النجف تاريخ وتطوّر المدينة المقدسة

هوية الکتاب

النجف تاريخ وتطوّر المدينة المقدسة

mosmenquicist blogspot.com

اسم الكتاب: النجف تاريخ وتطوّر المدينة المقدسة

المحررون .د. صابرينا ميرفان و د روبرت گلیف ود خیرالدین شاتلار

الطبعة الأولى : الوراق للنشر 2016

تصميم الخلاف دار الورّاق

* الناشر: شركة الوراق للنشر المحدود ومنظمة اليونسكوتم نشر هذا الكتاب بدعم من وزارة الثقافة في جمهورية العراق صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)

مكتبة

مؤمن قريش

طال الخارق

ص: 1

اشارة

*

اسم الكتاب: النجف تاريخ وتطوّر المدينة المقدسة

المحررون .د. صابرينا ميرفان و د روبرت گلیف ود خیرالدین شاتلار

الطبعة الأولى : الوراق للنشر 2016

تصميم الخلاف دار الورّاق

* الناشر: شركة الوراق للنشر المحدود ومنظمة اليونسكوتم نشر هذا الكتاب بدعم من وزارة الثقافة في جمهورية العراق صدر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)

مكتبة

مؤمن قريش

طال الخارق

7, place de Fontenoy, 75352 Paris 07 SP, France

والوراق للنشر

26 Eastfields Road, London W3 0AD, United Kingdom.

اليونسكو 2016

الترقيم الدولي الموحد للكتب :

ISBN 978-9933-521-615

[cid: A72CD7FD-9280-4880-923A-2817EDBF4ECF]

هذا المنشور متاح للاستعمال المجاني وبموجب ترخيص الوارد في رابط الإجراء القانوني، ليس متاحاً استعمال هذا المنشور للغرض التجاري

- (3.0IGO (CC-BY-SA 3.0 IGO رابط الإجراء القانوني

http://creativecommons.org/licenses/by-sa/3.0/igo/

يقبل المستفيدون عند استخدام محتوى هذا المنشور بالالتزام بشروط الاستخدام الواردة في صفحة الانتفاع الحر لليونسكو http://en.unesco.org/open-access/terms-use-ccbysa-ar

تغطي الرخصة الحالية حصرياً المحتوى النصي للمنشور. من أجل استخدام أي محتويات أخرى (صور، رسومات، رسوم بيانية ( غير منصوص بشكل واضح على خضوعها لملكية اليونسكو أو في حال توفرها للاستخدام العام، يجب طلب إذن مسبق من اليونسكو على العنوان الالكتروني:

publication.copyright@unesco.org أو على العنوان التالي: منشورات اليونسكو :

7, place de Fontenoy, 75352 Paris 07 SP, France

إن التسميات المستخدمة في هذا المطبوع وطريقة عرض المواد فيه لا تعبر عن أي رأي لليونسكو بشأن الوضع القانوني لأي بلد أو إقليم أو مدينة أو منطقة، ولا بشأن سلطات هذه الأماكن أو رسم حدودها أو تخومها. إن الآراء والأفكار المذكورة في هذا المطبوع هي خاصة بالمؤلف وهي لا تعبر بالضرورة عن وجهات نظر اليونسكو ولا تُلزم المنظمة بشيء منها .

ص: 2

النجف

تاريخ وتطوّر المدينة المقدسة

المحررون

د. صابرينا میرفان ود.روبرت گلیف ود.جیرالدین شاتلار

منشورات اليونسكو

UNESCO

منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة

وزارة الثقافة جمهورية العراق

ص: 3

warrak123@gmail.com www.Facebook.com/warrakbooks

ISBN: 978-9933-521-615

التوزيع

شركة دار الوراق ش.م.م

بيروت- خلدة طلعة مبرة الإمام الخوئي بناية:موسى صالح

هاتف: 009611341927

:فاکس : 009611750053

Alwarrak Publishing Ltd.

Suite 500, 56 Gloucester Road

London SW7 4UB

Tel: 00442087232775

Fax: 00442087232775

warraklondon@hotmail.com

الفرات للنشر والتوزيع

بيروت الحمرا بناية رسامني طابق سفلي أول

ص.ب : 6435 - 113 بيروت لبنان

هاتف : 009611750054

فاکس : 009611750053

e-mail: info@alfurat.com

ص: 4

المحتويات

شكر وتقدير ... 9

المقدمة ... 44

مقدمة النجف التأريخ والتطورات المعاصرة للمدينة المقدسة ... 46

د. روبرت گلیف ود. صابرینا میرفان

الجزء الأول: المدينة المقدسة ... 27

تأسيس المدن الثلاث الحيرة والكوفة والنجف ... 29

د. الستر نور ثدج

التطوّر العمراني للمرقد الشريف ... 46

تراث جميل اللهوف

تأريخ الدفن في أرض النجف وظهور مقبرة وادي السلام ... 87

.د. محسن عبد الصاحب المظفر

المدينة السامية الزيارة والكريزما المدينية والجغرافية المقدسة للنجف ... 130

د. باولو بينتو

الجزء الثاني: المعرفة والثقافة والسلطة الدينية ... 155

النجف حجة تعليمية وبحثية بارزة ... 157

د. روبرت گلیف

ألفيّة في النجف حوزة الشيخ الطوسي ... 176

سجاد جياد

كيف نكتب تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية في النجف؟ المرجعية كجهاز ... 202

د صابرینا میرفان

ص: 5

النجف الأشرف مركز علمي وفكري على الصعيدين المحلي والعالمي ... 225

د حسن عيسى الحكيم

المجموعات الخطية في خزانات مكتبات النجف الأشرف بين الماضي والحاضر (حفظها

- فهرستها - صيانتها ) ... 261

حسين جهاد الحساني

الكتابة التاريخية عن النجف: قراءة في التأليف الموسوعي ... 293

د. حسن ناظم

الجزء الثالث التطورات المعاصرة ... 323

الشيوعية في مدينة النجف قصة صعود وسقوط حركة علمانية بين عامي 1918 و 1963م ... 325

د. فؤاد جابر كاظم الزرفي

النجف طِرْسُ العلامات ... 363

د حسن ناظم

السيرة الذاتية للمؤلفين والمحررين ... 400

المصادر والمراجع ... 405

6

ص: 6

فهرس المخططات والصور

تأسيس المدن الثلاث الحيرة والكوفة والنجف ... 29

صورة رقم 1:صور تظهر المدن الثلاث الحيرة الكوفة النجف ... 31

رسم رقم 2: الحيرة موقع أثري منقب فيه يعرف بالتل الأول ... 34

رسم رقم 3:الحيرة كنيسة في التل الخامس. ... 35

رسم رقم 4:الحيرة كنيسة في التل الحادي عشر ... 36

رسم رقم 5:الكوفة: خريطة لمجمع المسجد والقصر ... 42

التطوّر العمراني للمرقد الشريف ... 46

صورة رقم 1:النجف صورة جوية تظهر المقام الشريف في وسط المدينة... 47

صورة رقم 2: النجف: صورة جوية تظهر المقام في وسط المدينة... 48

صورة رقم 3:الموقع المركزي للحرم الشريف في وسط مدينة النجف ... 50

صورة رقم 4:النجف صورة المخطط للمقام الشريف يظهر الوظائف الثانوية الملتصقة بالجدار الخارجی ... 51

رسم رقم 1:المرحلة الأولى لتطوير المقام عام 788م ... 71

رسم رقم 2:المرحلة الثانية لتطوير المقام عام 886م ... 72

رسم رقم 3:المرحلة الثالثة لتطوير المقام عام 896 - 923 - 950م ... 73

رسم رقم 4:المرحلة الرابعة لتطوير المقام من عام 980 - 1633م ... 74

رسم رقم 5:المرحلة الرابعة لتطوير المقام عام 1623م ... 76

رسم رقم 6:المرحلة الخامسة لتطوير المقام من عام 1632 - 1941م ... 77

رسم رقم 7:المرحلة السادسة لتطوير المقام من عام 1948م إلى الآن ... 78

رسم رقم 8:تظهر نظام التهوية الطبيعي في المقام ... 85

تأريخ الدفن في أرض النجف وظهور مقبرة وادي السلام ... 87

شكل رقم (1):المتغيرات حول موضع النجف في عهد مملكة الحيرة ... 93

شكل رقم (2):تنقيبات مديرية آثار النجف في المقبرة المسيحية ... 94

ص: 7

صورة رقم (3):مبنى مرقد الصحابي كميل عام 1908م ومبنى مرقده اليوم 2013/12/5م ... 98صورة رقم (4):المسجد الذي بني في الحنانة ... 98

شكل رقم (5): المقابر في أرض النجف منذ العهد البابلي حتى اليوم ... 99

صورة رقم (6):مرقد أثيب اليماني عام 1951م ومرقده اليوم... 101

شکل رقم (7):امتداد الدفن من مرقد الإمام وامتداد المدينة فوقه ... 106

شكل رقم (8): النجف: صورة جوية تظهر المقام في وسط المدينة ... 108

شکل رقم (9):الطرق حول وداخل مقبرة النجف ... 115

شكل رقم (10):طرق معبدة في المقبرة (أ) طرق غير معبدة في المقبرة (ب) ... 117

شكل رقم (11):السور الجديد للمقبرة من جهة شرق النجف ... 119

شكل رقم (12): أشكال القبور في مقبرة النجف القديمة (أ) أشكال القبور في مقبرة النجف الجديدة القديمة (ب) ... 120

شكل رقم (13):جانب من المقبرة القديمة وتظهر فيها مجاميع السراديب وأبوابها ... 121

جدول (1):مساحات الأضرحة داخل المدينة والمراقد المنورة والمقبرة العامة... 122

شكل رقم (14):تجاوزات الباعة على مداخل المقبرة... 129

المدينة السامية الزيارة والكريزما المدينية والجغرافية المقدسة للنجف ... 130

صورة رقم (1):مقام الإمام علي ... 134

صورة رقم (2):مواكب زوار مرقد الإمام علي ... 135

صورة رقم (3):الزوار عند ضريحي هود ونوح ... 138

صورة رقم (4): الزوار يلتقطون صوراً مع صورة السيد محمد صادق الصدر ... 142

صورة رقم (5):مرقد محمد باقر الصدر ... 145

النجف : طِرْسُ العلامات ... 363

صورة رقم (1):مؤسسة شهيد المحراب وفيها ضريح السيد محمد باقر الحكيم ... 368

صورة رقم (2):مقام آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر وولديه مصطفى ومؤمل ... 369

صورة رقم (3):آية الله الشيخ محمد اليعقوبي ... 378

صورة رقم (4):كتابة على حائط مدرسي تحثّ على الصلاة ... 391

صورة رقم (5):روضة شهداء العراق، النجف ... 393

صورة رقم (6):شواهد لقبور أقارب المؤلف ... 394

ص: 8

شكر وتقدير

يتقدم المحررون بالشكر إلى وزارة الثقافة في العراق ومنظمة اليونسكو، مكتب ،العراق، لإعطائهم فرصة إعداد هذا الكتاب والشكر بالخصوص إلى عقيل المندلاوي، عبد الله سرهيد رشيد جبار، مهدي صالح لطيف دينا الدباغ، وجيوفاني فونتانا أنتونيلي. والشكر موصول إلى كريستينا بويرتا في قسم النشر لليونسكو، والدكتور صلاح مهدي الفرطوسي لدعمه في التعرف على المؤلفين في النجف، والدكتورة هالة فتاح المراجعتها المساهمات البحثية يبدي المحررون عرفانهم إلى أوريت ،باشكن أيمن حداد ، حسن ،ناظم، سيسيليا بييري، سيتيني شامي، نبيل التكريتي، وكيث واتنبو لمساعدتهم في التعرّف على مترجمي الكتاب.

ص: 9

ص: 10

المقدمة

مكنت الشراكة القيمة بين وزارة الثقافة في العراق ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) من تقديم هذه المجموعة من البحوث والتي تسعى لتوفير منبر لعرض النتاج الثقافي الراهن حول مدينة النجف وإسهاماتها في تأريخ منطقة الشرق الأوسط.

يعود الفضل في أهمية النجف إلى وجود ضريح الإمام علي والنشاطات الدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي نمت حول الضريح. تناول هذا الكتاب القيمة العالية للنجف من أوجه مختلفة آثارية وأنثربولوجية، وعلاماتية بالإضافة إلى مقاربات تأريخية مختلفة قدم الكتاب قراءات جديدة للأحداث المفصلية من التأريخ التقليدي والحديث للمدينة كما اقترح إطاراً مفاهيمياً لدور النجف بوصفها مركزاً للإيمان، التعليم، الاقتصاد والسلطة.

تبحر الباحثون واستخلصوا المناهج الثقافية والفلسفية المختلفة في التاريخ، وإنه لمن النادر أن يجتمع باحثون من خلفيات متباينة ومتنوعة ليتواصلوا ويعرضوا نتاجاتهم معاً. يتجلى مسعى اليونسكو في ذلك إلى جعل النتاج البحثي العراقي في متناول أولئك الذين لم يطلعوا عليه من قبل وكذلك جلب البحث والمعرفة عن النجف من خارج العراق إلى وسط الفضاءات المعرفية العراقية والعربية. يُعدّ الكتاب في هذا الصدد مكملاً لمشروع اليونسكو الثابت والمستمر التواريخ العامة والإقليمية والذي يتضمن مساهمات متميزة لمؤرخين محليين في عرض رؤاهم عن تطور المجتمعات ازدهار الثقافات والتيارات الرئيسية للتبادل والتفاعل مع أجزاء العالم الأخرى.

ولأجل اختراق عوائق اللغة والثقافة والتقريب بين تقليدين بحثيين من خلال حوار وتفاعل جاء هذا الكتاب بطبعتين متوازيتين إنكليزية وعربية وجعلت النسختان متوفرتين حاسوبياً من خلال«الانتفاع الحر». تحرص اليونسكو على تشجيع هذه السياسة لغرض الاستفادة انتقال المعرفة على نطاق واسع للوصول إلى المعلومات عالمياً، واحترام التنوع الثقافي واللغوي.

أكسل بلات

مدير مكتب يونسكو العراق

ص: 11

ص: 12

مقدمة

اشارة

النجف التأريخ والتطورات المعاصرة للمدينة المقدسة

.د. روبرت گلیف و د. صابرینا میرفان

ترجمة: د. أحمد صالح محمد

يجتمع في هذا الكتاب باحثون عالميون وعراقيون للحديث عن مدينة النجف. حديثنا هذا عن شخصيتها أو طابعها وأمزجتها وما تملكه من روح، حيث إنها أكثر من تجمع بسيط للأجزاء حيث يمتزج سكانها، أبنيتها، مؤسساتها، تنظيمها الجغرافي، وتأريخها ليشكلوا كياناً شاملاً أعظم من هذه الأجزاء. تتطلب شخصنة مدينة حذاقةً تشبيهية وخيالاً أدبياً وجدانياً جديراً بمدينة مثل النجف إن النجفيين بشكل عام، مروجون أشداء لإسهام مدينتهم في تأريخ الشرق الأوسط، وهم يشعرون بتجاهل لهذا الإسهام المصلحة المركز الأكبر للعاصمة بغداد أو الأهمية الجيوستراتيجية المفترضة للبصرة. لا تدين النجف بأهميتها إلى موقعها الجغرافي أو تجارتها، بل إلى مكانتها في احتضانها ضريح الإمام علي والصناعة الدينية التي نمت حوله. ومن هنا لا يستغرب تركيز الأضواء في هذه المجموعة البحثية على الضريح والمؤسسات المرتبطة به. يضفي اللقب التشريفي للمدينة«النجف الأشرف»سمواً على المدينة في كونها الأكثر قداسة بين مدن المقامات الشيعية.

احتل مرقد الإمام علي الإمام الأول، مكانة متقدمة في الذاكرة والشخصية الشيعية المتميزة ولقد أعطى استشهاده والأهمية التأريخية المرتبطة بتلك الواقعة في الموروث الشيعي النجف سلسلة من المزايا في سعيها إلى القداسة، وهذا لا يعني عدم وجود مدن وأماكن منافسة للنجف. لم تستطع أضرحة الأئمة في «المدينة» الواقعة

ص: 13

ضمن الهيمنة السنية أن تتجاوز كثيراً كونها مواقع للحج. كان للأضرحة الأخرى الواعدة في العراق وإيران بعض النجاحات في أوقات مختلفة، حيث تطورت كربلاء ومشهد على وجه الخصوص كمراكز للحج والتعليم. وشهدت النجف كذلك فترات مزدوجة من الحيوية والهدوء، ولكن،وبالرغم من تلك الفترات، فقد أعطى ثبات المكانة المركزية للنجف في التجربة الشيعية كل ما تصبو إليه والمكانة الحقيقية في أحيان كثيرة، في الريادة الدينية.

تسعى الدراسات المعروضة في هذه المجموعة إلى طرح موضوع مفاده أهمية النجف. وفيما استهدفنا أن توفر هذه الدراسات منبراً لعرض الباحثين الحاليين في النجف، سعينا فوق ذلك بنشاط إلى زجّ الباحثين من مثقفي النجف إلى جانب سواهم أماكن أخرى انتفع الباحثون المشاركون من تقليدين تربويين مختلفين وعكست الأفكار الرئيسية والتركيز الضابط للدراسات المعروضة أولويات هذه المواضيع التربوية المختلفة.

إن من النادر أن يلتقي باحثون من هذه المشارب المختلفة ليعرضوا نتاجاتهم معاً في جزء من مشروع واحد انصب جزء من اهتمامنا في ذلك على تقديم الباحثين العراقيين ونتاجاتهم إلى غير المطلعين عليها، وجلب الباحثين الأجانب المختصين في النجف إلى الفضاء المعرفي النجفي. لم تكن التحديات في هذا المسار أكاديمية فحسب بل كانت مؤسساتية، تنظيمية وإدارية. استلزم مشروع إقامة مجموعة دراسات بحثية نقدية حول مدينة النجف الشرح وقدراً من الانضباط. تتطلب كتابة سلسلة دراسات نقدية جهداً بالغاً من القائمين بها مقارنةً بكتاب في المديح والإطراء.

وفي حين لا يوجد إلَّا القليل من الباحثين الغربيين حول النجف، هنالك وفرة من الباحثين الشيعة لإعداد مكتبة بذاتها، وهذا يؤشر على عدم التوازن بين التقليديين والشكوى المشروعة حول عدم حصول النجف وثقافتها على القدر المناسب من الاهتمام والرعاية الثقافية الدولية. لم يسلط معظم الباحثين الغربيين عن النجف اهتمامهم على الحياة فيها والضريح بل على الحوزة ونتاجاتها البحثية بالإضافة إلى الدور السياسي والاجتماعي الذي لعبته في تأريخ المنطقة. باستثناء القليل من المقالات مثل الكليات الدينية في النجف فاضل الجمالي في 1960 و«الأمس في النجف

ص: 14

وكربلاء»جاك بيرك في 1962) فلا وجود لدراسات موسعة باللغات الغربية تضع في أولوياتها استقصاء تأريخ المدينة. ومع ذلك، ليس الغنى الأنثربولوجي ونشاطات الزائرين والطقوس الدينية سوى بدايات للمواضيع البحثية. لقد تطور الحال مؤخراً، ولكن بقيت المصادر والنتاجات الثانوية عن النجف باللغة العربية، والتي يُصدر العديد منها نجفيون حريصون على الترويج لعجائب مدينتهم. يستهدف هذا المطبوع، بطبعتيه الإنكليزية والعربية المساهمة في ملء هذا الفراغ، مع إدراكنا بأن انتقاء المؤلفين لن يفعل ذلك، بحدّ ذاته، وفي تقديم مراجعة نقدية حول النجف وأهميتها.

لطالما كانت النجف موضوعاً للبحث التأريخي باللغة العربية، خصوصاً في نوع الأعمال التأريخية مثل (طبقات)، حيث تعرض السير الذاتية لعلماء المدينة وكذلك الأعمال الموسوعية(1). علاوةً على ذلك، سلط المؤرخون مؤخراً اهتمامهم على الأحداث التي أشارت إلى دور المدينة بصفتها وكيلاً في التأريخ المعاصر كما في جهاد 1914 ضد البريطانيين وثورة العشرين في 1920 لقد بدأ الباحثون استخدام أعمال مثل (النجف الأشرف والثورة العربية الكبرى ،1920)،على أنها مراجع رئيسية. كما صار تأريخ الحوزة موضوعاً لعدد من المطبوعات المرموقة، ومنها - المشهور . (الحوزة العلمية في النجف) ل_«علي البهادلي»ومن ثم(الحوزة العلمية في النجف الأشرف)ل_«محمد الغراوي». وقد أضاف مؤخراً«هادي الحكيم»(حوزة النجف الأشرف: النظام ومشاريع الإصلاح) إلى هذه المؤلفات.

لم تطور هذه الأعمال دراسة النجف بالعربية فحسب، بل إنها شكلت النقاط المرجعية للباحثين المشتغلين على النجف باللغات الغربية إن الأعمال التي تقدم النجف باللغات الغربية بوصفها الاهتمام المركزي وموقع التغيير في المنطقة ليست بالكثيرة، ولطالما عرضت أهمية النجف منزويةً في الصورة الواسعة للتأريخ السياسي لجنوب العراق أو في تأريخ الشيعة في المنطقة.

يعد كتاب المؤرخ التونسي هشام جعيط (الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية 1986)، وبدون شك، أول عمل ذو قيمة مؤثرة عن الفترة التأسيسية للإسلام.

ص: 15


1- للمزيد عن هذا الموضوع لاحظ مقالة حسن ناظم في هذا المؤلف.

يدحض الكتاب، اعتماداً على المصادر العربية وعدد من التحريات الآثارية، نظريات الاستشراق التي تعرض الكوفة على أنها مدينة بسيطة محصنة بسور، ويقدم تحليلاً جديداً لتأريخ الكوفة ونموها لتصبح مدينة في موضوع العلاقات العشائرية والتفاعل بين المدينة والضواحي المحيطة بها. قدم نجاة حيدر مؤخراً دراسة عن الكوفة في الفترة المبكرة في(أصول الشيعة طقوس الهوية والفضاء المقدس في كوفة القرن الثامن 2011م). ونجد أنه قدّم نظرية جديدة نوعاً من الصدى لأعمال «جعيط»، حول بدايات تطور الإسلام ومذاهبه وبالخصوص الاثني عشرية، من خلال استعراض الطقوس التي تميز المذاهب بعضها عن البعض وكيف تبلورت الاختلافات بينها وتشكلت هوياتها الدينية والاجتماعية في الكوفة في القرن الثامن.

تظهر النجف مركزاً رئيسياً في الحياة الفكرية، ومركزاً للنشاط والاهتمام في الرؤية والولاء الشيعي في الدراسة الرائدة ل_ «جويس وايلي»(الحركة الإسلامية للعراقيين الشيعة 1992)، إن موضوع الكتاب عن تأريخ وتطور الصوت الشيعي بالذات خلال فترة البعث جاء بعد ذلك كتاب شبلي ملاط (تجديد القانون الإسلامي: محمد باقر الصدر بين النجف، وشيعة العالم 1993). يظهر كتاب «ملاط نفسه على أنه يضع النجف في الصدارة وبالفعل استكشف الكتاب بعض التغيرات الحاصلة في الحياة الثقافية في النجف خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين. ومع ذلك، فقد سعت محاولات (ملاط في تغطية الكثير من الجوانب لتقديم صورة شاملة عن المدينة والحياة الفكرية في العام 1993. كانت مساحة اهتمامه، وكما يظهر العنوان شخص وأعمال محمد باقر الصدر وفكره المعروض في كتابه التعريفي (اقتصادنا). تظهر النجف واقعاً بوصفها الموقع لأنشطة الصدر بدلاً من قيمتها الذاتية بالاهتمام أفضل ما يوصف به تفحص «ملاط» للنجف على أنه جزئي ويتبع التوجه العام للأعمال المنجزة قبل حرب الخليج الأولى في 1991، قبل ظهور شيعة العراق كموضوع يستحق الدراسة تظهر إشارات «بطاطو» إلى النجف في كتابه البالغ التأثير عن تأريخ الشيوعية والحركات الثورية الأخرى في العراق(الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية في العراق 1978) القليل عن خلفية المدينة ومكانتها كمركز للسلطة الدينية، وبدلاً عن ذلك، يظهر العمل مدى ارتباط الحراك التفاعلي في المدينة بالانقسامات العشائرية. ويلاحظ التوجه ذاته لدى «عباس الكليدار 1979»و«فاروق سلکلیت و بيتر سلکلیت 2001م».

ص: 16

كان لانتفاضة الشيعة عام 1991 في النجف ومدن الجنوب وقعاً مهماً على دراسة التشيع في العراق. اختص بالأمر، قبل ذلك، عدد صغير من الباحثين في أوروبا الغربية وشمال أمريكا حظيت المطبوعات عن شيعة العراق والعراق بقدر كبير من الاهتمام بعد 1991 وقادت إلى سلسلة من الدراسات التفصيلية في التسعينات وما بعدها. قدمت أفضل المساهمات في فهم النجف من قبل أولئك الذين سلطوا الضوء على بين طابعها الديني ونشاطها السياسي. أصبح مؤلف«جون بيير لیزارد»(قيام العراق المعاصر 1991م)بسرعه مصدراً للباحثين حول العلماء والشيعة في بداية القرن العشرين، وعرف انتفاضة 1917-1918م بأنها لحظة التعريف بالمدينة. وصف «ليزارد» النجف بأنها الحاضنة المركزية للانتفاضة، من خلال الرجوع إلى عدد من المؤرخين بالعربية واستخدامهم مصادر ثانوية ارتبطت الانتفاضات والثورات في السنوات العنيفة اللاحقة بالنجف إلى حد ما، وفعاليتها السياسية والثقافية تفاعل بالمثل مؤلف (الشيعة في العراق 1994)«نقاش»مع الباحثين(واللغة العربية)العرب ليصبح نقطة الانطلاق للمبتدئين في دراسة التشيع العراقي. ركز نقاش على العلماء وتعاونهم الحراك العشائري في المجتمع الشيعي العراقي الذي قاد إلى اعتبار النجف الوسط الفعال الذي نشطت فيه البنى (والضغوطات)الاجتماعية المختلفة. مع مؤلفات«مائير لتفاك»(المثقفون الشيعة في عراق القرن التاسع عشر) و (علماء النجف وكربلاء عام 1998م)بدفعة كبيرة باتجاه دراسة النجف بوصفها مركزاً للحياة الدينية والثقافية في جنوب العراق، وكذلك مركزاً دولياً لتواصل باحثين ومجتمعات الشيعة. قدم مؤلف«لتفاك» باللغة الإنكليزية، لأول مرة تحليلاً تأريخياً حول تشكل واستمرار النجف بوصفها نقطة وصل شيعية، وقد استخدم في ذلك من المصادر الأولية والثانوية مثل أعمال«الفاضلي و«البهادلي»و«الخليلي».أدّت حرب الخليج الثانية وانطلاق العنف الطائفي إلى فورة في البحوث الغربية عن شيعة ،العراق، معظمها بالإنكليزية. لم تتصاعد الدراسات باللغة العربية من ضمن هذا النشاط البحثي مستفيدة من وفرة المصادر فحسب، بل بسبب ولوج الباحثين الناطقين بالعربية إلى الميدان. وفي مجال دراسة النجف باعتبارها مركزاً للورع الشيعي ومجالاً سياسياً، جاءت أعمال «فرهاد إبراهيم 1997م»و«فالح عبد الجبار 2003م»ومؤخراً «عباس کاظم 2012م»لتؤشر على تواجد الباحثين العراقيين لصفوة المؤرخين الغربيين وعلماء السياسة الذين لم يقدّروا

ص: 17

لحد الآن المساهمة الكامنة في الدراسات الثانوية باللغة العربية في دراسة الشيعة بشكل عام، وأهمية النجف على وجه التحديد.

أخيراً، لا بد من التنويه إلى أن البحث في العراق عموماً، والنجف بشكل خاص، غالباً ما يُكتب لخدمة وعكس غرض سياسي، والقضايا الأمنية التي حصلت في سنوات ما بعد سقوط صدام. إن من المهم إعادة إطلاق دراسة العراق وشيعة العراق كمواضيع مستقلة في البحث. كان هذا هو الغرض على سبيل المثال في مجموعة المقالات المعدة من قبل«جوردي تيجبل» و «بيتر سلكليت» و «ریکاردو بوکو» و «حامت بوزارسلان»تحت عنوان ( تأريخ العراق الحديث : مراجعة تأريخية وتحديات سياسية 2012م).

من خلال هذه الخلفية في الذاكرة، جاءت هذه المجموعة من البحوث لكي تجمع التقاليد البحثية مع بعضها، ولتقدم استكشافاً تجريبياً لمعنى وأهمية النجف من خلال تخصصات مختلفة تبدأ من علم الآثار إلى علم الإنسان ومختلف المقاربات التأريخية. تمتلك المدينة بذاتها ، كما ذكر سابقاً، دوراً رمزياً لدى المجتمع الشيعي الدولي، ودوراً تأريخياً في تطور العراق والمنطقة. وينبغي أن نتذكر هذين الدورين عند قراءة البحوث المنشورة في الأجزاء الثلاثة من هذا المؤلف.

1:النجف : مدينة مقدسة

تبدأ المجموعة بعدد من المقالات عن النجف كونها «مدينة مقدسة». تتطلب المدن المقدسة حكاية أولية حاضر نابض ومستقبل واعد ومستدام. ترتبط أوليات كل من الحيرة والكوفة اللتين سبقتا قيامها ويقدمان الأسس التأريخية)حرفياً ورمزيّاً) لقيامها ونموها. يستكشفLالستر نور ثدج» بدقة هذه العلاقة في مقالته

نورثدج)المدن الثلاث: الحبرة والكوفة والنجف). تظهر هنا النجف كأنها الطرس المقدس الذي تسطر عليه أعظم الحضارات القديمة، وهي تقوم كذلك بدور الأوج والتحقق لهذه الحضارات. ذلك هو تصورها، على أقل تقدير. جمع «نورثدج»حقائق الآثار وسجّل التأريخ لعرض نجف ما قبل التأريخ وبما يربطها بأمجادها السابقة.

اتخذ،Lتراث اللهوفKفي بحثه (التطور العمراني للمرقد الشريف) طريق الحكاية إلى تأريخ مبنى الضريح، حيث تفحص وتقارن الروايات عن الضريح وعمرانه

ص: 18

في مختلف المراحل التأريخية ومن ثم تعرض للتحليل لرؤية كيفية إغنائها)ولربما عكس ذلك) لمعرفتنا للبناية ذاتها، كما تقف اليوم. تشير المصادر التأريخية، على عليه، إلى قبر صندوق، وعدد من الأبنية المكسوة من عصور مختلفة، لغاية العصر الصفوي. كان الصفويون الشاه عباس الأول بشكل خاص، وراء معظم البناء المبهر حاليّاً، بينما تعود القبة المذهبة إلى نادر شاه وما بعد الصفويين. يتعزز التقرير بالمخططات التي تعطينا تصوراً واضحاً عن تطور مبنى الضريح. إذا كان الضريح الجاذب الرئيسي لكل من الباحث والحاج، فإن المساهمة الرئيسية الأخرى للمرقد تتمثل في الصناعة المرتبطة بالمقبرة الشاسعة في وادي السلام. يعرض «محسن عبد الصاحب المظفرKفي بحثه ( تأريخ الدفن في أرض النجف وظهور مقبرة وادي السلام) تأريخ الدفن في النجف وبدايات الأرض المترامية للدفن التي تجلب إليها الأجسام من عموم العالم الشيعي. تكمن هذه الممارسة في الإيمان بأن النبي آدم هو أول المدفونين في هذه الأرض التي أصبحت تُعرف بالنجف. ترتبط هذه القصص بتأريخ المدينة قبل الإسلام، لتعطيها عمقاً زمانياً يعزّز من مكانتها الحالية. تظهر مواقع الدفن لمجتمعات غير المسلمين (المسيحيين بالذاتKدلائل على التأريخ الطويل لهذه الممارسة في المنطقة. تظهر اليوم مدينة الدفن الحالية وادي السلام منذ الفترات القديمة للتوطين الإسلامي في المدينة ولتتطور عبر القرون إلى مساحة 1.000 هكتار ولربما 6 مليون مدفون مع بدايات القرن الحادي والعشرين. يعرض لناLالمظفر» مخططاً تفصيلياً للمقبرة والمواقع الرئيسية المهمة فيها، وكذلك وصفاً لتطور المقبرة في الماضي القريب.

يستعرض تقرير «المظفرKجذور دفن الإمام (علي) في تأريخ وممارسات الشيعة، بينما يستكشف«باولو بنتو»أهمية المدينة في تقاليد الزيارة للشيعة اليوم. تتجسد الأهمية الكونية للنجف بالأحداث التأريخية . من الموثقة أو غير ذلك . التي تشكل للمدن قصصها. يتم عرض واقع هذه الأحداث التأريخية ، والشخصيات التي تسكن القصص، للزائرين من خلال القصص والشعائر التي تمارس قبل أو بعد الزيارة. كما يتم تحصيل البركة من قبل زائر الأضرحة وتعزيزها مرةً بعد أخرى مع كل زيارة للضريح وتزايد الزوّار يزيد من هذه البركة. تعد أحداث التأريخ الديني السابقة للإسلام (آدم ونوح وهود وصالح(جزءاً من سلسلة متصلة للممارسة الدينية للمؤمن والتي تمتد إلى

ص: 19

قبور كبار العلماء في العصر الإسلامي(منذ الشيخ الطوسي المسمى مؤسس الحوزة إلى الوقت الحاضر، محمد باقر الصدر، محمد صادق الصدر ووادي السلام الشاسعة). تمكّن(الطوبوغرافيا المقدسة) الزائر في جعل زيارته ليست بركة فحسب، بل تأطيراً لتأريخ العالم. ويقع في المركز من كل ذلك حتماً، اللحظات المشحونة لحياة ووفاة الإمام (علي) الذي يمثل قبره النقطة المركزية التي تستمد منها بقية الأضرحة المدينة المعنى. يناقش«بنتو» بأن ترتيب الأضرحة والرحلة خلالها يعطي المدينة نوع عاً من القداسة في الذاكره الشيعية.

لم تتكون صورة النجف«المدينة المقدسة»من أجزاء مادية فقط، وبالخصوص منها المنجزات المعمارية تشكلت النجف الحقيقية والمتخيلة من خلال الطريقة التي صار فيها لهذه الأجزاء معنى وقيمة بالنسبة للسكان وللزائرين في المدينة. إن المعنى المتوافق عليه يخلق دوراً للنجف ضمن الجغرافيا الدينية للمعتقد الشيعي. ويمكن مشاهدة هذا الخلق لمدينة محورية، والتي يكتسب العالم بسببها معنى في دور القدس أو روما في العقيدة اليهودية والمسيحية بأوجه معينة، لا يتكون احترام المدينة ومكانتها من خلال حقيقة أهميتها بل من خلال الدور الذي تلعبه في التأريخ الشيعي.

2: المعرفة ، الثقافة والسلطة الدينية في النجف

لعب نمو مجمع التعليم الديني، مع مختلف المؤسسات المساندة دوراً في دفع النجف من موقع للزيارة فحسب إلى قاعدة النفوذ الدولية. يعتبر تطور التعليم الديني أوجه عدة، نتيجةً طبيعية لتوسع المزارات، مع أنه يتطلب أن يحصل فعلاً. هنالك أمثله لعتبات شيعية شهدت قدراً محدوداً من التعليم الديني، ولأسباب مختلفة لم يستمر (سامراء على سبيل المثال). وهنالك أيضاً أمثلة للتعليم الديني بدون وجود عتبات دينية (جنوب بيروت على سبيل المثال). ولكن من المؤكد أن الحالة الأنجح للتعليم الديني تتواجد قرب العتبات الدينية الرئيسية حيث العلاقة الرمزية بين زوّار الأضرحة والمراتب التعليمية. يوجد في الجزء الثاني من المجموعة المعروضة هنا، سبع دراسات مستقلة تبين نشاطات التعليم الديني والمؤسسات الثقافية التي نمت من حولها. إن نظام التعليم الديني في النجف، الحوزة العلمية، هو مجمع الشبكة من المنشآت التعليمية التي لا تدرب الطلبة فحسب بل توفر الرصيد الثقافي والذهني

ص: 20

للمجتمع الشيعي العالمي. وهي بذلك تتصدر الحوزات المماثلة في العالم الشيعي وتعطي النجف - بوجود ضريح الإمام ( علي ) - عناصر ريادتها الدينية الشيعية.

يتناول روبرت كليف في مقالته (النجف : حجة تعليمية وبحثية بارزة ما يميز الحوزة في النجف، إذ يبحث في ثلاثة عوامل مكنت النجف من الصعود والمحافظة على مكانتها برغم تحديات التاريخ السياسي في الماضي القريب. لقد أنشأ العلماء تسلسلاً هرميّاً للأفراد مترابطاً في الأغلب بروابط التزاوج والعلاقات، ويشترك في الاهتمام بصيانة وتطوير دور الدين المعرف) والملتزم بضوابط تقليدية) في المجتمع. وبذلك، يقدمون نظاماً بديلاً للسلطه يتحدى النفوذ السياسي القائم. تصدرت هذه العلاقة منذ الفترة الصفوية المناخ السياسي، وكان لا بد من تفوق طرف واحد. من الجلي بأن مكانة النجف تدين بالفضل، بصورة أقل أو أكثر، إلى الطريقة التي تعامل بها علماء المدينة في علاقتهم المفعمة مع السلطة السياسية وبشكل خاص، حيث كانت العلاقة مع إيران أساسية لمكانة المدينة، ويذهب ذلك إلى ما هو أبعد من الأموال التي قدمها الصفويون للضريح وتذهيب نادر شاه للقبة لاحقاً. في الواقع، تعامل العلماء في النجف العلاقة بإيران ومنذ الفترة الصفوية، ولحد الآن بمهارة. فضلاً عن توضيب الجانب السياسي في دورهم عرض علماء النجف السمو لمدينتهم من خلال إعدادهم المؤلفات المنهجية الأكثر أهمية، ووضع الأرضية للتعليم الديني والتدريب في كل مكان وأبرزها في قم) وليس في النجف فحسب. وأخيراً، فإن مقدرة النجف في المحافظة على حراكها وفعاليتها برغم مظهرها التعليمي التقليدي، قد جعلها موضع الاختيار الأمثل لمعظم طلاب الإسلام الشيعي.

إن هذه البراعة المتجذرة في الماضي، والمتطورة باستمرار ليست نتاج خفة يد متعمدة لأي شخص، بل إنها آلية عمل في نظام الحوزة في النجف والتي مكنتها - على سبيل المثال - من أن تبزغ من ركام حرب العراق في 2003م لتمثل، جدلاً ، الموقع الأكثر وجاهة للتعليم الديني في الإسلام الشيعي.

تبين مقالة سجاد جياد ألفية في النجف حوزة الشيخ الطوسي) كيف قدّم تأريخ النجف الكثير من الرصيد الحضاري لضمان مكانتها . يعود النظام الحالي للحوزة أو منطقة المعرفة في أصوله إلى الشيخ الطوسي وانتقاله من بغداد إلى

العلمية، حي

ص: 21

النجف في 1056 ميلادية إثر تدمير الحي الشيعي وحرق بيت الطوسي. يصف«جياد» بالتفصيل الأعمال التي أنتجها الطوسي والمؤسسات التي أنشأها، إطلالة تظهر المكانة التي تعيشها النجف الحديثة. يتصدر الطوسي، ضريحه مزار يأتي إليه الزوار الشيعة، كما يذكر«بنتو» في الفصل الرابع على رأس صف طويل من العلماء الذين تعتبرهم النجف جزءاً منها، والذين عرفوا التعليم والمعرفة الشيعية لما يقرب الألفية. إن فهم إنجازات الطوسي، بشكل ما يمثل فهماً لتراثه في النجف الحديثة.

تستعرض مقالة«حسن عيسى الحكيم»(النجف الأشرف:مركز علمي وفكري على الصعيدين المحلي والعالمي)هذا التراث بصورة جلية حيث تضع المدينة كمركز فكري عبر العصور وتقدم مراجعة زمنية لمدرسة النجف. يقع الدليل على تأثيرها المستمر وأهميتها كمركز، جزئياً، في قائمة العلماء العظام الذين قرروا أن يتخذوا من النجف قاعدة لهم علاوة على ذلك، تظهر السجلات التأريخية بوضوح جاذبية النجف وكونها المكان الأول لتدريب الدعاة والعاملين في الوسط الديني. يستخدم «الحكيم» المصادر التأريخية للوصول إلى عدد الطلاب في النجف في تأريخ معين، وكذلك في الفترة الحديثة. وهو يستكشف كذلك التيارات الرئيسية في العطاء الفكري التي توزع حولها الطلبة، وولدت حوارات داخلية بين صفوف العلماء. يضع «الحكيم» جداول وتوزيعات للعلماء والطلاب أثناء الحوارات بين الأخبارية والأصولية الدستورية والانتفاضة بوجه الاحتلال البريطاني التطورات خلال الفترة الملكية والحكم الجمهوري، الاضطهاد الأخير خلال حكم صدام وما بعد صدام. يستنتج الحكيم بأن النكهة الدولية للنجف، بوجود طلاب من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، مكنتها من أن لا تكون مركز التعليم الديني فحسب، ولكن أن تغني الحياة السياسية في العراق والعالم أيضاً.

بحثت«صابرينا ميرفان»في مفاهيم المؤسسات المساندة لسلطة العلماء الكبار في مقالتها(كيف نكتب تأريخ المؤسسة الدينية الشيعية في النجف، المرجعية كجهاز ؟). يتوجه معظم الشيعة في العالم صوب كبار العلماء الشيعة البارزين عالمياً والذين يستقر معظمهم في النجف تتناول«ميرفان» بالتحليل منظومة السلطة لهؤلاء والمعروفة بالمرجعية من خلال فكرة - أداة(دسبوستيف بالفرنسية)، طوّرها «مايكل فاوكلت»وتترجم إلى جهاز ، وسيلة أو أداة والفكرة عامة وتطبق على طيف واسع

ص: 22

النشاطات التي يفهم من خلالها الفكر والحياة الثقافية. تبين«ميرفان» بأن العناصر المختلفة للمرجعية (التي تشكل الفعاليات التعليمية جزءاً صغيراً منها)تلتحم في نظام واحد، أو شبكة من العلاقات التي يصان بها النفوذ أو يمارس عبر تحليل لا يقتصر على المؤسسات التأريخية ونشاطات العلماء، بل يتعداه إلى تشييد التصور الفقهي(أفكار ذو قواعد قانونية، المفهومان التوأم الاجتهاد والتقليد البحث عن الأعلم من الشيعة إلخ)، تقدم«ميرفان»للقارئ عدسات نظرية يمكن من خلالها رؤية المرجعية التي تتحكم بالمشهد الفكري والتعليمي النجفي

يمكن رؤية المظهر المادي لإرث النجف كمركز تعليمي في المحافظة على الأدوات المادية للتعليم المكتبات ومجاميع المخطوطات فيها بالذات. تعرض مقالة«حسين الحساني»عناصر قيادة النجف في مجال الحفاظ على الإرث الثقافي.

ويتناول«حسين جهاد الحساني»في مقالته (المجموعات الخطية في خزانات مكتبات النجف الأشرف بين الماضي والحاضر حفظها ، فهرستها، صيانتها)الموضوع ذاته، ولكنه يطور تحليلاً تأريخيّاً مختلفاً يبدأ بموضوع الكتابة والخط العربي ودوره في الحضارة الإسلامية. يتناول عدداً من المجموعات التي بحوزة العلماء انطلاقاً الاطلاع الواسع على أهميتها وظهورها. يدرج المجموعات الخاصة لمختلف العلماء والتي وجودها ،معروف وموصوفة في السجلات التأريخية. تعتبر المجموعات العامة تطوراً جديداً، ومن بينها المجموعة الموجودة في ضريح الإمام علي(التي عمل الحساني في إدارتها). يتضمن تأريخ هذه المجموعات شرحاً للأضرار التي تحصل أحياناً فيها نتيجة فعل متعمدة أو حادث عرضي خلال التعرضات. يمثل الحفاظ على المخطوطات، بشكل كبير، شهادة على اهتمام ومتابعة المؤسسات التي نشأت في مدينة النجف.

تعكس مقالة«حسن ناظم»(الكتابة التأريخية عن النجف: قراءة في التأليف الموسوعي)، المقالة الأخيرة في الجزء الثاني، طريقة تسجيل المؤرخين في الماضي لحضارة وتأريخ النجف، وتبين كذلك مختلف الوسائل والأساليب العامة التي استخدمها مؤرخو النجف لوصف موضوعهم. لم يقتصر هؤلاء على كونهم باحثين من ضمن التعليم الديني وإنما كان لديهم الوعي والحرص على المكانة

ص: 23

الدينية والدور الذي تضطلع به المدينة. تم شرح عدد من الكتب وهذا ما يوفر أداة ضرورية للمؤرخين عن النجف. وقد ورد آنفاً ذكر بعض هذه الكتب، وهي مرتبطة ببعض أهم المصادر التي استعان بها المؤرخون الغربيون عند تحضيرهم لأعمالهم. ومنها نذكر «الدجيلي» و (موسوعة النجف الأشرف)التي سبق ذكرها. أما التي لم يرد ذكرها فتتضمن«جعفر محبوبة» و (ماضي النجف وحاضرها) و«حسن عيسى الحكيم»و(المفصل في تأريخ النجف الأشرف). أدرجت مجلة(آفاق نجفية) التي يحررها «كامل الجبوري»كمصدر مفيد. تطرق «ناظم»بعد عرض المصادر، إلى القضايا التي تقدم للمؤرخين الذين يكتبون عن النجف. وهذه مشابهة لما سبق ذكره ملاحظة بأن يُعطى اهتمام خاص لقضايا الخرافة والتأريخ والحاجة لمعلومات تأريخية دقيقة عند عدم وجود بعضها. ويختتم بالاعتراف بوجود الحاجة إلى تأريخ جديد للنجف، لربما يكتبه شخص من خارج محيط النجف كي لا يكون متأثراً بالتقدير المبالغ فيه لمنجزات المدينة، ويكون مع ذلك مثمناً لدورها في التأريخ وحاجتها إلى أن تكون موضوعاً للبحث.

لقد نمت وكبرت الثقافة والمؤسسات الدينية في النجف، بقدر ما ، بفضل الضريح ولكنها سرعان ما أخذت بالحياة والتطور الخاص بها. وأصبحت نظاماً متأصلاً ذاتياً حيث يتولى كل جيل من العلماء تدريب الجيل اللاحق، ويحافظ على السلطة والطبقة العلمائية داخل المجتمع الشيعي. ومع ذلك، توجد حاجة إلى مستوى أعلى من التحليل لهذا النظام، وإدراك أوسع لعناصره المكونة: من المكتبات إلى الحلقات التعليمية، من التأريخ إلى الموسوعية تبين المساهمات في هذا الجزء بأن الحوزة، والمرجعية، قد طوروا حزمة من وسائل التعامل التي تمكنهم من الحفاظ على سلطتهم في المستقبل.

3: النجف التطورات المعاصرة

يمثل توقع التطور المستقبلي للنجف في المنطقة تحدياً يتجنبه معظم الباحثين. في الجزء الثالث والأخير، نتفحص الكيفية التي تطورت بها النجف خلال الفترة المعاصرة، ولربما من هذه الكيفية، نستطلع ما قد يكون عليه تطور النجف في المستقبل. إن هذا عمل مشكوك فيه ويعتمد النجاح في أي تحليل على بحث تأريخي متين. وهذا ما نأمل تقديمه في المقالتين الأخيرتين لهذه المجموعة.

ص: 24

بالتصادف بين ثورة 1918م في الجنوب ونهاية الحرب العالمية الأولى، ظهرت الشيوعية كقوة دولية وتحدياً للهياكل الثقافية القائمة يتفحص «فؤاد كاظم»في مقالته(الشيوعية في مدينة النجف قصة صعود وسقوط حركه علمانية بين عامي 1918 1963م)كيف استجابت المدينة للوجود الشيوعي المتنامي في وسطها خلال وسط القرن العشرين حيث كانت شعبية الأفكار الماركسية بين الشباب واضحة تماماً ومماثلة لحالها في الأماكن الأخرى من العالم الإسلامي. كان فقدان الثقة في الدين لتقديم برنامج مؤثر للمقاومة موثقاً بصورة جلية، ولكن تحليل«كاظم»يكمل هذه الإضاءات في كيفية استخدام الشيوعيين الشيعة لشبكات الشيعة وأفكارهم لكسب الأفراد والحصول على قدر من المصداقية شكلت شبكات منظمات الشيعة قاعدة جيدة لتشكيل هيكل الخلايا الشيوعية، وبالنتيجة حزب سياسي، حيث ساهمت النجف بأعداد كبيرة في الحزب الشيوعي العراقي. استجاب العلماء بصورة مثيرة للاهتمام، حيث أيد الكثير منهم الحزب الشيوعي العراقي، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا قلقين من استحواذه على الشباب. إن وجود هذه التصورات المعاصرة، يذهب بالفرد إلى التساؤل عن النجف ومستقبلها. يرى حسن) (ناظم ، بأن النجف مثل قطعة قماش يرسم عليه الشيعة شعاراتهم - وهذه تتطابق مع الهيكل المادي للمدينة وكذلك مؤسساتها. يتفحص حسن ناظم في مقالته(النجف طرس العلامات)المنظر الطبيعي المتغير للمدينة وما يعكسه توسع النجف في عصر ما بعد صدام وكذلك غموضها. يعني هذا الغموض(بالمعنى الحرفي للكلمة) بأن النجف تذهب في جانب ما نحو القيادة الدينية، في كنف آية الله علي السيستاني؛ وفي الجانب الآخر نحو احتياجاتها للسياسة العملية اليومية، وإغراءات الحلول العلمانية(مثل عودة ظهور الشيوعية)تظهر العلامات المستعملة من قبل مختلف المجموعات تنوع احتمالات المستقبل للمدينة وكذلك تعريف هويتها الحالية. إن السيطرة على هذه العلامات، إلى حد ما، يدل على السيطرة على مسار مستقبل المدينة.

ص: 25

ص: 26

الجزء الأول:المدينة المقدسة

اشارة

ص: 27

ص: 28

تأسيس المدن الثلاث

اشارة

الحيرة والكوفة والنجف

د. ألستر نورثدج

ترجمة: تراث جميل اللهوف

الملخص:

انتشر التوسع الحضري في منطقة النجف على أرض واسعة في ثلاثة أماكن الحيرة والتي تأسست في القرون الأولى الميلادية كعاصمة للمناذرة. تبعتها مدينة الكوفة، والتي تأسست بعد الفتح الإسلامي. وأخيراً تطورت مدينة النجف حول قبر الإمام علي(علیه السّلام). ومع ذلك تعتبر الثلاث مدن مفصولة في الحقيقة ويمكن اعتبارهن مجمعاً واحداً تطور عبر القرون لوظائف مختلفة.

ليس من الصعب اعتبار المدن الثلاث الحيرة والكوفة والنجف كمجموعة لثلاث مدن متعاقبة في الموقع نفسه أو في موقع متقارب نوعاً ما نجد مثل هذه المجموعات المتعاقبة في الهند فمدينة دلهي لديها سبعة مواقع وفي مصر، جاءت القاهرة بعد في موقع مجاور ولكن في حالتنا تعتبر المواقع الثلاثة لمدن مختلفة: وفي الحقيقة هن لسن كذلك. الواحدة أعقبت الثانية والموقعان الكوفة والنجف قد استمرا الفسطاط إلى يومنا هذا.

الموقع عبارة عن هضبة صحراوية بين الفرات ومنخفض بحر النجف، على نحو 60 كم جنوب بابل والحلة، و 145 كم جنوبي بغداد. شبه الجزيرة هي امتداد للصحراء الغربية المسطحة في العراق ارتفعت فوق سهل الفيضان المحيط بها. وقد تم اختيارها دون شك كأراضي غير قابلة للزراعة، على مقربة من الأراضي الزراعية،

ص: 29

ولكن باتصال مع الصحراء. يقع أقدم موقع الحيرة، على خط ضيق من شبه الجزيرة بعرض حوالي 5 كم وتقع الكوفة والنجف على جزء أوسع من شبه الجزيرة بعرض 9 كم. على الجانب الشرقي، بالقرب من الكوفة تقع قناة الهندية إلى الغرب من نهر الفرات ، وكانت مدينة الكوفة ربما بصورة دائمة ليست ببعيدة عنها. وكان هذا الفرع معروفاً للجاحظ في القرن الثالث هجري/ التاسع ميلادي بنهر الكوفة(1)على الجانب الغربي للمنطقة يوجد منخفض بحر النجف، الذي يرتبط مع سهل الفرات إلى الجنوب في«أبو صخير».يتم اليوم زراعة المنخفض، على الرغم من أنه قد كان من المستنقعات في الماضي. إلى الشمال فقط ترتبط الهضبة بالصحراء الغربية للعراق.

ليس لدينا دليل حتى الآن عن أقدم تاريخ لاستيطان المنطقة، على الرغم من أنه قد يتبين ذلك لاحقاً بدلاً من ذلك، يبدو يبدو أن الاستيطان حتى الآن يعود إلى القرون الأولى من العصر المسيحي.

الحيرة

الاسم الحيرة هو إلى الآن دليلنا كأساس للموقع. وهو مستمد من السريانية حيترا بمعنى المخيم، وهو مرتبط بالعربية«الحير»بمعنى المحمية في القرن التاسع تمّ تأسيسها في القرن الثالث ميلادي، ولكن لا يوجد تاريخ محدد معروف(2).

كانت الحيرة مدينة اللخميين كما هو معروف للغرب، أي مدينة المناذرة كما هو معروف في العراق بعد عائلة المنذر المناذرة كانوا بالحقيقة عائلة ابن نصر من قبيلة لخم ظهر منهم عمرو بن عدي بن نصر في القرن الثالث ليؤسس المدينة. وكانت هذه الفترة التغيير الكبير في العالم العربي، مع انهيار تجارة البخور في شبه الجزيرة العربية، وتشكيل نظام القبائل العربية المعروفة في زمن النبي، والذي استمر حتى اليوم. وقد خلف عمرو بن عدي ابنه امرؤ القيس الموصوف في نقش النمارة المشهورة في جنوب سورية ك- ملك كل العرب دفن سنة 328 ميلادي(3). إن عَمْراً المذكور كأب لامرئ

ص: 30


1- .Toral-Niehoff, 2013, 36
2- .Toral-Niehoff, 2013, 27
3- .Bellamy, 1985

القيس مدفون في سورية قد لا يكون أصله من الحيرة ولكن صبغة العصر أضفت ذلك عليه من الممكن أن عبارة«ملك كل العرب»تعني كونفدرالية قبائل مع شخص يدعي قيادتها لها.

صورة رقم 1

الصورة

Al-Hira

صور تظهر المدن الثلاث الحيرة الكوفة النجف

المصدر : Google Earth

وليس من المستغرب وجود فجوة حتى قبل الإسلام. تم توثيق القرن الخامس بشكل أفضل بكثير في المصادر اليونانية والسريانية وكذلك تلك العربية، والتي تكشف عن معلومات هامة عن ملوك المناذرة الثلاثة الأول هو نعمان المسمى بالأعور ومن ثمَّ لُقب بالسائح بسبب تخليه عن الدنيا. وقد خلفه ابنه منذر الذي حكم 44 سنة ما بین 418 و 452م أو ما يقاربها، والمعروف بالملك المحارب النعمان الثاني حيث شارك في الحروب الفارسية والبيزنطية. هزم سنة 498م من قبل القائد البيزنطي أجنيوس في بثرابسوس وفي سنة 502م تقدم نحو حران فهزم من قبل الرومان ثم انتصر عليهم. حكم في الفترة

ص: 31

الأخيرة المنذر الثالث لنصف قرن من 503 إلى 554 ميلادي. تمثلت فترة حكمه بالشراكة مع ملوك الساسانيين. آخر ملوك المناذرة كان النعمان بن المنذر الرابع الذي حكم لخمس وعشرين سنة (580 - 602م) . لكن كان كسرى أبرويز (598 628م) (ومعناه المظفر) ذا علاقة سيئة مع العرب وقد عمل على قمع سلالة المناذرة بالرغم من أن السلالة كانت صلة وصل بينه وبين القبائل العربية. إن وظيفة الحيرة السياسية للسلالة الساسانية كانت ترتبط بحماية الحدود الغربية ضد قبائل العرب كانت السياسة الساسانية باتجاه القبائل على شقين الأول عسكري والثاني سياسي. العسكري تمثل ببناء ،تحصينات، حيث قام شابور الثاني (309 - 379م) ببناء سلسلة من الدفاعات للوقوف بصورة رئيسية ضد البدو(1)

في القرن الرابع توسعت التحصينات لتأخذ شكل التحصينات الساسانية مع الحدود الرومانية بواسطة كسرى أنوشروان (531 - 578م) وتمّ تحديد حصون من هذا النمط(2). بالنسبة لياقوت (ومكررة في أماكن أخرى): «خندق سابور في برية الكوفة حفره سابور بينه وبين العرب خوفاً من شرهم... فلما ملك أنو شروان بلغه أن طوائف من الأعراب يغيرون على ما قرب من السواد إلى البادية، فأمر بتجديد سور لمدينة تعرف بالنسر كان سابور ذو الأكتاف بناها وجعلها مسلحة تحفظ ما قرب من البادية وأمر بحفر خندق من هيت يشق طرف البادية إلى كاظمة مما يلي البصرة وينفذ إلى البحر وبنى عليه المناظر والجواسق ونظمه بالمسالح ليكون ذلك مانعاً لأهل البادية من السواده»(3).

أما الشق السياسي فهو توظيف المناذرة كوسطاء دبلوماسيين في الصحراء، كما يمكن وجود حاكم حدودي إيراني فيها. تم وصف المناذرة في القرن الثالث في المصادر العربية كعملاء ذي دهاء سياسي في ما يتعلق بالقبائل(4).بينما كان المناذرة

ص: 32


1- .Frye, 1972, 9.10
2- Finster Schmidt, 1976
3- معجم البلدان یاقوت الحموي، ج2، ص476.
4- .Kister, 1968, 153-160

يستمدون أموالهم من الضرائب المفروضة على القبائل والأراضي التابعة لهم في جنوب العراق.

وفي حالة مماثلة على الحدود البيزنطية موّل البيزنطيون الغساسنة بالذهب لإدارة الحدود لهم . لم يعرف فيما لو استلم المناذرة الذهب أم لا ، ومما لا شك فيه أنهم كانوا مكلفين وصعاب المراس ولكن السياسة كانت أرخص من الدفاع عن الإمبراطورية الساسانية بالسبل الحربية على أي حال تمّ قمع السلالة وتركت الحدود مفتوحة لهجمات العرب المسلمين.

لم تدرس مدينة الحيرة آثارياً بصورة صحيحة. كان هناك بعثة من جامعة أوكسفورد سنة 1931 - 1934(1). وثقت خريطتهم ستة عشر تلأ غير متصل بدون تحديد - حدود المدينة أو تحديد ما بين التلال من الصعب جداً اليوم تحديد موقع التلال المذكورة ولكن يوجد بعض التلال ظاهرة للعيان يمكن اعتبارها من ضمنها. وجدوا في التلال التي تم تنقيبها كنيستين ومنزلاً تم بناؤهما داخل حصن قديم.

لاحقاً قامت هيئة الآثار والتراث بعدة مهام تنقيبية بعد 1945م. وتم تنقيب في أم عريف سنة 1956م وفي 1981م تم فحص المقبرة. وفي 1990م بدأت البعثة الفرنسية بالعمل في الموقع ولكن طردوا بعد ثلاثة أيام لأسباب سياسية. استطاعوا العمل على جزء من مجموعة كسر فخار فقط(2). في وقت لاحق تم بناء مهبط للطائرات بالقرب من . أو عبر - الجزء الشمالي للموقع،تابع لمطار النجف. وفي عام 2010، استطاعت هيئة الآثار والتراث التنقيب في القسم الجنوبي من المدرج،في ما بين تلال سنة 1930م، ووجدت مبانٍ من العصر العباسي المبكر(نهاية القرن الثاني الهجري/ القرن الثامن الميلادي)(3).

من الصعب تحديد حجم امتداد الموقع والذي تمّ معرفة عدد معين من التلال فيه. تشير إحدى التقديرات إلى انتشار التلال على مساحة 25كم2 ولكن يمكن أن يشمل ذلك البساتين الممتدة جنوباً إلى«أبو صخير». تم تحديد ثلاثة عشر تلاً رئيسياً من

ص: 33


1- Talbot Rice, 1934
2- Rousset, 1994
3- الكعبي 2012.

قبل بعثة جامعة أكسفورد والسؤال يبقى مطروحاً: ماذا يوجد بين تلك التلال؟ الطبيعة المفتوحة للمدينة وثقها المؤرخ والجغرافي البلاذري الذي ذكر الاستيلاء على المدينة من قبل الغزاة الذين ركبوا على ظهور خيولهم وجالوا في المساحات المفتوحة بين المباني، ولكن نتيجة عمل بعثة سنة 2010م أكد وجود مبانٍ بين التلال، لا شك كانت مبنية بشكل جزئي ولكن لا يوجد حد تحدده التحصينات.

يحتوي التل الأول على سكن ذي طابقين يتمثل بجدار على شكل رباعي والذي تمّ إدخال مبنى من العهد العباسي المبكر في فنائه خلص المنقبون إلى كون الطابق الأرضي لم يكن للمعيشة بالرغم من زخارفه وبل إن أماكن المعيشة كانت في الطابق الأول. الزخارف الجصية كانت على شكل أوراق الكروم (تعود للقرن الثاني للهجرة / الثامن ميلادي). المخطط يحتوي على إيوانين يقابل أحدهما الآخر عبر الفناء.

رسم رقم 2

الصورة

الحيرة: موقع أثري منقب فيه يعرف بالتل الأول

.Fig. 2: Hira. Building excavated at Mound I. After Talbot Rice, 1934

ص: 34

في التل الخامس تم العثور على كنيسة كبيرة موجهة نحو الجنوب الشرقي. مبنية باللبن لكن الأرضية كانت مبلطة بالآجر المشوي والجدران مغطاة بالجص. المذبح مستطيل الشكل كباقي الكنائس القديمة في العراق. كان يوجد«بيما» مصطبة في وسط صحن الكنيسة ولكن لم تدرس بصورة كافية. كما كان يوجد رسومات جدارية في المحراب على طبقتين الواحدة فوق الأخرى مع صليب على الأقل في الطبقة العليا.

رسم رقم 3

الصورة

الحيرة:كنيسة في التل الخامس

Fig. 3: Hīra. Church at Mound V. After Talbot Rice, 1934

في التل الحادي عشر كان يوجد كنيسة ثانية،في هذه الحالة تمّ تنقيب كل الكنيسة ومرة أخرى كان المذبح مستطيل الشكل مغلقاً ومدخله ضيقاً قريباً من صحن الكنيسة، سقف الصحن محمولاً على ركائز وأقواس من الآجر المشوي الأرضية كانت من الآجر المشوي وفي الوسط بيما» أو مصطبة مرتفعة وهذا موجود كثيراً في عمارة الكنائس السورية التي تعود للفترات الأولية.

ص: 35

رسم رقم 4

الصورة

الحيرة: كنيسة في التل الحادي عشر

Fig. 4:: Hīra. Church at Mound XI. After Talbot Rice, 1934

نقبت البعثة العراقية سنة 2010م مساحة من المباني القريبة من مهبط الطائرات. هنا أيضاً وجدت زخارف جصية لأوراق الكروم تعود إلى نهاية القرن الثاني الهجري / الثامن

ميلادي أو بدايات القرن الثالث الهجري / التاسع ميلادي. كما تم تنقيب مكانين يمثلان ثلاث وحدات سكنية مخططة أكبرها لمنزل كبير يحتوي على أربعة إيوانات.

أخيراً وجدت البعثة الفرنسية سنة 1990 منطقة أفران للفخار تبعد على مسافة 800 متر عن طريق النجف - أبو صخير. في حين أن بعضاً من الفخار قد يكون من أواخر القرن الثامن أو التاسع، فمن الواضح أن هناك«مواقع أثرية»والفخار المزجج الذي يعود تاريخه إلى أوائل القرن العاشر .

يوجد قلعتان معروفتان في الحيرة عن طريق النصوص ولكن موقعهما لم يتمّ تحديده بشكل واضح وهما الخورنق والسدير. تم بناء الخورنق أولاً من قبل قبيلة أياد، وزاد عليه النعمان من المناذرة في بداية القرن الخامس كما وأقام هناك الشاه الساساني کسرى أبرويز سنة 611 خلال معركة ذي قار. وتمّ إعادة بنائه لاحقاً من قبل العباسيين.

ص: 36

يقال إن موقعه قريب من طريق أبو صخير يمكن أن يكون الموقع مشابهاً للتل الأول المنقب بالتتابع ولكن لا يوجد دليل على ذلك. ومن الممكن أن لا تكون«القلعتان»ذات مساحة كبيرة.

كما قامت الأميرات المسيحيات ببناء أديرة أشهرها دير هند.يمكن تحديده أو تحدید دیر آخر قرب الكنيسة التي تمّ تنقيبها ، ولكن التنقيب لم يمتد خارج إطارها ،وبالتالي لا يمكن الجزم فيما لو كانت متصلة بالأديرة.

مخطط المدينة يشبه حالات سابقة في شبه الجزيرة العربية(1). في موقع الدور في إمارة أم القيوان التي تعود للقرن الثالث الميلادي نجد مخططاً مماثلاً لتلال منتشرة بصورة واسعة مع معرفة القليل عمّا يوجد في المساحات بينهم.

يمكن مناقشة إمكانية انتشار المستوطنات على نطاق واسع بين مزارع النخيل المعروفة في عهد النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، في المدينة المنورة، وهي تمثل أيضاً حالة مماثلة(2). قلاع القبائل المذكورة في الحيرة يمكن أن تكون مشابهة للذي يمكن أن نجده في شبه الجزيرة العربية (3).نجد أمثلة تعود للقرن الرابع الميلادي في الدور (أم القيوان) وقرية الفاو (السعودية) ومليحة (الإمارات) وتيما (السعودية). لا يوجد آثار قلاع للقبائل بعد ذلك وقبل الإسلام، والسبب يعود دون شك لما بيناه سابقاً وهو التراجع الاقتصادي في الخليج في القرن الخامس والسادس ميلادي والمصدر الوحيد الباقي هو الشعر الجاهلي، ولكن مثل هذه القلاع لعبت دوراً مهماً في الخلافة الأموية في سورية (في المنتصف الأول من القرن الثامن). تمّ تطبيق الحالة نفسها في الكوفة مع ملء المسافات البينية ببيوت المحاربين وساحة المسجد في الوسط.

الكوفة

كانت الكوفة في البداية قطاعاً نائياً من الحيرة، وتقع إلى الشمال الشرقي منها. تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن الاستيطان في الحيرة مع مرور الوقت انتقل من الجنوب

ص: 37


1- Whitcomb, 1996
2- Lecker, 1995.
3- Northedge, 2009

الغربي نحو الشمال الشرقي نحو موقع الكوفة، ولكن أسس هذه الفكرة لم تبرهن بشكل جيد، كما لا نعرف إلا القليل على أرض الواقع. تم وصف الكوفة من قبل اليعقوبي بثلاثة أميال من الحيرة ، وهذا هو على بعد 5.2كم ، والذي يبدو صحيحاً تقريبا(1).

على أي حال تأسست الكوفة سنة 17ه_ / 638م من قبل سعد بن أبي وقاص بطل معركة القادسية والتي جعلت العراق تحت سيطرة المسلمين بعد المعركة، كانت تعتبر المدائن عاصمة الساسانيين والمدينة الغربية الأنبار مليئة بالبعوض الذي هاجم معسكرات المسلمين بينما كانت هضبة الحيرة صحية أكثر . يوجد عامل آخر في اختيار الموقع لا تذكره المصادر وهو الحكمة من بناء المباني خارج الأراضي الزراعية على هضبة صحراوية.

لم نتمكن من المعرفة بشكل واضح بما كانت المدينة مبنية في حالاتها الأولى ولكن تشير الدلائل أنها كانت في الحالات الأولى مكوّنة من بيوت شعر وأكواخ مبنية من القصب، كل ما يصفه لنا البلاذري هو لبيت سعد كان يوجد باب من خشب وسور من قصب(2). ولكن البناء باللبن تم استخدامه باكراً أيضاً(3). وتم بناء المسجد بالطابوق المشوي سنة 670م.

إن أفضل وصف لبدايات الكوفة نجده في نص لسيف بن عمر(4).حيث وصف في نصه الكوفة بامتلاكها مسجداً في وسطها وقاعة للمصلين مبنية من المساحة المفتوحة كانت محددة بخندق. وفقاً لآخر الدراسات كان المسجد مكوناً من القاعة فقط بينما الساحة الخارجية كانت متعددة الاستعمال كمكان للصلاة وسوق.(5)تم تحديد الموقع بواسطة رمية سهم ( غلوة) بحوالي 240م بكل اتجاه(6). خارج ساحة

ص: 38


1- مراجعة 1990 North,edge لقياس الميل في سامراء.ستة أميال ساوت 10.4كم.
2- البلاذري .278
3- الحالة الوحيدة المعروفة لقسم مصر من القرن الأول الهجري السابع الميلادي والمنقب آثارياً في الفسطاط، عمل على تنقيبها Roland-Pierre Gayraud بعد 1985 (1998 Gayraud). هناك البناء كان على شكل أزفة ضيقة ومتعرجة مع مبانٍ صغيرة مبنية باللبن.
4- الطبري، ج1، 2482 - 2495.
5- Antun, 2006
6- هناك جدال فيما إذا كانت المسافة تشير إلى المربع المركزي أو المدينة ككل. غلوتان (480م) تبدو كثيرة للمربع المركزي ولكن ليستا كافيتين للمدينة بأكملها.

وسطية، يوجد خمسة عشر ( منهاجاً) أو شارعاً تفصل قطع أراضي القبائل، كل شارع بعرض أربعين ذراعاً ابتداءً من وسط المنطقة الوسطية. على طول المناهج الخمسة في الشمال تمّ إنزال القبائل سليم، ثقيف ،همدان بجيلة تغلب تيم اللات. وإلى الجنوب قبيلة الأسد، نَخَع، كندة ، الأزد. للشرق قبيلة الأنصار مزينة، تميم، محارب، أسد وعامر . وأخيراً للغرب قبيلة بجالة، بجلة، جديلة، جهينة. ولكن دون شك تمت بعض التغييرات لاحقاً، والقائمة من غير المرجح أن تكون كاملة.

في الأوقات الأولى استطاع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن يحشد كل قوات الكوفة لمحاربة معاوية الأموي 57000 مقاتل بينهم 40000 مقاتل بالغ و 17000 مقاتل شاب. لاحقاً كبر الرقم إلى 60000 - 70000 بإضافة العوائل وغير المقاتلين. حوالي سنة 23ه- / 643م أمر الخليفة عمر بن خطاب بعمل ديوان أو سجل للمقاتلين لتسجيل الرواتب (عطاء) والحق للحصول على حصص غذائية (الأرزاق).

تمّ ذكر عدد من منازل النخبة الساكنين فيها ويمكننا تخيلهم كمراكز لحاراتهم. كانت تسمى المخصصات بخطط أو مخصصات فردية بقطيعة والمسكن كان يُسمّى داراً بدلاً من قلعة. يذكر اليعقوبي قائمة لخمسة وعشرين داراً للنخبة من الممكن أن يكون اليعقوبي الذي عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري/ التاسع ميلادي، كان أكثر دراية بدور النخبة في بغداد وسامراء واستخدم مصطلح زمانه لبنايات كان نمطها أقرب إلى الحيرة. بالإضافة إلى عشرات من الفضاءات المفتوحة تدعى جبانة، ربما كانت تستخدم كمقابر قبلية ولكن كمكان للتجمع أيضاً. كما يوجد ساحة كبيرة للغرب من المدينة تدعى كناسة كانت تستخدم في البداية كمكب للنفايات ثم كسوق للحيوانات وللذبح ومكان لتفريغ القوافل.

قام زياد بن أبي سفيان سنة 50 - 53ه_ / 670 - 673م بعملية إعادة إعمار كبرى للمنطقة الوسطية. اليوم كشفنا المسجد والقصر فقط واللذين تم التنقيب عنهما بين الثلاثينات والسبعينات من القرن الماضي. على الرغم من أن هناك بعض الخلافات الأكاديمية، فإنه ليس من المستبعد أن الجدران الخارجية للمسجد تعود لتلك الفترة، جنباً إلى جنب مع جزء كبير من القصر. وفقاً للنصوص، تم بناء القصر في البداية على بعد مئتي متر من المسجد، ولكن في مشروع إعادة الأعمار تم الوصل بينهما. وفقاً

ص: 39

لعلماء الآثار ترتبط المرحلة الثانية من القصر إلى المرحلة الثانية من المسجد. ربما كانت المرحلة الأولى عبارة عن أساسات والمرحلة الثانية تمثل الجدران العلوية ويعود ذلك منطقياً لعهد زياد بن أبي سفيان في سنة 670م(1).

المسجد الحالي مربع تقريباً بطول 103م أي ما يعادل 200 ذراع سوداء(2). هناك

خمس دعامات،وسطية نصف دائرية على كل جانب ما عدا الشمال حيث يوجد ست دعامات، بالإضافة إلى الدعامات الركنية. والهدف من الدعامات الست بالتأكيد تأطير الأبواب الخمسة على الجانب الشمالي، على الرغم من أن هناك أيضاً دعامة سابعة مضافة في وقت لاحق لدعم المئذنة.اليوم،هناك مدخلان ضخمان على الجانب الشمالي ومدخل وحيد على الجانب الغربي.

عندما زار نيبور الكوفة سنة 1765م كان المسجد مدمراً ما عدا الجدران الخارجية. إننا نعتمد على نصوص القرون الوسطى لمعرفة شكل المسجد.يقول الطبري إن السقف كان على ارتفاع 30 ذراعاً (حوالي 15م) محمولاً على أعمدة حجرية من جبل الأهواز(3).

وفقاً لزيارة لابن جبير سنة 1184م، كان المسجد يقع إلى الشرق من المدينة. كان بجانب القبلة خمسة فضاءات مفصولة بأقواس تشبه الرواق ولكن بشكل طولي والباقي الجوانب تحتوي على رواقين الأعمدة مرصوصة من الداخل بالرصاص، بدون أقواس لتحمل السقف(4). المسجد على هذا الأساس كان مشابهاً لمسجد المتوكل في سامراء (مسجد الملوية)، من ناحية الأعمدة فهي تدعم بصورة مباشرة الجسور الحاملة للسقف الأفقي ولكن في سامراء الأعمدة كانت من الطابوق.

ص: 40


1- ليس هناك مرحلة رئيسية لاحقة من إعادة بناء المسجد والقصر المذكور في النصوص، والطراز المعماري للقصر هو قديم يعود للفترة الأموية. ومع ذلك، جونز (2003، ص417) وأنطون يعارضان هذا الاستنتاج على أساس أنه قبل عهد الخليفة عبد الملك، لم يكن هناك دولة مركزية لإطلاق هذا النوع من المشاريع (أنطون، 2006م). ومع ذلك، حالياً هناك أدلة للهندسة المعمارية تعود إلى عهد معاوية (40 - 60ه-/ 661 - 680م)، وهذه المسألة ليست مشكلة كبيرة.
2- الذراع السوداء كانت وحدة قياس شائعة الاستخدام في مرحلة الإسلام الأولى في العراق تتراوح التقديرات في الوقت الحاضر بين 8 51سم - 52.5سم للذراع (Northedge 1990)
3- الطبري ج 1 ، 2492.
4- ابن جبیر تحقیق De Goeje ، ص 211.

تم إعادة بناء المسجد لاحقاً في القرن التاسع عشر، مع صف من الإيوانات داخل الجدار الخارجي مؤخراً، تمّ إضافة قاعة للصلاة وأروقة. وتم بناء قبة ذهبية بأمر القاجاريين فوق مكان حادثة اغتيال الإمام علي(علیه السّلام)من قبل ابن ملجم سنة 41ه_/ 661م.

بنيت دار الإمارة(بيت الحكومة، قصر الإمارة في المصادر) خلف المسجد. تم تنقيب الموقع من قبل هيئة الآثار والتراث من 1938م إلى 1956م وثمّ في 1966 . ،1967م، واحتمال لاحقاً في السبعينات عندما تمّ إعادة تأهيل الجدران التي تم تنقيبها والتي كانت على ارتفاع متر واحد في السنوات الأخيرة، تم امتلاء الموقع بالماء، من المحتمل الفائض من مياه المدينة مما أدى إلى نمو طبقة من القصب. تمّ تنظيف الموقع سنة 2011 - 2012م وبدأت إعادة تأهيله ثانية. وللأسف جزء من المخطط الداخلي قد

فقد.

المخطط العام مربع بطول 168م مع جدار خارجي مفصول عن القصر الداخلي. يحتوي الجدار الخارجي على ست دعامات وسطية بين الأركان ومخرج في الشمال باتجاه زاوية المسجد الجنوبية شرقية، ومخرج آخر في الجانب الجنوبي(1). يوجد على جانب الجدار صف من الشقق، لكل شقة أربع غرف، يمكن تحديد أربعاً وعشرين شقة. طول كل ضلع للجدار الداخلي 110م مع أربع دعامات بين الأركان، ومدخل رئيسي من جهة الشمال المخطط الداخلي على شكل فناء مربع غير مركزي مع ثلاثة أواوين ثانوية وإيوان رئيسي للاستقبال، الذي كان يحتوي على قبو محمل على ركائز على النمط الساساني، ومدعوم بغرفة ذات قبة(2)خلف القبة على الجانبين الأيمن والأيسر كان يوجد سبع شقق تقريباً حول فناء خاص بهم(3).

ص: 41


1- استخدام جدار مزدوج هو شائع في العمارة الإسلامية العراقية، على سبيل المثال في قصر الأخيضر المسجد العباسي من سامراء.
2- استخدام الإيوان (قاعة مقببة مفتوحة) وغرفة مقببة أحد المعايير المعمارية المركبة المعروفة في العراق وإيران أول إيوان تم العثور عليه في آشور للقرن الثاني الميلادي.
3- تم هدم اثنتين لاحقاً في مرحلة إعادة البناء الثالثة.

رسم رقم 5

الصورة

الكوفة: خريطة لمجمع المسجد والقصر

Fig. 5: Kufa. Plan of the mosque and palace complex. Adapted from Creswell, Early Muslim Architecture.

إن استخدام الشقق(أي البيت)في عمارة البلاط الإسلامي المبكر هو من المعايير المعتادة من المحتمل كانت مخصصة لمختلف أفراد الأسرة، تشابه الحجرات المخصصة لزوجات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)والنساء الأخريات في بيته والمسجد في المدينة المنورة. في مرحلة لاحقة تمّ هدم شقتين على الجانب الغربي وبناء قاعة سقفها مبني على نظام العقادة وفقاً للمنقبين، تم تنفيذ إعادة تأهيل واسعة. تمت إعادة الزخارف بصورة كاملة بالجص الذي يعود للعصر العباسي(القرن الثاني / ثالث هجري

ص: 42

ثامن تاسع ميلادي). كما يوجد بعض الأدلة على استمرار الاستخدام لاحقاً حتى فترة متأخرة للعصر العباسي تقريباً في القرن السادس هجري / ثاني عشر ميلادي.وفقاً للنصوص، تم بناء سوق بالطابوق في عهد الحاكم الأموي خالد القسري في عقد 730 لاستبدال السوق السابق المفتوح في عهد الخليفة المنصور*تمّ الدفاع عن الكوفة بخندق سنة 155ه_ / 722م ، وبجدار حسب مصادر أخرى(1). هذه الدفاعات لم تكن ذات بناء قوي لعدم وجود أي أثر لهم في يومنا هذا.اليوم لا يوجد أي إشارة لحدود الكوفة في العصور الوسطى. تمّ نهب الكوفة من قبل القرامطة من البحرين في السنين 293ه_ / 905م و 312ه_ / 924م و 315ه_ / 927م ثم تضاءلت المدينة. في فترة زيارة الرحالة الأندلسي ابن جبير (81 – 578/ 5 - 1182)، انتقل الاستيطان باتجاه الغرب، أقرب إلى النجف بترك المسجد معزولاً خارج المدينة.

كانت الكوفة شبه مهجورة عند زيارة ماسينيون سنة 1908 و 1934م، ولكن كان يوجد بناء جديد قرب المسجد في صورة فوتوغرافية جوية سنة 1915م يمكن مشاهدة المسجد في حالة استخدام مع خان لاستقبال الحجاج إلى الجهة الغربية (لم يعد موجود حالياً). منذ ذلك الحين استمرت مدينة الكوفة بالتطور لتصل إلى شكلها الحالي اليوم.

أصل النجف

وفقاً للنصوص، تم دفن الإمام علي على بعد 10 كم خارج الكوفة في موقع يعرف اليوم بالنجف تمّ اكتشاف الموقع في فترة حكم هارون الرشيد سنة 175/ 791. يمكن للمرء افتراض أنه تم تحديده في منطقة صحراوية إلى الغرب من الكوفة(2). لم يكن الموقع من العادات الطبيعية لتلك الفترة. على سبيل المثال، الإمامان العسكريان تم دفنهما في بيتهما في سامراء(3)، والخلفاء العباسيون في سامراء دفنوا في قصر الجوسق(4).مقاتلو الكوفة دفنوا في الجبانة التابعة لقبيلتهم داخل المدينة. إن التفسير التقليدي هو إخفاء الجسد من الأمويين، الذين قد يحرقوه أو يرموه في نهر الفرات.

ص: 43


1- البلاذري، 280 ، الطبري، ج8، ص 561.
2- Musil, 1927, 35.
3- Northedge, 2012.
4- Northedge, 2005.

بعد اكتشافه،ووفقاً للبعض، تم بناء قبة عليه، وأصبح الشيعة مهمين أكثر، والدليل باختيار الرضا كولي عهد المأمون. والقصة صحيحة على الأغلب.

لاحقاً، ترك الخليفة المتوكل (232 - 248ه_ / 847 - 861م) مقاومة الخلفاء للمتطرفين السنة وخاصة أحمد بن حنبل. لم يوقف ذلك تطور الشيعة. أمر والي الكوفة داود العباسي سنة 886 ببناء صندوق للقبر. تبعه مشروع سنة 895 لبناء جدار، قبة ورواق (يعني فناء ذو أقواس)بأمر من محمد بن زيد الداعي (أمير طبرستان (884-900)(1).

مع ذلك،كان من غير الممكن أن يستمر التطور حتى تراجع القوة السياسية للخلافة العباسية، وخاصة خلال القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي. تم السيطرة على الحدود الصحراوية من قبل القبائل الشيعية. أحد الأمثلة على ذلك هو القرامطة الحسا(كانت تسمّى بالبحرين في العصور الوسطى)الذين نهبوا الكوفة والذين كانوا من القبائل شيعة في أول وصف للنجف كان لابن حوقل (ت 378ه_/ 988م)، تم وصف القبر كونه مغطى بقبة محمولة على أربعة أعمدة مبنية من قبل أمير الموصل أبي الهيجاء الحمداني (317ه_ / 929م)، وزيّنت بالسجاد والمعلقات. والأهم من ذلك هو سيطرة البويهيين الإيرانيين على بغداد سنة 334ه_/ 945م ، والشيعة أيضاً. قام عضد الدولة ببناء الضريح سنة 369ه_ / 979 - 980م والذي دفن بالأخير هناك.

إننا لا نعرف الكثير عن تطوّر النجف كمدينة لا بد أن الاستيطان كان ملاصقاً للقبر منذ المراحل الأولى، على الرغم من أن توسعها يعود للأغلب إلى القرن الرابع الهجري / العاشر ميلادي. ومع ذلك، وصف ابن جبير خلال رحلة الحج الكوفة سنة 580ه_ / 1184م ولكن بالكاد يذكر النجف ممكن لكونها كانت مستوطنة صغيرة في ذلك العهد القاموس الجغرافي لابن ياقوت (626ه_ / (1229م) يعطي بعض التفاصيل عن النجف بعكس الرحالة ابن بطوطة خلال رحلة الحج سنة 727ه_ / 1327م الذي يصف المدينة بصورة أغنى والوصف مشابه للمدينة اليوم تركنا القادسية، فنزلنا مدينة مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنجف، وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة من أحسن مدن العراق وأكثرها ناساً وأتقنها بناء ولها أسواق حسنة نظيفة دخلناها من باب الحضرة، فاستقبلنا سوق البقالين والطباخين والخبازين، ثم سوق الفاكهة ثم

ص: 44


1- الفرطوسي، مرقد وضريح أمير المؤمنين، 167.

سوق الخياطين والقيسرية(1)ثم سوق العطارين ثم الحضرة حيث قبر الذي يزعمون أنه قبر علي(علیه السّلام)، وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق(2)معمورة أحسن عمارة، وحيطانها بالقاشاني(3)وهو شبه زليج عندنا لكن لونه أشرق ونقشه أحسن».

من الواضح أن في القرن الرابع عشر أخذت النجف شكلها الحالي، تحت الأيلخانيين والجلائريين فأخذت الكوفة بالأفول لتستبدل بالنجف. لذلك وببطء عبر القرون، انتقل الاستيطان في شبه الجزيرة(المحصورة بين الفرات وبحر النجف)من الجنوب نحو الحيرة الى الشمال نحو الكوفة ومن ثم بتزايد نحو الغرب حول ضريح الإمام علي(علیه السّلام)في النجف.

ص: 45


1- عبارة عن سوق مسقف، حيث الملابس تباع عادةً.
2- المدرسة: مدرسة دينية لتدريس رجال الدين زاوية وخانقاه:مبانٍ للمتصوفين.
3- إشارة إلى أن الكاشي مصنوع المدينة الإيرانية قاشان.

التطوّر العمراني للمرقد الشريف

اشارة

تراث جميل اللهوف(1)

المقدمة

كانت المراقد نواة لعدد من المدن حول العالم، حيث كبرت هذه المدن وتطورت معمارياً لعدة قرون بالتزامن مع مراقدها لخلق هوية حضرية موحدة(2). يبدأ هذا التطور عندما يتم تحديد قبر الإمام ثم تبدأ الزيارة تنشط شيئاً فشيئاً يصاحبها تطور في المتطلبات الطبيعية من فضاءات وخدمات للزوار ثم شبكة طرق تربط الفضاءات فيما بينها بالإضافة إلى ربط المحيط الخارجي بالضريح مباشرة، وفي النهاية يتم بناء جدار خارجي لحماية المدينة من الهجمات الخارجية هذا التطور المتسلسل هو مثال لمعظم المدن الدينية في العراق وأمست مدينة النجف الأشرف المثال الأقدم على ذلك.

يمكن اعتبار مدينة النجف الأشرف باحتضانها لضريح الإمام علي(علیه السّلام)الأكثر قدسية في العراق بالنسبة للشيعة، وثالث أقدس مدينة بعد مكة والمدينة المنورة. وبمرور الوقت أصبحت مركزاً للعلم والثقافة. يقع الضريح الشريف في قلب المدينة

ص: 46


1- أتقدم بالشكر والامتنان للسيد البروفسور الأستاذ الستر نورثج لمساعدته القيمة في الإشراف على تعليمي الأكاديمي في السنوات الماضية وخاصة في رسالة الماجستير التي اعتمدت عليها لتقديم هذا البحث.
2- الموسوي العوامل التاريخية، ص 159.

القديمة. نلاحظ في صورة(رقم 1) بناء الضريح البارز في الوسط حيث معظم الطرق تتوجه نحوه وفي الحقيقة*هذا الضريح عبارة عن مجمع لعدة وظائف تطورت عبر الزمن لخدمة الزوار.يوجد اليوم حول المجمع فضاء مفتوح يفصله عن المدينة حيث لم يكن موجوداً حتى تم تنفيذ مشروع حضري كبير في منتصف القرن العشرين مما أدى إلى فصل العلاقة بين المدينة والمجمع والتي كانت متداخلة بصورة أكبر، كما نلاحظ في الصورة(رقم 2) الالتحام القائم بينهما .

صورة رقم 1

الصورة

النجف:صورة جوية تظهر المقام الشريف في وسط المدينة

Google Earth, 2009

ص: 47

صورة رقم 2

الصورة

النجف:صورة جوية تظهر المقام في وسط المدينة, 1919 National Army Museum, London انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

إن عمارة الضريح اليوم هي نتاج عدة مراحل تاريخية وهندسية متراكمة ومنسجمة حيث بدأ الجزء الداخلي بأخذ شكله الحالي بمشروع الشاه صفي سنة 1632م(1)ثم تبعه عدة مشاريع ترميم أشهرها كانت بأمر نادر شاه سنة 1743م(2)حيث تناوب عبر الزمن الخلفاء،الشاهات،السلاطين،الملوك، الولاة والحكومات(3)على القيام بعمليات الترميم والتطوير وبالتالي ببناء المجمع الموجود اليوم. تم تنفيذ هذه المشاريع بدون أي خطة شاملة، وهذا شيء طبيعي لأن المجمع متكوّن من عدة بنايات بنيت لأسباب وظيفية متنوعة وبأزمان مختلفة وبالتالي بطرز معمارية مختلفة، كما أن هذا الاختلاف أو التنوع مستمر، حيث وظيفة الضريح اليوم تم إعادة تعريفه مؤخرا حدث التعريف الأول في القرن السابع عشر حيث كان المرقد هو الجزء المقدس

ص: 48


1- الحكيم، المفصل، ج 1، ص 45.
2- الكاظمي، بشارات الإسلام، ص 135.
3- ابن الفوطي، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة.

في وسط بناية الضريح وجعل شكل الفناء الداخلي بالصورة الحالية، أما التعريف الثاني فتم إدخاله عن طريق المشروع الحضري بفصل المدينة عن المباني الملاصقة لهذا الفناء والتي بالنتيجة أعطت للمجمع الشكل الحالي. يقع المجمع اليوم ضمن مشروع حضري ومعماري ضخم عند الانتهاء منه، ستتضاعف المساحة الحالية إلى ثلاثة أضعاف وبالتالي يمكن اعتبار الوضع اليوم بمثابة تعريف جديد للكل من المدينة والمجمع.

المجمع اليوم

يزور مدينة النجف الأشرف نظراً لأهميتها الدينية، في كل سنة الملايين من المسلمين من العراق والدول المجاورة. يكون خط رحلتهم من المرور بالمدينة القديمة فالضريح وانتهاء بالقاعة الرئيسية حيث يوجد القبر الشريف. المجمع في وسط المدينة القديمة كما وأغلب الطرق الداخلية فيها موجهة نحوه ولكن المحور الرئيسي والأقدم فيها هو القادم من الكوفة باتجاه المرقد لاحظ صورة رقم (3).

هذا المحور هو عبارة عن سوق مسقوف يحوي محلات تجارية على كلا جانبيه ويسمى حالياً بالسوق الكبير بعد دخول المدينة واختراق السوق الكبير،يصل الزائر إلى فضاء خارجي مفتوح يحيط بالمجمع أو الضريح من جميع جهاته. يوجد فيه حالياً مسقفات مؤقتة تستعمل كمساحات لاستراحة الزائرين وإقامة الشعائر واستيعاب الأفواج الزائرة في المناسبات. ثم يصل إلى جدار خارجي ذي شكل رباعي تخترقه خمسة مداخل رئيسية. المساحة الكلية للمجمع 13240م2(1)متكون من عدة بنايات متصلة لتكوّن الشكل الإجمالي. هذه المباني توفر فضاءات وظيفية لخدمة الزوار وموظفي المرقد الشريف بالإضافة إلى فضاءات أخرى ثقافية ودينية.

ص: 49


1- جميع الأطوال والقياسات والوصف مبني على دليل العتبة العلوية الصادر سنة 2012م وعلى القياسات والملاحظات التي تم أخذها من قبل الكاتب عند زيارته للمرقد الشريف سنة 2012م.

صورة رقم 3

الصورة

موقع الضريح في مدينة

النجف الأشرف القديمة

الشوارع الرئيسية

الضريح

التوسعة الجديدة السوق الكبير

منطقة الفصل

عداد تراث جميل التهوف

الموقع المركزي للحرم الشريف في وسط مدينة النجف انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

هذه المباني تنقسم وظيفيّاً وفيزيائيّاً إلى قسمين؛الانقسام الفيزيائي متكون بسبب الساحة الداخلية المحيطة بالضريح من جميع جهاته ما عدا الجهة الغربية، والتي يصل إليها الزائر بعد عبور إحدى المداخل الخمسة، بينما الانقسام الوظيفي يتمثل بين الجدار والضريح باحتواء الأخير على القبر الشريف. بينما الوظائف الثانوية تكون ملتصقة بالجدار الخارجي والمتمثلة بالمساجد، مدرسة،مكتبة وغرف دفن إضافة إلى الغرف الإدارية. صورة رقم (4).

ص: 50

صورة رقم 4

الصورة

المقياس

1/300

مخطط الوظائف في الضريح

مسجد عمران بن شاهين

مسجد الخضراء

مسجد الرأس

ايران العلماء و إيران الميزاب

المكتبة

غرف متعددة الوظائف

الفناء

الموقد

غرف الدفن

المدرسة القروية

صالة الضيوف

اعداد تراث جميل اللهوف

مخطط الضريح من محفوظات المكتب الهندسي للعبة

النجف: صورة المخطط للمقام الشريف يظهر الوظائف الثانوية الملتصقة بالجدار الخارجي انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

الجدار الخارجي

يصل ارتفاع الجدار إلى 12.5م وهو مزخرف من الخارج بأشكال هندسية تتشكل من الطابوق المطعم بالطابوق المزجج الأزرق، في الحقيقة تعتبر الزخارف حديثة نسبياً حيث لم نجد لها وصفاً واضحاً في المصادر القديمة، ويعود السبب في الغالب إلى التصاق المرقد بصورة مباشرة بالنسيج العمراني المحيط به. الجدار مزوّد بإزار بارتفاع متر واحد من الرخام الأحمر القاتم. أما باقي الجدار فمقسم بصورة عمودية بزخارف على شكل مستطيل بارتفاع 9 م وبعرض 2م وفي كل مستطيل يوجد تصميم زخرفي على شكل إيوان ذي واجهة مزخرفة بالطابوق الأزرق المزجج والمشكل لكلمة «الله» والتي تتكرر بزاوية 45 لتغطي معظم الواجهة. يوجد فوق المستطيلات شريط مزخرف على

ص: 51

شكل مقرنصات(1). إن طول الجهات الأربع للجدار من الخارج هو 447م(2)أما من الداخل فتتراوح بين 77.75م و 84.5م(3). بينما عمق الجدار فمتغير حسب مكان تواجده ونوع المبنى المكون له.

يتكوّن الجدار من الداخل من طابقين،متمثلين بصفين من الإيوانات الأفقية التي يفصل بينهما نظام تهوية يحتوي على قنوات توصل الهواء البارد نسبياً إلى الغرف الواقعة خلف الإيوانات.هذه الأخيرة موزعة على الجهات الأربع للجدار حيث يوجد ثلاثة عشر لكلا الجهتين الشمالية والجنوبية وثمانية في الجهة الغربية؛ أربعة في كل جهة على جانبي المرقد بينما في الجهة الشرقية يوجد أربعة عشر إيواناً.

بصورة عامة، تتشابه الإيوانات من حيث القياسات والزخارف، باستثناء خمسة بينهم. عرض كل إيوان هو 4.2 م والعمق 2.1م والارتفاع في أعلى نقطة في القوس هو 4.75م وترتبط هذه الإيوانات مع غرف وراءها بأبواب خشبية بارتفاع 2م وعرض .0.9م. يوجد فوق الباب نافذة مقوسة تتخذ شكل قوس الإيوان نفسه. بعض هذه الغرف تحتوي على سلالم توصل إلى الطابق الثاني الإيوانات الخمسة الأخرى هي أكبر وعادة ما تعكس نوعاً مختلفاً من الوظائف مثل مدخل أو مسجد، على سبيل المثال، إيوان مسجد عمران بن شاهين ذو ارتفاع 6.88م وعمق 1.95م هذا الإيوان مكون من واجهة خشبية مزينة بزخارف هندسية. أما باقي الإيوانات فزينت بالكاشي الكربلائي.

هذا الكاشي المسمى سابقاً بالقاشاني كان يصنع في مدينة قاشان في إيران ومن ثم بدأ تصنيعه في العراق وعلى وجه التحديد في كربلاء، ومع الوقت أطلق عليه اسم الكربلائي. يكون كل لوح مزججاً بالأزرق بصورة عامة ومطعماً بألوان مختلفة، كما

ص: 52


1- المقرنصات ومفردها المقرنص من عناصر العمارة الإسلاميّة المميّزة لها. يشبه المقرنص الواحد - إذا أُخذ مفصولاً عن مجموعته - محر عن مجموعته - محراباً صغيراً، أو جزءاً طولياً منه وهو ذو أنواع وأشكال متعددة، ولا يُستعمل إلا متكاثراً متزاحماً بصفوف مدروسة التوزيع والتركيب، متجاورة متعالية، حتى لتبدو كلّ مجموعة من المقرنصات وكأنها بيوت النحل أو أقراص الشهد.
2- إن الأطوال من الخارج هي وحسب الترتيب ،شمال، جنوب، شرق والغرب) 118.5م، 97م، 119م و 120.5م
3- الأطوال من الداخل هو 77.75م ، 77.75م، 84.5م و 81.5م.

ويتم ترتيب عدة قطع لإظهار تصميم أو زخرفة موحدة. كما في الفسيفساء وعادةً ما تكون هذه الزخارف النباتية أو / وهندسية متكررة في أنماط مختلفة.

فوق الجزء العلوي من الطابق الثاني من الايوانات يوجد شريط من الكاشي ذو لون أزرق يحوي آيات من القرآن الكريم مكتوبة باللون الأبيض. يبدأ الشريط من الجانب الأيمن العلوي من المدخل الرئيسي من الداخل وينتهي على الجانب الأيسر من المدخل نفسه بعد إكماله دورة كاملة(1).

يوجد فرق بين الإيوانات العلوية والسفلية وهو أن المجموعة الأولى زينت تماماً بالكاشي الكربلائي بالألوان الأصفر والأزرق في حين تم تزيين المجموعة السفلى بالرخام الأبيض إلى ارتفاع 1.5م،وتمّ تغطية البقية بالكاشي الأبيض المرصع مع الكاشي الكربلائي. بالإضافة إلى ذلك، يوجد درابزين الحماية في الإيوانات العلوية وهو مصنوع من خشب الساج إضافة إلى الأبواب الخشبية ونافذة مقوسة تقع في كل إيوان في منتصف واجهته كما في المجموعة السفلى.

المداخل الرئيسية

هناك خمسة مداخل رئيسية للمجمع. تعود هذه المداخل إلى أوقات بناء مختلفة. وتتكون عموماً من العناصر نفسها الجزء الخارجي، والذي يكون على شكل إيوان مزخرف بكثافة عالية مع مساحة مستطيلة على جانبي الإيوان. الممر عادةً ذو زخرفة أقل كثافة بكاشي ملون بالأساس بلونين أو ثلاثة السقف محمول على عدة أقواس قد تحمل قبة أو اثنتين وتستخدم جدران هذه الممرات أحياناً كغرف تحتوي على قبور العلماء الدين أو شخصيات مشهورة. الجزء الداخلي يتكون عادة من إحدى الإيوانات في الفناء الداخلي. عندما يكون المدخل مهماً يتخذ الإيوان حجماً أكبر مشابهاً للإيوان

الخارجي.

باب الطوسي

يقع في الجانب الشمالي من الجدار، سمي على اسم عالم الدين محمد بن

ص: 53


1- السور المخطوطة فيه بالترتيب التالي: الحجرات، النبأ، المزمل ،القدر، الإنسان، الفجر والملك.

الحسن الطوسي(1)المتوفى سنة 1067م. يتكون المدخل من الخارج من إيوان كبير ذي ارتفاع 12.5م مغطى بالكاشي الكربلائي إضافة إلى جانبي الإيوان من الجدار الخارجي. الباب مكون من مصراعين مصنوعين من خشب الصاج يقعان في منتصف الإيوان بارتفاع 4.7م وعرض .34م فوق الشريط الكتابي يوجد قصيدة على شرف الإمام علي بخط أبيض على خلفية القاشاني الأزرق تتبعه نافذة خشبية مقوسة مقسمة إلى ثلاث نوافذ صغيرة مزينة بزخارف هندسية، وببعض الآيات من القرآن الكريم بالخط الكوفي.

يقع جميع ما ذكر تحت قوس رائع زُيّن جانبه العلوي بمقرنصات جميلة تشكل الإيوان بأكمله. يوجد فوقه شريط من القاشاني يحوي آيات من القرآن الكريم بالخط الكوفي. طول الممر خلف الباب ،19م بعرض 3.85م وارتفاع 5.3م. سقفه محمول على قوسين بارزين مقسم إلى ثلاثة أقسام، القسم الوسطي يتكون من المقرنصات التي تحمل قبة مضلعة جزء من جدار الممر مصنوع من خشب الصاج مفتوح فيه نوافذ لقبور بعض علماء الدين. أما باقي الممر فهو مغلف بالكاشي الملون بالأبيض والأخضر والبيج. من جهة الفناء، المدخل، هو على شكل قوس يتكون من إيوان واحد، على الجانب الأيمن هناك نقش لقصيدة على شرف الطوسي كما تم إنجاز مشروع في عام 1953م لتوسيع الممر(2).

باب الساعة

وهو المدخل الرئيسي للمجمع، واسمه الباب الكبير ومدخل الإمام المهدي أيضاً. يقع في الجانب الشرقي من الجدار أمام السوق الكبير. أهم عنصر يميز هذا الساعة أعلاه، وهو سب- وهو سبب التسمية المدخل على شكل إيوان كبير المدخل هو برج بارتفاع الجدار نفسه. زينت حدوده على شكل ثلاث ضفائر من كلا الجانبين تلتقي في الجزء العلوي من القوس في الوسط، هناك باب مزدوج خشبي ذو ارتفاع 3.9م وعرض .3.1م. في الجزء العلوي من الباب يوجد قوس صغير مغطى بالكاشي الأزرق منقوش عليه بالأبيض أحاديث نبوية. فوق ذلك، هناك شريط من الكاشي الكربلائي الذي يقسم

ص: 54


1- الحكيم، المفصل، ج 1، ص 134.
2- المصدر السابق نفسه، ج 1، ص 135.

زخرفة الإيوان إلى قسمين.في منتصف الجزء العلوي يوجد نافذة خشبية مقسمة إلى ثلاثة أجزاء ومزينة بزخارف هندسية حول هذه النافذة هناك شريط كتابي بآيات من القرآن الكريم في شكل قوس كما ينتهي الإيوان في الجزء العلوي على شكل مقرنصات جميلة. تمت تغطية الإيوان كله بالكاشي الكربلائي بالإضافة إلى مستطيلات عمودية على كلا جانبي الإيوان.في الجزء العلوي من المدخل يوجد زخرفة كتابية لآيات من القرآن الكريم. طول الممر هو 6.4م يتشكل سقفه من مقرنصات تدعم قبة في الوسط وزخرفتها ذات جودة عالية من الكاشي الكربلائي. الجدران على الجانبين مصنوعة من الخشب ذات فتحة نحو غرفة لدفن علماء الدين.المدخل من جانب الفناء على شكل الإيوان كبير مماثل للإيوان الخارجي مع اختلاف الآيات المكتوبة وشكل القوس الأكثر تديباً.

باب مسلم بن عقيل

تمّ تسمية هذا المدخل باسم ابن عم الإمام حسين.يقع على الجانب الشرقي من الجدار على بعد بضعة أمتار إلى الشمال من مدخل الساعة. ويرجع تاريخ بنائه إلى سنة 1836م(1).

المدخل بسيط بالمقارنة مع غيره مستواه أكثر انخفاضاً بعدة درجات من المستوى الخارجي. الباب مصنوع من خشب الساج بارتفاع 4 م وعرض 3.3م فوقه يوجد قوس،حافته مزخرفة على شكل ضفيرة وفي الوسط مزخرف ببعض الآيات القرآنية. ارتفاع واجهة المدخل الكلية 6م مغطى بالكامل بالكاشي الكربلائي فضلاً عن جانبي المدخل فوق هذه الواجهة يوجد شريط من الكاشي الأزرق مكتوب عليه باللون الأبيض بعض الآيات القرآنية فوق الشريط يوجد زخرفة بالطابوق على شكل قوس إضافة إلى زخرفة كتابية ملونة بالأخضر والبيج. أما باقي الواجهة فهي جزء مكمل للجدار الخارجي طول الممر 8.9م وعرضه .3.7م السقف يرتكز على ثلاثة أقواس،مزخرف بمقرنصات بين كل قوسين.السقف وجدران الممر مغطاة بالكاشي الكربلائي باستثناء الجزء السفلي من الجدار الذي تمّ إكسائه بالرخام الأبيض.

ص: 55


1- محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، ج 1، ص 63.

باب القبلة

يقع المدخل في وسط الجانب الجنوبي من الجدار وهو الجانب الأقرب إلى اتجاه القبلة، مقابل أحد الشوارع الرئيسية في المدينة القديمة في تاريخ ذُكر بعد بيت شعري تمّ تأريخ إعادة تأهيل الباب سنة 1874م(1)، وبعد آية تسبق هذا التاريخ يؤرخ مشروع إعادة تأهيل سنة 1809م. الباب ذو مصراعين مصنوع من خشب الساج بارتفاع 4.3م وبعرض 3.5م والواقع في منتصف الإيوان فوق الباب، توجد نافذة مقوسة خشبية مزينة بزخارف هندسية حولها آيات قرآنية على شريط من الكاشي الأزرق والأبيض يأخذ شكلها الخارجي. الإيوان ينتهي بمقرنصات جميلة، وهو مغطى كذلك بالكاشي الكربلائي إضافة إلى جانبي الباب والمتكون من الشرائط العمودية. في الجزء العلوي من المدخل يوجد شريط كتابي يحوي آيات من القرآن الكريم على الكاشي الأبيض والأزرق يرجع تاريخها إلى عام 1960م . طول الممر وراء الباب 8.8م وعرضه 4م تحتوي جدرانه الجانبية على واجهات خشبية تتخللها نوافذ لقبور علماء الدين. يقوم السقف على قوسين مزينين بمقرنصات تدعم قبة بينهما.وتمّ إكساء القبة والمقرنصات بالكاشي الكربلائي ذي اللون الأخضر والأبيض، أما باقي الممر فتم إكسائه بالكاشي الأبيض المطعم بالكاشي الكربلائي.

باب الفرج

يقع هذا المدخل في الجهة الغربية من الجدار،خلف الإيوان الثاني من جهة الفناء.يعتقد بأن هذا المدخل هو آخر مدخل تمّ إنشائه سنة 1862م(2). ويسميه النجفيون باب العمارة نسبة إلى محلة العمارة التي تقابله والتي تم تدمير جزء كبير منها لإنشاء مبانٍ لخدمه السياح، إلى أن تم استبدال هذا المشروع بمشروع توسعة المرقد الشريف حيث ستصبح المساحة الكلية ثلاثة أضعاف المساحة الحالية. المدخل مشابه لمدخل القبلة مع اختلاف في الزخارف والكتابات. الباب ذو مصراعين مصنوعين من خشب الساج بارتفاع 4.3م وبعرض 3.2م والواقع في منتصف الإيوان. فوق الباب يوجد بيتان من الشعر مع عام 1971م وفوق هذه الأبيات نقشت على شريط من القاشاني باللون الأبيض والأزرق آية من سورة البقرة. فوق الشريط يوجد نافذة خشبية طويلة

ص: 56


1- محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، ج1، ص 58 - 59 .
2- دليل العتبة العلوية 2012م، ص 46.

ومقوّسة في أعلاها،مقسمة إلى ثلاثة أقسام ومزخرفة بزخارف هندسية.حولها آيات قرآنية مكتوبة على شريط من القاشاني الأزرق والأبيض يحيط بالنافذة ويأخذ شكلها الخارجي. أما في أعلى الإيوان فتتحد خمسة أقواس لتشكل مقرنصات رائعة الجمال عامة. تمّ إكساؤها بالقاشاني الكربلائي كباقي واجهة الإيوان وجانبي المدخل بصورة ع- يمكن ملاحظة اختلاف في ألوان القاشاني في الجزء السفلي من المدخل، فعلى ارتفاع خمسة أمتار يكون اللونان الأبيض والأزرق طاغيين وأكثر مقارنةً بالجزء العلوي واللذين يتوازنان مع اللون الأصفر المخضر.

الفناء أو الصحن الداخلي

الفناء هو الفضاء المفتوح بين الجدار الخارجي والمرقد، مساحته الكلية 4219م2 ويحيط بالمرقد من جميع الجهات ما عدا الجهة الغربية. معدل عرضه 21م وطول الجانب الشمالي والجنوبي 77م أما الجانب الشرقي 88 م. تبعاً للمؤرخين، كان الفناء منطقة للدفن حتى أصبح من الصعب عبوره للوصول إلى الضريح. لذلك في سنة 1791م، أمر السيد محمد مهدي بحر العلوم بتسوية أرضية الفناء ورصفها بالحجر وعمل سراديب لدفن القبور(1).تم تمويل المشروع من قبل مير خير الله الإيراني ( يعتقد أن المتبرع كان يعمل تاجراً في مدينة طهران)(2)والذي نقش اسمه وتاريخ العمل على صخرة لتأريخ المشروع كانت موضوعة في الجانب الأيمن من الخارج من باب الساعة ولكن فقد أثرها بسبب مشاريع التأهيل التي حدثت فيما بعد(3). في عام 1897م تم إعادة تأهيل الفناء والسراديب بأمر السلطان عبد الحميد الثاني (حكم 1876 - 1909م )(4)وخلال هذا المشروع تمّ الكشف على عدة قبور السلاطين دفنوا بالفناء. وتم إعادة تأهيل الفناء سنتي 1934م وفي 1950م ثمّ تمّ إكساء جزء من الفناء بالرخام من قبل طاهر سيف الدين سلطان طائفة البهرة(5)(1888 - 1965م). وفي سنة 1952م قامت الحكومة العراقية بتغطية تكاليف إكساء

ص: 57


1- ماهر مشهد الإمام علي في النجف، ص 159.
2- الحكيم، المفصل، ج 1، ص 126.
3- دليل العتبة العلوية ،2012م ، ص 56.
4- ماهر المسعودي، الحكيم ؟؟.
5- الداعي المطلق للطائفة الداودية.

باقي الفناء (1). وفي سنة 1981م استبدل بالرخام الإيطالي وتبعه مشروع أخير سنة 2009م بإبداله بالرخام الإيطالي ذي الجودة العالية(2)إن اغلب الرخام مفروش في الأيام المشمسة بالسجاد لإقامة الصلاة حيث يتسع الفناء ل_ 4000 مصل وفي باقي الأوقات يستطيع الزوار الاستراحة والاسترخاء والتمتع بوجودهم قرب الإمام علي(علیه السّلام).

بالإضافة إلى ما يقدمه الفناء كفضاء متعدد الاستخدام للزوار، له دور مهم بالبيئة الداخلية للمجمع، حيث يعتبر أحد العناصر الرئيسية لتبريد الهواء فيه. حيث تم بناء المجمع على نمط العمارة التقليدية في المدينة والتي تطورت لإيجاد حلول في بيئة شديدة الحرارة. حيث ترتفع درجة حرارة الفناء بسبب الشمس قبل باقي المجمع، مما يؤدي إلى ارتفاع الهواء الحار بعملية الحمل ساحباً الهواء البارد من المناطق المظللة المحيطة به. ويتم توزيع هذا الهواء البارد عبر قنوات لإيصاله إلى الغرف والممرات(3). ولكن وللأسف ففصل المجمع عن المدينة أدى إلى خفض تأثير هذا العملية مؤدياً إلى ضرورة استخدام الحلول الميكانيكية لتوفير بيئة مناسبة.

المباني الداخلية خلف الجدار والمكونة له

مسجد أو رواق عمران بن شاهين

يقع المسجد في الجانب الشمالي للجدار إلى يمين الداخل من باب الطوسي، . وهو أميريرجع تاريخ إنشائه إلى القرن العاشر وتم بناؤه من قبل عمران بن شاهين(4)من العراق أسس الدولة الشاهينية في الأهوار جنوب العراق بفترة موازية لفترة حكم البويهيين. يحتوي المسجد على مدخلين، الأول يقع في الجانب الأيمن لممر مدخل الطوسي وهو مغلق بصورة عامة ويعتبر مدخلاً ثانوياً، أما المدخل الثاني فهو من جهة الفناء الداخلي حيث يقع في وسط واجهة إيوان كبير بارتفاع 11.4م، وبعرض 6.88م وعمق 1.95م مغطى بالكامل بالقاشاني الكربلائي ما عدا واجهته المصنوعة من

ص: 58


1- محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، ج 1، ص 89 - 90.
2- دليل العتبة العلوية 2012م، ص 166.
3- العميد التخطيط الحضري للمدن العربية، ص184.
4- ابن طاووس، فرحة الغري 170-169.

الخشب التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام أفقية؛ الجزء السفلي يحتوي على باب في الوسط ذي مصراعين بارتفاع 2م وعلى جانبيه يوجد نافذتان في كل جهة ذات ارتفاع مطابق لارتفاع الباب.الجزء الوسطي يحتوي على خمس نوافذ مقوسة. في الأعلى تكون الوسطية هي أوسع قليلاً بالنسبة لباقي النوافذ ويوجد فوقها نافذة سادسة. باقي الواجهة زخرفت بأشكال خشبية بارزة قليلاً.

مساحة المسجد من الداخل 216م على شكل مربع تقريباً يحتوي على أربعة أعمدة عظيمة تتوزع في وسط القاعة تدعم هذه الأعمدة أربعة أقواس ترتكز عليها قبة المسجد.في الجدار الشمالي يوجد إيوان كبير يحاكي إيوان المدخل.تحصر الأعمدة الأربعة بينها وبين الجدران أربع غرف،تحتوي التي في الجانب الجنوبي الغربي على قبر لعالم دين.السقف وجميع الجدران مغلفة بالكامل بالطابوق. هذا التغليف تمّ إعادة تأهيله وصيانته ضمن مشروع الصيانة للمرقد ككل سنة 2007م بالإضافة إلى إزار الجدران الذي يصل إلى ارتفاع 1.5م من الرخام.يرجّح بعض المؤرخين أن بناية المسجد هي في الأصل رواق كان يصل إلى بناية الضريح تقريباً، وفي القرن السابع عشر تمّ تغييره إلى مسجد ضمن مشروع الشاه عباس الأول حيث تم تدمير جزء من البناية وإضافتها إلى الفناء ليأخذ الشكل الحالي (1).

المدرسة الغروية

تقع البناية في الجهة الشمالية الشرقية من الجدار، وكانت تستخدم كحسينية، ولكن في خلال مشروع إعادة تعمير البناية سنة 2006م،تم تقديم دراسة من قبل السيد أحمد حسين الأزيرجاوي نائب الأمين العام للعتبة تثبت أصل البناية كمدرسة قديمة تمّ تخطيطها في فترة مشروع الشاه عباس الأول نفسها بناءً على ذلك تم إعادة افتتاحها كمدرسة دينية سنة 2009م لتصبح إحدى معالم مدينة النجف التعليمية ومركزاً للمحاضرات(2). مدخل المدرسة عن طريق الإيوان الثالث للجانب الشمالي من الجدار، أما البناية فقد تم إعادة تعميرها بصورة كاملة، تتكون اليوم من طابقين وآخر

ص: 59


1- ماهر مشهد الإمام علي في النجف، ص 150-151 محبوبة ماضي النجف وحاضرها، ج1، ص 100 - 102.
2- إدارة العتبة العلوية / الدائرة الهندسية.

تحت مستوى الأرض كل طابق عبارة عن مساحة مفتوحة ذات شكل شبه مستطيل تتخلله أعمدة من الرخام الأبيض تدعم السقوف وهي مزينة بالجبس الأبيض على شكل أقواس وأشكال هندسية.

مسجد الرأس أو رواق أبي طالب

يقع هذا المسجد في الجانب الغربي من الجدار وهو ملاصق لبناية الضريح من الجهة الشرقية. يعود تاريخ إنشائه إلى الإيلخانيين، وتم تأهيله عدة مرات من قبل الشاه عباس الأول(1588 - 1629م)، والسلطان نادر شاه (1736 - 1747م) والسلطان عبد الحميد (1876 - 1909م)(1). وخلال ترميم سنة 1888م تم طلاء الجدران وصناعة منبر من الرخام الأبيض. أما محراب المسجد فهو عبارة عن صخرة قديمة مكتوب عليها بالحروف البارزة، وسطح الصخرة مزين بالقاشاني وهو ذو بريق في المشروع الأخير سنة 2006م تمّ إعادة بناء المسجد بصورة كاملة وإضافة مساحة للمسجد القديم لتصبح المساحة الكلية 1200م مربع. خلال هذا المشروع تم تدمير البناية القديمة وجزء من بناية التكية التي كانت تقع إلى شماله. تمّ كذلك رفع الساباط وهو ممر كان يفصل بين الضريح ومسجد الرأس المصنوع من الخشب، ثم جمعت كل المساحات الجديدة في بناية المسجد الجديد. إن بناية التكية كانت تستخدم من قبل الطائفة السُّنية أيضاً لإقامة الصلاة وللدراسة كذلك، طوال فترة حكم العثمانيين للمدينة(2).

قاعة المسجد على شكل مستطيل ارتفاعها الداخلي 12م،تحتوي على 24 عموداً من المرمر تدعم السقف كل عمود يتكون من ثلاثة أجزاء، القاعدة عبارة عن مكعب من الرخام يرتكز عليها البدن المكون من أربع قطع أسطوانية، والتاج على شكل مكعب مزين باسم من أسماء الله الحسنى على كل جهة من جهاته الأربع باللون الأبيض على قاشاني أزرق، حيث نمّ تصميم نقاط الارتكاز على شكل مقرنصات. فوق كل أربعة أقواس يوجد قبة ليصبح العدد الكلي للقبب هو 14 قبة والعدد يمثل الرسول وابنته فاطمة الزهراء والأئمة الاثني عشر(علیهم السّلام). كل قبة تفتح بشكل جزئي لتعمل على إدخال الإنارة والتهوية الطبيعية؛هي مزخرفة من الداخل بزخارف هندسية بالمرايا كباقي

ص: 60


1- محبوبة، ماضي النجف وحاضرها ، ج 1 ص 103.
2- ماهر مشهد الإمام علي في النجف، ص156.

الجدران وأسقف المسجد. يجدر الإشارة إلى أن مسجد الرأس كان يختص بأهل السنة الصلاة الجمعة والعيدين إلى فترة خروج العثمانيين من العراق.

مسجد الخضراء

تقع بناية مسجد الخضراء في الجهة الشمالية من الضلع الشرقي للجدار، وتعتبر إحدى أقدم البنايات في المرقد أيضاً(1). قامت الحكومة في سنة 1949م خلال مشروع توسيع الشارع المحيط بالمرقد بتدمير ثلث البناية الحالية بالإضافة إلى منازل،قبور وأقدم حمامين في المدينة، ومن ثم تمّ إعادة بناء الجزء المتبقي بأمر من السيد الخوئي لكي يصبح مسجداً ومكاناً للدراسة إلى أن تم إغلاقه فيما بعد من قبل الحكومة في ظل حجة«إعادة التأهيل»(2).

للبناية اليوم مدخلان الأول من الخارج في الجهة الشرقية من الجدار، والثاني يقع في الإيوان الثالث إلى اليمين من مدخل مسلم بن عقيل عبر المرور بغرفة قبر السيد أبي القاسم الخوئي. المدخل الأول يؤدي إلى فضاء مفتوح شبه مربع بمساحة 187م2 يستخدم جزء منه كأماكن للوضوء، وإلى يسار المدخل توجد قاعة الصلاة بمساحة 166م2 تحتوي على محراب نقش بالآيات القرآنية وزخارف بأشكال هندسية تعود إلى سنة 1965م و 1966م. أما على الجدار الفاصل بين المسجد وقبر السيد الخوئي فقد نُقش على القاشاني الكربلائي أبيات شعرية وآيات قرآنية. تم إعادة افتتاح المسجد سنة 2006م بعد أن تم ترميمه بأمر من السيد السيستاني(3).

المكتبة

كان المرقد الشريف ومنذ إنشائه مركزاً للمحاضرات والحلقات الدراسية لذا أصبح وجود مكتبة من الضروريات. إن الذكر الأول الذي يمكننا تعقبه تاريخياً يعود إلى عهد عضد الدولة البويهي (المتوفى سنة 982م)ويذكر المكتبة ابن طاووس المتوفى سنة 1265م في كتابه الإقبال.كما وتم إعادة افتتاحها بعد احتراق المرقد سنة 1354م.

ص: 61


1- محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، ص 110.
2- الخراسان، مساجد ومعالم، ص30.
3- إدارة العتبة العلوية.

وازدهرت وتوسعت بعد ذلك في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر(1). وكما تم إعادة افتتاحها سنة 2005م بعد التأهيل بصورة كاملة.

تقع بناية المكتبة الحالية في الجهة الغربية من الجانب الشمالي للجدار، ولها مدخلان الأول للخارج إلى اليسار من مدخل الطوسي والثاني من خلال الإيوان الثاني من جهة الفناء في الضلع الشمالي. تتكون المكتبة من ثلاثة طوابق إضافة إلى طابق تحت مستوى الأرض. يستخدم الطابق الأرضي والطابق تحت مستوى الأرض للتخزين وغرف خدمية للمنتسبين، بينما يحتوي الطابق الأول على قاعة المطالعة للرجال ورفوف لحفظ الكتب، أما الطابق الثاني فيحتوي على قاعة المطالعة للنساء والمكتبة الصوتية المجهزة بصورة كاملة والتي تحتوي على أرشيف عظيم لمحاضرات ودروس حوزوية.

العناصر المعمارية للفناء

إيوان العلماء

تم تسميته بإيوان العلماء نسبة إلى العدد الكبير من علماء الدين المدفونين تحته(2). يقع الإيوان في الجهة الشمالية لجدار الضريح مقابل إيوان مسجد عمران بن .شاهين ارتفاعه الكلي 10.35م وعرضه 4.5 م بينما عمقه .3.25م. صُمِّمت أطرافه على شکل ضفيرتين تبدآن من مزهريتين صغيرتين عند القاعدة. بين الضفيرتين توجد مسافة حوالي نصف متر تمّ نقش آيات من الذكر الحكيم في الجزء العلوي منها، أما الباقي فقد تم تغطيته بالقاشاني الكربلائي كباقي واجهة الإيوان في وسط الواجهة يوجد شريط من القاشاني الأزرق نُقش عليه باللون الأبيض آيات من القرآن الكريم وتحيطه من الأعلى والأسفل أبيات شعرية مخطوطة باللون الأزرق والأصفر. يقسم هذا الشريط واجهة الإيوان إلى قسمين الجزء السفلي يحتوي على نافذة مستطيلة محمية بشبكة من القضبان الأفقية والعمودية مصنوعة من الفضة، أما في الجزء العلوي فتوجد نافذة مقوسة خشبية صماء مزخرفة بصورة كاملة بأشكال هندسية محاطة بأبيات شعرية

ص: 62


1- محبوبة،ماضي النجف وحاضرها، ص148 - 152.
2- المصدر نفسه، ص 90 - 93.

منقوشة على قاشاني باللون الأبيض والأخضر. إن نهاية الإيوان في الأعلى تتشكل من خمسة أقواس تتحد لتشكل مقرنصات.تم إنشاء الإيوان في فترة الشاه عباس الأول وتم تجديده في مشروع نادر شاه سنة 1745. لذلك يعتبر كاشي الإيوان الأكثر أهمية في المرقد الشريف لأنه الكاشي الوحيد الذي يعود إلى هذا التاريخ(1).

إيوان الميزاب الذهبي

يقع هذا الإيوان في الجدار الجنوبي لبناية الضريح في الجهة المعاكسة للإيوان السابق. يشبه هذا الإيوان إلى حد كبير إيوان العلماء ولكن يقع الاختلاف في الآيات والأبيات الشعرية المنقوشة عليه ووجود ميزاب ذهبي فوقه والذي هو سبب لتسميه بهذا الاسم طول الميزاب 1.1م وعرضه 14سم وهو الميزاب الوحيد الذي يفرّغ مياه الأمطار من سطح المرقد.

برج الساعة

يقع برج الساعة فوق المدخل الرئيسي للضريح، وهو سبب تسمية المدخل بذلك. الارتفاع الكلي للبرج 14.75م من سطح المدخل إلى أعلى لفظ الجلالة.البرج ذو شكل رباعي مصنوع بالأساس من الخشب ومدعم بهيكل إنشائي جديد من الحديد المغطى بالقاشاني الكربلائي بالإضافة إلى كتابات تختص بالإمام علي(علیه السّلام).البرج يحمل فوقه قبة ذهبية محمولة على ثمانية أعمدة ذهبية رفيعة يرتفع فوقها برج صغير يحمل كلمة «الله». تحتوي القبة على ثلاثة أجراس تدق كل خمس عشرة دقيقة. إما الماكينة فهي إنكليزية الصنع موضوعة داخل البرج في الجزء الأعلى منه وهي هدية من الوزير الإيراني أمين الملك أحد رجال السلطان ناصر الدین شاه القاجاري (1848 - 1896م) سنة 1888م(2).

المرقد

وهو البناية الرئيسية في المجمع، يقع في الوسط ومحاط بالفناء من جميع

ص: 63


1- ماهر مشهد الإمام علي في النجف، ص155، المصدر السابق نفسه، ص84.
2- الحكيم، المفصل، ج 2، ص 411.

الجهات ما عدا الجهة الغربية حيث يتصل بصورة مباشرة ببناية مسجد الرأس. يحتوي على ثلاثة عشر مدخلاً ثلاثة في الجهة الشرقية، اثنان في كلا الجهتين الشمالية والجنوبية وخمسة من خلال بناية المسجد في الجهة الغربية. يقع المدخل الرئيسي في وسط الواجهة الشرقية تحت إيوان كبير مغطى بالذهب بصورة كاملة بالإضافة إلى باقي الواجهة والمنارتين على طرفي الإيوان.مقابل الواجهة الشرقية يوجد عن فضاء مفتوح يسمى الطرمة(هذا المصطلح مستخدم في العمارة العراقية الحديثة وهو عبارة فضاء مفتوح أمام المدخل ومستخدم بصورة عامة في المنازل، كذلك يستخدم في العمارة الإيرانية للفضاء المغطى بأعمدة خشبية)(1). يرتفع هذا الفضاء عن مستوى الفناء الداخلي بحوالي 20 سم بطول 42م وبعرض 7.5م مكسي بالرخام الأخضر. يمكن الولوج إليه من الجهتين الشمالية والجنوبية، أما من الجهة الشرقية فيوجد جدار بارتفاع 90 سم يعلوه درابزين بارتفاع 75 سم. مدخلا الطرمة عبارة عن جدار بعمق متر واحد ذي فتحة وسطية واسعة تسمى سابقاً بكيشوان حيث كانت تستخدم كمكان لحفظ أحذية الزوار، وبالتالي تحدد المنطقة الطاهرة في المجمع يوجد فوق المدخلين درابزين من الفضة والجدران كسيت بصورة كاملة بالكاشي الكربلائي بنمط الفناء نفسه المطعم بنقوش تحتوي أسماء الله الحسنى في الجهة العلوية يتبعها حكم للإمام علي(علیه السّلام)الجهة الداخلية فيوجد كتابات بالذهب على الكاشي تتضمن بعض ألقاب الإمام علي وبعض الحكم.

بعد عدة خطوات من عبور المداخل نصل إلى قاعدة المنارتين المتصلتين بواجهة الضريح، بجانب كل واحدة باب لغرفة، حيث تستخدم الغرفة الجنوبية لإقامة الأذان بينما تستخدم الشمالية لدفن علماء الدين يوجد بين المدخل الرئيسي والمنارتين مدخلان ثانويان يتصلان بالضريح عبر غرفتين. بابا هذين المدخلين مصنوعان من الذهب بارتفاع 2.8م وبعرض 2م مزخرفين بزخارف هندسية ونباتية بكثافة عالية بالإضافة إلى عدة كتابات تحتوي على آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية بالإضافة إلى أدعية و قصائد للإمام علی(علیه السّلام).

يقع المدخل الرئيسي في وسط واجهة الإيوان الكبير والذي هو بارتفاع 14م،

ص: 64


1- Warren and Fethi, Traditional Houses in Bagdad, p33/67.

بعرض حوالي 7.5م وبعمق 4 أمتار. يمثل هذا الإيوان قمة الإبداع في الجودة، الزخرفة والمواد الذي وصلت إليه العمارة الصفوية في ذلك العهد. تمّ تغطية الإيوان بالذهب إضافة إلى الواجهة والمنارتين ما عدا الجزء السفلي على ارتفاع 2.4م والذي تم تغليفه بالرخام الأخضر. أطراف الإيوان مصممة على شكل ضفيرتين تبدآن من مزهريتين عند القاعدة وتلتقيان في قمة القوس، أما واجهته فهي مزخرفة بأشكال هندسية وتنتهي قمته من الداخل على شكل مقرنصات باب المدخل الرئيسي بارتفاع 5.75م وبعرض 3.2م مصنوع هيكله من الخشب ومغطى بالذهب والفضة بصورة كاملة. الباب مزخرف بشكل كثيف بزخارف ذات أشكال هندسية ونباتية بالإضافة إلى نقوش على مادة المينا(1)لآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة وعدة قصائد. تمّ وضع الباب سنة 1953م بعد عمل استمر لثلاث سنين(2)، أما المتكلفون بتمويل صناعته فكانوا ثلاثة تجار من مدينة طهران(3)(4). فوق الباب توجد نافذة على شكل إيوان صغير يوجد خلفها حديث للرسول الكريم «أنا مدينة العلم و علي بابها»مكتوب على هيكلها الحديدي بأحرف بارزة. أما الواجهات الداخلية فهي مزخرفة بأشكال هندسية ونباتية وأحاديث للرسول إضافة إلى آيات قرآنية. يعود تاريخ التذهيب والزخارف إلى سنة 1743م حيث كان ذلك ضمن مشروع نادر شاه.

واجهتا الضريح الشمالية والجنوبية مزخرفتان على النمط نفسه للجدران التي تقابلهما. طول كل واجهة حوالي 30م وبارتفاع 12.5م.مكسيتان بالكاشي الكربلائي وعلى نمط وقياسات تحاكي الأواوين التي تقابلهما في الفناء ومقسمة بنفس عدد الأواوين كذلك. يوجد في كل واجهة بابان ونافذتان وهما مصنوعتان من الخشب

ص: 65


1- هناك تعاريف مختلفة لفن أعمال المينا أحدها تعريف الأستاذ معين في كتابه الثقافة اللغوية: المينا مادة من لعاب الزجاج شفافة يعمل بها على الكاشي والفلزات من أجل الحفاظ على ألوانها ونقوشها رسومها ويعتبرها البعض فن التراب والنار لكنه تعريف خاطئ لأن هذا التعريف ينطبق على الخزف لا على فن النقش بالمينا ويمكن القول بأن فن المينا هو فن الحب والنار.
2- شريف، الأمالي، ص 309.
3- استنهض السيد محمد كلانتر ثلاثة تجار من طهران للإنفاق على الباب المذكور وهم الحاج ميرزا مهدي مقدم الحاج كاظم آغا توکلیان مقدم، والحاج ميرزا عبد الله مقدم.
4- التميمي، مشهد الإمام، ج 1، ص 239.

ومزخرفتان بعدد من القضبان الأفقية والعمودية بينما البابان مصممان بصورة أكثر أناقة. الباب المقابل لمدخل الطوسي تَمّتْ صناعته في العراق سنة 1936م من الخشب المغلف بالفضة المزخرفة بزخارف نباتية ونقوش لكتابات بصورة كثيفة ويقع ضمن واجهة خشبية مقوسة في الأعلى. الباب الثاني والمشابه للأول ويقع قرب باب مسجد الرأس وبارتفاع 3.4م وبعرض .2م في الواجهة الجنوبية الباب الأول تمّت صناعته سنة 1923م من الفضة ومطعم بالذهب ومزخرف بأشكال هندسية ونباتية بالإضافة إلى

نقوش قرآنية وأحاديث وينطبق الوصف على الباب الثاني باختلاف الكتابات(1).

المنارتان

تقع المنارتان المتصلتان بالواجهة الشرقية على جانبي الإيوان الكبير. قاعدتهما بارتفاع 2.4م وبقطر 3م مكسوتان بالرخام الأخضر ارتفاع كل منارة حوالي 29م وبشكل أسطواني حيث القطر عند القاعدة 1.8م بينما هو 1.25م في الأعلى على ارتفاع 25م يوجد شريط بعرض متر واحد من الكتابات المنقوشة بالذهب على المينا يتبعه صفان من المقرنصات التي تحمل شرفة بعمق 2.25م محتوية على 12 نافذة. فوق الشرفة بمسافة 4م يوجد قبة مفصصة تحمل فوقها عموداً بارتفاع 1.6م يحمل كلمة «الله». كل منارة مغلفة بالذهب حيث تحتوي على 2000 صفيحة ذهبية التاريخ الدقيق لبناء المنارتين غير معروف،ولكن من خلال طرازهما يُرجّح أنه يعود للفترة الصفوية لفترة حكم الشاه عباس، والتذهيب لمشروع نادر شاه(2).

أروقة الضريح

بعد الدخول من خلال أحد أبواب الضريح نصل إلى أروقة تحيط بالقاعة الرئيسية من جهاتها الأربع، يعتقد أنه في مرحلة ما كانت هذه الأروقة بمثابة الفناء الداخلي الحالي. أما اليوم فيمكن اعتبارها فضاء انتقاليّاً من الفناء إلى القاعة الرئيسية. الارتفاع العام هو 9.5م إلى السقف الثانوي. جميع السقوف والجدران مغطاة بالمرايا بأشكال هندسية ونباتية ما عدا الجزء السفلي من الجدار المغطى بالرخام الأخضر

ص: 66


1- دليل العتبة العلوية 2012م، ص94 - 99.
2- ماهر،مشهد الإمام علي في النجف، ص170.

بالإضافة إلى الأرضية تم إكساء الرواق الشرقي بالمرايا سنة 1868م أما باقي الأروقة فتمت إكسائها سنة 1889م (1).

طول الرواق الشمالي حوالي 31م وبعرض 5.5م ، ذو سقف محمول على خمسة أقواس بارزة مكسية أيضاً بالمرايا، بين كل قوسين يوجد قبة وفي رقبة ثلاثة منها يوجد ثماني نوافذ تستخدم للإنارة والتهوية الطبيعية بينما في القبتين الأخريين يوجد نقوش بأسماء الرسول الكريم وابنته فاطمة الزهراء والأئمة الاثني عشر. على الجدران هناك عدة قصائد بمدح الإمام علي منقوشة على المرايا الرواق الجنوبي مشابه للرواق الشمالي مع اختلاف الكتابات المنقوشة وكما أن هذا الرواق يحتوي على نسبة مرايا ملونة أكثر من باقي الأروقة. طول الرواق الشرقي، وهو الأهم بين الأروقة 31.3 وبعرض 7.6م. السقف مزخرف بعدد من المقرنصات مما يميزه عن باق الأروقة، في وسطه قبة واحدة تحتوي على ثماني نوافذ أما الرواق الغربي فهو أبسطها ولا يحتوي على نقوش كتابية،طوله 31.3م وعرضه 4.4م،سقفه يقوم على أربعة أقواس بارزة تحصر بينها ثلاث قبب. تستخدم القبة الوسطى منها للتهوية والإنارة الطبيعية.

القاعة الرئيسية

بعد المرور بالرواق الذي تم وصفه سابقاً، نصل إلى القاعة الرئيسية والتي تحتوي على قبر الإمام علي(علیه السّلام).يمكن دخول هذه القاعة من الجهة الشرقية، وهو المدخل الرئيسي ومن الجهتين الشمالية والغربية وهما مدخلان ثانويان الجهة الغربية تم استبدال الأبواب بفتحات محمية بقضبان أفقية وعمودية مصنوعة من الفضة سنة 1947م. يتمثل المدخل الشرقي باثنين من الأبواب المصنوعة من الذهب، تمّ تثبيتهما سنة 1953م(2). ارتفاع كل باب 3.25م وبعرض 2م،مصنوع من الذهب المزخرف بأشكال هندسية ونباتية بشكل كثيف بالإضافة إلى نقوش كتابية على المينا. وقد تبرع بهما التاجر محمد تقي اتفاق الطهراني(3). الأبواب الشمالية ذات قياس مشابه للأبواب السابقة ومصنوعة الفضة ومزخرفة بنفس الكثافة والروح الفنية التي سبق ذكرها والمتبرع بهذين البابين غير

ص: 67


1- محبوبة ماضي النجف وحاضرها، ص 83.
2- (2) المصدر نفسه، ص 76.
3- دليل العتبة العلوية، ص 108.

