الابتلاء و الاختبار في نهج البلاغة

هوية الکتاب

الابتلاء و الاختبار في نهج البلاغة

الناشر: العتبة العلوية المقدسة

إعداد: مكتبة الروضة الحيدرية

إخراج فني: نصیر شکر

عدد النسخ: 1000 نسخة

السنة: 1432 ه_ / 2011م

العتبة العلوية المقدسة، العراق. النجف الأشرف

هاتف: 07802337277 (00964)

لإبداء ملاحظاتكم يرجى مراسلتنا على البريد الالكتروني:

info@haydarya.com

ص: 1

اشارة

العتبة العلوية المقدسة

سلسلة في رحاب نهج البلاغة - 19

الابتلاء و الاختبار في نهج البلاغة

إعداد مكتبة الروضة الحيدرية

ص: 2

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 4

تمهيد

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت: 2 - 3.

و قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ آل عمران: 186.

و قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) الأنبياء: 35.

و قال تعالى في بني إسرائيل: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الأعراف: 168.

و قال تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ آل عمران: 154.

فهذه الآيات الكريمة و غيرها تدلّ على قانون إلهي أجراه سبحانه و تعالى في الكون، ألا و هو قانون الابتلاء، حيث يعمّ جميع البشرّية بل و يتعدّى إلى عالم المجرّدات ليشمل الملائكة و الجن أيضاً.

ص: 5

كما ان هذه الآيات تدلّ على تنوّع الابتلاء، فتارة في الأموال و الأولاد و الأنفس، و تارة في الخير والشر، و أخرى في الحسنات و السيئات.

فمعكم في حلقة أخرى من «سلسلة في رحاب نهج البلاغة» تحت عنوان: «الابتلاء و الاختبار في نهج البلاغة» لتتعرّف على فلسفة الابتلاء و أنواعه و ما هو الإنسان تجاهه، من خلال ما ورد على لسان أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة.

***

ص: 6

1-الابتلاء في الدنيا

ان أمير المؤمنين علیه السلام يؤكد في موارد كثيرة من خطبه و كتبه على قانون الابتلاء و الاختبار، و يذكر انّ الدنيا مقدّرة منذ القدم على هذا القانون، فإنّه علیه السلام بعد ما يذكر هبوط آدم علیه السلام من الجنّة يقول: «فأهبطه إلى دار البلية و تناسل الذرية» الخطبة: 1. حيث يشير إلى انّ الدنيا محفوفة بالبلاء من الأوّل. و هذا المفهوم يكرّره أمير المؤمنين علیه السلام و يؤكّده و يقول بعد ما يوصي بالتقوى في الدنيا: «في قرار خبرة ودار عبرة، أنتم مختبرون فيها و محاسبون عليها» الخطبة: 82

كما أنه علیه السلام لترسيخ هذا المفهوم يستشهد بالقرآن أيضاً و يقول: «أيها الناس انّ الله قد أعاذكم من أن يجور عليكم، و لم يعذكم من أن يبتليكم، و قد قال جلّ من قائل: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) الخطبة: 102.

و قال الثلا أيضاً: «فإنّ الله سبحانه يقول: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) و معنى ذلك أنه سبحانه يختبرهم بالأموال و الأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه و الراضي بقسمه... » قصار الحكم: 88.

ثم أنه علیه السلام استفاد من هذا المفهوم لموعظة الإنسان، وإيقاظهم

ص: 7

من نوم الغفلة و عدم الركون إلى الدنيا، فهو علیه السلام يصف الدنيا باشتمالها على أنواع البلايا ليزهّد الناس فيها و يقول: دار بالبلاء محفوفة، و بالغدر معروفة... إنّها أهلها فيها أغراض مستهدفة، ترميهم بسهامها، و تفنيهم بحمامها» الخطبة: 225.

و قال علیه السلام: «لم يكن امرؤ منها في حبرة إلّا أعقبته بعدها عبرة، و لم يلق من سرّائها بطناً إلّا منحته من ضرّائها ظهراً، و لم تطلّه فيها ديمة رخاء إلّا هتنت عليه مزنة بلاء» الخطبة: 110، يقول علیه السلام: انّ الدنيا لم تمطر عليه من الرخاء قليلاً إلّا و هتنت أي مطرت عليه من البلاء كثيراً.

و قال علیه السلام: «انّ الدنيا لم تكن لتستقر إلّا على ما جعلها الله عليه من النعماء و الابتلاء...» الكتاب: 31. حيث يشير علیه السلام إلى التقدير الإلهي باحتواء الدنيا على أنواع البلاء.

