اللؤلؤ و المرجان في آداب اهل المنبر

هوية الکتاب

اللؤلؤ و المرجان في آداب اهل المنبر

العلامه حسین النوري الطبرسي

1330

الناشر: دارالبلاغة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ص: 12

المؤلف في صفحات

اشارة

إن مؤلف هذا السفر القيم والكتاب الثمين هو العالم النحرير ، المحدث المدقق ، البارع ، الفقيه المقدس الشيخ الميرزا حسين بن الميرزا محمد تقي بن الميرزا علي محمد بن تقي النوري الطبرسي . وهو من أعيان الشيعة وثقاتهم ومن أكابر علماء المذهب في هذا العصر ، إمام أئمة الحديث والرجال كان جامعاً للعلوم محيطاً بها ومبرزاً فيها تشهد بذلك كتبه الكثيرة ومؤلفاته القيمة وتدل على سعة اطلاعه وشمولية فكره وطول باعه في عالم التحقيق والتدقيق والتتبع ومعرفة الرجال ومؤلفاتهم والفقهاء ومبانيهم والرواة وأسانيدهم حتى اعتبر رابع المحمدين الثلاثة وثالث المجلسيين(1) . بل ربما رجحه بعض أعاظم العصر على العلامة المجلسي بملاحظة مؤلفاته ومقايستها بمؤلفات غيره .

ص: 13


1- المحمدون الثلاثة هم الشيخ الكليني واسمه محمد بن يعقوب، والشيخ الطوسي واسمه محمد بن الحسن بن علي الطوسي، والشيخ الصدوق واسمه محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي وهم مؤلّفوا الكتب الأربعة المسماة بالأصول. وأما المجلسيان فهما العلامة محمد باقر المجلسي صاحب البحار وأبوه العلامة محمد تقي المجلسي وهما من كبار المحدثين .

ولد المؤلف الميرزا حسين النوري في 18 شوال من عام 1254 للهجرة النبوية الشريفة على مهاجرها آلاف التحية والسلام . وذلك في قرية من قرى نور في طبرستان يقال لها « يالو »(1)

وقد توفي أبوه الحجّة الكبير الميرزا محمد تقي قبل أن يبلغ الحلم بل كان عمره ثماني سنين فنشأ فيها يتيماً وكان له أربعة أخوة كلهم يكبرونه سنّاً هم الميرزا هادي الذي صار فيما بعد مرجعاً لمدة ثلاث عشرة سنة إلى أن توفي في حدود سنة 1290 ه_ . والميرزا علي الذي صار فقيهاً وفيلسوفاً ثم انتهت إليه المرجعية بعد أخيه الميرزا هادي وتوفي بعده بسنوات قليلة والميرزا قاسم والميرزا حسن وك-ان-ا من الفضلاء الأعلام وتوفيا قبل عام 1300 ه_(2).

توجّه الميرزا حسين إلى طلب العلم منذ صغره حيث التحق بالفقيه الكبير المولى محمد علي المحلاتي فلازمه وقرأ عليه الروضة والرياض والقوانين وأترابها من الكتب المعتمدة . ولما هاجر أستاذه إلى طهران هاجر معه فاتصل هناك بالعالم الجليل الشيخ عبد الرحيم البروجردي الذي صار فيما بعد والد زوجته فسافر معه إلى العراق ولبث فيها قرابة أربع سنين ساكناً النجف ثم عاد إلى إيران. وفي سنة 1278 ه_ . رجع إلى العراق لإكمال دراسته فلازم المرجع الكبير آية الله الشيخ عبد الحسين الطهراني الشهير بشيخ العراقين وبقي معه في كربلاء مدة من الزمن ثم في الكاظمين سنتين فرزق الحج للمرة الأولى سنة 1280 ه_ .

ثم رجع بعد ذلك إلى النجف الأشرف وحضر بحث الأستاذ الأعظم

ص: 14


1- مستدرك الوسائل : الجزء الثالث، ص 877 بتصرف .
2- ترجمة آغا بزرك الطهراني للمؤلف المطبوعة في طبقات أعلام الشيعة والمستدرك في أول الجزء الأول.

الشيخ مرتضى الأنصاري رضوان الله تعالى عليه لأشهر قلائل إلى أن توفي الشيخ(رحمه الله علیه) في سنة 1281 ه_ . ثم عاد الميرزا حسين إلى إيران سنة 1284 رحم الله لزيارة الإمام الرضا(علیه السّلام)فلبث فيها سنتين ورجع إلى العراق سنة 1286 ه_ . وهي السنة التي توفي فيها شيخه الأجل الطهراني وهو أوّل من أجازه حسبما ذكر هو في ترجمة نفسه (رحمه الله علیه)(1). ثم رُزِقَ الحج للمرة الثانية وحينما عاد إلى النجف لازم المجدد الشيرازي لعدة سنين وعندما انتقل أستاذه إلى سامراء هاجر الميرزا ملتحقاً به مع أهله وعياله وصهره على ابنته الشيخ فضل الله النوري وبقي ملازماً له إلى أن توفي سنة 1312 ه_ . سافر خلال هذه المدة إلى الحج مرتين وإلى زيارة الإمام الرضا(علیه السّلام)مرة لام واحدة . وعندما توفي أستاذه الشيرازي الكبير عاد إلى النجف فبقي فيها إلى أن توفاه الله متأثراً بطعام فاسد لثلاث بقين من جمادى الثانية سنة 1320 ه_.. ودفن في المشهد الغروي في الأيوان الثالث عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف من باب القبلة .

وقد ذكر تلميذه الكبير الشيخ آغا بزرك الطهراني في ترجمته في طبقات أعلام الشيعة شيئاً كثيراً عن تفاصيل حياته يمكن لمن أراد الوقوف عليها والاستفادة منها الرجوع إلى تلك الترجمة القيمة .

مشايخه :

ومن ملخص حياته المتقدم ذكره يمكن لنا أن نكون نظرة عامة عن مشايخه وأساتذته الذين تلقى على أيديهم علومه ونهل من ينابيع أفكارهم ما سما به على أترابه وصار فيه علماً يهتدى به . ومنهم :

1 - المولى فتح علي السلطان آبادي .

ص: 15


1- مستدرك الوسائل : الجزء الثالث ، ص877.

2 - العالم الجليل الفقيه الزاهد المولى محمد علي المحلاتي .

3 - العالم النحرير الفقيه الجامع الشيخ عبد الحسين الطهراني ، شيخ العراقين.

4 - الشيخ عبد الرحيم البروجردي والد زوجته .

5 - الفقيه الكبير المولى الشيخ علي الخليلي .

6 - الأستاذ الإعظم شيخ الفقهاء والمجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري.

7 - الفقيه الكبير المجاهد والإمام المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي .

تلاميذه :

لقد تتلمذ على يديه مجموعة كبيرة من كبار العلماء وروى عنه عدد لا بأس به من الرواة وأصحاب الحديث وتخرج من تحت منبره فطاحل العلم وجهابذة العصر وأبرزهم :

1 - الشيخ العالم الجليل ، آغا بزرك الطهراني صاحب المؤلفات العظيمة . كالذريعة وغيرها .

2 - العالم المجاهد والمجتهد التحرير السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي صاحب المراجعات .

3 - الإمام الأكبر والعلم العالم الشيخ محمد حسین آل كاشف الغطاء .

4 - الشيخ إسماعيل ابن الشيخ محمد باقر الأصفهاني .

5 - الشيخ مرتضى بن محمد بن أحمد العاملي .

6 - السيد جمال الدين ابن السيد عيسى العاملي الأصفهاني .

ص: 16

7 - الشيخ العالم المحدث الشيخ عباس القمي صاحب سفينة البحار ، ومفاتيح الجنان .

المؤلف في نظر علماء العصر

لقد أثنى مترجموه عليه بما يليق بشأنه ومدحوه بما لا مزيد عليه لما عرفوا عنه من سعة الاطلاع وشمولية المعرفة والتبحر في العلوم والإلمام بالحديث فقد قال عنه السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة :

«كان عالماً فاضلاً محدثاً متبحراً في علمي الحديث والرجال عارفاً بالسير والتواريخ منقباً فاحصاً زاهداً عابداً لم تفته صلاة الليل ، وكان وحيد عصره في الإحاطة والإطلاع على الأخبار والآثار والكتب »(1).

وقال عنه المدرّس التبريزي في كتابه ريحانة الأدب :

« من ثقات وأعيان وأكابر علماء الإمامية الاثني عشرية في أوائل القرن الحاضر ، فقيه ، محدّث ، متتبع ، مفسّر ، رجالي ، عابد ، زاهد،ورع ، تقي ... الخ »(2).

وقال عنه كحالة في معجم المؤلفين :

« محدث عارف بالرجال والسير والتاريخ والكتب مشارك في بعض العلوم »(3).

وعبّر عنه إسماعيل باشا في هدية العارفين « بفقيه الشيعة الإمامية »(4).

ص: 17


1- أعيان الشيعة : ج 27، ص 139 .
2- ريحانة الأدب في المعروفين بالكنية واللقب ، ج 3، ص 389 .
3- معجم المؤلفين : ج 4 ، ص 46 .
4- هدية العارفين : ج 1، ص 230.

تلامذته العظام يتحدثون عنه :

قال عنه تلميذه الكبير آغا بزرك الطهراني في كتابه نقباء البشر في طبقات أعلام الشيعة «إمام أئمة الحديث والرجال في الأعصار المتأخرة ومن أعاظم علماء الشيعة وكبار رجال الإسلام في هذا القرن ...

وأحد نماذج السلف الصالح التي ندر وجودها في هذا العصر فقد امتاز بعبقرية فذة وكان آية من آيات الله العجيبة ، كمنت فيه مواهب غريبة وملكات شريفة أهلته لأن يعدّ في الطليعة من علماء الشيعة الذين كرّسوا حياتهم طوال أعمارهم لخدمة الدين والمذهب ، وحياته صفحة مشرقة من الأعمال الصالحة ، وهو في مجموع آثاره ومآثره ، إنسان فرض لشخصه الخلود على مرّ العصور وألزم المؤلفين والمؤرخين بالعناية به والإشارة بغزارة فضله فقد نذر نفسه لخدمة العلم ولم يكن يهمه غير البحث والتنقيب والفحص والتتبع ، وجمع شتات الأخبار وشذرات الحديث ونظم متفرقات الآثار وتأليف شوارد السير . وقد رافقه التوفيق وأعانته المشيئة الإلهية ، حتى ليظن الناظر في تصانيفه أن الله شمله بخاصة ألطافه ومخصوص عنايته وادخر له كنوزاً قيمة لم يظفر بها أعاظم السلف من هواة الآثار ورجال هذا الفن . بل يُخيل للواقف على أمره أن الله خلقه لحفظ البقية الباقية من تراث آل محمد عليه وعليهم السلام ﴿ وَ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعُ علیم ﴾(1).

وقال عنه تلميذه الإمام الأكبر الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في مقدمة قصيدته التي يرد فيها على أحد علماء العامة ممن يشككون بظهور

ص: 18


1- نقباء البشر : ص 543 ، من أعلام القرن الرابع عشر . ومقدمة المستدرك المشار إليها آنفاً.

الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه الشريف :

فعرضتها على علامة الفقهاء والمحدثين جامع أخبار الأئمة الطاهرين حائز علوم الأولين والآخرين ، حجّة الله على اليقين ، من عقمت النساء عن أن تلد مثله وتقاعست أساطين الفضلاء فلا يداني أحد فضله ونبله ، التقي الأوّاه المعجب ملائكة السماء بتقواه من لو تجلى الله لخلقه لقال هذا نوري مولانا ثقة الإسلام الحاج ميرزا حسين النوري ... الخ.(1)

مؤلفاته الشريفة :

وله رحمة الله عليه مؤلفات كثيرة قيّمة جداً تربو على ثلاثين مؤلفاً تعطينا أفضل صورة عن غزارة علمه وسعة اطلاعه ومدى صبره وطول أناته على التتبع والتفحص وقدرته على التدقيق والتأمل وقد وصفها الشيخ الطهراني فقال :

لو تأمل إنسان ما خلّفه من الأسفار الجليلة والمؤلفات الخطيرة التي تموج بمياه التحقيق والتدقيق وتوقف على سعة في الاطلاع عجيبة لم يشك في أنه مؤيد بروح القدس (2)...

وإليك قائمة بأسماء تلك المؤلفات :

1 - مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل ، مطبوع طبعة حجرية وطبعة صف وقد حقق مؤخراً ، وهو من أعظم آثاره على الإطلاق استدرك فيه على کتاب «وسائل الشيعة» للحر العاملي الذي ه- أحد المجاميع الثلاثة المتأخرة ويقع في ثلاثة مجلدات من الحجم الكبير بقدر كتاب الوسائل

ص: 19


1- مقدمة القصيدة المذكورة وهي مطبوعة في آخر كتاب كشف الأستار للميرزا النوري قده .
2- مقدمة الشيخ آغا بزرك الطهراني على مستدرك الوسائل.

حوى زهاء ثلاثة وعشرين ألفاً من أحاديث وروايات الدين الإسلامي الحنيف جمعها من مواضع متفرّقة ومن كتب معتمدة متشتتة وذيله بخاتمه ذات فوائد جليلة في علم الحديث والرجال لا توجد في كتب الأصحاب .

2 - دار السلام في ما يتعلق بالرؤيا والمنام :

مطبوع في أربعة مجلدات وهو من أهم الكتب المؤلفة في هذا الباب .

3 - كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأنظار :

وهو مطبوع في مجلد واحد. ويتحدث عن الإمام المنتظر عجّل الله تعالی فرجه الشريف ويرد فيه على قصيدة أرسلها أحد علماء العامة ضمنها إشكالات على القائلين بخروجه(علیه السّلام)وتقع في اثنين وعشرين بيتاً .

4 - النجم الثاقب في أحوال ولي الله الأعظم عجّل الله تعالى فرجه الشريف .

مطبوع باللغة الفارسية ويقع في 667 صفحة . ويتعرض لذكر أحوال الحجّة « عج » . وقد كان لنا شرف تعريبه في مجلدين .

5 - معالم العبر في استدراك السابع عشر من البحار .

6 - جنّة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة .

أورد فيه تسعاً تسعاً وخمسين وخمسين حكاية في من تشرّف بلقاء ولي الله الأعظم المنتظر ( عج ) مما لم يذكره صاحب البحار وهو مطبوع ويقع في حدود 400 صفحة .

7 - اللؤلؤ والمرجان في آداب أهل المنبر :

ويتعرض فيه لشروط قراءة العزاء من الصدق والإخلاص وهو كتاب قيم جداً تحمله بين يديك ، عزيزي القارىء . وقد طبع باللغة الفارسية

ص: 20

ثلاث مرات وهذه أول ترجمة له .

8 - نفس الرحمن في فضائل سيدنا سلمان :

طبع . للمرة الأولى سنة 1285 ه_ . وأخرج لآخر في سنة 1411ه_ في 750 صفحة .

9 - فصل الخطاب في مسألة تحريف الكتاب :

طبع سنة 1298 ه_ .

10 - الفيض القدسي في أحوال العلامة المجلسي :

وقد طبع في أول كتاب البحار في طبعة أمين دار الضرب .

11 - الصحيفة الثانية العلوية :

وتحتوي على مائة وثمانية أدعية مما لم تشتمل عليه الصحيفة العلوية المشهورة .

12 - الصحيفة الرابعة السجادية :

وتحتوي على سبعة وسبعين دعاءً من أدعية الإمام السجاد (علیه السّلام) مما لم يذكر في الصحيفة الكاملة السجادية ولا في الصحيفة الثانية السجادية للحر العاملي ولا في الصحيفة الثالثة السجادية للميرزا عبد الله أفندي .

13 - ديوان شعره المسمّى بالمولودية :

وهو مجموعة قصائده التي نظمها في الأيام المباركة بمواليد الأئمة (علیهم السّلام) وفيه قصيدة في مدح سامراء وقصيدة في مدح صاحب الزمان .

14 - البدر المشعشع في ذرية موسى المبرقع :

مطبوع طبعة حجرية في بومباي .

ص: 21

15 - سلامة المرصاد :

وهي رسالة باللغة الفارسية يذكر فيها أعمال مسجد الكوفة وزيارة عاشوراء غير الزيارة المشهورة المتداولة .

16 - تحية الزائر :

وهو كتاب زيارات استدرك فيه على كتاب « تحفة الزائر » للعلامة يتمه فأتمه تلميذه الشيخ المجلسي وهو آخر مؤلفاته بل توفي (رحمه الله علیه) قبل أن عباس القمي حسب رغبة أستاذه وإرادته وقد طبع عدة مرات .

17 - مواقع النجوم ومرسلة الدر المنظوم .

وهو سلسلة من إجازات العلماء من عصره إلى زمن الغيبة كتبه قبل كل مؤلفاته ويقول العلامة الطهراني أنه لم يطبع .

18 - ميزان السماء في تعيين مولد خاتم الأنبياء .

19 - الكلمة الطيبة .

فارسي مطبوع .

20 - الأربعونيات :

وهي مقالة مختصرة كتبت على هامش كتاب الكلمة الطيبة المتقدم ذكره وقد جمع فيها أربعين أمراً من الأمور التي أضيف إليها عدد أربعين في أخبار الأئمة الطاهرين (علیهم السّلام)الان .

21 - حواشي توضيح المقال :

وقد طبعت في آخر رجال « أبي علي » .

وهناك مجموعة كتب لم تطبع وهي :

ص: 22

22 - ظلمات الهاوية في مثالب معاوية .

23 - شاخه طوبی :

أي «غصن طوبى » وهو موضوع باللغة الفارسية .

24 - أخبار حفظ القرآن .

25 - مستدرك مزار البحار :

وهو كتاب لم يتم .

26 - حواشي رجال أبي علي :

لم يتم أيضاً .

27 - ترجمة المجلد الأول من دار السلام :

لم يتم أيضاً .

وله مجموعة رسائل هي :

28 - رسالة في رد بعض الشبهات التي أثارها الشيخ محمود الطهراني على كتابه فصل الخطاب .

29 - رسالة في ترجمة المولى أبي الحسن الشريف .

30 - رسالة مختصرة فارسية في مواليد الأئمة (علیهم السّلام)على ما هو الصحيح عنده .

31 - فهرست کتب خزانته .

وهناك العديد من الحواشي والرسائل غير التامة وأجوبة المسائل والأوراق المتفرقة التي لم يوفق لجمعها وطبعها .

ص: 23

وفاته :

يروي تلميذه الجليل الشيخ آغا بزرك الطهراني قصة وفاته نوردها باختصار .

كان الميرزا حسين قد على زيارة الإمام الحسين (علیه السّلام)ماشياً من صمم النجف إلى كربلاء كل عام في عيد الأضحى . وفي السنة الأخيرة من عمره زار كربلاء ماشياً وكان معتاداً على الرجوع إلى النجف راكباً إلا أنه التقى في کربلاء بالميرزا محمد مهدي ابن المولى محمد صالح المازندراني وكان قد نذر أن يزور النجف ماشياً فطلب من الميرزا حسين مرافقته فأجاب طلبه وفي الطريق بدأ به المرض الذي كانت فيه وفاته وذلك على أثر أكل طعام كان قد حمله معه بعض أصحابه في إناء مغطّى الرأس حبس فيه الزاد بحرارته فلم يرَ الهواء. وقد ابتلي كل من ذاق ذلك الطعام بالقيء والإسهال ونجى أكثرهم من الموت بالقيء إلا الميرزا فإنه أمسك نفسه عن الاستفراغ حفظاً لبقية الأصحاب عن الوحشة والاضطراب فأثر فيه ذلك الطعام وكان يقول : أحس بجوفي قطعة حجر لا تتحرك من مكانها. فابتلي بالحمّى وأخذ يشتد مرضه يوماً بعد يوم إلى أن توفي في ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الثانية من عام 1320 ه_ . ودفن في المقام الشريف لأمير المؤمنين (علیه السّلام)كما أشرنا عل فرضوان الله تعالى عليه وأدخله فسيح جناته ورفع مقامه مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً

إبراهيم البدوي

6 صفر 1414 الموافق 26 تموز 1993

ص: 24

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمدك أيها القادر حمداً يليق بعظمة جلالك يفوق الحصر ويجل عن الوصف . نحمدك يا من تُبكي بلمعان برقك الخاطف وبأنين رعدك القاصف عيون السحاب المظلم ، لتُصدّع قلب الأرض بسهام قطرات دموعها الهاطلة فتستر قبحها ومساوءها ولتلبسها أجمل الحلل وتزينها بأجمل الزينة ثم تبرزها على منابر الأشجار وتجلسها على كراسي النباتات الملونة بكل هيبة ووقار وكأن ثمار تلك الأشجار وعاظ فوق منابرهم وتلك الأزهار المزركشة مجموعة من أهل الذكر والتهليل مرتدين أثوابهم مقلوبة ذلة وخشوعاً يهمسون في آذان نجوم السماء همهمة توحيد وتسبيح الذات القدسية ويرددون نداء « كل من عليها فان » ليصل إلى مسامع العالمين .

وأفضل خلع السلام والتحية والدعاء اللائق المتواصل على صاحب المقام المحمود الذي عرّض نفسه لسهام البلاء والأذية في سبيل نيل رضى الخالق المحبوب ولم يثنه كل ما سمعه من إهانات وشتائم من المشركين عن إكمال الدعوة وتبليغ الرسالة الإلهية حتى تجلّت الروح الإنسانية في هياكل الآدميين كما أراد لها الله سبحانه وتعالى، وعلى آله الأطهار النجوم الثواقب وأنوار الغياهب وأهداف سهام المصائب . وبعد . . .

ص: 25

يقول العبد الضعيف المذنب حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي ألبسه الله تعالى حلل الصدق واليقين وجعل له لسان صدق في الآخرين : إن جناب العالم العامل الجليل والفاضل الكامل النبيل، حامي حوزة الدين ، وماحي بدع المشركين والملحدين ، صاحب التصانيف الرشيقة والمؤلفات الأنيقة الحبر النقاد الخبير العليم الوقاد البصير السيد السند المؤيد المجتبى مولوي السيد محمد مرتضى جونيوري الهندي أيده الله تعالى قد شكى لي مراراً من إقبال بعض قراء العزاء وأهل المنابر على تحرّي المبالغة ونشر الأكاذيب والروايات المجعولة دون خوف أو ورع بل أن بعض هؤلاء يزعم جواز ذلك وإباحته إذ إن الغاية منه إبكاء المؤمنين على الإمام الحسين وهذا ما يخرجه بنظرهم عن دائرة القبح والحرمة وقد طلب مني أن أكتب شيئاً حول ذلك من باب الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن عسى أن يتنبه هؤلاء الغافلون ويرتدعوا عن ارتكاب هذه القبائح .

ويظهر أن جنابه العالي يظن أن الطائفة الشيعية التي تقطن في بلاد العتبات المقدسة في إيران في راحة وفراغ بال من هذه الورطة وأنها لم تلوث بهذه الأكاذيب والافتراءات بعد وأن هذا الخلل الديني لا يزال منحصراً في بعض البلاد النائية ولم ينشر في أنحاء بلاد الشيعة غافلاً عن أن هذا التلوث الهدّام قد انتشر من منبعه في كل صوب وناحية .

غاية الأمر لم يصل ذلك إلى مركز العلم والحوزات الدينية ومنزل أرباب الشرع ، لأن أهل العلم لا یتساهلون مع هذه الأباطيل وعندهم القدرة الكافية على تمييز الصحيح من السقيم والصدق من الكذب ويتصدون للنهي عن ارتكاب هكذا قبائح . من هنا لم يتجرأ هؤلاء على نشر أكاذيبهم فيها ولم يلوثوا مذهب الإمامية بقبائحهم . فلم يقدروا على سلب مجالسها الشريفة بركتها ورونقها بجعلها مورداً لسخرية الآخرين واستهزائهم .

ص: 26

وبما أنني كنت منشغلاً بكتابة « المستدرك » لم تتيسر لي الاستجابة لطلبه في ذلك الوقت إلى أن تمكنت ، في هذه الأيام ، بحمد الله تعالى ، من التفرّغ لهذه الخدمة ، فكتبت كتاباً مختصراً ، حسبما طلب ، في كيفية سلوك هذه الجماعة وسميته : « اللؤلؤ والمرجان » في شرط الدرجة الأولى والثانية من منبر قراءة العزاء. وأنا أرجو رجاء الواثق بالألطاف الإلهية الغيبية ، وأطمع بأن يمن علي صاحب العصر والزمان صلوات الله عليه بنظرة رحمة وتلطف ويرفع كتابي هذا إلى منصّة قبوله لعله يكون سبباً لارتداع وانزجار هؤلاء عن أكاذيبهم تجنّباً للفساد الأعظم الذي يترتب عليها كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى . وتشتمل هذه الرسالة على مقدمة وفصلين وخاتمة .

ص: 27

ص: 28

المقدمة

لا يخفى أن إبكاء المؤمنين على مصيبة أبي عبد الله الحسين (علیه السّلام) وسائر أهل البيت (علیهم السّلام)و حملهم على التفجع والأنين بقراءة المراثي والندب وذكر ما جرى عليهم من مصائب جائز ولا يوجد في الشرع الإسلامي الحنيف نهي عنه وليس فيه أي محذور بل هو من العبادات الممدوحة والمستحسنة التي وعد عليها بالأجر الجزيل والثواب الجميل . وقد روي في كامل الزيارات عن الإمام الصادق (علیه السّلام) أنه قال لعبد الله بن حماد البصري :

بلغني أن قوماً يأتونه - يعني الحسين (علیه السّلام)- من نواحي الكوفة وناساً من غيرهم ونساء يندبنه وذلك في النصف من شعبان فمن بين قارىء يقرىء وقاص يقص ونادب يندب وقائل يقول المراثي فقلت له : نعم جعلت فداك قد شهدت بعض ما تصف . فقال : الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي علينا وجعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا أو من غيرهم يهددونهم ويقبحون ما يصنعون(1).

وفي كتاب عيون الأخبار للشيخ الصدوق أن الإمام الرضا (علیه السّلام)قال

ص: 29


1- كامل الزيارات . باب 108 في نوادر الزيارات ص 325 و 326 .

لحسن بن علي بن فضال :

« من ذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون »(1).

وجاء في كامل الزيارات وفي ثواب الأعمال وعقابها والأمالي أن الإمام الصادق (علیه السّلام)قال لأبي عمارة المنشد :

« من أنشد في الحسين بن علي صلوات الله عليهما فأبكى خمسين فله الجنة . ومن أنشد في الحسين (علیه السّلام)شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة ومن أنشد في الحسين (علیه السّلام)فأبكى عشرين فله الجنة ومن أنشد في الحسين (علیه السّلام)فأبكى واحداً فله الجنّة ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنّة ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنّة»(2).

وفي كامل الزيارات أيضاً أن الإمام الصادق (علیه السّلام)قال لأبي هارون المكفوف :

« يا أبا هارون من أنشد في الحسين (علیه السّلام) فأبكى عشرة ثم جعل ينقص واحداً واحداً حتى بلغ الواحد فقال : من أنشد في الحسين (علیه السّلام)فأبكى واحداً فله الجنّة »(3).

وفيه أيضاً وفي ثواب الأعمال أنه (علیه السّلام)قال لأبي هارون :

« من أنشد في الحسين (علیه السّلام)فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنة ومن أنشد في الحسين (علیه السّلام)فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنة ومن أنشد في

ص: 30


1- عيون الأخبار ، الشيخ الصدوق: ص 162 (عن الوسائل).
2- کامل الزيارات: ص 105 ، من قال في الحسين شعراً. ثواب الأعمال الصدوق، ص 84. أمالي الشيخ الصدوق المجلس 29، ح 6 ، ص 121 .
3- کامل الزيارات: من قال في الحسين شعراً، ص 104 .

الحسين (علیه السّلام)فبكى وأبكى واحداً فلهما الجنة»(1).

وفيه أيضاً بأسانيد مختلفة وفي ثواب الأعمال أنه (علیه السّلام)قال لصالح بن عقبة :

« من أنشد في الحسين (علیه السّلام)بيتاً من شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ومن أنشد في الحسين (علیه السّلام)بيتاً من شعر فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنّة فلم يزل حتى قال : ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى ، وأظنه قال : أو تباكى ، فله الجنة »(2).

وقال السيد الجليل علي بن طاووس في اللهوف :

روي عن ال الرسول (علیهم السّلام) أنهم قالوا من بكى أو أبكى فينا مائة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى فينا خمسين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى ثلثين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة»(3).

وجاء في رجال الشيخ الكشي أن الإمام الصادق (علیه السّلام) قال لجعفر بن عفان بعدما أنشده شيئاً من الشعر في مصيبة الحسين فأبكاه :

« ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعته الجنة بأسرها وغفر الله لك . فقال (علیه السّلام): يا جعفر ألا أزيدك ؟ قال : نعم يا سيدي . قال : « ما من أحد قال في الحسين (علیه السّلام)شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة وغفر له »(4).

ص: 31


1- كامل الزيارات: ص 105 . ثواب الأعمال ،الصدوق ص 84.
2- كامل الزيارات: ص 106 ،ثواب الأعمال ،الصدوق ص ، 84 .
3- اللهوف في قتلى الطفوف - ابن طاووس ، ص 5.
4- رجال الكشي : الجزء الثاني، ص 575 .

وهذا القدر من الأخبار يكفي في إثبات صدق الدعوى المذكورة . و حاصل ما يستفاد منها أن إبكاء الغير على مصائب أهل البيت (علیهم السّلام)سواء بقراءة الشعر أم بغيره يعد من أسباب التقرُّب إلى الله ونيل المغفرة والسلامة يوم القيامة والحصول على الحياة الخالدة في الجنة . وقد كان ذلك من العبادات الشائعة في زمن الأئمة (علیهم السّلام)ونجد لذلك في كتب الأخبار والمقاتل قصصاً وحكايات. ولم يكن لهذا الصنف من المؤمنين الذين يعملون على الإنشاد والإبكاء اسم مخصوص إلى زمن العالم الفاضل المتبحر الألمعي المولّى حسين كاشفي الذي ألف في حدود سنة 900 ه_ ، كتاباً سمّاه « روضة الشهداء » فرغب الناس في قراءته في مجالس العزاء والمصيبة . وبما أن هذا الكتاب كان على درجة عالية من التهذيب والفصاحة لم يكن بمقدور عامة الناس قراءته والاستفادة منه . فظهر بينهم جماعة من المتعلمين الذين اتقنوا قراءته وراحوا يتلون مجالسه في مجالس العزاء حتى عرفوا فيما بعد « بقرّاء الروضة » نسبة إلى كتاب « روضة الشهداء » هذا .

ثم تطور الأمر بعد ذلك شيئاً فشيئاً فصاروا يستعينون بكتب أخرى غير كتاب الروضة ولكن الاسم لم يفارقهم وما زالوا إلى اليوم يعرفون بذات الاسم .

وقد علا الزمن شأن هذه الطائفة من المتعلمين وصاروا يهيون مع لأجل إبكاء الناس المقدمات المختلفة من قصص وحكايات وأشعار وفضائل ورواجز ومسائل فرعية وغير ذلك إلى أن صارت قراءة العزاء فنّاً مستقلاً قائماً بذاته إلى درجة أن بعض الأعلام كان يقول على سبيل المزاح والمطايبة :

إن قراءة العزاء صارت علماً خاصاً يُعد من جملة سائر العلوم ويجب

ص: 32

أن نقول في تعريفه :

« هو علم يبحث فيه عن عوارض أجساد الشهداء وما يتعلق بها » .

وقد تعرض للكتابة في هذا المجال العالم والجاهل . فوضعوا كُتباً وألّفوا رسائل كثيرة منها ما هو منظوم ، ومنها ما هو منثور بلغات متعددة كالعربية والفارسية والتركية والهندية. وقد دأب الشيعة على بذل الأموال لإحياء مجالس العزاء بل لم يبخلوا بالأبدان ولا بالأرواح من أجل إقامة المآتم على أبي عبد الله الحسين (علیه السّلام). ومن المعلوم أن هذه المجالس تعتمد أولاً وأخيراً على الشخص الذي سيقرأ المصيبة فكان يحصل له من ذلك نفع كبير فضلاً عما وعد به من الأجر الأخروي . وكانت تظهر على جماعة قُرّاء العزاء آثار النعمة والبركة في أنفسهم وأموالهم وأولادهم . وقد جرت العادة عند عامة الناس على الاهتمام بإنفاق الأموال على هذه المجالس ولو كانوا مقصرين في أداء ما عليهم من الحقوق الشرعية كالأخماس والزكوات ، بل كانوا إذا أدوا ما يتوجب عليهم منها فإنما يدفعونها دون رغبة ولا شوق بينما كان إنفاقهم على المجالس الحسينية يتّسم بالمحبة العارمة والرغبة الأكيدة . فلم يكونوا ليبخلوا عليها بنفس ولا بمال . وما يقوم به قارىء العزاء ، الذي هو الركن الأعظم لهذه المجالس الشريفة أعلى وأشرف من سائر ما يؤديه الآخرون المقيمون لها لأنه لم يكن مجرد واحد منهم بل هو الأساس فيها وقطب رحاها . وهو من الذين وعدوا بالجنّة والمغفرة ومن الذين يعينون المؤمنين على عمل الخير والتقوى التي أمر الله سبحانه وتعالى بها في كتابه الشريف فقال عز من قائل :

﴿ وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى ﴾(1) .

ص: 33


1- سورة المائدة، الآية : 2 .

وهو حسبما جاء في الأخبار يشارك جميع المستمعين والباكين وحتى مقيمي المجالس بالثواب والأجر . بل يُعد من خواص خدام الحسين الذين يحق لهم أن يفتخروا بقربهم منه وخدمتهم له. وينال من جراء ذلك مقاماً عظيماً ومنصباً جليلاً يجعله معززاً مكرماً عند الناس ويسمح له بالافتخار على سائر الشيعة . إلا أن الوصول إلى هذه المرتبة الرفيعة والدخول في عداد هؤلاء العظماء مشروط بعدة شروط أبرزها : الإخلاص والصدق ومع فقدان قارىء العزاء لأي واحد من هذين الشرطين تذهب أتعابه أدراج الرياح وتصبح أعماله كسراب بقيعة یحسبه الظمآن ماء ، والمشقة التي تحمّلها هباءً ودون فائدة ترجى . ويُمحى اسمه من دیوان خدام الحسين(علیه السّلام) بل ربما لا يكتب اسمه فيه أصلاً . ومع إهمال كلا الشرطين ، والعياذ بالله ، يكتب اسمه في ديوان الكسبة والتجار أو في ديوان الكاذبين والمغرورين والخاسرين والمشركين ، ويُحرم من فضيلة هذه العبادة التي تخوله أن يكون عبداً الله وخادماً لرسول الله وأئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين . فعلى قارىء العزاء الذي يريد أن ينضم إلى هذه المجموعة وينال تلك الدرجات العالية والمقامات السامية والثواب الخالد والكرامات التي لا منة فيها ولا أذى والتي جعلت لهذه الجماعة المؤمنة أن يهيّأ نفسه ويعدها بحيث لا يبدأ في العمل بهذا الفن قبل أن يحصل على هذين الشرطين بنحو اليقين أو الاطمئنان . وأن يمتحن نفسه ليعلم هل هو حائز عليهما أو لا ویوزن نفسه بميزان العدل الذي هو في كف العلماء الراسخين وأمناء الشرع المبين ليرتاح من كيد الشيطان وتسويل النفس الذي كثيراً ما يصوّر لنا الباطل بصورة الحق ويلبس لنا الخطأ لباس الصواب وكي لا يرمي نفسه في الهلاك كالأعمى . وهذان الشرطان اللذان هما الإخلاص والصدق بمثابة درجتي المنبر الذي يصعد عليه الخطيب فإذا كانت إحداهما أو كلاهما واهية فإنه

ص: 34

سيقع عن المنبر لا محالة وسيحرم من بركات ارتقاء هذا المنبر المقدس .

وسنتعرض لشرح هذين الشرطين في فصلين مستقلين .

ص: 35

ص: 36

الفصل الأول: فى الاخلاص

اشارة

لا يخفى أن الغرض الأصلي والهدف الأساسي من إرسال الأنبياء وإنزال الكتب السماوية المقدسة هداية الناس إلى الله وربطهم به تبارك وتعالى من خلال الآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة وليبينوا لهم أن الله سبحانه وتعالى هو وحده العليم القادر الصمد الخالق الذي يخلق الليل والنهار والذي يحيي ويميت كل ما في هذا الوجود وأنه لا نصيب لغيره من الآلهة التي يدعونها من دونه في شيء من ذلك . وقد عمل الأنبياء العظام والأوصياء الكرام على توضيح ذلك بكل ما أوتوا من حجة وبيان ودليل وبرهان. وقد تحملوا الكثير من المشقات وتجرّعوا العديد من الغُصص ليحملوا الخلائق على الإيمان بالله والتصديق برسالاته والتسليم بها وعلى الأذلة طاعة الله والعمل بأوامره . وقد تحملوا لأجل ذلك كل الشدائد والمصاعب وسمعوا الشتائم وتعرّضوا للأذيات . وبذلوا الأرواح والأموال في سبيل أن يعرف الخلق إلههم وحاجتهم إليه وأنهم هم الفقراء وهو الغني وهم وهو العزيز وهم الضعاف وهو القوي. وأن يدركوا أنه ليس هناك رازق لهم غيره ولا دافع لما بهم سواه فإذا عرضت لهم حاجة فليطلبوها منه وإن خافوا

ص: 37

من نزول بلاء بهم فليسألوه ردَّه . وأن يطمعوا في عفوه عنهم وصفحه عمّا بدر منهم . وعلّموهم بعض الأعمال التي يمكن للإنسان من خلالها أداء شيء من حق الربوبية عليه بإظهار عبوديته الله وبيان عجزه أمامه وافتقاره وحاجته إلى خالقه القوي الغني المقتدر ومن هذه الأعمال ما يكون بالقلب والجنان ومنها ما يعمل بالجوارح واللسان وتسمى كلها في لسان الشرع بالعبادات .

وبما أن هذه الأعمال مأخوذ فيها معنى العبودية فلا يمكن لنا أن نأتي بها على وجهها الصحيح إلا إذا كنا نرى أنفسنا عبيداً الله ونقوم بها على وجه التعبّد والتقرب ونسلم إليه زمام أمورنا ونقبل بما يقسمه لنا . وقد يحصل في أحيان كثيرة أن يوجد من يعبد الله ويسلم أموره إليه إلا أنه يفتقد معنى العبودية الحقيقية وربما وجد من يعصي الله ويرتكب المحرمات لكنه مع ذلك يرى نفسه عبدا لله إلا أنه يتساهل في أداء الواجبات والعبادات . وتفصيل هذا المطلب موكول إلى محله حيث فصلوا هناك بین العبد والعابد وبين العبادة والعبودية. وفي كلا المرحلتين أي العبادة والعبودية لا بد من الإيمان المطلق بالله الواحد الأحد والتخلص من كل معاني الشرك به فلا نعبد غيره ولا نرجو سواه ولا نتخذ أحداً دونه مولى ولا معبوداً . ولا بد أن نلتفت جيداً ونحن نقرأ قوله تعالى : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ إلى لزوم أن يكون ما في سويداء قلوبنا متطابقاً مع ما تقوله ألسنتنا كي لا نكون كاذبين في دعوانا وحينما يقوم أحدنا بعمل ما ويكون الدافع له فيه تحصيل رضى بعض المخلوقين والتقرب منهم أو نيل المال ونحو ذلك فلا المال ونحو ذلك فلا ريب أن ذلك يعدّ شركاً بالله ودخولاً في عداد المشركين به. وهذا أمر واضح يحكم به العقل والوجدان. والدلائل على ذلك في الكتاب والسنة في غاية الوضوح. وبعد التأمل الكافي يظهر لنا أنه من غير الممكن أن يرخص الشارع المقدس بعملٍ

ص: 38

على هذا النحو مما ليس خالصاً لوجهه الكريم لأن في ذلك الترخيص نقضاً للغرض الذي أرسل من أجله الرسل وأنزل لتحقيقه الكتب . وعلى فرض صدور الإذن به فإنه من غير المعقول أن يُجعل عليه ثواب وأجر إذ لا يراد به التقرب إلى الله وحده .

وإذا اتضحت لنا هذه المقدمة نقول :

لا يخفى على العالم البصير أن إبكاء المؤمنين على الحسين ولما لحق بآل محمد(علیه السّلام) من مآس ومصائب أمرُ عبادي ومستحب مؤكد كالبكاء عليه دون فرق وهو أمرٌ مطلوب ومأمور به كسائر الأعمال المرغوبة والمستحبة وعليه من الثواب والأجر ما عليها . والأمر به شامل للمكلفين كلهم على حسب قدرتهم واستطاعتهم ويستحق ممتثله الأجر والثواب تماماً كأصل البكاء على الحسين(علیه السّلام)، الذي هو من أعظم العبادات وأجل المثوبات عالم التي كُلّف بها الأنام دون فرق بينها وبين أنواع العبادات المختلفة ، غاية ما الأمر أن البكاء على الحسين (علیه السّلام)ليس متيسّراً لكل أحد كما في الإبكاء عليه إذ الإبكاء أمرٌ ميسر وسهل المؤونة وليس فيه كثير عناء ومشقة بينما البكاء يحتاج إلى ما يثيره ويحركه لهذا شمّرت جماعة قارئي العزاء عن في سواعد الجد والنشاط لإحياء هذه السنة السنّية وإقامة هذه الشعيرة العظيمة .وعلى هؤلاء أن لا يغفلوا ولا يغيب عن أذهانهم أن هذه العبادة كغيرها من العبادات لا تكون مقبولة إلا إذا كان الداعي إليها نيل رضى الله وإدخال السرور على قلب الرسول وأئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين . وإذا كان هناك من يرجو تحصيل الأجر والثواب ويطمع في غفران الله لذنوبه وتجاوزه عن خطيئاته ونحو ذلك مما لا يتنافى مع الإخلاص فأي عمل أفضل وأجل ، لتحصيل كل ذلك ، من هذا العمل المقدس الذي فيه طاعة الله تعالى ورضى الرسول والأئمة(علیهم السّلام) .

ص: 39

وما قدمناه من لزوم الإخلاص في الداعي إلى هذا العمل المقدس يعد بمثابة الدرجة الأولى من درجات المنبر الحسيني الذي يجب على كل من يريد أن يعتليه أن ينسى حينما يضع رجله على الدرجة الأولى من درجاته كل ما سوى الذات المقدسة الأحدية بأن لا يرى ولا يشعر بوجود د أحد الله عزّ وجل وخلفائه الأبرار (علیهم السّلام).

أما إذا صعد المنبر وهو يريد التقرّب من المخلوقين ونيل رضاهم أو الحصول على شيء من أموالهم ثم قرأ العزاء بهذا الداعي ولهذا الهدف فإن الشيطان سيدفعه ليقع عن ذلك المنبر إلى حفرة الهوى والنفس وينزلق إلى هاوية الدنيا القذرة. وكذلك لو كان الداعي له على هذا العمل بيان فضله وكماله واستعراض قدرته ومهارته في هذا الفن ليذيع صيته في الأقطار ويُنادى باسمه في سائر البلدان والأمصار وتصل محاسن خطابته إلى أسماع العباد فإنه يكون قد أوقع نفسه في مهالك عظيمة لا تُرجى النجاة منها نشير في ما يلي إلى بعضها :

أولاً : إن من يقرأ العزاء بهذا الداعي يحرم نفسه من الثواب الإلهي الذي وعدت به هذه الجماعة من أجل الحصول على غرض حقیر فاسد ونیل شيء يسير من جيفة الدنيا النتنة . وليخسر النعمة الأزلية والحياة الأخروية السرمدية لأجل السمعة والرياء .

وكيف كان فقد مرَّ معنا أن الثواب مجعول في قبال العبادة وأن العمل بدون إخلاص ليس من العبادة البتة ، بل هو في عداد الشرك الخفي .

روى الشيخ الكليني في الكافي في باب المستأكل بعلمه والمباهي به عن أبي عبد الله الصادق (علیه السّلام) أنه قال :

« من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد

ص: 40

به الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة »(1).

وقد روى الكليني الفقرة الأولى من الحديث بسند آخر (2). وروى الشيخ الفقيه محمد بن إدريس الحلي في كتاب السرائر كتاب السرائر نقلا عن كتاب أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه أنه روى عن أبي ذر الله أنه قال :

« من تعلم علماً من علم الآخرة يريد به عرضاً من عرض الدنيا لم يجد ريح الجنة »(3).

وفي كتاب غوالي اللآلىء روى الشيخ ابن أبي جمهور الإحسائي عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عليه وسلم قال :

« من أخذ العلم من أهله وعمل به نجى ومن أراد به الدنيا فهو حظه »(4).

وروى سليم بن قيس الهلالي في كتابه نفس هذا الحديث وأضاف فيه :

« ومن أراد به الدنيا هلك وهو حظه »(5).

وحاصل هذه الزيادة أنه من يطلب بهذا العلم الدنيا فبالإضافة إلى أنه سيحرم من الأجر الأخروي فإنه سيهلك ويهوي في جهنم حسبما يؤديه شرح الحديث وذلك لأنه أعطى علم الدين وأخذ مال الدنيا . وفي هذا المضمون روايات كثيرة لا داعي لاستقصائها .

ص: 41


1- الكافي، الكليني، ج 1، باب المستأكل بعلمه والمباهي به، ص 96 ، ح 2 .
2- نفس المصدر : ص 97 ، ح 3 .
3- مستطرفات السرائر،ابن إدريس الحلي ،ص 143 ، حديث 9 .
4- غوالي اللآلىء، ابن أبي جمهور الإحسائي ، ج 4 ، ص 77 حديث 66 .
5- كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص 124 .

ثانياً : أن ذلك سيجعل الخطيب الحسيني يدخل في عداد من يجعل محمداً وآل محمد (علیهم السّلام)رأس مال تجاري يكسب بهم معاشه ووسيلة لجمع المال والتكسب ، وقد روى الشيخ الكليني في الكافي عن الإمام محمد الباقر (علیه السّلام)أنه قال لأبي النعمان في ضمن الوصايا التي وجهها له :

« ولا تستأكل الناس بنا فتفتقر »(1).

والظاهر أن المراد الفقر الدنيوي والأخروي معاً كما يفهم من الخبر المفصل الذي سيأتي ذكره .

وروى الشيخ المفيد في أماليه حديثاً جاء فيه :

« يا أبا النعمان لا تستأكل بنا الناس فلا يزيدك الله بذلك إلا فقراً »(2).

وأورد الشيخ الكشي في رجاله عن القاسم بن عوف أن الإمام زين العابدين (علیه السّلام) قال له :

« إياك أن تستأكل بنا فيزيدك الله فقراً »(3).

وروى الشيخ الجليل حسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول أن المفضل بن عمر قال في ما أوصى به أصحابه :

« لا تأكلوا الناس بال محمد (علیهم السّلام)فإني سمعت أبا عبد الله يقول :

« افترق الناس فينا على ثلاث فرق : فرقة أحبونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا فقالوا وحفظوا كلامنا وقصروا عن فعلنا فسيحشرهم في النار ،

ص: 42


1- الكافي : ج 2، ص 325 ، باب 325 الكذب حديث1
2- أمالي الشيخ المفيد : ص 116 ، مجلس 23، حديث 5 .
3- رجال الكشي : ج 1، ص 339.

وفرقة أحبونا وسمعوا كلامنا ولم يقصروا عن فعلنا ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم ناراً يسلط عليهم الجوع والعطش ، وفرقة أحبونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا ولم يخالفوا فعلنا فأولئك منا ونحن منهم »(1).

ويقول الشيخ الملا محمد صالح المازندراني وغيره في شرح كلام الشيخ الكليني المتقدم في « باب المستأكل بعلمه » وما أورد فيه من الأخبار : أن المراد هو الشخص الذي يجعل من علمه وسيلة وآلة يصل بها إلى كسب العيش وأكل أموال الناس ويتخذ منه رأسمال تجاري يتاجر به ليوسع على نفسه في الرزق »(2)

والحاصل أن شرارة نار الفرقة الثانية المشار إليها بالحديث المتقدم عن تحف العقول تطال الكثير من أهل العلم. ومن أوضح مصاديقها جماعة من طائفة قراء العزاء الذين لم يكن لهم غرض من تعلم هذا الفن ومعرفة ما يتعلق به وما يُحتاج إليه فيه من فضائل ومصائب وخطب ومواعظ بل حتى بعض المسائل الدينية التي يجعلونها جسراً يعبرون من خلالها إلى ما يطمحون إليه من كسب المال بدون حذر ولا تورع لم يكن لهم غرض من كل ذلك إلا الربح والكسب شأنهم في ذلك شأن التجار والكسبة فلا مانع لديهم من المماكسة والمناقشة في القلة والزيادة وتراهم يوسّطون الوسائط للحصول على الإذن في استلام المنبر لعرض بضائعهم حتى إذا تملكوا منه وجاءت أجورهم أقل مما يأملون أخذهم الغضب وراحوا يتكلمون على صاحب المجلس بما يفضحه ويعيبه بين الناس . وربما عمد بعضهم دناءة فطرته إلى الطلب الصريح من فوق المنبر وكأنه يقوم بأي معاملة تجارية أخرى

ص: 43


1- تحف العقول، حسن بن علي بن شعبة ، ص 384 .
2- حاشية محمد صالح المازندراني على الكافي . باب المستأكل بعلمه .

ومن العجائب المضحكة أنهم مع هذه السيرة التجارية الحقيرة واستبدال الآخرة بالدنيا يتشدقون في المحافل والمجالس العامة ومن فوق أعواد المنابر بأنهم من خواص خدام الإمام الحسين (علیه السّلام)ويرون أنفسهم أصحاب حقوق عظيمة ولهم في رقاب الآخرين أفضال جسيمة وأنهم يستحقون كل إجلال واحترام وتعظيم وإكرام وفي بعض الحالات يتبجح بعضهم وهو على المنبر ويقول : سيدي الإمام الحسين قال كذا وسيدي الإمام الحسين فعل كذا ولا يدري هذا الجاهل الغافل أنه لا يوجد بينه وبين الإمام الحسين (علیه السّلام)أي علاقة ويفصل بينهما ما يفصل بين السماء والأرض . وقدره ومقامه عند الحسين (علیه السّلام)أخس من مقام الكسبة العاديين كالحمال وبائع الخضار والحشائش. وأن اسمه مدوّن في ديوان الكسبة والتجار ويجب عليه أن يجري حساباته كل سنة ليعرف ما غنمه من هذه التجارة ويدفع خمسه على النحو المقرر في محله . وعلى هذا سيكون أسوء حالا من جميع الكسبة لأن التكسب بالحلال وإن لم يكن عبادة ولا يشترط فيه الإخلاص ولا القربى إلا أنه عمل مباح فيما لو كان خالياً من المحرمات وليس فيه أي محذور شرعي . ولا خسارة في مزاولة هكذا عمل بل إذا كان يقصد من مزاولته تحصيل المال لأجل القيام بأمر قربوي كزيارة بيت الله الحرام أو زيارة الأئمة (علیهم السّلام)أو إعانة الفقراء والسادة والعلماء أو التوسعة على العيال ونحو ذلك فإنه سيحصل على الأجر والثواب من خلال هذا العمل المادي . أما قرّاء العزاء وطلاب العلوم الدينية الذين يعد عملهم عبادة ويندرج تحت القربات فهم مرددون بين أمرين لا ثالث لهما أما أن ينالوا بعملهم هذا الخير العميم والمنفعة العظيمة وذلك فيما إذا كان نابعاً من الإخلاص ومشفوعاً بنية القربى أو يقعوا في الخسارة الجسيمة والهلاك المريع وذلك فيما إذا كان دافعهم إلى ذلك تحصيل المال والجاه الدنيوي

ص: 44

وكأن هذه النعمة العظيمة قد أعطيت إليهم لأجل الوصول إلى متاع دنيء في هذه الدنيا الدنيئة والحمل من حطامها وزخارفها .

ومن كل ذلك يظهر لنا أنه لا ينال المرء شرف خدمة الإمام الحسين ولا يحظى بمنصب « خادم سيد الشهداء » بمجرد ذكر فضائله ومناقبه أو عرض مصائبه وحالاته وإلا لكان كل من يعمل في طبع الكتب التي تتحدث عن فضائل الحسين ولو بقصد التجارة المحضة أو يطبع كتاب المقاتل وينشره أو الحمال الذي ينقل الكتب من المكتبة إلى البيت بهدف كسب بعض الدراهم أو المكاري الذي ينقلها من بلد إلى بلد لكانوا كلهم خداماً من خَدَمة سيد الشهداء (علیه السّلام).

ولكن يمكن لقرّاء العزاء الحسيني أن يلتحقوا بقطار خدام حضرته (علیه السّلام)إذا جعلوا أعمالهم وأقوالهم خالصة لوجه الله . . . وأداء لحق أوليائها (علیهم السّلام)، وإلا فكما أشرنا لن يكونوا إلا كسبة جعلوا فضائل و مصائب أهل البيت رأس مالهم وانشغلوا بالتجارة به فليس لهم في ذلك فضل ولم يُسْدوا لأحد منهم خدمة ولم يكلفوا أنفسهم عناء امتثال أوامرهم لذا فهم بعيدون كل البعد عن كونهم خداماً لهم فمن أين يأتيهم الفخر والاعتزاز ؟

ص: 45

ص: 46

من ناحية فقهية

ثم إن قراء العزاء سيسألون عن دليل جواز هذا النوع من التجارة ومدرك حلّية ما يقبضونه كعوض عما يقرأونه وسيتحملون وزر كل من سار بعدهم على هذا النهج وعمل بهذه السنة كما أنهم سيسألون عن السبب الذي دعاهم إلى تصوير ما يقومون به على أنه مستحب ونسبته إلى الشارع . فهل إن جواز أخذ الإجرة مرتبط بعنوان النيابة عن أحد في أداء هذا العمل كما في الإجارة للحج أو الزيارة حيث ذكر بعض الفقهاء أن النائب فيهما يستحق الأجرة على عنوان النيابة لا على أداء نفس أعمال الحج أو القيام بمستحبات الزيارة. ولكن مع ذلك لا بد للنائب قبل الشروع في العمل أن يقصد التقرّب إلى الله فيما إذا كان العمل الذي استؤجر لأجله عبادياً كزيارة قبور الأئمة (علیهم السّلام)و حج بيت الله الحرام وقراءة عزاء الإمام الحسين وإلا فلا دليل على استحقاقه هذه الأجرة. أم هل يرون أن جواز أخذ الاجرة ناشيء من كونه في قبال أداء نفس العمل امتثالاً للأمر المتوجه إليهم من الشارع المقدس سواء كان بنية النيابة وعنوانها أم كان بقصد عنوان آخر ، أم أن جواز هذه الأجرة يعتمد على عنوان آخر أعم من هذين العنوانين، أي عنوان النيابة

ص: 47

وأداء نفس العمل ، دون الحاجة إلى قصد القربى إذ نفس قراءة الفقرات الخاصة التي تعمل على إبكاء الآخرين تكفي في استحقاق الأجرة، بصرف النظر عن كون هذا العمل عبادياً أو لا .

