين وأهل الدين من استباحة حرم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والاستهانة بحقه، ثمّ يتسائل كيف نهى النبي عن البكاء وهو يبكي ؟ فيجيب نفسه : النهي عن البكاء بعد الموت لأنّ فيه دلالة على التبرّم من قضاء الله وبكاء النبي قبل حدوث الموت.

وهذان الجوابان كلاهما بعيد عن الصواب :

أمّا الأوّل: فبعده لاقتضاء الحمل تقديم الخاص على العام وعلى فرض التسليم بصحة السند فينبغي أن يخصص خبر النهى بالنسبة إلى سيّدالشهداء بخبر التجويز ، ومبنى علماء الفريقين في جميع المباحث على تقديم الخاص على العام، وهذا الحمل باطل باتفاق علماء الإسلام

ص: 313


1- الصوعق المحرقة : 191 ط عبد اللطيف بمصر
2- صحيح الترمذي 13: 193 ط الصادي بمصر . (هامش الأصل)

ثانياً : حمل البكاء على التأسف والحزن لا يختلف عن حمله على البكاء لأنك سمعت في عبارة الصواعق أنّ الحزن من بدع الروافض .

ثالثاً: حمل البكاء على التأسف والحزن خروج عن ظاهر اللفظ بدون قرينة واطراح هذا الحمل أولى.(1)

وأما جوابه الثاني فلا يصح لأن رواية الترمذي فيها بكاء النبي بعد القتل وإذا ما نفى حجيّة الرؤيا فنقول في جوابه : لماذا حرّره إذن وأخذ في توجيهه علاوة على أنه في شرح الأبيات وغيرها من علمائهم يقولون : رؤيا النبي حجّة ورووا في هذا الباب عدداً من الأخبار. ثانياً : لا فرق بين البكاء والحزن في الدلالة على التبرّم من قضاء الله والتفكيك لا يصح بين اثنين علتهما مشتركة بالجواز وعدمه .

ومجمل القول : إنّ من الأخبار الدالّة على جواز البكاء الخبر الذي رواه ابن الأثير وغيره من العلماء من أهل السنة والجماعة أن النبي لما قفل من غزاة أحد إلى المدينة سمع بكاء الأنصار على قتلاهم من الشهداء ، قال : لكن حمزة لا بواكي له. فلما سمع الأنصار أرسلوا نسائهم يبكين على حمزة (2)قبل البكاء على قتلاهن . قال ابن الأثير: قال الواقدي : فلم يزلن يبدأن بالندب لحمزة حتى الآن بالقطع واليقين.(3)

ولم تكن محبّة الرسول لحمزة أكثر من محبّته بسبطه سيّدالشهداء وإذا كان مأموراً بالبكاء على الحمزة فأجدر به أن يكون مأمور به على الحسين علیه السلام .

ومجمل القول : لمّا كانت مودّة أهل البيت واجبة وتعظيم شعائر الإسلام لازماً والبكاء على سيّدالشهداء عمل مندوب إليه فإنّ جميع الأمور المذكورة تندرج

ص: 314


1- وقع خطأ في هذا وما قبله بالتقديم والتأخير . (المترجم)
2- الكامل 2 : 163 ط بيروت. (هامش الأصل)
3- شرح النهج لابن أبي الحديد 42:15 (هامش الأصل)

تحت هذه العناوين وهي مقدّمة لحصول البكاء، وثبت في الأصول واعترف به علماء أهل السنة والجماعة أنّ ما يتوقف عليه المطلوب مطلوب، فثبت من هذا أنّ جميع الأمور المذكورة راجحة ومندوبة إما بأمر نفسي أو بأمر غيري، وهو عين المطلوب والمدعى .

وأما قوله : «هذا العمل بدعة» فإن كان يقصد بها إدخال ما ليس من الدين في الدين بقصد أنه من الدين فإنّ فساده ظاهر لأنه داخل في العناوين العامة وتشتمل عليه الأدلّة الخاصة .

وإن كان قصده أنه عمل مستحدث لم يكن على عهد النبي فإنه مضافاً إلى بطلانه فإنّنا نقول : نقل عن جماعة من العلماء بمقتضى الأخبار وصرّح ابن الأثير ببعضه أنّ البدعة تنقسم إلى الأحكام الخمسة واجبة ، كالاشتغال بعلوم العربية، و حرام كشبهات المجبرة ، ومستحبّة كبناء المدارس والرباطات، ومكروهة كتذهيب المساجد ، ومباحة كفتح الجيب ولبس الثياب الجديدة ، ومن أين علم أنّ هذه البدعة لم تكن واجبة أو مستحبّة، بناءاً على ما قرّره ؟ إذن لا يوجب مجرّد إطلاق اسم البدعة على عمل بناءاً على مذهبهم الصدود عن ذلك العمل.

ذكر في النهاية بياناً حول الموضوع يحسن الرجوع إليه، وقد سمعت في الفقرات السابقة (1)ذكر بكاء الأرض والسماء .

ونقل عن عبد القادر الكيلاني في الفتية أنّة قال : بكي على الحسين ألف من الملائكة .(2).

ص: 315


1- ذيل فقرة : «مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيّتها في الإسلام».
2- وقال الطبري في ذخائر العقبى : 151 ، ط مكتبة القدوسي بمصر عن جعفر بن محمد الصادق أن حول قبر الحسين سبعين ألف ملك شعثا غبراً يبكون عليه إلى يوم القيامة . (هامش الأصل)

ويقول ابن زيدون في شرح قصيدة ابن عبدون تعليقاً على البيت التالي:

وأسبلت دمعة الروح الأمين على***دم بفخّ لآل المصطفى هدر

بكي جبرئيل على الحسين علیه السلام ، وإذا كان البكاء على سيّدالشهداء بدعة من بدع الرافضة فينبغي أن يكون رسول الله وأمير المؤمنين وجبرئيل والسبعون ألفاً من الملائكة والسماء والأرض والشمس والقمر ، كلّ هؤلاء روافض وهذا اعتراف مفيد من ابن حجر أنّ هؤلاء جميعاً رفضوا أئمته .

ومجمل القول أنه مضاف إلى ما تقدّم من الأمور فإنّ هاهنا دليلاً اعتبارياً لو تأمله العاقل المحايد المنصف فإنّه يجزم بصحة قول الشيعة وفساد طريقة خصومهم من العامة وهو أن أجنبيّاً عن الإسلام لو ألمّ بما جرى من أن جماعة آمنوا برسول الله واعتبروه واسطة الفيض الإلهي ورابطة المدد السماوي وهم يعترفون أن هذا النبي أوصى مراراً وتكراراً بأهل بيته، وأكد هذه الوصية وجاء في كتابه أنّ مودتهم أجر رسالة جدّهم واختص أحدهم بمزيد عنايته فقال فيه : «حسين منّي وأنا من حسين» وقال :«أحبّ الله من أحب حسيناً»، وقال: «اللهم إنّي أحبّه فأحب من أحبه وأبغض من أبغضه» وقال: «لا يكون المؤمن مؤمناً حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وأهله».(1)

ونقل هذه الأخبار جميع فرق هذه الأمة ، فاتفق أن انبرى إليه جماعة من نسل أعدائه فقتلوا الحسين ظلماً وعدواناً وأسروا نسائه وبناته كما يؤسر الروم والخزر، ولم يألوا جهداً في إيصال الأذى والظلم إليهم، والآن برزت طائفة من أمة هذا النبي صلی الله علیه و آله وسلم فأقاموا عزاء هذا الإمام ونصبوا مأتمه نيابة عنه وحفظاً لرحمه اتخذوا البكاء والحزن شعاراً، ويوم مقتله يوم تعطيل وترك للأعمال وراحوا يعظمون قدر

ص: 316


1- ونقلها في إحقاق الحق بالتفصيل 11 : 265 و 283 . (هامش الأصل)

هذا النبي ويؤدّون أجر رسالته على الوجه الأتم

ولكن طائفة أخرى تنسب نفسها إلى الأمة عكست القضيّة فاتخذت يوم مقتله سبباً للأفراح والمسرات، وراحت تجدد ثيابها وتكتحل وتختضب وتقيم حفلات البهجة والسرور ومجالس الأنس والفرح، ويهنّى بعضهم البعض الآخر ثم يستخفون بالطائفة الأولى ويهزئون منها ويعتبرونها ضالة مبدعة فسوف يحكم هذا الوافد الأجنبي المحايد الخارج عن التزامات الطائفتين بصحة عمل الطائفة الأولى وأنها المتبعة حقاً ، لذلك النبي والملتزمة بشرائط الأتباع . وأما الطائفة الثانية فقد أعطت ظهرها لحرمات النبي صلی الله علیه و آله وسلم وسلكوا مسلك العدو وفعلوا فعله لأنهم ابتهجوا بقتل ابن النبي كما ابتهج وفرحوا كما فرح، والحمد لله على وضوح الحجّة .

نصح وتحذير

ما أحسن أن يلتفت الشيعة عموماً والذاكرون خصوصاً في أمر هذا العزاء والمأتم إلى انتهاج طريقة تقصر معها السنّة النواصب فيقتصروا على الواجبات والمستحبّات، ويفرغوا عن استعمال الحرام واقتراف المعازف من قبيل الغناء الذي لا تخلوا منها طرائف الندب والرثاء واللطم غالباً، ويحترزوا من رواية الأكاذيب المفتعلة والحكايات الضعيفة المظنونة الكذب الدائرة في كتب المتأخرين بل المعاصرين، بل يشيحوا بوجوههم عن الكتب التي لم يكتبها رجال علماء لأنّ دائرة التصنيف والتأليف في زماننا اتسعت حتى لم يعد بحاجة لغير القرطاس والقلم وهجرت الشروط الأخرى ، ولا يجعلوا سبيلاً للشيطان على أنفسهم، ويتركوا الكبائر التي تتلف روح العبادات ، لاسيما الكذب والغناء الذي وجد الطريق إلى هذا العمل سالكاً فسار فيه، وقل من صين عنه ، والصواب هنا ذكر خبر أو خبرين عن عظيم عقوبة الكذب والغناء لعلّ المبتلى - أجارنا الله وإياك - يرتدع .

ص: 317

نقل في الحديث الموثق (1)في الكافي وعقاب الأعمال أنّ الله تعالى عزّ وجلّ جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شرّ من الشراب .(2)وفي كتب فقهائنا رضي الله عنهم مروي عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم : من كذب من غير عذر لعنه سبعون ألفاً من الملائكة ويخرج منه ريح نتنة حتى تبلغ العرش ويكتب الله عليه مكان هذه الكذبة سبعين زنية أقلها الزنا بالأم.(3)

وجاء في الكتب الفقهيّة أيضاً عن الإمام العسكري أنه قال: وضع الخبث في بيت وجعل مفتاحه الكذب.

واستند شيخ الطائفة وقائدها الأجل والمنتهى إليه رياستهم في العلم والعمل شيخنا المرتضى ضاعف الله قدره ورفع في الملأ الأعلى ذكره في كتاب المكاسب على حرمة مطلق الكذب بهذه الأخبار الثلاثة المستندة (4)وأنّه من الذنوب الكبائر، وهذا هو مذهب المحقق والعلّامة والشهيد الثاني، سواءاً ترتبت عليه مفسدة أو

ص: 318


1- لم يكن الرجوع إلى الأخبار متيسراً ساعة تأليف الكتاب لذلك اختلفت طريقتنا هنا وسرنا على غير السبك المعهود وإن كان فى الاعتماد أقوى . (منه)
2- الكافي 2 : 338. (المترجم)
3- لا أرتاب في وضع هذا الحديث كما أدين الله بلعن واضعه وحاشى للنبي أن ينطق العوراء خاصة إذا كانت في الوالدات، وأعلم بأن كل حديث وردت فيه عبارة الزنا بالأم فهو موضوع بلا ريب ، وسامح الله هذا الشيخ العظيم على هذه الغفلة (المترجم)
4- أقول : من هاهنا دهي شيخنا الفاضل العظيم الله والذي عرفته عنه أنه ينأى بنفسه عن نقل مثل هذه الأخبار لولا أنه وجدها في كتاب مولانا الشيخ الأنصاري له من ثم رواها ثقة به واعتماداً عليه ولكنه سامحه الله نسي أنّ الشيخ الأنصاري ليس معصوماً وأن الغفلة والنسيان يعرضان لغير المعصوم، وإليك الخبرين الذين ترجمناهما في المتن من كتاب المكاسب 2 : 12 : وعنه صلی الله علیه و آله وسلم أن المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك وخرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش، وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه ، ويؤيده ما عن العسكري صلوات الله عليه : جعلت الخبائث كلها في بيت واحد وجعل مفتاحها الكذب ... الحديث، فإن مفتاح الخبائث كلها كبيرة لا محالة . (المترجم)

لا، هذا حال الكذب الخالي من المفسدة، وأما الحاوي لها لاسيما إذا كان في الدين وصار سبباً لضعف اعتقاد المسلم أو للافتراء على الإمام أو إدخال الإهانة على قدر أهل البيت فهو حينئذ أخبث من سابقه مأة مرّة وذنبه ،أكبر ، وإذا كان الكذب على الله ورسوله والأئمة علیهم السلام فإن حاله مفهومه وهو مبطل للصوم وموجب للكفّارة.

وفي عقاب الأعمال أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار وهذا من الكبر بالاتفاق ، وإطلاق الخبر المذكور يشمل حتى الكلمة الواحدة وإن لم تكن مفيدة أو لم تترتب عليها آثار مفسدة فإنّها موجبة لدخول جهنّم .

ومن هذه الجهة نقل عن المرحوم الفقيه الزاهد الورع الحاج محمد إبراهيم الكلباسي أن خطيباً من فضلاء أهل المنبر قال في حضرته في أثناء القصّة التي قال فيها الإمام الحسين : يا زينب يا ،زینب فردّ عليه هذا الفقيه الورع ولم يحابه في الملأ العام ورفع عقيرته بالقول: فضّ الله فاك لم يقل الإمام مرتين «يا زينب» وإنما هي مرة واحدة، من هنا ينبغي لأهل المنبر أن يلحظوا حالهم ويعرفوا المفسدة المترتبة على هذا العمل.

وأمّا الغناء : فقد أجمعت الإمامية على تحريمه في الجملة .

والكليني بإسناده إلى محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السلام أنه قال : الغناء ممّا وعد الله عزّ وجلّ عليه النار وتلا هذه الآية: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ» (1)(2)

وخلاصة المعنى للآية الكريمة أنّ من الناس يعني بعضهم يشترون لهو

ص: 319


1- لقمان: 6 .
2- الكافي 6 : 431 (المترجم) ونفسه حديث 5 باب 6 كتاب 25 . (هامش الأصل)

الحديث ويطلبونه ليضلوا الناس عن دين الله بدون علم ويسخرون من الدين هؤلاء لهم في الآخرة عذاب الذل والهون وفسّروا لهو الحديث هنا بالغناء . ويمكن أن يدعى التواتر على هذا المعنى في أخبار أهل البيت في الجملة، وفي بعض الأخبار فسّروا قول الزور بالغناء.

وحقيقة الغناء هو اللهو سواءاً كان مع الترجيع أو حاصلاً من تقطيع الصوت بأطوال موزونة كما هو حاصل في اللحن المشهور من المناحة الموازنة له والمشهودة .

وصرّح بهذا التعميم الشيخ الأفقه الأكبر الشيخ جعفر في شرح القواعد) ولا فرق في هذه الحال بين رثاء سيّدالشهداء وغيره في الحرمة ، ولا تشترط رخامة الصوت بل يكفي أن يتطرّب به الفساق ساعة اللهو والطرب ويسمونه في عرفهم الغناء في أي لحن كان، وتضمن أي معنى شاء ، فكله حرام وموجب لدخول النار ، ولئن كان نشر الفضائل مستحباً فإنّ الكذب والغناء حرام وباطل .

ومن المناسب أن ننقل هنا كلام الشيخ الأجل الأعظم أستاد جميع من تأخر وتقدّم حجّة الفرقة الناجية، علامة العترة الزاكية شيخنا الأستاذ الأكبر نور الله ضريحه المطهر في المكاسب في الردّ على من زعم أن الغناء في المراثي موجب للبكاء ولزيادة، فيقول:

أما كون الغناء معيناً على البكاء والتفجّع فهو ممنوع بناءاً على ما عرفت من كون الغناء هو الصوت اللهوي بل وعلى ظاهر تعريف المشهور من الترجيع المطرب» لأنّ الطرب الحاصل منه إن كان سروراً فهو مناف للتفجع لا معين، وإن كان حزناً فهو على ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية لا على ما أصاب سادات الزمان (وعترة خاتم النبيين - المؤلّف) مع أنه على تقدير الإعانة لا ينفع في جواز الشيء كونه مقدّمة لمستحبّ أو مباح بل لابد

ص: 320

من ملاحظة عموم دليل الحرمة له فإن كان فهو وإلا فيحكم بإباحته للأصل ، وعلى أي حال فلا يجوز التمسك في الإباحة بكونه مقدّمة لغير حرام ....(1)

لما عرفت ثمّ إنّه يظهر من هذا ومما ذكر أخيراً من أن المراثي ليس فيها طرب أن نظره إلى المراثى المتعارفة لأهل الديانة التي لا يقصد إلا للتفجع ، وكأن-ه ل-م يحدث في عصره المراثي التي يكتفي بها أهل اللهو والمترفون من الرجال والنساء عن حضور مجالس اللهو وضرب العود والأوتار والتغني بالقصب والمزمار كما هو الشايع في زماننا الذي قد أخبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ينظر في قوله : «يتخذون القرآن مزامير» .(2)

كما أن زيارة سيّدنا ومولانا أبي عبدالله الحسين علیه السلام صار سفرها من أسفار النزهة لكثير من المسرفين، وقد أخبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بنظيره في سفر الحج وأنه يحج أغنياء أُمّتي للنزهة والأوساط للتجارة والفقراء للسمعة وكأن كلامه صلی الله علیه و آله وسلم - كالكتاب العزيز - وارد في مورد وجار في نظيره (3)وإلى هنا تمت (ترجمة) عبارة مكاسب الشيخ قدس الله نفسه وروّح رمسه .

ولما كان عموم أهل الإيمان من هذه الأمة من العالم والعامي يجرون كلام هذا الإمام المقدّم والقدوة المعظم مجرى النصوص فلا بأس من تدبره واتخاذه مثلاً يحتذى فلا يتخطونه، ومن أعظم مصائب الإسلام التى لو مات المسلم الغيور منها كمداً لما عدّ ملوماً أن بغاة اللهو وهواة الطرب من الناس يضعون أهل أسماء أهل

ص: 321


1- الشيخ الأنصاري ، المكاسب 1 : 312 (المترجم)
2- الرضا عن آبائه قال : قال رسول الله : إني أخاف عليكم استخفافاً بالدين وبيع الحكم وقطيعة الرحم وأن تتخذوا القرآن مزامير». عيون الأخبار 2: 42 ، بحار الأنوار 42:2، نفسه 89:2ط بيروت (هامش الأصل)
3- المكاسب 1 : 311 و 312.

بيت الطهارة الذين وصفهم الله في القرآن بالكرامة والعظمة من أمثال : زينب وأمّ كلثوم وسكينة في آلات اللهو والطرب مكان الأسماء التي ينبغي أن تدخل في المثالث والمثاني مثل ليلى وسلمى مراراً وتكراراً، ويجعلون تذكر مصائب آل الرسول بدلاً من سيرة بني أمية مجالاً لرغد العيش والتنعيم ووسيلة للتغنّي والترنّم ، ومن تأمّل هذا الأمر عرف بأنه تخطّى مجالات الفسق وأدخل رأسه في جيب الكفر والإلحاد نعوذ بالله من الخذلان وغلبة الهوى ومكيدة الشيطان .

ص: 322

اللهُمَّ فَضاعِفُ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ وَالْعَذابَ بِقَتْلِهِم الحُسَينَ عَلَيْهِ السَّلَام ...

الشرح : الفاء للتفريع وهي تعليل اللاحق بالسابق، وعلّة طلب المضاعفة لهم هذا المقام هو فرحهم بيوم عاشوراء لأنّها حقيقةً مصيبة عظيمة وخطب جليل

بل لا يقلّ عن إثم قتله وجريمة ذبحه.

ضعف كما في الصحاح والقاموس وأساس البلاغة ومنتهى الإرب وغيرها : المثل . ضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه وأضعافه أمثاله

وقال في القاموس : (والضعف المثل إلى ما زاد) فعلى هذا يكون مثال الشيء مرة أو مرتين أو ما زاد يسمّى ضعفاً، ويقولون لك ضعفه، ويريدون مثليه أو

ثلاثة أمثاله ، وهذا الترديد من صاحب القاموس ، وجرت على هذا عادته أن يتردّد في مواضع اختلاف أقوال اللغويين إذا لم يرجّح أحدها ؛ فالكلام يدل على قول والمثال شاهد على هذا القول.

وفي تفسير الفخر الرازي نسب العبارة المذكورة إلى الأزهري.

والمضاعفة عدل الشيء مرتين أو أكثر كما قال في منتهى الإرب ونسب في الصحاح هذا القول إلى الخليل وقال : وذكر الخليل أن التضعيف أن يزاد على أصل الشيء فيجعل اثنين أو أكثر ، وكذلك الأضعاف والمضاعفة ، يقال : ضعفت الشيء وأضعفته وضاعفته بمعنى ، والآية الكريمة : ي«ُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ» (1)مؤداه كون العذاب ثلاثاً وشاهد على هذا المدعى قوله تعالى: [«يضاعفه أضعافاً مضاعفة» «فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً»(2)] لأنّ المضاعفة إن اختصت بإضافة المثل لا يستقيم المعنى في هذا الاستعمال، ومن هنا يظهر أن الضعف ليس

ص: 323


1- الأحزاب : 30
2- البقرة : 245 .

مختصاً بمثل واحد لأنّ اختلاف المشتق مع المصدر في أصل المعنى وسنخ الموضوع لا يعقل. فتبين من هذا أنّ الحق مع الخليل ولا يصح ما قاله اللغويون ظاهراً بأنّ الضعف بمعنى المثل ؛ لأنّ المراد من الضعف المثلان لا النظير والمشابه للأصل ، ومن هذه الجهة صار معنى التضعيف جعل الشيء مثلين ، وأشار العلّامة الطبرسي له في مجمع البيان إلى دفع هذا الإشكال حيث قال :

«الضعف المثل الزائد على مثله فإذا قال القائل : أضعف هذه الدراهم فمعناه اجعل معه در هماً لا ديناراً، وكذلك إذا قال : اضعف الاثنين فمعناه اجعلهما أربعة ، وقوله : لا ديناراً إشارة إلى أن الزيادة على الضعف لا تكون اثنين ، ولا يعلم ذلك من اللفظ لكي يمكن أن تظنّ عشرة أو ديناراً.

وكذلك قال : حكي عن العرب أنّ الأضعاف في لغتهم مثلان ، والمضاعفة الزيادة على المثلين ، وبناءاً على هذا فيظهر النكتة في اختيار المضاعفة في هذا الدعاء في معنى الأضعفاف والتضعيف.

العذاب : التعذيب، وكلّ ما يقضي على النفس من الألم كما هو في منتهى الإرب، والمراد في عبارة الدعاء على الظاهر العذاب الأخروي.

ص: 324

اللهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ ، وَفِي مَوْقِفِي هَذَا ، وَأَيَّامٍ حَيَاتِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوَالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ...

الشرح : هذه الفقرة فذلكة الزيارة وخلاصتها لأنّ قوام هذه الزيارة على أمور ثلاثة :

الأول : بإظهار الولاء للنبي وآله كما ذكر في بعض الفقرات تفصيلاً، وفي بعضها الآخر إجمالاً .

الثاني: البرائة من جميع مراتب وجود العدو من الذوات والأفعال والصفات. الثالث : لعن هذا الفريق وفي هذه الفقرة ذكرت المطالب الثلاثة ، ومن محاسن الاتفاق أن يكون ابتداء هذه الزيارة واختتامها بلفظ السلام وهو دليل سلامة القارئ إن شاء الله ببركات أهل بيت العصمة والطهارة من الآفات والشرور الدينية والدنيوية، ومنّ الله علينا ببيان ما يحتاج إلى بيان وشرح من توضيح وشرح ألفاظ ومعاني هذه الزيارة بما يستحقه وما يقتضيه المقام بمقدار الوسع والطاقة، وما سمح به الزمان ونسبة هذا العمل إلى قوة الذات خطأ فادح وعُجب ورعونة بل ما جرى هو من ميامن وتوجهات ذلك الإمام الذي ارتبطت هذه الزيارة بذاته الشريفة وتعلّقت بفضله شملنا الله وعامة شيعته ببركاته وألحقنا في الآخرة بدرجة عبيده بل بدرجاته ..

والآن من المناسب التعرّض لشرح فقرات عدّة من الدعاء الوارد عقيب زيارته بفصل مستقل طبقاً للمبادئ التي سرنا على نهجها في شرحنا المتقدم تتميماً للفائدة وإتماماً لنعمة الله علينا والله الموفق لكل خير وبه الاعتصام ثم برسوله وعترته عليهم أفضل الصلاة والسلام.

ص: 325

في شرح دعاء اللعن والسلام ودعاء قبل السجدة ودعاء السجدة

اشارة

وفي هذا الفصل مطالب عدّة :

المطلب الأول : شرح دعاء اللعن

اللهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تَابِعٍ لَهُ عَلَىٰ ذَلِكَ ....

الشرح : أوّل : اختلف في اشتقاقه فقال جماعة من البصريين أنّه مأخوذ من «وول» وفي هذا المعنى راعوا القياس لأن وزنه عندهم على أفعل ولكن لا يظهر معنى ل_«وول» ولم يستعمل في غير موضع النزاع اتفاقاً فيكون على هذا لا وجه للاشتقاق منه .

وقال بعضهم : مشتق من «وئل» ومعناه لجأ ، ومنه الموئل بمعنى الملجأ ، ولمّا كان السبق علّة في النجاة وأوّل كلّ شيء سابق على سائر أجزائه لذلك استعملوا اللفظ الموضوع للالزم في الملزوم وبناءاً على هذا يكون الواو الثاني مقلوباً عن ا لهمزة وهذا خلاف القياس.

وقال جماعة : اشتق من «أول» بمعنى رجع ، وإذا كان على وزن أفعل يكون معناه الشيء الذي يكثر الرجوع إليه ، وهذا المعنى لازم لأسبق الأجزاء، وبناءاً على هذا يكون أفعل التفضيل مشتقاً من المجهول مثل أحب وأبغض وأحمد وأشغل وأشهر ونظائرها.

ووقع الخلاف في وزنه كما وقع في اشتقاقه فقال البصريون هو على وزن

ص: 326

«أفعل» وغالب الكوفيين وبعض البصريين على أنّه على وزن فوعل مثل «كوكب» و«جوهر وبناءاً على هذا تكون الواو زائداً وليست الهمزة ...

وإذا كان مشتقاً من «وول» فينبغي أن يكون «وول»(1) فقلبت الواو الأولى إلى همزة لثقلها على اللسان وإذا كانت مشتقة من «وئل» تكون .. «ووئل» وبناءاً على هذا يكون قد حدث قلبان وكلاهما خلاف القياس، ويمكن الالتزام بالنقل المكاني وحينئذ يكون على وزن «عوفل» وبناءاً على الوجه الثالث(2) يتفق مع الاحتمال السابق (3)لأنّ كليهما على وزن «أوئل» (4)(5)والمشهور عند النحاة أنّ أوّل على وزن أفعل واستشهدوا بقول العرب : هذا أوّل من هذا مع من التفضيلية، ومع أنّ مؤنثه «أولى» ومن هذه الجهة اعتبر الحريري في أوهام الخواص أنّ أوّلة مؤنث أوّل خطأ، وتابعه المحقق الثاني في جامع المقاصد، وحكم على العلامة بالتخطأة في استعمالين «أوّلتين» وبعضهم كالمرزوقي في شرح الفصيح صحّح

ص: 327


1- «ووول» هو الصحيح (هامش الأصل)
2- الاشتقاق من مادة أول وعين الفعل في جميع هذه الصور تكون الصورة السادسة والأولى واحدة. (هامش الأصل) والترجمة غير دقيقة . (المترجم)
3- أن يكون أفعل تفضيل من «وول» .
4- الصحيح «أوول». (هامش الأصل)
5- وفي المسألة سنة فروض : الف - أفعل تفضيل . ب - ألف «أول فاء الفعل على أن يكون أول على وزن فوعل، وتكون مادة أول مأخوذة من 1 - وول ، 2 - من «وئل»، 3 - من أول . ومع ضرب الاحتمالين في الاحتمالات الثلاثة تكون للمادة صور ست والتفصيل على النحو التالي : 1 - أوول ، 2 - أونل ، 3 - أأول ، 4 - ووول ، مع كون الواو الزائدة بين فاء الفعل وعينه كالواو في كوكب وجوهر ؛ لأن الواو تزداد ثانية كثيراً كجوهر وكوثر (شرح عليخان : 34) 5 - ووئل ، 6 - أوول مع كون الواو زائدة بين فاء الفعل وعين الفعل وفي جميع هذه الصور تكون الصورة السادسة والأولى واحدة.

ذلك والتزم بأوّلة مؤنثاً لأول قياساً على آخره في تأنيث آخر ولا يخلو هذا الكلام من قدح .

وفي شرح الشهاب الخفاجي صاحب الريحانة على درة الغواص، وفي شرح الصحيفة المكرّمة للسيد الأديب المحقق المذكور أنّ أوّل يكون أحياناً أفعل تفضيل وأحياناً يكون صفة ويأتي أحياناً مثل الظروف لازمة الإضافة كقبل وبعد، ويستعمل استعمالهما وأحياناً يكو كسائر الأسماء ، وهذان القسمان منصرفان

ومؤنّثه «أوّله» . ونقل عن المرزوقي في شرح الدرّة وعن منتهى الإرب.

ويقول في أساس البلاغة: «جمل أوّل» و«ناقة أولة» وفي أخبار أهل العصمة علیهم السلام الذين كلامهم حجّة واستعمالاتهم دليل الصحة ورد لفظ «أوّل» »و«أوّلة كثيراً في كلامهم بل هو متكرّر الورود ومتكثر الوجود، ومع تصريح أبي حيان والمرزوقي والزمخشري ومجيء الاستعمال الفصيح في ذلك يكون الحكم بالتخطأة هو الخطأ.

والذي يصل إليه فهمي القاصر أنّ «أوّل» لفظ مشترك بين هذين الوزنين عندما يكون غير منصرف ويستعمل مع «من» بمعنى أفعل التفضيل يكون مؤنثه أولى، وعندما يكون منصرفاً وبالمعنى المتقدم من دون نظر إلى التفضيل «فوعل» ومؤنّثه أوّله ، واحتمال قياسه على «آخر» في غير المورد المذكور كما ذكر ذلك المرزوقي لا وجه له.

وعلاوة على هذا التأويل فإن ما يقال من انصراف معنى التفضيل ونزعه يحتاج إلى تكلّف آخر ، وما فعلناه من الجمع فإنّه وإن لم يقل به أحد إلا أنه ليس بعيداً على أية حال ولم نلتزم باجتهادات النحاة وآرائهم ، ولا وحشة من حق ساعد عليه الدليل والاعتبار.

آخِر : بكسر الخاء بمعنى البعد ضدّ الأوّل كما فى منتهى الإرب وتأنيثه آخره

ص: 328

والآخَر بالفتح بمعنى الغير ...(1)ولكنه أخص منه وهو من جنسه مثل «جائني رجل وآخره لا حيوان آخر ، وهذا المعنى يظهر من معنى الغير أيضاً ولكن بالانصراف لا الوضع بل بالقرينة لا بالانصراف ، وهذا ظاهر كلام اللغويين، والفرق لا يخلو من إشكال .

التابع : في منتهى الإرب: «تبعه تبعاً - بالتحريك - وتباعة - بالفتح ..