و قال علیه السلام أيضاً: «و اعلم انّ الدنيا دار بلية لم يفرغ صاحبها قط فيها ساعة إلّا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة» الكتاب: 59.

و قال علیه السلام في كتابه لمعاوية: «أما بعد فإنّ الله سبحانه جعل الدنيا لما بعدها، و ابتلى فيها أهلها ليعلم أيّهم أحسن عملاً، و لسنا للدنيا خلقنا، و لا بالسعي فيها أمرنا، و إنّما وضعنا فيها لنبتلي بها» الكتاب: 55.

و أخيراً فإنّ الدنيا نفسها تحدّر من نفسها، يقول علیه السلام: «و لهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك و النّقص في قوّتك أصدق و أوفى من أن تكذبك أو تغرّك» الخطبة: 222.

***

ص: 8

2-حكمة الابتلاء

قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك: 2.

و قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ).محمد 31

و قال تعالى عن لسان صاحب سليمان علیه السلام بعد ما نقل عرش بلقيس قبل أن يرتد الطرف: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) النمل: 40.

فهذه الآيات تدلّ بوضوح انّ مسألة الابتلاء لم تكن جزافاً و عبثاً، بل تبتني على حكمة ربانية، كما وردت الإشارة إلى جملة منها في الآيات القرآنية.

و لما نراجع نهج البلاغة، نرى انّ أمير المؤمنين علیه السلام يذكر مجموعة من الحكم الكامنة وراء مسألة الابتلاء، منها مسألة الإثابة و استحقاق الأجر و المنزلة عند الله، حيث لا تأتي المثوبة اعتباطاً بل استحقاقاً، قال علیه السلام: «ألا انّ الله قد كشف الخلق كشفة، لا أنه جهل ما أخفوه من

ص: 9

مصون أسرارهم، و مكنون ضمائرهم، و لكن ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فيكون الثواب جزاء و العقاب بواء«الخطبة: 144.

و قال علیه السلام في قوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) و في قوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ قال علیه السلام: «فلم يستنصركم من ذلّ، و لم يستقرضكم من قلّ، استنصركم و له جنود السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم، و استقرضكم و له خزائن السماوات و الأرض و هو الغني الحميد، وإنّما أراد أن يبلوكم أيكم أحسن عملاً» الخطبة: 183

و قال علیه السلام في حكمة كون الأنبياء أهل مسكنة و فقر مادي: «ولو أراد الله سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان و معادن العقيان ومغارس الجنان، و أن يحشر معهم طير السماء و وحوش الأرضين لفعل، و لو فعل لسقط البلاء، و بطل الجزاء، و اضمحلّ الأنباء، و لما وجب للقابلين أجور المبتلين، و لا استحق المؤمنون ثواب المحسنين... و كلّما كانت البلوى و الاختبار أعظم، كانت المثوبة و الجزاء أجزل».

ثم يستمر علیه السلام و يذكر الحج و صعوبته و يقول: «ابتلاء عظيماً و امتحاناً شديداً، و اختباراً مبيناً، و تمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته و وصلة إلى جنته و لو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام، و مشاعره العظام بين جنات و أنهار، و سهل و قرار، جم الأشجار، داني الثمار،

ص: 10

ملتف البُنى، متصل القرى، بين برّة سمراء، و روضة خضراء، و أرياف محدقة، و عراص مغدقة، و زروع ناضرة، و طرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء» الخطبة: 192.

و قال علیه السلام: «أما بعد فإنّ الله سبحانه جعل الدنيا لما بعدها، و ابتلى فيها أهلها، ليعلم أيّهم أحسن عملاً» الكتاب: 55.

و منها دفع الكبر عن القلوب، قال علیه السلام: «و لكنّ الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزاً بالاختبار لهم، و نفياً للاستكبار عنهم، و إبعاداً للخيلاء منهم» الخطبة: 192.

و قال علیه السلام أيضاً: «و لكن الله سبحانه يختبر عباده بأنواع الشدائد، و يتعبّدهم بألوان المجاهد، و يبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم و إسكاناً للتذلّل في نفوسهم، و ليجعل ذلك أبواباً فتحاً إلى فضله، و أسباباً ذللاً لعفوه» الخطبة: 192

و منها التوبة و الرجوع إلى الله تعالى، قال علیه السلام: «انّ الله تعالى يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات و حبس البركات، و إغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، و يقلع مقلع، و يتذكر متذكر، و يزدجر مزدجر» الخطبة: 143.