والحاصل أن في المقام كلاماً طويلاً حول مسألة حلّية أخذ هذه الأجرة وقد وقع النزاع بين الفقهاء في مسائل شبيهة بهذه المسألة ، كإقامة الأذان وخاضوا في بحثها بشكل مفصل . وصحيح أن بعضهم صرّح بجواز أخذ

الاجرة على إقامة الأذان إلا أن المشهور بينهم حرمة ذلك وقد جاء في هذا المضمون عدة روايات :

منها : ما رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني في الكافي والشيخ الطوسي في التهذيب بسند معتبر للغاية(1)عن الإمام أبي جعفر الباقر (علیه السّلام): « لا تصل خلف من يبتغي على الأذان والصلاة الأجر ولا تقبل شهادته »(2)

ورواه الشيخ الصدوق أيضاً في من لا يحضره الفقيه بسند صحيح(3). إلا أن غاية ما يستفاد من هذا الحديث عدم جواز إمامة من يأخذ على الأذان أجراً .

ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق في « الفقيه » من أنه أتى رجل أمير المؤمنين (علیه السّلام)فقال : يا أمير المؤمنين والله إني لأحبّك. فقال له :

ص: 48


1- وإليك السند المعتبر : الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن موسى أحمد بنعن الحسن بن علي عن أبيه عن علي بن عقبة عن موسى بن أكيل النميري عن العلا بن سيابة عن أبي جعفر (علیه السّلام).
2- الكافي الجزء 7 ، ص 433 ، باب ما يُرد من الشهود الحديث 11. والتهذيب ج 6 ، ص 243 حديث 606 .
3- رواه بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السّلام)قال : «لا تصل خلف من يبغي على الأذان والصلاة بالناس أجراً، ولا تقبل شهادته». الفقيه ج 3، ص 43 حدیث 3290 .

ولكني أبغضك . قال : ولِمَ ؟ قال : لأنك تبغي في الأذان كسباً ، وتأخذ على تعليم القرآن أجراً »(1).

ونقل الشيخ الطوسي الحديث نفسه في التهذيب وأضاف :

« وسمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول : من أخذ على تعليم القرآن أجراً كان حظه يوم القيامة »(2).

ومنها : ما في التهذيب أيضاً أمير المؤمنين (علیه السّلام) قال : آخر ما عن فارقت عليه حبيب قلبي - يعني رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)- أن قال لي : يا علي إذا صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ، ولا تتخذن مؤذناً يأخذ على أذانه أجراً »(3).وفي الجعفريات عنه (علیه السّلام)أنه عد إجرة المؤذن من السحت كثمن الميتة(4).

وغير ذلك كثير من الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة والمذكورة في محلها . ووجه الشبه بين المؤذن وقارىء العزاء واضح لأن المؤذن يُعلم المؤمنين بدخول وقت الصلاة وحلول زمن الوقوف بين يدي الخالق عزّ وجلّ والصلاة أفضل الأعمال إذ فيها النجاة وإطفاء نار جهنم التي أشعلتها المعاصي، وفضائل وآثار أخرى دنيوية وأخروية ككونها معراج المؤمن ونحو ذلك . وقارىء العزاء يُعلم المؤمنين بما لسادات الأنام (علیهم السّلام)من فضائل ومناقب وما حل بهم من مصائب ويخبرهم بحلول موسم العمل العبادي المهم الذي يقربهم من الله ويدخل السرور على قلب رسول الله وأئمة الهدى عليهم صلوات الله وما ينجيهم من أهوال وشدائد الدنيا والآخرة

ص: 49


1- من لا يحضره الفقيه ،ج3، ص 178، حديث : 3674 .
2- التهذيب : ج 6 ، ص 376 ، حديث 1099 . ورواه في الاستبصار دون الزيادة.
3- التهذيب : ج 2، ص 283 ، حدیث: 1129 . والفقيه : ج 1، ص 283 .
4- الجعفريات : كتاب التفسير، تفسير معنى السحت: ص 180.

وما يطفىء بحار نيرانهم ألا وهو البكاء على آل محمد صلى الله عليهم (1).

وصحيح أن الأذان مستحب جداً ومفضل على غيره من الأعمال المستحبة إلا أنه غالباً صعب شاق لذلك يتركه الناس فينحصر رفع الآذان في فئة ضعيفة من المسلمين وهذا ما أشار إليه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بقوله : «أما إنه لن يعدو ضعفاءكم»(2).

وكيفما كان فإن قارىء العزاء إذا كان متديناً ويحرص على أن يعتاش بمال حلال فليس عليه إلا الرجوع إلى ذلك العالم الذي يقول بحلية أخذ الإجرة على الأذان ، كما أشرنا ، لتقليده في المسألة فربما يخرج بذلك عن عهدة أكل المال الحرام وإن كان سيحرم نفسه من كثير من النعم الأخروية والألطاف الإلهية .

ثالثاً : من المهالك التي تتعرض لها هذه الجماعة ، أنهم يبيعون آخرتهم بدنياهم .

روى الشيخ الجليل جعفر بن أحمد القمي في كتاب الغايات أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)قال :

« شر الناس من باع آخرته بدنياه وشر من ذلك من باع آخرته بدنيا غیره »(3).

ص: 50


1- لا يقال : هذا قياس حيث يراد جرحكم الآذان إلى قراءة العزاء فإنه يقال أن مراد المصنف الله بيان وحدة المناط في المسألتين وحكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد كما حقق في محله .
2- وإليك نص الرواية : قال بعضهم لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): يا رسول الله لقد رغبتنا في أننا لنخاف أن تَضَاربَ عليه أمّتك بالسيوف، فقال: «أما إنه لن يعدو الآذان حتى ضعفاءكم ». دعائم الإسلام : ج 1 ، ص 144 .
3- الغايات: ص 219. تحت عنوان شر الناس .

وهذا المضمون موجود في العديد من الروايات كما لا يخفى .

وقريب منه ما رواه الشيخ الصدوق في عقاب الأعمال عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)أنه قال في آخر خطبة له :

« ومن عرضت له دنيا وآخرة فاختار الدنيا وترك الآخرة لقي الله وليست له حسنة يتقي بها النار »(1).

وجاء في نهج البلاغة وإرشاد الشيخ المفيد والأمالي وغيره أن أمير المؤمنين (علیه السّلام)قال لكميل بن زياد في حديث شريف ذكر فيه أصناف الطالبين للعلم :

« بلى أصبت له لقناً غير مأمون يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا»(2).

ومفاد هذه الأخبار الشريفة وأمثالها واحد .

ولا يخفى أن بيع الآخرة بالدنيا من أجل المال قد يؤدي إلى التخلي عن الدين والشريعة كلياً كما يحصل للضعفاء من أتباع السلاطين الذين يتركون مذهبهم وإسلامهم كي يحصلوا على شيء من المال أو الجاه بتقربهم من الحكّام . وقد حصل ذلك لعمرو بن العاص الذي تخلى عن نصرة وولاية أمير المؤمنين (علیه السّلام)لأجل الحصول على ولاية مصر وقد نبهه علي (علیه السّلام)على ذلك مراراً ووبخه على فعلته الشنيعة تلك كما جاء في ترجمة حياته . وإن أبناء أبي سفيان قد أوقعوا بالكثيرين ممن كانوا في ذلك العصر عبر الترغيب بالمال والدنيا .

ص: 51


1- عقاب الأعمال : ص 283 ،مجمع عقوبات الأعمال .
2- نهج البلاغة : ص 496 من كلام له 147 . الإرشاد ص 121 باب مختصر من كلامه . الأمالي : مجلس 29، ح 3، ص 154 .

ويذكر الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره بعد ذكر لمحة عن زهد أمير المؤمنين (علیه السّلام)أنه من البديع حقاً أن يتخذ المرء سيداً ومولى مثل أمير المؤمنين علي (صلی الله علیه و آله و سلم)(1).

وينقل أن أبا الأسود الدؤلي كان من مواليه (علیه السّلام). وقد حاول معاوية بعدما انتقل أمير المؤمنين إلى رحمة الله أن يغريه بشيء من الدنيا لاستمالته فأرسل له مرة بعض الهدايا وكان فيها أنواع الحلوى والأطايب كالعسل المخلوط بالزعفران وحينما دخل الغلام بالهدية إلى بيت أبي الأسود أسرعت ابنته وكان عمرها خمس أو ست سنوات وأخذت شيئاً من الحلوى ووضعته في فمها فنهرها أبو الأسود وقال لها : أخرجي ما في فمك فإنه مسموم . فقالت له : لماذا ؟ قال ألا تدرين أن ابن هند أرسلها إلينا لنترك محبة أهل البيت. فبصقت ما كان في فيها من الحلوى وقالت : أتخدعنا بالشهد المزعفر عن السيد المطهر . وأنشدت :

أبالشهد المزعفر یا بن هند *** عليك نبيع إسلاما وديناً

معاذ الله ليس يكون هذا *** ومولانا أمير المؤمنينا(2)

وفي الحقيقة حينما نقول أن عمرو بن العاص باع معاوية دينه بالدنيا فإن في ذلك تسامحاً في التعبير إذ إن عمرو بن العاص باع دينه وربح شيئاً من الدنيا إلا أن معاوية لم يستفد شيئاً في آخرته من دين ابن العاص في قبال المال الذي بذله له . فلم يكن هناك معاوضة بينهما مطلقاً .

وفي بعض الأحيان تكون عملية البيع هذه قائمة على قاعدة التخلي عن الدين والآخرة في قبال المال والأمور الدنيوية التافهة بحيث يحصل

ص: 52


1- تفسير أبو الفتوح الرازي.الكلام مترجم، ج 10، ص 163 .
2- نفس المصدر : ج 10 ، ص 164 .

المشتري على الآخرة ونعيمها من خلال ما اشتراه من البائع كتعليم قراءة القرآن فإنه من وسائل تحصيل الآخرة فيما لو علّم المرء الآخرين قراءة القرآن تقرباً الله واحتساباً وطلباً لأجره وثوابه . أما لو أخذ على ذلك أجراً فستحصل في هذه الحالة معاوضة حقيقية بين الطرفين المعلم والمتعلم فيأخذ البائع الذي هو المعلم المال متخلياً عن الأجر والآخرة ويعطي المشتري الذي هو المتعلم المال لينعم في الآخرة بما يحصله من ثواب قراءة القرآن وحينئذ تدخل هذه الحالة في الأخبار المتقدمة بشكل واضح .

وقد جاء في تفسير الإمام الحسن العسكري(علیه السّلام)أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)قال بعدما بين أن هناك ثواباً عظيماً لمن يقرأ آية من القرآن أو يستمع إليها :

« أتدرون متى يتوفر على هذا المستمع وهذا القارىء هذه المثوبات العظيمات إذا لم يغل في القرآن [ أنه كلام مجيد ](1)و [ لم يجفُ عنه ](2)ولم يستأكل به ولم يراء به »(3).

ولا يخفى على كل منصف واع أن المسألة ليست مختصة بقراءة القرآن وإنما تتعداها إلى كل ما يكون آلة لنيل الآخرة ووسيلة لتحصيلها فيجري عليه نفس الحكم ، فلا بد أن نتعامل معه كما نتعامل مع قراءة القرآن . وقد اهتم الأئمة (علیهم السّلام)بهذا الجانب غاية الاهتمام كي لا يقعوا في هذا البلاء فكانوا يتعمّدون أن لا يعرفهم البائع إذا أرادوا شراء شيء كي لا يخفف لهم من السعر. فإنهم كانوا ينزهون أنفسهم الشريفة عن أن يقصدوا هذه التفاهات الدنيوية ويأبون أن يشتروا بمقام الإمامة الذي هو وسيلة أخروية شيئاً من حطام الدنيا .

ص: 53


1- هذه الجملة موضوعة ضمن الطوق في الأصل.
2- هذه الجملة موجودة في الأصل ولم ينقلها المصنف .
3- التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري : ص 14 .

وفي سيرة أمير المؤمنين (علیه السّلام)أكثر من مورد يدل على هذا الاهتمام فقد روی ابن شهر آشوب وغيره عن الإمام محمد الباقر (علیه السّلام)أن أمير المؤمنين (علیه السّلام) أتى البزازين فقال الرجل: بعني ثوبين، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين عندي حاجتك. فلما عرفه مضى عنه فوقف على غلام فأخذ ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والاخر بدرهمين. وفي رواية أخرى أنه ترك دكانين لأن صاحبيهما عرفاه حتى دخل إلى دكان ثالثة وكان فيها غلام خاطبه بنداء « يا شيخ » فأدرك أنه لم يعرف أنه أمير المؤمنين فاشترى منه . وحينما عاد والد الفتى ورأى أمير المؤمنين (علیه السّلام)في دكانه قال له : إن ابني لم يعرفك و هذان در همان ربحهما . فقال : « ما كنت لأفعل قد ماكست وماكسني واتفقنا على رضى »(1).

وقال الشيخ الشهيد الثاني في شرح اللمعة بعدما بين كراهة التفريق بين المشترين :

« نعم لو فاوت بينهم بسبب فضيلة ودين فلا بأس لكن يكره للآخذ قبول ذلك ولقد كان السلف يوكلون في الشراء من لا يُعرف هرباً من ذلك »(2).

فظهر من هذه الكلمات أنه من قبائح الأعمال أن يعمد من يريد أن يشتري شيئاً إلى مناقشة البائع والتوسل بفضله وعلمه وصفاته الحسنة عنده ليقلل له شيئاً من السعر كأن يقول له : أنا سيد أو طالب أو زائر لبيت الله الحرام أو حرم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)أو لسائر الأئمة (صلی الله علیه و آله و سلم)فأرجو أن تراعيني في السعر وأن تقلل الثمن .

ص: 54


1- المناقب: ابن شهر آشوب، ج 2، ص 97.
2- شرح اللمعة الدمشقية : ج 2، ص 286 .

وكثيراً ما يتفق أن يكون البائع مؤمناً فيقلل السعر إكراماً لتلك الصفات فيحصل بذلك على الأجر الكبير لكن المشتري الجاهل بالآداب الدينية يكون قد أدخل نفسه لأجل هذه الفائدة الحقيرة في زمرة الذين يبيعون دينهم بالدنيا ، ويستعملون الدين آلة لنيل الدنيا فيخسر كل شيء في تلك المعاملة .

والعلم الذي يتخذ وسيلة لتقليل الثمن ولو ريالاً واحداً يعدُّ من العلوم التي لا تنفع عند الله والتي نعوذ به منها في كثير من أدعيتنا فنقول :

« اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع »(1).

ومما ذكرنا تبيّن أن هذا القسم يشمل قراء العزاء كما يشمل طلاب العلم فإنهم يستطيعون أن يتخذوا ما يقولونه من ذكر فضائل أهل البيت ومناقبهم وبيان مصائبهم (علیهم السّلام)وسيلة للوصول إلى النعيم الأخروي شأنهم في ذلك شأن معلم القرآن والمؤذن ومدرس المسائل الدينية . لكن بعضهم وبسبب دناءة فطرتهم وقصور هممهم واشتعال نار الحرص في نفوسهم وخوفاً من الفقر والفاقة يعرضون عن تلك الوسيلة ويتركون تلك المعاملة المباركة الرابحة ويتخلون عن ذلك الرصيد القيم لقاء دراهم معدودة .

ومعلوم أنه كلما ازدهر السوق وازدحم بالمشترين وكثر الطالبون للمتاع كلما كان صاحبه الذي يريد أن يبيعه مسروراً وفي غاية الانبساط والفرح لما يؤمله من ذلك من جمع الذهب والفضّة والحصول على الخلع الثمينة وكلما كسد السوق وقلّ الراغبون بذلك المتاع كلّما كان البائع حزيناً يغمره الأسى والتذمّر ، وتراه يعمد إلى كل الوسائل لجلب المشترين فربما وقع من جراء ذلك في بعض المحاذير التي يكفي أحدها في أن يكون

ص: 55


1- مفاتيح الجنان : ص 17 بتغيير يسير .

سبباً مستقلاً في محق دينه وهلاكه مثل أن يتذلل للمشتري ولأصحابه بل ربما يتملق لخدّامه بأنواع التملق القبيح . وقد يتعدى الأمر كل ذلك فيدخل في الطعن على سلع الآخرين وبيان عيوبها أو البحث والتجسس عن ثغراتها وعوراتها من أجل إظهارها للغير كي تكسد وتبور . وهكذا يسترسل في المنافسة إلى درجة أنه يتملكه الحسد والبغض فيما لو تقدم عليه منافسوه ويأخذه العجب والافتخار فيتباهى أمام الناس إن هو تغلب عليهم وأخرجهم من ساحة المنافسة كأنه حقق فتحا للدين .

وربما يوجه أشد الأذى لصاحب المجلس فيما إذا لم يدفع له المقدار الذي يريده مع أن هذه المعاملة فاسدة لأن العوض فيها غير معين غالباً .

ومن طريف الحكايات التي تُحكى في هذا المضمار ما أخبرني به أحد العلماء الأعلام طاب ثراه من أن واعظاً معروفاً دخل ذات يوم قبل حلول شهر رمضان المبارك إحدى القرى فاستقبله أحد الوجهاء فيها وأخذه إلى مسجده الذي كان مسجداً معروفاً. وقد أخبرني ذلك العالم باسم البلد والواعظ والوجيه إلا أنني لا أرى من المناسب ذكر ذلك هنا . ثم اتفق معه على أن يقرأ له العزاء في مسجده طيلة أيام شهر رمضان لقاء مبلغ معين يدفعه له في وسط الشهر . وهكذا بدأ الواعظ عمله إلى أن حان وقت دفع المال فنقص ذلك الوجيه شيئاً من المبلغ المتفق عليه فلم يستطع الواعظ أن يقول شيئاً وكتم أمره إلى يوم الواحد والعشرين من شهر رمضان وهو يوم شهادة أمير المؤمنين (علیه السّلام) . وعلى حد قول بعض الظرفاء « هو يوم الحشد والجموع » لكثرة ما يجتمع فيه من الناس للمشاركة في المصيبة فصعد المنبر وبدأ بالقراءة وذكر المصيبة إلى أن وصل وقت اللطم وشق الثياب ونحو ذلك فعَلَتِ الضجة وارتفعت الضوضاء وساد الهرج والمرج صفوف المشاركين فاغتنم الواعظ الفرصة فرمى عمامته عن رأسه ونزل عن المنبر متوجهاً إلى

ص: 56

المحراب حيث يجلس السيد الوجيه ونزع عمامته عن رأسه قائلاً له أنت صاحب العزاء وكل من في المسجد في غم وحزن وقد نزعوا عمائمهم وشقوا ثيابهم ليلطموا صدورهم وأنت لا تزال جالساً وعمامتك على رأسك ثم أخذ رأسه بين يديه وشدّه بقوة وقال له بصوت خافت : ستعطيني بقية المال وإلا فإني سأعمل كل ما أقدر عليه . ولما كاد نفس السيد أن ينقطع ولم يلتفت إليه أحد ممن في المجلس لم يكن أمامه سوى القبول والتأكيد له بأنه سيدفع له بقية المبلغ كاملة فتركه الواعظ وعاد إلى منبره ليشرع بالدعاء .

كيف يكون أمثال هذا لائقين بمقام الوعظ والإرشاد أم كيف يحق لهم أن يفتخروا بأنهم من خدّام الإمام الحسين (علیه السّلام) ؟ إن قلوبهم خراب وأعمالهم سراب .

رابعاً : إن كثيراً من هؤلاء تشملهم الآيات والأخبار التي تتهدد وتتوعد من يعظ الناس وينسى نفسه ويوجههم نحو الأخلاق الفاضلة ، وترك الأعمال القبيحة دون أن يلتزم هو بها ويعرفهم ثواب الله وعقابه ويحثهم على الاقتداء بأبي عبد الله الحسين (علیه السّلام)ولكنه لا يعمل بما يأمرهم به ولا يخاف مما يخوفهم منه . إن هكذا أشخاص سيقعون في الندامة الأبدية على ما بدر منهم . والله تعالى يوبّخهم في كتابه الكريم بقوله :

﴿ أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾(1).

وجاء في تفسير« أبو الفتوح الرازي »عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال :

« هؤلاء خطباء أمتك يقولون ما لا يفعلون ويأمرون الناس بالبر

ص: 57


1- سورة البقرة، الآية : 44 .

وينسون أنفسهم »(1).

وفيه أيضاً عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)أنه قال :

« إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه »(2).

وكذلك جاء فيه عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)أنه قال :

« مثل العالم الذي لا ينتفع بعلمه كمثل المصباح يحرق نفسه ليضيء للآخرين »(3).

وجاء فيه أيضاً عنه عليه وعلى آله الصلاة والسلام :

« لا يسمح لأحد أن يرفع قدماً عن قدم يوم القيامة حتى يسأل عن عدة أشياء :

عن شبابه فيما أفناه وعن عمره كيف صرفه وعن ماله كيف كسبه وفيما أنفقه وعن علمه هل عمل به أم لم يعمل »(4).

وفي أمالي الصدوق ومحاسن البرقي عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السّلام): بمَ يعرف الناجي ؟ ، فقال : من كان فعله لقوله موافقاً فهو ناج ، ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً فإنما ذلك مستودع »(5).

ص: 58


1- «تفسير أبو الفتوح الرازي». ج 1 ، ص 165 . وقد روى هذا الحديث كل من الإمام الرازي والشيخ الطبرسي في تفسيريهما عن مالك بهذا النص مررت ليلة أسري بي على أناس تقرض شفاههم بمقاريض أنس بن من نار فقلت من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال : «هؤلاء خطباء من أهل الدنيا ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم».
2- تفسير «أبو الفتوح الرازي» . ج 1 ، ص 165 .
3- تفسير«أبو الفتوح الرازي» . الحديث مترجم، ج 1، ص 165 .
4- نفس المصدر.
5- أمالي الصدوق : مجلس 57 ، حدیث 7 ص 293 محاسن البرقي : كتاب مصابيح .الظلم، ص 252، ح 274 .

أي إن إيمانه ليس ثابتاً في قلبه بل هو بمنزلة الوديعة يزول بأدنى امتحان .

وروى العياشي في تفسيره عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (علیه السّلام) قال :

قلت له : « أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم » قال : فوضع يده على حلقه وقال : « كالذابح نفسه »(1).

أي إن أولئك الذين يأمرون الناس بالبر ولا يفعلونه فكأنهم يذبحون أنفسهم بأيديهم .

وجاء في عدة أخبار في تفسير قوله تعالى :

﴿ فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ ﴾(2).

إن الذين يُلقون في جهنّم هم المشركون والغاوون ويراد من الغاوين الذين يهدون الناس إلى الحق والعدل والحكمة وما إلى ما هنالك من الطاعات والأخلاق الحسنة إلا أنهم يعملون بخلاف ما يقولون وبعكس ما يعتقدون(3).

وقد ورد عنهم (علیهم السّلام)روايات كثيرة في هذا المضمون :

ص: 59


1- تفسير العياشي : الجزء الأول، ص 43 .
2- سورة الشعراء ، الآية : 94 .
3- راجع مثلا تفسير القمي : ج 2، ص 124 ففيه عن الصادق (علیه السّلام):« نزلت في قوم وصفوا عدلا ثم خالفوه إلى غيره ».

«إن أشد الناس حسرة يوم القيامة الذين وصفوا العدل ثم خالفوه»(1).

وجاء في تفسير الآية الشريفة :

﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسُ يا حسرتا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾(2).

إن تلك الجماعة هي التي تتحسر يوم القيامة وتقول هذا القول(3).

ومن هذا الباب أخبار كثيرة منها جملة وردت في باب آداب أهل العلم . ولا يخفى أن بعض قراء العزاء هم من هذه الجماعة خصوصاً من كان منهم يستخدم المقدمات الوعظية في كسب المال وربما يذكرون خطب أمير المؤمنين البليغة فيذكرون الناس من خلالها بسلوكه (علیه السّلام)وبأعماله ويخوفونهم من إغراء الدنيا وآفاتها ويحذرونهم بلياتها ومهلكاتها ويحثونهم على بغضها والإعراض عنها مستشهدين في ذلك بأحوال عظماء الدين وخواص الأصحاب والأوصياء الراشدين . وقد تراهم يتعرضون للحديث عن الصفات القبيحة ولزوم اجتنابها والرذائل البشعة وضرورة الابتعاد عنها فيقرأون ما يحفظونه من كتاب الغزالي الشافعي وتابعيه بكل فصاحة وبلاغة ودون تردد أو تلكُاً ويعرضون الآيات الشريفة والأحاديث المناسبة لتلك المجالس بكل دقة واتقان إلا أنهم مع كل ذلك هائمون بحب جيفة الدنيا وملطخون أنفسهم بخبائثها ورذائلها إلى درجة لو أن صاحب المجلس الذي يقرأون فيه غفل حين دخوله أو خروجه عن إكرامهم وتوقيرهم أو لم يفسح لهم بالمجال لتكون قراءتهم في آخر المجلس وخاتمته - وهذا من قبائح بدعهم حيث يعتبرون أن الذي يختم المجلس هو الأعلى رتبة ومقاماً - أو أنه نقص أجرة أحدهم ريالين عن أجرة زملائه الآخرين تراهم يشتكون منه

ص: 60


1- المحاسن: كتاب عقاب الأعمال، باب 64 ، ص 120 .
2- سورة الزمر، الآية : 56 .
3- مرت الإشارة إلى حديث المحاسن .

ويتذمرون ويسيئون له القول ويردون له الإجرة ويقاطعون مجلسه حيث يعتبر كل واحد منهم أن بضاعته أفضل وأن ما لديه أجود وأن ما أعطي من أجرة لا يتلائم مع ما قدمه من قراءة جيدة . ثم ترى الواحد منهم يطعن على زملائه في نسبهم وحسبهم أو في سلوكهم وقدرتهم على القراءة حيث يعدهم من أهل الدنيا دون أن يرى نفسه منهم ويعدد ما لهم لهم من أفعال قبيحة وأعمال ذميمة . أما هو فيرى نفسه هو فيرى نفسه من أهل الله وأصحاب الآخرة فيتجاوز عن كل ما عنده من قبائح وسوء سريرة بما لديه من بعض المحفوظات الشعرية والمنبرية . ولا يخفى على الناقد البصير أن من كان منهم بهذه السيرة السيئة والسريرة الخبيثة مشمول للأخبار المتقدمة وعليه فإنه سيكون من أشد الناس حسرة وندامة يوم القيامة .

وقد جاء في عيون الأخبار للصدوق أن زيد بن موسى أخ الإمام الرضا (علیه السّلام) خرج في المدينة فأحرق وقتل فبعث إليه المأمون فأسر وحمل إليه المقال المأمون : إذهبوا به إلى أبي الحسن الرضا . فلما أدخل إليه قال له (علیه السّلام) :

« يا زيد أغرَّك قول سفلة أهل الكوفة : إن فاطمة (سلام الله علیها)أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار ، ذلك للحسن والحسين خاصة ، إن كنت ترى أنك تعصي الله عزّ وجلّ وتدخل الجنّة وموسى بن جعفر(علیه السّلام) الأطاع الله ودخل الجنة فأنت إذا أكرم على الله عزّ وجلّ من موسى بن جعفر (علیه السّلام).والله ما ينال أحد ما عند الله عزّ وجلّ إلا بطاعته ، وزعمت أنك تناله بمعصيته فبئس ما زعمت » . فقال له زيد : أنا أخوك وابن أبيك .

فقال له أبو الحسن (علیه السّلام): أنت أخي ما أطعت الله عزّ وجلّ ، إن نوجاً (علیه السّلام) قال:﴿ رَبُّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَ إِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَ أَنْتَ

ص: 61

أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ ﴾ (1).

فقال الله عزّ وجلّ :﴿ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أَنَّهُ عَمَلُ غَيْرُ صَالِحُ ﴾(2).فأخرجه الله عزّ وجلّ من أن يكون من أهله بمعصيته »(3)

فإذا كانت المعصية تقطع العلاقة بين الإمام وأخيه والنبي وابنه فكيف يتسنى لمثل هؤلاء الاتصال به والدخول في عداد خدمه .

وقد عُلم مما ذكرنا أنه إذا ابتلي واحد من أهل العلم ،والعياذ بالله ،بداء هذه الطائفة من قراء العزاء بأن صار يجعل الدين وسيلة لتحصيل المال عبر الحيل والخداع فسيشاركهم في العذاب .وكلما علت درجة علمه وكثر ما حصله من العلوم كلما كان عذابه أكبر وحسرته أشد . وقد تعرضت الروايات لحالات هؤلاء مفصلاً إلا أن التعرض لها يخرجنا عن موضوع الرسالة .

ويجب هنا التنبيه على عدة أمور :

التنبيه الأول : إن بعض قراء العزاء، ومن أجل رواج بضاعته ، لم يشترط في هذه العبادة الإخلاص بل جوز فيها الرياء وجعل ذلك من مختصات سيد الشهداء معتبراً أن الرياء يفسد كل طاعة إلا هذه وذلك لأن مجرد قرب أبي عبد الله الحسين من الذات الأحدية كاف في تجاوز هذا الشرط فتقبل الطاعات فيه ولو كان فيها رياء .ومستنده في ذلك توهم ساذج . إذ تخيل أن الإذن بالتباكي، الذي ورد ذكره في عدة أخبار مرّت في المقدمة ، يدل على ذلك وأن تظاهر المرء بالبكاء والحزن على

ص: 62


1- سورة هود، الآية : 45 .
2- سورة هود، الآية : 46 .
3- عيون أخبار الرضا، الجزء الثاني : ص 234 .

الحسين (علیه السّلام)وإيهام الناس أنه يبكي كاف في الحصول على أجر البكاء . إن من يتصور ذلك أحمق وعديم الفهم بل هو مفتر على الله ورسوله ولا يدري أنَّ الأخبار وإن كانت صحيحة لو جوّزت الرياء فإنها تخالف القرآن والسنة والعقل القطعي والإجماع ولذا لا بد من تأويلها فكيف إذا كانت المسألة من مثل هذه الكلمة المجملة التي لا تدل على المعنى المشار إليه ولا ربط لها بذلك المقصود الفاسد .

فما هو المقصود إذاً من هذا المطلب الذي هو محل حاجة المكلفين ومرتبط بالقوانين الإلهية الشريفة المستفادة من آثار أهل البيت (علیهم السّلام)والتي جيء بها من أجل تهذيب الصفات الإنسانية ؟ إليك بيان ما هو المقصود منها :

إن الصفات الإنسانية الحميدة مثل الرضا والتوكل والزهد والعلم وأمثال ذلك هي قوام إنسانية الإنسان ويتوقف عليها آدمية بني البشر . فوجود هذه الصفات في النفس يحملها على صدور الأعمال الحسنة منها ويجعلها تترك آثاراً إيجابية طالما رغب بها أهل العلم والبصرة . فوجود الزهد في القلب يدعو إلى الإعراض الحقيقي عن الدنيا فلا يرى صاحبه أي علاقة بينه وبينها ولا يرى فيها شيئاً يستحق أن يربط به قلبه فلا يفرح لإقبالها ولا يحزن لإعراضها . ومن كان لا يرى ذلك من نفسه فهو مبتلى دون ريب بالحرص والرغبة .

والزاهد في الدنيا يجد من السهل عليه مثلاً دفع ما يتوجب عليه من حقوق كالزكاة والخمس وما يستحب له أداؤه كالصدقات وغيرها . فهو في مقام امتثال أوامر الله لا يفرق بين الذهب والتراب والفضة والحصى . وبهذه العلامات يمكن لنا معرفة صاحب الزهد الحقيقي وتمييزه عن مدعي الزهد . ولكن يجب أن نلتفت إلى أنه من لوازم الزهد القلبي الصادق بروز هذه الآثار

ص: 63

وصدور هذه الأعمال وليس كلما صدرت هذه الأعمال من أحد تكون صادرة عن زهد حقيقي بل إذا ظهرت ممن ليس له هذا الزهد دلّت على أنه مقبل على الدنيا وأنه مرتبط بها غاية الارتباط . وهؤلاء على نحوين :

النحو الأول : الذين لا غرض لهم إلا الرياء والاستعراض والحصول على منزلة في قلوب الناس وإيهامهم أن لهم مقاماً رفيعاً عند الله . وهذا زهد شكلي ووسيلة من وسائل تحصيل حطام الدنيا وهو الشرك الخفي الذي يجب الحذر منه والاحتراز عنه ومن غير الممكن أن يرخص الله به .

النحو الثاني : من ليس له في الواقع تلك الصفات الحسنة والمناقب المحمودة إلا أنه يسعى لتحصيلها عن طريق العلم والعمل حسبما قرره علماء الأخلاق . فهو يتضايق من شعوره بمحبة الدنيا وإحساسه بالارتباط بها ويسعى على وفق تعليمات الأئمة (علیهم السّلام) للتخلص من تلك المحبة والتحرر من ذلك الارتباط وللوصول إلى الإتصاف بتلك الخصال الحميدة وبلوغ المقام الرفيع مهما كان ذلك صعباً وشاقاً . ومن المعلوم أنه كلما تمكنت تلك الصفات من القلب كلما كانت الأفعال الناشئة عنها أسهل على صاحبها والعكس صحيح ، فإنها ستكون أصعب عليه ويجد في القيام بها مشقة كبيرة إن لم تكن الصفات الحميدة راسخة في نفسه . إلا أنه يستطيع أن يرسخها في نفسه شيئاً فشيئاً حتى يصبح صدور آثارها عنه في غاية السهولة . فتلخص أن صدور الأفعال الحسنة عن المرء قد يكون ناشئاً من رسوخ الصفات الحميدة المشار إليها في القلب وقد يكون على نحو السعي لترسيخها وتمكينها فيه.وفي كلا الحالتين هي أعمال حسنة وممدوحة وتعد من العبادات والقربات وبعيدة كل البعد عن الرياء والسمعة . وهذا المطلب الشريف ، فضلاً عن كونه وجدانياً ، سمع ورأي من أهله وعرف بالتجربة والمعاينة ، والأخبار دالة عليه.ومنها ما جاء في الغرر والدرر عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) من أنه

ص: 64

قال :

« إن لم تكن حليماً فتحلم ، فإنه قلَّ من تشبه بقوم إلا أوشك أن يصير منهم »(1). وفيه أيضاً عنه(علیه السّلام) : « من لم يتحلم لم يحلم »(2).

وفي هذا المضمون ما جاء في الزهد من الأمر بالتزهد من أجل الوصول إلى الزهد الحقيقي (3). فإذا توضحت هذه المقدمة نقول :

إن البكاء على الإمام الحسين (علیه السّلام)، وإن كان من أعمال الجوارح والأعضاء وفعلاً من أفعال العين ، إلا أن سببه المحبة القلبية حيث ينفطر القلب من مجرد تصور نزول تلك المصائب العظيمة على ولي الله وحبيبه فيسبب ذلك خروج الدموع من العيون . وقد قال رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام :

«إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً»(4).

وفي رواية أخرى عنه (صلی الله علیه و آله و سلم): « إن للحسين محبة في قلوب المؤمنين ».

ومعلوم أن هذه المحبة مع الاطلاع على تلك المصائب المفجعة تخلق في القلب الحرارة المشار إليها والتي هي بدورها تسبب البكاء . وكثيراً ما يكون المؤمنون يحبون أن يصلوا إلى ذلك المستوى إلا أنهم وبسبب نقصان محبتهم أو بسبب ما على قلوبهم من غشاوة الشهوات يحصل لديهم مانع من التأثر بتصور تلك المصائب ، أو لغير ذلك من الموانع التي تحول دون تأثر

ص: 65


1- الغرر والدرر: الآمدي،ص 143 ، حديث : 61 .
2- الغرر والدرر: الآمدي،ص 362 ، حدیث : 1381.
3- راجع مقدمة كتاب الزهد،للحسين بن سعيد الأهوازي .
4- مستدرك الوسائل، عن كتاب الأنوار - كتاب المزار - باب 49، حديث: 14 . ص 217 . ط . حجرية .

الإنسان واشتعال قلبه بالحزن فلا يستطيع أن يبكي مما يحرمه من الثواب العظيم الذي جعل على البكاء. وبما أن إنساناً كهذا يكره حالة البعد هذه ويحب أن يكون مثل الآخرين ويبكي كبكائهم فقد أخذ الأئمة بيده لإصلاح ما في قلبه من خراب وعلموه أن يتباكى ويظهر آثار وعلامات التأثر ليكون ذلك وسيلة لعمران قلبه بمحبتهم (علیهم السّلام). ومما يؤيد ذلك أن هذه الطريقة متبعة أيضاً في البكاء من خشية الله كما جاء في أمالي الشيخ الطوسي وفي مكارم الأخلاق للطبرسي في موعظة وجهها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)لأبي ذر يقول فيها :

« يا أبا ذر من أوتي من العلم ما لا يبكيه لحقيق أن يكون قد أوتي علماً لا ينفعه . إن الله نعت العلماء فقال عزّ وجلّ : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَ يَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ، وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ﴾(1).

يا أبا ذر : من استطاع أن يبكي فليبك . ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباكَ ، إن القلب القاسي بعيد من الله تعالى ولكن لا يشعرون »(2).

ولا يخفى أن لكلمة «التباكي » الشريفة نظيراً على وزنها وهو «التعاون»ومن هنا يظهر لها معنى آخر يُحتمل أن يكون هو المراد منها وهو أن يُبكي المؤمنون بعضهم بعضاً ، مثلما يفعل اليتامى إذا رحل عنهم أبوهم أو أمّهم فإنهم يتحلقون حول بعضهم ويأخذون بتذكر عزيزهم الذي فقدوه فيبدأ كل واحد منهم بذكر ما يعرفه من محاسنه وخصاله الحميدة وما

ص: 66


1- سورة الإسراء، الآية : 107 .
2- مکارم الأخلاق: 462 . وأمالي الشيخ الطوسي: مجلس: 4، محرم ص 457 540 .

يأتي على خاطره من أفعاله الحسنة أو يستعرض مصائبه وشدة ابتلاءاته ثم يبكون جميعاً ويلطمون صدورهم حزناً عليه . والحاصل أن المؤمنين جميعاً هم أصحاب المصيبة وأهلها فكلُّ منهم يقرأ للآخر ويبكيه . ويؤيد هذا المعنى ما جاء في آداب اليوم العاشر من المحرم . ففي الخبر الشريف المتعرض لذكر زيارة عاشوراء المعروفة أن الإمام الصادق(علیه السّلام) كان يجمع بعد الندب والنوح والبكاء كل من في البيت لإحياء المصيبة بشكل جماعي والتباكي على الإمام الحسين(علیه السّلام)(1). وهذا المعنى للتباكي يدخله ضمن الطاعات والعبادات ويجعله خالصاً من شائبة الرياء الذي هو من أقسام الشرك الخفي(2).

سبحان الله ، يتحمل الحسين (علیه السّلام)كل تلك المصائب من أجل إحكام أساس الإسلام وتوحيد الذات المقدسة ، وإعلاء كلمة الحق وتشييد مباني الدين المبين وحفظه من أن تتطرق إليه بدع الملحدين ، فكيف يحتمل عاقل أن يصير سبباً لجواز أعظم المعاصي وأكبر الموبقات ألا وهو الشرك . لا بد أن سبب هذا التوهم الفاسد والتخيل الشيطاني عدم التأمل بما للرياء من قبح وبشاعة أو وجود غشاوة الحرص والطمع بتحصيل الذهب والفضة .

التنبيه الثاني :

إن ما ذكرناه عن قارىء العزاء خاص بمن كان بمنجى من المفاسد الأخرى للخطابة والتعزية وكان عيبه الوحيد عدم الإخلاص في أداء هذه

ص: 67


1- مصباح الكفعمي: ج 2، ص 564 ، زيارة عاشوراء.
2- لا يخفى أن هذا المعنى الشريف وإن كان صحيحاً في نفسه ولا غبار عليه إلا أنه لا يتلائم مع ظاهر الروايات المتعرضة لذكر التباكي حيث لا يصح هذا المعنى إلا إذا أسند إلى أكثر من واحد كالتقاتل والتعاون والتنافس أما إذا أسند لواحد كما في الروايات فإنه لا يحتمل ذلك المعنى مثل من أنشد في الحسين فتباكي فله الجنة» ويمكنك مراجعة سائر الروايات في المقدمة .

العبادة بأن كان يسعى لتحصيل المال أو الجاه . أما إذا كان ، والعياذ بالله ، مبتلى بشيء آخر فضلاً عن عدم الإخلاص كالكذب على الله ورسوله والأئمة الطاهرين والعلماء الأعلام أو القراءة بما يشتمل على اللحن المناسب لمجالس الفسوق أو الدخول إلى بيوت الآخرين للقراءة فيها دون إذنهم بل مع نهيهم الصريح أو الصعود فوق المنبر وإيذاء الحاضرين بقراءة بليغة لا بكاء فيها ولا تدل إلا على الاحتيال والتصنع أو الترويج للباطل في وقت الدعاء وقبله بمدح الأشخاص غير المستحقين لذلك وإهانة عظماء الدين أو إفشاء أسرار آل محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) وتحريك الفتن وإعانة الظالمين وإغراء المنحرفين وتجرأة الفاسقين ، وتصغير المعاصي في نظرهم أو إدخال حديث في حديث آخر أو تفسير الآيات الشريفة بالآراء الفاسدة أو نقل الأخيار بمعاني باطلة أو الافتاء مع عدم الأهلية لذلك ، أو الانتقاص من الأنبياء العظام ، والأوصياء الكرام عليهم الصلاة والسلام من أجل تكبير ورفع مقامات الأئمة أو إسقاط بعض فقرات الرواية مما يتنافى مع غرضه الفاسد أو إيراد الأقوال المتناقضة وإدخال قصة بقصة أخرى أو الاعتماد على كلمات الكفرة لتزيين الكلام وتنميقه ، أو إيراد الحكايات المضحكة وأشعار الفسقة الفجرة ذات المعاني المنكرة أو ذكر بعض الشبهات في أصول الدين دون الإجابة عنها بل مع عدم القدرة على الإجابة عنها أو زلزلة قواعد الإيمان وأصول الدين عند ضعفاء المسلمين أو ذكر ما ينافي عصمة وطهارة أهل بيت النبوة (علیهم السّلام)أو تطويل الخطبة لأغراض كثيرة فاسدة فيحرم بذلك الحاضرين من فضيلة أداء الصلاة لوقتها أو غير ذلك من المفاسد التي لا يمكن لأمثالي إحصاءها . فلو كان مبتلى بأحد هذه الأشياء فضلاً عن عدم الإخلاص كان كمن يتاجر برأس مال حرام من عدة جهات مثل من يتاجر بلحم الخنزير والميتة والمسكر والغناء فجمعها مع بعضها البعض بقصد الحرام لتصير

ص: 68

فساداً في فساد وحراماً في حرام وتبقى ذمّته مشغولة لصاحب المال المدفوع ثمناً لها .

ولو كان لهذا الخطيب مقام في رئاسة هذا الفن على نحو يقتدى به سائر قُرّاء العزاء ويسيرون على نهجه وطريقته ثم يأتي بشيء مما ذكرنا فإنه سيكون شريكاً في كل المفاسد التي تصدر عنهم إلى يوم القيامة وسيكتب في صحيفة عمله كل ما فعله أولئك مما تعلموه منه دون أن ينقص من عقابهم شيء وذلك مقتضى الأخبار المستفيضة القائلة :

« من استن بسنّة سيّئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء »(1).

فقارىء العزاء الجاهل المسكين لو تأمل بحاله وبأحوال أهل البيت (علیهم السّلام) لوجد أنه من اللازم عليه أن يقيم مجالس عزاء على نفسه ويقرأ ويبكي على حاله وعلى المصائب التي أوقع نفسه فيها عن قصد واختيار وأن يتألم ويندم على النعم الجميلة التي هدرها حيث أوصل إليها الاخرين وحرم نفسه منها وأن يبكي على إدراج اسمه في ديوان الأشرار مع أنه كان بإمكانه بشيء من الإخلاص في النية وصفاء في السريرة أن يسجل اسمه في ديوان ناصري أهل البيت ومادحيهم وناشري آثارهم فيكون بذلك من أصحاب العليين . إن ما فعله هو الخسران المبين .

التنسه الثالث :

والمقصود من هذا التنبيه بيان تكليف قارىء العزاء وكيفية أدائه لهذا العمل واشتغاله بهذا الفن الذي روحه الإخلاص وهدفه تنفيذ أوامر الله

ص: 69


1- ثواب الأعمال: الصدوق ص 132، والمحاسن للبرقي، ج 1، باب - ثواب الأعمال - ص 27 .

وإدخال السرور على قلب رسول الله وأئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومواساة الصديقة الكبرى (سلام الله علیها)وبيان تكليف الآخرين تجاه قارىء العزاء فنقول :

إن على قارىء العزاء أن يقول للحاضرين، كما هو الحق ، أن هذه الأرواح المقدسة حاضرة في هذا المأتم وتنظر إلى عيون الباكين المملوءة بالدمع وإلى وجوه المنشغلين بإقامة العزاء الطافحة بالحزن فيحثهم بذلك على التأثر والبكاء لا أن يقول لهم أن يبكوا بداعي السمعة والرياء لينال بذلك رضاهم ويحصل على أموالهم .

أما الآخرون الذين ينتفعون من وجود قارىء العزاء في تحصيل الأجر والثواب كصاحب المجلس والحاضرين المستمعين فتكليفهم إعانته ورعايته وتوقيره وإكرامه والإحسان إليه بالمال واللسان وسائر الجوارح وبكل ما يستطيعون . وعليهم أن يعلموا أنهم مهما قدموا له من خير فإنهم لن يوفوه حقه حتى لو أعطوه كل مال الدنيا ومتاعها وذلك لأنه استطاع أن يحمل الآلاف منهم في قطار واحد وينقلهم مباشرة إلى الجنّة . ففي قبال هذا العمل يكون كل ما يعطونه قليل وكل ما يفعلونه يسير . وهذا أمر بديهي بالنظر لما مرَّ معنا من المقدمات ومطابق لسيرة الأئمة (علیهم السّلام)وكيفية تعاملهم مع هذه الطائفة ومع أمثالهم كمعلمي القرآن المجيد والمداحين .

روى الشيخ الجليل ابن شهر آشوب في مناقبه أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر (علیه السّلام)بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه فقال (علیه السّلام) :

إني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله (علیه السّلام)فلم أجد لهذا العيد خبراً وإنه سنّة للفرس ومحاها الإسلام ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الإسلام .

ص: 70

فقال المنصور : « إنما نفعل هذا سياسة للجند ، فسألتك بالله العظيم إلا جلست » .

فجلس ودخلت عليه الملوك والأمراء والأجناد يُهنئونه ويحملون إليه الهدايا والتحف ، وعلى رأسه خادم المنصور يُحصي ما يُحمل ، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السن فقال له :

يا بن رسول الله إنني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك ، ولكن أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي (علیه السّلام):

عجبت لمصقول علاك فرنده *** يوم الهياج وقد علاك غبار

ولأسهم نفذتك دون حرائر *** يدعون جدك والدموع غزار

ألا تضعضعت السهام وعاقها *** عن جسمك الإجلال والإكبار

قال (علیه السّلام): «قبلت هديتك،اجلس بارك الله فيك». ورفع رأسه إلى الخادم وقال : «امضِ إلى أمير المؤمنين وعرّفه بهذا المال، وما يصنع به». فمضى الخادم وعاد وهو يقول : كلها هبة مني له يفعل به ما أراد.فقال موسى (علیه السّلام)للشيخ :

« اقبض جميع هذا المال فهو هبةٌ منّي لك »(1) .

وفيه أيضاً أن عبد الرحمن السلمي علم أحد أبناء الإمام الحسين سورة الحمد فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلة وحشا فاه درا . فقيل له في ذلك قال : وأين يقع هذا من عطائه ؟ يعني تعليمه(2).

أي أنه مهما يُعطى إزاء تعليم القرآن يكون قليلاً .

ص: 71


1- المناقب: ابن شهر آشوب، ج 3، ص 318 .
2- نفس المصدر : ج 4 ، ص 66 .

وروى أبو علي ابن الشيخ الطوسي في الأمالي عن الإمام موسى بن جعفر (علیه السّلام)أنه قال : كنت عند سيدنا الصادق(علیه السّلام) إذ دخل عليه أشجع السلمي يمدحه فوجده عليلاً فجلس وأمسك . فقال له سيدنا الصادق (علیه السّلام) : عَدَّ عن العلة واذكر ما جئت له ، فقال له :

البس_ك الله من_ه ع_افي_ة *** ... إل_ى آخ_ر الأبي_ات

فقال : يا غلام إيش معك ؟ قال : أربعمائة درهم . قال : اعطها للأشجع . قال : فأخذها وشكر وولى . فقال : ردّوه ، فقال : يا سيدي سُئلت فأعطيت وأغنيت فلم رددتني ؟ فقال : حدثني أبي عن آبائه عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال : خير العطاء ما أبقى نعمة باقية ، وأن الذي أعطيتك لا يبقى لك نعمة باقية وهذا خاتمي فإن أعطيت به عشرة آلاف درهم ، وإلا فعد إلى وقت كذا وكذا أوفك إياها »(1)

وروى القطب الراوندي في الخرايج أنه لما أنشد الفرزدق قصيدته الشهيرة في الإمام زين العابدين بحضور هشام بن عبد الملك بعث إليه علي بن الحسين بصلة بدنانير فردّها وقال : ما قلت ذلك إلا ديانة فبعث بها إليه أيضاً وقال : قد شكر الله لك ذلك .

فلما طال الحبس عليه وقد تُوعد بالقتل شكى إلى الإمام (علیه السّلام)فدعا له الام فخلّصه الله فجاء إليه وقال : يا بن رسول الله إنه محا اسمي من الديوان . فقاله له : كم كان عطاؤك ؟ قال : كذا . فأعطاه لأربعين سنة وقال (علیه السّلام) :

« لو علمت أنك تحتاج إلى أكثر من هذه لأعطيتك » . فمات الفرزدق

ص: 72


1- امالي ابن الشيخ الطوسي المطبوع ملحقاً بأمالي الشيخ ، ج 17، ص 287 .

لما انتهت الأربعون سنة»(1).

وقد أورد الشيخ الكشي هذه القصة وروى فيها أنه (علیه السّلام)بعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس فلو كان عندنا أكثر هذا من لوصلناك به ، فردّها عليه وقال : يا بن رسول الله ، ما قلت الذي قلت إلا غضباً الله ورسوله وما كنت لأزري عليه شيئاً فردها عليه وقال: «بحقي ، عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك » فقبلها »(2).

وروى الشيخ المفيد في الاختصاص أن الكميت دخل على الإمام الباقر (علیه السّلام)فقال له : جعلت فداك أرأيت أن تأذن في أن أنشدك قصيدة ؟ عليه فقال : « أنشد » . فأنشده قصيدة فقال : يا غلام ، اخرج من یا بدرة فادفعها إلى الكميت . فقال له : جعلت فداك أرأيت أن تأذن لي أن أنشدك أخرى؟ فقال: «أنشد». فأنشده ،أخرى ، فقال : يا غلام،أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت » . فأخرج الغلام بدرة فدفعها إليه فقال : جعلت فداك أرأيت أن تأذن لي أن أنشدك ثالثة ؟ فقال له : «أنشد». فأنشده فقال :« يا غلام اخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت » ، فقال له الكميت : والله ما امتدحتكم لغرض دنيا أطلبه منكم وما أردت بذلك إلا صلة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) وما أوجبه الله لكم علي من الحق ، قال : فدعا له أبو جعفر (علیه السّلام)ثم قال :« يا غلام ردها إلى مكانها »(3)

وروى علم الهدى السيد المرتضى في الغرر والدرر أن دعبل بن علي الخزاعي وإبراهيم بن العباس دخلا على الإمام الرضا (علیه السّلام)بعدما بويع له

ص: 73


1- الخرائج والجرايح : الراوندي، ص240.
2- رجال الكشي : الطوسي، ج 1، ص 345 .
3- الاختصاص : المفيد، صفحة 272.

بولاية العهد وكانا صديقين لا يفترقان أنشده دعبل :

مدارس آیات خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصات

وأنشده إبراهيم بن العباس :

أزال عزاء القلب بعد التجلد *** مصارع أولاد النبي محمد

فوهب لهما عشرين ألف درهم من الدراهم التي عليها اسمه كان المأمون أمر بضربها في ذلك الوقت فأما دعبل فصار بالعشرة آلاف التي حصته إلى قم فباع كل درهم بعشرة دراهم فتخلصت له مائة ألف درهم ، وأما إبراهيم فلم تزل عنده حتى مات »(1).

وجاء في عيون أخبار الرضا أنه أهدى بعضها وفرق بعضها على أهله إلى أن توفي (رحمه الله علیه) فكان كفنه وجهازه منها »(2).

وقد اختلفت الأخبار في مقدار عطائه (علیه السّلام)للدعبل بعد إنشاده قصيدة مدارس آيات ففي بعضها أنه أعطاه غير الدراهم خاتماً فصه عقيق وقميص خز أخضر وقال له : « احتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ليلة ألف ركعة وختمت فيه القرآن ألف ختمة »(3).

وفي بعض الأخبار أنه أعطاه بدل القميص جبة . وله مع أهل قم قصة تتعلق بتلك الجبة حيث أعطوه بها ألف دينار وقطعة منها(4)وقد ظهرت منها معجزة(5)ثم جعلها في كفنه .

ص: 74


1- عيون أخبار الرضا: ج 2، ص 142 . والغرر والدرر المعروف بأمالي السيد المرتضى، ج 2، ص 130 باختلاف يسير .
2- عيون أخبار الرضا : ج 2 ، ص 142.
3- أمالي أبو علي الطوسي : ج 12، ص 370 .
4- رجال الكشي : ج 2، ص 794.
5- كشف الغمة في معرفة الأئمة : ج 2، ص 328 .

ويكفينا هذا المقدار من الأخبار لتنبيه المؤمنين ، لكننا نقول في هذا المجال أن بذل الأموال لجماعة قراء العزاء من أفضل أنواع النفقات المرغوبة لأجل الأمام الحسين (علیه السّلام) وقد وعد عليها بثواب عظيم .