والقصد من أوّل ظالم على الظاهر أبو بكر لأنّه أوّل من تقمّص الخلافة وفتح باب الظلم على أهل بيت النبوة علیهم السلام (2)وغصب حق محمد وآله وتعود إليه سيئات عمر لأنه عقد الخلافة من بعده لعمر ، ولذا جاء في أحاديث أهل بيت العصمة

ص: 329


1- يقال للأول بمعنى السابق والمقتدى به وبهذا المعنى جاء قول الله تعالى: «وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ» أي لا تسبقوا إلى الكفر فيقتدى بكم، وقول أمير المؤمنين : «أنا أول المؤمنين» أنا السابق إلى الإيمان وأنا المقتدى به - مفردات الراغب . والآخر بمعنى من لم يكن الأول لا الفرد المكمّل ، وبهذا المعنى فسّروا الآية الشريفة : «اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ علَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا» [المائدة : 114] الكشاف ومجمع البيان . والآية المباركة : «قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَوْلَاءِ أَضَلُّونَا» [الأعراف: 38] والآية الكريمة «هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ» [الحديد: 3] . ويظهر مما تقدّم تفاهة هذا السؤال . وفي هذه الفقرة «لعن الله أوّل ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له» ولكن اللعنة لم تصب المتوسطين بين الأول والآخر ، فَلِمَ لَمْ يَلْعَنهم ؟ (هامش الأصل)
2- ويدلّ عليه ما رواه العياشي عن أبي جميلة عن بعض أصحابه عن أحدهما قال : قد فرض الله في الخمس نصيباً لآل محمد فأبى أبوبكر أن يعطيهم نصيبهم حسداً وعداوة وقد قال الله : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» وكان أبو بكر أوّل من منع آل محمد الله الله حقهم وظلمهم وحمل الناس على رقابهم ، ولما قبض أبو بكر استخلف عمر على غير شورى من المسلمين ولا رضا من آل محمّد فعاش عمر بذلك لم يعط آل محمد علا الله حقهم وصنع ما صنع أبوبكر ... (العياشي ، ذيل الآية ، بحار الأنوار 8 2.10 ط تبریز و 8: 218 ط كمپاني) (هامش الأصل)

والطهارة : «عمر سيّئة من سيئات أبي بكر» وليس من المستبعد أن يكون المراد بأوّل ظالم الثاني لجهتين :

إما لأن ظهور آثار ظلمه أشدّ وأعظم .

واماً لأن الأوّل لم يتسنّم غارب الحكم إلا بتمهيد منه وتسويل كما أن كلام شارح المقاصد وغيره الذي سمعته سابقاً شاهد على صدق هذا المدعى ، مِن ثَمّ يعبّر عن أبي بكر في لسان الأئمة وخواصهم بالعجل ، وعن عمر بالسامري، وعلى كليهما من كتب القوم شاهد أعدل ومخبر أمين بعون الله وأوليائه الكرام ولابد من

ذكرها.

أمّا دليل الوجه الأوّل : فالخبر الذي نقله ابن أبي الحديد من كتاب نصر بن مزاحم، ورواه المسعودي في مروج الذهب، وكلاهما معتمد عند أهل السنّة والجماعة ، وهذا الخبر وإن كان مسهباً إلّا أنّه لاشتماله على فضائل أمير المؤمنين علیه السلام ومثالب عدوّه رأينا من الصواب نقله برمته لنؤدي به حق تلكم الحقبة من الزمن وهو كما يلي:

لما عزل علي علیه السلام قيس بن سعد من ولاية مصر ونصب محمد بن أبي بكر ووصل إلى مصر كتب إلى معاوية كتاباً كما يلي :

من محمّد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر ، سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لأهل ولاية الله .

أما بعد فإنّ الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقاً بلا عتب ولا ضعف في قوته ولا حاجة إلى خلقهم ولكنّه خلقهم عبيداً وجعل منهم شقيّاً وسعيداً وغويّاً ورشيداً ، ثمّ اختار الله على علمه فاصطفى وانتخب منهم محمّداً فاختصّه برسالته واختاره لوحيه وائتمنه على أمره، وبعثه رسولاً مصدّقاً لما بين يديه من الکتب ودليلاً على الشرايع فدعا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة

ص: 330

الحسنة ، فكان أوّل من أجاب وصدّق (1)فأسلم وسلم فأخوه (2)وابن عمه علي بن أبي طالب فصدقه بالغيب المكتوم ، وأثره على كلّ حميم، ووقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف فحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح متبذلاً لنفسه في ساعات الأزل ، ومقامات الروع حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له فعله ، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو ، السابق المبرّز فى كلّ خير ، أوّل الناس إسلاماً، وأصدق الناس نية، وأطيب الناس ذرّيّة، وأفضل الناس زوجة وخير الناس ابن عمّ.

وأنت اللعين بن اللعين ، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتبذلان فيه المال، وتخالفان في ذلك القتال (3)على ذلك مات أبوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقيّة الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله .

والشاهد لعلي مع فضله وسابقته القديمة، أنصاره الذين ذكرهم الله في القرآن ففضّلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار ، فهم معه في كتائب وعصائب يجالدون حوله بأسيافهم، ويهريقون دمائهم دونه، يرون الفضل في اتباعه، والشقاق والعصيان فى خلافه، فكيف يالك الويل تعدل نفسك بعلى ، وهو وارث رسول الله ووصيه وأبو ولده وأوّل الناس له اتباعاً، وآخرهم به عهداً يخبره بسره ويشركه في أمره.

وأنت عدوّه وابن عدوّه ، فتمتّع من دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك

ص: 331


1- ووافق - كتاب صفين. (هامش الأصل)
2- وأخوه - ابن أبي الحديد. (هامش الأصل)
3- القبائل - ابن أبي الحديد. (هامش الأصل)

ابن العاص في غوايتك فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، وسوف تستبين لمن تكون العاقبة العليا .

واعلم أنك إنما تكاد ربك الذي قد أمنت كيده ، وأيست من روحه، وهو لك بالمرصاد، وأنت منه في غرور وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغنى، والسلام

على من اتبع الهدى .(1)

ولما وصل الكتاب الذي خلاصة مضمونه ذكر فضائل علي علیه السلام وسبقه وجهاده وعلمه وحلمه ونصرته الإسلام ووقايته بنفسه المقدّسة والثناء على أصحابه الذين هم لباب الأنصار وخلاصة المهاجرين ، وتحذير معاوية من مغبة فعله، وسوء عاقبته لخلافه أهل بيت الرسالة وتنبيهه إلى الرجوع عن غيه وعهده السالف ورسمه السابق وحقده القديم على النبي، وما كان يفعله هو وأبوه من تجييش الجيوش وتجنيد الجنود والعساكر على النبي ودعوته. لذلك صار اللعين ابن

اللعين والعدوّ ابن العدوّ ، وبهذا يعرف وبه يلقب .

إلى أن كتب معاوية إليه :

من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر، سلام على أهل طاعة الله .

أما بعد ، فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه ، وما اصطفى به نبيه مع كلام ألفته ووضعته ، فيه لرأيك تضعيف ، ولأبيك فيه تعنيف، وذكرت حق ابن أبي طالب ، وقدم (2)وقرابته من نبي الله ، ونصرته له ، ومواساته إياه في كلّ

ص: 332


1- شرح ابن أبي الحديد 3: 188 (هامش الأصل) نفسه : 189 . (المترجم)
2- قديم سابقته - أبي الحديد. (هامش الأصل)

خوف (1)، واحتجاجك عليّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك ، فاحمد إلهاً صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده ، ه ، وأتمّ له وعده، وأظهر دعوته ، وأفلج حجّته ، قبضه الله إليه ، فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزه وخالفه على ذلك اتفقا واتسقا ، ثم دعواه على أنفسهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم فبايعهما وسلّم لهما ، لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرهما، حتّى قبضا وانقضى أمرهما، ثم أقام بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان يهتدي بهديهما ويسير بسيرتهما فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، وبطنتما له عداوتكما، وعلّكما حتى بلغتما منه مناكما، فخذ حذرك يابن أبي بكر، فترى (فسترى - ابن أبي الحديد) وبال أمرك ، وقس شبرك بفترك تقصر أن تساوي أو توازي من يزن الجبال حلمه ولا تلين على قسر قناته ، ولا يدري ذو مدى أناته ، أبوك مهد له مهاده، وبنى ملكه ،وشاده، فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك أوّل، وإن يكن جوراً فأبوك أُسّه (أسسه ابن أبي الحديد)(2) ونحن شركاء ، فبهداه أخذنا ، وبفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل ما فعل فأخذنا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدى لك أودع ، والسلام على من أناب ورجع عن غوايته وتاب..(3)

وهذا الجواب مذكور في مصادر ثلاثة من كتب أهل السنّة والجماعة وهي: كتاب نصر بن مزاحم وهو من أعاظم المعتمدين الثقات عندهم ، و«مروج

ص: 333


1- هول - ابن أبي الحديد.
2- في ابن أبي الحديد: أسه ، وفي صفين لنصر : أسسه . (المترجم)
3- ابن أبي الحديد 3 :189 (هامش الأصل)

الذهب» وقد مرّ آنفاً شطر من أحواله على القارئ (1)و «شرح نهج البلاغة» لعبد الحميد بن أبي الحديد البغدادي وهو من أجلة علماء هذه الطائفة وفقهائها .. (2)وقد تعرّض لذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان استطراداً عند ذكره ترجمة نصر الله بن الأثير صاحب (المثل السائر ) وذكره صلاح الدين الكتبي في قوات الوفيات استقلالاً، والصلاح الصفدي في شرح اللامية وغيره، وعبروا عنه مراراً بالإمام العلّامة، ومع ذكر هؤلاء للكتابين لا يبقى شك لأحد في سلامة السند .(3)

وفى هذا الكتاب شهد معاوية أنّ أساس الظلم لأهل البيت هو ذلك الملحد الذي جهل الله وعذابه في مواضع عدّة، ومعاوية عند القوم إمامهم وخليفة تجب طاعته، وهو واسطة الفيض الربّأني بينهم وبين الله ، وأثبتوا له كرامات ومقامات، كما جاء في حكاية حديثه مع الشيطان في المثنوي ، وبالطبع قول معاوية حجّة عليهم ، وروايات علمائهم معتمدة.

وأما دليل الوجه الثاني فالخبر الذي ذكره آية الله العلامة أدام الله في الجنة إكرامه الذي رواه عن البلاذري وأقرّ به ابن روزبهان، وهذه عبارته :

«... لما قتل الحسين علیه السلام الكتب عبدالله بن عمر إلى يزيد بن معاوية : أما بعد ، فقد عظمت الرزيّة وجلّت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم الحسين».

ص: 334


1- في شرح جملة : «هذا يوم فرحت به آل زیا». (هامش الأصل)
2- هو معتزلي وقد صرّح في شرحه مراراً بذلك فكيف خفي على المؤلّف ونسه الى أهل السنّة والجماعة. (المترجم)
3- وذكر المؤلّف بعد هذا ترجمة الكتابين ولكنّه سمّى الترجمة محصلاً مما يشعر بأنه اختصرها فاستنبط منها وأضاف إليها ولكني وجدتها ترجمة هي عين الأصل. (المترجم)

فكتب يزيد «أمّا بعد، فإنّا جئنا إلى بيوت منجدة وفرش ممهدة ووسائدة منضدة ، فقاتلنا عنها ؛ فإن يكن الحقِّ لنا فعن حقنا ،قاتلنا ، وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا وابتز واستأثر بالحقِّ على أهله» انتهى .(1)

وهذا الكتاب يتفق مع مضمون خبر مطلب منقول من كتاب دلائل الحميري (الطبري - ظ) أن عبدالله بن عمر لما قدم على يزيد الشام كلّمه في بدعه فخلا به وأراه طومارين طويلين كتبهما عمر إلى معاوية وفيهما الظلم الذي أنزله بأهل البيت وتوجيه ما يظهره لهم من الود الظاهري الصوري والسعي لاستئصالهم وقطع فروعهم في الباطن وإظهار الثبات على العهد القديم ودين الجاهلية وعبادة الأوثان بالتفصيل الذي ورد في فتن البحار وغيره.(2)

ص: 335


1- نهج الحق : 356 . وهذا أمر ضروري ولا يحتاج إثباته إلى قول يزيد وأضرابه ، وإن كان فيه تأييد للمطلوب ، فالحسين لم يقتل إلا بأسياف الأولين ، ولذا قال القاضي ابن قريعة في أبياته : لولا حدود صوارم***أمضى مضاربها الخليفه لنشرت من أسرار آل***محمّد جملاً طريفه وأريتكم أن الحسين***أصيب في يوم السقيفه (هامش الأصل)
2- بحار الأنوار 8 221 ط تبريز البصائر : أحمد بن محمد، عن الحسن بن عليّ ، عن أبي الصخر ، عن الحسن بن علي قال : دخلت أنا ورجل من أصحابي على عليّ بن عيسى بن عبدالله بن أبي طاهر العلوي . قال أبو الصخر : فأظنّه من ولد عمر بن عليّ ، قال : كان أبو طاهر في دار الصيديين نازلاً . قال : فدخلنا عليه عند العصر وبين يديه ركوة من ماء وهو يتمسح فسلمت عليه فردّ علينا السلام ثم ابتدأنا ، فقال : معكم أحد ؟ فقلنا : لا ، ثم التفت يميناً وشمالاً هل يرى أحداً، ثمّ قال : أخبرني أبي عن جدّي أنه كان مع أبي جعفر محمد بن علي بمني وهو يرمي الجمرات ورأيت أنا أبا جعفر رمى الجمرات، قال: فاستتمها ثم بقي في يده [بعد] خمس حصیات ، فرمی اثنين في ناحية وثلاثة في ناحية ، فقال له جدي : جعلت فداك ، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعه أحد قط ، رأيتك رميت الجمرات ثم رميت بخمسة بعد ذلك ؛ ثلاثة في ناحية واثنتين في ناحية . قال : نعم ، إذا كان كل موسم أخرج الفاسقان الغاصبان ثمّ يفرق بينهما هاهنا وهاهنا ، لا يراهما إلا إمام عدل فرميت الأوّل اثنتين والآخر ثلاثة لأن الآخر أخبث من الأول. الاختصاص : أحمد بن محمد بن عيسى عن الورد ، عن أبي الصخر أحمد بن عبدالرحيم، عن الحسن بن علي رجل كان في جباية مأمون قال : دخلت ... مثله وفيه : أخرجا الفاسقان غضين طريين فصلبا هاهنا لا يراهما إلا إمام عدل [بحار الأنوار 8: 214ط کمپانی] . (هامش الأصل)

وشهد يزيد هنا بأن عمر أوّل ظالم ، ولما كان يزيد إمام أهل السنّة وهو عندهم خليفة تجب طاعته فينبغي أن تقبل شهادته ولو أنّهم تبرموا لهذا فإنّ تقرير ابن الخليفة عبد الله وإقراره ليزيد على ما قال وسكوته عمّا قال دليل على أنّه لا يملك الجواب، وهذا الحديث حقّ ، ومن المعلوم المشهور عندهم أن معاوية وعبدالله ابن عمر كلاهما من أكابر الصحابة، وجاء في أحاديثهم حديث : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ونحن في هذه الفقرة عن أوّل ظالم هل هو أبو بكر أو عمر

نعمل بقول معاوية أو عبد الله لئلا نكون قد خالفناهم في أمر هذا الحديث ... ومجمل القول يمكن أن نذهب إلى أن عمر وأبا بكر كليهما كانا أول ظالم وهذا الأمر قائم بالمجموع من حيث هو مجموع لأنه لولا عمر لما استخلف أبوبكر ، ولولا أبو بكر لما استخلف عمر ، وشاهد الاحتمال الأوّل: كتاب معاوية فكان

أبوبكر أبوك وفاروقه أوّل إلى آخره، لكن الاحتمال الأوّل أقرب إلى التحقيق، وإنما ذكر يزيد عمر لكون مخاطبه ابنه عبدالله، ويلاحظ أن قوام أمر أبى بكر بعمر ، أو أنّ النظر متعلّق بالمتأخرين وإثبات الأولية بالإضافة أي أن الغرض من قوله أوّل ظالم ليس على الحقيقة بل هذه الأوّليّة إضافية أي يمكن أن يكون أبوبكر أوّل بالنسبة إلى عمر ، وهو أوّل بالنسبة إلى عثمان ، وهكذا - المترجم - .

وعلى أية حال لولا هذان الرجلان لما وقع في الإسلام ظلم ولم تهتك حرمات

ص: 336

آل الرسول صلى الله عليه و آله وسلم كما ذكرنا سابقاً حديث الكميت الذي ذكره الكشي(1) وقد أجاد القائل :

بر عترت رسول پس از رحلت***رسول کرد آنچه کرد آنکه بنای ستم نهاد

بنیاد بارگاه سلیمان بیاد داد***دیو پلید پای چه بر تخت جم نهاد

جرى ما جرى بعد موت الرسول***على آله من يد الظالم

غداً حين تكشف أعماله***يعض على اصبع النادم

ويقول أيضاً:

کی بر فلک درخت شقاوت کشید***سر گر زیر خاک تخم جفا زابتدا نبود

ودوحة الظلم لم تضرب بهامتها***هام السماوات لولا غرس بذرتها

وقد أجاد شاعر العصر صاحبنا السيد حيدر الحلّيّ في شكواه من أمر القرعة العسكرية حيث قال :

نرى سيف أوّلهم منتضئ***على رأسنا بيد الآخر

وجملة القول : نرى من الصواب أن نشير إشارة إجمالية إلى الظلم والاعتداء الوارد على أهل بيت محمد صلى الله عليه و آله وسلم من عدوهم، ولما كان الاستقصاء أبوابه وفنونه خارجاً عن طاقة هذا القليل البضاعة الكثير الإضاعة نزر الاطلاع، وترك هذا الباب من رأس ينافي ما اتخذناه على أنفسنا من الشرح والإيضاح، رأينا من الأولى أن نقتصر على الكتاب الذي كتبه إلى أهل نيشابور أبوبكر الخوارزمي صاحب الرسائل المعروفة، وهو من فضلاء المؤرّخين وابن أخت أبي جعفر الطبري المشهور ، ومن هذه الناحية يطلق عليه «طبر خرمي» (2)، ولقد طبعت رسائله إلى

ص: 337


1- في شرح «أسست أساس الظلم عليكم أهل البيت وأحاديث أخرى في هذا الموضوع». (هامش الأصل)
2- مخفف طبري خوارزمي . هامش الأصل أو منحوت منهما . (المترجم)

الآن مراراً في مصر وإسلامبول مع تقريظات لطيفة وله ترجمة في اليتيمة والوفيات وغيرهما، وهذا الكتاب حبّره إلى أهل نيشابور وأظهر فيه المظالم التيميّة والعدوية والعباسية، ولما كبس المعاني المعسولة طيّ العبارات المصقولة، وتمتاز رسائله بلطافة المضمون وفخامة اللفظ ، لذلك أوردنا هنا هذه الرسالة من النسخة المطبوعة في اسلامبول وهي هذه :

وكتب إلى جماعة الشيعة بنيشابور لمّا قصدهم محمد بن إبراهيم واليها :

سمعت أرشد الله سعيكم وجمع على التقوى أمركم ما تكلّم به السلطان الذي لا يتحامل إلا على العدل، ولا يميل إلا على جانب الفضل، ولا يبالي بأن يمزق دينه إذا وفا دنياه، ولا يفكر في أن لا يقدم رضاء الله إذا وجد رضاه، وأنتم ونحن أصلحنا الله وإياكم عصابة لم يرض الله لنا الدنيا فذخرنا للدار الأخرى ، ورغب بنا عن ثواب العاجل، فأعدّ لنا ثواب الآجل، وقسمنا قسمين : قسماً مات شهيداً، وقسماً عاش شريداً، فالحي يحسد الميت على ما صار إليه ، ولا يرغب بنفسه عمّا جرى عليه.

قال أمير المؤمنين ويعسوب الدين علیه السلام : المحن إلى شيعتنا أسرع من الماء إلى الحدود، وهذه مقالة أسست على المحن، وولد أهلها في طالع الهزاهز والفتن، فحياة أهلها نقص، وقلوبهم حشوها غصص، والأيام عليهم متحاملة، والدنيا عنهم مائلة ، فإذا كنا شيعة أئمتنا في الفرائض والسنن ، ومتبعي آثارهم في كل قبيح وحسن، فينبغي أن تتبع آثارهم في المحن.

غُصبت سيّدتنا فاطمة صلوات الله عليها وعلى آلها ميراث أبيها صلوات الله عليه وعلى آله يوم السقيفة وأخر أمير المؤمنين علیه السلام عن الخلافة ، وسُمّ الحسن سرّاً، وقتل أخوه - كرّم الله وجهه - جهراً، وصلب زيد بن عليّ بالكناسة، وقطع رأس زيد بن عليّ في المعركة، وقتل عبدالله بن الحسن في

ص: 338

السجن، وقتل ابناه محمّد وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العباسي، ومات موسى بن جعفر في حبس هارون، وسُمّ علي بن موسى بيد المأمون، وهزم إدريس بفخّ حتى وقع إلى الأندلس فريداً، ومات عيسى بن زيد طريداً شريداً، وقتل يحيى بن عبدالله بعد الأمان والإيمان، وبعد تأكيد العهود والضمان.

هذا غير ما فعل يعقوب بن الليث بعلويّة طبرستان، وغير قتل محمد بن زید والحسن بن القاسم الداعي على أيدي آل ساسان، وغير ما صنعه أبو الساح (كذا) في علويّة المدينة ؛ حملهم بلا غطاء ولا وطاء من الحجاز إلى سامراء، وهذا بعد قتل قتيبة بن مسلم الباهلي لابن عمر بن عليّ حين أخذه بأبويه وقد ستر نفسه، وواری شخصه يصانع عن حياته ويدافع عن وفاته، ولا كما فعله الحسين بن إسماعيل المصعبي بيحيى بن عمر الزيدي خاصة، وما فعله مزاحم بن خاقان بعلوية الكوفة كافة.

وبحسبكم أنه ليست في بيضة الإسلام بلدة إلا وفيها لقتيل طالبي ترة تشارك في قتلهم الأموي والعباسي ، وأطبق عليهم العدناني والقحطاني.

فليس حي من الأحياء نعرفه***من ذي يمان ولا بكر ولا مضر

إلا وهم شركاء في دماءهم***كما تشارك أيسار على جزر

قادتهم الحمية إلى المنيّة، وكرهوا عيش الذلّة فماتوا موت العزّة، ووثقوا بما لهم في الدار الباقية، فسخت نفوسهم عن هذه الفانية ، ثمّ لم يشربوا كأساً من الموت إلا شربها شيعتهم وأولياءهم، ولا قاسوا لوناً من الشدائد إلا قاساه أنصارهم وأتباعهم.

داس عثمان بن عفان بطن عمّار بن ياسر بالمدينة، ونفى أباذر الغفاري إلى الربذة، وأشخص عامر بن عبد قيس التميمي، وغرب الأشتر النخعي وعدي بن حاتم الطائي، وسير عمر بن زرارة إلى الشام، ونفى كميل بن زياد إلى العراق،

ص: 339

وجفا أبي بن كعب وأقصاه ، وعادى محمد بن حذيفة وناواه، وعمل في ذمّ محمد بن سالم ما عمل، وفعل مع كعب ذي الخطبة ما فعل.

وأتبعه في سيرته بنو أمية يقتلون من حاربهم، ويغدرون بمن سالمهم، لا يحفلون المهاجري ، ولا يصونون الأنصاري، ولا يخافون الله ، ولا يحتشمون الناس قد اتخذوا عباد الله خولاً، ومال الله دولاً، يهدمون الكعبة ويستعبدون الصحابة، ويعطلون الصلاة الموقوتة ، ويختمون أعناق الأحرار ، ويسيرون في حرم المسلمين سيرتهم في حرم الكفّار، وإذا فسق الأموي فلم يأت بالضلالة عن كلالة.

قتل معاوية حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي بعد الأيمان المؤكّدة والمواثيق المغلّظة ، وقتل زياد بن سميّة الألوف من شيعة الكوفة وشيعة البصرة صبراً ، وأوسعهم حبساً وأسراً حتى قبض الله معاوية على أسوء أعماله، وختم عمره بشر أحواله ، فأتبعه ابنه يجهز على جرحاه، ويقتل أبناء قتلاه إلى أن قتل هاني بن عروة المرادي ومسلم بن عقيل الهاشمي أولاً، وعقب بالحارث بن زياد الرياحي وبأبي موسى عمرو بن قرظة الأنصاري، وحبيب بن مظهر الأسدي، وسعيد بن عبدالله الحنفي، ونافع بن هلال البجلي، وحنظلة بن أسعد الشامي، وعابس بن أبي شبيب الشاكري في نيف وسبعين من جماعة الشيعة، وأمر بالحسين علیه السلام اليوم كربلاء ثانياً .

ثمّ سلّط عليهم الدعيّ بن الدعي عبيد الله بن زياد يصلبهم على جذوع النخل، ويقتلهم ألوان القتل ، حتى اجتت الله دابره ؛ ثقيل الظهر بدماءهم التي سفك ، عظيم التبعة بحريمهم الذي انتهك، فانتبهت لنصرة أهل البيت طائفة أراد الله أن يخرجهم من عهدة ما صنعوا، ويغسل عنهم وضر ما اجترحوا، فصمدوا صمد الفئة الباغية ، وطلبوا بدم الشهيد الدعي ابن الزانية ، لا يزيدهم قلة عددهم وانقطاع مددهم وكثرة سواد أهل الكوفة بإزائهم إلا إقداماً على القتل والقتال وسخاء

ص: 340

بالنفوس والأموال، حتّى قُتل سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة الفزاري وعبد الله بن وال التيمي في رجال من خيار المؤمنين وعلية التابعين، ومصابيح الأنام وفرسان الإسلام.

ثمّ تسلّط ابن الزبير على الحجاز والعراق فقتل المختار بعد أن شفى الأوتار، وأدرك الثار ، وأفنى الأشرار، وطلب بدم المظلوم الغريب، فقتل قاتله، ونفى خاذله ، وأتبعوه أبا عمر بن كيسان وأحمد بن شميط و رفاعة بن يزيد والسائب بن مالك وعبد الله بن كامل، وتلقطوا بقايا الشيعة يمثلون بهم كلّ مثلة ، ويقتلونهم شر قتلة حتى طهر الله من عبد الله بن الزبير البلاد، وأراح من أخيه مصعب العباد ، فقتلهما عبدالملك بن مروان، «كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (1)بعد ما حبس ابن الزبير محمد بن الحنفية وأراد إحراقه ، ونفى عبدالله ابن عباس وأكثر إرهاقه ، فلما خلت البلاد لآل مروان سلطوا الحجاج ع-ل-ى الحجازيين ثمّ على العراقيين فتلعب بالهاشميين وأخاف الفاطميين، وقتل شيعة عليّ، ومحي آثار بيت النبي ، وجرى منه ما جرى على كميل بن زياد النخعي، واتصل البلاء مدّة ملك المروانية إلى الأيام العبّاسيّة حتّى إذا أراد الله أن يختم مدتهم بأكثر آثامهم ، ويجعلهم أعظم ذنوبهم في آخر أيامهم بعث على بقية الحق المهمل والدين المعطّل زيد بن عليّ ، فخذله منافقوا أهل العراق، وقتله أحزاب أهل الشام، وقتل معه من شيعته نصر بن خزيمة الأسدي ومعاوية بن إسحاق الأنصاري وجماعة من شايعه وتابعه وحتى من زوجه ،وأدناه، وحتى من كلّمه وماشاه، فلما انتهكوا ذلك الحريم، واقترفوا ذلك الإثم غضب الله عليهم وانتزع الملك منهم .

ص: 341


1- الأنعام: 129 .

فبعث عليهم أبا مجرم لا أبا مسلم فنظر - لا نظر الله إليه - إلى صلابة العلوية وإلى لين العبّاسيّة فترك تقاه واتبع هواه وباع آخرته بدنياه وافتتح عمله بقتل عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وسلط طواغیت خراسان وخوارج سجستان وأكراد اصفهان على آل أبي طالب يقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، ويطلبهم في كلّ سهل وجبل حتى سلّط عليه أحب الناس إليه فقتله كماقتل الناس في طاعته، وأخذه بما أخذ الناس في بيعته، ولم ينفعه أن أسخط الله برضاه، وأن ركب ما لا يهواه، وخلت من الدوانيقي الدنيا فخبط فيها عسفاً، وتقضى فيها جوراً وحيفاً ، إلى أن مات وقد امتلئت سجونه بأهل بيت الرسالة ومعدن الطيب والطهارة ، قد تتبع غائبهم ، وتلقط حاضرهم حتى قتل عبدالله بن محمد بن عبدالله الحسني بالسند على يد عمر بن هشام بن عمر التغلبي، فما ظنك بمن قرب تناوله عليه ولان مته على يديه.

وهذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم، وفعله موسى قبله بهم ، قبله بهم ، فقد عرفتم ما توجّه على الحسين بن عليّ بفخّ من موسى وما اتفق على عليّ بن الأفطس الحسيني من هارون ، وما جرى على أحمد بن علي الزيدي وعلى القاسم بن عليّ الحسني من حبسه وعلي بن غسان بن حاضر الخزاعي حين أخذ من قبله .

والجملة أن هارون مات وقد حصد شجرة النبوّة واقتلع غرس الإمامة ، وأنتم أصلحكم الله أعظم نصيباً في الدين من الأعمش فقد شتموه، ومن شريك فقد

عزلوه، ومن هشام بن الحكم فقد أخافوه، ومن على بن يقطين فقد اتهموه.

فأما فى الصدر الأوّل فقد قتل زيد بن صوحان العبدي، وعوقب عثمان بن حنيف الأنصاري، وخفي حارثة بن قدامة السعدي وجندب بن زهير الأزدي وشريح بن هاني المرادي ومالك بن هاني المرادي ومالك بن كعب الأرحبي ومعقل بن قيس الرياحي والحرث الأعور الهمداني وأبو الطفيل الكناني وما فيهم

ص: 342

إلا من خرّ على وجهه قتيلاً، أو عاش في بيته ذليلاً، يسمع شتمة الوصي فلا فلا ينكر ویری قتله الأوصياء وأولادهم فلا يغير ، ولا يخفى عليكم جرح عامتهم وحيرتهم كجابر الجعفي وكرشيد الهجري وكزرارة ابن أعين وكفلان وأبى فلان ليس إلا أنّهم كانوا يتولون أولياء الله ويتبرؤون من أعداء الله ، وكفى به جرماً عظيماً عندهم وعيباً كبيراً بينهم.

وقل في بني العباس فاتك ستجد بحمد الله تعالى مقالاً ، وجل في عجائبهم فإنك ترى ما شئت مجالاً ، يجبى فيئهم فيفرّق على الديلمي والتركي ، ويحمل إلى المغربي والفرغاني، ويموت إمام من أئمة الهدى وسيد من سادات ب-ي-ت المصطفى ، فلا تتبع جنازته ولا تجصص مقبرته ، ويموت ضراط لهم أو لاعب أو مسخرة أو ضارب فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عند القوّاد والولاة ، ويسلم فيهم من يعرفونه دهريّاً أو سوفسطائيّاً ولا يتعرّضون لمن يدرّس كتاباً فلسفيّاً ومانويّاً، ويقتلون من عرفوه شيعيّاً، ويسفكون دم من سمّى ابنه عليّاً ولو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلى بن خنيس قتيل داود بن عليّ، ولو لم يحبس فيهم غير أبي تراب المروزي لكان ذلك جرحاً لا يبرئ، ونائرة لا تطفئ، وصدعاً لا يلتئم ، وجرحاً لا يلتحم .

وكفاهم أنّ شعراء قريش قالوا في الجاهلية أشعاراً يهجون بها أمير المؤمنين علیه السلام ويعارضون فيها أشعار المسلمين فحملت أشعارهم ، ودونت أخبارهم، وروتها الرواة مثل الواقدي ووهب بن منبه التميمي، ومثل الكلبي والشرقيّ بن القطامي والهيثم بن عدي وداب ابن الكناني، وإن بعض شعراء الشيعة يتكلّم في ذكر مناقب الوصي بل في ذكر معجزات النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيقطع لسانه، ويمزق ديوانه كما فعل بعبد الله بن عمار البرقي ، وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي، وكما نبش قبر منصور بن الزبرقان النمري، وكما دمّر على دعبل بن علي الخزاعي مع رفقتهم من

ص: 343

مروان بن أبي حفصة اليمامي، ومن علي بن الجهم الشامي ، ليس إلا لغلوّهما في النصب واستيجابهما مقت الربّ حتى أن هارون بن الخيزران وجعفر المتوكل على الشيطان لا على الرحمن كانا لا يعطيان مالاً ولا يبذلان نوالاً إلا لمن شتم آل أبي طالب، ونصر مذهب النواصب مثل عبدالله بن مصعب الزبيري ووهب بن وهب البختري ، ومن الشعراء مثل مروان بن أبي حفصة الأموي ، ومن الأدباء مثل عبدالملك بن قريب الأصمعي.

