شَرح زيارة عاشوراء

هوية الکتاب

شَرح زيارة عاشوراء

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الثانية

1429ه- 2008م

موسسة البلاغ

للطباعة والنشر والتوزيع

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الثانية

1429ه- 2008م

موسسة البلاغ

للطباعة والنشر والتوزيع

بئر العبد - مدخل مدرسة حارة حريك الرسمية الثانية - بناية فوعاني - الطابق الأول ص . ب : 11 - 7952 بيروت 2250 - 1107 - هاتف :( 03/514905) - تلفاكس : 01/553119 لبنان

الموقع الإلكتروني: www.albalagh-est.com

E-mail : Albalagh-est@hotmail.com

ص: 2

شرح

زيارة عاشوراء

المسمّى ب

شِفَاءُ الصُّدُورُ فِي شَرْح زيارة العَاشُورُ

تأليف

العلامة المحق الشيخ أبو الفضل الظهر في الكلانتري

ترجمة

الشيخ على الإبلاهت يمين

قدم له

آية الله العظمى المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي (قدس سره)

(صاحب ثورة التنباك)

موسسة البلاغ

بيروت - لبنان

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

السلام على الحسين

وعلى علي بن الحسين

وعلى أولاد الحسين

وعلى أصحاب الحسين

ص: 4

تقريظ: للعلامة المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي (صاحب ثورة التنباك أعلى الله مقامه)

لاشك أن كتاب (شفاء الصدور في شرح زيارة عاشوراء) من أفضل ما ألف في مجال شرح زيارة الإمام الحسين

(عليه السلام) ، فهو يتميز بالمتانة والكمال والدقة ، إذ أحاط المؤلف فيه بالتحقيق اللازم في أمهات المصادر لإسناد كتابه وتوضيح مطالبه ، وجمع في شرحه للزيارة أنواع الفضائل والمعارف لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) لذا فهو صحيح ومفيد وضروري لجميع طبقات المجتمع، حيث يمكنهم بمطالعته أن يصلحوا عقائدهم ويرفعوا الإبهامات التي قد تتواجد في أفكارهم . .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤيد المؤلف وأن يجمع قلوب الشيعة ومحبي أهل البيت على الاهتمام بهذا الكتاب، الذي ينتهي بهم إلى معرفة إمامهم العظيم الذي جاهد في الله أفضل الجهاد وبذل في سبيل ذلك الغالي والنفيس، فهو يصب في مجال إحياء ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)وعلى آبائه وذريته أفضل الصلاة والسلام ويعمل على إعلاء كلمة الحق.

ص: 5

وأخيراً أسأل الله تعالى أن يتقبل سعي المؤلف المحترم وأن يوفقه لخير الدنيا والآخرة بجاه محمد وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين...

حرره

السيد محمد حسن الحسيني الشيرازي

ص: 6

مقدمة المترجم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين ..

قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : « إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة» .

وقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً».

وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : «خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تُقطعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً ،جوفاً، وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويُوفّينا أجور الصابرين» (1)

ذكر العلماء والمحققون أن أي حاكم من الحكام لا بد أن يمتلك شرطين أساسين لكي يكون صالحاً لقيادة أمته وإدارة بلاده .

الأول: أن يكون صالحاً في نفسه.

ص: 7


1- مقتل المقرم : ص 166 .

الثاني: أن لا يصدر منه ما هو غير صالح للأمة .

فإذا فُقد أحد هذين الشرطين، فإن على أفراد الأمة أن يتركوا طاعته ، ويتمردوا عليه ويقاوموه، لأن طاعته في هذه الحالة أو السكوت عليه طاعة للشيطان، ومعصية اجتماعية كبرى، ولا يكفي في المعصية الاجتماعية أن يكون الإنسان على حياد، بل لابد أن يقف مع الحق ضد الباطل .

إن ما حدث في عهد الإمام الحسين(عليه السلام) هو أن كلا الشرطين لم يتوافرا في يزيد بن معاوية ، فلا كان صالحاً في نفسه ولا كان يعمل ما هو صالح للأمة، فهذا الرجل كان قبل خلافته شارب الخمور وراكب الفجور وقاتل النفس المحترمة»، وعندما أصبح خليفة للمسلمين، فإن معاصيه أخذت أبعاداً أخرى ، فكان على كل فرد من أفراد الأمة أن ينهض ليدافع عن العدالة في مواجهة ظلمه وعن الإيمان في مواجهة فسقه وعن الأمن في مواجهة طغيانه . . جاء في الحديث القدسي: «الأعذبن كل أمة دانت لولي من غير أوليائي ، وإن كانت الأمة في نفسها بارة» إذ إن عدو الله لو أصبح قائداً للأمة فإنه سيقودها إلى الجحيم وبئس المصير مهما كان وضع الأفراد، ولهذا قال الإمام الحسين(عليه السلام) :«وعلى الإسلام السلام إذا ابتليت الأمة بوال مثل يزيد».

لهذا رأى الإمام أبو عبد الله الحسين(عليه السلام)ضرورة القيام في وجه هذا الطاغية، مهما كلف الأمر ، ليكون قيامه وثورته مصباحاً للهدى وسفينة لنجاة جميع المسلمين والبشرية إلى قيام يوم الدين، كما قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : «إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة» وقال(صلی الله علیه وآله وسلم): «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً» .

لهذا أصبح الإمام الحسين(عليه السلام) من أبرز من خلَّدتهم الإنسانية في جميع

ص: 8

مراحل حياتها ومن أروع ما ظهر على صفحات التاريخ من العظماء والمصلحين الذين ساهموا في بناء الفكر الإنساني، وتكوين الحضارة الاجتماعية.

والإمام الحسين(عليه السلام) من أعظم القادة المصلحين الذين حققوا المعجز على مسرح الحياة ، وقادوا المسيرة الإنسانية نحو أهدافها وآمالها حيث إنَّه الأكثر جهاداً وتضحية وفداء، انطلق إلى ساحات الجهاد باذلاً في الله مهجته ، وموطناً على لقاء الله نفسه، ومعه كوكبة من أهل بيته وأصحابه مضحياً بنفسه وبهم، ليقيم على ربوع هذه الأرض حكم القرآن وعدالة السماء ، فالإمام (عليه السلام)دائماً وأبداً رمز العدالة والتضحية والجهاد لإعلاء كلمة الحق وإدحاض الباطل، فهو تلك الشمس المشرقة التي لا تغيب عن الضمائر والعقول الطاهرة، وذلك المصباح المتوهج الذي ينير الحياة الهانئة للشعوب والأمم .

لم ينشد الإمام(عليه السلام) من ثورته الإصلاحية هذه أي مطمع دنيوي، لهذا كتب الله تعالى له الخلود في القلوب الطاهرة والعقول الصالحة وسيبقى ذكره متوهجاً في ضمائر المؤمنين إلى قيام يوم الدين، قال النبي الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم):

«إن للحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً».

السلام على الأرواح الطاهرة التي عشقت طريق الحق وبذلت في سبيله كل غال ونفيس من أول الأنبياء آدم (عليه السلام)، إلى خاتمهم محمد(صلی الله علیه وآله وسلم).

السلام على وصي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)و علي أمير المؤمنين(عليه السلام)، وعلى أصحابه الخلّص الميامين .

السلام على أصحاب الحسين(عليه السلام)الذين هم خير الأصحاب، كما شهد الإمام عليهم بذلك حيث قال : «لم أر أصحاباً كأصحابي»، هؤلاء الأصحاب الكرام الذين التحقوا بركب الإمام(عليه السلام) من كل حدب وصوب ووقفوا ذلك

ص: 9

الموقف الشامخ الذي لا زوال له ولا اضمحلال، وقفوا يوم عاشوراء مختارين الشهادة والتضحية والدفاع عن المبادئ السامية ومفضلين ذلك على الدنيا وما فيها ، فكتب الله سبحانه وتعالى لهم الخلود العظيم في القلوب والأرواح فذكرهم موجود وأفعالهم خير سيرة للصالحين للاقتداء بها، ولا يمكن للزمان أن يكتب النسيان لمواقفهم الجهادية العظيمة، إنها مدرسة الأجيال الكبرى، التي تفيض بالخير والعطاء على الناس جميعاً متفقين ومخالفين ، فتغذيهم بالوفاء والصبر، وتدفعهم إلى الإيمان بالله وحسن السلوك وتهذيب الضمائر ، وتكوين العواطف وتنمية الوعي والإخلاص الله سبحانه وتعالى .

الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ ، هو شرح لزيارة عاشوراء، تعهد مؤلفه (رحمه الله) بتحقيقه وتصحيحه والتعليق عليه بنفسه، وبذل لهذا الأمر الجهد الكبير لكي يكون أثراً علمياً وأدبياً وتاريخياً قيماً وخالداً مع مرور السنين والأعوام. وتأتي أهمية وقيمة هذا البحث من خلال عنوانه والموضوع المهم الذي يدور حوله، نأمل أن يكون موضع استقبال واهتمام القراء الأعزاء.

و مما لابد من ذكره أن المؤلف (رحمه الله)أسهب وأكثر في البحث والتحقيق وأشبع مفردات الزيارة المباركة ومواضيعها بالشرح والتفصيل الواسع مستعيناً بالكثير من الروايات في كل جملة، فلأجل توسيع الوقت على القراء الأعزاء، قمت باختصار الشرح وتقليل عدد الروايات في شرح جمل الزيارة .

أسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يتقبل من المؤلف (رحمه الله) ومني هذا العمل وأن ينفع به جميع المؤمنين يوم الجزاء﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ ووَلَا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ (1)

ص: 10


1- الشعراء : 88

السلام على الأرواح الطاهرة التي عشقت طريق الحق والإيمان وبذلت في سبيله الغالي والنفيس .

السلام عليك يا رسول الله یا محمد بن عبد الله وعلى وصيّك بالحق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . السلام على بضعتك الطاهرة فاطمة الزهراء .

السلام على سبطي رسول الله الحسن والحسين (عليهم السلام)سيدي شباب أهل الجنة . السلام على الأئمة المعصومين من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام).

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين عليهم السلام جميعاً ورحمة الله وبركاته.

السلام على الإمام المهدي المنتظر الحجة بن الحسن العسكري صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين. اللهم أدرك بنا أيامه وظهوره وقيامه واجعلنا من أنصاره وأعوانه ، اللهم أحينا في دولته ناعمين وبصحبته غانمين وبحقه قائمين ومن السوء سالمين، بجاه محمد وآله الطيبين الطاهرين .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين .

المترجم

الشيخ علي الإبراهيمي

دمشق - بجوار عقيلة بني هاشم السيدة زينب الكبرى

(عليها وعلى آبائها أفضل الصلاة والسلام)

جمادى الأولى 1426ه-

ص: 11

ص: 12

نبذة من حياة المؤلف

اشارة

مؤلف الكتاب هو العلامة الحاج الميرزا أبو الفضل الطهراني الكلانتري ، كان من العلماء العاملين الصادقين، عمره الشريف لم يتجاوز (42 سنة) ولكن مع هذا كانت له إحاطة كبيرة بالكثير من العلوم الموجودة لاسيما في مجال الفقه والأصول والحكمة والعرفان والأدب العربي.. وكان له باع طويل في مجال التحقيق والتدقيق فيما ورد عن المعصومين (عليه السلام).

إضافة إلى ذلك، كان شاعراً لا يجد القارئ فرقاً بين شعره وشعر شعراء العرب، وذلك لفصاحته وبلاغته المتميزة مما يبعث الفخر والاعتزاز به، فهو مفخرة للإسلام والمسلمين.

والد المؤلف هو الفقيه والمحقق الجليل الحاج أبو القاسم الطهراني الكلانتري وله مؤلفات عديدة .

ولد المؤلف (قدس سره) سنة 1273 هجرية، واستطاع خلال فترة قصيرة من عمره الشريف استيعاب مختلف العلوم الأدبية والعقلية والنقلية وذلك لحدة ذكاءه وشدة فراسته وقوة حافظته ، فكان إذا قرأ قصيدة ما سرعان ما تنطبع في ذهنه وفي قلبه ، ولهذا كان حافظاً للكثير من الأشعار العربية والفارسية، وكان يشار إليه بالبنان.

كانت مؤلفاته التي كتبها في عمره القصير مورد استقبال الجميع، وذلك

ص: 13

لشخصيته العلمية ولذكائه الواسع .

في سنة 1300 هجرية هاجر إلى المدن المقدسة في العراق وذلك لتكميل دراساته العلمية، بالرغم من أن العلامة آية الله الحاج علي كني (قدس سره) قال عنه بأنه صاحب يد في جميع العلوم ووصل إلى مرتبة الاجتهاد، وأنه لم يسافر إلى العراق لأجل نيل ذلك، ولكنه كان يهدف من سفره الالتقاء بالشخصيات العلمية الكبيرة والتزود منهم ، فلما وصل العراق التقى بالمرحوم آية الله الحاج الميرزا حبيب الله الرشتي (أعلى الله مقامه) وانتهل من بعض علومه .

ثم وجهت إليه دعوة من قبل المرحوم آية الله العظمى الميرزا محمد حسن الشيرازي (أعلى الله مقامه) صاحب ثورة التنباك لزيارة العتبات المقدسة في مدينة سامراء والالتقاء به، فلما ذهب إلى مدينة سامراء زار الضريح المقدس للإمام علي الهادي الي ومرقد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، والتقى بالمرحوم الشيرازي الذي طلب منه تأليف الكتاب لأهميته ولخلو المكتبات الإسلامية منه.

في سنة 1306 تشرف بزيارة بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج، بمعية الحاج السيد محمد الصراف الطهراني .

وفي سنة 1310 رجع إلى وطنه ومحل سكنه طهران، وبدأ بالتدريس في مدرسة الناصرية التي كان يقيم صلاة الجماعة فيها ويجيب على أسئلة الناس الشرعية ، وكان معروفاً بطلاقة اللسان وفصاحة البيان ما أدى إلى جذب قلوب الناس إليه ، لا سيما طلاب العلم والمعرفة والاطلاع، حتى كسب قلوب مسؤولي الدولة، وكان ذلك سبباً في بغضه وحسده وإيذائه من قبل بعض الشخصيات .

ص: 14

في سنة 1316 هجرية ابتلي العلامة الطهراني بمرض الحصبة، حتى لبى نداء ربّه في الثامن من شهر صفر وانتقل من هذه الدنيا الفانية، وذكر بعض المقربين إليه أنه لم يمت ميتة طبيعية، بل مات إثر سم دس إليه من قبل حساده وأعدائه .

ودفن في مقبرة المرحوم والده في صحن إمام زاده حمزة بجوار مرقد السيد عبد العظيم الحسني في منطقة ري في طهران.

دراسته

بدأ العلامة أبو الفضل دراسته عند أبيه العلامة الحاج أبو القاسم الطهراني، وبعد وفاة أبيه لازم فقيه زمانه السيد محمد الطباطبائي (رحمه الله)، والعالم المعتمد الحاج عبد الرحيم النهاوندي (نور الله مرقده) ، فدرس الفقه والأصول على يديهما .

و حضر دروس العرفان والحكمة عند حكيم عصره وفريد دهره السيد الأجل أبو الحسن الجلوه، وعند العالم الجليل الميرزا محمد رضا (قمشه اي) (طيب الله تربتهما) ، وأخذ يكتب دروس أستاذه قمشه اي بصورة تقارير لازالت إلى الآن موجودة في بيته الشريف.

وفي هجرته إلى العراق حضر دروس آية الله العظمى حبيب الله الرشتي، و دروس آية الله العظمى الميرزا محمد حسن الشيرازي صاحب ثورة التنباك التي هزمت الاستعمار البريطاني في إيران خلال عهد الملك المقبور بهلوي .

وكان للمرحوم المؤلف أبي الفضل الطهراني أبحاث ومناقشات مع المرحوم آية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي صاحب ثورة العشرين في العراق وآية الله العظمى السيد محمد الأصفهاني .

ص: 15

الآثار العلمية والأدبية للمؤلف

1 - أرجوزة في النحو .

2 - الإصابة في قاعدة الإجماع على الإصابة .

3-تراجم .

4 - تميمة الحديث - علم دراية المنظوم.

5 - تنقيح المقالة في تحقيق الدلالة.

6 - تعليق على كتاب الرسائل للشيخ الأنصاري (رحمه الله) .

7- تعليق وشرح على كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري (رحمه الله) .

8- تعليق على كتاب الرجال للنجاشي .

9 شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور، طبع بومباي (الهند) .

10 - صدح الحمامة .

11 - قلائد الدرر في علم الصرف.

12 - الدر الفتيق (علم الرجال) .

13 - ديوان عربي - طبع طهران .

14 - منية البصير في بيان واقعة الغدير .

15- ميزان الفلك - علم الهيئة .

16 - منظومة في الإجماع .

تذكرة:

لأجل الاطلاع الأكثر على حياة هذا العالم الجليل وعلى مؤلفاته وآثاره العلمية والأدبية، يمكن الرجوع إلى كتب ومؤلفات علمائنا الأعلام الذين كتبوا في أحوال و آثار وعلوم العلماء الماضين ، منها :

1- أبدع البدائع في صنعة الاشتقاق - تأليف حسين شمس العلماء

ص: 16

ط طهران 1328ه- .

2 - أحسن الوديعة : للسيد محمد مهدي الكاظمي.

3- أعيان الشيعة : للعلامة السيد محسن الأمين طبع بيروت .

4 - جنة النعيم في أحوال عبد العظيم : الحاج ميرزا باقر .

5 - الذريعة : العلامة آغا بزرك الطهراني (رضوان الله عليه) .

6- طبقات أعلام الشيعة : ج 1 ص 55 للعلامة آغا برزك الطهراني .

7- الكُنى والألقاب : المحدث القمي.

8- مدينة الأدب : عبرت نائيني .

9 -مدينة المدينة : عبرت نائيني .

10 - ناسخ التواريخ : سبهر

11 - مجموعة القدس : لمؤلف الكتاب .

12 - معجم المؤلفين : ج 8 ص 71 عمر رضا كحالة .

13 - مقدمة ديوان المؤلف : المحدث أرموي .

***

ص: 17

ص: 18

مقدمة المؤلف

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

السبب الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب بالرغم من أني أرى نفسي قليل البضاعة وكثير الإضاعة هو أنني عندما وفقت في سنة 1306 هجرية الزيارة بيت الله الحرام برفقة مجموعة من زملائي أصحاب العلم والمعرفة طلبوا مني أن أكتب شرحاً لزيارة عاشوراء ، يستفيد منها جميع القراء سواء كانوا أهل علم أو من الطبقات الأخرى ، ولكني اعتذرت لهم، حيث كنت أرى نفسي غير مؤهل لهذا الأمر العظيم، فلما انتهى موسم الحج ورجع كل إلى وطنه ومقره ، وكنت آنذاك أسكن في مدينة سامراء المقدسة موطن الإمامين الهمامين الإمام علي الهادي والحسن العسكري(عليه السلام) ، وفيها أيضاً الموضع الذي غاب منه الإمام الحجة(عليه السلام)عن أنظار الناس ، ورجعت إلى سامراء حيث مقر عملي ودراستي، في أوائل شهر جمادى الأولى سنة 1308 جاءني الحاج السيد كاظم الصراف الطهراني وطلب أن نذهب ثانيةً إلى حج بيت الله الحرام، فلما كتب لنا التوفيق والنصيب للحج ثانية التقيت هناك بأستاذ العلماء والمجتهدين ومربي الفضلاء والمحصلين، شمس الإسلام والمسلمين، وسيّد الفقهاء والمحققين وهو الذي :

ص: 19

أتته الرياسة منقادة*** إليه تجرر أذيالها

ولم تكن تصلح إلا له*** ولم يك يصلح إلا لها

المعترف بأعلميه كل معاصر، مولانا الأجل وكهفنا الأظل الحاج ميرزا محمد حسن الحسيني الشيرازي مولداً ،وداراً العسكري هجرة وجواراً، المدعو في لسان الخاص بحجة الإسلام مجدّد المذهب .

عندها عرض علي السيد كتابة شرح لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، وكلما طلبت منه أن يعذرني عن الأمر لقلة بضاعتي وكثرة إضاعتي قال لي : «الميسور لا يسقط بالمعسور»، عندها رأيت نفسي مأموراً بأداء هذه المهمة الكبرى، لهذا طلبت من الله سبحانه وتعالى التسديد لأداء هذا الأمر بأفضل صورة ممكنة فأخذت أنتهز جميع الفرص والأوقات في البحث والتنقيب والكتابة.

فابتدأت في أواخر شهر محرم من تلك السنة ، واستطعت بفضل الله عزّ وجل وببركة أئمة أهل البيت(عليهم السلام)تكميل الباب الأول من هذا الكتاب خلال شهر واحد .

قالوا : إنه ينبغي لكلِّ مؤلف كتاب في فن قد سبق إليه ألا يخلو كتابه من خمس فوائد:

1 - استنباط شيء كان معضلاً.

2 - أو جمعه إن كان متفرقاً .

3-أو شرحه إن كان غامضاً .

4- أو حسن النظم والتأليف .

5- أو إسقاط الحشو والتطويل .

ص: 20

وقد راعيت هذه الأمور بشكل كبير في هذا الكتاب وسميته (شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور).

يتألف الكتاب من بابين وخاتمة :

الباب الأول : في شرح سند ومتن (زيارة عاشوراء) .

الباب الثاني : في شرح ألفاظ الزيارة الشريفة .

الخاتمة : دعاء علقمة .

ولأجل تبيين فصول و مباحث هذا السفر القيم نلفت انتباه القراء الأعزاء إلى بعض النقاط والمواضيع التالية :

ما هي الزيارة ومن هو الزائر ؟

الزيارة في الاصطلاح هي الالتقاء بشخصية كبيرة لها الفضل والشأن السامي لأداء الواجب والحق الذي له في الأعناق، وكثيراً ما يدور هذا الأمر بين الأقرباء والأصدقاء بصورة طبيعية، ولكن في مجال زيارة الأنبياء والأئمة المعصومين والشخصيات الإسلامية المرموقة فإن الأمر يختلف، فالزيارة هنا تحمل بعض الخصائص، والأمور تختلف عن الزيارات العادية، حيث قيل : إن الزيارة إنما تتحقق عندما يتوجه القلب والروح بشكل كامل إلى الشخص المزور، فالزيارة عندها تُقبل وتكتب للزائر، بينما إذا كانت الزيارة لا تتجاوز -ور الظاهرية والمادية ، فلا يحصل الزائر من زيارته شيئاً إلا التعب والعناء، الأمور لذا فمن الأفضل بل الواجب على الزائر الذي يريد زيارة المقربين عند الله سبحانه وتعالى وهم الأنبياء والمعصومون(عليه السلام)أن يأتي بأفضل الكلام والعبارات والجمل، فكأنما يزور أحب الناس إليه ، وأن يراعي ويهتم بآداب ومستحبات الزيارة قبل أن يذهب إلى تلك المراقد الشريفة والأماكن المقدسة،

ص: 21

ويعتقد العلماء والصلحاء بأن الزيارات الواردة عن الأئمة المعصومين(عليهم السلام) ! أفضل وسيلة وأسلوب للمؤمنين يخاطبون بها أئمتهم (عليهم السلام)في زياراتهم لهم، وكذا الأمر بالنسبة للآداب والمستحبات التي يجب الأخذ بها عند زيارتهم (عليهم السلام) ، إذ لابد من التعلم منهم أيضاً .

دور الزيارة في حياة الإنسان

من الأمور التي تبعث الأسف والحسرة في قلب المؤمن الواعي هي شيوع الحالة القشرية للمسلمين في زيارتهم لقبور عظمائهم، حيث أنهم نسوا المحتوى والمغزى العميق الذي يجب أن ينهلوه من خلال زيارتهم لهم، واكتفوا بدل ذلك بقراءة ما ورد عن المعصومين(عليهم السلام)في الزيارات الخاصة لبعض الأئمة الأطهار الله ، ولكن لو توجه الزائرون إلى المضامين العميقة الموجودة في الزيارات الحصلوا على الكثير من الدروس التربوية والتعليمية المفيدة لهم .

إن الزيارات الواردة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)تبعث في الإنسان روح العطاء والسعادة والصلاح، وتعلمه المعارف الحقة لهم، فهي تأتي بعد القرآن الكريم والسنة الشريفة، وبعد نهج البلاغة والصحيفة السجادية والأدعية الواردة عنهم .

ويجد الزائر العطاء الوافر من الزيارة وذلك بعد تأديته للآداب والمستحبات الواردة عنهم (عليه السلام) في شأنها، وسوف يحصل أيضاً على الجزاء والأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى والتوفيق الكبير في مختلف نواحي الحياة.

فمن فوائد زيارة المعصومين(عليه السلام):

1- معرفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده .

2- الشعور بالنقص والحاجة لجلال الله سبحانه وتعالى .

ص: 22

3- الرغبة في الجزاء والعطاء الإلهي .

4 - الابتعاد عن المعاصي .

5- تنمية حال التقوى في النفس .

6 - رعاية حقوق الآخرين .

7- تنمية روح الجهاد والتضحية في سبيل الله .

8- تعميق العلاقة مع أولياء الله تعالى .

9 - التعرف على حياة وسيرة أولياء الله عز وجل، التي تبعث حالة الصلاح والإصلاح في تكوين الشخصية المطلوبة للإنسان المسلم وإن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)خير قدوة للبشرية إلى يوم القيامة .

10 - معرفة الأهداف السامية لسيرة الأئمة المعصومين(عليهم السلام)في سعيهم لإعلاء كلمة الحق وإدحاض الباطل، والتضحية في سبيل الله سبحانه وتعالى .

11 -التعرف على الأمور العرفانية والاعتقادية والأخلاقية والاجتماعية والتاريخية وبقية المعارف الإلهية الموجودة في مضامين وعبارات الزيارات الخاصة لأئمة الهدى (عليهم السلام).

زيارة عاشوراء

زيارة عاشوراء هي مجموعة من الدروس العقائدية والسياسية والفكرية التي تجلت مع ثورة الحسين (عليه السلام)ومن جانب آخر هي إعلان الانزجار والتبرؤ من أعداء أهل بيت النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)الذين لهم المعيار الحق للصراط المستقيم، وتتبين في الزيارة مسألة التولي والتبرؤ حيث يتقدم التبرؤ على التولي كما في كلمة التوحيد، ونقرأ أيضاً عبارات في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى في التوفيق

ص: 23

للانتقام من أعداء الحق والإنسانية والإيمان .

عظمة زيارة عاشوراء

لا شك أن زيارة عاشوراء من الأحاديث القدسية، التي ينتهي سندها إلى الباري جلّ وعلا، ويمكن إدراك هذا المعنى بشكل واضح من خلال إمعان النظر في مفردات هذه الزيارة، فهي ليست كلاماً بسيطاً يمكن تجاوزه بصورة عادية ، ولهذا السبب رأينا مؤلف هذا الكتاب العلامة أبو الفضل الطهراني (قدس سره) وغيره من العلماء المختصين، وقفوا وتأملوا في هذه الزيارة بشكل كبير حتى اكتشفوا الكثير من الأسرار والعلوم الإلهية.

آثار وبركات زيارة عاشوراء

إن آثار وبركات زيارة عاشوراء ليست أمراً خفياً لكي تحتاج إلى البيان والإيضاح ، فلا شك أن المداوم على هذه الزيارة يجد الكثير من الخيرات والبركات فيها .

نقل صاحب الكتاب النفيس ( رياض الإنس) عن أستاذه آية الله العظمى الحاج عبد الكريم الحائري (أعلى الله مقامه) قال :

«عندما كنا في مدينة سامراء مشغولين في طلب العلوم الدينية، دخل في أحد الأيام أستاذنا المرحوم السيد محمد الفشاركي (قدس سره) قاعة الدرس وعلى وجهه آثار الألم والحزن، وذلك بسبب شيوع مرض الطاعون الخطير الذي أهلك الكثير من أهالي المدينة، فلما استقر في مكانه قال : هل تعتقدون بأني عالم مجتهد ؟

قلنا : نعم . قال : هل تعتقدون بأني إنسان عادل؟

قلنا : نعم . وكان قصده أن يحصل على ثقتنا الكاملة لكي يصدر أمراً

ص: 24

وحكماً .

عندها قال : أنا سوف أصدر أمراً واجباً على كل مسلم في مدينة سامراء ، سواء أكان رجلاً أم امرأة بأن يقرأ زيارة عاشوراء للإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام )ثم يهدي هذه الزيارة لأم الإمام الحجة المهدي المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ،وذلك لكي تكون واسطة لنا عند ولدها (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، ونطلب من الإمام(عليه السلام)أن يتشفع لنا عند الله تعالى بأن يحفظ أهل سامراء من هذا المرض الخطير الذي أودى بحياة الكثير .

قال المرحوم الحائري : عندما أصدر هذا الحكم استجاب الجميع له وأخذوا يقرؤون زيارة عاشوراء، حتى انزاح خطر المرض عن مدينة سامراء بشكل كامل ولم يمت شخص بعد ذلك بسبب مرض الطاعون، فدفع الله عز وجل ببركة زيارة عاشوراء ذلك البلاء الكبير الذي أوشك أن يلتهم الجميع» .

وسوف نتعرف من خلال قراءة هذا الكتاب العلمي والأدبي والعقائدي والتاريخي على عقائد ومعارف الشيعة وإلى عظمة شخصية سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)، ودوره الكبير في القضاء على المخططات الخبيثة لبني أمية الشجرة الملعونة على لسان النبي والأئمة المعصومين (عليهم السلام) وما كانوا يقصدون من سعيهم في القضاء الكامل على الإسلام، فجاءت عاشوراء وقضت على مخططاتهم الشيطانية، وأعطت للمسلمين دروساً في شتى مجالات الحياة؛ لاسيما في مجال الأخلاق والعرفان والجهاد في سبيل الله .

***

ص: 25

ومما يؤسف له أن هذا الكتاب المهم لم يلق مرتبته اللازمة في الدراسة والبحث من قبل العلماء فضلاً عن الطبقة المتوسطة، ولم يُطبع ويُنشر في المكتبات بالشكل اللازم والمطلوب، ولكن بفضل الله ولطفه وعشقي الكبير للإمام أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) دعاني إلى بذل الجهد الكبير لأجل إخراجه لعشاق الإمام (عليه السلام) بأفضل صورة ممكنة في مجال ضبط إسناده وذكر مصادره الموثوقة ومن ثم كتابته بأسلوب جديد وجميل مما يبعث القراء على دراسته ومطالعته بالشكل اللائق .

أسأل الله تعالى أن يتقبل مني هذا الجهد والعمل ببركة النبي وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، وأن يكونوا شفعاء لي يوم المحشر﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَال ولا بنون * إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾(1).

***

المؤلف

أبو الفضل الكلانتري

3شعبان 1309 هجرية

ص: 26


1- الشعراء : 88

الباب الاول : شرح سند ومتن الزیاره

اشارة

ص: 27

ص: 28

بسم الله الرحمن الرحيم

جاء في بعض كتبنا شرحاً لزيارة عاشوراء، قد أخذت من كتاب (المصباح) ومن كتاب كامل الزيارة.

نذكر في البداية الزيارة بشكل كامل، ثم نتعرض للفروق الموجودة بين الروايتين بصورة وافية ثم نتابع ونكتفي بأفضل الطرق في إثبات سند الزيارة. بالرغم من وجود طرق متعددة في إثبات ذلك، ولكن الطريقة الفضلى كافية في هذا المجال، فنذكر جميع الروايات الواردة في كتبنا بالإضافة إلى بعض الروايات الواردة في كتب أهل السنة :

1- زيارة عاشوراء كما ذكرت في كتاب (المصباح)

الشيخ الطائفة (رضوان الله عليه) فأقول مستمداً من آل الرسول :

«حدثني بالإجازة العامة الصحيحة بجميع ما حقت له روايته ، وصحت له إجازته الشيخ الفقيه السعيد، علامة عصره وواحد دهره الشيخ محمد حسين ابن هاشم الكاظمي أصلاً وداراً والغروي مسكناً ومزاراً (قدس الله نفسه) عصر الأربعاء الثاني والعشرين من رجب الأصب 1305 في الدار التي نزلت فيها بالمشهد المقدس الغروي على مشرفه السلام ، عن الشيخ الإمام، معلم علماء الإسلام برهان الإسلام والمسلمين، زعيم الإمامية شيخ العرب والعجم ،

ص: 29

شيخنا الإمام الأعظم آية الله العظمى حجة الباري مرتضى بن محمد أمين الجابري الأنصاري، أهدى الله إليه طرائف السلام وألحقه بمواليه الأصفياء الكرام، فلقد كان (قدس الله نفسه كما شهد له بعض الأعاظم عيانه أعظم من سماعه(1).

عن الشيخ الفقيه المحقق الأوحد، جامع أشتات الفضائل العلمية والعملية، والآخذ بأطراف العلوم الذوقية والبحثية الحاج ملا أحمد النراقي أحل-ه الله رياض الأنس، وكساه ملابس القدس.

عن سيد الأمة وكاشف الغمة، إمام المحدثين والمفسرين، شمس المعارف وسراج العرافين صاحب الكرامات الباهرة (2) السيد محمد مهدي الطباطبائي ضاعف الله قدره وأعظم في الإسلام أجره.

عن الشيخ الأعظم والإمام المقدم شيخ علماء الشيعة، ومرجع فقهاء الإسلام المجدد على رأس المائة الثانية عشر، مولانا الأعظم محمد باقر البهبهاني ابن الشيخ الورع الزاهد محمد أكمل الأصفهاني (قدس الله سرهما) .

عن أبيه عن خاله غواص بحار الأنوار، ومروج آثار الأئمة الأطهار، وناشر علومهم في الأقطار والأمصار ، مجدد المذهب على رأس المائة الحادية عشرة مولانا محمد باقر ابن الشيخ الفقيه المدقق الورع محمد تقي المجلسي (قدس الله سرهما) .

عن شيخ الإسلام والمسلمين، أكمل الحكماء والمتكلمين ، أفضل الفقهاء والمحدثين الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي سقى الله ضريحهما مياه

ص: 30


1- في الحديث عن الإمام علي(عليه السلام) قال : . كل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكل شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه، نهج البلاغة : خ 112 .
2- جاء هذا اللقب بخط الشيخ صاحب الجواهر في إجازته للشيخ عيسى الزاهد.

الرضوان، وأحلهما أعلى فراديس الجنان .

عن والده عن الشيخ الإمام، جمال الصالحين، ومقياس الحكماء والمتكلمين ، العالم الرباني شيخنا الشهيد السعيد زين الدين بن علي العاملي المشهور بالشهيد الثاني قدس الله سره النوراني .

عن الشيخ الجليل الفاضل النبيل أحمد بن محمد بن خاتون العاملي .

عن الشيخ الأعلم الأكمل، تاج الشريعة وفخر الشيعة علي بن عبد العالي الكركي المعروف بالمحقق الثاني

(رضوان الله عليه).

عن الفقيه النبيه والمحدث السعيد (علي بن هلال الجزائري) .

عن قدوة الزاهدين، وعمدة الفقهاء والراشدين، وكنز المحققين الشيخ أحمد بن فهد الحلي أعز الله قدره .

عن الشيخ الأجل زين الدين علي بن الخازن (قدس سره).

عن الشيخ الإمام برهان علماء الإسلام ، صاحب الآيات الباهرة والكرامات الظاهرة ، المعروف بالشهيد الأول شمس الدين محمد بن مكي قدس الله سره الزكي .

عن الشيخ فخر الإسلام والمسلمين، أستاذ الفقهاء والمحدثين الإمام فخر الدين أبي طالب محمد طيب الله مضجعه، وأحسن إليه مرجعه .

عن والده الشيخ الإمام والمولى الهمام المشتهر بآية الله مولانا الأعظم أبي منصورجمال الدين حسن بن يوسف الحلي رضوان الله عليه .

عن الشيخ الإمام السعيد أبي قاسم نجم الدين جعفر بن سعيد الحلی المشهور بالمحقق الأول.

ص: 31

عن السيد الحسيب الأصيل، الفقيه المحدث النبيل والنسابة الجليل فخار بن معد الموسوي نور الله ضريحه .

عن الفقيه النبيه شاذان بن جبرائيل القمي .

عن الشيخ الفقيه الأكرم عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري رفع الله مقامه .

عن عزة الفضلاء الأنام، شمس علماء الإسلام، بدر سماء الأفاضل شيخنا الأقدم أبي علي الحسن بن الشيخ المعروف بالمفيد الثاني عن والده الشيخ الإمام ، منقح علوم الإسلام، مشيد مباني الفقه والأصول والحديث والكلام فاتح أبواب التحقيق، وممهد سبل التحصيل والتدقيق ، بكتبه استفادت الإمامية إلى يومنا هذا على كثرة فضائلها حتى لقب بشيخ الطائفة، فهو خير الأمة وإمامها بعد الأئمة الأطهار(عليهم السلام)الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله سره، وشكر الله سعيه. قال في كتاب (المصباح) ما لفظه :

2 -شرح زيارة أبي عبد الله (عليه السلام)في يوم عاشوراء من قرب أو بعد

روى محمد بن إسماعيل بن يزيع، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «من زار الحسين بن علي (عليه السلام)في يوم عاشوراء من المحرم حتى يظل عنده باكياً لقي الله عزَّ وجلَّ يوم يلقاه بثواب ألفي عمرة وألفي غزوة، وثواب كل غزوة وحجة وعمرة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومع الأئمة الراشدين(عليهم السلام) .

قال: قلت: جعلت فداك فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيه، ولم يمكنه المسير إليه في ذلك اليوم؟

ص: 32

قال: إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره، وأوماً إليه بالسلام واجتهد في الدعاء على قاتله، وصلى من بعد ركعتين، وليكن ذلك (1)في صدر النهار قبل أن يزول الشمس، ثم ليندب الحسين ، ويبكيه، ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه الله ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع وليعز بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين ، وأنا الضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله عز وجل جميع ذلك.

قلت: جعلت فداك أنت الضامن ذلك لهم والزعيم به (كامل الزيارة)؟

قال: أنا الضامن (لهم - كامل الزيارة )وأنا الزعيم لمن فعل ذلك.

قلت (قال: قلت) (كامل الزيارة): فكيف يعزي بعضنا بعضاً؟

قال: تقولون: أعظم الله (2) أجورنا بمصابنا بالحسين (عليه السلام)، وجعلنا وإياكم من الطالبين بثأره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد (عليهم السلام)، وإن استطعت أن لا تنشر يومك في حاجة فافعل فإنه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن، وإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير فيها رشداً، ولا يدخر أحدكم لمنزله فيه شيئاً، فمن ادخر في ذلك اليوم لم يبارك له فيما ادخر ولم يبارك له في أهله فإذا فعلوا ذلك كتب الله لهم أجر ثواب ألف حجة وألف عمرة وألف غزوة كلها مع رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وكان لهم أجر ثواب مصيبة كل نبي ورسول ووصي وصديق وشهيد مات أو قتل منذ أن خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة».

قال صالح بن عقبة (3) وسيف بن عميرة، قال علقمة بن محمد الحضرمي :

ص: 33


1- واجتهد على قاتله بالدعاء، وصلي بعده ركعتين، وليفعل ذلك .. (كامل الزيارة ) ..
2- عظم الله( كامل الزيارة ) .
3- الجهني (كامل الزيارة).

قلت لأبي جعفر(عليه السلام): علمني دعاء أدعو به إذا لم أزره من قرب، وأومأت من بعد البلاد ومن داري بالتسليم عليه .

قال : فقال لي: «يا علقمة إذا أنت صليت الركعتين، بعد أن تومئ إليه بالسلام فقل عند الإيماء من بعد التكبير هذا القول فإنك إذا قلت فقد دعوت بما يدعو به زواره من الملائكة، وكتب الله لك(1) مائة ألف ألف درجة، وكنت

كمن استشهد مع الحسين(عليه السلام)حتى تشاركهم في درجاتهم، ثم لا تعرف إلا في الشهداء الذين استشهدوا معه، وكتب لك ثواب زيارة كل نبي وكل رسول ورسول (كمل الزيارة)، وزيارة كل من زار الحسين(عليه السلام) منذ يوم قتله (عليه السلام)، وعلى أهل بيته تقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ الله، السَّلامُ عَلَيكَ يا خِيَرَةَ اللَّهِ وَابْنَ خِيرَتِهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أمير الْمُؤْمِنِينَ وَابْنَ سَيّدِ الوَصِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ سَيَّدة نساء العالَمينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثار الله وَابْنَ ثاره والوِتْرَ المَوْتُورَ السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الأرواح التي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ الليل والنهار.

يا أَبا عَبْدِ الله لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ المُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَميعِ أَهْلِ الإِسْلامِ وَجَنَّتْ وَعَظُمَتْ

ص: 34


1- بها (كامل الزيارة ) .

مُصيبَتُكَ فِي السَّماوات عَلى جَميع أَهْلِ السَّمَوَات فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ أَسَّسَتْ أَساس الظلم والجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ وَلَعَنَ الله أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رتَّبَكُمُ اللهُ فيها ولَعَنَ اللهُ أُمَّةً فَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهْدِينَ لَهُمْ بالتمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ.

يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ وَآلَ مَرْوانَ وَلَعَنَ اللهُ بَني أَمَيَّةَ قاطِبَةً وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ ولَعَنَ اللهُ شِمْراً وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَالْجَمَتْ وَتَهَيَّات لِقِتالِك.

يَا أَبَا عَبْدِ الله بأَبي أَنْتَ وَأُمّي لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ فَأَسْأَلُ الله الذي أكْرَمَ مَقامَكَ وأكرمني بك أن يَرْزُقَنى طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ آل مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اَللَّهُمَّ اجْعَلْنى عِنْدَكَ وَجيهاً بالحُسَيْن عَلَيْهِ السَلام فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ، يا أبا عَبْدِ الله إنّي أتقرب إلى الله و إلى رَسُولِهِ وإلى أمير المُؤمِنينَ وإلى فاطِمَةَ وَإلَى الْحَسَن وَإِلَيْكَ بمُوالاتِكَ وبالبراءة مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبِ وَبِالْبَراءة مِمَّنْ أَسَّسَ أَساسَ الظُّلم والجَوْر وَبَنِى عَلَيْهِ بُنْيانَهُ

ص: 35

وأَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْره عَلَيْكُمْ وَعَلى أَشْيَاعِكُمْ بَرِثْتُ إِلَى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَتَقَرَّبُ إلَى الله ثم إلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاة وَلِيُّكُمْ وَالبَراءة مِنْ أَعْدائِكُمْ وَالنَّاصِينَ لَكُمُ الحَرْبَ وَبِالْبَراءةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ مُوَال لِمَنْ والاكُمْ وَعَدُو لِمَنْ عاداكُمْ فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيائِكُمْ ورزَقَنِي(1) الْبَراءةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة وأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي المَقامَ المَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ الله وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثأري (2) مَعَ إمام مَهْدِيُّ (هدى خ) ناطق (3) لَكُمْ وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّانِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَني بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطِي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ مُصِيبَةٌ أَقُول: إنا لله وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَها وأَعْظَمَ رزيتها في الإسلام وفي جَميعِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْني فِي مَقامي هذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ ورَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمَمَاتِي مَمات مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ.

ص: 36


1- أن يرزقني (مصباح السيد).
2- تاركم (كامل الزيارات راجع ص 62 الكتاب .
3- بالحق (مصباح السيد).

اللَّهُمَّ إِنَّ هذا يَوْمَ تُنَزِّلُ فِيهِ اللَّعْنَةُ عَلى آل زياد وآل أُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الأكباد اللعينُ ابْنُ اللَّعين عَلى لسان نَبيّك (1) فِي كُلِّ مَوْطِن وَمَوْقِف وَقَفَ فيهِ نَبِيُّكَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيانَ ومُعاوِيَةَ وَعَلى يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الآبدينَ، اَللَّهُمَّ فَضاعِفٌ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ أَبَداً لِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَنَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِي مَوْقِفي هذا وأَيَّامٍ حياتي بِالْبَراءة مِنْهُمْ و باللَّعْنِ عَلَيْهِمْ وَبِالْمُوالاة لِنَبِيِّكَ وَأَهْل بَيْتِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

(ثم تقول مائة مرة):

اللَّهُمَّ المَنْ أَوَّلَ ظالِم ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابع لَهُ على ذلِكَ اللَّهُمَّ العَن العِصابَةَ الَّتِي(2) حَارَبَتِ الحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَشَايَعَتْ وَبَايَعَتْ عَلى قَتْلِهِ وَقَتْلِ أَنْصاره، اللهم العَنْهُم جميعاً.

(ثم تقول مائة مرة):

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا أَبَا عَبْدِ اللهِ وَعَلَى الأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ السَّلَامُ عَلَى

ص: 37


1- على لسانك ولسان نبيك (خ مصباح الشيخ والسيد والكفعمي).
2- الذين عن خط ابن إدريس وابن السكوني (منه) .

الحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلَى أَولاد الحُسَيْنِ وَعَلَى أَصْحاب الحُسَيْنِ.

ثم تقول:

اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِم بِاللَّعْنِ مِنّي وَأَبْدَاْ بِهِ أَوَّلاً ثمَ الْعَنِ اللَّهُمَّ العَنْ أَعْدَاء آل مُحَمَّدٍ من الأولين والآخِرِينَ، اللهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ وَأَبَاهُ وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَآلَ مَرْوانَ وَبَنِ-ي أُمَيَة قَاطِبَةً إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

(ثم تسجد وتقول):

الْحَمْدُ لله حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلى مُصابهم(1)، اَلْحَمْدُ الله عَلى عَظيم رَزْيَّتِي فِيهِمْ اللَّهُمَّ ارْزُقُني شَفَاعَةَ الحُسَيْنِ يَوْمَ الوُرُود وثبت لي قَدَمَ صدق عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِ الْحُسَيْن الذين بذلوا مُهَجَهُم دُونَ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام.

قال علقمة قال أبو جعفر(عليه السلام) : إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة فافعل فلك ثواب جميع ذلك (2).

***

ص: 38


1- الحمد لله على مصابهم (مصباح السيد).
2- مصباح الطوسي ص 538 - 542 ، كامل الزيارات ص 174 - 176 ، بحار الأنوار: ج 98 / 290 - 296 ط/ لبنان .

3- من دعاء صفوان بن مهران الجمال

قال الشيخ (رضي الله عنه) : وروى محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة قال:

خرجت مع صفوان بن مهران الجمال وجماعة من أصحابنا إلى الغري ،بعدما خرج أبو عبد الله (عليه السلام)، فسرنا من الحيرة إلى المدينة، فلما فرغنا من الزيارة، صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله(عليه السلام) فقال لنا: «تزورون الحسين (عليه السلام) من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين(عليه السلام) من ههنا، وأومأ إليه أبو عبد الله (عليه السلام) ، وأنا معه ، قال فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر(عليه السلام) في يوم عاشوراء .

ثم صلى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين(عليه السلام)، وودع في دبرها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأومأ إلى الحسين بالسلام منصرفاً بوجهه نحوه وودع في دبرها وكان فيما دعاه :

يا الله يا الله يا الله يا مُجيبَ دَعْوَة الْمُضْطَرِّينَ يَا كَاشِفَ كُرَب المَكْرُوبينَ يا غِياثَ الْمُسْتَغِيشِينَ يا صَريحَ الْمُسْتَصرخين ويا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ وَيَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وقلبه ويا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الأَعْلى وبالأفق المُبين ويا مَنْ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَيَا مَنْ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين وما تُخْفِي الصُّدُور ويا مَنْ لاَ تَخْفى عَلَيْهِ خَافِيَهُ يا مَنْ لا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الأَصْواتُ وَيا مَنْ لا تُغلطه الحاجات ويا مَنْ لا

ص: 39

يُبْرِمُهُ إلحاح الْمُلِحَينَ يا مُدْركَ كُلِّ فَوْت ويَا جَامِعَ كُلِّ شَمْل ويا بارئ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْت يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَأْن يَا قاضي الحاجات يا مُنَفِّسَ الْكَرُبات يا مُعْطِيَ السُّؤلات يا ولي الرَّغْبَاتِ يا كَافِي الْمُهِمَاتِ يَا مَنْ يَكْفِي مِنْ كُلَّ شَيْءٍ وَلَا يَكْفِي مِنْهُ شَيْءٌ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّد خاتم النَّبِيِّينَ وَعَلِيِّ وَبِحَقِّ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَبِحَقِّ الحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَإِنّي بِهِمْ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي مَقامِي هذا وَبِهِمْ أَتَوَسَّلُ وَبِهِمْ أَتَشَفَعُ إِلَيْكَ وَبِحَقِّهِمْ أَسْأَلُكَ وأُقْسِمُ وأَعْزِمُ عَلَيْكَ وَبِالشَّأن الذي لَهُمْ عِنْدكَ وَبِالْقَدْر الذي لَهُمْ عِنْدكَ وَبالَّذي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعالَمينَ وَبِاسْمِكَ الذي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعالَمينَ وَبِهِ أَبَنتَهُمْ وَأَبْنت فَضْلَهُمْ مِنْ فَضْل العالَمينَ حَتّى فاق فَضْلُهُمْ فَضْلَ العالَمينَ جَمِيعاً أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَكْشِفَ عَنِّي عَمّي وَهَمَي وكربي وتكفيني المُهمَّ مِنْ أُمُوري وتقضي عَنِّي دَيْنِي وَ تُجيرَني مِنَ الْفَقْرِ وَتُجِيرَنِي مِنَ الْفَاقَةِ وَتُغْنيني عَنِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى المَخْلُوقِينَ وَتَكْفِينِي هَ-مَّ مَنْ أَخَافُ هَمَّ-هُ وَعُسْرَ مَنْ أَخَافُ عُسْرَهُ وَحُرُونَةَ مَنْ أَخَافُ حُزُونَتَهُ وَشَرَّ مَنْ أَخافُ شَرَّهُ وَمَكْرَ مَنْ أَخَافُ مَكْرَهُ وَبَغْيَ مَنْ أَخَافُ بَغْيَهُ وَجَوْر مَنْ أَخَافُ جَوْرَهُ وَسُلْطَانَ مَنْ أَخَافُ سُلْطَانَهُ وَكَيْدَ مَنْ

ص: 40

أَخافُ كَيْدَهُ وَمَقْدُرَةَ مَنْ أَخَافُ مَقْدُرَتَهُ عَلَيَّ وَتَرُدَّ عَنِّي كَيْدَ الكَيدَة وَمَكْرَ المَكَرَة.

اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنِي فَأَرِدُهُ وَمَنْ كَادَنِي فَكِدْهُ وَاصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُ وَمَكْرَهُ وَبَأسَهُ وأَمانِيَهُ وَامْنَعْهُ عَلَى كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى شِئْتَ اللَّهُمَّ اشْغَلَهُ عَنّي بِفَقْرِ لا تَجْبُرُهُ وَبَلاء لا تَسْتُرُهُ بِفَاقَة لا تَسُدَها وَبِسُقم لا تُعافيهِ وَذَلُّ لَا تُعِزُّهُ وَبِمَسْكَنَة لَا تَجْبُرُها.

اللَّهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ الْفَقْرَ فِي مَنْزِلِهِ وَالْعِلَةَ وَالسُّقْمَ فِي بَدَنِهِ حَتَّى تَشْغَلَهُ عَنِّي بِشُغْل شاغِل لا فَراغَ لَهُ وَأَنْسِهِ ذكْرِي كَما أَنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ وَخُدْ عَنِّي بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسانِهِ وَيَدِه وَرَجْلِهِ وَقَلْبِهِ وَجَميعِ جَوَارِحِهِ وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ فِي جميع ذلِكَ السُّقْمَ وَلَا تَشْفِهِ حَتَّى تَجْعَلَ ذلِكَ لَهُ شُغْلاً شاغلاً بِهِ عَنِّي وَعَنْ ذِكْرِي وَاكْفِني يا كافِيَ مالا يَكْفِي سِواكَ فَإِنَّكَ الكافي لا كافِي سِواكَ ومُفَرْجٌ لا مُفَرِّجَ سِواكَ ومُغيث لا مُغيثَ سِواكَ وَجَارٌ لا جارَ سِواكَ خَابَ مَنْ كَانَ جَارَهُ سِواكَ ومغيتُهُ سِواكَ وَمَفْزَعُهُ إلى سِواكَ وَمَهْرَبُهُ إلى سواكَ وَمَلْجَاهُ إلى غَيْرِكَ وَمَنْجاهُ مِنْ مَخْلُوق غَيْرِكَ فَأنت ثقتي ورجائي وَمَفْزَعِي وَمَهْرَبي وَمَلْجَئي وَمَنْجايَ فَبِكَ أَسْتَفْتِحُ وَبِكَ أَسْتَنْجِحُ وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ وَأَتَوَسَلُ وَأَتَشَفَعُ فَأَسْأَلُكَ يا الله يا الله يا اللهُ، فَلَكَ الْحَمْدُ ولَكَ الشِّكْرُ وَإِلَيْكَ المُشْتَكَى

ص: 41

وأَنتَ المُسْتَعَانُ فَأَسْأَلُكَ يا الله يا الله يا الله بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَكْشِفَ عَنِّي غَمّي وَهَمّي وَكَرْبي فِي مَقامِي هَذَا كَمَا كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ وَكَفَيْتَهُ هَوْلَ عَدُوهُ فَاكْشِفْ عَنِّي كَمَا كَشَفْتَ عَنْهُ وَفَرِّجْ عَنِّي كَمَا فَرَّجْتَ عَنْهُ وَاكْفِنِي كَمَا كَفَيْتَهُ وَاصْرِفْ عَنِّي هَوْلَ ما أَخافُ هَوْلَهُ وَمَؤُونَةَ ما أَخافُ مَؤُونَتَهُ وَهَمَ ما أَخافُ هَمَّهُ بِلا مَوْنَة عَلَى نَفْسِي مِنْ ذلِكَ وَاصْرِفْنِي بِقَضاءِ حَوائِجي وَكِفايَةِ ما أَهَمَّني هَمُّهُ مِنْ أَمْرِ آخِرَتي ودنياي.

يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ الله أَبَداً ما بَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا جَعَلَهُ اللَّهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُمَا وَلَا فَرَّقَ اللهُ بَيْني وَبَيْنَكُما.

اللَّهُمَّ أَحْيِني حَياةَ مُحَمَّدٍ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَمِتْني مَمَاتَهُمْ وَتَوَفَّنِي عَلى مِلَّتِهِمْ وَاحْشُرْني فِي زُمْرَتِهِمْ وَلَا تُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ طَرْفَةَ عَيْن أَبَداً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة.

يا أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ وَيا أَبا عَبْدِ الله أَتَيْتُكُما زائِراً وَمُتَوَسَلاً إلى الله ربّى وَرَبِّكُما وَمُتَوَجّهاً إلَيْهِ بكُما وَمُسْتَشْفِعاً بكُما إلى الله في حَاجَتي هذِهِ فَاشْفَعا لي فَإِنَّ لَكُما عِنْدَ الله المقام المحمود والجاه الوَجيه والمَنْزِلَ الرَّفِيعَ وَالْوَسيلَةَ إِنِّي أَنْقَلِبُ عَنْكُما

ص: 42

منتظراً لتنجز الحاجَةِ وقضائها ونجاحها مِنَ اللهِ بِشَفَاعَتِكُما لي إلَى الله فِي ذلِكَ فَلا أَحْيب ولا يَكُونَ مُنْقَلَبِي مُنْقَلَباً خائِباً خاسِراً بَلْ يَكُونَ مُنْقَلَبي مُنْقَلَباً راجحاً مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً بِقَضاءِ جَمِيعِ حَوائِجِي وَتَشفَعا لي إِلَى اللهِ أَنْقَلَبُ عَلى مَا شَاءَ الله وَلَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بالله مُفَوّضاً أَمْري إلَى اللهِ مُلْجِناً ظَهْرِي إِلَى الله مُتَوَكَّلاً عَلَى اللهِ وَأَقُولُ حَسْبِيَ اللهُ وَكَفَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ دَعَا لَيْسَ لي وَرَاءَ الله وَوَرَاءكُمْ يا سادتي مُنْتَهى م--ا شاءَ ربّي كانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلا بالله.

أَسْتَوْدِعُكُمَا اللَّهَ وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي إِلَيْكُمَا انْصَرَفْتُ يَا سَيِّدي يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلايَ وَأَنْتَ يا أَبَا عَبْدِ الله يا سيدي وسلامي . مُتَّصِلٌ مَا اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهار واصل ذلِكَ إِلَيْكُما غَيْرُ مَحْجُوب عَنْكُما سَلَامِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَسْأَلُهُ بحَقِّكُما أَنْ يَشَاءَ ذلِكَ وَيَفْعَلَ فَإِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ انْقَلَبْتُ يا سَيِّدَيَّ عَنْكُما تائِباً حَامِداً الله شاكراً راجياً لِلإِجابَةِ غَيْرَ آيس ولا قانط تائباً عائداً راجعاً إلى زيارتكُما غَيْرَ راغب عَنْكُما ولا مِنْ زيارتكُما بَلْ رَاجِعٌ عائِدٌ إِنْ شَاءَ الله وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلا بالله يا سادتي رَغِبْتُ إِلَيْكُما وإلى زيارتكُما بَعْدَ أَنْ زَهِدَ فيكُما وَفِي زِيارَتِكُما أَهْلُ الدُّنْيا فَلا خَيَّبَنِي اللهُ ما رَجَوْتُ وَمَا أَمَّلْتُ فِي زِيارَتِكُما إِنَّهُ قَريبٌ مُحِيبٌ.

ص: 43

4 -إسناد وفضائل ما أضافه صفوان على دعاء الزيارة

قال سيف بن عميرة فسألت صفوان فقلت له : إن علقمة بن محمد لم يأتنا بهذا عن أبي جعفر(عليه السلام)، إنما أتانا بدعاء الزيارة؟ فقال صفوان : وردت مع سيدي أبي عبد الله(عليه السلام) إلى هذا المكان ففعل مثل الذي فعلناه في زيارتهما ودعا بهذا الدعاء عند الوداع بعد أن صلي كما صلينا وودع كما ودعنا .

ثم قال لي صفوان ، قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): تعاهد هذه الزيارة وادع بهذا الدعاء وزر به ، فإني ضامن على الله تعالى لكل من زار بهذه الزيارة ودعا بهذا الدعاء من قرب أو بعد أن زيارته مقبولة وسعيه مشکور وسلامه واصل غير محجوب، وحاجته مقضية من الله بالغا (1) ما بلغت ولا يخيبنه .

يا صفوان وجدت هذه الزيارة مضمونة بهذا الضمان عن أبي وأبي عن أبيه علي بن الحسين مضموناً بهذا الضمان عن الحسين، والحسين عن أخيه الحسن مضموناً بهذا الضمان، والحسن عن أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) مضموناً بهذا الضمان، وأمير المؤمنين عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومضموناً بهذا الضمان، ورسول الله عن جبرئيل مضموناً بهذا الضمان وجبرئيل عن الله عز وجل مضموناً بهذا الضمان .