معروف. أما الباب الجنوبي فهو عبارة عن هيكل من القضبان الفضية كان يستخدم كشباك في الرواق، تم تحويله إلى باب سنة 1994م(1)بعد إضافة إطار من الفضة مهدى من سلطان البهرة محمد برهان الدين ارتفاعه 3م وعرضه 2.6م.

القاعة مربعة الشكل طول ضلعها 13.3م وبمساحة كلية حوالي 177م2، مغطاة بقبة كبيرة محمولة من الجهات الأربع على أربعة أواوين بارتفاع 12م، بين كل إيوانين يوجد قوس على شكل زاوية عمودية منتهياً بزخارف على شكل مقرنصات. الأواوين وجدران القاعة مغلفة بالمرايا ومزخرفة بأشكال هندسية ونباتية جميلة الصنع جميعلةما عدا الجزء السفلي إلى ارتفاع 2.1 م المكسي بالرخام الأخضر كما يوجد شريط من الكاشي الكربلائي الأزرق منقوش عليه باللون الأبيض آيات من القرآن الكريم. هذا الشريط يمتد على طول أطراف الأواوين الأربعة ويكمل دورة كاملة حول القاعة ابتداءً من الجهة الشمالية الغربية للإيوان الغربي. بطبيعة الحال كل إيوان من هذه الأواوين الأربعة يمثل مدخلاً للقاعة ما عدا الإيوان الغربي حيث تمّ إغلاقه كما ذكر سابقاً. هذا الإيوان يحتوي في واجهته على تصميم إيوان مصغر مغطّى بالمرايا كذلك، وفي وسطه منقوش بيتان من الشعر على كاشي كربلائي أبيض اللون كما يوجد لوحة مصنوعة من الزجاج الأحمر تمثل قصة اكتشاف القبر من قبل الخليفة هارون الرشيد أثناء رحلة الصيد في المنطقة(2). أما باقي الأواوين فهي مزخرفة بأشكال نباتية وهندسية بطريقة أنيقة تجذب الناظر. إن تاريخ وضع المرايا في القاعة يرجع إلى سنة 1709م في الجزء الغربي فقط أما باقي القاعة فيعتقد أن تاريخ وضع المرايا يرجع إلى عهد نادر شاه(3).

تحمل هذه الأواوين الأربعة قبة بارتفاع 23.5م وبقطر 12.5م. ارتفاع رقبتها 5.6.م. تتكون من شريط بارتفاع متر واحد من الكاشي الكربلائي الأزرق ومكتوب عليه بالأبيض آيات من القرآن الكريم وتحيط بهذه الكتابة من الأعلى والأسفل أبيات شعرية مكتوبة بالأزرق على اللون الأصفر. فوق الشريط يوجد اثنتي عشرة نافذة خشبية مقوسة بارتفاع 4 م وبعرض 2.1م وبمسافة 2.15 م بين كل نافذتين هذه المسافات

ص: 68


1- الحكيم، المفصل ، ص 75 - 78.
2- محبوبة ماهر الحكيم.
3- دليل العتبة العلوية، ص 102.

مغطاة بالكاشي الكربلائي الملون والمصمم على شكل إيوان صغير. يليه شريط مغطى بالكاشي الكربلائي المنقوش بآيات قرآنية. أما القبة فقد تم إكساؤها بفسيفساء رائعة الجمال ذات أشكال هندسية ونباتية بالإضافة إلى كتابات منقوشة على المينا، وفي وسط القبة يوجد ثريا عملاقة تتدلى إلى مستوى الأواوين الأربعة(1).

ارتفاع القبة من الخارج حوالي 30.3م إضافة إلى عمود بارتفاع 3.5م حاملاً للفظ الجلالة، أما قطرها فهو 16.6م. كانت القبة إلى سنة 1743م(2)مكسية بالكاشي ، فأمر نادر شاه بتذهيب القبة من ضمن مشروعه مع المنارتين والواجهة الشرقية للضريح. يحتوي الجزء الخارجي من رقبة القبة على شريط بارتفاع 1.5م من المينا مكتوب عليه بالنحاس آيات من القرآن الكريم بالإضافة إلى أبيات شعرية باللغة الفارسية تحدّه من الأعلى والأسفل.

القبر الشريف

يتوسط القاعة الرئيسية الشباك الذي يحيط بالقبر الشريف والذي يعتبر العنصر الأكثر إبداعاً في المجمع ككل. يصل ارتفاعه إلى 4 م وبطول 6.3م وعرض 5م. وهو مصنوع بصورة رئيسية من الفضة والذهب وظيفته الرئيسية حماية القبر الشريف وبإمكانية النظر إلى القبر من خلاله في الوقت نفسه. تمت صناعته في الهند بأمر من طاهر سيف الدين (1888 - 1965م) واستمر العمل به خمس سنوات وتم تثبيته في مكانه الحالي سنة 1942م(3). جوانبه مصنوعة بالكامل من الفضة وتتكون من سبعة عشر شباكاً على شكل أولوين صغيرة بالإضافة إلى باب بالتصميم نفسه والذي يسمح بالدخول إلى القبر من خلاله. عرض كل شباك حوالي 1.2م واجهته محمية بقضبان أفقية وعمودية متقاطعة كما يوجد بين كل شباكين عمود يدعم الهيكل الكلي. هذه الأعمدة والشبابيك مزخرفة بأشكال نباتية وهندسية بالإضافة إلى تطعيم الأعمدة الأربعة في الزوايا بالذهب والماس والياقوت الأحمر يربط جميع هذه الأعمدة والشبابيك كتابة أفقية مكتوب عليها بالمينا قصائد شعرية.

ص: 69


1- المصدر السابق نفسه، ص129.
2- ابن الفوطي، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة، ص 237.
3- الكوفي، نزهة الغري،ص 70.

أما الجزء العلوي والمسمى بالتاج فهو مصنوع بالكامل من الذهب،ويتكون من ستة كتائب الواحدة فوق الأخرى. كتب على الأولى آيات من القرآن الكريم بحروف بارزة وخط متداخل تعلوها كتيبة مرتفعة ذات تقعر بسيط منقوش عليها زخارف نباتية ثم تليها أخرى مستوية كتب عليها أحاديث نبوية في مدح الإمام علي(علیه السّلام)، تحمل فوقها 104 وردات ذهبية نقش على كل واحدة اسم من أسماء الله الحسنى. يوجد خلفها كتيبة مرتفعة ومحدبة تحتوي نقوشاً نباتية تتبعها كتيبة أخرى مقعرة وبنقوش نباتية أيضاً تحمل الكتيبة الأخيرة التي نقش عليها سورة الرحمن 96 قنديلاً ذهبياً.

يوجد في الداخل صندوق خشبي تمّ وضعه فوق القبر سنة 1788م بعد فترة عمل استمرّت أربع سنوات بأمر من محمد جعفر بن محمد صادق الزند(من سلالة الزند)(1). تمّ صناعته من خشب الساج الهندي والمنقوش عليه زخارف هندسية بالعاجوالصدف وأنواع أخرى من الخشب الملون(2). تمّ على الجهة الغربية منه نقش التاريخ واسم المتبرع وصانعه بالإضافة إلى آيات قرآنية وأدعية على جميع جهاته. تم تغليف الصندوق الخشبي بآخر زجاجي تمّ وضعه عند تثبيت الشباك، وقد تبرع به الحاج محمد صالح الجوهرجي أحد صياغ النجف الأشرف. يوجد بالفراغ بين الصندوقين مجموعة هدايا ومجوهرات لملوك وسلاطين جمعت عبر الزمن. تمّ تغطية صندوق الزجاج بقطعة من الحرير المطرز بالذهب.

تصميم الضريح

شكل الضريح اليوم هو نتيجة عدة مشاريع بناء وتأهيل تم تنفيذها عبر القرون ابتداءً من قصة اكتشاف القبر من قبل الخليفة هارون الرشيد(3)(رسم 1). ثم بدأت مرحلة البناء الحقيقة سنة 886م بأمر داود العباسي (أحد وجهاء العباسيين في الكوفة) وذلك بوضع صندوق فوق القبر الشريف لإبرازه للناس (رسم 2) ثم تبعه مشروع سنة 896م المتضمن بناء قبة وحائط ورواق بأمر من محمد بن زيد الداعي(4)(رسم .3). ثم

ص: 70


1- الحكيم، المفصل، ص 51.
2- طول الصندوق الخشبي 4.83 م، عرضه 3.03م وارتفاعه 1.83 م.
3- ماهر مشهد الإمام علي، ص 128.
4- أمير طبرستان .884-900.

جاء بعده عضد الدولة البويهي سنة 980م(1)، وأمر ببناء الضريح بقبة ومدارس محيطة به بالإضافة إلى منازل (رسم 4) وقناة لجلب المياه من الفرات إلى المدينة ويمكن اعتبار المشروع أول مشروع حضري متكامل في المدينة. وصف الرحالة ابن بطوطة هذه المرحلة عند مروره بالنجف سنة 1326م(2).

رسم رقم 1

الصورة

للمرحلة الأولى

اكتشاف القبر من قبل هارون الرشيد سنة 791

أمر ببناء قبة فوق القبر

المسلحة وقياسات البناء غير معروفة

اعداد: تراث جميل اللهوف

ص: 71


1- الخليلي، موسوعة العتبات المقدسة، ص 58.
2- الدجيلي، موسوعة النجف الأشرف، ج 4 ص 17.

رسم رقم 2

الصورة

المقیاس

1/1000

المرحلة الثانية

- اعادة اكتشاف القبر سنة 886 من قبل داود العباسي

- بناء صندوق لإظهاره للزوار

(البناء السابق تهدم يسبب الإهمال والخوف من العباسيين)

ملاطة المسلحة وقياسات البناء خير معروفة

اعداد: تراث جميل اللهوف

ص: 72

رسم رقم 3

الصورة

موقع محتمل الصن ذي طلاقا حول حول القبر

المقیاس

1/1000

المرحلة الثالثة 896-950

- سنة 896, قلم محمد بن زيد الداعي ببناء قبة وحائط وحصن

- في هذه المرحلة. بعض المنازل بدأت بالظهور حول القبر

- سنة 923, قلم أبو هجاء الحمداني بتأهيل القبر وبناء قبة أعظم متعددة الأبواب

- سنة 950, قلم عمر بن يحيى العلوي بتأهيل القبر

ملاحضة: المسلحة والبنات البناء وليانات البناء غير معروفة

اعداد: تراث جميل اللهوف

ص: 73

رسم رقم 4

الصورة

المرحلة الرابعة 980-1623

- في هذه المرحلة أصبحت مساحة المدينة 5.5 كم2

- سنة 980 قلم عضد الدولة البويهي ببناء المرقد على شكل مربع مغطى بقبة بيضاء بالإضافة إلى مسجد ومدرسة ومنازل وسوق

- بناء مسجد الخضراء ورواق عمران بن شاهين

- إنشاء بناية لقبور البويهيين ثم تم تحويلها إلى تكية في زمن سليمان القانوني

ملاحضة السلعة ولياسات البناء غير معروفة

اعداد: تراث جميل اللهوف

ص: 74

«ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة، ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر مرتين في اليوم،و من تلك المدرسة يدخل إلى باب القبة وعلى بابها الحجاب والنقباء والطواشية فعندما يصل الزائر،يقوم إليه أحدهم أو جميعهم وذلك على قدر الزائر، فيقفون معه على العتبة، ويستأذنون له... ثم يأمرونه بتقبيل العتبة، وهي من الفضة وكذلك العضادتان، ثم يدخل القبة وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه، وبها قناديل الذهب والفضة ومنها الكبار والصغار وفي وسط القبة مسطبة مربعة مكسوة بالخشب عليها صفائح ذهب منقوشة محكمة العمل مسمرة بمسامير فضية،قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء، وارتفاعها دون القامة وفوقها ثلاثة من القبور يزعمون أن أحدها قبر آدم(علیه السّلام)والثاني قبر نوح(علیه السّلام)والثالث قبر علي (علیه السّلام)... وللقبة باب آخر عتبته أيضاً من ل الفضة وعليه ستور من الحرير الملون يفضي إلى مسجد مفروش بالبسط... وله أربعة أبواب عتباته من الفضة»

سنة 1354م شبّ حريق في الضريح مما أدى إلى تدميره فأمر أويس بن حسن الجلائري (من سلالة الجلائريين)(1)بإعادة بنائه، ثم جاء الشاه عباس الأول في سنة 1623م وأمر بتأهيل الفناء والقبة (رسم 5) وتبعه حفيده الشاه صفي سنة 1632م(2)بترميم الضريح والفناء بالإضافة إلى توسيعه وبناء الأواوين حوله للزائرين مع مستشفى مطبخ ومنازل (رسم 6).

هذا المشروع مهم جداً لكونه يمثل أساس الخطوط العريضة للوضع الحالي. المشروع الذي تبعه كان لنادر شاه سنة 1743م الذي أمر بتذهيب القبة،المنارتين الواجهة الشرقية للمرقد مع إيوان المدخل الرئيسي وإعادة تأهيل كاشي الجدران للفناء ومسجد الرأس.

ص: 75


1- مغنية دول الشيعة في التاريخ، ص289.
2- ماهر مشهد الإمام علي، ص 136.

رسم رقم 5

الصورة

مقیاس

1/1000

المرحلة الخامسة 1623

- تأهيل الضريح وتوسيع جزء من الفناء بأمر الشاه عباس الأول

- بناء أولوين للزوار

- أقدم ذكر للمنارتين يعود إلى هذا العصر

ملاحضة: المسلحة والبنات البناء وليانات البناء غير معروفة

اعداد: تراث جميل اللهوف

ص: 76

رسم رقم 6

الصورة

1/1000

المرحلة السادسة 1632-1948

- قلم الشاه صفي سنة 1632 بتأهيل القبة وتوسعة الغناء وبناء مطبخ وبيوت للزوار ومستشفى

- قلم نادر شاه سنة 1743 بتذهيب القبة والمنارتين بالإضافة إلى الواجهة الشرقية للمرقد وصيانة الكافي للغناء ومسجد الراس وتقام عدة أبنية حول الضريح

A - بناء فناء الطرمة بعد سنة 1673

B - افتتاح المدخل سنة 1836

C - الفتاح المدخل سنة 1862

اعداد: تراث جميل اللهوف

من ماهر. 1989. لوحة رقم (4)

وصولاً لسنة 2003م تم إدامة الضريح بصورة عامة، حيث تم توسيع المداخل لاستيعاب عدد الزوار المتزايد وفتح مدخلين في سنة 1836م و1862م، كما تم صيانة الفناء بصورة جذرية سنة 1791م بوضع جميع القبور المدفونة فيه داخل سراديب تحته وتعبيده ليكون فضاء أكثر خدمياً للزوار. كما تم صيانة التذهيب والمنارتين لعدة مرات

ص: 77

لتتحمل العوامل الجوية عبر القرون بالإضافة إلى صيانة الكاشي الخارجي. تم إبدال الكاشي داخل المرقد بالمرايا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين (رسم 7). استمرت مشاريع الصيانة والتأهيل لجميع مكونات المجمع إلى سنة 1991م وتبعها إهمال متعمد من الحكومة إلى سنة 2003م لأسباب سياسية.

رسم رقم 7

الصورة

مقیاس

1/1000

المرحلة السابعة 1948 - الوضع الراهن

- سنة 1948 تم عزل الضريح عن المدينة بفضاء خارجي

في هذه المرحلة تم صيانة الضريح عدة مرات مع تغير بعض الوظائف حسب المتطلبات في أزمان مختلفة

A - المكتبة ( المبنى لا علاقة له بالمكتبة الواردة في النصوص التاريخية)

B - إعادة بناء الحسينية . إعادة افتتاحها كمدرسة سنة 2006

C - تأهيل مسجد الخضراء

D - سنة 1985 تم تحويل جزء من التكية لمبني لكبار الزوار

E - توسعة مسجد الراس بإضافة مملحة التكية و الساباط و تأهيل جميع مرافق الضريح بعد سنة 2003

اعداد: تراث جميل اليوف

مخطط الضريح من محفوظات المکتب الهندسی اللعبة

ص: 78

كان مشروع نادر شاه أضخم مشروع تأهيل وصيانة في تاريخ الضريح إلى أن بدأ مشروع الصيانة الشاملة لجميع مرافق الضريح تلاه وبصورة متتابعة مشروع توسعة كبير حيث وكما ذكرنا سابقاً أن المساحة الكلية للضريح هو 13240م2 وستصبح المساحة بعد انتهاء المشروع 47000م2 متكونة من عدة أفنية، متحف، مركز ترميم والحفاظ على المخطوطات وعدد من الفضاءات الخدماتية لزوار القبر الشريف.

خلال جميع مشاريع التأهيل والصيانة تمّ أغلب الأحيان استخدام أسلوب معين بصورة متكررة ألا وهو إزالة العنصر أو المبنى الذي تتم صيانته واستبداله بمبنى جديد. إن فكرة الحفاظ على مبنى معين والعمل عليه بإصلاحه أو استبدال أجزاء معينة منه بدون هدمه بصورة كاملة غير موجودة في عدة حالات وخاصة في المشاريع الأخيرة، فإدارة المرقد فخورة بحجم العمل المنفذ من قبل كادرها وهذا شيء يُحسب لها، مع ذلك تم تدمير التكية ورفع الساباط (وهو الممر الخشبي الذي كان يفصل بين مسجد الرأس والمرقد)وإضافة المساحة الجديدة إلى مساحة مسجد الرأس بعد تدميره وإعادة بنائه من جديد متناسية استخدام الفناء اليوم كمساحة للصلاة بالإضافة إلى المساحة التي ستضاف بمشروع التوسعة والذي من المتوقع إكماله في السنوات القادمة للأسف بقايا التكية قد اختفت اليوم، والتي وفقاً لسعاد ماهر فقد تم بناؤها في القرن الرابع عشر وتم استيعابه وتطويعه لأسلوب العمارة الصفوية خلال مشاريع التأهيل المتتابعة. بجانب هذه الخسارة حدث شيء مشابه لبناية المدرسة الغروية حيث تم إعادة بنائها من .جديد. إن طريقة العمل بهذا الأسلوب من إعادة التأهيل هو تماماً عكس ما يجب أن يحدث للحفاظ على المباني القائمة وللأسف، ينطبق هذا على معظم مشاريع التأهيل في النجف والعراق بشكل عام. كما وانبثقت مشكلة أخرى ألا وهي عدم وجود أي عملية تنقيب أثرية متزامنة مع تلك المشاريع. حيث كما تبين لنا فالضريح كان محاطاً بالمباني منذ المراحل الأولى وبالتالي فمشروع إبدال رخام الفناء أو هدم بناية التكية، مسجد الرأس أو المدرسة الغروية كان يجب على الأقل أن يترافق مع عملية تنقيب خلال حفر الأساسات العميقة للمباني الكونكريتية الجديدة. ما حدث هو ليس فقدان جزء من هوية الضريح فقط بل جزء من تاريخه الذي قد اختفى للأبد. يمكن إرجاع السبب لمثل هذا النوع من الأعمال لعدم معرفة أهمية المدينة من فة أهمية المدينة من الناحية المعمارية

ص: 79

والأثرية والتركيز على الجانب الديني بتقديم أقصى الخدمات للزوار بهدف تشجيع السياحة الدينية.

إذا أخذنا الناحية الأثرية، يمكن توقع وجود أربع أو خمس طبقات أثرية على الأقل لا نعرف عنها أي شيء تقريباً. لكون أوصاف المراحل المعمارية السابقة مبنية على مصدرين، الأول هو الرحالة والأهم بينهم الذين زاروا المدينة قبل أن يأخذ الضريح شكله الحالي(1)ووصف المدينة كما فعل ابن بطوطة سنة 1326م(2)، وتكسيرا الذي وصل النجف سنة 1604م(3)يقول:

«نمت هناك المدينة التي كانت في أفضل حالاتها، وليس قبل أكثر من خمسين أو ستين عاماً، تحتوي على ستة إلى سبعة آلاف منزل معظمها كانت كبيرة ومبنية بشكل ،جيد كما تحمل معالمها شاهداً حتى يومنا هذا ، بينما لا حتى يومنا هذا، بينما لا يوجد الآن سوى خمس مئة معظمهم للفقراء ومفروشة بشكل سييء».

والسيد جان بابتيست تافيرنييه سنة 1678م(4)يقول

«وصلنا إلى مدينة كانت تُسمّى الكوفة، الآن تدعى مشهد علي، حيث دفن زوج بنت الرسول محمد في مسجد بسيط بصورة دائمة يوجد أربعة شمعدانات مضاءة السقف. بالرغم من تقدير الإيرانيين لعلي ولكنهم نادراً ما يزورون وقناديل مدلاة مدلاة من قبره. يعود السبب إلى كون عدم وجود طريق إلا بالمرور ببغداد والتي تحت سيطرة الأتراك فيترتب عليهم دفع رسم مقداره ثمانية قروش لكل زائر. وكان هذا الرسم بنظر الشاه إهانة لرعيته وحكومته.فسعى إلى إبعادهم عن هذه الزيارة باتجاه ثان وهو قبر الإمام الرضا(علیه السّلام)في مدينة مشهد مما أدى إلى تناقص الزوار الإيرانيين شيئاً فشيئاً. بجانب الشمعدانات والقناديل المضاءة بشكل مستمر يوجد قارئان يتلوان القرآن الكريم على الدوام وفقاً للتقاليد. تحتوي المدينة على ثلاثة أو أربعة آبار مياه غير عذبة وقناة ماء جافة يظن أن الشاه عباس مدها لجلب الماء من نهر الفرات إلى المدينة لخدمة الزوار،

ص: 80


1- الطريحي، النجف الأشرف مدينة العلم، ص299.
2- ابن بطوطة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، ج 1، ص 31.
3- Teixeira, Travels, p48
4- Tavernier, The Six Voyages, p63

وبالنسبة للطعام فلم نجد سوى التمر والعنب واللوز والذي كان الناس يبيعونه بسعر غال ».

أما المصدر الثاني فهو رجال الدين الذين كتبوا وصفاً لمناسبة معينة أو شعراً يذكر اسم الشخصية الذي أمر بعمل مشروع ما وتاريخه، ولكن هذا الشعر عادة ما يكتب على الكاشي أو مواد أخرى، وبالتالي بتتابع مشاريع الصيانة والتأهيل نفقد أثر تلك الكتابات بإبدال الكاشي أو تكسيره عبر الزمن. لذلك مع طريقة التأريخ هذه وبعد مرور فترة من الزمن نصل إلى مرحلة نمتلك فيها أبياتاً عديدة مكتوبة في الكتب وذات موقع تقريبي في الضريح.وبالتالي يقودنا هذا إلى شكل ووصف تقريبي للضريح كما بينا في الرسومات السابقة. ومن المفارقات، فإن مشروع التوسعة الذي يجري الآن على أرض مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة المجمع الحالي كانت لحي العمارة الذي كان موجوداً إلى النصف الثاني من القرن الماضي. فتم حفر الأساسات على كامل المساحة الجديدة أي 340م طول و 130م عرض وبعمق بين 10 - 15م أي تمّ إزالة تربة بحجم يتراوح بين 442000 إلى 663000 متر مكعب دون أي مهمة تنقيب أثرية.

خلال هذه المراحل المختلفة وصل تصميم الضريح إلى شكله الحالي متأثراً بلمسات العمال الذين قدموا من جميع أطراف العالم الإسلامي بمختلف المهارات والخلفيات تنعكس كلها في شكل وصورة الضريح اليوم. من ناحية التخطيط الحضري، الضريح كان مندمجاً في النسيج العام للمدينة حتى بداية القرن الماضي. والسبب يعود إلى أن كل مشروع كبير للضريح كان يتم تخصيص جزء منه للمباني المحيطة به،ففي البداية كانت المشاريع ترتكز على المرقد ومن ثم تمّ إدخال الفناء وتحديده بجدار متكون من إيوانات محيطة به، أما باقي البنايات في المجمع فكانت ضمن المدينة أكثر مما هي ضمن الضريح بالطبع الوظائف حالياً تخدم الضريح بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبالتوازي تخدم المدينة. يجب أن نتخيل الحال سابقاً حيث لم يكن هناك فصل فيزيائي بين المدينة والضريح ولكن الآن فصل بين المدينة والمرقد وبذلك فإن المباني لم تكن محددة وظيفيّاً لأحد الطرفين. الفناء كان مستخدماً الأصل كمقبرة ((يجب ألا ننسى الوظيفة الأساسية التي بنيت من أجلها مدينة النجف الأشرف وهو وهي زيارة الإمام علی(علیه السّلام) و دفن موتى المسلمين جنبه)لذلك عندما تطورت المدينة حوله استمر استخدام الفناء كمقبرة بالإضافة إلى المرقد. بعد فترة من الزمن

ص: 81

وفي سنة 1791م بالتحديد تمّ إزالة المقبرة ووضع القبور في سراديب بنيت تحته، وبذلك تكوّن فضاء جديد يمكن استخدامه من قبل الزوار والطلاب على حد السواء بالإضافة إلى الأواوين والغرف كمساكن لهم.

لذلك، الفناء هو أحد أهم العناصر التي يمكن تحليل الجانب المعماري له،من ناحية الشكل والأواوين المحيطة به. يمكن اعتبار وجود الفضاء المفتوح الواسع في قلب المدينة التقليدية كعنصر دخيل عليها نظراً للظروف الجوية الصعبة وارتفاع درجات الحرارة والعواصف الترابية ولكن ضرورة الدفن أدت إلى وجوده. من هذا التناقض تبرز عدة أسئلة؛ منها حجم هذا الفناء الداخلي حيث كان وفقاً لمحبوبة مربع الشكل بطول 20م في الجهة الشمالية الشرقية للمرقد حتى تم تنفيذ مشاريع التوسعة التي حدثت سنة 1623م وسنة 1632م. ما هو السبب الذي أدى إلى توسعة الفناء الداخلي ليغطي المساحة الحالي؟

الفناء مستخدم اليوم لإقامة الصلاة والشعائر الدينية،ولكن عندما كانت مساحته أصغر هل عنى ذلك أن عدد المصليين كان أقل؟ بالحقيقة كانت نسبة المصلين كما هي اليوم أو احتمال أكثر، ولكن الفناء إلى النصف الأول من القرن الماضي لم يكن يستخدم للصلاة أو لم يكن بمكان طاهر أو مقدس،وتمّ تحديد ذلك من قبل علماء الدين، وفقاً لصاحب كاشف الغطاء كان النجفيون يذهبون للصلاة في المساجد(1).

إلى حدود سنة 1958م، كانت المدينة القديمة تحتوي على ثمانية وسبعين مسجداً موزعةً على أحيائها الأربعة وهذا معناه أن المكان المقدس كان بناية المرقد المعرفة بمدخلها الرئيسي والطرمة التي أمامه، ولم يكن هناك صلاة في الفناء لعدم إزعاج الزوار باعتبارهم ضيوف الإمام علي(علیه السّلام). وباستطاعتهم استخدام الفناء لراحتهم خلال فترة زيارة القبر الشريف والتي كانت تمدد لعدة أيام أو أسابيع والسكن بالأواوين المحيطة به .

منذ اكتشاف القبر الشريف من قبل هارون الرشيد أمست مدينة النجف الأشرف وجهة لعدد كبير من المسلمين للزيارة أو الدفن، فقد ذكر نيبور في رحلته إلى النجف

ص: 82


1- محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، ص99.

سنة 1765م ، عدد المدفونين فيه بحدود ألفي شخص كل سنة(1). بطبيعة الحال كان هذا الرقم يتزايد بتحسن وسائط النقل والخدمات المقدمة خلال الرحلة. فذكر مساعد القنصل الفرنسي السيد فونتانيه سنة 1824م خلال رحلته إلى بغداد بمرور مئة ألف زائر ببغداد في طريقهم إلى النجف(2) . قبله ببضع سنين ذكر السائح الفرنسي أندريان دوبره الذي زار بغداد سنة 1807م عدد الزوار متراوحاً ما بين عشرة إلى عشرين ألفا(3). يصل هؤلاء الزوار مدينة النجف بعد رحلة تستمر لعدة شهور، تتخللها مراحل توقف عديدة المحطات أو ما تسمى بالخانات التي توفر لهم الحماية وتقدم المأكل والمشرب وبعض الأحيان التبادل التجاري. وإن اقترن وصولهم لمدينة النجف الليل، يتم استخدام مبنى يقع إلى جانب مدخل المدينة الرئيسي كخان يدعى الشيلان(4). وعند دخول المدينة يقوم الوافدون بزيارة القبر الشريف واستخدام الأواوين للاستراحة والنوم والفناء للتبادل التجاري. وهذا هو السبب الرئيسي لشكل الفناء اليوم فهو في الحقيقة كان يستخدم كآخر «خان» في رحلة تمتد لأغلب الزوار لأشهر عديدة.

لم تمتلك مدينة النجف فندقاً حتى وقت متأخر من عصرنا، وعند افتتاح أول فندق في مدينة النجف في القرن الماضي امتعض النجفيون واعترضوا لكونه يمثل إهانة لهم، حيث أخذ النجفيون على عاتقهم الاهتمام بزوار الإمام تكريماً له فنلاحظ قول الرحالة ابن بطوطة(5)«ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة،ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر مرتين في اليوم». وهذا أحد أمثلة الضيافة في النجف، وللذي لا يعرف أحداً في المدينة يمكنه البقاء في فناء الإمام علي(علیه السّلام).وعندما تغيرت ظروف الحياة أصبح الفناء مكاناً للدراسة واحتفظت الأواوين بوظيفتها الأساسية كمسكن للطلاب. هذا الأمر أجبر المدينة على امتلاك عنصر دخيل على نسيجها والتناغم معه لخلق«بيئة مناسبة»كما سنناقش لاحقاً.

ص: 83


1- Niebuhr, Voyage en Arabie, p216
2- Fontanier, Voyage dans l'Inde, 1846
3- Dupré, Voyage en Perse, 1819
4- المظفر، مدينة النجف، ص 449.
5- ابن بطوطة، تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، ص 31.

تصميم صديق للبيئة

تطوّر الضريح عبر الزمن ليلبي حلولاً لمتطلبات مختلفة. يمكن تعريف العلاقة بينه وبين المدينة كعلاقة تبادل منفعة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.فزيارة المرقد والدفن بجانبه أدى إلى ظهور المدينة مكتسبة معه عبر الزمن القدسية. وبما أن الزوار قادمون من مختلف الأماكن(1)، أصبح التبادل التجاري وسيلة أساسية لعيش سكان المدينة. هذه المنافع المتبادلة تحتاج إلى بيئة محمية يمكن أن تحتوي مختلف الفعاليات فهذه الضروريات بالنتيجة، تم الإجابة عليها بالتصميم الحضري والعمارة التقليدية للمدينة، حيث تشكل النسيج الحضري للاستجابة بحلول متنوعة كتوفير الحماية من بيئة صعبة تصل درجات الحرارة في فصل الصيف إلى خمسين درجة مئوية بالإضافة إلى عواصف رملية وبيئة لمجتمع يعتبر الخصوصية عنصراً مهماً جداً.صمم كل عنصر من هذا النسيج لتوفير حل لإحدى المتطلبات ومن ضمنها المرقد الشريف. فالتصميم الأصلي للمدينة والمرقد يتبع خاصية معمارية معينة وإن كان التصميم عفوياً. فمن الناحية الحضرية كان المرقد أعلى مبنى في المدينة، لذلك يمكن مشاهدته من أي مكان في المدينة ومن خارجها وعلى مسافات بعيدة. معظم الطرق متوجهة نحو الوسط وهي مظللة نسبياً وموضوعة بصورة متعرجة لتوفير الحماية من الرياح المحملة بالغبار،فيستطيع الزائر السير في المدينة في بيئة محمية. أما من الناحية المعمارية فالضريح بالإضافة إلى الأماكن المظللة يأخذ دوره كذلك، فيقوم الفناء بسحب الهواء البارد نسبياً من الأماكن المظللة في المدينة نحو الضريح وبسمك الجدران الكبير يمكن توفير عزل حراري كاف، حيث أمكننا ملاحظة قنوات التهوية التي توصل الهواء البارد إلى الغرف خلال مشاريع الصيانة الأخيرة. .

للأسف فإن هذه الطرق الصديقة للبيئة وغيرها اختفت أو هي في طريقها للاختفاء بسبب التغيرات التي حدثت في النسيج الحضري والتصميم الهندسي للضريح، فالمسافة التي تفصل بين المدينة والضريح كساحة وسطية أدت إلى خلق فضاء مفتوح يترك المجال للهواء البارد بالارتفاع قبل الدخول للضريح (رسم 8) لذلك تمّ إدخال الحلول المعتمدة على التكنولوجيا الحديثة لتبريد الفناء الخارجي

ص: 84


1- المظفر، مدينة النجف، ص438.

ووضع نظام تبريد في جميع مباني الضريح بالإضافة إلى مراوح في الفناء لخلق تيار هواء بينما كان من الممكن الاستعاضة عن ذلك بخلق غطاء نباتي على سبيل المثال في المنطقة المحيطة بالضريح لإعادة جزء من المساحة المظللة المفقودة وإدخال اللون الأخضر المفقود في المدينة التي تتسم بالألوان الترابية.

رسم رقم 8

الصورة

مقطع يوضح الشريع و المدينة قبل السل بينهما

نظام التبريد التقليدي قبل و بعد الأصل الحديثة

انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

إن المخطط الأصلي للضريح وبناءه قد صُمّم بطريقة تدعى اليوم«بالتصميم الأخضر» أو «التصميم الصديق للبيئة»والذي هو في طريقه للاندثار في زمن يناضل معظم رواد العمارة فيه لتصميم مشاريع تندرج تحت هذه المسميات لتقليل تأثير المبنى على الطبيعة والاقتصاد في استهلاك الطاقة المستخدمة. بينما امتاز هذا البناء الرائع ببساطة النظام الصديق للبيئة الموضوع من قبل مصمميه السابقين، وهو توليفة دقيقة ليستطيع أن يقدم لمستخدميه بيئة متكيفة مع متطلباتهم في وسط بيئة قاسية. لذلك يمكن استعادة بعض من هذه الخواص عن طريق تطبيق تخطيط حضري شامل يقدم علاقة تجمع بين المدينة والضريح والمستخدمين بالربط مع العديد من المجالات (الحضرية، المعمارية،الاقتصادية،الاجتماعية).

ص: 85

تبين لنا من خلال ما تقدم المراحل الرئيسية التي مرّ بها الضريح الشريف على المستويات الحضرية والمعمارية بالإضافة إلى الوظيفية، بالطبع كان ذلك كان ذلك متزامناً مع تطور المدينة من مراحل العدم إلى أهم مدينة دينية في العراق. حيث منذ أن بدأت معالم المدينة تظهر،أخذن مدينة النجف الأشرف أهميتها شيئاً فشيئاً في المنطقة وأخذت الطرق تتوجه تلقائياً نحوها ويعود فضل كل ذلك لقبر الإمام علي(علیه السّلام) . حيث كان السبب الرئيسي للزيارة ثم الدفن بجانبه، ثم توسعت عمارته ليصبح مركزاً للعلم والتعلم، فتكيف المبنى مع هذه المتغيرات الوظيفية ليحقق أقصى الإمكانيات وتوظيفها للمدينة وساكنيها بالاحتفاظ بجميع الوظائف معاً. كل ذلك وهو مستمر بتقديم المزيد من خلال مشروع التوسعة الجاري بناءه حيث سيضاف متحف ذو أهمية عالية لأنه سيحتوي على تحف وهدايا ومقتنيات تعود لمختلف البلدان والأزمنة، وبذلك سيصبح كمرآة يعكس التطور الذي حدث على المستوى الفني والاجتماعي في المنطقة وجميع البلدان التي كانت مصدراً لتلك المعروضات، بالإضافة إلى مركز صيانة المخطوطات والذي يعتبر خطوة مهمة لبدء الحفاظ على إرث المدينة وضريحها. لذلك أصبح من واجب المدينة رد الجميل المرقد الإمام علي(علیه السّلام)وبالنظر له كأبعد من مبنى ديني وإنما كمبنى حي قدّم الكثير للمدينة، ممتدة جذوره أعمق من المدينة نفسها، ويعكس إرثها وتراثها بصورة أنيقة، ويتفاعل باستمرار معها اجتماعياً واقتصادياً.

ص: 86

تأريخ الدفن في أرض النجف وظهور مقبرة وادي السلام

اشارة

د. محسن عبد الصاحب المظفر

المشكلة

المشكلة هي منهج علمي في البحوث كافة،ما دام البحث العلمي يتقصى الحلول الناجحة لمشكلة أو مشاكل عدة يدور حولها البحث وتصبح بعد ذلك مسار تمعن الباحث في التحليل والاكتشاف،وهذه السمة أساس في بنية المنهج ذي الدلائل العلمية بحيث يقصر الباحث بحثه على مشكلة يريد حلها ويذكر من المعلومات ما يناسب طبيعة تحليل المشكلة بهدف الموضوعية(1).

والمشكلة تُصاغ على شكل أسئلة تُثار للإجابة عليها، وهنا تتحدد مشكلة هذه الدراسة بالآتي:

1 - ما هي بدايات الدفن في أرض النجف؟ ومن أول من دفن فيها قبل دفن الإمام علی(علیه السّلام)؟

2- هل توجد مقابر في أرض النجف؟ وما هي هذه المقابر منذ العهد البابلي حتى ظهور مقبرة وادي السلام؟

3- ما طبيعة الدفن في أرض النجف في العهود المختلفة، البابلي، والحيرة، والكوفة، ثم الثوية والظهر؟

ص: 87


1- المظفر، محسن عبد الصاحب (الدكتور)، تقنيات البحث المكاني وتحليلاته، دار صفاء، الأردن، عمان 2007م، ص 29.

4- ما هي الحقائق المرتبطة بالدفن في الثوية والظهر قبل دفن الإمام علي(علیه السّلام)؟

5۔ متى بدأ الدفن في أرض النجف(الثوية أو ظهر الكوفة) و (الظهر أو الغري)بعد دفن الإمام علي(علیه السّلام)؟

6- ما طبيعة الدفن في صحن (باحة) الإمام(علیه السّلام)، وخارجه وفي الموضع الذي نشأت عليه المدينة القديمة وفي المنازل؟ وكيف زحف الدفن وزحفت فوقه المدينة وصولاً إلى وادي السلام فبلغ استقراره؟

7- متى ظهرت مقبرة وادي السلام؟

8- ما هي المساحات التي أزيلت من مقبرة وادي السلام؟

9- لماذا الدفن في مقبرة وادي السلام هل أسبابه عقائدية أم ترجع إلى طبيعة الأرض؟

10- ما عمر المقبرة أو ما أعمارها وما مساحتها وما عدد المدفونين فيها؟

11- ما طبيعة استعمالات أرض المقبرة وما هي مراحلها المورفولوجية في جزأيها القديم والجديد؟

12- ما أهمية المقبرة كتراث عالمي ولماذا؟

الفرضية

الفروض هي حلول مبدئية للأسئلة المثارة قابلة للقياس لإثبات صحتها أم خطئها ويتم التعبير عنها بالإيضاح(1). والفرضية تتحدد بالنص : «أن الدفن في أرض النجف بدأ منذ العهد البابلي، وإذا صحت الروايات المذكورة في كتب قديمة ومهمة متعددة يكون الدفن قد حصل في زمن سبق العهد البابلي». وإن أول المدفونين في أرض النجف وعند (ثوية الكوفة) في العصر الإسلامي نفر من صحابة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ونفر آخر من صحابة الإمام علي(علیه السّلام)وأبرز المدفونين الصحابي كميل بن زياد النخعي(علیه السّلام)غير أن أول من دفن في الظهر أو الغري خباب بن الأرت ومن بعده دفن أثيب اليماني وذلك قبل دفن الإمام علي(علیه السّلام).

وتتعدد المقابر في أرض النجف كمقابر للبابليين وأخرى لأهل الحيرة، ثم مقابر أهل الكوفة وهي مقابر مختلفة مكاناً وسعة وعدد المدفونين، وبعد دفن الإمام بدأ الدفن أول ما بدأ في أرض الصحن أو الفسحة حول المرقد ثم خرج الدفن إلى الأرض ما

ص: 88


1- المظفر، محسن عبد الصاحب المظفر ، تقنيات البحث المكاني، المصدر السابق، ص 38 - 39.

بعد السور، وقد شمل الدفن الجهة الشرقية والشمالية من الموضع وكان الدفن يزحف وتزحف فوقه المدينة، حتى بلغت المدينة سورها السادس المحاذي لمقبرة وادي السلام إن مقبرة وادي السلام مهمة كتراث عالمي فهي أوسع مقابر العالم، وإن عمر تاريخ الدفن فيها 1227 سنة وعمرها كمقبرة متكاملة واضحة المعالم هو 616 سنة وقد تضاعفت مساحتها أضعافاً في السنوات الأخيرة من القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، ولذا يتطلب الحفاظ عليها كتراث يحسب على التراث العالمي».

منهج الدراسة:

لقد اتبع الباحث المنهج الاستنباطي أو الاستدلالي وهو المنهج الذي يُبنى على أساس المشكلة والفرضية وهو منهج تحليلي.

الوسائل المستخدمة في الدراسة:

اعتمدت الدراسة على جملة وسائل لجمع المعلومات وهي :

1- المصادر والمعاجم والموسوعات والكتب التراثية القديمة إضافة إلى الكتب الحديثة التي ورد فيها شيئاً عن المقبرة.

2- الدراسة الميدانية خلال أوقات مختلفة خلال العام.

3- المقابلات الشخصية مع من له دراية بالمقبرة وتاريخها وشؤونها.

4- الصور الجوية ونظم المعلومات الجغرافية.

الأدوات:

أما الأدوات التي اعتمد عليها لتحسين الوضوح ودقة المعلومات وربط الظواهر ببعضها فهي:

1 - الخرائط 2 - الصور -3 - وحدات القياس ومنها المعطيات الرقمية والنسب المئوية 4 - المقارنة المنطقية والتحليل.

الدراسات السابقة:

توجد در استان سابقتان للدكتور محسن عبد الصاحب المظفر وهو كاتب هذه الدراسة نفسها وهما :

ص: 89

1- وادي السلام في النجف من أوسع مقابر العالم طبع في النجف عام 1964م.

2- مقبرة النجف الكبرى طبع في عمان سنة 2007م.

كما صدر لكاتب هذه الدراسة كتاب آخر عنوانه (مدينة النجف عبقرية المعاني وقدسية المكان)طباعة وزارة الشؤون الثقافية في العراق عام 2011م، وقد حاز الكتاب على الجائزة الأولى لأحسن إنتاج علمي عام 2011م وقد احتوى مبحثاً عن مقبرة النجف(وادي السلام).

الدراسة: بدايات الدفن في أرض النجف:

يذكر أن آدم(علیه السّلام)قد أنشأ قرى تدعى بقرى آدم قرب الكوفة على الفرات، وأنه كان يقصد أرض النجف، ولما مات دفن بين الربوات البيض وقد دفنه نوح في الموضع الذي دفن فيه الإمام علی(علیه السّلام).

ويذكر أيضاً أن نوحاً(علیه السّلام)كان قد أنشأ سفينته وطاف بها في المياه المنتهية إلى أرض النجف حيث رست عند جبال بابل أو (الطارات)، ولما توفي حمله ابنه سام ودفنه(1)في الربوات البيض وهذا الذي ذكر هو إشارة مقتضبة لحديث طويل عن النبيين ودفنهما في المكان الذي دفن فيه الإمام علي(علیه السّلام)، وهناك روايات كثيرة تتحدث في ذلك بينما يعتقد آخرون أن دفن النبيين بين الربوات البيض أمر دليله ضعيف، كما ذكرت الروايات عن دفن النبيين هود وصالح في الأرض التي تنخفض نوعاً عن الربوات وهي التي دعيت فيما بعد بوادي السلام. ويقال إن السيد مهدي الطباطبائي هو الذي أظهر قبري هود وصالح(علیه السّلام)وادي السلام وذلك باعتماده على روايات عدة ذكرت هنا وهناك في الكتب القديمة(2)إلا أن سند هذه الروايات ضعيف جداً وما هو حلم رآه السيد بحر العلوم غير أن مجريات الأخبار والروايات مهما كانت مستويات ضعفها وقوتها ترى إلى التأكيد على قدسية أرض النجف والكوفة قبل ظهور المدينتين أصلاً فالمؤكد أن(3):

ص: 90


1- البراقي، سيد حسين اليتيمة الغروية والتحفة النجفية، المكتبة الحيدرية، مطبعة شريعة، بدون تاريخ، ص 215.
2- البراقي، المصدر نفسه، ص 216.
3- المظفر، محسن عبد الصاحب (الدكتور) مدينة النجف - عبقرية المعاني وقدسية المكان، وزارة الثقافة العراقية مديرية الشؤون الثقافية، بغداد، 2011م، ص 468 - 456.

1- الطوفان حدث قرب ظهر النجف.

2- آدم خط مكاناً قدسياً في أرض الكوفة.

3- نوح صنع سفينة في موضع الكوفة وظهيرها.

4- الطارات (تلال) أو حافة هضبة والفرات عند النجف هو الجودي الذي رست سفينة نوح من الفرات قربه وهو الجبل الذي احتمى به البابليون عند حدوث الفيضان كما هو الجبل الذي أراد أن يعتصم به ابن نوح.

5- الجودي اليوم هي حافة مقطعة ممتدة نحو الشمال والشمال الغربي.

الدفن في موضع النجف في العهد البابلي:

كانت أرض (النجفو) كما يسميها البابليون ملجأهم المهم وقت الفيضان، وذلك لأن موضع النجف يرتفع عما حوله وبذلك لا يكون الموضع عرضة للفيضان(1). والبابليون يقصدون الموضع حاملين معهم موتاهم على ظهور الحمير لدفنهم في أرض النجبو (Nagbu) باللغة الأكدية والمصحفة إلى نجفو والتي تعني في اللغة البابلية المنطقة ذات المياه الجوفية والمرتفعة عما حولها، وهم يوصلون موتاهم لدفنهم أحياناً قرب أيترتو (اطيرتو) أو جبال بابل أو الطارات كما نسميها نحن، والتي تعني حافة الإنقاذ من الفيضانات وعليه فإن كثيراً من موتى البابليين دفنوا في موضع النجف في أرض قوية رملية مياهها الجوفية عميقة لا تفيض مهما كان الفيضان الذي كان يطغى على بابل وكل الفرات الأوسط الجنوبي(2)

الدفن في أرض النجف في عهد الحيرة:

إن لموقع الحيرة أهمية كبيرة بعد زوال سلطان مملكة الحضر العربية الإسلامية في شمال العراق وكذلك ميسان في جنوب العراق الحيرة عاصمة مملكة المناذرة تختلف عن عواصم عربية أخرى إذ لم يكن لوحداتها البنائية المتناثرة سور موحد

ص: 91


1- مقابلة شخصية مع الدكتور فوزي رشيد المتخصص بآثار بابل وسومر ومدير سابق لمديرية الآثار العراقية، بتاريخ 2000م، في ليبيا وقد أورد ملاحظات جمة حول موضع النجف وعلاقة البابليين به.
2- المظفر محسن عبد الصاحب (الدكتور) مدينة النجف عبقرية المعاني وقدسية المكان المصدر السابق ص 18 - 19.

يحيطها ولذلك أصبح من الصعوبة الربط بين أجزائها وان وحداتها هذه غدت تؤلف تلالاً متناثرة لم يُكتشف بعضها إلى الآن طالما التوسع الزراعي وفتح الطرق والفيضانات قد ضيعت معالمها.

انتشر الدفن حول الحيرة وشمالها وامتد حتى وصل إلى ما يدعى أيام الكوفة بظهر الكوفة، فقد أوضحت معلومات سنتي 1965م و 1966م أن كتف بحر النجف الذي يقع اليوم ضمن قضاء أبي صخير غني باللقى الأثرية، وأنه بامتداد الطريق بين النجف والحيرة توجد آثار مقبرة أو جبانة عامة للناس قديماً وهي لا تبعد عن موضع النجف (موضع المدينة) إلا بضعة كيلومترات قد تصل إلى 7 - 8 كم، وحتى عند حفر الشارع بين أبي صخير والنجف عثر على لقى أثرية مدفونة مع الموتى(1).

ولما درست (ماريا مادلينا نيكرو) آثار المنطقة عام 1972م ذكرت عن آثار الحيرة وأكدت على وجود ثلاثة أنواع من القبور في جبانة الحيرة تدل على أن الجبانة تعود إلى أزمان مختلفة، فمجموعة القبور المغطاة بجرار بيضاوية مطلية وبدون أية لقى تعود إلى الحيرة خلال الاستعمار الساساني، بينما مجموعة القبور التي اكتشفت قرب الشارع العام مع قبور أخرى وهي مزودة بأغطية فخارية مزججة تحتوي على هدايا فنية اشتملت على الفخار وقناني الزجاج وخرز النحاس والفضة، وتعود بتاريخها إلى نهاية العصر الفرثي وبداية العصر الساساني، أي القرن الثالث الميلادي. أما المقبرة العامة فهي لعامة الشعب لبساطة القبور وبساطة الموجودات التي عثر عليها، وإنها تمتد إلى أكثر مما حددتها التنقيبات مع حافة الطار بينه والشارع العام، تعود بتاريخها إلى عهود مختلفة أبرزها الفرثي والساساني والإسلامي.

ولقد قام النعمان بن المنذر ببناء سجن شمال الحيرة وعلى بعد معقول بحيث لا تعرقل المسافة الصلة بين الحيرة والسجن وإن البعد يقرب من سبعة كيلومترات ويبعد عن خندق سابور أربعة كيلومترات ويقال للمسجون ثوى أي استقر في السجن كما يثوي الميت في القبر ولذلك سميت المنطقة شمال الحيرة بالثوية ومن بعد ذلك سميت كل المنطقة شمال الحيرة وجنوب غربها وشمال شرقها بهذا الاسم لوقوع الدفن فيه وعلى بعد 3-4 كم من الخندق. شكل(2).

ص: 92


1- الشمس ماجد عبد الله حفريات الحيرة مجلة سومر ، ج 1 - 2 مجلد 45، وزارة الثقافة والإعلام،بغداد، 1987 - 1988م، 35.
2-

شكل رقم (1)

الصورة

المتغيرات حول موضع النجف في عهد مملكة الحيرة(1)

مقبرة النجف المسيحية:

تذكر مديرية مفتشية آثار النجف أن التنقيبات عثرت على أكبر مقبرة مسيحية في العراق إذ إن أرض النجف ضمت قبوراً فرثية ومسيحية وإسلامية تعود إلى آلاف السنين. وإن مساحة المقبرة المسيحية تبلغ 1416 دونماً ويسمى موضعها ب- (أم خشيم)وهي تبدأ من النجف إلى المناذرة وقد عرفت بأنها مقبرة مسيحية بدلالة اللقى الأثرية التي تعود إلى الفترة الفرئية والفترة الساسانية وفترة ما قبل الإسلام شكل (2) وقبور هذه المقبرة الممتدة من أرض النجف وفي بعض أرض بحر النجف متشابهة ويبلغ عمر هذه المقبرة حوالي ألفي سنة(2).

ص: 93


1- رسمه الباحث بالاعتماد على المعلومات الواردة في مختلف المصادر
2- مديرية آثار النجف، محافظة النجف ، مقال منشور على الأنترنت.

إن منطقة بحر النجف تحوي أكثر من مقبرة، لو أجري التنقيب فيها بصورة صحيحة يمكن أن يكتشفوا آثار شيا» التي لم يكشف النقاب عنها بعد، وهي لا تبعد عن النجف سوى 10 كم باتجاه الطارات على طريق النجف - كربلاء، وهذه المنطقة فيها تلال قائمة تعود إلى عهد المناذرة، وتحتاج المنطقة إلى مسح ميداني.

شكل رقم (2)

الصورة

تنقيبات مديرية آثار النجف في المقبرة المسيحية

صور التقطتها كاميرا آثار النجف تنشر بموافقة خطية من المديرية بتأريخ 24/2013/11م وسمح لي بنشرها وفق الموافقة المرقمة 2018/1 والمؤرخة في 2013/11/28م والصادرة من مديرية آثار محافظة النجف الأشرف

(حقوق الصورتين للدكتور محسن المظفر ) انظر الصورتين ملونتين في وسط الكتاب

الثوية حول سجن النعمان

حتى حول سجن النعمان الذي أقامه النعمان بن المنذر الذي يدعى بالثوية توجد قبور ظاهرة، وتسميتها بالثويّة جاءت من إقامة المسجون في السجن إقامة دائمة، وبذلك يقال عنه ثوى، فأطلق على السجن وما حوله من قبور اسم الثوية، وحتى بعد حين أصبحت المنطقة كلها شمال الحيرة وجنوب غربها وشمال شرقها تدعى بالثوية لوقوع الدفن فيها وعلى بعد(3 - 4كم) من خندق سابور(1)و(2).

ص: 94


1- الحموي، أبو عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الرومي البغدادي، معجم البلدان ، ج 3 ، مصر ، 1906م، الجزء الأول، ص 940 ، والجزء الرابع، ص 196.
2- الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، ج2 ، المطبعة الخيرية، مصر، 1306ه_، 64/10.

مقبرة شهداء القادسية

الغريان في أرض النجف (الظهر) وفي عهد مملكة الحيرة :

الغريان هما قبران بنى عليهما طربالان(1)وعليهما بناء جميل الهندسة يأوي إليه الناسكون والمنقطعون عن ملذات الحياة(2)وينتهي إلى أن الغريين قبران عاليان يسمحان للقادم إليهما بالمبيت والتنسك وسط صحراء مكشوفة، ولذلك بقيا مدة طويلة عرفهما القاصي والداني يقف عندهما كل مستطرق عبر الصحراء وعبر النجف إلى الحيرة، وقد تضاربت الآراء حول أسباب بناء الطربالين على القبرين، ولكن أكثر الروايات تداولاً هي التي تقول إن المنذر بن امرئ القيس المعروف بابن ماء السماء هو الذي بنى الغريين بظهر الكوفة كالصومعتين، وترجح المصادر أن القبرين لنديميه اللذين قتلهما وهما(خالد بن المضلل) و (عمر بن مسعود)الأسديين اللذين أغضباه في جلسة شراب فأمر بقتلهما ووضعهما في تابوتين ودفنهما في ظهر الكوفة، ولما صحا المنذر من سكرته وعرف ما فعل ندم وبنى لهما ،قبرين وكان يغريهما بدم من يقتله لمدة من الزمن حتى ترك هذه العادة.

الغريان يبعدان عن الحيرة (10كم) وعن موضع سجن النعمان (6كم) وعن ثوية الحيرة (20كم) وعن خندق سابور (7كم).

ولما تهدم أحد الغريين ومال الآخر نحو الانهدام سمي بالقائم المائل أو القائم المنحني ويقول النويري(3): وأمر المنصور بهدم أحدهما لكنز توهم أنه تحتهما فلم يجد شيئاً، ومن المحتمل أن أحد الغريين قد تهدم في أواخر الدولة الأموية وتهدم

ص: 95


1- انظر: أ- جواد مصطفى (الدكتور) ، في التراث العربي، إخراج محمد جميل شلش وعبد الحميد العلوجي ج1 ، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1975م، ص 290. ب- الحاكم النيسابوري أبو عبد الله المستدرك على الصحيحين شركة علاء الدين للطباعة والنشر، بيروت، ج 3، ص443.
2- الحكيم حسن عيسى (الدكتور) مصطلح الغري وأطواره التاريخية مجلة كلية الفقه عدد 1، السنة الأولى 1979م، مطبعة الآداب، نجف، ص 387.
3- النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب نهاية الأرب في فنون الأدب، مطابع كوستاتوماس وشركاه القاهرة، السفر الأول، ص 387.

الآخر في أوائل الدولة العباسية وبقيت المنطقة تسمى بالغري برغم زوالهما. ويُعدّ هذا الدفن لنديمي المنذر أول دفن معروف ومدوّن في ظهر الكوفة.

إذ كان الدفن أيام مملكة الحيرة يمتد حتى أرض النجف وصولاً إلى أطرافها الجنوبية وحتى موضع الغريين في حافة ظهر الكوفة.

هذا إضافة إلى مدافن شهداء القادسية الذين دفنوا دون حافة الطار قرب النهر العتيق القريب من الجدول الحالي حيث حصلت المعركة أثناء دخول المسلمين من بوابة أرض النجف.

الدفن في أرض النجف في عهد الكوفة:

1- الدفن في ثوية (مقبرة) الكوفة:

ارتبطت الثوية في التاريخ الإسلامي بالكوفة، وجاء في لسان العرب(1)أن الثوية موضع قرب الكوفة وذكر ابن الأثير(2)الجزري أن الثوية موضع في الكوفة. ويقع في ظهر الكوفة فيما يلي خندق سابور، وقد خصص لأن تكون جبانة وقد ذكر ماسنيون أن قبيلتي ثقيف وقريش احتلنا جزءاً منها(3)كما وردت بذلك أخبار في مصادر تاريخية كثيرة هي فرحة الغري(4)ومزار البحار ومشاهد العترة الطاهرة(5)ونزهة الغري(6)وإرشاد القلوب(7)

أول المدفونين في ثوية الكوفة:

بعد أن نشأت الكوفة ووسع خندق سابور،جعل سكان الكوفة المنطقة

ص: 96


1- كمال أحمد عادل، فتوح بعد القادسية، ودار الفكر للطباعة بدون ذكر اسم المطبعة ،وط1، 1393ه_،(1974م) . ص 18.
2- ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكريم محمد بن محمد عبد الكريم الشيباني الجزري، نهاية اللغة، بدون ذكر المطبعة وتأريخ الطبع 1/ 300.
3- ماسنیون خطط الكوفة وشرح خريطتها صيدا، مطبعة العرفان ، 1939م، ص 33 ، 44.
4- القاري، شرح الشمائل، ج2، ص 208.
5- كمونة،عبد الرزاق مشاهد،العترة الطاهرة، ص .147.
6- الكوفي، محمد عبود، نزهة الغري،مطبعة الراعي، النجف، 1947م، ص8.
7- الديلمي، ابن محمد الحسن بن أبي الحسن محمد،إرشاد القلوب في فضائل أمير المؤمنين ومناقبه، ط2، من دون تاریخ طباعة وذكر اسم مطبعة، ص 42 133 ، 230 ، 435.

غرب الخندق مكاناً للدفن فنشأت بذلك جبانة الكوفة العامة وأطلق عليها الثوية وهي امتداد لثوية شمال الحيرة، وثوية الكوفة هي امتداد للكوفة ما بعد الخندق لأنها مقبرة المدينة العامة وما بعد الثوية يقع في الظهر وأطلق عليه ظهر الكوفة وقد دفن في ثوية الكوفة 300 صحابي وعدد من القضاة والعلماء المبرزين من أهل الكوفة وأموات قبيلة ثقيف، كما دفن فيها كميل بن زياد النخعي المتوفى عام 83ه_ (704م) صاحب الدعاء المشهور ومرقده ظاهر للعيان ويزوره محبوه.

2 . الدفن في الظهر (الغري):

الحنانة الحد الغربي لثوية الكوفة وما بعدها ظهر الكوفة:

إطلاق تسمية الظهر كان على ما بعد الثوية وهو المحصور بين حد الثوية على امتداده وحافة الطار على امتدادها،ومنطقة الحنانة هي تل مرتفع عُدّت الحد الفاصل بين ظهر الكوفة الغري والثوية، ويقول ابن قولويه:إن قبر أمير المؤمنين(علیه السّلام)فوق الثوية قليلاً(1)وقد مرّ جثمان الإمام علي(علیه السّلام)بالحنانة وهو في طريقه إلى الغري أو الظهر وما زالت آثار الحنانة قائمة وهي الموضع الذي وضع جثمان الإمام علي(علیه السّلام)فيه وكما وضع فيه رأس الحسين(علیه السّلام)ورؤوس أبنائه الي وأصحابه قبل الدخول إلى مدينة الكوفة، فالثوية إذاً تمتد طولاً من غرب مدينة الكوفة وغربها مع كري سعد أو الخندق نحو الجنوب فتكون شمال الحيرة وتمتد هكذا حتى نزول الطار لترتبط بثوية القادسية جنوب و جنوب غرب النجف أو شمال وشمال غرب أبي صخير الحالية.

ص: 97


1- الأصفهاني، محمد باقر الموسوي الخونساري، روضات الجنات في العلماء والسادات، المطبعة ،الحيدرية طهران، 1310ه_، ج 1، ص 3.

صورة رقم (3)

الصورة

مبنى مرقد الصحابي كميل عام 1908م ومبنى مرقده اليوم 2013/12/5م التقطت الصورة بعدسة الباحث بتأريخ 2013/12/5م في النجف الأشرف (حقوق الصورة للدكتور محسن المظفر ) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

صورة رقم (4)

المسجد الذي بني في الحنانة

التقطت الصورة بعدسة الباحث بتأريخ 2013/12/5م في النجف الأشرف(حقوق الصورة للدكتور محسن المظفر ) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

ص: 98

شكل رقم (5)

الصورة

المقابر في أرض النجف منذ العهد البابلي حتى اليوم(1)

تميّزت أرض الظهر بانبساطها عدا بعض التلال والربوات وبالتكوينات الرملية المعروفة بحصاها الأبيض اللامع ، ويطل الظهر على المنخفض وأمامه صحراء ممتدة وهي أرض جميلة للتنزه، وقد أطلق على الظهر اسم النجف لأنه يرتفع عما حوله ويقصد للصيد والتنزه والعبادة، وكان الإمام علي(علیه السّلام) يقصد هذا الظهر حتى حافة الطار ليصلي ويتعبد.

فقد ورد في كتاب منتهى المقال وفي كتاب روضات الجنات(2)أن من

ص: 99


1- رسم الباحث بالاعتماد على المعلومات الواردة في المصادر المختلفة.
2- المجلسي، الشيخ محمد باقر ، سفينة البحار، ج 12، ص 79 ، 80 ، ،356 ، باب حكم تجصيص القبور والمشي عليها ص 356.

أوائل المدفونين في النجف التي في ظهر الكوفة، خباب من الأرت من أصحاب رسول الله (عجل الله تعالی فرجه الشریف)وهو الذي شهد بدرا وما بعدها،نزل الكوفة ومات بها وشهد مع علي(علیه السّلام)صفين والنهروان، وصلى عليه علي(علیه السّلام)، ووقف على قبره وقال: رحم الله خباباً أسلم راغباً وهاجر طائعاً وعاش مجاهداً وابتلي في جسمه أهوالاً ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً. ومثل ذلك ورد في طبقات ابن سعد من القسم الأول في البدريين(1)وقد ساق الحديث حتى أتاه إلى ابن خباب، قال لي: أي بني إذا أنا مت فادفني في هذا الظهر فإنك لو دفتني بالظهر قيل دفن بالظهر رجل من أصحاب رسول الله(عجل الله تعالی فرجه الشریف)فدفن الناس موتاهم،فلما مات خباب دفن في الظهر وكان أول المدفونين في ظهر الكوفة في عهد الكوفة.

أما الذي عرفه النجفيون بصافي صفا فهو أثيب اليماني صاحب قبر الصفا في النجف ، والذي تتلمذ على يد أويس القرني المرادي اليماني أحد أصحاب الإمام علي(علیه السّلام)وقد أوصى أثيب أولاده بنقل جنازته إلى النجف كما وردت بذلك أخبار في مصادر تاريخية ودفن قرب الطار المطلة على المنخفض بين الذكوات البيض، وقد جرى الدفن في هذا الظهر قبل دفن الإمام علي(علیه السّلام)(2).

ودفن بعد ذلك عدد من صحابة الرسول(عجل الله تعالی فرجه الشریف)وعلي(علیه السّلام)وهم:

• جويرية بن مسهر العبدي الذي قتله زياد ابن أبيه.

• كميل بن زياد النخعي الذي مات قتلاً سنة (82ه_ / (701م) في أيام الحجاج.

• الأحنف بن قيس توفي عام (67ه_/ 686م).

• عبد الله بن أبي أوفى من خزاعة توفي عام (86ه_ / 705م).

• عدي بن حاتم الطائي.

• قرظة بن كعب.

ص: 100


1- الكنجي الشافعي، محمد بن يوسف بن محمد القرشي، كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مطبعة ،الغري، النجف 1937م، ص323.
2- الأصفهاني، المصدر السابق 1 / 3. ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري، الطبقات الكبرى، القسم الأول، ص 121 المظفر محسن عبد الصاحب (الدكتور)، مقبرة النجف الكبرى، دار صفاء، الأردن، عمان، ص 75 - 80 .

سهل بن حنيف مات بالكوفة سنة (38ه_/ 658م) وصلى عليه الإمام علي(علیه السّلام). وكبر عليه ستاً وليس له قبر معروف(1).

عبد الله بن يقطر: رضيع الحسين(علیه السّلام)ورسوله إلى ابن زياد

صورة رقم (6)

الصورة

مرقد أثيب اليماني عام 1951م ومرقده اليوم وتبدو إطلالته على المنخفض التقطت الصورة بعدسة الباحث بتأريخ 2013/12/5م في النجف الأشرف (حقوق الصورة للدكتور محسن المظفر ) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

بدء ظهور المدافن في موضع النجف حول قبر الإمام علي(علیه السّلام)

جاء في سفينة البحار(2)رواية تؤكد أن أمير المؤمنين(3)نظر في حياته إلى ظهر الكوفة فقال : ما أحسن منظرك وأطيب قعرك اللهم اجعله قبري. وإن الإمام علي(علیه السّلام)

ص: 101


1- الذهبي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الشافعي، العبر في خبر من غبر، بيروت، دار الكتب العلمية ، 1982م ، ص44.
2- المجلسي، محمد باقر، سفينة البحار، ج 1، ص 79، 379.
3- ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكريم محمد بن محمد الشيباني الجزري، الكامل في التاريخ، دار الفكر بيروت بدون تاریخ، ج 1، ص 435.

قد حدّد بنفسه مكان قبره في النجف وعين المحل«المجهز بلحد ملحد بين الذكوات البيض وهي ثلاث تلال ذات رمال وحصى أبيض».

وجاءت رواية في كفاية الطالب(1)لأبي نعيم عن الحسين بن علي الخلال عن جده قال: قلت للحسين بن علي(علیه السّلام)أين دفنتم علياً ؟ قال : خرجنا به ليلاً من منزله حتى مررنا على مسجد الأشعب حتى خرجنا إلى الظهر جنب الغري (نجف كوفة) فدفناه هناك، وعقبنا موضع قبره بوصية منه مخافة دولة بني أمية.

وبدفن الإمام علی(علیه السّلام) لان الذي كانت شهادته يوم(21 رمضان عام 40ه_ المصادف 22 يناير/ كانون الثاني من عام 661م) بدأ تاريخ السكن حول قبره في الصحن والدفن قربه عند الذكوات البيض وحولها يأخذ طابعاً جديداً، وبذلك يكون عمر الدفن منذ بدئه حتى اليوم يصل إلى 1128 سنة، وكان البدء عام 755م وقد أخذ السكن يؤلف ضاحية صغيرة تابعة إلى الكوفة.

وأهم المقابر المعروفة اليوم في الصحن هي مقابر آل بویه ومقابر الجلائريين ومقابر الصفويين ومقابر القاجاريين. أما في الأواوين فهناك في الإيوان الذهبي قبور علماء وشيوخ معروفين مثل العلامة الحلي والعلامة الأردبيلي وغيرهما كثير. وفي إيوان العلماء توجد مقبرة لعلماء مهمين عرفتهم النجف وتحت الساباط توجد سبعة مقابر لشخصيات مهمة كما هو الحال في الإيوان الشمالي وأواوين الصحن عند

سوره.

وبسبب تواتر الأخبار عن فضل أرض النجف المقدسة وفضل الدفن جوار الإمام علي(علیه السّلام)فقد اندفع الناس للدفن فيها وقد دفن ناس كثيرون قبل أن يدفن فيها الإمام علي(علیه السّلام)ومن بعد دفنه.

الدفن في صحن الإمام(علیه السّلام):

يذكر أن أرض الصحن كانت وعرة لكثرة ما فيها من قبور ومحاريب ظاهرة فوق سطح الأرض وحتى وقت متأخر وبالتحديد عام (1208ه_ / 1793م) طمست ساحة

ص: 102


1- الكنجي الشافعي، كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ص323.

الصحن بالصخور والمرمر واستمر الدفن فيه وفي أواوينه لمدة طويلة حتى أواخر السبعينيات في القرن العشرين.

وظهر أن في سور الصحن بنيت أواوين في أكثرها قبور حفرت في أرضيتها ليدفن فيها أشخاص معروفون ومشايخ وفقهاء وأعلام.

أول ما بدأ الدفن بعد دفن الإمام(علیه السّلام)كان في صحنه وعلى بعد أمتار عن مرقده الشريف. واستمر الحال هكذا حتى عام (1206ه_ / 1792م) حيث طمست ساحة الصحن وحفرت السراديب الخاصة بالدفن، وبلطت أرض الصحن بالصخور والمرمر والتصليحات في باحة الصحن جارية(1) ثم منع المعنيون في خدمة الحرم الشريف الدفن قطعياً - منعوا - أي دفن مهما كانت منزلة الميت، في الصحن وأواوينه، وذلك بهدف الابتعاد عما يحدث من تسرب لروائح تخرج من الثقوب ما الصخور وأخيراً عُدَّ الدفن في الصحن غير منطقي ولا يتناسب مع وضع الحرم وكثرة الزائرين

أما أهم المدفونين في الصحن وأواوينه فنذكر منهم:

مقابر آل تلك بويه التي تقع قرب إيوان العلماء وتمتد إلى البكتاشية ومن بين المدفونين عضد الدولة وشرف الدولة وبهاء الدولة.

مقابر الجلائريين قرب باب الصحن ومنها مقابر أويس الجلائري والشيخ حسن الجلائري المتوفى عام 757ه_ المصادف لعام 1356م والأمير قاسم الجلائري المتوفى عام 768ه- المصادف لعام 1366م.

1- مقابر الصفويين في الرواق تحت التكية مثل مقبرة الشاه عباس .

2- مقبرة القاجاريين مثل قبر السردار الأعظم والسلطان سدخان.

3- مقابر الإيوان الذهبي دفن فيها جمهرة من علماء وشيوخ فضلاء .

4- مقابر إيوان العلماء.

5- مقابر الساباط .

ص: 103


1- محبوبة الشيخ جعفر، ماضي النجف وحاضرها، ج 1، ص 43 44 235.

6- مقابر إيوان العلماء.

7- مقابر إيوان الشمالي.

8- مقابر أواوين الصحن.

الدفن خارج الصحن الشريف وفي محيطه

يقول السيد حسن البراقي: (صنع آل بويه بيوتاً للذين جاؤوا بهم تحت الأرض وأجروا عليهم الأرزاق لأجل السكني، وبعد هذا جاء الناس أولاً بأول وبنوا الدور وكثروا ، وهذا على الأفواه مشهور ... إلا أن البناء الذي تحت الأرض فإنّا شاهدناه ورأينا آثاره خلف الدور من عكس قبلتها من جهة الجدي وسط المقابر وأقرب ما يكون إلى البلد...).

ويقول إن الدفن كان خلف سور المرقد مباشرة، ويؤكد ذلك ما ذكر عن العثور على مقابر قببية قريبة من المرقد عند بناية القيصرية. وهذا ما اعتاد عليه الناس في الدفن خارج سور) و (يعني سور الصحن الشريف)(1). ويتضح الدفن من المرقد حتى وادي السلام بالنقاط الآتية :

أولاً : إن أول سور أحاط بالمرقد الشريف بناه السيد محمد السيد زيد ولا يوجد تاريخ محدد سوى أن تاريخ بنائه المحتمل هو 900م لكن قبل هذا كان هناك سكن ملاصق للمرقد(2)شكل (7) تسلسل (1) حيث يظهر المرقد والسور الأول الذي يحيطه ومجموعة القبور الملاصقة للسور يذكر أن سكنى النجف بدأت قبل مجيء آل بويه ولكن آل بويه بنوا بيوتاً للذين جاؤوا معهم وأسكنوهم النجف، وقد جاء الناس أول بأول وبنوا الدور وكثروا ، وأما البناء الذي تحت الأرض فقد شاهده السيد حسين البراقي ورأى آثاره وهو خلف سور النجف من جهة عكس قبلتها وسط المقابر، وهذه البيوت والمقابر ملاصقة لمرقد الإمام علي(3)أما عند الوادي وإلى الشمال من

ص: 104


1- ابن طاووس، رضي الدين علي بن موسى بن محمد، مصباح الزائر وجناح المسافر، مخطوطة ص 61.
2- الحكيم، حسن عيسى (الدكتور) ، الأسوار والقلاع في النجف، مطبعة تموز، دمشق، 2011م، ص ص 4 . 13 .
3- البراقي، سيد حسين، اليتيمة الغروية والتحفة النجفية، ص245.

المرقد فيظهر قبرا النبيين هود وصالح(علیه السّلام)و مقام الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشریف)والأرض بين المرقد ووادي السلام فارغة إلا من بعض القبور المتفرقة.

ثانياً:ولما تطلب توسعة باحة أو صحن المرقد بني السور الثاني حوله وقد بناه أبو الهيجاء عبد الله وكان هذا السور منيعاً لمنع الأعراب من مهاجمة المرقد الشريف، ولم يذكر تاريخ صريح لبنائه ولكن يحتمل في الربع الأول من القرن الرابع الهجري بحدود 936م الأمر الذي تطلب فيه تهديم القبور حول المرقد وبني السور وقسم من المقابر داخل الصحن وظهرت فيما بعد مقابر حول السور الجديد وبعض آخر في

وادي السلام .

وثالثاً: وبني بعد السور الثاني سور ثالث آخر بناه السلطان عضد الدولة البويهي وبشكل تقريبي عام 957م هذا السور بطول 2500 خطوة الشكل (7) تسلسل (2). وظهرت قبور جديدة بعد إزالة سابقتها(1).

رابعاً:ولما توسعت المدينة وكثر السكن فيها تطلبت حماية المدينة من الهجمات بعد أن حمي المرقد الشريف فجاء السور الأول حول المدينة والرابع بتسلسل الأسوار والذي أمر بإنشائه أبو الحسن الأرجاني فيناه أبو الحسن بن فضل بن سهلان في نهاية القرن الرابع الهجري(400 هجرية) أي عام 1009م وطوله 1250 متراً ويبعد عن سور المرقد 199 متراً وقد ظهرت بدايات المحلات الجديدة وأكثرها فوق المقابر وأخذ الناس يدفنون خلف السور وبعض الدفن في وادي السلام ومن العلوم أن المقبرة العامة تغطيها اليوم منشآت سوق الكبير وشوارع الصادق وزين العابدين والجبل باب الولاية وفضوة المشراق ممتدة مع الطريق المؤدي إلى الكوفة ثم انقطع الدفن في الموضع الشرقي لاتخاذه مسلكاً إلى الكوفة ومدخلاً إلى المدينة شكل (7) تسلسل (3).

ص: 105


1- انظر : أ - ابن كثير، البداية والنهاية 242/11. ب - ابن الوردي، التأريخ، 1 / 446.

شكل رقم (7)

الصورة

امتداد الدفن من مرقد الإمام ابن وامتداد المدينة فوقه(1)

ص: 106


1- رسم الباحث بالاعتماد على قراءات لمعلومات جاءت بها المصادر المختلفة.

خامساً: وزادت المساكن كثافة في هذه الفترة نتيجة لرغبة الناس السكن إلى جوار ضريح الإمام(علیه السّلام)، فضاقت المساكن وضاقت الأزقة، وكان لا بدّ من توسعة المدينة وتهديم سورها وبناء سور جديد، ولهذا قام السلطان أويس الجلائري ببناء سور جديد طوله 1721م ويبعد عن موضع السور الذي قبله 58 متراً ويذكر أنه شيد في نهاية القرن الثامن الهجري، أي احتمل بناؤه عام 1397م، وهو السور الثاني حول المدينة والخامس حول المرقد والمدينة وتوسعت المدينة إذاً فوق المقبرة التي أزيلت تماماً وكانت تغطي شمال شرق النجف وشرقه ومنطقة المشراق والسوق الكبير وباب الولاية، وأما الدفن فقد أخذ يتجه شمالاً وذلك لحاجة النجف إلى الجهة الشرقية كمدخل لها وطريق مؤد إلى الكوفة (1)ومع ذلك بقيت المقابر توازي الطريق إلى الكوفة من جهتيه وبخاصة حول المكان الذي احتله شارع الهاتف والمناطق الواقعة إلى شماله كما استمر الدفن بكثافة يظهر في وادي السلام الذي أصبح جبانة واضحة المعالم شكل (7) تسلسل (4).

سادساً وتتكرر الصورة نفسها إذ غدت النجف داخل سورها الخامس تأنّ من الضيق لتزاحم المساكن وزيادة عدد الناس، فلا بد إذن من تهديم السور وبناء آخر محله وتمّت بذلك إزالة المقابر التي بُنيت خلف السور وشُيدت محلها المساكن وتوسعت محلة المشراق وغدت كما هي الآن كونها واقعة بين الحرمين النجف وكربلاء، وهي تزخر بمراقد العلماء ورجال الدين والوجهاء وكذلك باب الولاية ومنطقة الجبل والسوق الكبير وما حوله، وقام الوزير المملوكي سليمان باشا سنة 1788م ببناء السور الثالث حول المدينة أو السور السادس بتسلسل الأسوار والذي وصل جداره عند حدود مقبرة وادي السلام الذي أصبح الدفن فيه بنسبة تقرب من 98%، وأخذت مقبرة وادي السلام تتسع بعد تكاملها من تاريخ بناء السور السادس،وهذا لا يعني أن الدفن ليس موجوداً في الوادي قبل هذا التاريخ الشكل رقم (7) تسلسل (5).

ص: 107


1- الأصفهاني أبو الفرج، علي بن الحسين، الأغاني، ج14 ووزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية للطباعة 1963م. ص 107، 125 .

شكل رقم (8)

الصورة

النجف: صورة جوية تظهر المقام في وسط المدينة1919 National Army Museum, London

أما الموالون من العلويين فقد سكنوا حول المرقد بنظام من البناء غير مخطط والكل يحاول قدر إمكانه الحصول على قطعة أرض وسكن أقرب ما يكون إلى المرقد المطهر لنيل أعلى درجة من الشرف والفضيلة، والتي باعتقادهم تقل كلما ابتعد المسكن عن المرقد، وقد تحدثت الروايات عن أهمية القرب من الإمام علي(علیه السّلام)وهذا التنافس للاقتراب منه أدّى إلى احتشاد البيوت التي لم تترك إلا أزقة ضيقة تسمح أحياناً المرور شخص واحد أو شخصين.

وهذا يعني أن النجف أصبحت عام 861م ضاحية تابعة للكوفة. وهي قابعة عند حافة الصحراء الغربية من العراق تتعرض بين حين وآخر لهجمات أعرابية وأخرى وهابية، وسوّرت المدينة بأسوارها المعروفة والتي تم تبيانها.

الدفن بالمنازل

هناك عدد ليس بالقليل من منازل مدينة النجف مبنية على قبور قديمة، لأن

108

ص: 108

الأرض التي تحيط بمرقد الإمام(علیه السّلام)و قبل ظهور المدينة وكما ذكرنا وخلال بدايات ظهورها كان الدفن حادثاً، ودليل ذلك ما تحدث عنه البناؤون عند الحفر في منازل النجف القديمة التي هدموها لغرض إعادة بنائها من جديد والشروع بحفر سراديب لها وقد وجدوا في طبقات التراب لحوداً ورميماً.

استمر الدفن في المنازل والمساجد دون انقطاع منذ نشأة النجف حتى عام 1964م حيث قل إلى حد كبير ثم انقطع عن المنازل نهائياً في بداية التسعينيات من القرن العشرين.

ويتم الدفن بأن يعزل مالك الدار حيّزاً من داره لجعله مقبرة له ولعائلته أو يحفر سرداب دفن خاصاً به ويبني فوقه قبة ثم يجعل البناء بكليته معزولاً عن داره حتى تميزت المدينة بمقابرها المشهورة والمعروفة والتي يقارب عددها (288) (جدول 1) وهذه المقابر جملت أطراف النجف القديمة بنظامها وشكل قبابها الزرق والخضر.

بداية ظهور مقبرة وادي السلام وعمرها:

تميّزت أرض النجف وأرض وادي السلام بالارتفاع عما جاورها وبتربتها الرملية وتظهر إلى عمق مترين وربما أقل بقليل في بعض الأماكن تظهر صخور صلدة ممتدة بشكل جيد، إضافة إلى الجفاف وعدم التعرض إلى الفيضان الذي كان يحدث لجهات الكوفة وكل بابل.والأهم هنا الدفن بمجاورة الإمام علي(علیه السّلام)والفوز بالاطمئنان والشفاعة.

الاعتقاد بأن الدفن في مقبرة وادي السلام إلى مجاورة الإمام(علیه السّلام)يخفف من محاسبة منكر ونكير، وهذا الكلام جاء من الأخبار المتواترة عن الأئمة(علیهم السّلام)، وجاء في الروايات حول مقبرة وادي السلام بأنها محشر لكل المؤمنين.

وتتعدد الروايات حول فضل تربة النجف ومزية الدفن فيها، لا يسع المجال هنا لذكرها كلها.

قبل الكلام عن المقبرة العامة(وادي السلام)والتي نشأت فيما بعد، نذكر أنه بعد استشهاد الإمام(علیه السّلام)في سنة(40 هجرية في 21 من رمضان) (22 يناير/ كانون)

ص: 109

الثاني عام 661م) ، تمّ إظهار القبر الشريف، وبناء صندوق عليه بحدود عام (755م) حينها تجمع العلويون والموالون ومحبو الإمام علي(علیه السّلام)، حول قبره لمجاورته وحمايته والسهر عليه، ثم السكن جواره وبعد حين بنيت فوق قبره الشريف قبة عام (786م).

ولما بدأت النجف تظهر حول القبر كضاحية صغيرة تابعة للكوفة عام (861م) بدأ الناس يدفنون وينقلون موتاهم في الضاحية في داخلها، في المنازل وبينها وفي داخل الصحن.وفي هذا الوقت لم تكن المقبرة العامة المسماة بوادي السلام قد ظهرت كمقبرة متكاملة بل ظهرت بداياتها تلك البدايات التي كانت مجاميع من القبور حول مرقدي هود وصالح وحول مقام المهدي وأماكن متعددة باتجاه شرق

المدينة.

إما إذا فحصنا الروايات فنجد أنها تؤكد على أن اسم وادي السلام أطلقه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)على أرض النجف على اعتبار سلامة من يدفن فيه فاسم وادي السلام أساساً لم يطلق على المقبرة بل على أرض النجف كلها، ولذا فإن الدفن في وادي السلام يبدأ منذ العهد البابلي ويكون بذلك عمر مقبرة وادي السلام(كل أرض النجف)أكثر من ثلاثة آلاف سنة(1).

خلال وجود المدينة ضمن سورها الأخير توسع الدفن خارج السور وعلى الجهة الشرقية من المدينة وعلى امتداد مدخلها المهم باتجاه الكوفة وعلى يمين ويسار بدايات الطريق الترابي المؤدي إلى الكوفة..

عمر الدفن ومقبرة وادي السلام:

أخذ الدفن يمتد شمالاً وشمال غرب وعلى شكل قوس ابتداءً من السور الأخير الذي هدم ومد مكانه شارع السور، إن الدفن الذي حصل في وادي السلام أثناء بناء

ص: 110


1- انظر: أ- المظفر ، مقبرة النجف الكبرى، المصدر السابق، ص 92. ب- المظفر، محسن عبد الصاحب وادي السلام في النجف من أوسع مقابر العالم، النجف، مطبعة الغري، 1964م، ص28.

السور الأول والثاني والثالث حول المرقد كان قليلاً ولكنه مع هذا يكون البداية الأولى، وكان الدفن حول مرقدي هود وصالح وحول مقام المهدي، لكن الدفن في وادي السلام أثناء وجود السورين الرابع والخامس كان يظهر بشكل مبرز مما يعني أن مقبرة وادي السلام كجبانة عامة قد ظهرت إلا أن الدفن والقبور أثناء وجود السور السادس وبعد تهدمه كان الأساس لظهور مقبرة آخذة بالتوسع المضطرد.

يذكر الشيخ جعفر محبوبة في كتابه ماضي النجف وحاضرها في ص 95، أنه حين جاء الإمام الصادق(علیه السّلام) زائراً مرقد جده أمير المؤمنين(علیه السّلام)نزل فصلى ركعتين ثم تنحى وصلى ركعتين ثم تنحى وصلى ركعتين،فسئل(علیه السّلام)عن الأماكن الثلاثة التي صلى بها فقال: الأول موضع قبر أمير المؤمنين(علیه السّلام)، والثاني موضع رأس الحسين(علیه السّلام)، والثالث موضع منبر القائم(علیه السّلام)و فللمهدي(علیه السّلام)المقام في النجف. امتد الدفن شمالاً إلى أن وصل مقامه واجتازها بمسافة كيلومتر واحد تقريباً. وكذلك امتد الدفن إلى مرقد هود وصالح(علیه السّلام)وهو من المراقد المعلومة الذي أظهره وبنى عليه قبة العلّامة السيد بحر العلوم.

ولما أزيل سور النجف وانتشر الأمان، بنت المدينة مغتسلاً للأموات قرب الجدول في أسفل الطارات عند منخفض النجف . وبعد التوسع والدفن المستمر تغيّر شكل المقبرة من الشكل الخطي إلى الشكل الدائري وسوّرت المقبرة بسور واطئ شاهدته بعيني بل قد لعبت الكرة مع زملائي جواره وهو متهدم ويقع خلف مقام المهدي بنحو كيلومتر واحد أو أدنى من ذلك.

ازدحمت القبور إلى الحد الذي يندر فيه مكان للدفن الجديد وجرت المطالبة بالتوسعة فأضيفت أرض جديدة بعد السور القديم وذلك عام 1973م وعند هذا العام غدت مساحة المقبرة(198 هكتاراً)(1).

وبعد تهدم أجزاء من السور وظهور باب النجف الشرقي مفتوحاً أزيلت المقابر القريبة منه وحلت محلها مؤسسات ورحاب للسيارات ،ومحلات، وإثر ذلك زحف الدفن حتى وصل إلى شارع الهاتف، يقول الشيخ العاملي عام 1942م أنه إذا اتجهت

ص: 111


1- المظفر محسن عبد الصاحب (الدكتور ) مقبرة النجف الكبرى المصدر السابق، ص 106.

شرقاً لشاهدت خطاً حديديّاً يوصل النجف بالكوفة تسير عليه عربات تشبه الترامواي يجرّ كل عربة حصانان، وإن هذا الخط الحديد يمر بوادي السلام(1)، فمعنى هذا فمعنى هذا أن المقبرة موجودة على يمين ويسار الشارع باتجاه الكوفة من باب الولاية وصولاً إلى شارع الهاتف حتى موضع ساحة ثورة العشرين حتى 1973م وما بعدها أزيلت المقابر الموجودة على يمين الطريق الذاهب إلى الكوفة وبنيت محلها مؤسسات ودور سكنية وهي المنطقة التي تحتلها مؤسسات المطافئ وكلية الفقه. أما ما بعد عام 1990م حتى 2011م فقد بدأت السلطات المحلية بإزالة المقابر الواقعة على يسار الذاهب إلى الكوفة وهي المقابر التي تبدأ من الكلية الإسلامية حتى ساحة ثورة العشرين وذلك لبناء محطات سيارات وفتح شوارع وإنشاء متنزهات بغية تيسير الحركة وتوفير إمكانية الوصول ومعنى هذا قطع مساحة تقرب من خمسة كيلومترات مربعة من مساحة المقبرة وأزيلت آلاف القبور.

أخذت المقبرة شكلاً مستطيلاً وغدت تبلغ كلها عام 2003م مساحة بمقدار (360 هكتاراً)(2) واليوم 2013م وضمن سورها الجديد بمساحة (980 هكتاراً)(3)وعلى هذا الأساس بالإمكان تقدير الإعمار والمساحات بما يقرب من الحقيقة.

عمر مقبرة وادي السلام:

1- إن احتساب عمر الدفن في أرض النجف بعد دفن الإمام(علیه السّلام)ومنذ بنيت قبة فوق مرقده حتى اليوم هو (1227م) سنة.

2- وعمر الدفن بعد بناء السور الأول منذ 900م هو 1113 سنة ويمكن اعتبار هذا التاريخ عمراً لمقبرة النجف

3- عمر الدفن خلف السور الرابع عام 1009م وفي وادي السلام هو 1004 سنوات.

4- عمر الدفن بعد السور الخامس عام 1397م وتجلي مقبرة وادي السلام بالظهور

ص: 112


1- العاملي، محمد تقي آل الفقيه النجف قبل ربع قرن تاريخها و تخطيطها، لبنان، صور، ص 9 - 102 (علماً أن حساب الربع قرن كان من تاريخ التأليف و معنى هذا أن النجف وصفها العاملي قبل 71 سنة قبل اليوم).
2- المظفر، محسن عبد الصاحب مقبرة النجف الكبرى، المصدر السابق، ص.
3- مديرية بلدية النجف الوحدة الهندسية كراسات عن المقبرة، عام 2013م.

كجبانة واضحة المعالم هو سنة 616م وهو العمر الحقيقي للمقبرة وهي بمساحة واسعة كثيرة المقابر يُشار لها بالبنان، واتسعت المقبرة كثيراً بعد تهدم السور السادس .

مساحة المقبرة:

- مساحة المقبرة عام 1973م هي : (196 هكتاراً). وهي مساحة المقبرة القديمة.

- مساحة المقبرة عام 2003 هي : (380 هكتاراً).

- أما اليوم 2013م فإن مساحتها وصل إلى 980 هكتاراً ومساحتها هذه تشكل نسبة 12% من مساحة المدينة الكلية(1)وأما المساحة المستغلة فتؤلف نسبة % 70من المساحة الكلية للمقبرة داخل سورها الأخير المشيد عام 2010م، ومعنى هذا أن الدفن يستمر داخل المقبرة لكونها تستوعب الدفن الجديد أنه سوی وبعد انتهاء حوالي عشرين سنة من الآن تظهر الحاجة إلى تخطيط مقبرة جديدة شمال غرب المقبرة من بعد السور والطريق الحولي وبامتداد حافة (الطارات).

هكذا تضاعفت مساحة المقبرة مرتين عام 2003م عما كانت عليه عام 1973م وخلال 30 سنة، وتضاعفت مساحتها ثلاث مرات عام 2013م عما كانت عليه عام 2003م خلال عشر سنوات.

المساحات التي أزيلت من المقبرة:

ما أزيل حديثاً من المقبرة لتوسعة الشارع المؤدي إلى الكوفة يقارب (10) هکتارات وما أزيل لفتح شارع جديد يوصل الشارع المؤدي إلى كربلاء مع الشارع المؤدي إلى الكوفة كمدخل جديد للمدينة عبر المقبرة وأصبح محاذياً لها فيما بعد حوالي(6)هكتارات.

ص: 113


1- الشمري، رضا عبد الجبار (الدكتور)، وم. م. حيدر عبود كزار مقبرة وادي السلام بين الوظيفة وضغط استعمالات الأرض في مدينة النجف الكبرى، النجف الأشرف، مركز دراسات الكوفة عدد (2) 2009م النجف ص 116 - 117.

أما الأرض التي اقتطعت من المقبرة لإقامة متنزهات ومرآب كبير لسيارات الأجرة بين الأحياء ومركز المدينة فقد قدرت ب (50) هكتاراً(1).

عدد المدفونين في مقبرة وادي السلام:

يجري نقل الموتى إلى النجف لدوافع دينية من إيران وتركيا ولبنان وبعض دول الخليج والهند وباكستان وأفغانستان إضافة إلى الجنائز التي تنقل من أنحاء العراق، كان عدد الجنائز المنقولة عام 1913م (7558 جنازة)زاد العدد عام 1973م فبلغ 28 ألف جنازة، ثم زاد العدد عام 2008م فبلغ 50 ألف جنازة، وعليه فإن المتوسط الحسابي:

- للمدة ما قبل 1913م هو 10 آلاف جنازة من الداخل والخارج فيكون العدد 1552000)

مدفون).

- للمدة ما بعد 1913م حتى 1973م : هو 25 ألفاً من الداخل والخارج، فيكون العدد (1500000 مدفون)

- للمدة من 1973م حتى 2003م هو : 80 ألفاً من الداخل والخارج، فيكون العدد

(2400000 مدفون).

- للمدة من 2003 حتى اليوم (2013م) 150 ألف جنازة فيكون العدد 1500000)

مدفون).

إذن، تضمّ المقبرة بين أرجائها منذ ظهورها حتى الآن (6952000) ستة ملايين وتسع مئة واثنان وخمسون ألف مدفون.

الطرق داخل المقبرة والمؤدية لها:

يوجد طريقان غير معبدين يفضيان إلى داخل المقبرة حتى عام 1973م، الأول وهو طريق ملتوي يبدأ من نهاية شارع الطوسي حتى السور القديم ماراً بمقبرة البغدادي ومقام المهدي(علیه السّلام)، والآخر يبدأ من جهة المقبرة القريبة من باب الولاية حتى المغتسل،

ص: 114


1- الشمري رضا عبد الجبار، مقبرة وادي السلام بين الوظيفة وضغط استعمالات الأرض في مدينة النجف، ص 117.

والباقي عبارة عن ممرات بين القبور يتحرك من خلالها الدافنون وزائر و المقبرة وهم يواجهون بذلك صعوبة بالغة.

شكل رقم (9)

الصورة

الطرق الرئيسة المعبدة والطرق الثانوية ومنافذ الدخول والسور الجديد والشارع (الحولي) الذي يحيط بالمقبرة ومدينة النجف(1)

ص: 115


1- إعداد الباحث ورسمه وفق المعلومات المستقاة من : أ - مديرية بلدية النجف الوحدة الهندسية التصميم الأساسي لمدينة النجف مخطط مقبرة وادي السلام عام 2010م ب - مقابلة شخصية مع مدير البلدية، بتاريخ 2013/8/1م في النجف الأستاذ هشام محمود وتوجيه أسئلة عدة أجاب عنها لبيان ملامح الطرق في المقبرة.

والمقبرة اليوم تتميز بشوارع يصل عددها إلى 42 شارعاً بوجه عام والمبلط منها يصل إلى 17 شارعاً، وأكثر هذه الشوارع فتح عام 1991م وفتحها كان على حساب مساحات من المقبرة هدمت قبورها وأزيلت تماماً، وأما بقية الشوارع فهي عبارة عن شوارع فرعية منها معبد وأكثرها غير ذلك.

إن هذه الشوارع وبخاصة في المقبرة الحديثة سهلت حركة الدفن والمارة من الزوار الذين يقصدون قبور ذويهم بالمناسبات الدينية،ثم إن الشوارع ساعدت على ترابط أجزاء المقبرة غير أن هذه الطرق لا تفي بالغرض خلال الزيارات حيث تزدحم بالسيارات والمارة بشكل يعرقل المرور ويضعف إمكانية الوصول.

إن المخطط الموضوع للمقبرة عام 2010م يقترح إنشاء طرق ذات تسلسل هرمي على مستويين(1):

1 - الطرق الرئيسة الموزعة:

اقترح هذا النوع من الطرق ونفذ أكثره على أن يكون بشكل شبكة ذات بعد اكم وتخصص هذه الطرق لتأمين الوصول وسرعته بوسائط مختلفة الباصات والتاكسيات والحافلات والسيارات الخاصة، وكذلك المشي على الأقدام على أن تكون المدة المستغرقة 10 دقائق، وأما مواقف الباصات فتوزّع على بعد 500م ومن المداخل الرئيسية حيث تظهر الطرق بوجه عام الرئيسة والفرعية والمداخل من سور

المقبرة.

ص: 116


1- بلدية النجف تقارير عن مقبرة النجف عام 2013م غير منشورة.

شكل رقم (10)

الصورة

طرق معبدة في المقبرة (أ)

طرق غير معبدة في المقبرة (ب)

التقطت الصورتان بعدسة الباحث بتأريخ 2013/12/5م

(حقوق الصورتين للدكتور محسن المظفر ) انظر الصورتين ملونتين في وسط الكتاب

2 - شبكة الطرق الفرعية:

واقترح كذلك إنشاء طرق فرعية إضافة للطرق الفرعية غير المعبدة في المقبرة القديمة ويُستفاد من هذه الطرق كونها توفر إمكانية وصول الناس إلى مقابر ذويهم.

الشوارع الرئيسة المنفذة داخل المقبرة(1):

1- الشوارع الداخلية المرحلة الأولى والمساحة المعبدة 120000 متر مربع.

ص: 117


1- بلدية النجف، تقارير المصدر السابق.

2 - الشوارع الداخلية المرحلة الثانية والمساحة المعبدة 124400 متر مربع.

3- الشوارع الداخلية المرحلة الثالثة والمساحة المعبدة 131000 متر مربع.

4 الشوارع المحورية والمساحة المعبدة 49300 متر مربع.

الشوارع الرئيسة المؤدية إلى المقبرة:

لقد جرى تأهيل واضح على هذه الشوارع إذ بلط منها مساحات جيدة وهي:

1- شارع مطعم الخيمة عبدت مساحة 60000 متر مربع.

2- الشارع الفاصل بين المتنزه وحي الرحمة عبدت مساحة 6000 متر مربع.

3- الشارع الفاصل بين المتنزه وجامع الزهراء عبدت مساحة 16750 متراً مربعاً.

4- الشارع الفاصل بين المقبرة واستعلامات الدفن عبدت مساحة 42700 متر مربع.

5- إكمال امتداد شارع جامع الزهراء عبدت مساحة 9100 متر مربع.

6- الشارع الفاصل بين كراج النقل الداخلي ومحطة الوقود عبدت مساحة 6000 متر مربع.

7- الشارع الفاصل بين حي النصر وحي الميلاد.

كما أهلت ساحة فسيحة للسيارات في داخل المقبرة عبدت مساحة 43800 متر مربع.

سورا المقبرة القديم والجديد:

كانت المقبرة حتى عام 1964م مسورة بسور متقطع يمتد من قبالة شارع الهاتف على جهة اليسار نحو الكوفة، وهو سور منخفض ومموج حتى ما يعرف اليوم ب-«تقاطع ثورة العشرين»ويمتد السور نحو الشمال خلف المباني ثم نحو الغرب إلى شمال مقام المهدي(علیه السّلام)وبمسافة 1كم، وموضع هذا السور على ما يبدو هو الذي أصبح يمثل الفاصل بين المقبرة القديمة والجديدة.

ص: 118

شكل رقم (11)

الصورة

السور الجديد للمقبرة من جهة شرق النجف،التقطت الصورة بعدسة الباحث بتاريخ 2013/12/5م في النجف الأشرف

(حقوق الصورة للدكتور محسن المظفر) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

وقد سورت المقبرة كلها القديمة والجديدة بسور حديث تطبيقاً لما ورد في قانون (3) لعام 2010م، وهذا التاريخ هو تاريخ إنشاء السور الجميل وبارتفاع مناسب يقرب من المترين يطوق المقبرة عدا بعض الأماكن المحددة وطوله يقرب من (9 كم)، وللسور خمسة أبواب اثنان منها رئيسيان للدخول وثلاثة ثانوية وتفتح عند الضرورة، ويحرس هذه الأبواب الشرطة حفاظاً على أمن المقبرة وأمن العاملين فيها.

مورفولوجية المقبرة ومقابرها:

المرحلة المورفولوجية الأولى (المقبرة القديمة)من بداية الدفن حتى عام 1973م:

إن المتجول في أرجاء المقبرة القديمة يشاهد الآتي:

1- ازدحام القبور إلى الحد الذي لا يستطيع الماشي أن يمر من بينها بل يضطر للصعود فوقها حتى ينفذ.

2- انتشار القباب والمباني بطرز بناء قديمة.

ص: 119

3- الشكل القديم للقبر يمكن تشبيهه بالأسد الرابض، رأس وجذع، وهو يدلّ على وضعية دفن الميت واتجاه رأسه، وعند رأس القبر تثبت قطعة مناسبة من الحجر يكتب عليها تعريف بالميت اسمه وتاريخ وفاته ومدينته وقبيلته، والقبور هذه بجميع أشكالها تأخذ اتجاهاً واحداً، أي تكون رؤوس المدفونين نحو الغرب وبهذا تصبح وجوههم إلى الجنوب شطر المسجد الحرام(1).

شكل رقم (12)

الصورة

أشكال القبور في مقبرة النجف القديمة (أ)

أشكال القبور في مقبرة النجف الجديدة والقديمة (ب)

التقطت الصورتان بعدسة الباحث بتأريخ 2013/12/5م في النجف الأشرف (حقوق الصورتين للدكتور محسن المظفر ) انظر الصورتين ملونتين في وسط الكتاب

4- احتوت المقبرة القديمة على سراديب للدفن بأعماق مختلفة أكثرها على عمق مترين ومتوسط مساحة يبلغ (8) أمتار مربعة، وتبنى اللحود داخل جدران السرداب متقابلة يختلف عددها من سرداب إلى آخر. وقد تمّ ميدانياً احتساب عدد السراديب وعن طريق العينة المساحية وعددها 250 وحدة كل منها تبلغ 150 متراً مربعاً وعلى طول وعرض المقبرة، اتضح أن ما تحتويه كل(وحدة 150 متراً مربعاً) سردابين بالمتوسط وعلى أساس مساحة المقبرة ولتواريخ مختلفة تظهر الأعداد الآتية:

- المقبرة عام 1973م احتوت على 13267 سرداباً.

ص: 120


1- المظفر محسن عبد الصاحب، مدينة النجف عبقرية المعاني وقدسية المكان ، مصدر سابق، ص97۔ 107.

- المقبرة عام 2003م احتوت على 24000 سرداب.

- المقبرة عام 2013م احتوت على 65333 سرداباً.

شكل رقم (13)

الصورة

جانب من المقبرة القديمة وتظهر فيها مجاميع السراديب وأبوابها التقطت الصورة بعدسة الباحث بتأريخ 2013/12/5م في النجف الأشرف (حقوق الصورة للدكتور محسن المظفر ) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

المرحلة المورفولوجية الثانية

ظهرت المقبرة في هذه المرحلة بالشكل المستطيل الممتد نتيجة لتوسع المقبرة نحو الشمال، كما تبدو القبور بأشكال مختلفة نوعاً عما هي عليه من أشكال في المرحلة الأولى، إذ أصبحت أكثر تنسيقاً والدفن مشروط بأبعاد سبق ذكرها تسمح بوجود مكان فارغ يحيط بالقبر يسمح للراجلين من الدافنين والزائرين من المرور ، ولم يعد لتزاحم القبور واحتشادها وتلاصقها أحياناً وجود كما في المقبرة القديمة، وتوجد قبور منظمة هندسياً وبخاصة قبور الشهداء كما تظهر القبور العالية والمباني والقباب والسراديب.

ص: 121

ويظهر من الجدول (1) مساحات الأضرحة داخل المدينة والمراقد المنورة والمقبرة العامة ونسبتها لمساحة المدينة خلال الأعوام 1973م، 2003م ، 2013م بهذا الجدول تسهل المقارنة وتتضح مورفولوجية المقبرة ككل.

جدول (1)

مساحات الأضرحة داخل المدينة والمراقد المنورة والمقبرة العامة ونسبتها لمساحة المدينة بين عام 1973 و 2003م إلى العام الحالي 2013م(1)

السنة

1973

2003

1973

2003

1973

2003

1973

1973

2003

2003

2013

2013

2013

الموقع

مرقد الإمام على(علیه السّلام)

مرقد الإمام على(علیه السّلام)

الأضرحة داخل المدينة

الأضرحة داخل المدينة

المقبرة العامة

المقبرة العامة

مساحة المدينة

مساحة المدينة مع المقبرة

مساحة المدينة

مساحة المدينة مع المقبرة

مساحة المدينة

مساحة المقبرة المقبرة والمدينة

عدد المقابر

288

288

1

1

مساحتها بالمتر المربع

6514

6514

9120

9120

1980000

3600000

12558000

14538000

18848000

2248000

2248000

108000000

9800000

117800000

مساحتها بالهکتار

0.66

0.66

0.92

0.92

198

360

1255.8

1453.8

1884.8

224.8

10800

980

11780

النسبة من % مساحة المدینة

0.05

0.07

15.7

6.13

% 23

9.3

المکاتب

عدد العالمین

210

220

100

100

1737

1800

2443

3300

ص: 122


1- أ - محسن عبد الصاحب المظفر (الدكتور)، مقبرة النجف الكبرى، دار صفاء الأردن، عمان، 2000م، ص 106. ب - مديرية بلدية النجف النجف تقارير غير منشورة، 2013م.

دوافع الدفن في أرض النجف:

تتعدد دوافع الدفن في مقبرة النجف أبرزها نوعان من الدوافع هما الدوافع العقائدية والدوافع المتعلقة بخصائص السطح والتربة.

أ - الدوافع العقائدية :

قيل إن من مزايا الدفن في أرض النجف جوار أمير المؤمنين الفوز بالاطمئنان ونيل شفاعته ووصل الاعتقاد لدى الناس بأن الدفن في تربة النجف يخفف من محاسبة الميت يوم القيامة، وهذا الاعتقاد وأساسه الأخبار المتواترة من أهل البيت(علیهم السّلام)(1). قال المجلسي في باب خصائص الدفن وحشر الأرواح في كتابه(2)مزار البحار، وكذلك قال الديلمي في إرشاد القلوب(3): «إن من خصائص الحرم الشريف أن جميع المؤمنين يحشرون فيه. ثم إن هذه الأرض اشتراها إبراهيم الخليل وغدت من ملكه، والظهر اشتراه الإمام علي(علیه السّلام)ليدفن فيه ، وإن أحاديث وروايات كثيرة لا مجال لذكرها كلها(4)وتبرر الأهمية الدينية والأخروية(5)للدفن في أرض النجف، الأمر الذي شجع الناس على الدفن في النجف ومجاورة أمير المؤمنين علي(علیه السّلام).

ب - الدوافع المتعلقة بخصائص السطح والتربة :

فأرضها ترتفع عن نهر الفرات 60 متراً ومعنى ذلك أنها أرض لا تعلوها المياه كما ترتفع عن بحيرة النجف 90 متراً، فهذا المستنقع إذا تحول بحراً بمياه فيضان الفرات الزائدة لا يؤثر على أرض المقبرة والمدينة كذلك. وإن تربتها تتكون من صخور رملية هشة متوسطة الصلابة عالية النفاذية تعود إلى تكوينات الدبدية المعروفة في العراق يبلغ سمكها 12 متراً، وإن طار النجف الذي يحيطها تكشف طبقاته عن تكوينات تربة المقبرة.

ص: 123


1- الديلمي ابن محمد الحسن بن أبي الحسن محمد إرشاد القلوب في فضائل أمير المؤمنين ومناقبه من دون ،تاریخ دون ذكر مطبعة، ص 133، 435.
2- المجلسي، محمد باقر مزار البحار، طبع حجر، 1890م.
3- الديلمي، إرشاد القلوب في فضائل أمير المؤمنين ومناقبه، ص133.
4- مبارك ، عبد الحسين بشارة الزائرين، ص 85.
5- المصدر السابق نفسه، ص 85.

وعليه فإن الارتفاع يحمي المقبرة من المياه ونفاذية التربة غير ملائمة لبقاء مياه الأمطار أو أية مياه جوفية داخلها، كما أن الحافة المنخفضة نحو البحر تعد متنفساً للمقبرة من المياه السطحية والجوفية معاً إذ تتسرب إلى المنخفض وبذلك تبقى أرض المقبرة على عمق 40 متراً خالية من المياه. إذاً أية تغذية مطرية تنفذ سطحياً وجوفياً؟(1).

إن الخصائص الفيزيائية لتربة المقبرة ذات صلابة هشة والصلابة المتوسطة تساعد على عمليات الحفر والدفن دون الاعتماد على مساند أثناء ذلك بأبعاد الحفر المعروفة، ثم إن التربة لا تنهار إلا بعد زمن طويل،إنها مقبرة تتميز بالمواصفات المطلوبة والصحيحة للدفن ولا يوجد مثلها في أجزاء العراق الأخرى(2)إن الدفن في موضع النجف وقبل نشوء المدينة لم يكن على شكل جبانة لها حدود معلومة بل كان متناثراً في الأرجاء ومتباعداً باتجاه كربلاء وبموازاة الحافة.

قانون رقم (3) لعام 2010م :

ذكر مجلس محافظة النجف أنه أقر قانون رقم (3) لسنة 2010م لإدارة المقبرة وتنظيم العمل فيها وتطويرها وحمايتها، وذلك في جلسته المرقمة (4/70) والمؤرخة في /2010/2/8م واستناداً لأحكام المادة (115) و (122) من دستور جمهورية العراق، والمادة (7/ (ثالثاً) من قانون المحافظات، وقد تضمن القانون اثنتا عشرة مادة تضمنت هي الأخرى تفصيلات كثيرة كلها تصب في خدمة المقبرة وتطويرها نقتبس منها ما يخدم هذه الدراسة من أمور يتناسب ذكرها هنا(3).

المادة الأولى: أهم ما تضمنته هذه المادة بينت أن مقبرة وادي السلام هي بحدودها الحالية غرباً والمدينة القديمة وبحر النجف جنوباً شارع الإمام علي(علیه السّلام)والأحياء السكنية والمؤسسات الحكومية المحاذية لطريق كربلاء - النجف شرقاً والطريق الحولي شمالاً.

ص: 124


1- عطية، موسى جعفر (الدكتور ) ، أرض النجف والتراث«الجيولوجي»، مجلة تراث النجف، العدد 1، 2009م، ص 120.
2- بلدية النجف، تقارير غير منشورة، النجف 2013م.
3- بلدية النجف، الوقائع النجفية، العدد 5 القانون الخاص بتطوير مقبرة النجف وحمايتها رقم (3) لعام 2010م نسخة مطبوعة في البلدية غير منشورة، ص 24 - 35.

المادة الثانية: أهم ما تضمنته هو استحداث دائرة تسمى دائرة تنظيم مقبرة وادي السلام يترأسها مدير يحمل شهادة البكالوريوس، وهذه الدائرة تتضمن شعباً كثيرة كل شعبة لها تتولى مهاماً محددة على أن تغطي كل جوانب خدمة المقبرة.

المادة الثالثة: أهم ما ورد فيها الاهتمام بالميت وتجهيزه للدفن مما يحقق كامل حرمته ومنها صرف شهادة له من قبل الصحة العامة المخولة بذلك بموجب القوانين والتعليمات النافذة.

وللمقبرة احترامها وذلك بتولي المحافظة وبالتنسيق مع المديرية في تبليط شوارعها وإنارتها وتنظيفها ورفع الأنقاض منها وإحاطتها بسور حولها تتخلله أبواب بعدد كاف بهدف استيعاب دخول الزائرين.

المادة الرابعة: أهم ما ورد فيها هو أن تتولى الدائرة أو المديرية ودائرة التخطيط العمراني تصميم خرائط المقبرة الجديدة مقسمة على شكل مقاطعات مربعة أو مستطيلة متساوية الأبعاد تتخللها شوارع منظمة وحدائق وتحتوي على مجمعات صحية ومغتسلات ومساجد ومطاعم ومحلات تجارية ومساحات لوقوف السيارات، يحدد استخدامها بقرارات لاحقة،ومناطق مخصصة لصنع الطابوق والقبور الجاهزة على أن تكون هذه المقبرة امتداداً للمقبرة القديمة ومرتبطة بها.

المادة الخامسة: أهم ما تضمنته هو تقسيم المقبرة إلى مقاطعات وتوزع على الدافنين كل بحسب نسبة عمله في الدفن، أي بنسبة ما لدى كل دافن من جنائز من مجموع كل الجنائز في السنة ويعتمد في ذلك سجل الدائرة الحالية التابعة للمديرية ، لسنة ماضية ورأي اللجنة. كما شملت المادة:

- فتح سجلات لأرشفة المقبرة القديمة وتنزيلها على الحاسوب.

- فتح سجلات وأضابير لكل دافن تسجل فيها الموافقات والإجازات.

- الإشراف على عمل الدافنين ومراقبة التزاماتهم بالضوابط التي تفرض عليهم من السلطة المحلية.

- تثبيت حدود المقاطعات والحيازات في المقبرة.

المادة السادسة أهم ما تضمنته هذه المادة تقسيم الدفن في المقبرة إلى نوعين هما:

ص: 125

1- الدفن المنفرد والمقصود به دفن الجنازة في قبر (حفرة) مخصصة لهذا الغرض من قبل الدافن في المقاطعة المخصصة له ولا يسمح له بحجز أكثر من قبرين بجانب القبر لذوي المتوفى.

2- أما الدفن بحيازة فيتم بموجبه الدفن داخل حيازة محدداً موقعها ومساحتها مسبقاً من قبل القسم، تسلم إلى الدافن ليقوم بإحاطتها ببناء ارتفاعه 75سم فقط من الطابوق وبحسب المواصفات التي يحددها القسم وتكون هذه الحيازات على شكلين هما :

أ- حيازة مساحتها (25) متراً مربعاً يستوفى ثمنها من الدافن وهو مبلغ (250000) مائتان وخمسون ألف دينار إذا كان البيع لعراقي ومليوني دينار إذا كان البيع لأجنبي.

ب- حيازة مساحتها (50) متراً مربعاً يستوفى ثمنها من الدافن بمبلغ مقداره خمس مئة ألف دينار إذا كان البيع لعراقي وأربعة ملايين إذا كان البيع لأجنبي، ومن الممكن أن يبنى عليها سرداب وغرفة وفق مواصفات يحددها القسم.

المادة السابعة: هذه المادة اختصت بشروط منح الإجازة للدافنين.

المادة الثامنة: تضمنت التزامات الدافنين وهي التزامات محددة قانوناً وأنها متعددة ولا يجوز للمدافن تجاوزها وبخاصة الالتزامات الشرعية في الدفن استناداً للمذهب الجعفري الاثني عشري.

المادة التاسعة: أهم ما ورد فيها شروط مراعاة الدفن من الوجهة الشرعية ومراعاة شروط بناء القبور وقد جاء أن يكون البناء فوق القبر 80سم x 52 ، 1م وبارتفاع (35سم) وتترك مسافة نصف متر بين قبر وآخر من الجوانب وتترك مسافة 0.75 متراً بين قبر وآخر من الأمام والخلف.

المادة العاشرة : جاءت هذه المادة بتحديدات فيما يتصل بالرسوم.

المادة الحادية عشرة: أهم ما جاء فيها منع تجريف المقبرة كلها أو جزء منها لأي سبب كان، ومن الممكن عند الضرورة القصوى إزالة بعض القبور بعد أخذ الموافقات

ص: 126

الشرعية والموافقات القانونية من مجلس المحافظة وتبليغ أصحاب القبور بالطرق المناسبة وذلك للتمكن من نقل موتاهم إلى مكان آخر يعوضه عليهم القسم.

المادة الثانية عشرة: جاءت حول تنظيم الدخول لأغراض الدفن والزيارة ويمنع التسكع لا لهدف داخلها أو اتخاذها كمأوى، ويمنع أصحاب الدراجات من دخولها كما يدخلها كل من حصل على إجازة العمل داخل المقبرة.

المادة الثالثة عشرة : جاءت حول منع الدفن في أي مكان عدا مقبرة وادي السلام ويستثنى من ذلك المقابر التي أنشئت سابقاً في الدور على أن تكون مثبتة بحجة أو التي ستنشأ لاحقاً في الحسينيات والجوامع.

المادتان الرابعة عشرة والخامسة عشرة: حول التطبيق والإقرار بما ورد من بنود.

فحص الفرضية:

إن الدراسة بكل محتواها تؤكد صحة الفرضية التي ساقها الباحث في المدخل النظري والتي أعدت كجواب مبدئي للأسئلة العلمية المثارة حول الدفن في أرض النجف وظهور مقبرة وادي السلام.

أهمية المقبرة:

إن مقبرة النجف الكبرى(وادي السلام)تضاهي مقابر العالم من حيث السعة والقدم كمقبرة تخت فولاذ في أصفهان إيران ومقبرة جنوا في إيطاليا وحتى أكبر من المقبرة الصينية ومقبرة الفاتيكان.

المقبرة تتطلب نهوضاً واهتماماً مستمراً يكون الدفن فيها ودخولها وفق قانون وقواعد، إن وجود المقبرة بصورتها هذه لا يتناسب مع قدسية مدينة النجف الأشرف، فقد أهملت المقبرة لسنين عدة.

والمطلوب اليوم اتباع خطوات مرسومة لتكون بعد ذلك المقبرة متميزة كموقع تراثي يشهد له ومحط مزار كثير من السواح وهي كالآتي:

1- إصدار نشرات تعريفية بالمقبرة، وإيجاد حصر للكتب التي تناولتها بالدراسة .

2- الاهتمام بالتشجير للفسحات المتروكة لأغراض غير الدفن بالأشجار الدائمة الخضرة.

ص: 127

3- وضع مصطبات جلوس لزائري المقبرة لاستراحتهم ومنعهم على الأقل من الجلوس على المقابر ، كما أن المقبرة بلا أشجار ومبان جمالية ومصاطب تتعب نظر الزائر .

4- رفع أية أنقاض مرمية بين القبور وطمر الحفر الموجودة والتي كانت سبباً لوقوع كثير من الناس فيها.

5- وضع حاويات نفايات ملونة تصل إليها سيارات البلدية.

6- منع دخول الكلاب ومطاردتها وإخراجها من المقبرة أو قتلها إذا اقتضى الأمر. وهذه الكلاب تستظل بالقبور وتقتات على ما يُرمى لها وإذا جاعت دخلت المدينة ليلاً.

7- تسييج المقبرة وقد قامت السلطات المحلية بتسييجها بسور عام 2010م بشكل جميل ورائع والسياج هذا يحيطها من جميع جهاتها عدا الجهة المماسة للمدينة ووضعت خمسة أبواب تنظم الدخول والخروج مع حرس يسهرون عليها يغلقونها ويفتحونها بحسب الحال وما هو مطلوب.

8- وضعأعمدة كهرباء تحمل خلايا شمسية لإنارة المقبرة ليلاً إذ يحصل الدفن أحياناً خلال الليل.

9- قيام أمانة البلدية ومجلس المحافظة بوضع خطة لترميم القبور القديمة التي تركها - أهلها نتيجة التباعد بين الأجيال وإصلاح السراديب المتهدمة وإذا كان ذلك ليس ممكناً فالأمر يتطلب ردمها لأن منظر المقبرة القديمة ما بات حسناً.

10- وضع دليل سياحي يوضح أهمية المقبرة وأهم المدفونين فيها من أنبياء وأئمة وصحابة وعلويين وعلماء وقادة وأدباء..الخ

11- وضع مركز شرطة خاص بالمقبرة للحراسة وتنظيم الدخول ومنع التجاوزات وحل الإشكالات.

12- منع الزحف الحضري وبخاصة عند جهتها الجنوبية المماسة للمدينة حيث انتشرت محلات بيع العطور والبخور والهدايا والشموع وغيرها لأنهم يؤثرون على القبور القريبة منهم والتي بدأت تتهدم بسببهم، والأصح نقلهم إلى شارع السور الذي يعج بالمحلات الفارغة.

ص: 128

شكل رقم (14)

الصورة

تجاوزات الباعة على مداخل المقبرة

التقطت الصورة بعدسة الباحث بتاريخ 2013/12/5م في النجف الأشرف (حقوق الصورة للدكتور محسن المظفر) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

13 - تنفيذ كل ما ورد في قانون رقم (3) لسنة 2010م وذلك لكون هذا القانون في غاية الأهمية ينظم العمل ويجعل المقبرة ضمن سيطرة الدولة لا الأفراد وهو يمنع التجاوزات كافة، وإن أي عمل لا يكون إلا وفق ما ورد في القانون الذي سبق ذكره، إن اتخاذ الأمر برمته يبين أن الكثير من مواد القانون غير مطبقة ولم تدخل في حيّز التنفيذ.

14- المقبرة بحاجة إلى تصميم أساسي واضح المعالم واتخاذ نظرة مستقبلية لأنها ستتسع حتماً وتحتاج إلى أرض جديدة، فالمطلوب تقسيمها إلى قطاعات مرقمة وتوضع على خارطة، وكل خارطة تثبت على جدارية عند كل بوابة کدليل مرشد للزائرين.

ص: 129

المدينة الساميةالزيارة والكريزما المدينية والجغرافية المقدسة للنجف

اشارة

د. باولو بينتو

ترجمة: د. لوسين تامينيان

يعود بروز مدينة النجف كأحد المراكز الدينية الرئيسية للشيعة بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 إلى دورها التاريخي كمكان للعلوم الدينية وللزيارة(1). ومنذ هذا التاريخ ، أعاد تدفق ملايين الزوار سنوياً إلى مرقد الإمام علي للنجف مكانتها المركزية في المخيال الشيعي في شتى أنحاء العالم. ولفهم كيفية تجسيد النجف للمخيلات الدينية المختلفة، سأقوم بتحليل دور الطقوس ودور ممارسات المشاركين في الزيارات في تكوين جغرافية المزارات والأماكن المقدسة التي تشكل المشهد العام للمدينة. ولتوضيح هذا، سأستخدم المادة الإثنوغرافية التي قمت بجمعها خلال عملي الميداني في النجف وفي غيرها من الأماكن المقدسة في العراق(2)وخلال زيارة

ص: 130


1- نقاش، 1996.
2- قمت بالبحث الميداني أثناء مشاركتي في زيارة الأربعين إلى النجف والكوفة وكربلاء والكاظمية وزيارة أماكن مقدسة في جنوب العراق. وقد قام بتنظيم رحلة الزيارة المركز الإسلامي في البرازيل، وهو مؤسسة شيعية في مدينة سانت باولو. وكان جميع المشاركين في الرحلة من المقيمين في البرازيل وهم من أصول عراقية ولبنانية بالإضافة إلى برازيليين من غير العرب ممن اعتنقوا الإسلام الشيعي حديثاً. وضمت المجموعة زواراً من الجنسين. وتعتمد المادة الإثنوغرافية التي قمت بجمعها بشكل أساسي على رؤية هذه المجموعة التي قمت بمرافقتها وعلى تواصلي المستمر مع الزوار الآخرين ومع سكان النجف وقد اختلف السياق اللغوي للبحث، اذ استخدمت اللغة العربية والبرتغالية والإنجليزية أثناء الزيارة مما يعكس التعددية القومية والإثنية لزوار النجف.

الأربعين وبعدها في الفترة الواقعة بين ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ وكانون الثاني من عام 2013م(1).

تحتل النجف مكانة مركزية في المخيال الديني الشيعي وفي رؤيته الكونية كموقع لعدة حوادث هامة في التاريخ الديني من قبيل خروج آدم من الجنة، رسو سفينة نوح واستشهاد الإمام علي وكمكان دفن فيه أبطال هذه الدراما المقدسة. فالمدينة محملة برموز وإشارات أخلاقية تشكل معالم جغرافيتها المدينية، كالأماكن المقدسة التي تحيي ذكرى أشخاص يتمتعون بقدسية أو أحداث هامة في التاريخ المقدس للإسلام الشيعي، مما يغري رجال الدين أو الزوار باستدعاء الروايات والطقوس التي تبجل هؤلاء الأشخاص والأحداث. فعند قيام مجموعة الزوار البرازيليين،الذين كنت برفقتهم،بزيارة مرقد الإمام علي لأول مرة، أشار منظم الزيارة، وهو ابن شيخ عراقي مولود في إيران ويعيش في البرازيل منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة، باللغتين البرتغالية والعربية إلى كون آدم ونوح مدفونين بالقرب من الإمام:

النجف هي المكان الذي سقط فيه آدم بعد طرده من الجنة. ولهذا فهي المكان الأقرب إلى السماء.وهي لهذا مكان بالغ الأهمية؛ اذ مرّ به الأنبياء العظام ومخلّصو البشرية أو عاشوا به أو دفنوا به.

وفيما بعد، وأثناء زيارة مرقد صافي صفا، الذي لم يكن بناؤه قد تم بعد، الذي أُقيم على حافة الهضبة التي تقع عليها المدينة ويشرف على مشهد بساتين النخيل والبحيرة الواسعة، أشار منظم الزيارة بالبرتغالية إلى أن اسم النجف مشتق من الكلمة العربية والتي تعني«التلة الرملية الصغيرة التي تظهر للعيان بعد انحسار المياه عنها أو جفافها».وقال : - مشيراً إلى بحر النجف - إن موقع المدينة كان أول بقعة على الأرض بانت بعد الطوفان، ولهذا كانت مهبطاً لسفينة نوح، وإن بقايا المياه التي كانت تبدو لنا من بعيد هي آخر بقايا مياه الفيضان التي غطت سطح الأرض برمتها. وعند انتهائه من

ص: 131


1- أشكر المركز الإسلامي، وخاصة ،السيد ناصر، لإتاحته الفرصة لي للمشاركة في هذه الزيارة. كما أشكر كلاً من المجلس الثقافي والعمل الاجتماعي في فلومنينز والمجلس الوطني للتطوير التكنولوجي والعلمي لدعمهم بحثي هذا.

الشرح ، قال أحد البرازيليين ممن اعتنقوا الإسلام: «هذه أرض قديمة جداً. نحن نقف حيث بدأ التاريخ».

لذا، فإن الجغرافيا المقدسة للنجف والتي تحدد معالمها مزارات ومعالم طبيعية تترابط معاً من خلال الروايات الدينية المعروفة، ويُعاد إحياءها من خلال ممارسات الزوار تبدأ بالتكشف أمام عيون الزوار، عند دخولهم المدينة. فهذه الروايات تتجسد في مشهد مقدس يأخذ الزوار إلى زمن أسطوري تختلط فيه تجربتهم الدينية بالذاكرة الجمعية(1) للشيعة والرؤية الإسلامية للكون وهذا يفسر كون النجف بمثابة «مكان الذاكرة»(2)للمجتمعات الشيعية حول العالم. ففي كل عام ينجذب إليها ملايين الزوار لتذكر توجهاتهم الدينية المشتركة وإعادة إحيائها كتجربة فردية وجمعية معاً. إن انجذاب المؤمنين من شتى الثقافات والخلفيات الاجتماعية إلى النجف يدل على عمق ما يمكن تسميته ب- «الكريزما المدينية» للنجف وتشير الكريزما المدينية إلى مجموعة الخصائص الأسطورية التي تشكل سلوك أولئك الذين يعيشون في المدن ورغباتهم وعوالمهم، أو أولئك الذين يقومون بزيارتها أو تخيلها أو وصفها في رواية أو صورة»(3)

إن أفضل تعبير عن كريزما النجف المدينية في المخيال الديني الشيعي يتمثل في لقبها«النجف الأشرف»، وفي تأكيد معظم الزوار الذين قابلتهم خلال بحثي الميداني على أن للنجف بركة. ويمكن ترجمة «البركة» بأنها القوة الروحية المؤثرة بفعالية على الناس والبيئة، فهي بطريقة ما تمثل المقابل الإسلامي لمفهوم الكريزما. وتعتبر المزارات الموجودة داخل المدينة مشبعة بصورة أكبر بالبركة التي تتدفق باستمرار من الأولياء والأتقياء المدفونين فيها. فعند دخول هذه الأماكن المقدسة، يأخذ الزوار بتقبيل تراب المدخل، وكذلك الأبواب والجدران والشبك الحديدي الذي يحيط بالمرقد لنيل البركة. أكد لي أحد الزوار من البهرة، المولود في زنجبار ويعيش في بريطانيا منذ

ص: 132


1- استخدم مصطلح الذاكرة الجمعية وفق تعريف Maurice albwachs كإطار فكري مُشكل اجتماعياً ويسمح للأفراد والجماعات بتنظيم ذكرياتهم عن الماضي وإعادة بنائها بحيث تصبح ذات معنى لهم ولغيرهم (1925[1992 Halbwachs]).
2- مكان الذاكرة موقع جغرافي مثقل بالذاكره الجمعية لجماعة ما (1984 Nora).
3- Hansen Verkaaik, 2009: 5.

السبعينيات من القرن الماضي والذي كنت قد تحدثت معه في الطائرة أثناء رحلتنا من اسطنبول إلى النجف على البركة التي تتمتع بها النجف،عندما قابلته ثانية قرب مقام الإمام علي:

هذا المكان مقدس جداً. فهنا تشعر بوجود الإمام، وكأنه إلى جانبك كل الوقت. تحس بأنك محمي وتشعر بأنك قد تغيرت بفعل البركة.

تتمتع النجف بنوعين من الكريزما كريزما المدينة وكريزما داخل المدينة(1).وتنبع كريزما أو بركة النجف من وجود الأولياء والسلطات الدينية في المدينة. ويعود لقب المدينة«النجف الأشرف»إلى كونها تحتضن ضريح الإمام علي، وهو المصدر الأساسي للبركة التي تشكل كريزما النجف المدينية. وتهمين القبة المذهبة لمقام الإمام علي، والتي تلمع تحت ضوء الشمس وتُضاء أثناء الليل، على مشهد المدينة من داخل أسوار الحرم الشريف العالية. وتشكل هذه القبة النقطة المركزية للحياة في المدينة، فهي مرتبطة بأصل النجف وهي السبب الرئيسي وراء زيارة الشيعة من جميع أصقاع العالم لها(2)

وبالإضافة إلى شخص الإمام علي ومقامه المهيمن على المشهد، هناك العديد من مصادر البركة في النجف، مثل قبور ومزارات الأنبياء والأولياء والشهداء وغيرهم من أفراد آل البيت ولا يتساوى جميع هؤلاء الاشخاص من حيث البركة التي يملكونها ولا من حيث دورهم في تشكيل الكريزما المدينية التي تحدد مكانة النجف في الجغرافية المقدسة للشيعة. إذ إن هناك تراتبية للمزارات والأولياء تتشكل من خلال تقاطع التقاليد المكتوبة والشفوية مع الممارسات الدينية للزوار. وهذه البركة منقوشة فضائياً في الجغرافية المقدسة وتنظم طريق الزوار وممارسات العبادة للمؤمنين.

ص: 133


1- Hansen Verkaaik, 2009: 6
2- إن قدرة كريزما النجف على التجييش لها ذات مدلول سياسي، إذ إن أول انتفاضة ضد نظام البعث حدثت بين النجف وكربلاء خلال زيارة الأربعين عام 1977 (215 - 208 :2003 Jabar)

صورة رقم (1)

الصورة

موكب عزاء في طريقه إلى مقام الإمام علي(حقوق الصورة للدكتور باولو) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

يحتل الإمام علي وحرمه قمة هذه التراتبية. ويوجد داخل الحرم مزارا آدم ونوح اللذين يحملان صفة النبوة ويرتبطان بالإمام علي فضائياً ورمزياً. فبالإضافة إلى كونهم مدفونين قرب بعضهم بعضاً، فإنهم يعتبرون رموزاً لبدايات مادية وأخلاقية في تاريخ الإنسانية أيضاً. وقد لخص قائد مجموعة الزوار البرازيليين هذا الارتباط الرمزي بين الثلاثة أثناء شرحه لأهمية مقام الإمام على النحو الآتي:

هنا يرقد من به بدأت الخليقة (آدم) ومن به أعيد بدء الخليقة للمرة الثانية (نوح) و من قام بثورة أدخلت الإنسانية في عهد جديد(الإمام علي)

وبالقرب من مقام الإمام، هناك ضريح الشيخ الطوسي وجامعه. ووفقاً للتقليد الشيعي يعتبر الشيخ الطوسي المسؤول عن تحويل النجف إلى مركز للعلوم الدينية. وغالباً ما يصور كمؤسس للحوزة العلمية في القرن الحادي عشر، مع أن الحوزة لم تكن موجودة على هذا النحو أثناء حياته وأن تعليم المعارف الدينية سابق له(1). لذا يشكل جامع الشيخ الطوسي إشارة إسطورية إلى دور العلماء في جعل النجف مركزاً للعلوم

ص: 134


1- أشكر سابرينا مارفين على هذه المعلومة.

الدينية الشيعية. وفي المدينة القديمة يوجد المسجد الهندي،الذي بني كمسجد للزوار الهنود، ويحوي ضريح آية الله محسن الحكيم الذي كان المرجع الرئيسي في النجف منذ عام 1961 حتى وفاته عام 1970. ويوجد كذلك بيوتات المراجع وآيات الله الحاليين ومكتباتهم ومكاتبهم، مثل آية الله السيستاني الذي له الكثير من الأتباع الذين يأتون إليه طلباً لتوجيهاته وبركته.

يوجد على أطراف المدينة القديمة مزاران لا يزالا قيد الإنشاء، أولهما ضريح صافي صفا، وهو يمني أخبره الرسول محمد بأن من يدفن في الأرض التي تقع عليها النجف حالياً ستناله البركة، إذ سيكون قريباً من ولي من أولياء الله. لذا طلب من ابنه أن يأخذ جثمانه ويدفنه في النجف(1).وثانيهما، مزار السيدة رقية بنت الحسن، ابنة الإمام الثاني. ويقع الضريح في الأحياء الجنوبية للمدينة القديمة والتي بنيت في القرن العشرين. ويجذب كلا المزارين عدداً قليلاً من الزوار .

صورة رقم (2)

الصورة

مواكب زوار مرقد الإمام علي

(حقوق الصورة للدكتور باولو ) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

ص: 135


1- إن المعلومات حول المزارات والأشخاص المكرسة لهم مستقاة من كتيب الزيارة ومن الروايات الدينية المكتوبة عادة على لوحات وألواح معلقة على جدرانها.

إن الجغرافية المقدسة للمدينة القديمة منظمة على شكل دوائر متحدة المركز،تشكل تعبيراً عن البركة التي تتناقص كلما ابتعد الزائر عن المركز. ويشغل مقام الإمام عليّ الذي يضم مراقد كل من الإمام علي وآدم ونوح قلب هذه الدوائر.فمرقد الإمام هو النقطة التي تشع منها البركة وتنتشر، والتي تجذب إليها جميع الزوار حيث يقومون بطقوس العبادة، ويجهدون للمس الشبك الحديدي حول الضريح وتقبيله ومسح وجوههم وأيديهم وثيابهم به لنيل بركته.

وحول هذا القلب الذي يحتله الأشخاص المؤسسون للإنسانية / للمذهب الشيعي، ، هناك حلقة ثانية يمكن اعتبارها الحلقة العرفانية،اذ تتمركز فيها قبور علماء الدين، مثل قبر الطوسي، الذي يشكل رمزاً أسطورياً لبدء التأسيس لمناهج وأدوات الفكر الشيعي والبروز النجف كمركز علمي هام. ويوجد في هذه الحلقة بيوتات ومكاتب ومكتبات المراجع الحاليين الذين يحافظون على استمرار الفكر الشيعي حياً من خلال الجهد في تأويل الرسالة باستمرار، ومن خلال اتباعهم خطى الأنبياء والأئمة وما يمثلون ضمن إطار التوجيه الديني والاجتماعي للمجتمع الشيعي. وعلى أطراف هذه الحلقة الكهنوتية، هناك حلقة أخرى من أبطال ثانويين وأقل شهرة في تاريخ الشيعة المقدس، ولكنهم يبجلون ضمن سياقات طقوس دينية محددة. والمثال على هؤلاء صافي صفا، الذي يجسد أسطورة أصل مقبرة وادي السلام من خلال ربط عادة الدفن في النجف بشخص النبي محمد نفسه وبالحصول على البركة من الإمام علي.

تقع هذه المقبرة الشاسعة التي لا يحدّها البصر على الأطراف الشمالية للمدينة القديمة في اتجاه كربلاء، وتمتزج بالمشهد المغبر المحيط بها. وتحتضن المقبرة جثامين الموتى من المجتمعات الشيعية حول العالم؛وخاصة من إيران والعراق، وتصلها يومياً العديد من الجثامين لتدفن فيها بعد أخذها إلى مرقد الإمام عليّ لتلقي بركته وتحتوي المقبرة على ضريحي النبيين هود وصالح، وهما، وفقاً للتقاليد الإسلامية، أول أثنين من أربعة أنبياء من أصل عربي أرسلهم الله .

تشكل مقبرة وادي السلام،بملايينها من القبور التي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة وتضم جثامين من مختلف الفئات الاجتماعية ومن جميع أصقاع المعمورة،رمزاً مادياً للمجتمع الشيعي ذاته، وهو مجتمع عابر للقوميات ولكنه متجذر في تربة

ص: 136

النجف المقدسة. وتشكل المقبرة نقطة جذب أخرى في جغرافية النجف المقدسة، وتملك بركة خاصة بها. وخير دليل على هذا تدفق الزوار غير المنقطع إلى المقبرة لزيارة أضرحة الأنبياء وغيرهم من الأولياء، وتجولهم بين الأضرحة وتمضيتهم بعض الوقت فيها متأملين سعتها. لذا فإن بركة وادي السلام لا تنبع حصرياً من الأولياء والأشخاص غير العاديين المدفونين هناك، بل أيضاً من كتلة القبور مجهولة الأصحاب التي تستحضر استمرارية المجتمع الشيعي عبر الزمان.

