الشيطان في نهج البلاغة

هوية الکتاب

الشيطان في نهج البلاغة

الناشر: العتبة العلوية المقدسة

إعداد: مكتبة الروضة الحيدرية

إخراج فني: زینب جواد

عدد النسخ: 1000نسخة

السنة: 1432 ه- / 2011م

العتبة العلوية المقدسة، العراق. النجف الأشرف

هاتف: 07802337277 (00964)

لإبداء ملاحظاتكم يرجى مراسلتنا على البريد الالكتروني:

info@haydarya.com

ص: 1

اشارة

سلسلة في رحاب نهج البلاغة - 18

الشيطان في نهج البلاغة

إعداد

مكتبة الروضة الحيدرية

ص: 2

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 4

تمهيد

كان خلق الإنسان نقلة نوعية في الكون، إذ انّ الله تعالى أراد أن يجعل في الأرض خليفة، فقال لملائكته: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة: 30.

فهذه الآية تشير إلى مدى القلق الذي حصل عند الملائكة آنذاك، حيث أثار عندهم مجموعة تساؤلات، ثم أنهم لم تهدأ روعتهم حتى فجئوا بلزوم السجود هذا المخلوق الجديد الذي زعموا فيه ما زعموا، اختباراً و تمحيصاً عظيماً، و لم يكن منهم إلّا الإذعان و الطاعة. لكن الشيطان الذي أدخل نفسه في عدادهم أبى و استكبر حتى طُرد من الجنان و جوار الرحمن جرّاء ذلك.

منذ تلك اللحظة بدأت عداوة الشيطان للإنسان، و صمّم على اغوائه و استخدام كافة السبل للإطاحة به من مقام الخلافة التي شرّفه الله تعالى بها.

ص: 5

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (إإِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) فاطر: 6.

و قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) يس: 60.

و المعرفة تاريخ الشيطان و طرق اغوائه للإنسان، نقف معكم في حلقة أخرى من «سلسلة في رحاب نهج البلاغة» تحت عنوان «الشيطان في نهج البلاغة» لنرى ما جرى على لسان أمير المؤمنين علیه السلام في هذا الكتاب المبارك.

***

ص: 6

1-الله و الشيطان

ألف - خلق الشيطان

انّ الله تبارك و تعالى بحكمته خلق الملائكة من النور، و خلق الجان من النار، و خلق الإنسان من الطين، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) الحجر: 26 - 27، و بما انّ الشيطان من جنس الجان كما في قوله تعالى: (... إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ) الكهف: 50، فثبت أنّه مخلوق من النار.

هذا مضافاً إلى ما ورد من التصريح بذلك في محاورة جرت بين الله تعالى و بين إبليس عند امتناعه عن السجود لآدم علیه السلام : (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) الأعراف: 12

و قال أمير المؤمنين علیه السلام أيضاً بعد ذكر قصة آدم و امتناع إبليس و قبيله من السجود: «و تعزّزوا بخلقة النار، و استوهنوا خلق الصلصال» الخطبة: 1.

ص: 7

ب - معصية الشيطان

كان التكبر هو السبب الرئيسي في سقوط الشيطان، حيث زعم انّ النار أفضل من الطين و عليه فلا داعي للخضوع لما خُلق من الطين.

قال ابن أبي الحديد: «و منها أن يقال: كيف كانت شبهة إبليس و أصحابه في التعزّز بخلقة النار ؟ الجواب: لما كانت النار مشرقة بالذات و الأرض مظلمة، و كانت النار أشبه بالنور و النور أشبه بالمجردات، جعل إبليس ذلك حجة احتج بها في شرف عنصره على عنصر آدم علیه السلام، و لأنّ النار أقرب إلى الفلك من الأرض، و كل شيء كان أقرب إلى الفلك من غيره كان أشرف، و البارئ تعالى لم يعتبر ذلك، و فعل سبحانه ما يعلم أنّه المصلحة و الصواب» (1).

قال تعالى: ﴿مَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) الأعراف: 11 - 13.

و قال تعالى: ﴿يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ص: 75-076

ص: 8


1- شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 100

و في نص آخر: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ الحجر: 32 -33

و في ذلك يقول أمير المؤمنين علیه السلام : «فسجدوا إلا إبليس و قبيله، اعترتهم الحمية، و غلبت عليهم الشقوة الخطبة: 1.

و قال علیه السلام: «اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، وتعصّب عليه لأصله» الخطبة: 192 و فيها أيضاً: «أما إبليس فتعصّب على آدم لأصله، و طعن عليه في خلقه فقال: أنا ناري وأنت طيني».

و لما كان الكبر هو السبب الرئيسي في معصية الشيطان، يحذّرنا أمير المؤمنين علیه السلام من ذلك و يقول: «فاحذروا عدوّ الله أن يعديكم بدائه، و أن يستفزّكم بخيله و رجله» الخطبة: 192.

ج - سبب إنظار الشيطان:

بعد ما تكبّر الطريد عن الرحمة الإلهية، و عصى و أبى الانقياد و الاستسلام لأوامر الله تعالى، و أخرج من الجنة جرّاء ذلك، طلب الإنظار من الله تعالى فانظر كما في قوله تعالى: ﴿ققَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) الأعراف: 14 - 15. قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) الحجر: 36-79

وعن سبب الإنظار يقول أمير المؤمنين علیه السلام : «فأعطاه الله تعالى

ص: 9

النظرة استحقاقاً للسخطة، و استتماماً للبليّة، و إنجازاً للعدة) الخطبة: 1

ففي منهاج البراعة للخوئي: «استحقاقاً للسخطة: أي لأجل استحقاقه سخط الله سبحانه و غضبه، فإنّ في الإمهال و إطالة العمر إزدياد الإثم الموجب لاستحقاق زيادة العقوبة، قال سبحانه: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) آل عمران: 178.

و استتماماً للبلية: أي لابتلاء بني آدم و تعريضهم للثواب بمخالفته.

و إنجازاً للعدة، قيل: المراد به وعد الإمهال، و ليس بشيء لأنّه لم يسبق منه سبحانه وعد في إمهاله حتى ينجزه، بل الظاهر انّ المراد به أنّه تعالى لما كان لا يضيع عمل عامل بمقتضى عدله، و قد عبده إبليس في الأرض و في السماء، و كان مستحقاً للجزاء الذي وعده سبحانه لكل عامل مكافأة لعمله، فأنجز له الجزاء الموعود في الدنيا مكافأة لعبادته حيث لم يكن له في الآخرة من خلاق» (1) ثم روى روايات تدلّ على ذلك.