يروي الشيخ الطريحي في مجمع البحرين حديث مناجاة موسى (علیه السّلام)وقد قال :

يا رب لم فضّلت أمة محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) على سائر الأمم ؟ فقال الله تعالى : فضلتهم لعشر خصال . قال موسى : وما تلك الخصال التي يعملونها حتى آمر بني إسرائيل يعملونها ؟ قال الله تعالى : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة والقران والعلم والعاشوراء . قال موسى : یا رب وما العاشوراء ؟ قال : البكاء والتباكي على سبط محمد (صلی الله علیه و آله و سلم)والمرثية علي والعزاء على مصيبة ولد المصطفى . يا موسى ما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزى على ولد المصطفى إلا وكانت له الجنّة ثابتاً فيها . وما من عبد أنفق [ من ماله ](1)في محبّة ابن بنت نبيه طعاماً وغير ذلك درهماً أو ديناراً إلا وباركت له في دار الدنيا الدرهم بسبعين وكان معافاً في الجنة وغفرت له ذنوبه »(2).

وبما أن هذه الرسالة مبنية على الاختصار نكتفي بهذا المقدار من بيان الشرط الأول.

ص: 75


1- في الأصل موجودة لكنها سقطت من العبارة عند نقل المؤلف للحديث .
2- مجمع البحرين،الطريحي ، ج 3، ص 406 .

ص: 76

الفصل الثاني: في بيان شرط الدرجة الثانية

اشارة

في بيان شرط الدرجة الثانية من درجات منبر قراءة العزاء وهو الصدق ويقع بيانه في عدة مقامات .

الأول : في مدح الصدق وعلو مرتبته .

الثاني : في ذم الكذب وبيان مفاسده الدنيوية والأخروية .

الثالث : في كون الكذب والافتراء على الله ورسوله والأئمة الأطهار من كبائر المعاصي .

الرابع : في الإشارة إلى أقسام الكذب وبيان أحكامها .

الخامس : في بيان معنى الصدق والمراد من الصادق في هذا المقام .

ص: 77

ص: 78

المقام الأول

في مدح الصدق

اعلم أن صفة الصدق وسيرة قول الحق من أفضل الكمالات الإنسانية التي تتفق عقلاء كل الأمم على حسنها وقبح تركها ولسنا بحاجة لذكر ما جاء مدحه من الكتاب والسنّة إلا أنه لا مفر من عرض لمحة موجزة منها لما في فيها من التبرك والتيمن وتنوير القلوب المظلمة بنور آيات القرآن الشريفة وكلمات العظماء البليغة إذ من فوائدها الكثيرة ميل القلوب للتمسك بعروة الصدق الوثقى والاعتصام بحبل قول الحق المتين .

يقول الله تعالى في معرض مدحه لذاته المقدسة :

﴿ وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾(1) ويقول في آية أخرى : ﴿ وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ﴾(2) ويقول في مقام مدح بعض عباده :﴿ الصَّابِرِينَ وَ الصَّادِقِينَ وَ الْقانِتِينَ وَ الْمُنْفِقِينَ وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ﴾(3) ويقول أيضاً :

ص: 79


1- سورة النساء، الآية : 87 .
2- سورة النساء، الآية : 122 .
3- سورة آل عمران،الآية : 17 .

﴿ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (1) ويقول : ﴿ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ (2)

ويقول في سورة الأحزاب بعد ذكر طائفة من عباده الصادقين والصادقات :﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً ﴾(3)

ويقول أيضاً :

﴿ وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُمْ مَا يشاؤون عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُمْ أَ سُوءَ الَّذِي عَمِلُوا وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (4)

وروى الشيخ الكليني في الكافي عن الإمام الصادق (علیه السّلام) أنه قال :

« من صدق لسانه زکی عمله »(5)

وجاء فيه أيضاً عن الصادق أنه قال :

« كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع »(6).

وجاء فيه أيضاً عن عمرو بن المقدام أنه قال : قال لي أبو جعفر في أول دخلة دخلت عليه : « تعلّموا الصدق قبل الحديث »(7).

ص: 80


1- سورة المائدة، الآية : 119.
2- سورة التوبة، الآية : 119 .
3- سورة الأحزاب،الآية : 35 .
4- سورة الزمر، الآية : 35 .
5- الكافي، الكليني، الجزء الثاني من أصول الكافي : ص 112 .
6- نفس المصدر : ص 113 .
7- نفس المصدر : ص 112 .

وجاء فيه أيضاً عن الربيع بن سعد أنه قال : قال لي أبو جعفر (علیه السّلام) :

« يا ربيع إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صديقاً »(1).

وروى الكليني والصدوق والبرقي بأسانيد متعددة عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)أنه قال لعلي (علیه السّلام) :

« أوصيك يا علي في نفسك بخصال فاحفظها ، اللهم أعنه ، الأولى الصدق فلا يخرج من فِيْكَ كذبُ أبداً »(2).

وروى الكليني عن الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« إن الله عزّ وجلّ لم يبعث نبياً إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البر والفاجر »(3).

وفيه أيضاً عنه. عنه(علیه السّلام) :

« لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم ، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة »(4).

وفيه عن أبي كهمس قال : قلت لأبي عبد الله (علیه السّلام) : عن عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام قال : عليك وعليه السلام ، إذا أتيت عبد الله فأقرأه السلام وقل له : إن جعفر بن محمد يقول لك : انظر ما بلغ به علي (علیه السّلام)عند رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)فالزمه فإن عليّاً إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 81


1- نفس المصدر السابق .
2- روضة الكافي : ص 69 . والمحاسن : ج 1، ص 17. ومن لا يحضره الفقيه : ج 4 ، كتاب الوصية : ص 188 .
3- أصول الكافي،الكليني، الجزء 2 ، ص 111 .
4- نفس المصدر.

بصدق الحديث وأداء الأمانة »(1).

وفيه عنه (علیه السّلام): « لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده فإن ذلك شيء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته »(2).

وروى أيضاً عن عبد الرحمن بن سيابة قال : قال لي الصادق (علیه السّلام):

« ألا أوصيك ؟ قلت : بلى جُعلت فداك ، فقال : عليك بصدق الحديث وأداء الأمانة تشرك الناس في أموالهم هكذا - وجمع بين أصابعه - قال : فحفظت ذلك عنه ، فزكيت ثلاثمائة ألف درهم »(3).

وفي أمالي الصدوق والجعفريات عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)أنه قال :

« إن أدناكم مني وأوجبكم علي شفاعة أصدقكم حديثاً . . .الخ »(4)

وجاء في الثاني عنه (صلی الله علیه و آله و سلم):

« إن مكارم الأخلاق صدق الحديث وصدق الناس »(5)

وفي كتاب الأخلاق لأبي القاسم الكوفي أن شخصاً سأل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)عن العلامات التي يعرف بها المؤمن فقال :

ص: 82


1- نفس المصدر : ص 112 .
2- نفس المصدر : ص 113 .
3- فروع الكافي ، باب 78 أداء الأمانة حديث 9 ، ص 130 .
4- الجعفريات كتاب السير والآداب باب التقوى وحسن الخلق:الصدوق، المجلس : 76 ، حديث 5 ، ص 411 .
5- الجعفريات - كتاب السير والآداب - باب صفة أخلاق المتقين، ص 167 .

«بوقاره وهدوئه وصدقه في الحديث»(1).

وفي أمالي الصدوق عن الصادق (علیه السّلام) أنه قال :

« أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ رجل صدوق في حديثه محافظ على صلواته وما افترض الله عليه مع أداء الأمانة »(2).

وفيه وفي كتاب العيون عن أمير المؤمنين (علیه السّلام)أنه قال :

« لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة »(3).

وفي كتاب التهذيب روى الشيخ الطوسي عن أبي عبد الله الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« أربع من كنّ فيه كمل إيمانه ، وإن كان من قرنه إلى قدمه ذنوباً لم ينقصه ذلك قال : وهو الصدق وأداء الأمانة والحياء وحسن الخلق »(4)

وروى سبط الشيخ الطبرسي في مشكاة الأنوار عن الصادق (علیه السّلام)لأنه قال :

« إن من حقيقة الإيمان أن يؤثر العبد الصدق حيث يضر على الكذب حيث ينفع وأن لا يعدو بمقاله عمله »(5)

أي أنه يعمل بما يقول ولا يقول ما لا يعمل به . والظاهر أن المراد

ص: 83


1- الأخلاق . أبي القاسم الكوفي، الحديث مترجم.
2- أمالي الصدوق : المجلس 48 ، حدیث 8، ص 243.
3- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 51 وأمالي الصدوق : مجلس 50، حديث 6، ص 249 .
4- رواه في الكافي ج 2، ص 107 .
5- مشكاة الأنوار . ص 172 ، الفصل 19 في الصدق .

بالضرر فوات المنفعة لا دخول النقصان على المال والبدن والعرض سواء في ذلك عرض القائل أو عرض إخوانه في الإيمان فإنه يجوز لأجل دفع هذا الضرر عدم قول الصدق بل ربما يكون في بعضها واجباً .

وفي نهج البلاغة ذات المضمون عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) حيث يقول :

« علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك »(1).

وعن أمير المؤمنين(علیه السّلام) أنه قال :

« الصدق يهدي إلى البر ، والبر يدعو إلى الجنّة ، وما يزال أحدكم يصدق حتى لا يبقى في قلبه موضع إبرة من كذب حتى يكون عند الله صادقاً »(2).

وجاء عنه(علیه السّلام) في ضمن خطبة طويلة قوله :

« ألا فاصدقوا فإن الله مع الصادقين ، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب للإيمان ، ألا وإن الصادق على شفا منجاة وكرامة ، والكاذب على شفا مخزاة وهلكة »(3).

وعن الإمام علي بن الحسين(علیه السّلام) أنه قال :

« أربع من كن فيه كمل إسلامه ومحصت عنه ذنوبه ولقي ربه عزّ وجلّ وهو عنه راض :

ص: 84


1- نهج البلاغة : حكم أمير المؤمنين حكمة رقم 458 . ص 556.
2- مشكاة الأنوار . ص 172 الفصل 19 في الصدق .
3- أمالي أبي علي الطوسي : ص 220 ، ج8.

من وفى الله عزّ وجلّ بما يجعل على نفسه للناس وصدق لسانه مع الناس واستحي من كل قبيح عند الله وعند الناس ، وحسن خُلقه مع أهله »(1).

وفي مصباح الشريعة عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) أنه قال :

« الصدق سيف الله في أرضه وسمائه أينما هوى به يقد »(2).

وقال الصادق(علیه السّلام) :

« الصدق نور غير متشعشع إلا في عالمه كالشمس يستضيء بها كل شيء يغشاه من غير نقصان يقع على معناها »(3).

وعن الديلمي في إرشاد القلوب قال : جاء رجل إلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فقال : يا رسول الله ما عمل أهل الجنة - أي ما العمل الذي يدخل الناس الجنة - قال : الصدق ، إذا صدق العبد بر وإذا بر آمن وإذا آمن دخل الجنّة (4).

وعن أمير المؤمنين(علیه السّلام) أنه قال :

« زينة الحديث الصدق »(5).

وروى القطب الراوندي في لب اللباب عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

ص: 85


1- الخصال: ج1 ،ص222 باب الأربعة حديث 50 .
2- مصباح الشريعة : ص 50 .
3- مصباح الشريعة: ص 51 . الحديث هكذا في الأصل.
4- إرشاد القلوب،الديلمي، ج 1، ص 185.
5- أمالي الصدوق : مجلس 74 حديث 1، ص 395 إلا أنه مروي عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم).

«اقصد الصدق واختاره فإنه فيه النجاة وإن تخيلت أن فيك الهلاك»(1).

وفيه عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) أنه قال :

« أوصاني رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) حينما زوجني فاطمة فقال عليك بالصدق فإنه مبارك وترك الكذب فإنه شوم »(2).

وفيه أن قوله تعالى :

﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ﴾(3).

نزل في حق أمير المؤمنين(علیه السّلام) ولم يعمل به غيره وحينما نزلت هذه الآية كان لديه دينار فباعه بعشرة دراهم وتصدق بها على عشرة مساكين وسأل رسول الله عشرة مسائل :

الأولى : قال يا رسول الله كيف أدعو الله ؟ قال(صلی الله علیه و آله و سلم) : « بالصدق والوفاء .

الثانية : ماذا أسأل الله ؟ قال(صلی الله علیه و آله و سلم) : العافية .

الثالثة : ماذا أفعل لأنجو بنفسي ؟ قال(صلی الله علیه و آله و سلم): كل حلالاً وقل الصدق »(4).

وفي تفسير « أبو الفتوح الرازي »عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

« عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنّة »(5).

ص: 86


1- لب اللباب. الحديث مترجم .
2- لب اللباب الراوندي . الحديث مترجم .
3- سورة المجادلة، الآية : 12.
4- لب اللباب،الراوندي. الحديث مترجم .
5- تفسير أبو الفتوح الرازي. الحديث مترجم .

وفي دعاء ليلة الجمعة وغيره :

« اللهم ارزقنا صدق الحديث وأداء الأمانة والمحافظة على الصوات »(1).

ص: 87


1- جمال الأسبوع - ابن طاووس - دعاء ليلة الجمعة : ص 200 .

ص: 88

المقام الثاني

في ذمّ الكذب وبيان مفاسده الدنيوية والأخروية

قال تعالى : ﴿ إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ﴾(1).

ولو لم يكن في قبح الكذب غير هذه الآية لكفى ولكانت وافية بالمقصود .

وقال أيضاً : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفُ كَذَّابُ ﴾(2).

وقال أيضاً : ﴿ إِنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ﴾(3).

وجاء في الكافي عن الإمام محمد الباقر(علیه السّلام) أنه قال :

« إن أوّل من يُكذِّب الكذَّاب الله عزّ وجلّ ثم الملكان اللذان معه ثم هو يعلم أنه كاذب »(4)

ص: 89


1- سورة النحل الاية : 150.
2- سورة غافر، الآية : 28 .
3- سورة آل عمران،الآية: 61 ، وليس فيها«إنَّ» . وقد أثبتها المصنف اشتباهاً .
4- أصول الكافي، الكليني، ج 2، ص 326 حديث 6.

وفيه وفي كتاب عقاب الأعمال عنه(علیه السّلام) أنه قال :

« إن الله عزّ وجلّ جعل للشر أقفالاً ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب والكذب شر من الشراب »(1).

يقول مؤلف هذا الكتاب لقد ذكر لبيان أسوئية الكذب من الخمر وجوه ظهر بعضها من مطاوي الأخبار المتقدم ذكرها وهي :

أولاً : إن مفاسد الكذب اكبر من مفاسد شرب الخمر إذ بالكذب تراق الدماء وتنتهك الأعراض وتهدر الأموال . جاء في كتاب الجعفريات وغيره عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

« يُعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئاً من الجوارح ، فيقول : أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئاً فيقال له : خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها ، فسُفك بها الدم الحرام ، وانتهب بها المال الحرام ، وانتهك بها الفرج الحرام، وعزتي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئاً من جوارحك »(2).

وفي الآية الشريفة : ﴿ إِنْ جاءَكُمْ فاسِقُ بنبأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ﴾(3) إشارة إلى هذه المفاسد ، والمراد بالفاسق هنا الوليد بن عقبة بن أبي معيط.وكما ذكرت كتب السير والتواريخ فإن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أرسله إلى بني المصطلق بعد فتح مكة ليقبض زكواتهم وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فخرجوا لاستقباله

ص: 90


1- أصول الكافي : ج 2، ص 325 حديث .. وعقاب الأعمال بتغيير يسير، ص 244.
2- الجعفريات كتاب السير والآداب. باب التحري في الكلام ص 147 . وأصول الكافي : ج 2، ص 124 حديث : 16 .
3- سورة الحجرات الآية : 6 .

تعظيماً لأمر رسول الله فظن أنهم يريدون قتله فعاد إلى النبي وقال له يا رسول الله إن بني المصطلق ارتدوا ومنعوا الزكاة وكادوا أن يقتلوني فغضب النبي وأراد أن يغزوهم فجاءوا إليه وقالوا يا رسول الله لقد جاءنا رسولك فخرجنا لاستقباله فلمّا رآنا رجع ولم يعد إلينا ولا نعرف السبب في ذلك إلى أن جئنا إليك الآن وقلنا لا بد أن يكون قد أخبرك بغير الواقع حتى غضبت ولقد أعددنا الصدقات وننتظر من يستلمها ، إلى آخر القصة(1).وهي تدل على أن تلك القبيلة كادت تهلك بسبب كذب الفاسق الوليد بن عقبة وهذا ما لا يريده الله سبحانه وتعالى فأنزل الآية الشريفة فعلم بعد الفحص كذبه وافتضح أمره .

ثانياً : كثيراً ما يتعلق الكذب بحقوق الناس فيتسبب بالأذى في أرواحهم وأعراضهم وأموالهم بينما الخمر لا يتعلق إلا بحق الله لذلك يكون أقرب إلى عفوه وغفرانه من الكذب الذي يتعلق بالحقين معاً(2).

ثالثاً : إن الكذب يضر بأصل الإيمان ويهدم بنيانه وقد جاء في الكافي عن الإمام الباقر(علیه السّلام) أنه قال : « الكذب خراب الإيمان »(3).

وفي محاسن البرقي عن الرضا أنه قال :

« سُئل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يكون المؤمن جباناً ؟ قال : نعم . قيل : ويكون بخيلاً ؟ قال : نعم . قيل : ويكون كذاباً ؟ قال : لا »(4).

ص: 91


1- تفسير الكشاف : ج 4 ، ص 359.
2- لا يقال أن الخمر في بعض الأحيان يتسبب بانتهاك الأعراض وسفك الدماء فإنه يقال إلا أن شرب الخمر بحد ذاته لا يتعلق به حقوق الناس بينما الكذب يحتاج إلى موضوع وغالباً ما يكون مرتبطاً بالآخرين فتأمل هذا المعنى .
3- أصول الكافي : ج 2، ص 326 ، حديث: 4 . ونص عبارته هكذا : إن الكذب هو صحیح خراب الإيمان .
4- المحاسن: البرقي، الجزء الأول، عقاب الكذب، ح 126، ص 118.

وفي اختصاص الشيخ المفيد عن الحسن بن محبوب قال : قلت لأبي عبد الله(علیه السّلام) : يكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : نعم . قال : قلت : فيكون عليل جباناً ؟ قال : نعم . قلت : فيكون كذاباً ؟ قال : لا ولا جافياً . ثم قال : يجبل المؤمن على كل طبيعة إلا الخيانة والكذب »(1)

وفي الكافي عن أمير المؤمنين أنه قال :

« لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده »(2)

وفي دعوات القطب الراوندي ومجموعة الشيخ ورام أن عبد الله بن حوراء قال : قلت للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) : المؤمن يزني ؟ قال : قد يكون ذلك :قلت المؤمن يسرق؟ قال : قد يكون ذلك. قلت يا رسول الله المؤمن يكذب ؟ قال : لا . قال الله تعالى : ﴿ إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ (3)»(4).

وفي تفسير العياشي عن الإمام الرضا(علیه السّلام) أنه ذكر رجلا كذاباً ثم قال : قال الله :﴿ إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ (5)

وأما الخمر فبما أن أثره يبقى في البدن أربعين يوماً فإن صلاة شاربها تسقط عن رتبة القبول طول تلك المدة فقط .

رابعاً : إن الكذب يسبب اختلال نظام الحياة وفساد أمور عامة الناس حتى شارب الخمر لأن علاقات بني البشر تتداخل فيما بينها في مجال

ص: 92


1- الاختصاص : المفيد ،ص 231 .
2- أصول الكافي: الكليني، ج 2، ص 327 حدیث : 11 .
3- سورة النحل، الآية : 105 .
4- الدعوات،الراوندي : ص 118 حديث : 275 ومجموعة الشيخ ورام الجزء الأول، باب الكذب، ص 114 .
5- تفسير العياشي : ج 2، ص 271 .

الشهادات والرسائل والمعاملات والوكالات والإقرار وغير ذلك فيحتاج بعضهم إلى بعض ولا يمكن لهم الاعتماد على الكاذب في إخباره فيما يحكي من أخباره وأخبار الآخرين مما يعرقل مسار أمورهم ويخل بنظام عيشهم .

ففي الكافي عن أمير المؤمنين أنه قال :

« ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مواخاة الكذاب ، فإنه يكذب حتى يجيء بالصدق فلا يصدق »(1).

وجاء في موضعين من الكافي باختلاف يسير عن أمير المؤمنين أنه كان إذا صعد المنبر قال : ينبغي للمسلم أن يتجنب مواخاة ثلاثة : الماجن الفاجر ، والأحمق ، والكذاب . ثم بعد أن شرح حال الأولين قال :

وأما الكذاب فإنه لا يهنأك معه عيش ينقل حديثك وينقل إليك الحديث ، كلما أفنى أحدوثة مطرها بأخرى مثلها حتى أنه يحدث بالصدق فما يصدق . ويفرق بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور فاتقوا الله عزّ وجلّ وانظروا لأنفسكم(2).

وقد جاء في النهي عن مصاحبة الكذاب أخبار عديدة كما لا يخفى .

خامساً : إن شارب الخمر إذا تاب وندم واستغفر فقد ينجو من تبعات وعقوبات شرب الخمر أما الكذاب فلا بد له فضلاً عن التوبة والندامة والاستغفار أن يخرج عن عهدة كل المفاسد التي سببها بكذبه والتي ألحق بها الضرر بالناس سواء في أموالهم أو في أعراضهم أو في أنفسهم .

ص: 93


1- أصول الكافي: ج 2،ص 327، حدیث : 14 .
2- أصول الكافي : باب 473 من تكره مجالسته ومرافقته حديث 1، ص 604 وجاء أيضاً في ذات المجلد من الكافي باب 349 مجالسة أهل المعاصي حديث 6 ، ص 360.

سادساً : إن شارب الخمر إذا تاب لدى الحاكم الشرعي يسمع قوله . فقد ذكروا في الفقه أنه تقبل توبته وتسمع شهادته(1). وبالجملة لا خلاف بين الفقهاء في ذلك إلا في مورد واحد(2). أما الكذاب فإنه إذا تاب فشهادته محل إشكال لأن اعتياده على الكذب يمنع من حصول الوثوق والاطمئنان بصدقه لدى الحاكم إذ من المحتمل قوياً أن يكون كاذباً في ادعائه التوبة فتكون شهادته محل إشكال وتهمة كما قرّر في محله من الفقه.

سابعاً : إن الداعي الذي يحرك الإنسان ويدفعه للكذب غالباً ما يكون دناءة الطبع وسوء السريرة والحرص . وقد جاء في كتاب الغايات لجعفر بن أحمد القمي عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)« أقل الناس مروة من كان كاذباً »(3).

وسيأتي عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) أنه قال في وصيّته للإمام الحسن أن يتجنّب عدة أشياء منها الكذب .

وجاء في الاختصاص عنه(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

« لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه »(4).

وربما يكون الحسد والعداوة هما اللذان يدفعانه إلى قول الكذب على المؤمنين .

وأما شارب الخمر ، فكما نقلوا ، يكون عالي الهمة ومعروف بالسخاء وكرم الطبع فيعطي من لا يستحق ويبذل المال في غير موضعه في أغلب الأوقات . وصحيح أن شرب الخمر مذموم إلا أن خصاله من السخاء

ص: 94


1- الوسيلة لابن حمزة ، ص 231 ، والشرائع للمحقق الحلي : ج 4 ، ص 131 .
2- وهو فيما إذا اتحد الموردان الكذب وشرب الخمر ووجدا في فرد واحد .
3- الغايات - باب يجمع الغايات - ص 172 .
4- الاختصاص، المفيد، ص 232 .

وعلو الهمة محبوبة ومرغوب فيها وهي أشرف من صفات الكذاب التي هي من القبائح كالحرص والبخل ورذالة الطبع وسوء السريرة .

ثامناً : إن شارب الخمر غالباً ما يخجل من فعله لأنه يدرك أنه قام بجرم عظيم فلا يحب أن يطلع أحدٌ على ما فعله . وصفة الحياء هذه ممدوحة ومقبولة لدى سائر العقلاء بخلاف صفات الكذاب حيث يلقي عنه ثوب الحياء فلا يخجل من نفسه ولا من الآخرين فتراه يقول ما يريد دون أن يهتم لما يقال عنه . وهذه من الصفات المذمومة التي ينفر منها كل عاقل ويخرج بها صاحبها عن حريم الإنسانية .

تاسعاً: إن كل المفاسد التي تصدر عن شارب الخمر إنما تصدر عنه حالة اللاشعور وفقدان العقل بخلاف المفاسد والشرور التي تصدر عن الكذاب فإنها تصدر عنه عن إدراك وشعور ومن الطبيعي أن يكون قبح أفعاله حينئذ أشد . وإلى هذا الوجه أشار المرحوم الملا محمد صالح في شرح الكافي (1).

عاشراً : إن أهم ما يميز بني الإنسان عن الحيوانات ويشرفه عليها النطق والكلام حيث يحتاج بعضهم لأخبار البعض الآخر بما لا يعلمونه . وهذه الحاجة لا يتحقق الغرض منها إلا إذا كان المخبر صادقاً وكان يخبر عن الواقع فيمكن لهم حينئذ أن يتعلموا من بعضهم أما إذا اعتمد الكذب فقد ارتفعت هذه الميزة المشرفة من بينهم وحل مكانها صفات شيطانية. لذلك كان الكذاب أسوأ من شارب الخمر فإن شارب الخمر يزول عقله لبعض الساعات ثم يعود والله العالم .

ونعود لكلامنا السابق فقد جاء في جامع الأخبار عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 95


1- حاشية الملا محمد صالح على الكافي . شرح باب الكذب من كتاب الإيمان والكفر .

أنه قال : المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف ملك ، وخرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش فيلعنه حملة العرش . وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني بأمه »(1).

وفيه عن النبي موسى(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال : يا رب أي عبادك خير عملاً ؟

قال : « من لا يكذب لسانه ولا يفجر قلبه ولا يزني فرجه »(2).

وفي الكافي عن أمير المؤمنين(صلی الله علیه و آله و سلم) و أنه قال في ضمن بعض خطبه :

« لا سوأة أسوأ من الكذب »(3).

وفي كتاب دعائم الإسلام وصية طويلة أوصى بها(علیه السّلام) ابنه الحسن وسائر أولاده وشيعته حين اقتراب وفاته جاء فيها :

« ولا تخرجن من أفواهكم كذبة ما بقيتم »(4).

وفي كتاب الشهاب للقاضي القضاعي:« من أعظم الخطايا اللسان الكذوب »(5).

وروى أبو القاسم الكوفي في كتابه « الأخلاق » أن رجلاً سأل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال له : يا رسول الله دلّني على عمل أتقرب به إلى الله عزّ وجلّ ، قال : لا تكذب فكان ذلك سبب تركه كل المعاصي وذلك لأنه كان لا يهم بمعصية من المعاصي إلا ورأى أن فيها كذب أو فيها ما يوصل إلى الكذب ابتعد عن كل المعاصي »(6).

ص: 96


1- جامع الأخبار الفصل 111،حدیث 1158 ص417.
2- نفس المصدر : حديث 1160 ، ص 418 .
3- روضة الكافي: ص 21 .
4- دعائم الإسلام : الجزء الثاني، كتاب الوصايا، حدیث: 1297 ، ص 352.
5- كتاب الشهاب، القاضي القضاعي ج 2 باب 10 ح 1339.
6- الأخلاق،الحديث مترجم .

ونظيره ما جاء في كتاب فقه الرضا من أن رجلاً أتى سيدنا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فقال : يا رسول الله ، علمني خلقاً يجمع لي خير الدنيا والآخرة ، فقال : لا تكذب . قال الرجل : وكنت على حالة يكرهها الله فتركتها خوفاً أن يسألني سائل عنها : عملت كذا وكذا فافتضح أو أكذب فأكون قد خالفت رسول الل(صلی الله علیه و آله و سلم) فيما حملني عليه(1).

ونظيره أيضاً ما رواه القطب الراوندي في لب الألباب من أن رجلاً جاء رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فقال له : يا رسول الله أنا أكذب وأزني ولا أصلي فمن أيها أتوب ؟ فقال له من الكذب. فقبل ذلك وذهب وقد عاهد على ألا يكذب وحينما أراد أن يزني قال لنفسه لو سألني رسول الله بعدما عاهدته فإن قلت له لم أزنِ كذبت وإن قلت له فعلت سيضربني الحد وحينما أراد أن يتساهل في صلاته قال لنفسه إذا سألني رسول الله صليت فإن قلت : نعم صليت كذبت ، وإن قلت لا أقام عليّ الحد فتاب من الثلاثة »(2).

وجاء في أخلاق أبي القاسم الكوفي أيضاً أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال :

« علامة المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان »(3).

وفي مصباح الشريعة عن الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« من علامات المنافق قلّة مبالاته بالكذب والخيانة ثم عد جملة أخرى من صفاته القبيحة »(4).

ص: 97


1- فقه الإمام الرضا: ص254 .
2- لب اللباب . الحديث مترجم .
3- الأخلاق . الحديث مترجم .
4- مصباح الشريعة،صفات المنافق : ص 144 .

وروى الشيخ الشهيد الأول في كتابه «الدرة الباهرة» عن الإمام الحسن العسكري(علیه السّلام) أنه قال :

« جعلت الخبائث كلها في بيت وجعل مفتاحها الكذب »(1).

وفي تحف العقول عن الإمام الكاظم(علیه السّلام) أنه قال لهشام بن الحكم :

«یا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه»(2).

وفي نهج البلاغة أن أمير المؤمنين(علیه السّلام) قال في وصيته لابنه الحسن(علیه السّلام) :

«علة الكذب أقبح علة »(3).

وفي لب الألباب للراوندي أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال :

« الكذب بعيد عن الإيمان ولا رأي لكذاب »(4).

أي لا يؤخذ بقوله في مقام الاستشارة .

وروي عنه أيضاً أنه قال :

« ابتعد عن الكذب وإن ظننت أن فيه نجاتك فإن فيه هلاكك »(5).

وفيه عنه أيضاً أنه قال :

« إياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار »(6).

ص: 98


1- الدرة الباهرة ، ص 43 . وجامع الأخبار : ص 418 ، ح1162 .
2- تحف العقول: ص 288.
3- لم نجده في نهج البلاغة، وهو موجود في كشف المحجة ص 176 .
4- لب اللباب،الحديث مترجم .
5- لب اللباب،الحديث مترجم .
6- لب اللباب،مجموعة ورام ج 1، ص 113 .

وقال أيضاً :

« إذا كذب العبد كذبة ابتعد عنه الملكان لما يخرج منه من رائحة نتنة »(1).

وقال أيضاً :

« يجبل المؤمن على صفات عديدة - أي قبيحة - ولكن لا يجبل على الكذب »(2).

وفي إرشاد القلوب للديلمي أن رجلاً جاء رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فقال له :

يا رسول الله وما عمل أهل النار ؟ قال :

« الكذب ، إذا كذب العبد فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر دخل النار »(3).

وفي الجعفريات وغيره عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

« إن لإبليس كحلاً ولعوقاً وسعوطاً فكحله النعاس ولعوقه الكذب وسعوطه الكبر »(4).

وفي دعوات الراوندي ومنتخب البصائر لحسن بن سليمان الحلي عنه(صلی الله علیه و آله و سلم)أنه قال : - وفي رواية الحلي أنه قال ذلك وهو خارج في غزوة تبوك -

ص: 99


1- لب اللباب،الحديث مترجم .
2- لب اللباب،الحديث مترجم .
3- إرشاد القلوب : الديلمي، ج 1، ص 186 .
4- معاني الأخبار،الصدوق، ص 139.والجعفريات كتاب السير والآداب : ص 164 ،باب الكبر .

«أربى الربا الكذب»(1)

وعليه يكون الكذب من الربا بل هو أسوأ أقسامه ومن المحتمل أن يكون مقصوده(صلی الله علیه و آله و سلم) أن الزيادة التي تحصل في أن الزيادة التي تحصل في الكذب أهم من الزيادة التي تحصل في المعاملة الربوية إذ غاية الربا ثلاثة من عشرة أو أربعة من عشرة حسبما هو متعارف بينما يتولد من الكذبة الواحدة ألف كذبة وتعود مساوئها كلها على الكاذب الأول دون أن ينقص من الآخرين شيء .

وقد جاء في خصال الصدوق أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال لعلي(علیه السّلام) :

« أنهاك عن ثلاث خصال: الحسد والحرص والكذب »(2).

وفيه عنه(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

« أربع من كن فيه فهو منافق ، وإن كانت فيه واحدة منهنّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر »(3).

وفيه عنه أيضاً أنه قال :

« أنا زعيم بيت في ريض الجنة - أي نواحيها - وبيت في وسط الجنة وبيت في أعلى الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً ولمن ترك الكذب وإن كان هازلاً ولمن حسن خلقه »(4).

وفيه عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) أنه قال :

ص: 100


1- الدعوات،الراوندي : ص 118 وفي نسختي«أرياً الرياء الكذب»وفي نسخة أخرى «الرياء رياء الكذب».
2- الخصال : ج 1، ص 125 .
3- الخصال الصدوق، ج 1، ص 254 .
4- نفس المصدر : ج 1 ، ص 144.

« واعتياد الكذب يورث الفقر »(1).

وفيه عنه أيضاً :

« الكذب خيانة »(2).

أي خيانة لأمانة الله التي هي اللسان حيث نُهي عن التصرف به بهذا النحو .

وفي الكافي عن الإمام الصادق(علیه السّلام) أن عيسى بن مريم(علیه السّلام) قال :

« من كثر ذنبه ذهب بهاؤه »(3).

وقد روى الصدوق في أماليه هذا المضمون عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) (4).

وفي الكافي أيضاً عن الإمام الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« إن مما أعان الله [ به ] على الكابين النسيان »(5).

وفي هذا الحديث إشارة إلى ما هو مشهور من أن الكذاب لا حافظة له لهذا تختلف كلماته ويتناقض حديثه فيفتضح ويعرف كذبه .

وفيه أيضاً عنه(علیه السّلام) أنه قال :

« إن الكذاب يهلك بالبينات ويهلك أتباعه بالشبهات »(6).

ص: 101


1- نفس المصدر : ج 2، ص 505 ح 2 .
2- الخصال: الصدوق، ص 505 ، ح3.
3- أصول الكافي : ج 2، ص 327، حديث 13 . وأمالي الصدوق : مجلس 81 ، ح 3 ، ص 436 .
4- أمالي الصدوق : مجلس 46 ، ج 4، ص 223 .
5- أصول الكافي: ج 2،ص 327، حدیث : 15 .
6- نفس المصدر : ص 326 ، حديث: 7 .

أي أنه يهلك وهو يعلم أن ما يقوله ليس صحيحاً ولكنه يهلك من يتبعه لأنهم يظنون أن ما أخبرهم به صحيح . والظاهر أن المراد بالكذاب هنا رؤساء الضلالة وأتباعهم . وفي كتاب سليم بن قيس وهو من أصحاب أمير المؤمنين(علیه السّلام) لمحة عن كيفية كذب هؤلاء وكيفية تضليل أتباعهم (1).

وفي الكافي عن الإمام علي بن الحسين(علیه السّلام) أنه كان يقول لولده :

« اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل . فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترى على الكبير . أما علمتم أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال : ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقاً وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذاباً »(2).

وفي أمالي الطوسي عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال لأبي ذر :

« يا أبا ذر من ملك ما بين فخذيه - أي فرجه - وبين لحييه - أي لسانه - دخل الجنة . قلت : يا رسول الله ، إنّا لنؤخذ بما تنطق به ألسنتنا ؟ قال : يا ، أبا ذر وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصاد ألسنتهم ، إنّك لا تزال سالماً ما سكت فإذا تكلّمت كتب لك أو عليك ، يا أبا ذر إن الرجل يتكلم بالكلمة من رضوان الله جلّ ثناؤه فيكتب له بها رضوانه إلى يوم القيامة وإن الرجل ليتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنّم ما بین السماء والأرض ، يا أبا ذر ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له ويل له ، يا أبا ذر من صمت نجا فعليك بالصدق ولا يخرجن من فِيْكَ كذبة أبداً . قلت : يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب

ص: 102


1- كتاب سليم بن قيس من صفحة 62 إلى 69 .
2- أصول الكافي : ج 2 ، باب 325،الكذب : ج 2، ص 325 .

متعمداً ؟ قال : الاستغفار وصلاة الخمس تغسل ذلك »(1).

وفي مجموعة الشيخ ورام أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال :

« الكذب باب من أبواب النفاق »(2).

وفي خصال الصدوق جاء عن أبي عبد الله الصادق(علیه السّلام) في حديث طويل ذكر فيه شرائع الدين وعدد الكبائر فقال بعد التعرض لذكر الكبر والتجبّر :

« والكذب والإسراف والتبذير »(3).

وفي أمالي الصدوق عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) أنه قال :

« لا يصلح من الكذب جد ولا هزل ، ولا أن يعد أحدكم صبيته ثم لا يفي به. إن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار . وما يزال أحدكم يكذب حتى يقال كذب وفجر . وما يزال أحدكم يكذب حتى لا يبقى في قلبه موضع إبرة صدق فيسمى عند الله كذاباً »(4).

وفيه أيضاً عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

« تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنّة ، إذا حدثتم فلا تكذبوا وإذا وعدتم فلا تخلفوا وإذا ائتمنتم فلا تخونوا . وغضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم وألسنتكم »(5).

وفيه عنه(صلی الله علیه و آله و سلم):

ص: 103


1- أمالي الطوسي : المجلس الأول، ص 548 .
2- مجموعة الشيخ ورام: ج 1 ، ص 113.
3- الخصال: الصدوق، ج 2، ص 610 .
4- أمالي الصدوق : ص 342 مجلس 65، حديث 9 .
5- نفس المصدر : مجلس 20 ، ح 2 ، ص ،2 ص 82 . والخصال : ج 1، ص 321.

« أعظم المخطئين عند الله لسان كذاب »(1).

وفي كتاب الدعوات للراوندي أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال لنا ذات غداة : أنه أتاني الليلة آتيان - أي في الرؤيا - فقالا لي انطلق ، فانطلقتمعهم فأخرجاني إلى الأرض المقدسة - والظاهر أنه يقصد الشام - فأتينا على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فیشر شر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في الجانب حتى يصح المرة الأولى فقلت : سبحان الله ما هذا ؟

والخبر طويل وفي آخره أن الشخصين اللذين كانا معه فسّرا له ما كان قد رآه من عجائب وعمل الأشخاص الذين يعذبون إلى أن قالا له :

وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإن الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة »(2).

وقد نقل هذا الخبر في بعض الكتب المعتبرة على النحو التالي :

إن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال : «إن رجلاً جاء إلي وقال لي قم فقمت معه رسول فرأيت رجلين أحدهما جالس والآخر واقف وفي يد الواقف مثل العصا من حديد يضربه بها على فمه إلى أن تصل إلى فكيه فيسحبهما إلى الخارج ثم

ص: 104


1- أمالي الصدوق . لم نجده فيه.
2- الدعوات،القطب الراوندي - مستدركات الدعوات - حديث 2، ص 283 إلا أن الحديث هناك ناقص وإذا أردت أن تقف عليه مفصلاً فارجع إلى دار السلام: ج 1 ، ص 79 .

ينتقل إلى الطرف الآخر فما يسحبه إلى الخارج حتى يعود الأول كما كان فلما أقامني ذلك الرجل قلت له : ما هذا ؟ قال : هذا رجل كذاب وهكذا يعذب في قبره إلى يوم القيامة »(1).

وعنه(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

« ألا أخبركم بأكبر الكبائر ، الشرك بالله وعقوق الوالدين وقول الزور »(2).

وقال أيضاً :

« إن العبد ليكذب الكذبة فتبتعد عنه الملائكة بمقدار ميل لما يخرج من فمه من رائحة العفونة »(3).

« ما أقبح أن تنقل إلى أخيك حديثاً فيصدقك وأنت له كاذب »(4).

وروى الكليني في الكافي بسند صحيح عن الإمام الصادق(علیه السّلام) بعدما تلى قوله تعالى :

﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ ﴾(5).

« الرفث الجماع والفسوق الكذب والسباب »(6).

ص: 105


1- صحيح البخاري : ج 7 ، كتاب الأدب، ص 70 وما بعدها. وحديث المنام موجود كتاب الكبائر للذهبي، ص 123.
2- نفس المصدر، صحيح البخاري...
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر.
5- سورة البقرة،الآية : 197.
6- فروع الكافي : ج 4،ص 335.باب 208، حدیث: 3.

وروى نفس المضمون علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السّلام)(1).

وروى الشيخ الصدوق عن زيد الشحام قال : سألت أبا عبد الله (علیه السّلام)عن الرفث والفسوق والجدال ؟ قال :

« الرفث الجماع ، وأما الفسوق فهو الكذب ألا تسمع قول الله عزّ وجلّ :

﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقُ بنبأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ﴾(2).

يشير بذلك إلى أنه سمي الوليد فاسقاً لما جاء به من معصية الكذب.

ونقل الشيخ العياشي في تفسيره ثلاثة أخبار في بيان أن المراد من الفسوق في الآية الشريفة الكذب(3).

وروى الشيخ المفيد في الإرشاد عن سيد الشهداء(علیه السّلام) أنه قال حينما نزل إلى ساحة الحرب في اليوم العاشر من المحرم :

« والله ما تعمدت كذباً منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله »(4).

وجاء في الكافي عن الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« إن آية الكذاب بأن يخبرك خبر السماء والأرض والمشرق والمغرب فإذا سألته عن حرام الله وحلاله لم يكن عنده شيء »(5).

ص: 106


1- قرب الإسناد، ص 103 .
2- سورة الحجرات،الآية : 6. والرواية في معاني الأخبار: ص294.
3- تفسير العياشي : ج 1، ص 95 حديث 255 و 256 و 258 .
4- الإرشاد: الشيخ المفيد،ص 234 .
5- أصول الكافي : ج 2 ص 326 ، حدیث : 8 .

وقد ذكر بعض شارحي الكافي أن المراد من الكذاب هنا أصحاب المكاشفات الذين يدعون علم الغيب فيقولون ما يشاءون ويقرون بجهلهم في أمور الدين ونقل بعض الحكايات عن هؤلاء منها أن أحدهم سئل عن بين الركعتين والثلاث فأجاب : « قلوبنا صافية لا حكم الشك في الصلاة يدخل إليها الشك أبداً »(1).

وفي العيون للشيخ الصدوق عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال فيما رأه ليلة المعراج :

« ورأيت امرأة رأسها رأس الخنزير وبدنها بدن الحمار وعليها ألف لون من العذاب » . ثم ذكر أنه رأى نساء أخريات بأشكال مختلفة ويعذبن بأنواع مختلفة من العذاب ولما سألته الصديقة الطاهرة عن عمل هؤلاء وسيرتهن قال :

« وأما التي كان رأسها رأس الخنزير وبدنها بدن الحمار فإنها كانت نمّامة كذَّابة »(2).

وفي لب اللباب روى القطب الراوندي عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) أنه قال : أوصاني رسول الله حينما زوّجني فاطمة فقال : « إياك والكذب لأنه يسود الوجه »(3).

وفي علل الشرائع للصدوق عن الإمام الصادق(علیه السّلام) قال :

« إن الرجل ليكذب الكذبة يحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل

ص: 107


1- راجع حاشية ملا محمد صالح على الكافي، باب الكذب من كتاب الإيمان والكفر.
2- عيون أخبار الرضا: ج2، ص 10 و 11 حديث : 24 .
3- لب اللباب: الراوندي. الحديث مترجم .

حرم بها الرزق »(1).

وفي عقاب الأعمال له(رحمه الله علیه) عنه(علیه السّلام) قال :

« ثلاثة يعذبون يوم القيامة؛ من صور صورة من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها. والذي يكذب في منامه يُعذب حتى يعقد بين شعرتين وليس بعاقدهما والمستمع من قوم وهم له كارهون يصب في أذنيه الإنك وهو الأسرب »(2).

وفي دعاء السحر من شهر رمضان المبارك عن أبي حمزة الثمالي :

« أو لعلك وجدتني في مقام الكذابين فرفضتني »(3).

والمراد من الكذابين هنا من كثر كذبه وتعود على الكذب أو المراد منهم هنا خصوص الكاذبين مع الله عزّ وجلّ الذين يدعون في الليل والنهار بأنهم مؤمنون ولكنهم مع ذلك لا يصدقون هذا الإدعاء بأعمالهم فيقولون« إياك نعبد وإياك نستعين »ويعبدون غيره ويستعينون بسواه وهكذا في مقامات الإيمان الأخرى. ومن هذا الباب ما جاء في الكافي عن أبي إسحاق الخراساني من أن أمير المؤمنين(علیه السّلام)كان يقول :

« إيّاكم والكذب فإن كل راج طالب وكل خائف هارب »(4).

فأنتم يا من تدعون مقام الخوف والرجاء وترغبون في الوصول إلى الجنة لماذا تتساهلون بالتمسك بأسباب ذلك . ويا من تدعون أنكم تخافون من أهوال يوم القيامة وعذاب الجحيم لماذا لا تفرون منها وتلجأون إلى

ص: 108


1- علل الشرائع،الصدوق: ج ، ص ،362 باب 83، حدیث: 2 .
2- عقاب الأعمال،الصدوق: ص 223 ، والإنك والأسراب هما الرصاص الأسود.
3- مفاتيح الجنان : الشيخ عباس القمي، ص 191 ، س 6 .
4- أصول الكافي : ج 2،ص 329،باب : 325 ، حدیث : 21 .

الله .

وقد أشار(علیه السّلام) في بعض خطبه في نهج البلاغة إلى هذا المعنى فقال :

« يدعي بزعمه أنه يرجو الله ، كذب والعظيم ، ما باله لا يتبين رجاؤه في عمله وكل من رجا عرف رجاؤه في عمله إلا رجاء الله فإنه مدخول . وكل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول يرجو الله في الكبير ويرجو العباد في الصغير فيعطي العبد ما لا يعطي الرب فما بال الله جل ثناؤه يقصر به عمّا يصنع لعباده . أتخاف أن تكون في رجائك له كاذباً أو تكون لا تراه للرجاء موضعاً. وكذلك إن هو خاف عبداً من عبيده أعطاه من خوفه ما لا يعطي ربه فجعل خوفه من العباد نقداً وخوفه من خالقه ضماراً أو وعداً »(1).

وروى في الكافي عن الإمام الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلا [ كذباً ](2) في ثلاثة : رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما یلقی به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما أو رجل وعد أهله شيئاً وهو يريد أن يتم لهم(3).

ونقل سبط الشيخ الطوسي هذا الخبر في مشكاة الأنوار وأضاف في آخره« يريد بذلك دفعه »(4).

فيما إذا كان الغرض من الوعد دفع شر الأهل » .

ص: 109


1- نهج البلاغة : خطبة 160 ،ص225.
2- هكذا في الأصل.
3- أصول الكافي : ج 2، ص 328 باب 325 حدیث : 18 .
4- مشكاة الأنوار،سبط الطبرسي، ص 176 الفصل 21 في الإصلاح بين الناس .

وفيه عن الإمام الباقر(علیه السّلام) قال :

« الكذب كله إثم إلا ما نفعت به مؤمناً ودفعت به عن دين المسلم »(1).

وفي جامع الأخبار عن الصادق(علیه السّلام) قال :

« الكذب مذموم إلا في أمرين : دفع شر الظلمة وإصلاح ذات البين »(2).

وجاء في الكافي عن رسول الله أنه قال :

« شر الرواية رواية الكذب »(3).

وفيه أيضاً عن الحسن الصيقل قال : قلت لأبي عبد الله(علیه السّلام) : إنا قد روينا عن أبي جعفر(علیه السّلام) في قول يوسف(علیه السّلام) :﴿ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ ﴾(4) فقال : والله ما سرقوا وما كذب وقال إبراهيم(علیه السّلام) :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ﴾(5) والله ما فعلوا وما كذب قال فقال أبو عبد الله(علیه السّلام) : ما عندكم فيها يا صيقل ؟ قال : فقلت : ما عندنا فيها إلا التسليم . قال : فقال : إن الله أحب اثنين أحبَّ الخطر فيما بين الصفين وأحب الكذب في الإصلاح وأبغض الخطر في الطرقات وأبغض الكذب في غير الإصلاح إن إبراهيم إنما قال :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ إرادة الإصلاح ودلالة على أنهم لا يفعلون وقال : يوسف(علیه السّلام) أراد

ص: 110


1- نفس المصدر السابق .
2- جامع الأخبار الفصل 111،حديث : 1159، ص 417 .
3- الأمالي للصدوق : مجلس 74 ، حديث : 1 ، ص 395 . والكافي ج 8 ، ح 39 ، ص 72
4- سورة يوسف، الآية : 70 .
5- سورة الأنبياء، الآية : 63 .

الإصلاح »(1).

يقول مؤلف هذه الكلمات : ومن أجل تسهيل الحفظ ودوام البقاء في الذهن رأيت من المناسب تلخيص مفاسد الكذب المستفادة من الآيات والأخبار على النحو التالي :

1 - الكذب فسق : ﴿ لا رفث ولا فسوق ﴾ والكاذب فاسق ﴿ إن جاءكم فاسق ﴾ .

2 - الكذب قول زور وقد قُرن مع عبادة الأوثان في قوله تعالى :

﴿ واجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ﴾(2).

3- الكاذب لا إيمان له : ﴿ إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون ﴾(3).

4 - تسمية الكذب بالإثم مثل الخمر والقمار .

5 - الكاذب مبغوض من قِبَل الله عزّ وجلّ .

6 - وجه الكاذب أسود .

7 - الكذب أسوء من شرب الخمر.

8 - رائحة فم الكاذب نتنة ومتعفنة .

9 - تبتعد الملائكة عن الكاذب مقدار ميل .

10 - الكاذب ملعون في كتاب الله .

﴿ أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ﴾(4).

ص: 111


1- أصول الكافي : ج 2 ص 328 باب : 325، حدیث: 17 .
2- سورة الحج، الآية : 30.
3- سورة النحل، الآية : 105 .
4- سورة النور، الآية : 7 .

و ﴿ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ﴾(1)

11 - رائحة فم الكاذب النتنة تصل إلى العرش.

12 - حملة العرش يلعنون الكاذب .

13 - الكذب يخرب الإيمان .

14 - الكذب يمنع من تذوّق الإيمان .

15 - الكاذب يزرع العداوة والبغضاء في الصدور.

16 - مروة الكاذب أقل المروءات .

17 - الملائكة تلعن الكاذب لأجل كذبة واحدة .

18 - الكذب علامة من علامات النفاق.

19 - الكذب مفتاح البيت الذي فيه كل الخبائث.

20 - الكذب فجور والكاذب فاجر .

21 - لا رأي للكاذب في مقام الاستشارة .

22 - الكذب أسوأ الأمراض النفسية .

23 - الكذب لعوق الشيطان .

24 - الكذب أربى الربا .

25 - الكذب مورث الفقر .

26 - الكذب يُعد من الخبائث .

27 - الكذب يورث النسيان .

28 - الكذب شعبة من شعب النفاق .

29 - يعذب الكافر بعذاب خاص في القبر .

30 - الكذب يحرم الكاذب من صلاة الليل ومن الرزق .

31 - الكذب سبب الخذلان الإلهي .

ص: 112


1- سورة آل عمران الآية : 61 .

32 - الكذب سبب سلب الإنسانية من الكاذب .

33 - الكذب أخبث الخبائث .

34 - الكذب من الكبائر .

35 - الكذب مبعد عن الإيمان .

36 - الكاذب من أكبر العصاة .

37 - الكذب يهلك صاحبه .

38 - الكذب يسلب صاحبه البهاء .

39 - الكاذب ليس أهلاً لأن يتخذ صاحباً وأخاً بل يُنهى عن مصاحبته .

40 - الله لا يهدي الكاذب : ﴿ إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ﴾(1).

ص: 113


1- سورة الزمر، الآية : 3 .

ص: 114

المقام الثالث

في ذكر كبر معصية الكذب على الله ورسوله والأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام . وقد بيّن الله تبارك وتعالى ، في مواضع عديدة من القرآن حال جماعة الكاذبين على الله ورسوله ونذكر بعضها تيمناً :

قال تعالى في سورة البقرة :

﴿ فَوَيْلُ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً * فَوَيْلُ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلُ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾(1).

وقال عزّ وجلّ في سورة آل عمران :

﴿ فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾(2).

وقال في الأنعام :

ص: 115


1- سورة البقرة، الآية : 79.
2- سورة آل عمران،الآية: 94 .

﴿ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾(1).

وفي الأعراف :

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾(2).

وفي يونس :

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾(3).

و ﴿ وَ ما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ ﴾(4).

و ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعُ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ﴾(5)

وقال في سورة هود :

﴿ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَ يَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾(6).

و قال في سورة النحل :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعُ قَلِيلُ وَلِّهِمْ عَذابٍ

ص: 116


1- سورة الأنعام، الآية : 21 .
2- سورة الأعراف الآية : 37 .
3- سورة يونس، الآية : 17 .
4- سورة يونس، الآية : 60 .
5- سورة يونس الآية : 69 .
6- سورة هود، الآية : 18 .

أَلِيمُ ﴾(1).

وفي سورة الكهف :

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾(2).

وفي سورة طه :

﴿ وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افتری ﴾(3).

وفي العنكبوت :

﴿ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾(4).

وفي الزمر :

﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ ﴾(5)، و ﴿ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةُ * أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾(6).

وفي سورة الصف :

ص: 117


1- سورة النحل، الآية : 116 .
2- سورة الكهف، الآية : 15 .
3- سورة طه ، الآية : 61 .
4- سورة العنكبوت، الآية : 68.
5- ورة الزمر، الآية : 25 .
6- سورة الزمر، الآية : 60.

﴿ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ ﴾(1).

وتكفي هذه الآيات الخمسة عشر في حصول الاقتناع بأن الكذب معصية كبيرة وبشدّة النهي عنها واعتبار مرتكبها في عداد الظالمين بل أظلم بني البشر وأنها تسود وجه صاحبها يوم الحساب وتشركه في عقاب المتكبرين .

روى الشيخ الكليني في الكافي والبرقي في المحاسن عن الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

﴿ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ وَ عَلَى رَسُولِهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) مِنَ الْكَبَائِرِ ﴾(2).

وعنه(علیه السّلام) نفس المضمون بسند آخر وإضافة الكذب على الأوصياء(3).

وهكذا فعل العياشي (4).

وفي الكافي عن الإمام الباقر(علیه السّلام) أنه قال لأبي النعمان :

« يا أبا النعمان لا تكذب علينا كذبة فتسلب الحنيفية »(5) أي فتخرج بذلك عن حريم الإسلام .

ونقل ذات الخبر الشيخ المفيد في الإرشاد مع اختلاف اختلاف يسير(6).

وجاء في الكافي أيضاً أنه ذكر عن أبي عبد الله(علیه السّلام) أن الحائك ملعون

ص: 118


1- سورة الصف ، الآية : 7 .
2- أصول الكافي : ج 2 باب 325 الكذب، حديث : 5 ، ص 326 .
3- محاسن البرقي : كتاب عقاب الأعمال، باب 60 ، حدیث: 127 ، ص 118 .
4- تفسير العياشي : ج 1 ص 238 .
5- أصول الكافي : ج 2 ، باب 325 الكذب، حدیث 1، ص 325 .
6- لم نجده في الإرشاد وإنما هو في الأمالي للمفيد بتغيير يسير حيث جاء فيه«يا أبا النعمان لا تحققن علينا كذباً فتسلب الحنيفية». مجلس : 23 ، ج 5 ، ص 116 .

