الإمام الحسن كلمات و مواقف و قصص

هوية الكتاب

الإمام الحسن

كلمات و مواقف و قصص

والدة السيد علي الحسيني

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الثانية

1440 ه- . 2018م

الشجرة الطيبة

النجف الأشرف: شارع الرسول - سوق الحويش - قرب جامع الأنصاري

مكتبة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

ص: 1

اشارة

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الثانية

1440 ه- . 2018م

الشجرة الطيبة

النجف الأشرف: شارع الرسول - سوق الحويش - قرب جامع الأنصاري

مكتبة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

ص: 2

كلمة المؤسسة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على محمد وآله الطاهرين ولعنة اللّه علی أعدائهم أجمعين.

دأب المرجع الراحل آية اللّه العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) - و منذ بدايات العقد الثامن من القرن الهجري المنصرم - على تأسيس وإطلاق حركة علمية ونهضة ثقافية في مختلف أرجاء المعمورة ولمختلف شرائح المجتمع وكافة الطبقات من رجال حوزويين، وأكاديميين جامعيين وغيرهم، ولمختلف الفئات العمرية من الشباب والكهول وحتى الأطفال وذلك عبر كتابة الكتب الموجهة إليهم وتشويقهم للمطالعة والتأليف والتحقيق، ومن ذلك تأسيس مدارس دينيّة وحوزات علميّة.

ولم ينس الشريحة المهملة في المجتمع وهي النساء حيث أسس لهن المدارس والحوزات ومنها حوزة السيدة الزهراء (عليها السلام) حيث تم تأسيسها سنة 1400ق وقد كانت حوزة عامرة تضم مئات الطالبات ولمّا ذاع صيت الحوزة وكثر الإقبال عليها ثقل الأمر على بعض المتطرفين وخلال الهجمة الشرسة على الإمام الشيرازي الراحل وتعطيل معظم نشاطاته تمت مصادرة الحوزة وتعطيلها وإغلاق بابها بالشمع الأحمر.

وبعد ذلك اجتمع المرجع الشيرازي الراحل ببعض نساء أسرته اللاتي

ص: 3

كن يَدرُسن أو يُدرِّسن في تلك الحوزة وشوقهن على ارتقاء المنبر وتأليف الكتب فأصبح بعضهن خطيبات ناجحات يرتقين المنبر في قم المقدسة وسوريا والنجف وكربلاء وغيرها ويحضر للاستماع إليهن الكثير من المؤمنات وأصبح بعضهن مؤلفات صدرت لهن مجموعة من الكتب القيمة.

وهذا الكتاب الذي بين يدك التجربة الأولى لإحدى كريماته، حيث قامت بجمع وتبويب روايات شريفة ترتبط بالإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وقد تم طباعة الكتاب في حينه عام 1416ق والآن تقوم مؤسسة الشجرة الطيبة بطباعته مرة ثانية لشعورها بحاجة الساحة الإسلامية إلى الثقافة الإيجابية الناصعة من هذا الإمام الذي استهدفه الإعلام الأموي تاريخياً وهو سبط رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .

جعل اللّه هذا الجهد في ميزان عملها {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(1).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مؤسسة الشجرة الطيبة

قم المقدسة 1440ق

ص: 4


1- سورة الشعراء، الآية: 88-89.

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمّد وآله الطاهرين.

وبعد فهذه باقةٌ عطرة من فضائل وكلمات ومواقف الإمام المظلوم الذي ظلم في حياته من أعدائه، وبعد وفاته بهدم بقعته الطاهرة في البقيع في المدينة المنوّرة، سيّد شباب أهل الجنة، الحسن بن عليّ سبط رسول اللّه، قرّة عين فاطمة الزهراء (صلوات اللّه عليهم أجمعين).

أ ُقدّمها إلى الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) لعلّها تحضى لديه بالقبول، واللّه الموفق المستعان.

ص: 5

ص: 6

إلهيّات

اشارة

ص: 7

ص: 8

صفة اللّه تعالى

جاء رجل إلى الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال له: يا ابن رسول اللّه صف لي ربّك حتى كأنّي أنظر إليه؟ فأطرق الحسن بن عليّ (عليهما السلام) إليه مليّاً، ثمّ رفع رأسه فقال: الحمد لله الّذي لم يكن له أوّل معلوم، ولا آخر متناه، ولا قبلٌ مدرك، ولا بعدٌ محدود، ولا أ َمدٌ بحتَّى، ولا شخص فيتجزّأ، ولا اختلاف صفة فيتناهى، فلا تدرك العقول وأ َوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأ َذهانها صفته فتقول متى؟ ولا بُدئ ممّا، ولا ظاهرٌ على ما، ولا باطنٌ في ما، ولا تاركٌ فهلَّا(1)، خلق الخلق فكان بديئاً بديعاً، ابتدأ ما ابتدع، وابتدع ما ابتدأ، وفعل ما أَراد، وأَراد ما استزاد، ذلكم اللّه ربّ العالمين(2).

الحمد لله

عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) للحسن (عليه السلام) : يا بنيّ قم فاخطب حتّى أسمع كلامك، قال: يا أبتاه كيف أخطب وأنا أنظر إلى وجهك أستحيي منك، قال: فجمع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أمّهات أولاده ثمّ توارى عنه، حيث يسمع كلامه. فقام الحسن (عليه السلام) فقال: الحمد لله

ص: 9


1- يقال لشيء ترك هلّا فعل، تحضيضاً وتحريصاً على الفعل أو توبيخاً على تركه. بحار الأنوار 4: 290.
2- التوحيد: 45، ح5؛ بحار الأنوار 4: 289، ح20.

الواحد بغير تشبيه، الدائم بغير تكوين، القائم بغير كلفة، الخالق بغير منصبة، الموصوف بغير غاية، المعروف بغير محدوديّة، العزيز لم يزل قديماً في القدم، ردعت القلوب لهيبته، وذهلت العقول لعزّته وخضعت الرّقاب لقدرته، فليس يخطر على قلب بشر مبلغ جبروته، ولا يبلغ الناس كنه جلاله، ولا يفصح الواصفون منهم لِكُنْهِ عظمته، ولا تبلغه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكّر بتدبير أمورها، أعلم خلقه به الّذي بالحدّ لا يصفه، يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار، وهو اللّطيف الخبير، أما بعد فإنّ عليّاً باب من دخله كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً، أقول قولي هذا وأستغفر اللّه العظيم لي ولكم، فقام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وقبّل بين عينيه، ثمّ قال: {ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1)(2).

القرآن

قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : من قرأ القرآن كانت له دعوة مجابة، إمّا معجّلة وإمّا مؤجّلة(3).

ومن كلامه (عليه السلام) : إنّ هذا القرآن فيه مصابيح النّور وشفاء الصّدور، فليَجل جالٍ بضوئه، وليُلجم الصّفةَ، فإنَّ التّلقين حياة القلب البصير، كما يمشي المستنير في الظّلمات بالنّور(4).

ص: 10


1- سورة آل عمران، الآية: 34.
2- بحار الأنوار 43: 350، ح24؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 126، ح5؛ تفسير فرات الكوفي: 79.
3- بحار الأنوار 89: 204، ح31.
4- بحار الأنوار 75: 112.

ولائيّات

اشارة

ص: 11

ص: 12

صفات النّبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) : إنّ ملك الروم عرض على الحسن بن عليّ (عليهما السلام) صور الأنبياء فعرض عليه صنماً بلوح، فلّما نظر إليه بكى بكاءً شديداً، فقال له الملك: ما يبكيك؟ فقال: هذه صفة جدّي محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، كثّ اللّحية، عريض الصدر، طويل العنق، عريض الجبهة، أقنى الأنف، أفلجُ الأسنان، حسن الوجه، قطط الشعر، طيّب الريح، حسن الكلام، فصيح اللّسان، كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، بلغ عمره ثلاثاً وستّين سنة، ولم يخلف بعده إلّا خاتمٌ مكتوبٌ عليه: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، وكان يتختّم في يمينه، وخلف سيفه ذا الفقار وقضيبه، وجبّة صوف، وكساء صوف، كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخيطه حتّى لحق باللّه، فقال الملك: إنّا نجد في الإنجيل أنّه يكون له ما يتصدّق على سبطيه، فهل كان ذلك؟ فقال له الحسن (عليه السلام) : قد كان ذلك، فقال الملك: فبقى لكم ذلك؟ فقال: لا، قال الملك: أوّل فتنة هذه الأُ مة عليها، ثمّ على مُلك نبيّكم واختيارهم على ذرّية نبيّهم، منكم القائم بالّحق، الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر(1).

إنّ اللّه أدّب نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

قال مولانا الحسن (عليه السلام) : إنّ اللّه عزّ وجلّ أدّب نبيّه أحسن الأدب، فقال:

ص: 13


1- بحار الأنوار 16: 146، ح2.

{خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَٰهِلِينَ}(1) فلمّا وعى الّذي أمره قال تعالى: {وَمَا ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ}(2) فقال لجبرئيل (عليه السلام) : وما العفو؟ قال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك، فلّما فعل ذلك أوحى اللّه إليه: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}(3) وقال: السّداد دفع المنكر بالمعروف، والشّرف اصطناع العشيرة وحمل الجريرة، والمروّة العفاف وإصلاح المرء ماله، والرّقة النظر في اليسير ومنع الحقير، واللّؤم إحراز المرء نفسه وبذله عرسَهُ، السّماحة البذل في العسر واليسر، الشحّ أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً، الإخاء الوفاء في الشدّة والرّخاء، الجبن الجرأة على الصّديق والنّكول عن العدوّ، والغنيمة في التّقوى والزّهادة في الدّنيا هي الغنيمة الباردة، الحلم كظم الغيظ، وملك النّفس الغنى بما قسم اللّه لها وإن قلّ، فإنّما الغنى غنى النّفس، الفقر شدّة النّفس في كلّ شيء، المنعة شدّة البأس ومنازعة أشدّ الناس، الذلّ التّضرّع عند المصدوقة، الجرأة مواقفة الأقران، الكلفة كلامُك في ما لا يعنيك، والمجد أن تعطي في العدم، وأن تعفو عن طول الأناة، والإقرار بالولاية، والاحتراس من النّاس بسوء الظّنّ هو الحزم، السّرور موافقة الإخوان وحفظ الجيران، السّفه اتّباع الدّناة ومصاحبة الغواة، الغفلة تركك المسجد وطاعتك المفسد، الحرمان ترك حظّك وقد عرض عليك، السّفيه الأحمق في ماله،

ص: 14


1- سورة الأعراف، الآية: 199.
2- سورة الحشر، الآية: 7.
3- سورة القلم، الآية: 4.

المتهاون في عرضه، يشتم فلا يجيب، المتحرّم بأمر عشيرته هو السيّد(1).

ما سبقه الأوّلون

عن الحسن بن زيد: أن الحسن (عليه السلام) لمّا أ ُصيب عليّ (عليه السلام) خطب فقال: أيّها النّاس قد أ ُصيب هذه الليلة رجل ما سبقه الأ َوّلون بعلم، ولا يدركه الآخرون بعمل، ما ترك بيضاء ولا صفراء إلّا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله، إن كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقدمه أو يبعثه يقاتل جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، ما يرجع حتّى يفتح اللّه له، من عرفني، فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) اتّبعتُ ملّة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فالجَدُّ في كتاب اللّه أب، ثم قال: أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى اللّه بإذنه، وابن السّراج المنير، وأنا ابن الّذي أرسله اللّه رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا، ونحن أهل البيت الّذين كان جبرئيل فيهم ينزل، ومنهم يصعد، ونحن أهل البيت الّذين افترض اللّه مودّتنا وولايتنا، قال اللّه تعالى: {قُل لَّا أَسَْٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا}(2)، واقتراف الحسنة ولايتنا وموّدتنا أهل البيت(3).

سمّى اللّه عليّاً (عليه السلام) مؤمناً

في كلام كان بين الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) وبين الوليد بن

ص: 15


1- بحار الأنوار 75: 114، ح10.
2- سورة الشورى، الآية: 23.
3- تفسير فرات الكوفي: 198.

عقبة، فقال له الحسن (عليه السلام) : لا ألومك أن تسبّ عليّاً (عليه السلام) ، وقد جلدك في الخمر ثمانين سوطاً، وقتل أباك صبراً بأمر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في يوم بدر، وقد سماّه اللّه عزّ وجلّ في غير آية مؤمناً وسماّك فاسقاً(1).

في احتجاجه (عليه السلام) على معاوية

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في خبر طويل احتجّ فيه على معاوية، قال: فأمّا القرابة، فقد نفعت المشرك وهي واللّه للمؤمن أنفع، قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لعمّه أبي طالب - وهو في الموت - : قل لا إله إلّا اللّه أ َشفع لك بها يوم القيامة، ولم يكن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول له ويعد إلاّ ما يكون منه على يقين، وليس ذلك لأحد من النّاس كلّهم غير شيخنا - أعني أبا طالب - يقول اللّه عزّ وجلّ: {وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّئَِّاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلَْٰٔنَ وَلَا ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} الخبر(2)(3).

فضل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنّه حمد اللّه تعالى وأثنى عليه وقال: {وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَٰنٍ}(4)

فكما أنّللسّابقين فضلهم على من بعدهم، كذلك لأبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)

ص: 16


1- أمالي الشيخ الصدوق: 490؛ مجلس: 74، ح4.
2- سورة النساء، الآية: 18.
3- بحار الأنوار 6: 34، ح50.
4- سورة التوبة، الآية: 100.

فضيلة على السّابقين بسبقه السابقين، وقال: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْأخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ}(1)

واستجاب لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وواساه بنفسه، ثمّ عمّه حمزة سيّد الشّهداء وقد كان قتل مع كثير، فكان حمزة سيّدهم بقرابته من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثمّ جعل اللّه لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة حيث يشاء، وذلك لمكانهما وقرابتهما من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ومنزلتهما منه، وصلّى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) على حمزة سبعين صلوة من بين الشّهداء الّذين استشهدوا معه، وجعل لنساء النّبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فضلاً على غير هنّ لمكانهنّ من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وفضّل اللّه الصلوة في مسجد النّبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بألف صلوة على سائر المساجد إلاّ المسجد الّذي ابتناه إبراهيم النّبي (عليه السلام) بمكّة لمكان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وفضله، وعَلّم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الناس الصلوات فقال: قولوا: اللّهم صلِّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، فحقّنا على كل مسلم أن يصلّي علينا مع الصّلوة فريضة واجبة من اللّه، وأحلّ اللّه لرسوله الغنيمة وأحلّها لنا، وحرّم الصدقات عليه، وحرّمها علينا، كرامة أكرمنا اللّه، وفضيلة فضّلنا اللّه بها(2).

أهل البيت (عليهم السلام)

لمّا قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) رقى الحسن بن عليّ (عليهما السلام) المنبر، فأ َرادالكلام فخنقته العبرة، فقعد ساعة، ثمّ قام فقال: الحمد لله الّذي كان في أَوّليته

ص: 17


1- سورة التوبة، الآية: 19.
2- تفسير فرات الكوفي: 170.

وحدانياً، في أزليّته متعظّماً بإلهيّته متكبّراً بكبريائه وجبروته، ابتدأ ما ابتدع، وأنشأ ما خلق، على غير مثال كان سبق ممّا خلق، ربّنا اللّطيف بلطف ربوبيّته، وبعلم خبره فتق، وبأحكام قدرته خلق جميع ما خلق، فلا مبدّل لخلقه، ولا مغيّر لصنعه، ولا معقّب لحكمه، ولا رادّ لأمره، ولا مستراح عن دعوته، خلق جميع ما خلق، ولا زوال لملكه، ولا انقطاع لمدّته، فوق كلّ شيء علا، ومن كلّ شيء دنا، فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى، وهو بالمنظر الأعلى، احتجب بنوره وسما في علّوه، فاستتر عن خلقه، وبعث إليهم شهيداً عليهم، وبعث فيهم النبيّين مبشّرين ومنذرين، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن بيّنة، وليعقل العباد عن ربّهم ما جهلوه، فيعرفوه بربوبيّته بعدما أنكروه. الحمد لله الّذي أحسن الخلافة علينا أهل البيت، وعنده نحتسب عزاءنا في خير الآباء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعند اللّه نحتسب عزاءنا في أمير المؤمنين، ولقد أصيب به الشّرق والغرب، واللّه ما خلّف درهماً ولا ديناراً إلّا أربعمائة درهم أراد أن يبتاع لأهله خادماً، ولقد حدّثني حبيبي جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّ الأمر يملكه إثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منّا إلّا مقتول أو مسموم(1).

نحن الأبرار

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال: كلّ ما في كتاب اللّه عزّ وجلّ: {إِنَّٱلْأَبْرَارَ}(2) فواللّه ما أراد به إلاّ عليّ بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين، لأنّا

ص: 18


1- بحار الأنوار 43: 363، ح6؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 140، ح5.
2- سورة الإنسان، الآية: 5؛ سورة الإنفطار، الآية: 13؛ سورة المطففين، الآية: 22.

نحن أبرار بآبائنا وأ ُمّهاتنا، وقلوبنا عَلَت بالطّاعات والبرّ، وتبرّأت من الدّنيا وحبّها، وأطعنا اللّه في جميع فرائضه، وآمنّا بوحدانيّته وصدّقنا برسوله(1).

ما ترك صفراء ولا بيضاء

لمّا توفّي أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان من الغد، قام الحسن (عليه السلام) خطيباً على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس في هذه اللّيلة نزل القرآن، وفي هذه اللّيلة رفع عيسى بن مريم، وفي هذه اللّيلة قتل يوشع بن نون، وفي هذه اللّيلة مات أبي أمير المؤمنين، واللّه لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنّة ولا من يكون بعده، وإن كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليبعثه في السريّة، فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، وما ترك صفراء ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، كان يجمعها ليشتري بها خادماً لأهله(2).

أَعبد الناس

قال الحسن (عليه السلام) : ما كان في الدّنيا أ َعبد من فاطمة (عليها السلام) ، كانت تقوم حتّى تتوّرم قدماها(3).

لا يوم كيومك

عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام) : إنّ الحسين بن عليّ (عليهما السلام) دخل يوماً إلى الحسن (عليه السلام) فلمّا نظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك

ص: 19


1- بحار الأنوار 24: 3، ح9.
2- بحار الأنوار 43: 359، ح1؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 136، ح1.
3- بحار الأنوار 43: 75، ح62.