بالإضافة إلى كون ضريحي كل من النبي هود والنبي صالح مصدرين للبركة، فإن وجودهما في النجف يعزز صورة وذاكرة المجتمع الشيعي كوريث لسلالة من الأنبياء العرب التي انتهت بمحمد وكحافظ لتاريخ الإسلام المقدس. فوفقاً للقرآن، أُرسل النبي هود والنبي صالح إلى شعب دمره الله بسبب تجاهله لرسالته السماوية تجاهله لرسالته السماوية(1)، لذا فإن استمرار المجتمع الشيعي عبر الزمان كما يعبر عنه الدفن غير المنقطع في وادي السلام،يشير إلى التزام هذا المجتمع بوصايا الله وخضوعه لها:

إلى الشرق من وادي السلام والمدينة القديمة وفي الطريق إلى الكوفة، يوجد عدد من الأمكنة الدينية الهامة.فهناك أولاً مسجد الحنّانة المشيد، وفقاً للروايات الشيعية في المكان الذي انحنت فيه أشجار النخيل احتراماً وحزناً عند مرور جنازة الإمام علي قادمة من الكوفة - حيث قتل الإمام أثناء تأديته الصلاة في الجامع الكبير - في الطريق إلى مرقده في النجف. وبالقرب من الجامع يقع مزار كميل بن زياد، الذي عُرف بأحد أخلص أتباع الإمام علي الذي تم إعدامه بعد أن رفض إعلان نقض ولائه له. إن هذه الأمكنة الدينية على الطريق إلى الكوفة، كما غيرها من الأمكنة على الطريق إلى كربلاء، تؤكد على أن جغرافية النجف المقدسة لا تشكل عالماً مغلقاً بل موقعاً محدداً يرتبط بالجغرافية المقدسة الأوسع للإسلام الشيعي.

إن للنجف علاقة تكاملية مع الكوفة ومع كربلاء ضمن حدود العراق. وتحدد هذه المدن المركز التي تلتقي فيه طرق الزوار والأرض المقدسة التي يحددها وجود أضرحة الأنبياء والأئمة وأفراد من عائلاتهم في الكاظمية وسامراء وغيرها من المزارات الصغيرة المنتشرة في جميع أنحاء مناطق جنوب ووسط العراق. وضمن الجغراقية

ص: 137


1- القرآن الكريم، سورة الأعراف الآيات 73-79؛ سورة هود: الآيات 50-68.

المقدسة لدى الشيعة،فإن للنجف علاقة تكاملية مع أماكن الزيارة في إيران، مثل قم ومشهد ، وفي دمشق، حيث مقام السيدة زينب، وفي حلب والرقة. وفي الفضاء الرمزي الأبعد، حيث تتداخل جميع الأراضي المقدسة لدى جميع الطوائف والمذاهب الإسلامية، تشمل هذه العلاقة مكة والمدينة والقدس.

صورة رقم (3)

الصورة

الزوار عند ضريحي هود ونوح

(حقوق الصورة للدكتور باولو) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

ص: 138

فبالنسبة للزوار الشيعة هناك استمرارية بين الأراضي المقدسة المحددة بالزيارات إلى النجف وكربلاء وتلك المحددة بالحج إلى مكة والمدينة، إذ إن تاريخ النبوة الذي بدأ بالرسول محمد استمر بدراما الأئمة. إلا أن العلاقة بین هذه الأراضي المقدسة تتصف بالمنافسة والمعارضة،فأماكنها المقدسة تحكمها مؤسسات وسلطات دينية تسعى إلى الترويج لرؤى سنية وشيعية للإسلام.إن التكامل المشوب بالتوتر الذي يكمن وراء الارتباط بين قسمي الأراضي المقدسة في الجغرافيا الشيعية المقدسة تشكل ممارسات الزوار وتجربتهم الدينية وتنظمها وتضفي عليها معنى.

إن توزيع فضاء البركة يضفي صفة فردية مميزة على النجف في الجغرافية المقدسة لدى الشيعة، وينظم الكريزما المدينية المتمثلة في مزارات وأجساد ميتة(الأنبياء والأئمة والشهداء والمؤمنين المدفونين في وادي السلام) وحية (الأحياء من آيات الله والمراجع)،ويصيغ توقعات وممارسات وتجربة ملايين زوار الأماكن المقدسة. وإن هذه الجغرافية المقدسة هي النتيجة التراكمية لبناء وإعادة بناء الذاكرة الجمعية للمجتمع الشيعي، وذلك من خلال قيام مجموعات اجتماعية في كل حقبة تاريخية بخلق طقوس وزيارات لأمكنة مقدسة، أو إعادة صياغتها أو محوها، كوسيلة للحفاظ على ارتباطها الرمزي والعملي بأسطورة أصولها وجعل هذه الأسطورة ملائمة لواقعهم الحالي.

تحظى بعض هذه الأماكن المقدسة، مثل مقام الإمام علي، بتبجيل معظم أفراد المجتمع الشيعي، إن لم يكن جميعهم، إلا أن بعضها يحظى بقبول بعض الجماعات فقط، ويختلف بشأنها، أو يتجاهلها البعض الآخر. وكما يشير Halbwachs، فإن الجغرافية المقدسة ليست ثابتة ولا تنتقل من جيل إلى آخر دون حدوث أي تغير عليها. إذ إن كل مجموعة،إذا ما كانت تملك السلطة والفرصة للتغيير، تحاول أن تعيد صياغة هذه الجغرافيا لتتمكن من«إعادة إنتاج الصورة التي خلقتها المجموعة لنفسها»(1).

بعد عام 2003،أعيد تشكيل جغرافية النجف المقدسة في عدة طرق. ويتمثل أحد طرق التدخل الملحوظ في تشييد مزارات أو أماكن عبادة جديدة

ص: 139


1- .Halbwachs 1992 [1941]: 234

بهدف حفر روايات أو ذكريات مميزة، وأحياناً متنافرة في المشهد العام ففي الكثير من الحالات تحاول سلطات أو مؤسسات دينية ترك أثر لها في جغرافية النجف المقدسة واكتساب مكانة وسمعة بنشر وتعزيز روايات دينية محددة من خلال تزيين،أو إقامة،أماكن عبادة. وبالمثل، تقوم أحزاب أو حركات سياسية بتبني ذاكرات جمعية يمكن أن تعزز مكانتها في الحياة السياسية في العراق وفي المجتمع الشيعي وذلك من خلال التشجيع على ترميم أو تشييد مزارات ونصب تذكارية.

أصبحت محاولات إعادة تشكيل جغرافية النجف المقدسة وفقاً لرؤية جماعة دينية أو سياسية ما أكثر سهولة بسبب عملية إعادة التشييد الواسعة التي طالت معظم المواقع المقدسة في المدينة خلال العقد الأخير. إلا أن أعمال إعادة التشييد لم تطل مقام الإمام علي وتكوينه الهندسي، فاحتفظ المقام بطبقات من عناصر هندسية وزخرفية تعود إلى القرون السابقة. أما بقية المواقع المقدسة فقد أعيد تجديدها إلى حد أنه لم يبق شيئاً من البناء القديم ودمرت أجزاء كبيرة منه بالكامل أو تمّ تغييرها بحيث لم يعد يمكن التعرف على البناء القديم(1).

لقد أدت عملية إعادة البناء إلى تماثل المواقع المقدسة بعد أن تم إزالة جميع الإشارات الدالة على التاريخ المحلي المميز والاستعاضة عنها بعناصر جمالية يكرسها من يرعى إعادة التشييد كرموز لتاريخ مرغوب أو «صحيح» أو كدلالة على سياقات حضارية للمجتمع الشيعي يُراد إحياؤها. ولذا فإن عملية إعادة تشييد الجامع الكبير في الكوفة والتي تمت برعاية البهرة الداودية من مومبي تضمنت إضافة عناصر زخرفية من جنوب آسيا على البناء، بينما أعيد بناء جميع المواقع في النجف(مثل مزار الشيخ الطوسي ومزار كُميل بن زياد، ومسجد الحنّانة ومسجد الهندي) باستخدام أقواس مستدقة الرأس وفقاً للطراز الفارسي وببلاط يكسو القبب والواجهات حسب الطراز الصفوي الحديث، وبمرايا تزين الداخل مما عزّز فكرة أن إيران هي المرجع الحضاري

ص: 140


1- إن هذا النموذج اللاتاريخي، أو المناقض للتاريخ لإعادة بناء الأماكن المقدسة منتشر بشكل كبير في الشرق الأوسط، وتطبيقاته في مكة المكرمة هو أسوأ مثال عليه حول إعادة بناء الأماكن المقدسة في الأردن، انظر : 2007 Ababsa 2005; Mervin 1996 Pinto.

والثقافي للشيعة(1). وتهدف هذه العملية أيضاً إلى إخراج المواقع المقدسة من سياقات ممارسات العبادة للمجتمعات المحلية ونقشها في الجغرافية العالمية الجمعية للزيارة.

تهدف عملية إعادة تشييد المواقع المقدسة أيضاً إلى إعادة صياغة الذاكرة الجمعية للشيعة من خلال إزالة جميع علامات التاريخ ورموزها الهندسية السابقة، ويتضح النزاع بين المشاريع الدينية والسياسية المختلفة للسيطرة على المخيال الشيعي الجمعي على المستوى المحلي والوطني والعالمي للعيان بصورة أوضح في جغرافيا النجف المقدسة.فالعديد من الجماعات أو الحركات الدينية والسياسية استثمرت مواردها في إنشاء أضرحة ومزارات ومجمعات دينية جديدة تحمل أثراً من جمالياتها الخاصة ورموزها الأيقونية مع آثار أخرى يشاركون بها مع المجتمع الديني الأوسع للشيعية العالمية، آملين أن تصبح أماكن الذاكرة الجمعية للشيعة(2).

في الجزء الشمالي من مقبرة وادي السلام يقع ضريح السيد محمد صادق الصدر ، المعروف أيضاً ب_ «الأسد الأبيض»، وهو من آيات الله المعروفين ومؤلف للعديد من الكتب. اغتيل السيد محمد صادق الصدر مع اثنين من أولاده في كمين عام 1999، ويعتقد أن الشرطة السرية لصدام حسين كانت وراء عملية الاغتيال. ففوق اللوحة المرمرية الدالة على ضريح السيد صادق الصدر بجانب قبري ولديه هناك صورة للصدر تظهره وهو يلقي موعظة وأمامه كومة من الكتب. وفي قاعة الصلاة الواقعة قرب الضريح توجد صورة لله تظهره واقفاً بحجمه الحقيقي، مما يوحي يوحي للمصلين بأنه يلقي خطبة بهم. وتمثل إحدى الشعارات الموجودة في هذه القاعة وجه الصدر مكوناً من كلمات عربية متشابكة ذات محتوى ديني. تؤكد هذه الصور جميعها، إضافة إلى الصور الأخرى الموجودة في الضريح،على كاريزما صادق الصدر وذلك من خلال التشديد على«حضوره»

ص: 141


1- يمكن مشاهدة عملية مماثلة في الفرسنة الجمالية في المزارات الشيعية في سورية التي أعيد بناؤها إلى حد كبير خلال العقود الثلاث الأخيرة (2007pianto;Ababsa 2005).
2- يشير فكتور تيرنر وأديث تيرنر إلى حقيقة أن الحج أو الزيارة مثقلة بالسياسات القومية أو الوطنية وذلك بسبب قدرتها على تجييش أعداد كبيرة من الجماهير من خلفيات مختلفة وعلى إنتاج روابط أفقية كما في مجتمع المساواة من خلال رموز مشحونة بكثافة عاطفية كبيرة. (Turner 1974: 166-171; Turner Turner 1978: 62-65, 134-139).

كعالم وواعظ، وهذا ما أشار إليه العديد من الزوار عند وصفهم للأحاسيس التي انتابتهم إثر مشاهدة صوره وتمثيلاته.

صورة رقم (4)

الصورة

الزوار يلتقطون صوراً مع صورة السيد محمد صادق الصدر

(حقوق الصورة للدكتور باولو) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

وقد التقط العديد من الزوار صوراً مع صورته بحجمه الحقيقي، كتذكار مرئي «الحضرة» صادق الصدر(1)،وهي العبارة التي استخدمها بعض الزوار لوصف ما أحسوا به من قرب مادي لشخصه الديني أثناء زيارتهم للضريح وبالقرب من الضريح يوجد مكتبة لبيع الكتب تضم جميع أعمال محمد صادق الصدر، وهذا تأكيد آخر على دوره كمثقف وكعالم ديني. وهناك العديد من الصور له مع ابنه مقتدى الصدر، وهي تعكس الجهد الواضح لخلق استمرارية بين مكانة صادق الصدر وشخص ابنه، المعروف کناشط سياسي أكثر منه كعالم ديني، وكقائد لشيعة العراق.

وبالقرب من الضريح توجد روضة شهداء العراق وهي المقبرة التي دفن مقاتلو جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر والذين استشهدوا أثناء مقاومتهم الجيش الأمريكي في عام 2004 وقد وقعت معظم الاشتباكات أثناء الانتفاضة ضد القوات

ص: 142


1- يرتبط مفهوم الحضرة بمفهوم البركة، إذ إنه يشير إلى الصفات المجسدة للقوة والسلطة الدينية.

الأمريكية في مقام الإمام علي، حيث تحصن عناصر من جيش المهدي، وفي مقبرة وادي السلام التي أصبحت ساحة حرب واسعة ولذا أصبحت المقبرة بحد ذاتها مكان ذاكرة لهذا النمط من الوطنية العراقية المعزز من قبل حركة مقتدى الصدر السياسية ،جاذبة إليها كل من يتعاطف مع هذا الخليط من الروح العسكرية والشعبوية والقومية العربية والروح الوطنية العراقية والعداء للإمبريالية(1)(2).

قبل مدخل روضة الشهداء تقف لوحة ضخمة تصور كلاً من السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد صادق الصدر، ونجلي الأخير اللذين قتلا معه في الكمين، ومقتدى الصدر. يهدف هذا التمثيل الأيقوني إلى إعطاء جرعة من رأس المال الرمزي لمؤهلات مقتدى الصدر الدينية الضعيفة وإلى شرعنة ادعائه بإرث والده السياسي والديني(3).تتكون شواهد جميع القبور في المقبرة من هيكل عامودي مصنوع من الحديد والزجاج وفي داخله صور كبيرة«للشهداء» وبخلفية من الزهور مع صور لمقام الإمام علي أو لوادي السلام،اللذين يمثلان الموقعين الرئيسيين للحرب ضد الاحتلال الأمريكي في عام 2004. وفوق صور الشهداء توجد صورة لمقتدى الصدر مع السيد محمد صادق الصدر وأحياناً مع السيد محمد باقر الصدر.

وتتكرر هذه الأيقونة بتعديلات طفيفة على القبور في روضة شهداء العراق جميعها، مما يوحي بالاستمرارية بين مختلف المشاريع السياسية المجسدة بكل أفراد عائلة الصدر وانتفاضة جيش المهدي المسلحة ضد القوات الأمريكية في العراق. وتربط أيضاً أعمال حركة مقتدى الصدر السياسية والحربية بالدفاع عن منابع الكاريزما المدينية للنجف ومكاني الذاكرة فيها : أي مقام الإمام علي، الذي يمثل التاريخ المقدس للشيعة، ومقبرة وادي السلام التي تمثل المجتمع الشيعي وتاريخ اضطهاده ومقاومته وشهدائه على أيدي قوى غاشمة.

في الجزء الأمامي للروضة هناك نافورة جدرانها مكسوة بالفسيسفاء وحجارتها

ص: 143


1- عرف مقتدى الصدر بمواقفه ضد الاحتلال الأمريكي وضد النفوذ الإيراني في العراق بالمقدار نفسه. إلا أن انخراط حركة الصدر في اللعبة السياسية العراقية بعد عام 2005 جعلته أكثر تكيفاً مع المصالح الإيرانية (265-262 :2007 Luizard)
2- (Harling Nasser 2007; Luizard 2007)
3- (Luizard 2007: 256-257)

ملونة بالأحمر والأسود والابيض. من الواضح أن هذه الألوان تستحضر العلم العراقي جنباً إلى جنب مع إشارات رمزية أخرى تتعلق بالرؤية الشيعية. فالأحمر يشير إلى لون دم الشهداء؛ والأسود إلى حبر علماء الدين والحداد على الشهداء وعلى آل البيت وذريتهم؛والأبيض إلى الإسلام ونور النبوة المتجسد في آل البيت وبنقاء الشهداء. وفي أعلى النافورة يوجد مجسم للعلم العراقي مرفوع على ناصية حجرية ومحاط بجدولين من المياه.تلتقي معاً على شكل شلال تملأ مياهه حوض المياه عند مغادرتهم الروضة، يقوم الزوار بغسل وجوههم وأيديهم بمياه الحوض والبعض يشرب منها وعندما شاهدني أحد الزوار من بغداد، وهو معلم في العشرينيات من عمره،التقط صوراً للنافورة، ودخل معي في حوار وعلّق على المشهد قائلاً:

يمثل جدولا الماء حول العلم نهري دجلة والفرات. فهذا يمثل العراق، الأرض التي دافع عنها هؤلاء الشهداء ضد الأمريكان. لقد استشهدوا من أجلنا، ومن أجل الوطن.

تحاول هذه الرموز التي تمتلئ بها روضة الشهداء أن تدوّن / تحفر رواية وطنية عراقية معاصرة في الجغرافيا الدينية لمقبرة وادي السلام مما يستدعي إعادة تكوين المقبرة، أو على الأقل جزء منها، من مكان ذاكرة للمجتمع الشيعي كحارسة لتاريخ مقدس يعود إلى الأنبياء العرب مثل هود وصالح،إلى نصب تذكاري للنضال الوطني للشيعة الذين استشهدوا في الدفاع عن الأرض المقدسة للعراق يهدف هذا البناء للوطنية العراقية الدينية والاحتفاء بها إلى تعزيز كريزما مقتدى الصدر كقائد سياسي وديني ليس فقط للشيعة العراقيين بل ولجميع العراقيين.

وعلى الجانب الآخر من الشارع الذي يحدّ الحدود الشمالية للمقبرة، وقرب الطريق إلى كربلاء، يقف جامع كبير قيد الإنشاء يضم ضريح السيد محمد باقر الصدر، الذي كان من أهم المفكرين الإسلاميين ومؤسس حسب الدعوة الإسلامية، وأعدم من قبل صدام حسين في عام 1980. ويوجد على مدخل الجامع رسم لمحمد باقر الصدر وهو يكتب وحزمة من الضوء تشع منه منيرة الكرة الأرضية الموجودة خلفه، وتظهر

ص: 144

العبارة «المفكر الإسلامي الشهيد سيد محمد باقر الصدر»في أسفلها. وتربط الصورة بين قوة نوره، وهو كناية عن البركة، ومكانته الفكرية.

صورة رقم (5)

الصورة

مرقد محمد باقر الصدر

(حقوق الصورة للدكتور باولو) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

يقع ضريح السيد محمد باقر الصدر في منتصف مساحة المرقد الواسعة والمغطاة بقبة إسمنتية. ويحيط بالقبر هيكل من ثمانية أضلاع مصنوع من الحديد والزجاج تعلوه قبة ذهبية،وهي إشارة واضحة لقبة الصخرة المشرفة والتي ترمز إلى تضحية إبراهيم ومكان معراج النبي محمد للسماء ونضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي(1)إن هندسة الضريح تربط جمالياً ذكرى السيد باقر الصدر برموز دينية وسياسية تخص المسلمين والعرب جميعاً. وبهذا يتم بناء شخص السيد محمد باقر الصدر الديني والتعبير عنه في هندسة القبر والتي تؤكد على دوره كعالم ديني وشخصية رئيسية في تشكيل الإسلام السياسي في العالم العربي.

ص: 145


1- إن الإشارات الهندسية و / أو الخطابية إلى قبة الصخرة شائعة في المزارات الشيعية الحديثة، كما هو الحال في مشهد / إيران وفي السيدة زينب والرقة في سورية (2007) Ababsa 2005; into). تحاول مثل هذه الإشارات إضفاء بعد إسلامي عام على هذه المزارات الشيعية وربطها بعالم الإسلام السياسي الذي يتخذ من النضال الفلسطيني رمزاً مهيمناً.

على الجهة الأخرى من الطريق السريع الذي يفصل النجف القديمة عن أحيائها الحديثة، والذي يصلها بالكوفة، يوجد مبنى قيد الإنشاء لمجمع ديني وتعليمي ضخم وهو مجمع شهيد المحراب الثقافي(1)، الذي سيصبح بمثابة النصب التذكاري للسيد محمد باقر الحكيم وكان آية الله الحكيم عالم دين بارزاً ساهم بنشاط في تأسيس الحركة السياسية الشيعية في العراق، وربما شارك في تأسيس حزب الدعوة في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي وعمل عن قرب مع السيد محمد باقر الصدر(2). وفي عام 1982، وأثناء وجوده في إيران، أسس الحكيم حزباً شيعياً آخر هو المجلس الشيعي الأعلى للثورة الإسلامية في العراق(3). وعاد الحكيم إلى العراق بعد سقوط النظام البعثي، ولكنه قتل في تفجير سيارة مفخخة في عام 2003 عند خروجه من حرم مقام الإمام علي بعد صلاة الجمعة.

عند الانتهاء من التشييد، سيضم المجمع مسجد الإمام علي الذي سيتسع ل_ 12000 مصل، ويضم مدرستين دينيتين واحدة للذكور والأخرى للإناث، وجامعة للعلوم الإسلامية والإنسانية، ومكتبة عامة، وقاعة محاضرات ونزل وبيت ضيافة يحملان اسم الإمام الحسن. وستحفظ ذكرى الحكيم حية من خلال مؤسسة تراث الشهيد الحكيم والأهم من ذلك، من خلال مرقده المشيد فوق القبر الذي يضم رفاته والمعروف باسم مرقد شهيد المحراب وشهداء الجمعة الدامية.وتوحي اللغة الهندسية للمجمع بوجود رابط رمزي بين الحكيم والإمام علي، فالمرقد يواجه الجامع الذي يحمل اسم الإمام. كما أن إضفاء لقب شهيد المحراب، وهو أحد ألقاب الإمام علي، على الحكيم الذي قتل أمام البوابة الجنوبية للحرم والتي تقع في اتجاه المحراب، يخلق استمرارية رمزية بين مقتل الحكيم واستشهاد الإمام علي إن استحضار هذا النصب التذكاري الضخم بمؤسساته الثقافية للإمام علي من خلال الجامع والمرقد،يشكل صورة عن مدينة النجف القديمة، ويعيد تشكيل جغرافيتها المقدسة لوضع الحكيم في مركزها.

تهدف هذه المعالم الجديدة إلى توسيع وإعادة تشكيل جغرافية النجف المقدسة

ص: 146


1- يستخدم لقب «شهيد المحراب» للإشارة إلى الإمام علي الذي قتل أثناء صلاته أمام محراب الجامع الكبير في الكوفة عام 661 ميلادية.
2- Jabar 2003: 95-98
3- في عام 2007 تغير اسم الحزب ليصبح المجلس الأعلى الإسلامي العراقي.

والمخيال الديني النابع منها على المستوى المحلي والوطني والعالمي، إلا أن فعالية هذه المعالم تعتمد على ما إذا أصبحت مجازة أو معتمدة وذلك من خلال الممارسات الدينية للسكان المحليين وللزوار. إن التركيز على الممارسات الدينية أمر هام، فهي التي تضفي المباركة أو النبذ على المعالم الدينية التي من المفترض أن تصبح من معالم جغرافية النجف المقدسة، وهي أيضاً التي تخلق أماكن مقدسة من خلال التذكر الطقسي للأحداث أو الأشخاص في إطار الذاكرة الجمعية. لذا، عند دخول مجموعة الزوار البرازيليين المدينة القديمة، توقف قائد المجموعة ومنظم الزيارة قبل نقطة التفتيش في وسط الشارع الذي يقود إلى مقام الإمام علي وأشار قائلاً إلى خط قريب متخيل/ وهمي

هناك، هذا هو المكان الذي أوقف فيه سكان النجف الجنود الأمريكيين.فقد خرج جميع التجار من محلاتهم والناس من بيوتهم لمنع اقتراب الأمريكيين من المقام.ركع الجنود ووضعوا أسلحتهم على الأرض. كان ذلك أعجوبة عجيبة ! أقوى جيش على الأرض أوقفه أناس مسلحون فقط بإيمانهم وولائهم للإمام علي وفي النهاية، تراجع الأمريكيون ولم يدخلوا البلدة القديمة أبداً.

أخذ أفراد المجموعة في التحديق لبعض الوقت في البقعة الطينية التي لم تكن تحمل أي علامة تدل عليها، ولكنها كانت محددة بالرواية الطقسية للأحداث التي تؤكد على قوة الإمام، وبالتالي قوة المجتمع الشيعي عندما يتمسك بإيمانه في وجه غزاة أرض العراق المقدسة.

لذا سأقوم بتحليل الأداء والممارسات الطقسية التي يقوم بها الزوار أثناء تتبعهم الجغرافيا المقدسة للنجف خلال زيارة الأربعين التي تمت في الفترة من ديسمبر/ كانون الأول 2012 إلى يناير / كانون الثاني 2013.فعند وصول مجموعة الزوار البرازيليين إلى النجف، عبر جميع أفراد المجموعة عن رغبتهم في زيارة مقام الإمام علي بالرغم من التعب الشديد بعد الرحلة الطويلة من ساو باولو إلى النجف عبر اسطنبول. إن هذا الإحساس الجارف،الذي تصفه Edith Turner بأنه«نداء/ صرخة الحجيج»(1)يشير

ص: 147


1- .Turner Turmer 1978: xiv

إلى الهدف النهائي للزيارة الذي يمكن تلخيصه ب_«تجربة العناصر المباشرة التي تتوسط ما بين عالم الحجيج الدنيوي الذي يعيشون فيه والعالم المقدس، أو الحقيقة المقدسة، التي يبحثون عنها».

يُظهر الاندفاع العاطفي لأداء الطقوس المطلوبة أيضاً الجمع المتعدد الطبقات بين الخيار الفردي والالتزام المشترك المحفور في طقوس الزيارة(1). فعندما يقرر أحدهم أن يصبح حاجاً، ينغمس في شبكة من القواعد والرموز التي تحدد المواقع الواجب زيارتها في ترتيب محدد والطقوس الواجب أداؤها خلال الزيارة. وبهذا المعنى،يمكن القول إن الزيارة هي بمثابة«التزام طوعي» يُعبّر عنه باندفاع عاطفي لتحقيق توقعات مشتركة تؤكدها التقاليد وتمتزج بتجارب فردية يعيشها الزائر،من خلال الأداء الطقسي.

بعد أن تركنا حقائبنا في البيت الذي كنا ننزل فيه، ركبنا سيارة حتى وصلنا إلى إحدى نقاط التفتيش التي تنظم الدخول إلى المدينة القديمة، ومن هناك سرنا إلى مقام الإمام علي وسط حشد من الزوار المتجهين إلى المقام أو المبتعدين عن قبته الذهبية. كان الشارع المؤدي إليه غير معبد ومغطى بالطين بسبب أعمال المجاري، وهو حال معظم شوارع المدينة. وكانت المطاعم ودكاكين الحلوى وأماكن بيع التذكارات الدينية القريبة من بعضها بعضاً مفتوحة ومليئة بالزبائن. كان بعض مجموعات الزوار يحملون أعلاماً تمثل علي أو الحسين أو أحد أفراد آل البيت، وكانت الشوارع مغطاة بصور المشاهد من معركة كربلاء. كانت بعض المجموعات تحمل أعلام بلدانها، وكانت أعلام تركيا وإيران والعراق الأكثر شيوعاً، أو ترتدي رموزاً وطنية محاكة على ثيابهم.

كل بضع ثوان كانت تمر توابيت تحملها مواكب جنائزية صغيرة مصحوبة بصيحات «الله أكبر»، في طريقها إلى المقام حيث يُصلى على الجثامين قبل أن تدفن في وادي السلام كانت الشوارع المسقوفة حول المقام محاطة على الجانبين بمخازن يترك فيها الزوار أحذيتهم وأجهزتهم الإلكترونية قبل دخولهم حرم المقام(2).وهنا، تختلط

ص: 148


1- Tumer 1974:173-177
2- بسبب خطر السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية المستمر، لا يسمح بإدخال الأجهزة الكهربائية إلى داخل الجوامع والمزارات الشيعية الرئيسية في العراق. وكذلك يمنع التصوير السينمائي أو أخذ الصور. إلا أن هذه الإجراءات أقل صرامة في الجوامع والمزارات الصغيرة والثانوية حيث لا يخضع سلوك الزوار للمراقبة.

جميع المجموعات والأفراد في حشد ضخم يتعين عليه المرور عبر نقاط التفتيش المنتشرة في ساحة المقام.

إن هذا الخليط من أهالي النجف والزوار من مختلف الفئات والأجناس - بينهم علماء دين وعامة الناس، رجال ونساء وأطفال موتى وأحياء - المنخرطين جميعاً في طقوس عبادة تتولد لديهم تجربة المشاركة في كوميونة communitas(1)، أي مجتمع مساواة مؤقت تتلاشى فيه الفروق والتراتبية الاجتماعية، أو تنحسر، من خلال المشاركة في مجتمع مقدس مُجسد بالإمام. ويعزز المطبخ الجماعي الإحساس بمجتمع المساواة المؤقت. إذ تحولت أرصفة معظم شوارع المدينة إلى مطابخ جماعية حيث تتبرع مجموعات أو مواكب دينية أو عائلية أو قبلية أو أحياء، بوجبات تطبخ في قدور نحاسية ضخمة على الحطب وتوزع مجاناً على الزوار(2).وبالمثل، كان الشاي المعد في بسطات مؤقتة مقامة في كل الشوارع المؤدية إلى المقام يقدم مجاناً.

عند وصولنا إلى الشوارع المحيطة بالحرم أدركنا أن الأبواب مغلقة، وكان حراس نقاط التفتيش يحذرون الجمع من أن المقام يغصُّ بالزوار ولا يمكن إدخال المزيد، وأخذ حراس الحرم يطلبون من الزوار العودة فيما بعد. تجمع جمع غفير أمام الباب الرئيسي وأخذوا يصيحون«لبيك يا حسين»،«لبيك يا علي»، محولين بذلك إحباطهم إلى تعبير عن التزامهم«بنداء» الأئمة(3). وبقي الجمع أمام الباب تعبيراً عن تصميمهم على البقاء في حضرة الإمام حتى أعيد فتح الأبواب بعد بضع ساعات. انتهز قائد مجموعة الزوار البرازيليين الفرصة ليشرح لنا معنى الزيارة:

إن زيارة الأربعين هي بمثابة صلاة الجنازة. نحن نحيي يوم الأربعين لوفاة

ص: 149


1- للمزيد حول مفهوم communitas انظر : 208-201 :1974 Turner
2- يطلق على هذه المجموعات اسم«مواكب»لأنها تشارك في المواكب التي تقام في النجف وكربلاء أثناء زيارة الأربعين.
3- صحيح أن الإمام علي هو الرمز المهيمن في النجف، إلا أن الإمام الحسين هو المعني بزيارة الأربعين لمفهوم الرمز المهيمن، انظر : 32-30 :Turner

الإمام الحسين. لذا نأتي إلى هنا لنقدم العزاء لوالده الإمام علي، وفيما بعد سنذهب إلى ضريحه في كربلاء ونقوم بطقوس الحداد على وفاته.

إن كل خطوة في الزيارة تستدعي خطابات توضيحية أو روايات أسطورية يقدمها منظم الزيارة، مما يخلق معرفة دينية مشتركة تؤطر ممارسات أفراد الجماعة وتجربتهم. إن هذا الكشف التدريجي للمعاني وللترابط الرمزي أو الطقسي المصحوب بتعريف الزوار بالمقدسات الدينية الهامة يضفي صفة العبور على الزيارة. لذا تهدف الزيارة.بصفتها طقس عبور إلى إحداث تحول في شخصية كل من يمر بطقوسها وإعادة تشكيل ذاته الدينية وتعزيز مكانته بين الجماعة الدينية(1).

أثناء عملية الدخول إلى حرم مقام الإمام علي، تعود الفروق الاجتماعية إلى الظهور تدريجياً. وبظهور هذه الفروق التي كانت قد بهتت بفعل انخراط الأفراد في البعد المتعلق بالعبادة للزيارة، يتفتت مجتمع المساواة إلى مجتمعات مختلفة وفئات اجتماعية تشكل حشد الزوار إذ يتعين على الرجال والنساء الدخول من أبواب مختلفة والتجول فقط في المناطق المخصصة لهم داخل المقام وعندما تبدأ جموع الزوار بالقيام بالطقوس الجمعية تظهر الفروق القومية والإثنية والدينية بينهم إلى العلن. فالأناشيد الدينية والصلوات تُتلى بالعربية والفارسية والتركية والأردية مما يخلق مشهداً صوتياً مفهرساً إثنياً يعم ساحة الحرم كلها.

وتعبّر الطقوس الدينية كذلك عن اختلافات قومية ودينية داخل المذهب الشيعي. فالزوار من الأتراك العلويين انتظموا في دائرتين بمركز مشترك تدور كل واحدة منها بالاتجاه المعاكس للأخرى،منشدين مدائح لعلي والحسين بالتركية وضاربين صدورهم بإيقاع قوي متصاعد. وبالقرب منهم مجموعة إيرانية منخرطة في رثاء جمعي للأئمة بالفارسية،ذارفين الدموع وضاربين صدورهم مع أرجحة أجسادهم إلى الأمام وإلى الخلف. فيما كانت مجموعة من الشباب الإيرانيين يرثون الحسين ولكن بنغمة غناء الراب مرفقة بلطم هستيري للصدر يذكر بموسيقى التكنو الغربية. وفي إحدى زوايا الساحة قامت مجموعة من الشباب الكويتي بالأداء نفسه ولكن بالعربية، مع منشد

(1)

ص: 150


1- ومن هنا فإن الزيارة هي بمثابة طقس عبور، إذ إن من يقوم بها ينتقل من حالة اجتماعية إلى أخرى .([Van Gennep 1960 [1908]).

يرافقه اثنان من اللطيمة مضفين إيقاعاً مرحاً على الطقس. وكانت هناك مجموعة وعة من الباكستانيين الذين يقومون باللطم بشدة بينما كان رجل كبير السن من بينهم ينشد أناشيد تتعلق بعلي والحسين بالأردو.

بعد ملاحظة هذا التعبير عن التنوع بالطقوس والهويات لبعض الوقت،تلت مجموعة الزوار البرازيليين طقس الزيارة بالعربية مرتين، واحدة للإمام وأخرى لجميع الأئمة. وكان يمكن للزوار قراءة طقس الزيارة من الكتب العديدة المتوفرة على الرفوف الموجودة في كل أنحاء الساحة قبل تلاوة الزيارة، قام قائد المجموعة بشرح وظيفة الزيارة قائلاً:

إنها بمثابة طريقة لتحية الأئمة. عندما تكون في حضرتهم لا بد أن تقوم بتحيتهم كما لو كنت تتحدث إليهم بالطبع لا يمكنك الاكتفاء بقول «مرحباً» لذا فإن الزيارة تعطيك الفرصة للدخول في محادثة معهم.

لذا فإن تلاوة طقس الزيارة تشكل ممارسة انضباطية فعالة تربط تجربة الزوار الدينية بالإطار المعياري للتقاليد الشيعية من خلال انخراطهم الطقسي في نموذج تقليدي للتواصل مع شخصيات الأئمة المقدسة قبل السماح بتدفق المشاعر والتجربة الشخصية(1). بعد تلاوة طقس الزيارة ذهبنا لزيارة ضريح الإمام.

عند دخولنا إلى الضريح، دفعتنا حشود الزوار وانفرطت المجموعة مع محاولة كل واحد من أفرادها لمس الشبك الفضي المحاط بالضريح وأداء صلاته الشخصية ومخاطبة الإمام. أخذ البعض بالهتاف«لبيك يا حسين» و«لبيك يا علي»، في حين أمسك البعض الآخر بالشبك وقاموا بتقبيله أو فركه بأيديهم أو بأجسادهم، أو بقطع من القماش للحصول على أكبر قدر ممكن من البركة رمى البعض قطعاً من القماش فوق الضريح. نصحنا قائد المجموعة بأن نتمنى شيئاً عندما نرى الضريح لأول مرة، إذ إن مثل هذه الأمنية ستتحقق وعندما التقت المجموعة فيما بعد خارج المقام، كان التأثير البالغ واضحاً على جميع أفراد المجموعة بفعل تجربة الزيارة. وعبرت إحدى النساء اللبنانيات عن تأثير شدة التجربة العاطفية داخل المقام التي تقود المؤمن إلى الدخول

ص: 151


1- لمفهوم التقاليد كإطار معياري يقوم على علاقة القوة والسلطة، انظر 1986 Asad. ولمفهوم الممارسات الانضباطية كآلية لتشكيل الذوات الدينية، انظر 1993 Asad.

في ممارسات فردية تأملية انضباطية بقولها إنها ستمضي الليلة في الصلاة بالمقام«اليوم أحسست بنداء الإمام. يجب أن أبقى بجانبه».

بعد أن زرنا مقام الإمام علي ذهبنا لزيارة الأمكنة المقدسة الأخرى في المدينة القديمة، مثل مقام الشيخ الطوسي وضريح سيد محسن الحكيم في المسجد الهندي. كان عدد الزوار في هذه الأماكن أقل بكثير من أعداد زوار مرقد الإمام علي ثم ذهبنا الزيارة مقام صافي صفا. وعند مرورنا أمام المنطقة التي كان يشيد عليها ملحق لمقام الإمام علي، أشار قائد المجموعة إلى الفضاء الواسع الفارغ قائلاً:

هناك كانت تقوم بيوتات المراجع الدينية مئات المكتبات دمرها صدام حسين أرسل الجرافات ودمر كل شيء.

لقد حولت الرواية المتعلقة بجهود صدام في محو ذكرى رجال الدين الشيعة ومؤسساتهم التعليمية في النجف الفضاء الفارغ إلى مكان لتذكرهم، إلا أن غياب الذاكرة الجمعية يعرض مكانة مشاريع«التذكر» الأخرى للخطر. ففي سيرنا على الأطراف الجنوبية للمدينة القديمة مررنا أمام ضريح تحت الإنشاء. وعند دخولنا إلى المبنى رأينا من خلال ثقب في الأرضية الإسمنتية تابوتاً موضوعاً في طابق التسوية. وقد علمنا منخلال الكتابة الموجودة على لوحة معلقة في مدخل المبنى أن هذا قبر رقية بنت الحسن أصابت الحيرة الجميع، إذ لم يكن أحد منهم يعرف هذه الشخصية. سأل البرازيلي الذي اعتنق الإسلام: «كيف انتهى بها المطاف مدفونة في هذا المكان إذا ما كان والدها قد قُتل في المدينة؟» وفي غياب أي أثر هندسي يدل على طقوس تبجيلها ولكونها شخصية ثانوية في دراما آل البيت المقدسة، اعترى الزوار الشك حول مدى أصالة القبر. وفي النهاية اتفق الجميع على أنه ليس هناك من ضرر في تلاوة طقس الزيارة قبل مغادرتهم المبنى.

في اليوم التالي، وفي طريقنا إلى زيارة الأماكن المقدسة في الكوفة توقفنا عند مزار كميل بن زياد وعند مسجد الحنونة. اتبعنا في زيارتنا نمط زيارة الأماكن الأخرى :نفسه حيث يقوم قائد المجموعة بتقديم شرح يتبعه تلاوة جماعية للزيارة باللغة العربية ثم زيارة فردية للمزار بعد بضعة أيام، وبعد ذهابنا إلى كربلاء في يوم الأربعين، قامت المجموعة بزيارة وادي السلام، وزرنا ضريحي النبي هود والنبي صالح وتجولنا سيراً

ص: 152

على الأقدام في المقبرة. وتضمنت الزيارة أيضاً زيارة ضريحي السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد صادق الصدر. خلال الزيارة أكد قائد المجموعة على دورهما كعالمين دينيين هامين وكقائدين للمجتمع الشيعي خلال سنوات الاضطهاد أثناء حكم صدام حسين. ويعتبر هذان العالمان مرجعية دينية هامة لدورهما في وضع منهجية فكرية إسلامية يتبناها المركز الإسلامي في البرازيل الذي نظم زيارة المجموعة، لذا تمّ إدراجهما في السياق المنطقي لهذه الزيارة كمجسدين للمعرفة الدينية الشيعية وكقائدين في الوقت نفسه.

تم استبعاد بعض الأماكن التي تعتبر شديدة الارتباط بالنزاعات السياسية داخل المجتمع العراقي أو لا تتوافق مع المخيال الديني الذي يكرسه المركز الإسلامي في البرازيل وكمثال على هذا روضة شهداء العراق المرتبطة بشكل جلي بحركة مقتدى الصدر السياسية أخبرنا قائد المجموعة بأننا لن نذهب إلى الروضة كزوار إلا أنه سمح لمن يرغب بزيارتها على مسؤوليته. كان هناك عدد قليل من الزوار الأجانب وذلك على العكس من الزوار العراقيين الذين كان عددهم كبيراً، وكانت غالبيتهم من أتباع حركة مقتدى الصدر. إذ إن الروضة أصبحت مُشبعة بممارسات التذكر الجمعي لنوع محدد من الوطنية العراقية. وأثناء وجودنا في الروضة، فسر قائد المجموعة أسباب عدم اعتبار وجودنا زيارة :

صحيح أنهم قاتلوا الغزاة الأمريكان، ولكنهم سببوا العديد من الانقسامات بين الشيعة. لقد استخدموا مقام الإمام علي كقاعدة عسكرية لهم. حتى إن مقتدى تحدى المراجع والسيستاني وحده هو الذي وضع حدّاً لهذا النزاع.

تتعارض الذاكرة الجمعية المحفورة في الروضة مع تلك المرتبطة بالعقيدة الشيعية ومبدأ التوافق العام تحت سلطة المرجعية،لذا تم استثناؤها من الجغرافيا المقدسة المكرسة بالطقوس والرموز الدينية التي اعتمدها أفراد هذه المجموعة من الزوار للتلبية بتوقعاتهم المتعلقة بزيارة الأربعين(1). لذا فإن الطقوس والممارسات

ص: 153


1- كذلك لم تشمل دائرة الزيارة ضريح السيد محمد باقر الحكيم لأنه لم يكن مرجعاً هاماً وفق الرؤية الدينية لمنظمي هذه المجموعة. وتمت زيارة الضريح في اليوم الأخير لوجود المجموعة في النجف وكانت الزيارة قد انتهت رسمياً.

التي قامت بها مجموعة البرازيل ربطت مزارات وأماكن مقدسة معينة واستثنت أخرى،اسمة بذلك دائرة من القدسية في جغرافية النجف الدينية تجمع عناصر من عوالم منفصلة للمخيال الديني والسياسي - الإسلامي عامة والشيعي والعراقي - في رؤيتهم الدينية.

،لذا فإن الطقوس المؤداة والخطابات المتداولة أثناء الزيارة تعتبر أساسية بالنسبة لقدرة جغرافية النجف المقدسة على استيعاب التوقعات المختلفة، وحتى المتعارضة، للشيعة من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة والباحثين عن تجربة مباشرة للحقيقة النهائية لإيمانهم في هذه المدينة المقدسة. ويقوم هؤلاء بإنشاء دوائر متعددة من القدسية، مما يسمح لكل مجموعة باختيار عناصر من الجغرافية المقدسة للنجف التي يمكن أن تضفي سمة مادية على مخيالهم الديني.وهذا يجعل الزيارة أمراً مركزياً لبناء كريزما النجف المدينية والمحافظة عليها مما يسمح بإعادة تشكيل لامتناهية لجغرافيتها المقدسة.

وفي الوقت الذي تتسع فيه دوائر القدسية وتتزايد، يعمل بعض الطقوس والممارسات على إعادة إنتاج الأماكن المقدسة المشتركة. ويتمركز الزوار في قلب الجغرافية المقدسة المتمثل في مقام الإمام علي الذي أضفت عليه الطبقات المتعددة من الذاكرة الجمعية قداسة كمكان تتمركز فيه البركة بشكل كبير. إن الإحساس بالمقدس في هذا المقام، وفي غيره من الأماكن الأقل أهمية ولكنها تزار بكثافة، يعمل كنقطة ربط بين الزوار أثناء تحركهم عبر مختلف دوائر وأعمدة الجغرافيا المقدسة للنجف ويتوزعون تدريجياً وفق إدراكهم الديني على الأمكنة المقدسة التي تحظى بتوافق أقل. لذا، فإن خرائط المقدس المختلفة الناشئة عن الزيارة تتداخل بشكل متزايد عندما ينظر الزائر إلى نقطة تمركز البركة، مما يفتح المجال لكريزما النجف المدينية أن تنبع باستمرار من جغرافيتها المقدسة التقليدية والمتغيرة باستمرار.

154

ص: 154

الجزء الثاني:المعرفة والثقافة والسلطة الدينية

اشارة

ص: 155

ص: 156

النجف حجة تعليمية وبحثية بارزة

اشارة

د. روبرت گلیف

ترجمة: د. أحمد صالح محمد

أقوم في هذا الفصل بتحليل العوامل الثلاثة التي أثرت في ظهور النجف كمدينة تعليمية رائدة في الإسلام الشيعي هذه العوامل: (1) العلاقة بالنفوذ السياسي (وبالذات منذ الفترة الصفوية والتشيع الإيراني)،(2) منجزات كبار العلماء المرموقين(الذين تعتمد سمعة المدينة كمركز تعليمي على سمعتهم) ،(3) الإصلاح في مؤسسات ومناهج الدراسة الدينية الذي مكن النجف من الإبقاء على فعاليتها وإظهار تحفظها في الوقت نفسه.

في حين حافظت النجف على موقعها كالخيار المفضل لدى العديد من المتقدمين من العلماء، فإن حظوظها قد تذبذبت عبر العقود، حيث كان البعض من هذا التباين بفعل التأثير النسبي لهذه العوامل الثلاثة.

المقدمة

ترجع أهمية النجف كمركز للتعليم الديني في الموروث الشيعي إلى شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى 460 ه_ / 1067م). وسواء كان مناسباً وصف وصوله إثر إلغاء السلاجقة للمقر الشيعي في بغداد والمؤسسة التعليمية التي أنشأها ك_ (حوزة) بأنه موضع تساؤل تأريخي. فإن من المؤكد كون وصوله وعدد كبير من العلماء في السنوات اللاحقة قد شكل مرحلة أساسية في تطور التعليم الشيعي. كان العطاء المعرفي للطوسي من النوع الذي يمكن وصفه،بدون تردد،بأنه سعي لتأسيس

منهجية شيعية في كل المناحي الدينية القائمة في المدرسة السنية(المتضمن الحديث،

ص: 157

الأصول،الفقه،الكلام ،التفسير،الرجال). لا مناص من ارتباط المناهج بالمؤسسات وبرامج التعليم، وإن سموه في هذه التخصصات قاد بالنتيجة إلى دراسة أعماله كنموذج للإسهامات الشيعية المتخيلة في المؤسسات المعرفية خلال الحقبة السلجوقية وما تبعها.

ولكن النجف، وبرغم ذلك، لم تبق على مكانتها كمركز للتأهيل البحثي عقب انطلاقته في العقود اللاحقة التي شهدت قفزات في التطور الفكري الشيعي من أماكن أخرى غير النجف. فقد تقدمت مدينة الحلة التاريخية المجاورة كمركز للتعليم الشيعي ولتعتبر امتداداً ثقافياً بحكم التقارب الجغرافي وطرق المرور الرابطة بينها وبين النجف ولطالما اعتبرت كربلاء بمثابة المشاغب في المخيلة الدينية الشيعية حيث اتصفت حركاتها الدينية بمواجهة التيار العام بدلاً من تعزيز الهياكل القائمة. وبالرغم من المكانة الموثقة لهاتين المدينتين فإن تقاربهما قد ساند من نجاحات كليهما في المواقف الأساسية من التأريخ الشيعي (وبالذات منتصف القرن التاسع عشر حين كانت المرجعية في طور التشكيل). إن الأكثر أهميةً في فهمنا لمكانة النجف في الفكر الشيعي هو الإسهامات المعرفية الشيعية للمراكز «البديلة» في إيران في بعض الجوانب، وفي لبنان وحتى دمشق، وفي الخليج وبالذات في البحرين بمفهومها العام وفي الهند.

ربما اعتبرت النجف بمثابة المنبع في انتشار موجات الفكر الشيعي، ولكن التفحص في الشخصيات الأكثر أهمية في التأريخ الديني الشيعي لا يظهر تفرداً للنجف. بل تظهر من بين المتقدمين في أحسن الأحوال، وفي هذا أجادل بأن دورها الأبرز يتأتى من تفاعل المراكز الشيعية بدلاً من إنجازات ذاتية لنظام بذاته أو حوزة.

يمكن تعريف منجز النجف بمقارنة موقفها في لحظة تاريخية محددة بذلك للحلة أو كربلاء محلياً، أو قم أو لكناو في المجمع الشيعي الأوسع.

وفي المنظار البعيد المدى لحظوظ النجف أجادل موقفها المتأرجح في التميز بما يبين ما لا يقل عن ثلاثة أسئلة رئيسية لطالما نمت لتشكل الصفة الرئيسية في الدور القيادي للنجف

الأول: العلاقة بين التشيع والنفوذ، والتي يعود الفضل إليها في جعل النجف كمدينة تعليمية،وتجلت أهميتها في نجاة الشيعة كطائفة هامشية في العالم السني،

ص: 158

ولكن ذلك صار أشد تأثيراً بتأسيس الدولة الصفوية ككيان شيعي. جاء ظهور حاضنة شيعية خارج النجف بالتساؤل في كيفية التعايش مع النفوذ السلطة تدعي النسب الديني ذاته. لقد سمحت علاقة النجف بإيران خلال الحكم الصفوي وليومنا هذا بظهور الأدوار المتميزة، أو المكملة،للعلماء العراقيين والإيرانيين.

الثاني: الحاجة المستمرة لصياغة المنهج التعليمي الذي يجعل النجف تتصدر الموقف. ويتطلب ذلك أن تكون منجزات العلماء في النجف متقدمة على منافسيها بما يمكنها من السيطرة على العملية التعليمية. ولتحقيق ذلك الهدف ينبغي أن تكتب الكتب المتميزة من قبل العلماء في النجف ( ويفضل من النجفيين ذاتهم). ويمكن رؤية الكثير من المشاريع البحثية المتطلعة والطامحة علمياً من خلال العديد من منجزات النجف في القرن التاسع عشر.

الثالث: تُعدّ الحاجة إلى إصلاحات مؤسساتية منتظمة الحفاظ على الاستمرارية من أدق التحديات التي تواجهها المؤسسة التعليمية المحترمة. إن الوصول إلى مثل هذا التوازن يمكن مدينة ذات إيجابيات موروثة ومكانة رفيعة(مثل النجف)من المحافظة على مكانتها والتصدي للتنافس المحتمل. وفيما يبدو ذلك متناقضاً مع التحفظ التقليدي للعلماء الشيعة بشكل عام، فإن الإمكانية والمقدرة المبهرة لا تضمن الموقع القيادي تكمن المهارة في أن تكون متحركاً في حين تبدو ساكناً، وهذا هو التوازن الذي تحرص النجف على المحافظة عليه وخصوصاً في الفترة الحديثة.

ويقع في وسط دور النجف كمركز متقدم للمعرفة ادعائها بضم العلماء الأرفع من كل جيل. وفي الواقع يمكن رؤية دلائل هذا الاطمئنان الذاتي في المهمة من خلال عدد من النقاط : يحوز العالم المستقر في النجف السمعة الطيبة مباشرةً، بفضل سكنه هناك تداخل السير العلمية مع سيرة المدينة وبما يجعل الفخر منعكساً على الطرفين، سمعة المدينة ترتكز على إنجازات علمائها ويؤخذ العلماء باهتمام على أساس علاقتهم بالمدينة. ولغرض اختبار الأسئلة الثلاثة التي وضعتها سابقاً قمت بتفحصها من خلال حياة عدد من العلماء. كانت الأسئلة حينئذ تخص (1) النفوذ السياسي(وبالخصوص العلاقات مع إيران)، (2) المواضيع العلمية الكبرى(بالأخص منها الفقه والتعليقات)، (3) الإصلاح المؤسساتي والتوازن بين الاستمرارية والتغيير (وبالأخص في داخل

ص: 159

مؤسسة رمزية مثل حوزة النجف). وفيما يتبع أسعى إلى التركيز على هذه الجوانب من خلال الإشارة إلى علماء كبار مثل الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي (المتوفى بعد 945ه_ / 1539م)، صاحب الجواهر محمد حسن النجفي(المتوفى 1266ه_ / 1850م)، و محمد رضا المظفر (المتوفى 1964م). وبذلك يتم استعراض التطور التأريخي للنجف كمركز من خلال سيرة ومنجزات وإسهامات هؤلاء العلماء.

النفوذ السياسي والدولة الشيعية

وفّر موقع الشيعة كأقلية في بدايات العصور الوسطى المادة لتطور تراث ديني وقانوني يمتاز بالتناقض السياسي. من جهة هنالك ارتباط عقائدي بالإمام كالقائد الشرعي للمسلمين.إن الارتباط الوثيق بهذا الموقف محسوس بلا شك في النجف. وإن استشهاد الإمام علي ودفنه في المدينة المعروفة لاحقاً بالنجف يربط بدايات المدينة الحديثة مع المناقشات المبكرة حول طبيعة القيادة في الإسلام، بالإضافة إلى هوية القائد المناسب بعد وفاة النبي محمد.يحتمل أن يجعل هذا النسب من التساؤلات السياسية في غياب الإمام الثاني عشر موضوعاً للحوار الدقيق. ومن جهة أخرى، تبرز الحاجة إلى حل عملي لحالة ال_ ( لا نفوذ) للشيعة في جزء كبير من تأريخهم. كيف للاثني عشرية أن ينشئوا نظام حياة ذا نفوذ بوجود ترددهم في (وربما مطلب عقائدي في عدم)التصدي (أو عدم التعامل مع) للنفوذ خلال الاحتجاب؟.

جعلت نشاطات العلماء بعد الطوسي، ربما، جنوب العراق مركزاً للقوة الفكرية، وليس النجف بالضرورة. ومن الملاحظ اختيار الحلة وليس النجف مركزاً لسكن العلماء الكبار.

المحقق الأول (أبو القاسم جعفر بن الحسن الحلي، المتوفى 676ه_ / 1277م)، وتلميذه العلامة (الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي، المتوفى 648ه_/ 1325م)، وابنه فخر المحققين (محمد بن الحسن الحلي، المتوفى 771ه_ / 1369م)، وجميعهم استقروا في الحلة حتى لو تنقلوا إلى أماكن أخرى لأغراض علمية. كما سافر الشهيد الأول (محمد جمال الدين المكي، المتوفى 786ه_/ 1385م) إلى الحلة بدلاً من النجف لإكمال دراسته على يد فخر المحققين، ثم عاد إلى بلدته جبل عامل ليطور

ص: 160

التقليد العاملي في البحث الشيعي. ولقد توجه الصفويون إلى جبل عامل وليس إلى النجف للبحث عن كتلة العلماء لأجل مشروعهم الإمبراطوري. وليس القصد في هذا القول بأن النجف كانت مجدبة علميّاً خلال تلك الفترة ولكنها وبوضوح لم تعتبر المصدر الأول للعلماء العامل الشخصي شديد التأثير في النظام التعليمي الشيعي مثلما هو السني، حيث لا يتكون العلماء بفعل أعمالهم فحسب ولكن بمصادرهم التعليمية كذلك. حيث يمتلك العالم المؤهل القدرة على ترقية (أو بالفعل تنزيل)التلميذ المتقدم من الطبيعي أن يصاحب الترقية عمل بحثي ولكن المستوى المتقدم(على الصعيد الكمي وربما النوعي كذلك)ليس ضروري دائماً إن نظام تقييم المكانة العلمية، الإجازة، يتباين من عالم إلى آخر ويتطلب، في الأقل نظرياً، إلى فترة من الإقامة الدراسية. يعتبر وجود علماء منفردين وإن كانوا رئيسيين ذا صلة قليلة أو معدمة مع شبكة العلماء الرئيسية أمر غير قابل للتصديق في مثل هذا النظام. وهذه كانت حالة العلماء الذين توحدوا لقرن كامل تقريباً حول الحلة إثر المحقق الأول. تسببت هذه الجهود في كسوف النجف لقرنين تقريباً، ولم تظهر النجف كموقع في خيارات كبار العلماء إلا في القرن الخامس عشر والسادس عشر. ولقد ثبت كبار العلماء في بدايات الفترة الصفوية أنفسهم في النجف ومنها طوروا مواقفهم في الهوية السياسية الشيعية وشرعيتها في الحكم بغياب الإمام.

كان الأبرز من علماء الفترة الصفوية الأولى في النجف علي بن عبد العلي الكركي (المتوفى (940ه_ / 1534م)وإبراهيم بن سليمان القطيفي (المتوفى بعد 945ه_ / 1539م). ومن اللافت أن كليهما ليسا من مواليد النجف ولكنهما انتقلا إليها من أماكن أخرى. الكركي جاء من كرك نوح وكان من بين العلماء ذي الأصل العاملي الذين ساعدوا الدولة الصفوية وساهموا في تأسيسها. تردد على إيران من النجف مرات عديدة وبالخصوص على بلاط الشاه إسماعيل، حيث استطاع أن يمنح السلالة الحاكمة الشرعية وكانت له علاقات وثيقة بالشاه إسماعيل وليس مستبعداً أن يكون اختياره النجف قاعدة له غير عفوي. وفرت النجف بيئة تتكلم العربية، ومزاراً يحج إليه الإيرانيون المتشيعون حديثاً (ومعهم الاهتمام والرعاية والفرص التجارية) كما أنها شاسعة البعد عن بلاط الشاه لتوفّر للكركي الاستقلال(أو في الأقل التصوّر بالاستقلال)عند الحاجة.إنها توفر

ص: 161

للكركي وضعاً شبه مستقل عند ظهور الاحتياجات وربما لفصل نشاطاته العلمية والسياسية.

إن المساعدة والترويج التي قدمها الكركي في مجال شرعية الدولة الصفوية لم تكن(في جانب العقيدة) خالية من الجدل. إن ترويجه لشرعية ضريبة الأراضي المسماة (الخراج) معروف جداً، حيث تمكن الشاه الصفوي من جباية هذه الضرائب كجزء من إيرادات الدولة. أثرى الكركي شخصياً من هذه الضريبة قدمها الشاه، وهي بلا شك تمثل تقديراً لمساهمته في إنشاء الشرعية الصفوية. يمكن النظر لترويجه شرعية صلاة الجمعة بطريقة مماثلة بينما يعارضه زميله السابق ومنافسه إبراهيم القطيفي.

القطيفي، مثل الكركي، لم يكن من أبناء النجف، حيث تلقى تعليمه المبكر في القطيف ويعيش في منزل قريب من قلعة القطيف، ثم سافر إلى العراق في بدايات نضوجه وتمكن أن يزامل الكركي في صفه(الذي نعلم وصوله النجف في 1504 تقريباً) على يد علي بن هلال الجزائري (المتوفى 937ه_ / 1 - 1530م) الذي درس في النجف حتى وفاته. نحن نعلم، على سبيل المثال، بأن القطيفي بدأ العمل في (الرسالة الحائرية) في العراق في (913ه_ / 1507م) حيث إنه أورد ذلك في مقدمتها. قد يوحي العنوان أنه بدأ كتابتها في كربلاء ولكننا لا نملك ما يشير إلى قضائه أي وقت تعليمي هنالك. لقد قضى بعض الوقت في النجف ومثله في الحلة ثم (وفقاً للبعض) عاد إلى النجف ليموت فيها نهاية القرن العاشر وتشير مصادر أخرى إلى عودته إلى موطنه الأصلي ووفاته فيه، ولكن التأريخ الدقيق لذلك يبقى مجهولاً.

كان رفض القطيفي لآراء الكركي موسعاً حيث كتب العديد من البحوث (رسائل) والأعمال المطولة عندما كان في النجف ومعظمها موجه ضد علي الكركي. وكان الأشهر دحضه وتفنيده لمؤلف الكركي الذي جادل فيه شرعية فرض ضريبة الخراج خلال احتجاب الإمام الثاني عشر. وفي جدله بالضد من موقف الكركي فهو بالنتيجة يجادل في موقف أكثر ابتعاداً عن الدولة الصفوية. وبدون أن يتصدى لزياراته إلى إيران، فقد وصف بعمق تشكيكه في شرعية حكمهم خلال الاحتجاب وأن ادعاءهم الشرعية ، برأيه، موضع شبهة وتساؤل. ودونت عنه زيارة الإمام الغائب له، وهذه طريقة مألوفة في تعزيز المكانة الدينية بعد العلمية الخالصة. يبين ارتباط

ص: 162

القطيفي بالنجف الحاجة إلى بقاء المركز العلمي بعيداً عن القوى السياسية. لم تكن النجف باستمرار في أيدي الإيرانيين خلال الفترة الصفوية وهويتها المحدودة، كما أشير أعلاه، قد جعلت منها المكان المفضل للعلماء الراغبين في الاستفادة من الرعاية التي يوفرها الحكم الصفوي والراغبين في عدم الظهور المفرط بالقرب من الأسرة الحاكمة. إن الحاجة لهذا الابتعاد بالطبع متصلة بالرغبة في مشهد بعيد عن الفائدة المباشرة المرتبطة بالنفوذ. ولعل القطيفي كان مدركاً تماماً لفوائد الهدف الشيعي بشكل عام وللترويج للمؤسسات المعرفية الشيعية بشكل خاص بالنسبة للنفوذ الإيراني القادم حديثاً. ولكنه، ومع ذلك، كان يراه مرحليّاً مثل السلالات السابقة ولا يستحق الدعم المطلق.

يمكن اعتبار السيرة العلمية والسياسية للكركي والقطيفي والعداء العميق بينهما تمثيلاً للمواقف المتعارضة من الانشغال السياسي ونموذجاً للطبيعة المتناقضة للنجف كموقع للتأثير العظيم ولكن ليس مركزاً للنفوذ السياسي. وكان للكركي بالتأكيد تأثيراً سياسياً قصير الأمد، ولكن قاعدة نفوذه تضررت نتيجة روابطه الإيرانية. ولعل موقف القطيفي في ال_ (اتصال/انفصال)أكثر تمثيلاً لموقف علماء النجف ودورهم في السياسة الإيرانية بشكل عام وليس في الفترة الصفوية فحسب بل خلال الفترة القاجارية كذلك. ولمدة وجيزة، بعد انهيار السلالة الصفوية، استقر كبار العلماء في كربلاء بدلاً من النجف. كان الموت البطيء للمدرسة الإخبارية كقوة فكرية نابضة رمزاً للخلاف المرير بين تلاميذ يوسف بن أحمد البحراني (المتوفى 1186ه_/ 1772م) والواحد البهبهاني (المتوفى 1205ه_/1791م)؛ ولعل ذلك كان نوعاً من العدوانية بينهما، كنوع من الاستنساخ للصراع بين القطيفي والكركي ومرةً أخرى، لم يكن هؤلاء العلماء قد ولدوا أو تربوا في النجف ولكنهم وافدون من أماكن أخرى. ولم يكن ذلك ليحدث سوى بعد جيل من التلاميذ الذين قادوا انتصار المدرسة الأصولية وعودة ظهور النجف كمركز للتعليم الشيعي، وفي هذا الوقت وفرت عملية إحياء الأصولية الزخم الكافي الخلق جيل من العلماء المحليين في النجف بدلاً من الوافدين. كان محمد مهدي بحر العلوم (المتوفى 1212ه_ / 8 - 1797م)، والشيخ جعفر كاشف الغطاء (المتوفى 1228ه_ / 1813م)، وصاحب الرياض الطباطبائي (المتوفى 242ه_ / 1826م) من أبناء النجف الذين أقاموا ، أو بالأحرى أعادوا إقامة التعليم الرفيع المستوى في النجف.

ص: 163

وفي حين حرص هؤلاء العلماء من النجف وفي عصر فاتح علي شاه حكمه(1797 - 1834) على مقاطعة بعض الفلتات السياسية، فلم يكن الدعم ليخلو من بعض الشروط ولا أن يكون شاملاً لقد كانت الفتوى الشهيرة للشيخ جعفر بالجهاد ومقاتلة روسيا ذات قيمة دعائية، مع أنها لم تقم الشرعية لحكم القاجار بالطريقة التي يتأملها فاتح علي شاه. حتى التوترات مع روسيا التي كان لعلماء النجف دور الصدارة فيها لم تكن لتؤدي إلى مستوى من الرعاية التي يمكن مقارنتها بتلك التي حظي بها علي الكركي. بالإضافة إلى ذلك فإن التداخل الصريح للعلماء النجفيين في السياسة الإيرانية وبالذات في بيانهم حول شرعية الدستور في إيران المنشأ بين 1905 و 1909، جاء ليخفف من نفوذ الشاه، ولم يكن لتأسيس شرعية النفوذ للعلماء. ويمكن قول الشيء نفسه حول دعوات المدرسي إلى الشاه في 1920 للاحتفاظ بالعرش وعدم اتباع النموذج التركي الجمهوري العلماني العسكري. وبالإمكان مشاهدة نظام الأداء هذا في جميع المداخلات . أو محاولات التأثير في الأحداث السياسية، وليس السيطرة عليها، والمقدرة على التراجع عندما يتطلب الأمر ذلك. يظهر فشل ثورة 1920 موصفات مماثلة.

وإذا كان هنالك من موقف نجفي مميز في انفصال العلماء عن الدور السياسي فان الأبرز في ذلك هو للقطيفي وليس للكركي. وقد يكون هذا الانفصال نتيجةً للجغرافيا السياسية، بقيت النجف خلال السيطرة العثمانية أو الصفوية على الهامش الصالح مراكز القوى(أصفهان أو طهران، وبغداد أو اسطنبول). وربما يكون الابتعاد عن النفوذ قد مكن المدينة، وبالتالي العلماء القاطنين فيها،من تطوير موقف مستقل وأقل اعتماداً على النفوذ في نشاطاتهم العلمية التي أظهرت قابلية في التغلب على النشاطات السياسية في مجمل نشاطاتهم المعاصرة.

النجف والطموح العلمي

يُعدّ الميل إلى كتابة التعليقات على أعمال العلماء السابقين حاضراً باستمرار في الموروث العلمي الإسلامي. ولا يؤشر الموروث من هذه التعليقات إلى موقف معين في العطاء العلمي فحسب، وإنما يعطي فكرة عن مستواه العلمي.وأرى أن لا تؤخذ الحاجة إلى التعليق باعتبارها نشاطاً علميّاً متوارثاً ومحافظاً - إن الاستناد إلى

ص: 164

نصوص معتمدة لا ينبغي أن يخلط مع الرفض لإمكانيات التطور الفكري. ويلاحظ عند استعراض تأريخ كتب النصوص (متون) والتي تعتمد عليها البحوث الشيعية لاحقاً مادةً أولية للتعليقات،بأن إسهامات النجف ضئيلة. إن عناصر النصوص لدى الطوسي التي وجد التابعون من العلماء الفرصة للتعليق عليها كانت بالكاد مثمرة. من المتعارف في علم القانون (الفقه) أن يجد الشخص العطاء المبهر من التعليقات،وفي هذا يقدم الطوسي نصوصاً نادراً ما تكون موضوعاً للتعليقات. وقد يكون هذا

نتاج الطبيعة الجنينية لدراسات الفقه في ذلك الوقت. في حين كانت مدارس السُّنة قد شكلت مجموعتها الأولى من ال_ (متون) بنهاية القرن الحادي عشر (بالطبع أضافوا هذه المجموعة لاحقاً حيث كانت البدايات متفرقة ومتلاحقة)، استغرق القانونيون الشيعة مدة أطول ليكونوا معنى دقيقاً ونصوصاً موجزة يمكن بناء التعليقات عليها. يوجد في سيرة الطوسي، بالطبع،(كتاب تهذيب الأحكام في شرح المقنعة)، و والذي يخطئ العديد في تصوره كتاباً جامعاً للحديث. وهذا في جزء منه بسبب احتوائه (مع كتابه الاستبصار في ما اختلف من الأخبار)ما يفترض فيه المجموعة الأساسية لكتب الحديث الأربعة لدى الشيعة. وهذا سوء في التقديم، حيث إن (التهذيب) في الواقع هو تعليقات على كتاب الفقه للعالم البغدادي الشيخ المفيد والذي عنوانه (المقنعة). ففي حين كان النص ( المتن) قد كتب خارج النجف، فإن الطوسي العالم النجفي قد تولى التعليق عليه مع القبول بكون التعليق مبهراً، فإن المجموعة البديعة من الحديث التي أظهرت صلاحية(أو أحياناً، عدم صلاحية)الأحكام المتضمنة في نصوص المفيد. كل حكم يتبعه سلسلة من الأحاديث وجزء من التحليل الدقيق الذي يعرض الحكم أو يطوره وأحياناً ينقضه. إنه يمثل بدايةً ملفتة للنظر في البحث الشيعي تجاه المهارات في التعليق التحليلي، وهو ما إن بدأ حتى بدأ النوع بالتسيد في مخرجات الفكر القانوني.

وقد اشتهر الطوسي بالطبع في عدد من التعليقات الأخرى، وحري بنا أن لا ننسى مساهمته في التعليق الإسلامي الأعظم ( والأصيل أيضاً)، وهو (التفسير) في مؤلفه(التبيان في تفسير القرآن).

كانت النصوص الأساسية التي تعرضت للتعليقات السابقة من نتاج مجموعة من علماء الحلة - (المختصر النافع ) و (شرائع الإسلام)للمحقق، و (قواعد الأحكام) للعلامة، وحتى (اللمع) للشهيد الأول، والتي يمكن اعتبارها نصوصاً حليّة ما دامت قد

ص: 165

ظهرت خلال دراسته مع فخر المحققين عندما عادت النجف للظهور كمركز للمعرفة كان القالب قد تمّ وضعه في مجال النصوص للتعليم الأساسي. كان المؤلف الأبدع للكركي (جامع المقاصد في شرح القواعد)، وكما يبين عنوانه تعليقاً حول مؤلف العلامة الحلي (قواعد الأحكام). وكانت تعليقات القطيفي أيضاً حول أعمال الحلي(المختصر النافع،إرشاد الأذهان، الخ). لم يكتب أي منهما نصاً يحل محل نصوص التعليقات المدرسة الحلي، لتبين كيف لم يشعر علماء النجف،في هذه المرحلة على أقل تقدير، بالحاجة لتدعيم مناهجهم والانفصال عن(السريع الظهور) كتب الأصول الشيعية. يجب عدم اعتبار هذا النمو في التعليقات ضعفاً في تجديد التعليم في بدايات الفترة الصفوية. ولكن،ينبغي رؤيته كمثال لاستحواذ النجف على الموروث الشيعي وجعله عائداً لها. يسيطر المعلق على النص، وإلى درجة كبيرة، على المدخل للنص - حيث يمكن ومن خلال شرحه للمحتويات أن يسيطر على المعنى المستلهم من النص. ربما يكون المعلق ذو المكانة المرموقة أقدر من المؤلف الأصلي على إشهار معنى النص ما دام عدد محدود من التلاميذ فقط في زمن القطيفي والكركي قد درسوا النصوص مباشرةً بدون التعليقات.

هذا التقليد(تحديد النجف للتعليقات المرموقة في أعمال الأحكام)هو،مستوى متفوق،في مؤلف صاحب الجواهر محمد حسن النجفي (المتوفى 1266). كان أهم أعماله، وبدون شك، (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام). وفي ضوء الشرح أعلاه، فإنه تعليق على(شرائع الإسلام)للمحقق الحلي.

من المحتمل أن يكون(جواهر الكلام)الكتاب الأكثر شمولاً في فقه الشيعة في عصر ما قبل الحداثة. إنه درة التاج على مقياس ضخم، فقد جاء في 48 جزءاً في النسخة المطبوعة، وفيه خضع كل حكم إلى تحليل دقيق ومناقشة موسعة لمسببات أحكامه القانونية. تقوم الطريقة الثابتة في العرض على جمع التعليقات كافة للعلماء السابقين في حكم من الأحكام الموجودة في نص(شريعة الإسلام)، وبعد ايراد المراحل ذات الصلة، الشروع في الشروح والاستدلالات العقلانية (أدلة) التي يفترض أن تظهر إن كان ذلك الحكم مقبولاً ، أو على الأقل إثبات كونه نافذاً. يلخص العمل التقليد لغاية حينه ويسعى الحزم المؤلفات السابقة. تقوم شهرة العمل على أساس عمقه وشموليته ومقدار ما توصل إليه، وليس على أصالته أو الإبداع في إحكامه. إنه نتاج باحث نجفي

ص: 166

مفعم بالثقة في الإمكانية العالية للموروث الفكري في مؤسسته العلمية، وهو بذلك، يحتل دوراً حاسماً في السعي البحثي اللاحق والى حد ما، لم يقدم (جواهر الكلام) محمد حسن النجفي المشرع الأرفع في عصره فحسب، وإنما خلق مجالاً لتأكيد التفوق الفكري ل_ (النجفي) في البحوث المعرفية قام الجيل اللاحق من العلماء، أولهم تلميذ(النجفي) الشيخ المرتضى الأنصاري (المتوفى 1281ه_ / 1864م) بتأليف عدد من الكتب المقررة، والتي أصبحت من الزاد الدراسي المقرر لطلبة الحوزة في القرن العشرين. ابتداءً بكتابات الشيخ الأنصاري حول أصول الفقه (النظرية التشريعية)، والمسماة (الرسائل)، وما تبعها من (كفاية الأصول) ل_ (آخند الخرساني) (المتوفى 1329ه_ / 1911م) قام علماء النجف (سواء كانوا من العراقيين الأصل أو غير ذلك)بفرض سيطرتهم على دراسات الطلبة الباحثين.وكان هنالك حالة مماثلة في مؤلف (الفقه) - النص المقرر للدراسة المنتقلة من (الشرائع) للمحقق وتعليقاتها إلى(العروة الوثقى) ل_ (كاظم يزدي ) (المتوفى 1370ه_ / 1919م). ولقد كانت (العروة) هدفاً رئيسياً للتعليقات في القرن العشرين من قبل العلماء في النجف وسواها. كان التعليق عليها بمثابة النص المؤهل الذي يقبل من خلاله الباحث إلى المرتبة الأعلى.تتمثل أهمية هذه الموجة الجديدة من الكتب المقررة، التي حلت محل مقررات الحوزة للفترة من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر ، في تعزيزها لحوزة النجف ذات المنهاج الذهبي الثابت. عندما انتقل عبد الكريم الحائري إلى قم (المتوفى 1937) وبدأ بإعادة بناء حوزة قم، كانت هذه الكتب المقررة النجفية التي عمل عليها، قد جعلت قم، في أيامها الأولى، استنساخاً للنجف.

إن الهيكل الحالي لدراسات الحوزة (بمراحلها الثلاث، المقدمة والسطوح والدرس الخارج)مدين في محتواه اذا لم يكن في شكله،إلى هذه الكتب المقررة. وعززت كذلك بالمواد التقليدية مثل العلوم الدينية والمنطق وقواعد اللغة، ولكن الفقه والأصول هي التي قدمت هذه الكتب إلى الحوزة، واستغرق الأمر فترة طويلة بعد ذلك لاستبدال هذه المواد غير الشرعية في المناهج. مكنت هذه الضرورة للإصلاح في حوزة النجف،التي ظهرت بوضوح في القرن الماضي،من المحافظة على هيبة النجف في العالم الشيعي، حتى في الأوقات المظلمة، وجعلها أقل مشقةً، على سبيل المثال، لإعادة الموقع القيادي للنجف في الجوانب الفكرية، بعد سقوط نظام البعث.

ص: 167

إصلاح المؤسسات والحراك العلمي

من المناسب القول بأن النجف ليست في العادة من المرتبطين بالإصلاح-ومن الطبيعي أن تشاهد على أنها معقل القيم التقليدية التي تحافظ على الإبداع العلمي الأصيل بالضد من التيارات الفكرية العابرة. ومع ذلك، فقد ابتدأت الإبداعات المؤسسية الرئيسية في النجف في القرنين التاسع عشر والعشرين. وبالفعل فإن قيام الحوزة كمجمع للمدارس البحثية المستقلة لتشكل معاً منطقة علمية، يرجع بالأساس إلى التطورات في النجف. إن نظام التعليم في هذه المدارس والأسلوب المنبثق والمتوافق عليه کذلك،بالأساس نتاج للإبداعات التعليمية في النجف خلال العقدين الأخيرين إن إن جميع هذه الإبداعات تصبح تقليداً، وهذا يصح على هيكل التدريب البحثي كذلك إن صورة النجف المحافظة على قيم التعليم التقليدي في وجه الإبداعات من قم وأماكن أخرى تعطي انطباعاً خاطئاً عن حاجة النجف ذاتها إلى التحديث المنتظم في هياكلها وطرق التدريس للمحافظة على موقعها الريادي.

إن إنتاج المطبوعات التي أريد منها ابتداءً أن تكون كراسات تعليمية في الحوزة قد لوحظت، وكانت نشاطاً تميّز به علماء النجف وكانت إلى حد كبير، النجف التي حددت المنهج التعليمي، وتبعتها مدن الحوزة الأخرى في القرن التاسع عشر. وهذا يعني بأن التطور الفكري في الكتب الشرعية المقررة بحد ذاته شكل من أشكال الإصلاح المؤسسي. فقد أشير مثلاً إلى الشيخ مرتضى الأنصاري في طرحه سلسلة من الدراسات التي أطلق عليها (فرائد الأصول) أو المسماة (الرسائل). هذه لم تكن ببساطة إعادة تعبير بمعان دقيقة للمواقف المعروفة في النظرية الشرعية (أو أصول الفقه): إنما قام الشيخ الأنصاري في الرسائل بتوضيح مبادئ (الأصول العملية) وهي الطرق التي يمكن فيها التوصل إلى حكم شرعي في غياب الذكر المباشر له في المصادر ذات الصلة. كان الشيخ الأنصاري مسؤولاً عن قيام الدراسة في هذه المبادئ العملية في منهاج الحوزة، وهذا، بدوره غير المناهج، حيث تلقت مواضيع أخرى اهتماماً أقل.كان منهاج الحوزة بعد كل ذلك يهدف إلى تدريب التلاميذ في الطرائق الشرعية، وإذا ما أنتج العالم المتصدر في حينه كتاباً مقرراً مبدعاً لا ينكر، فإن تبني هذا الكتاب سيغير نظام التعليم برمته.

ص: 168

وربما من الصعب التفريق بين إصلاح المؤسسة وتغييرها، ومن الطبيعي رؤية الأخير شاملاً لمجموعة من المبادئ والغايات،محكومة بأغراض موحدة وتوجه لتعزيز الصلة أو المنفعة للمجتمع. أعتقد بأن هذا يمكن إرجاعه إلى بعض الإبداعات في النجف ودراساتها الدينية في القرن التاسع عشر. ربما لم يكن هنالك شخص رائد بذاته ليقود الإصلاح ولكن كان هنالك جمع من التغييرات التي أشارت إلى التوجه ذاته. ويود الشخص تجنب وصف تطورات القرن التاسع عشر في التدريس الديني في النجف على أنها تستهدف بالأساس التطوير إلى مرجعية فعالة متكاملة. ولكن، توجه هذه التغييرات إلى عدد من الأهداف التي وعلى الرغم من عدم نطقها، كانت وبكل تأكيد في أذهان آيات الله العظام في نجف القرن التاسع عشر. إن التعليم الديني الشيعي استنزف في النزاع الأخباري - الأصولي، ومختلف التحديات في الشيخية، البابية، والبهائية إن الحاجة إلى علم الفقه المستند إلى منهاج منظم بإمعان سيمكن مراتب النظام الشيعي من صد الهجمات الفكرية وإنشاء دور للعلماء في المجتمع على أساس عقائدي صلب، هذه هي اللبنات التي وضعت لبناء المؤسسة التي عرفت لاحقاً بالمرجعية.

وفي حين احتجب الدور القيادي للنجف لفترة وجيزة من خلال قيادة العالم الميرزا حسن الشيرازي (المتوفى 1312ه- / 1896م)والذي كان يحظى بالتقدير من قبل الشيعة في أنحاء العالم وبالخصوص في إيران. أظهرت ثورة التبغ في إيران بداية 1891م المكاسب في سلطة العلماء التي حققها صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري. وكان قرار الشيرازي بمغادرة النجف بعد وفاة الأنصاري والاستقرار في سامراء لبعث التدريس الديني الشيعي في منطقة يطغى فيها السُّنة، ووصولاً إلى الفتوى التي أصدرها، في تحدي شاه إيران حول ترخيصه، يعكس ثقةً مستجدة. بوفاة الشيرازي، عادت القيادة الشيعية إلى النجف، وكما هو معروف تماماً، لعب رجال الدين في النجف دوراً مهماً في الثورة الدستورية في إيران. ومع ذلك، لا أشير هنا إلى نشاطاتهم السياسية ولكن إلى حقيقة أن الناشطين من الطرفين في الخلاف السياسي قدموا العملين الرئيسيين في النظرية القانونية، وعلم الفقه هذه الأعمال كانت بمثابة كتاب الصلوات لطلبة الدراسات الدينية، وصارت كتباً مقررة ثابتة لتشكل قواعد لأغلب الدراسات الدينية،في القرن اللاحق كنت قد أشرت إلى كفاية (الأصول)للمؤيد للدستورية آية الله آخند

ص: 169

خراساني،و(العروة الوثقى)لآية الله كاظم اليزدي، أصبح هذان المؤلفان قبلة للدراسة والتعليق التي عرفت تخصصات كل منهما للقرن اللاحق لم يكن الأمر بمحتواهما فحسب، ولكن أيضاً بتبني حزمة النصوص على أنها المصدر الرئيسي للتعليم والتعليق، وهذا ما يجعل هذين المؤلفين، وبشكل مستقل، يشكلان قواعد الإصلاح للطريقة التي يتعلم ويدرس فيها التلاميذ في الحوزة.

اعتمدت فرص هذه التغييرات في نشاطات الحوزة على مدى تأثيرها في التطورات(والإصلاح)، في حين الظهور بعدم حصول أي تغيير. اعتمدت سمعة حوزة النجف في الخارج على مقدرتها في المحافظة على سلطة صوتها في التراث الشيعي. تعتمد هذه السلطة على قدر عال من الأصالة المستقاة، جزئياً، من انعدام عامل الوقت في فعالياتها. يبين هذا الحراك الذي ينظم السلطة في حوزة النجف التأثير المحدود نسبيّاً لمحاولتي الإصلاح غير المشكوك فيهما خلال القرن العشرين.الأولى هي (منتدى النشر) والزخم الإصلاحي ل_ (محمد رضا المظفر) (المتوفى 1964م) والتي قادت إلى افتتاح كلية الفقه عام 1958م، والثانية هي مدرسة العلوم الإسلامية تحت قيادة محمد باقر الصدر (المتوفى 1980م).

المظفر، ابن رجل دين وترعرع في النجف، ودرس على يد آية الله محمد حسين الغروي الأصفهاني المعروف بالكمباني(المتوفى 1942م) وآية الله محمد حسين النائيني (المتوفى 1936م). في حين عرف عن الأخير ميوله الإصلاحية ونشاطاته السياسية، يبدو أن طريقة الأصفهاني هي التي تركت الأثر الأعظم على المظفر. يمكن رؤية نشاطاته الإصلاحية على مستويين : المطبوعات والمؤسسات التعليمية. فقد اشتهر في مجال المطبوعات في(أصول الفقه) و (المنطق) والتي كما تبين العناوين تناولت النظرية القانونية والمنطق. كما أضاء في مجال الفلسفة الدينية من خلال كتابه (أحلام اليقظة). وينبغي القول بأن(أصول الفقه) و (المنطق) من الأعمال الفكرية العظيمة في تخصصاتهما. لم يحاول المظفر ، وبوضوح، إعادة تعريف أو تطوير التخصصات في النظرية القانونية والمنطق بطرق متصدية ومبتكرة. بل هو ابتداءً استهدف تقديم نماذج في التخصص، ملخصات يستهل من خلالها ومواد تعليمية مساعدة وبذلك فمن المفهوم كونه أكثر إعجاباً بالأصفهاني بدلاً من المتصدي والمتشدد النائيني، وهذا منعكس في كتاباته. سعى المظفر من خلال تنوع منجزاته المؤسساتية إلى المشاركة في حركات

ص: 170

إصلاحية تستهدف تهيئة المؤسسات الدينية الحوزة بالتحديد، للتعامل مع العلوم الحديثة والمعارف الجديدة من خارج الوسط الشيعي. كان تأسيس منتدى النشر في 1935م - والمظفر عضو مؤسس فيه - محاولة لجلب رسالة ما اصطلح فيه(التنوير العربي) (النهضة) إلى جمهور الشيعة. ولم يقتصر ذلك على منهاج جديد للتعليم في النجف،ولكن المدارس الابتدائية والثانوية كذلك. وبينما قبل المظفر بذلك لأجل أن ينجح، احتاج منتدى النشر إلى دعم كبار علماء الدين في الحوزة. تم التودد للأصفهاني نفسه في بداية المشروع، مع عدد من المجتهدين مثل محمد كاشف الغطاء الذي قدم دعماً هادئاً فيما بعد. ولكن منتدى النشر لم ينل الاستقلال المالي المؤثر، بقيت الأموال المحصلة للتعليم في الحوزة. تصرف بالطريقة التقليدية، واعتمد المنتدى على الاعتراف والتمويل من وزارة التعليم العالي العراقية في تيسير أموره اليومية. جعل هذا الأمر مصداقيته موضع تساؤل جدي لدى العناصر الأساسية في الحوزة، مما جعله إضافة إلى عرجه في وضع محدود التأثير في نشاطات الحوزة.

الحكم المماثل الخاص بالمشروع الرئيسي الآخر للمظفر وهو كلية الفقه التي أُنشئت في 1957م وباشرت في 1959م، والتي نمت من خلال مشروع منتدى النشر حيث يلاحظ ارتباطها به فكرياً وتنظيميّاً. عملت الكلية على أساس منهاج الحوزة، واستكملت بعدد من المواد الدراسية القانونية المدنية. أُنشئت من قبل وزارة التعليم العالي، وكان لها روابط قوية مع جامعة بغداد وجامعة الكوفة لاحقاً. كان المظفر بوضوح يهدف إلى تطوير التعليم في علوم الفقه الإسلامي وبما يجعلها تسير جنباً إلى جنب مع الحوزة، على أمل أن يحلّ محلها.

الاستنتاجات

لعل العنصر الأهم في استمرار النجف مركزاً علميّاً مخولاً في قيادة الشيعة هو المحافظة على هذه المكانة برغم تحديات الظاهرة الهلامية (الحداثة). إذا فهمنا بأن (الحداثة) ليست مجرد مؤشر لفترة زمنية، وإنما هي مسيرة التغييرات المعرفية والهيكلية التي بدأت(وربما قبل ذلك)بالتنوير الأوروبي في القرن الثامن عشر، وتمثل الآن قواعد النظام العالمي، وتسعى معظم عناصرها إلى استهداف البناء التقليدي مثل حوزة النجف.

ص: 171

أولاً: هنالك الارتباط الصميمي (الحديث) بالحرية الشخصية، والذي يبدي صعوبة لفكرة(الحوزة كسلطة علمية والتقليد الخضوع لأحكام العالم بدون فهم الأسباب الكامنة وراءها).

الثاني: التوجّه نحو البيروقراطية والتمسك بالإجراءات بدلاً من النتائج، والتي تتوجه بالعكس من حوزة النجف غير الرسمية ونقص الهياكل المركزية قد تفرض (الحداثة) أيضاً قدراً أكبر من الوضوح والدقة في الإجراءات التي يترقى من خلالها العلماء إلى الأدوار القيادية وكذلك طبيعة سلطاتهم (شخصية، تقليدي أو قانوني-عقلاني، في مخطط«ماكس فيبر»)

أخيراً، وارتباطاً بالنقطة السابقة، فإن الحاجة الحديثة الغريبة لقياس وتقييم كل من أداء الفرد وأداء المؤسسة بصورة كاملة لا تتطابق بسهولة مع فكرة الحوزة في خلط المكتسبات الفكرية مع الحياة الدينية الشخصية كاختيار ، ولا يوجد مكان أكثر حرصاً على الشعور بهذا والحفاظ عليه مثل النجف. ويمتد هذا إلى تخفيض الأصالة كشيء مفضل وجوده أو بحد ذاتها داخل الحوزة، خلافاً لتثمين الجديد أو المبتكر في ما يسمى (الحديث).

هذه التشخيصات لكل من الحوزة والحداثة نمطية إلى حد ما، ولكن العناصر الثلاثة المعرفة فى هذا الفصل تتحدث إلى حدّ أقل أو أكثر في هذه المواضيع، وتشرح في جزء منها على الأقل - لماذا احتفظت النجف بموقعها على الرغم من القوى الخارجية التي واجهتها.

إن الحدث الأكثر أهمية هو فكرة الإصلاح في داخل تعليمية النجف. وكما ذكر سابقاً، فإن الإصلاح الناجح في الحوزة هو ذلك الذي يتستر على مسيرته. كانت محاولات الإصلاح للمظفر محدودة التأثير لأنها بدت مغادرة من منظومة العمل. حققت (مدرسة العلوم الإسلامية)تقدماً وأفضلية لأنها تعطي انطباعاً بكونها فعلاً داخليّاً ومن ضمن النظام التعليمي. من الممكن أن يعزى ضعف المتابعة في زخم محمد باقر الصدر إلى الظروف السياسية بدلا من نوع الإصلاح ذاته تصاعدت المحاولات الموفقة للإصلاح في الفترة الحديثة إلى درجة أن بعض المراقبين لا يعتبرها إصلاحا على الإطلاق. غيّرت الكتب الجديدة واستبدال المكونات غير

ص: 172

المناسبة من النظم التعليمية داخل الحوزة مع الحفاظ على الانطباع بالاستمرارية. لم يكن من مصلح متفرد (مثل الصدر في السنوات الأخيرة)، أو من تصريح وتعريف محدد لخطة الإصلاح الشامل. مع ذلك فقد كان الخط الفاصل بين تكيف المؤسسة مع المتطلبات المتغيرة و(الإصلاح) رفيعاً، وهي ليست بذلك، كما أعتقد، تصنيفاً مزدوجاً.

ارتبطت هذه التغيرات (سواء صنفت بالتكيف البسيط أو الإصلاح)بمنجزات علماء المكانة العالية المعرفين دوليّاً والموجودين على رأس المؤسسة المعروفة بالمرجعية. وبرغم التغيرات في المشهد السياسي العراقي، وصعود منافسين مؤهلين حافظت النجف على مكانها الذي صاغته لنفسها في القيادة الفكرية في القرن التاسع عشر. ومن المفيد التأمل في قرار آيات الله الخرساني وكاظم اليزدي في تأليف كتب مقررة جديدة تحل محل تلك من الفترة الصفوية أو ما سبقها والتي شكلت أسس المنهاج التعليمي. لم يكونوا يسعون لتلخيص حالة المعرفة في مساحه معينة(الأصول والفقه بالتتابع)، ولكنهم حاولوا أيضاً (إعادة ضبط)المنهاج على قاعدة من النصوص الشرعية الجديدة. وبرغم أنها عرضت كملخصات ولكنها في الواقع مطالبات بالسلطة من قبل المؤلفين كانت أعمالهم، كما زعموا ضمنياً(بصراحة ووضوح في بعض الأحيان)، أكثر ملاءمة للأوقات حينها، أكثر لياقةً لطالب الحوزة الجديد، وتوفر تحضيراً أفضل للطلاب ودورهم المستقبلي في المجتمع الشيعي عزز المؤلفان ترؤس النجف من خلال جعل هذه النصوص مقررات دراسية في العدد الكبير من صفوف النجف، وكذلك بتبني هذه النصوص للتدريب القياسي(ومواضيع قياسية للتعليق). استطاع المؤلفان فرض . وبدرجة ليست بالقليلة - توجه المؤسسة للسنوات القادمة إلى حين تأليف كتب جديدة محل كتابيهما ما دام مطلوباً من الأجيال الجديدة من القادة التدريب والتفاعل مع النصوص. إن قدرة المؤسسة على التغيير، مثل تغييرات المنهاج، انعكاس لمقدرتها، في الواقع على التكيف مع البيئة المتغيرة خارج الحوزة. ليس بالضرورة أن يكون التغيير جذرياً، بل أن يظهر قدراً من التكيف : وينعكس نجاحه كآلية في حقيقة كون النجف - لحد الآن لم تفقد احترامها الذي تمتعت به سابقاً بين الحوزات .

بالعودة إلى أول الآليات التي حددتها في شرح الدور المستمر للنجف، وبالذات العلاقة مع النفوذ السياسي، حيث كان نجاح المدينة جزئياً ، بسبب مهارة العلماء

ص: 173

الكبار الذين أداروا علاقة الحوزة بالنفوذ السياسي خلق موقف أعضاء طبقة العلماء من الثورة الدستورية في إيران،المصاحب للتأييد الصريح لآية الله الخالصي لثورة 1920، انقساماً في حوزة النجف. ربما خلقت هذه التجارب نوعاً من التحسس تجاه التأييد المباشر لبرنامج سياسي معين مقابل الآخر ، ولكنها مكنت العلماء من تعلم كيفية التأثير في الأحداث السياسية بدون أن يكونوا أنفسهم اللاعبين المباشرين سياسياً. وقد كان ذلك،إلى حد ما، صدى الحوار بين الكركي والقطيفي في الفترة الصفوية: ويبقى متحفظاً المدى الذي يوضح ما إذا كان هدف العلماء من انشغالهم بالسياسة السيطرة(أو الإسهام) على العملية السياسية، أو ربما الاكتفاء بالتعليق عليها.جعلت تجارب الثورة الدستورية وثورة 1920م العلماء يأخذون آراء سياسية مختلفة تماماً من قضية معينة، مع أنهم يدركون في الوقت ذاته بأن موقف العلماء في الحوزة (في النجف وسواها) يعتمد على الولاء الأساسي في الحفاظ على نظام السلطة الحالي. أدى صعود الإسلام السياسي إلى التصدي لهذا في القرن العشرين(من خلال حزب الدعوة في العراق وحركة آية الله الخميني في إيران)، ولكن المناخ السائد في العمل السياسي كان يدعو إلى قيم عامة بدلاً من التأييد الصريح لبرنامج سياسي بعينه. وأرى بأن هذا التوجه ساعد النجف في أن تكون مركز النفوذ في جنوب العراق، والملهم الرئيسي للنشاط السياسي الشيعي بشكل عام، والظهور في الوقت ذاته فوق التدخل السياسي. لقد صنفت هذا الحراك على أنه نصف منفصل ولا ينبغي أن يختلط بكونه غير مثير للاهتمام.

من الطبيعي وجود تخيل للنجف في المهجر. إذ إنها تمثل بالنسبة للعديد من الشيعة شاهداً مستمراً على أهمية رسالة الشيعة المتجاوزة للزمن. حيث خلقت في الذهن كالذروة في رسالة الشيعة، ربما أكثر من مكة والمدينة بهوياتهما المختلطة. وقد حصلت على هذه المكانة، جزئيّاً، على الرغم من الضغط السياسي الذي تعرضت له،وجزئيّاً، بسبب هذا الضغط النجف هذا الضغط النجف هي المدينة الدينية التي رفضت المساومة مع . الطيش والتهور في الحياة السياسية والثقافية. ولقد نما انطباع (ربما مغروس عمداً في بعض الأحيان)خيالي وروحاني حول الطليعة المعرفية في النجف والنظام التعليمي الذي يترأسونه. إن الحوزات الأخرى موجودة، وقد تكون أكبر وأغنى من النجف ولكنها ليست أبداً بأصالة النجف نفسها.

ص: 174

إن الصورة التي حاولت عرضها هنا وليدة عدد من العوامل؛ وأرى بأن الاستنتاجات الثلاثة التي تطرقت لها، لعبت دوراً مهماً في تأمين المكانة المعرفية المتقدمة للمدينة في المخيلة الشيعية. إن الانطباع السائد هو عن مدينة واثقة من تفوقها على منافساتها، وفي الوقت ذاته، تقوم بخدمة الاحتياجات الواسعة للمجتمع الشيعي كمركز للمرجعية. هذه الرؤيا لا يتفق الجميع حولها بالنسبة للمدينة، ولكن تبقى الدراسة في النجف، ربما التدريب العلمي الأكثر احتراماً، والمعيار الذي تقيم من خلاله المراكز العلمية الأخرى في العالم الشيعي.إن محافظتها على هذا الموقع مع النمو المضطرد في التبعثر والانتشار المصاحب للعولمة، يعتمد،إلى حد ما، على قابلية النجف في تسخير منظومة الحراك المعروضة هنا من أجل التأثير على التغيّر الداخلي، مصحوبة بتقديم الانطباع الأزلي والثابت.

ص: 175

ألفية في النجف حوزة الشيخ الطوسي

اشارة

سَجَاد جياد :ترجمة رنا سبليني

نبذة

ولد محمد بن الحسن المكنى بأبي جعفر والملقب بالشيخ الطوسي في طوس في سنة 385ه-/995م. درس فيها العلوم الإسلامية إلى سنة 408ه_/ 1017م حين انتقل إلى بغداد التي كانت مركز الفقه الشيعي آنذاك، وأصبح تلميذاً معتبراً لدى الشيخ المفيد وبعده الشريف المرتضى. بعد فترة من ازدهار علوم الإمامية أصبح خلالها الشيخ الطوسي من علماء الشيعة في بغداد، اضطر إلى مغادرتها إلى النجف سنة 448 ه_/ 1056م نظراً للحالة السياسية المتردّية بسبب سقوط البويهيين ووصول السلاجقة. عاش هناك للسنوات الاثنتي عشرة التالية واستقطب طلاباً إلى مركز العلم الجديد حتى وفاته في سنة 460ه_ / 1067م. ألف مراجع أساسية في الشيعة الإمامية في جميع فروع العلوم الإسلامية، من بينها اثنين من«كتب الحديث الأربعة»وعُرف بعدها بشيخ الطائفة عند العلماء اللاحقين.

حياته تلميذاً

ولد محمد بن الحسن بن علي بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي في شهر رمضان سنة 385ه_/995م في مدينة طوس(1) وكانت كنيته أبا جعفر. لم يُكتب الكثير

ص: 176


1- تمّ الرجوع إلى عدد من الأعمال لبناء المعلومات البيوغرافية المقدّمة هنا، في المقام الأول م. س. بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي، النجف منشورات المكتبة الأهلية، 1964 ، ص 3 - 51 م. أ. أمير ،معزي «الطوسي، محمد بن الحسن الموسوعة الإسلامية، الطبعة الثانية؛ ك. جعفر، الشيخ الطوسي مفسّراً، قم: مركز النشر، 1999، ص 13 - 69.

عن تاريخ أسرة الطوسي سوى ما زُعم أن من بين أجداده علماء. مكث في طوس إلى عمرالثالثة والعشرين حيث درس اللغة العربية والأدب، الفقه، الحديث وعلم الكلام(1). يبدو أن ارتحاله إلى بغداد كان مردّه البحث عن الثقافة الواسعة لتعزيز علمه، ومنذ وفاة الشيخ الصدوق بدت بغداد الوجهة الأنسب وصل إليها طالباً ناجزاً والتحق على الفور بحلقة الشيخ المفيد الذي أعاره اهتماماً مضاعفاً بعد أن لاحظ قدرته(2).

أصبح الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن نعمان،المرجع الإمامي خلفاً للشيخ الصدوق وعلى الأرجح أوّل متكلّم إمامي كبير اتبع المذهب العقلاني. وقد كانت على الأغلب شهرة المدرسة التي أسسها الشيخ المفيد هي ما جذب الطوسي إلى الهجرة إلى بغداد.من أكثر الأمور اللافتة التي حفظت هي استعداد الشيخ المفيد للمشاركة في مناظرات كلامية مع غير الإمامية من أتباع الأشعرية بريادة القاضي أبي بكر الباقلاني،كما اشتباكه مع خصومه من المعتزلة(3).

لقد كانت هذه الرغبة في الانخراط في المناظرات الكلامية والتي يمكن استخلاصها من خلال النظر في عناوين أعمال المفيد الزاخرة وتفاصيلها، هي التي أدّت بتلميذه المرتضى لمساءلة المفيد عن تعليله لاشتباكاته الكلامية مع غير الإمامية، وذلك نظراً لأهمية عقيدة التقيّة، وإن كان التناظر العلني يخالف ويعارض تعاليم اتباع التقيّة التي نص عليها الأئمة وردّاً على هذا السؤال وضع الشيخ المفيد كتابه «العيون والمحاسن»(4)

خلال السنوات الخمس من إرشاد المفيد أفاد الطوسي خاصة من دروسه في أصول الفقه وعلم الكلام التي حضرها تلامذة من مذاهب متعدّدة مما أغنى الدروس والنقاشات بعدها. وفي هذه الفترة بدأ الطوسي تأليف أوّل كتبه بما فيها «تهذيب الأحكام» الذي كان جزئياً تعليقاً على كتاب المفيد «المقنعة»(5).المدخل التعريفي عن المفيد

ص: 177


1- جعفر، الشيخ الطوسي مفتراً، 15.
2- بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي، 4 ؛ جعفر ، الشيخ الطوسي مفسّراً ، 15 - 16.
3- .م.ج. ماكدرموت، عقيدة الشيخ المفيد، بيروت، دار المشرق ناشرون، 1978.
4- Kadhim, A. 2005. Politics and Theology of Imami Shia in Baghdad in the 5th. AH/11th. AD Century. Unpublished PhD dissertation, University of California, Berkeley
5- جعفر، الشيخ الطوسي مفسّراً، 28.

في كتاب الطوسي «الفهرست» يضمن إعجاباً بأستاذه ويشير إلى وفاته في رمضان سنة 413ه_ على أنها يوم حزن جلل(1). أقام صلاة الدفن الشريف المرتضى، الذي أصبح بعدها خلف المفيد وأستاذ الطوسي لمدة ثلاث وعشرين سنة.

أربعة أساتذة يشير إليهم الطوسي باستمرار في«الفهرست»، «تهذيب الأحكام»و«الاستبصار»يبدو أن كان لهم الأثر الأعمق فيه وفي سنواته الأولى في بغداد(2):

• أحمد بن محمد بن موسى، المعروف بابن السلت الأهوازي (ت 409ه_).

• علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد القمي (ت 409ه_ أو بعدها).

• الحسين بن عبيد الله بن الغضائري (ت 411ه_).

• أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز المعروف بابن الحاشر أو ابن عبدون (ت .423ه_).

من 413ه_ إلى 436ه_ كان الطوسي التلميذ المقدّم لدى السيد الشريف المرتضى المنحدر من الإمام موسى الكاظم السابع من الأئمة الاثني عشر المعترف عند بهم الإمامية. وعرف المرتضى على أنه التلميذ الأبرز للمفيد ومكمل مدرسته العقلية، كما عُرف باستعداده للمشاركة في المناظرات الكلامية مع غير الإمامية وتوجهاته العقلية المميزة في قيادته الإمامية كان المرتضى أيضاً نقيب الطالبيين، ورئيس الأشراف، وأمير الحج، وترأس ديوان المظالم وعين قاضي القضاة(3). كان عالماً كان عالماً من الطراز الأوّل، واسع الاطلاع وقد استقطبت دروسه وحلقاته جمهوراً كبيراً من المدارس الفكرية المختلفة. احتوت مكتبة المرتضى على أكثر من ثمانين ألف عمل(4)، وكانت في المرتبة الثانية تسبقها فقط مكتبة الوزير البويهي سابور بن أردشير (ت. 416ه_) التي احتوت على أكثر من مئة ألف عمل من بينها ترجمات لأعمال هندية وصينية، أصبح المرتضى في نهاية المطاف مسؤولاً عنها(5).

ص: 178


1- بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي، 6 .7.
2- جعفر، الشيخ الطوسي مفسّراً، 19 . 20.
3- جعفر، المصدر السابق نفسه،29.
4- بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي، 9.
5- أمير ،معزي «الطوسي، محمد بن الحسن»، موسوعة الإسلام، الطبعة الثانية.

كان لهذه العلاقة أهمية كبيرة وقد عني المرتضى إلى حد كبير بتأمين الإرشاد العلمي للطوسي وأعطاه شهرياً اثني عشرة ديناراً، أكثر بكثير من أي تلميذ آخر، ليتمكن من التركيز في دراسته وكتابته(1). في كتابه الفهرست يفصل الطوسي مدى الإرشاد الذي تلقاه ويعدّد مجموع أعمال المرتضى ذاكراً صراحةً أنه قرأها جميعها على المرتضى شخصياً والأهم أنه قام بذلك أكثر من مرة(2).خلال هذه الفترة كتب الطوسي «تلخيص الشافي»وهو تعليق على«الشافي في الإمامة»للمرتضى و«الرجال» و «الفهرست»(3).من الواضح أن نوعية الأساتذة المتوفرين له والمكتبات الفريدة التي وصل إليها، كما الحرية التي وفّرتها بغداد للعلماء والمدارس الفكرية المختلفة والعديدة التي كانت حاضرة هناك، علاوة على قدراته الفكرية الخاصة(كما بدا في الأمالي حيث يقتبس غالباً من أخبار طوال ورسائل وخطب مع السند الكامل من ذاكرته) سمحت له بتحقيق هذا العلم ونيله الاعتراف بأنه أفضل تلامذة المرتضى.

زعيم الإمامية

عند وفاة المرتضى في سنة 436ه_ تمّ الاعتراف فوراً بالطوسي زعيماً للإمامية فكان عليه أن يضيف زعامة دينية وطائفية إلى حياته العلمية وتحقيق التوازن بينها وبين مستوجباته السياسية في بغداد. تحوّل منزله في بغداد إلى مركز علمي واجتماعي للطائفة الشيعية البغدادية، حيث كان 300 من مجتهدي الإمامية من تلامذته وقد أسند إليه الخليفة البويهي عبد الله القائم كرسي الكلام اعترافاً بمكانته كالعالم الأبرز في بغداد(4). خلال هذه المرحلة كتب ما يناهز الخمسين مؤلّفاً وجمع بذلك بين الاتجاهات التقليدية في المذهب الشيعي والعقلانية، مانحاً ثقلاً أكبر لمبادئ الاجتهاد ومؤسساً نظام النيابة العامة في غياب الإمام(5). لهذا الدور الحاسم عُرف بشيخ الطائفة وعند الإشارة إلى «الشيخ» في الآراء الواردة في المؤلفات اللاحقة فإنّها ببساطة إحالة إلى الطوسي.

ص: 179


1- بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي،8
2- م.ه_. الطوسي، الفهرست، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1999، 1999، ص 165.
3- جعفر الشيخ الطوسي مفسرا، 30.
4- بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي ،10.
5- أمير معزي ، الطوسي، محمد بن الحسن، موسوعة الإسلام، الطبعة الثانية.

هذه الفترة التي أصبح فيها الطوسي زعيماً للإمامية كانت المرحلة الأخيرة من تقنين تعاليم الإمامية الإسلامية على يد العلماء السابقين في الغيبة الصغرى وبعدها في مرحلة البويهيين والغيبة الكبرى بسبب غيبة الإمام كان لا بد من مؤلّفات تقليدية وعقلانية يمكن الرجوع إليها، وهذه الفترة تعني اكتمال هذه المرحلة في تاريخ الإمامية. هي ليست فترة أزمةٍ ولا فترة أسست فيها مجموعة صغيرة من العلماء مذهباً فكرياً كما قيل؛ وإنّما هي مرحلة بلورة الفكر الإمامي ونشره بعد أن كان مقتصراً على الإمام

وأصحابه.

تمثل هذه الفترة مرحلة سلام نسبي للإمامية مما أتاح بطبيعة الحال ازدهاراً في العلوم لم يشهد من قبل يمكن رصده من خلال كميّة المؤلّفات والتطوّر الذي مرّت به العلوم الإمامية التقليدية.

هناك عدة عوامل ساهمت في أن تكون هذه الفترة فترةً سلمية للإماميين، ولكنها باختصار اتّسمت بانشقاق في مركز السلطة العباسية، فالخلافة باتت الآن تحت تهديد خصم يطالب بالشرعية والسلطة، تحديداً الخلافة الإسماعيلية الشيعية للفاطميين التي شكلت سلطة منافسة في المنطقة ومهيمنة بالدرجة الأولى في مصر. حتى إن الأقاليم التي كانت تقليدياً في عهدة العباسيين كانت خاضعة لهم بالاسم فقط في حين أصبح العباسيون الآن سلطة بالوكالة في يد البويهيين (حركة زيديّة) الذين سمحوا للمدارس العقائدية غير السنيّة بالازدهار دون خوف من الاضطهاد الشامل من قبل السلطة الحاكمة نفسها(1).

نظراً لهذه الأسباب تمكنت المدارس الكلامية المختلفة من الظهور كحركات فكرية. ولكن لا يجب أن يتوهّم المرء أنّ هذه الفترة شكلت ازدهاراً فقط للإمامية، ولكن على العكس،فإنّ هذا الازدهار ربما كان ردّة فعل على هجوم المدارس الكلامية الأخرى التي كانت تتوسع بسرعة الإمامية أو أكثر، إلى حدّ يُستخلص من تحليل مؤلفات ثلاثة من كبار العلماء تلك من الفترة المفيد والمرتضى والطوسي الذين كتبوا

ص: 180


1- نظرة شاملة عن حكم البويهيين في ج. ج. دونوهو، سلالة البويهيين في العراق من 334ه_/945م إلى 403ه_/1012م، تشكيل المؤسسات للمستقبل، ليدن ،بريل (2003) العلاقة بالزيدية ذكرت في: و. مادلونغ، «الأخيضر»، موسوعة الإسلام، الطبعة الثانية.

ردّاً على الهجوم الذي شنّته المدارس الأخرى على الإمامية(1). هذا عامل أيضاً في أسباب تطوّر بعض العلوم في الاتجاه الذي اتخذته، فالمدارس الأخرى لم تكن تعتمد على المعصوم وأصحابه لأكثر من 400 سنة وبذلك وضعت أدوات ولغة لتطوير فروع علومهم. ومن هنا كان على الإماميين أن يتواصلوا باستخدام العملة المشتركة في ذلك الوقت وإلا لم يكن عملهم ليفهم من المدارس الأخرى ولم تكن آراؤهم لتصل بوضوح. لذلك نرى في هذه الفترة العلماء الكبار الثلاثة يستخدمون أساليب ولغة مشابهة للمدارس الأخرى وليس أنهم كانوا يتعلمون منهم أو يقلدونهم وإنما للتمكن من مخاطبتهم على نحو فعّال ومنح الطالب فرصة للدراسة المقارنة.

المدارس الكلامية التي احتلت الساحة الفكرية في فترة البويهيين عديدة ولكن أربع مدارس أساسيّة تجدر الإشارة إليها(2):المعتزلة مدرسة سنية نموذجية أعطت دور العقل ثقلاً كبيراً وكانت معنية بدرجة أقل باستخدام الأحاديث المنسوبة إلى الرسول. كان المعتزلة مهتمون جداً بالجدل العقلي ليس فقط تجاه مدارس الخطاب الفكري داخل الإسلام نفسه، بل أيضاً مع أتباع الأديان الأخرى انقسم المعتزلة إلى تيارين کلاميين،البغدادي والبصري، وشكلوا معارضة واسعة للإمامية حتى إننا نجد معظم المؤلّفات التي وضعها المرتضى في مجال المناظرة الكلامية كُتبت ردّاً على نظيره لمدة طويلة القاضي عبد الجبار .

مدرسة كلامية أخرى كانت بارزة خلال الفترة البويهية هي مذهب الإسماعيلية. الإسماعيليون انشقوا آنفاً من الشيعة وادعوا أنّ انتقال الإمامة من جعفر بن محمد الصادق إلى ابنه إسماعيل بن جعفر ومن إسماعيل إلى ابنه عبد الله اعتماداً على حجج صوفية وعرفانيّة وعقيدة قائمة على الفلسفة الباطنية والغنوصية. اكتسبت الإسماعيلية شهرة واسعة من خلال استخدام عقول فلسفية كبيرة ومن خلال الاتساع الذي جاء مع إقامة خلافتهم في مصر المعروفة بخلافة الفاطميين. كرّست الإسماعيلية قسطاً كبيراً

ص: 181


1- لمزيد من التفاصيل في ذلك يمكن الرجوع إلى كاظم السياسة والعقيدة عند الشيعة الإمامية في بغداد خلال القرن الخامس ه_ / الحادي عشرم»،وماكديموت، عقيدة الشيخ المفيد .
2- نظرة على المدارس الأربعة المذكورة هنا يمكن إيجادها في و. .م. واط، الفلسفة والعقيدة الإسلامية، أدنبره منشورات جامعة أدنبره ، 1987م. التاريخ السياسي لهذه الفترة يمكن إيجاده في: كنيدي،الرسول وزمن الخلفاء، هر لو:بيرسون لونغمان، 2004.

من عملها لنشر مجادلات كلامية أساسية مثل الإمامة في محاولة لإثبات أن زعيمهم السياسي والديني، أي الخليفة الفاطمي، هو الوريث السياسي والديني الشرعي الوحيد للرسول في ذلك الوقت نافين بذلك شرعيّة الخليفة العباسي.

الزيدية هي مذهب كلامي آخر برز في زمن البويهيين، والواقع أنّ البويهيين أنفسهم كانوا زيديين.كما الإسماعيلية فإنّ الزيدية كانوا تشعباً من الشيعة بالرغم من أن عقيدتهم مالت إلى إهمال أركان أساسية في عقيدة الشيعة مثل الوصية والعصمة وكذلك الانفصال عن العلماء القدماء البارزين.ومن هنا اختزال الزيدية في حركة سياسيّة بدلاً من أن تكون شكلاً عقائدياً مستقلاً من الشيعة.

الإمامية هي آخر المذاهب الكلامية التي ازدهرت في هذه الفترة. وقد ازدهرت تحديداً في بغداد حيث حصد المفيد سمعة بارزة لكونه قادراً على دفع الإمامية وقيادة الشرح العقائدي للفكر الإمامي وتقديم دحض مقبول لمدارس كلامية خصمة عديدة. لم يكن غريباً على هذه المدارس ( وخاصة المعتزلة والإمامية) أن تتبادل الآراء وتتفاعل مع بعضها. ويمكن القول إن نجاح ذلك أدى إلى إمكانية ازدهار هذه التيارات إلى هذا الحدّ خلال هذه المرحلة الحاسمة(1).

الانتقال إلى النجف

في هذا الوقت كان البويهيون الذين يحكمون بغداد مؤيدين للعلماء كما المجتمع الشيعي مما سمح للمفيد وبعدها للمرتضى بتوسيع حلقاتهما وتجمّعاتهما التعليمية وتأليف مراجع إمامية وبناء مكتبات وتأكيد قيادتهما السياسية والاجتماعية. اختلف الوضع في السنوات التي تلت وفاة المرتضى عام 436ه_ عندما بات الطوسي زعيم الإمامية في بغداد، وفقد البويهيون السلطة فيها لصالح السلاجقة الذين لم يميلوا للإمامية.

وفق الأخبار التاريخية، استدعى البويهيون الطوسي لمواجهة اتهامات له بذم الخلفاء

ص: 182


1- يمكن الرجوع إلى تفاصيل تطوّر علم الكلام الإسلامي والتفاعل بين المذاهب في ج. فان أس، ازدهار العقيدة الإسلامية،كامبردج:منشورات جامعة هارفرد ،2006؛ت.ناجل،تاريخ العقيدة الإسلامية:من محمد إلى الحاضر، برنستن:منشورات ماركوس فينر ، 2000؛ ب. أبراهاموفيتش، العقيدة الإسلامية : التقليد والعقلانية، أدنبره منشورات جامعة أدنبره، 1998.

الأربعة (أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية)، وذلك لتضمين زيارة عاشوراء في مجموعة«مصباح المتهجد». من خلال تقديمه إجابة ديبلوماسية شارحاً أنّ أسماء الأفراد لم تذكر وبالتالي يمكن أن تخضع للتأويل، حصل الطوسي على مدح الخليفة وتم معاقبة الذين رفعوا الاتهامات(بالرغم من أنّ هذا الخبر نُسب إلى أعلام إمامية أخرى في التاريخ)(1).

عام 447ه_ / 1055م دخل ركن الدين طغرل بك بغداد وشكلت هذه الفترة تراجعاً للشيعة في بغداد(2). سُلب منزل الطوسي ونُهب مرّات عديدة أدت في نهاية المطاف إلى حرق كلّ مؤلّفاته ومكتبته على يد عصابة غاضبة. خلال إحدى هذه الاعتداءات، قبض على أحد تلامذة الطوسي (وهو نفسه كان عالماً) وقُتل بباب منزل الطوسي(3).سُلب وأُحرق الكرسي الذي قدمه له القائم، ولاحقاً أُحرقت المكتبة العظيمة الخاصة بسابور بن أردشير مع جزء كبير من المنطقة بين السورين في الكرخ(4). في هذه الظروف شعر الطوسي بضرورة الهجرة إلى النجف لتأمين سلامته الخاصة وسلامة تلامذته للتمكن من الحفاظ على القيادة العلمية لمجتمع الإمامية كان الانتقال سنة 448ه_ حين بدأت بغداد تشهد عصياناً متزايداً وانتشار الطاعون والبلاء.

انتقاله إلى النجف كان لتواجد مجتمع علمي صغير فيها، ومسافتها من بغداد واتساع الثورة السياسية هناك، وقربها من الكوفة التي بقيت إحدى أهم المراكز الشيعية. شهدت النجف أولاً بعض البناء والاستيطان في القرن الثاني، ومع بروز بغداد مركزاً للعلم انتقل بعض علماء الكوفة إليها ومنها إلى النجف(5). مع حلول القرن الثالث أمر حاكم طبرستان بناء أحياء سكنية للطلاب المقيمين قرب المقام(6). لعل المساهمة الأكبر في بناء النجف كانت زيارة عضد الدولة سنة 371ه_، حين فرّق المال على القاطنين بجانب المقام، وزوّار المقام، والعلويين في النجف الذين كان عددهم 1700،

ص: 183


1- جعفر ، الشيخ الطوسي مفتراً، 44 - 45.
2- أمير معزي،«الطوسي، محمد بن الحسن»، موسوعة الإسلام، الطبعة الثانية.
3- م.ح. الطوسي، الأمالي، قم: مؤسسة البعثة، 1993، 11.
4- بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي، 10-13.
5- جعفر الشيخ الطوسي مفسرا، 48 - 49.
6- المصدر السابق نفسه، 49.

والعلماء والفقراء هناك. أمر ببناء القسم الداخلي من المقام وتوسيعه كما أمر بإقامة صلوات جماعية هناك وعيّن رواتب للعاملين فيه(1). مع ازدياد المرافق والخدمات أصبح النجف مركزاً للشيعة يستقطب العلماء والزوّار والمقيمين والتجار(2).

خلال القرن الرابع وقبل وصول الطوسي إلى النجف بزمن،كانت أُسر علميّة عديدة قد استقرت هناك مثل أسرة شهريار التي خرج منها علماء مثل شريف الدين المعروف بابن سدرة (ت. 308ه_) وأحمد بن عبد الملك الغروي الذي كان معاصراً للمفيد، وكان هناك خدّام لمقام علي لسنوات عدّة(3). وسكن علماء آخرون النجف مثل أحمد بن محمد بن سليمان الشيباني الرازي (ت. 268)، عُرفوا بمؤلّفاتهم العلمية وكونهم رواة حديث كبار قصدهم الطلاب في النجف(4). يشير كلّ ذلك إلى أنّ النجف كانت مدينة علم عندما وصلها الطوسي وبدأ يقوّي مركزها مستنسخاً المحيط البغدادي بنقاشاته العلميّة، وأنّ إنشاء الحوزة لم يأتِ بأعجوبة بل لأنه تمّ مع الزمن وبالتخطيط(5). وهذا للقول إن الطوسي قد طوّر حوزة النجف ولم يؤسسها .

خلال الأعوام الاثنتي عشرة التي عاشها الطوسي في النجف يبدو أن اهتمامه تمحور حول بناء أسس مدرسة جديدة كالتي في بغداد ومن هنا كرّس جهوده في التعليم (كما يظهر من خلال كتاب«الأمالي») وانخفض عدد مؤلفاته إلى ثلاثة في الفترة كلها. إنّ افتقار النجف إلى عدد كبير من العلماء والطلاب والمكتبات استوجب من الطوسي مجهوداً أكبر للنهوض بالنجف إلى مستوى أعلى. ونظراً لانعدام المحيط السياسي كما الذي في بغداد والمدارس الفكرية الممثلة دفعة واحدة، كانت النجف دون شك أكثر هدوءاً، مما سمح للطوسي بالعمل بشكل أكثر تنظيماً مع تلامذته، بدلاً من الخوض في المناظرة والمحاضرة العامة. إنّ المدارس والمكتبات في منطقة الكرخ

ص: 184


1- المصدر السابق نفسه.
2- يقدم حسن الحكيم أخباراً تاريخية جيدة عن النجف في السنوات التي سبقت وصول الطوسي في المفصل في تاريخ النجف، قم: المكتبة الحيدرية، 2007، 325.274.1.
3- المصدر السابق نفسه،50.
4- المصدر السابق نفسه.
5- يقدم حسن الحكيم كل المصادر ليظهر أنه كان في النجف علماء دين ومدارس في النجف قبل وصول الطوسي، في المفصل في تاريخ النجف، ج 4، 24.12.

لم تكن قريبة من المقام كما كان حال الطوسي في النجف، وهذه الطريقة المتبعة في التعليم ضمن حلقات والقائمة على شرح النصّ في المقام أو بجانبه، قد بدأت بالتأكيد الطوسي وهي الطريقة التعليمية التقليدية المتبعة في النجف والحوزة إلى هذا اليوم(1). لعلّ ذلك هو المثل الأوضح لإمكانية القول إنّ الطوسي أسس حوزة النجف. استخدامه للمكتبات في بغداد كان سيؤدّي به إلى إنشاء مكتبة في النجف وتشجيع تلامذته على الكتابة والنسخ والتعليق على المؤلّفات. هذه المهام والطرق التي تعلّمها وأتقنها الطوسي في بغداد ثم أسسها في النجف هي التي أدت إلى تشكيل الحوزة، وتدريبه لابنه وتكليفه بروية على متابعة هذا العمل هو ما ضمن للحوزة أن تقوم على دعائم وليس شخصيات كي تستمر بعد الطوسي لسنوات عديدة، وهذا هو حال النجف وقد شارفت ذكرى ميلاده الألف كحوزة منذ عهد الطوسي.

في الثاني والعشرين من شهر محرم من سنة 460 ه_ / 1067م توفي الطوسي في النجف عن عمر أثنين وسبعين عاماً. نصت وصيّته على أن يدفن في مكان إقامته الأخير وأن يحوّل منزله إلى مسجد، ما يعرف اليوم بجامع الطوسي(2). يقع المسجد في الناحية الجنوبية من شارع الطوسي في منطقة المشراق في المدينة القديمة في النجف،مقابل مدخل مقام الإمام علي المعروف بباب الطوسي هو المكان الأوّل لدرس«بحث الخارج»في النجف،وقد درّس فيه كثير من متنوّري الحوزة على مر القرون،بمن فيهم الآخوند الخراساني والسيد محمد باقر الصدر. كان هناك أربع مراحل من البناء في المسجد خلال الأعوام المئتين والخمسين الماضية، بالأغلب بفضل جهود السيد محمد مهدي الطباطبائي المعروف ببحر العلوم وأحفاده والمدفونين هناك(3).لقد

ص: 185


1- هنا أيضاً تظهر«الأمالي» هذا الأمر بوضوح حيث يروي الطوسي حديثاً بإسناد كامل ثم يبدأ بالشرح والتحليل بينما يدوّن التلامذة الجلسة وقد يسجّلون تعليقاتهم الخاصة في الهامش هذه الطريقة في التعليم القائمة على عرض المصدر أو الرأي السابق ثم الشرح والتعليق عليه كي يتمكن الطلاب من تدوين المحاضرة وإضافة تعليقاتهم هي المتبعة اليوم في جميع المستويات في الحوزة في الواقع، إن معظم مؤلّفات كبار العلماء هي في الحقيقة تقارير في الحقيقة تقارير الطلاب من المحاضرات وتعرف بالتقرير.
2- بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي ،46.
3- المصدر السابق نفسه، 47.

رأيت بنفسي أسس الجزء الأقدم من المسجد، وقد أخبرني الأوصياء أنه يرجع إلى سنة 1800ق.م. وهو تاريخ أقدم مرحلة بناء من المراحل الأربعة إلى اليوم لم يكتشف أي جزء من المسجد الأصلي بالرغم من أن بعضه قد يكون تحت الأسس الحالية.

تابع ولده الحسن (توفي بعد سنة 515ه_)جهود والده في النجف وبات عالماً معترفاً به به عن جدارة. وكان والده قد منحه الإجازة قبل خمس سنوات من وفاته ما أتاح له أن يروي الحديث بسند أبيه وأن يصدر فتوى(1). ذكر علماء الرجال أنه أصبح من كبار علماء الإمامية في زمنه وولده محمد (ت 540ه_) استكمل الإنتاج العلمي لأسرته(2).

ذكر الشيخ يوسف البحراني وآخرون أنّه كان للطوسي ابنتان كانتا عالمتين وراويتين للحديث وأنّ أجيالاً لاحقة العلماء ذرية هاتين الابنتين(3). عاش أحفاد الشيخ الطوسي إلى زمن متقدّم وانتقل بعضهم إلى أصفهان واشتهروا كتاباً وعلماء(4). مع الأسف من غير المعروف إن كان ما يزال هناك أفراد أحياء من عائلته اليوم.

استمرت حوزة النجف بالازدهار بعد وفاة الطوسي مع أنه في فترة ما يناهز مئتي عام، خاصة في عهد ابن إدريس المحقق والعلّامة أصبحت الحلة المركز الرئيس للعلوم الإماميّة(5). على مر القرون كان لمدن أخرى مثل أصفهان وقم وكربلاء ومشهد فترات من السيطرة على النجف في أمور الإنتاج العلمي والشهرة والأهمية، ولكنّ النجف في نهاية المطاف حافظت على لقب عاصمة الإمامية وموطن الحوزة الروحي. يذكر اليوم المجتهدون آراء الشيخ الطوسي في دروس الفقه والأصول وكل الطلاب على دراية بأعماله يستخدمونها للإحالات عند الكتابة.

ص: 186


1- بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي، ص47.
2- المصدر السابق نفسه ،48.
3- المصدر السابق نفسه ،49.
4- بحر العلوم، أمالي الشيخ الطوسي، ص49.
5- تفاصيل أحوال النجف حين كانت الحلة المركز الرئيس، في ح. الحكيم«المفصل في تاريخ النجف»، ج 4، ص 91 - 104.

مساهمته في علم الرجال عند الإمامية

علم الرجال واحد من العلوم المتناقلة والمدروسة عموماً في الحوزة وهو شرط أساسي للذين يتقدّمون إلى مستوى الاجتهاد(وتحديداً القدرة على نقل أحكامهم الشرعية الخاصة) ويودّون دراسة البحث الخارج. علم الرجال يهتم بتحليل الأعلام المذكورين في سلسلة السند في الأحاديث المنسوبة إلى المعصومين.من خلال التمحيص في تفاصيل كلّ من الأعلام المذكورة في سلسلة السند، يمكن التحديد إن كان هؤلاء ثقةً ويمكن الوثوق بالمعلومات التي نقلوها والمنسوبة إلى المعصومين.

نظراً إلى أنّ مصادر علم الرجال اليوم نادرة جداً وأنه لم يبق من المصادر الأم سوى ستة، فإن دور الطوسي في الحفاظ والمساهمة في تدعيم وتقنين علم الرجال يمكن فهمه من خلال مسح قصير عن مصادر علم الرجال الباقية.

هناك أعمال عديدة عند الإمامية باتت مصادر أساسية في علم الرجال، والدارسون الذين كتبوا في تاريخ هذا العلم قسموا المصادر إلى طبقات وفقاً لتاريخ العمل وبالتالي قربه من مرحلة ما قبل الغيبة كما موثوقيته.

إنّ عدد مصادر علم الرجال من المرحلة التقليدية يمكن تحديده بستة أعمال وبعض العلماء قصر موثوقيّة هذه الأعمال في أربعة مصادر شرعيّة.

- رجال البرقي (ت 274ه_).

- رجال الكشي (ت 350ه_) [نقله الطوسي].

- رجال ابن الغضائري (ت 411ه_).

- رجال النجاشي (ت 450ه_).

- رجال الطوسي.

- فهرست الطوسي .

يمكن تقليص هذه إلى أربعة مصادر أساسيّة إذ إنّ موثوقية البرقي وابن الغضائري تنازع عليها علماء الرجال بشدّة إلى هذا اليوم.

ص: 187

فهرست الطوسي

هذا العلم مهم خاصة بما فيه من استخدام لعلماء الرجال التقليديين والمعاصرين وجانب مثير للانتباه فيه هو أنّ الهدف الأصلي المقصود منه لا يبدو بالتأكيد قاعدة بيانات بموثوقية أو عدم موثوقية الأعلام. بينما توحي مقدّمة الطوسي أنّ هذا هو الهدف المقصود ، فإنّ محتوى الكتاب لا يثبت هذا الرأي. يفصل العمل على سبيل المثال في 909 أعلام من الإمامية وغير الإمامية.

مع ذلك فمن بين هؤلاء ال_ 990 علماً الذين يعدّد الطوسي إنجازاتهم من خلال المؤلّفات والمجاميع، فإنّه يعلّق فقط على موثوقية 107 أعلام ويشير إلى عدد صغير من اثني عشر على أنهم غير ثقة.

من هنا يمكن أن نرى أنه صنف موثوقية ما مجموعه 119 علماً فقط من المجموع الكبير للأعلام أي ال_ 909 الذين ذكرهم في الكتاب.

رجال الطوسي

رجال الطوسي مؤلّف آخر من المصادر التقليدية الأربعة الموثوقة عند الشيعة في علم الرجال. من الواضح أن بنيته تختلف عن مؤلّف الطوسي السابق، الفهرست، ومع ذلك فإنّه أيضاً يقدّم آراء أقل مما هو متوقع في شأن موثوقية الأعلام.

يتبع هذا المؤلّف نمط كتب الطبقات ويُعنى بالدرجة الأولى بإدراج الأعلام في الحقبات التاريخية المناسبة لها، وتماماً كما كتاب الرجال المنسوب إلى البرقي، يمتد من زمن صحابة الرسول وصولاً إلى الأئمة ذاكراً في كلّ فئة أسماء الأشخاص فيها. وقد سمحت هذه الطريقة لعلماء الرجال بعد الطوسي أن يحدّدوا إلى حد معين ما إذا كان حديث ما متصل السند بالرواة حسب المبادئ المطلوبة. أي إنّه يجوز تاريخياً أن يكون الرواة في سند رواة الحديث قد التقوا وتعاقبوا حسبما هو متفق عليه عند علماء الرجال.

يعدّد الطوسي في هذا العمل في المجموع الشامل 8900 اسم وعند استبعاد المكرّر منها في أجيال كثيرة يكون المجموع 6429 علماً.

ص: 188

من هذا الرقم الهائل للرواة المذكورين ضمن الأجيال المختلفة في الكتاب لم يعلق الطوسي للأسف سوى على موثوقية 173 منهم وصحتهم وعلى عدم موثوقية 100 منهم.

من أولئك الذين ثبت الطوسي موثوقيتهم في كتابه الرجال، هناك 33 قد أثبت كذلك أنهم ثقة في كتابه الفهرست.

بينما يساهم كتابا الطوسي فعلياً إلى حدّ كبير في علم تحديد موثوقية الأعلام مقارنة بسلفه الكشي، فإن العدد الإجمالي للأعلام الذين صنفهم الطوسي وفقاً لذلك بعد قليلاً في ضوء عدد الأعلام الذين أدرجهم.

هناك بشكل عام اتفاق بين العلماء المعاصرين بأنّ لرأي النجاشي في أحد الرواة أسبقية على رأي الطوسي، وذلك لأنّ النجاشي يعلّق على موثوقية عدد أكبر بكثير من الرواة(1)، وأنّ الطو ، وأنّ الطوسي يبدو أنّه اعتمد على آراء سنيّة سابقة له في علم الجرح والتعديل غير أنّ ذلك لم يكن تقليدياً موقف بعض كبار العلماء القدماء مثل العلّامة الحلّي (ت. 721ه_) الذي يبدو أنه يفضّل اتخاذ موقف الطوسي في الحكم حيث يكون هناك تعارض بين الطوسي والنجاشي. وهذا الموقف يبدو قائماً على اعتبار الطوسي علامة في جميع فروع المعرفة، وقد يصعب حقاً الافتراض أنه قد يخطئ في مؤلّفات الرجال التي وضعها.

من بين المصادر الستة الأولى في المرحلة الأساسية من العلوم الإمامية ثلاثة للطوسي وحده (تحديداً الرجال، الفهرست وتنقيحه لكتاب الرجال للكشي). ومن هذه الستة مصدران مختلف في صحتهما، وبذلك يكون عدد المصادر المعتمد عليها غالباً أربعة فقط (باستثناء البرقي والغضائري)، أي إن ثلاثة من المصادر الأربعة تقوم فقط على علوم الطوسي وجهوده.

على أن مساهمة الطوسي في علم الرجال لا يمكن اختصارها بأعماله المخصصة للرجال فهو حتى في أعظم مؤلفاته العدّة في الأصول يخصص أقساماً لقواعد اعتمدها علماء علم الرجال.

ص: 189


1- انظر:الخوئي، سبحاني، الدوري، والمامقاني وآخرين في كتب الرجال المختلفة.

إحدى هذه القواعد المشار إليها في العدة تتضمن قاعدة حازت على توافق واسع لدى علماء الحديث وهي تعريف الطوسي لدور الرواة من مثل محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى، وبيان أنه وفقاً لسلفه وجمهور علماء الإمامية لا ينقل هذان العلمان إلّا أحاديث صحيحة وذلك لمكانتهما العلميّة، وبالتالي فإنّ كلّ من ينقلون عنه يبلغ تقدير الموثوقية. صنف العلماء هذه القاعدة بالتوثيقات العامة.

مساهمته في تطوير فقه الإمامية

لعلّ سبب إحالة شهرة الطوسي إلى الفقه خاصة، بدل الاعتراف بإمكاناته الموسوعية في الأغلبية العظمى من العلوم المنقولة، يعود إلى التركيز الكبير الملقى على علم الفقه الإسلامي الذي يعنى بشروط الأحكام الشرعية في الفرائض والمحرمات.

لم يكن الشيخ الطوسي بالتأكيد أوّل من كتب في أحكام الشريعة الإسلامية من منظار الفقه الإمامي، بل من المؤكّد أنّ الصدوق الذي كتب «الفقيه» قبل أن يضع الطوسي مؤلّفاته بمئة قرن تقريباً، قد اهتم بتقديم أطروحة شرعيّة تكون مرجعاً للطائفة. من هنا عنوان مؤلّف الصدوق«من لا يحضره»الفقيه الذي يرمي إلى تزويد القارئ العام (أي غير العالم) بالقدرة على الرجوع إلى الأحكام من خلال نص. إن أثر الطوسي الرئيس في علم الفقه الإسلامي هو وضعه مؤلّفاً يُقرأ على أنه كتاب في الفقه وليس کتاب حديث، وتقسيمه إلى فروع الأحكام العمليّة المختلفة التي يستخدمها كلّ العلماء اللاحقين.

لدى الطوسي ثلاثة عشر مؤلّفاً تقريباً يمكن تصنيفها على أنها أطروحات في الفقه،من بينها ثلاثة على وجه الخصوص مؤثرة في أعمال الفقهاء ومنهجهم و لغتهم إلى هذا اليوم(في إطار الإمامية). لم يتفق مدوّنو سيرة الطوسي أبداً على تاريخ محدّد لإتمام هذه الأعمال في علم الفقه، ومن هنا فإنّ أية محاولة لاقتراح تواريخ محتملة لإنجاز كتابتها أو تسلسلها سيكون غير مجدٍ وغير علمي. لذا يجب المراعاة أن تفاصيل هذه الأعمال المذكورة هنا تقديرية برمتها وغير قائمة على أي تخمين فيما يتعلّق بتسلسل إتمام الطوسي إيّاها.

ص: 190

النهاية في مجرد الفقه والفتاوى

لعلّ كتاب «النهاية» هو الأكثر تنظيماً ومنهجية بين مؤلّفات الطوسي في الفقه. يتضمن من السيرة أحياناً (على الأرجح من كتاب«التهذيب» للطوسي)، ثمّ يغوص في ذكر الأحكام الشرعية لبعض المسائل المتعلّقة بحالات قد تعرّض لها المؤمنون. هذه الأطروحة سوف تتقدّم الأعمال الأخرى في الفقه لتكون نصاً مركزياً مقرراً للدراسة من قبل علماء الإمامية وحتى للحفظ غيباً وفق بعض الأخبار إلى زمن المحقق الحلّي (ت. 676ه_ / 1277 م) مؤلّف«شرائع الإسلام».

