السيدة خديجة مقاومة، إيثار، أسطورة

هوية الکتاب

سلسلة مؤلفات السيد الدنيا في المطبوعة

(42)

السيدة خديجة (علیه السّلام)

مقاومة، إيثار، أسطورة

تأليف

السيد ابو القاسم الدية جي

دامَظلة الوارف

ص: 1

اشارة

سلسلة مؤلفات السيد الدنيا في المطبوعة

(42)

السيدة خديجة (علیه السّلام)

مقاومة، إيثار، أسطورة

تأليف

السيد ابو القاسم الدية جي

دامَظلة الوارف

ص: 2

ص: 3

الطبعة الالكترونية الاولى

1423ه_ - 2003م

ص: 4

قال ابو عبد الله (علیه السّلام):

إذا راية العالم تحب الدنيا، فالجمون على دينكم

فإن كل محب لشي يحوطى الحب: وقال(علیه السّلام):

أوحى اسد الى داود(علیه السّلام): الجعل بيني وبينكم عالماً

مَعْنونا بالدنسا فِيصُكَ عَن طريق مجتى فإن

اولئك قطاع طريق عبادى المريدين إن

أدنى انا صانع به أن انزع حلاوة حناني

عن قلوبهم.

« الأصول الكافي كتاب فضل العلم »

ص: 5

ص: 6

اختيار النموذج المثالي والصادق

اشارة

على مدى التاريخ ، وخصوصا في عصر العلم والصناعات والارتباطات، أثبتت التجربة أن المستعمرين أينما وضعوا أقدامهم استغلوا المرأة والتي هي العضو الحساس في المجتمع استغلالاً سيئاً، فبسطوا الطرق والميادين لإدخال وتثبيت حضارتهم بجعل النساء العابثات والعديمات الجدوى قدوة ونموذج لنساء العالم كأحسن وأفضل الممثلات والفتيات الجديرة واللائقة، وبذلك ضربوا صورة ا الإنسانية بضربات مهلكة وأبدلوا الحضارات الأصيلة للأمم بحضارتهم المبتذلة.

في هذه الحضارة عرّفوا بعض النساء بالنموذج المثالي التي كل همها وفنّها هو الظهور عرياناً وتهييج الغرائز النفسية والشهوات الانحرافية.

وفي هذا الطريق ضيعوا وهدروا كرامة وشخصية المرأة والتي هي نصف الأعضاء الحساسة والعميقة للمجتمع ، كما كانوا السبب في محو الفضائل الأخلاقية والقيم المعنوية العالية من المجتمع، ومن ثم ضربوا المجتمع ضربة قوية بمطرقة الاستعمار والاستثمار.

وقد توجّه الإسلام لهذا المطلب بعمق والذي هو مؤسس للقوانين ونظام تحذير، وبتعريفه للنماذج الحقيقية والصادقة والكاذبة من النساء، حذر أتباعه من النساء، حذر أتباعه من تقليد واتباع النماذج الكاذبة والفارغة، يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن:

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما ﴾.

ثم يقول:

﴿ وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ . . . وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها ﴾ .(1)

تفهم من تلك الآيات: ان المرأة التي يجب أن تكون قدوة ونموذج هي التي تمتلك الارادة القوية

ص: 7


1- سورة التحريم: 9 - 11 ، ذكرنا في الفصل الثالث من هذا الكتاب روايات متعددة حيث جاء ذكر السيدة خديجة الله في صف السيدة آسية(سلام الله علیها)والسيدة مريم(سلام الله علیها)، لذلك فهي قدوة كآسية ومريم عليهما السلام

المحكمة، والاستقلال والايمان القوي، مثل السيدة آسية(سلام الله علیها) الزوجة فرعون والتي قضت على القواعد المحيطة بها، واشمئزّت وتنفرّت من التقليد الأعمى، فهي محطّمة للقواعد والسنن الخاطئة ولا تقبل بها أو تكتسبها ، وتقبل الحق بالارادة المحكمة والثابته وتدافع عنه.

و مثل السیدة مریم(سلام الله علیها) التي كانت بوجودها الطاهر موقدا للقيم والكرامات ومربية للانسان الممتاز والصالح مثل سيدنا عيسى(علیه السّلام) .

أمثال تلك النساء هم النماذج الحقيقية الصادقة اللاتي يجب اتخاذ حياتهن كقدوة ونموذج.

ولا يجب اتخاذ نساء كزوجة نوح(علیه السّلام) وزوجة لوط(علیه السّلام)القدوة ، بالرغم من حصولهما على أزواج صالحة الهلال إلا أنهما خانتا أزواجهما وبسبب تقليدهما الأعمي للظروف القذرة المحيطة بهما اتجهتا باتجاه الكفر والنفاق وبدلاً من أن تكون كلاهما محطّمين للقواعد والسنن الباطلة، قبلت بها كلاهما واكتسبتاها. في الواقع والحقيقة الآيات السابقة تنذر النساء المسلمات بأنه عندما لا تملك إحداهن الارادة القوية وتكون قابلة لاكتساب القواعد الباطلة ولا ترفضها فإنها سوف تسقط سقوطاً مبرحاً، حتى لو كانت لديها أزواجاً ممتازة وصالحة مثل نوح(علیه السّلام) ولوط(علیه السّلام) فإنها سوف تضيع.

نعم ، بينما كانت المرأة تعرّف بأنها موجود بين الانسان والحيوان، وكانت في النهاية ذليلة وساقطة من كل جهة، جاء الاسلام وأعلن أن المرأة كالرجل يجب عليها أن تكون مراقبة في المجتمع، وبمراقبتها الدقيقة تحفظ المجتمع من أي فساد اذن من الواضح أن مقام المراقبة يبيّن أن المرأة يجب أن تكون قدوة صالحة ونموذج مثالي، وتحفظ المجتمع بعنوان الناظرة، ومن هذا المنطلق يقول القرآن: ﴿ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾.(1)

تعريف الكتاب الحالي

جاء الحديث في هذا الكتاب عن امرأة كانت أول امرأة أسلمت وأول زوجة للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وكانت من جميع النواحي مظهراً للكمالات الانسانية والايثار والمقاومة، زوجة عاقلة وفهيمة، مدبّرة وعطوفة ومُحبّة، أم ممتحنة ومربّية للفضائل، مجاهدة مقاومة وصبورة مخلصة وليس لها نظير في الايثار، والدة الزهراء الطاهرة سلام الله عليها، ألا وهي السيدة خديجة الكبرى(سلام الله علیها)، إن حياتها المنيرة والمضيئة حقاً لهي أفضل نموذج للنساء ذوات الشخصية.

إنها السيدة التي عرفها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) عند تعريفه لزينب(سلام الله علیها) بالتالي: جلّلوها فهي كالسيدة خديجة.(2)

بالرغم من أن الحديث عن سيدة كالسيدة خديجة(سلام الله علیها) عمل غير سهل، ولا يمكن الكتابة عن سيدة

ص: 8


1- التوبة: 71.
2- الطراز المذهب: ج 1 ، ص 44 - رياحين الشريعة: ج 3، ص 38.

ص: 9

عظيمة كعظمتها بهذه الاقلام المتدنّية والمريضة، ولكن سنكتب بعنوان:

آب دری_ا را اگ_ر نت_وان کش_ید *** ه_م ب_ه ق_در تشنكي باي_د جش_ید

اذا ل_م تكن تستطيع أن تغرف من ماء البحر *** فانك تستطيع أن تذوق منه بمقدار العطش

أتمنى أن أكون قد صوّرت ورسمت الوجه النوراني لتلك المرأة العظيمة في هذا الكتاب. إن الكتاب مبني على الاختصار، لكن في نفس الوقت سعيت لأن يكون جامع ومفيد ويبين كل جوانب حياة تلك الامرأة الكبيرة في عالم البشريّة .

وحتى تطالع هذا الكتاب بعين البصيرة وجدت أنه من اللازم تذكير كم لهذه النقطة من البداية وهي:

أنه اذا قارنا حياة السيدة خديجة(سلام الله علیها)(سلام الله علیها) في بدايتها مع نهايتها، سنجد أنها حقا سيدة ليس لها مثيل ولا نظير وأنها نابغة، وفي كل التاريخ لا نجد امرأة (فيما عدا ابنتها السيدة الزهراء سلام الله عليها) كالسيدة خديجة سلام الله عليها حيث دخلت الى ميدان الحياة والى حوادثها الشديدة بايثار ومقاومة واستقامة عجيبة، ووضعت كل وجودها في طبق من الاخلاص والفداء للحق، والتي دافعت عن الحق بكل سخاوة وشهامة لا وصف لها .

إن مكانة السيدة خديجة(سلام الله علیها) هي مكانة رفيعة وقديرة لدرجة أن الله سبحانه وتعالى يشبه السيدة خديجة(سلام الله علیها) الموسى(علیه السّلام) في الكتاب السماوي التوراة بأنها كالنهر الجاري وماؤه ماء الحياة ويوجد على طرفه شجرة الحياة، ولتلك الشجرة اثنتى عشرة نوع من الفاكهة، وأوراقها تجلب الشفاء للأمم(1).

هذه التعابير تبين أهمية وجود السيدة خديجة(سلام الله علیها) المباركة وآثارها النورانية القيّمة جداً.

السيدة «سنيّة القراعة» العالمة العربية لها تعبير جميل في وصف السيدة خديجة(سلام الله علیها) حيث تقول: «إن التاريخ يطأطأ أمامها بكل تواضع ويقف بأيد مغلقة ولا يعلم بأي سجل من سجلات العظماء يسجل اسم هذه السيدة».(2)

وحقاً إنه يجب أن يسجل اسمها في كل سجل من سجلات العظماء، فإن اسمها الجميل والغني بالمعاني سيكون زينة ذلك السجل، ولن يقدر ذلك السجل على تعريفها .

كان للمؤلف قبل تأليف هذا الكتاب صورة عن مقام السيدة خديجة(سلام الله علیها) في مخيلتي، مثلاً اذا كانت بمقدار مئة درجة ، من بعد التحقيق وكتابة هذا الكتاب (بالرغم من أن هذا الكتاب عبارة عن فصول في حياة السيدة خديجة) وصلت تلك المئة درجة الى ألف درجة، وكنت سابقا ادعو الدعاء المعروف: الهي

ص: 10


1- العهد العتيق: مكاشفة يوحنا، باب 23 ، ونقلا عن حياة السيدة فاطمة الزهراء (س) لعمادزاده: ص 26 .
2- نساء محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) : ص38.

بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ، ولكن الآن أضفت إليه هذه الجملة : وبحق أمها.

حقاً إن السيدة خديجة هي نبع المحبة والصفاء والوفاء والشجاعة والايثار والاخلاص والايمان والمقاومة والشرف العالي الملكوتي والانساني وفي كلمة واحدة يمكن القول بأنها أسطورة غير قابلة للتكرار ونادرة في التاريخ.

وعلى حسب قول سليمان «الكتاني الكاتب» العربي المعروف: «وهبت خديجة(سلام الله علیها) ثروتها لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ولكن لم يكن لديها أدنى إحساس بأنها وهبته، وإنما كان لديها الاحساس بأنها تكتسب منه الهداية التي هي أفضل من جميع كنوز العالم ، كانت تحس بأنها تهدي المحبة والود لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ولكن عوضاً عن ذلك كانت تكتسب منه جميع أبعاد السعادة».(1)

نتأمل من جميع طبقات المجتمع وخاصةً النساء بأن تقتدي في كل مراحل الحياة بنمط حياة السيدة خديجة(سلام الله علیها) الغنية بالمعاني والقيم العالية، تلك الشمس الساطعة والتي لا تغرب أبدا حتى تتذوق اللّذة الانسانية بالطريقة التي وجدت، ولا يبدلونها أو يصالحونها بأي شيء آخر.

ولا ننسى القول بأن المقصود من الاسطورة ليس المعنى الرائج والشائع عند الغرب والمفكرين والذي هو صورة عن الخيال والامور الذهنية بل المقصود هو أنها حماسة عظيمة تحققت فيما وراء الذهن والخيال في العالم العيني والآخرين عاجزين عن ادراك كنهها.

نظّمنا الكتاب على ثلاثة فصول وذلك لنيل مطالبه بيسر وسهولة وهي الآتي:

الفصل الاول: السيدة خديجة(سلام الله علیها) من بداية الولادة الى بداية البعثة (خمسة وخمسين سنة).

الفصل الثاني: خديجة(سلام الله علیها) الأول امرأة أسلمت وتضحياتها في سبيل الاسلام (عشر سنوات).

الفصل الثالث: فضائل السيدة خديجة(سلام الله علیها) ، أولادها ، وصيّتها ووفاتها المؤلمة ومقاماتها.

السيد أبو القاسم الديباجي

ص: 11


1- خديجة(سلام الله علیها)لعلى محمد دخيل : ص 32.

ص: 12

ص: 13

ص: 14

الفصل الأول

اشارة

السيدة خديجة (سلام الله علیها)

من الولادة وحتى بعثة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 15

ص: 16

طلوع نجمة مضيئة في الجاهلية

في الجزيرة العربية ، في أرض مكة وبجانب الجبال كانت تعيش أسرة أصيلة تسمى ب_ «قريش»، وبسبب الابتعاد عن مذهب الرسل وتحكم الجهل والجاهلية والبرامج الملطخة والغير نظيفة في ذلك العصر ، لم يكن هناك أي أثر من القيم والاصول الاخلاقية، كل شيء تراه كان يخبرك عن التفرقات العنصرية، الظلم ، الفسق، الاختلافات ، الحروب ، القتل ، الاحقاد ، الانانية والاهمال، في مثل هذا المحيط المظلم تلألأت نجمة من زوج وزوجة (خويلد وفاطمة)، هذه النجمة السيدة خديجة الكبرى ا لها حيث فتحت عينها للعالم قبل خمسة عشرة سنة من ولادة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) (خمسة وخمسين سنة قبل البعثة).

يوم ولادتها غير معروف وغير واضح ولكن بالنسبة الى وفاتها، بناءا على النقل المعروف أنها توفت في السنة العاشرة من البعثة ، في اليوم العاشر من شهر رمضان، وذلك بثلاثة أيام بعد وفاة أبو طالب عم الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) حيث توفيت وعمرها 65 سنة، دفنها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) في مقبرة حجون، الواقعة في أرض مكة، وكانت تكنى ب_ «أم هند» بناءا على اسم أحد أبنائها والذي يسمى هند.(1)

تزوجت هذه السيدة العظيمة بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) في سن الاربعين حيث كان عمر الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) آنذاك 25 سنة، وكانت أول امرأة أسلمت في أول يوم من طلوع الاسلام ، وكانت زوجة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) لمدة خمسة وعشرين سنة يعنى الى آخر عمرها الشريف، وعلى مدى الخمسة والعشرين سنة من الحياة المشتركة كانت دائما الصديقة والرفيقة القوية والمؤنسة لرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ودائماً تؤثره على نفسها، لم تصدر منها أصغر أو أدنى كراهية للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) .

قالوا عن أوصاف وسيماء السيدة خديجة(سلام الله علیها) بأنها كانت طويلة ، ذات أكتاف مربعة، جميلة ووقورة .

ص: 17


1- البحار : ج 16 ، ص 12 و 13 .

كان أبو طالب يصفها في عصر الجاهلية ويقول: إن خديجة امرأة كاملة، ميمونة فاضلة تخشى العار

وتحذر الشنار .(1)

والشيء الذي يجلب التوجه هو أن الامام الحسن المجتبى(علیه السّلام) والذي كان يُضرب المثل به في جماله

بين قبيلة بني هاشم، يقول في حديث له:

«... وكنتُ أنا أشبه الناس بخديجة الكبرى».(2)

والآن ومع التوجه الى رؤوس الفصول، نبدأ بالمطالعة في حياتها المضيئة.

خديجة(سلام الله علیها) من أسرة الأكثر أصالة في الجزيرة العربية

كانت سلسلة نسب السيدة خديجة(سلام الله علیها)من جهة الأب التالي: «خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب».

قصى بن كلاب هو الجد الرابع لرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بهذا الترتيب: «محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصی بن کلاب .(3)

بناءاً على ذلك كانت السيدة خديجة(سلام الله علیها) بنت عم الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ، واتحدت جذور أسرتها من أسرة قريش مع الرسول عند جده الرابع.

ولذلك كانا أحيانا يخاطبان بعضهما البعض بابن العم وابنة العم .

وكانت سلسلة نسب السيدة خديجة(سلام الله علیها) من جهة الام التالي: «خديجة بنت فاطمة بنت زائدة بن

أصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لوي بن غالب.

لوي بن غالب هو الجد الثامن لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) على هذا الترتيب:

«محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لويّ بن غالب».(4)

بناءا على ذلك تتحد وتتصل السيدة خديجة من جهة الام بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) عند جده الثامن ،ونتيجة لذلك تصل سلسلة نسب خديجة(سلام الله علیها) الى اسماعيل وابراهيم الخليل عليهما السلام، الجد الثامن والعشرون والتاسع والعشرون .

إن السيدة خديجة الله هي أخت عوام بن خويلد والد زبير ، على ذلك فإن زبير هو ابن أخيها.

ومن جهة أخرى ومع الاخذ بعين الاعتبار أن صفية عمة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) هي أم زبير، فإن زبير هو ابن عمة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم).(5)

من الجهة الثالثة كانت هالة والدة فاطمة (أم خديجة)بنت عبد مناف الجد الثالث الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)،

ص: 18


1- البحار : ج 16 ، ص 75 و 56 .
2- البحار : ج 24، ص 316.
3- تنقيح المقال للمامقاني: ج 3، باب الخاء من فصل النساء، ص 77.
4- سيرة ابن هشام: ج 1، ص 201.
5- اقتباسا عن المصدر السابق ومن منتخب التواريخ: ص 82.

ومن هنا أيضا اتصلت واتحدت سلسلة نسب السيدة خديجة الا بالجلد الثالث الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) .

والموضوع الآخر في هذا المجال هو أن ابن عم خديجة(سلام الله علیها) كان اسمه «ورقة بن نوفل»(1)، والذي كان من المفكرين في العرب، وقد خالف عبادة الاصنام قبل الاسلام، وبدأ بالبحث عن الدين الحق حتى وصل أخيراً إلى دين المسيحية واعتنقه، واكتسب علوم ومعارف واسعة في دين المسيحية.(2)

كانت السيدة خديجة تحترمه احتراماً خاصاً، وتستشيره في الامور المهمة، كما سيأتي ذكره، وكان له دور مهم في زواج خديجة(سلام الله علیها) بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وكان يميل للاسلام ويرغب به باطنيا.

ص: 19


1- عرف أغلب المحدثين ( من جملتهم البحار) ورقة بن نوفل بأنه عم خديجة(سلام الله علیها)، ولكن على الظاهر هو ابن عمها مثلما جاء ذكره في سيرة ابن هشام بأنه ابن عم خديجة(سلام الله علیها)وسلسة نسبه هي: «ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ... » (سيرة ابن هشام : ج 1، ص 203)،من المحتمل أنه استخدم لفظة العم بسبب تكفّله لخديجة(سلام الله علیها).
2- سيرة ابن هشام : ج 1، ص 203.

ص: 20

جد، والد، ابن عم، ابن وبنت خديجة(سلام الله علیها)

اشارة

ذكرنا أن السيدة خديجة(سلام الله علیها) كانت تعيش قبل الزواج في أسرة أصيلة وشريفة، هنا نجلب انتباهكم الى شرح قصير لخمسة أشخاص هم من أقرباء السيدة خديجة(سلام الله علیها) :

1- أسد جد السيدة خديجة(سلام الله علیها)

أسد بن عبد العزّى هو جد خديجة(سلام الله علیها) من جهة الأب وهو من أحد الشخصيات البارزة في عصره ، جاء في التاريخ : أنه في حدود عشرين سنة قبل البعثة تم عقد مجلس من قبل جمع من شخصيات مكة وكان بينهم «أسد بن عبد العزّى» وكان الهدف من ذلك المجلس هو المحافظة على أمن مكة وأطرافها، فتعاهدوا على أن يهتموا بحقوق المظلومين ويمنعوا ظلم الظالمين، وتم تسمية هذا التعاهد ب_ «حلف الفضول» وذلك لأن ثلاثة من أعضاء المجلس الرئيسية كانت أسمائهم: «فضل بن فضاله» و «فضل بن وداعه» و «فضیل بن حارث».

وقد جاوز الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) العشرين عندما حضر حلف الفضول، وتم عقد هذا الحلف في بيت عبد الله بن جدعان .

كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) يحترم هذا الحلف ويهتم به حيث كان يقول بعد البعثة : ولو دعيت إليه اليوم لأجبت.

وكان يقول أيضا: «لقد شهدت حلفاً ما أُحبُّ أن لي به حمر النعم».(1)

إن عضويّة أسد بن عبد العزّى بجانب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) في حلف الفضول لحفظ حقوق المظلومين والتصدّي أمام ظلم الظالمين لدليل على أنه كان من العقلاء ومن محبّي الخير في عصره وأنه سعى سعياً بالغاً لحفظ أمن المجتمع.

ص: 21


1- سيرة ابن هشام: ج 1 ، ص 141 و 142 .

2- شجاعة خويلد والد خديجة(سلام الله علیها)

كان خويلد والد خديجة(سلام الله علیها) من الشخصيات المهمة في عصره، وكان يحتسب من الابطال والشجعان ، ومن علامات شجاعته هي أنه عندما دخل «تبع» القوي ملك يمن بجيشه إلى مكة واستولى عليها، وأراد أن يأخذ الحجر الاسود معه الى اليمن ، فخالفه أهل مكة ، كان خويلد في مقدمتهم حيث اعترض وتصدّى لأوامر تبع بشجاعة ونازعه وذلك لحفظ أحد مناسك دينه، وبسبب شجاعته انصرف تُبع عن قراره وتركه ولم يأخذ ذلك الحجر المقدس من مكانه.

أصبح موضوع فداءه متداول على لسان كل الناس في ذلك الحين، وكان ينتقل وصف وشجاعة خويلد من لسان الى لسان، ويمدحونه ويمجدونه في هذا الموقف.(1)

3- ورقة بن نوفل العالم المتفكر في ذلك العصر

من إحدى الشخصيات البارزة والتي كانت معروفة بعنوان العالم والمتفكّر المسيحي في مكة ولها علوم ومعارف واسعة في الكتب السماوية هي «ورقة بن نوفل بن أسد» ابن عم السيدة خديجة(سلام الله علیها) (حيث كان في أكثر المصادر يعرف بعم خديجة(سلام الله علیها)، و يحتمل ذلك لكونه متكفّل بالسيدة خديجة(سلام الله علیها) ، وكانت تخاطبه بعمها)، هذا الشخص كان المستشار الخير والممتاز لخديجة ، وكما ذكرنا من قبل وسيأتي ذكره لاحقاً أنه كان له دور مهم في زواج السيدة خديجة(سلام الله علیها) بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وكان يميل للاسلام.

4- هند الابن الشجاع لخديجة(سلام الله علیها) من زوجها زرارة

بناءا على القول المعروف بأنه كان للسيدة خديجة زوجان قبل زواجها بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وهما: «عتيق بن عائذ المخزومي» و «زرارة بن نباش الاسيدي»(2)، وكان لها بنت من عتيق وتسمى «هند»، وولدان من زرارة (المعروف بأبي هالة) وهما : هالة(3)وهند، لذلك كانت تكنى السيدة خديجة(سلام الله علیها)ب_«أم هند».

أسلمت هند بنت خديجة(سلام الله علیها) من عتيق بعد ظهور الاسلام، وكانت تعد من إحدى الصحابيات

الكبار والمخلصة لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم).

كان هند بن أبي هاله مسلم وشجاع وهو من أحد أبناء خديجة(سلام الله علیها) و أخ السيدة الزهراء سلام الله عليها من الأم وقد ضحى كثيرا في سبيل نشر الاسلام لأنه تربّى على يد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)(4)وسنذكر الحادثة الآتية كمثال على ذلك:

1 - رافق هند الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) في ليلة الهجرة من مكة الى المدينة حتى غار ثور، وهناك أمره الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 22


1- الرّوض الانف : ج 1، ص 213 .
2- كتب البعض بأنه«نباش بن زرارة»(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15، ص 31) والبعض الآخر كتب بأنه«هند بن زرارة»(كشف الغمة، ج 2، ص72).
3- طبقا للروايات كانت هاله أخت السيدة خديجة(سلام الله علیها)، وأن رقية وزينب كانتا ابنتا هالة وليست خديجة(سلام الله علیها)(تنقيح المقال : ج 3، ص 77)وأيضا جاء في الرواية التي نقلت عن عمار: أنه رأى هالة مع أختها خديجة(سلام الله علیها) : في طريق الصفا والمروة، وأن هالة توسطت عند عمار حتى يقوم بتجهيز محمد للزواج بخديجة(سلام الله علیها)، فجهز عمار مقدمات الزواج ( التاريخ اليعقوبي : ج 2، ص 16)، وبالنسبة لموضوع أبناء خديجة(سلام الله علیها)سنتطرق اليه في الفصل الثالث من هذا الكتاب.
4- البحار، ج 16 ، ص 148 .

بالرجوع الى مكة، فعاد إلى مكة، وفي الليلة الثانية ذهب مع على(علیه السّلام) الخفية الى الغار للقاء بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال لهما الرسول : اشترا جملين واستعدا للهجرة.(1)

2- شارك هند في معركة بدر وأحد وحارب الاعداء في رحاب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وأظهر تضحياته.

3- كان هند بن أبي هالة من بعد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) من أصحاب أمير المؤمنين علي(علیه السّلام)استشهد في رحاب أمير المؤمنين في حرب الجمل. الجمل .(2)

4 - كان هند بن خديجة(سلام الله علیها) بليغ اللسان وفصيح التعبير والبيان حتى قال الامام الحسن المجتبى (علیه السّلام): سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وكان وصافا للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، فقال (ببيان لطيف وبليغ):

كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فخماً مفخماً، يتلألؤ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه، إذا هو وفرة، أزهر اللون واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ في غير قرن ، بينهما له عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم ، كث اللحية، سهل الخدين، ضليع الفم، أشنب مفلج الاسنان ، دقيق المسربة، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادنا متماسكا، سواء البطن والصدر، بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس، أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين، وأعالي الصدر ، طويل الزندين، رحب الراحة، شئن الكفين والقدمين، سائل الاطراف، سبط القصب، خمصان الاخمصين، مسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذ زال زال قلعا ، يخطو تكفؤا ، ويمشي هونا ، ذريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط في صبب، وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره الى الارض أطول من نظره الى السماء، جل نظره الملاحظة، يبدر من لقيه بالسلام.(3)

إن الحديث السابق يدل على أن هند بن خديجة(سلام الله علیها)ان كان صاحب ومؤنس الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) كثيرا، وكان له توجه خاص بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وكأنه كان عاشقاً للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

وجاء في الأقوال أن البعض ادّعى ان حارث بن أبي هالة كان أول شهيد مسلم من أبناء خديجة(سلام الله علیها).(4)

خمسة ألقاب لخديجة(سلام الله علیها) قبل الاسلام وبعده

من الأقوال اللطيفة التي جاءت هي:

1 - أن السيدة خديجة(سلام الله علیها) الذُكرت قبل الولادة في الكتاب السماوي الانجيل النازل على سيدنا

ص: 23


1- سفينة البحار: ج 2، ص 725 (كلمة هند).
2- أسد الغابة : ج 5 ، ص 71 - تنقيح المقال : ج 3، ص 205.
3- البحار: ج 16 ، ص 148 - أسد الغابة : ج 5 ، ص 72.
4- بنات النبي الجعفر مرتضى العاملي: ص 93.

عیسی(علیه السّلام)بأنها «سيدة مباركة وضرة السيدة مريم في الجنّة»، وذلك عندما جاء الخطاب لعيسى(علیه السّلام)توصیف رسول الاسلام(صلی الله علیه و آله و سلم) بالتالي:

نسله من مباركة، وهي ضرّة أمّك في الجنّة.(1)

وجاء في الحديث الذي دار بين خديجة(سلام الله علیها) و ابن عمها ورقة بن نوفل أنه قال: قرأت في التوراة والانجيل أن الله سبحانه وتعالى يبعث نبياً في هذا الزمان يكون يتيماً فيؤويه الله، وفقيراً فيغنيه الله، تكفله امرأة من قريش أكثرهم حسباً .(2)

2 - وأيضا في عصر الجاهلية كانت هناك قلة من النساء اللاتي كن عفيفات وشريفات وأغلبهن كن مبتليات وملطخات بانحرافات العصر الجاهلي، فكانت السيدة خديجة(سلام الله علیها) تلقب بالطاهرة وذلك لقداستها وطهارتها في جميع الأبعاد.(3)

3- كانت السيدة خديجة(سلام الله علیها) أيضا موضع احترام الخاص والعام في ذلك العصر لذلك كانوا يلقبونها ب_ «سيّدة النسوان».(4)

4 - حديث قصير : كانت السيدة خديجة(سلام الله علیها) سيدة وقورة ونجيبة الى درجة أنه لم يكن لها نظير في النساء في الجاهلية من ناحية الكمالات والقيم الانسانية العالية، لذلك كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يلقبها ب_ «الكبرى» .(5)

كانت خديجة السيدة عاقلة وفهيمة وذكية ولبيبة ، وكان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) يستشيرها في أعماله، فقد كانت في جميع الاحوال المستشارة والمساعدة والوزيرة للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).(6)

5 - وقد ذُكرت السيدة خديجة في دعاء الندبة والذي نقل من الجهة المقدّسة بأنها «خديجة - الغراء»، وكلمة الغراء تعني الشامخة والوقورة والنجيبة.

وجاء طبقا للروايات أن أبي طالب وصف السيدة خديجة في خطبة عقد الزواج بالتالي:

إن ابن أخينا خاطب كريمتكم الموصوفة بالسخاء والعفّة، وهي فتاتكم المعروفة المذكورة فضلها الشامخ خطبها .(7)

خديجة الشخصية العاطفية

كانت الخديجة(سلام الله علیها) شخصية عالية وقيمة في جميع الابعاد الانسانية المتعددة، منها أنها كانت لديها شخصية عاطفية ممتازة.

كانت تحب المستضعفين محبة خاصة، ذات يوم عندما كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) شابا تولى أمور خديجة(سلام الله علیها)التجارية وبدأ بأعمال التجارة مع صاحبه والذي كان قرشيا في سوق تهامة، فأمرت السيدة خدیجة(سلام الله علیها)

ص: 24


1- كحل البصر للمحدّث القمّي طبعة بيروت : ص 70 - البحار ج 21 ، ص 352 .
2- البحار : ج 18، ص 228.
3- تنقيح المقال : ج 3، ص 77.
4- رياحين الشريعة : ج 2، ص 207 .
5- قاموس دهخدا: ج21، ص 300.
6- عمدة ابن بطريق: ص 204 .
7- البحار: ج 16 ، ص 69 .

بإرسال الطعام لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وصاحبه بدون أي تعهد سابق بذلك، وكان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) يشكر لطفها ومحبتها، وهذا يدل على أن للسيدة خديجة(سلام الله علیها) الشخصية عاطفية عالية جداً.

لذلك لم ينس الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) هذا الموقف العاطفي أبداً، وكان يذكرها أحيانا ويقول:

ما رأيتُ من صاحبةٍ لأجير خيراً من خديجة، ما كنا نرجع أنا وصاحبي الا وجدنا عندها تُحفةً طعام تخبأه لنا.(1)

الايمان القلبي لخديجة(سلام الله علیها) لظهور الاسلام قبل الزواج

من خصائص السيدة خديجة(سلام الله علیها) هي أنها كانت مطمئنة لظهور الاسلام وذلك بسبب اتصالاتها بالعلماء المسيحيين وأهل الكتاب مثل ابن عمها ورقة بن نوفل والذي كان من علماء ورهبان المسيحية ولديه العلم والمعرفة بالكثير من العلوم الواسعة في الكتب السماوية وبشاراتها بظهور رسول آخر الزمان(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وأيضا بسبب الأحلام التي كانت تحلم بها خديجة(سلام الله علیها) شخصيا وكانت تعرف بأنه سيظهر في مكة، وستظهر شمس وجوده للعالم ، لذلك كانت من المنتظرين لظهوره، حتى تنتظم وتستقر في ظله الأمور الاجتماعية والعلمية والأخلاقية الغير المستقرة في المجتمع، وينقذ الناس من الضلالة ومن مصائب مذاهب الجاهلية الملطخة.

لذلك كانت تسأل العلماء وابن عمها ورقة عن دلائل وعلامات ذلك النبي كراراً، ولهذا السبب عندما أرادت الزواج من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) قررت أن تسأل عن مهر النبوة والتي كانت من العلامات الظاهرة لنبوة محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)و وزارته(2)، وفي الحقيقة تزوجت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) بكل معرفة وعقلانية، وجعلت كل وجودها فداءا له ولهدفه .

خديجة الأدبية العارفة واللبيبة

من خصائص السيدة خديجة(سلام الله علیها)أنها كانت تمتلك الذكاء والعقل والتدبير الكثير، وفي ذلك العصر (عصر الجاهلية) الذي سيطر فيه الجهل والأمية على كل مكان، خاصةً على النساء اللاتي كن من وجهة نظرهم موجود بين الإنسان والحيوان ، وكن محرومات من كل مزايا الحياة ومطرودات عنها، كانت السيدة خديجة(سلام الله علیها) ذات كمال وأدب وإيمان وعقل بمستوى عال.

كما أن الأشعار والقصائد التي كانت تنشدها خديجة(سلام الله علیها) قبل خمسة عشرة سنة من البعثة والمشحونة باللطائف الأدبية والمعنوية في شأن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ، لهي شاهدة حيّة على ذلك المطلب.

إن أشعارها كثيرة، وهنا نلفت نظركم الى مقاطع من بعض أشعارها:

ص: 25


1- البحار : ج 16 ، ص 9 و 10 .
2- مقتبس من رياحين الشريعة : ج 2، ص 207 .

أنشدت السيدة خديجة(سلام الله علیها) عند لقائها بمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) بعد رجوعه من سفره التجاري للشام وقالت:

فلوو أنني أمسيت في كل نعمة *** ودامت لي الدنيا وملك الاكاسرة

فیا سویت ندي جناح بعوضة *** اذا لم تكن عيني بعينك ناظرة

وفي الحقيقة هذا الشعر الرباعية المعروفة:

أي مصحف آي_ات الهی رویت *** وي سلسله أهل ولایت مویت

سرجشمه زندکی لب دلجویت *** محراب نماز عارفان أبرويت

يا من وجهك كمصحف الآيات الالهية *** وشعرک سلسلة أهل الولایة

وشفاهك اللطيفة نبع الحياة *** وحاجبك محراب صلاة العارفين

وتقول السيدة خديجة(سلام الله علیها) في شعر آخر :

دنی فرمی من قوس حاجبه سهماً *** فصادفنی حتی قتلت به ظلما

وأسفر عن وجه وأسبل شعره *** فبات يُباهي البدر في ليلة ظلماً(1)

ثروة خديجة(سلام الله علیها) الغير محدودة

من إحدى خصائص السيدة خديجة(سلام الله علیها) هي أنها كانت من الأغنياء والأثرياء والتي ليس لها نظير في عصرها وأغنى أهل مكة وكل ذلك كان بسبب تدبيرها السليم وسعيها في التجارة والأمور الاقتصادية. وقد أنفقت كل ثروتها في سبيل تحقيق أهداف الاسلام، كانت ثروتها مهمة جداً في تقدم دعوة الاسلام ونشرها حتى أنه قال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) : ما نفعني مالٌ قطُّ مثل ما نفعني مال خديجة .(2)

: وقد بين المحدّثون والمؤرخون والمحللون أن من عوامل كثرة ووفرة ثروة خديجة(سلام الله علیها) هي:

أنها كانت امرأة ذكية والبيئة، وعلاوةً على ثروتها العالية، فقد حصلت على إرث من زوجيها(3)

ص: 26


1- رياحين الشريعة: ج 2 ص 207 ، هنالك نماذج أخرى من تلك الاشعار ذكرت في البحار : ج 16 ، ص 25 و 28 و 29 .
2- البحار : ج 19 ، ص 63.
3- على فرض أنها كانت متزوجة قبل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

بعد وفاتهما حيث تركا لها أموالا طائلة، ولم تركد ثروتها بل قامت باستثمارها بإرسال قوافل تجارية الى اليمن والشام وأعطت ثروتها بتدبير خاص الى عدد من الأثرياء المشهورين بعنوان المضاربة، ومن جهة أخرى كان لعبيدها الكثير دور مهم في حركة القافلات والأمور التجارية.

تلك العوامل أدت إلى زيادة ثروة خديجة(سلام الله علیها) يوما عن يوم ، لدرجة أن ثمانين ألف من الجمال كانت تسافر وتحمل وتنقل أموالها التجارية بقافلات متعددة الى المراكز الاقتصادية في العالم في تلك الأيام ومنها اليمن ، مصر ، الشام، الطائف،لعراق، البحرين، عمان، الحبشة، فلسطين و....... وغيرها.

وقد لخص المحللون مظاهر ثروة خديجة(سلام الله علیها) في الثلاث موارد الآتية:

1 - كانت ثمانين ألف جمل تسافر بأموالها التجارية الى أطراف وأكناف الجزيرة العربية وخارجها

كمصر والحبشة والروم والشام ....... وغيرها من الأمصار.

2 - أحيانا كانت الحمولة حرير أزرق، فكانت تربط بحبال أبريسم وتبنى بها قبة على سطح دارها

الجليل وتستقبل بها النساء والرجال وتساعد المحتاجين منهم بمساعدات لائقة ومناسبة.

3- كانت أربعمائة عبيد وجواري تحت إشرافها وذلك لتنظيم أمور حياتها والاهتمام بها، وكانوا

يديرون الإدارة العريضة والطويلة لحياة خديجة(سلام الله علیها).

كانت ثروة الأثرياء في ذلك العصر مثل : أبو جهل، عقبة بن أبي معيط، صلت بن أبي يهاب، ابو

سفيان و... وغيرهم لا شيء مقابل ومقارنةً بثروة خديجة(سلام الله علیها).(1)

وكما جاءت في الروايات أنه كان لخديجة دار واسعة تسع أهل مكة جميعاً، وقد جعلت أعلاها قبة من الحرير الأزرق، وقد رقمت في جوانبها صفة الشمس والقمر والنجوم، وقد ربطته من حبال الابريسم وأوتاد من الفولاذ وكان لها جلال خاص وعظمة خاصة.

وقد خطبها شخصيات معروفة في ذلك العصر مثل عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب وكان لكل واحد منهما أربعمأة عبد وأمة، وخطبها أبو جهل بن هشام وأبوسفيان ولم ترغب خديجة (سلام الله علیها)

فيهم ورفضتهم .(2)

بداية انتقال محبة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) الى قلب خديجة(سلام الله علیها)

مرّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)يوما بمنزل خديجة بنت خويلد، وهي جالسة في ملأ من نسائها وجواريها وخدمها، وكان عندها حبر من أحبار اليهود، فلما مرّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) نظر إليه ذلك الحبر وقال : يا خديجة اعلمي أنه قد مرّ الآن ببابك شاب حدث السن، فأمري من يأتي به .

فأرسلت إليه جارية من جواريها ، وقالت: يا سيدي مولاتي تطلبك.

ص: 27


1- الوقائع والحوادث (رمضان) : ج 1، ص 130 .
2- البحار : ج 16 ، ص 22 ، ولا ننسى القول بأنه لم يكن الهدف من تجارة السيدة خديجة ثروة بلا نهاية بل كان هدفها مساعدة المحتاجين واليتامى على القدر المستطاع حتى لقبت ب_ «أم الصعاليك» و «أم اليتامى» وأخيرا (كما سنذكر لاحقا) صرفت كل أموالها في سبيل الاسلام.

فأقبل ودخل منزل خديجة(سلام الله علیها) ، فقالت : أيها الحبر هذا الذي أشرت إليه.

قال نعم هذا محمد بن عبد الله.

قال له الحبر : اكشف لي عن بطنك.

فكشف له، فلما رآه قال: هذا والله خاتم النبوة.

فقالت له خديجة(سلام الله علیها) : لو رآك عمه وأنت تفتشه لحلّت عليك منه نازلة البلاء، وإن أعمامه ليحذرون عليه من أحبار اليهود.

فقال :الحبر ومن يقدر على محمّد هذا بسوء، وهذا وحق الكليم رسول الملك العظيم في آخر الزمان، فطوبى لمن يكون له بعلا، وتكون له زوجة وأهلا، فقد حازت شرف الدنيا والآخرة.

فتعجبت خديجة(سلام الله علیها) ، وانصرف محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) واشتغل قلب خديجة(سلام الله علیها) بحبّه، وكانت خديجة ملكة لله عظيمة، وكان لها من الأموال والمواشي شيء لا يحصى، فقالت: أيها الحبر بم عرفت محمداً أنه نبي؟ قال وجدت صفاته في التوراة ، إنه المبعوث آخر الزمان، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، وسوف يتزوج بامرأة من قريش سيدة قومها وأميرة عشيرتها.

وأشار بيده الى خديجة عليها السلام ، ثم بعد ذلك قال لها : احفظي ما أقول لك يا خديجة، وأنشأ يقول:

یا خدیجه لا تنسی الآن قولی *** وخذی منه غایة الحصول

یا خدیجة هذا النبی بلا شک *** هکذا قد قرأت فی الانجیل

سوف یأتی من الاله بوحی *** ثم یجبی من الاله بالتنزیل

ویزوجه بالفخار و یحظی *** فی الوری شانحاً علی کل جیل

فلما سمعت خديجة ما نطق به الحبر تعلّق قلبها بالنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وكتمت أمرها فلما خرج من عندها قال: اجتهدي أن لا يفوتك محمد ، فهو الشرف في الدنيا والآخرة.(1)

بشارة ورقة بن نوفل والعالم اليهودي

كان ورقة بن نوفل ابن عم خديجة(سلام الله علیها) وقد قرأ الكتب السماوية كلها ، وكان عالماً حبراً، وكان يعرف

ص: 28


1- البحار : ج 16 ، ص 20 و 21 .

صفات النبي الخارج في آخر الزمان، وكان عند ورقة أنه يتزوج بامرأة سيدة من قريش، تسود قومها، وتمكّنه من نفسها، وتساعده على كل الأمور، فعلم ورقة أنه ليست بمكة أكثر ما لا من خديجة، فرجى ورقة أن تكون ابنة أخيه خديجة(سلام الله علیها)، وكان يقول لها: يا خديجة سوف تتصلين برجل يكون أشرف أهل الأرض والسماء.(1)

في أحد الأعياد، اجتمعت نساء قريش في المسجد الحرام ، فإذا هن بيهودي يقول: ليوشك أن يبعث فيكن نبي، فأيكن استطاعت أن تكون له أرضاً يطأها فلتفعل، فحصبنه(2)، ففر اليهودي وقر ذلك القول في قلب خديجة(سلام الله علیها) ، لذلك كانت خديجة(سلام الله علیها) تنتظر أن تنال هذا الشرف.(3)

أحلام خديجة(سلام الله علیها) المبشرة

في هذه الأيام رأت خديجة(سلام الله علیها) حلم عجيب، فذهبت الى ابن عمها ورقة بن نوفل وأخبرته بالحلم

وقالت:«رأيت في المنام أن القمر قد سقط من السماء بجانبي، ثم انقسم الى سبعة أقسام».

قال ورقة: «سوف يتزوجك نبي آخر الزمان وستنالين شرف الزواج به وسترزقين منه سبعة أبناء».(4)

وأيضا قالت:«رأيت في المنام أن الشمس دارت فوق الكعبة ونزلت في داري».

قال ورقة: «سوف تتزوجين قريبا من رجل عظيم وسوف يشتهر عالمياً».(5)

فاطمأنت خديجة(سلام الله علیها) من هذه البشارات التي كانت تصلها في الاحلام وفي اليقظة بأنها ستنال هذه السعادة العظيمة، لذلك كانت تنتظر الفرصة المناسبة حتى تعد مقدّمات الزواج، وتصل الى الافتخار الذي ليس له نظير وكأن قد ضاع منها شيء وتبحث عنه.

قصة سفر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بقافلة خديجة(سلام الله علیها) الى الشام

جاء قولان في قصة سفر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بقافلة خديجة(سلام الله علیها) إلى الشام وهما:

1 - بأن هذه السفرة تمت باقتراح من خديجة(سلام الله علیها) .

2- بأنها تمت باقتراح من أبي طالب عم الرسول .

ولكن يتضح أن القول الأول هو الأصح وهنا نلفت انتباهكم إلى القولين:

1 - جاء في كتاب سيرة ابن هشام التالي:

كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه

بشي تجعله لهم منه، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول(صلی الله علیه و آله و سلم) من صدق حديثه وعظيم

ص: 29


1- البحار : ج 16 ، ص 20 و 21 .
2- فحصينه: أي فرمينه بالحصباء.
3- مناقب آل أبيطالب : ج 1 ، ص 41 .
4- جوامع الحكايات لمحمد العوفي وبتحقيق الدكتور جعفر الشعار: ص 36 - تحقق تفسير المنام ورزق محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)من خديجة(سلام الله علیها) سبعة أبناء (ثلاثة أولاد و أربعة بنات)هم: قاسم،طيب، طاهر، زينب، رقيّة، أم كلثوم وفاطمة سلام الله عليها(نفس المصدر، ص 38).
5- المجالس السنية للعلامة سيد محسن أمين : ج 5 ، ص 6 .

