في رحاب جواد الأئمة

هوية الكتاب

في رحاب جواد الأئمة

السيد جواد الحسيني الأرشدي (رحمه اللّه)

حقوق الطبع محفوظة

1439 ه- . 2018

الشجرة الطيبة

النجف الأشرف: شارع الرسول - سوق الحويش - قرب جامع الأنصاري

مكتبة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة

1439 ه- . 2018

الشجرة الطيبة

النجف الأشرف: شارع الرسول - سوق الحويش - قرب جامع الأنصاري

مكتبة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ

نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ

غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

ص: 3

ص: 4

كلمة المؤسسة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

القارئ الكريم، الكتاب الذي بين يديك هو من تأليف المرحوم الحاج السيد جواد الأرشدي والذي كان من أخيار تجار كربلاء المقدسة؛ وهنا نذكر مختصراً موجزاً عن حياته المليئة بالعطاء.

ولد في كربلاء المقدسة عام (1354ق) وفقد أباه وهو صغير، فنشأ يتيماً برعاية جدّه لأمّه الحاج الشيخ علي العطار والذي كان من وجهاء كربلاء المقدسة ومن أخيارها. فرباه جدّه على حب الدين وأهله وعلى خدمة الناس وخاصة الفقراء والمعوزين.

وبعد أن أكمل دراسته انخرط في التجارة حتى أصبح من تجار كربلاء المقدسة، ومع ذلك لم ينس الأمور الدينية والخيرية، فأسس هيئات ومؤسسات دينية وخدمية، وأنفق عليها من ماله الخاص، وفتح الباب للمتبرعين ليساهموا في هذه المشاريع الخيرية، بل فسح المجال للجميع للمساهمة في أعمال الخير عبر صناديق التبرعات عملاً بالحديث الشريف: (الدّال على الخير كفاعله)(1)،

ص: 5


1- ([1] ) الكافي 4: 27.

ورغبةً في تعميم حالة الإحسان في المجتمع؛ ولمّا هاجر إلى مدينة قم المقدسة ورغم فقدانه لأمواله وتجاراته جراء التهجير الوحشي إلا أنه بدأ تجارته من جديد وواصل أعماله الدينية والخيرية.

ومن جملة الهيئات والمؤسسات التي أسّسها أو ساهم في تأسيسها:

1- معونة الفقراء في العراق بتوزيع المراوح في الصيف - في وقت لم يكن أكثر الناس يمتلكون مراوح - وتوزيع الطعام على شكل سلّة غذائية عليهم.

2- تأسيس هيئة لقراءة زيارة الجامعة الكبيرة في صباح يوم الخميس من كل أسبوع وبشكل متنقّل في البيوت.

3- تأسيس هيئة الخادمين لأهل البيت (عليهم السلام) لإقامة المجالس الفاطمية تحت شعار (من الشهادة إلى الولادة) حيث تقام المجالس في المنازل وبشكل متنقّل لمدة أربعين يوماً في جمادى الأولى وجمادى الثانية.

4- تأسيس مؤسسة العيادة والعناية، والتي كانت تُعنى بالفقراء والمرضى والتي كان من برامجها:

أ. زيارة المرضى في بيوتهم أو في المشافي مع مجموعة من المؤمنين وإعانة الفقراء منهم.

ب. توزيع سلة غذائية للفقراء والمحتاجين.

ج. إعانة الفقراء الذين يريدون الزواج عبر مساعدتهم في تأثيث بيت الزوجية.

د. تكفّل الأيتام وإعانتهم.

ص: 6

ه. طباعة الأدعية والأذكار وتوزيعها.

5- تأسيس هيئة للدعاء والزيارة، حيث كانت تقيم برنامج تلاوة زيارةآل ياسين في ليالي الجمعة، وتلاوة دعاء السمات في عصر الجمعة.

6- توزيع الطعام في شهر رمضان على الجيران والأقرباء وعلى غيرهم من المؤمنين وخاصة الفقراء.

7- إقامة مجلس في يوم الغدير من كل عام مع قراءة دعاء الغديرية، وكذلك إقامة مجلس في آخر شهر ذي القعدة وإطعام عام بمناسبة استشهاد الإمام الجواد عليه السلام، وتأسيس هيئة في كربلاء لتوزيع الحليب في يوم عاشوراء في المخيّم الحسيني لذكرى عبد اللّه الرضيع، وقد تطوّرت الهيئة إلى هيئة نسوية لمواصلة البرنامج.

8- المساهمة في هيئة خدمة أهل البيت (عليهم السلام) حيث كان من المؤسسين لها، والتي كانت تعنى بالإطعام العام في ظهر يوم عاشوراء لعامة زوار ومجاوري السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) .

9- المساهمة في مؤسسة (جواد الأئمة (عليه السلام) للقرض الحسن) حيث كان من هيئة الأمناء المؤسسين لها.

وغير ذلك من النشاطات والبرامج الدينية والخدمية، وقد واصل نجله الكريم بعض هذه البرامج بعد وفاته ولا زالت مستمرة ولله الحمد.

وكان من حبّه للدين والتدين أن كان يستيقظ في الأسحار ولم يترك صلاة الليل بحال، وكان كثير التلاوة للقرآن الكريم، محباً للعلم والعلماء.

وكان مستمراً في عطائه إلى أن وافته المنية في قم المقدسة

ص: 7

(22 / شوال / 1433ق) ونقل جثمانه إلى كربلاء المقدسة ودفن فيها بعد أن طيف به على مراقد فاطمة المعصومة وأمير المؤمنين والإمام الحسين وسيدنا العباس (عليهم السلام) .

وعرفاناً منا بخدماته وجهوده وبمناسبة ذكراه السنوية السادسة نقدّم للقرّاء الكرام هذا الكتاب - الذي يتضمّن حياة الإمام الجواد (عليه السلام) وجملة من أقواله - والذي ألّفه سيدنا الفقيد، وكان قصاصات أوراق متناثرة فقمنا بجمعها وتبويبها، ليعمّ نفعها.

فرحمة اللّه عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً

مؤسسة الشجرة الطيبة

قم المقدسة 1439ق

ص: 8

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين.

أما بعد، فهذه مجموعة من الروايات التي وردت في فضائل ومناقب تاسع أئمة أهل البيت الإمام محمد بن علي التقي الجواد (عليهم السلام) ، جمعتها ورتبتها في فصول تسعة، أسأل اللّه عز وجل أن يتقبل مني هذا القليل، وأن ينفعني {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُون * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَليم}(1)، وأن يرزقني شفاعته (عليه السلام) ...

{يا أَيُّهَا الْعَزيزُ مَسَّنا وأَهْلَنَا الضُّرُّ وجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقين}(2).

29 جمادى الآخرة

ص: 9


1- سورة الشعراء، الآية: 88-89.
2- سورة يوسف، الآية: 88.

ص: 10

الفصل الأول: في النسب الطاهر

1. في نسب الإمام الجواد (عليه السلام)

هو محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) .

وأبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لويّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن خزيمة بن مدركة بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدّ بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت حمل بن قيذار بن إسماعيل (عليه السلام) بن إبراهيم (عليه السلام) بن تارخ بن ناخور بن سروغ بن هود (عليه السلام) بن أرفخشذ بن متوشلخ بن سام بن نوح (عليه السلام) بن لمك بن إدريس (عليه السلام) بن مهلائيل بن زبارز بن قينان بن أنوش بن شيث وهو هبة اللّه (عليه السلام) بن آدم (عليه السلام) (1).

2. أبوه (عليه السلام)

والده الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) .

والذي قال اللّه تعالى فيه:

ص: 11


1- بحار الأنوار 15: 107.

إنّ المكذّب بالثامن مكذّب بكلّ أوليائي، وعليّ وليّي وناصري، ومن أضع عليه أعباء النبوّة وامتحنه بالاضطلاع، يقتله عفريت مستكبر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلقي(1).

3. أمه (عليه السلام)

وأمّه أمّ ولد، يقال لها: سبيكة، نوبيّة؛ وقيل أيضا: إنّ اسمها كان خيزران. وروي: إنّها كانت من أهل بيت مارية أمّ إبراهيم ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).

وكانت قبل ذلك تسمّى درّة، ويقال: ريحانة، وتكنى أم الحسن(3).

وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في وصفها: بأبي ابن خيرة الإماء النّوبيّة الطّيّبة(4).

وقال أبو إبراهيم الإمام الكاظم (عليه السلام) ليزيد بن سليط: إنّي أوخذ هذه السنّة، والأمر إلى ابني عليّ سمّي عليّ وعليّ، فأمّا عليّ الأول فعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأمّا عليّ الآخر فعليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، اعطي فهم الأول وحكمته وبصره وودّه ودينه ومحنته، ومحنة الآخر وصبره على ما يكره، وليس له أن يتكلّم إلّا بعد موت هارون بأربع سنين.

ثمّ قال: يا يزيد، فإذا مررت بهذا الموضع ولقيته - وستلقاه - فبشّره أنّه سيولد له غلام أمين مأمون مبارك، وسيعلمك أنّك لقيتني، فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية القبطيّة جارية رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وإن قدرت أن تبلّغها منّي السلام فافعل

ص: 12


1- إعلام الورى 2: 176.
2- الكافي 1: 492.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 379.
4- كشف الغمة 2: 351.

ذلك(1).

قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام) لأصحابه في الليلة التي ولد الإمام الجواد (عليه السلام) : قد ولد لي شبيه موسى بن عمران (عليه السلام) فالق البحار قدست أم ولدته فلقد خلقت طاهرة مطهّرة(2).

4. في مولده (عليه السلام)

ولد بالمدينة ليلة الجمعة(3)، أو يوم الجمعة(4)، في شهر رمضان(5)، النصف منه(6)، أو عاشر رجب(7)، سنة مائة وخمس وتسعين(8).

وورد في أعمال شهر رجب: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالْمَوْلُودَيْنِ فِي رَجَبٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الثَّانِي وابْنِهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ وَأَتَقَرَّبُ بِهِمَا إِلَيْكَ خَيْرَ الْقُرْب...(9).

عن حكيمة ابنة أبي إبراهيم موسى (عليه السلام) ، قالت: لمّا علقت أمّ أبي

ص: 13


1- إعلام الورى 2: 50.
2- إثبات الوصية: 216.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 379؛ دلائل الإمامة: 383؛ روضة الواعظين 1: 243؛ الدر النظيم: 703.
4- إعلام الورى 2: 91.
5- الكافي 1: 491؛ مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 379؛ دلائل الإمامة: 383؛ روضة الواعظين 1: 243؛ الدر النظيم: 703.
6- دلائل الإمامة: 383؛ مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 379؛ روضة الواعظين 1: 243.
7- إعلام الورى 2: 91؛ بحار الأنوار 50: 13.
8- الكافي 1: 492؛ الإرشاد 2: 273؛ تهذيب الأحكام 6: 90؛ إعلام الورى 2: 91.
9- مصباح المتهجد 2: 805.

جعفر (عليه السلام) كتبت إليه: جاريتك سبيكة قد علقت.

فكتب إليّ: إنّها علقت ساعة كذا، من يوم كذا، من شهر كذا، فإذا هي ولدت فالزميها سبعة أيّام.

قالت: فلمّا ولدته، وسقط إلى الأرض، قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمدا رسول اللّه.

فلمّا كان اليوم الثالث، عطس، فقال: الحمد للّه، وصلّى اللّه على محمّد وعلى الأئمّة الراشدين(1).

وعن حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قالت: لمّا حضرت ولادة الخيزران أمّ أبي جعفر (عليه السلام) دعاني الرّضا (عليه السلام) ، فقال:

يا حكيمة احضري ولادتها، وادخلي وإيّاها والقابلة بيتا.

ووضع لنا مصباحا، وأغلق الباب علينا، فلمّا أخذها الطلق طفئ المصباح، وبين يديها طست، فاغتممت بطفإ المصباح؛

فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست، وإذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتّى أضاء البيت، فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري، ونزعت عنه ذلك الغشاء، فجاء الرّضا (عليه السلام) وفتح الباب، وقد فرغنا من أمره، فأخذه ووضعه في المهد، وقال لي: يا حكيمة الزمي مهده.

قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السّماء ثمّ نظر يمينه ويساره، ثمّ قال: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه» فقمت ذعرة فزعة، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبيّ عجبا؟

ص: 14


1- إثبات الوصية: 218.

فقال: وما ذاك؟ فأخبرته الخبر. فقال: يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر(1).

فلما ولد أبو جعفر (عليه السلام) كان طول ليلته يناغيه في مهده فلما طال ذلك على عدّة ليال قلت له: جعلت فداك قد ولد للناس أولاد قبل هذا فكلّ هذا تعوذه؟

فقال: ويحك ليس هذا عوذة إنمّا اغره بالعلم غرّا(2).

وروي عن نجم الصنعاني قال: إني لعند الرضا (عليه السلام) إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك هذا المولود المبارك؟

فقال لي: نعم هذا الذي لم يولد أعظم بركة منه على شيعتنا(3).

5. في أسمائه وألقابه وكناه (عليه السلام)

اسمه: محمّد، وكنيته: أبو جعفر، والخاصّ: أبو عليّ.

وألقابه: المختار، والمرتضى، والمتوكّل، والمتّقيّ، والزكيّ، والتقيّ والمنتجب، والقانع، والجواد، والعالم الربّاني، ظاهر المعاني، قليل التواني المعروف بأبي جعفر الثاني، المنتجب المرتضى، المتوشّح بالرضا، المستسلم للقضاء، له من اللّه أكثر، الرضا ابن الرضا(4).

وكان يقول له الرضا (عليه السلام) :

الصادق، والصابر، والفاضل، وقرّة أعين المؤمنين، وغيظ الملحدين(5).

ص: 15


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 394؛ بحار الأنوار 50: 10.
2- إثبات الوصية: 217.
3- إثبات الوصية: 218.
4- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 379.
5- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 250.

6. في زوجاته (عليه السلام)

أمّ ولد أم الإمام الهادي (عليه السلام) ، يقال لها: سمانة المغربيّة، ولقبها السيدة(1).

وأم الفضل بنت المأمون(2)

ولم يكن للإمام منها ولد.

وروي عن الإمام الهادي (عليه السلام) أنّه قال:

أمّي عارفة بحقّي، وهي من أهل الجنّة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبار عنيد، وهي مكلوّة بعين اللّه التي لا تنام ولا تتخلّف عن أمّهات الصدّيقين والصالحين(3).

7. في أولاده (عليه السلام)

ذكر للإمام الجواد (عليه السلام) من الذكور:

أبو الحسن الإمام الهادي (عليه السلام) ، وأبو أحمد موسى المعروف بالمبرقع، وأبو أحمد الحسين، وأبو موسى عمران.

ومن الإناث: فاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم كلثوم، وزينب، وميمونة، وحكيمة، وهي التي حضرت ولادة مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) (4).

ص: 16


1- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 401.
2- الإرشاد 2: 281؛ إثبات الوصية: 223.
3- إثبات الوصية: 228؛ الدر النظيم: 721؛ دلائل الإمامة: 410.
4- تثقيف الأمة: 448.

الفصل الثاني: في إمامته (عليه السلام)

عن ابن عباس قال: قدم يهودي على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقال له: نعثل، فقال: يا محمد إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أنت أجبتني عنها أسلمت على يدك. قال: سل يا أبا عمارة.

فقال: يا محمد صف لي ربك. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وكيف يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار الإحاطة به؟ جل عما يصفه الواصفون، نأى في قربه وقرب في نأيه، كيف الكيفية فلا يقال له كيف، وأين الأين فلا يقال له أين، هو منقطع الكيفية فيه والأينونية، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن قولك: إنه واحد لا شبيه له، أليس اللّه واحد والإنسان واحد؟ فوحدانيته أشبهت وحدانية الإنسان.

فقال (عليه السلام) : اللّه واحد وأحدي المعنى، والإنسان واحد ثنوي المعنى، جسم وعرض وبدن وروح، وإنما التشبيه في المعاني لا غير.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن وصيك من هو؟ فما من نبي إلا وله وصي، وإن نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع ابن نون.

ص: 17

فقال: نعم، إن وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة من صلب الحسين، أئمة أبرار.

قال: يا محمد فسمهم لي؟

قال: نعم إذا مضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى فابنه محمد، فإذا مضى فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فبعده ابنه الحجة بن الحسن بن علي (عليهم السلام) . فهذه اثنا عشر إماما على عدد نقباء بني إسرائيل.

قال: فأين مكانهم في الجنة؟ قال: معي في درجتي.

قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وإنك رسول اللّه، وأشهد أنهم الأوصياء بعدك، ولقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة، وفيما عهد إلينا موسى (عليه السلام) : إذا كان آخر الزمان يخرج نبي يقال له: أحمد، خاتم الأنبياء لا نبي بعده، يخرج من صلبه أئمة أبرار عدد الأسباط.

فقال: يا أبا عمارة أتعرف الأسباط؟ قال: نعم يا رسول اللّه إنهم كانوا اثني عشر.

قال: فإن فيهم لاوي بن أرحيا.

قال: أعرفه يا رسول اللّه، وهو الذي غاب عن بني إسرائيل سنين ثم عاد فأظهر شريعته بعد دراستها وقاتل مع فريطيا الملك حتى قتله.

وقال (عليه السلام) : كائن في أمتي ما كان من بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى، ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذ

ص: 18

يأذن اللّه له بالخروج فيظهر الإسلام ويجدد الدين. ثم قال (عليه السلام) : طوبى لمن أحبهم وطوبى لمن تمسك بهم، والويل لمبغضهم .

فانتفض نعثل وقام من بين يدي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأنشأ يقول:

صلى العلي ذو العلى***عليك يا خير البشر

أنت النبي المصطفى***والهاشمي المفتخر

بك اهتدينا [رشدنا]***وفيك نرجو ما أمر

ومعشر سميتهم***أئمة اثنا عشر

حباهم رب العلى***ثم صفاهم من كدر

قد فاز من والاهم***وخاب من عفى الأثر

آخرهم يشفي الظما***وهو الإمام المنتظر

عترتك الأخيار لي***والتابعون ما أمر

من كان منكم معرضا***فسوف يصلى بسقر(1)

* * *

عن عبد اللّه بن العباس قال: دخلت على النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما ويقبلهما ويقول: اللّهم وآل من والاهما وعاد من عادهما، ثم قال: يا ابن عباس كأني به وقد خضبت شيبته من دمه، يدعو فلا يجاب ويستنصر فلا ينصر.

قلت: من يفعل ذلك يا رسول اللّه؟

قال: شرار أمتي، ما لهم لا أنالهم اللّه شفاعتي. ثم قال: يا ابن عباس من

ص: 19


1- كفاية الأثر: 11.

زاره عارفا بحقه كتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة، ألا ومن زاره فكأنما زارني، ومن زارني فكأنما زار اللّه، وحق الزائر على اللّه أن لا يعذبه بالنار. ألا وإن الإجابة تحت قبته، والشفاء في تربته، والأئمة من ولده.

قلت: يا رسول اللّه فكم الأئمة بعدك؟

قال: بعدد حواري عيسى وأسباط موسى ونقباء بني إسرائيل.

قلت: يا رسول اللّه فكم كانوا؟

قال: كانوا اثني عشر، والأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه جعفر، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى موسى فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه الحسن، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجة.

قال ابن عباس: قلت: يا رسول اللّه أسامي لم أسمع بهن قط.

قال لي: يا ابن عباس هم الأئمة بعدي، وإن نهروا أمناء معصومون نجباء أخيار، يا ابن عباس من أتى يوم القيامة عارفا بحقهم أخذت بيده فأدخلته الجنة. يا ابن عباس من أنكرهم أورد واحدا منهم فكأنما قد أنكرني وردني، ومن أنكرني وردني فكأنما أنكر اللّه ورده. يا ابن عباس سوف يأخذ الناس يمينا وشمالا، فإذا كان كذلك فاتبع عليا وحزبه، فإنه مع الحق والحق معه، ولا يفترقان حتى يردا علي الحوض. يا ابن عباس ولايتهم ولايتي، وولايتي ولاية اللّه، وحربهم حربي وحربي حرب اللّه، وسلمهم سلمي وسلمي سلم اللّه.

ثم قال (عليه السلام) : يريدون ليطفؤا نور اللّه بأفواههم ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره

ص: 20

ولو كره الكافرون(1).

* * *

عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال: خطبنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال: معاشر الناس إني راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب، أوصيكم في عترتي خيرا، وإياكم البدع فإن كل بدعة ضلالة والضلالة وأهلها في النار. معاشر الناس من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي ولكم.

قال: فلما نزل عن المنبر (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تبعته حتى دخل بيت عائشة، فدخلت إليه وقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه سمعتك تقول: إذا افتقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر، وإذا افتقدتم القمر فتمسكوا بالفرقدين، وإذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة، فما الشمس وما القمر وما الفرقدان وما النجوم الزاهرة؟

فقال: [أنا الشمس وعلي القمر والحسن والحسين الفرقدان، فإذا افتقدتموني فتمسكوا بعلي بعدي، وإذا افتقدتموه فتمسكوا بالحسن والحسين]، وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين، تاسعهم مهديهم.

ثم قال (عليه السلام) : إنهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي، أئمة أبرار، عدد أسباط يعقو وحواري عيسى. قلت: فسمهم لي يا رسول اللّه؟ قال: أولهم علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي، وبعدهما علي زين العابدين، وبعده محمد بن

ص: 21


1- كفاية الأثر: 16.

علي الباقر علم النبيين والصادق جعفر بن محمد وابنه الكاظم سمي موسى بن عمران والذي يقتل بأرض الغربة ابنه علي ثم ابنه محمد والصادقان علي والحسن والحجة القائم المنتظر في غيبته، فإنهم عترتي من دمي ولحمي، علمهم علمي وحكمهم حكمي، من آذاني فيهم فلا أناله اللّه شفاعتي(1).

* * *

عن جابر بن يزيد الجعفي، قال سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاري يقول: لما أنزل اللّه تبارك وتعالى على نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللَّهَ وَ أَطيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}(2) قلت: يا رسول اللّه قد عرفنا اللّه ورسوله، فمن أولوا الأمر منكم الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟

فقال (عليه السلام) : خلفائي وأئمة المسلمين بعدي، أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف بالتوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سمي وكني حجة اللّه في أرضه ونفسه في عباده ابن الحسن بن علي، ذلك الذي يفتح اللّه تعالى ذكره على يده مشارق الأرض ومغاربها ذلك، الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن اللّه قلبه للإيمان.

قال جابر: فقلت: يا رسول اللّه فهل لشيعته الانتفاع به؟

فقال (عليه السلام) : والذي بعثني بالنبوة إنهم ليستضيؤون بنوره وينتفعون بولايته

ص: 22


1- كفاية الأثر: 40.
2- سورة النساء، الآية: 59.

في غيبته كانتفاع الناس بالشمس إن سترها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر اللّه ومخزون علم اللّه فاكتمه إلا عن أهله.

قال جابر بن يزيد: فدخل جابر بن عبد اللّه على علي بن الحسين (عليهما السلام) ، فبينا يحدثه إذ خرج محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) من عند نسائه وعلى رأسه ذوابة وهو غلام، فلما بصر به جابر ارتعدت فرائصه وقامت كل شعرة على جسده ونظر إليه مليا ثم قال له: يا غلام أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال جابر: شمائل رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ورب الكعبة.

ثم قام فدنى منه ثم قال له: ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد. قال: ابن من؟ قال: ابن علي بن الحسين. فقال: يا بني فداك نفسي فأنت إذا الباقر. قال: نعم فأبلغني ما حملك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . قال جابر: يا مولاي إن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بشرني بالبقاء إلى أن ألقاك وقال لي: إذا لقيته فاقرأه مني السلام، فرسول اللّه يا مولاي يقرأ عليك السلام. فقال أبو جعفر (عليه السلام) : يا جابر على رسول اللّه السلام ما قامت السماوات والأرض، وعليك يا جابر بما بلغت السلام.

* * *

فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه ويتعلم منه، فسأله محمد بن علي (عليهما السلام) عن شئ فقال جابر: واللّه لا دخلت في نهي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، لقد أخبرني أنكم الأئمة الهداة من أهل بيته بعده، أحكم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا، فقال: لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. قال أبو جعفر (عليه السلام) : صدق جدي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، إني أعلم بما سألتك عنه، واللّه أوتيت الحكم، وذلك بفضل اللّه علينا ورحمته لنا أهل البيت(1).

ص: 23


1- كفاية الأثر: 53.

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: دخل جندب ابن جنادة اليهودي من خيبر على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال: يا محمد أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند اللّه وعم لا يعلمه اللّه. فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أما ما لي لله فليس لله شريك، وأما ما ليس عند اللّه فليس عند اللّه ظلم للعباد، وأما ما لا يعلمه اللّه فذلك قولكم يا معشر اليهود، إنه عزير ابن اللّه، واللّه لا يعلم له ولدا. فقال جندب: أشهد أن لا إله إلا اللّه وإنك رسول اللّه حقا.

ثم قال: يا رسول اللّه إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران (عليه السلام) فقال لي: يا جندب أسلم علي يد محمد واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت فرزقني اللّه ذلك، فأخبرني بالأوصياء بعدك لا تمسك بهم. فقال يا جندب: أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل. فقال: يا رسول اللّه إنهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة. قال: نعم الأئمة بعدي اثنا عشر. فقال: يا رسول اللّه كلهم في زمن واحد؟ قال: لا ولكنهم خلف بعد خلف، فإنك لا تدرك منهم إلا ثلاثة. قال: فسمهم لي يا رسول اللّه. قال: نعم إنك تدرك سيد الأوصياء ووارث الأنبياء وأبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي ثم ابنه الحسن ثم الحسين، فاستمسك بهم من بعدي ولا يغرنك جهل الجاهلين، فإذا كانت وقت ولادة ابنه علي بن الحسين سيد العابدين يقضي اللّه عليه ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه.

فقال: يا رسول اللّه هكذا وجدت في التوراة اليانقطة؟ شبيرا وشبيرا فلم أعرف أساميهم، فكم بعد الحسين من الأوصياء وما أساميهم؟ فقال: تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم، فإذا انقضت مدة الحسين قام بالأمر بعده ابنه علي ويلقب بزين العابدين، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد

ص: 24

ابنه يدعى بالباقر، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فإذا انقضت مدة جعفر قام بالأمر بعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، ثم إذا انتهت مدة موسى قام بالأمر بعده ابنه علي يدعى بالرضا، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده محمد ابنه يدعي بالزكي، فإذا انقضت مدة محمد قام بالأمر بعده علي ابنه يدعى بالنقي، فإذا انقضت مدة علي قام بالأمر بعده الحسن ابنه يدعى بالأمين، ثم يغيب عنهم إمامهم.

قال: يا رسول اللّه هو الحسن يغيب عنهم. قال: لا ولكن ابنه الحجة. قال: يا رسول اللّه فما اسمه؟ قال: لا يسمي حتى يظهره اللّه.

قال جندب: يا رسول اللّه قد وجدنا ذكرهم في التوراة وقد بشرنا موسى بن عمران بك وبالأوصياء بعدك من ذريتك، ثم تلا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً}(1).

فقال جندب: يا رسول اللّه فما خوفهم؟ قال: يا جندب في زمن كل واحد منهم سلطان يعتريه ويؤذيه، فإذا عجل اللّه خروج قائمنا يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

ثم قال (عليه السلام) : طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمتقين على محجتهم، أولئك وصفهم اللّه في كتابه وقال: {الَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}(2)،

وقال:

ص: 25


1- سورة النور، الآية: 55.
2- سورة البقرة، الآية: 3.

{أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(1).

قال ابن الأسفع: ثم عاش جندب بن جنادة إلى أيام الحسين (عليه السلام) ، ثم خرج إلى الطائف، فحدثني نعيم أبي قيس قال: دخلت بالطائف وهو عليل، ثم إنه دعا بشربة من لبن فشربه وقال: هكذا عهد إلي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن، ثم مات رحمه اللّه ودفن بالطائف في الموضع المعروف بالكوراء(2).

* * *

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) للحسين بن علي (عليهما السلام) : يا حسين يخرج من صلبك تسعة من الأئمة منهم مهدي هذه الأمة، فإذا استشهد أبوك فالحسن بعده، فإذا سم الحسن فأنت، فإذا استشهدت فعلي ابنك، فإذا مضى علي فمحمد ابنه، فإذا مضى محمد فجعفر ابنه، فإذا مضى جعفر فموسى ابنه، فإذا مضى موسى فعلي ابنه، فإذا مضى علي فمحمد ابنه، فإذا مضى محمد فعلي ابنه، فإذا مضى علي فالحسن ابنه، فإذا مضى الحسن فالحجة بعد الحسن يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما(3).

* * *

عن أنس بن مالك قال: كنت أنا وأبو ذر وسلمان وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ودخل الحسن والحسين (عليهما السلام) فقبلهما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقام أبوذر فانكب عليهما وقبل أيديهما، ثم رجع فقعد معنا، فقلنا له سرا:

ص: 26


1- سورة المجادلة، الآية: 22.
2- كفاية الأثر: 57.
3- كفاية الأثر: 61.

رأيت رجلا شيخا من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم إلى صبيين من بني هاشم فينكب عليهما ويقبل أيديهما. فقال: نعم لو سمعتم ما سمعت فيهما من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لفعلتم بهما أكثر مما فعلت. قلنا: وماذا سمعت يا أبا ذر؟ قال: سمعته يقول لعلي ولهما: يا علي واللّه لو أن رجلا صلى وصام حتى يصير كالشن البالي إذا ما نفع صلاته وصومه إلا بحبكم. يا علي من توسل إلى اللّه بحبكم فحق على اللّه أن لا يرده. يا علي من أحبكم وتمسك بكم فقد تمسك بالعروة الوثقى.

قال: ثم قام أبو ذر وخرج، وتقدمنا إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقلنا: يا رسول اللّه أخبرنا أبو ذر عنك بكيت وكيت. قال: صدق أبو ذر، صدق واللّه، ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

قال: ثم قال (عليه السلام) خلقني اللّه تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام، ثم نقلنا إلى صلب آدم، ثم نقلنا من صلبه في أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات. فقلت: يا رسول اللّه فأين كنتم وعلى أي مثال كنتم؟

قال: كنا أشباحا من نور تحت العرش نسبح اللّه تعالى ونمجده، ثم قال (عليه السلام) : لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة المنتهى ودعني جبرئيل (عليه السلام) ، فقلت: حبيبي جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني. فقال: يا محمد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي.

ثم زج بي في النور ما شاء اللّه، فأوحى اللّه إلي: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا، ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها عليا فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك، وأخرج من أصلابكما

ص: 27

الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار. يا محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب. فنوديت: يا محمد إرفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن ابن علي والحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري. فقلت: يا رب من هؤلاء ومن هذا؟ قال: يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك، وهو الحجة الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ويشفي صدور قوم مؤمنين. قلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول اللّه لقد قلت عجبا.

فقال (عليه السلام) : وأعجب من هذا أن قوما يسمعون مني هذا ثم يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم اللّه، ويؤذوني فيهم، لا أنالهم اللّه شفاعتي(1).

* * *

عن أبي هريرة قال: كنت عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبو بكر وعمر والفضل بن العباس وزيد بن حارثة وعبد اللّه بن مسعود، إذ دخل الحسين بن علي (عليهما السلام) فأخذه النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقبله ثم قال: حبقه حبقه ترق عين بقه، ووضع فمه على فمه ثم قال: اللّهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه، يا حسين أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة التسعة، من ولدك أئمة أبرار.

فقال له عبد اللّه بن مسعود: ما هؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم يا رسول اللّه في صلب الحسين؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: يا عبد اللّه سألت عظيما

ص: 28


1- كفاية الأثر: 70.

ولكني أخبرك، إن ابني هذا - ووضع يده على كتف الحسين (عليه السلام) - يخرج من صلبه ولد مبارك سمي جده علي (عليه السلام) يسمى العابد ونور الزهاد، ويخرج من صلب علي ولد اسمه اسمي وأشبه الناس بي، يبقر العلم بقرا وينطق بالحق ويأمر بالصواب، ويخرج اللّه من صلبه كلمة الحق ولسان الصدق.

فقال له ابن مسعود: فما اسمه يا نبي اللّه؟ قال: فقال له: جعفر صادق في قوله وفعاله، الطاعن عليه كالطاعن علي والراد عليه كالراد علي.

ثم دخل حسان بن ثابت وأنشد في رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شعرا وانقطع الحديث، فلما كان من الغد صلى بنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ثم دخل بيت عائشة ودخلنا معه أنا وعلي بن أبي طالب وعبد اللّه بن العباس، وكان من دأبه (عليه السلام) إذا لم يسأل ابتدأ، فقلت له: بأمي أنت وأبي يا رسول اللّه ألا تخبرني بباقي الخلفاء من صلب الحسين (عليه السلام) . قال: نعم يا أبا هريرة، ويخرج اللّه من صلبه مولود طاهر [أسمر رابعه] سمي موسى بن عمران.

ثم قال له ابن عباس: ثم من يا رسول اللّه؟ قال: يخرج موسى علي ابنه يدعى بالرضا موضع العلم ومعدن الحلم. ثم قال (عليه السلام) : بأبي المقتول في أرض الغربة، ويخرج من صلب علي ابنه محمد المحمود أطهر الناس خلقا وأحسنهم خلقا، [ويخرج من صلب محمد ابنه علي طاهر الجيب صادق اللّهجة ]، ويخرج من صلب علي الحسن الميمون التقي الطاهر الناطق عن اللّه وأبو حجة اللّه، ويخرج من صلب الحسن قائمنا أهل البيت يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، له غيبة موسى وحكم داود وبهاء عيسى. ثم تلا (عليه السلام) : {ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ}(1).

ص: 29


1- سورة آل عمران، الآية: 34.

فقال له علي بن أبي طالب (عليه السلام) : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه من هؤلاء الذين ذكرتهم؟ قال: يا علي أسامي الأوصياء من بعدك والعترة الطاهرة والذرية المباركة. ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو أن رجلا عبد اللّه ألف عام ثم ألف عام ما بين الركن والمقام ثم أتى جاحدا بولايتهم لأكبه اللّه في النار كائنا ما كان.

قال أبو علي بن همام: العجب كل العجب كل العجب من أبي هريرة أنه يروي مثل هذه الأخبار ثم ينكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) (1).

* * *

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال: من علم أن لا إله إلا أنا وحدي وأن محمدا عبدي ورسولي وأن علي بن أبي طالب خليفتي وأن الأئمة من ولده حججي أدخلته جنتي برحمتي، ونجيته من النار بعفوي، وأبحت له جواري، وأوجبت له كرامتي، وأتممت عليه نعمتي، وجعلته من خاصتي وخالصتي، إن ناداني لبيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن أساء رحمته، وإن فر مني دعوته، وإن رجع إلي قبلته، وإن قرع بابي فتحته، ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي ورسلي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته، وذلك

ص: 30


1- كفاية الأثر: 81.

جزاؤه مني وما أنا بظلام للعبيد.

فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقال: يا رسول اللّه ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر، فإذا أدركته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسى، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد، ثم الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي بملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني، بهم يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض إلا بأذنه، وبهم يحفظ اللّه الأرض أن تمتد بأهلها(1).

* * *

قال علي (عليه السلام) : كنت عند النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في بيت أم سلمة إذ دخل علينا جماعة من أصحابه منهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعبد الرحمن بن عوف، فقال سلمان: يا رسول اللّه إن لكل نبي وصيا وسبطين فمن وصيك وسبطيك؟ فأطرق ساعة ثم قال: يا سلمان إن اللّه بعث أربعة ألف نبي وكان لهم أربعة ألف وصي وثمانية ألف سبط، فوالذي نفسي بيده لأنا خير الأنبياء ووصيي خير الأوصياء وسبطاي خير الأسباط.