مسائل الخلاف

النصّ المعروف بمسائل الخلاف أو المشار إليه بالعنوان المختصر «الخلاف»، يشير بوضوح إلى اختلاف بين علماء الفقه من المذاهب المختلفة. هذا النص هو بمثابة نص إمامي نموذجي يقارب فروع الفقه بالمقابلة، وكتاب الطوسي في هذا العلم يشكل النصّ الوحيد الباقي الذي يقدّم مقابلة شاملة بين الأحكام التي تتبناها الإمامية وتلك التي يتبنّاها خصومها. بالرغم من أنّ هذا النوع من المقابلة كان معروفاً عند الفقهاء السنة وعلومها قبل زمن الطوسي، إلّا أنّ كتاب الطوسي فريد إذ إنّ المؤلّفات السنية في الفقه المقارن تتضمن نظرة في الاختلافات الفقهية بين المدارس السنيّة أنفسها فقط، وقد نحت بشكل عام إلى عدم التطرّق إلى الاختلافات بين المدارس الفقهية السنية وتلك التي اعتبرها التقليد السني بدعاً مثل الإمامية.

دراسة مقتضبة لطبيعة كتاب «الخلاف» تضيء على ذهن الطوسي الحاد؛ وإضافةً إلى كون الكتاب مصدراً تاريخياً نفيساً لدراسة نظرية الفقه المقارن كما علم أصول البدع، الملاحظ أنه كما في «المبسوط»، هناك نبرة جدلية واعتذارية في التعاطي مع الآراء المخالفة ومحاولة لتقديم براهين عقليّة لسبب تفوّق رأي الإمامية.

المبسوط

اكتسب المبسوط اعتراف مؤرّخي سيرة الطوسي جميعهم بأنه الأعمق بامتياز من بين مؤلّفات الطوسي التي وضعها خلال حياته، وأنه الأدق وربما الأكثر تفرّداً أيضاً. ما يجعل المبسوط فريداً ليس مدى الحقل الفقهي الذي يغطّيه، بل انضباط العمل

ص: 191

وكيف أنّ طبيعته قد ساهمت أن تكون الشكل البدائي الأسبق الذي اعتمده علماء الإمامية في تفريعاتهم للنصوص الشرعية.

رفضت المدرسة الإمامية القياس من زمن الإمام الصادق، واستندت إلى الأئمّة لتفسير الأحكام من منظار عقلي. بعد الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر،كان على المدرسة الإمامية أن تستعين بالتفسير العقلي لاستنباط الأحكام في غياب الإمام. فأخذ الطوسي على عاتقه مهمة الدمج بين الأسس التقليدية في الفقه والعقل.والمبسوط هو ثمرة هذه المحاولة في تقديم تفسير عقلي وإثباتي كما قاعدة للأحكام المذكورة والمنصوص عليها في الكتاب.

ما يجعل كتاب المبسوط ذا أهمية هو تركيز الطوسي على دحض غير الإمامية في اتهاماتهم للمدرسة الفقهية الإمامية بالقصور.ومن أجل هذا التفنيد وتقديم الإثبات للرد على هذه الاتهامات، فقد عمد الطوسي إلى صياغة النظام الذي اعتقد أنه يشكّل نموذجاً بدائياً لما يعرف اليوم بالفقه الاستدلالي، حيث يقدّم العالم إثباتاً ليبين القرار العقلي والصحيح الذي هو بمثابة الحافز للحكم، وقد يبيّن حتى لِمَ الأحكام الأخرى المقدّمة من آخرين قاصرة.

مع أنّ هذه الأعمال الثلاثة المذكورة أعلاه ليست الأطروحات الفقهية الوحيدة التي وضعها الطوسي خلال حياته، إلا أنها تشكّل بالتأكيد مجمل أهميته في إحياء العلوم الفقهيّة عند الإمامية. لقد وضع الطوسي عشرة مؤلّفات أخرى في مجال الفقه، ولكن هذه تعتبر شُعباً فقهيّة بالمقارنة مع المجاميع الكبرى كالثلاثة المذكورة سابقاً.

دوره في مؤلّفات التفسير الإمامية

إنّ علم التفسير الإسلامي يقوم على محاولات شتى من قبل المسلمين في جمع مواد تفسيرية تتعلّق بمعاني القرآن وكيفية فهم بعض الآيات والسور. كما في كثير من العلوم الأخرى في التاريخ الفكري عند الإمامية، لم يكن الطوسي أوّل من ألف في مجال التفسير. ولكن يمكن القول إنّ الطوسى جدّد كلياً نظرة الإمامية لتفسير القرآن وقبل مؤلّفه في التفسير ، لم تكن كلّ تفسيرات الإمامية متعارضة في الآراء فقط، بل إنّها اعتمدت قاعدة مختلفة تماماً في منهج دراسة القرآن.

ص: 192

من الصعب تحديد أقدم عمل في تفسير القرآن ولكن ما هو مؤكد أن القرآن لم ينظر له يوماً على أنه واضح بذاته ولا يحتاج للرجوع إلى سيرة الرسول والأخبار التي جرت خلال حياته والمحيطة بأحداث نزول السور والآيات.

بعد التحليل المختصر والتلخيص لملامح مؤلّفات التفسير عند الإمامية التي يصبح جلياً أنّ تفسير الإمامية التقليديسبقت الفترة البويهية وتحديداً الطوسي مفسراً، كان يشدّد على تفاصيل متعدّدة تمحورت مبدئياً حول التالي:

1) تفسير يتمركز حول الإمام،بالدرجة الأولى تفسير فرات الكوفي وتفسير العياشي، أي إنّ العمل لا يُعنى بتفسير شامل لآيات القرآن كلها وإنما يهتم بتفسير تلك الآيات التي يُعتقد أنها تتحدّث بوضوح أو غموض عن الأئمة أو عن سيئات أعدائهم.

2) كل التفسيرات الإمامية من الفترة السابقة للبويهيين تركز على الاستشهاد بروايات منسوبة إلى الأئمة تخص تفسير مثل هذه الآيات، بدل تقديم آراء صاحب كتاب التفسير نفسه. لذا فضمن كتاب واحد يتضمن روايات تتعلق بالتفسير، يمكن العثور على روايات متعارضة يستشهد بها لتفسير الآيةالواحدة.

إن مساهمة الطوسي الرئيسة في التفسير الإمامي هي في كتابه «التبيان في كتاب القرآن» وهو مؤلّف يقسم عادةً إلى عشرة أجزاء منفردة، وهو يعد عملاً عظيماً بالمقارنة مع تفاسير الإمامية ما قبل البويهيين التي لم تتجاوز الجزأين أبداً.

الواضح من خلال مقدّمة الطوسى أن غايته من وضع هذا التفسير هي بالدرجة الأولى وجود ثغرة عند الإمامية سابقاً في مجال التفسير القرآني. يقول بوضوح فيمقدمة التبيان:

أمابعد، فان الذي حملني على الشروع في عمل هذا الكتاب أني لم أجد أحداً من أصحابنا - قديماً وحديثاً - من عمل كتاباً يحتوي على تفسير جميع القرآن، ويشتمل على فنون معانيه وإنّما سلك جماعة منهم في جميع مارواه ونقله وانتهى إليه في الكتب المرويّة في الحديث، ولم يتعرّض

ص: 193

أحد منهم لاستيفاء ذلك، وتفسير ما يحتاج إليه . فوجدت من شرع في تفسير القرآن من علماء الأمة، بين مطيل في جميع معانيه، واستيعاب ما قيل فيه من فنونه - كالطبري وغيره - وبين مقصر اقتصر على ذكر غريبه،ومعاني ألفاظه وسلك الباقون المتوسطون في ذلك مسلك ما قويت فيه منتهم وتركوا ما لا معرفة لهم به [...]. وسمعت جماعة من أصحابنا قديماً حديثاً، يرغبون في كتاب مقتصد يجتمع على جميع فنون علم القرآن، من القراءة، والمعاني والإعراب،والكلام على المتشابه، والجواب عن مطاعن الملحدين فيه، وأنواع المبطلين،[...] وأنا إن شاء الله تعالى، أشرع في ذلك على وجه الإيجاز والاختصار لكل فن من فنونه، ولا أطيل فيمله الناظر فيه ولا أختصر اختصاراً يقصر فهمه عن معانيه ... »(1).

قد يُعدّ الطوسي غريباً في منهجيّته في التفسير القرآني، فهو يستند غالباً إلى أعلام يعدّون ذوي مكانة دنيا عند الشيعة مثل عكرمة مولى ابن عبّاس (المعروف بميله الخارجي وغيرهم من الأعلام السُّنة بامتياز من مثل أبي عبيدة بن الجراح. يعتمد الطوسي غالباً بشكل كبير على كتب سنيّة في التفسير والتي يذكرها على حساب أي تفسير للشيعة الإمامية، ومثال على ذلك آية الإفك من سورة النور التي ذكرها الإمامية قبلاً، أمثال القمي وحتى المفيد على أنها أنزلت لتبرئة ماريا القبطية، زوجة الرسول القبطية من الزنا، وهذه الآية يذكرها الطوسي إشارة إلى عائشة تحديداً، منوّهاً أنّ هذا ما تقوله السنة(2).

على خلاف كتب التفسير الإمامية السابقة التي تذكر القراءات المختلفة للقرآن أحياناً والروايات المشار إليها عرضياً وباقتضاب فإنّ التبيان للطوسي يركز بشدّة على أهمية هذه الروايات وينقل غالباً الروايات المختلفة كي يبيّن كيف أنها في الحقيقة تؤثر في فهم معنى الآية المذكورة.

الطوسي واضح قطعاً في تفسيره للقرآن في أنه على الرغم من الروايات المتعدّدة التي يمكن نقلها من كتب الإمامية المنسوبة إلى الأئمة والتي يبدو أنها تروّج تحريفاً في

ص: 194


1- جعفر، الشيخ الطوسي مفتراً، 87-86.
2- م. ح. الطوسي، التبيان في تفسير القرآن النجف المطبعة العلمية، 1957، ج 7، ص 415.

النص القرآني كما هو معروف لدى المسلمين (النص المعروف بعد عثمان)، فإنّها جميعها روايات معزولة وبالتالي فهي غير وافية للأخذ بها والوثوق بها(فهي نادرة)، والأهم أنّ هذه الروايات خاضعة للتأويل فلا يجدر اعتبارها تشير إلى أي نقص في النص.

مع أنّ تفسير الطوسي لا يبدو إمامياً بامتياز، ولا حتى شيعياً في ملامح أسلوبه التي تتضمن تركيزاً على الرجوع إلى مرجعيات لا تعدّ ذات حجة عند الإمامية، كما يشدّد على النحو العربي والشعر الجاهلي، فلا ريب بأنه عمل بحد ذاته له أهمية كبرى كونه أوّل تفسير إمامي غير تقليدي. يظهر تفسير الطوسي جامعاً بين الطريقة التقليدية التفاسير من الفترة السابقة للبويهيين والتحليل العقلي واللغوي للمفيد والمرتضى.هذا هو الذي بات النموذج المتبع في التفاسير اللاحقة التي برزت بعد تفسير الطوسي التبان مثل مجمع البيان للطبرسي.

مؤلّفاته في الأحاديث

كما أسلافه في مجتمع الإمامية من الفترة البويهية، لاحظ الطوسي ببساطة الثغرة في مجاميع الأحاديث التي كانت شحيحة لدى الإمامية في زمنه بالمقارنة مع المجموعات التقليدية عند أهل السُّنّة. إنّ سبب أهل السُّنّة. إنّ سبب غياب هذه المجاميع أو ندرتها كان يدور حول عامل أساسي، وهو أنه على خلاف نظرائهم من أهل السنة والمدارس الفقهيّة الأخرى غير الشيعية كان بين الإمامية الإمام المعصوم المرشد الذي يمكن أن يحدّد ويصادق للأمة كلها أموراً في حقيقة العقيدة وممارستها. ولكن بسبب الغيبة الكبرى انتهت هذه الفترة من الترف النسبي، وكان على الإمامية أن يجمعوا من المؤلّفات ما يشكّل ليس فقط مراجع موثوقة للطائفة بل أيضاً شرائع قانونية في الفقه يمكن للطائفة الإمامية الرجوع إليها في حال غياب مرجعية مركزية.

قبل زمن الطوسي كان هناك مجاميع عديدة من الأحاديث وكثير منها بقي ووصل إلى الطوسي. يمكن التأكد من ذلك من خلال النظر في قوائم الأعمال التي وصلت إلى الطوسي عبر الشبكات الاجتماعية الإمامية، ناقلة الأعمال الموروثة من العلماء الذين قد صحبوا الأئمة الشيعة أنفسهم في فترة معينة.

من زمن الإمام السادس إلى الإمام الحادي عشر تمّ تأليف أربع مئة عمل عرفت

ص: 195

بالأصول الأربع مئة، واحتوت على تعاليم الأئمة من خلال أصحابهم، وقد نسخت هذه الكتب وبالتالي تمّ تناقلها ضمن الحلقات الإمامية(1). أعمال أخرى كانت متداولة أيضاً مثل مجاميع الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق وأخرى، ولكن حتى هذه كانت جديدة الإدراج ضمن الكتابات الشرعية الموثوقة عند الإمامية.

إن دور الطوسي في تشكيل تراث إمامي من الأحاديث الصحيحة والموثوقة والمقبولة عقائدياً لا يستهان به بالرغم من أنه لم يكن مقلّداً متفانياً مقابل دراسة علوم أخرى على خلاف سلفيه الكليني والصدوق، فإن الطوسي تمكن من المساهمة بمؤلفين في الحديث قد أصبحا بعدها يعدان الكتابين الأخيرين من مجموعة أربعة مؤلّفات يعتمد عليها فقهاء الإمامية جميعهم، وهو اعتراف لم يحظ به بالتأكيد أي عالم إماميّ تقليدي قبلها أو بعدها من الطائفة الإمامية جمعاء.

تهذيب الأحكام في شرح المقنعة

تهذيب الأحكام في شرح المقنعة معروف لدى العامة والعلماء بالعنوان المختصر تهذيب الأحكام». غير أنه من خلال العنوان الأصلي فقط يمكن استيعاب أهمية مؤلف التهذيب، وأبعد من ذلك، المغزى المقصود من الطوسي عندما وضعه بدايةً. في العنوان الكامل إشارة إلى مؤلّف المفيد «المقنعة» الذي وضعه ليكون دليلاً

بدائياً إلى التقاليد التي كانت تتبعها الجماعات. يتجنّب الطوسى متعمّداً أن يُساء فهمه في المقدّمة، لذا يوضح أنه تجنّب عن قصد الخوض في الأحاديث المتعلقة بالعقيدة أو الأصول، وقد بذل جهداً لعدم الدخول في هذه النقاشات من خلال التطرّق إلى مسائل في مجال الفقه. وتشكل المقدّمة تعليقاً على ظروف الطائفة الإمامية في زمن الطوسي، الذي يشرح أنه لظروف كان من الصعب الكتابة عنها، بل على العكس فإنّها لكانت مصدر إحراج، فهو يقرّ أنّ الأحاديث الكثيرة المتعارضة التي كوّنت المادة الأساسية للأحاديث الإمامية هي التي

ص: 196


1- أقدم ذكر مدوّن للأصول الأربع مئة هو عند المفيد في كتاب الإرشاد، النجف المطبعة الحيدرية، 1962 ، ص .271 للتفاصيل عن الأصول الأربع مئة، انظر:أ. كاشف الغطاء، الأصول الأربع مئة، النجف مكتبة كاشف الغطاء، 1997.

استخدمها الخصوم وغير الإمامية ذخيرة للجدل، ليس ذلك وحسب بل إن كثيرين من الإمامية أنفسهم تحيّروا جداً لذلك، إلى درجة أنّ المفيد أستاذ الطوسي كتب مشتكياً من تلك الظروف. في هذا السياق الخاص يجدر فهم عمل الطوسي في مجال الأحاديث، فقد رأى الطوسي أن يكون دوره الأساسي في التهذيب غربلة الأحاديث الصحيحة من تلك التي بها خلل، وحاول تقديم وسائل للتوفيق العقلي بين الأحاديث التي بالرغم من الإجماع على صحتها قد تثير صعوبات عند الذين يقرؤونها سطحياً، وذلك من خلال كتابة التعليقات التي قد توفّق أية تعارضات ظاهرة. وبالرغم من أنّ العنوان يبدو مجرد تعليق الطوسي على مؤلّف المفيد «المقنعة»، إلّا أنّ الكتاب لا يقوم فقط عليه في صياغته وضبطه للأحاديث المتعارضة، بل إنّ الأحاديث من المصادر الأخرى يعرضها الطوسي كذلك في التهذيب.

ينقسم التهذيب إلى 19 فصلاً تتفرّع بدورها إلى فصول ثانوية. يعتقد الكثيرون أنّ الطوسى بدأ أصلاً بالتحضير للتهذيب خلال حياة المفيد نفسه، ولكن من المؤكّد أنّ الكتاب لم يكتمل ويتداول حتى وصوله إلى النجف.

الاستبصار

الاستبصار هو مساهمة الطوسي الثانية في مؤلّفات الإمامية الشرعية الأربعة، وكما التهذيب فهو متخصص في فروع العقيدة والمسائل الفقهية ويمتنع عن الدخول في نقاشات تتعلّق بأصول الدين أو مجال الإلهيات.

الأمر المؤكّد عن الاستبصار أنه كُتب بعد التهذيب، وكان المقصود به أن يكون مختصراً للعمل السابق وموجزاً أكثر منهجيّة، إذ إنّ الطوسي يذكر في مقدّمة الاستبصار أصحابه(من الإمامية) طلبوا منه تحديداً أن يضع عملاً مرجعاً يكون مناسباً لعالم حدث أو طالب علم أن يرجع إليه دون الغوص عميقاً في المادة.

متبعاً مقاربة الصدوق نفسها في مؤلّف الفقيه، قدّم الطوسي مختصراً لعمله السابق، أي التهذيب،في حلّة بسيطة تمكّن الشخص العادي الرجوع إليه دون تعقيدات في وجوب القراءة خلال سلسلة طويلة من السند(التي كانت منقطعة في الاستبصار) وبالتالي تتيح سهولة الوصول إلى العمل.

ص: 197

ملحق أوّل : قائمة بأعمال الطوسي

أحاديث

1) تهذيب الأحكام

2) الاستبصار

3) الأمالي

أصول الفقه

4) مسألة في العمل بأخبار الواحد

5) النقض على ابن شاذان

6) العدة في أصول الفقه

7) شرح الشرح

الفقه

8) النهاية في مجرّد الفقه

( المبسوط

10) الجمل والعقود

11) الإيجاز في الفرائض

12) مسألة في مواقيت الصلاة

13) مسائل الخلاف

14) مناسك الحج

15) مسائل القمية

16) مسألة في وجوب الجزية على اليهود

17) مسألة في تحريم الفقاع

18) المسائل الحائرية

19) المسائل الحلبية

20) المسائل الجنبلائية

ص: 198

التفسير

21) المسائل الدمشقية

22) المسائل الرجبية

23) التبيان في تفسير القرآن

الكلام

24) تلخيص الشافي

25) المفصح

26) الغيبة

27) ما يعلّل وما لا يعلل

28) تمهيد الأصول

29) أصول العقائد

30) أنس الواحد

31) المسائل الرزية في الوعيد

32) مقدّمة في المدخل إلى علم الكلام

33) المسائل في الفرق بين النبي والإمام

34) الاقتصاد

35) ما لا يسع المكلّف

36) تعليق ما لا يسع

37) ريادة العقول

38) الكافي

39) الاعتقادات

علم الرجال

40) الفهرست

41) الرجال

42) الاختيار في معرفة الرجال

ص: 199

التاريخ

43) مقتل الحسين

44) مختصر أخبار المختار

ابتهالات

45) هداية المسترشد

46) مختصر في عمل يوم وليلة

47) مصباح المتهجد

مسائل

48) مسائل في الأحوال

49) مسائل ابن البرّاج

50) المسائل الإلياسيّة

الملحق الثاني : علماء ذكروه في مداخل أو هوامش بيوغرافية

علماء الإمامية

- النجاشي (ت. 450ه_) في الرجال.

- محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت. 588ه_) في معالم العلماء.

- العلّامة الحلّي (ت. 726ه_) في خلاصة الأقوال.

- حسین بن عبد الصمد الحارثي (ت 984ه_) في وصول الأخيار لالى أصول الأخبار .

- محمد بن علي الاسترابادي (ت 1028ه_) في منهاج المقال والوسيط.

- المجلسي (ت. 1111ه_) في الوجيزة.

- البحراني (ت . 1186ه_) في لؤلؤة البحرين.

- محمد مهدي بحر العلوم (ت 1212ه_) في الفوائد الرجالية.

- أبو علي الحائري (ت 1215ه_) في منتهى المقال.

ص: 200

- محمد باقر الخونساري (ت. 1313ه_) في روضة الجنّات .

- محمد حسن النوري (ت. 1320ه_) في مستدرك الوسائل.

- حسن الصدر (ت. 1354ه_) في تأسيس الشيعة.

علماء غير الإمامية

- ابن الأثير في الكامل في التاريخ.

- ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان.

- ابن كثير الشامي في البداية والنهاية.

- ابن الجوزي في المنتظم.

- السبكي في طبقات الشافعية.

ص: 201

(1)

كيف نكتب تاريخ المؤسسة الدينية الشيعيّة في النجف؟ المرجعية كجهاز

اشارة

*كيف نكتب تاريخ المؤسسة الدينية(1)

الشيعيّة في النجف؟ المرجعية كجهاز

د. صابرينا ميرفان

ترجمة: د. سامي دورليان

مُلخص:

بالإضافة إلى دراسة لتاريخ كلمة «مرجع»،يقترح هذا المقال إطاراً نظرياً يُتيح صوغ تاريخ المؤسسة الدينية في النجف، ألا وهو مفهوم الجهاز (dispositif) الذي بناه ميشال فوكو. ثمّ يستعرض المقال مختلف العناصر غير المتجانسة لهذا الجهاز والتي لكلّ منها تاريخها الأعراف القواعد والمفاهيم الكتابات؛ الحقوق الشرعية؛ الشبكات.

بصيغتها المُعتَمَدة اليوم في التيار الشيعي الأصولي، تُشكّل المرجعية تجسيداً للمؤسسة الدينية. فهي تفترض وجود رجل في قمة الهرم، أي مرجع التقليد، كما تستوجب وجود شبكات ومُنشآت إنّ استخدام مُصطلح المرجعية في النجف وفي الدوائر التي تتبع كبار علماء هذه المدينة، قد يُشير إلى علي السيستاني أو إلى مجموعة المراجع الأربعة الكبار التي تضمّ إلى جانب السيستاني نفسه كلّ من إسحاق الفياض ومحمد سعيد الحكيم وبشير النجفي - ويضيف إليهم البعض محمّد اليعقوبي (2)

ص: 202


1- مُلاحظة المُترجم: نظراً لانطواء كلمة autorité على معانٍ مُتنوّعة في مقال الكاتبة، ارتأينا ألا نقتصر على الترجمة الأكثر شيوعاً لهذه الكلمة ، أي «سُلطة»، فلجأنا أيضاً إلى كلمتي«مؤسسة» و«جدارة»، علنا نُظهر مقصد الكاتبة الفعليّ في كل مرة نستخدم إحدى هذه الصيغ الثلاث.
2- عندما يذكر النجفيون المرجعية، يقصدون أحد المراجع الأربعة الكبار أو الأربعة بمجملهم؛ وقد يُضاف إليهم محمد اليعقوبي كمرجع خامس ثمّة مراجع أخرى وصُغرى» في المدينة، مثل محمد الطائي، وثمّة من أُسمّيهم مشاريع مراجع»، يوصفون أحياناً بمراجع «طبقة ثانية»، مثل علي سبزواري أو محمّد باقر الإيرواني، وهم علماء كبار يجذبون عدداً كبيراً من الطلاب إلى دروس مرحلة البحث الخارج في الحوزة.

نلاحظ إذن مدى تطابق استخدام هذا المُصطلح مع الوضع الخاص الحالي من خلال كلامهم، يقوم الفاعلون بوصف مرجعيّة زمننا .

بالنسبة إلى مُتابعي الشؤون المعاصرة للمذهب الشيعي، تكاد المرجعية تكون من البديهيات، وذلك لكثرة الأبحاث التي تتناول هذه المسألة(1)ولكثرة تداول كَلِمَتَي«مرجع» و «مرجعيّة»، أقَلَّهُ في الصحافة. ذلك عند استخدامهما في إطار علمي، تطرح هاتان الكلمتان عدداً من المشاكل،بدءاً بترجمتهما؛ لذلك يتم نسخهما عن العربية في غالب الوقت. ثمّ إنّ مُصطلحي«مرجع» و «مرجعية» لا يندرجان ضمن قائمة المُفردات المُعتَمَدة في الفقه الإسلامي ( مثل «فقيه» أو «مجتهد») والتي تُناقش من قِبَل العلماء.على أي حال، لم يُنتج هؤلاء مقاربة فكرية للموضوع قبل محاولات تحديث المؤسسة وإصلاحها والتي جرت في إيران بعد وفاة بروجردي عام 1961م(2)، كما قام بها لاحقاً محمد باقر الصدر في النجف ومحمد حسين فضل الله في لبنان؛ ومن ثُمّ نشر كلّ من محمد سعيد الحكيم ومحمد باقر الحكيم كتباً تتضمن مفهوم كلّ واحد منهما للمرجعية(3).

ص: 203


1- راجع مثلا: Linda Walbridge (ed.), The Most Learned of the Shi'a. The Institution of the Marja' Taqlid, Oxford University Press, 2001; Mehdi Khalaji, «The last marja: Sistani and the end of the traditional religious authority in Shiism», Policy Focus, 59, The Washington Institute for Near East Policy, September 2006.
2- شكلت هذه المقاربات الفكرية موضوع كتاب جماعي شارك فيه علماء مثل مُرتَضى مُطَهَّري وعلمانيون مثل مهدي بازركان راجع مرجعیت و روحانیت طهران، 1341ه- / 1962م. ثمَّةً ترجمةٌ لمقال مُطَهَّري قدّمها حميد الغار وتم نشرها في كتاب ليندا والبريدج : <
3- محمد سعيد الحكيم، المرجعية الدينية وقضايا أُخرى، بيروت، مؤسسة المرشد، 2001؛ محمد باقر الحكيم، موسوعة الحَوْزة العلمية والمرجعية، الجزء 2 المرجعية الدينية»، النجف، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم ، 2005م. نجد أيضاً تعريفات مُفَصَّلة عن المرجعية ، كتلك التي يُعطيها علي الغروي في شَرحِهِ للعُروة الوثقى عام 1413ه- / 1992م ، وقد أَوْرَدَها حيدر نزار السيد سلمان (عطية)، المرجعية الدينية في النجف الأشرف ومواقفها السياسية في العراق (1958 - 1968م)، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 2010م، ص 18.

يجدر الذكر أخيراً أنّ مُصْطَلَح «مرجعيّة» يُستَخدَم أحياناً من قبل بعض المؤرخين بطريقة تنطوي على مفارقة زمنيّة، إذ إنّه مُصطلح حديث ويُشير إلى مؤسسة لم تكن موجودة سابقاً في الشكل الذي اتخذته اليوم. في الأساس، كلمة «مرجع» قديمة وليست خاصة بالإسلام الشيعي. نعثر عليها في كتابات سُنيّة وكانت تُستخدم في المملكة العربية السعودية حتى بداية الخمسينيات من القرن المنصرم، قبل استبدالها بكلمة «مُفتي». على أي حال، إنّه لأمر سديد التساؤل حول تزامن تخلي السعوديين عن مُصطلح «مرجع» وتبنّيه بشكل منهجي في الأوساط الشيعية. قد لا تكون المسألة مُجرَّد مُصادفة: يمكننا أن نفترض أن كلاً من الجماعتين، السنيّة والشيعية، أرادت أن تتمايز عبر تأسيسها قائمة مُفردات خاصة بها(1).

إذن، لم يكن استخدام مُصطلح «مرجع رائجاً قبل الخمسينيات بالمعنى المُتَعارَف عليه اليوم.نجده في بداية القرن التاسع عشر في أحد ألقاب الشرف الممنوحة لكبار العلماء بُغْيَة إظهار مكانتهم. هكذا، يُعلِمُنا عبّاس أمانات بأنّ فتح علي شاه كان يصف ميرزا أبو القاسم القُمّي (توفي عام 1815/1816م) ب_«مرجع الشرق والغرب» و«مجتهد العصر» و «علامة «الزمان» و «مقتدى الأنام»(2). وِفْقَ ،أمانات، كان لقبا «مرجع» و «مقتدى الأنام»يهدفان إلى تعويم وترقية القُمّي الذي كان يسكن في قمّ، بُغية

ص: 204


1- Nabil Mouline, Les clercs de l'islam. Autorité religieuse et pouvoir politique en Arabie (1) Saoudite, XVIIle-XXle siècle, Paris, PUF, 2011, p. 175-179. نُقِلَ كتاب ( محمّد) نبيل مُلين إلى العربيّة تحت عنوان علماء الإسلام:تاريخ وبنية المؤسسة الدينية في السعودية بين القرنين الثامن عشر والحادي والعشرين، الشركة العربية للأبحاث والنشر، 2011م.
2- وكان شاه طهماسب قد أعطى لقب مقتدى الأنام العلي الكركي راجع كلمة «اقتداء» مُرادِفة لكلمة «تقليد»: Said Amir Arjomand, «Two decrees of Shâh Tahmâsp Concerning Statecraft and the Authority of Shaykh 'Ali al-Karaki», in S.A. Arjomand (ed.), Authority and Political Culture in Shi'ism, Albany, State University of New York Press, 1988, p. 253.

تقويض سلطة المجتهدين المُقيمين في عتبات العراق المُقدّسة(1). عندما نطلع على

(). المراسلات التي جرت في وقت لاحق بين علماء لكنو الهنود ونظرائهم في النجف، يلفت نظرنا الطابع التفخيمي للألقاب التي كانوا يمنحونها لبعضهم البعض، حتى ولو كان هذا الأمر معهوداً بين العلماء. هكذا، في إحدى رسائله إلى محمد حسن النجفي (تُوُفِّيَ عام 1850م) ، استخدم السيّد محمّد عبّاس الششتري(تُوفي عام 1888م)، والذي كان أمين السرّ المكلف شؤون المراسلات بين السيد حسين نصيرآبادي ومجتهدي العراق، سلسلة أوصاف مَدْحية وعبارات مُتَعارَف عليها:«وحيد عصره وفريد دهره»لإبراز فرادة النجفي وعِلْمِه؛ «مجتهد الأنام»للإشارة إلى منصبه ودوره لدى المؤمنين؛ مرجع الخاص والعام لتبيان الإجماع حوله (2).

في وقت لاحق، دَلَّ مُصطلح «مرجع» بشكل أدق على مصدر الجدارة في مجال استنباط الأحكام الدينية، ويشهد على ذلك مَثَلَيْن آخرين. في آذار (مارس) 1909م، نشرت مجلة «العرفان» الصادرة في صيدا فتاوى تجيز القتال ضد محمد علي شاه والانقلاب عليه بسبب انتهاكه حُرمة الشريعة. يُشير النصّ الذي يُقدّم هذه الفتاوى إلى صدورها عن أربعة من أكبر علماء الشيعة«إليهم المرجع في الأمور الدينية في كلّ الأمصار»، كما يذكر النصّ عينه احتلال هذه الفتاوى مكانة مماثلة لتلك الصادرة عن شيخ الإسلام في السلطنة العثمانية(3).كلمة «مرجع»في هذه الحالة لا تعني أصحاب

ص: 205


1- Abbas Amanat, «In Between the Madrasa and the Marketplace: The Designation of lerical Leadership in Modern Shi'ism», in Apocalyptic Islam and Iranian Shi'ism, London, I.B. Tauris, 2009, p. 156-157. جدير بالذكر أن أمانات يكتب«مُقتدي «الأنام»(بالياء) وليس«مُقتدى الأنام»(بالألف المقصورة) على غرار ما اعتمدناه.
2- محمّد عبّاس المُشتري الجزائري،ظلّ ممدود ص22 بصدد هذه المراسلة التي تناولت بشكل خاص «خَيرية أوده»الشهيرة، راجع: Juan Cole, <
3- هذه الفتاوى معروفة وكذلك أصحابها (محمد كاظم الخراساني وإسماعيل الصدر وعبد الله مازاندَراني ومحمد تقي الشيرازي)، العرفان المجلد1، العدد 5 آذار (مارس) 1909م، ص 240 - 241.

الجدارة أنفسهم بل تشير إلى أن الجدارة تقع على عاتقهم. وقد أتى شارح الفتاوى على ذكر شيخ الإسلام من باب إقامة الموازاة، وذلك لكي يُنير قراءه. أخيراً، عام 1935م، كتب محمّد حسين الكاشف الغطاء في سير الكاشف الغطاء في سيرته الذاتية أنه أصبح بعد وفاة أخيه أحمد عام 1926م، أحد المراجع في التقليد والفتوى(1). يعني مُصطلح «مرجع» هنا صاحب الجدارة، مع تحديد نطاق كفاءته أي أحكام الفقه الإسلامي. إلّا أنّ المُصطلح نفسه لا يُحيل إلى الجهاز المؤسساتي المُنظَم لممارسة السلطة وبسطها، كما هو الحال اليوم. هكذا نرى جيّداً أنه حتى الخمسينيات من القرن المُنصَرِم كان مُصطلح «مرجع»يشير فقط إلى الفقيه حتى ولو كان الأخير يوصف في أغلب الأحيان بالمجتهد.

ولكن، في تاريخ المذهب الشيعي، تمّ التعبير عن الزعامة الدينية بواسطة ألقاب أو أوصاف مختلفة مثل«رئيس ديني»أو رئيس «المجتهدين» أو «مجتهد العصر» أو في وقت لاحق«زعيم الحوزة». تظهر هذه الألقاب بشكل متكرّر في كتب الطبقات وقد تُذكَر الواحدة تلو الأخرى، مما يعني أنها ليست مترادفة، بل تُحيل إلى وظائف وأدوار متمايزة. أقدمُ هذه الألقاب،«رئيس ديني»(2)، تم استخدامه بداية في إطار علم الحديث عند السنّة والشيعة واتسع فيما بعد ليشمل مجال الفقه حتى القرن العشرين، وبُغية وصف تولّي عالم كبير إدارة الشؤون الدينية، كان الكتاب يلجؤون إلى الجملة الآتية:«انتهت إليه الرئاسة الدينية». حتى ولو لم تعد ضروريّة الإشارة إلى أنّ المعني هو الأخير في طبقته ممّن يستطيعون رواية الحديث أو أنه الأخير في الإسناد(3)، تبقى في عبارة«انتهت إليه...» فكرة انتقاء وتوريث يحصلان بعد وفاة

ص: 206


1- محمّد حسين الكاشف الغطاء العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية، 1998م، ص12.
2- ترجمة جون كوبر لنص الحِلّي وصف الإمام الحِلّي (تُوُفِّيَ عام 1325ه_) الإمامة بالرئاسة. راجع: John Cooper, « in S.A. Arjomand, Authority and Political Culture in Shi'ism, op.cit, p. 240
3- راجع تفسيرات روي متحده وديفين ستوارت المُفصَّلة: Roy Mottahedeh, Loyalty and Leadership in an Early Islamic Society, Princeton, Princeton University Press, 1990, p. 144 ff.. Devin Stewart, «Islamic Juridical Hierarchies and the Office of marji' al-taqlîd», in Linda Clarke (ed.), Shi'ite Heritage. Essays on Classical and Modern Traditions, Global Publications, Binghamton and New York, 2001, p. 150-151

الرؤساء السابقين. فضلاً عن ذلك، ثمّة هرمية قد ترتسم بدءاً من هذا الرأس المُشرِف على الجسم العُلمائي، كما تشي به عبارة رئيس المُجتهدين» التي نجدها مثلاً في عنوان سيرة ذاتية مُقتَضَبة كرّسها هبة الدين الشهرستاني لأستاذه آية الله الخُراساني بعد وفاته(1).

تلوح فكرة الهرمية أيضاً في عبارة مُجتهد العصر» التي تفترض أنّ هذا الأخير هو أفضل زمانه. يبدو أنّ كلمة«زعيم»قد أصبحت مُرادِفة لكلمة «رئيس» فيما بعد، فأضحت عبارات زعيم ديني أو زعيم الحوزة رائجة في القرن العشرين هكذا مثلاً، في الثلاثينيات، عندما طالب مثقفون عراقيون بإصلاح الحوزة لدى كبار مجتهدي النجف،توجّهوا من خلال مقالات صحافية«إلى الزعيم الديني الأكبر السيد أبو الحسن[الأصفهاني ]» و «إلى الزعيم المُصلِح الكبير الإمام [محمد حسين] الكاشف الغِطاء»(2)بعد حوالي ثلاثين سنة، وفي النبذة التي خصصها الشيخ محمد هادي الأميني لأخوند الخُراساني، قدّم الأوّل الثاني -«زعيم ديني» بداية ثمّ ك_«فقيه أصولي»وك- «عالم متَتَبَّع». كما كان يعدّه من كبار أساتذة جامعة النجف وكان يؤكّد أنّ زعامة الحوزة انتهت إليه في كل مكان.

تُلزمنا هذه اللمحة الوجيزة تجنب ارتكاب مُفارقات زمنية عبر «إسقاط» مُصْطَلح حديث ومُرتبط بمؤسسة معاصرة، على أوضاع سابقة؛ كالكلام مثلا عن عن «مرجعية» الطوسي أو الشيخ المفيد أو حتى الكليني. وهذا ما يفعله بعض الذين يكتبون في مجال التاريخ الديني ويجهدون لإثبات استمرارية التقليد والسلطة الدينية منذ غَيبة الإمام الثاني عشر ، ويُسْهِم في ذلك استخدام مُصْطَلح «مرجعية»(3). وثمّة لوائح من

ص: 207


1- هبة الدين الشهرستاني، آية الله الخُراساني، أكبر علماء الدين ورئيس المُجتهدين»، مجلة العلم، (1910 - 1912م)، المُجلّد ،2 مكتبة الروضة الحيدرية، سلسلة صحافة النجف الأشرف، النجف، كانون الثاني (يناير) 1912م، ص 338 .
2- إنّهما عنوانا مقالين نُشِرا في جريدة الهاتف، العددان 63 و 64 ، 12 و 19 شباط (فبراير) 1937م وقد ذكرا في: Yitzhak Nakash, The Shi'is of Iraq, Princeton, Princeton University Press, 1994, p. 265
3- راجع مثلاً الشيخ محمد إبراهيم الجنّاتي، تسلسل المرجعية منذ الغيبة الكبرى إلى الآن»، آراء في المرجعية الشيعية لمجموعة من الباحثين، بيروت، دار الروضة، 1994م، ص 503.

مراجع شُكلت لهذه الغاية(1)من بين الذين يعتمدون المنهجية الأكاديمية ويريدون كتابة التاريخ مع مسافة نقدية، نجد من يحاول تجنب الوقوع في فخ المفارقات الزمنية فيحرص على عدم تَناوُل مُصطَلَح «المرجعية» قبل القرن التاسع عشر. ونجد أيضاً من يتبنى اللوائح المذكورة ولكنه يُرفقها بشروح تدقيقيّة (2). ثلاث ملاحظات تفرض نفسها. فلنُسَجِّل أولاً عدم وجود لائحة واحدة حصرية، بل لوائح متنوعة الطول تعكس مواقف مختلفة حول أحادية المؤسسة الدينية أو تعدديتها:البعض يُدرج علماء بارزين على المستوى المحلّي، والبعض الآخر يكتفي بعلماء المراكز الكبرى الذين تتالوا في تاريخ المذهب الشيعي. ولنلاحظ مِن ثمّ مع ديفين ستوارت أنه حتى ولو انطوت هذه اللوائح المُبتدئة من القرن العاشر على مُفارقات زمنية،«فمشروع كهذا يحتوي على بعض الحقيقة»(3). كان هؤلاء العلماء يمارسون فعليّاً سلطة دينية، أكانت عُليا أم لا، وِفْقَ مبادئ وآليات نَرِد جزئيّاً في ممارسة المرجعية اليوم. نُشير أخيراً إلى صعوبة تحديد لحظة تأسيسية للمرجعيّة. ولَئنْ وُجِدَت رواية تأسيسية بخصوص الحوزة - هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف على غرار النموذج النبوي . وتمت مناقشتها من قِبَل المؤرّخين(4)،فليس الأمر كذلك بالنسبة إلى المرجعية. إذ هي ثمرة تطورات عقيدية معقودة على أوضاع سياسية وعلى عدة عناصر من طبيعة أُخرى. لكتابة تاريخ المرجعية، يجب إذن المرور بتاريخ الوظائف الدينية التي مارسها العلماء، ويجب أيضاً مراجعة تاريخ العلاقات بين هؤلاء العلماء والسلطات القائمة، كما ينبغي فحص تاريخ الألقاب بشكل

ص: 208


1- هذه اللوائح عديدة ويزداد نفاذ العامة إليها سهولة على الشبكة. راجع: http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_deceased_Maraji
2- Calmard, Jean, "Mardja'-i Taklīd," El2, VI, 1991, pp. 548 Genesis and Development of (2) Marja'ism versus the State," in F. Abdul-Jabar, ed., Ayatollahs, Sufis and Ideologues: State, Religion and Social Movements in Iraq, London, 2002, p. 76-79; Fischer, Michael M. J., Iran From Religious Dispute to Revolution, Cambridge and London, Harvard University Press, 1980, pp. 252-254; Hairi, Hairi, Abdul-Hadi, Shi'ism and Constitutionalism in Iran. A study in the Role Played by the Persian Residents of Iraq in Iranian Politics, E.J. Brill, Leiden, 1977, pp. 63-64
3- Devin Stewart, <
4- راجع خصوصاً مقال سَجاد جياد في هذا الكتاب.

دقيق، ولا بد أخيراً من استعادة تاريخ المفاهيم التي كانت تُستخدم من قِبَل العلماء، منذ الغيبة وحتى اليوم، لغرض التمتّع بصلاحيات الإمام والحُكم باسمه وكالة اجتهاد نيابة إلخ ثمّة أبحاث متينة أخذت بعين الاعتبار كلّ هذه العوامل(1)؛عند مقارنتها ببعضها، تُظهر الطابع المُعَقِّد للعمليّة.

مع ذلك، يتفق عدد مهم من المؤرّخين على تبني فرضية انبثاق المرجعية في النجف في القرن التاسع عشر، بفضل النهضة العلمية التي تلت انتصار التيار الأصولي على التيار الأخباري وتحديداً بفضل تطوّر علم أصول الفقه. حسب هؤلاء المؤرّخين، يسرت كلّ من هذه الحركة وتطوّر وسائل النقل والاتصال (البرق)، عمليّة تمركز السلطة الدينية في النجف وبناء المرجعية ومأسستها(2). بعد ذلك، وطوال القرن العشرين، استكملت هذه العمليّة فأضحت مرجعية النجف مؤسسة مستقلة ماديّاً وعابرة للأُمم والدُّوَل وأخذت تنتشر في العوالم الشيعية. كسلطة دينية، تبدو المرجعية «حافظة الإسلام، تدافع عن حقوق المسلمين وتحمي مصالحهم وتُنظم المدارس الدينية، إلخ. إذن، تقوم المرجعية بمهام قيادة الأُمّة(3).

ليست المرجعية بالتالي مُجرّد وظيفة دينية بسيطة تقتصر على الإفتاء، بل مؤسسة مُعَقَّدة تضمّ وظائف عديدة وتُؤَمِّن الرياسة الدينية. فضلاً عن ذلك، فهي مَرِنَة وقابلة للتغير إذ بإمكان كلّ مرجع أنّ يُعيد تشكيلها على طريقته وأنّ يُضفي لمسته الخاصة كأَنه يُضيف مِدْماكه إلى عمارة لا تزال غير مكتملة، وبالتالي حيوية ومفتوحة على احتمالات

ص: 209


1- راجع مثلاً أعمال أمير سعيد أرجو ماند وديفين ستوارت المذكورة في هذا المقال.
2- Juan Cole, «Imami Jurisprudence and the Role of the Ulama: Mortaza Ansari on Emulating (2) the Supreme Exemplar», in Nikki Keddie (ed.), Religion and Politics in Iran. Shi'ism from Quietism to Revolution, Yale University Press, New Haven-London, 1983, p. 33-46. Ahmad Kazemi Moussavi, Religious Authority in Shi'ite Islam. From the Office of Mufti to the Institution of Marja', Kuala Lumpur, International Institute of Islamic Thought and Civilization, 1996. Meir Litvak, Shi'i Scholars of Nineteenth-Century Iraq. The 'Ulama' of Najaf and Karbala', Cambridge University Press, 1998
3- حيدر نزار السيد سلمان عطيّة، المرجعية الدينية في النجف الأشرف ومواقفها السياسية في العراق (1958. 1968م)، مصدر سبق ذكره، ص 18. محمد بحر العلوم، آفاق حضارية للنظرية السياسية في الإسلام، بيروت، دار الزهراء، 2003م، ص98.

عديدة. لا شك بجواز تحليل المؤسسة الدينية الشيعية بواسطة مقاربة فيبيرية تَصِف خبرة ومهارة العلماء وخاصة الفقهاء وتشرح عمليات التحديث الإداري البيروقراطي والروتيني. على الرغم من الطابع المُثمِر لهذه المُقاربة(1)، إلا أنها لا تعكس جميع نواحي المؤسسة. فضلاً عن ذلك، فإنّ التركيز على عمليّة المأسسة - حتى ولو لم تكن مُكتَمِلة - يحجب استمرارية جانب«الفوضى المُنَظَّمة»(2)التي تحكم المؤسسات - يحجب الشيعية، مرجعيّةً وحوزة. وليس الأمر تفصيلاً عابراً، إذ إنّ هذه الفوضى المُنَظَّمة تُمَيّز هذه المؤسسات وتُؤَمِّن بقاءها عبر جَعْل الإحاطة بها وبالتالي حَجْزها ومُصادَرتها، أمراً صعباً. هكذا، ليست عمليّة المَأْسَسَة بِمَنزِلة خط تصاعُدي كما أنها ليست بالضرورة مُرتبطة بالحداثة. بالإضافة إلى ذلك، لَئن أنتجت المرجعيّة هَرَميّةً بين العلماء، فإنّ هذه الأخيرة تبقى فضفاضة وموضوعاً دائماً للتفاوض ، خصوصاً وأنها مُتعدّدة. وحتى ولو اكتفينا بالتاريخ المعاصر، نُلاحظ أنّ الإجماع حول مرجعية واحدة أمر نادر. إنّ كلّ ما ورد آنفاً يدفعنا إلى البحث عن أدوات لمقاربة المرجعية بطريقة مختلفة.

جهاز المؤسسة الدينية

المرجعية عمليّةٌ تُشرِك تشكيلة من لاعبين - بالمعنى الذي أعطاه نوربيرت إلياس(3)- إضافةً إلى أعراف وطرق عمل وقواعد وعناصر عديدة أُخرى ذات طبيعة مُتَنوّعة. لذلك سوف تقاربها هنا بواسطة مفهوم «الجهاز » (dispositif) وقد نَحتَه ميشال فوكو طوال كتابة أعماله.الجهاز،بالنسبة إلى فوكو، عبارة عن «شبكة»من المُمكن حَبكها بين مُختلف عناصر«تشكيلة مُتَنَوِّعة جدّاً، تتضمن خطابات ومؤسسات ومشاريع التكييف المعماري وقرارات تنفيذية وقوانين وإجراءات إدارية ومقولات علميّة ومُقترحات فلسفية وأخلاقية وإحسانية، إلخ.:المُعلَن كما غير المُعلَن»(4). وِفْقَ هذا الفهم، يُصبح الجهاز تكويناً تاريخياً خاصاً، ناتجاً عن اللَّعِب بین هذه العناصر

ص: 210


1- راجع أبحاث سعيد أمير أرجو ماند وخاصة الكتاب الذي أشرف عليه: Authority and Political Culture in Shi'ism, op.cit
2- العبارة مُستخدمة في أوساط العلماء أنفسهم.
3- Norbert Elias, What is Sociology?, New York, Columbia University Press, 1978, chapter 3, «Game models»
4- Michel Foucault, Dits et écrits, t. II, Paris, Gallimard, 1994, p.299

المُختلفة وغير المُتَجانِسة. يُرسى الجهاز بداية لملء وظيفة استراتيجية رئيسية»، في غالب الوقت«للردّ على أمر طارئ»(1). ثمّ يبقى الجهاز قائماً بعد تحقيق الهدف الاستراتيجي الأولي من خلال أثر التكييف المُتكرّر للعناصر المُتنوّعة و«ملء الوظائف الاستراتيجية»بشكل مستديم، يجد الجهاز نفسه معباً من جديد ليدير الآثار التي خلّفها هو نفسه(2).

في حالة المرجعية، يستجيب الجهاز أثناء اشتغاله لحاجة إنتاج سلطة دينية قادرة على تعويض غياب الإمام؛ ويتم تجديد الجهاز دورياً ليُكيّف هذه السلطة مع المُتغيّرات فيما الغياب والانتظار يطولان. يُتيح هذا الجهاز ربط إنتاج العلوم الدينية بعلاقات النفوذ الكامنة خلف ممارسة السلطة، وذلك من خلال إبراز دور الشبكات المُكَوَّنة من عناصر مُتَنَوِّعة. إلّا أنّ كلّ عنصر من هذه العناصر، أكان فاعلاً أو موضوع فعل، له حياته وتاريخه الخاصَّين اللذين يؤثران بشكل أو بآخر على الشبكة. لذلك ينبغي تحديد العناصر المعنية وفحص تاريخها، حتى ولو بطريقة مؤقتة وغير تامة. وهذا هو هدف مقالنا الذي لا يمكنه أن يكون سوى اقتراح أو رسم أولي، نظراً لجسامة المهمة.

من دون أن نستعيد حرفياً طرح فوكو لعناصر الجهاز، يُمكننا أن نستوحي منه، بغية تحديد العناصر غير المُتجانسة التي تقوم بتشغيل المؤسسة الدينية وبتشكيل المرجعية. حتى ولو كانت على هامش الجهاز،استطاعت بعض العناصر أن تؤثر في ديناميته. يشكل الظرف السياسي عنصراً من هذه العناصر، ففي كلّ مرّة حظي الشيعة على منفذ إلى السلطة، كما كان الحال أيام البويهيين وخاصةً أيام الصفويين ثمّ أيام القاجار، قام العلماء بإعادة تنظيم ممارسة سلطتهم و تقويتها. رأينا أعلاه ضرورة عدم الاكتفاء بالبعد السياسي وضرورة الاهتمام بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والتقنية، إلخ. ثمّة فاعلون دينيون من الخارج يؤثرون في دينامية الجهاز. الحوارات والسجالات

ص: 211


1- Michel Foucault, Dits et écrits, t. II, Paris, Gallimard, 1994, p.299
2- Jean-Samuel Beuscart and Ashveen Peerbaye, «Histoires de dispositifs», Terrains et travaux, n°11, 2006/2, p.4. للاطلاع على عرض واضح لمفهوم «الجهاز»، راجع: Giorgio Agamben, Qu'est-ce qu'un dispositif?, Paris, Rivages poche, 2007. نقله مارتن رويفٌ عن الإيطالية.

بین علماء التيار الأصولي ونظرائهم من التيارات الدينية المنافسة، القريبة منها (التيارات السُّنية والأخبارية والشيخية والبابية وإلخ). أو البعيدة (المسيحية واليهودية)، أتاحت لهم إرساء سلطتهم بالفعل، شكّلت هذه الحوارات والسجالات مناسبة للعلماء لرسم حدود عقيدتهم وفرضها كسُنّة يجب اتباعها،بمساعدة دولة أو من دونها. بتعريفهم العقيدة سواء لأتباعهم أم للخارج، رسم العلماء في الوقت نفسه حدود جماعة وجعلوا من أنفسهم ناطقين رسميين باسمها.

في قلب هذا الجهاز قواعد دينية وأعراف تحكم حياة المؤمنين وصلاتهم بالسلطة الدينية وكذلك نفاذ العلماء إلى هذه السلطة. بعض هذه الأعراف أصبح قواعد.

أعراف

يرتكز معيار جدارة العلماء إلى الرجوع إليهم ، وليس هذا المبدأ خاص بالمذهب الشيعي أو بالإسلام في التفسيرات التي يُقدّمها علماء اليوم حول عمل المرجعية، غالباً . ما يقيمون المقارنة مع الأعراف المُتبعة في مجالات أخرى، كالطب، والقاضية بالرجوع إلى خبير ينبغي انتقاؤه بشكل جيّد. هكذا، يتم اختيار المرجع كما يتم اختيار الطبيب. إنّ العُرف القاضي بالاستعانة بعالم لإرشاد مسلمي قطر ما، أمر قديم؛ وكان الأمير أو الوُجَهاء المحليون يتولون هذه المهمة. قدّس العلماء بعد ذلك هذه الممارسة بناءً على توقيع للإمام الثاني عشر يعود إلى فترة الغيبة الصغرى: «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رُواة حديثنا»(1).

في ظل غياب العالم أو بسبب عدم قدرته على الحضور، أُنشئ تقليد الرجوع إلى كتاب هكذا تمّت كتابة مجموعة الأخبار الشهيرة«مَن لا يَحْضُرُه الفقيه»لابن بابويه (تُوفي عام 991م). في المقدّمة ، يفسّر الكاتب سبب العنوان: في إيلاق، بالقرب من بَلْخ، التقى الكاتب بشريف الدين أبو عبد الله المعروف بنعمة والذي حدثه عن كتاب محمد الرازي(تُوفي عام 925م)«مَن لا يَحْضُرُه الطبيب». طلب شريف الدين من ابن بابويه أن يُصنّف له كتابا عن الفقه والحلال والحرام،والشرائع والأحكام، يضمّ كلّ ما جمعه

ص: 212


1- ورد في: Muhammad Ali Taskhiri, «Supreme Authority (marja'iyya) in Shi'ism», in Linda Clarke (ed.), Shi'ite Heritage. Essays on Classical and Modern Traditions, op. cit, p.162

هذا المجال، ويحمل عنوان «مَن لا يَحْضُرُه الفقيه»وذلك«ليكون إليه مرجعه». صنف ابن بابويه الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه وإن كثرت فوائده»(1). أكثر من ذلك، أضاف ابن بابويه شروحاً على الروايات التي ذكرها واستنبط منها قواعد من أجل إرشاد قارئه إلى الصراط المستقيم(2). على الرغم من ذلك، يبقى الكتاب غير عملي إلى حد كبير بالنسبة إلى مؤمن غير عالِم يريد معرفة الأحكام الشرعية.

مَثَلٌ آخر يكمن في«اللمعة الدمشقية»، العمل الشهير ل- «الشهيد الأوّل»محمد ابن مكّي العاملي (تُوفي عام 1385م). لقد دعا السلطان السربداري علي بن مُؤَيَّد (توفي عام 1392م) هذا العالم للمجيء إليه في خُراسان لكنّ الأخير لم يلب الدعوة أو إنّه لم يستطع الذهاب إلى سَبْزَوار(3). يُقال إنّه كتب خلال سبعة أيام مُلَخَّصاً عن أحكام الشيعة الإماميّة وأرسله إلى السلطان.

تمّ تنظيم هذا العُرف بشكل منهجي مع تطوّر الفقه الإسلامي، وتحديداً في جانبه الأصولي، حتى أدى ذلك إلى ما يُسمّى اليوم ب_ «الرسالة العملية»وهي عبارة عن كتاب يضعه الفقيه لكي يستطيع أتباعه الاستناد إليه في ممارستهم اليومية.

قواعد ومفاهيم

ترتكز المؤسسة الدينية على عقائد وقواعد ومفاهيم فقهية لكلّ واحد منها تاريخه ونطاقه التطبيقي؛ لن نذكر هنا سوى الرئيسية منها من دون أن نُطيل في الكلام على مراحل صوغها إن عقيدة غيبة الإمام مسألة مركزية إذ إنّها تحول دون رجوع المؤمنين إلى السلطة المشروعة المقدّسة. للتعويض عن غياب الإمام،أرْسَت أخبار

ص: 213


1- ابن بابويه (الشيخ الصدوق) ، مَن لا يَحْضُرُه الفقيه، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، منشورات جماعة المُدرّسين في الحوزة العلميّة، قم، 1392ه_ / 1972م، ص .3.2
2- Robert Gleave, «Between Hadîth and Fiqh: The <
3- تختلف الروايات حول هذه النقطة. راجع: Said Amir Arjomand, The Shadow of God and the Hidden Imam. Religion, Society, Political Order, and Societal Change in Shi'ite Iran from the Beginning to 1890, the University of Chicago Press, Chicago London, 1984, p. 70-71. Heinz Halm, Shi 'ism, Edinburgh, The New Edinburgh Islamic Survey, 2004 محسن الأمين، أعيان الشيعة، بيروت، دار التعارف 1986م، الجزء 10 ، ص 60.

عِدّة سلطة العلماء وصيغت مفاهيم لتُخَوِّل هؤلاء ممارسة تلك السلطة. بداية، يخلق ثُنائي الاجتهاد والتقليد رابطاً بين الفقيه الذي بإمكانه ممارسة الاجتهاد إذا أتمّ الشروط المطلوبة، والمُكَلَّف،غير المُؤَهّل للاجتهاد، الذي يجب أن يُقلّد أحكام الفقيه وفتاويه. هكذا، أصبح الفقيه مُجْتَهِد(1)والمُسْتَفْتي مُقَلّداً يُقلّد أحكام المُجْتَهِد(2).

بناءً على ذلك، يُطرح السؤال: منذ متى أصبح التقليد إلزامياً؟ يؤكد الشيخ بهاء الدين العاملي (توفي عام 1621م)هذا الواجب بشكل جلي في كتابه «جامع عبّاسي»: «في حالة غيبة الإمام على الفقيه الجامع كل الشروط الحكم، وعلى الناس واجب أن يرجعوا إلى قراراته...»(3). لاحقاً، مع وحيد بِهبهاني(تُوُفِّي عام 1791م)، أدى تفوق التيار الأصولي على التيار الأخباري إلى تقوية هذا الواجب وبالتالي الصلة التي تربط المُقَلِّد بشخص المُجْتَهِد - وليس بآرائه(4). على الرغم من ذلك، ونظراً لغياب المصادر، تصعب معرفة طبيعة وأشكال ممارسات المؤمنين في مختلف المناطق الشيعيّة، وخاصّةً في الأرياف البعيدة عن المراكز الدينية. إذا ركزنا على النظرية، تبقى مسألة مُعَلَّقَة يختلف فيها الفقهاء: جواز تقليد (المُجْتَهِد ) المَيِّت (5). في الواقع، تفضي آليات التقليد وكذلك توسيع نطاق تطبيقه في الشؤون السياسية خصوصا(6)، إلى آراء

ص: 214


1- ترجمة جون كوبر لنص الحلّي: راجع: John Cooper, «Allâma al-Hilli on the Imamate and Ijtihad» in S.A. Arjomand, Authority and Political Culture in Shi'ism, op.cit, p. 243-246
2- راجع مُقدّمة جون كوبر لنصّ مُقَدَّس الأردبيلي (توفي عام (1585) عن التقليد ونص الأردبيلي نفسه في: S.A. Arjomand, Authority and Political Culture in Shi'ism, op.cit, p. 263-266
3- بهاء الدين العاملي، جامع عبّاسي، مؤسسة انتشارات فرحاني، طهران، ص 348. يُضيف الفقهاء المعاصرون أن العقل هو الذي يُملي هذا الواجب راجع مثلاً شرح آية الله محمد رضا غولبايغاني لكتاب أبو الحسن الأصفهاني، وسيلة النجاة، الجزء 1 دار المُجْتَبی، بیروت، 1992م، ص11. Robert Gleave, Inevitable Doubt: Two Theories of Shi'i Jurisprudence, Leiden, Brill, 2000, (4) p.244
4-
5- لمزيد من التفاصيل حول مسألة التقليد، راجع: Linda Clarke, «The Shi'i Construction of Taqlid», Journal of Islamic Studies, vol. 12, n°1 (2001), p. 40-64
6- شكّلت هذه المسألة موضع خلاف شبه جذري بين العلماء لأخذ فكرة عن النقاش المعاصر، راجع: = Robert Gleave, Conceptions of Authority in Iraqi Shi'ism. Baqir al-Hakim, Ha'iri and Sistani on Ijtihad, Taqlid and Marja'iyya», Theory, Culture and Society, vol. 24, n°2, 2007, p.70-75

مختلفة إلى حدّ كبير(1).

أيّ مُجْتَهِد يجب تقليده؟ وما هي معايير الاختيار المتوفرة؟ هنا أيضاً، تمّت مناقشة المشكلة. ثمّة عرفُ يقضي بتقليد الأعلم أفضى إلى مفهوم الأعلمية؛ وجرت عمليّة إظهار صفات المجتهد الضرورية.

مسألة الأعلمية لم يتناولها الإسلام الشيعي الإمامي فقط. إلى درجة أقلّ، استحوذ العلماء السُّنّة على المسألة منذ القرن العاشر ونادوا أيضاً بارتباط المؤمن بالفقيه بشكل وثيق(2). على غرار المفاهيم الأخرى التي ارتكزت عليها المرجعية، كانت مسألة الأعلميّة ثمرة نقاشات وسجالات وصياغات متتالية. منذ القرن الحادي عشر، صرّح الشريف المُرتضى أنّ على المؤمن أن يستشير الفقيه الأعلم والأورع والأدين(3). بعد ذلك، تبنّى عدد مهم من العلماء الرأي نفسه، وقد لاحظ هذا الأمر محمد الطباطبائي المعروف بال_«مجاهد»(تُوُفِّي عام 1827م). في كتابه المخصص لعلم الأصول، يضع هذا الأخير لائحة بالذين تبنوا فكرة وجوب تقليد الأعلم. تبدأ هذه الائحة بالمحقق الحلّي (تُوُفِّي عام 1277م)وتنتهي بوالد الكاتب وجده علي الطباطبائي (توفي عام 1816/1815م)

[ ووحيد البهبهاني]، وتمرّ بالعلّامة الحلّي والشهيدين وعلي الكركي الذي أحد إجماع على الأعلمية وحسن العاملي (تُوُفِّي عام 1552م) وبهاء الدين العاملي. ويضيف الكاتب إلى لائحته علماء سنة مثل ابن حنبل قبل أن يدافع هو نفسه عن هذا الرأي(4). لقد استكمل المرجع إبراهيم الجنّاتي هذه اللائحة وضم إليها جعفر الكاشف الغطاء (تُوُفِّي

ص: 215


1- بالإمكان العثور على لمحة عن هذه الآراء في : Muhammad Ali Taskhiri, «Combining Legal ulings», in Linda Clarke (ed.), Shi'ite Heritage. Essays on Classical and Modern Traditions, op.cit, p.233-242
2- Devin Stewart, «Islamic Juridical Hierarchies and the Office of marji' al-taqlîd», in Linda (2) Clarke (ed.), Shi 'ite Heritage. Essays on Classical and Modern Traditions, op.cit, p. 142-149
3- Ibid, p. 141
4- راجع محمد بن علي الطباطبائي الكربلائي (المُجاهد)، مفاتيح الأصول، قم، مؤسسة أهل البيت، ص 626 http://lib.eshia.ir/13109 نُشير إلى أن بعض العلماء يستخدم كلمة «أفضل عوضاً عن «أعلم»، لكنّ الفكرة الأساس هي نفسها.

عام 1812م) ومحمد إبراهيم الكَلْبَسي (تُوُفِّي عام 1845م) ومُرتضى الأنصاري (تُوُفِّي عام 1864م) وآخرين وصولاً إلى أيامنا(1).

كان رأي محمّد حسن النجفي أقل منهجية في مسألة شرط الأعلمية إذ أجاز«تقديم المفضول مع وجود الفاضل من غير فرق بين العلم بالخلاف وعدمه». لكنّه أضاف أنّ لا طريق للعامي الذي لا أهليّة له للنظر في أمثال هذه المسائل إلّا الرجوع إلى الأفضل [...] ثمّ العمل بقوله »(2). غالباً ما يُعتبر مُرتَضى الأنصاري أوّل مَن أَخْرَج قواعد تقليد الأعلم والذي تم تنظيمه بشكل منهجي فيما بعد مِن قِبَل خُلَفائه أصحاب الجدارة(3). لقد جرى فتح هذا النقاش حول الأعلمية مجدّداً بعد وفاة آية الله بروجردي(1961م) خاصةً، ثمّ في التسعينيات في وقت كان بعض العلماء والمثقفين يطالبون بتعددية المرجعية(4).

بتسلسل منطقي، طرح العلماء سؤالاً آخر ما المقصود بالأعلم؟ المعنى نفسه لكلمة«عِلْم»قد تطوّر عبر تاريخ النظريات الفقهية واختلف حسب الظروف. يتساءل «المُجاهِد» إذا كان المُراد بالأعلم هو الأكثر حِفْظاً لمسائل الفقه المُتَناوَلة، أو الأشدّ قوّةً لاستخراجها أو الأكثر ترجيحاً في حال حصول إشكال. نظراً لعدم عثوره على جواب في النصوص، يُتابع«المُجاهِد»: «التحقيق [الجواب] يقتضي الرجوع هنا إلى العُرف،

ص: 216


1- لشيخ محمد إبراهيم الجنّاتي المسار التاريخي لأطروحة لزوم تقليد الأعلم»، آراء في المرجعية الشيعية، دار الروضة، بيروت، 1994، ص 92.91. راجع أيضاً: Ahmad Kazemi Moussavi, Religious Authority in Shi'ite Islam: From the Office of Mufti to the Institution of Marja', Kuala Lumpur, International Institute of Islamic Thought and Civilization, 1996, p.179-182
2- محمد حسن النجفي، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الطبعة الحادية عشرة، طهران، دار الكتب الإسلامية ، 1385ه_ / 1965م، الجزء 21، ص 402.
3- Juan Cole, «Imami Jurisprudence and the Role of the Ulama: Mortaza Ansari on Emulating (3) the Supreme Exemplar», in Nikki Keddie (ed.), Religion and Politics in Iran. Shi'ism from Quietism to Revolution, New Haven - London, Yale University Press, 1983, p.33-46. علي أكبر ذاكري، «المرجعية وشروط الأعلمية»، آراء في المرجعية الشيعية، مصدر سبق ذكره، ص198.
4- هَدَفَ كتاب آراء في المرجعية الشيعية الجماعي والمذكور أعلاه إلى إعادة فتح هذا النقاش مُبيناً أن تقليد الأعلم ليس شرطاً ضرورياً. نُشِرَ الكتاب في زمن انبثاق مرجعية محمد حسين فضل الله الذي كان ينادي خصوصاً بشرط أو صفة معاصرة المجتمع.

فكلّ من يُطلق عليه عرفاً أنه أعلم، يجب الرجوع إليه، إن قلنا بوجوب تقليد الأعلم [...]»(1). اقترح مُرتضى الأنصاري أجوبة عن تساؤلات «المُجاهِد» وغيره من علماء هذه الحقبة في نظره الأعلم «من كان أقوى مَلَكةً وأشدّ استنباطاً بحسب القواعد المُقَرَّرة»، بمعنى آخر من أجاد في فهم الأخبار [...] وأنواع التعارض [...] وفي تشخيص مظان الأصول اللفظية والعمليّة وهكذا إلى سائر وجوه الاجتهاد [...]»(2)؛ أو أيضاً: «الأكثر أستاذية في استنباط حكم الله وفهمه انطلاقاً من الأدلة الشرعية»(3).

أكمل خُلفاء الأنصاري،أي كبار أساتذة الحوزة الذين مارسوا السلطة، حَصْرَ كفاءات الأعلم في الإطار الفقهي البحت(4). ولقد تمّ إدخال معايير إضافية مؤخراً في زمن اتساع النقاش إلى جمهور أعرض: توسيع مَعارِف الفقيه في علوم أخرى؛ سرعته في ممارسة الاجتهاد عمره؛انتماؤه إلى فئة السادة علاقته بالحداثة؛ وعيه السياسي؛ إلخ(5). أخيراً، ثمّة صفات أخرى غير العلم مطلوبة وتهدف إلى الرقابة على خضوع المُجْتَهِد التام للشريعة وإلى تحديد درجة هذا الخضوع.إنّها الصفات التي كانت مطلوبة من الفقهاء خاصةً وأنهم كانوا مُخَوَّلين تحصيل الحقوق الشرعية . ولم يختلف تعريفها إلا قليلاً منذ ذلك الحين : العدالة والورع والتقوى.

تلتقي هذه المفاهيم لشدّ أواصر الصلة التي تربط المؤمن بالمُجْتَهِد. من دون أنّ تطيل الحديث عنها ، نُشير إلى أنّ العلماء الشيعة صاغوا أيضاً، وعلى مراحل متتالية، مفهوماً يسمح بِرَبْط المُجْتَهِد بالإمام - المرجعية الأخيرة والأعلى - وإرساء مشروعيتهم

ص: 217


1- محمد بن علي الطباطبائي الكربلائي (المعروف بالمجاهد)، مفاتيح الأصول، مصدر سبق ذكره، ص632.
2- مُرتضى الأنصاري، مطارح الأنظار، تقريرات أبو القاسم نوري كلانتري، مؤسسة أهل البيت، 1404ه_ / 1983م، ص 307 . http://lib.ahlolbait.com/parvan/resource/39443
3- مُرتضى الأنصاري، صراط النجاة، تحقيق محمد حسين فلاح زاده، قم، 1373ه_ / 1954م، ص
4- حسب آية الله تسخيري، إن أتباع مُرتَضى الأنصاري هم الذين أرسوا في النهاية ذاك المفهوم. راجع: Muhammad Ali Taskhiri, «Supreme Authority (marji'iyyah) in Shi'ism», in Linda Clarke (ed.), Shi'ite Heritage. Essays on Classical and Modern Traditions, op.cit, p.166, note 18
5- محمد إبراهيم الجنّاتي، المسار التاريخي لأطروحة لزوم تقليد الأعلم ، آراء في المرجعية الشيعية، مصدر سبق ذكره، ص 92 - 93.

بالتالي. إنّه مفهوم«النيابة»: كنائب للإمام، يستطيع المُجْتَهِد أن يحكُم باسمه ويتمتع ببعض صلاحياته(1)

كتابات

تعلم مدى أهمية الترابط بين الشفهي والكتابي في عملية نقل العلم في الإسلام. ويكمن هذا الترابط في كلمة «قرأ» نفسها إذ تعني في آن واحد القراءة والتسميع، وقد تعني أيضاً الدراسة إذا كانت مُلحقة بحرف الجرّ على »(2). يُشكّل هذا العلم المُنتَج والمنقول من قبل العلماء، موضوع أنواع شتى من الكتابات التي تتعلق بمختلف العلوم الدينية الإسلامية ومن بينها الفقه الذي يهمنا هنا بشكل خاص إذ يكوّن قاعدة جدارتهم : الرسالة؛ الشرح؛ مجموع الفتاوى؛ الحاشية أو التعليق؛الإجازة؛ التقريرات(3)؛ بالإضافة إلى كتب الطبقات التي تشترك في عمليّة إضفاء المشروعيّة على العلماء.وكلّ هذا يُسهم في تدوين التقليد وتحديثه من قبل سلسلة من العلماء يُوصلون إسهاماتهم الكتابية بواسطة أختامهم.

تأتي في المقام الأوّل الرسائل في الفقه وفي أصوله مُرفَقةً بشروحها الضرورية،

ص: 218


1- جرى تناول تلك المسألة في عدة دراسات. راجع خصوصاً : Said Amir Arjomand, The Shadow of God and the Hidden Imam. Religion, Society, Political Order, and Societal Change in Shi 'ite Iran from the Beginning to 1890, op.cit, p.141-144, 224-229
2- George Makdisi, The Rise of College Institutions of Learning in Islam and the West,Edinburgh, Edinburgh University Press, 1981, p. 141-143 and p.242-243. لقد تمت دراسة هذه المسائل في ظروف معاصرة أيضاً، راجع مثلاً: Dale Eickelman, «The Art of Memory: Islamic Education and Its Social Reproduction», Comparative Studies in Society and History, vol. 20, n° 4 (Oct. 1978), p.485-516; Brinkley Messick, «Genealogies of Reading and the Scholarly Cultures of Islam», in S. C. Humphreys (ed.), Cultures of Scholarship, Ann Arbor, The University of Michigan Press, 1997, p.387-412
3- آغا بزرك الطهراني، الذريعة، الجزء الرابع، ص 366 367 يبدو أن عُرف تدوين عن التقريرات راجع التقريرات تطوّر مع مهدي بحر العلوم وقد قام تلميذه جواد العاملي بنسخ بعض دروسه. راجع: مقدّمة فاضل بحر العلوم لكتاب محمد مهدي بحر العلوم إجازات الحديث، مركز تراث السيّد بحر العلوم، 2010، ص 59؛ محسن الأمين، أعيان الشيعة، الجزء 10، ص.

نذكر منها بعض الأعمال الرئيسية التي تمّ صوغها في النجف إثر النهضة العلمية: جواهر الكلام لمحمّد حسن النجفي وهي شرح شرائع الإسلام للمحقق الحلّي(1)؛المكاسب المُرتضى الأنصاري وهي رسالة في المبادلات التجارية، وفرائض الأصول للكاتب نفسه وهي رسالة في الأصول؛ كفاية الأصول لمحمد كاظم الخُراساني(تُوُفِّي عام 1911م). حتى اليوم، تشكل هذه الكتب مراجع لفقهاء النجف الذين ما زالوا يدرسونها.

إلى هذه الرسائل المُوَجّهة إلى ،علماء تُضاف،كما رأينا أعلاه، كتب تهدف إلى تنوير المؤمنين وإرشادهم إلى الأحكام التي يجب اتباعها للامتثال للشريعة الإلهية. لقد تمّت كتابة هذه الرسائل بأشكال مختلفة(2)قبل أن يجري توحيدها وتنميطها، في وقت سهلت وسائل الاتصال الحديثة نشرها، فصُنفت تحت اسم «رسالة عملية». وقد شكلت عدة كتب من هذا النمط نموذجاً لرسائل اليوم، ومن بينها العُروة الوثقى لمحمّد كاظم اليزدي (تُوُفِّي عام 1919م)، والذي جرى تحقيقه لاحقاً من قبل علماء كبار(3). مع ذلك، تنبغي كتابة تاريخ هذا التنميط. هكذا، فإنّ رسائل بعض المجتهدين الكبار الذين مارسوا الرياسة الدينية معروفةٌ حتى اليوم في أوساط العلماء، في حين ما زال غيرها مجهولاً. أمرٌ مُدهش أن نلاحظ أن رسالة محمد حسن النجفي، نجاة العِباد في يوم المعاد (المنشورة في طهران عام 1846م)بقيت في الواقع الرسالة المرجع حتى صدور العُروة(4). وقد جرى تحقيقها من قِبَل مُرتضى الأنصاري وحسن الشيرازي ومحمد تقي اليزدي وإسماعيل الصدر الذين أبدوا فيها آراءهم لتدقيق أو دحض آراء النجفي الأمر الذي أتاح للمؤمنين الاستمرار في الرجوع إلى مجتهد حي، حتى بعد وفاته(5).

ص: 219


1- عن هذا الكتاب راجع مقال روبرت كليف المذكور أعلاه.
2- ميري، عباس، «المرجعية والرسائل العملية»، آراء في المرجعية الشيعية، مجموعة من الباحثين، دار الروضة، بيروت، 1994م، ص 477-508. يقدم هذا المقال رسائل حتى فترة مهدي بحر العلوم (توفي عام 1797).
3- بشكل عام، تبدأ الرسائل العملية اليوم بفصل عن لزوم التقليد ومن ثم تحتوي على الفصول المعهودة في الفقه، وفق ترتيب محدّد.
4- Meir Litvak, Shi'i Scholars of Nineteenth-century Iraq, op.cit, p. 92. Dewin Stewart, «
5- الذريعة إلى تصانيف الشيعة، بيروت، دار الأضواء، 1983م، الجزء 24، ص 59 - 60 . إنّ لآغا بزرك الطهراني مخطوطة قسم من هذه الرسالة المتعلقة بالعبادات موجودة في مكتبة مرعشي في قمّ(رقم - 684)، وثمّة مخطوطات أخرى من نجاة العباد موجودة في مكتبة مركز الأمير في النجف وفي مكتبة جامعة برينستون. بالإمكان معاينة نسخة قسم من كتاب هداية الناسكين، المُزَيَّدة بملاحظات يوسف الصانعي، على: http://saanei.org/index.php?view=03,01,09,22,0

لقد نصح الأنصاري مُقَلّديه بالرجوع إلى هذه الرسالة(1). بالفعل، كان يتبع مبداً هو نفسه يتبع مبدا الاحتياط، وعلى الرغم من الطلبات المُلّحة،اكتفى بإضافة حواش إلى رسائل أسلافه، عِوَض كتابة رسالة جديدة(2).إن الحواشي التي كتبها على رسالة النجفي أقل عدداً تلك التي وضعها المجتهدون الآخرون(3). ثمّة كتابٌ قُدِّمَ لاحقاً على أَنه«الرسالة العملية»للأنصاري يحمل عنوان صراط النجاة(4)، ألفه الحاج ملا محمد علي يزدي لكنّه يطرح مشكلة للمؤرّخ لأنه عبارة عن مجموعة مسائل تناولها الأستاذ شفهياً ولم يصفها كتابياً على شكل فتاوى(5)؛فضلا عن ذلك، لم يكن الجامع يُعَدّ من بين تلاميذ

ص: 220


1- إبراهيم الجنّاتي، أدوار الفقه، قم، 1374ه_ / 1955م. http://www.hawzah.net/Per/H/do.asp?a=HJBD.HceTM
2- كتب الأنصاري أيضاً حواشي على رسالة جعفر الكاشف الغطاء، بغية الطالب، وعلى رسالة محمّد إبراهيم الكلبسي ، النخبة (بالفارسية). إبراهيم الجنّاتي، مصدر سبق ذكره http://www.hawzah.net/Per/H/do.asp?a=HJBE.HTM. مرتضى الأنصاري، زندكاني وشخصيت شيخ أنصاري الاتحاد، 1380ه_ / 1960م، ص132. راجع أيضاً آغا بزرك الطهراني الذريعة، مصدر سبق ذكره الجزء 24، ص90.
3- محمد حسن الشيرازي هو الذي كتب أكبر عدد من الحواشي على مخطوطة مكتبة مرعشي، يليه إسماعيل الصدر ثمّ محمّد تقي يزدي وأخيراً مرتضى الأنصاري. أشكر سعيد جزري الذي ساعدني على معاينة المخطوطة.
4- مصدر سبق ذكره. راجع حاشية الطهراني في الذريعة، الجزء 15 ، ص 37 مُرتضى الأنصاري، صراط النجاة، تمّت ترجمة النص الأصلي من الفارسية إلى العربية وأعيد تنظيمه وجرى تحقيقه؛ نعثر على عدة مخطوطات في مكتبتي مركز الأمير والحكيم في النجف.
5- مة مخطوطة موجودة في مكتبة مرعشي (رقم (252 (123) بتاريخ 1299ه_ / 1881م، أي بعد وفاة الأستاذ وهي لا تتضمن ختمه بل ختم محمد حسن الشيرازي الذي حققها. لم أستطع أن أعاين مخطوطة مؤرخة من العام 1855م (أي عندما كان الأنصاري على قيد الحياة) وموجودة في مكتبة جامعة برينستون استخدم خوان کول نسخة مطبوعة ومؤرّخة من العام 1883 في مقاله : «Imami Jurisprudence and the Role of the Ulama: Mortaza Ansari on Emulating the Supreme Exemplar», in Nikki Keddie (ed.), Religion and Politics in Iran. Shi'ism from Quietism to Revolution, op.cit, p.42

الأنصاري المعروفين(1). ولئن تمّ تداول عدة طبعات لهذا النص(2)، فإنّها جرت بعد وفاة الأنصاري خاصةً، ومع تحقيقات لمجتهدين آخرين(3). بذلك يعكس هذا النص النقاشات بين العلماء، خاصةً حول آليات التقليد، ويعطي صورة أولية عن الرسالة العمليّة في الفقه كما ستتطوّر بعد محطتي العُروة الوثقى لمحمّد كاظم اليزدي ووسيلة النجاة لأبي الحسن الأصفهاني. إن دراسة منهجية للرسائل العملية والحواشي منذ تلك الفترة وحتى أيامنا، قد تُظهر تقاربات وافتراقات بين المراجع، ليس فقط حول مسائل محدّدة بل وفق اختيار الرسالة التي يرى فيها كل واحد منهم نموذجاً يُحتذى.

على صعيد آخر، تظهر الأسانيد في الإجازات. يبدو أن تقليد منح إجازة رواية أو اجتهاد إلى تلميذ الأمر الذي كان رائجاً في النجف كما في كلّ مراكز العلوم الإسلامية (4)، عرف انحطاطاً نسبياً في القرن التاسع عشر، لأنّ عدد الطلاب والعلماء ازداد وتدنّت قيمة الإجازة. لقد أخذ على محمّد حسن النجفي منحه الكثير من الإجازات،لدرجة قيل إنّ لديه مصبغة لصناعة علماء. كان يمنح إجازات قضاء باسمه بغية تشكيل شبكة وكلاء وترسيخ سلطته، وكان يعطي إجازات اجتهاد إلى طلّابه الإيرانيين قبل مغادرتهم النجف وعودتهم إلى إيران لعلهم ينشرون هناك تعاليمه(5).

ص: 221


1- لم يرد اسم محمد علي يزدي في القائمة المُفَصَّلة جداً لتلاميذ الأستاذ مُرتضى الأنصاري، زندكاني وشخصيت شيخ أنصاري، مصدر سبق ذكره، ص 168 - 322، ولم أعثر عليه في الطبقات.
2- أحصى عبّاس أمانات عشر طبعات بالفارسية تم تداولها حتى عام 1910 راجع : Abbas Amanat, «In Between the Madrasa and the Marketplace: The Designation of Clerical Leadership in Modern Shi'ism», in Apocalyptic Islam and Iranian Shi'ism, op.cit, p.268, note 5
3- محمد وهم حسن الشيرازي ومحمد كاظم يزدي وأخوند الخراساني ومحمد تقي الشيرازي وإسماعيل الصدر ومحمّد تقي الأصفهاني وحسين خليل طهراني راجع مرتضى الأنصاري، صراط النجاة، مصدر سبق ذكره ص 17.
4- للاطلاع على دراسة مُفَصَّلة لإجازة، راجع: Robert Gleave, «The Ijaza from Yusuf al-Bahrani (d.1186/1772) to Muhammad Mahdi Bahr al-'Ulum (d. 1212/1797-8)», Iran: Journal of the British Institute of Persian Studies, vol. 1994, p.115-123
5- جعفر آل محبوبة،ماضي النجف وحاضرها، بيروت، دار الأضواء، المجلد الثاني، 1986م،ص129. راجع أيضاً: Meir Litvak, Shi 'i Scholars of Nineteenth-century Iraq, op.cit, p. 181 and p.66-67

بشكل أعم، أتاحت مختلف أنواع الإجازات تنصيب علماء وتعيين وكلاء للمرجع. كثيرةٌ هي الأسئلة التي تُطرح حول تاريخها منذ القرن التاسع عشر حتى أيامنا، وحول معناها. هكذا، لا تهدف إجازات الاجتهاد على وجه الخصوص إلى السماح للعالم بممارسة الاجتهاد بل تهدف بالأحرى إلى الإقرار بقدرته على القيام بذلك. واليوم، يمنح أساتذة النجف الكبار القليل من هذه الإجازات، فوسائل الاتصال تُتيح الشهرة للعلماء حتى ولو كانوا بعيدين عن النجف، من دون الحاجة إلى إجازة تُثبت كفاءتهم. ولكن،في كتابات أخرى (إهداءات كتب أو تقريرات؛ رسائل)، يُقَدِّم المراجع دلالات قوية هي،لمن يعرف فك رموزها ، أكثر بلاغةً من أي إجازة(1)

حقوق شرعية

تحصيل الحقوق الشرعيّة (خاصةً الخُمس) ونظام إعادة توزيعها من قبل المُجتهد، يشكلان الأساس الاقتصادي للمرجعية وأساس تنظيمها ومأسستها وانتشارها في المناطق الشيعية الأكثر بُعداً عن المركز .(النجف) .«يُطَهِّر» المُجتهد أموال المؤمنين ويُقرر كيفية صرفها حسب القواعد المُحَدَّدة في العقائد.إلى الحقوق، تُضاف هبات المحسنين التي كان،لها طوال تاريخ النجف،أثر بارز ، كأوقاف أوده مثلا(2). فضلاً عن ذلك، يضمن هذا النظام استقلال الحوزة المالي إذ يتولّى المجتهد أو المجتهدون تأمين عملها عبر إعطائهم رواتب للطلاب ودفعهم أجوراً للأساتذة.

غير أنّ تاريخ بناء هذا النظام غير مكتوب.بعض الأبحاث النظرية تعرض تاريخ السجالات بين الفقهاء حول هذه المسألة, BSOAS, n° 45 (1982), p.39-47. راجع أيضاً: Ahmad Kazemi Moussavi, Religious Authority in Shi'ite Islam: From the Office of Mufti to the Institution of Marja', Kuala Lumpur, International Institute of Islamic Thought and Civilization, 1996, p.218-226. إسماعيل إسماعيلي، أسس التصرف بالحقوق الشرعية»، آراء في المرجعية الشيعية، مصدر سبق ذكره، ص 521 - 559.' class='content_notelink'>(3). تبدو هذه الأبحاث مُفيدة لكنها غير كافية

ص: 222


1- مقابلة مع جواد الخوئي (النجف (2011م) الذي ذكر جدّه أبو القاسم الذي لم يمنح سوى ثلاث أو أربع إجازات لكنّه كرّم بعض طلابه بكلمات مُعَبِّرة تُشير إلى درجة قُربه منهم أو إلى تقديره لهم.
2- راجع في هذا الكتاب مقال روبرت ريغز عن هذا الموضوع وعن مصادر دخل العلماء الأخرى.
3- راجع خصوصاً أعمال نورمان كالدر: Norman Calder, The Structure of Authority in Imâmî Shî'î Jurisprudence, unpublished PhD dissertation, SOAS, London, 1980, chap. 5, p. 108-146 Norman Calder, «Khums in Imami Jurisprudence from the 10th to the 16th Century A.D.»>, BSOAS, n° 45 (1982), p.39-47. راجع أيضاً: Ahmad Kazemi Moussavi, Religious Authority in Shi'ite Islam: From the Office of Mufti to the Institution of Marja', Kuala Lumpur, International Institute of Islamic Thought and Civilization, 1996, p.218-226. إسماعيل إسماعيلي، أسس التصرف بالحقوق الشرعية»، آراء في المرجعية الشيعية، مصدر سبق ذكره، ص 521 - 559.

لفهم تطوّر الممارسات،على المدى البعيد، بين التنظيم المالي للأئمة الذي يرجع إليه الفقهاء الأصوليون، وعملية تنميط الجباية. وقد ينبغي جَمْع روايات وأخباراً استناداً إلى مصادر مكتوبة وإلى مشاهدات لآليات عمل معاصرة، بُغية فهم عنصر أساسي يُسهم في فرادة المرجعية، وخاصةً مرجعية النجف التي لا تزال مستقلة كليّاً عن الدولة.

يؤَمِّن هذا النظام قوّة المرجعية اليوم ويُتيح لها أن تُديم أو تَخْلُق مؤسسات أخطبوطيّة (دينية، ثقافية، خيريّة، وإعلامية أيضاً)تنشر العقائد وتُؤَمِّن استمرارية الصلة بين المُجتهد والمُقلّد كما بين المركز والأطراف تُشكّل هذه المؤسسات شبكة هي ، نفسها عنصر من الجهاز المذكور أعلاه. ويضمّ هذا الأخير شبكات أُخرى مُكَوَّنة من مجموعات فاعلين.

شبكات

الجسم العُلمائي هو الفاعل الرئيس في عمليّة مأسسة السلطة الدينية. التضامن في وجه الخارج والتنافس الداخلي(إثني وعائلي وبين طلاب أساتذة مختلفين، إلخ). والانقسام بسبب سجالات، أدّى بهذا الجسم إلى اعتماد البنية الهرمية. أيام الصفويين والقاجار وبدفع من الدولة، تم إنشاء أنماط تنظيم شكليّة أعطت للعلماء مواقع ووظائف رسميّة. ولكن، مع (إعادة) تأسيس سلطة دينية مستقلة عن الدولة في النجف في القرن التاسع عشر، نَمَت هر ميةٌ قد تبدو غير شكلية وغير متبلورة لأنها في تفاوض مُتَواصِل ولا يضبطها سوى«المُعلَن وغير المُعلَن»، على حدّ تعبير فوكو. كنّى تفخيمية وألقاب،تصف العلماء وتُمَيّزهم عن بعضهم البعض ؛ وتتكفّل شهرتهم داخل الجماعة بما تبقى.

العلماء وأساتذة الحوزة وطلابها وأئمّة المساجد والقضاة ومبلّغو المجالس

ص: 223

وقراؤها ، يشكلون مجموعات ضغط تُشارك كل واحدة على مستواها، في تعيين أو في«انبثاق»المرجع من بينهم، يخلق أهل الخبرة الصلة بين المرجع والمُقلّد عندما يطلب الأخير نصيحة بغية اختيار من الذي سوف يُقلّد. أخيراً، لا يمكن للسلطة أن تبسط نفسها خارج المركز من دون شبكة وكلاء يمثلون المرجع وينشرون تعاليمه ويُحصلون الحقوق ويُكَلَّفون أحياناً بصرفها في أمكنة وجودهم. هنا أيضاً، نجد أنّ هذا التصوّر هو عُرفُ قديم يُرجعه العلماء إلى زمن الأئمة الذين كان لديهم وكلاء يُحصلون الحقوق في الأقطار البعيدة عن المركز(1). إلا أنه لا توجد استمرارية تاريخية بين هذا النموذج وشبكة الوكلاء التي تم إنشاؤها ابتداءً من نهاية القرن التاسع عشر. حتى ولو كانت تنقصنا مصادر لتناول مختلف مراحل هذه العملية نستطيع أن نرجع أقله في ما يخص هذه الفترة، إلى وثائق الوكالات المكتوبة(2).

ثمة شبكات خارج أوساط العلماء تدخل ضمن إطار الجهاز في النجف وحيثما تنتشر المرجعية: سواء أكانت ماليّة«أو سياسية أو الاثنين معاً)، تتكوّن هذه الشبكات من تجار ووجهاء محليين ( مدنيين أو ريفيين»ومُلاك أراض ومصرفيين وإلخ. ولكنّها تضم أيضاً مثقفين وفاعلين سياسيين متنوّعين على هذا القدر، إنّها مجموعات ضغط تلعب، كلّ واحدة على طريقتها، دوراً أو تُحاول التأثير على المرجعية.

أخيراً، يُستكمل هذا الجهاز ب_«مشاريع التكييف المعماري»التي تخص أماكن العبادة والتعليم، والمدارس التي يسكن فيها الطلاب وخاصةً بيت المرجع وهو بمنزلة مركز المرجعية. تحوي النجف اليوم عدة بيوت مراجع هي بالتالي مراكز. إلّا أنّ ثمّة مركزاً يتخطى جميع تلك المراكز وهو عبارة عن مجمّع معماري في قلب المدينة: مرقد الإمام علي وقبته الذهبية.

ص: 224


1- Hossein Modarressi, Crisis and Consolidation in the Formative Period of Shi'ite Islam: Abū Jafar ibn Qiba al-Razi and his Contribution to Imāmite Shi 'ite Thought, Princeton, 1993, pp. 12-18; Liyakat N. Takim, The Heirs of the Prophet. Charisma and Religious Authority in Shi 'ite Islam, Albany, State University of New York Press, 2006, pp. 140-142
2- نعثر عليها مثلاً في مؤسسة كاشف الغطاء في النجف وفي : www.kashifalgetaa.com

النجف الأشرف مركز علمي وفكري على الصعيدين المحلي والعالمي

اشارة

الطوسي

د. حسن عيسى الحكيم

بسم الله الرحمن الرحيم

تركزت الزعامة الدينية في النجف الأشرف وقيادة العالم الإسلامي بدءاً من القرن الخامس الهجري يوم حط الرحال فيها الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن المتوفى 460ه_ ، وأخذت في التوسع والنمو حتى إنها بلغت الذروة في القرن الرابع عشر الهجري، والجزء الأكبر من القرن العشرين، وقد بلغت مدرسة النجف الأشرف مجدها الذهبي في عصر هؤلاء المراجع الكبار عدا فترة انتكاسة شهدتها النجف في الفترة المحددة بين (1970 - 2003م) وقد شهدت أواخر عهد الإمام السيد الحكيم، واستمرت في الهبوط حتى عهد السيد السيستاني، فقد لعبت السلطة العراقية دوراً كبيراً في تحجيم الحوزة العلمية وتقليص نفوذ المرجعية العليا، وساعدت الحرب العراقية الإيرانية (1980 - 1988م) على عملية الهبوط في الحوزة العلمية، وقد أدت هذه الحرب إلى اعتقال العديد من رجال العلم وتصفية الكثير منهم جسدياً وهجرة الآلاف إلى خارج العراق سواء عن طريق الإكراه أو التسفير الحكومي أو عن طريق الاختيار، وقد انسحب الأمر على تقليص الحركة الأدبية أيضاً، فقد عانى الأدباء والشعراء معاناة العلماء والفقهاء. ومن الملاحظ أنه كان للأسر العلمية النجفية موقع بارز في مدرسة النجف فقد نبغ منهم مراجع تقليد وفقهاء وأصوليون،وخطباء وأدباء وشعراء وكتاب، وحظيت مجالس بعضهم العلمية والأدبية برواد كان لهم بسوق العلم والأدب نصيب وافر، وكانت هذه المجالس بمثابة نواد ومنتديات يلتقي فيها الفقيه والأصولي والشاعر

ص: 225

والكاتب وغيرهم من أصحاب المعارف، ويمتزج فيها العالم الفقيه بالكاسب والتاجر ومع الطبقات الاجتماعية الأخرى، وكانت تضم أعلاماً من مدن العراق كافة إضافة إلى الجاليات الأجنبية الوافدة إلى النجف للتحصيل العلمي أو العمل والتجارة. ويقول الشيخ محبوبة:«إن بعض البلدان الفراتية،وأن أخذت بنصيب وافر من الأدب وشهرة سائرة، ولكن لم تكن بضاعتها الأدبية رائجة ما لم تقم في سوق النجف الأدبي وتعرض على صيارفته وتدخل تحت منتوجاته. وقد سمعت من بعض مشايخي العلماء والأدباء الذين سبروا الأدب الفراتي ووقفوا على غوره يقول: إن الشعر الفراتي مهما كان شاعره فحلاً فهو خطير ما لم يتخرج شاعره في النجف أو يتتلمذ على بعض أساتذتها ومشايخها»(1)، وقد ساير الأدب النجفي، الفقه والأصول والفلسفة وعلم الكلام والمنطق وعلوم أخرى، فالطلب النجفي يستقي العلم من هذه الموارد وفق الطريقة الإسلامية المعروفة، دون أن يتلقى الأستاذ أجراً ولا يتحمل الطالب عبئاً مالياً وذلك تنزيهاً للعلم من التكسب والاتجار، وعن أية وسيلة تجرّ منفعة دنيوية(2). ويتكفل مراجع الدين العليا برواتب المدرسين والطلبة، وهذا مما شجع طالب العلم على الدراسة في مدينة النجف، وعند إكمال هؤلاء تحصيلهم العلمي فإنهم يعودون إلى مدنهم علماء مرشدين أو خطباء واعظين،وقد يفضل بعضهم البقاء في النجف ليقضي فيها بقية حياته بين الدراسة والعبادة والتأليف، ويقوم بعضهم بإرشاد الناس في القرى والأرياف وبخاصة في شهر رمضان، ثم يعودوا إلى النجف وبذلك يلتحم العلم بالعمل تحقيقاً للرسالة الإسلامية(3). ويكلف المرجع الديني الأعلى أحد تلاميذه بالسفر إلى مدينة ما في العراق أو خارجه ليقوم وكيلاً عنه بإرشاد الناس وتبليغهم الشعائر الإسلامية و محتويات رسالة المجتهد الفقيه.

وقد امتهن بعض رجال العلم وظيفة الكتابة عند رؤساء العشائر العربية في وسط العراق وجنوبه، أو امتهان الخطابة الحسينية، فإن الكثير من هؤلاء قد تخرجوا من مدارس النجف.

ص: 226


1- محبوبة ماضي النجف وحاضرها 390/1.
2- محمد جواد مغنية حول الدراسة في النجف الأشرف مجلة العرفان الجزء السابع، المجلد (49) لسنة 1381ه_ / 1962م، ص622.
3- حسن معتوق المرجعية، ص 57.

وفي كثير من الأحيان يرسل المرجع الديني الأعلى من له خبرة اجتماعية لحل المنازعات العشائرية وإصلاح ذات البين وفض الخصومات دون إراقة الدماء، وقد أشار «موبرلي» إلى أثر النجف الاجتماعي في المناطق الواقعة خارجها بقوله: إن مدينة النجف تتسلم جميع الأخبار عن طريق القادمين إليها من كل مكان، وإن نفوذها يمتد إلى جميع العراق وخارجه وباعتبار النجف أقدس مدينة عند الشيعة ومقراً للمجتهدين، وأعطت للنجف والنجفيين نفوذاً كبيراً(1). وأصبح لكثير من أعلام النجف مقام رفيع في المدن التي يحلّون فيها، ففي مدينة بغداد كان الشبيبيان (محمد رضا ومحمد باقر)والشيخ علي الشرقي، والأستاذ إبراهيم الوائلي، والسيد محمد صالح بحر العلوم، والأستاذ محمد مهدي الجواهري، والدكتور مهدي المخزومي والدكتور عبد الرزاق محيي الدين وغيرهم من الأعلام النجفيين قد استقروا ببغداد، وحينما انتقل السيد محمود الحبوبي إلى بغداد تحلق الأدباء والشعراء حوله، وإذا بجمعية الرابطة الأدبية تنتقل من النجف إلى بغداد، وقد انتدبه الأستاذ جعفر الخليلي محكماً في المسابقات الشعرية التي كانت دار التعارف تجريها لبضائع الشركات التجارية،وقد اقترح أن يكون حذاء «دجلة» في مسابقات شعرية، فتقدم عدد من الأدباء والشعراء للمشاركة، وحينما انتقل الحاج حسين الشعرباف من مدينة الشطرة إلى بغداد، أصبحت داره مجلساً أدبياً ضمّ مجموعة من أدباء النجف وشعرائها، وفيه يحس المرء بأن جمعية الرابطة الأدبية قد حلت بداره(2). وقد أشار الأستاذ جعفر الخليلي إلى الحضور في هذا المجلس بقوله(3):

مش_ت ب_ي الأق_دام ذات ي_وم *** لمجل_س ض__م س_راة الق_وم

و م_ن ش_اعر خل_ده القصي_د *** ده_راً وض_ل الده_ر یس_تعید

و م_ن أدي_ب ب_ارع مغ_ن *** یق_ول النج_ف الأش_رف أو بغ_داد

ق_د ف_اح عطره_م ب_کل ن_اد *** ف_ی النج_ف الاش_رف او بغ_داد

و م_ن زكا هن_اك بالطي_وب *** الجعف_ری كان أو الحبوب__ي

ص: 227


1- الأسدي : ثورة النجف ص.374.
2- المصدر السابق نفسه 29/3 - 30.
3- المصدر السابق نفسه 31/3 - 35.

و خصّ الأستاذ الخليلي علمين نجفيين في هذه الأبيات هما الأستاذ صالح الجعفري والسيد محمود الحبوبي وكان السيد الحبوبي هذا قد تذكر أجواء النجف الأشرف العلمية والأدبية، وحفلات جمعية ،الرابطة ومجالس النجف وكان مجلس العلامة الشيخ محمد رضا الشبيبي في بغداد يستقبل زواره مساء كل يوم، وموقعه على نهر دجلة في منطقة الزوية، وقد وصفه الدكتور زكي مبارك بقوله: «ناد جميل يشرح الصدور ويؤنس العيون وفي ذلك النادي تثار مشكلات متصلة بالعلوم والآداب والفنون»(1).

و في مدينة البصرة كان مجلس العلامة السيد محمد سعيد الحكيم يحضره جمع من أعلام النجف الأشرف، وفي إحدى الجلسات الأدبية عام 1948م حضرها كل من الشيخ جعفر النقدي والشيخ محمد علي اليعقوبي، والسيد محمود الحبوبي،والسيد علي الهاشمي، وكاظم مكي حسن، وكان مجلس العلامة السيد عباس شبر من أبرز مجالس مدينة البصرة الأدبية والعلمية يحضره جمع من أدباء النجف وشعرائها .وأعلامها وفي مدينة الشطرة كان الشيخ جواد الشبيبي والشيخ علي الشرقي، والشيخ محمد باقر الشبيبي، والسيد محمد حسين الكيشوان القزويني وغيرهم من أدباء النجف وشعرائها يحضرون مجلس الحاج حسين الشعرباف قبيل انتقاله إلى بغداد(2).

چوفي مدينتي الناصرية وسوق الشيوخ كان مجلس الشيخ محمد جواد حيدر والشيخ محمد حسن حيدر امتداداً لمجالس النجف الأشرف، وقد أشار إلى ذلك الأستاذ جعفر الخليلي بقوله: «كأنني في محيط النجف لا يعوزه إلا صحن وحرم وقبة ليكون النجف بعينه»(3). وفي مدينة السماوة، كان مجلس الشيخ حميد السماوي من أروع مجالس المدينة، وفي مدينة الحيرة مجلس السادة آل زوين من مجالس العلم والأدب، ولما هاجر الشيخ عباس الأعسم من النجف إلى الحيرة، سكن بالقرب من آل زوين وجعل داره ندوة للعلم والأدب(4). وكان رجال العلم النجفيون إذا غادروا

ص: 228


1- زكي مبارك : ملامح المجتمع العراقي، ص74، 48.
2- المصدر السابق نفسه 29/2.
3- المصدر السابق نفسه 82/1.
4- الخاقاني: الشيخ عباس الأعسم مجلة البيان العددان (33) (34) السنة الثانية 1367ه_ / 1947م ص 88.

مدينة النجف إلى المدن والقصبات فإنهم يجدون في الكثير منها الطابع النجفي العلمي والأدبي.

وقد امتزج طالب العلم الأدبي بغيره من الطلاب الذين يقصدون النجف من الأقطار العربية والإسلامية، وكانت اللغة العربية لغة التخاطب لدى القوميات جميع التي تعيش في مدينة النجف، ويقول الأستاذ الشريفي: «هذه المدينة التي ضمت الدنيا إليها من الصفر بحيث لا تُقاس بسائر المدن الكبيرة كلندن وباريس، إلا كما تُقاس القطرة إلى الغدير، ولكنك تجد فيها الأجناس البشرية المتباينة، أمتها من مختلف أنحاء العالم قاصية ودانية،سكنت فيها لدوافع وأغراض شتى فمنهم من قطنها بقصد ارتشاف نمير العلم من منهله العذب، وآخرون للمتاجرة، فهناك العربي السعودي إلى جنب الهندي والأفغاني يحاذي النجدي والإيراني بقرب اليماني والزنجي يجاور البحراني إلى آخر هذا العرض العجيب الذي يزخر بمختلف الجنسيات والنزعات، إلا أن الطابع العربي الصميم يغلب على المدينة(1). ويقول الأستاذ محمد مهدي الجواهري :«ويأتي إلى النجف طلاب العلم والشعر والأدب من كل أنحاء العالم من جبل عامل في لبنان في الإحساء والقطيف في الجزيرة العربية، ومن مناطق الخليج الأخرى التي كانت آنذاك كيانات قبلية لم تكتسب بعد بشكل دول وإمارات، وإضافة إلى العرب، كانت النجف محطة لكل الوافدين إليها من كل أنحاء الأرض، الوجوه الشقر مما كان يسمى حينئذ بروسيا القيصرية، والآن بالاتحاد السوفيتي أي جمهورياته المسلمة المتعددة، والوجوه السود من العبيد والمساكين المبتاعين،وفيما بين هذا وذاك من لون ولون وكل الألوان الأخرى، فيما بين بلاد الهند والأفغان وإيران وحتى من المسلمين في دول البلقان»(2). وأشار الشيخ محمد جواد مغنية إلى الخليط القومي في مدينة النجف الأشرف في أوائل القرن العشرين بقوله : «تضم مدينة النجف أناساً من بلاد شتى، ففيها من إيران والأفغان وروسيا والهند والتبت والبحرين والحجاز وسوريا ولبنان والعراق»(3). وكان لهذه القوميات العلمية القاطنة في النجف دور في إيصال الفكر الإمامي الشيعي إلى أقطارها وبلغتها المحلية، ويقول الشيخ محمد أبو

ص: 229


1- الشريفي: رياض الفكر ، ص 55.
2- الجواهري: ذكرياتي، 34/1.
3- محمد جواد مغنية: صفحات لوقت الفراغ، ص 169.

زهرة:«والنجف في بلاد العراق بها طائفة كبيرة من علماء المذهب، هم أشد العلماء عناية بفحصه ودراسته وتذليل سبله وتسهيل الاطلاع عليه، ويقصد إليها طلاب العلم الاثني عشري من كل بلاد العالم الإسلامي التي ينتشر فيها الشيعة، وإنها مقصودة لذاتها من الإمامية، لأن بها ضريح الإمام علي كرم الله وجهه، وهو رأس الأئمة وأبوهم، فيجيء إليها الإمامية من كل حدب ومكان عميق »(1). وبقيت النجف على مدى ألف عام يتهافت عليها طلاب العلم وغيرهم من أبعد المناطق(2). ويقول الدكتور يوسف عز الدين وفي العراق أكبر جامعة شيعية هي النجف الأشرف التي تخرج للعالم خيرة علماء الشيعة، وكانت إيران إحدى هذه الأقطار، فكان طلاب النجف بالأمس علماء إيران وقادة الرأي اليوم»(3). وما هو الآن في إيران هو نفسه في سورية ولبنان ودول الخليج العربي وأفغانستان وباكستان والهند وتركية وأقطار من القارة الأفريقية وأجزاء من مناطق روسية، ودليلنا على ذلك أنه في عام 1954م أعلنت وزارة العدل اللبنانية أنها ستجري امتحاناً لمنصب القضاء الجعفري ويشترط في المرشح أن يكون حائزاً على شهادة الدروس الدينية العليا من النجف(4). وقد حاول الشيخ سليمان الأحمد (علامة الجبل العلوي)والشيخ حبيب آل إبراهيم المهاجر استدراج العلويين إلى العقيدة الشيعية ،الإمامية، وقد أيد الإمام السيد محسن الحكيم هذه الفكرة، وكانت بوادرها مجيء السيد محمود مرهج والسيد محمد السعيد إلى النجف الأشرف، وبعدهما بدأ العلويون يواصلون دراستهم في النجف، ففي عام 1950م كانت البعثة العلوية تضمّ عشرة طلاب(5). وأعطى الأستاذ أمين الريحاني بعداً عالمياً لمدينة النجف الأشرف، ولكنه مشبوب بفكر وهابي جاء فيه: إن الحجاز قد جاءته عقائد من البصرة والنجف،فأثرت فيهم فبنوا القباب فوق القبور وعلقوا الرقاع فوق الأشجار، ومضى بعد ذلك بالفكر نفسه فيقول: إن النجديين انغمسوا في عقائد وعبادات جاءتهم من النجف ومن

ص: 230


1- أبو زهرة: الإمام الصادق، ص543.
2- عراقي: كتب القراءة) مجلة لغة العرب الجزء العاشر السنة الثانية 1331ه_ / 1913م ص 440.
3- يوسف عز الدين الشعر العراقي، ص 92 - 93.
4- مغنية (حتى نقرأ كتاب النجف في ألف عام)مجلة النجف العدد الرابع، السنة الأولى، ص 10.
5- محمد رضا شمس الدين(من النجف إلى عاملة ) مجلة العرفان الجزء الثالث، المجلد (37) والجزء الرابع لسنة 1369ه_ / 1950 م، ص 383، 458.

الأهواز(1) ومن الغريب أنه قد أشار إلى العقائد والشعائر وأطبق عن الآثار العلمية والفكرية والثقافية التي غرستها النجف في منطقة الحجاز على غرار ما حصل في مناطق العالم الأخرى وتناسى أن القطيف كانت تسمى «النجف الصغرى» وأن في مدينة جارا الهندية مدرسة تسمى«باب النجف»وأنها تصدر تفسيراً للقرآن الكريم اسمه«تفسير النجف»(2). وفي الهند مدينة كاملة تُعرف ب_ «نجف الهند»ولمكانة مدينة النجف في نفوس الهنود فقد اتخذت لفظة النجف كاسم من أسماء الأعلام الشائعة في الهند ومن علمائها الذين اسمهم (نجف) هم نجف علي مير فيض أبادي (ت 1254ه_ 1838م) نجف علي بن روش علي (ت 1255ه_ / (1840م) نجف علي نو نهروي (ت 1261ه_ / 1845م) نجف علي بن غلام علي (ت 1873ه_ / 1926م)(3).

ويقول الأستاذ إسحاق نقاش: أخذت النجف منذ أوائل القرن العشرين تمارس تأثيراً دينياً وسياسياً هائلاً يتخطى حدود العراق بكثير وأنها قد أفلتت من السيطرة الحكومية الفعالة طيلة شطر كبير من العهد العثماني وتجسد وضعها شبه المستقل وصورتها الذاتية بوصفها العصب المركزي العظيم للعالم في تصوير الشيعة والكتاب الغربيين لها على أنها: قلب العالم وأنها عالم في مدينة وأنها: متلقية كل أخبار العالم(4).

ويقول الأستاذ إسحاق نقاش أيضاً:«إن مجتهدين كباراً يقيمون في العراق العثماني بدأوا يتصرفون منذ أواخر عام 1908م وكأنهم(رؤساء دول) وفي أكتوبر/ تشرين الأول وجه ثلاثة من مجتهدي النجف الكبار: محمد كاظم الخراساني وعبد الله المازندراني وحسين ميرزا خلیل رسائل إلى القنصل البريطاني والقنصل الروسي

ص: 231


1- الريحاني، الأعمال العربية، 5/35، 258.
2- الأمين أعيان الشيعة، 81/65.
3- محمد سعيد الطريحي : الروابط الثقافية بين النجف والهند بحث في كتاب: النجف الأشرف إسهامات في الحضارة الإنسانية 2/ 53.
4- إسحاق نقاش: شيعة العراق، ص29، آقا نجفي قوجاني:سياحت شرق يازند كيتامة وسفر نامه اقا نجفي قوجاني ص 581. Great Britain, Administration Reports for 1918, Najaf, Co 69611. Thomas Lyell, The Ins And Outs of Mesopotamia, London, 1923, 21-22

والقنصل الفرنسي والقنصل الألماني في بغداد بمعنى أن التنازلات الإيرانية للأجان تنازلات لاغية وأن ما يمنح في المستقبل من قروض إلى إيران لن يسدد، وفي مناسبات متعددة في 1909 - 1910م دعوا إلى استحداث (صندوق التسليف الوطني الإيراني)لتسديد ديون إيران الخارجية وتفادي الحاجة إلى طلب المزيد من القروض الأوروبية(1)ويقول الأستاذ إسحاق نقاش: إن عدد الطلبة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بين(10-15) ألف طالب ويعطي تقدير بريطاني عن النجف أعدّ عام 1918م تقديراً أكثر تحفظاً حيث حدد عددهم بحوالي ستة آلاف طالب، وأن عددهم كان ثمانية آلاف طالب في مطلع القرن العشرين(2).

وأشار الأستاذ محمد علي الحوماني إلى أثر أعلام النجف في الوطن العربي بقوله: «وفي البحرين عبد الحسين الحلي، وفي الشام أحمد الصافي، وفي اللاذقية بدوي الجبل، وفي جبل عامل حسن المحمود وعبد الحسين وحسن آل صادق و سليمان الظاهر، والأدباء علي شمس الدين، وعبد اللطيف شرارة ، وعبد الحسين عبد الله،وموسى الزين شرارة،وإبراهيم ،فران وهاشم الأمين، وحسن الأمين وفتى الجبل، ومن لم أذكر فوق من ذكرت عدداً من الأحياء والأموات، وكل أولئك خريجو مدرسة النجف أما مباشرة أو بصلة ما تربطهم به »(3). وفي عام 1939م اقترحت قائممقامية النجف إعفاء الطلاب العرب الذين يدرسون في النجف من دفع الإتاوة إسوة بالموظفين من أرباب العقود الذين تستقدمهم الحكومة من الخارج للتدريس وغيره،وطلبت من وزارة الداخلية الموافقة، وقد حصلت فعلا(4). وقد أشار الأستاذ علي الزين إلى الثقافة النجفية وآثارها بالطلبة اللبنانيين بقوله : وكان لهذه المدارس مع تعاقب الرحلات العلمية إلى النجف،وتأثر المهاجرين منهم بالثقافة النجفية والآداب العراقية نتائجها القيمة في توجيه الأفكار نحو الحياة العلمية وعملها المؤثر في إحياء الروح الأدبية وتوطيد الأسس لهذه النهضة المباركة(5). وفي الحقيقة إن لبنان كان في مقدمة الأقطار المتأثرة بالنجف وفكرها، فقد

ص: 232


1- إسحاق نقاش: شيعة العراق، ص 81.
2- المصدر السابق نفسه ص 337 .
3- الحوماني: وحي الرافدين 303/2.
4- مجلة الهاتف، العدد (206) السنة الخامسة، ص 2.
5- الزين:مع الأدب العاملي، ص 17-18.

أدخل علماؤها في الحوزة العلمية اللبنانية مناهج الدراسة في النجف، وأدخلت شيئاً من الحداثة في بعض الجوانب الإدارية التي كانت وما تزال تفتقدها النجف(1). وفي مقدمتها أساليب الدراسة القائمة على التنظيم والسائرة وفق الخط الجامعي الحديث، وإذا عاد طالب العلم اللبناني من النجف بعد إكمال دراسته، فإنه يبقى مرتبطاً بالنجف علميّاً وأدبيّاً فيتذكر حلقات الدرس وأماسي الأدب وأصوات المناظرات، وكانت منطقة القطيف والإحساء في الجزيرة توفد أبناءها للدراسة إلى النجف، وعند إكمال تحصيلهم العلمي يعود بعضهم إلى بلادهم ويؤثر الآخرون بالبقاء وأصبح في القطيف عدد كبير من خريجي الجامعة النجفية بحيث سميت بالنجف الصغرى(2). وكذلك الحال بالنسبة إلى البحرين والأهواز فقد تأثرتا بأسلوب الدراسة النجفية، ويعود السبب إلى كثرة الخريجين من النجف، ويقول الأستاذ السلامي : إن معظم مدرسي هذه المدارس والمكاتب وشيوخها أما أهوازي استكمل دراسته في النجف، وأما نجفي ألقى رحاله هناك وقام بمهمة التدريس، وقلما نجد عالماً أو مدرساً أو أديباً منهم لم يمض بضعة أشهر أو بضع سنين في معاهد النجف(3).

ويخضع عدد طلاب مدرسة النجف للظروف الاجتماعية والتطورات السياسية من وقت لآخر، فقد بلغ اثني عشر ألفاً بعد الاحتلال البريطاني وتناقص العدد كثيراً(4)ويقول السيد محمد حسين فضل الله: إن حوزة النجف هي التي استطاعت منذ أكثر من ألف سنة أن تحفظ للتشيع كل فقهه وأصوله وكل فلسفته ومنهجه، لأنها الحوزة التي تميّزت بالعلماء والفلاسفة لا يزال الناس في إيران ولبنان وغيرهما يعيشون على فتات موائد علمهم(5).

وفي عام 1318ه_ / 1900م زار النجف السيد القوجاني فيقول: «لاحت لي من بعيد معالم النجف وبيوتها على هيئة قرية خربة سألت رفيق الطريق أهذه هي النجف؟قال: نعم هذه المدينة التي تبدو كالقرية الصغيرة، كيف طبقت شهرتها الآفاق حتى إن

ص: 233


1- البهادلي الحوزة العلمية في النجف، ص110.
2- الخنيزي ذكرى الزعيم الخنيزي، ص55 المرجاني، خطباء المنبر الحسيني، 3/ 73.
3- السلامي : الأدب العربي في الأهواز، ص 78.
4- الأمين الرحلة العراقية الإيرانية، ص .61
5- السيد محمد حسين فضل الله بينات حوارية 285/1.

كل مجتهدينا يفخرون بأنهم قد ذهبوا إليها، ويتحدثون عنها بحلاوة ولا يشبعون من لذة الحديث(1). وترتبط الحالة في أغلب الأوقات بالعلاقات السياسية بين العراق وإيران،ويقول الأستاذ محمد علي الحوماني: «إذ ليس للشيعي ثقافة تنبثق من غير فجر النجف ففي إيران والأفغان وتركستان والهند والصين شعراء عباقرة في لغات مختلفة قد انبثقت عبقريتهم من النجف لأن دعاة الثقافة منهم دينية كانت أو أدبية إنما هم رسل النجف إلى تلك الأقطار». ويقول:«وفي العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين شعراء عباقرة في اللغة العربية ومن الشيعة انبثقت عبقريتهم من النجف، وكانوا صادرين عن هذه الجامعة أو عمّا هو صادر عنها »(2). وقد علّل الأستاذ محمد كرد علي هجرة طلبة العلم اللبنانيين إلى النجف بقوله: «بعد تخريب لبنان الشيعية بدأ الطلبة يذهبون إلى النجف الأشرف ليدرسوا في مدارسها التي هي للشيعة بمثابة الأزهر في القاهرة والزيتونة في تونس لأهل السُّنة»(3). أما صلات مدرسة النجف بأفريقية فإنها بدأت عام 1381ه_، فقد وفد إلى النجف الطالبان جبرائيل كمارا ومحمد فؤاد بادو من مدينة كنما في سيراليون، وقد خصص لهما الإمام السيد محسن الحكيم راتباً شهرياً وأساتذة أكفاء في اللغة العربية والفقه والتفسير والتاريخ(4). وقد وقف الدكتور علي الوردي على الجاليات العربية والإسلامية في النجف وشاهد المدارس والمؤسسات العلمية فيقول:«من يزر النجف يجد ذلك واضحاً فيها، فهذه المدينة تُعدّ الآن مركز التشيّع في العالم الإسلامي كله،حيث يجتمع فيها الفقهاء والطلاب من مختلف الأقطار الشيعية، وقد زُرت النجف مرة وحظيت فيها بمقابلة المرجع الديني الأكبر السيد محسن الحكيم،وأعترف أني لم أشهد انكباباً على طلب العلم وتنافساً فيه كمثل ما شهدت لدى هؤلاء الناس»(5). مثالاً رائعاً لواقع النجف العلمي والديني، فإن المشايخ - الذين تصدرهم النجف بعد حصولهم على درجة الاجتهاد والإجازات العلمية - يقومون برعاية الفكر الإمامي. في أوطانهم ويتصدر بعضهم للفتيا والأمور الشرعية وبعضهم يعتلي المنابر للوعظ

ص: 234


1- السيد النجفي القوجاني : سياحة في الشرق، ص 196.
2- الحوماني وحي الرافدين 3022 303.
3- محمد کرد علي:خطط الشام، 128/5.
4- مجلة الأضواء، العدد الثالث السنة الثانية 1381ه_ ، ص 195.
5- الوردي دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، ص230 -231.

والإرشاد، وفي الحقيقة إن الخطابة لون من ألوان الدراسة الدينية في النجف الأشرف،لأن الخطيب لا بد له من دراسة الفقه والأصول والفلسفة والتفسير والتاريخ والأدب وغيرها من العلوم، وقد أنجبت النجف فحول الخطباء وخرّجت العديد منهم، وكانت تصدر الخطباء إلى المدن والقرى من داخل العراق وخارجه، ويقضي الكثير منهم شهر رمضان والمحرم وصفر في المناطق البعيدة عن النجف، ويبلغ مجموع الخطباء (93) خطيباً، وأصبح لبعض هؤلاء الخطباء شهرة عالمية كبيرة كالشيخ أحمد الوائلي، والسيد جواد شبر والشيخ محمد علي اليعقوبي، ولا شك أن مدينة النجف الأشرف قد برزت على الصعيد العالمي عن طريق أبنائها الذين يجوبون الأقطار حاملين رسالة النجف السامية، فكان بعضهم يحملها عن طريق الوكالة من المرجع الديني الأعلى، وبعضهم عن طريق المنبر الحسيني، وبعضهم عن طريق المؤتمرات والندوات، وبعضهم عن طريق النشر والتأليف، وقد ساهمت النجف في إصدار الموسوعة الفقهية للمذاهب الإسلامية التي دعت إليها جامعة الأزهر ، فقد شكلت لجنة علمية في كلية الفقه النجف للمساهمة في هذه الموسوعة فيما يتعلق بالفقه الإمامي(1). وشاركت النجف في المؤتمر الكبير الذي عقدته جامعة القرويين في مدينة فاس بالمغرب، وساهمت في احتفال باكستان بمرور أربعة عشر قرناً على مولد الإمام علي(علیه السّلام). وكانت النجف في الوقت الذي يساهم أعلامها في مؤتمرات علمية - تستقبل أعلاماً من أقطار عربية وإسلامية، ففي عام 1966م ألقى الأستاذ الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور محاضرة بمناسبة استشهاد الإمام الحسين(علیه السّلام)في يوم عاشوراء، وكانت الجمعيات العلمية والأدبية كمنتدى النشر والرابطة الأدبية والتحرير الثقافي وغيرها تستضيف رجال العلم والفكر في مواسمها العلمية والأدبية، وكان بعض رجال الفكر يلجؤون إلى النجف هرباً من بطش حكوماتهم فيجدون المكان المناسب ثم يعودون إلى بلادهم، ففي القرن التاسع عشر قصد النجف السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني، وكرر العودة إليها والتقى بعلمائها(2). وقضى السيد نواب صفوي رئيس جمعية فدائيات إسلام سنتين

ص: 235


1- شمس الدين: (موسوعة الفقه الإسلامي على مذهب الإمامية)مجلة النجف، العددان (8، 9) السنة الأولى، 1386ه_ / 1967م، ص 38.
2- حسن الحكيم: (جمال الدين الأفغاني في مدينة النجف الأشرف)جريدة العراق،العدد (5219) بتاريخ 14/ 4/ 1993.

في النجف بين 1943 - 1945م، ولما غادرها استقر في طهران في مسجد سباه سلار وقد جعله مركزاً للجمعية، ثم أصبح السيد أبو القاسم الكاشاني الأب الروحي لهذه الجمعية، وكان نواب صفوي في أثناء وجوده في النجف يلتقي مع طلاب العلم في الجامع الهندي، وحينما قرأ في إحدى الصحف الفارسية مقالة لأحمد كسروي اعتبرها السيد نواب صفوي طعناً في الإسلام فأسرع إلى شيخه وطلب منه قراءة المقال وبيان رأيه فيها، ولما رأى أستاذه مواضع الطعن على الإسلام قال: «مثل ذلك كافر ويحل قتله»(1). وقد احتضنت النجف علماء الفلاحية والحويزة وتستر ودسبول عند هروبهم من مدنهم هذه، وأصبح العلامة الشيخ محمد طه الكرمي له موقع في النجف بعد هروبه من الحويزه واستقراره في النجف(2). واتخذ الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني مدينة النجف الأشرف مستقراً له منذ إعلان ثورته على شاه إيران محمد رضا بهلوي،وأخذ يقود المعارضة حتى إعلان الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، وكان في مدينة النجف يلقي دروسه على جمع من طلاب الحوزة العلمية وألف بعض كتبه في النجف.

وتستقبل النجف وجمعياتها الأدبية والعلمية وفوداً تمثل الجامعات والمؤسسات الثقافية في العالم وبصحبتهم عدد من أعلام العراق فتقام الاحتفالات وتلقى القصائد والكلمات، ففي عام 1922م عزم النجفيون على إقامة حفلة للأستاذ أمين الريحاني،ولكن عدم مكوثه مدة طويلة حال دون ذلك(3). وبتاريخ 1942/3/13م زار الأستاذ الدكتور مصطفى زيادة مدينة النجف الأشرف، واحتفت به جمعيتا الرابطة الأدبية والتحرير الثقافي(4). وبتاريخ 1947/2/26م وصل النجف وفد من الأساتذة والطلاب في مدينة دمشق وبعد أداء مراسيم الزيارة للمرقد الشريف،اطلعوا على المكتبات، ثم أعدّت لهم حفلة في نادي الغري ألقيت فيها قصائد وكلمات شارك فيها كل من: السيد علي الهاشمي، والشيخ أمان الفيخراني، والشيخ صالح الجعفري، والشيخ عبد الرسول

ص: 236


1- التكريتي: (الخميني وعودة الإنكليز للسيطرة مجدداً على نفط الأهواز) مجلة آفاق عربية، العدد الثامن السنة الرابعة 1982م، ص 122.
2- علي الحلو: (مخطط الاضطهاد اللغوي الفارسي لعرب الأهواز)مجلة آفاق عربية، السنة السابعة 1982م، ص 180 .
3- الجواهري:الديوان 167/1.
4- مجلة الغري: العدد (14)،السنة الثامنة 1366ه_ / 1947م، ص 365.

الجشي، والشيخ علي الصغير، والحاج علي الطرفي والأستاذ هادي محيي الخفاجي،ثم تقدم الأستاذ حمدي بيك الروماني مدرس ثانوية دمشق والأستاذ أنور العطار فألقيا كلمتي شكر وتقدير، وحضر الوفد الدمشقي رواية «تاجر البندقية» للكاتب الإنكليزي شكسبير في ثانوية النجف، وفي اليوم الثاني زار الوفد سماحة العلامة الشيخ عبد الكريم الجزائري وجمعيتي الرابطة الأدبية والتحرير الثقافي(1). وزار الدكتور زكي مبارك مدينة النجف فأقامت له جمعية الرابطة الأدبية حفلة تكريم.

وقد التقى الدكتور زكي مبارك بأدباء الرابطة الأدبية وشعرائها في ربيع الثاني عام 1357ه_ مايو/ أيار 1938م، وقد دوّن الدكتور زكي مبارك في كتابه «ليلى المريضة في العراق»وقال: «إن الأساليب الأزهرية والنجفية أساليب تنفع أجزل النفع في رياضة العقل يضاف إلى ذلك أن الأزهر هو الذي حفظ اللغة العربية في عهد المماليك، وإن النجف هو الذي حفظ اللغة العربية في عهد الأتراك ورعاية العهد توجب الإبقاء على تلك الأساليب التي استطاعت أن ترسل النور الوهاج في دياجير الظلمات»، وقد التفت الدكتور زكي مبارك إلى المجتمع النجفي وشيوع روح الأدب فيه بقوله: «النجف الذي رأيت فيه ناساً يتعلمون اللغة الإنجليزية في المساء وهم بالكوفية والعقال»وكان قد في أثناء تجواله في الصحن الشريف أو في الأسواق والأزقة من ينشد الشعر من سمع الكسبة أو من يتحاور في الفقه والفلسفة أو الأدب أو التاريخ(2). وكانت النجف قد شهدت نهضة علمية وأدبية في النصف الأول من القرن العشرين، وكان للجمعيات دور بارز في هذه النهضة، كما ساهمت المؤسسات الثقافية الأخرى في حركة النهوض العلمي، وكانت المسابقات العلمية والأدبية إحدى مستلزمات النهوض، ففي عام 1365ه_ / 1946م أعدت مسابقة أدبية للكتابة عن الأدب في عصر السيد الطباطبائي (بحر العلوم)، وخصصت جوائز للفائزين،وقد اختير المحامي السيد سعيد زيني سكرتيراً للجنة التحكيم(3). وفي عام 1386ه_ / 1966م أعدت مسابقة للكتابة عن شخصية الإمام علي(علیه السّلام)،وشكلت لجنة التحكيم من العلماء الأعلام:الشيخ مرتضى آل ياسين، والسيد

ص: 237


1- مجلة الغري: العدد (13)،السنة الثامنة 1366ه_ / 1947م، ص 315 - 339.
2- حسن الحكيم: (الدكتور زكي مبارك في مدينة النجف)، جريدة العراق، العدد (5367) بتاريخ 26 جمادى الأولى 1414ه_ / 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 1993م.
3- مجلة الاعتدال العدد الرابع،السنة السادسة، 1365ه_ / 1946م، ص243.

محمد باقر الصدر، والسيد موسى بحر العلوم، واختير الخطيب السيد جواد شبر أمين السر للجنة(1). وقد شارك في الكتابة السادة التالية أسماؤهم:

1- روكس بن زائد العزيزي الأردن.

2- سليمان كتاني لبنان.

3 - عبد المجيد لطفي / العراق.

4- الدكتور مهدي محبوبة / العراق.

5- السيدة عفيفة علي الموسوي / العراق.

6- علي محمد حسين الأديب/ العراق.

وفي عام 1387ه_ / 1967م أعدّت مكتبة العلمين في النجف الأشرف المسابقة العلمية الأولى للكتابة عن شخصية السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله علیها)، وتبرع بالجوائز النقدية التاجر النجفي السيد حسن ابن السيد حبيب الصراف، وقد شارك في هذه المسابقة السادة التالية أسماؤهم(2)

1- جاسم هاشم العبادي في كتابه «فاطمة الحوراء الإنسية».

2- حسن عيسى الحكيم في كتابه «فاطمة الزهراء شهاب النبوة الثاقب».

3- حيدر السديدي في كتابه «فاطمة بضعة المصطفى».

4- حيدر علي السعيدي في كتابه«رائدة فخر النساء».

5- خليل رشيد في كتابه «فخر النساء».

6- سليمان كتاني«فاطمة الزهراء وتر في غمد».

7- عبد الحميد سماوي جلوب في كتابه«فاطمة الزهراء بنت الرسالة المحمدية».

8 - عبد الزهراء عثمان في كتابه «فاطمة بنت محمد».

9 - عبد الكريم توفيق الطائي في كتابه«الزهراء في محراب الألم الخالد».

10- فاضل الحسيني الميلاني في كتابه«فاطمة الزهراء أنثى في القمة».

11- كريم أحمد الصائغ في كتابه «الزهراء سيدة الكساء ونساء اليوم».

ص: 238


1- مجلة الإيمان العددان (1، 2) السنة الثالثة ، 1386ه_ / 1966م، ص 185.
2- مكتبة العلمين العامة لمحات من تاريخ أهل البيت ، ص 6 - 7.

12 - محمد رضا الحساني في كتابه الصديقة فاطمة الزهراء».

13 - محمد تقي الخراساني في كتابه«فاطمة الزهراء نداء الملايين».

14 - مهدي عبد الحسين في كتابه «أم الشهداء فاطمة بنت محمد».

وقد حافظت مدرسة النجف في طول حياتها العلمية على سلامة اللغة العربية من الرطانات الأجنبية الدخيلة، وكانت اللغة العربية وسيلة لتوحيد القوميات التي جمعها الإسلام، فكان طالب العلم في النجف يدرس النحو والبيان والصرف والبديع إلى جانب الفقه والأصول والفلسفة وعلومي القرآن والحديث. ويقول الأستاذ أحمد حسن الزيات:«كان اعتقاد الشيعة في التعليم على النجف والنجف كانت كالأزهر لا تخرج إلا الفقهاء في الدين وعلماء في اللغة»(1). ويقول الدكتور مصطفى النجار: «إن حاضر العالم الشيعي الرئيسة هي النجف الأشرف وهي أرض عربية»(2). ولذلك أصبح الواجب الشرعي على النجف أن تحافظ على اللغة العربية من أي مدخول أجنبي، وقد تبرعم عن ذلك أدب رفيع وشعر رصين، وقد تناول الكاتب الأمريكي George» L. Harris في كتابه:,Iraq: Its People, Its Society, Its Culture, New Haven» 1958 الحركة الأدبية في النجف بقوله:«إن النجف خلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها كانت قد غرست في طبقة جديدة من الشعر فكرة الوطنية الحديثة والروح القومية التي كانت تؤكد على التمسك بالتراث العربي المعروف، وقد أنتجت هذه المدرسة العربية الحديثة شعراً متشعباً بالشعور الوطني المتسامي، وكان لمفاخر الحضارة العربية ومآثر العرب التاريخية القدح المعلى في تفكير أولئك الشعراء ونادراً ما كانوا يلتفتون إلى موارد الثقافة الأخرى أو يحاولون استخدام أساليب جديدة في تطوير أفكارهم أو تغيير المواضيع التي يحصرون تفكيرهم فيها، ومع هذا فقد كان الجمهور وما يزال يقدر هذا الشعر حق قدره ويعمل على حفظه والتغني به»(3). وهناك من يجانب الحقيقة ويبتعد عن الواقع ويزعم أن الأثر الفارسي عميق في الثقافة النجفية ومدرستها العلمية، ويدعي أن هذا ناجم من تحكم دولة أجنبية في شؤون النجف، وقد ردّ الأستاذ نفيسي على هذا الزعم

ص: 239


1- الزيات: (تاريخ العراق المعاصر في حياة الشبيبي)، مجلة البلاغ،العدد الثاني، السنة الأولى 1386ه_ / 1966م، ص 59.
2- النجار : التاريخ السياسي لإمارة ،عربستان، ص83.
3- كاشف الغطاء: سعد صالح، ص 46 - 47.

بقوله: «إننا إذا أمعنا النظر في هذا التعليل للأثر الفارسي في النجف، ذلك التعليل الذي تأخذ به هذه الفئة من المؤرخين نجد أنفسنا مدفوعين إلى اتخاذ موقف من هذا الأمر على نقيض الموقف الذي تتخذه الفئة المذكورة» (1)، ونحن إذا تعمقنا في واقع الثقافة النجفية نجد فيها الأصالة والإبداع والعروبة في نشأتها وتطورها منذ تأسيس النجف في القرن الثاني للهجرة وحتى نهاية القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر الهجريين، وعلى مدى ألف وقرنين من الزمن كان العطاء العلمي والثقافي للنجف زاخراً وفيراً وبعيداً عن أي مؤثر خارجي وأجنبي، فتأسست جمعية أخذت على عاتقها بثّ الوعي الإسلامي في صفوف المجتمع، واتخذت من دار الميرزا كاظم الخليلي الواقعة في طرف العمارة مقراً لها، كما اتخذت من دار السيد محمد علي بحر العلوم الواقعة في طرف المشراق مقراً لها، وأخذ أنصار هذه الجمعية يترددون على الدارين المذكورين .

وكان بعض رجال العلم في النجف يعطي رأياً في بعض المسائل ذات الأبعاد السياسية، فقد عارض الشيخ عبد الحسين الأميني، والشيخ محمد رضا المظفر فكرة نقل جثمان رضا خان(شاه إيران)إلى مدينة النجف الأشرف، وقد أيّد هذه الفكرة الإمام الشيخ محمد رضا آل ياسين،والعلامة الشيخ عبد الكريم الجزائري، وقد وجه السيد نواب صفوي زعيم جماعة فدائيان إسلام تهديداً بالقتل لكل من يرحب بفكرة دفن الشاه في النجف، وأخيراً عدلت الحكومة الإيرانية عن هذه الفكرة(2). وتدل فكرة المعارضة بدفن الشاه في النجف عن فكر إسلامي عقائدي أخذ يتسرب إلى داخل صفوف الحوزة العلمية، وقد نتج عنه في أواخر الخمسينيات تأسيس أحزاب إسلامية في النجف، انخرط في صفوفها بعض رجال الدين وطلاب المدارس الرسمية والجامعات والكسبة، وتعاظم شأنها عند إعلان ثورة 14 يوليو (تموز) 1958م. وما أعقبها من صراعات فكرية وسياسية، وقد استغلت الأحزاب الإسلامية بروز الشيوعيين على مسرح السلطة في عهد عبد الكريم قاسم، فكثفت من نشاطها السياسي،وكان فتاوى علماء النجف بتكفير الشيوعية والحادية مبادئها قد ساعد على اتساع قاعدة هذه الأحزاب.

وحمل فريق من رجال العلم في النجف فكرة التجديد والإصلاح،وتحكيم

ص: 240


1- نفيسي: أثر الشيعة، ص49.
2- الخليلي: هكذا عرفتهم،28/2 - 30.

العقل في القضايا الدينية والاجتماعية والسياسية، وقد حمل هؤلاء روحاً عربية خالصة، وتأثر بعضهم بالتطورات السياسية والإسلامية في مصر وسورية والممتزجة بالفكرة القومية.

وقد نظر هذا الفريق من المفكرين النجفيين إلى الحكم العثماني بأنه حجر عثرة في طريق النهضة العربية، وقد نشط هذا الفريق بعد الحرب العالمية الأولى وأخذ يعمل الجمع شمل العرب وتوحيد الأمة تحت راية الشريف الحسين بن علي، وحمل فريق آخر فكرة استقلال العراق والتخلص من الحكم العثماني البغيض.