يا أبا عبد اللّه؟ قال: أبكي لما يصنع بك، فقال له الحسن (عليه السلام) : إنّ الّذي يؤتى إليّ سّم يدسّ إليّ فأ ُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنَّهم من أمّة جدّنا محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أميّة اللّعنة، وتمطر السّماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كلّ شيءٍ، حتّى الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار(1).

لا يرجعون إلى الحقّ

عن يزيد بن الأصم قال: خرجت مع الحسن بن عليّ (عليهما السلام) من الحمّام، فبينا هو جالس يحكّ ظهره من الحنّاء، إذ أتت إضبارة كتب، فما نظر في شيء منها حتّى دعا الخادم بالمخضب والماء، فألقاها فيه ثمّ دلكها، فقلت: يا أبا محمّد من أين هذه الكتب؟ فقال: من العراق، من عند قوم لا يقصرون عن باطل، ولا يرجعون إلى حقّ، أمّا إنّي لست أخشاهم على نفسي، ولكنّي أخشاهم على ذاك، وأشار إلى الحسين (عليه السلام) (2).

الفرائض خمسة

عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) ، عن عليّ أو الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، قال: إنّ اللّهافترض خمساً ولم يفترض إلا حسناً جميلاً: الصّلاة، والزّكاة، والحجّ، والصّيام، وولايتنا أهل البيت، فعمل الناس بأربع واستخفوا بالخامسة، واللّه لا

ص: 20


1- بحار الأنوار 45: 218، ح44.
2- مستدرك الوسائل 8: 436، ح1.

يستكملوا الأ َربع حتّى يستكملوها بالخامسة(1).

آتيناه الحكم صبيّا

جاء أبو سفيان إلى عليّ (عليه السلام) فقال: يا أبا الحسن جئتك في حاجة، قال: وفيم جئتني؟ قال: تمشي معي إلى إبن عمّك محمّد، فتسأله أن يعقد لنا عقداً ويكتب لنا كتاباً، فقال: يا أبا سفيان لقد عقد لك رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عقداً لا يرجع عنه أبداً، وكانت فاطمة من وراء الستر، والحسن يدرج بين يديها وهو طفل من أبناء أربعة عشر شهراً، فقال لها: يا بنت محمّد قولي لهذا الطفل يكلّم لي جدّه فيسود بكلامه العرب والعجم، فأقبل الحسن (عليه السلام) إلى أبي سفيان وضرب إحدى يديه على أنفه والأ ُخرى على لحيته ثمّ أنطقه اللّه عزّ وجلّ بأن قال: يا أبا سفيان قل: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، حتّى أكون شفيعاً، فقال (عليه السلام) : الحمد لله الّذي جعل في آل محمّد من ذرّية محمّد المصطفى نظير يحيى بن زكرّيا {وَءَاتَيْنَٰهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيًّا}(2)(3).

من صفة الإمام الحسن (عليه السلام)

عن الصادق (عليه السلام) قال حدّثني أبي عن أبيه (عليهما السلام) ، إنّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجَّ، حجَّ ماشياًورمى ماشياً وربما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممّر على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على

ص: 21


1- مستدرك الوسائل 1: 74، ح15.
2- سورة مريم، الآية: 12.
3- بحار الأنوار 43: 326، ح6؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 85، ح1.

اللّه تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربَّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنّار اضطرب اضطراب السليم، وسأل اللّه الجنّة، وتعوّذ باللّه من النّار(1).

ويلٌ لمن خالفك

طعن أقوام من أهل الكوفة في الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، فقالوا: إنّه عيّ لا يقوم بحجّة، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فدعا الحسن فقال: يا ابن رسول اللّه إنّ أهل الكوفة قد قالوا فيك مقالة أكرهها، قال: وما يقولون يا أمير المؤمنين؟ قال: يقولون: إنّ الحسن بن عليّ عيّ اللسان لا يقوم بحجّة، وإنّ هذه الأعواد فأخبر الناس، فقال: يا أمير المؤمنين لا أستطيع الكلام وأنا أنظر إليك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّي متخلّف عنك فناد أنّ الصّلاة جامعة، فاجتمع المسلمون فصعد (عليه السلام) المنبر، فخطب خطبة بليغة وجيزة فضجّ المسلمون بالبكاء، ثمّ قال: أيّها النّاس اعقلوا عن ربّكم إنّ اللّه عزّ وجلّ اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، ذرّية بعضها من بعض واللّه سميعُ عليم، فنحن الذرّية من آدم والأ ُسرة من نوح، والصفوة من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، وآل من محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، نحن فيكم كالسّماء المرفوعة، والأرض المدحوّة، والشمّس الضاحية، وكالشّجرة الزيّتونة، لا شرقيّة ولا غربيّة، التّي بورك زيتها، النّبي أصلها، وعليّ فرعها،ونحن واللّه ثمرة تلك الشجّرة، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن تخلّف عنها فإلى النّار هوى، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) من أقصى الناس يسحب رداءه من

ص: 22


1- بحار الأنوار 67: 400، ح72؛ عدة الداعي: 151.

خلفه، حتّى علا المنبر مع الحسن (عليه السلام) فقبّل بين عينيه، ثمّ قال: يا ابن رسول اللّه أثبتّ على القوم حجّتك، وأوجبت عليهم طاعتك، فويلٌ لمن خالفك(1).

القيامة موعدنا

وروي أنّ أباه عليّاً (عليه السلام) قال له: قم فأخطب لأسمع كلامك، فقام فقال: الحمد لله الّذي من تكلّم سمع كلامه، ومن سكت علم ما في نفسه، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه معاده، أمّا بعد: فإنَّ القبور محلّتنا، والقيامة موعدنا، واللّه عارضنا، إنّ عليّاً باب من دخله كان مؤمناً، ومن خرج عنه كان كافراً. فقام إليه عليّ (عليه السلام) فالتزمه، فقال: بأبي أنت وأمّي {ذُرِّيَّةَ بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(2)(3).

إن اللّه عرض ولايتنا

عن أبي سعيد عقيصاً التيمّي قال: مررت بالحسن والحسين (صلوات اللّه عليهما) وهما في الفرات مستنقعان في إزارين، فقلت لهما: يا إبني رسول اللّه (صلّى اللّه عليكما) أفسدتما الإزارين، فقالا لي: يا أبا سعيد فسادنا للإزارين أحبّ إلينا من فساد الدّين، إنّ للماء أهلاً وسكّاناً كسكّان الأرض، ثمّ قالا: إلىأين تريد؟ فقلت: إلى هذا الماء، فقالا: وما هذا الماء؟ فقلت: أ ُريد دواءه أشرب من هذا المرّ لعلّة بي أرجو أن يخّف له الجسد، ويسهّل البطن، فقالا: ما نحسب أن اللّه عزّ وجلّ جعل في شيء قد لعنه شفاءً، قلت: ولِمَ ذاك؟ فقالا:

ص: 23


1- بحار الأنوار 43: 358، ح37؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 128، ح7.
2- سورة آل عمران، الآية: 34.
3- بحار الأنوار 75: 112، ح6.

لأنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا آسفه قوم نوح (عليه السلام) فتح السماء بماء منهمر، وأوحى إلى الأرض، فأستعصت عليه عيون منها، فلعنها وجعلها ملحاً أ ُجاجاً. وفي رواية حمدان بن سليمان أنّهما (عليهما السلام) قالا: يا أبا سعيد تأتي ماء ينكر ولايتنا في كلّ يوم ثلاث مراّت، إنّ اللّه عزّ وجلّ عرض ولايتنا على المياه فما قبل ولايتنا عذب وطاب، وما جحد ولايتنا جعله اللّه عزّ وجلّ مرّاً أو ملحاً أ ُجاجاً(1).

لنا العاقبة

اعتلّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بالبصرة، فخرج الحسن (عليه السلام) يوم الجمعة فصلّى الغداة بالنّاس، فحمد اللّه وأثنى عليه وصلّى على نبّيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثمّ قال: إنّ اللّه لم يبعث نبيّاً إلاّ اختار له نفساً ورهطاً وبيتاً، والّذي بعثَ محمّداً بالحقّ لاينقص أحدٌ من حقّنا إلاّ نقصه اللّه من علمه، ولا يكون علينا دولة إلاّ كانت لنا عاقبة، ولتعلمنّ نبأه بعد حين(2).

لا تمدحني

وسأله رجل أن يخيله قال (عليه السلام) : إيّاك أن تمدحني، فأنا أعلم بنفسي منك، أو تكذبني فإنّه لا رأي لمكذوب، أو تغتاب عندي أحداً.فقال له الرّجل: ائذن لي في الانصراف، فقال (عليه السلام) : نعم إذا شئت(3).

من كان يباء

روى الحاكم في أماليه للحسن (عليه السلام) : من كان يباء بجدّ فإنّ جدّي

ص: 24


1- الكافي 6: 389، ح3؛ بحار الأنوار 43: 320، ح3؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 101، ح1.
2- بحار الأنوار 75: 114، ح9.
3- بحار الأنوار 75: 109، ح4؛ تحف العقول: 236.

الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أو كان يباء بأمّ فإنّ أميّ البتول، أو كان يباء بزور فزورنا جبرئيل(1).

