الفتنة في نهج البلاغة

هوية الکتاب

الفتنة في نهج البلاغة

الناشر: العتبة العلوية المقدسة

إعداد: مكتبة الروضة الحيدرية

إخراج فني: زینب جواد

عدد النسخ: 1000 نسخة

السنة: 1433ه_ / 2012م

العتبة العلوية المقدسة العراق. النجف الأشرف

هاتف: 07802337277 (00964)

لإبداء ملاحظاتكم يرجى مراسلتنا على البريد الالكتروني:

info@haydarya.com

ص: 1

اشارة

العتبة العلوية المقدسية

سلسلة في رحاب نهج البلاغة - 24

الفتنة

في نهج البلاغة

إعداد مكتبة الروضة الحيدرية

ص: 2

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 4

تمهيد

الإنسان محفوف في هذه الدنيا بأنواع الفتن في مجال سلوكه الفردي و الاجتماعي، فالفقر و الغنى فتنة: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) [الزمر: 49].

الأموال و الأولاد فتنة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) [الأنفال: 28].

الشيطان فتنة: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) [الحج: 53].

المتشابهات فتنة: ﴿فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ﴾ [آل عمران: 7]

و هذه الفتن بأنواعها المختلفة لا تخصّ فئة دون فئة، كما في قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال:،25]، فتمسّ الظالم و العادل، كما انّ بعض أنواعها أشدّ من الذنوب الكبيرة كالقتل، كما في قوله تعالى: ﴿وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 191]

و هي أيضاً خير ميزان لمعرفة المؤمن من المنافق كما في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ

ص: 5

أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ [الحج: 11]، هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهي ميزان الناجين من الهالكين، كما ورد في قوله تعالى نقلاً عن المنافقين لما ينادون المؤمنين: ﴿أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [الحديد: 14]، فالمفتتن يهلك و غير المفتتن ينجو.

و لأهمية مسألة الفتنة، و لأنّها السبب في مزلّة الأقدام في كل زمان و أوان، ارتأينا دراستها من زاوية كتاب نهج البلاغة ضمن مشروع «سلسلة في رحاب نهج البلاغة» لنقف على معالمها و أنواعها و أسبابها و طرق التخلّص منها، كلها عن لسان أمير المؤمنين علیه السلام الذي فقأ عين الفتنة، و ذلك ضمن النقاط التالية:

ص: 6

1-التوجّس و الخوف من الفتنة

بما انّ الفتنة لا تنتج سوى الدمار و الضلال و طمس معالم الدين - كما سيوافيك بيانه - كان الصلحاء بل الأنبياء و الأئمة السلام يتوجسون منها و يحزنون من وقوعها، لما فيها من ضرر على الفرد وعلى المجتمع، و لما تخلّف من سلبيات كثيرة لم يمكن إصلاحها إلا بعد مدة مديدة و صرف جهود كبيرة.

و بهذا الصدد يشير أمير المؤمنين علیه السلام إلى كليم الله موسى علیه السلام و يقول: «لم يوجس موسى خيفة على نفسه، أشفق من غلبة الجهّال و دول الضلال» [الخطبة: 4].

و كما قال علیه السلام عن فتنة بني أمية: «ألا و انّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنّها فتنة عمياء مظلمة، عمّت خطتها و خصت بليتها، و أصاب البلاء من أبصر فيها وأخطأ البلاء من عمي عنها» [الخطبة: 92].

كما انّ الإمام السجاد علیه السلام كان متوجساً و محزوناً من فتنة ابن الزبير، و ذلك كما روى الكليني عن أبي حمزة الثمالي انّ الإمام السجاد علیه السلام قال: «خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط، فاتكأت عليه فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين

ص: 7

مالي أراك كئيباً حزيناً؟ أعلى الدنيا فرزق الله حاضر للبر والفاجر، قلت: ما على هذا أحزن و انّه لكما تقول، قال: فعلى الآخرة فوعد صادق يحكم فيه ملك قاهر، قلت: ما على هذا أحزن و انّه لكما تقول، فقال: مم حزنك؟ قلت: [ممّا] نتخوّف من فتنة ابن الزبير و ما فيه الناس... (1)

ص: 8


1- الكافي للكليني 2: 63 ح2

2-أسباب الفتن

الفتنة لا تصدر من فراغ و لها أسباب وعلل متنوعة، و فيما يلي نشير إلى أهم تلك الأسباب كما وردت على لسان أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة:

أ - حب الدنيا، فالإنسان الذي أصيب بهذا الداء تراه يسرع إلى الفتنة، و كشاهد على هذا يذكر أمير المؤمنين علیه السلام حال البغاة و يشير إلى انّ سبب افتتانهم كان حب الدنيا، قال علیه السلام: «فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، و مرقت أخرى، و فسق آخرون كأنّهم لم يسمعوا الله سبحانه يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) بلى و الله لقد سمعوها و وعوها، و لكنّهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها» [الخطبة: 3].

وقال علیه السلام في صفة المفتتين: «يتنافسون في دنيا دنية، و يتكالبون على جيفة مريحة» [الخطبة: 151].

و في كتابه علیه السلام إلى شريح بن هانئ: «و اعلم أنّك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر» [الكتاب: 56].

ب - الهوى و البدع، قال علیه السلام: «إنّما بدء وقوع الفتن أهواءٌ تتّبع،

ص: 9

وأحكامٌ تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، و يتولّى عليها رجالٌ رجالاً، على غير دين الله، فلو أنّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين؛ و لو أنّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين؛ و لكن يؤخذ من هذا ضغثٌ، ومن هذا ضغثٌ، فيمزجان فهنالك يستولي الشّيطان على أوليائه، و ينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى» [الخطبة: 50].

و الخطوره متابعة الهوى في وقوع الإنسان في الفتن كان أمير المؤمنين علیه السلام يحذّر منه كثيراً و يقول: «انّ أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى و طول الأمل» [الخطبة:28]

كما انّ البدع أيضاً من أهم أسباب الافتتان، قال علیه السلام في تبيين أبغض الخلائق الله تعالى: «رجل و كله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشعوف بكلام بدعة و دعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به»[الخطبة: 17].

و قال أيضاً: «قد خاضوا بحار الفتن، و أخذوا بالبدع دون السنن» [الخطبة: 154].