وقد آلى الله عز وجل: من زار الحسين بهذه الزيارة من قرب أو بعد ودعا بهذا الدعاء قبلت منه زيارته وشفعته في مسألته بالغاً ما بلغت ، وأعطيته سؤله ، ثم لا ينقلب عني خائباً وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حاجته والفوز بالجنة والعتق من النار، وشفعته في كل من شفع خلا ناصب لنا أهل البيت والى الله على نفسه وأشهدنا بما شهد ملائكته وملكوته على ذلك .

ص: 44


1- لعله حال عن الزائر أي بالغاً بحاجته ما بلغت .

ثم قال جبرئيل : يا رسول الله أرسلني الله إليك سروراً وبشرى لك وسروراً وبشرى لعلي وفاطمة والحسن والحسين وإلى الأئمة من ولدك إلى يوم القيامة ، قدام يا محمد سرورك وسرور علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة وشيعتكم إلى يوم البعث.

ثم قال أبو عبد الله : يا صفوان إذا حدث لك إلى الله حاجة فزر بهذه الزيارة من حيث كنت وادع بهذا الدعاء ، وسَل ربك حاجتك تأتك من الله والله غير مخلف وعده رسوله الهلال الهلال وبمنه والحمد لله رب العالمين .

إلى هنا كانت رواية الشيخ (قدس الله روحه) .

***

5- صورة سند رواية كامل الزيارة عن الشيخ أبي عبد الله النعمان (رحمه الله)

أما رواية كامل الزيارة بهذا السند عن الشيخ الناصر للحق والداعي إليه بكلمة الصدق أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رضوان الله عليه) الذي كان حامل علم الأئمة الا ناقلاً عن الشيخ الأجل الأقوم أبی القاسم جعفر بن محمد قولویه القمی (رضوان الله علیه)فإنها تختلف مع روایۀ المصباح بمقدار یسیر ، أما صورۀ سند الروایۀ فهی کذلک:

حكيم بن داود بن حكيم وغيره عن محمد بن موسى الهمداني ، عن محمد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة معاً، عن علقمة بن محمد الحضرمي. ومحمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبه ، عن

مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام).

فيها عبارة (ألفي حجة وألفي عمرة وألفي غزوة) وعبارة (ألفي ألف) وعلى هذا القياس في فقرة (ألف حجة)، بينما في تلك النسخة عبارة (ألف

ص: 45

ألف) موجودة .

الأمر الآخر في حكاية علقمة هكذا يقول : قال صالح بن عقبة الجهني وسيف بن عميرة، قال علقمة بن محمد الحضرمي : فقلت لأبي جعفر(عليه السلام)علمني دعاء أدعو به في ذلك اليوم، إذا أنا زرته من قريب ، ودعاء أدعو به إذا لم أزره عن قريب وأومأت إليه من بعد البلاد من سطح داري .

قال فقال : يا علقمة إذا أنت صليت الركعتين، بعد أن تومئ إليه ،بالسلام وقلت عند الإيماء إليه ومن بعدالركعتين هذا القول، فإنك إذا قلت ذلك ، فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة، وكتب لك بها ألف ألف حسنة ومحى عنك ألف ألف سيئة، ورفع لك مائة ألف ألف درجة إلى آخر الحديث . .

6- ما تختلف به عبارات هذه الزيارة عن (زيارة المصباح )

اشارة

بعدها نقل طريقة الزيارة، وتوجد في بعض عبارات الزيارة ألفاظ تختلف مع (زيارة المصباح) ونحن ننقل العبارات كما وردت في هذا المقام بدون أي تغییر:

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَا عَبْدِ الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُول الله، السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيَرَةِ الله وابْنَ خِيرَتِهِ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِينَ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ سَيِّدَة نساء العالَمينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثار الله وَابْنَ ثاره والوِتْرَ الْمَوْتُورَ السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الأرواح التي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِىَ

ص: 46

اللَّيْلُ وَالنَّهار.

يا أَبا عَبْدِ الله لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ المُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَميعِ أَهْلِ الإِسْلامِ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّماوات عَلى جَميع أَهْل السَّمَوَات فَلَعَنَ الله أُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَلَعَنَ الله أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَرَاتِبِكُمُ الَّتِي رتَّبَكُمُ اللهُ فيها ولَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ المُمَهدينَ لَهُمْ بالتمكين مِنْ قِتالِكُمْ.

يَا أَبَا عَبْدِ الله إنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فَلَعَنَ اللهُ آلَ زياد وآلَ مَرْوانَ وَلَعَنَ اللهُ بَني أُمَيَّةَ قاطِبَةً وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَهَيَّأت لقِتالِك.

يَا أَبَا عَبْدِ الله بأبي أَنْتَ وأمّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بِكَ فَأَسْأَلُ الله الذي أكْرَمَ مَقامَكَ وأكرمني بكَ أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إمام مَنْصُورٍ مِنْ آل مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنى عِنْدَكَ وَجيهاً بالحُسَيْن عَلَيْهِ السَّلام فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة، يا أَبا عَبْدِ الله إنّى أَتَقَرَّبُ إلى الله و إلى رَسُولِهِ

ص: 47

وَإِلى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلى فَاطِمَةَ وَإِلَى الْحَسَنِ وَإِلَيْكَ بمُوالاتِك وبالبراءة مِمَّنْ قاتَلَكَ ونَصَبَ لَكَ الحَرْبَ وَبِالْبَراءةِ مِمَّنْ أَسَسَ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ وَبَنِى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ وَأَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْره عَلَيْكُمْ وَعَلى أَشْيَاعِكُمْ بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ثَمَ إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وَمُوالاة وَلَيْكُمْ وَالبَراءة مِنْ أَعْدائِكُمْ وَالنَاصِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ وَبِالْبَراءة مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ مُوال لِمَنْ والاكُمْ وَعَدُو لِمَنْ عاداكُمْ فَأَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي أَكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَولِيائِكُمْ وَرَزَقَنِي الْبَراءةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة وأَسأَلهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي المَقامَ المحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثأري مَعَ إِمَامٍ مَهْدِي ناطِقِ لَكُمْ وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقَّكُمْ وَبِالشَّأن الذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِينِي بِمُصابي بكُمْ أَفْضَلَ ما يُعطي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ مُصيبَةً أَقُولُ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَها وأَعْظَمَ رَزِيَّتَها فِي الإِسْلامِ وَفِي جَميعِ السَّمَوَات وَالأَرْضِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْني فِي مَقامي هذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتٌ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ

ومماتي مَمات مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ.

ص: 48

اللَّهُمَّ إِنَّ هَذا يَوْمٌ تُنَزِّلُ فِيهِ اللَّعْنَةُ عَلى آل زياد وآل أُمَيَّةَ وَابْن أَكِلَةِ الأكباد اللعين ابن اللعين عَلى لِسَان نَبِيِّكَ فِي كُلِّ مَوْطِن وَمَوْقِف وقَفَ فِيهِ نَيَّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللَّهُم العَنْ أَبا سُفْيانَ ومُعاوِيَةَ وَعَلى يَزِيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الآبدين، اللهُمَّ فَضاعِفٌ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ أبداً لِقَتْلِهم

الحُسَيْنَ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هذا اليَوْمِ وَفِي مَوْقِفي هذا وأَيَّامٍ حَياتي بِالْبَراءةِ مِنْهُمْ وَ بِاللَّمْنِ عَلَيْهِمْ وَبِالْمُوالاةِ لِنَبِيِّكَ وَأَهْلِ بيْتِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

ثم تقول مائة مرة:

اَللَّهُمَّ العَنْ أَوَّلَ ظالِم ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابع لَهُ عَلى ذلِكَ اللَّهُمَّ المَن العِصابَةَ الَّتي حَارَبَتِ الحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَسايَعَتْ وَبايَعَتْ عَلى قَتْلِهِ وَقَتْلِ أَنْصَارِه، اللهم العَنْهُمْ جَميعاً.

ثم تقول مائة مرة:

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ الله وَعَلَى الأرواح التي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلَا جَعَلَهُ اللَّهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ

ص: 49

وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلَى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلَى أَصْحَابِ الحسين .

ثم تقول:

اَللَّهُمَّ خُص أَنْتَ أَوَّلَ ظَالِم بِاللَّعْنِ مِنّي وَأَبْدَأ بِهِ أَوَّلاً ثمّ اللَّهُمَّ الْعَنْ أَعْداء آل مُحَمَّدٍ من الأولين والآخرين، اللهم الْعَنْ يَزِيدَ وَأَبَاهُ وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَآلَ مَرْوانَ وَبَني أُمَيَة قَاطِبَةً إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

ثم تسجد وتقول:

الحَمْدُ لله حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى مُصَابِهِمْ، اَلْحَمْدُ اللهِ عَلَى عظيم رزِيَّتي فِيهِمْ اللَّهُمَّ ارْزُقْني شَفَاعَةَ الحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُود وثَبِّت لي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَاب الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذلُوا مُهَجَهُمْ دَونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام.

بعد أن نقل الزيارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام): يا علقمة إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله .

***

والعبارة (من دهرك) تدلّ على العموم أكثر من عبارة (المصباح) وإن تتمة الخبر المذكور في كتاب المصباح، غير موجودة في كتاب كامل الزيارة، فبهذا حصل لدنيا اطلاع كاف حول متن وسند الزيارة الشريفة .

ص: 50

في كيفية قراءة الزيارة والفوائد المتعلقة بها

ذكر العلماء والفقهاء صوراً مختلفة في كيفية قراءة زيارة عاشوراء، ذكرت بعضها في كتاب المصباح للشيخ الطوسي، وبعضها في كتاب كامل الزيارة ، لابن قولويه ، وبعضها في كتب أخرى، ومن هذه الصور والوجوه

الوجه الأول:

أن يذهب الزائر إلى الصحراء، أو يقف على سطح داره ، ويتوجه إلى القبر الشريف للإمام الحسين(عليه السلام)، فيكبر الله تعالى، ثم يقرأ الزيارة ويكرر اللعن مائة مرة وهكذا السلام ويقرأ اللهم خص أنت أول . . » ويقرأ دعاء السجود أيضا اللهم لك الحمد حمد الشاكرين لك على مصابهم»، ثم يصلي ركعتين ، ثم قال المصنف إنه يمكن ترك المستحبات والمقدمات وهي التكبيرات والصعود على السطح أو الذهاب إلى الصحراء والإشارة إلى القبر الشريف حيث هذه الأمور كلها من المستحبات والآداب، وليست من الأمور الأساسية في الزيارة .

قال المحقق محمد علي الكر منشهاي (قده) في كتاب (المقامع) أنه تجوز الزيارة من البعيد، بصورة يكون الزائر فيها متوجهاً نحو القبلة، كما يجوز التوجه نحو القبر الشريف .

الوجه الثاني:

الوجه الآخر الذي هو أقرب للاحتمال الأول من الوجوه الأخرى وهو أن تتوجه أولاً إلى مرقد الإمام علي (عليه السلام)وتسلم عليه كيفما شئت، ثم تلعن أعداءه وقتلته ، ثم صل ركعتين ، وبعدهما اقرأ زيارة عاشوراء، إلى آخرها، ثم اقرأ دعاء السجدة، وبعدها صلّ ركعتين . سئل آية الله العظمى السيد محمد هاشم الموسوي الأصفهاني المتوفى سنة 1318 هجرية ، صاحب كتاب( أصول آل الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم)) ، وهو شقيق المجدد

ص: 51

آية الله العظمی سید محمد باقر الأصفهاني صاحب كتاب (روضات الجنات)، حيث سئل عن كيفية زيارة عاشوراء ، فقال :

هناك عدة صور أو حالات يمكن بها زيارة الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام) ولكن حسب نظري القاصر أحتمل أن تكون الزيارة صحيحة، وأن الزائر قد أخذ بأوسط الأمور، وهو أن يتوجه أولاً نحو مرقد الإمام الحسين(عليه السلام)، ثم يقول عشر مرات على أقل تقدير: «اللهم العن قتلة الحسين(عليه السلام)وعشر مرات على الأقل تقول : «السلام عليك يا أبا عبد الله» وبعدها صل ركعتين بقصد صلاة الزيارة، ثم ابدأ بقراءة زيارة عاشوراء المعروفة التي ذكر فيها مائة لعن ومائة سلام، وبعد الانتهاء من الزيارة الكاملة ، صل ركعتين بقصد صلاة الزيارة، فبعد أداء هذه الأمور، فليتأمل الإنسان أنه زار زيارة عاشوراء الصحيحة ، وإذا قرأت دعاء علقمة المعروف، فإنه أفضل المكملات لها، ولكنها ليست شرطاً في صحة الزيارة .

الوجه الثالث:

أن يقرأ زيارة عاشوراء والدعاء بتمام أجزائهما في مرحلتين، مرحلة قبل الصلاة ومرحلة بعد الصلاة وهذا الوجه ذكر في البحار .

الوجه الرابع:

أن تقرأ زيارة عاشوراء إلى «وآل نبيك» ثم صل صلاة الزيارة، ثم اقرأ اللعن والسلام ودعاء اللهم خص أنت . . » ودعاء السجدة ودعاء صفوان .

***

وهناك أوجه أخرى ذكرها المؤلف( رحمه الله) لم ننقلها للاختصار، ومن شاء فليراجع المصادر .

ص: 52

الباب الثاني : في ترجمة وشرح الزيارة

اشارة

ص: 53

ص: 54

ترجمة وشرح ألفاظ الزيارة المباركة للإمام الحسين(عليه السلام) المعروفة( بزيارة عاشوراء )

السَّلام عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِ الله، السَّلام عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُول الله، السَّلام عَلَيْكَ يَا بْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ وَابْنَ سَيِّدِ الوَصِيِّينَ السَّلام عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ سَيدة نساء العالمين، السلام عَلَيْكَ يا ثار الله وابْنَ ثاره والوثرَ المَوْتُورَ السَّلام عَلَيْكَ وعَلَى الأرواح التي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلام الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهار.

يا أَبا عَبْدِ اللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزْيَّةُ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتِ المُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَعَلَى جَميعِ أَهْلِ الإِسْلامِ وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ

مُصيبَتُكَ فِي السَّمواتِ عَلى جَميع أَهْلِ السَّمَوَاتِ فَلَعَنَ الله أُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلم والجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَلَعَنَ الله أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتِي رتَبَكُمُ اللهُ فيها وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ المُمَهَدينَ لَهُمْ بالتمكينِ مِنْ قِتالِكُمْ بَرِثْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِمْ.

ص: 55

يَا أَبَا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَلَعَنَ اللهُ آلَ زياد وآلَ مَرْوانَ وَلَعَنَ اللهُ بَنى أُمَيَّةَ قاطِبَةً وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ ولَعَنَ اللهُ شِمْراً وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وتنقَّبَتْ لقتالك .

بِأَبي أَنْتَ وَأُمّي لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بكَ فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أكْرَمَ مَقامَكَ وأكْرَمَنِي بِكَ أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُور مِنْ أَهْلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ هِ السَّلام فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ، يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ وَ إِلَى رَسُولِهِ وإلى أميرِ الْمُؤْمِنِينَ وإلى فاطِمَةَ وَإلَى الحَسَنِ وَإِلَيْكَ بمُوالاتِك وبالبراءة مِمَّنْ قاتَلَكَ ونَصَبَ لَكَ الحَرْبَ وَبِالْبَراءةِ مِمَّنْ أَسَسَ أَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ وَأَبْرَأُ إِلَى الله وإلى رسُولهِ مَمَّنَ أسَّسَ أَسَاس ذلِكَ وبَنى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ جرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْره عَلَيْكُمْ وَعَلى أَشْيَاعِكُمْ بَرِثْتُ إِلَى الله وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَتَقَرَّبُ إِلَى الله ثم إِلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُمْ وموالاة وَلَيْكُمْ وَالبَراءة مِنْ أَعْدائِكُمْ وَالنَّاصِينَ لَكُمُ الحَرْب وَبِالْبَراءةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ إِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ووليُّ لِمَنْ والاكُمْ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ

ص: 56

فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذي أَكْرَمَني بمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ورزقني البراءةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي المَقامَ المَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ الله وَأَنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثأري مَعَ إمام هُدى ظاهر ناطق منكم وَأَسْأَلُ اللهَ بحَقَّكُمْ وَبِالشَّأن الذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِينِي بِمُصابي بِكُمْ أَفْضَلَ ما يُعْطِي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ مُصِيبَةٌ مَا أَعْظَمَها وأَعْظَمَ رزِيَّتَها فِي الإِسْلامِ وَفِي جَمِيعِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْني فِي مَقامي هذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتُ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمَماتي مَمات مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.

اَللَّهُمَّ إِنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ وَابْنُ آكِلَةِ الأكباد اللعين ابْنُ اللعين عَلى لسانك ولِسَان نَبِيِّكَ فِي كُلِّ مَوْطِن وَمَوْقِف وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

اللَّهُمَّ العَنْ أَبا سُفْيانَ وَمُعاوِيَةَ وَيَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ عَليهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الآبدينَ، وَهَذَا يَومَ فَرِحَتْ بِهِ آلَ زِيَادِ وَآلُ مَروان بقتلهم الحسين (صلوات الله عليه) اللهُمْ فَضاعِفٌ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةَ منك والعذاب الأليم.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِي مَوْقِفي هذا وَأَيَّامِ

ص: 57

حياتي بِالْبَراءة مِنْهُمْ وَ بِاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ وَبِالموالاة لبيك وآل نَبيِّكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم السَّلام.

ثم تقول مائة مرة:

اَللَّهُمَّ العَنْ أَوَّلَ ظالِم ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تابع لَهُ عَلى ذلِكَ، اللَّهُمَّ الْعَنِ العِصابَةَ الَّتِي جَاهَدَتْ الْحُسَيْنَ وشايَعَتْ وَبَايَعَتْ عَلى قَتْلِهِ، اللّهُمَّ العَنْهُمْ جَميعاً.

ثم تقول مائة مرة:

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا أَبَا عَبْدِ اللهِ وَعَلَى الأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّي سَلامُ الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارَتِكُمْ، السَّلاَمُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلَى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ .

ثم تقول:

اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِم بِاللَّعْنِ مِنّي وَابْدَأُ بِهِ أَوَّلاً ثم الثَّاني والثَّالِث. اللهمَّ أَلَعَنْ يَزِيدَ خَامِسَاً وَالْعَنْ عُبَيدَ الله بن زياد وَابْنَ مَرْجَانَةَ وَعُمَرَ بنَ سَعْدِ وَشِمْراً وَآلَ أبي سُفْيَانَ وآل زياد وآلَ مَروان إلى يوم القِيَامَةِ.

ثم تسجد وتقول:

اَللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى مُصابِهِمْ، اَلْحَمْدُ

ص: 58

لله عَلى عَظيم رزيَّتِي فِيهِمْ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفاعَةَ الحُسَيْن يَوْمَ الوُرُود وثبت لي قَدَمَ صدق عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْن وأَصْحَاب الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام.

***

ص: 59

«السَّلام عَلَيْكَ يا أَبَا عَبْدِ الله »

هناك بابان في شرح هذه الجملة المقدسة :

الباب الأول:

في شرح وتفسير كلمة (السلام) وتحتاج إلى مقدمة فنقول :

لكل طائفة من الطوائف البشرية آداب ورسوم عند التلاقي يخاطب بعضهم البعض الآخر بها ويسمون هذا الأمر بالتحية ، فمثلاً كان النصارى سابقاً إذا أراد أحدهم أن يسلم على الآخر، يضع يده على فمه، بينما في زمننا الحاضر تبدلت هذه العادة إلى طريقة أخرى وهي أنهم يرفعون قبعاتهم للدلالة على التحية .

أما اليهود فإنهم يستخدمون الإشارة بأصابعهم في أداء التحية ، بينما تحية الأعاجم هي الانحناء والتعظيم للطرف المقابل، وكان العرب يقولون «حياك الله»، ويقولون للملوك أبيت اللعن أي لا فعلت ما تستوجب به اللعن، وتارة يقولون «عم صباحاً» أو «انعم صباحاً» أو «نعمت صباحاً» أو «مساء» فنرى عنترة بن شديد العبسي يقول :

يا دار عبلة بالجواء تكلمي ***وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي

ولكن أشهر الألفاظ التي كانت تستخدم آنذاك، وفي جميع الأوقات هي جملة حياك الله ولفظة التحية مأخوذة من هذه العبارة، هذه الكلمة تستخدم عندما يريد الشخص تكريم وتعظيم الطرف المقابل .

ص: 60

إذا لفظة التحية تستخدم الجميع صور التكريم والتعظيم ، ولهذا قيل التحيات الله وقد وردت في التشهد ، ولعلها هي المقصودة في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا حَيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بأحْسَنَ مِنْهَا ﴾ (1)وأنها تشمل أنواع البر والتكريم . ينقل التاريخ أن جارية دخلت على الإمام الحسين (عليه السلام)، وقدمت له باقة ورد ، فقال لها الإمام علي (عليه السلام): اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى ، فقال أحد الأشخاص : يابن رسول الله هذه الجارية كلفتك ألف دينار فكيف تعتقها بباقة ورد؟!

فقال(عليه السلام): هكذا أدبني ربي حيث قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَيَّتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيو بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ .

ولكن لفظة التحية في الإسلام» هي جملة السلام عليكم، كما يستفاد من قوله تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنَا ﴾(2) ، وأنها خاصة لديننا العظيم وهي في غاية الوضوح والبيان، واستشهد البعض على ذلك من قوله عز وجل : تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام ﴾(3).

وقالوا في معنى (السلام) وجوه مختلفة منها :

1 - إن السلام اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، فيكون المراد من السلام عليكم هو أن يكون الله سبحانه وتعالى حافظك ومسلمك في جميع الأمور، ولكن الوقوف على هذا المعنى غير تام، وذلك لأن لفظة (عليك) لا

ص: 61


1- النساء : 86 .
2- النساء : 94 .
3- الأحزاب : 44 .

تؤدي إلى معنى الحفظ، فمثلاً لو قلنا الله عليك ، أو الرحيم عليك، فالجملة تكون غير واضحة .

2- إن السلام مصدر من باب التفعيل فيكون بمعنى التسليم.

3- أن يكون مصدراً مجرداً بمعنى السلامة ؛ فقد جاءت هذه الكلمة في اللغة العربية بمعان متعدّدة حيث أطلقت على النهر كنهر دجلة وذلك لسلامة مائه ، وأطلقت على الشجرة المثمرة وأطلقت لفظة (دار السلام) على بغداد وذلك لوجود نهر دجلة فيها ، وإن كلمة (السلام) أطلقت على الباري عز وجل وذلك لكونه يحفظ خلقه من البلايا والآفات والشرور .

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)جوعاً فهبط جبرئيل (عليه السلام) ومعه لوزة فقال : يا محمد إن الله يقرئك السلام».

فقال (صلی الله علیه وآله وسلم) :« يا جبرئيل الله السلام ومنه السلام وإليه يعود السلام»(1).

وقال رسول (صلی الله علیه وآله وسلم): «السلام من أسماء الله فافشوه بينكم »(2).

إذاً فالمراد من السلام السلامة الكاملة من جميع الجوانب، لذا فالزائر الذي يقف أمام الضريح المقدّس للإمام المعصوم أو الذي يعرض عليه السلام من بعد لابد أن يكون صادقاً في سلامه، قولاً وعملاً، بأن لا يحمل في نفسه أي أذىً وضرر على الإمام(عليه السلام)، سواء في وقت الزيارة أو بعدها، فعندما نعرف أن الأئمة المعصومين (عليه السلام) لم يكن هدفهم من الحياة إلا طلب الخير والإصلاح والهداية للناس، وإعلاء كلمة التوحيد، وإيجاد حالة العبودية في الناس والطاعة الله سبحانه وتعالى، فلذا فإنهم(عليه السلام)يتألمون منا ، إذا رأوا فينا الأخلاق

ص: 62


1- المواهب السنية : 232 .
2- البحار : ج 76 ص 10 .

الرذيلة والسيئة التي نهانا الله عنها مثل الحرص والتكبر والرياء والعجب والبخل وحب الجاه والمال . . ولعل قول النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت» يشير إلى هذا المعنى أيضاً، فيا ترى أولم يتأذَ النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) من أكبر ذنب حدث بعد وفاته وهو غصب الخلافة من أمير المؤمنين علي(عليه السلام) ومن ثم إيذاء فاطمة الزهراء لا وقتل ولدها سيد الشهداء الإمام الحسين علية، وهكذا المصائب التي نزلت على أئمة أهل البيت(عليه السلام)..؟!

عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال : «قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين(عليه السلام)حقه، وأخذ حق فاطمة(عليها السلام)وآذاها ، وقد قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): ومن آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي، ومن آذاها بعد موتي كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله»(1)

إذاً فالنقطة الأولى التي يجب أن يتحلى بها الزائر للإمام أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، هي أن يكون بعيداً عن الأمور التي تؤذي الإمام(عليه السلام)، لكي يكون صادقاً في سلامه وكلامه، وإذا ما رأى شيئاً في قلبه يحول بينه وبين الإمام (عليه السلام)فلابد عليه أن يجلس ويذرف شيئاً من دموع عينيه علامة للتوبة والندامة على الذنوب الماضية، فإذا استطاع على هذا الأمر ، فليسلم على الإمام بعدها، وإلا فهو كاذب فيما يقول .

الباب الثاني:

يدور حول لفظة (أبي عبد الله )، وهذه الكلمة المباركة هي كنيته الشريفة والكنية مأخوذة من الكناية، بمعنى إطلاق اللفظ على الأمور، وظهرت الكناية

ص: 63


1- البحار : ج 17 ص 27 .

بين الناس لأجل التعظيم والتقدير، فكانوا لا ينادون الشخص باسمه بل ينادونه باسم أبيه أو أمه أو ولده، كمثل : ابن عباس، أبي عمرو، وأم معبد.

هذه الكلمة تسمى بالكنية، حيث لا تدلّ على الشخص باسمه الصريح أو الحقيقي، وكان العرب لا يكتفون بكلمة السيد أو الشيخ أو غير ذلك .. بل كانوا يهتمون بالكنية رعاية للأدب والاحترام، ولهذا قال الشاعر :

اكنيه حين أناديه لأكرمه*** ولو القبه والسوءة اللقبا

كذلك أدبتُ حَتَّى صَارَ مَنْ خُلُقي*** أنِّي وَجَدتُ ملاك السيمةِ الأدبا

ولهذا كانوا يضعون لكل شخص كنية ، حتى قبل أن يكون له ولد وكانوا يكنون الطفل الصغير أيضاً رجاء أن يرزق بالذرية في المستقبل، فإذا كان اسم الولد علياً يكنونه بأبي الحسن، وإذا كان اسمه حسن يكنوه بأبي محمد، وذلك لأن كنية الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام)والإمام الحسن (عليه السلام)كانت أبا الحسن وأبا محمد.

وتشير الروايات الكثيرة، بأن كنية الإمام الحسين(عليه السلام) هي (أبو عبد الله) وذلك منذ طفولته . تقول أسماء بنت عميس : «لما ولد الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام)أخذه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وقال : يا أبا عبد الله عزيز علي . وأخذت

دموعه تجري على خديه.

فقالت أسماء : قلت : فداك أبي وأمي مم بكاؤك؟

قال : على ابني هذا .

قلت : إنه ولد الساعة يا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)!

فقال : تقتله الفئة الباغية من بعدي لا أنالهم الله شفاعتي».

(1) بحار الأنوار: ج 43 / 238

ص: 64

وكنية (أبو عبد الله ) يكنى بها الإمام الصادق(عليه السلام)أيضاً وحسب الظاهر بأن أسماء الأئمة(عليهم السلام) وكناهم هي بأمر الله( تبارك وتعالى). وذلك لأن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وعندما وَضَعَ اسم الإمام علي

(عليه السلام)، واسم الإمام الحسن(عليه السلام)، واسم الإمام الحسين(عليه السلام)، وبقية الأئمة(عليهم السلام) إنما فعل هذا الأمر بعد نزول الوحي عليه ، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ﴾.

ولا شك هناك سر مستور في هذه الكنى والأسماء وليس من البعيد أن يكون لها ارتباط بالشخص المكنى . ولاشك أن الإمام الحسين(عليه السلام)كان من البارزين والأوائل في مقام الخضوع والعبودية لله تبارك وتعالى حيث لم يصل إلى ذلك المقام الإلهي أحد من الأنبياء والأولياء إلا جده المصطفى(صلی الله علیه وآله وسلم)وأبوه المرتضى(عليه السلام)وأمه الزهراء(عليها السلام)ولسان حال أولئك الأنبياء والأولياء : «لو دنوت أنملة لاحترقت، وتجلت عبودية الإمام(عليه السلام)بأوضح صورها وأعلى مقامها في اليوم العاشر من المحرم الحرام، حيث وصل إلى قمة الذوبان في الله تعالى وهو يقدم أفضل القرابين في سبيله، لأجل إعلاء كلمة الحق ودحض الباطل ، وأنه (عليه السلام)أحاط بصور العبودية الله تعالى بمختلف ظواهرها وأبعادها الباطنية والعملية .

إن بعض الأعمال التي تميز بها الإمام(عليه السلام) كأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وكجهاده في سبيل الله سبحانه وتعالى هي من أنواع صور التضحية والعبودية الله تعالى وتدعو الخلق إلى التأمل والاعتبار والتحيروالذوبان في حب الإمام (عليه السلام)، ناهيك عن صفاته الأخلاقية الأخرى التي تجلت فيه بصورة كاملة منها الشجاعة والسماحة والمروءة والغيرة والحمية والعفو والمداراة والنصيحة والإصلاح واليقين والاطمئنان والثبات واللين وحسن المعاشرة والمواساة والبر واللطف .. فهو كأبيه المرتضى(عليه السلام)الذي جمع الصفات

ص: 65

المتضادة ، قال صفي الدين الحلي :

جمعت في صفاتك الأضداد***فلهذا عزت لك الأنداد

زاهد حاكم حليم شجاع ***ناسك فاتك فقير جواد

شيم ما جمعن في بشر قط ***ولا حاز مثلهنَّ العباد

خَلُق يخجل النسيم من اللُّط-*** -ف وبأس يذوب منه الجماد

***

وأعظم صفة تميز بها الإمام أبو عبد الله الحسين هي اتصافه بالصبر، هذه الصفة التي تضم جميع المكارم والفضائل الأخلاقية حتى إن ملائكة السماء تعجبت من صبره، وهي نفوس قدسية وعباد مكرمون ، وليس من البعيد أن جملة : «لا يوم كيومك يا أبا عبد الله» تشير إلى هذه الكمالات الروحية والأخلاق السامية التي امتاز بها الإمام الحسين (عليه السلام).

ذكر صاحب کتاب(خصائص الحسين) شرحاً وافياً حول عبادات الإمام (عليه السلام) في اليوم العاشر من المحرم ، وخلاصة كلامه هو لكون الإمام (عليه السلام)امتاز بخصائص عبودية عالية وخاصة لهذا السبب أصبحت كنيته أبا عبد الله ، وهذه الحالة جارية في اللغة وعند العرب بشكل كامل ، فنراهم يطلقون كنية (أبو جواد) على الإنسان الذي يمتلك صفة الجود والكرم والسخاء في نفسه، ويطلقون كنية (أبو الشر) على الإنسان الشرير ، و (أبو الخير على الإنسان الصالح والنافع لمجتمعه، ويطلقون لفظة (أبو الخير) على الخل أيضاً وعلى الشمع (أبو مؤنس) وعلى الديك (أبو يقظان) وغير ذلك من الكني والألقاب..

جاء في بعض الأخبار أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) كنتي بأبي القاسم وذلك لأنه قسيم النار

ص: 66

والجنة .

ومن جانب آخر بما أن للإمام الحسين (عليه السلام)، فضلاً كبيراً على الأمة الإسلامية من خلال جهاده وقيامه ووقوفه ضد المخططات الأموية التي أرادت القضاء على الإسلام وإعادة الخرافات والعادات الجاهلية إلى المجتمع، لذا فالإمام(عليه السلام)له حق وفضل على كل مسلم عبد الله سبحانه وتعالى وعلى كل من عاش الحياة الكريمة والطيبة، إذ إن ثورة الإمام(عليه السلام)، لم تكن للمسلمين فقط بل لكل البشرية على وجه الأرض ، ف-«لولاه ما عبد الله ولولاه ما عرف ».

عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال : ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور وغائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله »(1) . . فعلى هذا الأساس فإن الإمام الحسين عليه أبو جميع العباد والموحدين الله سبحانه وتعالى .

وهكذا كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) و الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام)أبوا هذه الأمة كما قال (صلی الله علیه وآله وسلم) : «يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة حيث إن أحد معاني الأب كما في اللغة هو المربي، والمراد من عبد الله هي العبودية لله تعالى ولابد أن يتجاوز اللفظ هذا المعنى، حيث أن حقيقة العبودية كما في اللغة هو الخضوع والتذلل ، والتعبيد هو التذليل .

ص: 67


1- فرائد السمطين: ج 1 ص 46 ، ط/ بيروت.

«السَّلام عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُول الله»

ابن : من الألفاظ التي تحذف منها الألف لوجود همزة الوصل في بدايتها ، وهي مشتقة من البنا لأن الابن مبني وناشئ من الأب كما جاء في (مجمع البيان)، وليست من (بنو) كما هو المعروف .

الرسول : هو المرسل ؛ وحسب الاصطلاح : إنها أخص من النبي، ومن المناسب هنا أن نتطرق إلى الدليل الذي يشير على أن الإمام الحسن(عليه السلام)والإمام الحسين(عليه السلام)وسائر الأئمة المعصومين(عليه السلام)هم أولاد النبي الأكرم(صلی الله علیه وآله وسلم) وبالرغم من أن هذا الأمر من المسلّمات الواضحة للطائفة الجعفرية ، حيث أن هناك أخباراً فائضة وأدلة وافرة تدلّ على هذا الأمر، ولكن بما أن هناك تشكيكاً في هذا الأمر من أهل السنة والجماعة في هذه الحقيقة الناصعة، لذا فسوف نتعرض إلى الدليل المعتبر لديهم في الاستدلال على هذا الأمر.

هناك آيتان من القرآن الكريم توضحان هذا المفهوم بشكل كامل، وهما كافيتان في محاججة أصحاب الشك والريب، إضافة إلى الروايات الصادرة من كتب مختلف الفرق الإسلامية، وقد اخترت بعض الروايات في هذا المجال من بعض المصادر السنية المعتبرة، لكي لا تبقى بعدها حجة ولا شبهة في قلب أحد وتزداد بهذا أيضاً عقيدة المحبين والموالين لأهل البيت(عليه السلام).

الآية الأولى:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ العِلْمِ فَقُلْ

ص: 68

تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنَسَاءَنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّه عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾(1)

قال الفخر الرازي في تفسيره :

روي أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)لما أورد الدلائل على نصارى نجران ، ثم إنهم أصروا على جهلهم عندها قال(صلی الله علیه وآله وسلم): «إن الله أمرني إن لم تقبلوا الحجة أن أباهلكم»(2)

فقالوا : يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك . فلما رجعوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم (3)- : يا عبد المسيح ما ترى؟

فقال : والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ونبت صغيرهم ولئن فعلتم كان الاستئصال ، فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فودعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم .

وكان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)خرج وعليه مرط من شعر أسود(4) ، وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول : إذا دعوت أمنوا .

فقال أسقف نجران يا معشر النصارى .. إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله

ص: 69


1- آل عمران: 61 .
2- أبا هلكم : من المباهلة أو من باهل بعضهم بعضاً أي : اجتمعوا فتداعوا فاستنزلوا لعنة الله على الظالم منهم (المعجم المدرسي ) .
3- العاقب : الذي يخلف السيد، وهو ثانيه في الرتبة . والسيد : لقب السيد المسيح تبارك اسمه والسيد عند المسلمين : من كان سُلالة نبيهم كان سُلالة نبيهم، والسيدان : الحسن والحسين بنا علي (المنجد).
4- المرط : كساء من صوف أو خز أو كتان يُؤتَزر به أو الثوب غير المخيط .

أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تُباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة .

ثم قالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك .

فقال صلوات الله عليه : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما على المسلمين . فأبوا .

فقال : فإني أنا جزكم للقتال .

فقالوا : مالنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولاتردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة : ألفاً في صَفَر، وألفاً في رجب وثلاثين درعاً عادية من حديد. فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده ، إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لا عنوا المسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهلها حتى الطير على رؤوس الشجر ولَما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا .

وروي أنه الله لما خرج في المرط الأسود جاء الحسن (رضي الله عنه) فأدخله، ثم جاء الحسين ( رضي الله عنه) فأدخله، ثم فاطمة ثم علي رضي الله عنهما ثم قال : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهيراً ﴾.

والرد

واعلم أن هذه الرواية من المتفق على صحتها بين أهل التفس والحديث (1).

وهذه الرواية موجودة في كتب الصحاح بأجمعها وكذلك في التفاسير

ص: 70


1- التفسير الكبير : ج 8 ص 80 .

وكتب الحديث لمختلف الفرق الإسلامية، ولكن أين هم عن أئمة أهل البيت (عليه السلام)؟

الآية الثانية:

قال تبارك وتعالى : ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وخالاتُكُمْ وَبَنَات الأخ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللآتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللآتِي فِي حُجُورَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاتي دخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ﴾(1).

عن أبي الجارود عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام)قال :

قال أبو جعفر(عليه السلام): «يا أبا جارود ما يقولون لكم في الحسن والحسين (عليه السلام) ؟

قلت : ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).

قال : فأي شيء احتججتم عليهم؟

قلت : احتججنا عليهم بقول الله عز وجل في عيسى بن مريم(عليها السلام): ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وهارون وكذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ﴾(2)

فجعل عيسى بن مريم من ذرية نوح (عليه السلام)قال : فأي شيء قالوا لكم؟

:قلت قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب .

ص: 71


1- النساء : 23 .
2- الأنعام : 84 - 85 .

قال : فأي شيء احتججتم عليهم؟

قلت : احتججنا عليهم بقول الله تعالى لرسوله (صلی الله علیه وآله وسلم): ﴿فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكاذبين ﴾(1)

قال : فأي شيء قالوا ؟

قلت : قالوا : قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول أبناؤنا .

قال : فقال أبو جعفر(عليه السلام): يا أبا جارود لأعطينكها من كتاب الله جل وتعالى أنهما من صلب رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)لا يردها إلا الكافر .

قلت : وأين ذلك جعلت فداك ؟

قال : من حيث قال الله تعالى :﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وأَخَوَاتُكُمْ ﴾ إلى أن انتهى إلى قوله تبارك وتعالى: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصلابكُمْ ﴾ (2) ، فسلهم يا أبا الجارود هل كان يحل لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) نكاح الا الله حليلتيهما ؟ فإن قالوا نعم كذبوا ،وفجروا ، وإن قالوا : لا ، فهما ابناه لصليه(3).

وذكر الطبرسي في احتجاجه خبراً قريباً من هذا الاستدلال عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)حيث سأله هارون العباسي قائلاً : كيف جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ويقولوا لكم يا بني رسول الله ، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي جدكم من

ص: 72


1- آل عمران : 61 .
2- النساء : 23 .
3- الكافي : ج 8 ص 317 ح 501 .

قبل أمكم؟

فقال الإمام الكاظم (عليه السلام): «لو أن النبي نشر فخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه ؟

قال : سبحان الله ! ولم لا أجيبه ، بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك .

فقال الإمام(عليه السلام): لكنه لا يخطب إليّ ولا أزوجه.

فقال : وَلمَ؟

قال الإمام(عليه السلام): لأنه ولدني ولم يلدك ؟

فقال : أحسنت يا موسى بن جعفر»(1)

أما الأخبار الواردة في كتب أهل السنة حول هذا الموضوع :

1- ذكر محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه (جامع الصحيح) رواية عن أبى بكرة قال :

سمعت النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة واليه مرةً، ويقول: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين (2).

2- نقل محمد بن عبد الله الترمذي في صحيحه عن أسامة بن زيد قال : طرقت النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)ذات ليلة في بعض الحاجة، فخرج النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو مشتمل على شيء لا أدري فلما فرغت من حاجتي قلت : ما هذا الذي أنت مشتمل

ص: 73


1- الاحتجاج للطبرسي : ج 2 ص 164 .
2- ج 5 ص 32 في مناقب الحسن والحسين (عليهم السلام).

عليه ؟ قال : فكشفه فإذا الحسن والحسين على وركيه فقال هذان ابناي وابنا بنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما »(1)

قال : هذا حديث حسن غريب .

3- ذكر الترمذي أيضاً في صحيحه عن يوسف بن إبراهيم، أنه سمع أنس بن مالك يقول : سُئل رسول (صلی الله علیه وآله وسلم) : أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال : «الحسن والحسين . وكان يقول لفاطمة : ادعي ابني فيشمهما ويضمهما إليه »(2)

4 - ذكر ابن حجر في كتابه (الصواعق المحرقة) بعد شرحه لقول البوصيري :

كنت تؤويهما إليك كما*** آوت من الخط نقطتيها الياء

جاء من طرق صح بعضها أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «ابناي الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة أبوهما خير منهما»(3)

5 - روى البغوي عن سلمان الفارسي عن رسول (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال : «سمى هارون علي ابنيه شبراً وشبيراً وإني سميت ابني الحسن والحسين »(4) .

6- نقل ابن حجر في (المنح) عن عمر قال :

سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول : « كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي

(وفي رواية زيادة الصهر والحسب )وكل نبي أنثى عصبتهم لأبيهم ما عدا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

ذكر الشيخ محمد الصبان المصري وهو أحد كبار علماء السنة ،في

ص: 74


1- صحيح الترمذي : ج 13 ص 192 ط / الصادر بمصر.
2- صحيح الترمذي : 13 ص 193 ط / الصادر بمصر.
3- الصواعق المحرقة : الفصل الثلاث ص 190 .
4- فرائد السمطين : 1/ 41 ط بيروت.

كتابه (إسعاف الراغبين) : وروى ابن عساكر وابن مندة عن فاطمة أنها أنت بابنيها ، فقالت :« يا رسول الله هذان ابناك فورتْهما شيئاً، فقال: أما حسن فله جرأتي وجودي ، وأما حسين فله هيبتي وسؤددي»، وفي رواية: «أما الحسن فله حلمي وهيبتي وأما الحسين فقد نحلته نجدتي وجودي»(1).

8- روى المحدث عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير الحافظ وهو من كبار المؤرخين والمحققين السنة في كتابه (أسد الغابة) في موضعين منه : عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)قال : «لما ولد الحسن سميته حرباً، فجاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال : أروني ابني، ما سميتموه؟ قلنا حرباً، قال: بل هو حسن ،فلما ولد الحسين سميته حرباً ، فجاء النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال : أروني ابني ، ما سميتوه ؟ قلنا حرباً ، قال : بل هو حسين، فلما ولد الثالث سميته حرباً ، فجاء النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فقال : أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا : حرباً ، قال : بل هو محسن ، ثم قال : إني سميتهم بأسماء ولد هارون شبر و شبير و مشبر»(2)

ذكرت رواياتنا بأن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) سمّى الإمام الحسن والإمام الحسين(عليهم السلام)بأمر الله سبحانه وتعالى وأن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام)لم يسبق النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) في التسمية أبداً، وتذكر روايتنا بأن محسناً (عليه السلام)، لم يولد في حياة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بل أسقط وهو في بطن أمه الزهراء (عليها السلام)وذلك بعد الهجوم الذي حصل على بيت الزهراء (عليها السلام) بعد رحيل أبيها رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) .

9 -روى الشيخ الفاضل حسين بن محمد الديار بكري وهو من كبار علماء السنة في كتابه (تاريخ الخميس) عن أسماء بنت عميس قالت :

ص: 75


1- إسعاف الراغبين : ص 166 ط / مصر.
2- أسد الغابة : 2 رقم 1165 ، 2/ 19 ، رقم 1173 .

«أقبلت فاطمة بالحسن ، فجاء النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : يا أسماء هَلُمي بابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء فألقاها عنه قائلاً: ألم أعهد إليكن أن لا تلفوا مولوداً في خرقة صفراء ، فلففته بخرقة بيضاء ، فأخذه ، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى ، فقال لعلي : أي شيء سميت ابني ؟ قال : ما كنت لأسبقك بذلك . فقال : ولا أنا سابق ربي ، فهبط جبرئيل ، فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام، ويقول لك : علي منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدك قسم ابنك هذا باسم ولد هارون .

فقال : وما كان اسم ولد هارون یا جبرائیل؟ قال : شبر.

فقال (صلی الله علیه وآله وسلم): إن لساني ،عربي، فقال : سمه الحسن ففعل .

فلما كان بعد حول ولد الحسين، فجاء النبي وذَكَرَتْ مثل الأول وساقت قصة التسمية مثل الأول، وأن جبرائيل أمره أن يسميه باسم ولد هارون شبیر فقال له النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)مثل الأول ، فقال : سَمِّه حسيناً»(1).

10 - روى الشيخ العارف المحدث الفاضل سليمان بن خواجه كلان الحسين الحنفي النقشبندي القندوزي البلخي الإسلامبولي المعاصر في كتاب ( ينابيع المودة):

«خرج علينا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في إحدى صلاتي الليل وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم(صلی الله علیه وآله وسلم)فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهراني سجدة أطالها، فرفعت رأسي ، فإذا الصبي على ظهر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، ولما قضى الصلاة قال الناس : يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر ، أو أنه أوحي إليك؟

ص: 76


1- تاريخ الخميس : 22 / 418 ط/ الوهبية وط/ بيروت .

قال : كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى تقضي حاجته »(1) .

ص: 77


1- ينابيع المودة : ص 168 ط إسلامبول، والمستدرك للحاكم : 3/ 165 ط حیدر آباد الدكن ،وأسد الغابة : 3892ط مصر . وذكره النسائي في باب سجدة الصلاة .

«السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ »

اشارة

لأجل شرح هذه الجملة المباركة لا بد لنا من الوقوف في موضعين منها :

الموضوع الأول: في لفظة أمير المؤمنين.

أمير على وزن فعيل مشتقة من كلمة الإمارة والأمر في حديث ذكر في كتاب علل الشرائع ومعاني الأخبار عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)أنه أجاب على سؤال شخص في سبب تسمية الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) بهذا الاسم ؟ فقال (عليه السلام): «لأنه يميرهم بالعلم أي أنه ينقل لأهل الإيمان ما يحتاجون من زاد العلم في حياتهم الدنيا ليسعدوا به في الدنيا والآخرة، فعلى هذا الأساس فإن كلمة أمير مشتقة من (مار يمير) أي نَقَلَ وينقل إليهم الزاد العلمي دون أن ينقل منهم .

عن ابن محجوب عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال : «قد أفلحوا بك . أنت والله أميرهم تميرهم من علمك »(1).

سأل سلمان المحمدي(عليه السلام)النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)عن بب تسمية الإمام (عليه السلام) بأمير المؤمنين ، فقال : «إنه يميرهم بالعلم يمتاروا منه ولا يمتار من أحد» (2)

ص: 78


1- البحار : ج 37 ص 293 .
2- ابن شهر آشوب : ج 1 / 548 .

وإن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قال : «سلموا على علي بإمرة المؤمنين »وهذا الحديث موجود في كتب الشيعة وفي صحاح السنة وسمي الإمام (عليه السلام)بهذا الاسم وذلك لأنه باب علم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)لو أنه روحه التي بين جنبيه ، حيث روى بعض المؤرخين من أهل السنة عن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال : «علي روحي التي بين جنبي»(1).

وعن ابن مسعود : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : علي بن أبي طالب مني كروحي في جسدي»(2).

روي : لما ولد الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)جيء به إلى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، فلما رأى الإمام (عليه السلام)النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)و قال : «السلام عليك يا رسول الله» ثم قرأ هذه الآية :﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ (3) ، عندها قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)الاول : «قد أفلحوا بك. أنت والله أميرهم تميرهم من علومك، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون »(4).

ولو أن الميرة كما ذكرت في الصحاح المراد منها هو الطعام، ويمير أي يحصل على الطعام، ولكن هذه الكلمة واسعة يمكن أن تطلق على الطعام الروحي والمعنوي أيضاً، كما جاء في تفسير قوله عز وجل: ﴿فَلْيَنْظُر الإِنْسَانُ إلَى طَعَامِهِ ﴾(5) قال الإمام الباقر(عليه السلام): «علمه الذي يأخذ عمن يأخذه»(6) .

ص: 79


1- مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي ص 161 سطر 3 .
2- إحقاق الحق : ج 5 ص 242 .
3- المؤمنون : 2 .
4- بحار الأنوار: ج 35 ص 38 ط لبنان .
5- عبس : 24.
6- الكافي : ج 1 ص 49 ح 8 .

وإن الإمام(عليه السلام)، كان أميراً على جميع الخلق منذ عالم الذر، عندما أخذ الله سبحانه وتعالى العهد من مخلوقاته بقوله عز وجل : ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ... وإن هذا الخبر موجود في كتب أهل السنة أيضاً .

ذكر السيد علي الهمداني في كتابه (مودة القربى) أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «لو علم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله »(1).

ونقل عن أبي هريرة عن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال في ذلك اليوم الذي قال فيه تعالى : ألست بربكم؟ قالت الأرواح : بلى، فقال تعالى: «أنا ربكم و محمد نبيكم وعلي أميركم» (2)

وفي كتاب اليقين عن عثمان بن أحمد السماك ، أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «في اللوح المحفوظ تحت العرش علي أمير المؤمنين»(3).

أما الإيمان : فهو من باب الأفعال، مأخوذة من كلمة الأمن، وأنها تؤمن النفس من عذاب المخالفة أو من الأمور المؤذية والرديئة، كما أن كلمة الإسلام مأخوذة من السلامة .

وقسم المحقق النراقي (رحمه الله) في كتابه (معراج السعادة )الإيمان إلى أربعة أقسام، ووضع عليها هذه المصطلحات القشر ، قشر القشر اللي لب اللب . وهناك قسمان لابد من إضافتها لهذه الأقسام لكي تصبح ستة ، وهي أن تضاف كلمة : القشر واللب إلى قشر القشر، ولب اللب .

القسم الأول: الإيمان القشري وهو الإيمان الذي لا يتعدى اللسان واللفظ

ص: 80


1- مودة القربى : ص 248 ط / الثانية مكتبة المحمدي.
2- مودة القربى : ص 248 ، البحار : ج 40 ص 77 .
3- ينابيع المودة : ص 248 ط / اسلامبول، والمناقب المرتضوية ص 118 ط بمبي .

وهو الإقرار اللساني الذي لا يملك الامتداد إلى القلب، وهذا هو الكفر الباطني، ويستفيد صاحب هذا الإيمان من إيمانه في حفظ نفسه وماله وسمعته الظاهرية بين الناس، وهذا الإيمان يسمى بالنفاق وحسب الاصطلاح المتقدم أنه قشر القشر.

القسم الثاني: وهو الإيمان ببعض والكفر ببعض، كمن يؤمن بالتوحيد والنبوة وينكر الإمامة. وإن صاحب هذا القسم يشارك القسم الأول في الفوائد الظاهرية للإيمان، وأنه حسب الترتيب الاصطلاحي السابق قشر القشر. القسم الثالث: وهو أن يكون الشخص معتقداً بأصول الدين الخمسة الاعتقاد الصحيح لمذهب أهل البيت ، وإن لم يكن قارناً اعتقاده بالعمل الصالح ، فمثله كمثل الفساق من أهل المذهب، ولكن يتمتع بخصائص و مميزات حياتية وأخروية، لا يمكن الإغفال عنها ، منها : سؤره (1)شفاء، وقضاء حاجته أفضل من جميع المستحبات ثم زيارته وعيادته ومساعدته من الأمور المستحبة واغتيابه حرام، والحفاظ على حياته واجب ، وإذا مات يجب غسله وكفنه ودفنه والصلاة عليه ويستحب الاستغفار له بعد موته وهو من الأمور المندوبة والمستحسنة، وهناك الكثير من الواجبات والمستحبات والمحرمات والمكروهات تتعلق به .. ثم إن النجاة له في الآخرة من الأمور الثابتة عقلياً ونقلياً كما جاء في الكتاب والسنة والإجماع ، ثم إنه يعاقب في الآخرة ولكنه لا يكون خالداً في النار، وإذا ذكرت عليه بعض العقوبات بسبب تركه للأوامر الإلهية فإن خلوده ليس كخلود الكافر والمنافق، بل يبقى مدة في العذاب إلى أن يتطهر كاملاً، وتسمى هذه الحالة الإيمانية حسب الاصطلاح المتقدم بالإيمان

ص: 81


1- السُّوْر : البقية مطلقاً أو ما يبقى في الإناء من الماء أو غيره.

القشري .

القسم الرابع: يتضمن هذا القسم الرجال الصالحين الذين يسعون إلى اكتساب الأعمال الصالحة بمختلف صورها وهؤلاء لا يمكن أن يطلق عليهم كلمة الزهاد والعباد والعلماء والعدول ، وهم أفضل من العامة من أهل الإيمان وإنهم سوف لا يرون بفضل الله سبحانه وتعالى أي عذاب في الآخرة ويجد الإنسان من خلال الاختلاط بهم نوراً يصدر من قلوبهم، بسبب إيمانهم وعملهم الصالح، وهؤلاء سوف يرون الحياة الطيبة في عالم البرزخ وهم يمثلون حالة اللب حسب التقسيم المتقدم .

القسم الخامس: تمتلك هذه الشريحة الاجتماعية النموذجية، حالة العلم الكامل المؤدي إلى انشراح الصدر وتنور الضمير، وفضل هذه الشريحة على السابقة ، كفضل القمر على سائر النجوم بل كفضل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)على جميع أمته، وهذا المقام حسب الاصطلاح المشار إليه هو لب اللب .

القسم السادس: يضاف إلى الصفات السابقة اليقين، وهنا يعجز الإنسان على وصف هذه الشريحة البشرية العالية، وهؤلاء هم الأنبياء والأئمة الطاهرون(عليه السلام)والأولياء والصديقون، فهم يمتلكون أعلى الصفات الإنسانية ، وكمال الرسوخ الإيماني، إذ لا ينقطعون عن الاتصال بربهم طرفة عين، فهم في كمال الرضا والتوكل والعبادة والزهد والجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى وهذه المرتبة حسب الاصطلاح المتقدم هم لب اللب اللب .

روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)انه قال لجابر الجعفي: «ما من شيء أعز من اليقين»(1)

ص: 82


1- الكافي : باب فضل الإيمان على السلام 51/2 ح 1 .

وقال الإمام الرضا ع لعلي بن الحسن الوشاء: «ما قُسم في الناس شيء أقل من اليقين »(1).

وفي رواية عن يونس بن عبد الرحمن عن الإمام الرضا(عليه السلام)قال : «فأي الشيء اليقين ؟ قال : التوكل على الله والتسليم الله والرضا بقضاء الله ، والتفويض إلى الله »(2).

ويمكن أن نضيف مراتباً أخرى إلى هذه المراتب، وأن نبين حكمها وصلاحيتها من أحاديث أهل البيت.(عليه السلام).

الموضوع الثاني: لقب الإمام (عليه السلام).

استحق الإمام علي(عليه السلام)لقب أمير المؤمنين» دون غيره من البشر، وأن الذين لقبوا بالإمارة للمؤمنين لا يستحقون ذلك .

فلقد اتفق علماء الشيعة بأن هذا اللقب مختص بالإمام علي (عليه السلام) دون غيره ، وأنه(عليه السلام) اختص به منذ زمن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)والأحاديث كثيرة في هذا المجال عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، بينما يعتقد علماء السنة بأن هذا اللقب يمكن أن يطلق على كل من وصل إلى مقام الخلافة للمسلمين ويقولون بأن أول من أطلق عليه هذا اللقب هو الخليفة الثاني.

ولكن عندما نراجع كتب الصحاح التي يعتبرونها الثاني بعد القرآن الكريم في أهميتها نجد الكثير من الروايات التي تفنّد هذا الأمر، وتثبت اللقب للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)دون غيره من البشر، وإليك بعض الروايات في هذا المجال كما ذكرت في كتب الصحاح :

ص: 83


1- الكافي : باب فضل الإيمان على السلام 51/2 ح2 .
2- الكافي : باب فضل الإيمان على السلام 51/2 ح 2 ح3 .

عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) في صحن الدار فإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي ، فدخل علي(عليه السلام)فقال : كيف أصبح رسول الله ؟ فقال : بخير قال له دحية : إني لأحبك وإن لك مدحة أزفها إليك ، أنت أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ، أنت سيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين، لواء الحمد بيدك يوم القيامة، تزف أنت وشيعتك مع محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) وحزبه إلى الجنان زفاً زفاً قد أفلح من تولاك وخسر من تخلاك ، محمد محبوك ومبغضو محمد مبغضوك ، لن تنالهم شفاعة محمد ، أدنُ مني يا صفوة الله، فأخذ رأس النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فوضعه في حجره .

ثم قال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) للإمام علي(عليه السلام): «لم يكن دحية الكلبي كان جبرائيل، سماك باسم سماك الله باسم سماك الله به ، وهو الذي ألقى محبتك في صدور المؤمنين ورهبتك في صدور الكافرين »(1).

عن القاسم بن جندب ، عن أنس قال: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : «يا أنس اسكب لي وضوءاً

(أي هيئ لي ماءاً أتوضأ به)، فتوضأ وصلى ثم انصرف فقال : يا أنس أول من يدخل علي اليوم أمير المؤمنين وسيد المسلمين وخاتم الوصيين وإمام الغر المحجلين، فجاء علي حتى ضرب الباب ، فقال : من هذا يا أنس ؟ قلت : هذا علي قال : افتح له فدخل»(2)

عن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) ، قال : « في اللوح المحفوظ تحت العرش : علي بن أبي طالب أمير المؤمنين »(3)

وعن الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام): قال لي عمر بن الخطاب ذات

ص: 84


1- راجع أسد الغابة : 2/ 130 والبحار : ج 37 ص 295.
2- البحار : ج 37 ص 297 .
3- النهاية : ج 2 ص 57 والبحار : ج 37 ص 299.

يوم : أنت والله أمير المؤمنين حقاً .

قلت : عندك أو عند الله ؟ قال : عندي وعند الله تبارك وتعالى»(1).

و عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : «أوحي إلي في علي أنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين» (2)

عن أبي داود عن بريدة قال : أمرنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أن نسلم على علي علية بيننا بأمير المؤمنين (3)

عن بريدة الأسلمي قال : كنا إذا سافرنا مع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) كان علي صاحب متاعه يضمه إليه ، فإذا نزلنا يتعاهد متاعه، فإن رأى شيئاً يرمه رمة (4) ، وإن كانت نعلاً خصفها ، فنزلنا منزلاً فأقبل علي(عليه السلام)، يخصف نعل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فدخل أبو بكر فقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) : اذهب فسلم على أمير المؤمنين .