ثم قال: يا سلمان أتعرف من كان وصي آدم؟ فقال: اللّه ورسوله أعلم. فقال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إني أعرفك يا با عبد اللّه وأنت منا أهل البيت، إن آدم أوصى

ص: 31


1- كفاية الأثر: 144.

إلى ابنه ثيث، وأوصى ثيث إلى ابنه شبان، وأوصى شبان إلى مخلب، وأوصى مخلب إلى نحوق، وأوصى نحوق إلى عثمثا، وأوصى عثمثا إلى أخنوخ وهو إدريس النبي (عليه السلام) ، وأوصى إدريس إلى ناخورا، وأوصى ناخورا إلى نوح (عليه السلام) ، وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثام، وأوصى عثام إلى ترعشاثا وأوصى ترعشاثا إلى يافث، وأوصى يافث إلى برة، وأوصى برة إلى خفسية، وأوصى خفسية إلى عمران، وأوصى عمران إلى إبراهيم، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى برثيا وأوصى برثيا إلى شعيب، وأوصى شعيب إلى موسى، وأوصى موسى إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع إلى داود، وأوصى داود إلى سليمان، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف إلى زكريا، وأوصى زكريا إلى عيسى بن مريم، وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى إلى منذر، وأوصى منذر إلى سلمة، وأوصى سلمة إلى بردة، وأوصى بردة إلي. وأنا أدفعها إلى علي.

فقال: يا رسول اللّه فهل بينهم أنبياء وأوصياء أخر؟ قال: نعم أكثر من أن تحصى.

ثم قال (عليه السلام) : وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلى ابنك الحسن، والحسن يدفعها إلى أخيه الحسين، والحسين يدفعها إلى ابنه علي، وعلي يدفعها إلى ابنه محمد، ومحمد يدفعها إلى ابنه جعفر، وجعفر يدفعها إلى ابنه موسى، وموسى يدفعها إلى ابنه علي، وعلي يدفعها إلى ابنه محمد،

ص: 32

ومحمد يدفعها إلى ابنه علي، وعلي يدفعها إلى ابنه الحسن، والحسن يدفع إلى ابنه القائم، ثم يغيب عنهم إمامهم ما شاء اللّه، ويكون له غيبتان أحدهما أطول من الأخرى.

ثم التفت إلينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فقال رافعا صوته: الحذر إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي. قال علي: فقلت: يا رسول اللّه فما تكون هذه الغيبة؟ قال: أصبت حتى يأذن اللّه له بالخروج، فيخرج من اليمن من قرية يقال لها اكرعة، على رأسه عمامة متدرع بدرعي متقلد بسيفي ذي الفقار، ومنادي ينادي: هذا المهدي خليفة اللّه فاتبعوه، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وذلك عندما يصير الدنيا هرجا ومرجا، ويغار بعضهم على بعض، فلا الكبير يرحم الصغير ولا القوي يرحم الضعيف، فحينئذ يأذن اللّه له بالخروج(1).

* * *

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لما أسري بي إلى السماء أوحى إلي ربي جل جلاله فقال: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها وجعلتك نبيا وشققت لك من اسمي اسما فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك وشققت له اسما من أسمائي فأنا العلي الأعلى وهو علي، وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نور كما، ثم عرضت ولايتهم على الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقربين. يا محمد لو أن عبدا عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن بالبالي ثم أتاني جاحدا لولايتهم ما أسكنته جنتي ولا أظللته تحت عرشي. يا

ص: 33


1- كفاية الأثر: 147.

محمد أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب. فقال عز وجل: إرفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي ومحمد بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين(1).

* * *

عن الحسين بن علي، عن أبيه علي (عليه السلام) قال: دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في بيت أم سلمة وقد نزلت هذه الآية: {إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً}(2)، فقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا علي هذه الآية نزلت فيك وفي سبطي والأئمة من ولدك. فقلت: يا رسول اللّه وكم الأئمة بعدك؟ قال: أنت يا علي، ثم ابناك الحسن والحسين، وبعد الحسين علي ابنه، وبعد علي محمد ابنه، وبعد محمد جعفر ابنه، وبعد جعفر موسى ابنه، وبعد موسى علي ابنه، وبعد علي محمد ابنه، وبعد محمد علي ابنه، وبعد علي الحسن ابنه، والحجة من ولد الحسن، هكذا وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش، فسألت اللّه تعالى عن ذلك فقال: يا محمد هم الأئمة بعدك مطهرون معصومون وأعداؤهم ملعونون(3).

ص: 34


1- كفاية الأثر: 152.
2- سورة الأحزاب، الآية: 33.
3- كفاية الأثر: 156.

* * *

عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال: أخبرني جبرئيل (عليه السلام) لما ثبت اللّه عز وجل اسم محمد على ساق العرش قلت: يا رب هذا الاسم المكتوب في سرادق العرش أرني أعز خلقك عليك. قال: فأره اللّه عز وجل اثنى عشر أشباحا أبدانا بلا أرواح بين السماء والأرض.

فقال: يا رب بحقهم عليك ألا أخبرتني من هم؟ قال: هذا نور علي بن أبي طالب، وهذا نور الحسن والحسين، وهذا نور علي ابن الحسين، وهذا نور محمد بن علي، وهذا نور جعفر بن محمد، وهذا نور موسى بن جعفر. وهذا نور علي بن موسى، وهذا نور محمد بن علي، وهذا نور علي بن محمد، وهذا نور الحسن بن علي، وهذا نور الحجة القائم المنتظر. قال: فكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: ما أحد يتقرب إلى اللّه عز وجل بهؤلاء القوم إلا أعتق اللّه تعالى رقبته من النار(1).

* * *

قال الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: لما أنزل اللّه تبارك وتعالى هذه الآية: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ}(2) سألت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن تأويلها فقال: واللّه ما عنى غيركم، وأنتم أولوا الأرحام، فإذا مت فأبوك علي أولى بي وبمكاني، فإذا مضى أبوك فأخوك الحسن أولى به، فإذا مضى الحسن فأنت أولى به. قلت: يا رسول اللّه فمن بعدي أولى بي؟ فقال: ابنك علي أولى بك من بعدك، فإذا مضى فابنه محمد أولى به من بعده، فإذا مضى فابنه جعفر

ص: 35


1- كفاية الأثر: 169.
2- سورة الأنفال، الآية: 75؛ سورة الأحزاب، الآية: 6.

أولى به من بعده بمكانه، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى به من بعده فإذا مضى موسى فابنه علي أولى به من بعده، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى به من بعده، فإذا مضى محمد فابنه علي أولى به من بعده، فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى به من بعده، فإذا مضى الحسن وقعت الغيبة في التاسع من ولدك، فهذه الأئمة التسعة من صلبك، أعطاهم علمي وفهمي، طينتهم من طينتي، ما لقوم يؤذوني فيهم لا أنالهم اللّه شفاعتي(1).

* * *

قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : أنا أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم، ثم أنت يا علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعدك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وبعده جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثم بعده الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والحجة بن الحسن أئمة أبرار هم مع الحق والحق معهم(2).

* * *

عن أم سلمة قالت: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لما أسري بي إلى السماء نظرت فإذا مكتوب على العرش: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه أيدته بعلي ونصرته

ص: 36


1- كفاية الأثر: 175.
2- كفاية الأثر: 177.

بعلي، ورأيت أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وأنوار علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، ورأيت نور الحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هذا ومن هؤلاء؟ فنوديت: يا محمد هذا نور علي وفاطمة، وهذا نور سبطيك الحسن والحسين، وهذه أنوار الأئمة بعدك من ولد الحسين مطهرون معصومون، وهذا الحجة يملأ الدنيا قسطا وعدلا(1).

* * *

عن سهل بن سعد الأنصاري قال: سألت فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عن الأئمة فقالت: كان رسول اللّه يقول لعلي (عليه السلام) : يا علي أنت الإمام والخليفة بعدي، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فابنك الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسين فابنك علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى موسى فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمد فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، يفتح اللّه تعالى به مشارق الأرض ومغاربها، فهم أئمة

ص: 37


1- كفاية الأثر: 185.

الحق وألسنة الصدق، منصور من نصرهم مخذول من خذلهم(1).

* * *

عن عبد السلام ابن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي رحمة اللّه عليه يقول: أنشدت مولاي علي بن موسى (عليه السلام) قصيدتي التي أولها:

مدارس آيات عفت(2) من تلاوة***ومهبط وحي مقفر العرصات

فلما انتهيت إلى قولي:

خروج الإمام لا محالة خارج***يقوم على اسم اللّه والبركات

يميز فينا كل حق وباطل***ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا (عليه السلام) بكاءا شديدا ثم رفع رأسه الشريف إلي وقال: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟ قلت: لا يا مولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم ويطهر الأرض من الفساد ويملأها عدلا. فقال: يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول اللّه له ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا وأما متى فإخبار عن الوقت، وقد حدثني أبي عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قيل له: يا رسول اللّه متى يخرج القائم من ذريتك؟ قال: مثله مثل الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو اللّه عز وجل ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة(3).

ص: 38


1- كفاية الأثر: 195.
2- وفي النسخ خلت.
3- كفاية الأثر: 275.

* * *

عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: كنت واقفا على رأس أبي الحسن علي بن موسى بطوس فقال له بعض من كان عنده: إن حدث حدث فإلى من؟ قال: إلى ابني محمد. وكأن السائل استصغر بسن أبي جعفر فقال له أبو الحسن (عليه السلام) : إن اللّه تعالى بعث عيسى بن مريم (عليه السلام) ثابتا بإقامة شريعته في دور السن الذي أقيم فيه أبو جعفر ثابتا على شريعته(1).

* * *

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) أنا وصفوان بن يحيى وأبو جعفر (عليه السلام) قائم وقد أتى له ثلاث سنين، فقلنا له: جعلنا اللّه فداك أن - وأعوذ باللّه - حدث حدث فمن يكون بعدك؟ قال: ابني هذا، وأومأ إليه. قال: فقلنا: وهو في هذا السن؟ قال: نعم وهو في هذا السن، إن اللّه تبارك وتعالى احتج بعيسى بن مريم (عليه السلام) وهو ابن سنتين(2).

ص: 39


1- كفاية الأثر: 277.
2- كفاية الأثر: 279.

الفصل الثالث: في فضائله (عليه السلام)

فما اتسعت له حلبات مجالها، ولا امتدت له أوقات آجالها، بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها وإسجالها، فقل في الدنيا مقامه، وعجل القدوم عليه لزيارة حمامه، فلم تطل بها مدته، ولا امتدت فيها أيامه، غير أن اللّه جل وعلا خصه بمنقبة متألفه في مطالع التعظيم، بارقة أنوارها، مرتفعة في معارج التفضيل قيمة أقدارها، بادية لأبصار ذوي البصائر، بينة منارها، هادئة لعقول أهل المعرفة آية آثارها، وهي وإن كانت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة، وصيغتها وإن كانت صغيرة فدلالتها كبيرة(1).

عن عمر بن فرج الرخجي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّ شيعتك تدّعي أنّك تعلم كلّ ماء في دجلة ووزنه؟ وكنّا على شاطئ دجلة.

فقال (عليه السلام) : يقدر اللّه تعالى على أن يفوّض علم ذلك إلى بعوضته من خلقه أم لا؟

قلت: نعم! يقدر.

فقال: أنا أكرم على اللّه تعالى من بعوضته ومن أكثر خلقه(2).

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: دخلت إلى مسجد الكوفة وأمير

ص: 40


1- كشف الغمة 2: 343.
2- عيون المعجزات: 127.

المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه يكتب بإصبعه ويتبسّم...

فقال (عليه السلام) : عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حقّ معرفتها.

فقلت له: أيّ آية يا أمير المؤمنين!؟

فقال: قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ والْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ}(1).

«المشكاة» محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ...

«يكاد زيتها يضيء» محمد بن علي [الجواد] (عليهما السلام) ...(2).

عن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في قوله: «اللّه نور السموات». أنّه قال: يا علي! «النور» اسمي «و المشكاة» أنت... «لا شرقيّة» محمد بن علي [الجواد] (عليهما السلام) ...(3).

عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعلي بن أبي طالب: يا علي! أنا نذير أمّتي، وأنت هاديها، ... ومحمد بن علي [الجواد] قائدها وسائقها، ...(4).

عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أنا واردكم على الحوض، وأنت يا علي! الساقي، ... ومحمد بن علي منزل أهل الجنّة في درجاتهم،...(5).

عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من سرّه أن يلقى اللّه عزّ وجلّ آمنا مطهّرا لا يحزنه الفزع الأكبر فليتولّك وليتولّ... ومحمدا [الجواد]، ...(6).

ص: 41


1- سورة النور، الآية: 35.
2- تفسير البرهان 3: 136.
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 1: 280.
4- مائة منقبة: 49.
5- مائة منقبة: 47.
6- الغيبة: 90.

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : قول النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، من سرّه أن يلقى اللّه وهو عنه راض فليتولّك يا علي! ... ومن أحبّ أن يلقاه، فيعطيه كتابه بيمينه، فليتولّ ابنه محمدا [الجواد]، ... فهؤلاء مصابيح الدجى وأئمّة الهدى، من تولّاهم كنت ضامنا له على اللّه الجنّة(1).

عن علي بن موسى الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، إنّه قال: لعلي (عليه السلام) ... ومن أحبّ أن يلقى اللّه، وقد رفعت درجاته، وبدلت سيّئاته حسناته، فليتوال محمد الجواد...(2).

علي (عليه السلام) : قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من سرّه أن يلقى اللّه آمنا مطمئنّا لا يحزنه الفزع الأكبر، فليتولّاك، وليتولّ ابنيك... ومحمدا [الجواد]...(3).

تخصيص بعض الأزمان به (عليه السلام) ، ففي المصباح: ... الساعة التاسعة(4) من

ص: 42


1- الصراط المستقيم 2: 148.
2- إثبات الهداة 1: 524.
3- إثبات الهداة 1: 547.
4- قال المحدث القمي (رحمه اللّه) : قسّم العلماء اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة، وجعلوا كلّ ساعة منها لإمام، والساعة التاسعة تختصّ بالإمام الجواد (عليه السلام) وقد أشير في دعاء هذه الساعة إلى سؤال المأمون للإمام عمّا في يده، وأيضا سؤال يحيى بن أكثم وجوابه (عليه السلام) وهذا الدعاء هو: «وبالإمام الفاضل محمد بن عليّ (عليه السلام) الذي سئل، فوفّقته للجواب وامتحن فعضدته بالتوفيق والصواب صلى اللّه عليه وعلى أهل بيته الأطهار». والتوسّل به (عليه السلام) في هذه الساعة نافعة للسعة في الرزق، ولا بأس بقراءة هذه الدعاء عند التوسل به (عليه السلام) : «اللّهم إنّي أسألك بحق وليك محمد بن عليّ (عليه السلام) إلّا جدت به عليّ من فضلك، وتفضلت به عليّ من وسعك، ووسّعت به عليّ من رزقك، وأغنيتني عمّن سواك، وجعلت حاجتي إليك، وقضاها عليك، إنّك لما تشاء قدير». وقيل إن هذا الدعاء مجرّب لأداء الدين لوقرء بعد كل فريضة، منتهى الآمال 2: 532.

صلاة العصر إلى أن يمضي ساعتان للجواد (عليه السلام) ...(1).

عن الصقر بن أبي دلف الكرخي قال: لمّا حمل المتوكّل سيّدنا أبا الحسن العسكري (عليه السلام) جئت أسأل عن خبره... فقلت: قوله: لا تعادوا الأيّام فتعاديكم، ما معناه؟

فقال (عليه السلام) : نعم! الأيّام نحن، ما قامت السموات والأرض؛ فالسبت اسم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وأنا...(2).

وعنهم (عليهم السلام) أنّهم قالوا: نحن الليالي والأيّام، من لم يعرف هذه الأيّام لم يعرف اللّه حقّ معرفته، فالبست، رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) النبوّة ولا نبيّ بعده... والخميس، خمسة أنوار، الرضا، والجواد، والهادي، والعسكري، والمهدي و...(3).

روى أبان بن تغلب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا كانت لك حاجة فصم الأربعاء والخميس والجمعة، وصلّ ركعتين عند زوال الشمس تحت السماء وقل: اللّهمّ! إنّي حللت بساحتك... وبالاسم الذي جعلته عند محمد صلواتك ورحمتك عليه وعلى آله وعند علي والحسن... وموسى وعلي ومحمد...(4).

ص: 43


1- مصباح الكفعمي: 188.
2- الخصال: 394.
3- مشارق أنوار اليقين: 45.
4- مصباح المتهجّد: 337.

الفصل الرابع: في كلماته (عليه السلام)

1. التوحيد

اشارة

عن عبد الرحمن ابن أبي نجران، قال: سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) عن التوحيد، فقلت: أتوهّم شيئا؟

فقال: نعم! غير معقول ولا محدود؛ فما وقع وهمك عليه من شيء، فهو خلافه، لا يشبهه شيء، ولا تدركه الأوهام؛ كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل، وخلاف ما يتصوّر في الأوهام؟! إنّما يتوهّم شيء غير معقول ولا محدود(1).

عن أبي هاشم الجعفري قال: سألت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) : ما معنى الواحد؟

قال: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}(2)(3).

عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني (عليهما السلام) : ما معنى الواحد؟

ص: 44


1- التوحيد: 106.
2- سورة لقمان، الآية: 25؛ سورة الزمر، الآية: 38.
3- التوحيد: 83.

فقال: المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانيّة(1).

روى أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(2)، ما معنى الأحد؟

قال: المجمع عليه بالوحدانيّة، أ ما سمعته يقول: {وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ والْأَرْضَ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}(3)؛

ثمّ يقولون بعد ذلك: له شريك وصاحبة.

فقلت: قوله: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ}(4)؟

قال: يا أبا هاشم! أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدرك ببصرك ذلك، فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف تدركه الأبصار؟!(5)

صفاته وأسماؤه عزّ وجلّ

عن أبي هاشم الجعفري، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فسأله رجل، فقال: أخبرني عن الربّ تبارك وتعالى، له أسماء وصفات في كتابه؟ فأسماؤه وصفاته هي هو؟

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ لهذا الكلام وجهين:

إن كنت تقول: هي هو، أي أنّه ذو عدد وكثرة، فتعالى اللّه عن ذلك.

ص: 45


1- التوحيد: 82.
2- سورة الإخلاص، الآية: 1.
3- سورة العنكبوت، الآية: 61.
4- سورة الأنعام، الآية: 103.
5- الاحتجاج 2: 465.

وإن كنت تقول: لم تزل هذه الصفات والأسماء، فإنّ لم تزل يحتمل معنيين:

فإن قلت: لم تزل عنده في علمه وهو مستحقّها، فنعم.

وإن كنت تقول: لم يزل تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها فمعاذ اللّه أن يكون معه شيء غيره؛ بل كان اللّه ولا خلق، ثمّ خلقها وسيلة بينه وبين خلقه، يتضرّعون بها إليه، ويعبدونه، وهي ذكره وكان اللّه ولا ذكر، والمذكور بالذكر هو اللّه القديم الذي لم يزل.

والأسماء والصفات مخلوقات المعاني، والمعني بها هو اللّه الذي لا يليق به الاختلاف والائتلاف، وإنّما يختلف ويأتلف المتجزّئ فلا يقال: اللّه مؤتلف، ولا اللّه كثير، ولا قليل، ولكنّه القديم في ذاته، لأنّ ما سوى الواحد متجزّئ، واللّه واحد لا متجزئ.

ولا متوهّم بالقلّة والكثرة، وكلّ متجزّئ ومتوهّم بالقلّة والكثرة، فهو مخلوق دالّ على خالق له.

فقولك: إنّ اللّه «قدير» خبّرت أنّه لا يعجزه شيء، فنفيت بالكلمة: العجز، وجعلت العجز سواه.

وكذلك قولك: «عالم» إنّما نفيت بالكلمة: الجهل، وجعلت الجهل سواه، فإذا أفنى اللّه الأشياء أفنى فنى الصور والهجاء، ولا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالما.

قال الرجل: كيف سمّي ربّنا «سميعا»؟

قال: لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس.

ص: 46

وكذلك سمّيناه «بصيرا» لأنّه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار، من لون وشخص وغير ذلك، ولم نصفه بنظر لحظ العين.

وكذلك سمّيناه «لطيفا» لعلمه بالشيء اللطيف مثل البعوضة وأحقر من ذلك، وموضع الشقّ منها، والعقل والشهوة، والسفاد، والحدب(1) على نسلها، وإفهام بعضها عن بعض، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال، والمفاوز(2)،

والأودية، والقفار، فعلمنا أنّ خالقها لطيف بلا كيف، وإنّما الكيفيّة للمخلوق، المكيّف.

وكذلك سمّي ربّنا «قويّا» لا بقوّة البطش المعروف من المخلوق، ولو كان قوّته قوّة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه ولاحتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصا كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزا. فربّنا تبارك وتعالى لا شبه له ولا ضدّ، ولا ندّ، ولا كيف، ولا نهاية، ولا أقطار، محرّم على القلوب أن تمثّله، وعلى الأوهام أن تحدّه، وعلى الضمائر أن تكيّفه جلّ عن أداة خلقه، وسمات بريّته، وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا(3).

عبد الرحمن بن أبي نجران، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) ... نعبد الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد؟ قال: فقال (عليه السلام) : إنّ من عبد الاسم دون المسمّى بالأسماء، أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئا، بل اعبد اللّه

ص: 47


1- والحدب على نسلها، أي التعطّف والتحنّن. مجمع البحرين 2: 36 (حدب).
2- المفازة: الموضع المهلك، مأخوذة من فوّز بالتشديد إذا مات لأنّها مظنّة الموت، وقيل من فاز إذا نجا وسلم، وسمّيت به نفاء لا بالسلامة. المصباح المنير (فوز).
3- التوحيد: 193.

الواحد الأحد الصمد المسمّى بهذه الأسماء دون الأسماء. إنّ الأسماء صفات وصف بها نفسه(1).

قال داود بن القاسم: سألته [أي أبا جعفر الثاني (عليه السلام) ] عن «الصمد»؟ فقال (عليه السلام) : الذي لا سرّة له، قلت فإنّهم يقولون: إنّه الذي لا جوف له. فقال (عليه السلام) : كلّ ذي جوف له سرّة(2).

عن الحسين بن سعيد، قال: سئل أبو جعفر الثاني (عليه السلام) : يجوز أن يقال للّه: إنّه شيء؟ فقال: نعم! يخرجه من الحدّين(3): حدّ التعطيل، وحدّ التشبيه(4).

2. النبوة

في الأنبياء (عليهم السلام)

عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) ... فكتب صلوات اللّه عليه: بعث اللّه تعالى جلّ ذكره، مائة ألف نبيّ، وأربعة وعشرين ألف نبيّ، المرسلون منهم: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا...(5).

قال أبو جعفر (عليه السلام) : ... وكلّ الأنبياء (عليهم السلام) لم يشركوا باللّه طرفة عين...(6).

عن أبي مسافر، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام) في العشيّة التي اعتلّ فيها من

ص: 48


1- الكافي 1: 87.
2- تحف العقول: 456.
3- حدّ التعطيل: هو عدم إثبات الوجود والصفات الكماليّة والفعليّة والإضافيّة له، وحدّ التشبيه: الحكم بالاشتراك مع الممكنات في حقيقة الصفات، وعوارض الممكنات. مرآة العقول 1: 282.
4- التوحيد: 107 و 104.
5- قصص الأنبياء: 213.
6- الاحتجاج 2: 477.

ليلتها، العلّة التي توفّي فيها: يا عبد اللّه! ما أرسل اللّه نبيّا من أنبيائه إلى أحد، حتّى يأخذ عليه ثلاثة أشياء.

قلت: وأي شيء هو يا سيّدي!؟

قال: الإقرار باللّه بالعبوديّة والوحدانيّة، وأن اللّه يقدّم ما يشاء، ونحن قوم، أو نحن معشر إذا لم يرض اللّه لأحدنا الدنيا، نقلنا إليه(1).

عن الحسن بن العبّاس بن حريش، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ لنا في ليالي الجمعة لشأنا من الشّأن.

قلت: جعلت فداك! أيّ شأن؟

قال: تؤذن للملائكة، والنبيّين، والأوصياء الموتى، وأرواح الأوصياء، والوصي الذي بين ظهرانيكم يعرج بها إلى السماء فيطوفون بعرش ربّها أسبوعا. وهم يقولون: «سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة والروح» حتّى إذا فرغوا صلّوا خلف كلّ قائمة له ركعتين. ثمّ ينصرفون، فتنصرف الملائكة بما وضع اللّه فيها من الاجتهاد شديدا عظامهم، لما رأوا، وقد زيد في اجتهادهم، وخوفهم مثله. وينصرف النبيّون، والأوصياء قد ألهموا إلهاما من العلم علما جمّا، مثل جمّ الغفير، ليس شيء أشدّ سرورا منهم. اكتم، فو اللّه! لهذا أعزّ عند اللّه من كذا وكذا عندك حصنة.

قال: يا محبور! واللّه، ما يلهم الأقرار بما ترى إلّا الصالحون.

قلت: واللّه! ما عندي كثير صلاح.

قال: لا تكذب على اللّه، فإنّ اللّه قد سمّاك صالحا حيث يقول: {فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ

ص: 49


1- بصائر الدرجات: 501.

والصَّالِحِينَ}(1).

يعني الذين آمنوا بنا، وبأمير المؤمنين، وملائكته، وأنبيائه، وجميع حججه، عليه وعلى محمد وآله الطيّبين الطاهرين الأخيار الأبرار السّلام(2).

عن علي بن محمد العلوي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن آدم حيث حجّ بما حلق رأسه؟

فقال (عليه السلام) : نزل عليه جبرئيل (عليه السلام) بياقوتة من الجنّة، فأمرّها على رأسه، فتناثر شعره(3).

قال [محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) ]: شيعتنا الخلّص حزقيل المؤمن، مؤمن آل فرعون، وصاحب يس، الذي قال اللّه تعالى [فيه]: {وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى}(4)(5).

عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم. فأوحى اللّه إلى داود (عليه السلام) أن خذ عصا المتكلّمين، وعصا سليمان، واجعلهما في بيت، واختم عليها بخواتيم القوم، فإذا كان من الغد، فمن كانت عصاه قد أورقت، وأثمرت، فهو الخليفة. فأخبرهم داود، فقالوا: قد رضينا، وسلّمنا(6).

ص: 50


1- سورة النساء، الآية: 69.
2- بصائر الدرجات: 150.
3- الكافي 4: 195.
4- سورة يس، الآية: 20.
5- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 314.
6- الكافي 1: 383.

عن أبي جعفر صلوات اللّه عليه، قال: حجّ ذو القرنين في ستّمائة ألف فارس، فلمّا دخل الحرم، شيّعه بعض أصحابه إلى البيت. فلمّا انصرف قال: رأيت رجلا ما رأيت أكثر نورا ووجها منه، قالوا: ذاك إبراهيم خليل الرحمن صلوات اللّه عليه.

قال: أسرجوا! فأسرجوا، ستّمائة دابّة في مقدار ما يسرج دابّة واحدة.

قال: ثمّ قال ذو القرنين: لا، بل نمشي إلى خليل الرحمن، فمشى ومشى معه بعده أصحابه النقباء.

قال إبراهيم (عليه السلام) : بم قطعت الدهر؟

قال: بأحد عشر كلمة وهي: «سبحان من هو باق لا يفنى، سبحان من هو عالم لا ينسى، سبحان من هو حافظ لا يسقط، سبحان من هو بصير لا يرتاب، سبحان من هو قيّوم لا ينام، سبحان من هو ملك لا يرام، سبحان من هو عزيز لا يضام، سبحان من هو محتجب لا يرى، سبحان من هو واسع لا يتكلّف، سبحان من هو قائم لا يلهو، سبحان من هو دائم لا يسهو»(1).

عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، قال: كتبت إلى أبي جعفر أعني محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) أسأله عن ذي الكفل ما اسمه؟ وهل كان من المرسلين؟

فكتب صلوات اللّه عليه: بعث اللّه تعالى جلّ ذكره مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبىّ، المرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. وأنّ ذا الكفل منهم صلوات اللّه عليهم، وكان بعد سليمان بن داود، وكان يقضي بين الناس كما كان يقضي داود، ولم يغضب إلّا للّه عزّ وجلّ. وكان اسمه عويديا، وهو الذي ذكره اللّه تعالى جلّت عظمته في كتابه حيث قال:

ص: 51


1- قصص الأنبياء: 122.

{وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ والْيَسَعَ وذَا الْكِفْلِ وكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ}(1)(2).

خاتم النبيّين (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

عن جعفر بن محمد الصوفي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) ، فقلت له: يا ابن رسول اللّه! لم سمّي النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الأمّي؟

فقال: ما يقول النّاس؟

قلت: يزعمون انّه سمّي الأمّي، لأنّه لم يكتب.

فقال (عليه السلام) : كذبوا، عليهم لعنة اللّه، أنّى ذلك، واللّه عزّ وجلّ يقول في محكم كتابه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ}(3) فكيف كان يعلّمهم ما لا يحسن!؟ واللّه! لقد كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين - أو قال: بثلاثة وسبعين - لسانا؛ وإنّما سمّي الأمّي، لأنّه كان من أهل مكّة، ومكّة من أمّهات القرى، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: «لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى ومَنْ حَوْلَها»(4)(5).

عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، قال: قال: إنّ في رجب ليلة هي خير للناس ممّا طلعت عليه الشمس، وهي ليلة سبع وعشرين. منه نبّئ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في صبيحتها، ...(6).

ص: 52


1- سورة ص، الآية: 48.
2- قصص الأنبياء: 213.
3- سورة الجمعة، الآية: 2.
4- سورة الشورى، الآية: 7.
5- معاني الأخبار: 53.
6- إقبال الأعمال: 177.

عنه (عليه السلام) : كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يحبّ إكثار الصلاة في الحرمين...(1).

قال (عليه السلام) : النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، طاهر مطهّر...(2).

عنه (عليه السلام) : ... فإنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لم يردّ هديّة، على يهودي ولا نصراني(3).

عن ابن أبي نجران، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك! ما لمن زار رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) متعمّدا؟

فقال (عليه السلام) : له الجنّة(4).

3. الإمامة

الإمامة والولاية العامّة

عن أبي محمد الحسن ابن علي (عليهما السلام) قال: كان أبو جعفر (عليه السلام) ... يقول: الحمد للّه الذي خلقنا من نوره بيده، واصطفانا من بريّته وجعلنا أمناءه على خلقه ووحيه...(5).

بنان بن نافع قال: ... دخل علينا محمد بن علي (عليهما السلام) ، فلمّا بصر بي قال: ... إنّا معاشر الأئمّة إذا حملته أمّه يسمع الصوت من بطن أمّه أربعين يوما، فإذا أتى له في بطن أمّه أربعة أشهر رفع اللّه تعالى له أعلام الأرض، فقرّب له ما بعد عنه، حتّى لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا ضارّة...(6).

ص: 53


1- الكافي 4: 524.
2- التهذيب 1: 107.
3- رجال الكشّي: 610.
4- الكافي 4: 548.
5- دلائل الإمامة: 384.
6- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 388.

عن محمد بن إسماعيل بن بزيع: قال: سألته - يعني أبا جعفر (عليه السلام) - عن شيء من أمر الإمام، فقلت: يكون الإمام ابن أقلّ من سبع سنين؟

فقال (عليه السلام) : نعم! وأقلّ من خمس سنين.

فقال سهل: فحدّثني علي بن مهزيار بهذا في سنة إحدى وعشرين ومائتين(1).

قال أبو جعفر (عليه السلام) : نحن خزّان اللّه على علمه، وغيبه، وحكمته، وأوصياء أنبيائه، وعباد مكرمون(2).

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ... نحن من علم اللّه علّمنا، وعن اللّه نخبر...(3).

عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) من هذه الآية: {وَعَلَى

الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ}(4)؟

فقال: هم يا سعد! الأئمّة من آل محمد (عليهم السلام) (5).

عن محمد بن سنان، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ... فقال: يا محمد! إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يزل متفرّدا بوحدانيّته، ثمّ خلق محمدا وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثمّ خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفوّض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون، ويحرّمون ما يشاؤون، ولن يشاءوا إلّا أن يشاء اللّه تبارك

ص: 54


1- الكافي 1: 384، ح5.
2- الثاقب في المناقب: 522.
3- الهداية الكبرى: 303.
4- سورة الأعراف، الآية: 46.
5- بصائر الدرجات: 520.

وتعالى...(1).

إبراهيم بن سعد، قال: رأيت محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) ... فقلت: رأيت أباك (عليه السلام) يضرب بيده إلى التراب، فيجعله دنانير ودراهم.

فقال (عليه السلام) : في مصرك قوم يزعمون أنّ الإمام يحتاج إلى مال، فضرب بيده لهم، ليبلغهم أنّ كنوز الأرض بيد الإمام (عليه السلام) (2).

عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) ...

فقال (عليه السلام) : يا أبا القاسم! ما منّا إلّا وهو قائم بأمر اللّه عزّ وجلّ، وهاد إلى دين اللّه...(3).

قال محمد بن علي (عليهما السلام) : إنّ حجج اللّه على دينه أعظم سلطانا يسلّط اللّه بها على عباده، فمن وفّر منها حظّه فلا يرين أنّ من منعه ذلك [قد فضّله عليه ولو جعله في الذروة العليا من الشرف والمال والجمال، فإنّه إن رأى ذلك] كان قد حقّر عظيم نعم اللّه لديه. وإنّ عدوّا من أعدائنا النواصب يدفعه بما تعلّمه من علو منا أهل البيت لأفضل له من كلّ مال لمن فضّل عليه. ولو تصدّق بألف ضعفه(4).

عنه (عليه السلام) : إذا غضب اللّه تبارك وتعالى على خلقه، نحّانا عن جوارهم(5).

ص: 55


1- الكافي 1: 441.
2- دلائل الإمامة: 397.
3- كمال الدين 2: 377.
4- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 351.
5- الكافي 1: 343.

قال (عليه السلام) : ومن كان من حزبنا أدخله اللّه الجنّة(1).

عن علي بن عبد اللّه، قال: سأله رجل عن قوله تعالى: {فَمَنِ

اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقى}(2). قال (عليه السلام) : من قال بالأئمّة، واتّبع أمرهم، ولم يجز طاعتهم(3).

الإمامة والولاية الخاصّة

عن محمد بن سنان، قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فأجريت اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد! إنّ اللّه تبارك (و) تعالى لم يزل متفرّدا بوحدانيّته؛ ثمّ خلق محمدا وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر؛ ثمّ خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفوّض أمورها إليهم، فهم يحلّون ما يشاؤون، ويحرّمون ما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلّا أن يشاء اللّه تبارك وتعالى.

ثمّ قال: يا محمد! هذه الديانة التي من تقدّمها مرق، ومن تخلّف عنها محق(4)، ومن لزمها لحق، خذها إليك يا محمد(5).

قال محمد بن علي (بن موسى) (عليهم السلام) حين قال رجل بحضرته: إنّي لأحبّ محمدا وعليا حتّى لو قطّعت إربا إربا، أو قرضت، لم أزل عنه.

قال محمد بن علي (عليهما السلام) : لا جرم أنّ محمدا وعليا يعطيانك من أنفسهما ما تعطيهما [أنت] من نفسك، إنّهما ليستدعيان لك في يوم فصل القضاء ما لا

ص: 56


1- رجال الكشي: 502.
2- سورة طه، الآية: 123.
3- الكافي 1: 414.
4- محقه يمحقه محقا، أي أبطله ومحاه. لسان العرب 10: 338 (محق).
5- الكافي 1: 441.