فقال(علیه السّلام) :

« إنما ذاك الذي يحوك الكذب على الله وعلى الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)»(1).

وجاء في الكافي أيضاً عنه(علیه السّلام) أنه قال لرجل من أهل الشام :

يا أخا الشام إسمع منا ولا تكذب علينا فإن من كذب علينا كذب على رسول الله ومن كذب على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) كذب على الله ومن كذب على الله سيعذبه »(2).

وروى الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)أنه قال في وصاياه الأمير المؤمنين(علیه السّلام):

« يا علي من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار »(3).

وروى أبو علي الطوسي في أماليه عن ابن أبي الدنيا عن أمير المؤمنين له أنه قال :

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : من كذب علي عمداً فليتبوأ مقعده من النار »(4).

وروى عماد الدين الطبري الأملي في كتاب بشارة المصطفى عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

« لقد سمعتم مني ورأيتموني من تعمد الكذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار »(5)

ص: 119


1- أصول الكافي : ج 2 باب الكذب ،325، حدیث : 10، ص 327 .
2- روضة الكافي : ج 8 ، ح 39، ص.
3- من لا يحضره الفقيه : ج 4 ، باب نوادر في باب نوادر في الوصايا ص364.
4- أمالي أبي علي الطوسي . ج 8، ص 8، ص 231.
5- بشارة المصطفى: الحديث مترجم .

وجاء أيضاً في غوالي اللآلىء لابن أبي جمهور الأحسائي عنه (صلی الله علیه و آله و سلم) قال :

« إتقوا الحديث عني إلا ما علمتم ، فمن كذب علي متعمداً فليتبوء مقعده من النار من النار »(1).

وروى سليم بن قيس في كتابه - وهو من أصحاب أمير المؤمنين - أنه(علیه السّلام) قال :

وقد كذب على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) على عهده حتى قام خطيباً فقال :

« أيها الناس قد كثرت عليّ الكذابة ، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار »(2).

وقد تعددت أسانيد هذا الخبر الشريف في كتب العامة والخاصة حتى عدّ من الأحاديث المتواترة(3).

وفيه أيضاً أنه قال بعدما بلغه كذب عمرو بن العاص على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) :

« أعجب لأراذل أهل الشام يقبلون كلام عمرو ويصدّقونه والحال أنه كاذب وقليل الورع إلى درجة أنه يكذب على رسول الله ومن كذب على رسول الله يلعنه الله سبعين لعنة »(4).

قال الشهيد الثاني لله في كتاب الدراية بعد ذكر الخبر المتواتر ورد الكثير من الأخبار التي أدعي تواترها : نعم حديث من كذب علي متعمداً

ص: 120


1- غوالي اللآلىء : ج 1 ، ص 186 ، ح 262 .
2- کتاب سليم بن قيس : ص 61 .
3- كما سيأتي عن الشهيد الثاني .
4- الحديث مترجم .

فليتبوأ مقعده من النار » يمكن ادعاء التواتر فيه فقد نقل هذا الخبر جماعة عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يصل عددهم إلى الأربعين وقيل : إن عدد رواة هذا الحديث اثنان وستون صحابياً »(1).

وفي الكافي عن الصادق(علیه السّلام) قال :

«إن الكذبة لتفطر الصائم»، قال الراوي قلت :

« وأينا لا يكون ذلك منه ؟». قال : « ليس حيث ذهبت إنما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة صلوات الله عليه وعليهم »(2).

وفي تهذيب الشيخ الطوسي عن أبي بصير سمعت أبا عبد الله(علیه السّلام) يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم . قال : قلت هلكنا . قال :

« ليس حيث تذهب إنما ذلك الكذب على اللهوعلى رسوله(صلی الله علیه و آله و سلم) وعلى الأئمة(علیهم السّلام)»(3).

وفيه أيضاً أن الراوي سأله(علیه السّلام) قال :

سألته عن رجل كذب في شهر رمضان فقال : « قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمّد »(4)[ قال فقلت فما يكون كذبه قال : كذب العبد على الله ورسوله ](5).

وجاء في خصال الصدوق عن الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

خمسة أشياء تفطر الصائم : الأكل ، والشرب ، والجماع ،

ص: 121


1- الرعاية في علم الدراية : ص 68 الحقل السادس .
2- أصول الكافي : ج 2 ، باب 325 الكذب، حديث 9 ، ص 326.
3- تهذيب الأحكام : ج 4 ، باب 54 ما يفسد الصيام، حديث : 585 .
4- نفس المصدر : حدث 586 .
5- هذه الزيادة ليست في رواية التهذيب .

والارتماس في الماء ، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة(علیهم السّلام) »(1).

وفي نوادر أحمد بن محمد بن عیسی عنه(علیه السّلام) أنه قال :

« من كذب على الله ورسوله وهو صائم فقد بطل صومه ووضوءه إن كان متعمداً »(2).

وفي هذا المضمون أخبار عديدة ، وفي تفسير العياشي عن الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« من زعم أن الله يأمر بالسوء والفحشاء ، فقد كذب على الله »(3)وبعد بضع كلمات قال :

« ومن كذب على الله [ تبارك وتعالى ] أدخله الله النار » .

وفيه أيضاً أن أحدهم سأل الإمام الكاظم(علیه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ :﴿ وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَ اللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ﴾(4). فقال(علیه السّلام) : « أرأيت أحداً يزعم أن الله أمرنا بالزنا وشرب الخمر وشيء من هذه المحارم ؟ قال : فقلت : لا . فقال : ما هذه الفاحشة التي تدعون أن الله أمر بها . قال : فقلت : الله أعلم ووليه . فقال : إن هذا من أئمة الجور أدعوا أن الله أمرهم بالإيتمام بهم فرد الله ذلك عليهم فأخبرنا أنهم قد قالوا عليه الكذب فسمى ذلك

ص: 122


1- الخصال: حدیث 39، ص 286.
2- نوادر أحمد بن محمد بن عيسى الحديث مترجم .
3- تفسير العياشي : ج 2، ص 12.
4- سورة الأعراف الآية : 28 .

منهم فاحشة»(1).

وروى الشيخ الكشي في رجاله عن الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ثم عدّ جماعة من الكذابين من مختلف الطبقات ثم قال :

لعنهم الله إنا لا نخلو من كذاب يكذب علينا أو عاجز الرأي كفانا الله مؤنة كل كذاب وأذاقهم الله حرّ الحديد »(2).

وروى أيضاً عن الصادق(علیه السّلام)عن آبائه(علیهم السّلام) أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال : من كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى يهودياً وإن أدرك الدجال آمن به وإن لم يدركه آمن به في قبره »(3).

وروى كل من الشيخ الصدوق في إكمال الدين وفي علل الشرائع والشيخ الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني أنه قال :

« كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه - وهو النائب الثالث للحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف فقام إليه رجل ، وسأله عن أشياء وأجابه(رحمه الله علیه) بجواب طويل . قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق(رحمه الله علیه) فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح(رحمه الله علیه) في الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني وقال : يا محمد بن إبراهيم لئن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي

ص: 123


1- تفسير العياشي : ج 2، ص 12 .
2- اختيار معرفة الرجال : ج 2 ص 593 .
3- نفس المصدر : ص 699.

الريح في مكان سحيق أحب إليَّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي »(1).

وفي كتاب معاني الأخبار روى الصدوق عن الإمام موسى الكاظم(علیه السّلام) أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال :

« اتقوا تكذيب الله ».قيل : يا رسول الله وكيف ذاك ؟ قال :

« يقول أحدكم قال الله فيقول الله كذبت لم أقله . أو يقول لم يقل الله فيقول عزّ وجلّ كذبت قد قلته »(2).

وروى الشيخ الكشي في رجاله عن الإمام الرضا(علیه السّلام) أنه قال :

« والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه الله حر الحديد » (3).

وجاء في الكافي عن الإمام الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« من قال : ( الله يعلم ) ما لم يعلم - لأنه لم يكن واقعاً وإنما كان كذباً - إهتز لذلك عرشه إعظاماً له »(4).وقد روى هذا الحديث بسند آخر (5).

وفيه أيضاً عنه(علیه السّلام) أنه قال :

« إذا قال العبد: «علم الله » وكان كاذباً ، قال الله عزّ وجلّ : أما

ص: 124


1- الاحتجاج : ج 2 ص 288 وعلل الشرائع : ج 1 ، ص 242 ، باب 177 . إكمال الدين : ج 2، ذكر التوقيعات، ص 507.
2- معاني الأخبار : نوادر المعاني، ص 390.
3- رجال الكشي : ج 2، ص829
4- فروع الكافي : ج 7 ، باب 272 حدیث 1 .
5- نفس المصدر : حديث 3 .

وجدت أحداً تكذب عليه غيري»(1).

وقد نقل السيد نعمة الله الجزائري هذا الخبر في الأنوار النعمانية بهذا التعبير :

« يقول الله سبحانه للملائكة يا ملائكتي انظروا إلى عبدي لم يجد أعجز مني يحيل هذه الكذبة عليه »(2). ولم أجد هذه الزيادة في كتب الأصحاب ولا أعلم من أين جاء بها(3).

ولا يخفى أن الإفتاء يكون أحياناً أخباراً عن حكم الله تعالى بأن هذا حرام وهذا حلال وهذا واجب وهذا مستحب وهكذا ... فعلاوة على ما تقدم من آيات وأخبار دلّت على مآل الكاذب هناك طائفة أخرى من الآيات والروايات تفيد مضامينها التهديد والوعيد لمن يفتي بغير علم وبغير الحق ويتوعد بأنواع العذاب المختلفة لهذه الطائفة من الكذابين الخاسرين الخائبين .

وهذه الآيات والأخبار على نسق ما ذكرناه منها وسنعرض عن ذكرها تجنّباً للتطويل فإن في ما ذكرناه مما سبق ما يكفي لأهل البصيرة والإنصاف . وندخل في مطلب أهم فيه فوائد جديدة نافعة لم نجد أحداً قد فصله كما فعلنا نحن وبالله التوفيق .

ص: 125


1- نفس المصدر : حديث : 2 .
2- الأنوار النعمانية :ج3، ص 61 . نور يكشف عن تحريم الكذب .
3- . و لا يخفى أن صاحب الأنوار قد أورد الحديث بمعناه وليس بلفظه وما فيه من إضافة فإنما هي توضيح منه (قده) وليست في أصل الرواية ويؤكد ذلك أمور منها أنه لم ينسب الرواية إلى معصوم وإنما قال : ومن هذا ما روي أن الرجل إذا قال الله يعلم . . الخ ومنها : أنه في آخر الرواية كنّى عن التهديد فقال: «فأنا أفعل به كذا وكذا من العذاب»وهذا يعني أنه لم ينقل الرواية بنفس عبارتها حتى نسأله من أين جاءت الزيادة .

ص: 126

المقام الرابع

في أقسام الكذب وأحكامها وفيه مطلبان

المطلب الأول : في بيان أقسامه :

لا يخفى أن الكذب بملاحظة المكذوب عليه وبملاحظة المكذوب لأجله وبملاحظة قلته وزيادته وبملاحظة القصد منه وبملاحظة الآثار المترتبة عليه من الصلاح والفساد وبملاحظة ظهوره وخفائه على السامعين ، وبملاحظة العضو الذي كُذب به وبملاحظة معنى الكذب لغة وعرفاً وفي اصطلاح الشرع وغير ذلك ينشأ لدينا أقسام عديدة وقد يُضم بعضها إلى بعض فتتولد أقسام جديدة أيضاً . ولتوضيح ذلك نقول :

الكذب تارة يكون على الله وعلى خاتم الأنبياء والأئمة الأطهار(علیهم السّلام) وأخرى على غيرهم وثالثة ليس على أحد بأن لا يكون فيه افتراء على أحد وإنما هو مجرّد قول خلاف الواقع . وقد ألحق بعض العلماء الكذب على الصديقة الطاهرة وكذلك على سائر الأنبياء والأوصياء بالقسم الأول خصوصاً إذا كان في أمر الدين لأن الكذب على النبي أو الوصي يرجع إلى

ص: 127

الكذب على الله عزّ وجلّ .

ثانياً : إن الكذب على الرسول أو الإمام تارة يكون في أمور الدين أي الأمور التي من شأنهما بيانها من الواجبات والمستحبات والمكروهات والآداب والحلال والحرام وما يتعلق برئاستهما وخلافتهما من أمور سياسية كالعزل والنصب وأخذ الأموال وإرسال الجيوش ونحو ذلك . ومثاله في هذا المقام ما يقوله قراء العزاء من أنه وبعد نزول علي الأكبر إلى الميدان ومجيء الحسين إلى أمه ليلى قال لها(علیه السّلام) قومي وادعي الله في الخلاء لابنكِ فإني قد سمعت جدي يقول إن دعاء الأم بحق ولدها مستجاب إلى آخر الخبر الذي كله كذب في كذب . وتارة يكون في أمور الدنيا وكيفية معاملتهما مع الناس في الأمور التي يشاركونهم فيها كالأكل والشرب والحركة والسكون ونحو ذلك . ومثاله ما يفتريه بعض القراء من أن زينب سلام الله عليها جاءت إلى الإمام الحسين(علیه السّلام) حال احتضاره وينقلون عن لسانها كلمات غريبة فصيحة يجعلون منها دليلاً على صحة هذا الخبر المجعول فينقلون أنه رمقها بطرفه فقال لها : أخيّة ارجعي إلى الخيمة فقد كسرت قلبي وزدت كربي .

ثالثاً : تارة يكون الكذب على رسول الله وعلى الإمام بنسبة كلام لهما وأنهما قالا كذا والحال أنهما لم يقولا ومثاله المثالان المتقدمان وغيرهما مما لا إحصاء له . وأخرى بنسبة فعل لهما فيقال أنهما فعلا كذا وكذا والحال أنهما لم يفعلا ذلك ومثاله قول قراء العزاء أنه(علیه السّلام) حمل يوم عاشوراء عدة حملات قتل في كل حملة عشرة آلاف وثالثة بنسبة تقرير له وأنه فعل بعضهم بحضوره كذا فلم يمنعه مع عدم وجود داع للتقية والخوف فيُستدل بذلك على أن ذلك الفعل جائز ومرغوب فيه ومحبوب .

رابعاً : إن الكذب تارة يصدر عن صاحبه بكثرة إلى درجة يصير معها معروفاً بذلك فيقال له « كذاب » بما تدل عليه هذه اللفظة من مبالغة وكثرة

ص: 128

وتكرار وأنه تعود على الكذب حتى صار عنده ملكة . وقد ورد ذكره مراراً في الأخبار ويفسره بعض العلماء بكثير الكذب . ولكن بنظري المتواضع إن الكذاب الوارد في الروايات هو نفس الكاذب لأنَّ من صدر عنه الكذب مرة أو مرتين دون أن يتعود عليه لا يقال عنه عرفاً كاذب وإن كان يقال أنه كذبَ ويصح لغة أن يقال عنه كاذب فالكاذب هو من صدر منه الكذب مكرراً إلى درجة أنه صار عنده عادة وهو مشمول للروايات ويوبخ على فعله وسيأتي بعض الأخبار أن الكذاب المذموم هو من تعود الكذب وطبع عليه فالأفضل أن يحمل الكذاب على الكاذب في قبال من لم يتعود الكذب ممن لا يقال عنه كاذب .

خامساً: إن الكذب قد صدر عن قائله على وجه الجد والحقيقة وبيان الواقع كسائر المطالب والمعاني التي يبينها فتوقع السامعين في الضلالة والجهالة واعتقاد خلاف الواقع فيزيد في جهلهم وتارة يصدر عنه على وجه المزاح والهزل ولا يقصد به إلا الضحك والمطايبة ولا يوقع أحداً باعتقاد خلاف الواقع .

سادساً : قد يظهر للكذب في بعض الأحيان مفسدة بل مفاسد عظيمة كما أشارت إليه بعض الأخبار مثلاً : لو أخبر من يوثق به ظاهراً أن فلاناً الغائب الذي له أهل وعيال قد مات فيُعتمد على خبره ويقسّم ماله وتزوّج زوجته فينشأ عن ذلك من الفساد ما لا يحصى وتارة لا يكون له مفسدة إلا حمل السامعين على اعتقاد خلاف الواقع ممن يكون اعتقادهم بالواقع وخلافه سواء مثل الأخبار بأن السلطان الفلاني مات أو تغلب على فلان أو أن مدخوله بالمقدار الفلاني والحال خلاف ذلك إلا أنه ليس للسامعين فائدة في مطابقته للواقع وعدمها . وثالثة يكون لذلك الكذب منفعة بل منافع كثيرة مثل الكذب لتخليص نبي أو إمام أو مؤمن من القتل وغير ذلك من دفع الأذية

ص: 129

عنهم أو لحفظ المال أو العرض المحترم أو للتغلب على أعداء الدين في الحرب وما شابه ذلك مما تتغلب فيه المصالح والمنافع على مفسدة الكذب .

سابعاً : تارة يكون الكذب ظاهراً ومعلوماً لدى غالب المستمعين فلا يخفى على أحد كغالب الكذب المتعارف وهذا ما يسمى بالكذب الجلي وتارة أخرى يكون خفياً ومستوراً فلا يكشفه كل الناس وهذا يقال له الكذب الخفي ومثاله ما نفعله ، في أغلب الأوقات ، مع الله عزّ وجلّ حيث نمدحه ونثني عليه ونمجّده ونقدّسه ونظهر له عجزنا وافتقارنا ومسكنتنا ونبدي الندامة والعبودية والخجل منه والطاعة له بل قد نشرح له صفات جوارحنا تجاهه من خوف القلب والتحير والاضطراب وسكب دموع العين وذكر الموت وملك الموت وتذكر أهوال وعقبات البرزخ والقيامة وأن ذلك قد سلب منّا النوم ولذة الطعام والشراب وأمثال ذلك من الكلام الذي لا واقع له أبداً في قلب قائله بل كل ذلك كذب في كذب فإن هذا كذب على الله تبارك وتعالى وهو كثير ويتجاوز حد الإحصاء لأننا نفعله في الليل والنهار وفي أوقات الصلاة حيث نقول في محضر جلاله مع إظهار كمال العجز والانكسار : « الله أكبر » يعني أنه أكبر من كل شيء أو أكبر من أن يوصف أو يدركه وهم أو خيال أو من أن تقدر العقول والحواس على إدراكه أو من أن يقاس بشيء ، والحال أن شيئاً من هذه المعاني ليس موجوداً في قلبنا بل لم يحل فيه شيء من عظمته وهيبته تعالى شأنه ولم يظهر على جوارحنا شيء من ذلك كما يظهر عليها تعظيم وإجلال بعض المخلوقين أمثال السلاطين والحكام من الآثار والعلامات الدالة على خشوع القلب ووقوع الهيبة فيه .

وفي كتاب مصباح الشريعة عن الصادق(علیه السّلام) أنه قال :

« إذا كبرت فاستصغر ما بين العُلى والثرى ، دون كبريائه ، فإن الله

ص: 130

تعالى إذا اطلع على قلب العبد وهو يكبر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره قال : يا كاذب أتخدعني ، وعزتي وجلالي لأحر منك حلاوة ذكري ، ولأ حجبنك عن قربى والمسرة بمناجاتي »(1).

وبعد التكبير نقول بقلب غافل : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين ... إلى آخر الدعاء الذي حاصل معناه أن كل ما أفعله وأقوله وما أملكه وما أنا عليه الله عزّ وجلّ بينما نحن حين نتلفظ بهذه الكلمات لا نعلق قلوبنا بالله ولا نوكل أمورنا إليه بل نتركها مشغولة بالعمل والسوق ومتاع الدنيا وتحقيق الأماني وغارقةً في الشهوات والوسوسة فإننا نكون بذلك قد افتتحنا الصلاة بالكذب . ومثل هذا الدعاء سائر الآيات والأذكار والأدعية التي نخاطب بها الله عزّ وجلّ ونشكو له فيها هموم قلوبنا خصوصاً الآية المباركة ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ والآية الشريفة : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ مما يخرج شرحه عن موضوع هذه الرسالة وقد أشرنا إلى ذلك مختصراً في الفصل الأول . فلو تأمل كل واحد منا في الكلمات التي يتلوها في الليل والنهار لأدرك كم يكذب على الله في حال العبادة فعلم بذلك أن نتيجة أغلب الصلوات الكذب الكثير الذي لا يقدر أن يطلع عليه أحد إلا الله . وظهر مما ذكرنا أن الكذب تارة يكون على الله وتارة يكون عن الله وثالثة بالله وسيأتى بيانه إنشاء الله .

ومن أقسام الكذب الخفي الكذب الذي يكون بالكناية والإشارة والتعريض مما هو شائع وسوقه رائج .

ثامناً : تارة يراد من الكذب معناه اللغوي وهو قول ما لا واقع له

ص: 131


1- مصباح الشريعة : الحديث مترجم .

وأخرى معناه الشرعي كتخطي الحدود المرسومة في نقل الأخبار مثل أن ينقل خبراً ما فيلزم عليه أن ينقل خصوص النوع المقبول بنظر علماء الحديث فإنه لو تخطى الحدود المشار إليها يعد عند الشارع كاذباً سواء خالف الواقع في مضمونه أو لا وسواءً كان كذبه جلياً أم خفياً وسيأتي في المقام التالي توضيحه إنشاء الله .

تاسعاً: إن الكذب على الله ورسوله والأئمة(علیهم السّلام) يتصور على ثلاثة أنحاء :

الأول : النحو المتعارف بأن يقال : قال الله عزّ وجلّ كذا أو فعل كذا ، وقال النبي أو الإمام كذا أو فعل كذا والحال أنه لا أصل لذلك ولا واقع .

الثاني : الكذب بالعمل بأن يظهر ما لم يفعله الله أو النبي أو الإمام أنه فعله وما فعله أحدهم أنه لم يفعله وذلك بأن يثبت الكاذب صدق كلامه بادعاء أن الله يعلم صدقه أو النبي أو الإمام أو يُشهدهم على أنه فعل كذا أو لم يفعل كذا في حال كونه كاذباً وأن الله أو النبي أو الإمام لم يعلم ولم يشهد . وقد مرّ في رواية الكافي أن الله يقول لهذا الكاذب :

« أما وجدت أحداً تكذب عليه غيري »(1).

ومرَّ أيضاً أن عرش الله يهتز أو أنه يقول تعالى لملائكته : انظروا إلى عبدي لم يجد أعجز منّي يحيل عليه كذبه حتى أحاله على علمي(2).

الثالث : الذي يكذب ثم يقسم بالله تبارك وتعالى أو بأسماء الذات المقدسة وصفاتها أو برسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أو بأحد الأئمة(علیهم السّلام) لأجل إثبات

ص: 132


1- راجع ص 124 من هذا الكتاب .
2- راجع ص 124 من هذا الكتاب .

قوله . وهذا القسم يسمى الكذب بالله ويقال له : اليمين الغموس الذي يستحق صاحبه عليه نار جهنم ويسمى أيضاً باليمين الكاذبة وباليمين الحالقة للدين أي تحلق الدين كما تحلق الموسى شعر الرأس .

عاشراً : قد يكون الكذب باللسان ، وهو القسم المتعارف منه والمصداق الحقيقي للكذب ، وقد يكون باليد كما لو كتب شيئاً ممّا مرَّ ذكره مما لا أصل له وهذا شائع أيضاً كالأول بل آثاره ومساوءه أكثر من آثار ومساوىء كذب اللسان وذلك لأن كذب اللسان سرعان ما يُمحى من الذاكرة لكن كذب الكتابة يبقى مستمراً قروناً كما هو واضح وملحوظ . وقد يكون الكذب بالرأس كما لو سئل شخص : هل قال النبي أو الإمام كذا وهل فعل كذا فيومىء برأسه أن « نعم » والواقع على خلاف ذلك أو يشير بلا والواقع هو الإيجاب . وهذا القسم يتحقق بالعين والحاجب أيضاً بل هو كثير وقد يكون الكذب بالأذن كما يحصل مع بعض مدعي المقامات العالية من أنهم يتظاهرون أمام مريديهم ومن يريدون أن يوقعوهم في حبائلهم أنهم يسمعون حديث الجدران أو أنهم سمعوا بعض الجن أو الملائكة يتكلمون معهم ويعلمونهم بعض الأسرار. وقد يكون بالفم كما لو سُئل أحدٌ هل اليوم أول شهر رمضان أم آخر شعبان أو هل اليوم عيد الفطر أم آخر شهر رمضان

فيجيب السائل بأكل شيء إشارة إلى أن اليوم آخر شعبان أو عيد الفطر وهذا القسم يجري بالفرج أيضاً فيما لو كان المسؤول زوجة أو مملوكة السائل وقد يكون بالسكوت والتقرير كما لو طلب سائل من أحدهم أن يراقب وضوءه وينبهه إن هو أخطأ فيتوضأ أمامه وضوء باطلاً فيغسل مكان المسح مثلاً أو يغسل اليد بشكل منكوس أو يخل بترتيب الوضوء . وهكذا في التيمم فيسكت المسؤول ولا يعترض بشيء فيفهم السائل من ذلك أن وضوءه أو تيممه صحيح والحال خلاف ذلك . وهكذا في الأمور العادية كما لو أن

ص: 133

جاهلاً قال لعالم سأقرأ أمامك سورة الحمد فإن أخطأت فنبهني ثم يخطىء في موضع أو آخر ويبقى العالم ساكتاً فكأنه أخبره من خلال سكوته بصحة قراءته والواقع أنها خطأ .

الحادي عشر : تارة يكون الكذاب أمام سامع عاقل وأخرى أمام طفل أو مجنون ممن لا يميز الكذب وثالثة لا يكون هناك سامع أصلاً كما لو ذهب من يريد أن يتعلم قراءة العزاء في أيام تعلّمه إلى مسجد في غير وقت الصلاة وأقفل الباب من الداخل وصعد المنبر وأطبق عينيه وتخيل أن المسجد مملوء بالرجال والنساء وبدأ بقراءة العزاء على النحو المعمول به حالياً حتى في البكاء ولطم الرأس والدعاء للخدم ونحو ذلك . فهذا ما لا سامع له وسيأتي حكمه إنشاء الله . وكذلك الكذب على الأموات وهو من الكذب القبيح المبتدع حديثاً وقد أصبح شائعاً بين زائري الحرم المنور لسيد الشهداء(علیه السّلام) بل حتى الزائرين عن بعد الذين يقرأون الزيارة المعتبرة والتي يوجد في آخرها زيارة الشهداء :

« فزتم بالجنان مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . ثم يضيفون - كما يفعل العوام الذين هم كالأنعام - : (1)

« السلام على أبيضكم وعلى أسودكم وعلى من كان في الحاير منكم وعلى من لم يكن في الحاير معكم خصوصاً سيدي ومولاي أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين والقاسم بن الحسن ومسلم بن عقيل وهاني بن عروة وحبيب بن مظاهر والحر الشهيد الرياحي والسلام عليكم يا سادتي وموالي جميعاً ورحمة الله وبركاته» .

فإن هذه الكلمات المتضمنة لعدة أكاذيب فضلاً عما فيها من الجرأة في

ص: 134


1- راجع مفاتيح الجنان آخر زيارة وارث : ص 431 .

ارتكاب البدعة بإضافة ما لم يقله الإمام قد أصبحت شائعة ومتعارفة وتُقرأ بصوت عال الاف المرات في الليل والنهار في مرقد أبي عبد الله الحسين(علیه السّلام) وفي محضر الملائكة المقربين ومطاف الأنبياء المرسلين(علیهم السّلام) وليس هناك من يعترض على ذلك ولا من ينهى عن ارتكاب مثل هذه المعصية . وشيئاً فشيئاً تدخل هذه الكلمات في ضمن زيارات وأدعية الحمقى من العوام وقد يوضع لها بعض العناوين لترويجها مثل « طبع حديثاً » أو « صدر جديداً » ونحو ذلك فتنتقل من مجموعة هذا الأحمق إلى مجموعة ذلك الأحمق ويتطور الأمر حتى يوقع طلبة العلوم بالغلط والاشتباه .

وقد رأيت بعض الطلبة يقرأ هذه الأكاذيب القبيحة في زيارة الشهداء فوضعت يدي على كتفه وقلت له : أليس قبيحاً صدور هكذا أكاذيب عن أهل العلم في هكذا محضر ؟ فقال : أوليست مروية؟ . فقلت : لا . فقال : لقد رأيتها في الكتاب . فقلت : في أي كتاب ؟ فقال : في مفتاح الجنان فسكتُ(1). فإن شخصاً قد وصل به الجهل إلى درجة أنه يعد ما جمعه عوام الناس كتاباً يستند إليه في هكذا أمور ليس أهلاً للمناقشة والحديث معه .

وبالجملة فكم هو بعيد عن رحمة الله المبدع ذلك الأحمق الذي وضع هذه الأباطيل وسنّ هذه السنة السيّئة وشارك في تبعاته كل من كتبها ومن قرأها .

ص: 135


1- إنما سكت المصنف ولم يكمل حديثه مع ذلك الطالب لأن مفتاح الجنان ليس كتاباً يمكن الاعتماد عليه في هكذا أمور وإنما هو مما يجمعه الكسبة والتجار فلما رأى المصنف(رحمه الله علیه) أن هذا الطالب ضعيف إلى درجة أنه يأخذ عن هكذا كتب فضّل السكوت . ولا يخفى أن مفتاح الجنان غير مفاتيح الجنان للعالم الجليل الشيخ عباس القمي فإنه أجل من أن يذكر هذه الترهات في كتابه بل لقد أشار في مفاتيح الجنان عند ذكر زيارة وارث إلى ما أفاده أستاذه الشيخ النوري في هذا الكتاب فراجع ثمة .

ومالا بد من قوله هنا : أولاً : أن الشيخ المفيد(رحمه الله علیه) قال في الإرشاد :

« ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولاً بالغاضرية إلى الحسين(علیه السّلام) وأصحابه فصلّوا عليهم ودفنوا الحسين(علیه السّلام) حيث قبره الآن و دفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله وحفروا للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين(علیه السّلام) وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً »(1).

ثم ذكر مدفن العباس ، وبعد عدة أوراق عاد وشرح هذا المطلب وقال في آخر كلامه :

« فأما أصحاب الحسين(علیه السّلام) رحمة الله عليهم الذين قتلوا معه فإنهم دفنوا حوله ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق والتفصيل إلا أنا لا نشكّ أن الحائر محيط بهم رضي الله عنهم »(2).

وتلقى العلماء هذا الكلام بالقبول . ويظهر صحة ذلك من مطاوي الزيارات المأثورة فكل الشهداء سوى أبي الفضل مدفونون مما يلي قدمي الحسين(علیه السّلام) وأما الحر فلم نحصل له على قبر سوى ما تشير إليه السيرة المستمرة عند الشيعة من أنه معهم أيضاً . ويظهر من المقاتل والزيارات أنه مع سائر الأصحاب . نعم يقول الشهيد الأول في الدروس بعد ذكر فضل زيارة الإمام الحسين(علیه السّلام).

« ومن زار الحسين فليزر ابنه علي بن الحسين وسائر الشهداء وأخاه

ص: 136


1- الإرشاد - المفيد،ص243.
2- نفس المصدر : ص 249.

العباس والحر بن يزيد ... الخ »(1).

وهذا صريح في أن قبره كان معروفاً في ذلك العصر ومعتبراً عنده(رحمه الله علیه) ، وهذا كاف لنا في تعيين مرقده . وأما ما يذكر عادة من سبب إخراج الحر من بين الشهداء ودفنه في موضعه الذي هو فيه الآن فهو من المجعولات ومن نسج الوضاعين .

وثانياً : إن القاسم بن الحسن ذلك الفتى المظلوم لم يكفه ما لحقه في حياته من ظلم حتى يُحرم من مجاورة عمّه الأكرم وسائر عمومته وأبناء عمومته .

فيا أيها الأحمق الكذاب - واضع الزيارة المزوّرة - بما أنك قد ظلمت ذلك الشهيد المظلوم وأخرجته من جوار عمّه لماذا لا تعين للناس مكان دفنه حتى يزوروه كما عُيّن مكان دفن الكثيرين من الشخصيات المهمة مع أنه لا أصل لذلك التعيين ولم يذكره أحد ولم نقف له على مستند مثل البيت المنسوب الأمير المؤمنين(علیه السّلام) ومثل الكثير من القبور التي منها ما لا أصل له ومنها ما نقطع بعدم صحته كقبر المقداد الذي في شهروان فإنه بحسب الظاهر قبر بعض شيوخ العرب وينسبه بعض الحمقى إلى المقداد بن الأسود الكندي الذي هو من كبار أصحاب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) والواقع أن المقداد توفي في جرف وهي تبعد فرسخاً واحداً عن المدينة المنورة وحمل من هناك ودفن في البقيع . وكقبر المختار الذي يصرح الشيخ الجليل ابن نما في كتابه شرح طلب الثأر في شرح حال المختار فيقول :

ص: 137


1- الدروس: كتاب المزار،زيارة الإمام الحسين .

«وإن قبته لكل من خرج من باب مسلم ابن عقيل كالنجم اللامع»(1).

وواضح أن قبره كان ظاهراً في ذلك الزمان وبعيداً عن صحن مسلم إلا أنهم حددوا مكاناً في داخل المسجد ودفنوه فيه ونقلوا عن العلماء أنهم يؤكدون مكان قبره وكل ذلك كذب وافتراء .

ومنذ مدة أرسل بعض القاجاريين مبلغاً يقرب من أربعمائة تومان من طهران إلى المرحوم ساكن الخلد فقيه عصره وعلامة دهره الشيخ عبد الحسين الطهراني دام ثراه لأجل بناء قبر المختار فكتب رحمة الله عليه : « القبر ليس معلوماً فلتصرف في أمر آخر » . وبعد إصرار شديد على لزوم صرفها في ذلك بدأ بالبحث عن قبره وقد كنت يومها في خدمته فلم أحصل إلا على عبارة ابن نما المشار إليها آنفاً فأعرض(رحمه الله علیه) عن الفكرة فأخذ آخرون المال وفعلوا به ما فعلوا .

على كل حال ليت ذلك الكذاب الوقح - واضع الزيارة المزورة - عين مكاناً لقبر القاسم حتى إذا سُئِل عن قبر ذلك المظلوم أين هو ؟ أجابهم ودلهم عليه .

سبحان الله ، بينما يحمل الإمام الحسين(علیه السّلام) بيديه المباركتين جسد القاسم الممزّق ليضعه إلى جانب جسد علي الأكبر وباقي شهداء أهل البيت ، وبينما الشيخ المفيد يقول في الإرشاد بعد ذكر أسماء شهداء أهل

البيت(علیهم السّلام).

« وهم كلهم مدفونون مما يلي رجلي الحسين(علیه السّلام) في مشهده حفر لهم حفيرة وألقوا فيها جميعاً وسوي عليهم التراب إلا العباس بن

ص: 138


1- شرح الثار في شرح أحوال المختار،ابن نما . فصل وفاته ومدفنه .

علي . . .الخ»(1).

يأتي هذا الظالم - واضع الزيارة المزورة - ليخرج جسده الشريف من بین الأجساد ودون أن نعلم إلى أين ولماذا . ولا أدري ما الذي جناه ذلك الفتى المظلوم حتى قابله بهذا الفعل الشنيع . وأحمق منه من يقرأ تلك الزيارة دون أن يلتفت إلى هذا الأمر ، وعلاوة على ذلك يتلو تلك الأكاذيب بصوت عال في محضر الحسين المنوّر وهؤلاء غالباً ما يعتقدون أن هذه جزء من أجزاء الزيارة وهذه بدعة في الدين وخيانة كبيرة لشريعة

الكلمات جزء من خاتم النبيين(صلی الله علیه و آله و سلم). واستصغار هذا العمل سبب في دخوله في البدعة و اعتقاد عدم دخول هذا الجزء ضمن الزيارة المروية لا يخرجه عن البدعة لأن إلقاء مثل هذه الأمور إلى العوام وغيرها من الأشياء غير الهامة والبدع الجزئية كغسل أويس القرني وآش(2) أبي الدرداء وهو التابع المخلص المعاوية وصوم الصمت بأن لا يتكلم المرء بشيء طيلة النهار وغير ذلك من البدع التي لم يردع عنها رادع ولم ينكرها منكر قد سببت الجرأة والتطاول على الدين حتى صار يظهر للناس في كل شهر وكل سنة نبي أو إمام جديد فترى الناس يخرجون من دين الله أفواجاً .

ثالثاً : مسلم بن عقيل ذلك الرجل العظيم الشأن الجليل القدر هو من شهداء أهل البيت إلا أنه ليس داخلاً في هذه السلسلة من الشهداء ولهذا لم يرد ذكره في زيارة الناحية المقدسة التي عددت أسماء الشهداء وكذلك زيارة أول رجب فإنها عددت أسماءهم وذكرت اسمي ابنيه ولم تأت على ذكره .

رابعاً : إن أحوال هانىء بن عروة لم تكشف لنا جيداً إلى الآن وما جاء

ص: 139


1- الإرشاد: ص 249.
2- الآش: طعام إيراني مخصوص أشبه شيء في بلادنا«بالمخلوطة» بإضافة بعض الخضروات والمعكرونة .

عنه لم يصل عند العلماء إلى درجة الوثاقة وقد أتعب السيد الأجل بحر العلوم نفسه الشريفة في رجاله في مدح هانىء ومحاولة إلحاقه بشهداء كربلاء(1).

والعجب من ذلك الكذاب الوضاع - واضع الزيارة المزورة - كيف أورد ذكر هانىء في الزيارة ولم يأتِ على ذكر رسول الحسين إلى أهل الكوفة قيس بن مسهر الصيداوي مع ما كان عليه من قوة الإيمان ولم يذكر أيضاً عبد الله بن يقطر أخ الحسين من الرضاعة ورسوله الثاني مع علو مقامه وشهادته . وكذلك أبو رزين سليمان غلامه(علیه السّلام) أو عتيقه ورسوله إلى أهل البصرة مع بلوغه درجة الشهادة على يد الرجس الغدار ابن زياد . فإن هؤلاء لم يذكرهم أحدٌ مع أنهم مقدمون على كثير من الشهداء المذكورين بمراتب عديدة .

وقد خرجنا بهذه الكلمات عن موضوع الرسالة إلا أنها غُصَّة كانت في القلب وستبقى حسبما يوحي به الوضع العام لسيرة العوام وعدم اعتناء العلماء العظام بتقويمه وتصحيحه فكان ذلك مني مجرّد إظهار التأسف للإخوان المؤمنين .

الثاني عشر : الكذب قد يكون في الكلام المتعارف والكتابة المتعارفة المعروفة بالنثر ، وقد يكون بالشعر بجميع أقسامه ومنه ما يكون في ما يشبه النظم كمقامات الحريري وغيره فإن هناك فرقاً بين هذين النوعين من الكذب في الحكم كما سيأتي إن شاء الله تعالى .

المطلب الثاني - في إشارة إجمالية لأحكام الأقسام المذكورة :

أما في التقسيم الأول : فلا يخفى أن الكذب على الله ورسوله والأئمة

ص: 140


1- راجع رجال بحر العلوم : ج 4 ، ص 48 و 49. حيث حاول السيد المصنف تشبيهه بالحر الرياحي والدفاع عنه في رد بعض الروايات القادحة فيه .

الطاهرين(علیه السّلام)من المعاصي العظيمة والكبائر الموبقة عند جميع المسلمين ويُعدُّ ذلك من ضروريات الدين . بل لقد نقل ابن حجر العسقلاني في كتابه الزواجر عن جماعة أن ذلك موجب الكفر(1).

وأما الكذب على غيرهم والكذب غير المتعلق بأحد فلا شبهة في كونهما من المعاصي بل عد بعضهم ذلك من الضروريات . ويستفاد من جملة من الأخبار المتقدمة ومن صريح جماعة من الفقهاء العظام(2) أنهما من الكبائر أيضاً ولم ينقل الخلاف في ذلك عن أحد ولم يُذكر ما يعارض تلك الأخبار إلا في بعض الصور التي ستأتي الإشارة إليها . فالأقوى اعتبار كل الأقسام في التقسيم الأول من الكبائر .

وأما التقسيم الثاني : فإن الكذب على الله ورسوله وخلفائه في أمور الدين وفي ما من شأنهم بيانه واضح الحرمة وكونه من الكبائر أيضاً . وهو القدر المتيقن من الآيات والروايات المذكورة . وهكذا في أمور الدنيا ، على الأصح الأقوى ، وذلك لإطلاق الآيات والروايات المتقدمة التي لا مقيد لها سوى توهم بعيد لا مجال لذكره هنا .

وقد صرح بذلك العلامة الحلي في كتابي المنتهى والتحرير وتبعه جماعة من المتأخرين مثل صاحب المستند والشيخ الفقيه في الجواهر ونجاة العباد ووالد العلامة في شرح الإرشاد ونسبه إلى جماعة ولم يُنقل عن المتقدمين أي خلاف ومقتضى الاحتياط واحترامهم(علیهم السّلام)تعميم الحكم لما يشمل الدين والدنيا ، والله العالم .

ص: 141


1- الزواجر ، ابن حجر العسقلاني،باب الكذب على الله ورسوله .
2- قد مرت الإشارة إلى بعضها ويمكن مراجعة من لا يحضره الفقيه : ج 3، ص 569 ، باب معرفة الكبائر .

أما في التقسيم الثالث : فالظاهر بل المقطوع به عدم الفرق بين الأقسام الثلاثة في الحكم في حرمة وفساد الصوم وأن قول المعصومين وتقريرهم يثبت ذلك ت ذلك من الناحية الشرعية وهما حجّة فيجب العمل على وفقهما لأنهما من السنة المقابلة لكتاب الله . وهكذا يظهر أن كل كذب من هذه الأقسام يصدق عليه أنه كذب عليهم فيلحقه حكم الكذب على الله ورسوله وقد صرّح بذلك جماعة من العلماء .

وأما التقسيم الرابع : فالقسم الأول منه ، الذي هو الكذب من معتاده هو القدر المتيقن أيضاً من الأخبار والفتاوى . أما القسم الثاني فإذا كان كذباً على الله ورسوله والأئمة صلوات الله عليهم فلا ريب أنه أنه من الكذب العمدي ويجري في قائله الحكم بالفسق وما يستتبعه . وفي ما عدا ذلك من الأقسام فهناك ، في الجملة ، تأمل في إلحاقه بالكذب بملاحظة الرواية التي رواها ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد الله(علیه السّلام): الكذاب هو الذي يكذب في الشيء ؟ قال(علیه السّلام) : لا ، ما من أحد إلا ويكون ذلك منه ولكن المطبوع على الكذب »(1).

فظاهر هذا الخبر أن الكذب المحرم المعدود من الكبائر هو كذب المطبوع على الكذب وليس معنى ذلك أنه لو صدر الكذب عن غير معتاده كان معفواً عنه ولا يحاسب عليه ، ولكن لا يمكن رفع اليد عن ظاهر الأخبار المستفيضة التي حاصلها أن الكذب أحد الكبائر لمجرد ورود هذه الرواية . فحال هذا القسم حال تلك الأقسام أيضاً .

ومن البديهي أنه لا يشترط في أي كبيرة حتى تلك المتعلقة بالكلام والتي محلها اللسان كالشرك والغيبة والقذف والفتنة أن يتكرر وقوعها حتى

ص: 142


1- أصول الكافي : ج 2 ص 327، باب : 325 الكذب.

تتحقق المعصية أو حتى يتحقق كونها من الكبائر فإنها لو صدرت من المكلف عمداً ولو مرة واحدة يحكم بفسقه ويجري عليه الحد وسائر أحكام الفسق .

وقبح الكذب عقلاً وشرعاً لا يقل عن قبح جملة من هذه الكبائر بل ربما كان أكثر قبحاً من بعضها كما مر من أنه أسوأ من شرب الخمر وأنه مفتاح بيت الخبائث(1).

وقد أفاد بعض العلماء أنه لم يجعل للكذب في الشرع المطهر حد مع أنه أسوأ من الخمر لكثرة وقوعه والشيوعه بين الناس فصرف النظر عنه لذلك ولاستطاعة الكذاب أن يدعي بعض الوجوه لتفسير كلامه مما يحقق وجود الشبهة التي بها تُدرء الحدود .

وبالجملة لا مفر من القول : إنّ المراد من الكذاب في هذا الخبر الشريف الشخص الذي نهت الأخبار العديدة عن مصاحبته ومخالطته والشاهد على صدق هذا المدعى وصحة هذا المعنى أن المفاسد المترتبة على مصاحبته مقتصرة على مصاحبة الكذاب دون مصاحبة الكاذب.ويُحتمل أن يكون هذا هو المراد من سؤال عبد الرحمن بن الحجاج أنه هل يكتب الله اسمه في ديوان الكذابين . وقد مرّ أن ذلك هو من يستمر بالكذب إلى حد يدرج اسمه في ديوان الكذابين فظهر عدم الفرق بين هذين القسمين في ثبوت عنوان المعصية إلا أن القسم الأول أشد ومفاسده أكثر من عدة جهات .

وأما التقسيم الخامس : فحكم القسم الأول فيه واضح وأما القسم الثاني فهو على نحوين :

ص: 143


1- راجع صفحة 98 من هذا الكتاب .

الأول : الكلام الصادر على وجه الهزل دون قصد معناه وإنما هي كلمات جرت على اللسان دون قصد المعنى كما يحصل للنائم والساهي وهذا القسم ليس له حكم في الشرع المقدس من الحرمة والجواز والصحة والفساد في العقود والإيقاعات والشهادات وغيرها فيما إذا صدر عن هكذا شخص فإذا استفيد من القرائن الظاهرة أنه قاله عن غير قصد عدّ لغواً ولا أثر له .

وقد أخرجه بعض العلماء في هذا المقام عن دائرة الكذب معتبراً أنه مثل سائر كلمات المزاح والأحاديث الفارغة وذلك لأن الكذب هو الخبر الذي لا واقع له فإذا تجرد عن القصد لم يعد خبراً ولم يعد محلاً للكذب .وأورد عليه بعض العلماء المحققين بأن ما يستفاد من الأخبار حرمته لأمرها بترك الكذب « جاداً وهازلاً » فإنها بذلك تدخل هذا النوع في دائرة الكذب .

ويؤيد هذا الإيراد بما جاء عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) حينما قال لأبي ذر :« يا أبا ذر ويل للذي يحدّث فيكذب ليضحك القوم ، ويل له ويل له ويل له »(1).

لأن غالب القصص الباطلة والحكايات الكاذبة المضحكة قيلت في مجالس الهزل والمزاح. وما ذكروه مطابق للاحتياط وإن كان على خلاف السيرة المتعارفة .

الثاني : ما قصد به معنى إلا أنه نقل للكذب والحكايات التي لا أصل لها في مقام المزاح والهزل والمطايبة ومجالس أنس البطالين لمجرد التسلية والضحك . وطبعاً يدخل هذا القسم في الهزل المذكور في الأخبار المتقدمة

ص: 144


1- أمالي الشيخ الطوسي : المجلس الأول، ص 548 .

وليس هناك مجال للحكم بجوازه .

التقسيم السادس : حكم القسم الأول منه واضح وحرمته ضرورية وهكذا القسم الثاني لأن حرمة الكذب ليست مقيدة بوجود المفسدة . أما القسم الثالث فحكمه معلوم إجمالاً لأنه في مقام التقية وعند الخوف على النفس أو المال أو العرض يجوز الكذب بل في كثير من موارده يكون واجباً . وهكذا في الكذب لأجل الغلبة على أعداء الدين وللإصلاح بين الإخوة المؤمنين ودفع الشر عن الأهل والعيال أو لأجل تطييب خاطرهم حسبما جاء في الأخبار وفتاوى العلماء الاخيار، فإن الكذب في هذه الحالات جائز بل ذكروا أنه ليس كذباً أصلاً . إلا أن في المسألة إشكالاً من جهتين :

الأولى : في حال الاضطرار إلى الكذب لدفع الشر والتخلص منه هل يجوز الكذب مطلقاً أم أنه مقيد بعدم القدرة على التورية ؛ وهي أن يقول كلاماً يقصد منه معنى صحيحاً واقعياً ولكن الغرض منه إقناع المخاطب

بالمعنى الظاهري للكلام غير المطابق للواقع ، ومثاله ما لو جاء شخص يسأل عن صاحب الدار فيقول له الخادم : إنه ليس هنا مشيراً إلى مكان خاص في البيت فيفهم السائل أنه ليس في الدار أصلاً ويرجع .

جاء في كتاب السرائر للشيخ الفقيه ابن إدريس الحلي عن ابن بكير عن أبي عبد الله(علیه السّلام) في الرجل يُستأذن عليه فيقول للجارية : قولي ليس هو السان ههنا ؟ قال : « لا بأس ليس بكذب » .

فإذا أمكنت التورية وأمكن دفع الضرر والشر بها فلا مسوغ للكذب إذ لا ضرورة له حينئذ . هذا مختار جماعة من أكابر المحققين . وفي المقام بحث طويل تحقيقه موكول إلى علم الفقه . وما على المكلفين سوى الرجوع

ص: 145

إلى المجتهد الذي يقلدونه فيعمل كلٍّ منهم على حسب رأيه وبما يأذن به .

الثانية : تحديد ضابطة الصلاح وتشخيص الحد الذي يسمح معه بارتكاب الكذب المأذون به . وهل يجوز لأجل الإصلاح ارتكاب مطلق الكذب حتى ما كان منه على الله ورسوله والأئمة(علیهم السّلام) ، أم أنه مقيد بما كان غير هذا النوع من الكذب ؟ ومحل توضيح هذه المطالب الكتب الفقهية .

وظاهر كلمات الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم حرمة الكذب على الله ورسوله مطلقاً مهما كان النفع من الإصلاح عاماً وعظيماً ولم يجوزوا وضع الحديث لأي هدف كان . وقد أشار الشيخ الشهيد الثاني(رحمه الله علیه) إلى هذا المطلب في مقام بيان الأخبار الموضوعة فقال : منهم - أي من وضاع . الحديث - من قصد التقرب به إلى الملوك وأبناء الملوك(1) . . . ومنهم قوم من السؤال يضعون على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) الأحاديث يرتزقون بها(2) ... وأعظمهم ضرراً من انتسب إلى الزهد والصلاح بغير علم فاحتسب بوضعه حسبة الله وتقرباً إليه ليجذب بها قلوب الناس إلى الله تعالى بالترغيب والترهيب فقبل الناس موضوعاتهم ثقة بهم ور وركوناً إليهم لظاهر حالهم بالصلاح والزهد ومن ذلك ما روى عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي أنه قيل له : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة وليس عند أصحاب عكرمة هذا ؟ فقال :

« إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق ، فوضعت هذا الحديث حسبة ».

وكان يقال لأبي عصمة هذا : الجامع(3). فقال أبو حاتم بن حبّان

ص: 146


1- الرعاية في علم الدراية : ص 154.
2- نفس المصدر : ص 155.
3- الجامع هو من يجمع الأحاديث أي يحفظ أعداداً كبيرة منها .

- وهو من علماء الجرح والتعديل المعروفين عند السنة : « جمع كل شيء إلا الصدق » .

وروى ابن حبّان عن ابن مهدي قال :

« قلت الميسرة بن عبد ربه : من أين جئت بهذه الأحاديث ؟ من قرأ كذا فله كذا . قال : « وضعتها أرغب الناس فيها ».

وروى عن المؤمل بن إسماعيل قال : حدثني شيخ به - أي بحديث طويل يصل سنده إلى أبي بن كعب في ثواب قراءة القرآن سورة سورة - فقلت للشيخ : من حدثك ؟ قال : حدثني رجل بالمدائن وهو حي . فصرت إليه فقلت : من حدّثك ؟ فقال : حدَّثني شيخ بوا بواسط وهو حي وهو حي فصرت إليه فقال : حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه فقال :« حدثني شيخ بعبادان فصرت إليه فأخذ بيدي فأدخلني بيتاً فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ فقال : هذا الشيخ حدّثني . فقلت : يا شيخ من حدّثك ؟ فقال : « لم يحدثني أحد ، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن ، فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن »

ثم ذكر الشهيد الثاني(رحمه الله علیه) أن جماعة من أهل السنّة قد نبهوا عليه »(1).

وبالجملة فمن غير المحتمل أن يأذن أحدٌ من العلماء بوضع الحديث مهما كان مختصراً ومهما كان نفعه عميماً لأن فتح هذا الباب يُعدُّ تهديماً لأساس الشريعة وخلق شريعة جديدة ودين جديد مع إطلالة كل شهر وبداية كل سنة .

والظاهر أن بعض قرّاء العزاء يقلدون هذا الشيخ الصوفي العباداني

ص: 147


1- الرعاية في علم الدراية: ص 156 و 157 و 158 .

ولكن هذا الشيخ الأحمق توهم أنه يتقرب إلى الله بجعل هذه الأخبار لأن الناس قد أعرضوا عن قراءة القرآن ولم يكن يريد أن يجلب النفع لنفسه إلا أن قرّاء العزاء حينما يصعدون منبراً أو يدخلون مجلساً ينشرون الأكاذيب ويزرعونها في كل مكان . حتى إذا لمسوا فتوراً في إقبال الناس عليهم اختلقوا فوراً خبراً مناسباً لدب الحماس فيهم . وإذا ما نقلوا خبراً معتبراً جعلوه أغصاناً وأوراقاً متناثرة يأخذون منه ما يشاؤون ويذرون ما لا يريدون تبعاً لمصالحهم .

ولهذا لا يمكن جمع وضبط ما ينقلونه من أخبار في كتاب بل إنهم يتعبون في ذلك الكرام الكاتبين ويوقعونهم في العجز كما أشارت إليه الأخبار . كل ذلك لأجل تحصيل نفع عاجل ومتاع قليل زائل .

وقد انقدح من هذه الكلمات أن الكذب من أجل الإصلاح لا يكون بالكذب على الله ورسوله وأئمة الهدى (علیهم السّلام).

ومما لا بد من التنبيه عليه في هذا المقام أن ما يصاغ على لسان الحيوانات والنباتات والجمادات من قصص وحكايات مما صيغ وكتب منه الآلاف إن كان بدون هدف محدد أو لهدف فاسد فحكمه حكم سائر أنواع الكذب أي أن قوله وكتابته وبيعه وشراءه حرام والمعاملة عليه باطلة . وأما إذا كان بهدف توضيح آثار حكم الله تعالى والوقوف على دقائق خلقه وبيان نتائج الأخلاق الحميدة وما لها من عواقب حسنة وإظهار المفاسد والعواقب الوخيمة للصفات الرذيلة وغير ذلك من المنافع العلمية والفوائد العملية مما يحتاجه بنو الإنسان من الترغيب والترهيب وتكميل النفوس فلا شبهة في جوازه حسب النصوص والفتاوى بل بمقتضى حكم العقل أيضاً . ويخرج ذلك عن دائرة الكذب المحرم ليدخل في عداد كلمات الحكمة والموعظة والنصيحة .