:قال : يا رسول الله وأنت حي؟ قال : وأنا حي . قال : ومن ذلك؟ قال: خاصف النعل ؟

ثم جاء عمر فقال له رسول الله : اذهب فسلم على أمير المؤمنين، فقال بريدة : وكنت أنا فيمن دخل معهم فأمرني أن أسلم على علي، فسلمت عليه كما سلموا (5) .

ثم هناك روايات وردت في اختصاص الإمام علي(عليه السلام)بلقب الإمارة دون غيره من الناس حتى الأئمة المعصومين(عليه السلام).

ص: 85


1- النهاية : ج 2 ص 57 والبحار : ج 37 ص 299 .
2- المصدر : ص 29.
3- المصدر نفسه : ص 31 .
4- رمّ الشيء : أصلحه ولم ما تفرق منه .
5- المصدر نفسه : ص 43 .

عن محمد بن إسماعيل الرازي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال : «دخل رجل

على أبي عبد الله فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين فقام على قدميه فقال : مه هذا اسم لا يصلح إلا لأمير المؤمنين(عليه السلام)، الله سماه به ولم يُسم به أحد غيره فرضي به إلا كان منكوحاً . وإن لم يكن به ابتلى به ، وهو قول الله في كتابه﴿ إن يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَاناً مَرِيداً ﴾ قال : قلت : فماذا يدعى به قائمكم؟

قال : يقال له السلام عليك يا بقية الله، السلام عليك يابن رسول الله»(1).

وعن محمد بن يحيى عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : سأله رجل عن القائم يسلم عليه بإمرة المؤمنين ؟

قال: «لا ، ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين(عليه السلام)، لم يُسم به أحد قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر.

قلت : جعلت فداك كيف يُسلَّم عليه ؟

قال : يقولون : السلام عليك يا بقية الله، ثم قرأ﴿ بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ کنتم مومنین ﴾(2)

***

ص: 86


1- تفسير العياشي : ج 1 ص 276 ح274 ، البرهان : ج 1 ص 416 .
2- هود : 87 .

« وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ »

اشارة

لأجل شرح هذه الجملة المباركة لابد من الوقوف عند أمرين :

الأمر الأول في إثبات الوصاية للإمام (عليه السلام).

الوصي هو الذي يتحمل مسؤولية القيام بأعمال الموصي بشكل كامل دون زيادة أو نقصان، وتؤخذ الوصية في زمان حياة الموصين. وبما أن مهمة الأنبياء (عليهم السلام)تتعلق في نشر الأحكام الإلهية وهداية الناس إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى والعمل الصالح، لذا فالموصى يكون نائباً للنبي(عليه السلام)في القيام بهذه الأمور المهمة، لهذا السبب لا بد أن يملك الوصي الذي يحمل الرسالة الإلهية بعد النبي المؤهلات الكافية والكاملة للقيام بهذه المسؤولية الكبرى، بأن يكون جامعاً لمحاسن الأخلاق ومكارم الآداب وطاهر السيرة منذ نعومة أظفاره وشريف النسب وأن يمتاز بالزهد والسخاء والشجاعة والعلم أكثر من غيره لكي يتمكن من حمل الرسالة الإلهية وإيصالها للناس بالشكل المطلوب. فلو كان الوصي ناقصاً في بعض الأمور، فإن النقص سوف يظهر في المجتمع بشكل واضح .

فإذا نظرنا إلى شخصية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)من خلال الرجوع إلى الروايات والأحاديث التي ذكرتها كتب المسلمين بصورة عامة لرأيناه الشخصية المثلى والإنسان الكامل، الذي يجب أن يُعطى له زمام

ص: 87

أمور الخلافة، فمن جهة الشرف فهو أول هاشمي ولد من أبوين هاشميين، أبوه هو أبو طالب الذي نصر النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)و أعانه في حمل لواء الإسلام وكانت له خدمات جليلة في هذا المجال، وشهد له بذلك العدو والصديق، بل حتى النواصب والخوارج ما استطاعوا إنكار ذلك، فلو أراد شخص إنكار فضائل أبي طالب فلابد عليه أن ينكر أعمال ومحاسن جميع صحابة الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)دون استثناء .

وأما أمه فهي فاطمة بنت أسد(عليه السلام) الذي كان النبي الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم)يناديها باسم الأم ، وأنه (صلی الله علیه وآله وسلم)صنع لها كفناً من برده الخاص، وقبل أن ينزلها في قبرها ، اضطجع فيه، وطلب لها من الله عز وجل الرحمة الواسعة وفسيح الجنان، هذا ما ورد في كتب العامة كما جاء في كتاب (ذخائر العقبى) و (أسد الغابة) .

وإن الإمام علياً(عليه السلام)ابن عم النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)و وصهره تزوج فاطمة الزهراء(عليها السلام) وهي البنت الوحيدة للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم)ولولاه لما كان لها كفؤ، وهو أبو الحسن والحسين عليهلالها وأبو الأئمة التسعة المعصومين من ذرية الحسين(عليه السلام).

أما من ناحية علمه : فقد قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب وهذا الحديث متفق عليه عند جميع المسلمين .

أما عن جوده : فسورة ( هل أتى )خير شاهد على ذلك حيث قدم إفطاره وإفطار أهل بيته لثلاثة أيام متوالية للمسكين واليتيم والأسير، ولم يطلب بذلك إلا وجه الله سبحانه وتعالى .

قال عز وجل: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً ويتيماً وأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لا تُريدُ مِنْكُمْ جَزَاءً ولا شكورا ﴾.

وأما عن زهده : فيكفيك حديثه عن طلاقه للدنيا .

ص: 88

وأما عن شجاعته : فحروبه والمعارك التي شارك فيها دفاعاً عن الإسلام خير دليل على ذلك .

فلكون هذه الصفات لا تجتمع إلا في الأوصياء والأنبياءً(عليهم السلام)، ولم يكن أحد يمتلك منها في زمانه، لذا فالعقل الصريح يحكم بأنه هو الوصي للنبي الأعظم(صلی الله علیه وآله وسلم)، فعندما نستقرى حياة الأنبياءً

(عليه السلام)ونرجع إلى البرهان العقلي نرى أن جميع الأنبياء كان لهم أوصياء ، ولقد أجاد الأزري ( رحمه الله) عندما قال :

أنبي بلا وصي تعالى*** اللهُ عَمَّا يقوله سُفَهاها

وإليك بعض الروايات التي ذكرها بعض علماء العامة :

ذكر أحمد بن عبد ربه القرطبي الأندلسي في كتابه (العقد الفريد) : قال النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)في حق عليً(عليه السلام) : أنت مني بمنزلة هارون من موسى»(1).

وذكر الخوارزمي في كتابه (المناقب) عن أبي الطفيل وهو آخر أصحاب النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «يا علي أنت وصيّي : حربُك حربي وسلمك سلمي.»..

عن أبي إسحاق عن الحرث الأعور صاحب راية علي ، قال : بلغنا أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)كان في جمع من أصحابه فقال : أريكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه وإبراهيم في حكمته . فلم يكن بأسرع من أن طلع علي، فقال أبو بكر يا رسول الله أقست رجلاً بثلاثة من الرسل ؟ بخ بخ لهذا الرجل ، من هو يا رسول الله ؟

قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): ألا تعرفه يا أبا بكر ؟ قال : الله ورسوله أعلم .

ص: 89


1- العقد الفريد : ج 2 ص 194 ط مصر

قال : أبو الحسن علي بن أبي طالب .

فقال أبو بكر : بخ بخ لك يا أبا الحسن وأين مثلك يا أبا الحسن»(1).

وذكر الخوارزمي في مناقبه أيضاً رواية أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قال لأم سلمة :« اسمعي يا أم سلمة واشهدي إن علياً هذا أخي في الدنيا والآخرة ، وحامل لوائي في الدنيا، وحامل لواء الحمد غداً في الآخرة، وهذا علي وصيي وقاضي عداتي، والذائد عن حوضي المنافقين».

وفي (فرائد السمطين) للحمويني عن أبي أيوب الانصاري ، أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) قال لابنته فاطمة الزهراءً(عليها السلام) : إن الله سبحانه وتعالى اطلع على أهل الأرض فاختار منهم لك زوجاً، وأمرني أن أزوجك منه وأن اتخذه وصياً لي من بعدي».

وقال الحمويني في فرائده : روى أبو ذر عن النبي الأعظم(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال : «أنا خاتم النبيين وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين».

وعن الإمام الرضاً(عليه السلام)عن أم سلمة أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «لكل نبي وصي، وعلي وصيي في عترتي وفي أهل بيتي وفي أمتي من بعدي »(2) .

و عن بريدة أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قال : «لكل نبي وصي ووارث، وعلي وصيي ووارثي».

عن مصعب بن سعد عن أبيه قال :

قال معاوية : أتحب علياً؟ قلت : وكيف لا أحبه وقد سمعت رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول له : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ؟ !»

ص: 90


1- مناقب الخوارزمي : ص 89 .
2- مناقب الخوارزمي : ص 90 ط طهران.

ولقد رأيته بارز يوم بدر وهو يحمحم كما يحمحم الفرس ويقول :

بازل عامين(1)حديث سنِّي ***سَنْحْنُحُ اللَّيل (2) كأنّى جني

لمثل هذا ولدتني أمي (3)

عن عمار الدهني، عن سالم قال : قيل لعمر : نراك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)؟ قال : إنه مولاي (4).

***

هذه بعض الجمل من فيض الروايات التي لا تقدر ولا تحصى والتي وردت ع عن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)في حق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهناك الكثير منها ذكرها المؤرخون في كتبهم ومن كافة الفرق الإسلامية .

وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة، مجموعة من الأشعار في مدح الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد نظمها المخالف والموالي منها :

قال شاب ناصبي من بني ضبة وكان في جيش عائشة :

نحن بني ضبة أعداء علي*** ذاك الذي يعرف قدماً بالوصي

وقال الأشعث بن قيس (وهو ممن حارب الإمام علياً عالية، في معركة صفين):

أتانا الرسول رسول الوصي*** علي المهذب من هاشم

ص: 91


1- يشير إلى كمال عقله وتجربته
2- السنحنح : الذي لا ينام الليل .
3- مناقب ابن المغازي : ص 41 وفيه آخر الحديث : فما رجع حتى خضب سيفه .
4- ذكر ابن حجر في صواعقه المحرقة : 26 .

وزير النبي وذي صهره*** وخير البرية والعالم

وقال حجر بن عدي الكندي (رضوان الله عليه) :

يارينا سلم لنا عليَّا ***سَلَّم لنا المبارك المضيا

المؤمن موفقاً مهدياً*** واحفظه ربي واحفظ النيا النَّبيَّا

فيه فقد كان له وليا ***ثم ارتضاه بعده وَصِيَّا (1)

***

الأمر الثاني في إثبات أن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، هو سيد الأوصياء.

من الواضح أن كل وصي يقتبس النور والشرف من نبيه المرسل من قبل الله عز وجل ، فكلما كان النبي أشرف وأعظم كان الوصي كذلك ، وبما أن القرآن الكريم والشواهد والبراهين الأخرى تدلّ على أن نبينا هو أعظم وأشرف الأنبياء السابقين (عليه السلام)، لذا فإن وصيه هو أشرف وأفضل من جميع الأوصياء السابقين.

ذكر المؤرخون ومن جميع الفرق والمذاهب الإسلامية روايات كثيرة بأن لقب (سيد الوصيين) و (خير الوصيين ثابت لأمير المؤمنين علي(عليه السلام)دون غيره من البشر. فعن ابن عباس قال : دعاني رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : «أبشرك أن الله تعالى أيدني بسيد الأولين والآخرين والوصيين علي ، فجعله كفو ابنتي فإن أردت أن تنتفع به فاتبعه »(2).

لا يغيب عن أذهاننا أن البعض من العرفاء ممن في قلبه مرض زور بعض الحقائق، منها مسألة وصاية وولاية الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، فقال : إن

ص: 92


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/ 69 - 73 .
2- راجع كتاب إحقاق الحق : ج 4 ص 100 .

ولايته ووصايته باطنية وليست ظاهرية، إذ إن مقامه أعلى من أن يتصدى لأمور المجتمع، إذ عن هذا الطريق الماكر يفتح المجال للآخرين الذين لا يملكون مؤهلات الخلافة في تولي أمور الأمة الإسلامية !

قال الشيخ علاء الدولة السمناني : «إن الولاية علم باطني ، بينما الخلافة حفظ الأمور الظاهرية، فالإمام علي كان الوارث والإمام والوصي بعد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ولا ولكنه ما كان خليفة ، ولكن بعد عثمان أصبح خليفة للمسلمين هذا ما قاله السمناني ! !

ولكن عندما نأتي إلى الحقيقة والواقع، نرى أن غالبية الخلفاء الذين أخذوا بزمام أمور المسلمين ما كانوا يمتلكون شيئاً من المعرفة والصلاح في الأمور الدينية والدنيوية للمسلمين، بل ما كانوا يعرفون معاني ألفاظ القرآن الكريم الظاهرية أيضاً، ولكنهم استولوا على أمور المسلمين فاتخذوا أموالهم دولاً وعباد الله خولاً .

وما مقولة السمناني إلا حيلة شيطانية يراد منها تبرير جور وظلم الخلفاء الذين تولوا أمور المسلمين دون أن يمتلكوا الشرعية الدينية والدنيوية، ولكن عندما نستقرئ حياة الأنبياء لانرى أنهم كانوا ينشرون الأحكام ويقيمون الحدود ويغيثون الملهوف ويعينون المظلوم ويقتصون من الظالم، ويأخذون الزكاة ويوزعون الأموال بين الناس، كما فعل نبي الله يوسف عليه، حيث قال للملك :﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾(1) ، إذاً فالرئاسة الظاهرية والباطنية للناس هي من شأن الأنبياء والأوصياء والأولياء وليست من شأن طلاب الدنيا والشهوات .

***

ص: 93


1- يوسف : 55 .

«السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ الزَّهرَاء سَيِّدَة نساء العالَمينَ »

1 -في سبب تسميتها بفاطمة:

عن الإمام الرضا (عليه السلام)عن آبائه قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : «يا فاطمة أتدرين لم سُمّيت فاطمة ؟ قال علي (عليه السلام): لم سُميت ؟ قال : لأنها فطمت هي وشيعتها من النار »(1)

وقال الإمام الصادق(عليه السلام): «أتدرون أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت : أخبرني يا سيدي . قال : فطمت من الشر، ثم قال : لولا أن أمير المؤمنين تزوجها لما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض ، آدم فمن دونه »(2).

وعن الإمام الباقر(عليه السلام)قال : لما ولدت فاطمة (عليها السلام)أوحى الله عز وجل إلى ملك ، فأنطق به لسان محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) فسماها ،فاطمة، ثم قال : إني فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث ثم قال أبو جعفر(عليه السلام): والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق» .

وفي بعض الروايات سميت بفاطمة : لأن الله فطم من أحبها من النار »(3)

ص: 94


1- فاطمة : من المهد إلى اللحد
2- فاطمة : من المهد إلى اللحد.
3- بحار الأنوار: ج 43 ص 12 ط طهران.

2- في سبب تسميتها بالزهراء:

عن جابر عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : قلت: لم سُمِّيت فاطمة الزهراء زهراء؟

فقال : لأن الله عز وجل خلقها من نور عظمته، فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة الله ساجدين وقالوا : إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله إليهم :

«وهذا نور من نوري، وأسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جميع الأنبياء، وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء

وحيي »(1).

وعن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله(صلی الله علیه وآله وسلم)عن فاطمة لم سميت بالزهراء ؟ فقال : «لأنها كانت إذا قامت من محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض»(2).

وعن أبي هاشم العسكري قال : سألت صاحب العسكر(عليه السلام)لم سميت فاطمة بالزهراء(عليها السلام)؟

فقال : كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين(عليه السلام)من أول النهار كالشمس الضاحية وعند الزوال كالقمر المنير وعند غروب الشمس كالكوكب الدري»(3).

(اللهم صل على محمد وآل محمد) .

ص: 95


1- البحار : ح 43 ص 12 .
2- البحار : ح43 ص 12.
3- البحار : ح43 ص 16 .

3-في تسميتها بسيدة نساء العالمين :

روت عائشة وغيرها عن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال: «يا فاطمة أبشري فإن الله تعالى اصطفاك على نساء العالمين وعلى نساء الإسلام وهو خير دينظ.

عن جابر بن سمرة ، أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) دخل على فاطمة فقال : «كيف تجدينك يا بنية ؟

قالت : إني لوجعة وإنه ليزيدني أنه مالي طعام آكله.

:قال : يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟

قالت : يا أبه فأين مريم بنت عمران؟

قال تلك سيّدة نساء عالمها، وإنك سيدة نساء عالمك ، أما والله زَوَّجتك سيداً في الدنيا والآخرة».

وعن عائشة : أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، قال : «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة ».(1)

الترديد في الرواية حسب الظاهر من الراوي، ولا يمكن أن يكون من النبي را النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)لأنه ﴿ومَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ .

روى حذيفة أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال له : «أما رأيت العارض عرض لي قبل ذلك، هو ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»(2)

ص: 96


1- صحیح مسلم : ج 7 ص 142 ط / مصر .
2- صحيح الترمذي : ج 13 ص 197 ط مصر.

وذكر الخطيب البغدادي في كتابه تاريخ بغداد عن أنس قال: قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «خير نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون ، ثم إن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) فضلها (فاطمة) على سائر نساء العالمين في الدنيا والآخرة .

وروت عائشة عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال : « يا فاطمة إن الله اصطفاك على نساء العالمين وعلى نساء الإسلام، وهو خير دين »(1).

وعن جابر بن سمرة قال : قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)ه : «أما إنها سيدة نساء يوم القيامة »(2).

وقال البلاذري (وهو من كبار المؤرخين السنة : أن النبي قال لها: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة»(3).

عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن الرسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)عن الله تبارك وتعالى أنه قال : «يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما ثم قال جابر : هذا من الأسرار التي أمرنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) بكتمانه إلا من أهله (4)، ولكني أقول وأتساءل :

ولأي الأمور تدفن ليلاً*** بضعة المصطفى ويُعفى ثراها؟

بنتُ مَن؟ أم مَن ؟ حليلةُ مَن؟ ***ويل لمن سن ظلمها وأذاها

***

ص: 97


1- بحار الأنوار: ج 43 ص 36 .
2- المصدر : ص 37 .
3- المصدر من تاريخ البلاذري .
4- كشف اللآلئ : صالح بن العرندس : وهو من كبار علماء القرن التاسع الهجري .

«السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ»

قال المؤرخون عدة آراء ومعان في شرحهم لهذه الجملة المباركة منها :

1 - قال الطريحي في (مجمع البحرين ): إن المراد من الجملة هو : السلام عليك يا من ثارت الله سبحانه وتعالى، وقدمت دمك الزاكي لأجله (لأجل إحياء دينه العظيم في الأرض) ، وابن ثاره أي وابن الذي ثار الله عز وجل وأعطى دمه له سبحانه وتعالى.

2 - إنه الدم المطلوب الذي سيثأر الله تعالى له وينتقم ممن سفكه بغير الحق فيكون المعنى : السلام عليك يا من سيثأر الله تعالى لك ولأبيك، ويطلب بحقكما وينتقم ممن ظلمكما وانتهك حرمتكما .

***

ص: 98

« وَالْوِتْرَ الْمَوْتُو »

1 - الوتر هو الفرد أو الواحد والموتور هو أن يكون بمعنى الوتر بأن يكون تأكيداً له .

كقولك : (حجر محجور) و( برد بارد) و (شعر شاعر).

2 - أن يكون الوتر هو الواحد والموتور : هو من قتل إخوانه وأهل بيته وأصحابه .

3- قال المؤلف رحمه الله : إن الوتر هو المسفوك دمه فيكون المعنى : يا قتيلاً قد قتل أهل بيتك وأصحابك).

في الحديث : لما قتل الحسين عالية سمع أهلنا قائلاً يقول بالمدينة : «اليوم نزل البلاء على هذه الأمة ، لا ترون فرحاً حتى يقوم قائمكم فيشفي صدوركم ويقتل عدوكم وينال بالوتر أوتاراً ففزعوا منه (1).

ص: 99


1- نوادر الزيارات : ج 14 ص 336 .

«السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وأنا خَتْ برَحلِك »

اشارة

قيل : إن المراد من الروح هو الطيب والطهارة، ومنه سُمِّيَ روح الإنسان، وسميت الملائكة المطهرة بالأرواح، وسمي جبرائيل (1)، بروح القدس ، وهكذا عظيم الملائكة، كما في قوله عز وجل : ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوح والمَلائِكَةُ صَفاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً ﴾ (2)وهكذا لُقب نبي الله عیسی بروح الله وذلك لطهارته . وهكذا يُلقب كل إنسان صالح عابد بالروحاني .

حلت : أي نزلت، والفناء بكسر الفاء هي الفسحات والمحال الفارغة التي تكون حول البيت الجلوس الناس ووضع أمتعتهم وحيواناتهم.

أناخت : أي استقرت وسكنت الرَّحْل: محل استقرار الإنسان وموضع وجود حاجياته .

الأرواح التي كانت مع الحسين علیه السلام

(3):

هناك عدة احتمالات في المقصود من هؤلاء الأرواح :

1 - إنهم أرواح الملائكة والأنبياء والأولياء، الذين حضروا في واقعة الطف، حيث تذكر الروايات أن أرواحاً من الملائكة المقربين، والأنبياء

ص: 100


1- (عليه السلام)
2- النبأ : 38 .
3- (عليه السلام)

والمرسلين والشهداء والصديقين حضروا يوم عاشوراء، ليروا هذه الواقعة الكبرى بشكل مباشر، وليتعجبوا من صور التضحيات الكبيرة التي تجلت من الإمام الحسين (عليه السلام)، ومن أهل بيته وأصحابه (عليه السلام)دفاعاً عن المبدأ والعقيدة الإسلامية، ولتكون هذه الأرواح شاهدة لهذا المقام المحمود .

ولكن المؤلف ( رحمه الله) استبعد هذا الرأي، حيث قال : إن السلام يرجع إلى الأصحاب الذين قتلوا بين يدي الإمام (عليه السلام) ، وإن الزيارة مختصة بالذين قتلوا في كربلاء وهذا ما قاله جابر بن عبد الله الأنصاري عندما زار قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، في يوم الأربعين ، قال : «السلام» على الأرواح المنيخة بقبر أبي عبد الله ، كما ذكرنا أن المراد من أناخت أي أقامت واستقرت، وهذا لا ينطبق على الأنبياء والأولياء.

وتتوضح هذه العبارة بشكل أكثر عندما نقرأ زيارة عاشوراء من كتاب (مختصر المنتخب السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت بساحتك وجاهدت في الله معك وشرت نفسها ابتغاء مرضاة الله فيك »(1).

2 - بأن المقصود من الأرواح الأصحاب الأوفياء للإمام الحسين (عليه السلام) سواء أكانوا من أقربائه أو أصحابه، وبما أن أصحابه قتلوا في سبيل الله عز وجل وجاهدوا في سبيله حق الجهاد ، فلهذا هم شهداء وأحياء عند ربهم يرزقون ، قال تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبيل الله أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ (2) ، فلهذا لا مانع من أن يكونوا هم المقصودين من كلمة الأرواح في الزيارة المباركة .

ص: 101


1- إقبال : باب ذكر الزيارات من 42.
2- آل عمران : 169

فعلى هذا الأساس فإن المراد من( الرحل والفناء) هو القبر والحائر الشريف للإمام (عليه السلام)، حيث قال الشيخ المفيد (عليه الرحمة ) بأن مراقد أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)داخل الحائر الحسيني، بالرغم من أننا لا نعرف شيئاً من خصوصيات ومواضع قبورهم الطاهرة، ثم إن مرقد أبي الفضل العباس(عليه السلام)بالرغم من بعده شيئاً ما عن قبر المولى أبي عبد الله (عليه السلام)، ولكنه بدون أي شك ضمن رحل الإمام (عليه السلام)، حيث كان مع أخيه الإمام الحسين (عليه السلام)دائماً وأبداً حتى فاضت روحه الطاهرة ورأسه في حجر أخيه الحسين

(عليه السلام).

عدد شهداء كربلاء وأسماؤهم

اختلف المؤرخون في عدد الشهداء الذين تضر جوا بدمائهم الزكية مع الإمام الحسين(عليه السلام)ولكن المعروف والمشهور وكما ذهب إلى ذلك الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد) ، وابن الأثير في الكامل والبلاذري والواقدي والمدايني والطبري وغيرهم، بأن عددهم اثنان وسبعون شخصاً اثنان وثلاثون فارساً، وأربعون راجلاً ، ولكن صاحب كتاب ( حياة الحيوان) و (تاريخ (الخميس) اعتمد على قول شمر (لعنه الله) حيث قال عددهم ثمانية وسبعون نفراً ونقل ذلك زهر ابن قيس الجعفي (لعنه الله أيضاً، حيث قال: ورد علينا الحسين في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته» (1)

وجاء في كتاب (إقبال) نقلاً عن السيد ابن طاووس (رضوان الله عليه )بسند حسن من الناحية المقدسة، حيث ذكر أسماء شهداء كربلاء مع أسماء قاتليهم وذكر شيئاً من وقائعهم، ولأجل التبرك بتلك الزيارة العظيمة ننقل تلك الزيارة كما جاءت في كتاب (إقبال)، والمراد من الناحية هو الإمام الحسن

ص: 102


1- بحار الأنوار: ج 45 ص 129 - 149.

العسكري (عليه السلام)، واستعمل هذا الإطلاق في كثير من الأخبار .

قال الإمام (عليه السلام) : «إذا أردت زيارة الشهداء رضوان الله عليهم قف عند رجلي الحسين وهو قبر علي بن الحسين صلوات الله عليهما، فاستقبل القبلة بوجهك، فإن هناك حومة الشهداء (عليه السلام)وأوم وأشر إلى علي بن الحسين (عليه السلام)وقل :

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلَ قَتِيلِ مِنْ نَسْلِ خَيْرِ سَلِيلٍ مِنْ سُلالَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ إِذْ قَالَ فِيكَ قَتَلَ اللهُ قَوْماً قَتَلُوكَ يَا بُنَيَّ مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الرَّحْمَنِ وَعَلَى انْتِهَاكَ حُرمَةِ الرَّسُول عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ العَفَا كَأَنِّي بِكَ بَيْنَ يَدِيهِ مَائِلاً وَلِلْكَافِرِينَ قَائلاً:

أَنَا عَلَيَّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِي*** نُحْنُ وَبَيْتِ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِي

أَطْعَنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَثْنِي*** أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي

ضَرْبَ غُلَامٍ هَاشِمِيٌّ عَرَبِي*** وَاللَّهِ لَا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي

حتى قَضَيْتَ نَحبك ولَقَيْتَ ربَّكَ أَشْهَدُ أَنَّكَ أَولى بالله وَبِرَسُولِهِ وَأَنَّكَ ابْنُ رَسُولِهِ وَابْنُ حُجَّتِهِ وَأَمِينِهِ. حَكَمَ اللهُ لَكَ عَلى قَاتِلِكَ مُرَّةَ بْنِ مُنْقِدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْعَبْدِي لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَخْرَاهُ وَمَنْ شَرِكَهُ فِي قَبْلِكَ، وَكَانُوا عَلَيْكَ ظَهِيراً وأَصْلاَهُمْ اللهُ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً. وَجَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ مُلَاقِيكَ وَمُرَافِقِيكَ ومُرافِقِي جَدَّكَ وَأَبيكَ وَعَمْكَ وأَخِيكَ وَأُمِّكَ المَظْلُومَةِ،

ص: 103

وَأَبْرَأُ إلى الله مِنْ قَاتِلِيكَ وَأَسْأَلُ اللهَ مُرَافَقَتَكَ فِي دَارِ الْخُلُود وَأَبْرَأَ إلى الله مِنْ أَعْدَائِكَ أُولي الجُحُود، السَّلاَمُ عَلَيْكَ ورَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ.

السَّلاَمُ عَلَى عَبْدِ الله بْنِ الْحُسَيْنِ الطِّفْلِ الرَّضِيعِ الْمَرْمي الصِّرِيعِ المُتَشَحْطِ دَمَا المُصَمَّدِ دَمُهُ فِي السَّمَاءِ المَذبوح بالسَّهُم فِي حِجْرِ أَبِيهِ لَعَنَ اللَّهُ رَامِيهِ حَرْمَلَةَ بْنَ كَاهِلِ الأَسَدِيَّ وذويه.

السَّلاَمُ عَلَى عَبْدِ الله بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ مُبْلِي الْبَلاء وَالْمُنَادِي بالولاء فِي عَرْصَةِ كَرْبَلاءَ المَضْرُوب مُقْبلاً وَمُدْبراً لَعَنَ الله قَاتَلَهُ هَانِي بْنَ نُبَيْتِ الْحَضْرَمِيَّ .

السَّلَامُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَاسِي أَخَاهُ بِنَفْسِهِ الآخِذِ لِعَدِهِ مِنْ أَمْسِهِ الْفَادِي لَهُ الْوَاقِي السَّاعِي إِلَيْهِ بِمَائِهِ الْمَقْطُوعَةِ يَدَاهُ. لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَيهِ يَزِيدَ بْنَ وَقَادٍ وَحَكِيمَ بْنَ الطُّفَيْلِ الطَّائِي.

السَّلامُ عَلى جَعْفَرِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّابِرِ نَفْسَهُ مُحْتَسِباً وَالنَّائِي عَنِ الأَوْطَان مُغترباً المُسْتَسْلِمِ لِلْقِتَالِ المُسْتَقْدِمِ التزالِ المَكْتُورِ بِالرِّجَالِ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ هَانِي بَنَ تُبَيِّيت الْحَضْرَمی.

ص: 104

السَّلاَمُ عَلى عُثْمَانَ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَمِي عُثْمَانَ ب- مَظْعُون. لَعَنَ اللَّهُ رَامِيَهُ بالسَّهُم خُولِيَّ بْنَ يَزِيدَ الأَصْبَحِي

الأَيَادِي وَالأَبانِيَّ الدَارِمِي.

السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّد بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَتِيلِ الأَبانِيِّ الدارِمِي لَعَنَهُ اللَّهُ وَضَاعَفَ عَلَيْهِ العَذَابِ الأَلِيمَ وَصَلَّى اللهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ الصَّابِرِينَ.

السَّلاَمُ عَلى أَبِي بَكْرِ بْنِ الحَسَنِ الزَّكِي الوَلِي الْمَرْمِي بِالسَّهْمِ الرَّدِي لَعَنَ اللهُ قَاتِلَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُقْبَةَ الْغَنَوِيَّ. السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ الله بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ الزَّكِي لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ وَرَامِيَهُ حَرْمَلَةَ بْنَ كَاهِلِ الْأَسَدِيَّ.

السَّلاَمُ عَلى القَاسِمِ بْن الْحَسَن بن عَلِيُّ الْمَضْرُوب هَامَتُهُ المَسْلُوب لأمَتُهُ حِينَ نَادِى الْحُسَيْنَ عَمَّهُ فَجَلا عَلَيْهِ عَمُّهُ كَالصَّفْر وَهُوَ يَفْحَصٌ بِرجْلِهِ التُّرَابِ وَالحُسَيْنُ يَقُولُ بُعْداً لِقَوْمٍ قَتَلُوكَ، وَمَنْ خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَدُّكَ وَأَبُوكَ. ثمَ قَالَ: عَزَّ وَالله عَلى عَمِّكَ أَنْ تَدْعُوهُ فَلاَ يُجِيبُكَ أَوْ يُجيبُكَ وَأَنْتَ قَتِيل جَدِيلٌ فَلاَ يَنْفَعُكَ. هذا والله يَوْمٌ كَفَرَ وَاتِرُهُ وَقَلْ نَاصِرُهُ جَعَلَنِي اللهُ مَعَكُمَا يَوْمَ جَمْعِكُمَا وَبَوَّأَنِي مُبَوَّأَكُمَا وَلَعَنَ اللهُ قَاتِلَكَ عَمْرَو بْنَ سَعْدِ بْنِ نَفِيلِ الأَزْدِيَّ وَأَصْلاَهُ جَحِيماً وَأَعَدَّ

ص: 105

لَهُ عَذَاباً أَلِيماً.

السَّلام عَلَى عُوْنِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرِ الطَّيَّارِ فِي الجِنانِ حَلِيفِ الإِيمَانِ ومُنازل الأقرآنِ النَّاصِحِ لِلرَّحْمَانَ النَّالِي

لِلْمَثَانِي والقُرآنِ لَعَنَ الله قَاتِلَهُ عَبْدَ اللهِ بْنِ قُطَبَّةَ النَّبَهَانِي.

السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ الشَّاهِدِ مَكَانَ أَبِيهِ وَالتَّالِي لأَخِيهِ وَوَاقِيهِ بِبَدَنِهِ. لَعَنَ اللهُ قَاتِلُهُ عَامِرَ بْنَ نَهْشَلِ التَّمِيمِي.

السَّلاَمُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ عَقِيلٍ، لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ وَرَامِيَهُ بِشْرَ بْنَ حُوط الْهَمَدَاني.

السَّلام عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَقِيلٍ، لَعَنَ اللهُ قَاتِلَهُ وَرَامِيَهُ عُمَرَ بْنَ خَالِدِ بْن أَسَدِ الجُهَنِي.

السَّلاَمُ عَلى القَتِيلِ بْنِ الْقَتِيلِ عَبْدِ الله بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ ولَعَنَ اللهُ قَاتِلَهُ عَامِرَ بْنَ صَعْصَعَةَ وَقِيلَ أَسَدُ بْنُ مَالِك. السَّلاَمُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ وَلَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ وَرَامِيهُ عَمْرُو بْنَ صَبيح الصَّيْدَاوِي.

السَّلامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَقِيلٍ وَلَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ لَقِيطَ بْنَ نَاشِرِ الْجُهَنِيَّ.

السَّلاَمُ عَلَى سُلَيْمَانَ مَوْلَى الْحُسَيْنِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَعَنَ

ص: 106

اللهُ قَاتِلَهُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَوْفِ الْحَضْرَمِي.

السَّلاَمُ عَلى قَارب مُوْلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ

السَّلاَمُ عَلَى مُنْجِحٍ مَوْلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ.

السَّلاَمُ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ عَوْسَجَةَ الأَسَدِيُّ الْقَائِلِ لِلْحُسَيْنِ وَقَدْ أَذنَ لَهُ فِي الإِنْصِرَافَ : أَنَحْنُ نُخَلّي عَنْكَ؟ وَبِمَ نَعْتَذِرُ إلى الله مِنْ أَدَاء حَقًّكَ؟ وَلَا وَالله حَتَّى أَكْسِرَ فِي صُدُورِهِمْ رَمْحِي وَأَضْرِبَهُمْ بِسَيْفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ فِي يَدِي وَلَا أَفَارِقُكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي سِلاَحٌ أُقَاتِلُهُمْ بِهِ لَقَذَفَتُهُمْ بِالحِجَارَةِ، ثُمَّ لَمْ أُفَارِقْكَ حَتَّى أَمُوتَ مَعَكَ. وَكُنْتَ أَوَّلَ مَنْ شَرَى نَفْسَهُ وَأَوَّلَ شهيد مِنْ شُهَدَاء الله قضى نَحْبَهُ فَفَزت ورب الكعبة. وَشَكَرَ اللهُ لَكَ اسْتَقْدَامَكَ وَمُوَاسَاتِكَ إمَامَكَ إِذْ مَشَى إِلَيْكَ وَأَنتَ صَرِيحٌ فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللهُ يَا مُسْلِمَ بْنَ عَوْسَجَةً وَقَرَأَ: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنتَظِرُ وما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (1) لَعَنَ اللهُ الْمُشْتَرِكِينَ فِي قَتْلِكَ عَبْدَ الله الصَّبَايدَانِي وَعَبْدَ الله بْنَ

خَشَكَارة الْبَجَلی.

السَّلاَمُ عَلَى سَعْدِ بْن عَبْدِ الله الْحَنَفِي الْقَائِلِ الحُسَيْنِ وَقَدْ أَذنَ لَهُ فِي الانْصِرَاف: لا تُخَلِّيكَ حَتَّى يَعْلَمَ اللهُ أَنَّا قَدْ حَفِظْنَا

ص: 107


1- الأحزاب : 23 .

غَيْبَةَ رَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِيكَ. وَالله لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَقْتَلْ ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أَحْرَقُ ثُمَّ أُدْرِى وَيُفْعَلُ ذَلِكَ بِي سَبْعِينَ مَرَّةً مَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَلْقَى حِمَامِي دُونَكَ. وَكَيْفَ لَا أَفْعَلُ ذلِكَ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْنَةٌ أَوْ قَتَلَةٌ وَاحِدَةً ثُمَّ هِيَ الْكَرَامَةُ الَّتِي لا انْقِضَاءَ لَهَا أَبَداً ، فَقَدْ لَقِيتَ حِمَامَكَ وَوَاسَيْتَ إِمَامَكَ ولَقَيْت مِنَ الله الكَرَامَةَ فِي المَقَامَةِ، حَشَرَنَا اللَّهُ مَعَكُمْ فِي المُسْتَشْهَدِينَ وَرَزَقْنَا مُرَافَقَتَكُمْ فِي أَعْلَى عَلِّيِّينَ.

السَّلاَمُ عَلى بِشَرِ بْنِ عُمَر الحَضْرَمِيُّ: شَكَرَ اللَّهُ لَكَ قَوْلَكَ لِلحُسَيْنِ وَقَدْ أَذنَ لَكَ فِي الانصراف: أَكَلَتْني إذَا السَّبَاعُ حَيَا إذا فَارَقْتُكَ، وَأَسْأَلُ عَنْكَ الرُّكْبَانَ وَأَخَذَلكَ مَعَ قِلَّةِ الأَعْوَان. لا يَكُون هذا أَبَداً.

السَّلاَمُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ حَصِينِ الْهَمَدَانِيُّ الْمَشْرِقِيِّ الْقَارِي المُجْدَل.

السَّلامُ عَلَى عُمْرَانَ بْنِ كَعِبِ الأَنْصَارِيِّ.

السلام عَلَى نَعِيمِ بْنِ عِجْلان الأَنْصَارِي.

السَّلاَمُ عَلى زُهَيْرِ بْنِ الْقَيْنِ الْبَجَلِي الْقَائِلِ لِلْحُسَيْن(عليه السلام)وَقَدْ أَذنَ لَهُ فِي الإِنْصِرَاف: لا وَالله لَا يَكُونُ ذلِكَ أَبْداً. أَتْرُكُ ابْنَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَسِيْراً فِي يَدِ الأَعْدَاء

ص: 108

وَأَنْجُو أَنَا لاَ أَرانى الله ذلِكَ الْيَوْمَ.

السَّلامُ عَلَى عُمْرِو بْنِ قُرْطَة الأَنْصَارِي.

السَّلاَمُ عَلَى حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرِ الأَسَدِي.

السَّلَامُ عَلَى الْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ الرِّيَاحِيَّ.

السَّلاَمُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرِ الْكَلْبِيَّ.

السَّلاَمُ عَلَى نَافِعِ بْنِ هِلاَلِ الْبَحْلِيِّ الْمُرَادِي.

السَّلَامُ عَلَى أَنَسِ بْنِ كَاهِلِ الْأَسَدِي.

السَّلاَمُ عَلَى قَيْسِ بْنِ مُسْهِرٍ الصَّيْدَاوِي.

السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَي عَرْوَةَ بْنِ حَرَاقِ الْغِفَارِيَيْنِ.

السَّلام عَلى جَوْن مُوْلَى أَبِي ذَرَ الغِفَاريَّ.

السَّلام عَلَى شَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّهْشَلِي.

السَّلام عَلَى الْحَجاج بْنِ يَزِيدَ السَّعْدِي.

السَّلَامُ عَلَى قَاسِطِ وَكِردوس (1) ابْنَيْ زُهَيْرِ التَّغْلِبَيْنِ

السَّلامُ عَلى كِنَانَةِ بْنِ عَتِيق.

السَّلام عَلى ضَرْغَامَةِ بْنِ مَالِكِ.

ص: 109


1- کرش خ ل .

السَّلامُ عَلى جُوَيْن بْن مَالِكِ الضَّعِي.

السَّلاَمُ عَلَى عَمْرِو بْنَ ضَيْعَةَ الضَّبَعي.

السَّلَامُ عَلَى زَيْدِ بْنِ تُبِيْتِ الْقَيْسِي.

السَّلاَمُ عَلى عَبْدِ اللَّهِ وَعَبَيْدِ الله ابْنَي يَزِيدَ بْنِ تُبَيْتِ القَيْسِي.

السَّلَامُ عَلَى عَامِرِ بْنِ مُسْلِمٍ.

السَّلاَمُ عَلَى قَعْنَبِ بْنِ عَمْرِو النَّدِي.

السَّلاَمُ عَلَى سَالِمٍ مُوْلَى عَامِرِ بْنِ مُسْلِمٍ.

السَّلام عَلى سَيْفِ بْنِ مَالِكِ.

السَّلاَمُ عَلى زُهَيْرِ بْنِ بِشَرِ الْخَثْعَمِيُّ.

السَّلاَمَ عَلَى بَدْرِ بْنِ مَعْقِلِ الْجُعْفِي.

السَّلاَمُ عَلى الحَجَاجِ بْنِ مَسْرُوقِ الْجُعْفِي.

السَّلاَمُ عَلَى مَسْعُودِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَابْنِهِ.

السَّلامُ عَلَى مُجْمَعِ بْنِ عَبْدِ الله الْعَائِدِي.

السَّلَامُ عَلَى عَمَّار حسان بْنِ شُرَيْحٍ الطَّائِيِّ.

السَّلاَمُ عَلى حَيَّانَ بْنِ الْحَارث السَّلْمَانِيِّ الأَزْدي.

السَّلَامُ عَلَى جُنْدَبِ بْنِ حِجْرِ الخَوْلَانِي.

السَّلامُ عَلَى عُمَرَ بْنِ خَالِدِ الصَّيْدَاوِي.

ص: 110

السَّلام عَلَى سَعِيدٍ مَوْلاَهُ.

السَّلام عَلَى يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْمُظَاهِرِ الْكِنْدِي.

السَّلام عَلَى زَاهِرٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْحَمَقِ الخُزَاعِيُّ.

السَّلَامُ عَلَى جَبَلَةِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيِّ.

السَّلام عَلَى سَالِمٍ مَوْلى بَنِي الْمَدِينَةِ الْكَلْبِيَّ.

السَّلَامُ عَلى أَسْلَمَ بْنِ كَثِيرِ الأَزدي.

السَّلام عَلى قَاسِمِ بْنِ حَبِيبِ الأَرْدِيَّ.

السَّلامُ عَلى عُمَرَ بْنِ الْأَحَدُوثِ الْحَضْرَمِي.

السَّلامُ عَلى أَبي تَمَامَةَ عُمَرَ بْنِ عبدالله الصائدي.

السَّلاَمُ عَلى حَنْظَلَةِ بْن أَسْعَدَ الشَّامِي.

السَّلامُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْكَدَنِ الْأَرْحَبِي .

السَّلامُ عَلَى عَمَّارِ بْنِ أَبِي سَلَامَةَ الهَمَدَانِي.

أَلسَّلاَمُ عَلَى عَابِسِ بْنِ شَبِيبٍ الشَّاكِرِي.

السَّلام عَلى شَوْذَب مَوْلى شَاكِرِ.

السَّلام عَلى شبيب بن الحارث بن سَرِيع.

السَّلاَمُ عَلَى مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرِيع.

السَّلامُ عَلَى الْجَرِيحِ الْمَأْسُورٍ سِوَارِ بْنِ أَبِي حِمْيرِ الْفَهِمِيُّ الْهَمَدَانِي.

ص: 111

السَّلام عَلَى الْمُرْتَثُ (1) مَعَهُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الله الْجَنْدَعِي.

السَّلام عَلَيْكُمْ يَا خَيْرَ أَنْصَار.

السَّلام عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبى الدار. بَوَّأْكُمُ اللهُ مُبَوا الأَبْرَارِ أَشْهَدُ لَقَدْ كَشَفَ اللَّهُ لَكُمْ الْغِطَاءَ وَمَهَدَ لَكُمْ الوَظَاءَ وأَجْزَلَ لَكُمْ العَطَاء وَكُنتُمْ عَن الْحَقِّ غَيْرَ بَطَاء وَأَنتُمْ لَنَا فَرَط ونَحْنُ لَكُمْ خُلَطَاءَ فِي دار البَقَاء وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ (2).

روى هذه الرواية ابن طلحة وابن الصباغ، وعدد الأسماء التي ذكرت اثنان وثمانون اسماً منهم سبعة عشر نفراً من الطالبيين، كما روي عن الإمام الباقر حيث كان من بين الشهداء سبعة عشر من أولاد فاطمة(عليها السلام)(3).

وقال سراقة الباهلي :

عيني ابكي بعبرة وعويل*** واندبي أن تدبت آل الرسول

تسَعَةٌ مِّنْهُمُ لِصَلْبِ عَلِيَّ*** قد أصيبوا وسبعة لعقيل

***

ص: 112


1- المرتثُ : المحمول من المعركة جريحاً وبه رمق ثم فارق الحياة .
2- إقبال: بحار الأنوار ج 45 ص 65 .
3- راجع البحار : ج 45 ص 63 ط لبنان.

«علَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلامُ الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ »

جميعاً: حال منصوبة ، وهي تفيد التأكيد على العموم، كقوله عز وجل : ﴿الآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ﴾(1) . وقوله تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ﴾ (2)، وهذا ما أشير إليه في الصحاح والكشاف وتفسير القاضي وغيرها من الكتب المعتبرة .

أبداً حسب الظاهر أنها مأخوذة من كلمة (أبود) بمعنى الإقامة في مكان ما ويستفاد منها معنى الدهر والدائم ،والقديم، وجاءت هنا بمعنى الدائم، بدليل قوله : « وبقي الليل والنهار»، ونصبت (أبداً) على الظرفية.

و(ما) في (ما بقيت) زمانية مصدرية، أي مدة بقائي وبقاء الليل والنهار وجاءت الزيارة المباركة بجملة : عليكم مني جميعاً سلام الله». لعله جاء من باب قول الشاعر :

سلام من الرحمن نحو جنابكم *** فإن سلامي لا يليق ببابكم

كما كان الشيخ البهائي ينشد به عند كتابته لبعض رسائله .

ولعل المقصود الآخر من جملة «سلام الله عليك هو الدعاء والطلب من الله عز وجل بنزول فيوضات الرحمة والسلام منه ومن ثم رفع العبد إلى

ص: 113


1- یونس : 99 .
2- البقرة : 29.

درجات من القرب المعنوي .

وهناك معنى آخر للسلام وهو السلم والسلامة، وذلك بأن يحفظ الله سبحانه وتعالى الشخص من جميع العيوب والأخطار المادية والمعنوية التي قد تصيبه في المستقبل .

وفي هذه العبارة للزيارة «عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار».

نوع من الالتفات وانتقال الخطاب من الحاضر إلى الغائب، وفي هذا الانتقال والذي يكون أحياناً بصورة معاكسة فيه نوع من اللحن الجميل الذي يبعث النشاط والتوقد في الذهن، وقد جاء هذا التصوير في الكثير من الآيات القرآنية، كقوله عز وجل : ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتِثِيرُ سَحَابًا فَسُفْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مثبت ﴾(1)

وفي قوله تعالى أيضاً : ﴿حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيح طيبة﴾ (2) .

وهناك بعض العبارات والجمل جاءت في اللغة العربية، تفيد الدوام والأبد منها:

1- لا أفعل ذلك أبداً ما اختلفت العصران .(3)

2- ما كَر الجديدان.(4)

ص: 114


1- فاطر: 9 .
2- یونس : 22 .
3- العضران : الغَداة والعشي، أو الليل والنهار .
4- الجديدان والأجدان : الليل والنهار .

3- ما اختلف المَلَوَان. (1)

4 - ما اصطحب الفرقدان (2) .

5 -ما تعاقب العصران والفتيان .

6- ما لاح النيران.

7-ما حنت النيب .

8- ما أورق العود .

9 - ما دعا الله داع.

10 - ما عَنَّ في السماء نجم .

-11- ما طلع الفجر .

-12 - ما بل بحر صوفه .

13 - ما هتفت حمامة .

14 - ما لاح عارض .

15 - ما ذر شارق .

17 - ما ناخ قمري .

18 - ما أن كان في الفُرات قطرة .

19 - حتى يَحنَّ الصَّب في أثر الإبل الصادرة.

20 - ما اختلفت الدرة والجرة ( وأن الدرة تسفل والجرة تعلو).

ص: 115


1- الملوان : الليل والنهار أو طرفا النهار (من : ملو).
2- الفرقدان نجمان من نجوم الدب الأصغر.

21 - ما اختلف الأجدان .

22 - ما غرد الحمام

23 - ما أطت الإبل .

24 - ما خوى الليل والنهار.

25- ما حد الليل والنهار .

26 أبد الأبد .

27 - أبد الآبدين .

28 - أبد الآباد .

29 - سن الحسل (1)

30- ولا أفعله أخرى الليالي .

31- حين يرد الضب.

***

ص: 116


1- أي : حتى يسقط من الحسل وهو ولد الضب ولا يسقط سنه أبداً (مزهر اللغة : السيوطي).

«يا أَبا عَبْدِ اللهِ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزْيَّةُ وَجَلَّتْ المُصيبَةُ بكَ عَلَيْنا وَعَلَى جَميعِ أَهْلِ الإِسْلامِ »

جاءت كلمة العظمة والجلالة في كتب اللغة بمعنى يقارب الآخر ولكن حسب المشهور تستخدم كلمة العظمة في قبال كلمة الحقارة والصغير، وكلمة الجلالة في قبال كلمة الدقة كما قالوا: «ماله دق ولاجل ولا دقيقة ولا جليلة، ويقول العلماء : نظر دقيق ونظر جليل .

المصيبة : اسم فاعل فعلها أصاب وتعني الوصول إلى الهدف وتحقيق الهدف.

الرزية : وأصلها (رزيئة) خففت فقلبت الهمزة إلى ياء، وهي تعني المصيبة أيضاً .

عن المفضل بن عمر عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)عن أبيه عن جده ، أن الحسين بن علي(عليه السلام) ، دخل يوماً إلى الحسن(عليه السلام)، فلما نظر إليه بكي، فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟

قال : أبكي لما يصنع بك ، فقال له الإمام الحسن(عليه السلام) : إن الذي يؤتى إلي سم فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدعون أنهم من أمة جدنا محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك

ص: 117

ونسائك، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحل ببني أمية اللعنة وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار(1) .

عن عبد الله بن الفضل قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام): يا بن رسول الله كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء، دون اليوم الذي قبض رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) واليوم الذي ماتت فيه فاطمة(عليها السلام)واليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين(عليه السلام)واليوم الذي قتل فيه الحسن عليه بالسم ؟ فقال : إن يوم الحسين(عليه السلام)، أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام، وذلك إن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على الله تعالى ، كانوا خمسة فلما مضى عنهم النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، فكان فيهم للناس عزاء وسلوة .

فلما مضت فاطمة (عليها السلام)، كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوه، فلما مضى منهم أمير المؤمنين(عليه السلام) ، كان للناس في الحسن والحسين عزاء وسلوة، فلما مضى الحسن(عليه السلام)كان للناس في الحسين السالم عزاء وسلوة، فلما قتل الحسين(عليه السلام)لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء وسلوة، فكان ذهابه کذهاب ،جميعهم، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم ، فلذلك صار يومه أعظم مصيبة(2).

ويؤيد هذا الحديث، القول المنسوب للعقيلة الطاهرة السيدة زينب الكبرى(عليه السلام)في اليوم العاشر من المحرم بعد استشهاد أخيها أبي عبد الحسين(عليه السلام)حيث قالت: «والكلاه ليست الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت

ص: 118


1- بحار الأنوار: ج 45 ص 218 .
2- علل الشرائع : ج 1 ص 265 .

أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي»(1).

وعن عمر بن بشر الهمداني قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذل الناس؟ قال : حين قتل الحسين بن علي (عليه السلام)، وادَّعَى زياد، وقتل حجر بن عدي(2).

***

ص: 119


1- الثّمال : الغياث والملجأ والمطعم في الشدة، ومَن يقوم بأمر قومه . يُقال : هو ثمال قومه وثمال اليتامى ؛ أي : مُغيثهم .
2- البحار : ج 44 ص 271 .

« وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّماوات عَلى جَميعِ أَهْلِ السَّمَوَات »

ذكرت الروايات السنيّة والشيعية، بأن هناك ظواهر وشواهد غريبة وقعت في السماء والأرض بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) مباشرة، وإليك بعض هذه الروايات :

عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام): هبط أربعة آلاف ملك يريدون القتال مع الحسين، فلم يؤذن لهم في القتال، فرجعوا في الاستثمار الأخذ الأذن، فهبطوا وقد قتل الحسين(عليه السلام)، فلعنوا قاتله ومن أعان عليه ومن شرك في دمه ، فهم عند قبره شعث غير يبكون إلى يوم القيامة ، رئيسهم ملك يقال له : منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع إلا شيعوه ولا يمرض إلا عادوه، ولا يموت إلا صلوا على جنازته، واستغفروا ل-ه بع-د موته ، فكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم (عليه السلام)».

عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : «إن الله وكل بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غير يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس ، وإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك وصعد أربعة آلاف ، فلم يزل يبكونه حتى يطلع الفجر»(1) .

ص: 120


1- بحار الأنوار: ج 45 ص 223.

عن عبد العظيم الحسني، عن الحسن النخعي، عن كثير بن شهاب الحارثي ، قال :

بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين (عليه السلام)في الرحبة، إذ طلع الحسين(عليه السلام)، فضحك علي(عليه السلام)ضحكاً حتى بدت نواجذه ، ثم قال : «إن الله ذكر قوماً وقال: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾ والذي فلق الحبة وبرا النسمة ليقتلن هذا ولتبكين عليه السماء والأرض »(1).

عن صفوان الجمال عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال : سألته في طريق المدينة ونحن نريد مكة، فقلت: يا بن رسول الله مالي أراك كئيباً حزيناً منكسراً؟ فقال : لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مساءلتي ، فقلت : وما الذي تسمع ؟ قال : ابتهال الملائكة إلى الله عز وجل على قتلة أمير المؤمنين وقتلة الحسين(عليه السلام)، ونَوح الجن وبكاء الملائكة الذين حوله وشدة جزعهم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم؟ (2)

عن داود بن فرقد ، قال : سمعت أبا عبد الله(عليه السلام)يقول :

كان الذي قتل الحسين بن علي (عليه السلام)ولد زنا، والذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنا وقال احمرت السماء حين قتل الحسين بن علي سنة ، ثم قال : بكت السماء والأرض على الحسين بن علي وَعَلى يحيى بن زكريا، وحمرتها بكاؤها (3).

عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : زوروا الحسين(عليه السلام)ولا تجفوه، فإنه سيد

ص: 121


1- بحار الأنوار: ج 45 ص 212 .
2- بحار الأنوار: ج 45 ص 226 .
3- بحار الأنوار: ج 45 ص 213

شباب الجنة وشبيه يحيى بن زكريا ، وعليهما بكت السماء والأرض(1) .

عن محمد بن سلمة عمن حدثه قال : لما قتل الحسين بن علي يا أمطرت السماء تراباً أحمر(2) .

***

ص: 122


1- المصدر : ص 201 .
2- المصدر : ص 211 .

«فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَساس الظلم وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ»

اشارة

الفاء في( فلعن )للتفريع، وهي تفيد تبيين الارتباط والاتصال بين الموضوع السابق واللاحق، فبما أن القول السابق تحدث حول عظمة المصيبة التي جرت على الإمام الحسين(عليه السلام)وأهل بيته الطاهرين، لهذا جاءت الجملة الثانية لتصب اللعن على قتلة الإمام (عليه السلام)، فلذا فاللعن لم يأت اعتباطاً بل جاء نتيجة عظمة الرزية وفداحة الخطب الذي حل بأهل بيت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).

والمراد من اللعن (كما في كتب اللغة هو الطرد، واللعنة من الله عز وجل معناها الطرد من مقام القرب والرحمة الإلهية .

الأمة : هي الجماعة، وتستخدم أحياناً في الشخص الواحد، كما في قوله عز وجل :﴿ إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانتا لِلَّهِ حَنِيفاً ﴾ (1)

وكما جاء في الحديث الشريف: «رحم الله قيساً يحشر يوم القيامة أمة واحدة» (2)

الظلم كما في (ديوان الأدب) و (المصباح) هو وضع الشيء في غير موضعه، وفي (النهاية) قال هو الابتعاد عن جادة الصواب والطريق المستقيم، والرأي الأول هو الأقوى حسب الظاهر، وتأتي أحياناً بمعنى النقص ، كما قال

ص: 123


1- النحل : 120 .
2- البحار : 22 ص 240 .

تعالى: ﴿وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ (1)

الجور: هو العدول عن الطريق، وتأتي بمعنى التعدي أيضاً .

منبع الظلم

عن الكميت بن زيد الأسدي قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)فقال : يا کمیت لو كان عندنا مال لأعطيناك منه ، ولكن لك ما قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)لحسان بن ثابت ، لن يزال معك روح القدس ما ذيبت عنا ، قال : قلت : أخبرني عن الرجلين ، قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثم قال : والله يا كميت ما اهريق محجمة من دم ولا أخذ مال من غير حله ولا قلب حجر عن حجر إلا ذاك في أعناقهما (2)

عن حنان بن سدير عن أبيه قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام)عنهما فقال : يا أبا الفضل ما تسألني عنهما فوالله ما مات مناميت قط إلا ساخطاً عليهما، وما منا اليوم إلا ساخطاً عليهما ، يوصي بذلك الكبير منا الصغير، إنهما ظلمانا حقنا و منعانا فيئنا، وكانا أول من ركب أعناقنا وبثقا علينا بثقاً في الإسلام لا يسكن أبداً حتى يقوم قائمنا أو يتكلم متكلمنا(3)

عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله(عليه السلام)أخبرني عن الرجلين ؟ قال : ظلمانا حقنا في كتاب الله عز وجل ومنعا فاطمة صلوات الله عليها ميراثها من أبيها ، وجرى ظلمهما إلى اليوم ، قال -وأشار إلى خلفه-:

ص: 124


1- الكهف : 33 .
2- فروع الكافي : ج 8 ص 102 ح 75 .
3- الكافي : ج 8 ص 345 .

ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما (1) .

عن عبد الله بن كثير عن الصادق (عليه السلام)في خبرهما : والله أول من ظلمنا حقنا، وحملا الناس على رقابنا ، وجلسا مجلساً نحن أولى منهما، فلا غفر الله لهما ذلك الذنب ، كافران ومن يتولهما كافر يعني عدوين له، وكان معنا في المجلس رجل من أهل خراسان، يكنى بأبي عبد الله، فتغير لون الخراساني لما أن ذكرهما ، فقال له الصادق(عليه السلام): لعلك ورعت عن بعض ما قلنا؟ قال : قد كان ذلك يا سيدي ، قال : فهلا كان هذا الورع ليلة نهر بلخ، حيث أعطاك فلان بن فلان جاريته لتبيعها فلما عبرت النهر فجرت بها في أصل شجرة كذا وكذا ؟ قال : قد كان ذلك ، ولقد أتى على هذا الحديث أربعون سنة ، ولقد تبت إلى الله منه ، قال : يتوب عليك إن شاء الله (2).

في جملة احتجاج الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)على جماعة من المهاجرين والأنصار، أن طلحة قال له(عليه السلام)في جملة مسائله عنه ، يا أبا الحسن شيء أريد أن أسألك عنه ، رأيتك بثوب مختوم ، فقلت أيها الناس لم أزل مشتغلاً رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)بغسله وكفنه ودفنه ثم اشتغلت بكتاب الله حتى جمعته، يا طلحة إن كل آية أنزلها الله عز وجل على محمد عندي بإملاء رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله على محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)، و كل حلال أو حرام ، أو حد أو حكم أو شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة ، مكتوب بإملاء رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وخط يدي حتى أرش الخدش(3) ، قال : كل شيء من صغير أو كبير أو خاص أو عام كان أو يكون إلى يوم القيامة فهو عندك مكتوب ؟

ص: 125


1- الكافي : ج 8 ص 102 ح 74 .
2- ابن شهر آشوب : ج 2 ص 323 في إمامة أبي عبد الله الصادق(عليه السلام).
3- أرش الخدش : دية الجراحات والخدش أثر الأظافر ونحوها في الجلد.

قال : نعم ، وسوى ذلك ، وأن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب من العلم يفتح كل باب ألف باب، ولو أن الأمة منذ قبض رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)واتبعوني وأطاعوني ، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم .

ثم قال طلحة : لا أراك يا أبا الحسن أجبتني عما سألتك عنه من أمر القرآن إلا تظهره للناس ، قال : يا طلحة عمداً كففت عن جوابك، فأخبرني عما كتب عمر وعثمان . أقرآن كله أم فيه ما ليس بقرآن ، ؟ قال طلحة : بل قرآن كله .

قال : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة فإن فيه حجتنا ، وبيان حقنا، وفرض طاعتنا ، قال طلحة : أما إذا كان قرآناً فحسبي .

ثم قال طلحة : فأخبرني عما في يديك من القرآن وتأويله وعلم الحلال والحرام إلى من تدفعه ومن صاحبه بعدك ؟ قال : إن الذي أمرني رسول الل(صلی الله علیه وآله وسلم) أن أدفعه إليه وصيّي ، وأولى الناس بعدي بالناس ، ابني الحسن ثم يدفعه ابني الحسن إلى ابني الحسين ثم يصير واحداً بعد واحد من ولد الحسين ،

حتى يرد آخرهم على رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) حوضه هم مع القرآن، لا يفارقونه والقرآن معهم لا يفارقهم، إلا أن معاوية، وابنه سيليانها بعد عثمان ، ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن العاص واحد بعد واحد ، تكمله اثنى عشر إمام ضلاله وهم الذين رأى رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)على منبره يردون الأمة على أدبارهم القهقهرى ، عشرة منهم من بني أمية ورجلان أسسا ذلك لهم ، وعليهما مثل

جميع أوزار هذه الأمة إلى يوم القيامة (1).

ص: 126


1- الاحتجاج : ج 1 ص 225 .

أقوال العامة حول إحراق بيت فاطمة (عليها السلام)

ذكر الطبري - وهو من كبار مؤرخي السنة - في تاريخه ، قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي فقال : «والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن للبيعة»(1).

وذكر الواقدي أن عمر جاء إلى بيت علي في عصابة فيهم : أسيد بن الحضير، وسلمة بن أسلم، فقال: اخرجوا أو لنحرقهما عليكم (2).

وقال ابن عبد ربه وهو من أعيان السنة : فأما عليّ والعباس فقعدا في بيت فاطمة ، وقال له أبو بكر : إن أبيا فقاتلهما ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما الدار فلقيته فاطمة فقالت : يا بن الخطاب. أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم(3).

وقال أبو الفداء في تاريخه : إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن جماعة ليخرجه من بيت فاطمة

(رضي الله عنها) وقال : إن أبوا عليك فقاتلهم، فاقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار فلقيته فاطمة رضي الله عنها فقالت: إلى أين يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة فخرج حتى أتى أبا بكر فبايعه (4) .

كلمات فاطمة(عليها السلام)عند إضرام البيت

بعدما سمعت بضعة المصطفى أصواتهم ، وهي تبكي حزينة كئيبة ، نادت بأعلى صوتها : يا أبه يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي

ص: 127


1- تاريخ الطبري : ج 3 ص 198 وج 2 ص 443 طبع مصر النسخة القديمة
2- أعلام النساء : ج 3 ص 125 ، شرح النهج : ج 1 ص 134 .
3- العقد الفريد : ج 2 ص 250 وج 3 ص 63
4- تاريخ أبي الفداء : ج 1 ص 156 .

قحافة ؟(1)

راجع كتاب (الإمام علي ) لعبد الفتاح عبد المقصود ج 1 ص 255 ، وأعلام النساء : ج 3 ص 6 و 21 .

وقد رآها عمر تصرخ وتولول، ومعها نسوة من الهاشميات تنادي : يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله(2).

سقوط الجنين

قال الشهرستاني في كتابه : إن عمر ضرب بطن فاطمة، يوم البيعة، حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح أحرقوا دارها بمن فيه، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين (3) .

قال ابن أبي الحديد بعد ذكر هبار بن الأسدي، وان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)أباح دمه يوم فتح مكة، لأنه روع زينب بنت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)بالرمح، وهي في الهودج ، وكانت حاملاً ، فرأت دماً وطرحت ما في بطنها ، قال : قرأت هذا الخبر على النقيب أبي جعفر ، فقال : إذا كان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)أباح دم هبار لأنه روع ذا بطنها ، فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم، أن فاطمة رُوِّعت فألقت المحسن(4).

وقال البلاذري في كتابه (إثبات الهداة أنه حصر فاطمة في الباب حتى أسقطت محسناً (5) .

ص: 128


1- الإمامة والسياسة : ج 1 / 13 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 1 ص 134 .
3- الملل والنحل : للشهرستاني : ص 83ط مصر .
4- البحار : ج 8 ص 60 .
5- إحقاق الحق : ج 2 ص 373.

اعتذار القوم

قال المسعودي في كتابه (مروج الذهب )عن حماد بن سلمة قال : كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بني هاشم، وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول : إنما أراد بذلك إرهابهم، ليدخلوا في الطاعة، كما أرهب بنو هاشم

وجمع لهم لإحراقهم(1) .

أين بقية الحطب ؟

بالإسناد عن أبي الجارود، عن أبي جعفر علية ، قال : سألته متى يقوم قائمكم؟ قال : يا أبا الجارود ولا تدركون .. يقوم قائمنا بالحق بعد إياس من الشيعة .. ثم يدخل المسجد، فينقض الحائط، حتى يضعه على الأرض، ثم يخرج الأزرق وزريق لعنهما الله غضين طريين، يكلمهما فيجيبانه، فيرتاب عند ذلك المبطلون ، فيقولون يكلم الموتى، فيقتل منهم خمسمئة مرتاب في جوف المسجد ، ثم يحرقهما بالحطب الذي جمعاه، ليحرقا به علياً وفاطمة والحسن والحسين وذلك الحطب عندنا نتوارثه(2)

في جواز اللعن

أشار القرآن الكريم بالإضافة إلى الأحاديث الشريفة المروية عن النبي الأعظم الله وعن أهل بيته انه في جواز لعن من يتخلف عن أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه:

قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا

ص: 129


1- المصدر.
2- دلائل الإمامة للطبري ص 241 ط انتشارات الرضي.

والآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهيناً ﴾ (1).

وذكر البخاري في صحيحه ، أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني» (2) وروى مسلم في صحيحه، أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) قال : «ابنتي بضعة مني ، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» (3).

وروى أحمد بن حنبل في مسنده ، أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «من آذى علياً فقد آذاني ، أيها الناس من آذى علياً بعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً» (4) .

وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام)قال : لما مات رسول الله ارتد الناس إلا أربعة ، سلمان وأبو ذر ، والمقداد وحذيفة، وأما عمار، فإنه حاص حيصة ثم عاده». (5).

عن أبي هريرة، أنه كان يحدث أنَّ رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): قال : لير دَنَّ عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى . ونرى كتب الفرق الإسلامية، تنقل عن النبي الأكرم(صلی الله علیه وآله وسلم)أنه قال : «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق».

و قال (صلی الله علیه وآله وسلم) : «الحق مع علي ، وعلي مع الحق ، اللهم أدر الحق معه حيثما

ص: 130


1- الأحزاب : 57 .
2- صحيح البخاري : ج 5 ص 21 - 29 ط/ منيرية - مصر .
3- صحیح مسلم ج 7 ص 140
4- صحيح البخاري : ج 5 ص 139 ط / مصر ، إحقاق الحق : ج 6 ص 390 .
5- البحار ج 8 ص 50 .

داره(1).

وقال (صلی الله علیه وآله وسلم)العمار بن ياسر : «وإن سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً فاسلك وادياً سلكه علي ، وخَلّ الناس طراً يا عمار، إنَّ علياً لا يزال على هدى يا عمار إن طاعة علي من طاعتي وطاعتي من طاعة الله»، رواه العلامة من طرق الجمهور(2) .

***

ص: 131


1- صحيح الترمذي : ج 3 ص 166 ط / مصر .
2- مناقب الخوارزمي : ص 63 ط إيران .

«ولَعَنَ اللهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبكُمُ التي رتَّبَكُمُ اللهُ فيها »

المقام : هو مكان القيام، ولأنهم اتسعوا فيه فاستعملوه للمكان والمجلس.

الترتيب : وضع الشيء في مكانه، والمراد من الدفع عن مراتبهم هو إخراجهم عن مقامهم الإلهي الذي أمر به تعالى والمراد منه هي الحكومة والرئاسة الظاهرية للبلاد والعباد، التي لابد أن تعطى للإنسان الشريف والنزيه الذي لا يقصد بها إلا الوصول إلى رضوان الله (عز وجل)، من خلال تطبيق أحكامه الشرعية بين عباده، وليست حقيقة الإمامة إذ لا يمكن أن تغتصب وأن تؤخذ من قبل الأعداء والكفار .

هذه الجملة الشريفة من الزيارة المقدسة للإمام الحسين(عليه السلام)، تتحد في المعنى مع قول الإمام زين العابدين(عليه السلام)في الصحيفة السجادية ، قال(عليه السلام) : «اللهم إن هذا المقام الخلفائك وأصفيائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة

التي اختصصتم بها ، قد ابتزوها (1)

***

ص: 132


1- الصحيفة السجادية : دعاء 49 .

«وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهَدينَ لَهُمْ بِالتمْكِينِ لِقِتالِكُمْ»

التمهيد : التوطئة والتسهيل .

تشير الجملة المباركة إلى أولئك الذين فتحوا الطريق وسهلوا الوسائل في إنزال مختلف أنواع الظلم على أهل بيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم).

قالت سيدتنا زينب بنت علي (عليها السلام)وهي تندب وتنادي أخاها الإمام الحسين (عليه السلام)بصوت حزين وقلب كثيب : «وامحمداه صلى عليك مليك السماء . . وهذا حسين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا ، بأبي من فسطاطه مقطع العرى»(1).

ويوم الاثنين هو يوم السقيفة، ولقد أجاد الشاعر القاضي أبو بكر أبو قريعه عندما قال :

يا من يسائل داباً ***عن كل معضلة سخيفة

لا تكشفن مغطّ--ی*** فلربما كشفت جيفة

ولَرُب مستور بدا ***كالطبل من تحت القطيفة

إن الجواب لحاضر***لكنني أخفيه خيفة

لولا اعتداء رعي-ة ***ألقى سياستها الخليفة

لنشرت من أسرارآ*** لِ محمد جمالاً طريفة

ص: 133


1- بحار الأنوار: ج 45 ص 59 .

تغنيكمُ عَمَّا روا***ه مالك وأبو حنيفة

وأريتكم أن الحسي-*** -ن أصيب في يوم السقيفة

وَلأي حال لٌحدَتْ*** بالليل فاطمة الشريفة

أوه لبنت محم--د*** ماتت بغصتها أسيفة (1)

فالمقطع الشريف من الزيارة يشير إلى أولئك الذين مهدوا الطريق لحدوث واقعة الطف الفجيعة ، التي قتل فيها سبط رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وأبناؤه وإخوانه ومجموعة من أهل بيته وثلة من الأصحاب الطاهرين .

ثم أخذت نساؤه وأطفاله أسرى يحدو بهم الأعداء من بلد إلى بلد حتى جيء بهم إلى الطاغية يزيد بن معاوية، فمن الذي أجاز لهم ذلك ، ولطالما كان النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)يوصي بأهل بيته خيراً حتى نزل قوله تعالى: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾(2)؟ !

يظهر أنه كانت هناك أيدي خبيثة تعمل ليل نهار في الاتجاه المعاكس لعمل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) وذلك لإطفاء نور الله تعالى، وجاء بعدهم الخلفاء الأمويون والعباسيون وبذلوا جهوداً جبارة في هذا الاتجاه أيضاً، ولكنهم لم يستطيعوا إطفاء نور الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بأفْوَاهِهِمْ واللهُ مُتِمُّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾(3).

***

ص: 134


1- بحار الأنوار: ج 43 ص 190.
2- سورى الشورى : الآية 23 .
3- سورة الصف : الآية 9 .

«بَرِئتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَتْباعِهِمْ وَأَشْيَاعِهِمْ وَأَوْلِيَائهُمْ»

برئت : أصل البرء والبراء والتبري هو التقصي مما يكره مجاورته، وبرئ من مرضه أي تنقى وعوفي وبرئ من دينه أي سقط عنه طلبه.

الأتباع : الذين يقتفون الأثر، ويسلكون مسلك الآخرين وذلك تارة بالجسم وتارة بالارتسام والائتمار، قال تعالى : ﴿ولا تتبعوا خطوات الشَّيْطَان﴾ (1) .

الشيعة : هم الأنصار والأتباع ، وقيل : من يتقوى بهم الإنسان وينتشرون عنه(2) .

الأولياء : مأخوذة من الولاية بمعنى النصرة والمحبة، وتستعار للقرب من حيث المكان والنسبة ، ومن حيث الدين والمذهب والاعتقاد(3).

هذه الجملة الشريف للزيارة تشير إلى مسألة التبرّي من أعداء الله عز وجل الذي هو الركن المهم الذي يقف إلى جانب أمر الموالاة والمتابعة، ومنهما تتكون كلمة التوحيد والإيمان ويمكن لنا فهم هذه الجملة بشكل واسع عندما نتأمل قليلاً في قوله عز وجل : ﴿ولا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي

ص: 135


1- البقرة : 168.
2- مفردات الراغب : ص 470 ط ذوي القربى .
3- المصدر : ص 885 .

قُلُوبِهِمُ الإيمان وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ الله أَلا إِنَّ حِزْبَ الله هُم المُفْلِحُونَ ﴾ (1) .

***

ص: 136


1- المجادلة : 22 .

«يَا أَبا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

السلام والسلامة : التعري من الآفات الظاهرة والباطنة قال تعالى : إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم ﴾ (1)أي خال من الدخل والمرض، هذا بالنسبة للباطن ، وأما بالنسبة للظاهر قال عز وجل :﴿ مُسَلَّمَةٌ لا شيَةَ فِيهَا ﴾(2)

اليوم : يعبر عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها ، وقد يعبر عن مدة من الزمان ، أي مدة كانت ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ التَقَى الجمعان ﴾(3)

قال الشاعر :

واليوم من طلوع جرم الشمس ***إلى غروبها بزعم الفرس

كذلك في النجوم والحساب*** وذاك في السنة والكتاب

يؤخذ من طلوع الفجر صادق*** إلى ذهاب حمرة المشارق

القيامة : يقال قام يقوم قياماً والقيامة أصلها ما يكون من الإنسان من القيام

ص: 137


1- الشعراء : 89 .
2- البقرة : 71 .
3- آل عمران : 155 .

دفعة واحدة أدخل فيها الهاء تنبيهاً على وقوعها دفعة(1) ، وأطلقت القيامة على يوم الحشر وذلك لقيام الخلق من مضاجعهم للوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (2)

ذكرت الروايات الصادرة من الفريقين، أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال لابنته الزهراء(عليها السلام)ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): «حربك حربي وسلمك سلمي، وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): «أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم ».

وذكر الترمذي في صحيحه، بسند عن زيد بن أرقم «أن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام): أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم»(3).

ويثبت لأهل السنة من خلال هذه الأحاديث الشريفة كفر معاوية ، وأصحاب الجمل وجميع الذين خرجوا لقتال الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، لكونهم حاربوا النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)لمحاربتهم للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)والإمام الحسين (عليه السلام)ومحارب النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) كافر حسب نص القرآن الكريم والسنة الشريفة .

***

ص: 138


1- مفردات الراغب : ص 691 .
2- المطففين : 6 .
3- صحيح الترمذي : ج 5 باب 61 فضل فاطمة في رقم 3870.

«ولَعَنَ الله آل زياد»

زیاد هو أبو عبد الله، وهو معروف بزياد بن أبيه، وزياد بن أمه، وزياد بن عبيد وزياد بن سمية ، ثم أصبح مشهوراً فيما بعد بزياد بن أبي سفيان ، أما عبيد وسمية كانا من موالي كسرى وأنه أهداهما إلى أبي الخير بن عمر والكندي أحد ملوك اليمن .

وقيل : إن سمية أم زياد كانت لدهقان زندورد بکسکر، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن كلدة الطبيب الثقفي، فعالجه ،فبرئ فوهبه سمية فولدت عند الحارث أبا بكرة، واسمه نفيع، فلم يقربه، ثم ولدت نافعاً، فلم يُقرَّ به أيضاً ، فلما نزل أبو بكرة إلى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)حين حضر الطائف ، قال الحارث لنافع : أنت ولدي وكان قد زوج سمية من غلام له اسمه عبيد، وهو رومي ، فولدت له زيادأ(1) .

وفي مروج الذهب أن سمية كانت من ذوات الأعلام وكان لها منزلاً في الطائف في محلة تسمى ب- (حارة البغايا )مروج الذهب : ج 3 ص 6 ط دار الهجرة . ، وكان أبو سفيان بن حرب سار في الجاهلية إلى الطائف فنزل على خمار ، يقال له أبو مريم السلولي ، وأسلم بعد ذلك و صحب النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال أبو سفيان لأبي مريم : قد اشتهيت النساء فالتمس لي بغياً فقال له : هل لك في سمية ؟ فقال : هاتها على طول ثدييها

ص: 139


1- الكامل لابن الأثير : ج 3 ص 443

وذفر بطنها ، فأتاه بها فوقع عليها ، فعلقت بزياد، ثم وضعته في السنة الأولى من الهجرة، فلما كبر ونشأ استكتبه أبو موسى الأشعري لما ولي البصرة ثم إن

عمر بن الخطاب استكفى زياداً أمراً فقام فيه مقاماً، مرضياً، فلما عاد إليه ،حضر وعند عمر المهاجرون والأنصار فخطب خطبة لم يسمعوا بمثلها فقال عمرو بن العاص : الله هذا الغلام لو كان أبوه من قريش لساق العرب بعصاه ! (أي لكان الأجدر بالرئاسة والخلافة) .

فقال أبو سفيان وهو حاضر: والله إني لأعرف أباه ومن وضعه في رحم أمه (1).

وقد قام ابن زياد بقتل شيعة أمير المؤمنين(عليه السلام)في البصرة والكوفة وكان يقطع أيديهم وأرجلهم ويسمر عيونهم ، وكان يعرفهم حق المعرفة أنهم على الحق والصواب، وأنه دفن عبد الرحمن بن حسان حياً وذلك لحبه للإمام علي (عليه السلام)، كما روى ذلك ابن خلدون وابن الأثير، وهو أول من أمر بسب الإمام علي(عليه السلام)وأخذ يدعو إلى ذلك في جميع العراق، حتى إن البعض تصور أن قول الإمام (عليه السلام):« سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم ، مندحق البطن ، يأكل ما يجد ولا يجد فاقتلوه ولن تقتلوه ألا وإنه سيأمر بسبي والبراءة مني»(2)، يشير إلى عبيد الله بن زياد، ولكن الأظهر أن القول يشير إلى معاوية (لعنه الله) . ويقولون بأن دهاة العرب أربع وقد نظمهم الشاعر حيث قال :

من العرب العرباء قد عُد أربع*** دهاة فما يؤتى لهم بشبيه

معاوية عمر بن عاص ، مغيرة ***زیاد هو المعروف بابن أبيه

ذكر ابن أبي الحديد في كتابه : إن زياد بن أبيه أراد أن يطلب من أهل

ص: 140


1- الكامل لابن الأثير : ج 3 ص 443 .
2- خطبة 75 - نهج ابلاغة .

الكوفة ، البراءة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)ومن ثم لعنه (والعياذ بالله) وأن يخيّرهم بين ذلك والقتل وتخريب بيوتهم ، ولكن الله سبحانه وتعالى كان له بالمرصاد، إذ ابتلي في ذلك اليوم الذي أراد فيه القيام بهذا العمل بمرض الطاعون ، وبعد ثلاثة أيام ذهب إلى جهنم وبئس المصير، وهذا الأمر وقع في أيام خلافة معاوية بن أبي سفيان (العنهما الله) .

نقل الشيخ في أماليه ، بسند معتبر عن كثير بن الصلت بأن زياد بن سمية أراد القيام بهذا العمل، ولكنه لم يصل إلى بغيته الإجرامية بل التحق بأسلافه الشياطين الذين سعوا إلى إطفاء نور الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: ﴿يُريدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بأفْوَاهِهِمْ وَيَأبى الله إلا أَنْ يُتمَّ نُوره وَلَوْ كَره الكَافِرُونَ﴾ (1).

ولكن مما يؤسف له أن نرى ابن الأثير في كتابه (أسد الغابة) يعد زياد بن أبيه من صحابة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)في حين أنه لم يصاحب النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) إذ كان عمره عشر سنوات يوم وفاة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) ولم يرو عنه شيئاً أبداً ، وأنه لم يكن في مكة ولا في المدينة، ولهذا لا يمكن إطلاق لفظ الصحابة عليه ، وقد خرج من الإسلام بسبه للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)وقتله لشيعته ومحبيه من دون أي ذنب وجرم سوى حبهم للإمام علي (عليه السلام).

روى البخاري في صحيحه عن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال : «من عادى ليولياً فقد آذنته بالحرب»(2) .

وأولاد زياد كما ذكرهم ابن قتيبة في كتاب (المعارف) هم عبد الرحمن ،

ص: 141


1- التوبة : 32 .
2- صحيح البخاري : ج 8 ص 131 باب 37 .

والمغيرة، ومحمد ، وأبو سفيان وعبيد الله ، وعبد الله (وأمهم مرجانة) ، وسلم وعثمان وعباد، وربيع وأبو عبيدة ، ويزيد وعنبسة وأم معاوية، وعمر، وغصن وعتبة وأبان وجعفر وسعيد وإبراهيم (لعنهم الله جميعاً) .

***

ص: 142

«وَآلَ مَرْوانَ »

اشارة

مروان هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية، المعروف بالطريد والملقب بالوزغ، والمشهور بخيط الباطل، وهو من أشد الأعداء الله ولرسوله وآله الأطهار(عليهم السلام) ، وله عداوة خاصة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فكان منذ بداية خلافة عثمان بن عفان وإلى نهاية أيام حياته، يسعى بكل ما أوتي من قوة في إخفاء مناقب وفضائل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)ولصق التهم والأكاذيب عليه . أبوه (الحكم) هو عم عثمان بن عفان وكان من أشد أعداء النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)حيث كان يتجاهر بعداوته ويصرح ببغضه له.

ذكر المؤرخون أسباباً عديدة في سبب تسميه بالطريد، أشهرها أنه كان يتبع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)في سيره بالطرقات وكان يقوم بأداء أعمال وحركات سخيفة استهزاء وبالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم)منها أنه كان يتمايل يميناً وشمالاً خلف النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)فلما راه (صلی الله علیه وآله وسلم) قال : فكذلك فلتكن فبقي على هذه الحالة وابتلي بالمرض، بسبب دعاء النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)ثم طرده إلى الطائف برواية المؤرخين(1) .

وروى حماد بن عيسى عن حذيفة بن اليمان أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على المنبر فاضربوه بالسيف، وإذا رأيتم الحكم بن أبي العاص فاقتلوه ولو تحت أستار الكعبة. وقال : ونفاه رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)إلى

ص: 143


1- الكامل لابن الأثير : ج 4 ص 193 ط بيروت .

الدهلك أرض من أرض الحبشة ، قال : فلما ولي أبو بكر كلموه فيه قال : فأبى أن يأذن له . . . الحديث (1).

ولد مروان بن الحكم في الطائف وقيل في مكة، ويعتقد البعض بأنه كان صغيراً وطرد مع أبيه . وأم الحكم هي الزرقاء كما ذكر ذلك ابن الأثير في (الكامل) وأنها كانت من ذوات الأعلام ومشهورة بالزنا(2) ،وإن لقب (ابن الزرقاء) أطلق على مروان وآل مروان كما جاء ذلك في أخبار وأشعار المسلمين فيما بعد .

منها ما ذكره صاحب كتاب الملهوف، في حادثة طلب البيعة من سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)في المدينة المنورة في الأيام الأولى لخلافة يزيد بن معاوية بأن مروان أشار إلى الوليد بقتل الإمام (عليه السلام)فقال له الإمام الحسين (عليه السلام): ويلي عليك يابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي»(3).

وجاء في البحار : أن مروان سب الإمام أمير المؤمنين علياً (عليه السلام)، فوصل الخبر إلى الإمام الحسين(عليه السلام) فغضب الإمام (عليه السلام)وقال : يابن الزرقاء ويابن أكلة العمل . أنت الواقع في علي(4).

ونقل أبو مخنف في حديث أخذ البيعة، بأن الإمام (عليه السلام)قال : يا بن الزرقاء، أنت تقتلني، كذبت يا بن اللخناء» وقيل : «أنت تأمر بقتلي»(5).

نفهم من هذه العبارات، بأن أم الحكم تمتلك صفات أخرى، منها أنها

ص: 144


1- أصل أبو سعيد : ص 19 ط إيران.
2- الكامل لابن الأثير : ج 4 ص 194 ط / بيروت.
3- الملهوف : 17 - 18 ، البحار : ج 44 ص 325 .
4- تفسير الفرات ص 90 ، البحار ج 44 ص 211 من.
5- أبو مخنف : ص 12 ط / طهران.

كانت تأكل القمل، وكانت قذرة. وهو المراد من اللخناء كما قيل .

وقال البعض: إن هذه الصفات كانت لأم مروان بن الحكم أيضاً .

بقي مروان وأبوه في الطائف إلى أن ارتحل النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)من هذه الدنيا فتوسط عثمان لمروان، عند أبي بكر وذلك لقرابته منه ولكنه لم يصل إلى نتيجة ، فلما وصل الأمر إلى عمر بن الخطاب، تشفع عنده المروان فلم يقبل أيضاً، ولكن عندما جلس عثمان على كرسي الخلافة والحكم أمر بإرجاع مروان وأصحابه إلى المدينة المنورة ، مخالفاً لعمله هذا أمر الرسول الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم) في نفيه ، وكان هذا العمل شديداً على المسلمين. ومع رجوع مروان إلى المدينة ، أمر عثمان بإخراج أبي ذر (صلی الله علیه وآله وسلم)منها ونفيه إلى الربذة، فنفي إليها حتى مات ، ثم أعطى عثمان مئة ألف دينار إلى مروان في يوم واحد، وأعطى خرج سوق المدينة إلى الحارث بن الحكم في وقت أوقفه النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، صدقة دائمة لفقراء المسلمين، ثم إن عثمان قرب مروان إليه مما أدى إلى حدوث فتن كثيرة وموحشة أدت إلى قتله (لعنه الله) .

ويذكر التاريخ بأن مروان بن الحكم اصطحب عائشة في حربها الهوجاء ضد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فلما وقع أسيراً، طلب من الإمام الحسن والحسين(عليه السلام)أن يتشفعا له عند الإمام علي (عليه السلام)، عندها اطلق الإمام (عليه السلام)سراحه ، فقيل له : يا أمير المؤمنين لو أخذت منه البيعة ، فقال : أولم يبايعني بعد مقتل عثمان ولكني لا حاجة لي إلى بيعته ، إنها كف يهودية لو بايعني بكفه غدر بسبابته، أما أن له أمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمر(1).

ص: 145


1- نهج البلاغة : شرح صبحي الصالح ص 107 الرقم 33 .

ثم التحق بمعاوية ، واخذ يجد ويجتهد في نشر البغضاء والحقد على أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وبعد شهادة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، تولى مروان ولاية المدينة المنورة مرتين حتى قال أحد الشعراء :

فوالله ما أدري وإني لسائل ***حليلة مضروب القفا كيف يصنعُ

لحا الله قوما أمروا خيط باطل*** على الناس يعطي ما يشاء ويمنعُ

حيث لقب مروان بخيط الباطل ، فكان كلما يصعد منبر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)في يوم الجمعة، كان يكثر في سب الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، أمام المصلين من المهاجرين والأنصار ، وبعد هلاك يزيد بن معاوية استولى على الخلافة في الشام وبقي على ذلك لمدة تسعة أشهر، وفي سنة 56 هجرية التحق بأسلافه الأجلاف إلى جهنم وبئس المصير.

مروان في أحاديث السنة

ذكر المؤرخون من أهل السنة أحاديثاً كثيرة في لعنه ، منها :

قال ابن الأثير في (النهاية) : إن عائشة قالت لمروان : إن النبي لعن أباك ، وأنت فضض (نطفة)(1).

ولكن مع هذا نرى بعض المسلمين يسمون أولادهم ب- (مروان، معاوية، عثمان و . . ) .

وذكر الحاكم في المستدرك ، أن عبد الرحمن بن عوف قال لما يولد منا مولود جديد نأتي به إلى النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فيدعو له ، فلما جيء بمروان بن الحكم إليه ، قال(صلی الله علیه وآله وسلم): هو الوزغ الملعون بن الملعون، وأما أولاد مروان فهم : عبد

ص: 146


1- الكامل لابن الأثير : ج 3 ص 507ط بيروت والنهاية : ذيل كلمة فضض ج 3 ص 454.

الملك وإنه تولى أمر خلافة المسلمين مدة من الزمن والثاني هو عبد العزيز وأصبح والياً على مصر، ومحمد وكان والياً على الجزيرة، وبشر وكان حاكماً على العراقين وأشهر أولاده هو الخليفة عبد الملك وأولاده هم : الوليد وسليمان، ويزيد وهشام وهؤلاء وصلوا إلى كرسي الخلافة، وقد رأى المسلمون منهم يوماً ،أحمر، كما قال الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام).

وآخر خلفاء بني مروان هو مروان الحمار .

قال الإمام الحسن بن علي : أما أنت يا مروان فلست أنا سَبَبْتُكَ ولاسببت أباك ، ولكن الله عز وجل لعنك ولعن أباك ، وأهل بيتك وذريتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيه محمد(1) .

***

ص: 147


1- الاحتجاج : ص 150 .

«ولَعَنَ اللهُ بَنى أُمَيَّةَ قاطِبَةً»

اشارة

قاطبة : حال من الناحية الإعرابية، ومعناها هو الجميع.

وأمية كما هو معروف هو ابن عبد شمس بن عبد مناف، وبني أمية فرقتان فرقة يتفرع منها أبو العاص والعاص، وأبو العيص، وعيص وأولادهم . والفرقة الثانية هم العنابس أولاد حرب بن أمية، حيث كان اسم حرب عنبسة سابقاً، والأخبار الواردة في لعن بني أمية كثيرة ولا تحصى وقد ذكرها السنة والشيعة في كتبهم، ثم إن القرآن الكريم صرح بلعنهم بقوله عز وجل: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةَ لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآن وتخَوِّفَهُمْ فَمَا يَزيدُهُمْ إِلا طغياناً كبيراً﴾(1).

وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْراً وأَحَلُوا قَوْمَهُمْ دَارَ البوار * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القَرَار﴾ (2) .

روي عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه قال : «إنهم كفار قريش كذَّبوا نبيهم ونصبوا له الحرب والعداوة»، وسأل رجل أمير المؤمنين عليه عن هذه الآية فقال: «هما الأفجران من قريش؛ بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو أمية

فمتعوا إلى حين، وأما بنو المغيرة فكفيتُموهم يوم بدر..».

ص: 148


1- الإسراء : 60.
2- إبراهيم : 28 - 29 .

والمراد من نعمة الله في الآية هو الإمام(عليه السلام) ، حيث إن الخلق خُلق لأجل وجودهم المبارك ، فإذا حصل إنسان ما شيئاً من الخير فهو بفضل وجودهم المبارك، والنعمة الحقيقية هي هم، ولكن بنو أمية كفروا بها .

سأل أبو حنيفة أبا عبد الله (عليه السلام)عن قوله تعالى : ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ ، فقال الإمام (عليه السلام): ما النعيم عندك يا نعمان؟ قال : القوت من الطعام والماء البارد ، فقال : لئن أوقفك الله بين يديه يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه، قال: فما النعيم جعلت فداك ؟ قال : نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين، وبنا ألف الله بين قلوبهم وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداء ، وبنا هداهم الله للإسلام وهي النعمة التي لا تنقطع ، والله سائلهم عن حق النعيم الذي أنعم به عليهم، وهو النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)و عترته(عليهم السلام)(1)

وفي رواية أنه(عليه السلام)قال له : بلغني أنك تفسر النعيم في هذه الآية بالطعام الطيب والماء البارد في اليوم الصايف؟ قال: نعم، قال: لو دعاك رجل وأطعمك طعاماً طيباً وسقاك ماء بارداً ، ثم امتن عليك به ، إلام كنت تنسبه ؟ قال : إلى البخل ، قال : أفتُبخل الله تعالى؟ قال : فما هو ؟ قال : حبنا أهل البيت(2).

وفي (المحاسن) عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال : ثلاثة لا يحاسب العبد المؤمن عليهن : طعام يأكله، وثوب يلبسه، وزوجة صالحة تعاونه، ويحصن بها فرجه.

ص: 149


1- بحار الأنوار: ج 24 ص 49 .
2- البحار : س ج 10 ص 220 ط/ لبنان .

أحاديث في ذم بني أمية

عن أبي هريرة قال : قال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): رأيت في منامي ، كان بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري، كما ينزو القردة، فما رؤي النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)مستجمعاً ضاحكاً حتى مات(1) .

روى العلامة في كتابه ( نهج الحق نقلاً من كتاب (الهاوية) لأحد علماء السنة رواية عن ابن مسعود عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)انه قال : «لكل شيء آفة وآفة هذا الدين بنو أمية» (2)

وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة، أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «شر قبائل العرب بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف »(3).

ذكر صاحب کتاب تاريخ الخميس انه لما مات هشام بن عبد الملك، تسلم أخوه الوليد الخلافة، ذكر الذهبي بإسناده عن عمر قال : ولد لأخي أم سلمة ولد سموه الوليد فقال (صلی الله علیه وآله وسلم) : أسميتموه بأسماء فراعنتكم، ليكونَنَّ في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو أشدّ لهذه الأمة من فرعون قومه .

وعن صالح بن سليمان قال : أراد الوليد أن يحج وقال : أشرب الخمر فوق ظهر الكعبة. ونُقل عنه من كفرياته وفسقه كثير.

من ذلك أنه دخل يوماً، فوجد ابنته جالسة مع دادتها (مربيتها) فبرك عليها، وأزال بكارتها، فقالت له الدادة هذا دين المجوس، فأنشد يقول :

ص: 150


1- حياة الحيوان : ج 2 ص 203 .
2- نهج الحق : ص 312 ط ،لبنان، كنز العمال: ج 6 ص 91 .
3- الصواعق المحرقة : ص 143 - 144 .

من راقب الناس مات هماً ***وفاز باللذة الجسور (1)

وأخذ يوماً المصحف وأراد أن يتفال به فلما فتحه قرأ هذه الآية : وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنيد) (2)، فأغلق القرآن ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه ثم أنشد يقول :

تهددني بجبار عنيد ***فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئتَ ربَّك يومَ حَشر*** فقل: يا رب مزقني الوليد (3)

ثم إن الوليد بن عبد الملك أظهر سوء عقيدته بالإسلام ونزول الوحي بين المسلمين بكل صراحة ووقاحة حيث قال :

تلعب بالخلافة هاشم ***بلا وحي أتاه ولا كتاب

فقل الله يمنعني طعامي*** وقل الله يمنعني شرابي

يظهر أن الوليد اقتدى بيزيد وبأبي سفيان في عدم إيمانهم واعتقادهم بالإسلام وبالقرآن الكريم وبالنبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)، ولكن مما يؤسف له أن نرى الكثير من المسلمين اليوم يحترمون الوليد بل ويقدسونه، من دون أن يقرؤوا في كتبهم ما هي الجرائم والموبقات والمفاسد التي ارتكبها في أيام خلافته .

ومما جاء في كتب السنة وما رواه ثقاة الأمة، أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)رأى أبا سفيان مقبلاً على حمار ومعاوية يقوده، ويزيد يسوقه ، فقال : لعن الله الراكب والقائد والسائق ».

وروى الرواة عن أبي سفيان أنه قال يوم بيعة عثمان : تلقفوها يا بني عبد

ص: 151


1- تاريخ الخميس : ج 2 ص 320 .
2- سورة إبراهيم : 15.
3- المصدر.

شمس تلقف الكرة فو الله ما من جنة ولا نار .

وإنه قال للعباس قبل الفتح وقد عُرضت عليه الجنود : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً . فقال له العباس : ويحك إنه ليس بملك ، إنها النبوة .

وإنه قال يوم الفتح ، وقد رأى بلالاً على ظهر الكعبة يؤذن ويقول : أشهد أن محمداً رسول الله : لقد أسعد الله عتبة بن ربيعة ، إذ لم يشهد هذا المشهد.

ومنها الرؤيا التي رآها رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) فوجم لها قالوا فما رؤى بعدها ضاحكاً، إذ رأى نفراً من بني أمية ينزون على منبره نزو القردة .

وجاء في كتب الصحاح ، أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه »وقال المعتضد العباسي في منشوره الذي أمر بكتابته ونشره سنة 284 هجرية، وأن يُقرأ على المنابر بعد أن منع الترحم على معاوية وآل أبي سفيان، حيث جاء في هذا المنشور: ومنها انتهازه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكاناً وأقدمهم إليه سبقاً ، وأحسنهم فيه أثراً وذكراً علي بن أبي طالب، ينازعه حقه بباطله ، ويجاهد أنصاره بضلاله وأعوانه ، ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور الله وجحود دينه، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ويستهوي أهل الجهالة، ويموه لأهل الغباوة بمكره وبغيه باللذين قدم رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الخبر عنهما ، فقال لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية ، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار مؤثراً للعاجلة كافراً بالآجلة خارجاً من ربقة الإسلام، مستحلاً لله الحرام حتى سفك في فتنته وعلى سبيل غوايته وضلالته (دماء)(1) ما لا يحصى عدده من أخيار المسلمين الذابين عن دين الله والناصرين لحقه مجاهداً في عداوة الله مجتهداً في أن

ص: 152


1- المصدر.

يُعصى الله ولا يطاع ، ويبطل أحكامه فلا تقام ، ويُخالف دينه فلا يدان، وأن تعلو كلمة الضلال وترتفع دعوة الباطل، وكلمة الله هي العليا ودينه المنصور وحكمه النافذ وأمره الغالب، وكيد من عاداه وحاده المغلوب الداحض حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما أتبعها وتطوق تلك الدماء وما سفك بعدها ، وسن سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها، وأباح المحارم لمن ارتكبها، ومنع الحقوق أهلها ، وغرته الآمال، واستدرجه الإمهال ، وكان أوجب الله عليه به اللعنة ، قتله من قتل صبراً من خيار الصحابة والتابعين ، وأهل الفضل والدين مثل عمرو بن الحمق الخزاعي، وحجر بن عدي الكندي فيمن قتل من أمثالهم على أن يكون له العزة والملك والغلبة ، ثم ادعاءه زياد بن سمية أخاً ونسبته إياه إلى أبيه ، والله تعالى يقول: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ الله﴾ورسول الله يقول : ملعون من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه» وقال : «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، فخالف حكم الله تعالى ورسوله جهاراً، وجعل الوليد لغير الفراش والحجر لغير العاهر.

ومن ذلك إيثاره بخلافة الله على عباده، ابنه يزيد السكير الخمير، صاحب الديكة والفهود والقردة وأخذ البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعد والإخافة والتهديد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطلع على رهقه وخبثه، ويعاين سكراته وفعلاته وفجوره وكفره ، فلما تمكن قاتله الله فيما تمكّن منه طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل المدينة في وقعة الحرة ، الوقعة التي لم تكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش،فشفى عند نفسه غليله، وظن أنه قد انتقم من أولياء الله ، وبلغ الثار لأعداء الله، فقال مجاهراً بكفره ومظهراً لشركه :

ليت أشياخي ببدر شهدوا*** جزع الخزرج من وقع الأسل

ص: 153

قول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى رسوله ولا إلى كتابه، ولا يؤمن بالله وبما جاء من عنده ثم أغلظ ما انتهك ، وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن علي(عليه السلام)مع موقعه من رسول الله ومكانه ومنزلته من الدين والفضل والشهادة له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة، اجتراء على الله وكفراً بدينه وعداوة لرسوله، ومجاهرة لعترته واستهانة لحرمته، كأنما يَقْتُلُ منه ومن أهل بيته قوماً من كفرة الترك والديلم ، ولا يخاف من الله نقمة، ولا يراقب منه سطوة، بتر الله عمره، واجتث (1) أصله وفرعه ، وسلبه ما تحت يده، وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته .

أيها الناس! اعرفوا الحق تعرفوا أهله وتأملوا سبل الباطل، تعرفوا سابلها ، فقفوا عندما وقفكم الله عليه، وأنفذوا كما أمركم الله به، والله حسبه وعليه توكله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم »(2).

وفي الخصال، عن الإمام الرضا(عليه السلام)عن أبيه عن آبائه(عليه السلام)أن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)كان يحب أربع قبائل، كان يحب الأنصار وعبد القيس وأسلم وبني تميم وكان يبغض بني أمية وبني خيف ( حليف) ، وبني ثقيف وبني هذيل و كان (صلی الله علیه وآله وسلم) يقول : «لم تلدني أمي بكرية ولا تثقفية، وكان(صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : «في كل حي نجيب إلا في بني أمية» (3)

عن عبد الله بن عطا التميم قال : كنت مع علي بن الحسين(عليه السلام)في المسجد، فمرَّ عمر بن عبد العزيز عليه شراكا ،فضة ، وكان من أحسن الناس، وهو شاب فنظر إليه علي بن الحسين (عليه السلام)، فقال يا أبا عبد الله بن ،عطا أترى

ص: 154


1- المصدر.
2- تاريخ الطبري : س ج 8 ص 183 ، في ما وقع سنة 248 ، البحار : ج 8 ص 543
3- الخصال : ص 108 .

هذا المترف ؟ إنه لن يموت حتى يلي الناس ، قال : قلت : هذا الفاسق ؟ قال : نعم، فلا يلبث فيهم إلا يسيراً حتى يموت ، فإذا هو مات لعنه أهل السماء، واستغفر له أهل الأرض(1) .

أبو بصير قال : كنت مع الباقر (عليه السلام)، في المسجد، إذ دخل عمر بن عبد العزيز، متوكياً على موالي له ، فقال (عليه السلام): ليلين هذا الغلام فيُظهر العدل ويعيش أربع سنوات، ثم يموت، فيبكي عليه أهل الأرض، ويلعنه أهل السماء لأنه جلس مجلساً ولاحق له فيه، ثم ملك وأظهر العدل وجهره(2).

الأخبار كثيرة في لعن بني أمية كما ورد عن أهل البيت(عليهم السلام) ، وأنه يستحب للمصلي بعد أدائه لكل صلاة واجبة ، أن يلعن بني أمية .

روى شيخ الطائفة عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)أنه قال لجابر الجعفي: «إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلا بانصراف لعن بني أمية ». (3)

***

ص: 155


1- بصائر الدرجات : ص 45 ، البحار : 45 ص 327 ط لبنان .
2- إثبات الهداة : ج 3 ص 51 .
3- التهذيب : ج 1 ص 165 والبحار : ج 58 ص 86 .

«ولَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ»

المراد من (ابن مرجانه) هو عبيد الله بن زياد، وإنه ذكر بعد آل زياد وبني أمية، وذلك لدوره الكبير في قتله لسيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه ، وقال العلامة المجلسي (رضوان الله عليه : إنه ذكر بصورة خاصة وذلك لخبث ،مولده، وإنه لا يمكن أن يُذكر في قائمة آل زياد وبني أمية .

وإن تسميته بابن مرجانة لأجل التنقيص والتعيير والذم له، بالرغم من أن أباه ( زياداً) أيضاً كان غير معروف الأب ولهذا سمي بزياد بن أبيه .

قال سراقة الباهلي :

لعن الله حيث حل زياداً ***وابنه والعجوز ذات البعول

قال بعض المؤرخين : إن المراد من العجوز ذات البعول هي مرجانه ، وكما قال الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) في إحدى خطبه يوم عاشوراء : «ألا وإن الدَّعي ابن الدَّعي قد ركز لنا بين اثنتين بين السلة والذلة»، وهيهات منا الذلة هذه العبارة تشير بكل وضوح إلى أن ابن زياد هو ابن زنا وكذا أبوه .

ولد ابن زياد حسب الظاهر ، سنة 28 أو 29 هجرية وفي سنة 60 هجرية تولى ولاية العراقين، وضم إلى ولايته أيضاً خراسان وأذربيجان وبحرين وعمان والهند وأكثر المناطق الإيرانية. وفي سنة 61 هجرية أخذ يحشد الجنود لمقاتلة سيد الشهداء أرواحنا له الفداء وليس من الغريب إذا سمعنا أنه استطاع

ص: 156

أن يحشد أكثر من ستين ألفاً لمقاتلة الإمام الحسين (عليه السلام)، وذلك لنفوذه وسيطرته على الكثير من البلدان والمدن الإسلامية .

يذكر التاريخ بأن ابن زياد كان يُعد العدة لحرب الديلم ، فلما أمر بمقاتلة الإمام الحسين(عليه السلام)، قدم هذا على ذاك . فلعنة الله عليه وعلى جنوده .

وقتل عبيد الله بن زياد في سنة 67 هجرية، على يد إبراهيم بن الأشتر (رضوان الله عليه) .

***

ص: 157

«ولَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ»

كان عمر بن سعد بن أبي وقاص من جملة الصحابة وأصحاب الشورى ومن كبار الرجال في عصره، ولكنه تخلف عن بيعة أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقال المسعودي في كتابه (مروج الذهب) : لما حج معاوية ، طاف بالبيت ومعه سعد، فلما فرغ معاوية إلى دار الندوة، أجلسه معه على سريره، ووقع معاوية في علي (عليه السلام) وشرع في سبه فزحف سعد(1) ، ثم قال : أجلستني معك على سريرك ، ثم شرعت في سَبِّ علي، والله لأن يكون في خصلة واحدة من خصال كانت لعلي ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. والله لأن أكون صهراً لرسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ، وإن لي من الولد ما لعلي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، والله لأن يكون رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)قال لي ما قاله يوم خيبر :« لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، ليس بفرار ، يفتح الله على يديه»، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، والله لأن يكون رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)قال لي ما قاله له في غزوة تبوك ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي أحبّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، وايم الله لا دخلتُ لكَ داراً ما بقيتُ ثم نهض(2) .

ص: 158


1- فرجف سعد .
2- مروج الذهب : ج 3 ص 24 .

في الكامل عن ابن سيرين أن الإمام علياً عالية، قال يوماً لعمر بن سعد : كيف بك يوماً، وقد تُخَيَّر بين الجنة والنار، وتختار النار ؟!

عن الأصبغ بن نباتة قال : بينا أمير المؤمنين(عليه السلام)، يخطب الناس وهو يقول :« سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء مضى ولا عن شيء يكون إلا نبأتكم به فقام إليه سعد بن أبي وقاص فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة ؟ فقال له : أما والله لقد سألتني عن مسألة، حدثني خليلي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)أنك ستسألني عنها، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك سخلاً يقتل الحسين ابني، وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه»(1).

كان عمر عمر بن سعد يوم عاشوراء 37 سنة ، وفي سنة 66 للهجرة قتل على يد كيسان أبو عمرة بأمر المختار الثقفي، فلما قتل جيء برأسه إلى مجلس المختار وكان حفص بن عمر جالساً ، فقال له المختار: أتعرف رأس من هذا ؟ قال : بلى ولكن لا خير في الحياة من بعده، فأمر المختار بقطع رأسه ، وقال : عمر بدل الحسين وحفص مقابل علي بن الحسين، كلا لو قتلت ثلاثة أرباع قريش ، فإنهم لا يعادلون أنملة من أنامل الإمام الحسين (عليه السلام).

وإن الإمام الحسين (عليه السلام)دعا على عمر بن سعد يوم عاشوراء، إذ قال : «سلط الله عليك من يذبحك في فراشك» واستجيب دعاء الإمام(عليه السلام).

***

ص: 159


1- بحار الأنوار: ج 44 ص 257 .

«ولَعَنَ اللهُ شِمْراً»

شمر بن ذي الجوشن ، وقيل اسمه أوسن وقيل اسمه شرحبيل بن الأعور الضبابي(1) ولقب بذي الجوشن ، وذلك لوجود النتوءات الكثيرة في صدره .

وكانت أمه معروفة بالخباثة والدناءة ، قال الإمام(عليه السلام)لشمر : (يا بن راعية (المعزى ولا شك أنه كان سيئ المولد، أي ابن زنا، وإلا كيف يخرج لقتال ابن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو يعرفه حق المعرفة، فيذكر التاريخ بأنه كان من شجعان الكوفة، ومن أوائل المقاتلين في جيش الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام).

روى الجاحظ في (حياة الحيوان والعلامة المجلسي وغيرهما عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)إن شمراً جاء إلى مخيمات الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء ، فقال : أين الحسين ؟ فقال : ها أنذا ، قال : أبشر بالنار ، قال : أبشر برب رحيم وشفيع مطاع ، من أنت ؟ قال : أنا شمر بن ذي الجوشن ، قال الحسين (عليه السلام) : الله أكبر ، قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): رأيت كأن كلباً أبقع يلغ في دماء أهل بيتي وقال الحسين رأيت كأن كلاباً تنهشني ، وكأن فيها كلباً أبقع كان أشدَّهم عليّ، وهو أنت ، وكان أبرص(2).

ص: 160


1- أسد الغابة : لابن الأثير في باب (الذال) .
2- بحار الأنوار: ج 45 ص 31 .

وإن المختار ألقى القبض عليه سنة 66 للهجرة، وأمر بقتله ، وقيل قتله أبو عمرة في قرية قريبة من الكوفة (1)

***

ص: 161


1- البحار : ج 45 ص 338 .

«ولَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وتنقَّبَتْ وتهيَّأت لِقِتالِكَ»

الإسراج : مأخوذة من السرج والمراد من أسرج الفرس أي جعله ذا سرج .

اللجام : هو الحبل أو الشريط الذي يوضع على رأس ووجه الفرس، ويشدّ به فمه أيضاً .

والنقاب : هو ما يوضع على الوجه لأجل التخفي وكان يستخدم في الأزمنة السابقة في الحروب والمعارك(1) . ولعلّ المراد من هذه الكلمة أن البعض ممن خرج لقتال الإمام الحسين (عليه السلام) وضع النقاب على وجهه لكي لا يُعرف فيما بعد لعظم الجريمة التي ارتكبها في مشاركته في قتل ابن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).

وتلبس بعض النساء ذلك عندما يردن الخروج من بيوتهن .

وقيل : إن مصدر النقاب هو التنقيب بمعنى السير في الطريق(2) ، كقوله عزوجل : ﴿فَنَقَبُوا فِي البلاد﴾.

وقيل : إنها مأخوذة من النقابة بمعنى الرئاسة، فيكون معنى ذلك هو جمع الجنود وحشد العسكر .

وقيل : المراد من التنقيب هو التجسس والتحسس والتتبع والمشاورة.

ص: 162


1- البحار : ج 35 ص 60 ط / طهران .
2- مصباح الكفعمي : ص 483 .

التهيؤ : هو الاستعداد الظاهري والباطني لأخذ الأوامر والقيام بالعمل المعد والمرسوم.

***

ص: 163

«بِأَبي أَنْتَ وَ أُمّي »

وضعت هذه الجملة لأجل إظهار حالة التفدية الكاملة ، وتكون عندما يقدم الإنسان أغلى ما في حياته فداءً ووقاية لذلك الشيء الذي هو أعز مما يقدمه .

المراد من الجملة المباركة بأبي أنت وأمي هو إذا أريد لبلاء أن يتوجه إليك، فإني أقدم أعزّ ما عندي وما في حياتي وما أعطاني ربي، فداءً ووقاية لك، حيث أنَّ أعزَّ ما في حياة الإنسان هما الوالدان اللذان ، أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان إليهما وطاعتهما وتكريمهما في كل الأحوال والظروف والأوقات إذ قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ وبما أن الإسلام والقرآن وحامل القرآن هو أغلى وأهم شيء في الحياة ، فلذا يصح بل يجب على الإنسان أن يفديهما بأعز ما في الحياة، حتى إذا كانا الوالدين .

وتستعمل هذه الجملة لأجل تعظيم المخاطب، وفي كثير من الأحوال يكون المفدى بهما مفارقين للحياة، فيكون معنى العبارة هو : لو كنت حياً لكان والداي أحق أن يُستشهدا ويموتا دونك بل الحرَّضتهما على أن يدافعا عنك حتى الموت .

وإن الأئمة المعصومين(عليهم السلام)قالوا هذه العبارة عند زيارتهم للإمام الحسين(عليه السلام)وكذلك عند زيارتهم لأصحابه الشهداء، حيث نرى الإمام

ص: 164

الباقر(عليه السلام)يخاطب أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) فيقول: «بأبي أنتم وأمي طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم».

ونرى العقيلة الطاهرة السيدة زينب (عليها السلام)قالت بعد استشهاد أخيها الإمام الحسين(عليه السلام): «بأبي المهموم حتى قضى بأبي العطشان حتى مضى بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جده رسول إله السما، بأبي من هو سبط نبي الهدى بأبي محمد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي علي المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين بأبي من ردت عليه الشمس حتى صلى»(1)

بينما من الواضح أن الإمام أمير المؤمنين علياً(عليه السلام)هو أفضل من ولده الإمام الحسين(عليه السلام) وهكذا النبي الأكرم محمد الهلال لوله و وهكذا فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وإنما قالت ذلك من باب أن مع فقدان الحسين(عليه السلام)، قد فقد جميع الصالحين من قبله .

ولهذا السبب نرى مولاتنا زينب(عليها السلام)تقول : «يا حزناه يا كرباه اليوم مات جدي رسول الله»(2).

«وائكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة، وأبي علي وأخي الحسن» (3).

***

ص: 165


1- البحار ج 45 ص 59 ط بیروت.
2- المصدر.
3- المصدر : ص 2.

«يا أبا عبد الله لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بكَ فَأَسْأَلُ اللهَ الذي أكْرَمَ مَقامَكَ وأَكْرَمَني بك»

اشارة

في هذه الجملة الشريفة يظهر موضوع الإكرام الذي حظي به الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام)والألطاف التي خصت به من قبل الباري (جل وعلا) دون غيره من الأئمة المعصومين(عليهم السلام)، وهذا الموضوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام : جنسي، ونوعي، وشخصي .

القسم الأول: يتطرق إلى الكمالات والمقامات العالية التي حظي بها الإمام عل كما حظي به من قبل الأنبياء والأولياء وعباد الله الصالحين، من حيث القدرة على التصرف والهيمنة على الأمور الكونية بإذن الله تعالى، بالإضافة إلى السمو في الكمالات الروحية والنفسانية، وقد أشار الكثير من العلماء إلى ذلك في كتبهم .

القسم الثاني: يشير إلى الخصائص والامتيازات التي حظي بها الأئمة المعصومون(عليهم السلام)في حملهم لرسالة جدهم النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) فلذا فإنهم هم الخلفاء الحقيقيون ،له وإن أمور الناس في العالم يجب أن تجعل بيدهم ، كما جعلت كافة المخلوقات تحت أمرهم وحكمهم فلذا فأئمتنا الطاهرون(عليه السلام)يمتلكون ما امتلكه الأنبياء السابقون وأكثر ، ثم إن الإمام الحسين(عليه السلام)هو أفضل الأئمة والخلق بعد جده المصطفى (صلی الله علیه وآله وسلم)وأبيه المرتضى عليه وأخيه

ص: 166

الحسن المجتبى (عليه السلام)وأمه الزهراء(عليها السلام)هذا بإجماع الإمامية بل الأمة الإسلامية.

القسم الثالث: هي الامتيازات والفضائل التي حظي بها الإمام الحسين(عليه السلام)من بين الأئمة المعصومين

(عليهم السلام) وهذه الأمور أعطيت له جزاء لسعيه الكبير في إعلاء كلمة الحق ودحض الباطل وذكر علماء الإمامية (رضوان الله عليهم) بأنها أربعة ، وهي :

1 -جعل الله سبحانه وتعالى الأئمة من ذريته

عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين الفضل على ولد الحسن، وهما يجريان في شرع واحد ؟ فقال : لا أريكم تأخذون به إن جبرائيل(عليه السلام)نزل على محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)ما ولد الحسين بعد، فقال له : يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك ، فقال : يا جبرائيل لا حاجة لي فيه، فخاطبه ثلاثاً ثم دعا علياً فقال له : إن جبرائيل علي يخبرني عن الله عز وجل أنه يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك ، فقال : لا حاجة لي فيه يا رسول الله، فخاطب علياً(عليه السلام)ثلاثاً، ثم قال : إنه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة، فأرسل إلى فاطمة لا إن الله يبشرك بغلام تقتله أمتي من بعدي فقالت فاطمة : ليس لي حاجة فيه يا أبه فخاطبها ثلاثاً، ثم أرسل إليها ، لابد أن يكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة ، فقالت له رضيت عن الله عز وجل فعلقت وحملت بالحسين ، فحملت ستة أشهر، ثم وضعته ولم يعش مولود قط لستة أشهر غير الحسين بن علي وعيسى بن مريم (عليها السلام)(1)

ص: 167


1- علل الشرايع : ج 1 ص 343 .