و ربما يقال: «انجازاً للعدة» أي إنجاز للوعد الإلهي باستحقاق المثوبة على الطاعة و استحقاق العقوبة على المعصية، كما قال تعالى: (إِنَّا

(1)

ص: 10


1- منهاج البراعة للخوني 2: 51

لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ الأعراف: 170. و قال تعالى: ﴿إإِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) الكهف: 30، و عليه يكون الكلام متوجهاً إلى الإنسان لا الشيطان.

و هناك أقوال مختلفة في تحديد «اليوم المعلوم» الذي أُنظر الشيطان إليه و هي:

1 - المراد منه وقت النفخة الأولى حين تموت كل الخلائق.

2- المراد منه يوم البعث كما طلب اللعين ذلك، و إنما سماه الله تعالى بيوم الوقت المعلوم، لأنّ إبليس لما عيّنه و أشار إليه بعينه، صار ذلك كالمعلوم.

3- المراد منه يوم لا يعلمه إلّا الله تعالى.

4- المراد منه يوم قيام القائم علیه السلام كما في رواية العياشي عن أبي عبد الله علیه السلام: «انّ الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا كان في المسجد الكوفة، و جاء إبليس حتى يحثو بين يديه على ركبتيه فيقول: يا ويله من هذا اليوم، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك يوم الوقت المعلوم»(1).

و قيل غير ذلك، و الله تعالى أعلم.

ص: 11


1- تفسير العياشي 2: 242 ح 14

2-الأنبياء و الشيطان

ألف - آدم علیه السلام:

قال أمير المؤمنين علیه السلام: «ثم أسكن سبحانه آدم داراً أرغد فيها عيشه، و آمن فيها محلّته، و حذّره إبليس و عداوته، فاغتره عدوّه نفاسة عليه بدار المقام، و مرافقة الأبرار، فباع اليقين بشكّه، و العزيمة بوهنه، و استبدل بالجذل وجلاً، و بالاغترار ندماً، ثم بسط الله سبحانه له في توبته، ولقّاه كلمة رحمته، و وعده المردّ إلى جنّته، فأهبطه إلى دار البلية، و تناسل الذريّة» الخطبة: 1.

يتضمّن هذا النص عدّة نقاط نتكلّم عنها موجزاً:

أولاً: قالوا في الجنّة التي كان يسكنها آدم علیه السلام أنّها جنّة الدنيا، و معنى الاهباط منها الانتقال من بقعة إلى بقعة، كما في قوله تعالى: (اهْبِطُوا مِصْراً) بدليل أنّها لو كانت جنة الخلد لما خرج منها آدم علیه السلام لقوله تعالى: ﴿وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) الحجر: 48، و كذلك لما تمكن إبليس من دخولها بعد طرده منها.

و قيل أيضاً: انّها كانت في السماء السابعة.

ص: 12

و قيل: انّها كانت جنة الخلد، و يؤيّده قول أمير المؤمنين علیه السلام «وعده المردّ إلى جنته».

و قيل بالتوقف لتعارض الروايات و الأقوال.

ثانياً: سواء أخذنا الجنّة بمعناها اللغوى لصرفها عن جنة الخلد، أو أخذناها بالمعنى الاصطلاحي لتكون هي جنة الخلد، فقد حصل هبوط آدم علیه السلام منها بسبب تناول الشجرة المنهية، و بسبب فعل إبليس و حسده عليه كما قال علیه السلام: «نفاسة عليه بدار المقام، ومرافقة الأبرار».

و هنا يأتي إشكال العصمة، حيث كيف يمكن الجمع بين هذا الكلام ونحوه ممّا ورد في القرآن الكريم، و بين معتقد الإمامية في القول بالعصمة المطلقة قبل النبوة و بعدها، صغيرها وكبيرها.

و نقول في الجواب: انّ العمدة في الدليل على العصمة المطلقة، هو حكم العقل بوجوبها و لزومها، حيث انّ الغرض من إرسال الأنبياء إنّما هو هداية الناس و إيصالهم إلى الله تعالى و إلى كمالهم المطلوب، فلا يجوز أن يصدر منهم ما يخالف غرض إرسالهم و بعثتهم ممّا ينفّر الناس و يبعدهم عنهم، و لا شك انّ صدور المعاصي منهم ينفر عنهم و يمنع من استماع قولهم و الاهتداء بهديهم، و يكون نقضاً للغرض، و عليه فهم معصومون عصمة مطلقة.

بعد ما ثبت هذا لابدّ من تأويل النصوص الموهمة لصدور المعاصي على ضوئه، و بخصوص قضية نبي الله آدم علیه السلام فقد قيل انّ

ص: 13

النهي عن أكل الشجرة كان نهياً تنزيهياً لا تحريمياً، و لذا كان مخالفته كالمخالفة للأولى و لأيّ أمر تنزيهي أو إرشادي آخر مما لا يستلزم العقاب و العذاب.

أما قوله علیه السلام: «فباع اليقين بشكه» فقد قيل انّه مثل قديم للعرب يضرب لمن عمل عملاً لا يفيده و ترك ما ينبغي له أن يفعله، أو يراد من اليقين اليقين بعداوة إبليس، و بالشك الشك فيها.

أما التوبة فهي بمعنى الندم والرجوع، فكما تصحّ على صدور الذنب، تصحّ أيضاً على ترك المندوب، مضافاً إلى انّ التوبة تحسن أن تقع ممّن لا يعهد في نفسه قبيحاً على سبيل الانقطاع إلى الله و الرجوع، و يكون وجه حسنها استحقاق الثواب، أو كونها لطفاً له و لغيره.

هذا هو المشهور عند الإمامية، نعم شذّ عنه بعض المتقدمين و المتأخّرين، فمن المتقدمين الشيخ المفيد رحمة الله علیه حيث قال في أوائل المقالات «و أما ما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوة و على غير تعمّد، و ممتنع منهم بعدها على كل حال» (1) و قال في تصحيح الاعتقاد «و العقل يجوّز عليهم ترك المندوب إليه على غيره التعمّد للتقصير و العصيان» (2).