ج - الغفلة، و هي عامل مساعد للوقوع في الفتنة سواء الفردية أو الاجتماعية، إذ انّ الغافل يفتتن في سلوكه الفردي بالدنيا و الشيطان و غير هما، و في السلوك الاجتماعي يفتتن بالأحزاب و التيارات المنحرفة، و العاقد الباطلة.

ص: 10

قال أمير المؤمنين علیه السلام و هو يشير إلى كلا الحالتين: «ألا و انّي لم أر كالجنّة نام طالبها، و لا كالنار نام هاربها، ألا و انّه من لم ينفعه الحق يضرره الباطل، و من لا يستقم به الهدى يجرّ به الضلال إلى الردى» [الخطبة،28]، فيشير في صدر كلامه إلى الغفلة الفردية، و في ذيله إلى الاجتماعية.

و يقول علیه السلام في مكان آخر: «و لكنكم نسيتم ما ذُكّرتم، و أمنتم ما حُذّرتم، فتاه عنكم رأيكم، و تشتت عليكم أمركم» [الخطبة: 115]. وكتب إلى الحارث الهمداني يحذّره منها قائلاً: «و احذر منازل الغفلة والجفاء» [الكتاب: 69]، كما يدعو علیه السلام ويقول: «و نحن نستقيل الله عثرة الغفلة» [قصار الحكم: 361].

د - سبات العقل، و هو ناشئ من الغفلة أيضاً، وذلك لأنّه «لا يغش العقل من استنصحه» [قصار الحكم: 272] لأنّه من أهم أسباب ردع الهوى كما قال علیه السلام: «قاتل هواك بعقلك» [قصار الحكم: 412]، و إلّا سوف يستحوذ الهوى على العقل كما قال علیه السلام: «كم من عقل أسير تحت هوى أمير» [قصار الحكم: 201]، و قال علیه السلام في نصيحته لشريح القاضي: «شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى» [الكتاب: 3].

و لذا كان أمير المؤمنين علیه السلام يستعيذ من سبات العقل و يقول: «نعوذ بالله من سبات العقل» [الخطبة: 223]، و ذلك لأنّ سبات العقل من أهم أسباب متابعة الهوى و الوقوع في الفتن.

ص: 11

ه_ - الجهل، قال أمير المؤمنين علیه السلام عند ذكر أبغض الخلائق إلى الله تعالى: «و رجل قمش جهلاً، موضع في جهال الأمة، غار في أغباش (1) الفتنة» [الخطبة: 17]، وقال علیه السلام: «عباد الله لا تركنوا إلى جهالتكم» [الخطبة: 104]، و قال علیه السلام: «من كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق» [قصار الحكم: 27]، و قال علیه السلام في صفة المفتتنين بمعاوية: «و أقرب بقوم من الجهل بالله قائدهم معاوية و مؤدبهم ابن النابغة» [الخطبة: 180].

و - ترك الحجج الإلهية، و ذلك انّ من أهم أسباب الوقوع في الفتنة عدم الاستماع إلى القادة الهداة الذين جعلهم الله امناء على دينه و حججاً على عباده، بهم ينير الطريق، و لو راجعنا التاريخ و درسنا خلفيات الفتن، لرأينا انّ عدم الاستماع إلى الحجج الإلهية هو السبب الرئيسي في اقتحام الفتن و الوقوع في التيه و الضلال، كما قال علیه السلام للمسلمين آنذاك: «و لعمري ليضعفنّ لكم التيه من بعدي أضعافاً بما خلفتم الحق وراء ظهوركم» [الخطبة: 166].

و لما نرجع إلى فتنة الخوارج، نرى انّ من أهم أسباب وقوعهم في فخ معاوية و فتنته، عدم الاستماع إلى أمير المؤمنين علیه السلام كما قال: «و قد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري، و نخلت لكم مخزون رأيي»

ص: 12


1- غار غافل: والأغباش: الظلمة

[الخطبة: 35]، وقال علیه السلام: «و قد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة، فأبيتم عليّ إباء المخالفين المنابذين» [الخطبة: 36].

ز - و أخيراً فهناك مجموعة من الأعمال الفردية ربما تسبب في الافتتان الفردي أو الاجتماعي إذا تطوّرت، من قبيل الجلوس في الأسواق من دون هدف كما قال علیه السلام: «إياك و مقاعد الأسواق، فإنّها محاضر الشيطان و معاريض الفتن» [الكتاب: 69]، و من قبيل مدح الناس كما قال علیه السلام: «رب مفتون بحسن القول فيه» [قصار الحكم: 450].

ص: 13

3-صفة الفتنة

قال أمير المؤمنين علیه السلام: «انّ الفتن إذا أقبلت شبّهت، و إذا أدبرت نبّهت، ينكرن مقبلات، ويُعرفن مدبرات، يحمن حوم الرياح، يصبن بلداً و يخطئن بلداً» [الخطبة: 92].

و قال علیه السلام: «فتن كقطع الليل المظلم، لا تقوم لها قائمة، ولا تُردّ لها راية، تأتيكم مزمومة مرحولة، يحفزها قائدها، و يجهدها راكبها» [الخطبة: 101].

و قال علیه السلام عن الفتنة: «تبدأ في مدارج خفية، و تؤول إلى فظاعة جلية، شبابها كشباب الغلام، و آثارها كآثار السلام، يتوارثها الظلمة بالعهود، أوّلهم قائد لآخرهم، و آخرهم مقتد بأوّلهم، يتنافسون في دنيا دنية، و يتكالبون على جيفة مريحة» [الخطبة: 151].

ص: 14

4-معطيات الفتنة

انّ المعطيات التي تنتجها الفتنة لكثيرة، سواء المعطيات المباشرة أو الغير مباشرة، و ذلك حيث انّها لا تنتج سوى الفرقة و الاختلاف، و طمس معالم الهدى، و الضلال و الإنحراف، و انقلاب المفاهيم و غيرها من المفاسد الكثيرة.