ص: 148

جاء في الاحتجاج للطبرسي أن الإمام الحسن المجتبى(علیه السّلام) قال في معرض رده على عمرو بن عثمان في المجلس المشؤوم الذي عقده معاوية للمفاخرة وللطعن فيه وفي أبيه(علیه السّلام) « أما أنت يا عمرو بن عثمان فلم تكن للجواب حقيقاً بحمقك أن تتبع هذه الأمور فإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فإني أريد أن أنزل عنك فقالت لها النخلة : ما شعرت بوقوعك فكيف يشق علي نزولك»(1).

وصرَّح العلامة الحلي في التذكرة(2)والمحقق الثاني في جامع المقاصد في كتاب الإجارة بعد ذكر جواز إجارة الإنسان نفسه لكتابة القرآن قالا :

وكذا كتب السير والأخبار الصادقة والشعر الحق دون الكاذبة . ولا بأس بالأمثال والحكايات وما وضع على ألسنة العجماوات »(3).

والظاهر أن نظرهما إلى مقالة الحيوانات في كتاب إخوان الصفا الذي هو نظير موردنا أو إلى كتاب كليلة ودمنة الذي وضعه حكماء الهند لتهذيب الصفات وتكميل الأخلاق وهما مما لا عديل لهما في هذا الباب .

التقسيم السابع : أما حكم الكذب الجلي فواضح وهكذا حرمة الكذب الخفي فيما إذا كان سبب خفائه عدم صراحة اللفظ في إفادة المعنى المخالف للواقع بأن يكذب بالإشارة أو الكناية أو التعريض كما لو أن شخصاً لا يصلي صلاة الليل ويريد أن يفهم الحاضرين بأنه يصليها فيسأل عن الفروع الجزئية لأعمالها وحكم بعض الحالات النادرة في صلاة الليل فيعتقد الحاضرون أنها

ص: 149


1- الاحتجاج : الطبرسي، ج 1، ص410.
2- التذكرة : العلامة الحلي، ج 2، ص 305،س6.ط.حجریة.
3- جامع المقاصد ، المحقق الكركي، كتاب الإمارة: ص 428 ، س 39 ، ط . حجرية .

عمله الدائم وشغله الشاعل لذلك يُبتلى بهكذا أمور . وكما لو كان يأكل كثيراً ولكنه يظهر لهم أنه قليل الأكل وهذا يعد رياءً أيضاً . وكيفما كان فإنه لا ينبغي الشك في حكمه إذ سيرة الخلق قائمة على بيان مقاصدهم بوسيلة الإشارة والكناية وإفهام الآخرين مرادهم بواسطتهما فإذا حصل في ذلك مخالفة الواقع كان كذباً ويلحقه حكم الكذب .

وأما إذا كان سبب الخفاء كونه من الأمور القلبية ومن مكنونات الخواطر فمعرفة حكمه من غوامض المسائل ويدور أمر قائلها بين محذورين فلا يستطيع أن لا يقولها لأن أغلبها من الواجبات وجملة منها من المستحبات الأكيدة فلا مفر منها وإذا أراد أن يقولها فبأي وجه يقولها وهو يعلم أن الله أعلم به من نفسه ويعلم أنه لا يقول الحق .

نعم ، الذين يقولون هذه الكلمات دون أن يعرفوا معناها هم في مأمن من غائلة مخاطرها وهم كمن يخبر عن حاله خبر صدق . والطامة كلها عند الطائفة التي تعلم معاني هذه الكلمات فتقولها باللسان دون مراعاة تطابقها مع الواقع . والكلام في هذا المقام بحاجة إلى بسط إلا أن ذلك لا يناسب ما وضعت لأجله هذه الرسالة .

التقسيم الثامن : حكم الكذب اللغوي واضح ، لأنه من القدر المتيقن أنه كذب وأما حكم القسم الثاني فسيأتي في المقام الخامس إنشاء الله تعالى .

التقسيم التاسع : حكم أقسامه الثلاثة أنها من الكبائر . والآيات والأخبار الدالة على أن الحلف بالله كذباً من الكبائر كثيرة . وفي بعضها أنها تدع الديار من أهلها بلاقع(1). ولا يموت صاحبها حتى يرى

ص: 150


1- فروع الكافي : ج 7، 271 اليمين الكاذبة، ص 476 حديث 3 .

وبالها(1)، وينقطع نسله(2)ويكون بذلك قد بارز الله عزّ وجلّ(3)وحُرمت عليه الجنة(4)، ويكون من الثلاثة الذين : ﴿ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ وَلِّهِمْ عَذابُ أَلِيمُ ﴾(5)»(6)

التقسيم العاشر : لا يخفى أن كل فعل يقصد به صاحبه الأخبار هو في

ص: 151


1- الخصال: ج 1، ص 124 ، حدیث: 119 . وإليك نصه : حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ( رض ) قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن خالد ،عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي عبيدة عن أبي جعفر(علیه السّلام) قال : وفي كتاب علي(علیه السّلام) ثلاث خصال لا يموت صاحبهن أبداً حتى يرى وبالهن : البغي وقطيعة الرحم واليمين الكاذبة يبارز الله بها وإن أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم ... إلى آخر الحديث .
2- ثواب الأعمال وعقابها قسم العقاب : ص 226 وإليك نص الرواية . حدثني محمد بن موسى بن المتوكل قال : حدثني عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن خالد عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر(علیه السّلام) أنه قال : في كتاب علي أن اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من أهلها وتنقلان الرحم وأن انتقال الرحم انقطاع النسل. وهذا الحديث تكملة الحديث السابق .
3- فروع الكافي : ج 7 ، باب 271 اليمين الكاذبة حديث 1 وإليك نصه عن عدة من ، أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن يعقوب الأحمر قال : قال أبو عبد الله(علیه السّلام) : « من حلف على يمين وهو يعلم أنه كاذب فقد بارز الله عز وجل».
4- الأعمال المانعة من الجنة : ص 286 - وإليك الرواية رُوي عن أبي إمامة الحارثي أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال : ما من رجل اقتطع مال امری مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنّة وأوجب له النار فقيل : يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال : وإن كان سواكاً من أراك .
5- سورة آل عمران الآية: 77 .
6- تفسير العياشي : ج 1، ص 179 . وإليك الرواية عن أبي ذر عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم :قلت من هم خابوا وخسروا؟ قال : المسبل، والمنّان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، أعادها ثلاثاً.

حكم القول ويقال فيه ما يقال في القول من صدق وكذب وحرمة وكراهة وجواز وغير ذلك كما صرّح به جماعة وهو نظير الغيبة الحرام حيث صرّحوا بأنه لا يفرق فيها بين القول والفعل .

قال الشهيد الثاني في كشف الريبة :

« واعلم أن ذلك لا يقصر على اللسان بل التلفظ به إنما حرم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكره فالتعريض به كالتصريح والفعل فيه كالقول والإشارة والرمز والإيماء والغمز واللمز والكتبة والحركة وكل ما يفهم المقصود داخل في الغيبة مساو للسان في المعنى الذي حُرّم التلفظ به لأجله . ومن ذلك ما . ذلك ما روي عن عائشة أنها قالت : دخلت علينا امرأة فلما ولّت أومأت بيدي أي قصيرة قال(صلی الله علیه و آله و سلم) : اغتبتها .

ومن ذلك المحاكات بأن يمشي متعارجاً أو كما يمشي فهو غيبة بل أشد من الغيبة لأنه أعظم في التصوير والتفهيم »(1).

وقريب منه ما ذكره الأستاذ الأعظم الشيخ الأنصاري في المكاسب .(2).

وهذه الكلمات وإن ذكرت في باب الغيبة إلا أنه لا فرق بينها وبين الكذب من هذه الجهة . والغيبة كلام صادق ، ولو كانت كذباً كانت بهتاناً فتبيّن أنه مع كل حركة عضو يُراد منها إفهام الآخرين أمراً من الأمور مما لا واقع له يتحقق الكذب ويُلحق صاحبه بالكذابين كما لو قاله بلسانه

التقسيم الحادي عشر : حكم الكذب الذي يخاطب صاحبه به شخصاً حيّاً سامعاً عاقلاً واضح معلوم وكذلك مخاطبة من هو بحكم الحي

ص: 152


1- كشف الريبة عن أحكام الغيبة : مجموعة رسائل الشهيد الثاني،ص 289 .
2- كتاب المكاسب، الشيخ الأنصاري، ص 42 س 24 ، ط . حجرية .

کرسول الله وخلفائه الأبرار إذ أن ذلك مقتضى أصول المذهب . والأخبار الكثيرة المشتملة على فقرات الاستئذان بالدخول إلى مشاهدهم المشرفة فيها :

« أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وترد سلامي »(1).

فمخاطبتهم عند قبورهم المطهرة مثل مخاطبة الأحياء الحاضرين والسامعين العاقلين بل إن قبور المؤمنين ملحقة ذلك بمراقدهم المنورة كما يستفاد من بعض فقرات زياراتهم(علیه السّلام) وقد نقل إبن طاووس في كتاب فلاح السائل عن كتاب مدينة العلم للصدوق أنه روى عن محمد بن مسلم أنه سأل الصادق(علیه السّلام) : نزور الموتى ؟ فقال : نعم ، قلت : فيسمعون بنا إذا أتيناهم قال : إي والله إنهم ليعلمون بكم ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم (2).

وفيه أيضاً عن صفوان بن يحيى أنه قال : قلت لأبي الحسن(علیه السّلام) :« هل يسمع الميت تسليم من يسلم عليه قال : نعم يسمع أولئك وهم كفار ولا يسمع المؤمنون »(3).

أي إن المؤمنين أولى بأن يسمعوا من الكافرين . ويشير الإمام(علیه السّلام) إلى قصة قتلى المشركين في معركة بدر الذين ألقوا في البئر ، كما ذكر الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق فقد روى هو وغيره عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه وقف على قليب(4)بدر فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذ وقد ألقوا في القليب :

ص: 153


1- مفاتيح الجنان - الاستئذان لزيارة النبي - ص 311 وكذلك مصباح الكفعمي في نفس المورد .
2- فلاح السائل - صفة دفن الأموات - ص 85 . كتاب المزار : باب 59 ، ح 2 .
3- نفس المصدر السابق .
4- القليب : البئر .

لقد كنتم جيران سوء لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أخرجتموه من منزله وطردتموه ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً ؟

فقال له عمر : يا رسول الله ما خطابك لهام قد صديت ؟

فقال له : مه يا بن الخطاب فوالله ما أنت بأسمع منهم وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد إلا أن أعرض بوجهي هكذا عنهم (1).

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السّلام) أنه ركب بعد انفصال الأمر من حرب البصرة فصار يتخلل بين الصفوف حتى مرَّ على كعب بن سورة وكان هذا قاضي البصرة ولاه إياها عمر بن الخطاب . . . فقال : اجلسوا كعب بن سورة . فأجلس بين نفسين وقال : يا كعب بن سورة قد وجدت ما وعدني ربي حقاً فهل وجدت ما وعدك ربك حقاً - أي ما أعد من العذاب للناكثين - ثم قال : اضجعوا كعباً . وسار قليلاً فمر بطلحة بن عبد الله صريعاً فقال : أجلسوا طلحة فأجلسوه فقال له مثل ما قال لكعب .

فقال له رجل من أصحابه : يا أمير المؤمنين ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك ؟

فقال(علیه السّلام) : « يا رجل فوالله لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب کلام رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) »(2).

ومن رواية صفوان المتقدمة نفهم أن سماع الكفار لكلام النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لم يكن من باب المعجزة وسلطنة النبي على أجسادهم الخبيثة بل هم يسمعون طبقاً للتطورات الخَلْقية لهم في عوالم الغيب والشهادة ولهذا قال

ص: 154


1- تصحيح الاعتقاد في شرح عقائد الصدوق في النفوس والأرواح : ص 216 .
2- نفس المصدر.

الإمام(علیه السّلام): إن المؤمن أحق من الكافر بالسماع وذلك لجهة قوة وجوده وصفاء روحه .

ويؤيد هذا المطلب بما جاء في نوادر علي بن أسباط عن الصادق(علیه السّلام) من أنه قال لشخص : إذا سلمت على موتاك قبل طلوع علم الشمس فإنهم يسمعون ويجيبون وإذا سلّمت عليهم بعد طلوع الشمس فإنهم يسمعون ولا يجيبون »(1).

فظهر أنه يجب أن يعامل كل واحد من موتى المؤمنين عند زيارته كما المخاطب الحاضر الحي ويُتكلم معه على أنه يسمع ويفهم ويجيب بل في بعض الأحيان يسمع الزائر جوابه كما ذكر جماعة منهم صاحب كتاب العروس وغيره بأسانيد معتبرة عن الصادق(علیه السّلام) من أن سلمان الفارسي ذهب إلى المقابر يوم الجمعة فوقف وقال :

« السلام عليكم يا أهل الديار فنعم دار قوم مؤمنين ، يا أهل الجمع هل علمتم أن اليوم الجمعة ؟ قال : ثم انصرف . فلما أن أخذ مضجعه أتاه آت في منامه ، فقال له : يا أبا عبد الله إنك أتيتنا فسلّمت علينا ورددنا عليك السلام ، وقلت لنا : يا أهل الديار هل علمتم أن اليوم الجمعة ، وإنا لنعلم ما يقول الطير في يوم الجمعة . قال ، يقول : سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك غضبك، ما عرف عظمتك من حلف باسمك كاذباً »(2).

وأما إذا لم يكن هناك أي مخاطب حين قول الكذب أو كان هناك مخاطب دون إدراك أو تمييز فالذي يبدو للنظر أن هذا النوع من الكذب ليس

ص: 155


1- نوادر علي بن أسباط، الحديث مترجم.
2- العروس : ص 155 ، وأمالي الصدوق : مجلس 73 ، حدیث : 5 ، ص 390.

حراماً لأن الكلام الذي لا يفيد الآخرين فائدة لا يعد خبراً وبالتالي لا يتصف بالصدق أو الكذب فلا يكون حراماً .

إلا أن الشيخ الأعظم ، خاتمة الفقهاء والمحققين ، الشيخ مرتضى الأنصاري حكم في هاتين الصورتين في كتاب الصوم من كتاب نجاة العباد في مسألة الكذب على الله ورسوله في شهر رمضان ، بصحة الصوم في المتن وعلق على ذلك في الحاشية بأن فساد الصوم في هاتين الصورتين لا يخلو من قوة . ومعلوم أن الفساد لا يتحقق ما لم تصدق الحرمة وبما أن الحرمة ليست مختصة بحال الصوم يخرج لدينا أن الكذب في هذين المقامين كذب على الله ورسوله ويصدق على من يكذب دون أن يكون هناك مخاطب يوجه الكلام إليه أنه فعل حراماً .

وتبين من خلال ذلك حكم جماعة قراء العزاء الذين يقرأون في المساجد الخالية للتدرب وتقوية ملكاتهم والله العالم .

التقسيم الثاني عشر : لا يخفى أن المحقق النراقي قال : في كتابه المستند في فروع الكذب على الله ورسوله والأئمة صلوات الله عليهم في أيام الصوم :

« وما ينسب إليهم من أقوال في الأشعار والمراثي ونحوها مما نقطع بعدم صدوره عنهم فإن علمنا أنه من باب المبالغات الشعرية المتعارفة المقبولة في الشعر فالظاهر أنه لا بأس به وإلا لزم الحكم ببطلان الصوم فيما إذا صدق عليه أنه كذب . والأحوط الاجتناب عن الجميع الخ »(1).

يقول المؤلف : يظهر لنا من عمل العلماء وسيرتهم الشائعة ومن بعض القرائن الأخرى أنه يتسامح في باب الكذب في الشعر وفي النثر الشبيه

ص: 156


1- المستند،المحقق النراقي .

بالشعر ولم يجروا بحسب الظاهر عليه حكم الكذب الحرام إما لما ذكره في المستند مما يذكر كثيراً في هذا المقام وغيره من المقامات من أن نسبة الكلام أو الفعل لا حد في الشعر يكون مبنياً على المبالغة والتشبيه والاستعارة مما لا يقصد المعنى الظاهر الكاذب منها بل المقصود منها معان أخرى منزّهة عن قبح الكذب ومبرأة منه . ومن السهل ملاحظة أن ما يكون على هذا النحو وله هذه المزايا يعد من منتخب الكلام وغرره من حيث الفصاحة والبلاغة ، مثلاً إن ملك الشعراء الكاشي حينما يصور مخاطبة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) لأمير المؤمنين عندما نزل عمرو بن عبدود إلى ساحة الميدان وطلب المبارزة فلم يجبه أحد إلا أمير المؤمنين(علیه السّلام) يقول - شعر فارسي -:

قال النبي : هو عمر و البطل *** الذي يسل من كمه يداً كالقاضبِ

فأجاب علي يا سيدي *** وأنا كليث غاب غاض

ونحن نقطع أن هذا الكلام لم يصدر عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) بالعربي ذلك فإنه لا يعد محرماً وذلك لأن متن الخبر أن ولا بالفارسي ومع رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال :

« يا علي هذا عمرو بن عبدود فارس يليل »(1). فقال أمير المؤمنين(علیه السّلام) : « وأنا علي بن أبي طالب »(2).

ومعلوم أن حاق المعنى في هذا الاسم المبارك وفي هذا المحل الشريف يشتمل على الذات المقدسة العلوية وسائر الصفات الحسنة من الشجاعة والكرم والزهد والشهامة وكل ما يمكن لمخلوق أن يتصوره من صفات حميدة . فكل ما يُشبَّه به شجاع أو يمكن أن يُشبَّه به وفي أي مورد

ص: 157


1- يليل اسم موضع هجم فيه عمرو على عير وهزم ألف خيال منهم .
2- تفسير القمي : ج 2، ص 183 .

كان هو صادق و منطبق عليه في ذلك المورد . وكأن المقصود من قوله(علیه السّلام) : وأنا علي ، أنه أنا صاحب القلب الشجاع الجامع لكل قوة وشجاعة أسود الغاب. وهكذا يقال في موردنا ، وهو باب وسيع وموجود في كلام الله عزّ وجلّ .

ثم إن هناك جهة أخرى متعارفة أيضاً في الشعر والنثر وهي أن يكون للإنسان أو الحيوان أو النبات أو الجماد حالة خاصة وصفة معينة يمكن من خلالها معرفة لسان حالها فلو كان لها لسان حقيقةً وأرادت أن تخبر عن حالها لقالت عين ما ينقله الناقل عنها فإذا قال الناقل : إن الإنسان الفلاني أو الشيء الفلاني قال كذا وكذا كان مراده أن له الصفة الفلانية والحالة الكذائية الكاشفة عن أنه لو كان له لسان أو لو أراد أن يخبر عن حاله لقال ذات القول وهذا كلام صادق وليس من الكذب في شيء ويسمى لسان الحال .

ومن هذا الباب ما يقال من أن كل الموجودات تشهد على وجود الصانع القادر العالم الحكيم الرازق ، الشهادة خبر وهذا الخبر صادق عند كل ذي شعور منصف .

وبهذا البيان نفسه يفسر السيد المرتضى ، علم الهدى ، وجماعة من المتكلمين الآيات والأخبار الدالة على وجود الشعور والنطق في الحيوانات غير الناطقة . فقد نقل في كتابه المسائل الطرابلسية ، في حكاية النملة مع النبي سليمان(علیه السّلام) التي ذكرها الله في القرآن ان النملة حين رأت طليعة جيش سلیمان خافت وصدر عنها أصوات تدل على الخوف فأخافت سائر النمل كما يحصل عادة مع سائر الحيوانات . وقال : وتلك الحكاية البليغة الطويلة لا يجب أن تكون النملة قائلة لها ولا ذاهبة إليها وأنها لما خافت من الضرر الذي أشرف النمل عليه جاز أن يقول الحاكي لهذه الحال تلك الحكاية البليغة المرتبة ، لأنها لو كانت قائلة ناطقة ومخوفة بلسان وبيان لما

ص: 158

قالت إلا مثل ذلك »(1).

وفي كتاب الغرر والدرر أعاد شرح هذا المطلب وقال في آخره :

« وفي نسبة الكلام إلى النملة مجاز واستعارة »(2).

ويظهر من هذا فرقٌ هذا فرق بين هذا الوجه والوجه السابق ففي الأول أن أصل نسبة القول إلى النملة واقع حقيقةً وأما ما ذكره في الثاني من المبالغة والتشبيه والاستعارة فمخالف له كما لا يخفى على أهل العلم .

وما أفاده هذا السيد الجليل وغيره من العلماء في قصة النملة والهدهد وغيرهما وإن كان على خلاف النصوص الكثيرة وتحقيق المحققين إلا أن المراد من نقله بيان خروج هذا القسم عن دائرة الكذب الحرام . ومع أن هذا النمط من الكلام لا خصوصية له تميزه عن الكلام الصادر عن اللسان إلا أن سيرة العلماء الأخيار جارية على استعماله في النظم والنثر بل يزينون كلامهم به ويجعلونه مؤيداً لدعاويهم لتصبح مقبولة لدى الآخرين ولكن لكثرة استعماله في النظم من أول الأمر لم يعد بحاجة إلى قرينة للدلالة على أن المراد لسان الحال لا لسان المقال بخلافه في النثر إذ لا بد فيه غالباً من التنبيه على ذلك ، لأن مقتضى سيرة الشرع حمل الكلام على ظاهره وبالتالي اعتبار هذا النمط من الأخبار كذباً. ومن هذا الباب ما قاله أمير المؤمنين(علیه السّلام) في خطبة له في بيان أحوال الأموات :

« ولئن عميت آثارهم وانقطعت أخبارهم ، لقد رجعت فيهم أبصار العبر وسمعت عنهم آذان العقول ، وتكلّموا من غير جهات النطق فقالوا : كلحت الوجوه النواضر ، وخوت الأجساد النواعم ولبسنا أهدام البلى

ص: 159


1- المسائل الطرابلسية .
2- لم نجده في الغرر والدرر .

وتكاء دنا ضيق المضجع ، وتوارثنا الوحشة ، وتهكمت علينا الربوع الصُّمُوت . فانمحت محاسن أجسادنا وتنكرت معارف صورنا وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا ، ولم نجد من كرب فرجاً ولا من ضيق مخرجاً »(1).

وفي تفسير أبي الفتوح الرازي أن سائلاً جاء يوماً يستعطي الحسين بن علی (علیه السّلام)فقال(علیه السّلام) : أتدرون ماذا يقول ؟ قالوا : لا يا بن رسول الله . له قال : إنه يقول : أنا رسول الله إليكم أعطوني شيئاً أرجع إليه به وإلا فإني أرجع إليه بأيد خالية »(2).

وبعدما ذكر سيد السالكين علي بن طاووس في آخر اللهوف رجوع السجاد(علیه السّلام) من الشام ودخوله المدينة ونزوله منازل أبيه وإخوته أورد كلاماً عالية على لسان حال تلك المنازل مليئاً بالأسى واللوعة ، فيه نياحة وعويل وبكاء(3).

وقد ظهر من التنبيه الذي ذكرناه في أول الكلام أن حكم صاحب المستند بفساد الصوم في غير المبالغات الشعرية ليس صحيحاً بشكل مطلق بل لا بد من تقييده بصورة ما إذا أريد به لسان الحال أيضاً والله العالم وعليه التكلان .

ص: 160


1- نهج البلاغة: من كلام له 221 ، ص 340.
2- تفسير أبو الفتوح الرازي،الحديث مترجم .
3- اللهوف : ص 89 .

المقام الخامس

في بيان المراد من الصدق في مقام نقل الأخبار والقصص التي هي رأس مال قراء العزاء والتي يمكن بها تحصيل نعيم الآخرة تارة وكسب المال والجاه الدنيوي تارة أخرى .

وبما أننا بينا الكذب الذي يقابله فقد أصبح هذا المقام معلوماً . وليس الغرض من شرح معاني الصدق إلا بيان المعاني العديدة له بحسب محله من القول والفعل والقلب والإرادة والعزم وغير ذلك واختلاف درجاته باختلاف همة المجاهدين لأنفسهم في سبيل الله . ويقابل كل درجة من درجات الصدق درجة من درجات الكذب .

وقد بين بعض هذه المطالب في الكتب الأخلاقية وبعضها الآخر في كتب المعاني وليس من المناسب إعادة ذكر ما بين منها إلا أن اللازم في هذا المقام الإشارة إلى مراتب الصدق وما يراد منها حسبما يستفاد من الآيات والأخبار فنقول :

لا يخفى أن الصدق الحقيقي الواقعي هو أعلى مراتب الإنسانية

ص: 161

وأشرف الكمالات النفسانية التي يصدق عليها حقيقة أنها من المعارف وأصول الدين والمذهب.

والقلب هو مصدر الصفات الحسنة أو الأخلاق الذميمة النفسانية ومصدر أعمال الجوارح من فعل الواجبات أو ارتكاب المحرمات . والكلام الصادقهو ما يعبّر عن مكنونات القلب ، وإلا كان ذلك نفاقاً ويشمله قوله تعالى :

﴿ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾(1).

المتعرض لذكر المنافقين الذين شهدوا برسالة محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وقالوا :

﴿ نَشْهَدُ أَنَّكَ لِرَسُولِ اللَّهُ ﴾(2).

ولكن بما أن كلامهم هذا لم يصدر عن إعتقاد قلبي قال الله تعالى عنهم :

﴿ وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ﴾(3).

فإنهم لو كانت شهادتهم تلك صادقة لما كانت أعمال جوارحهم على خلاف عقيدتهم لذلك كان قولهم عنده كذباً .

ومن تمام وكمال هذا المقام بيان الوفاء بالوعد والالتزام بالعهد الذي يقطعه المرء في قبال الخالق أو المخلوق . وقد قال بعض المحققين في تفسير الآية المباركة :

﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا

ص: 162


1- سورة آل عمران الآية : 176 .
2- سورة المنافقون الآية : 1.
3- سورة المنافقون الآية : 1 .

ما لا تَفْعَلُونَ ﴾(1).

« إنها ظاهرة في بيان حال الذين يخلفون بالوعد ، وكل هذا التهديد والوعيد للذين لا يفون بوعودهم » . وقد عدّهم الله تعالى في مقام آخر في جملة الكاذبين فقال :

﴿ وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَهْمُ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ ﴾(2).

وقد ذكرنا شرحاً مفصلاً في الباب السادس عشر من كتاب الكلمة الطيبة لحالة هؤلاء الجماعة الذين عنتهم الآية الكريمة . ومن يرجع إلى ذلك الكتاب يجد فيه فوائد كثيرة .

وبعد طي هذه المراحل العشر(3) يظهر أنه لا بد أن يتطابق ما في القلب مع ما في الواقع من كل الجهات وبيان ذلك في باب المعارف الإلهية بأن يعتقد المرء بوجود الله تعالى على النحو الذي يليق بجلاله وهكذا بصفاته وأفعاله تعالى وبالأنبياء العظام والأوصياء الكرام(علیهم السّلام) وبالملائكة وبيوم القيامة وبالجنة والنار ثم يلزمه - في مرحلة الأخلاق - أن يكون قوله وسيرته متطابقين مع اعتقاده بحيث تكون تلك الصفات المشار إليها موجودة فيه حقيقة لا مجرد ادّعاء وإلا سيكون كاذباً في هذه المرحلة كما أشرنا في المقام الثاني عند شرحنا لقول أمير المؤمنين(علیه السّلام) :

ص: 163


1- سورة الصف، الآية : 3 .
2- سورة التوبة، الآية : 77 .
3- لم يمر ذكر المراحل العشرة ويحتمل وجود نقص في النسخة التي بين أيدينا، أو أن ذلك سهو من المؤلف .

« إياكم والكذب فإن كل راج طالب وكل خائف هارب »(1).

وهذه الفقرة الشريفة وإن كانت واردة في بيان الضابطة في تمييز الصدق عن الكذب في مرحلة الخوف والرجاء إلا أنها تعطينا قاعدة عامة تنطبق على كل الصفات الحميدة مثل التوكل والمحبة والرضا والتسليم وغير ذلك إذ كلها تشترك فيما بينها من هذه الجهة ولها آثار وعلامات يمكن من خلالها تمييزها عند نفس حاملها وعند الآخرين .

وأما في مرحلة اللسان وسائر الأعضاء فمعنى الصدق فيها معلوم ولا يعرف عامة الناس للصدق معنى سواه وهو أن كل مخبر إن طابق خبره الواقع فهو صادق وإلا كان كاذباً .

وبما أن من يجاهد نفسه في الله لا بد أن يكون موحداً الله تعالى بأن يتنزّه عنأن يشرك به شيئاً في كل المراحل وأن يكون كل ما يصدر عنه من قول أو فعل خالصاً لوجه الله ومنزّهاً عن كل الشوائب كما يستفاد من الآية الشريفة :

﴿ إِنَّ صَلَاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ﴾(2).

التي تقرأ في أول الصلاة والتي مرَّ تفسيرها في الفصل الأول وتشير إلى هذا المقام من الصدق الذي لا تشوبه شائبة مما لا يراد به وجه الله ، فإنه وبسبب رسوخه في عالم الإخلاص يمكن له أن ينمّي الشجرة الطيبة المزروعة في قلبه وأن يجني ثمارها المختلفة . ولا يصدق هذا المعنى من الصدق بشكل كامل إلا على أهل العصمة والطهارة لذلك عبّر عنهم الله تعالى بقوله :

ص: 164


1- أصول الكافي : ج 2 ص 329، باب 325 حدیث 21 . 21.
2- سورة الأنعام، الآية : 162 .

﴿ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾(1).

وأمرنا أن نأتسي بهم في كل حالاتنا بالأقوال والأفعال والعقائد والأخلاق كلُّ حسب قدرته وهمته . وعليه تنقسم هذه الأمة إلى صنفين : صنف الصادقين ، وصنف المأمورين بالاقتداء بهم . وليس المقصود من الصادقين في الآية كل من يقول الصدق بلسانه حتى لو كان منافقاً بقلبه أو عاصياً بأعمال جوارحه إذ يستحيل على الله تعالى أن يأمر بالاقتداء بالمنافق والعاصي . فلا بد أن يكون المراد به هنا الصدق في جميع المراحل التي أشير إليها ولا يصل إليه إلا من اصطفاه الله وربّاه وأرسله لتكميل وتزكية وتربية سائر عباده وليس لأحد عذر في عدم الاقتداء بهم والتمسك بحبلهم .

وبما أنه لا يليق بشأنه تعالى أن يأمرنا بالاقتداء بمن لا نعرفهم أو بمن يتعذر علينا معرفتهم فقد بيّن لنا أوصافهم ليتمكن كل شخص من التأسي بهم والتمثل بأوصافهم فقال عزّ وجلّ :

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ واتى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ السَّائِلِينَ وَفِيُّ الرِّقابِ وَ أَقامَ الصَّلاةَ واتى الزَّكاةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾(2).

وقال في مكان آخر :

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا

ص: 165


1- سورة التوبة، الآية : 119 .
2- سورة البقرة، الآية : 177 .

بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾(1).

ولا يخفى على المتأمل أن هاتين الآيتين تشملان كل ما قيل من مراتب الصدق فالصادقون الذين أمرت الأمة بمتابعتهم من جمعت فيهم هذه الأوصاف وقاموا بهذه الأعمال .

كما لا يخفى على المنصف المتفحّص المطلع على أحوال السابقين أن هذه الأوصاف لم تُرَ ولم تسمع إلا عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) وأبنائه الأحد عشر(علیهم السّلام) كما ذكر مفصلاً في كتب الإمامة مما ليست هذه الأوراق محلّ لذكره إذ ليس الغرض هاهنا إلا الإشارة إلى مقامات الصدق وإلى أن درجته السامية مختصة بهؤلاء العظماء .

ويشترك باقي العباد بحسب التقسيم الإلهي في المراتب الأخرى التي أدنى درجاتها صدق اللسان والتي لا يعرف عامة الخلق سواها من الدرجات فضلاً عن أن يتصفوا بها أو يعملوا على تحصيلها .

ومع أن هذا المقام هو الأدنى في مقامات الصدق إلا أن الناس لضعف أفهامهم وقصور هممهم لم يعطوه الأهمية اللازمة بأن يراقبوا أنفسهم في مكالماتهم ومكاتباتهم وفي ما يرونه وما يسمعونه فتراهم يغيّرون الكلام عند النقل فيزيدون أو ينقصون مدخلين بذلك أنفسهم في زمرة الكاذبين فيبتلون باستحقاق العقوبة التي تقدمت منا الإشارة إليها .

بل إن قبح الكذب أخذ يزول شيئاً فشيئاً من بين الناس إلى درجة أنهم باتوا يعتبرونه من الصغائر بل قد لا يرونه مكروهاً أصلاً . أفلا ترى أن أحدهم إذا أكل الثوم يتجنّب أن يمر على أحدٍ من الناس خوفاً من زجره على سوء رائحة فمه وتجنّباً لسماع كلمات التوبيخ المخجلة بينما تراه في

ص: 166


1- سورة الحجرات، الآية : 15 .

المجالس والمحافل والمساجد وعلى المنابر يورد آلاف الأخبار الكاذبة ولا يبالي. مع أن بعض الأخبار المتقدمة قد صرّحت بأن عفونة الكذب تصل إلى قائمة العرش الإلهي ويتأذى بها الملائكة ويبتعدون عن صاحبها(1).فلا يجدون في ذلك بأساً ولا يخطر ببالهم قبحه . ولهذا الكلام تتمة سيأتي بیانها إن شاء الله تعالى .

والغرض الأهم في هذا المقام الخامس بيان معنى الصدق والكذب الذي يجب على قرّاء العزاء وأمثالهم أن يعرفوه ويراعوه في مقام العمل وليعرفوا تكليفهم وكيفية نقل الأخبار والقصص فضلاً عن رعاية صدق اللسان والتحرز عن الكذب به ولزوم اعتباره من الكبائر وإن كل المكلفين مشتركون في ذلك . ونحن متابعة لبعض العلماء الأعلام نسمي ذلك بالصدق والكذب الشرعيين وإليك توضيح المراد منه :

إن ناقل الخبر أو القصة ينقلها عادة عن واسطة وتنقله الواسطة عن واسطة أخرى وهكذا إلى أن يصل إلى صاحب الخبر الأصلي وهو نفسه لا يقطع بصدق ذلك الخبر إلا نادراً فكيف الحال بالنسبة للذين ينقلون عنه ويسمعون منه فإنهم يشاركونه في احتمال الصدق والكذب دون ترجيح أحد الطرفين . نعم في بعض الأخبار والقصص ما يُرجح فيه مضمون أحد الطرفين ولكن لا يمكن الركون إلى هذا الظن ما لم يكن على طريقة خاصة أو تصل قوة الظن إلى درجة معينة كما ذكر في محله . وبما أن جملة من أمور معاش الإنسان وكثيراً من أمور معاده تتعلق بالنقل والناقلين ورواة الأحاديث فقد وضع في الشرع المطهر موازين لهذا الأمر يعمل المتشرعة على أساسها فيطبقونها ولا يتجاوزونها على الإطلاق . ويقال لمن تجاوزها أنه كاذب. فالكاذب هنا هو من خالف الحق وخالف رضى الله والقانون المقرر في

ص: 167


1- راجع ص 96 من هذا الكتاب .

الشرع ، في مقابل الكذب اللغوي الذي هو مخالفة الواقع . وقد يتفق في بعض الأحيان أن يكون ما نقل صحيحاً أي شاهده الناقل بنفسه إلا أن شروط النقل لم تتحقق فلا يصح نقله ، ويقال عنه كاذب فيما لو نقله مع أنه صدق لغة . ومثاله ما لو اتهم رجل زوجته بالزنا فمهما يكن صادقاً وقد رأى ذلك بأم عينه لا يجوز له النقل ما لم تتوفر الشروط الأربعة . ولو نقل ذلك دون توفر الشروط يقام عليه حد القذف ويكون عند الله من الكاذبين كما جاء في آيات الإفك في سورة النور حيث قال تعالى :

﴿ لَولَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ﴾(1)

وأما في غير هذا المقام فتكليف الناقل أن ينقل عن ثقة أي عن شخص يطمئن إلى نقله وهذا لا يكون إلا إذا كان ذلك الشخص متحرزاً عن الكذب معتاد الصدق حتى صار عنده ملكة وعادةً وصار معروفاً عند من يعرفه أو يعاشره بالصدق وأن لا يكون كثير النسيان بأن يزيد سهوه ونسيان-ه ع-ن المتعارف . وبالجملة لا بد أن يكون عارفاً بصيراً بما ينقله ، فإذا كان جامعاً لهذه الصفات يطمئن بنقله فإن مدار نظام أمور العقلاء في كل العصور والقرون على إخبارات هكذا أشخاص دون ملاحظة مذهبه ما هو وهل هو على حق أو على باطل . ولا فرق في نقله في هذا المقام بين أن يكون باللسان أو في الكتاب والدفتر . ولو نقل عن غير ثقة لعُدّ كاذباً أيضاً . وبالجملة هناك فرق بين هذا القسم والقسم الأول سيأتي حكمه إنشاء الله تعالى .

ويدل على صدق هذه الدعوى كلام أمير المؤمنين(علیه السّلام) في ضمن

ص: 168


1- سورة النور، الآية : 13 .

الوصية التي وجهها لابنه الحسن(علیه السّلام) وهي وصية طويلة وقد دونت عنه(علیه السّلام) ونقل أكثرها السيد الرضي في نهج البلاغة ونقلها كلها السيد رضي الدين في كشف المحجة عن وسائل ثقة الإسلام الكليني حيث نقلها بإسناده عن الباقر(علیه السّلام) ومن جملة فقراتها :

« ولا تحدث إلا عن ثقة فتكون كذاباً والكذب ذل »(1).

وقريب منه ما جاء عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) في نهج البلاغة في ضمن كتابه لحارث الهمداني : « ولا تحدث الناس بكل ما سمعت وكفى بذلك كذباً »(2).

ويؤيد هذين الخبرين ما رواه الشيخ الصدوق الله في كتاب معاني الأخبار عن عبد الأعلى بن أعين قال : قلت لأبي عبد الله(علیه السّلام) :

« جعلت فداك حديث يرويه الناس أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قال : حدث عن بني إسرائيل ولا حرج . قال : نعم . قلت : فنحدث عن بني إسرائيل بما سمعناه ولا حرج علينا ؟ قال : أما سمعت ما قال : كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع »(3).

قال العلامة المجلسي في البحار في شرح هذا الخبر :

« ويدل على أنه لا ينبغي نقل كلام لا يوثق به »(4).

و من هذا الباب ما مرَّ من أن المصلح ليس كاذباً(5)ولو كان كلامه ومن

ص: 169


1- کشف المحجة ابن طاووس، ص 178 .
2- نهج البلاغة من كتاب له إلى الحارث الهمداني : 69 ص 459 .
3- معاني الأخبار : ص 158 .
4- بحار الأنوار: ج 2، باب 21 آداب الرواية : ح 5، ص 159 .
5- راجع صفحة 110 من هذا الكتاب.

مخالفاً للواقع لأنه موافق للحق ولرضى الله عزّ وجلّ . وحاصل كل الأخبار المعتبرة في هذا الباب أن المكلف إذا أراد أن ينقل أمراً دينياً أو دنيوياً لإفادة الآخرين مما لا بد في نقله من الوسائط يجب عليه أن ينقله عن شخص يطمئن بنقله وإن لم يمتثل لذلك بأن نقل ما لم يسمعه أو لم يره في كتاب موثوق فإنه سيكون عرضة لمؤاخذة المولى وتوبيخ العقلاء . ولو نقل عن ثقة ما خلاف الواقع فإنه سيكون معذوراً ولا يؤاخذ على فعله لأن الله هو جل وعلا أذن له بذلك ولا يكون هذا العمل قبيحاً عند العقلاء أيضاً لأن مدار أمورهم الحياتية على النقل عن الثقات والاعتماد على أخبارهم فلو ترتب على هذا النقل مفسدة فليس على الناقل ذنب . أما لو وقعت منه مسامحة في مقام النقل ؛ بأن أخذ يروي عن الثقة وغير الثقة أو ينقل عن كل كتاب وقع في يده فإنه علاوة على المفاسد التي يمكن أن تترتب على فعله هذا سيؤاخذ ولن يكون معذوراً أمام المولى عز وجل ولا أمام العقلاء . فما جاء في حق الكاذبين من المذمّة والملامة ما هو إلا مقدمة لما سيلقونه من نكال وعقاب يوم القيامة .

وليس لأحد منهم أن يعتذر بأنه لم يكن يعرف أن ما نقله كان كذباً أو كان يحتمل صدقه لذلك نقله لأنه سيقال له : لقد أعلمناكم أن لا تنقلوا كل ما تسمعونه ومن أي شخص كان ولا ترووا كل ما ترونه وفي أي كتاب كان

وقلنا لكم لا تسلكوا هذا الطريق فإنكم لو وقعتم في حفر المعاصي لن تجدوا من يسمع استغاثتكم ويخلصكم منها وستعاقبون عقوبة الكاذب وتعذبون بالمفاسد المترتبة عليه .

ولا يخفى على المتأمل الصادق أن قوله تعالى :

﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقُ بنبأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ

ص: 170

فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ﴾(1).

إشارة إلى ما قلناه أيضاً لأن التعليل الذي ذكر في ذيل الآية الشريفة يثبت أن الجهالة عمل قبيح عقلاً وشرعاً وأن ما يترتب عليه يكون في عهدة فاعله وسيندم على ذلك . فناقل الحديث بما أنه لم يعلم صدقه ولم يسمح له الشارع المقدس بأن يتعامل معه على أساس أنه صادق فلا بد أن يكون الاعتماد عليه حينئذ اعتماداً على غير الثقة ويكون جهالة وكل ما يترتب عليه في عهدة ناقله وعاقبته الندم بخلاف من ينقل عن ثقة فإنه وإن لم يعلم صدقه يسمح له من قبل الشارع بنقله والتعامل على أساس أنه صادق فمن التزم بهذه الضوابط سيكون في مأمن من الوقوع بالجهالة . ولو فرض أن الثقة نقل ما هو خلاف الواقع وترتب على ذلك مفسدة أو مفاسد فإن ذمة الناقل لن تكون مشغولة بذلك لأنه لم يفعله إلا عن أمر الشارع . ونظيره الحاكم الشرعي المطاع الذي يقطع يد شخص لأن شاهدين عادلين شهدا على أنه سرق ثم يظهر بعد القطع أن الحد كان في غير محله بأن كان السارق شخصاً آخر فليس على ذلك الحاكم حرج ولن يقع في الندامة على فعله لانه عمل بالميزان الشرعي الذي بين يديه في المقام . وطبعاً سيتم تدارك ذلك من طريق آخر .

نعم ، الندامة والوبال سيلحقان من يثبت أنه تعمد الكذب أو قصر في مقدمات النقل ومن هذا الباب ما جاء عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) في الكافي :

« إذا حدثتم بحديث فاسندوه إلى الذي حدثكم فإن كان حقاً فلكم وإن كان كذباً فعليه »(2).

ص: 171


1- سورة الحجرات، الآية : 6 .
2- أصول الكافي : ج 1 ، باب 17 من كتاب فضل العلم : ص 104 ، ح 7.

بأن يقال مثلاً قال فلان أن الصادق(علیه السّلام) يقول كذا وكذا . فإن كان صدقاً كان ثواب رواية الحديث والعمل به لكم جميعاً وإن كان كذباً فإن وباله على ناقله الذي نقله لكم كذباً وزوراً .

وبملاحظة الأخبار المتقدمة والضوابط المقررة فإن المراد من كون الناقل ثقة أن لا يكون ما يصدره عنه من نقل كذباً على النحو الذي مرَّ بيانه أو على النحو الذي سيأتي شرحه إنشاء الله تعالى .

ولهذا المقام بل وللمقامات السابقة أيضاً عدة تنبيهات لا مناص من ذكرها :

ص: 172

التنبيه الأول

بما أنك قد عرفت أن تكليف الناقل لأمور الدين أو الدنيا النقل عن ثقة بالمعنى الذي ذكرناه سواء كان النقل عن لسانه أو عن كتبه ومؤلفاته كما هو الحال بالنسبة إلى قراء العزاء في هذا العصر حيث ينحصر نقلهم غالباً بهذا الطريق . وعرفت أنه ليس هناك محذور في النقل عن الثقة حتى لو كان خبره على خلاف الواقع فليس على من ينقله عنه ملامة ولا حرج فلا بد أن تعرف أنه قد ينقل الثقة خبراً وينقل ثقاةُ آخرون خلافه . وقد يكون ما نقله الثقة منافياً لبعض قواعد وأصول المذهب . ونقل الثقة بل العادل لذلك لا ينافي وثاقته أو عدالته إذ لاختلاف الأحاديث والأخبار والقصص والحكايات أسباب كثيرة لذلك عمل علماؤنا المتقدمون على ضبطها . وقد بيّن لنا الأئمة(علیهم السّلام)مراراً كيفية التعامل مع الروايات المتعارضة بل يوجد تعارض

في هذه الروايات أيضاً (1). وقد عانى العلماء العظام رضي الله عنهم كثيرا في تصنيف هذه الروايات بحسب مشاربهم ومبانيهم في الفقه مما ليس من المناسب ذكره الان .

ص: 173


1- أي روايات علاج التعارض .

وما يتناسب مع غرضنا هنا تنبيه قارىء العزاء البصير المتقي أنه إذا رأى حكاية في كتاب أحد العلماء فإنه وإن لم يكن هناك محذورٌ في نقلها إلا أنه لا بد له من التأمل فيها والالتفات بل الفحص للتأكد من أنه لم يرو علماء آخرون رواية على خلافها على نحو يحصل بينهما التعارض فيكون اللازم حينئذ تأويلها .

وعليه في هذا المقام أن يفعل ما يلي :

أولاً: أن يذكر مستند الرواية دون أن يجزم بمضمونها فلا يقول: إن الإمام قال كذا أو فعل كذا .

ثانياً : أن يذكر مخالفة الآخرين لها فلا يَغُرُّ آذان السامعين بها خصوصاً إذا كان صاحب ذلك الكتاب من كبار علمائنا وسنذكر لتوضيح ذلك مثالين :

المثال الأول : ما ذكره العالم الجليل ، الذي لا نظير له ولا عديل ، الشيخ المفيد(رحمه الله علیه) في كتابه الإرشاد في سياق ذكر المعجزات القاهرات والآيات الباهرات لأمير المؤمنين(علیه السّلام) قال :

« ومن آيات الله الخارقة للعادة في أمير المؤمنين(علیه السّلام) أنه لم يعهد لأحد من مبارزة الأقران ومنازلة الأبطال ما عرف له(علیه السّلام) من كثرة ذلك على مرّ الزمان ثم أنه لم يوجد في ممارسي الحروب إلا من عرته بشر ونيل به بجراح أو شين إلا أمير المؤمنين فإنه لم ينله مع طول زمان حربه جراح من عدو ولا شين ولا وصل إليه أحد منهم بسوء، حتى كان من أمره مع ابن ملجم لعنه الله على اغتياله إياه ما كان وهذه أعجوبة أفرده الله بالآية فيها وخصه بالعلم الباهر في معناها ودل بذلك على مكانه منه وتخصصه بكرامته التي بان بفضلها

ص: 174

من كافة الأنام »(1).

وما أفاده(رحمه الله علیه) مؤيد بما ذكره شاذان بن جبرائيل في فضائله في معرض ذكر ولادته(علیه السّلام) من أن حواء ومريم ومعهما امرأتان أخريان حضرتا ولادته ولهن روائح أطيب المسك . . . ومعهن جونه من فضة . . . فضمخته إحداهن بطيب كان معها من الجنة ثم أدرجته أخرى في ثوب كان معها . قال أبو طالب : لو طهرناه كان أخف عليه . وذلك أن العرب تطهر مواليدها في يوم ولادتها . فقلن له : إنه ولد طاهر مطهر لأنه لا يذيقه الله حرّ الحديد إلا على يدي رجل يبغضه الله تعالى وملائكته والسماوات والأرض والجبال وهو أشقى الأشقياء . فقال من هو ؟ قلن : هو عبد الرحمن بن ملجم . . . الخ (2).

ولا يمكن لنا تصديق هذا الكلام والأخذ بظاهره إذ إنه يتنافى مع الأخبار الكثيرة التي روى ذلك الشيخ تلله بعضها وأشير إليها هنا باختصار :

الأول : ما رواه الشيخ المفيد في الاختصاص من أنه حينما عاد(علیه السّلام) من معركة أحد كان في جسمه ثمانون جراحة تُدخل الفتائل في موضع وتُخرج من موضع ، فدخل عليه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) عائداً وهو مثل المضغة على نطع فلما رآه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بکی »(3).

الثاني : ما رواه هو في الاختصاص أيضاً من أنه « عدّ ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه صلوات الله عليه »(4).

ص: 175


1- مناقب و فضائل الإمام علي ابن شاذان ص 53 .
2- الإرشاد: ص 162 .
3- الاختصاص : ص 158 .
4- نفس المصدر : ص 159 .

الثالث : ما رواه هو في الاختصاص والشيخ الصدوق في الخصال في حديث طويل عن الإمام الباقر(علیه السّلام) وعن محمد بن الحنفية من أن رأس اليهود أتى علياً بن أبي طالب(علیه السّلام) عند منصرفه عن وقعة النهروان فذكر له(علیه السّلام) سبعة مواضع مما امتحنه الله به في حياة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وسبعة بعد وفاة النبي وقد صبر في المواضع كلها وجاء في الموضع الرابع من السبعة الأولى مجمل عن غزوة أحد وذكر في آخره أنه(علیه السّلام)جرح بين يدي النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) نيفاً وسبعين جراحة ومنها هذه ومنها هذه - ثم ألقى رداءه وأمر بيده على جراحاته »(1).

الرابع : ما جاء في ذينك الكتابين من أنه أشار في تلك الرواية إلى جرح في هامته من ضربة عمرو بن ود »(2).

الخامس : ما رواه الشيخ الطبرسي في مجمع البيان من أنه جاءوا بعلي إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) في يوم أحد وفي جسمه أكثر من ستين جراحة وأن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)أمر أم سليم وأم عطية أن تداوياه فقالتا : إنا لا نعالج منه مكاناً إلا انفتق مكان اخر وقد خفنا عليه . فدخل رسول لله(صلی الله علیه و آله و سلم)والمسلمون يعودونه وهو قرحة واحدة فجعل يمسحه بيده ويقول : إن رجلاً لقي هذا في الله فقد أبلى وأعذر وكان القرح الذي يمسحه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يلتئم بإذن الله حتى كأنه لم يكن »(3).

السادس : ما رواه الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره بسند معتبر في معرض ذكره لمعركة أحد من أنه(علیه السّلام) قد أصيب في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه بتسعين جراحة فتحاموه - أي خاف

ص: 176


1- الاختصاص : ص 168 والخصال : ج 2 ، ح 58 من باب السبعة : ص 368 .
2- نفس المصدر في الكتابين في الصفحة التالية .
3- مجمع البيان الجزء الأول، ص 515 .

الآخرون منه - وسمعوا منادياً ينادي من السماء : « لا سيف إلا ذو الفقار،ولا فتى إلا علي »(1).

( شعر فارسي ) :

لم يُرَ ولن يُرى في سائر الأعصار *** فتى كعلي أو سيفاً كذي الفقار

السابع : ما رواه العالم النبيل القطب الراوندي في كتاب الخرايج من أنه قد أصاب عليّاً في حرب أحد أربعون جراحة فأخذ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) الماء على فمه فرشه على الجراحات وكأنها لم تكن من وقتها »(2).

الثامن : ما رواه رشید الدین محمد ابن شهر آشوب في كتاب المناقب من أنه قد أصاب علياً يوم أحد ستة عشر ضربة وهو بين يدي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يذب عنه في كل ضربة يسقط إلى الأرض فإذا سقط رفعه جبرائيل »(3).

التاسع : ما رواه فيه أيضاً من أنه قال : أصابني يوم أحد ست عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن فأتاني رجل حسن الوجه اللمة حسن طيب الريح فأخذ بضبعي فأقامني ثم قال : أقبل عليهم فإنك في طاعة الله وطاعة رسول الله وهما عنك راضيان ، قال علي(علیه السّلام) : فأتيت النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فأخبرته فقال : يا علي أقرَّ الله عينك ذاك جبرائيل »(4).

العاشر : ما رواه أمين الإسلام الشيخ الطبرسي في مجمع البيان بسند معتبر عن حذيفة أن عمرو بن ود نزل عن فرسه وسلّ سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي مفضياً فاستقبله علي بدرقته فضر به عمرو بالدرقة فقدها وأثبت

ص: 177


1- تفسير القمي : ج 1 ، ص 143 .
2- الخرائج والجرائح، معجزات النبي : ص141.
3- المناقب،ابن شهر آشوب : ج 2، ص 240 .
4- نفس المصدر السابق.

فيها السيف وأصاب رأسه فشجّه »(1).

الحادي عشر : ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره قريباً من هذه الرواية وقال بعد ذلك : إنه بعدما قتل علي(علیه السّلام) عمرواً أخذ رأسه وأقبل السلام على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) والدماء تسيل على رأسه من ضربة عمرو وسيفه يقطر منه الدم »(2).

الثاني عشر : ما رواه ابن شهر آشوب في كتاب المناقب من أنه رُوي أنه(علیه السّلام) جَرَح رأسه عمرو بن وديوم الخندق فجاء إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فشدّه ونفث فيه فبرأ وقال : أين أكون إذا خضبت هذه من هذه »(3)أي لحيته من دم رأسه .

الثالث عشر : ما رواه أبو علي ابن الشيخ الطوسي في أماليه عن الرضا عن آبائه عن السجاد(علیه السّلام) - أنه قال في ضمن حديثه عن كيفية شهادة جدّه أمير المؤمنين(علیه السّلام) :

« وأما ابن ملجم قد وقعت ضربته وعلي ساجد على رأسه فوق تلك الضربة التي كانت فيه »(4).

الرابع عشر : ما رواه ابن شهر آشوب في المناقب عن كتاب أبان بن عثمان من أنه بعدما أتي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) بعلي وعليه نيف وستون جراحة أمر النبي أم سليم وأم عطية أن تداوياه فقالتا قد خفنا عليه فدخل النبي والمسلمون يعودونه وهو قرحة وأخذه فجعل النبى يمسحه بيده ويقول أن

ص: 178


1- مجمع البيان: ج 4 ، ص343 .
2- تفسير القمي : ج 2، ص 185.
3- المناقب ابن شهر آشوب، ج2،220.
4- أمالي ابن الشيخ الطوسي، ج 13، ص375.