ولما أعد العراقيون العدة للثورة على الإنكليز عام 1920م نشط هذا الفريق كثيراً وتوغلت فكرة التحرير في نفوس العراقيين، فكلف الشيخ محمد رضا الشبيبي بحمل مضابط العراقيين،إلى الشريف حسين وأنجاله، وقد تحققت مساعي الشبيبي بمبايعة العراقيين للملك فيصل بن الحسين(1).

وممّا ساعد على نمو الفكر العربي القومي في مدينة النجف تدفق الصحافة المصرية كالهلال والمؤيد واللواء على النجف، وإقبال المثقفين النجفيين على قراءتها وكان الأستاذ عبد الحميد زاهد يستورد الكتب الحديثة بما فيها المصرية والسورية إلى مكتبته في النجف، حيث أصبحت ملجأ للوطنيين، وموضعاً يلتقون فيها لبحث القضايا السياسية(2). وأشار الدكتور نوري جعفر إلى واقع النجف الوطني الثوري في هذه الفترة بقوله: «للنجف تاريخ زاهر ويد طولى في أكثر حركات العراق الإصلاحية، ففي دماغه المفكر وساعده القومي. ولها من المكانة في نفوس العراقيين ما يجعلها في مقدمة المدن المهمة»(3). وقد أشارت جريدة «العالم العربي»في العدد (204) بتاريخ 1924/11/20م إلى مطالبة أهالي النجف بمنع دخول جريدة «الحبل المتين»التي تصدر في مدينة كلكتا لأنها تكيل الطعن للعرب والتنديد بحكوماتهم مما يخدش بعاطفة كل عربي صميم. وقد أشار التقرير البريطاني الصادر عام 1903م إلى دور علماء الدين في الحياة السياسية جاء فيه: «فإن رجل الدين في النجف وكربلاء له دور

ص: 241


1- الأسدي:ثورة النجف، ص 64 - 65.
2- فياض: الثورة العراقية، ص46.
3- نوري جعفر: (واجب النجف)جريدة الهاتف، العدد (71)،السنة الثانية،1356ه_ / 1937م، ص2.

سياسي واسع حتى في معارضة المؤسسة الحكومية في هذه البلاد (العراق)، وعلى الرغم من أن هناك حوالي ألفي مجتهد في النجف،وحوالي ألفي في كربلاء وذلك وفقاً لإحصائية أجريت عام 1903م والحقيقة أن واحداً وأربعين منهم فقط يتمتعون بمكانة سياسية لا ينازعهم فيها أحد(1). وربما أراد التقرير بالرقم الأخير، القادة البارزين في الحركة السياسية في النجف، وذلك في عصر الإمام الأخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني، وبقيت فكرة التحرير من النفوذ الأجنبي تساير رجال العلم حتى إعلان ثورة العشرين المجيدة التي تُعدّ ثمرة من ثمار الوعي السياسي الوطني في العراق، ولكن آمال الوطنيين قد خابت بعد تأسيس الحكومة العراقية، وتوقيع معاهدة عام 1922م مع الإنكليز، وقد كشفت الكتب المرسلة إلى العلامة الشيخ مهدي الخالصي، والعلامة السيد حسن الصدر، والعلامة السيد محمد مهدي الصدر هدف الحكومة من وراء الخطوات الرامية للتعجيل بالانتخابات وتأسيس المجلس، وقد أثار مرسلوها مسألة إصدار فتاوى ثانية لتحريم الانتخاباتوبعد مداولات بين علماء الدين والإمام السيد أبي الحسن الموسوي الأصفهاني تم الاتفاق على تحريم الانتخابات، وتمت كتابة فتوى تقرر نشرها يوم (17 - 18 مايو (أيار)(2). وكان الهدف من مقاطعة الانتخابات هو عدم المصادقة على المعاهدة مع الإنكليز، وفي أوائل شهر أغسطس (آب) 1922م عقد اجتماع موسع في النجف الأشرف حضره الشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ محمد جواد الجواهري والسيد محمد علي بحر العلوم،واتفقوا على مقاطعة الانتخابات وتحرير مضبطة بذلك، وقد قلقت وزارة الداخلية من اجتماع النجف وطلبت من متصرف كربلاء، السفر إلى النجف للوصول إلى معرفة ما إذا كان الاجتماع هذا سرياً أو علنياً، ومعرفة الجهة التي نظمت المضبطة، وطلبت منه إذا استطاع أخذ اعترافات تحريرية من المجتمعين، لأن عملهم هذا مخالف للقانون، وطلبت التشدد على العلامة الشيخ الجزائري بصورة قطعية ومنعه من التدخل في هذه المجالات، وأشار متصرف

ص: 242


1- طارق الحمداني: التحديث في النجف بين الأصالة والتجديد، ص 5 نقلاً عن : Admirality War Staff, Intelligence Division, A Handbook of Mesopotamia (August, 1916) Vol. I., p. 86
2- رجاء حسين: العراق بين 1921 1927م، ص102 نقلاً عن سجلات وزارة الداخلية/ الانتخابات في . لواء كربلاء رقم 414 / 1 / ء، تسلسل 122 ورقة 4 - 6 .

كربلاء في تقريره: إن الاجتماع كان سرياً، وإنه لم يتوصل إلى الجهة التي نظمت المضبطة، وإنه نفذ سياسة تحذير الشيخ الجزائري(1). وقد أعقب ذلك هياج واضطراب في مدينة النجف وقد قيل: إن هذا الاضطراب كان بتحريض من السيد أبي الحسن الأصفهاني والإمام الميرزا حسين النائيني، وقد أعقبه تسفير أعداد كبيرة من رجال الدين إلى إيران(2)، ولم تغير النجف موقفها من انتخابات المجلس التأسيسي على الرغم من اعتقال رجال الدين وتسفير الكثير منهم خارج العراق، ففي 16 مايو (أيار) 1923م أخبرت التحقيقات الجنائية وزارة الداخلية بوصول رسالة من النجف الأشرف إلى الكاظمية بخصوص تحريم الانتخابات(3)، ويعلل العلامة الشيخ محمد جواد مغنية ابتعاد علماء النجف عن الدولة ووظائفها بسبب الإجراءات المنافية للإسلام والتي كانت الدولة تسلكها(4)، وقد أدى الأمر ببعض مراجع الدين الكبار رفضهم مقابلة الملوك والرؤساء(5)، ولم يكن عداء النجف للإنكليز بصفتهم كفاراً مستعمرين للعراق يقف عند هذا الحد، وإنما كان عداؤهم للاستعمار الفرنسي،والإيطالي والصهيونية بمثل عدائهم للإنكليز، فقد وقفت النجف إلى جانب الشعب الجزائري والمغربي والتونسي من الاستعمار الفرنسي، وإلى جانب الشعب الليبي من الاستعمار الإيطالي،وإلى جانب الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية الغاصبة للأراضي المقدسة، وقد كانت جولات الإمام الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء والعلامة الشيخ عبد الكريم الزنجاني من أجل تحرير فلسطين، وموقف الإمام السيد محسن الحكيم من اغتصاب القدس وإحراق مسجدها الشريف من قبل الصهاينة له دوي في الأوساط الفلسطينية الثائرة، وكانت دواوين الشعراء النجفيين حافلة بالقصائد الثورية وقد أفردها الدكتور محمد حسين الصغير بكتابه «فلسطين في الشعر النجفي المعاصر»، وأشار الدكتور مهدي علام إلى موقف النجف تجاه القضية الفلسطينية بقوله : «سمعنا صوتكم عن

ص: 243


1- رجاء حسين: العراق بين 1921 - 1927م، ص 118 نقلاً عن : م.ج. و. سجلات وزارة الداخلية/ ملف الانتخابات في لواء كربلاء، رقم /1/4/ي. تسلسل 122 ورقة 1407.
2- المصدر السابق نفسه، ص 107.
3- الدجيلي : الجواهري شاعر العرب 295.1.
4- محمد جواد مغنية:عقليات إسلامية، 747/2.
5- حسين معتوق (وقفة مع الزعماء والشعب) مجلة العرفان العدد السادس، المجلد (51) لسنة 1383ه_ / 1963م، ص 552.

فلسطين ولا ندعي أن فلسطين أقرب إلينا جغرافياً ففلسطين أصبحت فكرة تملأ قلوبنا جميعاً»(1). وقد أصدرت جمعية الرابطة الأدبية في النجف دواوين خصصت لجهاد المغرب العربي وجهاد الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، وجهاد الشعب الفلسطيني ضد الصهيونية والاستعمار.

وتصدت مدينة النجف للطائفية المقيتة وأنصارها ودعاتها من مفرقي الأمة وتصدع وحدتها، وحينما نشر إبراهيم الجبهان في مجلة«راية الإسلام»موضوعاً تناول فيه الإمام الصادق(علیه السّلام)وتهجم على الشيعة بما يرضي الأوساط الاستعمارية، احتج علماء النجف الأشرف وأبرق الإمام السيد محسن الحكيم والعلامة الشيخ عبد الكريم الزنجاني إلى شيخ الأزهر وحاكم الكويت برقيات احتجاج(2).

وحينما أصدر أنيس زكريا النصولي عام 1927م كتاباً عن الدولة الأموية، وقد تهجم فيه على الشيعة تصدى له الشيخ محمد رضا الشبيبي وأخوه الأستاذ جعفر الشبيبي، ومن الملاحظ أن الأستاذ ساطع الحصري كان من أقطاب الطائفية في العراق وهو الذي اختار النصولي لتدريس التاريخ، ويقول الأستاذ حسين جميل: «فاستاء التلاميذ الشيعيون وبلغوا آباءهم وأولئك كتبوا لعلماء النجف، ولما زارها فيصل (الأول) أبلغوه بذلك راجين إخراج المدرس، فأوعزت وزارة المعارف له بالاستقالة والخروج فأبى، وحصلت مظاهرة من طلبة مدرستي الثانوية ودار المعلمين دبرت بليل احتجاجا على إخراجه»(3)،ولما أخمدت فتنة النصولي الطائفية، أثار عبد الرزاق الحصان فتنة أخرى بكتابه العروبة في الميزان عام 1933م، وقد نتج عنه هياج عام، ونظمت المظاهرات،ووقعت حوادث العنف في النجف وكربلاء والحلة والكوفة والكاظمية(4)، ويقول الأستاذ عبد الرزاق الحسني: «هاجم فريق من أهل النجف مستودعاً للسلاح في مركز القضاء، وأطلق المسجونون، فسارعت حكومة بغداد إلى إضافة المزيد من قوات الشرطة هناك لحفظ الأمن، فأوفدت متصرف لواء كربلاء

ص: 244


1- مهدي علام (ساعة في النجف الأشرف طوينا فيها من التاريخ ثلاثة عشر قرناً)، مجلة الإيمان، العددان (1، 2) السنة الثانية 1384ه_ / 1965م، ص 168.
2- جلة العرفان، الجزء الخامس والسادس، المجلد الثامن والأربعون لسنة 1380ه_ / 1961م.
3- حسين جميل : العراق شهادة سياسية، ص 200.
4- القيسي: ياسين الهاشمي 2/ 157 - 158.

السيد محمود أديب إلى علماء النجف وأدبائها ليفهمهم أن الحكومة مهتمة بالأمر، و متخذة أشد التدابير اللازمة لمنع نشر أمثال هذه الكتب في المستقبل»(1)، وقد نشرت جريدة«العالم العربي»في العددين (2834 ،2838)الصادرين بالتاريخين 6/10، 11/ 6/ 1933م نبأ احتجاجات النجف وعلمائها على كتاب«العروبة في الميزان»وشكر النجفيون الحكومة على مصادرة الكتاب المذكور الذي أثار النعرات الطائفية، وقد وقع على الكتاب كل من: السيد حسين جريو، وعبد الله آل نجم،وحاج عطية أبو كلل، وكان للإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء دور بارز في تهدئة الأوضاع في النجف، فقد خرج إلى الصحن الشريف ظهراً، وأمر الناس بالهدوء، وقد استجابوا لندائه فتراجعوا عن سراي الحكومة المحاصر من قبل المتظاهرين وكان فيه متصرف كربلاء محمود أديب، وقائمقام النجف جعفر حمندي(2)، وقد صادف وجود الرحالة المصري محمد ثابت في النجف أثناء هذه الحوادث وقد وصفها بقوله : «وصادف أن كانت البلدة في هياج طائفي شديد يوم زرتها 24 يوليو (تموز)، لما شجر بين الشيعة والسنيين أثر كتاب أخرجه بعض السنيين وأسماه العروبة في الميزان طعن فيه بالشيعة»(3)، ولا شك أن النجف أدركت أخطار الطائفية المقيتة ودور الاستعمار في إذكائها، وهذا جزء من المخطط اللئيم للنيل من الشيعة الذين كانوا قذى في عين السياسة الاستعمارية، وكانت النجف الملجأ الوحيد الذي يحتمي به المسلمون على وجه العموم، والشيعة على وجه الخصوص، حتى إنها أصبحت ملتجأ أهل الذمة أيضاً عند إعلان إسلامهم(4)، وكانت تتصدى بعنف للتيارات المعادية للإسلام كالبابية والبهائية والدهرية والمادية،ويقول ايرلاند: إن رؤساء الدين في كربلاء والنجف يعارضون أية حكومة علمانية من حيث المبدأ(5)، فكتب السيد هبة الدين الشهرستاني كتاباً في الرد على البابية، وكتب السيد محمد الباقر الجلالي«الحقائق الدينية في الرد على العقيدة البهائية»وكتب السيد محمد الكاظمي القزويني«البهائية في الميزان»، وكتب السيد أحمد السيد عزيز الفالي

ص: 245


1- الحسني: تاريخ الوزارات العراقية 248/3.
2- المصدر السابق نفسه،249/3.
3- محمد ثابت : جولة في ربوع الشرق، ص 108.
4- جريدة العالم العربي، العدد الصادر بتاريخ 1935/6/30م.
5- ایرلاند:العراق، ص 120.

الموسوي«البهائية حزب لا مبدأ»، وبقيت النجف تواصل نضالها ضد هذه الفرق الضالة، والفئات المنادية بالمهدوية والمبادئ الهدامة الوافدة(1).

وتصدى علماء النجف للشيوعية والمبادئ الإلحادية، ففي عام 1379ه_ / 1960 أصدر الإمام السيد محسن الحكيم فتواه وقد ورد فيها«لا يجوز الانتماء إلى الحزب الشيوعي فإن ذلك كفر وإلحاد وترويج للكفر والإلحاد أعاذكم الله وجميع المسلمين من ذلك وزادكم إيماناً وتسليماً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، وأصدر الإمام السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي والعلامة الشيخ عبد الكريم الجزائري والسيد محمد مهدي الشيرازي وغيرهم فتاوى مماثلة في تكفير الشيوعية، وألف الإمام السيد محمد باقر الصدر كتباً في الرد على النظام الشيوعي منها «فلسفتنا» و«اقتصادنا»، وكتب الشيخ محمد حسين الصغير«الشيوعية مبدأ هدام» وكتب الشيخ كاظم الحلفي كتباً في نقض الشيوعية، وتعرض رجال العلم في النجف إلى مضايقات من العناصر الشيوعية 1958بین م - 1963م، واحتضنت الحكومة جماعة من أدعياء العلم وأطلقت عليهم اسم «رجال الدين الأحرار» وأجيزت جمعيتهم من قبل وزارة الداخلية(2).

وكانت المدرسة النجفية في القرن الرابع عشر الهجري / القرن العشرين الميلادي تتأرجح بين تيارين متناقضين هما:

1 - التيار التجديدي .

2 - التيار المحافظ .

لقد أراد بعض مراجع الدين ورجال العلم المتنورين النهوض بالمدرسة النجفية وتطويرها بما يتناسب والحياة الجامعية الحديثة، وقد تبنت هذه الفكرة جمعية منتدى النشر، ويقول الشيخ علي الشرقي: «توجد في النجف طائفة من المتجددة قد تمردت أرواحهم على التقاليد البائدة، وتعاطوا وجوه الإصلاح، فهدموا شيئاً وبنوا شيئاً ورموا أشياء، ولكنهم ممتحنون بحالة اجتماعية ثقيلة فلا يجدون نوعاً من التنشيط ولا طرفاً من الإقبال على بضاعتهم فهم يتغذون بأدمغتهم وينتعشون بأرواحهم، وتكاد تكون

ص: 246


1- حسن الحكيم: (مقاومة النجف للتيارات الفكرية المتطرفة في العهد العثماني الأخير)مجلة الذكوات، العددان (3، 4) لسنة 1420ه_ / 1999م.
2- ريدة الأخبار بتاريخ 28 مارس/ آذار 1959م.

حياتهم في عزلة وانقطاع والأديب النجفي يعيش فلك وحده»(1)، وهذا الحديث يكشف عن معاناة التيار التجديدي وعدم تمكنه من تحقيق أهدافه الإصلاحية في قبال التيار المحافظ، ويقول الأستاذ الدكتور علي جواد الطاهر: فإن ما يكتب عن شوقي وحافظ وإيليا أبو ماضي،وكل ما يناقض الفكر النجفي تتبناه أيدي الذين ضاقوا بالقديم،وبلغ بهم الضيق الطرف الأقصى من رد فعل مطبوعات الآستانة والهلال والمقتطف(2)، فقد كانت هذه الصحف يتلقفها أنصار التيار التجديدي، وقد يعدها المحافظون حراماً.

ويبدو أن أنصار التيار التجديدي كان صامداً أمام خصومه على الرغم من قلة عدده وشدة المضايقات عليه، فكانت مجلة العرفان اللبنانية، وجريدة البلاغ السورية وصحف المقتبس ،والحارس ،والبرق،والإقبال ،والمؤيد والمقطم، والمقتطف،والهلال،والأهرام ،والنيل وحبل المتين (الهندية)، ومجلة لسان العرب، ومجلة المنتدى، وجريدة الاتحاد وجريدة طنين(لسان حزب الاتحاد في اسطنبول) تصل إلى مدينة النجف.

وكانت الجريدة تسمى «القسطلة»وإن أول من جابه الجمهور في قراءتها في الصحن الحيدري الشريف هو السيد سعيد ، وقد تجمع المحافظون حوله مندهشین وتشاوروا بالاعتداء عليه لولا حراسة أنصاره(3)، ويقول الأستاذ محمد مهدي الجواهري: كانت النجف تقرأ كل شيء، فالكتب التي لا تُباع في بغداد، تباع في النجف بكثرة، تصل إليها كتب مختلفة، وما زلت أذكر أني قرأت كتاب دارون في الصحن الحيدري مع عبد الحميد الدجيلي، وخل عنك الروايات المترجمة والمقتطف والهلال ولسان العرب لأحمد عزت الأعظمي وكتاب أبي العلاء لطه حسين والريحانيات، فقد كان منها في النجف مئات، وقد قدر لكل هذا أن يكون ذا أثر في التجديد(4). وقد أشارت جريدة«صدى بابل»في عددها (181) الصادر في السادس من نيسان عام

ص: 247


1- الشرقي: (كلمتي في الجواهري)، ديوان الجواهري، 1/ 81.
2- الطاهر: (الجواهري من المولد)، ديوان الجواهري، 1/ 45.
3- الخاقاني: تاريخ الصحافة في النجف، ص6.
4- محمد حسين الأعرجي: (لقاء مع الأستاذ الجواهري)مجلة الرابطة، العدد الثاني، السنة الثانية 1975م، ص 36.

1913م إلى وكيلها عبد المجيد الجلبي في النجف ومواصلة جهوده في جمع بدلات الاشتراكات وكان إلى جنب هؤلاء تيار محافظ يرى في التجديد خطراً على النجف والحوزة العلمية.

وكان التيار التجديدي في النجف يسعى إلى إصلاح ما يلي:

1 - إصلاح الحوزة العلمية.

2 - إصلاح المنبر الحسيني.

وحاول التجديديون تنظيم الدراسة الحوزوية في النجف الأشرف ووضع ضوابط أساسية تؤهل طالب العلم بالانتقال من مرحلة لأخرى وحتى يكمل الطالب جميع المواد الدراسية ويكون مؤهلاً للتعليم العالي، وهو الاختصاص الدقيق، وأن يكون لكل مرحلة دراسية مدة زمنية محددة(1). ومن خلال المراحل الدراسية تبرز قابلية الطالب الجيد عن غيره، وبموجب ذلك يتمّ الاقتصار على الطلاب الممتازين الذين يحتمل فيهم قابلية التأليف والنتاج العلمي والفكري ويكون مؤهلاً لحمل رسالة النجف إلى العالم بأسره، وإذا أحس طالب العلم بأن وراءه امتحاناً يؤهله للانتقال إلى مرحلة علمية جديدة، يجعله في وضع جدي من الدراسة والتتبع ويساعده على اللحاق بزملائه، وقد تبنت جمعية منتدى النشر هذه الفكرة، وسعى العلامة الشيخ محمد رضا

المظفر إلى تحقيقها.

وفي عام 1355ه_ / 1937م وضعت خطة علمية لتأسيس مدرسة عالية للعلوم الدينية أو كلية الاجتهاد، وفتح الصف الأول في جمعية منتدى النشر لتدريس الفقه الاستدلالي وعلم الأصول والتفسير والفلسفة، وكلف الشيخ عبد الحسين الحلي بتدريس الفقه والتفسير، والشيخ عبد الحسين الرشتي بتدريس الأصول والفلسفة(2). ويقول الشيخ آل ياسين وقد أراد دعاة الإصلاح في المدرسة النجفية إلى تغيير واقع الدراسة القديم الذي سارت عليه قبل أكثر من عشرة قرون لكي تخرج من عزلتها طالما هي كما يعرفها المطلعون من أبعد بلاد الله عن الجمود الفكري.

ص: 248


1- الزين: (بوادر الإصلاح) مجلة العرفان، الجزء الثاني، المجلد (29) لسنة 1358ه_ / 1939م، ص181
2- المصدر نفسه، ص 127 .

وقد أقدمت حركة إصلاح الحوزة على محاولة أخرى هي إصلاح المنبر الحسيني، وقد حمل لواء الإصلاح الخطيب الشيخ محمد علي قسام، وتبنت جمعية منتدى النشر دعوة الإصلاح لكي يؤدي المنبر الحسيني وظيفته الإرشادية وفق أسس علمية رصينة، ولكن المحافظين تصدوا بعنف لهذه الحركة وكادت أن تقع الفتنة بین صفوف المجتمع النجفي، وقد أوضح العلامة الشيخ محمد رضا المظفر أبعاد الحملة الإصلاحية بقوله: «الاختلاف على تحريم بعض الشعائر الحسينية فحدثت فئتان فئة سميت (الأموية) وعلى رأسها كان السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني تأييداً لرأي السيد محسن الأمين في الشام،وفئة سميت (الحسينية) كان يمثلها من العلماء الإمام ميرزا حسين النائيني،والشيخ عبد الله المامقاني، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وأمثالهم من العلماء تأييداً لرأي الشيخ عبد الحسين صادق بجبل عامل، وكادت الفتنة تقع بين الفئتين، وألفت لذلك عدة مؤلفات ثائرة صاخبة»(1). وقد أصدر الشيخ محمد حسین كاشف الغطاء ما يشبه الفتوى للرد على حركة إصلاح المنبر الحسيني بقوله:

هذي عصاي خذوها وحاربوا القوم فيها.

وكانت حركة إصلاح المنبر الحسيني تستهدف تخريج خطباء لذكرى سيد الشهداء(علیه السّلام)بشكل يحفظ للخطيب كرامته وللسامع فضله فلا يصعد المنبر إلا فاضل ولا يخشى السامع مفضولاً يتعالى عليه(2). وفي عام 1363ه_ / 1943م تأسست في جمعية منتدى النشر كلية«الوعظ والإرشاد»وكان غرضها تهذيب الخطباء وتنزيه المنبر الحسيني من الأخبار الموضوعة والأحاديث الضعيفة(3). وقد ألفت لجنة برئاسة الخطيب الشيخ محمد علي قسام وعضوية كل من : السيد جواد شبر، والسيد حسن الشخص، والسيد حسين اليعسوبي، والسيد عبد الأمير الأعرجي، والشيخ عبد الرضا شريف والسيد عبد الحسين الحجار، والشيخ عبد الهادي الأسدي، والشيخ محمد جواد ،قسام والشيخ محمد سعيد مانع، والشيخ مسلم الجابري، وكان الشيخ محمد

ص: 249


1- المظفر: آراء صريحة، ورقة 37.
2- الحوماني: بين النهرين، ص 83.
3- حسن الحكيم:نجفيات الشيخ محمد رضا المظفر، ص97 بحث في كتاب«الندوة الفكرية لاستذكار المآثر العلمية والأدبية والإصلاحية للعلامة المجدد المغفور له الشيخ محمد رضا المظفر».

الشريعة أحد أعضاء جمعية منتدى النشر من أكثر أعضاء الجمعية إيماناً بالفكرة الإصلاحية وأجرأهم في الصرخة لإعداد خطباء تتوفر فيهم شروط الخطابة(1). وقد عهدت لهذه اللجنة وضع المناهج السليمة وقد تمّ فعلاً فتح الصف التجريبي، ولكن لم يمض شهر واحد على فتحه حتى ثارت ثائرة المحافظين وألصقت التهم الباطلة ضد اللجنة المشرفة. فما كان من الشيخ محمد رضا المظفر وزملائه إلا الإسراع بإلغاء المشروع، ولا شك أن الفوضى المنبرية، وعدم استخدام المنبر استخداماً سليماً، سوف يؤدي إلى سريان النصوص غير السليمة إلى المجتمع عن طريق الخطباء الذين لا يميزون السليم من السقيم، والصحيح من الضعيف أو الموضوع من الروايات، ويعد الوقوف في وجه حركة إصلاح المنبر الحسيني، مسؤولية شرعية كبرى في معارضتهم لحركة إصلاح المنبر الحسيني، فقد أخذ المتطفلون على الخطابة يعتلون المنابر ويسمعون الناس بما لا يليق وحياة أهل البيت(علیهم السّلام)، ويتحدثون بما لا يتفق مع العقل والمنطق ويفضلون الأخبار السقيمة والموضوعة على الأخبار الصحيحة والموثقة، ولا يبعد أن يكون بعضهم مرتبطاً بجهات أجنبية غرضها الإساءة لأهل البيت سلام الله عليهم، ولا يمكننا أن نضع أي عذر أمام تحقيق المشروعين المتلازمين في تاريخ النجف العلمي وهما إصلاح الحوزة ومناهجها الدراسية، وإصلاح المنبر الحسيني وأساليب الخطابة فيه، وإذا كانت هناك معارضة من جهة ما، فإنها قد تتلاشى بالوقوف الصارم والإصرار الأكيد، وإن كل مشاريع العالم تتعرض لمثل ما تعرضت إليه مشاريع الإصلاح في النجف، ولكنها حققت أخيراً أهدافها ومراميها، وكان بمقدور الإمام السيد محسن الحكيم - الذي انفرد بالمرجعية - أن يحقق هذين المشروعين، وقد ألمح الأستاذ محمد علي الحوماني إلى أن السيد الحكيم كان يدعم المدارس الحديثة في بادئ الأمر بقوله: إن ما لا يقل عن ألف دينار في اليوم تصرف لبضعة آلاف من طلبة العلم لا أعتقد فيهم من يطلب العلم حقاً أكثر من ألف، فلو أن نصف هذا المبلغ أو ربعه خُصص لبناء جامعة حديثة في النجف يخير لها الأساتذة وبرامج التعليم لكان أجدر(2).

وكان طلاب العلم في النجف الأشرف يمرون بمراحل دراسية تنقلهم من واقع

ص: 250


1- الخليلي: هكذا عرفتهم، 245/1.
2- الحوماني: وحي الرافدين 66/1 67.

إلى آخر، وقد تمكنهم هذه الدراسة أخيراً من استنباط الأحكام الشرعية، وهذه المراحل هي:

1- مرحلة المقدمات.

2- مرحلة السطوح.

3- مرحلة الخارج.

وقد وقف الأستاذ الدكتور زكي مبارك على هذا الأسلوب من الدراسة النجفية وقارنه مع التعليم في جامعة الأزهر بقوله : لا ينبغي أن يزول، وعجب القوم من أن يصدر هذا القول من رجل متخرج من جامعة السوربون وقال : ولكني في الواقع لم أكن مرائياً، فقد صح عندي أن الأساليب الأزهرية والنجفية أساليب تنفع أجزل النفع في رياضة العقل، يضاف إلى ذلك أن الأزهر هو الذي حفظ اللغة العربية في عهد المماليك، وأن النجف هو الذي حفظ اللغة العربية في عهد الأتراك، ورعاية العهد توجب الإبقاء على تلك الأساليب التي استطاعت أن ترسل النور الوهاج في دياجير الظلمات(1). وهذه حقيقة واقعة تشهد لها الدراسة الحوزوية، فإن الأسلوب المذكور يرفع القلة من طلبة العلم إلى درجة الاجتهاد، ولكن هذا العدد لا يتناسب مع المجموع العام للطلبة، وإن ما تقدمه النجف من تأليف وتحقيقات ينبغي أن يكون أضعاف ذلك، لأن مراحل الدراسة الثلاث لو أنها تخضع للتنظيم لأصبح أكبر عدد من مجتهدين بدلالة المناهج التي خصصت لكل مرحلة،فالمقدمات التي تشكل المرحلة الأولى هي دروس أولية يأخذها الطالب إما بصورة فردية أو جماعية مع غيره من الطلبة، وتضمّ مقدمات النحو والصرف والبلاغة والمنطق وربما يتجاوزها الطالب إلى دراسة شرح قطر الندى لابن هشام، وكتاب شرح ألفية ابن مالك لابن عقيل، وكتاب مغني اللبيب في النحو لابن هشام، وكتاب الشمسية في المنطق، ويقول الشيخ شمس الدين«والطالب النجفي يدرس الفلسفة النحوية التي يمتزج فيها النحو والمنطق وتجريده من الأدب، فهو أثر بيّن في دراسة علم النحو في الجامعة لنجفية»(2). ويدرس الطالب كتاب«شرائع الإسلام»في الفقه للمحقق الحلي، وكتابي «تبصرة المتعلمين»

ص: 251


1- زكي مبارك : ليلى المريضة في العراق، 2/ 34.
2- شمس الدين: حديث الجامعة النجفية، ص 64.

و«المختصر النافع»للعلامة الحلي،وكتاب المختصر والمطول في البلاغة للتفتازاني،وشرح الرضي على الكافية وكتب المكودي والنظام في علم العروض، وكتاب الحادي عشر وشرح التجريد في العقائد وعلم الكلام للعلامة الحلي، وإن للطالب الحرية في اختيار المدرس بل الكتاب وليس عليه رقيب إلا نفسه أو ولي أمره(1). وقد يتوسع الطالب في دراسة علوم اللغة العربية والفقه والأصول وهي على العموم دراسات تمهيدية أو أولية، وقد تضاف إليه كتب التفسير والحديث والحكمة والرياضيات،ن يكون بين الطالب وأستاذه انسجام تامة وإطاعة واحترام،وهذا في الواقع من أهم المحفزات لجد الطالب واجتهاده في مساره الفكري(2). وتؤهل «المقدمات» الطالب لدراسة متون الكتب في الفقه الاستدلالي، وأصول الفقه هي التي ينتقل بها الطالب إلى مرحلة«السطوح»ويقول الشيخ محمد رضا المظفر: «ويتبع فيها محاكمة الآراء ومناقشتها بحرية كاملة فإنها مطلقة للطالب في اختيار الكتاب والمدرس والكتب التي يرجع إليها للمطالعة» (3). وإذا انتهى الطالب من هذه المرحلة وأتقن مفرداتها الدراسية اقترب من درجة الاجتهاد فيطلق عليه لفظ «المراهق» وإن الدراسة في هذه المرحلة إما أن تكون فردية أو يشترك اثنان عند أستاذ معين، وقلما يزيد عدد الحاضرين في الدرس على سبعة طلاب وتندر زيادتهم على العشرة وأشد ندرة زيادتهم على عشرين(4). وقد وقف الدكتور محمد التيجاني على هذا الأسلوب الدراسي في النجف ووصفه بقوله : «و لفت انتباهي مجموعة من الصبيان المعممين جالسين قرب المحراب يتدارسون وكل واحد في يده ،كتاب فأعجبت لهذا المنظر الجميل، ولم يسبق لي أن رأيت شيوخاً بهذا السن أعمارهم تتراوح بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة وقد زادهم جمالاً ذلك الزي فأصبحوا كالأقمار»(5). ويدرس الطالب في مرحلة السطوح كتاب معالم الأصول للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني العاملي، وكتاب الرسائل والكفاية للشيخ الأنصاري، ويعد الكتاب الثاني «كفاية الأصول» مدار البحث

ص: 252


1- المظفر: جامعة النجف في جامعة القرويين، ص 11.
2- الحكيم: مقدمة كتاب عقد الفضولي، ص 15.
3- المظفر: جامعة النجف في جامعة القرويين، ص 11.
4- الفقيه: جامعة النجف، ص 106.
5- التيجاني: ثم اهتديت، ص 47.

والتعليق والنظر في المدرسة النجفية المعاصرة(1). ويدرس الطالب أيضاً كتاب شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني وكتاب المسالك والمدارك والتحرير والقواعد وكتاب الزبدة في الحساب للشيخ البهائي العاملي، وكتاب شرح الباب الحادي عشر في الجدل والنظر للميبودي، وكتاب شرح التجريد للعلامة الحلي،وكتاب المنظومة للسبزواري،وكتاب الأسفار للملا صدرا، وكتاب أشكال اقليدس في الهندسة، ويدرس الطالب في علم الرجال كتاب«الرجال» لأبي علي، وكتاب رياض العلماء للشيخ الأفندي، وكتاب وسائل الشيعة في علم الحديث للحر العاملي، وكتاب المفيد والمستفيد في التربية للشهيد الأول(2). وإذا أنجز الطالب مرحلة «السطوح» فإنه يُسمّى محصلاً ومشتغلاً، ولا يسمى فاضلاً ولا عالماً ولا متجزئاً ولا مجتهد(3).

ويقول الشيخ علي الشرقي: إن الأستاذ والتلميذ يتكلمان على سطح كتاب مفتوح بينهما ويتعاطيان جملة منه خاصة(4). ويساعد هذا اللون من الدراسة على انفتاح ذهنية الطالب وعند ذلك يندفع نحو التثقيف الذاتي والبحث والتحضير بدافع الشعور بالمسؤولية إزاء نفسه، إذ تقع مهمة الإعداد كله أو جزء كبير منه على الطالب، فهو يقوم بإعداد مادة البحث وصياغتها بالشكل الذي يتطلبه البحث العلمي ومراجعة الكلمات والأقوال في ذلك(5). ويلزم الطالب كتابة ما يلقيه الأستاذ من الآراء والتعقيبات على كل موضوع في الكتب المدروسة(6). وتعد مرحلة دراسة السطوح من المراحل المهمة في حياة الطالب الدراسية، ولذا تحتاج إلى الدقة والتنظيم،ولا يسمح للطالب من الانتقال إلى المرحلة الأخيرة «الخارج»إلا بعد استيعاب وافٍ لمرحلة السطوح، ويقول السيد محمد تقي الحكيم: «وربما شجع بعض المتطفلين على أهل العلم من غير ذوي القابليات على اختصار الزمن في التنقل بين هذه المراحل دون أن يكونوا على استعداد

ص: 253


1- الآصفي: مدرسة النجف، ص9، 11.
2- الشرقي: الأحلام، ص 47.
3- الفقيه : جامعة النجف، ص 18.
4- الشرقي: (الحالة العلمية)مجلة لغة العرب،الجزء السادس،السنة الثالثة، 1332ه_ / 1913م، ص 330.
5- الأصفي: مدرسة النجف، ص 118.
6- الحسيني: الإمام الشاهرودي، ص53.

لتقبل أفكارها العالية وهضمها وهذا ما دعا جملة من المراجع إلى عدم الاعتراف بطالب الحوزة وشموله برعايته الخاصة ما لم يخضع لنوع من الامتحان من قبلهم يحدد مساره العلمي خلال رحلته الدراسية في هذه الحلقات»(1). وقد أريد من خريجي كلية الفقه في النجف استيعاب دراسة هذه المرحلة حتى تساعد الطالب المتخرج منها على حضور مجلس دروس كبار العلماء(2).

أما المرحلة المعروفة بالخارج وهي الأخيرة لطالب الحوزة العلمية، فيحضر دروس كبار المجتهدين في علمي الفقه والأصول، وقد يحصل الطالب المجدالنبيه على درجة الاجتهاد بعد اجتيازه الدروس العالية، وتكون هذه المرحلة في دورات يتولاها مراجع الدين والمجتهدون من رجال العلم، فتبدأ الدراسة بعلم الفقه والأصول على شكل محاضرات يومية، يشرح فيها المجتهد كل مسألة شرحاً وافياً بعد عرض الأقوال، ومناقشة الآراء، ويختار ما ينتهي إليه رأيه،وسميت هذه المرحلة بالخارج لأن التدريس فيها لا يعتمد على رأي خاص ولا على عبارة في كتاب معين إلا ما قد يتخذ منهجاً للبحث لتسهل على الطلاب المراجعة للتحضير قبل الدرس(3).ويقول الشيخ علي الشرقي: «يذكر الأستاذ عنوان المسألة التي يريد أن يبحث فيها ويقرر عن ظهر قلبه عدة آراء وأقوال حولها ثم يختار ما يرتئيه،والتلاميذ يلتفون حول منبره كالمستمعين لخطابه ولمحاضرته(4). وهنا يبرز الطالب المتفوق في فهمه للمسائل التي يحددها الأستاذ، ولا تنفض المحاضرة إلا وقد تبين للطلاب جلية الأمر(5). ويغلب على هذا الأسلوب من الحوار، الطريقة اليونانية القديمة في التدريس المعروفة بأسلوب«مجاورات سقراط» وهي الطريقة المسماة بالسؤال والجواب أو طريقة فإن قلت كذا قلت كذا فيطرح الأستاذ بعض الأسئلة ثم يذكر الجواب الذي يتوقعه،ثم يتدرج بالأسئلة حتى يصل به الاستجواب عن

ص: 254


1- الحكيم: مقدمة كتاب عقد الفضولي، ص15.
2- المظفر: (جامعة النجف) مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد (11) ص 299.
3- المظفر: (جامعة النجف) مجلة النجف،العددان (6،5) السنة الرابعة،ص 16. بحر العلوم : (الدراسة وتاريخها في النجف) موسوعة العتبات المقدسة/ قسم النجف، 97/1.
4- الشرقي: (الحالة العلمية)مجلة لغة العرب،الجزء السادس،السنة الثالثة 1331ه_ / 1913م، ص 330.
5- عراقي: (كتب القراءة) مجلة لغة العرب،العدد العاشر السنة الثانية 1331ه_ / 1913م، ص 440.

(2)

الحقيقة التي يحذفها ذلك الأستاذ(1). وغالباً ما يحضر الطلاب المراهقون للاجتهاد أو المجتهدون فعلاً، وقد أشارت المصادر إلى بحث الإمام الشيخ الأخوند محمد كاظم الخراساني المتوفى عام 1329ه_ فإنه يحضره فريق كبير من العلماء المجتهدين،وقد امتاز بحثه بالعمق والدقة وسعة الأفق والحرية الكاملة في نقد الآراء ومناقشتها، وقيل إنه كان يحضر أكثر من ثلاث مئة مجتهدوأكثر من ألفي طالب مراهق مجتهد(2).

وغالباً ما تدور هذه المرحلة من الدراسة حول كتاب«كفاية الأصول» للشيخ الأخوند الخراساني، وكتاب «العروة الوثقى» للإمام السيد محمد كاظم اليزدي، ويكتب طلاب هذه المرحلة محاضرات أساتذتهم فيطلق عليها لفظ«التقريرات» وتنسب إلى كاتبها أو جامعها، وهي التي تؤهل الطالب للوصول إلى درجة الاجتهاد، ونيل قوة الاستنباط للأحكام الشرعية والإسلامية(3). وهذا مما جعل الفقه الإمامي على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية. وكان الطالب يمر بمرحلتين في حياته العلمية هما:

1- مرحلة الاجتهاد المتجزئ.

2- مرحلة الاجتهاد المطلق.

ويقصد بالمرحلة الأولى هو قدرة طالب العلم على استنباط مسائل خاصة من أبواب الفقه، أما المرحلة الثانية، فإن له القدرة على استنباط كل ما أراد من المسائل ومن جميع أبواب الفقه، ويصل المجتهد المطلق إلى مرتبة المرجعية، أو المرجعية العليا بعد انعقاد الإجماع على أعلميته وعدالته ، وهذا لا يتم بمرسوم من حاكم، ولا بشفاعة من ظالم،ولا بانتخاب من منظمة معينة أو أفراد معدودين، بل بنص طبيعي من سيرته وشخصيته ومؤهلاته العلمية(4). وقد أشار المجتهدون في رسائلهم العملية بالقول: «إذا قلد الأعلم فصار غيره أعلم منه وجب العدول إليه». ومثال ذلك أن الإمام الشيخ الوحيد البهبهاني المتوفى عام 1206ه_ كان الرئيس المجتهد المطلق، ولكن لما تقدم به السن وضعفت ذاكرته قلد الناس تلميذه السيد محمد مهدي الطباطبائي

ص: 255


1- الشرقي: (الحالة العلمية)مجلة لغة العرب،الجزء السادس، ص 330.
2- الآصفي: مدرسة النجف، ص12.
3- شمس الدين: حديث الجامعة النجفية، ص 63.
4- محمد جواد مغنية : عقليات إسلامية، 1/ 486 - 487.

المعروف ببحر العلوم(1)، لأن المرجع الديني الأعلى يجب أن يكون قوي الذاكرة، سريع الفهم، مواكباً للتطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ملبياً لحاجات الناس اليومية، وقد يستعين بعدد من العلماء في حلّ بعض المشكلات ويقال: إن أول من أسس مجلس الاستفتاء في تاريخ النجف العلمي هو الإمام الميرزا حسين النائيني(2).

ويُعدّ الصحن الحيدري الشريف في مقدمة المؤسسات العلمية في النجف الأشرف وفيه يتحلق الطلبة حلقات حلقات وتؤدى فيه جماعات للصلاة، ويقول الشيخ حرز الدين: «لم يوجد مسجد غير مشغول بالبحث والدروس حتى الصحن الغروي الأقدس لرواج سوق العلم في ذلك العصر »(3)، وكانت المساجد الكبيرة يشغلها مراجع الدين الكبار في البحث والدرس،فقد كان الإمام السيد الحكيم يباحث في مسجد عمران، وكان الإمام السيد الخوئي يباحث في مسجد الخضراء، وكان الإمام السيد الشاهرودي يباحث في الجامع الهندي، وكان الإمام السيد اليزدي يباحث في مسجد الشيخ الأنصاري وفيه باحث الإمام السيد عبد الهادي الشيرازي والإمام السيد روح الخميني، وقد شهد مسجد الراس،ومسجد الصاغة ومسجد الجواهري ومسجد الشيخ علي رفيش ومسجد آل السيد سلمان حلقات درس لعدد من العلماء والمجتهدين،وأعدت المقابر الكبيرة ولاسيما مقابر العلماء، فقد كان الشيخ حسن التويسركاني يدرس في مقبرة السيد المجدد الشيرازي ويحضر دروسه عدد من طلاب العلم، وكان يدرس المكاسب والرسائل وغيرهما(4)، وعلى الرغم من تأسيس المدارس الدينية الحديثة وما تضمّ من قاعات درس مخصصة لكن بقي الصحن الشريف والجامع الهندي يؤديان دورهما في التدريس أكثر من غيرهما من المؤسسات الدينية، فقد اتخذ الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الحجرة الواقعة في الزاوية من الركن الجنوبي الشرقي من الصحن الشريف مكاناً للبحث(5)، وكان رجال العلم يفترشون أرضية الصحن الشريف قبيل صلاة المغرب، ويجلسون على هيئة حلقات في انتظار الصلاة،

ص: 256


1- الفقيه: جامعة النجف (ص) 139.
2- الأصفي: مدرسة النجف، ص34.
3- حرز الدين: معارف الرجال، 2/ 125 - 126 .
4- الطهراني: طبقات أعلام الشيعة / نقباء البشر، 1/ ق 366/1.
5- الخليلي: هكذا عرفتهم، 227/1.

وكان الكثير منهم من ينشغل بالبحث والمناظرة، ويشابه الجامع الهندي،الصحن الشريف في هذه الظاهرة، حتى أصبح كل طالب علم نجفي يهفو قلبه إلى الجامع الهندي، فإن حلقات الدرس فيه مبثوثة في جميع زواياه، فمن الطلبة من يتلقى العلم، ومنهم من يلقيه، وآخرون يتذاكرون أو يتباحثون(1).

أما دور العلماء فقد أعدت للتدريس، إضافة إلى أنها مجالس مفتوحة يقصدها جميع طبقات المجتمع، فتثار في هذه البيوت المسائل الفقهية والأصولية والفلسفية،وقد يتبارى فيها الشعراء والأدباء.

وقد حضر حلقات الدرس رجال علم وجامعيون من أمثال الأستاذ الدكتور أحمد أمين، والدكتور زكي مبارك والأستاذ محمد ثابت والدكتور محمد فاضل الجمالي الذي حضر أبحاث الإمام السيد محسن الحكيم، والإمام السيد أبي القاسم الخوئي، والإمام السيد حسين الحمامي، والإمام السيد عبد الهادي الشيرازي عام 1957م، وكنت أشاهده وهو يتجول في السوق الكبير وهو في طريقه إلى مدرسة الصدر الأعظم، وقد قضى في النجف بضعة أيام ينتقل في أجوائها العلمية صباح ومساء(2). ويقول الشيخ محمد جواد مغنية: إن الأستاذ في المدرسة النجفية يعرض الفكرة على طلابه بأسلوب الاستفهام والتساؤل ثم يذكر كل ما يمكن أن يقال حولها من الآراء المتضاربة ويبذل جهده لإيراد الاعتراضات على ما يراه ويختاره ثم يفندها واحداً واحداً بالمنطق والحجة بحيث لا يدع مجالاً للاحتمال والتشكك بالحق والصواب(3). ويقول الأستاذ الشريفي: إن ما كان يشيع في أجواء المجالس النجفية مطارحات كلامية واحتكاك وجهات النظر والجدال العنيف(4). وكانت هذه الطريقة توصل الطلاب إلى استنباط الأحكام من أدلتها.وتصبح له ملكة استنباط الفروع من الأصول، وعند ذلك

ص: 257


1- لسيد نور الدين: (الدراسة في الجامعة النجفية) مجلة الغري العددان (23، 24) السنة التاسعة 1367ه_ / 1948م، ص6.
2- مجلة النشاط الثقافي،العدد الأول، السنة الأولى 1377ه_ / 1957م، ص 62 - 63.
3- مغنية: (حول الدراسة في النجف) مجلة العرفان،الجزء السابع، المجلد (49) لسنة 1381ه_ / 1962م، ص 623.
4- الشريفي: (عوامل الحياة الدينية في النجف)مجلة العرفان الجزء الثامن، المجلد (37) لسنة 1369ه_ / 1950م، ص 872.

يمنح إجازة (الاجتهاد) ، وقد يجاز بالرواية دون الاجتهاد،والأستاذ هنا على بينة تامة على قابليات تلاميذه ولذا لا تمنح الإجازة إلا بعد أن يجتاز الطالب مراحل تؤهله لذلك، دون أن تكون أية جهة رسمية موقعة في هذه الإجازة، وهي بمثابة الشهادة الجامعية، وقد يبرزها الطالب المتخرج إلى الجهات في بلده لتعيينه قاضياً أو إماماً ونحو ذلك. ويقول الدكتور مصطفى جمال الدين: إن النجف تركت آثارها الواضحة في الأقطار العربية التي تخرج أبناؤها في جامعة النجف، وأصبحوا وكلاء المرجعية الدينية في أقطارهم كالإحساء والقطيف والبحرين، والأهواز، وسورية، ولبنان،

وإنك لتجد سمات الشعر النجفي واضحة في شعراء هذه الأقطار، وإن لم يعيشوا النجف(1). ويعطي السيد محسن الأمين للحرية الفكرية التي تعيشها النجف موقعاً في تقدم مدرستها فيقول: إن استقلال النجف أمكنها أن تقول دائماً كلمتها الحاسمة في أحوج الظروف وأدقها(2). وهذا يشبه بعض المدارس في العالم الإسلامي ذات الاستقلالية عن الحكومة ومؤسساتها فيقول الأستاذ أنور الجندي: (إذا ذكر الأزهر في مجال الثقافة الإسلامية العربية فإننا نذكر جامعات إسلامية متعددة منها القرويين في المغرب، والزيتونة في تونس ومعاهد النجف الأشرف، وجامعة أحمد خان في الهند، والخلاوي في السودان،والزوايا في ليبيا، وعشرات من المساجد في العالم الإسلامي،كانت مقراً للغة العربية والقرآن والثقافة الإسلامية، وكانت في الوقت نفسه معسكرات المقاومة للاستعمار )(3). وأشار الأستاذ النفيسي إلى الحرية التي تتمتع بها مدرسة النجف بقوله: (إنه نظام لا يتقيد بأي سلطة حكومية، والتلاميذ في النجف يتعلمون للعلم ذاته، وحياتهم حياة تقشف وقناعة، والحوار الحرّ بينهم يجري في جو من الحرية التامة)(4). وهذه الحياة يتلمسها طلاب العلم بوضوح وبخاصة الطلاب الأجانب، فيجد الطالب عند دخوله مدرسة النجف السكن المجاني، والراتب الشهري إذ يقوم المرجع الديني بتهيئة التدريسيين والمدارس والكتب الدراسية التي يحصل عليها الطالب بالإعارة من زملائه بسهولة أو الموقوفة على طلبة العلم، ويقول الشيخ محمد جواد

ص: 258


1- جمال الدين: مقدمة الديوان، ص 16.
2- الأمين: أعيان الشيعة،105/56.
3- الجندي: الإسلام والثقافة العربية، ص33.
4- النفيسي: دور الشيعة، ص52.

مغنية ومما يخفف عن طالب العلم المهاجر إلى مدينة النجف من قسوة العيش، هو أن أهل النجف يقدمون له خدمة جليلة تعينه على المضي في دراسته، فالقصاب والبقال والبزاز والقطان يعطونه ما يحتاجه إلى حين تسلم راتبه الشهري، ولولا هذه الخدمة من النجفيين لاستحال على الكثير طلب العلم(1). وكان بعض الخبازين يقدمون أعواداً من خشب الصفصاف عليها علامات بالمواد يؤشر عليها الخباز كلما أعطى لطالب العلم خبزاً حتى نهاية الشهر، وجعلت الحياة المعيشية القاسية للكثير من رجال العلم طريقاً للوصول إلى الاجتهاد والأعلمية، أو الحصول على قدر محدود من الفقه والأصول وغيرها من المعارف،وقد يقتنع طالب العلم في النجف براتبه البسيط وسكناه المتواضع في إحدى غرف المدارس الدينية، وقد يبقى على هذه الحالة حتى وفاته أو إنه يتزهد في حياته ويتقشف في معاشه.

الخاتمة

حافظت مدينة النجف الأشرف على مدرستها العلمية منذ أكثر من عشرة قرون وبقيت مركزاً علميّاً وفكرياً يستقطب رجال العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وأعطت (الأممية) فى المدرسة النجفية خصائص و انفرادات تميزت بها عن المدارس العلمية المعاصرة لها في العالمين العربي والإسلامي، فقد عاش في أجواء النجف الأشرف العراقي والعربي والآسيوي والأفريقي وغيرهم، وكان رعيل من الطلبة يعودون إلى بلدانهم بعد تحصيلهم العلمي، ويؤثر آخرون الإقامة في النجف الأشرف حتى وفاته ومنهم مراجع الدين وقادة الفكر، ونبغ في المدرسة النجفية مفسرون ومحدثون وفقهاء، وأصوليون وأدباء وشعراء، ومنهم من تخصص في الطب الإسلامي والفلك والكيمياء والرياضيات، وأصبح للنتاج المعرفي النجفي حضور في المكتبات وأصبح السوق النجفي يستقطب أصحاب المكتبات للبحث عن المطبوع الجديد، ولم نجد المدرسة النجفية تقف عند النتاج العلمي والمعرفي بل كانت لها مساهمات في الحياة السياسية في العراق ومساندات لحركات التحرير في العالمين العربي والإسلامي، ومنها صدرت فتاوى الجهاد ومناصرة الشعوب المضطهدة، ووقفت موقفاً

ص: 259


1- مغنية : من هنا وهناك، ص 29 - 30.

إنسانياً عند تعرض بلاد المسلمين للكوارث الطبيعية وهذا مما يعزز صلات النجف الأشرف بالأمم والشعوب، ويضاف إلى ذلك أن المدرسة النجفية انطلاقاً من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف كانت تحترم الديانات والمعتقدات في العالم دون تمييز أو تفريق عملاً بقول الإمام علي(علیه السّلام):(الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك فيالخلق).

ص: 260

المجموعات الخطية في خزانات مكتباتالنجف الأشرف بين الماضي والحاضر ( حفظها - فهرستها - صيانتها )

اشارة

حسين جهاد الحساني

تمهید

إن التراث الحضاري لأي أمة من الأمم في هذا العالم يُعدّ الأساس الذي تُبنى عليه مكانتها وتحدد به هویتها ومسيرتها،كما يتعرف من خلاله مدى عراقتها وتأصلها في التاريخ، ونوعية إسهامات رجالها في حركته، وقوة تأثيرها فيه وتأثرها به، فهي بهذا إما تكون شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإما أن تكون كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

إن تراثنا الذي أورثنا عزاً ومجداً وحضارة يزدهي عجباً بنوابغ من العقول عجز الزمان أن ينجب أمثالها، وإبداعات أعيت الحذاق أن يدركوا نظيراً لها، فهو اليوم حبيس سجنه يشكو نكران أهله وعقوق أبنائه، وجهل سجانه. ولئن تأثر التراث بوجه عام بهذا الصنيع، فإن التراث المخطوط كان أكثر تأثراً، لأنه ذاكرة الأمة ودليل هويتها وعصارة فكرها وخلاصة تجاربها ومجموع أعمالها وإبداعاتها. ومن هنا جاء الدور لتسليط الضوء على هذا الإرث الحضاري الجليل (المخطوط)، إذ إن مخطوطاتنا في الوقت الحاضر في العراق عامة وفي النجف الأشرف خاصة، تحتاج إلى عناية أكثر وتوجه أوفر وإذا بقيت على ما هي عليه فستكون عرضة إلى مزيد من التآكل والتلف بينما نجد مخطوطاتنا في الدول الإسلامية الأخرى تلقى كل عناية ورعاية وتكريم واهتمام، فضلاً

ص: 261

عن الاهتمام بها في الدول الأوروبية. ومن هذا المنطلق كانت لنا هذه الوقفة اليسيرة لنتفحص في أساسيات المخطوط لما له وما عليه من تاريخ وصنعة وتطور ومن خلال محاور ثرية تتوزع بين تاريخ المخطوط وفهرسته وترميمه وصيانته وكيفية حفظه وخزنه وغيره، في تاريخ هذه المدينة المقدسة.

الخط العربي أصله وتاريخه

إن إبراز الحقائق التاريخية لثراث هذه الأمة وما قدمته الإنسانية من إنجازات ضخمة كان فتحها المبين باختراع الكتابة. ولما كانت اللغة روح الأمة، والحرف لسان اللغة الناطق باسمها والمعبر عن آمالها،ومبعث حضارتها وأمجادها وعنوان فنها وإبداعها فلا بد أن يحتل موضعه من الاهتمام والتقدير ليدرس ويطور نحو الأحسن والأفضل...

فالخط هو الكتابة والتحرير والرقم والسطر والزبر بمعنى واحد، وقد أطلقت عليه تعريفات عدة كلها تصبّ في معنى واحد فقيل: هو رسم وأشكال حرفية تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس، فهو ثاني رتبة من الدلالة اللغوية، وهو اللفظ صناعة شريفة، وقيل: هو تصوير برسم حروف هجائه بتقدير الابتداء به والوقوف عليه، وقيل: هو علم تعرف منه صور الحروف المفردة وأوضاعها وكيفية تركيبها خطاً وما يكتبه منها في السطور وغيرها من التعريفات الأخرى.

والغريب أن المصادر التي كتبت في هذا الموضوع لن تستقر على رأي ثابت في تاريخ ونشأة الخط، فلقد اختلفت الأخبار والروايات في آن واحد في بداية نشوء الخط، فمنهم من يرى أن الخط إن كتب به العرب (توقيفي) من الله سبحانه وتعالى، أي إنه من صنع البشر، علمه عز وجل ل_ (آدم)(علیه السّلام)فكتب به الكتب المختلفة، كتبها(علیه السّلام)في طين وطبخه، وذلك قبل موته ب_ (300) سنة ، ولعل هناك آراء أخرى ترجع الأمر إلى إدريس(علیه السّلام)وسليمان بن داود(علیه السّلام)ابو موسى(علیه السّلام)وإسماعيل(علیه السّلام)ومن ولد إسماعيل(علیه السّلام)وشاع بين العرب، إن أول من وضعه بنو المحصن بن جندل بن يصعب بن مدين، حتى قيل إن ثلاثة من طبئ اجتمعوا في بقعة وأقاموا هجاء العربية، وأوعز أكثر الباحثين الأمر إلى الخط النبطي إذ قيل :(إن الخط النبطي اشتق من الخط الآرامي، وإن الخط العربي قد اشتق من الخط النبطي...)فبين هذا وذاك فقد وصلنا الخط العربي هذا بعد تعرجات

ص: 262

واصطلاحات كثيرة وعن طريق مراحل عديدة تطورت بتطور الحقب الزمنية التي أضفت كثيراً من التحسين على واقع خطنا العربي الأصيل والحالي(1).

المخطوط ... تاريخه وأصله

لم تكن المخطوطات في القديم معروفة كما هي الآن وإنما كانت ألواحاً من الطين أو الخزف أو الخشب، إذ كانت طريقتهم في الكتابة آنذاك تعتمد على الحفر بأداة مدينة ثم تُطلى هذه الألواح باللون الأبيض ويكتب عليها بالمداد أو تكسى بطبقة من الشمع تحفر فيها الكتابة، ثم تجتمع هذه الألواح المكتوبة وتحزم على هيئة كتاب، وكانت هذه الألواح منتشرة عند اليونان والرومان ثم البابليين والآشوريين. أما فقد في مصر عرفت الكتابة في لفائف على ورق البردي، ولم تكن لفة واحدة تكفي لكتابة النص، مما دفع المصريين إلى تقسيم النص على لفائف عدة متوسطة الحجم ليسهل استعمالها وتيسير حفظها وصيانتها، وقد أشار بعض المؤرخين أنه في مصر القديمة كانت هناك دار للكتب قبل الميلاد بحوالي ثلاث آلاف سنة، كما كانت مكتبات تحتوي برديات مطوية ومحفوظة في جراء معنونة ومصفوفة على رفوف في الألف الثاني قبل الميلاد.

ومما يذكره المؤرخون والمنقبون عن الآثار أن البابليين كانوا يهتمون اهتماماً كثيراً بالمخطوط وجمعه وحفظه في مكتباتهم على شكل ألواح طينية، فقد كشف علماء الآثار معبداً في ضواحي مدينة نيبور البابلية وعثروا في حجراته على ألواح طينية، كما عثروا على ألواح سجل فيها من الموضوعات التاريخية والقضائية والدينية والطبية والسحر والتنجيم،وغيرها.كما عثر في منتصف القرن الماضي في آثار نينوى على مخطوطات على شكل ألواح من مكتبة الملك آشور ( 668 - 626ق.م) الذي عرف عنه اهتمامه بإنشاء المكتبات آنذاك، إذ جند لها عدد من الموظفين والنساخ في تسجيل تاريخهم وآدابهم وحروبهم وثقافتهم ومراسيمهم الملكية.

ص: 263


1- ينظر : علي،جواد المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج 1/ 46 - ج 8/ 144 - 202، الحلوجي، عبد الستار: المخطوط العربي، ص 15 ، د. السامرائي، قاسم: تاريخ الخط العربي وأرقامه، ج 1/ 33، وهو بحث ألقي في دورة المخطوطات في مركز جمعة الماجد ونشر في كتاب: صناعة المخطوط العربي الإسلامي.

أما اليونانيون فقد عرفوا الكتابة على المخطوط قبل هوميروس وإن لم تنشر بشكل كبير إذ كان لها فضل في وصول الإلياذة والأوديسة إلينا. أما في أثينا فقد ساعد نمط حياتهم على كتابة وقراءة الكتب مما جعل الكتاب أداة لهم في الدرس والتحصيل واكتساب المعرفة. وهكذا أخذ المخطوط دوراً مهماً في تعاقب الأزمنة في حياة الأمم و تثبيت تاريخهم وتكوينهم الحضاري الأمثل(1).

أما عند المسلمين فقد بدأ الاهتمام بالمخطوط ، بنزول القرآن الكريم وحفظه وتدوينه ثم تطور العمل بحفظ المخطوط عن طريق إنشاء مكتبات خاصة وعامة منذ القرون الأولى، كذلك إنشاء دور للعلم ومدارس للدراسة حفظت فيها المخطوط بكل جوانبه. إلا إن هذا الأمل الذي كان يحدونا والفرحة التي غمرت صدورنا لم تتم بجمع هذه المخطوطات والمكتبات فقد تعرضت على مر القرون الإسلامية إلى حروب وغزوات وحرق وتمزق أتلفت لنا كثيراً من إرثنا الحضاري ذاك(2).

المخطوط العربي.. تعريفه ومكوناته

أولاً: تعريفه: لم تكن كلمة مخطوط أو ( مخطوطة ) المستخدمة حالياً معروفة منذ القديم إطلاقاً بمعناها اللغوي أو الاصطلاحي، إذ أطلقت اصطلاحات وأسماء أخرى عرفت المخطوطة من خلالها ضمن أساسياتها ومكوناتها، واستخدمت بدلاً منها مثل (كتاب - سفر - مجلد - رسالة - جزء ) وغير ذلك من المصطلحات. والغريب أن المعاجم العربية القديمة مثل : لسان العرب، وتاج العروس، والجمهرة وتهذيب اللغة، لم تورد هذه الكلمة ضمن مواردها وبذلك لم تتعرض لها بالشرح الوافي. أما ما جاء في كتاب أساس البلاغة للزمخشري من استخدام هذه الكلمة في قوله: (خطط : خط الكتاب يخطه ﴿وَلَا تَخُطُهُ بِيَمِينك﴾(3)(4)وكتاب مخطوط، فهو لا يعني بهذا المصطلح

ص: 264


1- ينظر: دیوارنت، ول: قصة الحضارة، ج 181/1، ج2/ 34، ج4/ 151 ، ج5/ 88، ج6/ 371، هامرتن، السير جون. أ.، ج 2/ 364 - 387.
2- ينظر: الحلوجي المخطوط العربي، ص115.
3- سورة العنكبوت،الآية 48.
4- الزمخشري،محمود بن عمر: أساس البلاغة، تحقيق: عبد الرحيم محمود، ص115.

الذي نطلقه على الكتاب المكتوب بخط اليد، بل إنه يعني أنه مكتوب أي منسوخ أي اسم المفعول من خط. فضلاً عن ذلك فقد أوضح البستاني في محيطه(1)، إن كلمة المخطوط مأخوذ من خط.يخط خطاً كتب أي صور اللفظ بحروف هجائية. وقد ظهرت كلمة مخطوط في العصر الحديث لتقابل كلمة مطبوع ، بعد دخول الطباعة إلى معترك الحياة الجديدة وأصبحت تُطلق على نسخة الكتاب التي خطها المؤلف أو غيره من النساخ بالمخطوط والمطبوعة التي طبعتها آلات الطباعة. ومن هنا أشار إبراهيم مصطفى في معجمه الوسيط إلى تعريف آخر ضمن هذا المعنى إذ يقول: (إنه المكتوب بالخط لا بالمطبعة وجمعه مخطوطات والمخطوطة النسخة المخطوطة باليد)(2). ثم توالت التعريفات اللغوية والاصطلاحية عليها، فقد جاء تعريفها بالموسوعة الأمريكية بأنها(المكتوبة باليد في أي نوع من أنواع الأدب سواء كان ذلك على المواد المطبوعة). وقيل (إنها لفظة مخطوطة تطلق على المواد المكتوبة باليد وتتضمن كل ما كتب أو خط أو نقش على الألواح الطينية القديمة والحجارة. وبعضهم صاغ تعريفاً جامعاً مانعاً لكل التعريفات السابقة إذ يقول: (المخطوط: من أوعية الفكر المكتوب بخط اليد،كتبها المؤلف أو الناسخ، ويتضمن فكر مؤلف في موضوع من موضوعات العلوم، كتب على ورق أو رق أو طين وتشمل كلمة مخطوط على الكتب والوثائق والعقود، وصكوك الملكية والرهن وغيرها )(3). وما يهمنا في موضوعنا هنا الموجود في مكتباتنا ومراكزنا الثقافية من كتب أو وثائق كُتبت باليد وهي ما يطلق عليها اسم المخطوطات، أما عدا ذلك فلسنا الآن بصدده.

ثانياً : مكوناته: يتكون المخطوط من أركان أساسية كما حددها القدماء تتمثل في:

أ - المكونات المادية: وهي المداد (الحبر)، الخط التجليد. ولضيق الكتابة لا نريد أن نتوسع في تفصيلاتها إذ إن فائدتها تختص بالمتخصصين في تحديد الزمن أو العصر الذي كُتبت فيه هذه المخطوطة.

ص: 265


1- البستاني بطرس: محيط المحيط، ج 1/ 563، باب خطط..
2- لجنة من المؤلفين: المعجم الوسيط، ص244 باب خط. .
3- ينظر: حلاق، حسان الأرشيف والوثائق والمخطوطات، ص247، فتوحي، ميري عبودي: فهرست المخطوط العربي، ص9.

ب - المضمون: أو ما يسمى بمنهجية المخطوط، وهذه المنهجية هي التي كانت سائدة منذ البدايات الأولى للتأليف ولا تزال إلى يومنا هذا، لذلك فقد عُرف للمخطوط عناصر هي:

1 - ورقة العنوان: لم يكن المسلمون في عصورهم الأولى يخصصون صفحة خاصة يسجلون فيها عنوان المخطوط، ولعل بعضهم يترك الصفحة الأولى فارغة وذلك خوفاً من عبث الأيدي والتلوث من كثرة استخدامها أو لتجليدها وزخرفتها أو لذكر بعض التملكات أو القراءات أو السماعات وذكر بعض الوفيات والولادات أو بعض الفوائد المنقولة من كتب أخرى.

2 - المقدمة: لا يخلو أي مخطوط من المخطوطات العربية من المقدمة إذ بدؤها يكون بالبسملة والحمد لله والدعاء والصلاة على النبي وآله(صلی الله علیه و آله و سلم)ثم يسترسل في موضوعه، وتتكون المقدمة من أمور عدة تكشف عن خفايا المخطوط وأسراره وهي:

أ- عنوان المخطوط: وكثيراً ما نجد أن المؤلف أو الناسخ يضمن مقدمته بتسمية عنوان المخطوط ،ومن خلال هذا العنوان اكتشف علماء البيلوغرافيا كثيراً من أسماء المخطوطات.

ب- اسم المؤلف: كذلك نجد أن المؤلف يذكر اسمه ضمن هذه المقدمة، وكذلك الناسخ إذ يشير إلى اسم المؤلف إذا لم يذكر المؤلف اسمه فيها، ليخرجها من مجال التشابه في كثير من المخطوطات المتشابهة في الاسم.

ج - موضوع الكتاب: حيث يذكر المؤلف الموضوع الذي سوف يبحثه أو تضمنه هذا الكتاب.

د - المنهج الذي اتبعه في كتابه: ويذكر المؤلف في مقدمته تلك المنهج الذي اعتمده في معالجة الموضوع الذي يبحثه، وتقسيمه إلى أبواب وفصول وما الذي سيتناوله في كل باب.

ه_ - الهدف من تأليف الكتاب: نجد أيضاً في مقدمة المؤلف الهدف الذي قصده والسبب الذي جعله يهتم بهذا الموضوع فدفعه إلى الخوض فيه.

ص: 266

ز - معرفة بداية المخطوط: من خلال قراءة المخطوط نستطيع أن نميز ما أضافه الناسخ في بدايته عما كتبه المصنف، ونتأكد من عنوانه واسم مؤلفه إن كانا مسجلين في صفحة العنوان أو من خلال مقابلته مع نسخة أخرى.

ح - عنوان كتاب آخر للمؤلف: ولعلنا نجد أن المؤلف أو الناسخ يذكر أسماء لكتب أخرى لهذا المؤلف إذ من خلالها نستطيع معرفة هذا المؤلف أو التمييز بينه وبين شخصيات أخرى تتشابه بالأسماء.

ط - أساتذة وتلاميذ المؤلف: قد يذكر المؤلف في مقدمته أسماء أساتذته عن طريق إجازته وسماعه لهم فضلاً عن ذكر تلامذته على أساس أنهم طلبوا منه أن يصنف لهم في موضوع ما .

3- الخاتمة: إن لخاتمة المخطوط أهمية كبيرة لا تقل في فائدتها للمفهرس عن بداية المخطوط ومقدمته، وذلك للمعلومات المهمة التي تتضمنها هذه الخاتمة ولم ترد في أي مكان آخر لذا فقد نجد في الخاتمة الأمور التالية:

أ - عنوان المخطوط: من خلال الخاتمة نكشف عنوان المخطوط، إذا لم يكن له عنوان معين في مقدمته أو لم يكن له ورقة خاصة في عنوان المخطوط. .

ب - اسم المؤلف: سواء أذكره المؤلف نفسه أو الناسخ، إذ نجد في نهايته: كمل كتاب.... لمؤلفه ...

ج - نهاية المخطوط: يرد في بعض المخطوطات عبارة تدل على الانتهاء من النص، مثل عبارة تمّ الكتاب، أو هذا آخر الكتاب، أو تمّ الجزء الأول إلى غير ذلك من العبارات التي تشير إلى الانتهاء من المقصود.

د - الناسخ وتأريخ النسخ: والخاتمة تحدد لنا تأريخ نسخ المخطوط ومكان النسخ باليوم والشهر والسنة، وفي بعض الأحيان يحدد التاريخ بما مضى من الشهر أو ما بقي منه وفي بعض المخطوطات نجد تحديد بداية الكتابة بالمخطوط ونهاية الكتابة بالمخطوط. .

ه_ - مصادر المؤلف: قد نجد في نهاية المخطوط ذكراً لمصادر المؤلف الذي اعتمد في تأليف كتابه هذا.

ص: 267

و - ما يصحح تاريخ وفاة المؤلف: وفي الخاتمة نجد أحياناً ما يصحح خطأ ما وقع فيه المترجمون لمؤلف هذا المخطوط من تاريخ وفاته، وذلك إذا ذكر المؤلف تاريخ تأليفه للمخطوط. .

ز - حادثة تاريخية قد يرد في نهايته ذكر حادثة يؤرخ بها الناسخ أو المؤلف هذه النسخة فيقول مثلاً: انتهى من تأليفه أو نسخه مثلاً عند خروج الجيوش المصرية من دمشق. ولعلّ هنالك أمور أخرى في خاتمة المخطوط منها مثلاً: عصر المؤلف اسم المنسوخ له عنوان كتاب آخر للمؤلف، اسم شيوخ المؤلف، سبب تسميته المخطوط، تاريخ التأليف، وغيرها(1).

خزائن المخطوطات الإسلامية في مكتبات النجف الأشرف

تاريخها :

لا ريب أن النجف هي حاضرة من حواضر العالم الإسلامي وحاضنة من حواضن الثقافة الإسلامية، وذلك لما تحمله من مزايا تؤهلها أن تكون في مقدمة المدن الإسلامية الكبرى امتدادها العلمي في الفترة الإسلامية كان منطلقها مدينة الكوفة العلمية، ولا شك أن تاريخ الكوفة العلمي ابتدأ منذ تمصيرها، إلا أن حركة السير العلمي كان مبتدئها الإمام علي بن أبي طالب(علیه السّلام)وذلك عندما اتخذها عاصمة للخلافة الإسلامية، ففتح جامعها الكبير على مصراعيه للدراسة والتدريس، فكانت الكوفة من هنا مشروعاً علمياً للثقافة الشاملة فأصبحت نهراً جارياً يصب في بحر النجف.

لذلك فقد ساعد نزول مجموعة كبيرة من أصحاب رسول اللهﷺفي هذه المدينة (أي الكوفة) والذي بلغ عددهم ثلاث مئة صحابي من أصحاب الشجرة وسبعين من أهل بدر عن قيام حركة فكرية علمية واسعة النشاط، فضلاً عن موروثها الثقافي الماضي التي ورثته من الحضارات السابقة، كالحضارة البابلية والآشورية والكلدانية والفارسية

ص: 268


1- ينظر: ديروش،فرنسوا: المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربي، ترجمة: أيمن فؤاد سید، ص99، 175 ،285، 343 ، 383، 459،سيد،أيمن فؤاد،الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات ص 15 - 45. لومير، جاك: مدخل إلى علم المخطوط، ص37، ترجمة: مصطفى طوبي.

واليونانية، وكذلك ما كانت تحمله الحيرة آنذاك من مركز علمي مهم والتي كانت قريبة جداً من الكوفة أعطتها بعداً علمياً كبيرا(1).

وعليه يُعد مسجد الكوفة المعظم اللبنة الأولى في تاريخ المخطوط في الكوفة والنجف، إذ كان منهلاً للعلم والعلماء ومجمعاً علمياً لتعليم القرآن الكريم والحديث الشريف، وأول معهد للدراسات الإسلامية، وأقدم مؤسسة تربوية في تاريخ الكوفة. بدءاً بخطب ومجالس ومحاضرات الإمام أمير المؤمنين(علیه السّلام)على منبر جامعها ومروراً بالصحابة والتابعين وانتهاء بأئمة أهل البيت(علیهم السّلام)الذين كان لهم القدح المعلى في ذلك الإرث الكبير، إذ كانت أرجاؤه تشهد حركة علمية واسعة كل حسب اختصاصه ومؤهلاته العلمية والفكرية، فكانت حلقات الدرس تقام في كل يوم وباختصاصات متنوعة، ففي مقدمة تلك الحلقات كان الحظ الأوفر للفقه والحديث فضلاً عن علوم القرآن والأدب وغيرها.

لقد كانت للمناظرات العلمية،والمساجلات الفكرية والمطارحات الأدبية،والمناقشات المعرفية دليلاً قاطعاً على الواقع العلمي الذي كان يشهده جامع الكوفة مما يؤصل عناصر المدرسة العلمية في جامعها.

و قد نمت تلك الحلقات لتعبر عن عملية تعليمية متكاملة تشكلت في جامع الكوفة في القرون الأولى لتضفي صفة المدرسة عليها. وكان من أبرز رواد تلك المدرسة، أبو عبد الرحمن السلمي، ونصر بن عاصم وعمران بن سريع وأبو العتاهية والكميت الأسدي،وكان للطرماح الشاعر مناظراته ومطارحاته الشعرية مع شعراء، عصره، وشيبان بن ثعلبة الكوفي في حلقاته القرآنية،والنضر بن إسماعيل البجلي إمام مسجد الكوفة، وخلف الأحمر وغيرهم، كانت حلقاته صوتها مدوّياً في زوايا مسجد الكوفة المعظم(2).

إلا أن الحركة الفكرية في المسجد لم يرتفع صوتها إلا بحضور الإمام جعفر بن

ص: 269


1- ابن سعد: محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، ج 6/7 . 8. العباسي، عمر أمجد: نشأة الثقافة العربية الإسلامية في الكوفة في صدر الإسلام، ص 75 - 77 ، رسالة ماجستير جامعة الموصل، 2005م.
2- ينظر: الحكيم،حسن الكوفة بين العمق الحضاري والتطور العلمي، ص 35 خوير، هناء حسين: مدرسة الكوفة الحديثية في القرنين الأول والثاني الهجري، ص 35 - 36، رسالة ماجستير، جامعة الكوفة. غازي، جابر رزاق: الكوفة في العصر العباسي ص64 - 69 ، رسالة ماجستير، جامعة الكوفة.

محمد الصادق(علیه السّلام)، حيث روى الحسين بن علي الوشاء البجلي، أنه أدرك في مسجد الكوفة تسع مئة شيخ كلهم يقول : حدثني جعفر بن محمد(1)، وهذا يعني ، أن هناك تسع مئة حلقة دراسية في المسجد تدرس ما حدث به الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام)، هذا فضلاً عن وجود المدارس الحديثية والقرآنية والنحوية فيه، لذلك كانت زوايا مسجد الكوفة المعظم تحتوي على الكثير من المصادر والمخطوطات التي خطت بأيدي هؤلاء الأعلام، كما سيأتي آنفاً.

لذلك ذهب بعض المؤرخين إلى أن تاريخ النجف العلمي يبدأ مع ابتداء السكن فيها، أي منذ القرن الثاني الهجري، وبالخصوص عند بناء أول عمارة لها، فانتقلت المدرسة من الكوفة إليها، وظهر ذلك جلياً عند بروز شخصيات علمية مثل ابن شهريار وشرف الدين بن علي النجفي وغيره فضلاً عن وفرة ما بذله عضد الدولة من أموال في القرن الرابع على علماء النجف وفقهائها، ومنه تأسست أول خزانة للكتب في النجف في مرقد أمير المؤمنين(علیه السّلام)كما سياتي إن شاء الله .

أما الأمر الذي لا شبهة فيه فإن تاريخ النجف العلمي قد بدأ في منتصف القرن الخامس الهجري على أثر هجرة الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المعروف ب_ (شيخ الطائفة) ت 460 ه_ بعد هجرته من بغداد إلى النجف الأشرف وتأسيس حوزته الكبرى عام 447ه_ ، وبانتقال الشيخ إلى النجف انتقل النتاج الفكري من جميع المدن الإسلامية الشيعية لغرض التلمذة على منبر النجف الأشرف، فأوجدوا في النجف حركة فكرية تمتاز عن الحركة الفكرية في أمهات المدن العراقية، وكانت خزانات المخطوطات والمكتبات وما بدأت تجمع من الكتب النادرة من أعظم أحداث الثقافة وأهم ما تتميز به نجف الأمس واليوم(2).

فكانت أول خزانة تنشأ بشكل رسمي هي خزانة المرقد العلوي المطهر (ضريح الإمام علي بن أبي طالب) والتي جمعت بين طياتها نوادر المصادر القرآنية والحديثية والفقهية وغيرها،حتى بلغ تعدادها آلاف المخطوطات، إلا أننا في بحثنا هذا سنقدم خزانة مسجد الكوفة المعظم من حيث وجود العمق التاريخي والسبق الإرثي لها وإن

ص: 270


1- النجاشي، أحمد بن علي الرجال، ص 56. الكشي، محمد بن عمر: رجال الكشي، ص182.
2- ينظر / الخليلي، جعفر : موسوعة العنبات المقدسة - قسم النجف : ج1/ 96، الحكيم ص53.

كان هذا الأمر من الناحية النظرية لها فقط إذ لم تظهر لنا القرائن التاريخية أن هناك خزانة للكوفة من الجانب العملي كما هي للنجف الأمس واليوم.

أولاً: خزانة مكتبة مسجد الكوفة المعظم:

لا ريب بعدما أصبحت الكوفة مأوى أفئدة العلماء يأتونها من كل حدب وصوب ينهلون من صافي علومها كان لا بد أن تنتعش فيها الحركة الكتبية، فذاك سوق الوراقين،وهؤلاء النساخة والوراقة يكتبون ويبيعون ويشترون الكتاب،لذلك فقد أصبح لزاماً على هذه المدينة أن تبرز في مقدمة المدن الإسلامية الأولى في إنشاء مخازن للكتب خاصة كانت أو عامة وبالخصوص بعد ظهور حركة التدوين والكتابة في المدرسة الحديثية والقرآنية والنحوية ، لذلك فقد تحولت حركة جمع الكتب وخزائنها في الكوفة على شقين، الأول : خزانات الكتب العامة، والثاني: الخزانات الخاصة.

1- الخزانات الخاصة: - وهي ما تعرف لدى العلماء والبيوتات العلمية آنذاك، وقد برز في الكوفة العديد من العلماء المشهورين بحبهم للعلم والتدوين ورغبتهم في اقتناء مصادرها مما ساعد على نشوء هذه الخزانات الخاصة لديهم، ومن أبرز هؤلاء العلماء التي كانت بحوزتهم تلك الخزانات:

أ - خزانة سفيان الثوري (ت.161ه_) ، كان إماماً في علم الحديث وغيره من العلوم الأخرى، فقد جمع كماً هائلاً من الكتب إلا أنه لكثرة هروبه من الولاة وخوفه منهم قام بدفنها جميعاً ففقد أثرها ولا يُعرف شيء عنها حالياً.

ب - خزانة محمد بن عبيد الله الفزاري (ت. 155ه_)، وهو من المحدثين المشهوريين ، كما يُعدّ من القراء الصالحين، فقد كان هذا الرجل يمتلك خزانة للكتب خاصة به، إلى أن عمد إلى دفنها فكان بعد ذلك يحدّث عن حفظه.

ت - خزانة داود بن نصير الطائي (ت. 165ه_)، كان من المحدثين والفقهاء والزهاد، وكان أحد علماء الكوفة المعروفين وكان يمتلك خزانة من الكتب خاصة به،ولكنه عمد إلى إتلافها.

ث - خزانة علي بن مسهر القرشي (ت. 189ه_)، وكان من القضاة المعروفين وقد جمع كثيراً من الكتب إلا أنه دفنها كلها بعد أن ذهب بصره وبقي يحدث من حفظه.

ص: 271

ج - خزانة ابن الأعرابي (ت 231ه_)، من أكابر أئمة اللغة المشار إليهم، وقد كان شغوفاً بجمع الكتب لذلك فقد جمع خزانة من الكتب لا بأس بها.

ح - خزانة عطاء بن مسلم الكوفي (ت .ق2)، وهو من المحدثين وقد اتسم بالصلاح والتقوى،وكانت له خزانة دفنها قبل وفاته.

خ - خزانة أبي كريب الهمداني (ت 248ه_)، وهو من المحدثين الكبار وقد جمع عدداً هائلاً من الكتب، إلا أنه أوصى أن تدفن معه.

د - خزانة الكندي (ت 260ه_)، وهو فيلسوف العرب، فقد صنّف وجمع الكثير من الكتب في خزانته كتباً متنوعة قل نظيرها في وقته.

ذ - خزانة ثعلب (ت.291ه_)، وهو أحمد ابن النحوي الشهير، فقد خلّف خزانة من الكتب إلا أنها بيعت بعد وفاته.

ر - خزانة أبي بكر الأنباري (ت 328ه_) ، كان عالماً باللغة وأكثرهم حفظاً للشواهد، وقد خلف خزانة للكتب حوت على أكثر العلوم فيها وقد ورثها إلى ولده من بعده.

ز - خزانة ابن عقدة (ت.332ه_)، وهو من المحدثين الكوفيين الكبار، وقد خلّف خزانة كبيرة أشار إليها الخطيب البغدادي.

س - خزانة أبي الحسن علي بن محمد الكوفي ، وهو أحد أصحاب ثعلب وكان مهتماً باللغة والشعر وجودة الخط ، وكان مولعاً بجمع الكتب فأسس له خزانة وقد رتبها على العلوم ترتيباً خاصاً بارعاً.

ش - خزانة قطب الدين الأقساسي (ت.645ه_) وهو من الأدباء والشعراء ومن سادات وأشراف القوم، وكانت له في الكوفة خزانة جليلة القدر(1).

وكل هذه الخزانات انتهى أثرها ولم يبق منها شيء حالياً.

ص: 272


1- ينظر في التعريف عن هذه الخزانات عواد، كوركيس: خزائن الكتب القديمة في العراق، ص 191 ،197، 216، 221 ، 254 الطريحي، محمد سعيد خزائن الكتب الإسلامية في الكوفة، ص 320 مقالة نشرت في مجلة حولية الكوفة الصادرة عن أمانة مسجد الكوفة المعظم، العدد 2. خوير، مدرسة الكوفة، ص 42-47، غازي الكوفة في العصر العباسي، ص 77.

2- الخزانات العامة: ونقصد بها الخزانات التي اهتم بجمعها الولاة والوزراء والخزانة الأم لمسجد الكوفة، وهو ما يهمنا في بحثنا هذا والذي سنسلط الضوء عليه.

من البديهي أن كل ما تقدم من إرث حضاري فكري وعلمي لمدينة الكوفة بعامة ومسجدها بخاصة هو كفيل بأن يعطي الدليل الواضح بأنه كان في ذلك المسجد خزانة يجمع فيها الكتب ويستفاد منها في نشر الوعي العلمي آنذاك، إلا أن يد التاريخ والمؤرخين امتدت لتسرق حقاً سامياً لهذه المدينة المقدسة.

فلذلك يشير الإمام علي بن أبي طالب(علیه السّلام)إلى هذا المعنى، إذ كان يناشد في خطبه إلى أن يكتبوا مما أقول حتى روى ابن سعد في الطبقات،(إن علي بن أبي طالب خطب الناس فقال: من يشتري علماً بدرهم؟ فاشترى الحارث الأعور صحفاً بدرهم، ثم جاء بها فكتب له علماً كبيراً)(1).

ولعل الأسباب واضحة بذلك لما تحمله هذه المدينة من امتداد علمي لأئمة أهل البيت(علیهم السّلام)وأصحابهم، فمن الطبيعي إذن أنه لا يوجد بين أيدينا نصوص وأدلة واضحة تشير بصراحة إلى وجود تلك الخزانة في مسجد الكوفة، ولكن نستطيع أن نقول بحتمية وجود تلك الخزانة بما تقدم من أدلة علمية واضحة لهذا المسجد المقدس، فضلاً عن ما يدعم قولنا إن حصولنا على بعض النسخ الخطية التي نسخت في جامع الكوفة على مرور الزمن والتي ذكرها صاحب الذريعة وغيره منها: المسالك الجامعية في شرح الرسالة الألفية، للشيخ محمد بن أبي جهور الأحسائي، والفوائد الكوفية في رد مكائد الصوفية، للشيخ علي أكبر النهاوندي والمواهب العلية في شرح اللمعة لأبي تراب القزويني، وغيرها من المخطوطات الأخرى، مع ما وصلنا من السماعات والمقابلات منها كتاب استبصار الأخبار للشيخ قاسم بن محمد الكاظمي، وغيرها(2).

ومع هذه الأدلة وتلك تأتي رواية إسحاق بن مرار الشيباني وهو من الكوفيين اللغويين (ت 213ه_)، الذي جمع أشعار نيف وثمانين قبيلة من العرب وأخرجها للناس في مسجد الكوفة، إذ حكى عن ابنه عمرو قال: (لما جمع أبي أشعار العرب كانت نيفاً

ص: 273


1- ابن سعد: الطبقات، ج6/ 168.
2- آغا بزرك، محسن: الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 267/16 الحلي، أحمد مجيد: التراث الكوفي في مسجد الكوفة مقالة نشرت في مجلة السفير الصادرة عن مسجد الكوفة المعظم، العدد 387 .

وثمانين قبيلة، فكان كلما عمل منها قبيلة وأخرجها إلى الناس كتب مصحفاً وجعله في مسجد الكوفة، حتى كتب نيفاً وثمانين مصحفاً بخطه)(1)؟

وهذا القول يضع النقاط على الحروف في أنه لا بد أن يكون هناك مكان يحتضن هذه الأشعار والمصاحف فليس من المعقول أن توضع هذه الصحف والأشعار وغيرها في ساحة المسجد الكبرى، فإذن الخزانة كانت موجودة بالشكل والمضمون إلا أن التاريخ ومع الأسف مديد الظلم والتعسف لهذا المحفل الكبير.

أما اليوم وابتداء من سنة 1434 - 1435ه_ الموافق 2012 - 2013م قامت الأمانة الخاصة بمسجد الكوفة والمزارات الملحقة به وبشخصية أمينها السيد موسى الخلخالي،بإعادة تكوين هذه الخزانة التاريخية لتبدأ مرحلة جديد لجمع المخطوطات وحفظها والاهتمام بها وجعلها في خزانة تحمل كل مواصفات الخزانات الحديثة في العالم، وقد وضعت هذه المخطوطات،في مخازن خاصة تحمل مواصفات جيدة إذ بلغ عددها أكثر من 600 مخطوط، ومستمر الشراء لها لزيادة عددها فضلاً عن أن العمل جارٍ فيها لتصويرها وفهرستها.

ثانياً: خزانة المكتبة الغروية ( في مرقد الإمام علي بن أبي طالب)

الخزانة الغروية ثرية بالغة الثراء لما تحتويه من الأعلاق النفيسة والتي لا تقدر بثمن ما، ذلك لأن مرقد الإمام أمير المؤمنين كان ولا يزال مهوى أفئدة المسلمين من كل حدب وصوب ولا تقف عنده طائفة معينة أو مذهب ما، فلا يخلو في وقت من الأوقات من الوافدين لزيارته من الملوك والوزراء والأعيان وأرباب الثراء وطبقات المجتمع الأخرى، إذ يتبارون في إهداء أنفس ما يمتلكونه من النوادر وأعز ما يجدونه

من التحف للمشهد الشريف،ومن هنا اجتمعت في خزانة هنا اجتمعت في خزانة المشهد ومع مرور السنين ما يعجز عن تقييمه حتى الخبراء، وفي هذه التحف شيء كثير من المجوهرات ولعل الذي يمر عليها يظن أنها خزانة واحدة جمعت كل هذه الآثار والنفائس والمجوهرات والسجاد والمخطوطات ،وغيرها، إلا أنَّ هذا اللفظ (الخزانة) هو مفهوم المصاديق عدة، فقد أكدت لنا المصادر التاريخية أن للحرم المطهر أربع خزانات موزعة في أماكن متعددة من الصحن الحيدري الشريف وعلى النحو التالي:

ص: 274


1- الخطيب البغدادي، أحمد بن علي: تاريخ بغداد،ج 6 / 329. غازي: الكوفة في العصر العباسي، ص64.

فالخزانة الأولى: فتقع في حجرة بجانب المئذنة الجنوبية حيث مرقد العلامة الأردبيلي (رحمه الله).

أما الخزانة الثانية، تقع داخل الضريح العلوي الشريف.

والخزانة الثالثة، فهي التي تقع في الرواق الذي يلي رأس الإمام(علیه السّلام).

وتحتوي هذه الخزانات الثلاث من أنفس ما هو موجود من الذهب والفضة والأحجار الكريمة والسجاد ومصاحف تعود للقرن الأول الهجري وبضمنها المصحف المنسوب للإمام أمير المؤمنين(علیه السّلام)و وهي من المصاحف النادرة في العالم، فضلاً عن وجود الخناجر والقناديل وغيرها، وقد وقفتُ على فتحها في سنة 2010م مع لجنة مكونة من الإدارة العامة للعتبة العلوية المقدسة ومن المتخصصين في مجال الآثار ومسؤولين في الدولة وغيرهم، وقد شاهدنا ما شاهدناه من هذه الأعلاق النفيسة، وقد جمعت هذه الخزانات الثلاث في خزانة واحدة داخل السرداب بالقرب من خزانة المخطوطات الجديدة.

أما الخزانة الرابعة فهي التي تضم مجموعة من المصاحف والكتب المخطوطة القديمة، وقد اتخذت خلال فترات التاريخ في أكثر من مكان في الصحن الحيدري الشريف، وفي آخرها كانت في غرفة مظلمة يعلوها التراب بالقرب من غرفة الإدارة العامة لكليدار للمرقد المطهر في سنوات الأنظمة السابقة، والذي سيكون مدار بحثنا عليها في هذه الوريقات الآتية(1).

وهذه الخزانة سميت بمسميات عدة خلال المراحل التي مرت بها عبر التاريخ منها: الخزانة الغروية، والخزانة العلوية والمكتبة الغروية والمكتبة الحيدرية، ومكتبة الصحن، ومكتبة الروضة الحيدرية والعتبة العلوية، وفي بعض الأحيان يُشار إليها بأنها مكتبة الإمام علي(علیه السّلام)و هذه الأسماء الأخيرة أطلق عليها مؤخراً.

لذا فإن هذه الخزانة أو المكتبة مرت بمراحل وأدوار وأطوار عدة نستعرضها على النحو التالي:

ص: 275


1- ينظر الخليلي، جعفر، موسوعة العتبات المقدسة - قسم النجف الأشرف : ج2/ 227 ،الأمين ،محسن . أعيان الشيعة، ج 94/1 الحكيم، حسن عيسى المفصل في تاريخ النجف الأشرف، ج2/ 149.

1 - مرحلة ما قبل عضد الدولة البويهي(1):

وهي المرحلة التي يشوبها بعض الغموض من حيث قلة المعلومات التاريخية عنها، والتي تبدأ من حصول السكن في النجف إلى دخول عضد الدولة البويهي (371ه_) إذ لم يعرف بالضبط مكان هذه الخزانة أو المكتبة القديمة، ولكن الملاحظ أن عضد الدولة البويهي عند مجيئه إلى النجف وإنشائه لهذه الخزانة لم تكن إحدى غرف الصحن الشريف خالية الوفاض بل كان هناك مكان خاص تجمع فيه الكتب، فضلاً عن وجود بعض العوائل العلمية آنذاك، ولهذا فقد اعتمد البويهي اعتماداً أساسياً على ما كان موجوداً بها سابقاً وأسس خزانته المشهورة تلك.

إذن نستطيع القول إنه كانت هناك مكتبة جامعة للمخطوطات ولكن لم يعرف محلها أين والذي اعتمد عليها عضد الدولة البويهي في إنشاء وتأسيس مكتبته بعدها، ولعل تاريخها يعود إلى بداية السكن والتدريس فيها.

2 - مرحلة عضد الدولة البويهي (الإنشاء والتأسيس):

يبدو أن زيارة عضد الدولة البويهي إلى الحرم المطهر بحدود سنة 371ه_ هي المنطلق الأول في وضع الحجر الأساس رسمياً لهذه المكتبة، ويبدو أن عضد الدولة عندما أمر بإنشاء هذه الخزانة لم يكن الأمر منه جزافاً، بل إنه شاهد فيها الاستعداد التام لإنشائها إذ إنه حمل تصوراً واضحاً حين تجواله في المرافق العامة للمرقد الشريف بأن هناك مخطوطات لا بد لها أن تحفظ وتجمع في مكان مخصص لها، فأمر بإنشاء هذه الخزانة وأغدق عليها من أمواله الخاصة غيثاً مغدقاً لشراء مخطوطات أخرى لتكون هذه الخزانة مرجعاً لطلبة العلوم الدينية آنذاك، فضلاً عن جمعه لعلماء المدينة من أدباء

ص: 276


1- هو فناخسرو بن الحسن بن بويه الديلمي،أبو شجاع، المولود بأصبهان سنة 324ه_، أحد المتنفذين على الملك أيام الدولة العباسية تولى ملك ،فارس، ثم ملك الموصل، وبلاد الجزيرة العربية، وهو أول من خطب على المنابر بعد الخليفة وأول من لقب في الإسلام شاهنشاه، كان شديد الهيبة، جباراً، أديباً شاعراً عالماً بالعربية نحوياً إذ صنف له أبو علي الفارسي كتاب الإيضاح، وغيره من العلماء، كان مذهبه التشيع، في عصره كثر العمران والبناء وخاصة دور العبادة والعلم، توفي ببغداد ودفن في النجف الأشرف سنة 372ه- . ينظر : ابن الأثير، البداية والنهاية، ج11/ 301. ابن طاووس، فرحة الغري ص 152. الزركلي، الأعلام ، ج 1 / 156.

وفقهاء وغيرهم وحثهم على المواظبة والاهتمام بهذه الخزانة مع ما أفاض عليهم من أموال كلّ حسب اختصاصه(1).

3 - مرحلة ما بعد عضد الدولة إلى حرق المكتبة :

وتعد هذه المرحلة من أهم المراحل التي مرت بها المكتبة، تبدأ من بعد دخول عضد الدولة إلى حدود سنة (755ه_) وهي سنة وقوع حادثة الحرق وكما ستأتي، أي بحدود أربعة قرون تقريباً، فهي المرحلة التي بها جمعت أكثر مخطوطاتها ونفائسها الخطية، فمنذ الوهلة الأولى لمرحلة عضد الدولة وأمره بتطويرها من حيث إنه أدخل إليها أكثر عدد من المخطوطات إلى احتضان النجف لأكبر حوزة في تاريخ الثقافة الشيعية في العالم، فعند تأسيس الشيخ الطوسي حوزته الأولى في النجف (448ه_) انتقل النتاج الفكري من جميع المدن الإسلامية الشيعية لغرض التلمذة على منبرها،فأوجدوا فيها حركة فكرية تمتاز عن الحركة الفكرية في أمهات المدن العراقية الأخرى فانتعشت هذه الخزانة بالكتب النادرة فأصبحت هذه المدينة مشغولة لاستقطاب العلماء والطلاب، ونشطت فيها حركة الكتاب وجُمع في هذه الخزانة الآلاف من المخطوطات حتى عدها بعضهم إلى أربعة آلاف مخطوط، وقال آخر: بل وصلت إلى أربعين ألف مخطوط، وهذه المرحلة هي المرحلة الحقيقية لهذه الخزانة لما احتفظت به من مقتنيات خطية قل نظيرها في العالم، فضلاً عن ذلك فقد أصبحت هذه الخزانة محلاً للتأليف والنسخ من قبل علماء الطائفة ونُساخها حتى إن كثيراً من كتبها ثبت عليه انه كُتب في المشهد الغروي الشريف(2)

4 - مرحلة الحرق

بعدما وصلت إليه هذه الخزانة من زهو وافتخار وفيما وصلت إليه من جمع الكمّ الهائل من المخطوطات في هذه الحقبة العلمية من تاريخ النجف وبين ليلة وضحاها

ص: 277


1- ينظر: ابن طاووس، عبد الكريم فرحة الغري، ص292. الشرقي علي الأحلام، ص43 الخليلي موسوعة العتبات، ج 214/2.
2- ينظر: ابن طاووس، عبد الكريم فرحة الغري، ص292. الشرقي علي الأحلام، ص43 الخليلي موسوعة العتبات، ج2/ 214.

ذهب ثلاث أرباع هذه الخزانة في أدراج الرياح، والسبب في ذلك هو أن حريقاً قد شبّ في المشهد العلوي الشريف، بسبب النار التي اندلعت من أحد القناديل المعلقة وتسربت إلى الأخشاب ثم اتصلت مباشرة بهذه الخزانة (المكتبة) وذلك في سنة 755ه_ / 1354م،على ما ثبته الشيخ عبد الرحمن العتايقي في كتابه الأماقي في شرح الإيلاقي والمحفوظ في الخزانة اليوم وكذلك ما رواه ابن عنبة إذ قال: (وقد كان في المشهد الشريف الغروي مصحف في ثلاثة مجلدات بخط أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السّلام)احترق حين احترق المشهد سنة خمس وخمسين وسبع مئة. ويُعدّ هذا الله الحرق هو النكبة الأولى التي منيت بها هذه الخزانة العظيمة(1).

5 - مرحلة ما بعد الحرق

بعد الانتهاء من إعمار أماكن الحريق الذي شبّ في جهة من جهات الصحن الشريف وبالتحديد سنة 760ه_ كما أشار إليها الشيخ العتايقي في كتابه الأماقي، وبعد المنتصف الثاني من القرن الثامن الهجري ظهر نشاط منقطع النظير عمّ الأوساط العلمية في جمع الكتب وشرائها وجلبها إلى النجف، ووقفها على المكتبة العلوية (الخزانة)، كما لو كان تأسيس هذه الخزانة يبتدئ من جديد ولأول مرة، إذ قام بتجديدها السيد صدر الدين بن شرف الدین بن محمود بن الحسن بن خليفة الكفي المعروف ب_ (الآوي)(2)، مستعيناً بفخر المحققين أبي طالب محمد بن الحسن الحلي(3)، وفي هذه المرحلة أُطلق عليها اسم (الخزانة العلوية).

وبعد وفاة (الآوي) كان قد أوصى ابن أخيه بأن يشتري بثلثه من الميراث الكتب ويوقفها على الخزانة، وفي خلال خمس سنوات من هذا التجديد تكاملت الخزانة بكتبها المهمة وعادت لها تلك الأهمية السابقة بما ابتيع لها من الكتب النادرة التي تمّ شراؤها من بغداد خاصة إذ صادف أن أصيبت بغداد بقحط شديد من جراء قلة الغلة،

ص: 278


1- ابن عنبة، أحمد بن علي العمدة، تحقيق، محمد حسن الطالقاني، ص25.
2- من تلامذة فخر المحققين محمد بن الحسن الحلي.
3- محمد بن الحسن بن يوسف الحلي: فخر المحققين، أبو طالب، فقيه، أصولي، متكلّم، أديب، ولد سنة 682ه_، وتوفي سنة 771ه_ من آثاره نهج المسترشدين في أصول الدين وغيره. ينظر : كحالة عمر، معجم المؤلفين، ج9 / 228 - ط بيروت.

فاضطر كثير من أهلها وأرباب المكتبات إلى بيع كتبهم، وكان أكثر المشترين من مدينة النجف الأشرف (1)

6- مرحلة الضياع والإهمال:

وهي مرحلة مهمة إذ إنها تمثل عصارة الجهد الذي بذل خلال هذه السنون من جمع وترتيب وندرة، إلا أن هذه المرحلة والتي تبدأ من بعد القرن الحادي عشر تقريباً لم تكن كفيلة في الحفاظ على هذا الموروث الديني والذي يُعد وسيلة وغاية من أهم الوسائل والغايات في تعيين تاريخ هذه المدينة المقدسة، فقد عاث الزمن عليها بالخصوص ما طالها من محن وويلات،فبين الأيادي التي لعبت بها ما لعبت بحجة القراءة والاستعارة، فذهب كثير منها إلى أماكن مجهولة لا يعرف عنها شيء، وبين الحركات السياسية التي مرت بها هذه المدينة خلال تلك القرون المتأخرة، وأخرى لضعف القائمين عليها وبمن تقع المسؤولية في الحفاظ عليها، وأيضاً وقعت ضحية السُّرّاق ممن كانت لهم اليد الطولى في القبض على أبوابها وأقفالها، وكما أشار إلى ذلك الشيخ محبوبة إذ يقول: (ولتطاول الأيام وإهمال القائمين بهذا المخزن وخلوهم عن العلم تلف بعضها وأكلت الأرضة الباقي منها، بعدما عاثت بها أيدي السراق والمستعيرين الذين يأخذون هذه الكتب ولا يرجعونها، وتوجد اليوم في بعض البيوت في النجف وخارجه من هذه الكتب وعليها صورة وقفية الحضرة العلوية) ولعلي أضم صوتي لهذا العالم الجليل بعدما لمسته وشاهدته في خلال فترة عملي في هذا الفهرست .

وقال السيد الحسيني: (ومن طريف ما رأيت أن في الخزانة كتباً أوقفت عليها ثم مدت إليها يد الخيانة فسرقتها، ثم تداولتها الأيدي سنين عديدة وكتبوا عليها التملكات،ولكن عادت بعد هذه التداولات لتستقر على الرفوف حيث نجدها الآن ضمن بقية الكتب)(2). وهذا ما وقفت عليه أنا حينما عملت على فهرست الخزانة إذ وقع في يدي جزء من مصحف قديم جاء إلى الخزانة مؤخراً مع مجموعة من الكتب أوقفت على الخزانة كان على رفوف بعض طلاب العلم.

ص: 279


1- ينظر: الشرقي، الأحلام، ص58. الخليلي، موسوعة العتبات، ج2/ 227.
2- محبوبة، جعفر، ماضي النجف وحاضرها، ج 151/1 الحسيني، أحمد، فهرست مخطوطات خزانة الروضة الحيدرية، ص7.

بید

أن أصعب فترة مرت بها هذه المرحلة هي في في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، اذ انعدمت العناية بها من قبل القائمين عليها فضلاً عن الحكومات التي توالت عليها،إلا اللهم الجرد الذي كانت تكلف به لجان من قبل دار المخطوطات في بغداد .

7 - المرحلة الأخيرة:

وهي مرحلة مهمة تعيشها هذه الخزانة بما تبقى بها من مخطوطات ولعلها تضاهي مرحلة القرن الخامس والثامن الهجري، لما أولت لها من اهتمام ورعاية منقطعة النظير، وهي مرحلة بعد سقوط النظام العراقي الأخير في العراق،أي بعد عام 2003م فقد تمّ وضع قانون خاص للعتبات المقدسة جميعها، وهذا القانون ينص على تعيين أمين عام للعتبة ومجلس إدارة مؤلف من ستة أشخاص، وبالفعل فقد أنيطت مسؤولية أمانة العتبة العلوية المقدسة إلى الأمين العام الجديد والذي قرر مع مجلس الإدارة في العتبة بفتح غرفة المخطوطات والتي كانت غرفتها قديمة مظلمة يعلوها التراب، وهذا الإهمال الذي حلّ بها جراء الأعمال غير المسؤولة للحكومة السابقة والتي عاشت في التراث النجفي فساداً.

لذا فقد تمّ فتح هذه الغرفة بحضور إدارتها وبوجود شخصيات دينية وسياسية واجتماعية فضلاً عن عن ذوي الاختصاص، ومنه تمّ جرد هذه الغرفة بكل موجوداتها من المخطوطات ووضع على كل كتاب منها رقم خاص بهذا الجرد، وعلى إثر هذا العمل الجليل قرر مجلس إدارة العتبة فتح شعبة خاصة تعنى بالاهتمام بهذا المخطوط سميت(شعبة ترميم مخطوطات خزانة العتبة العلوية المقدسة)، والمسمى ب_ (مشفى الكتاب

المخطوط.).

ومهمة هذه الشعبة القيام بفهرسة المخطوطات وصيانتها وترميمها بالطرق العلمية الحديثة، ومواكبة الحركة العلمية في خارج العراق وعند ذوي الاختصاص بأحدث ما توصل إليه المتخصصون في علم المخطوطات، وقد قسمت هذه الشعبة إلى ثماني وحدات وهي:. وحدة الإدارة - وحدة الفهرسة - وحدة الترميم - وحدة المختبر وحدة تصنيع الورق - وحدة التجليد - وحدة التصوير - وحدة الحاسبة، وهي في تزايد وتطور مستمر، وقد استفادت الأمانة العامة من خبرات بعض المتخصصين في مجال الفهرسة والترميم بخاصة وعلم المخطوطات بعامة.

ص: 280

8 - محتويات الخزانة

لا ريب أن محتويات الخزانة واضحة ولا تحتاج إلى تفصيل تام، إذ إنها تحتوي على عدد من المخطوطات، ولكن لا بد أن نشير إلى أن محتويات هذه الخزانة نادرة الوجود وذلك يعود بالطبع إلى تاريخها المشرّف إلى أكثر من ألف سنة تقريباً.

لذا فقد انقسمت الخزانة بمحتوياتها إلى مجموعتين:

الأولى: المصاحف، وقد ضمّت هذه المجموعة نفائس خزانات العالم ونوادره ابتداءً من القرن الأول الهجري وانتهاء بالقرن الرابع عشر الهجري، والذي بلغ تعدادها إلى أكثر من 600 مصحف إذ جاء في مقدمتها المصحف المنسوب للإمام علي بن أبي طالب(علیه السّلام)، ثم مصاحف أخرى كتبت بالخط الكوفي والأندلسي والقيرواني والثلثي والنسخي وغيرها، ولخطاطين لطالما افتخرت بهم أمتنا الإسلامية من أمثال - ياقوت المستعصمي وأحمد السهروردي وأحمد النيريزي وغيرهم، ولقد كان لهذه المصاحف دور بارز في تاريخ هذه المدينة المقدسة، فمن خلالها سُجّل من دخل إلى النجف من العلماء والساسة والوزراء والأمراء، ويتضح ذلك جلياً عن طريق الوقفيات والتملكات والإهداءات والقراءات والإجازات والسماعات والتولدات والاستعارات فضلاً عن الفوائد العامة وغيرها التي سطرت في مقدمات المصاحف تلك.

أما المجموعة الثانية فهي المخطوطات العامة وبمختلف العلوم والاختصاصات، فبوجودها وإن قل عددها إلا أنه غلا نفيسها ونادرها، وقد شكلت طرفاً متحداً مع المصاحف في ضبط الواقع التاريخي لهذه المدينة المقدسة، وتأتي في مقدمتها كتب نسخت في القرن الرابع الهجري والخامس والسادس والسابع .... الخ، وكتبت بأقلام مؤلفيها، ويأتي في مقدمتهم أبو علي الفارسي وابن كمونة وعبد الرحمن العتايقي وغيرهم، فقد ثبتوا على كتبهم إن كانوا هم بأنفسهم أو بقلم الناسخ أو القارئ أو المتملك أو الواقف تاريخاً علمياً واجتماعياً وأدبياً وسياسياً من الفوائد التي سطروها على الصفحة الأولى والأخيرة والتي تنبئ عن الماضي التليد وإثباتاً لعالمية هذه المدينة المقدسة.

خزانات مكتبات المخطوطات الأخرى في النجف الأشرف

بانتقال الشيخ الطوسي إمام الشيعة في عصره إلى النجف انتقل النتاج الفكري

ص: 281

من جميع البلدان الإسلامية لغرض التلمذة على منبر النجف، وهاجر الجمع الغفير من سائر الأقطار الإسلامية، فأوجدوا في النجف حركة فكرية تمتاز عن الحركات الفكرية الأخرى في أمهات المدن العراقية، وكانت المكتبات وما بدأت تجمع من المخطوطات النادرة، من أعظم أحداث الثقافة، وأهم ما تتميز به النجف، حتى لقد ندر أن يكون هنالك عالم ديني دون أن تكون له مكتبة خاصة تحتوي على الكثير أو القليل من نوادر الكتب الخطية الفريدة.

لذلك فقد أُنشئت مكتبات وخزانات للكتب جمعت نوادر المخطوطات في العالم ابتداءً من بداية القرن الماضي وانتهاء بهذا الوقت، وسنستعرض ما بقي من هذه المكتبات في الوقت الحالي أهمها:

1- خزانة مكتبة كاشف الغطاء التي أسسها الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر الكبير الشهير ب- كاشف الغطاء)، المولود سنة 1268ه_ / 1849م والمتوفى في سنة 1350ه_ / 1931م ، وهذه المكتبة تحتوي على خزانة مخطوطات موقعها في سرداب المكتبة ويبلغ عدد مخطوطاتها اليوم أكثر من 2000 مخطوط، وأضيف إليها أمانة في الوقت الحاضر المتبقي من مخطوطات مكتبة مدرسة دار العلم للسيد الخوئي من بعد أن هدمت أيام النظام السابق. وكذلك أضيف إليها أمانة أيضاً مخطوطات خزانة مدرسة السيد البروجردي. وقد لوحظ الاهتمام بهذه الخزانة من قبل القائمين عليها، فقد جهزوا لها كل الاحتياجات التي تهتم بالمخطوطات.

2- خزانة مكتبة الحسينية الشوشترية : أسسها الحاج علي محمد النجف أبادي في أواخر القرن الثالث عشر، حينما بني الحاج التاجر محمد رضا الشوشتري(الحسينية الشوشترية) في محلة العمارة من محلات النجف الأشرف، ويقدر عدد مخطوطاتها بحدود 1000 مخطوط، إلا أن المكتبة تمّ هدمها أيام النظام السابق حينما هدّم محلة العمارة بأكملها، إلا أن مخطوطاتها محفوظة لحد الآن في مكان آخر في بغداد (1).

ص: 282


1- ينظر : محبوبة ماضي النجف وحاضرها، ج1/ 170 وفي هذه السنة 2013م حاولت استعادة هذه المخطوطات من بغداد إلا أن هناك بعض الظروف حالت دون ذلك.

3- خزانة مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة: التي أسسها الشيخ عبد الحسين الأميني المولود 1320ه-/ 1900م، والمتوفى سنة 1391ه_/ 1970م وتحتوي على أكثر من 6000 آلاف عنوان مخطوط، وهذه الخزانة تُعد اليوم من أكبر خزانات مكتبات النجف الأشرف وأكثرها عدداً، إذ إنها مؤلفة من طابقين، ومهياً لها أفضل الخزانات في حفظ وترتيب المخطوطات وقد أولى القائمين عليها اهتماماً كبيراً بها إذ جهزوا لها كل احتياجاتها، فضلاً عن فتح محل جديد لصيانة الكتاب المخطوط سمي ب_ (مشفى المخطوطات). وعند كتابة هذا البحث أقيمت فيها أول دورة دولية في النجف الأشرف في الحفظ الوقائي للمخطوطات، وأول دورة دولية في هذه المدينة في تصوير المخطوطات تحت رعاية منظمة اليونسكو مع وزارة الثقافة العراقية، وبإشراف كادر متخصص من إيطاليا واليونان.

4- خزانة مكتبة الإمام الحكيم العامة: وتحتوي على أكثر من 4000 آلاف مخطوط،وتأتي بالدرجة الثانية بعد مكتبة الإمام أمير المؤمنين من المساحة وعدد المخطوطات، وقد وضعت هذه المخطوطات داخل خزانات خشبية جيدة وسليمة ومهيأ لها أساليب الحفظ كافة.

5- مؤسسة كاشف الغطاء(الذخائر) : أسست عام 1413ه_ / 1993م، أسسها الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء، وتحتوي بحدود 700 - 800 مخطوط أصل، وأكثر 10000 آلاف مخطوط مصور ، وقد طغى على هذه المؤسسة وجود مخطوطات مصورة أكثر من الأصل، وهذه المخطوطات المصورة صورت وجُمعت من مكتبات ومدارس دينية من داخل العراق وخارجه.

6- خزانة مكتبة السيد أبو سعيدة الوثائقية العامة: أسسها العلامة السيد حسين أبو سعيدة الموسوي سنة 1393ه_ / 1973م، إذ تحتل المخطوطات والوثائق فيها المصدر الأول للمكتبة، وذلك لأن مؤسسها يهتم اهتماماً بالغاً في موضوع النسب والرجال، إذ يُعدّ من علماء الأنساب في النجف. وتحتوي على خزانة خاصة للمخطوطات والوثائق، مجهزة بأحدث الوسائل، وهي اليوم قائمة في بناية جديدة يرتادها الطلاب والباحثون

ص: 283

وهناك خزانات صغيرة وشخصية إلا أنها لعبت دوراً كبيراً في ندرة مخطوطاتها ونفاستها منها:

1- مخطوطات السيد هاشم بحر العلوم، ويبلغ عدد مخطوطاتها بحدود 534 مخطوطاً، كانت في وقت من الأوقات تحت تصرف العتبة العلوية، إلا أنه في الوقت الحاضر موجودة في مكان آخر. ولها فهرس عام من جرد الدار الوطنية للمخطوطات في بغداد.

2 مخطوطات السيد محمد صادق بحر العلوم : ويبلغ عددها أكثر من 300 مخطوط، وهي الآن تحت تصرف السيد محمد بحر العلوم، وقد أخرج الأستاذ أحمد مجيد الحلي فهرساً لها في سنة 1431ه_.

بسألها

3 مخطوطات مكتبات المدارس الدينية (الحوزوية)، وهناك مكتبات أخرى عامة وخاصة تحتوي على بعض المخطوطات وضعت على رفوف الخزانات للدراسة والحفاظ عليها فقط منها: مخطوطات الجامعة الدينية وتبلغ بحدود 300 مخطوط مخطوطات خزانة المكتبة الشبرية، ويبلغ عددها أكثر من 400مخطوط .ومخطوطات مدارس دينية أخرى مخطوطاتها لا يتعدى المئة مخطوط. .

حفظ المخطوطات وخزنها في مكتبات النجف

إن من الأمور الرئيسية للحفاظ على المخطوط من التلف وتجنب الإصابات الأخرى هو خزنه بصورة جيدة والمحافظة عليه من العوامل المؤثرة، لذا فقد كان الحفاظ عليه يتطلب أمرين:

1 - المحافظة عليها عن طريق وضعها في خزانات خاصة ذات رفوف متناسقة والأفضل أن تكون هذه الخزانات من الحديد أو الألمنيوم حتى لا تتأثر بأهم العوامل الرئيسية للتلف وهي الرطوبة. فضلاً عن ذلك يجب أن يكون المكان الذي تحفظ فيه هذه الخزانات ذات جدران سميكة ومؤمنة من الحرق والغرق والسقوط. .

2- توفير الأجواء الملائمة من الحرارة والبرودة والرطوبة وغيرها، ومنع كل

ص: 284

المؤثرات الخارجية التي تؤثر بشكل مباشر على المخطوط، مثل أشعة الشمس والتدخين وغيره(1).

لذلك فإن خزانات مخطوطات النجف الأشرف في الوقت الحالي تحمل بعض المواصفات الآنفة الذكر، إلا أن أكثرها لم ترق إلى المواصفات الجيدة التي تمنعها من السيطرة على ارتفاع درجات الرطوبة والحرارة وغيرها. مع أن خزاناتها ورفوفها مصنوعة من الخشب وهذه في حد ذاتها صفة غير جيدة في الخزن، إلا أن بعض تلك المكتبات ومنها مكتبة الإمام أمير المؤمنين والعتبة العلوية استبدلت تلك الخزانات البالية ووضعت لها خزانات من الألمنيوم. لذلك فإن في الوقت الحالي يحتاج الاهتمام بهذا الجانب لأنه مصدر مهم في الحفاظ على المخطوطات في النجف الأشرف.

فهرست وتصنيف المخطوطات في النجف

الفهرسة من أهم الوسائل الرئيسية لحفظ المخطوط، إذ إن الهدف منها هو جعل أوعية من المعلومات في مقرّ يحتويها ليسهل على الباحثين الاستفادة منها، لذا اهتم المتخصصون بهذا المجال بتوفير بعض الوسائل المعينة المتمثلة في الفهرسة والتصنيف، والتي من خلالها يتم ضبط العناوين وإعطاء البيانات الواصفة لها. وكلمة فهرست مصدر أخذ منه كلمة فهرس وهي كلمة فارسية وليست عربية وتعني السجل الذي تكتب فيه أسماء الكتب(2)، فأخذها العرب وطوروها، حسب مقتضيات حاجتهم. وفهرسة المخطوط تبدأ من بطاقة الفهرسة، ولا بدّ لهذه البطاقة أن تتوفر فيها المقومات الرئيسية للمخطوط الحصول الفائدة المرجوة منها ومن هذه المقومات:

1 - العنوان. 2 - رقم الكتاب. 3 - المؤلف. 4 - تاريخ النسخ . 5 - الناسخ. 6 - مكان النسخ. 7 - نوع الخط 8 - القياس. 9 - عدد الصفحات (الأوراق). 10 - الأسطر. 11 - الجزء. 12 - حالة المخطوط - كاملة ناقصة. 13 - أول

ص: 285


1- ينظر : مجموعة صناعة المخطوط العربي الإسلامي من الترميم إلى التجليد، بحوث الدورة التدريبية الأولى في مركز جمعية الماجد - الإمارات - ص 534.
2- ابن منظور،محمد بن مكرم ت 711ه_ ، ج 6 / 167. الحلوجي عبد الستار، نحو علم مخطوطات عربي، ص 128.

المخطوط.. 14 - آخر المخطوط. 15- التملكات. 16 - الإجازات.17- ال-وق-ف-ي-ات. 18 - السماعات. 19 - الحواشي. 20 - الزخارف 21 - المصادر التي تشير إلى هذا .المخطوط . 22 - الملاحظات. 23 - رقم الفلم أو القرص CD.

وعلى المفهرس أن يعي كل هذه الأمور، وأن يتحلى بالقوة والصبر والصلابة في عمله وأن يلاحظ المخطوط من أول صفحة له إلى نهايته ليتعرف عليه ويحدّد أهم محتوياته ومكوناته، فضلاً عن جعل طريقة معينة له في عملية فهرست المخطوطات(1).

لذلك فقد عمد أصحاب خزائن المكتبات في النجف الأشرف إلى فهرست مخطوطاتهم فهرسة بدائية كلاسيكية، بوضع سجلات لهم تُنزّل فيها أسماء المخطوطات مع اسم المؤلف وبعض المعلومات الأخرى مثل: اسم الناسخ وسنة النسخ وعدد الصفحات والقياس وبعض الملاحظات،وهذا ما شاهدناه في الفهارس القديمة للعتبة العلوية، ومكتبة كاشف الغطاء، ومكتبات المدارس الدينية، ومكتبة الحسينية الشوشترية، ومؤسسة كاشف الغطاء، أما مكتبة الإمام أمير المؤمنين ومكتبة الحكيم ففهارسها منذ اللحظة الأولى كانت مرتبة ترتيباً علمياً، وذلك بسبب وجود خبراء في هذه الأمكنة آنذاك، منهم المرحوم السيد عبد العزيز الطباطبائي والسيد أحمد الحسيني الأشكوري، أما في الوقت الحالي فقد تقدمت بعض المكتبات في الفهرسة تقدماً رائعاً في فهرست مخطوطاتها وفي مقدمتهم خزانة العتبة العلوية المقدسة ومكتبة الإمام أمير المؤمنين(علیه السّلام)العامة وخزانة مسجد الكوفة المعظم، فقد أخذت كل الضوابط الدولية والحديثة في كيفية فهرسة المخطوطات، فضلاً عن فهرستها فهرسة الكترونية متقدمة وإدخالها إلى شبكة المعلومات (الانترنيت)

إلا أنه ومع الأسف الشديد لم تجمع هذه الفهارس لخزانات المكتبات في فهرسة واحدة حدة لتسهل للباحث الحصول على مبتغاه، إلا فهرساً وحيداً أصدره مركز دراسات الكوفة جمع فيه هذه المجاميع من المخطوطات، ولكن عند صدوره تبين أن فيه أكثر من ألف عنوان لم يذكر، فضلاً عن وجود الأخطاء الطباعية والعلمية. وفي الوقت الحاضر يسعى قسم المخطوطات في مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة (مكتبة العلامة الأميني) أن يصدّر موسوعة لجميع مخطوطات النجف الأشرف.

ص: 286


1- فتوحي، فهرسة المخطوط العربي، ص 58 - 63

ولم تكن الفهارس تحتفظ على مخطوطات الأصل فقط، وإنما احتفظت بعض المكتبات في خزاناتها وأرشيفها الالكتروني على مخطوطات مصورة من داخل العراق وخارجه، من إيران والهند واليمن، وكانت في مقدمة تلك المكتبات مكتبة أمير المؤمنين، ومؤسسة كاشف الغطاء ، ومكتبة أبو سعيدة، وأخيراً خزانة العتبة العلوية. وللتصنيف أهمية كبرى ومكانة بارزة في فهرسة المخطوط وفي سائر علم المكتبات وتوثيق المعلومات، لأنه يتناول تنظيماً متقناً للعلوم والمعارف الإنسانية، المبثوثة في الكتب مخطوطة كانت أو مطبوعة.

ولا بدّ أن يكون للمصنف ثقافة عامة ودراية واسعة وجيدة بالتراث الإسلامي والعربي لكي يتسنى له العمل بكل ثقة وأمانة. وقد اختلفت طرق التصنيف بين الماضي والحاضر إذ استعمل القدماء طرقاً كثيرة، فمنهم من قسمها على ثلاثة أقسام : العلوم النظرية - العلوم العملية - العلوم الإنتاجية. وقسمها آخر على: المنطق ثم العلوم النظرية ثم العلوم العملية، ثم قسم آخر على علوم: علوم اللسان - علم المنطق - العلوم النظرية . العلوم الطبيعية - العلوم المدنية والدينية، وقسم آخر إلى العلوم الرياضية - العلوم الشرعية الوضعية - العلوم الفلسفية الحقيقية... وغيرها. لذلك فقد اعتمدت المكتبات في النجف في الوقت الحالي في تصنيف مخطوطاتها على تصنيفين هما:

1 - نظام ديوي العشري. وقد اعتمدته مكتبة الإمام الحكيم فصنفت مخطوطاتها عليه .

2 - نظام العلوم، أو ما يسمى بتصنيف المخطوطات على تقسيم العلوم، وهي الطريقة القديمة والمستخدمة حاليّاً، كما هو المعلوم في مكتبات مكتبة الإمام أمير المؤمنين، والعتبة العلوية، وكاشف الغطاء، ومكتبات المدارس الدينية، وكان تصنيفهم على النحو التالي:1 - القرآن الكريم وعلومه . 2 - الحديث الشريف وعلومه. 3 - اللغة العربية و آدابها وعلومها . 4 - العقائد وأصول الدين. 5 - الكيمياء(العلوم الطبيعية). 6 - الفلك وعلومه . 7 - الحساب(الرياضيات). 8 - التاريخ والسيرة والجغرافيا. 9 - الرجال (تراجم ) . 10 - الطب وعلومه. 11 - الفلسفة وعلومها. 12 - العلوم الغربية. 13 - الفقه الإسلامي. 14 - أصول الفقه 15 - الأخلاق والتصوف(العرفان). 16 - المنطق.

ص: 287

وكما هو موجود في العتبة العلوية ومكتبة الإمام أمير المؤمنين ومكتبة كاشف الغطاء ومكتبات المدارس الدينية وغيرها. لذا فقد اتخذت خزانات النجف رؤية مشابهة وواحدة تقريباً في فهرست وتصنيف المخطوط.

صيانة وترميم المخطوطات

من المعلوم جداً أن يكون لهذا الفن حرفة تقيه من عوائد الأيام والأزمات في وقت لم تكن الطباعة معروفة آنذاك. ولم يكن بمقدوره استبدال نسخة جديدة بنسخة بالية أمراً هيناً، وعلى الرغم من أنه لم يبق لنا من آثار القرون الماضية ما يدلّ على وجود حرفة ترميم المخطوطات إلا أنه ثبت لنا أن دار الحكمة الذي أنشئ في القاهرة عام 390ه_ كان فيه بند لترميم المخطوطات التي تتعرض للتلف والإصابة. كانت الأساليب المتبعة قديماً بدائية جداً تعتمد على لصق ما تمزق على الأوراق والجلود دون النظر إلى ما تحدثه هذه الإصلاحات من تشوهات وإصابات، أما اليوم فالترميم عملية فنية دقيقة ذات معايير ذوقية وجمالية، تحتاج إلى حس عال، وحساسية فائقة وصبر كبير ومهارة عالية. لذا يمكن أن نعرف الترميم بأنه: عملية تجميل المواد الأثرية وإعادة حالتها إلى شكل أقرب إلى أصلها بغير إضافات متلفة أو مزورة.وفي معنى آخر نستطيع أن نقول أيضاً: إن الترميم يقوم بعلاج المصاب من التشققات والكسور والثقوب والتفتتات المصابة، وينقسم الترميم إلى قسمين:

1- الترميم اليدوي وهو عملية يدوية بحتة تحتاج إلى كثير من الصبر فضلاً عن وجود الخبرة العالية والدقة فيه، إذ يقوم المرمم بإصلاح التلفيات مستعملاً بعض الأدوان، كالمشط والملقط، والصندوق الضوئي لذا يكون هذا النوع من (1) الترميم أكثر دقة وأمناً في المحافظة على المخطوط(1)،وهذا هو المشهور في مكتبات النجف، إذ عمدت بعض المكتبات إلى هذا النوع من العمل ففتحت أمكنة خاصة بها وسميت ب- مشفى المخطوطات كما هو موجود حالياً في العتبة العلوية المقدسة، ومؤسسة كاشف الغطاء، ومكتبة كاشف الغطاء، وأبو سعيدة،

ص: 288


1- ينظر: مجموعة صناعة المخطوط العربي، ص 599 - 601 .

وأخيراً مكتبة الإمام أمير المؤمنين. إذ تقوم هذه المشافي بترميم وصيانة المخطوط بالطريقة اليدوية، والظاهر أنها الطريقة الناجعة في الحفاظ على أصالة المخطوط من التلاعب به.

2- الترميم الآلي ويستعمل الآن بشكل واسع في مجال ترميم المخطوطات والمطبوعات وله طريقتان:

أ- الترميم باستخدام عجينة الورق بالماء ولها جهاز خاص يحوي حوضاً مزوداً بشبكة توضح بها الأوراق المراد ترميمها. ثم يصب فوقها عجينة الألياف الورقية المحضرة مسبقاً ثم يتم شفط الماء فتترسب الألياف الورقية فوق سطح الورق المصاب، إذ تتجمع في أماكن التلف والنقص.وهذا النوع استعمل مؤخراً في العتبة العلوية المقدسة، إلا أنه لم تظهر منه نتائج واضحة وجيدة تعلو به إلى مصاف الترميم اليدوي.

ب- الترميم والتقوية والفرد بالتدعيم الحراري: وتعتمد هذه الطريقة على استخدام الحرارة والضغط لدمج الرقائق السيللوزية مع ورق المخطوط وذلك تحت ضغط معين مع درجة حرارة 50 مئوية فتلصق الرقائق مع الورقة. وقد تخضع المخطوطة لأنواع كثيرة من التلفيات والقطوع والإصابات من أجل ترميمها للأمور التالية:

1- فك الأوراق الملتصقة . 2 - تدعيم أوراق المخطوطات ذات البنية الضعيفة. 3 - ترميم القطع المائل . 4 - الأوراق المتكسرة أو المتفتتة. 5 - ترميم الزوايا أو الهوامش. 6 - ترميم حواف الورقة. 7 - ترميم الثقوب الناتجة عن الحشرات. 8- الترميم بطريقة النسخ . 9 - الترميم بطريقة الألياف. 10 - طريقة نزع النقوش واللوحات وإعادتها. وهذا النوع يدخل في خانة الترميم اليدوي أيضاً وقد استخدمته العتبة العلوية مؤخراً وأعطى نتائج إيجابية وناجحة..

لا ريب أن هناك عوامل كثيرة مؤثرة على المخطوطة ومن خلال تقادم الزمن عليها، فتصيبها بأنواع التلف والقطع والإصابات الأخرى نستعرضها على هذه العجالة: أ - الأدخنة . ب - الغبار والأتربة. ج . غاز ثاني أوكسيد الكبريت SO. د - الحرارة

ص: 289

والرطوبة. ه_ - غاز كبريت الهيدروجين HS والضوء. ز - دور الإنسان في إتلاف المخطوطات . ح - الحشرات . ط - البكتريا . لذلك استخدمت مختبرات خاصة لكيفية الخلاص من هذه العوامل المؤثرة، ويأتي في مقدمة تلك المختبرات مختبر خزانة العتبة العلوية حالياً، وتسعى حالياً مكتبة الإمام أمير المؤمنين لإدخال هذا النوع إليها أيضاً. وبالطبع إن هناك طرقاً كثيرة لحماية المخطوط من العوامل الكيميائية والطبيعية

والبيولوجية.

نتائج البحث:

ليس من شك أن البحث والدراسة كانت تحمل بين أسطرها بعض المشقة، وذلك لامتدادها الزمني، وانتقالها المكاني والزماني، لذا فقد خرجت هذه الدراسة بنتائج عدة:

1- تأكد لنا بعد الدراسة أن الكوفة من المدن المعروفة لمكانتها العلمية المشهورة،والذي كان لها الدور البارز في نشر العلم والثقافة إلى البلدان الأخرى.

2 - اتضح مما تقدم أن مسجد الكوفة هو اللبنة الأولى في انطلاق تاريخ المخطوط، وبالخصوص بعد أن اتخذها الإمام علي بن أبي طالب(علیه السّلام)المنطلقاً لنشر علومه منها، فضلاً عن نزول كثير من صحابة رسول اللهﷺ، والتابعين، وبالتحديد الإمام جعفر بن محمد الصادق(علیه السّلام)، الذي حدث عنه أكثر من 900 راو.

3- تبيّن من خلال الدراسة أن الكوفة كانت متخمة بخزانات المخطوطات الخاصة والعامة، وبالخصوص خزانة مسجد الكوفة، إلا أن عوارض الزمان والمكان حال دون البقاء عليها.

4- أُعيد في الوقت الحالي فتح خزانة المخطوطات في مسجد الكوفة المعظم،وبلغت عدد مخطوطاتها أكثر من 600 مخطوط. .

5 - انتقلت الحياة العلمية من الكوفة إلى النجف بعد دفن الإمام علي(علیه السّلام)فيها، لتكون الكوفة نهراً جاريّاً يصب في بحر النجف.

6 - أسست أول خزانة للمخطوطات في النجف على يد عضد الدولة البويهي عام

ص: 290

371ه_ في العتبة العلوية المقدسة مرقد الإمام علي بن أبي طالب(علیه السّلام)وانتقلت هذه الخزانة بين مد وجزر حتى وصلت إلى الوقت الحالي.

7- أعيد في الوقت الحالي فتح هذه الخزانة، وأنشئ فيها أول مشفى للمخطوطات في النجف الأشرف، وبلغت عدد مخطوطاتها بحدود 1060مخطوطاً.

8 - بعد خزانة العتبة العلوية، أسست خزانات أخرى حملت في جعبتها أنفس المخطوطات وأندرها،بلغت في الوقت الحاضر أكثر من ست خزانات للمكتبات المهمة في المدينة، فضلاً عن بعض الخزانات الصغيرة وخزانات المدارس الدينية.

9- تحمل خزانات المخطوطات في الوقت الحالي بعض الشروط اللائقة في كيفية حفظ المخطوط، وإن حصلت بعض السلبيات إلا أنها تحتاج إلى تطور أكثر في حفظ المخطوطات.

10 - مجاميع المخطوطات الموجودة في الوقت الحاضر في خزانات مكتباتها مفهرسة مصنفة كل حسب توجهاته مع وجود بعض منها متفقة بعض الشيء، ولكن مع الأسف الشديد لايوجد فهرساً جامعاً لكل هذه المخطوطات، علماً أن هذه الخزانات تحوي على مخطوطات مصورة أخرى من مدن عراقية وإسلامية بالإضافة إلى مخطوطات الأصل، التي أدخلت في فهارس اليكترونية وأرشيفية.

11. دخلت إلى مكتبات النجف الأشرف حالياً آليات وطرق الترميم الجديدة، وهذا ما لاحظناه في مشافي الكتاب المخطوط في بعض المكتبات.

باستطاعة الباحث عن أي مخطوط وللحصول عليه أن يستعين بمواقع وإيميلات المكتبات في الحصول على مبتغاه لأي مخطوطة شاء إما عن طريق مراسلتهم ثم بعد ذلك تُرسل إليه على عنوانه أو مباشرةً يتم تنزيلها، وجاءت عناوينهم على شبكة الانترنت على النحو التالي:

1. أمانة مسجد الكوفة:

masjid-alkufa@yahoo.com

ص: 291

2. العتبة العلوية المقدسة:

www.imamali-a.com

info@imamali-a.com

3. مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة (العلامة الأميني):

iamlibill@yahoo.com

4. مكتبة الإمام الحكيم:

www.alhakeemlib.org

5. مكتبة كاشف الغطاء:

www.kahafalghtaa.com/site kashefalghtaa@gmail.com

6. مؤسسة كاشف الغطاء:

www.kashifalgetaa-com

info@kashifalgataa-com

7. مكتبة أبو سعيدة الوثائقية :

www.banihashim.com

aliabusaeedah@hotmail.com

sayedali102003@yahoo.com

8. مكتبة بحر العلوم :

www.Bahraluloomsaied.com

m.bahraluloom@gmail

ص: 292

الكتابة التاريخية عن النجف:قراءة في التأليف الموسوعي

اشارة

د. حسن ناظم

مقدمة

يتناول هذا البحث موضوعاً محدداً يخصُّ الكتابة التاريخية عن النجف في التأليف الموسوعي. لا بدّ أولاً من لفت الانتباه إلى أن للموسوعة في سياق الكتابة التاريخية عن النجف خصوصية تتعلّق بالتصوّر الذي يحمله أصحاب الموسوعات عنها وعن آليات تأليفها.ولا بدّ ثانياً من التنويه بأن الجهد المبذول فيها هو جهد يستحقُ الإكبار والإشادة. فقد أسدى أصحاب الموسوعات خدمةً لا تُضاهى لكلِّ مَنْ يود أن يعرف تاريخ مدينة النجف دون أن يتية بحثاً عن المصادر والمراجع عنها، تلك التي يصعب ملاحقتها لهول كثرتها وفرط تنوّعها. لدينا عن النجف أربع موسوعات أقترح تقسيمها على نموذجين اثنين من التأليف الموسوعي استناداً إلى طريقة العمل وآلياته، وأقترح تسميتها كالآتي:

النموذج التأليفي: وهو الذي يلاحق فيه المؤلفُ كل شاردة وواردة عن النجف في المصادر كلها، ويستخلص مواد موسوعته ويكتبها ويكيفها لحاجات الموسوعة، فلا يدعُ مصدراً إلا وينقب فيه عن أي ذكر للنجف، ليوظفها في المادة الموسوعية التي هو بصددها. وتندرج تحت هذا النموذج موسوعتان هما ماضي النجف وحاضرها للشيخ جعفر آل محبوبة، وهو مؤسس هذا النموذج والمفصل في تاريخ النجف الأشرف للدكتور حسن عيسى الحكيم.