قضاؤه (عليه السلام)

قيل أتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل وجد في خربة وبيده سكّين تلطخ بالدّم، وإذا رجل مذبوح مشحّط في دمه، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : ما تقول يا ذا الرجل؟ فقال: يا أمير المؤمنين أنا قتلته، قال: إذهبوا إلى المقتول فادفنوه، فلمّا أرادوا قتل الرجل جاء رجل مسرع، فقال يا أمير المؤمنين واللّه وحقّ عيني رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنا قتلته وما هذا بصاحبه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : اذهبوا بهما اثنيهما إلى حسن ابني، وأ ُخبروه بقصّتهما ليحكم بينهما، فذهبوا بهما إلى الحسن (عليه السلام) فأخبروه بمقالة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال الحسن (عليه السلام) : ردّوهما إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقولوا: إنّ هذا قتل ذاك بإقراره، فقد أحيا هذا بإقراره بقتل ذلك، يطلق عنهما جميعاً ويخرج دية المقتول من بيت المال، مال للمسلمين، فقد قال اللّه تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعًا}(2). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) فما حملك علىإقرارك على نفسك بقتله؟ فقال: يا أمير المؤمنين وما كنتُ أصنع، وهل كان ينفعني الإنكار، وقد أخذت وبيدي سكّين متلطّخ بالدّم وأنا على رجل متشحّط في دمه، وقد شهد عليّ مثل ذلك وأنا رجل كنت ذبحت شاة بجنب الخربة، فأخذني البول، فدخلت الخربة فالرّجل متشحّط في دمه وأنا

ص: 25


1- بحار الأنوار 43: 352، ح28؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 123، ح1.
2- سورة المائدة، الآية: 32.

على الحال(1).

جماجم العرب

عن جبير بن نفير، عن أبيه قال: قدمت المدينة فقال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه اللّه عزّ وجلّ، وحقن دماء المسلمين(2).

كان يسمع الوحي

إنّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) كان يحضر مجلس رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وهو إبن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي أمّهُ فيلقى إليها ما حفظه، كلّما دخل عليّ (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك؟ فقالت: من ولدك الحسن، فتخفّى يوماً في الدار، وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فأرتجّ عليه، فعجبت أ ُمّه من ذلك، فقال: لا تعجبين يا أ ُمّاه فإنّ كبيراً يسمعني، فاستماعه قد أوقفني، فخرج عليّ (عليه السلام) فقبّلهُ، وفي رواية: يا أ ُمّاه قلّ بياني، وكَلَّ لساني، لعلّ سيّداً يرعاني(3).

فيَّ عزّة

فيَّ عزّةوقيل له (عليه السلام) : فيك عظمة؟ قال: لا، بل فيَّ عزّة، قال اللّه تعالى: {وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(4)(5).

ص: 26


1- بحار الأنوار 101: 413، ح22.
2- كشف الغمة 1: 529.
3- بحار الأنوار 43: 338، ح11؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 108، ح4.
4- سورة المنافقون، الآية: 8.
5- كشف الغمة 1: 574.

مَن عرفني

وروي أنّ عمرو بن العاص قال لمعاوية: إبعث إلى الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فمره أن يصعد المنبر يخطب النّاس لعلّه يحصر، فيكون ذلك ممّا نعيّره به في كلّ محفل، فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر، وقد جمع له النّاس ورؤساء أهل الشّام، فحمد اللّه الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها النّاس من عرفني فأنا الّذي يعرف، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن عليّ بن أبي طالب ابن عمّ رسول اللّه، أوّل المسلمين إسلاماً، وأميّ فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وجدّي محمّد بن عبد اللّه، نبيّ الرّحمة، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن السّراج المنير، أنا ابن من بعث رحمةً للعالمين، أنا ابن من بعث إلى الجنّ والأنس أجمعين. فقال معاوية: يا أبا محمّد خذ بنا في نعت الرطب - أراد تخجيله - فقال الحسن (عليه السلام) : الرّيح تنفخه، والحرُّ ينضجه، واللِّيل يبرده ويطيّبه، ثمّ أقبل الحسن (عليه السلام) ، فرجع في كلامه الأوّل، فقال: أنا ابن مستجاب الدّعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أوّل من ينفض عن الرّأس التراب، أنا ابن من يقرع باب الجنّة، فيفتح له، أنا ابن من قاتل معه الملائكة وأحلّ له المغنم، ونصر بالرّعب من مسيرة شهر. فأكثر في هذا النوع من الكلام، ولم يزل به حتّى أظلمت الدنّيا على معاوية،وعرف الحسن (عليه السلام) من لم يكن يعرفه من أهل الشّام وغيرهم، ثمّ نزل فقال له معاوية: أمّا إنّك يا حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة ولست هناك، فقال الحسن (عليه السلام) : أمّا الخليفة فمن سار بسيرة رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وعمل بطاعة اللّه عزّ وجلّ، وليس الخليفة من سار بالجور، وعطّل السنن، واتّخذ الدّنيا أ ُمّاً وأباً، ولكن ذلك ملك أصاب ملكاً، فتمتّع منه قليلاً، وكان قد انقطع عنه

ص: 27

فاتّخم لذّته، وبقيت عليه تبعته، وكان كما قال اللّه تبارك وتعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ}(1).

فأومأ بيده إلى معاوية ثمّ قام فانصرف، فقال معاوية لعمرو: واللّه ما أردت إلّا شيني، حين أمرتني بما أمرتني، واللّه ما كان يرى أهل الشام أنّ أحداً مثلي في حسب ولا غيره، حتّى قال الحسن ما قال، قال عمرو: هذا شيء لا يستطاع دفنه، ولا تغييره لشهرته في النّاس واتّضاحه، فسكت معاوية لعنهُ اللّه(2).

أنا ابن فاطمة (عليها السلام)

إنّ معاوية سأل الحسن (عليه السلام) أن يصعد المنبر وينتسب، فصعد فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها النّاس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسأُبيّن له نفسي، بلدي مكّة ومنى، وأنا ابن المروة والصفا، وأنا ابن النبيّ المصطفى، وأنا ابن من علا الجبال الرواسيّ، وأنا ابن من كسا محاسن وجهه الحياءَ، وأنا ابن فاطمة سيّدة النساء، وأنا ابن قليلات العيوب، نقيّات الجيوب- وأذّن المؤذّن، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، أشهد أنَّ محمّداً رسول اللّه - فقال: يا معاوية محمّد أبي أم أبوك؟ فإن قلت: ليس بأبي فقد كفرت، وإن قلت: نعم، فقد أقررت، ثمّ قال: أصبحت قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّداً منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّداً منها، وأصبحت العجم تعرف حقّ العرب بأنّ محمّداً منها يطلبون حقّنا ولا يرّدون

ص: 28


1- سورة الأنبياء، الآية: 111.
2- بحار الأنوار 43: 353، ح31؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 127، ح6.

إلينا حقّنا(1).

نحن حزب اللّه

عن هشام بن حسّان قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) يخطب النّاس بعد البيعة له بالأمر، فقال: نحنُ حزب اللّه الغالبون، وعترة رسوله الأقربون، وأهل بيته الطيّبون الطّاهرون، وأحد الثقلين الّذين خلّفهما رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في أمّته، والتالي كتاب اللّه، فيه تفصيل كلّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعوّل علينا في تفسيره لا نتظنّى تأويله بل نتيقّن حقائقه فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة اللّه عزّ وجلّ ورسوله مقرونة، قال اللّه عزّ وجلّ: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ}(2){وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِي ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(3) وأ ُحذّركم الإصغاء لهتاف الشيطان، فإنّه لكم عدوٌّمبين، فتكونوا أولياءه الّذين قال لهم: {لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ}(4) فتلقون إلى الرّماح وزراً، وإلى السيوف جَزَراً وللعمد حطماً، وللسهام غرضاً ثمّ: {لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ

ص: 29


1- بحار الأنوار 43: 356، ح34؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 124، ح2.
2- سورة النساء، الآية: 59.
3- سورة النساء، الآية: 83.
4- سورة الانفال، الآية: 48.

كَسَبَتْ فِي إِيمَٰنِهَا خَيْرًا}(1)- (2).

هول المطّلع

عن عبد اللّه بن سنان، عمّن سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لمّا حضرت الحسن (عليه السلام) الوفاة بكى، فقيل له: يا ابن رسول اللّه تبكي ومكانك من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الّذي أنت به وقد قال فيك ما قال؟ وقد حججت عشرين حجّة ماشياً؟ وقد قاسمت مالك ثلاث مرّات حتّى النعل بالنعل؟ فقال: إنّما أبكي لخصلتين: لهول المطّلع، وفراق الأحبّة(3).

حبّنا يساقط الذنوب

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جاء رجل من أصحاب الحسن (عليه السلام) يُقال له سفيان بن ليلى، وهو على راحلة له، فدخل على الحسن (عليه السلام) وهو محتَبٍ(4) في فناء داره، فقال له: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين، فقال له الحسن (عليه السلام) : إنزل ولا تعجل، فنزل فعقل راحلته في الدّار، وأقبل يمشي حتّى إنتهى إليه،قال: فقال له الحسن (عليه السلام) : ما قلت؟ قال، قلت: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين، قال وما علمك بذلك؟ قال: عمدت إلى أمر الأمّة، فخلعته من عنقك، وقلّدته هذا الطاغية، يحكم بغير ما أنزل اللّه، قال: فقال له الحسن (عليه السلام) : سأخبرك لِمَ فعلت ذلك، قال: سمعت أبي (عليه السلام) يقول: قال

ص: 30


1- سورة الأنعام، الآية: 158.
2- بحار الأنوار 43: 359، ح2.
3- الكافي 1: 461، ح1؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 134، ح8.
4- أي: جمع بين ظهره وساقيه بيديه أو بإزاره أو بعمامته.

رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : لن تذهب الأيّام واللّيالي حتّى يلي أمر هذه الأمّة رجل واسع البُلعوم، رحب الصدر، يأكل ولا يشبع، وهو معاوية، فلذلك فعلت. ما جاء بك؟ قال: حبّك، قال: اللّه؟ قال: اللّه، فقال الحسن (عليه السلام) : واللّه لا يحبّنا عبداً أبداً ولو كان أسيراً في الديّلم إلاّ نفعه حبّنا، وإنّ حبّنا ليساقط الذنوب من بني آدم كما يساقط الرّيح الورق من الشجر(1).

من احبّنا

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، أنّه قال: من أحبّنا بقلبه، ونصرنا بيده ولسانه، فهو معنا في الغرفة الّتي نحن فيها، ومن أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه، فهو دون ذلك بدرجة، ومن أحبّنا بقلبه وكفّ بيده ولسانه فهو في الجنّة(2).

شفاعتنا

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنّه قال: إنّ أبا بكر وعمر عمدا إلى هذا الأمر وهو لنا كلّه، فأخذاه دوننا، وجعلا لنا فيه سهماً كسهم الجدّة(3)، أما واللّهلتهمّنّهما(4) أنفسهما يوم يطلب النّاس فيه شفاعتنا(5).

الشيعة

قال رجل للحسن بن عليّ (عليهما السلام) : إنّي من شيعتكم، فقال الحسن بن

ص: 31


1- بحار الأنوار 44: 23، ح7؛ الاختصاص: 82.
2- بحار الأنوار 27: 101، ح64.
3- التشبيه بسهم الجدّ إما من جهة القلّة، أو عدم اللزوم مع وجود الوالدين، أو إشارة إلى شورى، فإن عمر جعل أمير المؤمنين (عليه السلام) أحد الستة وسهم الجدّ السدس.
4- أهمه الأمر: أقلقه وأحزنه.
5- أمالي الشيخ المفيد: 48، المجلس 6, ح8.

عليّ (عليهما السلام) : يا عبد اللّه إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل لنا: أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مواليكم، ومحبيّكم، ومعادي أعدائكم، وأنت في خير وإلى خير(1).

الشهيد

وقال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : ما يضرّ الرّجل من شيعتنا أي ميتة مات: أكله سبع، أو أ ُحرق بنار، أو غرق، أو صُلب، أو قتل، هو واللّه صدّيق شهيد(2).

ص: 32


1- بحار الأنوار 65: 156، ح11.
2- أعلام الدين: 457.

عباديّات

اشارة

ص: 33

ص: 34

كان يتغيّر لونه

كان الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، إذا توضّأ تغيّر لونه، وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال: حقّ لمن وقف بين يدي ذي العرش، أن يصفر لونه، وترتعد مفاصله(1).

الاختلاف إلى المساجد

وقال (عليه السلام) : من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمةً منتظرةً، وكلمةً تدلّه على الهدى، أو تردّه عن ردى، وترك الذّنوب حياءً أو خشيةً(2).

الخوف من اللّه

عن الصّادق عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام) : أنّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنّار اضطرب اضطراب السّليم وسأل اللّه الجنّة، وتعوّذ باللّه من النّار(3).

الستر من النار

عن عمير بن مأمون العطارديّ قال: رأيت الحسن بن عليّ (عليهما السلام) يقعد في

ص: 35


1- مستدرك الوسائل 1: 354، ح4.
2- بحار الأنوار 75: 108، ح4؛ تحف العقول: 235.
3- بحار الأنوار 81: 258، ح56.

مجلسه حين يصلّي الفجر حتّى تطلع الشمس، وسمعته يقول: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: من صلّى الفجر ثمّ جلس في مجلسه يذكر اللّه عزّ وجلّ حتّى تطلع الشمس ستره اللّه عزّ وجلّ من النّار، ستره اللّه عزّ وجلّ من النّار، ستره اللّه عزّ وجلّ من النّار(1).

الصلاة

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال: سمعت أبي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : أيّما امرئ مسلم جلس في مصلاّه الّذي يصلّي فيه الفجر يذكر اللّه عزّ وجلّ حتّى تطلع الشمس، كان له من الأجر كحاجّ بيت اللّه، وغفر له، فإن جلس فيه حتّى يكون ساعة تحلّ فيه الصلاة فصلّى ركعتين أو أربعاً غفر له ما سلف من ذنبه، وكان له من الأجر كحاجّ بيت اللّه(2).

مرَّ بين يديه رجل

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام) قال: كان الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) يصلّي، فمرَّ بين يديه رجل فنهاه بعض جلسائه، فلّما انصرف من صلاته قال له: لِمَ نهيت الرّجل؟ قال يا ابن رسول اللّه حظر في ما بينك وبين المحراب، فقال: ويحك إن اللّه عزّ وجلّ أقرب إليّ من أن يحظر في ما بيني وبينه أحد(3).

ص: 36


1- بحار الأنوار 82: 320، ح4؛ أمالي الشيخ الصدوق: 576، المجلس 85، ح3.
2- بحار الأنوار 82: 320، ح5؛ أمالي الشيخ الصدوق: 585، المجلس 86، ح3.
3- التوحيد: 184، ح22.

قنوت الإمام الحسن (عليه السلام)

يا من بسلطانه ينتصر المظلوم، وبعونه يعتصم المكلوم، سبقت مشيّتك، وتمّت كلمتك، وأنت على كلّ شيء قدير، وبما تمضيه خبير، يا حاضر كلّ غيب، ويا عالم كلّ سرّ، وملجأ كلّ مضطرّ، ضلّت فيك الفهوم، وتقطّعت دونك العلوم، وأنت اللّه الحيّ القيّوم، الدّائم الديّموم، قد ترى ما أنت به عليم، وفيه حكيم، وعنه حليم، وأنت بالتناصر على كشفه والعون على كفّه غير ضائق، وإليك مرجع كلّ أمر كما عن مشيّتك مصدره، وقد أبنت عن عقود كلّ قوم، وأخفيت سراير آخرين، وأمضيت ما قضيت، وأخّرت ما لا فوت عليك فيه، وحمَّلت العقول ما تحمّلت في غيبك ، ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيّ عن بيّنة، وإنّك أنت السميع العليم، الأحد البصير.

وأنت اللّهم المستعان، وعليك التوكّل، وأنت وليّ ما توليّت، لك الأمر كلّه، تشهد الانفعال، وتعلم الإختلال، وترى تخاذل أهل الخبال وجنوحهم إلى ما جنحوا إليه من عاجل فان، وحطام عقباه حميم آن، وقعود من قعد، وارتداد من ارتدّ وخلوى من النّصّار، وانفرادي من الظهار، وبك أعتصم، وبحبلك أستمسك وعليك أتوكّل.

اللّهم فقد تعلم أنّي ما ذخرت جهدي، ولا منعت وُجدي، حتّى انفلّ حدّي وبقيت وحدي، فاتّبعت طريق من تقدّمني في كفّ العادية، وتسكين الطاغية، عن دماء أهل المشايعة، وحرست ما حرسه أوليائي من أمر آخرتي ودنياي، فكنت لغيظهم أكظم، وبنظامهم أنتظم، ولطريقهم أتسنّم، وبميسمهم أتّسم، حتّى يأتي نصرك وأنت ناصر الحقّ وعونه، وإن بعد المدى من المرتاد، ونأى الوقت عن إفناء الأضداد.

ص: 37

اللّهم صلِّ على محمّد وآله، وأخرجهم مع النصّاب في سرمد العذاب، وأعم عن الرّشد أبصارهم، وسكّعهم في غمرات لذّاتهم حتّى تأخذهم بغتة وهم غافلون، وسُحرة وهم نائمون، بالحقّ الّذي تظهره، واليد الّتي تبطش بها، والعلم الّذي تبديه، إنّك كريم عليم(1).

ودعائه في القنوت

اللّهم إنّك الربّ الرؤوف، الملك العطوف، المتحنّن المألوف، وأنت غياث الحيران الملهوف، ومرشد الضّال المكفوف، تشهد خواطر أسرار المسريّن، كمشاهدتك أقوال النّاطقين، أسألك بمغيبّات علمك في بواطن سرائر المسّرين إليك، أن تصلّي على محمّد وآله صلاة نسبق بها من اجتهد من المتقدّمين، ونتجاوز فيها من يجتهد من المتأخّرين، وأن تصل الّذي بيننا وبينك صلة من صنعته لنفسك، واصطنعته لعينك، فلم تتخطّفه خاطفات الظنن، ولا واردات الفتن، حتّى نكون لك في الدّنيا مطيعين، وفي الآخرة في جوارك خالدين(2).