ص: 14


1- أوائل المقالات: 62 رقم 32
2- تصحيح الاعتقاد 129

و من المتأخرين الشيخ محمد تقي التستري رحمة الله علیه في كتابه بهج الصباغة حيث وافق الشيخ المفيد، و قال بعد ما ذكر نص كلامه من أوائل المقالات: «و ما قاله الصواب، و عليه يحمل أكل آدم من الشجرة، فإنّه لم يكن عن تعمّد لقوله تعالى: «فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» (1).

ب - رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم

كانت بعثة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مصيبة عظمى على إبليس و جنوده، و مردة الجن حيث منعوا من السماء و رموا بالشهب، فعن ابن عباس قال: «كانت الجن قبل أن يبعث النبي صلی الله علیه و آله و سلم الا الله يستمعون من السماء، فلما بعث حرست فلم يستطيعوا أن يستمعوا، فجاؤوا إلى قومهم يقولون للذين لم يستمعوا فقالوا: ﴿وَأَنَّا لَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) و هم الملائكة (و شهباً) و هي الكواكب (وَ أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شهاباً رَصَداً) يقول: نجماً قد أرصد له يرمى به، قال: فلما رموا بالنجوم قالوا لقومهم: (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) (2).

و بهذا الصدد يقول أمير المؤمنين علیه السلام: «ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه علیه السلام، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة؟

ص: 15


1- بهج الصباغة 1: 596
2- البحار للمجلسي 123:60

فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، أنك تسمع ما أسمع، و ترى ما أرى، إلّا أنّك لست بنبي و لكنّك وزير، و انّك لعلى خير» الخطبة: 192.

وروى ابن أبي الحديد في شرحه نحو هذه القضية عن مسند أحمد بن حنبل عن علي علیه السلام قال: «كنت مع رسول الله علیه السلام صبيحة الليلة التي أسري به فيها و هو بالحجر يصلّي، فلمّا قضى صلاته و قضيت صلاتي سمعت رنّة شديدة، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة؟ قال: ألا تعلم هذه رنّة الشيطان، علم أنّي أسري بي الليلة إلى السماء، فأيس من أن يُعبد في هذه الأرض» (1).

ص: 16


1- انظر شرح النهج لابن أبي الحديد 13: 209

3-الإنسان و الشيطان

اشارة

كان خروج الشيطان من الجنان بداية عداء مستمر و طويل منه تجاه الإنسان، بحيث أقسم بالله تعالى أنه سينتقم من الإنسان و يسعى جاداً لاغوائه، حيث قال: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا ۖ لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) الأعراف: 16 - 18. و في آية أخرى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إإِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) الحجر: 39 - 43.

و نحوها أيضاً: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) ص: 82 - 85.

ص: 17

فعداء الشيطان للإنسان عداء حقيقي و مستمر على طول الزمان، و عليه يجب الحذر منه و اجتنابه، و فيما يلي نذكر ما ورد في نهج البلاغة عن لسان أمير المؤمنين علیه السلام فيما يخص الإنسان و الشيطان مدعماً بالآيات القرآنية.

ألف - التحذير من الشيطان:

قال تعالى: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ» يوسف: 5.

و قال تعالى: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا» فاطر: 6.

و قال تعالى: «أأَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» يس: 60.

هذه الآيات تؤكّد عداء الشيطان للإنسان و تدعو إلى الحذر، منه أشدّ الحذر، حتى انّ الله تعالى منذ بداية الخلقة نبّه آدم أبو البشر على هذا العداء و قال: ﴿ففَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ) طه: 117.

و بهذا الصدد يقول أمير المؤمنين علیه السلام: (ثم أسكن سبحانه آدم داراً أرغد فيها عيشه، و آمن فيها محلّته، و حذّره إبليس و عداوته» الخطبة: 1.

ثم يبدأ علیه السلام بالتحذير من الشيطان ويقول: «أوصيكم بتقوى الله الذي أعذر بما أنذر، و احتجّ بما نهج، و حذّركم عدوّاً نفذ في الصدور

ص: 18

خفياً، و نفث في الآذان نجياً، فأضلّ و أردى، و وعد فمنّي، و زيّن سيئات الجرائم، و هوّن موبقات العظائم...» الخطبة: 82

و قال علیه السلام: «و اتقوا مدارج الشيطان، و مهابط العدوان» الخطبة: 151.

و قال علیه السلام: «فاحذروا عدوّ الله أن يعديكم بدائه، و أن يستفزّكم بخيله و رجله، فلعمري لقد فوّق لكم سهم الوعيد، و أغرق لكم بالنزع الشديد، و رماكم من مكان قريب و «قال رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لأُزَیِّنَنَّ هُمْ فِي الأَرْضِ و َلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ» قذفاً بغيب بعيد، و رجماً بظن غير مصيب» الخطبة: 192.

ب- طرق و منافذ الشيطان:

قال تعالى في محكم كتابه: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة: 208.

و قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ النور: 21.

يدلّ قوله تعالى هذا على انّ للشيطان خططاً مدروسة و برامج مستحكمة لاغواء الإنسان، كل خطوة تتبع خطوة أخرى إلى أن يصبح الإنسان فجأة منزوع الكمالات، و منكوس القلب و يصير شيطاناً مجسماً، و فيما يلي نشير إلى منافذه بحسب ما ورد في نهج البلاغة:

ص: 19

1- التسهيل و التدرّج: قال أمير المؤمنين علیه السلام : «انّ الشيطان يُسنّي [ أي يُسهّل ] لكم طرقه، ويريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة» الخطبة 20.

و نحوه أيضاً: «انّ الشيطان إنّما يسنّي لكم طرقه لتتبعوا عقبه» الخطبة: 138

2- الذنوب و المعاصي و ترك العبودية: و التحذير منها كان من أهم أسباب إرسال الرسل و الأنبياء علیهم السلام، حيث قال علیه السلام في ذلك: «و اصطفى سبحانه من ولده [أي من ولد آدم علیه السلام ] أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، و على تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقه، و اتخذوا الأنداد معه، و اجتالتهم الشياطين عن معرفته، و اقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، و واتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، و يذكّروهم منسيّ نعمته...) الخطبة: 1.