أمانته وكرم أخلاقه، بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا الى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له ميسرة ، فقبله منها رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) وخرج في مالها ذلك، ومعه غلامها ميسرة حتى قدم الشام(1)، فنزل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب، فاطّلع الراهب الى ميسرة فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟(2)

فقال ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم.

فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.

ثم باع رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)سلعته التي خرج فيها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلا الى مكة ومعه ميسرة، قال ميسرة : إذا كانت الهاجرة(3)واشتدّ الحرّ نزل ملكان يظلانه من الشمس، وهو يسير الحرّنزل على بعيره .

فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا، وحدّثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين ، فبعثت الى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فقالت له : يا بن عم قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك وسطتك(4)فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك وصدق حديثك.(5)

ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة امرأة حازمة ولبيبة، فذكر رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ما قالت لأعمامه، فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

2 - جاء ذكر زواج محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) بخديجة(سلام الله علیها) في كتب الشيعة على نحو آخر وخلاصته هي: كان أبو طالب رضي الله عنه قد كبر وضعف عن كثرة السفر، وترك ذلك من حيث كفل النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)،فدخل عليه النبي ذات يوم فوجده مهموماً، فقال: ما أراك يا عم مهموماً ؟

فقال : يا ابن أخي اعلم أنه لا مال لنا، وقد اشتد الزمان علينا ، وليس لنا مادة، وأنا قد كبرت، وضعف جسمي، وقل ما بيدي، وأريد أن انزل إلى ضريحي وأريد أن أرى لك زوجة تسرّ قلبي يا ولدي لتسكن إليها، ومعيشة يرجع نفعها إليك.

فقال له النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) : ما عندك يا عم من الرأي ؟

قال: اعلم يا بن أخي أن هذه خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر الناس، وهي تعطي مالها سائر من يسألها التجارة، ويسافرون به ، فهل لك يا بن أخي أن تمضي معي إليها ونسألها أن تعطيك مالا تتجربه .

فقال: نعم، قم إليها وافعل ما بدا لك.

فقام أبو طالب مع أخوته وساروا الى دار خديجة(سلام الله علیها) ، وأخبروها بذلك.

ص: 30


1- جاء طبقا لجزء من الروايات أن الرسول كان أجيرا عند خديجة في هذه السفرة، ولكن جاء في التاريخ اليعقوبي (ج 2 ، ص (21) وفي البداية والنهاية (ص) (295 أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أبدا أجيرا لأحد، لذلك فإن سفره مع هذه القافلة كانت مضاربة أو شريكا في الربح التجاري.
2- كان عمر الرسول صلى الله عليه وسلم آنذاك خمسة وعشرين سنة تقريبا ووقعت هذه الحادثة قبل خمسة عشرة سنة من البعثة .
3- الهاجرة : نصف النهار في القيظ، أو من عند زوال الشمس الى العصر.
4- سطتك : شرفك وسامي منزلتك.
5- سيرة ابن هشام، ج 1، ص 121.

فرحبت بهم خديجة(سلام الله علیها) ترحيباً جليلاً ولائقاً بهم، ثم قالت : يا سيدي أين محمد حتى نسمع ما يقول ؟

قال العباس رضي الله عنه عم الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) : أنا آتيكم به.

فنهض وسار يطلبه وبعدما بحث عنه كثيراً وجده وجاء به الى دار خديجة(سلام الله علیها).

فرحبت خديجة(سلام الله علیها) القدوم محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وبعد الحديث عن شأنه العظيم قالت : أترضى أن تكون أمينا

على أموالي تسير بها حيث شئت ؟

قال: نعم رضيت ثم قال : أريد الشام .

قالت: ذلك إليك، وإني قد جعلت لمن يسير على أموالي مائة أوقية من الذهب الاحمر، ومائة أوقية من الفضة البيضاء، وجملين وراحلتين.

وتم تجهيز القافلة التجارية وجاءت خديجة(سلام الله علیها) شخصياً عند القافلة، وقالت لميسرة والذي جعلته

كفيلاً على القافلة(1)ووصته برسول الله وقالت: اطع أوامر محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ولا تفعل خلاف أمره.

وودّع الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) خديجة(سلام الله علیها) وأعمامه وركب راحلته وخرج، ووصلت القافلة الشام دون أي تأخير وحتى أسرع من المعتاد، مرّت القافلة على صومعة الراهب المسيحي «نسطور» وتوقفت عند شجرة كانت هناك، فذهب محمد الله الى تلك الشجرة وجلس تحتها.

وكان ميسرة معه بناءاً على أوامر سيدته حيث أمرته بأن لا يفارقه، فجأة سمع صوت نسطور يناديه باسمه.

ميسرة: نعم.

نسطور : من هذا الرجل الذي نزل تحت الشجرة؟

ميسرة : هذا رجل من قريش ومن أهل مكة.

نسطور : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.

ثم وصى ميسرة والقافلة بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وأخبرهم عن نبوّة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) في المستقبل.(2)

ثم قال نسطور الميسرة : طاوعه في أوامره ونواهيه فإنه نبي، والله ما جلس هذا المجلس عیسی(علیه السّلام) أحد غيره، ولقد بشر به عیسی(علیه السّلام)، ومبشّراً برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، وهو يملك الارض بأسرها(3).

ثم باع الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) سلعته واشترى ما أراد، وربحت القافلة ربحاً كثيراً، ثم عادت الى مكة. أثناء الطريق قام ميسرة بحساب الارباح فوجد أنهم قد ربحوا كثيراً في هذه السفرة فجاء الى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) : إننا منذ سنين ونحن نتاجر لخديجة(سلام الله علیها) و لم نربح في أية منها كما ربحنا في هذه السفرة، إنني سعيد لهذا

ص: 31


1- جاء في نقل :آخر أنها أرسلت النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)مع ميسرة وناصح وشخص آخر يسمى«خزيمة بن حكيم»، وقالت لهم: إن هذا الفتى سيد قريش والحرم، فأطيعوه واحترموه.
2- اقتباسا عن سيرة ابن هشام، ج 1، ص 199. جاء في نقل آخر أنه لما رأى نسطور محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)جالسا تحت الشجرة وبعد مشاهدته لعلاماته، ذهب الى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وقبل يديه ورجليه وقال : أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله.
3- مناقب آل أبيطالب، ج 1 ، ص 41 .

وأتمنى أن نصل الى مكة حتى أخبر خديجة(سلام الله علیها) بذلك.

عندما وصلت القافلة الى «مرّ الظهران» جاء ميسرة الى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وقال له ميسرة: لو تقدمت يا محمد إلى مكة، وبشرت خديجة بما قد ربحنا لكان أنفع لك.

فتقدّم محمد على راحلته، فكانت خديجة في ذلك جالسة في غرفة مع نسوة، فظهر لها محمد راكبا، فنظرت خديجة إلى غمامة عالية على رأسه تسير بسيره، ورأت ملكين عن يمينه وعن شماله، في يد كل واحد سيف ،مسلول، يجيئان في الهواء معه، فقالت: إن لهذا الراكب لشأناً عظيماً ليته جاء إلى داري، فإذا هو محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) قاصد لدارها.

فنزلت حافية إلى باب الدار ، وكانت إذا أرادت التحول من مكان الى مكان حولت الجواري السرير الذي كانت عليه ، فلما دنت منه قالت: يا محمد اخرج واحضرني عمّك أبا طالب الساعة، وقد بعثت إلى عمها ورقة أن زوّجني من محمد إذا دخل عليك، فلما حضر أبو طالب قالت: اخرجا الى عمي ليزوجني من محمد فقد قلت له في ذلك.

فدخلا على عمها، وخطب أبو طالب الخطبة المعروفة، وعقد النكاح ، فلما قام محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)ليذهب مع أبي طالب قالت خديجة: إلى بيتك، فبيتي بيتك، وأنا جاريتك .(1)

مقاطع للقراءة عن سفر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) التجاري من مكة إلى الشام وعودته

نفهم من الروايات أن سفر محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) في قافلة خديجة(سلام الله علیها) إلى الشام للتجارة لم يكن عادياً، وقد حصلت في هذه السفرة العديد من المعجزات والكرامات وحوادث شيّقة.

لتوضيح هذا المطلب وكنموذج نلفت انتباهكم الى عدة مقاطع من سفره:

1 - بعدما تحدثت خديجة(سلام الله علیها) مع أبي طالب بشأن السفر التجاري لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وبعد أخذ موافقته ورضائه ، قالت لميسرة: يا ميسرة، ايتني ببعير حتى أنظر كيف يشدّ عليه محمد، فخرج ميسرة وأتى ببعير شديد المراس، قوي الباس، لم يجسر أحد من الرعاة أن يخرجه من بين الإبل لشدة بأسه، فأدناه ليركبه فهدر وشقشق واحمرت عيناه،فقال له العباس: ما كان عندك أهون من هذا البعير؟ تريد أن تمتحن به ابن أخينا ؟

فعند ذلك قال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) : دعه يا عم ، فلما سمع البعير كلام البشير النذير برك على قدمي النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وجعل يمرغ وجهه على قدمي النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ونطق بكلام فصيح وقال: من مثلي وقد لمس ظهري سید المرسلين؟

فقلن النسوة اللاتي كن عند خديجة(سلام الله علیها) : ما هذا إلا سحر عظيم قد أحكمه هذا اليتيم.

ص: 32


1- يجب أن نتوجه الى أن هذا العشق لم يكن مجازي أو من أهواء نفسية بل كان عشقاً ملكوتياً نشأ من أعماق خديجة الطاهرة.

قالت لهم خديجة(سلام الله علیها) : ليس هذا سحراً، وإنما هو آيات بينات وكرامات ظاهرات، ثم قالت:

نطق البعیر بفضل أحمدا فخيرا *** هذا الذی شرفت به أم القری

هذا محمد خیر مبعوث أتی *** فهو الشفيع وخير من وطأ الثرى

یا حاسديه تمزقوا من غيظكم *** فهو الحبيب ولا سواه في الورى

2 - كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) يرتدي لباساً بسيطاً، فقالت له خديجة : يا سيدي ما معك غير هذه الثياب، فليست هذه تصلح للسفر.

فقال : لست أملك غيرها .

فبكت خديجة وقالت : عندي يا سيدي ما يصلح للسفر، غير أنهن طوال فامهل حتى اقصرها لك.

فقال: هلمي بها، وكان(صلی الله علیه و آله و سلم) إذا لبس القصير يطول وإذا لبس الطويل يقصر ، كأنه مفصل عليه، فأخرجت له ثوبين من قباطي مصر، وجبة عدنية وبردة يمانية، وعمامة عراقية، وخفين من الأديم،وقضيب خیزران، فلبس النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) الثياب وخرج كأنه البدر في تمامه، فلما نظرت إليه جعلت تقول:

أوتیت من شرف الجمال فنونا *** ولقد فتنت بها القلوب فتونا

قد کونت للحین فیک جواهر *** فیها دعیت الجوهر الکنونا

یا من اعار الظبی فی لفتاته *** للحسن جیدا سامیا وجفونا

أسهرت عینی فی هواک صبابة *** وملئت قلبی لوعة وجنونا(1)

3- ثم قالت يا سيدي عندك ما تركب عليه ؟

قال : إذا تعبت ركبت أي بعير أردت.

ص: 33


1- يجب أن نتوجه الى أن هذا العشق لم يكن مجازي أو من أهواء نفسية بل كان عشقاً ملكوتياً نشأ من أعماق خديجة الطاهرة.

قالت: وما يحملني على ذلك؟ لا كانت الاموال دونك يا محمد.

ثم قالت لعبدها ميسرة: إيتيني بناقتي الصهباء حتى يركبها سيدي محمد، فأتى بها ميسرة وهي تزيد على الأوصاف، لا يلحقها في سيرها تعب، ولا يصيبها ،نصب، كأنها خيمة مضروبة، أو قبة منصوبة، ثم التفتت إلى ميسرة وناصح وقالت لهما اعلما أنني قد أرسلت إليكما أمينا على أموالي، وأنه أمير قريش وسيدها، فلا يد على يده، فإن باع لا يمنع، وترك لا يؤمر ، وليكن كلامكما له بلطف وأدب، ولا يعلو كلامكما على كلامه.

قال عبدها ميسرة والله يا سيدتي إن لمحمد عندي محبة عظيمة قديمة، والآن قد تضاعفت لمحبتك له.

ثم إن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ودع خديجة وركب راحلته وخرج وميسرة وناصح بين يديه، وعين الله ناظرة إليه، فعندها قالت خديجة شعراً :

قلب الحب الی الاحباب مجذوب *** و جسمه بید الأسقام منهوب

و قائل کیف طعم الحب قلت له *** الحب عذب ولکن فیه تعذیب

اقذی الذین علی خدی لبعدهم *** دمی و دمعی مسفوح ومسکوب

ما فی الخیام وقد سارت رکابهم *** الا محب له فی القلب محبوب

کأنما یوسف فی کل ناحیة *** والحز(1)فی کل بیت فیه یعقوب(2)

4 - فتوجهت القافلة إلى الشام فلما كانت بحيال «بحير» الراهب نزلوا بفناء ديره، وكان عالما بالكتب وقد كان قرأ في التوراة مرور النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) به، وعرف أوان ذلك، فأمر فدعي إلى طعامه، فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها، فقال: هل بقي في رحالكم أحد.

فقالوا: غلام يتيم، فقام بحير الراهب فاطلع فإذا هو برسول(صلی الله علیه و آله و سلم)نائم وقد أظلته سحابة، فقال للقوم : ادعوا هذا اليتيم ففعلوا، وبحير مشرف عليه وهو يسير والسحابة قد أظلته، فأخبر القوم بشأنه وأنه سيبعث فيهم رسولا وما يكون من حاله وأمره، فكان القوم بعد ذلك

ص: 34


1- الحز: ألم في القلب.
2- البحار : ج 16 ، ص 29.

يهابونه ويجلونه ، فلما قدموا أخبر وا قريشا بذلك، وكان معهم عبد خديجة بنت خويلد، فرغبت في تزويجه وهي سيدة نساء قريش، وقد خطبها كل صنديد ورئيس قد أبتهم ، فزوجته نفسها بالذي بانها من خبر بحير.(1)

5 - عندما وصل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)مع قافلة خديجة(سلام الله علیها) في سيرهم الى الشام والى صومعة أحد الرهبان، نادى الراهب ميسرة بعد تأكده من علامات نبوّة محمد صلى الله عليه آله وقال له: يا ميسرة اقرأ مولاتك منّي السّلام، واعلم أنها قد ظفرت بسيد الأنام، وأنه سيكون لك شأن من الشأن، وتفضّل على سائر الخاص والعام، واحذرها أن تفوتها القرب من هذا السيد، فإن الله تعالى سيجعل نسلها من نسله، وتبقى ذكرها إلى آخر الزمان، ويحسدها عليه كل أحد، واعلمها أنه لا يدخل الجنّة إلا من يؤمن به، ويصدّق برسالته، وأنه أشرف الأنبياء وأفضلهم، وأصفاهم سريرة، واحذر عليه من أعدائه اليهود في الشام حتى يعود إلى بيت الحرام.

ثم ودّع الراهب وخرج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ولحق بالقوم، وساروا من وقتهم وساعتهم الى أن نزلوا بأرض

الشام وحطوا رحالهم، فبادر أهل المدينة، واشتروا بضاعتهم، وباعت قريش بضائعها بأغلى الأثمان في أحسن بيع وأما ما كان من النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فإنه لم يبع شيئاً من بضاعته، فقال أبو جهل: والله ما رأت خديجة سفرة أشام من هذه، لم يبع من بضاعته شيئاً، فلما أصبح الصباح نادى العرب، فلما أقبلت من كل جانب و مكان يريدون البضائع، فلم يجدوا إلا بضائع خديجة، فباعها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بأضعاف ما باعت قريش، فاغتم أبو جهل لذلك غمّا شديداً،.....

كان الربح في هذه السفرة ربحاً كثيراً حيث قال ميسرة للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) : إن القافلة عادةً تطوي هذه الشعاب في عدة أيام ولكن بك طوت القافلة هذه الشعاب بليلة واحدة، وقد ربحنا في هذه السفرة ربحاً لم نربحه منذ أربعين سنة، يا محمد إن كل ذلك من بركة قدومك الذي كان من نصيب قافلة

خديجة(سلام الله علیها).(2)

6 - كان خويلد والد خديجة(سلام الله علیها) يرغب أن يزوج ابنته بشخص ثريّ، لذلك لم يكن يميل الى زواج خديجة(سلام الله علیها) بمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم).

وكانت خديجة(سلام الله علیها) المتيمة بجمال وكمال محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) تبحث عن الفرصة المناسبة لتليين قلب والدها نحو محمد .

عند عودة قافلة خديجة(سلام الله علیها) التجارية الى مكة، نظرت خديجة الى جمالها وقد أقبلت كالعرائس، وكانت معتادة أن يموت بعض جمالها ويجرب بعضها إلا في تلك السفرة فإنها لم تنقص منها شعرة، فوقف قريش متعجبين من تلك الجمال، كلما مرّ بهم جمل كان بإزائه ناقة هيفاء فيقولون: لمن هذا؟

ص: 35


1- البحار: ج 17 ، ص 231.
2- البحار : ج 16 ، ص 5.

فيقال هذا ما أفاده محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) الخديجة من الشام، فذهلت عقول قريش لذلك، فلما اجتمعت أموال خديجة فكوا رحالهم ، وعرضوا الجميع على خديجة وكانت جالسة خلف الحجاب، و النبي جالس وسط الدار وميسرة يعرض عليها الأمتعة شيئاً فشيئاً، فنظرت خديجة الى ذلك وقد أدهشها، فبعثت إلى أبيها تعرفه ذلك، وترغبه في محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم) ، فلم تك إلا ساعة واحدة وإذا بخویلد قد أقبل ودخل منزل ابنته خديجة، وهو متزيّن بالثياب، متقلد سيفاً، فلما نظرت إليه قامت وأجلسته إلى جنبها، وابتدأته بالترحيب، وجعلت تعرض عليه البضائع، وهي تقول: يا أبت هذا كله ببركة محمّد(صلی الله علیه و آله و سلم)، والله يا أبتاه إنه مبارك الطلعة، ميمون الغرّة فما ربحت ربحاً أغنم من هذه السفرة.

ثم التفت إلى ميسرة وقالت: حدثني كيف كان سفركم ؟ وما الذي عاينتم من محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)؟

قال: يا سيّدتي وهل أطيق أن أصف لك بعضاً من صفاته وما عاينت منه(صلی الله علیه و آله و سلم) ؟ ثم أخبرها بالمعجزات والكرامات التي رآها وما أخبره الراهب وما أوصاه الى خديجة.

فقالت : حسبك يا ميسرة، لقد زدتني شوقاً إلى محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، إذهب فأنت حر لوجه الله وزوجتك وأولادك، ولك عندي مائتا درهم وراحلتان.

وخلعت عليه خلعة سنية، وقد امتلأ سروراً وفرحاً، ثم إن خديجة التفتت إلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وتحدثت معه وجللته كثيراً، وأعطته خيراً زيادةً على ما كان بينهما، ثم جعلت تقول شعراً:

فلو أننی أمسیت فی کل نعمة *** ودامت لی الدنیا و ملک الأکاسرة

فما سویت عندی جناح بعوضة *** اذا لم یکن عینی لعینک ناظرة(1)

7 - قال ميسرة لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وعند عودتهم من الشام الى مكة بالقافلة: يا محمد، لقد جزنا عقبات بليلة كنا نجوزها بأيام كثيرة، وربحنا في هذه السفرة ما لم نربح من أربعين سنة ببركتك يا محمد، فاستقبل خديجة، وأبشرها بربحنا.

وكانت وقتئذ جالسة على منظرة لها، فرأت راكبا على يمينه ملك مصلت سيفه، وفوقه سحابة معلق عليها قنديل من زبر جدة، وحوله قبة من ياقوتة حمراء فظنت ملكا يأتي بخطبتها وقالت: اللهم إلي والى داري، فلما أتى كان محمداً وبشّرها بالارباح، فقالت: وأين ميسر ميسرة؟

قال: يقفو أثري .

قالت: فارجع إليه وكن معه، ومقصودها لتستيقن حال السحابة، فكانت السحابة تمر معه حتى

ص: 36


1- البحار : ج 16، ص 52،51.

غاب عن بصرها.(1)

8- عندما عاد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) الى خديجة(سلام الله علیها) ليبشرها بقدوم القافلة وسلامة أموالها، قالت له خديجة(سلام الله علیها) : أين خلفت الركب؟ قال: بالجحفة.

قالت ومتى عهدك بهم ؟

قال: ساعتي هذه.

فلما سمعت خديجة كلامه اقشعر جلدها، وقالت: سألتك بالله، إنك فارقتهم بالجحفة؟ قال: نعم، ولكن طوى الله لي البعيد.

قالت: والله ما كنت أحب أن تجئ هكذا وحيداً، إنما كنت أحب أن تكون أول القوم، وأنظر إليك، وأنت مقدم الرجال، وأرسل إليك جواري على رؤوس الجبال بأيديهم المباخر والمعازف، وآمر عبيدي بالذبائح والعقائر، ويكون لك يوم مشهور.

قال: يا خديجة، إني أتيت ولم يعلم بي أحد من أهل مكة، فإن أمرتيني بالرجوع رجعت من هذه الساعة وتفعلين مرادك ؟

فقالت له: يا سيدي امهل قليلا .

ثم عملت له زاداً ساخناً فوضعته في مزادة وكانت العرب تعرفه بنقائه وطيب ريحه، وملأت له قربة من ماء زمزم، وقالت له : ارجع أودعتك من طوى لك البعيد من الارض.

فرجع النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وسار قليلا والتحق بالقوم ، وبعضهم يقظان وبعضهم رقود، فلما أحس به ميسرة قال: من الطارق في هذا الليل العاكر؟

قال: أنا محمد بن عبدالله.

قال: يا سيدي ما عهدتك أن تهزء وعهدي بك أنك سائر، فما الذي أرجعك يا سيدي؟

فقال له: يا ميسرة إني سافرت ثم عدت.

فضحك ميسرة وقال : سافرت الى ذيل هذا الجبل ثم عدت ؟

قال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) : بلا قصدت البيت الحرام .

فقال له: ميسرة ما عهدت منك يا سيدي إلا الصدق.

فقال: يا ميسرة ما قلت لك إلا الصدق فإن كان عندك شك فهذا خبز مولاتك خديجة، وهذا ماء زمزم .

فلما نظر ميسرة إلى ذلك نهض قائماً على قدميه، ونادى القوم وأخبرهم بالذي جرى، فتعجب القوم و دهشت عقولهم وصاح أبو جهل وقال : لا يبعد هذا على الساحر .(2)

ص: 37


1- اقتباسا عن البحار: ج16، ص 5 (بتلخيص).
2- اقتباسا عن البحار: ج 16 ، ص 49-51 .

دخول القافلة الى مكة

وصلت القافلة الى مكة، فذهب ميسرة الى خديجة(سلام الله علیها) وحدثها بما جرى في السفرة من عجائب وكرامات.

وكان قد تولّع قلب خديجة(سلام الله علیها) بمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) لما شاهدت من قبل من أحلام ولما سمعت من الأحبار والرهبان وورقة بن نوفل وغيرهم ومن أحداث السفر الى الشام، وكانت قد أدركت مقام محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) العظيم وكانت مشتاقة له بكل وجودها وترغب بالزواج منه .

أعطت خديجة(سلام الله علیها) الأجرة الملحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) والتي كانت مقررة بينها وبينه وأعتقت رقاب ميسرة ووالده ووالدته وجميع أفراد عائلته كجائزة ثمينة على إخبارها بالبشارة.(1)

في ورقة اخرى من الاحاديث نقرأ: كانت تنتظر خديجة(سلام الله علیها) الوصول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) إليها بشدة، لا اله وهي تارةً تقوم وتنظر الى الطريق وتارةً تقعد، حتى أخبرتها جاريتها بقدوم محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ، فانحدرت خديجة(سلام الله علیها) الى وسط الدار، وفتحت الجارية الباب وقال محمد الله بصوت عال: السلام عليكم يا أهل البيت.

فقالت خديجة(سلام الله علیها) : هنيئاً لك السلامة يا قرّة عيني .

قال: وأنت يهنئك سلامة أموالك .

قالت خديجة(سلام الله علیها) : تهنئني سلامتك أنت يا قرة العين فو الله أنت عندي خير من جميع الأموال

والأهل، ثم قالت شعراً:

جا ء الحبیب الذی أهواه من سفر *** والشمس قد أثّرت فی وجهه أثرا

عجبت للشمس من تقبیل و جنتیه *** والشمس لا ينبغي أن تدرك القمر(2)

نعم، إنها خديجة السيدة العارفة والنجمة الساطعة المنيرة التي عشقت وتولّعت في شمس الحقيقة، بالرغم من أنها خُطبت من قبل أشخاص أثرياء ومشهورين، لكنها فكرت في جميع الجوانب فقبلت يتيم أبي طالب، لأن عقلها لم يكن في عينها وإنما كانت لها رؤية وبصيرة بالحق، ففدت الماديّة بالمعنوية.

استشارة خديجة(سلام الله علیها) لها عمها ورقة، وحديث

كانت خديجة(سلام الله علیها) قد تولعت بجمال و كمال محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)وكانت على كل حال سعيدة ومسرورة وتفتخر أنه سيأتي اليوم الذي يضع محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)تاج الزواج على رأسها ولكن في نفس الوقت صمّمت على أن تحترم كبير عائلتها ورقة بن نوفل وتستشيره.

ص: 38


1- اقتباسا عن البحار : ج 16، ص 5 (بتلخيص)، تزوج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)من بعد خمسة عشرة يوما أو شهرين من تلك السفرة التجارية الى الشام وكان ذلك خمسة عشرة سنة قبل البعثة .
2- البحار : ج 16 ، ص 49 .

جاءت عند ورقة وأخبرته بكل ما جرى في سفر محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) الى الشام من معجزات وكرامات حصلت، ثم بينت له موضوع خطبته وعلاقتها به وطلبت منه أن يبدي رأيه في هذا الموضوع.

وقالت: يا عم وصف لي علي بن امام محمد(صلی الله علیه و آله و سلم).

فشرح لها ورقة الاوصاف العالية والسامية لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ، فأرادت خديجة(سلام الله علیها) أن تهب الورقة خلعة وهدية.

فقال ورقة : يا خديجة لست أريد شيئاً من حطام الدنيا، وإنما أريد أن تشفعي لي عند محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) يوم القيامة واعلمي يا خديجة أن بين أيدينا حساب وكتاب وعقاب وعذاب، ولا ينجو إلا من تبع محمداً، و صدق برسالته، فيا ويل من زحزح عن الجنة وأدخل النار.(1)

وعموماً فقد كان ورقة يريد أن تستفيد خديجة(سلام الله علیها) من علمه، وأيضا كانت خديجة(سلام الله علیها) التحترمه من بين أقاربه وتأخذ بكلامه ونصائحه.

وهنا نعرض بعض النماذج لوصايا ورقة التي وصى بها خديجة(سلام الله علیها) :

قال ورقة لخديجة(سلام الله علیها) : «إياك وصحبة الأحمق الكذاب، فإنه يريد نفعك فيضرك ويقرب منك البعيد، ويبعد منك القريب، إن ائتمنته خانك، وإن ائتمنك أهانك وإن حدثك كذبك، وإن حدثته كذبك، وأنت منه بمنزلة السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً .(2)

وأيضا كان كلما يدخل ورقة بن نوفل على خديجة(سلام الله علیها)يقول لها : يا بنت أخي لا تماري جاهلاً ولا عالماً فإنك متى ماريت جاهلاً أذلك، ومتى ماريت عالماً منعك علمه، وإنما يسعد بالعلماء من أطاعهم.(3)

حديث قصير

لقد شوّق ورقة بن نوفل خديجة(سلام الله علیها) وشجعها على أن توافق بهذا الزواج المقدس، وقد تطرق ورقة في حديثه عن محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ( وكأنه يختبر خديجة(سلام الله علیها)) فقالت خديجة(سلام الله علیها) : يا عم إذا كان ماله قليلاً فمالي كثير وإني يا عم محبة له على كل حال؟

قال ورقة: اذن والله تسعدين وترشدين وتحظين بنبي كريم.(4)

زادت إرشادات وتشويق ورقة بن نوفل عشق ومحبة خديجة(سلام الله علیها) الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، فصممت خديجة(سلام الله علیها) ذات السيرة الطّاهرة والرّوح العارفة والبصيرة النافذة والعميقة والقلب التقي على أن تتزوج من محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وتصل الى هذا الافتخار العظيم والكبير.

ص: 39


1- اقتباسا عن البحار : ج 16 ، ص 90 - 91 .
2- البحار : ج 71 ، ص 193 .
3- البحار : ج 2، ص 130 - 131.
4- البحار: ج 16 ، ص 61 ، وأيضا جاء نظير هذا المطلب في البحار: ج 35 ، ص 93 .

لقاء خديجة(سلام الله علیها) بمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) فى عالم الرؤيا والمنام

قال ورقة بن نوفل الخديجة(سلام الله علیها) (لما بعثت اليه تستشيره في مسألة الزواج): عندي كتاب من عهد عيسى(علیه السّلام) فيه طلاسم وعزائم، أعزم بها على ماء وتأخذينه وتغسلين به، ثم أكتب كتاباً فيه كلمات من الزبور، وكلمات من الانجيل، فتضعيه تحت رأسك عند النوم وأنت على فراشك ملتفة بثيابك، فإن الذي يكون زوجك يأتيك في منامك حتى تعرفيه باسمه وكنيته.

فقالت: افعل يا عم.

قال: حبّاً وكرامة.

وكتب الكتاب وأعطاها إياه، وفعلت ما أمرها به و نامت فرأت كأن قد جاء إليها رجل لا بالطويل الشاهق، ولا بالقصير اللاذق، أدعج العينين ، أزج الحاجبين، أحور المقلتين، عقيقي الشفتين مورد الخدين، أزهر اللون، مليح الكون ، معتدل القامة، تظله العامة، بين كتفيه علامة راكب على فرس من نور، مزمم بسلسلة من ذهب، على ظهره سرج من العقيان مرصع بالدر والجوهر، له وجه كوجه الآدميين منشق الذنب، له أرجل كالبقر، خطوته مد البصر ، وهو يرقل بالراكب، وكان خروجه من دار أبي طالب، فلما رأته خديجة ضمته الى صدرها، وأجلسته في حجرها، ولم تنم باقي ليلتها الى أن أقبلت الى عمها ورقة، وقالت: أنعمت صباحاً يا عم.

قال: وأنت لقيت نجاحاً، فلعلك رأيت شيئاً في منامك.

قالت: رأيت رجلاً صفته كذا وكذا.

فعندها قال ورقة : يا خديجة إن صدقت رؤياك تسعدين وترشدين، فإن الذي رأيتيه متوج بتاج الكرامة، الشفيع في العصاة يوم القيامة، سيد العرب والعجم ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم .

قالت: وكيف لي بما تقول يا عم وأنا كما يقول الشاعر:

أسیر الیکم قاصداً لأزورکم *** وقد قصرت بی عند ذاک رواحلی

وملک الامانی خدعة غیرآننی *** اعلل حد الحادثات بباطل

احمل برق الشرق شوقاً الیکم *** وأسأل ریح الغرب رد رسائلی

ص: 40

ص: 41

قال: فزاد بها الوجد، وكانت إذا خلت بنفسها فاضت عبرتها أسفا، وجرت دمعتها لهفاً، وهی تقول:

کم أستر الوجد والأجفان تهتكه *** واطلق الشوق والاغضاء تمسكه

جفانی القلب لما أن تملکه *** غیری فوا أسفالو کنت أملکه

ماضر من لم يدع مني سوى رمقي *** لوكان يمسح بالباقي فيتركه(1)

بني هاشم في دار خديجة(سلام الله علیها)

وبينما كانت خديجة(سلام الله علیها) تقرأ الأشعار وإذا بالباب يُطرق ، فقالت لجاريتها : انزلي وانظري من

بالباب لعل هذا خبر من الأحباب.

ثم نزلت الجارية وإذا أولاد عبد المطلب بالباب، فرجعت الى خديجة(سلام الله علیها) وقالت: يا سيدتي إن بالباب سادات العرب، ذوي المعالي والرتب، أولاد عبد المطلب.

فرمقت خديجة رمق الهوى، ونزل بها دهش الجوى، وقالت: افتحي لهم الباب، وأخبري ميسرة يعتد لهم المساند والوسائد، فإني أرجو أن يكونوا قد أتوني بحبيبي محمد صلى الله عليه و آله.

فبسط لهم ميسرة المجلس بأنواع الفرش فما استقر بالقوم الجلوس إلا وقد قدم لهم أصناف الطعام والفواكه من الطائف والشام، فأكلوا وأخذوا في الحديث.

فقالت لهم خديجة(سلام الله علیها) من وراء الحجاب بصوت عذب، وكلام رطب: يا سادات مكة أضاءت بكم من يا الديار، وأشرقت بكم الأنوار ، فلعل لكم حاجة فتقضى، أو ملمة فتمضى، فإن حوائجكم مقضيّة، وقناديلكم مضيئة.

فقال أبو طالب رضي الله عنه : جئناك في حاجة يعود نفعها إليك، وبركتها عليك. قالت: يا سيدي وما ذلك؟

قال: جئناك في أمر ابن أخي محمد.

فلما سمعت ذلك غاب رشدها عن الوجود، وأيقنت بحصول المقصود، وقالت شعراً:

بذكر كم يطفئ الفؤاد من الوقد *** و رویتکم فیها شف أعین الرمد

ص: 42


1- البحار : ج 16 ، ص 23 - 24 .

ومن قال: إني أشتفي من هواكم *** فقد کذبوا الموت فیه من الوجد

وما لی لا أملأ سروراً بقربکم *** وقد كنت مشتاقاً الیکم علی البعد

تشابه سري في هواكم وخاطري *** فأبدي الذي أخفي وأخفي الذي أبدي

ثم قالت بعد ذلك : يا سيدي أين محمد حتى نسمع ما يقول؟

قال العباس رضي الله عنه: أنا آتيكم به.

فنهض ويأتي به الى خديجة(سلام الله علیها) .(1)

حديث أبي طالب مع الرسول محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)

في صفحة أخرى من الأحاديث نقرأ: بعد رجوع محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) من السفرة التجارية للشام والتي صاحبتها الكرامات والمعجزات، جاء محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) الى دار خديجة(سلام الله علیها) ، وقد سعدت خديجة(سلام الله علیها) جداً بلقائه، وبعد حديث طويل قالت خديجة(سلام الله علیها) لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) : يا سيدي لك عندي حق البشارة زيادة على ما كان بيننا.

ثم خرج ودخل منزله عمه أبي طالب، وكان أبو طالب فرحا بما عاين من ابن أخيه فقبل ما بين عينيه وجاءت أعمامه حوله، وقال أبو طالب: يا ولدي ما الذي أعطتك خديجة؟

قال: وعدتني الزيادة على ما بيننا.

قال: هذه نعمة جليلة، وقد عزمت أن أترك لك بعيرين تسافر عليهما، وراحلتين تصلح بهما شأنك، وأما الذهب والفضة أخطب لك بهما فتاة من نسوان قريش من قومك ثم لا أبالي بالموت حيث أتى وكيف نزل.

فقال : يا عماه افعل ما بدا لك.

حديث خديجة(سلام الله علیها) الخاص مع الرسول محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)

لما كان وقت الغداة اغتسال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)من وعك السفر وتطيب وسرح رأسه، ولبس أفخر أثوابه وسار الى منزل خديجة، فلم يجد عندها سوى ميسرة، فلما رأته فرحت بقدومه، وجعلت تقول:

دنا فرمی من قوس حاجبه سهما *** فصادفنی حتی قتلت به ظلما

ص: 43


1- البحار : ج 16 ، ص 24 - 25 .

وأسفر عن وجهه وأسبل شعره *** فبات يباهي البدر في ليلة ظلماء

ولم أدر حتی زار من غیر موعد *** علی رغم واش ما أحاط به علما

و علمنی من طیب حسن حدیثه *** نادمة يستنطق الصخرة الصماء

التفتت إليه وقالت: يا سيدي نعمت الصباح ، ودامت لك الافراح، هل من حاجة فتقضى؟

فاستحى وطأطأ رأسه وعرق جبينه، فأقبلت عليه تلاطفه في الكلام، ثم قالت: يا سيدي إذا سألتك عن شيء تخبرني ؟

قال: نعم.

قالت خديجة: إذا أخذت الجمال والمال من عندي ما تريد أن تصنع به؟

قال لها: وما تريدين بذلك يا خديجة ؟

قالت: أزيدك وما أقدر عليه.

قال: اعلمي أن عمي أبا طالب قد أشار على أن يترك لي بعيرين أسافر بهما، وبعيرين أصلح بهما شأني، والذهب والفضة يخطب لي بهما امرأة من قومي تقنع مني بالقليل ولا تكلفني ما لا أطيق. فتبسمت خديجة، وقالت: يا سيدي أما ترضى أني أخطب لك امرأة تحسن بقلبي؟

قال: نعم.

قالت: قد وجدت لك زوجة، وهي من أهل مكة من قومك، وهي أكثر هن مالا وأحسنهن جمالا وأعظمهن كمالا ، وأعفهن فرجا، وأبسطهن يدا ، طاهرة مصونة، تساعدك على الأمور، وتقنع منك بالميسور ولا ترضى من غيرك بالكثير، وهي قريبة منك في النسب، يحسدك عليها جميع الملوك والعرب ،غير أني أصف لك عيبها، كما وصفت لك خيرها .

قال: وما ذلك؟

قالت: عرفت قبلك رجلين وهى أكبر منك سنا(1).

قال(صلی الله علیه و آله و سلم) : سميها لي.

قالت: هي مملوكتك خديجة.

فأطرق منها خجلا حتى عرق جبينه، وأمسك عن الكلام، فأعادت عليه القول مرة أخرى، وقالت: يا سيدي ما لك لا تجيب؟ وأنت والله لي حبيب، وإني لا أخالف لك أمراً وأنشأت تقول:

ص: 44


1- هذا القول مبني على القول بأن خديجة لم تكن عذراء في هذا الوقت.

یا سعد ان جزت بوادی الاراک *** بلغ قلیبا ضاع منی هناك

واستفت غزلان الفلا سائلا *** هل لأسر الحب منهم فکاك؟

وان تری رکبا بوادی الحمی *** سائلهم عنی و من لی بذاك؟

نعم سروا واستصحبوا ناظری *** والآن عینی تشتهی أن تراك

ما فی من عضو ولا مفصل *** یا سیدی ماذا جزاء بذاك؟

فاحکم بما شئت وما ترتضی *** والقلب ما یرضیه الا رضاك

ثم ألحت عليه بالكلام فقال لها : يا ابنة العم أنت امرأة ذات مال، و أنا فقير لا أملك إلا ما تجودين به عليّ، وليس مثلك من يرغب في مثلي، وأنا أطلب امرأة يكون حالها كحالي، ومالها كمالي، وأنت ملكة لا يصلح لك إلا الملوك.

فلما سمعت كلامه قالت: والله يا محمد إن كان مالك قليلاً فمالي كثير ، ومن يسمح لك بنفسه كيف لا يسمح لك بماله ؟ وأنا ومالي وجواري وجميع ما أملك بين يديك وفي حكمك، لا أمنعك منه شيئاً، وحق الكعبة والصفا ما كان ظنّي أن تبعدني عنك.

ثم ذرفت عبرتها وقالت شعراً:

والله ما هبّ نسیم الشمال *** الا تذکرت لیالی الوصال

ولا أضا من نحوکم بارق *** الا توهمت لطیف الخیال

أحبابنا! ما خطرت خطرة *** منکم غداة الوصل منی ببال

ص: 45

جور اللیالی خصنی بالجفا *** منکم و من یأمن جور الیل؟

رقوا وجودوا واعطفوا وارحموا *** لا بد لی منکم علی کل حال

ثم قالت خديجة(سلام الله علیها) : ورب احتجب عن الأبصار، وعلم حقيقة الأسرار إني محقة لك في هذا الأمر، قم الى عمومتك وقل لهم : يخطبوني لك من أبي، ولا تخف من كثرة المهر، فهو عندي وانا أقوم لك بالهدايا والمصانعات، فسر وأحسن الظن فيمن أحسن بك الظن.

فخرج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) من عندها ، ودخل على أبي طالب والسرور في وجهه، وبين له ما جرى بينه وبين خديجة(سلام الله علیها) ، فقال أبو طالب: انهض أنت وأعمامك هذه الساعة الى دار خديجة لخطبتها .(1)

سعي صفية ونفيسة لإتمام الزواج

بعد بروز الأحداث التي جرت وتم ذكرها، كانت خديجة مستعدة تماماً لتحقيق الزواج بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وتنتظره، بالرغم من خطبة الأثرياء العرب الكبار لها فإنها رفضتهم كلياً، فقلبها ينبض للزواج بمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) الذي لا يملك شيئاً من مال الدنيا، وتعد اللحظات للوصول له.

طلبت خديجة(سلام الله علیها) لا إحدى صديقاتها وتسمى «نفيسة» وهي من نساء قريش وامرأة نبيهة، وحدثتها بما يجري في قلبها بصورة خاصة، وقالت لها بأن تذهب الى محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) و تطرح عليه موضوع الزواج.

فأتت نفسية محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وقالت : يا محمد ما بك لا تتزوج؟

فقال: محمد(صلی الله علیه و آله و سلم): إنني فقير ولا أملك شيئاً لأتزوج.

قالت نفيسة: أنا أقدر أن أحل لك هذه المشكلة، وأعرفك على سيدة جميلة وثرية وذات كمال من أسرة أصيلة وشريفة.

فقال محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) : من أين لك مثل هذه السيدة؟

قالت نفيسة : إنها السيدة الشريفة خديجة(سلام الله علیها) .

فسكت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ففهمت نفيسة من صمته أنه موافق، فأتت نفيسة خديجة(سلام الله علیها)وأبلغتها بأنها سعت لموضوع الزواج وأن محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) و قد وافق على ذلك.

خرج هذا الموضوع من الخصوصية وعلم أعمام الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وعم خديجة(سلام الله علیها) ويسمى «عمرو بن أسد» وباقي الأقارب بذلك .(2)

كان أعمام الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) في حيرة من أمر خديجة(سلام الله علیها) ، فهل هي مستعدة للزواج برجل فقير مثل

ص: 46


1- اقتباسا عن البحار : ج 16 ، ص 53-56 .
2- حياة محمد ، تأليف آية الله سید هاشم الرسولي: ص 97 .

محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)أم لا؟

فقال لهم النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بكل صراحة : يا معاشر الأعمام قوموا واخطبوالي خديجة من أبيها، فما عندكم من العلم مثل ما عندي منها .

فصدقوه ونهضت صفية بنت عبد المطلب ولبست أفخر الثياب وسارت نحو منزل خديجة(سلام الله علیها) ، فلقيتها بعض جواريها في الطريق فسبقتها الى الدار ، وأعلمت خديجة بقدوم صفية بنت عبدالمطلب، وكانت قد عزمت على النوم فأخلت لها المكان، وقد عثرت خديجة بذيلها، فقالت: لا أفلح من عاداك یا محمد .

فسمعت صفية كلام خديجة(سلام الله علیها) فقالت في نفسها: أجاد الدليل، ثم طرقت الباب، ففتح وجاءت الى خديجة فلقيتها بالرحب والتحية ، وأرادت أن تأتي لها بطعام، فقالت: يا خديجة، ما جئت لأكل الطعام، بل يا ابنة العم جئت أسألك عن كلام أهو صحيح أم لا؟

فقالت خديجة : بل هو صحيح، إن شئت تخفيه، أو شئت تبديه، وأنا قد خطبت محمداً لنفسي، تحمّلت عنه مهري، فلا تكذبوه إن كان قد ذكركم بشئ،وإني قد علمت أنه مؤيد من ربّ السماء.

فتبسمت صفيّة، وقالت: والله إنّك لمعذورة فيمن أحببت، والله ما شاهدت عيني مثل نور جبينه، ولا أعذب من كلام ابن أخي، ولا أحلى من لفظه، ثم أنشأت تقول:

الله اكبر كل الحسن فی العرب *** کم تحت هذا البدر من عجب

تبت ید الائمی فی وحاسده *** وليس لي في واه قط من أرب

ثم عزمت صفية رضي الله عنها على الخروج من بيتها، فقالت لها خديجة(سلام الله علیها): امهلي قليلاً، ثم أخرجت خلعة سنية وخلعتها على صفية، وضمتها الى صدرها، وقالت يا صفية بالله عليك إلا ما أعنتيني على وصال محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) .

قالت: نعم.

ثم خرجت طالبة لاخوتها ، فقالوا لها ما وراءك يا صفية، يا ابنة الطيبين؟

قالت: يا إخواتي قوموا إن كنتم قائمين، فو الله إن لها في ابن أخيكم محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) رغبة ليس تدرك. ففرحوا بذلك كلهم غير أبي لهب، فإن كلامها زاده غيظاً وحسداً لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) .