دعائه في الاستسقاء

عن الصادق عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام) قال: اجتمع عند عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قومٌ فشكوا إليه قلّة المطر، وقالوا: يا أبا الحسن، ادع لنا بدعوات في الاستسقاء، قال: فدعا عليّ، الحسن والحسين( (عليهم السلام) ) فقال للحسن (عليه السلام) : ادع لنا بدعواتٍ في الاستسقاء، فقال الحسن (عليه السلام) : اللّهم هيّج لنا السحاب بفتح

ص: 38


1- بحار الأنوار 82: 212، ح1.
2- بحار الأنوار 82: 213، ح1.

الأبواب، بماء عُباب ورباب، بانصباب وانسكاب يا وهّاب، اسقنا مغدقة مطبقة مونقة، فتّح أغلاقها، ويسّر أطباقها، وسهّل إطلاقها، وعجّل سياقها بالأندية في بطون الأودية، بصبوب الماء، يا فعّال اسقنا مطراً قطراً، طلاً مطلاً، مطبقاً طبقاً، عامّاً معمّاً، دهماً بهماً رُحماً، رشّاً مرشّاً، واسعاً كافياً، عاجلاً طيّباً، مريئاً مباركاً، سلاطحاً بلاطحاً، يباطح الأباطح، مغدودقاً مطبوبقاً مغرورقاً، اسق سهلنا وجبلنا، وبدونا وحضرنا، حتّى ترخص به أسعارنا، وتبارك لنا في صاعنا ومدّنا، أرنا الرزّق موجوداً، والغلا مفقوداً، آمين ربّ العالمين(1).

شهر رمضان

ومرّ (عليه السلام) في يوم فطر بقومٍ يلعبون ويضحكون، فوقف علی رؤوسهم فقال: إن اللّه جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وقصّر آخرون فخابوا، فالعجب كلّ العجب من ضاحك لاعب في اليوم الّذي يُثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، وأيم اللّه لو كشف الغطاء لعلموا أنّ المحسن مشغولٌ بإحسانه، والمسيء مشغولٌ بإساءته(2).

تحفة الصائم

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال: تحفة الصّائم أن يدهّن لحيته، ويجمّر ثوبه، وتحفة المرأة الصّائمة أن تمشّط رأسها، وتجمّر ثوبها(3).

ص: 39


1- مستدرك الوسائل 6: 197، ح1.
2- بحار الأنوار 75: 110، ح4.
3- بحار الأنوار 93: 289، ح2.

الزكاة

سئل الحسن بن عليّ (عليهما السلام) عن بدو الزكاة، فقال: إنّ اللّه تعالى أوحى إلى آدم: أن زكَّ عن نفسك يا آدم، قال: يا ربّ وما الزكاة؟ قال: صلِّ لي عشر ركعات، فصلّى، ثمّ قال: يا ربّ هذه الزكاة عليّ وعلى خلق اللّه؟ قال اللّه: هذه الزكاة عليك في الصلاة، وعلى ولدك في المال، من جمع من ولدك مالاً(1).

عشرين حجّة ماشياً

عن عبد اللّه بن بكير قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّا نريد الخروج إلى مكّة، فقال: لا تمشوا واركبوا، فقلت: أصلحك اللّه إنّه بلغنا أنّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) حجّ عشرين حجّة ماشياً، فقال: إنّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) كان يمشي وتساق معه محامله ورحاله(2).

المشي إلى بيت اللّه الحرام

روى ابراهيم الرافعي، عن أبيه، عن جدّه قال: رأيت الحسن والحسين (عليهما السلام) يمشيان إلى الحجّ، فلم يمرّا برجل راكب إلاّ نزل يمشي، فثقل ذلك على بعضهم، فقالوا لسعد بن أبي وقّاص: قد ثقل علينا المشي، ولا نستحسن أن نركب وهذان السيّدان يمشيان، فقال سعد للحسن (عليه السلام) : يا أبا محمّد إنّ المشي قد ثقل على جماعة ممّن معك، والناس إذا رأوكما تمشيان لم تطب أنفسهم أن يركبوا فلو ركبتما، فقال الحسن (عليه السلام) : لا نركب، قد جعلنا على

ص: 40


1- مستدرك الوسائل 7: 11، ح17.
2- الاستبصار 2: 142، ح6.

أنفسنا المشي إلى بيت اللّه الحرام على أقدامنا، ولكنّا نتنكّب عن الطريق، فأخذا جانباً من الناس(1).

قاسم ربّه ثلاث مرّات

عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن فضل المشي؟ فقال: إنّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قاسم ربّه ثلاث مرّات، حتى نعلاً ونعلاً، وثوباً وثوباً، وديناراً وديناراً، وحجّ عشرين حجّة ماشياً على قدميه(2).

ص: 41


1- بحار الأنوار 43: 276، ح46؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 100، ح1.
2- الاستبصار 2: 141، ح2.

ص: 42

مواعظ

اشارة

ص: 43

ص: 44

تزوّدوا

ومن كلامه (عليه السلام) : يا ابن آدم عفّ عن محارم اللّه تكن عابداً، وارض بما قسّم اللّه سبحانه تكن غنيّاً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب النّاس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به تكن عدلاً، إنّه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعهم بواراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً، يا ابن آدم إنّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمّك، فخذ ممّا في يديك لما بين يديك، فإنّ المؤمن يتزوّد، والكافر يتمّتع، وكان (عليه السلام) يتلو بعد هذه الموعظة: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ}(1)(2).

صفة الهدى

ومن حكمه (عليه السلام) : أيّها النّاس إنّه من نصح لله، وأخذ قوله دليلاً، هُدي للّتي هي أقوم، ووفّقه اللّه للرّشاد وسدّده للحسنى، فإنّ جار اللّه آمن محفوظ، وعدوّه خائف مخذول، فاحترسوا من اللّه بكثرة الذّكر، واخشوا اللّه بالتّقوى، وتقرّبوا إلى اللّه بالطّاعة، فإنّه قريب مجيب، قال اللّه تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي

ص: 45


1- سورة البقرة، الآية: 197.
2- بحار الأنوار 75: 112، ح6.

لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(1) فاستجيبوا لله وآمنوا به، فإنّه لا ينبغي لمن عرف عظمة اللّه أن يتعاظم، فانّ رفعة الّذين يعلمون عظمة اللّه أن يتواضعوا، وعزّ الّذين يعرفون ما جلال اللّه أن يتذلّلوا له، وسلامة الّذين يعلمون ما قدرة اللّه أن يستسلموا له، ولا ينكروا أنفسهم بعد المعرفة، ولا يضلّوا بعد الهدى. واعلموا علماً يقيناً أنّكم لن تعرفوا التقّى، حتّى تعرفوا صفة الهدى، ولن تمسّكوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الّذي نبذه، ولن تتلوا الكتاب حقّ تلاوته حتّى تعرفوا الّذي حرّفه، فإذا عرفتم ذلك عرفتم البدع والتكلّف، ورأيتم الفرية على اللّه والتحريف، ورأيتم كيف يهوي من يهوي. ولا يجهلنّكم الّذين لا يعلمون. والتمسوا ذلك عند أهله، فإنّهم خاصّة نور يستضاء بهم، وأئمّة يقتدى بهم، بهم عيش العلم، وموت الجهل، وهم الّذين أخبركم حلمهم عن جهلهم، وحكم منطقهم عن صمتهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وقد خلت لهم من اللّه سُنّة، ومضى فيهم من اللّه حكم، إنّ في ذلك لذكرى للذّاكرين، واعقلوه إذا سمعتموه عَقْلَ رعايته، ولا تعقلوه عقل روايته، فانّ رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، واللّه المستعان(2).

إنّ الدّنيا لا تدوم

وقال (عليه السلام) : اتّقوا اللّه عباد اللّه، وجدّوا في الطلب وتجاه الهرب، وبادروا العمل قبل مقطّعات النقمات، وهاذم(3) اللّذات، فإنّ الدّنيا لا يدوم نعيمها،

ص: 46


1- سورة البقرة، الآية: 186.
2- بحار الأنوار 75: 104، ح3.
3- يهذم اللحم، أي: يقطعه بسرعة.

ولا تؤمَن فجيعها، ولا تتوقّى في مساويها، غرورٌ حائل، وسنادٌ مائل، فاتّعظوا عباد اللّه بالعبر، واعتبروا بالأثر، وازدجروا بالنعيم، وانتفعوا بالمواعظ، فكفى باللّه معتصماً ونصيراً، وكفى بالكتاب حجيجاً وخصيماً، وكفى بالجنّة ثواباً، وكفى بالنّار عقاباً ووبالاً(1).

الذكر والشكر

قال (عليه السلام) لرجل أبلَّ من علّة(2): إنّ اللّه قد ذكّرك فاذكره، وأقالك فاشكره(3).

من طلب العبادة

وقال (عليه السلام) : إنّ من طلب العبادة تزكّى لها، إذا أضرّت النوافل بالفريضة فارفضوها، اليقين معاذ للسّلامة، من تذكّر بُعد السفر اعتدّ، ولا يغشّ العاقل من استنصحه، بينكم وبين الموعظة حجاب العزّة، قطع العلم عذر المتعلّمين، كلُّ معاجل يسأل النظرة، وكلُّ مؤجّل يتعلّل بالتسويف(4).

طاعة اللّه

عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) أنّه قال: وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية اللّه، إلى عزّ طاعة اللّه عزّوجلّ(5).