و قد أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى مجموعة من هذه المعطيات، و قال علیه السلام و هو يشير إلى فترة بعثة النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «أرسله بالدين المشهور... و الناس في فتن انجذم فيها حبل الدين، و تزعزعت سواري(1) اليقين، و اختلف النجر (2)، و تشتّت الأمر، و ضاق المخرج، و عمي المصدر، فالهدى خامل، و العمى شامل، عصي الرحمن، و نصر الشيطان، و خذل الإيمان فانهارت دعائمه و تنكّرت معالمه، و درست سبله، و عفت شركه. أطاعوا الشّيطان فسلكوا مسالكه، و وردوا مناهله سارت أعلامه، وقام لواؤه، في فتنٍ داستهم بأخفافها، و وطئتهم بأظلافها، و قامت على سنابكها، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون، في خير دارٍ، و شرّ جيرانٍ، نومهم سهودٌ، و كحلهم دموعٌ، بأرضٍ عالمها ملجمٌ،

ص: 15


1- السواري: جمع سارية، وهي الدعامة التي يدعم بها السقف
2- النجر: الطبع والأصل

و جاهلها مكرمٌ» [الخطبة: 2].

و قال علیه السلام: «و الذي بعثه بالحق لتبلبلنّ بلبلة، و لتغربلنّ غربلة، و لتساطنّ سوط القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم، و أعلاكم أسفلكم، و ليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا، و ليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا» [الخطبة: 16].

و قال علیه السلام: «أيها الناس انّا قد أصبحنا في دهر عنود و زمن شديد، يُعدّ فيه المحسن مسيئاً، و يزداد الظالم فيه عتوّاً، لا ننتفع بما علمنا، و لا نسأل عمّا جهلنا، و لا نتخوّف قارعة حتى تحلّ بنا» [الخطبة: 32].

و قال علیه السلام: «و لقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كَيْساً، و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة» [الخطبة: 41].

و قال علیه السلام: «فيا عجباً و مالي لا أعجب من خطاء هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها! لا يقتصّون أثر نبيٍّ، و لا يقتدون بعمل وصيٍّ، و لا يؤمنون بغيبٍ، و لا يعفّون عن عيبٍ، يعملون في الشّبهات، ويسيرون في الشّهوات، المعروف فيهم ما عرفوا، و المنكر عندهم ما أنكروا، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، و تعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأنّ كلّ امرىءٍ منهم إمام نفسه، قد أخذ منها فيما يرى بعرًى ثقاتٍ، و أسباب محكماتٍ» [الخطبة: 87].

و قال علیه السلام: «فعند ذلك أخذ الباطل مآخذه و ركب الجهل مراكبه، و عظمت الطّاغية، و قلّت الدّاعية، وصال الدهر صيال السّبع

ص: 16

العقور، و هدر فنيق الباطل بعد كظومٍ، و تواخى النّاس على الفجور، و تهاجروا على الدّين و تحابّوا على الكذب، و تباغضوا على الصّدق.

فإذا كان ذلك كان الولد غيظاً، والمطر قيظاً، و تفيض اللّئام فيضاً، و تغيض الكرام غيضاً، و كان أهل ذلك الزّمان ذئاباً، و سلاطينه سباعاً، و أوساطه أكّالاً، و فقراؤه أمواتاً، و غار الصّدق، و فاض الكذب، و استعملت المودّة باللسان، و تشاجر النّاس بالقلوب، و صار الفسوق نسباً، و العفاف عجباً، و لبس الاسلام لبس الفرو مقلوباً» [الخطبة: 107]

و قال علیه السلام: «و قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلّا إدباراً، و الشّر إلّا إقبالاً، و الشيطان في هلاك الناس إلّا طمعاً، فهذا أوان قويت عدّته، وعمّت مكيدته، و أمكنت فريسته» [الخطبة: 129].

و قال علیه السلام: «ثم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف، و القاصمة الزحوف، فتزيغ قلوب بعد استقامة و تضلّ رجال بعد سلامة، و تختلف الأهواء عند هجومها، و تلتبس الآراء عند نجومها، من أشرف لها قصمته، و من سعى فيها حطمته، يتكادمون فيها تكادم الحمر في العانة! قد اضطرب معقود الحبل، و عمي وجه الأمر، تغيض فيها الحكمة، و تنطق فيها الظّلمة، وتدقّ أهل البدو بمسحلها (1)، و ترضّهم

ص: 17


1- المسحل: المبرد

بكلكلها! يضيع في غبارها الوحدان، و يهلك في طريقها الرّكبان، ترد بمرّ القضاء، و تحلب عبيط الدّماء، و تثلم منار الدّين، و تنقض عقد اليقين، يهرب منها الأكياس، ويدبّرها الأرجاس مرعادٌ مبراقٌ، كاشفةٌ عن ساقٍ، تقطع فيها الأرحام، و يفارق عليها الإسلام؛ بريئها سقيمٌ، وظاعنها مقيمٌ» [الخطبة: 151].

و قال علیه السلام نقلاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «يا علي انّ القوم سيفتنون بأموالهم، ويمنّون بدينهم على ربّهم، و يتمنّون رحمته، و يأمنون سطوته، و يستحلّون حرامه بالشَّبهات الكاذبة، و الأهواء السّاهية، فيستحلّون الخمر بالنّبيذ، و السّحت بالهديّة و الرّبا بالبيع»، قلت: يا رسول الله، فبأيّ المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردّةٍ، أم بمنزلة فتنةٍ؟ فقال: «بمنزلة فتنةٍ» [الخطبة: 156].

و في كلام له علیه السلام لعثمان ينصحه و يخبره عن الفتن التي ستكون: «و يبثّ الفتن فيها، فلا يبصرون الحق من الباطل، يموجون فيها موجاً، ويمرجون فيها مرجاً» [الخطبة: 164].

و من كتاب له علیه السلام إلى معاوية: «فاحذر الشبهة و اشتمالها على لبستها، فإنّ الفتنة طالما أغدقت جلابيبها، و أعشت الأبصار ظلمتها» [الكتاب: 65].

ص: 18

5-أنواع الفتن

الفتن المحدقة بالإنسان متنوعة بعضها تخص الجانب الفردي، و بعضها الآخر تخص الجانب الاجتماعي، و قد وردت الإشارة إلى جملة منها في نهج البلاغة و هي كما يلي:

الافتتان بالشبهات، و قد يقع فيها كثير من الناس لمشابهتها الحق، قال أمير المؤمنين علیه السلام: «وإنّما سمّيت الشبهة شبهة لأنّها تشبه الحق، فأمّا أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، و دليلهم سمت الهدى، و أما أعداء الله فدعاؤهم الضلال، و دليلهم العمى» [الخطبة: 38].