ص: 47

ونهضوا جميعاً الى دار خويلد لخطبة السيدة خديجة(سلام الله علیها) و في مقدمتهم كان أبي طالب (والد العلي(علیه السّلام)) فجاء وا عند خويلد والد خديجة(سلام الله علیها) أولا ، لكنهم سمعوا منه كلاماً غير لائق(1)فذهبوا الى ابن عم : خديجة(سلام الله علیها) ورقة بن نوفل بارشاد منها ، فاستقبلهم بكل سعة صدر ورحابة وبكل احترام ورحّب بهم، الليال وبعد الحديث الذي دار بين خديجة(سلام الله علیها) الورقة تم الاستعداد لمقدمات عقد النكاح.(2)

ص: 48


1- كما قلنا سابقاً أن خويلد كان مخالفاً للزواج بسبب فقر محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)ولكن بعدما شرحت وبينت له خديجة عن محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)قبل خويلد ووافق على الزواج، وبناءاً على بعض الروايات قام خويلد بنفسه على عقد زواج خديجة(سلام الله علیها)بمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم). مناقب(آل ابیطالب، ج 1، ص 42).
2- اقتباساً عن البحار : ج 16 ، ص 57-58 .

لسان حال السيدة خديجة(سلام الله علیها)

أنشدت خديجة(سلام الله علیها) من أعماقها أشعاراً في عشقها لوصال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) كالشعر التالي:

ألذ حیاتی وصلکم ولقااکم *** ولست ألذ العيش حتى أراكم

وما استحسنت عيني من الناس غيركم *** ولا لذ في قلبي حبیب سواکم

على الرأس والعينين جملة سعيكم *** ومن ذا الذي في فعلكم قد عصاكم

فها أنا محسوب عليكم بأجمعی *** وروحی ومالی یا حبیبی فداکم

وما غيركم في الحب يسكن مهجتي *** وإن شئتم تفتیش قلبي فهاكم

إن إبراز أحاسيس خديجة(سلام الله علیها) لم يكن من العشق المجازي والذي ينشأ من الأهواء النفسية، بل كان عشق عرفاني ومعنوي على مستوى عالي والذي استقر في قلب خديجة(سلام الله علیها) ، كان الجو جواً ملكوتياً وليس جواً ناسوتياً حيث لا يجد فيه العشق الحيواني مجالاً أو طريقاً، لذلك سمع أهل القلب منادياً ينادي من السماء: إن الله زوج الطاهرة بالطاهر الصادق.

ثم رفع الحجاب، وخرجت منه جواري بأيديهن نثار ينثرن على الناس، ويعطّرنهم بالطيب، وقالوا الجميع: هذا من طيب.(1)

ص: 49


1- رياحين الشريعة ، ج 2، ص 246 .

وساطة عمار وهالة لإتمام الزواج

جاء طبقاً لبعض الروايات أن من جملة الأشخاص الذين توسطوا في زواج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بخديجة(سلام الله علیها) هم هالة أخت خديجة(سلام الله علیها) و عمار بن ياسر الصحابي المعروف لرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وهذه الرواية تدل على أن خديجة(سلام الله علیها) كانت تسعى سعياً بالغاً لتحقيق هذا الزواج المقدّس، والرواية هي:

روي عن عمار بن ياسر أنه قال: أنا اعلم الناس بتزويج رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) خديجة بنت خويلد ، كنت صديقاً له، فإنا لنمشي يوما بين الصفا والمروة إذا بخديجة بنت خويلد وأختها هالة، فلما رأت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) جاءتني هالة أختها فقالت: يا عمار ! ما لصاحبك حاجة في خديجة؟

قلت: والله ما أدري .

فرجعت فذكرت ذلك له، فقال: ارجع فواضعها وعدها يوما نأتينها فيه، ففعلت.

فلما كان ذلك اليوم أرسلت الى عمرو بن أسد وسقته ذلك اليوم ودهنت لحيته بدهن أصفر، وطرحت عليه حبراً. ثم جاء رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) في نفر من أعمامه تقدمهم أبو طالب، وبعد التحدث تمت الموافقة وقرأ أبو طالب خطبة العقد وتم الزواج.(1)

قصة خويلد والد خديجة(سلام الله علیها)

لماذا لم يأت الحديث عن خويلد والد خديجة(سلام الله علیها) في خطبتها ومجلس عقدها و... بالرغم من وجوده؟

وأغلب الأحاديث جاءت عن ابن عم خديجة(سلام الله علیها) «ورقة بن نوفل»؟

جاءت مطالب في الاجابة على هذا السؤال حيث بالتوجه اليها سيتضح لنا سر عدم وجود خويلد في هذه القضية:

1 - ان خويلد قتل في إحدى حروب الفجار قبل سنوات(2)، لذلك كان العالم ورقة بن نوفل والذي اختارته خديجة(سلام الله علیها) هو الذي يقوم بهذه الاعمال.

2 - ان خويلد كان حيّاً ولكن لأن ابن أخيه ورقة كان عالماً ذكياً ومن أهل العلم وتقبله الخديجة(سلام الله علیها) وكله في مسألة زواج خديجة(سلام الله علیها) المهمة وإجراء العقد.(3)

3- أن خويلد كان علاوةً على الشجاعة رجلٌ خشن وعجول، ومن الواضح أنه إذا اجتمعت صفتي الشجاعة والخشونة في شخص فإن أعماله لن تصل الى نتيجة معقولة.

4 - ان معرفة وعلوم خويلد لم تكن الى الدرجة التي يرجّح المسألة المعنوية على المسألة المادية لذلك كان يرى أن زواج محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) الفقير بخديجة(سلام الله علیها) الثرية غير مناسب وفيه ذلّ لخديجة(سلام الله علیها) ، لذلك لم يوافق على مهر قليل لمثل ذلك الزواج، ولكن كما قلنا، وافق على الزواج وأقدم عليه من بعد شرح وبيان

ص: 50


1- تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 20 - يرجّح العالم المحقق هاشم المعروف في كتاب«سيرة الائمة الاثنى عشر» المصطفى هذه الرواية عن سائر الروايات.
2- البحار: ج 16 ، ص 12 .
3- بالتوجه الى أن رضا الوالد لم يكن شرط في الزواج لأن خديجة(سلام الله علیها)كانت متزوجة من قبل، بل كان رضاه مطلوب من الناحية الأخلاقية.

خديجة(سلام الله علیها)عن الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم).

5 - كان لأشخاص حاسدة مثل أبو جهل وأمثاله نفوذ على خويلد حيث كانوا يحرّضونه على عدم الموافقة على ذلك الزواج ، وكان يقع تحت تأثير محبي الدنيا لأنه كان يرى الظاهر ولا يرى المسائل المعنوية العالية والسامية.

ولإكمال هذه الإجابة والتوجه الى جميع زوايا المسألة نلفت نظركم الى الحكاية التالية:

عندما حضر أعمام النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وبينهم أبو طالب الى دار خديجة(سلام الله علیها) للتحدث في مسألة عقد زواجها، أظهر خويلد عدم رضاه، حتى قال : لو دفعتم ذهب ملء جبل قبيس فلن أوافق على هذا الزواج...

فلما سمع أعمام النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) كلامه والحاضرون قال حمزة لأخيه أبي طالب مع إخوته: ما بقي للجلوس موضع، قوموا بنا.

فبينا هم في ذلك إذ أقبلت جارية لخديجة(سلام الله علیها) ، وأشارت الى أبي طالب فقام معها، ووقف أبو طالب خلف الحجاب، فسلمت عليه خديجة(سلام الله علیها) ، وقالت: نعمت صباحاً ومساءاً، يا سيّد الحرم، لا تغتر بشقشقة أبي، فإنه ينصلح بشيء قليل، ثم أعطته كيسا فيه ألفا دينار، وقالت: يا سيدي خذ هذا وسر به إليه كأنك تعاتبه وصبه في حجره، فإنه يرضى.

فسار أبو طالب الى المجلس والناس حاضرون وفتح أبو طالب الكيس وصبه في حجر خويلد، وقال له: هذه عطية من ابن أخي ،لك، غير مهر ابنتك.

فلما رأى خويلد المال انطفت ناره وأقبل ووقف في الموقف الاول على رؤوس الجمع ونادى بأعلى صوته: يا معاشر العرب، وذوي المعالي والرتب ، فوالله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء بأفضل من محمد ، ولقد رضيته لابنتي بعلا وكفوا، فكونوا على ذلك من الشاهدين.(1)

في صفحة اخرى من الأحاديث نقرأ:

بعثت خديجة من يومها أربعة آلاف دينار إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وقالت : يا سيدي انفذها إلى عمك العباس ينفذها إلى أبي.

وأرسلت مع المال خلعة سنية، فسار بها العباس وأبو طالب إلى منزل خويلد وألبساه الخلعة، فقام خويلد من وقته وساعته إلى دار خديجة، وقال: يا بنتي ما الانتظار بالدخول ؟ جهزي نفسك، فهذا مهرك قد أتوا به إلي، وأعطوني هذه الخلعة، والله ما تزوج أحد بزوج مثلك، لا في الحسن ولا في الجمال.

فسمع أبو جهل ذلك والذي كانت خديجة قد رفضته عند خطبته لها فقام والحسد يملأ قلبه في

ص: 51


1- البحار : ج 16 ، ص 68-69 .

الناس وقال : هذا المال من عند خديجة.

فبلغ الخبر أبا طالب فخرج من وقته وساعته متقلدا سيفه، ووقف في الابطح والعرب مجتمعون وقال: يا معاشر العرب سمعنا قول قائل وعيب عائب ، فإن كانت النساء قد أقمن بواجب حقنا فليس ذلك بعيب، وحق لمحمد أن يعطى ويهدى إليه، فهذا جرى منها على رغم أنف من تكلم.(1)

وبهذا الترتيب ، أخرس أبو طالب العدو وأبطل خططه.

مراسم وخطبة زواج السيدة خديجة(سلام الله علیها)

عقد مجلس زواج محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) في دار خديجة(سلام الله علیها) بعد خمسة عشرة يوما أو شهرين من سفر محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)التجاري للشام ، وكان أعمام النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وعدد من أقارب خديجة(سلام الله علیها) مثل ابن عمها ورقة بن نوفل وعدد من كبار قريش مكة حاضرين في هذا المجلس.(2)

نقل المحدّث الخبير محمد بن يعقوب الكليني (توفى في 328 أو 329 ه_.ق) في كتاب فروع الكافي عن الامام الصادق(علیه السّلام) : لما أراد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أن يتزوّج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة(سلام الله علیها) فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال:

«الحمد لربّ هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرّية اسماعيل، وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخي هذا ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجّح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه، ولا عِدل له في الخلق، وإن كان مقلاً في المال فإنّ المال رفد جائز، وظل زائل، وله في خديجة رغبةٌ، ولها فيه رغبةً، وقد جئناك لنخطبها اليك برضاها وأمرها، والمهر عليّ في مالي الذي سألتموه عاجله وآجلةً، وله وربّ هذا البيت حقٌّ عظيم ودين شائع ورأي كامل».(3)

ثم سكت أبو طالب وتكلّم عمها وتلجلج(4)وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر(5)وكان رجلاً من القسيسين فقالت خديجة(سلام الله علیها) مبتدئة : يا عماه إنك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود فلست أولى بي من نفسي، قد زوّجتك يا محمد(6)نفسي والمهر عليّ في مالي فأمر عمّك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل على أهلك.

قال أبو طالب: اشهدوا عليها بقبولها محمداً وضمانها المهر في مالها.

فقال بعض قريش: يا عجباه، المهر على النساء للرجال.

فغضب أبو طالب غضباً شديداً وقام على قدميه وكان ممن يهابه الرّجال ويكره غضبه، فقال: إذا

ص: 52


1- البحار: ج 16 ، ص 70-71 .
2- كما قلنا من أن خويلد والد خديجة(سلام الله علیها)كان قد قتل في حرب الفجار.
3- جاءت هذه الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 16 ، ص 70 ، وفي كتاب مكارم الاخلاق باختلاف بسيط (البحار : ج 103 ، ص 263)·
4- تلجلج أي التردد في الكلام.
5- البهر أي النفس من الاعياء.
6- هذا الخطاب يدل على أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان حاضراً في هذا المجلس.

كان مثل ابن أخي هذا طلبت الرّجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر

الغالي .

ونحر أبو طالب ناقة ودخل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) بأهله وقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم:

هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جرت *** لك الطّير في ما كان منك بأسعد

تزوجته خیر البریهّ کلها *** من ذا الذي في النّاس مثل محن

وبشّر به البّران عیسی بن مریم *** وموسی بن عمران فيا قرب موعد

أقرّت به الكتاب قدماً بأنّه *** رسول من البطحاء هاد ومهتد(1)

وجاء طبقاً لبعض الروايات أن ورقة بن نوفل قد قرأ خطبةً وقبل على وكالة خديجة(سلام الله علیها) له لعقد الزواج وشهد على ذلك صناديد قريش، فأمرت خديجة(سلام الله علیها) الجواريها أن يرقصن ويضربن بالدفوف، ونحر أبو طالب بكرة من بكراته، وأطعمها الناس، وكانوا يباركونه ويذهبون .(2)

وبناءاً على بعض الروايات أن أبي طالب عيّن مهر خديجة(سلام الله علیها)بعشرين ناقة وجاء في رواية أخرى أن مهرها كان خمسمائة درهم أو دينار.

بعد إتمام عقد النكاح قام محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ليذهب مع أبي طالب، فقالت خديجة(سلام الله علیها) : « الى بيتك، فبيتي بيتك، وأنا جاريتك» .(3)

حقاً إن حديث خديجة(سلام الله علیها) يبين نهاية تواضعها واخلاصها وايثارها لزوجها لدرجة أنها عدّت نفسها جاريته.

وبهذا الترتيب، تزوج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بخديجة(سلام الله علیها) قبل البعثة بخمسة عشرة سنة، واستمرت حياتهما بكل عزّة ومحبّة، وتم بناء أسرة جميلة ومحبة ونستطيع أن نقول أنه لم يكن هناك زوجين أسعد منهما في ذلك الزمن، الذين تزوجا على أساس الأصالة والقيم العالية والسامية.

حفلة الزواج العظيمة ووليمتها

أعطت خديجة(سلام الله علیها) لعمها ورقة أموال كثيرة وقالت: خذ هذه الاموال وسر بها إلى محمد صلى الله عليه واله وقل له: إن هذه جميعها هدية له ، وهي ملكه يتصرف فيها كيف شاء، وقل له: إن مالي

ص: 53


1- فروع الكافي: ج 5 ، ص 374 - 375 ، وقد جاء ذكر الخطبة المذكورة باختلاف بسيط في مناقب آل أبيطالب، ج 1 ، ص 42 ، وفي البحار ج 16 ، ص 19. 1، يقول المحدّث السروي في كتاب المناقب: قبل «عمرو بن أسد الله خديجة بالزواج وأعلنه، ثم يقول : عم قال خویلد والد خديجة والذي كان حاضراً في المجلس : زوّجناها ورضينا». (مناقب آل أبيطالب: ج1، ص 41 - 42-)
2- البحار : ج 16 ، ص 19 .
3- البحار: ج 1 ، ص 4 ، ومن المعروف أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان عمره آنذاك 25 سنة وكان عمر خديجة(سلام الله علیها)40 سنة.

وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي فقد وهبته لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم)إجلالا وإعظاما له.

فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته: يا معاشر العرب إن خديجة تشهدكم على أنها قد وهبت نفسها ومالها وعبيدها وخدمها وجميع ما ملكت يمينها والمواشي والصداق والهدايا لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، وجميع ما بذل لها مقبول منه ، وهو هدية منها إليه إجلالا له وإعظاما ورغبة فيه، فكونوا عليها من الشاهدين.

ثم أنفذت خديجة(سلام الله علیها) إلى أبي طالب عنها كثيرا ودنانير ودراهم وثيابا وطيبا، وعمل أبو طالب وليمة عظيمة، ووقف النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وشدّ وسط، وألزم نفسه خدمة جميع الناس، وأقام لاهل مكة الوليمة ثلاثة أيام، وأعمام النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) تحته في الخدمة، وأنفذت خديجة إلى الطائف وغيره، ودعت أهل الصنايع إلى منزلها، وصاغت المصاغ والحلي، وفصلت الثياب، وعملت الشمع بالعنبر على هيئة الاشجار، وأجرت عليه الذهب،وعملت فيه التماثيل من المسك والعنبر،... اجتمعت النساء، وفي ليلة الزفاف أخذن السيدة خديجة(سلام الله علیها) بكل عظمة وجلال الى دار محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وخرجت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها بين يديها تقول أشعارا في هذه المناسبة السعيدة، وخلا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) مع عروسه خديجة(سلام الله علیها).

وجاء في الأقوال: أن الله عزّ وجل أوحى الى جبرئيل(علیه السّلام) : أن اهبط الى الجنة، وخذ قبضة من مسكها، وقبضة من عنبرها، وقبضة من كافورها، وانثرها على جبال مكة، ففعل فامتلأت شعاب مكة وأوديتها ومنازلها وطرقها من ذلك الطيب، حتى أن الرجل يقول إذا خلا مع زوجته: ما هذا الطيب؟

فتقول: هذا من طيب خديجة و محمد(صلی الله علیه و آله و سلم).(1)

أشعار صفيّة والنساء في ليلة الزفاف

برزت جلوات مشرقة في ليلة عرس خديجة(سلام الله علیها) بالرسول محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وفي الجلوة الثانية والثالثة قرأت صفية عمة الرسول صلى الله عليه وآله أبياتا من الشعر، وقد نقل في الجلوة الثانية الآتي:

أقبلن نساء بني هاشم بخديجة(سلام الله علیها) للجلوة الثانية على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وقد أشرق من نور وجهها نور علا على جميع المصابيح والشموع، وقد لبسن لباس فاخر من كل الالوان، وكانت خديجة امرأة طويلة شامخة عريضة من النساء بيضاء لم ير في عصرها ألطف منها ، ولا أحسن، وخرجت بين يديها صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها وقفت أمام الوجه النوراني لخديجة(سلام الله علیها) ، وأنشدت تقول:

جاء السرور مع الفرح *** و مضی النحوس مع الترح

ص: 54


1- اقتباسا عن البحار : ج 16 ، ص 75-77

أنوارنا قد أقبلت *** والحال فیها قد نجح

بمحمد الذکور فی *** کل الفاوز والبطح

لو أن یوازن أحمد *** بالخلق کلهم رجح

ولقد بدا من فضله *** لقریش أمر قد وضح

ثم السعود الاحمد *** والسعد عنه ما برح

بخدیجة نبت الکمال *** وبحر نایلها طفح

یا حسنها فی حلیها *** والحلم منها ما برح

هذا النبی محمد *** ما فی مدائحه کلح

صلوا علیه تسعدوا *** والله عنکم قد صفح

ثم أقبلن بها رضي الله عنها حتى أوقفوها بين يدي النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ثم بعد ذلك أخذوا التاج ورفعوه من رأسها، ووضعوه على رأس النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ثم أتوا بالدفوف وهن يضر بن لها، وقلن لها: يا خديجة لقد خصصت هذه الليلة بشئ ما خص به غيرك، ولا ناله سواك من قبائل العرب والعجم، فهنيئا لك بما اوتيته، ووصل إليك من العز والشرف.

وفي الجلوة الثالثة، قرأت أيضا صفية بعض الأشعار ، ثم أجلست خديجة(سلام الله علیها) بجانب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وخرج جميع الناس عنها، وبقي عندها في أحسن حال، وأرخى بال.

وخلا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)مع عروسه، وأوحى الله إلى جبرئيل: أن اهبط إلى الجنة، وخذ قبضة من مسكها، وقبضة من عنبرها، وقبضة من كافورها، وانثرها على جبال مكة، ففعل فامتلات شعاب مكة وأوديتها ومنازلها وطرقها وعرف الجميع بأن هذه الهبة كانت لعرس محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وخديجة(سلام الله علیها).(1)

ص: 55


1- اقتباسا عن البحار: ج 16 ، ص 75-76

صفيّة عمّة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في أسطر

نظراً لأن صفيّة عمة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) كان لها دور مهم في زواج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)العظيم بخديجة(سلام الله علیها) وقيامها بالوساطة لتحقيق هذا الزواج وانشادها الاشعار في حفلة الزواج والتي ذكرت من قبل، فقد دفعنا ذلك الى أن نعرف هذه السيدة اللبيبة والشجاعة بالاسطر القليلة الآتية:

كانت صفية عمة وابنة خالة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وبنت عبد المطلب وأم زبير من النساء ذات الصلابة والشجاعة جداً، حيث أسلمت في مكة وبقيت على الاسلام حتى توفيت في السنة العشرين من الهجرة وعمرها لا يتجاوز الثلاث والسبعين سنة، ويقع قبرها في مقبرة البقيع في المدينة، وكانت تقريبا في عمر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

وقد جاء في شجاعتها أنها قالت: كنا مع حسان بن ثابت في حصن فارع والنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بالخندق، فإذا بيهودي يطوف بالحصن فخفنا أن يدل على عورتنا، فقلت الحسان : لو نزلت إلى هذا اليهودي فإنى أخاف أن يدل على عورتنا، قال: يا بنت عبد المطلب لقد علمت ما أنا بصاحب هذا، قالت فتحزمت ثم نزلت وأخذت عمودا وقتلته به.(1)

وفي غزوة أحد كانت صفية تقف أمام المسلمين الفارين وبيدها سهم وتأنبهم على فرارهم وتفرقتهم عن ال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) .(2)

بعدما استشهد سيدنا حمزة(علیه السّلام) عم الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) في غزوة أحد مثل العدو بجسمه فجاء الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) الى جثة حمزة(علیه السّلام) المقطعة وحزن عليه كثيراً، رأى من بعيد صفية أخت حمزة آتية، فقال لابنها الزبير بن العوام: لا تجعلها تحضر هنا حتى لا ترى أخيها هكذا.

فذهب زبير الى أمه صفية وبلغها بقول رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وطلب منها الرجوع.

قالت صفية: لماذا تمنعني، صحيح أنه وصلني خبر أخي بأنه مثل به ولا تريدني أن أرى جثة أخي ولكن ذلك في الله قليل، لقد رضيت بقضاء الله والله لأصبرن ولأحتسبن إن شاء الله.

عندما شاهدها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بهذه الروحية العالية قال لزبير : خلّ سبيلها .(3)

كانت تعتبر صفية بعد وفاة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)من أهل الرسالة ، وقد قرأت أشعار حزينة في مأتم عزاء النبی(صلی الله علیه و آله و سلم)، كانت دائماً مع فاطمة الزهراء بنت خديجة عليهما السلام وتواسيها وتحميها كابنتها وتعاملها كالوالدة الحنونة والعطوفة.

عند احتضار النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قال لفاطمة سلام الله عليها وصفية: «يا فاطمة بنت رسول الله ويا صفية عمة رسول الله، اعملا خير التنالا ما عند الله، فإني لا أقدر أن أدافع عنكما عند الله.(4)

ص: 56


1- البحار : ج 20 ، ص 244 .
2- أسد الغابة : ج 5 ، ص 491 .
3- طبقات ابن سعد: ج 2، ص 46 و ص 95 .
4- طبقات ابن سعد: ج 2، ص 46 و ص 95 .

اليوم المبارك ويوم الشكر الله

بلا شك كان يوم زواج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بخديجة(سلام الله علیها) يوماً مباركاً وميموناً والذي كان منشأ لآثار وبركات كثيرة على مدى التاريخ، وكان السبب لغرس بذرة نبتت وأعطت شجرة مثمرة وسعيدة ويستفيد الناس من ثمارها المعنوية المتعددة الى يوم القيامة، ومن ثمارها هي الزهراء سلام الله عليها وأحد عشر إمام معصوم(1).

لذلك يجب دائماً تجديد ذكرى هذا اليوم والذي هو نبع الخير والبركات الكثيرة، والاحتفال بمثل هذا اليوم، وشكر الله لظهور هذا اليوم اليوم العاشر من ربيع الأول.

ومن هذا المنطلق جاء في الروايات أنه مستحب على المؤمنين في هذا اليوم الذي تزوج فيه الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وكان عمره خمس وعشرين سنة بخديجة عليها السلام وكان عمرها أربعين سنة(2)، صيامه حتى يشكروا الله سبحانه وتعالى لأنه أعطى للعالم التوفيق والسعادة الزواج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بخديجة(سلام الله علیها) الطاهرة.(3)

وبصورة عامة، أمر الاسلام بأداء صلاة الشكر مقابل النعم الالهية الكبيرة والنحر وتجديد ذكرى ذلك اليوم كما جاء في سورة الكوثر.

قام الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بعد هذا الزواج المبارك بشكر الله وبالاعمال الصالحة الكثيرة، منها أنه اعتق «أم أيمن» جارية والدته والتي ورثها من بعد والدته(4)، وحسب قول البعض أنها كانت جارية هالة أخت خديجة(سلام الله علیها) وكانت قد وهبتها للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) .(5)

الرد العاقل الخديجة(سلام الله علیها) على النساء المعترضات

وتكلم بعض قريش من المبغضين ونساءهم بالازدراء على خديجة(سلام الله علیها) لأنها تزوجت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، حیث قلن كيف تتزوج خديجة بكل حشمتها ووقارها محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) يتيم أبي طالب الفقير ، أليس هذا عار؟

وبلغ الخبر إلى خديجة(سلام الله علیها) فصنعت طعاما ودعت نساء المبغضين، فلما اجتمعن وأكلن قالت لهن: معاشر النساء بلغني أن بعولتكن (وأنتم) عابوا علي فيما فعلته من أني تزوجت محمداً، وأنا أسألكم هل فيكم مثله، أو في بطن مكة شكله من جماله وكماله وفضله وأخلاقه الرضيّة؟ وأنا قد أخذته لأجل ما قد رأيت منه، وسمعت منه أشياء ما أحد رآها ، فلا يتكلم أحد فيما لا يعنيه، فكف كل منهن الكلام .(6)

وسكوتهم هذا يدل على أنهن ليس لديهن أي كلام، وأن خديجة(سلام الله علیها)أقدمت على هذا العمل بكل عقلها ورضا الله.

ص: 57


1- «....... تؤتي أُكلها كلّ حين بإذن ربها» . (إبراهيم: 25)
2- هذا القول قول معروف، لكن الروايات مختلفة في ذلك مثلاً: ان هذا الزواج تم في: 1 - ستة عشرة سنة قبل البعثة 2 - عشرين سنة قبل البعثة، 3- عشر سنوات قبل البعثة، 4 - ثلاث سنوات قبل البعثة، ونقل البيهقي في كتاب دلائل الامامة (ج 1، ص 71) أن خديجة توفت وعمرها خمسين سنة، وهذا مطابق للقول الأخير (وبخصوص هذا الموضوع راجع كتاب بنات النبي تأليف جعفر مرتضى العاملي، ص 73 الى ص 75 والذي نقل من مصادر متعددة).
3- البحار : ج 98 ، ص 357.
4- البحار : ج 15 ، ص 118.
5- رياحين الشريعة : ج 2، ص 327 .
6- البحار: ج 16 ، ص 81 .

هجرة النساء لخديجة(سلام الله علیها) الا و لطف الله بها

عندما تزوجت خديجة بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلّمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، واستمرت هذه الهجرة لسنوات بعد الزواج بحجة أنها تزوجت يتيم عبد الله الفقير بالرغم من أموالها الطائلة وقد استوحشت خديجة من ذلك .

وحملت السيدة خديجة(سلام الله علیها) بفاطمة الزهراء سلام الله عليها بعد مرور عشرين سنة من زواجها بمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم).

عندما حضرت ولادتها، وجهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها:«عصيتينا ولم تقبلي قولنا،وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له ، فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً.

فاغتمت خديجة(سلام الله علیها) لذلك، لكن لم ينسها الله سبحانه وتعالى وألطف بها، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن فقالت لها إحداهن: لا تحزني يا خديجة ، فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك: أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران وهذه صفراء بنت شعيب ، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء.

فجلست واحدة عن يمينها ، والأخرى عن يسارها،والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة(سلام الله علیها) الطاهرة مطهرة ، فلما سقطت الى الارض أشرق منها النور في جميع بقاع الارض .(1)

نعم استمرت هجرة النساء لخديجة(سلام الله علیها) حتى بعد مرور عشرين سنة من زواجها.

تحطيم القواعد واختيار القيم العالية

بلا شك و ترديد، أنه كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)شاب جميل وحسن الوجه وذو قامة جيدة ومن أسرة أصيلة، وكانت الفتيات الجميلات مستعدة للزواج به، ولم يكن هناك أي مانع أمام ذلك.

وأيضا لا يوجد ترديد بأن خديجة(سلام الله علیها) ذات الحشمة والوقار كانت تستطيع أن تتزوج من رجال أثرياء وملوك (كما خطابها أغلبهم من هذه الفئة) وتعيش معهم بسعادة ورفاه واسع، كما هو الواقع بين الناس في أغلب بقاع العالم وخاصةً في الجزيرة العربية، حيث كانت القواعد والملاكات تدور حول محور الثروة والقوة والسعادة.

ص: 58


1- البحار : ج 16 ، ص 80.

إذن، لماذا تزوج محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)له بأرملة عمرها أربعين سنة ؟ ولماذا اختارت خديجة(سلام الله علیها) يتيم وفقير كزوج لها ؟

الحقيقة هي أن هذا الزواج قام على أساس من القيم والأصول وتحطيم القواعد السائدة، وليس على أساس من التقليد الأعمى ومطابقة الأجواء المحيطة، والأهواء الشهوانية والقواعد المادية، كان ملاكهما في الاختيار هو السيرة الطاهرة النجيبة وليس صورة بلا سيرة.

فحطّما كل الملاكات والمعايير وقواعد الزمان،الملاكات والقواعد التي بنيت على أساس من التعصب الجاهلي.

ألا يتوجه الجهلاء أو العلماء المغرضين الذين ينسبون الى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) حبّ النساء والتمتع بهن، أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) لم يتزوج حتى صار عمره خمسة وعشرين سنة ؟

وأنه بعد ذلك عاش مع خديجة(سلام الله علیها) لمدة خمسة وعشرين سنة يعني مع امرأة عمرها أربعين سنة وكانت زوجته من الاربعين سنة الى الخمسة وستين سنة أي امرأة عجوز وبالرغم من ذلك لم يتزوج عليها بأي امرأة أخرى في حياتها.

ألا يدل زواج رجل عمره خمسة وعشرين سنة الى خمسين سنة بامرأة عمرها أربعين سنة وحتى خمسة وستين سنة على أن محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) بنى زواجه على أساس من القيم ؟

مع التوجه الى أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لم يتزوج أثناء حياة السيدة خديجة وبعد مرور سنة من وفاتها.(1)

ومن جهة أخرى، أيضا حطمت خديجة(سلام الله علیها) القواعد أمام شماتة الناس وخاصة النساء، وقاومت ولم تعتني بثرثرتهن وهذيانهن، وبينت عمليّاً أن المعيار الصحيح لاختيار الزوج هو العقل والاخلاق الحسنة، والشهامة والايمان وليس الثروة والرفاهية واللعب واللهو الشهواني، وكما قلنا قالت بكل صراحة للمعترضات هل فيكم مثله؟ أو في بطن مكة شكله من جماله وكماله وفضله وأخلاقه الرضيّة ؟ وأنا قد أخذته لأجل ما قد رأيت منه...(2)

وهذا درس كبير علمنا إياه الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)والسيدة خديجة(سلام الله علیها) بأن الجمال ليس الملاك بل الملاك الأساسي في الاختيار يجب أن يكون المعرفة والتقوى.

وعلى هذا الأساس كان يقول الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) للنساء:

«إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه».(3)

وقال أيضا : «وإيّاكم وخضراء الدّمن».

سأل شخص ما تقصد بذلك؟

ص: 59


1- البحار: ج 22 ، ص 191 .
2- البحار : ج 103 ، ص 374 .
3- وسائل الشيعة : ج 14 ، ص 19 - 29 .

قال: «المرأة الحسناء في منبت السوء».(1)

ترك التمتع في عنفوان الشباب

انه معروف بين الناس أن الذي يحصل على ثروة طائلة بلا تعب وبلا مشقة يبددها على هواه و على أهوائه النفسية والشهوانية فيضيّع الثروة ويهدرها، وخاصةً اذا حصل على هذه الثروة شاب في مقتبل عمره وعنفوان شبابه وفي بداية زواجه، حيث تكون شهوته أكثر وغالبة عليه.

يقول الشاعر سعدي في كتاب البستان :

مر موسى عليه وعلى نبينا السلام على فقير وكان حافي القدمين من شدة فقره، ونائم على الحصى في الصحراء، قال له:«يا موسى! ادع لي ربي حتى يرزقني من المعاش قليلاً فإن نفسي ملّت الصبر».

فدعا له موسى وذهب الى المناجاة في جبل طور.

بعد عدة أيام، عاد موسى من نفس الطريق، ورأى أن الفقير قد قُبض عليه والناس ملتفّين حوله، فسأل: ماذا حصل ؟

قال الجمع: إن هذا الشخص شارب الخمر ومعربد وقاتل وقد قبض عليه لإجراء القصاص عليه ألا وهو الإعدام.

قال الله سبحانه وتعالى في القرآن:

«ولو بسط الله الرّزق لعبادِهِ لبغوا في الأرض».(الشورى: 27)

فأقرّ موسى(علیه السّلام) بالحكمة الالهية واستغفر من تجرأه وتاب.

وكما قالوا: إن الأب عنده عسل كثير ولكن العسل غير مفيد لابنه الذي مزاجه حار.(2)

وهنا نعود الى أصل المطلب، عندما تزوج محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) من خديجة(سلام الله علیها) ،جعلت خديجة (سلام الله علیها)كل أموالها الطائلة والغير محدودة تحت تصرف الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وكان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) آنذاك في عنفوان شبابه وكان كل وسائل الترفيه جاهزة ومهيئة له، وكانت الأوضاع المحيطة بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) والغريزة الشبابية تقتضي بأن يوسع على نفسه بساط العيش والعشرة ويشبع غرائزه الشبابية كأغلب الشباب، وكانت الأجواء المحيطة تشوّقه وتساعده على هذا واذا فعل خلاف ذلك كان يقع تحت التوبيخ والعقاب والملامة ولكن محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)كان ممجد ، لم يتعلّق قلبه أبداً بالترفيه واللهو واللعب الشهواني ذو العمر القصير، كان يهرب من الغفلة والتسلية وبدلا عن ذلك كان يذهب الى جبال مكة ويفكر في عظمة الخالق والخلق ويزيد من درجات عرفانه.

كما كان دار خديجة(سلام الله علیها)قبل الزواج مركزاً لمحبة الفقراء واليتامى والأرامل، كان كذلك بعد الزواج

ص: 60


1- البحار : ج 16 ، ص 71 71 .
2- البستان للسعدي: الباب 3 - قضية القناعة.

ص: 61

ولكن بصورة أفضل وأسرع وتحت رقابة محمد(صلی الله علیه و آله و سلم).

لم يصرف محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ثروة خديجة(سلام الله علیها) في الترفيه والتسلية أبداً بل كان يصرفها مع زوجته بكل بساطة في تأمين معاش المحتاجين وأحيانا كان يساعد أفراد مثل والدته بالرضاعة حليمة السعدية التي جاءت إليه من البادية وشرحت له الجدب والقحط الذي أصابهم وبينت له مدى احتياجاتهم، فساعدها محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وخديجة(سلام الله علیها) بكل ترحيب من أموالهم ، وبسط الرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)عباءته على الأرض وأجلس عليها والدته بالرضاعة حليمة السعدية بكل احترام وتقدير وبعد الضيافة أعطاها مساعدات كثيرة من قبيل الشاة ،والبعير، وقد فرحت حليمة بذلك وودعها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وعادت الى البادية .(1)

وهذا أيضا درس أخلاقي واجتماعي واقتصادي كبير علّمنا إياه محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وزوجته الطيبة والمخلصة، بأنه يجب أن تصرف الثروة في الطريق الصحيح، والابتعاد عن أي إسراف والمصاريف الغير مناسبة فإن التمتع بالنساء واللهو والأهواء الشهوانية عمل حيواني، ويجب على الانسان أن يعدّي هذه الحدود ويرجّح اللذة المعنوية على اللذة الحيوانية، وبصورة عامة يرى اللذة الحقيقية في الامور المعنوية ومساعدة المحتاجين، كما يقول الشاعر سعدي:

أکر لذت ترك لذت بداني *** دکر لذت نفس لذّت ندانی

اذا عرفت أن اللذة هي ترك اللذة *** فستعلم أن لذة النفس ليست لذة

إن مسألة الإسراف والتبذير هي من الأمور الكبيرة التي بها ييأس الإنسان من الحياة ويجلب العذاب ويسقط، يقول أمير المؤمنين علي(علیه السّلام) في هذا المجال:

ألا وإنّ إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة.(2)

شرح قصير في تعدد زوجات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)

من التهم الغير اللائقة التي أُتهم بها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)هي مسألة الزواج المتكرر للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)حيث استدلوا على ذلك أن الشهوة الجنسية قد طغت على الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وسيطرت عليه، لذا يجب أن نشير هنا الى سر ورمز الزواج المتعدد للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بصورة قصيرة:

بصورة عامة تتلخص أسباب الزواج المتعدد للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)والائمة(علیهم السّلام) في السبع المحاور الآتية:

1 - بناء أسرة وتوليد النسل.

ص: 62


1- السيرة الحلبية : ج 1، ص 123.
2- نهج البلاغة: خطبة 126 .

ص: 63

2 - حفظ كرامة وشخصية النساء وتربيتهن.

3- حفظ النساء من الفساد الأخلاقي.

4-تحطيم سنن الجاهلية وإحياء سنة الاسلام المعقولة.

5- إرضاء الغرائز الجنسية.

6 - كفالة النساء اللاتي ليس لهن معيل ولا كفيل.

7 - الحصول على مواقع سياسية واجتماعية لنشر الإسلام وتقدّمه.

لم يتزوج أحد من الائمة(علیهم السّلام) بعدة زوجات كما تزوج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ولكن زواجه لم يكن للشهوة أو الغريزة الجنسية أبداً، ويجب أن نقول للذين يتهمونه بذلك: هل إعالة وكفالة عدد من النساء - واللاتي أغلبهن أرامل وتعدوا الخمسين سنة - فيما عدا اثنتين - وكل واحدة تعيش في كوخ طيني صغير وبسيط وبدون أثاث هو الحصول على اللذة الشهوانية ؟ أليس من العار أن يستخدم هذه التعابير والألفاظ في شخصيّة ملكوتية وكبيرة كمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ؟

توضیح:

ان محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)لم يتزوج الى أن أصبح عمره خمسة وعشرين سنة، وبعد الخمسة والعشرين سنة تزوج بسيّدة تسمى خديجة(سلام الله علیها) عمرها أربعين سنة واشتهرت بأنها متزوجة من قبل بزوجين وتوفّيا، ولها أولاد منهما.

وعاش معها في حدود خمسة وعشرين سنة (من الخامس عشر قبل البعثة الى العاشر بعد البعثة)،لذا لم يكن للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) زوجة في عنفوان شبابه (أي من الخمسة عشرة سنة الى الخمسة والعشرين (عشر سنوات))، ثم من خمسة وعشرين سنة الى الخمسين سنة عاش مع امرأة عمرها أربعين سنة وحتى أصبح عمرها الخامسة والستون سنة.

ولم يتزوج الرسول محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)في حياة السيدة خديجة(سلام الله علیها)بأية امرأة أخرى قط، بالرغم من أنه كان يستطيع أن يتزوج ولم يكن هناك أي مانع يمنعه عن ذلك، ومن بعد وفاة السيدة خديجة(سلام الله علیها)لم يتزوج لمدة سنة .(1)

فهل حقاً يمكن أن يتهم الساحة المقدّسة لشخص قضى اللحظات السعيدة من عمره خمسة وثلاثين سنة من عمره ( من خمسة عشرة سنة الى الخمسين) هكذا بالرغم من وجود الوسائل ويسرها،بحبه للشهوة؟ حقاً إنه لا إنصاف في ذلك.

تزوج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)سودة بنت زمعة بعد موت السيد خديجة(سلام الله علیها)بسنة في السنة الحادية عشرة من

ص: 64


1- البحار: ج 22 ، ص 191 .

البعثة، وكانت عند السكران بن عمرو، من مهاجري الحبشة فتنصر ومات بها.

فظلّت سودة بلا كفيل، فتزوجها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) لحفظ كرامتها وتكفلها.

بعد مدة تزوج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بعائشة بنت أبي بكر وهي ابنة سبع قبل الهجرة بسنتين، ويقال: كانت ابنة ست ودخل بها بالمدينة في شوال وهي ابنة تسع، ولم يتزوج غيرها بكراً، وعندما كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في مكة لم يتزوج غيرهما (سودة وعائشة) .(1)

تزوج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بعدة نساء بعد هجرته الى المدينة لعوامل سياسية واجتماعية، إنسانية وعاطفية، واللاتي أغلبهن كن فوق الخمسين سنة، وبعضهن لم يكن جميلات.

وأول امرأة تزوجها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في المدينة كانت«أم سلمة»واسمها هند بنت أمية المخزومية، وهي بنت عمته عاتكة بنت عبد المطلب، وكانت عند أبي سلمة بن الأسد بعد وقعة بدر من سنة اثنتين من التاريخ. وجُرح أبو سلمة في غزوة أحد وبسبب ذلك توفى بعد مدة واستشهد.

عندها تزوج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) بأم سلمة، وهذا الزواج كان غالباً عليه الجانب العاطفي وكفالة الأيتام وحفظ كرامة أم سلمة.

تزوجها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في السنة الرابعة من الهجرة وكانت امرأة كبيرة بالسن.(2)

والزواج الآخر لرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان زواجه بحفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت عند حنيس بن عبد الله بن حذافة والذي توفى في المدينة في السنة الثالثة من الهجرة، بعد مدة من وفاة زوجها تزوجها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولو كان غالب على هذا الزواج الجانب العاطفي والسياسي، حيث أدى الى إطمئنان وسكينة عمر بن الخطاب وتقوية العلاقة بين الرسول وقبيلة عدي.(3)

الزواج الآخر كان زواجه بزينب بنت جحش ابنة عمته أميمة .

توضیح :

كان زيد بن حارثة غلام الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)فأعتقه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وزوجه زينب بنت عمته والتي كانت قرشية، ثم لم يتفقا وطلقها زيد فتزوجها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

في ذلك العصر كان زواج الغلام أو الذي أعتق من قبل بسيّدة من طوائف العرب عار وعيب،وكذلك الزواج بامرأة العبد المطلقة كان عيباً وعار، فحارب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)هذه العادة والسنة الخاطئة، وقام بتزويج زينب بزید و بعد طلاقها، تزوج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)زينب ، وبهذا الترتيب حطّم ونقض سنتان باطلتان عملياً.

وكذلك كان زواج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بجويرية بنت الحارث، فقد كانت أرملة وجارية، فاشتراها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ثم أعتقها وبعد ذلك تزوجها.(4)

ص: 65


1- البحار: ج 22 ، ص 191 .
2- رياحين الشريعة : ج 2، ص 282 .
3- اقتباسا عن اسد الغابة : ج 5 ، ص 425 - الاصابة : ج 4 ، ص 264 .
4- البحار: ج 22، ص 191 و ص203.

كان زواج النبي صلى الله عليه وآله بأم حبيبة بنت أبي سفيان وصفية بنت حي بن الأخطب (والتي كانت يهودية وأسرت بواسطة المسلمين)وميمونة بنت حارث الهلالي، وماريّة القبطية لحفظ كرامتهن ولأسباب عاطفية يطول شرحها هنا ، ولتوضيح المطلب سنشرح حال أم حبيبة ومارية القبطية فقط ونكتفي بهما:

أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة أسلمت في بداية البعثة برغبة من والدها وأهلها، وكانت تحت عبيد الله ابن جحش الأسدي وبسبب تعذيب المشركين للمسلمين هاجر بها الى الحبشة وتنصر بها، ومات هناك.

فأحسّت أم حبيبة بالوحدة، ووصل هذا الخبر الى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، والحفظ كرامتها بعث الى النجاشي قائد الحبشة بأن يخطبها له، فأعدّ النّجاشي مجلس عظيم، وتم عقد زواجه على أم حبيبة بواسطة «عمرو بن أمية»وكيل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، في السنة الخامسة من الهجرة عاد المهاجرين الى المدينة ودخلت أم حبيبة دار النبي(صلی الله علیه و آله و سلم).

كانت أم حبيبة ذات استقامة وثبات في سبيل الاسلام، حيث عندما جاء والدها أبا سفيان بعد نقض صلح الحديبية، الى المدينة للمحادثة ودخل بيت الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وأراد الجلوس على مسند الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، التقطته أم حبيبة ، فتضايق أبو سفيان وقال: هل ترفضين أن أجلس هنا؟ قالت أم حبيبة: نعم هذا البساط محل جلوس النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وأنت مشراً نجس و لا يحل لك الجلوس عليه ، إني لا أسمح بجلوس مشرك بمحل أشرف وأطهر الموجودين في الخلق.(1)

فهل يجوز ترك امرأة كهذه وحيدة ، أم أنه من الأفضل احترامها وحمايتها وحفظ كرامتها وشرفها ؟!

لذلك، تزوجها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وكانت تفتخر بذلك.

النتيجة :

إن جميع القرائن والشواهد توضّح وتبيّن أن السبب وراء تعدد زوجات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)كان منزه عن أي غرائز جنسية والشهوات وإنما كان ذلك لعوامل سياسية، اجتماعية عاطفية وإنسانية.

وأما بالنسبة لماريّة القبطية، فقد كانت إحدى زوجات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وكانت جارية مقوقس ملك الاسكندرية، ولأنها أسلمت قرر مقوقس بأن يبعثها مع هدايا أخرى الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم).

وكان المارية أخ يسمى «مابور»، فعندما علم بإسلام ماريّة أسلم هو الآخر .