فأما في أيّام جعفر فمثل بكار بن عبدالله الزبيري وأبي السمط بن أبي الجون الأموي وابن أبي الشوارب العبشمي، ونحن أرشدكم الله ق-د تمسكنا بالعروة الوثقى وآثرنا الدين على الدنيا وليس يزيدنا بصيرة زيادة من زاد فينا، ولن يخل لنا عقيدة نقصان من نقص منا، فإنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ، كلمة من الله ، ووصيّة من رسول الله ، يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، ومع اليوم غد، وبعد السبت أحد . قال عمّار بن ياسر يوم صفين : لو ضربونا حتى نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنّهم على الباطل، ولقد هزم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم هزم ولقد تأخر أمر الإسلام ثم تقدّم «الم»«أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ» .(1)

ولولا محنة المؤمنين وقلتهم ودولة الكافرين وكثرتهم لما امتلأت جهنّم حتى تقول هل من مزيد ولما قال الله تعالى : «وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (2).

ولما تبيّن الجزوع من الصبور ، ولا عرف الشكور من الكفور ، ولما استحق المطيع الأجر ، ولا احتقب العاصي الوزر ، فإن أصابتنا نكبة فذلك ما قد تعوّدناه،

ص: 344


1- العنكبوت: 1 و 2 .
2- یونس : 55 .

وإن رجعت لنا دولة فذلك ما قد انتظرناه، وعندنا بحمد الله تعالى لكلّ حالة آية ولكل مقامة مقالة ، فعند المحن الصبر، وعند النعم الشكر، ولقد شتم أمير المؤمنين علیه السلام على المنابر ألف شهر فما شككنا في وصيّته ، وكذب محمد صلی الله علیه و آله وسلم بضع عشرة سنة فما اتهمناه في نبوّته، وعاش إبليس مدة تزيد على المدد فلم نرتب في لعنته، وابتلينا بفترة الحق، ونحن مستيقنون بدولته، ودفعنا إلى قتل الإمام بعد الإمام ، والرضا بعد الرضا، ولا مرية عندنا فى صحة إمامته ، وكان وعد الله مفعولا ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، «كَلأَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ»«ثُمَّ كَلأَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ»(1) «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (2)«وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ» .(3)

اعلموا رحمكم الله أنّ بني أُميّة الشجرة الملعونة في القرآن وأتباع الطاغوت والشيطان، جهدوا في دفن محاسن الوصي، واستأجروا من كذب في الأحاديث على النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وحوّلوا الجوار إلى بيت المقدس عن المدينة والخلافة، زعموا إلى دمشق عن الكوفة ، وبذلوا في طمس هذا الأمر الأموال، وقلدوا عليه الأعمال، واصطنعوا فيه الرجال، فما قدروا على دفن حديث من أحاديث رسول صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا على تحريف آية من كتاب الله تعالى، ولا على دسّ أحد من أعداء الله في أولياء الله ، ولقد كان ينادي على رؤوسهم بفضائل العترة، ويبكت بعضهم بعضاً بالدليل والحجّة ، لا تنفع في ذلك هيبة، ولا يمنع منه رغبة ولا رهبة ، والحق عزيز وإن استذل أهله وكثير وإن قل حزبه، والباطل ذليل وإن رصع بالشبهة، وقبيح وإن غطّى وجهه بكل مليح.

ص: 345


1- التكاثر : 3 و 4 .
2- الشعراء: 227
3- طه : 88

قال عبدالرحمن بن الحكم وهو من أنفس بني أمية :

سميّة أمسى نسلها عدد الحصا***وبنت رسول الله ليست بذي نسل (1)

وقال أبو دهبل الجمحي في حمة سلطان بني أمية وولاية آل أبي سفيان:

تبيت السكارى من أمية نوماً***وبالطفّ قتلى ما ينام حميمها

وقال سليمان بن قتة :

وإنّ قتيل الطف من آل هاشم***أذلّ رقاب المسلمين فذلت

وقال الكميت بن زيد، وهو جار خالد بن عبدالله القسري :

فقل لبني أمية حيث حلو***وإن خفت المهند والقطيعا

أجاع الله من أشبعتموه***وأشبع من بجوركم أجيعا

وما هذا بأعجب من صباح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق وإن كرهوه وبتفضيل من نقصوه وقتلوه .

قال المنصور بن الزبرقان :

آل النبي ومن يحبّهم***یتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود وهم***من أمه التوحيد في الذل

وقال دعبل بن على وهو صنيعة بني العباس وشاعرهم (2):

ألم تر أنّي من ثمانين حجة***أروح وأغدو دائم الحسرات

ص: 346


1- وقبله لهام بجنب النهر أدنى قرابة***من ابن زياد الوغد ذي الحسب الوغل والقافية مكسورة ولكن عند المؤلف : ليس لها نسل ، والصحيح ما قلناه . (المترجم)
2- رحم الله الخوارزمي ورضى عنه وأرضاه ، متى كان دعبل صنيعة بني العباس وشاعر هم وهو الذي لم يترك خليفة منهم إلا هجاه، فطاردوه وأرادوا قتله حتى قال : حملت خشبتي ... الخ ، وأنجاه الله منهم. (المترجم)

أرى فيئهم في غيرهم متقسماً***وأيديهم من فيئهم صفرات

وقال علي بن العبّاس الرومي وهو مولى المعتصم :

تأليت أن لا يبرح المرء منكم***يتل على حرّ الجبين فيعفج

كذاك بنو العباس تصبر منكم***ويصبر للسيف الكمي المدجج

لكل أوان للنبي محمد***قتيل زكي بالدماء مضرّج

وقال إبراهيم بن العباس الصولي وهو كاتب القوم وعاملهم في الرضا لما قربه

المأمون:

يمن عليكم بأموالكم***وتعطون من مائة واحدا

وكيف لا ينتقصون قوماً يقتلون بني عمهم جوعاً وسغباً، ويملأون ديار الترك والديلم فضّة وذهبا ، يستنصرون المغربي والفرغاني، ويجفون المهاجري والأنصاري، ويولون أنباط السواد وزارتهم وتلف العجم والطماطم قيادتهم ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمّهم وفيء جدّهم، يشتهي العلوي الأكلة فيحرمها، ويقترح على الأيّام الشهوة فلا يطعمها، وخراج مصر والأهواز وصدقات الحرمين والحجاز تصرف إلى ابن أبي مريم المديني وإلى إبراهيم الموصلي وابن جامع السهمي، وإلى زلزل الضارب وبرصوما الزامر وأقطاع بخينشوع النصراني قوت أهل بلد، وجارى بغا التركي والأفشين الأشروسي كفاية أمة ذات عدد والمتوكل زعموا يتسرى باثني عشر ألف سرية، والسيد من سادات أهل البيت يتعفّف بزنجيّة أو سنديّة، وصفوة مال الخراج مقصور على أرزاق الصفاعنة وعلى أولاد المخاتنة، على طعمة الكلابين ورسوم القرادين ، وعلى مخارق وعلوية المغنّي ، وعلى زرزر وعمر بن بانة الملهي، ويبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة، ويصارفونه على دائق وحبّة، ويتشرون العوادة بالبدر، ويجرون لها ما يفي برزق عسكر والقوم الذين أحلّ لهم الخمس وحرّمت عليهم

ص: 347

الصدقة، وفرضت لهم الكرامة والمحبّة، يتكفّفون ضراً ويهلكون فقراً، وي--ره-ن أحدهم سيفه ، ويبيع ثوبه ، وينظر إلى فيئه بعين مريضة، ويتشدّد على دهره بنفس ضعيفة ، ليس له ذنب إلا أن جده النبي وأبوه الوصي، وأمه فاطمة ، وجدته خديجة

ومذهبه الإيمان .

وأما القرآن وحقوقه مصروفة إلى القهرمانة والمضرطة وإلى المغمزة، وإلى المزررة، وخمسة مقسوم على نقار الديكة الرومية والقردة، وعلى عرس اللعبة واللعبة، وعلى مرية الرحلة .

وماذا أقول في قوم حملوا الوحوش على النساء المسلمات، وأجروا العبادة وذويه الجرايات وحرثوا تربة الحسين علیه السلام بالفدان، ونفوا زوّاره إلى البلدان ، وما أصف من قوم هم نطف السكارى في أرحام القيان، وماذا يقال في أهل بيت منهم نبغ البغاء ، وفيهم راح التخنيث وغدا وبهم عرف اللواط ، كان إبراهيم ابن المهدي مغنّياً، وكان المتوكل مؤنثاً موضعاً، وكان المعتز مخنثاً، وكان ابن زبيدة معتوهاً (1)مفرّكاً، وقتل المأمون أخاه ، وقتل المنتصر أباه، وسمّ موسى بن المهدي أمه ، وسمّ المعتضد عمّه .

ولقد كانت في بني أمية مخازي تذكر ومعائب تؤثر ، كان معاوية قاتل الصحابة والتابعين وأمه أكلة أكباد الشهداء الطاهرين ، وابنه يزيد القرود، مربي الفهود،

وهادم الكعبة ، ومنهب المدينة، وقاتل العترة ، وصاحب يوم الحرّة.

وكان مروان الوزغ بن الوزغ لعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أباه وهو في صلبه فلحقته لعنة الله ربه .

وكان عبدالملك صاحب الخطيئة التي طبقت الأرض وشملت وهي توليته

ص: 348


1- الأقرب إلى السياق «المستوها». (المترجم)

الحجاج بن يوسف الثقلي فاتك العباد وقاتل العباد ، ومبيد الأوتاد ، ومخرّب البلاد، وخبيث أُمّة محمّد الذي جاءت به النذر وورد فيه الأثر .

وكان الوليد جبّار بني أمية ، وولى الحجّاج على المشرق، وقرة بن شريك على المغرب.

وكان سليمان صاحب البطن الذي قتله بطنه كفّة ومات بشماً وتخمة .

وكان يزيد صاحب سلامة وحبابة الذي نسخ الجهاد بالخمر، وقصر أيام خلافته على العود والزمر ، وأوّل من أغلى سعر المغنّيات، وأعلن بالفاحشات وماذا أقول فيمن أعرق فيه مروان من جانب ويزيد بن معاوية من جانب فهو ملعون بين ملعونين، وكافر غريق في الكفر بين كافرين.

وكان هشام قاتل زيد بن علي مولى يوسف بن عمر الثقفي.

وكان الوليد بن يزيد خليع بني مروان الكافر بالرحمن الممزق بالسهام القرآن وأوّل من قال الشعر في نفي الإيمان، وجاهر بالفسوق والعصيان، والذي غشى أمهات أولاد أبيه ، وقذف بغشيان أخيه ، وهذه المثالب مع عظمها وكثرتها ومع قبحها وشنعتها صغيرة وقليلة في جنب مثالب بني العباس الذين بنوا مدينة الجبارين، وفرّقوا في الملاهي والمعاصي أموال المسلمين، هؤلاء أرشدكم الله الأئمّة المهديون الراشدون ، الذين قضوا بالحق وبه يعدلون ، بذلك يقف خطيب جمعتهم، وبذلك تقوم صلاة جماعتهم ؛ فإن كسد التشيع بخراسان فقد نفق بالحجاز والحرمين والشام والعراقين وبالجزيرة والثغرين وبالجبل واليغارين، وإن تحامل علينا وزير أو أمير فإنّا نتوكل على الأمير الذي لا يعزل، وعلى القاضي الذي لم يزل يعدل ، وعلى الحكم الذي لا يقبل رشوة، ولا يطلب سجلاً ولا شهادة .

وإياه تعالى نحمد على طهارة المولد وطيب المحتد ، ونسأله أن لا يكلنا إلى أنفسنا، ولا يحاسبنا على مقتضى عملنا، وأن يعيذنا من رعونة الحشوية ومن

ص: 349

لجاج ،الحروريّة، وشك الواقفية، وأرجاء الحنفية، وتخالف أقوال الشافعية، ومكابرة البكريّة، ونصب المالكية، وإجبار الجهمية النجارية، وكسل الراوندي، وروايات الكيسانية، وجحد العثمانية، وتشبيه الحنبلية، وكذب الغلاة الخطابية، وأن لا يحشرنا على نصب اصفهاني ، ولا على بغض لأهل البيت طوسي أو شاسي ، ولا على إرجاء كوفي ، ولا على تشبيه قميّ، ولا على جهل شامي ولا على تحنبل بغدادي ، ولا على قول بالباطن مغربي ، ولا على عشق لأبي حنيفة بلخي ، ولا على تناقض في القول حجازي ، ولا على مروق سجزيّ ، ولا غلوّ في التشيّع كرخي وأن يحشرنا في زمرة من أحببناه، ويرزقنا شفاعة من توليناه إذا دعي كل أناس بإمامهم، وساق كل فريق تحت لوائهم، إنه سميع قريب يسمع ويستجيب.

انتهت الرسالة الطنانة ببديع عباراتها، وخفي إشاراتها ، وهي جيدة عن آخرها إلا أني لم أفهم وجه نسبة التشبيه إلى أهل قم وهم وجوه أهل الإيمان ومعتمد نقلهم مدى الأعصار والأزمان ، وكذا رمي الكرخيين بالغلو مع أن جمهورهم من الطبقة العالية من الشيعة كيف لا وقد ربّاهم المشايخ الثلاثة الذين بهم قام عماد الإسلام، وانتظم أمور كافة الأنام، وأسسوا المذهب أحسن تأسيس، وفتحوا للعلماء باب التصنيف والتدريس، ولولاهم لما قام للدين عمود ، ولا اخضر للتحقيق عود ، وهم شيخنا الأقدم أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان المفيد وسيدنا الأجل أبو القاسم علي بن الحسين المرتضى، وشيخنا الأعظم أبو جعفر بن الحسن رئيس الطائفة شكر الله مساعيهم، وأعلى في مدارج الجنّة مراقيهم بمحمّد وآله عليهم السلام .(1)

ص: 350


1- أقول : لعله يشير بهذه الجمل المتزاوجة إلى أدباء من هذه الأقطار كانوا يناصبونه العداء فقد كان الرجل محسوداً وقد جرى عليه من بديع الزمان وأنصاره ما جرى فلا أستبعد أن تكون الإشارة في قم والكرخ وغيرهما من البلاد التي ذكرها إلى أدباء فيها يعادونه، والله أعلم . (المترجم)
اللهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ وَشَايَعَتْ وَبَايَعَتْ وَتَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ ، اللهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً ...

اللهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ وَشَايَعَتْ وَبَايَعَتْ (1)وَتَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ ، اللهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً ...

عصابة بمعنى جماعة من العشرة إلى الأربعين كما يقول ذلك في منتهى الإرب وهذا هو المعنى الوضعي للكلمة وتستعمل في العرف العام في مطلق القوم والطائفة كائنة ما كانت ، وفي هذه العبارة إن قصد المعنى الثاني كانت أداة التعريف عهديّة أو المعنى الثاني كانت جنسيّة أو استغراقية لكي تفيد معنى العصائب والجموع . المجاهدة : مأخوذة من الجهد بمعنى التعب ويكنى بها عن مطلق الحرب سواء كانت على وجه مشروع أو باطل كما هي عليه في هذا المقام .

المشايعة : المتابعة وأشير إليها في السابق .(2)

المبايعة : أخذ البيعة من المرئ وأصلها من البيع كما أنّ في البيع المصافقة ووضع اليد على اليد ، كذلك في البيعة لابد من هذا الفعل ولا محيص عنه . وما قيل في معنى البيعة من أنّ المبايع يبيع نفسه للجنّة فهو معنى قشري لا ينطبق في البيعة على جميع مراتبها، وما قلناه صرّح به مهرة هذا الفنّ وأئمة هذه الصناعة.

المتابعة : بباء موحدة قبلها ألف من التباعة وقد سلف معناها (3)وهي الاقتداء . قال السيّد المحقق الأجل السيد الداماد نفّر الله وجهه في الكتاب (الرواشح السماوية) في باب التصحيفات :

ص: 351


1- تابعت - نسخة خطية من المصباح ويؤيده كلام عدة من العلماء من استعمال التتابع في الخير والتتابع في الشر، ومنهم الكفعمي في حاشية المصباح : 210 ، والحريري في درة الغواص : 55 . (هامش الأصل)
2- في شرح جملة : «برنت» إلى الله وإليكم منهم ومن أتباعهم وأشياعهم . (هامش الأصل)
3- في شرح جملة : «برنت إلى الله وإليكم منهم ومن أتباعهم» . (هامش الأصل)

ثمّ من تتمّات المقام أنّه قد وقعت من الذين شاركونا في الصناعة ولم يساهمونا في البضاعة ولم يلحقوا شأناً من العلم والحكمة تحريفات غريبة وتصحيفات عجيبة لفظية ومعنوية في أفانين العلم وطبقات الصناعة ولا جناح علينا لو تلونا طائفة منها على إسماع المتعلمين تبصيراً لبصائرهم في سبيل الدين وصيانة لأحاديث سيّد المرسلين وأوصيائه الطاهرين عن شرور تصحیفات الجاهلين وتصرّفات القاصرين.

ثم إنه أخذ يعدّد :

منها حديث عمّار : «لكن عمّار جاض جيضة» بالجيم المعجمة أو المهملة بمعنى حاد وزاغ ، وصحفوه بحاض بالحاء المهملة ثمّ المعجمة .

وحدث تعداد الكبائر التي منها الت-ع-رب ب-ع-د اله-ج-رة المصحف بالتغرّب بالمعجمة المعبّر عنه في لسان الأصحاب بالالتحاق ببلاد الكفر والإقامة بها بعد المهاجرة عنها إلى بلاد الإسلام.

قال : وبالجملة هو كناية عن الزيغ عن المعرفة والحبور عن الحق والالتحاق بأهل الشقاوة والضلالة بعد الدخول في حريم السعادة والهداية.

إلى أن قال:

ومنها في دعاء زيارة مولانا الشهيد أبي عبدالله الحسين علیه السلام يوم عاشوراء : «اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين عليه السلام وشايعت وتابعت وتابعت على قتله» كلتاهما بالمثنات من تحت بعد الألف قبلها موحدة في الأولى ومثناة من فوق في الثانية للتخصيص بعد التعميم إذ المبايعة بالباء الموحدة مفاعلة من البيعة بمعنى المعاقدة والمعاهدة سواء كان على الخير أو على الشرّ، والمتابعة بالمثناة من فوق معناها المجاراة والمساعاة والمهافتة والمسارعة والمعاضدة والمسايرة على الشرّ ، لا يكون في الخير ، وكذلك التتابع التهافت على الشرّ

ص: 352

والتسارع إليه مفاعلة وتفاعلاً من التيعان. يقال : تاع القيء يتيع تبعاً وتيعاناً خرج، وتاع الشيء ذاب وسال على وجه الأرض، وتاع إلى كذا يتيع إذا ذهب إليه وأسرع . والجملة أنّ المفاعلة والتفاعل لا يكون إلا للشر، وجماهير القاصرين من أصحاب العصر يصحّفونها ويقولون : تابعت بالتاء المثناة فوق والباء الموحدة (1)، انتهى كلامه الشريف، ضاعف الله قدره المنيف .

وظاهر هذا الكلام أنّ لفظ تابعت بباء مثناة لا تابعت بالباء الموحدة ، وكانوا في الأزمنة السابقة يقرنونها على هذا الوجه، وهذا التغيير وقع في زمن هذا المحقق -

السيد الداماد .(2)

ولكن المتأمل المحيط بأطراف الكلام يعلم أنّه اعتمد في هذا الباب على القواعد اللغوية كما سمعت عن المحقق الثاني في با «أوّله»(3) والأصل في هذه المسألة الحريري فقد ذكر في درّة الغوّاص من أوهام الخواص أنّهم يقولون : تتابعت النوائب على فلان والحق أنّها تتابعت بالياء لأنّ التتابع بالباء الموحدة في الصلاح والخير والتتابع بالمثناة مختصة بالمنكر والشر .(4)

ص: 353


1- الرواشح : 142 «هامش الأصل) و 143. (المترجم)
2- ويدل عليه محكي كلامه من رسالة التصحيف ، قال : والمصحف المغلاط صحفها فظنّها تابعت بالتاء المثناة والباء الموحدة و (سقم) (كذا) نسخاً قديمة هي مصححة من المصباح المتهجد بحك إحدى النقطتين وجماهير القاصرين سائرون مسيرة في التصحيف . (هامش الأصل)
3- مؤنث أوّل . (المترجم) ومرّ في ترجمة : «أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد». (هامش الأصل)
4- وإليك ما ذكره الحريري في درّة الغوّاص : ويقولون : تتابعت النوائب على فلان ووجه الكلام أن يقال : تتابعت - بالباب المعجمة باثنتين من تحت - لأنّ التتابع يكون في الصلاح والخير، والتتابع يختص بالمنكر والشركما جاء في الخبر : «ما يحملكم على أن تتابعوا في الكذب كما تتابع الفراش في النار» وكما رُوي أنه لما كثر شرب الخمر في عهد عمر جمع الصحابة رضي الله عنهم وقال : إني أرى الناس قد تتابعوا في شرب الخمر واستهانوا بحدّها ، فماذا ترون ؟ فقال له علي : أرى أن أحدّه ثمانين لأني أراه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى فأحده حد المفترى ، فاستصوب عمر رأيه وأخذ به (ص 68) . (المترجم)

ومن العلماء وصيارفة الأدب من لهم نقد على كلام الحريري هذا، منها أن الخفاجي نقل عن ابن برّي، وتحريره يوافق ما جاء في (كشف الطرّة) وهو إن كان المقصود من التتابع بموحدة الاستعمال في الخير دون الشر، وله اختصاص بذلك فهو ظاهر الفساد فإنّه جاء في القرآن الكريم على خلاف ذلك وهو قوله تعالى: «فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً» (1)وإذا كان الغرض أنّ التتابع عام والتتابع خاص فينبغي أن لا يقتصر في استعمال التتابع على المعنى الخاص وهذا فساده أظهر لأنّه ما من عام إلا ويصح استعماله في الخاص كما هو الحال في الآية المذكورة. وبناءاً على هذا فتخطئة استعمال المتابعة والتتابع في الشر لا وجه له ، تمّ كلامه (2).

ومضافاً إلى عدم استعمال التتابع (بالمثناة) بالشر وحده ولم يثبت ذلك فإنّ مادته لا تدلّ عليه، ونقل في التهذيب عن السبب في اقتصاره على الشر ، قال : إنّه مشتق من تاع ومعناه سال والسيلان يوجب السرعة، والسرعة والعجلة من الشيطان ثمّ صار للشرّ .

وهذا حديث غريب، لا يوجد إلا في صحف المتنبئين ، وما من أمر يمكن تصحيحه بقياس مثل هذا فما بالك باللغة التي لا حجّة فيها للقياس، أجل هناك حديث واحد للقوم عن أبي عبيدة، فقد قال : لم يسمع التتابع في الشر وإنّما سمعناه في الخير ، ولكن هذا الإجمال لا يخطأ به إن ثبت الاستعمال.

ص: 354


1- المؤمنون: 44 .
2- واعلم بأنّ هذا الكلام هو الترجمة ، أما الأصل فلم نعثر عليه ولا على الكتاب الذي يحتوي على النصّ . (المترجم)

واستعمل الزمخشري في الكشاف التتابع في الخير وأقام لهذا الاستعمال أساساً أصيلاً في شرح الآية : «وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا» (1)واستعمال العلماء يعادل النقل وإن كان مولّداً، ومن هذه الجهة أجازوا الاستدلال بشعر أبي تمام، وتابعه السيد الشريف في حاشية الكشاف والبيضاوي وغيرهم، وأوّل من تنبه إلى هذا عبدالقاهر الجرجاني واضع علم البيان، وكتب أحد المعاصرين من أهل القسطنطنية رسالة في الاحتجاج بشعر الرضي ومهيار وأبي فراس، ويظهر م-ن الشهاب الخفاجي قبول هذا المذهب ولا يخلو من قوّة، واستوفينا تحقيقه في محله بقدر الوسع والاستعداد والاطلاع.

وجملة القول، لو سلّمنا بخطأ استعمال التتابع في الخير فإن استعمال التتابع في الشرّ ليس خطأ، وما هو بتصحيف ولا بوهم ، واحتمال كونه تصحيفاً وحادثاً بعيد ؛ لأنّ ما عثر عليه في النسخ المعتبرة القديمة هو التتابع بالباء الموحدة وقرائتها بالياء لا تجزي . نعم من جمع للاحتياط احتمالاً أن تكون الرواية بالياء أيضاً ، ولو طلباً للخروج من خلاف هذا المحقق الوحيد والعالم الحكيم الذي اعتبره البعض أستاد البشر واعتبرته طائفة المعلّم الثالث ، فإنّه أقرب للصواب وأوفق لطلب الثواب، والله أعلم.

ونحن وإن ذكرنا في هذا الشرح هنا وهناك من أدلة اللعن عقلاً ونقلاً وسنّة وكتاباً إلا أننا في هذا الموضع من الشرح نذكر حديثاً أو حديثين في ثواب لعن قاتلي سيّدالشهداء لأداء حق ذلك السيد المحقق ، لأنّ الأدلة السابقة في اللعن والتحريض عليه ليس له مدخليه بالقدر الكافى الأخبار المعبّرة عن ثوابه الجزيل . في العيون والأمالي وساق السند إلى الإمام الرضا علیه السلام أنه قال لريان بن شبيب :

ص: 355


1- البقرة : 20 .

يابن شبيب ، إن سرّك أن تسكن الغرف المبنية في الجنّة مع النبي وآله فالعن قتلة الحسين .

يابن شبيب ، إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين علیه السلام فقل متى ما ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً.(1) أي تمن على التحقيق حضورك في كربلاء وحبّ الشهادة مع أصحابه وتولاهم.

وفي كامل الزيارة عن داود الرقي أنه قال : كنت عند أبي عبدالله علیه السلام إذا استسقى الماء، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ثم قال لي: يا داود لعن الله قاتل الحسين علیه السلام فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين علیه السلام ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة ، وحطّ عنه مائة ألف سيئة ، ورفع له مائة ألف درجة وكأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد (2).

اللهم العن قتلة الحسين إلى يوم القيامة.

ص: 356


1- أمالي الصدوق : 130. (المترجم) نفسه مجلس 27 رقم 5 ، العيون 1 : 399، بحار الأنوار 44: 286 . (هامش الأصل)
2- كامل الزيارة : 106، بحار الأنوار 44: 303 رقم 16. (هامش الأصل)

المطلب الثاني : في شرح دعاء السلام

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ ...

الشرح : المعاني المتعلقة بهذا اللفظ الشريف سبق بيانها فيما يتعلّق بمعاني الزيارة الشريفة وسوف نذكر جملة من الأخبار المناسبة في فضل أصحاب الحسين علیه السلام في ختام هذا المطلب عندما نصل إلى قوله : وعلى أصحاب الحسين علیه السلام إن شاء الله تعالى.

لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيارَتِكَ ...

الشرح: العهد الأصل في معانيه «الميثاق» ويأتي بمعنى الوصية، والأمر والحكومة والمعرفة، تقول: «عهدي بكذا» و«عهدته كذا» ومعناه أيضاً الملاقات والزمان وما شابه ذلك ، ويستعمل بعلاقة المعاني السابقة.

ولعلّ المعنى الأوّل هو المقصود بالعبارة.

واللام: إما أن تكون بمعنى «مع» أو للاختصاص أي عهدي المخصوص بزيارته. ويمكن أن تكون للتقوية على المعنى الثاني حيث استعمل متعدّياً، وبمعنى «إلى» بإعطائها معنى التوجّه وأشباهه ويحتمل احتمالاً بعيداً أن الأصل كان بالباء أي بزيارتك وصحفت إلى اللام فوضعت موضعها والملاقات وهي كناية عن التعارف والصحبة ولا تخلو في هذا الكلام من قوة بناءاً على تنزيل الزيارة منزلة الشخص الذي تعرفه وتصاحبه.

الزيارة: في الأصل بمعنى «القصد للقاء الشخص» واستعملت في الشرع تحقيقاً بهذا المعنى، وإطلاقات الأدلة حول زيارة الرسول والأئمّة صلوات الله

ص: 357

عليهم أجمعين منزلة على هذا المعنى ، والدعاء والصلاة من الآداب الشرعيّة لهذا العمل وهو مستحبّ من كيفيات هذا المستحب، وبناءاً على هذا يؤدي الن-ذر وأشباهه بمجرد الحضور (وإن لم يتضمن قولاً أو عملاً)(1) إن لم ندع ص-رف معناها عن حقيقته إلّا أنّ هذا المعنى غير متصوّر في الغياب والبعد ولهذا تستعمل الزيارة تنزيلاً في معنى آخر وهو عبارة عن حضور القلب وتوجه النفس عند المزور مع قرائة الدعاء، ويسمّى هذا الفعل زيارة على سبيل الاستعارة والتشبيه ولما كانت الزيارة على البعد تتقوّم بالدعاء ظنّ بعضهم أن حقيقة الزيارة قوامها الدعاء، وما قلناه أصح بدليل تعارض الأحوال ، لأن الوجه الذي قالوه يتوقف على النقل والاشتراك، وما قلناه يتوقف على الاستعارة وهي حقيقة لغوية، وإذا كانت الحقيقة مجازاً فالمجاز خير من الاشتراك، وهذا ترجيح يتم بعد ثبوت كون الدعاء غير مأخوذ في مفهوم الزيارة، وهذا أمر مقطوع به بل هو من ضروريات لغة العرب . قال المتنبي وقيل هو أمير شعره:

أزورهم وسواد الليل يشفع لي***وأنثني وبياض الصبح يغري بي

السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ ...

الشرح :هذا الكلام مشتمل على الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ولعلّ النكتة فيه الالتذاذ بذكر الحسين علیه السلام الذي هو جلاء القلوب وشفاء الصدور وقرة العيون، ولعل السبب هو التمهيد من لفظ الحسين إلى اللفظ بعده وهو علي بن الحسين، لأن ناقدي جواهر المعاني وصيارفة الألفاظ والمعاني يرون في هذا الالتفات أنساً ولذة للسامع .

ص: 358


1- العبارة بين القوسين للمترجم.
وَعَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ...

الشرح : علي بن الحسين اسم ثلاثة من أولاد الحسين علیه السلام : أحدهم : سيد الساجدين سلام الله عليه ، والآخر عليّ الأكبر ، والثالث علي الرضيع ، ويسمّى في رواية عبد الله الرضيع المعروف بعلي الأصغر.

والمراد بهذه الفقرة على الأكبر الشهيد في كربلاء لأن هذه الزيارة مختصة تماماً بقتلى كربلاء ومن في معيّته من الشهداء ، واحتمال أن المقصود بهذه الجملة هو سيد الساجدين بعيد كل البعد .

وجملة القول أنّ أمّها علیهما السلام طبقاً للرواية المشهورة ليلى بنت أبي مرة عروة بن مسعود الثقفي، وفي رواية سبط ابن الجوزي في التذكرة أن أمه تعرف بآمنة، والأوّل أصح وأعرف (1)وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب، لذلك شهد معاوية بحقه بأنّه أحق بالخلافة، وتفصيل هذا النقل كالتالي وهو مسطور في زبر الأولين ومذكور في مقاتل الطالبيين :

قال معاوية : من أحق الناس بهذا الأمر؟

قالوا : أنت .

قال : لا ، أولى الناس بهذا الأمر على بن الحسين بن عليّ ؛ جده رسول الله ، وفيه شجاعة بني هاشم ، وسخاء بني أمية ، وزهو ثقيف .(2)

ومجمل القول أن خلافاً عظيماً وقع في مقدار سنه ؛ فقد رأى الشيخ المفيد في

ص: 359


1- قال في التذكرة : وقتل علي بن الحسين بن علي وهو عليّ الأكبر وأمه ليلى بنت من الثقفية (ص 229) ولم يذكر آمنة . (المترجم)
2- مقاتل الطالبيين : 52 . (المترجم)

الإرشاد أنّ عمره تسعة عشر عاماً، وسمّاه عليّاً الأوسط (1)والسجّاد أكبر منه ، وحكي هذا القول عن صاحب كتاب (البدع) (2)وصاحب كتاب (شرح (الأخبار) من علماء أهل السنّة .

وفي رواية أبي الفرج ومحمد بن أبي طالب كان ابن الثامنة عشرة، وفي رواية خمس وعشرين، وفي رواية ثمان وثلاثين، وليس في الأخبار ما ينافي كونه أكبر من الإمام السجاد، لأنه وقع خلاف في عمره الشريف أيضاً في ذلك اليوم فمن قائل بأنّه لم يبلغ الحلم ، وقال قوم إنّه ابن الثالثة والثلاثين، وبين هذين القولين أقوال عدّة.