و منها الرضا بقضاء الله تعالى، قال علیه السلام في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ): «و معنى ذلك أنّه سبحانه يختبرهم بالأموال و الأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه و الراضي بقسمه، و إن

ص: 11

كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، و لكن لتظهر الأفعال التي بها يُستحق الثواب و العقاب» قصار الحكم: 88.

و منها الانتفاع بالموعظة، قال علیه السلام: «ومن لم ينفعه الله بالبلاء و التجارب، لم ينتفع بشيء من العظة، و أتاه التقصير من أمامه» الخطبة: 176.

***

ص: 12

3- ابتلاء الملائكة

يذكر أمير المؤمنين في الخطبة الأولى من نهج البلاغة كيفية خلق الإنسان و يقول: «ثمّ جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها، و عذبها و سبخها، تربةً سنّها بالماء حتّى خلصت، و لاطها بالبلّة حتى لزبت، فجبل منها صورةً ذات أحناءٍ و وصولٍ، و أعضاءٍ و فصولٍ، أحمدها حتّى استمسكت، و أصلدها حتّى صلصلت، لوقتٍ معدودٍ، و أجلٍ معلومٍ.

ثمّ نفخ فيها من روحه فمثلت إنساناً ذا أذهانٍ يجيلها، و فكرٍ يتصرّف بها، و جوارح يختدمها، و أدواتٍ يقلّبها، ومعرفةٍ يفرق بها بين الحقّ و الباطل، و الأذواق و المشامّ، و الألوان و الأجناس، معجوناً بطينة الألوان المختلفة، و الأشباه المؤتلفة، و الأضداد المتعادية، و الأخلاط المتباينة، من الحرّ و البرد، و البلّة و الجمود، و المساءة و السّرور»

و هذه الخلقة كانت بمرأى و مسمع الملائكة، حيث كانت ترى مخلوقاً خُلق من طين مظلم كما ورد وصفه في كلام أمير المؤمنين علیه السلام، و كانت ترى نفسها أعلى منه لأنها مخلوقة من نور، ثم فوجئت بلزوم

ص: 13

السجود لهذا الإنسان الذي كانت تعتقد فيه الفساد و سفك الدماء، و لم يكن منها إلا الاذعان و الطاعة، كما قال علیه السلام: «و استأدى الله سبحانه الملائكة و ديعته لديهم و عهد وصيّته إليهم في الإذعان بالسّجود له، و الخنوع لتكرمته فقال سبحانه: (اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ) الخطبة: 1.

و قال علیه السلام: «ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين» الخطبة: 192.

فقد نجحت الملائكة في هذا الامتحان و سقط إبليس لتكبره و جحوده، قال علیه السلام في تصوير شدة ابتلاء الملائكة: «و لو أراد الله سبحانه أن يخلق آدم من نور يخطف الأبصار ضياؤه، و يبهر العقول رواؤه، و طيب يأخذ الأنفاس عرفه، لفعل ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة، و لخفّت البلوى فيه على الملائكة، و لكن الله سبحانه يبتلي خلقه ببعض ما يجهلون أصله، تمييزاً بالاختبار لهم، و نفياً للاستكبار عنهم، و إبعاداً للخيلاء منهم» الخطبة: 192.

***

ص: 14

4-ابتلاء الشيطان

انّ الابتلاء الذي قدّره الله تعالى للملائكة شمل إبليس أيضاً، و لكن كانت نتيجة هذه البلوى للشيطان الجحود و العصيان، وعدم النجاح في الامتحان.

قال علیه السلام في الخطبة القاصعة: الحمد لله الذي لبس العزّ و الكبرياء، و اختار هما لنفسه دون خلقه، و جعلهما حمىّ و حرماً على غيره، و اصطفاهما لجلاله، و جعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده، ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين، ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه و هو العالم بمضمرات القلوب، محجوبات الغيوب: «إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ) اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، و تعصب عليه لأصله» الخطبة: 192.

و قال علیه السلام: «أما إبليس فتعصّب على آدم لأصله، و طعن عليه في خلقته، فقال: أنا ناري و أنت طيني» الخطبة: 192.