رجلاً لق هذا في الله لقد أبلى وأعذر فك____ان يلتئ___م »(1).

يقول المؤلف : إن هذه الاختلافات في عدد جراحاته في معركة أُحد يمكن الجمع بينها على نحو يرتفع التعارض والاختلاف وهذا ما يُذكر في محله ، وليس ثمة محله .

الخامس عشر : الرواية المعروفة والمشهورة التي تذكر من قديم الأيام ، وبما أنه ليس بين يدي مصدرها أروي مضمونها وهو أنه أصيب(علیه السّلام) في إحدى الغزوات ، والظاهر أنها معركة صفّين فدخل السهم في قدمه فكان يتألم كثيراً من إخراجه فلم يتمكنوا من إخراجه إلا وهو في حال الصلاة حيث تكون روحه غير مستقرة في بدنه الشريف(2).

وبما أنه لا يمكننا أن نأخذ بظاهر كلام الشيخ الأجل في الإرشاد لما علمت من معارضة الأخبار الصريحة التي نقلها أعيان العلماء لما أفاده ( قدس سره ) فلا بد من تأويله وحمله على خلاف ظاهره وذلك بأن يقال : إن المراد من الجراحات التي نفاها عنه ما ينافي قوة القلب والشجاعة كالجراح التي تصيب الظهر فتكون علامة فرار صاحبها من ساحة القتال أو الجراح التي تدخل نقصاً على الجسم بحيث يسمى صاحبها باسمها مثل الأعلم وهو مشقوق الشفة العليا والأثرم وهو مكسور الأسنان والأقصم وهو من كسرت أسنانه الأمامية والأشتر وهو من انقلب جفن عينه الأسفل والأخرم وهو من قطع جانب أنفه والأعور وهو من عميت له عين واحدة والأعمى وهو من عميت عيناه وأمثال ذلك كثير .

وربما يظهر للمتأمل محامل أخرى. وأما خبر الفضائل فلا يخفى أن

ص: 179


1- المناقب: ابن شهر آشوب، ج 2، ص 2، ص 119 .
2- لم نعثر لهذه القصة على ما يصلح أن يكون مصدراً.

مؤلفه ، وإن كان من أجلة العلماء ، إلا أنه ألّفه في ريعان شبابه ولهذا ليس مبنياً على الاتقان والأحكام وفيه من الأخبار الغريبة والمنفردة الشيء الكثير لهذا لا يعتنى به أساتذة الفن كثيراً علاوة على أن في متن هذا الخبر عيباً كبيراً يجعل الخبر ساقطاً عن الاعتبار كلياً وهو ما ذكره في مسألة ولادة أمير المؤمنين(علیه السّلام) ومجيء تلك السيدات العظيمات لمساعدة أمه فاطمة بنت أسد من أن ذلك حصل في بيت أبي طالب وهذا مخالف للأخبار الكثيرة التي لا تحصى ولنصوص العلماء الأخيار ولمضامين الخطب والأشعار في سائر العصور من أن ولادته(علیه السّلام) كانت داخل الكعبة المعظمة . وهذا من خصائصه التي لا يشاركه فيها أحد من الأنبياء والأوصياء وليس بعيداً أن يكون من ضروريات مذهب الإمامية والتي يفتخرون بها عل الدوام فليس هناك مجال لتخريب الأصل بالفرع فضلاً عما يعارضه من الأخبار الكثيرة لما مرَّ.

المثال الثاني : ما ذكره العالم الجليل علي بن طاووس في أواخر كتاب اللهوف حيث قال :

« ولما رجع نساء الحسين(علیه السّلام) نساء الحسين وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل مر بنا على طريق كربلا فوصلوا إلى موضع المصرع فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري(رحمه الله علیه) وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قد وردوا لزيارة قبر الحسين(علیه السّلام) فوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم وأقاموا المآتم المقرّحة للأكباد واجتمع إليهم نساء ذلك السواد فأقاموا على ذلك أياماً »(1).

فنقول : إن السيد المعظم المذكور عالم جليل القدر وعظيم المنزلة،

ص: 180


1- اللهوف : ص 86 .

وصاحب كرامات باهرة ومناقب فاخرة عند كافة العلماء الأعلام ، ومؤلفاته وتصانيفه مقبولة ومعتبرة لدى أرباب وجهابذة الفن ولكن لا يخفى على المتدبّر المنصف أن مؤلفات عظماء الدين سواء ما كان منها متعرضاً للمطالب التي تحتاج إلى فكر صائب ونظر ثاقب أو تلك التي تحتاج إلى طول الباع في التثبت والاطلاع لا تكون كلها على وتيرة واحدة في سائر مراحل أعمارهم . فالكتاب الذي أُلف في ريعان الشباب لا يصل في درجة اتقانه وشموليته إلى ما كتب في أواخر العمر وإن كان المتبادر إلى الذهن أن كل كتاب ينسب إلى أي عالم من العلماء هو مؤلّف في أيام عظمته وجلاله التي وصل إليها بمر السنين وتوالي الشهور ولكن الواقع ليس كذلك إذ لا يخفي على الناظر البصير الفرق بين ما ألف في حداثة السن وما ألف في آخر العمر . وقد ألف هذا السيد الجليل كتاب اللهوف في أوائل عمره والشاهد على ذلك أمران :

الأول: إن طريقته في كل مؤلفاته الموجودة بين أيدينا والتي ينقل عنها العلماء هي أن يذكر مأخذ الرواية وسندها بالقدر الذي كان ميسراً له وقد دأب على ذلك بخلاف سيرته في هذا الكتاب وكتاب مصباح الزائر اللذين لم يذكر فيهما شيئاً من الأسانيد وليس لهذا وجه إلا عدم الإتقان التام وقلّة الاطلاع الكافي في ذلك الوقت من حياته وقد ألف فيما بعد كتاباً أكثر اختصاراً من اللهوف هو « المجتنى » ولم يذكر فيه شيئاً دون مستند فلو جاء كتابه هذا ، أي اللهوف، ما يرد عليه بعض الإشكالات فإنه لا ينافي مقامه السامي وطول باعه وكثرة إطلاعه على الأحاديث والآثار لأن تلك الدرجة العالية قد توصل إليها في مرحلة متأخرة عن تأليف هذا الكتاب .

الثاني : إن السيد المعظم المذكور صرح في كتاب الإجازات عند ذكر مؤلفاته أنه كتب مصباح الزائر في أوائل تكليفه . وقال في أول اللهوف :

ص: 181

« إنني لمّا جمعت كتاب مصباح الزائر، وجناح المسافر ، [ ورأيته قد احتوى على أقطار محاسن الزيارات ومختار أعمال تلك الأوقات ](1)،فحامله مستغن به عن نقل المصباح لذلك الوقت الشريف أو حمل مزار كبير أو لطيف أحببت أيضاً أن يكون حامله مستغنياً عن نقل مقتل في زيارة عاشوراء إلى مشهد الحسين(علیه السّلام)فوضعت هذا الكتاب ليضم إليه وقد جمعت هاهنا ما يصلح لضيق وقت الزوار »(2).

وهذا كلام صريح في أن اللهوف بمنزلة المتمم لمصباح الزائر مما يعني أنه أُلّف في أوائل التكليف أيضاً وهذا كافٍ في وضوح عدم اتقانه واستحكامه مثل سائر مؤلفاته الجليلة الأخرى .

فإذا توضحت لك هذه المقدمة نقول : إن وصول أهل البيت في الأربعين إلى كربلاء على النحو الذي ذكره السيد في اللهوف ينافي أموراً كثيرة وجملة من الأخبار وينافي تصريح جماعة من العلماء الأخيار نشير إليها

كلها باختصار .

الأول : إن السيد المعظم المذكور التفت بعد مدة إلى فساد ما نقله عن ذلك الراوي المجهول فقال في كتاب «الإقبال » في ذكر أعمال اليوم العشرين من صفر بعدما أشار إلى ما كان قد ذكره في اللهوف قال : إن ذلك مستبعد ؛ « لأن عبيد الله بن زياد لعنه الله كتب إلى يزيد يعرّفه ما جرى ويستأذنه في حملهم ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوماً أو أكثر ولأنه لما حملهم إلى الشام رُوي أنهم أقاموا فيها شهراً في موضع لا يكنهم من حر ولا برد وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر

ص: 182


1- هذه الجملة ثابتة في الأصل ولكن المصنف لم يذكرها والعبارة لا تتم بدونها فلزم تدوينها .
2- اللهوف : ص 5.

من أربعين يوماً من يوم قتل(علیه السّلام) »(1).

هذا ما قاله في الإقبال . والعجب أنه ذكر في اللهوف مسألة استئذان ابن مرجانة من يزيد وحمله أهل البيت إلى الشام بعد رجوع الجواب(2)ومع ذلك ذكر هذه القصة ونقلها عن راويها مع ما بينهما من التنافي .

الثاني : إنه لم يُشِرْ أحدٌ من أجلاء فن الحديث ومعتمدي أهل السير والتواريخ عند ذكر المقتل إلى هذه القصة ولا كانت محل اعتناء وشيوع عندهم بل يستفاد من كلامهم إنكارها . يقول الشيخ المفيد في الإرشاد :

« ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهن أخوهن علي بن الحسين(علیه السّلام) وأفرد لهم دار تتصل بدار يزيد فأقاموا أياماً ثم ندب ابن بشير وقال له تجهز لتخرج بهؤلاء النسوة إلى المدينة ... إلى أن قال وأنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولاً تقدم إليه أن يسير بهم في الليل ويكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا انتحى عنهم وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس وينزل منهم بحيث إن أراد إنسان من جماعتهم وضوء أو قضاء حاجة لم يحتشم فسار معهم في جملة النعمان ولم يزل ينازلهم في الطريق ويرفق بهم كما وصاه يزيد ويرعاهم حتى دخلوا المدينة »(3).

فلم يعرجوا على كربلاء في سيرهم ولم يلتقوا بجابر ولم يقيموا العزاء لعدة أيام كما جاء في تلك القصة . فربما لم ير الشيخ المفيد الرواية المتعرضة لذلك مورد اعتماد أو رآها كذلك إلا أنه لم يُشر إليها في هذا المقام.

ص: 183


1- إقبال الأعمال،ابن طاووس أعمال يوم العشرين من صفر، ص 589.
2- اللهوف : ص 74 .
3- الإرشاد : ص 246 .

وقريب من هذه العبارة ما ذكره ابن الأثير في « كامل التواريخ »(1)وما ذكره الطبري في تاريخه(2) بشكل مختصر وهو من التواريخ المعتبرة فليس في أي منهما ذكر للسفر إلى العراق .

الثالث : ما رواه الشيخ المفيد في« مسار الشيعة » في وقائع شهر صفر قال :

« وفي اليوم العشرين منه كان رجوع حرم سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين(علیه السّلام) من الشام إلى مدينة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وهو اليوم الذي ورد فيه ل جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) من المدينة إلى كربلاء لزيارة أبي عبد الله(علیه السّلام) وكان أول من زاره ويستحب زيارته »(3).

وقريب من هذه العبارة ما ذكره الشيخ الطوسي في« مصباح المتهجد »(4)والعلامة الحلي في منهاج الصلاح(5). والكفعمي في موضعين من مصباحه(6).

وظاهر العبارة أنهم خرجوا يوم الأربعين من الشام لا أنهم دخلوا المدينة يوم الأربعين كما توهم بعضهم وبين دمشق والمدينة ما لا يقل عن مسيرة شهر للقافلة خصوصاً تلك القافلة التي أمر يزيد النعمان أن يسير بها بهدوء . ويزيد البعد ما بين البلدين عن مائتي فرسخ . ولو كان مراده ذلك

ص: 184


1- الكامل ابن الأثير : ج 2، ص 578 تواريخ سنة 61 ط . بيروت حجم عادي .
2- تاريخ الطبري : ج 3، ص 339 تواريخ سنة 61 ، ط. بيروت حجم کبیر.
3- مسار الشيعة: الشيخ المفيد ص 21 وص 26 بحسب طبعة قم في المجموعة النفيسة .
4- مصباح المتهجد: الشيخ الطوسي، ص 551 .
5- منهاج الصلاح: العلامة الحلي، زيارة الأربعين.
6- المصباح : الكفعمي، ص 570.

لما غيّر العبارة عند الكلام عن جابر الذي لا اختلاف في أن وروده كربلاء كان يوم الأربعين فعبر أولاً « بالرجوع » ثم عبر « بالورود » . وعلى كل حال فإن هذه الكلمات صريحة في عدم مجيئهم إلى كربلاء وإلا لكان ذكر ذلك في ضمن وقائع شهر صفر أولى من غيره من عدة جهات .

الرابع : أن ورود جابر إلى كربلاء مفصل في ما لا يقل عن كتابين معتبرين بينما ليس لورود أهل بيت الطهارة والتقائهم بجابر ذكر ولا اثر فيهما :

الأول : كتاب بشارة المصطفى للشيخ الجليل عماد الدين أبي القاسم الطبري الأملي وهو من تلامذة الشيخ أبي علي ابن الشيخ الطوسي وكتابه هذا من الكتب النفيسة فقد روى فيه مسنداً عن الأعمش وهو من كبار المحدثين عن عطية بن سعد بن جنادة العوفي الكوفي الجدلي وهو أيضاً من رواة الإمامية وقد صرح أهل السنة في كتبهم الرجالية أنه كان صادقاً وقد توفي سنة 111 ه_ . قال :

خرجت مع جابر لزيارة الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهما ثم ذكر كيفية وروده مع جابر إلى كربلاء ومختصرها أن جابراً اغتسل وجعل نفسه مثل المحرم وتطيب وبما أنه كان أعمى ألمسه عطية القبر المطهر فأغمي عليه فنضحه بالماء فاستفاق ثم خاطب الحسين من قلب مقروح بكلام يحرق الكبد وسلم بعد ذلك على الشهداء وقال في آخر كلامه :

« نحن شركاؤكم فيما دخلتم فيه » أي في المجادلة والمقاتلة ونصرة ذرّية خاتم النبيين(صلی الله علیه و آله و سلم) والشهادة فقال عطية : كيف نشاركهم في الأجر ونحن لم نلق ما لاقوه من العناء ولم نضرب بالسيف وهم قد فصلت رؤوسهم عن أبدانهم ورمّلت نساؤهم ويتم أطفالهم ».

فأجابه جابر بالحديث النبوي الذي سمعه عن رسول الله أنه من أحب

ص: 185

عمل قوم شاركهم في ثوابه »(1)وقال : نيّتي ونيّة أصحابي على نية الحسين وأصحابه ثم قال :

« خذني إلى بيوت الكوفة » ولمّا قطعوا جزء من المسافة قال له : يا عطيّة ألا أوصيك ولا أعتقد أني سأراك بعد هذا السفر؟ ثم أمره أن يحب أحبّاء آل محمد ويعادي أعدائهم »(2).

ومن هذا الخبر الشريف المعتبر يعلم أن جابر لم يتوقف هناك سوى ساعات ولم يلتقِ بأحد . ولا يصح عادة أن يكون أهل البيت قد جاءوا إلى كربلاء والتقوا بجابر ولا يشير عطية في نقله لكيفية زيارته مع جابر إلى ذلك أبداً .

الثاني : كتاب مصباح الزائر في ذكر أعمال يوم الأربعين حيث روى مؤلفه السيد الجليل ابن طاووس عن عطا والظاهر أنه يقصد به نفس عطية المذكور في الخبر السابق قال :

« كنت مع جابر يوم العشرين من صفر فلما وصلنا الغاضرية . . . ثم ذكر قصة الغسل وقصة الإغماء ثم نقل عنه الزيارة التي قالها بعدما أفاق وهي الزيارة المعروفة بزيارة آل الله ومعها زيارة مختصرة لعلي بن الحسين وأخرى مختصرة للشهداء ثم إنه ذهب إلى قبر أبي الفضل وزاره وصلّى عنده وانصرف »(3).

فلم يُشر أبداً في هذا الخبر إلى تلك القصة ولا أظن أن صاحب عقل سليم يقتنع أن السجاد(علیه السّلام) قد ورد ذلك المكان في أول زيارة له لكربلا ،

ص: 186


1- بشارة المصطفى، زيارة الأربعين.
2- بشارة المصطفى نفس المصدر السابق .
3- مصباح الزائر، ص 151 وما بعدها.

حسب الظاهر (1)ولا يشير عطية في كلامه إلى ذلك أو ينقل عنه كلامه الإمام الحسين وزيارته له في الوقت الذي ينقل فيه زيارة جابر التي لا يزال الشيعة إلى يومنا هذا يعملون بها .

الخامس : أبو مخنف لوط بن يحيى ، هو من كبار المحدثين ومعتمد أرباب السير والتواريخ و« مقتله » في نهاية الاعتبار حسبما يعلم من نقل الأعاظم من علمائنا المتقدمين عنه وعن سائر مؤلفاته إلا أنه ، وللأسف الشديد ، لا وجود للنسخة الأصلية للمقتل ، والتي لا عيب فيها ، بين أيدينا والمقتل الموجود الآن بيننا المنسوب إليه مشتمل على بعض المطالب المنكرة المخالفة لأصول المذهب ولا بد أن الأعادي والجهال هم الذين أدخلوا تلك المطالب في ذلك الكتاب لأجل بعض الأغراض الفاسدة ولذلك يسقط كتاب المقتل عن الاعتبار في ما يتفرد بنقله مما لا يوثق به ولهذا لم ننسب إليه قصة ورود أهل البيت إلى كربلا في الأربعين مع أن عبارته قريبة من عبارة اللهوف .

وقد أرهق العالم الجليل الشيخ خلف آل عصفور في بعض رسائله في الجواب على ثلاثين مسألة لأجل إرجاع غالب منكرات ذلك الكتاب إلى أصول المذهب وتطبيقها عليها ولكن لا يخفى على المتأمل أن ذلك ليس إلا تكلّف . وعلى كل حال فقد شوهد في هذا الزمن لذلك المقتل نسخ مختلفة فيها زيادة ونقصان وكلها تتفق في أن أهل بيت الجلالة سُلك عند بهم انطلاقهم من الكوفة إلى الشام طريق تكريت - الموصل - ناصبين - حلب - الشام وهو الطريق السلطاني . ويوجد في أكثره مدن وقرى عامرة . ويوجد من الكوفة إلى الشام على ذلك الطريق حدود أربعين منزلاً وقد حدث خلال

ص: 187


1- لعله يشير إلى ما ورد في بعض الروايات من أنه(علیه السّلام) حضر عند دفن الجسد الشريف .

المسير في ذلك الطريق بعض الكرامات . ولا يمكن أن يكون كل الحديث من دس الوضاعين سيما أنه لا داعي في بعضها للوضع فضلا عن عن الشواهد الكثيرة على صدق أصل المطلب أي أن سيرهم كان على ذلك الطريق حسبما يستفاد من سائر الكتب المعتبرة . ومن تلك الشواهد قصة دير راهب قنسرين وظهور الكرامات الباهرة للرأس المبارك هناك كما ذكر ابن شهرآشوب في مناقبه(1). وتقع قنسرين في أحد منازل حلب وقد هدمت سنة 351 ه_ على أثر غارة عليها . ومنها أيضاً قصة يحيى اليهودي الحرّاني وسماعه تلاوة القرآن من الرأس الشريف عند عبوره من هناك وإسلامه وشهادته كما ذكر الفاضل المتبحر الجليل السيّد غيّاث الدين فضل الله بن السيد عبد الرحمن المحدّث المعروف في كتاب روضة الأحباب وقال :إن قبر يحيى هناك وهو معروف بيحيى الشهيد ومعروف أن الدعاء عند قبره مستجاب . وحرّان كانت مدينة شرق الفرات من بلاد الجزيرة أي بلاد ما بين النهرين الفرات ودجلة . وفي توابع حلب حران أيضاً فيحتمل هنا الأمران وقد ذكر(رحمه الله علیه)أكثر تلك المنازل ونقل ما ذكره أبو مخنف من قضايا مع اختلاف يسير . وكذلك ما صرح به العالم الجليل البصير عماد الدين الحسن بن علي الطبرسي صاحب المؤلفات الرائعة مثل أسرار الإمامة وغيرها في كتاب« كامل السقيفة » المعروف « بكامل البهائي » من أنهم عبروا في سيرهم آمد والموصل ونصيبين وبعلبك وميافارقين وشيزر . وتقع آمد حول دجلة كالموصل . والمنزل الرابع - أي بعلبك - هي إحدى المنازل الثلاث من بلاد الشام(2). والمنزل الخامس - أي ميافارقين تقع قرب

ص: 188


1- المناقب: ابن شهر آشوب، ج 4، ص 60 .
2- لعل مراده من المنازل الثلاثة الواقعة في بلاد الشام قنسرين وشيزر وبعلبك وأما آمد فهي مدينة ديار بكر اليوم والموصل المدينة المعروفة في العراق. وأما نصيبين فهي مدينة تقع اليوم في تركيا .

« ديار بكر » وهي تابعة لبلاد الجزيرة(1)والمنزل السادس - أي شيزر - يقع قرب حماة بين حلب والشام .

وقد نقلت بعض القصص والحكايات التي حصلت في تلك المنازل ومحل وضع الرأس المبارك في المعرة التي هي من قُرى حلب وتبعد عنها فرسخين كما ذكر بعض العلماء الأعلام. وقد جاء في كتب المقاتل ذكر هذا المنزل وكيفية معاملة أهله لجيش ابن زياد . وكذلك نقل الفاضل الألمعي الملا حسين الكاشفي قضايا متعددة حصلت حين عبور الركب لكثير من تلك المنازل في كتابه« روضة الشهداء »إلى ما هنالك من مواضع ومنازل ليست مورد نظرنا وليس لنا غرض في التمسك بها بخصوصها أو الاستشهاد بكل واحد منها بخصوصه مع أن بعضها في نهاية الاعتبار إلا أنه ومن خلال المجموع يطمئن المنصف بشكل تام إلى أن مسيرة القافلة كانت من ذلك الطريق . هذا فضلاً عن عدم وجود معارض أو مخالف لذلك لا في الأخبار ولا في كلمات الأصحاب حسبما وصل إليه نظرنا . وعندما يتأمل العاقل بالمسير من كربلاء إلى الكوفة ويلاحظ التوقف في هذين البلدين لأقل مدة ممكنة فإنه يقتنع أنه من المستحيل الوصول إلى الشام والعود إلى كربلاء في أربعين يوماً . فلو أغمضنا عن كل ذلك وغضضنا النظر عن سلوك القافلة للطريق الطويل المشار إليه وقلنا أن السير كان في البراري غرب الفرات فإننا سنخرج بنفس النتيجة ونحكم بأن ذلك من الممتنعات إذ هناك مئة وخمس وسبعون فرسخاً بين الكوفة والشام بخط مستقيم وعليه نقول : إنهم وصلوا إلى الكوفة في اليوم الثاني عشر وانعقد ذلك المجلس المشؤوم - عند عبيد الله بن زياد - في اليوم الثالث عشر. ثم إن ذهاب البريد إلى الشام ورجوعه إلى الكوفة لا يكون في أقل من عشرين يوماً كما ذكر ابن طاووس

ص: 189


1- بلاد الجزيرة هي الجزء الشمالي من بلاد ما بين النهرين وتقع اليوم في سوريا.

ص: 190

ص: 191

ص: 192

ص: 193

ص: 194

ص: 195

ص: 196

ص: 197

ص: 198

ص: 199

ص: 200

ص: 201

ص: 202

ص: 203

ص: 204

ص: 205

ص: 206

ص: 207

وبملاحظة ما جاء عن أهل البيت(علیهم السّلام) من الإشارة إلى بعض تلك الوقائع ، وبملاحظة ما طبقه علماؤنا الأعلام بفكرهم الثاقب من الوقائع والقصص الحاصلة في أمتنا على تلك التي حصلت في الأمم السابقة خصوصاً في أمة بني إسرائيل لا بد أن يكون في أمتنا نظير لهذه القصة المتقدم ذكرها . ولم أر أحداً أشار إليها إلى حدود عصرنا هذا إلا أن جماعة قراء العزاء فتحوا عيوننا وبيضوا وجوهنا وأكدوا لنا صدق الأخبار النبوية الواردة في هذا المقام وبينوا لنا بأقوالهم وأفعالهم ما هو نظير تلك الواقعة في أمتنا هذه وتوضيح هذا الإجمال أن هناك روايات عديدة في هذا الباب وبلسان عربي فصيح وتمتلك من أسباب صحة السند وقوّة المتن احسنها وهي دائرة على ألسنة الكثيرين من هذه الجماعة التي فيها من يتمتع بفصاحة وبلاغة عاليتين ويتلونها بكل طمأنينة من فوق أعواد المنابر وربما ذكروا لها راوياً معيناً ليضفوا بها على تلك المجالس والمآتم رونقاً خاصاً نضراً يشجون به القلوب ويبكون العيون فتعلو الآهات من هنا وهناك . وقد عمدت جماعة من أهل الاطلاع والخبرة وأرباب العلم والبصيرة عبر السنين المتطاولة الماضية ، وعلى حسب ما لديهم من قوة وهمة إلى السعي لإيجاد مآخذ ومستندات لتلك الأخبار وللعثور على الكتاب التي صدرت عنه تلك الطائفة من الروايات فلم يجدوا لها عيناً ولا أثراً . وليس هناك ما يشير إليها في كتب أساتذة فن الحديث والرواية ولا لدى أرباب الكتب الكثيرة التي لا حد لها ولا حصر في كل العصور الماضية بل لم يجدوها حتى في كتب الجماعة التي عرفت بالتسامح في نقل الأخبار الضعيفة في أمثال هذا المقام . وعندما تكرر السؤال كثيراً عن مآخذ تلك الروايات كانوا تارة يحيلون على كتب بعض العلماء الذين عرفوا بالتسامح في هذا المقام مثل السيد الجزائري (1)

ص: 208


1- هو السيد نعمة الله الجزائري صاحب كتاب الأنوار النعمانية وزهر الربيع.

وأمثاله. ولكن بعدما صُرف العمر وتحملت المشاق الكثيرة في البحث عن ذلك الكتاب المحال عليه تبيّن أن تلك الحوالة كانت جوفاء ولا واقع لها.وتارة أخرى يحيلون على كتاب ليس له ذكر أصلاً بين أهل هذا الفن وثالثة على مقتل عالم جليل لم يُذكر بين مؤلفاته « مقتل » على الإطلاق . ورابعة على بلاد البحرين والقطيف حيث طريق الفحص والبحث مسدود . وبهذا النمط من الأعذار يتهربون من البوح بالحقيقة ويخفون ذلك السر على الآخرين . وبما أن جملة من هذه الجماعة هم من العلماء المعتبرين الذين يعرف عنهم التحرّز عن قول الكذب عمداً فليس أمامنا من باب حمل عملهم على الصحة بمقتضى الأخوة الإسلامية إلا أن نجرحكم « مسنا » بني إسرائيل إلى هنا ونقول : إن هذه الروايات قد وصلت إلينا عبر سلسلة هذه الجماعة يداً بيد ومن صدر إلى صدر . وقد بدأ بجمع تلك الروايات شيئاً فشيئاً بدءً من العصور القريبة من عصرنا هذا .

وقد تجد في بعض الكتب من يعبّر عن مستند روایاته بقوله : « وجدت في مجموعة والدي المرحوم » أو في « سفينة الأستاذ المغفور له » أو « في مقتل الفاضل الفلاني » بل ربما يختلقون اسماً جديداً من رأس . وربما يبدلون في ترتيب الأسماء بما يوحي أن الرواة هنا غير الرواة هناك مما يعطي الخبر قوة لتعدد مصادره فلو أننا جمعنا تلك الروايات الصارت « مسنا » هذه الأمة إلا أن « مسنا » اليهود كتاب معين معروف وقد وضع له تفسيران يحفظانه عن الزيادة والنقيصة بينما « مسنا » هذه الأمة يمتلك قوة نباتية قوية إذ بمجرد انتقاله من جيل إلى جيل آخر ينمو فوراً وتحل فيه البركة ويفرّخ غصوناً جديدة ويُخرج أوراقاً طرية نضرة وإلى أن يصل مسيره إلى المنبر ويحين موسم نقله تظهر فيه القوة الحيوانية فينبت له ريش وجناح كطير الخيال فيطير بلمحة واحدة إلى الجهات المختلفة .

ص: 209

ونحن سنشير إلى بعض تلك الروايات بشكل مختصر وكمثال فقط يعلم من خلاله نوعية هذه الأخبار إذ ليس من المناسب لوضع هذه الرسالة نقل تلك الأخبار بتمامها :

الأول : نقلوا عن حبيب بن عمر أنه حينما زار أمير المؤمنين(علیه السّلام) بعدما ضرب على مفرقه وكان حاضراً عنده أشراف ورؤساء القبائل وشرطة الخميس وما منهم أحد إلا ودمع عينيه يترقرق على سوادها حزناً على أمير المؤمنين(علیه السّلام) - يقول الراوي - : فنظرت إلى أبنائه فوجدتهم مطرقين برؤوسهم وما تنفس منهم متنفس إلا وظننت أن شظايا قلبه تخرج من أنفاسه - يقول - فجمعوا له الأطباء فنفخ أثير بن عمرو(1) رئة شاة وأدخلها الجرح ثم أخرجها فرأى أن السم قد وصل إلى الدماغ فسأله الحاضرون فخرس وتلجلج لسانه ففهم الناس ويئسوا منه وأطرقوا برؤوسهم يبكون بهدوء كي لا تسمعهم النساء إلا الأصبغ بن نباتة فإنه لم يقدر على ضبط نفسه فشرق بعبرته ففتح(علیه السّلام) عينيه وبعد عدة كلمات يقول حبيب فقلت :

« يا أبا الحسن لا يهولنّك ما ترى وإن جرحك غير ضائر فإن البرد لا يزيل الجبل الأصم ونفخة البعير لا تجفف البحر الخضم والصل يقوى إذا ارتعش والليث يضرى إذا خُدش »

وبعدما أجابه(علیه السّلام) سمعته أم كلثوم فبكت واستأذنت منه للدخول عليه . . .وظاهر هذا النقل أنها في حضور كل هذه الجماعة دخلت وقالت :

«أنت شمس الطالبيين وقمر الهاشميين دساس كبثها المترصد أرقم أجمتها المتفقد عزنا إذا شاهت الوجوه ذلاً وجمعنا إذا الموكب الكثير

ص: 210


1- هو أثير بن عمرو بن هاني السلولي وكان مطيباً يعالج الجراحات .

قلا ... الخ .

فهذا الخبر المسجع المقفى الذي ينعم المرء بسماعه، للأسف الشديد ، ليس له أصل وليس في أصل الثقة الجليل عاصم بن حميد المتعرض لخبر ابن عمرو وحضور الجرّاح شيء من هذه الكلمات المنسوجة وكذلك لم يذكر أبو الفرج في مقاتل الطالبيين هذه الشروح والحواشي عند تعرضه لمعالجة أثير بن عمر له(علیه السّلام)(1).

الثاني : الخبر الطويل المتعرض لبيان كيفية خروج سيد الشهداء من المدينة المنورة مما هو دائر على ألسنة تلك الجماعة وقد نقلها الفاضل الدربندي في أسرار الشهادة عن بعض تلامذته الذي وجدها في مجموعة كانت تنسب إلى بعض قارئي العزاء وخلاصته أن عبد الله بن سنان الكوفي روى عن أبيه عن جده أنه قال : خرجت بكتاب من أهل الكوفة إلى الحسين وهو يومئذ بالمدينة فأتيته فقرأه وعرف معناه فقال : أنظرني إلى ثلاثة أيام فبقيت في المدينة ثم تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجه إلى العراق فقلت في نفسي أمضي وأنظر إلى ملك الحجاز كيف يركب وكيف جلالته وشأنه فأتيت إلى باب داره فرأيت الخيل مسرجة والرجال واقفين والحسين جالساً على كرسي وبني هاشم حافين به ... ورأيت نحواً من أربعين محملاً وقد زينت المحافل بملابس الحرير والديباج ... ثم ذكر الراوي كيفية الركوب بشرح عجیب فصله تفصيلاً بحيث اشتمل السطر الواحد على عدة كذبات . وقد بقي ذلك الراوي ملازماً لهم إلى عصر اليوم الحادي عشر حينما أمر ابن سعد بأن تحمل النساء على الأقتاب بلا وطاء ولا حجاب . وهناك شرع بشرح آخر مفصل أيضاً حيث تذكر ذلك الركوب الجليل ثم بكى ... إلى آخر الخبر(2)

ص: 211


1- مقاتل الطالبيين : ص 23 ط . النجف .
2- أسرار الشهادة: ص367 .

الذي يترك الإنسان متعجباً من كيفية صناعته وحياكته والأعجب منه إتيان ذلك الفاضل لهذه الرواية في كتابه بينما ما جاء في إرشاد المفيد أنه(علیه السّلام) حينما أراد أن يخرج من المدينة قرأ هذه الآية :﴿ فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ﴾(1).

وحينما دخل مكة المعظمة تلا قوله تعالى :

﴿ ولمّا توجّه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ﴾(2)»(3).

وبحسب ذلك الخبر المختلق الذي لا أساس له فقد جُعِل للحسين(علیه السّلام) زي الجبابرة والملوك مما يباين سيرة الإمامة غاية المباينة .

الثالث : الخبر الطويل الذي جاء في « مسنا » هذه الجماعة وهو أن زينب سلام الله عليها كانت تتنقل ليلة عاشوراء بين الخيام لما تعانيه من الغم والحزن وتريد أن تستعلم حال الأهل والأنصار فرأت حبيب بن مظاهر وقد جمع الأصحاب في خيمة وهو يأخذ عليهم عهداً على أن لا يَدَعُوا أحداً من بني هاشم ينزل قبلهم إلى ساحة القتال ... وهكذا مما يطول شرحه فرجعت تلك المخدرة مسرورة إلى خيمة أبي الفضل فرأته وقد جمع بني هاشم وهو يأخذ عليهم عهداً أن لا يدعوا أحداً من الأنصار ينزل قبلهم إلى ساحة القتال فذهبت زينب مسرورة إلى الإمام الحسين(علیه السّلام) وهي مبتسمة فسألها متعجباً عن سبب تبسّمها فروت له ما رأت ... الخ(4).

والحق أن واضع هذا الخبر قد أعمل فيه فنّه ومهارته بكل اتقان .

ص: 212


1- سورة القصص، الآية : 21 .
2- سورة القصص، الآية : 22 .
3- الإرشاد: ص 202 .
4- معالي السبطين : ج 1 ، ص 340 .

الرابع : ما ينقلونه بكل ألم وحسرة من أنه في اليوم العاشر وبعدما استشهد أهل البيت والأصحاب جميعاً دخل الإمام الحسين(علیه السّلام) خيمة الإمام زين العابدين فسأل أباه عما حصل بينه وبين الأعداء فأخبره بأن الأمور بلغت حد الحرب فسأله عن جمع من الأصحاب فأجابه أنهم قتلوا وهكذا كلما سأله عن واحد منهم قال له قتل ، قتل إلى أن سأله عن علي الأكبر فأجابه بنفس الجواب وقال له : إعلم أنه ليس في هذه الخيام من الرجال غير أنا وأنت(1)..

وهذه القصة مع حواشيها الكثيرة صريحة بأن الإمام زين العابدين(علیه السّلام) لم يكن لديه علم بما يحصل ولا يعرف شيئاً عن حال الأهل والأصحاب ولا عمّا يجري في ساحة الحرب إلى حين نزول الحسين إلى الميدان .

الخامس : الخبر العجيب المتضمن طلب الحسين(علیه السّلام)من يأتيه بفرسه حينما أراد النزول إلى ساحة القتال فلم يكن هناك من يقدم له جواده إلا المخدرة زينب فأحضرته له وركب . ويذكرون في هذا المقام حواراً دار بينه(علیه السّلام) وبينها يختلف بحسب اختلاف المنابر(2)وقد نظموا مضمونه في أشعار عربية وفارسية تضفي على المجالس رونقاً ونضارة . والحق أن ذلك يفسح المجال للبكاء على تلك المصيبة التي لا أصل لها ، بل إن فيها كذباً واضحاً و افتراء على الإمام(علیه السّلام)على الملأ ومن فوق المنابر.

ويعود سبب عدم نهي من يتمكن من ذلك عن اختلاق هذه الروايات إما إلى عدم اطلاعه عليها أو لعدم ملاحظة ما فيها من نقص وشذوذ أو لعدم

ص: 213


1- معالي السبطين : ج 2 ص 22 . وقد روى المصنف هذه الرواية بالمضمون ويمكنك أن تراجع نصها في المصدر المذكور .
2- راجع مثلاً صوت الخطيب الإسلامي: ج 1، ص 204 .

تمكنه من النهي لضعف حاله عن مواجهة هؤلاء وردعهم بأن يقول لهذا الراوي الكذاب الظالم : أيها المتجرىء على الله الجبار، أليس في المقاتل المعتمدة أنه ركب(علیه السّلام) في صبح عاشوراء بعدما نظم صفوف أصحابه على جمل فألقى خطبة بليغة أتمّ بها الحجة عليهم ثم نزل وركب فرس رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) الذي كان قد اشتراه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ليركب عليه هو وأوصياؤه بعده وهو المسمى بالمرتجز وعند العوام « بذي الجناح » وبقي راكباً إلى آخر المصرع ولم ينزل عنه إلا نادراً ولأغراض خاصة مثل الجلوس عند مصرع أحد الشهداء أو حمل نعشه أو لأجل الصلاة أو لتبديل ملابسه(علیه السّلام)أو لأجل وداع بعضهم فكان ينزل عنه ثم يركب . إلا أن يزعم أحدٌ ودون تحرّج أن الفرس قد فرَّ منه عند الوداع الأخير ولم يكن هناك من يحضره له وحتى هذا الادعاء الباطل له جواب إذ جاء في بعض الروايات المعتبرة أنه نزل إلى ساحة القتال بمعية أبي الفضل ولم يكن وحده(1).

وروى الشيخ المفيد في الإرشاد في معرض بيان قتاله الأعداء بعد ذكر قضية مالك بن اليسر الرهيبة وبعد ذكر شهادة عبد الله بن الحسن(علیه السّلام) وبعد إصابته(علیه السّلام) بجروح كثيرة في بدنه المبارك أنه كان قد بقي معه ثلاثة نفر أو أربعة(2)، كانوا يدفعون عنه الأعداء إلى أن استشهدوا . وأحدس أنهم كانوا من مواليه وغلمانه .

السادس : ما ينقلونه ببالغ الحزن والأسى وبعبارات مشجية أن السيدة زينب جاءت إلى مصرعه ، ورأته يجود بنفسه ورمت بنفسها عليه وهي تقول أنت أخي أنت رجانا أنت كهفنا أنت حمانا الخ(3)وقد مرَّ شيء من هذا

ص: 214


1- اللهوف : ص ،51 ، والإرشاد : ص 240 .
2- الإرشاد: ص 241 .
3- معالي السبطين : ج 2، ص 40 .

القبيل في بحث أقسام الكذب .

السابع : الخبر اللطيف المعتمد على مقدمات يمكنها أن تمحو من ذهن السامعين احتمال الكذب والذي يسندونه إلى البريء أبي حمزة الثمالي فيروون أنه جاء يوماً إلى الإمام زين العابدين(علیه السّلام) وطرق بابه فجاءت الجارية لتفتح له وعندما عرفت أنه أبو حمزة حمدت الله على وصوله في ذلك الوقت عسى أن يسلي الإمام(علیه السّلام) إذ قد أغمي عليه في ذلك اليوم مرتين وحينما دخل عليه أخذ في تعزيته فقال له : إن الشهادة من عادات هذا البيت وموروثاته فالجد والعم والأب استشهدوا كلهم فصدقه الإمام(علیه السّلام) على ذلك وقال : ولكن لم يكن في هذا البيت أسر(1)ثم يذكرون طُرفاً من حالات أسر العمة والأخوات . ولو كان لهذا الخبر أصل لكان فيه الكثير من الفوائد المجالس العزاء والمصيبة .

الثامن : الخبر المفجع الذي لا يقدر أحد على حياكته وترتيبه بالنحو الذي هو عليه إلا أساتذة الفن وخبراؤه والذي يسندونه إلى المظلوم هشام بن الحكم وخلاصته أنه قال : حينما كان الإمام الصادق(علیه السّلام) في بغداد كنت أحضر مجلسه الشريف كل يوم فدعاني ذات يوم بعض الشيعة لحضور مجلس عزاء الإمام الحسين فاعتذرت وقلت : إني أخاف أن يفتقدني الإمام الصادق من مجلسه فيسألني في اليوم التالي عن سبب غيابي ولا أستطيع أن أصدقه القول لأنه لا طاقة له على تحمل ذكر جده الحسين وبعد الإلحاح

ص: 215


1- إرشاد الخطيب : ص 33 وإليك الحديث : التفت أبو حمزة الثمالي إلى زين العابدين وقال له : سيدي ما هذا البكاء والجزع ألم يقتل عمك حمزة ألم يقتل جدك علي(علیه السّلام) بالسيف إن القتل لكم عادة وكرامتكم من الله الشهادة فقال له الإمام : شكر الله سعيك يا أبا حمزة كما ذكرت القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة ولكن يا أبا حمزة هل سمعت أذناك أم رأت عيناك أن امرأة منا أسرت أو هُتكت قبل يوم عاشوراء ... إلى آخر الحديث .

ذهبت إلى مجلس العزاء . وفي اليوم التالي تشرّفت بخدمة الإمام الصادق فسألني عن سبب غيابي وقال : أتظن أني لم أكن حاضراً في ذلك المجلس أو أني لا أحضر تلك المجالس ؟ فقلت له : إلا أنني لم أرَكَ هناك ، فقال : حينما خرجت من الحجرة ألم ترَ عند العتبة شيئاً ؟ قلت : بلى رأيت ثوباً مطروحاً ، قال : ذاك أنا كنت واضعاً عباءتي فوق رأسي ومنحنياً نحو الأرض ... الخ (1).

وبما أنني لا أحفظ الحديث بشكل جيد فقد أكون قد غيرت فيه بعض الشيء . إنه خبر مفصل ومبك جداً وليته كان صحيحاً أو له أصل أو يحتمل فيه الصدق .

ومن الأفضل أن نكتفي بهذا المقدار ونختم هذا التنبيه بذكر منام عجيب ينفع لموعظة قارئي العزاء وحاصله كما نقلنا في دار السلام : رأى بعض السادة من قراء التعزية في المنام كأن القيامة قد قامت والناس في وحشة ودهشة﴿ لِكُلِّ امرىء مِنْهُ يَوْمَئِذٍ شَأْنُ يُغْنِيهِ ﴾(2). والموكلون يسوقون الناس إلى الحساب مع كل واحد منهم سائق وشهيد فبينما أتفكر في العاقبة فإذا باثنين منهم أمراني بالحضور عند سيد الأنبياء(صلی الله علیه و آله و سلم) فتثاقلت عن الامتثال لما وجدت في نفسي من عظم الأمر وخطر المآل ، فقادوني قهراً وأنهضوني زجراً ، فتقدم واحد وتأخر آخر ، وأنا في الوسط نسير هكذا ، وأنا في شدة من الخوف ، فإذا بعماري عال معظم على أكتاف جماعة من الخدم على يمين الطريق عرفت ملهماً أن فيه سيدة النساء عليها سلام الله .

ص: 216


1- الحديث موجود في المنح الإلهية في المجالس العاشورائية : ص 33. وقد رواه المصنف بالمضمون وليس بالنص ونسبه إلى هشام بن الحكم بينما ينسبونه إلى هشام بن عبد الله حسب المصدر المذكور.
2- سورة عبس، الآية : 37 .

فلما دنوت منه اغتنمت الفرصة وهربت من بين الموكلين إلى العماري ودخلت تحته فرأيته حصناً حصيناً ومانعاً حريزاً وفيه جمع من العصاة مثلي ملتجئين إليه متحصنين به ورأيت الموكلين جميعاً متباعدين عن العماري ليس لهم حال دنو واقتراب منا وغلبة علينا يسيرون معنا فيما هم عليه من التباعد ، فالتمسوا منا الرجوع إليهم بالإشارة فأبينا ، ثم هددونا كذلك ، فرددنا عليهم بمثله لما كنا عليه من قوّة القلب وشدّة الاطمئنان . فبينا نسير كذلك ، فإذا برسول من جانب أبيها خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام إليها بأن جمعاً من عصاة الأمة قد التجأوا إليك فابعثيهم إلينا لنحاسبهم ، فأشارت إلى الذهاب فدخل علينا المتوكلون من كل باب وساقونا إلى موقف الحساب فإذا بمنبر عال كثير المرقاة والدرج على ذروته سيد المرسلين وعلى الدرج الأول منه خاتم الوصيين عليهما الصلاة والسلام وهو مشغول بحساب الناس وهم مصطفون قدامه إلى أن انتهى الأمر إلي ، فخاطبني موبخاً وقال : لم ذكرت تذلل ولدي العزيز الحسين(علیه السّلام)ونسبته إلى الذلة ؟ فتحيرت في جوابه وما وجدت حيلة إلا الإنكار فأنكرته فإذا بوجع في عضدي من شيء كأنه المسمار أولج فيه فالتفت إلى جنبي فرأيت رجلاً بيده طومار فناولني،فإذا هو صورة مجالسي وتفصيل ما ذكرته في المحافل مشروحاً في كل مكان أو زمان وفيه ما سألني وأنكرته فسوّلت لي نفسي حيلة أخرى فقلت : ذكره المجلسي في عاشر بحاره ، فأشار إلى واحد من الخدم الحاضرين أن اذهب إلى المجلسي وخذ منه الكتاب ، فالتفت فرأيت عن يمين المنبر صفوفاً كثيرة طويلة يبتدىء الصف من جانبه وينتهي إلى ما شاء الله وكل عالم قد زُبُرَه ومؤلفاته قدامه ، والشخص الأول فى الصف الأول هو العلامة جمع المجلسي(رحمه الله علیه)ولما وافاه الرسول أخذ المجلد من بين الكتب وأرسله معه فأشار(علیه السّلام) إليه أن يناولني فأخذته متحيراً لأني كنت عالماً بكذب النسبة ،

ص: 217

وما كانت إلا حيلة للتقصي ووسيلة للخلاص ، فجعلت أقلب أوراق الكتاب عابثاً باهتاً ، ثم أظهرت حيلة أخرى وقلت : رأيته في مقتل الحاج ملا صالح البرغاني والظاهر أنه « منبع البكاء » فقال(علیه السّلام) لواحد : إذهب إليه وقل : يأتينا بكتابه ولم يقل كما قال في حق المجلسي فنظرت فرأيت الحاج المذكور بين تلك الصفوف في الصف السادس أو السابع في مرتبة سادسة أو سابعة . فلما أتاه الرسول أخذ كتابه وأتى به إليه(علیه السّلام) فأمرني أن أخرج المطلب من كتابه فعاد الخوف ورجع الاضطراب وذهب عني وجه الحيلة من كل باب فأخذته وقلبت أوراقه طائر الجأش متشعب الحواس فإذا رسول من الله الرحيم إلى النبي الكريم بأن علياً(علیه السّلام) لو حاسب الناس كذلك وناقشهم بكل شيء لم ينجُ أحد منهم . فانقلبت حالته(علیه السّلام) إلى الملاطفة والمساهلة ، فزال خوفي وعاد قلبي قال : فانتبه من تلك الرؤيا الهائلة وجمع أهل صنفه وشغله وقص عليهم رؤياه وقال : أما أنا فقد تركت الاشتغال بذلك ولا أرى نفسي تقوم بشرائطها فمن صدقني أرى له أن يتبعني ثم هجر القراءة رأساً وقد كان له في السنة مبلغ خطير يصل إليه من جهتها »(1).

ص: 218


1- دار السلام : ج 2، ص 260 .

التنبيه الرابع

في ذكر بعض الشبهات التي حملت هذه الجماعة بل بعض أرباب التأليف على نقل الأخبار والحكايات التي لا أساس لها والروايات التي لا يحتمل صدقها أو التي يكون احتمال صدقها في غاية الضعف وعلى افتراء الكذب وجعل الأخبار ووضعها واختلاق الحكايات المتضمنة للمصائب التي لا واقع لها من أجل إبكاء المؤمنين وإضفاء الرونق على مجالس العزاء ، والجواب عن تلك الأوهام .

وعمدة تلك الأوهام أمران :

الأول : ما نقل عن بعض مختلقي الكذب من الأخبار التي تمدح الإبكاء وترغب فيه وما سُطّر في هذا المجال مما يوحي بأن كل ما يحمل على البكاء وما هو وسيلة للتفجع وإسالة الدموع ممدوح ومستحسن ولو كان كذباً وافتراء . ومقتضى هذه الأخبار أن ما مرَّ من روايات في ذم الكذب ، وإن كان في غاية الاعتبار ، إلا أنه مختص بغير مقام التعزية وذكر المصيبة نظير ما يقال في باب الغناء حيث اعتبروا أن اللحن وترجيع الصوت في المراثي بل في قراءة القرآن جائز وعليه فيمكن بهذه الطريقة تجويز الكثير من المعاصي

ص: 219

بل جعلها من المستحبات وفتح جادة واسعة لارتكاب الفساق تلك المعاصي وذلك لأن أخبار فضيلة إدخال السرور على قلب المؤمن ومدح السعي في قضاء حوائجه وإجابة دعوته والسعي في إنجاح طلبته تبلغ أضعاف أضعاف أخبار الإبكاء وعليه فلو أن فاسقاً رأى امرأة وطلب منها قبلة على خدّها أو لمسة على صدرها أو أكثر من ذلك يجوز لها بمقتضى أخبار استحباب إدخال السرور أو استحباب قضاء الحاجة ونحو ذلك أن تجيبه إلى ما يرمي إليه وتسلمه نفسها وتهدي ثواب ذلك العمل إلى روح والديها . وهكذا في اللواط ومقدماته وغير ذلك من المعاصي الشهوانية . ولا يخفى على كل ذي شعور أن هذا النمط من الكلام ،خلاف ضروريات الدين والمذهب وخروج عن الملة والإسلام . وجواب أصل هذه الشبهة مشروح في الفقه في كتاب المكاسب ، ومجمله الذي يمكن إيراده هنا أن المستحب مهما كان عظيماً لا يمكنه أن يعارض الحرام مهما كان حقيراً ولا يطاع الله من حيث يُعصى ولا يكون ما يوجب عقوبة الله وسخطه داعياً للتقرب منه ، وأن مورد كل المستحبات ما كان جائزاً في نفسه مباحاً بذاته أما إذا كان حراماً وتترتب عليه مفسدة عظيمة تستوجب توجه النهي عنه لا يبقى لذلك المستحب محل ولا مجال خصوصاً إذا كان ذلك العمل مقدمة لمستحب لا يمكن تحصيله بدونها . ولا يبعد أن يكون هذا المطلب مرتكزاً في أذهان كل أهل الشرع ، بل لا يحتمل أحدٌ من متديني العوام أنه يجوز أو يستحب الذهاب إلى كربلاء الزيارة أبي عبد الله الحسين(علیه السّلام) على ظهر فرس أو متن سفينة مغصوبة أو بالعبور من بيت أو من بستان الغير مع نهي المالك عنه ونحو ذلك حتى لو انحصر أمر الزيارة بإحدى هذه المحرمات مع أن أخبار فضيلة زيارته(علیه السّلام) تفوق أخبار البكاء بمئة مرة . حاشا لهم أن يتوهموا هكذا توهماً فاسداً وأن يرتكبوا تلك الكبائر لأجل احتمال إدراك ذلك المستحب . والحاصل أن

ص: 220

إبكاء المؤمن مثل إعانته على الخير وقضاء حوائجه لا بد فيه من إحراز جوازه أولاً بإجماع العلماء على ما نقله الأستاذ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري أعلى الله مقامه . أما الكثير من الوسائل التي تكون سبباً في الإبكاء أو الإعانة أو قضاء الحوائج فلا يمكن إباحتها فيما إذا كانت في الأصل حراماً ولا يمكن الأخبار استحباب هذه الثلاثة أن تشملها وتخرجها عن الحرمة فلا يمكن أن يصبح الظلم أو السرقة حلالاً حتى لو كان في ذلك إعانة للمؤمن في أمر دينه أو في تزويجه .

ومن أقبح المفاسد المترتبة على هذا النوع من الكلام اختلاق الأكاذيب وتجويز كل وسيلة محرمة تفضي إلى الإبكاء إذ لا يوجد فرق في هذا الباب بين الكذب وسائر المحرمات وما قيل هناك يقال هنا .

وهذه الشبهة وإن لم تكن بذلك المستوى من القوة بحيث يوجد ما يدعو إلى ذكرها إلا أنها قد تدخل في أذهان بعض العوام المساكين فلا بد أن نبيّن لهم مفاسدها وأن يعلموا أن معصية الكذب والغناء في المراثي وتلاوة القرآن وأمثالها من الطاعات والقربات تعد أكبر من غيرها من المعاصي وأشد عقوبة .

ومن طرائف الحكايات المناسبة لهذا المقام ما نقله لي بعض الثقاة من أهل يزد قال ذهبنا مرة من يزد إلى مدينة مشهد المقدسة سيراً على الأقدام وكان طريقنا يمر عبر الصحراء وفيه مشقة كبيرة وقد عبرنا في سيرنا الكثير من المنازل والقرى حتى دخلنا قرية من قرى خراسان قريبة من نيسابور.وبما أنني كنت غريباً فقد ذهبت إلى المسجد لأرتاح قليلاً . وحينما حل الغروب اجتمع أهل القرية وأضاء وا السراج وجاء إمام المسجد فصلى المغرب والعشاء جماعة ثم صعد المنبر . وجاء الخادم مالئاً حجره حجارة فصعد إلى المنبر ووضعها بجنب الشيخ فتحيرت من ذلك . ثم بدأ الشيخ

ص: 221

بقراءة العزاء وما أن تلا عدة كلمات حتى قام الخادم وأطفأ السراج فازداد تعجبي . ثم بدأت الحجارة تنهال من ناحية المنبر على تلك الجماعة فارتفعت الأصوات بالصراخ والعويل هذا يصيح :« آخ رأسي »وذاك يصرخ من ألم يده أو صدره أو وجهه وهكذا علت أصواتهم بالبكاء ولم تمض فترة حتى توقفت الحجارة وبدأ الشيخ بالدعاء وأضيء المصباح وإذا بالدماء تسيل على وجوه الناس وعليهم آثار البكاء فتقدمت من أمام الجماعة وسألته عن حقيقة هذا العمل الشنيع فقال : صار لي مدة أقرأ لهم العزاء فلا يبكون وعلمت أنهم لا يبكون إلا بهذه الطريقة فلم أجد بداً من استخدامها معهم .