كما انّ أمير المؤمنين علیه السلام حذّر معاوية منها قائلاً: «فاحذر الشبهة و اشتمالها على لبستها، فإنّ الفتنة طالما أغدقت جلابيبها (1)، و أعشت الأبصار ظلمتها» [الكتاب 65]، و قال علیه السلام لعمار لما سمعه يراجع المغيرة في كلام: «دعه يا عمار فإنّه لم يأخذ من الدين إلّا ما قاربته الدنيا، و على عمد لبّس على نفسه ليجعل الشبهات عاذراً لسقطاته» [قصار الحكم: 394].

و منها الافتنان بعلماء السوء، فقد قال علیه السلام في وصف أبغض الخلائق إلى الله تعالى: «و رجل قمش جهلاً، موضع في جهال الأمة، غار ٌّ

ص: 19


1- أغدقت أرسلت والجلابيب: جمع جلباب وهو الثوب الأعلى يغطي ما تحته

في أغباش الفتنة، عمٍ بما في عقد الهدنة، قد سماه أشباه الناس عالماً؛ و ليس به. بکّر فاستكثر من جمعٍ، ما قلّ منه خيرٌ مما كثر، حتّى إذا ارتوى من آجنٍ، و أكثر من غير طائلٍ، جلس بين النّاس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره. فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثّاً من رأيه، ثمّ قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت: لايدري أصاب أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، و إن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب. جاهلٌ خبّاط جهلاتٍ، عاش ركّاب عشواتٍ، لم يعضّ على العلم بضرسٍ قاطعٍ، يذري الرّوايات إذراء الرّيح الهشيم، لا مليءٌ و الله بإصدار ما ورد عليه [و لا هو أهلٌ لما فوّض إليه]، لا يحسب العلم في شيءٍ ممّا أنكره، و لا يرى أنّ من وراء ما بلغ منه مذهباً لغيره، و إن أظلم عليه أمرٌ اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدّماء، و تعجّ منه المواريث.

إلى الله [أشكو] من معشرٍ يعيشون جهّالاً، و يموتون ضلالاً؛ ليس فيهم سلعةٌ أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا سلعةٌ أنفق بيعاً و لا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حرّف عن مواضعه، و لا عندهم أنكر من المعروف، و لا أعرف من المنكر» [الخطبة: 17].

و قال التلال: «و آخر قد تسمّى عالماً و ليس به، فاقتبس جهائل من جهّالٍ و أضاليل من ضلّالٍ، ون صب للنّاس أشراكاً من حبال غرورٍ، و قول زورٍ، قد حمل الكتاب على آرائه، و عطف الحقّ على أهوائه،

ص: 20

يؤمّن من العظائم، و يهوّن كبير الجرائم، يقول: أقف عند الشُبهات و فيها وقع، و يقول: أعتزل البدع و بينها اضطجع، فالصّورة صورة إنسانٍ، و القلب قلب حيوانٍ، لا يعرف باب الهدى فيتّبعه، و لا باب العمى فيصدّ عنه، فذلك ميّت الأحياء» [الخطبة: 86].

ومنها الافتتان بدعاة الضلال، قال علیه السلام في وصف أبغض الخلائق إلى الله تعالى: «رجل وكله الله إلى نفسه، فهو جائر عن قصد السبيل، مشعوف بكلام بدعة و دعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدى من كان قبله، مضل لمن اقتدى به في حياته و بعد وفاته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته» [الخطبة: 17].

و قال علیه السلام في وصف أهل الشام: «و أقرب بقوم من الجهل بالله قائدهم معاوية، و مؤدّبهم ابن النابغة» [الخطبة: 180].

و منها الافتتان بأهل النفاق، قال علیه السلام: «أوصيكم عباد الله بتقوى الله، و أحذركم أهل النّفاق، فإنّهم الضّالّون المضلّون، والزّالّون المزلّون، يتلوّنون ألواناً، و يفتنون افتناناً، و يعمدونكم بكلّ عمادٍ، و يرصدونكم بكل مرصادٍ.

قلوبهم،دويّةٌ، وصفاحهم نقيّةٌ، يمشون الخفاء، و يدبّون الضّراء. وصفهم دواءٌ، و قولهم شفاءٌ، و فعلهم الدّاء العياء، حسدة الرّخاء، و مؤكّدوا البلاء، و مقنطوا الرّجاء.

ص: 21

لهم بكلّ طريقٍ صريعٌ، و إلى كلّ قلبٍ شفيعٌ، و لكلّ شجوٍ دموعٌ، يتقارضون الثّناء، و يتراقبون الجزاء، إن سألوا ألحفوا، و إن عذلوا كشفوا، و إن حكموا أسرفوا. قد أعّدوا لكلّ حقٍّ باطلاً، و لكلّ قائمٍ مائلاً، و لكلّ حيٍّ قاتلاً، و لكلّ بابٍ مفتاحاً، و لكلّ ليلٍ مصباحاً، يتوصّلون إلى الطّمع باليأس ليقيموا به أسواقهم، وينفّقوا به أعلاقهم. يقولون فيشبّهون و يصفون فيموّهون، قد هيّأوا الطّريق، و أضلعوا المضيق، فهم لمة الشّيطان، وحمة النّيران. (أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ، أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [مجادله: 19].

و قال علیه السلام لما سئل عن أحاديث البدع و عما في أيدي الناس من اختلاف الخبر: «و رجل منافق مظهر للإيمان، متصنّع بالإسلام لا يتأثّم ولا يتحرّج، يكذب على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم متعمداً، فلو علم النّاس أنّه منافقٌ كاذبٌ لم يقبلوا منه، ولم يصدّقوا قوله، و لكنّهم قالوا: صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم رآه، و سمع منه، ولقف عنه، منه، ولقف عنه، فيأخذون بقوله، و قد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، و وصفهم بما وصفهم به لك، ثمّ بقوا بعده، فتقرّبوا إلى أئمّة الضّلالة، و الدّعاة إلى النّار بالزّور و البهتان، فولّوهم الأعمال، وجعلوهم على رقاب النّاس، و أكلوا بهم الدّنيا، و إنّما النّاس مع الملوك و الدّنيا، إلّا من عصم الله» [الخطبة: 210]

وقال علیه السلام نقلاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم: «إني لا أخاف على أمّتى مؤمناً و لا مشركاً، أمّا المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، و أما المشرك فيقمعه الله

ص: 22

بشركه، و لكنّي أخاف كل منافق الجنان، عالم اللسان، يقول ما تعرفون و يفعل ما تنكرون» [الكتاب: 27].