و قال علیه السلام أيضاً: «و استأدى الله سبحانه الملائكة و ديعته لديهم،

ص: 15

و عهد وصيته إليهم، في الاذعان بالسجود له، و الخنوع لتكرمته، فقال عز من قائل: (اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ) و قبيله اعترتهم الحمية، و غلبت عليهم الشقوة، و تعزّزوا بخلقة النار، و استوهنوا خلق الصلصال، فأعطاه الله تعالى النظرة استحقاقاً للسخطة و استتماماً للبلية و إنجازاً للعدة، فقال: ([ف] إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) الخطبة: 1.

***

ص: 16

5-ابتلاء الأنبياء والأوصياء

تعدّدت أنواع البلايا على الأنبياء علیه السلام، و ربما كان الاختبار عليهم أشدّ لأنهم خاصة خلق الله تعالى و الأدلة إليه، و لم يكن يأتي هذا المقام لأحد إلّا بعد امتحان و اختبار شديد، كما يقول تعالى في اختبار إبراهيم علیه السلام بذبح ابنه إسماعيل علیه السلام: (إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) الصافات: 106.

أو ما حدث بأيوب علیه السلام من البلاء فصبر و مدحه الله تعالى بقوله: (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص: 44.

و كذلك سائر الأنبياء علیهم السلام حيث ابتلوا بأنواع البلايا و المحن سواء في أنفسهم أو ذويهم أو من قبل الأمة التي بعثوا إليها.

و ممّا ورد ذكره في نهج البلاغة ما ابتلى الله تعالى الأنبياء بالمخمصة و المجهدة، قال أمير المؤمنين علیه السلام: «فلو رخّص الله في الكبر لأحد من عباده لرخّص فيه الخاصة أنبيائه، و لكنّه سبحانه كرّه إليهم التكابر، و رضي لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، و عفّروا في التراب وجوهم، و خفضوا أجنحتهم للمؤمنين، و كانوا قوماً مستضعفين، قد

ص: 17

اختبرهم الله بالمخمصة، و ابتلاهم بالمجهدة، و امتحنهم بالمخاوف، و مخضهم بالمكاره» الخطبة:192

أما أمير المؤمنين علیه السلام فقد اشتدت عليه أنواع البلايا بعد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم، فقد ابتلى بغصب الخلافة التي يقول فيها: «وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، و يشيب فيها الصغير، و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه» الخطبة: 1.

و يقول في مكان آخر: «و أغضيت على القذى، و شربت على الشجا، و صبرت على أخذ الكظم (1)، وعلى أمرّ من طعم العلقم»الخطبة: 26.

كما أنّه علیه السلام ابتلي بحرب البغاة، و قد كان بلاءاً عظيماً قال عنه علیه السلام: «و قد قلّبت هذا الأمر بطنه و ظهره حتى منعني النوم، فما وجدتني يسعني إلّا قتالهم أو الجحود بما جاء به محمد صلی الله علیه و آله و سلم » الخطبة: 53.

و قال أيضاً: «و لقد ضربت أنف هذا الأمر و عينه، و قلّبت ظهره و بطنه، فلم أر لي إلّا القتال أو الكفر» الخطبة: 43

و كذلك ابتلي علیه السلام بتخاذل الأمة عن نصرته، فكان يحثّهم بين الحين و الآخر و يوبخهم عسى أن يفيقوا، حتى قال علیه السلام شاكياً إلى الله تعالى و داعياً عليهم: «اللهم إنّي قد مللتهم و ملّوني، وسئمتهم و سئموني، فأبدلني بهم خيراً منهم، و أبدلهم بي شرّاً منّي، اللهم مث قلوبهم كما

ص: 18


1- الكظم: مخرج النفس

يُمات الملح في الماء» الخطبة: 25.

و قال علیه السلام أيضاً: «يا أشباه الرجال و لا رجال حلوم الأطفال، و عقول ربات الحجال، لوددت أنّي لم أركم و لم أعرفكم معرفة و الله جرّت ندماً، و أعقبت سدماً (1)، قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قبحاً، و شحنتم صدري غيظاً، و جرّ عتموني نغب التهام أنفاساً» (2) الخطبة: 27.

وقال علیه السلام وهو يبيّن شدّة ابتلائه بهم: «أيها الشاهدة أبدانهم، الغائبة عنهم عقولهم، المختلفة أهواؤهم، المبتلي بهم أمراؤهم، صاحبكم يطيع الله و أنتم تعصونه، و صاحب أهل الشام يعصي الله و هم يطيعونه، لوددت و الله انّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم، فأخذ منّي عشرة منكم و أعطاني رجلاً منهم» الخطبة: 96.

و غيرها في موارد كثيرة.