فتزوجها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)في السنة السابعة من الهجرة بعنوان ملك اليمين،ورزق منها ولد سماه إبراهيم،

ص: 66


1- اقتباسا عن أسد الغابة : ج ه_ الاصابة : ج 4 ، ص 299 - البحار : ج22، ص 202.

وتوفى إبراهيم في السنة الثامنة من الهجرة وكان عمره حينذاك ستة عشرة شهر وثمانية أيام أو ثمانية عشرة شهر ، فحزن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)عليه كثيراً، لأنه يحبه جداً، وعندما بشّره أبو رافع بولادة إبراهيم فرح جداً ووهبه عبد من عبيده .(1)

النتيجة:

تم زواج مارية بإقدام من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)حيث كانت هبة ممنوحة له، ولأنها أسلمت وكانت غريبة في المدينة، جلّلها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وكفلها ليجبر بخاطرها من إهمال وعدم إعتناء أهلها بها، فكان زواجه منها لأسباب سياسية وعاطفية.

علي(علیه السّلام)نور عين خديجة(سلام الله علیها)في طفولته

ولد علي(علیه السّلام) وفتح عينيه للعالم بعد مرور خمس سنوات من الزواج المقدّس لرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بخديجة(سلام الله علیها)، كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يجب عليّاً جداً، ودائماً كان يراقبه ويلاطفه ويدالله عند النوم واليقظة، وأحياناً يأخذه في الله حضنه وأحياناً يضعه على كتفيه ويسعده ويفرحه بإعطائه أنواع الهدايا

رأت خديجة(سلام الله علیها)الوجد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بعلي(علیه السّلام)و محبته ، فكانت تستزيده وتزينه وتحليه وتلبسه وترسله مع ولائدها، ويحمله خدمها.

لذلك كانت خديجة(سلام الله علیها)تذهب دائماً الى بيت أبي طالب وكانت ألطافها تطرق منزل أبي طالب وزوجته فاطمة بنت أسد،ليلا ونهارا، صباحا ومساءا.

وكانت محبتها ظاهرة لعلي(علیه السّلام)الدرجة أن الناس كانوا يقولون: هذا أخو محمد وأحب الخلق إليه وقرة عين خديجة.(2)

تعاون السيدة خديجة(سلام الله علیها)في الحياة العارفة لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم)

كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يذهب الى غار حراء قبل البعثة عدة مرات في كل شهر ليلا ونهارا، وفي كل أيام شهر رمضان من كل سنة، وهناك يعبد الله سبحانه وتعالى برؤيته لعظمة الخلقة وإدراك كمال معرفة الله،بعبادات ممزوجة بالتعقل والتوجّه والتبصر العميق .(3)

يقع جبل حراء على بعد ستة كيلومترات شمال شرق مكة حيال الطريق المؤدي الى مكة من عرفة، وينفصل هذا الجبل عن باقي جبال مكة.

يقع غار في مقدمة قلة الجبل ويسمى بغار حراء، ويتكون الغار من الصخور الكبيرة في الجبل ويطل الغار على الكعبة، وارتفاعه وطوله كطول الانسان المتوسط الطول، ويسع الغار لشخص واحد

ص: 67


1- أسد الغابة : ج 1 ، ص 1 - رياحين الشريعة ، ج 2، ص 341.
2- البحار : ج 35 ، ص 43 .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13، ص 208 - البحار : ج 17، ص 309.

فقط .

عندما يكون الانسان على الجبل فإنه يرى جلال وجبروت الله وعظمة خلقه وجمال الطبيعة الذين يظهرون آثار الله سبحانه وتعالى وجلاله، وهناك لا يفكر الانسان بأي شيء آخر سوى الله سبحانهوتعالى وعظمته.

قال الامام الهادي(علیه السّلام) : ان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)لما ترك التجارة الى الشام، وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات كان يغدو كل يوم الى حراء، يصعده وينظر من قلل-ه الى آثار رحمة الله، وأنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته، وينظر الى أكتاف السماء وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي،فيعتبر بتلك الآثار، ويتذكر بتلك الآيات ويعبد الله حق عبادته .(1)

كانت هذه هي العظمة الحقيقية في حياة ووجود محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)حيث بدأت نبوته بعد خضوعه لتلك العظمة، نعم كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يود أن ينفصل عن الأمور المادية البحتة وينفرد مع معشوقه الحقيقي خاصةً عند بلوغه الأربعين سنة.

كانت خديجة(سلام الله علیها)تدرك وجود محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)وهي على مشارف الخمسة والخمسين سنة، ولم تكن تقطع عليه خلوته ووحدته، ولم تسعى أبداً في تعكير صفو خلوته وأنسه بالله لأمور حياتها، بل عندما كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يتوجه الى جبل حراء حيث الصعود)الى قلته صعب جداً وليس بمقدور أي أحد صعوده تسرع إليه وتودّعه وتنظر إليه وإلى قامته حتى يختفي عن أنظارها ، وأحياناً كانت تذهب بنفسها إليه وتأخذ معها الطعام والماء، وأحيانا كانت تفوّض أشخاصاً لمراقبته عن بعيد دون أي تعكير لصفو خلوته.

نعم، إن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان يريد زوجة لا تقطع عليه أعماله العرفانية والمعنوية العظيمة فقط بل كان يريدها أن تكون مساعدة ومعينة ورفيقة حقيقية له وذات ثبات، فكانت خديجة(سلام الله علیها)كذلك.

بالرغم من أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لم يصل الى النبوة ولم تطلع شمس الاسلام ولم يكن أي حديث عن التوحيد إلا أن عقيدة خديجة(سلام الله علیها)وإيمانها كانا نفس عقيدة وإيمان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وكانت تعينه وتساعده في هذا المجال، وكانت ترتبط به ارتباطا معنويا خاصا، والدليل على ذلك انه في بداية البعثة لما دخل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الدار ، رأت خديجة(سلام الله علیها)أن الدار قد نوّرت فقالت: ما هذا النور؟

قال: هذا نور النبوة، قولي: لا إله إلا الله،محمد رسول الله.

فقالت: طال ما عرفت ذلك .(2)

كتب العلامة المجلسي: أنه روى في كتب الصحاح : أنه كان مع الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في غار حراء في شهر رمضان عند بداية الوحي والبعثة وجاوره علي(علیه السّلام)وأهله خديجة(سلام الله علیها)وخادم(3)لهما .(4)

ص: 68


1- البحار : ج 17، ص 309.
2- البحار: ج 18، ص 196 - 197.
3- هذا الغلام هو زيد بن حارثة (الغدير : ج 3، ص 238) وقد أسلم ببركة خديجة.
4- البحار : ج 15 ، ص 363 .

نعم هذه هي حماسة خديجة(سلام الله علیها)العرفانية والملكوتية عند ابتداء البعثة، حيث كانت الصديقة والمعينة والمؤنسة المخلصة لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، وفي الواقع كما كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يستقبل البعثة (وفي ظروف صعبة وضغوط معنوية حتى يسمع أول آية قرآنية والاسلام من الوحي الأمين) كانت خديجة(سلام الله علیها)وعلى(علیه السّلام)يستقبلانها، وشاركا في هذا الاستقبال، وبينما كان سائر الناس يعبدون الاصنام وغارقين في الأهواء والشهوات كانت خديجة(سلام الله علیها)القدم على قدم مع الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ولا تنفصل عنه .

مميزات خديجة(سلام الله علیها)بلسان سيدنا آدم(علیه السّلام)

في نهاية هذا الفصل نلفت نظركم لرواية لطيفة جاءت في معاونة خديجة(سلام الله علیها)الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)حيث جاءت على لسان سيدنا آدم(علیه السّلام)، و هذه الرواية تبيّن فضل السيدة خديجة والذي جرى على لسان صفي الله وأول إنسان خلق في الكون وذلك بقرون قبل ولادة السيدة خديجة(سلام الله علیها)وهي التالي:

روى أن آدم(علیه السّلام)قال : إني لسيد البشر يوم القيامة إلا رجل من ذريتي نبي من الأنبياء يقال له: محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، فضل علي باثنتين: زوجته عاونته وكانت له عونا، وكانت زوجتي على عونا، وان الله أعانه على شيطانه فأسلم، وكفر شيطاني.(1)

ص: 69


1- البحار: ج 16 ، ص 11-12 .

ص: 70

الفصل الثاني

اشارة

السيدة خديجة(سلام الله علیها)

أول امرأة مسلمة وتضحياتها

ص: 71

ص: 72

خديجة(سلام الله علیها)أول امرأة أسلمت

نبدأ الحديث من هنا : قال الإمام الحسين(علیه السّلام)في يوم عاشوراء في خطبته حيث عرف نفسه وقال: أنشدكم الله هل تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد أوّل نساء هذه الأمة إسلاماً؟

قالوا: بلى.(1)

جاء باتفاق جميع المسلمين وكل التاريخ أن أول امرأة أسلمت كانت السيدة خديجة(سلام الله علیها)، وأول رجل أسلم كان أمير المؤمنين علي(علیه السّلام)، وكما قلنا سابقاً أن خديجة(سلام الله علیها)وعلي(علیه السّلام)كانا مع الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في غار حراء عند بداية نزول الوحي(وكان يوم الاثنين)(2)، وفي نفس الوقت آمنا.

نقلت روایات كثيرة في حد التواتر في كتب الشيعة وأهل السنة أن علي(علیه السّلام)هو أول شخص

أسلم(3)، ومؤكّد عندهم أن خديجة(سلام الله علیها) هي أول امرأة أسلمت ، ولكن ليس واضح في تلك الكتب بأن هل أسلم علي(علیه السّلام)وخديجة(سلام الله علیها)معا أم أسلم أحدهما قبل الآخر، ولكن نستنتج من الروايات المتواترة (التي جاءت في الغدير) أنّ أول شخص أسلم وهو علی(علیه السّلام).

وروي في تفسير علي بن إبراهيم أن علي(علیه السّلام)أسلم يوم الثلاثاء، ثم من بعده أسلمت خديجة(سلام الله علیها).(4)

نقل العلامة الأميني من كتب السنة المختلفة أن أبو رافع (أحد أصحاب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)) قال: صلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)أول يوم الاثنين وصلت خديجة(سلام الله علیها)آخره وصلّى عليّ يوم الثلاثاء من الغد.(5)

وبرأينا ومع التوجه للروايات المختلفة أن علي(علیه السّلام)وخديجة(سلام الله علیها)صدقا بنبوة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) قبل البعثة على أثر رؤيتها المعجزاته وكراماته، وعلى أساس هذا الاعتقاد كانا يتبعانه، وبمجرد أن تحقق نبوّة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)عند بداية البعثة (27 رجب سنة 40 من عام الفيل أو شهر رمضان في نفس السنة) نطقا

ص: 73


1- البحار: ج 44 ، ص 318.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 13 ، ص 208 - البحار: ج 15 ، ص 363.
3- راجع الكتاب النفيس الغدير : ج 3، ص 218 وحتى ص 239 بخصوص هذا الموضوع.
4- تفسير علي بن إبراهيم: ص 548 - البحار : ج 18 ، ص 53 .
5- الغدير : ج 3، ص 227.

بالايمان في نفس الوقت، وشهدا بوحدانية الله عزّ وجل ورسالة محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولم يكن هناك تأخر أو تقدّم في ذلك.

إسلام زيد بن حارثة بجانب على(علیه السّلام) وخديجة(سلام الله علیها)

زيد بن حارثة هو الشخص الثالث الذي أسلم(1)، كان زيد من أهل اليمن، وفي عصر الجاهلية جاءوا به الى مكة وتم عرضه في سوق عكاظ كعبد من العبيد، فاشتراه حكيم بن حزام (ابن أخ خديجة(سلام الله علیها))لخديجة(سلام الله علیها)قبل البعثة بمدة، ثم وموهبته الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم).

عندما أصبح محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)نبي ، دعا زيد بن حارثة للاسلام، فقبل زيد من غير تردد دعوة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وأسلم، وجاء طبقاً لبعض الروايات أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج الى سوق عكاظ في تجارة لها، ورأى زيداً يباع ورآه غلاماً كيساً حصيناً فاشتراه لخديجة(سلام الله علیها)ثم وهبته خديجة(سلام الله علیها)للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، فأعتقه .(2)

كان لمحبة وعطف خديجة(سلام الله علیها)على زيد دور مهم وأثر كبير في إسلامه، وكما ذكرنا من قبل أنه طبقاً لبعض الروايات كان علي(علیه السّلام)و خديجة(سلام الله علیها)وزيد بن حارثة مع رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)عند بداية البعثة ونزول الوحي في غار حراء .(3)

كان زيد بن حارثة من المسلمين المؤمنين ، فأعلن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بأن يدعى بزيد بن محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، وزوجه بزينب ابنة عمته والتي كانت قرشياً، وجلّله وقدره كحُرّ مثل سائر الأحرار.

حارب الأعداء في الحروب الاسلامية بجانب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وضحى الكثير في سبيل الاسلام، ثم استشهد في غزوة مؤته والتي نشبت في الشام في السنة الثامنة من الهجرة،كثاني حامل لراية الاسلام (حيث كان الأول هو جعفر الطيار).

جاء طبقاً لبعض الروايات، أن خديجة(سلام الله علیها)في بداية الاسلام أسلمت سريعاً، وتبعها أيضا زيد الذي كان غلامها وأسلم ، قال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لخديجة(سلام الله علیها): هبي لي زيد، فوهبته زيد ثم أعتقه الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).(4)

يقول ابن حجر العسقلاني: عندما ملكت خديجة(سلام الله علیها)زيداً، ذات يوم أحست أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يجب زيداً ، فوهبته زيداً، وكان هذا العمل سبباً لإسلام زيد بعد إسلام خديجة(سلام الله علیها)، وجعله من أوائل المسلمين.(5)

كيفية إسلام خديجة(سلام الله علیها)ولقائها بورقة بن نوفل

مضى أربعين سنة من عمر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وجاء يوم السابع والعشرين من رجب، وكان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)منهمك

ص: 74


1- البحار: ج 18، ص 229 .
2- أسد الغابة : ج 2، ص 225 - مجمع البيان: ج 8، ص 336 - البحار، ج 22، ص 214.
3- الغدير : ج 3، ص 238 .
4- تنقيح المقال : ج 2 ، ص 462 .
5- الاصابة : ج 4 ، ص 275.

في مناجاة الله عزّ وجلّ وعبادته في غار حراء، وكان علي(علیه السّلام)وخديجة(سلام الله علیها)بجانبه ، فنزل عليه الوحي جبرئيل الأمين، وبشّره بالرسالة وقرأ عليه هذه الآيات من الله سبحانه وتعالى:

«بسم الله الرحمن الرحيم، اقرأ باسم ربّك الذي خلق، خلق الانسان من علق،اقرأ وربك الأكرم،الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم».(1)

وبتلقي الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)أول شعاع الوحي، تعب جداً وجاء عند خديجة(سلام الله علیها)وقال: زملوني ودتّروني.

ومن جهة أخرى كان بيان وإعلان الرسالة للمشركين عمل خطير وصعب للغاية، وكان قد وقع الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)تحت ضغوط معنوية (الوحي)، وظاهرية(المبارزة ضد المشركين)، وعندما كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يستريح في فراشه نزل جبرئيل(علیه السّلام)بالآيات الأولى لسورة المدثر (1-7): ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ ، وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، وَ لا تَمْنُنْ وَ لَا تَسْتَكْثِرُ وَ لِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾.

بالرغم من ان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان متيقن من أن الذي حصل له هو من عند الله ومن رسوله جبرئيل(علیه السّلام)، إلا أنه اضطرب وخاف ، ولكن اضطراب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان طبيعياً، لأن الروح مهما كانت قوية وتتحمل وترتبط ارتباطاً روحانياً بالغيب إلا أنها في البداية عند لقائها بالملائكة التي لم تلتقي بها من قبل وعلى قمة الجبل، ستضطرب وتخاف.

جاء الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الى البيت في مثل تلك الحالة وكان الشخص الوحيد الذي استقبله وصبّره وثبته بقوّة قلبية وسكنه هو السيدة خديجة(سلام الله علیها).

كانت ابتسامتها تطمئنه وتسكنه وترفع الاضطراب والخوف من وجه محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)وتخرجه من هذه الحالة، كانت تقول بابتسامتها اللطيفة: بشراك يا رسول الله ، أقسم بالله ، إن الله لا يريد لك إلا الخير، فابشر فإنك رسول الله سبحانه وتعالى.(2)

بالرغم من أن خديجة(سلام الله علیها)كانت مطمئنة بحقانية الوحي وطلوع أول الاسلام، إلا أنها كانت تريد مثل جدّها التاسع والعشرين ابراهيم الخليل عليه وعلى نبينا السلام أن يطمئن قلبها (كما جاء في الآية 260 من سورة البقرة).

لذلك كانت تستشير كثيرا ابن عمها ورقة بن نوفل في هذا الأمر وتطلب منه إبداء رأيه.

قال ورقة: يا خديجة، فإذا أتته الحالة فاكشفي عن رأسك فإن خرج فهو ملك، وإن بقي فهو شیطان، فنزعت خمارها فخرج الجائي، فلما اختمرت عاد.(3)

وعلى هذا الأساس، روي أن خديجة(سلام الله علیها)قالت الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وحتى تطمئن وتبعد عن قلبها أي الالها لها شك: أي يا بن العم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟

قال: نعم،قالت: فإذا جاءك فأخبرني.

ص: 75


1- سورة القلم: 1-5.
2- اقتباسا عن البحار: ج 16 ، ص 10.
3- البحار: ج 18، ص 195 .

فجاء جبرئيل(علیه السّلام) فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) لخديجة(سلام الله علیها): يا خديجة، هذا جبرئيل قد جاءني.

قالت قم يا بن العم فاجلس على فخذي اليسرى ، فقام الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)فجلس عليها، قالت: هل تراه؟ قال: نعم.

قالت : فتحوّل فاقعد على فخذي الأيمن، فتحوّل، فقالت: هل تراه؟،قال: نعم.

قالت: فاجلس في حجري، ففعل، قالت: هل تراه؟ قال: لا.

قالت: يا بن عم أثبت وأبشر،فو الله إنه لملك وما هو بشيطان.(1)

وروي أن جبرئيل(علیه السّلام)أخرج قطعة ديباج فيها خط فقال: اقرء، قلت: كيف اقرء ولست بقارئ؟ إلى ثلاث مرات، فقال في المرة الرابعة،«اقرء باسم ربك» الى قوله: «ما لم يعلم»، ثم أنزل الله تعالى جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ومع كل واحد منهما سبعون الف ملك، وأتى بالكرسي ووضع تاجاً على رأس محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)وأعطى لواء الحمد بيده فقال: اصعد عليه واحمد الله، فلما نزل عن الكرسي توجه إلى خديجة(سلام الله علیها)فكان كل شيء يسجد له ويقول بلسان فصيح السلام عليك يا نبي الله.

فلما دخل الدار صارت منورة ، فقالت خديجة(سلام الله علیها):وما هذا النور؟

قال: هذا نور النبوة، قولي: لا إله إلا الله،محمد رسول الله.

فقالت: طال ما قد عرفت ذلك، ثم أسلمت .

فقال: يا خديجة إني لأجد بردا، فدثّرت عليه فنام فنودي: «يا أيها المدثر» الآية، فقام وجعل إصبعه في إذنه وقال: الله أكبر، الله أكبر فكان كل موجود يسمعه يوافقه .(2)

لقاء خديجة(سلام الله علیها)بورقة بن نوفل وحديثه

ذكرنا من قبل أن ورقة بن نوفل ابن عم خديجة(سلام الله علیها)كان من علماء ورهبان المسيحية وأهل المطالعة وكانت خديجة(سلام الله علیها)تستشيره في الاعمال وكان له دور مهم في تحقيق زواج خديجة(سلام الله علیها)بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

وبناءاً على بعض الروايات، صمّمت خديجة(سلام الله علیها)الذهاب الى ابن عمها العالم ورقة بن نوفل عندما نزل الوحي على الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وقبل بالاسلام، وشرحت له ما جرى عند طلوع أول الاسلام، فأتت الى ورقة وقالت: أخبرني عن جبرئيل ما هو ؟

قال: قدوس قدوس ما ذكر جبرئيل في بلدة لا يعبدون فيها الله .

قالت إن محمد بن عبد الله أخبرني أنه أتاه.

قال: فإن كان جبرئيل هبط إلى هذه الارض لقد أنزل الله إليها خيرا عظيما، هو الناموس الاكبر الذي أتى موسى وعيسى عليهما السلام بالرسالة والوحي.

ص: 76


1- اقتباسا عن البحار: ج 16 ، ص 11.
2- البحار: ج 18، ص 196 - 197.

قالت: فأخبرني هل تجد فيما قرأت من التوراة والانجيل أن الله يبعث نبيا في هذا الزمان يكون يتيما فيؤويه الله،وفقيرا فيغنيه الله تكفله امرأة من قريش أكثر هم حسبا، وذكرت كلاما آخر .

فقال لها:نعته مثل نعتك يا خديجة ؟

قالت: فهل تجد غيرها؟

قال: نعم إنه يمشي على الماء كما مشى عيسى بن مريم وتكلمه الموتى كما كلمت عيسى بن مریم(سلام الله علیها)وتسلم عليه الحجارة وتشهد له الاشجار.(1)

خديجة(سلام الله علیها)الشريكة هموم زوجها ومسكنته

انه كان من بدء أمر رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)أنه رأى في المنام رؤيا فشق عليه، فذكر ذلك لصاحبته خديجة(سلام الله علیها)، فقالت له: أبشر، فإن الله تعالى لا يصنع بك إلا خيراً.

فذكر لها أنه رأى أن بطنه اخرج فطهر وغسل ثم أعيد كما كان، قالت: هذا خير فأبشر.

كانت خديجة(سلام الله علیها)في مثل هذه الظروف، دائماً الصديقة والمؤنسة وشريكة لهموم الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولو الكلام تمر حادثة على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، وتحزنه كان الله سبحانه وتعالى يفرجها بواسطة خديجة(سلام الله علیها)وكانت تثبته وتخفف عنه وتهون عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله.(2)

حديث قصير :

عندما كان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)يواجه المشاكل والهموم والتجريح باللسان خارج المنزل في دعوته الناس للاسلام، كانت خديجة(سلام الله علیها)هي المرهم الجروح رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ومسكنة قلبه، وهذا الموضوع يدلّ على مقام السيدة خديجة(سلام الله علیها)التي هي أساس تسكين قلب عالم الامكان والوجود.

لقاء وحديث خديجة(سلام الله علیها)بعداس

عداس هو أحد الرهبان المسيحية والذي كان يعيش في مكة وكان شيخاً كبيراً.

عندما انصرفت خديجة(سلام الله علیها)عن ورقة،ذهبت الى عدّاس الراهب وكان شيخا قد وقع حاجباه على

عينيه من الكبر فقالت: يا عداس أخبرني عن جبرئيل ما هو ؟

فقال: قدوس قدوس وخرّ ساجدا، وقال: ما ذكر جبرئيل في بلدة لا يذكر الله فيها ولا يعبد.

قالت: أخبرني عنه.

قال: لا والله اخبرك حتى تخبرني من أين عرفت اسم جبرئيل؟

قالت: لي عليك عهد الله وميثاقه بالكتمان ؟

ص: 77


1- البحار: ج 18، ص 228.
2- البحار : ج 16 ، ص 10.

قال: نعم.

قالت: أخبرني به محمد بن عبد الله أنه أتاه.

قال عداس : ذلك الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى(علیهم السّلام)بالوحي والرسالة، والله لئن كان نزل جبرئيل على هذه الارض لقد نزل إليها خير عظيم، ولكن يا خديجة إن الشيطان ربما عرض للعبد فأراه أمورا ، فخذي كتابي هذا فانطلقي به إلى صاحبك فإن كان مجنونا فإنه سيذهب عنه، وإن كان من أمر الله فلن يضره.

ثم انطلقت بالكتاب معها، فلما دخلت منزلها إذا هي برسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)مع جبرئيل(علیه السّلام)قاعد يقرؤه هذه الآيات: «ن، والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون، وإن كل لاجرا غير ممنون، وإنك لعلى خلق عظيم، فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون»أي الضال، أو المجنون، فلما سمعت خديجة قراءته اهتزت فرحا .

ثم رآه(صلی الله علیه و آله و سلم)علاس فقال: اكشف لي عن ظهرك، فكشف فإذا خاتم النبوة يلوح بين كتفيه، فلما نظر عداس إليه خرّ ساجدا يقول : قدوس قدوس، أنت والله النبي الذي بشر بك موسى وعيسى عليهما السلام أما والله يا خديجة ليظهرن له أمر عظيم،ونبأ كبير، فوالله يا محمد إن عشت حتى تؤمر بالدعاء لاضربن بين يديك بالسيف هل أمرت بشئ بعد ؟ قال : لا .

قال: ستؤمر ثم تؤمر ثم تكذب ثم يخرجك قومك والله ينصرك وملائكته.

فعاد النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)الى داره .(1)

إسلام ورقة بن نوفل

وبالنسبة لعاقبة ورقة بن نوفل ابن عم خديجة(سلام الله علیها) والذي أرشدها بإرشادات قيمة وخيّرة جاءت روایتان في ذلك، وهنا نلفت نظركم الى تلك الروايتان:

1 - كان ورقة بن نوفل شيخاً كبيراً قد عمي،فقالت له خديجة: أي ابن عم اسمع من إبن أخيك. فقال ورقة:يا ابن أخي ما ترى؟

فأخبره رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، فقال ورقة : هذا الناموس الاكبر الذي أنزله الله تعالى على موسى(علیه السّلام)يا ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك. فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم):أو مخرجيهم؟

قال: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.

ثم لم ينشب ورقة أن توفي، ولم يوفّق لأن يعلن ويظهر إسلامه.(2)

والرواية التالية تؤكد ذلك المطلب:

ص: 78


1- المنتقى في مولود المصطفى: باب 2 حوادث السنة الأولى للبعثة - البحار : ج 18، ص 228-229 .
2- البحار : ج 18، ص 228.

سأل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)خديجة(سلام الله علیها): إلى أين وصل ورقة في الاسلام؟

قالت خديجة(سلام الله علیها) : لقد صدقك ولكن أجله لم يمهله وتوفي قبل أن يظهر إسلامه.

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ، ولو كان من أهل النار لم تكن عليه ثياب بيض».

ويقول العلامة المجلسي بعد نقل هذه الرواية : يقول مفسّرون الأحلام: الثياب في الأحلام هو الدين، وبياضه طهارة دينه عن الفساد والانحرافات(1).

2- رأى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)جبرئيل بهيئته كثيراً في غار حراء مع ميكائيل والملائكة، وقد جاءوا بكرسي من الجنة، وأعطوا الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لواء الحمد ووضعوا تاج النبوة على رأسه ، وقالوا له: اصعد عليه واحمد الله وعمل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بذلك ...

عندما كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ينزل من جبل حراء ويتجه الى المنزل، كان كل شيء في طريقه يسجد له ويقول بلسان فصيح : السلام عليك يا نبي الله.

عندما رأى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)جبرئيل(علیه السّلام) ، رآه ورأسه في السماء ورجليه في الأرض وجناحيه يغطي الشرق وغرب الارض وقد كتب بين عينيه: لا اله إلا الله،محمد رسول الله.

قال له الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم): من أنت يرحمك الله ، فلم أر مثلك بين المخلوقات في عظمتك وجمال وجهك ؟

قال له ذلك الملك العظيم: أنا جبرئيل الروح الأمين، أنزل على كل الأنبياء والرسل.

عندما عاد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)الى البيت أخبر خديجة(سلام الله علیها)بهذه الحادثة العجيبة ، فأتت خديجة(سلام الله علیها)ابن عمها ورقة وأخبرته بهذه الحادثة.

قال لها ورقة ابشري فإن هذا الملك هو الناموس الأكبر، ثم أنشد بهذه الأبيات:

انه ابن علبدالله أحمد مرسل *** الى كلّ من ضمّت عليه الأباطحُ

وظنّي به أن سوف يبعث صادقاً *** كما أرسل العبدان نوح وصالح

وموسى وابراه م حتى يرى له *** بهاء ومنشور من الذكر واضح(2)

صدّق واطمئن ورقة بأن محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)قد وصل الى مقام الرسالة، حتى أنه بعد هذه الواقعة، وفي ذات يوم جاء الى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)عند الطواف بالكعبة وأظهر إيمانه وإسلامه وقال الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم):

ص: 79


1- البحار: ج 61 ، ص 227 .
2- جاء نظير هذا المطلب في رواية أخرى ونقل التالي في الجزء الأخير منها : قام ورقة وقبل رأس رسول الله ، قال : أبشر ، إنك النبي الذي بشّر به موسى وعيسى عليهما السلام، وإنك لنبي مرسل، وسيأمرك الله قريب للجهاد، ثم التفت الخديجة وأنشد بالأبيات التالية: فان یک حقا یا خدیجة فاعلمی *** حدیثک ایانا فأحمد مرسل وجبریل یأتیه و میکال معها *** من الله وحی یشرح الصدر منزل یفوز به من فاز عزا لدینه *** ویشقی به الغاوی الشقی الضلل فریقان منهم:فرقة فی جنازه *** ولخری بأغلال الحجیم تغلل ونقل أيضا قصيدة طويلة أخرى لورقة في مستدرك الحاكم : ج 2، ص 609 .

أقسم بالله أنك نبي هذه الأمة، وستأمر عن قريب بالجهاد والمبارزة ضد المشركين، يا ليت يطول عمري حتى أحارب أعدائك بجنبك.

ثم قبل رأس الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وأسلم، وكان شيخاً كبيراً وأعمى، وبعد عدة أيام توفى، وقد تقدّم على جميع أهل مكة - فيما عدا عدة أشخاص - في القبول بالاسلام بالرغم من أنه كان من العلماء المسيحيين.

وقال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)فيه: لقد رأيت القس في الجنّة، عليه ثياب خضر ، لأنه آمن بي وصدّقني.(1)

إسلام وصلاة خديجة(سلام الله علیها)في السنوات الأولى الصعبة للبعثة

يقول أمير المؤمنين علي(علیه السّلام)في إحدى خطبه التي جاءت في نهج البلاغة:

ولقد كان يجاور كلّ سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرّسالة وأشُمُّ ريح النّبوّة.(2)

وهناك رواياتٍ عديدة تؤكّد هذا المطلب، منها:

1 - قال أمير المؤمنين علي(علیه السّلام)في ردّه على يهودي: كنت أول من أسلم، فمكثنا بذلك ثلاث حجج، وما على وجه الارض خلق يصلى ويشهد لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بما أتاه غيري، وغير ابنة خويلد رحمهما الله وقد فعل .(3)

2- نقل أسد بن عبد الله البجلي عن يحيى عن عفيف بن قيس الكندي(4)أنه قال: جئت في الجاهلية إلى مكة وأنا أريد أن ابتاع لاهلي من ثيابها وعطرها فأتيت العباس بن عبد المطلب وكان رجلا تاجرا فأنا عنده جالس حيث أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت وذهبت إذ جاء شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم قام مستقبل الكعبة ثم لم ألبث إلا يسيرا حتى جاء غلام فقام على يمينه ، ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى جاءت إمرأة فقامت خلفها، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة ، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة فقلت : يا عباس أمر عظيم.

قال العباس : أمر عظيم، أتدري من هذا الشاب؟

قلت : لا .

قال : هذا محمد بن عبد الله ابن أخي. أتدري من هذا الغلام؟ هذا علي ابن أخي. أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته، إن إبن أخي هذه أخبرني أن ربه رب السماء والارض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ، ولا والله ما على الارض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة(5).

ص: 80


1- رياحين الشريعة : ج 2 ، ص 258 - 259 .
2- نهج البلاغة،خطبة رقم 192 (الخطبة القاصعة).
3- البحار: ج 16 ، ص 2 .
4- هذه الرواية معروفة برواية «عُفيف» وهي من الروايات المشهورة والمتواترة.
5- الغدير : ج 3، ص 226 ، نقلا عن المصادر المتعددة لأهل السنة، منها تاريخ الطبري: ج 2، ص21 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13 ، ص 226 ، مع التوجه الى أن ابن أبي الحديد كتب في نهج البلاغة ( ج 13، ص 208 أنه : قال أبو طالب ما أعلمُ على الأرض كلّها أحداً على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.

3- نقلت هذه الحادثة في رواية أخرى باختلاف بسيط عبد الله بن مسعود ويفضّل ذكرها هنا، يقول:

أول شيء علمته من أمر رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)اني قدمت مكة مع أعمامي وناس لي من قومي، وكان من أنفسنا شراء عطر فأرشدنا إلى العباس بن عبد المطلب، فانتهينا إليه، وهو جالس إلى زمزم، فبينا نحن عنده جلوسا، إذ أقبل رجل من باب الصفا، وعليه ثوبان أبيضان، وله وفرة إلى أنصاف أذنيه، جعدة، أشمّ أقنى ، أدعج العينين، كثّ اللحية، براق الثنايا ، أبيض تعلوه حمرة، كأنه القمر ليلة البدر، وعلى یمینه غلام مراهق أو محتلم،حسن الوجه، تقفوهم امرأة، قد سترت محاسنها، حتى قصدوا نحو الحجر، فاستلمه واستلمه الغلام ، ثم استلمته المرأة، ثم طاف بالبيت سبعاً، والغلام والمرأة يطوفان معه، ثم استقبل الحجر فقام ورفع يديه وكبّر، وقام الغلام إلى جانبه، وقامت المرأة خلفهما، فرفعت يديها وكبّرت، فأطال القنوت ، ثم ركع وركع الغلام والمرأة، ثم رفع رأسه فأطال، ورفع الغلام والمرأة معه يصنعان مثل ما يصنع فلما رأينا شيئاً ننكره، لا نعرفه بمكة، أقبلنا على العباس، فقلنا: يا أبا الفضل، إن هذا الدين ما كنا نعرفه فيكم.

قال: أجل والله.

قلنا: فمن هذا؟

قال: هذا ابن أخي،هذا محمد بن عبد الله، وهذا الغلام ابن أخي أيضا، هذا عليّ بن أبي طالب،وهذه خديجة بنت خويلد، والله ما على وجه الارض أحدٌ يدين بهذا الدّين إلا هؤلاء الثلاثة.(1)

4 - جاء في رواية أخرى أنه نقل عن عبد الله بن عبّاس أنه قال: بينما رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)قائم يصلي مع خديجة إذ طلع عليه علي بن أبي طالب(علیه السّلام)فقال له: ما هذا يا محمد؟

قال: هذا دين الله.

فآمن به وصدقه، ثم كانا يصلّيان ويركعان ويسجدان ، فأبصر هما أهل مكة ففشى الخبر فيهم أن محمداً قد جن، فنزلت: «ن، والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون».(2)

وبالطبع هناك روايات عديدة تؤكد بأن علي(علیه السّلام)هو أول شخص صلّى مع الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).(3)

توضيح عن الصلاة في بداية البعثة

بالرغم من أن الصلاة قد فرضت في ليلة المعراج بناءاً على الأقوال المعروفة حيث حصل المعراج في ليلة السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية أو الثالثة أو الرابعة للبعثة(4)، فإنّ هناك سؤالاً يُطرح هنا وهو ما هي الصلاة التي كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)و على(علیه السّلام)وخديجة(سلام الله علیها)يصلونها ؟

ص: 81


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 3، ص 225-226 .
2- البحار : ج 38، ص 202 .
3- البحار: ج 38، ص 203 .
4- البحار: ج 18 ، ص 379 - 381.

الجواب هو:

1 - أن الذي نستفيده من الروايات هو أنه في ليلة المعراج تم تخفيف وتقليل الصلوات والتي كانت خمسين ركعة الى سبعة عشر ركعة .(1)

2 - أن الصلاة كانت موجودة في بداية البعثة ولكن كيفيتها هي التي اختلفت في السنوات التالية، مثلما تبيّن هذه الحقيقة السور التي نزلت في مكة في بداية البعثة مثل سورة الكوثر وسورة الماعون.....،كما أن من جهة أخرى تتحدث الآية (43) من سورة المدثر والتي نزلت عند بداية البعثة عن الصلاة، وأيضا سورة المزّمّل والتي نزلت عند ابتداء البعثة، تتحدث عن الصلاة .

3-وبالفرض أنه إذا كانت الصلاة لم تفرض بعد، فإن الصلاة المستحبة كانت موجودة.

وبالنسبة الى الأمر بأداء الصلاة في بداية البعثة رُوى أنه: في الأيام الاولى من البعثة ذهب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ذات يوم الى أعلى مكة، فأتاه جبرئيل وهو بأعلى مكة، فغمز بعقبه بناحية الوادي فانفجر عين فتوضأ جبرئيل، وتطهر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثم صلّى الظهر، وهي أول صلاة فرضها الله عزّ وجلّ، وصلّى أمير المؤمنين(علیه السّلام)مع النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، ورجع الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)من يومه الى خديجة فأخبرها، فتوضأت وصلت صلاة العصر من ذلك اليوم.(2)

وروى أيضاً: أنه لما أتى للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأن آتياً أتاه فيقول: يا رسول الله، فينكر ذلك، فلما طال عليه الأمر ، كان يوماً بين الجبال يرعى غنماً لأبي طالب فنظر الى شخص يقول له: يا رسول الله، فقال له : من أنت؟

قال: أنا جبرئيل،أرسلني الله إليك ليتخذك رسولاً، فعاد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الى البيت، وأخبر خديجة بذلك.

فقالت خديجة(سلام الله علیها): يا محمد أرجو أن يكون كذلك.

فنزل عليه جبرئيل وأنزل عليه بماء من السماء، فقال: يا محمد توضأ، فعلمه الوضوء والركوع والسجود، فلما تم له أربعون سنة علّمه حدود الصلاة ولم ينزل عليه أوقاتها فكان يصلي ركعتين ركعتين في كل وقت.(3)

سرور أبي طالب بصلاة جعفر بجانب على(علیه السّلام)وخديجة(سلام الله علیها)

جاء بناءاً على الروايات أنه في الثلاث السنوات الأولى من البعثة لم يكن هناك أحد غير الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وعلي(علیه السّلام)و خديجة(سلام الله علیها)الذين صلوا صلاة الجماعة، وغالباً كانوا يقيمونها في الغارات والأماكن المخفية في الجبال بعيداً عن أنظار المشركين.

ص: 82


1- الشرح في البحار : ج 18 ، ص 319-331
2- البحار : ج 18، ص 196.
3- مناقب آل أبيطالب : ج 1 ، ص 44 .

ذات يوم مرّ أبو طالب على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ومعه جعفر الطيار، فنظر إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وعلي(علیه السّلام) بجنبه يصلّيان صلاة الجماعة وتقف خديجة(سلام الله علیها)خلفهما، فقال الجعفر: يا جعفر صل(1)جناح ابن عمّك، فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر، واقتدوا به وصلّى صلاة الجماعة.

وفي تلك الحالة أنشد أبو طالب الأبيات التالية وهو مسرور الاسلام و جعفر(علیه السّلام)وقال :

ان علیا وجعفراً ثقتی *** عند ملم الزمان و الکرب

والله لا أخذل النبی ولا *** یخذاله من بنی ذو حسب

ولا تخذلا و انصار ابن عمّکما *** أخی لأمّی من بینهم و أبی(2)

وجاء طبقاً لبعض الروايات، أن زيد بن حارثة كان معهم أيضاً .(3)

و هنا أیضا نری أن خديجة(سلام الله علیها)البطلة القوية والثابته اقتدت مع البطل الذي ليس له نظير في التاريخ علی(علیه السّلام) بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وصلت من قبل أن يصلّي جعفر الطيار، مع التوجه الى أن في ذلك الوقت كان لأداء الصلاة كأمر من الدين الإسلامي، خطورة الموت الشديد وتعذيب أصعب من الموت.

تصديق خديجة(سلام الله علیها)الأوامر الاسلام وبيعتها بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)على(علیه السّلام)

يقول عيسى بن مستفاد: عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألت عن بدء الاسلام كيف أسلم علي ؟ وكيف أسلمت خديجة ؟

فقال : تأبى إلا أن تطلب أصول العلم ومبتدأه، أما والله إنك لتسأل تفقها، ثم قال: سألت أبي(سلام الله علیها)عن ذلك فقال لي: لما دعاهما رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا علي و يا خديجة أسلمتها الله وسلمتها له، وقال إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الاسلام فأسلما تسلما، وأطيعا تهديا.

فقالا: فعلنا وأطعنا يا رسول الله.

فقال : إن جبرئيل عندي يقول لكما إن للاسلام شروطا وعهودا ومواثيق، فابتدءاه بما شرط الله عليكما لنفسه ولرسوله أن تقولا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه،لم يتخذ ولدا ولم يتخذ صاحبة،إلها واحدا مخلصا ، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة بين يدي الساعة ،ونشهد أن الله يحيي ويميت ويرفع ويضع ويغني ويفقر ويفعل ما يشاء ويبعث من في القبور.

قالا: شهدنا .

ص: 83


1- أي لما كان علي(علیه السّلام)في أحد جنبيه بمنزلة جناح واحد فقف بجنبه الآخر ليتمّ جناحاه، ويحتمل التشديد من الصلاة.
2- أعيان الشيعة،طبعة الارشاد : ج 4 ، ص 119 - البحار، ج 35 ، ص 38 .
3- البحار : ح18 ، ص 184 .

قال: وإسباغ الوضوء على المكاره ، وغسل الوجه واليدين والذراعين ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين، وغسل الجنابة في الحر والبرد، وإقام الصلاة، وأخذ الزكاة من حلها، ووضعها في أهلها، وحج البيت، وصوم شهر رمضان،والجهاد في سبيل الله، وبرّ الوالدين، وصلة الرحم والعدل في الرعيّة والقسم بالسوية والوقوف عند الشبهة ورفعها إلى الامام،فإنه لا شبهة عنده، وطاعة ولي الامر بعدي،ومعرفته في حياتي وبعد موتي، والائمة من بعده واحد بعد واحد ، وموالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله والبراءة من الشيطان الرجيم وحزبه وأشياعه، والبراءة من الاحزاب والحياة على ديني وسنتي ودين وصبي، وستته إلى يوم القيامة والموت على مثل ذلك، وترك شرب الخمر وملاحاة(1)الناس،يا خديجة فهمت ما شرط ربك عليك ؟

قالت: نعم وآمنت وصدقت ورضيت وسلمت.

قال علي: وأنا على ذلك.

فقال: يا علي تبايعني على ما شرطت عليك؟ قال: نعم.

قال: فبسط رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)كفه ووضع كف علي(علیه السّلام)في كفّه وقال : بايعني يا علي على ما شرطت عليك وأن تمنعني مما تمنع منه نفسك.

فبكى علي(علیه السّلام): وقال : بأبي وأمي لا حول ولا قوة إلا بالله.

فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : اهتديت ورب الكعبة ورشدت ووفقت،أرشدك الله يا خديجة ضعي يدك فوق يد علي فبايعي له .

فبايعت على مثل ما بايع عليه علي بن أبي طالب(علیه السّلام)على أنه لا جهاد عليها.

قالت: صدقت یا رسول الله قد بايعته على ما قلت،أشهد الله وأشهدك وكفى بالله شهيدا عليها.(2)

وبهذا الترتيب وقفت خديجة(سلام الله علیها)في صف على(علیه السّلام)وبالتعاون معه اعترفا بدرجات كمال الإيمان،وشهدا و جددا بيعتهما بثبات وقوة.

حفظ الإسلام على مدى ثلاث سنوات سرا

كانت الظروف والشرائط المحيطة بمكة وأطرافها تسبب خطر الموت للذي يظهر الاسلام، لذلك أخفى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)و على(علیه السّلام)و خديجة(سلام الله علیها)والبعض الآخر إسلامهم، واتقوا في ظروف صعبة، حتى نزلت الآية (94) و (95) من سورة الحجر على الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لنشر الاسلام وإفشائه.

ونقل عن الامام الصادق(علیه السّلام): أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان يعيش في مكة لمدّة خمس سنوات بصورة مخفية،

ص: 84


1- الملاحاة: المنازعة،الملاومة.
2- الطّرف سیّد بن طاووس : ج 4 ، ص 6 - البحار: ج18، ص 232-233 .

وكان علي(علیه السّلام)وخديجة(سلام الله علیها)معه، وقد أخفوا إسلامهم وأتقوا بشدّة.(1)

هذه الرواية أيضا تبين مدى إيثار السيّدة خديجة(سلام الله علیها)ومقاومتها القوية والثابته والمحكمة،السيدة التي تخلّت عن جميع شئون الدنيا للاسلام وكانت حاضرة للعيش بصورة خفية في أصعب الظروف لمدة ثلاث سنوات أو خمس سنوات وتحمّلت الآلام ومرارة الوحدة والاحساس بالخطر الشديد، حقاً أية مقاومة وإيثار أعلى من مقاومتها وإيثارها.

إيثار خديجة(سلام الله علیها)ومقاومتها بصلابة في حمايتها للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)

قال المحققون المسلمون بشأن خديجة : وكانت خديجة وزيرة صدقٍ على الإسلام، وكان رسول الله يسكن إليها .(2)

وحتى نلمس مدى إيثار خديجة(سلام الله علیها)المخلص والسخي وقمته وقمّة مقاومتها وهمتها وتحملها، وثباتها وبحثها توجّهوا للحادثة العجيبة الآتية:

لما أنزل الله تعالى: «فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين»(3)، قام رسول الل(صلی الله علیه و آله و سلم)على الصفا ونادى في أيام الموسم : يا أيها الناس إني رسول الله رب العالمين.