ثم أنّ جميع المعاصي و الذنوب إنّما تصدر من الإنسان بإغواء الشيطان، و لكن وردت الإشارة إلى بعضها في نهج البلاغة، منها مجالسة أهل الهوى، قال علیه السلام : «و مجالسة أهل الهوى منساة للإيمان، و محضرة للشيطان» الخطبة: 85.

و منها الفرقة و الاختلاف، قال علیه السلام : «إياكم و الفرقة فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان، كما انّ الشاذة من الغنم للذئب» الخطبة: 127 و قال علیه السلام: «و يعطيكم بالجماعة الفرقة، و بالفرقة الفتنة» الخطبة: 120.

و منها الغفلة، قال علیه السلام: «فمن شغل نفسه بغير نفسه تحيّر في

ص: 20

الظلمات، و ارتبك في الهلكات و مدّت به شياطينه في طغيانه، و زيّنت له سيّء أعماله» الخطبة: 157.

و منها العصبية، قال علیه السلام: «فاطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران العصبية، و أحقاد الجاهلية، و إنّما تلك الحميّة تكون في المسلم من خطرات الشيطان و نخواته و نزغاته و نفثاته» الخطبة: 192.

و منها الكبر و الحمية، قال علیه السلام: (فالله الله في كبر الحميّة، و فخر الجاهليّة، فإنّه ملاقح الشّنئان، و منافخ الشّيطان، الّتي خدع بها الأمم الماضية، و القرون الخالية، حتّى أعنقوا في حنادس جهالته، و مهاوي ضلالته، ذللاً عن سياقه سلساً في قياده» الخطبة: 192.

و قال علیه السلام بعد ما حذّر من إبليس و أنّه أقسم بإغواء الناس: «صدّقه به أبناء الحميّة و إخوان العصبيّة و فرسان الكبر و الجاهلية» الخطبة: 192

وقال علیه السلام أيضاً: «فالله الله في عاجل البغي و آجل وخامة الظّلم و سوء عاقبة الكبر، فإنّها مصيدة إبليس العظمي و مكيدته الكبرى التّي تساور قلوب الرّجال مساورة السّموم القاتلة فما تكدي أبداً و لا تشوي(1) أحداً لا عالماً لعلمه و لا مقلاً في طمره» الخطبة: 192 و منها الاجحاف على النفس و على الأهل بغير حق و من دون أن

ص: 21


1- ما تكدي: ما ترد عن تأثيرها، ولا تشوي: لا تخطئ المقتل بل تصيبه.

يكون مدروساً، كما قال علیه السلام لعاصم بن زياد لما لبس العباءة و تخلّى من الدنيا بصورة غير محبّذة شرعاً: «يا عديّ نفسه لقد استهام بك الخبيث أما رحمت أهلك و ولدك أترى الله أحلّ لك الطّيبات و هو يكره أن تأخذها، أنت أهون على الله من ذلك» الخطبة.209.:

و منها العجب، قال علیه السلام في عهده لمالك الأشتر: «و إياك و الإعجاب بنفسك، و الثقة بما يعجبك منها، وحبّ الاطراء، فإنّ ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه، ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين» الكتاب: 53.

و منها الغضب، قال علیه السلام: «و احذر الغضب، فإنّه جند عظيم من جنود إبليس» الكتاب: 69، و قال علیه السلام أيضاً: «وإيّاك و الغضب، فإنّه طيرة (1) من الشيطان) الكتاب: 76.

و منها سوء الظن بالناس، قال علیه السلام: «من تردّد في الريب وطئته سنابك الشياطين» قصار الحكم: 27.

و منها مقاعد الأسواق، قال علیه السلام : «وإياك و مقاعد الأسواق، فإنها محاضر الشيطان، و معاريض الفتن» الكتاب: 69.

ومنها حب الدنيا، قال علیه السلام: «قد اصطلحتم على الغلّ فيما بينكم و نبت المرعى على دمنكم، و تصافيتم على حبّ الآمال، و تعاديتم

ص: 22


1- الطيرة الخفة والطيش

في كسب الأموال، لقد استهام (1) بكم الخبيث، وتاه بكم الغرور» الخطبة: 133

و حب الدنيا هذا يعمي ويصمّ كما قال علیه السلام : «أقبلوا على جيفة قد افتضحوا بأكلها، و اصطلحوا على حبها، و من عشق شيئاً أعشى بصره، و أمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، و يسمع بإذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، و أماتت الدنيا قلبه، و ولهت عليها نفسه، فهو عبد لها و لمن في يديه شيء منها، حيثما زالت زال إليها، و حيثما أقبلت أقبل عليها، لا ينزجر من الله بزاجر، و لا يتعظ منه بواعظ» الخطبة: 108.

3- الفتن: انّ الفتن من أفضل سبل الشيطان لاغواء الإنسان، فلابدّ من البصيرة و الحذر لمعرفة الحق من الباطل وعدم الوقوع في فخ الشيطان، قال علیه السلام في الفتن التي وقعت في أيامه: «ألا وإنّ الشيطان قد جمع حزبه و استجلب خيله و رجله» الخطبة: 10.

و في نص جميل يشرح لنا أمير المؤمنين علیه السلام كيفية وقوع الفتن و يقول: «إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع و أحكامٌ تبتدع، يخالف فيها كتاب الله و يتولّى عليها رجالٌ رجالاً على غير دين الله، فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين، و لو أنّ الحق خلص من

ص: 23


1- استهام بكم: جعلكم هائمين متحيرين

لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعائدين، ولكن يؤخذ من هذا ضغثٌ ومن هذا ضغثٌ فيمزجان، فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه وينجو الّذين سبقت لهم من الله الحسنى» الخطبة: 50.

و قال علیه السلام: «أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه، و وردوا مناهله، بهم سارت أعلام، و قام لواؤه، في فتن داستهم بأخفافها، و وطئتم بأظلافها، و قامت على سنابكها، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون» الخطبة: 2.

و السبب في ذلك انّ الفتنة تسبب خلط الأوراق، و عدم معرفة الحق من الباطل، و الخير من الشرّ، و الصحيح من السقيم، فيقوى فيه جانب الشيطان و يكثر أعوانه، قال علیه السلام : «قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلّا إدباراً، والشرّ إلّا إقبالاً، و الشيطان في هلاك الناس إلّا طمعاً، فهذا أوان قويت عدّته، و عمّت مكيدته، وأمكنت فريسته» الخطبة: 129.