و كذلك يذكر علیه السلام في كتاب كتبه إلى معاوية أنه علیه السلام ابتلي به، قال: «و لسنا للدنيا خلقنا و لا بالسعي فيها أمرنا، و إنّما وضعنا فيها لنبتلى بها، و قد ابتلاني بك و ابتلاك بي، فجعل أحدنا حجة على الآخر» الكتاب: 55.

***

ص: 19


1- السدم: الحزن والغيظ
2- النغب: الجرعة، و التهام: الهم، و أنفاساً: جرعة جرعة

6-ابتلاء الإنسان

سبق و أن ذكرنا بأنّ الدنيا دار البلاء و الاختبار، و الإنسان يثاب أو يعاقب بقدر نجاحه في الامتحان أو رسوبه فيه، و البلايا في الدنيا متنوعة فتارة، تكون من قبيل الطاعات و العبادات، و أخرى الذنوب و السيئات، و ثالثة في النفس و المال و الولد.

فالمتقون لتوكلهم على الله تعالى و انقطاعهم إليه لا يعبؤون بهذه البلايا، و يخرجون من الاختبار سالمين غانمين، قال علیه السلام في وصفهم: «نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء» الخطبة: 193 أي أنّ البلاء و الرخاء عندهم سواسية إذ يعلمون انّ كلاً من عند الله، و ما يأتي من الله تعالى لا يكون إلا خيراً، فأوطنوا أنفسهم على ما قدّره الله في حقهم من الشدة و الرخاء، و السرّاء و الضراء، و الضيق و السعة.

كما نقرأ في زيارة أمين الله: «اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك» فهو دعاء للوصول إلى هذا المقام.

و من جملة الأمور التي ابتلي الإنسان بها الحج، قال علیه السلام بعد ما

ص: 20

العلمية

بيّن أنّ المثوبة تقدّر بحسب شدّة البلاء: «ألا ترون انّ الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم علیه السلام إلى الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضرّ و لا تنفع، و لا تبصر و لا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً و أقلّ نتائق الدّنيا مدراً، و أضيق بطون الأودية قطراً بين جبالٍ خشنةٍ، و رمالٍ دمثةٍ و عيونٍ و شلةٍ، و قرًى منقطعةٍ، لا يزكو بها خفٌّ و لا حافرٌ ولا ظلفٌ، ثمّ أمر آدم علیه السلام و ولده أن يثنوا أعطافهم نحوه فصار مثابةً لمنتجع أسفارهم، و غايةً لملقى رحالهم تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفارٍ سحيقةٍ، و مهاوي فجاجٍ عميقةٍ، و جزائر بحارٍ منقطعةٍ حتّى يهزّوا مناكبهم ذللاً يهلّلون الله حوله، و يرملون على أقدامهم شعثاً غيراً له قد نبذوا السّرابيل وراء ظهورهم، و شوّهوا بإعفاء الشّعور محاسن خلقهم ابتلاءً عظيماً، و امتحاناً شديداً، و اختباراً مبيناً، و تمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته و وصلةً إلى جنته و لو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام و مشاعره العظام بين جنّاتٍ و أنهارٍ و سهلٍ و قرارٍ جمّ الأشجار داني الثّمار ملتفّ البنى متّصل القرى بين برّةٍ سمراء و روضةٍ خضراء و أريافٍ محدقةٍ و عراصٍ مغدقةٍ و رياضٍ ناضرةٍ

و طرقٍ عامرةٍ، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء، و لو كان الأساس المحمول عليها و الأحجار المرفوع بها بين زمرّدةٍ خضراء، و ياقوتة حمراء، و نورٍ و ضياءٍ لخفّف ذلك مصارعة الشّكّ في الصّدور، و لوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، و لنفى معتلج الرّيب من الناس، و لكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشّدائد، و يتعبّدهم بأنواع المجاهد،

ص: 21

و يبتليهم بضروب المكاره إخراجاً للتّكبّر من قلوبهم، و إسكاناً للتّذلّل في نفوسهم، و ليجعل ذلك أبواباً فتحاً إلى فضله، و أسباباً ذللاً لعفوه» الخطبة: 192

و منها الصيام، قال علیه السلام: «فرض الله... الصيام ابتلاء لإخلاص الخلق» قصار الحكم: 243.