ص: 47


1- بحار الأنوار 75: 109، ح4.
2- أبلَّ من مرضه: برئ منه.
3- بحار الأنوار 75: 106، ح4؛ تحف العقول: 234.
4- بحار الأنوار 75: 109، ح4.
5- مستدرك الوسائل 11: 258، ح7.

شرف كلّ عمل بالتقوى

موعظة منه (عليه السلام) : اعلموا أنّ اللّه لم يخلقكم عبثاً، وليس بتارككم سدى، كتب آجالكم، وقسم بينكم معايشكم، ليعرف كلُّ ذي لبّ منزلته، وأنّ ما قُدّر له أصابه، وما صُرف عنه فلن يصيبه، قد كفا كم مؤونة الدّنيا، وفرّغكم لعبادته، وحثّكم على الشكر، وافترض عليكم الذّكر، وأوصاكم بالتقوى، وجعل التقوى منتهى رضاه، والتقوى باب كلّ توبة، ورأس كلّ حكمة، وشرف كلّ عمل، بالتقوى فاز من فاز من المتّقين، قال اللّه تبارك وتعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا}(1) وقال: {وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(2)، فاتقوا اللّه عباد اللّه، واعلموا أنّه من يتّق اللّه يجعل له مخرجاً من الفتن، ويسدّده في أمره، ويهيّئ له رشده، ويفلجه بحجّته، ويبيّض وجهه، ويعطيه رغبته مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النبيّين والصدّيقين والشّهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا(3).

من لم يحفظ

روي عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، أنّه قال: من لم يحفظ هذا الحديث كان ناقصاً في مروّته وعقله.

قلنا: وما ذاك يا ابن رسول اللّه؟ فبكى وأنشأ يحدّثنا، فقال: لو أنّ رجلاً من المهاجرين أو الأنصار، يطلع من باب مسجدكم هذا، ما أدرك شيئاً ممّا

ص: 48


1- سورة النبأ، الآية: 31.
2- سورة الزمر، الآية: 61.
3- بحار الأنوار 75: 110، ح5.

كانوا عليه إلا قبلتكم هذه - ثم قال - : هلك الناس - ثلاثاً - بقول ولا فعل، ومعرفة ولا صبر، ووصف ولا صدق، ووعد ولا وفاء، ما لي أرى رجالاً ولا عقول، وأرى أجساماً ولا أرى قلوباً دخلوا في الدّين ثم خرجوا منه، وحرّموا ثم استحلّوا، وعرفوا ثم أنكروا، وإنّما دين أحدكم على لسانه، ولئن سألته هل يؤمن بيوم الحساب؟ قال: نعم، كذب ومالك يوم الدّين، إنّ من أخلاق المؤمنين قوّة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وشفقة في مقّة(1)، وحلماً في حكم، وقصداً في غنى، وتجملاً في فاقة، وتحرجاً عن طمع، وكسباً من حلال، وبراً في استقامة، ونشاطاً في هدى، ونهياً عن شهوة.

إنّ المؤمن عوّاذ باللّه، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحبّ، ولا يضيع ما استودع، ولا يحسد، ولا يطعن، ويعترف بالحقّ وإن لم يشهد عليه، ولا يُنابز بالألقاب، في الصّلاة متخّشع، وإلى الزّكاة مسارع، وفي الزلاّت وقور، وفي الرخاء شكور، قانع بالّذي عنده، لا يدّعي ما ليس له، لا يجمع في قنط(2)، ولا يغلبه الشحّ عن معروف يريده، يخالط النّاس ليعلم، ويناطق ليفهم، وإن ظُلم أو بُغي عليه صبر، حتّى يكون الرّحمن الذي ينتصر له(3).

الموت

سئل الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) : ما الموت الّذي جهلوه؟ قال:

ص: 49


1- المقة: المحبة.
2- القنط: اليأس.
3- أعلام الدين: 136.

أعظم سرور يرد على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذا نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد(1).

ما بالنا نكره الموت؟

عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال: كان للحسن بن عليّ (عليهما السلام) صديق، وكان ماجناً(2)، فتباطأ عليه أيّاماً، فجاءه يوماً، فقال له الحسن (عليه السلام) : كيف أصبحت؟ فقال: يا ابن رسول اللّه أصبحت بخلاف ما أ ُحبّ ويحبّ اللّه ويحبّ الشيطان! فضحك الحسن (عليه السلام) ثمّ قال: وكيف ذاك؟ قال: لأنّ اللّه عزّ وجلّ يحبّ أن أطيعه ولا أعصيه ولست كذلك، والشيطان يحبّ أن أعصي اللّه ولا أطيعه ولست كذلك، وأنا أحبّ أن لا أموت ولستُ كذلك، فقام إليه رجل فقال: يا ابن رسول اللّه ما بالنا نكره الموت ولا نحبّه؟ قال: فقال الحسن (عليه السلام) : لأنّكم أخربتم آخرتكم، وعمّرتم دنياكم، وأنتم تكرهون النّقلة من العمران إلى الخراب(3).

خافوا اللّه

أنّ النّاس أتوا الحسن بن عليّ (عليهما السلام) بعد وفاة عليّ (عليه السلام) ليبايعوه، فقال: الحمد لله على ما قضى من أمر، وخصّ من فضل، وعمّ من أمر، وجلّل منعافية، حمداً يتمّم به علينا نعمه، ونستوجب به رضوانه، إنّ الدّنيا دار بلاء وفتنةٍ، وكلّ ما فيها إلى زوال، وقد نبّأنا اللّه عنها كيما نعتبر، فقدّم إلينا

ص: 50


1- بحار الأنوار 6: 154، ح9.
2- الماجن من لا يبالي قولاً وفعلاً.
3- معاني الأخبار: 389، ح29؛ بحار الأنوار 6: 129، ح18.

بالوعيد كي لا يكون لنا حجّة بعد الإنذار، فازهدوا في ما يفنى، وارغبوا في ما يبقى، وخافوا اللّه في السرّ والعلانية، إنّ عليّاً (عليه السلام) في المحيا والممات والمبعث، عاش بقدر ومات بأجل، وإنّي أ ُبايعكم على أن تسالموا مَنْ سالمت، وتحاربوا مَنْ حاربت، فبايعوه على ذلك(1).

يستجاب دعائه

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: لقي الحسن بن عليّ (عليهما السلام) عبد اللّه بن جعفر، فقال: يا عبد اللّه كيف يكون المؤمن مؤمناً وهو يسخط قِسمُهُ، ويحقّر منزلته، والحاكم عليه اللّه، وأنا الضّامن لمن لم يهجُس في قلبه إلاّ الرّضا أن يدعو اللّه فيستجاب له(2).

الرضا بقضاء اللّه

وقال (عليه السلام) : من اتّكل على حسن الاختيار من اللّه، لم يتمنّ أنّه في غير الحال الّتي اختارها اللّه له(3).

الدنيا بمنزلة الميتة

عن جنادة بن أبي أمية، عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنّه قال: قال له في حديث: واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك، إلّا كنت فيه خازناًلغيرك، واعلم أنّ في حلالها حساباً، وفي حرامها عقاباً، وفي الشبهات عتاباً، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خُذ منها ما يقيك، فإن كان ذلك حلالاً كنت قد

ص: 51


1- التوحيد: 377، ح24.
2- الكافي 2: 62، ح11.
3- بحار الأنوار 75: 106، ح4 ؛ تحف العقول: 234.

زهدت فيها، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فإن العتاب يسير، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنّك تموتُ غدا(1).

التعليم والتعلّم

قال (عليه السلام) : علّم النّاس علمك، وتعلّم علم غيرك، فتكون قد أتقنت علمك وعَلِمتَ ما لم تعلم(2).

أسلم القلوب

وقال (عليه السلام) : إنّ أبصر الأبصار ما نفذ في الخير مذهبه، وأسمع الأسماع ما وعى التذكير وانتفع به، أسلم القلوب ما طهر من الشّبهات(3).

الموّدة

قال (عليه السلام) : القريب من قرّبته المودّة وإن بعد نسبه، والبعيد من باعدته المودّة وإن قرب نسبه، لا شيء أقرب من يد إلى جسد، وإنّ اليد تفلّ فتقطع وتحسم(4).

الفرصة

وقال (عليه السلام) : الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود(5).

ص: 52


1- مستدرك الوسائل 12: 51، ح1.
2- بحار الأنوار 75: 111، ح6؛ كشف الغمة 1: 571.
3- بحار الأنوار 75: 109، ح4؛ تحف العقول: 235.
4- بحار الأنوار 75: 106، ح4؛ تحف العقول: 234.
5- بحار الأنوار 75: 113، ح7.

أهمّية الفكر

وقال (عليه السلام) : عليكم بالفكر، فإنّه حياة قلب البصير، ومفاتيح أبواب الحكمة(1).

التفكّر

قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : المعروف ما لم يتقدّمه مَطلٌ، ولم يتعقّبه مَنّ، والبخل أن يرى الرّجل ما أنفقه تلفاً، وما أمسكه شرفاً، من عدّد نعمه محق كرمه، الإنجاز دواء الكرم، لا تعاجل الذّنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقاً، التفكّر حياة قلب البصير، أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة إذا ضاقت بالمذنب المعذرة(2).