وقال جمهور المؤرّخين والنسابين والمحدثين من الفريقين عن علي أنه الأكبر من هؤلاء الحافظ الجنابذي وسبط ابن الجوزي وكمال الدين بن طلحة ومحبّ الدين الطبري وابن الجوزي في (الصفوة) والديار بكري في الخميس وصاحب (كشف الغمة) وابن الخشاب وأبو الفرج والزبير بن بكار والبلاذري والمزني والشريف العمري النسّابة صاحب كتاب (المجدي) وابن قتيبة وأب-و حنيفة الدينوري وأبو جعفر الطبري، وابن أبي الأزهر وأبو الفضل الصابوني صاحب كتاب الفاخر الذي يعبّر عنه فقهائنا بالجعفي، وأبو علي بن همام وابن شهرآشوب وابن إدريس وأبو عبيدة وخلف الأحمر وصاحب كتاب اللباب وصاحب كتاب (الزواجر والمواعظ) ، والشيخ الحرّ العاملي في (منظومة أحوال الأئمة علیهم السلام) (3)وجماعة غيرهم الذين رأينا كلامهم وعبارات جماعة سمعناها،

ص: 360


1- في الإرشاد : وله يومئذ بضع عشرة سنة (106:1) . (المترجم)
2- یرید به صاحب الاستغاثة وقد أتى بأقوال تافهة فندناها في كتابنا (فاطمة الزهراء). (المترجم)
3- ومن الغرائب أن صاحب (نزهة الجليس) السيد علي المولوي المكي في كتابه المذكور نزهة الجليس ذكر المنظومة مفرّقة على كتابه في التذييل على حالات سيدالشهداء ونظم خطبته وأثنى ثناءاً بليغاً على الشيخ الحر وذكر عن المنظومة أنها لما كانت مرغوباً فيها ولطيفة وهي في أحوال سيد الشهداء لا ذكرتها وغفل بعض أصحاب المقاتل جديدة التصنيف عن مضمون هذه الديباجة فنسبوا المنظومة المذكورة إلى السيد عباس المؤلّف نفسه وهذا أعجب العجب . ( منه )

وهذا القول بالطبع أصح وأسد.

وجاء عن أبي الفرج في مقاتل الطالبيين أن ولادته في خلافة عثمان، وقد روى عن جده عليّ بن أبي طالب علیه السلام و عن عائشة أحاديث، وعن أبي عبيدة وخلف الأحمر أنّ هذه الأبيات قيلت في عليّ بن الحسين الأكبر، والمدح دليل على كبر قدره وكبر سنّه ، والأبيات هذه:

لم تر عين نظرت مثله***من محتف يمشي ومن ناعل

غلي نئي اللحم حتى إذا***أنضج لم يغل على الأكل

ان إذا شبت له ناره***أوقدها بالشرف القابل

كيما يراها بائس مرمل***أو فرد حي ليس بالآهل

أعني ابن ليلى ذا السدى والندى***أعني ابن بنت الحسب الفاضل

لا يؤثر الدنيا على دينه***ولا يبيع الحق بالباطل...(1)

ويقتضينا الإنصاف الاعتراف بأنّ سياق هذا الشعر يدلّ على أن علياً علیه السلام كان يومئذ من الرجال المعدودين، ومثله كلام معاوية يشهد بحقه، فلو كان في ذلك الزمان طفلاً أو مراهقاً لم تظهر عليه آثار السماحة والشجاعة هذا الظهور الذي حمل معاوية مع شديد عداوته على الاعتراف بأولويته بالخلافة، وهذا هو الصواب، وفي هذا المقام نورد عبارة الفحل الفقيه المحقق المقدم والشيخ الفاضل المتبحر المعظم محمّد بن إدريس الحلّي في كتاب «السرائر» ونكتفي

ص: 361


1- مقاتل الطالبيين : 52 تحقيق كاظم مظفر ، الثانية ، الحيدرية النجف .

بها لتكميل المسألة . قال في باب الزيارات في خاتمة كتاب الحج :

فإذا كانت الزيارة لأبي عبد الله الحسين علیه السلام يزار ولده علي الأكبر وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عمرو بن مسعود الثقفي وهو أوّل قتيل في الوقعة يوم الطف من آل أبي طالب وقد مدحه الشعراء، وروي عن أبي عبيدة وخلف الأحمر أن هذه الأبيات قيلت في عليّ بن الحسين الأكبر المقتول بكربلاء «لم ترعين».. الأبيات.

وقد ذهب شيخنا المفيد في كتاب الإرشاد إلى أن المقتول بالطف هو عليّ الأصغر وهو ابن بنت الثقفية وأن علياً الأكبر زين العابدين أُمّه أمّ ولد وهي شاه زنان بنت کسری یزدجرد .

قال محمد بن إدريس : «والأولى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة وهم النسابون وأصحاب السير والتواريخ مثل الزبير بن بكار في كتاب (أنساب قريش) وأبي الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين والبلاذري والمزني وصاحب كتاب اللباب [في ] أخبار الخلفاء والعمري النسابة حقق ذلك في كتاب «المجدي» (1)فإنّه قال : زعم من لا بصيرة له أن علياً الأصغر هو المقتول بالطف، وهذا خطأ ووهم، وإلى هذا ذهب صاحب كتاب (الزواجر والمواعظ) وابن قتيبة في المعارف وابن جرير الطبري المحقق لهذا الشأن وابن أبي الأزهر في تاريخه وأبو حنيفة الدينوري في الأخبار الطوال وصاحب كتاب (الفاخر) مصنف من أصحابنا الإمامية ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست المصنفين وأبو على ابن همام فى كتاب (الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليدهم) وهو من جملة أصحابنا المصنفين المحققين، وهؤلاء جميعاً أطبقوا على هذا القول وهم أبصر بهذا النوع.

قال أبو عبيد في كتاب (الأمثال) : وعند جهينة الخبر اليقين، قال: وهذا قول

ص: 362


1- صنفه لمجد الدولة بن بويه . (منه)

الأصمعي ، وأمّا هشام ابن الكلبي فأخبر أنه جهنة وكان ابن الكلبي أخبر بهذا النوع من الأصمعي.

قال محمد بن إدريس : نعم ما قال أبو عبيد لأنّ أهل كلّ فنّ أعلم بفنّهم من غيرهم وأبصر وأضبط ، ثم أخذ يعدّد وقايع من أمثال ذلك فيها اشتباه من المفيد وغيره على جاري عادته في ذكر الشيء بنظيره، وحرصه على تكثير الفوائد الأدبية في كتابه بحيث قد يخرجه عن صناعته ويذهب به إلى فنّ آخر من العلم كما هو ظاهر لمن مارس كتابه .

ثمّ قال محمّد بن إدريس وأيّ غضاضة يلحقنا وأي نقص يدخل على مذهبنا إذا كان المقتول عليّاً الأكبر وكان علي الأصغر الإمام المعصوم بعد أبيه الحسين علیه السلام فإنّه كان لزين العابدين يوم الطف ثلاث وعشرون سنة، ومحمد ولده الباقر حي له ثلاث سنين وأشهر ، ثم بعد ذلك كله فسيدنا ومولانا عليّ بن أبي طالب كان أصغر ولد أبيه سنّاً ولم ينقصه ذلك (1)، انتهى بألفاظه وفيه غنى وكفاية عن تطويل الكلام وذيله وتصعيب المرام ونيله.

وجملة القول أنّ فضائل ذلك السيّد الصورية والمعنوية، الخلقية والخلقية، من صباحة الوجه وحلاوة النطق والزهد والعبادة والعفاف والسماحة والشجاعة

والمداراة والرفق والصيانة وجلالة القدر وشهامة النفس وشرف المحتد وطهارة الذات وعلو الهمة وسموّ الرتبة ليست من السهولة بحيث يمكن درجها في كتاب أو جمعها في دفتر ، وإذا حققت في خصوصياته وتلويحات سيدالشهداء سلام الله عليه الخاصة وتصريحاته الناصة في حقه يوم عاشوراء تأملت في ذلك تأملاً حقيقياً وتدبرته بعين التحقيق لعرفت كبر شأنه وارتفاع قدره، وهذه المقولة من

ص: 363


1- السرائر 1 : 656 و 657 جامعة المدرّسين قم 1410 ، الثانية . (المترجم)

خصائصه ذات قسمين: أفعاله وأقواله ، وتفصيل هذين الأمرين تجده في المقاتل مطوّلاً مفصلاً، ونحن هنا نكتفي بحديث واحد منقول عن بحار الأنوار في تذييله على حديث يوم عاشوراء الذي أخذه المؤلّف من روايات كتب مثل الإرشاد واللهوف وغيرهما، والحديث كما يلي :

(لما برز علي بن الحسين علیه السلام إلى ميدان القتال) رفع الحسين سبابته نحو السماء وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك (1)، كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه ، أمنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرض الولاة عنهم أبداً فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدو علينا يقاتلوننا .

ثم صاح الحسين علیه السلام بعمر بن سعد : مالك ؟ قطع الله رحمك ، ولا بارك الله لك في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ثم رفع الحسين الا صوته وتلا: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى

ص: 364


1- وقد حكى أهل السير في شباهته برسول الله قضايا فمنها : أنه دخل رجل نصراني مسجد رسول الله فقال له الناس : أنت رجل نصراني اخرج من المسجد ، فقال لهم : إني رأيت البارحة في منامي رسول الله ومعه عيسى بن مريم أسلم على يد خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله فإنه نبي هذه الأمة حقاً وأنا أسلمت على يده وأتيت الآن لأجدد إسلامي على رجل من أهل بيته . قال : فجائوا به إلى الحسين فوقع على قدميه يقبلهما ، فلما استقر به المجلس قص له الرؤيا التي رآها ، فدعا الحسين بولده الأكبر كان إذ ذاك طفلاً صغيراً وقد وضع على وجهه البرقع، فجيء به إلى أبيه ، فلما رفع الحسين البرقع من وجه عليّ ورآه ذلك الرجل وقع مغمى عليه ، فقال الحسين صبوا الماء على وجهه، ففعلوا، فلما أفاق التفت إليه الحسين وقال : يا هذا إن ولدي هذا شبيه بجدي رسول الله ؟ فقال الرجل : اي والله ، فقال له الحسين : يا هذا إن كان عندك ولد مثل هذا وتصيبه شوكة ماكنت تصنع ؟ قال : سيدي ، أموت . فقال الحسين : أخبرك أنّي أرى ولدي هذا بعيني مقطعاً بالسيوف إرباً إرباً (ثمرات الأعواد 1 : 174 - 175 ، كفاية الخطيب للسيد مهدي الخطيب السويج). (هامش الأصل)

آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ»«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (1)وفي هذا الحديث تظهر مزايا عدة لهذا الشهيد المظلوم :

المزيّة الأولى : لمّا توجّه نحو العدوّ وحمل على ميدان القتال، وق-ف سيّدالشهداء بهيئة المستغيث الملتجي ووضع يده تحت لحيته وقبض عليها ورمق السماء بطرفه، وهذا كناية عن نفاد جلده، وأنه بلغ مرحلة السياق، وبلغ السكّين العظم، وهذا مقام المستعيذ المستعين وهذا دليل على عظم قدر الأكبر علیه السلام و جلال مصيبة هذا المظلوم في نظر الإمام الهمام.

المزيّة الثانية : لشدّة تأثره وحرارة فؤاده وضع القوم في معرض العذاب الإلهي حيث استشهد الله عليهم وهذا دليل على عظم ذنبهم وجلالة قدر هذا الإمام العظيم

الشأن.

المزيّة الثالثة : إنّه شبه ولده بجده صلی الله علیه و آله وسلم لأن شمائل النبي صلی الله علیه و آله وسلم من الحسن والصباحة وغاية الاعتدال والتناسب ، سمر الآفاق وحديث أهل الأرض، وشهرة الكرة الأرضيّة، فقد روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أن النبي ما استقبل الشمس الأغلب نوره نورها، وإذا ما جلس إلى جانب السراج أخفى ضوئه وحديث أمّ معبد معروف عنه، وأشعار خديجة في مدحه مشهورة منها قولها:

جاء الحبيب الذي أهواه من سفر***والشمس قد أثرت في وجهه أثرا

عجبت للشمس من تقبيل وجنته***والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا

ونسبوا إليها أيضاً هذا الشعر، وبعضهم نسبه إلى عائشة :

لواحي زليخا لو رأين جبينه***لآثرن بالقطع القلوب على الأيدي

ولو سمعوا في مصر أوصاف وجهه***لما بذلوا في سوم يوسف من نقد

ص: 365


1- آل عمران : 33 و 34 .

وينبغي أن يقال في حقه :

بر سر یوسف اگر نام غلامیش نهند***تا قیامت شرف دوده اسحاق آید

لئن دعي الصديق يوسف عندهم***غلاماً ففي إسحاق يشرف محتده

المزيّة الرابعة : شبّه علیه السلام بخلق رسول الله وهذه المنقبة تكفيه لأنّ الله بين عظمة هذا الخلق مؤكداً بالجملة الاسمية وحروف التأكيد والقسم ، فقال : «إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (1)وأظهر سيّدالشهداء أن ولده أشبه الخلق بجده صلی الله علیه و آله وسلم في خلقه وبالطبع لیست شهادة المعصوم مبنيّة على المبالغة والإغراق والغلوّ الشاعري، وفي هذا المشهد الحسّاس حيث يناجي ربه ويتظلم من فعل عدوّه ، فلو لم يكن إماماً لكان الموقف يضطر للاقتصار على الأمور الواقعية الحقيقية فلا يتجاوز الحقيقة إلى المجاز ولا يدعي غير الواقع ، ولا أقول ليس في كلام الإمام مجاز والإغراق افتراء وكذب، ولكن لمّا كانت البلاغة هي المطابقة لمقتضى الحال كان الحال يقتضيه ترك ذلك .

المزيّة الخامسة : جعل ولده أشبه الخلق في المنطق بجده رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وفي هذا ندرك معنيين لأنة إما أن يريد بالشبه اللهجة وكيفية التكلّم بناءاً على مقتضى الوراثة وقربه من ذلك الجناب الرفيع أو أنّه يريد فصاحة الألفاظ وجزالة كلماته حيث قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش واسترضعت من بني سعد (في بني سعد - المترجم) ولا بدع بإرادة المعينين معاً ووضع كليهما فيه، وهذه الجهات الثلاث لا توجد في مخلوق على وجه الأرض كائناً من كان ، ولولا شهادته والنصوص المتواترة في إمامة سيد الساجدين لقال قوم بإمامته .

المزيّة السادسة : ما قاله علیه السلام : كلّما اشتقنا إلى النظر لوجه نبيّك نظرنا إليه ، وهذا

ص: 366


1- القلم : 4 .

مؤكد للشبه الصوري في ذلك الجمال البديع على وجه يعيد للأذهان الجمال النبوي والحسن المصطفوي.

المزيّة السابعة : بعد هذا الثناء البليغ ومع كونه مظهراً من مظاهر رحمة الله دعا على القوم لأقدامهم على قتل هذا الكائن المقدّس وأراد من الله أن يهلكهم على وجوه ، وكانت سمة الأنبياء من أولي العزم الصبر ، ولسيدالشهداء في مقام الصبر قدم راسخة ومقام شامخ بحيث أعجب ملائكة السماء ولكنه هنا دعا على القوم وهذا يدلّ على مبلغ ألمه وحرارة لوعته بفقدان ولده وشدّة علاقته وغاية محبّته له وتعلق قلبه به ، وفى هذه الفقرة دعا عليهم بفنون الدعوات، وكل واحدة منها تدل

بالاستقلال على جلالة قدره .

فواحدة: طلبه من الله أن يمنع منهم بركات الأرض.

الثانية : أن يبدّد جمعهم ويشتت شملهم .

الثالثة : أن يمزقهم كل ممزق.

الرابعة : أن يفرق كلمتهم.

الخامسة : أن لا يرضي الولاة عنهم أبداً، وهذا الدعاء كله على قاتلي ذلك المظلوم وهم أنفسهم قاتلوا الإمام المعصوم ، أستجيب له كما يشاهد ذلك من راجع الأخبار وقرأ التاريخ.

المزية الثامنة : جعل قتله عنواناً لجميع المظالم والتعديات على أهل البيت

وأصحابهم «فإنّهم دعونا .. الخ».

المزيّة التاسعة : خاطب ابن سعد بعد أن بلغ به الألم كلّ مبلغ ووصل احتراق القلب عنده وتشويش الخاطر إلى آخر حدّه وصاح به ودعا عليه قطع الله رحمك ، وسلب منك البركة، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ؛ لأن الذبح على الفراش أذل أنواع القتل . وقد أجاد القائل في رثاء الحسين علیه السلام .

ص: 367

لقد مات لكن ميتة هاشمية***لهم عرفت تحت القنا المتقصد

لعمري لئن لم يقض فوق فراشه***فموت أخي الهيجاء غير موسد

وإن لم يشاهد موته غير سيفه***فذاك أخوه الصدق في كل مشهد

المزية العاشرة: وهذه أعظم المناقب حين تلا آية الاصطفاء وهي دليل عصمة الأنبياء في حق ولده، وهذا مشعر بعصمته بل دليل عليها (سلام الله عليه) فهذه مناقبه الفاضلة وتلك عشرة كاملة استخرجناها من حديث واحد ؛ فعلى الحقيقة :

هذه من علاه إحدى المعالي***وعلى هذه فقس ما سواها(1)

وَعَلَىٰ أَوْلادِ الْحُسَيْنِ ...

الشرح : ذكر هذه الجملة من باب ذكر العام بعد الخاص وتدلّ على شرف عليّ بن الحسين علیه السلام حيث يسلّم عليه مرّتين. ولفظ «أولاد» كما صرّح اللغويون والفقهاء في باب الوصيّة والوقف به، أعم من البنين والبنات، ولا يبعد أن يراد في هذه الزيارة خصوص الذكور من الأولاد كما أشرنا إلى اختصاص هذه الزيارة بالشهداء.

وجملة القول أن الخلاف واقع في عدد أولاد الإمام الحسين علیه السلام ، وقال الشيخ المفيد في كتابه المبارك «الإرشاد» أن عدد أولاده ل سنّة ؛ أربعة أولاد ذكور أحدهم الإمام الهمام سيد الساجدين علیه السلام من شاه زنان بنت یزدجرد «شاهنشاه ايران» ومن هذه الجهة يدعى علیه السلام ابن الخيرتين نظراً للحديث المعروف: «خيرة الله من العرب قريش ومن العجم فارس» وفيه يقول أبو الأسود الدئلي:

وإنّ غلاماً بين كسرى وهاشم***لأكرم من نيطت على التمائم (2)

ص: 368


1- الكلام بين القوسين للمؤلّف بالعربية، والشعر للأزري (المترجم)
2- الشعر لشاعر من بني تميم فيقول فيه يفخر بأمه : أنا ابن أبي ليلى وجدي ظالم***وأمي حصان أنجبتها الأعاجم وإن غلاماً مابين كسرى وظالم***لأكرم من نيطت عليه التمائم (المترجم)

وعليه بنيت قولي في قصيدة مهدويّة :

يهنئ في ميلاد أبلج ماجد***حوى هاشماً مابين كسرى وقيصر

الثاني علي بن الحسين الشهيد.

الثالث جعفر ، وأمه من قضاعة ، درج.

الرابع عبدالله الرضيع ، قتل في حجر أبيه بسهم من الأعداء ، وابنتان إحداهما سكينة وأمّها الرباب الكلبية ابنة امرئ القيس بن عدي وهي أمّ الرضيع أيضاً، والأخرى فاطمة بنت أمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التيمي .(1)

وفي كشف الغمة عن الحافظ عبدالعزيز بن الأخضر الجنابذي: ولد الحسين ابن علي بن أبي طالب علیه السلام ستة أربعة ذكور وابنتان : علي الأكبر قتل مع أبيه (2).

وفي عبارته المراد بعلي الأصغر الإمام زين العابدين لأنه ذكر غيره عبدالله وجعفر والقرينة الدالة على ما ندعيه قوله : ونسل الحسين من علي الأصغر(3)، ومن هذه الجهة ذكرنا نحن فيما تقدم القول بأنّه يرى الشهيد منهم عليّاً الأكبر ولا موضع لإيراد الفاضل صاحب كشف الغمة حيث ظنّ أنّ الجنابذي أخل بذكر على زين العابدين(4) ومن تأمل كلامه لا يرى للإشكال موضعاً كما يظهر ذلك بحسن المراجعة .

ص: 369


1- الإرشاد : 236. (هامش الأصل)
2- كشف الغمة 2 : 248 . (المترجم)
3- نفسه. (المترجم)
4- عبارة صاحب كشف الغمة : قلت : قد أخلّ الحافظ بذكر علي زين العابدين .. الخ (2 : 249) . (المترجم)

وفي البحار عن مناقب ابن شهر آشوب له ولد اسمه محمد وبنت مسماة بزينب .(1)وعلى هذا يكون عددهم ثمانية أفراد .

وقال كمال الدين بن طلحة في (مطالب السئول) : أولاده ستة وبناته أربع، وساق أسمائهم على النمط التالي : علي الأكبر وهو الشهيد، وعلي الأوسط وهو زين العابدين، وعلي الأصغر ومحمّد وعبدالله وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة، ولم يذكر العاشر ، وتكون ابنته الرابعة .

وذكر عليّ بن عيسى في كشف الغمة عن ابن الخشاب أنّهم تسعة، وعن أبي الفرج ومحمد بن أبي طالب وغيرهم وهو مذكور في البحار أنه بعد استشهاد الإمام الحسين علیه السلام : فخرج غلام من تلك الأبنية وفي أذنيه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان، فحمل عليه هاني بن بعيث [ثبيت -

المصدر] (لعنه الله) فقتله فصارت شهربانويه تنظر إليه ولا تتكلّم كالمدهوشة .. .(2)

ويمكن أن يكون هذا جعفر بن الإمام من شهربانويه، ويؤيد وجودها في الحرب قول ابن شهر آشوب أمّا شهربانويه فأتلفت نفسها في الفرات ...(3)

یولا يظهر من هذا الكلام أنّها أُمّ سيد الساجدين ليقال بأنها ماتت في نفاسها، ولا يبعد أن تكون أختها فقد ورد في بعض الأخبار أنّهنّ أخوات ثلاث: تزوّج إحداهنّ الإمام الحسن، والثانية الإمام الحسين، والثالثة محمد بن أبي بكر ، ولا يبعد أن يتزوّج إحدى الاثنين بعد موت أختها وموت زوجها، وأن تحضر معه كربلاء، وأحسب أني رأيت ذلك في بعض الكتب المعتبرة .

ص: 370


1- المناقب 4 : 77 ، بحار الأنوار 45: 330 (هامش الأصل)
2- بحار الأنوار 45: 45 (هامش الأصل)
3- بحار الأنوار 45: 62. (هامش الأصل)

وفي المنتخب ذكر حديث رقية بنت الحسين علیه السلام في الشام ولعلها الاسم الذي نسیه جماعة المؤرّخين ويؤيده قبرها والقبة المبنية عليه في الشام وزيارة الناس من عامة وخاصة له، وينقل أهل الشام بالتوارث صاغراً عن كابر أن المدفونة ابنة الحسين علیه السلام والمعروفة بالسيّدة رقيّة، ويتوسلون ويتبركون بمرقدها المطهّر ولقد تشرفت بزيارتها مراراً في طريقي إلى الحج عندما اجتزت بدمشق الشام وشاهدت آثار الجلال والخدر وأنوار العصمة والطهارة تتلألأ في ذلك المرقد والمضجع المقدّس .

ويظهر من كلام ابن عبد ربه فى العقد والعبارة منقولة من ابن قتيبة أن محمداً ابن الحسين أسر في كربلاء وأحضر إلى الشام ، وذكر ابن الأثير له ولداً آخر وسماه عمراً بن الحسين وله قصة مشهورة في كلامه مع خالد بن يزيد لعنهما الله ، وعلى هذا يكون أبنائه الكرام سبعة .

والعبارة المحكية عن (تاریخ گزیده) لحمد الله المستوفي مطابقة في العدد وإن خالفت في أسمائهم، لأنّها سمّت اثنين منهم عبيدالله والحسن .

وقال ياقوت في معجم البلدان جوشن جبل في غربي حلب ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ، ويقال : إنّه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي ونساؤه وكانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصناع في ذلك الجبل خبزاً وماءاً فشتموها ومنعوها ، فدعت عليهم فمن الآن من عمل فيه لا يربح ، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ويسمّى مشهد الدكة، والسقط يمسى محسن بن الحسين (1)، تم كلامه .

واقتدى بعمّه المكرّم المحسن بن عليّ واقتفى أثره لأنه أسقط أيضاً بظلم

ص: 371


1- معجم البلدان 2 : 186 ط بيروت - دار الفكر .

الأعداء كما يظهر ذلك من مطاوي كتب أهل السنّة .

فانظر إلى حظ هذا السم كيف لقي***من الأواخر ما لاقى من الأول

ومجمل القول أن مجموع أولاد الحسين علیه السلام بناءاً على جميع الروايات اثنا عشر فرداً ؛ استشهد منهم اثنان على التحقيق واليقين عليّ الأكبر والرضيع ، وبناءاً على احتمال آخر أنّهما رضيعان عليّ وعبدالله ، وأسقط واحد في طريق الشام ، ولكن دخوله في هذا السلام محل إشكال، وأقوى رواية الشيخ المفيد تلك لأنه أوثق وأبصر من غيره بهذه الأمور وهو حامل لواء علوم الأئمة إلى الأمة وناشر لواء آثار أهل البيت في الشيعة رضي الله عنه وأرضاه وحباه من رحمته ما تقر به عيناه .

تنبيه :

في بعض النسخ المصححة أنّ بعض مواضعها المقابلة على خط ابن إدريس والشيخ وهي موجودة في حوزتي ضرب خط على أولاد الحسين تطمس الجملة وكذلك هي محذوفة في نسخة مصباح السيّد المذكور وهذا الوجه أقرب إلى الواقع باعتبار (1)لأنك علمت أن ذكرهم بصيغة الجمع في هذه الجملة باحتمال دخول علي بن الحسين معهم يحتاج إلى تكلّف وتمحل(2)، والله العالم.

ص: 372


1- في ص :355 سلام على أولاد الحسين مختصة بمن استشهد في كربلاء منهم . (هامش الأصل)
2- لا داعي للتكلّف لأنّ الشهداء من أولاد الحسين يقلون عن اثنين بالقطع واليقين وهذا المقدار يصدق على أقل الجمع . (هامش الأصل)
وَعَلَىٰ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ ...

الشرح: مرّ في شرح قوله : «وعلى الأرواح التي حلت بفنائك» ذكر عدد الأصحاب وعدد الهاشميين منهم بالقدر الذي تتسع له مداركي وداخل في نطاق قدرتي وصبري على التتبع ، وأرى من الصواب هنا ذكر حديث أو حديثين في فضلهم علیهم السلام ، وإن لم تكن حاجة لذكر التضحية وفداء الذين كان عليهما أصحاب الحسين علیه السلام مع الحسين ، ولا لثبات القدم ورسوخ العقيدة وكمال الجد والاهتمام بنيل السعادة في الشهادة عندهم، ولا للمنافسة والمسابقة بينهم على تناول كؤوس الردى وتداول جامات البلا، والظاهر لا يحتاج إلى كشف ، والعيان غني عن البيان.

وليس يصح في الأفهام شيء***إذا احتاج النهار إلى دليل

لاسيما إذا وضعنا مدّ بصرنا أنه ما من فريق من الناس قاتل مع إمام أو نبي أو محقِّ أو مبطل فاستمات ووهب نفسه للهلاك، وبايع على الموت، وكسر جفون السيوف وهاجم جيش الخصم بقلب واحد إلا وهو يأمل الفتح والظفر، وهؤلاء مع علمهم بالهلاك وقطعهم بالموت ويقينهم بالقتل من غير أمل بالنصر ولا رجاء للنصر أقدموا على الموت وجعلوا نفوسهم القدسيّة في ميدان الفداء والتضحية وقاءاً لوجود ابن سيّد الوصيين وسبط خاتم النبيين، وصار كلّ واحد منهم في

صدق الجهاد وثبات الموقف مصداقاً لقول حسّان بن ثابت الذي قال :

يلقى الرماح الشاجرات بنحره***ويقيم هامته مقام المغفر

ما إن يريد إذا الرماح شجرنه***درعاً سوى سربال طيب العنصر

وما أحسن ما قاله سروش في مدح عابس بن شبيب الشاكري :

جوشن زیر گرفت که ما هم خانه ماهیم***مغفر زسر فکند که بازم نیم خروس

وما أخلقهم وأحقهم واحداً بعد واحد بقول الطائي الكبير رحمه الله تعالى :

ص: 373

ألا في سبيل الله من عطلت له***فجاج سبيل الله وانثغر الثغر

فتى كلّما فاضت عيون قبيلة دماً***ضحكت عنه الأحاديث والذكر

فتی دهره شطران فيما ينوبه***ففي بأسه شطر وفي جوده شطر

فتًى مات بين الطعن والضرب ميتة***تقوم مقام النصر إن فاته النصر

ومامات حتّى مات مضرب سيفه***من الضرب واعتلت عليه القنا السمر

وقد كان فوت الموت سهلاً فردّه***إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر

ونفس تعاف العار حتى كأنما***هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر

فأثبت في مستنقع الموت رجله***وقال لها من دون أخمصك الحشر

غدا غدوة والحمد نسج ردائه*** فلم ينصرف إلا وأكفانه الأجر

تردّى ثياب الموت حمراً فما دجى***له الليل إلا وهي من سندس خضر

أ - ابن قولويه في كامل الزيارة وفرات بن إبراهيم في تفسيره وساق السند إلى صادق أهل البيت علیهم السلام : كان الحسين علیه السلام مع أمه تحمله، فأخذه النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال : لعن الله قاتلك ولعن الله سالبك وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك .

قالت فاطمة الزهراء سلام الله علیها : يا أبة ، أي شيء تقول ؟

قال : یا بنتاه ذکرت [ذكرته] ما يصيب بعدي وبعدك من الأذى والظلم [والغدر] والبغي وهو يومئذٍ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل وكأني أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم (1)والحديث طويل.

ب - الصدوق في العلل وساق السند إلى عمارة عن أبيه عن أبي عبدالله قال :

ص: 374


1- تفسیر فرات : 171 واللفظ له . (المترجم) نفسه : 55 - 56 ، كامل الزيارات : 69 ، بحار الأنوار 44: 297 . (هامش الأصل)

قلت له : أخبرني عن أصحاب الحسين علیه السلام وإقدامهم على الموت، فقال : إنّهم كُشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنّة فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنّة (1).

ج - الشيخ الأجل قطب الدين الراوندي في كتاب (الخرايج) عن عليّ بن الحسين علیه السلام أنه قال : كنت مع أبي الليلة التي قتل صبيحتها، فقال لأصحابه : هذا الليل فاتخذوه جملاً فإنّ القوم إنّما يريدونني ولو قتلونى لم يلتفتوا إليكم، وأنتم في حلّ وسعة، فقالوا: لا والله لا يكون هذا أبداً. قال: إنّكم تقتلون غداً كذلك لا يفلت ،رجل، قالوا الحمد لله الذي شرّفنا بالقتل معك ، فقال علیه السلام [لهم - المصدر] (ثمّ دعا) (2)وقال لهم: ارفعوا رؤوسكم وانظروا ، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنّة وهو يقول لهم هذا منزلك يا فلان ، وهذا قصرك يا فلان وهذه درجتك يا فلان فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنّة (3).

د - القطب الراوندي أيضاً في الخرائج وساق السند إلى باقر علوم النبيين ، قال : قال الحسين بن علي علیهما السلاملأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : يا بني، إنك ستساق إلى العراق وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى عموراء، وإنّك تستشهد بها ويستشد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا : «قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ» (4)تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً ، فابشروا فوالله لئن قتلونا فإنا نرد على نبينا ، ثمّ

ص: 375


1- علل الشرائع 1 : 229 (المترجم) نفسه : 218 باب 163 ، بحار الأنوار 44: 297. (هامش الأصل)
2- لم ترد عند المؤلف . (المترجم)
3- الخرائج 2: 848. (المترجم) وبحار الأنوار 44: 298. (هامش الأصل)
4- الأنبياء : 69.