وحينئذٍ لم يبق من الإسلام إلّا اسمه، بل يُلبس لبس الفرو مقلوباً، كما قال علیه السلام: تواخى النّاس على الفجور، و تهاجروا على الدّين، و تحابّوا على الكذب، و تباغضوا على الصّدق، فإذا كان ذلك كان الولد غيظاً، والمطر قيظاً، و تفيض اللئام فيضاً، و تغيض الكرام غيضاً، و كان أهل ذلك الزّمان ذئاباً، و سلاطينه سباعاً، و أوساطه أكّالاً، و فقراؤه أمواتاً، وغار الصّدق، و فاض الكذب، و استعملت المودة

ص: 24

باللّسان، و تشاجر النّاس بالقلوب، و صار الفسوق نسباً، و العفاف عجباً، و لبس الإسلام لبس الفرو مقلوباً» الخطبة: 107.

4- الجور والباطل: قال علیه السلام : «ألا انّ الشيطان قد ذمّر حزبه، و استجلب جلبه، ليعود الجور إلى أوطانه، و يرجع الباطل إلى نصابه» الخطبة: 22.

5- التزيين و التسويف: قال علیه السلام : «و الشيطان موكّل به، يزيّن له المعصية ليركبها، و يمنّيه التوبة ليسوّفها، حتى تهجم منيّته عليه أغفل ما يكون عنها» الخطبة: 63.

و قال علیه السلام : «وزيّن سيّئات الجرائم، و هوّن موبقات العظائم» الخطبة: 82

6- الغرور: قال علیه السلام في الخوارج بعد ما رآهم قتلى: «بؤساً لكم لقد ضرّكم من غرّكم، فقيل له: من غرّهم يا أمير المؤمنين؟ فقال: الشيطان المضلّ، و الأنفس الأمارة بالسوء...» قصار الحكم: 314.

و أخيراً إذا اتبع الإنسان هذه الخطوات، و استمع إلى وساوس النفس و الشيطان، سيكون الشيطان هو الحاكم على الإنسان و لم يُبق له شيئاً من الصلاح، قال علیه السلام «حتى إذا انقادت له الجامحة (1) منكم، و استحكمت الطماعية منه فيكم، فنجمت الحال من السرّ الخفي إلى

ص: 25


1- الجامحة: أي الأنفس الجامعة والمسرعة إلى الأهواء

الأمر الجليّ، استفحل سلطانه عليكم ودلف(1) بجنوده نحوكم، فأقحموكم ولجات الذلّ، و أحلّوكم ورطات القتل، و أوطؤوكم إثخان الجراح، طعناً في عيونكم، وحزّاً في حلوقكم، و دقّاً لمناخركم، و قصداً لمقاتلكم، وسوقاً بخزائم القهر إلى النار المعدّة لكم، فأصبح أعظم في دينكم جرحاً، و أورى في دنياكم قدحاً، من الذين أصبحتم لهم مناصبين و عليهم متألّبين» الخطبة: 192

ج - حزب الشيطان:

بعد هذا كلّه فانّ الإنسان لا يصبح من جنود و أعوان الشيطان فحسب، بل يصير شيطاناً مجسماً، كما قال علیه السلام في حق معاوية لما حذّر زياد بن أبيه من الاغترار بخدعه: «فإنّما هو الشيطان يأتي المرء من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله، ليقتحم غفلته، و يستلب غرّته» الكتاب: 44.

و قال في صفين: «و عليكم بهذا السواد الأعظم، و الرواق المطنب، فاضربوا ثبجه (2)، فإنّ الشيطان كامن في كسره، قد قدّم للوثبة يداً و أخر للنكوص رجلاً» الخطبة: 65.

و كتب علیه السلام لمعاوية أيضاً: «فإنّك مترف قد أخذ الشيطان منك

ص: 26


1- دلف: تقدّم
2- المطلب: المشدود بالأطناب، وتبجه وسطه

مأخذه، و بلغ فيك أمله، و جرى منك مجرى الروح و الدم» الكتاب: 10.

و كتب له أيضاً: «و اعلم انّ الشيطان قد تبطك عن أن تراجع أحسن أمورك، و تأذن لمقال نصيحتك» الكتاب: 73.

و قال علیه السلام في وصف جنود الشيطان: «أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه، و وردوا مناهله، بهم سارت أعلامه وقام لواؤه» الخطبة: 2.

و قال علیه السلام : «اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، و اتخذهم له أشراكاً، فياض و فرخ في صدورهم، و دبّ و درج في حجورهم، فنظر بأعينهم، و نطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، و زيّن لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، و نطق بالباطل على لسانه» الخطبة: 7.

و قال علیه السلام في الخوارج: «ثم أنتم شرار الناس، و من رمى به الشيطان مراميه، و ضرب به تيهه» الخطبة: 127.

و قال علیه السلام: «فإنّ له من كل أمّة جنوداً و أعواناً، و رجلاً و فرسانا» الخطبة: 192.

و قال لاعلیه السلام: (ولا تطيعوا الأدعياء(1) الذين شربتم بصفوكم كدرهم، و خلطتم بصحتكم مرضهم، و أدخلتم في حقكم باطلهم، هم أساس الفسوق و أحلاس العقوق، اتخذهم الشيطان مطايا ضلال، و جنداً بهم يصول على الناس، و تراجمة ينطق على ألسنتهم» الخطبة.192

ص: 27


1- الادعياء: جمع دعي، و هو من يدّعي ما ليس له، يشير إلى رموز الفتن آنذاك

و قال علیه السلام في وصف المنافقين: «أوصيكم عباد الله بتقوى الله، و أحذّركم أهل النّفاق فإنّهم الضّالّون المضلّون، والزّالّون المزلّون، يتلوّنون ألواناً، ويفتنّون افتناناً، و يعمدونكم بكلّ عمادٍ، و يرصدونكم بكلّ مرصادٍ، قلوبهم دويّةٌ، و صفاحهم نقيةٌ، يمشون الخفاء، ويدبّون الضّراء، وصفهم دواءٌ، و قولهم شفاءٌ، و فعلهم الداء العياء حسدة الرّخاء، و مؤكّدوا البلاء، و مقنطوا الرّجاء، لهم بكلّ طريقٍ صريعٌ، و إلى كلّ قلبٍ شفيعٌ، و لكلّ شجوٍ دموعٌ، يتقارضون الثّناء، و يتراقبون الجزاء، إن سألوا ألحقوا، و إن عذلوا كشفوا، و إن حكموا أسرفوا، قد أعدّوا لكلّ حقًّ باطلاً، و لكلّ قائمٍ مائلاً، و لكلّ حيٍّ قاتلاً، و لكلّ بابٍ مفتاحاً، ولكلّ ليلٍ مصباحاً، يتوصّلون إلى الطّمع باليأس ليقيموا به أسواقهم، و ينفقوا به أعلاقهم، يقولون فيشبّهون، و يصفون فيموّهون، قد هوّنوا الطّريق، و أضلعوا المضيق، فهم لمة الشّيطان، وحمة النّيران أولئك حزب الشّيطان، ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون»

الخطبة: 194.