ص: 293

النموذج التجميعي: وهو الذي يلاحق فيه جماعتها مواد جاهزة لموسوعته، كأن يضمّنَها كتباً مؤلّفة سلفاً ومنشورة، أو فصولاً منشورة ضمن كتب معينة، أو دراسات أو مقالاتٍ منشورةً في المجلات وغير ذلك مما هو منشور سلفاً. وتندرج تحت هذا النموذج موسوعتان؛ إحداهما موسوعة النجف الأشرف للأستاذ جعفر الدجيلي، والثانية هي مجلة (آفاق نجفية) للأستاذ كامل سلمان الجبوري، وسوف يأتي لاحقاً بيان سبب إدراج مجلّةٍ تحت هذا النموذج من الموسوعات.

في تضاعيف هذين النموذجين، تكمن مسائل عدة تتعلق بطبيعة المنهج والرؤية اللذين سارت على وفقهما عملية الكتابة التاريخية عن النجف في التأليف الموسوعي، وحجم الكتابة التاريخية الثقافية والاجتماعية لهذه المدينة عبر تاريخها المتنوّع والمديد. إن التاريخ الغني الذي تتمتع به مدينةُ النجف يضعُ مصاعب أمام المؤرّخ الموسوعي الذي يود أن يُسلّط الضوء على جميع جوانب المدينة حتى لا تظهر المدينةُ ذات صورة مصمّمة، وحتى لا تَخْفُتَ أحياناً جوانب مهمة منها . فذلك قد يجعل كتابة التاريخ Historiography تقصر عن اللحاق ب_«التاريخ History»؛تاريخ المدينة وغناه وتنوّعه. لا تضعُ الدراسة لوماً على المؤرخين في هذا الجانب بقدر ما تحاول أن تكشف الأسباب التي جعلت من النجف ميداناً حالت سَعَتُه ومصاعبه وحتى التباسه من تكوين كتابة تاريخية منهجية علمية تحاول التخلّص من إسقاطات عديدة. بل على العكس تستحق الجهود الموسوعية المخلصة إشادة في حدود المهمات التي رسمتها لنفسها والأوضاع الصعبة التي حقت بإنجازها، بالطبع، يصطبع تاريخ النجف بالعقل المذهبي، وإذا لم يجد بعضُهم غضاضةً في هذا الاصطباغ، فإنه يقدّمُ رؤيةً واحدةً تحول دون تعريف الآخرين بالغنى المدوّي لهذه المدينة، ومن هنا تأتي ضرورة إعادة التفكير في الكتابة التاريخية عن النجف، في كتابة تاريخ وليس كتابة كتاب في التاريخ، يصهر تحولاتها الكبرى ونشآتها المتعددة، فهذه المدينةُ ذات دلالات تتخطى الرؤية الواحدة إلى رؤى عديدة. تتطلب النجف، هذه المدينة العظيمة ذاتُ التاريخ المديد والمتنوع، بسطاً حقيقياً لتاريخها المديد والمتنوع، وهي لا تحتاجُ فقط إلى كتابة تاريخية أكثر سعةً وبسطاً، بل إلى كتابة تاريخ ما أهملته المشاريع الموسوعية أيضاً. وهذا البحث هو قراءة

ص: 294

وكشف للطريقة التي تعاملت بها بعض الأعمال التي اختصت بالكتابة التاريخية الموسوعية عن تراث هذه المدينة، وشخصياتها، ومآثرها، والأحداث التي مرّت عليها.

ما يزال الغموض يكتنف تاريخ النجف في بعض الحقب التاريخية، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار جوانب معينةً من تلك الحقب التاريخية،كالجانب الثقافي والاجتماعي. ومع أن أبحاثاً جديدة بدأت تظهر لتحاول تغطية هذا القصور فإن النجف أُرّخت معلوماتياً بصورة مذهلة، فتاريخها غاص بالمعلومات، ولكن هذه المعلومات لم توضع بعد على بساط البحث العلمي. فهناك حركة تجميع واسعة لكل شاردة وواردة عن النجف، والطرح الموسوعي من هذا النوع يحاول أن يثبت فهمه الخاص لروح المدينة بوصفها أيقونة ثابتة لا تخضع لسجالات التاريخ، ولكن الحاجة تبقى قائمة بعد ذلك لعمل ينظمُ هذه المعلوماتِ ويستنتج منها فكر المدينة وروحها بوصفها غَمْراً يتحرك ويتخلقُ من جديد في كل مرة. إن التاريخ الأفقي للمدينة يطغى على التاريخ العمودي لها،كلّ شيءٍ مبسوط في الكتب والموسوعات والمقالات إنه هناك ظاهر للعيان على السطح، لكن عملية الكتابة التاريخية وحدَها غيرُ كافية لمنح المدينة معناها، فما زلنا بحاجة إلى كتابة عمودية تدخل إلى عمق الظاهر على السطح لتكتشف المدينة من جديد، لا سيما في تحولاتها الكبرى.

نمذجة التأليف الموسوعي عن النجف

1- النموذج التأليفي:

أ - ماضي النجف وحاضرها لجعفر آل محبوبة:

لعلّ كتاب جعفر الشيخ باقر آل محبوبة (1896 - 1958م) ماضي النجف وحاضرها،الصادر بأجزائه الثلاثة الأولى وبطبعته الأولى من المطبعة العلمية والنعمان بين عامي 1955 - 1957م، أوّل كتاب يتولى المهمة التي سوف تؤسس لنمذجة التأليف الموسوعي عن النجف؛ أعني بذلك مهمة جمع ينشد الشمول

ص: 295

لأخبار النجف أينما وُجدت فهو أحد أهم الكتب الموسوعية التي حاولت الإحاطة بتاريخ النجف على غير نموذج سابق يختص بالكتابة التاريخية عن النجف، بل هي التي اختطت نموذجاً وأسست نمذجة للتأليف الموسوعي عن هذه المدينة. وسوف تستقيم هذه النمذجة طموحاً للمؤرخين الذين سوف يحرصون في المستقبل على التخطيط لموسوعات أشمل وإنجازها للسبب نفسه الذي حدا بجعفر محبوبة إلى تأليف موسوعته: خدمة المدينة العظيمة والإمام علي بن أبي طالب.من هنا لا بد من إلقاء نظرة على نموذج كتاب ماضي النجف وحاضرها لتحديد المسار الذي سوف يرسمه لمن يأتي بعده، ولن يكون المسار شاملاً لخطة الكتاب ومنهجيّته، ولن تكون النمذجة حذو النعل بالنعل، بل سوف تتمثلُ في الهاجس الكبير الذي خلقه في نفوس مؤرّخي النجف لنيل مأثرة تأليف موسوعة عن مدينتهم، وتحقيق هدفين بضربة واحدة تخليد النجف بالموسوعة وتخليد كاتبها.

يتمتع الجزء الأول من كتاب ماضي النجف وحاضرها بعنوان فرعي يستغرق سبعة أسطر ، لكنها وافية في بيان المادة الأساسية لهذا الجزء من الكتاب، يفيد العنوان الفرعي:

«يبحث عن موقع النجف الطبيعي، وما يخصها واشتهرت به من الأسماء، وما قيل فيها من الشعر في أدوارها المترامية، وعن سبب إخفاء قبر الإمام علي أمير المؤمنين(علیه السّلام)وظهوره،وما طرأ عليه من أطوار العمارة تأسيساً وإصلاحاً، وما رُقم على القبر المعظم،وما اكتنف به الحرم الشريف من غرر المنظوم والمنثور، وعما قام في النجف من مظاهر الحضارة وأنواع العمران من مدارس ومساجد ومطابع وصحف ومكتبات،وما شقّ لها من جداول وقنوات وما أحاط بها من أسوار،وعمّن زارها ودفن بها من الخلفاء والسلاطين والوزراء، ومن عاش بها من خزّان الحرم العلوي والنقباء ومعظم الحوادث المهمة، وعن سير العلم وحياة الأدب فيها»(1).

ص: 296


1- محبوبة، ماضي النجف وحاضرها،(صدر منها ثلاثة أجزاء)، دار الأضواء، بيروت، ط2، 1986م، ج 1 ، العنوان الفرعي.

ويختص الجزء الثاني والجزء الثالث منه بتاريخ البيوت والأسر العلمية والأدبية النجفية غير العلوية، كلّ جزء يتألف من اثنتين وأربعين أسرة أو بيتاً. يبدأ الجزء الثاني بأول أسرة«آل اطيمش»، وينتهي بالأسرة الثانية والأربعين،«بيت الشيخ الطوسي». ثمّ يجري استئناف الكتابة التاريخية للأسر في الجزء الثالث ليبدأ بأول أسرة فيه، «آل الظالمي»، وينتهي بالأسرة الثانية والأربعين، «آل ياسين». أما الأسر والبيوت العلوية فقد خُصص لها ثلاثة أجزاء هي«الحسنيون» و «الحسينيون» و «الموسويون»، لكنها لم تُنشر في كتاب.يعتمد جعفر محبوبة في كتابه على استراتيجية واضحة لا يحيد عنها،وهي ملاحقة الأخبار والروايات والشهادات عن الموضوع الذي يؤرّخ له: النجف. ولا شكّ في أن المثابرة التي يُبديها في البحث في بطون أمهات الكتب عن أي خبر عن النجف لا يسندها الولع بالمعرفة فقط، بل رفعة المدينة في نفسه، فهو مستعد لإنفاق أعوام كاملة في قراءة الموسوعات التاريخية الكبرى مثل تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير، وفحص مجلداتهما الكثيرة من أجل أن يحظى بكلمة عن النجف تكون«تمرة الغراب»كما يعبّر الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في مقدمته التي خص بها الكتاب(1).

وإذا كانت الكتابة التاريخية عن البيوت والأسر العملية تعنى بالأنساب ،والأصول، فإنها أيضاً تجري يداً بيد مع تاريخ الحركة الأدبية والعلمية في النجف، فتاريخ هذه الأسر وتلك البيوت هو تاريخ العلم والأدب في النجف. لكن الكتابة التاريخية عند جعفر آل محبوبة تفتقر إلى البعد التحليلي في الكتابة التاريخية بما هي فعل معالجة وتحليل للأحداث وليس مجرد سرد لها، فالكتابة التاريخية عن النجف، التي قامت، كما أسلفتُ، على الأغلب على إحساس بالوفاء للمدينة المقدسة وعلى دعم خالص لمكانتها العلمية والتاريخية، ورغم النيّة السليمة في مثل هذه الكتابة التاريخية، لم يكن نمطها ليفي بمتطلبات كتابة تاريخية حقيقية تبثّ في تضاعيف السرد والتوثيق رؤية للمدينة تنبثق من ماضيها لتصبّ في حاضرها. لقد ظل كتاب ماضي النجف وحاضرها، على الرغم من

ص: 297


1- محبوبة،ماضي النجف وحاضرها،(صدر منها ثلاثة أجزاء)، دار الأضواء، بيروت، ط2، 1986م، ج ا ، ، صفحة ي، ك.

أهميته وشهرته،وأهمية مؤلفه، يفتقر إلى بعد الرؤية التحليلية لتاريخ المدينة. إن صهر ماضي النجف بحاضرها هو الذي يلبي حاجتنا إلى معرفة روح النجف،و مستقبلها بعد أداء بناء أسس المعطيات الذي تحقق مع هذه الموسوعة. ولقد غطّت شهرة الكتاب على فحص هذا البعد الجوهري الذي هو أحوج ما نحن إليه بعد أن وفّى بعد المعلومات حقه وأطلعنا على الشاردة والواردة عن النجف. فالكتاب كتاب بحث کتاب «يبحث»كما في صفحة العنوان، ولكنه كتاب يبحث عن ولا يبحث في،إنه تفتيش عن الأخبار وكل المبتغى يقع في العثور عليها وتحقيقها. ولأنه مشروع عُمْر، فإن أدق وصف له هو ما جاء في مقدمة ابن المؤلف حين رأى في عمل أبيه بمثابة«الجهاد في التنقيب والبحث عن شؤون هذه المدينة التاريخية المقدسة ... »(1). فالكتاب، في جزئه الأول، كتاب حوادث مرّت على النجف وسرد للوقائع التي طرأت على ضريح الإمام علي، وكتابة تاريخ الحياة الثقافية بالمعنى الذي ينتج فيه سرد للأخبار. أما سائر الأجزاء الأخرى فهي تراجم للأسر النجفية العلمية مقسمة على علويين وغير علويين.

إن كتاب ماضي النجف وحاضرها دشّن أول تنقيب مضن عن الأخبار في بطون الكتب والموسوعات التاريخية، وتدشينه هذا الأفق الجديد في حينه رسم طريقاً تعسّر على لاحقيه أن يحيدوا عنه، فكانت بغية المؤرخ تحصيل المزيد من شوارد الأخبار، ومن أي ذكر للمدينة مدسوس في مكان مجهول من كتب التراث الضخمة. إن بداية الكتابة التاريخية الواسعة عن مدينة النجف كانت مسؤولة بطريقة معينة عن انغلاق الأفق نفسه، أفق الكتابة التاريخية فظلّ المؤرخون اللاحقون يدورون في فلك واحد.

ب - المفصل في تاريخ النجف الأشرف

بذل الدكتور حسن عيسى الحكيم جهداً كبيراً في المتابعة والاستقصاء في موسوعته الضخمة المفصل في تاريخ النجف الأشرف، وهو في عمله لا يعيد نشر المنشور على طريقة النموذج التجميعي في موسوعتي جعفر الدجيلي وكامل سلمان الجبوري كما

ص: 298


1- ينظر: محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، ج1، تمهيد.

سنرى، بل هو بالأحرى أقرب إلى نموذج موسوعة محبوبة ماضي النجف وحاضرها،بل هو تجاوزها في السَّعَةِ والموضوعات والمثابرة على ملاحقة المصادر والمراجع التي تتفوّق على مصادر موسوعة محبوبة ومراجعه فقد بلغت أجزاؤها المطبوعة حتى الآن (آب / أغسطس 2013)أربعة وثلاثين جزءاً، وبلغت كلها مطبوعة وغير مطبوعة خمسين جزءاً بحسب ما عرفتُ من المؤلف(1)

يستقي الدكتور حسن عيسى الحكيم مادةَ موسوعته «المفصل في تاريخ النجف الأشرف» من عدد كبير من الأعمال التأليفية التي سبقته وبضمنها الموسوعات. فهو يعتمد على موسوعات عديدة من بينها ماضي النجف وحاضرها لجعفر محبوبة، وموسوعة شعراء الغري لعلي الخاقاني، وأعيان الشيعة لمحسن الأمين طبقات أعلام الشيعة لآغا بزرك الطهراني، وغيرها من المصادر الأساسية والثانوية عن تاريخ النجف وتاريخ الشيعة تبدأ موسوعة حسن الحكيم بالكتابة التاريخية عن النجف منذ عصر ما قبل الإسلام حتى العصر الحديث. غير أن طبيعة المنهجية في هذه الموسوعة يجعلها تقع أيضاً في ورطة الانتقاء للنصوص والموضوعات على نحو غير مركّز. فعلى الرغم من جهد المؤلف الكبير، ثمة مشكلة في تركيز المعلومات وتخليصها من التكرار ومع أن المؤلف قال إنه تصدّى«للتأليف في هذا الموضوع وفق أحدث الطرائق والمناهج العلمية»(2)، لا يبيّن طبيعة هذه الطرائق ولا تلك المناهج العلمية. ولعله عمد إلى صيغة تنظيمية أولية هي أنه خصص كل جزء من الموسوعة لموضوع محدد، وهذا التخصيص نفسه يكشف عن محاولة في ربط الموضوعات بعضها ببعض. إذن، تبدأ،كما قلنا ،موسوعة المفصّل بالجزء الأول الذي يتناول تاريخ النجف«من عصر ما قبل الإسلام حتى نهاية الحكم العثماني». ويتوقع المرء أن الموسوعة سوف تواصل الكتابة التاريخية عن المدينة في حقب أخرى. غير أنها تنصرف بلا تسويغ منهجي إلى موضوع مغاير تماماً، إذ يتعلق الجزء الثاني بتاريخ ضريح الإمام علي بن أبي طالب، فجاء بعنوان

ص: 299


1- طبقاً لحديث مع مؤلف الموسوعة الدكتور حسن عيسى الحكيم أبلغني بأن عدد أجزاء هذه الموسوعة حتى الآن (آب / أغسطس (2013) خمسين جزءاً، المطبوع منها أربعة وثلاثون جزءاً.
2- الحكيم، حسن عيسى المفصل في تاريخ النجف الأشرف المكتبة الحيدرية، قم المقدسة، 1427ه_ ، ج 1، ص5.

تأريخ المرقد الحيدري «الشريف»، ليستكمل بعدها بالجزء الثالث الذي يتناول«تأريخ المراقد والمقامات ووادي السلام». ثم تنتقل في الجزء الرابع والجزء الخامس إلى تناول«مدرسة النجف الأشرف من القرن الرابع إلى القرن الثاني عشر الهجريين»، و«مدرسة النجف الأشرف في عصر التجديد». بعد ذلك سوف تعود الموسوعة لموضوع مدرسة النجف في الجزء السابع والجزء الثامن هذا يعني أن هناك جزءاً (هو السادس) قطع فجأة تناول موضوع مدرسة النجف، ولعل السبب هو إكمال تناول عصر التجديد بالكتابة التاريخية عن أعلام الأسر العلمية فيه. وسوف تُستكمل أعلام المدرسة النجفية في التأريخ الحديث والمعاصر في الجزء التاسع، وأعلام مدرسة النجف الأشرف في النصف الثاني من القرن العشرين بالجزء العاشر. يجمع الأجزاء الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر موضوع واحد وهو صلات النجف الأشرف بالحوزات العلمية، أولهما صلات النجف الأشرف بالحوزات العلمية العراقية، وثانيهما بالحوزات العلمية العربية وثالثهما بالحوزات العلمية في العالم الإسلامي. لكن الأجزاء ،(14 ، 15 ، 16، 17، 18، 19)سوف تشمل بالتناول موضوعات ثقافية متنوعة تتعلق بالندوات العلمية والمعارك الأدبية، وبالمؤسسات العلمية والفكرية والتربوية وبتاريخ الصحافة النجفية وتراجم أعلامها، وبالجمعيات والمؤسسات العلمية والأدبية والاجتماعية وبالمكتبات والمطابع ودور النشر. ثم تنصرف الموسوعة إلى الشؤون السياسية والعقائدية في الأجزاء(20، 21، 22، 23)لتتناول التاريخ السياسي والعقائدي وثورة النجف عام 1918م وآثارها في العراق، وقيادة النجف الأشرف لثورة العشرين، والتاريخ السياسي لمدينة النجف الأشرف 1921 - 1958م.

إن هذا المخطط الموجز لأجزاء الموسوعة المتوفرة لا يمكن ترشيح خطة منهجية صارمة منه يسير بهديها نظام الموسوعة. فعلى الرغم من محاولة المؤلف توحيد بعض الأجزاء عبر شمولها موضوعات ذات عنوان عريض موحد مثل الأجزاء التي تتناول الشؤون الثقافية أو السياسية، هناك اعتباطية سوف تتحكّم بمستويين أساسيين في بناء الموسوعة؛ وهما مستوى الخطة الكبرى لبناء موضوعات الموسوعة،ومستوى الخطة الصغرى في بناء المعطيات المتوفرة لكلّ .موضوع. فالخطة الكبرى تنطلق من التاريخ الشامل في الجزء الأول، ثمّ تنطلق في جزأين عن ضريح الإمام علي وبقية المراقد والمقامات. ثم تخصص أربعة أجزاء (4، 5، 7، 8 ) لتتبع «مدرسة النجف» في

ص: 300

الحقب المختلفة، تفصل بينها بجزء(هو السادس) تناول أعلام الأسر العلمية في عصر التجديد، وهذا الجزء السادس له صلة مباشرة بالجزأين التاسع والعاشر اللذين يتعلقان بأعلام مدرسة النجف في الحقب المختلفة. وليس واضحاً سبب عدم جمعها كلها في تسلسل واحد ما دامت كلها تخص تاريخ الأسر العلمية في النجف، وهو الأمر الحاصل فيما بعد حين ضمّت الموسوعة الأجزاء (11، 12،13) معاً لتلمّ مشهد صلات النجف ، الأشرف بالحوزات العلمية العراقية والعربية والعالمية، وكما فعلت أيضاً في الأجزاء (20، 21 22،23)لتلم بالمشهد السياسي والعقائدي في النجف وأحداث ثورتها في العام 1918م ومسألة قيادة ثورة العشرين، وتاريخها السياسي في الأعوام 1921 - 1958م. أما الخطة الصغرى المتعلقة ببناء ركام المعطيات المتوفرة عن أي مادة جزئية من مواد الموسوعة فإنها أيضاً تخضع للاعتباطية بمقدار معين. إذ يتحكم بها ما هو متوفّر من المعطيات، دون جهد في التنظيم، أو وضع أولويات لاستخدام المصادر، وتوظيفها بما يخدم الموضوع، بل هناك رغبة في التحشيد والإكثار من المواد، والتحشيد والإكثار يقدمان في الأخير مزيجاً يعاني من التشويش والاضطراب.

لا شك في أن موسوعة«المفصل في تاريخ النجف» ظلّت وفية لنزعة استقصاء المواد والبحث عنها في مصادر متنوعة،والموسوعات المكتوبة عن هذه المدينة عادةً ما تتبادل البضاعة نفسها. فالموسوعة تمضي بخطة تبدأ باختيار موضوع معين،لتذهب إلى ما قيل فيه في الكتب والموسوعات الأخرى، لكن ليس على طريقة نشر المنشور بتمامه كما هو عمل الدجيلي والجبوري كما سنبين فيما يلي من البحث. على سبيل المثال، يختص الجزء السادس ب_ «أعلام الأسر العلمية في عصر التجديد»، فتعمد الموسوعة إلى إيراد ما قيل في موسوعات وكتب أخرى مثل كتاب«ماضي النجف وحاضرها»المحبوبة،و«أعيان الشيعة»،للأمين و«شعراء الغري» لعلي الخاقاني، و«طبقات أعلام الشيعة»للطهراني، و«الكُنى والألقاب»للقمّي، وغيره(1). غير أنه يمكن الإشارة إلى أن صاحب موسوعة المفصّل يعتمد على مصدر مختلف وغير معهود في بناء موسوعته، ألا وهو يومياته الخاصة(2). وفي الواقع، فإن استخدام

ص: 301


1- ينظر: الحكيم، حسن عيسى، المفصل في تاريخ النجف الأشرف، ج6، ص 8 . 14.
2- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج 8، ص 292 - 299 ، وص 242 على سبيل المثال.

اليوميات الخاصة في بناء الموسوعة يجعل الموسوعة نفسها عُرضة لمشكلات الموضوعية، والمنهجية، وحتى الطبيعة المضمونية لها بسبب الطبيعة المختلفة لأسلوب اليوميات.

2- النموذج التجميعي

أ - موسوعة النجف الأشرف لجعفر الدجيلي

جمع جعفر الدجيلي بحوث هذه الموسوعة المتألفة من اثنين وعشرين جزءاً، الذي يوصف باللامع في التجارة والإدارة والتفكير والمنحدر من بيت من بيوتات النجف(1)، بإشراف «لجنة من رجال الفكر والعلم والأدب»، وطبعت في مؤسسته«دار الأضواء» في لبنان(2). وأدرج الجزء الأول منها قائمة بأسماء بعض من أسهم في البحوث والموضوعات والإخراج والتنظيم(3). وصدرت الطبعة الأولى من الأجزاء الثلاثة الأولى من «موسوعة النجف الأشرف»في العام 1993 في بيروت، لكن فكرتها كانت قد راودت مؤسسها وجامعها منذ العام 1984م(4). أما الأجزاء الأخرى فقد صدر الجزآن الرابع والخامس في العام 1994م، والسادس في العام 1995م، والسابع والثامن والتاسع والعاشر في العام 1997م ، والحادي عشر والثاني عشر في العام 1998م،والثالث عشر والرابع عشر في العام 1999م،والأجزاء من الخامس عشر إلى التاسع عشر في العام 2000م،والجزء العشرون في العام 2001م والجزء الحادي والعشرون في العام 2002م، والجزء الأخير الثاني والعشرون في العام 2003م.

تبدأ الموسوعة ب_ «بحث حول الموسوعات الحديثة منها والقديمة»منقول بتصرف في بعض الأحيان من موسوعة جعفر الخليلي موسوعة العتبات المقدسة، وهو مدخل الجزء الأول من الموسوعة. ولولا الأسطر الوجيزة في بداية البحث التي نوهت باسم الكاتب، وهو جعفر الخليلي، لما عرف القارئ اسمه فالفهرس نفسه لا يذكر أسماء الكتاب الذين كتبوا مواد الموسوعة ، وهو فهرس يفتقر في العموم، إلى نسبة مواد

ص: 302


1- ينظر: مقدمة المرجع الديني محمد تقي الفقيه ل- «موسوعة النجف الأشرف»، ج 1 ، ص 11.
2- ينظر: جعفر الدجيلي موسوعة النجف الأشرف، دار الأضواء، بيروت، 1993، ج 1، ص57.
3- ينظر: المصدر السابق نفسه صفحة العنوان.
4- المصدر السابق نفسه، ج 1، ص 8.

الموسوعة إلى كتابها وبعد بحث الموسوعات هذا يُجرى تثبيت معالجة عن«موقع النجف الجغرافي» و«تمصير الكوفة» وغيرها من الموضوعات دون إيضاح يكتب عن هوية مَنْ هذه الموضوعات، ودون الإشارة إلى مصادر المعلومات، إذ يخلو البحث تماماً من الهوامش لأربعين صفحة تقريباً، حتى نصل إلى معالجة للجغرافية الطبيعية المدينة النجف التي يُذكر اسم كاتبها في أول سطر من المعالجة(1). ثم يتم الانتقال إلى اقتطاع نص آخر يخص جغرافية النجف من مصدر آخر هو كتاب النجف الأشرف: عاداتها وتقاليدها لطالب علي الشرقي(2)، ثمّ إلى بحث عن مدينة الكوفة لعبد المحسن شلاش(3)، ثمّ بحث عن النجف قديماً للدكتور مصطفى جواد(4)، وهكذا تستمرّ الموسوعة بانتقاء موادها من بحوث كُتبت سابقاً ولم تُكتب للموسوعة على نحو خاص، بل هي موجودة سلفاً.

أما الجزء الثاني من الموسوعة، فهو لا يعدو كونه إعادة نشر المجموعة من الكتب والدراسات والمقالات منها كتاب فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النجف لابن طاووس (648 - 693ه_) بتحقيق محمد مهدي نجف، ويستغرق 150 صفحة، وكتاب نزهة الغري في تاريخ النجف والغري السري لمؤلّفه عبود الكوفي (1267 - 1349م)، وبعض المقالات لهادي الأميني وهبة الدين الشهرستاني وجعفر محبوبة. ويُختتم هذا الجزء بكتاب مشهد الإمام علي لمؤلّفته سعاد ماهر محمد (5). وبالطريقة نفسها، سيتم تنظيم الجزء الثالث ومواده عن مشهد الإمام علي وفضل زيارته ووصف حرمه وأبوابه وخزانته وسدانته. فيبدأ بلمحة تاريخية عن المشهد كتبها العلامة كاظم الحلفي، ثمّ الكتابة التاريخية عن الأضرحة التي أنشئت على المرقد كتبها محمد جعفر التميمي، وهي في الأصل مستلة من كتاب مشهد الإمام. ويتبع ذلك كلمة عمرها نصف قرن عن الموقع الجغرافي للنجف، قبل أن ينصرف هذا الجزء برمته إلى تاريخ الباب الذهبي للضريح والأشعار والخطب التي قيلت فيه والخزانة، ثمّ يثبت كتاباً كاملاً

ص: 303


1- ينظر: جعفر الدجيلي، موسوعة النجف الأشرف، ج 1، ص 105.
2- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج 1، ص 115.
3- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج 1، ص 141.
4- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج 1، ص 155.
5- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج2، ص 358 - 419.

يتألف من 280 صفحة هو التحف و الهدایا بمشهد الامام(1)لمولفة سعاد ماهر محمد التي كان لها حضور عبر كتاب كامل في الجزء الثاني، ليختتم الجزء بقطعة عن هدايا العتبات المقدسة، ونظام العتبات المقدسة بعامة(2). أما الجزء الرابع عن النجف فسوف يكون في أدب الرحلات منذ ابن بطوطة (ت 1377م)، وناصر الدين شاه (1247ه_ . 1313ه_)، وانتهاء برحلتي توماس كارلايل وفصل فريا ستارك Freya Stark عن النجف في كتابها صور بغدادية Baghdad Sketches . يتبع ذلك قسم ترجمه وكتبه جعفر الخياط بعنوان(النجف في المراجع الغربية)، وقسم عن هجمات الوهابية، وصولاً إلى أيام الاحتلال البريطاني وثورة النجف 1919م وثورة 1920م، وبعضاً من أحداث الحقبة الملكية على نحو وجيز جداً. والجزء الخامس عن النجف في الشعر الذي يبدأ بأرجوزتين مشهورتين؛ الأولى «عنوان الشرف في وشي النجف»(1497 بيتاً) للشيخ محمد بن الطاهر بن حبي الطاهر بن حبيب بن حسين السماوي النجفي (1292ه_ - 1370ه_)، والثانية هی«الأرجوزة النجفية»(1001 بيت) للشاعر عباس بن علي بن الحسين الترجمان النجفي (ت1344ه_ / 1925م). ويتبع ذلك قصائد منتقاة لشعراء مرتبة أسماؤهم هجائياً. والجزء السادس عن الحوزة العلمية أو جامعة النجف الدينية بدءاً من قصة نشوئها إلى أساليب الدراسة فيها وطبيعة المقررات الدراسية وزعمائها ومرجعياتها. والجزء السابع هو امتداد للجزء السادس بما أنه يعنى بالدرس الحوزوي في النجف. وفي الواقع، قد جاء تناول هذا الموضوع بقسمين، اختص الجزء السابع من الموسوعة بتناول النشاط العلمي في شتى مجالاته، في الفقه والأصول وعلم الرجال، وهو يتعدى أيضاً معنى النشاط التدريسي إلى النشاط التأليفي. لكن الجزء الثامن تناول الجانب الإصلاحي في مسائل الدروس الحوزوية. أما الجزء التاسع فقد تناول بالتحديد الحركة الإصلاحية في الحوزة العلمية نفسها. وهكذا تواصل الموسوعة احتضان مواد عديدة تتعلق بتاريخ النجف وشؤونها المختلفة، لتضعها بين دفتي موسوعة واحدة بعد أن كانت متناثرة هنا وهناك ويصعب الوصول إليها جميعاً.

والآن، تبين الموسوعة نفسها أن موادها كانت تأتي بطريقين: أولاً تسلّمها من

ص: 304


1- ينظر: جعفر الدجيلي، موسوعة النجف الأشرف، ج3، ص165 - 446.
2- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج 3، ص 447.

الأساتذة والكتاب أنفسهم، أو أن جامعها جعفر الدجيلي حصل عليها في أثناء تجواله في البلدان الإسلامية أو تنقيبه في الكتب والمجلات والصحف(1). لكن الإشارات في بعض الهوامش في الموسوعة تشير إلى أن بعض المواد إنما هي مستلات من مصادر متنوعة. وإذا كان من اليسير ملاحظة أن بعض هذه المواد إنما هي كتب كاملة نُقلت بقضها وقضيضها إلى الموسوعة كما أشرنا في أعلاه، فإن بعضها الآخر، المستلات إنما هو فصول من كتب أو مقالات وردت في مجلات.

إن موسوعة الدجيلي بمنهجها التجميعي المحض وخطتها في إعادة نشر ما كان منشوراً سابقاً تحيد بالطبع عن نموذج موسوعة جعفر محبوبة، لكن الاختلاف بين ماضي النجف وحاضرها وموسوعة النجف الأشرف لا يكمن فقط في الاختلاف بين التأليف والجميع،بل هو اختلاف في السَّعَة وطبيعة الموضوعات على الرغم من أن طبيعة الرؤية من وراء وضع الموسوعة تبقى هي نفسها في كلا العملين؛ سواء أتعلّق الأمر بالهدف المتوخى أم بجوهر حصر المعلومات وإدراجها بين دفتي كتاب. وإذا كان جعفر محبوبة قد أرهق نفسه في التفتيش بنفسه في بطون الكتب لملاحقة أخبار النجف،فإن جعفر الدجيلي أرهق نفسَه في ملاحقة أولئك الذين كتبوا عن النجف وملاحقة تلك الكتب المخطوطة والمنشورة التي كُتبت عن النجف.

إن هذه النزعة التجميعية في التأليف الموسوعي أدّت إلى أن تغص بالتكرار، فموسوعة جعفر الدجيلي، كما أسلفنا، تُدرج نقلاً حرفيّاً، في الجزء الأول منها(2)، مدخل جعفر الخليلي في الجزء الأول من موسوعته موسوعة العتبات المقدسة (المدخل)(3). ويشمل هذا النقل أزيد من خمسين صفحة. وهو نقل لا يلتزم التنظيم المنضبط، إذ يُذكر اسم جعفر الخليلي(4)في بداية البحث، بينما يُذيّل باسم محمد هادي الأميني(5) الذي كتب بضع صفحات عن«موسوعة النجف الأشرف»أدرجت دون

ص: 305


1- ينظر: جعفر الدجيلي، موسوعة النجف الأشرف، ج 1، ص 57.
2- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج 1، ص26 - 55. وجعفر الخليلي، موسوعة العتبات المقدسة (المدخل)، ص 5 - 40.
3- ينظر: الخليلي، جعفر، موسوعة العتبات المقدسة، ص 5 - 46.
4- ينظر: جعفر الدجيلي، موسوعة النجف الأشرف، ج 1 ، ص 26.
5- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج 59،1.

فصل واضح عن بحث الخليلي حول الموسوعات ومع أن منهجية الموسوعة تقرّر أنها«تدرج المقالات بكاملها دون تحريف ونقصان...» كان هناك في بحث الخليلي حول الموسوعات تمييع لحدود بحثه عمّا يليه(1)، ولم يكن هناك تثبيت لاسمه في آخر البحث، وهو أمر نصت عليه الموسوعة في منهجية تنظيمها(2). ومن الجلي أيضاً أن موسوعة الدجيلي كانت نقلت كتباً كاملة بحرفية مطلقة كما أشرنا سابقاً. ولعلّ حضور موسوعة جعفر محبوبة في موسوعة الدجيلي شاهد قوي على الخطة المتبعة وعلى اعتمادها على النقل الحرفي. إذ تحضرُ مواد موسوعة محبوبة في موسوعة الدجيلي في أجزاء عديدة منها، على سبيل المثال، ما يقتبسه في الجزء الثاني من ماضي النجف وحاضرها فيما يتعلق بظهور قبر الإمام علي وعمارته (55 صفحة تقريباً)(3)، وفي الجزء الثالث تقتبس الموسوعة 60 صفحة تقريباً من موسوعة محبوبة، وهو كل ما يتعلق بسدانة الحرم الشريف(4). كذلك في الجزء السادس فيما يتعلق بالجامعة النجفية ومدارسها الدينية (20 صفحة تقريباً)، وأوضاعها قبل القرن العاشر الهجري وبعده (30 صفحة تقريباً)(5). وثمة مواضع أخرى لهذا الحضور التي تؤكد النمذجة وتعزز الرغبة في استمراريتها.

ب - مجلة آفاق نجفية

يمكن أن نعدّ مجلة(آفاق نجفية)نوعاً من الموسوعة التي بنيت على النموذج التجميعي، على طريقة موسوعة النجف الأشرف لجعفر الدجيلي، من حيث تبنيها نشر المنشور سابقاً منهجاً وطريقةً. فهي مجلة فصلية متخصصة بشؤون النجف الأشرف فقط، وقد بدأت بالصدور في العام 2006م. وقد دأب الأستاذ كامل سلمان الجبوري على أن يضمّن في هذه المجلة كل شاردة وواردة عن النجف حتى بلغت أعداد هذه المجلة خمسة وعشرين عدداً ولأنها تتخذ من نشر المنشور سابقاً منهجاً وطريقة فلا شك في أنها ليست مجلة بالمعنى المتعارف عليه أي المجلة التي تشترط في

ص: 306


1- ينظر: جعفر الدجيلي، موسوعة النجف الأشرف، ج 1، ص55.
2- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج 1، ص 58.
3- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج2، ص 286 - 340.
4- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج 3، ص 469 - 525.
5- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج6، ص385 - 441.

أبحاثها ألا تكون منشورة في مواضع أخرى من قبل،فهي من النمط التكراري للتأليف الموسوعي الذي يستند إلى ما هو متوفّر من كتب وأبحاث ومقالات كانت قد وجدت طريقها للنشر سابقاً. وما تفعله المجلة هو إعادة نشرها من جديد في نظام جديد مع بعض الإضافات والتنقيحات .

الخطة التي تسري بموجبها أعداد المجلة هي إعادة نشر الأعمال المختلفة المنشورة سابقاً في المجلة سواء أكانت تتعلق بموضوعات تاريخ النجف، أو أدبها، أو مجتمعها، أو أي قضية من قضايا النجف. كما أنها تحرص على نشر كتب كاملة في حلقات متتالية مثل نشر كتاب الحسين البراقي«اليتيمة الغروية والتحفة النجفية»منذ العدد الأول. تتضمّن أعداد مجلة(آفاق نجفية)ملفات محورية تُعدّ ملفات مهمة لأنها تضطلع بلمّ المواد المتفرقة عن موضوع معين أو شخصية معينة في مكان واحد على سبيل المثال، تضمّن العدد الأول، سنة 2006، ملفّاً عن حياة الشاعر محمد رضا الشبيبي وشعره،وسوف تعود المجلة لاستكمال هذا الملف بقسم ثانٍ في العدد 13 سنة 2009م. كما يتضمّن العدد 6 سنة 2007م، ملفا عن الشيخ محمد جواد البلاغي (1282 - 1352ه_) . لكن هذه الملفات ما هي إلا تجميع لمواد كانت قد كُتبت ونُشرت سابقاً. وكذلك الحال عن بقية الملفات عن علماء النجف وشعرائها وشخصياتها.

إن أعداد هذه المجلة هي أجزاء موسوعة لم تنتظمها موضوعات موحدة فقد ينطوي العدد على موضوعات مختلفة لا ناظم بينها. ولعل إلقاء نظرة على أحد أعدادها كفيل بتبيان هذه الحقيقة، فالعدد الأول يتناول موضوعاً يتعلق بقداسة النجف وعظمتها كتبه الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، ترد بعده ،قصيدتان، ثم دراسة عن المعالم العمرانية للنجف وبحث عن جامعة النجف وجامعة القرويين، وتناول لسر خلود النجف كتبه الدكتور حسين علي محفوظ ، وهكذا تتوالى الموضوعات.وفي الواقع،فإن خطة المجلة هي نشر ما هو منشور دون خطة معينة سلفاً، إذ ليس فيها نزوع واضح لبناء موضوعات أعدادها على أساس موضوعاتي، إذا استثنينا تضمّن بعض أعدادها ملفات محدّدة. فهدفها النهائي يبقى تجميع ما هو منشور عن أي قضية من قضايا النجف بين دفتي كتاب، وإن تسمّى باسم مجلة.

ص: 307

مشكلات الكتابة التاريخية عن النجف

تتعلّق مشكلات الكتابة التاريخية عن النجف موسوعيّاً بالهدف الأول والأ. للموسوعات التي كُتبت عنها؛ وهو بناء شخصية النجف مدينة عظيمة وخالدة. وهذه الموسوعات كان قد جمعها ورتبها ورعاها كتاب وجماعون من أبناء المدينة نفسها، لم يكن لهم من مطمح غير تخليد ذكرى مدينتهم وإسداء خدمة لها ولباني مجدها الإمام علي بن أبي طالب. وهذا الهدف أفضى إلى أولى المشكلات التي تتعلق بالولع بتجميع المعلومات عنها، فقد عمد ذوو المشاريع الموسوعية إلى إشباع المدينة كتابة تاريخية وتوثيقاً. وطيّ هذا الإشباع يشيع الافتقار إلى الخلاصة الفكرية الطالعة من ذلك الركام المعلوماتي، وإلى مشروع إعادة التفكير في تراث المدينة. فمشاريع الكتابة التاريخية الموسوعية هي العتبة التي تتطلب طريقاً طويلاً، ما زال غير مطروق، لإعادة التفكير في تاريخ النجف وتأثيره الفعلي في حركة المدينة. ونمط الكتابة التاريخية السائدة نمط محافظ ، يُديم السائد عبر التقريظ، ولا يلجأ إلى دفعه باتجاه جديد عبر التحليل وتشخيص الشروط المعرفية لازدهار النجف علماً وحياة وتدهورها كذلك. إنه نمطُ الكتابة التاريخية لذاتها وليس لشيء آخر. والكتابة التاريخية لذاتها بسط للمعلومات يرافقه إحساس بالفخر، ويندس في طياته مديح طاغ لموضوع الكتابة التاريخية. ولا أدل على ذلك من مقدمات الموسوعات المكتوبة عن النجف التي تذكر دواعي التصدّي لكتابتها، وسوف نعرض لذلك لاحقاً.

إن هذا الاتجاه في الكتابة التاريخية الموسوعية قد يكون مناسباً كمرحلة أولى تغنينا بالمادة الأساسية لإعادة البحث والتفكير،لكنها لن تكون المرحلة الأخيرة بالتأكيد. غير أن المشكلة هنا،وهي المشكلة الثانية في هذا السياق من الكتابة التاريخية عن النجف، هي أن مثل هذه المشاريع الموسوعية في الكتابة التاريخية كانت المرحلة الأخيرة فهذه الموسوعات الغزيرة بالمعلومات والنصوص والوثائق لم تخلق حركة نقدية تتخطى أعمال مؤلفي الموسوعات ورعاتها، ولم تبلور نمطاً من الدراسات يتخطى مهمات تخليد المدينة والوفاء لها، إلى غربلة ما تراكم عنها ونقده وصولاً إلى الإسهام في بناء المدينة في حاضرها ومستقبلها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تفاقم

ص: 308

نمط الكتابة التاريخية عن النجف ليدخل مشكلة ثالثة؛ وهي مشكلة التكرار. فقد عمد المؤرخون الموسوعيون إلى إعادة تقديم مشروعاتهم الموسوعية مرة تلو الأخرى بتكرار غير مسوّغ فكل موسوعة تكاد تنطوي على أجزاء كبيرة ممّا تنطوي عليه الموسوعات والكتب الأخرى، في اجترار للمعلومات والنصوص، وفي أخذ مستلات كانت قد نشرت من قبل في مصادر أخرى عن تاريخ النجف أو عن تاريخ الشيعة. فعلى سبيل المثال، لا يكاد يغيب اسم محبوبة من هوامشه بل يظل موجوداً عبر تسعين صفحة في موضع، وعبر أربعين صفحة في موضع آخر(1). أما موسوعة الدجيلي فإنها بالتأكيد بانتمائها لنموذج الموسوعة التجميعي تتكئ على موسوعة محبوبة في أجزاء عديدة، وكنا قد ضربنا بعض الأمثلة على ذلك فيما سبق. لم تستطع هذه الموسوعات الكبيرة أن تكون حافزاً على بسط حركة فكرية حقيقية تنتفع بهذا الكم الهائل من المعلومات عن المدينة. فقد ظلت هذه الكتابة التاريخية مثل قطعة أثرية حبيسة ،المتحف، دون فحص أو تمحيص ومثل هذا الاتجاه لا يجيب عن الأسئلة الأساسية المتعلقة بالمدينة بوصفها حاضنة لمناخات فكرية، أو حركات إصلاح، أو أحزاب سياسية، أو عقائد جديدة، أو تغيّرات البنية الاجتماعية عبر التاريخ، بل حتى حقيقة دور النجف في الحياة الثقافية في العراق عموماً.

أما المشكلة الرابعة في التأليف الموسوعي عن النجف فتتعلق بتوفّر المبدأ الذي تقوم عليه الكتابة التاريخية، وهو النزعة النقدية. ويبدو أن نزعة تجميع المعلومات في الموسوعات، تلك التي نوّهنا بها سابقاً وميزت الكتابة التاريخية عن النجف، قد غيبت أي نزعة نقدية في الكتابة الموسوعية عن المدينة. فالموسوعات المكتوبة عن النجف لم تتبنّ أي نزعة نقدية للمكتوبات والمرويات التاريخية والشهادات السائدة التي تحكي تاريخ المدينة وهي لم تختبر ، أو لم تحاول اختبار تلك المكتوبات والمرويات

ص: 309


1- ينظر: الصفحات العديدة التي استقى فيها حسن الحكيم مادته من موسوعة محبوبة الحكيم، المفصل في تاريخ النجف الأشرف، ج 6 على سبيل المثال، ص 18 - 20، ص 40 - 50، ص52 ص 56 - 58، ص 63 - 67 75 77 ، ص 81 - 82 87 - 88 ، ص 113 - 117 ، ص 120 - 164 ، ص 170 ص 271 - 275 ،314 ، ص 353 ، ص 358 - 360 ، ص 365 - 366 ، ص 419، ص422 ، ص 456 . .262. 461.

والشهادات، ولم تفحص أدلتها ولم تتناول موضوعيتها. من هنا امتزج في هذه الموسوعات النجف التاريخي بالأسطوري، والواقعي بالخرافي،والعلمي بالانطباعي،والمنهجي بكتابة اليوميات.

يقف خلف هذا الامتزاج الحرص على الحفاظ على نزعة تجميع كل ما هو ممكن من المعلومات، حتى إذا كانت مجرد تكرار . ولكن،ما الذي يعنيه أن كتابة تاريخ النجف في موسوعات هو تقديم الشيء نفسه دائماً؟

لا يعني ذلك فقط إقصاء أي نزعة نقدية في المعطيات التاريخية، بل يعني أيضاً أن كتابة تاريخ النجف تبنّت، بوعي أو بدونه، ما طرحه الواقعيون Realists من فرضية عن كتابة التاريخ،وهي أنها تمثيل للتاريخ، أي إنها في الغالب وصف صادق لأحداث الماضي. تلك هي نظرة الواقعيين لكتابة التاريخ، وما تفعله الموسوعات المكتوبة عن النجف يمضي بهدي من هذا التصوّر ، ولكن بدورة من التكرار الذي يراكم المعطيات نفسها. غير أن نظرية التكوينيين Constructionists ترى أن كتابة التاريخ ليست تمثيلاً للماضي بل هي بناء في الحاضر. ومن هنا فهم يرفضون فكرة أن كتابة التاريخ تشير إلى التاريخ، أي إلى الماضي، ويميلون إلى التكوينيين الذين يؤمنون بأن التاريخ يشير إلى الماضي، لكن ذلك يتمّ دائماً من نقطة في الحاضر(1). ولا يبدو أن لكتابة تاريخ النجف في الموسوعات صلة بالنظرية الثانية لكتابة التاريخ إلا بحدود ضيقة جداً. فالنظرة التكوينية غائبة تقريباً فيها، ويبدو أنها على العكس تتشبث بالنظرة الواقعية التي تستهل إجراءاتها بالتاريخ وكتابته من خلال الشواهد والأدلة، ولكن من دون فحص منظم. لكن ثمن هذا التشبث بالنظرية الواقعية وإهمال النظرية التكوينية كان باهظاً في حالة موسوعات النجف. فقد ربطها ربطاً لا فكاك منه بالماضي وشواهده دون بنائه في الحاضر ؛ أي دون أن تكون هناك محاولة تأويلية تُبنى على أساس الشواهد والأدلة نفسها التي تُبنى بها كتابة تاريخية واقعية،مكرورة اجترارية، ولا وظيفة لها سوى التوكيد، توكيد النجف حضوراً في التاريخ، وقيماً يتمّ تصوير ثباتها، فيما هي تتغير واقعيّاً.

ص: 310


1- Tucker, Aviezer, Our Knowledge of the Past: A Philosophy of Historiography, (New York: Cambridge University Press, 2004), p.255

ويمكنُ أن نمضي في هذا الشوط إلى أبعد مدى لنفحص كيف تتعرّض أكثر الموسوعات حداثة زمنية،وهي موسوعة الحكيم «المفصل في تاريخ النجف»، إلى التاريخ الحديث والمعاصر، إنها في الواقع تتوقف، في بعض أجزائها، عند حدود الحقبة الملكية في العراق (سنة 1958م)، وهذا هو حال الجزء التاسع من تلك الموسوعة الذي يتعلق ب_«أعلام المدرسة النجفية في التأريخ الحديث والمعاصر»(1). وقد يكون العامل السياسي حاسماً في تجنّب التركيز على الحاضر وعدم موازاته بالماضي، وسوف نأتي لاحقاً على هذا الجانب الحيوي في تفسير تفسي التأليف الموسوعي عن النجف بوصفه آلية دفاع عن المدينة المستباحة من الدكتاتورية وعهود القمع الطويلة، ومهملة من طرف التاريخ الإسلامي الرسمي لأنها تمثل سردية مختلفة أو حتى حتى سردية ضدّ في الواقع، هناك عشوائية في النظرة إلى الزمن الذي يؤطر موضوعات الموسوعات، وهناك تقدّم وارتداد، ولا يوجد نقاش عن معنى الماضي والكتابة التاريخية عنه، أي كتابة التاريخ، ويتبع ذلك خفوت العناية بما يسمى«تاريخ الحاضر»(2).History of the present ومهما بدا أن هذه الموسوعة تحاول أن تعوّض شحوب الواقع الراهن بتضمين اليوميات التي كنا قد تكلمنا عليها، فإن هذا التعويض لا يتم دون التضحية بموضوعية الكتابة التاريخية. لكن هذه الاستراتيجية هي تكييف لنموذج سلفه جعفر محبوبة في ماضي النجف وحاضرها، إذ يحاول حسن الحكيم تذويب يومياته الخاصة في موسوعته الضخمة بنية استئناف كتابة تاريخ النجف عبر اليوميات. بيد أن هذا التكييف عبر التذويب لم تتمثله منهجية الكتابة التاريخية مصدراً منضبطاً يزوّدنا بالمعلومات الموضوعية.والخطورة هنا هي أن المؤرخ يكفّ عن كونه مؤرّخاً لصالح أن يكون شاهداً على أحداث وهذا وضع وإن كان مهماً، تغيب فيه التسوية التي يقيمها المؤرخ بين طبيعة منظوره الخاص والمعطيات التاريخية المتوفرة. وإذا غابت هذه التسوية المطلوبة تتشابك المنظورات الشخصية مع المعطيات في كتابة التاريخ.

ص: 311


1- ينظر: حسن عيسى الحكيم، المفصل في تاريخ النجف الأشرف، ج9.
2- Hartog, Francois, «What is the Role of the Historian in an Increasing Presentist World?,» (2) in Harlaftis, G., Karapidakis, N., Sbonias, K., Vaiopoulos, V., The New Ways of History, (London-New York: IB Tauris, 2010), p.241

لا شكّ في أن للنجف تراثاً ضخماً ومتنوعاً، ولو تأملنا هذا التراث في السياق الأدبي للمدينة لاكتشفنا شيئاً مثيراً. لعل تراث النجف الأدبي مثال ساطع على مكانتها في تاريخ الأدب. فالنجف بيئة أنشأت كوكبة منيرة من الأدباء والشعراء عبر تاريخها، وأبناؤها يشهدون بأسمائهم على هذه المكانة: شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، وأحمد الصافي النجفي،وعلي الشرقي، ومحمد سعيد الحبوبي، ومحمد رضا الشبيبي، إضافة إلى جعفر الخليلي الذي تُوّج رائداً للقصة العراقية، لكن ثمة سؤالاً ملحاً آخر يساور كلّ متأمل في الحركة الأدبية بالعراق: لماذا لم تساهم النجف في حركة التجديد الشعرية التي حدثت في نهاية الأربعينيات وأفضت إلى أكبر حركة تجديد في الشعر (حركة الشعر الحر )؟ هنا مكمن الإثارة، ويجب أن نواجه هذا السؤال المباشر بجواب مباشر أيضاً، ثمّ نمضي في معالجة معضلته. إذ تبدو لي المسألة برمتها متعلقة، ليس بالحركة الأدبية كما يمكن أن يتوقع المرء، بل باللاهوت وسيرورته في النجف. فالنجف مركز لاهوتي شيعي مستديم له تقليد خاص ذو صلة بالتكوين الجمالي والشكلي للأدب. ومع أن علماء النجف، ممن نشؤوا في أحضان هذا اللاهوت، لم يكونوا عازفين عن الاهتمام الأدبي، بل كانوا منخرطين فيه بمستويات متفاوتة ظلت النزعة اللاهوتية تقيّد الممارسات الممكنة التي تعد بتحقق مستقبل مختلف للحياة الأدبية. فقد كانت قضية جدلية، مهما كانت حدودها، تجد طريقها إلى الأطر الدينية، لتبقى هناك حبيسة تلك الأطر. وهذا الارتباط اللازم الذي لا محيد عنه بين القضايا الجدلية برمتها، ومنها الأدبية، واللاهوت شكّل نزعة محافظة قويّة تستمسك بالتقاليد في كلّ من الحياة الفكرية والأدبية. ولم يكن من تحدّ كبير واجه هذه النزعة التقليدية مثل الروح اليسارية التي تفشت في المدينة، رغم اللاهوت بل دخلت حتى في بيوت رجال الدين. لكنها مع ذلك تأبتْ على محاولة الخروج من أسر الأدب التقليدي، بينما لم تستطع أن تحول دون نشوء اليسار. ولعل جاذبية الشيوعية أكبر من جاذبية تحديث الشعر؛ فالشيوعية فكرة تتسلّل بيسر إلى نفوس المتعبين في النجف؛ لأنها حالمة واعدة بحياة سحرية بينما كانت فكرة تحديث الشعر تأتي على نفوس الحالمين المُهَدْهَدين بإيقاع العمود وقوته وجماله. وبينما تأتي الشيوعية لتعدَ بالجميل وتطرد القبيح، يأتي تحديث الشعر بالمشوّه الغريب فيظنّ من يرون أن أجمل الشعر أكثره اتباعاً للتقاليد. وفي

ص: 312

الاثنين،كان اللاهوت يؤكد،على نحو غير مباشر، جمال التقاليد والحفاظ عليها. كان اللاهوت يرى في الشيوعية قبح الكفر وحرمته.

إن لهذه الموضوعة الأخيرة صلة بكتابة تاريخ النجف في الموسوعات. إذ تحدثنا الموسوعات المخصصة عن مدينة النجف عن«المجالس والنوادي العلمية والأدبية»المنتشرة في النجف، وعن«الندوات العلمية والمعارك الأدبية»، وعن«الجمعيات والمؤسسات العلمية والأدبية والاجتماعية»(1). وهذه المجالس من الكثرة بحيث إنه تكاد تكون كلّ أسرة نجفية معروفة لها مجلسها المعروف في يوم معروف زد على ذلك مجالس مراجع الدين أيضاً، وكلّها تتناول في النقاش القضايا السياسية والأدبية والفكرية والدينية، ومنها ما هو ذو طابع اجتماعي أيضاً. إنها حواضن للمعرفة، وهي بمثابة تجمعات أدبية وعلمية تسمّى «المجالس» أو «النوادي» أو «الدواوين»، منها مثلاً نادي الجواهري،والحبوبي،والطباطبائي، والقزويني،والشرقي، والشبيبي وكاشف الغطاء، وغيرها. هذه النوادي هي بمعنى ما منتديات للشعر والأدب بعامة، حتى قيل إنها نظير«كناسة الكوفة ومريد البصرة»(2). لكن هذا المجلس أو النادي لم يكن يأخذ الأدب بجدية، وأميل إلى أن أسمّيه«حلبة للتباري». فالأنشطة التي تُمارس فيه يغلب عليها اللعب والتسلية، حين تتحول الجلسة إلى حلبة تُجرى عليها مباريات التقفية الشعرية،والتشطير الشعري،والتقطيع الشعري.إنها تعبر عن حس الفكاهة والظرف أكثر من كونها مجالس أدب جادٌ تُجرى فيها مناقشات جادة عن الشعر وأحواله وتطوره(3).

كان اللاهوت النجفى نخبوياً، ليس على مستوى إنتاجه الفكري، فهذا شأن بديهي، بل على مستوى تزعمه إدارة شؤون الناس،إذ لم يكن اللاهوت في النجف يسعى إلى التماهي مع الطبقات العريضة للمجتمع الذي يُدير شؤونه، لقد ظلّ نخبوياً بامتياز كبير. وكانت الهزات التي تحدث في بغداد على مقربة من النجف، لا تؤثر،

ص: 313


1- هذه العنوانات الثلاثة بين الأقواس هي عنوانات لثلاثة أجزاء من موسوعة حسن عيسى الحكيم المفصل في تاريخ النجف الأشرف هي على التوالي الأجزاء 14 - 15 - 18.
2- ينظر: الحكيم، المفصل في تاريخ النجف الأشرف، ج 14، ص 3 - 6.
3- ينظر: المصدر السابق نفسه ، ج 14، ص7.

رغم أدلّة على وصول المؤثرات إليها من أفكار ومجلات(1)وصحف، في زحزحة الوضع الأدبي في النجف زحزحة تجعل منها ذات فاعلية واضحة، ولا تجد لها صدى فيما يحدث في أروقة المدارس الدينية التي تنفضّ«إلى المجالس الشعرية»؛ لأن «الوعي الجاد»كان يتفتح في الحوزات الدينية ويبذل قصارى جهده هناك، بينما جلّ ما يفعله «الوعي المسترخي»هو الإنصات بلذة إلى مألوف الأشعار في مجالس يغمرها الهزل والمرح وتزجية الوقت باللهو الشعري. هذا الوضع يجعل من بيروت مثلاً، بوصفها مركزاً ثقافياً ينتج الكتاب والمجلة والصحيفة،أقرب من النجف إلى بغداد. ولو تأملنا تلك اليقظة الكبرى التي حدثت نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، حين حلّ حدث«الشعر الحر»، وفكرنا مليّاً في أصدائه في النجف، لما أسعفنا الوضع كثيراً في إيجاد تأثير أو صدى أو مشاركة ، اللهم إلا محاولات بسيطة في النقاش الدائر عن «الشعر الحر»وريادته وسوى ذلك(2).

وبالطريقة نفسها، يمكن أن يثار سؤال عن البنية الاجتماعية في هذه المدينة، فهل حقاً تراوح النجف بين شريحتين اجتماعيتين فقط هما«الملائية» و«المشاهدة»؟ وما دلالة أن النجف في نموّها التاريخي أنجبت شريحتين اجتماعيتين، «الملائية» و«المشاهدة»، يسميهما علي الوردي ب_ «المعمّمين والمسلحين» (3). ففي إطلالة موجزة لعلي الوردي على المجتمع النجفي، يضعُ التنوّعَ العرقيّ المذهل للمدينة في نطاق المعممين فقط، فهؤلاء طلبة العلم القادمون من بعض البلدان العربية وإيران وتركيا والهند وأفغانستان والتبت وغيرها.وهم يشكلون أطيافاً مجتمعية داخل مجتمع المعممين(4). والآن، ألا يقيم هذا الطرح تحدياً لواقع المدينة المتغيّر اجتماعياً؟ أليس فيه غمط لهذا الواقع

ص: 314


1- كانت عدد ما يرد إلى النجف من صحف ومجلات يقدر بخمسين إلى مئة في العام 1911، ينظر: Nakash, Yitzhak, The Shi'is of Iraq, (New ersey: Princeton University Press, 1994), p.53
2- ينظر : محاضرة السيد مصطفى جمال الدين التي شارك بها في الموسم الثقافي لمنتدى النشر في العام 1955م وعنوانها الشعر الحر : تاريخه وتطوره نشرت في السنة الأولى لمجلة النجف ومقالته عن كتاب نازك الملائكة «قضايا الشعر المعاصر المنشور في مجلة النجف، عدد 8 و 9، سنة 1963م، ص 34 - 58.
3- ينظر: علي الوردي لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، مطبعة الشعب، بغداد، 1974، ج 4، ص 407 .
4- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج4، ص407 - 410.

الاجتماعي المتغيّر الذي صهر في بوتقته أعراقاً واحتضن ألواناً ؟ وما مالُ النجف مركزاً حضارياً ل-م أعراقاً مختلفة؟ خاصة بعد أن دمرت حقبة البعث الدكتاتورية التنوع العرقي الزاخر للمدينة، فهُجّر آلاف من العراقيين إبان عقدي السبعينيات والثمانينيات وتقلّص عدد الطلبة في الحوزات الدينية. وقد أشار علي الوردي، اعتماداً على كتاب أعيان الشيعة لمحسن الأمين إلى أن أعداد مجتمع المعمّمين بلغ اثني عشر ألفا(1)، وبحث عبد الهادي الحكيم أعدادهم في أواخر القرن التاسع عشر ليراوح الرقم بين عشرة آلاف وستة عشر ألفا(2). إن حيوية النجف مدينة علم وتعدّدٍ لم تنعكس في نمط الكتابة التاريخية عنها، بل جاءت الكتابة التاريخية موسوعيّاً لتعكس جمودها عبر نيّة صادقة ولا شك في إعلاء شأنها ، لكن إعلاء شأن النجف لا يأتي بالحشو الطاغي للمعلومات الذي تتوفر عليه كتب التأليف الموسوعي عن النجف.

لقد امتدت لحظة التأليف الموسوعي عن النجف،منذ كتاب ماضي النجف وحاضرها لجعفر محبوبة، لتسقط في التكرار والنمطية،من جهة، ولم تؤد إلى إنعاش حركة التأليف التحليلي النقدي المستند إلى المعلومات التي تقدمها الموسوعات. ولعلّ الوضع المعرفي الجديد في النجف قد بدأ نوعاً ما بتدارك هذا المزلق مع ظهور أجيال جديدة قد تنجح في تنقيح هذه الرؤية، وتختط منهجاً جديداً يقيض للباحثين استثمار الموسوعات من أجل مشروعات متأنية وعميقة تعيد التفكير في سيرة النجف الفكرية. ينظر المؤرخ الموسوعي للنجف، وهو من أهلها، إلى مدينته نظرة من يريد أن يصونَ تراثها من التشويه وتلك مهمة لا تتأتى بالحفظ والتوثيق فقط. لأن مستتبعات تلك النظرة إقامة النجف أيقونةً جامدة، حين يتمّ التعامل معها على أن لها شخصية تدعو إلى صيانتها عبر التاريخ وفي خضم هذا الانهمام بصيانة الشخصية يضيع الفكرُ الذي هو عماد شخصية النجف وهنا تبرز المفارقة التي تسقط فيها كتب التأليف الموسوعي ، مفارقة مفادها أن العمل الدؤوب على رسم ملامح شخصية النجف من خلال تجميع آلاف المعلومات عنها،وتضمين كتب قديمة وحديثة في تأليف موسوعية،هذا العمل لن يقدم النجف سوى في شكلها المعلوماتي الجامد.

ص: 315


1- ينظر: علي الوردي لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث، ج4، ص408.
2- ينظر: عبد الهادي الحكيم، حوزة النجف الأشرف: النظام ومشاريع الإصلاح، مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية ،بغداد ،2007، ص 213 وما بعدها.

إن النجف بذاتها لا تنطوي على هذه المفارقة بالطبع، بل المؤرخون هم من ينطوي عليها. ولقد كان من الآثار السلبية لهذه المفارقة أن ما أدّت إليه من تراكم لنمط الكتابة التاريخية الموسوعية لم يفض إلى تراكم في الوعي المعرفي وانحسار هذا الوعي المعرفي، أمام مدَّ الوعي المعلوماتي، فوّتَ على النجف فرصة إدراك قيمتها المؤثرة في المسارات الفكرية عبر تاريخها، وفي المسارات غير الفكرية في لحظات معينة من حياتها. إن قضية استمرارية التأليف الموسوعي عن النجف بالمنهج التجميعي نفسه ،بات بحاجة إلى تبرير لا سيما بعد ذلك النموذج التجميعي في موسوعة النجف الأشرف لجعفر الدجيلي، المؤلفة من اثنين وعشرين جزءاً، وبعد أن واصل الدكتور حسن الحكيم النموذج التأليفي لموسوعة محبوبة في المفصل في تاريخ النجف لتبلغ أربعة وثلاثين جزءاً مطبوعاً حتى الآن، وخمسين جزءاً إذا حسبنا غير المطبوع، وهو ما سلف توضيحه.

لقد قُدِّمتْ معارف النجف وحياتُها وتراثها موسوعيّاً برؤية تأليفية وتجميعية تُراكم المواد التاريخية، وليس برؤية تحليلية نقدية تفحص المواد التاريخية وتنقدُها. ولعلّ هذا المنهج يعارض أهم خصائص مدرسة النجف العلمية التي تمثل في الواقع معارف العالم الشيعي: أي نزعة الاجتهاد المتأصلة في لبّ الممارسة العلمية. فالنزوع إلى الاجتهاد يختفي في التأليف الموسوعية، حتى ليبدو أمر الكتابة التاريخية الموسوعية برمته انفصالاً عن الاجتهاد وانغماساً في التقليد إن تفشي هذه النزعة في التأليف الموسوعي قد يستمد نسعَه العميق من التقاليد الثقافية في النجف نفسها، فبالعودة إلى تقاليد المجالس النجفية نرى أنها انعكست على نزعة التأليف الموسوعي. هذه المجالس المشهورة نقلت صورة عن المدينة وكأنها حاوية لحكايات وأشعار وروايات وأساطير يجب تسطيرها دائماً في موسوعات قبل ضياعها في مطاوي النسيان.وهي تمدُّ خيوطها الخفية إلى مجمل النشاط الثقافي في النجف، فيما عدا حلقات التعليم الديني التي لها تقاليد صارمة ومتأصلة يتناسل فيها المجتهدون في حركة دائبة.

فضلا عن ذلك، يمكن كشفُ انحيازات مركزية نجفية تتفشى في الجهد الموسوعي الذي يؤرخ للنجف على نحو بالغ الوضوح، سواء أكان ذلك في المنهج أو في الرؤية أو في المقدمات التي تشرح مسوّغات التأليف الموسوعي ودوافعه. فقد

ص: 316

كُتب تاريخ النجف بأقلام أهلها ولعل هذا الأمر لا يكون مزيّة بل هو علة العلل. إذ يبدو المؤرخون النجفيون للنجف حريصين الحرص كله على حفظ كنوز النجف عبر التاريخ، على توثيق المدينة بركام هائل من المعلومات والأخبار والشذرات والأشعار والأقوال المأثورة. ومع أن النجف أنجبت ثقافة علمانية في حدود معينة، لم تحظَ تأرختها بمحاولة علمانية واسعة تنظر إلى المدينة في بعدها الدنيوي، وفي تفاصيل عن واقعها المعيشي في مستواه الشعبي. إن نظرة إلى المراجع الأساسية التي أرخت للمدينة تبيّن لنا جملة من تسويغات التأليف الموسوعية التي تتعلق إجمالاً بالوفاء للمدينة. ففي كتاب ماضي النجف وحاضرها يصرّح الشيخ جعفر باقر آل محبوبة، في مقدمته للجزء الأول، بأن الوفاء لبلده (يقصد مدينته النجف) وحبّه له يقف دافعاً وراء تأليف موسوعته تلك، ويجد تسويغ ذلك بمأثور نبوي يقول«حب الوطن من الإيمان»و«من إيمان الرجل حبّه لقومه»(1). كما أنه يحرص على تكرار هذا السبب في مواضع أخرى وأجزاء أخرى من موسوعته أي إن ما يقوم به هو تأدية قصارى الجهد من أجل بلده الأقدس(2). أما جعفر الدجيلي، جامع موسوعة النجف الأشرف فقد فعل الشيء نفسه في موسوعته حين أدلى باعتراف مؤداه أنه لم يأتِ بشيء جديد، وأنه قام بدور الجماعة، بل واعتذر عن صياغة تاريخ جديد للنجف بسبب عِظَم المشقة وشحة الوقت(3)، وقال إن مشروعه جاء خدمة مقدسة للإمام علي بن أبي طالب(4). أما موسوعة المفصل للدكتور حسن الحكيم ففيها حرص أيضاً على أن يكون عمله الضخم خدمة للمدينة وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكذلك تحقيقاً لأمنية العلّامة محمد جواد مغنية حين تمنّى أن يقرأ كتاباً عن النجف يتناول سيرتها في ألف عام(5).

ولكن،لماذا كانت مشاريع الكتابة التاريخية عن النجف مشاريع موسوعية؟ ولماذا أصر بعض المؤرخين على تقديم النجف في مشاريع ضخمة تعتمد على جمع كل شاردة وواردة عن النجف؟ ولماذا تعامل المؤرخون مع مدينة النجف بوصفها رمزاً

ص: 317


1- ينظر: محبوبة، جعفر، ماضي النجف وحاضرها ، ج 1 ، ص 1-2.
2- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج2، صفحة ه_ .
3- ينظر: الدجيلي، موسوعة النجف الأشرف، ج 1، ص 9.
4- ينظر: المصدر السابق نفسه، ج5، ص7.
5- ينظر: الحكيم، المفصل في تاريخ النجف الأشرف، ج5، ص5، ج 6، ص 4.

إلى الحد الذي أغفلوا فيه حقيقتها مدينة واقعية حيّة؟ أليست النجف جزءاً من الحياة أيضاً، مثلما هي جزء من التاريخ ؟ ولماذا كان ثمة حرص على إظهار مكانة النجف باعتبارها رمزاً لطائفة وعقيدة؟ لقد افترض مثل هذا المقترب الخاص لمدينة ذات طاقة رمزية ضخمة مثل النجف أنها تقع خارج التاريخ، ولذلك يجب تأبيدها عبر موسوعات ضخمة هي في النهاية حشد عظيم من الأخبار والمعلومات التي تخص المدينة. لكن هذا المقترب ينطوي على عجز في التواصل مع المدينة باعتبارها مدينة داخل التاريخ ومدينة تتمتع بواقع ثر يوازي تاريخها العريق، فالكتابة التاريخية مشروع للتواصل، أو إنه يجب أن يكون مشروعاً لتأسيس التواصل، أكثر من كونه مشروعاً لتعزيز التقديس. لقد أحال التأليف الموسوعيُّ النجف إلى مدينة تاريخية، والباحثون يجهدون في رسم ملامحها من خلال رصد دقيق وتتبع تفصيلي لما تحمله المظان التاريخية عنها؛ وبذلك أغفلوا جانبها الواقعي الحي، وقطعوا صلة ماضيها بحاضرها. فالنجف مدينة نشأت وما زالت هي هي، لم تنطمس لتظهر على أنقاضها مدينة جديدة وإن بالاسم نفسه. فقبل ألف عام ونيف، حين جاءها الشيخ الطوسي وطلبته، كانت النجف مركزاً من نوع ما للشيعة، واستمرت مداً وجزراً مركزاً مهماً للعالم الشيعي رغم انقطاعات تاريخية لم تثلم هيبتها التاريخية. أما الكوفة التاريخية فهي غيرها الكوفة الحديثة والمعاصرة. لقد اختفت الكوفة التاريخية وحلّت محلّها كوفة جديدة لا تحمل من الكوفة التاريخية غير اسمها. وتلك حقيقة كان نبه عليها هشام جعيط في كتابه المهم الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية(1)لكن النظرة للنجف في الموسوعات مدينة تقع خارج التاريخ جعل الكتابة عنها عُرضة للأسطرة، وجعل السرد الذي يتناولها عُرضةً لأن يدخل حدّ ،الخيال، وكان ذلك كلّه ثمرة من ثمار تصوّر المؤرخين الموسوعيين لمدينتهم.

من المؤكد أن دوافع مهمة كانت تؤسس لهذا النمط من الكتابة التاريخية الموسوعية عن مدينة النجف، ولعل أهمها العامل السياسي. إن نموذجي التأليف الموسوعي عن النجف، التأليفي والتجميعي يبينان أن المدينة كانت تعبّر عن دفاعها عن نفسها بمثل هذه الموسوعات. لقد تعرّضت المدينةُ إلى محاولات طمس وهجمات

ص: 318


1- ينظر: هشام جعيط، الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية، دار الطليعة، بيروت، ط2، 1993م، 344-342.

وتاريخها ودورها. إن التحيز ضد مدينة النجف، سياسياً وطائفياً، أمر يكمن في صلب أي مشروع موسوعي للكتابة التاريخية عن النجف. فهذه الموسوعات كانت حصوناً تقف ضدّ أيّ محاولات لتغييب المدينة. لقد كان هاجس طمس المدينة يلازم مؤرخين كانت الغيرةُ على المدينة أول دافع لاهتمامهم بالكتابة التاريخية الموسوعية عن النجف. ومن هنا كان الهمّ الأول هم وجود المدينة واستمراريتها أمام تاريخ ثقيل من الظلم والاضطهاد والقمع العنيف. كانت النجف تقول، من خلال التأليف الموسوعي، إنها موجودة رغم كلّ شيء، وإنها ستظل مدينة مهمّة رغم غَمَرات القمع الدكتاتوري، إنه نوع من إثبات الذات ونوع من وسائل الدفاع. ولو ركزنا على النموذج التجميعي خاصة في موسوعة جعفر الدجيلي لوجدنا أنه نموذج عنيد لا يمارسه إلّا من يكون وجوده مهدّداً، وتراثه نهباً للضياع، ومن اللافت أن هذه الموسوعة انتهت بصدور جزئها الأخير، الثاني والعشرين،في العام 2003م، عام سقوط الدكتاتورية.

كان تعزيز مركزية النجف عاصمةً للعالم الإسلامي الشيعي دافعاً آخر سعى إلى تأكيده المؤرخون الموسوعيون للنجف. لقد انشغل المؤرخون بمهمة الحفاظ على قداسة المدينة ومركزيتها عبر مشاريع موسوعية ضخمة تريد أن تضمن للمدينة استمرارية مركزيتها أمام إمكانية صعود مراكز جديدة في العالم الإسلامي الشيعي. فالنجف تتعرض على الدوام لهجمات شرسة. غير أننا في الوقت الراهن في وضع يتيح لنا طرح أسئلة جديدة عن دورها التاريخي في حياتنا، وعن صلة ماضيها بحاضرها،وعمّا يمكن أن تقدمه مركزيتُها وعلومها وحتى هالتها للحياة الجديدة. وأحسب أننا مقبلون على معالجات جديدة قد لا تسمح بتبني النهج الموسوعي في التأليف عن المدينة، بل النهج النقدي المعتمد على فعالية العقل وقواه التحليلية. وهذا ما نحن بحاجة إليه الآن بعد أن صار الوضع السياسي يضمن إلى حد كبير حرية التفكير، وما علينا سوى التخلّي عن مزيد من تعزيز ما هو قائم من منهجية في البحث إلى إنعاش الحس النقدي وإعادة التفكير في دور هذه المدينة في حياتنا وفي دفعها نحو مزيد من التغيير المطلوب في عالمنا المتجدد كل لحظة.

إذا تأملنا الظروف التي تعيشها النجف بعد سقوط الدكتاتورية في العام 2003، فإننا يمكن أن نحدد جملة من العوائق التي ما زالت تحول دون تأسيس كتابة تاريخية

ص: 319

موسوعية عن المدينة ولعل أولَ هذه العوائق هو انغلاق نموذج الكتابة التاريخية الموسوعية عن النجف. فلقد صار تقليداً قوياً أن ينزع التأليف الموسوعي عن النجف إلى التراكم الكمّي للمعلومات أكثر من التحليل، وأن تغيب عنه الخلاصات الفكرية التي تنطمس تحت ركام هائل من النصوص التي تُستجلب من مظان متنوعة وكثيرة لأغراض التوثيق والتمجيد سواء بسواء. ولكسر هذا التقليد في الكتابة الموسوعية، لا بدّ من دربة جديدة تشيع بين المؤرخين الجدد والأساتذة المتخصصين في حقل التاريخ، ولا بدّ من إعادة التفكير مرة أخرى في معنى المنهجية التي يُكتب بها تاريخ مدينة النجف. والأمر الثاني هو أن المؤسسات الجامعية لا تعنى بالتأليف الموسوعي، بل هي منشغلة بموضوعات كانت من المسكوت عنه أيام الدكتاتورية،وثبت الأطروحات الجامعية لجامعة الكوفة على سبيل المثال يبيّن ابتعاد المؤسسة الأكاديمية عن موضوع التأليف الموسوعي عن النجف. ولذلك لم تتوفر بيئة النجف، أو غير بيئة النجف، على مؤرخين تلقوا تدريباً خاصاً في مثل هذا النمط من التأليف. أما العائق الثالث فهو يتعلّق بطبيعة المؤرخ نفسه. ومن المهم التنويه دائماً بالحاجة إلى وجود مؤرّخ غير نجفي، أو بالأحرى مؤرّخ الانجفي ، ليس لديه نزعات دينية تنطلق في كتابة التاريخ من منطلق خدمة المدينة، بل من منطلق كتابة تاريخ يتخلّص من الانحياز قدر الإمكان، ومن الأحكام المسبقة قدر الإمكان، ومن نزعة التمجيد قدر الإمكان، بما أن هذه كلها نزعات رافقت التأليف الموسوعي عن النجف أيام الدكتاتورية، وبما أن الحال تغيّر جذريّاً، فإننا ما زلنا نترقب ظهور جيل من المؤرخين بلا نزعات وانحيازات.

ومع ذلك، لقد صاحب نزعة التأليف الموسوعي لاشعور مسوّع في نظري، ولكنه ليس بمنأى عن النقد. إذ ثمة قلق طاغ على جوهر المدينة، علومها وتاريخها، تراثها، قلق رأى في المحافظة على تراثها المهمة الأولى، ولا مهمة غيرها تتمتع بالأولوية. فالمحافظة على تراث النجف محافظة على وجودها الجوهري، وعلى رمزيتها، وأسسها التي تتهدّدها تقلبات الأوضاع السياسية، والقمع العنيف، والتحيز الطائفي ضدّها. وقد تتخطّى هذه النزعة التأليف الموسوعي إلى التأليف غير الموسوعي،فعلى سبيل المثال،يعلن الشيخ محمد كاظم الطريحي بوضوح، في كتابه النجف الأشرف مدينة العلم والعمران،ن كتابه ينبع من اهتمام بالتراث الذي هو«الوفاء للذات المقدسة للأمة»، وأن كتابه عن النجف هو«تدوين تاريخ المدينة

ص: 320

المقدسة في حُلّة جديدة تصطبغ بأنوار الحقيقة»(1). مع ذلك، بلور نمط الكتابة التاريخية هذا إطاراً جامداً وضعت فيه النجف كصورة متحفية. ولم تعد الصيغة التجميعية بقادرة على الإجابة عن الأسئلة الراهنة عن النجف تاريخاً وواقعاً، عن النجف مدينة حيّةً ومتحركة. إذ لم يعد سورُها مُضمَتاً أمام التفكير الحرّ، ولم يعد لونُها واحداً، مُصْمتاً كسورها. والإطار التجميعي لم يعد معبّراً عن روحها المتوثبة، الحيوية التي تضاهي معتقدها الاجتهادي المتحرك عبر التاريخ.ولم تدخل النجف في وضع نقدي يطول علومها، ووضعها الحضاري وحتى مركزيتها. ولم تجرّب أي نمط من«النقدية»التي تعيد التفكير في ثوابتها من جديد، بل كانت لا تعيد التفكير في القضايا الأساسية التي تبنى عليها الأسس الفكرية والعقيدية، فهي على الدوام تعيد إنتاج النسخة نفسها من النجف، وإذا ما بدا أنها تتناول بجدية بعض القضايا فإنها إما سرعان ما تنكص عنها، مثلما هو حال كتاب النائيني«تنزيه الملة»، أو أن يكون إعادة التفكير مجرد صقل لما هو موجود وعتيق.

خاتمة

لقد باتت النقلةُ مطلوبة أكثر من أي وقت آخر، النقلة من التاريخ الذي به «تجدد العبر والزواجر وتتخلّد المناقب والمآثر »(2)إلى تاريخ يقطع الصلة بالعبرة والمنقبة ليقيم صلة بمشروع التفكير في الهوية والتحوّل. والكتب الموسوعية وغير الموسوعية المترعة بالمعلومات لمحبوبة والحكيم والدجيلي والخليلي والخاقاني والجبوري والطريحي، وفّرت المادة التاريخية اللازمة لعمل مؤرّخ آخر لا يكون همه اقتناص الشوارد ولا التنقيب في بطون الكتب عن أخبار النجف، بل البحث عن النجف في هذه الأخبار التي يمكن القول إن مرحلة جمعها تتطلب مرحلة تحليلها. نحن بحاجة إلى بحث في هوية المدينة وتحوّلها وإمكان تحوّلها من جديد في ظل الظروف المتبدّلة وفي ظلّ سُنّة التاريخ التي لا تقاوم: التحوّل.إن ماضي النجف وحاضرها يصوغان، لا شكّ، مستقبلها، ولكن كيف يمكن النظر إلى هذا المستقبل من الآن؟ ومَنْ هذا الذي

ص: 321


1- ينظر الطريحي، محمد كاظم النجف الأشرف مدينة العلم والعمران، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2002م، ص6.
2- محبوبة،ماضي النجف وحاضرها، ج 1، ص 1.

سيدخره الوضع المعرفي لحياة النجف ليقوم باستشراف تحوّل النجف اللاحق من خلال ما تحياه الآن وما مرت به من تاريخ،مَنْ سيؤرّخ للنجف باعتبارها مدينة تقود التحوّل ولا تقيّده، ترفض الحدود ولا ترسمها، لا تكتفي بالدولة المأمولة، كما يقترح الباحث محمد سعيد الطريحي(1)، بل تتعداها مدينةً أكبر من الدولة لأن مواطنيها،وليس رعاياها،يعيشون وراء تخومها الجغرافية، مدينة بلا حدود .

إن كتابة تاريخيةً جديدة عن النجف هي أمر مطلوب للغوص في تراث المدينة من جديد، وكما قلتُ، نحن ما زلنا بانتظار مؤرّخ«لانجفي»، وليس فقط مؤرّخاً «غيرَ نجفي»، يرشدنا إلى معرفة جديدة لماضي المدينة وحاضرها ومستقبلها. ثمة أيضاً جرأة مطلوبة تتيحها أوضاع الحرية النسبية المتاحة الآن بعد سقوط الدكتاتورية، هذه الجرأة ف تتكفل بوضع النجف في التاريخ، وليس خارجه، وبنقدها ونقد الصراع القائم فيها، على تملكها،والتكلّم باسمها. ثمة، الآن، فرصة تاريخية حقيقية لدراسة النجف مدينة عالمية معاصرة. إن البحث يتطلب بنقده نموذج الكتابة التاريخية عن مدينة النجف مهمة جديدة تتوخى نموذجاً جديداً في كتابة التاريخ، وتحدّد الحاجة إلى إعادة توجيه أساسية لنموذج الكتابة التاريخية المهيمن. إذن، ثمّة مسار جديد بات مطلوباً ليلم تراث النجف من أجل نقده، لا تمجيده وتخليده حسب. وهذا ما سوف يضمن تأثيراً أكبر لهذه المدينة في الحياة المعاصرة.

ص: 322


1- ينظر: محمد سعيد الطريحي،دولة النجف، 2004م.

الجزء الثالث:التطورات المعاصرة

اشارة

ص: 323

ص: 324

الشيوعية في مدينة النجف : قصة صعود وسقوط

اشارة

حركة علمانية بين عامي 1918 و 1963م

د. فؤاد جابر كاظم الزرفي

ملخص

الشيوعية هي أيديولوجية علمانية، تتميز بنظرتها الإلحادية الظاهرة. لكن المفارقة، أن الشيوعية أصبحت الأيديولوجية الأكثر رواجاً في النجف، وهي المدينة التي تُعدّ واحدة من أكبر المراكز الفكرية في العالم الشيعي خلال النصف الأول من القرن العشرين. هذه الظاهرة، بالطبع، تثير السؤال التالي: كيف تمكنت مثل هكذا عقيدة علمانية من أن تصبح سائدة في مجتمع مسلم تقليدي ومحافظ ؟ إن هذا السؤال يختزن في جوهره أسئلة أخرى عديدة بخصوص التراجع غير الاعتيادي في موقع المرجعية، المؤسسة الدينية الشيعية، وضعف سلطة العلماء.

هذه الورقة تحاول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال تفحص مسيرة الحركة الشيوعية في النجف. الورقة تقدم قصة الشيوعيين في المدينة منذ انطلاق خلاياهم الأولى في الأعوام المبكرة من القرن العشرين وحتى انقلاب البعث الأول في عام 1963م. سيقوم البحث باستكشاف العوامل التي تكمن خلف المواجهة بين الحزب الشيوعي العراقي والمرجعية الشيعية للسيد محسن الحكيم في نهاية الخمسينيات وما تلاه من مصير مأساوي لهذه الحركة العلمانية الصريحة.

الشيوعية في العالم الإسلامي

مثلت الماركسية واحدة من أكثر الأيديولوجيات المثيرة للجدل في العالم. لقد قوى

ص: 325

النصر غير المتوقع للثورة البلشفية في روسيا في العام 1917م شعبية الحركات اليسارية. ولقد أصبح الانتصار الظاهر لهذه الأيديولوجية الصاعدة مثالاً جذاباً خصوصاً للمثقفين الراديكاليين في دول العالم الثالث لنيل الاستقلال السياسي، وتحقيق التطور الاقتصادي والصناعي(1).

لقد شهد العراق في الفترة بين العشرينيات والخمسينيات من القرن الماضي تحديين رئيسيين: تراجع لا سابق له في دور الدين بين العراقيين، خصوصاً المجتمع الشيعي وصعود ظاهر في شعبية الأيديولوجيات العلمانية. وعلى الرغم من حقيقة أن مثل هذا الاتجاه يمكن ملاحظته في أجزاء أخرى من العالم في الفترة ذاتها، فإن المجتمع الشيعي العراقي يقدم من دون شك حالة فريدة للدراسة.

حتى بدايات الخمسينيات من القرن الماضي، جرى تصوير الإسلام على أنه «غير متوافق مع الشيوعية المادية والإلحادية». وعلى أساس ما دعي «نظرية حاجز الإسلام» فإن الشيوعية، وفق هذه المحاججة، لم يكن لها أي حظ من النجاح في العالم الإسلامي بسبب كون غالبية المسلمين يعتنقون دينهم بإخلاص(2). لكن وبعد النجاح البارز للشيوعية في العالم الإسلامي، فقد تمّ طرح محاججة معاكسة تماماً، والتي تمّ وفقاً لها، تصور رابطة قريبة بين الإسلام والشيوعية، لأن كليهما، شمولي في مفاهيمه، ومن هنا الجاذبية للمسلمين الثوريين للتحول إلى أيديولوجية أخرى تبرر الحكم الشمولي العلماني(3).

الدين والشيوعية : الشيعة والسنة في المنظور

على الرغم من حقيقة أن أغلب الجماعات الإثنية في العراق قد تلقت بترحاب

ص: 326


1- انظر على سبيل المثال: Brown, A, The Rise and Fall of Communism, Vintage Books, London, 2010, pp.117-134; Emerson, R, From Empire to Nation: The Rise to Self-Assertion of Asian and African Peoples, 1970, pp.372-373; Kautsky, J. H, Communism and the Politics of Development, Persistent Myths and Changing Behavior, New York, 1968, pp.172-183
2- انظر: Laqueur, W, Z, Communism and Nationalism in the Middle East, London, 1956, p.5
3- المصدر السابق، الصفحة نفسها.

الشيوعية، فإن نجاح هذه العقيدة في المجتمع الشيعي كان استثنائياً. علاوة على ذلك، فإن الشيوعية كانت أكثر نجاحاً في المناطق ذات الأغلبية الشيعية بالمقارنة مع المناطق السنية في العراق. لقد تصورت المجتمعات الشيعية والسنية في العراق، العقيدة الشيوعية ، إلى حد كبير،بصور متعارضة .

فبالنسبة إلى الأغلبية من السُّنة في العراق، فقد صورت الشيوعية كأيديولوجية غريبة كانت في خصام مع الإسلام(1). وعلى العكس، فقد قوبلت القومية العربية، بالتهليل وجرى الترحيب بها، كما أن الإسلام قد صور على أنه جزء أساس من هذه الأيديولوجية القومية. لكن الأمر كان مختلفاً بالنسبة للمجتمع الشيعي. ولذلك، فقد رأى كثير من الشيعة في الشيوعية أملاً جديداً بالخلاص في غياب أي تغيير سياسي حقيقي. لكن هذا لا يعني القول بأي حال، بأن هذه التصورات المختلفة بخصوص الشيوعية كانت مقتصرة على الشيعة والسُّنة فحسب فقط عقائدهما المختلفة بسبب ولكن أيضاً بسبب عوامل أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية مترابطة.

ذلك أنه نظراً لكون السنة كانوا القوة المتحكمة في النظام السياسي العراقي ولكون الشيوعية في المعارضة، لذلك فقد وجد الشباب الشيعي في الشيوعية التجسيد المثالي للتعبير عن مطالبهم. لقد استنتج بطاطو بحق أن «من بين ستة عشر قيادياً شيوعياً في تلك الفترة، فإن خمسة كانوا يتحدرون من الأقلية المسيحية وأربعة آخرين من الطائفة الشيعية، وهي الأكثر عدداً ولكنها الأقل تمثيلاً سياسياً. وهذا يحمل المعنى الضمني بأن الاستبعاد من قبل النظام الموجود ليس بالضرورة للأفراد أنفسهم ولكن لجماعتهم الدينية عموماً من بعض الأدوار أو المكاسب ربما يشكل عاملاً في ميلهم للشيوعية»(2). لهذا يمكن

ص: 327


1- بينما كانت النجف الأشرف تضم ثاني أكبر عدد من الشيوعيين بعد بغداد بين 1952 و1953م فإنه لم يكن هنالك أي شيوعي في منطقة الفلوجة السُّنية. وقد نقل بدر شاكر السياب، الذي عمل في الرمادي والفلوجة بين عامي 1948 - 1949م بأنه لم يقابل أي شخص من المنطقة ممن يعرف أي شيء عن الشيوعية أو الماركسية عن النجف الأشرف انظر: Batatu, H, The Old Social Classes and the Revolutionary Movements of Iraq, Princeton University Press, 1978, p.752. وقارن بالفلوجة، السياب بدر شاكر كنت شيوعياً، دار ،الجمل ،بغداد ،2007م، ص 110.
2- انظر، بطاطو، المصدر السابق نفسه، ص 422. لقد وجه نقد لبطاطو لعدم تقديمه تفسيراً معمقاً لهذه الظاهرة.انظر بهذا الخصوص : Daniel, N, <

للشخص أن يشير إلى تشابك بين الانقسام الطائفي في العراق والتهميش السياسي. لقد أورد السير تروتبيك في العام 1953م، بأن عدم الاستقرار الناتج عن الظرف الاجتماعي في العراق يزداد سوءاً بشكل كبير بسبب العلاقات غير المرضية والموجودة بین السُّنة والشيعة، وأنه ليس مصادفة أن تسعين في المئة من الشيوعيين في العراق هم من الشيعة»(1).

إن تعرف الشباب الشيعي إلى الأدبيات الشيوعية كان عاملاً أساسياً وكان هذا بالخصوص واضحاً في حالة النجف. وبينما أكد رحيم عجينة أهمية الجذب الفكري للايديولوجية الشيوعية فإنه يعترف بأهمية تأريخ النجف خصوصاً ميراث المقاومة ضد العثمانيين والإنكليز على حد سواء، مشكلاً اتجاهه السياسي الذي تعمق بشكل تدريجي من خلال الكتابات الشيوعية لاسيما تلك التي كانت تطبع وتوزع في النجف(2). ويبدو أن الكتابات الشيوعية المحملة بالمفاهيم المعادية للاستعمار قد شکلت سبباً رئيسياً في انضمام الشباب الشيعي للحركة الشيوعية.

الشيوعية في العراق: قنوات التأثير

انتقلت الأفكار الشيوعية إلى العراق عبر طريقين: إيران المجاورة وفيما بعد عن طريق مصر ودول بلاد الشام. وعلى ما يبدو فإن التأثيرات الإيرانية، في ما يخص حالة المدن الشيعية المقدسة، كانت أكبر في حجمها وقوتها.

لقد اعتقد البولشفيك مباشرة بعد انتصار ثورة أكتوبر (تشرين الأول) في 1917م،بأن أرض إيران كانت منطقة جاهزة لنشر العقيدة البلشفية. وهكذا، فقد بدأوا بحصاد ثمرة جهودهم،حين أسست الخلايا الأولى بعد ذلك بفترة قصيرة، مستفيدين من

ص: 328


1- انظر: EQ 1016/32, No.108, Confidential, June 29 1953, to W, Churchill
2- رحيم عجينة، الاختيار المتجدد، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1998م،ص 13 - 14. عجينة كان عضواً قيادياً رفيعاً في الحزب الشيوعي العراقي.

الذكريات الثورية العالقة في الأذهان للثورة الدستورية لعام 1906 - 1909م والاستياء الواسع للسكان بسبب وجود القوات الأجنبية على الأراضي الإيرانية خلال الحرب العالمية الأولى(1).

لقد وصلت الأخبار والتقارير عن الثورة البلشفية إلى النجف وكربلاء في مرحلة مبكرة جداً. فخلال انتفاضة النجف للعام 1918 كانت هناك قصة عن شخص نجفي اعتاد حمل علم أحمر كل يوم، وهو يصيح عالياً : عاشت البلشفية، عاش البلاشفة. علاوة على ذلك، فإن محمد عبد الحسين، وهو صحفي نجفي نشط، كان قد عاد إلى مدينته في العام 1918م بعد زيارة إلى إيران قد ساهم في نشر الأفكار الاشتراكية. لقد وجدت هذه الأفكار مجالاً في صحيفته الفرات، كذلك قام المحامي النجفي عبد الرزاق عدوة، بكتابة تأبين لكارل ماركس، باعتباره«واحداً من أعظم الرجال، الذين وهبوا حياتهم لانتصار الاشتراكية، والذي ضحى بكل شيء حتى أقام الاشتراكية العلمية»(2).

لقد شهدت الفترة ذاتها مواجهة عنيفة بين علماء الشيعة في العراق والبريطانيين. وغالباً ما وصف البريطانيون بعض العلماء بالبلشفيين. وفي الحقيقة فإن الإشارات البريطانية الأولى التي تربط العلماء الشيعة في إيران والعراق بالبلشفية، يجب أن ينظر لها في ضوء الشعارات والرموز التي استخدمت من قبل الثوار ضد البريطانيين(3).

ص: 329


1- انظر: Zabih, S, The Communist Movement in Iran, Berkley and Los Angles,1966. pp.1-26
2- في العدد الأول من صحيفته الفرات قدم عبد الحسين تعريفاً للبلشفية، موضحاً كيف أن هذه الدعوة سوف تحقق نجاحها على أرض معينة حيث يعاني الناس اليائسون نتيجة ظروفهم الأخلاقية والاجتماعية. وقد كتب عبد الحسين لاحقاً عن معنى المساواة فى الشيوعية وكيف تطور هذا المفهوم على يد مفكرين أمثال روبرت أوين في إنكلترا وهنري دي سان سيمون وشارلس فوريبه في فرنسا انظر فياض عامر حسن، جذور الفكر الاشتراكي والتقدمي في العراق 1920 - 1934 بيروت، 1980م، ص 116 - 117 - 121 - 135 ، 136
3- انظر: Sir P. Cox (Tehran) to Earl Curzon. No.268 Telegraphic; No.427.Sir P.Cox (Tehran). to Earl Curzon.No.269, Telegraphic FO, No.426. لاحظ أيضاً، بطاطو، مصدر سبق ذكره، ص390، المظفر، كاظم ثورة العراق التحررية عام 1920، النجف، 1972م، ص 106 - 111.

علاوة على ذلك، فإن البلاشفة، على ما يبدو، قدموا عرضاً لمساعدة الثوار العراقيين، لكن العلماء رفضوا قبول هذه العروض(1).

لقد كان واضحاً أن الأدبيات الشيوعية كانت توزع باللغتين العربية والفارسية في النجف وكربلاء. ويروي الشاعر محمد مهدي الجواهري، بأنه كان على اطلاع على الأدبيات الماركسية في النجف خلال 1918م حتى قبل ناشطي بغداد أمثال حسين جميل، حسين الرحال وغيرهما الكثير ممن أصبحوا ماركسيين في مرحلة لاحقة(2).

كذلك وجدت الأدبيات الماركسية طريقها إلى النجف من خلال مصر وبلدان الهلال الخصيب في سنوات مبكرة من العشرينيات فلقد كتبت وترجمت الكتب والكراريس الماركسية الأولى في مصر، ومن ثم تلقاها الشبان المثقفون في سورية،لبنان، فلسطين والعراق. وقد قام فرح أنطون، شبلي شميل،نقولا حداد وسلامة موسى بنشر الشيوعية بين المتلقين العرب وأثروا على متلقيهم في البلدان العربية(3).

كما لاحظنا سابقاً، فإن الكتابات الشيوعية وجدت طريقها إلى العراق من خلال الإيرانيين القاطنين في المدن المقدسة. فعلى سبيل المثال، فإن العديد من الصحف الشيوعية، التي تم مصادرتها في كربلاء من بعض الإيرانيين القاطنين في أواخر العشرينيات كانت قد طبعت أصلاً في إيران. وفي النجف، فإن المطبوعات والكتابات الشيوعية قد وصلت أيدي الأشخاص الناطقين بالفارسية.

لقد كان حزب توده الإيراني مصدراً رئيساً آخر لنقل الأفكار الشيوعية إلى العراق خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات، حيث أبدى البريطانيون والأمريكان قلقهم بخصوصنشاطات أعضاء توده،من الذين اعتادوا زيارة المدن المقدسة في كربلاء والنجف(4). إن مهدي هاشم هو المثال الأبرز على التأثير الإيراني، حيث يُعدّ هاشم

ص: 330


1- انظر بخصوص هذه النقطة: Ismail, T, Y, The Communist Movement in the Arab World, London, 2005, p.12
2- شعبان،عبد الحسين الجواهري، جدل الشعر والحياة، بيروت، 1997م، ص 177.
3- حنا،عبد الله،الاتجاهات الفكرية في سورية ولبنان 1920 - 1945 ،دمشق، 1973م، ص128 - 131؛ فیاض،عامر،مصدر سبق ذكره، ص 98.
4- Confidential security information, BD 28, DAF, Baghdad-Iraq, 21 March 1953; secret (4) security information BD 30, Baghdad-Iraq, 28 March 1953

- وفقاً لبطاطو - عضواً مؤسساً للحزب الشيوعي العراقي لقد ولد هاشم في النجف في 1908م وهو يتحدر من عائلة متوسطة الحال. وقد كان أبوه فلاحاً إيرانياً، تحول إلى سلك رجال الدين ربما تحت تأثير قراءة الصحف الشيوعية باللغة الفارسية ومهدي هاشم نفسه والذي نفي من العراق إلى إيران بسبب نشاطاته الشيوعية، قد عمق إيمانه الشيوعي من خلال التحاقه بالحركة الشيوعية الإيرانية في 1929م، من خلال العمل باللجنة المركزية لحزب توده في 1949م(1).

وعلى ما يبدو فإن المجموعات الشيوعية كانت أكثر نشاطاً في جنوب العراق مقارنة بالمدن الأخرى، باستثناء بغداد. لقد لقيت الأفكار اليسارية رواجاً في المناطق الجنوبية في بداية العشرينيات وذلك لسببين الانتشار الواسع لمشاعر السخط، والاستبعاد والظلم بين سكان الشيعة، ووجود الأدبيات الشيوعية وتوفرها(2). ومن المؤكد، فإن خليطاً من عدم الرضا والتهميش التي استشعرها الشباب الشيعي، في مواجهة نظام سياسي تتحكم به أقلية نخبوبة، وشيوخ أثرياء وملاك الأراضي، ربما ساهم في دفع هذا الشباب إلى الحركة الشيوعية. لقد كتب مهدي هاشم، بعد إسقاط الحكومة لجنسيته العراقية في 1927م، مقالاً خلال وجوده في منفاه في إيران في صحيفة مردم ،الإيرانية مشيرا إلى أن السلك الدبلوماسي العراقي لا يوجد فيه إلا شخصان شيعيان فقط... وإن من بين ثمانين ضابطاً رفيعاً في الجيش العراق، فإن هناك ثلاثة فقط من عوائل شيعية، بينما يشكل أبناء العوائل الشيعية تسعين في المئة من جنود الجيش العراقي». علاوة على ذلك - وفقاً لبطاطو - فإن حصار النجف في العام 1918م، كان تجربة مؤثرة في حياة مهدي هاشم. ويشير هاشم بأنه لاحقاً، أصبحت الشيوعية، بالنسبة له تعني له الكره للاحتلال الأجنبي»(3).

لقد وجد النشطاء الشيوعيون وكذلك المجموعات الأولى ملجأ لهم في الحزب الوطني العراقي، الذي أسسه جعفر أبو التمن في 1922م، وذلك لأن الحكومة

ص: 331


1- فیاض عامر، مصدر سبق ذكره، ص 125 هامش 125. مثال آخر على وجود التأثير الإيراني هو حسن عباس الكرباس ( وهو إيراني الأصل، انظر بطاطو، حنا، مصدر سبق ذكره، ص 419 - 422 - 423.
2- الحوماني، محمد علي العروبة من يسمع ؟ بغداد، 1952م، ص25.
3- بطاطو، حنا مصدر سبق ذكره، ص 422 - 423.

العراقية اعتبرت الانتساب إلى الشيوعية جريمة وذلك بسبب ضغط سلطات الانتداب البريطاني(1).

تأسس الحزب الشيوعي العراقي في العام 1934م وذلك عد محاولات عدة متفرقة. ونتيجة المهارات القيادية ليوسف سلمان يوسف (فهد) . وهو مسيحي من مدينة الناصرية في جنوب العراق - فقد نجح الحزب الشيوعي في مد خلاياه لتغطي أغلب المدن والمناطق العراقية. وبفضل الحماس الذي أظهرته مختلف الشرائح العراقية تجاه الحزب الشيوعي ، فقد حصل الأخير على ثناء مشجع خصوصاً من قبل المجموعات الإثنية الصغيرة كاليهود والمسيحيين وغيرهم، وكذلك أولئك الذين عانوا الاستبعاد داخل النظام السياسي العراقي مثل الشيعة على كل حال، فإنه وبسبب الخط السياسي المتشدد الذي أظهرته الحكومة تجاه الشيوعيين وكذلك لعدم وجود طبقة عمالية منظمة، فإن عضوية الحزب كانت مقصورة على عدد قليل من الناس ذوي التعليم الجيد. في 1940م،«بدأ الحزب بطبع نشرته الشرارة، والتي احتذت مطبوعة لينين التي تحمل الاسم ذاته. ولقد كان توزيع النشرة بداية بحدود تسعين نسخة، ولكن في العام 1942م، وبعد حصول الحزب على مطبعته الخاصة، فقد زاد توزيع النشرة إلى ألفي نسخة»(2).

ماركس في النجف

كانت واحدة من المحاولات المبكرة لتأسيس حزب شيوعي بقيادة كل

ص: 332


1- يوسف سلمان يوسف (فهد) والذي سيصبح لاحقاً أول سكرتير للحزب الشيوعي العراقي، بدأ حياته السياسية كعضو في الحزب الوطني العراقي. ولاحقاً، أطلق فهد من السجن كحال العديد من زملائه الشيوعيين بواسطة جعفر أبو التمن لاحظ التميمي، خالد محمد جعفر أبو التمن دراسة في الزعامة السياسية العراقية، لندن، 1996م، ص 166 - 402 403، 419 - 423؛ الملاح، عبد الغني، تأريخ الحركة الديمقراطية في العراق، بغداد، 1975م، ص 135 - 140؛ فیاض، عامر ، مصدر سابق، ص192؛ بطاطو، حنا، مصدر سابق، ص 429 - 430 . وصف أبو التمن من قبل البعض بأنه كان شيوعياً، انظر على سبيل المثال، أبو طبيخ ، محسن، المبادئ والرجال ،دمشق 1938م، مطبعة ابن زيدون، ص 42 - 43 - 44 - 51.
2- Ismail, T. Y, The Rise and Fall of the Communist Party of Iraq, Cambridge University Press, (2) 2007, p.27. أعيد إصدار الشرارة في النجف مرة أخرى بعد سقوط صدام حسين في 2003م.

من علي الشبيبي ومرتضى فرج الله . لقد أسس الاثنان منظمة غير حزبية ولكن بغايات شيوعية في كربلاء في 1930م.إن أهمية هذه المحاولة، التي كانت تهدف للدفاع عن حقوق العمال والفلاحين هي أنها استطاعت تهيئة الأرض لظهور الحزب الشيوعي العراقي في النجف. وكان الشبيبي وفرج الله قد أسسا أيضاً في العام 1935م لجنة مكافحة الاستعمار، وهي أيضاً كانت واجهة تنظيمية للشيوعية في العراق قبل ذلك، وربما في محاولة لنشر الرسالة الشيوعية، قام علي الشبيبي بتكليف كاظم كيشوان، وهو معلم نجفي، لإصدار مجلة(المثل العليا)، في النجف في العام 1941م وهي واحدة من المجلات الشيوعية، التي لم يستمر إصدارها طويلاً. لقد كانت(المثل العليا) في النجف و (المجلة) في بغداد من بين أكثر الأدبيات الشيوعية قراءة وشعبية في العراق ومن المؤكد فإن إصدار مجلة شيوعية في النجف في تلك المرحلة المبكرة يؤشر لاهتمام كبير بالأفكار الشيوعية في الدوائر الشيعية بالخصوص(1).بعد ذلك بفترة قصيرة تأسست رسمياً أول خلية شيوعية في النجف في العام 1942م.

لعبت عائلة الشبيبي دوراً رئيسياً في نشر الشيوعية في تلك المدينة الصغيرة. لقد عمل حسين محمد الشبيبي النجفي الذي أصبح عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، والذي كان قد تأثر بأفكار معلمه كامل قزانجي، بشكل جدي مع فهد لنشر الشيوعية، وكان الشبيبي هو العقل وراء إنشاء أول خلية في المدينة في العام 1942م(2).وقد استطاع الشبيبي، والذي كان مسلحاً بمهارات الإقناع، في جذب أعضاء جدد حتى من الوسط الحوزوي. فبحسب حسين مروة، وهو المفكر والقيادي الماركسي في الحزب الشيوعي اللبناني، والذي كان ما يزال آنذاك قريباً من أوساط الدرس الحوزوي، فإن حسين محمد الشبيبي هو الذي عرفه على كتاب البيان الشيوعي. لقد قلب هذا

ص: 333


1- الشبيبي،محمد علي،من كتابات والدي الراحل علي محمد الشبيبي، موقع صوت العراق،بتاريخ 2009/3/13م، سباهي، عزيز، عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي، دمشق - 2003م، ج2، ص 212 و 229.
2- عن دور عائلة الشبيبي،انظر سباهي، عزيز، مصدر سبق ذكره ، ج2 ، ص 133، الشبيبي، محمد علي، حسين محمد الشبيبي، أديب، ثائر شهيد مجلة الثقافة الجديدة، ع4 يوليو (تموز) 1969م، ص218-227.

الكتاب حياة مروة رأساً على عقب محولاً إياه من رجل دين شيعي ورع إلى مثقف ماركسي صريح(1).

الشيوعيون وعلماء الشيعة الصراع على كسب الأتباع

إن التفسير الظاهر لنجاح الحزب الشيوعي العراقي يكمن في قدرته على استيعاب الأفكار الإسلامية ضمن خطابه المحلي. فحتى خصوم الشيوعية الأشداء، أعجبوا بهذه الأيديولوجية، مشيرين إلى قيمها الإنسانية من دون أن تكون خاضعة لأي دين معين. فقد اعترف الشيخ محمد مهدي الخالصي في منفاه في إيران بأن البلشفية كانت رائجة بين الإيرانيين في بداية العشرينيات ومنتصفها. وقد نسب الخالصي هذا الانجذاب إلى الخصائص المتشابهة بين البلشفية والإسلام وعلى الرغم من انتقاده للشيوعية لتجاهلها الدين، فإن الخالصي أثنى على نزعتها المكافحة من أجل المساواة، وإلغاء شرور القومية، واحترامها للبشر بغض النظر عن أصولهم القومية(2). لذلك ليس غريباً، أن يميل الحزب الشيوعي العراقي على الأقل في المرحلة المبكرة الأولى، إلى تأكيد عدم تعارض قيمه مع القيم الإسلامية، ما مكن المتدينين الشيعة وعامة الناس من أن يصبحوا شيوعيين وشيعة في الوقت ذاته.

من دون شك، وفرت الشيوعية،للشباب الشيعي النشط سياسياً، إحساساً جديداً من الحماس العلماني المتحدي، بعد فشل علماء الشيعة في حل تناقضات النظام السياسي العراقي فمن خلال تأكيدها على الجوانب السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، برزت الحركة الشيوعية في العراق باعتبارها الأداة الأكثر قدرة على معالجة متطلبات الناس الحقيقية. وهذا،بدوره يفسر نجاح الحزب الشيوعي العراقي

ص: 334


1- Naef, S, "Shi'i-Shuyu'i or How to Become a Communist in a Holy City" (pp.255-267) in Brunner, R. Ende, W, The Twelver Shia in Modern Times. Religious Culture and Political History, Leiden, 2002. انظر ،شعبان عبد الحسين مصدر سبق ذكره، ص 84 - 86 .
2- الغراوي، عبد الكريم (محرر) الإمام الخالصي ومناظراته بدون تاريخ ومكان طبع)، ص38، لاحظ ناقد شيعي آخر بأن كثيراً من الشباب قد اعتنقوا الشيوعية بشكل رئيسي لأنها تنبع من المبادئ الإسلامية نفسها، أو ببساطة لعلاقتها الحسنة مع الإسلام، انظر الطيب حسين محمد، الشيوعية والإسلام، مجلة العدل الإسلامي، النجف الأشرف ع 6 ، 1949م، ص 161 - 164 .

في جذب عناصر له من أسر دينية معروفة. إن الأيديولوجية الماركسية، المعبأة بدعوات العدالة والمساواة والمبادئ الثورية، قد وجدت ترحيباً حماسياً من قبل الشباب المتعلم الشيعي خصوصاً في أوساط الشعراء والأشخاص المتحمسين. لقد أعاد الشاعر الجواهري، الذي كان قد تخلى عن عمامته قبل ذلك، التذكير مراراً بالمواضيع الشيوعية الأكثر رواجاً مثل المساواة وإعادة توزيع الثروة من خلال قصائده. وقد وجه بعنف نقده الصارم إلى علماء الشيعة، واصفاً إياهم،بالمجموعة الرجعية، حيث يماثل جمعهم الأموال الخمس موقف السرقة من الناس العاملين بجد،والذين نجدهم يقفون على أبواب العلماء بانتظار الحصول على حصتهم من هذه الأموال(1).

الشيعة الشيوعيون وتوظيف التشيع

لقد وظف الشيوعيون في المناطق الشيعية كلاً من التقاليد الشيعية ومعتقداتهم لتتوافق مع أيديولوجيتهم السياسية. فعلى سبيل المثال، أدرك الشيوعيون في النجف أهمية استخدام الطقوس الشيعية كوسيلة لجذب الناس. ولذا فقد وظفوا عاشوراء لنشر الصورة البطولية للشيوعيين كأنصار للإمام الحسين. وقد اعتاد الشيوعيون الشيعة خلال فترة منتصف الخمسينيات على تنظيم مواكبهم الخاصة خصوصاً من بين الطلبة والمعلمين في يوم العاشر من محرم. لقد تلقى النجفيون هذا الموكب بحماس كبير وأثنوا عليه(2).

فيما يخص العقائد الدينية والسياسية، فإن الشيوعية والتشيع كلاهما يؤكد على العدالة والمساواة للجميع. إن الحلم الأرضي بإعادة توزيع الثروة بين البشر في كل من الشيوعية والتشيع يمثل صفة مشتركة. وعلى غرار التشيع، الذي يقدم الأمل للبشر المضطهدين بحكم العالم مرة أخرى بعد قلع جذور العدوان والطغيان، فإن الشيوعية أيضاً تلبي هذا الأمل من خلال تأكيدها على نموذج المجتمع اللاطبقي، حيث يشترك البشر بالثروة بغض النظر عن تراتبية الوضع الاجتماعي. ومن الواضح، فإن منظري الشيوعية قد أعادوا استخدام فكرة الصراع الطبقي كسلاح ضد النخبة الحاكمة البغدادية وذلك من أجل

ص: 335


1- المفرجي، عدي حاتم، النجف الأشرف وحركة التيار الإصلاحي -1908 - 1933، دار القارئ العربي، 2005م، ص 153.
2- عجينة، رحیم، مصدر سبق ذكره.

تحريك الفلاحين والعمال. لذلك لم يكن غريباً، أن تنتشر بعد ثورة تموز 1958م، الأفكار الشيوعية بين المجتمع العراقي، وخصوصاً في المناطق الشيعية، حيث لن تكون هناك حاجة للقوانين، أو التعاليم والأنظمة حيث سيتمتع البشر بالثروة بشكل مشترك(1).

وهكذا، فإن الرموز الشيعية كانت جزءاً لا يتجزأ من منظومة عمل الناشطين والشعراء الشيوعيين الشيعة، والذين استخدموا عن قصد هذه الرموز من أجل الدفاع عن أيديولوجيتهم السياسية. إن الرموز الشيعية مثل الإمام علي، والإمام الحسين وأبي ذر الغفاري كانت دائماً موضع إعجاب باعتبارهم الأبطال المثاليين للصراع الثور وكذلك وظفت من قبل الشعراء والكتاب الشيوعيين لنشر الرسالة الثورية(2). باختصار، فإن الشيوعية العراقية أصبحت تقريباً تنويعاً من تشيع علماني. وسواء عن سابق تصميم أو بشكل عفوي، فإن مزيجاً من مشاعر المظلومية الشيعية عميقة الجذور ورموز ومواضيع شيعية شعبية، قد دعمت شعبية الحزب الشيوعي العراقي، جاعلة إياه البديل الأكثر مصداقية على الساحة السياسية العراقية.

ص: 336


1- انظر: 2001 ,Farouk-Sluglett M. and Sluglett, P, Iraq since 1958, London, IB Tauris إن هذه الفكرة نفس تعيد صياغة الاعتقاد الشيعي حول العدالة المنتظرة والتي سيتم تحقيقها على يد الإمام الغائب. فالأحاديث الشيعية تؤكد بأن الإمام المنتظر سينشر العدل والمساواة في العالم كما نشر الظلم والعدوان من قبل (سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً). إن البعد المسياني الانتظاري أيضاً يجلب الانتباه إلى التشابهات بين الشيوعية والمسيحية. انظر بهذا الخصوص على سبيل المثال: D'Arcy, M, Communism and Christianity, London, 1956, p.6
2- انظر بخصوص هذه النقطة : Richard, Y, Shi'a Islam, Polity, Ideology and Creed. Blackwell,Oxford, 1995, p.112; Chabry, L. and Chabry, A, Politique et minorités au Proche-Orient, les raisons d'une explosion, Paris, 1984, pp.156-9; Munson, H, Jr, Islam and Revolution in the Middle East, New York-1988, p.26. يصوّر مظفر النواب، وهو شاعر شيوعي معروف بنبرته الحادة والثورية الإمام علي عن قصد كأب مؤسس للشيوعية. وبينما يخاطب النواب الإمام علي باعتباره معلم الشيوعيين فإنه يدين أتباعه الشيعة لموقفهم المتخاذل: ل__و جئ__ت الآن يا م__ولاي *** لقاتل__ك الداع__ون إلي__ك وس__موك ش__يوعياً انظر النواب مظفر الأعمال الكاملة (بدون تأريخ ومكان طبع)، ص 332.

صعود الشيوعيين في النجف

الطلاب

بين عامي 1941 و 1945م ، زاد الحزب الشيوعي العراقي من عضويته بين والعمال وحتى بين الفلاحين(1). لكن واحدة من السمات التي ميزت تأريخ الحزب الشيوعي العراقي، هو ذلك الاتجاه للانقسام بين ذلك الاتجاه للانقسام بين القادة المتنافسين، مما أضعف وحدة الحزب. وهكذا، فإن الانقسامات قد ضربت الحزب بين 1942 و 1944م بسبب نزاعات شخصية وفي بعض الأحيان بسبب خلافات نظرية بسيطة، برغم أن فهد استطاع في النهاية جمع الأطراف المتصارعة تحت قيادته بفضل جهده الشخصي ونموذجه الكاريزماتي(2).

واجه الحزب ضربة شديدة وسط ذلك النجاح الظاهر عندما أعدمت الحكومة العراقية ثلاثة من عناصره المؤسسة بعد عامين من السجن: يوسف سلمان يوسف (فهد)، حسين الشبيبي (صارم) وزكي محمد بسيم (حازم) في فبراير/ شباط 1949م. إن صدمة هذه الحادثة، قد خلفت،أثراً إيجابياً على كل حال، على الكثير من العراقيين،الذين أصبحوا ينظرون الآن إلى الشيوعيين كشهداء. وكان هذا واضحاً بالخصوص بالنسبة للشيعة، ومن ضمنهم العلماء، الذين نظروا بتقدير إلى هؤلاء الشيوعيين(3).

لقد حصلت الحركة الشيوعية على مساندة كبيرة من النجفيين في أواخر الأربعينيات وفي بداية الخمسينيات. وعلى الرغم من أنه لا تتوفر أرقام مؤكدة، فإن النجف كانت تأتي بالمرتبة الثانية بعد بغداد من ناحية عدد الأعضاء المنتسبين إلى الحزب. فبالإضافة إلى الطلاب،الذين كانوا يمثلون على الأرجح الجماعة الأكبر

ص: 337


1- Marr, P, The Modern History of Iraq, Boulder, Colorado, Westview Press, 2004, pp.59-60; .Elliot, M, Independent Iraq, ibid, p.44
2- انظر : 33-87.Ismail, ibid, pp
3- الشبيبي،محمد علي،حسين محمد الشبيبي،مصدر سبق ذكره، ص 218 - 227 نقل بأن والد الشبيبي اعتبر مأساة الإمام الحسين هي الإمام الحسين هي الرمز المثالي لكل الشهداء وبضمنهم ولده حسين بدلاً من ،إضعافه، فإن الحزب الشيوعي العراقي قد جذب أتباعاً جدداً خصوصاً من الأوساط الشيعية. مقابلة مع السيد محمد بحر العلوم لندن - 11 - 01 - 2003. وانظر أيضاً:إبراهيم، باقر، مذكرات باقر ،إبراهيم ،بيروت، دار الطليعة، ص24. Farouk-Sluglett and Sluglett, Iraq since 1958, ibid, pp.41-42.

ضمن صفوف الحزب، فإن الحزب نجح في كسب مجموعة مهمة جداً في المدينة، تلك هي طبقة عمال الحياكة. لقد ضمت هذه المجموعة ما لا يقل عن بضعة آلاف ممن كانوا يتركزون في طرف الحويش من المدينة(1). لقد تمتع الشيوعيون في هذا الجزء من المدينة بدعم وحماية سيد علي السيد سلمان، والذي كان هو نفسه شيوعياً. إضافة إلى ذلك، فإن الحزب وسع من عضويته لتغطي المناطق الريفية في الكوفة، مستفيداً من مساندة الفلاحين الكبيرة(2).

وعلى ما يبدو، فإن فرع الحزب الشيوعي في النجف، كان أنشط فروع الحزب وأقلها تأثراً بالانقسام الذي ضرب الحزب في نهاية العام 1952م. لقد ظهر هذا الفرع الذي كان يحمل اسم (راية الشغيلة)خلال فترة الخلاف هذه وكأنه القوة المحركة ليس في منطقة الفرات الاوسط فحسب، بل في عموم العراق وكان هذا يعود إلى حقيقة الترابط الاجتماعي القوي الذي كان يربط بين مكوناته والى العمل الدؤوب لحسين الرضي (سلام عادل)، الذي سرعان ما ترقى ليصبح في قيادة فرع منطقة الفرات الأوسط(3). لقد أثنى بهاء الدين نوري، والذي حلّ في قيادة الحزب بدلا عن فهد، على قوة الشيوعيين في النجف في منتصف الخمسينيات. وبحسب نوري، فإن الحزب الشيوعي في كركوك، وهي المدينة التي كان يفترض أن تضم أكبر الطبقات العاملة في العراق، بسبب وجود الصناعة النفطية فيها، ومن ثم أكثر الشيوعيين نشاطاً، كانت ضعيفة بالمقارنة مع المدن المقدسة كالنجف والكاظمية وكربلاء(4).

لقد واصل الحزب نشر رسالته من خلال تأسيس حركة أنصار السلام في العام 1949م. ولقد كان الهدف الرئيس من وراء تأسيس هذه المنظمة هو كسب قلوب المثقفين والرموز المستقلة وغير المنتمية. ولقد نجحت هذه المنظمة بكسب رموز مهمة تضم من بين

ص: 338


1- انظر بطاطو، حنا، مصدر سبق ذكره، ص.752 القزويني، جودت، عز الدين الجزائري،رائد الحركة الإسلامية في العراق، دار الرافدين، الطبعة الأولى 2005، ص 293-294، شکر، کاظم محمد،النجف الأشرف، رجال وأفكار ومواقف(غير مطبوع)، ج 2، ص 77.
2- إبراهيم،باقر ،مذکرات،مصدر سبق ذكره، ص 19 وص 28.
3- مديرية الأمن العامة في الجمهورية العراقية، الحركة الشيوعية في العراق 1949 - 1958، ج 1، بغداد، 1966 ، ص 17 - 33 ، إبراهيم ،باقر، مصدر سابق، ص 52.
4- نوري،بهاء الدين ،مذکرات،دار الحكمة - لندن، 2001 ص 97.

عناصرها شعراء مثل محمد مهدي الجواهري ومحمد صالح بحر العلوم إلى علماء دين مثل الشيخ عبد الكريم الماشطة، ومحمد الشبيبي وكثير غيرهم(1).

لقد ظهر الحزب الشيوعي في منتصف الخمسينيات كحركة قوية ومنظمة جيداً في تاريخ العراق تحت قيادة سلام عادل كان حسین أحمد الموسوي، والمشهور باسمه الحركي سلام عادل معلماً نجفياً ينتمي إلى عائلة من السادة(2). وكان عادل خطيباً قديراً وكاتباً، وكان يملك حماساً وإخلاصاً شديدين لحزبه. ويبدو أن عادل قد مازج بين خلفيته الدينية الشيعية وبين عقيدته الثورية الجديدة. ففي معرض رده على تحذير والده من وحشية أعدائه،دافع عادل عن عدالة قضيته مقارناً إياها عن قصد بقضية الإمام الحسين(3). لقد استطاع عادل ليس توحيد الجماعات الشيوعية المتنافسة فحسب تحت قيادته الشخصية، ولكنه قدم أيضاً اتجاهاً نظرياً وبرنامجاً أكثر عملياً للحزب نفسه. فقد جعل عادل الحزب أكثر عراقية وأقل تأثراً بالسوفيات مع تعديلات بخصوص اتجاهاته العربية(4).

لقد كان واضحاً أن كلاً من الشيوعيين والقوميين يتنافسون لضم الشباب الشيعي القضيتهم خصوصاً من خلال توظيف التقاليد والرموز الشيعية. وبينما كانت النزعة العلمانية والمعادية للشيعة للأدبيات القومية العربية خلال فترة الثلاثينيات قد جعلت الشيعة أقل حماساً للحركة القومية وأكثر انجذاباً للحزب الشوعي العراقي، فإن التحول الجديد للقوميين باتجاه الإسلام سوف يغير الميزان لصالحه خصوصاً بمساعدة

ص: 339


1- انظر : 67.Agwani, M, S, Communism in the Arab East, London, 1969, p
2- يشير معظم الكتاب إلى عادل باسمه الحركي الرضي.في الحقيقة، فإن سلام عادل كان معجباً بالشريف الرضي، الشاعر العربي، الذي عاش في العصر العباسي، ولذلك فإن الارتباط بين اسمي الاثنين يتمحور حول ترديد الأول لشعر الثاني. انظر بهذا الخصوص، ناجي يوسف ثمينة وخالد ،نزار سلام عادل سيرة مناضل دار المدى، دمشق، الطبعة الأولى، 2001م، ج1، ص26. قارن مع : Franzen, J, Red Star over Iraq, Iraqi Communism before Saddam, Hurst, London, 2011, p.90; Batatu, ibid, pp.712
3- مقابلة مع ابن عم سلام عادل، سيد علاء الموسوي، لندن 2011/12/6م . لمعلومات مفصلة وجيدة عن سلام عادل انظر ناجي ،يوسف ثمينة وخالد نزار سلام، عادل، مصدر سابق، ج 1، ص 17 - 50.
4- أصبح ممكناً السير بالاتجاه الجديد بفضل السياسات السوفياتية الجديدة والتي حاولت تقوية علاقاتها مع الأقطار العربية لا سيما مصر بعد انتهاج ناصر لسياسته العربية القومية.

المرجعية الشيعية. فقد حكى شخص من أقارب المرجع الشيعي في النجف، بأن من الواضح أن الشيوعية قد استطاعت خلال تلك السنين تدمير تقاليدنا حيث انضم أفراد عائلتنا إلى الحزب الشيوعي، مما أغضب عائلتنا جميعاً»(1). لقد بدا واضحاً أن من علماء الشيعة كان لديهم وجهة نظر بأن البعبع الشيوعي كان ينوي تدمير الإسلام، وأن هذه الفكرة قد عجلت وبررت تدخلهم في الصراع الجاري بين القوميين الشيوعيين.

الشيوعية في مقابل القومية العربية: حرب كسب القلوب والعقول

لم يمثل القوميون العرب أي تهديد حقيقي للشيوعية في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. فوفقاً للجزائري، كان سبعون في المئة من الطلاب الذي يدرسون في مدارس النجف الإعدادية متعاطفين مع الاتجاه الشيوعي، وأقل من ثلاثة بالمئة ساندوا الحركة القومية ولم يكن هناك ولو صوت واحد يدافع عن الإسلام كأيديولوجية سياسية(2). ولذلك ليس غريباً، أن تفشل محاولات عدة قام بها غالباً القوميون العرب لمواجهة الحضور الشيوعي النشط. وفي النجف نفسها، قام أعضاء من حزب الاستقلال القومي بشن حملة دينية - سياسية، كانت تهدف لإضعاف نفوذ النشاط الشيوعي في النجف. ويبدو أن فتوى الشيخ محمد حسین کاشف الغطاء التي صدرت في 27 مايو (أيار) 1948م، والقاضية بتحريم نشاطات الحزب الشيوعي، كانت أول محاولة للحد من التأثير المتزايد الانتشار للشيوعية. وقد جاء في نص الفتوى بأن «العقيدة الشيوعية هي عقيدة مدمرة... وتمثل تحدياً لكل العقائد الدينية، وإن اعتناقها إثم وذنب عظیم»(3). ليس واضحاً إن كان صدور الفتوى تمّ بدافع سياسي لدعم القوميين العرب في صراعهم مع الشيوعيين في النجف. لكن، مع الأخذ بنظر الاعتبار حقيقة أن الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء كان هو نفسه متعاطفاً مع القوميين العرب، لذا يبدو أن الفتوى كانت منسجمة مع أفكاره (4).مع ذلك، فإن الناشطين القوميين رحبوا بالفتوى داعين المسلمين

ص: 340


1- الحكيم،صاحب ، الشيوعية والدين الإسلامي النجف الأشرف، 1959م، ص3.
2- القزويني، جودت، عز الدين الجزائري، سابق، ص 249 و290.
3- الفياض، مقدام ، تأريخ النجف السياسي 1941 - 1958، 2000م، ص 45.
4- See: Appendix, No. 16, Confidential, Leading Personalities in Iraq, No.154.No.86. Muhammad (4) Hussain al Kashif al-Ghita FO 481/4; Stansgate Papers, St/274/3.p.1.personalities in Iraq. انظر أيضاً: كاشف الغطاء، محمد حسين، المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون، بيروت 1980م، ص 20 - 37. باري، عبد الله الميثاق العربي الوطني، النجف الأشرف، 1939م، انظر بالخصوص المقدمة بقلم عبد الحليم نجل كاشف الغطاء، ص 19 - 30.

للوقوف ضد«الشيوعيين المنحرفين ومطالبين بالتضامن لقلع الشبح الشيوعي»(1). ومن أجل نشر الأفكار القومية، فقد شجع الناشطون القوميون الكتابات المعادية للشيوعية من خلال المجلات القريبة للقوميين مثل «العدل الإسلامي» و «البيان» و «الغري»وغيرها من التنظيمات المتعاطفة مع القوميين على كل حال،فإن فتوى الشيخ كاشف الغطاء، مرت بهدوء، من دون أن تسبب أي مشكلة جدية لصعود الحزب الشيوعي العراقي، والذي وصل على ما يبدو إلى مستوى غير مسبوق(2).

لقد قام كل من الشيوعيين والقوميين بحملات لتشويه صورة الطرف الآخر،من أجل كسب قلوب وعقول المناصرين من الشيعة.ولهذا الغرض، فإن كلا الطرفين قام بعناية بتوظيف الرموز الدينية والروايات التاريخية، التي عرضت بشكل يناسب آراءه السياسية - الدينية. فعلى سبيل المثال، اتهم الشيوعيون القوميين العرب ، بأنهم معادون لأهل البيت وموالون للأمويين. ولأن القوميين العرب اعتادوا على تمجيد الفترة الأموية، معتبرين إياها الدولة العربية المثالية، فإن الشيوعيين،استثمروا هذا الموضوع لإثبات دعواهم بين الشيعة. إن الشيوعيين عموماً والشيعة منهم تحديداً، قد نظروا إلى السلالة الأموية باعتبارها واحدة من أكثر الأسر فساداً في تأريخ الإسلام. إن هذه النظرة تثبت أيضاً المناقشة أعلاه بأن الشيوعيين الشيعة في العراق، غالباً ما ربطوا فهمهم للشيوعية بتقاليدهم المحلية وخلفياتهم بشكل يناسب قضيتهم.

من جهة أخرى، فإن القوميين العرب في العراق،قد اعتادوا على تصوير الشيوعية كحركة شعوبية، مليئة بالكراهية للعرب تعمل بالنيابة عن الصهاينة، والفرس

ص: 341


1- الفياض، مقدام، تأريخ النجف السياسي، سبق ذكره، ص45 بالمثل فقد أصدر السيد جعفر بحر العلوم في نوفمبر (تشرين الثاني) 1948م فتوى مماثلة، دعا فيها المسلمين في كل البلدان لصدّ هذه العقيدة المدمرة (الشيوعية)بكل الوسائل.
2- يشير مارسينكوفسكي بشكل خاطئ إلى أن فتوى كاشف الغطاء قد صدرت في العام 1960م. في الواقع فإن كاشف الغطاء توفي في العام 1954م وفتواه قد أُعيد توزيعها مرة أخرى بين عامي 1959 - 1960م خلال حملة المواجهة مع الحزب الشيوعي العراقي. انظر: Marcinkowski, M, I, Religion and Politics in Iraq, Singapore, 2004, pp. 43-44.

وأمثالهم(1).يصف سلمان الصفواني، وهو شيعي قومي، الشيوعيين كشعوبيين، وعملاء أجانب وليسوا وطنيين، منتقداً إياهم لدفاعهم عن قضية اليهود(2). إن مصطلح الشعوبية، قد استخدم لاحقاً، ليطبق بشكل يعني تحديداً الشيوعيين من أصل إيراني. يجادل الدجيلي،بأن هؤلاء الشيوعيين يحاولون بكل ما يستطيعون تشويه صورة العرب بسبب حقيقة أن العرب قد حطموا الإمبراطورية الفارسية، ولذا فإن الفرس لم ينسوا ما حدث في معارك ذي قار والقادسية»(3).

بل لقد ذهب بعض الشيعة القوميين إلى حدّ تبني وجهة نظر القوميين التي تعتبر العهد الأموي المثال الذي يُحتذى لعظمة العرب والأمويين كمدافعين حقيقيين عن العروبة في وجه مؤامرات الشعوبيين التي قادها أعداء العرب، لاسيما الفرس. ففي معرض دفاعه عن الأمويين، يصور العجلي، تأريخ العرب تحت حكمهم بقوله: «كانت أروع ،صفحة عندما تقدمت العروبة إلى الإمام تحت قيادة الأمويين... إن الحكم الأموي هو عهد العظمة القومية الناصعة والأصيلة وعهد السيادة العربية العظيمة... أعتقد بأن القومية العربية قد وصلت إلى قمتها تحت حكم الأمويين»(4).

ص: 342


1- الشعوبية هي مصطلح ازدرائي يشير إلى الحركة الأدبية والفكرية التي ظهرت خلال نهاية العهد الأموي وبدايات العهد العباسي، داعية إلى المساواة للجميع وبضمنهم غير العرب، كما إنها أدانت العرب لما يعتقدونه بتفوقهم على الشعوب الأخرى. انظر على سبيل المثال، أمين، أحمد، ضحى الإسلام، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة،(دون تاریخ)، ج 1، ص 49 - 78. ولانعكاسات مفهوم الشيوعية في العصر الحديث، انظر: H. and G. H. Gardner, "Al-Shu'ubiyyah Up-Dated: A Study of the 20th Century Revival of an Eighth Century Concept", Middle East Journal, Vol. 20, No.3 (Summer, 1966), pp.335-351.
2- كانت وجهة نظر الصفواني أن التطهير يجب أن يجري أولا قبل التحرير (التطهير قبل التحرير) وذلك من أجل تخليص البلد من العناصر الخائنة - الشيوعيين في هذه الحالة - قبل إكمال التحرير. انظر الصفواني ،سلمان هذه الشعوبية بغداد 1954م، ص 3 - 6 و 8 - 9 و ص 23 . الصفواني، وهو القومي المتطرف، يتحدر أصلاً من الأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية. وقد أكمل تعليمه الحوزوي الأول بالاشتراك مع فاضل الجمالي(أصبح رئيساً لوزراء العراق لاحقاً) ومحمد مهدي كبة (أصبح وزيراً وزعيماً لحزب الاستقلال القومي لاحقاً)في الكاظمية على يد الشيخ مهدي الخالصي.
3- الدجيلي، عبد الكريم الشعوبية وشعراؤها، بغداد 1948م، ص4 - 7.
4- العجلي،معن،دروس ،قومية ، ج 1 ، النجف الأشرف 1949م، ص 20 - 21.

إن هذا الموقف التصالحي الذي أظهره القوميون الشيعة أعطى الشيوعيين الشيعة فرصة ثمينة لإظهار تعاطفهم تجاه التشيع على العكس من القوميين الذين ظهروا خونة، لا ولاء لهم(1).

إن هذه الحرب الدعائية كانت تستهدف الشيعة الذين كانوا منقسمين بشكل رئيسي بين القوميين والشيوعيين. لقد حاولت كل مجموعة عرض التاريخ العربي والإسلامي من خلال منظارها لحسابات أيديولوجية وأهداف سياسية مجردة ويمكن تفهم ذلك الجدل بأنه كان موجهاً إلى علماء الشيعة في محاولة لكسب دعمهم.

لقد قام القوميون العرب، مدفوعين بخوف الجذب المتنامي للحزب الشوعي العراقي،بمحاولة أخرى للتقرب من علماء الشيعة لكسب الصراع السياسي. فقد قامت مجموعة من القوميين في العام 1953م بزيارة السيد الحكيم في داره على أمل إقناعه باتخاذ موقف حازم ضد الحزب الشيوعي وبر وبرغم أنه صرح بأنه سيقف ضد أي مجموعة ملحدة، فقد رفض السيد الحكيم إصدار فتوى ضد الحزب الشيوعي، مخيباً تلك الجهود التي حاولت جرّ العلماء في هذا الاتجاه(2). والسيد الحكيم، الذي كان على علم بامتداد التسلل الشيوعي إلى أفراد عائلته القريبة، ربما كان غير راغب في التدخل في هذا الصدام السياسي والأيديولوجي للأفكار والمصالح(3).

ومع تنامي الخطر الشيوعي في العالم، خصوصاً بالنسبة لأمريكا والكتلة الغربية خلال فترة الحرب الباردة، فقد رأى كل من السفير الأمريكي والسفير البريطاني في بغداد التعاون مع التنظيمات الإسلامية والعلماء كوسيلة فعالة لصدّ الخطر الشيوعي في العراق.وخلال زيارتهما النجف في العام 1953م،قام السفيران بمقابلة العديد من العلماء. وقد رغب السفيران في التعاون، في الوقت الذي نظر فيه إلى محمد حسين كاشف الغطاء باعتباره أكثر خصوم الشيوعية صلابة. لكن من الغرابة بمكان،أن كاشف الغطاء لم ينأ بنفسه عن إصدار فتوى أخرى فحسب، بل إنه ألقى باللوم على البريطانيين

ص: 343


1- شکر، کاظم محمد، مصدر سابق، ص79 - 80.
2- شکر،کاظم محمد ،سابق، ص 80 - 81.
3- سباهي، عبد العزيز،عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي،سابق، ج2، ص 319 القزويني ،جودت،عز الدين سابق، ص 255 - 256.