يفي ما بذلته لهما بجزء من مائة ألف ألف جزء من ذلك(1).

قال محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) : من اختار قرابات أبوي دينه: محمد وعلي (عليهما السلام) على قرابات أبوي نسبه، اختاره اللّه تعالى على رءوس الأشهاد يوم التناد، وشهّره بخلع كراماته، وشرّفه بها على العباد إلّا من ساواه في فضائله أو فضله(2).

عن أبي جعفر محمد بن علي الثاني (عليهما السلام) أنّه سمعه يقول: علّم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) ألف كلمة، كلّ كلمة يفتح ألف كلمة(3).

عن زكريّا بن آدم، قال: إنّي لعند الرضا (عليه السلام) إذ جيء بأبي جعفر (عليه السلام) ... فضرب بيده (عليه السلام) إلى الأرض، ورفع رأسه إلى السماء، فأطال الفكر.

فقال له الرضا (عليه السلام) : بنفسي! أنت لم طال فكرك؟

فقال (عليه السلام) : فيما صنع بأمّي فاطمة، أما واللّه لأخرجنّهما، ثمّ لأحرّقنّهما، ثمّ لأذرينّهما، ثمّ لأنسفنّهما في اليمّ نسفا...(4).

جعفر بن محمد بن يزيد، قال: كنت ببغداد، فقال لي محمد بن منذر بن مهزير: هل لك أن أدخلك على ابن الرضا؟

قلت: نعم!

قال: فأدخلني، فسلّمنا عليه وجلسنا، فقال له: حديث النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذرّيّتها على النار؟

ص: 57


1- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 332.
2- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 336.
3- الخصال 2: 650.
4- دلائل الإمامة: 400.

قال: خاصّ للحسن والحسين (عليهما السلام) (1).

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) : إنّ قوما من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك (عليه السلام) إنّما سمّاه المأمون «الرضا» لما رضيه لولاية عهده.

فقال (عليه السلام) : كذبوا واللّه! وفجروا، بل اللّه تبارك وتعالى سمّاه «الرضا» لأنّه كان رضي للّه عزّ وجلّ في سمائه، ورضي لرسوله، والأئمّة من بعده صلوات اللّه عليهم في أرضه.

قال: فقلت له: أ لم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضي للّه تعالى، ولرسوله، والأئمّة (عليهم السلام) ؟

فقال: بلى!

فقلت: فلم سمّي أبوك (عليه السلام) من بينهم «الرضا»؟

قال: لأنّه رضي به المخالفون من أعدائه، كما رضي به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (عليهم السلام) ، فلذلك سمّي من بينهم الرضا (عليه السلام) (2).

قال (عليه السلام) : ما زار أبي (عليه السلام) أحد فأصابه أذى من مطر أو برد أو حرّ، إلّا حرّم اللّه جسده على النار(3).

حمدان الدسوائي، قال: ... سمعت مولاي أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من زار قبر أبي بطوس غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

ص: 58


1- تاريخ بغداد 3: 54.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 13.
3- الأمالي: 521.

فقال أيّوب: وأزيدك فيه؟

قلت: نعم!

قال: سمعته يقول ذلك - يعني أبا جعفر (عليه السلام) - وانّه إذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتّى يفرغ الناس من الحساب(1).

أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام) : أبلغ شيعتنا أنّ زيارتي تعدل عند اللّه ألف حجّة.

قال: فقلت لأبي جعفر، ابنه (عليهما السلام) ، ألف حجّة!؟

قال (عليه السلام) : إي واللّه! ألف ألف حجّة، لمن زاره عارفا بحقّه(2).

الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمد ابن علي الرضا (عليهما السلام) ، يقول: إنّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي...(3).

الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) يقول: إنّ الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثمّ سكت.

فقلت له: يا ابن رسول اللّه! فمن الإمام بعد الحسن؟

فبكى (عليه السلام) بكاء شديدا؛ ثمّ قال: إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر.

ص: 59


1- كامل الزيارات: 505.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 257.
3- كمال الدين 2: 378.

فقلت له: يا ابن رسول اللّه! لم سمّي القائم؟

قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.

فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟

قال: لأنّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزىء بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلمون(1).

قال محمد بن علي التقي (عليهما السلام) لعبد العظيم [الحسني]: المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، وأنّ اللّه ليصالح أمره في ليلة كما أصالح أمر كليمه موسى (عليه السلام) ، حيث ذهب ليقتبس لأهله نارا. هو سمّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وكنيّه، تطوي له الأرض.

قيل: ولم سمّي القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته.

وسمّي المنتظر، لأنّ له غيبة يطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويهلك المستعجلون(2).

حدّثنا عبد العظيم بن عبد اللّه بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، قال: دخلت على سيّدي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، وأنا أريد أن أسأله عن القائم أ هو المهدي أو غيره؟

فابتدأني هو فقال: يا أبا القاسم! إنّ القائم منّا هو المهدي، الذي يجب أن

ص: 60


1- كمال الدين 2: 378.
2- الخرائج والجرائح 3: 1171.

ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي. والذي بعث محمدا بالنبوّة، وخصّنا بالإمامة، أنّه لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم، لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج فيه، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا. وإنّ اللّه تبارك وتعالى ليصالح له أمره في ليلة كما أصالح أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله نارا فرجع، وهو نبيّ مرسل.

ثمّ قال (عليه السلام) : أفضل فضل أعمال شيعتنا انتظار الفرج(1).

حدّثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: كنّا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم. فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) : هل يبدو للّه في المحتوم؟

قال: نعم!

قلنا له: فنخاف أن يبدو للّه في القائم؟

فقال: إنّ القائم من الميعاد، واللّه لا يخلف الميعاد(2).

عن علي بن مهزيار، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : كأنّي بالقائم يوم عاشوراء، يوم السبت، قائما بين الركن والمقام، بين يديه جبرئيل، ينادي: البيعة للّه؛ فيملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا(3).

قال (عليه السلام) : إنّ الملك للرحمن اليوم، وقبل اليوم، وبعد اليوم. ولكن إذا قام القائم (عليه السلام) لم يعبد [وا] إلّا اللّه عزّ وجلّ(4).

ص: 61


1- كفاية الأثر: 276.
2- الغيبة: 302.
3- الغيبة: 274.
4- تأويل الآيات الظاهرة: 369.

4. في المعاد والحساب

قيل لمحمد بن علي بن موسى صلوات اللّه عليهم: ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت؟

قال (عليه السلام) : لأنّهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء اللّه عزّ وجلّ لأحبّوه، ولعلموا أنّ الآخرة خير لهم من الدنيا...(1).

عن سعيد بن جناح قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) في منزله بالمدينة، فقال مبتدئا: من أتمّ ركوعه لم تدخله وحشة في القبر(2).

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ... إنّ أهل الجنّة كلّهم يكونون شبّانا، ولا يكون فيهم كهل...(3).

وعنه (عليه السلام) : ... ولكن من كان هواه هوى صاحبه، ودان بدينه، فهو معه حيث كان، والآخرة هي دار القرار(4).

5. في الأحكام

اشارة

عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا، رفعه، قال: سألته: كيف تكفّن المرأة؟

فقال: كما يكفّن الرجل، غير أنّها تشدّ على ثدييها خرقة تضمّ الثدي إلى الصدر، وتشدّ على ظهرها، ويصنع لها القطن أكثر ممّا يصنع للرجال، ويحشى القبل والدبر بالقطن، والحنوط، ثمّ تشدّ عليها الخرقة شدّا شديدا(5).

ص: 62


1- معاني الأخبار: 290.
2- الكافي 3: 321.
3- الاحتجاج 2: 477.
4- تحف العقول: 456.
5- الكافي 3: 147.

عن سهل بن زياد، عن غير واحد من أصحابنا، قالوا: قلنا له: جعلنا فداك! إن لم نقدر على الجريدة؟

فقال: عود السدر.

قيل: فإن لم نقدر على السدر؟

قال: عود الخلاف(1).

عن محمد بن الفضيل، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : أسأله عن السقط كيف يصنع به؟

فكتب (عليه السلام) : أنّ السقط يدفن بدمه في موضع(2).

كتب أبو جعفر الثاني (عليه السلام) إلى رجل: ذكرت مصيبتك بعلي ابنك، وذكرت أنّه كان أحبّ ولدك إليك، وكذلك اللّه عزّ وجلّ إنّما يأخذ من الوالد وغيره أزكى ما عند أهله ليعظّم به أجر المصاب بالمصيبة. فأعظم اللّه أجرك، وأحسن عزاك، وربط على قلبك؛ إنّه قدير، وعجّل اللّه عليك بالخلف، وأرجو أن يكون اللّه قد فعل، إن شاء اللّه تعالى(3).

في الطهارة

كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني صلوات اللّه عليه: ما تقول في الفرو(4) يشترى من السوق؟

ص: 63


1- الكافي 3: 153.
2- الكافي 3: 208.
3- الكافي 3: 205.
4- الفرو جمعه فراء: شيء كالجبّة يبطن من جلود بعض الحيوانات كالأرانب والسمور. المنجد: 580 (فرو).

فقال: إذا كان مضمونا، فلا بأس(1).

في الصلاة

كتب أبو الحسن ابن الحصين إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) معي: جعلت فداك! قد اختلفت موالوك في صلاة الفجر فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السماء، ومنهم من يصلّي إذا اعترض في أسفل الأفق واستبان، ولست أعرف أفضل الوقتين فأصلّي فيه. فإن رأيت أن تعلّمني أفضل الوقتين وتحدّه لي؟ وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ ويصبح؟ وكيف أصنع مع الغيم؟ وما حدّ ذلك في السفر والحضر؟ فعلت إن شاء اللّه.

فكتب بخطّه (عليه السلام) وقرأته: الفجر - يرحمك اللّه - هو الخيط الأبيض المعترض، ليس هو الأبيض صعداء، فلا تصلّ في سفر ولا حضر حتّى تتبيّنه. فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا، فقال: {كُلُوا واشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}(2).

فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم، وكذلك هو الذي يوجب به الصلاة(3).

عن محمد بن الفرج، قال: كتبت أسأل عن أوقات الصلاة؟

فأجاب (عليه السلام) : إذا زالت الشمس فصلّ سبحتك، وأحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين، ثمّ صلّ سبحتك. وأحبّ أن يكون

ص: 64


1- الكافي 3: 398.
2- سورة البقره، الآية: 187.
3- الكافي 3: 282.

فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام. فان عجل بك أمر فابدأ بالفريضتين... فإذا طلع الفجر، فصلّ الفريضة...(1).

عن علي بن مهزيار، قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب، فهل يجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقيّة؟

فكتب (عليه السلام) : لا تجوز الصلاة فيها(2).

إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتبت إليه، يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة، ولا ضرورة؟

فكتب (عليه السلام) : لا يجوز الصلاة فيه(3).

عن يحيى بن أبي عمران الهمداني، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك! ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللّه الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أمّ الكتاب، فلمّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها...؟

فكتب (عليه السلام) بخطّه: يعيدها...(4).

لقول أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي به ربّه عزّ وجلّ(5).

عن علي بن مهزيار، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم في

ص: 65


1- الاستبصار 1: 255.
2- الكافي 3: 399.
3- الاستبصار 1: 384.
4- الكافي 3: 313.
5- من لا يحضره الفقيه 1: 208.

صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجي ربّه؟

قال: نعم(1).

عن أبي جعفر (عليه السلام) : من أتمّ ركوعه لم تدخله وحشة في القبر(2).

عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد: ... قال: إنّ سارقا أقرّ على نفسه بالسرقة، ... فالتفت [المعتصم] إلى محمد بن علي (عليهما السلام) .

فقال (عليه السلام) : ... فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكفّ.

قال: وما الحجّة في ذلك؟

قال: قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : السجود على سبعة أعضاء: الوجه، واليدين، والركبتين، والرجلين، ... وقال اللّه تبارك وتعالى: {وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ}(3)

يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها...(4).

عن أبي جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال: من قرأ «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» بعد صلاة العصر عشر مرّات، له على مثل أعمال الخلائق(5).

عن الحسين بن مسلم، عن أبي جعفر [الثاني] (عليه السلام) ، قال: قلت له: جعلت فداك! إنّهم يقولون: إنّ النوم بعد الفجر مكروه لأنّ الأرزاق يقسّم في ذلك

ص: 66


1- التهذيب 2: 326.
2- الكافي 3: 321.
3- سورة الجنّ، الآية: 18.
4- تفسير العيّاشي 1: 319.
5- فلاح السائل: 199.

الوقت؟

فقال: الأرزاق موظوفة مقسومة، وللّه فضل يقسّمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وذلك قوله: {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}(1)

ثمّ قال: وذكر اللّه بعد طلوع الفجر، أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض(2).

وعن أبي جعفر الجواد (عليهما السلام) أنّهما قالا: من قال بالجسم، فلا تعطوه من الزكاة، ولا تصلّوا وراءه(3).

عن أبي علي بن راشد، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّ مواليك قد اختلفوا، فأصلّي خلفهم جميعا؟

فقال: لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه، ثمّ قال: ولي موال.

فقلت: أصحاب؟

فقال مبادرا قبل أن أستتمّ ذكرهم: لا! يأمرك علي بن حديد بهذا - أو هذا ممّا يأمرك به علي بن حديد - فقلت: نعم(4).

عن أبي عبد اللّه البرقي، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : أ يجوز جعلت فداك! الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدّك صلوات اللّه عليهما؟

فأجاب: لا تصلّ وراءه(5).

عن عمران بن محمد، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جعلت فداك! إنّ

ص: 67


1- سورة النساء، الآية: 32.
2- تفسير العيّاشي 1: 240.
3- التوحيد: 101.
4- الكافي 3: 374.
5- التهذيب 3: 28.

لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ، فربما خرجت إليها، وأقيم فيها ثلاثة أيّام، أو خمسة أيّام، أو سبعة أيّام، فأتمّ الصلاة أم أقصّر؟

فقال (عليه السلام) : قصّر في الطريق، وأتمّ في الضيعة(1).

عن محمد بن إبراهيم الحضيني، قال: استأمرت أبا جعفر (عليه السلام) في الإتمام والتقصير؟

قال (عليه السلام) : إذا دخلت الحرمين، فانو عشرة أيّام، وأتمّ الصلاة.

فقلت له: إنّي أقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة؟

قال: انو مقام عشرة أيّام، وأتمّ الصلاة(2).

صلاة الجواد (عليه السلام)

أربع ركعات، في كلّ ركعة «الحمد» مرّة، و«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» أربع مرّات... ويصلّي على النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مائة مرّة، ثمّ يسأل اللّه حاجته(3).

صلاة أخرى: ركعتان، كلّ ركعة «بالفاتحة» مرّة، و«الإخلاص» سبعين [مرّة](4).

صلاة أخرى: ركعتان بالحمد، والتوحيد أربعين مرّة. ويسلّم ويصلّي على النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مائة مرّة(5).

ص: 68


1- الاستبصار 1: 229.
2- التهذيب 5: 427.
3- الدعوات: 89.
4- جمال الأسبوع: 179.
5- البلد الأمين: 163.

في الصوم

عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: ... إنّ المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام،...(1).

عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إليه (عليه السلام) : امرأة طهرت من حيضها، أو دم نفاسها... ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل...

فكتب (عليه السلام) : تقضي صومها...(2).

عن القاسم بن أبي القاسم الصيقل، قال: كتب إليه: يا سيّدي، رجل نذر أن يصوم كلّ جمعة دائما ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر...

فكتب [ (عليه السلام) ] إليه: قد وضع اللّه عنك الصيام في هذه الأيّام كلّها، وتصوم يوما بدل يوم إن شاء اللّه(3).

عن علي بن مهزيار، قال: كتب بندار مولى إدريس: يا سيّدي! نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفّارة؟

فكتب (عليه السلام) وقرأته: لا تتركه إلّا من علّة، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلّا أن تكون نويت ذلك، فإن كنت أفطرت منه في غير علّة فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة مساكين...(4).

كتب إليه أبو عمرو: أخبرني يا مولاي! إنّه ربّما أشكل علينا هلال شهر

ص: 69


1- من لا يحضره الفقيه 2: 225.
2- الكافي 4: 136.
3- التهذيب 4: 234.
4- التهذيب 4: 235.

رمضان، فلا نراه، ونرى السماء ليست فيها علّة...

فوقّع (عليه السلام) : لا تصومنّ الشكّ، أفطر للرؤية، وصم للرؤية(1).

قال (عليه السلام) : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان، أو استنشق متعمّدا، أو شمّ رائحة غليظة، أو كنس بيتا فدخل في أنفه أو حلقه، غبار. فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح(2).

عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ... ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وهي الليلة التي يرجى أن تكون ليلة القدر، و«فيها يفرق كلّ أمر حكيم»...(3).

عن محمد بن إسماعيل الرازي، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، قال: قلت: جعلت فداك! ما تقول في العامّة، فإنّه قد روي أنّهم لا يوفّقون لصوم؟

فقال لي: أما أنّه قد أجيبت دعوة الملك فيهم.

قال: قلت: وكيف ذلك؟ جعلت فداك!

قال: إنّ الناس لمّا قتلوا الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما أمر اللّه عزّ وجلّ ملكا ينادي: «أيّتها الأمّة الظالمة القاتلة عترة نبيّها، لا وفّقكم اللّه لصوم، ولا فطر».

وفي حديث آخر: لفطر ولا أضحى(4).

عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: قال: إنّ في رجب ليلة هي خير للناس ممّا طلعت عليه الشمس، وهي ليلة سبع وعشرين منه... وتصبح صائما، وأنّه

ص: 70


1- التهذيب 4: 159.
2- التهذيب 4: 214.
3- إقبال الأعمال: 504.
4- علل الشرائع: 389.

يستحبّ لك صومه، فإنّه يعادل صوم سنة(1).

الريّان بن الصلت قال: صام أبو جعفر الثاني (عليه السلام) لمّا كان ببغداد يوم النصف من رجب، ويوم سبع وعشرين منه، وصام جميع حشمه: ...(2).

عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال: قلت له: رجل مات وعليه صوم، يصام عنه أو يتصدّق؟

قال (عليه السلام) : يتصدّق عنه فإنّه أفضل(3).

في الزكاة

عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إليه، أسأله عن رجل عليه مهر امرأته لا تطلبه منه، إمّا لرفق بزوجها، وإمّا حياء، فمكث بذلك على الرجل عمره وعمرها، يجب عليه زكاة ذلك المهر أم لا؟

فكتب (عليه السلام) : لا يجب عليه الزكاة إلّا في ماله(4).

عن علي بن بلال، قال: كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟

فكتب (عليه السلام) : لا تعط الصدقة والزكاة إلّا لأصحابك(5).

عن داود الصرمي، قال: سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟

قال (عليه السلام) : لا(6)!

ص: 71


1- إقبال الأعمال: 177.
2- إقبال الأعمال: 183.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 236.
4- الكافي 3: 521.
5- التهذيب 4: 54.
6- الكافي 3: 563.

عن سليمان بن حفص المروزي، قال: سمعته يقول: إن لم تجد من تضع الفطرة فيه، فأعز لها تلك الساعة قبل الصلاة. والصدقة بصاع من تمر، أو قيمته في تلك البلاد دراهم(1).

في الخمس

عن إبراهيم بن محمد الهمداني، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) : أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك (عليه السلام) فيما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المئونة، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس، ولا غير ذلك. فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المئونة، مؤونة الضيعة وخراجها، لا مؤونة الرجل وعياله.

فكتب (عليه السلام) : بعد مؤونته ومؤونة عياله، و[بعد] خراج السلطان(2).

عن ابن أبي نصر قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : الخمس، أخرجه قبل المئونة، أو بعد المئونة؟

فكتب (عليه السلام) : بعد المئونة(3).

في الحجّ

عن أبي عبد اللّه الخراساني، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، قال: قلت له: إنّي حججت وأنا مخالف، وحججت حجّتي هذه، وقد منّ اللّه عزّ وجلّ عليّ بمعرفتكم، وعلمت أنّ الذي كنت فيه كان باطلا، فما ترى في حجّتي؟

ص: 72


1- التهذيب 4: 87.
2- الكافي 1: 547.
3- الكافي 1: 545.

قال: اجعل هذه حجّة الإسلام، وتلك نافلة(1).

كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفر (عليه السلام) : إنّي حججت وأنا مخالف، وكنت صرورة، فدخلت متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ؟

فكتب (عليه السلام) : أعد حجّك(2).

عن بكر بن صالح، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : إنّ ابني معي، وقد أمرته أن يحجّ عن أمّي، أ يجزي عنها حجّة الإسلام؟

فكتب (عليه السلام) : لا! وكان ابنه صرورة، وكانت أمّه صرورة(3).

عن محمد بن الحسين بن أبي خالد، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) : عن رجل أوصى أن يحجّ عنه مبهما؟

فقال (عليه السلام) : يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شيء(4).

عن محمد بن الحسن أنّه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك! قد اضطررت إلى مسألتك؟ فقال (عليه السلام) : هات.

فقلت: سعد بن سعد، قد أوصى: حجّوا عنّي مبهما، ولم يسمّ شيئا، ولا ندري كيف ذلك؟

فقال (عليه السلام) : يحجّ عنه ما دام له مال(5).

عن موسى بن القاسم، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : قد أردت أن

ص: 73


1- من لا يحضره الفقيه 2: 263.
2- الكافي 4: 275.
3- التهذيب 5: 412.
4- التهذيب 5: 408 و 9: 226.
5- التهذيب 5: 408.

أطوف عنك وعن أبيك، فقيل لي: إنّ الأوصياء لا يطاف عنهم. فقال لي: بل طف ما أمكنك، فإنّه جائز.

ثمّ قلت له بعد ذلك بثلاث سنين: إنّي كنت استأذنتك في الطواف عنك، وعن أبيك، فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء اللّه، ثمّ وقع في قلبي شيء فعملت به.

قال: وما هو؟

قلت: طفت يوما عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فقال ثلاث مرّات: صلّى اللّه على رسول اللّه! ثمّ اليوم الثاني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ثمّ طفت اليوم الثالث عن الحسن (عليه السلام) ، والرابع عن الحسين (عليه السلام) ، والخامس عن علي بن الحسين (عليهما السلام) ، والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) ؛ واليوم السابع عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) ؛ واليوم الثامن عن أبيك موسى (عليه السلام) ؛ واليوم التاسع عن أبيك علي (عليه السلام) ؛ واليوم العاشر عنك يا سيّدي، وهؤلاء الذين أدين اللّه بولايتهم.

فقال: إذن واللّه! تدين اللّه بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره.

قلت: وربما طفت عن أمّك فاطمة (عليها السلام) ، وربما لم أطف.

فقال: استكثر من هذا، فإنّه أفضل ما أنت عامله إن شاء اللّه(1).

عن القاسم الصيقل، قال: ما رأيت أحدا كان أشدّ تشديدا في الظلّ من أبي جعفر (عليه السلام) . كان يأمر بقلع القبّة والحاجبين إذا أحرم(2).

عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أنّه سئل ما فرق ما بين الفسطاط وبين ظلّ

ص: 74


1- الكافي 4: 314.
2- الكافي 4: 350.

المحمل؟

قال (عليه السلام) : لا ينبغي أن يستظلّ في المحمل، والفرق بينهما أنّ المرأة تطمث في شهر رمضان، فتقضي الصيام، ولا تقضي الصلاة(1).

عن بكر بن صالح، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : أنّ عمّتي معي وهي زميلتي، والحرّ تشتدّ عليها إذا أحرمت، فترى لي أن أظلّل عليّ وعليها؟

فكتب (عليه السلام) : ظلّل عليها وحدها(2).

عن علي بن مهزيار، قال: سألته عن المحرم معه لحم من لحوم الصيد في زاده، هل يجوز أن يكون معه، ولا يأكله، ويدخله مكّة وهو محرم، فإذا أحلّ أكله؟

فقال (عليه السلام) : نعم! إذا لم يكن صاده(3).

في كفّارات الإحرام

عن الريّان بن شبيب، قال: ... قال المأمون لأبي جعفر (عليه السلام) : إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم الصيد، لنعلمه ونستفيده.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : نعم! إنّ المحرم إذا قتل صيدا في الحلّ، وكان الصيد من ذوات الطير، وكان من كبارها، فعليه شاة.

فإن أصابه في الحرم، فعليه الجزاء مضاعفا.

فإذا قتل فرخا في الحلّ، فعليه حمل قد فطم من اللبن.

ص: 75


1- من لا يحضره الفقيه 2: 225.
2- الكافي 4: 352.
3- التهذيب 5: 385.

وإذا قتله في الحرم، فعليه الحمل، وقيمة الفرخ.

وإن كان من الوحش، وكان حمار وحش، فعليه بقرة.

وإن كان نعامة، فعليه بدنة.

وإن كان ظبيا، فعليه شاة.

فإن قتل شيئا من ذلك في الحرم، فعليه الجزاء مضاعفا، هديا بالغ الكعبة.

وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، وكان إحرامه بالحجّ نحره بمنى.

وإن كان إحرامه بالعمرة، نحره بمكّة.

وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد له المأثم، وهو موضوع عنه في الخطأ.

والكفّارة على الحرّ في نفسه، وعلى السيّد في عبده، والصغير لا كفّارة عليه، وهي على الكبير واجبة.

والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة...(1).

عن محمد بن الفضيل، قال: إنّه سأل محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) ، فقال له: سعيت شوطا، ثمّ طلع الفجر؟

قال (عليه السلام) : صلّ، ثمّ عد فأتمّ سعيك؛ وطواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلّا بالدعاء، وذكر اللّه، وقراءة القرآن.

قال: والنافلة يلقي الرجل أخاه، فيسلّم عليه، ويحدّثه بالشيء من أمر الآخرة والدنيا؟

ص: 76


1- الإرشاد 2: 281.

قال: لا بأس به(1).

سأله أبو حارث، عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فطاف وسعى وقصّر، هل عليه طواف النساء؟

قال (عليه السلام) : لا! إنّما طواف النساء بعد الرجوع من منى(2).

قال (عليه السلام) : ليس للّه منسك أحبّ إليه من السعي، وذلك أنّه يذلّ فيه الجبّارين(3).

عن الحسين بن أسلم، قال: لمّا أراد أبو جعفر - يعني ابن الرضا (عليهما السلام) - أن يقصّر من شعره للعمرة، أراد الحجّام أن يأخذ من جوانب الرأس. فقال له: ابدأ بالناصية.

فبدأ بها(4).

علي بن حديد، قال: كنت مقيما بالمدينة في شهر رمضان، سنة ثلاث وعشرة ومائتين. فلمّا قرب الفطر، كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أسأله عن الخروج في عمرة شهر رمضان أفضل، أو أقيم حتّى ينقضي الشهر وأتمّ صومي؟

فكتب إليّ كتابا قرأته بخطّه: سألت رحمك اللّه عن أيّ العمرة أفضل؟ عمرة شهر رمضان أفضل، يرحمك اللّه(5).

ص: 77


1- التهذيب 5: 127.
2- التهذيب 5: 254.
3- الكافي 4: 434.
4- الكافي 4: 439.
5- الكافي 4: 536.

عن أحمد بن أبي عبد اللّه عن أبيه، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) : أبدأ بالمدينة أو بمكّة؟

قال: ابدأ بمكّة، واختم بالمدينة، فإنّه أفضل(1).

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال أبو جعفر محمد الجواد (عليه السلام) : من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه. ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده(2).

في النكاح والأولاد

كتب إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : ما تقول في صبيّة زوّجها عمّها، فلمّا كبرت أبت التزويج؟

فكتب بخطّه (عليه السلام) : لا تكره على ذلك والأمر أمرها(3).

عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: قيل له: إنّ رجلا تزوّج بجارية صغيرة، فأرضعتها امرأته: ثمّ أرضعتها امرأة له أخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتاه.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلا، فأمّا الأخيرة فلم تحرم عليه كأنّها أرضعت ابنتها(4).

حجّ إسحاق بن إسماعيل في السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، قال إسحاق: فأعددت له في رقعة عشر مسائل لأسأله عنها،

ص: 78


1- الكافي 4: 550.
2- تحف العقول: 456.
3- الكافي 5: 394.
4- الكافي 5: 446.

وكان لي حمل...

قال لي: يا أبا يعقوب! سمّه أحمد...(1).

في الطلاق

عن أحمد بن محمد، قال: سألته عن الطلاق؟

فقال (عليه السلام) : على طهر، وكان علي (عليه السلام) يقول: لا يكون طلاق إلّا بالشهود.

فقال له رجل: إن طلّقها ولم يشهد، ثمّ أشهد بعد ذلك بأيّام، فمتى تعتدّ؟

فقال (عليه السلام) : من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق(2).

عن محمد بن سليمان، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، قال: قلت له: جعلت فداك! كيف صارت عدّة المطلّقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر، وصارت عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا؟

فقال: أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء، فلاستبراء الرحم من الولد.

وأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها، فإنّ اللّه عزّ وجلّ شرط للنساء شرطا، وشرط عليهنّ شرطا، فلم يجأ بهنّ فيما شرط لهنّ، ولم يجر فيما اشترط عليهنّ.

شرط لهنّ في الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول اللّه عزّ وجلّ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}(3).

فلم يجوّز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء لعلمه تبارك وتعالى أنّه غاية صبر المرأة من الرجل.

وأمّا ما شرط عليهنّ، فإنّه أمرها أن تعتدّ إذا مات عنها زوجها، أربعة أشهر وعشرا، فأخذ منها له عند موته ما أخذ لها منه في حياته عند ايلائه،

ص: 79


1- دلائل الإمامة: 401.
2- التهذيب 8: 50.
3- سورة البقرة، الآية: 226.

قال اللّه تبارك وتعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْراً}(1) ولم يذكر العشرة الأيّام في العدّة إلّا مع الأربعة أشهر، وعلم أنّ غاية صبر المرأة الأربعة أشهر في ترك الجماع، فمن ثمّ أوجبه عليها ولها(2).

في الدين

عن أبي تمامة، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : إنّي أريد أن ألزم مكّة أو المدينة، وعليّ دين، فما تقول؟

فقال: ارجع فأدّه إلى مؤدّي دينك، وانظر أن تلقى اللّه تعالى وليس عليك دين، إنّ المؤمن لا يخون(3).

في الوصيّة

عن عمرو بن سعيد، قال: أوصى أخو رومي بن عمران جميع ماله لأبي جعفر (عليه السلام) .

قال عمرو: فأخبرني رومي أنّه وضع الوصيّة بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) ، فقال:

هذا ما أوصى لك به أخي، وجعلت أقرأ عليه، فيقول لي: قف، ويقول: أحمل كذا، ووهبت لك كذا، حتّى أتيت على الوصيّة، فنظرت، فإذا إنّما أخذ الثلث.

قال: فقلت له: أمرتني أن أحمل إليك الثلث، ووهبت لي الثلثين؟

قال: نعم! قلت: أبيعه، وأحمله إليك؟

قال: لا! على الميسور عليك، لا تبع شيئا(4).

ص: 80


1- سورة البقرة، الآية: 234.
2- الكافي 6: 113.
3- الكافي 5: 94.
4- الكافي 7: 7.

عن بعض أصحابنا، قال: كتبت إليه: جعلت فداك! إنّ امرأة أوصت إلى امرأة، ودفعت إليها خمسمائة درهم، ولها زوج وولد، فأوصتها أن تدفع سهما منها إلى بعض بناتها وتصرف الباقي إلى الإمام.

فكتب (عليه السلام) : تصرف الثلث من ذلك إليّ، والباقي يقسّم على سهام اللّه عزّ وجلّ بين الورثة(1).

علي بن مهزيار، قال: سألته عن رجل له امرأة لم يكن له منها ولد، وله ولد من غيرها، فأحبّ أن لا يجعل لها في ماله نصيبا، فأشهد بكلّ شيء له في حياته وصحّته لولده دونها، وأقامت معه بعد ذلك سنين، أ يحلّ له ذلك إذا لم يعلمها ولم يتحلّلها؟

... فكتب (عليه السلام) : حقّها واجب، فينبغي أن يتحلّلها(2).

في التجارة

إنّ رجلا أربي دهرا من الدهر فخرج قاصدا أبا جعفر الجواد (عليه السلام) فقال له:

مخرجك من كتاب اللّه يقول اللّه: {فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ}(3).

والموعظة هي التوبة فجهله بتحريمه ثمّ معرفته به. فما مضى فحلال وما بقى فليتحفّظ(4).

في الإرث

روى عن البزنطي، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جعلت فداك! رجل

ص: 81


1- التهذيب 9: 242.
2- التهذيب 9: 162.
3- سورة البقرة، الآية: 275.
4- وسائل الشيعة 18: 131.

هلك وترك ابنة وعمّة؟

فقال: المال للابنة.

قال: وقلت له: رجل مات وترك ابنة له وأخا، أو قال: ابن أخته؟

قال: فسكت طويلا، ثمّ قال: المال للابنة(1).

عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في رجل مات وترك خالتيه ومواليه؟

قال (عليه السلام) : {أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ}(2)، المال بين الخالتين(3).

عن أبي جعفر (عليه السلام) في زوج وأبوين؟: إنّ للزوج النصف، وللأمّ الثلث كاملا، وما بقى فللأب.

في الصيد والذباحة

كتب ابن زاذان فروخ إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) يسأله عن الرجل يركض في الصيد لا يريد بذلك طلب الصيد وإنّما يريد بذلك التصحّح؟

قال (عليه السلام) : لا بأس بذلك؛ لا للّهو(4).

عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) أنّه قال: سألته عما أهلّ لغير اللّه؟

قال: ما ذبح لصنم، أو وثن، أو شجر حرّم اللّه ذلك كما حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}(5) أن يأكل الميتة.

ص: 82


1- من لا يحضره الفقيه 4: 191.
2- سورة الأنفال، الآية: 75؛ سورة الأحزاب، الآية: 6.
3- الكافي 7: 120.
4- المحاسن: 627.
5- سورة البقرة، الآية: 173.

قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه! متى تحلّ للمضطرّ الميتة؟

فقال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) : إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) سئل فقيل له: يا رسول اللّه! إنّا نكون بأرض فتصيبنا المخمصة، فمتى تحلّ لنا الميتة؟

قال: ما لم تصطبحوا، أو تغتبقوا(1)، أو تحتفوا بقلا، فشأنكم بهذا.

قال عبد العظيم: فقلت له: يا ابن رسول اللّه! فما معنى قوله عزّ وجلّ «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ ولا عادٍ»؟

قال: العادي السارق، الباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا لا ليعود به على عياله. ليس لهما أن يأكلا الميتة إذ اضطرّا، هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار. وليس لهما أن يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر.

قال: قلت له: فقوله تعالى {وَالْمُنْخَنِقَةُ والْمَوْقُوذَةُ والْمُتَرَدِّيَةُ والنَّطِيحَةُ وما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ}(2)؟

قال: المنخنقة، التي انخنقت بإخناقها(3)حتّى تموت.

والموقوذة التي مرضت ووقذها المرض حتّى لم تكن بها حركة.

والمتردّية التي تتردّى من مكان مرتفع إلى أسفل، أو تتردّى من جبل، أو

ص: 83


1- والصبوح بالفتح: للشرب بالغداة خلاف الغبوق. ومنه الحديث وقد سئل متى تحلّ الميتة؟ قال: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا، فالاصطباح أكل الصبوح وهو الغداء. والغبوق أكل العشاء وأصلهما الشرب، ثمّ استعملا في الأكل. مجمع البحرين 2: 382 (صبح).
2- سورة المائدة، الآية: 3.
3- قوله تعالى: «والمنخنقة» هي التي تخنق فتموت، ولا تدرك ذكاتها، وفي الحديث: المنخنقة هي التي انخنقت بإخناقها حتّى تموت... الخناق بالكسر: حبل يخنق به، واستعير هنا للموت. والخناق كغراب: داء يمنع منه نفوذ النفس إلى الرية والقلب. مجمع البحرين 5: 159 (خنق).