د - التخلّص من الشيطان:

بعد ما عرفنا حتميّة عداء الشيطان للإنسان، و أنّه لا يرضى منه سوى الكفر و الجحود و الخلود في النار، فعلينا أن نبذل قصارى جهدنا للتخلّص من همزاته و المزاته، سيّما و قد قال تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء: 76.

ص: 28

و قال أمير المؤمنين علیه السلام: «فاجعلوا عليه حدّكم، و له جدّكم» الخطبة: 192.

و بالمراجعة إلى نهج البلاغة نرى انّ أمير المؤمنين علیه السلام يشير إلى عدّة أمور تساعد الإنسان على التخلّص من الشيطان، وهي كما يلي:

1 - الاستعاذة بالله و الاستعانة به: فقد قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الأعراف: 200.

و قال أمير المؤمنين علیه السلام: «و أستعينه على مداحر الشيطان و مزاجره، و الاعتصام من حبائله و مخاتله» الخطبة: 151.

2- كلمة التوحيد، قال علیه السلام : «و أشهد أن لا إله إلا الله، شهادة ممتحناً إخلاصها، ومعتقداً مُصاصها (1)، نتمسّك بها أبداً ما أبقانا، و ندّخرها لأهاويل ما يلقانا، فإنّها عزيمة الإيمان، و فاتحة الإحسان، و مرضاة الرحمن، و مدحرة الشيطان» الخطبة: 2.

3- الالتزام بتعاليم الأنبياء علیهم السلام: قال علیه السلام في سبب إرسال الأنبياء: «و اصطفى سبحانه من ولده [أي آدم علیه السلام ] أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، و على تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقّه، و اتخذوا الأنداد معه، و اجتالتهم الشياطين عن معرفته، و اقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، و واتر إليهم أنبياءه،

ص: 29


1- المصاص: خالص كل شيء

ليستأدوهم ميثاق فطرته، و يذكّروهم منسيّ نعمته، و يحتجوا عليهم بالتبليغ، و يثيروا لهم دفائن العقول، و يروهم آيات المقدرة...» الخطبة: 1.

و قال علیه السلام : «فبعث الله محمداً بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته و من طاعة الشيطان إلى طاعته...» الخطبة: 147

فهو علیه السلام يشير إلى انّ وظيفة الأنبياء إرشاد الناس و هدايتهم إلى الله تعالى، و تطهير قلوبهم من وساوس الشياطين، و هذا سيحصل بأتم وجه لو اتبع الإنسان هذه التعاليم و الإرشادات، و إلّا فلا تنفع هذه الجهود و التعليمات و ستذهب سدى.

و لذا كان يقول أمير المؤمنين علیه السلام لمجتمع المسلمين آنذاك بعد ما افتتنوا بأنواع الفتن: «فاستمعوا من ربانيكم، و أحضروه قلوبكم، و استيقظوا إن هتف بكم» الخطبة: 107.

4- البصيرة: فإنّها من الأمور النافعة للتخلّص من إغواء الشيطان، و لمعرفة الصحيح من الخطأ و الحق من الباطل، فقد قال علیه السلام مشيراً إلى نفسه القدسيّة التي تمتاز بالبصيرة العالية: «ألا و انّ الشيطان قد جمع حزبه و استجلب خيله و رجله، و أنّ معي لبصيرتي ما لبست على نفسي ولا لُبِّس عليّ» الخطبة.10. مشعراً إلى انّ البصيرة مهما كثرت تخلّص الإنسان من الشيطان إلى أن يصل إلى التخلّص المطلق و هو خاص بالأنبياء و الأوصياء علیه السلام

5 - الرجوع إلى الثقلين و التمسك بهما: قال علیه السلام في معرض

ص: 30

كلامه عن معرفة صفات الله تعالى و أسمائه التي أخطأ الكثير من الناس في معرفتها و أضلّهم الشيطان عنها: «فانظر أيّها السائل فما دلّك القرآن عليه من صفته فاتتمّ به و استضئ بنور هدايته، و ما كلّفك الشيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضه، و لا في سنّة النبي صلی الله علیه و آله و سلم و أئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى الله سبحانه، فإنّ ذلك منتهى حق الله عليك» الخطبة: 90.

فهو علیه السلام يرشدنا بالرجوع إلى الثقلين لمعرفة المذاهب الفكرية الصحيحة عن السقيمة، و هو عامّ في كثير من الموارد و لا يختصّ بباب الصفات و الأسماء.

كما يشير علیه السلام إلى خصوص القرآن و يقول: «فبعث الله محمد ا صلی الله علیه و آله و سلم بالحق ليخرج عباده من عبادة الشيطان إلى عبادته، و من طاعة الشيطان إلى طاعته، بقرآن قد بيّنه و أحكمه، ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه، وليقرّوا به بعد إذ جحدوه، و ليثبتوه بعد إذ أنكروه» الخطبة: 147.

6 - التواضع: قال علیه السلام : «واتخذوا التواضع مسلحة بينكم و بين عدوّكم إبليس و جنوده، فإنّ له من كل أمّة جنوداً و أعواناً و رجلاً و فرساناً» الخطبة: 192.

7 - المخالفة: قال علیه السلام: «فاصدفوا عن نزغاته و نفثاته» الخطبة: 120.

و كتب علیه السلام إلى معاوية ينصحه: «فاتق الله في نفسك و نازع

ص: 31

الشيطان قيادك» الكتاب: 55.

و في كتاب آخر: «فاتق الله يا معاوية في نفسك، و جاذب الشيطان قيادك» الكتاب: 32.