أمكث ما شاء الله فأكون أوّل من تنشق عنه الأرض فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين لها وقيام قائمنا وحياة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، ولينزلنّ على وفد من السماء من عند الله لم ينزلوا إلى الأرض قط، ولينزلن إلى جبرئيل وإسرافيل وجنود من الملائكة، إلى آخر الحديث .(1)

ه - ونقل الشيخ المفيد في الإرشاد فجمع الحسين علیه السلام اصحابه عند قرب المساء . قال علي بن الحسین زین العابدين علیه السلام : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول لأصحابه : أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السراء والضراء ، اللهمّ إنّي أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلّمتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين.

أما بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً ، ألا وإنّي لأظنّ أنّه آخر يوم لنا من هؤلاء ، ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً .(2)

ويوافق رواية السيّد في اللهوف: لا أعلم أصحاباً أصلح من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أفضل من أهل بيتي ..(3)

وهذا الخبر من أعظم المدائح المتصوّرة لأصحاب سيّدالشهداء علیه السلام لأنه قال : لا أعلم أصحاباً أصلح من أصحابي ولا أوفى ولا أهل بيت أبر ولا أفضل من أهل

ص: 376


1- الخرائج 2 : 848 ووردت جمل من الحديث لم ترد عند المؤلف . (المترجم) بحار الأنوار 45: 80 رقم 6
2- الإرشاد 2 : 91 (المترجم) ونفسه : 214 ، وبحار الأنوار 44: 392. (هامش الأصل)
3- اللهوف : 90 . (المترجم)

بيتي، وهذا الخبر موجب لتفضيلهم على صحابة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم و أمير المؤمنين علیه السلام ويمكن أن تكون النكتة في هذا هو نفس الدقيقة التي جرت الإشارة إليها في صدر المقالة .

وجملة القول أن نهاية الحديث يتضمن الحوار الدال على حبّهم وأقوالهم المخلصة الصادقة ، فقد نطق كل واحد بما في قلبه ، وأعرب عما في ضميره، بحيث يترك العقل ذاهلاً حيران، ومجمله كما يلي . شعر .

شاها من اربعرش رسانم سریر فضل***مملوک آن جنابم و محتاج آن درم

ور باورت نمی رسد از بنده این حدیث***از گفته کمال دلیلی بیاورم

گر بر کنم دل از تو و بردارم از تو مهر***این مهر بر که افکنم آن دل کجا برم

سيدي لو بلغت عرش الثريا***لم أزل عبد سيدي المحتاجا

ولو أنّ المولى يشك بصدقي***إنّ عندي لما أقول حجاجا

هاك قلبي ينبيك عما الاقي***من عذابي ودمعي الثجاجا

أين ينحو حبّي إذا حاد عن بابك***والقلب عاف ذاك الرتاجا

والتفصيل مذكور في كتب المقاتل، والله درّ القائل فيهم :

قوم إذا نودوا لدفع ملمة***والخيل بين مدعس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا***يتهافتون على ذهاب الأنفس

ص: 377

اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظَالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاً ثُمَّ الثَّانِيَ ثُمَّ الثَّالِثَ ثُمَّ الرَّابِعَ ...

اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظَالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي ، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلاً(1) ثُمَّ الثَّانِيَ ثُمَّ الثَّالِثَ ثُمَّ

شرح : لفظ «أوّلاً» منصوب على الظرفية. وكما مرّ سابقاً إن كان اسماً فهو يستعمل على ضربين (2)ولما كان معنى أوّل من المفاهيم المتضايفة لا يستعمل بدون إضافة وحكمه حكم الظروف التي تلازم الإضافة ولهذا الظرف وجوه:

الأوّل : ذكر المضاف إليه .

الثاني : حذف المضاف إليه مع تقدير لفظه، وفي هذه الحالة يكون معرباً من غير تنوين مثل ابدأ به من أوّل . كما قال الشاعر:

*ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة *

بكسر اللام، بناءاً على رواية الثقات كما قالوا.

والثالث : حذف لفظه وإبقاء معناه ، وفي هذه الحالة يكون مبنياً على الضم مثل : «لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» .(3)

والرابع : حذف لفظ المضاف ومعناه أي قطعه عن الإضافة بتاتاً، والغرض «قبلٌ ما» و«بعدٌ ما» لتنكيره، وفي هذه الحالة ينصب وينوّن ، مثل :

*وساغ لى الشراب وكنت قبلاً *

ومثل ابدأ به أوّلاً. والحريري اعتبر ابدء به أولاً خطأ لحرصه على تكثير

ص: 378


1- في مصباح المتهجد النسخة الخطية و (البلد الأمين) ومصباح الكفعمي أول بضم اللام .
2- في شرح جملة : «أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد» (هامش الأصل)
3- الروم : 4 .

أوهام الخواص في درّة الغوّاص(1) وتذرّع بالبيت التالي :

العمرك ما أدري وإنّي لأوجل***على أينا تعدوا المنية أوّل

وغفل على أنّ الضمّ على المعنى الذي سبق ذكره ولا اعتبار بتخطئة النصب بغير هذا المعنى، ولا زال الحريري جارياً على هذه العادة أن يقيس خطأ في استعمال آخر ، وهذا من ضعف التحصيل وقلة التبصر ، والدعاء نفسه دليل ساطع وبرهان قاطع على بطلان دعواه، ولا تعجب منه ولكن اعجب من السيّد الأجل المحقق الداماد له حيث تبعه في حاشيته على الصحيفة السجادية المكرّمة ولا يسوغ أولاً بالتنوين ، ولا بد من أن هذا السيد العلّامة غفل عن الفقرة الواردة في الزيارة ، وإلا فمع اعتبار سند هذه الزيارة بل قطعيتها بين الشيعة وأنّها قول الأئمّة جميعاً بل هي الحديث القدسي وتطابق جميع النسخ على هذا اللفظ ، كيف يسوغ القول بعدم صحة الاستعمال ذهاباً مع الحريري.

وجملة القول المراد بالأربعة ،معروف، وهاهنا حكاية طريقة نقلها السيد المحقق الشهيد الثالث القاضي نور الله الشوشتري قدس الله سرّه السري في كتاب مجالس المؤمنين (2)في ذيل ترجمة شيخ الطائفة ورئيس المذهب وإمامها بعد الأئمة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - قدس الله سرّه القدّوسي - أن بعض العدوّ وشى به إلى الخليفة العباسي المعاصر للشيخ بأنه وأصحابه من الشيعة الإمامية يسبون الصحابة وكتاب المصباح الذي فيه أعمال السنة للمتهجدين شاهد بذلك ، لأنّ في دعاء يوم عاشوراء جاء فيه: «اللهم خص ...» إلى آخره ، فاستدعاه الخليفة وأمره بحمل كتاب المصباح معه .

ص: 379


1- درّة الغوّاص : 92 ط سنة 1272 . (هامش الأصل) ونفسه : 105 ط المكتبة العصرية 1424 .
2- ذكرها البحراني في اللؤلؤة : 246 ، وقال : مثلها في حياة القلوب ومجالس المؤمنين. (هامش الأصل)

فلمّا حضر وواجهه بالتهمة أنكر ذلك فأمر الخليفة بقرائة الدعاء المذكور من الكتاب ، وقال له : بأي عذر تعتذر عن هذا؟

فقال الشيخ على البديهة : يا أمير المؤمنين ، ليس المراد من هذه العبارة المعنى الذي قذفنا به العدوّ ، بل المراد بالأوّل قابيل، قاتل هابيل الذي وضع أسالس القتل في الأرض وفتح على نفسه أبواب اللعن، والمراد بالثاني عاقر ناقة صالح واسم عاقرها قيدار بن سالف، والمراد بالثالث قاتل يحيى بن زكريا الذي قتله من أجل بغية من بغايا بني إسرائيل، والمراد بالرابع عبدالرحمن بن ملجم - لعنه الله - الذي أقدم على قتل علي بن أبي طالب علیه السلام .

فلمّا سمع الخليفة منه ذلك صدقه، وأنعم عليه وعاقب الساعين والغمازين تمّت عبارة المجالس.

وجملة القول إنّي وإن ذكرت في مطاوي هذا الكتاب وتضاعيف هذا الباب أخباراً وآثاراً دالّة على جواز لعن هذا الفريق وسبّه وإثبات ظلمه وكفره موافقة للعقل والاعتبار حتى لا يشك بها أحد انقشعت عن قلبه غشاوة الشقاوة وزالت عن عينيه ستائر الجهالة ولكنّنا نذكر في هذا المورد حديثاً أو حديثين من طرق أهل السنّة المعتبرة في إثبات ظلم المشايخ الثلاثة بل كفرهم وجواز لعنهم ، ثمّ نسوق خبرين من طريقهم أيضاً عن كفر معاوية، والآن بتوفيق الله عزّ اسمه نقول :

1 - روى مسلم في كتاب الجهاد باب الفيء بطريقين والبخاري في موضعين من صحيحه في باب فرض الخمس والآخر في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة عن مالك بن أوس رواية تتضمن أنّ تيماً و عديّاً كانوا باعتقاد أميرالمؤمنين كاذبين وآثمين وغادرين، وألفاظ هذه الأحاديث الأربعة متقاربة وإن كان البخاري دلّس في النقل وأورد عقيب هذه الجملة تزعمان أنه كذا قول عدي ليقابل بينهما فقال: «والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق» ويعلم من خلال ذلك كلام عليّ

ص: 380

والعباس في حق الرجلين ، ونحن نكتفي في هذا الباب برواية مسلم وننقل نفس عبارته وهي كافية في الاستبصار.

قال مسلم في صحيحه - ما مثاله - : حدثني عبد الله بن أسماء الضبعي «نا» جويرية، عن مالك ، عن الزهري أن مالك بن أوس حدثه قال : أرسل إلي عمر بن الخطاب فجئة حين تعالى النهار ، قال : فوجدته في بيته جالساً على سرير مفضياً إلى رماله ، متكئاً على وسادة من أدم ، فقال لي: يا مال ، إنه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرت فيهم برضخ ، فخذه فاقسمه بينهم.

قال : قلت : لو أمرت بهذا غيري.

قال : خذه يا مال

قال : فجاء يرفأ، فقال هل لك يا أمير المؤمنين فى عثمان وعبدالرحمن ابن عوف والزبير وسعد ؟ فقال عمر : نعم ، فأذن لهم فدخلوا ثم جاء فقال : هل لك في عباس وعلي ؟ قال : نعم ، فأذن لهما ، فقال عبّاس : يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن .(1)

فقال القوم : أجل يا أمير المؤمنين فاقض بينهم وأرحهم .

فقال مالك بن أوس : يخيّل إلى أنّهم قد كانوا هم قدموا لذلك ، فقال عمر اتّئدا (أي اصبرا وأمهلا) أنشدكم بالله الذى بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمان أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ؟ قالا : نعم ، فقال عمر : إنّ الله جلّ وعزّ كان خص رسول الله بخاصة لم يخصص بها أحداً غيره ، قال : «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى

ص: 381


1- حاشا لسيدنا أبي الفضل أن يقول هذا بحق أمير المؤمنين وهو يعرف منزلته من الله ولكن القوم لا يملكون الجرأة على سبّ أمير المؤمنين جهاراً فسبوه على لسان العبّاس كذباً، فلعنهم الله وسوّد وجوههم. (المترجم)

رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ» (1)وما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا. قال: فقسم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بينكم أموال بني النضير فوالله ما استأثر عليكم ولا أخذها دونكم حتّى بقي هذا المال، فكان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلمه يأخذ منه نفقة سنة ثم يجعل ما بقى أسوة المال ثمّ قال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون ذلك ؟ قالوا :

نعم ، ثمّ نشد عبّاساً نشد عبّاساً وعليّاً بمثل ما نشد به القوم أتعلمان ذلك ؟ قالا : نعم ، قال : فلمّا توفّي رسول الله قال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله ، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، فقال أبو بكر : ما تركناه صدقة [ما نورّث] فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً (2)والله يعلم إنّه لصادق بار راشد تابع للحق ، ثمّ توفّي أبوبكر وأنا وليّ رسول الله (3)وولي أبي بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم إنّى لصادق باز راشد تابع للحق فوليتهما ، ثم جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فقلتما أدفعها إلينا، فقلت: إن شئت دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله ، فأخذتماها بذلك ، قال : أكذلك ؟ قالا : نعم ، قال : ثمّ جئتماني لأقضي بينكما ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما فردّاها عليّ .(4) انتهى بألفاظه في أوّل طريقي مسلم .

من هذا الحديث الذي يعتبر عند أهل السنة له حكم نصوص الكتاب، ي-رد على خليفتهم المحترم طعون عدّة بعضها يوجب الكذب الذي يوجب الصفات

ص: 382


1- الحشر : 7 .
2- وأقول أنا حسبة : لعن الله هذا الكاذب الآثم الغار الخائن . (المترجم)
3- من الذي ولاك يابن الزانيتين حنتمة وصهاك . (المترجم)
4- صحیح مسلم :3: 1758 باب 15 کتاب الجهاد . (هامش الأصل) ونفسه رقم 4531 . (المترجم)

الأربعة المذكورة. وبعضها يوجب الكفر وبه يجوز لعنه .

أما كذب دعواهم ففي زعمه وصاحبه أنّهما وليا رسول الله مع أنّهما باتفاق الأمة أمر النبي عليهما أسامة وأمرهما بالخروج معه ، كما ستسمعه.

وأمّا عذرهما وإثمهما وخيانتهما ،وكذبهما، وقد اعترف بشهادة العبّاس وأمير المؤمنين وهما من أفاضل العترة ورؤساء الأمّة عليهما بذلك ، وما من مسلم لا يحكم بشهادة هذين الفاضلين ؟

وهذه المثالب التي نسبها عدي إليهما كانت بمشهد ومسمع من أوس وعبدالرحمن وسعد ونعثل والزبير، فلا هما أنفا من هذا الوصف ولا عليّ والعباس تنصلا منه أو اعتذرا ، ومع هذا نقول : إن قول عدي هذا في في حقه حقه وحق صاحبه لا يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون صادقاً ، وإما أن يكون كاذباً ؛ فإن كان الأوّل تكون حقيقته بحكم هذه الشهادة معلومة ، وإن كان كاذباً فتعرف حاله أيضاً وتصدق عليه الآية الكريمة: «فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ» .(1)

وأمّا كفره فيعلم من لحن حديثه بحق رسول الله والزهراء علیهما السلام فقد نطق اسميهما الشريفين بطريق الاستخفاف والإهانة ، فقد قال للعباس : تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، وهذا قلة أدب منه ليس بمستطاع المسلم تحمّله النبي الذي يخاطبه الله بالتعظيم في كتابه، وأينما ذكر اسمه يذكره بالإجلال وبالألقاب المكرّمة مثل : «يا أيها الرسول» و«يا أيها النبى» و«يا أيها المزّمّل» و«يا أيها المدثر» وما أشبهها إلا فى مواضع من الكتاب اقتضت الضرورة التصريح باسمه المبارك من أجل التنصيص على نبوّته أو غير ذلك من الأغراض. يأتي عدي باسمه بهذا الاستخفاف، ويأتي باسم فاطمة بضعة النبي

ص: 383


1- آل عمران: 61 .

وسيّدة المحشر بهذا الصغار، وبالطبع إن هذا موجب للكفر ، لأن الضرورة قاضية عند أهل هذه الملة أنّ إهانة الأنبياء والاستخفاف بقدرهم خروج من الملة. وفي معجم البلدان لياقوت الحموي في لفظ صنعاء كما ذكر السيد المحقق الشهيد الثالث في إحقاق الحق حشره الله أجداده ، قال : قال زيد بن المبارك كنا عند عبد الرزاق (بن همام) - وهو شيخ البخاري ومسلم وروى كلاهما عنه روايات كثيرة ومن الأمثال المعروفة عند أهل السنة والجماعة من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة - فحدّثنا بحديث معمر عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان الطويل، فلمّا قرأ قول عمر لعليّ والعباس : فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ، قال : ألا يقول الأنوك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم (1).

وحكم عبدالرزاق بحمقه أو إنّه اعتقد بكفره ، ونحن أشرنا إلى حال عبدالرزاق في الحاشية على الكتاب الذي وضع على رجال النجاشي .(2)

الحديث الثاني في نهج الحق عن مسند أحمد بن حنبل : من آذى عليّاً بعث يهودياً أو نصرانياً .(3)

وبالطبع إيذاء القوم لأمير المؤمنين واضح وثابت و مشهور «كوقوع الصفيحة من فوق السطح» .(4)

ص: 384


1- معجم البلدان 3: 429 (المترجم)
2- ما رحل الناس إلى أحد بعد رسول الله مثلما رحلوا إلى عبد الرزاق الصنعاني ... الذهبي : شيخ الإسلام ومحدّث الوقت ومن احتج به كل أرباب الصحاح قيل ليحيى بن معين : إن عبدالرزاق شيعي ويكره معاوية ، قال : لو ارتد عبدالرزاق ما تركنا حديثه (تاريخ اليمن الفكري 1: 48 و 49) . (المترجم)
3- نهج الحقِّ ، نقل هذا الحديث بأسناد مختلفة وذكرها في إحقاق الحق بالتفصيل 6: 90. (هامش الأصل)
4- هذا مثل فارسي وليس له نظير في أمثالنا العربية (المترجم)

وكلّما أرادوا ستره بدى «كالطبل من تحت القطيفة» فهو معروف للعارف والعامي ومعلوم للجماد والنامي .

الحديث الآخر لابن أبي الحديد عن عبدالرزاق الجوهري وهو من أجلة الثقات والمعتمدين روى وساق السند إلى ابن عباس قال : إني لأماشي عمر (لعنه الله) في سكة من سكك المدينة، يده في يدي، فقال : يابن عباس ، م-ا أظنّ صاحبك إلا مظلوماً، فقلت في نفسي: والله لا يسبقني بها، فقلت: يا أمير المؤمنين ، فاردد إليه ظلامته فانتزع يده من يدي ثمّ مرّ يهمهم ساعة ثمّ وقف ، فلحقته ، فقال لي: يابن عبّاس، ما أظنّ القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه، فقلت في نفسي: هذه شرّ من الأولى ، فقلت : والله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة برائة من أبي بكر ..(1)

نشكر الله أن عدي اعترف أنه وأصحابه ظلموا عليّاً وأخذوا منه حقه زوراً وباطلاً.

وذكر ابن أبي الحديد هذا الحديث أيضاً في أحوال «عدي» من كتاب الموفقيات عن الزبير بن بكار الزبيري وهو من أكابر ثقات المؤرّخين من هذه الطائفة .

والحديث الآخر نقله عبدالكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل عن النبيّ : «جهزوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلف عنه» (2).

وصدر الحديث وإن كان متواتراً ولكن ذيل الحديث لم أعثر عليه من طرق العامة إلا في كتاب الملل والنحل (3)وكان عدي وتيم ومعهما نعثل كما في روضة

ص: 385


1- شرح ابن أبي الحديد 6: 45 . (المترجم)
2- الملل والنحل 1: 23 .
3- ويوجد في المقدمة التي كتبها محيي الدين عبدالحمید علی کتاب مقالات الإسلاميين للأشعري . (المترجم)

الأحباب لجمال المحدّثين في ذلك الجيش وتخلفا ؛ أما بمخالفة النصّ وهو الكفر ، أو بالاجتهاد وهو الفسق، وعلى أية حال فقد شملتهم لعنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

الحديث الآخر نقله آية الله العلّامة - نشر الله في الخلد أعلامه - عن الحميدي المحدث، عظيم الشأن، نقلاً عن تفسير السدّي وهو من تفسير السدّي وهو من أكابر المفسّرين والمحدثين عندهم ، قال : لما توفّي أبو سلمة وعبد الله بن خدافة وتزوّج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أم سلمة وحفصة ، وصارتا من أمهات المؤمنين ، قال طلحة ونعثل لعنهما الله : أيتزوّج محمّد نسائنا إذا هلكنا والله لو مات لتزوجنا نسائه ولو بضرب السيوف ، وكان طلحة يطمع في حميراء ونعثل في أم سلمة (1)، فنزلت الآية : «وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً» (2)ونزلت هذه الآية أيضاً : «إن تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ» (3)الآية ، ونزلت هذه الآية أيضاً : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» (4)(5).

وهذه الآية علاوة على ما صرّحت به من لعن الله تعالى نعثل وطلحة، هي دليل على كفرهم أيضاً لأنهما زعما تساويهما مع النبي صلی الله علیه و آله وسلم ولم يرعيا حرمة النبوة واستخفا بقدر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ولم يطيعا أمر الله ، وعارضا شرع النبي صلی الله علیه و آله وسلم كما هو الظاهر ، وهذه الأمور تدلّ على الكفر بالضرورة ، وأحاديث من هذا القبيل في كتب أهل السنّة أكثر من أن تحصى، وكتابنا هذا مبني على الإشارات والتلميحات لا

ص: 386


1- من الناس من يحلو له أن يتحدّث عن علاقة لطلحة بعائشة قبل زواجها من رسول الله لأنها من بني عمه وهذا افتراء على حرمة النبي فأرجو أن ينزه المرء المسلم خلده من هذا الباطل. (المترجم)
2- الأحزاب : 53 .
3- الأحزاب : 54 .
4- الأحزاب : 57 .
5- نهج الحق : 304 و 305. (هامش الأصل)

على الإحاطة والاستقصاء، وبهذا القدر يكتفي العلماء طلاب الحقيقة وعارفوه وتغنيهم وتشفيهم إن شاء الله ، وعلى أثر ذكر هؤلاء الثلاثة لم أجد بداً من إثبات شعر أبي القاسم المغربي وإن مرّت فيما تقدّم شذرة منه ، فلله دره حيث قال :

لكنما حسد النفوس وشحها***وتذكر الأذحال والأوتار

أفضى إلى هرج ومرج فانبرت***عشواء خابطة بغير نهار

وتداولتها أربع لولا أبو***حسن لقلت لئمت من أستار

من عاجز ضرع ومن ذي غلظة***جاف ومن ذي لوثة خوار

ثم ارتدى المحروم فضل ردائها***فغلت مراجل إحنة ونفار

فتآكلت تلك الجذى وتلمظت***الضبا ورقاً أجيج النار

تالله لو ألقوا إليه زمامها***لمشى بهم سجحاً بغير عثار

ولو أنّها حلت بساحة مجده***بادي بدى سكنت بدار قرار

هو كالنبي فضيلة لكنّ ذا***من فضله كاس وهذا عاري

والفضل ليس بنافع أربابه***إلا بمسعدة سعدة من الأقدار

ثمّ امتطاها عبد شمس واغتدت***هزءاً وبدل ربحها بخسار

وتنقلت في عصبة أموية***ليسوا بأبرار ولا أطهار

مابين مأفون إلى متزندق***ومضعف ومداهن وحمار

وقد سبقت هذه الأبيات الأخيرة وهي من جيّد شعر العرب قد وشج في البداوة أصوله ، وتهدل بالحضارة غصونه ، وكأنّما وصفه البحتري بقوله الذي سبق فيه كلّ

واصف للشعر :

في نظام من البلاغة ما شكّ***امرى أنه نظام فريد

وبديع كأنّه الزهر الضاحك***في رونق الربيع الحديد

مشرق في جوانب السمع ما***يخلقه عوده على المستعيد

ص: 387

ما أعيرت منه بطون القراطيس***وحملت ظهور البريد

مستميل سمع الطروب المغنى***عن أغاني مخارق وعقيد

جج تخرس الألد بألفاظ***فرادى كالجوهر المنضود

حزن مستعمل الكلام اختياراً***وتجنّبن ظلمه التعقيد

وركبن اللفظ القريب فأدركن***به غاية المراد البعيد

كالعذارى غدون في الحلل ال_***بيض إذا رحن في الخطوط السود

وأنا وإن خرجت عن المقصود بحكاية هذا اللؤلؤ المنضود إلا أن إعجابي بشعر أبي القاسم ملك عناني وأخذ بزمامي وقادني إلى مدحه، فتخيّرت شعر البحتري في ذلك لأنه بذكلّ واصف وبهر كلّ عارف بمواقع اللطائف .(1)

وهذان الخبران يدلان على كفر معاوية لعنه الله :

الأول : ما ذكره ابن أبي الحديد وغيره من صناديد هذا الفريق وذلك أن النعمان ابن بشير الأنصاري جاء في جماعة من الأنصار إلى معاوية فشكوا إليه فقرهم وقالوا: لقد صدق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في قوله لنا : «ستلقون بعدي أثرة» فقد لقيناها، قال معاوية : فماذا قال لكم ؟ قالوا : قال لنا : (فاصبروا حتى تردوا عليّ الحوض) قال : فافعلوا ما أمركم به عساكم تلاقونه غداً عند الحوض كما أخبركم ، وحرمهم ولم يعطهم شيئاً.

قال ابن أبي الحديد وهذا الخبر هو الذي يكفر كثير من أصحابنا معاوية بالاستهزاء به .(2)

الخبر الثاني : ذكره المسعودي في مروج الذهب في أحوال المأمون وأشار إليه

ص: 388


1- كان النصّ بالعربية من المؤلّف . (المترجم)
2- شرح نهج البلاغة 6 : 32 (المترجم)

ابن أبي الحديد أيضاً: وفي سنة اثنتي عشرة ومأتين نادى منادي المأمون : برئت الذمة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدّمه على أحد من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ، وتكلّم في أشياء من التلاوة أنّها مخلوقة وغير ذلك، وتنازع الناس في السبب الذي من أجله أمر بالنداء في أمر ،معاوية ، فقيل في ذلك أقاويل منها أنّ بعض سماره حدّث بحديث عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي وقد ذكر هذا الخبر الزبير بن بكار في كتابه من الأخبار المعروفة بالموفقيات التي صنّفها للموفق وهو ابن الزبير قال :

سمعت المدائني يقول : قال مطرف بن المغيرة بن شعبة وفدت مع أبي المغيرة إلى المعاوية، فكان أبي يأتيه يتحدّث عنه ثم ينصرف إلى فيذكر معاوية ويذكر عقله ويعجب ممّا يرى، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، فرأيته مغتماً، فانتظرته ساعة وظننت أنه لشيء حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له: مالي أراك معتماً منذ الليلة ؟

قال: يا بني، إنّي جنت من عند أخبث الناس.

قلت له : وما ذاك ؟

قال : قلت له وقد خلوت به: إنّك قد بلغت مناك يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً فإنّك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه .

فقال لي: هيهات هيهات!! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل : أبو بكر، ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل : عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه ، فعمل ما عمل وعمل به، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به ، وإن أخا هاشم يصرخ به في كلّ

ص: 389

يوم خمس مرات: أشهد أن محمداً رسول الله ، فأي عمل يبقى مع هذا؟ لا أمّ لك ؟ والله إلا دفناً دفناً.

وإن المأمون لما سمع هذا الخبر بعثه ذلك على أن أمر بالنداء على حسب ما وصفنا ، وأنشئت الكتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر ، فأعظم الناس ذلك وأكبروه

واضطربت العامة ، فأشير عليه بترك ذلك فأعرض عمّا كان همّ به .(1)

إلى هنا كان كلام المسعودي وهو ثقة عند أهل السنّة علاوة على إعطائه السند على هذا وهو كتاب الموفّقيّات للزبير بن بكار وهو من الأصول المعتمدة والمصادر المعتبرة عند هذه الطائفة .

ومما كتبناه يظهر كفر هؤلاء الأربعة وجواز لعنهم وظلمهم كالشمس في رابعة النهار، بيّنة واضحة من هذه الجهة كان الإمام الصادق علیه السلام ملزماً نفسه بعد ك-لّ فريضة لعن هؤلاء الأربعة وصار ذلك ملزماً للشيعة، على نحو التأسي ، كما روى الكليني والشيخ وأوصلا السند إلى الحسين بن ثوير وأبي سلمة السراج قالا : سمعنا أبا عبدالله يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرجال وأربعاً من النساء ويذكر أسمائهم(2).

والآيات المأوّلة بلعنهم والمصرحة به كثيرة وهو من ضروريات مذهب الشيعة ، ومن المطاعن الموجهة إليهم من عدوّهم ، ولم ينكر ذلك أحد ممن انتمى إلى هذا المذهب ذلك، سوى واحد جاهل ضال مضل في أيامنا ظهر في كشمير

ص: 390


1- مروج الذهب 4 : 48 و 49
2- سمعنا أبا عبد الله وهو يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال وأربعاً من النساء : فلان وفلان وفلان ومعاوية، ويسمّيهم، وفلانة وفلانة وهند وأمّ الحكم أخت معاوية (الكافي 3: 342 كتاب 12 باب 32 ح 10 ، تهذيب الأحكام 2 : 321 باب 15 حديث 169 ويتمثل الإمام بذلك أمر الله «فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ»«وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ» [ الشرح : 7 و 8] . ( هامش الأصل)

وكتب رسالة في منع سبّ الشيخين، وضمّ صوته إلى صوت السنة ورقص على حبالهم وخدع بأساطير طائفة من العوام أخفاء الهام ، سفهاء الأحلام، وترهاتهم وخدع جماعة بطاقاته وجريراته من الجهال، وأقام فتنةً بحيله والأعيبه وأساليبه ونفاقه وتملّقه، وأنشأ سقيفة جديدة. والعجيب في الأمر أن الرجل مع كونه من أوائل الطلاب قليل المعرفة خال من العلم، وهو من رؤوس الفسّاق ومشايخ أهل الكبائر، يدّعي الاجتهاد ويتصدّى للإفتاء ، بل أحياناً يدعى لنفسه الأعلميّة ويطنطن بها تحت الستار ، وتظهر من تحت رماده فتاوي غريبة تدلّ على الجهل، وكان ينكر نسب الطائفة الجليلة الرضوية وهم وجوه أكابر أشراف قم وطهران وهمدان ،وخراسان وسيادتها وغيرهم من أمثالهم ، وصرّح بتضليله وتفسيقه علماء المشهدين والجناب المستطاب حجّة الإسلام سيدنا الأستاذ - دام ظله - مراراً وتكراراً وكتبوا في ذلك المقالات وحرّروا الرسائل والكتب فلم يقلع عن غوايته، ولم يرتدع عن ضلالته(1) وإلا لو لم يجر في حقه ما جرى فإنّ ما نخشاه

ص: 391


1- من عجائب شيطنة هذا المدلّس أنّ الكتب التي ترد على أهالي تلك الأصقاع من علماء الإسلام ووجوه الأعلام يحرّفها أمام عوام الشيعة أو يمزق جملة منها أو يأوّلها بوجوه ظاهرة الفساد وينفي بعضها ليلبس بذلك على العامة من الشيعة، فيصطاد قوماً من الجهال الضعفاء في شباكه لعله يبلغ شهواته الباطلة، والله يحول دون آماله ، ويجازيه بسوء أعماله ، ومن جملة هذه المرقومات نصوص صاحب الحضرة المستطاب الأجل سيّد المسلمين ، السيد الأستاذ أديمت معاليه وبوركت أيامه ولياليه ، لحقه من ذلك مسائل وردت قبل مدة تتعلق بأمور عدة من فروع فقهيّة ومطالب شرعيّة من جملتها ورد سؤال عن أولاد السيد محمد الأعرج بن موسى المبرقع وكذلك عن أحوال هذا السيد الغاوي الدعي المشكوك بنسبه بالتفصيل الذي اشتهر في إقليم كشمير كله ، وبلغ حد التواتر ، فأوكل السيد الأستاذ الجواب عليها إليّ أنا ذو البضاعة المزجاة، فأجبت عليها جواباً يناسب مبانيه، وكتب في حق هذا السيد الدعي بإملاء الأستاذ دام ظله : إنّ هذا ذو حماقة ولا يبنغي أن يصغى أحد إلى هذه الخرافات والأباطيل بل مثل هذه الكلمات توجب عليه الحدّ وختمه بخاتمه الشريف ومع كلّ هذا فلم يفارق هذا الرجل غوايته وتضليله العامة . ( منه )

واقع لا محالة وذلك أن قاصراً لو اطلع على تزويقات هذا الشيطان وتدليساته فإنّه يخدع به ، وإذا ما اطلع على هذه الصحيفة فإنّه يرجع عوده على بدئه ويرتدع عن مسلك الضلال، ويأوب إلى مسلك الهداية، وحتى هذا القدر من الكلام لا يستحق من الذكر، ولكنّنا خشينا أن إنساناً يمر بهذه المسألة الضرورية من مذهبنا فيحسبها خلافية مع أنّ هذا الجاهل لولا ما ذكرناه أقل من أن يجري ذكره على ألسنة العلماء فضلاً عن اعتباره من ذوي الآراء وينسب إليه خلاف بين أولي الفضل من العلماء.

ومجمل القول نقتصر في هذه الخاتمة على نقل حديث واحد في ثواب لعن الجبت والطاغوت المعبر بهما في عرف أهل البيت عن تيم وعدي وأحياناً يطلقان على مطلق الغاصبين لحقوق العترة الزاكية .