في بئر، فتموت.

والنطيحة التي تنطحها بهيمة أخرى، فتموت.

وما أكل السبع منه، فمات.

وما ذبح على النصب على حجر، أو على صنم إلّا ما أدركت ذكاته، فذكّى.

قلت: «وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ»(1)؟

قال: كانوا في الجاهلية يشترون بعيرا فيما بين عشرة أنفس ويستقسمون عليه بالقداح، وكانت عشرة، سبعة لهم أنصباء(2)، وثلاثة لا أنصباء لها.

أمّا التي لها أنصباء: فالفذّ، والتوأم(3)، والنافس، والحلس والمسبل، والمعلّى، والرقيب.

وامّا التي لا أنصباء لها: فالسفح، والمنيح، والوغد(4).

ص: 84


1- الأزلام جمع زلم بفتح الزاء كجمل، وضمّها كصرد، وهي قداح لا ريش لها ولا نصل. مجمع البحرين 6: 79 (زلم).
2- والأنصباء: العلائم، ومنه حديث القداح العشرة سبعة لها أنصباء وثلاثة لا أنصباء لها. مجمع البحرين 2: 174 (نصب).
3- التوأم: الثاني من سهام الميسر. مجمع البحرين 6: 21 (تأم).
4- قال المجلسي (رحمه اللّه) : الأسماء السبعة المذكورة في الخبر على خلاف الترتيب المشهور، ولعلّه من الرواة، أو يقال: إنّه (عليه السلام) لم يكن بصدد تعليمه، بل أشار مجملا إلى ما كانوا يعملونه، بل يمكن أن يكون (عليه السلام) تعمّد ذلك لئلّا يكون تعليما للقمار وإن أمكن الاستدلال به على جواز تعليم القمار وتعلّمه لغير العمل. قال الجوهري: سهام الميسرة عشرة: أوّلها الفذّ، ثمّ التوأم، ثمّ الرقيب، ثمّ الحلس، ثمّ النافس، ثمّ المسبل، ثمّ المعلّى، وثلاثة لا أنصباء لها وهى السفيح، والمنيح والوغد، انتهى. مع أنّ بينهم أيضا خلافا في بعضها، قال الفيروزآبادي: المسبل كمحسن، السادس أو الخامس من قداح الميسر. بحار الأنوار 62: 150.

وكانوا يجيلون السهام بين عشرة، فمن خرج باسمه سهم من التي لا أنصباء لها، ألزم ثلث ثمن البعير، فلا يزالون كذلك حتّى تقع السهام التي لا أنصباء لها إلى ثلاثة، فيلزمونهم ثمن البعير، ثمّ ينحرونه، ويأكله السبعة الذين لم ينقدوا في ثمنه شيئا، ولم يطعموا منه الثلاثة الذين وفروا ثمنه(1) شيئا.

فلما جاء الإسلام حرّم اللّه تعالى ذكره ذلك فيما حرّم، وقال عزّ وجلّ:

{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ}(2) يعني حراما(3).

في الأطعمة والأشربة

عن علي بن مهزيار، قال: تغدّيت مع أبي جعفر (عليه السلام) ، فأتي بقطاة، فقال: إنّه مبارك...(4).

عن أبي جعفر أو أبي الحسن (عليهما السلام) ... قال: ذكر السداب. فقال: أما إنّ فيه منافع: زيادة في العقل، وتوفير في الدماغ، غير أنّه ينتن ماء الظهر(5).

عن محمد بن الوليد بن يزيد، قال: أتيت أبا جعفر (عليه السلام) ... إذ أقبل نحوي غلام قد حمل إليّ خوانا فيه طعام... فغسلت يدي وأكلت فإذا بأبي جعفر (عليه السلام) قد أقبل، فقمت إليه، فأمرني بالجلوس، فجلست وأكلت...(6).

عن محمد بن الوليد بن يزيد، قال: أتيت أبا جعفر (عليه السلام) ... إذ أقبل نحوي

ص: 85


1- في الفقيه: أنقدوا ثمنه، وفي البحار: نقدوا.
2- سورة المائدة، الآية: 3.
3- التهذيب 9: 83.
4- الكافي 6: 312.
5- الكافي 6: 368.
6- الهداية الكبرى: 308.

غلام قد حمل إليّ خوانا فيه طعام ألوانا... وأكلت، فنظر إلى الغلام ارفع ما سقط من الصحراء على الأرض.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) له: ما كان معك في الصحراء فدعه، ولو كان فخذ شاة، وما كان معك في البيت فالقطه وكله، فإنّ فيه رضى الربّ ومجلبة الرزق(1).

قال (عليه السلام) : كلّ من يشرب المسكر فهو سفيه(2).

وعنه (عليه السلام) ، قال: لا بأس أن يشرب الرجل من القدح المفضّض، وأعزل فمك عن موضع الفضّة(3).

عن محمد بن النضر، مؤدّب ولد أبي جعفر محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) ، قال: شكوت إليه ما أجد من الحصاة.

فقال (عليه السلام) : ... يا جارية! أخرجي البستوقة الخضراء.

قال: فأخرجت البستوقة، وأخرج منها مقدار حبّة.

فقال (عليه السلام) : اشرب هذه الحبّة بماء السداب، أو بماء الفجل المطبوخ، فإنّك تعافي منه...(4).

في الأيمان

عن علي بن مهزيار قال: كتب رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) يحكي له شيئا.

فكتب (عليه السلام) إليه: واللّه! ما كان ذلك، وإنّي لأكره أن أقول «واللّه» على

ص: 86


1- الهداية الكبرى: 308.
2- تفسير العيّاشي 1: 220.
3- مكارم الأخلاق: 66.
4- طبّ الأئمة (عليهم السلام) : 91.

حال من الأحوال، ...(1).

عن علي بن مهزيار، قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : قوله عزّ وجلّ: {وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى* والنَّهارِ إِذا تَجَلَّى}(2). وقوله عزّ وجلّ: {وَالنَّجْمِ إِذا هَوى}(3) وما أشبه هذا؟ فقال (عليه السلام) : إنّ اللّه عزّ وجلّ يقسم من خلقه بما يشاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلّا به عزّ وجلّ(4).

6. في المواعظ

قال الجواد (عليه السلام) : من استغنى باللّه، افتقر الناس إليه، ومن اتّقى اللّه أحبّه الناس وإن كرهوا(5).

وعنه (عليه السلام) إنّه قال: لو كانت السموات والأرض رتقا على عبد ثمّ اتّقى اللّه تعالى لجعل منها مخرجا(6).

عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: الإبقاء على العمل، أشدّ من العمل.

قيل له: وما الإبقاء على العمل؟

قال: يصل الرجل بصلة وينفق نفقة للّه وحده لا شريك له، فكتب له سرّا، ثمّ يذكرها، فتمحى فتكتب له علانية، ثمّ يذكرها، فتمحى وتكتب له رياء(7).

ص: 87


1- النوادر لابن عيسى: 52.
2- سورة الليل، الآية: 1-2.
3- سورة النجم، الآية: 1.
4- من لا يحضره الفقيه 3: 236.
5- كشف الغمّة 2: 347.
6- الفصول المهمّة: 273.
7- الكافي 2: 296.

قال (عليه السلام) : الثقة باللّه تعالى ثمن لكلّ غال، وسلّم إلى كلّ عال(1).

قال (عليه السلام) : القصد إلى اللّه تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال(2).

قال (عليه السلام) : كيف يضيع من اللّه كافله؟! وكيف ينجو من اللّه طالبه؟! ومن انقطع إلى غير اللّه وكله اللّه إليه، ومن عمل على غير علم، أفسد أكثر ممّا يصلح(3).

قال (عليه السلام) : الأيّام تهتك لك الأمر عن الأسرار الكامنة(4).

قال (عليه السلام) : إذا نزل القضاء ضاق الفضاء(5).

عن إسماعيل بن سهل، قال: كتبت إلى أبي جعفر صلوات اللّه عليه: إنّي قد لزمني دين فادح!

فكتب (عليه السلام) : أكثر من الاستغفار، ورطّب شفتيك بقراءة «إِنَّا أَنْزَلْناهُ»(6).

قال (عليه السلام) : كفر النعمة داعية المقت، ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر ممّا أخذ منك(7).

قال (عليه السلام) : نعمة لا تشكر، كسيّئة لا تغفر(8).

ص: 88


1- أعلام الدين: 309.
2- نزهة الناظر: 134.
3- أعلام الدين: 309.
4- أعلام الدين: 310.
5- أعلام الدين: 309.
6- الكافي 5: 316.
7- كشف الغمّة 2: 349.
8- أعلام الدين: 309.

قال (عليه السلام) : إنّ اللّه عبادا يخصّهم بالنعم، ويقرّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها عنهم وحوّلها إلى غيرهم(1).

قال (عليه السلام) : تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة، والاعتلال على اللّه هلكة، والإصرار على الذنب أمن لمكر اللّه، {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ}(2)(3).

قال (عليه السلام) : عليكم بطلب العلم! فإنّ طلبه فريضة، والبحث عنه نافلة، وهو صلة بين الإخوان، ودليل على المروّة، وتحفة في المجالس، وصاحب في السفر، وأنس في الغربة(4).

قال (عليه السلام) : العلم علمان: مطبوع ومسموع، ولا ينفع مسموع إذا لم يكن مطبوع، ومن عرف الحكمة لم يصبر على الازدياد منها، الجمال في اللسان، والكمال في العقل(5).

قال (عليه السلام) : العلماء غرباء، لكثرة الجهّال بينهم(6).

قال (عليه السلام) : الشريف كلّ الشريف من شرّفه علمه، والسؤدد(7) حقّ السؤدد لمن اتّقى اللّه ربّه، والكريم [كلّ الكريم] من أكرم عن ذلّ النار وجهه(8).

ص: 89


1- كشف الغمّة 2: 346.
2- سورة الأعراف، الآية: 97.
3- تحف العقول: 456.
4- كشف الغمّة 2: 347.
5- كشف الغمّة 2: 347.
6- كشف الغمّة 2: 349.
7- السؤدد: ساد قومه يسودهم سيادة وسوددا وسيدودة، فهو سيّد. لسان العرب 3: 230 (سود).
8- كشف الغمّة 2: 350.

قال (عليه السلام) : إظهار الشيء قبل أن يستحكم، مفسدة له(1).

قال (عليه السلام) : لن يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتّى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتّى يؤثر شهوته على دينه(2).

قال له (عليه السلام) رجل: أوصني؟

قال (عليه السلام) : وتقبل؟

قال: نعم!

قال: توسّد الصبر، واعتنق الفقر، وارفض الشهوات، وخالف الهوى، واعلم أنّك لن تخلو من عين اللّه، فانظر كيف تكون(3).

وقال (عليه السلام) : من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه. ومن غاب عن أمر، فرضيه كان كمن شهده(4).

قال (عليه السلام) : من استحسن قبيحا كان شريكا فيه(5).

قال (عليه السلام) : العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به شركاء(6).

قال (عليه السلام) : يوم العدل على الظالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم(7).

قال (عليه السلام) : اثنان عليلان أبدا: صحيح محتم وعليل مخلط. موت الإنسان

ص: 90


1- تحف العقول: 457.
2- كشف الغمّة 2: 348.
3- تحف العقول: 455.
4- تحف العقول: 456.
5- كشف الغمّة 2: 349.
6- كشف الغمّة 2: 348.
7- كشف الغمّة 2: 348.

بالذنوب أكثر من موته بالأجل، وحياته بالبرّ أكثر من حياته بالعمر(1).

قال (عليه السلام) : لا تكن وليّا للّه تعالى في العلانية، عدوّا له في السرّ(2).

قال (عليه السلام) : سوء العادة كمين لا يؤمن(3).

قال (عليه السلام) : فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء، وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء. والخلق أشكال، فكلّ يعمل على شاكلته، والناس إخوان. فمن كانت أخوّته في غير ذات اللّه فإنّها تحوز عداوة، وذلك قوله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}(4)(5).

قال (عليه السلام) : من استفاد أخا في اللّه فقد استفاد بيتا في الجنّة(6).

قال (عليه السلام) : لا يفسدك الظنّ على صديق وقد أصلحك اليقين له، ومن وعظ أخاه سرّا فقد زانه، ومن وعظ علانية فقد شانه(7). ملاقاة الإخوان نشرة(8)وتلقيح للعقل، وإن كان نزرا قليلا(9).

ص: 91


1- كشف الغمّة 2: 350.
2- أعلام الدين: 309.
3- نزهة الناظر: 136.
4- سورة الزخرف، الآية: 67.
5- كشف الغمّة 2: 349.
6- تاريخ بغداد 3: 54.
7- كشف الغمّة 2: 350.
8- النشرة: عوذة يعالج بها المجنون والمريض، سميّت نشرة لأنّه ينشر بها عنه ما خامره من الداء الذي يكشف ويزال، مجمع البحرين 3: 493 (نشر).
9- الأمالي: 328.

قال (عليه السلام) : إيّاك ومصاحبة الشرير! فإنّه كالسيف، يحسن منظره، ويقبح أثره(1).

قال (عليه السلام) : لا تطلب الصفا ممّن كدرت عليه، ولا النصح ممّن صرفت بسوء ظنّك إليه. وإنّما قلب غيرك لك كقلبك له(2).

عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدّي عن اللّه عزّ وجلّ فقد عبد اللّه، وإن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عبد الشيطان(3).

وقال (عليه السلام) : لا يضرّك سخط من رضاه الجور(4).

قال (عليه السلام) : لو سكت الجاهل، ما اختلف الناس(5).

قال (عليه السلام) : الصبر على المصيبة، مصيبة على الشامت بها(6).

وقال الجواد (عليه السلام) : ما اجتمع رجلان إلّا كان أفضلهما عند اللّه، آدبهما.

فقيل: يا ابن رسول اللّه! قد عرفنا فضله عند الناس، فما فضله عند اللّه؟

فقال: بقراءة القرآن كما أنزل، ويروي حديثنا كما قلنا، ويدعو اللّه مغرما بدعائه. وحقيقة الأدب: احتمال خصال الخير، وتجافي خصال الشرّ، وبالأدب يبلغ الرجل مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة، ويصل به إلى

ص: 92


1- أعلام الدين: 309.
2- إحقاق الحقّ 19: 601.
3- الكافي 6: 434.
4- أعلام الدين: 309.
5- كشف الغمّة 2: 349.
6- كشف الغمّة 2: 349.

الجنّة. والأدب عند الناس النطق بالمستحسنات لا غير، وهذا لا يعتدّ به ما لم يوصل بها إلى رضاء اللّه سبحانه والجنّة. والأدب هو أدب الشريعة، فتأدّبوا بها، تكونوا أدباء حقّا. ومن صاحب الملوك بغير أدب، أسلمه ذلك إلى الهلكة، فكيف بمن يصاحب ملك الملوك وسيّد السادات(1).

وقال (عليه السلام) : ثلاث خصال تجتلب بهنّ المحبّة، الانصاف في المعاشرة، والمواساة في الشدّة، والانطواع والرجوع إلى قلب سليم(2).

وقال (عليه السلام) : من استغنى كرم على أهله.

فقيل له: وعلى غير أهله؟

فقال: لا! إلّا أن يكون يجدي عليهم نفعا.

ثمّ قال (عليه السلام) للذي قال له: من أين قلت؟

قال: لأنّ رجلا قال في مجلس بعض الصادقين (عليهم السلام) : إنّ الناس يكرمون الغنيّ وإن كانوا لا ينتفعون بغناه.

فقال: ذلك لأنّ معشوقهم عنده(3).

عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : قال: ودخل رجل على محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) وهو مسرور، فقال: مالي أراك مسرورا؟

قال: يا ابن رسول اللّه! سمعت أباك يقول: أحقّ يوم بأن يسرّ العبد فيه يوم يرزقه اللّه صدقات ومبرّات وسدّ خلّات من إخوان له مؤمنين، وإنّه قصدني اليوم عشرة من إخواني المؤمنين الفقراء، لهم عيالات، فقصدوني

ص: 93


1- إرشاد القلوب: 160.
2- كشف الغمّة 2: 349.
3- نزهة الناظر: 135.

من بلد كذا وكذا، فأعطيت كلّ واحد منهم، فلهذا سروري.

فقال محمد بن علي (عليهما السلام) : لعمري! إنّك حقيق بأن تسرّ إن لم تكن أحبطته، أو لم تحبطه فيما بعد.

فقال الرجل: وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلّص!؟

قال: هاه، قد أبطلت برّك بإخوانك وصدقاتك.

قال: وكيف ذاك يا ابن رسول اللّه!؟

قال له محمد بن علي (عليهما السلام) : اقرأ قول اللّه عزّ وجلّ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ والْأَذى}(1).

قال الرجل: يا ابن رسول اللّه! ما مننت على القوم الذين تصدّقت عليهم ولا آذيتهم.

قال له محمد بن علي (عليهما السلام) : إنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما قال: «لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ والْأَذى» ولم يقل: لا تبطلوا بالمنّ على من تتصدّقون عليه، [و بالأذى لمن تتصدّقون عليه] وهو كلّ أذى.

أ فترى أذاك للقوم الذين تصدّقت عليهم أعظم، أم أذاك لحفظتك وملائكة اللّه المقرّبين حواليك، أم أذاك لنا؟

فقال الرجل: بل هذا يا ابن رسول اللّه!

فقال: فقد آذيتني وآذيتهم، وأبطلت صدقتك.

قال: لما ذا؟!

قال: لقولك: وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلّص؟

ويحك! أ تدري من شيعتنا الخلّص؟ [قال: لا! قال: شيعتنا الخلّص]

ص: 94


1- سورة البقرة، الآية: 264.

حزقيل المؤمن، مؤمن آل فرعون، وصاحب يس، الذي قال اللّه تعالى: [فيه] {وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى}(1).

وسلمان وأبوذرّ والمقداد وعمّار، أ سوّيت نفسك بهؤلاء، أما آذيت بهذا الملائكة، وآذيتنا؟

فقال الرجل: أستغفر اللّه وأتوب إليه، فكيف أقول؟

قال: قل: أنا من مواليكم ومحبّيكم ومعادي أعدائكم، وموالي أوليائكم.

فقال: كذلك أقول، وكذلك أنا يا ابن رسول اللّه! وقد تبت من القول الذي أنكرته، وأنكرته الملائكة، فما أنكرتم ذلك إلّا لإنكار اللّه عزّ وجلّ.

فقال محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) : الآن قد عادت إليك مثوبات صدقاتك، وزال عنها الإحباط(2).

وقال محمد بن علي (عليه السلام) : إنّ من تكفّل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم، المتحيّرين في جهلهم، الأسراء في أيدي شياطينهم، وفي أيدي النواصب من أعدائنا.

فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين بردّ وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربّهم، ودليل أئمّتهم.

ليفضّلون عند اللّه تعالى على العابد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الأرض، والعرش، والكرسي، والحجب [على السماء].

وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في

ص: 95


1- سورة يس، الآية: 20.
2- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 314.

السماء(1).

إلى أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر خلقان من خلق اللّه عزّ وجلّ، فمن نصرهما أعزّه اللّه، ومن خذلهما خذله اللّه عزّ وجلّ(2).

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كنس البيت ينفي الفقر(3).

وقال (عليه السلام) : العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، والصبر زينة البلاء.

والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والعدل زينة الإيمان، والسكينة زينة العبادة، والحفظ زينة الرواية.

وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الحلم.

والإيثار زينة الزهد، وبذل المجهود زينة النفس، وكثرة البكاء زينة الخوف.

والتقلّل زينة القناعة، وترك المنّ زينة المعروف.

والخشوع زينة الصلاة، وترك ما لا يعني زينة الورع(4).

وقال (عليه السلام) : من أمّل إنسانا فقد هابه، ومن جهل شيئا عابه، والفرصة خلسة، ومن كثر همّه سقم جسده، والمؤمن لا يشتفي غيظه، وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه.

ص: 96


1- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : 344.
2- الخصال: 42.
3- الكافي 6: 531.
4- كشف الغمّة 2: 347.

وقال في موضع آخر: عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه(1).

وقال (عليه السلام) : عزّ المؤمن في غناه عن الناس(2).

قيل لمحمد بن علي بن موسى صلوات اللّه عليهم: ما بال هؤلاء المسلمين يكرهون الموت؟

قال: لأنّهم جهلوه، فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء اللّه عزّ وجلّ لأحبّوه، ولعلموا أنّ الآخرة خير لهم من الدنيا.

ثمّ قال (عليه السلام) : يا أبا عبد اللّه! ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقي لبدنه والنافي للألم عنه؟

قال: لجهلهم بنفع الدواء.

قال: والذي بعث محمدا بالحقّ نبيّا! إنّ من استعدّ للموت حقّ الاستعداد فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنّهم لو عرفوا ما يؤدّي إليه الموت من النعيم لاستدعوه وأحبّوه أشدّ ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامات(3).

وقال (عليه السلام) : التوبة على أربع دعائم: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وعمل بالجوارح، وعزم أن لا يعود.

وثلاث من عمل الأبرار: إقامة الفرائض، واجتناب المحارم، واحتراس من الغفلة في الدين.

وثلاث يبلغن بالعبد رضوان اللّه: كثرة الاستغفار، وخفض الجانب،

ص: 97


1- كشف الغمة 2: 347.
2- أعلام الدين: 309.
3- معاني الأخبار: 290.

وكثرة الصدقة.

وأربع من كنّ فيه استكمل إيمانه: من أعطى للّه، ومنع في اللّه، وأحبّ للّه، وأبغض فيه.

وثلاث من كنّ فيه لم يندم: ترك العجلة، والمشورة، والتوكّل عند العزم على اللّه عزّ وجلّ(1).

وقال (عليه السلام) : لا تعالجوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم، وارحموا ضعفاءكم، واطلبوا الرحمة من اللّه بالرحمة لهم(2).

قال (عليه السلام) : الفضائل أربعة أجناس: أحدها الحكمة وقوامها في الفكرة، والثاني العفّة وقوامها في الشهوة، والثالث القوّة وقوامها في الغضب، والرابع العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس(3).

قال (عليه السلام) : أربع خصال تعين المرء على العمل: الصحّة، والغنى، والعلم، والتوفيق(4).

وقال (عليه السلام) : حسب المرء من كمال المروّة وتركه ما لا يحمل به.

ومن حيائه أن لا يلقى أحدا بما يكره، ومن عقله حسن رفقه.

ومن أدبه أن لا يترك ما لا بدّ له منه، ومن عرفانه علمه بزمانه.

ومن ورعه غضّ بصره وعفّة بطنه، ومن حسن خلقه كفّه أذاه.

ص: 98


1- كشف الغمّة 2: 349.
2- كشف الغمّة 2: 350.
3- كشف الغمّة 2: 348.
4- كشف الغمّة 2: 346.

ومن سخائه برّه بمن يجب حقّه عليه وإخراجه حقّ اللّه من ماله.

ومن إسلامه تركه ما لا يعنيه، وتجنّبه الجدال والمراء في دينه.

ومن كرمه إيثاره على نفسه، ومن صبره قلّة شكواه.

ومن عقله إنصافه من نفسه، ومن حلمه تركه الغضب عند مخالفته.

ومن إنصافه قبوله الحقّ إذا بان له.

ومن نصحه نهيه عمّا لا يرضاه لنفسه.

ومن حفظه جوارك تركه توبيخك عند إساءتك مع علمه بعيوبك.

ومن رفقه تركه عذلك(1)

عند غضبك بحضرة من تكره.

ومن حسن صحبته لك إسقاطه عنك مؤونة أذاك.

ومن صداقته كثرة موافقته وقلّة مخالفته، ومن صلاحه شدّة خوفه من ذنوبه.

ومن شكره معرفة إحسان من أحسن إليه، ومن تواضعه معرفته بقدره.

ومن حكمته علمه بنفسه.

ومن سلامته قلّة حفظه لعيوب غيره، وعنايته بإصلاح عيوبه(2).

وعنه (عليه السلام) : من وثق باللّه، وتوكّل على اللّه نجاه اللّه من كلّ سوء، وحرز من كلّ عدوّ.

والدين عزّ، والعلم كنز، والصمت نور.

وغاية الزهد الورع.

ولا هدم للدين مثل البدع، ولا أفسد للرجل من الطمع.

ص: 99


1- العذل: اللوم. لسان العرب 11: 437 (عذل).
2- كشف الغمّة 2: 347.

وبالراعى تصلح الرعيّة، وبالدعاء تصرف البليّة.

ومن ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار النصر.

ومن غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى(1).

قال محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) : خير من الخير فاعله، وأجمل من الجميل قائله، وأرجح من العلم حامله. وشرّ من الشرّ جالبه، وأهول من الهول راكبه(2).

7. في احتجاجاته ومناظراته (عليه السلام)

قال علي بن حسّان لأبي جعفر (عليه السلام) : يا سيّدي! إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك!؟

فقال (عليه السلام) : وما ينكرون من ذلك قول اللّه عزّ وجلّ؛ لقد قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي}(3). فو اللّه! ما تبعه إلّا علي (عليه السلام) وله تسع سنين، وأنا ابن تسع سنين(4).

عن علي بن سيف، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ، قال:

قلت له: إنّهم يقولون في حداثة سنّك!

فقال (عليه السلام) : إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود أن يستخلف سليمان وهو صبيّ، يرعى الغنم، فأنكر ذلك عبّاد بني إسرائيل وعلماؤهم. فأوحى اللّه إلى داود (عليه السلام) : أن خذ عصا المتكلّمين، وعصا سليمان، واجعلهما في بيت،

ص: 100


1- نور الأبصار: 332.
2- إحقاق الحقّ 19: 601.
3- سورة يوسف، الآية: 108.
4- الكافي 1: 384.

واختم عليها بخواتيم القوم. فإذا كان من الغد، فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة. فأخبرهم داود (عليه السلام) ، فقالوا: قد رضينا وسلّمنا(1).

اتّفق أنّ المأمون خرج يوما يتصيّد، فاجتاز بطرف البلد، وثمّ صبيان يلعبون، ومحمد الجواد (عليه السلام) واقف عندهم. فلمّا أقبل المأمون فرّ الصبيان، ووقف محمد الجواد (عليه السلام) ، وعمره إذ ذاك تسع سنين... فقال له: يا غلام! ما منعك أن لا تفرّ كما فرّ أصحابك؟

فقال له محمد الجواد (عليه السلام) مسرعا: يا أمير المؤمنين! فرّ أصحابي فرقا، والظنّ بك حسن، إنّه لا يفرّ منك من لا ذنب له، ولم يكن بالطريق ضيقا...

وساق جواده إلى نحو وجهته، وكان معه بزاة الصيد... فلمّا دنا منه الخليفة، قال: يا محمد!

قال: لبّيك، يا أمير المؤمنين!

قال: ما في يدي؟!

فأنطقه اللّه تعالى بأن قال: إنّ اللّه تعالى خلق في بحر قدرته، المستمسك في الجوّ، ببديع حكمته، سمكا صغارا، فصاد منها بزاة الخلفاء كي يختبر بها سلالة بيت المصطفى.

فلمّا سمع المأمون كلامه تعجّب منه وأكثر، وجعل يطيل النظر فيه، وقال:أنت ابن الرضا حقّا! ومن بيت المصطفى صدقا...(2).

وروي أنّ المأمون بعد ما زوّج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر (عليه السلام) كان في مجلس، وعنده أبو جعفر (عليه السلام) ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة.

ص: 101


1- الكافي 1: 383.
2- الفصول المهمّة: 266.

فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الخبر الذي روي؛ أنّه نزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقال: يا محمد! إنّ اللّه عزّ وجلّ يقرؤك السلام، ويقول لك: سل أبا بكر، هل هو عنّي راض! فإنّي عنه راض!!

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر، أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في حجّة الوداع:

قد كثرت عليّ الكذّابة، وستكثر بعدي، فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث عنّي فأعرضوه على كتاب اللّه عزّ وجلّ وسنّتي، فما وافق كتاب اللّه وسنّتي فخذوا به، وما خالف كتاب اللّه وسنّتي فلا تأخذوا به.

وليس يوافق هذا الخبر كتاب اللّه، قال اللّه تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ونَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}(1).

فاللّه عزّ وجلّ خفي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سرّه؟! هذا مستحيل في العقول.

ثمّ قال يحيى بن أكثم: وقد روي: أنّ مثل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء!!

فقال (عليه السلام) : وهذا أيضا يجب أن ينظر فيه، لأنّ جبرئيل وميكائيل ملكان للّه مقرّبان لم يعصيا اللّه قطّ، ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة. وهما قد أشركا باللّه عزّ وجلّ، وإن أسلما بعد الشرك، فكان أكثر أيّامهما الشرك باللّه، فمحال أن يشبّههما بهما.

ص: 102


1- سورة ق، الآية: 16.

قال يحيى: وقد روي أيضا: أنّهما سيّدا كهول أهل الجنّة!! فما تقول فيه؟

فقال (عليه السلام) : وهذا الخبر محال أيضا، لأنّ أهل الجنّة كلّهم يكونون شبّانا ولا يكون فيهم كهل.

وهذا الخبر وضعه بنو أميّة لمضادّة الخبر الذي قاله رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في الحسن والحسين (عليهما السلام) بأنّهما: سيّدا شباب أهل الجنّة.

فقال يحيى بن أكثم: وروي: أنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة!!

فقال (عليه السلام) : وهذا أيضا محال، لأنّ في الجنّة ملائكة اللّه المقرّبين، وآدم ومحمد وجميع الأنبياء والمرسلين صلوات اللّه عليهم، لا تضيء الجنّة بأنوارهم حتّى تضيء بنور عمر؟!

فقال يحيى: وقد روي: أنّ السكينة تنطق على لسان عمر!!

فقال (عليه السلام) : لست بمنكر فضل عمر، ولكنّ أبا بكر أفضل من عمر، فقال - على رأس المنبر -: إنّ لي شيطانا يعتريني، فإذا ملت فسدّدوني.

فقال يحيى: قد روي أنّ النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: لو لم أبعث لبعث عمر!!

فقال (عليه السلام) : كتاب اللّه أصدق من هذا الحديث، يقول اللّه في كتابه: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ومِنْكَ ومِنْ نُوحٍ}(1). فقد أخذ اللّه ميثاق النبيّين فكيف يمكن أن يبدّل ميثاقه؛ وكلّ الأنبياء (عليهم السلام) لم يشركوا باللّه طرفة عين. فكيف يبعث بالنبوّة من أشرك، وكان أكثر أيّامه مع الشرك باللّه؛ وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : نبّئت وآدم بين الروح والجسد.

فقال يحيى بن أكثم: وقد روي أيضا، أنّ النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: ما احتبس عنّي الوحي قطّ إلّا ظننته قد نزل على آل الخطّاب!!

ص: 103


1- سورة الأحزاب، الآية: 7.

فقال (عليه السلام) : وهذا محال أيضا، لأنّه لا يجوز أن يشكّ النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في نبوّته؛ قال اللّه تعالى: {اللَّهُ

يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا ومِنَ النَّاسِ}(1). فكيف يمكن أن تنتقل النبوّة ممّن اصطفاه اللّه تعالى إلى من أشرك به.

قال يحيى: روي أنّ النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، قال: لو نزل العذاب لما نجا منه إلّا عمر!!

فقال (عليه السلام) : وهذا محال أيضا، إنّ اللّه تعالى يقول: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنْتَ فِيهِمْ، وما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}(2).

فأخبر سبحانه أنّه لا يعذّب أحدا ما دام فيهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وما داموا يستغفرون اللّه(3).

قال المأمون ليحيى بن أكثم: اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضا (عليهما السلام) مسألة تقطعه فيها.

فقال: يا أبا جعفر! ما تقول في رجل نكح امرأة على زنا أ يحلّ أن يتزوّجها؟

فقال (عليه السلام) : يدعها حتّى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه.

ثمّ يتزوّج بها إن أراد، فإنّما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما، ثمّ اشتراها فأكل منها حلالا.

فانقطع يحيى.

فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : يا أبا محمد! ما تقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة، وحلّت له ارتفاع النهار، وحرمت عليه نصف النهار، ثمّ حلّت له الظهر،

ص: 104


1- سورة الحجّ، الآية: 75.
2- سورة الأنفال، الآية: 33.
3- الاحتجاج 2: 477.

ثمّ حرمت عليه العصر، ثمّ حلّت له المغرب، ثمّ حرمت عليه نصف اللّيل، ثمّ حلّت له الفجر، ثمّ حرمت عليه ارتفاع النهار، ثمّ حلّت له نصف النهار؟

فبقي يحيى والفقهاء بلسا خرسا(1).

فقال المأمون: يا أبا جعفر! أعزّك اللّه، بيّن لنا هذا؟

قال (عليه السلام) : هذا رجل نظر إلى مملوكة لا تحلّ له، اشتراها فحلّت له، ثمّ أعتقها فحرمت عليه، ثمّ تزوّجها فحلّت له.

فظاهر منها، فحرمت عليه، فكفّر الظهار فحلّت له، ثمّ طلّقها تطليقة فحرمت عليه، ثمّ راجعها فحلّت له، فارتدّ عن الإسلام فحرمت عليه، فتاب ورجع إلى الإسلام فحلّت له بالنّكاح الأوّل، كما أقرّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع حيث أسلم على النكاح الأوّل(2).

عن الريان بن شبيب، قال: لمّا أراد المأمون أن يزوّج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) ، بلغ ذلك العبّاسيّين...

فقالوا: إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه، فإنّه صبيّ لا معرفة له ولا فقه...

واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم، وهو قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك.

وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع؟ فأجابهم إلى ذلك.

فاجتمعوا في اليوم الذي اتّفقوا عليه، وحضر معهم يحيى بن أكثم، فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر (عليه السلام) دست، ويجعل له فيه مسورتان، ففعل ذلك.

ص: 105


1- الخرس: ذهاب الكلام عيّا أو خلقة. لسان العرب 6: 30 و 62. (بلس) و (خرس).
2- تحف العقول: 454.

وخرج أبو جعفر (عليه السلام) وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر، فجلس بين المسورتين، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه، وقام الناس في مراتبهم.

والمأمون جالس في دست متّصل بدست أبي جعفر (عليه السلام) . فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أ تأذن لي يا أمير المؤمنين! أن أسأل أبا جعفر (عليه السلام) ؟

فقال له المأمون: استأذنه، في ذلك.

فأقبل عليه يحيى بن أكثم، فقال: أ تأذن لي جعلت فداك في مسألة؟

قال له أبو جعفر (عليه السلام) : سل إن شئت!

قال يحيى: ما تقول جعلني اللّه فداك! في محرم قتل صيدا؟

فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : قتله في حلّ أو حرم؟ عالما كان المحرم أم جاهلا؟

قتله عمدا أو خطأ؟ حرّا كان المحرم أم عبدا؟ صغيرا كان أم كبيرا؟

مبتدئا بالقتل أم معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟

من صغار الصيد كان أم من كباره؟ مصرّا على ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهارا؟

محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرما؟

فتحيّر يحيى بن أكثم، وبان في وجهه العجز والانقطاع، ولجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره...

فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار، فكان نظره إليها حراما عليه، فلمّا ارتفع النهار حلّت له.

فلمّا زالت الشمس حرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر حلّت له، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه، فلمّا دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلّت له،

ص: 106

فلمّا كان انتصاف الليل حرمت عليه، فلمّا طلع الفجر حلّت له.

ما حال هذه المرأة؟ وبما ذا حلّت له وحرمت عليه؟

فقال له يحيى بن أكثم: واللّه! ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال، ولا أعرف الوجه فيه...(1).

عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد... إنّ سارقا أقرّ على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة [المعتصم] تطهيره بإقامة الحدّ عليه. فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، وقد أحضر محمد بن علي (عليهما السلام) . فسألنا عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت: من الكرسوع...

فالتفت إلى محمد بن علي (عليهما السلام) ، فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر!؟

فقال: قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين!

قال: دعني ممّا تكلّموا به، أيّ شيء عندك؟

قال: اعفني عن هذا، يا أمير المؤمنين!

قال: أقسمت عليك باللّه لما أخبرت بما عندك فيه؟

فقال (عليه السلام) : أما إذا أقسمت عليّ باللّه، إنّي أقول: إنّهم أخطئوا فيه السنّة، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكفّ.

قال: وما الحجّة في ذلك؟

قال: قول رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين.

فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها.

وقال اللّه تبارك وتعالى: «وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ». يعني به هذه الأعضاء

ص: 107


1- الإرشاد 2: 286.

السبعة التي يسجد عليها، «فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً». وما كان للّه لم يقطع.

قال: فأعجب المعتصم ذلك، وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ...(1).

عن أحمد بن فضل الخاقاني، من آل رزين، قال: قطع الطريق بجلولاء على السابلة، من الحجّاج وغيرهم، وأفلت القطّاع، فبلغ الخبر المعتصم... فجمع الفقهاء وابن أبي دؤاد، ثمّ سأل الآخرين على الحكم فيهم؟

وأبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) ، حاضر... فالتفت إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، فقال له: ما تقول فيما أجابوا فيه؟

فقال: قد تكلّم هؤلاء الفقهاء والقاضي بما سمع أمير المؤمنين.

قال: وأخبرني بما عندك؟

قال (عليه السلام) : إنّهم قد أضلّوا فيما أفتوا به، والذي يجب في ذلك، أن ينظر أمير المؤمنين في هؤلاء الذين قطعوا الطريق.

فإن كانوا أخافوا السبيل فقطّ، ولم يقتلوا أحدا، ولم يأخذوا مالا، أمر بإيداعهم الحبس، فإنّ ذلك معنى نفيهم من الأرض بإخافتهم السبيل.

وإن كانوا أخافوا السبيل، وقتلوا النفس، أمر بقتلهم.

وإن كانوا أخافوا السبيل، وقتلوا النفس، وأخذوا المال، أمر بقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف، وصلبهم بعد ذلك.

قال: فكتب إلى العامل بأن يمثّل ذلك فيهم(2).

ص: 108


1- تفسير العيّاشي 1: 319.
2- تفسير العيّاشي 1: 314.

8. في الشعر المنسوب إليه (عليه السلام)

قال (عليه السلام) :

يَا قَبْرَ طُوسَ سَقَاكَ اللَّهُ رَحْمَتَهُ***مَا ذَا ضَمِنْتَ مِنَ الْخَيْرَاتِ يَا طُوسُ

طَابَتْ بِقَاعُكَ فِي الدُّنْيَا وطَابَ بِهَا***شَخْصٌ ثَوَى بِسَنَاآبَادَ مَرْمُوسٌ

شَخْصٌ عَزِيزٌ عَلَى الْإِسْلَامِ مَصْرَعُهُ***فِي رَحْمَةِ اللَّهِ مَغْمُورٌ ومَغْمُوسٌ

يَا قَبْرَهُ أَنْتَ قَبْرٌ قَدْ تَضَمَّنَهُ***حِلْمٌ وعِلْمٌ وتَطْهِيرٌ وتَقْدِيسٌ

فَخْراً بِأَنَّكَ مَغْبُوطٌ بِجُثَّتِهِ***وَ بِالْمَلَائِكَةِ الْأَطْهَارِ مَحْرُوسٌ

فِي كُلِّ عَصْرٍ لَنَا مِنْكُمْ إِمَامُ هُدًى***فَرَبْعُهُ آهِلٌ مِنْكُمْ ومَأْنُوسٌ

أَمْسَتْ نُجُومُ سَمَاءِ الدِّينِ آفِلَةً***وَظَلَّ أُسْدُ الشرى [الثَّرَى] قَدْ ضَمَّهَا الْخِيسُ

غَابَتْ ثَمَانِيَةٌ مِنْكُمْ وأَرْبَعَةٌ***تُرْجَى مَطَالِعُهَا مَا حَنَّتِ الْعِيسُ

حَتَّى مَتَى يَزْهَرُ الْحَقُّ الْمُنِيرُ بِكُمْ***فَالْحَقُّ فِي غَيْرِكُمْ دَاجٍ ومَطْمُوس(1)

ص: 109


1- بحار الأنوار 99: 54.

* * *

قال (عليه السلام) :

أَطُوفُ بِبَابِكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ***كَأَنَّ بِبَابِكُمْ جُعِلَ الطَّوَاف(1)

* * *

قال (عليه السلام) :

بِسَبْعَةِ آبَاءٍ هُمْ مَا هُمْ***هُمْ أَفْضَلُ مَنْ يَشْرَبُ صَوْبَ الْغَمَام(2)

* * *

ص: 110


1- بحار الأنوار 99: 55.
2- بحار الأنوار 99: 54.

الفصل الخامس: في أدعيته (عليه السلام)

اشارة

عن علي بن مهزيار، قال: كتب محمد ابن حمزة الغنوي إليّ يسألني أن أكتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) ... .

فكتب (عليه السلام) إليّ: أمّا ما سأل محمد بن حمزة من تعليمه دعاء يرجو به الفرج، فقل له:

يلزم: «يا من يكفي من كلّ شيء ولا يكفي منه شيء، اكفني ما أهمّني ممّا أنا فيه، فإنّي أرجو أن يكفي ما هو فيه من الغمّ إن شاء اللّه»...(1).

عن محمد بن الفضيل قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ...

فكتب (عليه السلام) إلىّ: تقول إذا أصبحت وأمسيت: «اللّه، اللّه، اللّه، ربّي الرحمن الرحيم، لا أشرك به شيئا» وإن زدت على ذلك فهو خير، ثمّ تدعوا بما بدا لك في حاجتك، فهو لكلّ شيء بإذن اللّه تعالى، يفعل ما يشاء...(2).

وعلي بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر (عليه السلام) إلى رجل بخطّه، وقرأته في دعاء كتب به أن يقول:

«يا ذا الذي كان قبل كلّ شيء، ثمّ خلق كلّ شيء، ثمّ يبقى ويفنى كلّ شيء؛ ويا ذا الذي ليس في السماوات العلى، ولا في الأرضين السفلى، ولا

ص: 111


1- الكافي 2: 560.
2- الكافي 2: 534.

فوقهنّ، ولا بينهنّ، ولا تحتهنّ، إله يعبد غيره»(1).

روي عن محمد بن الفرج أنّه قال: كتب إليّ أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) ... إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل:

«رضيت باللّه ربّا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبالكعبة قبلة، وبمحمد نبيّا، وبعلي وليّا، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجّة بن الحسن بن علي (عليهم السلام) أئمّة.

اللّهمّ وليّك الحجّة، فاحفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته، وامدد له في عمره، واجعله القائم بأمرك، المنتصر لدينك، وأره ما يحبّ وتقرّ به عينه في نفسه، وفي ذرّيّته وأهله وماله، وفي شيعته، وفي عدوّه، وأرهم منه ما يحذرون، وأره فيهم ما تحبّ وتقرّ به عينه، واشف به صدورنا وصدور قوم مؤمنين».

قال (عليه السلام) : وكان النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول إذا فرغ من صلاته: «اللّهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وإسرافي على نفسي، وما أنت أعلم به منّي.

اللّهمّ أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلّا أنت بعلمك الغيب، وبقدرتك على الخلق أجمعين، ما علمت الحياة خيرا لي فأحينى، وتوفّني إذا علمت الوفاة خيرا لي.

اللّهمّ إنّي أسألك خشيتك في السرّ والعلانية، وكلمة الحقّ في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفد، وقرّة عين لا تنقطع.

ص: 112


1- التوحيد: 47.

وأسألك الرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذّة النظر إلى وجهك، وشوقا إلى لقائك من غير ضرّ أو مضرّة، ولا فتنة مظلمة.

اللّهمّ زيّنّا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهديّين.

اللّهمّ اهدنا فيمن هديت.

اللّهمّ إنّي أسألك عزيمة الرشاد، والثبات في الأمر والرشد.

وأسألك شكر نعمتك، وحسن عافيتك، وأداء حقّك.

وأسألك يا ربّ قلبا سليما، ولسانا صادقا، وأستغفرك لما تعلم.

وأسألك خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وما لا نعلم، فإنّك تعلم ولا نعلم، وأنت علّام الغيوب»(1).

روي عن محمد بن الفرج، أنّه قال: كتب إلىّ أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) بهذا الدعاء، وعلّمنيه، وقال: من دعا به في دبر صلاة الفجر لم يلتمس حاجة إلّا يسّرت له، وكفاه اللّه ما أهمّه:

«بسم اللّه وباللّه وصلّى اللّه على محمد وآله، «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ. فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا»، «لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنا لَهُ ونَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ»، «حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ».

ما شاء اللّه لا حول ولا قوّة إلّا باللّه، ما شاء اللّه لا ما شاء الناس، ما شاء اللّه وإن كره الناس، حسبي الربّ من المربوبين، حسبى الخالق من المخلوقين، حسبى الرازق من المرزوقين، حسبي الذي لم يزل حسبي، حسبي من كان منذ كنت (حسبي) لم يزل حسبي، حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ،

ص: 113


1- من لا يحضره الفقيه 1: 214.

عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»...(1).

عن علي بن أسباط، قال حدّثني من قاله أبو جعفر (عليه السلام) : إنّي إذا أردت الاستخارة في الأمر العظيم... أقول:

«اللّهمّ إنّي أسألك بأنّك عالم الغيب والشهادة، إن كنت تعلم أنّ كذا وكذا خير لى فخره لي ويسّره، وإن كنت تعلم أنّه شرّ لي في ديني ودنياي وآخرتي فاصرفه عنّي إلى ما هو خير لي، ورضّني في ذلك بقضائك، فإنّك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وتقضي ولا أقضي، إنّك علّام الغيوب»(2).

كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا رأى جنازة، قال: «الحمد للّه الذي لم يجعلني من السواد المخترم»(3).

قنوت الإمام محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) : «[اللّهمّ] منائحك متتابعة، وأياديك متوالية، ونعمك سابغة، وشكرنا قصير، وحمدنا يسير، وأنت بالتعطّف على من اعترف جدير.

اللّهمّ وقد غصّ أهل الحقّ بالريق، وارتبك أهل الصدق في المضيق، وأنت اللّهمّ بعبادك وذوي الرغبة إليك شفيق، وبإجابة دعائهم وتعجيل الفرج عنهم حقيق.

اللّهمّ فصلّ على محمد وآل محمد، وبادرنا منك بالعون الذي لا خذلان بعده، والنصر الذي لا باطل يتكأّده، وأتح لنا من لدنك متاحا فيّاحا، يأمن فيه وليّك، ويخيب فيه عدوّك، ويقام فيه معالمك، ويظهر فيه أوامرك،

ص: 114


1- من لا يحضره الفقيه 1: 214.
2- المحاسن 2: 600.
3- الكافي 3: 167.

وتنكّف فيه عوادي عداتك.

اللّهمّ بادرنا منك بدار الرحمة، وبادر أعدائك من بأسك بدار النقمة.

اللّهمّ أعنّا وأغثنا، وارفع نقمتك عنّا، وأحلّها بالقوم الظالمين».

ودعا (عليه السلام) في قنوته:

«اللّهمّ أنت الأوّل بلا أوّليّة معدودة، والآخر بلا آخريّة محدودة، أنشأتنا لا لعلّة اقتسارا، واخترعتنا لا لحاجة اقتدارا، وابتدعتنا بحكمتك اختيارا، وبلوتنا بأمرك ونهيك اختبارا، وأيّدتنا بالآلات، ومنحتنا بالأدوات، وكلّفتنا الطاقة، وجشّمتنا الطاعة، فأمرت تخييرا، ونهيت تحذيرا، وخوّلت كثيرا، وسألت يسيرا، فعصي أمرك فحلمت، وجهل قدرك فتكرّمت.

فأنت ربّ العزّة والبهاء، والعظمة والكبرياء، والإحسان والنعماء، والمنّ والآلاء، والمنح والعطاء، والإنجاز والوفاء، لا تحيط القلوب لك بكنه، ولا تدرك الأوهام لك صفة، ولا يشبهك شيء من خلقك، ولا يمثّل بك شيء من صنعتك، تباركت أن تحسّ أو تمسّ، أو تدركك الحواسّ الخمس، وأنّى يدرك مخلوق خالقه، وتعاليت يا إلهى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا.

اللّهمّ أدل لأوليائك من أعدائك الظالمين الباغين الناكثين القاسطين المارقين، الذين أضلّوا عبادك، وحرّفوا كتابك، وبدّلوا أحكامك، وجحدوا حقّك، وجلسوا مجالس أوليائك، جرأة منهم عليك، وظلما منهم لأهل بيت نبيّك عليهم سلامك وصلواتك ورحمتك وبركاتك، فضلّوا وأضلّوا خلقك، وهتكوا حجاب سترك عن عبادك، واتّخذوا اللّهمّ مالك دولا، وعبادك خولا، وتركوا اللّهمّ عالم أرضك في بكماء عمياء ظلماء مدلهمّة، فأعينهم مفتوحة، وقلوبهم عمية.

ص: 115

ولم تبق لهم اللّهمّ عليك من حجّة، لقد حذّرت اللّهمّ عذابك، وبيّنت نكالك، ووعدت المطيعين إحسانك، وقدّمت إليهم بالنذر، فآمنت طائفة.

وأيّد اللّهمّ الذين آمنوا على عدوّك، وعدوّ أوليائك، فأصبحوا ظاهرين، وإلى الحقّ داعين، وللإمام المنتظر القائم بالقسط تابعين، وجدّد اللّهمّ على أعدائك وأعدائهم نارك، وعذابك الذي لا تدفعه عن القوم الظالمين.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وقوّ ضعف المخلصين لك بالمحبّة، المشايعين لنا بالموالاة، المتّبعين لنا بالتصديق والعمل، الموازرين لنا بالمواساة فينا، المحبّين ذكرنا عند اجتماعهم.

وشدّ اللّهمّ ركنهم، وسدّد لهم اللّهمّ دينهم الذي ارتضيته لهم، وأتمم عليهم نعمتك، وخلّصهم واستخلصهم، وسدّ اللّهمّ فقرهم، والمم اللّهمّ شعث فاقتهم، واغفر اللّهمّ ذنوبهم وخطاياهم، ولا تزغ قلوبهم بعد إذ هديتهم، ولا تخلّهم أى ربّ بمعصيتهم، واحفظ لهم ما منحتهم به من الطهارة بولاية أوليائك، والبراءة من أعدائك، إنّك سميع مجيب. وصلّى اللّه على محمد وآله الطيّبين الطاهرين»(1).

روي عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أنّه قال:

يستحبّ أن يدعو الإنسان بهذا الدعاء أوّل ليلة من رجب:

«اللّهمّ إنّي أسألك بأنّك مليك، وأنّك على كلّ شيء مقتدر، وأنّك ما تشاء من أمر يكن، اللّهمّ إنّي أتوجّه إليك بنبيّك محمد نبيّ الرحمة (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

يا محمد! يا رسول اللّه! إنّي أتوجّه بك إلى اللّه ربّك وربّي لينجح لي بك طلبتي.

ص: 116


1- مهج الدعوات: 65 و 80.

اللّهمّ بنبيّك محمد، والأئمّة من أهل بيته، صلّى اللّه عليه وعليهم، أنجح طلبتي».

ثمّ سل حاجتك(1).

صام أبو جعفر الثاني (عليه السلام) لمّا كان ببغداد يوم النصف من رجب، ويوم سبع وعشرين منه، وصام جميع حشمه؛ وأمرنا أن نصلّي الصلاة التي هي اثنتا عشرة ركعة:

يقرأ في كلّ ركعة بالحمد وسورة، فإذا فرغت قرأت «الْحَمْدُ» أربعا، و«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» أربعا، و«المعوّذتين» أربعا، وقلت:

«لا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر، وسبحان اللّه، والحمد اللّه، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه، لا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر، وسبحان اللّه، والحمد للّه، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم» أربعا؛ «اللّه، اللّه ربّي لا اشرك به شيئا» أربعا، «لا اشرك بربّي أحدا» أربعا(2).

عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني (رحمه اللّه) بالري، قال: صلّى أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) صلاة المغرب في ليلة رأى فيها هلال شهر رمضان، فلمّا فرغ من الصلاة، ونوى الصيام، رفع يديه، فقال:

«اللّهمّ يا من يملك التدبير، وهو على كلّ شيء قدير، يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويجنّ الضمير، وهو اللطيف الخبير.

اللّهمّ اجعلنا ممّن نوى فعمل، ولا تجعلنا ممّن شقي فكسل، ولا ممّن هو على غير عمل يتّكل.

ص: 117


1- مصباح المتهجّد: 798.
2- إقبال الأعمال: 183.

اللّهمّ صحّح أبداننا من العلل، وأعنّا على ما افترضت علينا من العمل، حتّى ينقضي عنّا شهرك هذا، وقد أدّينا مفروضك فيه علينا.

اللّهمّ أعنّا على صيامه، ووفّقنا لقيامه، ونشّطنا فيه للصلاة، ولا تحجبنا من القراءة، وسهّل لنا فيه إيتاء الزكاة.

اللّهمّ لا تسلّط علينا وصبا(1) ولا تبعا، ولا سقما، ولا عطبا(2).

اللّهمّ ارزقنا الإفطار من رزقك الحلال.

اللّهمّ سهّل لنا فيه ما قسمته من رزقك، ويسّر ما قدّرته من أمرك، واجعله حلالا طيّبا نقيّا من الآثام، خالصا من الآصار والأجرام.

اللّهمّ لا تطعمنا إلّا طيّبا، غير خبيث ولا حرام، واجعل رزقك لنا حلالا، لا يشوبه دنس ولا أسقام.

يا من علمه بالسرّ كعلمه بالإعلان، يا متفضّلا على عباده بالإحسان.

يا من هو على كلّ شيء قدير، وبكلّ شيء خبير عليم.

ألهمنا ذكرك، وجنّبنا عسرك، وأنلنا يسرك، واهدنا للرشاد، ووفّقنا للسداد، واعصمنا من البلايا، وصنّا من الأوزار والخطايا.

يا من لا يغفر عظيم الذنوب غيره، ولا يكشف السوء إلّا هو.

يا أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، صلّ على محمد وأهل بيته الطيّبين.

واجعل صيامنا مقبولا، وبالبرّ والتقوى موصولا.

وكذلك فاجعل سعينا مشكورا، وحوبنا(3) مغفورا، وقيامنا مبرورا، وقرآننا

ص: 118


1- الوصب: المرض. مجمع البحرين 2: 181 (وصب).
2- عطب الهدي عطبا من باب تعب: هلك. مجمع البحرين 2: 124 (عطب).
3- الحوب: الإثم. لسان العرب 1: 340 (حوب).

مرفوعا، ودعاءنا مسموعا، واهدنا للحسنى، وجنّبنا العسرى، ويسّرنا لليسرى.

وأعل لنا الدرجات، وضاعف لنا الحسنات، واقبل منّا الصوم والصلاة، واسمع منّا الدعوات، واغفر لنا الخطيئات، وتجاوز عنّا السيّئات.

واجعلنا من العاملين الفائزين، ولا تجعلنا من المغضوب عليهم ولا الضّالّين، حتّى ينقضي شهر رمضان عنّا، وقد قبلت فيه صيامنا وقيامنا، وزكّيت فيه أعمالنا، وغفرت فيه ذنوبنا، وأجزلت فيه من كلّ خير نصيبنا.

فإنّك الإله المجيب، الحبيب، والربّ القريب، وأنت بكلّ شيء محيط»(1).

صلاة الجواد (عليه السلام) ركعتان، كلّ ركعة بالفاتحة مرّة، والإخلاص سبعين مرّة، دعاء محمد بن علي (عليهما السلام) :

«اللّهمّ ربّ الأرواح الفانية، والأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح الراجعة إلى أجسادها، وبطاعة الأجساد الملتئمة بعروقها، وبكلمتك النافذة بينهم، وأخذك الحقّ منهم.

والخلائق بين يديك ينتظرون فصل قضائك، ويرجون رحمتك، ويخافون عقابك.

صلّ على محمد وآل محمد، واجعل النور في بصري، واليقين في قلبي، وذكرك بالليل والنهار على لساني، وعملا صالحا فارزقني»(2).

أحرازه (عليه السلام)

اشارة

قالوا كلّهم: حدّثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى

ص: 119


1- إقبال الأعمال: 279.
2- جمال الأسبوع: 179.

بن بابويه القميّ - قدّس اللّه روحه - قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن جدّه، قال: حدّثني أبو نصر الهمداني، قال: حدّثتني حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر، عمّة أبي محمد الحسن بن علي (عليهم السلام) قالت: لمّا مات محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) أتيت زوجته أمّ عيسى بنت المأمون فعزّيتها، فوجدتها شديدة الحزن، والجزع عليه، تقتل نفسها بالبكاء والعويل، فخفت عليها أن تتصدّع مرارتها.

فبينما نحن في حديثه وكرمه ووصف خلقه، وما أعطاه اللّه تعالى من الشرف والإخلاص، ومنحه من العزّ والكرامة، إذ قالت أمّ عيسى: أ لا أخبرك عنه بشيء عجيب، وأمر جليل، فوق الوصف والمقدار؟

قلت: وما ذاك؟

قالت: كنت أغار عليه كثيرا، وأراقبه أبدا، وربّما يسمعنى الكلام، فأشكو ذلك إلى أبي، فيقول: يا بنيّة! احتمليه، فإنّه بضعة من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ دخلت عليّ جارية، فسلّمت، فقلت: من أنت؟

فقالت: أنا جارية من ولد عمّار بن ياسر، وأنا زوجة أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) ، زوجك.

فدخلني من الغيرة ما لا أقدر على احتمال ذلك، فهممت أن أخرج وأسيح في البلاد، وكاد الشيطان أن يحملني على الإساءة إليها، فكظمت غيظي وأحسنت رفدها، وكسوتها.

فلمّا خرجت من عندي المرأة، نهضت ودخلت على أبي، وأخبرته بالخبر، وكان سكرانا لا يعقل، فقال: يا غلام! عليّ بالسيف، فاتى به، فركب

ص: 120

وقال: واللّه لأقتلنّه!

فلمّا رأيت ذلك قلت: «إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ»، ما صنعت بنفسي وبزوجي، وجعلت ألطم حرّ وجهي. فدخل عليه والدي، وما زال يضربه بالسيف حتّى قطّعه.

ثمّ خرج من عنده، وخرجت هاربة من خلفه، فلم أرقد ليلتي. فلمّا ارتفع النهار أتيت أبي، فقلت: أ تدري ما صنعت البارحة؟

قال: وما صنعت؟

قلت: قتلت ابن الرضا (عليه السلام) .

فبرق عينه، وغشي عليه، ثمّ أفاق بعد حين وقال: ويلك! ما تقولين؟

قلت: نعم - واللّه - يا أبت! دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتّى قتلته.

فاضطرب من ذلك اضطرابا شديدا، وقال: عليّ بياسر الخادم. فجاء ياسر، فنظر إليه المأمون، وقال: ويلك! ما هذا الذي تقول هذه ابنتي؟

قال: صدقت يا أمير المؤمنين! فضرب بيده على صدره وخدّه، وقال: «إِنَّا لِلَّهِ وإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ»، هلكنا باللّه، وعطبنا، وافتضحنا إلى آخر الأبد.

ويلك يا ياسر! فانظر ما الخبر والقصّة عنه (عليه السلام) ؟ وعجّل عليّ بالخبر، فإنّ نفسي تكاد أن تخرج الساعة.

فخرج ياسر، وأنا ألطم حرّ وجهي، فما كان بأسرع من أن رجع ياسر، فقال:

البشرى يا أمير المؤمنين!

قال: لك البشرى، فما عندك؟

ص: 121

قال ياسر: دخلت عليه، فإذا هو جالس وعليه قميص ودوّاج(1) وهو يستاك.

فسلّمت عليه وقلت: يا ابن رسول اللّه! أحبّ أن تهب لي قميصك هذا أصلّي فيه، وأتبرّك به، وإنّما أردت أن أنظر إليه وإلى جسده، هل به أثر السيف؟

فو اللّه! كأنّه العاج الذي مسّه صفرة، ما به أثر.

فبكى المأمون طويلا، وقال: ما بقي مع هذا شيء، إنّ هذا لعبرة للأوّلين والآخرين. وقال: يا ياسر! أمّا ركوبي إليه، وأخذي السيف، ودخولي عليه فإنّي ذاكر له، وخروجي عنه فلست أذكر شيئا غيره، ولا أذكر أيضا انصرافي إلى مجلسي، فكيف كان أمري وذهابي إليه؟

لعن اللّه هذه الابنة لعنا وبيلا. تقدّم إليها وقل لها: يقول لك أبوك: واللّه! لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت، أو خرجت بغير إذنه، لأنتقمنّ له منك.

ثمّ سر إلى ابن الرضا، وأبلغه عنّي السلام واحمل إليه عشرين ألف دينار، وقدّم إليه الشهري(2) الذي ركبته البارحة، ثمّ مر بعد ذلك الهاشميّين أن يدخلوا عليه بالسلام، ويسلموا عليه.

قال ياسر: فأمرت لهم بذلك، ودخلت أنا أيضا معهم، وسلّمت عليه، وأبلغت التسليم، ووضعت المال بين يديه، وعرضت الشهري عليه، فنظر إليه ساعة.

ثمّ تبسّم فقال: يا ياسر! هكذا كان العهد بيننا، وبينه حتّى يهجم عليّ

ص: 122


1- دوّاج: ضرب من الثياب. لسان العرب 2: 277 (دوج).
2- والشهرية: ضرب من البراذين، وهو بين البرذون والمقرف من الخيل. لسان العرب 4: 431 (شهر).

بالسيف، أ ما علم أنّ لي ناصرا وحاجزا يحجز بيني وبينه؟

فقلت: يا سيّدي! يا ابن رسول اللّه! دع عنك هذا العتاب، واصفح، واللّه! وحقّ جدّك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ! ما كان يعقل شيئا من أمره، وما علم أين هو من أرض اللّه؟

وقد نذر اللّه نذرا صادقا، وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبدا، فإنّ ذلك من حبائل الشيطان، فإذا أنت يا ابن رسول اللّه أتيته فلا تذكر له شيئا، ولا تعاتبه على ما كان منه.

فقال (عليه السلام) : هكذا كان عزمي ورأيي، واللّه!

ثمّ دعا بثيابه، ولبس ونهض، وقام معه الناس أجمعون حتّى دخل على المأمون. فلمّا رآه قام إليه وضمّه إلى صدره، ورحّب به، ولم يأذن لأحد في الدخول عليه، ولم يزل يحدّثه ويستأمره.

فلمّا انقضى ذلك، قال أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) :

يا أمير المؤمنين!

قال: لبّيك وسعديك!

قال: لك عندي نصيحة، فاقبلها!

قال المأمون: بالحمد والشكر، فما ذاك يا ابن رسول اللّه!؟

قال: أحبّ لك أن لا تخرج باللّيل، فإنّي لا آمن عليك من هذا الخلق المنكوس، وعندي عقد تحصّن به نفسك، وتحرز به من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات، كما أنقذني اللّه منك البارحة.

ولو لقيت به جيوش الروم والترك، واجتمع عليك، وعلى غلبتك أهل الأرض جميعا ما تهيّأ لهم منك شيء بإذن اللّه الجبّار، وإن أحببت بعثت به

ص: 123

إليك تحترز به من جميع ما ذكرت لك.

قال: نعم! فاكتب ذلك بخطّك وابعثه إليّ.

قال: نعم!

قال ياسر: فلمّا أصبح أبو جعفر (عليه السلام) بعث إليّ فدعاني، فلمّا صرت إليه وجلست بين يديه، دعا برقّ ظبي من أرض تهامة(1)، ثمّ كتب بخطّه هذا العقد.

ثمّ قال: يا ياسر! احمل هذا إلى أمير المؤمنين وقل له: حتّى يصاغ له قصبة من فضّة منقوش عليها ما أذكره بعده.

فإذا أراد شدّه على عضده، فليشدّه على عضده الأيمن. وليتوضّأ وضوء حسنا سابغا، وليصلّ أربع ركعات، يقرأ في كلّ ركعة «فاتحة الكتاب» مرّة، وسبع مرّات آية «الكرسي»، وسبع مرّات {شَهِدَ

اللَّهُ}(2)، وسبع مرّات «وَالشَّمْسِ وضُحاها»، وسبع مرّات «وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى»، وسبع مرّات «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ».

فإذا فرغ منها فليشدّه على عضده الأيمن عند الشدائد والنوائب، يسلم بحول اللّه وقوّته من كلّ شيء يخافه ويحذره، وينبغي أن لا يكون طلوع القمر فى برج العقرب، ولو أنّه غزا أهل الروم وملكهم، لغلبهم بإذن اللّه، وبركة هذا الحرز.

وروي: أنّه لمّا سمع المأمون من أبي جعفر (عليه السلام) في أمر هذا الحرز وهذه الصفات كلّها، غزا أهل الروم فنصره اللّه تعالى عليهم، ومنح منهم من المغنم

ص: 124


1- تهامة: اسم مكّة، وقيل: تهامة ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكّة. وقال الأصمعي: التهمة: الأرض المتصوّبة إلى البحر. لسان العرب 12: 72، 73، 74 (تهم).
2- سورة آل عمران، الآية: 18-19.

ما شاء اللّه، ولم يفارق هذا الحرز عند كلّ غزاة ومحاربة، وكان ينصره اللّه عزّ وجلّ بفضله، ويرزقه الفتح بمشيئته، إنّه وليّ ذلك بحوله وقوّته.

[الحرز]:

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» إلى آخرها.

{أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ والْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ويُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}(1).

أنت الواحد الملك الديّان يوم الدين، تفعل ما تشاء بلا مغالبة، وتعطي من تشاء بلا منّ، وتفعل ما تشاء وتحكم ما تريد، وتداول الأيّام بين الناس، وتركّبهم طبقا عن طبق، أسألك باسمك المكتوب على سرادق(2)

المجد.

وأسألك باسمك المكتوب على سرادق السرائر، السابق الفائق الحسن

الجميل النصير، ربّ الملائكة الثمانية، والعرش الذي لا يتحرّك؛ وأسألك بالعين التي لا تنام، وبالحياة التي لا تموت، وبنور وجهك الذي لا يطفأ.

وبالاسم الأكبر، الأكبر، الأكبر، وبالاسم الأعظم، الأعظم، الأعظم، الذي هو محيط بملكوت السماوات والأرض.

وبالاسم الذي أشرقت به الشمس، وأضاء به القمر، وسجّرت به البحور، ونصبت به الجبال، وبالاسم الذي قام به العرش والكرسي، وباسمك المكتوب على سرادق العرش، وبالاسم المكتوب على سرادق العزّة.

ص: 125


1- سورة الحجّ، الآية: 65.
2- سرادق: كلّ ما أحاط شيء نحو الشقّة في المضرب، أو الحائط المشتمل على الشيء. لسان العرب 10: 157 (سردق).

وباسمك المكتوب على سرادق العظمة، وباسمك المكتوب على سرادق البهاء.

وباسمك المكتوب على سرادق القدرة، وباسمك العزيز.

وبأسمائك المقدّسات المكرّمات المخزونات في علم الغيب عندك.

وأسألك من خيرك خيرا ممّا أرجو.

وأعوذ بعزّتك وقدرتك من شرّ ما أخاف وأحذر، وما لا أحذر.

يا صاحب محمد يوم حنين، ويا صاحب علي يوم صفّين، أنت يا ربّ مبير الجبّارين، وقاصم المتكبّرين، أسألك بحقّ طه، ويس، والقرآن العظيم، والفرقان الحكيم، أن تصلّي على محمد وآل محمد، وأن تشدّ به عضد صاحب هذا العقد.

وأدرأ بك في نحر كلّ جبّار عنيد، وكلّ شيطان مريد، وعدوّ شديد، وعدوّ منكر الأخلاق، واجعله ممّن أسلم إليك نفسه، وفوّض إليك أمره، وألجأ إليك ظهره.

اللّهمّ بحقّ هذه الأسماء التي ذكرتها وقرأتها، وأنت أعرف بحقّها منّي، وأسألك يا ذا المنّ العظيم، والجود الكريم، وليّ الدعوات المستجابات، والكلمات التامّات، والأسماء النافذات.

وأسألك يا نور النهار، ويا نور الليل، ويا نور السماء والأرض، ونور النور، ونورا يضيء به كلّ نور، يا عالم الخفيّات كلّها، في البرّ والبحر، والأرض، والسماء، والجبال.

وأسألك يا من لا يفنى، ولا يبيد ولا يزول، ولا له شيء موصوف، ولا إليه حدّ منسوب، ولا معه إله، ولا إله سواه، ولا له في ملكه شريك، ولا

ص: 126

تضاف العزّة إلّا إليه.

لم يزل بالعلوم عالما، وعلى العلوم واقفا، وللأمور ناظما، وبالكينونيّة(1) عالما، وللتدبير محكما، وبالخلق بصيرا، وبالأمور خبيرا.

أنت الذي خشعت لك الأصوات، وضلّت فيك الأحلام، وضاقت دونك الأسباب، وملأ كلّ شيء نورك، ووجل كلّ شيء منك، وهرب كلّ شيء إليك، وتوكّل كلّ شيء عليك.

وأنت الرفيع في جلالك، وأنت البهي في جمالك، وأنت العظيم في قدرتك.

وأنت الذي لا يدركك شيء، وأنت العلي الكبير العظيم، مجيب الدعوات، قاضي الحاجات، مفرّج الكربات، وليّ النعمات.

يا من هو في علوّه دان، وفي دنوّه عال، وفي إشراقه منير، وفي سلطانه قويّ، وفي ملكه عزيز.

صلّ على محمد وآل محمد، واحرس صاحب هذا العقد، وهذا الحرز، وهذا الكتاب، بعينك التي لا تنام، واكنفه بركنك الذي لا يرام، وارحمه بقدرتك عليه، فإنّه مرزوقك.

بسم اللّه الرحمن الرحيم، بسم اللّه وباللّه، لا صاحبة له ولا ولد، بسم اللّه قويّ الشأن، عظيم البرهان، شديد السلطان، ما شاء اللّه كان، وما لم يشأ لم يكن.

أشهد أنّ نوحا رسول اللّه، وأنّ إبراهيم خليل اللّه، وأنّ موسى كليم اللّه ونجّيه.

وأنّ عيسى بن مريم صلوات اللّه عليه وعليهم أجمعين كلمته وروحه.

ص: 127


1- الكينونيّة: الكائنة: الحادثة. وكوّن الشيء: أحدثه. لسان العرب 13: 364 (كون).

وأنّ محمدا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خاتم النبيّين، لا نبيّ بعده.

وأسألك بحقّ الساعة التي يؤتى فيها بإبليس اللعين يوم القيامة، ويقول اللعين في تلك الساعة: واللّه ما أنا إلّا مهيّج مردة.

اللّه نور السماوات والأرض، وهو القاهر، وهو الغالب، له القدرة السابقة، وهو الحكيم الخبير.

اللّهمّ وأسألك بحقّ هذه الأسماء كلّها وصفاتها وصورها، ...