8 - التقوى: قال علیه السلام: «و اتقوا مدارج الشيطان، و مهابط العدوان» الخطبة: 151 و ذلك لانّ «بالتقوى تقطع حمة الخطايا» الخطبة: 157 و الخطايا هي أهمّ طرق الأغواء عند الشيطان.

ه_ - تبرّؤ الشيطان من الإنسان:

مسكين ابن آدم حيث يترك خالقه و المنعم عليه و يستمع إلى عدوّه الذي لا يريد له خيراً أبداً، والأنكى من ذلك غدر الشيطان به أحوج ما يكون، سواء في الدنيا أو الآخرة.

أمّا في الدنيا كما يحدّثنا القرآن عن تعامل الشيطان مع المشركين و تحريضهم على قتال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ثم تركهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الأَنْفال: 48.

و كان ذلك يوم بدر، قال الطبرسي رحمة الله علیه: «و اختلف في ظهور الشيطان يوم بدر كيف كان، فقيل: انّ قريشاً لما أجمعت المسير، ذكرت الذي بينها و بين بني بكر بن عبد مناف بن كنانة من الحرب، و كاد ذلك أن يثنيهم، فجاء إبليس في جند من الشيطان، فتبدّى لهم في صورة

ص: 32

سراقة بن مالك بن جشعم الكناني ثم المدلجي، و كان من أشراف كنانة، فقال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس و أنّي جارلكم أي مجير لكم من كنانة... فلمّا رأى إبليس الملائكة نزلوا من السماء، و علم أنّه لا طاقة لهم بهم، نكص على عقبيه...

و قيل: أنّه لما التقوا كان إبليس في صف المشركين آخذاً بيد الحارث بن هشام، فنكص على عقبيه، فقال له الحارث: يا سراقة أين؟ أتخذلنا على هذه الحالة ؟ فقال له: إنّي أرى ما لا ترون، فقال: و الله ما نرى إلا جعاسيس يثرب، فدفع في صدر الحارث و انطلق و انهزم الناس...»(1)

و قال تعالى أيضاً: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) الحشر: 16.

روى الطبرسي عن ابن عباس قال: «انّه كان في بني إسرائيل عابد اسمه برصيصا، عَبَدَ الله زماناً من الدهر حتى كان يؤتى بالمجانين يداويهم و يعوذهم فيبرؤون على يده، و أنّه أُتي بامرأة في شرف قد جنّت، و كان لها أخوة فأتوه بها، فكانت عنده فلم يزل به الشيطان يزيّن له حتى وقع عليها فحملت، فلما استبان حملها قتلها و دفنها، فلما فعل ذلك ذهب الشيطان حتى لقي أحد إخوتها، فأخبره بالذي فعل الراهب و أنّه دفنها في مكان كذا، ثم أتى بقية أخوتها رجلاً رجلاً فذكر ذلك له.

ص: 33


1- مجمع البيان للطبرسي 4: 477

فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول: و الله لقد أتاني آت فذكر لي شيئاً يكبر عليّ ذكره، فذكر بعضهم لبعض حتى بلغ ذلك ملكهم، فسار الملك و الناس فاستنزلوه، فأقرّ لهم بالذي فعل، فأمر به فصلب، فلما رفع على خشبته تمثّل له الشيطان فقال: أنا الذي ألقيتك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول لك أخلّصك مما أنت فيه؟ قال: نعم، قال: أسجد لي سجدة واحدة، فقال: كيف أسجد لك و أنا على هذه الحالة؟ فقال: أكتفي منك بالإيماء، فأومأ له بالسجود فكفر بالله و قُتل الرجل» (1).

و مورد آخر يذكره أمير المؤمنين علیه السلام و هو مورد الخوارج، حيث قال فيهم: «انّ الشيطان اليوم قد استقلّهم، و هو غداً متبرئ منهم و مخلّ عنهم» الخطبة: 181.

و لذا قال علیه السلام في التحذير منه: «أوصيكم بتقوى الله الذي أعذر بما أنذر، و احتج بما نهج، و حذّركم عدوّاً نفذ في الصدور خفياً، و نفث في الآذان نجياً، فأضلّ و أردى، و وعد فمنّى، و زيّن سيئات الجرائم، و هون موبقات العظائم، حتى إذا استدرج قرينته، و استغلق رهيئته، أنكر ما زيّن و استعظم ما هوّن، و حذّر ما أمّن» الخطبة: 82.

و لذا يقول اللعين: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) إبراهيم: 22.

ص: 34


1- مجمع البيان للطبرسي 9 437

و - سوء عاقبة الشيطان:

ستكتب في صحيفة أعمال الشيطان - عدا ذنوبه و آثامه من تكبر و حسد و غيرها - جميع آثام العالمين، لأنّه السبب فيها، و ستكون عاقبته الحرمان و الخلود في الجحيم.

قال أمير المؤمنين علیه السلام: «ألا ترون كيف صغّره الله بتكبره، و وضعه بترفّعه، فجعله في الدنيا مدحوراً، و أعدّ له في الآخرة سعيراً» الخطبة: 192.

ز- الاعتبار من الشيطان:

ينبّهنا أمير المؤمنين علیه السلام بلزوم الاعتبار من حال إبليس، لنتبصّر و لا نقع في فخّه، و لِنَسْلَم ممّا سبّب انحطاطه، قال علیه السلام : «فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط عمله الطويل و جهده الجهيد، و كان قد عبد الله ستة آلاف سنة، لا يدرى أمن سنيّ الدنيا أم سني الآخرة عن كبر ساعة واحدة.

فمن بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته، كلّا ما كان الله سبحانه ليدخل الجنّة بشراً بأمر أخرج به منها ملكاً، انّ حكمه في أهل السماء و أهل الأرض لواحد، و ما بين الله و بين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرّمه على العالمين» الخطبة: 192.