والأمريكان لانتشار الشيوعية بين العراقيين. وقد تمت مفاتحة كاشف الغطاء مرة أخرى في العام 1954م، عندما أرسلت له دعوة لحضور مؤتمر قام بتنظيمه الأمريكان. وقد حضر المؤتمر، الذي عقد في لبنان، علماء مسيحيون ومسلمون، حيث تم مناقشة التحديات التي تواجه كلاً من المسيحية والإسلام، لا سيما«العدو الشيوعي المتصور». لكن كاشف الغطاء الذي رفض الدعوة، وضع أفكاره في كراس، حيث حاجج فيه، بأن«خطر الشيوعية لا يمكن صده من دون تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية، من خلال قلع جذور الظلم والعدوان وقمع شرور الشره لامتلاك حقوق الآخرين». وبحسب كاشف الغطاء، فإن الشيوعية لم تغز بلداً عربياً، كما لم تسيطر على أي أرض أو ثروة. إننا نلومكم أنتم (الإنكليز) بسبب الحرب الباردة والتغلغل الشيوعي في كل قطر من أقطارنا وبضمنها النجف»(1). إن كاشف الغطاء،يردد هنا ليس فقط الأفكار القومية ولكنه يظهر أيضاً موقفاً متسامحاً تجاه الشيوعيين.وربما كان كاشف الغطاء يحاول تخفيف الاتهامات الموجهة للشيوعيين، لأنه أدرك وزنهم السياسي في العراق بصورة عامة ووجودهم في النجف خصوصاً بعد دورهم المميز في التظاهرات الوطنية العراقية في عامي 1948 و 1952م. لقد ظهر الحزب الشيوعي العراقي خلال الخمسينيات باعتباره الحزب الأكثر تنظيماً والأكثر جماهيرية في العراق امتداداً إلى ثورة يوليو (تموز) 1958م.

النجف، عبد الكريم قاسم، والربيع الشيوعي

في 14 يوليو (تموز) 1958م، أسقط انقلاب عسكري الحكم الملكي. لقد دفع هذا الانقلاب بالحزب الشيوعي إلى الواجهة الأمامية.إن عبد الكريم قاسم، الذي أظهر أول الأمر أفكاراً إصلاحية وليس ثورية، وكان قريباً من الحزب الوطني العراقي والاتجاه الوطني العراقي وليس الحزب الشيوعي، عدل من اتجاهه بعد وقوع الخلاف مع عبد السلام عارف.فبسبب خسارته دعم العناصر العسكرية والقومية القريبة منه، بداية عارف ومن ثم الجماعات القومية بعد حركة الموصل في مارس (آذار) 1959م، فقد غير قاسم حركته بشكل هادئ نحو الحزب الشيوعي لضمان دعم الأخير لنظامه الجمهوري الجديد وعلى الرغم من حقيقة أن العلاقة بين قاسم والحزب الشيوعي

ص: 344


1- کاشف الغطاء، محمد حسين،المثل العليا في الاسلام،سبق ذكره،ص 17 - 20.

كانت نوعاً من«الزواج المؤقت»، فإن الطرفين كانا يحملان إلى حد ما مصالح سياسية وتوجهات ايديولوجية مشتركة(1).

لقد تبين أن الموقف القوي للحزب الشيوعي قد ترك أثره على مسيرة قاسم السياسية على المستويين الداخلي والخارجي. وكان واضحاً، أن التغييرات الداخلية في العراق كانت مصحوبة بتحولات ثورية في شؤون العراق الخارجية من اتجاه أيديولوجي إلى نقيضه. وقد ظهر هذا واضحاً في تحول العراق نحو الكتلة الشيوعية وإنشاء علاقات الاتحاد السوفيتي. كما تعزز ذلك بقرار قاسم بالانسحاب من حلف بغداد. وقد أدت هاتان الخطوتان إلى تعديل ليس اتجاه العراق من المحور الغربي (الولايات المتحدة وبريطانيا)فحسب بل التأثير في سياساته الإقليمية، خصوصاً العلاقة مع إيران وتركية إن هذين البلدين،الذين كانا يعدان صديقين قويين وحلفاء باعتبارهما أعضاء في حلف بغداد،قد توجسا من التحول العراقي الجديد نحو السوفيات والتنامي في النشاط الشيوعي.

على الصعيد الداخلي،فرض الحزب الشيوعي أيضاً تأثيره من خلال القرارات والإجراءات التي اتخذها قاسم. ففي سبتمبر (أيلول) 1958م، وكجزء من برنامجه الإصلاحي الجديد، قدم قاسم قانون الإصلاح الزراعي. وبحسب هذا القانون، فقد تم فرض سقف لملكية الأراضي الزراعية مع«حد أعلى للملكية الشخصية في الأراضي، تحت أي عنوان حملت،إلى ألف دونم في الأراضي المروية بطريقة السقي، وألفي دونم في الأراضي المروية بمياه الأمطار»(2). وعلى الرغم من حقيقة أن هذا الإصلاح جاء بتأثير الأشخاص الإصلاحيين وليس الثوريين وربما كان مصمماً لإضعاف التأثير الشيوعي في أوساط الفلاحين العراقيين، فإنه قاد في النهاية إلى تحقيق تطلعات الشيوعيين العراقيين(3). وكما

ص: 345


1- انظر: FO 371/140896, Confidential, No.9, Annual Report, 1958, British Embassy, Baghdad, January 29, 1959; FÒ 371/149839, Confidential, No. 1, Annual Report, 1959, British Embassy, Baghdad, January 1, 1960; Farouk-Sluglett Sluglett, ibid, p.54; Agwani, M. S, ibid, p.117
2- انظر: Gabbay, R, Communism and Agrarian Reform in Iraq, Croom Helm, London,1978, p.109
3- انظر: FO 371/140918, Confidential, British Embassy, Baghdad to Sir Roger Stevens, London, July 2, 1959; Gabbay, R, ibid, pp. إن العقل الذي يقف خلف الإصلاح الزراعي هو محمد حديد، مستشار قاسم الشخصي قبل الثورة وقد صار بعد ذلك وزيراً للمالية في حكم قاسم.

كان متوقعاً، فإن قرار الإصلاح أثار عدم الرضا بين شيوخ القبائل الكبار الشيعة والسنة والكرد. وقد عبر شيوخ العشائر السنية (خصوصاً شمر)بشكل صريح عن سخطهم من خلال اضطرابات الموصل في مارس (آذار) 1959م. كما فعل الأكراد الشيء ذاته عندما التحقوا بانتفاضة البارازاني المسلحة في 1960م(1). بالمقارنة مع المناطق الشمالية، بدت المناطق الشيعية أقل تأثراً بقانون الإصلاح لأن الأراضي التي تم مصادرتها كانت صغيرة ومحدودة نسبياً. في الواقع، فإن قانون الإصلاح، لم يسبب مشاكل كبيرة في المناطق الشيعية كالنجف ومناطق أخرى باستثناء منطقة الكوت في المنطقة الجنوبية حيث توجد الإقطاعيات الكبرى.في كربلاء(النجف كانت تشكل جزءاً من كربلاء)، على سبيل المثال، تم مصادرة 1635 دونماً وتم إعادة توزيعها على خمسة وثمانين مستفيد(2). وهذا ربما يفسر الموقف المعتدل الذي اتخذه علماء النجف تجاه قاسم على عكس نظرائهم في إيران. فمبادرة الإصلاح الزراعي في العراق لم تهدد المصالح المادية لعلماء الشيعة في البلد مقارنة بالعلماء في إيران الذين كانوا يمتلكون أراضي كبيرة(3). على كل حال، فإن هذا الموقف المعتدل لعلماء النجف، يمكن تفسيره بشكل أساس بحقيقة أن مساهمة ملاك الأراضي العراقيين كانت هامشية من ناحية دفع الخمس، إن لم تكن معدومة، ولذلك لم ينتج أي تأثير على الموارد المالية للمرجعية(4). وعلى الرغم من الأهمية

ص: 346


1- انظر: Marr, P, ibid, pp.105-6; Farouk- Sluglett and Sluglett, ibid, pp.104-6
2- وزارة الإرشاد، ثورة الرابع عشر من يوليو/ تموز في عامها الرابع ،بغداد، 1962م، ص 481 - 483.
3- حول تأثير الإصلاح الزراعي في إيران على العلماء الإيرانيين انظر: Akhavi, S, Religion and Politics in Contemporary Iran. Clergy-State Relations in the Pahlavi Period, New York, 1980, pp.95-7
4- وفقاً للسيد طالب الرفاعي، فإن المقلدين الشيعة العرب بدأوا بدفع حقوقهم الشرعية إلى المرجعية في النجف بعد 1959م عندما بدأت المشاعر الدينية تأخذ تأثيرها على شيعة العراق. انظر الخيون، رشيد، أمالي السيد طالب الرفاعي، دار مدارك الإمارات العربية المتحدة، 2012م، ص.263 . يجب أن نضع في الذهن أن أغلب الخمس كان يقدمه التجار ورجال الأعمال وليس ملاك الأراضي.

الكبيرة لقانون الإصلاح الزراعي، فإنه أظهر قوة النفوذ الشيوعي على قاسم دورهم في نظامه (1)

في الواقع إن علماء الشيعة أظهروا حسن نيتهم تجاه قاسم في مرحلة مبكرة. فقاسم الذي كان قد زار السيد الحكيم في المستشفى، قد تسلم رسالة شكر من الحكيم في محرم 19581378م، حيث أشار فيها الى رضاه عن الأخبار الطيبة للخطوات العظيمة خلال هذه الفترة القصيرة، الأمر الذي يمنحك (قاسم) العزة». وقد أجاب قاسم برسالة مقتضبة، متمنياً فيها دعم الأمة ومباركة أئمة الدين»(2). لقد أقام النجفيون نصباً لقاسم في وسط مدينتهم(3)كما قام غالباً ممثلون عن المدينة وبعض العلماء بزيارة قاسم في بغداد كما قاموا باستقبال ممثليه في النجف(4). وقد احتفى عبد الحليم كاشف الغطاء - وهو ابن الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء - بثورة تموز معتبراً إياها امتداداً الثورة الإمام الحسين ضد الظالمين(5).

على كل حال،فإن الخلاف في بغداد بين قاسم وعارف سرعان ما أفسد جو مدينة النجف مسمماً العلاقة بين الأطراف المتخاصمة في المدينة المقدسة. فلقد أصبحت الاحتفالات الدينية وباحات المدارس ساحات معركة للشيوعيين والقوميين العرب.في سبتمبر (أيلول) 1958م، اشتبك أنصار الحزب الشيوعي العراقي مع القوميين العرب في قتال شوارع في النجف. كما تطور احتفال ديني بوفاة النبي محمدﷺإلى صيحات سلمية، أول الأمر، ثم شعارات ردّد فيها القوميون العرب اسم جمال عبد الناصر والدعوة إلى أمة عربية واحدة في مواجهة الشيوعيين الذين دافعوا عن سياسة قاسم الفدرالية(6). وفي 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958م، شب قتال في مدرسة

ص: 347


1- لوجهة نظر مغايرة انظر: Jabar, F. A, The Shi'ite Movement in Iraq, Saqi Books, London, 2003, p.76
2- السراج، عدنان الإمام محسن الحكيم 1889 - 1970، بيروت، ص 317 - 318.
3- مجلة النجف، ع8 ، 14 يوليو (تموز) 1959م، ص 62 .
4- مجلة الغري، ع 3/2/1 عدد مخصص لثورة يوليو/ تموز، ص7.
5- مجلة النجف، ع2 ، 1959م، ص 84.
6- الجنابي، عبد الستار، تأريخ النجف الاجتماعي 1932 - 1968، ط1، بغداد، مكتبة الذاكرة، 2010م، 288-282.

السدير، حيث اشتبك طلاب متنافسون حول مواقف متعارضة : عبد الناصر ودعوته للوحدة العربية وقاسم ومفهومه العراقي الأكثر تحديد(1).

أصبح صعود الشيوعية القوي واضحاً حيث ظهر الحزب الشيوعي أكثر القوى تنظيماً مع دورهم اللامشكوك فيه في إخماد الاضطرابات القومية في الموصل في مارس (آذار) 1959م. إن الحزب الشيوعي، والذي عبّر عن مساندة قوية لقاسم ضد«أعداء الجمهورية»، سرعان ما اجتاح كل قطاعات الدولة، محتلاً مناصب مؤثرة ضمن الإعلام،والاتحادات النقابية وحتى التشكيلات المسلحة غير النظامية. لذلك، قام الحزب الشيوعي بتوجيه الإعلام،وكوّن اتحادات النساء، والعمال والطلبة وكان العصب الأساس لكل من اللجنة الشعبية للدفاع عن الجمهورية وميليشيات المقاومة الشعبية(2).

أرسل الحضور الطاغي للحزب الشيوعي إشارة تحذير للمعارضة القومية وأكثر أهمية للمرجعية الشيعية. ولأن قاسم والحزب الشيوعي كونا تحالفاً قوياً، فإن القوميين العرب تحركوا تدريجياً نحو علماء الشيعة على أمل ضمان مساندتهم ضد قاسم. ويبدو أن علماء الشيعة في النجف كانوا قلقين من هذا الانقسام السياسي. إن السيد الحكيم،الذي كان ما يزال وقتذاك على وئام مع قاسم،فضل ولأسباب تبدو غير معلومة، إرسال

ص: 348


1- الجنابي، عبد الستار، السابق، ص226.
2- كإشارة جيدة على تعاظم نفوذ الحزب الشيوعي العراقي وشعبيته في أواسط العام 1959م يمكن استخلاصها من«التوزيع الواسع لصحيفة الحزب(اتحاد الشعب)، والتي وصلت إلى ما يقارب 23000 قارئ كل الصحف الأخرى وصلت إلى توزيع ما نسبته 10% من هذا الرقم. علاوة على ذلك، فإن عدد أعضاء الحزب والمرشحين الذين كانوا بانتظار الالتحاق بالحزب قد تجاوز .20000 كذلك فإن منظمات تمثيل الحزب مثل عصبة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية قد وصلت إلى 40000 عضو المنظمة العراقية للشبيبة الديمقراطية كان لديها 84000 عضو، الاتحاد الوطني للجمعيات الفلاحية قد ادعت بأن لديها 2000 تجمع تحت مظلتها، ليبلغ عدد أعضائها 250000 عضو،أما الاتحاد العام للعمال فقد خمن بأنه يمثل 51 نقابة عمالية بعضوية 275000. انظر: Ismail, T, Y, The Rise and Fall of the Communist Party of Iraq, ibid, p, 79 91. وانظر كذلك:مديرية الأمن العامة، الحركة الشيوعية في العراق بغداد 1966م، ج2، ص 71 - 72.107

رسالة إلى نجيب الربيعي، رئيس مجلس السيادة، بخصوص ناظم الطبقجلي ورفعة الحاج سري وبعض الضباط القوميين الآخرين الذين قبض عليهم خلال اضطرابات الموصل(1).وعلى الرغم من أن رسالة الاسترحام التي رفعها الحكيم عبرت عن مساندة أخلاقية وليس تعاطفاً مع القوميين، فإن الشيوعيين العراقيين ربما كانوا غير راضين، حيث رأوا في هذه الخطوة علامة على تحالف محتمل بين القوميين و رجال الدين الرجعيين»(2).

مواجهة الشيوعية تشكيل جماعة العلماء

أظهر علماء الشيعة تخوفهم الكبير من مسار النشاط الشيوعي المتزايد وجه السيد الحكيم، الذي بدا مشغولاً بشكل كبير بالاختراق المتزايد للتيار الشيوعي، خصوصاً في المجتمع الشيعي حلقته القريبة بتشكيل تنظيم لمواجهة الاندفاع الشيوعي تحديد(3). وهكذا ، أعلنت مجموعة صغيرة من علماء الشيعة في النجف في 22 يناير (كانون الثاني)1959م،تأسيس جماعة العلماء. تمّ الإعلان عن ميلاد الجماعة خلال حفل مولد الإمام علي(علیه السّلام)، حيث أثنى الحاضرون على رسالة وجهت لهم من قاسم. وأثنى محمد صادق القاموسي ومحمد جمال الهاشمي في قصائدهم على قيادة قاسم لشجاعته ونبله(4).

ص: 349


1- السراج ،عدنان،مصدر سبق ذكره، ص 295 - 296.
2- انظر: Zaher, U, <
3- ابن النجف (اسم حركي للمؤلف - هو في الحقيقة السيد عامر الحلو)الحركة الإسلامية في ،العراق، بيروت، 1985م، ص 16 - 17 .
4- جماعة العلماء، نشرة من دون عنوان النجف، 1959، ص 40 و 47. انظر أيضاً الغري، ع14 ، 2/3 فبراير (شباط) 1959م، ص.44. هذا يناقض وجهة النظر القائلة بأن علماء الشيعة أخذوا موقفاً سلبياً من قاسم. انظر: Marcinkowski, M I, Religion and Politics in Iraq, ibid, p.43. يشير فالح عبد الجبار إلى أن جماعة العلماء قد أسست في العام 1960م، بالاعتماد على شهادتي كل من السيد بحر العلوم والشيخ الناصري على كل حال فإن التأريخ الصحيح هو 22 ديسمبر (كانون الأول) 1959م، بحسب المنشور الذي طبع من قبل الجماعة نفسها. انظر : Jabar, The Shi'ite Movement, ibid, p. 110

وفي وقت مقارب أعلن عن تاسيس تجمع سياسي آخر، ذلك هو حزب الدعوة الإسلامية(1). وبينما كانت جماعة العلماء تجمعاً دينياً صرفاً، كانت الدعوة حركة سياسية تسعى لبناء دولة إسلامية على المدى البعيد. على كل حال فإن الجماعتين كانتا متحدتين في جهودهما لمواجهة قاسم والحزب الشيوعي العراقي.

لقد قدم قاسم لجماعة العلماء فرصة نادرة لنشر رسالتها من خلال راديو بغداد. وهكذا فإن الجماعة قد تبنت أولاً منهجاً براغماتياً من خلال ثنائها على قاسم لقيادته، داعية إياه«نصير الإسلام»في رد معاكس واضح للشيوعيين الذين اعتادوا على تسمية قاسم«نصیر السلام»(2).

وهكذا، فبالإضافة إلى الكتابات والنشاطات العلنية، أصبح ممكناً الآن للجماعة أن تنقل أفكارها إلى جمهور واسع. وخلال هذه السنوات، برز السيد محمد باقر الصدر، الذي كلف بتحرير الكتابات للمجموعة،كواحد من أبرز رجال الدين النشطين.

لجأ الحزب الشيوعي إلى تكتيك مواجهة العدو بنفس سلاحه لمواجهة جماعة العلماء تحديداً، حيث أوجد الحزب الشيوعي تنظيم رجال الدين الأحرار، كجماعة دينية مقابلة،كانت تضم بعض رجال الدين الصغار وشيوخ العشائر في النجف.وكتنظيم مدعوم من الحزب الشيوعي، فقد اشتبك رجال الدين الأحرار مع كل من القوميين والناشطين الشيعة حول مواقف أيديولوجية وسياسية واجتماعية،مدافعين عن وجهات نظر الحزب الشيوعي وموجهين الإدانة إلى الجماعات المنافسة الأخرى.

ص: 350


1- يحيط الخلاف بالتأريخ الحقيقي لتشكيل الدعوة يميل من جهة ناشطو الدعوة إلى إثبات العام 1957م كسنة تأسيس. لكن العام 1958م، يبدو أقرب للصحة على الرغم من أن اتصالات واجتماعات ونشاطات مبكرة قد جرت قبل ذلك لوجهة نظر الدعوة، انظر ،شبر حسن العمل الحزبي في العراق 1908 - 1958، بيروت، 1989م، ص 255 - 256 ، ،المومن علي سنوات الجمر مسيرة الحركة الإسلامية في العراق 1957 - 1986، ط1، دار المسيرة . لندن، 1993م، ص32. لوجهة نظر مختلفة انظر الخرسان صلاح حزب الدعوة الإسلامية حقائق ووثائق، دمشق 1999م، ص 63.
2- الخرسان، صلاح،حزب الدعوة الإسلامية،السابق، ص 101.

علماء النجف، الحزب الشيوعي والقوميون العرب

من المؤكّد،أن الشيوعيين العراقيين تحدوا وبشكل ساخر الدين والعلماء خصوصاً خلال السنتين الأولى للثورة. فقد شجع الشيوعيون، على سبيل المثال، نشر الأدبيات الماركسية بنبرتها الإلحادية والمعادية للدين(1). علاوة على ذلك، يبدو أن الحزب الشيوعي قد نظر باستخفاف إلى مسائل حساسة في مدينة كالنجف(2). وهكذا، فقد أصبحت مسائل الإلحاد، والنزعة المادية وفوق كل ذلك نزعة معاداة العرب، ذرائع أساسية وبواعث استخدمت من قبل الناشطين الإسلاميين، سُنّة وشيعة على حدّ سواء، لنقد الحزب الشيوعي، والأمر الأكثر أهمية، كسبب مشترك لتجميع القوميين العرب وعلماء الشيعة.

وقد أُنشئت خلال هذه الفترة مجموعة أخرى لمواجهة الحزب الشيوعي تلك هي الحزب الإسلامي السني، والذي أسس في العام 1960م، بفضل مساندة السيد حسن الحكيم(3). وقد حمل الحزب الإسلامي رسالة واضحة ولا شك فيها: مواجهة الشيوعية من خلال«تشكيل حزب سياسي والذي يحمل مهمة حماية الشباب والأمة وتوجيههم إلى الطريق الإسلامي»(4).

لقد ظهر وتطور خلال هذه الفترة شعور بالمصلحة المشتركة بين الجماعتين الشيعية والسنية. فقد ذهب الشيخ مرتضى آل ياسين، والذي عرف سابقاً بانتقاده للهيمنة

ص: 351


1- كانت الكتب والنشرات توزع مجاناً داخل النجف وفي المدن العراقية الأخرى، وهي تحمل عناوين مثيرة مثل أين الله، وأصل العائلة، والله في قفص الاتهام. انظر الخرسان، صلاح، صفحات من تأريخ العراق الحديث، الحركة الماركسية 1920 - 1990، بيروت، 2001م ، ص 155.
2- انتقد الحزب الشيوعي العراقي لإرساله نساء سافرات للتظاهر في شوارع مدينة النجف. انظر، مؤسسة الدراسات الإسلامية، العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل، بيروت، دون تاریخ، ص 549.
3- انظر:.Marr, P, The Modern, ibid, p.96: bil بينما سعى كل من حزب التحرير والحزب الإسلامي إلى استحصال إجازة من الحكومة، فقد بقي حزب الدعوة سرياً. انظر: Jabar, F. ibid, p.124 and compare with Tripp, C, A History of Iraq, Cambridge University Press, 2007,p.154
4- نشرة الحزب الإسلامي العراقي، بغداد، 1960م، ص6.5.

السنية على الأغلبية الشيعية، إلى القول بأن الشيوعية هي التهديد الأساس الذي يواجه المسلمين في العراق. لذلك فإنه كان مستعداً لقتال هذا الاتجاه الإلحادي، مستحضراً رمز عمر بن الخطاب(1). كما أدان ناشطون شيعة آخرون وبقوة، الشيوعيين بسبب كتاباتهم المعادية للدين. فقد دعا محمد رضا النوري، آخذاً بالحسبان قوة الشيوعية في العراق، «القوميين إلى إدراك الموقف الخطر»في محاولة منه لجمع القوميين والشيعة الناشطين معاً تحت مظلة واحدة(2). كما هاجم القوميون الموقف الإلحادي للشيوعيين العراقيين، منددين بأفكارهم حول حقوق المرأة في العمل الخ ومؤكدين بأن العراق سيكون الصخرة الصلدة التي ستحطم الموجات الشيوعية»(3).

لقد فاقم إصدار قانون الأحوال الشخصية المثير للجدل من قبل حكومة قاسم في ديسمبر (كانون الأول) 1959م، من المشاعر المعادية للشيوعيين بين العلماء وجعل الأخيرين أقرب للقوميين العرب. فوفقاً للمادة الثالثة هذا القانون، تمّ فرض تقييد على حق تعدد الزوجات«ومنع الرجال من تزوج امرأة ثانية من دون موافقة قاض، وفقط لسبب مقبول»(4). لكن القضية الأكثر إثارة للجدل كانت تلك التي أبرزتها المادة 74، والتي أعطت المرأة حقاً مساوياً للرجل في ما يتعلق بالإرث.

من المؤكد أن هذا القانون أشعل الغضب بين علماء الشيعة، بالتوازي مع تصاعد الضغوط والهجمات ضد من العلماء في النجف. كما أن موقف قاسم المتسامح مع الدعاية الشيوعية منح كثيرا من كثيراً من العلماء الشيعة مبرراً جيداً لإعلان القطيعة النهائية مع النظام، والانحياز إلى جانب القوميين.

في الوقت ذاته، قدمت التطورات السياسية العربية والإقليمية سبباً مقنعاً آخر للوقوف ضد قاسم والشيوعيين. لقد حملت هذه التطورات ضغطاً أكبر على علماء الشيعة مما مثلته الأحداث الداخلية. وكان هذا واضحاً بالخصوص في العلاقات بين المرجعية الشيعية مع كل من جمال عبد الناصر في مصر وشاه إيران.

ص: 352


1- الرفيعي، عبد الحسين،النجف الأشرف دار،الحكمة، لندن، 2008م 2008م، ص 43.
2- النوري، محمد رضا،الشيوعية تناقض الدين،النجف الأشرف، 1959م، ص 82 و 88.
3- نخبة من الشباب العربي، خيانة الشيوعية، 1959م ، بدون مكان طبع.
4- انظر: 1000.Marr, P, ibid, p

قاسم، علماء الشيعة، والارتباطات الإقليمية

كان كل من إيران الشاه ومصر عبد الناصر راغباً في تقوية علاقته مع علماء النجف، وإن كان لكل منهما أسبابه المختلفة كان الشاه في حاجة شديدة لوضع ضغوط من خلال علماء النجف على قاسم على الأقل للجم التهديد الشيوعي ضمن الحدود العراقية. ولذلك عبر الشاه قلقه عن من التهديد الشيوعي المجاور لحدوده وتطلع إلى حلفائه في النجف في محاولة لاحتواء عدوهما المشترك.

على الرغم من أن الخلاف حول الحدود وشط العرب كان دائماً في لب النزاع الطويل بين العراق وإيران، فإن الشاه وجد سبباً آخر لاعتبار نظام قاسم تهديداً رئيسياً له: دعمه الشيوعيين الإيرانيين وعلاقة العراق الجيدة مع الاتحاد السوفياتي. لقد وجد أعضاء حزب توده طريقهم إلى العراق للاختفاء فيه، هرباً من قبضة الشاه الحديدية. من جانبه، وجد قاسم حليفاً جيداً في حزب توده للرد بالمثل على دعم الشاه للثوار الأكراد في العراق. لذلك قام قاسم،بتزويد حزب توده الإيراني بالدعم المادي «مثل إقامة ماكنة دعاية معادية لإيران من راديو بغداد أو المساعدة في تقديم الدعم اللوجستي لتدريب المسلحين الشيوعيين على الأراضي العراقية، وكان القصد من ورائها إحداث عدم الاستقرار في إيران والتأثير في سياستها»(1). علاوة على ذلك، فقد «انتقل العديد من أعضاء حزب توده إلى العراق للعيش بعد ثورة يوليو (تموز) 1958م وقد فرض

جهاز السافاك مراقبة شديدة عليهم وزود طهران بأسمائهم الكاملة»(2). كما أن قا قاسم أعاد إحياء المطالب العراقية بالخليج العربي والأراضي العربية في الأحواز (منطقة خوزستان في جنوب إيران)(3).

لقد وجد الشاه نفسه على خصام كامل مع سياسات قاسم الإقليمية وكان يمتلك مبرراً كافياً لخلق مشاكل لنظام قاسم. وربما توصل الشاه، الذي كان مدركاً للثقة

ص: 353


1- Farzaneh, M. M, «Interregional rivalry cloaked in Iraqi Arab nationalism and Iran secular (1) nationalism, and Shiite ideology», IJCI S, vol, 2, No.3, 2008, p.397
2- المصدر السابق.
3- Confidential from Foreign Office to Tehran.No.1685, October 15, 1959; Confidential from (3) Foreign Office to Tehran.No.17, January 5,1960; secret from Foreign Office to Tehran. No.409, March 17,1960; Marr, P, ibid.p.109

المتزايدة للعلماء الإيرانيين إلى استنتاج مفاده أن تحريك موقع مرجعية التقليد إلى النجف، سوف يساهم ليس فقط في تخفيف الضغوط التي كان يواجهها من المجتهدين الإيرانيين، ولكن أيضاً سيؤ من له طرفاً يعتمد عليه في مواجهة عدو مشترك : قاسم. لهذا السبب، فقد دعم الشاه السيد الحكيم في قضية المرجعية على حساب المجتهدين المنافسين في إيران. وكان الشاه راغباً«في إضعاف موقف قم ومنع ظهور مركز لقوة العلماء في إيران إن مجتهداً مقيماً في النجف - علاوة على كونه عربي الولادة - ربما يكون، على الأرجح، غير مدرك لما يحدث في إيران أو غير مهتم به»(1). وأخذاً في الاعتبار حقيقة أن الشاه كان خصماً عنيداً لنظام قاسم وللحزب الشيوعي العراقي، ودعم قاسم للشيوعيين الإيرانيين فإن من المرجح أن الشاه شجع بعض العلماء الإيرانيين في النجف، لاسيما إبراهيم اليزدي، صهر الحكيم،على اتخاذ موقف متشدد

ضد الشيوعيين.

كان لجمال عبد الناصر أيضاً سببه الخاص للدفع في الاتجاه المعادي لقاسم. وبينما ساءت العلاقة بين عبد الناصر وقاسم، خصوصاً بعد إفشال مؤامرة الموصل في مارس (آذار) 1959م ، فإن عبد الناصر عزّز من علاقته مع المرجعية الشيعية في النجف. وقد نقل، أن محمد كبول،الملحق في سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد، كان زائراً دائماً للنجف، حاملاً رسائل عبد الناصر إلى السيد الحكيم(2). وعلى الرغم من أنه ليس هناك معلومات مفصلة عن القضايا التي تمت مناقشتها خلال هذه الاجتماعات،فإنه يمكن الافتراض أن احتواء الشيوعية في العراق كانت هماً مشتركاً بين الطرفين: عبد الناصر وعلماء النجف.

لقد قام عبد الناصر بتمهيد الأرضية، بالتوازي مع خطوة جعل الفقه الشيعي ضمن مقررات الأزهر، وذلك في خطوة لإقناع علماء الشيعة بنيته الطيبة تجاه التشيع. لقد دعا عبد الناصر الشيخ محمود شلتوت في 1959م لجعل التشيع مذهباً إسلامياً

ص: 354


1- Algar, H, «The Oppositional Role of the Ulama in Twentieth-Century Iran», p.244, in (1) Keddie, N (ed.), Scholars, Saints and Sufis, Muslim Religious Institutions in the Middle East since 1500, University of California Press, 1972; Akhavi, S, Religion and Politics in Contemporary Iran, ibid,p.100
2- الفكيكي،هاني، أوكار الهزيمة،تجربتي في حزب البعث العراقي، لندن، 1993م، ص 117 - 118.

مماثلاً للمذاهب الإسلامية الأخرى. وهكذا فقد أعلن الشيخ شلتوت في 5 يوليو (تموز) 1959م فتواه التي تنص على أن «الإسلام لا يتطلب من المسلم اتباع مذهب محدد... إن المذهب الجعفري، والذي يعرف أيضاً بالشيعة الإمامية الاثني عشرية، هو أيضاً مدرسة فكرية مقبولة للاتباع دينياً في التعبّد كما هو حال مدارس الفكر السُّنية الأخرى»(1). وسواء جاءت هذه الفتوى كنتيجة لجهود العلماء في النجف أو قم، فإنها كانت خطوة معدة جيداً ومصممة من قبل عبد الناصر وأقرّت من قبل الأزهر من أجل جعل علماء الشيعة قريبين إلى عبد الناصر على حساب كل من قاسم والشاه. ومن المؤكد أن علماء الشيعة ردّوا بشكل إيجابي على هذه الفتوى واحتفوا بها كاختراق آخر للعقيدة الشيعية في قلب أرض الإسلام السُّني. يمكن القول إن السيد الحكيم كان معرضاً بشكل كبير للضغوطات والمناورات الإقليمية، وهذا جعله ميالاً للعمل ضد الشيوعيين.

الحكيم، قاسم والحزب الشيوعي العراقي

على الرغم من أن علماء الشيعة كانوا عازمين على مواجهة الشيوعية، فإنهم كانوا منقسمين حول كيفية معالجة هذا التحدي إلى مجموعتين كبيرتين: أولئك الذين دعوا إلى مواصلة حرب دينية ضد الشيوعيين ومجموعة أخرى دعت إلى نقاش فلسفي وفكري مفتوح على أمل إعادة هؤلاء«الشيعة الضالين». وبينما رأت المجموعة الأولى مثل هذه الحملة الدينية ضد الشيوعيين كحل أخير،فإن المجموعة الثانية كانت تؤمن بالحاجة إلى منهج إقناعي، أخذاً بالاعتبار حقيقة أن أغلب الشيوعيين العراقيين كانوا شيعة. وكان واضحاً أن السيد الحكيم لم يحسم خياره بخصوص الطريقة التي يجب اتباعها بهذا الخصوص. وليس من شك،فإن البعثيين كانوا يدفعون بشكل قوي باتجاه الخيار الأول. وفي محاكاة للحملة الدينية المعادية للشيوعية والتي قادها الأزهر في مصر، وأمر بتطبيقها جمال عبد الناصر، فإن البعثيين قد توصلوا إلى استنتاج بأن سلاح الفتوى كان في يدهم ضد الشيوعيين(2).

ص: 355


1- الأزهر، مجلد ،31 ، ع 2 أغسطس (آب) 1959 م، ص 238 - 244.
2- مقابلة مع د. - جبار نايل، 19 - 7 - 2005م، مقابلة مع سيد ك 22 - 4 - 2010م، الكشميري، حسن، رسائل و مسائل (بدون تأريخ ومكان طبع)، ص 8.

لقد أرسلت أحداث الموصل في شهر مارس (آذار) 1959م إنذاراً إلى قاسم حول قوة الحزب الشيوعي العراقي. وهكذا فإن شهر العسل بين قاسم والحزب الشيوعي كان قصيراً وسرعان ما حلت نهايته عندما بدأ قاسم يدرك الأثر المدمر الكبير الذي جلبه الشيوعيون على نظامه. وقد نأى قاسم بنفسه عن الحزب الشيوعي خصوصاً بعد أحداث كركوك في يوليو (تموز) 1959م. وقد أدان قاسم«بوضوح منفذي هذه الجرائم، وواضعاً اللوم على الحزب الشيوعي العراقي لتشتيته جهد العمال بدلاً من رفع إنتاجيتهم»(1)و شرع قاسم بسلسلة من الإجراءات الهادفة إلى إضعاف القبضة الشيوعية على الإعلام،والميليشيات المسلحة وحتى الحزب نفسه. فمنع صحيفة الحزب (اتحاد الشعب)، وطرد الضباط المتعاطفين مع الحزب، وأغلق الاتحادات الموالية للشيوعيين، والأهم هو رفضه إعطاء الرخصة القانونية للحزب الشيوعي الحقيقي، بينما قام بتشجيع داود الصائغ، وهو شيوعي مطرود سابق للحصول على إجازة لحزب تابع له، مستقل اسمياً. لكن الأمر الأكثر أهمية، هو ذلك الانقسام العميق الذي ضرب الحزب،بين سلام عادل السكرتير العام للحزب، مدعوماً بجمال الحيدري ، و«مجموعة الأربعة»المكونة من عامر عبد الله، بهاء الدين نوري، زكي خيري ومحمد حسين أبو العيس. لقد حول هذا الانقسام الحزب إلى مجرد مجموعة من الأطراف المتخاصمة التي تتنافس على الشرعية أو بهدف الوصول إلى السلطة. وهكذا فقد أضعف الحزب بسبب المشاحنات الداخلية والحملات الحكومية المستمرة من إلقاء القبض والمحاكمات(2).

لقد سعى قاسم من دون نجاح إلى رأب الصدع مع السيد الحكيم عندما أبدى نيته الطيبة لزيارة الحكيم في النجف. لكن الحكيم على كل حال، رفض كل المحاولات،ما لم يتمّ تغيير قانون الأحوال الشخصية. لقد كان واضحاً أن السيد الحكيم وعلماء الشيعة في النجف كانوا متذمرين بشكل عميق من هذا القانون وكانوا يعتبرونه دلالة على النفوذ الشيوعي المتزايد على قاسم وربما كانت المرجعية في

ص: 356


1- الخرسان، صلاح الحركة الماركسية، سبق ذكره، ص 92 - 93.
2- انظر: FO 371/140918, Confidential, 1013/301/59, British Embassy, Baghdad to Sir Roger Stevens, London, July 2, 1959; Batatu, ibid, pp.942-51; Ismail, ibid, pp.93-100. انظر أيضاً الخرسان، صلاح، السابق، ص 92 - 9.

النجف قد توصلت إلى استنتاج بأن قاسماً ربما كان هو نفسه شيوعياً عنيداً، ولا شيء سيغير عقيدته. فلقد عبر الشيخ محمد رضا الشبيبي، وهو القريب من الأحداث في بغداد والقريب من المرجعية في النجف، عن عدم رضاه من قاسم، مشيراً إلى أن قاسماً«شخص إرهابي مجنون ودكتاتور شيوعي، يدعمه الآن الشيوعيون فقط والعناصر الوضيعة في بروليتاريا الرعاع»(1).

قاسم والشيوعيون العراقيون : الطريق إلى السقوط

بدلاً من تخفيف الضغوط عليهما في علاقتهما المتبادلة،تبادل قاسم والشيوعيون إساءة الظن وكلاهما واصل خسارة الدعم في العراق، مقدمين لخصومهم سبباً جديداً للمعارضة. فلقد واصل الشيوعيون تصعيد هجماتهم ضد علماء الشيعة لاسيما في النجف وكربلاء. ويروي السيد محمد بحر العلوم بأن شيوعيي النجف اعتادوا على ترهيب العلماء في المدينة، جاعلين حياتهم لا تحتمل(2). وقد اعتاد نشطاء قوات المقاومة الشعبية على تنظيم هجماتهم ضد العلماء(3). وكان السيد الحكيم نفسه عرضة لهجمات متكررة في النجف وكربلاء. ففي النجف، مقر المرجعية،تعرض الحكيم إلى عدد من الاعتداءات قامت بها العناصر الشيوعية خصوصاً محلة في العمارة، وهي مركز آخر من مراكز النشاط الشيوعي في المدينة(4). أما في كربلاء، فقد قامت مجموعة شيوعية بحادثة مدبرة، عندما قاموا في العام 1959م، بسد الطريق أمام سيارته، في محاولة لإخراجه منها والاعتداء عليه شخصياً. وقد نجا الحكيم بفضل حمايته الشخصية وتدخل بعض الناشطين الإسلاميين (5)

لم يكن صدور فتوى السيد الحكيم ضد الحزب الشيوعي، كرد على قضية معينة

ص: 357


1- EQ 1015/532, onfidential, British Embassy, Baghdad, September 24, 1959
2- مقابلة مع السيد بحر العلوم، محمد، انظر أيضاً الحكيم محمد باقر، الشهيد الصدر ملامح من السيرة الذاتية مجلة شؤون إسلامية، مجلد 2 ، ع 8 - 9 ، ص 41 .
3- الحسيني، أحمد، الإمام الحكيم السيد محسن الطباطبائي، النجف الأشرف، 1964م، ص 88.
4- الحلو، عامر،الحركة الإسلامية في العراق،سبق ذكره ص43 مؤسسة لدراسات الإسلامية، العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل، بيروت، دون تأريخ طبع، ص 888.
5- المومن،علي،سنوات الجمر، سبق ذكره، ص 39.

أو حادثة استدعت مثل هذا الإجراء القوي. بعبارة أخرى، فإن الفتوى كانت ستكون أكثر مناسبة لو أنها صدرت بعد الهجمات سيئة السمعة ضد الحكيم نفسه وعلماء الشيعة الآخرين أو كرد على أحداث كركوك، ويبدو أن الفتوى، قد صدرت عندما كان الحزب الشيوعي في وضع صعب مما عمق من جراحه. لقد رددت فتوى الحكيم التي صدرت في 12 فبراير (شباط) 1960م، المسائل نفسها التي حملتها فتوى الشيخ محمد حسین كاشف الغطاء، حيث نصت بوضوح:«لا يجوز الانتماء إلى الحزب الشيوعي ذلك فإن ذلك كفر وإلحاد أو ترويج للكفر والإلحاد أعاذكم الله وجميع المسلمين عن وزادكم إيماناً وتسليماً»(1).

على ما يبدو،كانت فتوى السيد الحكيم ضد الشيوعية، محركة بشكل أساس بمنافسات سياسية داخلية بين القوميين والشيوعيين،وناتجة عن ضغط سياسي خارجي ولم تكن تعبيراً حقيقياً عن قلق ديني وكما لاحظنا سابقاً، فإن الحكيم نفسه كان قد رفض طلباً من حزب الاستقلال القومي لإصدار فتوى ضد الحزب الشيوعي في منتصف الخمسينيات. ويبدو أن السيد الحكيم لم يكن مقتنعاً ولا راغباً في استخدام الفتوى الدينية في مثل هذا الخلاف السياسي. ويعترف شيخ شريف كاشف الغطاء بأنه قد زود الحكيم بالبيان الذي أصدره الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ضد الشيوعية في العام 1948م(2).

وأخذاً بالاعتبار الضغوط الداخلية التي مارسها القوميون وجماعة العلماء، والإغراءات الخارجية من إيران ومصر، فقد كان المقصود من الفتوى على ما يبدو، أن تكون رسالة حسن نية موجهة لكل من جمال عبد الناصر والشاه. ففي معرض ،استذكاره، يقرّ السيد محمد باقر الحكيم بأن فتوى والده«قد تلقيت بشكل إيجابي من قبل ناصر»، الذي أثنى على السيد الحكيم لموقفه الشجاع ضد الشيوعيين، وإن هذا

ص: 358


1- انظر الفتوى في الحلفي،كاظم،الشيوعية كفر وإلحاد، النجف الأشرف، 1960م، ص4 و 7 ، السراج، ،عدنان سبق ذكره، ص320 المومن علي المصدر السابق، ص 39. يعتقد فالح عبد الجبار أن الفتوى جاءت كرد فعل على كل من قانون الإصلاح الزراعي وقانون الأحوال الشخصية. آخذاً في الحسبان أن القانون الأول صدر في سبتمبر (أيلول) 1958م، فإن الفاصل بينه وبين صدور الفتوى ربما تثير التساؤل حول التوقيت.
2- حديث مع شيخ شريف كاشف الغطاء،النجف الأشرف 20 - 12 - 2005م.

قاد ناصر إلى وضع ضغوط على الأزهر للاعتراف بالتشيع كمذهب خامس مساو لبقية المذاهب السنية الإسلامية(1). في الحقيقة، فإن العكس هو الصحيح. أي إن فتوى السيد الحكيم كانت كموقف شكر لعبد الناصر، وليس العكس، لأن فتوى شلتوت أعلنت في يوليو (تموز) 1959م بينما صدرت فتوى الحكيم متأخرة عنها .

على الرغم من أن الحزب الشيوعي كان في حال مضطربة نتيجة الإجراءات الشديدة لحكومة قاسم ضد أعضائه، فإن فتوى الحكيم قد جلبت تأثيراً كبيراً على الشيوعيين مقارنة ببيان كاشف الغطاء في 1948م. وقد توضح هذا إلى حد ما من خلال الرد الضعيف الذي أظهره المدافعون عن الحزب في النجف، وهي التي كانوا يتمتعون فيها بتأييد واسع.

وبينما تلقت الفتوى الثناء والمدح في مصر وايران، فإنها أصبحت عرضة للجدل الخلافي في النجف نفسها. فقد وجدت الفتوى ترحيباً في القاهرة من قبل كل من عبد الناصر وعلماء الأزهر، الذين أثنوا على«العلماء لتحديهم، معتبرين إياها علامة إيجابية على ثورة مضادة تلوح في الأفق، ضد قاسم و حلفائه الشيوعيين»(2). على كل حال،فإن الفتوى كانت محط خلاف فقهي في النجف. فعلى الرغم من أن أغلبية العلماء وافقوا على الفتوى،فإن السيد حسين الحمامي، والذي كان ربما يُعد الثاني في تسلسل آيات الله الموجودين في النجف، أعلن معارضته(3).

ص: 359


1- الحكيم محمد ،باقر، الإمام الحكيم نظرة تحليلية شاملة، قم ،2003م، ص 189 - 190 وص237. محمد باقر الحكيم هو ابن المرجع السيد الحكيم ومؤسس المجلس العراقي الشيعي الأعلى وقد اغتيل في أغسطس (آب) 2003م.
2- الأزهر ، ع 32 ، ج 1 حزيران 1960م، ص119 - 120 نقلت مجلة الأزهر كيف حذر علماء الشيعة أتباعهم من مخاطر الشيوعية، وقد احتفلت المجلة ليس بفتوى الحكيم فحسب بل وأعادت نشر تصريح الشيخ كاشف الغطاء الذي سبق وأن صدر في الأربعينيات، كما نشرت المجلة فتاوى أخرى لعبد الهادي الشيرازي والشيخ عبد الكريم الجزائري.
3- بخصوص الحمامي، انظر الصغير، محمد حسين قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف، ،بيروت 2008م، ص 11. 48 وكذلك انظر الحمامي، محمد السيد حسين الموسوي الحمامي مجلة الموسم، ع7 ، 1990م، ص94 - 987 نقل أن السيد الحكيم قد أشار إلى سلفه السيد أبي الحسن الأصفهاني، الذي رفض إصدار فتوى في منتصف الأربعينيات ضد الشيوعيين الإيرانيين. وقد تعرض السيد الحمامي المعروف بتقواه وأخلاقه العالية، إلى حملة تشهير بتهمة الوقوع تحت تأثير ابنه محمد علي المنتمي للحزب الشيوعي. مقابلة مع جبار نائل أيضاً لتفاصيل أكثر عن السيد الحمامي انظر، مغنية، محمد جواد، تجارب محمد جواد مغنية، بيروت، 1980م، ص43 - 44.

لقد نظمت حملة جديدة أخرى لرفض الشيوعية من قبل صحيفة الفيحاء الأسبوعية، الناطقة باسم الحزب الإسلامي في الحلة في أكتوبر (تشرين الأول) 1960م. لقد طبع الحزب الإسلامي مذكرة وقع عليها علماء الشيعة والسنة ونشرت في الفيحاء. وقد حملت المذكرة الإدانة لقاسم وعدته مسؤولاً عن التمدد الشيوعي(1).

لقد كان القوميون العرب والبعثيون تحديداً هم الأكثر استفادة من فتوى السيد الحكيم. لقد فاقمت هذه الفتاوى من مشاكل قاسم لمصلحة أعدائه في العراق، لاسيما القوميين،وإيران ومصر في منطقة الجوار. وقد اكتملت عزلة قاسم الكاملة بإعلانه هدفه من أجل ضم الكويت في يوليو (تموز) 1961م.

لقد تطور موقف النجف العدائي تجاه الحزب الشيوعي العراقي إلى معارضة لا تخطئها العين لقاسم. وأن هذه المعارضة قد عقدت موقف قاسم على ما يبدو، داخل العراق وخارجه. وقد كان هناك في الإدارة الأمريكية، من دفع إلى «عملية على غرار عملية إسقاط مصدق، للإطاحة بقاسم وإحلال ضباط عسكريين مؤيدين للغرب في السلطة»، والتقارب مع ناصر الاستكشاف الإجراءات المتوازية، التي يمكن للولايات المتحدة والجمهورية العربية المتحدة اتخاذها فيما يخص بغداد، وعبروا عن دعمهم لحملته المعادية للشيوعية»(2).

إن حزب البعث الذي جاء إلى السلطة في فبراير (شباط) 1963م، قد نجح ليس في الإطاحة بقاسم فحسب ولكن في تدمير الحزب الشيوعي القوي من خلال مذابح منظمة كان نتيجتها قتل الآلاف.

ص: 360


1- أصدر الشيخ مرتضى آل ياسين فتوى مماثلة لفتوى الحكيم وقد ظهرت في صحيفة الفيحاء في 23 أبريل/ نيسان 1960م. Batatu, p.954; Nakash, Y, The Shi'is of Iraq, Princeton, 1994, p. 135.
2- Barrett, R. C, The Greater Middle East and the Cold War. US Foreign Policy underEisenhower and Kennedy, I.B.Tauris, London-New York, 2010, pp.118-119; Aburish, Said, A Brutal Friendship, the West and the Arab Elite, Indigo, London, 1998, p.235- 243.

الخلاصة

لقد فحصت هذه الورقة الأسباب التي جعلت الشيوعية أيديولوجية جذابة للشباب الشيوعي بشكل عام وتتبعت مسار انتشار الشيوعية في النجف بالتحديد في الفترة بين بدايات القرن العشرين ونهايات الخمسينيات. لقد كان الحزب الشيوعي إلى حد كبير الحزب الأكثر شعبية في العراق الحديث ويكمن السبب الرئيس خلف هذا النجاح في أيديولوجيته التي تتخطى الإثنية والمذهب، ما مكن من تجنيد الأنصار من مختلف القوميات. فقد كان غير العرب(لاسيما الإيرانيين)، والمجموعات غير الإسلامية (اليهود ، المسيحيين، والصابئة)، والمجموعات الإثنية الأخرى مثل الأكراد كلهم ممثلين بشكل يدعو للدهشة وبأعداد كبيرة ضمن صفوف الحزب الشيوعي. وهنا اقترح مفهوم ما ادعوه«الشيوعية الوطنية»، لتقديم قراءة نقدية للشيوعية في العراق من المؤكد أن الشيوعية قد حققت نجاحاً كبيراً بين الشيعة العراقيين بالخصوص، وذلك يعود بشكل أساس إلى عاملين: أولاً إن الشيوعيين كانوا قادرين على تقديم أنفسهم كمجموعة معارضة متحدة وصلبة في العراق،مانحين مساحة منظمة للناس غير الممثلين الذين شعروا بالحرمان من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أما السبب الثاني الذي يفسر انتشار الشيوعية بين الشيعة العراقيين بالتحديد فقد كان قدرة الشيوعيين الشيعة على المواءمة بنجاح بين الشيوعية وعقيدتهم الشيعية. وهكذا، فقد تحولت الشيوعية إلى أيديولوجية وطنية، بحيث أصبحت أكثر جاذبية.

لقد حصل الحزب الشيوعي العراقي على مساندة واسعة في النجف خلال النصف الأول من القرن العشرين، بفضل رسالته النابضة، وتنظيمه السياسي النشط. لقد كان الحزب الشيوعي العراقي مجموعة المعارضة الوطنية الرئيسة التي كان بإمكانها مواجهة سیاسات بغداد. وقد أيد علماء الشيعة الحزب الشيوعي أو تعاطفوا مع نشاطاته. ولم تكن جماعات القوميين العرب بقادرة على منافسة الحزب الشيوعي قبل العام 1958م. بل إن الدعاية القومية التي استهدفت الحزب الشيوعي قد ساهمت في زيادة شعبية هذا الحزب.

على كل حال فإن علماء النجف أظهروا تحولاً كبيراً وقلقاً من اتجاه قاسم السياسي نحو الحزب الشيوعي. ويذكر موقف السيد الحكيم المعادي لنظام قاسم

ص: 361

والشيوعيين العراقيين بموقف البروجردي، الكاشاني والبهبهاني المعادي لمصدق خلال 1953م. لقد حمل البروجردي، والبهبهاني وعلماء كثيرون غيرهم موقفاً سلبياً تجاه مصدق بسبب اعتماده الكبير على العناصر الشيوعية خلال مواجهته مع الشركات النفطية الغربية، وبالنتيجة فقد كان العلماء متخوفين من انتشار الشيوعية في إيران. لقد ساهم موقف العلماء المعادي لمصدق في إضعاف المساندة الشعبية له، مما فسح الطريق للانقلاب الذي قادته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في 1953م. وقد ضعف موقف قاسم الداخلي بسبب عزلته الإقليمية والدولية، ما ساعد أعداءه على تجميع الدعم لجهتهم ، وقاد إلى إسقاطه في العام 1963م ومن السخرية، أن قدر قاسم قد تحدد إلى حد كبير بقدر الحزب الشيوعي العراقي والعكس صحيح أيضاً. لقد كان موقف النجف المعادي للشيوعيين هو الإسفين الذي عزل الأكثرية الشيعية، بشكل أساس بين الحركات السياسية الشيعية ونظام قاسم، حيث ستصبح هذه القضية هي نقطة الخلاف مع نظام عبد السلام عارف فيما بعد.

ص: 362

النجف : طرِّسُ العلامات

اشارة

د. حسن ناظم

مقدمة

يتوخى هذا البحثُ الكشف عن الكلّيّاتِ عَبْرَ رصدِ الجزئيات؛ وستكون الكليات في مدينة ذاتِ رمزية طاغية مثل مدينة النجف بمثابة صور شاملة تغطّي أرضَ المدينة وسماءَها، وبناء الكليات(الصورة الكبرى)سيتمُّ بملاحظة الجزئيات (العلامات). أظنُّ أن الكتابة عن تلك العلامات التي تشكل صورة النجف أمر يجلّي، بأوضح صورة الحياةَ التي يعيشُها العراقيون بعد لحظة 2003م وسقوط الدكتاتورية. فالعلامات تتكلّمُ دون انقطاع أو غفلة، لأن وجودها غير منقطع أو مغفول عنه. العلامات، في هذا البحث، علامات تنبتُ في مجال التنافس والصراع.العلامات هنا ينتجها الجميع: السياسي والديني والاجتماعي في حلبة الصراع على تمثيل المدينة، العلامات هنا ليست علامات تنتجها سيرورة طبيعية لتعاقبِ الزمان على المدن فقط، ولا لدخول المدنِ في أطوار يفرضُها الانتقال من حقبة إلى أخرى فقط ، بل هي علامات تأسيس قصدي، صارم، ولا يقبل المساومة. ولذلك تبدو العلامات متوترة، تعكس توتر المدينة، ويبدو لي أن مباشرةً توتّرِ مدينة النجف في الأحداثِ التي جرت فيها منذ سقوط الدكتاتورية (2003) عن طريق مباشرة توتّر العلاماتِ والأشكال الرمزية الأخرى أكثر جدوى وصدقاً.

الشرعية العلاماتية والمصلحة العلاماتية

بُغية تأطير مفهومي يَلُم شتات المشاهدات والملاحظات والأفكار التي تخصُّ علاماتِ النجف سوف أعمد إلى اقتراح مصطلحين واختبارهما، وهما «الشرعية العلاماتية»Semiological legitimacy التي تمثل النشاط العلاماتي المكثف في

ص: 363

مدينة النجف من أجل تحصيل الشرعية في تمثيل المجتمع، و«المصلحة العلاماتية Semiological interest التي ترعاها دوال العلامات ومدلولاتها. إن السعي إلى تحقيق الشرعية العلاماتية يعبّدُ الطريق إلى الإجابة عن سؤال محدّد: مَنْ يمثلُ المدينة؟ ومَنْ يصوغ تبعاً لذلك جوهرها عبر مظهرها؟ وهكذا تحيل معركة تحقيق الشرعية العلاماتية على مصالح متعارضة تظهرُ أوّلَ ما تظهرُ بوصفها مصالح علاماتية تتوق إلى أن تتعيّن في الواقع. وما أسميه المصالح العلاماتية يرمي على نحو ضروري، إلى تعين العلامات واقعاً، وبقاء العلامات شاخصة دليلاً على المصلحة وتحقيقها، ويقفُ بین العلامة والمصلحة مفهوم التوسط Mediation الذي يُبقي دال العلامة لصيقاً بمدلولها، ويضمن دوامَ التدليل. وهنا يبقى البعد الرمزي للعلامات متداخلاً مع البعد العيني الذي يشير إلى المصلحة التي هي بعد مادي لرمزية العلامات.

والآن، كيف يمكن إنجاز الشرعية العلاماتية وتحقيق المصلحة العلاماتية؟ للإجابة عن هذا السؤال سوف أتوسل هنا مفهوماً سيميائياً يتعلق بوجود العلامات في أي مدينة في العالم، وهو مفهوم المشهد اللغوي Linguistic landscape. والمشهد اللغوي يدلّ على وجود اللغة في البيئة، سواء أكانت كلمات أو صوراً تُعرَض في الفضاء العام(1). وما هو موجود في الفضاء العام يُلقي مسؤولية على الباحث لكي يقدمَ له تأويله،فيرصد دلالاته،ورسائله،وأغراضه،وسياقاته، وهي مناسبة أيضاً لمعرفة المجتمع والفاعلين الاجتماعيين، فالناسُ هم الذين يعلّقون الصور ويضعون اللافتات والملصقات.إن المشهد اللغوي هو تمظهرات مادية للغة في المكان،وهذا يشمل أسماء الشوارع،وعلامات المحلات التجارية،والإعلانات، والكرافيتي،وجميعَ المواد النصّيّة الأخرى(2). وفي حالة النجف ثمة الأضرحة والمقابر أيضاً. فالمشاهد اللغوية في المدينة تهب الملاحظ روحَ المدينة، إنها الدليل الأول على اتجاه المدينة، والتوصيف الأول لخطوطها الكبرى، إنها إجمالاً تختزل المعنى العام للمدينة ومزاجها واحتمالات أفقها .

ص: 364


1- Shohamy, Elana and Gorter, Durk, Linguistic Landscape: Expanding the Scenery, (New York) London: Routledge, 2008
2- Metro-Roland, Michelle M., Tourists, Signs, and the City: The Semiotics of Culture in an Urban Landscape, (Ashgate: England USA, 2011), p.75

إن أهم ما يُلاحَظ في المشهد اللغوي لمدينة النجف أنه يدلُّ على أمرين مترافقين: الأول توسّع عمراني ضخم أنجز بناءَ مطارٍ مدنيّ لأول مرة في تاريخ المدينة، وعشرات الفنادق التي تشير إلى انتعاش السياحة الدينية ومشاريع خدمية وثقافية عديدة. أما الأمر الثاني فهو أن المدينة تختزن توتراً في علاماتها يشير إلى الصراع فيها، وأن العادة ما زالت جارية في استعمال العلامات من أجل الترويج، مثل جداريات الصور الشخصية ،والملصقات والإعلانات وبقية أنواع المنشورات الأخرى على سبيل المثال، كل مشروع خدمي تقوده الحكومة المحلية تجد إعلاناته الضخمة مرفقةً بصور المحافظين. أما الجداريات التي تتجاورُ في أجزاء مختلفة من النجف وضواحيها لصور القيادات السياسية للمدينة، ومثالها الأبرز السيد مقتدى الصدر (1973م) وأبوه آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر (1943 - 1999م) والسيد عمّار الحكيم (1971م) وأبوه السيد عبد العزيز الحكيم (1953 - 2009م) وعمه آية الله العظمى محمد باقر الحكيم (1935 - 1980م)، فتمثل التوتر بين الادعاء بالشرعية والاعتقاد بها(1). وهذا المخطّط، الذي يقعُ في لبّ مخطّط ماكس فيبر وتحليله للشرعية(2)، يقفُ في إطار هذه العلامات الضخمة وسواها من صور هذه القيادات في أعطاف مدينة النجف، عند مستوى الادعاء بالشرعية، لكنه ينشد في الأخير دعوة المجتمع إلى الاعتقاد بها، حتى يحقق حيازتها. وحيازة الشرعية هو تحقيقها النهائي عبر التنافس الظاهر والعلني هذه المرة. ولا شك في أن ادّعاء الشرعية والاعتقاد بها مفهومان مركزيان للشرعية نفسها(3).فالعلامات المُقامة تعمل على كلا ،المفهومين وإذا ما أخفقت في تحقيق الاعتقاد بالشرعية، وهو الهدف النهائي لها، فإنها مع ذلك تبقى بالغة الأهمية من خلال العمل على تكثيف الادعاء بها. فالادّعاء بالشرعية نفسه عنصر لا غنى عنه في عملية بناء أيّ نظام، لأن«ادعاء الشرعية عنصر مكوّن للنظام»(4). وامتد شيوع مثل هذه العلامات

ص: 365


1- ينظر: مناقشة لمفهوم الشرعية والادعاء بالشرعية والاعتقاد بالشرعية لدى ماكس فيبر في بول ريكور، محاضرات في الأيديولوجيا واليوتوبيا تحرير وتقديم جورج تيلور، ترجمة فلاح رحيم دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2002م، ص 261 - 279.
2- ينظر: المصدر نفسه، ص 267.
3- المصدر نفسه، ص 268.
4- محاضرات في الأيديولوجيا واليوتوبيا، ص 269.

المميّزة، أي صور القيادات السياسية والدينية إلى البيوت وواجهاتها في النجف، واختلفت علامات المنزل النجفي، إذ لم يعد مألوفاً رؤية تلك العلامات القديمة للبيوت النجفية :«رأس وعل طويل القرنين لأجل التعوّذ أو رأس غزال مصلوب على الجدار، أو حذاء عتيق معلّق على تلك العمارة وترى أكياساً مُلئت بحبّ الرمل ولها شراشب من العفص وقطع صغيرة من الخزف الأزرق...»(1)، بل صارت واجهات البيوت موسومةً بالبيارق الخضر والسود، وملصقات ذات دلالات دينية أو طقوسية، أما الصور فتنتشر داخل البيوت لتدلَّ على الاتجاه الذي يؤيّده صاحب البيت.

ثمة علاقةٌ عكسية بين تقليص الشرعية والعنف،فأي محاولة لتقليص الشرعية العلاماتية لا بد من أن يعقبها اتساع في العنف. لا بد من أن للصراع على العلامات ونزعات استملاك المكان رمزياً انعكاساً للتهديد المحتمل من كل طرف على الآخر. إن تهديد العلامات يمكن أن يقع على«المصلحة العلاماتية»، وتهديد المصلحة العلاماتية يؤثر في الأخير على المصلحة السياسية ومن ثم الاقتصادية، فكلّ طرف يخوض صراعاً من أجل السلطة والهيمنة، وهو بحاجة إلى آليات تشهر العلامات أمام الأتباع والمقلدين بل إن هناك ابتكاراً للعلامات مطلوباً في خضم الصراع، وذلك لكي يُرضي المبتكر العلاماتي أغراض أصحاب المصلحة العلاماتية ولا يبعد تغيير العلامات وإعادة التسمية عن خطط إشاعة القيم الجديدة وتعزيز علاقات القوة الجديدة. فالكلمات والمشاهد تحمل دائماً ما يسمى«حمولة ثقافية Cultural baggage تدلّ على القيم وتؤيّد علاقات القوة»(2). فإعادة التسمية بالكلمات والوسم بالعلامات من منظور آخر تنظرُ إلى المكان كأنه«طِرْسُ palimpsest» ، أي المكان الذي تكتب فيه النصوص وتُمحى لكتابة نصوص أخرى(3). وما النجفُ سوى طِرْس كبير لكتابة العلامات ومحوها، ولكثرة الكتابة والمحوِ اختلطت أغراضُ الكتابة وأغراض المحو، وفي كلّ

ص: 366


1- موسوعة الشيخ علي الشرقي النثرية : الأحلام، ج2 ، القسم الثالث، جمع وتحقيق موسى الكرباسي، بغداد ،مطبعة العمّال المركزية، 1991م، ص 211 212 .
2- Koch, Harold and Hercus, Luise (eds.), boriginal Placenames: Naming and Renaming the Australian Landscape, (The Australian National University E Press and Aboriginal History Incorporated: Australia, 2009), p.189
3- Ibid.p.189

طِرْس ، ثمة آثارُ ممّا يُمحى يفرضُها تزاحم الكلمات والعلامات.مع ذلك، يكتسب فعل التسمية أهمية قصوى بحكم تحويله الفضاء الفارغ إلى مكان خاص، وكذلك مع إعادة التسمية التي تنقل ملكية المكان وتفرضُ الهيمنة عليه. فأسماء الأمكنة إن هي إلّا رموز ثقافية.

واقعيّاً،لو تدبّرنا مرة أخرى،مسألة تحقيق المصلحة العلاماتية سبيلاً لتحقيق الشرعية العلاماتية، نرى أنهما متداخلتان بحكم أن الشرعية العلاماتية هي إحدى مكونات المصلحة العلاماتية. بعبارة أخرى،إن َأي محاولة لكسب الشرعية إنما هي متداخلة مع المصلحة العلاماتية، التي تتمثل في تحقيق مكاسب عينية في الواقع. بمعنى آخر، يسعى تثبيت العلامات الجديدة إلى طرح«الحمولة الثقافية»كعامل في تأكيد القيم وعلاقات القوة، وذلك لكي يقوم الدال العلاماتي على الإحالة على مرجعه في الواقع واستهدافه والإحالة عليه وفي النجف مورس هذا النوع من ضخ الحمولة الثقافية في بعض مؤسسات الدولة. ثمة مؤسسات حكومية أعيدت تسميتها بأسماء تخصُّ مجموعات من الفاعلين السياسيين في المدينة في أعقاب لحظاتِ وصول الصراع إلى العنف الشامل من هذه المؤسسات أكبر مستشفيين في النجف، لكن إعادة التسمية لم تكن لتعني السيطرة على المؤسسة وإدارة شؤونها بالضرورة. فأنْ تُمْهَرَ «مستشفى النجف»باسم:مستشفى الحكيم«هو نوع من تحقيق المصلحة علاماتيّاً من أجل كسب المزيد من الشرعية عبرها، أي كسب الشرعية بترميز المكان أو المؤسسة. غير أن ذلك لم يكتس صفة الاستيلاء العيني على المؤسسة الحكومية، بل الاستيلاء الرمزي. والحال نفسه يصحُ على مستشفى الصدر. لأن مثل هذه المؤسسات تخضعُ في نهاية المطاف لمؤسسة الدولة التي تتبدّل شرعيتها ومصالحها كل حين، وتتصفُ شرعيتها ومصلحتها بالنسبية، ويعتورها الانحسار والاتساع، على عكس شرعية العوائل الدينية الكبرى ومصالحها التي تسعى للمطلق والثابت. ومثل هذا الوضع لا ينطبق بالطبع على المؤسسات التي تخص العائلة الدينية، وتتمتع باستقلال تامّ عن الدولة، وفي مثل هذه المؤسسات تجتمع الشرعية العلاماتية والمصلحة العلاماتية فيتحقق الاثنان دون تبدل أو انحسار ، وأبرز مثالين على ذلك هما مؤسسة «شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي»(1)

ص: 367


1- كان السيد محمد باقر الحكيم (1939 - 2003م) قد أسس المؤسسة الأولى في العام 2003م باسم «التبليغ الإسلامي»، وبعد استشهاده في العام نفسه تغيّر اسم هذه المؤسسة إلى«مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي»بطلب من أعضاء أمانتها العامة على أنها مؤسسة إسلامية ثقافية مستقلة. والحق أن أنشطة هذه المؤسسة واسعة ومهمة، وتتعدّى الهموم الشيعية، وقد حققت عضوية المستشارية في منظمة الأمم المتحدة. فالمؤتمرات التي تقيمها والمشاريع التي ترعاها في فروعها التي تربو على الثلاثين في محافظات العراق وعبر الدوائر المتنوعة التي تتألف منها المؤسسة لا تتوخى شؤون المرجعية وطلبة الحوزات العلمية وحسب، بل المجتمع بأكمله في عمل دائب في التوجيه الديني والعقائدي والاجتماعي والثقافي العام.

التي يديرها آل الحكيم وفيها ضريح محمد باقر الحكيم (ينظر صورة 1)، وضريح محمد محمد صادق الصدر (ينظر صورة 2).

صورة رقم (1)

مؤسسة شهيد المحراب وفيها ضريح السيد محمد باقر الحكيمچ

(حقوق الصورة للسيد فارس حرام)

انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

ص: 368

صورة رقم (2)

مقام آية الله العظمى محمد محمد صادق الصدر وولديه مصطفى ومؤمل

(حقوق الصورة للسيد فارس حرام) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

يبقى السعي إلى تحقيق الشرعية العلاماتية محاولةً في تحقيق المصلحة العلاماتية والعكس صحيح أيضاً. إنها محاولة تنطوي في جوهرها على الفرض الواعي لانتماء لاواع ، أي فرضاً مدبّراً لتحقيق انتماء طوعي عبر العلامات. في الواقع، لا تتوخى العلامات الجديدة في النجف تملك المكان فقط، بل ثمة تملك أبعد ذلك؛ ألا من وهو تملك الشعور الجمعي الذي تنبني على أسسه أمتن شرعية علاماتية. تغص النجف بالعلامات الجديدة، إنها تمثيل محتدم للتنافس بين العوائل الدينية، وليس ببعيد ذلك السعي الترميزي الشديدُ عن التفكير في تكريس التاريخ، تاريخ النجف والإسلام والعوائل الدينية. فالأمر معروف وواضح : كلّما حاق مأزق بمدينة النجف نتيجة تغيّرات

ص: 369

جذرية في تاريخها مثل الانتفاضات ضد الاحتلال والأنظمة الدكتاتورية تولد فراغ لا يملؤه إلّا رجال الدين. وهؤلاء لا يمثلون نخبة واحدة متحدة، بل مجتمع آخر، مجتمع العلماء، تشيع فيه الاختلافات،والاجتهادات، والمصالح الخاصة، والإحن التاريخية، والصراع على الشرعية، وادّعاء الأحقية والأعلمية، وكلّ ما يبعث على ذلك العنصر الثابت في أي مجتمع كان: أي الصراع.

لا بدّ من الإشارة إلى طبيعة تأثر الفضاء الاجتماعي في النجف باعتباره ذا طبيعة خاصة، أي الإشارة إلى أن المدينة وحيدة المذهب (الشيعي). كذلك يجب التنويه بعلاقة الفضاء الاجتماعي بالفضاء الجغرافي الداخلي للنجف نفسها، إذ لم يعد من مجال في النجف لخلخلة الفضاء الاجتماعي عبر خلخلة الفضاء الجغرافي. وهو النقطة التي كانت مقترباً لبيير بورديو في بحث «الفضاء الاجتماعي والسلطة الرمزية(1). فالعلامات التي تحتل الفضاء الجغرافي ليست حكراً على حزب أو تيار، لأن الفضاء الجغرافي متاحٌ حَلْبةً للصراع. وهذا لا ينطبق على العلامات فقط، بل على بنية المكان عامة، فحركة المجتمع احتلت الفضاء الجغرافي دون اعتبارات صارمة لدرجة التقارب أو التباعد بين أعضاء المجتمع، ولم يجد حضورُ العلامات بينهم، بوصفه عاملاً محرّضاً على الانعزال أو الانحياز ، تأثيراً بالغاً في تحقيق الانعزال أو حتى الانحياز العنيف. لذلك وفي خضم هذا الصراع لم يتخلخل الفضاء الاجتماعي جغرافياً، فلا نزوح سكانياً حدث بسبب هذا الصراع، ولم تتفتّتِ الفئات الاجتماعية تفتتاً يُنذر بالكارثة بسببه، ولم تتصارع القوى الحزبية الأساسية صراعاً مميتاً، بل لم تسعَ إلى سحق القوى غير الأساسية، وسوف نرى ذلك حين نتناول وضع الحزب الشيوعي في النجف فيما يلي من البحث على الرغم من ضرورة التحفّظ على بعض الحوادث التي اصطبغت بعنف دموي مرّ كلحظة خاطفة وسط مواضعات الصراع غير العنيف.

ص: 370


1- ينظر: بورديو،بيير بعبارة أخرى: محاولات باتجاه سوسيولوجيا انعكاسية، ترجمة أحمد حسّان ميريت للنشر والمعلومات القاهرة، 2002م ، ص 211210. يرى بورديو أن الناس الذين يجمعهم قرب معيّن بعضهم إلى بعض في الفضاء الاجتماعي يميلون إلى التقارب طوعاً أو بالضرورة في الفضاء الجغرافي، وهذا لا يعني أن الناس الذين لا يقربهم شيء ما بعضهم البعض في الفضاء الاجتماعي، يتنافرون في الفضاء الجغرافي، بل يمكن أن يبنوا تماسكاً معيناً في علاقاتهم.

غير أن هذا لم يكن ضامناً من بروز خاطف لصراع عائلي بعد العام 2003م.إن صراع البيوتات النجفية له تاريخ قديم،مثله مثل الصراع بين فريقين متعاديين هما الزقرت والشمرت في المحلات النجفية الأربع الشهيرة قديماً (العمارة والحويش والبراق والمشراق)(1). لكن صراعات هذه المحلات انتهى ولم ينته صراع الزعامات والبيوتات، وقد يتطلب هذا الوضع تفسيراً يتعلّق بالتأكيد بتحولات البنى الاجتماعية في مدينة النجف. كان التناحر بين المحلات النجفية،في القرن التاسع عشر، عنيفاً وقاسياً ومديداً، ويؤطّر أحياناً بوثيقة كما في وثيقة حي البراق(2)، ولا توقفه إلا القوى الحكومية العنيفة أو قوى الاحتلال، وانقسام النجف آنذاك هو في الواقع انقسام يتسيّده«مسلحون»يقف خلفهم«معمّمون». فالخصمان اللدودان الزقرت والشمرت كانا يمثلان عنفَ المدينة المستديم. أسّس جماعة الزقرت في مطلع القرن التاسع عشر، الشيخ جعفر الكبير (1743 - 1813م)، المعروف وأسرته لاحقاً ب_ «كاشف الغطاء»، باسم كتابه كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، ضدّ هجمات الوهابيين القادمين من نجد،أما الشمرت فقام بتشكيلها الملا طاهر ابن الملا محمود الرحبي، حاكم النجف آنذاك، بعد مقتل السيد محمود الرحبي في العام 1813م واتهام الزقرت بقتله(3). كان هذا الحدث السبب المباشر وراء أول حدث انقسام في المجتمع النجفي، فمقتل السيد

ص: 371


1- ينظر: موسوعة الشيخ علي الشرقي النثرية: الأحلام، ج3، القسم الرابع، ص148. وينظر أيضاً: الوردي علي لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، مطبعة الشعب، بغداد، 1974م، ج4، ص408. ولمعلومات تفصيلية عن هذه المحلات ينظر الرفيعي، عبد الحسين (إعداد)، النجف الأشرف ذكريات ورؤى وانطباعات ومشاهد، دار الحكمة لندن، 2009م، ص 15-77.
2- Nakash, Yitzhak, The Shi'is of Iraq, (New Jersey: Princeton University Press, 1994), p.21 .and Appendix 1
3- ينظر: كمال الدين،محمد علي،النجف في ربع قرن منذ سنة 1908،تحقيق وتعليق كامل سلمان الجبوري دار ،القارئ،دون مكان،2005م، ص 39 - 41. وينظر أيضاً محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، (3 أجزاء)، بيروت، دار الأضواء، ط2، 1986م ، ج 1 ، ص 332 - 336، والحكيم، حسن ،عيسى، المفصل في تاريخ النجف، (34 جزءاً حتى الآن)، المكتبة الحيدرية، قم المقدسة، 1427 ه_، ج1، ص403 ، وجميل موسى النجار، مجتمع مدينة النجف في العهد العثماني الأخير: وموقفه من الاحتلال البريطاني للعراق خلال الحرب العالمية الأولى 1831 - 1918، جمعية منتدى النشر، النجف الأشرف، 2012م، ص 24-23. Nakash, Yitzhak, The Shi'is of Iraq, (New Jersey: Princeton University Press, 1994), p.20

الرحبي جاء ليخلقَ ظاهرة انصداع الوحدة النجفية»(1)بتعبير محمد علي كمال الدين، لأول مرة في تاريخ المدينة. كانت قصة مقتله، إذن، قصة انقسام وانصداع، وصراع«بين التقاليد الدينية وبين (كذا) السُّنن العراقية »(2)؛ أي بين أوامر مفتي النجف الشيخ جعفر کاشف الغطاء لأتباعه من المسلحين بإحضار الرحبي إليه قهراً لعَضْلِه أخته عن الزواج،وإيوائه جنود الوهابية الذين يهاجمون النجف، وإباء الأخير واعتصامه ببيته حتى المواجهة والقتل على نحو ينافي الأعراف التي ترى في ذلك اعتداء على الشرف(3). بعد سقوط الدكتاتورية في العام 2003م، قد يبدو المشهد من بعيد ذا شَبَه بمشهد القرن التاسع عشر، لكن أهدافه بالتأكيد أبعد من صراع المحلات النجفية القديمة، إنه صراع يتعدى النجف نفسها إلى شيعة العراق،وشيعة العالم. لكن الثابت في هذه المسألة هو أن ثمة انقساماً فيه«مسلحون» و «معممون»، وتبدّت تمخضاته بدءاً بمقتل السيد عبد المجيد الخوئي في العام 2003م،وليس انتهاء بالتنافس بين قيادات دينية سياسية مثل آل الصدر وآل الحكيم. لكن التنافس الآن مواربٌ تديره عقلية سياسية جديدة تعترفُ بالديمقراطية ملعباً لأداء الألعاب،بدلاً من القتال، لتكتسب الشرعية عبرها،وتحقق المصلحة بها، وهي تحاول أن تلطَّفَ من الاحتدام في الواقع بنقله إلى مفاصل الحياة الثقافية والاقتصادية والطقوسية، تحاول أن تنقله إلى العلامات وحضورها في المجال العام.

لكن التقارب بين الناس، أو التباعد، أو حتى التكاره، لا يتحدّدُ بالقرب أو البعد بين الفضاء الاجتماعي والفضاء الجغرافي، على الرغم من صحة فرضية بورديو في أنه«يميل الناس القريبون من بعضهم في الفضاء الاجتماعي إلى التقارب معاً، بالاختيار أو بالضرورة في الفضاء الجغرافي؛ورغم ذلك، يمكن للناس الشديدي البعد عن بعضهم الفضاء الاجتماعي أن يتقابلوا معاً، على الأقل على نحو وجيز ومتقطع، في الفضاء الفيزيقي»(4). إن هذا يُلقي الضوء على طبيعة خاصة لبوتقة النجف، فهي لا تحتضن

ص: 372


1- كمال الدين،المصدر السابق نفسه، ص 39.
2- المصدر السابق نفسه، ص 40.
3- ينظر: كمال الدين،النجف في ربع قرن منذ سنة 1908 ، ص 39 - 40. وينظر القصة كاملة في محبوبة،ماضي النجف وحاضرها، ج 1، ص 332-336.
4- بوردیو،مصدر السابق نفسه، ص 211-210.

فقط بفضائها الجغرافي ما يبدو نذير شؤم ومبعثَ صراع وشيك، أي الناس من ذوي التوجهات المختلفة والعقائد الصارمة والتفضيلات غير القابلة للتسوية، بل هي تتيحُ، بفعل عوامل سياسية وذات علاقة بتوازن القوى، تذويباً تدريجياً لاحتمالات العنف في الصراع. وهذا أحد ملامح الاعتدال في مدينة النجف التي يظن الكثيرون أن فيها بركاناً عقائدياً متصلباً يوشك على الانفجار.

حزب الدعوة والعلامات

منذ العام 2003م ، لا يظهرُ أن لدى حزب الدعوة نشاطاً علاماتيّاً محموماً في النجف مقارنةً بما عليه حال التيار الصدري والمجلس الإسلامي الأعلى. ولعل الاستثناءَ يتمثل في تجربة واحدة ارتبطت برئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، لاسيما بعد انفصاله عن الدعوة وتأسيسه حركة الإصلاح الوطني. هذه التجربة تمثلت في تأسيس المنتدى الوطني الحر للدراسات الاستراتيجية في النجف، فكان لهذا المركز أنشطة ثقافية مميزة نهض بأعبائها مؤسس المركز الدكتور عبد الأمير زاهد، لكن هذا الاستثناء نفسَهُ خَفَتَ فيما بعد. ومن جهة أخرى، ثمّة نشاطٌ واضح لحزب الدعوة في الاستثمار في مجال التعليم الأهلي، إذ قام الحزب بإنشاء جامعة الإمام الصادق ومقرها العام في بغداد، واتخذوا من بناية مديرية التربية القديمة في حي السعد، القريبة من جامعة النجف الدينية، مقراً لها(1).

يستثمر حزب الدعوة، مثل جميع الأحزاب الدينية الأخرى، وفي معظم نشاطه الاجتماعي والسياسي،الإعداد والمشاركة في الطقوس الدينية منذ العام 2003م وسيلةً لتحقيق غايات وأهداف سياسية والحزب، كما يرى بعض المثقفين، ليس بدعاً في هذا على الرغم من عمق الاختلافات السياسية مع الأحزاب الأخرى التي تنعكسُ في اختلاف المرجعيات الفقهية لها، فمن المعروف أن الأحزاب الشيعية لا تدين جميعها بالولاء المطلق إلى مرجع فقهي واحد، بل إلى مرجعيات متعددة، وكثيراً ما يتجسّدُ

ص: 373


1- من مقابلة الكاتب الأستاذ أحمد محمد الموسوي(رئيس تحرير مجلة «الشرارة» في النجف للأعوام 2005-2009م).

هذا المشهد في صور هؤلاء المراجع التي ترفعها الأحزاب على واجهات مواكبهم الحسينية،ومقراتهم الحزبية، وفي الشوارع والساحات العامة. وحزب الدعوة ليس ببعيد عن هذا المشهد فأصحابه أيضاً يرفعون صور مراجعهم لاسيما السيد محمد حسین فضل الله (1935-2010م) والسيد محمد باقر الصدر، فضلاً عن صور إبراهيم الجعفري بدايةً، وبعد ذلك صور نوري المالكي حين أصبح رئيساً للوزراء. لكن قوةً حزب الدعوة وحضوره الاجتماعي تعاظمت بعد وزارة الجعفري، لا عن طريق دخول حلبة صراع العلامات،بل عن طريق تسخير الامتيازات في الدولة والحكومة، ومن خلال بسط النفوذ عبر كسب ود الناس(1)

مع ذلك، يبقى الصراع على تثبيت العلامات ليس فعلاً رمزياً وحسب، بل هو تمهيد اسمي يسبق تأسيس الواقع. وهكذا كان التسابق على تشكيل المؤسسات التابعة لهذا الحزب أو ذاك، ولهذا القائد أو ذاك، على أشدّه، وما من لحظة يمكن إضاعتها في هذا السباق، فقد تعني خسران التسمية والواقع. ولو قمنا بلم ملامح العلامات المتفرقة في النجف في شوارعها، ومؤسساتها، ونواديها الثقافية، وأحيائها السكنية،وحسينياتها، ومرافقها العامة، وحتى بعض مؤسساتها الحكومية، لتشكّل وجه للمدينة يؤكد قيم المدينة الدينية في نطاقها العام، وتؤكد أيضاً قيم بعض العوائل الدينية. ففي خضم هذه المياسم العلاماتية المحتشدة، يمتزج العام بالخاص، ويُجرى تعزيز قِيَمِ الجماعة وقِيمِ رموزها في الوقت نفسه، ويدخل كلّ في مجال التنافس الشديد، والمتوقع، على تمثيل المجتمع؛ لأن اكتساب الشرعية العلاماتية يرتبط بحاملي القيم أكثر من القيم نفسها، ويرتبط توكيدها والسعي لتحقيقها عبر العلامات بحامليها أكثر من حقيقة القيم نفسها. فالتنافس مهما تغلّفَ باتباع قواعد اللعبة السياسية لكنه يركنُ في الأخير إلى المصالح الخاصة أيضاً. ولعل من اللازم أن ننوه هنا باستثناء واحد لم يدخل حلبة الصراع العلاماتي بطريقتها الموصوفة آنفاً؛ وذلك لأن هذا الاستثناء لا يلج ميدان السياسة كما تلجها الأحزاب السياسية، هذا الاستثناء هو المرجعية الكبرى لآية

الله العظمى علي السيستاني (1930م ....).

ص: 374


1- من مقابلة مع الكاتب الأستاذ أحمد محمد الموسوي(رئيس تحرير مجلة «الشرارة» في النجف للأعوام 2005-2009م).

السيستاني والعلامات

لم يكن الصراعُ العلاماتي والفعلي على النجف فقط، بل إن الجغرافية الحقيقية له، والطموح الفعلي الذي يستوطنه، هما العالم الشيعي برمته. ولكن قد يبدو هذا طموحاً للعالمية كبيراً، ولا يمكن أن تحققه انطلاقاً من النجف إلّا كاريزما واحدة لا مثيل لها ولا تنافسها كاريزما أخرى في النجف؛ تلك هي کاريزما المرجع الأكبر آية الله العظمى علي السيستاني. فهذا الرجل هو وحده من يلم شتات الشيعة في أقاصي الأرض مركّزاً نظرها نحو النجف هو وحده من يوجّه الأنظار إلى النجف وهو بالطبع لا يدخل صراع العلامات بالطريقة المعهودة، فهو نفسه وفي لتقاليد المرجعيات الكبرى في النجف، ومنها الغياب عن وسائل الإعلام. لكن غيابه هذا أكثر حضوراً من أكثر الحاضرين في المجال العام. لا توجد صورة للسيستاني إلا ويرعى وجودها مقلّدوه في الشوارع والبيوت والسيارات والمحلات والحسينيات والمؤسسات. غير أن ما ترعاه مؤسسة المرجعية ليس نظام الصراع على العلامات الذي يسود بين الأحزاب السياسية والتيارات الدينية، بل إن ما ترعاه هو سعي مختلف في الواقع. ومثلما اختطت طريقاً ثالثاً في السياسة، تقدّمت للمجتمعات بطريق ثالث في العلامات بحيث تحفظها خارج لعبة السياسة المباشرة. إنه يتقدّم بشرعية وينال عليها اعتقاداً مستحقاً ويدعمها بعلامات تعفّ عن النزول إلى الفضاء المسيس.

ولم يكن مثل هذا الطريق الذي تختطه مرجعية السيستاني لنفسها سوى تدبير منسجم مع طبيعة تعاملها الحذر، والمترع بالحكمة،مع السياسة ذلك التعامل الذي وصفه بعضُ دارسي النشاط السياسي للسيستاني بأنه «طريق ثالث»(1)صاغه بأناة وشروط ضمنية في ممارسة السياسة، دون أن يخلط المقدس بالمدنّس. فقد بدأ انخراطه في السياسة بعد سقوط الدكتاتورية في يونيو (حزيران) 2003م عندما أصدر مكتبه في النجف بلاغاً تحدى به قرار سلطة الائتلاف المؤقت Coalition Provisional Authority تشكيل حكومة مؤقتة من أجل نقل السيادة. أوجب السيستاني

ص: 375


1- Kadhim, Abbas, «Forging a third way: Sistani's marja'iya between quietism and wilāyat (1) al-faqih», in: Paya, Ali and Esposito, John L (eds.), Iraq, Democracy and the Future of the Muslim World, (London New York: Routledge, 2011), p.65-79

إجراء انتخابات عامة يُنتخَبُ على أساسها مجلس تأسيسي لكتابة الدستور، ويُجرى تصويت عام عليه(1). وقد دلت الأحداث على أن السيستاني لا يتدخل في السياسة إلا حين يعجز الجميعُ قاطبةً عن الإتيان بحل لمأزق ما، ويأتي دوره منقذاً مطلوباً من الأطراف كلّها. فهو«لم يحتفظ بمجرد دور الناصح حينما رأى البلاد على وشك الوقوع في الكارثة خلال المعركة بين القوات متعددة الجنسيات ومقاتلي مقتدى الصدر. فما إن وصلت المعركة إلى ضريح الإمام علي في النجف، في أغسطس (آب) 2004م، عاد السيستاني من لندن وسجّل انتصاراً تاريخياً عندما جنّب البلاد إراقة لدماء», p.76' class='content_notelink'>(2). إن أساس كلّ حلّ لدى السيستاني كان قائماً على كاريزماه الشخصية ورمزيته وشرعيته،وبغير هذه العوامل ما كان بالإمكان ضمان أي نجاح لتدخله الضروري آنذاك. إن صورته ملصق موجود في الأذهان وليس على واجهات البنايات، ولحظات تدخله السياسي هي نوع من القرار السياسي البات الذي لا يُرَدّ ، لكن المحسوب بدقة كبيرة. إن العلامات لا تضع السيستاني في مركز الاهتمام، فهو غني عن الحاجة إلى بثّ علامات بالطريقة التي تتبعها الأحزاب السياسية، لأن فتاواه بوصفه أكبر مرجع في العالم الشيعي، و«الطريق الثالث الذي اختطه في مواقفه السياسية، والمشاريع الثقافية والاجتماعية والخدمية التي يرعاها في العالم(3). هي علاماته البارزة في النجف خاصةً وفي العالم الشيعي عامة.

فإذا كان وضع السيستاني، كأكبر مرجعية عامة في النجف، مع العلامات هوما وصفنا في أعلاه، فإن وضع المرجعيات الأخرى الموجودة في النجف يتباين سَعَةً و انحساراً بحسب قوة المرجع وكثرة مقلّديه وطبيعة تعامله مع المجال العام، وطبيعة

ص: 376


1- ينظر: الخفّاف، حامد (إعداد)، النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية، دار المؤرخ العربي ،بيروت ،2007م ، وثيقة رقم 14 ص 177 ، وثيقة رقم 7 ص192، وثيقة رقم 19 ص 194 ، وغيرها من الوثائق.
2- Kadhim, Abbas, «Forging a third way: Sistani's marja'iya between quietism andwilāyat al-faqih»>, p.76
3- ثمة قائمة من ثمان وعشرين مؤسسة وضع أسسها السيستاني وما زال يرعاها، بينها مراكز أبحاث علمية، ولتأليف الكتب ونشرها ومراكز إرشاد وتوجيه ومكتبات ومجمعات سكنية. ينظر : الحكيم، حسن عيسى، المفصل في تاريخ النجف، ج8، ص243-244 .

اعتراف أساتذته وزملائه من المراجع الآخرين به ولا شكّ في أن هناك اتفاقاً على أن أكبر المراجع في النجف الآن أربعة بضمنهم السيستاني؛ والآخرون الثلاثة هم آية الله العظمى محمد سعيد الحكيم (1934م - ...) ، وآية الله العظمى إسحاق الفياض (1930م ....)، وآية الله العظمى بشير النجفي. وهناك بالطبع مجتهدون آخرون تصدّوا للمرجعية وأعلنوا مرجعيّتهم دون إجازة أو تأييد أو مباركةٍ من المراجع الأربعة الكبار. ومن البارزين بين هؤلاء المرجع آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (1960م . ...) الذي يتمتع بمكانة متميزة، لكن حضوره في النجف لا يمكن أن ينافسَ حضور الأربعة الكبار، وحضور آل الحكيم وآل الصدر. أما حضور علاماته في المدينة فلا يكاد يبينُ أمام طغيان العلامات الأخرى للقوى السياسية المنافسة، رغم وجود صورة له هنا أو هناك، ووجود مكتب له في النجف. أما المؤسسات التي أقامها فمنها الحوزات الرجالية تحت مسمى جامعة الصدر، والنسائية تحت مسمّى «جامعة الزهراء»، ولها فروع كثيرة تنتشر في محافظات العراق، وله قناة فضائية اسمها «النعيم» وثلاثُ إذاعات في بغداد والبصرة والناصرية. ومعروفٌ أن كتلته السياسية، «حزب الفضيلة الإسلامي»، نالت مكاسب ومناصب في مجلس النواب والحكومة (وزارة العدل).مع ذلك كله، لا يضاهي حضوره وتأثيره في النجف حضوره وتأثيره في البصرة على سبيل المثال.

يمكن تعليل هذا الحضور الحيي والتأثير المحدود وندرة العلامات بأشياء لعل أولها أن المرجع محمد اليعقوبي لم ينل إجازة المراجع الأربعة الكبار، بل تصدّى للمرجعية استناداً إلى وصية مكتوبة من أستاذه المرجع محمد محمد صادق الصدر، وهو طالما أشار إلى هذا الأمر في أحاديثه المتلفزة. ومع أنه تريث في إعلان اجتهاده، لكن موقعه الرسمي يشير إلى شهادات بالاجتهاد نالها من مجتهدين آخرين(1)غير المراجع الأربعة، ويمكن النظر إلى زيارته إلى الكاظمية عشيّة سقوط النظام الدكتاتوري في نيسان 2003م وإمامته صلاة الجمعة إعلاناً عن تصدّيه للشؤون العامة، لكن ذلك لم يكن في النجف. كذلك فإن تأكيد

ص: 377


1- ينظر: موقع آية الله العظمى محمد اليعقوبي: http://www.yaqoobi.com/arabic/Section/6/Al-Syrh+Al-Dhatyh/index.html (في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013م).

مقتدى الصدر مرجعيه كاظم الحائري راعياً للتيار الصدري أفقد اليعقوبي فرصةً أن يكون مرجع التيار الصدري الضخم،فقد زاد ذلك من انحسار نفوذه في النجف بين الصدريين. إن النفوذ القوي الذي يتمتع به مكتب الصدر في النجف، وعدم اعتراف الصدرين باليعقوبي مرجعاً لهم، وعدم اعتراف المراجع الأربعة بمرجعيته عوامل وضعت اليعقوبي خارج البنية التقليدية الرسمية الموروثة للمرجعية في النجف، (انظر الصورة 3) وحالت دون أن تكون له علامات بارزة في النجف، ومن ثم نفوذ وتأثير كبيران.

صورة رقم (3)

آية الله الشيخ محمد اليعقوبي

(حقوق الصورة للسيد فارس حرام(انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

المشهد اللغوي والأيقوني

لعلّ شوارع النجف تحمل كثافةً اسمية تتجه إلى الرموز الثقافية والتاريخية العامة في التاريخ الشيعي أكثر من الرموز الخاصة في النجف هذه الأيام. فالمشهد اللغوي والأيقوني لعلامات المحلات هو مشهد ذو مرجع Reference شيعي، فالمحلات والمطاعم ومقاهي الترفيه وبقية الأماكن العامة تزخر بأسماء أئمة الشيعة الاثني عشر، ورموزهم النسائية كفاطمة الزهراء وزينب الكبرى، وبأحداث تاريخهم الطويل مثل معركة الطفّ، وأعيادهم مثل «عيد الغدير». وقائمة الأسماء الآتية تدلّل على نمط

ص: 378

التسمية الجديد والعلامات الجديدة في النجف التي تعكس هوية المدينة التي كانت تختبئ بفعل القسر والقمع من مشاريع المجمعات السكانية الكبرى هناك«قرية الغدير»، و «قرية أنوار المصطفى»، وكلها أسماء ذات حمولة دينية لمجمعات سكنية

حديثة قيد الإنشاء. ومن بين عشرات الفنادق هناك «فندق الغدير»، و «فندق النرجس» و «فندق فاطمة الزهراء»، و«فندق السبطين»، وجميعها ذات مرجعية دينية تحيل على رموز إسلامية وشيعية وهناك أسماء تحيل على خصوصية المدينة مثل «فندق در النجف»، أو تحيل على العراق مثل فندق «جنة العراق». وبالطبع تنتشر أيضاً التسميات التي تحيلُ على العشائر والبيوت مثل «حلويات العكايشي»، و«مول الجشعمي»، وغيرها. بالرغم من وجود أنظمة متنوعة للتسمية في المدينة، لكن سيادة نظام التسمية الدينية هو الذي يبدو جلياً هنا. أما التسمية العشائرية أو المحايدة فهي قليلة بالمقارنة.

ومن جهة أخرى، أدّى الصراعُ في الواقع إلى تشرذم العلامات، والعكس صحيح. يأتي هذا التشرذم رغماً عن دواع كثيرة تتيحُ وحدة العلامات والواقع، وتتيح إمكانية تشكيل جماعة جديدة للعلماء في النجف هدفها الإصلاح وليس التنافس. مع أن تاريخ تأسيس جماعة العلماء لم يحدث قديماً في النجف إلا من أجل أن يدخل حلبة الصراع ؛ هذا إذا نوّهنا بتلك الجماعة القديمة المتأسّسة في الستينات من القرن العشرين. ففي العام 1960م، قاد المرجع الأكبر السيد محسن الحكيم (1889- 1970م) حملة لتأسيس جماعة العلماء في النجف في ظرف انتهى فيه إلى قرار محاربة الشيوعية وتوكيد القيم الشيعية والمبادئ الإسلامية(1). إن رجال الدين الذين يمارسون السياسة الآن لا تضمهم جماعةٌ مثل تلك القديمة، لأنهم في صراع تعكسُه العلامات التي تعبر عن العجز عن تركيب علامات جديدة منها. ويلوح سبب ذلك في أن صانعي العلامات، وهم رجال دين يمارسون السياسة، كانوا يتمتعون سابقاً بوحدة الهدف، لأنهم يتعرضون لاضطهادٍ مشترك من بيئة ذات نظام علماني، ولذلك اتجهت إلى الاتحاد بدل الصراع، لكن الوضعَ الآن يختلفُ لاختلاف الظروف. فلم تَعُد لديهم حساسية تجاه العلمانيين بسبب ضعفهم وأصبح التنافس بينهم أنفسهم،

ص: 379


1- ينظر: عبد الجبار،فالح العمامة والأفندي: سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الشيعي (نموذج العراق)، ترجمة أمجد حسين،دراسات عراقية،بغداد - أربيل - بيروت، 2009م، ص 177.

فهم وحدَهم من يرسمُ مشهد المدينة. ولذا فهي تتمتع بسمة النفي، بالإشارة العنيفة، أو بالتحدّي المحتدم فثمة مرأى الجداريات تحمل صورة السيد مقتدى الصدر ذات مظهر علاماتي متحد. وعلى العكس، قد تقفُ جدارية لمحمد باقر الحكيم بمسحة الشهادة على الوجه،وسيماء القداسة الهادئة، لتستدرَّ عواطف الرائحين والغادين كلتا الوقفتين تضمران غاية واحدة، الأولى بسيمائها المتحدّية والثانية بمسحتها الناعمة كلتاهما تتوخيان موقف الآخر،المشاهد،الناخب، التابع،المقلّد، إنها محاولة للتأثير فيه، أو إبقائه تحت طائلة التأثر واحدة بالتحدّي والأخرى بالسكينة، ولكلّ نهج ظروفه وسياقه تحدّياً وسكينة. وذلك أقصى ما تمارسه الصور المحتشدة في المدينة في مثل هذا السباق على النفوذ والشرعية وتحقيق المصلحة.

إن الشعور بوجود الصراع في النجف مستمر ، لكنه أنعمُ ممّا كان عليه بُعيدَ سقوط الدكتاتورية في العام 2003م. وعلى الرغم من تجاور العلامات اللافتة التي تشير إلى الصراع في تلك المدينة ، لكن المرء يستطيع تمييز البعد الاستعاري فيها. إن صور المراجع والشخصيات الدينية المنتشرة في النجف تنسّق مشهداً أيقونيّاً Iconic landscape للمدينة بتدبير قصدي، حتى تظهر الصور كأنها أيقونات القديسين في التراث المسيحي؛ إنه جمعُ سيماء القداسة وسعادة الشهادة في صورة واحدة إن القداسة لا تضفي على أيقونات رجال الدين لأغراض تبجيلية فقط، بل هي تعكس تمثيلاً للألوهة في صورة أو أيقونة أو تمثال. وهذا لا يعني فقط تأكيد ربّانية الشخص الممثل في الأيقونة، بل يعني إقراراً بوجود ارتباط بينه وبين الألوهة في العالم الواقعي لهذا النمط من التمثيل تاريخ طويل نراه أمير . ما يكونُ في التراث الأيقوني للكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية(1). وعلى الرغم من أن الصورة أو الأيقونة تكتسب بعداً تأويليّاً من صلتها بالأصل، وثمة محاولة لعزلها عن الزمان والمكان(2)، تبقى تؤكد ذلك الإقرار بوجود الارتباط الإنسي - الإلهي من أجل ضمان حضور ذي زخم قوي وطاغ في المكان، ومن أجل فاعلية لا تنقطع في الزمان وأخيراً من أجلِ وَسمِ التاريخ بميسم الصورة الأيقونية.

ص: 380


1- Sadowski, Piotr, From Interaction to Symbol: A systems view of the evolution of signs (1) and communication (Amsterdam/Philadelphia: John Benjamins Publishing Company, 2009), p.38
2- Ibid., p.38

إن بلاغة العلامات المتناولة هنا بلاغة ضعيفة أي إن تأثيرها الجمالي يخفتُ أمام فعلها الإقصائي للعلامات الأخرى. فهي تضع حدوداً لا يجب انتهاكها، أي تقضي على الجدل القائم بين العلامات، إذ ثمة أمكنة تحتكرُ خطاً علاماتياً محدداً، ولا تتيحُ شحذ علامة بعلامة وعلامات النجف في بعض أمكنتها تشهد هذا الغياب لبلاغة العلامة الجدل العلامات خضوعاً لجدل احتكار المكان أو وقفيّته على عائلة ما أو مرجع ما، أو سياسي ما. بالطبع هناك سعي من بعض العلامات إلى أن تكون معلماً بارزاً في المدينة، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود مادي عياني لافت، كأن يكون مؤسسة ضخمة، مثل مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، كما نوهنا فيما سبق من البحث. أما قصر الثقافة، وهو أبرز معلم عمراني وثقافي في النجف الآن، المبني حديثاً في إطار مشروع لم يكتمل : «النجف عاصمة الثقافة الإسلامية»، فيمكن ضمه إلى نسق العلامات التي ستمارس دوراً كبيراً في الحياة الثقافية النجفية، فحكومة النجف المحلية هي التي أنجزت بناءه، ومن ثمّ سيكون بعيداً عن أي نشاط موجّه لتعزيز وجود حزب أو عائلة، أي إن من المأمول ألا يكون طرفاً في الصراع على اكتساب الشرعية وتحقيق المصلحة. لقد دخل قصر الثقافة حيّز المعالم العمرانية البارزة في المدينة كونه أضخم مبنى ذي عمارة هندسية رائعة الجمال. قصر الثقافة معلم عمراني، لا شكّ، لكنه ينتظر أن يكونَ علامة من نوع خاص، أعني علامةً ثقافية. ولا يكون معلم عمراني علامةً ثقافيةً إِلَّا بالإنتاج الثقافي، إلا بأن يكون حاضنة ثقافة، غير عائلية ولا مذهبية، ولا مشروطة. ولعل قصر الثقافة في طور إنجاز هذا الوعد.

لكن هناك أمكنةً أخرى يتطاير منها شررُ شحذ العلامة بالعلامة، فيكون ثمة حضور للبلاغة العلاماتية، حضور نافر. على سبيل المثال إن علامة مستشفى الصدر شحذت علامة مستشفى الحكيم، وجدارية لمقتدى الصدر في نقطة تلاقي شارع معمل الإسمنت في الكوفة مع الشارع الرئيس للمدينة، فضلاً عن الساحة الشهيرة المسمّاة ساحة الصدرين التي تقع في الشارع الرئيس الرابط بين النجف والكوفة، وهي تحفل بجدارية ضخمة لصور السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد صادق الصدر والسيد مقتدى الصدر، كلّها شحذت جداريات لرموز آل الحكيم: السيد محمد باقر الحكيم،وأخيه السيد عبد العزيز، وابن الأخير السيد عمار الحكيم في تقاطعات أخرى وشوارع هذه الرموز حجزت أمكنتها في مداخل مدينة النجف المفضية إلى

أخرى. وجميع

ص: 381

محافظة كربلاء ومحافظة بابل ومحافظة القادسية عبر جداريات ضخمة تعلم المقيم والوافد، النجفي والزائر، بممثلي هذه المدينة.

إن عملية التواصل السيميائي هنا ذات طابع تداوليّ، أي إنها تُديمُ، رغم الطابع الاحتكاري والوقفي،التواصل بين خصمين يُفترَضُ أن قطيعة تضرب بجذورها بينهما. لكن من فضائل العلامات أنها لا تحتاجُ إلى وسيط يسوّي تناقضاتها، ولا إلى إعادة توجيه لتلافي تضاربها، بل هي مشاعة بطبيعتها، وفي مشاعيّتها تحقق التواصل المتعارض والمتضارب. يكمن في الاختلاف بين أطراف الصراع تشابه في استعمال المجال العام واستغلاله، تشابه في تسمية المكان وحيازته، وتشابه في تكثيف الحضور الرمزي في ثنايا المدينة وضواحيها. كل هذه التشابهات تحدث في مجالات بشرية ومكانية ورمزية تمثل علاقات القوة والهيمنة. إنها تمثل،باختصار، رأس المال الرمزي الذي ينمو يوماً بعد يوم منذ العام 2003م ، وهو في الآن نفسه، مجال للتنافس على السلطة. ففي النجف يمكن تأويل كلّ فعل رمزي أو مادي بأنه تنافس على السلطة، اء أكان بالسيطرة على رأس المال الرمزي من الأحزاب والمؤسسات غير الحكومية سوا أم بالسيطرة على مشاريع البنى المادية من الحكومة المحلية، فهي برمتها محاولات في الإقناع للبقاء في منطقة النفوذ.

يأتي نظام العلامات الجديدة في النجف في أعقاب نظام علامات قديمة، إنها النجف طِرْساً للعلامات. فهي علامات محكومة بالعمق التاريخي الذي يشملها ويُكسبها صبغته المميّزة. بعبارة أخرى هي علامات أعقبت علامات بصيغ متعددة؛ فقد تكون العلامات الجديدة قد محت القديمة، وحلّت محلها. وإذا كان التدبير العلاماتي في الحالة الأولى جاء لقهر الاسم الأول، صدام ، وإلحاق هزيمة سيميائية به، بعد إلحاق هزيمة مادية فعلية به، فإن الحالة الثانية ألحقت هزيمة سيميائية باسم المدينة النجف، دون أيّ مسوّغ عقلي سوى موازنة النفوذ العلاماتي المنافس حتى لو تمّ ذلك على حساب اسم محايد مشترك. وفضلاً عن ذلك، قد تكون العلامات الجديدة أنشئت حديثاً في خطة لتكثيف الحضور العلاماتي في المدينة، فصارت تبنى عشوائياً دون ترخيص أو تنظيم أو تخطيط غير تكثيف الحضور نفسه هدفاً منشوداً. يحدث كلّ ذلك في ظل تطوّرات أخرى تحيل المدينة طرساً يعاد كتابته من جديد اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.

ص: 382

النجف والسياحة الدينية

لا ينفك اقتصاد مدينة النجف مرتبطاً بمشهد الإمام علي بن أبي طالب. إن مشهد الضريح مبني بالذهب الخالص وهو العلامة الكبرى لهذه المدينة، ورؤيته من بعيد رابضاً على حافة الهضبة، ومشرفاً على بحر النجف يوحي بفكرة الشكل المرئي للامرئي ولمعانه المنبعث من عمق العالم المقدّس إلى العالم المدنّس. ولا مجال لرؤية هذا البعد بغير مشهد الضريح الفخم في مدينة النجف، بخلاف ما رآه رولان بارت في سيارات الأجرة في طوكيو التي رأى أنها تخفي«اللاشيء المقدّس في المسارات السريعة والحيوية»(1). فضريح الإمام علي ليس مبنيّاً بالذهب الخالص فقط، بل هو نفسه منجم ذهب خالص إن هذا الضريح هو محور السياحة الدينية الأول، محورُ الزيارة الموضع الذي يتوجّه إليه ملايين الزوّار ليؤدوا الطقوس، ويقيموا في المدينة منتفعين من مرافقها الخاصة والعامة. ولقد كان لهذا الجانب من الحياة الاقتصادية في النجف تاريخ يرتد إلى القرن التاسع عشر حين صارت النجف مقصد آلاف الزوّار فتدعم موقفها الاقتصادي، وكذلك السياسي أمام العثمانيين والقاجاريين(2).ولم يكن ذلك ممكناً لولا صلح الحكومتين في العراق وإيران وضمان تدفق الزوّار والمهاجرين الإيرانيين وتشييد المدارس الدينية، ووفود الطلبة من إيران وتركية والهند والتبت وأفغانستان والبحرين وجبل عامل والأحساء(3). واليوم يتدعم موقفُ النجف الاقتصادي والسياسي بالزيارة أيضاً، فبعد الهدوء والعزل القسري تحت نير الدكتاتورية، لم تعد الأمكنة هي هي، ولم تبق أيضاً هادئة ومنعزلة. فالتطور العمراني السريع فتح على العزلة والهدوء صخب العمل وضجيجه، وأشاع في الجوّ غباراً صار علامة مميّزة هو الآخر، ناهيك عن العواصف الرملية الغبارية التي تهبّ على النجف بحكم الطبيعة. فقد بني في وقت قياسي عدد كبير من الفنادق ذات نجوم ودرجات متنوعة من تلك التي ذكرنا بعضاً من أسمائها سابقاً، لاسيما ذات الحمولة الثقافية المميزة للمدينة. إنه صعود للمدينة غير مسبوق، ولعل الطفرة التي شهدتها النجف تجد

ص: 383


1- Barthes, Roland, Empire of Signs, trans. Richard Howard, (New York: Hill and Wang, 1982),p.31-32
2- Nakash, Yitzhak, The Shi'is of Iraq, p.165-66
3- الوردي،علي،لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج 3، ص 79.

شبهاً بطفرة بواكير القرن العشرين، أيام مُدّ الخط الحديدي بينها وبين الكوفة فحوّل النجف إلى مدينة ذات ميناء نهري واقع في الكوفة، وكان لذلك الأثر البالغ في التقدّم العمراني(1).

لم يتسع البناء العمراني بحكم طبيعة الاقتصاد النجفي القائم على السياحة الدينية فقط، بل على دفن الموتى أيضاً إن دفن الشيعة موتاهم في النجف هو نمط اقتصاد قبل أن يكون نمط ثقافة. ذلك أن النجف بوصفها مدفناً هي المحور الرابط لملايين العراقيين وغير العراقيين ممن لا ينقطعون عن زيارة النجف، ليس فقط لوجود ضريح الإمام علي بل لوجود قبور موتاهم أيضاً. وهذا الدأب على زيارة المدينة والدفن فيها يحرّك اقتصاد المدينة، ومثلما يقتضي الميت نقلاً وغسلاً ومكتب دفن وحفار قبور، يقتضي الحي نقلاً ومطعماً ومسكناً(2). إن منظومة الخدمات والمرافق العامة، وشيوع المشروعات الاستثمارية، وما يرافق ذلك من وجود شركات تعمل ليل نهار، تجعل النجف ورشة لا تهدأ. فقد صار هناك مطار مدني، بعد أن هيمن عليها مطار عسكري في السابق، وافتتحت شوارع جديدة ومتنزهات جديدة، ومجسّرات ضخمة في الكوفة والنجف. أما الجسور فباتت تبعث على المفارقة؛ مفارقة أن نهر الفرات الذي يقطع الكوفة، كان يتوفر على جسرين فقط، الأول من أيام الملكية، والثاني من أيام الدكتاتورية، ولم تبن الدولة العراقية الحديثة، ملكية وجمهورية،جسراً ثالثاً خلال ثمانين عاماً من حياتها حتى العام 2003م لكن السنوات العشر السابقة شهدت بناء جسرين جديدين على نهر الفرات،أحدهما«جسر الإمام علي»والآخر «الجسر الحديدي»، وما يقرب من أربعة مجسّرات كبيرة على تقاطعات الشوارع الرئيسة هي مجسّرات«ثورة العشرين»،و«المرتضى»، و«الخيمة»، ومجسّرات قرب مستشفى الحكيم.

ص: 384


1- ينظر : كمال الدين النجف في ربع قرن من سنة 1908، ص118. ومن أجل لمحة عامة على التطور العمراني والاجتماعي للنجف في بداية القرن، ينظر المصدر نفسه، ص 113-126.
2- من أجل تفصيلات عن دور المقبرة في الاقتصاد النجفي، ينظر: رؤوف، عادل، حصارات علي: النجف مدينة تعتاش على الموتى، المركز العراقي للإعلام والدراسات بغداد، بیروت، دمشق، 2009م، ص 450-460.

مع تطوّر السياحة الدينية، اتسع من جانب آخر مشهد اللغات التي ينطقُ بها الناسُ في النجف. فالزائرون القادمون من بلدان شتّى عربية وغير عربية، قاصدون ضريح الإمام علي بن أبي طالب، صاروا يشيعون نغماً على المدينة بلهجاتهم العربية المختلفة من لبنان والبحرين والسعودية والكويت واليمن، وبلغات مختلفة من إيران وأفغانستان وتركية وأذربيجان. وبكلمة، حيثما كان هناك شيعة في العالم. لكن النجف هذه المرة يأتيها زوّار ويعودون وطلبة ويقيمون. ولعل التاريخ يبيّن أن للنجف موقفين متعارضين من وجود الأجانب فيها، لاسيما من ذوي الحرف والصناعات الذين تكاثروا فيها بعد سطوع نجمها بديلاً عن كربلاء في القرن التاسع عشر بسبب الغارات الوهابية. ويشير عيسى حسن عيسى الحكيم في موسوعته«المفصل في تاريخ النجف الأشرف»إلى ثلاث عشرة غارة وهابية امتدت على طول النصف الأول من القرن التاسع عشر (من 1799 إلى 1843م)(1). ومع أن هجمات الوهابيين على كربلاء والنجف في ذلك القرن التاسع عشر كانت عموماً سبباً لتدعيم موقع المدينتين كمركزين أساسيين للشيعة(2)، لكن المجازر التي ارتكبوها أوائل ذاك القرن، وبعد حملة الإبادة التي قام بها نجيب باشا في العام 1843م(3)، خبث لمعة كربلاء وسطع نجم النجف، لكن هذا السطوعَ وضع المجتمع النجفي لأول مرة بمواجهة عدد غفير من الأجانب الذين استوطنوا النجف للعمل والدراسة فاتسع اقتصاد المدينة بالخبرات الأجنبية، وانتعش عمرانها، وكثر سكانها. وبعد أن وجد النجفيون أنفسهم يخسرون أعمالهم ويفقدون فرصهم في التطور الاقتصادي، تغيّر موقفهم من الأجانب من الترحيب إلى النفور(4). غير أن النجف في اعتقادي، ستظل تدمعُ المهاجرين والوافدين بميسمها ودمغتها المميزة

ص: 385


1- ينظر: الحكيم، حسن عيسى، المفصل في تاريخ النجف الأشرف، ج 1، ص 415398. وينظر كذلك ،محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، ج 1، ص 324 - 329.
2- Nakash, Yitzhak, The Shi'is of Iraq, p.164
3- ينظر: كمال الدين،النجف في ربع قرن منذ 1908، ص 47.ومن أجل أرضية تاريخية لهجمات الوهابيين على كربلاء وبقية مدن العراق ينظر الفصل الثاني من كتاب رسول محمد رسول الوهابيون والعراق عقيدة الشيوخ وسيوف المحاربين، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2005م، ص 47 - 61 .
4- ينظر: كمال الدين،النجف في ربع قرن منذ سنة 1908، ص 48.

مهما كان الموقف منهم. فالمقيمون لمدد طويلة من المهاجرين عادة ما ينسون انتماءاتهم العشائرية والعرقية، بل إن معيار شرف الأسر النجفية هو أقدمية هجرتها إلى النجف،«فكلّ مَنْ كان أقدم هجرةً هو أجل بيتاً وأعلى شأناً»(1)، ولعل المقيمين الجدد بعد سقوط الدكتاتورية في العام 2003م سيشرعون بالاندماج في هذه المدينة بعد أن صار من الممكن وصفها الآن، كما وصفها ذات مرة الراحل علي الوردي، بأنها ذاتُ ترکیب اجتماعي ديموغرافي متنوّع عجيب(2). فبعد عقود من قمع الدكتاتورية، وتهجير بعض أهالي النجف من ذوي الأصول الإيرانية وغيرها، وتقليص أعداد طلبة الحوزات العلمية من الأجانب والعرب والعراقيين(3)، تعودُ المدينة إلى سابق عهدها لتحتضن في مجتمعها وحوزاتها العلمية أناساً من أعراق مختلفة، ولغات مختلفة، جاؤوا للزيارة أو الدراسة، عابرين أو مقيمين، الأمر الذي سيحدثُ في المدينة تغيّراً ديموغرافياً بالغ الأثر.

لكنّ حركة اندماج المهاجرين في النجف قد تختلف اليوم عما كانت عليه، أن مسار الثقافة ما زال يتخذ طابعاً خطياً يمضي باتجاه واحد إلى حدّ فالنجف معین ما زالت تُعطي ولا تأخذ، وترسل ولا تستقبل. إنها تحتضن العقول من بيئات متنوعة لتضخ فيهم ثقافتها، وتُسبعَ عليهم مَسْحتَها، لكنها لا تأخذُ من هذه العقول صوصيتها ولا تصطبعُ بها، فكلّ من يحلَّ فيها يندرج في ذلك التشابه الشامل شكلاً ومضموناً. وهذه إحدى أعقد المشكلات التي ستواجهها النجفُ في عصر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي العابرة للإثنيات والمذاهب والأديان والعادات والتقاليد.لأن هذه المشكلة تشخص«عصبية» النجف. فعلومها هي هي إجمالاً وتقريباً منذ أن نشأت مدرسة راكزة في العقل والوجدان الشيعيين. إن مؤسسي النجف، منذ الطوسي، بذروا

ص: 386


1- ينظر: جعفر محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، ج1، ص400 - 401. وينظر أيضاً جميل موسى النجار، مجتمع مدينة النجف في العهد العثماني الأخير وموقفه من الاحتلال البريطاني للعراق خلال الحرب العالمية الأولى 1831 - 1918، ص 11.
2- الوردي،علي،لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج4، ص408.
3- من أجل المزيد من المعلومات عن أعداد طلبة الحوزات العلمية في مدينة النجف، ينظر: الحكيم، عبد الهادي، حوزة النجف الأشرف: النظام ومشاريع الإصلاح، مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية ،بغداد ،2007م، الفصل السادس المبحث الأول، ص 213 - 219.

هذه البذور منذ النشأة، فظلّت بلا محاولة لحلحلة الثوابت، لقد كانوا حريصين على التأسيس الفكري والوجداني لمجتمع أريد له أن يبني خصوصيته، وهذا مسوّغ في ظروف القهر التي تعرّض لها الشيعة، لكن هذه الخصوصية أريد لها أيضاً أن تنغلق على بنية منيعة تصمد للهزات وتحطم أي محاولة لاختراقها. إن هذه النزعة المضادة للتدوال والتبادل على مستوى الثقافة العالمة والثقافة الشعبية هي المسؤولة عن حالة السكون والثبات التي تستوطن النجف من حيث طبيعة علومها واجتماعها وهي النزعة نفسها التي تضيقُ معنى عالمية النجف، فتفوّقها العلمي الديني يسير بخط واحد ينبع من النجف ولا يعود إليها - فهي لا تستوعب الآخر بالقدر الذي تكون فيه مستعدة لتعليمه، واحتضانه ،وتدريبه ومنحه كل علومها وثقافتها.

النجف والشيوعية اليوم

لم تكن نزعة المحافظة في النجف لتعصمها من أن تقع في مهب التيارات السياسية والفكرية. فمنذ بداية القرن العشرين عصفت الثورة الدستورية (إيران) عام 1906م ، بهذه المدينة كونُها حاضنة لقيادات دينية كان لها دور بارز في تأييد هذه الثورة. فكان هناك الشيخ محمد كاظم الخراساني (1911-1837م)، ومحمد كاظم اليزدي (1831-1919م)، وحسين الخليلي (1814 - 1908م) من المراجع ومن رجال الدين الآخرين كان هناك هبة الدين الشهرستاني (1884-1967م)، ومحمد حسين كاشف الغطاء (1876-1953م)، ومن الشعراء محمد رضا الشبيبي (1889-1965م)، وعلي الشرقي (1890-1964م)، فكان هذا عاملاً في انفتاح الوعي النجفي على أفكار جديدة عزّزتها المجلات الجديدة الوافدة من لبنان ومصر وحتى من السلطة العثمانية، تلك المجلات التي يشير الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري (1900-1997م) إلى أنها أغنت قراءاته واطلاعاته بوفرتها في النجف، بلا إشارة إلى الثورة الدستورية الإيرانية، بل في أعقاب الانقلاب الدستوري في الدولة العثمانية في العام 1908م(1).وهكذا تسرب مد قومي عربي جاء استجابة لنزعة التعصب الموجودة عند جماعة حزب الاتحاد والترقي التي مثلت استفزازاً لعروبة ،العراق، وتسربت كذلك تأثيراتُ ثورة نوفمبر (تشرين الثاني)؟ 1917م في روسيا، وما رافقه من ظهور الشيوعية، وبالطبع

ص: 387


1- ينظر: الجواهري، محمد مهدي، ذكرياتي، دار ،الرافدين ،دمشق ط1، 1988م ، ج 1 ، ص 93-94.

رافق ذلك كله ظهور تياراتٍ إسلامية مثل«الشباب المسلم»، و«منظمة المسلمين العقائديين»، و«حزب الدعوة»، و«جماعة العلماء». أما الشيوعيون فكانوا في النجف ذوي نشاط ملحوظ حتى إنهم في سياق مقاومتهم الاحتلال البريطاني، بعثوا برقية استغاثة إلى الحكومة السوفياتية في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 1921م سُمّيت نداء النجف عن طريق القنصلية الروسية في طهران تحت السوفيات على دعم العراقيين في مواجهة الاحتلال البريطاني، وكذلك تقدّم شكوى من الاعتداءات الوهابية على النجف(1). لكن ما الذي يحدث الآن؟ إن التقاليد الثقافية في النجف، بأوسع معنى للثقافة، تُبرز حقيقة نافرة لا تُمارى في وضع النجف هذه الأيام كمدينة مقدّسة تحمل فوق متنها إرثاً هائلاً من التراث الديني الذي مهرها بسمة القداسة؛ هذه الحقيقة هي استعادة الشيوعيين نشاطهم فيها مقرونا باستعادة مقرّ الحزب الكائن في حي السعد منذ سقوط الدكتاتورية في العام 2003م.

ويبدو أن النجف تتقبل مثل هذا الوجود النافر فيها، ولكن أيّ نجف يمكنُ أن تتقبل حزباً صدرت بحقة فتوى تكفير من النجف في الثاني من فبراير (شباط) 1961م بتوقيع المرجع الأعلى آنذاك السيد محسن الحكيم؟ لا سيما إذا كان فيها أخلافُ المرجع من آل الحكيم، وفيها بعض المتشددين الذين لا يرون في الاختلاف فضيلة ورحمة هل هي نجف العامة أم نجف الخاصة؟ هل وجود مقرّ للحزب الشيوعي في النجف يقف علامة على اعتدال المدينة؟ وأي مدينة نعني؟ مدينة العامة أم مدينة الخاصة؟ أم إنه اعتدال الدولة أيضاً؟ أعتقد أن مدينة النجف بمكوناتها من العامة والخاصة والدولة هي مدينة معتدلة، فعلامة الحزب الشيوعي ونشاطه فيها يؤشّر طبيعة المزاج العام للناس، وهو مزاج معتدل حتى إذا غضضنا النظر عن الدولة ورجال الدين. أما إذا أخذنا الدولة ورجال الدين بعين الاعتبار فإن الأمر لا يتغيّر كثيراً، مادامت الدولة ورجال الدين قادرين على تعبئة العوام ضدّ أيّ ظاهرة تأخذ بالتفشي في المجتمع.

كان مقر الحزب الشيوعي في النجف ملكاً حقيقياً للشيوعيين الذين اشتروه

ص: 388


1- ينظر: عدي حاتم المفرجي، دراسة«الأحزاب والتيارات السياسية في مدينة النجف الأشرف 1954 - 1963»، في مجلة آفاق ،نجفية ، ع 13 سنة 4، 2009م، ص 172.

من أموالهم الخاصة، وظلّ كذلك حتى انهيار الجبهة الوطنية بينهم وبين البعثيين في العام 1979م ، فصو در بقرار وباعته بعد ذلك وزارة المالية إلى وزارة الداخلية(الجمارك بالتحديد). وأمرُ المقرّ أمر ،استعادة وما كان من مستجلبات لحظة التغيير في العام 2003م ففي هذا العام استعيد المقرّ من الجمارك وكانت فيه مخلفات بعثيي«قيادة الفرات الأوسط.».ولم تكن استعادة المقر دون مشكلات أو حتى عنف مؤقت عابر فقد تعرض إلى تفجيرين بين عامي 2004 و 2005م، لكن تعاطف الأوساط الشعبية والرسمية مع الشيوعيين قطع الأمل في إفشال هذه الاستعادة حرص الشيوعيون في النجف منذ العام 2004م على الاحتفال بعيد تأسيس حزبهم في 31 مارس (آذار) على حديقة مقرّهم المكشوفة، ولم يتسلموا طيلة هذه السنوات رسالة استنكار أو استهجان من الناس، بل على العكس أعرب بعضُ الناس عن ارتياحهم لعدم قطع الشوارع أيام احتفالاتهم كما هو معتاد في احتفالات الأحزاب الأخرى. علاماتياً، ظل الشيوعيون في النجف يستخدمون العلامات الشيوعية التقليدية كالمنجل والمطرقة وحمامة السلام، وكذلك الشمس البابلية، واليد اليسرى القابضة على سنابل الحنطة المحصودة(كان هذا شعارهم في الانتخابات الأخيرة)وزهرات عباد الشمس ولم يكن الشيوعيون في النجف يستخدمون شعاراتهم في مناسبات ،معتادة، سواء أكانت وطنية أم أممية (عيد العمال العالمي ويوم المرأة العالمي ويوم الطفل وعيد تأسيس الجيش العراقي) وحسب، بل هم يستخدمونها أيضاً في المناسبات الدينية كيوم العاشر من المحرم، ذكرى استشهاد الإمام الحسين،وذكرى وفاة النبي محمد وغيرها من المناسبات. أما عملية تسويق الشيوعيين لأنفسهم في النجف فليست هيئة. لكن أجلى مجال لنشاطهم يكمن في القضايا المطلبية التي تهم المجتمع وهم يتبنونها بأشكال متعددة كأن تكون بتنظيم تظاهرات أو حملات تواقيع على عرائض مطلبية أو بإقامة ندوات ومهرجانات فنجحوا في إطلاق أول تظاهرة في النجف نادت بخفض التسعيرة الجديدة للوحدة الكهربائية التي أصدرتها الحكومة العراقية(1)،

ص: 389


1- ینظر : محمد علي محيي الدين، الحزب الشيوعي في النجف يتظاهر، موقع الحوار المتمدن http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=219040 (في 9 يونيو/ حزيران 2013م).

وتحسين تجهيز الكهرباء للناس،وكانت هذه التظاهرة شرارة للتظاهرات الأخرى في البصرة والحمزة الشرقي وصولاً إلى تظاهرات 25 فبراير (شباط) التي كان شيوعيو النجف سباقين في تنظيمها وحشد الجماهير لها(1).

إن هذا الموضوع ، موضوع حضور الشيوعيين في النجف، يسلّط الضوء الكاشف على طبيعة العلاقة بين الأحزاب الدينية والعلمانيين. ويبدو أن الأحزاب الدينية في النجف أدركت أن أي تشدّد الأحزاب العلمانية، لاسيما الحزب الشيوعي، لن يؤدي إلى ترسيخ دعائم وجودهم هم قبل دعائم الحزب الشيوعي، الهشّة الآن تتمتع الأحزاب الدينية في النجف، إلى حد كبير، بقدر معقول من المعرفة والحكمة في مسألة تقبل العلمانيين والسعي إلى الحوار معهم. وتشهد النجف اليوم سعياً حثيثاً من رجال الدين نحو النَّخب الليبرالية المثقفة لردم الفجوة بين الطرفين وإدامة التواصل، بل إن هذا السعيَ يكتسي طابع التنافس بين القوى السياسية في النجف وتوجهها نحو المثقفين الليبراليين(2).

لكن اعتدال النجف، أو حتى تسامحها في هذه الحالة، وانفتاحها على الحوار مع الآخر، لا يُلغي شعور الاغتراب المحتمل الذي يمكن أن يعيشه أي شخص علماني في هذه المدينة، ليس بسبب القيود والإجراءات، بل بسبب العلامات أيضاً. على سبيل المثال، ثمة علامات تُنذر تارك الصلاة بالويل والثبور وهي عبارة عن نصوص كتبت في ملصقات كبيرة أو خُطّت على جدران المدارس تتوسل بعض الدينية التي تلاحق تاركي الصلاة بالوعيد والتهديد. من هذه النصوص النصان الآتيان:

ص: 390


1- من مقابلة مع الكاتب الأستاذ أحمد محمد الموسوي، سبق التعريف به.
2- شارك كاتب السطور في ملتقى الثقافة العربية الكردية بنسخته الثالثة الذي أقيم في النجف للفترة من 5 - 7 مايو/ أيار 2013م. وفي أثناء فعاليات الملتقى، فاجأ السيد مقتدى المثقفين بزيارة وحوار. وفي اليوم التالي حضر السيد عزّ الدين الحكيم واثنان من رجال الدين، وهو ابن آية الله العظمى المرجع السيد محمد سعيد الحكيم، أحد المراجع الأربعة الآن في النجف، إلى الملتقى بعد ترتيب دعوة لبعض المثقفين ممن شاركوا في الملتقى للقاء والحوار، وكان الهدف من ورائه رغبة رجال الدين في الحوار وإدامة التواصل مع المثقفين الليبراليين.

«هل تعلم أن تارك الصلاة يُحشَر يومَ القيامة مع فرعون».

«أنطق الله الخنزير فقال: الحمد لله الذي جعلني خنزيراً ولم يجعلني قاطع صلاة»

(ينظر صورة 4).

صورة رقم (4)

كتابة على حائط مدرسي تحثّ على الصلاة

(حقوق الصورة للسيد فارس حرام) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

والغريب في الأمر أن هذه اللافتات النافرة في أجواء المدينة، التي تهاجم غير المصلين وتحوّلهم إلى خنازير، فتستفز مشاعر الناس، لم تكن من تدبير مؤسسة ثقافية أو دينية، بل من تدبير مؤسسة الشرطة فقد أمر بوضعها مدير مديرية حماية المنشآت Facility Protection Service) FPS) في النجف، وهي لا تلقى قبولاً من عامة الناس(1). إن إشارة عابرة للمشهد اللغوي في حياة المدن الغربية مقارنةً به في النجف تشير إلى أن ثمة نماذج متنوعة من الملصقات

ص: 391


1- من مقابلة مع الأستاذ حسن نذير الجابري، المدير التنفيذي لمنظمة «تنوير»المدنية في النجف، في 10) مايو (أيار) 2013م.

والإعلانات والإشارات وحتى الكرافيتي (الخربشات أو الرسوم على الحيطان في الأماكن العامة)، وتتنوع أهدافها، فمنها الاقتصادي ومنها السياسي ومنها الترفيهي المبطن بالاقتصادي، ويتمّ ذلك ضمن ضوابط معينة، إلّا الكرافيتي الذي ينحو نحواً تمرّدياً ليعبر عن مكبوتات المجتمع. ومع ذلك، يتجنّب ممارسوه القليل من الأمكنة فلا يضعون عليها خربشاتهم، مثل الكنائس والأبنية الثقافية المهمة(1).وإذا كانت هذه العلامات وضمنها الكرافيتي تعبّر عن رغبات متنوعة وأغراض عديدة منها التنفيس عن ضغوط الحياة اليومية، فإن بعض ملصقات النجف ولافتاتها وبوستراتها تعمل على العكس من هذه الغاية؛أي تعمل على تحميل المجتمع المزيد من ضغوط الحياة اليومية.

علامة المقبرة

من المؤكد أن التغيّر كان قد شمل بني النجف الاجتماعية بعد اتساع المدينة وتبدّل أحوالها وعمرانها، ولم تعد مقتصرة على مجموعة من العائلات التي انبثقت من رجالات أو علماء، ولم يعد ممكناً أن يلخّصَ وجودَها البشري نسّابة من طراز السيد أصغر أكبر في رواية «السيد أصغر أكبر»لمرتضى كزار(2)، كما لم يعد ممكناً اختزال بطولاتها إلى معارك مع المحتلين بريطانيين وأمريكيين، بل إلى صراع أبنائها من جيش المهدي مع القوات متعددة الجنسيات والحكومة في العام 2004، وما أن انتهى الصراع الدامي إلى موت عشرات الشباب، برزت مقبرة جديدة مزيّنة بالأشجار ومرصوفة بالمرمر على غير عادة مقابر وادي السلام تسمّى «روضة شهداء العراق»(ينظر صورة رقم 5). ووُضعت أمامها جدارية ضخمة تحمل صور مقتدى الصدر، ومحمد باقر الصدر، ومحمد صادق الصدر وولديه مصطفى ومؤمل الذين استشهدا معه في حادث اغتياله على يد النظام الدكتاتوري.

ص: 392


1- Metro-Roland, Michelle M., Tourists, Signs, and the City: The Semiotics of Culture in anUrban Landscape, p.80
2- صدرت هذه الرواية في العام 2012م عن دار التنوير في بيروت.

صورة رقم (5)

روضة شهداء العراق النجف

(حقوق الصورة للسيد فارس حرام)انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

ينتشر في مقبرة النجف نوع من القبور يُدعى القبور الوهمية (ينظر : صورة 6). وهي القبور التي لا تحوي رفات الميتين وذلك لتعذر العثور عليها بعد فقدانهم في المقابر الجماعية. إذن صار في العراق ثلاثة أنواع من القبور وهي القبور الفردية والقبور الجماعية والقبور الوهمية. وحين لا يعثر ذُوو الضحايا على أثر أو عظام لضحاياه--م في المقابر الجماعية المنتشرة في محافظات العراق التي انتفضت ضد الدكتاتورية في العام 1991م، يعمدون إلى ترميز ضحيتهم، وبناء قبر وهمي له، لا يضم جثمانه المفقود، ولكنه يعوّضُ رمزيّاً ذلك الفقدان المضاعف. تتقبل مخيلة الناس القبور الوهمية، لا سيما في الثقافة الشيعية التي تجد في القبور والأضرحة رموزاً فاعلة في حياتها الاجتماعية، والناسُ لا تتقبل اللاشيء المحض، وتستعيضُ عنه بالرموز دائماً. فالإنسان الشيعي لا يجد بُداً من أن يكون الرقاد الأخير لرفاته في النجف قرب الإمام عليّ، وإذا حدث أن لم يكن من رفات للمفقود، فلابد إذن أن يكون له مكان في النجف قرب إمامه،حتى وإن كان خالياً من رفاته. ولعل مخيلة العراقيين تمرنت،بفعل كثرة الحروب وشدّة وطأتها، على مقابر وهمية كثيرة تبزغ فجأة هنا أو هناك فيمضي الناس إليها قوافل زائرين. ثمة سلالة من هذه القبور التي ترتفع فجأة على رابية أو

ص: 393

في مكان قصي، كأنها بدائل عن فقدان دائم، وكأنها ركائز لرؤية تتفتح كوامنها تحت القباب وعلى منحنيات الأقواس. رؤية يصاحبها ألم الذكريات التي تحتضنها ذاكرة حديدية. لقد صاحبت لحظة انتشار المقابر الوهمية لحظة اكتشاف المقابر الجماعية في الثقافة السياسية العراقية. والقبور بأنواعها الثلاثة هذه هي السلوان لمجتمع يجد في زيارتها راحة وطمأنينة، بل يفتتح النجفيون أول نشاط العيدين (عيد الأضحى وعيد الفطر)بزيارة القبور، وهذا الإحساس يتساوى فيه الفرد العادي مع المثقف،ولعل الأخير يفعل ذلك تماماً مثلما كان يفعل الفيلسوف الألماني هانز جورج غادامير حين يزور قبور الشعراء الألمان الكبار في فايمار تماثلاً من الضّنى الروحي(1). تتجاوز قضية زيارة القبور بالطبع الجانب النفساني إلى الاجتماعي بل حتى السياسي،خاصة إذا كانت أضرحة الأئمة والأولياء، ففيها نوع من الحفاظ على الذاكرة الجمعية والهوية المتميزة فضلاً عن إدامة الحياة اليومية(2).

صورة رقم (6)

شواهد لقبور أقارب المؤلف

(حقوق الصورة للسيد فارس حرام) انظر الصورة ملونة في وسط الكتاب

ص: 394


1- غادامير،هانز جورج،التلمذة الفلسفية: سيرة ذاتية،ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح،دار ،الكتاب الجديد، بيروت، 2013م، ص 181.
2- Nakash, Yitzhak, The Shi'is of Iraq, p.163

علامات شارع النجف - كربلاء

بمحاذاة مقبرة النجف الضخمة، يبدأُ شارع أساسي متجهاً إلى كربلاء. المسافة

بينهما 80 كيلومتراً، وكانت في الماضي صحراء جميلة لا يقطعُ صفوها سوى خانات صغيرة وبليدات صغيرة تُدعى خان الربع وخان النصّ وخان النخيلة، ثم كربلاء. كان هذا الشارع (80 كم)خالياً إلّا من الصحراء والرمال والآن كيف يبدو هذا الشارع الرئيسي؟ وما الذي حدث منذ سقوط الدكتاتورية؟

لقد ضجّ هذا الشارع بالعلامات، شأنه شأن بقية الشوارع الرئيسية في الفرات الأوسط والجنوب، ولم يبق منه شبرٌ واحدٌ غير موسوم. لم تعد من وحشة ولا عزلة، فقد بنيت على امتداده كله كله حرفياً مئات من الحسينيات التي تُحيي ذكرى عاشوراء والمناسبات الأخرى بمواكب وأعدادٍ مليونية من الزوّار الموشحين بالسواد أو بالأكفان البيض أو الزائرات الموشحات بالعباءات السود. ومع أن دلالات كثيرةً تكتنف الزيارات وطقوس العزاء بالملايين الزاحفة نحو كربلاء، فهي من ناحية تمثل، لدى الشيعة، تحدياً للإرهاب الذي يهاجم الزوار، وانتقاماً من القمع الذي حرمهم من أداء الطقوس أيام الدكتاتورية، وهي أيضاً استجابات لنزوع الإنسان الديني الطقوسي. وهذه أمثلة على أسماء الحسينيات والمواكب: «أنصار الغريب،موكب الحوراء، سبايا الرؤوس،طريح الغاضرية، موكب شباب القاسم، موكب جنّة الحسين...»(1).