سبحان الذي خلق العرش والكرسي واستوى عليه، أسألك أن تصرف عن صاحب كتابي هذا كلّ سوء ومحذور، فهو عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، وأنت مولاه، فقه اللّهمّ يا ربّ الأسواء كلّها، واقمع عنه أبصار الظالمين وألسنة المعاندين والمريدين له السوء والضرّ، وادفع عنه كلّ محذور ومخوف؛

وأيّ عبد من عبيدك، أو أمة من إمائك، أو سلطان مارد، أو شيطان أو شيطانة، أو جنّي أو جنّيّة، أو غول(1) أو غولة، أراد صاحب كتابي هذا بظلم أو ضرّ أو مكر أو مكروه أو كيد أو خديعة أو نكاية(2) أو سعاية أو فساد أو غرق أو اصطلام(3) أو عطب(4) أو مغالبة أو غدر أو قهر أو هتك ستر أو اقتدار أو آفة أو عاهة(5) أو قتل أو حرق أو انتقام أو قطع أو سحر أو مسخ

ص: 128


1- كلّ ما أهلك الإنسان فهو غول، والغول أحد الغيلان، وهي جنس من الشياطين والجنّ. لسان العرب 11: 508 (غول).
2- نكى العدوّ نكاية: أصاب منه. لسان العرب 15: 341 (نكى).
3- اصطلام: إذا ابيد قوم من اصلهم. لسان العرب 12: 340 (صلم).
4- عطب: الهلاك. لسان العرب 1: 610 (عطب).
5- عاهة: الآفة. لسان العرب 13: 520 (عوه).

أو مرض أو سقم أو برص أو جذام أو بؤس أو آفة أو فاقة أو سغب(1) أو عطش أو وسوسة أو نقص في دين أو معيشة.

فاكفنيه بما شئت، وكيف شئت، وأنّى شئت، إنّك على كلّ شيء قدير، وصلّى اللّه على سيّدنا محمد وآله أجمعين وسلّم تسليما كثيرا، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم، والحمد للّه ربّ العالمين.

فأمّا ما ينقش على هذه القصبة، من فضّة غير مغشوشة:

«يا مشهورا في السموات، يا مشهورا في الأرضين، يا مشهورا في الدنيا والآخرة، جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك، وإخماد ذكرك، فأبى اللّه إلّا أن يتمّ نورك، ويبوح بذكرك، ولو كره المشركون».

وفي نسخة: وأبيت إلّا أن يتمّ نورك(2).

حرز آخر للتقي (عليه السلام) ، بغير تلك الرواية: «يا نور يا برهان، يا مبين يا منير، يا ربّ اكفني الشرور، وآفات الدهور، وأسألك النجاة يوم ينفخ في الصور»(3).

تعويذاته (عليه السلام)

عوذة يوم السبت

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم، اللّهمّ ربّ الملائكة والروح، والنبيّين والمرسلين، وقاهر من في السموات والأرضين.

ص: 129


1- سغب: الجوع. لسان العرب 1: 468 (سغب).
2- مهج الدعوات: 52.
3- مهج الدعوات: 60.

كفّ عنّي بأس الأشرار، وأعم أبصارهم وقلوبهم، واجعل بيني وبينهم حجابا، إنّك [أنت] ربّنا، ولا قوّة إلّا باللّه، توكّلت على اللّه، توكّل عائذ به من شرّ كلّ دابّة، ربّي آخذ بناصيتها، ومن شرّ ما سكن في الليل والنهار، ومن شرّ كلّ سوء. وصلّى اللّه على محمد وآله وسلّم».

عوذة يوم الأحد

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، اللّه أكبر، اللّه أكبر، استوى الربّ على العرش، وقامت السماوات والأرض بحكمته، وزهرت النجوم بأمره، ورست الجبال بإذنه، لا يجاوز اسمه من في السماوات والأرض، الذي دانت له الجبال وهي طائعة، وانبعثت له الأجساد وهي بالية.

وبه أحتجب عن كلّ باغ، وطاغ، وعاد، وجبّار، وحاسد؛ وبسم اللّه الذي جعل بين البحرين حاجزا، وأحتجب باللّه الذي جعل في السماء بروجا، وجعل فيها سراجا، وقمرا منيرا، وزيّناها للناظرين، وحفظا من كلّ شيطان رجيم؛ وجعل في الأرض رواسي جبالا أوتادا، أن يوصل إليّ سوء، أو فاحشة أو بليّة {حم، حم، حم، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ [الرَّحِيمِ}(1) «حم، حم، حم»]، {عسق، كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(2).

وصلّى اللّه على محمد وآله.

عوذة يوم الإثنين

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، أعيذ نفسي بربّي الأكبر، مما يخفى و[ما] يظهر، ومن شرّ كلّ أنثى وذكر، ومن شرّ ما وارت الشمس [و القمر]،

ص: 130


1- سورة فصّلت، الآية: 1-2.
2- سورة الشورى، الآية: 1-3.

قدّوس، قدّوس، ربّ الملائكة والروح، أدعوكم أيّها الجنّ، إن كنتم سامعين مطيعين، وأدعوكم أيّها الإنس إلى اللطيف الخبير، وأدعوكم أيّها الجنّ والإنس، إلى الذي ختمته بخاتم ربّ العالمين، وخاتم جبرئيل وميكائيل واسرافيل، وخاتم سليمان بن داود، وخاتم محمد سيّد المرسلين النبيّين - صلّى اللّه على محمد وآله وعليهم - [أخّر] عن فلان بن فلان كلّ ما يغدو ويروح من ذي حىّ أو عقرب، أو ساحر، أو شيطان رجيم، أو [شيطان] عنيد، أخذت عنه ما يرى وما لا يرى، وما رأت عين نائم، أو يقظان بإذن اللّه اللطيف الخبير، لا سلطان لكم على اللّه، لا شريك له.

وصلّى اللّه على رسوله سيّدنا [محمد] النبيّ وآله الطاهرين وسلّم تسليما».

عوذة يوم الثلاثاء

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، أعيذ نفسى باللّه الأكبر، ربّ السماوات القائمات، بلا عمد، وبالذى خلقها في يومين، وقضى في كلّ سماء أمرها، وخلق الأرض في يومين(1)، وقدّر فيها أقواتها(2)، وجعل فيها جبالا أوتادا، وجعلها فجاجا سبلا، وأنشأ السحاب وسخّره، وأجرى الفلك وسخّر البحر، وجعل في الأرض رواسي وأنهارا، [في أربعة أيّام سواء للسائلين(3) و] من شرّ ما يكون في الليل والنهار، وتعقد عليه القلوب، وتراه العيون من الجنّ والإنس، كفانا اللّه، كفانا اللّه، كفانا اللّه، لا إله إلّا اللّه، محمد رسول اللّه: صلّى اللّه على محمد وآله الطاهرين، وسلّم تسليما».

ص: 131


1- سورة فصلّت، الآية: 9.
2- سورة فصلّت، الآية: 10.
3- سورة فصلّت، الآية: 10.

عوذة يوم الأربعاء

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، أعيذ نفسي باللّه الأحد الصمد، {مِنْ

شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ}(1)، ومن شرّ ابن قترة وما ولد، (أستعيذ) باللّه الواحد الفرد الكبير الأعلى [من شرّ ما رأت عيني وما لم تر، أستعيذ باللّه الواحد الفرد] من شرّ من أرادنى بأمر عسير:

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، واجعلني في جوارك وحصنك الحصين العزيز الجبّار الملك القدّوس، [القهّار] السلام المؤمن المهيمن الغفّار، عالم الغيب والشهادة، الكبير المتعال، هو اللّه، هو اللّه، هو اللّه، لا شريك له، محمد رسول اللّه؛ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، كثيرا دائما».

عوذة يوم الخميس

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، أعيذ نفسي بربّ المشارق والمغارب، من كلّ شيطان مارد، وقائم وقاعد، وعدوّ حاسد، ومعاند، {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ويُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ولِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ ويُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ}(2)، {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وشَرابٌ}(3)، {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ونُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وأَناسِيَّ كَثِيراً}(4)، {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}(5)،{ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ

ص: 132


1- سورة الفلق، الآية: 4.
2- سورة الأنفال، الآية: 11.
3- سورة ص، الآية: 42.
4- سورة الفرقان، الآية: 48-49.
5- سورة الأنفال، الآية: 66.

ورَحْمَةٌ}(1)، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}(2)، {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(3) لا إله إلّا اللّه، ولا غالب إلّا اللّه، لا إله إلّا اللّه، محمد رسول اللّه؛ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) تسليما».

عوذة يوم الجمعة

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم، اللّهمّ ربّ الملائكة [و الروح]، والنبيّين والمرسلين، وقاهر من في السماوات والأرضين، وخالق كلّ شيء ومالكه، كفّ عنّا بأس أعدائنا، ومن أرادنا بسوء من الجنّ والإنس، وأعم أبصارهم وقلوبهم، واجعل بيننا وبينهم حجابا وحرسا ومدفعا، انّك ربّنا، لا حول ولا قوّة [لنا] إلّا باللّه، عليه توكّلنا و[إليه] أنبنا، وهو العزيز الحكيم.

ربّنا عافنا من [شرّ] كلّ سوء، ومن شرّ كلّ دابّة، أنت آخذ بناصيتها، ومن شرّ ما يكن في الليل والنهار، ومن [شرّ] كلّ سوء، ومن شرّ كلّ ذي شرّ، ربّ العالمين، وإله المرسلين وصلّى اللّه على محمد وآله أجمعين، و[صلّ على] أوليائك، وخصّ محمدا وآله بأتمّ ذلك، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم.

بسم اللّه وباللّه، أؤمن باللّه، وباللّه أعوذ، وباللّه أعتصم، وباللّه أستجير، وبعزّة اللّه ومنعة اللّه أمتنع من شياطين الإنس والجنّ، رجلهم وخيلهم، وركضهم وعطفهم [و رجعهم]، وكيدهم، وشرّهم، وشرّ ما يأتون به، تحت

ص: 133


1- سورة البقرة، الآية: 178.
2- سورة النساء، الآية: 28.
3- سورة البقرة، الآية: 137.

الليل وتحت النهار، من القرب والبعد، ومن شرّ الغائب والحاضر، والشاهد والزائر، أحيا وأمواتا، [و] أعمى وبصيرا، ومن شرّ العامّة والخاصّة، ومن نفسي ووسوستها، ومن شرّ الدناهش والحسّ واللمس واللبس، ومن عين الجنّ والإنس وبالاسم الذي اهتزّ له عرش بلقيس.

وأعيذ ديني ونفسي، وجميع ما تحوطه عنايتي، ومن شرّ كلّ صورة وخيال وبياض أو سواد أو مثال، أو معاهد أو غير معاهد، ممّن يسكن الهواء والسحاب، والظلمات والنور، والظلّ والحرور، والبرّ والبحور، والسهل والوعور، والخراب والعمران، والاكام والآجام، والمغائض والكنائس، والنواويس والفلوات، والجبّانات من الصادرين، والواردين، ممّن يبدو بالليل وينتشر بالنهار وبالعشي والإبكار، والغدوّ والآصال، والمريبين والأسامرة والأفاتنة والفراعنة والأبالسة.

ومن جنودهم وأزواجهم وعشائرهم وقبائلهم، و[من] همزهم ولمزهم ونفثهم ووقاعهم، وأخذهم وسحرهم وضربهم [و عبثهم]، ولمحهم واحتيالهم، [و اختلافهم] وأخلاقهم، ومن شرّ كلّ ذي شرّ من السحرة، والغيلان، وأمّ الصبيان [و ما ولد وما وردنا]. ومن شرّ كلّ ذي شرّ داخل وخارج، وعارض ومعترض، وساكن ومتحرّك، وضربان عرق وصداع، وشقيقة وأمّ ملدم والحمىّ والمثلّثة والربع والغبّ والنافضة والصالبة والداخلة والخارجة، ومن شرّ كلّ دابّة أنت {آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}(1) وصلّى اللّه على محمد وآله وسلّم تسليما».

رواها عبد العظيم الحسني (عليه السلام) ، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) ، قال:

ص: 134


1- سورة هود، الآية: 56.

وقد كتب العوذة الأخيرة لابنه أبي الحسن (عليه السلام) وهو صبيّ في المهد وكان يعوّذه بها(1).

حجابه (عليه السلام)

«الخالق أعظم من المخلوقين، والرازق أبسط يدا من المرزوقين، ونار اللّه المؤصدة، في عمد ممدّدة، تكيد أفئدة المردة، وتردّ كيد الحسدة بالأقسام بالأحكام، باللّوح المحفوظ، والحجاب المضروب، بعرش ربّنا العظيم.

احتجبت واستترت واستجرت واعتصمت وتحصّنت ب- «الم»، وب- «كهيعص» وب- «طه» وب- «طسم»، وب- «حم»، وب- «حم عسق»، و«ن»، وب- «طس»، وب- «ق والْقُرْآنِ الْمَجِيدِ»، {وَ إِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}(2)، واللّه وليّي ونِعْمَ الْوَكِيلُ(3).

ص: 135


1- الدعوات: 99.
2- سورة الواقعة، الآية: 76.
3- مهج الدعوات: 359.

الفصل السادس: في كراماته (عليه السلام)

عن حكيمة بنت أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، قالت: كتبت لمّا علقت أمّ أبي جعفر (عليه السلام) به: خادمتك قد علقت.

فكتب إليّ: إنّها علقت ساعة كذا، من يوم كذا، من شهر كذا، فإذا هي ولدت فالزميها سبعة أيّام.

قالت: فلمّا ولدته، قال: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه».

فلمّا كان اليوم الثالث، عطس، فقال: «الحمد للّه، وصلّى اللّه على محمد وعلى الأئمّة الراشدين»(1).

قال أبو هاشم: ودخلت معه ذات يوم بستانا، فقلت له (عليه السلام) : جعلت فداك! إنّي مولع بأكل الطين، فادفع اللّه لي.

فسكت، ثمّ قال لي بعد أيّام - ابتداء منه - : يا أبا هاشم! قد أذهب اللّه عنك أكل الطين.

قال أبو هاشم: فما شيء أبغض إليّ منه(2).

عن علي بن مهزيار، قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) وشكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز ترى لنا التحوّل عنها؟

ص: 136


1- دلائل الإمامة: 383.
2- إعلام الورى 2: 98.

فكتب (عليه السلام) : لا تتحوّلوا عنها، وصوموا الأربعاء والخميس، والجمعة؛ واغتسلوا وطهّروا ثيابكم، وابرزوا يوم الجمعة وادعوا اللّه، فإنّه يرفع عنكم.

قال: ففعلنا، فسكنت الزلازل.

قال: ومن كان منكم مذنب فيتوب إلى اللّه سبحانه وتعالى، (ودعا لهم بخير)(1).

عن بكر بن صالح، قال: كتب صهر لي، إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : إنّ أبي ناصب خبيث الرأى، وقد لقيت منه شدّة وجاهدا، فرأيك - جعلت فداك - في الدعاء لي؟

فكتب (عليه السلام) : قد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر أبيك، ولست أدع الدعاء لك إن شاء اللّه، والمداراة خير لك من المكاشفة، ومع العسر يسرا، فاصبر فإنّ العاقبة للمتّقين، ثبّتك اللّه على ولاية من تولّيت، نحن وأنتم في وديعة.

اللّه الذي لا تضيع ودائعه.

قال بكر: فعطف اللّه بقلب أبيه [عليه] حتّى صار لا يخالفه في شيء(2).

عن محمد بن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال: يا محمد! حدث بال فرج حدث؟ فقلت: مات عمر.

فقال: الحمد للّه! حتّى أحصيت له أربعا وعشرين مرّة.

فقلت: يا سيّدي! لو علمت أنّ هذا يسرّك لجئت حافيا أعدو إليك.

قال: يا محمد! أو لا تدري ما قال لعنه اللّه لمحمد بن علي، أبي؟

ص: 137


1- علل الشرائع: 555.
2- الأمالي: 191.

قال: قلت: لا!

قال: خاطبه في شيء فقال: أظنّك سكران!

فقال أبي (عليه السلام) : «اللّهمّ! إن كنت تعلم أنّي أمسيت لك صائما فأذقه طعم الحرب(1)،

وذلّ الأسر».

فو اللّه! إن ذهبت الأيّام حتّى حرب ماله وما كان له، ثمّ اخذ أسيرا وهو ذا قد مات - لا رحمه اللّه - وقد أدال اللّه عزّ وجلّ منه وما زال يديل أولياءه من أعدائه(2).

روي عن ابن أورمة أنّه قال: إنّ المعتصم دعا بجماعة من وزرائه، فقال: اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) زورا، واكتبوا أنّه أراد أن يخرج، ثمّ دعاه، فقال: إنّك أردت أن تخرج عليّ؟!

فقال: واللّه! ما فعلت شيئا من ذلك.

قال: إنّ فلانا وفلانا وفلانا شهدوا عليك، وأحضروا.

فقالوا: نعم! هذه الكتاب أخذناها من بعض غلمانك.

قال: وكان جالسا في بهو(3)،

فرفع أبو جعفر (عليه السلام) يده، فقال: «اللّهمّ! إن كانوا كذبوا عليّ، فخذهم».

قال: فنظرنا إلى ذلك البهو كيف يزحف ويذهب ويجيء، وكلّما قام واحد وقع.

ص: 138


1- الحرب - بالحاء المهملة - بالتحريك أن يسلب الرجل ماله - . لسان العرب 1: 303 (حرب). الخرب - بالخاء المعجمة - خرب فلان بإبل فلان... أي سرقها - . لسان العرب 1: 349 (خرب).
2- الكافي 1: 496.
3- البهو: البيت المقدّم أمام البيوت. لسان العرب 14: 97 (بها).

فقال المعتصم: يا ابن رسول اللّه! إنّي تائب ممّا فعلت. فادع ربّك أن يسكّنه.

فقال: اللّهمّ! سكّنه، وإنّك تعلم أنّهم أعداؤك وأعدائي. فسكن(1).

عن مؤدّب كان لأبي جعفر (عليه السلام) ، أنّه قال: كان بين يدي يوما يقرأ في اللوح، إذ رمى اللوح من يده، وقام فزعا وهو يقول: «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون»، مضى - واللّه - أبي (عليه السلام) .

فقلت: من أين علمت؟

قال: دخلني من إجلال اللّه وعظمته شيء لم أعهده. فقلت: وقد مضى؟

فقال: دع عنك ذا، ائذن لي أن أدخل البيت وأخرج إليك، واستعرضني أيّ القرآن شئت، أف لك بحفظه.

فدخل البيت، فقمت ودخلت في طلبه إشفاقا منّي عليه، فسألت عنه؟

فقيل: دخل هذا البيت وردّ الباب دونه، وقال: لا تؤذنوا عليّ أحدا حتّى أخرج إليكم.

فخرج مغبرّا وهو يقول: «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون»، مضى - واللّه - أبي.

فقلت: جعلت فداك! وقد مضى؟

فقال: نعم! وولّيت غسله وتكفينه، وما كان ذلك ليلي منه غيري.

ثمّ قال لي: دع عنك هذا استعرضني أيّ القرآن شئت أف لك بحفظه.

فقلت: الأعراف؟

فاستعاذ باللّه من الشيطان الرجيم، ثمّ قرء:

بسم اللّه الرحمن الرحيم: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وظَنُّوا أَنَّهُ

ص: 139


1- الخرائج والجرائح 2: 670.

واقِعٌ بِهِمْ}(1).

فقلت: {المص}(2).

فقال: هذا أوّل السورة، وهذا ناسخ، وهذا منسوخ، وهذا محكم، وهذا متشابه، وهذا خاصّ، وهذا عامّ، وهذا ما غلط به الكتّاب، وهذا ما اشتبه على الناس(3).

عن معمّر بن خلّاد، عن أبي جعفر (عليه السلام) - أو عن رجل عن أبي جعفر، الشكّ من أبي علي - قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : يا معمّر! اركب. قلت: إلى أين؟ قال: اركب كما يقال لك.

قال: فركبت فانتهيت إلى واد، او إلى وهدة(4) - الشكّ من أبي علي - .

فقال لي: قف هاهنا! قال: فوقفت فأتاني.

فقلت له: جعلت فداك! أين كنت؟

قال: دفنت أبي الساعة، وكان بخراسان(5).

عن أبي النصر أحمد بن سعيد، قال: قال لي منخل بن علي: لقيت محمد بن علي (عليهما السلام) بسرّمنرأى، فسألته النفقة إلى بيت المقدس؟

فأعطاني مائة دينار، ثمّ قال لي: غمّض عينك فغمّضتها؛ ثمّ قال لي: افتح.

ص: 140


1- سورة الأعراف، الآية: 171.
2- سورة الأعراف، الآية: 1.
3- الإمامة والتبصرة: 85.
4- الوهد والوهدة: المطمئنّ من الأرض، والمكان المنخفض كأنّه حفرة. لسان العرب 3: 470 (وهد).
5- كشف الغمّة 2: 363.

فإذا أنا ببيت المقدس تحت القبّة، فتحيّرت في ذلك(1).

حكى أبو يزيد البسطامي قال: خرجت من بسطام(2) قاصدا لزيارة البيت الحرام، فمررت بالشام إلى أن وصلت إلى دمشق، فلمّا كنت بالغوطة(3)

مررت بقرية من قراها، فرأيت في القرية تلّ تراب، وعليه صبي، رباعي السنّ يلعب بالتراب.

فقلت في نفسي: هذا صبي إن سلّمت عليه لما يعرف السلام، وإن تركت السلام أخللت بالواجب، فأجمعت رأيي على أن أسلّم عليه، فسلّمت عليه.

فرفع رأسه إليّ وقال: والذي رفع السماء وبسط الأرض، لو لا ما أمر اللّه به من ردّ السلام لما رددت عليك، استصغرت أمري، واستحقرتني لصغر سنّي!؟

عليك السلام ورحمة اللّه وبركاته وتحيّاته ورضوانه.

ثمّ قال: صدق اللّه: {وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها}(4).

وسكت.

فقلت: «أَوْ رُدُّوها». فقال: ذاك فعل المقصّر مثلك.

فعلمت أنّه من الأقطاب المؤيّدين.

فقال: يا أبا يزيد! ما أقدمك إلى الشام من مدينتك بسطام؟

فقلت: يا سيّدي! قصدت بيت اللّه الحرام - إلى أن قال -: فنهض، وقال:

ص: 141


1- نوادر المعجزات: 181.
2- بسطام: بالكسر ثمّ السكون: بلدة كبيرة بقومس على جادّة الطريق إلى نيسابور بعد دامغان بمرحلتين، معجم البلدان 1: 421.
3- الغوطة: بالضم ثمّ السكون؛ وهي الكورة التي منها دمشق، استدارتها ثمانية عشر ميلا يحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها، ولا سيّما من شماليها، فإنّ جبالها عالية جدّا ومياهها خارجة من تلك الجبال، وتمدّ في الغوطة في عدّة أنهر فتسقي بساتينها وزروعها. معجم البلدان 4: 219.
4- سورة النساء، الآية: 86.

أعلى وضوء أنت؟ قلت: لا!

فقال: اتّبعني! فتبعته قدر عشر خطا، فرأيت نهرا أعظم من الفرات.

فجلس وجلست، وتوضّأ أحسن وضوء وتوضّأت.

وإذا قافلة مارّة، فتقدّمت إلى واحد منهم، وسألته عن النهر؟

فقال: هذا جيحون(1).

فسكت.

ثمّ قال لي الغلام: قم! فقمت معه، ومشيت معه عشرين خطوة، وإذا نحن على نهر أعظم من الفرات وجيحون.

فقال لي: اجلس! فجلست ومضى.

فمرّ عليّ أناس في مركب لهم، فسألتهم عن المكان الذي أنا فيه؟

فقالوا: نيل مصر، وبينك وبينها فرسخ أو دون فرسخ، ومضوا؛ فما كان غير ساعة إلّا وصاحبي قد حضر، وقال لي: قم! قد عزم علينا.

فقمت معه قدر عشرين خطوة، فوصلنا عند غيبوبة الشمس إلى نخل كثير، وجلسنا، ثمّ قام، وقال لي: امش!

فمشيت خلفه يسيرا، وإذا نحن بالكعبة - إلى أن قال - : فسألت الرجل الذي فتح الكعبة، فقال: هذا سيّدي محمد الجواد صلّى اللّه عليه.

فقلت: اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته(2).

ص: 142


1- جيحون بالفتح: اصل اسم جيحون بالفارسيّة هرون، وهو اسم وادي خراسان على وسط مدينة يقال لها جيهان، فنسبه الناس إليها، وقالوا: جيحون على عادتهم في قلب الألفاظ. يجيء جيحون من موضع يقال له: ريوساران، وهو جبل يتّصل بناحية السند والهند وكابل، ومنه عين تخرج من موضع يقال له. عند ميس. معجم البلدان 2: 196.
2- إثبات الهداة 3: 348.

عن محمد بن سنان، قال:

شكوت إلى الرضا (عليه السلام) وجع العين! فأخذ قرطاسا فكتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، وهو أقلّ من نيّتي.

فدفع الكتاب إلى الخادم، وأمرني أن أذهب معه، وقال: اكتم!

فأتيناه وخادم قد حمله.

قال: ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر (عليه السلام) .

فجعل أبو جعفر (عليه السلام) ينظر في الكتاب ويرفع رأسه إلى السماء، ويقول ناج، ففعل ذلك مرارا.

فذهب كلّ وجع في عيني، وأبصارت بصرا، لا يبصره أحد، قال: فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلك اللّه شيخا على هذه الأمّة كما جعل عيسى بن مريم شيخا على بني اسرائيل!

قال: ثمّ قلت له: يا شبيه صاحب فطرس!

قال: وانصرفت وقد أمرني الرضا (عليه السلام) أن أكتم، فما زلت صحيح البصر حتّى أذعت ما كان من أبي جعفر (عليه السلام) في أمر عيني، فعاودني الوجع، قال: قلت لمحمد بن سنان: ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فطرس؟

فقال: إنّ اللّه تعالى غضب على ملك من الملائكة يدعى فطرس، فدقّ جناحه ورمي في جزيرة من جزاير البحر، فلمّا ولد الحسين (عليه السلام) بعث اللّه عزّ وجلّ جبريل إلى محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليهنّأه بولادة الحسين (عليه السلام) ، وكان جبريل صديقا لفطرس فمرّ به وهو في الجزيرة مطروح، فخبّره بولادة الحسين (عليه السلام) وما أمر اللّه به، فقال له: هل لك أن أحملك على جناح من أجنحتي وأمضي بك إلى محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليشفع لك؟

ص: 143

قال: فقال فطرس: نعم! فحمله على جناح من أجنحته حتّى أتى به محمدا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فبلّغه تهنئة ربّه تعالى، ثمّ حدّثه بقصّة فطرس.

فقال محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لفطرس: امسح جناحك على مهد الحسين وتمسّح به.

ففعل ذلك فطرس، فجبر اللّه جناحه، وردّه إلى منزله مع الملائكة(1).

عن عبد اللّه بن محمد، قال: قال لي عمارة بن زيد: رأيت امرأة قد حملت ابنا لها مكفوفا إلى أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) . فمسح يده عليه، فاستوى قائما يعدو كأن لم يكن بعينه ضرر(2).

روى العبّاس بن السندي الهمداني، عن بكر، قال: قلت له: إنّ عمّتي تشتكي من ريح بها. فقال: ائتني بها. قال: فأتيته بها، فدخلت عليه.

فقال لها: ممّ تشتكين؟ قالت: ركبتي، جعلت فداك!

قال: فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب، وتكلّم بكلام، فخرجت ولا تجد شيئا من الوجع(3).

عن محمد بن عمر بن واقد الرازي، قال: دخلت على أبي جعفر محمد الجواد ابن الرضا (عليهم السلام) ومعي أخي به بهق(4)

شديد، فشكا إليه ذلك البهق، فقال (عليه السلام) : عافاك اللّه ممّا تشكو.

فخرجنا من عنده وقد عوفي، فما عاد إليه ذلك البهق إلى أن مات.

قال محمد بن عمر: وكان يصيبني وجع في خاصرتي في كلّ أسبوع،

ص: 144


1- رجال الكشّي: 582.
2- دلائل الإمامة: 400.
3- دلائل الإمامة: 403.
4- البهق: بياض يعتري الجسد بخلاف لونه ليس من البرص. لسان العرب 10: 29.

فيشتدّ ذلك بي أيّاما، فسألته أن يدعو لي بزواله عنّي.

فقال (عليه السلام) : وأنت، فعافاك اللّه، فما عاد إلى هذه الغاية(1).

عن أبو سلمة، قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وكان بي صمم(2)

شديد، فخبّر بذلك لمّا أن دخلت عليه. فدعاني إليه، فمسح يده على اذني ورأسي. ثمّ قال: اسمع وعه!

فو اللّه! إنّي لأسمع الشيء الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته(3).

عن محمد بن علي بن عمر التنوخي: رأيت محمد بن علي (عليهما السلام) : ... وإنّي رأيته (عليهما السلام) يكلّم شاة، فتجيبه(4).

نقل بعض الحفّاظ أنّ امرأة زعمت أنّها شريفة بحضرة المتوكّل. فسأل عمّن يخبره بذلك فدلّ على محمد الجواد (عليه السلام) . فأرسل إليه، فجاء، فأجلسه معه على سريره وسأله.

فقال: إنّ اللّه حرّم أولاد الحسين على السباع، فتلقى للسباع.

فعرض عليها ذلك، فاعترفت المرأة بكذبها.

ثمّ قيل للمتوكّل: أ لا تجرّب ذلك فيه؟

فأمر بثلاثة من السباع، فجيء بها في صحن قصره ثمّ دعا به فلمّا دخل من الباب أغلقه، والسباع قد أصمت الأسماع من زئيرها فلمّا مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه، وقد سكنت فتمسحت به ودارت حوله

ص: 145


1- الثاقب في المناقب: 525.
2- الصمم: انسداد الأذن وثقل السمع. لسان العرب 12: 342 (صمم).
3- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 390.
4- دلائل الإمامة: 399.

وهو يمسحها بمكّة ثمّ ربضت فصعد للمتوكّل فتحدّث معه ساعة ثمّ نزل.

ففعلت معه كفعلها الأوّل، حتّى خرج. فأتبعه المتوكّل بجائزة عظيمة.

وقيل للمتوكّل: افعل كما فعل ابن عمّك، فلم يجسر عليه، وقال تريدون قتلي، ثمّ أمرهم أن لا يفشوا ذلك. انتهى(1).

لمّا توجّه أبو جعفر (عليه السلام) من بغداد منصرفا من عند المأمون، ومعه أمّ الفضل، قاصدا بها المدينة، صار إلى شارع باب الكوفة، ومعه الناس يشيّعونه، فانتهى إلى دار المسيّب عند مغيب الشمس؛ نزل ودخل المسجد، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد.

فدعا بكوز فيه ماء، فتوضّأ في أصل النبقة، وقام (عليه السلام) وصلّى بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الاولى منها «الحمد» و«إذا جاء نصر اللّه»، وقرأ في الثانية «الحمد» و«قل هو اللّه أحد».

وقنت قبل ركوعه فيها، وصلّى الثالثة وتشهّد وسلّم، ثمّ جلس هنيهة يذكر اللّه جلّ اسمه، وقام من غير أن يعقّب، فصلّى النوافل أربع ركعات، وعقّب تعقيبها، وسجد سجدتي الشكر، ثمّ خرج.

فلمّا انتهى إلى النبقة، رآها الناس وقد حملت حملا حسنا. فتعجّبوا من ذلك، وأكلوا منه، فوجدوا نبقا حلوا لا عجم له. وودّعوه ومضى من وقته إلى المدينة(2).

عن أبي هاشم الجعفري، قال: صلّيت مع أبي جعفر (عليه السلام) في مسجد المسيّب. وصلّى بنا في موضع القبلة سواء.

ص: 146


1- نور الأبصار: 329.
2- الإرشاد 2: 289.

وذكر أنّ السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق؛ فدعا بماء وتهيّأ تحت السدرة، فعاشت السدرة وأورقت وحملت من عامها(1).

قال محمد بن يحيى: لقيت محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) على وسط دجلة فالتقى له طرفاه حتّى عبر؛ ورأيته بالأنبار على الفرات فعل مثل ذلك(2).

قال عمارة بن زيد: رأيت محمد بن علي (عليهما السلام) ، فقلت له: يا ابن رسول اللّه! ما علامة الإمام؟

قال: إذا فعل هكذا: فوضع يده على صخرة، فبانت أصابعه فيها.

ورأيته يمدّ الحديد بغير نار، ويطبع الحجارة بخاتمه(3).

عن إسماعيل بن عبّاس الهاشمي، قال: جئت إلى أبي جعفر (عليه السلام) يوم عيد، فشكوت إليه ضيق المعاش؛ فرفع المصلّي، فأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها.

فخرجت بها إلى السوق، فكان فيها ستّة عشر مثقالا من الذهب(4).

قال شاذويه: فدخلت منزلي فإذا أنا بزوجتي على شرف لم أجزع لذلك، لأنّ أبا جعفر (عليه السلام) أخبرني: أنّها لم تمت في هذه الولادة، فأفاقت عن قريب، وولدت غلاما ميّتا...

فانثنى أبو جعفر (عليه السلام) إليّ وقال: الحق بابنك فقد أحياه اللّه لك.

قال: فأسرعت إلى منزلي، فتلقّتني البشارة أنّ ابني قد عاش...(5).

ص: 147


1- الكافي 1: 497.
2- دلائل الإمامة: 398.
3- دلائل الإمامة: 399.
4- الثاقب في المناقب: 526.
5- الهداية الكبرى: 306.

عن الحسن بن علي، عن أبيه (عليهما السلام) ، قال: جاء رجل إلى محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) ، فقال: يا ابن رسول اللّه! إنّ أبي قد مات وكان له ألف دينار، ففاجأه الموت، ولست أقف على ماله، ولي عيال كثيرة، وأنا من مواليكم فأغنني.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : إذا صلّيت العشاء الآخرة، فصلّ على محمد وآل محمد مائة مرّة، فإنّ أباك يأتيك ويخبرك بأمر المال.

ففعل الرجل ذلك، فأتاه أبوه في منامه، فقال: يا بنيّ! مالي في موضع كذا فخذه. فذهب الرجل فأخذ الألف دينار وأبوه واقف، فقال: يا بنيّ! اذهب إلى ابن رسول اللّه (عليه السلام) فأخبره بالمال بأنّي قد دللتك عليه، فإنّه كان أمرني بذلك.

فجاء الرجل وأخبره بالمال، وقال: الحمد للّه الذي أكرمك واصطفاك(1).

روي عن الحسن بن علي الوشّاء، قال: كنت بالمدينة ب «صريا»(2)

في المشربة(3) مع أبي جعفر (عليه السلام) .

فقام وقال: لا تبرح.

فقلت في نفسي: كنت أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قميصا من ثيابه، فلم أفعل، فإذا عاد إليّ أبو جعفر (عليه السلام) أسأله.

فأرسل إليّ من قبل أن أسأله، ومن قبل أن يعود إليّ وأنا في المشربة،

ص: 148


1- الثاقب في المناقب: 522.
2- صريا: وهي قرية أسّسها موسى بن جعفر (عليهما السلام) على ثلاثة اميال من المدينة، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 382.
3- المشربة: أرض ليّنة لا يزال فيها نبت أخضر ريّان، والمشربة، والمشربة بالفتح والضمّ: الغرفة، وفي الحديث: أنّ النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان في مشربة له، أى كان في غرفة. لسان العرب 1: 491 (شرب).

بقميص.

وقال الرسول: يقول لك: هذا من ثياب أبي الحسن التي كان يصلّي فيها(1).

عن عبد العظيم بن عبد اللّه بن علي بن الحسن بن زيد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: دخلت على سيّدي محمد بن علي (عليهما السلام) وأنا اريد أن أسأله عن القائم (عليه السلام) أ هو المهدي أو غيره؟

فابتدأني هو فقال: يا أبا القاسم! إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي...(2).

روى عن علي بن جرير قال: كنت عند أبي جعفر ابن الرضا (عليهما السلام) جالسا، وقد ذهبت شاة لمولاة له، فأخذوا بعض الجيران يجرّونهم إليه، ويقولون: أنتم سرقتم الشاة.

فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ويلكم! خلّوا عن جيراننا، فلم يسرقوا شاتكم، الشاة في دار فلان، فاذهبوا فأخرجوها من داره.

فخرجوا، فوجدوها في داره، وأخذوا الرجل وضربوه وخرقوا ثيابه، هو يحلف أنّه لم يسرق هذه، الشاة إلى أن صاروا إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال: ويحكم! ظلمتم هذا الرجل، فإنّ الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها.

فدعاه، فوهب له شيئا بدل ما خرق من ثيابه وضربه(3).

روي عن القاسم بن المحسن، قال: كنت فيما بين مكّة والمدينة فمرّ بي أعرابي ضعيف الحال، فسألني شيئا فرحمته، فأخرجت له رغيفا فناولته إيّاه،

ص: 149


1- الخرائج والجرائح 1: 383.
2- كفاية الأثر: 276.
3- الخرائج والجرائح 1: 376.

فلمّا مضى عنّي هبّت ريح زوبعة، فذهبت بعمامتي من رأسي، فلم أرها كيف ذهبت، ولا أين مرّت؟

فلمّا دخلت المدينة صرت إلى أبي جعفر ابن الرضا (عليهما السلام) ، فقال لي:

يا قاسم! ذهبت عمامتك في الطريق؟ قلت: نعم!

فقال: يا غلام! أخرج إليه عمامته، فأخرج إليّ عمامتي بعينها.

قلت: يا ابن رسول اللّه! كيف صارت إليك؟

قال: تصدّقت على الأعرابي فشكره اللّه لك، وردّ إليك عمامتك، {وإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}(1)(2).

عن عمران بن محمد الأشعري قال: دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فقضيت حوائجي، وقلت: إنّ أمّ الحسن تقرئك السلام، وتسألك ثوبا من ثيابك أجعله كفنا لها.

فقال لي: قد استغنت عن ذلك.

فخرجت لست أدري ما معني ذلك؛ فأتاني الخبر، أنّها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوما، أو أربعة عشر يوما(3).

قال إبراهيم بن سعيد: كنت جالسا عند محمد بن علي (عليهما السلام) إذ مرّت بنا فرس أنثى.

فقال (عليه السلام) : هذه تلد الليلة فلوا(4) أبيض الناصية، في وجهه غرّة.

ص: 150


1- سورة التوبة، الآية:120.
2- الخرائج والجرائح 1: 377.
3- كشف الغمّة 2: 363.
4- الفلو: بكسر الفاء وضمّه وفتحه المهر إذا فطم، وهو ولد الفرس، اقتباس من لسان العرب 15: 161 (فلو).

فعزمته ثمّ انصرفت إلى صاحبها، فلم أزل أحدّثه إلى الليل حتّى أتت بفلو كما وصف، فعدت إليه.

فقال (عليه السلام) : يا ابن سعيد! شككت فيما قلت لك!؟

إنّ امرأتك التي في منزلك، حبلى، تأتي بابن أعور، فولد لي واللّه محمد وكان أعور(1).

عن أبي الصلت الهروي، قال: ... دخل عليّ أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) ، فقال لي: يا أبا الصلت! ضاق صدرك؟

فقلت: إي واللّه!

قال: قم! فأخرجني، ثمّ ضرب يده إلى القيود التي كانت عليّ، ففكّها، وأخذ بيدي وأخرجني من الدار، والحرسة والغلمان يرونني، فلم يستطيعوا أن يكلّموني، وخرجت من باب الدار.

ثمّ قالي لي: امض في ودائع اللّه، فإنّك لن يصل إليه ولا يصل إليك أبدا.

فقال أبو الصلت: فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت(2).

ص: 151


1- نوادر المعجزات: 180.
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 242.

الفصل السابع: في شهادته (عليه السلام)

قبض (عليه السلام) بسم المعتصم أو الواثق لعنة اللّه عليهما(1)، ودفن عند جده (عليهما السلام) في آخر ذي القعدة(2)، أو لست خلون من ذي الحجة(3)، سنة مائتين وعشرين(4)، وكان عمره الشريف خمسا وعشرين(5).

فصلوات اللّه عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيا.

ألا يا قاصد الزوراء عرج***على الغربي من تلك المقاني

ونعليك اخلعن واسجد خضوعا***إذا لاحت لديك القبتان

فتحتهما لعمرك نار موسى***ونور محمد متقارنان(6)

عن ابن بزيع العطّار، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) : الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا. قال: فنظرنا فمات (عليه السلام) بعد ثلاثين شهرا(7).

روي عن ابن مسافر، عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أنّه قال في العشيّة التي

ص: 152


1- الإرشاد 2: 289؛ تهذيب الأحكام 6: 90.
2- الإرشاد 2: 273.
3- دلائل الإمامة: 395؛ مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 379.
4- دلائل الإمامة: 395.
5- الإرشاد 2: 295؛ مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 379.
6- بحار الأنوار 107: 9.
7- كشف الغمّة 2: 363.

توفّي في ليلتها: إنّي ميّت الليلة.

ثمّ قال: نحن معشر إذا لم يرض اللّه لأحدنا الدنيا نقلنا إليه(1).

قال محمد بن الفرج: كتب إليّ أبو جعفر (عليه السلام) : احملوا إليّ الخمس فإنّي لست آخذه منكم سوى عامي هذا.

فقبض (عليه السلام) في تلك السنة(2).

وكان سبب وفاته أنّ أمّ الفضل بنت المأمون لمّا تسرّى (عليه السلام) ورزقه اللّه الولد من غيرها، انحرفت عنه، وسمّته في عنب، وكان تسع عشرة حبّة، وكان يحبّ العنب، ولمّا أكله بكت، فقال:

لم تبكين! ليضربنّك اللّه بفقر لا يجبر، وبلاء لا يستر. فبليت بعلّة في أغمض المواضع، أنفقت عليها جميع ما تملكه حتّى احتاجت إلى رفد الناس(3).

وروي: أمر - أي المعتصم - في اليوم الرابع فلانا من كتّاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله فدعاه...

فلمّا طعم منه أحسّ السمّ، فدعا بدابّته فسأله ربّ المنزل أن يقيم قال:خروجي من دارك خير لك.

فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتّى قبض (عليه السلام) (4).

ص: 153


1- الخرائج والجرائح 2: 773.
2- إعلام الورى 2: 100.
3- دلائل الإمامة: 395
4- تفسير العياشي 1: 320.

الفصل الثامن: في زيارته (عليه السلام)

روي عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش، وقبر الحسين (عليهم السلام) ، فلمّا كان بعد أشهر [زارها رجلان من الشيعة فدعاهما] الوزير الباقطاني، وزجرهما، فقال [لخادمه]: ألق بني الفرات، والبرسيّين، وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة، أن يقبض على كلّ من زار(1).

عن داود الصرمي قال: قلت له - يعني أبا الحسن العسكري (عليه السلام) - إنّى زرت أباك وجعلت ذلك لكم.

فقال (عليه السلام) : لك من اللّه أجر وثواب عظيم ومنّا المحمدة(2).

عن إبراهيم بن عاقبة، قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن زيارة قبر أبي عبد اللّه (عليه السلام) وعن زيارة قبر أبي الحسن وأبي جعفر (عليهما السلام) . فكتب إليّ أبو عبد اللّه (عليه السلام) المقدّم، وهذا(3) أجمع وأعظم أجرا(4).

ص: 154


1- الخرائج والجرائح 1: 465. وبرس: قرية بين الحلّة والكوفة. والمراد بزيارة مقابر قريش زيارة الكاظمين (الإمام موسى الكاظم ومحمد الجواد (عليهما السلام) ).
2- التهذيب 6: 110.
3- قال العلّامة المجلسي (رحمه اللّه) في ذيل الحديث: قوله (عليه السلام) : أبو عبد اللّه المقدّم أي الحسين (عليه السلام) أقدم وأفضل، وزيارته فقط أفضل من زيارة كلّ من المعصومين، ومجموع زيارتيهما أجمع وأفضل. أو المراد أنّ زيارة الحسين (عليه السلام) أولى بالتّقديم، ثمّ إن أضيفت إلى زيارته زيارة الإمامين (عليهما السلام) كان أجمع وأعظم أجرا. أو المعنى أنّ زيارتهما أجمع من زيارته (عليه السلام) وحدها. لأنّ الاعتقاد بإمامتهما يستلزم الاعتقاد بإمامته دون العكس، فكأنّ زيارتهما تشتمل على زيارته، ولأنّ زيارتهما مختصّة بالخواصّ من الشيعة.
4- كتاب المزار: 190.

عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قال: تقول ببغداد:

«السلام عليك يا وليّ اللّه، السلام عليك يا حجّة اللّه، السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض، السلام عليك يا من بدا للّه في شأنه، أتيتك عارفا بحقّك، معاديا لأعدائك، فاشفع لي عند ربّك».

وادع اللّه وسل حاجتك، قال: وتسلّم بهذا على أبي جعفر (عليه السلام) (1).

عن محمد بن جعفر الرزّاز: وسلّم بهذا على أبي جعفر (عليه السلام) ثمّ قال: ثمّ تصلّي صلاة الزيارة فإذا فرغت منها سبّحت تسبيح الزهراء (عليها السلام) وتقول:

«اللّهمّ إليك نصبت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي، فاقبل يا سيّدي توبتي، واغفر لي، وارحمني، واجعل لي في كلّ خير نصيبا، وإلى كلّ خير سبيلا.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد واسمع دعائي، وارحم تضرّعي، وتذلّلي واستكانتي وتوكّلي عليك، فأنا لك سلم، لا أرجو نجاحا ولا معافاة ولا تشريفا إلّا بك ومنك، فامنن عليّ بتبليغي هذا المكان الشريف من قابل، وأنا معافي من كلّ مكروه ومحذور، وأعنّي على طاعتك وطاعة أوليائك

ص: 155


1- الكافي 4: 578.

الّذين اصطفيتهم من خلقك.

اللّهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد، وسلّمني، في ديني، وامدد لي في أجلي، وأصالح لي جسمي، يا من رحمني وأعطاني، وبفضله أغناني، اغفر لي ذنبي وأتمم لي نعمتك فيما بقي من عمري، حتّى توفّاني وأنت عنّي راض.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، ولا تخرجني من ملّة الإسلام فإنّي اعتصمت بحبلك فلا تكلني إلى غيرك.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وعلّمني ما ينفعني، وانفعني بما علّمتني، واملأ قلبي علما وخوفا من سطواتك ونقماتك.

اللّهمّ إنّي أسألك مسألة المضطرّ إليك، المشفق من عذابك، الخائف من عقوبتك، أن تغفر لي وتغمّدني وتحنّن عليّ برحمتك، وتعود عليّ بمغفرتك، وتؤدّي عنّي فريضتك، وتغنيني بفضلك عن سؤال أحد من خلقك، وتجيرني، من النار برحمتك.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وعجّل فرج وليّك وابن وليّك، وافتح له فتحا يسيرا، وانصره نصرا عزيزا.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وأظهر حجّته بوليّك، وأحي سنّته بظهوره حتّى يستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك، ولا يستخفي أحد بشيء من الحقّ.

اللّهمّ إنّي أرغب إليه في دولته الشريفة الكريمة، الّتي تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النفاق وأهله.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، واجعلنا فيها من الداعين إلى طاعتك،

ص: 156

والفائزين في سبيلك، وارزقنا كرامة الدنيا والآخرة.

اللّهمّ ما أنكرنا من الحقّ فعرّفناه، وما قصرنا عنه فبلّغناه.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، واستجب لنا جميع ما دعوناك، وأعطنا جميع ما سألناك، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين، ولآلائك من الذاكرين، واغفر لنا يا خير الغافرين، وافعل بنا وبالمؤمنين ما أنت أهله يا أرحم الراحمين».

ثمّ اسجد وعفّر خدّيك وامض في دعة اللّه(1).

عن أبي الحسن (عليه السلام) : قال: إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن علي (عليهم السلام) فاغتسل، وتنظّف، وألبس ثوبيك الطاهرين، وزر قبر أبي الحسن موسى بن جعفر، ومحمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) ، وقل حين تصير عند قبر موسى بن جعفر (عليهما السلام) :

«السلام عليك يا وليّ اللّه، السلام عليك يا حجّة اللّه، السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات أرض، السلام عليك يا من بدأ للّه في شأنه.

اتيتك زائرا لا عارفا بحقّك، معاديا لأعدائك، مواليا لأوليائك، فاشفع لي عند ربّك يا مولاي».

ثمّ سل حاجتك.

ثمّ سلّم على أبي جعفر محمد الجواد (عليه السلام) بهذه الأحرف، وابدأ بالغسل، وقل:

«اللّهمّ صلّ على محمد بن علي، الإمام البرّ التقي، الرضي المرضي، وحجّتك على من فوق الأرضين ومن تحت الثّرى، صلاة كثيرة تامّة زاكية

ص: 157


1- بحارالأنوار 99: 10.

مباركة متواصلة متواترة مترادفة، كأفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك.

السلام عليك يا وليّ اللّه، السلام عليك يا نور اللّه، السلام عليك يا حجّة اللّه، السلام عليك يا إمام المؤمنين، السلام عليك يا خليفة النبيّين، وسلالة الوصيّين.

السّلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض، أتيتك زائرا عارفا بحقّك، معاديا لأعدائك، مواليا لأوليائك، فاشفع لي عند ربّك يا مولاي».

ثمّ سل حاجتك، فإنّها تقضي إن شاء اللّه تعالى(1).

الشيخ المفيد (رحمه اللّه) : تقف على قبر أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، وتستقبله بوجهك وتقول:

«السلام عليك يا وليّ اللّه، السلام عليك يا حجّة اللّه، السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض.

أشهد أنّك قد بلّغت عن اللّه ما حمّلت، وحفظت ما استودعت، وحلّلت حلال اللّه، وحرّمت حرام اللّه، وأقمت حدود اللّه، وتلوت كتاب اللّه، وصبرت على الأذى في جنب اللّه محتسبا، وعبدته مخلصا حتّى أتاك اليقين.

أبرأ إلى اللّه وإليك من أعدائك، مستبصرا بالهدى الذي أنت عليه، عارفا بضلالة من خالفك، اشفع لي عند ربّك.»

ثمّ قبّل التربة، وضع خدّك الأيمن عليها، وتحوّل إلى عند الرأس، وقل:

«السلام عليك يا حجّة اللّه في أرضه وسمائه».

وتصلّي ركعتين، ثمّ تحوّل إلى عند الرجلين، فتدعو بما أحببت.

وتزور أبا جعفر (عليه السلام) بهذه الزيارة(2).

ص: 158


1- كامل الزيارات: 502.
2- المزار: 193.

السيّد بن طاوس (رحمه اللّه) : إذا أردت زيارته (عليه السلام) فينبغي أن تغتسل، ثمّ تأتي المشهد المقدّس وعليك السكينة والوقار، فإذا أتيته فقف على بابه، وقل:

«اللّه أكبر، اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر، الحمد للّه على هدايته لدينه، والتوفيق لما دعا إليه من سبيله.

اللّهمّ إنّك أكرم مقصود وأكرم مأتي، وقد أتيتك متقرّبا إليك بابن بنت نبيّك صلواتك عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الطيّبين.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، ولا تخيّب سعيي، ولا تقطع رجائي.

واجعلني عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين».

ثمّ تقدّم رجلك اليمنى عند الدخول، وتقول:

«بسم اللّه وباللّه، وفي سبيل اللّه، وعلى ملّة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

اللّهمّ اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات».

فإذا وصلت إلى باب القبّة، فقف عليه واستأذن، وقل:

«أ أدخل يا رسول اللّه، أ أدخل يا نبيّ اللّه، أ أدخل يا محمد بن عبد اللّه.

أ أدخل يا أمير المؤمنين، أ أدخل يا أبا محمد الحسن، أ أدخل يا أبا عبد اللّه الحسين، أ أدخل يا أبا محمد علي بن الحسين، أ أدخل يا أبا جعفر محمد بن علي، أ أدخل يا أبا عبد اللّه جعفر بن محمد، أ أدخل يا مولاي يا أبا الحسن موسى بن جعفر، أ أدخل يا مولاي يا أبا جعفر، محمد بن علي». فإذا دخلت فكبّر اللّه (أربعا)...».

تقف على قبر الجواد صلوات اللّه عليه وتقبّله، وتقول:

«السلام عليك يا أبا جعفر محمد بن علي البرّ التّقي، الإمام الوفي، السلام عليك أيّها الرضي الزكي، السلام عليك يا ولي اللّه، السلام عليك يا نجي اللّه.

ص: 159

السلام عليك يا سفير اللّه، السلام عليك يا سرّ اللّه، السلام عليك يا ضياء اللّه.

السلام عليك يا سناء اللّه، السلام عليك يا كلمة اللّه، السلام عليك يا رحمة اللّه، السلام عليك أيّها النور الساطع، السلام عليك أيّها البدر الطالع، السلام عليك أيّها الطيّب من الطيّبين، السلام عليك أيّها الطاهر من المطهّرين.

السلام عليك أيّها الآية العظمى، السلام عليك أيّها الحجّة الكبرى.

السلام عليك أيّها المطهّر من الزلّات، السلام عليك أيّها المنزّه عن المعضلات.

السلام عليك أيّها العلي عن نقص الأوصاف، السلام عليك أيّها الرضي عند الأشراف، السلام عليك يا عمود الدين.

أشهد أنّك ولي اللّه وحجّته في أرضه، وأنّك جنب اللّه وخيرة اللّه، ومستودع علم اللّه، وعلم الأنبياء، وركن الإيمان، وترجمان القرآن.

وأشهد أنّ من اتّبعك، على الحقّ والهدى، وأنّ من أنكرك ونصب لك العداوة، على الضلالة والردى، أبرأ إلى اللّه وإليك منهم في الدنيا والآخرة.

والسلام عليك ما بقيت وبقي الليل والنهار».

(الصلاة عليه، (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ).

«اللّهمّ صلّ على محمد وأهل بيته، وصلّ على محمد بن علي الزكيّ التقيّ، والبرّ الوفيّ، والمهذّب النقيّ، هادي الأمّة، ووارث الأئمّة، وخازن الرحمة، وينبوع الحكمة، وقائد البركة، وعديل القرآن في الطاعة، وواحد الأوصياء في الإخلاص والعبادة، وحجّتك العليا، ومثلك الأعلى، وكلمتك الحسنى.

الداعي إليك، والدالّ عليك، الذي نصبته علما لعبادك، ومترجما لكتابك،

ص: 160

وصادعا بأمرك، وناصرا لدينك، وحجّة على خلقك، ونورا تخرق به الظلم، وقدوة تدرك بها الهداية، وشفيعا تنال به الجنّة.

اللّهمّ وكما أخذ في خشوعه لك حظّه، واستوفى من خشيتك نصيبه.

فصلّ عليه أضعاف ما صلّيت على ولي ارتضيت طاعته، وقبلت خدمته.

وبلّغه منّا تحيّة وسلاما، وآتنا في موالاته من لدنك فضلا وإحسانا، ومغفرة ورضوانا، إنّك ذو المنّ القديم، والصفح الجميل».

ثمّ صلّ صلاة الزيارة، فإذا سلّمت، فقل:

«اللّهمّ أنت الرب وأنا المربوب، وأنت الخالق وأنا المخلوق.

وأنت المالك وأنا المملوك، وأنت المعطي وأنا السائل.

وأنت الرازق وأنا المرزوق، وأنت القادر وأنا العاجز.

وأنت الدائم وأنا الزائل، وأنت الكبير وأنا الحقير، وأنت العظيم وأنا الصغير.

وأنت المولى وأنا العبد، وأنت العزيز وأنا الذليل، وأنت الرفيع وأنا الوضيع.

وأنت المدبّر وأنا المدبّر، وأنت الباقي وأنا الفاني، وأنت الديّان وأنا المدان.

وأنت الباعث وأنا المبعوث، وأنت الغني وأنا الفقير، وأنت الحي وأنا الميّت.

تجد من تعذّب - يا ربّ - غيري، ولا أجد من يرحمني غيرك.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وارحم ذلّي بين يديك، وتضرّعي إليك، ووحشتي من الناس، وأنسي بك يا كريم، ثمّ تصدّق عليّ في هذه

ص: 161

الساعة برحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلمّ بها شعثي، وتبيّض بها وجهي، وتكرم بها مقامي، وتحطّ بها عنّي وزري، وتغفر بها ما مضى من ذنوبي، وتعصمني فيما بقي من عمري. وتستعملني في ذلك كلّه بطاعتك، وما يرضيك عنّي؛ وتختم عملي بأحسنه، وتجعل لي ثوابه الجنّة، وتسلك بي سبيل الصالحين على صالح ما أعطيتهم؛ ولا تنزع منّي صالحا أعطيتنيه أبدا، ولا تردّني في سوء استنقذتني منه أبدا.

ولا تشمت بي عدوّا ولا حاسدا، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا.

ولا أقلّ من ذلك ولا أكثر يا ربّ العالمين.

اللّهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وأرني الحقّ حقّا فأتّبعه، والباطل باطلا فأجتنبه، ولا تجعله عليّ متشابها فأتّبع هواي بغير هدى منك، واجعل هواي تبعا لطاعتك، وخذ رضا نفسك من نفسي، واهدني لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك، إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».

ثمّ ادع بما أحببت(1).

السيد بن طاوس (رحمه اللّه) : زيارة ثانية يزار بها [قبر الجواد] صلوات اللّه عليه:

«السلام على الباب الأقصد، والطريق الأرشد، والعالم المؤيّد، ينبوع الحكم، ومصباح الظلم، سيّد العرب والعجم، الهادي إلى الرشاد، الموفّق بالتأييد والسداد.

مولاي أبي جعفر محمد بن علي الجواد؛ أشهد - يا ولي اللّه - أنّك أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وجاهدت في اللّه حقّ جهاده، وعبدت اللّه مخلصا حتى أتاك اليقين، فعشت سعيدا،

ص: 162


1- مصباح الزائر: 377 و 395.

ومضيت شهيدا.

يا ليتني كنت معكم، فأفوز فوزا عظيما، ورحمة اللّه وبركاته».

ثمّ قبّل التربة، وضع خدّك الأيمن عليها، وصلّ ركعتين للزيارة.

وادع بعدهما بما تشاء(1).

السيّد بن طاوس (رحمه اللّه) : زيارة ثالثة يزار بها [أبو جعفر الجواد (عليه السلام) ] تقف عليه وأنت مستقبله بوجهك، وتقول:

«السلام عليك يا صفي اللّه، السلام عليك يا حبيب اللّه، السلام عليك يا ولي اللّه، السلام عليك يا حجّة اللّه، السلام عليك يا نور اللّه، السلام عليك يا خيرة اللّه.

السلام عليك أيّها الإمام ابن الإمام، السلام عليك يا ابن سيّد جميع الأنام.

السلام عليك أيّها المبرأ من الآثام، السلام عليك أيّها الداعي إلى الحقّ والهدى.

السلام عليك أيّها المزيل للشك والعمى والردى.

السلام عليك أيّها الداعي إلى الخير والسداد.

السلام عليك أيّها المعروف بأبي جعفر محمد بن علي الجواد.

السلام عليك يا ابن خير الأنام، السلام عليك يا ابن الأئمّة الكرام.

السلام عليك يا خازن العلم ومعدن الحكمة. السلام عليك أيّها المؤيّد بالعصمة.

السلام عليك يا مولاي يا أبا جعفر محمد بن علي ورحمة اللّه وبركاته.

أشهد أنّك يا مولاي، أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف،

ص: 163


1- مصباح الزائر: 399.

ونهيت عن المنكر، وتلوت الكتاب حقّ تلاوته، وجاهدت في اللّه حقّ جهاده.

وصبرت على الأذى في جنبه، وعبدت اللّه مخلصا حتّى أتاك اليقين.

أنا أبرأ إلى اللّه من أعدائك، وأتقرّب إلى اللّه بموالاتك.

أتيتك يا ابن رسول اللّه زائرا، عارفا بحقّك، عائذا بقبرك، مقرّا بفضلك، مواليا لمن واليت، معاديا لمن عاديت، مستبصرا بشأنك، وبضلالة من خالفك، مستشفعا بك إلى اللّه ليغفر بك ذنوبي، ويتجاوز عن سيّئاتي، فاشفع لي عند ربّك».

ثمّ تنكبّ على القبر، وتقبّله، وتدعو بما تريد(1).

السيّد بن طاوس (رحمه اللّه) : يوم الأربعاء، وهو باسم موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين، زيارتهم (عليهم السلام) :

«السلام عليكم يا أولياء اللّه، السلام عليكم يا حجج اللّه، السلام عليكم يا نور اللّه في ظلمات الأرض، السلام عليكم صلوات اللّه عليكم وعلى آلبيتكم الطيّبين الطاهرين، بأبي أنتم وأمّي لقد عبدتم اللّه مخلصين، وجاهدتم في اللّه حقّ جهاده حتّى أتاكم اليقين.

فلعن اللّه أعدائكم من الجنّ والإنس أجمعين، وأنا أبرأ إلى اللّه وإليكم منهم.

يا مولاي، يا أبا إبراهيم موسى بن جعفر، يا مولاي يا أبا الحسن علي بن موسى، يا مولاي يا أبا جعفر محمد بن علي، يا مولاي يا أبا الحسن علي بن محمد، أنا مولى لكم، مؤمن بسرّكم وجهركم، متضيّف بكم في يومكم هذا، وهو يوم الأربعاء ومستجير بكم، فأضيفونى وأجيرونى بال بيتكم

ص: 164


1- مصباح الزائر: 400.

الطيّبين الطاهرين»(1).

الشهيد الأوّل (رحمه اللّه) : في زيارة مولانا أبي جعفر محمد بن علي الجواد (عليهما السلام) وهو بظهر جدّه (عليه السلام) تقف عليه بعد فراغك من زيارة جدّه وتقول:

«السلام عليك يا ولي اللّه، السلام عليك يا حجّة اللّه، السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض، السلام عليك يا ابن رسول اللّه، السلام عليك وعلى آبائك، السلام عليك وعلى أبنائك، السلام عليك وعلى أوليائك.

أشهد أنّك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، وتلوت الكتاب حقّ تلاوته، وجاهدت في اللّه حقّ جهاده، وصبرت على الأذى في جنبه حتّى أتاك اليقين.

أتيتك زائرا عارفا بحقّك، مواليا لأوليائك، معاديا لأعدائك، فاشفع لي عند ربّك».

ثمّ قبّل القبر، وضع خدّيك عليه، ثمّ صلّ ركعتين للزيارة، وصلّ بعدهما ما شئت.

ثمّ اسجد، وقل: «ارحم من أساء واقترف، واستكان واعترف».

ثمّ اقلب خدّك الأيمن، وقل: «إن كنت بئس العبد، فأنت نعم الربّ».

ثمّ اقلب خدّك الأيسر، وقل: «عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك يا كريم».

ثمّ تعود إلى السجود، وتقول: «شكرا، شكرا» مائة مرّة(2).

الشهيد الأوّل (رحمه اللّه) : زيارة أخرى لهما [أي لأبي الحسن موسى وأبي جعفر

ص: 165


1- جمال الأسبوع: 40.
2- المزار للشهيد: 215.

الجواد (عليهما السلام) ] فإذا أردت ذلك قف على ضريحها الطاهر وقل:

«السلام عليكما يا وليّي اللّه، السلام عليكما يا حجّتي اللّه، السلام عليكما يا نوري اللّه في ظلمات الأرض.

أشهد أنّكما قد بلّغتما عن اللّه ما حمّلكما، وحفظتما ما استودعتما، وحلّلتما حلال اللّه، وحرّمتما حرام اللّه، وأقمتما حدود اللّه، وتلوتما كتاب اللّه، وصبرتما على الأذى في جنب اللّه محتسبين، حتّى أتاكما اليقين، أبرأ إلى اللّه من أعدائكما، وأتقرّب إلى اللّه بولايتكما، أتيتكما زائرا عارفا بحقّكما، مواليا لأوليائكما، معاديا لأعدائكما، مستبصرا بالهدى الذي أنتما عليه، عارفا بضلالة من خالفكما، فاشفعا لي عند [اللّه] ربّكما، فإنّ لكما عند اللّه جاها [عظيما]، ومقاما محمودا».

ثمّ قبّل التربة، وضع خدّك الأيمن عليها، وتحوّل إلى عند الرأس فقل:

«السلام عليكما يا حجّتي اللّه في أرضه وسمائه، عبدكما ووليّكما زائركما متقرّبا إلى اللّه بزيارتكما.

اللّهمّ اجعل لي لسان صدق في أوليائك المصطفين، وحبّب إليّ مشاهدهم، واجعلني معهم في الدنيا والآخرة، يا أرحم الراحمين».

وتصلّي لكلّ إمام، ركعتين زيارة مندوبا، وتدعو بما أحببت(1).

الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) : أخبرنا جماعة من أصحابنا، عن أبي المفضّل الشيباني، قال: حدّثنا أبو محمد عبد اللّه بن محمد العابد بالدالية لفظا، قال:

سألت مولاي أبا محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) في منزله بسرّمنرأى، سنة خمس وخمسين ومائتين أن يملي عليّ من الصلاة على النبيّ وأوصيائه عليه

ص: 166


1- المزار: 216.

وعليهم، السلام وأحضرت معي قرطاسا كثيرا، فأملى عليّ لفظا من غير كتاب.

الصلاة على النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... الصلاة على محمد بن علي بن موسى (عليهم السلام) :

«اللّهمّ صلّ على محمد بن علي بن موسى، علم التقى، ونور الهدى، ومعدن الوفاء، وفرع الأزكياء، وخليفة الأوصياء، وأمينك على وحيك.

اللّهمّ وكما هديت به من الضلالة، واستنقذت به من الحيرة، وأرشدت به من اهتدى، وزكّيت من تزكّى، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك إنّك عزيز حكيم...»(1).

العلّامة المجلسي (رحمه اللّه) : «السلام والصلاة على محمد بن علي الجواد (عليهما السلام) . السلام على الإمام، ابن الإمام، وابن سيّد الأنام، هادي العباد، وشافع يوم التناد، محمد بن علي الجواد.

السلام عليك يا ابن سيّد المرسلين، وابن خير الوصيّين، وسمّي نبيّ ربّ العالمين، والإمام المجتبى، وابن الخليفة الرضا.

اللّهمّ صلّ عليه في الملأ الأعلى، وبلّغه الدرجات العلى، واجزه عنّا خير جزاء المحسنين، وشفّعه فينا يوم الدين، وأبلغه منّا التحيّة والسلام، واردد علينا منه التحيّة والسلام. والسلام عليه ورحمة اللّه وبركاته»(2).

ص: 167


1- مصباح المتهجّد: 399 و 404.
2- بحار الأنوار 99: 226.

الفصل التاسع: ما قالوا فيه (عليه السلام)

اشارة

عن الريّان بن شبيب قال: ... [فقال المأمون]:

وأمّا أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قد اخترته لتبريزه على كافّة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنّه، والاعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للنّاس ما قد عرفته منه، فيعلموا أنّ الرأي ما رأيت فيه.

فقالوا: إنّ هذا الفتى وإن راقك منه هديه، فإنّه صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدّب، ويتفقّه في الدين، ثمّ اصنع ما تراه بعد ذلك.

فقال لهم: ويحكم! إنّي أعرف بهذا الفتى منكم، وإنّ هذا من أهل بيت، علمهم من اللّه، وموادّه وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبيّن لكم به ما وصفت من حاله... .

فقال لهم: ويحكم! إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال...(1).

عن محمد بن الحسن بن عمّار، قال: كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالسا بالمدينة... إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) المسجد - مسجد رسول اللّه - فوثب علي بن جعفر بلا حذاء ولا رداء، فقبّل يده

ص: 168


1- الإرشاد 2: 282.

وعظّمه، ...

فلمّا رجع علي بن جعفر إلى مجلسه، جعل أصحابه يوبّخونه...

فقال: اسكتوا! ... بل أنا له عبد(1).

عن الحسين بن أحمد التميمي... ثمّ قال [الأسقف]: يوشك أن يكون هذا الرجل [أبو جعفر الثاني (عليه السلام) ] نبيّا أو من ذرّيّة نبيّ(2).

وكان المأمون مشعوفا بأبي جعفر (عليه السلام) . لما قد رأى من فضله مع صغر سنّه، وبلوغه في العلم، والحكمة، والأدب، وكمال العقل، ما لم يساوه فيه أحد من أهل العلم، من أهل ذلك الزمان... وكان متوفّرا على الكرامة وتعظيمهم وإجلاله قدره(3).

قال العلامة الإربلي رحمه اللّه: الجواد (عليه السلام) في كل أحواله جواد وفيه يصدق قول اللغوي جواد من الجوده، من أجواد، فاق الناس بطهارة العنصر وزكاء الميلاد وافترع قُلة العلاء، فما فاز به احد ولا كاد مجده عالي المراتب، ومكانته الرفيعة تسمو على الكواكب، ومنصبه يشرُف على المناصب، إذا آنس الوفد ناراً قالوا ليتها ناره لا نار غالب.

تتارج المكارم من أعطافه، ويقطر المجد من أطرافه وتًٌروى أخبار السماح عنه وعن آبائه واسلافه، فطوبى لمن سعى في ولائه والويل لمن رغب في خلافه

بهم اتضحت سبل الهدى وبهم سُلَم من الردى وبحبهم تُرجى النجاة

ص: 169


1- الكافي 1: 322.
2- مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 4: 389.
3- تاج المواليد، ضمن المجموعة النفيسة: 129.

والفوز غداً وهم أهل المعروف وأولو الندى(1).

ابن الصبّاغ: فقال الشيخ كمال الدين بن طلحة: مناقب أبي جعفر محمد الجواد، ما اتّسعت جلباب مجالها، ولا امتدّت أوقات آجالها، بل قضت عليه الأقدار الإلهيّة بقلّة بقائه في الدنيا بحكمها وسجالها، فقلّ في الدنيا مقامه، وعجّل عليه فيها حمامه.

فلم تطل لياليه، ولا امتدّت أيّامه، غير أنّ اللّه خصّه بمنقبة أنوارها متألّقة في مطالع التعظيم، وأخبارها مرتفعة في معارج التفضيل والتكريم(2).

الشبلنجي: وإن كان [الجواد (عليه السلام) ] صغير السنّ، فهو كبير القدر، رفيع الذكر، ومناقبه (عليه السلام) كثيرة(3).

الإمام الجواد (عليه السلام) في الشعر

أزجي ثنائي و ثناءَ العبادْ***لساحةِ الطُهرِ الإمامِ الجواد ْ

نالَ مِنَ الرَفعة ِ ما لم يَنلْ***شبيهَهَا أهلُ التُقى والسَداد

قد أرشدَ الناسَ لِدربِ الهُدى***يَهدي البرايا لسبيلِ الرشاد

أعراقُهُ كالزَهرِ فَوّاحةٌ***أخلاقُهُ تفوقُ حَصرَ العِداد

يقضي مِنَ الحاجاتِ ما استَصعَبَتْ***لِذلكمْ سَمّوهُ «بابَ المُراد»

وكان كنزَ العلمِ نورَ الهدى***تَحنُو خُضوعاً منه سبعٌ شِداد

قد غَمَرَ الناسَ بألطافِهِ***فَكمْ لهُ على الوَرى مِن أياد

كأنّما جَبهتُهُ مشعل ٌ***نورُ مُحيّاهُ يُضيءُ البلاد

ص: 170


1- كشف الغمة 2: 370.
2- الفصول المهمّة: 266.
3- نور الأبصار: 326.