و منها الافتتان بالدنيا، قال علیه السلام في وصف الدنيا: و هي حلوة خضرة، قد عُجّلت للطالب، و التبست بقلب الناظر» [الخطبة: 45] و قال علیه السلام أيضاً: «ألا و انّ الدنيا دار لا يسلم منها إلا فيها، و لا يُنجى بشيء كان لها، ابتلى الناس بها فتنة، فما أخذوه منها لها أخرجوا منه و حوسبوا عليه، و ما أخذوه منها لغيرها قدموا عليه و أقاموا فيه، فإنّها عند ذوي العقول كفئ الظل، بينا تراه سابغاً حتى قلص و زائداً حتی نقص» [الخطبة: 62].

و قال علیه السلام: «ما أصف من دار أوّلها عناء و آخرها فناء، في حلالها حساب و في حرامها عقاب من استغنى فيها فتن، و من افتقر فيها حزن، و من ساعاها فاتته، و من قعد عنها واتته، و من أبصر بها بصّرته، و من أبصر إليها أعمته» [الخطبة: 81].

و قال علیه السلام في وصف المفتتن بالدنيا: «حتى إذا قام اعتداله، و استوى مثاله، نفر مستكبراً، و خبط سادراً، ماتحاً في غرب هواه، كادحاً سعياً لدنياه، في لذات طربه، و بدوات أربه، لا يحتسب رزيّة، و لا يخشع تقية، فمات في فتنته غريراً، و عاش في هفوته أسيراً» [الخطبة: 82].

وقال علیه السلام: «ازدحموا على الحطام، و تشاحّوا على الحرام، و رفع لهم علم الجنة و النار، فصرفوا عن الجنّة وجوههم، و أقبلوا إلى النار

ص: 23

بأعمالهم، دعاهم ربهم فنفروا و ولّوا، و دعاهم الشيطان فاستجابوا و أقبلوا» [الخطبة: 144].

و قال علیه السلام أيضاً في وصف المفتتن بالدنيا: «سلكت بهم الدنيا طريق العمى، و أخذت بأبصارهم عن منار الهدى، فتاهوا في حيرتها، و غرقوا في نعمتها، و اتخذوها رباً، فلعبت بهم و لعبوا بها و نسوا ما وراءها» [الكتاب: 31].

و منها الافتتان بالفقر و الغنى، قال علیه السلام: «أما بعد فإنّ الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كلّ نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان، فإذا رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهل أو مال أو نفس فلا تكون له فتنة» [الخطبة 23].

و قال علیه السلام: «و قدّر الأرزاق فكثّرها و قلّلها و قسّمها على الضيق و السعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بميسورها و معسورها، و ليخبر بذلك الشكر و الصبر من غنيّها و فقيرها» [الخطبة: 90].

و قال علیه السلام: «قد اختبرهم قد اختبرهم الله بالمخمصة، و ابتلاهم بالمجهدة، و امتحنهم بالمخاوف، ومخضهم بالمكاره، فلا تعتبروا الرّضا و السّخط بالمال و الولد جهلاً بمواقع الفتنة، و الإختبار في مواضع الغنى و الافتقار، فقد قال سبحانه: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ)، فَإِنَّ الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم»

ص: 24

[الخطبة: 192].

و قال: «أيها الناس ليركم الله من النعمة وجلين كما يراكم النقمة فرقين، انّه من وُسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجاً فقد أمن مخوفاً، و من ضُيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختباراً فقد ضيّع مأمولاً» [قصار الحكم: 348].

و منها الافتتان بالشيطان، فانّه يدأب في صدّ الناس عن الله تعالى، قال علیه السلام: «و اجتالتهم الشياطين عن معرفته، و اقتطعتم عن عبادته» [الخطبة: 1]، ولذا أرسل الرسل لهداية الناس.

و قال علیه السلام في وصف المفتتن بالشيطان: «اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، و اتخذهم له أشراكاً، فباض و فرّخ في صدورهم، و دبّ و درج في حجورهم، فنظر بأعينهم، و نطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، و زيّن لهم الخطل» [الخطبة: 7].

و قال علیه السلام: «انّ الشيطان يُسنّي [أي يسهّل] لكم طرقه، و يريد أن يحلّ دينكم عقدة عقدة، و يعطيكم بالجماعة الفرقة، و بالفرقة الفتنة» [الخطبة: 120].

و قال علیه السلام لما مرّ بالخوارج و هم قتلى: «بؤساً لكم لقد ضرّكم من غرّكم، فقيل له: من غرّهم يا أمير المؤمنين؟ فقال: الشيطان المضلّ، و الأنفس الأمارة بالسوء، غرتهم بالأماني و فسحت لهم في المعاصي،

ص: 25

و وعدتهم الاظهار فاقتحمت النار» [قصار الحكم: 314].

و منها الابتلاء بالزمان الذي تكثر فيه الفتن، و على سبيل المثال فترة ما قبل البعثة كما قال عنها أمير المؤمنين علیه السلام: بعثه و الناس ضُلّال في حيرة، و حاطبون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، و استزلّتهم الكبرياء، واستخفّتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر، و بلاء من الجهل» [الخطبة: 94]

أو الزمان الذي حكم فيه أمير المؤمنين علیه السلام كما قال قبيل بيعته: «دعوني و التمسوا غيري، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه و ألوان، لا تقوم له القلوب، و لا تثبت عليه العقول، و انّ الآفاق قد أغامت، و المحجة قد تنكّرت» [الخطبة: 91].

أو الزمان الذي سيأتي كما قال علیه السلام: «الكأنّي أنظر إلى ضلّيلٍ قد نعق بالشّام، و فحص براياته في ضواحي كوفان. فإذا فغرت فاغرته، و اشتدّت شكيمته، و ثقلت في الأرض و طأته، عضّت الفتنة أبناءها بأنيابها، و ماجت الحرب بأمواجها و بدا من الأيام كلوحها، و من اللّيالي كدوحها، فإذا ينع زرعه، و قام على ينعه، و هدرت شقاشقه، و برقت بوارقه، عقدت رايات الفتن المعضلة، و أقبلن كالليل المظلم، والبحر الملتطم» [الخطبة: 100].