فقد نقل الفاضل الزاهد الورع الآخوند ملا محمد كاظم الهزار جريبي من تلامذة الاستاذ الأعظم السيد البهبهاني وهو من فضلاء المحدثين والعلماء المحصلين في كتابه (جمع الفضائح لأرباب القبائح) عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علیه السلام بأنّه قال: من لعن الجبت والطاغوت لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة، ومحى عنه سبعين ألف ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف ألف درجة، ومن أمسى (1)يلعنهما لعنة واحدة كتب الله له مثل ذلك .

قال : فمضى مولانا عليّ بن الحسين فدخلت على مولانا أبي جعفر محمّد

ص: 392


1- الظاهر من تأمل هذه الفقرة والزيادة التي معها من الباقر أن ما ذكره أولاً مخصوص بالإصباح إذ لو كان ذلك عاماً لم يكن وجه لذكر الإمساء ، خصوصاً وعليه بنينا الترجمة لأجل هذا الاستظهار، والله أعلم. ( منه )

الباقر ، فقلت : يا مولاي ، حديث سمعته من أبيك ، فقال : هات يا ثمالي ، فأعدت عليه الحديث ، فقال : نعم يا ثمالي، أتحب أن أزيدك ؟ فقلت: بلى يا مولاي فقال : من لعنهما لعنة واحدة في كل غداة لم يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم حتّى يمصي ، ومن أمسى ولعنهما لم يكتب له ذنب في ليله حتّى يصبح .

قال : فمضى أبو جعفر فدخلت على مولانا الصادق علیه السلام فقلت : حديث سمعته من أبيك وجدك ، فقال : هات يا أبا حمزة، فأعدت عليه الحديث ، فقال : حقاً يا أبا حمزة ، ثم قال علیه السلام : ويرفع له ألف ألف درجة ، ثم قال : إنه واسع كريم(1).

والحديث يتعدد بتعدد المروي عنه بل بلحاظ آخر يكون ستة أحاديث لأن الزيادة عن الإمام الباقر رواها عن الصادق علیه السلام ، وإنما قال الإمام التتمة «إن الله واسع كريم» فلكي يدفع به الاستبعاد أي إنّ ذلك ليس بعيداً على عموم مكرمته وسعة دائرة رحمته أن يهب على العمل القليل الثواب الكثير الذي يظهر بهذا الاتساع ويظهر العبد ذي الاعتقاد الخالص الموالي لأهل البيت علیه السلام بهذه العناية والاستحقاق.

تم محصل معنى الحديث الشريف ونحن أيضاً نختم الكلام ونقول: اللهم العن الجبت والطاغوت.

ص: 393


1- العياشي : عن زرارة ، عن أبي عبد الله «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» [الأنعام: 160] قال : ومن ذكرها فلعنهما كلّ غداة كتب الله له سبعين حسنة ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات . (بحار الأنوار 8: 214 ط كمپاني)

اللهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ بنَ مُعَاوِيَة خامِساً ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيادٍ وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أَبِي سُفْيانَ وَآلَ مَرْوَانَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ...

الشرح : الغرض من ذكر هذا الدعاء استيفاء جميع من له أثر ومدخلية في قتل سيّدالشهداء علیه السلام سواء كان مشاركاً مثل يزيد وابن زياد وغيره أو مسبباً مثل الأربعة الأول أو راضياً كآل مروان وبقية آل أبي سفيان وآل زياد.

والنكتة في ذكر ابن مرجانة مع أنّه هو هو ابن زياد إنما هو لمزيد التعيير والانتقاص بهذا النسب الذي آخذ باللئامة والدنائة من طرفيه ، وتكرار ذكر الشمر لعنه الله في هذه الزيارة لإثبات أنّه قاتل الإمام المظلوم كما الأشهر في الروايات والمشهور بين المؤرّخين، ولما كان تحقيق هذه المسألة يتوقف على ذكر كيفية شهادة هذا الإمام المظلوم وإنّي لم أقدر بحال من الأحوال أن أقرأ هذه المصيبة العظمى والفادحة الكبرى في كتاب بالتفصيل كذلك لا أقدر على ذكرها في هذا الكتاب، ولله درّ القائل :

افسانه که کس نتواند شنیدنش***یا رب بر اهل بیت چه آمد از دیدنش(1)

ومصيبة يعيا السماع بذكرها***كيف استطاع الطاهرون شهودها

ونحن نعمد إلى تأويل آية أو آيتين وردت من طريق أهل البيت علیهم السلام الذين يسأل الله عباده عن مودتهم ويلزمهم بالتمسك بحبل ولايتهم في ذمّ أعدائهم وغاصبي حقوقهم، وهي تناسب حال الأفراد المعنيين بالدعاء المذكور تماماً:

ص: 394


1- لسان حال الحسين على جسد الأكبر من که چون خضر رهم پیر شدم بر سر تو***وای بر حال عمه خونین جگرت فنيت على جرح برأسك غائر***فكيف إذا جائتك أم المصائب

الآية الأولى : قال تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» (1)وبإرشاد القرينة دلّ التأويل على أ الرشد هو التشيع، والغي هو التسنّن . «فَمَن يَكْفُرُ بِالطَّاغُوتِ» والمراد بالطاغوت هو الشيطان كما روي في المجمع عن الصادق علیه السلام وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ ، قال : هم الذين غصبوا آل محمّد. وهذا التفسير يمكن انطباقه مع حديث الإمام الصادق علیه السلام لأن المراد من الشيطان لا يبعد أن يكون عدي ويدور بخاطري أنّ هذا المعنى مذكور في موضع آخر من الأخبار وكنّى بالشيطان عن عدي «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا» ورد في الكافي عن العروة الوثقى أنّها ولاية أهل البيت(2). وهذا التأويل مؤيد للحديث السابق لأنّ كلّ من كفر بغاصبي حق آل محمد متمسك بمودتهم، ومعنى ذلك أن التمسك بهم لا يتم إلا ببغض عدوّهم ، كما تكرر ذلك مراراً .

وفي معاني الأخبار : قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية أخي ووصيّي علي بن أبي طالب فإنّه لا يهلك من أحبّه وتولاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه ..(3)

«وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» والله يسمع أقوال الناس ويرى أعمالهم .

الآية الثانية : ا«للهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ» فى تفسير على بن إبراهيم الطاغوت هم الظالمون لآل محمد

والذين أتبعوا من غصبهم (4)«يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ: (5)في الكافي عن

ص: 395


1- البقرة : 256 .
2- مناقب ابن شهر آشوب 4 2 تفسير الثقلين 1 : 219 رقم 1054 . (هامش الأصل)
3- معاني الأخبار : 369 .
4- نور الثقلين 1 : 220 رقم 1063 . (هامش الأصل) تفسير القمي 1 : 85. (المترجم)
5- البقرة : 257 .

صادق آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم : النور آل محمد والظلمات أعدائهم (1).

وأيضاً ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء ، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق !

قال : فاستوى أبو عبدالله جالساً فأقبل عليّ كالغضبان ثمّ قال : لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من الله ، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله .

قلت : لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ؟

قال: نعم، لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ! ثم قال : ألا تسمع لقول الله عزّ وجل: «اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» يعني ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كلّ إمام عادل من الله عزّ وجلّ.

وقال : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ» إنما عنى بها أنّهم كانوا على نور الإسلام، فلما أن تولّوا كل إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب الله لهم النار مع الكفّار ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

والخبر نفسه مع زيادة جزء فيه ذكره في الصافي عن العياشي .(2)

«أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» وقال العياشي في ذيل الحديث : إذاً أعداء

ص: 396


1- نور الثقلين 1 : 217 رقم 1045 عن العياشي . (هامش الأصل)
2- تفسير البرهان 1: 243 و 244 رقم 1 و 13 من أصول الكافي والعياشي ، نور الثقلين 1: 221 من أصول الكافي . (هامش الأصل) والمؤلّف حذف جزءاً من الحديث وهو قول الراوي : قلت : أليس الله عنى بها الكفار حين قال: «والذين كفروا» ؟ قال : فقال : وأيّ نور للكافر وهو كافر فأخرج من الظلمات ؟! إنما عنى .. الخ . كذا في تفسير العياشي، تفسير نور الثقلين 1 : 266 . (المترجم)

أمير المؤمنين خالدون في النار وإن كانوا في دينهم غاية في الزهد والورع والعبادة .. .(1)

الآية الثالثة : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ» فِي تفسير علي بن إبراهيم روي أن الآية نزلت في الذين غصبوا آل محمّد حقهم وحسدوهم على منزلتهم .(2)

وروي في تفسير العياشي عن باقر علوم النبيين أنّه قال : الجبت والطاغوت فلان وفلان - الأول والثاني. «وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً» . (3)

وفي الكافي عن الإمام الباقر علیه السلام : ويقولون الأئمة الضالة والدعاة إلى النار هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلاً (4).

وبناءاً على هذا يكون الذين أوتوا نصيباً من القرآن هم الغاصبون وأتباعهم، والمراد من الكافرين الجبت والطاغوت ونعثل والرابع وأحزابهم من آل مروان وآل العبّاس الذين قدّمهم العامة على آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم .

الآية الرابعة : بعد الآية السالفة «أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً»«أَم لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً» (5)- النقير الشق في نواة التمر - وجاء في الكافي عن الباقر علیه السلام أن المراد بالملك الإمامة والخلافة (6).

ص: 397


1- لم أعثر على هذا القول في تفسير العياشي . (المترجم)
2- تفسير نور الثقلين وتفسير البرهان من تفسير القمي ذيل الآية الشريفة . (هامش الأصل)
3- تفسير العياشي 1 : 264 . (المترجم)
4- نفسه 1 : 246. (المترجم) ونور الثقلين 406:1 رقم 299 من أصول الكافي . (هامش الأصل)
5- النساء : 52 و 53 .
6- الكافي 1 : 205 . «المترجم» نور الثقلين 406:1 رقم 299 من أصول الكافي (هامش الأصل)

ومن هنا يعلم أن اللعن السابق على ذلك في الآية إنّما هو بحق الغاصبين

لخلافة آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم ، ومن هذه الآيات التي تذمّ عدوّ أهل البيت لاسيما أولاء الأربعة بخاصة الاثنان منهم كثير في القرآن المجيد ونكتفي بهذا المقدار اللهم العن أعداء آل محمّدٍ لعناً وبيلاً.

ص: 398

المطلب الرابع: في شرح دعاء السجدة

اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَىٰ مُصَابِهِمْ ...

الشرح : ولابد في المقام من بيان معنى الحمد والشكر لتتضح العبارة وإن كنا أشرنا فيما سبق إلى كثرة تعرّض العلماء لذكر هذين اللفظين مما أوجب ملل الفضلاء، ونحن هنا ننقل محصل كلام صاحب الكشاف والسيد الشريف في حاشيته عليه ؛ لأنّ ثقة بهما أعظم من غيرهما وقبلاً جاءك من كلام ابن إدريس أنّ الرجوع لكلّ صنعة إلى أهلها، وخلاصته بعد التحرير والنقد كالتالي :

الحمد : ثناء اللسان على جميل اختياري، والمدح مرادف له ، والذمّ نقيضه (1)وأحياناً يستعمل المدح في ذكر المآثر ونشر المناقب ونقيضه الهجاء في ذكر المعايب وتعداد المثالب ، ومثل : حمدت اللؤلؤ على صفائها. الظاهر من كلام الزمخشري إنكار صحة هذا الاستعمال إلا بتأويل، وبناءاً على ما سلف أخذاً عن السيد الشريف يمكن رفع إشكالها وتصحيح استعمالها ؛ لأن المآثر لا تختص بالاختياريات .

الشكر : عبارة عن الجزاء على النعمة سواء كان باللسان ليكون ثناءاً أو بالقلب ليكون اعتقاداً باتصاف المنعم بالصفات الكمالية أو بالجوارح وهو عبارة عن التعب في الطاعة وتحمّل مصاعب الانقياد والاتباع وهذا الشعر المشهور يفيد المعاني الثلاثة المستعملة في الشكر :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة***يدي ولساني والضمير المحجبا

ص: 399


1- الحمد هو الثناء بالجميل على قصد التعظيم والتبجيل للممدوح (مجمع البحرين 3: 38) (المترجم)

والشكر : العمل الذي يكون بأزاء النعمة وهنا اعتبر أشياء ثلاثة أفادتها النعمة : الأوّل : اليد التي يخدم بها وهي لون من ألوان الشكر .

والثاني : اللسان وهو ظاهر .

والثالث : الضمير ، ووصفه بالمحجب إشارة إلى أنه ممتنع على سواكم، وبين الشكر والحمد عموم وخصوص من وجه لا العموم المطلق؛ لأن بعض أفراد الحمد ليس شكراً إذا كان ثناء على غير نعمة، وبعض أفراد الشكر ليس حمداً وهو الجزاء بالقلب والجوارح والثناء باللسان على النعمة حمد وشكر. وجاء في الحديث: الحمد رأس الشكر ؛ لأنّ الشكر بالجوارح يحتمل التأويل والشكر بالقلب خفي لا يبين، وليس إعلاناً بذكر فضل الله . وأما الصريح والعلن فهو الشكر باللسان الذي هو الحمد. فتبيّن أنّ المراد بالحمد نوع خاص منه الذي وضع على رأس الشكر .

إلى هنا كان محصل كلام هذين الفاضلين النحريرين والناقدين البصيرين.

ويجب أن يعلم أنّ حمد الله في كلّ موضع وعلى كل حال مرغوب فيه بل لازم وواجب، وإن كان على البلاء فينبغي أن يقال: «الحمد لله على السراء والضراء» وكل ما جاء من الله فهو جميل لأنه مبني على مصالح وحكم، ويجب أن يحمد على كلّ مصيبة ،وبليّة ، ولا منافاة بين أن يكون إنسان مظلوماً فيشكو ظالمه وظلمه ويلعن ظالمه ويتأوّه من مصيبته ، ويحمد الله على كل حال .

وتحقيق هذه المسألة مستمدّ من المبادئ العقلية والنقلية، ويؤدّي بيانهما بنا إلى الخروج عن نطاق هذا الاختصار ولكن هاهنا دقيقة لا محيص من بيانها، وشرحها كما يلي:

أشرنا إلى أن متعلّق الشكر النعمة فلابد من وقوعه على المجيب الملايم للرغبة كما أن الصبر يكون على الأمر المحبّب الملايم للرغبة كما أن الصبر يكون

ص: 400

على الأمر البغيض غير المرغوب فيه ، وهذا سرّ الحديث: «الإيمان نصف صبر ونصف شكر لأنّ الإنسان أبداً لا يخلو من حالين : إما المحبّب الملايم أو البغيض المكروه، وعلى هذا ينبغي عليه الصبر أحياناً والشكر أحياناً أخرى . والصبر يقابل الجزع والشكر يقابل الكفران ، وهذا الأخير شعبة من الكبر ، قال تعالى: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ» (1).

ولمّا كان ما يقابل الشكر أخبث كان الشكر من درجة الصبر أعلى ، وهذا يعتبر في طليعة السلوك الإنساني، فإذا رقى الإنسان مراقي أرفع في هذا السلّم يكون كلّ ما يراه أو يلاقيه منه يعتبره نعمة، وإن كانت مصيبة أو شدّة، وهذا ثمرة المحبّة ومقتضى الاعتراف بالباطن أو بالظاهر ، كما ورد في الأخبار .

ابتلي جابر بن عبدالله الأنصاري في آخر عمره بالشيخوخة والضعف والعجز، فجاء الإمام محمد الباقر علیه السلام إلى عيادته فسأل عن حاله ، فقال : بلغت إلى حالة أحب فيها الموت أكثر من الحياة ، والشيخوخة أكثر من الشباب والمرض أكثر من الصحة، ولا أقدم الحياة على الموت.

قال الإمام علیه السلام : وأنا كذلك إن اختار لي الشيخوخة أحببتها، أو الشباب فالشباب، أو القوّة فالقوّة ، وإن أمرضني فالمرض، أو أصحني فالصحة، أو أماتني فأنا أحبّ الموت، أو أحياني فأحب الحياة .

فلما سمع جابر من الإمام هذا الحديث أهوى إلى وجهه فقبله وقال: صدق رسول الله إذ قال لي : ستلاقي أحد أولادي اسمه اسمي «يبقر العلم كما يبقر الثور

ص: 401


1- إبراهيم : 7 .

الأرض»(1)؛ ولهذا السبب سمّي باقر علوم الأولين والآخرين.

ص: 402


1- لم أعثر على حديث على هذا النحو ولكن الأحاديث المتضمنة لرضا رسول الله والأئمة بتقدير الله كما يلي : ابن قولويه بالإسناد عن محمد بن الحسين بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب قال : زارنا رسول الله .. ثم قام إلى مسجد في جانب البيت وصلى وخرّ ساجداً فبكى، فأطال البكاء ثم رفع رأسه فما اجترأ منا أهل البيت أحد يسأله عن شيء، فقام الحسين يدرج حتى يصعد [ صعد - المصدر ] على فخذي رسول الله فأخذ برأسه إلى صدره ووضع ذقنه على رسول الله ثم قال : يا أبه، ما يبكيك ؟ فقال : يا بني إني نظرت إليكم اليوم فسررت بكم [ إليكم - الأصل ] سروراً لم أسرّ بكم مثله قط، فهبط إلي جبرئيل فأخبرني أنكم قتلى وأن مصارعكم شتّى ، فحمدت الله على ذلك، وسألته لكم الخيرة (كامل الزيارات : 58 ، بحار الأنوار 44 : 234 الرقم 21 و 66 : 355 الرقم 11 ، عوالم العلوم : 122) ابن عساكر : أخبرنا أبو بكر رستم بن إبراهيم بن أبي بكر الطبري بطابران ، أنبأنا محمد بن يزيد المبرد قال : قيل للحسن بن عليّ : إن أباذر يقول : الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة ، فقال : رحم الله أباذر ، أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمنّ أنّه في غير الحالة التي اختار الله تعالى له . وهذا حدّ الخوف على الرضا بما تصرف به القضاء . (ترجمة الإمام الحسن المجتبى : 159 ط بیروت) والشيخ أبو محمد عفيف الدين اليافعي في الإرشاد والتطريز ص 132 ط القاهرة ، وفي البداية والنهاية ص 398 ط مصر مثله إلا أنه ذكر بدل قوله : «لم يتمن غير ما اختار الله له» «لم يتمن أن يكون في غير الحالة التي اختار الله له» . الخوارزمي : أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، سمعت الحافظ الزبير بن عبدالواحد ، سمعت الشافعي يقول : مات ابن الحسين فلم يُرَ به كآبة ، فعوتب على ذلك ، فقال : إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا ، فإذا أراد ما نكره فيما يحبّ رضينا. (مقتل الحسين للخوارزمي : 147ط الغري، إحقاق الحق 11: 429 عنه ، وكتاب «الحسين» للسيد علي جلال المصري بلاغة الحسين : 296 الرقم 63 عنه) . وقال الإمام علي بن الحسين في الحديث : حدثنا سليمان بن أحمد قال : ثنا الحسن بن المتوكل قال : ثنا أبو الحسن المدائني ، عن إبراهيم بن سعد قال : سمع عليّ بن الحسين ناعيه في بيته وعنده جماعة ، فنهض إلى منزله ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له : أمن حدث كانت الناعية ؟ قال : نعم، فعزوه وتعجبوا من صبره، فقال: إنا أهل بيت نطيع الله فيما نحب ، ونحمده فيما نكره . (حلية الأولياء 3: 138 ط مطبعة السعادة بمصر ، مجد الدين بن الأثير في المختار مناقب الأخيار : 27 نسخة الظاهرية بدمشق ، إحقاق الحق 12 : 82 عنهما) . وقال الإمام محمد الباقر : ندعوا الله فيما نحبّ ، فإذا وقع الذي نكره لم نخالف الله عزّ وجلّ فيما أحبّ. (حلية الأولياء 3 : 187 ط السعادة بمصر ، إحقاق الحق 12 : 194 عنه) وقالت زينب في جواب ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأخيك ؟] ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم .... (مثير الأحزان : 91 ، بحار الأنوار 45: 116 ، عوالم العلوم : 383) وقالت : الحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة [ والمغفرة ] ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل (اللهوف : 76 ، بحار الأنوار 45: 133 ، عوالم العلوم 135) (هامش الأصل) .

وقد أشار سيّدالشهداء إلى مقامهم هذا في خطبة الخروج من مكة حيث قال : «رضانا أهل البيت رضا الله» (1).

وخلاصة الحديث أنّ الشكر على الملائم لو كان فإنّه مقام الأوائل ، وإذا كان ليس ملائماً ولوحظ صدوره من المحبوب الحقيقي وعد نعمة وشكر عليها فهو

ص: 403


1- حديثان في باب الرضا بقضاء الله 1 - العدّة عن البرقي ، عن محمد بن عليّ ، عن عليّ بن أسباط ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله قال : لقي الحسن بن علي عبدالله بن جعفر فقال : يا عبدالله ، كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه ويحقر منزلته ، والحاكم عليه الله ، وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له . (الكافي ، بحار الأنوار 43: 351 الرقم 25 ط طهران) 2 - في خطبة الحسين عند عزمه على المسير إلى العراق: الحمد الله وما شاء الله ، ولا قوة إلا بالله ، خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سعباً، لا محيص عن يوم خُط بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه، وينجز لهم وعده ، ألا ومن كان فينا باذلاً مهجته ، موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله (اللهوف، عوالم العلوم : 217 ، بلاغة الحسين : 144 الرقم 23) (هامش الأصل)

نتيجة الرضا، والرضا ثمرة المحبّة، وهو مقام الأواخر والأكابر . وأشار إلى هذا المقام من قال :

گر آسوده در مبتلا می پسندد***پسندیدم آنچه خدا می پسندد

چرا دست یازم چرا پای کوبم***مرا دوست بی دست و پا می پسندد (1)

ولمّا كان الأئمّة علیهم السلام يدعون أتباعهم إلى المقامات العالية والدرجات الرفيعة لذلك أمروا شيعتهم بتلاوة هذا الدعاء وهو ترجمان مقام الراضين، ويشمل الشكر على المصيبة لعلهم يبلغون بهذا الدعاء المبارك وببركة تلاوته إلى المقام الرفيع والرتبة العالية .

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَىٰ عَظِيمٍ رَزِيَّنِي ...

الشرح : تكرار هذا الكلام على سبيل الالتفات الغيابي من أجل الن-ص ع-ل-ى الثبات ورسوخ الأقدام في مقام الحمد على هذه المصيبة مضافاً إلى ورود التصريح به ضمن الدعاء من الخطب الهائل والرزء العظيم. وفيه أيضاً الافتتان والتلوّن في وجوه الحمد وإنحاء الشكر وإظهار الاستسلام والانقياد للأوامر الإلهية التي هي أكمل صفات المؤمنين وأحسن حالات المتقين .

گر آسودگر مبتلا می پسندد***چه خوشتر از اینکو بما می پسندد

همو دشمنان را عطا میفرستد***همو دوستان را بلا میفرستد

ندانیم ناخوش کدام است یا خوش***خوش است آنکه بر ما خدا میپسندد

چرا دست یازم چرا پای کوبم***مرا خواجه بی دست و پا می پسندد

خطای من ای دوست بر من چه گیری***مرا عفو او با خطا می پسندد

طبیبا بدرمان دردم چه کوشی***مرا در داد بی دوا می پسندد

نشاطا توانا و بینا است یارت***رو ناتوان باش تا میپسندد

ص: 404

اللهُمَّ ارْزُقْنِي شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ الْوُرُودِ ...

الشرح : الأخبار الدالّة على شفاعة الأئمّة لاسيما سيّدالشهداء كثيرة ونحن أشرنا إلى هذا الباب فيما سبق (1)ولا يتسع المقام لأكثر من هذا.

الورود: الأصل في هذه الكلمة الوصول إلى النبع ومورد الماء كما يستفاد ذلك من كتب الفنّ ، ويقابله الصدور

ويوم الورود : يوم القيامة لأنّه فيه يرد العبد على ربّه سبحانه ويمثلون بمحضره، ويقفون تحت ظل حكمه وسلطانه القاهر، أو إنّه سمّي بذلك بلحاظ الوصول إلى مشرعة الرحمة الإلهية من المؤمنين في ذلك اليوم أو من حيث أنّ جميع الخلق يردون جهنّم بحكم قوله تعالى: «وَإن منكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا» (2)فينجو المطيعون ، ويرسب فيها العاصون والله أعلم.

وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ ...

الشرح : البذل العطاء كما جاء في منتهى الإرب.

والمهجة : معناه الدم المتجمّع في سويداء القلب كما قال ذلك المطرّزي وغيره، وهو كناية عن الروح ؛ لأنّ الحياة مرتبطة معها فتبين من هذا أن بذل المهجة كناية عن الشهادة.

الدون : كما يستفاد من القاموس ومنتهى الإرب مأخوذ من دان يدون ، أي صار

ص: 405


1- في شرح : «يبلغني المقام المحمود». (هامش الأصل)
2- مریم: 71

دوناً وخسيساً. ويقال : دون فلان يعني أدنى منه منزلة، وأحياناً يستعمل بمعنى الوراء والأمام ، وكلاهما بالاعتبار المتقدم، وأحياناً يستعمل بمعنى القرب باعتبار أن كلا المعنيين من الأمان والوراء متقاربان بالمعنى ، وما ذكر له من معنى العند فهو من دون بمعنى الإمام، ولما كانت جهات الشيء والأدنى منه بالرتبة غيره في الحقيقة استعمل دون بمعنى الغير أيضاً، وتكون عبارة الزيارة أمام «الحسين» علیه السلام أو «عند الحسين». وعلى أية حال فالمعنى أنهم بذلوا مهجهم وسفكت دمائهم في سبيل محبته ونصرته .

وأما معنى «تثبيت قدم صدق» فقد ذكرناه فيما سبق وذكرنا الاختلاف ف--ي توجيهه وبيّنا مختارنا في المعنى بما تقتضيه الحال من الشرح (1)فلا داعي للتكرار .

ص: 406


1- شرح الجملة : «وأن يثبت لي قدم صدق». (هامش الأصل)

خاتمة الكتاب

اشارة

في شرح الدعاء المشهور بدعاء علقمة ، ونبّهناك في البداية أن من الخطأ نسبته إلى علقمة لأنّ الراوي له صفوان وإن كنا لم نقصد بشرح الزيارة إلا هذا المقدار، وقد ألمعنا في البداية أن هذا الدعاء ليس داخلاً ضمن الشرح ولكن إتماماً لهذا العمل الشريف قمنا بترجمته أولاً لينتفع به إخواننا جميعاً تلاوة واستظهاراً، ثمّ بعد ذلك عمدنا إلى شرح ألفاظه المشكلة وتراكيبه العويصة لا بأسلوب الشرح المعهود ولكن بطريق البيان والتوضيح الذي سلكه الشيخ البهائي والمجلسي وغيرهما غاية في الاختصار ، ونرى من الضروري إعادة ترجمته وإن أفضى بنا إلى التكرار فلا بأس بذلك لأنّه هو المسك ما كرّرته يتضوّع .. وهذه نسخته الشريفة.

«يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ ، يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ ، يَا كَاشِفَ كُرَبِ الْمَكْرُوبِينَ ، يَا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِينَ ، يَا صَرِيخَ الْمُسْتَصْرِخِينَ ، وَيَا مَنْ هُوَ رَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، وَيَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، وَيَا مَنْ هُوَ بالْمَنْظَرِ الأَعْلَى وَبالأُ فُقِ الْمُبِينِ ، وَيَا مَنْ هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، وَ يَا مَنْ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَيَا مَنْ لا يَخْفَى عَلَيْهِ خافِيَةُ ، يَا مَنْ لَا تَشْتَبهُ عَلَيْهِ الأَصْواتُ ، وَيَا مَنْ لَا تُغَلِّطُهُ الْحاجاتُ ، وَيَا مَنْ لَا يُبْرِمُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِينَ ، يَا مُدْرِكَ كُلّ فَوْتٍ ، وَيَا جَامِعَ كُلِّ شَمْلٍ ، وَيَا بارِيَّ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، يَا مَنْ هُوَكُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْنٍ ، يَا قاضِيَ الحاجاتِ ، يَا مُنَفِّسَ الكرُباتِ ، يَا مُعْطِيَ السُّؤُلاتِ ، يَا وَلِي الرَّغَبَاتِ ، يَا كَافِي الْمُهِمَّاتِ ، يَا

ص: 407

مَنْ يَكْفِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَكْفِي مِنْهُ شَيْءٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، أَسْأَلُكَ بحَقِّ مُحَمَّدٍ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ ، وَعَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَبِحَقِّ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ ، وَبحَقِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، فَإِنِّي بهِمْ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا ، وَبِهِمْ أَتَوَسَلُ ، وَبِهِمْ أَتَشَقَّعُ إِلَيْكَ ، وَبِحَقِّهِمْ أَسْأَلُكَ وَأُقْسِمُ وَأَعْزِمُ عَلَيْكَ ، وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَهُمْ عِنْدَكَ وَبِالْقَدْرِ الَّذِي لَهُمْ عِنْدَكَ ، وَبِالَّذِي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ ، وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعَالَمِينَ ، وَبِهِ أَبَتتَهُمْ وَأَبَنتَ فَضْلَهُمْ مِنْ فَضْلِ الْعَالَمِينَ حَتَّى فاقَ فَضْلُهُمْ فَضْلَ الْعَالَمِينَ جَمِيعاً ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَكْشِفَ عَنِّي غَمِّي وَهَمِّي وَكَرْبِي ، وَتَكْفِينِي الْمُهِمَّ مِنْ أُمُورِي ، وَتَقْضِيَ عَنِّي دَيْنِي ، وَتُجِيرَنِي مِنَ الْفَقْرِ ، وَتُجِيرَنِي مِنَ الْفَاقَةِ ، وَتُغْنِيَنِي عَنِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ ، وَتَكْفِينِي هَمَّ مَنْ أَخَافُ هَمَّهُ ، وَعُسْرَ مَنْ أَخَافُ عُسْرَهُ ، وَحُزُونَةً مَنْ أَخَافُ حُزُونَتَهُ ، وَشَرَّ مَنْ أَخَافُ شَرَّهُ ، وَمَكْرَ مَنْ أَخافُ مَكْرَهُ ، وَبَغْيَ مَنْ أَخافُ بَغْيَهُ ، وَجَوْرَ مَنْ أَخَافُ جَوْرَهُ ، وَسُلْطانَ مَنْ أَخافُ سُلْطانَهُ ، وَكَيْدَ مَنْ أَخَافُ كَيْدَهُ ، وَمَقْدُرَةَ مَنْ أَخَافُ مَقْدُرَتَهُ عَلَيَّ ، وَتَرُدَّ عَنِّي كَيْدَ الكَيْدَةِ ، وَمَكْرَ الْمَكَرَةِ . اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَنِي فَأَرِدْهُ ، وَمَنْ كادَنِي فَكِدْهُ ، وَاصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُ وَمَكْرَهُ وَبَأْسَهُ وَأَمانِيَّهُ وَامْنَعْهُ عَنِّى كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى شِئْتَ اللهُمَّ اشْغَلَهُ عَنِّى بفَقْرِ لَا تَجبُرُهُ ، وَبَلاء لَا تَسْتُرُهُ ، وَبِفَاقَةٍ لَا تَسُدُّها ، وَبِسُقُم لا تُعافِيهِ ، وَذُلِّ لَا تُعِزُّهُ ، وَبِمَسْكَنَةٍ لَا تَجْبُرُها . اللّهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ نَصْبَ عَيْنَيْهِ ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ الْفَقْرَ فِي مَنْزِلِهِ ، وَالْعِلَّةَ وَالسُّقْمَ فِي بَدَنِهِ حَتَّىٰ تَشْغَلَهُ عَنِّي بِشُغْلِ شَاغِلٍ لَا فَرَاغَ لَهُ ، وَأَنْسِهِ ذِكْرِي كَمَا أَنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ ، وَخُذْ عَنِّي بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسانِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَقَلْبِهِ وَجَمِيعِ جَوارِحِهِ ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ السُّقْمَ وَلَا تَشْفِهِ حَتَّىٰ تَجْعَلَ ذَلِكَ لَهُ شُغْلاً شَاغِلَا بِهِ عَنِّي وَعَنْ ذِكْرِي ، وَاكْفَنِي يَا كَافِيَ مَا لَا يَكْفِي سِواكَ فَإِنَّكَ

ص: 408

الكافي لاكافِي سِواكَ ، وَمُفَرِّجُ لَا مُفَرِّجَ سِواكَ ، وَمُغِيثُ لَا مُغِيثَ سِواكَ ، وَجارُ لا جارَ سِواكَ ، خَابَ مَنْ كانَ جَارُهُ سِواكَ ، وَمُغِيتُهُ سِواكَ ، وَمَفْزَعُهُ إِلَى سواكَ ، وَمَهْرَبُهُ إلى سواكَ ، وَمَلْجَؤُهُ إلى غَيْرِكَ ، وَمَنْجَاهُ مِنْ مَخْلُوقِ غَيْركَ ، فَأَنْتَ ثِقَتِي وَرَجائِي وَمَفْزَعِي وَمَهْرَبِي وَمَلْجَئِي وَمَنْجَايَ ، فَبِكَ أَسْتَفْتِحُ وَبِكَ أَسْتَنْجِحُ ، وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ وَأَتَوَسَّلُ وَأَتَشَفَّعُ ، فَأَسْأَلُكَ يَا اللهُ يَا الله يا اللهُ ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى وَأَنْتَ الْمُسْتَعانُ ، فَأَسْأَلُكَ يَا الله يا الله يا اللهُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَكْشِفَ عَنِّى غَمِّي وَهَمِّي وَكَرْبِي فِي مَقامِي هَذَا كَما كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ ، وَكَفَيْتَهُ هَوْلَ عَدُوِّهِ ، فَاكْشِفْ عَنِّي كَما كَشَفْتَ عَنْهُ ، وَفَرِّجْ عَنِّي كَمَا فَرَّجْتَ عَنْهُ ، وَاكْفِنِي كَمَا كَفَيْتَهُ ، وَاصْرِفْ عَنِّي هَوْلَ مَا أَخافُ هَوْلَهُ ، وَمَؤُونَةً مَا أَخافُ مَؤُونَتَهُ ، وَهَمَّ مَا أَخافُ هَمَّهُ ، بلا مَؤُونَةٍ عَلَى نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ ، وَاصْرِفْنِي بِقَضاءِ حَوائِجِي ، وَكِفَايَةِ مَا أَهَمَّنِي هَمُّهُ مِنْ أَمْر آخِرَتِى وَدُنْيَايَ .