إلى هنا ينتهي كلامنا عن الشيطان في نهج البلاغة، و ندعو في الختام بدعاء الإمام السجاد علیه السلام السابع عشر من أدعية الصحيفة

ص: 35

السجادية، حيث كان يدعو به إذا ذُكر الشيطان و يقول:

«اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَ كَيْدِهِ وَ مَكَايِدِهِ، وَ مِنَ الثِّقَةِ بِأَمَانِيِّهِ وَ مَوَاعِيدِهِ وَ غُرُورِهِ وَ مَصَايِدِهِ، وَ أَنْ يُطْمِعَ نَفْسَهُ فِي إِضْلَالِنَا عَنْ طَاعَتِكَ، وَ امْتِهَانِنَا بِمَعْصِيَتِكَ، أَوْ أَنْ يَحْسُنَ عِنْدَنَا مَا حَسَّنَ لَنَا، أَوْ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْنَا مَا كَرَّهَ إِلَيْنَا، اللَّهُمَّ اخْسَأْهُ عَنَّا بِعِبَادَتِكَ، وَ اكْبِتْهُ بِدُءوبِنَا فِي مَحَبَّتِكَ، وَ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ سِتْراً لَا يَهْتِكُهُ، وَ رَدْماً مُصْمِتاً لَا يَفْتُقُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اشْغَلْهُ عَنَّا بِبَعْضِ أَعْدَائِكَ، وَ اعْصِمْنَا مِنْهُ بِحُسْنِ رِعَايَتِكَ، وَ اكْفِنَا خَتْرَهُ، وَ وَلِّنَا ظَهْرَهُ، وَ اقْطَعْ عَنَّا إِثْرَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَمْتِعْنَا مِنَ الْهُدَى بِمِثْلِ ضَلَالَتِهِ، وَ زَوِّدْنَا مِنَ الْتَّقْوَى ضِدَّ غَوَايَتِهِ، وَ اسْلُكْ بِنَا مِنَ التُّقَى خِلَافَ سَبِيلِهِ مِنَ الرَّدَى، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لَهُ فِي قُلُوبِنَا مَدْخَلًا وَ لَا تُوطِنَنَّ لَهُ فِيمَا لَدَيْنَا مَنْزِلًا، اللَّهُمَّ وَ مَا سَوَّلَ لَنَا مِنْ بَاطِلٍ فَعَرِّفْنَاهُ، وَ إِذَا عَرَّفْتَنَاهُ فَقِنَاهُ، وَ بَصِّرْنَا مَا نُكَايِدُهُ بِهِ، وَ أَلْهِمْنَا مَا نُعِدُّهُ لَهُ، وَ أَيْقِظْنَا عَنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ بِالرُّكُونِ إِلَيْهِ، وَ أَحْسِنْ بِتَوْفِيقِكَ عَوْنَنَا عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ وَ أَشْرِبْ قُلُوبَنَا إِنْكَارَ عَمَلِهِ، وَ الْطُفْ لَنَا فِي نَقْضِ حِيَلِهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ حَوِّلْ سُلْطَانَهُ عَنَّا، وَ اقْطَعْ رَجَاءَهُ مِنَّا، وَ ادْرَأْهُ عَنِ الْوُلُوعِ بِنَا، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْعَلْ آبَاءَنَا وَ أُمَّهَاتِنَا وَ أَوْلَادَنَا وَ أَهَالِيَنَا وَ ذَوِي أَرْحَامِنَا وَ قَرَابَاتِنَا وَ جِيرَانَنَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ مِنْهُ فِي حِرْزٍ حَارِزٍ، وَ حِصْنٍ حَافِظٍ، وَ كَهْفٍ مَانِعٍ، وَ أَلْبِسْهُمْ مِنْهُ جُنَناً وَاقِيَةً، وَ أَعْطِهِمْ عَلَيْهِ أَسْلِحَةً مَاضِيَةً.

ص: 36

اللَّهُمَّ وَ اعْمُمْ بِذَلِكَ مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَ أَخْلَصَ لَكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَ عَادَاهُ لَكَ بِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ، وَ اسْتَظْهَرَ بِكَ عَلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْعُلُومِ الرَّبَّانِيَّةِ، اللَّهُمَّ احْلُلْ مَا عَقَدَ، وَ افْتُقْ مَا رَتَقَ، وَ افْسَخْ مَا دَبَّرَ، وَ ثَبِّطْهُ إِذَا عَزَمَ، وَ انْقُضْ مَا أَبْرَمَ، اللَّهُمَّ وَ اهْزِمْ جُنْدَهُ، وَ أَبْطِلْ كَيْدَهُ وَ اهْدِمْ كَهْفَهُ، وَ أَرْغِمْ أَنْفَهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي نَظْمِ أَعْدَائِهِ، وَ اعْزِلْنَا عَنْ عِدَادِ أَوْلِيَائِهِ، لَا نُطِيعُ لَهُ إِذَا اسْتَهْوَانَا، وَ لَا نَسْتَجِيبُ لَهُ إِذَا دَعَانَا، نَأْمُرُ بِمُنَاوَأَتِهِ، مَنْ أَطَاعَ أَمْرَنَا، وَ نَعِظُ عَنْ مُتَابَعَتِهِ مَنِ اتَّبَعَ زَجْرَنَا، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَ أَعِذْنَا وَ أَهَالِيَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ مِمَّا اسْتَعَذْنَا مِنْهُ، وَ أَجِرْنَا مِمَّا اسْتَجَرْنَا بِكَ مِنْ خَوْفِهِ، وَ اسْمَعْ لَنَا مَا دَعَوْنَا بِهِ، وَ أَعْطِنَا مَا أَغْفَلْنَاهُ، وَ احْفَظْ لَنَا مَا نَسِينَاهُ، وَ صَيِّرْنَا بِذَلِكَ فِي دَرَجَاتِ الصَّالِحِينَ وَ مَرَاتِبِ الْمُؤْمِنِينَ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.(1)

***

ص: 37


1- الصحيفة السجادية، الدعاء: 17

ص: 38

فهرس الكتاب

تمهيد... 5

الله و الشيطان... 7

ألف - خلق الشيطان... 7

ب - معصية الشيطان... 8

ج - سبب إنظار الشيطان... 9

الأنبياء و الشيطان... 12

ألف - آدم علیه السلام ... 12

ب - رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم... 15

الإنسان و الشيطان... 17

ألف - التحذير من الشيطان... 18

ب - طرق و منافذ الشيطان... 19

ج - حزب الشيطان... 26

د - التخلّص من الشيطان... 28

ه_- تبرؤ الشيطان من الإنسان... 32

ص: 39

و - سوء عاقبة الشيطان... 35

ز - الاعتبار من الشيطان... 35

الفهرس... 17

***

ص: 40

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.