2 -جعل الشفاء في تربته

عن السكوني عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قال رسول الله(عليه السلام): «من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه »(1).

وعن سعد بن سعد قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الطين فقال : أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير إلا طين الحسين(عليه السلام)(2)، فإن فيه الشفاء من كل داء وأمناً من كل خوف(3) .

عن أبي عبد الله علي قال : الطين كله حرام كلحم الخنزير، ومن أكله ثم مات منه لم أصل عليه إلا طين قبر الحسين(عليه السلام)، فإن فيه شفاء من كل داء ، ومن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء (4).

ومن خواص تربة الإمام الحسين(عليه السلام)هي :

1 - يستحب أن يحنك المولود به، عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال : حنكوا أولادكم بتربة الحسين فإنها أمان (5).

2 - يستحب حمل مقدار منه لدفع الخوف كما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) ، حيث أنه أوصى أحد أصحابه بذلك وأمره بأن يقرأ هذا الدعاء : اللهم إني أسألك بحق هذه الطينة، وبحق الملك الذي أخذها، وبحق النبي الذي قبضها وبحق الوصي الذي حل فيها صَل على محمد وأهل بيته ، واجعل فيها شفاء من كل داء وأماناً من كل خوف» ثم قال : أما الملك الذي

ص: 168


1- الكافي : ج 6 ص 266 ح 9 .
2- إلا طين الحائر، في بعض النسخ .
3- المصدر السابق .
4- كامل الزيارات : 478 .
5- كامل الزيارات : ص 282 باب 93.

أخذها فهو جبرئيل(عليه السلام)، أراها النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)فقال : هذه تربة ابنك تقتله أمتك من بعدك ، والنبي الذي قبضها محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)، والوصي الذي حل فيها فهو الحسين(عليه السلام) سيد شباب الشهداء ، قلت : قد عرفت الشفاء من كل داء ، فكيف الأمان من كل خوف؟

قال : إذا خفت سلطاناً أو غير ذلك، فلا تخرج من منزلك إلا ومعك من طين قبر الحسين (عليه السلام)، وقل إذا أخذته اللهم إن هذه طينة قبر الحسين وليك وابن وليك أخذتُها حرزاً لما أخاف وما لا أخاف ، فإنه يرد عنك ما تخاف»، قال الرجل : فأخذتُها كما قال لي ، فأصح الله بدني، وكان لي أماناً من كل خوف مما خفت ومالم أخف كما قاله ، قال : فما رأيت بحمد الله بعدها مكروهاً .

3- يستحب اتخاذ سبحة مصنوعة من تربته .

عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)أنه قال : لا تستغني شيعتنا عن أربع : وسُبحة من خمرة سجادة يصلي عليها، وخاتم يتختم به ، وسواك يُستاك به، طين قبر أبي عبد الله(عليه السلام)فيها ثلاث وثلاثون حبة ، متى قلبها ذاكراً لله كتب له بكل حبة أربعون حسنة ، وإذا قلبها ساهياً يعبث بها كتب له عشرون حسنة (1).

4 - يستحب أن يوضع مع الميت ويخلط مع حنوطه .

عن محمد بن عبد الله الحميري قال : كتبت إلى الفقيه(عليه السلام)اسأله عن طين القبر، يوضع مع الميت في قبره ، هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : يوضع مع الميت في قبره ، ويخلط بحنوطه إن شاء الله (2).

5 - يستحب السجود عليه .

ص: 169


1- التهذيب : ج 6 ص 75 ح 146 .
2- المصدر : ص 76 .

قال الإمام الصادق(عليه السلام): «السجود على طين قبر الحسين (عليه السلام)ينور إلى الأرض السابعة، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين(عليه السلام)كتب مسبحاً وإن لم يسبح بها ، والتسبيح بالأصابع أفضل منه بغيرها لأنها مسؤولات يوم القيامة» (1)

عن الحميري انه سأل الإمام المهدي(عليه السلام)عن السجود على تربة الإمام الحسين (عليه السلام)، فأجاب (عليه السلام) : يجوز ذلك، وفيه الفضل(2) .

وفي الوسائل عن الإرشاد للديلمي قال : كان الإمام الصادق (عليه السلام)لا يسجد إلا على تربة الحسين(عليه السلام)(3)

وفي التهذيب بسند صحيح عن معاوية بن عمار أنه قال : قال الإمام الصادق(عليه السلام): إن السجود على تربة أبي عبد الله(عليه السلام) يخرق الحجب السبعة(4).

والمراد من الحجب السبعة السموات السبع، حيث أن الصلاة تصعد إلى العالم العلوي ببركة السجود على تربة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وقيل : إن المراد من الحجب السبعة المعاصي الكبيرة ، كما ذكرت في الكتب الفقهية وهي :

1 - الشرك .

2 - قتل النفس.

3- قذف المحصنة .

ص: 170


1- من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 174.
2- مصباح الطوسي : ص 514 .
3- الإرشاد : ص 141 .
4- مصباح الطوسي : ص 511 .

4- أكل مال اليتيم .

5- الزنا .

6- الفرار من الزحف .

7-عقوق الوالدين.

فإذا قَرَنَ المصلي صلاته بتوبة صادقة، وعزم ثابت على الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فإن الله سبحانه وتعالى، سوف يقبل توبته ، ببركة التربة المقدسة لأبي عبد الله الحسين(عليه السلام).

3-استجابة الدعاء تحت قبته

عن شعيب العقرقوفي قال : سألت من الإمام الصادق (عليه السلام): ما أجر وثواب من زار قبر الحسين (عليه السلام) ؟ قال : يا شعيب ما صلى أحد عنده، ودعا دعوة إلا استجيبت عاجلة أو آجلة (1).

4- لا تُعد أيام زيارته من عمر الزائر.

عن محمد بن مسلم عن الإمامين الباقر والصادق(عليه السلام)أنهما قالا : «إن الله عوض الحسين من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تُعد أيام زايره جائياً وراجعاً من عمره »(2).

وقال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام): إن أيام زائري الحسين(عليه السلام) لا تحسب من أعمارهم ولاتُعد من آجالهم(3) .

ص: 171


1- كامل الزيارات : ص 252 .
2- الأمالي : ص 201 .
3- كامل الزيارة : باب 51 ص 136 .

وهناك روايات عن الأئمة المعصومين(عليهم السلام)تشير إلى أن ترك زيارة الإمام الحسين عليه يؤدي إلى رفع البركة من حياة الإنسان مما يوجب قصور عمره وقلة رزقه.

***

حد الحائر الحسيني

الحائر الحسيني هو المكان الذي يضم جسد المولى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) اختلفت الروايات في تحديد مساحة هذه البقعة الطاهرة التي جعل الله سبحانه وتعالى فيها الشفاء ففي كامل الزيارة، بإسناده عن عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله علي، يقول قبر الحسين بن علي، عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً روضة من رياض الجنة» (1)

وفي المصباح عن الإمام الصادق(عليه السلام)قال : «حرمة قبر الحسين فرسخ في فرسخ من أربعة جوانب القبر» (2)

وفي المصباح عن صادق آل محمد ال قال : قبر الحسين خمس فراسخ من أربع جوانب القبر»(3).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال : «لو أن مريضاً من المؤمنين يعرف حق أبي عبد الله وحرمته وولايته أخذ له من طينه على رأس ميل كان له دواء وشفاء» (4) .

ص: 172


1- التهذيب : ح 6 ص 72 .
2- بحار الأنوار : 101 ص 111 .
3- المصدر السابق .
4- المصدر.

وفي الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام)أنه قال : «يؤخذ طين قبر الحسين من عند القبر على سبعين ذراعاً» (1)

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) : إن الله جعل تربة جدي الحسين شفاء من كل داء»(2) .

لذا فالزائر الذي يتوجه إلى حرم الإمام أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، فإنه يجد كل ما يرجوه ويتمناه بفضل وجود الإمام (عليه السلام) ، فمن جانب يحصل على ثواب البكاء عليه وثواب التباكي فيما إذا لم تذرف عيناه الدمع ، ويحصل على ثواب الزيارة، حيث جاء في الحديث من زار الحسين(عليه السلام) ، عارفاً بحقه غفر الله ما تقدم من ذنوبه وما تأخر»، وهكذا يستجاب له الدعاء ويجد الشفاء في تربته فيما إذا أخذ شيئاً قليلاً منها بنية الدواء، هذه هي بعض النعم والبركات التي يجدها الزائر من خلال زيارته لسيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين(عليه السلام).

سئل جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)، عن زيارة قبر الإمام الحسين(عليه السلام)فقال : أخبرني أبي قال من زار قبر الحسين بن علي(عليه السلام)عارفاً بحقه ، كتبه الله في عليين، ثم قال : إن حول قبره سبعين ألف ملك شعثا غبراً يبكون عليه إلى أن تقوم الساعة(3).

قال الشيخ صالح الحلّيّ : المعروف بابن العرندس (4) :

له القبة البيضاء بالطَّفٌ لم تزل*** تطوف بها طوعاً ملائكة غُرُ

وفيها رسول الله قال وقوله*** صحيح صريح ليس في ذلكم نُكْرُ

ص: 173


1- الكافي : ج 4 ص 588 .
2- أمالي الصدوق : 326/1 .
3- فرائد السمطين : ج 2 ص 174 ح 461 .
4- من كتاب الحسين والحسينيون : ص 327 .

حبي بثلاث ما أحاط بمثلها ***ولي فما زيد سواء ولا عمرو

له تربة فيها الشفاء وقبة ***يُجاب بها الداعي إذا مسه الضُّرُّ

وذُرِّيَّة درية منه تسعة ***أئمة حق لا ثَمان ولا عَشْرُ

أيقتل ظمآناً حُسينُ بكَربلا ***وفي كل عضو من ن أنامله بحر

ووالده الساقي على الحوض في غد*** وفاطمة ماء الفرات لها مَهْرُ

فَوَالَهُفَ نفسِي لِلحُسَين وما جنى*** عليه من غداة الطف في حربه شمر(1)

***

وقال دعبل بن علي الخزاعي :

أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً*** وقد مات عطشاناً بشط فرات

إذن للطَمْتِ الخد فاطم عنده ***وأجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا بنة الخير واندبي*** نجوم سماوات بأرض فلاة

تُوفُوا عطاشا بالفرات فليتني*** توفيت فيهم قبل حسين وفاتي

***

ص: 174


1- كتاب الحسين والحسينيون : ص 327 .

«أنْ يَرْزُقَنى طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ»

الإمام هو المقدم والمنتخب ، وإنها مشتقة من أم بمعنى قصد ، وجميع تصاريف هذه الكلمة ، كالأم والأمة والأمام يراد منها الطريق المستقيم بصورة من الصور، والمراد من الإمام هنا هو خاتم الأولياء وبقية الأوصياء. وحافظ الدين وآخر الأئمة المعصومين الإمام الحجة المهدي المنتظر(عليه السلام)، وإنه لقب بالمنصور لأنه هو الذي سيطلب بثار دم جده الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)وهناك روايات كثيرة أشارت إلى هذا المعنى منها كما ورد في كتاب (كامل) الزيارة) عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)في تفسيره لقوله عز وجل: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً ﴾ (1) فقال : هو قائم آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) يخرج ليطلب بثأر دم جده الإمام أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) (مضمون الرواية) فلو قتل جميع من في الأرض لما كان مسرفاً، ثم قال: قسماً بالله. إنه سيقتل أولاد قتلة الحسين(عليه السلام)، وذلك لسوء عمل آبائهم .(2)

قال الشاعر :

أعده الله في خزائن--ه ***لنصره فهو المنصور والناصر

يأخذ ثار الآباء منه فلا*** موتور إلا غدا له واتر

ص: 175


1- الإسراء : 33 .
2- كامل الزيارة : باب 18 ص 63 رقم 5 ، بحار الأنوار: ج 45 / 298 .

ثم إن للإمام الحسين(عليه السلام)درجة ومنزلة عظيمة لا يعرف قدرها إلا الله سبحانه وتعالى ولا يعرف أهمية وثواب طلب الثأر لدمه الزاكي، إلا هو (عز وجل) ، ومن الواضح أن قيمة دم الإنسان وأخذ الثأر له، ترتبط بقيمة ذلك الشخص ، فكما أنه لا يمكن للإنسان أن يعرف مقام وعظمة الإمام أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)فكذلك لا يمكن له أن يدرك أهمية أخذ الثأر لدمه الزاكي الذي سفك لأجل إعلاء كلمة الإسلام، فلكي نتمكن أن نعرف شيئاً ما من عظمة الإمام (عليه السلام)، لا بد أن نطلب من الله عزّ وجل أن يجعلنا في زمرة الطالبين بالثأر لدمه الطاهر كما نقرأ في الزيارة الشريفة أن يرزقني طلب شارك مع إمام منصور من أهل بيت محمد».

هنا يظهر سؤال وقد تعرضت له بعض الروايات، وهو ممن سوف يكون أخذ الثأر ، فإذا كان من ذرية القتلة، فما هو ذنب الأولاد بما اكتسبه الآباء ، وكيف يجوز قتلهم، وهو القائل﴿ ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (1).

الجواب : على هذا السؤال حسب ما يرتضيه العقل والشرع بأن من رضي بعمل قوم أشرك معهم، فالذرية التي تفتخر بما فعله الآباء من جرائم وموبقات فإنها تستحق المجازاة كاملاً .

ثأر الإمام المهدي(عليه السلام) :

في رواية عن المفضل أنه سئل الإمام الصادق(عليه السلام)عن ظهور الإمام الحجة(عليه السلام)وعن المناطق التي سوف تكون في مسيره.

قال المفضل : يا سيدي ثم يسير المهدي إلى أين ؟ قال(عليه السلام): إلى مدينة جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور

ص: 176


1- الأنعام: 164

المؤمنين وخزي الكافرين .

قال المفضل : يا سيدي ما هو ذاك؟

قال : يرد إلى قبر جده (صلی الله علیه وآله وسلم)،فيقول : يا معشر الخلائق هذا قبر جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)،فيقولون : نعم يا مهدي آل محمد، فيقول : ومن معه في القبر؟ فيقولون : صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر فيقول وهو أعلم بهما والخلائق كلهم جميعاً يسمعون : من أبو بكر وعمر؟ وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)،، وعسى المدفون غيرهما .

فيقول الناس : يا مهدي آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)،ما ههنا غيرهما. إنهما دفنا معه لأنهما خليفتنا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)،وأبوا زوجتيه ، فيقول للخلق بعد ثلاث : أخرجوهما من قبريهما، فيخرجان غصين طريين لم يتغير خلقهما ، ولم يشحب لونهما ، فيقول : هل فيكم من يعرفهما ؟ فيقولون : نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما، فيقول : هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما ؟ فيقولون : لا . فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام، ثم ينتشر الخبر في الناس ويحضر المهدي، ويكشف الجدران عن القبرين، ويقول للنقباء : ابحثوا عنهما وانبشوهما ، فيبحثون بأيديهم حتى يصلون إليهما .

فيُخرجان غضين طريين كصورتهما ، فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر

برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها، فتحيا الشجرة وتورق ويطول فرعها ، فيقول المرتابون من أهل ولايتهما هذا والله الشرف حقاً، ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما ، ويُخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من حبهما وولايتهما، فيحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما وينادي منادي المهدي عليه : كل من أحب صاحبي رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)،وضجيعه ، فلينفرد جانباً، فيتجزأ الخل-ق جزأين أحدهما موال والآخر متبرئ منهما .

ص: 177

فيعرض المهدي(عليه السلام)على أوليائهما منهما فيقولون : يا مهدي آل رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم) ، نحن لم نتبرأ منهما ، ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة ، وهذا الذي بدا لنا من فضلهما، أن نتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت ؟ من نضارتهما وغضاضتهما ، وحياة الشجرة بهما ؟ بل والله نتبرأ منك، وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما، ومن صلبهما، وأخرجهما، وفعل بهما ما فعل، فيأمر المهدي علي ريحاً سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كإعجاز نخل خاوية (1) .

***

ص: 178


1- بحار الأنوار: ج 53 ص 13

منها :

« صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ »

في الجملة أبحاث لطيفة في موضوع الصلوات نتعرض إليها بصورة مفصلة منها:

1 - أن معنى الصلاة على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)من الله عز وجل هو الانعطاف عليه بالرحمة المطلقة، وصلاة الملائكة انعطاف عليه بالتزكية والاستغفار، والصلاة من المؤمنين الدعاء له بالرحمة .

عن علي بن إبراهيم القمي في تفسيره قال: «صلوات الله عليه تزكية له وثناء عليه، وصلاة الملائكة مدحهم له، وصلاة الناس دعاؤهم له والتصديق والإقرار بفضله» (1)

2- هل الصلاة على النبي وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)واجب أم مستحب؟

1- عندما ننظر إلى الأحاديث والروايات الصادرة في هذا الباب نرى أنها تشير إلى الاستحباب المؤكد دون الوجوب فعن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) قال : «البخيل كل البخيل من إذا ذكرت عنده لم يصل علي !»(2).

وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): «من ذكرت عنده فلم يصل علي أخطأ طريق الجنة» (3).

ص: 179


1- تفسير القمي : ج 2 ص 196 .
2- بحار الأنوار: ج 94 ص 61 .
3- ثواب الأعمال: 187 .

3- هناك اختلاف بين علماء المسلمين، بأن نفع الصلوات هل يعود على المصلي أو على المصلى عليه ؟

قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) : «إذا كانت لك إلى الله سبحانه وتعالى حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على النبي ثم اسأل حاجتك فإن الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي أحدهما بهما ويمنع الأخرى»(1).

يشير هذا القول وبشكل واضح بأن دعاء الصلاة على النبي مستجاب ،بينما الإنسان هو المحتاج إلى قضاء حاجاته.

و عن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم): « إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم علي في دار الدنيا صلاة ، إنه قد كان في الله وملائكته كفاية ولكن خص المؤمنين بذلك ليثيبهم عليه ».

4 - نهى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)عن الصلاة البتراء، والأخبار متواترة في هذا الباب عن الفرق الإسلامية ، منه الحديث المنقول في صحيح البخاري ، أنه سأل النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)عندما نزلت الآية المباركة : ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلَّمُوا تَسْلِيماً .

قيل : يا رسول الله، قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك ؟فقال :

تقولون : اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد(2) .

ص: 180


1- نهج البلاغة : ح 361 شرح صبحي الصالح .
2- صحيح البخاري : 146/4 و ج 77/8ط مصر .

وقال الشافعي (رحمه الله) :

يا آل بیت رسول الله حبكم ***فرض من الله في القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم الفخر أنكم*** من لم يصل عليكم لا صلاة له(1)

وهذه الأبيات موجودة أيضاً في الكثير من كتب أهل السنة والجماعة وهي تشير إلى وجوب الصلوات ولكنهم يحملونها على نفي الكمال للصلاة عند تركها في رواية أخرى أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، قال : «لا تصلوا علي الصلاة البتراء قالوا : وما الصلاة البتراء يا رسول الله ؟ قال تقولون اللهم صل على محمد وتسكتون بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» (2). ولكن مع هذا نرى غالبية أهل السنة لا يذكرون الآل في الصلوات على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بينما كتبهم تدعوهم إلى الصلاة الكاملة دون البتراء، والآيات القرآنية كقوله عز وجل : ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النور﴾ (3) .

وقوله :﴿ وصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنُ لَهُمْ ﴾ (4).

وقوله :﴿ أَوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ (5).

تدلّ على جواز الصلاة على جميع أهل الإيمان، ويذكر التاريخ بأن الصحابة أيضاً كانوا يصلون على آل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم).

ص: 181


1- الصواعق المحرقة : ص 88 الطبعة القديمة ، ينابيع المودة : ص 295 ط/ استنابول.
2- ينابيع المودة : ص 295ط استنبول.
3- الأحزاب : 43 .
4- التوبة : 103 .
5- البقرة : 157 .

روى أبو نعيم الحافظ وجماعة من المفسرين عن مجاهد عن ابن عباس بأن آل ياسين في قوله عز وجل﴿ سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ (1). هم آل محمد عليها وياسين اسم من أسماء النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) ولكن مع هذا نراهم يتثاقلون في الصلاة على آل النبي لها وسبب هذا التثاقل يبينه الزمخشري في كتابه الكشاف ، فقال في ذيل قوله (عز وجل) : ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلَّمُوا تَسْلِيما ﴾ (2) ، فإن قلت : فما تقول : في الصلاة على غيره ؟ قلت : إن القياس جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النور﴾(3)

وقوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنْ لَهُمْ ﴾(4) .

وقوله (صلی الله علیه وآله وسلم): «اللهم صل على آل أبي أوفى ، ولكن للعلماء تفصيلاً في هذا وهو إنها إن كانت على سبيل التبع كقولك صلى الله على النبي وآله فلا كلام فيه، وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه لأن ذلك صار شعاراً لذكر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، ولأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض وقال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم» !

وقال ابن القيم في( فتح الباري) : المختار أن يُصلَّى على الأنبياء والملائكة وأزواج النبي وآله وذريته وأهل الطاعة على سبيل الإجمال ويكره في غير الأنبياء لشخص مفرد ، بحيث يصير شعاراً، ولا سيما إذا تُرك في حق مثله أو

ص: 182


1- الصافات : 130.
2- الأحزاب : 56 .
3- الأحزاب : 43 .
4- التوبة : 103.

أفضل منه كما يفعله الرافضة (1)

وقال أيضاً بأن الصلاة على غير الأنبياء حسب مذهب الحسن البصري ومجاهد وإسحاق وأبو ثور داود الطبري جائز .

وفي منهاج السنة لابن تيمية قال : تجوز الصلاة على غير النبي كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي كما قال أبو حنيفة في مذهبه ، وهو اختيار أكثر أصحابه كالقاضي ابن يعلى وابن عقيل وأبي محمد عبد القادر الجيلي إذ الروايات السنية لا تعارض الصلاة على أهل بيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، وهذا ما يدعو إليه الكتاب والسنة والعقل والإجماع ، ولكن الذي يدعوهم إلى ترك ذلك في ذكر الصلاة على النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)هو عنادهم وحبهم هو عنادهم وحبهم لمخالفة الشيعة في جميع الأمور. وقال محمد محيي الشامي وهو من كبار علماء السنة في كتابه (تاريخ خلاصة الأثر) بوجوب التمسك بهذا العناد والتعصب، حتى إنه دعا إلى التختم باليسار بدلاً عن اليمين، إن كانت الأفضل ، فقال بعد ذكره لأبيات عبد الرحيم بن تاج الدين الدمشقي :

إن الفتى العالم مع علمه ***تراه محروماً من العالم

مثل اليد اليمنى لفضل بها*** قد منعت من زينة الخاتم

وقال إن التختم باليسار بدأ في واقعة التحكيم، عندما خطب عمرو بن العاص وقال : إني خلعت الخلافة من علي وجعلتها في معاوية كما خلعت خاتمي هذا من يدي اليمنى وجعلتها في اليد اليسرى، وبقيت هذه السنة في الناس إلى هذا اليوم، بينما كان النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)والخلفاء يتختمون بيمينهم، ثم قال : دعا فقهاؤنا ومنهم البير جندي في كتابه إلى التختم باليسار ، لأن التختم

ص: 183


1- فتح الباري : 11/ 147 باب هل يصلي على غير النبي ط بيروت.

باليمين شعار الروافض ومن الواجب أن نتحرز عن ذلك، وقال علاء حصكفي في شرح ( ملتقى الأبحر ) : (لا شعور لنا بهذا الشعار في هذه الأمصار فنتبع أثر المختار).

ويستشهد بأشعار أبي عامر الجرجاني :

تختم في اليسار فليس يلقى ***طرازاً لكم إلا في اليسار

وما نقصوا اليمين به ولكن ***لباس الزين أولى بالصغار

لذاك ترى الأباهم عاطلات*** وهُنَّ على الأكف من الكبار(1)

بينما قال أبو حفص الفقيه : سألت أبا أحمد الكاتب عن سبب تختمه باليمني ؟ قال : لأربعة فوائد :

1 - لكونها سنة مأثورة عن النبي الأكرم(صلی الله علیه وآله وسلم) ولو عن خلفاء الراشدين، ولم تتغير إلا في واقعة صفين .

2- ربنا سبحانه وتعالى يقول :﴿ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْاً إلا وُسْعَهَا ﴾ (2) ، ولا شك إن اليد اليمنى أقوى من اليسار، فلذا فحمل الأشياء لابد أن تكون في اليد الأقوى .

3- تنهانا الأحاديث الشريفة بالاستنجاء باليد اليمنى، وبما أن الكثير من الخواتم تحمل أسماء مقدسة ، لذا يجب أن لا تلبس باليد اليسرى ، التي يكون بها الاستنجاء .

4 - بما أن الخاتم زينة مباركة ، فلذا اليد اليمنى أولى بأن تحمل هذه الزينة .

وقال الراغب الأصفهاني في كتاب (المحاضرات) : «كان خاتمه(صلی الله علیه وآله وسلم)حلقة

ص: 184


1- خلاصة الأثر : 409/2 ط دار الصادق - بيروت .
2- البقرة : 286 .

فضة وعليه فص عقيق ، وكان يتختم به في يمينه ، وسبب اتخاذه أنه كتب إلى ملك الروم فقيل : إنه لا يقبل كتاباً إلا مختوماً قال : وأول من تختم في يساره معاوية . قال الشاعر :

قالوا تختّم في اليمين وإنما ***مارست ذاك تشبهاً بالصادق

وتقربا مني لآل محمد*** وتباعداً مني لكل منافق

الماسحينَ فروجهم بخواتم*** اسم النبي بهن واسم الخالق

وفي كتاب المستطرف، قالت عائشة: كان النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)يتختم بيده اليمنى وإنه خرج من هذه الدنيا وخاتمه في يده اليمنى.

وفي كتاب( التاريخ الإسلامي) كان رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)يتختم بيمينه وهكذا الخلفاء الراشدون وأول من تختم باليسار هو معاوية واستنت بنو أمية به، ثم جاء أبو العباس السفاح ونقلها إلى يمينه واستمر ذلك إلى أيام الرشيد ، عندها عدل هارون الرشيد عن السفاح وأخذ بستن بسنة معاوية، ثم أخذ البعض الكثير يقلد الرشيد إلى هذا اليوم .

وقال ابن تيمية عند بيان التشبه بالروافض : ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذا صارت شعاراً لهم، فإنه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك، لكن في إظهار ذلك مشابهة لهم فلا يتميز السني من الرافضي، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة هذا المستحب(1) .

وهناك الكثير من الموارد المستحبة والواجبة تركها المسلمون مخالفة للشيعة ذكرها العلامة الأميني (رضوان الله عليه) في كتابه الغدير ج 10 ص 210 راجع .

ص: 185


1- منهاج ابن تيمية : ج 2 ص 143.

«اللَّهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ»

الجعل على قسمين :

القسم الأول بمعنى الإنشاء، ويأخذ مفعولاً واحداً فقط، والقسم الآخر مركب ويحتاج إلى مفعولين، وإنه يوجد وصفاً في أمر ثالث والجعل في العبارة الشريفة من القسم الثاني كما هو واضح .

الوجيه : مأخوذة من الوجه، وتعني الجاه، كما مر سابقاً في عبارة البخاري : «وكان لعلي وجه حياة فاطمة، كما مر تحت عبارة (أسس أساس الظلم).

الدنيا مذكرها أدنى، وجاءت بصيغة أفعل التفضيل ، للمبالغة في أمر الدنو والانحطاط لهذه النشأة.

قال الفخر الرازي في تفسيره : إن الوجيه هو الإنسان المعروف بالخير وليس الإنسان المشهور إذ إن المعرفة والسمعة بين الناس لا تؤدي إلى الوجاهة، ولا تطلق هذه الكلمة على الإنسان الفقير الذي يشتغل لأجل الحصول على لقمة العيش ، بل الوجيه هو الذي يحمل الصفات الحميدة، والتي عن طريقها يكون معروفاً بين الآخرين، ولكن عندما نرجع إلى القرآن الكريم نرى الوجاهة تحصل في الدنيا والآخرة بفعل عامل التقوى لا غير قال

(عز وجل):

ص: 186

﴿إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ ﴾ (1)

والتقوى لها ثلاث مراحل:

1 - التقوى في الإيمان والاعتقاد أو الاستقامة في الدين والأحكام الإلهية .

2 - التقوى في الأعمال أي امتلاك حالة الورع عن المحارم واجتناب المآثم وملازمة الواجبات والاهتمام بالعبادات والطاعات، وهذه المرتبة تحصل بعد حصول المرتبة الأولى.

3- التقوى في الأخلاق والصفات الروحية : يجب على الإنسان أن ينظر إلى صحيفته الباطنية، فإذا رأى صفة رذيلة في نفسه، فلابد أن يبكي على حاله ، وأن يتصور ذلك بداية حلول ونزول العذاب عليه ، فعليه أن يلتجئ إلى الله عز وجل ويطلب منه النجاة منها ومن كل صفة رذيلة أخرى. وإذا رأى صفة طيبة في نفسه، فلابد أن يتصور بأنها رحمة إلهية ، فعليه أن يشكر الله سبحانه وتعالى ويطلب منه الثبات والدوام عليها، ويطلب أمثالها، وأشباهها لكي يصل إلى مرحلة الإيمان والكمال، وهذه المراحل الثلاث للتقوى مرتبطة بالعلم، قال عز وجل: ﴿يَرْفَعَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا العلم درجات ﴾(2) وقال تعالى: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ (3)

خلاصة الكلام على الزائر أن يطلب من الله سبحانه وتعالى بعد اعتصامه بمحبة الإمام الحسين علي التدرج في مراتب العلم والعمل الصالح لكي يكون مرضيّاً عنده في الدنيا والآخرة .

ص: 187


1- الحجرات : 13.
2- المجادلة : 11 .
3- الزمر : 9 .

«يا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَتَقَرَّب ... وَعَلى أَشْياعِكُمْ»

اشارة

«يا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي أَتَقَرَّب إلى الله و إلى رَسُولِهِ وَإِلى أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلى فَاطِمَةَ وَإِلَى الْحَسَن وَإِلَيْكَ بمُوالاتِكَ وَبِالبَراءة مِمَّنْ قاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْب وَبِالْبَرَاءة مِمَّنْ أَسَسَ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْر عَلَيْكُمْ وَأَبْرَأُ إِلَى الله وإلى رَسُولِهِ مَمَّنَ أسَّس أسَاسَ ذَلِكَ وَبَنِى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ وَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْره عَلَيْكُمْ وَعَلى أَشْياعِكُمْ»

المراد من القرب في المقطع الشريف هو القرب المعنوي لا القرب المكاني وهذا القرب إنما يحصل بملازمة الطاعات ومجانبة المعاصي، والتخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالى، فإذا قام الإنسان بهذه الأمور فإنه سوف يتجاوز حالة الإيمان القشري إلى الإيمان الحقيقي : «فإن لكل حق حقيقة، وعلى كل صواب نور».

أما الموالاة فمعناها المحبة والولاية، والنصب في اللغة هو إقامة الشي والنصيب هي الحصة والسهم، والنّصاب معناه الحد، والنُّصب هو المعبود الباطل، ومن وجوه استعمال هذه الكلمة يقولون : نَصَبَ له العداوة، ونصب له الحرب، وأما النواصب والناصبية وأهل النصب فهم المتدينون ببغض على(عليه السلام).

الجري هو المر السريع، وأصله في الماء ونحوه ، وتستعمل في جري الفرس وجري السفينة، وتطلق لفظة جارية على الأمة وذلك لحركتها المستمرة في

ص: 188

خدمة سيدها وتطلق لفظة الجارية على السفينة وذلك الجريانها في البحر ، ومنه : قيل للأمة جارية على التشبيه الجريانها مستمرة في أشغال مواليها والأصل فيها الشابة لخفتها ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية، وإن كانت عجوزاً لا تقدر على السعي تسمية بما كانت عليه (هذا ما جاء في كتاب المصباح).

وأما الذي قاله صاحب كتاب (المحيط) : «إنما سميت جارية لأنها تجري في الحوائج وفي الأساس قال : وسميت الجارية لأنها تستجري في الخدمة».

من هو الناصبي؟

هناك الكثير من الروايات التي تجيب على هذا السؤال، فبعضها تقول : هو من نصب العداوة لأهل بيت محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)، فعن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «الناصب لأهل بيتي حرباً»، «من دان بمعاداتهم ، ومن نصب العداوة لعلي (عليه السلام)»« من أعلن بالعداوة» ، «من نصب العداوة لشيعتهم» ، وفي رواية أخرى: «من قدم الجبت والطاغوت»، وهذه الأخبار كلها ترجع إلى معنى واحد وهو البغض لأهل البيت (عليهم السلام).

عن ثابت ابن أبي صفية الثمالي قال : نظر علي بن الحسين سيد العابدين إلى عبيد الله بن العباس(عليه السلام) فاستعبر ثم قال : ما من يوم أشد على رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)من يوم أحد ، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب .

ثم قال(عليه السلام): ولا يوم كيوم الحسين، ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كل يتقرب إلى الله عز وجل بدمه، وهو بالله

ص: 189

يذكرهم فلا يتعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً (1).

قال ابن نما : ثم دعا جندب بن عبد الله الأزدي وكان شيخاً فقال : يا عدو الله ألست صاحب أبي تراب ؟ قال : بلى لا اعتذر منه ، قال : ما أراني إلا متقرباً إلى الله بدمك ، قال : إذن لا يقربك الله منه ، بل يباعدك ، قال : شيخ قد ذهب عقله . وخلّى سبيله(2).

روى معلى بن خنيس عن الإمام الصادق علي أنه قال : «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنك لا تجد أحداً يقول : إني أبغض محمداً وآل محمد ، ولكن الناصب من نصب لكم، وهو يعلم أنكم تقولون وتتبرؤون من أعدائنا »(3).

ولا شك أن الجماعة التي خرجت وشاركت في قتال الإمام أبي عبد الله الحسين علي، كما نقرأ في الزيارة (من نصب لك الحرب )هم من النواصب ومن الخارجين من دائرة الإسلام بشكل كامل، وذلك لانتهاكهم حرمة الإسلام بسفكهم لدم الإمام الحسين (عليه السلام).

***

ص: 190


1- الخصال : ص 68 ، البحار : ح 44 ص 298 .
2- البحار : ج 45 ص 121 .
3- معاني الأخبار : 104 ، وعلل الشرايع : ص 200 .

«بَرِئتُ إِلَى اللهِ... لِمَنْ عاداكُمْ»

اشارة

«بَرِئتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَأَتَغَرَبَ إِلَى اللهِ ثم إِلَيْكُمْ بمُوالاتِكُمْ وَمُوالاة وَلَيْكُمْ وَالبَراءة مِنْ أَعْدائِكُمْ وَالنَاصِبينَ لَكُمُ الحَرْبَ وَبِالْبَراءة مِنْ أَشْيَاعِهِمْ إنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ وولي لِمَنْ والاكُمْ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ»

الاعتقاد بإمامة أهل البيت(عليهم السلام)من أهم أصول الدين التي يجب الأخذ بها، كما ذكرنا فيما سبق حيث إن الدين يرتكز على أمرين أساسين: الأول التبري والثاني هو التولي، كارتكاز صحة البدن على دفع الميكروبات والجراثيم منه أولاً ومن ثم تغذيته بالمواد الغذائية الجيدة والمناسبة، وهكذا الأمر في الطب النفسي، إذ يصل الإنسان إلى الكمال الروحي والنفسي وذلك إذا أزال الصفات الرذيلة عن نفسه أولاً، ومن ثم تحلى بالأخلاق الحميدة والصالحة وإن سلامة الإيمان والحصول على تقوى الله سبحانه وتعالى متوقف على هذين الأمرين أيضاً، ويعبر الدين عنهما بالتبري والتولي ، التبري من أعداء الحق ثم تولي أصحاب الحق ، وبما أن أئمة أهل البيت

(عليه السلام)جسدوا الحق بكل صورة ومعانيه ، كما قال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) في حقوق الإمام علي(عليه السلام): «علي مع الحق والحق مع علي، لذا فإن التبري من أعدائهم وموالاتهم هو الإيمان والإسلام الصحيح، وبما أن هذه الزيارة جاءت لتبين أهمية متابعة ومشايعة أئمة أهل البيت(عليه السلام)لهذا أشارت إلى موضوع التولي والتبري بعدة أساليب وبصور

ص: 191

مختلفة مرة من طريق اللعن ومرة من طريق ذكر مساوئ الظالمين، ومرة بإظهار المحبة الفطرية لأهل البيت

(عليهم السلام) :﴿ فطرة الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾ (1) .

لاشك أن التبري من قتلة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه، والتولي لأوليائه ومحبيه ، أفضل طريق يؤدي بالإنسان إلى رضوان الله عز وجل ولهذا نقرأ في الزيارة المباركة وأتقرب إلى الله وإلى رسوله بموالاتكم وموالاة وليكم وبالبراءة من أعدائكم والناصبين لكم الحرب».

تحمل هذه الجمل النورانية الخطاب لجميع أئمة أهل البيت(عليهم السلام)بإظهار البراءة من أعدائهم والموالاة لأوليائهم وتارة نذكر هذه الجملة بعبارة أخرى وبصورة مختصرة فنقول : «إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم».

روى الإمام أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله : «من مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت ، ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يُزفّ إلى الجنة كما تُزفُ العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة» (2).

ص: 192


1- الروم : 30 .
2- ينابيع المودة : ص 399 ط / استنابول، وذكره أيضاً الكشاف والرازي في تفسيرهما.

وقال أمير المؤمنين علي(عليه السلام)النوف البكالي: «يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يبغضني ويبغض الأئمة من ولدي »(1).

وقال الإمام الصادق(عليه السلام):« علامات ولد الزنى ثلاث : سوء المحضر والحنين إلى الزنى وبغضنا أهل البيت »(2)

أحاديث في ثواب التولي والتبري

1- عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قلت للنبي ا ال الله : أوصني قال : «عليك بمودة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، والذي بعثني بالحق نبياً لا يقبل الله من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهو تعالى أعلم، فإن جاءه بولايته قبل عمله على ما كان منه ، وإن لم يأت بولايته لم يسأله عن شيء ثم يأمر به إلى النار ، يابن عباس والذي بعثني بالحق نبياً إن النار لأشد غضباً على مبغض علي (عليه السلام) منها على من زعم أن الله ولداً .

يا بن عباس لو أن الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغضه ولن يفعلوا العذبهم الله بالنار، قلت: يا رسول الله وهل يبغضه أحد ؟ قال : يابن عباس نعم يبغضه قوم يذكرون أنهم من أمتي لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً» (3) .

2- عن الإمام الصادق (عليه السلام): حدثني أبي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلوات الله عليهم ، أنه قال : «من ضعف عن نصرتنا أهل البيت، فلعن في خلواته أعداءنا بلّغ الله صوته جميع الأملاك من الثرى إلى العرش ، فكلما لعن

ص: 193


1- البحار : ج 27 ص 145 ح 1 .
2- المصدر السابق .
3- بحار الأنوار: ج 27 ص 219 ح4 .

هذا الرجل أعداءنا لعناً ساعدوه ولعنوا من يلعنه ، ثم ثنوا فقالوا : اللهم صل على عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر على أكثر منه لفعل، فإذا النداء من قبل الله عز وجل : قد أجبت دعاءكم وسمعت نداءكم وصليت على روحه في الأرواح وجعلته عندي من المصطفين الأخيار» (1)

3 عن الإمام الرضا(عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم):حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وعلى من قاتلهم، وعلى المعين عليهم وعلى من سبهم ، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم»(2).

في أفضلية التبري على التولي

ذهب بعض علماء الإسلام إلى أفضلية التبري على التولي ، وبينوا دلائل في ذلك منها :

1 - أن التبري موجود في كلمة التوحيد (لا إله إلا الله وفي قوله عز وجل :﴿ فَمَن يَكْفُرُ بالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنُ بِالله فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْمُرْوة الوُثْقَى﴾ ، وهكذا في زيارة عاشوراء .

قال ركن الدولة ابن بابويه الديلمي : في أهمية التبري .

إن الله عز وجل لا يقبل توحيده إلا مع نفي الشركاء له ألا ترى في كلمة التوحيد (لا إله إلا الله )بأنها تنفي أولاً الآلهة من دونه (عز وجل) .

وكذلك لا يُقبل من الشخص الإقرار بنبوة النبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)إلا مع نفي وإبطال الدعاوي الكاذبة في النبوة، كما ادعى بذلك مسيلمة وسجاح وأسود .

ص: 194


1- بحار الأنوار: ج 27 ص 223 ح 11 .
2- بحار الأنوار: ج 27 ص 222 .

ولا يقبل الإقرار بإمامة أمير المؤمنين علي(عليه السلام)إلا مع نفي إيمان وإسلام أولئك الذين وقفوا في وجهه وحاربوه بمختلف الأشكال والصور(1) .

2 - التولي كجملة «اللهم صل على محمد وآل محمد» فيه سرور للمؤمنين، ولكن في اللعن، سرور للمؤمنين وعذاب للمنافقين والأعداء .

3- جاءت كلمة اللعن في القرآن ما يقارب مئة مرة، في حين لم تأت كلمة الصلوات إلا بعدد أصابع اليد.

***

ص: 195


1- زهرة الربيع ج 2 ص 258 .

«فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ورَزَقَنِي البَراءةَ مِنْ أَعْدائِكُمْ .. »

معرفة أهل البيت(عليه السلام)

هناك درجات في معرفة أهل البيت (عليهم السلام).

1 - مرتبة الإحاطة التامة بمقامهم كما هو، وهذا لا يمكن، إذ لا يستطيع الإنسان العادي أن يحيط بهم بالشكل الكامل .

جاء في الحديث الشريف: «من عرفنا فقد عرف الله» هذا الحديث يمكن أن يشير إلى هذا الأمر.

وروى الشيخ الصدوق (عليه السلام) عن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه قال: «يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت ولا عرفنى إلا الله وأنت ولا عرفك إلا الله وأنا».

وقال النبي الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : « يا علي ما عرف الله حق معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حق معرفتك غير الله وغيري»(1).

قال رجل للإمام الحسين(عليه السلام) : يابن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله ؟ قال : معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته»(2) .

ص: 196


1- بحار الأنوار: ج 39 ص 84 ط طهران .
2- البحار : ج 23 ص 83 .

عن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)قال : ونحن الأعراف الذين لا يُعرَف الله إلا بسبيل معرفتنا».

وقال عليه : يا سليمان ويا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين قال : معرفتي بالنورانية، معرفة الله عز وجل، ومعرفة الله معرفتي بالنورانية، كلُّنا ،واحد ، أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد فلا تفرقوا بيننا، ونحن إذا شئنا شاء الله ، وإذا كرهنا كره الله »(1) .

وعن سدير عن أبي جعفر (عليه السلام)سمعته يقول : «نحن خزان الله في الدنيا والآخرة وشيعتنا خزاننا ولولانا ما عرف الله »(2).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) ، قال : «الأوصياء من آل محمد الاثنا عشر لا يعرف الله ، إلا من عرفهم»(3).

2- مرتبة الاطلاع على أسرارهم وسرائرهم وبواطنهم على قدر الإمكان البشري، وهذه الدرجة عالية جداً، لا ينالها إلا الصديقون والأولياء، كسلمان المحمدي وأبي ذر وأبي حمزة الثمالي ويونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين ، وجماعة آخرون حصلوا على مراتب قريبة من هذه المرتبة .

3- مرتبة الاطلاع على علومهم وأخلاقهم العالية، كما ورد ذلك عنهم من خلال أحاديثهم الشريفة، كالعلم والحلم والتقوى والشجاعة والسماحة، واحتياج الخلق إليهم في جميع أمورهم ، وإنهم حجج الله في الأرض ومحل صدور جميع الفيوض الإلهية، والمواهب الربانية، وإن قولهم حاكم على جميع ما في الوجود، ويستطيع المرء الوصول إلى هذه العلوم من خلال السعي

ص: 197


1- بحار الأنوار: 1/26-2 .
2- بحار الأنوار: ج 26 ص 106 .
3- ابن شهر آشوب ج 2 ص 27 .

والاجتهاد اللازم، وهذا ما يصل إليه العلماء والفقهاء والحكماء من خلال جدهم وسعيهم ، قال (عز وجل) : ﴿وأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى ﴾ .

4 - المرتبة الرابعة : هي الاعتراف بإمامتهم، وبأنهم يمتلكون الكمال في شتى المجالات وهذا ما يتمكن عليه جميع العوام بدون أي جهد ومشقة.

***

ص: 198

«أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ »

تنقسم المعية إلى ثلاثة أقسام :

1 - المعيَّة القيوميَّة : وهي المعية الإلهية على خلقه، بحيث إذا رفع عنايته وإحاطته عنهم لانتهى أثرهم ووجودهم كاملاً قال عز وجل: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾ (1).

2- المعية الجسمانية : بأن يكون الإنسان مع الآخر من ناحية الوجود الخارجي الجسماني .

المعية الروحانية : هي الانسجام والتوافق في الأخلاق والسلوك والعمل وهذا ما يحصل بشكل قليل﴿ وقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُور﴾ والمقصود من الزيارة هو هذا ، بأن يطلب الزائر من الله سبحانه وتعالى أن يجعله مع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)من خلال روحه وعقله لكي يصل إلى درجات عالية من الكمال في الدنيا والآخرة، وهذه المعية إنما تتحقق من خلال محبتهم الكاملة والاقتداء بسيرتهم الصالحة وأخلاقهم السامية .

***

ص: 199


1- الحديد : 4 .

«و أَنْ يُثبت لِي عِندَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة »

جاءت كلمة القدم في كتب اللغة بعدة معاني منها :

1 - الرجل وهو أشهر معانيها .

2 - السبق والفضل : كما قال الشاعر :

وأنت امرؤ من ذُؤابة*** لهم قدم معروفة ومفاخر

3-عن أحمد بن يحيى قال : القدم هو كل ما قدمت من خير .

4 - وعن الأنباري القدم : هو كل عمل يحصل فيه التقدم.

5- وقال الفخر الرازي : هو العمل الذي يحصل فيه التقدم عن طريق القدم أو السعي وكما تطلق كلمة اليد على النعمة .

وقال المفسرون في معنى قوله عز وجل : ﴿وَبَشِّرُ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صدق﴾ (1)

قال أحدهم المراد من قدم صدق هو الثواب .

وقال آخر هي شفاعة النبي محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)وهو رأي ابن الأنباري واستشهد بهذا البيت :

صل لذي العرش واتَّخذ قدماً*** ينجيك يوم العثار والزلل

ص: 200


1- یونس : 2 .

وقال البعض: إن المراد من القدم هو المقام، وهذه الآراء ليست بعيدة عن أخبار وروايات أهل البيت(عليه السلام) التي تقول بان المراد من المقام الشفاعة وأحياناً الولاية وأحياناً الوجود المقدس للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، وكلُّها تجتمع في مسألة الشفاعة . ولا شك أن الشفاعة لا تحصل من دون وجود أمر الولاية والمحبة لأهل البيت (عليهم السلام).

وقيل : إن المراد من «وأن يُثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة»، هو أن يثبت قدمي في طريقكم أي يجعل عقيدتي ومحبتي لكم نقية وراسخة وثابتة في الدنيا والآخرة وأن أكون معكم في جنات النعيم، وأن لا يبعدني عنكم طرفة عين أبداً .

***

ص: 201

«وأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي المَقامَ المَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ الله »

التبليغ:صيغة مبالغة للبلاغ، وإنه يتعدى لمفعولين، وجاءت هذه الكلمة في الأدعية الشريفة مرة بلغ بي، بلغ به نيتي، وبلغ بهم وجاءت الباء هنا للتأكيد .

والمقام حسب اصطلاح العارفين، المنزلة التي توصل صاحبها إلى الكمال والدرجات العالية .

الحمد: هو الثناء وهناك فرق بين الحمد والشكر والمدح، ذكرت في كتب اللغة . أما المقام المحمود : قال صاحب مجمع البيان: إن المراد من المقام المحمود في الآية الكريمة : ﴿وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾(1) هو مقام الشفاعة، وهناك من فسر هذه الكلمة بأقوال أخرى ضعيفة، لا تستحق الالتفات إليها ولكن بما أن القرآن الكريم﴿ لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ ﴾ لذا فالأئمة الطاهرون(عليهم السلام) هم الذين يعرفون حقائق وتأويل الآيات القرآنية بشكلها الكامل والمفصل، كما تعلموا من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «علمني رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ألف باب من العلم ، يفتح لي من كل باب ألف باب» .

عن عبد الله بن سليمان قال : كنت عند أبي جعفر علية فقال له رجل من

ص: 202


1- الإسراء : 79

أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى : إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم من يدخل النار ، فقال أبو جعفر : فهلك إذاً مؤمن آل فرعون والله مدحه بذلك ، وما زال العلم مكتوماً منذ بعث الله رسوله نوحاً، فليذهب الحسن يميناً وشمالاً ، فو الله ما يوجد العلم إلا ههنا ، صدق ولي الله عن رسول الله عن

الله سبحانه وتعالى(1).

إذاً فالمقام المحمود درجة عالية من الكمال، تدعو من ينالها إلى حمد الله سبحانه وتعالى، جاء في كتاب التوحيد للصدوق ( عليه الرحمة عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)حديث طويل قال فيه(عليه السلام)، وقد ذكر أهل المحشر: «ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد(صلی الله علیه وآله وسلم)وهو المقام المحمود، فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة يبدأ بالصديقين والشهداء، ثم بالصالحين فتحمده أهل السموات وأهل الأرض، فلذلك قوله عز وجل : ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ﴾فطوبى لمن كان في ذلك اليوم له حظ ونصيب، وويل لمن لم يكن له في ذلك اليوم حظ ولا نصيب »(2).

تشير الرواية الشريفة ، إلى أن المراد من المقام المحمود، هو مقام يقع فيه حمد الخلق له عز وجل، واحد مصاديق المقام المحمود، هي الشفاعة وقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الصدد، حيث جاء في زيارة الجامعة «ولكم المودة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود، والمكان المعلوم عند الله عز وجل والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة .

ص: 203


1- الاحتجاج : ج 2 ص 68 ط دار النعمان .
2- توحيد الصدوق : نور الثقلين ج 3 ص 228 الرقم 390 .

وحسب الظاهر من هذه الزيارة، نرى أن الأئمة(عليهم السلام)يشاركون النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)في هذه المنزلة أي المقام المحمود ، وليس هذا الأمر بعيداً عنهم، فإنهم يشتركون مع النبي في جميع الفضائل ودرجات الكمال العالية .

جاء في الكافي ، بإسناده عن الإمام الصادق(عليه السلام)، أنه قال: «ما جاء به علي أخذ به، وما نَهى عنه انتهي عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى المحمد (صلی الله علیه وآله وسلم)، ولمحمد الفضل على جميع خلق الله ، إلى أن قال : وكذلك يجري لأئمة الهدى واحداً بعد واحد»(1).

وفي خبر آخر وجرى للأئمة واحداً بعد واحد .. إلى أن قال : يجري لآخرهم من الفضل مثل الذي جرى لأولهم ، ولا يصل أحد إلى ذلك إلا بعون الله» (2)

وبما أن الأئمة الطاهرين(عليهم السلام)هم أقرب من جميع الناس إلى النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) نسباً ، وسبباً ، فلذا فلا بد أن يكونوا هم الذين يملكون الكمالات والصفات النبوية السامية دون غيرهم من البشر، ولكن لا يجوز إطلاق اسم النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)في خطبته القاصعة ، بأن النبي اله الا الله قال له : «إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلا أنك لست بنبي . وإنك لوزير وإنك لعلى خير»(3).

***

ص: 204


1- الكافي : ج 1 ص 196 باب 14 .
2- المصدر نفسه.
3- نهج البلاغة : ص 190 .

«وَأَنْ يَرْزُقَنى طَلَبَ ثأري مَعَ إمام هُدَى ظاهرٍ ناطِق منكم »

اشارة

(1)

نسبت النصرة وطلب الثأر في هذا المقام إلى الزائر حيث إن الموالي والمحب لأهل البيت(عليه السلام)يرى الضرر أو السوء المتوجه إليهم(عليه السلام)كأنما هو متوجه إلى نفسه، وذلك حسب الاتصال الفطري والروحي له معهم هذه السنة نراها جارية بشكل طبيعي في الأقوام والمجتمعات، حيث يرى الفرد الأمور النازلة على عشيرته وأقربائه كأنما هي نازلة عليه ، فلذا يفكر في أخذ الحق لهم ومحاربة الظالم .

إن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليه السلام) هم واسطة الفيض والخیر لجميع الموجودات ، فحيث ما وجدت نوراً ، فهو من نورهم ، جاء في زيارة الجامعة الكبيرة : «بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض بكم ينفس الهم ويكشف الضر . . .».

ولكن من جانب آخر ، نرى النبي الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول: «أنا عبد الله ، اسمي محمد ، ولا أملك لنفسي نفعاً ولا ضُراً» وقال (صلی الله علیه وآله وسلم): «أنا عبد الله مرزوق ومخلوق وقال الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام): «أنا عبد من عبيد محمد».

سل نبي الله عيسى (عليه السلام) قال : يا روح الله من نجالس ؟ فقال(عليه السلام) : «جالسوا

ص: 205


1- (ثاركم) كما في كامل الزيارة، وثاري نقلاً عن المصباح.

من يُذكركم بالله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم بالآخرة عمله» .

فبما أن النبي وأهل بيته الطاهرين هم نور الله في الأرض ، وأنه عز وجل جعل لهم مكاناً عظيماً بين خلقه، فلهذا عن طريقهم يصل الخلق إلى معرفة الله سبحانه وتعالى حيث قال : ﴿فِي بُيُوت أَذنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ﴾ (1)

قال(عليه السلام) : «من رآني فقد رأى الحق و من عرفني بالنورانية فقد عرف الحق» و «من عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله ».

فلذا فإن إطفاء أحد هذه الأنوار الإلهية، يؤدي إلى دمار وقتل أولئك الذين كانوا يتنورون منه ، ويحيون في ظل نوره.

وبما أن النبي وأهل بيته(عليه السلام)خلقوا من نور واحد (مع حفظ اختلاف المراتب) لهذا قال(عليه السلام) :

«وإن أرواحكم ونوركم وطنيتكم واحدة طابت وظهرت بعضها من بعض »زيارة الجامعة .

وجاء في الحديث: «من زار أولنا زار آخرنا ومن زار آخرنا فقد زار أولنا ، ومن تولى أولنا تولى آخرنا ومن تولى آخرنا فقد تولى أولنا» (2)

وقال (عليه السلام): «أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد» و «وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا»، وقال(عليه السلام): «حسين مني وأنا من حسين» .

فلهذا فالمصيبة التي نزلت على الإمام الحسين(عليه السلام)، فقد نزلت على جده المصطفى(صلی الله علیه وآله وسلم) ونزلت على جميع الأنبياء والأئمة الطاهرين(عليهم السلام)والمؤمنين جميعاً، فمن هذا الجانب يصح قولنا عندما نقول في الزيارة وأن يرزقني طلب

ص: 206


1- النور : 36-37 .
2- نور الأنوار: للمرندي ص 412

ثاري ، ولهذا السبب أيضاً قال النبي محمد(صلی الله علیه وآله وسلم): «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت» بينما الظاهر يشير إلى أن نوحاً له واجه ما لم يواجهه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)من قومه ، مع هذا كان يؤمر بالصبر على أذى قومه ، بينما النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)واجه الكفار بعدة معارك دفاعية ولكن عندما ننظر إلى الحقيقة والواقع نرى أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)تأذى من قومه ولا يزال يتأذى منهم إلى يومنا هذا وذلك لابتعادهم عن کتاب الله وعن عترته الطاهرة، وطالما كان يوصي بهما بقوله : إني تارك فيكم الثقلين

كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً».

صور قتل الإنسان

هناك حالات مختلفة في قتل الأشخاص :

1 - أحياناً يُقتل الإنسان جسدياً دون أن يُقتل فكره وعقيدته .

2 - أحياناً تُقتل الآثار الكمالية للإنسان، مما يؤدي إلى حرمان الآخرين منها .

جاء في الحديث الشريف : «من أذاع سرنا قتلنا» .

وقال(عليه السلام): «من رضي بفعل قوم فهو منهم ولعن الله أمة قتلتكم بالأيدي والألسن».

وفي مضمون حديث آخر عن الإمام زين العابدين(عليه السلام)، أنه بيَّن أشدَّ أنواع القتل فقال: «أشده هو أن يُقتل الإنسان ويُحرم الآخرون من الحياة تحت ظل عقيدته ونهجه الصالح، ثم يُهدون إلى عقيدة فاسدة وإلى محبة أشخاص لا يملكون من الإيمان والإسلام شيئاً». وهذا ما نراه اليوم في الكثير من المسلمين إذ إنهم حرموا من نور أهل البيت (عليه السلام)، وذلك بسبب وجود بعض علماء السوء بينهم، الذين باعوا دينهم بدراهم معدودة .

ص: 207

جاء في تفسير الآية المباركة : واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا (1)

قال الإمام الباقر(عليه السلام): «يحيي الله سبحانه وتعالى الأرض بقائم آل محمد علي بعد موتها».

ونقرأ في زيارة الإمام المهدي(عليه السلام): «السلام على محيي المؤمنين».

وفي دعاء الندبة :« أين محيي معالم الدين وأهله ؟!».

فيكون معنى جملة الزيارة بعد النظر إلى هذه الأحاديث المباركة : اللهم ارزقني لكي آخذ ثأري من أولئك الذين سلبوا مني الحياة الكريمة والسليمة بقتلهم لتلك الأرواح الطاهرة، مما أدى إلى قتلي أنا أيضاً.

3- اتفق العلماء من العامة والخاصة، أن النبي الله وأهل بيته الطاهرين والأولياء الصالحين، هم الآباء الروحانيون لهذه الأمة، قال النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم): «أنا و علي أبوا هذه الأمة»، والجميع متفقون أيضاً بأن أبناء المقتول هم أولياء ذلك الدم، ولهم الحق في أخذ الثار، والاقتصاص من القاتل، وكما قال الله تعالى : ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيهِ سُلْطَاناً ﴾(2)

ومن الواضح أن الذي لا يتبع أباه الروحي كما قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فإنه سوف يكون في زمرة حزب الشيطان، كما خرج ابن نوح من دين أبيه ، وسلك الطريق غير الصالح ، قال تبارك وتعالى : ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحِ ﴾(3)

يستفاد مما تقدم : بأن الإمام الحسين(عليه السلام)هو الأب الروحي لمحبي

ص: 208


1- الحديد : 17 .
2- الإسراء : 33 .
3- هود : 46 .