الثاني: استقرار سيرة العلماء وديدنهم على نقل الأخبار الضعيفة في مؤلفاتهم وضبط الروايات غير الصحيحة في أبواب الفضائل والمصائب وتسامحهم في هذه المقامات وخصوصاً المقام الأخير كما هو المشاهد والمحسوس في كتبهم ألا ترى إلى الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد كيف يسير في كل الأبواب المتعلقة بأحوال الأئمة(علیهم السّلام) على طرز محدد مماثل لما عليه عامة الأصحاب من إيراد الأخبار بسندها ونقلها عن راويها الأصلي إلا في باب مقتل الحسين(علیه السّلام) فتراه ينقل كل الوقائع على نسق واحد عن الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السِّير. وأبو الحسن المدائني من علماء أهل السنة المعروفين ومثله الشيخ البخاري والكلبي وإن كان البعض يعتبر هذا الأخير شيعياً إلا أن كليهما من سلك أرباب التاريخ والسير . وهكذا غير الشيخ المفيد . وتؤكد سيرة العلماء في هذا المقام مجموعة أحاديث تسمى بأخبار التسامح وحاصلها أنه جاء عنهم(علیه السّلام) من بلغه عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)شيء فيه الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) كان له ذلك الثواب وإن كان النبي لم يقله »(1).

ص: 222


1- المحاسن: كتاب ثواب الأعمال، ص 25 .

أي بأن كان الخبر كاذباً من أصله فكل من ينقل حديثاً للآخرين على هذا النحو وينسبه إلى أحدهم(علیهم السّلام) أو رآه أحد في كتاب منسوباً إليهم فإنه يصدق عليه في الحالتين أنه بلغه أو أنه سمعه وعليه فلو عمل به فسيكون له أجر ذلك العمل . ولا يخفى أن العمل بالخبر يكون على حسب مورده فمثلاً العمل بالخبر الضعيف الوارد في صلاة خاصة يكون بالإتيان بتلك الصلاة والوارد في صوم معين يكون بامتثاله ، والمتعلق بصدقة معينة يكون بإعطائها والمتعلق بإفطار مؤمن يكون بتقديم الطعام له والمتعلق بفضيلة المأكولات يكون بأكلها وهكذا ... وأما العمل بالأخبار الضعيفة الواردة في أبواب الفضائل والقصص والمصائب فيكون بالاستماع إليها وحفظها وضبطها وتدوينها ونقلها وعليه ففي هذا المقام مهما كان الخبر ضعيفاً فإنه بمقتضى هذه السيرة المعلومة عن العلماء وهذه الأخبار المعتبرة يجوز التسامح بنقله وليس على قائله أو قارئه أو كاتبه أي حرج أو إشكال بل سينال الأجر المجعول على ذلك إذا كان واقعاً وصدقاً(1).

وهذا الكلام الذي يتراءى من كلمات بعض كبار العلماء إن تم في الجملة فلا بد أن يتم في موارد سيرة العلماء المشار إليها وليس في كل مورد على وجه الكلية حتى ينفع في مجال عمل قراء العزاء الذي هو محل كلامنا وحتى يسوغ لهم التمسك به وذلك أن هذا الكلام وبهذا البيان مبني على مغالطة إذا كشفت فإنه لن يبقى لترويج بضائعهم الفاسدة أي وجه ولا لإنعاش أسواقهم الكاسدة أي دواء . وتوضيح ذلك يتوقف على تقديم مقدمة وهي :

إن العلماء العظام البعيدين عن عصر الأئمة(علیهم السّلام) وعصر الرواة

ص: 223


1- بل حتى فيما إذا لم يكن واقعاً ولا صدقاً فإنه سينال عليه الأجر كما مر في الحديث.

والمحدثين القريبين من عصر الأئمة ، وانطلاقاً من كثرة الأحاديث الموجودة في الكتب ومع عدم وجود القرائن الأساسية التي بإمكانها أن تميز لنا الصحيح من السقيم منها والراوي الصادق من الكاذب وجدوا أنه وبحسب الميسور عندهم وبالأسباب والطرق التي لا تزال متبعة لديهم لا بد من إيجاد ضوابط وموازين توزن بها الأحاديث والروايات فقسموها إلى عدة أنواع :

الأول : الخبر الصحيح ، وهو ما تكون كل سلسلة رواته من الشيعة الاثني عشرية العدول .

الثاني : الخبر الحسن ، وهو ما تكون كل سلسلة رواته من الشيعة الاثني عشرية الممدوحين .

أي أنهم لم يصلوا إلى مرحلة العدالة كأن يقال : الشخص الفلاني جيّد أو صادق أو زاهد أو عابد وأمثال ذلك أو أن يكون بعض السلسلة ممدوحين والباقي من القسم الأول .

الثالث : الخبر الموثق ، وهو ما تكون كل سلسلة رواته من الثقات : سواء كانوا كلهم من غير الإمامية كالسنّي والزيدي والكيساني والواقفي والفطحي والناووسي أو كان بعضهم كذلك والباقي من الإمامية العدول أو الممدوحين .

الرابع : الخبر الضعيف ، وهو ما تكون كل سلسلة رواته أو بعضها ولو راوياً واحداً فاسقاً أو مجهول الحال أو لم يذكر أصلاً في كتب الرجال أو لم يكن هناك سلسلة سند للخبر أصلاً أو كان له سند إلا أنه سقط من سلسلة الرواة واحد أو أكثر سواءٌ في أول السند أو في وسطه أو في آخره دون أن يعلم من هو فكل هذه الأقسام داخلة في الضعيف بحسب هذا الاصطلاح .

ص: 224

وكل الأخبار لا تخرج عن هذه الأنواع الأربعة وإن ذكر بعضهم قسماً خامساً وهو ما كانت سلسلة رواته من الممدوحين غير الإمامية أو كان بعضها كذلك على الشروط السابقة وسموه بالقوي .

وعلى كل حال فقد وقع الخلاف بين الأعلام في أنه أي نوع من هذه الأنواع الأربعة يصلح أن يكون دليلاً على إثبات الوجوب والحرمة في الفقه من خلال السنة التي هي أحد الأدلة الأربعة فاقتصر بعضهم على النوع الصحيح وألحق به بعضهم الحسن وألحق آخرون بهما الموثق وألحق بعضهم القسم الرابع شرط أن يُجبر ضعفه بعمل الأصحاب به . وأما في غير الواجب والحرام فيشترك كل العلماء بالعمل الضعيف ولو لم يكن له جابر ويسيرون على هذا النسق في أبواب المستحبات بل المكروهات وكذلك في أبواب الفضائل والمصائب والقصص .

وإذا تأملنا في سيرتهم و موارد عملهم به نعرف أن ما نسب إليهم في هذا المقام صحيح بل صرح به جماعة من الأعلام ولكن ليس على ذلك النحو من الإطلاق والعموم الذي توهمه كلماتهم في بادىء النظر وتتصوره بعض الأذهان غير المستقيمة من أنهم يعملون في الأبواب المذكورة بكل خبر ومن أي راو كان سواءٌ علم قائله أو لم يُعلم ، وسواء علم فسقه ولا مبالاته أم لم يُعلم ، وبكل كتاب تصل إليه أيديهم عُرف صاحبه أم لم يُعرف حتى ولو لم يكن لصاحبه أو لكاتبه أصل وسواءٌ وجد فيه بعض الأكاذيب الواضحة أم لم يوجد فيه ذلك أو أنهم يعملون بما ينقلونه عن ذلك الكتاب وبالأخبار الموجودة في تلك الأبواب بل بالأخبار الموجودة على ظهر الكتب أو على حيطان المساجد أو المشاهد . حاشا أن يكون في كلماتهم هكذا إطلاق أو عموم أو أن يظهر من سيرتهم وطريقتهم ذلك بل إن بناءهم وسيرتهم قائمان على طبق ذلك القانون والقواعد المستفادة من قبل الشرع

ص: 225

كما ذكرنا سابقاً فلا يجوز النقل إلا عن ثقة في مقام النقل الشفوي والتلقي اللساني أو في مقام الأخذ عن الكتب . وقد مرّ أن المراد من الثقة هنا سواء كان ناقلاً أم مؤلفاً من كان متحرراً من الكذب وله ملكة الصدق وذلك بأن لا يكون مخلطاً أو عديم الضبط أو كثير النسيان والسهو . فإذا سمعوا خبراً من هكذا شخص أو رأوه في كتابه وكان بقية الرواة متصفين بالأوصاف المتقدمة فإنهم يأخذونه كحجّة شرعية ودليل فقهي وكل حسب طريقته فيعملون به في كل الموارد . وأما إذا كان كل الرواة أو بعضهم غير معروفين أو كان الراوي أو الناقل عن الكتاب غير متصف بتلك الأوصاف في نظر السامع دون فرق بين ما إذا كان من ينقلان عنه ثقة لديهما أو مجهولاً عندهما فإن كل ذلك يُعدُّ من الأقسام الضعيفة عند مشهور علمائنا المتأخرين وهو مورد ومحل إذنهم في العمل به في باب الفضائل والمصائب .

فعلم عدم وجود منافاة - عند من يريد أن ينقل الخبر - بين عدم نقل العلماء إلا عمّن يُطمئن بصدقه وعدم أخذهم إلا عن كتاب موثوق به وبين كون الخبر ضعيفاً بحسب هذا الاصطلاح .

وحاصل الكلام أن العلماء لا ينقلون عن الراوي الأول أي الذي يسمعون منه الخبر مباشرة - مع ندور ذلك في هذا العصر - إلا بعد الاطمئنان بوثاقته ، وأنه لا عيب فيه إلا من ناحية فساد المذهب والعقيدة ، وهكذا في نقلهم عن الكتب فإنهم لا ينقلون إلا عن صاحب كتاب موثوق به . وأما إذا كان الخبر ضعيفاً أو فيه خلل من ناحية سلسلة الرواة الذين يلون الراوي المباشر فإن العلماء المعروفين باستقامتهم لا ينقلون عنه مراعاة لموازين الحديث عند العدلية ، وكذلك لا ينقلون عن الكتاب الذي عرف صاحبه باللامبالاة في نقل الحديث بأن لا يفرق في نقله بين الأخبار الموهونة وغير الموهونة . ولا يميز بينها في مقام النقل فلا تراه يردُّ خبراً على الإطلاق .

ص: 226

ومن الشواهد الحسّية على هذه الدعوى أن العالم الجليل المتبحر الشيخ الحر العاملي الذي ، مع أنه وعلى حسب مذاق الإخباريين، لا يعتني بهذه الاصطلاحات الجديدة للحديث فيعتبر أن أغلب الأحاديث الموجودة بين أيدينا هي معتبرة بل قطعية ، كان من الثابت لديه ضعف بعض كتب الأخبار مما لا يعلم مؤلفه أو مما يُعرف بضعفه وعدم وثاقته وقد عدَّ أسماء جملة من هذه الكتب في آخر كتاب الهدايا وأمل الآمل . ولذلك لم يكن ينقل في مؤلفاته عنها شيئاً . وإذا أراد أن يثبت استحباب أو كراهية شيء ولو كان حقيراً ، لا يستشهد عليه بشيء من أخبار هذه الكتب إلا ما عرف عنه في أواخر عمره من نقله عن بعضها على نحو يتناسب مع الطريقة المتبعة عند المجتهدين والتي هي أكثر تشدّداً من طريقة الإخباريين . نعم ربما يكون هناك كتاب قديم مصححاً في نظر العلماء المتقدمين مما يُطمئن بوثاقة مؤلفه بل وبجلالته عند مطالعته فتراهم ينقلون عنه كثيراً ، ولكن ليس كل العلماء في هذا الأمر سواء . وبالجملة فقد ظهر أن هناك فرقاً بين الأخبار الموهونة التي لا أصل لها والأخبار الضعيفة بحسب اصطلاح المتأخرين من العلماء إذ كثير من الأخبار الضعيفة ليست موهونة بل هي بملاحظة بعض القرائن في نهاية الاعتبار مثل ما يقرب من نصف أخبار كتاب الكافي الشريف وكثير من أخبار « من لا يحضره الفقيه » وأخبار كتاب « النهاية » للشيخ الطوسي التي لا سند لها والتي يصطلح عليها بالمرسل وتدرج في عداد الخبر الضعيف . وهكذا أخبار كتب الكثير من علمائنا المعتمدين مثل ابن شهر آشوب والقطب الراوندي وابن طاووس وأمثالهم مما يُعد من القسم الضعيف إلا أنها ليست موهونة ويجوز نقلها في تلك الأبواب المتقدم ذكرها وهي مما أذن العلماء بنقله وليس لنا في هذا النوع من الأخبار كلام . بل الكلام كله يتمحور حول الأخبار الموهونة والكتب غير المعتمدة مما كان موجوداً تحت نظر كبار

ص: 227

علمائنا السابقين ومع ذلك لم يعتنوا بها ولم يرجعوا إليها حتى أمثال العلامة المجلسي ومحدثي عصره ومن كان قبله ومن جاء بعده فإنهم لم يقفوا في شيء من تلك الكتب المعتبرة على قصة زعفر الجني وعرس القاسم مما لم يخفَ عن أنظارهم ومع ذلك لم ينقلوه في كتبهم ، وكلا هاتين القصتين موجودتان في روضة الكاشفي(1) والثاني منهما موجود في منتخب الشيخ الطريحي(2) المشتمل على الموهونات مثل دفن الأعداء لعبد العظيم الحسني ساكن الري حيّاً(3)وعلى غير الموهون مما ينقله عنه العلامة المجلسي في بحاره بهذه العبارة :

« رأيت في مؤلفات بعض الأصحاب »(4). وقد أعرض عما هو موهون منها ومن جملتها قصة عرس القاسم التي لم تُرَ في أي كتاب منذ عصر الشيخ المفيد إلى هذا العصر الذي بحمد الله توجد فيه كل المؤلفات المتعرضة الأخبارهم ومن كل الطبقات ومع ذلك ليس فيها أي ذكر لهذه القصة فكيف يمكن أن تغيب عن نظر هذه الجماعة قضية بهذه العظمة حتى عن مثل ابن شهر آشوب الذي صرح أنه كان لديه ألف مجلد من كتب المناقب .

وعلاوة على ذلك فإنه وبحسب ما في كل الكتب المعتمدة السالفة والمؤلفة في فن الحديث والأنساب والسير لا يمكن إيجاد بنت للإمام الحسين(علیه السّلام) بلغت سن الزواج ولم تكن قد تزوّجت بعد . وبقطع النظر عن صحة وسقم هذه الرواية من جهة النقل فإن وقوعها ممكن وليس مستحيلاً أما

ص: 228


1- روضة الشهداء، للمولى حسين الكاشفي وهو فارسي غير معرب .
2- منتخب الطريحي المجلس السابع من الجزء الثاني ص273.
3- نفس المصدر : ص 7 مجلس 1، ج 1.
4- البحار : تكررت هذه العبارة في ج 45 ، ص 37 و 47 و 600 .

قصة زبيدة وشهربانويه والقاسم الثاني المنتشرة والشائعة كثيراً في أرض الري وأطرافها على ألسنة العوام فهي من الخيالات الواهية التي يجب أن تكتب على ظهر كتاب« رموز حمزة » وسائر الكتب المجعولة . وشواهد كذب تلك القصة كثيرة فكل علماء الأنساب متفقون على أنه لم يكن للقاسم بن الحسن عقب. وعلى كل حال فإن هناك الكثير من أمثال هاتين القصتين في كونهما بدون أصل وفي إعراض عظماء فن الحديث عنهما بل ربما تزيد عليهما بالوهن والضعف فإذا أضفت إلى ضعفها معارضة ما ينقله العلماء الأخيار لها فإنها ستزداد وهناً على وهن وضعفاً على ضعف .

وهكذا سيزداد الخبر ضعفاً فيما إذا كان على خلاف الأمور العادية ومما لا يصدّق عادة كأن يكون عدد جيش أعداء الحسين(علیه السّلام) ما يربو على ع المليون راجل وخمسماية ألف فارس ليس فيهم حسب ذلك الخبر شامي ولا حجازي بل كانوا كلهم من أهل الكوفة فإنه لم يتهيّىء هكذا عسكر لشدّاد ولا للنمرود وفي مدة طويلة فكيف يتيسر لابن مرجانة في ظرف أيام ولم يستقر ملکه بعد! مع أن إعداد ما يحتاجه هكذا عسكر من مصاريف وتهيئة الطعام لأفراده والعلم لدوابه وتخزين ذلك محال عادةً. فإن كل هذه الأمور تأخذ بهذه الرواية إلى منتهى الضعف .

إن وجود هكذا أخبار ضعيفة لا أصل لها ولا مأخذ مقرونة بكل هذه الأسباب المضعفة في أحد الكتب مما يراد منه تحقيق بعض الأغراض الفاسدة كإظهار كثرة التتبع والإطلاع وإيراد المطالب الجديدة والاستعلاء على المقاتل السابقة يُعد إيجاداً « لمسنا » خاصاً بهذا المذهب . والنتيجة الظاهرة لذلك وثمرته الواضحة إدخال الوهن العظيم على الدين ومذهب الجعفرية وتقديم أسباب السخرية والاستهزاء والضحك للمخالفين حيث يقيسون سائر أحاديث ومنقولات الإمامية على هذه الأخبار الموهونة

ص: 229

والقصص الكاذبة حتى أنهم كتبوا في كتبهم أن الشيعة بيت الكذب. وإن كان هناك من ينكر هذا القول فإنه يكفيه أن يراجع المقتل المعروف(1) فضلاً عن نظائره ليرتفع إنكاره ويثبت عنده ذلك .

مثلاً لو سُئِل عظماء ديننا فقيل لهم : إن الشيخ الجليل علي بن الحسين المسعودي الذي هو منكم والذي عاصر الكليني ذهب إلى غاية المبالغة في تعداد من قتلهم سيد الشهداء(علیه السّلام) في كتابه « إثبات الوصية »فقال : وروي قتل أنه بيده ذلك اليوم ألفاً وثمانمائة »(2). بينما يوصلهم ابن شهر آشوب على كثرة تبحره واطلاعه ومحمد بن أبي طالب على ما نقله صاحب البحار إلى ألف وتسعمائة وخمسين قتيلاً ثم أوصلهم ذلك الكتاب الذي ألف بعد ألّف ألف سنة من المسعودي إلى ثلاثمائة ألف بينما . جعل عدد قتلى أبي الفضل خمسة وعشرين ألفاً وقتلى الآخرين كلهم خمسة وعشرين ألفاً(3). فما حكم هذا الاختلاف والتعارض غير الاعتراف بكذب هذا الأخير الصريح . سبحان الله !! ما الغرض من هذه المبالغات وما الهدف من هذه الأكاذيب ؟ إذا كان المراد بيان شجاعته(علیه السّلام) فإن إثبات هذا الأمر الحق لا يحتاج إلى التمسك بمثل هذه الأباطيل فلو قتل في ذلك اليوم مئة نفر لكان أشجع الناس .

إن السراج المنير والمصباح المضيء على العالم والذي أنعم الله المنان به على عباده والذي زيتُ فتيلته وتوهج نوره مستمدان من عالم الغيب ومن الشجرة المباركة الزيتونة التي هي لا شرقية ولا غربية ، لا يحتاج إلى هذا الزيت الأسود القذر والمسروق .

ص: 230


1- لعله إشارة إلى أسرار الشهادة كما يظهر من العبارات اللاحقة.
2- إثبات الوصية، المسعودي، ص 178 . ط . بيروت دار الأضواء.
3- هذا كله في أسرار الشهادة: ص 417 .

هناك التفاتة لطيفة جديرة بالاهتمام تُروى عن الكافر عابد الصنم« جيمس كارغرن » الهندوسي الهندي الذي كتب كتاباً في تاريخ الصين باللغة الأردية التي هي اللغة الأم لأهل الهند . فقد جاء في المجلد الثاني منه في صفحة 111 في معرض كلامه عن الشجاعة ما هذه ترجمته(1):

« إن شجاعة رستم(2) المشهور في زمانه ليست شيئاً في قبال شجاعة مجموعة من الرجال الأبطال أمثال الحسين بن علي التي تفوق شجاعته شجاعة كل الشجعان إذ إن من استطاع أن يقف بريق ناشف وعطش وجوع شديدين وقفة الرجال الأبطال أمام جموع الأعداء لا يصمد في قباله اسم رستم . إن القلم واللسان ليعجزان عن وصف حال الحسين وأصحابه الاثنين وسبعين رجلاً الذين وقفوا بكل ثبات في قبال الجيش الشامي الجبان الذي بلغ تعداده ثلاثين ألف نفر حيث نزل على رؤوسهم من صروف الدهر ما لا يتصوره إلا الخيال الدقيق ، فقد طوّقهم عُمر بن سعد بفرسانه العشرة آلاف ولم يفك الطوق حتى فصل الشمر الملعون الرأس المقدس عن الجسد ، والمثل المشهور يقول : « ضعيفان يغلبان قوياً » فليس هناك مبالغة تقال في حق شخص أكثر من أن يقال : أحاطوا به الأعداء من الجهات الأربعة . هذا ما فعلته فصائل ابن سعد الثمانية مع الحسين وأصحابه الاثنين وسبعين ومع ذلك فقد وقفوا بكل ثبات ورماح العشرة آلاف فارس تحيط بهم من كل ناحية والسهام تتساقط عليهم كأنها الريح أو طوفان الظلام، وكان عدوهم الخامس.(3)حرارة شمس بلاد العرب التي لا نظير

ص: 231


1- لا يخفى أن المصنف ترجم العبارة من لغة «الأردو» إلى الفارسية ثم ترجمناها بدورنا إلى العربية مما يدخل فيها بعض التغيير عن عبارة الأصل لكن نأمل أن يبقى المعنى محفوظاً فيها.
2- رستم أحد أبرز الأبطال الأسطوريين في بلاد فارس قيل أنه عاش سنة 300 ق . م .
3- يقصد أن الأعداء لما أحاطوا بالحسين من أربع جهات كانوا بمثابة أربع أعداء.

لها تحت الفلك والتي لا يستطيع تحملها إلا العرب أنفسهم. وكان عدوّهم السادس غليان رمال الصحراء المشتعلة من حرارة الشمس كأنها رماد التنّور الملتهب التي يمكن القول عنها أن حبّاتها كانت تشوي أقدام بني فاطمة . وهناك عدوان آخران أظلم وأغشم من كل ما ذكرنا وهما أولاً : العطش وثانياً : الجوع . هذان الصديقان اللذان يتصاحبان دائماً كالذهب والفضة لم ينفصلا ساعة حتى جعلا للألسنة في داخل الأفواه من شدة العطش وجفاف الريق صوتاً ولقلقة . إن الأشخاص الذين وقفوا في قبال ألوف الكفار في مثل تلك المعركة قد ختموا كتاب الشجاعة وبلغوا منتهاها ».انتهى موضع الحاجة من كلام هذا الهندوسي الذي استطاع أن ينقش بكلماته على خد الصفحات البيضاء خالاً أسود يأخذ بالألباب . ويليق بنا في مقام شكره أن نقول : إنه استطاع أن يدرك بالحس وبما يمتلكه من إباء أهل سمرقند و بخاری(1) تفوّق شجاعة الإمام الحسين(علیه السّلام)بل وشجاعة سائر أنصاره على كل شجعان التاريخ دون أن يمد يده للاستعانة بالأمور التي هي کبيت العنكبوت في الضعف ، أو كفقاعات الماء في عدم الثبات وسرعة الزوال. إن الشجاعة هي قوة القلب وثبات القدم في خوض الصفوف وهي من الصفات النفسانية التي تعرف من خلال آثارها وعلاماتها المشار إليها لا من خلال زيادة عدد القتلى فلا داعي للبحث والتفتيش في الدفاتر والكتب القديمة التي لا يُعرف لها أصل ولا يقام لها وزن والتمسك بها وبكل حاشية كما يتمسك الغريق بكل واه ، بكلتا اليدين لأجل إيصال عدد المقتولين إلى أكبر رقم ممكن . إن ذلك يفضح العلماء والعالم .

وبالجملة لا يمكن للفقهاء والراسخين في العلم وحارسي قلعة الدين المبين والحصن الحصين لأمة محمد والمنهج العلوي إلا الاعتراف بكذب

ص: 232


1- هما مدينتان آسیویتان تقعان اليوم في جمهورية «أوزبكستان» السوفياتية .

المطلب المذكور وأمثاله مما يفوق الحصر والإحصاء ليمسحوا بذلك هذا العار اللاحق بأذيال المذهب الجعفري الطاهر ويُنظفوه مما علق به من أمثال هذه القذارات والأوساخ والنهي عن نشر أمثال ذلك الكتاب وعن النقل عنه ومنع قراء العزاء الذين يفتقدون القدرة على التمييز بين الصحيح والسقيم وبين ما له أصل وما ليس له أصل عن الرجوع إليه وإلى أمثاله والامتناع عن دعوتهم إلى المجالس والمآتم إن لم يستجيبوا لذلك والامتناع عن حضور مجالسهم ومجالس الآخرين إذا قرأ فيها أحد هؤلاء . فلو أن أحد العلماء حضر مجلساً من هذا القبيل دون أن يكون على علم بأن القارىء من هذه الجماعة ووجده يتلو شيئاً من هذه الأكاذيب فما عليه إلا أن يقوم من ذلك المجلس بنيّة إعلاء كلمة الحق والنهي عن المنكر دون أن يلفت نظر الحاضرين. فإن في ذلك فائدة عظيمة لتنبيه هذه الجماعة وحملهم على الإذعان بما يطلب منهم والعدول إلى جادة الصواب ، لا أن يبقى جالسا يستمع ويطيب خاطر القارىء ، بعد الانتهاء من الدعاء بقول « أحسنت » و «طيب الله فاك » بدل أن يقول له « فضَّ الله فاك » ، أو أن يدعو ذلك القارىء - إضافة لما مرَّ - إلى مجلسه ليقرأ له ما يقرأه عادة في المجالس الأخرى أو أن يؤيد هذه الفرقة بإمضاء ما ينسجونه على المنبر من أكاذيب عبر سكوته عنهم وتقريره لهم وعدم ردعهم عما يفعلونه فإنهم في هذه الحال سيدخلون تلك الأكاذيب في عداد الأخبار التي يعدونها صحيحة ويقرأونها على المناير في كل البلدان الأخرى. فلو حاول أحد المشايخ الأجلاء أن يعترض عليهم بشيء فإنهم سينتهرونه ويرمونه بأنه مسكين قد نسي ما كان تعلمه وغابت عن باله أمور الخطابة. ويجيبونه بكل جلادة وقوة قلب أنت أفضل أم العالم الفلاني المعروف صاحب المقام الفلاني فقد قرأنا هذا الخبر في محضره ولم يقل شيئاً ولم يُبدِ أي اعتراض . إن عليك ، أيها

ص: 233

المعترض ، أن تعود من جديد إلى الدراسة وتقرأ« صرف المير »(1)لا أن تتعرض للمعقولات وأشباهها . وبأمثال هذه الكلمات يُسخر من ذلك العالم المسكين فيسكت محروق القلب منفطر الفؤاد . وهذا هو المراد مما قدمناه في مقدمة هذه الرسالة من أن أصل الخراب والفساد هو من رأس النبع وكم كان حسناً لو أن عظماء هذا المذهب المسموع قولهم المطاع حكمهم لم يتخلوا عن طريقة علمائنا من السلف الصالح ولم يدعوا أهل العلم وطالبي الحديث والجامعين والحافظين والناقلين له يتصرفون كما يحلو لهم ليكونوا بذلك الحاملين هم تقوية هذا الدين واستحكام طريقته وليأتسوا بجماعة السلف في المنع عن النقل عن الكذابين والوضاعين مسخّرين لذلك ألسنتهم وكتبهم ورسائلهم العملية فإذا لم يطيعوهم يطردونهم ويمنعون الناس من مصاحبتهم والاستماع إلى قراءتهم المنبرية .

قال الشيخ النجاشي في ترجمة عبيد الله بن أبي زيد المعروف ب_«أبي طالب الأنباري ». هو شيخ من أصحابنا ، ثقة في الحديث ، عالم به كان قديماً من الواقفة . ثم نقل عن شيخه أبي عبد الله الحسين بن عبد الله الغضائري عن أبي غالب الذي كان من أكابر علمائنا ومن رواة ثقة الإسلام الكليني أنه قال : كنت أعرف « أبا طالب » ، أكثر عمره واقفاً مختلطاً بالواقفة ثم عاد إلى الإمامة وجفاه أصحابنا وكان حسن العبادة والخشوع وكان أبو القاسم بن سهل الواسطي العدل يقول : ما رأيت رجلاً كان أحسن عبادة ولا أبين زهادة ولا أنظف ثوباً ولا أكثر تحليّاً من أبي طالب. وكان يتخوف من عامة واسط أن يشهدوا صلاته ، ويعرفوا عمله ، ينفرد في الخراب والكنائس والبيع ، فإذا عثروا به ، وجد على أجمل حال من الصلاة والدعاء وكان أصحابنا البغداديون يرمونه بالارتفاع. قال الحسين بن عبيد الله الغضائري : قدم أبو

ص: 234


1- هو كتاب في علم الصرف يقرأه الطلاب المبتدؤون في الحوزات الدينية.

طالب بغداد واجتهدت أن يمكنني أصحابنا من لقائه فأسمع منه فلم يفعلوا ذلك »(1).

وهناك الكثير من الحكايات على هذا المنوال فقد كانوا بهذه الطريقة يحفظون المذهب ويحرسون الدين بل ربما كانوا يضيقون أكثر من اللازم حسب اختلافهم في وجهات النظر العلمية فدائرة الغلو باعتقاد بعضهم واسعة جداً حيث كانوا يقولون بغلو من ينفي السهو والنسيان عن النبي أو الإمام(علیه السّلام)(2). أو حسب الاختلاف في تحديد الموضوع مثل ما لو نسب كلام لأحد يستوجب منه صدور الكفر أو الفسوق وكان لهذه النسبة عند بعضهم أصل وواقع ولم يكن لها عند البعض الآخر أي أساس ، فإن كلا الطرفين مثاب على عمله ومأجور لأنه يؤدي بذلك خدمة للدين ولم يكن تضييقهم ذاك من أجل أغراض شخصية . وليس لنا في هذا النوع من الأمور القابلة للاختلاف والاشتباه كلام إذ إن ذلك دائم الوقوع بينهم. ولكن كلامنا في الأمور المشتركة بينهم كلهم والتي لم يخالف فيها أحد مما و افتراء محض وما في حكمه كما مرت الإشارة إليه ومما هو كذب لا ربط له بفهم متن الحديث أو الاشتباه بالموضوع . ونهدف من ذلك إلى سد هذا الباب الذي يجب أن يُسدَّ عند الجميع وفي كل الموارد خصوصاً في هذا المقام الذي هو فضلا عن حرمته سبب لوهن المذهب وانتهاك حرمة الدين والذي سيتزايد يوماً بعد يوم إن تركت هذه الجماعة على حالها حتى يزول من بينهم قبح الكذب نهائياً. فالشعر الذي قاله أبو الحسن التهامي ، الشاعر المتوفى سنة 416 ه_ في ضمن قصيدة نظمها في رثاء ابنه :

ص: 235


1- رجال النجاشي : ج 2،ص41.
2- هذا الكلام منسوب لأبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد راجع شرح اعتقادات الصدوق : ص 241 .

يا كوكب__ا م__ا ك_ان أقص__ر عم__ره *** وكذاك عمر كواكب الأسحار (1)

ينسبونه صريحاً ومن فوق أعواد المنابر للإمام الحسين وأنه قاله حينما وقف على مصرع ابنه علي الأكبر. وقد رأيت بنفسي في بعض الكتب المؤلفة حديثاً نسبة هذا البيت ومعه عدة أبيات أخرى من ذات القصيدة إليه(علیه السّلام) في معرض ذكر قصة شهادة ابنه(2). وينقلون عن أبي الفضل في معركة صفّين والنهروان قضايا عجيبة ليس فيها كلمة واحدة صادقة إذ ليس له في تلك المعارك ذكر سوى ما في مناقب الخوارزمي من بضعة كلمات تتحدث عن أن أمير المؤمنين لبس ثياب ابنه العباس وأعطاه ثيابه ليلبسها(3).

والعجب أنهم ينقلون هذه القصة ثم ينقلون قصة أخرى يحتار الفكر في الجمع بينهما مهما تعمّق في ذلك ، وخلاصة تلك القصة أنه في ذات يوم وبينما كان أمير المؤمنين(علیه السّلام)يخطب فوق المنبر عطش الإمام الحسين(علیه السّلام) وطلب ماءً ليشرب فأمر(علیه السّلام) قنبراً(4)أن يجلب له الماء ، وكان العباس حينها طفلاً فلما سمع أن أخاه عطشان أسرع إلى أمه وأحضر كأساً مملوء من الماء تتقاطر من جوانبه القطرات ودخل به المسجد فلما وقعت عليه عينا أبيه(علیه السّلام) بكى وقال ما مضمونه : «شتان ما بين هذا اليوم ويوم عاشوراء » ثم ذكر شيئاً من مصائبه(علیه السّلام).

لا بد أن هذه القصة قد حصلت في الكوفة ، وإذا كانت قد حصلت في المدينة فلا بد أنها في أول خلافته(علیه السّلام) إذ قبل ذلك لم يكن له مسجد

ص: 236


1- قصيدة الشاعر أبي الحسن التهامي، تجدها في الدر النضيد، السيد محسن الأمين، ص 190 .
2- لم نظفر به.
3- مناقب الخوارزمي : ص 227 .
4- قنبر هو خادم الإمام علي(علیه السّلام).

ومنبر ، والعمر الشريف للإمام الحسين(علیه السّلام) كان في ذلك الوقت يربو على الثلاثين سنة ، وإظهار العطش في ذلك المجلس العام والتكلم أثناء الخطبة مكروه وربما يكون محرماً بالنظر إلى مقام الإمامة بل إن ذلك يتنافى مع أدنى درجات العدالة بل لا يتناسب مع اللياقات الإنسانية . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن معركة صفّين حصلت بعد ذلك بسنتين أو ثلاث فإذا كان أبو الفضل في ذلك اليوم طفلاً فكيف يصح في شأنه ما نسجوه من قصص وحكايات حصلت في صفين ، وكيف يستطيع طفل أن يرمي ثمانين نفراً في الهواء على نحو لم ينزل الأول منهم إلا بعد أن أتم رمي الثمانين وكان كلما نزل واحد منهم قسمه بالسيف نصفين . إن ذلك من خوارق العادة ومما لم يظهر من أبيه على عظمته . إن الكاذب ، حسبما مرَّ في بعض الأخبار المتقدمة(1)، كثير النسيان . ويمكننا أن نعلم من خلال ذلك أن ما يحملهم على كل هذا هو الحرص على جمع الأموال فقد نزعوا رداء الحياء نهائياً وهدموا علم الأنساب من أساسه ولم يُبقوا لعلماء أنساب الهاشميين الذين صرفوا أعمارهم وأجهدوا أنفسهم في تنقيح هذا الباب ، أصلاً ثابتاً حيث خلقوا لذرية البتول الطاهرة ما ليس لها خصوصاً للإمام أبي عبد الله الحسين(علیه السّلام) فتركوا بعض أولاده في المدينة وزوّجوا بعضهم في كربلاء وأماتوا بعضهم عطشاً فيها ليصدقوا كلام جبرائيل : «صغيرهم يميته العطش»(2)وفي تمثيل المصارع يدّعون شهادة عبد الله بن الحسن السلام(علیه السّلام) وهكذا فالله وحده يعلم كم يصل عدد هذه الافتراءات . وعلى كل حال فإن الكلام حول هذا الموضوع لا ينتهي وعلى فرض أننا تمكنا من إنهائه في عدة مجلدات فإن أضعاف ذلك سيحدث لاحقاً .

ص: 237


1- راجع ص 101 من هذا الكتاب.
2- هذا قول ينسبونه لجبرائيل لم نظفر بما يصلح سنداً له.

وإذا ظهر أثر لمطالعة قراء العزاء لهذه الأوراق وتدبرهم لها التي آمل أن لا يكون فيها ما هو خلاف الواقع فعزموا على الالتزام بما بيناه أو حصلت لدى العلماء الأعلام رغبة في منعهم وردعهم عمّا هم عليه فلا بد من شكر الله المنّان وإلا فلا ينفع هذا الدين إلا أن نبكي في خلواتنا على مظلومية الإسلام وغربته ونتوجه إلى الحق تعالى طالبين منه تعجيل الفرج .

ونختم هذا الفصل بذكر بعض الفروع :

الأول : في جواز نقل الكذب عن الآخرين مهما كانوا ثقات وهذا على نحوین :

أولهما : ما يُنقل دون أي إشارة إلى أنه خبر كاذب كما يحصل مع ذلك بعضهم ممن يعرفون بالحرص والتظاهر بالتشدد في هذا المقام ومع يميلون في بعض الأحيان إلى نقل خبر كاذب لما فيه من الفجيعة والأسى لأجل أن يهيجوا به المجلس فينقلونه وينسبونه إلى ناقل آخر فيقولون مثلاً :« نقل فلان » أو « جاء في الكتاب الفلاني » وهم صادقون في هذه النسبة إلا أنهم بهذه الطريقة يُلبسون الكذب لباساً مزركشاً ثم ينشرونه ويستنتجون منه ما يريدونه ، والظاهر أن حكم هذا القسم هو الحرمة إذ لا فرق في قبح الكذب عقلاً بين هذا النوع وقول الكذب صريحاً . قال الشيخ الأعظم وأستاذ الأساتذة الشيخ مرتضى طاب ثراه في رسالة التسامح « ولا يبعد عدم الجواز إلا مع بيان كونها كاذبة »(1).

ويقول أبو علي ابن الشيخ الطوسي في أماليه :

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : من روى عنى حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو

ص: 238


1- رسالة التسامح ، الشيخ الأنصاري، التنبيه الرابع : ص 29، من مجموعة الرسائل .

أحد الكاذبين »(1).

وقال العلامة المجلسي في البحار عند ذكر هذا الحديث : « يدل على عدم جواز رواية الخبر الذي عُلم أنه كذب وإن أسنده إلى راويه »(2).

ثانيهما : أن يشير الناقل إلى كذب الخبر الذي ينقله أو أن يكون السامعون يعلمون كذبه .

وظاهر الشيخ المعظم السالف الذكر في رسالته جواز ذلك »(3)ولكن العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه قال في كتابه عين الحياة :

مما يجب أن يعلم أن من الأمور المستقبحة والمذمومة بل والتي فيها دغدغة الحرمة نقل الكذب مثل نقل قصة حمزة « وسائر القصص الكاذبة الأخرى وقد جاء عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): « شر الرواية رواية الكذب الخ »(4).

ومما يؤيد كلامه رضي الله عنه الآيات والأخبار الآتية إنشاء الله تعالى في ذم الاستماع للأخبار والقصص الكاذبة بل إطلاق الخبر المتقدم والله العالم .

الفرع الثاني : على الأشخاص الذين يتولون أوقافاً معينة المنافع ، إذا أرادوا إقامة مجالس عزاء سيد الشهداء صلوات الله عليه أن يلتفتوا إلى ذلك ويحرصوا على صرف منافع الأعيان الموقوفة بحسب قانون الشرع المقدس وبحسب رغبة الواقفين في هذا المورد وأن لا يقيموا بدل مجالس العزاء

ص: 239


1- أمالي أبو علي الطوسي، الجزء 14 ، ص 414 .
2- بحار الأنوار: ج 2 ، أداب الرواية : حديث 3 .
3- رسالة التسامح : الشيخ الأنصاري.
4- قد مرّ مصدر الرواية في باب ذم الكذب .

محافل المعصية فإنهم سيُبتلون إذ ذاك بخيانة صرف المال الحلال في سبيل المعصية فضلاً عمّا في ذلك من شائبة الحرمة ومن بقاء ذممهم مشغولة بكل أو جل تلك المنافع التي صرفت في غير موضعها. وحينما يحين وقت محاسبتهم في الدنيا سيتضح أن صحيفة أعمالهم سوداء وجزاءهم على ما خطبوه على ظهورهم الهلاك والإعدام وفي الآخرة سيجدون ما كان لديهم من حسنات موجوداً في صحيفة أعمال الواقفين. وإذا كانوا صفر اليدين من الحسنات سيحملون على أكتافهم ما على الواقفين من أوزار . ولا يخفى أن الصدق تلك المنافع في غير محلها مصاديق واضحة وموارد معلومة ليست محلاً للشبهة وليس فيها مجال لخلق الأعذار وذلك مثل دعوة قارىء عزاء مُعْنٌ فيدفعون له الأجر مقتنعين بغنائه ويهدون ثواب البكاء الذي حصل منهم على وجه الوجد والطرب بدل الحزن والتفجع للمصيبة إلى روح الواقف ، أو أن يدعوا قارىء عزاء يُعدُّ عند أهل الدين وعند أهل الخبرة في هذا الفن كاذباً فيعقدون المجلس بأكاذيبه ، وإلى ما هنالك من المعاصي التي يقترفونها بحجّة إقامة مجالس العزاء فيبدلون الطاعة بالعصيان والثواب بالعقوبة . وبما أن تفصيل ذلك ليس مناسباً لما وضعت له هذه الرسالة فنضرب عنه كشحاً .

وباعتبار عدم إمكان تحديد ضابطة لكل هذه الأفراد المشتبهة فلا بد لكل من يواجه شيئاً منها وهو يريد أن يحافظ على دينه أن يرجع عند الحاجة إلى أهل العلم والبصيرة والدين ليعرّفوه تكليفه فيها .

ومثل متولي الوقف من هذه الجهة الوصي الذي يجب عليه العمل على طبق الوصية في إقامة مجالس العزاء ، إن كان فيها شيء من ذلك ، من أصل الثلث الذي يحق للميت أن يوصي بالتصرف به . ومثله أيضاً من نذر إقامة مجلس عزاء قبل قضاء الله حاجته أو بعده. وهكذا من ترسل إليه أموال من

ص: 240

خارج البلاد لأجل هذا الغرض فإن كل هؤلاء يشاركون متولي الوقف في لزوم رعاية ما ذكرناه في إقامة المجلس وإلا فإنهم سيبتلون بما ابتلي به .

نسأل الله تبارك وتعالى أن يُعز الجميع ويرعاهم بعينه وعنايته الغيبية .

الفرع الثالث : الكتب التي تؤلف في ذكر القصص الكاذبة وغيرها من المجعولات على نحوين :

النحو الأول : ما يؤلف لأجل توضيح بعض المطالب العلمية بالمثال أو لأجل تهذيب الصفات الإنسانية مثل كتاب« كليلة ودمنة » ورسالة« مقالات الحيوانات » من كتاب « إخوان الصفا » و « درة التاج » للقطب الشيرازي فقد مرَّ حكم قولها وكتابتها وهو الجواز وعليه فإن التعامل معها بجميع أقسامه جائز أيضاً .

النحو الثاني : ما يؤلف لأجل بيان المطالب غير الحقة والأمور الباطلة فإن غالب أحكامه تشترك مع كتب الضلال من حيث حرمة التأليف والنشر والطبع والبيع والشراء بل إن التعامل فيها بأي عنوان كان حرام . وما يؤخذ في قبالها من مال حرام على الآخذ والمعطي إلا إذا كان جلد الكتاب قابلاً لأن ينتفع به أو كانت أوراقه كذلك وهذه صورة نادرة جداً . أما حفظها فعلاوة على أن ما فيها من الكذب يسبب الإفساد فإنه ليس هناك مصلحة في إبقائها والمحافظة عليها كي يُغض النظر عن تلك المفاسد من أجلها ، وذلك مثل الكتاب المؤلف في ذكر أخبار فضيلة الأب الظاهري لزيد لا ريب داخل في كتب الضلال فلا تجوز المحافظة عليه بل يجب إتلافه . أما إذا لم يكن فيه مفسدة مثل كتاب« رموز حمزة » و « ألف ليلة وليلة » ونظائرهما فليس من المعلوم حرمة حفظها أو وجوب إتلافها بل الظاهر الجواز حتى لو لم يكن لها قيمة غير قيمة الجلد بأن لم تكن من الأمور المتمولة فلو أتلفها متلف

ص: 241

ضمن قيمة الجلد فقط . وقد ذكر العلامة المجلسي في عين الحياة بعد كلامه المتقدم في الفرع الأول :

« إن القصص الصادقة التي تكون لغواً وباطلاً مثل « الشاهنامة (1)وغيرها من قصص المجوس والكفار فقد أفتى بعض العلماء بحرمتها »ثم أورد خبراً لتأييد ذلك سيأتي ذكره في الخاتمة . وتابعه في ما قاله صهره العالم الجليل مير محمد صالح خاتون أبادي في كتابه روادع النفوس .

ص: 242


1- الشاهنامة هي ملحمة للشاعر الفارسي «فردوسي» يذكر فيها أخبار ملوك فارس وأساطيرهم من بدء التاريخ حتى الفتح الاسلامي وهي 60,000 بيت وتعد أطول ملحمة عالمية .

الخاتمة

في ذم الاستماع للأخبار الكاذبة والحكايات والقصص الباطلة وبيان تكليف سامعي العزاء في استماعهم لكلام هذا الصنف من القراء المتجرئين على الله واللامبالين بما يقولون .

يقول الله تعالى في ذم اليهود بل المنافقين وبيان صفاتهم الخبيثة وأفعالهم القبيحة :

﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ﴾(1).

وبعد آية يعود للتأكيد قائلاً :﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾(2).

وفي هاتين الآيتين تهديد بليغ على استماع الكذب سواء كان بهدف نقلها أو لم يكن وسواء كان على وجه القبول والتصديق بها أو لم يكن . ويقول في مقام تعداد النعم المعدة في الجنّة للمتقين : ﴿ لا يَسْمَعُونَ فِيها

ص: 243


1- سورة المائدة، الآية : 41 .
2- سورة المائدة، الآية : 42 .

لَغْواً وَ لا كِذَّاباً ﴾(1).

فبناءً على قول بعض المفسرين إن المراد من الكذاب هنا الكذب فأهل الجنة الخالدون فيها لا يسمعون كلاماً فارغاً ولا كلاماً كاذباً فكل مجلس ليس فيه استماع لذلك تغمره أنعام الجنة التي من الله بها على عباده .وبالتأكيد سيكون استماعه نقمة يخص بها أهل النار بحسب قانون المقابلة والتضاد . فكما تعود أهل الدنيا على الكذب فيها فإنهم لن يتركوا هذه العادة في الآخرة وفي موقف يوم القيامة كما يقول تعالى :

﴿ وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ ﴾(2).

ويقول الله عزّ وجلّ بعد ذكر بعض المنافقين الذين كانوا يحلفون كذباً في حضرة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وذكر ما أعد لهم من عذاب :

﴿ وَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْ ءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ ﴾(3).

ويقول في معرض بيان كلام أهل النار يوم القيامة :

﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾(4).

وكذلك في الرد على أهل النار حيث يقولون حينما يعرضون عليها :

ص: 244


1- سورة النبأ، الآية : 35 .
2- سورة الروم، الآية : 55 .
3- سورة المجادلة، الآية : 18 .
4- سورة الأنعام، الآية : 24 .

﴿ يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا تَكْذِبْ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(1). يقول تعالى : ﴿ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ﴾(2).

ومثل ذلك في الدلالة على ذم وقبح الاستماع للكذب الآية الشريفة :

﴿ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾(3).

بناءً على ما مرَّ في المقام الثاني من أن المراد من قول الزور الكذب على ما صرح به بعض اللغويين(4). وإذا كان المراد منه مطلق الكلام الباطل مثل الكلام البذيء والغناء والغيبة والبهتان فإنه سيشمل الكذب أيضاً فلن يتحقق الاجتناب إلا بالابتعاد عن الكذب من كل جهاته ؛ قوله وكتابته وسماعه . ولو أن أحداً ترك قول الكذب ولم يمتنع عن استماعه فإنه لا يصدق عليه أنه اجتنب الكذب . ومن هذا الباب استدلال عظماء الفقهاء بهذه الآية على حرمة حفظ كتب الضلال التي يعود غالبها للكذب حتى ولو لم يكن مالكها قائلها أو مؤلفها . وبناءً على أن المراد من قول الزور الكذب يمكن لنا الاستدلال بالآية الشريفة :

﴿ وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾(5).

الواردة في بيان صفات عباد الرحمن على أن الذين يحضرون مجالس الكذب صنفان صنف يقولون الكذب وصنف يسمعونه . وربما تكون دلالة هذه الآية على الصنف الثاني أظهر . بل شهادة الزور تشمل الكذب بكل معانيه . روى الشيخ الصدوق في عقائده عن الإمام الصادق(علیه السّلام) أنه سئل عن القصاصين

ص: 245


1- سورة الأنعام، الآية : 27 .
2- سورة الأنعام، الآية : 28 .
3- سورة الحج، الآية : 30 .
4- هو صاحب مجمع البحرين الطريحي ج 3 ص 319 مادة زور.
5- سورة الفرقان،الآية: 72.

هل يجوز الاستماع إليهم قال : لا(1) وقال : من أجاب ناطقاً فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان(2).

وروى الشيخ العياشي في تفسيره عن الإمام أبي جعفر(علیه السّلام) في قول الله :﴿ وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا ﴾ (3)قال : الكلام في الله والجدال في القرآن فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره . قال : منه القصاص (4).

أي ان القصاصين هم من جملة من يجب الإعراض عن مجالستهم وعدم الاستماع إليهم .

فقراء العزاء في حال كذبوا على الله ورسوله والأئمة(علیهم السّلام) يدخلون في الصنف الأول وإذا أوردوا حكايات كاذبة دخلوا في الصنف الثاني .

وروى الشيخ الصدوق في كتاب «صفات الشيعة » عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) حديثاً طويلاً قال فيه للأحنف بن قيس في معرض ذكر صفات خواص أصحابه :

« وسجموا أسماعهم أن يلجها خوض خائض »(5).

والشيخ المجلسي(رحمه الله علیه)بعدما ألحق في كتابه « عين الحياة » استماع القصص الصادقة التي لا فائدة فيها بالاستماع إلى الكذب من حيث القبح ، وبعدما نقل الحرمة عن بعض العلماء قال :

ص: 246


1- .لم نجده في اعتقادات الصدوق وربما هناك اختلاف في النسخ .
2- شرح اعتقادات الصدوق : اعتقادات الصدوق ص 203 باب الجدال .
3- سورة الأنعام، الآية : 68 .
4- تفسير العياشي : ج 1، ص 362 .
5- صفات الشيعة : ص 121 . ط . قم .

وكما جاء في بعض كتب الشيعة الإمامية فإنه روي عن الإمام محمد التقيل(علیه السّلام) أنه نقل عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال :

« ذِكرُ علي بن أبي طالب(علیه السّلام) عبادة ومن علامات المنافق أن يتنفر عن ذكره ويختار استماع القصص الكاذبة وأساطير المجوس على استماع فضائله ».ثم قرأ(علیه السّلام): ﴿ وَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجَدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ إِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾(1)فسئل صلوات الله عليه عن تفسيرها قال :

« أما تدرون أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) كان يقول : اذكروا علي بن أبي طالب(علیه السّلام) في مجالسكم فإن ذكره ذكري وذكري ذكر الله فالذين اشمأزت قلوبهم عن ذكره واستبشروا من ذكر غيره أولئك الذين لا يؤمنون بالآخرة ولهم عذاب مهين »(2).

وفي عقائد الشيخ الصدوق أنه سُئِل الصادق(علیه السّلام) عن قول الله عز وجل :﴿ وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ﴾(3)قال : هم القصاص »(4).

ولا يخفى أنه لو سأل سائل عن معنى الشعراء في هذه الآية فإنه حسب الظاهر وعلى ما صرحت به بعض الأخبار ليس المراد منهم الشعراء المعروفين بل المراد القصاصون فإنهم مثل الشعراء ينظمون الكذب .والمراد بالغاوين الذين يتبعونهم المستمعون لقصصهم وأكاذيبهم . وتدل أيضاً على ذم وقبح استماع الكذب الآيات والأخبار التي تنهى عن الإعانة

ص: 247


1- سورة الزمر، الآية : 45 .
2- عين الحياة: المجلسي.الحديث مترجم .
3- سورة الشعراء، الآية : 224 .
4- عقائد الصدوق : لم نحده في ما بين أيدينا من النسخ .

على الإثم والعدوان والذنب والعصيان إذ لو لم يكن هناك سامع واحد على الأقل فإنه لا يمكن للكذاب أن يلقي أكاذيبه فالمستمع يعينه على ارتكاب المعصية خصوصاً إذا كان يمدحه على ما يقول ويشجعه .

يروي الشيخ الصدوق في معاني الأخبار عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله(علیه السّلام) : قال : سألته عن قول الزور. يقصد عن تفسير الآية الشريفة ﴿ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾(1). قال : منه قول الرجل للذي يُغني « أحسنت »(2).

والظاهر أن مراده(علیه السّلام)مجرّد التمثيل وعليه يكون مدح قارىء العزاء الكاذب بما هو متعارف من قولهم « أحسنت » أو « طيب الله فاك » داخل في قول الزور .

ويدل على قبحه أيضاً استقراء غالب المعاصي التي محلها ، كما في غالب أقسام الكذب ، اللسان مثل الغيبة والغناء والشتم والبهتان والاستهزاء وما شابه ذلك فكما أن الغيبة في الشرع حرام كذلك استماعها وكما أن الغناء حرام فكذلك استماعه وهكذا شتم أولياء الله أو شتم المؤمنين فإنه كفر ومعصية واستماعه حرام يقول تعالى :

﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها ويستهزاً بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ﴾(3).

ولهذه الآية المباركة بيان واف يجعلها ظاهرة في شمولها لكل المعاصي وهو أن كل شخص يرتكب المعصية يستهزأ بآية من آيات الله

ص: 248


1- سورة الحج، الآية: 30.
2- معاني الأخبار : ص 349 .
3- سورة النساء، الآية : 140 .

و تفصيل هذا البيان يحتاج إلى شرح طويل لا يتناسب مع ما وضعت له هذه الرسالة لذا نعرض عنه .

وقد صار معلوماً أن استماع الاستهزاء بالآيات من الغناء والغيبة والتهمة والشتم حرام وعليه فإنه من المستبعد أن لا يشمل ذلك الكذب خصوصاً الكذب على الله ورسوله وخلفائه(علیه السّلام) المعدود من الكبائر فكيف يكون استماعه جائزاً ؟

وأما ما جاء في كتاب الجعفريات في باب حسن العشرة عن الإمام علي بن أبي طالب(علیه السّلام) من أنه قال : كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) إذا كذب عنده له الرجل تبسّم وقال : إنه ليقول قولاً »(1).

فلا يمكن حمله على ظاهره إذ كيف ينسب له(صلی الله علیه و آله و سلم) أن يُعصى الله بحضرته ولا ينهى عنه فلعل المراد الكذب في الأمور العادية التي لا مفسدة فيها والتي تقال عن غير عمد كما لو سمع أحدنا خبراً ولم يفهمه جيداً أو غاب عن باله شيء من الخبر أو أنه فهمه خطأ وأمثال هذه الموارد التي يكون أصل الخبر فيها كذباً ولا يكون قائله عاصياً ، وبما أنه لم يكن موضع حاجة ولا مورد ابتلاء ولا مفسدة فيه لم يكن من اللازم ردعه وذلك نظير ما نقله الشهيد الثاني طاب ثراه وغيره عن أبي موسى موسى محمد بن المثنى العنزي أنه قال :

« نحن قوم لنا شرف ، نحن من عنزة صلى إلينا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ».