تدلّ هذه الحسينيات المبنية على طول طرق العراق الرئيسية في الفرات الأوسط والجنوب، ومنها الطريق المشهور بين النجف وكربلاء (80 كلم). على أن الناس تريد أن تحقق غرضين منها ؛ الأول طقوسي،أي إقامة طقوس العزاء الحسيني، والثاني إداري، أي إدارة هذا الحدث الذي يأتي بملايين من الناس إلى مدينة واحدة في وقت واحد لكن الإدارة العفوية للحدث من طرف الناس تضمرُ معنى عجز الدولة عن إدارة مثل هذا الحدث، على الرغم من كلّ التدابير المتخذة من الحكومة لرعاية الزوّار،لا سيما التدابير الأمنية التي تواجه تحدياً لم تختبره دولة من قبل بمثل هذا العدد الضخم

ص: 395


1- سجّل الباحث هذه الأسماء في مايو (أيار) 2013م خلال زيارته النجف، وتدوين مشاهداته على طول طريق نجف - كربلاء.

انتقاما

من الناس. إن أعداد الزوار التي تصل إلى 17.5 مليون زائر(1)، تمثل، كما أسلفتُ من الحرمان، الحرمان الذي فرضته السياسات الدكتاتورية على الشيعة في ممارسة طقوسهم في عاشوراء وزيارة الأربعين.

يبيّن هذا النشاط المجتمعي الضخم أن المجتمع يمكن أن يقوم بتلبية حاجاته دون مساعدة الدولة. لكن من الضروري القول إن هذا المجتمع الذي يبدو قادراً على تلبية هذه الحاجات لا يقوم بها إلا في حالة واحدة وهي أن تخدم طقوسه الدينية. فإن يؤمنَ المجتمع مسكناً ومطمعاً لملايين الزوّار ، وهو أمر تعجز عنه الدولة، يعني في العمق عِظَمَ المسؤولية التي يمكن أن يتصدّى لها المجتمع، ولكن هذا المجتمع لا يتصدى لمثل هذه المسؤولية كل حين، بل لا يريد ذلك. إن المجتمع في هذه الحالة يسخّر أقصى طاقته المادية من أجل حاجته الروحية. «إن الزيارة عند الشيعة»، يقول علي الشرقي، «حضور روحي، وإن الروحانية الكبرى للمزور ونفسيته الممتازة وصفاته القدسية تفيض على نفسية الزائر فتكتسب منها لتطمئن بعد اضطراب ..»(2).فطقوس الزيارة، منظوراً إليها أنثروبولوجياً، هي محاولة المجتمع في رص صفوفه، وتقوية تلاحمه، إنها فرصة للناس لمعرفة قوتهم واختبارها في أثناء بنيانها.«تساهم هذه الطقوس في ظهورهم كجماعة واحدة، لها لغتها الرمزية المشتركة التي تميزهم في محيطهم، وتوفر لهم فرصة التعبير عن وحدتهم وتكافلهم، كما تُظهر قوتهم الجمعية أمام المخاطر والتحديات التي يواجهونها. ولذلك فإن هذه الطقوس تساهم في إعادة صياغة وصيانة وجودهم الجماعي»(3). يمكن وصفُ علامات الزوّار،الذين يقطعون المسافة إلى كربلاء مشيّاً من محافظات العراق كافة في زيارة الأربعين،بأنه انتشار لجموع غفيرة على جانبي الطريق، متجهةً إلى كربلاء، يصاحبها أعلام حسينية. بعض هؤلاء «المشاية» يرتدی أکفانا بيضاً وهي دليل على تخلّيهم عن مظاهر حياتهم الاعتيادية غير المقدسة، واستعدادهم لرحلة التطهير والتغيير التي قد يواجهون فيها الموت،فيستعدون له بارتدائهم (الكفن)،

ص: 396


1- Hamdan, Faraj Hattab. 2012. The Development of Iraqi Shi'a Mourning Rituals in Modern Iraq: The 'Ashura Rituals and Visitation of al-Arb'ain. MA thesis, Arizona State University. Ann Arbor: ProQuest/UMI. (Publication No. AAT 1531171), p.179
2- موسوعة الشيخ علي الشرقي النثرية : الأحلام ، ج3، القسم الرابع، ص 145.
3- Hamdan Faraj Hattab. 2012. The Development of Iraqi Shi'a Mourning Rituals in Modern Iraq: The 'Ashurā Rituals and Visitation of al-Arb'ain p.2-3

وهو رمز الموت من جهة ورمز للطهارة من دنس الحياة الدنيوية(1). لا يخلو هذا المعنى للطقس الديني من جانب عملي متعلق بالتنظيم الذي بموجبه تتم إجازة خدمات «المشاية» رسمياً. إذ«تقوم المواكب باستحصال الموافقات الرسمية من الجهات المختصة، وذلك بتسجيل أسمائها وأماكن ممارستها للخدمة لدى «قسم الشعائر والمواكب والهيئات الحسينية في العراق والعالم الإسلامي»(2).

إن تاريخ المجتمع النجفي يبيّن أن تفاعله مع أي سلطة محكوم، من بين أشياء أخرى، بإتاحة إقامة الشعائر والطقوس الشيعية في عاشوراء وغيرها من المناسبات. وهذا الترابط السببي بين النفرة من السلطة ومنع أداء الطقوس الدينية واضح في تاريخ المدينة الحديث منذ أن حاولت السلطة العثمانية في العام 1890م منع مراسم إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين في المحرم وكان ذلك قد أدّى إلى مواجهة عنيفة بين مجتمع النجف والسلطة العثمانية اضطرت فيها القوة العثمانية إلى الاحتماء بدار الحكومة(3). ولم تمر سلسلة الإجراءات القمعية للدكتاتورية دون مواجهات وتضحيات من المجتمع الذي تدفعه حاجته الدينية والاجتماعية إلى ترسيخ هذه الطقوس كلّما ازدادت حدة قمعها. وما من دليل بليغ على هذه الحقيقة العلمية من عودة المجتمع إليها بمبالغة تفوق التصوّر، وبإجراءات ذاتية.

خاتمة

أوّلُ ما يواجه البشر في المدينة علاماتها، وهي السبيل إلى المعرفة، إنها أمامهم وجهاً لوجه تزوّدهم بالمعلومات عن وضع المدينة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. لكنها أيضاً تُخطرُ الوافد والمقيم عن أدوار يلعبها هذا أو ذاك من الفاعلين فيها، وتبلغهما شيئاً من التاريخ وما يحيط به من توتر واختلاف، وبالطبع، ترسم حاضر المدينة والمسار الذي يُحتمل أن ينتهي إليه مستقبلها. لا شك في أن من حق القوى الفاعلة في المجتمع

ص: 397


1- Ibid., p.180
2- Ibid., p. 194
3- ينظر: كمال الدين،محمد علي،النجف في ربع قرن منذ سنة 1908، ص44. وينظر أيضاً النجار، جميل موسى، مجتمع مدينة النجف في العهد العثماني الأخير وموقفه من الاحتلال البريطاني في العراق خلال الحرب العالمية الأولى 1831 - 1918م، ص 41 - 42 .

أن تستخدم العلامات تعزيزاً لبرامجها وترويجاً لأفكارها، لكن أعقد مشكلة تواجه العلامات حين يدخل استخدامها في اللحظة التي يصطدم فيها السياسي مع الديني. تكمن خطورة العلامات في النجف في أنها تغزو فطرة الإنسان الدينية لتسلب منه ما يعزّز الأغراض السياسية، وليس القيم الدينية. إن هشاشة فطرة الإنسان الدينية تمكن أصحاب العلامات من اختراقها لتكسب التأييد.وقد بات واضحاً كيف أن جميع القوى السياسية عملت على هذا الجانب من أجل الظفر السياسي. لا يشمل هذا الوضع صناع العلامات وحارسيها من أجل كسب الشرعية العلاماتية وتحقيق المصلحة العلاماتية وحسب، بل يعني أيضاً رصد المبادرات البريئة في المجتمع حين يصنع علاماته الخاصة في أعياده واحتفالاته، فتسارع القوى السياسية إلى استغلالها كما في المناسبات الكبرى.

إن المجتمعَ النجفي مجتمع يلعبُ فيه الدين دوراً كبيراً على مستويين: مستوى عقيدة الناس الفطرية، ومستوى خطط السياسيين القصدية، الأول عفوي والثاني قصدي. ويظهرُ أن هناك وعيّاً متقابلاً يجتمع فيه أهل القصدية الذين يضعون الخطط ويباشرون تطبيقها، وأهل العفوية الذين يعملون من تلقاء أنفسهم ويستجيبون لأهل القصدية وخططهم. لقد بدا من البحث أن تسييس الدين في النجف لا يُشبه أي تسييس آخرَ له في مدن أخرى، فالمدينة نفسها اكتسبت نزعتها التفضيلية (الأشرف) من الدين نفسه، ولذلك هي تلعبُ دائماً اللعبة الخطرة نفسها. إن خطورة العلامات كافة في النجف هي في غَزْوها هذه المنطقة الفطرية لدى المجتمع وعقيدته، ومن هنا رأينا أن موقفَهم من أي اتجاه أو تيّار يتحدّد، من بين ما يمكن أن يتحدّد به،بمقدار ما يمنحهم هذا النظام أو ذاك حق الاعتقاد وإقامة الشعائر والطقوس كحق ديني. لا يعني ذلك أن السياسة هي على الدوام من يعمل على استغلال الجانب الديني الفطري في المجتمع بل المجتمع نفسه يعرض نفسه بمبادراته الخاصة لاستغلال السياسة. هذا، من جهة ما تمارسه العلامات من انتهاك لهذه الخصوصية التلقائية المغروزة في البطانة العقيدية لدى الناس.ومن جهة أخرى، فإن العلامات تمنحُ رجل الدين السياسي قدسيّة تؤهّله طبيعياً لتبنّي نزعة الاستبداد.إن كثافة حضور العلامات في النجف أمر راجع إلى الصبغة الدينية للصراع المخوض في ظلّ دولة دستورية ديمقراطية، وهو أسلم طريق للصراع، فالبديل الشاخص هو تصادم المجموعات المسلحة التابعة للأحزاب التي

ص: 398

تخوضُ الصراع العلاماتي لكن هذا الصراع مع ذلك، يستبطن نقل السياسي إلى قلب الديني عبر العلامات وعبر الشعائر الدينية، وهو أخطرُ ما يمكن أن يجعل من العلامات ذات طاقةٍ على حافة الانفجار، حين تقضي على الجانب غير المسيس للمعتقد وتُدخله حلبة الصراع.

ص: 399

السيرة الذاتية للمؤلفين والمحررين

تراث جميل اللهوف:

مهندس معماري عراقي يتابع دراساته العليا في جامعة السوربون - باريس، الأولى بتخصص تاريخ الفن الإسلامي. بعد عدة سنوات من العمل في مجال الهندسة المعمارية ببلدان مختلفة، وجه خبراته الجديدة المكتسبة للتركيز على موضوع التخطيط الحضري والمعماري للمدن الإسلامية فكانت رسالة الماجستير حول مدينة النجف الأشرف القديمة والتي تناولت التصميم المعماري لضريح الإمام علي(علیه السّلام)والعلاقة الحضرية المكانية داخل المدينة القديمة. شجعت النتائج الباحث على الاستمرار في البحث في هذه الإشكالية ولتكون موضوعاً موسعاً لأطروحته في الدكتوراه مركّزاً بحثه على القيمة المعمارية والطابع الفريد للتصميم الحضري للمدينة.

د. جیرالدین شاتلار:

مؤرخة اجتماعية وعالمة أنثربولوجيا في الشرق الأوسط المعاصر، وباحثة مشاركة في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى (افبو) في عمان - الأردن من بين العديد مما نشرته شاتلار عن الهجرة والنزوح في العراق ومنها«السياسة في انتقال السكان في العراق المعاصر : برنامج بحثي». وكذلك«كتابة تأريخ العراق: التحديات التأريخية والسياسية» بالاشتراك مع ر.بوكو، أج بوزارسلان بي سلگیت و جي. تيجيل لندن 2012م). وعملت شاتلار للفترة من إلى 2014م منسقاً لليونسكو في مشروع الحفاظ على الإرث الثقافي للنجف والترويج لإبرازها دوليّاً.

د. روبرت گلیف:

أستاذ الدراسات العربية في معهد الدراسات العربية والإسلامية ، جامعة إكستر. ركز عمله على تأريخ الفكر الشيعي، أسس تطور الفكر الشيعي وتطور المؤسسات التعليمية (الحوزة) في الإسلام الشيعي ألف كتاب «إسلام النصوص: تأريخ وعقائد المدرسة الأخبارية في الفكر الشيعي (برل (2007م)«وكذلك»هاجس محتوم: نظريتان في الفقه

ص: 400

الشيعي (برل 2000م). يعكف حالياً على إكمال أفرودته «التفسيرية والنفوذ في تطور الفقه الشيعي».

د. حسن عيسى الحكيم:

أستاذ متقاعد في التأريخ الإسلامي. حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة بغداد وحاضر في العديد من جامعات العراق واليمن . عمل رئيساً لجامعة الكوفة 2003 - 2006 وعضواً في عدد من المؤسسات الأكاديمية والثقافية العربية. مؤلف معطاء حيث نشر عدداً كبيراً من البحوث الأكاديمية، الأفرودات والمقالات في المجلات العلمية. ألف الكتاب الموسوعي«المفصل في تأريخ النجف الأشرف»الذي بلغت أجزاؤه خمساً وخمسين لحد الآن.

حسین جهاد ظاهر الحساني:

مواليد : النجف الأشرف : 1967م. باحث ، محقق ، مؤلف ، خبير مخطوطات. الدراسة : 1 - بكالوريوس علوم إسلامية (فكر وعقيدة).

2- أكمل دراسة المقدمات والسطوح في الحوزة العلمية منذ عام 1987-1997م.

مدير قسم المخطوطات في مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامة في النجف الأشرف(مكتبة العلامة الأميني) ومنذ أكثر من 15 سنة، ومسؤول وحدة الفهرسة في شعبة ترميم مخطوطات العتبة العلوية المقدسة سابقاً، ومسؤول فهرسة مخطوطات مسجد الكوفة المعظم حالياً، وموظف في مديرية الوقف الشيعي في النجف الأشرف بدرجة معاون مدير، وعضو في مركز الأمير لإحياء التراث الإسلامي. وعضو في لجنة الآثار والتراث للجان النجف عاصمة الثقافة الإسلامية 2012م. شارك في بعض الدورات والندوات والمؤتمرات الخاصة بالمخطوطات وغيرها داخل العراق وخارجة. طبع له بعض المخطوطات المحققة ، والبحوث المؤلفة.

سجاد جياد:

حصل على الماجستير في الدراسات الإسلامية بعد دراسة الاقتصاد والسياسة في كوين ماري، جامعة لندن. عمل بعد ذلك محاضراً في العقيده الإسلامية والتاريخ والقانون . قام بتنظيم مؤتمر دولي حول سامراء وكتب فصلاً في منشور المؤتمر بصفته مدير الأبحاث في مركز الدراسات الإسلامي الشيعي قدم عدداً من الأوراق البحثية عن العراق في عدد من المؤتمرات الأكاديمية الدولية. يتابع دراسته نحو الدكتوراه في لندن التي عُرف فيها خبيراً ومحللاً سياسياً عن العراق .

د. فؤاد جابر کاظم

باحث في مركز الدراسات الأكاديمية الشيعية في لندن. حصل على الدكتوراه

ص: 401

من جامعة إكستر في المملكة المتحدة - معهد الدراسات العربية والإسلامية عام 2013م،والماجستير في السياسات الأوروبية من جامعة ساوث بانك لندن عام 2002م، وبكالوريوس العلوم السياسية من جامعة بغداد - كلية العلوم السياسية عام 1990م. يهتم بالدراسات الإسلامية عموماً والدراسات الشيعية تحديداً مع تركيز خاص على العراق والشرق الأوسط. صدر له بالعربية«جذور فكرة التسامح والنزعة الإنسانية في الفكر الشيعي»في العام 2008م،كما نشر مقالات باللغتين العربية والإنكليزية. ساهم في العديد من المؤتمرات في المملكة المتحدة وإيطاليا وألمانيا

د. صابرینا میرفان:

مديرة مركز جاك بارك للأبحاث في العلوم الإنسانية والاجتماعية وباحث أقدم في المركز الفرنسي للبحث العلمي (سي أن آر أس)في باريس عملت مديراً مشاركاً لمعهد دراسات العالم الإسلامي(آي أي أس أم أم/أي ا أي أس أس)للفترة 2008 - 2010م، كما كانت باحثاً في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في بيروت ( أفيو ) للفترة 2004 - 2008م وباحثاً في المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق (آي أف أي أي دي) للفترة 1994 - 1998م. نشرت العديد من المقالات في التشيع المعاصر والإصلاح الشيعي. حركة الإصلاح الشيعي . علماء جبل عامل وأدبائه من نهاية الدولة العثمانية إلى بدايات استقلال لبنان دار النهار،بيروت 2003م. علماء جبل عامل وتجديد الدراسات الدينية في النجف 1880 - 1960م، النجف الأشرف إسهامات في الحضارة الإنسانية، ج 2، المركز الإسلامي في إنكلترا - لندن 2000م. الحوزة وتحديات القرن،نصوص معاصرة (www.nosos.net).

د. محسن عبد الصاحب المظفر:

أستاذ جامعي وناقد ومترجم. وهو المدير التنفيذي لكرسي اليونسكو لتطوير دراسات الحوار بين الأديان في العالم الإسلامي في جامعة الكوفة، ورئيس تحرير مجلة الكوفة الأكاديمية الدولية، ومدير سلسلة«دراسات فكرية»(تصدرُ من جامعة الكوفة). عمل حسن ناظم في عددٍ من الجامعات والمؤسسات الغربية والعربية منها كلية الدراسات الإسلامية - جامعة مدلسكس وجامعة ناصر في ليبيا وجامعة الكوفة. له عشرون كتاباً مُؤَلَّفاً ومترجماً. تتناول دراساته الراهنة القضايا المشتركة بين الثقافات والتأويل، والنظرية النقدية، واللسانيات،والأدب العربي الحديث.

د. حسن ناظم:

حسن ناظم أكاديمي ومترجم،عمل في مجموعة من الجامعات ومراكز البحوث،ويعمل في الإشراف في الكلية الإسلامية للدراسات العليا في المملكة المتحدة المنضوية تحت جامعة مدلسكس، ويدرس مقرّراً دراسياً عن بعد للدراسات العليا منذ العام 2009.

ص: 402

نشر ما يقارب ثمانية عشر كتاباً مؤلفاً ومترجماً وعشرات المقالات والدراسات في مجلات وصحف عربية وأجنبية من كتبه المؤلفة الشعرية المفقودة (2009)، «النص والحياة»، (2008)، «أنسنة الشعر»(2006)،«البنى الأسلوبية»(2002)،«مفاهيم الشعرية» (1994). ومن ترجماته بالاشتراك مع علي حاكم صالح كتبهانز جورج غادامير«التلمذة الفلسفية»السيرة الذاتية لغادامير،(2012) ، «الحقيقة والمنهج»(2007) ،«طرق هيدغر»(2007)، «بداية الفلسفة» (2002).

د. الستر نور ثدج:

أستاذ الفن والآثار في جامعة باريس 1 (سوربون). عمل في سورية، الأردن، العربية السعودية، كازاخستان و ترکمانستان.عمل مشاريع عديدة في عمان - الأردن، وعانه وسامراء في العراق. ألف«دراسات في عمان الرومانية والإسلامية»(عمان 1993م)، شارك في تأليف«تنقيبات في عانة»(لندن 1988م)، وصدر له حديثاً «الطوبوغرافيا التأريخية لمدينة سامراء»(لندن 2005م).

د. باولو بنتو:

يحمل الدكتوراه في الأنثربولوجيا من جامعة بوسطن. أستاذ الأنثربولوجيا في جامعة فلومينينز الاتحادية في البرازيل، وهو كذلك مدير مركز دراسات الشرق الأوسط. قام بإجراء دراسات أثنوغرافية ميدانية في سورية والمجتمعات الإسلامية في البرازيل، كما قام بدراسة ميدانية مماثلة حول زيارة الأربعين في النجف وكربلاء للفترة 2012 - 2013م. ألف العديد من الكتب والمقالات عن الصوفية والمدارس الإسلامية الأخرى في سورية المعاصرة وكذلك المجتمعات العربية والإسلامية في البرازيل. شارك مؤخراً في تأليف «اثنوغرافيات الإسلام: أداء الطقوس والممارسات اليومية» (أدنبره . 2013م).

ص: 403

ص: 404

المصادر والمراجع

ص: 405

ص: 406

المصادر والمراجع

المصادر العربية

1. الأصفي، محمد مهدي،مدرسة النجف وتطور الحركة الإصلاحية فيها، مطبعة النعمان،النجف،1965

م.

2. آل محبوبة، جعفر، ماضي النجف وحاضرها، دار الأضواء، بيروت، 3 أجزاء، ط2، دار الأضواء، بيروت، 1986م.

3. إبراهيم ،باقر، مذكرات باقر إبراهيم،دار الطليعة، بيروت، 2002م.

4. ابن بطوطة،محمد بن عبد الله،الرحلة، دار صادر ،بیروت،1964م.

5. ابن جبير،محمد بن أحمد،رحلة ابن جبير،تحقيق Wright De Goeje،بريل،ليدن، 1909 .م

6. ابن طاووس، رضي الدين علي بن موسى بن محمد، الإقبال،الهاجر، النجف، د.ت.

7. ابن طاووس، رضي الدين علي بن موسى بن محمد،مصباح الزائر وجناح المسافر، مخطوطة.

8. ابن طاووس، غيث الدين،فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي، تحقيق السيد تحسين آل شبيب الموسوي، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، بيروت، ط1، 1998م.

9. ابن عنبة،أحمد بن علي،عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، تحقيق محمد حسن الطالقاني، منشورات المطبعة الحيدرية، النجف، 1980م.

10. ابن الفوطي،كمال الدين الشيباني، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة،الفرات بغداد، 1929م.

11. ابن كثير،إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، دار عالم الكتب الرياض، 2003م.

12. ابن منظور،محمد بن مکرم،لسان العرب، دار صادر، بیروت، 1956م.

ص: 407

13. ابن النجف الختيب تاريخ الحركة الإسلامية في العراق،دار المقدسي، بيروت،1981م.

14. ابن الوردي،زين الدين التاريخ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996م.

15. أبو زهرة،محمد،الإمام الصادق،حياته وعصره وآراؤه وفقهه، دار الندوة الجديدة، بیروت، 1394 ه.

16. أبو طبيخ،محسن المبادئ والرجال، مطبعة ابن زيدون،دمشق،1938م.

17. الأسدي، حسن،ثورة النجف،دار الحرية للطباعة، بغداد، 1975م.

18. الأصفهاني،أبو الحسن،وسيلة النجاة، جز آن، دار ،المجتبى،بيروت،1992م.

19. الأصفهاني، أبو الفرج، علي بن الحسين،الأغاني، ج14، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية للطباعة، 1963م.

20. الأصفهاني، محمد باقر الموسوي الخونساري،روضات الجنات في العلماء والسادات، ج ،1 المطبعة الحيدرية، طهران، 1310 ه_ .

21. أمير معزي،محمد علي،الطوسي، محمد بن الحسن، «الموسوعة الإسلامية»، الطبعة الثانية ،بريل ،ليدن، 1960 - 2005م.

22. أمين،أحمد ضحى الإسلام، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1964م.

23. الأمين،محسن العاملي، أعيان الشيعة، مطبعة الإنصاف، بيروت، 1380ه_.

24. الأمين،محسن العاملي،الرحلة العراقية الإيرانية، مطبعة الإنصاف، بيروت، الطبعة الأولى، 1954م.

25. الأنصاري، مرتضى، صراط النجاة، تحقيق محمد حسين فلاح ،زاده ،قم، 1373ه_/1954م.

26. إيرلند، فيليب،العراق،دراسة في تطوره السياسي، ترجمة جعفر الخياط، مطبعة دار الکشاف، بيروت، 1949م.

27. باري، عبد الله،الميثاق العربي الوطني، النجف ، 1939م.

28. بحر العلوم، محمد صادق،أمالي الشيخ الطوسي، منشورات المكتبة الأهلية، النجف، 1964م.

29. بحر العلوم، محمد، الدراسة وتاريخها في النجف، «موسوعة العتبات المقدسة»، قسم «النجف»، دار التعارف،بغداد،1966م.

ص: 408

30. بحر العلوم، محمد مهدي، إجازات الحديث، تحقيق جعفر الحسيني الأشكوري، مقدّمة فاضل بحرالعلوم، مركز تراث السيّد بحر العلوم،لندن، 2010م.

31. البراقي، حسين تاريخ الكوفة، المكتبة الحيدرية، النجف،1960م.

32. البراقي، حسين،اليتيمة الغروية والتحفة النجفية، المكتبة الحيدرية، مطبعة شريعة، د.ت.

33. البستاني،بطرس،محيط المحيط دار،صادر، بیروت، 1968م.

34. البلاذري، أحمد بن يحيى،كتاب فتوح البلدان،تحقيق De Go ، بریل، لیدن،1866م.

35. البهادلي،علي أحمد،الحوزة العلمية في النجف معالمها وحركتها الإصلاحية، 1980-1920م ، الطبعة الأولى،دار الزهراء، بيروت، 1413ه_ / 1993م.

36. بورديو،بيير،بعبارة أخرى: محاولات باتجاه سوسيولوجيا انعكاسية، ترجمة أحمد حسان،ميريت للنشر والمعلومات، القاهرة، 2002م.

37. بيل، المس، فصول من تاريخ العراق القريب، ترجمة جعفر الخياط، مطبعة دار الكتب، بيروت، 1310ه_ .

38. التميمي، خالد،محمد جعفر أبو التمن: دراسة في الزعامة السياسية العراقية، دار الوراق للدراسات، دمشق، 1996م.

39. التميمي، محمد،مشهد الإمام، شريعة، قم، 2010م.

40. التيجاني، محمد السماوي، ثم اهتديت،مؤسسة الفجر، بيروت، 1936م.

41. ثابت ،محمد،جولة في ربوع الشرق الأدنى بين مصر وأفغانستان، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1936م.

42. الجزري، ابن الأثير، نهاية اللغة، بدون ذكر المطبعة وتاريخ الطبع.

43. الجزري، ابن الأثير،الكامل في التاريخ ، دار الكتاب العربي، بيروت، 1997م.

44. جمال الدين،مصطفى،مقدمة الديوان، دار المؤرخ العربي، بيروت، 1995م.

45. جميل،حسين،العراق شهادة سياسية 1908-1930م، دار السلام، لندن، 1987م.

46. الجنابي، طارق،التحري والتنقيب والصيانة للسنوات،دار الإمارة في الكوفة، .1966–1967م.

47. الجنابي، عبد الستار ، تأريخ النجف الاجتماعي 1932-1968، مكتبة الذاكرة، بغداد، ط 1 ، 2010م.

ص: 409

48. الجنابي،كاظم، تخطيط مدينة الكوفة، دار الجمهورية، بغداد، 1967م.

49. الجناتي، محمد إبراهيم،أدوار الفقه، قم، 1374ه_ / 1955م.

50. جواد،مصطفى، في التراث العربي، إخراج محمد جميل شلش وعبد الحميد العلوجي، ج 1، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1975م.

51. الجواهري، محمد مهدي،الديوان، تحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي وآخرون، دار الحرية للطباعة بغداد 1980م.

52. الجواهري، محمد مهدي، ذكرياتي، ج 1، دار الرافدين دمشق، ط 1 ، 1988م.

53. الحاكم النيسابوري،أبو عبد الله،المستدرك على الصحيحين، شركة علاء الدين للطباعة والنشر، بيروت، د.ت.

54. حرز الدين،محمد،معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء، مطبعة الآداب، النجف، 1383ه_ / 1964م.

55. حسني، رجاء حسين،العراق بين 1921-1927م، دار الحرية للطباعة،بغداد، 1976م.

56. الحسني، عبد الرزاق،تاريخ الوزارات العراقية، مطبعة دار الكتب، بيروت، 1394ه_ / 1974م.

57. الحسيني الأشكوري، أحمد، الإمام الحكيم السيد محسن الطباطبائي، دار الثقافة، النجف، 1964م.

58. الحسيني الأشكوري، أحمد،الإمام الشاهرودي، السيد محمود الحسيني، مطبعة الآداب، النجف.

59. الحكيم، حسن عيسى،الكوفة بين العمق الحضاري والتطور العلمي، مؤسسة العارف، بيروت، 2011م.

60. الحكيم، حسن عيسى، الأسوار والقلاع في النجف، مطبعة تموز، دمشق، 2011م.

61. الحكيم، حسن عيسى،المفصل في تاريخ النجف، 34 مجلداً مطبوعاً حتى الآن،المكتبة الحيدرية، قم المقدسة، ج1، 1427ه_.

62. الحكيم،حسن عیسی،«مصطلح الغري وأطواره التاريخية»، مجلة كلية الفقه، عدد ،1، مطبعة الآداب، نجف، السنة الأولى 1979م.

63. الحكيم،صاحب، الشيوعية والدين الإسلامي، مطبعة القضاء، النجف، 1959م.

64. الحكيم، الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن،النجف، مطبعة الآداب، م1975.

ص: 410

65. الحكيم،عبد الهادي،حوزة النجف الأشرف: النظام ومشاريع الإصلاح، مؤسسة آفاق للدراسات والأبحاث العراقية، بغداد، 2007م.

66. الحكيم،محمد باقر، مرجعية الإمام الحكيم نظرة تحليلية شاملة، دار الحكمة، قم، 2003

67. الحكيم،محمد باقر،موسوعة الحوزة العلمية والمرجعية، الجزء 2:«المرجعية الدينية»، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، النجف، 2005م.

68. الحكيم، محمد تقي،الأصول العامة للفقه المقارن، المجمع العالمي لأهل البيت،قم، 1997م.

69. الحكيم،محمد تقي مقدمة كتاب(عقد الفضولي) في الفقه الإسلامي، للسيد عبد الهادي الحكيم ، مطبعة الآداب، النجف، 1975م.

70. الحكيم، محمد سعيد،المرجعية الدينية وقضايا أخرى،مؤسسة المرشد، بيروت، 2001م.

71. حلاق ،حسان،الأرشيف والوثائق والمخطوطات،دار النهضة العربية،بيروت،2003م.

72. الحلفي،كاظم،الشيوعية كفر وإلحاد، مطبعة القضاء، النجف، 1960م.

73. الحلوجي،عبد الستار،المخطوط العربي، المملكة العربية السعودية،«نحو علم مخطوطات عربي»، مكتبة الصباح، القاهرة، 1989م.

74. الحمامي، محمد،«السيد حسين الموسوي الحمامي»،مجلة الموسم، ع7 ، 1990م.

75. الحموي، أبو عبد الله شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الرومي البغدادي، معجم البلدان، ج3، القاهرة، 1906م.

76. حنا،عبد الله،الاتجاهات الفكرية في سوريا ولبنان 1920 - 1945، دمشق، دار التقدم العربي، 1973م.

77. الحوماني، محمد علي،بين النهرين دجلة والفرات، مطبعة الكشاف، بيروت، 1946م.

78. الحوماني، محمد علي،العروبة مع الناس، مطابع كوستاتسوماس وشركاه،القاهرة . 1948م.

79. الحوماني، محمد علي، وحي الرافدين، مطبعة الكشاف، بيروت، 1363ه_ / 1944م.

80. الحوماني، محمد علي،العروبة من يسمع ؟ ، بغداد، 1952م.

ص: 411

81. الخاقاني، علي، تاريخ الصحافة في النجف، مطبعة دار الجمهورية، بغداد، 1389ه_/ 1969م.

82. الخاقاني،علي،شعراء الغري أو النجفيات،المطبعة الحيدرية، النجف، 1954-1956م.

83. الخرسان، صلاح،حزب الدعوة الإسلامية،حقائق ووثائق، المؤسسة العربية للدراسات والبحوث الاستراتيجية، دمشق، 1999م.

84. الخرسان، صلاح،صفحات من تأريخ العراق الحديث، الحركة الماركسية 1920-1990 مؤسسة المعارف للمطبوعات، بيروت، 2001م.

85. الخرسان، عبد المطلب الموسوي،مساجد ومعالم في الروضة الحيدرية، مطبعة العراق الديوانية، 1427ه_ / 2006م.

86. خضير، جعفر، الشيخ الطوسي مفسّراً، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1378ه_.

87. الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، مصر، 1931م.

88. الخفاف ،حامد،(إعداد)النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني في المسألة العراقية، دار المؤرخ العربي، بيروت، 2007م.

89. الخليلي،جعفر، موسوعة العتبات المقدسة، قسم «النجف»، دار التعارف، بغداد، 1966م.

90. الخليلي، جعفر، هكذا عرفتهم، مطبعة الزهراء ،والتعارف، بغداد، ودار الكتب، بیروت، 1972-1963م.

91. الخنيزي،عبد الله،ذكرى الزعيم الخنيزي،المطبعة العلمية،النجف 1373ه_ / 1954م.

92. خویر،هناء حسين، مدرسة الكوفة الحديثية في القرنين الأول والثاني الهجري، رسالة ماجستير،جامعة الكوفة، 2009م.

93. الخيون، رشيد، أمالي السيد طالب الرفاعي، دار مدارك ، الإمارات العربية المتحدة، 2012

94. الدجيلي، جعفر، دليل العتبة العلوية المقدسة، دار الرافدين، بيروت، 2012م.

95. الدجيلي، جعفر، موسوعة النجف الأشرف، دار الأضواء، بيروت، 1993م.

96. الدجيلي، عبد الكريم، الجواهري شاعر العربية، مطبعة الآداب، النجف، 1972م.

ص: 412

97. الدجيلي، عبد الكريم،الشعوبية وشعراؤها، بغداد، 1948م.

98. ديروش،فرنسوا،المدخل إلى علم الكتاب المخطوط بالحرف العربي، ترجمة أيمن فؤاد سید،مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 2010م.

99. الديلمي، ابن محمد الحسن بن أبي الحسن محمد،إرشاد القلوب في فضائل أمير المؤمنين ومناقبه،ط2، من دون تاریخ طباعة وذكر اسم مطبعة.

100. ديورانت، ويل،قصة الحضارة، تحقيق زكي نجيب محمود، جامعة الدول العربية، القاهرة، 1956م.

101. الذهبي، شمس الدين، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الشافعي، العبر في خبر من غبر، بيروت، دار الكتب العلمية، 1982م.

102. رسول محمد رسول،الوهابيون والعراق: عقيدة الشيوخ وسيوف المحاربين، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2005م.

103. الرفيعي،عبد الحسين،(إعداد)النجف الأشرف: ذكريات ورؤى وانطباعات ومشاهد، دار الحكمة لندن، 2009م.

104 . رؤوف، عادل،حصارات علي: النجف مدينة تعتاش على الموتى، المركز العراقي للإعلام والدراسات ،بغداد، بیروت، دمشق، 2009م.

105. الريحاني، أمين، الأعمال العربية الكاملة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1980م.

106. ريكور، بول، محاضرات في الأيديولوجيا واليوتوبيا،تحرير وتقديم جورج تيلور، ترجمة فلاح رحيم،دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2002م.

107. الزبيدي، محمد مرتضى،تاج العروس من جواهر القاموس، ج 2، المطبعة الخيرية، ،مصر، ط 1 ، 1306ه_..

108. الزركلي،خير الدين،الأعلام، مصر، 1956م.

109. الزمخشري،محمود بن عمر،أساس البلاغة، تحقيق عبد الرحيم محمود، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1953م.

110. الزهري، محمد بن سعد بن منيع،الطبقات الكبرى،القسم الأول، دار بيروت، بيروت، 1957م.

111. الزين، علي، مع الأدب العاملي، مطبعة سيما، بيروت، د.ت.

ص: 413

112. السامرائي، قاسم، تاريخ الخط العربي وأرقامه،«صناعة المخطوط العربي الإسلامي من الترميم إلى التجليد»، الإمارات،إدارة المطبوعات جامعة الإمارات، 1956م.

113. سباهي، عزيز، عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي، ج 2-1 ، منشورات الثقافة الجديدة، دمشق، 2003م.

114. السراج ،عدنان،الإمام محسن الحكيم 1889-1970، دار الزهراء، ط 1، بيروت، .1993م.

115. السعدي، هاشم،جغرافية العراق الحديثة، دار السلام، بغداد، 1342ه_ / 1924م.

116. السياب،بدر شاكر،كنت شيوعيا،دار الجمل،بغداد 2007م.

117. سيد، أيمن فؤاد،الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات،الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1997م.

118. السيد سلمان،حیدر نزار،المرجعية الدينية في النجف الأشرف ومواقفها السياسية في العراق 1958-1968، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2010م.

119. شبر، حسن،العمل الحزبي في العراق 1908-1958، دار التراث العربي، بيروت،1989م.

120. الشبيبي،محمد علي،«من كتابات والدي الراحل علي محمد الشبيبي»، صوت العراق، 2009/13/3م.

121. الشبيبي، محمد علي،«حسين محمد الشبيبي ،أديب ،ثائر،شهيد»، مجلة الثقافة الجديدة، ع 4، تموز 1969م.

122. الشرقي، علي،الأحلام، مطبعة شركة الطبع والنشر الأهلية، بغداد، الطبعة الأولى، 1963م.

123. الشرقي، علي،كلمتي في الجواهري،ديوان محمد مهدي الجواهري، دار الحرية بغداد.

124. الشريف، أبو القاسم علي بن طاهر،الأمالي، مكتبة المرعشي النجفي، قم، 2003م.

125. الشريفي، عبد الرسول،رياض الفكر ، مطبعة الغري،النجف، 1369ه_/ 1950م.

126. المُشتري الجزائري،محمد عباس،ظل ممدود،مخطوطة غير منشورة، مؤسسة نور الهداية، لكنو .

127. شعبان،عبد الحسين،الجواهري، جدل الشعر والحياة، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1997م .

ص: 414

128. شكر،كاظم محمد، النجف الأشرف،رجال وأفكار ومواقف، ج2، غير مطبوع،نسخة مصورة في مكتبة الشيخ هادي كاشف الغطاء.

129. الشمري، رضا عبد الجبار،وحيدر عبود كزار،مقبرة وادي السلام بين أهمية الوظيفة وضغط استعمالات الأرض في مدينة النجف الكبرى، عدد2، مركز دراسات الكوفة، النجف، 2009م.

130. الشمس، ماجد عبد الله،«حفريات الحيرة»، مجلة سومر ، ج 1-2،مجلد 45، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1987-1988م.

131. شمس الدين،محمد رضا،حديث الجامعة النجفية،تاريخ وتحليل،المطبعة العلمية، النجف، 1373ه_.

132. الصغير، محمد حسين،قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف، مؤسسة البلاغ - دار سلوني، بيروت، 2008م.

133. الطاهر،علي جواد،الجواهري من المولد حتى النشر في الجرائد، ديوان الجواهري،مطبعة الأديب ودار الحرية للطباعة، بغداد، 1980-1973م.

134. الطاهر، علي جواد،المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار العلم للملايين، بيروت، 1976م.

135. الطباطبائي الكربلائي، محمد بن علي، مفاتيح الأصول، قم، مؤسسة أهل البيت، 1242ه_.

136. طباطبائي، محمد حسين ومطهري، مرتضى وزنجاني، أبو الفضل موسوي و بازرگان،مهدي ،و بهشتي، محمد وطالقاني، محمود وجزائري، مرتضی، مرجعیت وروحانیت شرکت سهامی انتشار، طهران، 1341ه_ / 1962م.

137. الطبري، محمد بن جرير،تأريخ الرسل والملوك، تحقيق De Goeject، بریل، لیدن 1901-1879.

138. الطريحي، محمد سعيد ،«خزائن الكتب الإسلامية في الكوفة»، مجلة حولية الكوفة الصادرة عن أمانة مسجد الكوفة المعظم، العدد 2.

139. الطريحي، محمد سعيد، دولة النجف، أكاديمية الكوفة، هولندا، 2004م.

140 . الطريحي، محمد كاظم،النجف الأشرف: مدينة العلم والعمران، دار الهدى، بيروت، 2002م.

141. الطهراني، آغا بزرك،الذريعة إلى تصانيف الشيعة، دار الأضواء، النجف، 1357ه_..

ص: 415

142. الطوسي، محمد بن الحسن،اختيار معرفة الرجال، مؤسسة أهل البيت، قم، 1984م.

143. الطوسي، محمد بن الحسن،الاستبصار ، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1984م.

144. الطوسي، محمد بن الحسن،الاقتصاد، مطبعة الخيام، قم، 1979م.

145. الطوسي، محمد بن الحسن،الأمالي، مؤسسة البعثة، قم، 1993م.

146. الطوسي، محمد بن الحسن،التبيان في تفسير القرآن المطبعة العلمية، النجف ،1957م.

147. الطوسي، محمد بن الحسن،الخلاف مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1987م.

148. الطوسي، محمد بن الحسن،الغيبة، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1991م.

149. الطوسي، محمد بن الحسن،الفهرست مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1996م.

150. الطوسي، محمد بن الحسن،المبسوط، المطبعة الحيدرية، طهران، 1967م. ،

151. الطوسي، محمد بن الحسن،النهاية، انشارات قدس ،محمدي، قم، 1985م.

152. الطوسي، محمد بن الحسن، تلخيص الشافي، مطبعة الآداب، النجف، 1963م.

153. الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1985م.

154. الطوسي محمد بن الحسن،رجال الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1995م. .151

155. الطوسي، محمد بن الحسن، عدّة الأصول، مؤسسة البعثة، قم، 1997م.

156. الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجد، مؤسسة فقه الشيعة، قم، 1991م.

157. الطيب،حسين محمد،«الشيوعية والإسلام»، مجلة العدل الإسلامي، النجف، ع 6، 1949م.

158. العاملي، بهاء الدين، جامع عباسي، مؤسسة انتشارات فراحاني، طهران، د.ت.

159. العاملي، محمد تقي آل الفقيه،النجف قبل ربع قرن،تاريخها وتخطيطها، لبنان، صور، د.ت.

160. العباسي، عمر أمجد، نشأة الثقافة العربية الإسلامية في الكوفة في صدر الإسلام،

رسالة ماجستير، جامعة الموصل، 2005م.

161. عبد الجبار،فالح العمامة والأفندي: سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الشيعي،نموذج ،العراق، ترجمة أمجد حسين،دراسات عراقية، بغداد، أربيل، بيروت، 2009م.

162. العجلي، معن،دروس قومية، ج1، دار النشر والتأليف، النجف، 1949م.

163. عجينة، رحيم، الاختيار المتجدد، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1998م.

ص: 416

164. عطية، موسى جعفر،«أرض النجف والتراث الجيولوجي»، مجلة تراث النجف،العدد1 ، 2009م.

165. العلي،صالح أحمد ،«دراسة طبوغرافية لنهايات الكوفة»، مجلة سومر1965،21م.

166. العمري،محمد أمين،تاريخ حرب العراق خلال الحرب العظمى سنة 1914-1918م، المطبعة العربية، بغداد، 1353ه_ / 1935م.

167. العميد،طاهر، تخطيط المدن العربية والإسلامية، جامعة بغداد، 1986م.

168. عواد ،کورکیس، خزائن الكتب القديمة في العراق،دار الرائد العربي، بيروت، 1986م.

169. عودة،عبد الحسين،على الشرقي، دار العلوم، القاهرة، 1378ه_ / 1978م.

170. عيسى،نديم،الفكر السياسي لثورة العشرين،مطابع دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1992م.

171. العيناجي، محمود،«تنقيبات في الحيرة»، مجلة سومر ،2، 29، 32، 1946م.

172. غادامير،هانز جورج، التلمذة الفلسفية: سيرة ذاتية، ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح، دار الكتاب الجديد، بيروت، 2013م.

173. الغراوي،عبد الحسن،مقدمة ديوان الشيخ محمد رضا المظفر، مخطوط في مكتبة الشيخ محمد حسن الغراوي في النجف.

174. الغراوي،عبد الكريم، الإمام الخالصي ومناظراته، بدون تاريخ ومكان طبع.

175. غازي،جابر رزاق،الكوفة في العصر العباسي، رسالة ماجستير، جامعة الكوفة، 2000م.

176. فتوحي، ميري عبودي،فهرست المخطوط العربي، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1980م.

177. فضل الله،محمد حسین،بینات حوارية،بيروتhttp://arabic.bayynat.org

178 . الفقيه،محمد تقي،جامعة النجف في عصرها الحاضر، مطبعة صور الحديثة، لبنان، 1369ه_ .

179. الفكيكي،هاني،أوكار الهزيمة، تجربتي في حزب البعث العراقي، رياض الريس للكتب والنشر ،لندن 1993م

180. فياض، عامر حسن، جذور الفكر الاشتراكي والتقدمي في العراق 1920-1934، دار ابن رشد بیروت 1980م.

ص: 417

181. فياض،عبد الله،الثورة العراقية سنة 1920م، مطبعة الإرشاد، بغداد، الطبعة الاولی،1963م.

182. الفياض، مقدام، تاريخ النجف السياسي 1941 - 1958، دار الأضواء، 2002م.

183. القزويني، جودت، عز الدين الجزائري،رائد الحركة الإسلامية في العراق، ط1، دار الرافدين ،بیروت، 2005م.

184. القمي، عباس، سفينة البحار، مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة، 1416ه_ .

185. القمي، محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثالثة، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية، قم، 1392ه_ / 1972م.

186. القوجاني،السيد النجفي، سياحة في الشرق، ترجمة لجنة الهدى، دار البلاغة والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1412ه_ / 1992م.

187. القيسي، سامي عبد الحافظ، ياسين الهاشمي ودوره في السياسة العراقية بين عامي 1936-1922م، مطبعة العاني، بغداد، 1976م.

188. كاشف الغطاء، علي سعد صالح في مواقفه الوطنية -1920-1950م، مطبعة الراية، بغداد، 1989م.

189. كاشف الغطاء، محمد حسين،العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية، تحقيق جودت القزويني، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، 1998م.

190. كاشف الغطاء، محمد حسين،المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون،منشورات الوعي الاسلامي، بيروت، 1980م.

191. الكاظمي، مصطفى، بشارات الإسلام في علامات المهدي(علیه السّلام)، مؤسسة البلاغ - دار سلوني، بيروت، 2007م.

192. كحالة،عمر ، معجم المؤلفين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1957م.

193. كرد علي، محمد، خطط الشام، دار العلم للملايين، بيروت، 1969ه_/ 1971م.

194. الكشميري،حسن،رسائل ومسائل، بدون تأريخ ومكان طبع.

195. الكشي، محمد بن عمر،رجال الكشي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 2009م.

196. كمال،أحمد عادل، فتوح بعد القادسية، دار الفكر للطباعة، بدون ذكر اسم المطبعة،ط1، 1393ه_ / 1974م.

ص: 418

197. كمال الدين،محمد علي النجف في ربع قرن منذ سنة 1908 ، تحقيق وتعليق كامل سلمان الجبوري، دار القارئ دون مكان،2005م.

198. کمونه،عبد الرزاق،مشاهد العترة الطاهرة، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، 1968م.

199. الكنجي الشافعي، محمد بن يوسف بن محمد القرشي، كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،مطبعة الغري، النجف، 1937م.

200. الكوفي، محمد عبود، نزهة الغري،مطبعة الراعي، النجف، 1947م.

201. لجنة من المؤلفين، المعجم الوسيط، دار الأمواج، بيروت، 1990م.

202. لومير، جاك، مدخل إلى علم المخطوط، ترجمة مصطفى طوبي، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2006م.

203. ماسينيون، لويس، خطط الكوفة وشرح خريطتها، مطبعة العرفان، صيدا، 1939م.

204. ماك در موت،مارتين ج،عقيدة الشيخ المفيد، دار المشرق، بيروت، 1978م.

205. ماهر ،سعاد،مشهد الإمام علي في النجف وما به من الهدايا والتحف،دار المعارف، القاهرة، 1969م.

206. مبارك،زكي، ليلى المريضة في العراق، مطبعة الرسالة ومطبعة أمين عبد الرحمن،القاهرة، 1358ه_ / 1939م.

207. مبارك، زكي، ملامح المجتمع العراقي، مطبعة أمين عبد الرحمن، القاهرة، 1391ه_/ 1942م.

208. مبارك، عبد الحسين،بشارة الزائرين، المطبعة المرتضوية، النجف، 1348ه_.

209. المجلسي، محمد باقر،مزار البحار، طبع حجر، 1890م.

210. مجموعة من الباحثين،آراء في المرجعية الشيعية، دار الروضة، بيروت، 1994م.

211. محمد علي،عبد الرحيم،المصلح المجاهد الشيخ محمد كاظم الخراساني، مطبعة النعمان، الطبعة الأولى، النجف، 1392ه_ / 1972م.

212. محيي الدين،محمد علي،«الحزب الشيوعي في النجف يتظاهر»، موقع الحوار المتمدن، 06-13-2010.

213. المرجاني، حيدر صالح ، خطباء المنبر الحسيني، مطبعة دار النشر والتأليف والغري والقضاء، النجف، 1949–1966م.

ص: 419

214. المسعودي، أبو الحسن، مروج الذهب، تحقيق محمد محيي الدين،المكتبة الإسلامية بيروت، د.ت.

215. المطوف، رضا أحمد إسماعيل، الملحمة الكبرى للشيخ حميد السماوي لسماحة العلامة السماوي في الرد على قصيدة الطلاسم،دار الطباعة الحديثة، العشار،1385ه_ / 1965م.

216. المظفر ، كاظم، ثورة العراق التحررية عام 1920 ، مطبعة الآداب، النجف، 1972م.

217. المظفر، محسن عبد الصاحب،تقنيات البحث المكاني وتحليلاته، دار صفاء، عمان، 2007م.

218. المظفر، محسن عبد الصاحب،مدينة النجف الكبرى،دراسة في نشأتها وعلاقتها الإقليمية، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1982م.

219 . المظفر، محسن عبد الصاحب،مقبرة النجف الكبرى،دار صفاء، عمان، 2008م.

220 . المظفر، محسن عبد الصاحب،وادي السلام في النجف من أوسع مقابر العالم، مطبعة الغري، النجف، 1964م.

221. المظفر،محسن عبد الصاحب،مدينة النجف الأشرف عبقرية المكان وقدسية المعاني، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2011م.

222. المظفر، محمد رضا آراء صريحة،مخطوط في مكتبة الدكتور حسن الحكيم في النجف.

223. معتوق، حسين،المرجعية العليا عند الشيعة الإمامية، مطابع دار الهدى، بيروت، 1390ه_ / 1970م.

224. معین ،محمد«أمير كبير»، موسوعة معين، طهران، 1972م.

225. مغنية،محمد جواد،تجارب محمد جواد مغنية،دار الجواد، بيروت، 1980م.

226. مغنية،محمد جواد،صفحات لوقت الفراغ، دار الكتاب الإسلامي، بيروت، 1399ه_ / 1979م.

227. مغنية، محمد جواد، مع علماء النجف الأشرف، الطبعة الأولى، مطبعة نمنم، بيروت، 1962م.

228. مغنية،محمد جواد،من هنا وهناك، مؤسسة الأعلمي، الطبعة الأولى، بيروت، 1388ه_ / 1968م.

229. مغنية، محمد علي، دول الشيعة في التاريخ،الآداب، نجف، 1963م.

ص: 420

230. المفرجي، عدي حاتم، النجف الأشرف وحركة التيار الإصلاحي 1908-1933، دار

القارئ العربي 2005م.

231. الملاح،عبد الغني، تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق، وزارة الإعلام، بغداد، 1975م.

232. الموسوي، مصطفى عباس، العوامل التاريخية لتطور ونشأة المدن الإسلامية، دار الرشيد بغداد، 1982م.

233. مؤسسة الدراسات الإسلامية،العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل، مؤسسة الفكر الإسلامي، بيروت، د.ت.

234. المؤمن، علي، سنوات الجمر، مسيرة الحركة الإسلامية في العراق 1957-1988، ط 1 ، دار المسيرة، لندن، 1993م. .501-477.

235. ميري، عباس، المرجعية والرسائل العملية، آراء في المرجعية الشيعية، مجموعة من الباحثين، دار الروضة، بيروت، 1994

236. ناجي ،يوسف ثمينة ،وخالد ،نزار سلام عادل سيرة مناضل ج 21 دار المدى م، ص دمشق، ط 1 ، 2001م.

237. النجار، مصطفى عبد القادر،التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية 1897- 1925م دار المعارف، القاهرة، 1971م.

238. النجاشي، أحمد بن علي،كتاب الرجال، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 2010م.

239. النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الطبعة الحادية عشرة، دار الكتب الإسلامية، طهران، 47 جزءاً، 1385ه_ / 1965م.

240. النجفي، محمد حسن،هداية الناسكين مؤسسة فقه الثقلين الثقافية قم 1426ه_ 2005م.

241. نخبة من الشباب العربي، خيانة الشيوعية،بدون مكان طبع، 1959م.

242. نقاش،إسحاق شيعة العراق، ترجمة عبدالله النعيمي، دار المدى دمشق 2003م.

243. نوار،عبد العزيز سليمان،تاريخ العراق الحديث من نهاية حكم داود باشا إلى نهاية حکم مدحت باشا، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة 1968 1968م.

244. نوري،بهاء الدين،مذكرات،دار الحكمة،لندن، 2001م.

245. النوري، محمد رضا،الشيوعية تناقض الدين، مطبعة النعمان، النجف، 1959م.

ص: 421

246. النويري، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب، نهاية الأرب في فنون الأدب، دار الكتب المصرية، القاهرة 1923م.

247. هامرتن، سیر جون،تاريخ العالم،مكتبة النهضة، القاهرة، د.ت.

248. الوردي،علي،لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، مطبعة الشعب، بغداد، 4 أجزاء، 1974م.

249. ياقوت،بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي،كتاب معجم البلدان، 6 أجزاء، تحقيق Wustenfeld،لايبزيغ، 1966-1973م.

250. اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن واضح،كتاب البلدان، تحقیق De Goeje, BGA

7، ليدن، 1892م.

المصادر الأجنبية

1. et appropriations conflictuelles des mausolées chiites de Raqqa (Syrie) ». In Les Pèlerinages au Maghreb et au Moyen-Orient : Espaces Publics, Espaces du Public. Edited by S. Chiffoleau and A. Madoeuf. Beirut, IFPO, pp. 109-130

2. Ababsa, M. 2005. «Significations erritoriales . Abdul-Jabar, F. (ed.). 2002. Ayatollahs, Sufis and Ideologues: State, Religion and Social Movement in Iraq. London, Saqi Books

3. 2002. « Genesis andDevelopmentofMarja'ismversus the State». In Ayatollahs, Sufis and Ideologues: State, Religion and Social Movements in Iraq». Edited by F. Abdil-Jabar. London, Saqi Books, pp. 61-89.

4. Aburish, S. 1998. A Brutal Friendship: The West and the Arab Elite. London,

Indigo.

5. Admirality War Staff. 1916-1917. A Handbook of Mesopotamia. Intelligence Division. [London?]

6. Agamben, G. 2007. Qu'est-ce qu'un dispositif? Paris, Rivages.

7. Agwani, M. S. 1969. Communism in the Arab East. Bombay, Asia Publishing

House.

8. Akhavi, S. 1980. Religion and Politics in Contemporary Iran: Clergy-State Relations in the Pahlavi Period. Albany, State University of New York Press.

9. Algar, H. 1972. «The Oppositional Role of the Ulama in Twentieth-Century Iran». In Scholars, Saints and Sufis: Muslim Religious Institutions in the Middle

ص: 422

East since 1500. Edited by N. Keddie. Berkeley, University of California Press, pp. 231-256. 10. Almond, G. A. 1954. The Appeal of Communism. Princeton, Princeton

University Press.

11. Amanat, A. 1988. «In Between the Madrasa and the Marketplace: The

Designation of Clerical Leadership in Modern Shi'ism». In Authority and Political Culture in Shi'ism. Edited by S. A. Arjomand. Albany (NY), State University of New York Press, pp. 98-131.

12. Antun, T. 2006. The Architectural Form of the Mosque in the Central Arab Lands, From the Hijra to the End of the Umayyad Period. Unpublished PhD thesis, University of Oxford.

13. Arjomand, S. A. (ed.). 1988. Authority and Political Culture in Shi'ism. Albany (NY), State University of New York Press.

14. . «The Mujtahid of the Age and the Mulla-Bāshī: An Intermediate Stage in the Institutionalization of Religious Authority in Shi'ite Iran». In Authority and Political Culture in Shi'ism. Edited by S. A. Arjomand. Albany, State University of New York Press, pp. 80-9

15. 1988. «

16.

1984. The Shadow of God and the Hidden Imam: Religion, Society, Political Order, and Societal Change in Shi'ite Iran from the Beginning to 1890. Chicago and London, The University of Chicago Press.

17. 1983. «<

18. Asad, T. 1993. Genealogies of Religion: Disciplines of Power in Christianity and Islam. Baltimore, Johns Hopkins University Press.

19. 1986. The Idea of an Anthropology of Islam. Washington (DC), Georgetown University, Center for Contemporary Arab Studies. (Occasional Papers Series).

20. Barrett, R. C. 2010. The Greater Middle East and the Cold War: US Foreign Policy Under Eisenhower and Kennedy. London and New York, IB Tauris.

ص: 423

21. Barthes, R. 1982. Empire of Signs. Trans. Richard Howard. New York, Hill and Wang.

22. Batatu, H. 1978. The Old Social Classes and the Revolutionary Movements of Iraq. Princeton, Princeton University Press.

23. Bellamy, J. A. 1985. «A New Reading of the Namārah Inscription». Journal of the American Oriental Society 105(1): 31-51.

24. Beuscart, J.-S. and Peerbaye, A. 2006. « Histoires de dispositifs ». Terrains et travaux 23:11/-15.

25. Brown, A. 2010. The Rise and Fall of Communism. London, Vintage Books.

26. Calder, N. 1982. «Khums in Imami Jurisprudence from the 10th to the 16th Century AD». Bulletin of the School of Oriental and African Studies 45: 39-47.

27. --------1980. The Structure of Authority in Imāmī Shī'ī Jurisprudence. Unpublished PhD thesis, London, School of Oriental and African Studies.

28. Calmar, J. 1991. «Mardja'-i Taķlīd». Encyclopaedia of Islam. 2nd edition, Volume I. Leiden, Brill; pp. 548.

29. Chabry, L. and Chabry, A. 1984. Politique et minorités au Proche-Orient, les raisons d'une explosion, Paris, Maisonneuve Larose.

30. Clarke, L. 2001. «The Shi'i Construction of Taqlîd». Journal of Islamic Studies 12(1): 40-64.

31. 2001. Shi'ite Heritage: Essays on Classical and Modern Traditions. Binghamton (NY), Global Publications.

32. Cole, J. 2002. «Indian Money and the Shi'ite Shrine Cities». In Sacred Space and Holy War: The Politics, Culture and History of Shi'ite Islam. Edited by J. Cole. London and New York, IB Tauris, pp. 78-98.

33. 1983. «

34. Daniel, N. 1991. «Contemporary Perceptions of the Revolution in Iraq on 14 July 1958». In The Iraqi Revolution of 1958: The Old Social Classes Revisited. Edited by R. A. Fernea and W. R. Roger Louis. London and New York, IB Tauris, pp.1-29.

35. D'Arcy, M. 1956. Communism and Christianity, Harmondsworth, Penguin.

ص: 424

36. Djaït, H. 1960. Al-Kūfa, naissance de la ville islamique. Paris, Maisonneuve et Larose.

37. Dupré, A. 1819. Voyage en Perse, fait dans les années 1807, 1808 et 1809, en traversant la Natolie et la Mésopotamie, depuis Constantinople. Paris, J.G. Dentu.

38. Encyclopaedia of Islam. 1954-2003. Leiden, Brill, 2nd Edition.

39. Eickelman, D. F. 1978. «The Art of Memory: Islamic Education and Its Social Reproduction»>». Comparative Studies in Society and History 20(4): 485-516.

40. Elias, N. 1978. What is Sociology? New York, Columbia University Press.

41. Elliot, M. 1996. Independent Iraq: The Monarchy and British Influence, 1941- 58. London, IB Tauris.

42. Emerson, R. 1960. From Empire to Nation. The Rise to self-Assertion of Asian and African Peoples. Cambridge (Mass.), Harvard University Press.

43. Farouk-Sluglett, M. and Sluglett, P. 2001. Iraq since 1958: From Revolution to Dictatorship. London, IB Tauris.

44. Farzaneh, M. M. 2008. «Interregional Rivalry Cloaked in Iraqi Arab Nationalism and Iran Secular Nationalism, and Shiite Ideology». International Journal of Contemporary Iraqi Studies 2(3): 391-407.

45. Finster, B. and Schmidt, J. 1976. «Sasanidische u. frühislamische Ruinen im Iraq». Baghdader Mitteilungen 8 (whole issue).

46. Fischer, M. 1980. Iran from Religious Dispute to Revolution. Cambridge and London, Harvard University Press.

47. Fontanier, V.1846. Voyage dans l'Inde et dans le golfe Persique par l'Égypte et la mer Rouge. Paris, Paulin.

48. Foucault, M. 1994 [1977], Dits et écrits. V. 2. Paris, Gallimard.

49. Franzen, J. 2011. Red Star over Iraq: Iraqi Communism Before Saddam. London, Hurst.

50. Frye, R. N. 1977. «The Sasanian System of Walls for Defense». In Studies in Memory of Gaston Wiet. Edited by M. Rosen-Ayalon. Jerusalem, The Hebrew University, pp. 7-15.

51. Gabbay, R. 1978. Communism and Agrarian Reform in Iraq. London, Croom Helm.

52. Gardner, H. and G. H. Gardner. 1966. «Al-Shu'ubiyyah Up-Dated: A Study of

ص: 425

the 20th Century Revival of an Eighth Century Concept». Middle East Journal 20(3): 335-351.

53. Gayraud, R-P. 1998. « Fostat: évolution d'une capitale arabe du VIIe au XIIe siècle d'après les fouilles d'Istabl 'Antar ». In Colloque International d'Archéo- logie Islamique. Edited by R-P Gayraud. Cairo, IFAO, pp. 435-460.

54. Gleave, R. 2007. «Conceptions of Authority in Iraqi Shi'ism. Bâqir al-Hakîm, Ha'iri and Sistani on Ijtihâd, Taqlîd and Marja'iyya». Theory, Culture and Society 24(2): 59-78.

55. 2001. <

56. 2000. Inevitable Doubt: Two theories of Shi'i Jurisprudence. Leiden,Brill

57. 1994. «<

58. Hairi, A. H. 1977. Shi'ism and Constitutionalism in Iran. A study in the Role Played by the Persian Residents of Iraq in Iranian Politics. Leiden, Brill.

59. Halbwachs, M. 1992 [1941]. «The Legendary Topography of the Gospels in the Holy Land≫ In Maurice Halbwachs on Collective Memory. Edited and translated by L. Coser. Chicago, University of Chicago Press, pp. 191-235.

60. 1992 [1925]. «The Social Frameworks of Memory». In Maurice Halbwachs on Collective Memory. Edited and translated by L. Coser. Chicago, University of Chicago Press, pp. 35-189.

61. Halm, H. 2004. Shi'ism. Edinburgh, The New Edinburgh Islamic Survey, 2nd Edition.

62. Hamdan, F. H. 2012. The Development of Iraqi Shi'a Mourning Rituals in Modern Iraq: The 'Ashura Rituals and Visitation of al-Arb'ain. Unpublished MA thesis, Arizona State University.

63. Hansen, T. B. and Verkaaik, O. 2009. «Introduction - Urban Charisma: On Everyday Mythologies of the City». Critique of Anthropology 29(1): 5-26

64. Harling, P. and Nasser, H. Y. 2007. « La mouvance sadriste: lutte de classes, millénarisme et fitna ». In Les mondes chiites et l'Iran. Edited by S. Mervin. Paris and Beirut, Karthala and IFPO, pp. 243-266.

65. Hartog, F. 2010. «What is the Role of the Historian in an Increasingly Presentist

ص: 426

World?». In New Ways of History: Developments in Historiography. Edited by G. Harlaftis et al. London and New York: IB Tauris, pp. 239-252.

66. Harris, G. L. 1958. Iraq. Its People, Its Society, Its Culture. New Haven, HRAF Press.

67. Al-Hilli, H. 1988. «Allâma al-Hilli on the Imamate and Ijtihad». In Authority and Political Culture in Shi'ism. Edited by S. A. Arjomand. Albany, State University of New York Press, pp. 240-249.

68. Hinds, M. 1971. «Kufan Political Alignments and Their Background in the Mid-Seventh Century A.D.». International Journal of Middle East Studies 2(4): 346-367.

69. Ismail, T. Y. 2008. The Rise and fall of the Communist Party of Iraq. Cambridge, Cambridge University Press

70. 2005. The Communist Movement in the Arab World. London and New York, Routledge.

71. Jabar, F. A. 2003. The Shi'ite Movement in Iraq. London, Saqi Books.

72. Johns. J. 2003. «Archaeology and the History of Early Islam: The First Seventy

Years». Journal of the Economic and Social History of the Orient 46(4): 411- 436.

73. 1999. «The 'House of the Prophet' and the Concept of the Mosque». In Bayt al-Maqdis. Jerusalem and Early Islam. Edited by J. Johns. Oxford, Oxford University Press, pp. 59-112.

74. Al-Ka'bi, N. 2012. «Report on the Excavations of Hira in 2010-2011». Journal of the Canadian Society for Syriac Studies 12: 3-10.

75. Kadhim, A. 2005. Politics and Theology of Imami Shia in Baghdad in the 5th. AH/11th. AD Century. Unpublished PhD dissertation, University of California, Berkeley.

76. 2011. <<

77. Kautsky, J. H. 1968. Communism and the Politics of Development: Persistent Myths and Changing Behavior. New York, Wiley.

78. Kazemi Moussavi, A. 1996. Religious Authority in Shi'ite Islam. From the Of

ص: 427

fice of Mufti to the Institution of Marja. Kuala Lumpur, International Institute of Islamic Thought and Civilization.

79. Khalaji, M. 2006. «The Last Marja: Sistani and the End of the Traditional Religious Authority in Shiism». Policy Focus 59. Washington, DC, The Washington Institute for Near East Policy.

80. Kister, M.J. 1968. «Hīra: Some Notes on Its Relations with Arabia». Arabica 15: 143-169.

81. Kondo, N. 2009. «Shi'i ‘'Ulama and Ijaza During the Nineteenth Century». Orient: Reports of the Society for Near Eastern Studies in Japan XLIV: 55-76.

82. Koch, H. and Hercus, L. (eds.). 2009. Aboriginal Placenames: Naming and Renaming the Australian Landscape. Canberra, The Australian National University E Press and Aboriginal History Inc.

83. Laqueur, W. Z. 1956. Communism and Nationalism in the Middle East. London, Routledge and Kegan Paul.

84. Lecker, M. 1995. Muslims, Jews and Pagans. Studies on Early Islamic Medina. Leiden, Brill.

85. Litvak, M. 1998. Shi'i Scholars of Nineteenth-century Iraq. The 'Ulama' of Najaf and Karbala'. Cambridge, Cambridge University Press.

86. Luizard, P-J. 2007. « Les sadristes en Irak : un défi pour l'Amérique, la mar- ja'iyya et l'Iran ». In Les Mondes Chiites et l'Iran. Edited by S. Mervin. Paris and Beirut, Karthala and IFPO, pp. 243-266.

87. Makdisi, G. 1981. The Rise of Colleges: Institutions of Learning in Islam and the West. Edinburgh, Edinburgh University Press.

88. Marcinkowski, M, I. 2004. Religion and Politics in Iraq. Singapore, Pustaka National Pte Ltd.

89. Marr, P. 2004. The Modern History of Iraq, Boulder (CL), Westview Press.

90. Massignon, L. 1935. « Explication du plan de Kūfa ». In Mélanges Maspero, III. Cairo, IFAO, pp. 337-360.

91. Mervin, S. 1996. «Sayyida Zaynab : banlieue de Damas ou nouvelle ville sainte chiite ?». Cahiers d'Études sur la Méditerranée Orientale et le Monde Turco-Iranien 22: 149-162.

92. Messick, B. 1997. «Genealogies of Reading and the Scholarly Cultures of Islam». In Cultures of Scholarship. Edited by S. C. Humphreys. Ann Arbor, The University of Michigan Press, pp. 387-412.

ص: 428

93. Metro-Roland, M. M. 2011. Tourists, Signs, and the City: The Semiotics of Culture in an Urban Landscape. Surrey, England, Ashgate.

94. Modarressi Tabatabai, H. 1993. Crisis and Consolidation in the Formative Period of Shi'ite Islam: Abū Ja'far ibn Qiba al-Rāzī and his Contribution to Imamite Shi'ite Thought. Princeton, Princeton University Press

95. 1984. An Introduction to Shi'i Islam: A Bibliographical Study. London, Ithaca Press.

96. Motahhari, M. and Dabashi, H. 2001. «The Fundamental Problem in the Clerical Establishment». In The Most Learned of the Shi'a. The Institution of the Marja' Taqlid. Edited by L. Walbridge. Oxford, Oxford University Press, pp. 161-182.

97. Mottahedeh, R. P. 1990. Loyalty and Leadership in an Early Islamic Society. Princeton, Princeton University Press.

98. Mouline, N. 2011. Les clercs de l'islam. Autorité religieuse et pouvoir politique en Arabie Saoudite, XVIIIe-XXIe siècle. Paris, PUF.

99. Munson, H. 1988. Islam and Revolution in the Middle East. New Haven (CT), Yale University Press.

100. Musil, A. 1927. The Middle Euphrates: A Topographical Itinerary. New York, American Geographical Society.

101. Naef, S. 2002. «Shi'i-Shuyu'i or How to Become a Communist in a Holy City». In The Twelver Shia in Modern Times, Religious, Culture and Political History. Edited by R. Brunner and W. Ende. Leiden, Brill, pp. 255-267.

102. Nakash, Y. 1994. The Shi'is of Iraq, Princeton, Princeton University Press.

103. Niebuhr, C. 1776. Voyage en Arabie et d'autre pays circonvoisins. Amsterdam, S.J. Baalde.

104. Neveu, N. 2010. « La sacralisation du territoire jordanien: reconstruction des lieux saints nationaux, 1980-2006 ». Archive des Sciences Sociales des Reli- gions 151: 107-128.

105. Nöldeke, T. 1879. Geschichte der Perser und Araber zur Zeit der Sasaniden aus der arabischen Chronik. Leiden, Brill.

106. Nora, P. 1984. Les Lieux de Mémoire. Paris, Gallimard.

107. Northedge, A. 2012. «The Shrine in its Historical Context». In The Shi'a of

Samarra: The Heritage and Politics of a Community in Iraq. Edited by I. Panjwani. London, IB Tauris, pp. 49-66.

ص: 429

108. 2009. «Umayyad Desert Castles and Pre-Islamic Arabia». In Residences, Castles, Settlements. Transformation Processes between Late Antiquity and Early Islam in Bilad al-Sham. Edited by K. Bartl and A. Moaz. Rahden, Germany, M. Leiford, pp. 243-260.

109. -------2005. The Historical Topography of Samarra. Oxford, British School of Archaeology in Iraq and Oxbow Books.

110. 1990. «The Racecourses at Samarra», Bulletin of the School of Oriental and African Studies 53: 31-56.

111. Pinto, P. G. 2007. «Pilgrimage, Commodities and Religious Objectification: The Making of Transnational Shiism Between Iran and Syria». Comparative Studies of South Asia, Africa and the Middle East 27: 109-125.

112. Richard, Y. 1995. Shi'a Islam. Polity, Ideology and Creed. Oxford, Blackwell.

113. Rothstein, G. 1899. Die Dynastie der Lahmiden in al-Hira, ein Versuch zur arabischpersichen Geschichte zur Zeit der Sasaniden. Berlin.

114. Rousset, M-O. 1994. « Quelques précisions sur le matériel de Hīra (céramique et verre) ». Archéologie Islamique 4: 19-56.

115. Sadowski, P. 2009. From Interaction to Symbol: A Systems View of the Evolution of Signs and Communication. Amsterdam and Philadelphia, John Benjamins.

116. Shohamy, E. and Gorter, D. 2008. Linguistic Landscape: Expanding the Sce- nery. New York and London, Routledge.

117. Stark, F. 2011 [1932]. Baghdad Sketches: Journeys through Iraq. London,IB Tauris.

118. Stewart, D. 2001. «Islamic Juridical Hierarchies and the office of marji' al- taqlid». In Shi'ite Heritage: Essays on Classical and Modern Traditions. Edited by L. Clarke. Binghamton (NY), Global Publications, pp. 137-157.

119 Takim, L. N. 2006. The Heirs of the Prophet. Charisma and Religious Authority in Shi'ite Islam. Albany, State University of New York Press.

120. Talbot Rice, D. 1934. «The Oxford Excavations at Hira». Ars Islamica I 1: 51-73

121. Taskhiri, M. A. 2001. «Supreme Authority (marji'iyyah) in Shi'ism». In Shi'ite Heritage: Essays on Classical and Modern Traditions. Edited by L. Clarke. Binghamton (NY), Global Publications, pp. 159-179.

122. Taskhiri, M. A. «Combining Legal Rulings». In Shi'ite Heritage: Essays on

ص: 430

Classical and Modern Traditions. Edited by L. Clarke. Binghamton (NY), Global Publications, pp.

123. Tavernier, J. B. 1673. The Six Voyages of John Baptista Tavernier. London.

124. Teixeira, P. 1902. Travels of Pedro Teixeira. London, William Sinclair.

125. Toral-Niehoff, I. 2013. Al-Hira: Eine arabische Kulturmetropole im spätantiken Kontext. Leiden, Brill.

126. Tripp, C. 2007. A History of Iraq. Cambridge, Cambridge University Press, 3rd Edition.

127. Tucker, A. 2004. Our Knowledge of the Past: A Philosophy of Historiography. New York, Cambridge University Press.

128. Turner, V. 1974. Dramas, Fields and Metaphors. Ithaca, Cornell University Press.

129. 1967. The Forest of Symbols: Aspects of Ndembu Ritual. Ithaca, Cornell University Press.

130. Turner, V. and Turner, E. 1978. Image and Pilgrimage in Christian Culture. New York, Columbia University Press.

131. Van Gennep, A. 1960 [1908]. The Rites of Passage. Chicago, University of Chicago Press.

132. Walbridge, L. (ed.). 2001. The most Learned of the Shi'a. The Institution of the Marja' Taqlid. Oxford, Oxford University Press.

133. Warren, J. and Fethi, I. 1982. Traditional Houses in Bagdad. Horsham, England, Coach Publishing House.

134. Whitcomb, D. 1996. «Urbanism in Arabia». Arabian Archaeology and Epi- graphy 7: 38-51.

135. Zabih, S. 1966. The Communist Movement in Iran. Berkley and Los Angles, University of California Press.

136. Zaher, U. 1990. The Opposition. In Saddam's Iraq, Revolution or Reaction. CARDRI. London, Zed Books, pp.138-76.

ص: 431

ص: 432

الفهارس العامة

* فهرس الأعلام

* فهرس البلدان والأماكن

* فهرس القبائل والجماعات والشعوب

ص: 433

ص: 434

فهرس الأعلام

أ

آخند الخراساني: 167، 169، 173، 207، 221.

آدم (النبي): 19 ، 75، 90 ، ،91، 131 ، 134 ، 136 ، 262.

آشور (الملك): .263.

الآصفي: 254،255،256.

آقا نجفي قوجاني: 231،233.

الآوي= صدر الدين بن شرف بن محمود بن الحسن الكفي.

إبراهيم (النبي): 145 .

إبراهيم بن سليمان القطيفي(الشيخ): 160،161،162 ،.164.163، 174،166.

إبراهيم الجعفري: 373، 376.

إبراهيم الجنائي: 215، 220.

إبراهيم فران: 232.

إبراهيم مصطفى: 265.

إبراهيم الوائلي : 227.

إبراهيم اليزدي : 354.

ابن الأثير الجزري: 96، 101، 201، 276.

ابن إدريس : 186.

ابن الأعرابي: 272.

ابن بابویه: 212،213.

ابن البراج: 200.

ابن بطوطة : 44، 71 ، 80، 83.

ابن جبير: 40،43،44.

ابن الجوزي: 201.

ابن حجر العسقلاني: 201.

ابن زياد: 101.

ابن زيدون: 332.

ابن سدرة: 184.

ابن سعد: 100، 269، 273.

ابن السلت الأهوازي = أحمد بن محمد بن موسى.

ابن شاذان 198.

ابن شهریار: 270.

ابن طاووس : 58 ،61،104 ، 276،277 ، 303.

ابن عباس: 194.

ابن عقدة: 272

ابن عنبة: 278.

ابن الفوطي: 48، 69.

ابن قولويه: 97.

ابن كثير: 105،201.

ابن محمد الحسن بن أبي الحسن محمد = الديلمي.

ابن ملجم: 41.

ابن منظور: 285.

ابن الوردي 105.

أبو بكر الأنباري: 272

أبو بكر الباقلاني: 177.

أبو بكر الصديق: 183.

أبو تراب القزويني: 273.

أبو الحسن الأرجاني: 105.

أبو الحسن الأصفهاني: 221 ، 242، 243، 248.

أبو الحسن بن فضل بن سهلان: 105.

أبو عبد الرحمن السلمي: 269.

أبو عبيدة بن الجراح : 194.

أبو العتاهية : 269.

أبو علي الحائري: 200.

أبو علي الفارسي: 276 ، 281.

أبو القاسم الخوئي: 61 ، 189، 222، 246، 256،257.

أبو القاسم القمي: (ميرزا): 204.

أبو القاسم الكاشاني : 236.

ص: 435

أبو كريب الهمداني : 272.

أبو نعيم: 102.

أبو الهيجاء الحمداني: 44، 73، 105

أثيب اليماني: 88، 100، 101

أجنيوس (قائد) : 31.

أحمد (أخو محمد حسين كاشف الغطاء): 206

أحمد أمين: 257، 258

أحمد بن حنبل : 44 .215

أحمد بن عبد الملك الغروي 184

أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز ابن الحاشر ) : 178.

أحمد بن عبد الوهاب شهاب الدين = النويري.

أحمد بن على = ابن عنبة.

أحمد بن علي = الخطيب البغدادي.

أحمد بن محمد بن سليمان الشيباني الرازي: 184.

أحمد بن محمد بن موسی 178.

أحمد بن يحيى=البلاذري.

أحمد حسن الزيات: 239.

أحمد حسين الأزيرجاوي: 59.

أحمد الحسيني الأشكوري: 279 ، 286 ، 357.

أحمد السهروردي: 281.

أحمد السيد عزيز الفالي 245.

أحمد شوقي: 247.

أحمد الصافي: 312،232.

أحمد صالح محمد 13، 157.

أحمد عزت الأعظمي: 247.

أحمد كسروي: 236.

أحمد مجيد الحلي: 273 ، 284.

أحمد محمد الموسري : 373 ، 390.

أحمد النيريزي: 281.

أحمد الوائلي: 235.

الأحنف بن قيس: 100.

إدريس (النبي): 262.

أديت تيرنر: 141.

الأردبيلي: 102، 214.

إسحاق بن مرار الشيباني: 273.

إسحاق الفياض : 202، 377.

إسحاق نقاش: 231،232.

إسماعيل (الشاه): 161.

إسماعيل (النبي): 262

إسماعيل إسماعيلي: 223.

إسماعيل بن جعفر: 181

إسماعيل بن عمر = ابن كثير .

إسماعيل الصدر : 205، 219 220 221.

الأصفهاني: 97 ، 100، 107، 201، 207.

أكسل بلات: 11.

الستر نور ثدج: 18، 29، 46، 403.

أمان الفيخراني : 236.

أمجد حسين: 379.

امرؤ القيس : 30،31

أمين الريحاني: 230،231، 236.

أمين الملك الوزير الإيراني): 63.

أنور الجندي: 258.

أنور العطار : 237.

أوريت باشكن 9.

أويس بن حسن الجلائري: 75،107.

ایرلاند (مؤلف): 245

إيليا أبو ماضي: 247

أيمن حداد: 9.

أيمن فؤاد سيد: 268.

ب

ب.أبراهما موفيتش: 182.

باقر إبراهيم: 337،338 .

باولو بنتو: 19 ،22 ،130 ، 134، 138 ، 142 ، 403.

البحراني: 200.

بدر شاكر السياب: 327.

بدوي الجبل : 232.

البروجردي: 203 ، 216 ، 282 ، 362.

بزرك الطهراني (آغا ) : 218،219.

بشير النجفي : 202، 377.

بطرس البستاني: 265.

البغدادي: 165، 181، 184، 272.

البلاذري 34،38 ،43.

بهاء الدولة: 103.

بهاء الدين العاملي (الشيخ): 214،215 ، 253.

بهاء الدين نوري: 338، 356.

ا البهادلي ( علي أحمد): 15 ، 233.

ص: 436

البهبهاني: 362.

بول ريكور: 365

بیتر سلکلیت: 16،18،400.

بیرسون لونغمان: 181.

بیر بورديو 370 ، 372.

ت

تراث جميل اللهوف: 29 ، 46 ، 71،72 ، 73 ، 75، 78 ، 400.

تروتيك (السير): 328.

تسخيري (آية الله): 217.

التفتازاني : 252.

التكريتي : 236.

التميمي: 65.

توماس کارلایل : 304.

ث

ثعلب : 272.

ثمينة نزار: 339.

ج

ج.ج. دونوهو: 180.

جابر رزاق غازي: 269.

الجاحظ: 30.

جاسم هاشم العبادي: 238.

جاك بيرك: 15.

جاك لومير : 268.

جان بابتيست: تا فیرنییه 80.

جبار نایل 355 ، 360.

جبرائيل كمارا: 234.

جعفر آل محبوبة: 24، 55، 58،60،61،62 ، 67، 68، 82 ، 296 ،295 ، 293 ،282 ، 279 ،238،226 ، 221 ، 103 ، 317 ، 316 ، 311 ، 309 ، 306 ،305 ، 299 ، 298 ، 297 ، 386 ، 321.

جعفر أبو التمن: 331، 332.

جعفر بحر العلوم: 341.

جعفر بن الحسن الحلي (أبو القاسم): 160.

جعفر بن محمد الصادق (الإمام): 18، 269، 270، 290.

جعفر حمندي: 245.

جعفر الخليلي: ،71 ، 227 228 ، 275 ، 277، 279، 302،

،321 ، 312 ، 306 ، 305.

جعفر الخياط : 304.

جعفر الدجيلي: 24 ، 71 ، 243 ، 294، 298 ، 301 ، 302 ، .321 ،319،317 316 ، 309 ، 306 ، 305 ، 304 ، 303 ، 342.

جعفر الشبيبي: 244.

جعفر كاشف الغطاء (الشيخ ) : 163، 215، 220، 371، 372.

جعفر النقدي: 228.

جمال حيدري: 356.

جمال عبد الناصر: 347 ، 348، 353 ، 354 ، 355، 358، 359، .360

جمال الدين الحسيني الأفغاني: 235 ، 258.

جميل موسى النجار: 371 ، 386 ، 397.

جواد الخوئي: 222.

جواد شبر : 235، 238، 249 جواد الشبيبي: 228

جواد العاملي: 218.

جودت القزويني: 338، 340، 343.

جورج تيلور 365

جوردي تيجيل: 18، 400 جون كوبر: 206 ، 214

جويرية بن مسهر العبدي: 100.

جويس دايلي: 16. جير الدین شاتلار 400

جيوفاني فونتانا أنتونيلي: 9.

ح

حافظ : 247

الحاكم النيسابوري (أبو عبد الله): 95.

حامت بوزارسلان: 18.

حامد الخفاف: 376.

حبيب آل إبراهيم المهاجر: 230.

الحجاج: 100.

حرز الدين (الشيخ): 256.

حسان حلاق: 265.

حسن ابن الشهيد الثاني العاملي: 252.

حسن آل صادق: 232.

حسن ابن السيد حبيب الصراف: 238.

ص: 437

حسن الأمين: 232.

حسن بن محمد مهدي الطباطبائي : 186.

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي: 160.

حسن التويسركاني : 256.

حسن الجلائري (الشيخ): 103.

حسن الشخص : 249.

حسن الشيرازي (الميرزا): 169، 219.

حسن الصدر: 201.

حسن العاملي: 215.

حسن عباس الكرباس: 331

حسن عیسى الحكيم: 22 ، 24 ، 54، 57، 63، 68، 70، 95، 275 ، 269 ، 246 238 ،237، 235 ،225 ،184.104 ، 317 ، 316،313،311،309،301 ،299 ،298 ،293 ، 401 ، 376 ، 343.

حسن الكشميري: 355.

حسن المحمود: 232.

حسن معتوق: 226، 243.

حسن ناظم: 9 ، 15 ،23، 25، 293، 394، 402.

حسن نذير الجابري: 391.

حسين أبو سعيدة الموسوي: 283.

حسين أحمد الموسوي: 339.

حسين البراقي: 90،104، 187، 189، 307.

حسين بن عبد الصمد الحارثي: 200.

الحسين بن عبيد الله بن الغضائري: 178، 187، 189.

حسين بن على (الشريف): 241.

الحسين بن علي الخلال: 102.

الحسين بن علي الوشاء البجلي: 270.

حسين بن علي بن أبي طالب: 55، 97، 101، 102، 111، 339 ،336 ،335،235 ،200 ،151،150،149،148 ،397 ، 347.

حسين جريو : 245.

حسين جميل: 244،330.

حسين جهاد ظاهر الحساني: 23، 261، 401.

حسين الحمامي: 257،359

حسين الخليلي: 387.

حسين الرحال: 330.

حسين الرضي: 338.

حسين الشعرباف: 228.

حسين علي محفوظ : 306.

حسین محمد الشبيبي: 333، 337.

حسین محمد الطيب: 334.

حسين مروة: 333.

حسین میرزا خلیل 231.

حسين النائيني (الميرزا): 243، 249، 256.

حسين نصير آبادي: 205.

حسين اليعسوبي: 249.

حمدي بيك الروماني: 237.

حميد السماوي: 228.

حميد الغار: 203.

حنا بطاطو : 304 ، 327 ، 331 332 ، 338.

حيدر السديدي: 238.

حيدر علي السعيدي: 238.

حیدر نزار: 209.

خ

خالد بن المضلل : 95.

خالد التميمي: 332.

خالد القسري: 43.

خالد نزار: 339.

الخالصي (آية الله): 174.

خباب بن الأرت: 86 ، 100.

الخطيب البغدادي: 274.

خلف الأحمر: 269.

خلیل رشید: 238.

الخميني آية الله: 174 ، 236.

الخنيزي: 233.

خير الله الإيراني: 57.

د

داود بن نصير الطائي: 271.

داود الصائغ: 356.

داود العباسي: 44،72،70.

الدوري: 189.

ديفين ستوارت: 206، 208.

الديلمي : 96، 123.

دينا الدباغ: 9.

دیوارنت: 264.

ص: 438

ر

رجاء حسين: 242 ، 243.

رحيم عجينة: 335.

رشيد الخيون: 346.

رشید جبار: 9.

الرضا (الإمام): 80.

رضا خان (شاه إيران): 240.

رضا عبد الجبار = الشمري.

رضي الدين علي بن موسى بن محمد = ابن طاووس.

رفعة الحاج سري : 349.

رقية بنت الحسن: 135 ، 152.

رنا سبليني : 176 .

روبرت أوين: 329.

روبرت ريغز: 222.

روبرت گلیف: 13 ، 21، 157، 219، 400.

روكس بن زائد العزيزي: 238.

رياض الريس: 385.

ریکاردو بوكو: 18، 400.

ز

الزركلي : 276.

زكي خبري: 356.

زكي مبارك : 228، 237، 251،257.

زكي محمد بسيم: 337.

الزمخشري: 264.

زياد بن أبي سفيان (ابن أبيه): 39، 40، 100.

زينب الكبرى: 378.

س

سابور بن أردشير : 178، 183.

ساطع الحصري: 244.

سام بن نوح: 90.

سامي دورليان: 202.

سبحاني: 189.

السبزواري: 253.

السبكي: 201.

سجاد جياد: 22، 176، 401.

سعاد ماهر محمد: 303.

سعد بن أبي وقاص: 38.

سعيد جزري: 220.

سعيد زيني: 237.

سعيد عبد الفتاح عاشور : 235

سفيان الثوري: 271.

سلام عادل: 339 ،356.

السلامي: 233.

سلمان الصفواني: 342.

سلمان عطية: 209.

سليمان الأحمد: 230.

سلیمان بن داود: 262.

سليمان الظاهر : 232.

سليمان القانوني (السلطان): 74.

سليمان كتاني: 238.

سهل بن حنيف: 101.

سيتيني شامي: 9.

سيسيليا بييري: 9.

سيف بن عمر: 38.

ش

شابور الثاني: 32

شارل فوریه 329

الشاهرودي: 256

شبلي شميل : 330

شبلي ملاط : 16

شرف الدولة : 103.

شرف الدين بن علي النجفي: 270.

شریف الدين أبو عبد الله 212

الشريف الرضي: 339

الشريف المرتضى: 176 ،178 179، 181، 182، 195، .215

الشريفي (الأستاذ): 229.

شکسپیر 237

الشمري 113 114

شيبان بن ثعلبة الكوفي : 269

ص

صابرینا میرفان 13 ،22 ،23، 134 ، 202 ، 402

الصادق (الإمام): 111، 192.

ص: 439

صالح (النبي): 19، 90، 105، 144.

صالح الجعفري: 236.

صدام حسين: 18 ، 22، 25، 130 ، 141، 144، 153 ، 332.

صدر الدين بن شرف الدين بن محمود بن الحسن بن خليفة الكفي : 278.

الصدوق (الشيخ): 177، 190، 196، 197.

صفوان بن يحيى : 190.

صفي (الشاه): 48، 75، 77.

صلاح الخرسان: 350،351 ، 356.

صلاح مهدي الفرطوسي : 9.

ط

طارق الحمداني: 242.

طالب الرفاعي: 346.

طاهر ابن الملا محمود الرحبي: 371.

طاهر سيف الدين (السلطان): 57، 69.

الطباطبائي : 163.

الطبرسي: 195.

الطبري: 38 ، 40 ، 43، 194.

الطرماح : 269.

طغرل بك ركن الدين: 183.

طه حسین: 247.

الطهراني: 301.

طهماسب (الشاه): 204.

الطوسي (الشيخ): 20 ،21، 22، 54، 134 ، 136، 140 ، 180،179،178،177 176،165،160،157،152 ،190،189،188،187،186،185،184 183،182 ،207،198،197،196،195،194،193،192،191،297 .281 ،277 ،270 ،225،208.

ع

عامر حسن فياض : 329 ، 332.

عامر الحلو: 349، 357.

عامر عبد الله: 356.

العاملي (الشيخ): 111، 302.

عباس الأعسم: 228.

عباس الأول (الشاه): 19 ، 59، 60، 63، 75، 76، 80.

عباس بن علي بن الحسين الترجمان النجفي: 304.

عباس شیر : 228.

عباس کاشف الغطاء: 283.

عباس کاظم: 17.

عباس الكليدار: 16.

عباس ميري: 219.

عبد الله آل نجم: 245.

عبد الله بن أبي أوفى: 100.

عبد الله بن إسماعيل بن جعفر: 181.

عبد الله بن يقطر : 101.

عبد الله حنا: 330.

عبد الله سرهيد: 9.

عبد الله القائم البويهي: 179.

عبد الله مازاندراني: 205، 231.

عبد الله المامقاني (الشيخ): 249.

عبد الله مقدم: 65.

عبد الأمير الأعرجي: 249.

عبد الأمير زاهد 373.

عبد الجبار (القاضي): 181.

عبد الحسين آل صادق: 232،249.

عبد الحسين الأميني: 240،283.

عبد الحسين الحجار (الشيخ): 249.

عبد الحسين الحلي: 232 ، 248، 252.

عبد الحسين الرشتي: 248.

عبد الحسين الرفيعي : 352، 371.

عبد الحسين شعبان: 334.

عبد الحسين عبد الله: 232.

عبد الحسين مبارك: 123.

عبد الحليم نجل (كاشف الغطاء): 341، 347.

عبد الحميد الثاني (السلطان): 57، 60.

عبد الحميد الدجيلي: 247.

عبد الحميد العلوجي: 95.

عبد الحميد زاهد: 241.

عبد الحميد سماوي: 238.

عبد الرحمن العتايقي: 278،281.

عبد الرزاق الحسني : 244.

عبد الرزاق الحصان: 244.

عبد الرزاق عدوة: 329.

عبد الرزاق كمونة: 96،281.

عبد الرزاق محيي الدين: 227.

ص: 440

عبد الرسول الجشي: 236.

عبد الرضا الشريف (الشيخ): 249.

عبد الزهراء عثمان: 238.

عبد الستار الجنابي: 347،348 .

عبد الستار الحلوجي: 285

عبد السلام عارف: 344 ، 347.

عبد العزيز الحكيم: 365، 381.

عبد العزيز سباهي: 333 ، 343.

عبد العزيز الطباطبائي: 286.

عبد الغني الملاح: 332.

عبد الكريم توفيق الطائي: 238.

عبد الكريم الجزائري: 237،240، 242،243 ، 246.

عبد الكريم الحائري : 167.

عبد الكريم الدجيلي: 342.

عبد الكريم الزنجاني: 243،244

عبد الكريم قاسم : 240 ، 344،345،346،347،348،349،362.

عبد الكريم الماشطة: 339.

عبد اللطيف شرارة : 232.

عبد المجيد الجلبي: 248.

عبد المجيد الخوئي: 372.

عبد المجيد لطفي: 238.

عبد الملك (الخليفة): 40.

عبد الهادي الأسدي (الشيخ): 249، 256 .

عبد الهادي الحكيم: 315.

عبد الهادي الشيرازي: 257.

عبود الكوفي: 303.

عبودي فتوحي: 265.

عثمان بن عفان: 183، 195.

عدنان السراج: 347، 349، 358.

عدي بن حاتم الطائي: 100.

عدي حاتم المفرجي: 335 ، 388.

عز الدين الجزائري: 338، 340، 343.

عز الدين الحكيم: 390.

عضد الدولة البويهي: 44، 61، 71 ، 74، 103 ، 105 ، 270،290 ،277 ،276.

عطاء بن مسلم الكوفي : 272.

عطية أبو كلل : 245.

عفيفة علي الموسوي: 238.

عقيل المندلاوي: 9.

علي أكبر ذاكري : 216.

علي أكبر الغفاري : 213.

أكبر النهاوندي: 273.

علي بن أبي طالب: 19 ،21،39، 41، 43، 4، 8، 63، 100،98،97،90،188،187 186 ،82،81،70، 67،64 ،136،134،131،123،110،108،103،102 101 ،230،185،160،151،150،149،148 ،146،137،296،290،281 ،278،275،268،260،237،235،336،317،308،306،303.

علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد القمي: 178.

علي بن الحسين (أبو الفرج) = الأصفهاني.

علي بن محمد الكوفي (أبو الحسن): 272.

علي بن محمد رضا بن موسى بن جعفر الكبير : 282.

علي بن مسهر القرشي : 271.

علي بن مؤيد: 213.

علي بن هلال الجزائري: 162.

علي جواد الطاهر : 247، 263.

علي حاكم صالح : 394.

علي الحلو: 236.

علي الخاقاني: 301.

علي سبزواري : 203.

علي السيد سلمان: 338.

علي السيستاني (آية الله): 25 ،61 ، 135، 153، 20، 225، ،350،353،354

،377،376،375،374.

علي شاه: 164.

علي الشبيبي: 333.

علي الشرقي: 227،228 ،246،253،254 ، 277، 279، 396،387،371 ،366 .312 ،303،355،356،357،358،359،360.

علي شمس الدين: 232،235.

علي الصغير: 237.

علي الطباطبائي: 215.

علي الطرفي (الحاج): 237.

علي الغروي: 204.

علي الكركي: 204، 215.

علي محمد حسين الأديب : 238.

ص: 441

علي محمد النجف آبادي : 282

علي المومن: 357 358

علي الهاشمي: 228 236

علي الوردي: 234 ،314، 315، 383، 386.

عمار الحكيم 365، 381

عمر أمجد العباسي: 269

الخطاب : 39، 183، 352.

عمر بن عمر بن مسعود 95

عمر بن يحيى العلوي: 73.

عمران بن سريع: 269

عمران بن شاهين 58

عمرو بن إسحاق بن مرار الشيباني 273

عمرو بن عدي بن نصر : 30.

العميد (مؤلف): 58

عواد كوركيس : 272

غ

غيث الدين = ابن طاووس.

ف

فارس حرام: 391، 393، 394

فاروق سلكليت 16.

فاضل الجمالي: 14 ،342

فاضل الحسيني الميلاني: 238

فاطمة الزهراء: 60 ، 6 ، 238، 239، 338

فالح عبد الجبار: 17، 349، 379.

فتح علي شاه: 204

فتى الجبل : 232.

فرات الكوفي : 193.

فرانسوا ديروش: 268

فرح أنطون: 330.

الفرطوسي: 44.

فرهاد إبراهيم: 17.

فريا ستارك : 304.

فکتور تیرنر 141.

فلاح رحيم: 365.

فناخسر و بن الحسن بن بويه الديلمي (أبو شجاع) = عضد الدولة البويهي.

فوزي رشيد: 91.

فونتانيه 83

فيصل بن الحسين 241

ق

قاسم بن محمد الكاظمي (الشيخ): 273

قاسم الجلائري (الأمير): 103

قاسم السامرائي: 263

قرظة بن كعب 100.

قطب الدين الأقساسي: 272

القمي: 301

ک

کارل ماركس: 329

الكاشاني: 362.

کاظم آغا توکلیان مقدم 65

كاظم الحائري : 378

کاظم الحلفي : 246 ، 303

كاظم الخليلي: 240.

كاظم كيشوان: 333

کاظم محمد شکر : 343

كاظم مكي :حسن 228

كاظم اليزدي: 167 ، 170 .

الكاظمي (مؤلف): 48.

كامل الجبوري 24 ، 294 298 ، 301 ، 306 ، 371

الكركي: 161 ، 162 ، 163، 164، 166، 174.

كريستينا بويرتا 9.

كريم أحمد الصائغ : 238.

كسرى أبرويز : 32، 36.

كسرى أنوشروان 32.

الكشي : 187، 189، 270

الكليني : 196 ، 207

الكميت الأسدي: 269

كميل بن زياد النخعي: 88، 97، 98، 100، 140.

الكنجي الشافعي: 102.

فؤاد جابر كاظم الزرفي: 25، 325، 401.

الكندي: 272.

كيث واتنبو: 9.

ص: 442

ل

لوسین تامینیان: 130.

لیزارد: 17.

لينين: 332.

م

م. م. حیدر عبود: 113.

ماجد عبد الله الشمس: 92.

مارتن رويف: 211.

مارسينكوفسكي: 341.

ماريا القبطية: 194.

ماريا مادلينا نيكرو: 92.

ماسينيون: 43، 96.

ماكس فيبر : 172 ، 365.

المامقاني: 189.

المأمون: 44.

ماهر (مؤلف): 59 ، 60، 63، 66، 70، 75.

مايكل فاوكلت : 22.

مائير لتفاك : 17.

المتوكل (الخليفة): 44.

المجلسي: 99، 101، 123، 200.

محسن أبو طبيخ : 332.

محسن الأمين: 213 ، 218 ، 246، 248، 257، 258، 275.

محمد تقي الشيرازي: 205،315 ،299.

محسن الحكيم (آية الله):135، 146، 244، 250، 347،388 ،379،358،355،354 351،350.

محسن عبد الصاحب المظفر : 19 ، 84،83، ،88،87،194،193،188،160،145 138،136،135،110 ،389،347 ،290 ،268 ،266.

محمد (النبي): 30 ، 37 ، 42 ، 60 ، 65، 67، 88،80، 100،122،121،120 119،112،110،101،97،94 ،91 ،402،129.

محمد التيجاني : 252.

محمد إبراهيم الجنائي : 207 ، 216،217.

محمد إبراهيم الكلبسي: 216 ، 220.

محمد ابن مكي العاملي: 213.

محمد أبو زهرة : 229،230.

محمد باقر الإيرواني: 203.

محمد باقر الحكيم: 203 ، 358.

محمد باقر الشبيبي: 228.

محمد باقر الصدر: 16 ، 20 ، 143 ، 144 ، 145، 146 ، 170، 374،367 ،357 ،350،246،238،227،203.185 ،392،381 ،380.

محمد باقر الموسوي الخونساري = الأصفهاني.

محمد برهان الدین: 68.

محمد بن أبي جهور الأحسائي: 273.

محمد بن أبي عمير: 190.

محمد بن الحسن = الطوسي.

محمد بن الحسن الحلي (فخرالمحققين): 160، 166، 278،219،215،200 ،191 189.

محمد بن زيد(الداعي): 44، 70، 73 .

محمد بن الطاهر بن حبيب بن حسين السماوي: 304.

محمد بن عبيد الله الفزاري: 271.

محمد بن علي الأسترآبادي: 200.

محمد بن علي بن شهر آشوب المازندرانی: 200.

محمد بن محمد بن نعمان = الشيخ المفيد.

محمد بن مکرم = ابن منظور

محمد تقي آل الفقيه = العاملي.

محمد تقي الحكيم: 253.

محمد تقي الخراساني: 239.

محمد تقي اليزدي: 219،220،221.

محمد ثابت : 245،257

محمد جعفر أبو التمن: 332.

محسن الطباطبائي : 357.

محمد جعفر بن محمد صادق الزند: 70.

محمد جعفر التميمي: 303.

محمد جمال الدين المكي: 160.

محمد جمال الهاشمي: 349.

محمد جميل شلش: 95.

محمد جواد البلاغي: 306.

محمد جواد الخراساني : 242.

محمد جواد حيدر: 228.

محمد جواد قسام (الشيخ): 249.

محمد جواد مغنية : 75، 226 ، 229، 243 ، 255 ، 257، 259 ،317.

ص: 443

محمد حديد: 346.

محمد حسن الشيرازي: 220،221.

محمد حسن الطالقاني: 278.

محمد حسن النجفي: 160 ، 166 167، 205 ، 216، 219، 221،220.

محمد حسن النوري: 201.

محمد حسن حیدر: 228.

محمد حسين أبو العيس : 356.

محمد حسين الأعرجي: 247.

محمد حسين الصغير : 243، 246.

محمد حسين الغروي الأصفهاني: 170،171.

محمد حسین فضل الله: 203 ، 216 ، 233، 374.

محمد حسین فلاح زاده: 217.

محمد حسين الكيشوان القزويني: 228.

محمد حسين النائيني: 170،321.

محمد الرازي: 212.

محمد رضا آل ياسين: 240.

محمد رضا بهلوي : 236.

محمد رضا الحساني: 239.

محمد رضا الشبيبي: 228 ، 241،244، 306، 312، 357، 387.

محمد رضا الشوشتري: 282.

محمد رضا غولبا يغاني (آية الله): 214.

محمد رضا المظفر: 160،170،171،172، 227، 240، 254،253،252،250،249،248.

محمد الكاظمي القزويني: 245.

محمد رضا النوري: 352.

محمد سعيد الحبوبي: 312.

محمد سعيد الحكيم: 202 203 ، 228، 23، 234 ، 377 ،390.

محمد سعيد الطريحي: 80، 231، 273، 322.

محمد سعيد مانع (الشيخ): 249.

محمد السيد زيد: 104

محمد الشريعة (الشيخ): 249.

محمد صادق بحر العلوم: 284.

محمد صادق الصدر: 143 ، 365 ، 377، 381، 392.

محمد صالح بحر العلوم: 227،339.

محمد صالح الجوهرجي: 70.

محمد الطائي: 203.

محمد الطباطبائي (المجاهد): 215،217،237 ، 255.

محمد طه الكرمي: 236.

محمد عباس الششتري: 205.

محمد عبد الحسين: 329.

محمد عبود الكوفي : 69، 96.

محمد علي بحر العلوم: 240.

محمد علي الحوماني: 232 ، 234 ، 251 ، 331.

محمد علي شاه: 205.

محمد علي الشبيبي: 337، 339.

محمد علي قسام (الشيخ): 249.

محمد علي كمال الدين: 371،372، 397.

محمد علي يزدي (الملا) : 220،221.

محمد علي اليعقوبي: 202،203 ، 228 ، 235 ، 377 ، 378.

محمد الغراوي: 15.

محمد فاضل الجمالي: 257.

محمد فؤاد بادو: 234.

محمد کاشف الغطاء: 171، 196، 206، 239، 243، 245، 358،347،343،341 340،306 ،297،256،249،387.

محمد كاظم الخراساني : 205 ، 207، 219 ، 231 ، 242 ،387،387،255.

محمد كاظم الطريحي: 320،321.

محمد كاظم اليزدي : 219، 221، 255، 387.

محمد كرد علي: 234.

محمد کلانتر: 65.

محمد مرتضى الزبيدي: 94.

محمد مهدي الجواهري ،227 229 ، 236 ، 247 ، 312،387،339،335،330.

محمد مهدي الخالصي: 334 ، 342.

محمد مهدي الشيرازي: 246.

محمد مهدي الطباطبائي بحر العلوم: 57، 90، 111،218،209،200،185،183، 179،178،176،163،357،337،219.

محمد مهدي كبة : 342.

محمد مهدي نجف .303.

محمد هادي الأميني: 207،286 ، 305.

محمود أديب: 245.

ص: 444

محمود بن عمر = الزمخشري.

محمود الحبوبي: 227،228.

محمود الرحبي: 371،372.

محمود شلتوت: 354،355، 359.

محمود مرهج: 230.

مرتضی آل یاسین 237 ، 248 ، 351 ، 360.

المرتضى الأنصاري: 167،168،169، 216 ، 217، 219، 221،220.

موسى الخلخالي : 274.

مرتضی فرج الله: 333.

مرتضی گزار: 392.

مرتضى مطهري: 203.

مسلم بن عقيل: 61.

مسلم الجابري (الشيخ): 249.

مصطفى بن محمد بن صادق الصدر: 369، 392.

مصطفى جمال الدين: 258 ، 314.

مصطفی جواد: 95.

مصطفى زيادة: 236.

مصطفى طوبي : 268.

مصطفى النجار : 239.

مظفر النواب: 336.

معاوية الأموي: 39، 40، 183.

معن العجلي: 342.

المفيد (الشيخ): 165 ، 177،178، 182، 184، 195، 96،207،197،197،207.

مقتدى الصدر: 142، 143، 153، 365، 376، 378، 380،392،390.

مقدام فياض: 340.

المنذر بن امرؤ القيس (ابن ماء السماء): 95.

منذر بن نعمان: 31.

المنذر الثالث: 32.

المنصور(الخليفة): 43.

المهدي :(الإمام): 54، 105، 160 ، 162.

مهدي بازركان: 203.

مهدي الخالصي: 242.

مهدي صالح لطيف: 9.

مهدي الطباطبائي: 90.

مهدي عبد الحسين: 239.

مهدي علام: 244.

مهدي المخزومي: 227.

مهدي مقدم (ميرزا): 65.

مهدي هاشم: 330،331.

موسى (النبي): 262.

موسى بحر العلوم: 238.

موسى جعفر عطية: 124.

موسى الزين شرارة: 232.

موسى الكاظم (الإمام) : 178.

موسى الكرباسي: 366.

مؤمل بن محمد بن صادق الصدر: 369، 392.

میشال فوكو : 202 ، 210.

ن

ناجي يوسف: 339.

نادر شاه: 19، 21 ، 48، 60، 63، 68، 69، 77، 79.

ناصر الدین شاه القاجاري : 63، 304.

ناظم الطبقجلي : 349.

نبيل التكريتي: 9.

نجاة حيدر: 16.

النجاشي: 187، 189، 200، 270.

نجف علي بن روش علي : 231.

نجف علي بن غلام علي 231.

نجف علي مير فيض أبادي: 231.

نجف علي نو نهروي: 231.

نجيب الربيعي : 349.

نصر بن عاصم : 269.

النصولي : 244.

النضر بن إسماعيل البجلي: 269.

نعمان الأول (الملك) : 31.

النعمان بن المنذر الرابع : 32 ، 36 ، 92، 94.

النعمان الثاني: 31.

نفيسي (الأستاذ): 239،240، 258.

نواب صفوي : 235،236،240.

نوح (النبي): 19 ، 75 ، 90، 91، 131، 134، 136.

نوربيرت إلياس : 210.

نورمان کالدر: 222.

نوري جعفر : 241.

نوري کلانتري (أبو القاسم): 217.

ص: 445

نوري المالكي: 374.

النويري: 95.

نیبور: 40،82،263.

ه_

ه_ كنيدي: 181.

هادي الأميني: 303.

هادي الحكيم: 15.

هادي محيي الخفاجي: 237.

هارون الرشید ،43، 68، 70، 71.

هاشم الأمين: 232.

هاشم بحر العلوم: 284.

هالة فتاح: 9.

هانز جورج غادامير : 394، 403.

هاني الفكيكي : 354.

هبة الدين الشهرستاني: 207، 245، 303، 387.

هشام جعيط: 15 ، 16 ، 318.

هشام محمود: 115.

هناء حسين خوير: 269.

هنري دي سان سيمون: 329.

هود (النبي): 19، 90، 105، 144.

هوميروس: 264.

و

وحيد بهبهاني : 214،215.

ی

ياقوت الحموي : 32، 44، 94.

ياقوت المستعصمي: 281.

اليعقوبي: 38، 39.

يوسف بن أحمد البحراني: 163 ، 186.

يوسف سلمان يوسف (فهد): 332،337،338.

يوسف الصانعي: 220.

يوسف عز الدين: 230.

ص: 446

فهرس البلدان والأماكن

أ

الآستانة=اسطنبول

آسیا: 140.

أبو صخير: 30،33، 36 ، 37 ، 92، 97.

الاتحاد السوفياتي: 229، 345، 353.

أثينا : 264.

الإحساء : 44، 229، 233، 258، 383.

ادنبره: 181، 403.

أذربيجان: 385.

أربيل : 379.

الأردن: 87 ، 100، 122 ، 140، 238، 400، 403.

أرض النجبو = النجف

أرض النجفو = النجف

الأزهر: 234 235 ، ،237، 244، 354 355، 359.

اسطنبول: 133 ، 147، 247.

أصفهان: 127، 186.

أفريقيا: 234

أفغانستان 114 ،230 ، ،234، 314، 383، 385.

ألمانيا: 402.

أم القيوان: 37.

أم خشيم: 93.

أم عريف: 33.

الإمارات العربية المتحدة: 346

أميركا: 17، 343.

الأنبار: 38.

إنكلترا : 329، 402.

الأهوار: 58.

الأهواز: 231 ، 233 ، 236 ، 258.

أوروبا الغربية: 17.

ايترتو (اطيرتو): 91.

إيران: 14 ، 21، 41، 52، 114 ، 127، 131، 136 ، 140، 145،

،229،203،174،169،162،161،159،158،146،،328 ،314 ،287،243،236،234،233،232،230 ،359،358،354،353،346،345،334،331،329 ،387،385،383،362،360.

إيطاليا: 127، 283، 402.

إيوان العلماء: 62، 63، 103.

الإيوان الكبير : 66.

إيوان الميزاب الذهبي: 63،102.

ب

باب الحضرة: 44.

باب الساعة: 54 ، 57

باب الطوسي: 58، 62.

باب العمارة: 56

باب الفرج: 56.

باب القبة: 75.

باب القبلة: 56.

باب مسلم بن عقیل: 55 ، 61.

باب الولاية : 105، 107، 114،112.

بابل: 29 91، 109، 247، 382.

باريس: 229، 400، 402، 403.

پاکستان: 114 ، 230، 235.

بثر ابسوس: 31.

بحر النجف : 29، 30، 45، 131.

البحرين 43،44 ، 200 ، 229 ،232،233،234 ، 258، 383، 385.

بحيرة النجف: 123.

البرازيل : 130 ، 131، 154، 403.

ص: 447

البراق: 371.

برج الساعة: 63.

برية الكوفة: 32.

بريطانيا: 132 ، 345، 362.

البصرة 32 ،228 230 ، 313، 377، 390

بغداد: 13، 21، 29، 39، 44، 83،80، 95،92،90، 144، .232.227.184.182.179.178 177 176 157

.346 .345 .337 331 330 .314 .282 .247 .244

.377 .373 .371 .366 .360 .357 351 .350 .347

.386.379

بلخ: 212

البلقان 229.

بناية القيصرية: 104

بیروت 20، 101 ، 203، 207، 209، 213، 216، 219،

.379 .371 .360 330 318 .314 .297 296 .221

.402 .394 .393

ت

التبت: 229، 383

:ترکستان 234

ترکمانستان 403

تركيا 114 ،230 ،314، 345، 383، 385.

:تستر 236

:تونس 234 258

تيما 37

ث

ثانوية النجف: 237

ثانوية دمشق: 237

الثوية: 9488 95 96 97

ثوية الكوفة : 97.

ج

جارا الهندية: 231.

جامع الزهراء: 118.

جامع الطوسي: 185.

الجامع الكبير : 140.

الجامع الهندي: 236 ، 256،257.

جامعة أحمد خان: 258

جامعة أدنبرة: 181.

جامعة إكستر : 400، 402.

جامعة الإمام صادق : 373

جامعة أوكسفورد: 33، 34.

جامعة برينستون: 220.

جامعة بغداد 171 ، 401،402.

جامعة بوسطن : 403.

جامعة الزهراء: 377.

جامعة ساوث بانك: 402.

جامعة السوربون:251، 400، 403.

جامعة الصدر: 377.

جامعة فلومينينز الاتحادية: 403.

جامعة القرويين : 235، 306.

جامعة الكوفة: 171، 269، 401،402.

جامعة لندن: 402.

جامعة مدلكس: 402.

جامعة الموصل : 269.

جامعة ناصر: 402.

جامعة النجف: 207 ،233،258، 304، 306.

جامعة هارفرد: 182.

جبال بابل: 90، 91.

جبانة الحيرة: 92.

جبانة الكوفة : 97.

جبل عامل: 160،161،232، 249، 383، 402.

الجزيرة العربية : 229، 233،276.

جسر الإمام علي : 384.

جسر ثورة العشرين: 384.

الجسر الحديدي: 384.

جسر الخيمة: 384.

جسر المرتضى: 384.

جمعية الرابطة الأدبية: 237.

الجمهورية المتحدة العربية: 360.

جنوا :127.

ح

الحجاز: 229،230،231.

حران: 31.

الحرم الشريف: 49، 50، 69 ، 79،123، 149، 276، 296، 306،300.

ص: 448

حسنة: 44.

حلب: 138.

الحلة: 29، 158، 160، 161، 165،162، 166، 186، 244،360،

الحمزة الشرقي: 390.

الحنانة: 98،97.

حوزة الشيخ الطوسي: 21.

الحوزة العلمية اللبنانية: 233.

حوزة قم: 167.

حوزة النجف: 15،159، 167، 170، 185.

الحويزة: 236.

حي الحويش: 371.

حي الرحمة: 118.

حي السعد: 373 ، 388.

حي الميلاد: 118.

حي النصر : 118.

الحیرة:38 ،37 ،36،35،34،33،32،31،30،29،18،269،228،97،95،94،93 92،91 ،87،45،39.

خ

خان الربع: 395.

خان الشيلان: 83.

خان النخيلة: 395.

خان النص: 395.

خراسان: 213.

الخليج العربي: 114، 230.

خندق سابور: 32 ،92، 95،94.

الخورنق (قلعة): 36.

خوزستان: 353.

د

دجلة: 144،227.

دسبول: 236.

دلهي : 29.

دمشق: 104 ، 138، 158، 236، 330، 332،339،350 ، 387،402.

دیر هند: 37

ذ

ذو قار: 36.

ر

الرقة: 138، 145.

الرمادي: 327.

رواق أبي طالب = مسجد الرأس.

روسيا: 164 ، 229،230 ، 326، 387.

روضة الشهداء: 143 ، 153 ، 392،393.

روما: 20.

ز

زنجبار: 132.

الزوية: 228.

الزيتونة: 234، 258.

س

ساحة الصدرين: 381.

ساحة ثورة العشرين : 112

سامراء: 20 ، 38،39 ، 40 ، 41، 43، 137 ، 403.

سانت باولو : 130 ، 147.

سبزوار: 213.

سجن النعمان: 94،95.

السدير (قلعة): 36.

السعودية: 37.

السماوة: 228.

سهل الفرات: 30.

السودان: 258.

السور القديم: 114.

سورية: 30 ، 31 ، 35 ، 37، 141، 145، 229،230، 234 ،403،330،258 ،241.

السوفيات: 388.

سوق الشيوخ: 228.

السوق الكبير : 49، 54، 105، 107 ، 257.

| سوق الوراقين 271.

سومر: 91.

سيراليون: 234.

ص: 449

ش

شارع الإمام علي: 124.

شارع زين العابدين: 105.

شارع الصادق: 105.

شارع الطوسي: 114.

شارع مطعم الخيمة: 118.

شارع الهاتف: 111، 112 ، 118.

الشام: 232 ، 249 ،328.

شبه الجزيرة العربية : 29، 30، 37.

الشرق الأوسط: 11 ، 13 ، 140، 400، 402، 403.

الشطرة: 228.

ص

الصحراء الغربية : 29، 30، 108.

الصحن الشريف : 104 ، 105 ، 237 ، 245 ، 247، 256،257 ،

صفين: 100.

صيدا: 96.

الصين: 234.

ض

ضريح الإمام علي:11 ،13 ،23، 29، 45، 47، 75، 86، 136،133 ،130،122،109،108،107،106،104،140، 143، 146، 151، 152، 230، 270،274 ، 291،400،385،384،383،376،304،303،300،298.

ضريح محمد باقر الصدر: 145، 153، 368.

ضریح محمد صادق الصدر: 140، 142 ، 153 ،368،369.

ط

طبرستان: 44، 70، 183.

الطف : 378.

طهران: 57 ، 65 ، 97، 214 ، 216، 219، 236 ، 353.

طوس: 176،177 .

ظ

ظهر الكوفة : 95،96،97 ، 100.

ع

عانة : 403.

العتبة العلوية : 284،285،286،287،288،289،290، .402،292 ،291.

العراق: 9، 11، 14، 15، 16، 17، 18، 21، 22، 29، 30، 66،60،58،52،49 ،46،44،41،40،38،35،33،143،140،137،136،130،124،108،93،90،7،226،225،205،180،162،160،147،146،144،241 ،238،237،236 235 ،234 ،231،230،229 ،327 ،326،312،311 ،300 ،287،283 ،280 ،242 ،345 ،343 ،341،338 ،332 ،331 ،330 ،329 ،328 ،397،393 ،389 ،385 ،383 ،361 ،357،353،346 ،403،402،401،400.

العمارة: 56، 282، 371.

عمان: 87 ، 90، 100، 400، 403.

غ

الغري: 95، 96، 102.

6.

ف

فارس: 276.

فاس: 235.

الفاو (قرية): 37.

الفرات: 29، 30، 43، 45، 71 ، 80 ، 90، 91، 123، 144،389،384،329.

الفرات الأوسط: 91، 395.

فرنسا: 329.

الفسطاط: 29،38.

فضوة المشراق: 105، 107.

الفلاحية: 236.

فلسطين: 243،244 ، 330.

الفلوجة: 327.

فندق جنة العراق: 379.

فندق در النجف: 379.

فندق السبطين: 379.

فندق الغدير: 379.

فندق فاطمة الزهراء: 379.

فندق النرجس : 379.

ق

القادسية 38، 44، 96، 382.

ص: 450

القارة الأفريقية: 230

:قاشان 52

القاهرة 29 ،95، 234 ، 342،288.

القبة المذهبة: 19.

قبر السردار الأعظم: 103.

قبر السلطان سدخان 103

القدس: 20، 138، 243.

قرية الغدير: 379.

قرية أنوار المصطفى: 379

قصر الأخيضر : 41.

قصر الجوسق 43.

القطيف: 162 ، 229، 233 ، 258

قم: 299،219،215،204،186،184،168،167،21.

قناة الهندية : 30.

ك

کازاخستان: 403.

كاظمة: 32.

الكاظمية : 130، 137، 243، 244، 342، 377.

كامبردج : 182.

كربلاء: 14، 15، 17، 52، 94، 113، 124 ، 130 ، 133 ، 136 ، 241،186 ،163،162 ،158،152،150،144،139 ،385 ،357 ،346،333 ،330 ،329 ،245،243،242،395،385.

الكرخ: 183، 184.

كرك : 161.

كركوك: 338،358.

كلكتا: 241.

كناسة : 39.

كنما (مدينة): 234.

الكوت: 346.

الكوفة : 15، 16، 18، 29، 30، 31، 37 ، 38 ، 40 ، 42، 43، 7،96،92،91،90،88 ،87 ،80،70،49،45،44،111،110،109،108،107،105،102،101،100،268 ،244،183،146،140،137،130،113،112،384،381،318،313،303 ،290،271،270،269.

الكويت 244، 360، 385.

ل

اللاذقية: 232.

لبنان: 112 ، 114 ، 203 ، 230 ، ،232 233 234 ، 238 ، 258 ، 387 .385.330.302

لندن: 402،401،371،354،352،350،338،332،229،.403

لسا : 258،402.

م

مجمع شهيد المحراب الثقافي: 146.

المدائن 38.

مدرسة باب النجف: 231،239 ، 246، 258، 300.

مدرسة السدير: 347،348.

مدرسة الصدر الأعظم: 257.

مدرسة العلوم الإسلامية: 172.

المدرسة الغروية: 51، 59، 79.

المدينة المنورة : 37 ،42، 46 ، 138، 13، 174.

مدينة النسر : 32.

مرقد الأردبيلي: 275.

مرقد صافي صفا: 131، 135 ، 152

مرقد صالح: 110، 111 ، 136، 137 ، 152.

مرقد هود: 110،111 ، 136، 137، 152،

مستشفى الحكيم: 367 ، 381.

مستشفى النجف: 367.

مسجد آل السيد سلمان: 256.

مسجد الأشعب: 102.

مسجد الجواهري: 256.

مسجد الحنانة: 140، 152.

مسجد الخضراء: 51،61، 74 ، 78، 256.

مسجد الرأس : 51،60،61 ، 66 ، 75، 77،78،79، 256.

مسجد سباه سلار: 236.

مسجد الشيخ الأنصاري : 256.

مسجد الصاغة: 256.

المسجد العباسي: 41.

مسجد علي رفيش: 256.

مسجد عمران بن شاهین: 51،52،58، 62، 74، 256.

مسجد الكوفة : 269،270 ، 273،274، 286، 290.

مسجد المتوكل : 40.

ص: 451

مسجد الملوية: 40.

المسجد الهندي: 135، 140.

المشراق: 371.

مشهد: 14، 80، 138، 186،145.

مشهد علي بن أبي طالب : 44، 60، 63، 70، 80، 146.

مصر :330،328،263،241،181، 194،38،29،387،360.359،358 ،353،339.

معهد الخلاوي: 258.

معهد الزوايا: 258.

المعهد الفرنسي للشرق الأدنى: 402.

المغرب: 235،258.

مقابر آل بویه: 103.

مقابر الإيوان الذهبي : 103.

مقابر أواوين الصحن : 104.

مقابر أويس الجلائري: 103.

مقابر إيوان الشمالي: 104.

مقابر إيوان العلماء: 103 ، 104.

مقابر الساباط : 103.

مقابر الصفويين: 102.

مقابر القاجاريين: 102.

مقام السيدة زينب: 138 ، 145.

مقام کمیل بن زیاد: 152.

مقام المهدي: 110،111 ، 114 ، 118.

مقبرة البغدادي: 114.

مقبرة الشاه عباس: 103.

المقبرة الصينية: 127.

مقبرة الفاتيكان: 127.

مقبرة القادسية : 95.

مقبرة النجف: 112، 116 ، 120، 123، 127، 395.

مقبرة النجف المسيحية: 93، 394،395.

مقبرة وادي السلام: 87،88 89 ، 110، 112، 115، 124، 147،143،141،136،127،125.

مكة : 46، 138، 139 ، 174.

مكتبة الإمام الحكيم: 283، 292.

مكتبة أمير المؤمنين: 283 ، 286،287،288،289، 292.

مكتبة بحر العلوم 292.

مكتبة الحسينية الشوشترية : 282،286.

مكتبة السيد أبو سعيدة الوثائقية: 283، 287،288 ، 292.

مكتبة العلامة الأميني: 286، 292.

مكتبة كاشف الغطاء: 282 ، 286، 288، 292.

مليحة: 37.

المملكة العربية السعودية: 204 ، 342، 385

المملكة المتحدة: 402.

المنطقة الوسطية: 39.

مؤسسة كاشف الغطاء: 283 ، 286،287،288 ، 292.

الموصل : 44 ، 276 ، 344، 348 349، 356.

مومبي : 140.

ن

نادي الجواهري: 313.

نادي الحبوبي: 313.

نادي الشبيبي: 313.

نادي الشرقي: 313.

نادي الطباطبائي: 313.

نادي الغري: 236.

نادي القزويني: 313.

نادي كاشف الغطاء: 313

الناصرية: 228،332،377.

النجف : 9 ، 11 ، 13، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21،44،43،36،33 .31 ،30 ،29 ،27 ،25 ،24 ،23 ،22 ،71،70،62،61 ،60 ،59،50 ،49،48،47 ،46،45،95،94 ،93 ،91 ،90،88،86 ،84 ،83،81،80،79،109،108،107 104،102، 101،100 ،98 ،96،119،117،116،115،114،113، 111،110 ،137،133،132،131،130،127،124،123،122،152،149،148،147،14،143،140،139،138،164،163،162،161،160،159،158،157،154 ،175،174،173،171،170،169،168،167،166،208 ،205،203،196، ،194،186،185،184،183،228،227 ،225،224،223 ،222 221، ،219،209 ،239،236 ،235 ،234 ،233 232،231،230 ،229 ،248 ،247 ،246 ،245 ،244 ،243 ،242 ،241،240 ،269 ،268 ،261 ،259 ،258 ،257 ،254 ،252 ،250 ،283 ،282 ،281 ،279 ،278 ،277 ،276 ،271 270، 297 ،296 ،295 ،294 ،293 ،291 ،290،288،285،307،306 ،305 ،304 ،303 ،302 ،301 ،299،298 ،316 ،315 ،314،313، 12،311،310، 309،308

ص: 452

329،328،325،322 ،321 ،320 ،319،318،317،348،347 ،346،344 ،340 ،333 ،332 ،331 ،330 ،361 ،360 ،359 ،357 ،356 ،355 ،353 ،352 ،351،،372 ،370 ،369 ،367 ،366 ،365 ،364،363، 362،373، 375 ، 377 ، 378،380،381، 383،384،385 ، 401،400.

النجف الصغرى: 233.

نهر العتيق: 56.

النهروان: 100.

نينوي: 263.

ه_

هضبة الحيرة: 38.

الهند:383 ،314 ،287،258 ،234 ،231 ،230 229، 69.

هیت: 32.

و

وادي السلام : 19 ، 88 ، 90، 104،105 ، 107 ، 109، 110، 300،152،137 112،111.

الولايات المتحدة: 345،360،362.

ي

اليمن: 234 ، 287، 385.

اليونان 263،283.

ص: 453

فهرس القبائل والجماعات والشعوب

أ

الآشوريون: 263.

آل أطيمش : 297.

آل بويه: 104.

آل البيت: 133 ، 144، 148، 152 ، 217، 250، 26، 273.

آل الحكيم: 368، 372 377، 381.

آل زوين: 228.

آل الشبيبي: 333.

آل الصدر: 372 377.

آل الظالمي: 297.

آل ياسين: 297.

الأتراك : 80، 237 ، 251.

الأتراك العلويون : 150.

الأجانب: 386.

الأزد: 39.

الأسد (قبيلة): 39.

الأسرة النجفية : 298.

الإسماعيليون: 181.

الأفغان: 229، 234.

الأكراد: 346، 361.

الأمريكيون : 143، 144، 147، 330، 344.

الأمويون: 43، 341،342.

الإنكليز: 236 ، 242،243 ، 238، 344.

أياد (قبيلة): 36.

الإيرانيون: 80، 150، 159، 161 ، 163 ، 330 ، 334 ، 346،383،354.

الأيلخانيون: 45، 60.

البابليون: 88، 91، 263.

البابية : 169، 212، 245.

الباحثون الشيعة: 14.

الباحثون الغربيون: 14.

الباطنية: 181.

بجالة (قبيلة): 39.

بجلة (قبيلة): 39.

بجيلة (قبيلة): 39.

البدريون: 100.

البدو: 32.

البرازيليون: 130،131،132 ، 134 ، 147 ، 151.

البريطانيون: 15 ، 329،330.

البعثيون: 355، 360.

البلشفيون: 328،329 ، 334 بنو أمية: 102.

بنو المحصن: 262.

البهائية: 169، 245،246.

البهرة (طائفة ) : 57، 68، 132، 140.

البويهيون: 58 ، 74 ، 176،180،181،182، 193، 211.

البويهيون الإيرانيون: 44.

البيزنطيون: 32، 33.

تغلب (قبيلة): 39.

تميم: 39.

التيار البصري: 181.

التيار البغدادي: 181.

تيم اللات (قبيلة): 39.

ص: 454

ث

ثقيف (قبيلة): 39،96،97.

ج

جديلة (قبيلة): 39.

الجلائريون: 45، 75.

جهينة (قبيلة): 39.

ح

الحسنيون: 297.

الحسينيون: 297.

خ

خزاعة : 100.

د

الدهرية: 245.

الدولة الشاهينية: 58.

ر

الراديكاليون: 326.

الرومان: 31، 263.

ز

الزقرت: 371.

الزيدية: 180،182.

س

الساسانيون: 32،33،38.

السعوديون: 204و

السلاجقة : 176، 182.

سلالة الزند: 70و

سليم (قبيلة): 39.

السُّنة: 61،139، 158، 165، 169، 191، 194، 195، 204 ،351 ،346 ،328 ،327 ،245،234،215،212،206.

السوريون: 183.

ش

الشعوبيون: 342.

شمر: 346.

الشمرت: 371.

الشيخية: 212.

الشيعة: 15، 16، 17، 18، 19، 22، 23، 25، 44 ، 83،75، 58،152،144،141،139،138 ،136،133،130 ،188،184،183، 182،181،171،165،160،159،234،230،227 ،211 ،206 204،201،195 ،194 ،327 ،315،301 ،299 ،281 ،253 ،245 ،244 ،239 ،340 ،339 ،336 ،335 ،334 ،332 ،331 ،329 ،328 ،346 ،343،341.

شيعة العراق: 142، 144، 361، 372.

الشيعة القوميون: 342.

الشيوعيون: 25 ،246، 325 ، 327 ،328،330، 331،332، 342،341 ،340 ،339 ،338 ،337، 336،335 ،333 ،358 ،357 ،356،355،351 ،350 ،348،347 ،343 ،389 ،388 ،362،361،360 ،359.

الشيوعيون الإيرانيون: 353، 359.

الشيوعيون الشيعة: 25.

الشيوعيون العراقيون: 345، 351، 355، 362.

ص

الصابئة : 361

الصفويون: 19 ،21، 102، 157،159،161،162 ، 166ء ،211.

الصهاينة : 243،244، 341.

الصوفيون: 83،181.

ط

طئ (قبيلة): 262.

ع

عائلة ابن نصر : 30.

عائلة المنذر : 30.

عامر (قبيلة): 39.

العباسيون:36 ،42، 43، 70 ، 72، 180.

العثمانيون: 60، 61، 328 ، 383.

العراقيون: 13، 14، 17، 159، 167، 315، 326 ، 330 ، 337 ، 388،386،384 ،363 ،344.

العراقيون الشيعة: 16، 17، 18، 241.

ص: 455

العرب: 17 ، 30 ، 31، 32 ، 130 ، 137، 229، 232، 241،386،353،273 272،262.

العرب المسلمون: 33.

العرفانية: 181.

العلويون: 108،109، 110، 128، 183، 230 ، 297، 298.

غ

الغساسنة: 33.

الغنوصية: 181.

ف

الفاطميون: 181.

الفرس: 342.

الفلسطينيون: 145.

ق

القاجاريون: 41،164 ،383.

لقرامطة: 43، 44.

القرويون: 258.

قريش: 96.

القوميون العرب: 340 341 ، 343 ، 347، 349 ، 350، 358، ،361،360.

ک

الكرد: 346 ، 358.

كندة (قبيلة): 39.

الكوفيون: 272،273.

ل

اللبنانيون: 232 ، 234.

اللخميون: 30.

الليبراليون: 390.

م

المادية (تيار) : 245.

الماركسيون: 330.

محارب (قبيلة): 39.

مزينة (الأنصار): 39.

المسلمون : 19، 38، 49، 82،81، 96، 195، 209، 245،

،344،325،274 ،266 ،264 ،260 ،246.

المسيحيون: 19 ،212، 332، 344، 361.

المصريون: 263.

المماليك : 251.

المعتزلة : 181، 182.

المناذرة : 30،31،32،33 ، 36 ، 94،93.

الموسويون: 297.

ن

النجديون: 230

النجفيون 13 ، 15 ، 82،56، 83 ، 100، 159، 164، 202، ،385،337،241،236،228،227

نخع (قبيلة): 39.

ه_

همدان (قبيلة): 39.

الهنود: 135، 205، 231.

و

الوهابيون: 371، 385.

ی

اليهود: 198 ،212، 332 ، 342، 361.

اليونانيون: 264.

ص: 456

هذا الكتاب

يجتمع في هذا الكتاب باحثون عالميون وعراقيون للحديث عن مدينة النجف لا تدين النجف بأهميتها إلى موقعها الجغرافي أو تجارتها بل إلى مكانتها في احتضانها ضريح الإمام علي والمؤسسات الدينية التي نمت حوله. ومن هنا لا يستغرب تركيز الأضواء في هذه المجموعة البحثية على الضريح والمؤسسات المرتبطة به. ويضفي اللقب التشريفي على المدينة النجف الأشرف طابع السمو كونها الأكثر قداسةً بين مدن المقامات الشيعية الأخرى .

تسعى الدراسات المعروضة في هذه المجموعة إلى طرح موضوع مفاده أهمية النجف وفيما استهدفنا أن توفر هذه الدراسات منبراً لعرض الباحثين الحاليين في النجف ، فقد سعينا فوق ذلك بنشاط إلى إشراك الباحثين من مثقفي النجف إلى جانب سواهم من أماكن أخرى . ولقد انتفع الباحثون المشاركون من تربويين تقليديين مختلفين وعكست الأفكار الرئيسة والتركيز الضابط للدراسات المعروضة أولويات هذه المواضيع التربوية المختلفة .

من النادر أن يلتقي باحثون من هذه المشارب المختلفة ليعرضوا نتاجاتهم معا في جزء من مشروع واحد . حيث انصب جزء من اهتمامنا في ذلك على تقديم الباحثين العراقيين ونتاجاتهم إلى غير المطلعين عليها وجلب الباحثين الأجانب المختصين في النجف إلى الفضاء المعرفي النجفي . جاءت هذه المجموعة من البحوث لكي تقدم استكشافاً تجريبياً لمعنى وأهمية النجف من خلال تخصصات مختلفة تبدأ من علم الآثار إلى علم الإنسان ومختلف المقاربات التأريخية الأخرى .

الكتاب متوفر على شبكة أمازون العالمية Amazon.co.uk

دار الوراق - ALWarrak Publishing

ص: 457

تصاوير

الصورة

ص: 458

الصورة

ص: 459

الصورة

ص: 460

الصورة

ص: 461

الصورة

ص: 462

الصورة

ص: 463

الصورة

ص: 464

الصورة

ص: 465

الصورة

ص: 466

الصورة

ص: 467

الصورة

ص: 468

الصورة

ص: 469

الصورة

ص: 470

الصورة

ص: 471

الصورة

ص: 472

الصورة

ص: 473

الصورة

ص: 474

الصورة

ص: 475

الصورة

ص: 476

الصورة

ص: 477

الصورة

ص: 478

الصورة

ص: 479

الصورة

ص: 480

الصورة

ص: 481

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.