و قال علیه السلام: «فتن كقطع الليل المظلم، لا تقوم لها قائمة، ولا تُردّ لها راية، تأتيكم مزمومة مرحولة، يحفزها قائدها، و يجهدها راكبها،

ص: 26

((

أهلها قوم شديد كلبهم، قليل سلبهم» [الخطبة: 101].

و قال علیه السلام: «أيها الناس سيأتي عليكم زمان يُكفأ فيه الإسلام كما يُكفأ الاناء بما فيه» [الخطبة: 102].

و قال علیه السلام: «و انّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيءٌ أخفى من الحقّ، و لا أظهر من الباطل، و لا أكثر من الكذب على الله و رسوله؛ و ليس عند أهل ذلك الزّمان سلعةٌ أبور من الكتاب إذا تلي حقّ تلاوته، و لا أنفق منه إذا حرّف عن مواضعه، و لا في البلاد شيءٌ أنكر من المعروف، و لا أعرف من المنكر!

فقد نبذ الكتاب حملته، و تناساه حفظته؛ فالكتاب يومئذ و أهله منفيّان طريدان، و صاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يؤويهما مؤوٍ؛ فالكتاب و أهله في ذلك الزّمان في النّاس و ليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم! لانّ الضّلالة لا توافق الهدى و إن اجتمعا، فاجتمع القوم على الفرقة، و افترقوا عن الجماعة، كأنّهم أئمّة الكتاب و ليس الكتاب إمامهم، فلم يبق عندهم منه إلّا اسمه، و لا يعرفون إلّا خطّه و زبره، ومن قبل ما مثّلوا بالصالحين كلّ مثلةٍ، و سمّوا صدقهم على الله فريةً، و جعلوا في الحسنة العقوبة السّيّئة» [الخطبة: 147].

و قال علیه السلام: «يأتي على الناس زمانٌ لا يقرّب فيه إلّا الماحل، و لا يظرّف فيه إلّا الفاجر، ولا يضعّف فيه إلّا المنصف، يعدّون الصّدقة فيه غرماً، وصلة الرحم منّاً، و العبادة استطالة على النّاس! فعند ذلك

ص: 27

يكون السّلطان بمشورة الإماء، و إمارة الصّبيان، و تدبير الخصيان» [قصار الحكم: 96].

و قال علیه السلام: «يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلّا رسمه، و من الإسلام إلّا اسمه، مساجدهم يومئذٍ عامرةٌ من البنى، خرابٌ من الهدى سكّانها و عمّارها شرّ أهل الأرض، منهم تخرج الفتنة، و إليهم تأوي الخطيئة، يردّون من شذّ عنها فيها، و يسوقون من تأخّر عنها إليها، يقول الله تعالى: فبي حلفت لأبعثنّ على أولئك فتنةً أترك الحليم فيها حيران، و قد فعل، و نحن نستقيل الله عثرة الغفلة»[قصار الحكم: 361].

و منها الافتتان بسلاطين الجور، قال علیه السلام: «انّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ضَلَّ وضُلَّ به، فأمات سنة مأخوذة، و أحيى بدعة متروكة» [الخطبة: 164].

و كما حذر علیه السلام من فتنة بني أمية و قال عنها: «ألا و انّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنّها فتنة عمياء مظلمة عمّت خُطتها، وخصّت بليتها، و أصاب البلاء من أبصر فيها، و أخطأ البلاء من عمر عنها» [الخطبة: 92]

وقال علیه السلام عنها أيضاً: «و الله لا يزالون حتى لا يدعوا الله محرّماً إلّا استحلّوه، و لا عقداً إلّا حلّوه، حتّى لا يبقى بيت مدرٍ ولا و برٍ إلّا دخله ظلمهم و نبا به سوء رعيهم، و حتى يقوم الباكيان يبكيان: باكٍ

ص: 28

يبكي لدينه، و باكٍ يبكي لدنياه، و حتّى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيّده، إذا شهد أطاعه، و إذا غاب اغتابه، و حتّى يكون أعظمكم فيها غناءً أحسنكم بالله ظنّاً، فإن أتاكم الله بعافيةٍ فاقبلوا، و إن ابتليتم فاصبروا، فإنّ العاقبة للمتّقين» [الخطبة: 97].

و كما في معاوية الذي وصفه الإمام بقوله: «ليس له بصرٌ يهديه، و لا قائدٌ يرشده، قد دعاه الهوى فأجابه، و قاده الضّلال فاتّبعه، فهجر لاغطاً، و ضلّ خابطاً» [الكتاب:7]، وقد افتتن كثير من الناس - و إلى يومنا هذا - بمعاوية، و بحق قال له علي علیه السلام: «و أرديت جيلاً من الناس كثيراً، خدعتهم بغيّك، و ألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظّلمات و تتلاطم بهم الشّبهات، فجاروا عن وجهتهم، و نكصوا على أعقابهم،

و تولّوا على أدبارهم، و عوّلوا على أحسابهم» [الكتاب: 32].

و أخيراً هناك من الفتن - لو صح التعبير - لقلنا أنّها فتن لابدّ منها أو أنّها من الفتن المستحسنة، فقد قال علیه السلام: «لا يقولنّ أحدكم: اللهم إنّي أعوذ بك من الفتنة، لأنّه ليس أحدٌ إلّا و هو مشتملٌ على فتنةٍ، و لكن من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن، فإنّ الله سبحانه يقول: ﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) و معنى ذلك أنّه سبحانه يختبرهم بالأموال و الأولاد ليتبيّن السّاخط لرزقه و الرّاضي بقسمه، و إن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، و لكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثّواب و العقاب، لأنّ بعضهم يحبّ الذّكور و يكره الإناث، و بعضهم يحبّ

ص: 29

تثمير المال و يكره انثلام الحال» [قصار الحكم: 88].

و لما عزّى الأشعث بن قيس عن ابن له مات قال: «ابنك سرّك و هو بلاءٌ و فتنةٌ، و حزنك و هو ثواب و رحمةٌ» [قصار الحكم: 282].