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَلَيْكُما مِنِّي سَلامُ اللَّهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ والنَّهارُ ، وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُما وَلَا فَرَّقَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُما . اللَّهُمَّ أَحْيِنِي حَيَاةَ مُحَمَّدٍ وَذُرِّيَّتِهِ ، وَأَمِتْنِي مَمَاتَهُمْ ، وَتَوَفَّنِي عَلَىٰ مِلَّتِهِمْ ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِمْ ، وَلَا تُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ ، أَتَيْتُكُما زَائِراً وَمُتَوَسِّلاً إِلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُما ، وَمُتَوَجِّهَا إِلَيْهِ بِكُما ، وَمُسْتَشْفِعاً بِكُما إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي حاجَتِي هَذِهِ فَاشْفَعالِي فَإِنَّ لَكُما عِنْدَ اللهِ الْمَقامَ الْمَحْمُودَ ، وَالْجَاءَ الْوَجِيةَ ، وَالْمَنْزِلَ الرَّفِيعَ وَالْوَسِيلَةَ ، إِنِّي أَنْقَلِبُ عَنكُما مُنتَظِراً لِتَنجز الحاجَةِ وَقَضائِها وَنَجاحِها مِنَ اللهِ بِشَفاعَتِكُما لِى إِلَى اللهِ فِى ذلِكَ فَلا أَخِيبُ ، وَلَا يَكونُ

ص: 409

مُنْقَلَبِى مُنْقَلَباً خائِباً حَاسِراً ، بَلْ يَكُونُ مُنْقَلَبِي مُنْقَلَباً راجحاً مُفْلِحاً مُنْجحاً مُسْتَجاباً بِقَضاءِ جَمِيعِ حَوائِجِي وَتَشَفَّعَا لِي إِلَى اللهِ . انْقَلَبْتُ عَلَى مَا شَاءَ اللهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ، مُفَوّضاً أَمْرِي إِلَى اللهِ ، مُلْجناً ظَهْرِي إِلَى اللهِ ، مُتَوَكَّكُلاً عَلَى اللهِ ، وَأَقُولُ حَسْبِيَ اللهُ وَكَفَىٰ ، سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ دَعا ، لَيْسَ لِي وَراءَ اللهِ وَوَراءَ كُمْ يَا سَادَتِي مُنْتَهى ، مَا شَاءَ رَبِّي كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ أَسْتَوْدِ عُكُمَا اللَّهَ ، وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّى إليكما، انْصَرَفْتُ يَا سَيِّدِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلايَ وَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِاللهِ يَا سَيِّدِي وَسَلامِي عَلَيْكُما مُتَّصِلُ مَا اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ ، واصِل ذَلِكَ إِلَيْكُما غَيْرُ مَحْجُوبِ عَنْكُما سَلامِي إِنْ شَاءَ اللهُ ، وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّكُما أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ وَيَفْعَلَ فَإِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . انْقَلَبْتُ يَا سَيِّدَيَّ عَنْكُما تائباً حامداً لله شاكراً راجياً لِلْإِجَابَةِ ، غَيْرَ آبِسٍ وَلَا قَائِطٍ ، آئِباً عائِداً راجِعاً إِلَى زِيارَتِكُما ، غَيْرَ رَاغِبٍ عَنْكُما وَلَا عَنْ زِيارَتِكُما بَلْ رَاجِعُ عائِدُ إِنْ شَاءَ اللهُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ ، يَا سَادَتِي رَغِبْتُ إِلَيْكُما وَإِلى زِيارَتِكُما بَعْدَ أَنْ زَهِدَ فِيكُما وَفِي زِيارَتِكُما أَهْلُ الدُّنْيا ، فَلا خَيَّبَنِيَ اللهُ مِمَّا رَجَوْتُ وَمَا أَمَّلْتُ فِي زِيارَتِكُما إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبُ .

قوله علیه السلام : « يا الله يا الله» إلى آخره ..

ابتدأ بتمجيد الذات المقدّسة وتحميدها والثناء على ربِّ العزّة جلّت عظمته ، كما ورد هذا المعنى في أخبار أخرى ، ففي (عدّة الداعي) عن الحارث بن المغيرة روى عن الإمام الصادق علیه السلام : إياكم إذا أردتم أن يسأل أحدكم ربه شيئاً من حوائج الدنيا حتى يبدأ بالثناء على الله عزّ وجلّ[ والمدحة له - المصدر ] والصلاة على

ص: 410

النبي وآله ثم يسأل الله حاجته .(1)

وروى أخباراً أخرى بهذا المعنى ، وفي إحدى «عيص بن القاسم» (أبي القاسم - المصدر) قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربّه وليمدحه فإنّ الرجل منكم إذا طلب الحاجة من سلطان هيّأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه، فإذا طلبتم الحاجة فمجّدوا الله العزيز الجبار وامدحوه واثنوا عليه ... الخ (2).

قوله علیه السلام : «يا من هو أقرب إلي من حبل الوريد ..

هذه العبارة مقتبسة من القرآن المجيد، والحبل بمعنى الشريان، والوريد:

الوریدان عرقان غليظان تحت الودجين عن يمين ثغرة النحر ويسارها وحياة الإنسان مرتبطة به، ووجوده علّة للحياة الظاهرية، ومعنى الأقرب منه كناية عن كمال الإحاطة وغاية الاقتدار على وجوده وإن كان لا يعلم بذلك ، كما قيل :

دوست نزدیک تر از من بمن است***وین عجب ترکه من از وی دورم

این سخن با که توان گفت که دوست***در کنار من و من مهجورم

وأقرب من نفسي إلي وإنني***بمبعدة عنه وذا أعجب العجب

وأي امري يبقى قريباً حبيبه***ولكنّه بالهجر كالغصن يضطرب

وتفصيل هذا المقام يلتمس من الكتب التي تناولت الموضوع بإطناب، ولكنّه

ص: 411


1- عدة الداعي : 97 ، بحار الأنوار 90: 314 ط ،لبنان ، دعوات الراوندي ، بحار الأنوار 90: 312 ط لبنان . (هامش الأصل)
2- عده الداعي : 161 . (المترجم وللحديث بقية)

خارج عن إدراك أكثر الناس . «وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ» .(1)

قوله علیه السلام : «يا من يحول بين المرء وقلبه» ..

والمراد من القلب إما العقل الإنساني الذي يحول بين المرء وبين التفكير بالمصلحة الشخصية الظاهرية التي هي طابع عقول الناس شريطة أن تتغلب المحبّة عليه كما أنّ هذا الأمر لازم فرط المحبّة، وقد خفي الواقع على عدوّ سيّدالشهداء فرأوه مع قلة أنصاره وكثرة عدوّه وظنّه المتاخم لليقين بالشهادة أزمع السفر إلى كربلاء ، وأجاب بعضهم عن هذا بأنّه غلب عليه ظنّ السلامة وهذا بعيد عن الحق والجواب الصحيح هو أن الإمام غلب عليه أنّ الله شاء أن يراك قتيلا هذا الحبّ الربّاني الطهور، فتحرك نحو ميدان الشهادة برجله يرتوي من عذب وردها، ويغلب العالم على السعادة، ولنعم ما قيل في حقه ک

با هوایش در تمور و دی خوشیم***ماهی آبم و مرغ آتشیم

تیغ بر سر همچو اسفر میبریم***تشنگی چون آب کوثر می خوریم

والحديث الذي مرّ سابقاً (2)في حق أصحابه: «لا يجدون مس ألم الحديد» شاهد أمين على هذا المدعى.

والوجه الثاني أنّ المراد بالقلب عزم المرء ونيته .

والحيلولة : كناية عن نقض العزم وتقليب القلوب، كما قال أمير المؤمنين علیه السلام : «عرفت الله بفسخ العزائم» (3).

ص: 412


1- يوسف : 103 .
2- في شرح جملة : «وأصحاب الحسين» حديث «د». (هامش الأصل)
3- عرفت الله سبحانه بفسخ العزائم وحلّ العقود ونقض الهمم . (هامش الأصل) قصار الحكم رقم 250

الوجه الثالث : المراد بالقلب هو إنساء المعلومات الآدمية، وبناءاً على هذا يكون القلب بمعنى الفهم .

قوله علیه السلام : «يا من هو بالمنظر الأعلى وبالأفق المبين» ..

وهذا كنايه عن علوّ القدر وظهور الأمر ؛ لأنّ من كان في المنظر الأعلى لا يكون أحد أعلى منه ، وبالطبع العلو هذا علوّ القدر ، وهو بالأفق المبين أي جانب السماء من جهة المشرق، وهذا لا ينكر ولا خفاء له، وهو على سبيل تمثيل أمر معنويّ بأمر حسي.

قوله علیه السلام : «يا من يعلم خائنة الأعين» ..

وفي خائنة الأعين وجوه

ظنّ البعض أنّ «خائنة» مصدر بمعنى الخيانة والمراد سارقة النظر، ورفعه للشيء بالخفاء شريطة أن لا يكون معيباً .

وقال بعضهم : المراد به الرمز والغمز ، وبهما الإشارة إلى العين وجفنها.

وتوهم بعضهم فيه هذا المعنى وهو أن يقول رأيت وهو لم ير ، ولم أر وقد رأى، والعلاقة بينه وبين خائة الأعين لأنّ الرؤية عمل العين فالكذب في ذلك يعتبر خائنة الأعين .

والأوجه من كلّ ذلك اعتبار خائنة اسم فاعل من الخيانة وهو صفة لموصوف محذوف كالحركة وأشباهها والمراد أعم من المعنى الأول والثاني (1)وهذا المعنى

ص: 413


1- هذه العبارة مقتبسة من قوله تعالى : «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» [غافر : 19] ويدلّ على خيانة العين بقرينة ما تخفي الصدور، والغرض من ذلك بيان خيانة العين التي تتم في السر من الأنظار، ومن هذا المطلب يتصوّر الإشكال على المؤلّف المحترم لأنه قال : الخائنة مطلق خيانات العين إلا أن يقول أن قصدي من المطلق تناول المعنيين : السرّي والرمزي ، الذي لا يطلع عليه أحد إلى حد ما . (هامش الأصل)

وإن لم أجده عند أحد إلا أن ضيق الوقت حملني على عدم الاستقصاء وظنّي أن ذوق الأدباء يقتضيه وهو المتعيّن.

قوله علیه السلام : «يا من لا تغلطه الحاجات» ..

لمّا كان من طباع البشر بحكم غلبة السهو والنسيان إذا ما كثرت الحوائج على أحد منهم وتضاعفت الحاجات وترادفت المطالب كان معرضاً للخطاء والاشتباه والنسيان ، أثنى على الله بإحاطة علمه بكل شيء وعدم عروض الغفلة عليه.

قوله علیه السلام : «يا من لا يبرمه»..

الإبرام ، إفعال ، والبرم بمعنى الملل والضجر والسأم يعني لا يصيّره ضجراً سأماً كما مرّ في الترجمة السالفة .(1)

قوله علیه السلام : «يا من هو كل يوم في شأن»..

وهذا أيضاً اقتباس من القرآن الكريم أي إنّ له في كل يوم شأناً يحيى قوماً ويميت ،آخرين، ويرزق فئة ويفقر أخرى ، كما نقل ذلك عن المفسرين.

ويمكن أن يكون المراد من الشأن ظهورات وأمارات عزة الله كما ورد في دعاء

ص: 414


1- لم يذكر «إلحاح الملحين» الخ ، الإلحاح الإلحاف في المسألة ، ألخ يلح فهو ملح . (المترجم)

كميل: «وبأسماءك التي ملأت أركان كلّ شيء».

وخلاصة المعنى أن له تجلّياً في كل موجود وأثراً في كل شيء، ونعم ما قال أبو العتاهية :

فيا عجباً كيف يعصى الإله***أم كيف يجحده الجاحد

وفي كل شيء له آية***تدل على أنه واحد

وقد أبدع أبو نؤاس بقوله في مقطوعة شعر:

تأمل في رياض الأرض وانظر***إلى آثار ما صنع المليك

عيون من لجين ناظرات***على أطباقها ذهب سبيك

على قضب الزبرجد شاهدات***بأنّ الله ليس له شريك

الظاهر أنّ هذا الكلام جاء دليلاً على ما سبق من دعوى «أسألك» أي إنّ شاهدي حالتي الفعلية وهي سؤالي إيّاك بحقهم من التوجه والتوسل والتشفّع، وعلى هذا تكون جملة «وبحقهم أسألك» تأكيد وتأييد لأسألك ، والله أعلم .

قوله علیه السلام : «أقسم وأعزم عليك»..

يقال : عزمت عليه أي حلّفته ، وأصل العزم الإلزام بشيء ، ويجوز أن تكون في عبارة الزيارة تأكيداً لا قسم، ويمكن أن تكون بمعنى ألزم أي إنّي غير راض

بترك ذلك.

قوله علیه السلام : «وباسمك الذي جعلته عندهم»..

جاء في الأخبار أنّ الاسم الأعظم عندهم بل إنّهم هم الاسم الأعظم.

ص: 415

قوله علیه السلام : «وتجيرني من الفقر»..

الجبر حقيقة هو الإصلاح وأشرب هنا معنى النجاة لذلك تعدّي ب-«من»، والله أعلم.

قوله علیه السلام : «كيد الكيدة»..

ترك الإعلال في «كيده» هنا الرعاية المزاوجة ، وتأخّر المكرة الذي ترك الإعلال المراعاة وزنه لا يضر كما ورد في نهج البلاغة الشريفة: «غير مأزور ولا مأجور» والأصل في الأوّل: «موزور» ومثله الفقرة المعروفة: «الجبرية والقدرية» وقد قال جماعة إسكان الباء لا يصح مع الاجتماع .(1)

قوله علیه السلام : «فكده»..

أشرنا إليه سابقاً (2)وتدلّ صحة هذه الاستعمال (3)على جواز إطلاق كائد على الله تعالى.

قوله علیه السلام : «اللهم اشغله»..

الإمام الذي دعا بهذا الدعاء يجوز أن يدعو به على أعدائه، وبناءاً على هذا يجوز أن يدعو به الداعي على قوم بينه وبينهم عداوة دينية وإلا فينبغي أن يقصد به

ص: 416


1- يلزم فتح الباء لتقابل فتح الدال في قدرية . (المترجم)
2- في شرح: «أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت»، وذيل : «صلى الله عليه وآله وسلّم» الفائدة الخامسة . (هامش الأصل)
3- في القرآن المجيد مثل : «وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينُ» [الأعراف : 183 ، القلم : 45] ، و «إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً» [الطارق : 15]. (هامش الأصل)

أعداء أهل البيت أو أن يقرأ هذا الجزء من الدعاء لمحض التعبد.

قوله علیه السلام : «ومسكنة»..

هذا مصدر جعلي مأخوذ من لفظ مسكين، وحقيقته في الفارسية: «بیچاره» من لا حيلة له ، وهو أشدّ من الفقير ومن هنا يظهر معنى الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا لأنه في صورة الاجتماع يراد معنى المسكنة وفي صورة الافتراق يجوز إرادة المعنى الأعم.

قوله علیه السلام : «نصب عينيه»..

في القاموس تردّد في تخطأة الفتح وعادته ثبتت في الترديد أن يكون بعد خلاف، والموجود في النسخ الفتح ، وإن لم أتمّ التتبع . وعلى كل حال إن ثبت الفتح فهو دليل الصحة وإلا فالقرائة على الوجهين احتياطاً، والمراد من نصب العين، ما ينصب من شيء أمامك ومن هذه الجهة كنّي بها عن المطلوب.

قوله علیه السلام : «وخذ عني»..

الظاهر أن المراد بالأخذ هنا الصرف والدفع ، ويجوز أن يراد بالكلمة معنى البدليّة والعوضية، أي خذ عني بعينه وسمعه لأنك قادر على ذلك ولست بقادر ،

وهذا بعيد .

قوله علیه السلام : «شاغلاً عنّي»..

الظاهر أنّ شاغلاً حال من ضمير الفاعل وهو الضمير المجرور بالباء «به» ويرجع إلى ذلك، والله أعلم .

ص: 417

قوله علیه السلام : «من مخلوق غيرك»..

وصف المخلوق بغير من باب التنصيص على مباينة الخالق للمخلوق.

قوله علیه السلام : «وأتشفّع»..

هذه العبارة: «أتشفّع» معناها طلب الشفاعة مثل الاستشفاع وإن لم أجدها في كتب اللغة ولكن الاستعمال حجّة . ومن هذا القبيل ألفاظ لم يذكرها اللغويون توجد في متون اللغة وفصيح العربية وهي أكثر من أن تحصى وصدر منا مراراً وتكراراً القول بأن ألفاظ الأئمة المستعملة منهم حجّة على الأدباء خصوصاً الصادقين فصاعداً؛ لأنّ طبقة من الأدباء عاصرتهم يحتج بأقوالهم مثل الكميت ومن عاصره، ورواة أخبارنا ليسوا بأقل من عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، والأصمعي الناصبي وأبي عبيدة الخارجي اللائط، إذن لا مانع من الاستدلال والاحتجاج سوى عدم الالتفات إلى أصول اللغة وسوى تقليد اللغويين الذين لا

بصيرة لهم، والله العاصم

قوله علیه السلام : «ومؤنة» إلى آخره ..

اشتقاق هذا اللفظ من «مان» ووزنه فعلولة، ولهذا جاء جمعه على «مؤن» مثل سفن، ولا وجه لاشتقاقه من «آن» ليكون وزنه مفعولة مثل مقولة .(1)

ص: 418


1- جاء عقيب هذا في نسخة الكتاب : قوله : «ما أهمني همه» وهذا سهو من النساخ ولكننا أصلحناه وذكرنا بعد قوله «ومؤنة» قوله : «واصرفني». (هامش الأصل)

قوله علیه السلام : «واصرفني»..

بناء هذا الكلام على دعاء المرء حين يدعو ويوجّه قلبه وجهة مقصوده الحقيقي كأنه كان في سفر وطوى المراحل لذلك كان الانصراف والانقلاب من هذا السفر إلى حيث موضع قصده لازماً محتماً له، وبهذا الاعتبار صرّح في دعاء أبي حمزة: «وإنّ الراحل إليك قريب المسافة»، وبهذه الملاحظة كثر ورود لفظ : اقلبني وانقلبت وانقلب كثيراً في الأدعية المخصصة للقرائة في الحضر، ولذلك قلنا في الترجمة : «انصرف عن باب بينك»...

قوله علیه السلام : «ما أهمني»..

هذه النسبة إما أن تكون على سبيل المبالغة والتأكيد ، أو أنّ المراد من الهم . محل الاهتمام ، والله أعلم.(1)

قوله علیه السلام : «يا أمير المؤمنين»..

لما كانت هذه الزيارة بعد زيارة أمير المؤمنين، بدأ الخطاب ،به ، وإذا قرأ امرؤٌ تلك الزيارة أوّلاً أو أي زيارة مختصة بأمير المؤمنين فالأمر سهل ميسور وإلا من هنا يبدأ الكلام مع أمير المؤمنين . ولمّا كان سيّدالشهداء فرعاً من تلك الدوحة المباركة كان الخطاب مع أمير المؤمنين أثناء زيارة الحسين علیه السلام كأنه بالنظر إلى أن زيارته زيارتك لا فرق بينهما ..

ص: 419


1- بعد هذه العبارة ورد العبارة التالية : من زيارتكما ونحن أصلحنا العبارة ووضعنا يا أمير المؤمنين في المقدّمة عليها .. (هامش الأصل)

قوله علیه السلام : «من زيارتكما»..

«من» ابتدائية، كأنّما

هي كانت مبدأ عهد الزيارة وتنتهي بالانصراف، وهذه النكتة حسنت مجي حرف «من» الجار.

قوله علیه السلام : «مستجاباً»..

وصف الانقلاب بكونه «مستجاباً» (1)وهو صفة للدعاء مجاز في الإسناد، ولمّا لابس الحوائج التي تكون الاستجابة وصفاً لها كأنّما أثبتت له صفة العارية التي أثبتت للحوائج ويمكن أن يكون مستجاب مثل مشكوك ومولود مشتملاً على الحذف والإيصال ، وكان في الأصل مستجاباً فيه وبناءاً على هذا يكون الوصف

حقيقياً، والله أعلم.

قوله علیه السلام : «وتشفّعا»..

الظاهر أنّه مضعف الفاء من باب التفعّل ؛ لأن معناه كما بينه اللغويون «الشفاعة» متعدية باللام ، كما هو في منتهى الإرب، وما يوجد في بعض النسخ من التخفيف أي كونه أحد الأفعال الخمسة - «تشفّعا» لم أجد وجهاً لحذف النون ، اللهم إلا أن نقرأ فلا أخيب بالنصب والفاء للتعليل مثل: «لو ما تأتيني فتحدّثني» وتكون الأفعال التالية معطوفة عليها ، وتشفّعا معطوفة أيضاً .

ويمكن أن يكون العطف على معنى بقضاء حاجتي» وتقدر أن الناصبة بقرينة هذا العطف

ويمكن أن يكون الواو بمعنى «مع» كما في قولنا : لا تشرب اللبن وتأكل

ص: 420


1- في قوله : «بل يكون منقلبي منقلباً راجحاً مفلحاً مستجاباً» .

السمك، أي: مع أكل السمك ، وهذا المورد وإن لم يكن من الموارد القياسية إلا أنه لا مانع منه على الظاهر ، وإن كان لا يخلو أحد هذه الاحتمالات من المناقشة ومخالفة الذوق ، والله أعلم.

قوله علیه السلام : «على ما شاء الله»..

قال المجلسي عليه الرحمة : المراد أننا نرجع إلى هذا الكلام وبناءاً على هذا نقول : ما شاء الله، وخبر «ما» محذوف وتقديره كائن أو كان وأمثال ذلك. ولا حول ولا قوة إلا بالله عطف على ما شاء الله. ويمكن أن يراد المعنى دون اللفظ أي : على ما أراد الله ولا حول ولا قوة إلا بالله إنشاء توحيد الإفعال من أجل أن الانقلاب متعلّق بوجود المشيئة ؛ والمعنى الأوّل لا يخلو من بعد.

قوله علیه السلام : «وأقول حسبي الله وكفى»..

الظاهر من قول «كفى» أنّها تأييد وتأكيد المعنى حسبى»، ويمكن أن تكون الجملة استئنافية، والضمير راجع إلى قول «حسبي» أو إلى نفس الجملة. وعلى أتي وجه يؤيد احتمالنا فى العبارة السابقة ويبعد احتمال البحار لأنه إن كان المراد منه «القول» فينبغي أن تذكر الأقوال مع بعضها البعض.

قوله علیه السلام : «سمع الله لمن دعى»..

يمكن أن تكون الجملة خبريّة في مقام التمجيد والتوحيد للباري تعالى ، والأظهر أنّها جملة دعائية كما هو الحال في «سمع الله لمن حمده».

قوله علیه السلام : «ليس وراءكم»..

أي ليس سواكم من ينتهي أرباب الحوائج إليه ، ومعناه أن أي محتاج يتوسل

ص: 421

بآخر فإنّ سلسلة الحاجات تنتهي إليكم ، وحلّ عقود المشاكل بعهدة أناملكم وعواطفكم وفواضلكم.

قوله علیه السلام : «وأنت يا أبا عبد الله»..

عطف على أمير المؤمنين وياء النداء داخلة عليه للقاعدة النحوية المسلّمة القائلة: «يفتقر في الثواني ما لا يفتقر في الأوائل» بل أجراها الشيخ الأجل الشيخ

جعفر النجفي له في (القواعد المختصرة) في الفقه وأوردها هناك.

وما يجري على ألسنة أهل العلم عن السيّد المحقق الداماد أنّه قال : لفظ «أبت» على وزن قلت (1)من الأوب بمعنى الرجوع وتكون معطوفة على «انصرفت» لم أجدها في كلام هذا العلّامة المشهور ، وإن كانت فهي قول ضعيف ومن جنس المصحف، ونظير هذا ما حكاه السيد الأجل غياث الدين عبدالكريم ابن طاووس الحسني في كتاب «فرحة الغري» عن أحد الأدباء أنّه كتب كتاباً في التصحيف وجاء إلى الحديث المعروف «تختموا بالعقيق» فاعتبره مصحفاً والصحيح «تخيّموا في العقيق» أي اضربوا لكم أطناباً هناك، وهو محلّ بالقرب من المدينة وميقات العراق ، ويجد المتتبع في كتب العلماء كثيراً من هذه الغرائب .(2)

ص: 422


1- أي إنّه قرأ بدل «أنت» الضمير المنفصل المرفوع، «أبت» الفعل الماضي من «آب» فتكون العبارة : «أبت يا أبا عبدالله» بدل «أنت».
2- أنقل لك ما جاء في كتاب «فرحة الغري لتكون على بينة من أمره ، ذكر في كتابه - حمزة بن الحسن الاصفهاني - التنبيه على حدوث التصحيف - أن كثيراً من رواة الحديث يروون أن النبي قال : تختموا بالعقيق وإنما قال : تختموا بالعقيق وهو اسم واد بظاهر المدينة (فرحة الغري : 115، تحقيق تحسين آل شبيب ، أولى ،1419 ، مركز الغدير). (المترجم)

قوله علیه السلام : «سلامي»..

الظاهر أن سلام نائب الفاعل المحجوب، ويمكن أن يكون غير محجوب خبر ثان وسلام بدل منه ، وهذا غاية في البعد.

قوله علیه السلام : «إن شاء الله»..

يمكن أن يكون التعليق على المشيئة لمجرّد التبرك مثل: «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إن شاء الله» (1)وبناءاً على هذا إنّ قول «وأسأله أن يشأ ذلك» جملة

استئنافية، والأظهر بحسب سياق العبارة أنّها للشرط الحقيقي والواو للعطف .

والحق طبقاً لرعاية قواعد الإملاء ، أنّ هذه الكلمة إن كانت للتبرك كتبت متصلة هكذا «إنشاء» لأنّها في الحقيقة ليست للتعليق ، وإن أريد بها التعليق حقيقة فصلت عنها «إن» رسماً هكذا «إن شاء».

قوله علیه السلام : «غير آيس ولا قائط»..

الظاهر أن اليأس والقنوط لا فرق بينهما في مجاري الاستعمال ، والجمع بينهما للتأكيد مثل : المكر والحيلة، والأوب والرجوع والعود، وهذه عادة العرب في الجمع بين المترادفات وإن كان فى الواقع لا ترادف، وكل كلمة له معنى خاص بها استعملت فيه ، ولكن لكثرة تناوب الكلمات في مقام الاستعمال على كثير من المواضع لم تدرك خصوصياتها لحد الآن، والله أعلم

ص: 423


1- الفتح : 27 .

وبهذا القدر نكتفي في بيان ألفاظ هذا الدعاء وفيه غنية لأهل العلم، والحمد لله أوّلاً وآخراً وباطناً وظاهراً على توفيقه لإتمام الباب الثاني من هذا الشرح الشريف كثرة الشواغل وقلة البضاعة، وعدم المهلة لصرف الوقت فيه ، وما ذلك إلا ببركات من خدمته به و هو سيّدنا المظلوم أبو عبد الله الحسين سلام الله عليه ، وقد حصل لي آثار التأييد وهبت علي نسمات من قدسه من التوفيق والتسديد ، وكتب مصنّفه الفقير إلى باب ربه الغني العاصم أبو الفضل بن المحقق المرحوم أبي القاسم حوسبا حساباً يسيراً، وأوتيا خيراً كثيرا ، في الأرض المقدّسة والبقعة المباركة سرّ من رأى في عصر يوم عاشوراء في سنة 1309 من الهجرة النبوية، حامداً مستغفراً مصلياً مسلماً.

ص: 424

شكر وثناء

حمداً لله الذي جعل التوفيق العظيم نصيب هذا الأقل، وبعناياته السرمدية منحني القوة فأصبحت أشدو مع الشادين في قافلة سيّدالشهداء وأعوانه.. فأقول:

درون شعله چو پروانه سوختم ای دوست***بدین امید که از عاشقان حساب شوم

واستطعت أن أثبت اسمي في سجل المتوسلين بجنابه بعد إتمام عمل التحقيق والتصحيح والتعليق ووضع الفهرس الكامل، ونشر هذا الكتاب الشريف المليء من النكات الأدبية والعلميّة والعرفانية والولائية الذي قيل أنّه لا سابق له في موضوعه ولا نظير له، وهو جدير بالاهتمام.

في قم المقدّسة وعُشّ آل محمّد وحرم أمن فاطمة المعصومة سلام الله عليها . حرّره السيد علي ابن العلّامة الكبير الحاج سيد مرتضى الموحد الأبطحي ،

دامت افاضاته .

ص: 425

ختام ومسك

من وجد برد حبنا على قلبه فليكثر الدعاء لأمه فإنّها لم تخن أباه . (الإمام الصادق علیه السلام - معانى الأخبار)(1)

قلب هرکس خنک از آتش عشق ما شد***خوش بحالش که و را تحفه چنین اعطا شد

دم بدم مادر خود را بنوازد بدعا***که زباکی وی این عشق بما پیدا شد

دشمن ما نشود آنکه عفيف الأم است***خصم را گو که بپرسد زکه او پیدا شد

من زار برد حبنا قلبه***فليشكر الله على تحفته

وليدعو الله إلى أمه***فإنّها صانت دما خلقته

بغضنا فليتهم أمه***لم تؤتمن يوماً على نطفته

الأشعار الفارسية لشاعر أهل البيت ، أحمد قاضي الزاهدي.