و منها الجهاد الذي من تركه «البسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء» الخطبة: 27، فهو من المواطن الصعبة إذ يجد الإنسان نفسه بين الموت و الحياة، و كان يقول علیه السلام و هو يحثّ أصحابه على القتال: «من رائح إلى الله كالظمآن يرد الماء، الجنّة تحت أطراف العوالي، اليوم تبلى الأخبار» الخطبة: 124، و كان علیه السلام يفتخر بمواقفه في جهاد العدوّ و يقول: «و لقد واسيته [ أي النبي صلی الله علیه و آله و سلم ] بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، و تتأخّر فيها الأقدام، نجدة أكرمني الله بها» الخطبة: 197.

و منها الابتلاء بالغنى و الفقر، قال علیه السلام: «قدر الأرزاق فكثّرها، وقلّلها، و قسّمها على الضيق و السعة، فعدل فيها ليبتلي من أراد بمیسورها و معسورها، و ليختبر بذلك الشكر و الصبر من غنيّها و فقيرها» الخطبة: 90.

و قال علیه السلام: «فلا تعتبروا الرضا و السخط بالمال والولد جهلاً بمواقع الفتنة و الاختبار في مواضع الغنى و الافتقار» الخطبة: 192.

قال علیه السلام: «أيها الناس ليركم الله من النعمة وجلين كما يراكم من

ص: 22

النقمة فرقين، أنّه من وُسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجاً فقد أمن مخوفاً، و من ضُيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختباراً فقد ضيّع مأمولاً» قصار الحكم: 348.

و قال علیه السلام: «أمّا بعد فإنّ الأمر ينزل من السّماء إلى الأرض كقطرات المطر إلى كلّ نفسٍ بما قسم لها من زيادةٍ أو نقصانٍ، فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرةً في أهلٍ أو مالٍ أو نفسٍ فلا تكوننّ له فتنةً، فإنّ المرء المسلم ما لم يغش دناءةً تظهر فيخشع لها إذا ذكرت و يغرى بها لئام النّاس كان كالفالج الياسر الّذي ينتظر أوّل فوزةٍ من قداحه توجب له المغنم و يرفع بها عنه المغرم، و كذلك المرء المسلم البريء من الخيانة ينتظر من الله إحدى الحسنيين إمّا داعي الله فما عند الله خيرٌ له، و إمّا رزق الله فإذا هو ذو أهلٍ و مالٍ و معه دينه و حسبه» الخطبة 23.

و منها الجهل، قال علیه السلام وهو يصف حال الناس في مبعث النبی صلی الله علیه و آله و سلم: «بعثه و الناس ضلّال في حيرة... حيارى في زلزال من الأمر، و بلاء من الجهل» الخطبة: 94

و كان أمير المؤمنين علیه السلام يشكو إلى الله تعالى من جهّال الأمّة و يقول: «إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالاً و يموتون ضلّالاً، ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، و لا سلعة أنفق بيعاً و لا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حُرّف عن مواضعه، و لا عندهم أنكر من المعروف، و لا أعرف من المنكر» الخطبة: 17.

ص: 23

كما يشير علیه السلام إلى قوله تعالى في حق موسى: ﴿ففَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَىٰ) طه: 67. و يذكر أنّه لم يخف على نفسه بل خاف من الجّهال، قال علیه السلام: لم يوجس موسى خيفة على نفسه، أشفق من غلبة الجّهال و دول الضّلال» الخطبة: 4.

و منها الفتن حيث أنّها «إذا أقبلت شبّهت، و إذا أدبرت نبّهت، يُنكرن مقبلات، و يُعرفن مدبرات، يحمن حوم الرياح، يصبن بلداً و يخطئن بلداً» الخطبة: 92.

و كانت فتنة بني أمية من أشدّ الفتن التي نبّه بها أمير المؤمنين علیه السلام حيث قال: «ألا و انّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنّها فتنة عمياء مظلمة، عمّت خطFتها، و خصّت بليتها، و أصاب البلاء من أبصر فيها، و أخطأ البلاء من عمي عنها... و لا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلّا مثل انتصار العبد من ربّه، و الصاحب من مستصحبه، ترد عليكم فتنة شوهاء محشية، و قطعاً جاهلية، ليس فيها منار هدى، ولا عَلَم يُرى» الخطبة: 92.