يريد بذلك ما رُوي أنه(صلی الله علیه و آله و سلم) صلى إلى عنزة وهي : حربةٌ تُنصَب بين يديه سُترةً فتوهم أنه(صلی الله علیه و آله و سلم) صلّى إلى قبيلتهم بني عنزة »(2).

ص: 249


1- الجعفريات: باب حسن العشرة، ص169.
2- الرعاية في علم الدراية،باب التصحيف المعنوي : ص 111 . والعنزة هي أطول من العصا وأقصر من الرمح وجمعها عنزات كقصبات . مجمع البحرين : ج 4 ، ص 28 .

فهذا منه ليس كذباً ولا حراماً بل اشتبه بين عنزة بالمعنى المشار إليه وقبيلة عنزة ، فتوهّم أنه صلّى إلى قبيلتهم ودون أن يفهم معنى الخبر أخذ يفتخر به .

ولا يخفى أن ما ذكرناه في هذه الخاتمة من بيان حكم استماع الكذب إنما هو لعامة الناس الذين لا يترتب على فعلهم مفسدة سوى ما يعود عليهم من ضرر أُخروي ، أما عباد الله الصالحون الذين هم أدلاء الركب على الله عزّ اسمه والذين يجب عليهم أن ينصروا الله في أقوالهم وأفعالهم فيذكرون عباد الله بالحلال والحرام وبالطاعة والعصيان فإن استماعهم للكذب الصادر عن قراء العزاء في مجالسهم والذي لا حصر له خصوصاً في ما يتعلق بسيرة وأقوال الأئمة الطاهرين(علیه السّلام) يترتب عليه مفاسد أخرى منها دخول هؤلاء المستمعين العلماء في زمرة الكاذبين فيكونون بذلك مبتلين بكلا النوعين : الكذب والاستماع إليه لما بيناه من أن الكذب في اللغة من صفات اللفظ والكلام . أما في الشرع فيعم بحكمه كل الأفعال الصادرة عن الجوارح غير اللسان كاليد والعين والرأس والرجل وهكذا في السكوت والتقرير على ما مرَّ بيانه وأمثلته . وهذا المقام من ذلك القسم لأنه حينما يستمع العالم المطاع والمسموع القول إلى قارىء عزاء ينقل خبراً كاذباً وينسبه إلى الإمام بهتاناً فلا تمكنه من النهي وعدم احتمال لحوق الضرر به ويسكت ينهاه عن ذلك ولا يردعه ولا يغير عليه بشيء وهذا أدنى مراتب النهي عن المنكر ، فإن قارىء العزاء يفهم من ذلك أن ما يقوله ليس كذباً في نظر هذا العالم بل يعد سكوته إمضاء لذلك النقل وكأنه صرح بذلك بلسانه فيتمسك بهذا السكوت ليجعله دليلاً على صدق الخبر وصحته فيواجه به كل من ينكر عليه ذلك ويخذله ويحجه ويخجله وإلى ما هنالك من مفاسد . فإجمالاً سكوت

ص: 250

المتمكنين يزيد من تجرأ هؤلاء ولا مبالاتهم ويقوي هذه الطائفة الظالمة التي تسود بأكاذيبها العجيبة وبألحانها المطربة محاضر النور في المقامات المشرّفة والروضات المباركة خصوصاً حرم صاحب العزاء سيد الشهداء روحنا وأرواح العالمين له الفداء ، في غالب الأوقات سيما في الأسحار الذي هو وقت البكاء والأنين والاستغفار فإنهم يُخرجون بكذبهم أفواج ملائكة الرحمة ، حسب الأخبار المتقدمة(1)، ويحولون عباد الله عن حالة العبادة والإنابة والتضرع ليدخلوهم في زمرة الصادين عن سبيل الله ولا يمنعهم عن ذلك أحد .

وفوق كل هذا فإنهم يتعجبون من عدم استجابة الدعاء تحت تلك القبة السامية وهم لا يعلمون أنه لم يسلم من شرّهم قبةٌ ولا حرم ولا ملائكة ولا فيض قدسي بل إن لهوهم وتعصبهم وتكسبهم تارة برأس مال دنيوي وأخرى برأس مال ديني قد أسرى فسادهم إلى الآخرين حيث صاروا يفترشون بساط التسلية ويتبادلون القصص الطويلة الكاذبة في الصحن المقدس وينشغلون ثلاث ساعات بسرد الأكاذيب الواضحة المعلومة الفساد وقد اجتمع حولهم جماعة من الأوباش والأراذل ، فلو أن هذا المحفل القذر الذي هو محل لعن وسخط الجبار المنتقم جل جلاله انعقد في الصحراء وبعيداً عن أعين الناس لوجب على المسلمين تفريقهم ومنعهم منه فكيف إذا كان في الصحن الشريف وعند قبور آلاف المؤمنين الأخيار بدل أن يعتبروا ويتعظوا منهم ويدعوا لهم ويقرأوا لهم القرآن ، وفوق معراج الملائكة ومحل ترددهم وانشغال مجاوريهم بالبكاء والأنين والصلاة والاستغفار للزائرين لا مثل أولئك الزوار الذين يشغلون أنفسهم بذلك المنكر القبيح أو يعينون عليه أو الذين يرون ذلك المنكر في محضر المجلس الإلهي فيتركونه دون أن يهتموا

ص: 251


1- راجع صفحة 99 من هذا الكتاب .

أو يلتفتوا إلى قبحه أصلاً فأين هؤلاء من التأثر والغم والشعور بالمسؤولية وأين هم من مقام الردع والنهي عن المنكر .

إن اللائق بحال أرباب العلم والوعي أن يعملوا على ترتيب مجالس عزاء جديدة لأبي عبد الله الحسين(علیه السّلام) يرفعون بها أثر الصدمات التي لحقت بوجوده المبارك وبزائريه ومجاوريه وخدامه وحاملي علومه والمتعبدين والناسكين والمأمومين وغيرهم . . . فتعقد المجالس على أنواعها وأقسامها في الليل والنهار وعلى أيدي أهل الدين والتقوى وأصحاب الغيرة والحمية فيقرأون المصائب ويبكون طالبين من الله تعالى تعجيل فرج وظهور السلطان ناشر العدل والأمان وباسط الفضل والإحسان وقامع الكفر والنفاق والعدوان .

اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه وصل عليه وعلى آبائه الغرّ البررة .

تمت هذه الرسالة الشريفة في يوم دحو الأرض الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم من أيام الله التي وعدنا فيها بالظهور من سنة 1319 ه_ في يوم الجمعة الذي اجتمعت فيه الأعياد الثلاثة ، الأضحى والنيروز والجمعة .

وقد تمّ الفراغ من تعريبها على يد الأقل إبراهيم محمد البدوي غفر الله له ولوالديه في ضحى يوم الجمعة آخر شهر ربيع الأول من عام 1414 ه_ الموافق للسابع عشر من شهر أيلول سنة 1993 م .

البزاليه - بعلبك

إبراهيم البدوي

ص: 252

فهرست الفهارس

1 - فهرست الموضوعات .

2 - فهرست الآيات .

3 - فهرست الأعلام.

4 - فهرست الكتب .

5 - فهرست الأماكن والبلدان .

6 - فهرست مصادر التحقيق .

ص: 253

ص: 254

1- فهرست الموضوعات

مقدمة المحقق

هذا الكتاب ... 5

المؤلف في صفحات ... 13

مشایخه ... 15

تلاميذه ... 16

المؤلف في نظر علماء العصر ... 17

تلامذته العظام يتحدثون عنه ... 18

مؤلفاته الشريفة ... 19

وفاته ... 24

مقدمة المؤلف ... 25

مقدمة الكتاب استحباب البكاء والابكاء على الحسين(علیه السّلام) ... 29

نشوء قراءة العزاء كفن مستقل ... 32

الفصل الأول في الاخلاص ... 37

مفاسد عدم الاخلاص ... 37

مفاسد عدم الاخلاص في قراءة العزاء ... 40

1 - الحرمان من الثواب الالهي ... 40

2 - الدخول في عداد الكسبة والتجار ... 42

ص: 255

أخذ الأجرة من ناحية فقهية ... 47

3 - بيع الآخرة بالدنيا ... 50

4 - الدخول في عداد وعاظ السوء ... 57

تنبيهات

التنبيه الأول في من جوّز الرياء في البكاء على الحسين ... 62

بيان المراد من التباكي ... 63

التنبيه الثاني في عيوب اخرى سوى الاخلاص ... 67

التنبيه الثالث في تكليف قارىء العزاء ... 69

الفصل الثاني وفيه خمسة مقامات

المقام الأول في مدح الصدق ... 79

المقام الثاني في ذم الكذب ... 89

الكذب اسوأ من الخمر لعدة أسباب ... 90

1 - مفاسده أكبر ... 90

2 - تعلقه بحقوق الناس ... 91

3 - الكذب يضر بالايمان ... 91

4 - يسبب اختلال نظام الحياة ... 92

5 - لا تقبل توبة الكاذب إلا برد الحقوق للناس ... 93

6 - لا تقبل توبته عند الحاكم ... 94

7- داعي الكذب الدناءة ... 94

8- الكاذب لا حياء له ... 95

9 - صدور الشر عن الكاذب حالة الوعي ... 95

10 - ضرر الكاذب لا ينتهي ... 95

روايات تذم الكذب وتبين مساوءه ... 95

عرض مختصر لأربعين وجه لذم الكذب ... 111

المقام الثالث في كبر معصية الكذب على الله ورسوله ... 115

المقام الرابع في أقسام الكذب واحكامها ... 127

ص: 256

المطلب الأول في بيان أقسامه ... 127

1 - الكذب على الله واوليائه-الكذب على غيرهم ...127

2 - الكذب على الأولياء في أمور الدين وامور الدنيا ... 128

3 - نسبة قول ونسبة فعل ... 128

4 - الكاذب والكذاب ... 128

5 - الكذب الجاد والكذب الهازل ... 129

6 - الكذب ذو المفاسد والكذب دون مفاسد ... 129

7 - الكذب الخفي والكذب الظاهر... 130

8 - الكذب اللغوي والكذب الشرعي... 131

9 - أقسام الكذب على الله ورسوله... 132

10 - الكذب باللسان والكذب بالاركان ... 133

11 - الكذب أمام سامع ودون سامع ... 134

الزيارة المزورة لشهداء كربلاء... 134

12 - الكذب بالنثر والكذب بالشعر ... 140

المطلب الثاني - في اشارة اجمالية لاحكام الاقسام المذكورة ... 140

حكم التقسيم الأول ... 141

حكم التقسيم الثاني ... 141

حكم التقسيم الثالث ... 142

حكم التقسيم الرابع ... 142

حكم التقسيم الخامس ... 143

حكم التقسيم السادس ... 145

حكم التقسيم السابع ... 149

حكم التقسيم الثامن ... 150

حكم التقسيم التاسع ... 150

حكم التقسيم العاشر ... 151

حكم التقسيم الحادي عشر ... 152

ص: 257

حكم التقسيم الثاني عشر ... 156

المقام الخامس في الصدق في نقل الأخبار والقصص ... 161

تنبيهات الفصل الثاني

التنبيه الأول فى تكليف ناقل الأخبار ... 174

المثال الأول ما ذكره الشيخ المفيد في الارشاد من عدم اصابة علي(علیه السّلام) بجرح ... 174

المثال الثاني في ما ذكره ابن طاووس من وقوع زيارة السجاد يوم الأربعين... 180

التنبيه الثاني في لزوم الفحص قبل نقل الأخبار ... 195

أمثلة لأمور كاذبة صدرت عن علماء كبار ... 196

عن الملا مهدي النراقي ... 196

عن الفاضل الدربندي ... 200

التنبيه الثالث في مسنا اليهود ومسنا قراء العزاء ... 205

أمثلة لروايات لا أصل لها ... 210

1 - أم كلثوم تخطب يوم شهادة علي(علیه السّلام)... 210

2 - خروج الإمام الحسين من المدينة إلى مكة ...211

3 - خروج زينب ليلة العاشر واطلاعها على حال الأصحاب ... 212

4 - الإمام علي بن الحسين لا يدري بما جرى يوم العاشر ...213

ه - زينب تأتي أخاها الحسين بجواده ... 213

6 - زينب تأتي المصرع الحسين(علیه السّلام)... 214

7 - . . . ولكن لم يكن في هذا البيت أسر ... 215

8- الصادق يحضر مجالس عزاء الإمام الحسين دائماً ...215

التنبيه الرابع في دواعي نقل الأخبار الكاذبة ... 219

1 - داعي الابكاء كيفما اتفق ... 219

2 - التسامح في ادلة السنن ونحوها ... 222

تقسيم الخبر إلى أنواعه الأربعة ... 224

متى يجوز نقل الخبر الضعيف ... 225

ص: 258

نقل الدربندي لعدد قتلى الإمام الحسين يوم العاشر ... 230

هندوسي يشهد بشجاعة الإمام الحسين ... 231

فروع

1 - نقل الخبر الكاذب عن الآخرين ... 238

2 - تكليف متولي الأوقاف ونحوهم في إقامة مجالس العزاء ... 239

3 - الكتب المشتملة على الأخبار الكاذبة على نحوين ... 241

الخاتمة في ذم الاستماع إلى الأخبار الكاذبة ... 243

الفهارس ... 253

ص: 259

2 - فهرست الآيات .

سورة الفاتحة (1)

1 ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾... 131

4 ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ... 131

4 ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ... 38

سورة البقرة (2)

44 ﴿أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ ... 57

79 ﴿وَيْلُ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابِ﴾ ... 115

177 ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾ ... 165

197 ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ ... 111،105

سورة آل عمران (3)

17 ﴿الصَّابِرِينَ وَ الصَّادِقِينَ﴾ ... 79

61 ﴿وَ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ﴾ ... 112،89

77 ﴿لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ وَ لَا يُزَكِّيهِمْ وَلِّهِمْ عَذابُ الْيَمُّ﴾ ... 151

ص: 260

94 ﴿فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ ... 115

176 ﴿يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ ... 162

سورة النساء (4)

87 ﴿وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾ ... 79

122 ﴿وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً﴾ ... 79

140 ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ﴾ ... 248

سورة المائدة (5)

2 ﴿وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى﴾ ... 33

41 ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ﴾ ... 243

42 ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ ... 243

119 ﴿هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ ... 80

سورة الأنعام (6)

21 ﴿وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ ... 116

24 ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا﴾ ... 244

27 ﴿يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ﴾ ... 244

28 ﴿وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ﴾ ... 245

162 ﴿انَّ صَلَاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ ... 264

68 ﴿وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا﴾ ... 246

سورة الأعراف (7)

28 ﴿وَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا﴾ ... 122

37 ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ ... 116

ص: 261

سورة التوبة (9)

77 ﴿وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ ...﴾ ... 163

119 ﴿كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ...﴾ ... 164،80

سورة يونس (10)

17 ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ ... 116

60 ﴿روما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ ...﴾ ... 116

69 ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ ...﴾ ... 116

سورة هود (11)

18 ﴿وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ ...﴾ ... 116

45 ﴿وَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ...﴾ ... 61

46 ﴿يَا نُوحُ انْهَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ...﴾ ... 62

سورة يوسف (12)

70 ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ أَنَّكُمْ لَسارِقُونَ﴾ ... 110

سورة النحل (16)

105 ﴿أَنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ... 92،89

116 ﴿انَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ ... 116

سورة الاسراء (17)

107 ﴿انَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ...﴾ ... 66

ص: 262

سورة الكهف (18)

15 ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ﴾ ... 117

سورة طه (20)

61 ﴿وَيْلَكُمْ لَا تفتري عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ ... 117

سورة الأنبياء (21)

63 ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ ...﴾ ... 110،110

سورة الحج (22)

30 ﴿وَ اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ ... 111 ، 245 ، 248

سورة النور (24)

7 ﴿أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكاذِبِينَ﴾ ... 111

13 ﴿وَ لَولَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ ... 168

سورة الفرقان (25)

72 ﴿وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ...﴾ ... 245

سورة الشعراء (26)

94 ﴿فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ﴾ ... 59

224 ﴿وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ﴾ ... 247

ص: 263

سورة القصص (28)

21 ﴿فخرج منها خائفاً يترقب. . .﴾ ... 212

22 ﴿ولما توجه تلقاء مدين . . .﴾ ... 212

سورة العنكبوت (29)

68 ﴿ومن أظلم ممن افترى على الله . . .﴾ ... 117

سورة الروم (30)

55 ﴿ويوم تقوم الساعة . .﴾ ... 244

سورة الأحزاب (33)

35 ﴿أعد الله لهم مغفرة واجراً عظيماً﴾ ... 80

سورة الزمر (39)

3 ﴿ان الله لا يهدي من هو كاذب كفار﴾ ... 113

25 ﴿فمن أظلم ممن كذب على الله ...﴾ ...117

35 ﴿والذي جاء بالصدق . . .﴾ ... 80

45 ﴿وإذا ذكر الله وحده اشمأزت . . .﴾ ... 547

56 ﴿أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله﴾ ... 60

60 ﴿ومن أظلم ممن افترى . . .﴾ ... 117

سورة غافر (40)

28 ﴿ان الله لا يهدي من هو مسرف كذاب﴾ ... 89

ص: 264

سورة الحجرات (49)

6 ﴿ان جاء فاسق بنبأ فتبينوا . . .﴾ ... 170،111،106،90

166 ﴿انما المؤمنون الذين آمنوا . . .﴾ ... 165

سورة المجادلة (58)

12 ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم . . .﴾ ... 86

18 ﴿ويوم يبعثهم الله جميعاً . . .﴾ ... 244

سورة الصف (61)

3 ﴿يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون﴾ ... 162

سورة الجمعة (62)

4 ﴿ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . . .﴾ ... 18

سورة المنافقون (63)

1 نشهد أنك لرسول الله . . .﴾ ... 162

1 ﴿والله يشهد أن المنافقين لكاذبون﴾ ... 162

سورة النبأ (78)

35 ﴿لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً . . .﴾ ... 244

سورة عبس (80)

37 ﴿لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه﴾ ... 216

ص: 265

3 - فهرست الأعلام

«الألف»

آدم - 195 .

آغا بزرك الطهراني - 15 ، 16 ، 18 ، 24 ،22 ،19 .

أبان بن عثمان - 178.

أبتامار - 205.

النبي إبراهيم(علیه السّلام) - 110 .

إبراهيم بن العباس - 73 ، 74 191 .

إبراهيم الكفعمي - 184 ، 191.

إبليس - 99 .

أبي بن كعب - 147 .

أثير بن عمرو - 210 ، 211.

أحمد بن محمد بن عیسی - 122 .

الأحنف بن قيس - 246 .

إخوان الصف - 149 ، 241 .

أرميا - 206 .

الأزد - 198.

اسرائيل - 75 .

اسماعيل باشا - 17 .

اسماعیل محمد باقر الأصفهاني - 16 .

أشجع السلمي - 72 .

الأصبغ بن نباتة - 210 .

الأعمش - 185.

أليعازر - 205 .

ص: 266

أويس القرني - 139.

إيتبني كونوس - 206 .

ابن أبي جمهور الأحسائي - 41 ، 120 .

ابن أبي الدنيا - 119 .

ابن الأثير - 184 ، 190.

ابن ادريس الحلي (محمد) - 41 ، 145.

ابن بشير (النعمان) - 183 ، 184 .

ابن بكير - 145 .

ابن حجر العسقلاني - 141 .

إبن شهر آشوب - 54 ، 70 ، 177 ، 230 ،228 ،227 ،188 ،178 .

ابن عباس عبد الله ) - 146، 207.

ابن مهدي - 147 .

إبن نما - 137 ، 138.

أبو اسحق الخراساني - 108 .

أبو الأسود الدؤلي - 52 .

أبو بصير - 121 .

أبو الحاتم بن حبّان - 146، 147 .

أبو الحسن التهامي - 235 .

أبو الحسن الشريف - 23 .

أبو الحسن المدائني - 222.

أبو حمزة الثمالي - 108، 215.

أبو حنيفة - 146 .

أبو الدرداء - 138 .

أبو ذر (الغفاري) - 41 ، 66 ، 102 ، 144.

أبو سفيان - 51 .

أبو طالب - 175 .

أبو طليون - 206 .

أبو عصمة بن نوح بن أبي مريم

المروزي - 146 .

أبو علي ابن الشيخ الطوسي - 72، 238 ، 185 ، 178 ، 119 .

أبو عمارة المنشد - 30.

أبو غالب - 234 .

أبو الفتوح الرازي - 52 ، 57، 86 ،17.

أبو الفرج الأصفهاني - 211.

أبو القاسم الكوفي - 82 ، 96، 97 .

أبو القاسم بن سهل الواسطي - 234 .

ص: 267

أبو كهمس - 81.

أبو النعمان - 42 ، 118.

أبو هارون المكفوف - 30.

أم سليم - 176 ، 178 .

أم عطية - 176 ، 178 .

أم كلثوم - 210 .

« الباء »

پارخ - 206 .

بحر العلوم (محمد مهدي) - 140 .

البخاري - 222 .

البرغاني (الملا صالح) -199،218 .

البرقي - 118 .

بنو اسرائيل - 169، 205، 207، 209 ،208 .

بنو أسد - 136 ، 198.

بنو أمية - 190 .

بنو العباس - 190.

بنو المصطلق - 90، 91 .

بنو هاشم - 180 ، 191، 212.

بنو فاطمة - 232.

«التاء»

تهتان الأربلي - 206.

«الثاء »

ثقيف - 198 .

«الجيم»

جابر بن عبد الله الأنصاري - 180 ، ،187 ،186 ، 185 ، 18 ،183 .193 ،192 ،191 .

جبرائيل - 57 ، 177 ، 237 .

جعفر بن أحمد القمي - 50، 94 .

جعفر بن عفان - 31.

جعفر بن محمد بن قولويه - 41 .

جعفر بن حمد الصادق)، أبو عبد الله - 29، 30، 31، 40،،72 ،72 ،67 ،59 ،58،

،92 ،85 ،83 82 81 80 ، 107 ،106 ،105 ،101 ،97 ،121

،118 ،111 ،110 ،109،130 ،124 ،123 ،122،130

ص: 268

153، 155 ، 145 ،142 ،216 ،215 ،172،169 245، 247 .

جمال الدين العاملي الأصفهاني - 16.

جیمس کارغرن - 231 .

« الحاء »

الحارث الهمداني - 169 .

حبيب بن عمر - 210 ، 211.

حبيب بن مظاهر الاسدي - 134 ، 212.

حذيفة (بن اليمان) - 177 .

الحر الرياحي - 134، 136، 137 .

الحر العاملي - 19 ، 21 ، 227 .

الحريري - 140 .

الحسن (بن علي بن أبي طالب)_.149، 169 ، 98 ، 61، 94 ، 96 .

الحسن بن سليمان الحلي - 99.

الحسن بن شعبة - 42 .

حسن بن علي بن فضال - 30 .

الحسن بن علي الطبرسي - 188.

الحسن الصيقل - 110 .

الحسن النوري - 14 .

الحسن العسكري - 53 ، 98 .

الحسن بن محبوب - 92 .

الحسين بن عبيد الله الغضائري _234 .

الحسين بن روح (ابو القاسم) - 123 .

الحسين بن علي (سيد الشهداء، أبو عبد الله)- 6 ، 7 ، 8، 10، 11، ،3 ،33 ،31 ،30 ،29 ،21،

،61 ،57 ،17 ،44، 45 ،39 ،75 ،71 ،27 ،62، 6 ، 65 ، 136 ، 135 ، 136 ، 128 ،10 ،182 ، 180 ، 160 ، 139 ،138 ، 190 ، 187 ، 186 ، 185 ، 184

،211 ،202 ،197 ،196 ،191 ،220 ،217 ،215 ،213 212 ،231 ، 230 ، 229 ، 228 222 ،251 ،239 ،237 ،232، 236 ،252.

حسين الكاشفي - 32، 189 .

الميرزا حسين النوري - 8، 13 ، 24، 26 ،19 ، 15 ، 19 14 .

ص: 269

الحلي (العلامة ) - 141، 149،184 .

حمزة - 239 .

حواء - 175 .

« الخاء »

خلف آل عصفور - 187 .

الخوارزمي - 236.

« الدال »

الدربندي- 211 ،201 .

دعبل بن علي الخزاعي - 73 ، 74 .

الديلمي - 85، 99 .

« الراء »

الربيع بن سعد - 81.

رستم - 231.

السيد الرضي - 169 .

« الزاي »

زبيدة - 229 .

زيد بن موسى - 61 .

زيد الشحام - 106 .

زينب (الحوراء بنت على) - 128 ، 214 ،213،212 .

«السين»

سعدي - 193.

النبي سليمان(علیه السّلام)- 158 .

سلمان الفارسي (أبو عبد الله)- 155 .

سليم بن قيس - 41 ، 120 .

« الشين »

شاذان بن جبرائيل - 174 .

شداد - 229

شاکر - 198.

شاكر بن ربيعة - 198 .

الشمر (بن ذي الجوشن) - 231 .

شمايا - 206 .

شمعون بن هلل - 206

شمعون بن شط - 206 .

شمعون (الصادف) - 206 .

شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل

الله العمري - 190.

ص: 270

شهاب الدين القصاعي - 96 .

شهربانویه - 229

الشهيد الأول - 98 ، 136 .

الشهيد الثاني - 54، 146، 147،249 ، 152 .

» الصاد »

صالح بن عقبة - 31.

الصدوق (محمد بن بابويه) - 29 ، 48،106 601 671 ،103 ،101 ،123 ،121 ، 119 ، 107 ،106 ،245 ،207 ، 176 ،169 ،153 246، 247 ،21 ،212 ،186 ، 138 ،136 236، 237.

صفوان بن يحيى - 153، 154 .

« الطاء »

الطالبيون - 211 .

الطبرسي - 66 ، 83، 123، 149، 123 176، 177.

طلحة بن عبد الله - 154 .

الطريحي - 75، 228.

الطوسي (الشيخ) - 48 ، 49 ، 83 ،186 ، 121 ،109.

« العين »

عائشة - 152 .

عابس بن شبیب - 198

عاصم بن حميد - 210

العباس بن علي بن أبي طالب (أبو الفضل، قمر العشيرة )-134،136،138،186،212،214،236،237.

عباس القمي - 17 ، 22.

عبد الأعلى بن أعين - 169 .

عبد الحسين شرف الدين - 16 .

عبد الحسين الطهراني - 14، 15 ، 200 ، 16 .

عبد الرحمن بن الحجاج - 142، 143.

عبد الرحمن بن سيابه - 82.

عبد الرحمن بن ملجم -176 ، 178 ، 175 .

عبد الرحمن السلمي - 71 .

عبد الرحيم البروجردي - 14، 16 .

عبد العظيم الحسني - 228 .

ص: 271

عبد الله أفندي - 21 .

عبد الله بن أبي زيد الأنباري - 234 .

عبد الله بن أبي يعفور - 81.

عبد الله بن الحسن - 214 ، 237 .

عبد الله بن حماد البصري - 29 .

عبد الله بن حوراء - 92 .

عبد الله بن سنان الكوفي - 211.

عبد الله بن زیاد ،183 ،182 .229 ، 196 ، 190 ، 189.

عزرا - 206 .

عطية، عطا، الكوفي - 185 ، 186 ، 229 ، 196 ، 190 196 .

عكرمة - 146 .

علي بن الحسين الأصغر - 136 .

علي بن الحسين الأكبر ،128،236 ، 186 138 ، 136

علي بن أبي طالب (أمير المؤمنين، سيد الوصيين) - ،24، 41، 48 ،54، 56، 60 ،52 ،51 ،19 ،86 ،85 ،8 ،83 ،81 ،64 ،100 ،98 ،96 ،94 ،93 ،92 ، 108 ، 107 ، 103 ، 102 ،101

، 157 ، 154 ، 137 ، 120 ،119 ،166 ، 168 ، 163 ، 159 ، 158 ،177 ، 176 ، 174 ، 171 ،169 ،218 ،210 ، 197 ، 180 ، 178 246، 247، 249، 236 ،176 .

علي بن إبراهيم القمي 178 .

علي بن أسباط - 155 .

علي بن جعفر - 106 .

علي بن الحسين زين العابدين السجاد - 9 ، 21 ، 12، 72، 8، ، 186 ، 183 ، 178 ، 160 ،102، 186 215 ،213 ،193 ،191.

علي بن الحسين المسعودي - 230 .

علي الخليلي - 16 .

علي بن طاووس (رضي الدين، السيد سيد السالكين) - 9، 31 ، 186 ،180 ،169 ،160 ،53

227 ،189 .

علي بن موسى الرضاء(علیه السّلام)- 15 ، ، 124 ،91 ،73 ،61 ،29 178 ،13 ،138 .

عماد الدين الطبري - 119 ، 185 .

ص: 272

عمر - (ابن الخطاب) - 154 .

عمر بن سعد - 136 ، 196 ، 211، 231.

عمر رضا كحالة - 17 .

عمرو بن العاص - 52 ، 120 .

عمرو بن عثمان - 149 .

عمرو بن المقدام - 80.

عمرو بن ود العامري - 157، 176 ، 178 ،177 .

عنزة - 249 ، 250 .

العياشي -(محمد بن مسعود بن عياش)- 59 ، 106، 118، 122 ، 246 .

النبي عيسى بن مريم (المسيح) -206 ، 101.

« الغين »

الغزالي الشافعي - 60 .

غياث الدين فضل الله بن السيد الرحمن - 188 .

« الفاء »

فاطمة بنت أسد - 180 .

فاطمة بنت محمد (الزهراء، الصديقة البتول) - 70، 86، 107 .

الفاطميون - 190.

فتح علي السلطان آبادي - 15 .

الفرزدق (أبو فراس) - 72، 73 .

فضل - 197 .

فضل الله النوري - 15 .

« القاف »

القائم المنتظر الحجة، محمد بن الحسن صاحب الزمان) -20،27،21.

القاجار - 138 .

القاسم بن عوف - 42 .

القاسم بن الحسن - 134، 137 ، 229 ،228 ،138 .

عبد القاسم الثاني - 229 .

الميرزا قاسم النوري - 14 .

القزويني - 199 .

ص: 273

القطب الراوندي - 72 ، 85، 92 ، ،10 ،99 ،98 ،97 ، 107 ،104،227 ،177

القطب الشيرازي - 241 .

قنبر - 236 .

«الكاف»

الكاشي - 157 .

الكشي - 42 ، 73، 123، 124 .

كعب بن سورة - 154 .

الكلبي - 222.

الكليني _40،41،،42،43،48،80،81،105،118،142،169،230،234.

مليل - 206 .

الكميت - 73 .

کمیل بن زیاد - 51 .

« اللام »

لوط بن يحيى (أبو مخنف) - 187 ، 193 ،188 .

ليلى - 128 .

« الميم »

مالك بن نسر - 214 .

المؤمل بن اسماعيل - 147 .

المأمون - 61 ، 74 .

المجدد الشيرازي (محمد حسن) - 15، 16 .

محسن الأمين - 17 .

-

المحقق الثاني (الكركي) - 149 .

محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)(رسول الله، النبي) -،53،51 ،50 ،49 ،42 ،39، ،65، 68 ، 63 ،58 ،57 ،11 ، ، 75 ، 74 ،73 72 71 70 ،91 ،90 ،86 ،85 ،82 ،81 ،98 ،97 ،96 ، 95 ،94 ،92، ،10 ، 103 ،102 ، 100 ،99 ،43 ،2 ،1 ، ،118 ،105 ،81236 ،230 ،142، 169 ،118 6110 ، 110 ،107 ،122 ،121 ،120 ،119 ،132،128 ،124،123 ،144،131 131، ،137،319 ،153 ،162 ،160 ،146، 148 ،178 ،177 ،176 ، 175 ،191 ،186 ، 185 ، 180

ص: 274

،216 ،214، ،239 ،193 ،207 ،238 ،222 ،217 244، 246، 247 ، 249 .

محمد باقر المجلسي-،22 ،21 ،239 ،228 ،218 ،217 ،169 242، 246.

محمد بن إبراهيم بن اسحق الطالقاني -123.

محمد بن أبي طالب - 230 .

محمد بن اسحق - 146 .

محمد بن جرير الطبري - 184 ، 191 .

محمد بن الحسن الطوسي (الشيخ الطوسي) - راجع الطوسي .

محمد الحنفية - 176 .

محمد بن علي الباقر أبو جعفر) -،81 ،80 ،73 ،48، 54 ،42 ،169 ، 118 ،110 ،91 ،89

176، 246 .

محمد بن علي (الجواد، التقي) -247.

محمد بن مسلم - 153 .

محمد تقي النوري - 14 .

محمد حسین آل كاشف الغطاء -16 ، 18 .

محمد صالح الخاتون آبادي - 242 .

محمد صالح المازندراني - 43، 95.

محمد علي - 202 .

محمد الطهراني - 23.

محمد علي المحلاتي - 14، 16 .

محمد مرتضى الجونپوري - 86 .

محمد مهدي المازندراني - 24 .

محي الدين بن عبد الظاهر . - 190.

المختار الثقفي - 137 ، 138 .

المدرس التبريزي - 17 .

مرتضى الأنصاري (الشيخ الأعظم) - ،238 ،115، 562 ،16 ،15 .

مرتضى العاملي - 16 .

السيد المرتضى - 73 ، 158 .

محمد بن المثنى العنزي - 249 .

مريم (بنت عمران) - 175 .

مسلم بن عقیل- 137 ، 137 ،139 ،138 .

ص: 275

معاوية بن أبي سفيان - 52 ، 139 ،149.

المفضل بن عمر - 42 .

الشيخ المفيد - (محمد بن النعمان) - 136 ، 92 ،73 ،51 ،12، ،184 ، 183 ، 175 ، 172 ،138 228 ،222 ، 214 ، 212 ،191 .

المقداد (بن الاسود الكندي) - 137 .

المنصور (العباسي) - 70، 71.

موسى بن جعفر (الكاظم) - 61 ،122 ،106 ،72 ،71 ،70 124.

موسى بن يوسير - 206 .

النبي موسى (بن عمران) -75،207 ،206 ،200 ،96 .

ميسرة بن عبد ربه - 147 .

« النون »

النجاشي - 234 .

النراقي (الملا محمد مهدي) - 156 ،196 .

نصر بن مزاحم - 197.

نعمة الله الجزائري - 125 ، 208.

النمرود - 229

النبي نوح(علیه السّلام) - 61 .

نور الدين محمود بن زنكي - 190.

، 106،

« الهاء »

الميرزا هادي النوري - 14 .

النبي هارون(علیه السّلام) - 205

هاشم بن عتبة بن أبي وقاص (المرقال) - 196 ، 197 .

الهاشميون - 210 ، 237.

هاني بن عروة - 134 ، 139 ، 140.

هشام بن الحكم - 98 ، 215.

هشام بن عبد الملك - 72.

هلل - 206 .

همدان - 198.

« الواو »

الوليد بن عقبة بن أبي معيط - 90 ، .106 ،91

ص: 276

« الياء »

يحيى اليهودي الحراني - 188 .

يزيد (بن معاوية) - 182 ، 183 ، 192 ، 191 ، 190 .

يعقوب بن شعیب - 59 .

اليهود - 207 .

يهود بن يحيى - 206 .

يهودا بن حق دوش - 206 ، 207.

يوني بن يختان - 206 .

النبي يوسف - 110 .

النبي يوشع - 206.

يوشع بن برخيا - 206

ص: 277

4 - فهرست الكتب

« الألف »

اثبات الوصية - 230 .

الاجازات - 181 .

الاحتجاج - 123، 149 .

اخبار حفظ القرآن - 23 .

الاختصاص ،94 ،92 ،73،176 ، 175 .

الأخلاق - لأبي القاسم الكوفي - 97 ،96 ،82 .

الاربعونيات - 22.

ارشاد القلوب - 85، 99.

الارشاد- 136 ،118 ،106،106 ،212 ،183 ،179 ، 174 ،138 .

222 ،214 .

أسرار الشهادة - 201 ، 211.

أعيان الشيعة - 17 .

الاقبال - 182 ، 183 ، 190.

إكمال الدين - 123 .

ألف ليلة وليلة - 242.

أمالي أبي علي الطوسي - 178 .

أمالي الصدوق - 30، 82، 83، 101.

أمالي الشيخ الطوسي - 66 ، 72، 238 ،119 ، 102 .

أمالي المرتضى - راجع الغرر والدرر للمرتضى .

أمالي المفيد - 51 .

ص: 278

أمل الآمل - 227 .

الأنوار النعمانية - 125 .

« الباء »

بحار الأنوار - 169، 190 ، 217، 239 ،230 .

البدر المشعشع - 21 .

بشارة المصطفى - 119 ، 185.

« التاء »

تاريخ الطبري - 184 ، 191 .

التحرير - 141 .

تحية الزائر - 22 .

تحف العقول - 42 ، 43 ، 98 .

التذكرة - 149 .

التعريف - 190 .

تفسير العياشي - 122 .

تفسير القمي - 176 ، 178 .

تلمود اورشلیم - 207.

تلمود بابل - 207.

التلمود - 207.

التهذيب - 48 ، 49 ، 83، 121 .

التوراة - 205، 206 .

تحفة الزائر - 22.

« الثاء »

ثواب الأعمال وعقابها - 30، 51 ، 108 ،90 .

«الجيم»

جامع الأخبار - 95، 110 .

جامع المقاصد - 149 .

الجعفريات - 49 ، 82، 90، 99، 249.

جنة المأوى - 20 .

جواهر الكلام - 141 .

« الحاء »

حواشي توضيح المقال - 22.

حواشي رجال أبي علي - 23 .

« الخاء »

الخرائج والجرائح - 172 ، 177.

ص: 279

الخصال - 100، 103، 207 ، 176 .

«الدال »

دار السلام - 20 ، 23 .

الدراية - 120 .

الدرة الباهرة - 98 .

درة التاج - 241 .

الدروس - 136 .

الدعوات - 92 ، 99 ، 104 .

« الراء »

رجال ابي علي - 22 .

رجال الكشي - 31، 123، 124.

رسالة التسامح - 238 .

رموز حمزة - 229 ، 242 .

روادع النفوس - 242 .

روضة الأحباب - 188 .

الروضة الدمشقية - 14، 54 .

روضة الشهداء روضة الكاشفي -228 ، 197 ،189 ،32 .

الرياض - 14 .

ريحانة الأدب - 17 .

« الزاي »

الزواجر - 141 .

« السين »

السرائر - 41 ، 145 .

سفينة البحار - 17 .

سلامة المرصاد - 22.

« الشين »

الشاهنامة - 241.

شرح الارشاد - 141 .

شرح طلب الثار في احوال المختار - 137

شرح عقائد الصدوق - 153 .

« الصاد »

الصحيفة الثالثة السجادية - 21 .

الصحيفة الثانية السجادية - 21 .

الصحيفة السجادية الرابعة - 21 .

ص: 280

الصحيفة العلوية الثانية - 21 .

الصحيفة الكاملة السجادية - 21 .

صرف المير - 234 .

صفات الشيعة - 246 .

صفين - 197 .

« الظاء »

ظلمات الهاوية - 23 .

« العين »

العروس - 155 .

عقائد الصدوق - 245 ، 247 .

علل الشرائع - 107 ، 123 .

عين الحياة - 239، 242، 246.

عيون اخبار الرضا - 29 ، 61، 74، 107 ،83.

« الغين »

الغايات - 50، 94 .

الغرر والدرر ، للآمدي - 64 ، 73 .

الغرر والدرر المعروف بأمالي المرتضى - 159 .

غصن طوبی - 23 .

غوالي اللثالي - 41 ، 120

« الفاء »

فصل الخطاب - 21 ، 23 .

فقه الإمام الرضا - 97 .

فلاح السائل - 153 .

الفهرست - 23

الفيض القدسي في احوال المجلسي - 21.

« القاف »

القرآن الكريم - 49 .

القوانين - 14 .

« الكاف »

كامل البهائى أو كامل السقيفة -191 ،188 .

كامل التواريخ - 184 ، 190.

كامل الزيارات - 29 ، 30.

الكافي - 40 ، 48 ، 80، 89، 91، 1 ،96 ، 95 ،93 ،92،101 .

ص: 281

،109 ،108 ، 107 ،106 ، 100 ،12 ،121 ،119 ،118 ،110 227 ، 171 ، 12 .

كتاب أبان بن عثمان - 178 .

كشف الأستار - 20.

کشف الريبة - 152 .

كشف المحجة - 169 .

الكلمة الطيبة - 22 .

كليلة ودمنة - 149 ، 241 .

كمرا أورشليم - 206 .

كمرا بابل - 206 .

کمر - 207.

« اللام »

لب اللباب - 85 ، 97، 98، 107.

اللؤلؤ والمرجان - 5، 9 ، 20 ، 27.

اللوامع - 196.

اللهوف في قتلى الطفوف - 9، 31 ،

، 187 ، 183 ،182 ،181 ،180

193 ، 192 ،190.

« الميم »

المجتنى - 181 .

مجمع البحرين - 75.

مجمع البيان - 176 ، 177 .

مجموعة ورام - 92 ، 103 .

المحاسن - 91، 118 .

محرق القلوب - 196، 197.

مدينة العلم - 153 .

المسائل الطرابلسية - 158 .

مسار الشيعة - 91 ، 184 .

مستدرك مزار البحار - 23 .

مستدرك الوسائل - 19 ، 27 .

المستند - 141، 156، 157، 141، 160.

مسنا - 206، 207، 209، 212، 229.

مسند الشهاب - 96 .

مشكاة الأنوار - 83، 109 .

مشكلات العلوم - 196 .

مصباح الزائر - 181 ، 182 ، 186 .

ص: 282

مصباح الشريعة - 85 ، 97 ، 130 .

مصباح الكفعمي أو الجنة الواقية -191 ،184.

مصباح المتهجد - 184 .

معالم العبر - 20 .

معاني الأخبار - 124، 169.

معجم المؤلفين - 17 .

المغازي - 146 .

مفاتيح الجنان - 17 .

مفتاح الجنان - 135 .

مقاتل الطالبيين - 211 .

المقامع - 202.

مقالات الحيوانات - 241 .

مقتل أبي مخنف - 187 ، 193 .

مكارم الأخلاق - 66 .

المكاسب - 152، 220.

المناقب - 70 ، 177 ، 178 ، 188.

مناقب الخوارزمي - 236 .

منبع البكاء - 218 .

منتخب البصائر - 99.

المنتخب - 228 .

المنتهى - 141 .

من يحضره الفقيه - 48 ، 119 ،227.

منهاج الصلاح - 184 .

مواقع النجوم - 22.

المولودية - 21 .

ميزان السماء - 22 .

« النون »

نجاة العباد - 141 ، 156.

النجم الثاقب - 20.

نفس الرحمن - 21 .

نقباء البشر - 18 .

نمائم الحمائم - 190.

النهاية - 227 .

نهج البلاغة ،98 ،851، 169 ،109 .

نوادر أحمد بن محمد بن عيسى -122 .

نوادر علي بن اسباط - 155 .

ص: 283

« الهاء »

الهدايا - 227 .

هدية العارفين - 17 .

« الواو »

وسائل الشيعة - 19 .

وسائل الكليني - 169 .

ص: 284

-5 - فهرست الأماكن والبلدان

« الألف »

آمد - 188.

أحد - 175 ، 176 ، 177 ، 179.

أورشليم - 206.

إيران - 14 ، 15 ، 26 .

« الباء »

البحرين - 209 .

بخاری - 232.

بدر - 153 .

البصرة - 147، 154 .

بعلبك - 188 .

بغداد - 215.

البقيع - 137 .

بومباي - 21 .

بیت المقدس - 206 .

« التاء »

تبوك - 99 .

تکریت - 187 .

«الجيم »

جبل عامل - 200 .

جرف - 137

الجزيرة - 189 .

« الحاء »

الحجاز - 192 ، 211 .

ص: 285

حران - 188 .

حلب - 187 ، 188 ، 189.

الحلة - 200.

حماه - 189.

« الخاء »

خراسان - 221 .

الخندق - 178 .

« الدال »

دمشق - 184 .

ديار بكر - 189 .

« الراء »

الري - 228 ، 229 .

«السين »

سامراء - 15 ، 21.

سمرقند - 232 .

« الشين »

الشام - 119 ، 182 ، 183 ، 184 ، .192 ، 190 ، 189 ، 188 ، 187.

شهروان - 137 .

شيزز - 188 ، 189 .

« الصاد »

صفين - 179 ، 197، 236، 237.

الصين - 231 .

« الطاء »

طبرستان - 14 .

طهران - 14 ، 138 .

طور سيناء - 205 ، 207 .

« العين »

عبادان - 147 .

العراق - 14 ، 15، 180 ، 184 ، 211 ،192،211 .

«الغين »

الغاضرية - 136 ، 186 .

القاف

القطيف - 209 .

قنسرين - 188 .

ص: 286

«الكاف»

الكاظمين - 14 .

كربلاء -140 ،29 ، 14، 4 ، 186 ، 185 ،186 ،183 ،180 ،200 ،192 ،191 ،189 ،187،237 .

کر منشاه - 202 .

الكوفة - 29 ، 186 ، 187 ، 189 ، 236 ،229 ،211 ،201 ،190 .

« الميم »

المدائن - 147 .

المدينة - 211 ، 237 .

مشهد - 221.

المعرة - 189 .

مكة - 90 .

الموصل - 187 ، 188 .

ميافارقين - 188 .

« النون »

النجف الأشرف - 14، 15، 24 .

نصيبين - 187 ، 188 .

النهروان - 176 ، 236 .

نور - 14 .

نيسابور - 221 .

« الهاء »

الهند - 149 ، 231 .

« الواو »

واسط - 147، 234 .

« الياء »

يالو - 14 .

یزد - 221 .

يليل - 157 .

ص: 287

6 - فهرست مصادر التحقيق

1 - 2 نتبرك ابتداء بالقرآن الكريم ونهج البلاغة

3- اثبات الوصية لأمير المؤمنين/علي بن الحسين بن علي المسعودي/ بيروت

4 - الاحتجاج / أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي/ قم

5- الاختصاص/ الشيخ المفيد / بيروت

6 - الأخلاق/أبو القاسم الكوفي/

7- ارشاد القلوب / الحسن بن محمد الديلمي/ بيروت

8- الارشاد/الشيخ المفيد/قم

9 - الاستبصار / الشيخ الطوسي / 4 مجلدات طهران

10 - أسرار الشهادة الفاضل الدربندي / قبعة حجرية قياس عادي

11 - الأعمال المانعة من الجنة / جعفر القمي نزيل الري/ مطبوع مع جامع الأحاديث

12 - أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين/بيروت قياس كبير

13 - اقبال الأعمال / السيد علي بن طاووس/طبعة حجرية قياس كبير

ص: 288

14 - أمالي ابي علي الطوسي / أبو علي ابن الشيخ الطوسي/ بيروت مع امالي ابيه

15 - أمالي الصدوق/ الشيخ الصدوق/ بيروت - الأعلمي

16 - أمالي الشيخ الطوسي / الشيخ الطوسي/ بيروت

17 - أمالي المفيد/الشيخ المفيد/بيروت

18 - الأنوار النعمانية / السيد نعمة الله الجزائري / 4 مجلدات . تبريز

19 - بشارة المصطفى/محمد بن أبي القاسم الطبري / النجف

20 - بحار الأنوار / محمد باقر المجلسي/ بيروت - الوفاء

21 - تاريخ الأمم والملوك / محمد بن جرير الطبري / حجم كبير . بيروت

22 - تحف العقول/الحسن بن شعبة الحراني/ بيروت

23 - التذكرة/العلامة الحلي/طبعة حجرية قياس كبير

24 - تصحيح الاعتقاد/الشيخ المفيد/مطبوع مع أوائل المقالات قم

25 - تفسير أبي الفتوح الرازي/الشيخ أبو الفتوح الرازي/طهران

26 - تفسير الإمام العسكري / ينسب للإمام الحسن العسكري / قم

27 - تفسير العياشي / محمد بن مسعود بن عياش السلمي/طهران

28 - تفسير القمي/علي بن إبراهيم القمي/بيروت

29 - تفسير الكشاف/جار الله الزمخشري/ قم

30 - تنقيح المقال / الشيخ عبد الله المامقاني / طهران

31 - التهذيب تهذيب الاحكام الشيخ الطوسي / طهران

32 - ثواب الأعمال وعقابها/ الشيخ الصدوق/قم

33 - جامع الأحاديث/جعفر القمي نزيل الري/ مشهد

34 - جامع الأخبار / محمد بن محمد السبزواري/ بيروت

ص: 289

35 - جامع المقاصد.المحقق الكركي / طبعة حجرية حجم كبير

36 - الجعفريات (الاشعثيات)/محمد بن محمد الاشعث الكوفي/مطبوع مع قرب الاسناد حجري

37 - جمال الاسبوع / السيد علي بن طاووس/ قم

38 - حاشية المازندراني على الكافي/محمد صالح المازندراني/طبعة حجرية قياس كبير

39 - الخرايج والجرايح/القطب الراوندي/ قم . ط . حجرية

40 - دار السلام / المحدث حسين النوري/ 4 مجلدات بيروت

41 - الدرة الباهرة/ الشهيد الأول/بيروت

42 - الدر النضيد/ السيد محسن الأمين/بيروت

43 - الدروس / الشهيد الأول/ط . حجرية

44 - دعائم الاسلام/ النعمان المغربي (أبو حنيفة الشيعة)/مصر

45 - الدعوات/القطب الراوندي/

46 - ديوان حافظ الشيرازي / الشاعر الإيراني حافظ الشيرازي/طهران

47 - رجال بحر العلوم/محمد مهدي بحر العلوم/النجف الأشرف

48 - رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال)/ الشيخ الطوسي/ قم

49 - رسالة التسامح / الشيخ مرتضى الأنصاري / مطبوعة مع مجموعة رسائل، قم .

50 - الرعاية في علم الدراية/الشهيد الثاني/قم

51 - ريحانة الأدب/المدرس التبريزي/إيران

52 - الزهد/حسين بن سعيد الاهوازي/قم

ص: 290

53 - الزواجر / ابن حجر العسقلاني/

54 - الشرائع / المحقق الحلي/ بيروت

55 - شرح طلب التار في أحوال المختار/ابن نما/

56 - شرح اللمعة الدمشقية (الروضة البهية)/الشهيد الثاني/قم

57 - صحيح البخاري/محمد بن اسماعيل البخاري/مصر

58 - صفات الشيعة/الشيخ الصدوق/قم

59 - صفين/نصر بن مزاحم المنقري /

60 - صوت الخطيب الاسلامي/ سلمان الحاوي/ قم

61 - العروس / جعفر القمي نزيل الري / مطبوع مع جامع الأحاديث

62 - علل الشرائع / الشيخ الصدوق/ بيروت

63 - عيون أخبار الرضا(علیه السّلام) / الشيخ الصدوق/ طهران

64 - الغايات/ جعفر القمي نزيل الري/ مطبوع مع جامع الأحاديث

65 - الغرر والدرر / عبد الواحد الآمدي/ بيروت

66 - الغرر والدرر (أمالي المرتضى)/السيد علي بن الحسين المرتضى/قم

67 - غوالي اللئالي/ابن أبي جمهور الاحسائي/قم

68 - فضائل الإمام علي(علیه السّلام) / شاذان بن جبرائيل القمي/ بيروت

69 - فقه الإمام الرضا(علیه السّلام) / منسوب للإمام الرضا/بيروت

70 - فلاح السائل/السيد علي بن طاووس/ قم

71 - قرب الاسناد/عبد الله بن جعفر الحميري/طهران

72 - کتاب سليم بن قيس/سليم بن قيس الهلالي الكوفي/بيروت

71 - الكافي / محمد بن يعقوب الكليني الرازي/ بيروت

ص: 291

74 - كامل الزيارات/ابن قولويه/النجف

75 - الكامل في التواريخ / ابن الأثير/ قياس عادي بيروت

76 - كشف الاستار عن وجه الغائب عن الأبصار/ المحدث النوري/ بيروت

77 - کشف الريبة عن أحكام الغيبة/الشهيد الثاني/مطبوع مع رسائل الشهيد

الثاني قم

78 - كشف الغمة في معرفة الأئمة/علي بن عيسى الأربلي/ تبريز

79 - كشف المحجة لثمرة المهجة/السيد علي بن طاووس/ بيروت

80 - لب اللباب (مختصر شرح عبد الوهاب)/القطب الراوندي/

81 - اللهوف في قتلى الطفوف/السيد علي بن طاووس/ النجف

82 - مجمع البحرين/فخر الدين الطريحي/طهران

83 - مجمع البيان/الفضل بن الحسن الطبرسي/ قم

84 - مجموعة ورام (تنبيه الخواطر )/ورام بن ابي فراس/قم

85 - المحاسن/أحمد بن محمد بن خالد البرقي/ بيروت بيروت

86 - مسار الشيعة/الشيخ المفيد/قم

87 - مستدرك الوسائل/المحدث النوري/ط . حجرية طهران

88 - مستطرفات السرائر / ابن ادريس الحلي/ قم

89 - مشكاة الأنوار/علي الطبرسي (سبط الطبرسي)/النجف

90 - مصباح الزائر / السيد علي بن طاووس

91 - مصباح الشريعة/منسوب للإمام الصادق

92 - مصباح الكفعمي (جنة الأمان/إبراهيم الكفعمي/ بيروت

ص: 292

93 - مصباح المتهجد/الشيخ الطوسي/ قم

94 - معالي السبطين / محمد مهدي الحائري/ بيروت

95 - معاني الأخبار / الشيخ الصدوق/ قم

96 - معجم المؤلفين عمر رضا كحالة/ بيروت /

97 - المعجم المفهرس لالفاظ القرآن الكريم/محمد فؤاد عبد الباقي/ بيروت

98 - مفاتيح الجنان/الشيخ عباس القمي/ط . حجرية قم

99 - مقاتل الطالبيين/أبو الفرج الاصفهاني/ النجف

100 - مكارم الأخلاق / الطبرسي/ قم

101 - مناقب آل أبي طالب/ابن شهر اشوب/ بيروت

102 - المناقب/الخوارزمي/قم

103 - المنتخب/ الطريحي/بيروت

104 - المنح الالهية/جعفر القطيفي البحراني/النجف الأشرف

105 - من لا يحضره الفقيه/الشيخ الصدوق/طهران

106 - منهاج الصلاح/ العلامة الحلي

107 - نقباء البشر / آغا بزرك الطهراني/ إيران

108 - هداية العارفين/اسماعيل باشا البغدادي/بيروت

109 - الوسيلة/ابن حمزة/قم

110 - وسيلة الدارين في انصار الحسين/ابراهيم الزنجاني/ بيروت

111 - بالاضافة إلى معاجم اللغة العربية والاعلام ومعاجم الفاظ نهج البلاغة والكافي

ص: 293

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.