وشيعته، وأن أولياء دمه هم الأئمة الطاهرون من ولده ولا سيما ولده الإمام الحجة المهدي المنتظر عليه ، ولهذا فأحد الأعمال التي سيقوم بها مع ظهوره هو أنه(عليه السلام)، سيأخذ بالثأر من قتلة جده الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) .

في معنى المهدي

إن اسم المهدي مأخوذ من الهداية، والهداية هي الإرشاد والدلالة إلى الطريق سواء أكان صالحاً أم غير صالح .

قال عز وجل: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَين ﴾(1)

وتأتي بمعنى الهداية إلى الطريق المستقيم، كما في قوله عز وجل: مَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَلا هَادِى لَهُ ﴾(2)

وكما قال الشاعر :

فلا تعجلن هداك المليك*** فإن لكل مقام مقالا

والهداية على أربعة أقسام :

1 - الهداية نحو جلب المحبوب والنافع ودفع المكروه والضار. وهذه الهداية جعلها الله سبحانه وتعالى في جميع مخلوقاته بقوله تعالى : ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ (3).

2-الهداية نحو الأفضل والأكمل وذلك باستخدام الدلائل العقلية والعلمية لأجل الوصول إلى الطريق السوي الذي يميز بين الحق والباطل وبين

ص: 209


1- البلد : 10 .
2- الأعراف : 186 .
3- طه : 50 .

الصحيح والسقيم والصالح والفاسد ، وأوضح الله سبحانه وتعالى هذين المسلكين للإنسان بصورة كاملة كما قال عز وجل : ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَين ﴾(1)

3- الهداية الرسالية والرسولية : وذلك بأن يرسل الله سبحانه وتعالى الرسل إلى جميع الأمم والشعوب وهكذا يبعث إليهم رسالات وكتباً سماوية ، تبين لهم طريق الخير من الشر قال تعالى : ﴿وأَنا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾(2)

4 - الهداية نحو السير في المقامات العالية من السلوك الروحاني والوصول إلى درجات عالية من التهذيب الروحي والكمال المعنوي، وذلك من خلال التخلص من آثار التعلقات المادية الدنيوية، وهذه الهداية خاصة بأولياء الله سبحانه وتعالى وخواص المؤمنين قال عز وجل :﴿ اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلمات إلى النُّور وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَات﴾(3) ، وتطلق كلمة الهادي على المولى جل وعلا وذلك باعتباره المصدر الأساسي في هداية الإنسان نحو الخيرات والكمال والسعادة .

نقرأ في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين(عليه السلام): «اللهم صل على محمد وآل محمد وقنا بكَ، واهدنا إليك ولا تباعدنا عنك، إن من تقه يَسلم وَمَن تَهْده يعلم، ومن تقربه إليكَ يَغنم»(4)

ص: 210


1- البلد : 10 .
2- فصلت : 17 .
3- البقرة : 257 .
4- الصحيفة السجادية : الدعاء 5 .

في معنى الظهور

هناك عدة أقوال في معنى الظهور في الزيارة الكريمة: «وأن يرزقني طلب ثأري مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم».

1 - هو الأمر الواقع لا محالة وذلك بعد النظر إلى كثرة الدلائل ووفور الشواهد على وجود ذاته المقدسة (عليه السلام)، سواء أكانت الدلائل عقلية أو نقلية ، فلو استخدم الإنسان عقله بصورة جيدة، فإنه سوف يرى وجود الإمام (عليه السلام)في جميع الأمور.

2 - المراد من ظهور الإمام (عليه السلام)هو تجليه في قلوب شيعته من المؤمنين الصالحين، كما في الرواية عن علي بن مهزيار في سبب عدم ظهوره لبعض الناس قال : «إنما حجبه سوء أعمالكم »(1).

عن المفضل بن عمر قال أبو عبد الله(عليه السلام): قال أمير المؤمنين على منبر الكوفة : وإن من ورائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة ، لا ينجو منها إلا النُّومَةَ ؟

قيل : يا أمير المؤمنين وما النومة ؟ قال : الذي يعرف الناس ولا يعرفونه ، واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجة الله ولكن الله سيعمي خلقه منها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة الله لساخت بأهلها ، ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون ، ثم تلا ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يأتِيهِمْ مِنْ رَسُولِ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾(2)

وقال الإمام الصادق(عليه السلام): «صاحب هذا الأمر يتردد بينهم ويمشي في

ص: 211


1- البحار : ج 53 ص 321 .
2- بحار الأنوار: ج 51 ص 112. پس : 30.

أسواقهم ويطأ فرشهم ولا يعرفونه حتى يأذن الله أن يعرفهم نفسه»(1).

عن إسحاق بن عمار قال : قال أبو عبد الله : للقائم غيبتان، إحداهما طويلة، والأخرى قصيرة، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه .(2).

ونقرأ في زيارة الإمام الحسن العسكري :

«السلام عليك يا أبا الإمام المنتظر ، الظاهر للعاقل حجته، والثابتة في اليقين معرفته، المحتجب عن أعين الظالمين، والمغيب عن دولة الفاسقين» ونسب للإمام السجاد (عليه السلام)أنه قال :

إني لأكتم من علمي جواهره*** كي لا يراه أخو جهل فيفتنا

ورب جوهر علم لو أبوح به*** لقيل لي : أنت ممن تعبد الوثنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن*** إلى الحسين ووصى قبله الحسنا

***

روى أبو الحسن البكري في كتابه (الأنوار) عن الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام)أنه قال : كان الله ولا شيء معه، فأول ما خلق نور حبيبه محمد قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والأرض واللوح والقلم . . والحق تعالى ينظر إليه ويقول : يا عبدي أنت المراد والمريد وأنت خيرتي من خلقي. وعزتي وجلالي، لولاك لما خلقت الأفلاك من أحبك أحبتُهُ، ومن أبغضَكَ أبغضته(3) .

ص: 212


1- المصدر : ص 55 .
2- الغيبة : للنعمانين. البحار ج 52 ص 155 رقم 10 .
3- بحار الأنوار: ج 15 ص 27 وج 57 ص 198.

فضل النبي وآله(عليه السلام)

عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام)عن آبائه(عليه السلام)عن أمير المؤمنين قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): ما خلق الله عز وجل خلقاً أفضل مني ، ولا أكرم عليه مني يا علي لولا نحن ما خُلق آدم ولا حَوا ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض(1) .

وقال العلامة المجلسي (رحمه الله) : إن الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)وأمير المؤمنين(عليه السلام)أبوا هذه الأمة لصيرورتهما سبب لوجود كل شيء، وعلة غائية الجميع الموجودات كما في الحديث القدسي: لولاكما لما خلقت الأفلاك... (2)

روى أبو الصلت الهروي عن الإمام الرضا (عليه السلام)عن آبائه عن أمير المؤمنين علی(عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «ما خلق الله عز وجل خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني» .

قال على(عليه السلام)فقلت : يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل ؟ فقال : يا علي ! إن الله تعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من ولدك ، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يُسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ؟ لأن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده

ص: 213


1- بحار الأنوار: ج 18 ص 345 .
2- بحار الأنوار: ج 47 ص 116 .

وتحميده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا ، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون، وأنه منزّه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا ، هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله، وأنا عبيد لسنا بآلهة يجب أن تُعبد معه أو دونه فقالوا : لا إله إلا الله ، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن يُنال عظم المحل إلا به ، فلما شاهدوا ما جعله لنا من العزة والقوة قلنا : لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة ، قلنا الحمد لله ، لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته (نعمه) فقالت الملائكة : الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده

وتمجيده .

ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه ، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم الله عز وجل عبودية ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا من صلبه ، فكيف لا أكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون؟ وإنه لما عُرج بي إلى السماء ، أذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى، ثم قال لي : تقدم يا محمد ، فقلت له : يا جبرئيل أتقدم عليك ؟ فقال : نعم، لأن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين وفضلك خاصة فتقدمت فصليتُ بهم ولا فخر .

فلما انتهيت إلى حجب النور ، قال لي جبرائيل : تقدم يا محمد ، وتخلَّفَ عني، فقلت : يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني ؟ فقال : يا محمد ! إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان، فإن جاوزته

ص: 214

احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جل جلاله ، فزج بي في النور زخة (1)حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من ملکه فنودیت : يا محمد ! فقلت : لبيك ربي وسعديك ، تباركت وتعاليت فنوديت يا محمد ! أنت عبدي وأنا ربك ، فإياي فاعبد وعلي فتوكل فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي، لك ولمن اتبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري ، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ثوابي، فقلت: يا رب ومن أوصيائي؟ فنوديت : يا محمد ! أو صياؤك المكتوبون على ساق عرشي ، فنظرت وأنا بين يدي ربي جل جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً في كل نور سطر أخضر اسم وصي من أوصيائي : أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي .

فقلت : يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي ؟ فنودیت : يا محمد ! هؤلاء أوليائي وأوصيائي وأصفيائي وحجتي (حججي) بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك ، وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ، ولأعلين بهم كلمتي ، ولأطهُرَنَّ الأرض بآخرهم من أعدائي ولأمَكنَنَّهُ (ولأ مَلَكَنَّهُ) مشارق الأرض ومغاربها ، وأسَخَّرَنَّ له الرياح ، ولا ذلكنَّ له السحاب الصعاب ولأرقينه في الأسباب، فلأنصرنه بجندي ، ولأمُدنَّه بملائكتي حتى تعلو دعوتي، وتُجمع الخلق على توحيدي ، ثم لأديَمنَّ مُلكَه ، ولأداولَنَّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة(2)

***

ص: 215


1- زخ بي زخةٌ: دفعني دفعة.
2- عيون الأخبار : ج 1 ص 262 ، بحار الأنوار: ج 18 ص 245 ، ج 26 ص 335.

«وَأَسْأَلُ اللهَ بِحَقَّكُمْ وَبِالسَّانِ الَّذي لَكُمْ عِنْدَهُ أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصَابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مَا يُعْطِي مُصاباً بِمُصيبَتِهِ»

اشارة

السؤال في هذه العبارة المباركة يتضمن معنى القسم، والمراد من حقهم والشأن الذي لهم عند الله عز وجل هو فضلهم وشرفهم الكبير الذي لهم عنده من خلال تضحياتهم الكبيرة لأجل إعلاء كلمة الحق ودحض الباطل. وجاءت هذه العبارة الكريمة في الكثير من الأدعية والزيارات.

فمن أعمال يوم المباهلة : «اللهم إني أسألك بنور وجهك الذي لا يطفأ وبوجه محمد حبيبك المصطفى وبوجه وليك علي المرتضى، وبحق أوليائك الذين انتجبتهم أن تصلي على محمد وآل محمد» .

النور العلوي

عن عبد الله بن مسعود: دخلت يوماً على رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فقلت : يا رسول الله ، أرى الخلق لا تصل إليه . فقال : يا عبد الله إلج المخدع المخدع : بيت داخل البيت الكبير) فولجت المخدع ، وعلي(عليه السلام)يصلي وهو يقول في سجوده وركوعه : اللهم بحق محمد عبدك ، اغفر للخاطئين من شيعتي ، فخرجت حتى أخبر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)فرأيته يصلي وهو يقول : اللهم بحق علي بن أبي طالب عبدك اغفر للخاطئين من أمتي . قال : فأخذني الهلع، فأوجز النبي(عليه السلام)في صلاته فقال : يا بن مسعود أكفر بعد إيمان ؟ فقلت : حاشا وكلا

ص: 216

يا رسول الله ، ولكني رأيت علياً سأل بك، ورأيتك تسأل الله به، فلا أعلم أيكم أفضل عند الله ؟ قال : اجلس یا بن مسعود فجلست بين يديه، فقال لي : اعلم إن الله خلقني وعلياً من نور عظيم، قبل أن يخلق الخلق بألفي عام، إذ لا تسبيح ولا تقديس ، ففتق منه السماوات والأرض، وفتق نور علي بن أبي طالب، فخلق منه العرش والكرسي ، وعلي بن أبي طالب أفضل من العرش والكرسي، وفتق نور الحسن فخلق منه اللوح والقلم، والحسن والله أجل من اللوح والقلم، وفتق نور الحسين، وخلق منه الجنان والحور والحسين والله أجل من الجنان والحور ، ثم أظلمت المشارق والمغارب، فشكت الملائكة إلى الله تعالى أن يكشف عنهم تلك الظلمة ، فتكلم الله جل جلاله بكلمة فخلق روحاً ثم تكلم بكلمة فخلق من تلك الكلمة الأخرى نوراً...»(1)

الشأن : جاءت في الصحاح وكتب اللغة بمعنى الحال والأمر، وفي العرف تأتي بمعنى الفضل والشرف، وللأئمة المعصومين (عليهم السلام)شأن عظيم عند الله سبحانه وتعالى لا يمكن للناس إدراك درجته .

الإعطاء : هو البذل من دون أخذ العوض حتى المدح والشكر، ولهذا فإن لفظة (المعطي ) لا تستحق إطلاقها على غير الله سبحانه وتعالى .

***

ص: 217


1- شرح نهج البلاغة : ج 4 ص 558 ، البحار : ج 36 ص 73 ، إحقاق الحق : ج 7 ص 87 .

«مُصبَةٌ مَا أَعْظَمَها وأَعْظَمَ رَزِيَّنَها فِي الإِسْلامِ عَلى أهلِ جَميعِ السَّمَوَات وَالأَرْضِ»

بكاء المخلوقات على مصيبة الحسين (علیه السلام )

عن أحمد بن عبد الله بن علي، عن رجل من أهل بيت المقدس أنه قال : والله لقد عرفنا أهل بيت المقدس ونواحيها عشية قتل الحسين بن علي ، قلت : وكيف ذلك ؟ قال : ما رفعنا حجراً ولا مدراً ولا صخراً إلا ورأينا تحتها دماً يغلي واحمرت الحيطان كالعلق، وأمطرنا ثلاثة أيام دماً عبيطاً، وسمعنا منادياً ينادي في جوف الليل يقول :

أترجو أمة قتلت حسيناً ***شفاعة جده يوم الحساب

معاذ الله لا نلتم يقيناً*** شفاعة أحمد وأبي تراب

قتلتم خير من ركب المطايا*** وخير الشيب طرآ و الشباب

وانكسفت الشمس ثلاثاً ثم تجلت عنها وانشبكت النجوم، فلما كان من الغد أرجفنا بقتله، فلم يأت علينا كثير شيء حتى نعي إلينا الحسين(علیه السلام )(1).

عن زرارة بن أعين قال : قال أبو عبد الله(علیه السلام ): يا زرارة! إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وإن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد ، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإن الجبال تقطعت

ص: 218


1- کامل الزيارة : ص 77 .

وانتشرت ، وإن البحار تفجرت وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين وما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت، حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد لعنه الله ، ومازلنا في عبرة بعده.. وما من عين بكت ودمعت عليه ، وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) وأدى حقنا، وما من عبد يحشر إلا وعينه باكية ، إلا الباكي على جدي فإنه يحشر وعينه قريرة والبشارة تلقاه والسرور على وجهه ، والخلق في الفزع وهم آمنون ، والخلق يعرضون ، وهم حداث الحسين(علیه السلام) تحت العرش وفي ظل العرش(1).

بكاء السماء

عن إبراهيم النخعي قال : خرج أمير المؤمنين (صلی الله علیه وآله وسلم)فجلس في المسجد : واجتمع أصحابه حوله، وجاء الحسين علي حتى قام بين يديه، فوضع يديه على رأسه فقال : يا بني إن الله عيّر أقواماً في القرآن فقال: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾ وايم الله ليقتلنك ثم تبكيك السماء والأرض(2) .

عن عبد الله بن هلال قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام )يقول : «إن السماء بكت على الحسين بن علي

(علیه السلام )ويحيى بن زكريا ولم تبك على أحد غيرهما» ، قلت : وما بكاؤها قال : مكثوا أربعين يوماً تطلع الشمس بحمرة وتغرب بحمرة ، قلت : فذاك بكاؤها ؟ قال : نعم (3)

ص: 219


1- بحار الأنوار: ج 45 ص 207 .
2- البحار : ج 45 ص 209 ح 16 ط بيروت.
3- المصدر : ص 210 .

عن السكوني، عن أبي عبد الله(علیه السلام )، قال : اتخذوا الحمام الراعبية في بيوتكم فإنها تلعن قتلة الحسين (علیه السلام ).

أبو ذر في الريدة

عن عروة بن الزبير قال : سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ! فهذا قليل في الله . فقال : ما أيسر هذا ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي قتلاً؟ أو قال ذبح ذبحاً، والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (ويقصد به الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام ) أعظم قتيلاً منه، وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبداً ويبعث ناقماً من ذريته فينتقم من الناس، وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم وما من سماء يمر به روح الحسين(علیه السلام )، إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياماً ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة، وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله، وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول الله فيلتقيان(1) .

عن أبي بصير، عن الإمام أبي جعفر(علیه السلام )قال : بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين بن علي(علیه السلام )حتى ذرفت دموعها(2)

نوح الجن

وأما في نوح الجن على الإمام الحسين(علیه السلام )بعد استشهاده عن عمرو بن عكرمة قال : أصبحنا ليلة قتل الحسين بالمدينة، فإذا مولى لنا يقول : سمعنا

ص: 220


1- کامل الزيارات ص 74 ، البحار : ج 45 ص 219 .
2- بحار الأنوار: ج 45 ص 205 .

البارحة منادياً ينادي ويقول :

أيها القاتلون جهلاً حسيناً*** أبشروا بالعذاب والتنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم ***من نبي ومرسل وقتيل

قد لعنتم على لسان بن داو*** دوذي الروح حامل الإنجيل(1)

وقال دعبل بن علي الخزاعي : حدثني أبي عن جدي عن أمه ، إنها : سمعت نوح الجن على الحسين(علیه السلام ):

يا بن الشهيد و يا شهيداً عمه ***خير العمومة جعفرالطَّيَّارُ

عجباً المصقول أصابَكَ حده*** في الوجه منك وقد علاك غبار

***

وسمع إبانة ابن بطة من نوحهم :

أيا عينُ جُودي ولا تجمدي***جودي على الهالك السيد

فبالطف أمسى صريعاً فقد*** رزئنا الغداةَ بأمر بدي (2)

***

وعن عبد الله الكناني قال : بكت الجن على الحسين بن علي بن أبي طالب(علیه السلام )، فقالت :

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم*** ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بأهل بيتي وإخواني ومكرمتي*** من بين أسرى وقتلى ضرجوا بدم(3)

***

ص: 221


1- کامل الزيارات : ص 97 .
2- بحار الأنوار: ج 45 ص 236.
3- كامل الزيارات : ص 95 .

عن علي بن الحزور قال : سمعت ليلى وهي تقول : سمعت نوح الجن على الحسين بن علي(علیه السلام )وهي تقول :

يا عين جودي بالدموع فإنما*** يبكي الحزين بحرفة وتوجع

يا عين الهاك الرقاد بطيبه ***من ذكر آل محمد وتوجع

بانت ثلاثاً بالصعيد جسومهم ***بين الوحوش وكلُّهم فِي مَصْرَع (1)

***

نوح البوم

عن الحسين بن صاعد البربري قال : حدثني أبي قال : دخلت على الرضا(علیه السلام )، فقال لي : ترى هذه البومة ما يقول الناس ، قال : قلتُ: جعلتُ فداك . جئنا نسألك ، قال : فقال : هذه البومة كانت على عهد جدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)تأوي المنازل والقصور والدور، وكانت إذا أكل الناس الطعام، تطير وتقع أمامهم ، فيُرمى إليها بالطعام وتُسقى وترجع إلى مكانها ، فلما قتل الحسين(علیه السلام )خرجت من العمران إلى الخراب والجبال والبراري وقالت بئس الأمة أنتم ، قتلتم ابن بنت نبيكم ولا آمنكم على نفسي(2) .

عن الحسن بن علي الميثمي ، قال : قال أبو عبد الله(علیه السلام ): يا يعقوب ! رأيت بومة بالنهار تنفس (تصوت أو تأكل وتشرب) قط ، فقال : لا ، قال : وتدري لم ذلك؟ قال : لا . قال : لأنها تظلّ يومها صائمة على ما رزقها الله ، فإذا جنّها الليل أفطرت على ما رزقت، ثم لم تزل ترنم على الحسين بن

ص: 222


1- البحار : ح 45 ص 241 .
2- بحار الأنوار: ج 45 ص 214 .

علي(علیه السلام )حتى تصبح (1).

في ثواب البكاء على الحسين بن علي(علیه السلام)

عن الإمام أبي جعفر(علیه السلام )قال : أيما . ومن دمعت عيناه لقتل الحسين(علیه السلام ) دمعة ، حتى تسيل على خده بوأه الله بها غُرفاً في الجنة يسكنها أحقابا.(2)

عن أبي عبد الله(علیه السلام )، قال : «إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي(علیه السلام )، فإنه فيه مأجور»(3).

وقال(علیه السلام )، في حديث طويل له : «و من ذكر الحسين(علیه السلام )عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذبابة، كان ثوابه على الله عز وجل، ولم يرض به بدون الجنة».

عن أبي عمار المنشد قال : ما ذكر الحسين بن علي(علیه السلام )عند أبي عبد الله جعفر بن محمد(علیه السلام )في يوم قط، فرئي أبو عبد الله عليه، في ذلك اليوم متبسماً إلى الليل(4).

زوار الحسين (علیه السلام )

عن عبد الله بن بكير، قال: حججت مع أبي عبد الله(علیه السلام )في حديث طويل ، فقلت : يا بن رسول الله ! لو نبش قبر الحسين بن علي(علیه السلام )هل كان يصاب في قبره شيء ، فقال :

يا بن بكير ما أعظم مسائلك ، إن الحسين(علیه السلام )مع أبيه وأمه وأخيه في منزل

ص: 223


1- بحار الأنوار: ج 64 ص 329 .
2- كامل الزيارات : ص 207.
3- المصدر : ص 202 .
4- بحار الأنوار: ج 44 ص 280 .

رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)ومعه يرزقون ويحبرون، وإنه لعن يمين العرش متعلق به يقول : يا رب أنجز لي ما وعدتني وإنه لينظر إلى زواره، وإنه أعرف بهم ، وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم، من أحدهم ،بولده، وإنه لينظر إلى من يبكيه ، فيستغفر له، ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول : أيها الباكي لو علمت ما أعدَّ الله لك لفرحت أكثر مما حزنت وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة(1)

عن أبي عبد الله (علیه السلام )قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم الله وجهه على النار(2).

***

ص: 224


1- المستدرك : ج 10 ص 230 ، البحار : ج 27 ص 300 .
2- البحار : 44 ص 285 .

«اللَّهُمَّ اجْعَلْني فِي مَقامي هذا مِمَّنْ تَنالُهُ مِنْكَ صَلَواتُ وَرَحْمَةٌ وَمَغْفِرَةٌ، اَللَّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيا مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَمَمَاتِي مَمات مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»

اشارة

النيل : هو الوصول كما في كتب اللغة.

الرحمة : رقة القلب وانعطافه ما يؤدي إلى عملية التفضل، ولعل الرحم اشتق منه .

المغفرة : المغفرة من الله عز وجل هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب (1) قال تعالى : ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ﴾، وقال عز وجل: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا الله ﴾(2).

كيف نحيا حياة محمد وآل محمد (علیهم السلام )؟

عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام )قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): من أحب أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن التي وعدني ربي .. فليتول علياً ( علي بن أبي طالب) (3) والأوصياء من بعده ، فإنهم لا يخرجونكم من الهدى ولا يدخلونكم في ضلالة .

ص: 225


1- مفردات الراغب : ص 609 .
2- آل عمران : 135.
3- المصدر : بحار الأنوار 36 ص 248 .

عن أبان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله (علیه السلام )يقول : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) : من أراد أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل جنة ربي ، جنة عدن غرسها ربي بيده فليتول علي بن أبي طالب ، وليتول وليَّه وليُعاد عدوه ، وليسلم الأوصياء من بعده، فإنهم عترتي من لحمي ودمي أعطاهم الله فهمي و علمي، إلى الله أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم والقاطعين فيهم صلتي ، والقاطعين صلتي)، وايم الله لَيَقْتُلُنَّ ابني . لا أنا لهم الله شفاعتي(1) .

بالإسناد عن ابن عباس : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن منزلي ويمسك قضيباً غرسه ربي عز وجل، ثم قال له كن فكان ، فَلْيَتَوَل علي بن أبي طالب، وليام بالأوصياء من ولده، فإنهم عترتي . خُلقوا من طينتي إلى الله أشكو أعداءهم من أمتي ، المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي، وايم الله ليقتلن ابني بعدي الحسين ، لا أنا لهم الله شفاعتي»(2).

معرفة الإمام (علیه السلام)

قال سليم بن قيس : سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : إن الله توحد بملكه ، فعرف أنواره نفسه ، ثم فوض إليهم ، وأباحهم جنته ، فمن أراد أن يطهر قلبه من الجن والإنس ، عرفه ولاية علي بن أبيطالب(علیه السلام )، ومن أراد أن يطمس على قلبه أمسك عنه معرفة علي بن أبي طالب، والذي نفسي بيده ، ما استوجب آدم أن يخلقه الله ، وينفخ فيه من روحه، وأن يتوب عليه، ويرده إلى جنته إلا بنبوتي والولاية لعلي بعدي والذي نفسي بيده ما أرى إبراهيم ملكوت السموات

ص: 226


1- المصدر : بحار الأنوار: ج 36 ص 247 رقم 61 .
2- أمالي الصدوق : ص 23 .

والأرض ، ولا اتخذه خليلاً إلا بنبوتي والإقرار لعلي بعدي، والذي نفسي بيده ما كلم الله موسى تكليماً، ولا أقام عيسى آية للعالمين، إلا بنبوتي ومعرفة علي بعدي، والذي نفسي بيده ما تنبأ نبي إلا بمعرفتي والإقرار لنا بالولاية، ولا استأهل خلق من الله النظر إليه إلا بالعبودية والإقرار لعلي بعدي(1) .

أويس القرني

أويس القرني كان ممن شهد له رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)بالجنة ولم يره ، وشهد مع الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)صفين واستشهد فيها .

روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام)أنه أخبره النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، لانه و انه يدرك رجلا من أمته يقال له أويس القرني، يكون من حزب الله يموت على الشهادة يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر.

روي عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أنه كان يقول : تفوح روائح الجنة من قبل قرن ، واشوقاه إليك يا أويس القرني، ألا ومن لقيه فليقرئه مني السلام، فقيل يا رسول الله ومن أويس القرني ؟ قال : إن غاب عنكم لم تفتقدوه ، وإن ظهر لكم لم تكترثوا به، يدخل الجنة في شفاعته مثل ربيعة ومضر، يؤمن بي ولا يراني ويقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في صفين .

قيل لأويس القرني، كيف أصبحت ؟ قال كيف يصبح رجل ، إذا أصبح لا يدري أيمسي وإذا أمسى لا يدري أيصبح(2).

فأويس (رضوان الله عليه ) صورة من تلك الصور الخالدة والمجاهدة التي حييت حياة محمد وآل محمد وماتت ممات محمد وآل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم).

ص: 227


1- بحار الأنوار: ج 40 ص 96 - 97 .
2- سفينة البحار ج 1 ص 53 ذیل اویس .

«اللَّهُمَّ إِنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ»

اشارة

التبرك مشتقة من البركة وهو النماء والزيادة في الخيرات والسعادة ، والتثبيت فيها ، قال ابن الأثير في النهاية : اللهم بارك على محمد وآل محمد ، أي ثبت وأدم له ما أعطيت من التشريف والكرامة وأطلقت لفظة البركة على الحوض، وذلك لبقاء الماء فيه، كما في الصحاح. ويقال سُميت بذلك لإقامة الماء ، وقال الراغب الأصبهاني :

(البركة ثبوت الخير الإلهي).

بماذا تبركت بنو أمية؟

إن بني أمية تبركت بيوم عاشوراء بصور مختلفة منها :

1 - أنهم جعلوه يوم سرور وفرح وانتصار وذلك لقتلهم لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، في يوم عاشوراء ، فأخذوا يجمعون ويدخرون فيه قوتهم وأرزاقهم لسنتهم الجديدة، ولهذا وردت روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، تستنكر عليهم فعلهم القبيح هذا ، ومن جانب آخر تكره وتنهي عن القيام بمثل هذه الأعمال في يوم عاشوراء .

قال الصدوق (رضوان الله عليه) في أماليه عن الإمام الرضا(عليه السلام): «من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء، قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره، وقرت بنا في الجنان عينه، ومن سمى يوم عاشوراء يوم بركة وادخر

ص: 228

فيه لمنزله شيئاً، لم يبارك له فيما ادخر، وحُشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد (لعنهم الله إلى أسفل درك من النار» (1) .

2- إنهم جعلوه يوم عيد، فيوسعون فيه على عيالهم بالأكل والشرب ولبس الجديد ويقصون شواربهم ويقلمون أظافرهم، ويصافح بعضهم بعضاً، وهكذا يقومون ببقية المراسم التي تجرى في الأعياد .. ومما يؤسف له نرى هذه الحالة جارية إلى الآن في بعض البلدان التي تدعي الإسلام، حيث يعتبرون يوم قتل الإمام الحسين (عليه السلام) يوم انتصار الخليفة الفاسق يزيد على ابن رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولهذا يقومون بالأفراح بصورة أكثر مما في الأعياد الأخرى .

مدرسة حرملة

قال أحد العلماء : سافرت إلى أحد البلدان الإسلامية، وبينما أنا أمشي في أحد الشوارع التفت إلى أحد الأبنية، وكانت مدرسة من المدارس الابتدائية للبنين، فتقربت من بابها لكي أرى اسمها ، فلما قربت منها ، وإذا بي أقرأ مدرسة حرملة بن كاهل الأسدي (لعنه الله، فتفاجأت كثيراً من هذا الأمر !! أولم يعرف هؤلاء المسلمون من هو حرملة ؟ أولم يعلموا أنه هو الذي قتل الطفل الرضيع للإمام الحسين (عليه السلام)في يوم عاشوراء ؟ !

وقال شاعرهم غير المسلم :

وحَلَقْتُ في عَشْرِ المحرم ما استطالَ مِنَ الشَّعَرْ

ونويت صوم نهاره وصيام أيام أخَرُ

ولبست فيه أجل ثوب للملابس يُدخَرْ

وسهرت في طبخ الحبوب من العشاء إلى السَّحَرُ

ص: 229


1- بحار الأنوار: ج 44 ص 285 .

وغدوت مكتحلاً أصافح من لقيت من البشر

ووقفت في وسط الطريق أقص شارب مَنْ عَبر

3- ومن صور تبركهم بيوم عاشوراء، أنهم استحبوا صومه، ووضعوا أحاديث كثيرةً في فضل صومه ثم يوجبون ذلك على أنفسهم، بينما الأحاديث تدعو إلى الندب واستحباب الصوم، كما هو موجود في كتب جميع المذاهب

الإسلامية .

والأخبار التي في كتبنا على قسمين قسم منها تدعو إلى الاستحباب ، والقسم الآخر تذم ذلك ، فمن الروايات التي تدعو إلى استحباب صوم يوم عاشوراء .

ذكر الشيخ (قدس سره) في( التهذيب) أن الإمام أبا الحسن الرضا (عليه السلام)، قال : «صام رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)و يوم عاشوراء »(1) .

الإمام الصادق (عليه السلام)ويوم عاشوراء

عن عبد الله بن سنان ، قال : دخلت على أبي عبد الله(عليه السلام)يوم عاشوراء ودموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت : مم بكاؤك ؟

فقال : أفي غفلة أنت؟! أما علمت أن الحسين(عليه السلام)، أصيب في مثل هذا اليوم؟! فقلت : ما قولك في صومه ؟ فقال لي : صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كملاً ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء على آل رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)

أما الروايات التي تدعو إلى عدم جواز صومه :

ص: 230


1- وسائل الشيعة : كتاب الصوم باب 20 الرقم 1 ص 457 .

عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم جميعاً، أنهما سألا أبا جعفر الباقر(عليه السلام)عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال : كان صومه قبل شهر رمضان، فلما نزل شهر رمضان ترك .

الإمام الرضا(عليه السلام)، وصوم يوم عاشوراء

عن جعفر بن عيسى قال : سألت الرضا(عليه السلام)عن صوم يوم عاشوراء ، وما يقول الناس فيه ؟ فقال : عن صوم ابن مرجانة تسألني ؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين ، وهو يوم يتشاءم به آل محمد ويتشاءم به أهل الإسلام، واليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه (صلی الله علیه وآله وسلم)ما أصيب آل محمد إلا في يوم الاثنين فتشاءمنا به وتبرك به عدونا ، ويوم عاشوراء قتل الحسين علشان وتبرك به ابن مرجانة وتشاءم به آل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) ، فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب، وكان محشره مع الذين سَنَّوا صومهما والتبرك بهما(1).

4- ومن صور تبركهم، أنهم يدعون فيه الله سبحانه وتعالى ويطلبون منه حوائجهم حيث يعتبرونه يوماً جميلاً يستجاب فيه الدعاء .

عن جبلة المكية ، قال : سمعت ميثم التمار قدس الله روحه يقول : والله لتقتل هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر يمضي منه ، وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وإن ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره، اعلم ذلك لعهد عهده إلى مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحر والطير في

ص: 231


1- وسائل الشيعة كتاب الصوم ص 461 .

السماء، ويبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض، ومؤمنو الإنس والجن وجميع ملائكة السموات والأرضين، ورضوان ومالك وحملة العرش، وتمطر السماء دماً ورماداً ، ثم قال : وجبت لعنة الله على قتلة الحسين كما وجبت على المشركين، الذي يجعلون مع الله إلهاً آخر، وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس .

المزاعم الكاذبة

قال جبلة : فقلت له : يا ميثم ! فكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي قتل فيه الحسين يوم بركة ؟ فبكى ميثم رضي الله عنه ، ثم قال :

يزعمون الحديث يصفونه أنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة، ويزعمون أنه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود ، وإنما قبل الله عز وجل توبته في ذي الحجة، ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت ، وإنما أخرج الله عز وجل يونس من بطن الحوت في ذي الحجة ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي ، وإنما استوت على الجودي في يوم الثامن عشر من ذي الحجة ويزعمون أنه اليوم الذي فلق الله عز وجل فيه البحر لبني إسرائيل، وإنما كان ذلك في ربيع الأول . .(1)

***

ص: 232


1- بحار الأنوار: ج 45 ص 203 .

«وَابْنُ آكِلَةِ الأكباد اللعينُ ابْنُ اللَّعينِ عَلى لِسانك ولِسَان نَبِيِّكَ»

اشارة

لكي تتوضح لنا هذه الجملة من الزيارة الشريفة، لابد لنا من تفصيل نقطتين مهمتين فيها :

النقطة الأولى: آكلة الأكباد.

وهي هند أم معاوية بن أبي سفيان أبوها هو عتبة بن ربيعة بن عبد شمس

بذلت هند بنت عتبة جهوداً كبيرة في معاداة النبي الأعظم(صلی الله علیه وآله وسلم)واشتركت في معركة أحد، وكانت ترتجز :

نحن بنات الطارق نمشي على النمارق*** إن تقبلوا نعانق أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

من أعمال هند

وكانت تحرض الكفار على قتال المسلمين ذكر ابن أبي الحديد أنها كانت من ذوات الأعلام معروفة بالزنا، وسوف يأتي تفصيل ذلك عند شرحنا لنسب معاوية، ولما قتل وحشي حمزة سيد الشهداء، طلبت منه أن يستخرج كبده ، التأكل منه ، لما جيء بكبده وضعته بين أسنانها لتنال منه ولكنها ما تمكنت، حيث تجمد الكبد وأصبح كالحجر بقدرة الله سبحانه وتعالى عندها أمرت بالتمثيل بجثته ، فقطعوا أذنه وأنفه وعورته، فأخذتها وجعلتها في خيط وعلقتها في

ص: 233

رقبتها بدل القلادة، بعدها أخذت نساء قريش تقتدي بها، فلهذا قمن بهذا العمل مع الشهداء الآخرين، فلما علم النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بعملهن هذا، تألم كثيراً، وأمر بهدر دمها، ولكنها عندما فتح النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) مكة وقويت شوكة الإسلام ، واضطر بعض الكفار كأبي سفيان وغيره إلى إظهار الإسلام انتهزت الفرصة وأعلنت الإسلام أيضاً، فعفا النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)عنها كما عفا عن غيرها، فأظهرت الإسلام وأخذت تعمل ضده إلى آخر حياتها، حتى ذهبت إلى جهنم وبئس المصير، فبقي لقب( آكلة الأكباد) عليها وعلى أولادها، ويبقى ذلك إلى يوم القيامة .

قالت سيدتنا زينب الكبرى(عليها السلام)في خطبتها في مجلس الطاغية يزيد : «وكيف يرتجى مراقبة من نبت لحمه بداء الشهداء، ولفظ فوه أكباد الأزكياء».

النقطة الثانية: ابن آكلة الأكباد

إن المراد من ابن( آكلة الأكباد )في الزيارة هو يزيد الملعون بنص القرآن الكريم، بقوله عز وجل : ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآن ﴾(1)

وإنه ملعون على لسان جميع الأنبياء والمرسلين، وعباد الله الصالحين.

عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : بينا رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)في منزل فاطمة، والحسين في حجره ، إذ بكى وخرَّ ساجداً ثم قال : «يا فاطمة يا بنت محمد، إن العلي الأعلى تراءى لي في بيتك هذا، في ساعتي هذه في أحسن صورة، وأهيا هيئة وقال لي : يا محمد أتحب الحسين؟ فقلت : نعم قرة عيني ، وريحانتي، وثمرة فؤادي، وجلدة عيني، فقال لي: يا محمد ووضع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)يده على رأس الحسين بورك من مولده عليه بركاني وصلواتي

ص: 234


1- الإسراء : 60

ورحمتي ورضواني، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله و ناصبه وناواه ونازعه، أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة وسيد شباب أهل الجنة من الخلق أجمعين، وأبوه أفضل منه وخير فاقرأه السلام، وبشره بأنه راية الهدى، ومنار أوليائي وحفيظي وشهيدي على خلقي، وخازن علمي وحجتي على أهل السماوات وأهل الأرضين والثقلين الجن والإنس»(1).

***

ص: 235


1- بحار الأنوار: ج 44 ص 238 ، 29 ، كامل الزيارات : ص 58 .

«فِي كُلِّ مَوْطِن وَمَوْقِف وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ»

اشارة

يمكن أن يكون المراد من المقطع الشريف للزيارة، هو :

1 - أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)کان يلعن أصحاب الشجرة الملعونة، ومنهم يزيد بن معاوية أينما حل وارتحل هذا ما يفهم من ظاهر هذه الجملة الشريفة .

2 - أن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)كان يلعن يزيد إما بالتصريح أو بالكناية، وذلك في كل يوم، في أي حالة كان فيها سواء أكان جالساً أم قائماً أم ماشياً أم كان في بيته أم خارجه.

3- أنه (صلی الله علیه وآله وسلم)كان يلعن يزيد في كل آن وموقف وحال يقتضي ذلك، عن صفية بنت عبد المطلب ، قالت : لما سقط الحسين(عليه السلام)من بطن أمه ، فدفعته إلى النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، فوضع النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) لسانه في فيه ، وأقبل الحسين على لسان رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، مصمصه ، قالت : فما كنت أحسب رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يغذوه إلا لبناً أو عسلاً ، ثم دفعه إلي وهو يبكي ويقول : لعن الله قوماً هم قاتلوك يا بني يقولها ثلاثاً، قالت: فقلت : فداك أبي وأمي ومن يقتله ؟ قال : بقية(1) الفئة الباغية من بني أمية لعنهم الله .

ص: 236


1- والظاهر (تقتله) البحار : ج 43 ص 243 .

بكاء النبي لولا الله وعلى الحسين(عليه السلام)

عن الإمام الرضا(عليه السلام)عن آبائه عن علي بن الحسين(عليه السلام)قال : حدثتني أسماء بنت عميس الخثعمية قالت : فلما ولدت فاطمة الحسين (عليه السلام)نفست به ، فجاءني النبي فقال : هلم ابني يا أسماء ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، قالت : وبكى رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ثم قال : إنه سيكون لك حديث اللهم العن قاتله ، لا تعلمي فاطمة بذلك . قالت : ثم وضعه في حجره ثم قال : يا أبا عبد الله عزيز على ثم بكى فقلت بأبي أنت وأمي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو؟

قال : أبكي على ابني هذا، تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر بالله العظيم، ثم قال : اللهم إني أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريته ، اللهم أحبَّهما وأحب من يحبهما والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض» (1).

الحسين (عليه السلام)بين جده وأمه(عليها السلام)

عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام)قال : كان الحسين مع أمه تحمله، فأخذه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) وقال : «لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك . قالت فاطمة الزهراء : يا أبت أي شيء تقول ؟ قال : يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي وهم يومئذ عصبة كأنهم نجوم السماء، يتهادون إلى القتل، وكأني أنظر إلى معسكرهم، وإلى موضع رحالهم وتربتهم»(2).

ص: 237


1- بحار الأنوار: ج 44 ص 251.
2- المصدر : ص 264 .

عن ابن عباس قال : لما اشتد برسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) مرضه الذي مات فيه، ضم الحسين له إلى صدره، يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه، ويقول : مالي وليزيد ، لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد ثم غشي عليه طويلاً، وأفاق وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول : أما إن لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عز وجل .

آدم علیه السلام في كربلاء

وروى مرسلاً أن آدم(عليه السلام)لما هبط إلى الأرض ، لم ير حواء، فصار يطوف الأرض في طلبها ، فمر بكربلاء ، فاغتم وضاق صدره من غير سبب ، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين حتى سال الدم من رجله ، فرفع رأسه إلى السماء وقال : «إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به ؟ فإنيطفت جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض».

فأوحى الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً، فسال دمك موافقة لدمه، فقال آدم : يا رب أيكون الحسين نبياً ؟ قال : لا ، ولكنه سبط النبي محمد ، فقال : ومن القاتل له ؟ قال : قاتله يزيد لعين أهل السموات والأرض ، فقال آدم : فأي شيء أصنع يا جبرئيل؟ فقال : العنه يا آدم ، فلعنه أربع مرات، ومشى خطوات إلى جبل عرفات ، فوجد حواء هناك (1) .

***

ص: 238


1- بحار الأنوار: ج 44 ص 243 .

«اللهُمَّ العَنْ أَبا سُفْيان»

اشارة

جاء ذكر لعن أبي سفيان بعد ذكر مساوئ بني أمية، والأفعال الشنيعة التي قام بها يزيد الذي هو ثمرة من ثمرات تلك الشجرة الملعونة والخبيثة، وأبو سفيان هو صخر بن حرب بن أمية .

أمه هي صفية بنت مزن الهلالية، وكانت معروفة بالزنا، فتولد أبو سفيان من هذا الطريق الخبيث، قبل عام الفيل بعشر سنوات. واجه الرسول الأكرم(صلی الله علیه وآله وسلم) بمختلف صور الحقد والعداوة، فمن جانب انه آثار مجموعة من المعارك ضد الرسالة الإسلامية، وأخذ يسوق الجنود ويقود العساكر لذلك ، وما من فتنة أثيرت ضد النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) إلا وكان له الدور الفعال والأساسي فيها، حتى جاء يوم الفتح ، وقويت شوكة الإسلام، عندها اضطر إلى إظهار الإسلام وأن يحيا في ظل النفاق في مواجهة الحق، وقد فقد إحدى عينيه في معركة الطائف والأخرى في معركة اليرموك . كنيته أبو حنظلة ، وحنظلة من الأشخاص الذين قتلهم الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام)في معركة بدر. إضافة إلى مجموعة آخرين من إخوانه وأقربائه.

أولاد أبي سفيان هم معاوية، وعمر وعتبة، وصخر، وهند، ورملة ، وأم حبيبة وجويرية ، وأم الحكم، وحنظلة . وعنبسة، ومحمد، وزياد، ويزيد، ورملة الصغرى، وميمونة، كما ذكر ذلك ابن قتيبة في (المعارف) .

ص: 239

هلك أبو سفيان في السنة الثالثة للهجرة النبوية، وعمره اثنان وثمانون سنة .

ذكر الجاحظ في (رسالة المفاخرة) :

قد عرفنا كيف كان أبو سفيان في عداوة النبي ، وفي محاربته له ، وإجلابه عليه وغزوه إياه، وعرفنا إسلامه حيث أسلم، وإخلاصه كيف أخلص ومعنى كلمته يوم الفتح حين رأى الجنود وكلامه يوم حنين وقوله يوم صعد بلال على الكعبة فأذَن ، على أنه أسلم على يدي العباس، والعباس هو الذي منع الناس من قتله، وجاء به رديفاً إلى رسول الله ، وسأله وسأل فيه أن يشرفه وأن يكرمه، وأن ينوه به، وتلك يد بيضاء ومقام مشهود ويوم حنين غير محجود، فكان جزاء بيته أن حاربوا علياً، وسموا الحسن وقتلوا الحسين، وحملوا النساء على الأقتاب حواسر إلى أن قال : وأكلت هند كبد حمزة فمنهم آكلة الأكباد ، ومنهم كهف النفاق ، ومنهم من نقر بين ثنيتي الحسين(عليه السلام)بالقضيب»(1).

أصل الشجرة الملعونة

ثم إن الجاحظ معروف بتعصبه وميله للخط المعادي لأهل البيت(عليه السلام)ولكنه نراه عندما يأتي إلى تعريف شخصية أبي سفيان يصفه بأنه كان أساس البلاء والنفاق على الإسلام، وأنه لم يدخل شيء من الإسلام في قلبه . لذا فإن أبا سفيان هو أصل الشجرة الملعونة .

يذكر المؤرخون لما استقر أمر خلافة عثمان، أن أبا سفيان جمع أصحابه من بني أمية، ثم سأل: هل فينا شخص غريب ؟ قالوا له : لا ، فقال : يا بني أمية

ص: 240


1- شرح ابن أبي الحديد : ج 15 .

تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة .

فلما سمع عثمان مقالة أبي سفيان، خاف أن يسمع المسلمون ذلك وتحصل فتنة، لهذا أمر بأن يأخذوا أبا سفيان إلى بيته من هذا يستدل المحققون والمنصفون بأن عثمان بن عفان كان يضمر عقيدة أبي سفيان في نفسه، وإلا فإن مجازاة المرتد عن دينه هي القتل وليس الإخراج من المجلس، وأخذه إلى بيته كما فعل ذلك بأبي سفيان عندما أظهر ما في قلبه .

مواطن لعن أبي سفيان

روى ابن أبي الحديد والبيهقي والزمخشري ، أن النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)رأى يوماً أبا سفيان راكباً على حمار يقوده معاوية، ويسوقه يزيد ، فقال(صلی الله علیه وآله وسلم) : «لعن الله الراكب والقائد والسائقظ ويذكر المؤرخون أن النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)لعن أبا سفيان في سبعة مواطن منها :

النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)

1 - يوم خروج النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)من مكة ، حيث دعا أبو سفيان ثقيفاً لأن يشتموا وعندها لعنه الله ورسوله (صلی الله علیه وآله وسلم).

2 - في اليوم الذي منع قافلة المسلمين القادمة من الشام من الحركة ما سبب خسارتهم .

3- في يوم أحد، حيث كان النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فوق الجبل وأبو سفيان تحته ويقول (أعْلُ هُبَلُ أعْلُ هُبل) فلعنه النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)عشرة مرات.

4 - ولو لعن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)أبا سفيان في يوم الأحزاب وفي الحديبية وفي يوم العقبة، وكذا في أحد الأيام وقد كان على بعير أحمر .

ص: 241

«ومُعاوية بن أبي سفيان»

اشارة

معاوية هو ابن هند ، أبوه أبو سفيان صخر بن عرب بن أمية حسب المشهور، ولكن المحققين يقولون بأنه ولد من الزنا، وذلك لأن أمه هند كانت زانية من ذوات الأعلام ، لهذا نرى الراغب الأصفهاني في كتاب (المحاضرات ) وابن أبي الحديد في ربيع الأبرار والزمخشري ، ينسبان معاوية إلى أربعة أشخاص وهم : مسافر بن أبي عمرو، وعمارة بن الوليد بن المغيرة، وعباس بن عبد المطلب، وصباح الذي كان مغنياً لعمارة بن الوليد، ويذكر المؤرخون بأن أبا سفيان كان قصير القامة وقبيح الوجه، وكان صباح من الملازمين لأبي سفيان، فلهذا استدعته هند يوماً وطلبت منه أن يواقعها، فاستجاب لطلبها ، وقال المؤرخون بأن عتبة بن أبي سفيان أبوه صباح أيضاً، ولما حملت هند بمعاوية كرهت أن تضعه في بيت أبي سفيان لهذا ذهبت إلى جبل الأجياد في مكة ووضعته إلى جانبه قال حسان بن ثابت في هجائه لمعاوية :

لمن الصبي بجانب البطحاء ***في الترب ملقى غير ذي مهد

بخلت به بيضاء أنسته*** من عبد شمس صلته الخد

وأما عن كتابته للوحي :

قال العلامة الحلي (رحمه الله ): إن معاوية كان من الذين أمر النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بهدر دمه، فلما فتح النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)مكة وانتصر جيش المسلمين على أعدائهم جاء معاوية إلى ابن عباس وطلب منه أن يتوسط له عند النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)فأظهر الإسلام قبل وفاة النبي(صلی الله علیه وآله وسلم) بخمسة أشهر ، ولو أذن له النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)بالكتابة بعد أن توسط

ص: 242

له ابن عباس، فكان أحياناً يكتب بعض المكاتيب والرسائل النبي(صلی الله علیه وآله وسلم)، ولكن جاء المفترون والذين في قلوبهم مرض ، وجعلوا معاوية من كتاب الوحي .

من جرائم معاوية

ولما أرسل أبو بكر جيشاً إلى الشام بقيادة يزيد بن أبي سفيان، جعل معاوية وأبا سفيان تحت رايته ، فلما هلك يزيد ، جعل معاوية أميراً على بلاد الشام وأعطى له زمام الأمور فصار معاوية خليفة على بلاد الشام في بقية خلافة أبي بكر، وفي مدة خلافة عمر وعثمان أيضاً وأخذ معاوية يظهر البدع والسنن الجاهلية في بلاد الشام، حتى قال عمر له يوماً «أنت كسرى «العرب» إذ أباح الخمور والفجور وقام بإشعال الحروب والفتن منها محاربته للإمام علي(عليه السلام)في صفين ودسه السم للإمام الحسن (عليه السلام)، واستمرت إمارة معاوية على بلاد الشام أربعين سنة عشرون سنة منها كان والياً، وعشرون أخرى كان خليفة للمسلمين، بينما هو من الملعونين على لسان النبي و الالي وملعون في كتاب الله عز وجل، قال النبي(صلی الله علیه وآله وسلم): «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه »(1).

و عنه (صلی الله علیه وآله وسلم): « الخلافة بعدي ثلاثون ثم يعود ملكاً عضوضاً »(2)وفي الصواعق المحرقة عن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، قال : «أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة ، ثم ملك جبرية (3)، ثم ملك عض يستحَلٌّ فيه الحرُّ والحَرَّةَ »(4).

ص: 243


1- المعتضد : ج 1 ص 345 .
2- الملك العضوض : الشَّديد الأذى .
3- الصواعق المحرقة : ص 217 .
4- الجبرية : الطائفة التي تقول بمذهب الجبر . وهو مذهب من يرى أنَّ كلَّ ما يحدث للإنسان قد قدر عليه أزلاً ، فهو مُسيّر لا مُخيَّر، وهذه الطائفة تشكلت بعد الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم) ، وقصد الرسول(صلی الله علیه وآله وسلم) بالملك الجبرية الحكم المستبد، والله أعلم، وكذلك الملك العَضُ .

وسئل ابن خلكان، ماذا عندك من الروايات في فضل معاوية قال :«لا أعرف له فضيلة إلا : لا أشبع الله بطنك».

ونقل ابن الحجة الحموي في كتابه (ثمرات (الأوراق) عن الإمام الحسن(عليه السلام)أنه قال : «أنشدكم الله والإسلام : أتعلمون أن معاوية كان يكتب الرسائل لجدي، فأرسل إليه يوماً، فرجع الرسول وقال : هو يأكل ، فرد الرسول ثلاث مرات كل ذلك وهو يقول : هو يأكل ، فقال : النبي لا أشبع الله بطنه ، أما تعرف ذلك في بطنك يا معاوية ؟!»، ثم إن معاوية ابتلي بمرض الجوع ،بأثر دعاء النبي الأكرم(صلی الله علیه وآله وسلم)فكان يأكل حتى يتعب دون أن يشبع.

قال الراغب ، وابن أبي الحديد وغيرهما : كان معاوية يأكل حتى يربع ثم يقول: ارفع ما شبعت أكلت حتى مللت .

قال الشاعر :

وصاحب لي بطنه كالهاوية ***كأن في أمعائه معاوية

قال صاحب كتاب ( ربيع الأبرار) كانت العرب لا تعرف الألوان، إنما طعامهم اللحم يطبخ بماء وملح ، حتى كان زمن معاوية، فاتخذ الألوان وتنوع فيها، وما شبع من كثرة ألوانه ، لدعاء رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)

ثم إن معاوية عادى الإمام أمير المؤمنين علياً (عليه السلام)، وأمر بسبه على المنابر في الشام، وهذا الأمر يظهر كفره بشكل كامل، حيث إن النبي الأكرم قال في حق الإمام علي (عليه السلام): اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وإنه هو الذي قتل حجر بن عدي ، وذلك عندما امتنع من سب الإمام(عليه السلام)، وقتل عمار بن ياسر في معركة صفين، حيث قال النبي لعمار بن ياسر (رضوان الله عليه) : «تقتلك الفئة الباغية، والذي قتله أبو العالية الجهني أحد قواد جيش معاوية، فلما

ص: 244

صارت ضجة بين أهل الشام عندما سمعوا بمقتل عمار، قال معاوية (لعنه الله) : إن الذي قتل عماراً هو الإمام علي ، لأنه هو الذي ألقاه بين سيوفنا، فلما وصل كلام معاوية لسمع همايون قال : معنى هذا إن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)هو الذي قتل حمزة أيضاً، لأنه هو الذي ألقاه بين سيوف الكفار.

الأخبار والروايات الصادرة في ذم معاوية بن أبي سفيان أكثر من حد الإحصاء حتى إن أحد العلماء نقل مئتي حديث من كتب أهل السنة ، والخلاف الذي كان بينه وبين الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)كالخلاف الذي كان بين رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وبين أبي جهل، وبما أن النقيضين لا يجتمعان فلذا لا يمكن للإنسان العاقل أن يحب الإمام(عليه السلام)، ويحب في الوقت نفسه معاوية، ويعتبره خال المؤمنين ، إذ لابد من معاداة أحدهما ليظهر الإنسان على الطريق الواضح الذي اختاره ، ويظهر أن بعض أهل السنة اختار الطريق المعادي لأمير المؤمنين علي(عليه السلام)، حيث أن علماء هم شرطوا لصحة تسنن وإسلام الشخص وجود عداوة علي(عليه السلام)في قلبه . لهذا عدوا الذي يبغض معاوية والصحابة المنافقين والفاسقين كافراً يجب قتله ، وهذا ما يذهب إليه الفكر الوهابي المسنود من قبل الاستعمار والماسونية الخبيثة.

يذكر المؤرخون بأن معاوية هو أول من اتخذ المقصورة في المسجد، وأول من كان يخطب في الناس من جلوس وأول من أخرج الريح على المنبر وهو بين الناس كما قال الراغب) ، وأول من نقض العهد بصورة علنية، حيث عقد معاهدة الصلح مع الإمام الحسن (عليه السلام)، ثم خرج إلى الناس في مسجد الكوفة ، وجلس على المنبر وقال : إني شرطت للحسن شروطاً وكلها تحت رجلي».

وهو أول من خالف هذا الحديث« الولد للفراش وللعاهر الحجر».

وأول من سب الإمام (عليه السلام)علية وأمر الناس بذلك، وأول من أقدم على

ص: 245

قتل ذرية رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)عندما دس السم للإمام الحسن(عليه السلام)عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث، وأول من أخذ من الناس البيعة لابنه بالخلافة من بعده ، وهدد المتخلف عن ذلك بالقتل، وأول من أذن بتجريد الكعبة المشرفة من الكسوة، حيث كانت العادة إكساء الكعبة وعدم تجريدها، وأول من أحيا رسوم القياصرة والأكاسرة، إذ أمر بصنع سرير كبير له ليجلس عليه، وأول من رفع الرؤوس على الرماح كما فعل ذلك بعمر بن بعمر بن حمق الخزاعي .

***

ص: 246

«وَيَزِيدَ بْنَ مُعاوِيَةَ»

اشارة

أم يزيد هي ميسون بنت بحدل الكلبي، كما جاء في البحار وفي إلزام الناصب وغير ذلك، حملت ميسون بيزيد وذلك بعد أن دعت عبد أبيها لنفسها ومكنت نفسها به قال الشاعر:

فإن يكن الزمان أتى علينا ***بقتل الترك والموت الوحي (1)

فقد قَتَلَ الدعي وعبد كلب*** بأرض الطف أولادَ النَّبِيِّ

المراد من الدعي ابن زياد ومن عبد كلب يزيد وقد روى الكثير عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال : «قاتل الحسين بن علي ولد زنا»(2) .

وقاتل الحسين(عليه السلام)عنوان يشمل شمراً ، وعمر بن سعد، وابن زیاد ویزید بن معاوية ( لعنهم الله) وقد مر عليك سابقاً، أنهم ولدوا من الزنا .

أولاد يزيد هم معاوية، وخالد وعبد الله الأكبر، وأبو سفيان، عبد الله الأصغر وعمر وعاتكة، وعبد الرحمن وعبد الله أصغر الأصاغر .

وعثمان، وعتبة الأعور ، ويزيد، ومحمد، وأبو بكر ، وأم يزيد وأم عبد الرحمن، ورملة .

ص: 247


1- الموت الوحي: الموت السريع.
2- كامل الزيارة : 78 ، بحار الأنوار: ج 44 ص 303 .