و الفتن من أشد البلايا على الإنسان، حيث تختلط فيها الأوراق ويشتدّ الأمر على الإنسان في تشخيص الحق من الباطل، و في ذلك يقول: «فعند ذلك أخذ الباطل مأخذه، و ركب الجهل مراكبه، وعظمت الطَّاغية، و قلّت الداعية، وصال الدّهر صيال السّبع العقور، و هدر فنيق الباطل بعد كظومٍ، و تواخى النّاس على الفجور، و تهاجروا على الدّين

ص: 24

و تحابّوا على الكذب و تباغضوا على الصّدق، فإذا كان ذلك كان الولد غيظاً، و المطر قيظاً، و تفيض اللّئام فيضاً، و تغيض الكرام غيضاً، و كان أهل ذلك الزّمان ذئاباً، و سلاطينه سباعاً، و أوساطه أكّالاً، و فقراؤه أمواتاً، و غار الصّدق و فاض الكذب، و استعملت المودّة باللّسان، و تشاجر النّاس بالقلوب، وصار الفسوق نسباً، و العفاف عجباً، و لبس الإسلام لبس الفرو مقلوباً» الخطبة: 107.

وقال علیه السلام أيضاً: «ثمّ إنّكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت... ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّجوف، و القاصمة الزّحوف، فتزيغ قلوبٌ بعد استقامةٍ، و تضلّ رجالٌ بعد سلامةٍ، و تختلف الأهواء عند هجومها، و تلتبس الآراء عند نجومها من أشرف لها قصمته، و من سعى فيها حطمته، يتكادمون فيها تكادم الحمر في العانة، قد اضطرب معقود الحبل، و عمي وجه الأمر، تغيض فيها الحكمة، و تنطق فيها الظّلمة، و تدقّ أهل البدو بمسحلها، و ترضّهم بكلكلها، يضيع في غبارها الوحدان، و يهلك في طريقها الرّكبان، ترد بمرّ القضاء، و تحلب عبيط الدّماء، و تثلم منار الدّين، و تنقض عقد اليقين، يهرب منها الأكياس و يدبّرها الأرجاس، مرعادٌ مبراقٌ، كاشفةٌ عن ساقٍ، تقطع فيها الأرحام، و يفارق عليها الإسلام، بريئها سقيمٌ وظاعنها مقيمٌ»الخطبة: 151.

و منها الاستدارج و الإملاء، قال علیه السلام: «كم من مستدرج

ص: 25

بالإحسان إليه، و مغرور بالستر عليه و مفتون بحسن القول فيه، و ما ابتلى الله أحداً بمثل الإملاء له» قصار الحكم: 251،110.

و منها مرض القلوب، قال علیه السلام: «ألا و انّ من البلاء الفاقة، و أشد من الفاقة مرض البدن، و أشدّ من مرض البدن مرض القلب» قصار الحكم: 378.

***

ص: 26

7-موقف الإنسان في البلاء

انّ الله تعالى خلق الإنسان و أراه الطريق الصحيح و حذّره مواقع الفتن و الضلال، على ألسنة رسله و حججه، قال أمير المؤمنين علیه السلام: «و عمر فيكم نبيه أزماناً... و أنهى إليكم على لسانه محابه من الأعمال و مكارهه و نواهيه و أوامره، فألقى إليكم المعذرة، و اتخذ عليكم الحجة» الخطبة: 85.

و قال علیه السلام أيضاً: «فإنّ الله تعالى قد أعذر إليكم بالجليّة، و اتخذ عليكم الحجة، و بيّن لكم محابّه من الأعمال و مكارهه منها، لتتبعوا هذه و تجتنبوا هذه» الخطبة: 176.

و عليه لو تبصّر الإنسان و أصغى إلى أوامر الله و نواهيه، لم يرتبك في الظلمات و الشبهات، و لخرج من الفتن و مواقع الاختبار بنجاح و سلامة.

ثم انّ أمير المؤمنين علیه السلام يعلّمنا وجه الحيلة في مواقع البلاء و يشير إلى عدّة نقاط، يلزم على الإنسان التمسّك بها، و هي كما يلي: الحمد و الشكر لله تعالى، حيث يجد المؤمن انّ الأمور كلها بيد الله

ص: 27

و لا مؤثّر في الوجود إلّا هو قال علیه السلام وهو يعمّم الحمد و الثناء على الله تعالى في جميع الأمور: «نحمده على ما أخذ و أعطى، و على ما أبلى و ابتلى» الخطبة: 132.

كما انّ المؤمن يشكر إذا أصيب ببلاء، كذلك يشكر الله على معافاته من البلايا التي أصيب بها غيره، قال علیه السلام في تبيين الصفات التي لابدّ أن يتصف بها الإنسان: «و ليكن الشكر شاغلاً له على معافاته ممّا ابتلى به غيره» الخطبة: 140.