ص: 30

6-موانع الافتتان

توجد موازين و موانع لعدم وقوع الإنسان في الفتنة بأنواعها المختلفة، نشير فيما يلي إلى أهمها كما ورد في نهج البلاغة:

أ - الاستعانة بالله تعالى، حيث قال أمير المؤمنين علیه السلام: «عباد الله انّ من أحبّ عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه، فاستشعر الحزن، و تجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه» [الخطبة: 86]، فمن زهر مصباح الهدى في قلبه كان في حرز و أمان من الفتن.

و في كتابه علیه السلام لمحمد بن أبي بكر: «وأكثر الاستعانة بالله يكفك ما أهمّك، و يُعنك على ما ينزل بك إن شاء الله» [الكتاب: 34].

كما أوصى الإمام الحسن علیه السلام قائلاً: «وألجئ نفسك في أمورك كلها إلى الهك، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز و مانع عزيز» [الكتاب: 31].

ب - الدعاء و الاستعاذة، قال علیه السلام: «لا يقولنّ أحدكم اللهم إنّي أعوذ بك من الفتنة، لأنّه ليس أحد إلّا و هو مشتمل على فتنة، و لكن من استعاذ فليستعذ من مضلّات الفتن» [قصار الحكم: 88]، و كان من دعائه علیه السلام لما عزم على قتال أهل الشام: «و إن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة، و اعصمنا من الفتنة» [الخطبة 171].

ص: 31

و كان يدعو علیه السلام و يقول: «اللهم انّا نعوذ بك أن نذهب عن قولك، أو نفتتن عن دينك» [الخطبة: 215].

ج - التمسك بالثقلين و هما القرآن و العترة، أما بالنسبة إلى القرآن فقد قال علیه السلام عند ذكر وفاة النبي صلی الله علیه و آله و سلم: «و خلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في أممها، إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح، و لا علم قائم، كتاب ربكم...» [الخطبة: 1]، و قال علیه السلام: «كتاب الله تبصرون به، و تنطقون به، و تسمعون به» [الخطبة: 133]، و قال علیه السلام: «و عليكم بكتاب الله، فإنّه الحبل المتين، و النور المبين، و الشفاء النافع، و الري الناقع، و العصمة للمتمسك، و النجاة للمتعلّق» [الخطبة: 156].

و قال علیه السلام: «انّ الله سبحانه أنزل كتاباً هادياً بيّن فيه الخير و الشر، فخذوا نهج الخير تهتدوا و اصدفوا عن سمت الشرّ تقصدوا» [الخطبة 167].

أما بالنسبة إلى العترة فهي ترجمان القرآن، و بهما معاً يعتصم الإنسان من الوقوع في الفتن، قال علیه السلام: «و هذا القرآن إنّما هو خط مستور بين الدفتين، لا ينطق بلسان، و لابدّ له من ترجمان، و إنّما ينطق عنه الرجال» [الخطبة: 125]، و قال علیه السلام: «ذلكم القرآن فاستنطقوه و لن ينطق، و لكن أخبركم عنه...» [الخطبة: 158].

و قال علیه السلام في أهل البيت: «هم موضع سرّه، ولجأ أمره، و عيبة علمه، و موئل حكمه، و كهوف كتبه، و جبال دينه بهم أقام انحناء ظهره،

ص: 32

و ارتعاد فرائصه... هم أساس الدين، و عماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، و بهم يلحق التالي» [الخطبة: 2]، و قال علیه السلام: «بنا اهتديتم في الظلماء، و تسنمتم العلياء» [الخطبة: 4]، و قال علیه السلام: «فأين يُتاه بكم بل كيف تعمهون و بينكم عترة نبيكم، و هم أزمّة الحق، وألسنة الصدق» [الخطبة:،86]، وقال علیه السلام: «أنظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم، و اتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، و لن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، و إن نهضوا فانهضوا، و لا تسبقوهم فتضلّوا، و لا تتأخّروا عنهم فتهلكوا» [الخطبة: 96]، وقال علیه السلام: «بهم عاد الحق في نصابه، و انزاح الباطل عن مقامه، و انقطع لسانه عن منبته» [الخطبة: 237].

ثم قبل هذا كله فوجود الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله و سلم كان خير رادع لكثير من الفتن، كما قال علیه السلام: «لما أنزل الله سبحانه قوله: «الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» علمت انّ الفتنة لا تنزل بنا و رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بين أظهرنا، فقلت يا رسول الله ما هذه الفتنة التي أخبرك الله بها؟ فقال: يا عليّ انّ أمّتي سيفتنون بعدي» [الخطبة: 156].

و كما قال علیه السلام أيضاً: «و هديت به القلوب بعد خوضات الفتن» [الخطبة: 71].

د- الوجدان السليم و الفطرة الإلهية و البصيرة، قال علیه السلام في كيفية خلق الإنسان و ما أودعه الله تعالى فيه: «و معرفة يفرق بها بين الحق

ص: 33

و الباطل [الخطبة: 1]، و قال علیه السلام: «ثم منحه قلباً حافظاً، و لساناً لافظاً، و بصراً لاحظاً، ليفهم معتبراً، و يقصر مزدجراً» [الخطبة: 82]، و قال علیه السلام: «و لقد بُصّرتم إن أبصرتم، و اسمعتم إن سمعتم، و هُديتم إن اهتديتم» [الخطبة: 20].

و قال علیه السلام: «و الناظر بالقلب، العامل بالبصر، يكون مبتدأ عمله أن يعلم أعمله عليه أم له، فإن كان له مضى فيه، و إن كان عليه وقف عنده، فإنّ العامل بغير علم كالسائر على غير طريق، فلا يزيده بعده عن الطريق الواضح إلّا بعداً من حاجته، و العامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو أم راجع» [الخطبة: 154]، و قال علیه السلام بالنسبة إلى فتنة البغاة: «و لا يحمل هذا العلم إلّا أهل البصر و الصبر و العلم بمواضع الحق» [الخطبة: 173].

ه_- التمسك بالحق، و ذلك كما قال علیه السلام للحارث بن حوط لما اشتبه عليه الأمر في أمر البغاة، فجاء إلى أمير المؤمنين علیه السلام و قال له: أتراني أظنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟ فقال علیه السلام: «يا حار انّك نظرت تحتك و لم تنظر فوقك فحرت، انّك لم تعرف الحق فتعرف من أباه، و لم تعرف الباطل فتعرف من أتاه» [قصار الحكم: 253].