بهِ استقامَ الحقُّ في عصرِهِ***فَهْوَ لدينِ اللّهِ أقوى عِماد

سَلْ علمَهُ مجلسَ يحيى وسَلْ***عن نُبلِهِ وفضلِهِ كلَّ ناد

ذا حجة ُ اللّهِ على خلقِهِ***يَعرفُهُ الحاضرُ منهم وباد

مِن أهلِ بيتٍ حبّهم طاعةٌ***يَنفعُ في الدنيا ويومِ المعاد(1)

* * *

سموت وأنت سر في اعتقادي***بمنزلة الشغاف من الفؤاد

ورمز للأصابة والتسامي***وفيض للإحاطة والسداد

وكنز من كنوز العلم أضفي***على الآفاق باب الاجتهاد

وركب من فتوة هاشمي***حثيث الخطو، صلب الانقياد

ركينا... لم تزلزله الرزايا***وقد لاقى صنوف الاضطهاد

وتعركه الصروف فيحتويها***حديد الطرف، ممتنع الرقاد

يدير الحق في عزو وحزم***ويمضي الأمر في أي اعتداد

لقد نفست بك الدنيا فريدا***فحزت المجد فيها بانفآراد

تعج بك المآثر والمعالي***وتفتخر الحواضر والبوادي

رأى التاريخ فيك عميد قوم***رفيع الشأن منتصب العماد

فقلدك الخلود... وكنت فذا***بعيد الغور، رحب الامتداد

تجلى نورك الألق انقيادا***فغطى كل نور واتقاد

فأنت لكل وكروة فتاها***وأنت الصوت فيها والمنادي

سليل محمد، وجنى علي***وصنو طريف مجد والتلاد

فما (سقراط) إلا مستمد***لحكمتك المنوطة بالرشاد

و(رسطاليس) قد قصرت يداه***و(أفلاطون) دونك في العداد

ص: 171


1- للمرجع آية اللّه العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي رضوان اللّه عليه.

و(رسطاليس) قد قصرت يداه***و(أفلاطون) دونك في العداد

وكل فضيلة رسمت... تنادي***بفضلك والشمائل والأيادي

أراد اللّه رفعك سرمديا***فأنى تستطيل يد العباد

وأنى يستعيد الشعر معنى***وأنت بكل معنى مستعاد

إذا الأحباب قد منعوا مقالا***فقد نشرت فضائلك الأعادي

وإن حبس اللسان القول عيا***فمجدك ناطق في كل نادي

وإن عصفت بمغناك الرزايا***فذكرك سائر بين البلاد

تؤم ضريحك الأرج المندي***وفود اللّه من حضر وبادي

فيعمر بالصلاة وبالتناجي***ويزهر بالدعاء وبالسهاد

كأن المسك ضمخ جانبيه***بأشذاء الروائح والغوادي

يباكره الندى غضا نديا***ويسقي روضه صوب العهاد(1)

* * *

حدّث فإنك في الأجيال نشّاء***وقل فمنا إلى ما ضيك أصغاء

مرت بمسرحك الأحقاب عابرة***وعندها صور بيض وسوداء

فعامرات من الإيمان يملأها***وفارغات من الوجدان جوفاء

وعاطرات كأن الورد وشحها***ومنتنات فأقذار وأقذاء

ومائرات من الأخلاق طابعها***وفاجرات من الأجرام عوراء

شتان بين مناحيها فواحدة***هزيلة العقل في التفكير عجفاء

مستامة ترتعي أقصى مطامحها***عود ودن وماخور وهيفاء

ومعشر حلقت بالروح صافية***مما يدنس قدس النفس غبراء

ما أترعت جامها خزيا ولا رتعت***في مرتع وخم عقباه شوهاء

ص: 172


1- للشيخ محمد حسين الصغير.

يعاقر الليل كاساً من مدامعه***وتسكر الفجر من نجواه أصداء

وتعبق الأرض طيباً من مساجده***وترتوي من صبيب الدمع حصباء

مراوحا بين كفيه وجبهته***ما مسهن لعظم الشوق أعياء

حتى إذا الصبح أرخى من غلائله***وما زجت سبحات النور أنداء

شعت له من سماء الفكر صافية***بالعلم والحلم والتوجيه أضواء

هيا بنا لربي (الزوراء) نسألها***عن ثلتين هما موتى وأحياء

فقد مشت وبني العباس سامرة***في ألف ليلة حيث العيش سراء

تجبك أن ديار الظلم خاوية***وإن للمتقين الخلد ما شاؤوا

ومل إلى (الكرخ) وانظر قبة شمخت***تجاذبتها الثريا فهي شماء

وحي فيها (جواداً) من أنامله***سحابة الفضل والإنعام وكفاء

يا ابن البتول وحسبي من مآثرها***بأنها في مجالي المجد (زهراء)

كم رام منك بنو العباس ما عجزوا***عنه وفي فشل من غدرهم باؤوا

جاؤوا (ويحيى) بحشد من مسائلهم***فرحت توسعهم شرحاً لما جاؤوا

حتى إذا وهنو ألقيت مسألة***كل المفوه عنها فهو فأفاء

وعند قطع يمين السارق اختلفوا***فكان منك برغم القوم افتاء

هو الصواب ووحي اللّه مدركه***وكيف لا وبه جبرائيل غداء

وفي أحاديث طي الأرض مكرمة***لدى أبي الصلت منها ثم أنباء

يا نفحة الروض في ريا شمائله***وطلعة البدر حيث البدر وضاء

وعبقة من أريج المجد أنجبها***(محمد وعلي) فهي أشذاء

وخفقة النور من إشعاع (فاطمة)***تحدرت فهي اشعاع ولألاء

يا ليت كفاً سقتك السم واهتصرت***نامي شبيبتك الفينان أشلاء

تحش منك نياط القلب ناقعة***من السموم ويبري جسمك الداء

ص: 173

ملقى على السطح لم يحضرك من أحد***تصارع الموت لا ظل ولا ماء

حتى قضيت برغم المجد منفردا***لم يكتنفك أحباء وأبناء(1)

* * *

إن أردت النجاة يوم المعاد***جد بدمع على الإمام الجوادِ

لست أنساه حين أشخصه المأ***مون من يثرب إلى بغدادِ

قد قضى في بغدادَ وهو غريبٌ***بفؤاد من شعلة السّمِّ صادِ

والتي قدّمت له السّمَّ أم ال***فضل بغضاً منها لأم الهادي

تركوا نعشه بقنطرة البر***دان ملقىً آل الشقا والعنادِ

فاستماتت أشياعه نحو حمل ال***نعش كي لا يبقى رهين الوهادِ

وسرى فيهم الحماس إلى أن***حملوه رفعاً على الأجيادِ

ما بقي مثل جده السبط عاري ال***جسم تعدوا على قراه العوادي

تركوا جسمه ثلاثاً وعلَّوا***رأسه في رؤوس سمر الصعادِ

وسروا في نسائه حاسرات***يا لقومي بين الرجال بوادِ

وتراها يا خيرة اللّه في السب***ي وستر الوجوه منها الأيادي(2)

* * *

حماد حماد للمثنى حماد***على آلاء مولانا الجوادِ

إمام هدى له شرف ومجد***علا بهما على السبع الشدادِ

إمام هدى له شرف ومجد***أقرّ به الموالي والمعادي

تصوب يداه بالجدوى فتغني***عن الأنواء في السنة الجماد

يبخّل جود كفّيه إذا ما***جرى في الجود منهلّ الغَوَادِ

ص: 174


1- للشيخ أحمد الوائلي.
2- للسيد مهدي الحسيني الأعرجي.

بنى من صالح الأعمال بيتاً***بعيد الصيت مرتفع العمادِ

وشاد من المفاخر والمعالي***بناء لم يشده قوم عادِ

فواضله وأنعمه غزار***عهدن أبرّ من سح العِهَادِ

ويقدم في الوغى إقدام ليث***ويجري في الندى جري الجوادِ

فمن يرجو اللحاق به إذا ما***أتى بطريف فخر أو تلادِ

من القوم الذين أقرّ طوعاً***بفضلهم الأصادق والأعادي

أياديهم وفضلهم جميعاً***قلائد محكمات في الهوادي

بهم عرف الورى سبل المعالي***وهم دلّوا الأنام على الرشادِ

وهم أهل المعالي والمعاني***وهم أهل العطايا والأيادي

سموا في الحلم قيساً وابن قيس***وإن قالوا فمن قسّ الأيادي

وهذا مذهب في الشعر جار***وأين من الرُّبا خفض الوِهَادِ

لهم أيد جبلن على سماح***وأفعال طبعن على سدادِ

وهم من غير ما شك وخلف***إذا أنصفت سادات العبادِ

أيا مولاي دعوة ذي ولاء***إليكم ينتمي وبكم ينادي

يقدّم حبّكم ذخراً وكنزاً***يعود إليه في يوم المعادِ

جرى بمديح مجدكم لساني***فأصبح ديدني فيكم وعادي

ففيكم رغبتي وعلى هواكم***محافظتي وحبّكم اعتقادي

إذا محض الوداد الناس قوماً***محضتكم وإن سخطوا ودادي

وكيف يجوز عن قصد لساني***وقلبي رائح بهواك غادي

ومما كانت الحكماء قالت***لسان المرءِ من خدم الفؤادِ

وقد قدّمتكم زاداً لسيري***إلى الأخرى ونعم الزاد زادي

ص: 175

فأنتم عدّتي إن ناب دهر***وأنتم إن عرى خطب عتادي(1)

* * *

نَفَتْ عن مُقلتي طِيبَ الرُقادِ***أحاديثُ الصَبابة في سُعادِ...

لكم غَزَلي ومدحي في إمامي***أبي الهادي (محمد الجوادِ)

هو البَرُّ التقيّ، حمى البرايا***وغَيث المجتدي، غوثُ المنادي

إمامٌ، أوجَبَ الباري وِلاهُ***وطاعَتَه على كلِّ العبادِ

دليلُ بني الهداية، خير داع***إلى ربّ السماء، وخيرُ هادي

إمامُ هُدىً، مقامُ علاه أضحتْ***به الأملاكُ رائحةً غَوادي

تُقَبِّلُ منه أرضاً، قد أنافتْ***بِرِفعتها على السبْع الشدادِ

مِن الغُرّ الأُلى فيهم تجلَّت***لِرُوّاد الهدى سُنَنُ الرشادِ

ومَن في فضلهم طَوعاً وكُرهاً***قد اعترف المُوالي والمعادي

بِهِم كُتُبُ السما نطقتْ، وكم مِن***حديث جاء من أهل السدادِ

وَقَبْل وجودِهم قد كان يدعو***بهم قُسُّ بن ساعدة الأيادي

تَخذْتُ ولاءَهم ديناً لأني***رأيتُ ولاءَهم خيرَ العتادِ

وهُمْ حِصني إذا ما ناب خَطبٌ***وهم مغنى انتجاعي وارتيادي

ومنهُم نعمتي، وهُمُ رجائي***وهم ذخري الطريف مع التلادِ

إذا ما سُدَّت الأبواب فاقصُد***(جواد) بني الهُدى، باب المرادِ

ترى باباً، به الحاجاتُ تُقضي***ومُنتجَعاً، خَصيبَ المسترادِ

ومولىً فيه تلتجئ البرايا***لدى الجلّى وفي السنة الجمادِ

لِطُلاّب الحوائج مِن نداه***تزاحمت العوائدُ والبوادي

على وفّادِه كالغيث تهمى***يداه، مدى الزمان بلا نفادِ

ص: 176


1- للعلامة الإربلي.

بحارُ علومه، عِلم البرايا***لَدى زخّارها شِبْه الثِمادِ

رأى دينُ المهيمن منه شهماً***كريمَ الذَّبِّ عنه والذيادِ

فكان بِظِلّه في خير أمْن***به لم يَخشَ غائلة الأعادي

وكم ظهرت له من مُعجزات***رآهُنَّ الحواضرُ والبوادي

وما ارتدعوا بنو العباس عَمّا***قلوبُهُم حَوَتْهُ من عنادِ

فَسامُوهُ الأذى حَسَداً بِبَغي***لهم قد فاق شراً بغي عادِ

ودَسَّ لِقَتله سُمّاً ذُعافاً***زنيمٌ، ليس يؤمن بالمعادِ

فأغضَبَ رَبَّه فيما جَناهُ***وأرضى (أحمد بن أبي دؤادِ)

وباتَ الطُهر، والأحشاءُ منه***بها نارُ الأسى ذات اتّقادِ

كأنّ فؤاده، والسُمُّ فيه***تُقطِّعُهُ ظُبى بيض حدادِ

تُقَلِّبُه الشُجُون على بساط***من الأسقام، دامي القلب صادي

أأُمَّ الفضل، لا قُدِّستِ رُوحاً***ولا وُفِّقتِ يا بنت الفسادِ

حَكيتِ (جُعيدةً) في سوء فِعل***فَخَصْمُكِ أحمدٌ يوم التنادِ

أمثلُ (ابنِ الرضا) يبقى ثلاثاً***رهين الدار، في كُرَب شِدادِ

ويقضي فوق سطح الدار فرداً***وأنتِ من الغواية في تمادي

أفِتيانَ العُلى من آل فهر***وأبطال الوغى، يومَ الجلادِ

وأبناء المواضي والعوالي***وفُرسان المطهَّمةِ الجيادِ

هَلمّوا بالمسوَّمة المذاكي***لِدَرْك الثار، ضابحةً عوادي

عليها كل مغوار جَسُور***يزين حسامه طول النجادِ

فانَّ دماءكم ضاعت جُباراً***لدى الطُلقاء من باغ وعادي

وفِعلُ (بني نثيلة) فاق شرّاً***فعال أُمية وبني زيادِ

سقى الزوراء غيثٌ مُستمرٌّ***وعاهَدَ أرضها صوبُ العهادِ

ص: 177

رُبا أرجائها أعلى مقاماً***وأزهى من رُبا ذات العمادِ

بِقَبر ابن الرضا وأبيه حَقٌ***لها، لو فاخَرتْ كُلَّ البلادِ

هما كهفُ النجاة لمن رَمَتْهُ***لَياليهِ بِداهية تآدِ

كريما محتد من كان مثلي***يَوُدُّهما فمِن كَرَم الوِلادِ

فما زالت قبورهما قصوراً***مشيَّدة، رفيعات العمادِ

وما برحَت وجوه بني البغايا***بأقلامي يُسوِّدُها مدادي(1)

* * *

رضاكِ وكلّ ما أبغي رضاكِ***فما شئت افعلي ودعي جفاكِ

على عيني عتابك إن عتبت***إذا ما كان عتبك عن رضاكِ

معاتبتي على التشبيب فيها***ولم أذكرك لا وعلى هواكِ

ذكرت من المها جيداً وعيناً***ومن شجر النقا خوط الأراكِ

فباللّه انصفي هل ذاك ذنبي***يُعدّ إذا هما لم يُخطئاكِ

وقيل مَن الحبيبة قلت شمس***فما انصرف الجواب إلى سواكِ

وحيّتني فقلت أشم مسكاً***فلامت قلت لومي فيه فاكِ

فديتكِ حين ألقاك أمهليني***فإني سوف يخرسني ارتباكي

كأن القلب بعدكِ في ظلام***فإن فاجأت أرمضه ضياكِ

لو انّ القرط يجذبه جمال***إذا لم تشتريه لاشتراكِ

يطل على جنان من خلود***ويهمس منك في أُذني ملاكِ

وليس المشط في معروش فرع***بسجن والشباك ضفيرتاكِ

أعارضه الفضا لو كنت طيراً***واغبنه بسجن في الشباكِ

ملكتِ عليَّ آفاقي جميعاً***سواء في سكوني أو حراكي

ص: 178


1- للشيخ جعفر النقدي.

أفكّر إن لقيتك في فراق***وإن فارقت أُشغل في لقاكِ

وفي مدح الجواد أبي علي***شغلت عن اقترابك أو نواكِ

فيا بغداد نور اللّه هذا***فأرضك فيه أشرف من سماكِ

فقل لابن الرشيد عداك رشد***رميت فردَّ سهمك درع شاكي

أتسأل عنه عن سمك وهذا ال***خبير فسله عن خلق السماكِ

وشقشقة ابن أكثم لا تهيجي***وردّي القهقراء إلى وراكِ

فهذا لا يلاك لديه فأل***ولو أنّ القضاء يكون فاكِ

ولا عجب هو اللّه اصطفاه***وأنت الشرك خارك واصطفاكِ

أأمّ الفضل ويك بأيّ عذر***ستعتذرين في يوم التشاكي

تركت الدار موصدة عليه***وما في الدار من أحد سواكِ

فعلت وما رحمت له شبابا***فهلاّ قد رحمت أنين شاكي

وكم قطعوا له رحماً وقربى***وهذا القطع عن قطع الأراكِ

وقتلكِ عن سقيفتهم تمشّى***وقبلكِ قتّل آباكِ الزواكي

وهب سمّتك أم الفضل لكن***تسبب كل ذلك عن صهاكِ

فأيّ مصابكم نبكي عليه***لسمٍّ أو لقتل وانتهاكِ

يزيد على مصائبكم حسين***فقد رضّته في الطف المذاكي

عليه قضت أمية وهو ظام***فلا روّى الإله غداً ظماكِ

جنيت عليه تمثيلا وقتلا***وليت بأنّ ذلك قد كفاكِ

فسقتِ إلى دمشق نساه أسرى***وتلطم كلّ باكية وباكي(1)

* * *

لله درّك من ضريح قد حوى***جسد النبي من السلام سلامُ

ص: 179


1- للشيخ محمد طاهرالنجفي.

قبر سنا أنواره تجلو العمى***وقبر به دفعت به الأسقامُ

قبر تمثّل للعيون محمد***ووصيه والمؤمنون قيامُ

قبر إذا حلّ الوجود بربعه***رحلوا وحُطّت منهم الآثامُ

وتزوَّدوا أمن العقاب وآمَنُوا***من أن يحلّ عليهم الإعدامُ

اللّه عن ذنب لهم متصفحاً***وبذاك عنهم جفّت الأقلامُ

إن يغن عن سقي الغمام فإنه***لولاه ما يسقي البلاد غمامُ

قبر به نجل الرضا وبه الرضا***ثملا ويزهو الحِلّ والإحرامُ

فرضوا إليه السعي كالبيت الذي***من دونه حقاً له الإعظامُ

من زاره في اللّه عارف حقه***فالمَسُّ منه على الجحيم حرامُ

ومقامه لاشك يحمد في غد***وله بجنّاتِ الخلود مقامُ

وله بذاك اللّه أوفى ضامن***قسماً إليه تنتهي الأقسامُ

صلّى الإله على النبيّ محمد***وعلى عليٍّ رحمة وسلامُ

وكذا على الزهراء صلّى سرمداً***ربّ بواجب حقّها علاّمُ

وعلى ابنها الحسن الزكيّ ونجلها***السبط الشهيد ومن له الإكرامُ

وعلى عليٍّ ذو التقى ومحمد***وعليّ والحسن الزكيّ سلامُ

وعلى خليفته الذي لكم به***ثم النظام فكان فيه ختامُ

فهو المؤمل أن يعود به الهدى***وعلى يديه تُعذّب الأصنامُ

لولاكم ما قام دين محمد***بين الأنامِ ولا علا الإسلامُ

أنتم إلى اللّه الوسيلة والأُلى***علم الهدى فهُمُ له أعلامُ

أنتم ولاة الدين والدنيا ومن***لله فيهم حرمة وذمامُ

ما الناس إلاّ من أقرَّ بفضلكم***والجاحدون بفضلكم أنعامُ

إنّي لأرثيكم وأبكي رزؤكم***ما دامت الأوقات والأعوامُ

ص: 180

وأعدّه ذخراً وحصناً في غد***كيما يكون لنا بكم إعظامُ

ولقد برئت من الذين تبرَّؤوا***منكم وزلّت منهم الأقدامُ

وهمُ عديّ وحبتر شرّ الورى***وإمامهم تيم كذاك دلامُ

ومن العبابسة الذين تمرّدوا***بغياً وتاهوا في الضلال وهاموا(1)

* * *

سل الدار عن ساكنها أين يمّموا***فهل أنجدوا يوم استقلوا واتهموا...

ومن يثرب استدعى الجواد ومذ أتى***له غيلةً بين البرايا معظمُ

وكم لك يا بن المصطفى بانَ معجزٌ***به كلّ أنف من أعاديك مُرغمُ

أسرَّ امتحاناً صيد باز بكفّهِ***فأخبرته عمّا يسرّ ويكتمُ

وأذعن لما اجتاز في النهج قبل أن***يشاهده فانصاع وهو مُسَلِّمُ

وأرشى العدى يحيى بن أكثم خفية***وظنوا بما يأتيه أنك تُفحمُ

فأخجلتَ يحيى في الجواب مبيّنا***عن الصيد يرديه امرؤ وهو مُحرمُ

ص: 181


1- للشيخ حسين آل عصفور الدرازي البحراني.

وأنت أجبت السَّائلين مسائلا***ثلاثين ألفاً عالمٌ لا تُعلّمُ

وغاظ بني العباس تعظيم رجسهم***لشأنك إجلالا وأنت المعظّمُ

وكم أبرموا أمراً فكادوا فكدتهم***بنقضك ما كادوك فيه وأبْرَموا

وصاهرك المأمون لما بدت له***معاجزك اللاتي بها الناس سلّموا

ويزعم مذ صاهرته زدت رفعة***وما الأمر إلاَّ عكس ما هو يزعمُ

ونصّ الرضا أنّ الجواد خليفتي***عليكم بأمر اللّه يقضي ويحكُمُ

هو ابن ثلاث كلّم الناس هادياً***كما كان في المهد المسيح يُكلِّمُ

سلوه يجبكم وانظروا ختم كتفه***ففي كتفه ختم الإمامة يختمُ

وسرتَ إلى كوفان والبيت عائداً***إلى الشّام لمح الطرف والليل مظلِمُ

رموا بالتبني عابداً صحبته***مذيعاً لذاك الستر والسرّ يكتمُ

ص: 182

وفي السجن ألقوه وقد أحدقوا به***فأخرجته منهم كأنهم عَمُوا

وعن سير حماد نهيت فما انتهى***فأغرقه واد من السيل مُفْعَمُ

وما كفّ ذو النَّاس ولمّا انتهرته***فشلّ نكالا منه كفٌّ ومعْصمُ

ويوم أسرّ الهاشميّ أوامه***استبان له بالغيب أنك تعلَمُ

ويوم عليك الشَّاهدان نَجْو ما***قد افتريا بالرجف أعداك أُرْغمُوا

وقال المني الجمّال منك ولم يكن***أبو هاشم في أمره يتكلمُ

وليلا أبو الصّلت استغاث بسجنه***فأخرجته والسجن بالجند مُفْعَمُ

أتاك أبو بكر ببنت تَوَرَّمت***فزال بمسح منك ذاك التَّوَرّمُ

وفي مهدك الأعمى بَصيراً أَعدتَهُ***فخرّ على رجليْكَ يبكي وَيَلْثِمُ

لعاف أحلتَ الترب تبراً تكرّماً***وفضلا وأنت الفضل المتكرّمُ

ص: 183

أقرّ لك الزيدي بالسحر إنّما***ولاك من الباري عليه مُحتّمُ

وأرسلت في الأقطار إني ميّت***بعامي فإن لم ترسلوا الخمس تندموا

وصرفك شك ابن الوليد وردك***الدراهم إعجازٌ له والتَبسُّمُ

وأنت أمرت الميت أن يُعلم ابنه***بأمواله في النّوم إذ ليس يعلمُ

ولما استحى يحيى فأخفى سؤاله***أمرت العصا في سؤله تتكلّمُ

وسؤالك إيّاه فما حكم قينة***تحل مراراً في النّهار وتحرمُ

فلم يستطع يحيى جواباً ولم يطق***كلاماً ولو أنّ البرايا لَهُ فمُ

وعن فرس أخبرت تأتي بأبيض***له غرة الحمل لا يَتَوَسَّمُ

أَسَرَّ ابن سهل منك يسأل كسوة***فجدت ولم يسأل وهذا التكرمُ

وكم أبكم أعمى أصم شفتيه***فما بال أقوام على الخلف صَمَمُّوا

ص: 184

وقَبْضَ الثرى من تحت أخمصك الفتى***أسرَّ فأخطى ظنّه والتوهّمُ

زهت بوضوء منك أغصان سدرة***وقد أطعمت في الحال ما ليس يطعمُ

ولما شكت والرجس سكران بنته***عليك عدا بالمشرفي يخذمُ

أيكلِمُهُ بالمشرفي وأنّه***له ولكل الكائنات المقومُ

ألا شُلَّ منه معصم قلَّ مِخْذَماً***ولا قلَّ يوماً مِخْذَماً منه معصمُ

ويوم طويت الأرض من يثرب إلى***أبيك بطوس والمدامع تُسجمُ

ووافيته ملقى يجود بنفسه***يجرع كاسات الردى وهي علقمُ

فضمك شوقاً باكياً حين جئته***إلى صدره الزاكي ودمعكما دمُ

وكلٌّ لكلٍّ معوّل ومودّع***حبيباً يشم الثغر منه ويلثَمُ

وجهر به من حيث يخفى عن العدا***مكانك خوف الغدر والفتك منهمُ

ص: 185

وبينكما ظلماً قضوا وعداوةً***حياتاً وموتاً بالنوى وتحكموا

ومن أمره لمّا فرغت بيومه***رجعت وقد أعلمت ما ليس يُعلمُ

فطوسٌ لكم والكرخ شجواً وكربلا***وكوفان تبكي والبقيع وزمزَمُ

وكم قد تعطّفتم عليهم ترحّماً***فلم يعطفوا يوماً عليكم ويرحموا

وكم مأتم حزناً عليه أقمته***تميد له رضوى ويلوي يَلملمُ

معاجز لو أن البرايا ترومها***عداداً لكلّت كيف تحصي فتنتظمُ

ولم تحص لو أن البحار مدادها***وأقلامها الأشجار والخلق ترقمُ

أقمت وقوّمت الهدى بعد سادة***أقاموا الهدى من بعد زيغ وقوّموا

فلا ربحت آل الطليق تجارة***ولا برحت هوناً تسام وترغمُ

فما منكم قد حرّم اللّه حلّلوا***وما لكم قد حلّل اللّه حرّموا

ص: 186

وجدّهم لو كان أوصى بقتلهم***إليكم لما زدتم على ما فَعَلتُمُ

فَصَمْتُم من الدين الحنيفي حبله***وعروته الوثقى التي ليس تُفصَمُ

وقد مهّد المأمون ثم محمد***لمعتصم تمهيد من قد تقدّموا

وسمّتهُ أُمُّ الفضل عن أمر عمِّها***فويلٌ لها من جدّه يومَ تَقدِمُ

قضى منكم كرباً وعاش مروّعاً***ولا جازع منكم ولا مترحّمُ

على قلّة الأيام والمكث لم يزل***بكم كلّ يوم يُستضامُ ويُهضَمُ

فيا لقصير العمر طال لموته***على الدين والدنيا البكا والتألّمُ

مضيت فلا قلب المكارم هاجعٌ***عليك ولا طرف المعالي مُهوّمُ

ولا مربع الإيمان والهدي مربع***ولا محكم الفرقان والوحي محكمُ

بفقدك قد أثكلت شرعة أحمد***فشرعته الغرّاء بعدك أيِّمُ

ص: 187

عفا بعدك الإسلام حزناً وأُطفئت***مصابيح دين اللّه فالكون مظلمُ

فيالك مفقوداً ذوت بهجة الهدى***له وهوت من هالةِ المجد أنجُمُ

يميناً فما لله إلاّك حجة***يعاقب فيه من يشاءُ ويَرحمُ

وليس لأخذ الثأر إلاّ محجَّبٌ***به كلّ ركن للضلال يُهدَّمُ(1)

* * *

يا وارثَ الأمجادِ في ريعِ الصِبا***لَمْ يَبلُغَ السَبَعَ حتى أفحمَ العادي

يا خازنَ الميراث في لُبِ الحَشى***لا باكتسابٍ بل بفطرةِ هادي

يا جودَ جوادٍ وتقوى تقي***يا أحمد العزِ وحيدر حادي

يا نبعَ زَهرٍ وعِطرَ حَسن***يا حسين المجدِ مذبوحَ الوتادِ

يا أيها السجاد في جوف الدجى***يا باقر العلم من الأجدادِ

ص: 188


1- لم يعرف شاعره.

يا صادق القول، نبراس الورى***يا كاظم الغيظ على الأحقادِ

يا ضامن الملهوفِ ياحامي الحمى***أنت الوريثُ فلذةُ الأكبادِ

أسفي على هذا الوريث وما رأى***من ظلم أبناء العَمامِ حُسادِ

ظنوا بقتله أن ذكراً يُمتحى***ويحلُ رأيٌ ليس فيه رشادِ

خابت ظنونُ الغاصبين وما دروا***أن الآله لهم لبالمرصادِ

فزوالُ ملكهمُ البغيضَ بقتلهِ***وشيوع ذكره عَمَّ كلَّ بلادِ

إن كان في الكرخي جثمان ثوى***فالذكرُ يبقى محيي كلَّ عمادِ

قتلوك مسموماً كجدك أحمد***قتلوك عطشاناً جريحَ فؤادِ

تجرعت مرين في نيل الرضا***فهجرت أرضك، طيبةً والوادي

شاركت جداك الشهادة والمنى***وأبنتَ دربَ الحقِّ ذو الأبعادِ

ص: 189

يا هادياً درب السلامة والهدى***شرفت هذي الأرض للميعادِ

إن حل جداك بطيبٍ وكربلا***حنت إليك الأرض في بغدادِ

قدمتُ أنعاكَ، ولكن هزني ألمٌ***ما أن ذكرتُ الطفَ هاجَ ودادي

لك في عيوني دمعة مسكوبة***لك في فؤادي خيمة ورقادِ

لكن لجدك في القلوب حرارة***لا تنطفي حتى تعود تقادِ

وعيوننا مهما أناخت رحلها***إن قارب الطف تعود تُيادي

وتعود قطعان الهموم تسافر***فيخيمُ الحزن على الأولادِ

ودموعنا مسكوبة ترجو لها***غفران رب العرش يوم معادِ

وجفوننا سد تهاوى ركنه***فأفاض وجداً طاهر الأجسادِ

واللطم فوق الصدر لا جدوى***له إلا كهيئة دفترٍ وجلادِ

ص: 190

ومسيرنا نحو الحسين تجددٌ***عهدٌ مع اللّه بأحسنَ زادِ

والسير نحو العلقمي وماءه***ذكرٌ لعباسٍ، قطيعُ الأيادِ

ذاك الفتى المطروح يحويه الثرى***والعين تبكي الدمَّ، وهو ينادي

أخي يا حسين، حالت منيتي***أن أُوصلَ الماءَ وكان مُرادي

أو تنظر المفجوع في أهل بيته***جريحاً على الرمضاء وهو يهادي

هل من مغيث أو نصير يرومنا***هل من مجيرٍ عاكفٍ أو بادِ

فتراشقت نحو الترائب أسهمٌ***فشُجَ جَبينُ الطهرِ دون كمادِ

ودنى اللعين من الحسين ونحره***يريدُ قطعَ الرأسِ من أجسادِ

ظناً بأن الموت يُنهي ذكره***فبقى الحسينُ كنارةَ الأرشادِ

يا سيدي الجواد، أين إمامنا؟***مَنْ خُصَّ للكفار بالمُقدادِ

ص: 191

هل قد نسانا؟ أم نسينا أمرنا؟***أم هل يرانا مقرنيِّ الأصفادِ

يا سيدي الجواد فيمن نقتدي؟***وكم حولنا من زمرةٍ أوغادِ

يا سيدي الجواد أخبره بنا***برٌ وبَحرٌ عم في إفسادي

يا سيدي الجواد كم نفس زكت؟***وكم أنفس صارت كشبه رمادِ

يا سيدي الجواد كم سفيان جاء؟***وكم أعور دجال صار يعادي

يا سيدي الجواد لا شورى لنا!***بلاءٌ، بنا حلت ثمود وعادِ

يا سيدي الجواد ننعى حالنا***أن غاب مولانا عن الأشهادِ

يا سيدي الجواد نرقب طلعةً***تُسر بها نفسٌ، ويُلقمُ سادي(1)

ص: 192


1- لم يعرف شاعره.

الخاتمة

صلاته (عليه السلام) عند كلّ شهر جديد

عن الوشّاء قال: كان أبو جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) إذا دخل شهر جديد يصلّي أوّل يوم منه ركعتين، يقرأ في أوّل ركعة «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» ثلاثين مرّة بعدد أيّام الشهر. وفي الركعة الثانية «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ» مثل ذلك، ويتصدّق بما يتسهّل، فيشتري به سلامة ذلك الشهر كلّه...

ويستحبّ إذا فرغت من هذه الصلاة، أن تقول:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها ويَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها ومُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ}(1).

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(2).

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}(3).

{ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}(4).

ص: 193


1- سورة هود، الآية: 6.
2- سورة الأنعام، الآية: 17.
3- سورة الطلاق، الآية: 7.
4- سورة الكهف، الآية: 39.

{حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الْوَكِيلُ}(1).

{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ}(2).

{لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}(3).

{رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}(4).

{رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ}(5)(6).

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد للَّه ربّ العالمين، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

قم المقدسة

ص: 194


1- سورة آل عمران، الآية: 173.
2- سورة غافر، الآية: 44.
3- سورة الأنبياء، الآية: 87.
4- سورة القصص، الآية: 24.
5- سورة الأنبياء، الآية: 89.
6- الدروع الواقية: 43.

الصورة

ص: 195

الصورة

ص: 196

الصورة

ص: 197

الصورة

ص: 198

الفهرس

كلمة المؤسسة... 5

المقدمة... 9

الفصل الأول: في النسب الطاهر... 11

1. في نسب الإمام الجواد (عليه السلام) ... 11

2. أبوه (عليه السلام) ... 11

3. أمه (عليه السلام) ... 12

4. في مولده (عليه السلام) ... 13

5. في أسمائه وألقابه وكناه (عليه السلام) ... 15

6. في زوجاته (عليه السلام) ... 16

7. في أولاده (عليه السلام) ... 16

الفصل الثاني: في إمامته (عليه السلام) ... 17

الفصل الثالث: في فضائله (عليه السلام) ... 40

الفصل الرابع: في كلماته (عليه السلام) ... 44

1. التوحيد... 44

صفاته وأسماؤه عزّ وجلّ... 45

ص: 199

2. النبوة... 48

في الأنبياء (عليهم السلام) ... 48

خاتم النبيّين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 52

3. الإمامة... 53

الإمامة والولاية العامّة... 53

الإمامة والولاية الخاصّة... 56

4. في المعاد والحساب... 62

5. في الأحكام... 62

في الطهارة... 63

في الصلاة... 64

صلاة الجواد (عليه السلام) ... 68

في الصوم... 69

في الزكاة... 71

في الخمس... 72

في الحجّ... 72

في كفّارات الإحرام... 75

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... 78

في النكاح والأولاد... 78

في الطلاق... 79

في الدين... 80

في الوصيّة... 80

ص: 200

في التجارة... 81

في الإرث... 81

في الصيد والذباحة... 82

في الأطعمة والأشربة... 85

في الأيمان... 86

6. في المواعظ... 87

7. في احتجاجاته ومناظراته (عليه السلام) ... 100

8. في الشعر المنسوب إليه (عليه السلام) ... 109

الفصل الخامس: في أدعيته (عليه السلام) ... 111

أحرازه (عليه السلام) ... 119

[الحرز]: 125

تعويذاته (عليه السلام) ... 129

عوذة يوم السبت... 129

عوذة يوم الأحد... 130

عوذة يوم الإثنين... 130

عوذة يوم الثلاثاء... 131

عوذة يوم الأربعاء... 132

عوذة يوم الخميس... 132

عوذة يوم الجمعة... 133

حجابه (عليه السلام) ... 135

الفصل السادس: في كراماته (عليه السلام) ... 136

ص: 201

الفصل السابع: في شهادته (عليه السلام) ... 152

الفصل الثامن: في زيارته (عليه السلام) ... 154

الفصل التاسع: ما قالوا فيه (عليه السلام) ... 168

الإمام الجواد (عليه السلام) في الشعر... 170

الخاتمة... 193

صلاته (عليه السلام) عند كلّ شهر جديد... 193

الفهرس... 199

ص: 202

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.