من أعمال يزيد

عرف يزيد منذ أيام خلافة عمر بن الخطاب، بلعبه بالقرود والفهود وشرب الخمر ولعب القمار، وهتك حرمات الإسلام بقتله الذرية النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)، ثم إنه قام بكشف حجاب وستر نساء المهاجرين والأنصار، وسفك دماء أهل المدينة وانتهك الحرم الشريف للنبي(صلی الله علیه وآله وسلم)واسترق الأحرار، وأمر بهدم الكعبة ، وإحراق ثوبه ، وإنه أول من تجاهر بالفسق وشرب الخمر وسماع الأغاني .

قال ابن الجوزي في رسالته في جواز لعن يزيد : إنه ذهب وفد من الشام إلى المدينة، فلما رجعوا أخذوا يشتمون يزيد وقالوا : «قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير(1) ، ويلعب بالكلاب».

وقال عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة في حق يزيد : «إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ،والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت الله فيه بلاء حسناً» .

وذكر المسعودي في (مروج الذهب بأن يزيد كان يجلس على مائدة الخمر بعد قتله لسيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ويُجلس عبيد الله بن زياد على يمينه ، ثم يأمر بإحضار المغنيات، وفي إحدى المرات التفت إلى الساقي وقال لعنه الله :

اسقني شَرْبةٌ تُرَوِّي مُشاشي(2)*** ثمَّ مل فَاسق مثلها ابن زياد

صاحب السر والأمانة عندي ***ولتسديد مغنمي وجهادي

ص: 248


1- الطنابير : جمع طنبور ؛ وهو آلة من آلات الطرب ، ذات عنق طويل وستة أوتار من نحاس .
2- المشاش : في علم الأحياء العظم الإسفنجي، ويتكون من حواجز عظمية رقيقة تفصلها أحياز النقي الأحمر. ولغوياً : العظم الذي لا مح فيه أو النفس أو الطبيعة الإنسانية .

وكان أبوه قد أخذ البيعة له في أيام حياته. فجمع الناس وقام الخطباء لبيعة يزيد وأظهر قوم الكراهة ، فقام رجل من عذرة يقال له يزيد بن المقنع وأخرج سیفه شبراً ثم قال : أمير المؤمنين هذا ( وأشار إلى معاوية)، فإن هلك فهذا (وأشار إلى يزيد )، ومن أبى فهذا (وأشار إلى سيفه) .

فقال له معاوية : أنت سيد الخطباء (1) ! !

ويزيد أول من سن الملاهي وأظهر الفتك وشرب الخمر، وكان ينادم خادمه سرجون النصراني، ومن ثم جعله مستشاراً له في أموره السياسية.

وولغ في دماء المسلمين وقتل النفس التي حرم الله .

ونكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، وكان يقتل على الغضب والظن .

وهو الزنديق الذي تمثل بأبيات ابن الزبعري في واقعة أحد وأضاف عليها :

ليت أشياخي ببدر شهدوا*** جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهَلُوا واسْتَهَلُوا فرحاً ***ثم قالوا يا يزيد لا تُشَل

قد قتلنا القرم من ساداتهم ***وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا*** خبرج ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم*** من بني أحمد ما كان فعل فَعَلْ

***

و دام حكمه ثلاث سنوات انتهك فيها أعظم الحرمات.

ففي السنة الأولى قتل سبط رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي(عليه السلام)، وأهل بيته وأمر بسبي ما بقي منهم وحملهم إلى الشام وفي السنة

ص: 249


1- عيون الأخبار : ج 2 ص 210 .

الثانية أباح مدينة رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الجنده ثلاثة أيام، وانتهك حرمة رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم)وحرمة مسجده ، وقتل من الصحابة والتابعين الكثير، وانتهبت الأموال وانتهكت الأعراض.

وفي سنته الأخيرة وفي حصاره لابن الزبير ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق وانتهك حرمة بيت الله الحرام في مكة واحترق شيء من الكعبة .

روى السيوطي في كتابه عن أبو عبيدة الجراح عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتى يكون أول من ثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد»(1).

شب يزيد بن معاوية على النفاق والكذب، فهذا جده أبو سفيان دخل في الإسلام راغماً ، لم يستقر الإيمان في قلبه ساعة واحدة، وهو القائل يوم بويع عثمان : «تلقفوها تلقف الكرة ، حتى تصير إلى صبيانكم، فو الذي يحلف به أبو سفيان، ما من جنة ولا نار»(2)

الغزالي ويزيد

سئل أبو حامد الغزالي : هل يجوز لعن يزيد ؟ ومن صرح بلعنه ، هل يُحكم بفسقه ؟ وهل قتل يزيد حسيناً أم كان قصده الدفع ؟ وهل يسوع الترحم عليه ، أم السكوت عنه أفضل ؟ تنعم علينا بإزالة اشتباه منا .

فأجاب : لا يجوز لعن المسلم أصلاً، ومن لعن المسلم فهو الملعون ويزيد صح إسلامه، وما صح قتله للحسين ولم يأمر بذلك ولم يرض به ، وعلى هذا فلو قتل المسلم مسلماً، ذهب أهل الحق أنه ليس بكافر، ولا يجوز لعنه، القتل

ص: 250


1- تاريخ الخلفاء : للسيوطي والصواعق المحرقة ص 221
2- شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد ج6 ص 290.

ليس بكفر بل هو معصية ، وإذا مات القاتل فربما مات بعد التوبة، وبم يعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ؟ فإذاً لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقاً عاصياً الله تعالى، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصياً بالإجماع .. وأما الترحم عليه فهو جائز ومستحب بل هو داخل في قولنا في كل صلاة «اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ! ! انتهى كلام (الوفيات) للمسكين أبو حامد الغزالي.

في الرد على مقولة الغزالي

1- لا شك انه لا يجوز لعن المسلم ، بل هو كفر وفسق، ولكن إذا أصبح المسلم ظالماً وفاسقاً وشارياً للخمر وقاتلاً للنفس المحرمة، فإنه يستحق اللعن حسب نص القرآن الكريم وأحاديث السنة الشريفة .

قال الجوزي في رسالته الموسومة ب- (الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد):« المؤمن لا يكون لعاناً إن كلام الغزالي محمول (كذا) على من لا يستحق اللعن، ولا يجوز لعن المسلمين ولكن يزيد ليس بمسلم حيث إن أقواله وأفعاله تشهد بذلك كاملاً، فلذا يجوز لعنه ويجوز لعن من لا يلعنه أيضاً .

حيث إنه هو القائل :

لعبت هاشم بالملك فلا*** خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم ***من بني أحمد ما كان فعل

وإنه لما جيء برأس الحسين بن علي (عليه السلام)، فوضع بين يدي يزيد بن معاوية، تمثل بهذين البيتين :

ليت أشياخي بيدر شهدوا ***جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلُّوا واستهلُّوا فرحاً*** ثم قالوا يا يزيد لا تُشل»

ص: 251

وتكفي هذه الأبيات خزياً له وشهادةً على كفره ، وأما عن أعماله في السنين الثلاث الخلافته، فحدث ولا حرج ، قال ابن حجر في (الصواعق المحرقة) : «إن إلقاء المصحف في القاذورات يوجب هتك حرمة الشرع المقدس، والملقي يعتبر کافر (كذا) ويستحق اللعن .

أقول : أولا يكون الذي قَتَلَ بضعة الزهراء(عليها السلام)وسبط الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم) كافراً ؟ !

والله دَر منصور النميري عندما قال :

لاشك عندي في كفر قاتله*** لكنني قد أشك في الخاذل

يقتل ذرية النب--ی*** ويرجون جنان الخلود للقاتل

وقال ابن الجوزي في رسالته (الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن یزید): ليس العجب من فعل عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد إنما العجب من يزيد خذلان يزيد وضربه بالقضيب على ثنية الحسين وإغارته على المدينة. أفيجوز أن يفعل هذا بالخوارج ؟ أوليس في الشرع أنهم يدفنون؟ ولو أنه احترم الرأس حين وصوله وصلى عليه، ولم يتركه في طست ولم يضربه بقضيب ، ما الذي كان يضره ، وقد حصل مقصوده هو القتل، ولكن أحقاد جاهلية ودليلها ما تقدم من إنشاده : ليت أشياخي ببدر شهدوا...

وقال ملا سعد التفتازاني والحق إن رضا يزيد بقتل الحسين وأهانته لأهل البيت(عليه السلام)، مما تواتر معناه، وإن كانت تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه ، فلعنة الله على يزيد وعلى أنصاره وأعوانه .

وفي (المسايرة) قال : واختلف في كفر يزيد فقيل : نعم وقيل لا وقيل بالتوقف ، وقد أجاز لعنه أحمد بن حنبل والقاضي أبو يعلى وحرمه الغزالي

ص: 252

وابن عربي لتعصبهما الأعمى لخلفاء الجور ·

وقال ابن حجر في (الصواعق المحرقة) : وصح أيضاً أنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى ثلاثين منهم، ينزون على منبره نزو القردة، فغاظه ذلك، وما ضحك بعده ، إلى أن توفاه الله سبحانه وتعالى ولعله هؤلاء، ويزيد بن

معاوية ، فإنه من أقبحهم وأفسقهم، بل قال جماعة من الأئمة بكفرهم(1).

كلام التفتازاني

وقال التفتازاني في (شرح المقاصد): ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق . وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد والفساد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللذات والشهوات ،إذ ليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبي الا الله بالخير موسوماً، إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق ، صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار والمبشرين بالثواب في دار القرار .

وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ، إذ يكاد يشهد به الجماد والعجماء ويبكي له من في الأرض والسماء، وينهد منه الجبال ، وتنشق الصخور، ويبقى سوء عمله على كر الشهور ومر الدهور، فلعنة الله

ص: 253


1- راجع تطهير اللسان : ص 53 ط / القاهرة، الصواعق المحرقة : ص 220 ط/ القاهرة.

على من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ، فإن قيل : فمن علماء المذهب من لا يجوز اللعن على يزيد، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد قلنا تحامياً عن أن يرتقي (اللعن) إلى الأعلى فالأعلى (أي لكي لا يصل اللعن إلى أبيه ثم إلى ما كان قبله من الأمويين وهو عثمان ومن عثمان إلى عمر وأبي بكر، إذ إنهم من سلسلة واحدة، فإذا لعن أحدهم فإن اللعن ينجر إلى جميع أفراد السلسلة بكل تأكيد».

وقال الغزالي وغيره من المنكوسين الجاحدين للحق : «ويحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين وحكاياته، وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم، فإنه يهيج على بعض الصحابة الطعن فيهم.(1)

وقد أجاد ابن الجوزي حيث قال : «وانين العباس وهو مأسور ببدر منع النبي النوم ، فكيف بأنين الحسين، ولما أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي (صلی الله علیه وآله وسلم): غَيب وجهك عني ، فإني لا أحب أن أرى من قتل الأحبة، وهذا الإسلام يجب ما قبله ، فكيف يقبل أن يرى من ذبح الحسين وأمر بقتله ، وحمل أهله على أقتاب الجمال». قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما ﴾ (2)

وقال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ (3).

وقال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة

ص: 254


1- الصواعق المحرقة : لابن حجر العسقلاني ص 223 .
2- النساء : 93 .
3- محمد : 23 .

وأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهيناً ﴾(1).

هذه الآيات الثلاث تنطبق بصورة تامة على الخلفاء الأمويين لا سيما على يزيد بن معاوية (لعنهما الله) .

***

ص: 255


1- الأحزاب : 57 .

«عَليهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الآبدينَ، وَهَذَا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلَ زِيَادٍ وَآلَ مَروان بِقَتْلِهِم الحُسَين (صلوات الله عليه)»

الشيخ عبد القادر الكيلاني:

قال عبد القادر الكيلاني الذي يعتبر الإمام الأعظم وشيخ الفقهاء والمحدثين لدى بعض المسلمين في كتابه

(الغنية) بشهادة جمع من أعلام أهل السنة بأنه من مصنفاته.

قال : وقد طعن قوم على صيام هذا اليوم العظيم (يوم عاشوراء) ، وما ورد فيه من التعظيم وزعموا أنه لا يجوز صيامه، لأجل قتل الحسين بن علي فيه ، وقالوا ينبغي أن تكون المصيبة فيه عامة، لجميع الناس لفقده فيه ، وأنتم تأخذونه يوم فرح وسرور وتأمرون فيه بالتوسعة على العيال، والنفقة الكثيرة والصدقة على الضعفاء والمساكين، وليس هذا من حق الحسين على جماعة المسلمين، وهذا القائل خاطئ ومذهبه قبيح فاسد !! لأن الله اختار لسبط نبيه (صلی الله علیه وآله وسلم)الشهادة في أشرف الأيام وأعظمها وأجلها وأرفعها عنده، ليزيده بذلك رفعة في درجاته وكرامة مضاعفة إلى كراماته، ويبلغه منازل الخلفاء الراشدين الشهداء بالشهادة.

ولو جاز أن نتخذ يوم موته مصيبة ، لكان يوم الاثنين أولى بذلك ، إذ قبض الله فيه نبيه (صلی الله علیه وآله وسلم) ، وكذلك أبو بكر الصديق قبض فيه، وهو ما روى هشام عن

ص: 256

عروة عن أبيه عن عائشة، قال أبو بكر لي : أي يوم توفي النبي ، قلت يوم الاثنين ، قال : إني أرجو أن أموت فيه فمات فيه ، وفَقْد رسول الله وفَقْد أبو بكر (كذا) أعظم من فقد غيرهما ! ! وقد اتفق الناس على شرف يوم الاثنين وفضيلة صومه، وإنه يُعرض فيه، وفي يوم الخميس أعمال العباد، وكذلك يوم عاشوراء لا يُتَّخذ يوم مصيبة بل الأولى أن يُتَّخذ يوم عيد وفرح وسرور !! لما قدمنا ذكره وفضله، من أنه يوم نجى الله فيه أنبياءه من أعدائهم وأهلك فيه أعداءهم الكفار من فرعون وقومه وغيرهم، وأنه خلق السموات والأرض والأشياء الشريفة فيه وآدم ، وأنه تعالى أعد لمن صامه من الثواب الجزيل والعطاء الوافر وتكفير الذنوب وتمحيص السيئات، فصار عاشوراء مثل بقية الأيام الشريفة، كالعيدين والجمعة والعرفة وغيرهما ، ثم لو جاز أن يُتَّخذ هذا اليوم يوم مصيبة ، لاتخذته الصحابة والتابعون لأنهم أقرب إليه منا وأخص منا(1)(انتهى كلام الناصبي الدعي).

ويظهر بطلان وفساد كلام عبد القادر الكيلاني من عدة أوجه :

1 - إن قوله بأن يوم عاشوراء يوم مبارك حيث اختار الله فيه القتل لسبط نبيه الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم) كلام لا يقبله أي عاقل لديه شيء من الإحساس والشعور المنطقي، حيث لا يمكن أن يكون اليوم الذي يُقتل فيه أفضل خلق الله سبحانه وتعالى سواء أكان من الأنبياء أو أولادهم يوم سرور وفرح، حيث نرى الناس عادة يتخذون اليوم الذي يموت فيه عزيز لهم يوم مصيبة وحزن وبكاء، فكيف يصح للناس أن يفرحوا بشهاده سبط الرسول (صلی الله علیه وآله وسلم)وأولاده وأصحابه المخلصين الأوفياء ؟

ص: 257


1- غنية الطالبيين : ص 684 - 687 ، خلاصة عبقات الأنوار: 4 ص 246 - 248 .

2- وأما قوله بأن يوم عاشوراء لو كان يوم حزن ، فمن الأولى أن نجعل يوم الاثنين يوم نحس وحزن لوفاة النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فيه إذ إنه أفضل الخلق. هذا الكلام أيضاً غير منطقي وغير مقبول، لأن يوم عاشوراء هو يوم واحد من مجموع أيام السنة ولا يمكن أن نتخذ يوم الاثنين من كل أسبوع يوم حزن ومصيبة، ونحن (الشيعة) نتخذ يوم 28 صفر من كل سنة يوم حزن وعزاء كأيام عاشوراء وذلك لوفاة النبي الأعظم (صلی الله علیه وآله وسلم)،ولا يمكن أن يمر علينا دون أن نحزن فيه بينما لا يتخذ أهل السنة ذلك .

ثم إن يوم الاثنين هو يوم نحس عندنا ، إذ إنه يوم بني أمية كما في الأخبار الواردة عن أهل البيت(عليه السلام) ، حيث انعقد فيه اجتماع السقيفة، وفيه توفي الخليفة الأول ووضع مكانه الفظ الغليظ القلب .

3- وأما قوله بأن يوم عاشوراء فيه وقائع حسنة ، هلك فيها الفراعنة والطواغيت ونجا منه الأنبياء(عليهم السلام) فهو كذب محض ومن جملة الافتراءات التي وضعها النواصب وأعداء أهل البيت(عليهم السلام) ، والصوم غير مستحب فيه بل مكروه وحرام .

4 - وقال : إن الصحابة والتابعين لم يجعلوا يوم عاشوراء يوم مصيبة ، وهذا الكلام أيضاً غير مقبول، لأن الصحابة التابعين بعد استشهاد الإمام الحسين علي سنة 61 للهجرة، إما أنهم كانوا من أتباع يزيد ومعاوية ، وإما من أتباع أهل البيت الله ، فإذا كانوا من أتباع الطائفة الأولى، فإن فعلهم ليس بحجة، وإذا كانوا من الطائفة الثانية، فيوم شهادة الإمام الحسين عليشة لهم يوم حزن ومصيبة ، ولكنهم كثيراً ما واجهوا حكاماً ظلمة منعوهم من إظهار الحزن وإقامة المآتم والمجالس.

ص: 258

في ثواب البكاء على الحسين (عليه السلام)

ذكر الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه في أماليه عن الإمام الرضا علي قال: «من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذُكِّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يجيء فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»(1) .

وعن الإمام الصادق(عليه السلام)قال : كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين(عليه السلام)» (2).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال لفضيل بن يسار : أتجلسون وتتحدثون؟

قال : بلى جعلت فداك ، قال : إن تلك المجالس أحبها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل فرحم الله من أحيا أمرنا يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر»(3)

عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمه لنا عبادة وكتمان سرنا جهاد في سبيل الله .

ثم قال أبو عبد الله : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

عن الإمام الرضا (عليه السلام)أنه قال : إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستُحلَّت فيه دمائنا وهتكت فيه حرمتنا وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلنا ولم تُرْعَ الرسول الله حرمة في أمرنا ، إن يوم الحسين أفرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل

ص: 259


1- الأمالي : مجلس 17 ، بحار الأنوار: ج 44 ص 278 .
2- المصدر.
3- المصدر السابق .

عزيزنا بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام ثم قال كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى

يمضي منه عشرة أيام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول : هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام)» (1)

عن الإمام الصادق (عليه السلام)عن آبائه (عليه السلام) قال : قال أبو عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر(2).

روي أنه لما أخبر النبي صلی الله علیه و آله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت : يا أبت متى يكون ذلك ؟ قال : في زمان خال مني ومنك ومن علي، فاشتد بكاؤها وقالت : يا أبت فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبي : يا فاطمة! إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل في كل سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة ، يا فاطمة كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسين، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة (3) .

في استحباب لبس السواد أيام عاشوراء

قال ابن فهد في (التحصين ): قيل لراهب رؤي عليه مدرعة شعر سوداء : ما الذي حملك على لبس السواد ؟ فقال : هو لباس المحزونين، وأنا أكبرهم . فقيل

ص: 260


1- أمالي الصدوق : المجلس 27 .
2- المصدر.
3- بحار الأنوار: ج 44 ص 292 ، التهذيب : ج 8 ص 325 آخر الكفارات .

له : من أي شيء أنت محزون؟ قال : لأني أصبت في نفسي وذلك أني قتلتها في معركة الذنوب فأنا حزين عليها ؛ ثم أسبل دمعه (1).

قال فخر الدين الطريحي في المنتخب) : إن يزيد لعنه الله استدعى حرم رسول الله الله ، فقال لهن : أيما أحب إليكن، المقام عندي أو الرجوع إلى المدينة ولكم الجوائز السنية؟ قالوا : نُحب أولاً أن ننوح على الحسين(عليه السلام)، قال: افعلوا ما بدا لكم، ثم أخليت لهن الحجر والبيوت في دمشق فلم تبق هاشمية ولا قرشية إلا ولبست السواد على الحسين(عليه السلام)، وندبوه على ما نقل سبعة أيام». (2)

ذكر الطريحي في ( المنتخب) : قالت سكينة : رأيت البارحة رؤيا وذكرت الرؤيا . . فإذا بخمس نسوة قد عظم الله خلقهن، وزاد في نورهن امرأة عظيمة الخلقة، ناشرة شعرها، وعليها ثياب ،سود وبيدها قميص مضمخ بالدم إلى أن ذكرت أنها كانت فاطمة الزهراء(عليها السلام)» (3).

وفي سنة 352 هجرية في يوم عاشوراء ، ألزم معز الدولة أهل بغداد بالمأتم والنوح على الحسين بن علي فيها ، وأمر بأن تغلق الأسواق، وأن يعلق عليها المسوح، وأن لا يطبخ طباخ ، وخرجت نساء الشيعة، مسخمات يلطمن وينحن وفعل ذلك سنوات(4) .

واقتدى به المعز لدين الله الفاطمي في سنة 341 هجرية، عندما استولى على الحكم في مصر والمغرب ، قال ابن زولاق في يوم عاشوراء 363 هجرية

ص: 261


1- مستدرك الوسائل : ص 222 أحكام الملابس في غير الصلاة.
2- المصدر : ص 221 .
3- المصدر السابق .
4- التاريخ الذهبي .

انصرف خلق من الشيعة وأشياعهم إلى المشهدين، قبر أم كلثوم ونفيسه ومعهم جماعة من الفرسان المغاربة ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين(عليه السلام).

في كيفية العزاء

عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)أنه قال لعبد الله بن سنان: «يا عبد الله بن سنان، إن أفضل ما تأتي به في هذا اليوم أن تعمد إلى ثياب طاهرة فتلبسها وتتسلب ، قلت : وما التسلب ؟ قال تحلل إزارك وتكشف عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصاب» (1).

وعنه(عليه السلام)أنه قال : «ما اختضبت منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولارجلت حتى أتانا رأس عبيد الله» (2).

حتى قال الطريحي : في حديث مناجاة موسى(عليه السلام)قال : يا رب لم فضلت أمة محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) على ساير الأمم ؟ فقال الله تعالى : فضلتهم لعشر خصال، قال موسى وما تلك الخصال التي يعملونها ؟ قال الله تعالى : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء، قال موسى : يا رب وما العاشوراء ؟ قال : البكاء والتباكي على سبط محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) والمرئية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى، يا موسى ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزي على ولد المصطفى ، إلا وكانت له الجنة ثابتاً فيها ، وما من عبد أنفق من ماله في محبة ابن بنت نبيه طعاماً وغير ذلك درهماً أو ديناراً ، إلا وباركت له في دار الدنيا ، الدرهم بسبعين درهماً، وكان معافي في الجنة، وغفرت له ذنوبه وعزتي وجلالي. ما من رجل أو امرأة سال دمع

ص: 262


1- مصباح المتهجد : ص 547 .
2- كامل الزيارات : البحار ج 45 ص 207 .

عينيه يوم عاشوراء وغيره قطرة واحدة إلا وكتب له أجر مئة شهيد(1).

روى ابن سعد عن الشعبي قال : مر علي علة بكربلاء عند مسيره إلى صفين، فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض، فقيل له كربلاء، فبكى حتى بل الأرض من دموعه ، ثم قال : دخلت على رسول الله وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال كان عندي جبرئيل آنفاً، وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلا، ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب تلك الأرض ، وشمني إياها ، فلم أملك عيني أن فاضتا (2).

«اللهم فضاعف عليهم اللعن والعذاب الأليم بقتلهم الحسين عليه . اللهم إني أتقرب إليك في هذا اليوم وفي موقفي هذا وأيام حياتي بالبراءة منهم واللعنة عليهم وبالموالاة لنبيك وآل نبيك له » .

الفاء في كلمة (فضاعف) للتفريغ، وتفيد التعليل اللاحق بالسابق، وسبب طلب مضاعفة العذاب هنا هو فرحهم بيوم عاشوراء ، الذي هو بالحق مصيبة كبرى، وفاجعة عظمى بقتل سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين علينا .

والضعف هو المثل إلى ما زاد كما في قاموس اللغة، فكلما كان أكثر فهو في باب الضعف .

وقال الخليل في الصحاح : إن التضعيف أن يزاد على أصل الشيء فتجعل اثنين أو أكثر وكذلك الأضعاف والمضاعفة ، يقال ضعفت الشيء وأضعفته وضاعفته قال تعالى : ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ (3) .

ص: 263


1- زهور الربيع : ج 1 ص 331 ط بیروت .
2- الصواعق المحرقة : ص 191 ط / عبد اللطيف مصر .
3- الأحزاب : 30 .

قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كثيرة ﴾(1)

والجملة المباركة : «اللهم إني أتقرب إليك في هذا اليوم وفي موقفي هذا وأيام حياتي بالبراءة منهم واللعنة عليهم وبالموالاة لنبيك وآل نبيك له » .

يمكن أن تكون خلاصة وزبدة هذه الزيارة المباركة، حيث إن هذه الزيارة تشتمل على ثلاثة أمور:

1 - إظهار الموالاة للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم)والأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).

-- البراءة من أفعال وصفات أعدائهم جملة وتفصيلاً .

3 لعنهم ، هذه الأمور الثلاث اجتمعت في هذا المقطع من الزيارة المباركة للإمام (عليه السلام):« اللهم العن أول ظالم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك المراد من الظالم الأول في هذه الجملة الشريفة هو أبو بكر حسب الظاهر لأنه أول من فتح باب الظلم على بيت النبوة، ولم يطع النبي فيما أمر وأوصى .

روى العياشي في تفسيره عن أحدهما (عليه السلام)قال : قد فرض الله في الخمس نصيباً لآل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم حسداً وعداوة، وقد قال الله : ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ﴾ (2) .

وكان أبو بكر أول من منع آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)حقهم وظلمهم، وحمل الناس على رقابهم، ولما قبض أبو بكر استخلف عمر على غير شورى من المسلمين ولا رضا من آل محمد، فعاش عمر بذلك، لم يعط آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)حقهم

ص: 264


1- البقرة : 245 .
2- المائدة : 47 .

وصنع ما صنع أبو بكر (1)

رسالة محمد بن أبي بكر

ذكر ابن أبي الحديد في شرحه للنهج والمسعودي في كتابه (مروج الذهب هذه الرواية، وهما من الرواة المعتمدين عند جميع الفرق الإسلامية، الرواية هي رسالة كتبها محمد بن أبي بكر إلى معاوية بن أبي سفيان، وذلك لما عزل الإمام علي (عليه السلام)قيس بن سعد والي مصر، ونصب مكانه محمد بن أبي بكر.

من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر..

سلام على أهل طاعة الله ممن هو سلم لأهل ولاية الله، أما بعد: فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه ،وقدرته، خلق خلقاً بلا عبث ولا ضعف من قوته ولا حاجة بعد إلى خلقهم ولكن خلقهم عبيداً وجعل منهم شقياً وسعيداً وغوباً ورشيداً، ثم اختار الله على علمه فاصطفى وانتخب منهم محمداً فاختصه برسالته واختاره لوحيه وانتمنه على أمره وبعثه رسولاً مصدقاً لما بين يديه من الكتب ودليلاً على الشرايع فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.

فكان أول من أجاب وصدق فأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب فصدقة بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم، ووقاه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف فحارب حربه

ص: 265


1- بحار الأنوار: ج 8 ص 210 طبع تبریز.

وسالم سلمه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الأزل، ومقامات الروع، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو السابق المبرز في كل خير، أول الناس إسلاماً وأصدق الناس نية وأطيب الناس ذرية، وأفضل الناس زوجة، وخير الناس ابن عم.

وأنت اللعين بن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل، وتجهدان على إطفاء نور الله، وتجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتخالفان في ذلك القتال(1)، على ذلك مات أبوك، وعلى ذلك خلفته، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله والشاهد لعلي مع فضله وسابقته القديمة، أنصاره الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن ففضلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار فهم معه في كتائب وعصايب، يجادلون حوله بأسيافهم ويهرقون دماءهم دونه يرون الفضل في اتباعه والشقاق والعصيان في خلافه، فكيف يالك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله ووصيه وأبو ولده، وأول الناس له اتباعاً وآخرهم به عهداً، يخبره بسره ويشركه في أمره، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك، فكان أجلك قد انقضى وكيدك قد ،وهن، وسوف تتبين لمن تكون العاقبة العليا واعلم انك إنما تكايد ربك الذي قد آمنت

ص: 266


1- القبائل( ابن أبي الحديد)

کیده و آیست من روحه وهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور وبالله وبأهل بيت رسوله عنك الغنى، والسلام على من اتبع الهدى(1).

جواب معاوية

من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بکر: سلام على أهل طاعة الله .

أما بعد: فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه، ما اصطفى به نبيه من كلام الفته ووضعته فيه، لرأيك تضعيف ولأبيك تعنيف وذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سابقته وقرابته من نبي الله ونصرته له ومواساته إياه في كل خوف، واحتجاجك عليّ وفخرك بفضل غيرك لا يفضلك، فاحمد إلهاً صرف ذلك الفضل عنك وجعله في غيرك، وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازماً لنا وفضله علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم له وعده وأتم له وعده وأظهر دعوته وأفلج حجته قبضه الله إليه، فكان أبوك وفاروقه (عمر) أول من ابتزه وخالفه على ذلك اتفقا ،واتسقا ثم دعواه على أنفسهما، فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهما به الهموم، وأرادا به العظيم فبايعهما، وسلَّم لهما، لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرهما حتى قبضا وانقضى أمرهما، ثم أقام بعدهما ثالثهما عثمان

ص: 267


1- شرح ابن أبي الحديد : ج 3 ص 188 .

بن عفان يهتدي بهديهما ويسير بسيرتهما، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي، وبطنتما له عداوتكما وغلكما حتى بلغتما منه مُناكما، فخذ حذرك يابن أبي بكر فترى (فسترى) وبال أمرك، وقس شبرك بفترك تقصران تساوي أو توازي من يزن الجبال حلمه ولا تلين على قسر قناته ولا يدري ذو مدى ،أناته أبوك مهد له مهاده وبنى ملكه ،وشاده، فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله، وإن يكن جوراً فأبوك أسه (أسسه)(1) ونحن شركاؤه فبهداه أخذنا ويفعله اقتدينا رأينا أباك فعل ما فعل فأخذنا مثله واقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدا لك أو دع، السلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب(2).

رسالة عبد الله بن عمر

لما قتل الحسين(عليه السلام)كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية :

أما بعد:

فقد عظمت الرزية وجلَّت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم الحسين.

فكتب إليه يزيد :

أما بعد:

فإنا جئنا إلى بيوت منجدة وفرش ،ممهدة، ووسائل منضدة،

ص: 268


1- ابن أبي الحديد.
2- ابن أبي الحديد : ج 3 ص 189 .

فقاتلنا عنها، فأين يكن الحق لنا فمن حقنا ،قاتلنا، وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أول من سن هذا وابتز واستأثر بالحق على أهلها (1).

وهذا الأمر واضح لا يحتاج لإثباته إلى قول يزيد بن معاوية وأضرابه ، وإن كان فيه تأييد للمطلوب، فالحسين لم يقتل إلا بأسياف الأولين، وهذا ما بينه القاضي بن قريعة في أبياته :

لولا حدود صوارم ***أمضى مضاربها الخليفة

لنشرت من أسرارآ ***ل محمد جُمَلاً ظريفة

وأريتكم أن الحسي-***-ن أصيب في يوم السقيفة

***

فمن هاتين الروايتين نرى بأن معاوية ينسب أساس الانحراف والظلم والفساد في الإسلام إلى أبي بكر ، وينسب يزيد هذا إلى عمر بأنه أساس الظلم على الإسلام وعلى أئمة أهل البيت (عليه السلام)، إذا فأبو بكر وعمر بن الخطاب هما أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد، حيث لو لم يكن عمر في اجتماع السقيفة لما استطاع أبو بكر الوصول إلى الخلافة، وكذلك لو لم يستخلف أبو بكر عمر ولم يوص به في الخلافة من بعده لما استطاع الوصول إلى ذلك . فلهذا نرى معاوية بن أبي سفيان يقول في جوابه لمحمد بن أبي بكر( رضوان الله عليه ) ( فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه) .

ص: 269


1- نهج الحق: ص356.

رسالة الطبري الخوارزمي:

(1)

في أنواع الظلم والجور الذي نزل على أهل بيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)و على شيعتهم ، من قبل خلفاء الجور من يوم السقيفة إلى نهاية حكم بني العباس .

وكتب إلى جماعة الشيعة بنيسابور لما قصدهم محمد بن إبراهيم واليها :

«سمعت أرشد الله سعيكم وجمع على التقوى أمركم ما تكلم به السلطان الذي لا يتحامل إلا على العدل ولا يميل إلا على جانب الفضل ، ولا يبالي بأن يمزق دينه إذا وفا دنياه ولا يفكر في أن يقدم رضاء الله إذا وجد رضاه وأنتم ونحن أصلحنا الله وإياكم عصابة لم يرض الله لنا الدنيا فذخرنا للدار الأخرى ، ورغب بنا عن ثواب العاجل فأعد لنا ثواب الآجل وقسمنا قسمين قسماً مات شهيداً وقسماً عاش شريداً، فالحي يحسد الميت على ما صار إليه ولا يرغب بنفسه عما جرى عليه .

قال أمير المؤمنين ويعسوب الدين(عليه السلام): «المحن إلى شيعتنا أسرع من الماء إلى الحدود»، وهذه مقالة أسست على المحن وولد أهلها في طالع الهزاهز والفتن فحياة أهلها نقص ، وقلوبهم حشوها غصص، والأيام عليهم متحاملة، والدنيا عنهم مائلة، فإذا كنا شيعة أئمتنا في الفروض والسنن ومتبعي آثارهم في كل قبيح وحسن فينبغي أن نتبع آثارهم في المحن.

غُصبت سيدتنا فاطمة - صلوات الله عليها وعلى آلها - ميراث أبيها - صلوات الله عليه وعلى آله - يوم السقيفة وأخر أمير المؤمنين (عليه السلام)عن الخلافة ، وسمّ الحسن (رضي الله عنه) سراً ، وقتل أخوه كرَّم الله وجهه جهراً ،

ص: 270


1- هو أبو بكر الخوارزمي ، خاله أبو جعفر الطبري المشهور وله كتاب (تاريخ الطبري ) ويتألف من 10 مجلدات .

وصلب زيد بن علي بالكناسة، وقطع رأس زيد بن علي في المعركة، وقتل عبد الله بن الحسن في السجن ، وقتل ابناه محمد وإبراهيم على يد عيسى بن موسى العباسي، ومات موسى بن جعفر في حبس هارون، وسُم علي بن موسى بي-د المأمون وهُزم إدريس بفخ حتى وقع إلى الأندلس فريداً، ومات عيسى بن زيد طريداً شريداً ، وقتل يحيى بن عبد الله بعد الأمان والإيمان وبعد تأكيد العهود والضمان . هذا غير ما فعل يعقوب بن الليث بعلوية طبرستان، وغير قتل محمد بن زيد والحسن بن القاسم الداعي على أيدي آل ساسان وغير ما صنعه أبو الساج ( كذا) في علوية المدينة حملهم بلا غطاء ولا وطاء من الحجاز إلى سامراء، وهذا بعد قتل قتيبة بن مسلم الباهلي لابن عمر بن علي حين أخذه بابويه وقد ستر نفسه ووارى شخصه يصانع عن حياته ويدافع عن وفاته ولا كما فعله الحسين بن إسماعيل المصعبي بيحيى بن عمر الزيدي خاصة، وما فعله مزاحم بن خاقان بعلوية الكوفة كافة.

وبحسبكم أنه ليست في بيضة الإسلام بلدة إلا وفيها قتيل طالبي ترة تشارك في قتلهم الأموي والعباسي، وأطبق عليهم العدناني والقحطاني فليس حي م--ن الأحياء نعرفه من ذي يمان ولا بكر ولا مضر إلا وهم شركاء في دمائهم كما تشارك اليسار على جزر قادتهم الحمية إلى المنية وكرهوا عيش الذلة فماتوا موت العزة ووثقوا بمالهم في الدار الباقية، فسخت نفوسهم عن هذه الفانية ، ثم لم يشربوا كأساً من الموت إلا شربها شيعتهم وأولياؤهم ولا قاسوا لوناً من الشدائد إلا قاساه أنصارهم وأتباعهم .

داس عثمان بن عفان بطن عمار بن ياسر بالمدينة ، ونفى أبا ذر الغفاري إلى الربذة، وأشخَصَ عامر بن عبد قيس التميمي وغرب الأشتر النخعي وعدي بن حاتم الطائي، وسير عمر بن زرارة إلى الشام، ونفى كميل بن زياد إلى العراق ،

ص: 271

وجفا أبي بن كعب وأقصاه، وعادى محمد بن حذيفة وناواه وعمل في ذم محمد بن سالم وأعمل ، وفعل مع كعب ذي الخطبة ما فعل.

واتَّبعه في سيرته بنو أمية يقتلون من حاربهم، ويغدرون بمن سالمهم، لا يحفلون المهاجري ولا يصونون الأنصاري، ولا يخافون الله، ولا يحتشمون الناس ، قد اتخذوا عباد الله خولاً ومال الله دولاً ، يهدمون الكعبة ويستعبدون الصحابة، ويعطلون الصلاة الموقوتة ، ويختمون الأعناق الأحرار، ويسيرون في حرم المسلمين سيرتهم في حرم الكفار، وإذا فسق الأموي فلم يأت بالضلالة عن كلالة .

قتل معاوية حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي بعد الأيمان المؤكدة والمواثيق المغلظة ، وقتل زياد بن سمية الألوف من شيعة الكوفة وشيعة البصرة صبراً، وأوسعهم حبساً وأسراً حتى قبض الله معاوية على أسوأ أعماله ، وختم عمره بشر أحواله، فاتبعه ابنه يجهز على جرحاه ويقتل أبناء قتلاه إلى أن قتل هاني بن عروة المرادي ومسلم بن عقيل الهاشمي أولاً، وعقب بالحرث بن زياد الرياحي وبأبي موسى عمرو بن قرطة الأنصاري وحبيب بن مظاهر الأسدي وسعيد بن عبد الله الحنفي ونافع بن هلال البجلي وحنظلة بن أسعد الشبامي وعابس بن أبي شبيب الشاكري في نيف وسبعين من جماعة الشيعة وأمر بالحسين(عليه السلام)، يوم كربلاء ثانياً .

ثم سلط عليهم الدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد يصلبهم على جذوع النخل ويقتلهم ألوان القتل حتى اجتث الله دابره ، ثقيل الظهر بدمائهم التي سفك ، عظيم التبعة بحريمهم الذي انتهك فانتهب لنصرة أهل البيت طائفة أراد أن يخرجهم من عهدة ما صنعوا ويغسل عنهم وضر ما اجترحوا فصمدوا للفئة الباغية، وطلبوا بدم الشهيد الدعي ابن الزانية، لا يزيدهم قلة عددهم

ص: 272

وانقطاع مددهم وكثرة سواد أهل الكوفة بإزائهم إلا إقداماً على القتل والقتال وسخاء بالنفوس والأموال حتى قتل سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجية الفزازي وعبد الله بن وال التيمي في رجال من خيار المؤمنين وعلية التابعين ، ومصابيح الأنام وفرسان الإسلام.

ثم تسلط ابن الزبير على الحجاز والعراق فقتل المختار بعد أن شفى الأوتار وأدرك الثار وأفنى الأشرار وطلب بدم المظلوم الغريب فقتل قاتله ونفى خاذله وأتبعوه أبا عمر بن كيسان وأحمد بن شميط ورفاعة بن يزيد والسائب بن مالك وعبد الله بن كامل، وتلقطوا بقايا الشيعة، يمثلون بهم كل مثلة ، ويقتلونهم شر قتلة حتى ظهر الله من عبد الله بن الزبير البلاد، وأراح من أخيه مصعب العباد فقتلهما عبد الملك بن مروان، كذلك نولى بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون، بعدما حبس ابن الزبير محمد بن الحنفية وأراد إحراقه، ونفى عبد الله بنعباس وأكثر إرهاقه ؛ فلما خلت البلاد لآل مروان سلطوا الحجاج على الحجازيين ثم على العراقيين فتلعب بالهاشميين وأخاف الفاطميين وقتل شيعة علي ومحى آثار بيت النبي ، وجرى منه ما جرى على كميل بن زياد النخعي ، واتصل البلاء مدة ملك المروانية إلى الأيام العباسية حتى إذا أراد الله أن يختم مدتهم بأكثر آثامهم ، وبجعل أعظم ذنوبهم في آخر أيامهم بعث على بقية الحق المهمل والدين المعطل زيد بن علي فخذله منافقو أهل العراق ، وقتله أحزاب أهل الشام ، وقتل معه من شيعته نصر بن خزيمة الأسدي ومعاوية بن إسحاق الأنصاري وجماعة من شايعه وتابعه وحتى من زوجه وأدناه وحتى من كلمه وماشاه، فلما انتهكوا ذلك الحريم واقترفوا ذلك الإثم غضب الله عليهم وانتزع الملك منهم .

فبعث عليهم أبا مجرم لا أبا مسلم فنظر - لا نظر الله إليه - إلى صلابة

ص: 273

العلوية وإلى لين العباسية فترك تُقاه واتَّبع هواه وباع آخرته بدنياه وافتتح عمله بقتل عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسلط طواغيت خراسان وخوارج سجستان وأكراد أصفهان على آل أبي طالب يقتلهم تحت كل حجر ومدر ويطلبهم في كل سهل وجبل حتى سلط عليه أحب الناس إليه فيقتله كما قتل الناس في طاعته ويأخذه بما أخذ الناس في بيعته ، ولم ينفعه أن أسخط الله برضاه وإن ركب ما لا يهواه، وخلت من الداونيقي الدنيا فخبط فيها عسفاً وتقضى فيها جوراً وحيفاً إلى أن مات وقد امتلأت سجونه بأهل بيت الرسالة ومعدن الطيب والطهارة، قد تتبع غائبهم وتلقط حاضرهم حتى قتل عبد الله بن محمد بن عبد الله الحسني بالسند على يد عمر بن هشام بن عمر التغلبي فما ظَنُّكَ بمن قَرُبَ تناوله عليه ولان مسه على يديه .

وهذا قليل في جنب ما قتله هارون منهم وفعله موسی قبله بهم، فقد عرفتم ما توجه على الحسن بن علي بفخ من موسى وما اتفق على علي بن الأفطس الحسيني من هارون وما جرى على أحمد بن علي الزيدي وعلى القاسم بن علي الحسني من حبسه وعلي بن غسان بن حاضر الخزاعي حين أخذ من قبله . والجملة : إن هارون مات وقد حصد شجرة النبوة واقتلع غرس الإمامة ، وأنتم أصلحكم الله أعظم نصيباً في الدين من الأعمش، فقد شتموه، ومن شريك فقد عزلوه، ومن هاشم بن الحكم فقد أخافوه، ومن علي بن يقطين فقد اتهموه.

فأما في الصدر الأول فقد قتل زيد بن صوخان العبدي، وعوقب عثمان بن حنيف الأنصاري وخُفي حارثة بن قدامة السعدي وجندب بن زهير الأزدي وشريح بن هاني المرادي ومالك بن هاني المرادي ومالك بن كعب الأرحبي ومعقل بن قيس الرياحي والحرث الأعور الهمداني وأبو الطفيل الكناني وما

ص: 274

فيهم إلا من خَرَّ على وجهه قتيلاً أو عاش في بيته ذليلاً، يسمع شتمة الوصي فلا ينكر ، ويرى قتله الأوصياء وأولادهم فلا يغير، ولا يخفى عليكم جرح عامتهم وحيرتهم كجابر الجعفي وكرشيد الهجري وكزرارة بن أعين وكفلان وأبي فلان ليس إلا أنهم رحمهم الله كانوا يتولون أولياء الله ويتبرؤون من أعداء الله وكفى به جرماً عظيماً عندهم وعيباً كبيراً بينهم .

وقل في بني العباس : فإنك ستجد بحمد الله تعالى مقالاً وجل في عجائبهم فإنك ترى ما شئت مجالاً ؛ يُجبى فيئهم فيُفَرَّق على الديلمي والتركي، ويُحمل إلى المغربي والفرغاني ويموت إمام من أئمة الهدى وسيد من سادات بيت المصطفى، فلا تُتبع جنازته ولا تجصص مقبرته ، ويموت ضراط لهم أو لاعب أو مسخرة أو ضارب فتحضر جنازته العدول والقضاة، ويعمر مسجد التعزية عند القواد والولاة ، وَيَسلَمُ فيهم من يعرفون--ه ده-ري--اً أو سوفسطائياً، ولا يتعرضون لمن يدرس كتاباً فلسفياً ومانوي-اً، ويقتلون من عرفوه شيعياً ، ويسفكون دم من سمى ابنه علياً .

لو لم يُقتل من شيعة أهل البيت غير المعلي بن خنيس وقتيل داود بن علي ، ولو لم يُحبس فيهم غير أبي تراب المروزي لكان ذلك جرحاً لا يبرأ وثائرة لا تُطفأ ، وصدعاً لا يلتئم ، وجرحاً لا يلتحم وكفاهم أن شعراء قريش قالوا في الجاهلية أشعاراً يهجون بها أمير المؤمنين(عليه السلام)، ويعارضون فيها أشعار المسلمين فحملت أشعارهم ودونت أخبارهم وروتها الرواة مثل الواقدي ووهب بن منبه التميمي ومثل الكلبي والشرقي بن القطامي والهيثم بن عدي وداب بن الكناني وإن بعض شعراء الشيعة يتكلم في ذكر مناقب الوصي بل في ذكر معجزات النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فيقطع لسانه ويُمزّق ديوانه، كما فعل بعبد الله بن عمار البرقي وكما أريد بالكميت بن زيد الأسدي، وكما نُبش قبر منصور بن الزبرقان التمري ،

ص: 275

وكما دمر على دعبل بن علي الخزاعي مع رفقتهم من مروان ابن أبي حفصة اليمامي ومن علي بن الجهم الشامي ، ليس إلا لغلوهما في النصب واستيجابهما مقت الرَّبِّ، حتى إن هارون بن الخيزران وجعفر المتوكل على الشيطان لا على الرحمن كانا لا يعطيان مالاً ولا يبذلان نوالاً إلا لمن شتم آل أبي طالب ونصر مذهب النواصب مثل عبد الله بن مصعب الزبيري ووهب بن وهب البختري ومن الشعراء مثل مروان بن أبي حفصة الأموي، ومن الأدباء مثل عبد الملك بن قريب الأصمعي.

فأما في أيام ،جعفر، فمثل بكار بن عبد الله الزبيري وأبي السمط بن أبي الجون الأموي وابن أبي الشوارب والعبشمي، ونحن أرشدكم الله قد تمسكنا بالعروة الوثقى وآثرنا الدين على الدنيا، وليس يزيدنا بصيرة زيادة من زاد فينا ولن يُخلَّ لنا عقيدة نقصان من نقص منا، فإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ كلمة من الله ووصية من رسول الله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، ومع اليوم غد ، وبعد السبت أحد.

قال عمار بن ياسر (رضي الله عنه) يوم صفين : لو ضربونا حتى نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، ولقد هزم رسول الله الا الله ثم هزم ولقد تأخر أمر الإسلام ثم تقدم﴿ الم . أَحَسِبَ النَّاسِ أَنْ و يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ (1) .

ولولا محنة المؤمنين وقتلهم ودولة الكافرين وكثرتهم لما امتلأت جهنم حتى تقول : هل من مزيد، ولما قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا

ص: 276


1- العنكبوت: 29

يَعْلَمُونَ ﴾(1) . ولما تبين الجزوع من الصبور ولا عُرف الشكور من الكفور، ولما استحق المطيع الأجر، ولا احتقب العاصي الوزر ، فإن أصابتنا نكبة فذلك ما قد تعودناه وإن رجعت لنا دولة فذلك ما قد انتظرناه ؛ وعندنا بحمد الله تعالى لكل حالة آية ولكل مقامة مقالة ، فعند المحن الصبر، وعند النعم الشكر، ولقد شتم أميرالمؤمنين (عليه السلام) على المنابر ألف شهر فما شككنا في وصيته، وكُذب محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) بضع عشرة سنة فما اتهمناه في نبوته، وعاش إبليس مدة تزيد على المدد فلم نَرتب في لعنته ، وابتلينا بفترة الحق، ونحن مستيقنون بدولته ودفعنا إلى قتل الإمام بعد الإمام والرضا بعد الرضا ولا مريةً عندنا في صحة إمامته ،﴿ وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً ﴾ (2)، وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً ﴾ (3) ﴿كَلاَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾(4) . ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَب ينقلبون ﴾(5)﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين ﴾(6) .

اعلموا رحمكم الله أن بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن وأتباع الطاغوت والشيطان، جاهدوا في دفن محاسن الوصي، واستأجروا من كَذَبَ في الأحاديث على النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)وحاولوا الجوار إلى بيت المقدس عن المدينة والخلافة، زعموا إلى دمشق عن الكوفة، وبذلوا في طمس هذا الأمر الأموال، وقلدوا عليه الأعمال واصطنعوا فيه الرجال، فما قدروا على دفن حديث من

ص: 277


1- العنكبوت: 29 .
2- النساء : 47 .
3- الأحزاب : 38 .
4- التكاثر : 102 .
5- الشعراء : 26 .
6- طه : 20 .

أحاديث رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، ولا على تحريف آية من كتاب الله تعالى، ولا على دس أحد من أعداء الله في أولياء الله .

ولقد كان يُنادى على رؤوسهم بفضائل العترة، ويبكت بعضُهم بعضاً بالدليل والحجة لا تنفع في ذلك هيبة، ولا يمنع منه رغبة ولا رهبة، والحق عزيز وإن استُذل أهله، وكثير وإن قل حزبه، والباطل ذليل وإن رصع بالشبهة، وقبيح وإن غطى وجهه بكل مليح.

قال عبد الرحمن بن الحكم وهو من أنفس بني أمية :

سُميَّةٌ أمست نسلها عدد الحصا ***وبنت رسول الله ليس لها نسل

لعن الله من يسب علياً ***وحسيناً من سوقة وإمم

***

وقال أبو دهبل الحمجي في حمة سلطان بني أمية وولاية آل أبي سفيان :

تبيت السكارى من أمية نُوماً ***وبالطَّفِّ قتلى لا ينام حميمها

وقال سليمان بن قتة :

وإن قتيل الطَّفِّ من آل هاشم*** أذل رقاب المسلمين فذلت

***

وقال الكميت بن زيد، وهو جار خالد بن عبد الله القسري :

فقل لبني أمية حيث حلُّوا ***وإن خفت المهند والقطيعا

أميَّةَ أجاع الله من أشبعتموه ***وأشبعَ مَنْ بجَوْركُم أجيعًا

وما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق وإن

ص: 278

كرهوه وبتفضيل من نقصوه وقتلوه :

قال المنصور بن الزبرقان :

علی بساط هارون آل النبي ومن يحبهم ***يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى واليهود هُمُ*** من أمة التوحيد في ذل

وقال دعبل بن علي وهو صنيعة بني العباس وشاعرهم :

ألم تر أني مذ ثلاثين حجة*** أروح وأعدو دائم الحسرات

أرى فيشهم في غيرهم متقسماً*** وأيديهم من فيهم صفرات

***

وقال علي بن العباس الرومي، وهو مولى المعتصم :

تأليت أن لا يبرح المرء منكم*** تيل على حر الجبين فيعفج

كذاك بنو العباس تَصْبِرُ منكم*** ويصبر للسَّيف الكمي المدجج

بكل أوان للنبي محمد ***قتيل زكي بالدماء مُفَرَّج

***

وقال إبراهيم بن العباس الصولي وهو كاتب القوم وعاملهم في الرضا لما قربه المأمون :

«يمن عليكم بأموالكم ، وتعطون من مائة واحداً، وكيف لا ينتقصون قوماً يقتلون بني عمهم جوعاً وسغباً، ويملؤون ديار الترك والديكم فضة وذهباً ؟ ! يستنصرون المغربي والفرغاني، ويجفون المهاجري والأنصاري ، ويولُّون أنباط السواد وزارتهم وتلف العجم والطماطم قيادتهم، ويمنعون آل أبي طالب ميراث أمهم وفيء جدهم ، يشتهي العلوي الأكلة فيُحرمها ، ويقترح على الأيام

ص: 279

الشهوة فلا يطعمها، وخراج مصر والأهواز وصدقات الحرمين والحجاز، تصرف إلى ابن أبي مريم المديني والى إبراهيم الموصلي وابن جامع السهمي وإلى زلزل الضارب وبرصوما الزامر وإقطاع بختيشوع النصراني قوت أهل بلد، وجارى بها التركي والإفشين الأشروسي كفاية أمة ذات عدد والمتوكل زعموا يتسرى باثنى عشر ألف سرية، والسيد من سادات أهل البيت يتعفف بزنجية أو سندية، وصفوة مال الخراج مقصود على أرزاق الصفاعنة وعلى أولاد المخاتنة، على طعمة الكلابين ورسوم القراوين وعلى مخارق وعلوية المغنى، وعلى زرزر وعمر بن بانة الملهى، ويبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة ، ويصارفونه على جانق وحبة ، ويشترون العوادة بالبدر، ويجرون لها ما يفي برزق عسكر، والقوم الذين أحل لهم الخمس وحرمت عليهم الصدقة وفُرضت لهم الكرامة والمحبة، يتكففون ضراً ويهلكون فقراً، ويرهن أحدهم سيفه، ويبيع ثوبه ، وينظر إلى فيئه بعين مريضة، ويتشدد على دهره بنفس ضعيفة ، ليس له ذنب إلا أن جده النَّبي وأبوه الوصي وأمه فاطمة، وجدتَهُ خديجة ومذهبه الإيمانُ .

وأما القرآن وحقوقه مصروفة إلى القهرمانة والمضرطة وإلى المغمزة وإلى المزررة، وخمسه مقسوم على نقار الديكة الدمية والقردة، وعلى عرس المعبة واللعبة، وعلى مرية الرحلة .

وماذا أقول في قوم حملوا الوحوش على النساء المسلمات، وأجروا العبادة وذويه الجرايات، وحرثوا تربة الحسين

(عليه السلام)بالفدان، ونفوا زواره إلى البلدان؟ وما أصف من قوم هم نطف السكارى في أرحام القيان؟ وماذا يقال في أهل البيت منهم تبغ البغاء ، وفيهم راح التخنيث وغدا ، وبهم عرف اللواط ؟ كان إبراهيم ابن المهدي مغنياً، وكان المتوكل مؤنثاً موضعاً، وكان المعتز مخنثاً،

ص: 280

وكان ابن زبيدة معتوهاً مفركاً، وقتل المأمون أخاه وقتل المنتصر أباه، وسم موسى بن المهدي أمه، وسَم المعتضد عمه .

ولقد كانت في بني أمية مخازي تُذكر ومعائب تؤثر ، كان معاوية قاتل الصحابة والتابعين وأمه آكلة أكباد الشهداء الطاهرين، وابنه يزيد القرود الفهود، وهادم الكعبة، ومنهب المدينة، وقاتل العثرة، وصاحب يوم مربي الحرة.

وكان مروان الوزغ بن الوزغ ، لعن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)أباه وهو في صلبه فلحقته لعنة الله ربه .

وكان عبد الملك صاحب الخطيئة التي طبقت الأرض وشملت وهي توليته الحجاج بن يوسف الثقفي فاتك العباد وقاتل العباد، ومبيد الأوتاد، ومخرب البلاد، وخبيث أمة محمد الذي جاءت به النذر وورد فيه الأثر .

وكان الوليد جبار بني أمية، وولى انجاج على المشرق، وقرة بن شريك على المغرب .

وكان سليمان صاحب البطن الذي قتله بطنه كظة ، ومات بشماً وتخمة .

وكان يزيد صاحب سلامة وحبابة الذي نسخ الجهاد بالخمر، وقصر أيام خلافته على العود والزمر ، وأول من أغلى سعر المغنيات وأعلن بالفاحشات ، وماذا أقول فيمن أعرق فيه مروان من جانب ويزيد بن معاوية من جانب فهو ملعون بين ملعونين وكافر غريق في الكفر بين كافرين .

وكان هشام قاتل زيد بن علي مولى يوسف بن عمر الثقفي.

وكان الوليد بن يزيد خليع بني مروان الكافر بالرحمن الممزق بالسهام القرآن وأول من قال الشعر في نفي الإيمان ، وجاهر بالفسوق والعصيان، والذي

ص: 281

غشي أمهات أولاد أبيه ، وقذف بغثيان أخيه ، وهذه المثالب مع عظمتها وكثرتها ومع قبحها وشنعتها صغيرة وقليلة في جنب مثالب بني العباس الذين بنوا مدينة الجبارين وفرقوا في الملاهي والمعاصي أموال المسلمين.

هؤلاء - أرشدكم الله - الأئمة المهديون الراشدون الذين قضوا بالحق وبه يعدلون . بذلك يقف خطيب جمعتهم وبذلك تقوم صلاة جماعتهم فإن كسد التشيع بخراسان فقد نفق بالحجاز والحرمين والشام والعراقيين وبالجزيرة والثغرين وبالجبل واليغارين، وإن تحامل علينا وزير وأمير فإنا نتوكل على الأمير الذي لا يعزل وعلى القاضي الذي لم يزل يعدل، وعلى الحكم الذي لا يقبل رشوة، ولا يطلب سجلاً ولا شهادة .

وإياه تعالى نحمد على طهارة المولد وطيب المحتد ، ونسأله أن لا يكلنا إلى أنفسنا ، ولا يحاسبنا على مقتضى عملنا، وأن يعيذنا من رعونة الحشوية ومن لجاج الحرورية وشك الواقفية وأرجاء الحنفية وتخالف أقوال الشافعية ومكابرة البكرية ونصب المالكية وإجبار الجهمية النجارية وكسل الراوندية وروايات الكيسانية وجحد العثمانية وتشبيه الحنبلية وكذب الغلاة الخطابية، وأن لا يحشرنا على نصب أصفهاني ولا على بغض لأهل البيت طوسي أو شاسي ولا على أرجاء كوفي ولا على تشبيه قُمِّي ولا على جهل شامي ولا على تحنبل بغدادي ولا على قول بالباطن مغربي ولا على عشق لأبي حنيفة بلخي ولا على تناقض في القول حجازي ولا على مروق سجزي ولا غلو في التشيع كرخي ، وأن يحشرنا في زمرة من أحببناه ويرزقنا شفاعة من توليناه إذا دعا كل

أناس بإمامهم ، وساق كل فريق تحت لوائهم. إنه سميع يسمع ويستجیب».