و منها التسليم المطلق أمام إرادة الله تعالى، كما جاء في صفات المتقين: «نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء» الخطبة: 193 أي أنّهم اتخذوا البلاء كالرخاء فوطنوا أنفسهم عليه، و ذلك لعلمهم بلطف الله تعالى و رحمته لهم، فلا يصيبهم شيء إلّا و فيه حكمة ومصلحة، فهو المنعم و هو المبتلي، قال علیه السلام: «بل لم تخل من لطفه مطرف عين في نعمة يحدثها لك، أو سيئة يسترها عليك، أو بلية يصرفها عنك» الخطبة: 222.

كما أنّه علیه السلام يصف المتوكلين على الله تعالى ويقول: «أسرارهم لك مكشوفة، و قلوبهم إليك ملهوفة إن أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك، و إن صُبّت عليهم المصائب لجؤوا إلى الاستجارة بك، علماً بأن أزمة الأمور بيدك و مصادرها عن قضائك» الخطبة: 226.

و منها الدعاء، كما ورد في النص المتقدّم حيث يدلّ على ان المؤمن

ص: 28

يستجير بالله تعالى عند المصائب و البلايا وكما قال علیه السلام: «ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء» قصار الحكم: 136.

و قال علیه السلام: «ما المبتلي الذي قد اشتدّ به البلاء، بأحوج إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء» قصار الحكم 293، حيث يدلّ على لزوم الدعاء و الفزع إلى الله تعالى حتى مع عدم وجود أي بلاء و اختبار، و ذلك لتوقي حلوله أو الخروج منه بسلامة بعد مجيئه.

و منها الذكر حيث ينتج البصيرة التي تساعد الإنسان و تسانده في مواقع الاختبار، قال علیه السلام: «انّ الله سبحانه جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتُبصر به بعد العشوة، و تنقاد به بعد المعاندة» الخطبة: 221 فهو إذاً خير معين للإنسان في الابتلاء و الاختبار، حيث ينير له الدرب لاتخاذ الصحيح.

و منها الصبر، قال علیه السلام: «إن ابتليتم فاصبروا فإنّ العاقبة للمتقين» الخطبة: 97.

و قال علیه السلام: «و اصبروا على البلاء، و لا تحرّكوا بأيديكم و سيوفكم و هوى ألسنتكم، و لا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم» الخطبة: 190.

و عند الصبر يأتي الفرج، كما قال علیه السلام: «عند تناهي الشدّة تكون الفرجة، و عند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء» قصار الحكم: 341.

و قال علیه السلام: «أما بعد فإنّ الله سبحانه لم يقصم جباري دهر قط

ص: 29

إلّا بعد تمهيل و رخاء، و لم يجبر عظم أحدٍ من الأمّم إلّا بعد أزل وبلاء» الخطبة: 87.

و منها التقوى حيث أنّها تنتج الفرج و دفع الشدائد، قال علیه السلام: «فمن أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوّها، و احلولت له الأمور بعد،مرارتها، و انفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، و أسهلت له الصعاب بعد أنصابها، و هطلت عليه الكرامة بعد قحوطها، وتحدّبت عليه الرحمة بعد نفورها، و تفجّرت عليه النعم بعد نضوبها، و وبلت عليه البركة بعد إرذاذها» الخطبة: 198.

و منها عدم تعيير المبتلى، قال علیه السلام: «و إنّما ينبغي لأهل العصمة و المصنوع إليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب و المعصية، و يكون الشكر هو الغالب عليهم و الحاجز لهم عنهم، فكيف بالعائب الذي عاب أخاه و عيّره ببلواه، أما ذكر موضع ستر الله عليه من ذنوبه ما هو أعظم من الذنب الذي عابه به... فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه، و ليكن الشكر شاغلاً له على معافاته ممّا ابتلي

غيره» الخطبة: 140.

إلى هنا ننهي كلامنا عن الابتلاء و الاختبار في نهج البلاغة و نسأل الله تعالى النجاح و الثبات في أنواع البلايا و المحن. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على رسوله و آله الطاهرين.

***

ص: 30

الفهرس

تمهيد... 5

الابتلاء فى الدنيا... 7

حكمة الابتلاء... 9

ابتلاء الملائكة... 13

ابتلاء الشيطان... 15

ابتلاء الأنبياء و الأوصياء... 17

ابتلاء الإنسان... 20

موقف الإنسان في البلاء... 27

الفهرس... 31

ص: 31

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.