فرمقه الناس بأبصارهم، قالها ثلاثا، ثم انطلق حتى أتى المروة ثم وضع يده في أذنه ثم نادى ثلاثا بأعلى صوته: يا أيها الناس إني رسول الله،ثلاثا، فرمقه الناس بأبصارهم، ورماه أبو جهل قبحه الله بحجر فشج بين عينيه، وتبعه المشركون بالحجارة فهرب حتى أتى الجبل فاستند إلى موضع يقال له: المتكأ وجاء المشركون في طلبه، وجاء رجل إلى علي بن أبي طالب(علیه السّلام)و قال : يا علي قد قتل محمد.

فانطلق إلى منزل خديجة -(سلام الله علیها)- فدق الباب فقالت خديجة من من هذا؟

قال: أنا علي.

قالت: يا علي ما فعل محمد ؟

قال : لا أدري إلا أن المشركين قد رموه بالحجارة، وما أدري أحي هو أم ميت، فأعطيني شيئا فيه(4)ماء وخذي معك شيئا من هيس وانطلقي بنا نلتمس رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فإنا نجده جائعا عطشانا.

فمضى حتى جاز الجبل وخديجة معه فقال علي: يا خديجة استبطني(5)الوادي حتى أستظهره، فجعل ينادي: يا محمداه،يا رسول الله،نفسي لك الفداء في أي وادٍ أنت ملقى؟

وجعلت خديجة تنادي: من أحس لي النبي المصطفى؟ من أحس لي الربيع المرتضى؟ من أحس لي المطرود في الله ؟ من أحس لي أبا القاسم؟

وهبط عليه جبرئيل(علیه السّلام)فلما نظر إليه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)بكى وقال: ماترى ما صنع بي قومي ؟ كذبوني

ص: 85


1- كمال الدين الصدوق: ص 197.
2- البحار: ج 16 ، ص 11 .
3- سورة الحجر: 94-95 ، المشهور أن هذه الآية نزلت في بداية السنة الرابعة للبعثة.
4- هكذا في النسخة ومصدره، ولعله مصحف حيس قال الفيروز آبادی :الحيس الخلط، وتمر يخلط بسمن واقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق.
5- أى أدخلى أنت بطن الوادى حتى أعلو أنا ظهره.

وطردوني وخرجوا علي.

فقال: يا محمد ، ناولني يدك، فأخذ يده فأقعده على الجبل، ثم أخرج من تحت جناحه در نوكا(1)من درانيك الجنة منسوجا بالدر والياقوت وبسطه حتى جبل به جبال تهامة، ثم أخذ بيد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)حتى أقعده عليه ، ثم قال له جبرئيل : يا محمد أتريد أن تعلم كرامتك على الله ؟

قال: نعم.

قال: فادع إليك تلك الشجرة تجبك.

فدعاها فأقبلت حتى خرت بين يديه ساجدة، فقال : يا محمد مرها ترجع، فأمرها فرجعت إلى مكانها، وهبط عليه إسماعيل حارس السماء الدنيا فقال: السلام عليك يا رسول الله، قد أمرني ربي أن أطيعك، أفتأمرني أن أنثر عليهم النجوم فأحرقهم.

وأقبل ملك الشمس فقال: السلام عليك يا رسول الله، أتأمرني أن آخذ عليهم الشمس فأجمعها على رؤوسهم فتحرقهم.

وأقبل ملك الارض فقال: السلام عليك يا رسول الله: إن الله عزّ وجلّ قد أمرني أن أطيعك، أفتأمرني أن آمر الارض فتجعلهم في بطنها كما هم على ظهرها ؟

وأقبل ملك الجبال فقال: السلام عليك يا رسول الله إن الله قد أمرني أن أطيعك،أفتأمرني أن آمر الجبال فتنقلب عليهم فتحطمهم؟

وأقبل ملك البحار فقال : السلام عليك يا رسول الله، قد أمرني ربى أن أطيعك،أفتأمرني أن آمر البحار فتغرقهم؟

فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): قد أمرتم بطاعتي؟

قالوا: نعم، فرفع رأسه إلى السماء ونادى: إني لم أبعث عذابا، إنما بعثت رحمة للعالمين، دعوني وقوم فإنهم لا يعلمون.

ونظر جبرئيل(علیه السّلام)إلى خديجة تجول في الوادي فقال : يا رسول الله ألا ترى إلى خديجة، قد أبكت لبكائها ملائكة السماء ؟ ادعها إليك فأقرئها مني السلام، وقل لها : إن الله يقرئك السّلام، وبشّرها أن لها في الجنة بيتا من قصب لا نصب فيه ولا صخب ، لؤلؤا مكللا بالذهب(2).

فدعاها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)و الدماء تسيل من وجهه على الارض، وهو يمسحها ويردها قالت فداك أبي وأمي دع الدمع يقع على الارض.

قال : أخشى أن يغضب رب الأرض على من عليها.

فلما جن عليهم الليل انصرفت خديجة رضي الله عنها ورسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وعلي (علیه السّلام)ودخلت به منزلها،

ص: 86


1- الدرنوك والدرنيك : نوع من البسط له خمل.
2- طبقاً لرواية أخرى، قال جبرئيل(علیه السّلام): هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطى فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا أتتك فاقرأ من ربها ، و مني السلام ....... البحار : ج 16 ، ص 8.

فأقعدته على الموضع الذي فيه الصخرة، وأظلته بصخرة من فوق رأسه، وقامت في وجهه تستره ببردها، وأقبل المشركون يرمونه بالحجارة ، فإذا جاءت من فوق رأسه صخرة وقته الصخرة، وإذا رموه من تحته وقته الجدران الحيط، وإذا رمي من بين يديه وقته خديجة - رضي الله عنها - بنفسها، وجعلت تنادي: يا معشر قريش ترمى الحرّة في منزلها ؟

فلما سمعوا ذلك انصرفوا عنه، وأصبح رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وغدا إلى المسجد يصلي .(1)

خديجة(سلام الله علیها)إحدى مرتيات علی

(علیه السّلام)

قبل البعثة بسنوات، أصابت قريشا أزمة مهلكة وسنة مجدبة منهكة، وكان أبو طالب ذا مال يسير وعيال كثير، فأصابه ما أصاب قريشا من العدم والاضافة والجهد والفاقة، فعند ذلك دعا رسول الله ) ص) عمه العباس فقال له: يا أبا الفضل إن أخاك كثير العيال مختل الحال، ضعيف النهضة والعزيمة، وقد نزل به ما نزل من هذه الأزمة، وذو الأرحام أحق بالرفد وأولى من حمل الكل(2)في ساعة الجهد، فانطلق بنا إليه لنعينه على ما هو عليه، فلنحمل بعض أثقاله، ونخفف عنه من عياله، يأخذ كل واحد منا واحدا من بنيه ليسهل بذلك عليه بعض ما هو فيه.

فقال العباس : نعم ما رأيت والصواب فيما أتيت، هذا والله الفضل الكريم و الوصل الرحيم.

فلقيا أبا طالب فصبّراه ولفضل آبائهما ذكراه، وقالا له: إنا نريد أن نحمل عنك بعض الحال، فادفع إلينا من أولادك من تخفف عنك به الاثقال.

فقال أبو طالب : إذا تركتما لي عقيلا وطالبا فافعلا ما شئتما.

فأخذ العباس جعفرا وأخذ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)عليّاً، فانتجب لنفسه واصطفاه لمهم أمره، وعوّل عليه في سره وجهره وهو مسارع الموصوفاته، موفق للسداد في جميع حالاته.

وقد روي من طريق آخر أن العبّاس بن عبد المطلب أخذ جعفرا وأخذ حمزة طالبا وأخذ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)علما .

وجاء في رواية أخرى أن حمزة أخذ جعفرا و العبّاس أخذ طالباً.(3)

أخذ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)عليّاً وعمره ستة سنوات، ومنذ ذلك الوقت وحتى طلوع الاسلام كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وخديجة(سلام الله علیها)يتوليان أمر على(علیه السّلام)تربيته .(4)

جاء في كتاب المناقب:

وأخذ رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)علياً وهو ابن ست سنين كسته يوم أخذه أبو طالب قربته خديجة(سلام الله علیها)والمصطفى(صلی الله علیه و آله و سلم)الى أن جاء الاسلام وتربيتها أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد.(5)

ص: 87


1- المنتقى في مولود المصطفى الباب الرابع - البحار : ج 18، ص 241-243 .
2- رفده : أعطاه وأعانه . والكل بفتح الكاف الضعيف الذي لا يقدر شيئا .
3- سيرة ابن هشام : ج 1 ، ص 263 - البحار : ج 35، ص 118 - 119.
4- مناقب آل أبي طالب : ج 2، ص179 - 180
5- نفس المصادر نقلاً عن مصادر أهل السنة المتعددة.

وهذا افتخار من إفتخارات السيدة خديجة(سلام الله علیها)بأنها سُجّلت في سجل الخلقة بعنوان مربية علي(علیه السّلام)والوالدة الثانية له.

المثلث المبارك لوجود الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وخديجة(سلام الله علیها)وعلى(علیه السّلام)أركان الاسلام الثلاثة

من المعروف قديماً أن الاسلام انتشر في البداية بسبب أخلاق الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الحسنة وسيف ومجاهدات علي(علیه السّلام)وأموال وإيثار خديجة(سلام الله علیها)، وحقاً كان كذلك، وبالتحليل والتحقيق في تاريخ الاسلام يتضح هذا الموضوع جيداً.

يقول العالم والكاتب المعروف «سليمان الكتاني»:ما قام الاسلام إلا بسيف علي(علیه السّلام)وثروة خديجة(سلام الله علیها).

ويبيّن ذلك بالتالي: وهبت خديجة(سلام الله علیها)محبتها لرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، لم تكن تحس بأنها تهبه بل كانت تحس بأنه يأخذ منها المحبّة وتكسب منه كل السعادة، وهبته كل ثروتها ولكن لم تكن تحس بأنها تهبه بل كانت تحس أنها تكسب هدايته والتي هي أفضل من جميع كنوز العالم، فمنحها الرسول صلى الله عليه وآله المحبّة وولاها التقدير وهذا هو الأمر الذي ارتفعت به الى أعلى الدرجات ولم يكن يحس بأنه أعطاها بل كان يقول : ما قام الاسلام إلا بسيف علي وثروة خديجة .(1)

وفي هذا المجال نلفت نظركم الى حادثتين لطيفتين، وهما:

1 - عن علي(علیه السّلام)أنه قال : دعاني رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وهو بمنزل خديجة(سلام الله علیها)الذات ليلة، فلما صرت إليه قال: اتبعني يا علي فما زال يمشي وأنا خلفه ونحن نخرق دروب مكة حتى أتينا الكعبة وقد أنام الله كل عين، فقال لي رسول الله صلى الله عليه واله: يا علي.

قلت : لبيك يا رسول الله.

قال: اصعد على كتفي يا علي.

قال ثم انحنى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فصعدت على كتفه فألقيت الاصنام على رؤوسهم وخرجنا من الكعبة التي شرفها الله تعالى حتى أتينا منزل خديجة، فقال لي: إن أول من كسر الاصنام جدك إبراهيم(علیه السّلام)ثم أنت يا على آخر من كسر الاصنام.

فلما أصبحوا أهل مكة وجدوا الاصنام منكوسة مكبوبة على رؤوسها فقالوا: ما فعل هذا إلا محمد وابن عمه، ثم لم يقم بعدها في الكعبة صنم .(2)

2- قالت خديجة(سلام الله علیها)في السنوات الأولى من البعثة : خرج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)من الغار فأتى إلى منزل خديجة كئيبا حزينا، فقالت خديجة:

ص: 88


1- فاطمة الزهراء وتر في محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، ص 112.
2- البحار : ج 3، ص 84-85.

يا رسول الله ما الذي أرى بك من الكآبة والحزن ما لم أره فيك منذ صحبتي؟

قال: يحزنني غيبوبة علي.

قالت: يا رسول الله فرقت المسلمين في الآفاق وإنما بقي ثمان ،رجال، كان معك الليلة سبعة فتحزن الغيبوبة رجل ؟

فغضب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وقال : يا خديجة إن الله أعطاني في علي ثلاثة لدنياي وثلاثة لآخرتي، وأما الثلاثة لدنياي فما أخاف عليه أن يموت ولا يقتل حتى يعطيني الله موعده إياي ولكن أخاف عليه واحدة.

قالت: يا رسول الله إن أنت أخبرتني ما الثلاثة لدنياك وما الثلاثة لآخرتك وما الواحدة التي تتخوف عليه لاحتوين على بعيري ولا طلبنه حيثما كان إلا أن يحول بيني وبينه الموت.

قال: يا خديجة إن الله أعطاني في علي لدنياي أنه يواري عورتي عند موتي، وأعطاني في علي لدنياي

أنه يقتلظأربعة وثلاثين مبارزا قبل أن يموت أو يقتل، وأعطاني في علي أنه متكاي بين يدي يوم وأعطاني في علي لآخرتي أنه صاحب مفاتيحي يوم أفتح أبواب الجنة، وأعطاني في علي لآخرتي أني اعطى يوم القيامة أربعة ألوية فلواء الحمد بيدي وأرفع لواء التهليل لعلي وأوجهه في أول فوج وهم الذين يحاسبون حسابا يسيرا و يدخلون الجنة بغير حساب عليهم ، وأرفع لواء التكبير إلى يد حمزة وأوجهه في الفوج الثاني، وأرفع لواء التسبيح إلى جعفر وأوجهه في الفوج الثالث، ثم أقيم على أمتي حتى أشفع لهم، ثم أكون أنا القائد وإبراهيم السائق حتى أدخل أمتي الجنة، ولكن أخاف عليه إضرار جهلة.

فاحتوت على بعيرها وقد اختلط الظلام، فخرجت فطلبته فإذا هي بشخص فسلمت ليرد السلام لتعلم علي هو أم لا، فقال: وعليك السلام، أخديجة؟

قالت: نعم وأناخت، ثم قالت:بأبي وأمي اركب.

قال: أنت أحق بالركوب مني ، اذهبي إلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فبشري حتى آتيكم.

فأناخت على الباب ورسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)مستلق على قفاه يمسح فيما بين نحره إلى سرته بيمينه وهو يقول: اللهم فرّج همي وبرّد كبدي بخليلي علي بن أبي طالب - حتى قالها ثلاثا .

قالت له :خديجة قد استجاب الله دعوتك.

فاستقل قائما رافعا يديه ويقول : شكرا للمجيب - قاله إحدى عشرة مرة .(1)

نعم، كان هذا نموذج لتضحيات خديجة(سلام الله علیها)الشجاعة حيث كانت كالصديق المخلص والقادر ذو الإيثار الكامل لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)والحامي له ، وكانت السبب لتسكين وإسعاد قلب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم).

ص: 89


1- تفسير الفرات: ص 206 و 207 - البحار ج 40 ، ص 65 - 66 .

نموذج آخر لحماية خديجة(سلام الله علیها)الشجاعة

ينقل الشيخ المفيد عن اصبغ بن نباته أنه قال: كنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السّلام)يوم الجمعة في المسجد بعد العصر إذ أقبل رجل طوال كأنه بدوي، فسلّم عليه، فقال له علي(علیه السّلام): ما فعل جنيك الذي كان يأتيك ؟

قال : إنه ليأتيني إلى أن وقفت بين يديك يا أمير المؤمنين.

قال علي(علیه السّلام) : فحدث القوم بما كان منه.

فجلس وسمعنا له، فقال: إني لراقد باليمن قبل أن يبعث الله نبيه(صلی الله علیه و آله و سلم)فاذا جني أتاني نصف الليل فرفسني برجله وقال: اجلس .

فجلست ذعرا فقال: اسمع.

قلت: وما أسمع ؟

قال:

عجبت للجن وابلاسها *** ورکبها العیس بأحلاسها

تهوی الی مکة تبغی الهدی *** ما طاهر الجن کأنجاسها

فارحل إلى الصفوة من هاشم *** وارم بعينيك إلى رأسها.

قال: فقلت: والله لقد حدث في ولد هاشم شئ أو يحدث، وما أفصح لي وإني لارجو أن يفصح لي فأرقت ليلتي وأصبحت كئيبا ، فلما كان من القابلة أتاني نصف الليل وأنا راقد فرفسني برجله وقال:

اجلس،فجلست ذعرا .

فقال: اسمع،فقلت : وما أسمع ؟

قال :

عجبت للجن وأخبارها *** ورکبها العیس بأکوارها

تهوی الی مکة تبغی الهدی *** ما مومنو الجن ککفارها

فارحل إلى الصفوة من هاشم بين روابيها وأحجارها.

فقلت: والله لقد حدث في ولد هاشم أو يحدث، وما أفصح لي وإني لارجو أن يفصح لي، فأرقت

ص: 90

ص: 91

ليلتي وأصبحت كئيبا، فلما كان من القابلة أتاني نصف الليل وأنا راقد فرفسني برجله،وقال: أجلس فجلست وأنا ذعرا.

فقال: اسمع، قلت: وما أسمع ؟

قال :

عجبت للجن وألبانها *** ورکبها العیس بأنیابها

تهوی الی مکة تبغی الهدی *** ما صادقو الجن ککذابها

فارحل إلى الصفوة من هاشم *** أحمد أزهر خير أربابها.

قلت: عدو الله أفصحت، فأين هو ؟

قال: ظهر بمكة يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

فأصبحت ورحلت ناقتي ووجهتها قبل مكة، فأول ما دخلتها لقيت أبا سفيان وكان شيخا ضالا، فسلّمت عليه ومساءلته عن الحق، فقال : والله إنهم مخصبون، إلا أن يتيم أبي طالب قد أفسد علينا ديننا .

قلت: وما اسمه؟

قال: محمد،أحمد .

قلت: وأين هو ؟

قال: تزوج بخديجة بنت خويلد فهو عليها نازل.

فأخذت بخطام ناقتي ثم انتهيت إلى بابها فعقلت ناقتي ، ثم ضربت الباب فأجابتني: من هذا؟

فقلت: أنا أردت محمدا.

فقالت: اذهب إلى عملك، ما تذرون محمدا يأويه ظل بيت،قد طردتموه وهربتموه وحصنتموه، اذهب إلى عملك.

قلت: رحمك الله إني رجل أقبلت من اليمن، وعسى الله أن يكون قد من علي به، فلا تحرميني النظر إليه.

وكان(صلی الله علیه و آله و سلم)رحيما، فسمعته يقول: يا خديجة افتحي الباب.

ففتحت فدخلت فرأيت النور في وجهه ساطعا ، نور في نور، ثم درت خلفه فإذا أنا بخاتم النبوة معجون على كتفه الايمن،فقبلته ثم قمت بين يديه وأنشأت أقول:

ص: 92

ص: 93

أتانینجی بعد هدء ورقدة *** ولم یک فیها قد تلوت بکاذب

ثلاث لیال قوله کل لیلة *** أتاک رسول من لوی بن غالب

فشمرت عن ذیلی الازار ووسطت *** بی الذعلب(1)الوجناء بین السباب

فمرنا بها یأتیک یا خیر قادر *** و ان کان فیها جاء شیب الذوائب

وأشهد أن الله لا شی غیره *** وأنک مأمون علی کل غائب

وأنک أدنی المرسلین وسیلة *** الی الله یا ابن الاکرمین الاطائب

وکن لی شفیعا یوم لا ذو شفاعة *** الی الله یغنی عن سواد بن قارب

وكان اسم الرجل سواد بن قارب، فرحت والله مؤمنا به(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثم خرج إلى صفين فاستشهد مع أمير المؤمنين(علیه السّلام)(2).

طعام خديجة(سلام الله علیها)المبارك

مضت ثلاث سنوات على البعثة ، فنزلت الآية (214) من سورة الشعراء:

﴿وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾.

فأمر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)علياً أن يصنع صاعاً من الطعام وجعل عليه رجل شاة وملأ عسّاً من لبن ثم دعاهم وهم يومئذٍ أربعين رجلاً من أقربائه من بني عبد المطلب، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب فأكلوا وشربوا حتى رووا منه جميعاً فلما أراد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال: لقد سحركم صاحبكم.

فتفرق القوم ولم يكلمهم الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

فأمر(صلی الله علیه و آله و سلم)علياً في اليوم الثاني أن يفعل كما فعل آنفاً وبعد أن أكلوا وشربوا قال لهم رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم

ص: 94


1- قال الجزرى في النهاية : في حديث سواد بن قارب: الذعلب الوجناء، الذعلب والذعلبة : الناقة السريعة.
2- البحار : ج 18 ، ص 98 - 100 .

بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم.

فخيم السكوت على المجلس وأحجم القوم عنه جميعاً، فقام علی وقال : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فمدّ يده ليبايع الرسول بذلك

فقال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)لعلي(علیه السّلام):يا علي،اجلس.

فكرّر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)السؤال للمرة الثانية ، فقام علي(علیه السّلام)أيضا وكرّر كلامه، فقال له النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): يا علي ،اجلس .

أيضا في المرة الثالثة لم يقم إلا على(علیه السّلام)، فضرب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)بيده على علي(علیه السّلام)، وطبقاً لبعض الروايات أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)أخذ برقبة(1)علي(علیه السّلام)وقال عنه في ذلك المجلس الاستثنائي لبني هاشم: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوه.(2)

وفي سيرة الحلبي، جاءت هذه الجملة اضافةً على ذلك، أنّ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)قال: ووزيري ووارثي. يجب التوجه الى أن: خديجة(سلام الله علیها)هي التي أعدت الطعام لتلك الضيافة، وبناءاً على أمر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)جاء علي(علیه السّلام)الى خديجة وأمرها بأن تتخذ له طعاماً ففعلت فقام علي(علیه السّلام) وأتى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بثريدة وطعام يأكله الثلاثة والاربعة، فقدّمه إليهم، وقال: كلوا وسموا، فسمّى ولم يسمّ القوم، فأكلوا وصدر واشبعي، فقال أبو جهل:

جاء ما سحر كم محمد، يطعم من طعام ثلاثة رجال أربعين رجلاً، هذا والله السحر الذي لا بعده .(3)

دور ثروة خديجة(سلام الله علیها)في تقدّم وانتشار الاسلام

ذكرنا من قبل أن خديجة(سلام الله علیها)كانت قبل زواجها بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)من أغنى أثرياء الجزيرة العربية وأنها تملك ثمانين ألفاً من الجمل، وكانت قوافلها التجارية تتحرك ليلاً ونهاراً الى الطائف، اليمن، الشام،مصر وسائر البلاد، ولها الكثير من العبيد حيث كانوا يعملون لها بالتجارة.

من إحدى تضحياتها العجيبة والايثار أنها بعد الزواج بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وضعت جميع أموالها قبل الاسلام وبعد الاسلام تحت تصرف الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ليصرفها في سبيل الله والاسلام.

وكان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)فقيراً وبيّن الله له نعمه عليه فقال : «ووجدك عائلاً فأغنى».(4)

ويقصد بذلك طبقاً للروايات أنه أغناك بثروة خديجة(سلام الله علیها).(5)

وفي هذا المجال ولتوضيح المطلب توجهوا للروايات الآتية:

ص: 95


1- البحار: ج 18، ص 192 .
2- احقاق الحق : ج 4 ، ص 62 - تاريخ الطبري : ج 2، ص 117 .
3- البحار: ج 17 ، ص 231.
4- الضحى : 8.
5- مناقب آل أبيطالب : ج 3، ص 321 - البحار : ج 35، ص 425.

مجالات صرف أموال خديجة(سلام الله علیها)

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : ما نفعني مال قط ما نفعني مال خديجة.(1)

وهنا يطرح هذا السؤال بأن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) كيف صرف أموال خديجة(سلام الله علیها)و في أي المجالات تم صرفها ؟

سيتضح جواب هذا السؤال بالتوجه الى الامور التالية:

1 - كان رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)یفك في مالها الغارم والعاني ويحمل الكل، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة.(2)

وباختصار ، كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يصرف الاموال في المجال الذي يرى فيه الصلاح.

2- عندما تزوج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)من خديجة(سلام الله علیها)خمسة عشرة سنة قبل البعثة قدمت حليمة السعدية على رسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بمكة وشكت إليه جدب البلاد وهلاك الماشية فكلم رسول الله عليه وآله خديجة(سلام الله علیها)، فأعطتها أربعين شاة وبعيراً وانصرفت إلى أهلها ، ثم قدمت عليه(صلی الله علیه و آله و سلم)بعد الاسلام فأسلمت هي وزوجها.(3)

فكان ذلك من إحدى الطرق التي صرف فيها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)أموال خديجة(سلام الله علیها).

3-ذكرنا من قبل أنه في موضوع زواج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بخديجة عليها السلام، قالت خديجة(سلام الله علیها)لورقة بن نوفل (ابن عمها ) عندما تحدّث عن فقر محمد(صلی الله علیه و آله و سلم): إذا كان ماله قليلاً فمالي كثير .

وأنشدت بأبيات منها:

فما المالُ إلا مثل قلم الاظفار.(4)

أي أنها فصلت ثروتها عن نفسها وجعلتها تحت تصرف الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

4 - جاء في متن الرواية الخاصة بحصار شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات أو أربع سنوات

وأنفق أبو طالب وخديجة جميع مالها.(5)

حديث قصير :

بناءاً على بعض الروايات التي جاءت في الحصار، أنه لم يبق شيئاً من أموال خديجة(سلام الله علیها)في هذه المحاصرة وأنها قالت: لم يبق إلا جلدين، نتخذ أحدهما كفراش والآخر كغطاء.

لذلك يقول الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم): ما قام الاسلام إلا بسيف علي وثروة خديجة.(6)

نعم، لقد صُرفت أغلب ثروة خديجة(سلام الله علیها)في هذه المحاصرة الثلاثة سنوات أو الاربعة سنوات، لأن المشركين حاصروا بني هاشم والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في شعب أبيطالب محاصرة شديدة، في هذه المدة كان أبو

ص: 96


1- البحار : ج 19، ص 63 .
2- البحار : ج 19 ، ص 62 - 63.
3- البحار : ج 15 ، ص 401 .
4- البحار : ج 16 ، ص 61 .
5- البحار: ج 19 ، ص 16 .
6- فاطمة الزهراء وتر في محمد لسليمان الكتاني: ص 112.

العاص بن ربيع زوج ابنة خديجة(سلام الله علیها)يأتي بالعير بالليل وعليها البر والتمر ويتحمل المخاطر الكثيرة لا يصالها الى بني هاشم ولم يكن لدى المحاصرين طعام وكانت خديجة عليها السلام تصرف عليهم من أموالها طوال هذه الفترة (3 أو 4 سنوات) .(1)

كانت خديجة(سلام الله علیها)تحافظ على حياة النبي وبني هاشم والمدافعين عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)بكل ايثار ومقاومة، وكانت تصرف كل ما تملك في هذا السبيل.

نعم،مثل هذا الايثار كان السبب لمساواة انفاق ثروة خديجة(سلام الله علیها)بسيف علي(علیه السّلام)في انتشار دعوة الإسلام، ذلك السيف الذي عرّفه الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بأن «ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة التقلين».(2)

وقد تساوى الجهاد بالمال بالجهاد بالنفس وجاء بجانبه في آيات متعددة في القرآن (كالآية (11) من سورة الصف، والآية (95) من سورة النساء، والآية (44 ) و (81) و (88) من سورة التوبة والآية (72) من سورة الأنفال ..... وغيرها).

وعلى هذا الأساس كتب العلامة المامقاني صاحب رجال تنقيح المقال: وكفاها شرفاً فوق شرف أنّ الاسلام لم يقم إلا بمالها وسيف علي بن أبي طالب كما روي متواتراً.(3)

5 - وبصورة عامة وبعد التحقيق في الروايات نستطيع أن نقول أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)أنفق ثروة خديجة(سلام الله علیها)في تلك الموارد الثمانية التي جاءت في الآية (60) من سورة التوبة الخاصة بانفاق الزكاة على المستحقين والذين هم«الفقراء والمساكين والعاملين على جمع الزكاة وجذب محبّة المخالفين وفي الرقاب وأداء دين الغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل».

جاء من بين هذه الموارد الثمانية جذب محبّة وقلوب الكافرين والذي عُبر«بالمؤلّفة قلوبهم»فكان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يعطي من أموال خديجة(سلام الله علیها)للمشركين والكافرين حتى يجذبهم ويرغبهم بالاسلام ويقوّي من بناء الاسلام. كما أن زواجه لبعض من الزوجات كان لذلك السبب.

6 - يجب التوجه الى أن هذا الموضوع أيضا طبيعي بأنه بعد اسلام خديجة(سلام الله علیها)حاول أعداء الاسلام بمنع استمرار تجارة خديجة(سلام الله علیها)، وليس فقط لم يتعاونوا معها بل قاموا بسرقة أموالها، على الرغم من أن الكاتب لم يجد أية رواية في التاريخ تدل على ذلك إلا أن ذلك طبيعي ومن الحوادث التي تحصل في مثل تلك الظروف.

ولكن على أية حال لم تكن خديجة(سلام الله علیها)تحس بأنها وهبت الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بتلك الثروة الطائلة التي صرفها الرسول في طرق صحيحة وسليمة، بل كانت تحس أنها عوّضت ثروتها بهداية الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لها وللناس والتي هي أفضل من الملايين من كنوز هذا العالم.

ص: 97


1- اقتباسا عن رياحين الشريعة : ج 2، ص 211.
2- احقاق الحق: ج 6 ، ص 54-55 .
3- تنقيح المقال : ج 3، فصل النساء، ص 77.

السيدة خديجة(سلام الله علیها)في محاصرة اقتصادية شديدة لثلاث سنوات

من إحدى الحوادث المؤلمة التي حصلت في السنة السادسة (أو السابعة) وحتى العاشرة من البعثة أي في حدود ثلاث سنوات أو على قول آخر أربع سنوات، هي المحاصرة الاقتصادية الشديدة على الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)والمدافعين عنه ( والذين كانوا أربعين نفر ) في شعب أبي طالب، كانوا في حصار طوال السنة فيما عدا في الأشهر الأربعة الحرم، وكانوا يتحملون حرارة الصيف في تلك الصحراء القاحلة

بلا ماء وعشب وبدون أية وسائل، والجوع الشديد والعطش الغير قابل للتحمل، وكانت خديجة(سلام الله علیها)والتي كان عمرها بين 63 وحتى 65 سنة،تقضي معهم في هذا الحصار، وقد صرفت أغلب أموالها في هذه السنوات الثلاثة أو الاربعة، وعندما تحرّرت من الحصار توفّت بعدها بشهرين بسبب الآلام والتعذيب الشديد التي واجهتها في الحصار، وفي الحقيقة استشهدت، ولتوضيح المطلب نلفت نظركم الى حديث الحصار :

لم تنجح خطط المشركين في منع انتشار الاسلام، وكانوا يشهدون يوميا تقدم الاسلام السريع والعجيب ، فقاموا بتشكيل مجلس للقضاء على الاسلام و اجتمعت قريش في دار الندوة وبعد النقاش الكثير ، اتفقوا على أن يحاصروا محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)وأصحابه محاصرة اقتصادية صعبة وشديدة.

وكانت أغلب منازل بني هاشم تقع في الشعب(وادي قرب جبل أبو قبيس) والتي كانت تسمى ( بشعب بني هاشم وشعب أبي طالب .(1)

وفي ذلك الاجتماع كتبوا صحيفة بينهم أن لا يؤاكلوا بني هاشم ولا يبايعوهم ولا يزوجوهم ولا يتزوجوا إليهم ولا يحضروا معهم.

وختموا الصحيفة بأربعين خاتماً ختمها كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه، وعلّقوها بالكعبة وقالوا لأبي طالب : لا صلح بيننا وبينكم،ولا رحم إلا على قتل هذا الصابئ.(2)

نقرأ في صفحات أخرى من التاريخ والروايات الخاصة بشدة الآلام وتعذيب الحصار أنه: بدأت المحاصرة في هلال محرم سنة سبعة من النبوة، ودامت لمدة ثلاث سنوات أو أربع سنوات، وقد مضت هذه السنوات بصعوبة وشدة على بني هاشم ونسائهم وأطفالهم حتى كانوا يأكلون الخبط وورق الشجر، وكان البعض يأتون بالطعام إليهم بصورة خافية و...

ومن إحدى الأمور المهمة التي حدثت في هذه المحاصرة أن أبا طالب والد علي(علیه السّلام)كان يخاف من أن يغتالوا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فكان يحرسه ليلا ونهارا،واذا نام الناس أمر أحد بنيه غالباً على(علیه السّلام) أن يضطجع على فراش المصطفى(صلی الله علیه و آله و سلم)ويوكّل عليه ولده وولد أخيه ويأمر هو أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها، حتى لا يؤذونه المشركين بمكرهم أو يرمونه الحجر من أعلى جبل أبو قبيس ويقتلونه.

ص: 98


1- حالياً تسمى بشعب على(علیه السّلام).
2- البحار:ج 19 ، ص 2 .

كان علي(علیه السّلام) يرقد بفراش المصطفى(صلی الله علیه و آله و سلم) بكل شهامة وإخلاص ويفدي بروحه للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).(1)

يقول ابن أبي الحديد في هذا الموضوع : كان أبو طالب غالباً يخشى من غارة الأعداء على الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وإيذائه، فكان يقوم ليلاً ويرقد ابنه عليّاً في فراش الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).(2)

إن المحاصرة في شعب أبي طالب لأكثر من ثلاث سنوات وفي صحراء حارقة وبلا أية وسيلة صعبة

جداً ومجهدة، ولادراك هذا المطلب توجهوا الى الرواية الآتية:

يقول سعد بن وقاص في إحدى الليالي خرجت من الشعب وقد خارت قواي من شدة الجوع، : فوجدت جلد بعير، فإخذته وغسلته وأحرقته وطحنته وعجنته بالماء وأكلته وبقيت عليه لثلاثة أيام.(3)

نعم، لقد تحمّل أبو طالب وخديجة(سلام الله علیها)و على(علیه السّلام)هذه المحاصرة وهذه الضغوط في سبيل حماية الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ولم يكفّوا عن ذلك، هل هناك وراء ذلك غير«الايمان والاخلاص»؟

فی مثل هذه الظروف كانت حياة علي(علیه السّلام)في خطر أكثر من حياة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وخديجة(سلام الله علیها)، لأنه كان يرقد في فراش الرسول للحفظه من الخطر ، وكان من المحتمل أنه في أية لحظة يرمي عليه المشركون صخرة كبيرة من أعلى جبل أبو قبيس ويُقتل، أو يقوم المشركون بالغارة على فراشه ، ولذلك قال على(علیه السّلام)في إحدى الليالي لأبيه:

اني مقتول(4)

وبقوا في هذه المحاصرة حتى بلغ القوم الجهد الشديد حتى كانت أصوات صبيانهم تعلى وتصل الى الكعبة وهم يصيحون من الجوع من وراء الشعب.

نعم، كانت خديجة(سلام الله علیها)تعيش في مثل هذه الظروف لمدة ثلاث سنوات والتي كانت سيدة عمرها

عدى الستين سنة.

نعم، لقد وصلت صعوبات المحاصرة لدرجة أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وأبو طالب خديجة(سلام الله علیها)صرفوا كل مدخراتهم المالية والتي كانت من أموال خديجة(سلام الله علیها)وأبو طالب، وإذا لم يصل اليهم الطعام بصورة خفية كانوا يأكلون من ورق الشجر من شدة الجوع.

وكانت الطرق المؤدية الى الشعب في مراقبة شديدة من قبل قريش، وكان هذا الوضع المؤلم قائم طوال السنة فيما عدا الأشهر الحرم ( ذي القعدة، ذي الحجة،محرّم، ورجب)، فكان أبو طالب والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وأصحابه يستغلون هذه الحرّية ويبدأون بنشر دعوة الاسلام والتبليغ عنها في موسمي

الحج والعمرة.

وكان لأبو طالب الوالد العظيم العلي(علیه السّلام)الدور الكبير والأساسي في حفظ حياة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وصد

ص: 99


1- البحار : ج 35 ، ص 93 - الائمة الاثنى عشر (هاشم معروف): ج 1 ، ص 161-162 .
2- نفس المصدر.
3- سيرة ابن هشام: ج 1 ص 379 - تاريخ الطبري : ج 2، ص 79.
4- البحار:ج 35 ، ص 93 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 4 ، ص 64 .

جبهة قريش عنه.

وكانت قمّة حفظه وحمايته للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)أنه حرّم على نفسه النوم في الشعب حتى يحرس النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ليلاً ونهاراً من دسيسة الأعداء.

تقول بنت الشاطئ العالمة المعروفة:

لم تكن خديجة(سلام الله علیها)في السن الذي يسمح بأن تتحمل الصعوبات والآلام والعذاب بسهولة، ولم تكن من الأشخاص الذين قضوا حياتهم في ضيق المعيشة والحرمان والمرار، ولكن بالرغم من كهولتها تحمّلت صعوبات المحاصرة في شعب أبي طالب من قبل قريش والتي وصلت الى حد الموت.(1)

معجزة تحرير بني هاشم من المحاصرة

وبعد مرور ثلاث سنوات أو أربع سنوات على المحاصرة لم يترك الله سبحانه وتعالى نبيه لوحده، فأوحى الله عزّ وجلّ الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)أن الأرضة أكلت جميع ما في الصحيفة من القطيعة والظلم فلم تدع سوى اسم الله فقط«باسمك اللهم».

فأخبر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)عمه أبا طالب بذلك، ففرح أبو طالب بذلك كثيراً وقرر بأن يلغي تلك القطيعة بهذا الطريق، فانطلق في عصابة من بني هاشم والمطلب حتى أتوا المسجد والمشركون من قريش في ظل الكعبة، فلما أبصروا تباشروا به وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فيقتلوه، فلما انتهى أبو طالب ورهطه رحبوا بهم وانتظروا ماذا سيقول لهم أبو طالب؟

فقال لهم أبو طالب عن حادثة الصحيفة العجيبة، فاستغربوا من هذا الخبر الغيبي.

كان لهذه المعجزة العجيبة تأثير عجيب على المشركين فقالوا: إذا كان صحيحاً فسنفك عنكم المحاصرة .

قال أبو طالب: وإن كان باطلاً دفعناه إليكم.

فقاموا الى الكعبة وأتوا بها، فوجدوا أن الأرضة أكلت جميع ما في الصحيفة ولم تترك إلا اسم الله ليعتبروا بها.

فآمن بعضهم ولكن قال أغلبهم: هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغياً وعدواناً. ولكن بهذه الطريقة قضى أبو طالب على المحاصرة والقطيعة، وتبدلت جبهتهم الى نوع من عدم المبالاة ونتيجة لذلك تحرر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وأبو طالب وخديجة(سلام الله علیها)وبني هاشم من الحصار.

وأنشد أبو طالب أبيات عن هذه الحادثة العجيبة والكبيرة(2)، ولا ننس القول بأن أطفال بني هاشم كانوا في تلك المحاصرة وكانت من بينهم فاطمة الزهراء سلام الله عليها والتي كان عمرها

ص: 100


1- خديجة الكبرى نموذج لامرأة مسلمة مجاهدة.
2- سيرة ابن هشام : ج 1، ص 335 الى 377 - البحار: ج 19 ، ص 2 و 18 و 19 - الغدير : ج 7، ص 364 .

يتراوح بين الثلاث سنوات والست سنوات.

كانت المحاصرة شديدة لدرجة أن أطفال بني هاشم كانوا يبكون ويصيحون من شدة الجوع.

روى أن حكيم بن حزام خرج يوماً ومعه شخص يحمل طعاماً الى عمته خديجة بنت خويلد وهي تحت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)في الشعب ، إذ لقيه أبو جهل فقال : تذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله لا تبرح أنت ولا طعامك حتى أفضحك عند قريش.

فقال له أبو البختري بن هشام بن الحارث : تمنعه أن يرسل إلى عمته بطعام كان لها عنده؟

فأبى أبو جهل أن يدعه، فقام إليه أبو البختري بساق بعير فشجّه ووطئه وطئاً شديداً.

واستمرت هذه الصراعات حتى تحرر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وأصحابه به من محاصرة الشعب.(1)

كان أبو العاص بن الربيع ( ابن أخت خديجة(سلام الله علیها)وزوج ابنتها زينب) من احد الأشخاص الذين يقومون ويسعون في توصيل الطعام الى المحاصرين، وكان من الكافرين ومن بني أمية، لذلك لم يكن تحت مراقبة المشركين، وكان هو المسئول عن بعض أموال خديجة(سلام الله علیها)، وكان يسعى على قدر استطاعته توصيل الطعام(المشتراة بأموال و ثروة خديجة(سلام الله علیها))الى المحاصرين ، فكان يأتي بالعير بالليل عليها البر والتمر الى باب الشعب ويصيح بها فتدخل الشعب فيأكله بني هاشم .(2)

كانت بني هاشم طوال فترة الحصار تعاني من ضيق شديد في المكان وفي البرد والحرّ والماء والطعام وسائر الامكانيات، وفي الحقيقة كانوا يعيشون في سجن وفي عذاب ومع كل هذه الظروف السيئة كانوا يقاومون، وبسبب هذا التعذيب توفى أبو طالب وخديجة(سلام الله علیها)و بعد عدة أيام أو شهرين من تحريرهم من الحصار، حيث يجب أن نقول أنهما استشهدا.

ص: 101


1- البحار: ج 19، ص 19 - شرح تنهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 41 ، ص 59.
2- أسد الغابة : ج 5 ( شرح حال أبو العاص، قاسم بن ربيع).

ص: 102

الفصل الثالث

اشارة

فضائل، أولاد، وصيّة،

وفاة ومقامات السيدة خديجة(سلام الله علیها)

ص: 103

ص: 104

المقام العظيم لخديجة(سلام الله علیها)

نبدأ هذا الفصل بأبيات العالم الكبير الشيخ حرّ العاملي (المتوفّي في سنة 1104 ه_. ق.) صاحب كتاب وسائل الشيعة :

زوجته خدیجة وفضلها *** أبان عند قولها و فعلها

بنت خویلدٍ الفتی الکرم *** الاجد الوید العظم

لهامن الجنة بیتّ من قصبٍ *** لا صخب فیه ولا لها نصبّ

وهذه صورة لفظ الخبر *** عن النبی المصطفی الطهّر(1)

جاءت أحاديث كثيرة وبتعابير متعددة عن المقام العظيم والقدير لأم المؤمنين خديجة الكبرى(سلام الله علیها)على لسان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)و الائمة المعصومين(علیهم السّلام)عن طريق الروايات الاسلامية التي نقلت عن صلى الله عليه وسلم الشيعة والسنة(2)، وكما يقول صاحب مستدرك سفينة البحار : إنّ فضائل السيدة خديجة(سلام الله علیها)التي جاءت في روايات مختلفة الأبواب لا تعد ولا تحصى.(3)

إن هذه الروايات تبلغنا بأسرار عظمة مقام هذه السيدة القديرة، وتعرّفنا بمقاماتها، حتى نقتدي بها كأفضل قدوة في مسيرتنا الى التكامل.

وهنا نلفت نظركم الى نماذج من تلك الروايات

1 - قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): خير نسائها خديجة وخير نسائها مريم ابنة عمران.(4)

ص: 105


1- رياحين الشريعة : ج 2، ص 209 .
2- جاء في كتاب«التاج الجامع لأصول الصحاح»: ج 3، ص 377، فضل السيدة خديجة بنت خويلد سبع أحاديث في أفضلية السيدة خديجة .
3- مستدرك سفينة البحار،العلامة النمازي: ج 2، ص 216 .
4- صحيح البخاري: ج 4 ، ص 164 - كشف الغمّة : ج 2، ص 71 .

2 - وقال أيضا: خير نساء العالمين مريم بنت عمران،وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم).(1)

3- قال ابن عباس: خط رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)أربع خطط في الأرض، وقال: أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم

فقال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم): خير نساء الجنّة مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.(2)

5 - قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : أتاني جبرئيل(علیه السّلام) فقال : يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك، فإذا هي أتتك فاقر(علیه السّلام)من ربّها ومنّي السلام وبشرها بيتٍ في الجنّة من قصب لا صخب ولا نصب.(3)

4 - جاءت هذه الجملة في بعض الروايات«من قصب الزمرد »(4)، وطبقاً لبعض الروايات قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): «أمرت أن أبشر خديجة بيتٍ »(5)

6 - وقال أيضا: «أربع نسوة سيدات سادات عالمهنّ مريم بنت عمران،وآسية بنت مزاحم،وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وأفضلهن عالماً فاطمة» .(6)

7- وقال أيضا: حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران،وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، وآسية بنت مزاحم .(7)

8- وقال أيضا: إنّ الله اختار من النساء أربعاً، مريم وآسية وخديجة وفاطمة.(8)

9- ذات يوم قالت عائشة لفاطمة(سلام الله علیها) : ألا أبشرك بما سمعت عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) أنه قال: سادات نساء العالمين أربع: مريم وفاطمة وخديجة وآسية(علیهم السّلام).(9)

10 - ذات يوم قال النبي صلي الله عليه وآله لعلي(علیه السّلام):يا علي، لك أشياء ليس لي مثلها، إن لك زوجة مثل فاطمة وليس لي مثلها، ولك ولدان من صلبك وليس لي مثلهما من صلبي، ولك مثل خديجة أم أهلك وليس لي مثلها حماة.(10)

11 - قال أمير المؤمنين علي(علیه السّلام): سادات نساء العالمين أربع: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت

محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)وآسية بنت مزاحم،ومريم بنت عمران.(11)

12 - وروي أن جبرئيل أتى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فسأل عن خديجة(سلام الله علیها)فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرؤها السلام.(12)

13 - بعث الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)عمار بن ياسر الى خديجة(سلام الله علیها)عندما كان في اعتزال عن خديجة(سلام الله علیها)لمدة أربعين الا يوماً وقال قل لها: إن الله عزّ وجلّ ليُباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً.(13)

14 - ذات يوم عرّف الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)خيرة الناس عند الله سبحانه وتعالى حتى قال: وخيرته من النساء

ص: 106


1- الاستيعاب : ج 2، ص 720 .
2- البحار: ج 13، ص 162 وج 16 ، ص 2 - في بعض الروايات جاءت هذه العبارة: أفضل نساء أهل الجنة.(نفس المصدر، والاستيعاب : ج 2، ص 720)
3- أسد الغابة : ج 5 ، ص 438 - القصب : ما كان مستطيلا من الجوهر وعلى حسب قول البعض أن القصر يتكون من قصبة واحدة أي جوهرة واحدة وليس عدّة قصبات (البحار : ج 16 ، ص 8)، وطبقا لبعض الروايات سأل ابو هريرة الرسول : ما بالمقصود ببيت من قصب ؟ قال الرسول: ذلك جوهر الأجوف (فاطمة الزهراء، تأليف عمادزاده، ص27)
4- البحار : ج 43 ، ص 131 .
5- کشف الغمّة: ج2، ص 71.
6- ذخائر العقبي : ص 44 .
7- البحار: ج 16 ، ص 7 - كشف الغمّة : ج 2 ص 71 .
8- نفس المصدر، ص 2.
9- كشف الغمّة.
10- البحار: ج 40 ، ص 68 .
11- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 10، ص 266.
12- البحار : ج 16 ، ص 8 - كشف الغمّة : ج 2، ص 72 .
13- نفس المصدر، ص 78 - كما سيأتي ذكره لاحقاً.

فمريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وفاطمة الزهراء سلام الله عليها وخديجة بنت خویلد.(1)

يجب التوجه الى أن النساء الصالحات كثيرة في العالم ولكن هذه النّسوة الأربعة (آسية، مريم، خديجة وفاطمة عليهن السلام)هن أكملهن وأفضلهن، وبالبحث في الحياة النورانية والمشرقة لهذه النسوة الأربعة ندرك ونصل لإحدى الاسرار الأساسية لأفضليتهن وذلك السّر هو حمايتهن للقائد، وقد كن في غاية السعي والتضحية والايثار في سبيل قيام القائد الحق (موسى وارتباطه بآسية(سلام الله علیها)، عیسی وارتباطه بمريم(سلام الله علیها)،الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وارتباطه بخديجة(سلام الله علیها)و وفاطمة وارتباطها بقيادة علي(علیه السّلام)) ، لدرجة أن أربعتهن استشهدن في سبيل المقام العظيم للقادة الحق، والفرق بينهن وهو أن آسية(سلام الله علیها)وفاطمة(سلام الله علیها)استشهدتا علناً، ولكن شهادة مريم وخديجة(سلام الله علیها)تمت بصورة تدريجية وبعد تحمّل المحن الكثيرة، وبناءا على ذلك فإن الحماية عن القائد الحق هي رمز وسر قمّة الأفضلية، ومن الأصول القيمة الممتازة.

15 - جاء في مقطع من إحدى الزيارات لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ( والتي نقلت من الائمة(علیهم السّلام))التالي:

السلام على أزواجك الطاهرات الخيرات، أمهات المؤمنين، خصوصاً الصدّيقة الطاهرة، الزكية الرّاضيّة المرضية، خديجة الكبرى أمّ المؤمنين .(2)

جاءت كلمة أم المؤمنين على زوجات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لأنه يحرم الزواج بهن من بعد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ويجب احترام حرمتهن وحرمة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ولا يتم الزواج بهن.

وجاء في مقطع من إحدى الزيارات لخديجة(سلام الله علیها)التالي : السلام على خديجة سيّدة نساء العالمين.(3)

خديجة(سلام الله علیها)زوجة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)في الدنيا والآخرة

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : اشتاقت الجنّة الى اربع من النساء: مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون وهي زوجة النبي في الجنة وخديجة بنت خويلد زوجة النّبي في الدنيا والآخرة، وفاطمة بنت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم).(4)

نظرة إلى مقام آسية، مريم والزهراء(علیهم السّلام)

نظراً لذكر السيدة خديجة(سلام الله علیها)بجانب السيدة آسية والسيدة مريم والسيدة فاطمة الزهراء عليهن السلام في موارد متعددة في الروايات فإننا وجدنا انه يجب أن نلقي الضوء على مقام السيدة آسية والسيدة مريم(سلام الله علیها)و لو بصورة مختصرة ، لذلك نلفت نظركم الى الآتي:

ص: 107


1- البحار: ج 97 ، ص 48 .
2- البحار: ج 100 ، ص 189 .
3- البحار:ج 102 ، ص 272 .
4- البحار، ج 43، ص 53 و 54 .

من هي السيدة آسية(سلام الله علیها)

كانت آسية(سلام الله علیها) امرأة فرعون من إحدى نساء بني اسرائيل القديرات والمحترمات، وكانت مؤمنة مخلصة وكانت تعبد الله سرّاً، وكانت السبب في نجاة موسى عليه وعلى نبينا السلام من القتل على يد الفراعنة وقد خدمت موسى كثيراً، وكانت الحارسة والحافظة لموسى(علیه السّلام)، حتى استشهدت على يد زوجها.

فقد جاءها فرعون وأخبرها بما صنع بالماشطة وأولادها وشهادتهم، فقالت آسية: الويل لك يا فرعون، ما أجرأك على الله جلّ وعلا ؟

فقال لها: لعلّك قد اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك.

فقالت: ما اعتراني جنون لكن آمنت بالله تعالى ربي وربك ورب العالمين.

فدعا فرعون أمها فقال لها: إن ابنتك أخذها الجنون، فاقسم لتذوقن الموت أو لتكفرن بإله موسی.

فخلت بها أمها فسألتها موافقة فرعون فيما أراد، فأبت وقالت: أما أن أكفر بالله فلا والله لا أفعل ذلك أبدا.

فأمر بها فرعون حتى مدّت بين أربعة أوتاد في الشمس الحارقة ووضعوا على صدرها صخرة كبيرة فكانت تتنفس ببطء ووضعت تحت التعذيب الشديد ثم لا زالت تعذب حتى ماتت،كما قال الله سبحانه : «وفرعون ذي الاوتاد».

فمرّ بها موسى وهو يعذبها فشكت إليه بإصبعها، فدعا الله موسى أن يخفف عنها، فلم تجد للعذاب مسًا، وقالت وهي في العذاب: ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة.

فرفع روحها الى الجنّة فأطعمها وشربها من طعام وشراب الجنّة: أوحى الله بها أن ارفعي رأسك.

ففعلت فأريت البيت في الجنة بنى لها من در فضحكت فقال فرعون: انظروا إلى الجنون الذي بها، تضحك وهي في العذاب.

وبذلك استشهدت السيّدة المقاومة والعطوفة التي لها الحق الكثير على موسى(علیه السّلام) والذي أنقذته في

موارد ومواقع مختلفة من الأعداء.(1)

وقد جاء في القرآن (الآية 11 و 12 من سورة التحريم)بأن السيّدة مريم(سلام الله علیها)والسيدة آسية من

النساء الصالحات والخيّرات مثلما ذكرنا من قبل.

ص: 108


1- مجمع البيان: ج 10، ص 319 - البحار : ج 13 ، ص 164 .

من هي السيدة مريم(سلام الله علیها)

السيّدة مريم بنت عمران هي من من السيدات العاقلات والحكيمات ومن الشخصيات المميزات في بني اسرائيل، والد مريم(سلام الله علیها)ويسمى عمران،كان من نسل سيدنا سليمان(علیه السّلام) ، وكان يُعد من العلماء البارزين والعابدين في بني اسرائيل.

جاء اسم مريم(سلام الله علیها)34 مرة في القرآن،وإحدى السور القرآنية تسمى بسورة مريم (السورة التاسعة عشر ) حيث تتطرق من بدايتها الى نهاية الآية 36 لقصة ولادة عيسى(علیه السّلام)و وحديثه وهو في المهد، وجزء من حياته وكيفية بدؤه بالدّعوة.

قبل ولادة عيسى(علیه السّلام) ، جاءت الملائكة وبشّرت مریم(سلام الله علیها) بولادته، وعرّفوه لها، كما جاء في الآية 45 من سورة آل عمران، نقرأ:

﴿إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾.

ترعرع عیسی عليه وعلى نبينا السّلام تحت رعاية والدته مريم(سلام الله علیها) هو في سن الثانية عشرة اتجه الى مجلس العابدين والعلماء وبدأ معهم بالمناظرات، وكانت تبدو عليه في ذلك السِّن آثار العظمة والمعرفة الفائقة في وجهه.

فبعث عیسی(علیه السّلام)في سن الثلاثين، بالرغم من أنه في طفولته وفي المهد نال مقام النّبوّة كما جاء في الآية (30) من سورة مريم، ولكنه بعث برسالته رسمياً في سن الثلاثين .(1)

من هي فاطمة الزهراء(سلام الله علیها)

هناك الكثير من الأحاديث في فضل ومقام وعظمة السيدة الزهراء سلام الله عليها، وواضح أنه

يحتاج الى كتاب مستقل ، وهنا نكتفي بذكر هذا الحديث:

قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) : رائحة الأنبياء رائحة السفرجل، ورائحة حور العين رائحة الآس (2)، ورائحة الملائكة رائحة الورد،ورائحة ابنتي فاطمة الزهراء رائحة السفرجل والآس والورد.(3)

مباهاة الأئمة(علیهم السّلام)والكبار على الوجود الشريف لخديجة(سلام الله علیها)

افتخر وباهى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)و المعصومين(علیهم السّلام)بوجود السيدة القديرة خديجة(سلام الله علیها)في مواقف عديدة، وفي هذا المجال توجهوا الى الروايات التالية:

ألف ذات يوم قال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)في المسجد بين النّاس وهو يذكر الحسن والحسين عليهما السلام:

ص: 109


1- للمزيد من الشرح راجع البحار : ج 14، ص 250 - 326 .
2- الآس: شجرة تشبه شجرة الرّمان حيث لأوراقها وأزهارها رائحة عطرة.
3- البحار ج 63 ، ص 177 .

أيها الناس! ألا أخبركم بخير الناس جداً وجدةً.

قال الحاضرون: نعم، أخبرنا.

قال: الحسن والحسين،جدّهما رسول الله وجدتهما خديجة بنت خويلد.(1)

ب: قال الامام الحسين(علیه السّلام)في يوم عاشوراء وهو يعرف بنفسه من ضمن خطبته : أقسمكم بالله، ألا

تعلمون أنّ جدّتي خديجة بنت خويلد،...(2)

وقال أيضا في خطابه: ألا تعلمون أنّي ابن زوجة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)خديجة(سلام الله علیها) .(3)

ج: عرّف الامام السجاد(علیه السّلام)نفسه في مجلس يزيد في دمشق وقال في مقطع من خطبته المعروفة: أنا

بن خديجة الكبرى.(4)

والشئ الذي يجب أن نلتفت اليه هو أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) هو الذي لقب خديجة(سلام الله علیها)بالكبرى.(5)

د: نقرأ في مقطع من دعاء الندبة مع التوجه لولي العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف: أين ابن النبي المصطفى، وابن علي المرتضى، وابن خديجة الغراء.

وهنا جاءت كلمة الغرّاء كصفة الخديجة(سلام الله علیها).

ه_ :قالت زينب(سلام الله علیها)في كربلاء في اليوم الحادي عشر من محرم سنة 61 ه_. ق عندما جاءت عند جثث الشهداء المقطعة وعندما ذكرت الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)و علی(علیه السّلام)و خديجة(سلام الله علیها):

بأبي خديجة الكبرى.(6)

و: ذُكرت خديجة(سلام الله علیها) في أغلب الروايات التي نظمها الائمة المعصومين(علیهم السّلام)وأولياء الله للأئمة وذراريهما(سلام الله علیها)، وبعد السلام على الأنبياء وأولوا العزم يُسلّم عليها، حتى يتجدد ذكراها ويسلم المؤمنون الزّائرون عليها ، ويجعلونها وسيلة إلى الله عزّ وجل.

ز: قال زيد بن الامام السجاد(علیه السّلام)و في خطبة له :

ونحن أحقُّ بالمودة، أبونا رسول الله وجدتنا خديجة ....(7)

ح: افتخر عبد الله بن زبير بخديجة(سلام الله علیها)بأنها عمته عند حديثه مع ابن عباس وقال: ألست تعلم أنّ

عمّتي خديجة سيّدة نساء العالمين.(8)

ط: عندما رقد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في فراش الموت، كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها حزينة وتبكي كثيراً.

فكان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) يصبّرها بوجود على(علیه السّلام)والذي يمتاز بمميزات خاصة، وذكر خديجة(سلام الله علیها)مقطع من حديثه وقال: ابشري، إنّ عليّاً أوّل من آمن بالله عزّ وجلّ ورسوله من هذه الأمة، هو وخديجة أمك.(9)

ص: 110


1- البحار: ج 43 ، ص 302 - جاء نظير هذا الحديث باختلاف بسيط في الجزء 37، ص 61 و 90 .
2- البحار : ج 44 ، ص 318.
3- البحار: ج 45 ، ص 6 .
4- البحار :ج 44 ، ص 174 .
5- معجم دهخدا: ج21، ص 300.
6- البحار: ج 45 ، ص 59 .
7- البحار: ج 27 ، ص 207.
8- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 9، ص 325.
9- البحار:ج 22 ، ص 502 .

إرتباط خديجة(سلام الله علیها)العميق بالله واعتقادها القوي

كان لخديجة رابطة وعلاقة عميقة وقوية بمستوى عال مع الله سبحانه وتعالى، لذلك كان لها قلباً قوياً ومحكماً وذا استقامة وثبات، وكان لها حرز وفي ضوئه كانت ترتبط بالله عزّ وجلّ.

نقل العالم الكبير سيد بن طاووس في كتاب مهج الدعوات حرزين خاصين بالسيدة خديجة(سلام الله علیها) ، حيث نلفت نظركم اليهما:

1 - بسم الله الرحمن الرحيم، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأغثني، ولا تكلني الى نفسي طرفة عين أبداً، واصلح لي شأني كله.

2- بسم الله الرحمن الرحيم، يا الله يا حافظ یا حفیظ یا رقيب.(1)

زاد إيمان وارتباط خديجة(سلام الله علیها) بالله سبحانه وتعالى وقوي علاقتها به بمصاحبتها للرسول صلى الله عليه وآله ورؤيتها للمعجزات و علامات صدقه، والسيدة التي تهب كل ثروتها وأموالها وروحها في سبيل الاسلام وتتخلّى عن كل وجودها في هذا المجال بالطبع يدل ذلك على أن لها اعتقاد قوي وعميق جداً. جاء في الرواية أنه جاءت عند خديجة(سلام الله علیها) امرأة عمياء وكانت خديجة(سلام الله علیها) تعتني فيها وتراعيها فقال(صلی الله علیه و آله و سلم): لتكونن عيناك صحيحتين.

فصحتا، فقالت خديجة(سلام الله علیها): هذا دعاء مبارك .

فقال : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .(2)

وبرؤية خديجة(سلام الله علیها) لتلك الكرامات كان ايمانها واعتقادها يزداد يوما عن يوم وتستقيم وتتعمق أكثر في الاسلام .

بیت خديجة(سلام الله علیها) المبارك

يجب التوجه الى أن بيت خديجة(سلام الله علیها)من القدس الأماكن في مكة لأن هذا البيت كان الأساس من في للاعمال الصالحة والخيّرة والحوادث الكبيرة مثل : محبّة خديجة(سلام الله علیها) وايثارها في ذلك المنزل بالفقراء المساكين، زواج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) في ذلك البيت، لجوء الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) الى خديجة(سلام الله علیها) امام من كيد الأعداء في ذلك المنزل، بداية المعراج بجانب ذلك المنزل، ولادة أبناء خديجة(سلام الله علیها) ومنهم الزهراء سلام الله عليها، عبادات الرسول وخديجة(سلام الله علیها) في ذلك المنزل والمئات من الآثار الطيبة التي ظهرت من ذلك البيت و نفعت الاسلام.

وينقل العلامة المجلسي من كتاب«المنتقى في مولد المصطفى» : أن مكان هذا البيت معروف

ص: 111


1- مهج الدعوات: ص 6 .
2- الانبياء : 107 - البحار : ح 18 ، ص 17 .

في مكّة، ويقال أن معاوية اشتراه في أيام خلافته وحوله الى مسجد، وبنى بناءاً في ذلك المكان المسجد .(1)

ويقول أحد أهل الاطلاع: إن بيت خديجة(سلام الله علیها) يقع الآن في سوق أبي سفيان، عندما تدخل السوق تجد زقاقا في الجهة اليمنى للسوق، هناك يقع البيت وعادةً يكون بابه مقفولاً.

وعلى كل حال، فإن من الأفضل ألا ينسى زائرون بيت الله والحجاج في الحج والعمرة زيارة ذلك البيت، ويجدوا البيت بعد السؤال، ويقوموا بالصلاة والدعاء في ذلك المنزل، ويزوروا ذلك المكان المقدس جداً بكل ،اخلاص ، ويتذكر وا تضحياتها، فإن ذلك مؤثر جداً، ونافع لصفاء القلب والتكامل المعنوي، ويجلّلوا تضحياتها بسلامهم الخالص على الرّوح الطاهرة الخديجة(سلام الله علیها).

تذكر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) المستمر لخديجة(سلام الله علیها)

مثلما سنقول أن السيدة خديجة(سلام الله علیها) توقيت في السنة العاشرة من البعثة، وعاش الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) لمدة اثنى عشرة سنة من بعدها، وكان يتذكرها دائما في هذه المدّة، ويتذكر ذكرياتها الجميلة ومواقف ايثارها،وأحيانا يبكي عند تذكرها، ويذرف دموع الشوق ودموع الفراق عليها، لأنه لمس منها الكثير من المحبة ،واللطف، وهناك شواهد كثيرة من التاريخ تبين مدى تذكر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لخديجة(سلام الله علیها) ، وهنا نلفت نظركم الى عدّة نماذج من تلك الشواهد:

- صلى الله عليه وسلم - ذات يوم جاءت عجوز عند رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، فعاملها بكل لطف و محبة، وعندما ذهبت العجوز سألت عائشة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)عنها ، فقال(صلی الله علیه و آله و سلم) : إنها كانت تأتينا في زمن خديجة(سلام الله علیها) ، وإن حسن العهد من الايمان.(2)

بكاء الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) في مجلس زفاف السيدة الزهراء(سلام الله علیها)

5- في أوائل السنة الثانية للهجرة، وأيام الزواج المبارك الميمون للزهراء سلام الله عليها بعلي(علیه السّلام) ، جاء عقيل بن أبي طالب أخاه علي(علیه السّلام) وقال : يا أخي ما فرحت بشئ كفر حتي بتزويجك فاطمة بنت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ، يا أخي فما بالك لا تسأل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يدخلها عليك فنقر عيناً باجتماع شملكما.

قال علي: والله يا أخي إني لأحب ذلك وما يمنعني من مسألته إلا الحياء منه فقال: أقسمت عليك إلا قمت معي.

ص: 112


1- البحار : ج 22 ، ص 167 .
2- نفس المصدر - كشف الغمّة : ج 2 ص 72 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18، ص 108.

فقاما يريدا رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فلقيا في الطريق أم أيمن مولاة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ( والتي كانت سيدة قديرة ومحترمة وكانت جارية لآمنة والدة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وبعد وفاتها ورثها الرسول صلى الله عليه وآله وأعتقها(1))، فذكرا ذلك لها فقالت: لا تفعل ودعنا نحن نكلمه فإن كلام النساء في هذا الأمر أحسن وأوقع بقلوب الرجال.

ثم انثنت راجعة فدخلت إلى أم سلمة فأعلمتها بذلك وأعلمت نساء النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فاجتمعن عند رسول الله صلى الله عليه واله وكان في بيت عائشة، فأحدقن به وقلن: فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله قد اجتمعنا لأمر لو أنّ خديجة في الأحياء لقرّت بذلك عينها.

قالت أم سلمة : فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ثم قال: خديجة وأين مثل خديجة، صدّقتني حين كذبني الناس وآزرتنى على دين الله وأعانتني عليه بمالها، إن الله عزّ وجلّ أمرني أن أبشر خديجة ببيتٍ في الجنة من قصب (الزمرد) لا صخب فيه ولا نصب.

قالت أم سلمة: فقلنا بآبائنا وأمهاتنا يارسول الله إنك لم تذكر من خديجة أمرا إلا وقد كانت كذلك غير أنها قد مضت إلى ربها ، فهناها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في درجات جنته ورضوانه ورحمته، يا رسول الله وهذا أخوك في الدنيا وابن عمّك في النسب عليّ بن أبي طالب يحبّ أن تدخل عليه زوجته فاطمة(سلام الله علیها) و تجمع بها شمله.(2)

فبعث الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بأم أيمن وأمرها والآخرين بإقامة مراسم الزواج وأخذوا الزهراء سلام الله عليها وذهبوا بها الى بیت عليّ (علیه السّلام)

إطعام الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) أحباء خديجة(سلام الله علیها)

7- كان الرسول صلى الله عليه وسلم الآخر يوم من عمره يحب أحبّاء وصديقات خديجة(سلام الله علیها) ، الى حد أنه كلما يذبح الشاة يتبع بها صديقات خديجة(سلام الله علیها) فيهديها لهن ويجدّد ذكريات السيدة خديجة(سلام الله علیها) العطوفة والحنونة، ويسعد بذلك .(3)

وقال عن ذلك أنس بن مالك : كلما كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) يحصل على هدية يقول : ابعثوها الى منزل السيدة فلان فهي كانت صديقة خديجة(سلام الله علیها).(4)

ونقل عن أم رومان كان لخديجة(سلام الله علیها)جار، فوصت الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)به ، ومنذ ذلك الوقت كلما يأتوا اليه بطعام يأمر ببعضه لذلك الجار.(5)

ص: 113


1- البحار: ج 15، ص 116 - وعلى قول آخر أنها كانت جارية خديجة(سلام الله علیها)فوهبتها الى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم).
2- البحار : ح 43 ، ص 130 و 131 .
3- أسد الغابة : ج 5 ، ص 438 .
4- مستدرك سفينة البحار : ج 2 ، ص 36 .
5- حياة فاطمة الزهراء لعماد زاده:ص 36 .

عين الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) الباكية لرؤيته قلائد خديجة(سلام الله علیها)

8- كان أبو العاص بن ربيع ابن هالة أخت خديجة(سلام الله علیها) فكانت خديجة(سلام الله علیها) تحبه كأحد أبنائها، لذلك طلبت من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بأن يوافق على زواجه من زينب (إحدى بنات خديجة(سلام الله علیها) )، فقبل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بذلك، وتزوجت زينب أبو العاص.

عندما هاجر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) الى المدينة، بقيت ابنتاه زينب ورقيّة في مكة لأن زوجيهما كانا في مكة.

وعندما حدثت غزوة بدر ( في السنة الثانية للهجرة)بين جيش الاسلام وجيش المشركين كان أبو العاص في جيش الأعداء وكان من السبعين نفر الذين أسروا على يد جيش الاسلام في هذه الحرب.

وبعد مدة عندما قرر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بإطلاق الأسرى الكفار بدفع الفدية عنهم، بعث أبو العاص الى زينب لتفديه ببعض الأموال حتى يطلق سراحه.

فجهزت زينب بعض الأموال ووضعت قلائدها فوقها وكانت هذه القلائد قد جهزتها خديجة(سلام الله علیها) ما في يوم زواجها، وبعثتها الى أبي العاص ، فقدّم أبو العاص الاموال والقلائد إلى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)كفدية.

فلما رأى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) تلك القلائد نزلت الدموع من عينيه كحبات اللؤلؤ وبكى وقال: رحم الله خديجة، هذه قلائد هي جهزتها بها.

فأطلقه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بشرط أن يبعث إليه زينب ولا يمنعها من الالتحاق به فعاهده على ذلك ووفى له.(1)

ونقرأ في مقطع آخر من التاريخ : أنه بعدما تذكرها قال(صلی الله علیه و آله و سلم) : كأن قد صعب جدا على زينب فك تذكار والدتها من على رقبتها وإرساله إلينا.(2)

عندما شاهد المسلمين هذه الحالة البادية على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) :قالوا يا رسول الله ! قد عفونا عن حقنا، فإن كنت تريد تلك القلائد فخذها، وإلا إبعثها الى زينب.

وعلى نقل آخر : أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)استأذن من المسلمين في تلك القلائد فأجابوا بالجواب السابق.

أطلق رسول الله عليه وآله أبو العاص وبعث بأمواله والقلائد الى زينب وقال لأبو العاص : اعلم أن زينب لا تحل لك، لأنها مسلمة وأنت كافر ، فابعثها لي عند وصولك مكة.

فقبل أبو العاص بذلك، وبعث الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)زيد بن حارثة الى مكة حتى يأتي بزينب، فبعثها أبو العاص مع زيد الى المدينة.

وأخيراً أسلم أبو العاص قبل فتح مكة، وعاد الى المدينة، وأتى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)مسلماً وحسن إسلامه،

ص: 114


1- أسد الغابة : ج 5 ، ص 226 - البحار ج 19 ، ص 241 .
2- وكأن زينب كانت تعلم بأن لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)علاقة خاصة بخديجة(سلام الله علیها)لذلك جعلت تلك القلائد الخاصة بخديجة(سلام الله علیها)وسيلة لاطلاق أسر زوجها.

ص: 115

وردّ عليه رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)ابنته زينب بنكاح جديد، وواصلا حياتهما حتى توفّى أبو العاص في السنة الثانية من الهجرة.(1)

تعويض مهر خديجة(سلام الله علیها) بفدك

9 - في السنة السابعة من الهجرة، بعدما فتح جيش الاسلام بقيادة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) خيبر، وخسر اليهود، وطبقاً لأقوال البلاذري في كتابه فتوح البلدان، بعث أهل فدك(2)رئيسهم يوشع بن نون الى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لإجراء عقد صلح بينهم وبين الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وكان العقد ينص على أن يعطوا فدك لرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)حتى ينعموا بالأمان تحت راية الاسلام...

وبهذا الترتيب حصل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) على فدك بالصلح وبدون أي هجوم أو استخدام السلاح وأصبحت من أمواله الخاصة (وليست من بيت المال والاموال العامة)(3)ومع نزول الآية (7) من سورة الحشر ، أصبحت فدك بعنوان «الفيء» من مال الله والرسول وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.

كانت فدك كذلك حتى نزلت الآية (24) من سورة الإسراء: «وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل»

نقل الكثير من المفسّرين والمحدّثين الشيعة والسنة بأن: عندما نزلت هذه الآية طلب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فاطمة سلام الله عليها وأعطاها فدك .(4)

والشيء الذي يجب أن يذكر هنا في هذا الكتاب هو أن الامام الصادق(علیه السّلام) قال : حصل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)على فدك فلما دخل المدينة دخل على فاطمة فقال : يا بنية إن الله قد أفاء على أبيك بفدك، واختصه بها فهي له خاصة دون المسلمين، أفعل بها ما أشاء، وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك مهر ، وإن أباك قد جعلها لك بذلك وأنحلتكها تكون لك ولولدك بعدك .(5)

هذه القصة تبين حسن عهد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) بخديجة(سلام الله علیها) وتجديد ذكرياتها .

ص: 116


1- أسد الغابة : ج 5 ، ص 236 - الاصابة : ج 4 ، ص 1 - 121 و 126 .
2- تقع فدك على بعد 140 كيلومتر عن خيبر وهي أرض زراعية خصبة ومنتجة، وكانت تقطنه أفراد من اليهو د، لذلك كانت تسمى بقرية فدك ، وطبقا لبعض الروايات كانت أرباح فدك الزراعية السنوية تقدّر ب- 48 ألف دينار، حيث لفترة من الزمن كان اليهود يخصمون نصف الارباح من الرسول حتى ينتهوا من جميع أعمال الزراعة والفلاحة، وعند جمع المحاصيل يعطونه نصف الأرباح ( معجم البلدان : كلمة فدك شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ، ص 346 .
3- كتاب فدك، تأليف العلامة سيد محمد حسن القزويني : ص 33.
4- تفسير الدر المنثور : ج 4 ، ص 177 بالنقل عن العديد من المحدثين.
5- البحار: ج 17 ، ص 378 - يمكن أن نوضح ذلك بالآتي: بالرغم من أن خديجة(سلام الله علیها)دفعت مهرها من أموالها الخاصة (كما قلنا سابقاً) لأن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان فقيراً، إلا أنه أراد إسعاد السيدة خديجة(سلام الله علیها)بإعطاء فدك لفاطمة(سلام الله علیها)واولادها من بعدها، ويعوّض لها بعض من إيثارها وخاصةً إنفاقها المالي، مع التوجه الى أن فدك لم تكن من أموال بيت المال بل كانت من أموال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الخاصة.

خديجة(سلام الله علیها) ومعراج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)

اشارة

من إحدى الظواهر المهمّة جداً في الحياة المشرقة للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) هي معراج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)من مكة الى البيت المقدّس، ومن هناك الى السماوات والذي حصل في السنة الثالثة أو العاشرة من البعثة(1)، وبناءاً على القول المعروف والمناسب ذكره هنا:

أنه طبقاً لبعض الأقوال المنقولة أن معراج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بدأ من بيت خديجة(سلام الله علیها) ورجوعه كان أيضاً لبيت خديجة(سلام الله علیها).

روي أن الامام الباقر(علیه السّلام) قال : جبرئيل(علیه السّلام) نزل بالبراق، فوقفه على باب خديجة(سلام الله علیها) ، ودخل على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، فخرج رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فركب ليلاً وتوجّه نحو بيت المقدس (حيث تم الجزء الاول من المعراج) ...(2)

وطبقاً لبعض الشواهد والقرائن، أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) لحين عودته من المعراج نزل ببيت خديجة(سلام الله علیها)، ولادراك المزيد عن المقام المشرق للسيدة خديجة(سلام الله علیها) في معراج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، نلفت نظركم الى الروايتين الآتيتين:

1- سلام الله على خديجة

حدث أبو سعيد الخدري أن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)قال : قلت لجبرئيل عليه السلام ليلة أسري بي عند الرجوع: يا جبرئيل هل لك من حاجة؟

قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السّلام.

صلى الله عليه وسلم

وحدّثنا عند ذلك أنها قالت حين لقاها نبي الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال لها الذي قال جبرئيل، فقالت : إن الله هو السلام، ومنه السلام، وإليه السلام وعلى جبرئيل السلام .(3)

ص: 117


1- يقول بعض المحققين: «والأرجح أن المعراج حصل في السنة الثانية أو الثالثة من البعثة». (بنات النبي: ص 64)
2- البحار : ج 18، ص 378 - من الطبيعي أن تكون خديجة هي الشخص الوحيد الذي ودّع الرسول صلى الله عليه وسلم في معراجه وسفره الى السماوات.
3- كشف الغمّة : ج 2، ص 133 - البحار : ج 16 ، ص 7 وج 18 ، ص 385 .

هذا المطلب يبيّن مدى مقام السيدة خديجة(سلام الله علیها) عند الله سبحانه وتعالى وعظمتها.

2- ارتباط الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)المقدّس بخديجة(سلام الله علیها)بعد المعراج

قال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ضمن بيانه لحادثة المعراج : أخذ جبرئيل(علیه السّلام)بيدي فادخلني الجنة فإذا أنا بشجرة من نور أصلها ملكان يطويان الحلل والحلي،فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذه الشجرة؟

فقال: هذه لأخيك علي بن أبي طالب وهذان الملكان يطويان له الحلي والحلل الى يوم القيامة.

3- النبع العجيب لولادة الزهراء(سلام الله علیها)من خديجة (سلام الله علیها)

من إحدى الحوادث العجيبة في الحياة المشرقة للسيدة خديجة(سلام الله علیها)هي ولادتها للزهراء سلام الله عليها، لأنها كانت تملك اللياقة حتى تكون لها بنتاً كالزهراء سلام الله عليها والتي هي أفضل نساء الدنيا والآخرة، ولن تصل أية امرأة الى مقامها أو تولد امرأة مثلها من أول الخلقة الى آخره.

نقل روايات كثيرة ومتعددة عن كيفية انعقاد نور فاطمة سلام الله عليها في رحم خديجة(سلام الله علیها)و عن ولادة السيدة الزهراء سلام الله عليها، حيث كل منها تبين جزء من المقام القدير للسيدة خديجة(سلام الله علیها)والسيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، ولتوضيح المطلب نلفت نظركم الى عدد من الروايات:

- نقل في تفسير الفرات عن أمير المؤمنين علي(علیه السّلام)أنه قال : لما نزلت على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)الآية: «طوبی لهم وحسن مآب».(1)

قام مقداد بن الاسود الكندي إلى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال: يا رسول الله وما طوبى؟

قال: یا مقداد شجرة في الجنّة لو يسير الراكب الجواد لسار في ظلها مائة عام قبل أن يقطعها ، ورقها وقشورها...

قال عمار بن ياسر : ذات يوم قالت فاطمة الزهراء سلام الله عليها لعلي(علیه السّلام): اعلم يا أبا الحسن أن الله تعالى خلق نوري وكان يسبّح الله جلّ جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاما أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك ففعل فأودعني الله سبحانه صلب أبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ثم أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني وأنا من ذلك النور أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى.(2)

عن الفضل بن شاذان عن سلمان الفارسي أنه قال: دخلت علي وفاطمة(سلام الله علیها)والحسن والحسين يلعبان

ص: 118


1- الرعد: 29.
2- عيون المعجزات، بناءاً على نقل البحار: ج 43 ، ص 8.

بين يديها ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتى دخل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فقلت: يا رسول الله أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً.

فقال: يا سلمان ليلة أسري بي إلى السماء إذ رأيت جبرئيل في سماواته وجنانه، فبينما أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصرها إذ شممت رائحة طيبة ، فأعجبتني تلك الرائحة فقلت: يا حبيبي ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلها ؟

فقال : يا محمد تفاحة خلق الله تبارك وتعالى بيده منذ ثلاثمائة ألف عام ما ندري ما يريد بها.

فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة، فقال: يا محمد ربنا يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة.

فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم): فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل، فلما هبط إلى الارض أكلت تلك التفاحة، فجمع الله ماءها في ظهري، فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة من ماء التفاحة، فأوحى الله عزّ وجلّ إلي أن قد ولد لك حوراء إنسية ... هذه الحورية كانت فاطمة(سلام الله علیها).(1)

الاجابة على سؤال

هنا يطرح هذا السؤال حيث طبقاً للقول المعروف الذي نقله المحدّثون الشيعة أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها ولدت في السنة الخامسة من البعثة، اذن كيف تتوافق الروايات المذكورة (التي تبين تعلق نطفة فاطمة(سلام الله علیها)في خديجة(سلام الله علیها)بعد معراج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم))مع ولادتها ؟

للإجابة على هذا السؤال توجهوا الى النقاط التالية:

1 - أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لم يكن معراجه منحصراً في مرّة واحدة، حتى لا تتوافق تلك الروايات، بل روي عن الصادق(علیه السّلام)الله الا أنه قال: عرج بالنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)مائة وعشرين مرّة.(2)

2 - أنه ظهرت اختلافات في السنة والشهر الذي تمّ فيه معراج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وجاء طبقاً لبعض روايات المعراج أنه عرج في السنة الخامسة من البعثة، ومنها تحكي أن معراجه حصل في السنة الثانية أو من البعثة(3)، وحسب قول بعض المحققين أنّ هذا القول هو أفضل وأظهر الأقوال.(4)

ومن جانب آخر بالنسبة للسنة التي ولدت فيها السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، أيضا حصلت فيها اختلافات شديدة، وبناءاً على هذا ومع التوجه الى جميع الجوانب فإن من الممكن تطابق وتوافق الروايات المذكورة مع السنة التي ولدت فيها الزهراء سلام الله عليها، والاجابة على ذلك السؤال.

ص: 119


1- كنز جوامع الفوائد - البحار : ج 36 ، ص 361 .
2- البحار : ج 18، ص 387.
3- البحار: ج 18 ، ص 379 - 381 - المیزان : ج 13، ص 29 - 30.
4- بنات النبي الجعفر مرتضى العاملي: ص 64 .

اعتزال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)عن خديجة(سلام الله علیها)الأربعين يوماً

من المعروف أن فاطمة سلام الله عليها ولدت في السنة الخامسة من البعثة، ذات يوم وفي السنة الرابعة من البعثة وبينما النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)كان جالساً بالابطح ومعه عمار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبوبكر، وعمر ، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب، إذ هبط عليه جبرئيل(علیه السّلام)في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب، فناداه: يا محمد العلي الاعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً، فشق ذلك على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وكان لها محبّاً وبها وامقاً .(1)

قال: فأقام النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)أربعين يوماً ، يصوم النهار ، ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال قل لها: يا خديجة لا تظنّي أن انقطاعي عنك ولا قلي(2)، ولكن ربي عزّ وجلّ أمرني بذلك لتنفّذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلا خيرا، فإن الله عزّ وجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا، فإذا جنك الليل فأجيفي(3)الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإني في منزل فاطمة بنت أسد.

فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مرارا لفقد رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرئيل(علیه السّلام)فقال : يا محمد العلي الاعلى يقرئك السلام ، وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته.

قال النبي صلى الله عليه واله : يا جبرئيل وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيته؟

قال : لا علم لي.

قال: فبينا النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس، أو قال: إستبرق،فوضعه بين يدي النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وأقبل جبرئيل و قال : يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام.

فقال علي بن أبي طالب(علیه السّلام): كان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)إذ أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الافطار، فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)على باب المنزل، وقال: يا بن أبي طالب إنه طعام محرم إلا علي.

قال علي(علیه السّلام) : فجلست على الباب وخلا النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)بالطعام، وكشف الطبق، فإذا عذق من رطب، وعنقود من عنب، فأكل النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)منه شبعا ، وشرب من الماء ريّاً، ومديده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل، وغسل يده ميكائيل، وتمند له إسرافيل، وارتفع فاضل الطعام مع الاناء إلى السماء، ثم قام النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)ليصلّي(النافلة) فأقبل عليه جبرئيل، وقال: الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عزّ وجلّ آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة، فوثب رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)إلى منزل خديجة.

ص: 120


1- الوافق:المحب.
2- هجرة ولا قلى:أي ولا غضب
3- قال الجوهري : أجفت الباب أي رددته.

ولادة السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله علیها)واحترام النسوة الجليلات الخديجة(سلام الله علیها)

نقل الشيخ الصدوق في كتاب الامالي بسنده: عن المفضل بن عمر أنه قال:

قلت لابي عبد الله بن جعفر بن محمد عليهما السلام: كيف كانت ولادة فاطمة(سلام الله علیها)؟ قال: نعم، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)هجرتها نسوة مكة، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة من ذلك، فلما حملت بفاطمة(سلام الله علیها)صارت تحدّثها في بطنها وتصبّرها، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، فدخل يوما وسمع خديجة تحدّث فاطمة، فقال لها : يا خديجة من يحدثك؟

قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني.

فقال لها: هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى، وأنها النسمة الطاهرة الميمونة، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة في الامة يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحیه.

فلم تزل خديجة رضي الله عنها على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها عصيتينا ولم تقبلي قولنا، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له،فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئا.

فاغتمّت خديجة لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن ، فقالت لها إحداهن: لا تحزني يا خديجة، فإنا رسل ربك إليك، ونحن أخواتك: أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم ، وهي رفيقتك في الجنة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه صفراء بنت شعيب،بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء.

فجلست واحدة عن يمينها، والأخرى عن يسارها،والثالثة من بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت خديجة فاطمة(سلام الله علیها)الطاهرة مطهرة ، فلما سقطت إلى الارض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.

فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن، وأطيب رائحة من المسك والعنبر، فلفتها بواحدة، وقنعتها بالاخرى، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة(سلام الله علیها)انا بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن أبي رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)سيّد الانبياء، وأن بعلي سيّد الأوصياء، وأن ولدي سادة الاسباط ، ثم سلمت عليهن ، وسمّت كل واحدة منهن باسمها، وضحكن إليها وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة(سلام الله علیها).

ص: 121

وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، فلذلك سميت الزهراء(سلام الله علیها)، و قالت: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها.

فتناولتها خديجة(سلام الله علیها)الفرحة مستبشرة، فألقمتها ثديها ، فشربت فدرّ عليها ، وكانت(سلام الله علیها)تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في شهر،وفي شهر كما ينمي الصبي في سنة، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .(1)

حادثة شق القمر وتسلية فاطمة(سلام الله علیها)والدتها

من العجائب التي حصلت أنه عندما كانت فاطمة سلام الله عليها في رحم والدتها خديجة(سلام الله علیها)في السنة الرابعة من البعثة وفي الأشهر الأولى من السنة الخامسة من البعثة بناءاً على القول المعروف، حيث أمر الله عزّ وجلّ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بإفشاء الاسلام والدعوة اليه والحوادث المرة التي حصلت له من قبل المشركين، كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في أوضاع صعبة جداً ومن الطبيعي أن تكون خديجة(سلام الله علیها)الشريكته في الهموم والغموم وتتألم بشدة لآلامه.

في هذه الأيام كانت فاطمة سلام الله عليها تتحدّث مع أمها وهي في الرحم وتصبّرها، كما ذكرنا نموذج عن ذلك، ومن بين الحوادث التي كانت فاطمة سلام الله عليها تصبّر خديجة(سلام الله علیها)فيها هي حادثة شق القمر.

توضیح

جاء طبقاً للروايات المشهورة أن المشركين جاءوا الى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)وقالوا : إن كنت رسول الله فاشقق القمر.

قال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم): إن فعلت ذلك فهل تؤمنوا ؟

قالوا: نعم.

وكانت تلك الليلة ليلة الأربعة عشر ، فطلب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ذلك من الله سبحانه وتعالى، فاستجاب الله له، وانشق القمر الى جزئين، فناداهم الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)فرداً فرداً وقال لهم اشهدوا على ذلك .(2)

بالرغم من أن المشركين شاهدوا معجزة شق القمر إلا أن ذلك زاد من كفرهم وقالوا: هذا سحر، مثلما تدل الآيات الثلاثة الأولى من سورة القمر على ذلك.

فتأثر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)من قول المشركين وعاد مساءا الى البيت، فاستقبلته خديجة(سلام الله علیها)فقالت له وهي مسرورة: يا رسول الله ! لقد شاهدت معجزتك من على السطح، والأعجب من ذلك أنّ الطفل الذي في بطني قال لي (حيث كنتُ مضطربة فكان يصبّرني) :

ص: 122


1- البحار: ج 16 ، ص 80 - 81 وج 6 ، ص 247 وج 43، ص 2 .
2- مجمع البيان: ج 9، ص 186 .

يا أماه! لا تخشي على أبي، ومعه ربُّ المشارق والمغارب.

فابتسم الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وقال : لم يعط الله لأي نبي كما أعطاني من المعجزات.

فأنشد أبو طالب بأشعار بشأن معجزة شق القمر .(1)

نذر السيدة خديجة(سلام الله علیها)وإعلان دستور الله

لما حملت خديجة(سلام الله علیها)بفاطمة سلام الله عليها ، نذرت مثل «حنّة» والدة مريم(سلام الله علیها)وقالت:

الهي، إنني أفضل من والدة مريم و محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)بعلي أفضل من عمران بعل والدة مريم، لذا أعتقت ما في رحمي لوجهك (أي: جعلتها حرّاً عندما تبلغ سن الرشد والبلوغ لتكون في خدمة المسجد الحرام والدين وتكون من الزاهدات والعابدات في المسجد).

فنزل جبرئيل(علیه السّلام)الى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وقال : قل لخديجة أن الله تعالى يقول: لا إعتاق قبل الملك، خلّي بيني وبين صفيّتي، فإنّي أملكها وهي أمُّ الأئمة وعتيقي من النار.(2)

توضیح

أرادت خديجة(سلام الله علیها)كعادة أولياء الله في الأزمنة الماضية أن تنذر مثل والدة مريم(سلام الله علیها)وتتعهد بأن تكون إبنتها وقف لخدمة مسجد الحرام، ومن قبل كان هذا العمل معقول وعادي، فكانت تتصوّر أن هذا العمل سيكون من المستحبّات الكبيرة أيضا في الشريعة الاسلامية، وحديث جبرئيل(علیه السّلام)يبيّن أن فاطمة سلام الله عليها ليست كباقي البنات، فهي مملوكة الله عزّ وجلّ وليست ملكك حتى تنذرين بشأنها، وكان الهدف الأساسي من نذرها في خدمة بيت الله عزّ وجلّ هو العبودية الكاملة المحضة والنجاة من نار جهنم ، فوصلت فاطمة الزهراء سلام الله عليها لهذا الهدف، وعلى اثر العبودية نجت من نار جهنم وأصبحت والدة الأئمة المعصومين(علیهم السّلام).

لذلك انصرفت خديجة(سلام الله علیها)من هذا النذر لأن أهداف هذا النذر بشأن فاطمة الزهراء سلام الله عليها قد تحققت عند الله من قبل.