***

ص: 282

انتهت الرسالة ببديع عباراتها وخفي إشاراتها وهي جيدة عن آخرها إلا أني لم أفهم وجه نسبة التشبيه إلى أهل قم وهم وجوه أهل الإيمان ومعتمد نقلهم مدى الأعصار والأزمان وكذا رمي الكرخيين بالغلو مع أن جمهورهم من الطبقة العالية من الشيعة كيف لا وقد رباهم المشايخ الثلاثة الذين بهم قام عماد الإسلام وانتظم أمور كافة الأنام وأسسوا المذهب أحسن تأسيس وفتحوا للعلماء باب التصنيف والتدريس، ولولاهم لما قام للدين عمود ولا اخضر للتحقيق عود وهم شيخنا الأقدم: أبو عبد الله محمد بن محمد النعمان المفيد وسيدنا الأجل أبو القاسم علي بن الحسين المرتضى ، وشيخنا الأعظم أبو جعفر محمد بن الحسن رئيس الطائفة شكر الله مساعيهم وأعلى في مدارج الجنة مراقيهم بمحمد وآله (عليه السلام).

***

ص: 283

«اللَّهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي جَاهَدَتْ الْحُسَيْنَ وَشَايَعَتْ وَبَايَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ، اَللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً »

العصابة : هي الجماعة التي تتألف من عشرة إلى أربعين شخصاً، كما جاء في منتهى الأرب) ، هذا هو معناها الأساسي، ولكن العرف استعملها بصورة عامة حيث أطلقها على الجماعة مهما كان عددها ، وإذا أخذها على المعنى الثاني فلابد أن نأخذ الألف واللام في كلمة (العصابة) للعهد، وإذا أخذنا على المفهوم الأول فتكن للجنس أو الاستغراق لكي تفيد المجموع .

جاهدت مأخوذة من الجهد أو التعب والمشقة، وهي كناية على مطلق المعارك سواء أكانت على الحق أم الباطل، كما في هذا المقام .

المشايعة : هي المتابعة والموالاة .

المبايعة : هي الاتفاق على صفقة بين طرفين، كما يحدث هذا عند إجراء عقد البيع بين البائع والمشتري .

عن الريان بن شبيب عن الإمام الرضا(عليه السلام)أنه قال : يابن شبيب إن سرك أن تلقى الله عز وجل ولا ذنب عليك ، فزر الحسين(عليه السلام)، يابن شبيب إن سرك أن تسكن الغرف المبينة في الجنة مع النبي (صلی الله علیه وآله وسلم) فالعن قتلة الحسين يابن شبيب إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العُلا في الجنان، فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أن رجلاً تولى حجراً لحشره الله معه يوم

ص: 284

القيامة »(1).

عن داود الرقي قال : كنت عند أبي عبد الله الا إذ استسقى الماء ، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ، ثم قال لي : «يا داود لعن الله قاتل الحسين عليه ، فما من عبد شرب الماء، فذكر الحسين ولعن قاتله، إلا كتب الله له مائة ألف حسنة، وحط عنه مائة ألف سيئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله يوم القيامة ثلج الفؤاد »(2).

ص: 285


1- أمالي الصدوق : المجلس 27 (الرقم 5)، وعيون أخبار الرضا : ج 1 ص 299 .
2- المصدر السابق .

«السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا أَبَا عَبْدِ اللهِ وَعَلَى الأَرْواحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لِزِيارتك»

لقد مر فيما سبق شرح مفردات هذا المقطع الشريف للزيارة المباركة ، وسوف نذكر في فضل أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)بعض الروايات والأخبار المناسبة في فضلهم(عليه السلام)وذلك في جملة (وعلى أصحاب الحسين (عليه السلام)) بإذن الله تعالى .

العهد : يأتي في معناه الاتفاق والعقد واللقاء والزمان ونظائر هذه الكلمات، ولعل المراد من الكلمة في الزيارة هو المعنى الأول.

اللام : في كلمة( لزيارتك) ، إما أن تكون بمعنى (مع) أو أنها تفيد الاختصاص، أي أن عهدي مختص بزيارتك دون غيرك .

الزيارة : في اللغة هي الذهاب لأجل الالتقاء بشخص ما ولمدة قصيرة ، وجاء هذا المعنى في الشرع المقدس أيضاً .

***

ص: 286

«السَّلاَمُ عَلَى الْحُسَيْنِ»

هو

في العبارة الشريفة تغيير في الخطاب من الحاضر إلى الغيبة، ولعل الهدف لأجل الالتذاذ الأكثر مع ذكر اسم الإمام الحسين (عليه السلام) ، الذي يجد الإنسان معه الجلاء لقلبه والشفاء لصدره والنور لبصره، حيث أنه (عليه السلام)، مصباح الهدى وسفينة النجاة كما قال جده المصطفى (صلی الله علیه وآله وسلم)، ولعل تغيير الخطاب جاء لأجل ذكر لفظة الحسين(عليه السلام) مع جملة (وعلى علي بن الحسين) فهي أجمل وأكمل ، لذا فلو كان الخطاب مباشراً ، لوجب أن يقول ( وعلى علي ابنك بينها تفقد هذه العبارة الجمال والفصاحة المنشودة وهكذا في جملة وعلى علي بن الحسين .

***

ص: 287

«وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ»

اشارة

علي بن الحسين هو اسم لثلاث من أولاد الإمام علي (عليه السلام)، الأول هو الإمام السجاد (عليه السلام)، والثاني علي الأكبر، والثالث علي الأصغر المعروف بعبد الله الرضيع ، والمراد من جملة الزيارة هو علي الأكبر(عليه السلام)، لأن هذه الزيارة إنما جاءت لأجل تعظيم وتكريم شهداء الطف الذين اختاروا طريق الشهادة لإعلاء كلمة الحق ودحض الباطل، ويستبعد أن يكون المراد من (علي بن ال حسين) هذا الإمام السجاد (عليه السلام).

أمّ علي الأكبر، حسب الرواية المشهورة والصحيحة هي ليلى بنت أبو مرة عروة بن مسعود الثقفي، وأم ليلى هي ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، ولهذا السبب نرى أن معاوية شهد له بأنه أحق بالخلافة من غيره، حيث ينقل صاحب كتاب مقاتل الطالبيين ، أن معاوية سأل يوماً جلساءه وأصحابه : من الأولى بتولّي الخلافة وإدارة أمور البلاد؟ فقالوا له : أنت، فقال معاوية : كلا ، إن علي بن الحسين (ويقصد به علي الأكبر الذي جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) هو أولى بالخلافة لأن فيه شجاعة بني هاشم وسماحة بني أمية وجمال وهيبة بني ثقيف !! (على قول معاوية لعنه الله ) .

أما عن عمره يوم عاشوراء، فقد قال الشيخ المفيد (رحمة الله عليه) في الإرشاد، كان عمره تسع عشرة سنة، وإن الإمام السجاد(عليه السلام)كبر منه ، قال : وإنه على الأوسط .

ص: 288

فضائل علي الأكبر

روى العلامة المجلسي في البحار : لما نزل علي الأكبر(عليه السلام )إلى القتال، رفع الإمام الحسين(عليه السلام)يديه إلى السماء، وقال: «اللهم اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم ،غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه ، اللهم امنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقاً ومزقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي عنهم الولاة ابداً، فإنهم دَعَوْنا لينصُرُونا ، ثم عدوا علينا يقاتلوننا .

ثم صاح الحسين(عليه السلام)بعمر بن سعد : ما لَكَ ؛ قطع الله رحمك ولا بارك الله لك في أمرك ، وسلَّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ، ثم رفع الحسين (عليه السلام) صوته وتلا :﴿ إنَّ اللهَ اصْطَفَى آدم ونُوحاً وآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ*ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (1)

في الرواية بعض النقاط والفضائل نشير إليها وهي :

1- كان نزول على الأكبر(عليه السلام) إلى القتال أمراً عظيماً ومؤلماً على قلب أبيه الحسين(عليه السلام) ، لهذا توجه الإمام (عليه السلام) إلى الله سبحانه وتعالى، وأخذ يستغيث به ويناجيه ويطلب العون منه ، لشدة ما صار إليه وهو يرى ولده شبیه رسول الله خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً ينزل إلى ساحات القتال وبعد ساعات يقطع إرباً إرباً ، فهذه الحالة للإمام(عليه السلام) تدل على عظمة شخصية ومكانة علي الأكبر لدى أبيه الإمام الحسين (عليه السلام).

2 - أن الإمام (عليه السلام)، دعا على القوم الذين خرجوا لقتاله بالعذاب الكبير

ص: 289


1- آل عمران : 34 .

فهذا يدل على عظمة ذنبهم وجرمهم الذي سيرتكبونه بقتل علي الأكبر(عليه السلام).

3- كان علي الأكبر(عليه السلام)يشبه جده المصطفى (صلی الله علیه وآله وسلم)خَلْقاً وخلقاً ومنطقاً . وقد حكى أهل السير في شبهه برسول الله قضايا منها : أنه دخل رجل نصراني مسجد رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فقال له الناس : أنت رجل نصراني فاخرج من المسجد ، فقال لهم : إني رأيت البارحة في منامي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ومعه عيسى بن مريم (عليها السلام)، فقال عيسى ابن مريم لها : أسلم على يد خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، فإنه نبي هذه الأمة حقاً، وأنا أسلمت على يده، وأتيت الآن لأجدد إسلامي على رجل من أهل بيته ، قال فجاؤوا به إلى الحسين (عليه السلام)، فوقع على قدميه يقبلهما ، فلما استقر به المجلس قص له الرؤيا التي رآها ، فدعا الحسين(عليه السلام)بولده على الأكبر، وكان إذ ذاك طفلاً صغيراً، وقد وضع على وجهه البرقع فجيء به إلى أبيه ، فلما رفع الإمام الحسين(عليه السلام)البرقع من وجه علي ورآه ذلك الرجل، وقع مغمى عليه ، فقال الإمام الحسين(عليه السلام): صبّوا الماء على وجهه، ففعلوا، فلما أفاق التفت إليه الإمام(عليه السلام)وقال : يا هذا إن ولدي هذا شبيه بجدي رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ؟

فقال الرجل : أي والله فقال له الحسين(عليه السلام) : يا هذا ، إذا كان عندك ولد مثل هذا وتصيبه شوكة ما كنت تصنع ؟

قال : سيدي ؟ أموت ، فقال الإمام الحسين(عليه السلام): أخبرك أني سارى ولدي هذا بعيني ، مقطعاً إربا إربا (1)

4 - ثم إن الإمام الحسين (عليه السلام)، وصف أخلاق ابنه علي الأكبر(عليه السلام)، بأنها كانت كأخلاق جده رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) ، ونرى القرآن الكريم يصف أخلاق

ص: 290


1- ثمرات الأوراق : ج 1 ص 174 - 175 ، كفاية الخطيب للسيد مهدي السريج.

النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيم ﴾ (1)، ومما لا شك فيه أن الإمام(عليه السلام)لما وصف أخلاق علي الأكبر بأنها تشبه أخلاق جده (صلی الله علیه وآله وسلم)لم يكن في كلامه مبالغاً أبداً ، إذ لا يمكن أن يصدر من الإمام الي ما يصدر منا من أمور فيها المبالغة وعدم الواقعية .

5 - وصف الإمام(عليه السلام)منطق ولده علي الأكبر(عليه السلام)بأنه يشبه منطق جده النبي الأكرم (صلی الله علیه وآله وسلم)، وفيه وجهان :

أ) أن يكون المقصود من هي لهجته وكيفية تكلمه ، فإنه (عليه السلام)يمكن أن يمتلكها من ناحية الوراثة والقرابة .

ب )أو أن المراد من ذلك فصاحة الألفاظ وجزالة الكلمات ، فإن النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)قال : «أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش، واسترضعت من بني سعد»، فيمكن أن يكون هذان الأمران موجودان في علي الأكبر (عليه السلام) ، وكما قال أبوه الإمام أبو عبد الله الحسين(عليه السلام)

6 - إن الإمام (عليه السلام)، قال : وكنا إذا اشتقنا إلى النظر إلى رسولك(صلی الله علیه وآله وسلم) نظر: إليه ، فهذا يشير إلى الشبه الظاهري لعلي الأكبر(عليه السلام)بجده المصطفى (صلی الله علیه وآله وسلم) .

7 - إن دعاء الإمام(عليه السلام)على القوم ، يشير إلى عظمة الفادحة والمصيبة التي حلت به مع نزول علي الأكبر(عليه السلام)إلى ساحة القتال .

8 - اعتبر الإمام (عليه السلام)شهادة علي الأكبر(عليه السلام)، وقتله تعدياً وانتهاكاً الحرمة أهل البيت عليها والأصحاب جميعاً، حيث قال(عليه السلام): «فإنهم دَعَوْنا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا».

9 - إن الإمام(عليه السلام)دعا على ابن سعد، بقلب متألم وحزين ، حيث

ص: 291


1- القلم : 4 .

قال (عليه السلام): «وسلَّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم).

10 - قرأ الإمام (عليه السلام)آية الاصطفاء التي تشير إلى عصمة الأنبياء والأئمة الطاهرين(عليه السلام)مع نزول علي الأكبر إلى ساحة القتال، وهذا الأمر يشير إلى عظمة شخصية علي الأكبر(عليه السلام)وأنه كان يمتلك درجة من العصمة، فهذه أيضاً منقبة يضيفها الإمام الحسين(عليه السلام)إلى مناقب ولده علي الأكبر(عليه السلام).

***

ص: 292

«وَعَلَى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ»

جاء في الجملة ذكر العام بعد الخاص فيها دلالة وإشارة إلى ميزة علي بن الحسين(عليه السلام)وأنه يجب أن نوجه إليه السلام مرة أخرى.

قال اللغويون بأن كلمة الأولاد تشمل الذكور والإناث، ولكن المراد من الأولاد في هذه الجملة المباركة هم الذكور دون الإناث .

أما عن عدد أولاد الإمام الحسين(عليه السلام).

قال الشيخ المفيد( رحمه الله )في الإرشاد : أن عدد أولاد الإمام(عليه السلام) ستة ، أربعة منهم ذكور ، أولهم علي الأكبر(عليه السلام).

والثاني : هو الإمام السجاد (عليه السلام)، وأمه شاه زنان بنت يزدجرد ملك إيران، ولهذا كان يطلق على الإمام (عليه السلام)، بابن الخيرتين ، كما جاء في الحديث المشهور: «خيرة الله من العرب قريش ومن العجم فارس ».

وفيه قال أبو الأسود الدؤلي :

وإن غلاماً بين كسرى وهاشم*** لأكرم من نيطت عليه التمائم

وعليه بنيت قولي في القصيدة المهدوية :

يُهنا في ميلاد أبلج ماجد*** حوی هاشماً ما بين كسرى وقيصر

والثالث : هو جعفر ، وأمه كانت من قضاعه، وتوفي في حياة أبيه الحسين(عليه السلام).

ص: 293

الرابع : هو عبد الله الرضيع(عليه السلام)الذي استشهد في حجر أبيه الحسين(عليه السلام)بأثر سهم رماه حرملة بن كاهل الأسدي ( لعنه الله) فذبحه من الوريد إلى الوريد .

وكان للإمام بنتان ، أحدهما سكينة وأمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي ، وهي أم عبد الله الرضيع علة أيضاً.

الثانية : هي ي فاطمة ، وأمها هي أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي (1).

وروى العلامة المجلسي(رحمه الله) في البحار عن ابن شهر آشوب، بأن للإمام علية، ولداً اسمه محمد وبنتاً أخرى اسمها زينب ، فعلى هذه الرواية يكون عدد أولاد الإمام الحسين(عليه السلام) من الذكور والاناث ، ثمانية .

وقال كمال الدين بن طلحة في (مطالب السؤال)بأن عدد أولاد الإمام الحسين(عليه السلام)هم عشرة ، ستة منهم ذكور وأربع إناث فالأولاد علي الأكبر وهو الشهيد، وعلي الأوسط وهو زين العابدين ومحمد وعلي الأصغر، وعبد الله ،وجعفر، والبنات هم زينب وسكينة وفاطمة، ولم يذكر اسم البنت الرابعة .

وقال علي بن عيسى في كشف الغمة) بأن عدد أولاد الإمام الحسين (عليه السلام)هم تسعة، وهم الذين ذكروا في الرواية السابقة .

وجاء في (المنتخب) حديث وفاة السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليه السلام)في الشام، ولعل الاسم المنسي عند المؤرخين، هي رقية (عليها السلام)والذي يؤيد ذلك، وجود مرقدها الشريف والمبارك في مدينة الشام، يزوره العامة والخاصة،

ص: 294


1- الإرشاد : ص 236 .

فيجدون عندها السكينة والصفاء الروحي، والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وإن أهل الشام يقولون بصورة متوارثة بأنها بنت سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)، وأنها معروفة بالسيدة رقية(عليها السلام)قال مؤلف الكتاب

(رحمه الله) : «في السنة التي تشرفت فيها حج بيت الله الحرام، صار مرورنا على مدينة دمشق، فبقينا فيها عدة أيام فلهذا فقد وفقني الله سبحانه وتعالى لزيارة مرقد السيدة رقية بنت الحسين(عليها السلام)فكنت كلما أأتي لزيارتها ، ألمس آثار العظمة، والطهارة، والسكينة في نفسي، وإنَّ صاحبة المقام السيدة رقية لما لها شأن عظيم عند الله سبحانه وتعالى».

***

ص: 295

«وَعَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ»

اشارة

ذكرنا فيما مر عدد أصحاب الإمام (عليه السلام) ، الذين استشهدوا في كربلاء وذلك عند شرحنا الجملة وعلى الأرواح التي حلت بفنائك» .

أحاديث في فضل أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام).

قال العلامة المجلسي (رحمه الله) :

وجمع الإمام الحسين (عليه السلام)أصحابه عند قرب المساء، قال علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعت أبي يقول لأصحابه :

أثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء ، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين .

أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً ، ألا وإني لأظن(1) يوماً لنا من هؤلاء ، ألا وإني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم حرج مني ، ولا أمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً.

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل؟ ذلك

ص: 296


1- في المصدر : لا أظن.

لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبداً، بدأهم بهذا القول العباس بن علي وتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه ، فقال الحسين(عليه السلام): يا بني عقيل ! حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل ، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم، فقالوا : سبحان الله ! ما يقول الناس؟ نقول أنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ؟ ! لا والله ما نفعل ذلك، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا ، ونقاتل معك حتى نَرِدَ موردَك ، فقبح الله العيش بعدك .

وقام إليه مسلم بن عوسجة ، فقال : أنحن نخلي عنك؟ وبم نعتذر إلى الله من أداء حقك؟ لا والله حتى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضربهم بسيفي ، ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، أما والله لو علمتُ أني أقتل ثم أحيى ثم أحرق ثم أحيى ثم أذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟!

وقام زهير بن القين فقال : والله لوددت أني قتلت ثم نُشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة، وأنَّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك .

وتكلم جماعة من أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد، فجزاهم الحسين خيراً وانصرف إلى مضربه(1)

عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه ، عن أبي عبد الله(عليه السلام)قال : قلت

ص: 297


1- الإرشاد للمفيد : ص 214 - 215 ، بحار الأنوار ج 44 ص 394 .

له : أخبرني عن أصحاب الحسين وإقدامهم على الموت . فقال : إنهم كشف لهم الغطاء، حتى رأوا منازلهم من الجنة ، فكان الرجل منهم يُقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنة (1) .

***

ص: 298


1- بحار الأنوار: ج 44 ص 297 .

«اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظالِم بِاللَّعْنِ مِنّي وَأَبْدَاْ بِهِ أولاً ثمَ الثَّاني والثالث والرابع»

اشارة

قال الله تعالى في كتابه الكريم : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة﴾ .

وقال النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)وهو آخذ بيد ابنته الزهراء (عليها السلام): من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها ، فهي بضعة مني، هي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني »(1).

وقال (صلی الله علیه وآله وسلم) لفاطمة : « إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» (2)

عيادة الشيخين للسيدة فاطمة

جاء في كتاب (الإمامة والسياسة ):

«إن عمراً قال لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما ، فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط ، فسلما عليها فلم ترد (عليهما) السلام فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله ! والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي ، وإنك لأحب إلي من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم

ص: 299


1- الفصول المهمة : ص 150 .
2- الصواعق المحرقة : ص 105 ، كنز العمال: ح 7 ص 111 .

مات أبوك أني مت ولا أبقى بعده أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك ، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ؟ إلا أنني سمعت أباك رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : لا نُورث ما تركناه فهو صدقة .

فقالت : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)تعرفانه وتفعلان به ؟ فقالا : نعم ، فقالت : نشد تكما الله : ألم تسمعا رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)يقول : رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ قالا : نعم سمعناه من رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم)، قالت : فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولكن لقيت النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)لأشكُونَكُما إليه.

فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه ومن سخطك يا فاطمة . ثم انتحب أبو بكر يبكي ، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي (فاطمة) تقول : والله لأدْعُوَنَّ عليك في كل صلاة أصليها . ثم خرج باكياً، فاجتمع الناس إليه فقال لهم : يبيت كل رجل معانقاً حليلته، مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني ببيعتي (1).

عن الحسين بن ثوير، وأبي سلمة السراج قال : سمعنا أبا عبد الله(عليه السلام)وهو يلعن في دبر كل صلاة مكتوبة أربعة من الرجال وأربعاً من النساء فلان وفلان وفلان ومعاوية ويسميهم، وفلانة وفلانة، وهند وأم الحكم أخت معاوية .

عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)أنه قال :

ص: 300


1- الإمامة والسياسة : ج 1 ص 14 لابن قتيبة، واعلام النساء 3 ص 1314 .

«من لعن الجبت والطاغوت لعنة واحدة ، كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة ومحا عنه سبعين ألف ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف ألف درجة، ومن أمسى يلعنها لعنة واحدة، كتب له مثل ذلك »(1)

رواية عن كفر معاوية

ذكر ابن أبي الحديد وغيره من مؤرخي السنة، دخل نعمان بن بشير مع جماعة من الأنصار في أحد الأيام على معاوية بن سفيان وشكوا إليه الفقر وقالوا صدق ما قاله رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): «إنكم ستلقون بعدي أثرة أي سترون بعدي ظلماً كثيراً ، وهذا ما نراه يا معاوية ، فقال معاوية : فبماذا أمركم؟ قال :

«اصبروا حتى تردوا علي الحوض».

قال معاوية : فافعلوا ما أمركم عساكم تلاقونه غداً عند الحوض كما أخبركم قال ابن أبي الحديد وقد كفّر كثير من أصحابنا معاوية بن أبي سفيان بهذا الخبر، الذي يظهر فيه استهزاء بالنبي (صلی الله علیه وآله وسلم)بشكل واضح دون أن يحتاج إلى البيان .

***

ص: 301


1- (جمع الفضائح لأرباب القبائح) للبهبهاني .

«اللهمَّ العَنْ يَزِيدَ... إلى يَومِ القِيَامَةِ»

«اللهمَّ العَنْ يَزِيدَ بنَ مُعاوية خَامِسَاً والعَنْ عُبَيدَ الله بن زياد وابْنَ مَرْجَانَةَ وَعُمَرَ بنَ سَعْدٍ وَشِمْراً وَآل أبي سُفْيَانَ وآل زياد وآلَ مَرْوانَ إلى يَومِ القِيَامَةِ»

إن الهدف من هذا الدعاء هو ذكر الذين اشتركوا في قتل سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، والدور الذي كان لهم في ذلك سواء أكان مباشراً أم غير مباشر، فالملعونون الأربعة الذين ذكروا في بداية اللعن كانوا هم السبب الأساسي في أنواع الظلم والجور الذي جرى على أهل البيت (عليهم السلام) والذي يجري الآن أيضاً على محبي وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) في العالم . وأما يزيد وابن زياد فكان لهم دور مباشر في قتل الإمام(عليه السلام) ، أما آل مروان وآل أبي سفيان وآل زیاد، فإنهم ما كانوا في يوم عاشوراء، ولكنهم كانوا راضين بهذا الفعل فلذا اللعن يشملهم والى يوم القيامة، ثم إن المراد من ابن مرجانة هو عبيد الله بن زياد، وتكرر ذكر اسمه، وذلك للمزيد من تعييره وتنقيص شأنه، ثم إن اسم شمر تكرر أيضاً في الزيارة، وهذا يشير إلى أنه الذي أقدم على قتل سيد الشهداء (عليه السلام)بيديه اللئيمتين

ص: 302

آيات في ذم أعداء أهل البيت(عليه السلام)

الآية الأولى:

قال تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنَ بِالله فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بالعُروة الوثقى﴾ (1)

في المجمع عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) قال : «هم الذين غصبوا آل محمد» .

وعن الإمام الباقر(عليه السلام)في قوله تعالى: ﴿ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ قال : مودتنا أهل البيت(2) .

وعن الإمام الرضا(عليه السلام)، عن أبيه عن آبائه عن علي(عليه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم): « من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين ، فَلْيُوال علياً بعدي وَلْيُعاد عدوه وليأتمَّ بالأئمة الهداة من ولده »(3).

وعن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله(صلی الله علیه وآله وسلم): «من أحسب أن يستمسك بولاية أخي ووصي علي بن أبي طالب فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه ، ولا ينجو من أبغضه وعاداه »(4).

ص: 303


1- البقرة 256 .
2- الكافي : ج 2 / 14 / 3 .
3- عيون الأخبار : ج 1 / 192 / ب 28 ح 43 .
4- معاني الأخبار : 368 ح1 .

الآية الثانية :

قال تعالى : ﴿ اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إلَى النُّور﴾ (1).

في الكافي عن الإمام الصادق(عليه السلام)قال :﴿ الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يعني

أمير المؤمنين والأئمة(عليه السلام)﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾وهم الظالمون لآل محمد(صلی الله علیه وآله وسلم) .

الآية الثالثة:

قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الكِتاب يُؤْمِنُونَ بالجبْتِ والطَّاغُوت ﴾(2) .

جاء في تفسير علي بن إبراهيم، في رواية أن الآية نزلت في حق أولئك الذين غصبوا حق آل محمد (صلی الله علیه وآله وسلم)(3).

***

ص: 304


1- البقرة : 257 .
2- النساء : 51 .
3- تفسير القمي : في ذيل الآية المباركة .

دعاء السجدة : «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ لَكَ عَلَى مُصَابِهِمْ، اَلْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عظيم رزيَّني»

اشارة

الحمد : هو الثناء باللسان على الصنع الجميل، ويرادفه المدح، بينما تناقضه كلمة الذم ، ويستعمل المدح في ذكر المناقب والفضائل .

الشكر :هو المجازاة على النعمة وتكون أحياناً باللسان فيكون ثناء، ويكون الشكر بالقلب وهو عندما يعتقد الإنسان الاعتقاد الصحيح، ويكون الشكر بالجوارح أيضاً، وذلك عندما يوظفها العبد في طاعة الله سبحانه وتعالى...ويتحمل مشاق العبادات والأوامر الإلهية.

ومن ثم فإن الشكر والحمد مطلوبان من الإنسان في كل الأحوال والظروف حتى لو واجه ظروفاً وبلايا ،قاهرة، فلابد أن يكون شعاره وكلامه «الحمد لله على السراء والضراء»، وأن يعرف بأن ما يأتي من الله سبحانه وتعالى) كله خير وفضل ونعمة، ولابد من وجود حكمة إلهية فيها، ولا بد أن نعرف بأنه لا يوجد هناك أي تناقض بين أن يُظهر الإنسان مظلوميته للآخرين وأن يلعن الظالمين، وبين أن يحمد الله تعالى ويثني عليه لما نزل به، وهذا ما يؤيده العقل والنقل .

جاء في الحديث الشريف : «الإيمان نصفه صبر ونصف شكر»، حيث أن الإنسان لا يخلو من المصائب وفي نفس الوقت لا يخلو من النعم الإلهية أيضاً فلذا يجب أن نواجه الرزايا بالصبر وأن نواجه النعم بالشكر، وقد يواجه المؤمن هذين الأمرين في وقت واحد، ثم إن عدم الشكر الله سبحانه وتعالى هو نوع من

ص: 305

الكفر ، قال تعالى:﴿ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ (1) .

عن ابن عساكر : أخبرنا أبو بكر رستم بن إبراهيم عن أبي بكر الطبري قال : قيل للحسن بن علي أن أبا ذر يقول : الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة فقال : رحم الله أبا ذر ، أما أنا فأقول : من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختار الله تعالى له هذا حد الوقوف على الرضا بما تصرف به القضاء (2) .

الخورازمي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، سمعت الشافعي يقول : مات ابن للحسين(عليه السلام)فلم يُر به كآبة فعوتب على ذلك ، فقال : إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما يحب رضينا »(3).

عن إبراهيم بن سعد قال : سمع علي بن الحسين ناعية في بيته، وعنده جماعة ، فنهض إلى منزله ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له : أمن حدث كانت الناعية ؟ قال : نعم، فعزوه وتعجبوا من صبره فقال : إنا أهل بيت نطيع الله فيما نحب ونحمده فيما نكره »(4).

وقالت السيدة زينب(عليها السلام)في جواب ابن زياد عندما سألها : كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسين وأهل بيته ؟

قالت: «ما رأيت إلا جميلاً . هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم»(5)

ص: 306


1- إبراهيم : 17 .
2- ترجمة الإمام الحسن المجتبى : ص 159 ط بیروت.
3- مقتل الحسين علي : للخوارزمي ص 147 ط الغري.
4- حلية الأولياء : ج 3 ص 138 ط مصر .
5- مثير الأحزان : ص 91 .

وقالت : الحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل (1).

عن علي بن أسباط ، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لقي الحسن بن علي (عليه السلام)عبد الله بن جعفر فقال : يا عبد الله كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قسمه، ويحقر منزلته والحاكم عليه الله ، وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلا الرضا أن يدعو الله فيستجاب له(2) .

خطبة الحسين (عليه السلام)

عندما عزم أبو عبد الله الحسين(عليه السلام)المسير إلى العراق ، قال في خطبة له : الحمد لله وما شاء الله ، ولا قوة إلا بالله ، خُط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً ،جوفاً، وأجربة سغباً، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين ، لن تشدّ عن رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) الحلمته ، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقربهم عينه ، وينجز لهم وعده ، ألا من كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله (3) .

ص: 307


1- بحار الأنوار: ج 45 ص 133 .
2- المصدر : ج 43 ص 351 رقم 25 .
3- عوالم العلوم : ص 217 .

«اللَّهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الحُسَيْنِ...ورحمةُ الله وَبَرَكاتِهِ»

«اللَّهُمَّ ارْزُقْني شَفاعَةَ الحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُود وَثَبِّتْ لي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحاب الحُسَيْنِ الَّذِينَ بَدَلُوا مُهَجَهُمْ دونَ الحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلام ورحمةُ الله وَبَرَكاتِهِ»

لقد أشرنا فيما مرَّ إلى الأخبار الدالة على شفاعة أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، لاسيما شفاعة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، ولذلك فإن هذه العبارات والجمل الشريفة لا تحتاج إلى شرح، ولكن هنا مفردات نشير إلى معناها .

يوم الورود : هو يوم القيامة، وسمي بهذا الاسم لأن الجميع سيردون على الله سبحانه وتعالى للحساب والكتاب .

البذل : الإعطاء .

المهجة : الدم المجتمع في داخل قلب الإنسان .

دون : أمام .

وقد ذكرنا معنى «تثبيت قدم الصدق» فيما ،مر، فمن شاء فليراجع شرح جملة «وأن يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة».

***

ص: 308

دعاء علقمة

ورد هذا الدعاء عن الإمام الباقر (عليه السلام)، وهو من الأدعية المؤكدة والمستحبة بعد زيارة الإمام الحسين

(عليه السلام):

يا الله يا الله يا الله يا مُجيبَ دَعْوَةَ المُضْطَرِّينَ. يَا كَاشِفَ كُرَب الْمَكْرُوبينَ يا غِياثَ الْمُسْتَغيثينَ، يا صَريحَ الْمُسْتَصْرِحْينَ، وَيَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وَيَا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، وَيَا مَنْ هُوَ بِالمَنْظَرِ الأَعْلى وَبِالْأُفقِ المُبِينِ، وَيا مَنْ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى، ويسا مَنْ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وَيَا مَنْ لَا تَخْفى عَلَيْهِ خَافِيَهُ. يَا مَنْ لَا تَشْبِهُ عَلَيْهِ الأَصْواتُ، وَيَا مَنْ لا تُغَلَّطُهُ الحاجاتِ، وَيَا مَنْ لا يُبْرِمُهُ الحَاحَ الْمُلِحَينَ، يا مُدْرِكَ كُلَّ فَوْت ويا جامِعَ كُلِّ شَمْل ويا بارئ النُّفُوسِ بَعْدَ الْمَوْت. يا مَنْ هُوَ كُلَّ يَوْمَ فِي شَأْنٍ يَ-ا قاضِيَ الحَاجَاتِ، يا مُنَفّس

ص: 309

الككُرُبات، يا مُعْطِيَ السُّؤلات، يا وَليَّ الرَّغَبات، يا كافِيَ الْمُهِمَاتِ، يَا مَنْ يَكْفِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَكْفِي مِنْهُ شَيْءٌ فِي السَّموات والأرض.

أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ خاتم النبيِّينَ، وَعَلِي وَبِحَقِّ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيَّكَ ، وبحَقِّ الْحَسَنِ والحُسَيْنِ فَإِنّي بِهِمْ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي مَقامِي هذا، وبِهِمْ أَتَوَسَّلُ، وَبِهِمْ أَتَشفَعُ إِلَيْكَ، وَبِحَقِّهِمْ أَسْأَلُكَ. وَأُقْسِمُ وأَعْزِمُ عَلَيْكَ، وَبِالشَّأْنِ الَّذِي لَهُمْ عِنْدكَ، وَبِالْقَدْرِ الذي لَهُمْ عِنْدَكَ، وبالذي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعالَمينَ، وَبِاسْمِكَ الذي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ، وَبِهِ خَصَصْتَهُمْ دُونَ الْعالَمينَ، وَبِهِ أَبَنتَهُمْ وَأَنتَ فَضْلَهُمْ مِنْ فَضْل العالَمينَ، حَتّى فاقَ فَضْلَهُمْ فَضْلَ العالَمينَ جميعاً أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَكْشِفَ عَنِّي عَمّي وَهَمَي وَكَرْبي، وتَكْفِينِي المُهمَّ مِنْ أُمُوري، وتَقْضِي عَنِّي دَيْنِي، وَ تُجيرَتي مِنَ الْفَقْرِ، وَتُجِيرَنِي مِنَ الْفَاقَةِ، وَتُغْنِيَني عَنِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى المَخْلُوقينَ، وَتَكْفِينِي هَمَّ مَنْ أَخَافُ هَمَّهُ، وَعُسْرَ مَنْ أَخَافُ عُسْرَهُ، وَحُزُونَةَ مَنْ أَخافُ حُزُونَتَهُ (1)، وَشَرَّ مَنْ أَخَافُ شَرَهُ، وَمَكْرَ مَنْ أَخافُ مَكْرَهُ، وَبَغْيَ مَنْ أَخَافُ بَغْيَهُ، وَجَوْرَ مَنْ أَخَافُ جَوْرَهُ، وَسُلْطانَ مَنْ أَخَافُ سُلْطَانَهُ، وَكَيْدَ

ص: 310


1- حزونة : خشونة وغلظ .

مَنْ أَخَافُ كَيْدَهُ، وَمَقْدُرَةٌ (1) مَنْ أَخَافُ مَقْدَر تَهُ عَلَيَّ، وَتَرُدَّ عَنِّي كَيْدَ الكَيْدَة وَمَكْرَ المَكَرَة.

اَللَّهُمَّ مَنْ أَرادَني فَأردُهُ، وَمَنْ كَادَني فَكِدْهُ، وَأَصْرف عَنِّي كَيْدَهُ وَمَكْرَهُ وَبَأْسَهُ وَأَمَانِيَّهُ، وَامْنَعْهُ عَنِّي كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى

شِئْتَ. شئت. اللَّهُمَّ اشْغَلَهُ عَنّي بِفَقْرِ لا تَجبُرُهُ، وَبَبَلاء لا تَسْتُرُه، ويفاقة لا تَسُدُّها، وَبِسُقم لا تُعافيهِ، وَذَلَّ لا تُعِزُّهُ، وَبِمَسْكَنَة لا تَجْبُرُها . اَللَّهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلُّ نَصْبَ عَيْنَيْهِ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ الْفَقْرَ فِي مَنْزِلِهِ، وَالْعِلَّةَ وَالسُّقْمَ فِي بَدَنِهِ، حَتّى تَشْغَلَهُ عَنّي بِشُغل شاغل لا فَراغَ لَهُ، وَأَنْسِهِ ذكري كَما أَنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ، وَخُدْ عَنّي بِسَمْعِهِ وبَصره ولسانه، ويَدِه وَرَجْلِهِ وَقَلْبِهِ، وَجَميع جَوارحِهِ، وَأَدْخِلْ عَلَيْهِ فِي جَميع ذلِكَ السُّقْمَ، وَلا تَشْفِهِ حَتَّى تَجْعَلَ ذلِكَ لَهُ شُغْلاً شاغلاً بِهِ عَنّي وَعَنْ ذكري، واكْفِني يا كافي مالا يكفي سواكَ، فَإِنَّكَ الْكافِي لا كافِي سِواكَ، وَمُفَرِّج لا مُفَرِّجَ سِواكَ، وَمُغِيثُ لا مُغِيثَ سِواكَ، وَجَارٌ لا جَارَ سِواكَ خَابَ مَنْ كَانَ جارَهُ سِواكَ، وَمُغِيتُهُ سِواكَ، وَمَفْزَعُهُ إلى سِواكَ، وَمَهْرَبُهُ إلى سواكَ، وَمَلْجَوْهُ إلى غَيْركَ، وَمَنْجاهُ مِنْ مَخْلُوقَ غَيْركَ؛ فَأَنتَ ثقتي ورجائي، ومفزعي ومَهْرَبِي وَمَلْجَني وَمَنْجاي؛ فَبِكَ

ص: 311


1- دال مقدرة تأتي بالفتح والضم والكسر

أَسْتَفْتِحُ وَبِكَ أَسْتَنْجِحُ، وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ، وَأَتَوَسَلُ وَأَتَشَفَعُ فَأَسْأَلُكَ يا اَللهُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشَّكْرُ وَإِلَيْكَ المُشْتَكَى وَأَنْتَ المُسْتَعَانُ، فَأَسْأَلُكَ يا الله يا الله يا اللهُ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَال مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَكْشِفَ عَنِّي غَمّي وَهَمَى وَكَرْبِي فِي مَقَامِي هذا، کَما كَشَفْتَ عَنْ نَبِيِّكَ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَكَرْبَهُ، وَكَفَيْتَهُ هَوْلَ عَدُوهُ. فَاكْشِفَ عَنِّي كَما كَشَفْتَ عَنْهُ، وفَرِّجْ عَنِّي كَمَا فَرَّجْتَ عَنْهُ، وَاكْفِني كَمَا كَفَيْتَهُ، وَاصْرِفْ عَنِّي هَوْلَ مَا أَخَافُ هَوْلَهُ، وَمَوْتَةً ما أَخافُ مَوْتَتَهُ، وَهَمَّ ما أَخافُ هَمَّهُ، بِلا مَوْنَة عَلَى نَفْسِي مِنْ ذلِكَ، وَاصْرِفْني بقضاء حوائجي، وَكِفايَةِ ما أَهَمَّني هَمُّهُ، مِنْ أَمْرِ آخِرَتي ودنياي.

يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ الله أَبَداً ما بَقِيَ الليل اللَّيْلُ وَالنَّهار؛ وَلَا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهْدِ مِنْ زِيارَتِكُمَا، وَلَا فَرَّقَ اللهُ بيني وبينكما.

اَللَّهُمَّ أَحْيِني حَياةَ مُحَمَّدٍ وَذَرِّيَّتِهِ، وَأَمِتْني مَمَاتَهُمْ، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِهِمْ، وَاحْشُرْني فِي زُمْرَتِهِمْ، وَلَا تُفَرِّقُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ طَرْفَةَ عَيْن أَبَداً، فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة.

يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! وَيَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! أَتَيْتُكُما زَائِراً وَمُتَوَسَلاً إِلَى

ص: 312

الله ربِّي وربِّكُما وَمُتَوَجِّهاً إلَيْهِ بكُما، ومُسْتَشْفِعاً بكما إلى الله فِي حَاجَتي هذِهِ؛ فَاشْفَعا لي فَإِنَّ لَكُما عِنْدَ اللهِ المَقامَ المحْمُود، والجاءَ الوَجية والمَنْزِلَ الرَّفِيعَ وَالْوَسيلَةَ، إِنِّي أَنْقَلِبُ عَنْكُما ، مُنتَظِراً لِتَنجز الحاجة، وقضائها ونجاحها مِنَ الله بِشَفَاعَتِكُما لي إِلَى اللَّهُ فِي ذلِكَ. فَلَا أَحْيبُ وَلَا يَكُونَ مُنْقَلَبي مُنقَلَباً خائِباً حَاسِيراً، بَلْ يَكُونُ مُنقَلبي مُنْقَلَباً راجحاً مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً بقضاء جَميع حَوائِجي. وَتَشَفَّعًا لي إلى الله، أنْقَلَبُ عَلى مَا شَاءَ اللهُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بالله، مُفَوِّضاً أمري إلى الله، مُلْحِناً ظهري إلى الله، مُتَوَكَّلاً عَلَى الله. وأَقُولُ: حسبي الله وَكَفَى سَمِعَ اللهُ لِمَنْ دَعَا لَيْسَ لي وراء الله ووراءكُمْ يا سادتي مُنتَهى مَا شَاءَ رَبِّي كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بالله.

أَسْتَوْدِعُكُمَا اللَّهَ، وَلَا جَعَلَهُ اللَّهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي إِلَيْكُمَا .انْصَرَفْتُ يَا سَيِّدي يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلايَ. وَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الله يا سيدي وسلامي علیکما مُتَّصِلٌ، مَا اتَّصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهار. واصل ذلِكَ إِلَيْكُما ،غَيْرُ مَحْجُوب عَنْكُما سَلامي، إِنْ شَاءَ اللهُ. وَأَسْأَلُهُ بِحَقِّكُما أَنْ يَشَاءَ ذلِكَ وَيَفْعَلَ، فَإِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيد.ٌ انْقَلَبْتُ يا سيدَي عَنْكُما، تائِباً حَامِداً لله، شاكراً راجياً للإجابةِ، غَيْرَ آيس

ص: 313

ولا قائط .تائباً عائداً راجعاً إلى زيارتكُما غَيْرَ رَاغِب عَنْكُما وَلَا مِنْ زِيارَتِكُما ، بَلْ راجِعٌ عائِدٌ إِنْ شَاءَ اللهُ. وَلَا حَوْلَ وَلَا قوة إلا بالله يا سادتي! رَغِبْتُ إِلَيْكُما وإلى زيارتكُما بَعْدَ أَنْ زَهِدَ فِيكُما وَفِي زِيارَتِكُما أَهْلُ الدُّنْيَا، فَلا خَيَّبَنِي اللهُ ما رَجَوْتُ وَمَا أَمَّلْتُ فِي زِيارَتِكُما إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ.

***

ص: 314

المصادر

• إثبات الهداة : الحر العاملي.

• إحقاق الحق : التستري .

• أساس البلاغة : الزمخشري .

• أسد الغابة : عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير الحافظ.

• إسعاف الراغبين : الشيخ محمد الصبان المصري .

• أصول آل الرسول : السيد محمد هاشم الموسوي الأصفهاني.

• أعلام النساء .

• إلزام الناصب : الشيخ مهدي الحائري.

• الإرشاد : الشيخ المفيد.

• الأمالي : الصدوق .

• الإمام علي علي : عبد الفتاح عبد المقصود.

• الإمامة والسياسة : ابن قتيبة الدينوري.

• الاحتجاج : الطبرسي.

• بحار الأنوار العلامة المجلسي .

• بصائر الدرجات : ابن فروخ الصفار.

• التاريخ : الذهبي .

• التحصين : ابن فهد.

• التفسير الكبير : الفخر الرازي .

• التهذيب : الطوسي .

ص: 315

• التوحيد : الصدوق .

• تاريخ أبي القداء .

• تاريخ الأنساب البلاذري.

• تاریخ الخلفاء : السيوطي .

• تاريخ الخميس : الشيخ حسين بن محمد الدياريكري .

• تاريخ الطيري.

• تاریخ بغداد : الخطيب البغدادي.

• تاریخ خلاصة الأثر : العلامة محمد محي الدين الشامي .

• ترجمة الإمام الحسن المجتبى : ابن عساكر.

• تطهير اللسان .

•تفسير أبو إسحاق الثعلبي .

• تفسير الفرات الكوفي .

• تفسير القمي.

• تفسير الكشاف : الزمخشري .

• تفسیر مجمع البيان: الطبرسي .

ثمرات الأوراق : ابن الحجة الحموي.

• ثواب الأعمال : الصدوق .

• جمع الفضائح لأرباب القبائح : البهبهاني .

• الحسين والحسينيون.

• الخصال : الصدوق .

• حياة الحيوان : الجاحظ.

• دلائل الإمامة : الطبري .

• دیوان الأشعث بن قيس.

• دیوان حجر بن عدي الكندي (رضوان الله عليه).

• ذخائر العقبى : الطبري .

• الرد على المتعصب العنيد المانع من لعن يزيد : الجوزي .

ص: 316

• ربيع الأبرار الزمخشري

• رسالة ابن الجوزي .

• رسالة المفاخرة : الجاحظ.

• روضات الجنات : السيد محمد باقر الأصفهاني .

• زهر الربيع : نعمة الله الجزائري .

• سفينة البحار : الشيخ عباس القمي.

• شرح المقاصد: التفتازاني .

• شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد.

• الصحيفة السجادية : الإمام زين العابدين عليم.

• الصواعق المحرقة : ابن حجر.

• صحيح البخاري .

• صحيح الترمذي .

• صحیح مسلم .

• العقد الفريد : ابن عبد ربه الأندلسي.

• علل الشرايع : الشيخ الصدوق .

• عوالم العلوم.

• عيون أخبار الإمام الرضا(عليه السلام) : الشيخ الصدوق.

• الغدير : العلامة الأميني .

• الغنية (غنية الطالبيين ) : عبد القادر الكيلاني .

• الغيبة : الطوسي .

• الغيبة : النعماني .

• الفصول المهمة شرف الدين .

• فاطمة(عليه السلام)من المهد إلى اللحد : السيد محمد كاظم القزويني .

• فتح الباري في شرح صحيح البخاري .

• فرائد السمطين : الحمويني.

• القبائل : ابن أبي الحديد.

ص: 317

• الكافي : الكليني .

• الكامل في التاريخ: ابن الأثير.

• كامل الزيارات : ابن قولويه القمي

• كتاب التاريخ الإسلامي.

• كتاب المصباح : الشيخ الكفعمي .

• كتاب اليقين : عثمان بن أحمد السماك .

• كشف الغمة : علي بن عيسى الأربلي.

• كشف اللآلئ : صالح بن العرندس .

• كفاية الخطيب : السيد مهدي السويج .

• كنز العمال: للمتقي الهندي .

• المحاضرات : الراغب الأصفهاني .

• المحيط الفيروزآبادي .

• المزهر في اللغة : السيوطي .

• المسايرة : ملا سعد التفتازاني

• المستدرك: الحاكم .

• المستطرف : الأبشيهي .

• المعارف : ابن قتيبة .

• المقامع : المحقق محمد علي الكرمانشاهی.

• الملل والنحل : الشهرستاني .

• الملهوف : ابن طاووس .

• المناقب المرتضوية (طبعة بمبي) .

• المناقب : ابن المغازلي .

• المناقب: الخوارزمي .

• المنتخب : فخر الدين الطريحي .

• المنهاج : ابن تيمية

• مثير الأحزان : ابن نما الخلي.

ص: 318

• مختصر المنتخب لإقبال.

• مروج الذهب : المسعودي .

• مستدرك الوسائل : الميرزا حسين النوري .

• مشارق أنوار اليقين : الحافظ رجب البرسي .

• مصباح المتهجد : الطوسي .

• مطالب السؤول : كمال الدين بن طلحة .

• معاني الأخبار: الشيخ الصدوق .

• معراج السعادة : المحقق النراقي .

• مفردات الراغب الأصفهاني.

• مقاتل الطالبيين : أبي الفرج الأصفهاني .

• مقتل أبي مخنف الأزدي .

• مقتل الحسين(عليه السلام): الخوارزمي عالم .

• من لا يحضره الفقيه : الصدوق .

• مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب.

• مناقب الحسن والحسين (عليه السلام).

• منتهى الأرب .

• مودة القربى : السيد علي الهمداني .

• المواهب السنية .

• النهاية : ابن الأثير.

• نهج البلاغة : شرح صبحي الصالح .

• نهج الحق : العلامة الحلي .

• نوادر الزيارات .

• الوفيات : ابن حامد الغزالي .

• وسائل الشيعة : الحر العاملي .

• ينابيع المودة للقندوزي .

ص: 319

ص: 320

الفهرس

تقريظ : للعلامة المجدّد الميرزا محمد حسن الشيرازي (صاحب ثورة التنباك)...5

مقدمة المترجم ...7

نبذة من حياة المؤلف...13

دراسته...15

الآثار العلمية والأدبية للمؤلف...16

مقدمة المؤلف ...19

ما هي الزيارة ومن هو الزائر ؟...21

دور الزيارة في حياة الإنسان ...22

زيارة عاشوراء...23

عظمة زيارة عاشوراء...24

آثار و بركات زيارة عاشوراء...24

الباب الأول

شرح سند ومتن الزيارة

1- زيارة عاشوراء كما ذكرت في كتاب (المصباح)...29

2-شرح زيارة أبي عبد الله (عليه السلام)في يوم عاشوراء من قرب أو بعد...32

3-من دعاء صفوان بن مهران الجمال...39

4 - إسناد وفضائل ما أضافه صفوان على دعاء الزيارة...44

5- صورة سند رواية كامل الزيارة عن الشيخ أبي عبد الله النعمان ..............45

ص: 321

6 - ما تختلف به عبارات هذه الزيارة عن (زيارة المصباح)...46

في كيفية قراءة الزيارة والفوائد المتعلقة بها...51

الباب الثاني

في ترجمة وشرح الزيارة

ترجمة وشرح ألفاظ الزيارة المباركة للإمام الحسين عالية المعروفة ب- (زيارة عاشوراء)...55

«السَّلام عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ الله»...60

«السَّلام عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُول الله»...68

«السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ»...78

الموضوع الأول : في لفظة أمير المؤمنين ...78

الموضوع الثاني : لقب الإمام (عليه السلام)...83

«وَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ»...87

الأمر الأول : في إثبات الوصاية للإمام (عليه السلام)...87

الأمر الثاني : في إثبات أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو سيد الأوصياء...92

« السَّلامُ عَلَيْكَ يا بْنَ فاطِمَةَ الزَّهرَاء سَيِّدَة نساء العالَمينَ» ...94

1 - في سبب تسميتها بفاطمة...94

2 - في سبب تسميتها بالزهراء ...95

في تسميتها بسيدة نساء العالمين...96

« السَّلامُ عَلَيْكَ يا ثار الله وابْنَ ثاره» ...98

«والوثرَ المَوْتُور»...99

ص: 322

«السَّلامُ عَلَيْكَ وَعَلَى الأَرْواحِ الَّتي حَلَّتْ بِفِنائِكَ وأنا خَتْ بِرَحلك» ...100

الأرواح التي كانت مع الحسين (عليه السلام)...100

عدد شهداء كربلاء وأسماؤهم ...102

«عَلَيْكُمْ مِنّي جَميعاً سَلام الله أَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهار »...113

«د يا أَبا عَبْدِ اللهُ لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتْ.. وَعَلى جَميعِ أَهْلِ الإِسْلامِ »...117

« وَجَلَّتْ وَعَظُمَتْ مُصيبَتُكَ فِي السَّماوات عَلى جَميعِ أَهْلِ السَّمَوَاتِ» ...120

«فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَساس الظلم والجَوْر عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ»...123

منبع الظلم...124

أقوال العامة حول إحراق بيت فاطمة (عليه السلام)...127

كلمات فاطمة هل عند إضرام البيت ...127

سقوط الجنين...128

اعتذار القوم ...129

أين بقية الحطب ؟129

في جواز اللعن ...129

«ولَعَنَ اللهُ أُمَّةٌ دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ ... التي رتَّبَكُمُ اللهُ فيها »...132

«ولَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتمْكِينِ لِقِتالِكُم »....133

«بَرئتُ إلى الله وإلَيْكُمْ مِنْهُمْ ومِنْ أَتْباعِهِمْ وَأَشْيَاعِهِمْ وَأَوليائهم»...135

«يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ... إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ...137

«ولَعَنَ اللهُ آلَ زياد» ...139

«وآلَ مَرْوانَ»143

مروان في أحاديث السنّة...146

«ولَعَنَ اللهُ بَنى أُمَيَّةَ قاطِبَةً» ...148

ص: 323

أحاديث في ذم بني أمية...150

«ولَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ» ...156

«ولَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْد» ...158

«ولَعَنَ اللهُ شِمْرا»...160

«ولَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وتنقَبَت وتهيَّأت لقتالک »....162

«بأبي أَنْتَ وَأُمّى» ...164

«يا أبا عبدِ الله لَقَدْ عَظُمَ مُصابي بك.. الذي أكْرَمَ مَقامَكَ وأَكْرَمَني بك »...166

1 - جعل الله سبحانه وتعالى الأئمة من ذريته...167

2- جعل الشفاء في تربته...168

3-استجابة الدعاء تحت قُبته...171

4- لا تُعد أيام زيارته من عمر الزائر ...171

حد الحائر الحسيني ...172

«أنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ»...175

«ثأر الإمام المهدي(عليه السلام)» 176

«صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ»...179

«اللَّهُمَّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجيهاً بالحُسَيْنِ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة »...186

«يا أَبا عَبْدِ الله إنِّي أَتَقَرَّبُ .. وَعَلى أَشْيَاعِكُمْ» ...188

من هو الناصبي؟ ...189

«بَرِئتُ إِلَى الله .. لِمَنْ عاداكُمْ»...191

أحاديث في ثواب التولي والتبري :...193

في أفضلية التبري على التولي :...194

«فَأَسْأَلُ الله الذي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ .. البراءة مِنْ أَعْدائِكُمْ»...196

ص: 324

معرفة أهل البيت (عليهم السلام)...196

«أَنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَة »...199

«وَأَنْ يُثبت لي عِندَكُمْ قَدَمَ صِدق في الدُّنْيَا وَالآخِرَة»...200

«وَأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي المَقامَ المَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ الله»...202

«وَأَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثارِي مَعَ إمام هُدَى ظاهر ناطق منكم»...205

صور قتل الإنسان...207

في معنى المهدي ...209

في معنى الظهور...211

فضل النبي وآله (عليهم السلام)...213

«وَأَسْأَلُ الله بحَقَّكُمْ وَبِالشَّأن الذي لَكُمْ.. أَفْضَلَ ما يُغطي مُصاباً بمُصيبته »....216

النور العلوي...216

«مُصِيبَةٌ مَا أَعْظَمَها وأَعْظَمَ رَزْيَّنَها فِي الإِسْلامِ عَلى .. السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ» .....218

بكاء المخلوقات على مصيبة الحسين(عليه السلام)...218

بكاء السماء...219

أبو ذر في الربذة...220

نوح الجن...220

نوح اليوم ...222

في ثواب البكاء على الحسين بن علي(عليه السلام)...223

زوار الحسين (عليه السلام)...223

«اللَّهُمَّ اجْعَلْني فِي مَقامي هذا .. وآل مُحَمَّدٍ»...225

كيف نحيا حياة مجحمد وآل محمد(عليه السلام)؟...225

معرفة الإمام (عليه السلام)...226

ص: 325

أويس القرني...227

«اللَّهُمَّ إنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَكَتْ بِهِ بَنُو أُمَيَّةَ»...228

بماذا تبركت بنو أمية ؟...228

مدرسة حرملة ...229

الإمام الصادق(عليه السلام)، ويوم عاشوراء...230

الإمام الرضاء(عليه السلام)وصوم يوم عاشوراء...231

المزاعم الكاذبة ...232

«وَابْنُ آكِلَةِ الأكباد اللعينُ ابْنُ اللَّعِينِ عَلى لِسانِكَ ولسان نَبيَّكَ »....233

من أعمال هند...233

«فِي كُلِّ مَوْطِن وَمَوْقِف وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ»...236

بكاء النبي (صلی الله علیه وآله وسلم)على الحسين (عليه السلام)...237

الحسين (عليه السلام)بين جده وأمه (عليها السلام)...237

آدم (عليه السلام)، في كربلاء...238

«اَللَّهُمَّ العَن أَبا سُفْيان»...239

أصل الشجرة الملعونة ...240

مواطن لعن أبي سفيان ...241

«ومُعاوية بن أبي سفيان »...242

من جرائم معاوية ...243

«ويزيد بن معاوية»...247

من أعمال يزيد ...248

الغزالي ويزيد ...250

في الرد على مقولة الغزالي ...251

ص: 326

كلام التفتازاني ...253

«وعَليهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الآبدينَ وَهَذَا يَوم .. بِقَتْلِهِم الحُسَين ».............256

الشيخ عبد القادر الكيلاني...256

في ثواب البكاء على الحسين(عليه السلام)...259

في استحباب لبس السواد أيام عاشوراء...260

في كيفية العزاء ... 262

رسالة محمد بن أبي بكر....265

جواب معاوية ...267

رسالة عبد الله بن عمر...268

رسالة الطبري الخوارزمي...270

«اللَّهُمَّ المَنِ العِصابَةَ الَّتِي جَاهَدَتْ الحُسَيْنَ .. اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً »....284

«السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ وَعَلَى الأَرواح .. آخِرَ الْعَهْدِ مِنّي لزيارتك» ..... 286

«السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ»...287

«موعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ»...288

فضائل علي الأكبر ...289

«وَعَلى أَوْلاد الحُسَيْنِ»...293

«وَعَلى أَصْحاب الحُسَيْنِ»...296

أحاديث في فضل أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)...296

«اللهُمْ خُصُ أَنْتَ أول ظالم باللعن مِنّي.. ثم الثاني والثالث والرابع»...299

عيادة الشيخين للسيدة فاطمة ...299

رواية عن كفر معاوية...301

«اللهمَّ الْعَنْ يَزِيدَ .. إلى يَومِ القِيَامَةِ»...302

ص: 327

آيات في ذم أعداء أهل البيت(عليه السلام)...303

دعاء السجدة: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ .. عظيم رزِيَّتي»...305

خطبة الحسين(عليه السلام)...307

«اللَّهُمَّ ارْزُقْني شَفَاعَةَ الحُسَيْنِ .. ورحمةُ الله وَبَرَكاتِهِ»...308

دعاء علقمة ..309

المصادر ...315

الفهرس ...321

ص: 328

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.