و لأهمية التمسك بالحق، أمر علیه السلام أهل مصر لما أرسل مالك الأشتر والياً عليهم، مع ما كانت له من مكانة مرموقة عند عليّ علیه السلام، فأمرهم الإمام بقوله: «فاسمعوا له و أطيعوا أمره فيما طابق الحق»

ص: 34

[الكتاب: 39]، فقيد علیه السلام الطاعة بمتابعة الحق.

و - التقوى، قال علیه السلام: فاتقوا الله تقية ذي لبّ شغل التفكر قلبه... و لم تعم عليه مشتبهات الأمور» [الخطبة: 82].

و قال علیه السلام: «و اعلموا انّ من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن، و نوراً من الظلم» [الخطبة: 183]، و قال علیه السلام: «فإنّ تقوى الله مفتاح سداد... و نجاة من كل هلكة، بها ينجح الطالب، و ينجو الهارب، و تنال الرغائب» [الخطبة.229].

ز - الاعتزال، قال علیه السلام: «كن في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيركب، و لا ضرع فيحلب» [قصار الحكم: 1].

طبعاً اعتزال الفتنة يستحسن فيما إذا لم يكن للإنسان طريق هداية من إمام قائم معصوم،أو الذي ينوب عنه نيابة عامة، ففي هذه الحالة لا يجوز الاعتزال بل لابدّ من الالتحاق و الاستماع، و مكافحة الفتن، و لزوم الجماعة الصالحة، كما قال علیه السلام: «فلا تكونوا أنصاب الفتن، و أعلام البدع، و الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة، و بنيت عليه أركان الطاعة» [الخطبة: 151]، وقال علیه السلام: «فاستمعوا من ربانيكم، و أحضروه قلوبكم و استيقظوا إن هتف بكم» [الخطبة: 107].

كما عاب علیه السلام فعل أبي موسى الأشعري حيث كان من المثبطين عن أمير المؤمنين علیه السلام أيام فتنة البغاة، فأشار علیه السلام إلى كلامه قائلاً:

ص: 35

«و إنّما عهدكم بعبدالله بن قيس بالأمس يقول: إنّها فتنة فقطعوا أوتاركم و شيموا سيوفكم، فإن كان صادقاً فقد أخطأ بمسيره غير مستكره، و إن كان كاذباً فقد لزمته التهمة» [الخطبة: 236].

ح - مكافحة الفتنة، و ذلك كما قلنا عند وجود البراهين و الحجج حيث لا يجوز الاعتزال بل يلزم الصمود و الاقدام بأي شكل كان، سواء باللسان أو باليد، و ذلك كما كتب علیه السلام إلى أهل الكوفة يدعوهم إلى معونته ضد البغاة: «و اعلموا انّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها و قلعوا بها، و جاشت جيش المرجل، و قامت الفتنة على القطب، فأسرعوا إلى أميركم، و بادروا جهاد عدوّكم» [الكتاب: 1].

أما عند عدم وجود ذلك، فلابدّ أن لا يترك الإنسان الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بحال، كما قال علیه السلام: «ظهر الفساد فلا منكر مغيّر، و لا زاجر مزدجر...» [الخطبة: 129]، و قال علیه السلام: «لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم» [الكتاب: 47]، و قال علیه السلام: «و ما أعمال البرّ كلّها و الجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلّا كنفثة في بحر لّجي» [قصار الحكم: 364].

ص: 36

7-حكم المفتتن

يختلف حكم المفتتن بحسب نوع الفتنة، هل هي شخصية أم اجتماعية، هل في زمن حضور المعصوم أو في غيبته، حيث انّ لكل منها حكماً خاصاً، فحكم المفتتن بالدنيا يختلف عن الذي شهر السيف بوجه الأمة و قاتل الأئمة المعصومين، حيث انّ حكمه البغي و الباغي إن لم يتب و لم يرجع يحارب و يقاتل، كما هو نصّ قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9].

و قد قال أمير المؤمنين علیه السلام فيهم: «مالي و لقريش، و الله لقد قاتلتهم كافرين و لا قاتلنّهم مفتونين» [الخطبة: 33].

و قال علیه السلام: «فإن أبوا أعطيتهم حدّ السيف، و كفى به شافياً من الباطل، وناصراً للحق» [الخطبة: 22]، و كتب علیه السلام في جواب عقيل: «أما ما سألت عنه من رأيي في القتال، فإنّ رأيي قتال المحلّين حتى ألقى الله [الكتاب: 36].

و أخيراً قال علیه السلام: «أما بعد أيها الناس فأنا فقأت عين الفتنة، و لم يكن ليجترئ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها و اشتدّ كلبها» [الخطبة: 92].

ص: 37

أما الفتنة الدنيوية للفرد فحكمها لا يعدو النصيحة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر للمفتن أو إهماله كما قال علیه السلام: «ما كل مفتون يعاتب» [قصار الحكم: 11].

و لما أخبر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم علياً بافتتان الناس بالدنيا بقوله: «يا علي انّ القوم سيفتنون بأموالهم، ويمنّون بدينهم على ربهم، ويتمنّون رحمته، و يأمنون سطوته، و يستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة، و الأهواء الساهية، فيستحلّون الخمر بالنبيذ، و السحت بالهدية، و الربا بالبيع» و هنا سأله علي علیه السلام قائلاً: «قلت: يا رسول الله فبأيّ المنازل أنزلهم عند ذلك، أبمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة؟ فقال: بمنزلة فتنة» [الخطبة: 156]

أما إذا كان في الفتنة نوع تعدّ على الآخرين، فلها حكمها الشرعي و القانوني الخاص بكل مورد، و لا يسع المقام للتفصيل.

***

هذا آخر ما عثرنا عليه ممّا يخص الفتنة في كتاب نهج البلاغة، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

ص: 38

محتويات الكتاب

تمهید... 5

التوجس و الخوف من الفتنة... 7

أسباب الفتن... 9

صفة الفتنة...14

معطيات الفتنة... 15

أنواع الفتن... 19

موانع الافتتان... 31

حكم المفتتن... 37

ص: 39

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.