يحتمل أن يكون هذا التعبير «فاطمة أم الأئمة» إشارة الى أنه اذا كان لمريم(سلام الله علیها) ابن کعیسی(علیه السّلام)قائد ومعصوم ومن أنبياء أولو العزم، فإن فاطمة سلام الله عليها سيكون لها إحدى عشرة إمام معصوم حيث جميعهم أبنائها.

ص: 123


1- اقتباسا عن رياحين الشريعة : ج 2، ص 265 .
2- تفسير منهج الصادقين، طبقا لنقل رياحين الشريعة: ج 2 ص 255 - 256 .

ص: 124

بحث في أبناء خديجة(سلام الله علیها)

هناك عدة أقوال وروايات مختلفة وعديدة نقلت في مسألة أبناء خديجة(سلام الله علیها)و التي تحتاج الى البحث والتحقيق فيها.

المعروف أن: خديجة(سلام الله علیها)كان لها ولدان من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)هما قاسم و عبد الله، وكلاهما قد توفّيا في سن الطفولة، حيث توفى قاسم قبل البعثة وعبد الله بعد البعثة وكان يلقب عبد الله بالطّيب والطاهر.

وبنات خديجة(سلام الله علیها)هن على الترتيب: رقيّة، زينب، أم كلثوم وفاطمة سلام الله عليها.

وعلى ذلك فإن السيدة خديجة(سلام الله علیها)وكان لها ستة أبناء كما هو مشهور بين المحدثين.

والبعض اعتبر الطيب والطاهر شخصان حيث أحدهما لقب عبد الله والآخر لقب القاسم، أو انه كان ابن آخر للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وعلى ذلك فإن عدد أبناء خديجة(سلام الله علیها)يصبح سبعة .(1)

وبصورة عامة كانت السيدة خديجة(سلام الله علیها)امرأة ولودة، ولذلك كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يحبها، كما جاء في الرواية:

نظرية العلامة سيّد محسن أمين وابن هشام

يقول العلامة سيّد محسن أمين رحمه الله : إن أبناء الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)هم :

1- قاسم حيث كُني الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بهذا الاسم(أبا القاسم) ، عاش حتى مشى ثم توفى في مكة قبل البعثة.

2 - عبد الله الذي لقب بالطيب والطاهر، لقب بهذا لأنه ولد بعد البعثة، وتوفى في مكة.

3- فاطمة الزهراء سلام الله عليها أصغر بنات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)حيث تزوجت علي(علیه السّلام)بعد الهجرة.

4 - زينب: أكبر بنات رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)حيث تزوجت قبل الاسلام بأبي العاص قاسم بن ربيع ابن

ص: 125


1- يقول ابن هشام : أبناء خديجة من الرسول هم رقية زينب، أم كلثوم، فاطمة، قاسم، طيب وطاهر (سيرة ابن هشام : ج 1 ، ص 202)

هالة، أخت خديجة(سلام الله علیها).

5 - رقية(سلام الله علیها).

6 - أم كلثوم: زوّج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ابنتيه رقية وأم كلثوم لعتبة وعتيبة ابنا عمه أبو لهب قبل البعثة، وعندما طلع الاسلام وعادى المشركون الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، مشوا الى أبي العاص فقالوا: فارق صاحبتك بنت محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)ونحن ننكحك أي امرأة شئت من قريش.

فلم يقبل أبو العاص بذلك.

فعرض المشركون ذلك على عتبة و عتيبة ابنا أبو لهب، فقبلا بذلك، وطلقا نساءهما رقية وأم كلثوم، فتزوج عثمان.رقية ثم تزوّج أم كلثوم (عندما توفيت رقية).

والدة هؤلاء الأبناء الستة كانت خديجة(سلام الله علیها).

7- ابراهيم ابن مارية القبطية (إحدى زوجات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)) والذي ولد في المدينة وتوفى في سن الثامنة عشرة شهراً في المدينة.(1)

يقول ابن هشام في سيرته بعد ذكر الأبناء السبعة لخديجة(سلام الله علیها)(كما قلنا سابقا): قاسم طيب وطاهر توفوا قبل البعثة، أما بنات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)فقد أدركن الاسلام، وأسلمن وهاجرن الى المدينة، وابنه الآخر ابراهيم كان من مارية القبطية .(2)

وفي كتاب الاسناد نقل عن الامام الباقر(علیه السّلام)أنه قال : ولد للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)من خديجة(سلام الله علیها): القاسم، الطاهر، أم كلثوم، رقيّة، فاطمة وزينب، وتزوج علي(علیه السّلام)بفاطمة سلام الله عليها، وتزوج أبو العاص (قاسم) بن ربيع وهو رجل من بني أمية زينب، وتزوج عثمان بأم كلثوم، فماتت ولم يدخل بها، فزوجه الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)رقية عوضاً عنها .(3)

وطبقاً لرواية أخرى: لما سار رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)الى بدر لغزوة بدر (والتي حصلت في السنة الثانية للهجرة) زوج رقية لعثمان.

وأيضا روى أن رقية ولدت من عثمان عبد الله صبياً لم يجاوز ست سنين، وكان ديك نقره على عينه فمات.(4)

وأيضا نقل ابن عباس أن: أوّل من ولد الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بمكة قبل النبوة القاسم يكنى به، ثم ولد له زينب، ثم رقية، ثم فاطمة، ثم أم كلثوم ، ثم ولد له في الاسلام عبد الله ، فسمي الطّيب والطاهر ، وأمهم جميعا خديجة بنت خويلد، وكان أول من مات من ولده القاسم، ثم مات عبدالله بمكة، فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع ولده فهو أبتر ، فأنزل الله تعالى: «إن شانئك هو الابتر».(5)

وأما بناته فزينب كانت زوجة أبي العاص واسمه القاسم بن الربيع ، وكان لها منه ابنة اسمها أمامة،

ص: 126


1- أعيان الشيعة طبعة الارشاد: ج 1، ص 223 - طبقاً لبعض الروايات انه عندما سمع عتبة حادثة معراج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)أنكره بشدّة وغضب فطلّق زوجته رقية (مجمع البيان: ج 7، ص 172).
2- سيرة ابن هشام: ج 1، ص 202
3- قرب الاسناد:ص 6-7 .
4- البحار:ج 22 ، ص 152 .
5- الكوثر : 3 .

فتزوجها المغيرة بن نوفل ثم فارقها ، فتزوجها علي(علیه السّلام)بعد وفاة فاطمة(سلام الله علیها)، وكانت أوصت بذلك قبل فوتها، وتوفيت زينب سنة ثمان من الهجرة في المدينة .(1)

ذكرنا من قبل أن زينب(سلام الله علیها)افترقت عن أبي العاص وهاجرت الى المدينة، ثم هاجر أيضا أبو العاص الى المدينة وقبل بالاسلام وأنكح زينب(سلام الله علیها)بنكاح جديد واستمر معها الى آخر العمر.

وكما ذكرنا في بداية الفصل الأول أن البعض يعتقد بأن خديجة(سلام الله علیها)كانت عذراء عند زواجها بالرسول صلى الله عليه وسلم و أن زينب ورقية هما ابنتا أختها هالة والتي كفلتهما خديجة(سلام الله علیها).(2)

احترام الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الرأي خديجة(سلام الله علیها)واختيارها

كان أبو العاص من خديجة بمنزلة ولدها وكانت خديجة(سلام الله علیها)ان خالته ، وعندما أراد أبو العاص الزواج بزينب سألت خديجة(سلام الله علیها)الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه زينب وكان لا يخالف خديجة(3)، وذلك قبل أن ينزل عليه الوحي، فزوجه إياها، فكانت خديجة الا الواسطة في زواج أبي العاص من زينب، فلما أكرم الله رسوله بنبوته آمنت به خديجة وبناته كلهن وصدقنه و شهدن أن ما جاء به حق ودنّ بدينه .(4)

ولكن ثبت أبو العاص على شركه حتى أصيب في الاسرى يوم بدر ، فأتي به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فكان عنده مع الاسارى، فلما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بعلها بمال، وكان فيما بعثت به قلادة كانت خديجة أمها أدخلتها بها على أبي العاص ليلة زفافها عليه، فلما رآها رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)رق لها بشدّة، وقال للمسلمين:

إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها ما بعثت به من الفداء فافعلوا.

فقالوا: نعم يا رسول الله نفديك بأنفسنا وأموالنا.

فردوا عليها ما بعثت به،وأطلقوا لها أبا العاص بغير فداء، وعاد الى مكة، وبعد مدة جاء الى المدينة في سفره الى الشام وأسلم ومرة أخرى تزوّج زينب.(5)

وهنا يوجد أيضا روايات أخرى منها : نقل عن قتادة أنه قال: لأول مرّة قبل البعثة ولدت خديجة(سلام الله علیها)من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ولدان هما قاسم وعبد الله ، وأربعة بنات هن أم كلثوم، زينب، رقية وفاطمة سلام الله عليها.(6)

ونقل عن ابن عباس أنه كان الخديجة(سلام الله علیها)عشرة أبناء وهم على الترتيب التالي:

1 - عبد الله، 2- زينب، 3- رقية، 4 - قاسم، 5 - طاهر ، 6 - مطهر ، 7- طيب، 8- مطيب، 9 - أم -

كلثوم، 10 - فاطمة حيث كانت أصغرهم.(7)

ويجدر القول هنا أنّ المحدثين المعروفين من السنة كالقسطلاني و ديار بكري قالا أن لخديجة(سلام الله علیها)الاثنى عشر أبناء وقالا أنهم ولدوا بعد البعثة فيما عدا عبد مناف .(8)

ص: 127


1- البحار: ج 22، ص 166 - 167 .
2- كما صرح العلامة المامقاني بذلك في تنقيح المقال : ج 3، ص 77.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 14 ، ص 189 .
4- البحار: ج 19 ، ص 348 .
5- البحار : ج 20 ، ص 363 - 364 (كما ذكرنا من قبل).
6- البدء والتاريخ : ج 35 ، ص 16 وج 6 ، ص 139 - تاريخ الخميس: ج1، ص 272
7- مختصر تاریخ دمشق : ج 2، ص 263 - الدر المنثور: ج 6 ، ص 404 .
8- المواهب اللدنيّة: ج 1 ، ص 196 - تاريخ الخميس: ج 1، ص 272 - بنات النبي:23.

تحقيق وتحليل

وبعد التحقيق عن أبناء خديجة(سلام الله علیها)حصلنا على الآتي أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم من خديجة(سلام الله علیها)هم هم ولدين قاسم وعبد الله (حيث لقب عبد الله بالطاهر والطيب)، والبعض الآخر قالوا أنهم ثلاث أولاد وهم قاسم وعبد الله وطاهر .(1)

وبالنسبة الى بنات السيدة خديجة(سلام الله علیها)- فيما عدا فاطمة سلام الله عليها - هناك ثلاث أقوال وردت

في ذلك:

1 - أم كلثوم، زينب ورقيّة من بنات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)من خديجة(سلام الله علیها)، وبإضافة الزهراء سلام الله عليها - يصبح عددهن أربع بنات، مثلما تدل رواية الشيخ الصدوق في كتاب الخصال (والتي ذكرناها من قبل) وروايات أخرى على ذلك المطلب.

2 - أمّ كلثوم وأختها زينب ورقيّة عليهن السلام هن بنات خديجة عليها السلام من زوجيها السابقين ولأنهن كن تحت كفالة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)بعد زواجه بخديجة(سلام الله علیها)، فتم تعريفهن ببنات النبی(صلی الله علیه و آله و سلم).

3 - أم كلثوم وأختيها زينب ورقيّة كن بنات«هالة»أخت خديجة(سلام الله علیها)، ومع هذا التوضيح: بأن زوج هالة كان رجل من قبيلة المخزوم، ورزقها الله عزّ وجلّ بزينب ورقيّة، ثم توفى زوجها، فأصبحت هالة حائرة فيمن يكفل بناتها ، فتكفلت خديجة(سلام الله علیها)أختها هالة وبناتها وذلك لأنها كانت ثرية، وبعد زواجها من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، أصبحت بنات أختها تلقائياً بنات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، كما ذكر هذا المطلب اليعقوبي في تاريخه (الجزء الثاني، ص 16).(2)

وأيضا يجب التوجه الى أن كان الخديجة(سلام الله علیها) من زوجيها السابقين أولاد، كان لها من زوجها الأول والذي يسمى بعتيق بنت وتسمى هند وكان لها من زوجها الثاني والذي يسمى بنباش بن زرارة (أو زرارة بن نباش، أو هند بن زرارة)ولدان هما: هالة وهند كما ذكرنا في بداية الفصل الأول.

وبناءاً على ذلك كان الخديجة(سلام الله علیها)إجمالاً تسعة أو عشرة أبناء.

والمطلب الآخر هو أن هل كان لخديجة(سلام الله علیها)أزواج قبل زواجها بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)؟

جاءت أحاديث مختلفة في ذلك، وروايات متعددة تبين أنه كان لخديجة(سلام الله علیها)زوجان قبل زواجها بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كما هو معروف و مشهور بأن كانت خديجة(سلام الله علیها)قبل زواجها بالنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)عند عتيق بن عائذ المخزومي، وبعد وفاته تزوجت بأبي هالة(3)زرارة بن نباش الأسيدي، وبعد وفاته تزوجت بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

ص: 128


1- أعيان الشيعة : ج 1، ص 223 - جوامع الحكايات لمحمد العوفي ص 38.
2- رياحين الشريعة : ج 2، ص 268 .
3- لبعض قال أن نباش بن زرارة أو هند بن زرارة (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15، ص 131 - كشف الغمة : ج 2، ص (76 .

ولكن روى العلماء والمحدثون المعروفون والكبار لأهل السنة والتشيّع كأحمد البلاذري وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي وأبو جعفر في التلخيص أن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)تزوج بها وكانت عذراء .(1)

يقول العلامة المجلسي بعد نقله لذلك المطلب : يؤكّد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع أن رقيّة

وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة(سلام الله علیها).(2)

كما جاء في كتاب «الاستغاثة» بعد ذكر ذلك المطلب : نُسبت زينب ورقيّة الى السيدة خديجة(سلام الله علیها)لعلوّ درجتها وشأنها وقلّة ذكر هالة.(3)

النتيجة

هناك روايات مختلفة ومتعددة، ولا نستطيع أن نقول بصورة قاطعة أن: زينب ورقية هما بنات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وإذا لم يكونا ابنتا الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)فإن ذلك سيحل بعض المشاكل التي وردت بخصوص زواجهما بأفراد غير لائقة.

وعلى كل حال كانت السيدة خديجة(سلام الله علیها)في هذا المجال سيدة مباركة، ورزقت للرسول صلى الله عليه وسلم أولاد كثيرة، حيث أحدهم هي السيدة الزهراء(سلام الله علیها) والتي هي سيدة نساء العالمين، وكان لها اللياقة لأن تكون أمّ الأئمة المعصومين(علیهم السّلام)، وأيضا خديجة(سلام الله علیها)هي أم ومنشأ هذه اللياقة ووجدت فيها السعة لكي يظهر من نسلها فاطمة(سلام الله علیها)والأئمة الإحدى عشر المعصومين(علیهم السّلام).

نظرة أخرى لأولاد النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وخديجة(سلام الله علیها)

وأخيراً ألف المحقق العالم اللبناني، جعفر مرتضى العاملي كتاب يسمى «بنات النبي أم ربائبه؟»(4)وهو کتاب مستند و تحليلي وشيّق واستنتج في هذا الكتاب من بعض الروايات المختلفة من كتب الشّيعة والسنة وبعد تحقيقات كثيرة الآتي:

1 - نستنتج من التحقيقات أن: زواج رقيّة وأمّ كلثوم من أولاد أبي لهب، ثم عثمان هي من الأمور الواهية وليست ثابتة وغير مؤكّدة ، وبالنسبة لعثمان هناك تشابه بالأسماء مما أدى الى هذه المغالطة.(5)

2 - هناك شواهد متعددة تدلّ على أن السيدة خديجة(سلام الله علیها)لم تكن متزوجة قبل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وأنها كانت عذراء قبل الزواج بالنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)(6)، ونقل عن العلامة السروي (ابن شهر آشوب) بأنه كتب: إن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)قد تزوّج خديجة(سلام الله علیها)وهي عذراء.

كما أكّد كتابي «الأنوار والبدع» هذا المطلب حيث نقلا أن:

ص: 129


1- البحار : ج 22 ، ص 191 - رياحين الشريعة : ج 2، ص 296 .
2- البحار: ج 22، ص 191 نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب : ج1، ص 159 .
3- خديجة(سلام الله علیها)، تأليف محمد علي دخيّل: ص 11 .
4- أُلف هذا الكتاب في سنة 1413ه_. ق ونشرت وطبعت الطبعة الثانية من الكتاب في سنة ه_ ق 1375(1416 شمسية) بالخط الرقعي في 148 صفحة بواسطة مكتب التبليغات في حوزة قم.
5- بنات النبي : ص 75 و 124 .
6- بنات النبي : ص 88 وحتى 93 .

رقيّة وزينب هما ابنتا هالة أخت خديجة(سلام الله علیها).(1)

حديث قصير

إن الاختلافات في الروايات كثيرة في هذا الموضوع، حيث يقول العلامة المامقاني والذي له علم في علم الرّجال، بعد الحديث عن ذلك وفي آخره: والعلم عند الله تعالى.(2)

من إحدى الأمور التي تؤكّد المطلب السابق حديث نقل عن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)حيث قال لعلي عليه السلام: يا على أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا: أوتيت صهراً مثلي، ولم أوت أنا مثلي، أوتيت ابنتي الصدّيقة زوجةً، ولم أؤت أنا مثلها أوتيت الحسن والحسين ولم أؤت أنا مثلهما، ولكن أنت مني وأنا منك .(3)

نفهم من هذه الرواية وبالتوجه الى الميزة الأولى بأنه كان للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)صهراً واحد ألا وهو علی(علیه السّلام).

البعض يصر على أن أم كلثوم ورقيّة هما بنات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)وزوجات عثمان حتى يقللوا من شأن ومنزلة علي(علیه السّلام)، فيذكرونه«بذي النورين» (أي زوج النورين أم كلثوم ورقيّة)، ولكن بالرغم من أن السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها كانت معروفة عند الجميع بأنها أفضل نساء العالمين، وكانت زوجة على(علیه السّلام)إلا أنه لم يلقب بأمثال ذلك اللقب.(4)

الاجابة على سؤالين

وهنا يطرح سؤالان، الأول هو أنه اذا لم يكن للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بنات، حتى نقول أنهما تزوجا أولاد أبي لهب ثم عثمان، اذن لماذا جاء في القرآن الحديث عن بنات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)حيث نقرأ:(5)

«يا أيُّها النّبيُّ قل لأزواجك وبناتك».

وأيضا جاء في الحديث عن بنات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في بعض الأدعية أو الروايات وكمثال جاء في إحدى أدعية شهر رمضان:

«اللهم صلّ على رقية وأم كلثوم ابنتي نبيك...».

وللإجابة على السؤالين نقول كما أشرنا إليه من قبل أن: هذه السيدتين هما بنات «هالة»، أخت خديجة(سلام الله علیها)، وبعد وفاة أبيهما ، تكفلتهما خديجة(سلام الله علیها)وبعد زواجها من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)تكفّلهما النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)فسُمِّين ببنات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وأسلمن وهاجرن الى المدينة و...

وبناءاً على ذلك فما المانع من أن يكون المقصود من بنات النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)في الدعاء المذكور ربائب

ص: 130


1- مناقب آل أبيطالب : ج 1 ، ص 159 .
2- تنقیح المقال : ج 3، فصل النساء، ص 77.
3- احقاق الحق: ج 5 ، ص 74 - مناقب عبد الله الشافعي :ص50.
4- بنات النبي أم ربائبه؟ : ص 119 - 120 .
5- الاحزاب : 59.

النبی(صلی الله علیه و آله و سلم).

أو أن يكون المقصود من تلك الآية المذكورة (آية المباهلة(1))فاطمة الزهراء سلام الله عليها لوحدها ! .(2)

تصبّر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الخديجة(سلام الله علیها)في وفاة ابنيها

كما ذكرنا من قبل، وبناءاً على القول المعروف، أنه كان لخديجة(سلام الله علیها)من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ولدان هما قاسم وعبدالله، ولأن عبد الله ولد بعد البعثة فقد سمّي بالطاهر والطيب.

وبالنسبة لوقت وفاة هذين الولدين،جاءت مطالب متعددة ومختلفة في ذلك، قال البعض: أن قاسم توفي بعد أربع سنين، وعبد الله توفى بعده بشهر.(3)

وعلى حسب قول البعض الآخر أن قاسم وعبد الله توفّيا في سن السبع سنوات، وتوفّى عبد الله في السنة الأولى من البعثة(4)والبعض يقول أنّ قاسم توفّى عندما مشى وكان عمره سنتان(5)واختلفت الأقوال في أنّ هل توفّى الولدين قبل البعثة أم بعد البعثة، ولكن الشواهد والقرائن تؤكّد أنهما توفّيا بعد البعثة.

وهنا نلفت نظركم الى بعض الروايات التي جاءت في وفاة ابني الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم):

1 - من إحدى المصائب المؤلمة التي مرّت على خديجة(سلام الله علیها)في حياتها هي وفاة ولديها وهما في سن الطفولة، دخل ذات يوم رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)على خديجة(سلام الله علیها)بعد موت القاسم إبنها وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟

فقالت: درّت دريرة فبكيت .

فقال: يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجئ إلى باب الجنة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنة، وينزلك أفضلها ؟ وذلك لكل مؤمن،إن الله عزّ وجلّ أحكم وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذبه بعدها أبدا.(6)

2 - وأيضا نقل عن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)أنه عندما توفى طاهر (عبدالله) ابن رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)نهى رسول الله الا الله خديجة عن البكاء، فقالت: بلى يا رسول الله ، ولكن درّت عليه الدريرة فبكيت.

فقال لها : أما ترضين أن تجديه قائما على باب الجنة ، فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكانا وأطيبها ؟

قالت: وإن ذلك كذلك ؟

قال: فإن الله أعز وأكرم من أن يسلب عبداً ثمرة فؤاده فيصبر ويحتسب ويحمد الله عزّ وجلّ ثم

ص: 131


1- الآية (61) من سورة آل عمران.
2- اقتباسا عن رياحين الشريعة: ج 2 ص 269 .
3- رياحين الشريعة : ج 2، ص 297 .
4- البحار: ج 22 ، ص 166 .
5- أنساب الأشراف البلاذري : ص 396.
6- فروع الكافي: ج 3، ص 618 - البحار: ج 16 ، ص 15 - 16 .

يعذبه.(1)

3- نقل اليعقوبي في تاريخه أنه توفي القاسم ابن رسول الله ، فقال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وهو في جنازته، ونظر إلى جبل من جبال مكة : يا جبل لو أن ما بي بك هدّك.

وكان للقاسم يوم توفي أربع سنين ، ثم توفي عبد الله ابن رسول الله بعده بشهر ، ولم يفطم، فقالت خديجة : يا رسول الله لو بقي حتى أفطمه!

قال: فإن فطامه في الجنة.

وسألت خديجة رسول الله فقالت: أين أولادي منك؟

قال: في الجنة.

قالت: بغير عمل؟

قال: الله أعلم بما كانوا عاملين.(2)

4 - ويروي السهيلي في كتابه: دخل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)على خديجة(سلام الله علیها)- بعد موت القاسم، وهي تبكي،فقالت: يا رسول الله درّت لبينة القاسم فلو كان عاش حتى يستكمل رضاعة لهوّن عليّ.

فقال: إنّ له مرضعاً في الجنة مستكمل رضاعته.

فقالت: لو أعلم ذلك لهون عليّ.

فقال: إن شئت أسمعنك صوته في الجنّة . فقالت : بل أصدق الله ورسوله.(3)

وبهذا الترتيب كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)شريك عموم و هموم خديجة(سلام الله علیها) وكان يصبّرها في المصائب و والآلام، ويسكن قلبها الحزين بذكر الجزاء العظيم في الآخرة.

ويجب التوجه الى أن: قول خديجة(سلام الله علیها)«درّت عليها الدّريرة...» يدل على أن قاسم وعبد الله توفيا وهما في سن الرّضاعة، وبناءاً على ذلك فإن قول البعض بأنهما توفيا في سنّ الرّضاعة هو الأصح.

وكما قال البعض بصورة عامة عن وفاة أولاد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم):

«ماتوا صغاراً جداً».(4)

ص: 132


1- فروع الكافي: ج 3، ص 618 - البحار : ج 16 ، ص 15 - 16 - مشكاة الأنوار: ص 23.
2- تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 32 .
3- الروض الأنف للسهيلي: ج 1 ، ص 214 .
4- جمهرة أنساب العرب : ص 16 .

خديجة(سلام الله علیها)في فراش الموت

سنة و شهر ويوم وفاة خديجة(سلام الله علیها)

كما ذكرنا من قبل، أن السيدة خديجة(سلام الله علیها)كانت مع الرسول وبني هاشم في محاصرة اقتصادية شديدة في شعب أبيطالب في حدود ثلاث سنوات أو أربع سنوات وذلك لرغبتها في الاسلام ومقاومتها في هذا السبيل ومع التوجه الى أن عمرها كان بين 63 الى 65 سنة، أي كانت في سن الشيخوخة، إن الضغوط الشديدة جداً والمختلفة والجسمية والروحيّة التي كان المحاصرون يواجهونها في المحاصرة حقاً لهي صعبة عليهم وخاصةً على الشيوخ والعجائز كأبي طالب والد علي(علیه السّلام)القدير وخديجة(سلام الله علیها).

ايثارهم ومقاومتهم هي التي جعلتهم يعيشون وإلا فإن الظروف الصعبة التي أحاطت بهم في المحاصرة لهي نوع من التعذيب والموت البطيء والتدريجي، والقضاء عليهم.

و من هذا المنطلق وطبقاً للروايات، لما أعلن المشركون فك الحصار على المسلمين، وبعد التحرير لم يمض وقت قصير حتى رقد أبو طالب وخديجة(سلام الله علیها)في فراش الموت بفارق عدة أيام، وبعد مدة قصيرة توفّيا، وفي الحقيقة فقد استشهدا.

طبقاً لبعض الروايات، أن أبا طالب توفى بعد شهرين من خروجه من الشعب، وبعده بثلاثة أيام توفيت أيضا خديجة(سلام الله علیها).

وطبقاً لنقل آخر أنّ الفرق بين وفاة أبي طالب وخديجة(سلام الله علیها)كان شهر وخمسة أيام أو شهر أو ستة أشهر.(1)

وفي الكتاب النفيس الغدير جاء بالنقل عن مصادر متعددة : توفي أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من حين نبيء رسول الله(علیه السّلام)،وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة أيام فاجتمعت على رسول الله(علیه السّلام)عليها وعلى عمه حزناً شديداً حتى سمّي ذلك العام«عام الحزن».(2)

ص: 133


1- البحار: ج 19 ، ص 5 و 58 و 14 و 24 .
2- الغدير: ج 7، ص 372.

ينقل ابن أبي الحديد العالم السنّي المعروف ويقول أنه توفّي أبو طالب في بداية السنة الحادية عشرة للبعثة.(1)

يقول العلامة سروي في المناقب: توّفي أبو طالب بعد نبوّته بتسع سنين وثمانية أشهر.

وينقل المحدّث الراوندي: إنّ أبا طالب رضي الله عنه توفّى في آخر السنة العاشرة من مبعث رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثم توفيت خديجة(سلام الله علیها)بعد أبي طالب بثلاثة أيام.(2)

لما رقدت خديجة(سلام الله علیها)في فراش الموت، كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وأبناءه يزورونها دائماً ويراعونها ويعتنون ويهتمون بها ويمرّضونها، وحصلت حوادث في هذه المدة حيث نلفت نظركم الى بعض الروايات التي حصلنا عليها :

تصبّر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الخديجة(سلام الله علیها)في مرضها

نقل معاذ بن جبل وقال : لما مرضت مرضها الذي توفيت فيه دخل عليها رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فقال لها: أكره ما نزل بك يا خديجة، وقد جعل الله في الكره خيراً كثيراً، فإذا قدمت على ضرائرك فاقرأهنّ منّي السّلام.

قالت خديجة(سلام الله علیها): يا رسول الله ! ومن هن ضرائري؟

قال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم): مريم بنت عمران،وآسية بنت مزاحم، وكليمة (كلثم) أخت موسى. قالت: بالرّفاء والبنين يا رسول الله .(3)

وفي إحدى المرات قال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لخديجة(سلام الله علیها): أما علمت أنّ الله قد زوّجني معك في الجنة ؟!(4)

وصية خديجة(سلام الله علیها)في ليلة زفاف الزهراء(سلام الله علیها)

وعن أسماء بنت يزيد بن سكن(5)(وكانت تلقب بأم سلمة ، وكانت زوجة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)): حضرت(سلام الله علیها)وفاة خديجة فبكت،فقلت: أتبكين وأنت سيّدة نساء العالمين، وأنت زوجة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) مبشرة على لسانه بالجنّة.

فقالت: ما لهذا بكيت،ولكن المرأة ليلة زفافها لابد لها من امرأة تفضي إليها بسرها، وتستعين بها على حوائجها وفاطمة حديثة عهد بصبى وأخاف أن لا يكون لها من يتولى أمرها.

حينئذ فقلت : يا سيدتي لك علي عهد الله إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الامر.

فلما كانت تلك الليلة ( في السنة الثانية للهجرة، بعد مدة قصيرة من غزوة بدر ) وجاء النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، أمر النساء فخرجن وبقيت، فلما أراد الخروج رأى سوادي فقال: من أنت؟

ص: 134


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 14، ص 61 .
2- البحار : ج 35 ، ص 82 .
3- مجمع البيان: ج 10، ص 30 - البحار: ج 19 ، ص 20 و 24 (مع اختلاف بسيط).
4- حياة فاطمة الزهراء لعماد زاده: ص 36 .
5- جب التوجه الى أن جاء في المصدر أسماء بنت عميس، وهذا خطأ لأن في تلك الوقت كانت أسماء بنت عميس زوجة جعفر الطيار، وعند رحيل السيدة خديجة(سلام الله علیها)و وفاتها وزفاف فاطمة(سلام الله علیها)كانت مع زوجها في الحبشة، لذلك قال البعض: أن المقصودة هي أسماء بنت يزيد بن سكن والتي كانت تلقب بأم سلمة (راجع عن ذلك البحار : ج 43 ، ص 134 الهامش).

فقلت: أسماء .

فقال: ألم آمرك أن تخرجي؟

فقلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأم ، وما قصدت خلافك، ولكني أعطيت خديجة عهدا - وحدثته - فبكى فقال بالله لهذا وقفت؟ فقلت: نعم والله، فدعا لى.(1)

خوف خديجة(سلام الله علیها)من الموت

بالرغم من أن خديجة(سلام الله علیها)و كانت في غاية الايثار و التضحية للاسلام، ودائماً كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)يبشرها الجنّة إلا أنّها كانت خائفة من الله سبحانه وتعالى عند موتها ، وترى نفسه- الله سبحانه وتعالى عند موتها ، وترى نفسها عبداً ذليلاً حقيراً وتطلب أن يبشرها في عالم القبر والبرزخ، وكانت تطلب من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الدعاء والمغفرة، وتطلب منه أن يشملها لطفه وعطفه الخاص عند دفنها في القبر، حتّى يشملها الله برحمته وغفرانه.

كان عمر فاطمة سلام الله عليها آنذاك خمس سنوات، وكأن خديجة(سلام الله علیها)استحيت من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)في طلبها فتوسطت بفاطمة(سلام الله علیها)وقالت لها : ابنتي ! اذهبي عند والدك، واطلبي منه أن يكفنني بكفن من لباسه.(2)

فتوسطت فاطمة ونالت خديجة(سلام الله علیها)برغبتها ، وكان طلبها هذا حتى يشملها أنوار الرحمة الالهية

وتفرح في عالم البرزخ ويوم القيامة.

وفاة السيدة خديجة(سلام الله علیها)

وطبقاً للنقل المعروف، أن خديجة(سلام الله علیها)توقيت في اليوم العاشر من شهر رمضان للسنة العاشرة للبعثة، وفي هذه السنة توفّى رفيقين وحبيبين من الأحبّاء الأوفياء والمخلصين لرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بفارق بسيط في الزمن وهما أبو طالب(علیه السّلام)وخديجة(سلام الله علیها)

حزن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)حزناً شديداً عليها وسمّي ذلك العام بعام الحزن.

يقول العلامة الطبرسي: ورد على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)أمران عظيمان وجزع جزعاً شديداً.(3)

وينقل العلامة المجلسي: فلزم بيته وأقل الخروج.(4)

تصبّر الله تعالى الزهراء(سلام الله علیها)في وفاة والدتها

عن الصادق(علیه السّلام)قال : لما توفيت خديجة رضي الله عنها جعلت فاطمة(سلام الله علیها)تلوذ برسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وتدور حوله، وتقول : أبه أين أمي؟(5)

ص: 135


1- كشف الغمّة ، البحار : ج 43 ، ص 138 .
2- اقتباساً عن الوقائع والحوادث : ج1، ص 132 .
3- أعلام الورى : ص 62 - 63 .
4- البحار : ج 19، ص 21 .
5- طبقاً لبعض الروايات أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: في قصر له أربعة أبواب الى الجنة - البحار : ج 22 ، ص 509 .

قال: فنزل جبرئيل(علیه السّلام)فقال له: ربك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إن أمك في بيت من قصب كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران.

فقالت فاطمة(سلام الله علیها): إن الله هو السلام ، ومنه السلام، وإليه السلام.(1)

جاء في نقل آخر : أنّ فاطمة سلام الله عليها قالت للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم): أين أمي؟

قال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم): في بيت من قصب عند مريم وآسية(علیهما السّلام).

فسألت فاطمة سلام الله عليها: هل تقصد بالقصب هذه الأعواد ؟

فقال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم): لا ، بل هو بيت من الجوهر واللؤلؤ والياقوت .(2)

نزول الكفن من عند الله لخديجة(سلام الله علیها)

نقل في كتاب«الخصائص الفاطمية»: طبقاً للرواية المشهورة أنه عندما توفيت السيدة خديجة(سلام الله علیها)، نزلت ملائكة الرحمة بكفن خاص من عند الله عزّ وجلّ لخديجة(سلام الله علیها)الى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وكان ذلك بركة للسيدة خديجة(سلام الله علیها)وسكينة للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وبهذا العمل جللها الله سبحانه وتعالى وقدرها.

فألبسها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بذاك الكفن ، ثم أخذ الجنازة مع أصحابه الى مقبرة المعلى التي تقع عند جبل حجون في أعلى مكة، حتى تدفن بجانب قبر والدته السيدة آمنة(سلام الله علیها)(3)، فحفروا قبراً للسيدة خديجة(سلام الله علیها)او نزل بها الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)ودفنها هناك .(4)

يقول العلامة المجلسي في بحار الأنوار والآخرين: ولم يكن يومئذٍ صلاة على الجنازة، فلم يصلّي عليها صلاة الميت،ونزل بها في القبر ودفنها .(5)

حزن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)في فراق خديجة(سلام الله علیها)

كما قلنا سابقاً أن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)حزن حزناً شديداً في فراق السيدة خديجة(سلام الله علیها)، لأنها كانت المؤنسة والصاحبة والمخلصة وشريكة هموم النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)طوال خمسة وعشرين سنة ليلاً ونهاراً. ومن جانب آخر كانت هناك أشخاص لا يؤذون النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)بسبب خديجة(سلام الله علیها)وأبو طالب(علیه السّلام)، ولكن بعد وفاتهما بدؤوا بإيذائهم للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم).

حقاً، في أية حالة كان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بعد رجوعه من المقبرة الى الدار وبعد رؤيته لفاطمة(سلام الله علیها)والتي كانت صغيرة السن آنذاك، وكيف كان يستطيع أن يرى مكانها الخالي من بعد خمسة وعشرين عاما من الايثار والمقاومة ؟

إن عظمة هذه المصيبة والفاجعة على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.

ص: 136


1- المجالس للشيخ المفيد: ص 110 - البحار: ج 16 ، ص 1.
2- صحيح البخاري، نقلاً عن حياة فاطمة الزهراء لعماد زاده:ص 27 .
3- بالرغم من ان بعض الروايات تحكي أن قبر السيدة آمنة (ع) والدة الرسول يقع في «أبواء» بين المدينة ومكة، ولكن المحدّث المحلاتي يقول : والصحيح أن جنازة السيدة آمنة (ع) نقلت من هناك الى حجون ودفنت فيها (رياحين الشريعة : ج 2، ص 412).
4- رياحين الشريعة : ج 2، ص 271 - كشف الغمة : ج 2، ص 79.
5- البحار : ج 16، ص 13 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 14، ص 76.

ويمكن القول أنه لم تمر على حياة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)مصيبة وحادثة مرّة أعظم من مصيبة وفاة السيدة خديجة(سلام الله علیها)ورحيلها ، لأن وجودها كان عامل مهم في بناء الحياة النورانية للرسول وتقدّم الاسلام في السنوات الأولى من البعثة، لو لم يكن لوجودها بجانب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)هذا التأثير العظيم، لما تأثر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)جداً من فراقها وفقدانها، ولما سمّى ذلك العام بعام الحزن.

وكما أشرنا سابقاً، أنّ الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان دائماً يذكرها ولسنوات طوال من بعد رحيلها، ويذكر دورها في تقدّم الاسلام،ويبكي في مماتها وعندما يتذكرها ، فعلى ماذا يدل كل هذا التأثر والتذكّر ؟ !

كان دفاعها عن الاسلام ونصرتها لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم)من إحدى العوامل المهمة لثبات الاسلام وانتشاره فقد كانت أول امرأة أسلمت، وكان ايثارها ومقاومتها كسيف أمير المؤمنين علي(علیه السّلام)في انتشار الاسلام.

فكيف ينسى الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كل هذه التضحيات ويتلقى وفاتها كأي حادثة عادية تمر في حياته؟!...

حزن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)على فراق خديجة(سلام الله علیها)يدل ويبيّن مدى عظمتها وايثارها وتضحياتها ومقاومتها في سبيل الاسلام لأن وفاتها هدّ عمود ثابت ومحكم لإحدى أعمدة الاسلام، وأيضا وفاة أبو طالب قبل وفاتها بأيام كانت فاجعة كبيرة على الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

لذلك، بعد فقدان الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لهذين الصاحبين الذين كانا ذا ثبات وصلابة، لم يكن يستطيع الاستمرار في حياته في مكة، لهذا السبب هاجر الى المدينة.

كل ما نقول ونتحدث عن هذا الموضوع فلن نستطيع أن نصوّر عشر المصيبة، فكيف يمكن أن نصوّر حزن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)الشديد والعميق على فراقه خديجة(سلام الله علیها)باللسان والقلم ؟

هل يمكن أن تأخذ الماء بكأس عادي من البحر؟

احيرة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)في فراق أبي طالب(علیه السّلام)وخديجة(سلام الله علیها)

لما هلك أبو طالب(علیه السّلام)و و خديجة(سلام الله علیها)نالت قريش من رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش ، فنثر على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب.

عادةً عندما تحصل حوادث كهذه للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، كان يرجع الى البيت وتقوم خديجة(سلام الله علیها)بكل حب وعطف وتمسح عن وجهه الشريف التراب وتضع مرهم على جروحه وتواسيه وتصبّره، ولكنه الآن عاد الى الدار وخديجة(سلام الله علیها)غير موجودة، فأين خديجة(سلام الله علیها)العطوفة والحنونة لتمسح التراب من على وجهه الكريم والمبارك !!..

لكنه لا يجدها ويرى مكانها خالى، حقاً أية مصيبة نزلت على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)فأصبح مكسور الخاطر وروحه معذبة...

ص: 137

دخل رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته (من المحتمل أن تكون فاطمة سلام الله عليها)، فجعلت تغسل عنه التراب وهى تبكى ورسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)يقول لها : لا تبكي يا بنية، فإن الله مانع أباك .(1)

نعم، كان فراق خديجة(سلام الله علیها)مؤلماً جداً على الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لأنه دائماً كان يذكرها، وكان بدموعه وإبراز أحاسيسه يقدّر حبّها وعطفها عليه.

عزاء علي(علیه السّلام)في وفاة أبي طالب وخديجة(سلام الله علیها)

وأنشد علي(علیه السّلام)الأبيات التالية في مصيبة رحيل أبي طالب(علیه السّلام)وخديجة(سلام الله علیها):

أعینی جودا بارک الله فیکها *** علی هالکین لا تری لهما مثلاً

علی سید البطحا و ابن رئیسها *** وسیپة النسوان أوّل من صلی

مهذبة قد طیب الله خیمها *** مبارمة والله ساق لها الفضلا

فبتُ أقاسی الهم والثکلا *** مصابها أدحی الی الجود الهوا

لقد نصرا فی الله دین محمد *** علی من بغی فی الدّین قد رعیا ألا

بكاء ومناجاة الامام الحسين(علیه السّلام)بجانب قبر خديجة(سلام الله علیها)

حج واعتمر الامام الحسين(علیه السّلام)الخمسة وعشرين مرة مشياً على الأقدام من المدينة الى مكّة ، روى أنه ذات يوم ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة(سلام الله علیها)فبكى ثم قال: اذهب عني.

قال أنس: فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا:

یا ربّ یا ربّ أنت مولاه *** فارحم عبیداً الیک ملجاه

یا ذا العالی علیک معتمدی

ص: 138


1- سيرة ابن هشام: ج 2 ص 58 .

الهوامش

ص: 139

ص: 140

اختيار النموذج المثالي والصادق

(1) سورة التحريم: 9 - 11 ، ذكرنا في الفصل الثالث من هذا الكتاب روايات متعددة حيث جاء ذكر السيدة خديجة الله في صف السيدة آسية الله والسيدة مريم ، لذلك فهي قدوة كآسية ومريم عليهما السلام.

(2) التوبة: 71.

(3) الطراز المذهب: ج 1 ، ص 44 - رياحين الشريعة: ج 3، ص 38.

(4) العهد العتيق مكاشفة يوحنا، باب 23 ، ونقلا عن حياة السيدة فاطمة الزهراء (س) لعمادزاده: ص 26 .

(5) نساء محمد : ص 38.

(6) خديجة لعلى محمد دخيل : ص 32

الفصل الاول

(7) البحار : ج 16 ، ص 12 و 13 .

(8) البحار : ج 16 ، ص 75 و 56 .

(9) البحار : ج 24، ص 316.

(10) تنقيح المقال للمامقاني: ج 3، باب الخاء من فصل النساء، ص 77.

(11) سيرة ابن هشام: ج 1، ص 201.

(12) اقتباسا عن المصدر السابق ومن منتخب التواريخ ص 82

(13) عرف أغلب المحدثين ( من جملتهم البحار) ورقة بن نوفل بأنه عم خديجة ، ولكن على الظاهر هو ابن عمها مثلما جاء ذكره في سيرة ابن هشام بأنه ابن عم خديجة وسلسة نسبه هي: «ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ... » (سيرة ابن هشام : ج 1، ص 203) من المحتمل أنه استخدم لفظة العم بسبب تكفّله

ص: 141

لخديجة.

(14) سيرة ابن هشام : ج 1، ص 203

(15) سيرة ابن هشام: ج 1 ، ص 141 و 142 .

(16) الرّوض الانف : ج 1، ص 213 .

(17) كتب البعض بأنه نباش بن زرارة شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15، ص (31) والبعض الآ. كتب بأنه هند بن زرارة كشف الغمة، ج 2، ص72)

(18) طبقا للروايات كانت هاله أخت السيدة خديجة، وأن رقية وزينب كانتا ابنتا هالة وليست خديجة تنقيح المقال : ج 3، ص 77 وأيضا جاء في الرواية التي نقلت عن عمار أنه رأى هالة مع أختها خديجة : في طريق الصفا والمروة، وأن هالة توسطت عند عمار حتى يقوم بتجهيز محمد للزواج بخديجة ، فجهز عمار مقدمات الزواج ( التاريخ اليعقوبي : ج 2، ص (16)، وبالنسبة لموضوع أبناء خديجة ل سنتطرق اليه في

الفصل الثالث من هذا الكتاب.

(19) البحار، ج 16 ، ص 148 .

(20) سفينة البحار ج 2، ص 725 كلمة هند).

(21) أسد الغابة : ج 5 ، ص 71 - تنقيح المقال : ج 3، ص 205.

(22) البحار ج 16 ، ص 148 - أسد الغابة : ج 5 ، ص 72.

(23) بنات النبي الجعفر مرتضى العاملي: ص 93 .

(24) كحل البصر للمحدّث القمّي طبعة بيروت : ص 70 - البحار ج 21 ، ص 352 .

(25) البحار : ج 18، ص 228 .

(26) تنقيح المقال : ج 3، ص 77 .

(27) رياحين الشريعة : ج 2، ص 207 .

(28) قاموس دهخدا: ج21، ص 300.

(29) عمدة ابن بطريق: ص 204 .

(30) البحار: ج 16 ، ص 69 .

(31) البحار : ج 16 ، ص 9 و 10 .

(32) مقتبس من رياحين الشريعة : ج 2، ص 207 .

(33) رياحين الشريعة: ج 2 ص 207 ، هنالك نماذج أخرى من تلك الاشعار ذكرت في البحار : ج 16 ، ص 25 و 28 و 29 .

(34) البحار : ج 19 ، ص 63 .

(35) على فرض أنها كانت متزوجة قبل الرسول.

(36) الوقائع والحوادث (رمضان) : ج 1، ص 130 .