ونعم ما أنشد المولى محمد طاهر القمي المتوفّى 1098 في ذلك :

سلامة القلب نحتني عن الزلل***وشعلة العلم دلتني على العمل

طهارة الأصل قادتني إلى كرم***كرامتي ثبتت في اللوح في الأزل

قلبي يحبّ عليّاً ذا العلوم لذا***أدعو لأمي في الإبكار والأصل

محبّة المرتضى نور لصاحبها***يمشي بها آمناً من آفة الزلل

لزمت حبّ عليّ لا أفارقه***وداده من جناني قط لم يزل

أخا النبي إمامي قوله سندي***لقوله تابع ما كان من عملي

أطعت حيدرة ذا كلّ مكرمة***إمام كل تقي قاصر الأمل

ص: 426


1- معاني الأخبار : 161 تحقيق علي أكبر غفاري، ط انتشارات اسلامي 1361 هجري شمسي . (المترجم)

صرفت في حب آل المصطفى عمري***من مال عنهم إليه قط لم أمل

باب المدينة منجانا وملجأنا***ما انحلّ مشكلنا إلا بحلّ علي

لولا محبّة طه للوصي لما***أتى يشاركه في طيّب الأكل

ولاية المرتضى في خم قد ثبتت***بنص أفضل خلق الله والرسل

نص النبي عليه فوق منبره***عليه أشهد أهل الدين والدول

قد نص في الدار عند الأقربين على***خلافة المرتضى جداً بلا هزل

إنّ الإمامة عهد لم تنل أحداً***سوى المصون من الزلات والخلل

أطعت من ثبتت في الكون عصمته***و عفت كل جهول سيئ العمل

قد ردّت الشمس للمولى أبي حسن***روحي فدا المصطفى ذي المعجز الجلل

طوبى له كان بيت الله مولده***كمثل مولده ما كان للرسل

وأسعد بمن يقول لسان حاله :

من غم مهر حسین با شیر از مادر***گرفتم روز اول کآمدم دستور تا آخر گرفتم

بر مشام جان زدم یک قطره از عطر حسینی***سبقت از مشک و گلاب و عنبر گرفتم

وأحسن من حاله من أعطي هذه الرتبة الرفيعة :

من زدربار حسین بن علی ماهانه دارم***کی دگر چشم طمع بر مردم بیگانه دارم

تا گرفتم دست خط نوکری از مادر او***بر در دربار آن شه منصب ماهانه دارم

لا عذّب الله أمي في مرابعها***شربت حب حسين من مراضعها

من يوم جئت إلى الدنيا قد اتخذت***نفسي قواعد حبي من مواضعها

روّيت من عطره نفسي فما برحت***بالمسك والورد يذكو عطر واقعها

***

لي على سيدي أبي الأحرار***ثمن يرتجى بدار القرار

لست أرجو غير الحسين مجيراً***أبغير الحسين أمن الجار

من يدي أمه جواز عبوري***كيف أخشى غداً عذاب النار

ص: 427

ثبت المراجع لزيارة عاشوراء

اشارة

لما كانت زيارة عاشوراء من بين الزيارات الواصلة التي حظيت بالاهتمام من مبادي الوحي لهذا كانت مورد عناية العلماء وكبار الدين وأعلامه، مِن ثَم كتبت فيها الكتب وحرّرت الرسائل، وكلّ واحد من هؤلاء هدف إلى غاية، ونحى نحو وسيلة يتعقبها فمن هؤلاء من اهتم بالسند والمدرك ، ومنهم من اهتم بالثواب المترتب عليها والبركة المتوخاة من ذلك وكيفية التوسل بها، وبعضهم صبّ عنايته على لغتها وعباراتها .وهكذا

ونحن من أجل تبصرة عموم المؤمنين نذكر الكتب المطبوعة والمخطوطة التي بلغتها أيدينا كما لا ننسى الفهارس التي تناولت هذه الكتب بالذكر .

الف - المخطوطات

1 - تذكرة الزائرين (مختصر) : تأليف أبي محمد الحسن بن محمد الطباطبائي الساروي، المتوفى في حدود 1351 ، المخطوطة في مكتبة مجلس الشورى

الإسلامي، مرقمة برقم 4373/7 وهو شرح مختصر للزيارات كلّها .

2 - تذكرة الزائرين (مسهب) أو صداق الحور في شرح زيارة العاشور: تأليف أبي محمد الحسن بن محمد الطباطبائي الساروي، المتوفى حوالي 1351 ، وهذه الرسالة مرقمة برقم 43738 في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، والمؤلّف من تلاميذ شيخ الشريعة الإصفهاني والميرزا محمد علي الجهاردهي والشيخ عبدالله المازندراني رضوان الله عليهم أجمعين ، وكتب هذه الرسالة بعد تمام

ص: 428

1328 ومع مقايستها بالرسالة السالفة يظهر لنا بأنّ المؤلّف كتب الرسالة المختصرة أوّلاً ثم أتبعها بالمسهبة المطوّلة وآخرها شرح الجملة: «عليكم مني جميعاً سلام الله» راجع فهرست المكتبة 12: 83 - 84.

3 - جنّة السرور في تحقيق كيفية زيارة العاشور : تأليف الشيخ علي بن محمد جعفر الشريعتمداري الاسترابادي ، المتوفى 1351 ، والنسخة المخطوطة بخطّ المؤلّف باللغة العربية ورقمها /3090/3 في مكتبة آية الله المرعشي النجفي في قم . راجع فهرست المكتبة المذكورة 8 314 و 315 ، الذريعة 5: 158.

4 - رسالة في زيارة عاشوراء تأليف الميرزا علي الشهرستاني الحائري المتوفّى حوالي .1290 . راجع الذريعة 12: 80

5 - رسالة في زيارة عاشوراء : تأليف المولى محمد جعفر الاسترابادي (1263 - 1197) ومنها نسخة عند الشيخ مهدي شرف الدين في شوشتر ، ومن الممكن أن تكون نفس النسخة المرقمة 2517 في مكتبة سپهسالار . راجع الذريعة 12: 79

6 - رسالة في رواية زيارة العاشور : تأليف أو كتابة نصر الله بن حسن الحسيني. هذه الرسالة بذلت العناية لتصحيح سند زيارة عاشوراء ، وأودعت في في مكتبة مدرسة سپهسالار الجديدة برقم 2527/3 مع المجموع الذي كتب في سنة 1237 ، وهذا الكتاب وهي غير الرسالة التي ذكرت في مكتبة كلية الحقوق

في تحت رقم 29 من هذه المكتبة. راجع فهرست المكتبة 5: 89 و 90 .

7 - رسالة في زيارة عاشوراء : كتب الشيخ نصر الله بن عبدالله الشبستري يقول: ولبعض الأساطين من فقهاء بلدنا القاطنين في المشهد المقدّس العلوي على مشرّفه آلاف التحيّة والثناء تأليف في زيارة عاشوراء . راجع : اللؤلؤ النضيد : 38.

8 - رسالة في آداب زيارة عاشوراء : توجد هذه المخطوطة برقم 4343/9 في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، وذكر كاتب الفهرست أنها من تأليفات

ص: 429

الشيخ محمّد باقر بن ملا محسن الاصطهباناتي . أما ملاحظة الرسالة فتدل على أنّها فصل من رسالة أخرى. راجع فهرست المكتبة 12: 84 و 85.

9 - رسالة زيارة عاشوراء : مؤلّف هذه الرسالة مجهول وتوجد نسخة منها برقم ... في متحف بريطانيا. راجع النسخ الخطية (نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران 4 : 663) .

10 - رسالة كيفية زيارة عاشوراء : تأليف المولى محمد محسن بن محمد الكاشاني، المتوفى سنة 1222 وهو من أحفاد المولى المحسن الفيض الكاشاني صاحب تفسير الصافي، توجد نسخة من هذه الرسالة برقم 2217/1 في مكتبة آية الله الگلپايگاني راجع فهرست المكتبة 3: 197 وراجع أيضاً ملخصاً عن حياة المؤلّف وآثاره في مقدّمة آية الله المرعشي النجفي على كتاب (معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة ص 49). وتوجد نسخ من كتبه في مكتبة فيض مهدوي في كرمانشاه راجع فهرست مكتبة فيض مهدوي في نشرة «تراثنا» رقم 9 .

11 - زيارة عاشوراء وكيفيتها : تأليف الشيخ محمد حسين بن القاسم القمشئي النجفي، المتوفى سنة 1335 ، وذكر شرحاً لحاله في نقباء البشر ص 635، وتوجد نسخة من هذه الرسالة في مكتبة السيّد محمّد علي القاضي الطباطبائي في تبريز، والمؤلّف يعرف بقمشئي الكبير، وهو معاصر للشيخ محمد حسين بن أبي طالب قمشئي. راجع كنز العلماء 5: 390 و 391 والذريعة 12: 79 ومخطوطات نشرة المكتبة المركزية لجامعة طهران :7 518

12 - شرح مختصر (مصباح المتهجد) أو المصباح الصغير : تأليف السيد بهاء الدين عليّ بن عبدالكريم الحسيني ، أو كتابة السيد زين الدين علي بن عبدالحميد النجفي بناءاً على اختلاف النظر في الموضوع. كتب هذا الكتاب في القرن

ص: 430

الثامن ومؤلّفه من كبار العلماء والأعلام البارزين ، وذكر العلامة المجلسي في كتابه : جاء بعض فضلاء تستر بهذا الشرح إلى اصفهان فرأيته عنده -ده ولم يكن فيه كثير فائدة بل هو مقصور على بيان تراكيب الألفاظ وما يتعلّق بالعربيّة ونحو ذلك . الذريعة 2 : 500 .

ونقل المرحوم القاضي نور الله المرعشي في مجالس المؤمنين 1: 13 - 15 طبع الإسلامية، والمولى أحمد النراقي في الخزائن : 465ط الإسلامية أيضاً مطالب من هذا الكتاب، ولمزيد الاطلاع عن هذا الكتاب ومؤلّفه العظيم تراجع الكتب التالية :

1 - أعيان الشيعة 41 305 و 310 رقم 9064 .

2 - أمل الآمل للشيخ الحر العاملي 2: 192 .

3 - تأسيس الشيعة : 295 .

4 - ريحانة الأدب 1: 294 .

5 - سفينة البحار 1: 116 .

وكتب أخرى ذكرت في هامش روضات الجنّات 4: 347 و353، وتوجد نسخة من هذا الكتاب في مكتبة آية الله المرعشي في قم برقم 4568 . راجع فهرست المكتبة 12: 143 . ولما وردت زيارة العاشوراء في مصباح المتهجد وهذا الكتاب في شرحها فينبغي اعتباره أوّل شرح لزيارة عاشوراء.

13 - شرح جملة «يا ثار الله وابن ثاره» : تأليف الشيخ علي الأكبر بن محمد أمين اللاري ، القرن الثالث عشر، وهذه الرسالة المفصلة ألفت سنة 1284 وتوجد نسخة منها تحت رقم 4086/1 في مكتبة آية الله المرعشي النجفي وفهرست المكتبة :11 : 99 و 100 ذكرها.

14 - شرح زيارة عاشوراء تأليف الشيخ المفيد بن محمد نبي الشيرازي ، المولود :

ص: 431

سنة 1251 والمتوفى سنة 1325 ، ذكر ذلك الميرزا محمد نصیر «فرصت» الشيرازي في قصيدة له فارسيّة وذكر تاريخ تأليفها 1303 ، وعرّف عنها في فهرست مكتبة آية المرعشي بذلك.

وهي شرح مزجي مفصل جداً تتضمن البحث في المواضيع الأدبية والتاريخية والاعتقاديّة،وتتصدّر الكتاب مقدّمة في فضل زيارة الإمام الحسين ومعنى عاشوراء ، شرع في تأليفها غرة شهر رمضان سنة 1303 وفرغ من تأليفها في نفس السنة اليوم الثالث من ذي القعدة.

توجد نسخة من هذا الكتاب برقم 375 في مكتبة آية الله المرعشي ، وفي الفهرست :1 393 و 394 لمكتبة المرعشي ورد تعريف مطنب عن الكتاب والمؤلّف ، وجاء شرح حاله في آثار العجم: 26 - 30 ، وكذلك جاء ذكره في کتاب علماء فارس وخطبائها 2 : 493 - 506 ذيل كلمة «داور» لتخلّصه بهذه الكلمة . راجع الذريعة :13 308 .

15 - شرح زيارة عاشوراء تأليف الميرزا المرحوم محمد علي الجهاردهي النجفي المتوفى سنة 1334 وتوجد نسخة منه في مكتبة قرية المؤلّف المرحوم السيد مرتضى المدرّسي وهو وقفها على مكتبة الآستانة المقدّسة الرضوية، وتوجد فيها الآن نسختان منها مع رسائل أخرى من تأليف المؤلّف ، برقم 9357 و 12370 قسم المخطوطات.

ألفها سسنة 1326 هجري قمري والنسخة المرقمة 12370 خير من غيرها، وفي مقدّمة شرح الصحيفة السجّاديّة ذكر المؤلّف تاريخ تأليفها سنة 1332 ، وهذا اختلاف برز في تاريخ تأليف الكتاب.

16 - شرح زيارة عاشوراء : تأليف سيد أسد الله بن حجّة الإسلام السيّد محمّد باقر الشفتي الاصفهاني الذي توفي في طريقه إلى العتبات المقدسة في كرند سنة

ص: 432

1290، وتوجد نسخة الكتاب في مكتبة نجل المؤلّف. راجع الذريعة 13 : 307 .

17 - شرح زيارة عاشوراء تأليف السيّد حسين بن أبي القاسم جعفر الموسوي : الخونساري الاصفهاني، أستاد السيد مهدي بحر العلوم المتوفى 1091 يراجع مقدّمة كتاب مناهج المعارف) ص 178 - 182 تأليف أبو القاسم - جعفر الخونساري المتوفى سنة 1157 ، والذريعة 13: 307.

18 - شرح وترجمة زيارة عاشوراء بلغة الأردو: تأليف مولانا السيد أنصار حسين صدر الأفاضل ، المتوفى سنة 1387 . راجع تذكرة علماء إمامية پاكستان

تأليف سيد حسين عارف النقوي ، ط 1363 شمسي ص 58 - 60 .

19 - شرح زيارة عاشوراء تأليف سيد حسين بن جعفر الموسوي اليزدي، وهذا الكتاب كتب على شكل سؤال وجواب عن بعض الجمل الواردة في الزيارة ، وهو من آثار القرن الثالث عشر الهجري، وتوجد نسخة منه مع تاريخ تأليفها سنة 1296 في أربع وتسعين ورقة في مكتبة وزيري بيزد برقم 1419، وجرى التعريف بها في فهرست المكتبة 3: 955 والمؤلّف له كتب كثيرة ، وذكر أسمائها في الذريعة 2 245 و 20 ک 69، وكذلك في فهرست النسخ : 20 ك الخطيّة لمكتبة .وزيري.

20 - شرح زيارة عاشوراء : مؤلّفه مجهول، وتوجدذ نسخة منه مرقمة برقم 10836/13 في مكتبة المرحوم آية الله الحاج ملا علي المعصومي في همدان. راجع فهرست مكتبة مدرسة الآخوند في همدان ، ص 452.

21 - شرح زيارة عاشوراء : لمؤلّف مجهول ، رقم هذه الرسالة 10184/1 وتوجد منها نسخة في مكتبة المرحوم آية الله معصومي المشهورة بمكتبة مدرسة الآخوند في همدان راجع فهرست المكتبة - مدرسة الآخوند همدان، ص 441. 22 - شرح كيفية زيارة عاشوراء تأليف أو كتابة المولى حسن بن إبراهيم الحسني

ص: 433

الساوجي، تاريخ تحرير الكتاب 1286 ، توجد نسخة خطية من هذه الرسالة في مكتبة المسجد الأعظم بقم مرقمة برقم 2603 . راجع فهرست المخطوطات في المكتبة طبع 1364 ، ص 361 .

23 - شرح زيارة عاشوراء : تأليف المرحوم الحاج الشيخ عباس الحائري الطهراني المتوفى سنة 1360 ، توجد نسخة من هذا الشرح عند نجل المؤلّف حجّة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ مهدي الحائري الطهراني . راجع آثار الحجّة تأليف الشيخ محمد الرازي 1: 225 و 226 ، ومقدّمة شرح أصول الكافي.

24 - الصرخة المهدوية الكبرى: تأليف السيد مهدي بن علي الغريفي البحراني المتوفى 1343 في زيارة عاشوراء وكيفية تلاوتها مع خاتمة في موضوع الإمامة والمؤلّف من تلاميذ المرحوم الشيخ محمد طه نجف . راجع الذريعة 15 : 39 .

25 - الصرخة الهدوية (الصغرى): تأليف السيد مهدي بن علي الغريفي البحراني النجفي المتوفى 1343 ، وهذا الكتاب تلخيص للكتاب السابق . الذريعة 15:

39 و 40 .

26 - الضيائية : من المحتمل أن يكون التأليف لميرزا هداية الله بن ميرزا رضا الگلپایکانی المتوفى حوالي 1330 ، وهذا الكتاب يتحدّث في موضوع سند زيارة عاشوراء وكيفية قرائتها وثوابها وفضائل سيّدالشهداء وتاريخ الحائر الحسيني ومسائله .. كتب المؤلّف الرسالة باسم نجله ضياء الدين وشاهد نسختها في النجف الأشرف الحاج آقا بزرگ الطهراني. راجع الذريعة 15: 132.

27 - كيفية زيارة عاشوراء : بقي اسم المؤلّف طي الكتمان . توجد نسخة منها ضمن المجموع ... في مكتبة جامعة لوس انجلس بأمريكا. راجع نشرة

ص: 434

المكتبة المركزية لجامعة طهران ج 11 - 12 ص 713.

28 - كيفية زيارة عاشوراء : لا يعرف مؤلّفها ولكنّه من علماء القرن الثالث عشر وقد أثبت تاريخ 27 ربيع الثاني عام 1271 في النسخة الخطّيّة، والظاهر أنّها النسخة الأصليّة، وينقل المؤلّف فيها مطالب عن أبيه وأستاذه مطالب في كيفية زيارة عاشوراء ولم يذكر اسم واحد منهما ، يحتوي هذا الكتاب على تسعين ورقة بقطع الربعي والجيبي وهو عربي ويحتفظ به في جامعة طهران برقم «63 - د» . راجع فهرست مكتبة كلّيّة الحقوق جامعة طهران ص 365.

29 - نتيجة النتائج : تأليف الشيخ علي بن محمد جعفر الشريعتمداري الاسترابادي ، المتوفّى ،1315 وذكرت باسم تلخيص نتائج المأثور» تحت ، رقم 31 الفهرست راجع الذريعة 50:24 .

30 - نتائج المأثور في ترجمة جنّة السرور: تأليف الشيخ علي بن محمد جعفر الشريعتمداري الاسترابادي، المتوفّى ،1315 ، وهذه الرسالة ترجمة لفظية لرسالة: «جنّة السرور في تحقيق زيارة العاشور» وكانت ترجمتها بقلم المؤلّف إلى الفارسيّة. توجد نسخة غير كاملة منها بخط المؤلّف برقم 3090/1 في مكتبة آية الله المرعشي النجفي في قم . راجع فهرست المكتبة 8: 313 و 314، والذريعة 24 47 .

ب - المطبوعات

1 - جامع الشتات تأليف آية الله القمّي صاحب القوانين، يحتوي هذا الكتاب على مسائل متنوّعة ومنها سؤال عن كيفية زيارة عاشوراء والجواب عنه، ونقلناه في الجزء الأوّل من شفاء الصدور.

ص: 435

ولا يخفى أنّ العلماء الكبار ومراجع التقليد قام كل بدوره ببيان كيفية تلاوة زيارة العاشور ، وليس بالإمكان التعرّض لشرحها بأجمعها ، وقد نقلنا جانباً من ذلك في الصدور وذكرنا جانباً من أقوالهم فى الجزء الأول.

2 - الدر المنضود في شرح زيارة العاشور: تأليف الميرزا أحمد بن عبدالرحيم المشهور بالميرزا التبريزي بأغميشة أي (المعاصر)، كتب هذا الشرح بالفارسية

سنة 1380 وتمّ طبعه في 252 صفحة بالقطع الرقعي .

3 - ذخيرة العباد ليوم المعاد : كتب الشيخ نصر الله بن عبد الله يقول : ولبعض مشايخ عصرنا رسالة في زيارة عاشوراء مطبوعة تسمى ب- ذخيرة العباد ليوم المعاد». راجع اللؤلؤ النضيد : 38 ، الذريعة 10 : 16 .

4 - رساله شرح «تایعت» در زیارت عاشور: تألیف ميرزا محمد باقر الحسيني - المشهور بميرداماد ، المتوفى سنة 1104 في لفظ «تايعت» هو بالياء لا بالباء، وفي كتاب شفاء الصدور الذي بأيدينا في الجزء الثاني ص 339 نقل قول السيد الداماد ، وهذه الرسالة من كتاب الرواشح ، وكتب المؤلّف نقداً عليه ، وأشار إلى هذه الرسالة أغا بزرك في الذريعة 13: 132.

5 - رسالة في زيارة العاشوراء وكيفيتها : تأليف حجّة الإسلام السيد محمد باقر شفتي اصفهاني المتوفى سنة 1260، توجد نسخة من هذه الرسالة ضمن مجموع (سؤال وجواب) في مكتبة مدرسة سپهسالار الجديدة ونقلناه في الجزء الأوّل من شفاء الصدور الطبع الجديدة. راجع الذريعة 12: 79 و فهرست مکتبة سپهسالار 1: 423 و 509 .

6 - رسالة في كيفية زيارة عاشوراء : تأليف المولى محمد بن مهدي أشرفي المازندراني، المتوفى سنة 1315 ، طبعت هذه الرسالة مع الطبعة الثانية لكتاب: «شعائر الإسلام من الحلال والحرام» في أواخر الكتاب وعرّف بشعائر

ص: 436

الإسلام في الذريعة 14: 191 على النحو التالي مجموعة مفصلة تشتمل على أبواب الفقه على شكل سؤال وجواب.. وذكرت ترجمة للمؤلّف في كتاب العلماء المعاصرون تأليف ملّا علي الواعظ الخياباني ص 62 - 64 .

7 - زاد المؤمنين : تأليف السيد محمد تقي الهندي المعاصر، بالأردو، في موضوع أعمال عاشوراء وزيارة عاشوراء وخواصها ، وطبع في مطبعة نول كشور في لكهنو . راجع الذريعة 12 : 11 .

8 - شرح زيارة عاشوراء : تأليف ميرزا أبي المعالي بن محمد إبراهيم بن حسن الخراساني الكلباسي المتوفى سنة ،1315 ، والكتاب باللغة العربية وفيه شرح بعض عبارات من زيارة عاشوراء وأحكام الحاير الحسيني وحدود وأحكام التربة الحسينية، ومسائل أخرى حول هذا الموضوع طبع هذا الكتاب في طهران سنة 1309 .

9 - شرح زيارة عاشوراء : تأليف المولى عبدالرسول النوري الفيروزكوهي المتوفى بعد سنة 1320 ، طبع هذا الكتاب في طهران سنة 1321 مع رسائل 1321 أخرى للمؤلّف، ومرّ ذكره في فهرست مكتبة الآستانة الرضوية 332/6، وكتب عقيب ذلك : المؤلّف من تلاميذ صاحب الفصول، والميرزا أبي القاسم الكلانتري ، وجعل گنجینه دانشمندان كنز العلماء :6 : 124 و 125 ، وفاته سنة 1323 ، وذكر هذا الكتاب في الذريعة 13: 308 .

10 - شفاء الصدور وهو الكتاب الحاضر : هذا الكتاب من الشروح المطوّلة - وهو أشهرها - على زيارة عاشوراء ، كتب في سنة 1309 هجرية ، وبما أن مؤلّفه ذو إحاطة علميّة بالفقه والأصول والحديث وعلم الهيئة والأدب العربي وغير ذلك فقد جاء الكتاب حافلاً بالنكات المتنوعة والفوائد المهمّة من كلّ فنّ وعلم ، وهذا يكفي دليلاً على عظمة الكتاب والكاتب مما حدى بالمرحوم

ص: 437

آية الله الميرزا محمد الشيرازي أن يصدّره بتقريظ ، ويحلّي صدر الكتاب به.

11 - شرح زیارت عاشور: تأليف المرحوم المولى حبيب الله شريف الكاشاني المولود 1262 والمتوفى سنة 1340 ، وهو شرح بالفارسية مختصر، مطبوع وجاءت ترجمة المؤلّف في كتاب لب اللباب في ألقاب الأطياب من آثار المؤلّف في ترجمة علماء كاشان وريحانة الأدب 5: 18 و 19 ، وموسوعة 5: دهخدا« لغتنامه دهخدا» ذيل ترجمة حبيب الله بن على مدد الكاشاني ومقدّمة عقائد الإيمان في شرح دعاء عديلة، طبع بصيرتي قم 1396 ، ورسالة شرح حال ملا حبيب الله شريف الكاشاني تأليف علي شريف من أحفاد المؤلّف ، وذكر الكتاب في قائمة كتبه .

12 - الكنز المخفي تأليف الشيخ عبدالنبي النجفي العراقي من تلاميذ المرحوم آية الله السيد أبي الحسن الاصفهاني وآقا ضياء الدين العراقي ... وهو كتاب بالفارسية في آداب زيارة عاشوراء وكيفيتها، طبع على الحجر في طهران 1371، جاء شذرة من حياة المؤلّف في فهرست مكتبة «آستانة قدس» الرضويّة (5 : 535) و «گنجینه دانشمندان» 2: 196 و 198 كما ذكرت مؤلّفاته في كتاب «غوالي اللتالي في فروع العلم الإجمالي طبع قم سنة 1370. راجع فهرست مكتبة استانة قدس الرضوي 6 344 طبع سنة 1344 شمسي ، وهذا الكتاب ذكر في فهرست كتب «مشار» المطبوعة ص 433 ، وفهرست الكتب الفارسية لدار الترجمة والنشر المطبوعة 2 : 1878 باسم رسالة في زيارة عاشوراء باللغة العربية ، نسبت إلى الحاج يوسف بوعلي البحراني في حين هي : : 1 - باللغة الفارسيّة لا العربية ، 2 - الكتاب طبع بسعي الحاج يوسف بوعلي البحراني لأنه من تأليفه 3 - السم الكتاب الكنز المخفي وكثيراً ما ، يعرض السهو والنسيان للناس في مثل هذه الأمور وهو أمر عادي.

ص: 438

13 - اللؤلؤ النضيد في شرح زيارة مولانا الشهيد أبي عبدالله الشهيد علیه السلام : تأليف الشيخ نصر الله بن عبدالله الشبستري ، المولود سنة 1333 ، وهذا الكتاب باكورة كتب المؤلف، وألّفه سنة 1359 ، وتم طبعه في العام نفسه وجددت طبعه في قم مؤسسة الإمام المهدي علیه السلام . راجع فهرست آستانه «قدس» الطبعة القديمة :6 344 و 345 .

14 - المصباح والنور في شرح زيارة العاشور : تأليف الميرزا محمد بن حسين التبريزي التوتونچي (المعاصر) وهو شرح مختصر بالفارسية ، كتبه سنة 1392 وطبع في السنة نفسها، ويحتوي على 87 صفحة بالقطع الرقعي وللكتاب شروح أخرى على زيارة الجامعة ودعاء الندبة والخطبة الشقشقية.

15 - نور على نور في آداب زيارة العاشور : تأليف ميرزا حبیب الله بن شير محمد الهمداني ، وهذا الكتاب بالفارسيّة ، ويشتمل على خمسة أنوار وخاتمة ، كتبه سنة 1317 ، وفي سنة 1320 طبع في بمبي بالقطع الرقعي في 242 صفحة . راجع الذريعة 24 371 و 372 ، فهرس كتب مشار الفارسية المطبوعة 16: 5335 ، و فهرست کتب دار ترجمة ونشر الكتاب الفارسية المطبوعة ج 2 عمود 3322 .

***

منَّ الله على ففرغت من ترجمته في ذى الحجة الحادى والعشرين منه سنة 1425 في داري بالأهواز.

محمد شعاع فاخر

ص: 439

ص: 440

المحتويات

أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ....3

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ....8

اللهمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ....28

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَىٰ فَاطِمَةَ وَإِلَى الْحَسَنِ وَإِلَيْكَ بِمُوَالاتِكَ وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ ، وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ الْظُلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ وَأَبْرَأَ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ ذَلِكَ وَبَنِى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ ، وَجَرىٰ فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَشْيَاعِكُمْ....32

بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاةِ وَلِيُّكُمْ ، وَبِالْبَراءَةِ مِنْ أَعْدائِكُمْ ، وَالنَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوِّلِمَنْ عاداكُمْ. فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ، وَرَزَقَنِي الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ....42

أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ....50

وَأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ....54

وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقامَ المَحْمُودَ الَّذي لَكُمْ عِنْدَ الله....57

وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي مَعَ إمام مَهْدِي ظَاهِرٍ نَاطِقٍ مِنْكُمْ....64

وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِينِي بِمُصابِي بِكُمْ أَفَضَلَ مَا يُعْطِي مُصاباً بِمُصِيبَة....89

مُصِيبَةٌ مَا أَعْظَمَها وَأَعْظَمَ رَزِيَّنَها فِي الْإِسْلامِ وَفِي جَمِيعِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ....94

ص: 441

اللهمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ . اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ....128

اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ....142

وَابْنُ آكِلَةِ الأَكْبَادِ اللَّعِينُ ابْنُ اللعِينِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ ، فِي كُلِّ مَوْطِن وَمَوْقِفِ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ....170

اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيانَ....185

وَمُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيانَ....192

وَيَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ....229

عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أبد الآبدين....283

وَهذَا يَوْمٌ فَرحَتْ بِهِ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلام....284

اللهُمَّ فَضاعِفَ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ وَالْعَذابَ بِقَتْلِهِم الحُسَينَ عَلَيْهِ السَّلَام....323

اللهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْم ، وَفِي مَوْقِفِي هَذَا ، وَأَيَّامٍ حَيَاتِي بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَبِالْمُوَالاةِ لِنَبِيِّكَ وَآلِ نَبِيِّكَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ....325

اللهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِم ظَلَمَ حَقٌّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تَابِعٍ لَهُ عَلَىٰ ذَلِكَ....326

اللّهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ وَشائِعَتْ وَبايَعَتْ وَتَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ ، اللهُمَّ الْعَنْهُم جَمِيعاً....351

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى الْأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ....357

لا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيارَتِكَ....357

السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ....358

وَعَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ....359

وَعَلَى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ....368

وَعَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ....373

ص: 442

اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظَالِم بِاللَّعْنِ مِنِّي ، وَابْدَأُ بِهِ أَوَّلاً ثُمَّ الثَّانِيَ ثُمَّ الثَّالِثَ ثُمَّ الرَّابِعَ....378

اللهمَّ الْعَنْ يَزِيدَ بنَ مُعاوية خامساً ، وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيادٍ وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآلَ أبي سُفْيانَ وَآلَ مَرْوَانَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ....394

اللهمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى مُصَابِهِمْ....399

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيمٍ رَزِيَّتِي....404

اللهمَّ ارْزُقْنِي شَفاعَةَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ الْوُرُودِ....405

وَثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ....405

قوله علیه السلام : « يا الله يا الله» إلى آخره....410

قوله علیه السلام : «يا من هو أقرب إلي من حبل الوريد»....411

قوله علیه السلام : «يا من يحول بين المرء وقلبه»....412

قوله علیه السلام : «يا من هو بالمنظر الأعلى وبالأفق المبين»....413

قوله علیه السلام : «يا من يعلم خائنة الأعين»....413

قوله علیه السلام : «يا من لا تغلطه الحاجات»....414

قوله علیه السلام : «يا من لا يبرمه»....414

قوله علیه السلام : «يا من هو كل يوم في شأن»....414

قوله علیه السلام : «أقسم وأعزم عليك»....415

قوله علیه السلام : «وباسمك الذي جعلته عندهم»....415

قوله علیه السلام : «وتجيرني من الفقر»....416

قوله علیه السلام : «كيد الكيدة»....416

قوله علیه السلام : «فكده»....416

قوله علیه السلام : «اللهم اشغله»....416

قوله علیه السلام : «ومسكنة»....417

ص: 443

قوله علیه السلام : «نصب عيني»....417

قوله علیه السلام : «وخذ عنّي»....417

قوله علیه السلام : «شاغلاً عنّي»....417

قوله علیه السلام : من مخلوق غيرك»....418

قوله علیه السلام : «وأتشفع»....418

قوله علیه السلام : «ومؤنة» إلى آخره....418

قوله علیه السلام : «واصرفني»....419

قوله علیه السلام : «ما أهمني»....419

قوله علیه السلام : «يا أمير المؤمنين».....419

قوله علیه السلام : «من زيارتكما»....420

قوله علیه السلام : «مستجاباً»....420

قوله علیه السلام : «وتشفعا»....420

قوله علیه السلام : «على ما شاء الله»....421

قوله علیه السلام : «وأقول حسبي الله وكفى»....421

قوله علیه السلام : سمع الله لمن دعى»....421

قوله علیه السلام : «ليس وراءكم»....421

قوله علیه السلام : «وأنت يا أبا عبدالله»....422

قوله علیه السلام : «سلامي»....423

قوله علیه السلام : «إن شاء الله»....423

قوله علیه السلام : «غیر آیس ولا قانط»....423

ص: 444

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.