ص: 142

(37) البحار : ج 16 ، ص 22 ، ولا ننسى القول بأنه لم يكن الهدف من تجارة السيدة خديجة ثروة بلا نهاية بل كان هدفها مساعدة المحتاجين واليتامى على القدر المستطاع حتى لقبت ب- «أم الصعاليك» و «أم اليتامى» وأخيرا (كما سنذكر لاحقا) صرفت كل أموالها في سبيل الاسلام

(38) البحار : ج 16 ، ص 20 و 21 .

(39) البحار : ج 16 ، ص 20 و 21 .

(40) فحصينه: أي فرمينه بالحصباء.

(41) مناقب آل أبيطالب : ج 1 ، ص 41 .

(42) جوامع الحكايات لمحمد العوفي وبتحقيق الدكتور جعفر الشعار: ص 36 - تحقق تفسير المنام ورزق محمد من خديجة سبعة أبناء (ثلاثة أولاد و أربعة بنات هم قاسم طيب، طاهر، زينب، رقيّة، أم كلثوم وفاطمة سلام الله عليها نفس المصدر، ص 38) .

(43) المجالس السنية للعلامة سيد محسن أمين : ج 5 ، ص 6 .

(44) جاء طبقا لجزء من الروايات أن الرسول كان أجيرا عند خديجة في هذه السفرة، ولكن جاء في التاريخ اليعقوبي (ج 2 ، ص (21) وفي البداية والنهاية (ص) (295 أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أبدا أجيرا لأحد، لذلك فإن سفره مع هذه القافلة كانت مضاربة أو شريكا في الربح التجاري.

(45) كان عمر الرسول صلى الله عليه وسلم آنذاك خمسة وعشرين سنة تقريبا ووقعت هذه الحادثة قبل خمسة عشرة سنة من البعثة .

(46) الهاجرة : نصف النهار في القيظ، أو من عند زوال الشمس الى العصر.

(47) سطتك : شرفك وسامي منزلتك.

(48) سيرة ابن هشام، ج 1، ص 121

(49) جاء في نقل آخر: أنها أرسلت النبي مع ميسرة وناصح وشخص آخر يسمى خزيمة بن حكيم»، وقالت لهم: إن هذا الفتى سيد قريش والحرم، فأطيعوه واحترموه.

(50) اقتباسا عن سيرة ابن هشام، ج 1، ص 199.

جاء في نقل آخر أنه لما رأى نسطور محمد جالسا تحت الشجرة وبعد مشاهدته لعلاماته، ذهب الى الرسول وقبل يديه ورجليه وقال : أشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله.

(51) مناقب آل أبيطالب، ج 1 ، ص 41 .

(52) الخرائج راوندي، ص 186 و 187 .

(53) يجب أن نتوجه الى أن هذا العشق لم يكن مجازي أو من أهواء نفسية بل كان عشقاً ملكوتياً نشأ من أعماق خديجة الطاهرة.

(54) الحز: ألم في القلب.

(55) البحار : ج 16 ، ص 29

ص: 143

(56) البحار: ج 17 ، ص 231 .

(57) البحار : ج 16 ، ص 5.

(58) البحار : ج 16، ص 52،51.

(59) اقتباسا عن البحار: ج16، ص 5 (بتلخيص).

(60) اقتباسا عن البحار: ج 16 ، ص 49-51 .

(61) اقتباسا عن البحار : ج 16، ص 5 (بتلخيص)، تزوج الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)من بعد خمسة عشرة يوما أو شهرين من تلك السفرة التجارية الى الشام وكان ذلك خمسة عشرة سنة قبل البعثة .

(62) البحار : ج 16 ، ص 49 .

(63) اقتباسا عن البحار : ج 16 ، ص 90 - 91 .

(64) البحار : ج 71 ، ص 193 .

(65) البحار : ج 2، ص 130 - 131.

(66) البحار: ج 16 ، ص 61 ، وأيضا جاء نظير هذا المطلب في البحار ج 35 ، ص 93 .

(67) البحار : ج 16 ، ص 23 - 24 .

(68) البحار : ج 16 ، ص 24 - 25 .

(69) هذا القول مبني على القول بأن خديجة(سلام الله علیها)لم تكن عذراء في هذا الوقت.

(70) اقتباسا عن البحار : ج 16 ، ص 53-56 .

(71) حياة محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، تأليف آية الله سید هاشم الرسولي: ص 97 .

(72) كما قلنا سابقاً أن خويلد كان مخالفاً للزواج بسبب فقر محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)ولكن بعدما شرحت وبينت له خديجة عن محمد قبل خويلد ووافق على الزواج، وبناءاً على بعض الروايات قام خويلد بنفسه على عقد زواج خديجة(سلام الله علیها)بمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم).(مناقب آل ابیطالب، ج 1، ص 42)

(72) اقتباساً عن البحار : ج 16 ، ص 57-58 .

(74) رياحين الشريعة ، ج 2، ص 246 .

(75) تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 20 - يرجّح العالم المحقق هاشم المعروف في كتاب«سيرة الائمة الاثنى عشر )المصطفى هذه الرواية عن سائر الروايات.

(76) البحار ج 16 ، ص 12 .

(77) بالتوجه الى أن رضا الوالد لم يكن شرط في الزواج لأن خديجة(سلام الله علیها)كانت متزوجة من قبل، بل كان رضاه مطلوب من الناحية الأخلاقية.

(78) البحار : ج 16 ، ص 68-69 .

(79) البحار: ج 16 ، ص 70-71 .

(80) كما قلنا من أن خويلد والد خديجة(سلام الله علیها)كان قد قتل في حرب الفجار.

ص: 144

(81) جاءت هذه الخطبة في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 16 ، ص 70 ، وفي كتاب مكارم الاخلاق باختلاف بسيط (البحار : ج 103 ، ص 263)·

(82) تلجلج أي التردد في الكلام.

(83) البهر أي النفس من الاعياء.

(84) هذا الخطاب يدل على أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان حاضراً في هذا المجلس.

(85) فروع الكافي: ج 5 ، ص 374 - 375 ، وقد جاء ذكر الخطبة المذكورة باختلاف بسيط في مناقب آل أبيطالب، ج 1 ، ص 42 ، وفي البحار ج 16 ، ص 19. 1، يقول المحدّث السروي في كتاب المناقب: قبل «عمرو بن أسد»الله خديجة(سلام الله علیها)بالزواج وأعلنه، ثم يقول :

عم قال خویلد والد خديجة(سلام الله علیها)والذي كان حاضراً في المجلس : زوّجناها ورضينا». (مناقب آل أبيطالب: ج1، ص 41 - 42)

(86) البحار : ج 16 ، ص 19 .

(87) البحار: ج 1 ، ص 4 ، ومن المعروف أن الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)كان عمره آنذاك 25 سنة وكان عمر خديجة(سلام الله علیها)40 سنة.

(88) اقتباسا عن البحار : ج 16 ، ص 75-77

(89) اقتباسا عن البحار: ج 16 ، ص 75-76

(90) البحار : ج 20 ، ص 244 .

(91) أسد الغابة : ج 5 ، ص 491 .

(92) طبقات ابن سعد: ج 2، ص 46 و ص 95 .

(93) طبقات ابن سعد: ج 2، ص 46 و ص 95 .

(94) «....تؤتي أُكلها كلّ حين بإذن ربها».(إبراهيم: 25)

(95) هذا القول قول معروف، لكن الروايات مختلفة في ذلك مثلاً:

ان هذا الزواج تم في: 1 - ستة عشرة سنة قبل البعثة 2 - عشرين سنة قبل البعثة، 3- عشر سنوات قبل البعثة، 4 - ثلاث سنوات قبل البعثة، ونقل البيهقي في كتاب دلائل الامامة (ج 1، ص 71) أن خديجة(صلی الله علیه و آله و سلم)توفت وعمرها خمسين سنة، وهذا مطابق للقول الأخير (وبخصوص هذا الموضوع راجع كتاب«بنات النبی»تأليف جعفر مرتضى العاملي، ص 73 الى ص 75 والذي نقل من مصادر متعددة).

(96) البحار : ج 98 ، ص 357.

(97) البحار : ج 15 ، ص 118.

(98) رياحين الشريعة : ج 2، ص 327 .

(99) البحار: ج 16 ، ص 81 .

(100) البحار : ج 16 ، ص 80.

ص: 145

(101) البحار: ج 22 ، ص 191 .

(102) البحار : ج 103 ، ص 374 .

(103) وسائل الشيعة : ج 14 ، ص 19 - 29 .

(104) البحار : ج 16 ، ص 71 71 .

(105) البستان للسعدي: الباب 3 - قضية القناعة.

(106) السيرة الحلبية : ج 1، ص 123 .

(107) نهج البلاغة: خطبة 126 .

(108) البحار: ج 22 ، ص 191 .

(109) البحار: ج 22 ، ص 191 .

(110) رياحين الشريعة : ج 2، ص 282 .

(111) اقتباسا عن اسد الغابة : ج 5 ، ص 425 - الاصابة : ج 4 ، ص 264 .

(112) البحار ج 22، ص 191 و ص203.

(113) اقتباسا عن أسد الغابة : ج ه - الاصابة : ج 4 ، ص 299 - البحار : ج22، ص 202 .

(114) مناقب آل أبيطالب : ج 1، ص 22 .

(115) أسد الغابة : ج 1 ، ص 1 - رياحين الشريعة ، ج 2، ص 341.

(116) البحار : ج 35 ، ص 43 .

(117) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13، ص 208 - البحار : ج 17، ص 309 .

(118) البحار : ج 17، ص 309 .

(119) البحار ج 18، ص 196 - 197.

(120) هذا الغلام هو زيد بن حارثة (الغدير : ج 3، ص 238) وقد أسلم ببركة خديجة.

(121) البحار : ج 15 ، ص 363 .

(122) البحار: ج 16 ، ص 11-12 .

الفصل الثاني

(123) البحار: ج 44 ، ص 318.

(124) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 13 ، ص 208 - البحار: ج 15 ، ص 363. (125) راجع الكتاب النفيس الغدير : ج 3، ص 218 وحتى ص 239 بخصوص هذا الموضوع. (126) تفسير علي بن إبراهيم ص 548 - البحار : ج 18 ، ص 53 .

ص: 146

(127) الغدير : ج 3، ص 227 .

(128) البحار ج 18، ص 229 .

(129) أسد الغابة : ج 2، ص 225 - مجمع البيان: ج 8، ص 336 - البحار، ج 22، ص 214.

(130) الغدير : ج 3، ص 238 .

(131) تنقيح المقال : ج 2 ، ص 462 .

(132) الاصابة : ج 4 ، ص 275 .

(133) سورة القلم: 1-5 .

(134) اقتباسا عن البحار ج 16 ، ص 10.

(135) البحار ج 18، ص 195 .

(136) اقتباسا عن البحار: ج 16 ، ص 11.

(137) البحار ج 18، ص 196 - 197.

(138) البحار ج 18، ص 228 .

(139) البحار : ج 16 ، ص 10.

(140) المنتقى في مولود المصطفى باب 2 حوادث السنة الأولى للبعثة - البحار : ج 18، ص 228-229 .

(141) البحار : ج 18، ص 228 .

(142) البحار ج 61 ، ص 227 .

(143) جاء نظير هذا المطلب في رواية أخرى ونقل التالي في الجزء الأخير منها : قام ورقة وقبل رأس رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، قال : أبشر ، إنك النبي الذي بشّر به موسى وعيسى عليهما السلام، وإنك لنبي مرسل، وسيأمرك الله قريب للجهاد، ثم التفت الخديجة(سلام الله علیها)وأنشد بالأبيات التالية:

فان یک حقا یا خدیجة فاعلمی *** حدیثک ایانا فأحمد مرسل

وجبریل یأتیه و میکال معها *** من الله وحی یشرح الصدر منزل

یفوز به من فاز عزالدینه *** ویشقی به الغاوی الشقی االضلل

فریقان منهم:فرقة فی جناحه *** واخری بأغلال الحجیم تغلل

ونقل أيضا قصيدة طويلة أخرى لورقة في مستدرك الحاكم : ج 2، ص 609 .

(144) رياحين الشريعة : ج 2 ، ص 258 - 259 .

(145) نهج البلاغة خطبة رقم 192) (الخطبة القاصعة).

ص: 147

(146) البحار: ج 16 ، ص 2 .

(147) هذه الرواية معروفة برواية «عُفيف» وهي من الروايات المشهورة والمتواترة.

(148) الغدير : ج 3، ص 226 ، نقلا عن المصادر المتعددة لأهل السنة، منها تاريخ الطبري: ج 2، ص21 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 13 ، ص 226 ، مع التوجه الى أن ابن أبي الحديد كتب في نهج البلاغة ( ج 13، ص 208 أنه : قال أبو طالب ما أعلمُ على الأرض كلّها أحداً على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة.

(149) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 3، ص 225-226 .

(150) البحار : ج 38، ص 202 .

(151) البحار ج 38، ص 203 .

(152) البحار ج 18 ، ص 379 - 381.

(153) الشرح في البحار : ج 18 ، ص 319-331.

(154) البحار : ج 18، ص 196.

(155) مناقب آل أبيطالب : ج 1 ، ص 44 .

(156) أي لما كان علي (ع) في أحد جنبيه بمنزلة جناح واحد فقف بجنبه الآخر ليتمّ جناحاه، ويحتمل التشديد من الصلاة.

(157) أعيان الشيعة طبعة الارشاد : ج 4 ، ص 119 - البحار، ج 35 ، ص 38 .

(158) البحار : ح18 ، ص 184 .

(159) الملاحاة المنازعة الملاومة.

(160) الطّرف سیّد بن طاووس : ج 4 ، ص 6 - البحار: ج18، ص 232-233 .

(161) كمال الدين الصدوق ص 197

(162) البحار ج 16 ، ص 11 .

(163) سورة الحجر: 94-95 ، المشهور أن هذه الآية نزلت في بداية السنة الرابعة للبعثة.

(164) هكذا في النسخة ومصدره، ولعله مصحف حيس قال الفيروز آبادی :الحيس الخلط، وتمر يخلط بسمن واقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق.

(165) أى أدخلى أنت بطن الوادى حتى أعلو أنا ظهره .

(166) الدرنوك والدرنيك : نوع من البسط له خمل.

(167) طبقاً لرواية أخرى، قال جبرئيل (ع) : هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطى فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا أتتك فاقرأ من ربها ، و مني السلام ....... البحار : ج 16 ، ص 8.

(168) المنتقى في مولود المصطفى الباب الرابع - البحار : ج 18، ص 241-243 .

(169) رفده : أعطاه وأعانه . والكل بفتح الكاف الضعيف الذي لا يقدر شيئا .

(170) سيرة ابن هشام : ج 1 ، ص 263 - البحار : ج 35، ص 118 - 119.

ص: 148

(171) مناقب آل أبي طالب : ج 2، ص179 - 180 .

(172) نفس المصادر نقلاً عن مصادر أهل السنة المتعددة.

(173) فاطمة الزهراء وتر في محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)، ص 112 .

(174) البحار : ج 3، ص 84-85 .

(175) تفسير الفرات: ص 206 و 207 - البحار ج 40 ، ص 65 - 66 . :

( 176) قال الجزرى في النهاية : في حديث سواد بن قارب الذعلب الوجناء، الذعلب والذعلبة : الناقة السريعة.

(177) :البحار : ج 18 ، ص 98 - 100 .

(178) البحار ج 18، ص 192 .

(179) احقاق الحق : ج 4 ، ص 62 - تاريخ الطبري : ج 2، ص 117 .

(180) البحار ج 17 ، ص 231 .

(181) الضحى . 8.

(182) مناقب آل أبيطالب : ج 3، ص 321 - البحار : ج 35، ص 425 .

(183) البحار : ج 19، ص 63 .

(184) البحار : ج 19 ، ص 62 - 63 .

(185) البحار : ج 15 ، ص 401 .

(186) البحار : ج 16 ، ص 61 .

(187) البحار ج 19 ، ص 16 .

(188) فاطمة الزهراء وتر في محمد لسليمان الكتاني: ص 112 .

(189) اقتباسا عن رياحين الشريعة : ج 2، ص 211 .

(190) احقاق الحق: ج 6 ، ص 54-55 .

(191) تنقيح المقال : ج 3، فصل النساء، ص

(192) حالياً تسمى بشعب على.

(193) البحار ج 19 ، ص 2 .

(194) البحار : ج 35 ، ص 93 - الائمة الاثنى عشر (هاشم معروف): ج 1 ، ص 161-162 .

(195) نفس المصدر.

(196) سيرة ابن هشام ج 1 ص 379 - تاريخ الطبري : ج 2، ص 79.

(197) البحار ج 35 ، ص 93 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 4 ، ص 64 .

(198) خديجة الكبرى نموذج لامرأة مسلمة مجاهدة.

(199) سيرة ابن هشام : ج 1، ص 335 الى 377 - البحار: ج 19 ، ص 2 و 18 و 19 - الغدير : ج 7، ص 364 .

(200) البحار: ج 19، ص 19 - شرح تنهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 41 ، ص 59 .

ص: 149

(201) أسد الغابة : ج 5 ( شرح حال أبو العاص، قاسم بن ربيع).

الفصل الثالث

(202) رياحين الشريعة : ج 2، ص 209 .

(203) جاء في كتاب التاج الجامع لأصول الصحاح : ج 3، ص 377، «فضل السيدة خديجة بنت خويلد» سبع أحاديث في أفضلية السيدة خديجة .

(204) مستدرك سفينة البحار العلامة النمازي: ج 2، ص 216 .

(205) صحيح البخاري: ج 4 ، ص 164 - كشف الغمّة : ج 2، ص 71 .

(206 الاستيعاب : ج 2، ص 720.

(207) البحار ج 13، ص 162 وج 16 ، ص 2 - في بعض الروايات جاءت هذه العبارة: أفضل نساء أهل الجنة. (نفس المصدر، والاستيعاب : ج 2، ص 720).

(208) البحار : ج 37 ، ص 63 . 37،

(209) أسد الغابة : ج 5 ، ص 438 - القصب : ما كان مستطيلا من الجوهر وعلى حسب قول البعض أن القصر يتكون من قصبة واحدة أي جوهرة واحدة وليس عدّة قصبات (البحار : ج 16 ، ص8)، وطبقا لبعض الروايات سأل ابو هريرة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) : ما بالمقصود ببيت من قصب ؟ قال الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم): ذلك جوهر الأجوف (فاطمة الزهراء، تأليف عمادزاده، ص 27).

(210) البحار : ج 43 ، ص 131 .

(211) کشف الغمّة: ج2، ص 71.

(212) ذخائر العقبي : ص 44 .

(213) البحار: ج 16 ، ص 7 - كشف الغمّة : ج 2 ص 71 .

(214) نفس المصدر، ص 2

(215) كشف الغمّة .

(216) البحار: ج 40 ، ص 68 .

(217) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 10، ص 266.

(218) البحار : ج 16 ، ص 8 - كشف الغمّة : ج 2، ص 72 .

(219) نفس المصدر، ص 78 - كما سيأتي ذكره لاحقاً.

(220) البحار: ج 97 ، ص 48 . :

(221) البحار: ج 100 ، ص 189 .

ص: 150

(222) البحار ج 102 ، ص 272 .

(223) البحار، ج 43، ص 53 و 54 .

(224) مجمع البيان: ج 10، ص 319 - البحار : ج 13 ، ص 164 .

(225) للمزيد من الشرح راجع البحار : ج 14، ص 250 - 326 .

(226) الآس: شجرة تشبه شجرة الرّمان حيث لأوراقها وأزهارها رائحة عطرة.

(227) البحار: ج 63 ، ص 177 .

(228) البحار: ج 43 ، ص 302 - جاء نظير هذا الحديث باختلاف بسيط في الجزء 37، ص 61 و 90 .

(229) البحار : ج 44 ، ص 318.

(230) البحار: ج 45 ، ص 6 .

(231) البحار: ج 44 ، ص 174 .

(232) معجم دهخدا: ج21، ص 300 .

(233) البحار: ج 45 ، ص 59 .

(234) البحار: ج 27 ، ص 207.

(235) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 9، ص 325 .

(236) البحار: ج 22 ، ص 502 .

(237) الارشاد للشيخ المفيد: ص 173 .

(238) البحار : ج 44 ، ص 90 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 16 ، ص 47 - وقد ذكرت عدة أسماء لجدة معاوية منها نثيلة، نقيلة وقتيلة.

(239) مهج الدعوات: ص 6 .

(240) الانبياء : 107 - البحار : ح 18 ، ص 17 .

(241) البحار : ج 22 ، ص 167 .

(242) البحار : ج 16 ، ص 8 - كشف الغمة : ج 2 ص 72 .

(243) قاموس الرجال : ج 10 ، ص 432 .

(244 نفس المصدر.

(245) نفس المصدر - كشف الغمّة : ج 2 ص 72 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 18، ص 108 .

(246) رياحين الشريعة : ج 2، ص 206 .

(247) البحار ج 15، ص 116 - وعلى قول آخر أنها كانت جارية خديجة(سلام الله علیها) فوهبتها الى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) .

(248) البحار : ح 43 ، ص 130 و 131 .

(249) البحار : ج 16 ، ص 12 - كشف الغمّة : ج 2 ص 79 .

(250) حياة فاطمة الزهراء لعماد زاده: ص 33 .

ص: 151

(251) أسد الغابة : ج 5 ، ص 438 .

(252) مستدرك سفينة البحار : ج 2 ، ص 36 .

(253) حياة فاطمة الزهراء لعماد زاده ص 36 .

(254)أسد الغابة : ج 5 ، ص 226 - البحار ج 19 ، ص 241 .

(255) وكأن زينب كانت تعلم بأن لرسول الله صلى الله عليه وسلم علاقة خاصة بخديجة لذلك جعلت تلك القلائد الخاصة بخديجة وسيلة لاطلاق أسر زوجها.

(256) أسد الغابة : ج 5 ، ص 236 - الاصابة : ج 4 ، ص 1 - 121 و 126 .

(257) تقع فدك على بعد 140 كيلومتر عن خيبر وهي أرض زراعية خصبة ومنتجة، وكانت تقطنه أفراد من اليهو د، لذلك كانت تسمى بقرية فدك ، وطبقا لبعض الروايات كانت أرباح فدك الزراعية السنوية تقدّر ب_ 48 ألف دينار، حيث لفترة من الزمن كان اليهود يخصمون نصف الارباح من الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)حتى ينتهوا من جميع أعمال الزراعة والفلاحة، وعند جمع المحاصيل يعطونه نصف الأرباح ( معجم البلدان : كلمة فدك-شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ، ص 346 .

(258) كتاب فدك، تأليف العلامة سيد محمد حسن القزويني : ص 33.

(259) تفسير الدر المنثور : ج 4 ، ص 177 بالنقل عن العديد من المحدثين.

(260) البحار ج 17 ، ص 378 - يمكن أن نوضح ذلك بالآتي: بالرغم من أن خديجة دفعت مهرها من أموالها الخاصة (كما قلنا سابقاً) لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فقيراً، إلا أنه أراد إسعاد السيدة خديجة بإعطاء فدك لفاطمة (س) واولادها من بعدها، ويعوّض لها بعض من إيثارها وخاصةً إنفاقها المالي، مع التوجه الى أن فدك لم تكن من أموال بيت المال بل كانت من أموال الرسول الخاصة.

(261) يقول بعض المحققين: «والأرجح أن المعراج حصل في السنة الثانية أو الثالثة من البعثة». (بنات النبي: ص 64)

(262) البحار : ج 18، ص 378 - من الطبيعي أن تكون خديجة هي الشخص الوحيد الذي ودّع الرسول صلى الله عليه وسلم في معراجه وسفره الى السماوات.

(263) كشف الغمّة : ج 2، ص 133 - البحار : ج 16 ، ص 7 وج 18 ، ص 385 .

(264) علل الشرايع : ص 72 – نور الثقلين: ج 3، ص 119. 72.

(265) مستدرك سفينة البحار ج 3، ص 335 و ج 8، ص 239

(266) الرعد: 29

(267) تفسير الفرات: ص -7473 - البحار ج 18 ص 151 .

(268) تفسير القمي : ص 341 - نقل نظير ذلك الحديث في عيون اخبار الرضا ج 1 ، ص 116 وأيضا في كتب السنة (الميزان: ج13، ص 23).

(269) راجع عن ذلك البحار: ج 43 ، ص 2 الى ص 6 .

ص: 152

(270) عيون المعجزات، بناءاً على نقل البحار: ج 43 ، ص 8.

(271) كنز جوامع الفوائد - البحار : ج 36 ، ص 361 .

(272) البحار : ج 18، ص 387 .

(273) البحار: ج 18 ، ص 379 - 381 - المیزان : ج 13، ص 29 - 30 (274 بنات النبي الجعفر مرتضى العاملي: ص 64 .

(275) الوافق: المحب.

(276) هجرة ولا قلى: أي ولا غضب

(277) قال الجوهري : أجفت الباب أي رددته.

(278) قال الجوهري : أسجفت الستر : أي أرسلته.

(279) الورد الصلاة، أو الجزء من القرآن يقوم به الانسان كل ليلة. (280) البحار : ج 16 ، ص 79 - 80.

(281) بيت الأحزان ص 18 .

(282) البحار ج 16 ، ص 80 - 81 وج 6 ، ص 247 وج 43، ص 2 .

(283) مجمع البيان: ج 9، ص 186 .

(284) اقتباسا عن رياحين الشريعة : ج 2، ص 265 .

(285) تفسير منهج الصادقين، طبقا لنقل رياحين الشريعة: ج 2 ص 255 - 256 . 2، (286) يقول ابن هشام : أبناء خديجة من الرسول هم رقية زينب، أم كلثوم، فاطمة، قاسم، طيب وطاهر

(287) كشف الغمّة : ج 2، ص 73 - كانت خديجة هي الوحيدة من بين زوجات النبي التي ولدت له، وكان للنبي ولد يسمى ابراهيم من زوجته الأخرى مارية القبطية .

(288) خصال الشيخ الصدوق : ص 37 - 38 - البحار : ج 16 ، ص 3 .

(289) أعيان الشيعة طبعة الارشاد: ج 1، ص 223 - طبقاً لبعض الروايات انه عندما سمع عتبة حادثة معراج النبي أنكره بشدّة وغضب فطلّق زوجته رقية (مجمع البيان: ج 7، ص 172).

(290) سيرة ابن هشام ج 1، ص 202

(291) قرب الاسناد: ص 6-7 .

(292) البحار: ج 22 ، ص 152 .

(293) الكوثر : 3 .

(294) البحار: ج 22، ص 166 - 167 .

(295) كما صرح العلامة المامقاني بذلك في تنقيح المقال : ج 3، ص 77.

(296) البحار : ج 22 ، ص 163 - رياحين الشريعة: ج 2، ص 270 .

ص: 153

(297) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 14 ، ص 189 .

(298) البحار ج 19 ، ص 348 .

(299) البحار : ج 20 ، ص 363 - 364 كما ذكرنا من قبل.

(300) البدء والتاريخ : ج 35 ، ص 16 وج 6 ، ص 139 - تاريخ الخميس: ج1، ص 272

(301)مختصر تاریخ دمشق : ج 2، ص 263 - الدر المنثور: ج 6 ، ص 404 .

(302) المواهب اللدنيّة: ج 1 ، ص 196 - تاريخ الخميس: ج 1، ص 272 - بنات النبي:ص23.

(303) أعيان الشيعة : ج 1، ص 223 - جوامع الحكايات لمحمد العوفي ص 38.

(304 رياحين الشريعة : ج 2، ص 268 .

(305) البعض قال أن نباش بن زرارة أو هند بن زرارة (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15، ص 131

- كشف الغمة : ج 2، ص 76).

(306) :البحار : ج 22 ، ص 191 - رياحين الشريعة : ج 2، ص 296 .

(307) البحار ج 22، ص 191 نقلاً عن مناقب ابن شهر آشوب : ج1، ص 159 .

(308) خديجة ، تأليف محمد علي دخيّل: ص 11 .

(309) أُلف هذا الكتاب في سنة 1413ه_. ق ونشرت وطبعت الطبعة الثانية من الكتاب في سنة ه-

ق 13751416 شمسية) بالخط الرقعي في 148 صفحة بواسطة مكتب التبليغات في حوزة قم.

(310) بنات النبي : ص 75 و 124 .

(311) بنات النبي : ص 88 وحتى 93 .

(312) مناقب آل أبيطالب : ج 1 ، ص 159 .

(313) تنقیح المقال : ج 3، فصل النساء، ص 77.

(314) احقاق الحق: ج 5 ، ص 74 - مناقب عبد الله الشافعي :

(315) بنات النبي أم ربائبه؟ : ص 119 - 120 .

(316) الاحزاب : 59

(317) الآية (61) من سورة آل عمران.

(318) اقتباسا عن رياحين الشريعة: ج 2 ص 269 .

(319) رياحين الشريعة : ج 2، ص 297 .

(320) البحار: ج 22 ، ص 166 .

(321) أنساب الأشراف البلاذري : ص 396.

(322) فروع الكافي: ج 3، ص 618 - البحار: ج 16 ، ص 15 - 16 .

(323) فروع الكافي: ج 3، ص 618 - البحار : ج 16 ، ص 15 - 16 - مشكاة الأنوار: ص 23 .

(324) تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 32 .

ص: 154

(325) الروض الأنف للسهيلي: ج 1 ، ص 214 .

(326) جمهرة أنساب العرب : ص 16 .

(327) البحار: ج 19 ، ص 5 و 58 و 14 و 24 .

(328) الغدير: ج 7، ص 372

(329) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج 14، ص 61 .

(330) البحار : ج 35 ، ص 82 .

(331) مجمع البيان: ج 10، ص 30 - البحار: ج 19 ، ص 20 و 24 مع اختلاف بسيط).

(332) حياة فاطمة الزهراء لعماد زاده: ص 36 .

(333) يجب التوجه الى أن جاء في المصدر أسماء بنت عميس، وهذا خطأ لأن في تلك الوقت كانت أسماء بنت عميس زوجة جعفر الطيار، وعند رحيل السيدة خديجة الله و وفاتها وزفاف فاطمة (س) كانت مع زوجها في الحبشة، لذلك قال البعض أن المقصودة هي أسماء بنت يزيد بن سكن والتي كانت تلقب بأم سلمة (راجع) عن ذلك البحار : ج 43 ، ص 134 الهامش).

(334) كشف الغمّة ، البحار : ج 43 ، ص 138 .

(335) اقتباساً عن الوقائع والحوادث : ج1، ص 132 .

(336) أعلام الورى : ص 62 - 63 .

(337) البحار : ج 19، ص 21 .

(338) طبقاً لبعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: في قصر له أربعة أبواب الى الجنة - البحار : ج 22 ، ص 509 .

(339) المجالس للشيخ المفيد: ص 110 - البحار: ج 16 ، ص 1.

(340) صحيح البخاري، نقلاً عن حياة فاطمة الزهراء لعماد زاده ص 27 .

(341) بالرغم من ان بعض الروايات تحكي أن قبر السيدة آمنة (ع) والدة الرسول يقع في «أبواء» بين المدينة ومكة، ولكن المحدّث المحلاتي يقول : والصحيح أن جنازة السيدة آمنة (ع) نقلت من هناك الى حجون

ودفنت فيها رياحين الشريعة : ج 2، ص 412 .

(342) رياحين الشريعة : ج 2، ص 271 - كشف الغمة : ج 2، ص 79 (343) البحار : ج 16، ص 13 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 14، ص 76.

(344) سيرة ابن هشام: ج 2 ص 58 .

(345) مناقب آل أبيطالب : ج 4 ، ص 49 - البحار : ج 44 ، ص 193.

(346) الأنبياء: 103 .

(347) البحار : ج 53 ، ص 23 .

(348) آمالي الصدوق : ص 378 - البحار ج 22 ، ص 509 . :

(349) بصائر الدرجات : ج 8، ص 119 - البحار : ج 47، ص 91 وج 6، ص 245 .

ص: 155

(350) البحار: ج 42 ، ص 283 .

(351) لهوف سید بن طاووس : ص 220 - البحار : ج 45 ، ص 140 - 141 .

(352) المزار الكبير : ص 107 - البحار : ج 101 ، ص 58 .

(353) كنز الفوائد: ص 89 .

(354) تفسير الفرات، طبقاً لنقل البحار : ج 43 ، ص 64-65 .

(355) تفسير الفرات، طبقاً لنقل البحار : ج 3 ص 37 .

(356) محفة: مركب للنساء كالهودج.

(357) نمرقة : الوسادة الصغيرة.

(358) تفسير الفرات، طبقاً لنقل البحار : ج 8، ص 53 - 55 .

(359) آداب الحرمين ص 231 .

ص: 156

فهرس المحتويات

ص: 157

ص: 158

هوية السيدة خديجة(سلام الله علیها) ... 9

اختيار النموذج المثالي والصادق ... 11

تعريف الكتاب الحالي ... 12

الفصل الأول

السيدة خديجة(سلام الله علیها)من الولادة وحتى بعثة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)

15

طلوع نجمة مضيئة في الجاهلية ... 17

خديجة(سلام الله علیها)من أسرة الأكثر أصالة في الجزيرة العربية ... 18

جد والد ابن عم، ابن وبنت خديجة(سلام الله علیها) ... 21

1 - أسد جدّ السيدة خديجة(سلام الله علیها) ... 21

2 - شجاعة خويلد والد خديجة(سلام الله علیها) ... 22

3 - ورقة بن نوفل العالم المتفكّر في ذلك العصر.... 22

4 - هند الابن الشجاع لخديجة(سلام الله علیها)من زوجها زرارة ... 22

خمسة ألقاب لخديجة(سلام الله علیها)قبل الاسلام وبعده ... 23

ص: 159

خديجة(سلام الله علیها)الشخصية العاطفية ... 24

الايمان القلبي الخديجة(سلام الله علیها)لظهور الاسلام قبل الزواج...25

خديجة(سلام الله علیها) الأديبة العارفة واللبيبة ... 25

ثروة خديجة(سلام الله علیها)الغير محدودة ... 26

بداية انتقال محبة الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) إلى قلب خديجة(سلام الله علیها) ... 27

بشارة ورقة بن نوفل والعالم اليهودي أحلام خديجة(سلام الله علیها) المبشرة... 28

قصة سفر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)بقافلة خديجة ا الى الشام ... 29

مقاطع للقراءة عن سفر الرسول صلى الله عليه وسلم التجاري من مكة إلى الشام وعودته ... 32

دخول القافلة الى مكة ... 38

استشارة خديجة(سلام الله علیها) عمّها ورقة وحديث ... 38

لقاء خديجة(سلام الله علیها)بمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم)في عالم الرؤيا والمنام ... 40

بني هاشم في دار خديجة(سلام الله علیها) ... 41

حديث أبي طالب مع الرسول محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 42

حديث خديجة(سلام الله علیها) الخاص مع الرسول محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 42

سعي صفيّة ونفيسة لإتمام الزواج ... 45

لسان حال السيدة خديجة(سلام الله علیها) ... 49

وساطة عمار وهالة لإتمام الزواج... 50

قصة خويلد والد خديجة(سلام الله علیها) ... 50

مراسم وخطبة زواج السيدة خديجة(سلام الله علیها) ... 52

حفلة الزواج العظيمة ووليمتها ... 53

أشعار صفيّة والنساء في ليلة الزفاف ... 54

صفية عمة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في أسطر ... 56

اليوم المبارك ويوم الشكر الله ... 57

الرد العاقل الخديجة(سلام الله علیها) على النساء المعترضات ... 57

هجرة النساء لخديجة(سلام الله علیها) و لطف الله بها ... 58

تحطيم القواعد واختيار القيم العالية ... 58

ص: 160

ترك التمتع في عنفوان الشباب ... 60

شرح قصير في تعدد زوجات الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 61

علي(علیه السّلام) نور عين خديجة(سلام الله علیها)في طفولته ... 65

تعاون السيدة خديجة(سلام الله علیها) في الحياة العارفة لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 65

مميزات خديجة(سلام الله علیها) بلسان سيدنا آدم ... 67

الفصل الثاني

السيدة خديجة أول امرأة مسلمة وتضحياتها

خديجة(سلام الله علیها)أول امرأة أسلمت ... 71

إسلام زيد بن حارثة بجانب على(علیه السّلام) وخديجة(سلام الله علیها) ... 72

كيفية إسلام خديجة(سلام الله علیها) ولقائها بورقة بن نوفل ... 72

لقاء خديجة(سلام الله علیها) بورقة بن نوفل وحديثه ... 74

خديجة(سلام الله علیها) شريكة هموم زوجها ومسكنته ... 75

لقاء وحديث خديجة بعداس ... 75

سلام ورقة بن نوفل ... 76

إسلام وصلاة خديجة(سلام الله علیها)في السنوات الأولى الصعبة للبعثة ... 78

توضيح عن الصلاة في بداية البعثة ... 79

سرور أبي طالب بصلاة جعفر بجانب على(علیه السّلام) وخديجة(سلام الله علیها) ... 80

تصديق خديجة(سلام الله علیها)لأوامر الاسلام وبيعتها بالرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)وعلي(علیه السّلام)... 81

حفظ الإسلام على مدى ثلاث سنوات سراً ...82

إيثار خديجة(سلام الله علیها) ومقاومتها بصلابة في حمايتها للرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 83

خديجة(سلام الله علیها) إحدى مربيات على(علیه السّلام) ... 85

الثلث المبارک لوجود الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) و خدیجه(سلام الله علیها) و علی(علیه السّلام)، أرکان الاسلام الثلاثة ... 86

طعام خديجة(سلام الله علیها) المبارك ... 90

دور ثروة خديجة(سلام الله علیها)في تقدّم وانتشار الاسلام الاسلام ... 91

ص: 161

مجالات صرف أموال خديجة(سلام الله علیها) ... 92

السيدة خديجة في محاصرة اقتصادية شديدة لثلاث سنوات ... 94

معجزة تحرير بني هاشم من المحاصرة ... 96

الفصل الثالث

فضائل أولاد، وصيّة، وفاة ومقامات السيدة خديجة(سلام الله علیها)

99

المقام العظيم لخديجة ... 101

خديجة(سلام الله علیها)زوجة رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) في الدنيا والآخرة ... 103

نظرة إلى مقام آسية، مريم او الزهراء(سلام الله علیها)... 103

من هی السيدة آسية(سلام الله علیها)... 104

من هي السيدة مريم(سلام الله علیها)... 105

من هي فاطمة الزهراء(سلام الله علیها)... 105

مباهاة الأئمة(علیهم السّلام) الهلال و الكبار على الوجود الشريف لخديجة(سلام الله علیها) ... 105

إرتباط خديجة(سلام الله علیها) العميق بالله واعتقادها القوي .... 107

بیت خديجة الا ان المبارك .... 108

تذكّر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) المستمر لخديجة(سلام الله علیها) ...108

بكاء الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) في مجلس زفاف السيدة الزهراء(سلام الله علیها)... 109

تمجيد الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) الخديجة(سلام الله علیها) المتواصل طوال شهر... 110

إطعام الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) أحباء خديجة(سلام الله علیها) ... 110

عين الرسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) الباكية لرؤيته قلائد خديجة(سلام الله علیها) ... 111

تعویض مهر خديجة(سلام الله علیها)بفدك ... 112

خديجة ومعراج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ... 113

1 - سلام الله على خديجة(سلام الله علیها) ... 113

2- ارتباط الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)المقدس بخديجة(سلام الله علیها) بعد المعراج ... 114

3- النبع العجيب لولادة الزهراء(سلام الله علیها)من خديجة(سلام الله علیها) ... 114

ص: 162

اعتزال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) عن خديجة أربعين يوماً ...116

ذكرى ليلة اللقاء بالنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)على لسان خديجة(سلام الله علیها) ... 117

ولادة السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله علیها)واحترام النسوة الجليلات الخديجة(سلام الله علیها) ... 118

حادثة شق القمر وتسلية فاطمة(سلام الله علیها)والدتها ... 119

نذر السيدة خديجة(سلام الله علیها) وإعلان دستور الله ... 120

بحث في أبناء خديجة(سلام الله علیها) ...123

نظريّة العلامة سيّد محسن أمين وابن هشام ... 124

احترام الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) الرأي خديجة(سلام الله علیها)واختيارها ... 125

تحقيق وتحليل ... 126

النتيجة ...127

نظرة أخرى لأولاد النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وخديجة(سلام الله علیها) ... 128

حديث قصير ... 128

الاجابة على سؤالين ... 129

تصبّر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)لخديجة(سلام الله علیها)في وفاة ابنيها ... 129

خديجة(سلام الله علیها)في فراش الموت ... 133

سنة وشهر ويوم وفاة خديجة(سلام الله علیها) ... 133

تصبّر الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) الخديجة(سلام الله علیها)في مرضاها ... 134

في مرضها وصيّة خديجة(سلام الله علیها)في ليلة زفاف الزهراء(سلام الله علیها) ... 134

خوف خديجة من الموت ... 135

وفاة السيدة خديجة(سلام الله علیها) ... 135

تصبّر الله تعالى الزهراء (سلام الله علیها)في وفاة والدتها ... 135

نزول الكفن من عند الله لخديجة(سلام الله علیها) ... 136

حزن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في فراق خديجة (سلام الله علیها) ... 136

المرقد المطهّر للسيدة خديجة(سلام الله علیها) ... 137

حيرة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في فراق أبي طالب(علیه السّلام) وخديجة(سلام الله علیها) ... 138

عزاء علي(علیه السّلام) في وفاة أبي طالب و خدیجة(سلام الله علیها) ... 138

بكاء ومناجاة الامام الحسين(علیه السّلام) بجانب قبر خديجة(سلام الله علیها) ... 139

ص: 163

رجوع السيدة خديجة(سلام الله علیها)عند اول ظهور لي القائمة(عجل الله تعالی فرجه الشریف) ... 140

عظمة السيدة خديجة(سلام الله علیها)في عالم البرزخ ... 141

1 - قصر خديجة(سلام الله علیها) ... 141

2 - الخيمة العظيمة لخديجة(سلام الله علیها) ... 141

-3- انتظار خديجة(سلام الله علیها)لاستقبال روح علی(علیه السّلام) ... 141

4 - مجيء خديجة(سلام الله علیها) عند السكينة(سلام الله علیها)في عالم الرؤيا ... 142

5 - الدخول العظيم الخديجة(سلام الله علیها)مع أقوامها الى كربلاء ... 143

المقام الجليل للسيدة خديجة(سلام الله علیها) يوم القيامة ... 144

1 - السيدة خديجة(سلام الله علیها) على الأعراف ... 144

2 - السيدة خديجة(سلام الله علیها)في المقدمة مع فاطمة(سلام الله علیها) في الجنّة ... 145

3- خديج(سلام الله علیها)مع سبعين ألف ملك بألوية ... 146

سلام الله وكل الموجودات عليك يا خديجة ! ... 147

الهوامش

149

فهرس المحتويات

167

ص: 164

مؤلفات السيّد الدّيباجي الالكترونية

1- سيماء الأولياء وكراماتهم (ج2)

2- حقوق الإنسان في الإسلام

3- حقوق المرأة في الإسلام

4- السيدة خديجة(سلام الله علیها) مقاومة إيثار، أسطورة

5- نفحات الرحمن في منازل العرفان (ج1)

6- نفحات الرحمن في منازل العرفان (ج 2)

7- القصص القرآنية (ج1)

8- القصص القرآنية (ج 2)

9- القصص القرآنية (ج3)

10 - القصص القرآنية (ج 4)

11 - القصص القرآنية ( ج 5)

12 - التوحيد دراسة معاصرة ، الحلقة الأولى من سلسلة دراسات في أصول الدين

13 - النبوة، دراسة معاصرة، الحلقة الثانية من سلسلة دراسات في أصول الدين

14 - العدل، دراسة معاصرة، الحلقة الثالثة من سلسلة دراسات في أصول الدين

15 - الإمامة، دراسة معاصرة، الحلقة الرابعة من سلسلة دراسات في أصول الدين

16 - المعاديوم القيامة، دراسة معاصرة، الحلقة الخامسة من سلسلة دراسات في أصول الدين

17 - منتقى الدرر في سيرة المعصومين الأربعة عشر(علیهم السّلام)(ج 1)

18 - منتقى الدرر سيرة المعصومين الأربعة عشر(علیهم السّلام)( 2 ج)

19 - منتقى الدرر سيرة المعصومين الأربعة عشر(علیهم السّلام)(ج3)

20 - الفتنة العظمى سلسلة دراسات تأريخية

21 - مظاهر الفرقة بين المسلمين وعلاجها

22 - الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشریف) الحقيقة المنتظرة

23 - حوار حول الإمام المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشریف)

24 - العباس بن على(علیه السّلام)البطل النهضة الحسينية

25 - زينب الكبرى(سلام الله علیها) : بطلة الحرية

26 - الحج : أحكاماً وفلسفة ودعاء

27 - أجوبتنا على مسائلكم الدينية

28 - رسالة عقائدية ( ردّ على كتاب الشيعة والتصحيح للدكتور الموسوي )

29 - الروضة المنتخبة

30 - أجود المناظرات (تحت إشراف المؤلف)

31 - القصص الهادفة من سيرة المعصومين الأربعة عشر

32- أنصار الإمام الحسين(علیه السّلام)

33 - فضائل و مناقب علي(علیه السّلام) وفاطمة(سلام الله علیها) في مسانيد أهل السنة (ج1)

34 - فضائل و مناقب علي(علیه السّلام) وفاطمة(سلام الله علیها) في مسانيد أهل السنة (ج2)

35 - قصص المثنوي

36 - خطر الأفيون

37- زيارة الإمام الرضا سلام الله عليه

ص: 165

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.