لا تأت رجلاً

وقال (عليه السلام) : لا تأتِ رجلاً إلّا أن ترجو نواله وتخاف يده، أو تستفيد من علمه، أو ترجو بركة دعائه، أو تصل رحماً بينك وبينه(3).

سبيل الرشد

وقال (عليه السلام) : كفاك من لسانك ما أوضح لك سبيل رشدك من غيّك(4).

الحلم والوقار والصلة

وعن أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، أنّه قال في خطبته: اعلموا أنّ الحلم

ص: 53


1- أعلام الدين: 297؛ بحار الأنوار 75: 115، ح12.
2- بحار الأنوار 75: 115، ح11.
3- كشف الغمة 1: 572.
4- بحار الأنوار 75: 114، ح7.

زينة، والوقار مروّة، والصلة نعمة(1).

الغنى والفقر

وقال (عليه السلام) : من قلّ ذلّ، وخير الغنى القنوع، وشرّ الفقر الخضوع(2).

المأكول والمعقول

قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : عجبٌ لمن يتفكّر في مأكوله، كيف لا يتفكّر في معقوله، فيجنّب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يرديه(3).

العفّة والحرص

وقال (عليه السلام) : لا تجاهد الطلب جهاد الغالب، ولا تتّكل على القدر اتّكال المستسلم، فإنّ ابتغاء الفضل من السُنّة، والإجمال في الطلب من العفّة، وليست العفّة بدافعة رزقاً، ولا الحرص بجالب فضلاً، فإنّ الرّزق مقسوم، واستعمال الحرص استعمال المأثم(4).

أشقى الناس

وقال (عليه السلام) : إذا سمعتَ أحداً يتناول أعراض النّاس، فاجهد أن لا يعرفك، فإنّ أشقى النّاس به معارفه(5).

ص: 54


1- مستدرك الوسائل 11: 288، ح9.
2- بحار الأنوار 75: 113، ح7.
3- بحار الأنوار 1: 218، ح43.
4- بحار الأنوار 75: 106، ح4؛ تحف العقول: 233.
5- أعلام الدين: 297.

أخلاقيّات

اشارة

ص: 55

ص: 56

تفسير الأخلاق الفاضلة

أجوبة الحسن بن عليّ (عليهما السلام) عن مسائل سأله عنها أمير المؤمنين (عليه السلام) أو غيره في معان مختلفة. قيل له (عليه السلام) : ما الزّهد؟ قال: الرّغبة في التقوى، والزّهادة في الدّنيا. قيل: فما الحلم؟ قال: كظم الغيظ وملك النفس. قيل: ما السّداد؟ قال: دفع المنكر بالمعروف. قيل: فما الشرف؟ قال: اصطناع العشيرة وحمل الجريرة(1). قيل: فما النّجدة(2)؟ قال: الذّبّ عن الجار، والصبر في المواطن، والإقدام عند الكريهة. قيل: فما المجد؟ قال: أن تعطي في الغرم، وأن تعفو عن الجرم. قيل: فما المروّة؟ قال: حفظ الدّين، وإعزاز النفس، ولين الكنف، وتعهّد الصنيعة، وأداء الحقوق، والتحبّب إلى النّاس. قيل: فما الكرم؟ قال: الإبتداء بالعطيّة قبل المسألة، وإطعام الطعام في المحل. قيل: فما الدّنيئة؟ قال: النظر في اليسير ومنع الحقير. قيل: فما اللّؤم؟ قال: قلّة النّدى، وأن ينطق بالخنی(3). قيل: فما السماح؟ قال: البذل في السرّاء والضرّاء. قيل: فما الشحُّ؟ قال: أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً. قيل: فما الإخاء؟ قال: الإخاء في الشدّة والرّخاء. قيل: فما الجبن؟ قال: الجرأة على الصديق، والنكول عن

ص: 57


1- الجريرة: الذنب والجناية.
2- النجدة: الشجاعة.
3- الخنی: الفحش من القول.

العدوّ. قيل: فما الغنى؟ قال: رضى النفس بما قسم لها وإن قلّ. قيل: فما الفقر؟ قال شره النفس إلى كلّ شيء. قيل: فما الجود؟ قال: بذل المجهود. قيل: فما الكرم؟ قال: الحفاظ في الشدّة والرّخاء. قيل: فما الجرأة؟ قال: مواقفة الأقران. قيل: فما المنعة؟ قال: الشدّة البأس ومنازعة أعزّ الناس. قيل: فما الذلّ؟ قال: الفَرَقُ عند المصدوقة(1). قيل: فما الخُرق؟ قال: مناواتك أميرك ومن يقدر على ضرّك. قيل: فما السَّنَاء(2)؟ قال: إتيان الجميل وترك القبيح. قيل: فما الحزم؟ قال: طول الأناة، والرّفق بالولاة، والاحتراس من جميع الناس. قيل: فما الشرف؟ قال: موافقة الإخوان وحفظ الجيران. قيل: فما الحرمان؟ قال: تركك حظّك وقد عرض عليك. قيل: فما السفه؟ قال: اتّباع الدُّناة ومصاحبة الغواة. قيل: فما العيّ؟ قال: العبث باللّحية، وكثرة التنحنح عند المنطق. قيل: فما الشجاعة؟ قال: مواقفة الأقران والصبر عند الطعان. قيل: فما الكلفة؟ قال: كلامك في ما لا يعنيك. قيل: وما السفاه؟ قال: الأحمق في ماله، المتهاون بعرضه. قيل: فما اللّؤم؟ قال: إحراز المرء نفسه وإسلامه عرسه(3).

جوامع الأخلاق

سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ابنه الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، فقال: يا بُنيّ ما العقل؟ قال: حفظ قلبك ما استودعته. قال: فما الحزم؟ قال: أن تنتظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك. قال: فما المجد؟ قال: حمل المغارم وابتناء المكارم. قال:

ص: 58


1- الفرق: الخوف والفزع، والمصدوقة: الصدق.
2- السناء: الرفعة.
3- بحار الأنوار 75: 102، ح2.

فما السماحة؟ قال: إجابة السائل وبذل النّائل. قال: فما الشحّ؟ قال: أن ترى القليل سرفاً وما أنفقت تلفاً. قال: فما الرّقّة؟ قال: طلب اليسير ومنع الحقير. قال: فما الكلفة؟ قال: التّمسّك بمن لا يؤمنك، والنّظر في ما لا يعنيك. قال: فما الجهل؟ قال: سرعة الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها، والامتناع عن الجواب، ونعم العون الصمّت في مواطن كثيرة، وإن كنت فصيحاً(1).

قضاء الحاجة

إنّ الحسن (عليه السلام) سمع رجلاً يسأل ربّه تعالى أن يرزقه عشرة آلاف درهم، فانصرف الحسن (عليه السلام) إلى منزله، فبعث بها إليه(2).

قضاء حاجة المؤمن

روى ابن عباس قال: كنت مع الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في المسجد الحرام وهو معتكف به، وهو يطوف بالكعبة، فعرض له رجل من شيعته، فقال: يا ابن رسول اللّه، إنّ عليّ ديناً لفلان، فإن رأيت أن تقضيه عنّي.

فقال: وربّ هذه البنيّة، ما أصبح عندي شيء.

فقال: إن رأيت أن تستمهله عنّي، فقد تهدّدني بالحبس.

قال ابن عباس: فقطع الطواف وسعى معه، فقلت: يا ابن رسول اللّه، أنسيت أنّك معتكف؟

فقال: لا، ولكن سمعت أبي (عليه السلام) يقول: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: من قضى أخاه المؤمن حاجة، كان كمن عبد اللّه تسعة آلاف سنة صائماً نهاره

ص: 59


1- بحار الأنوار 75: 101، ح1؛ معاني الأخبار: 401، ح62.
2- مستدرك الوسائل 7: 269، ح19؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 115، ح4.

قائماً ليله(1).

إجابة الدعوة

مرّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) على فقراء، وقد وضعوا كسيرات على الأرض، وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلّم يا ابن بنت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلى الغداء، قال: فنزل وقال: إنّ اللّه لا يحبّ المستكبرين، وجعل يأكل معهم حتّى اكتفوا، والزّاد على حاله ببركته (عليه السلام) ، ثمّ دعاهم إلى ضيافته وأطعمهم وكساهم(2).

أستحي من اللّه

عن نجيح قال: رأيت الحسن بن عليّ (عليهما السلام) يأكل وبين يديه كلب، كلّما أكل لقمة طرح للكلب مثلها، فقلت له: يا ابن رسول اللّه ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟ قال: دعه إنيّ لأستحيي من اللّه عزّ وجلّ أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وأنا آكل، ثمّ لا أطعمه(3).

كن حكماً

إنّ الحسن والحسين (عليهما السلام) مرّا على شيخ يتوضّأ ولا يحسن، فأخذا في التنازع، يقول كلّ واحد منهما: أنت لا تحسن الوضوء، فقالا: أيّها الشيخ كُن حكماً بيننا، يتوّضأ كلّ واحد منّا، فتوضّئا، ثمّ قالا: أيّنا يحسن؟ قال: كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الّذي لم يكن يحسن، وقد تعلّم الآن منكما، وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على

ص: 60


1- أعلام الدين: 442؛ بحار الأنوار 94: 129، ح5؛ عّدة الداعي: 192.
2- بحار الأنوار 43: 351، ح28؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 123، ح1.
3- بحار الأنوار 43: 352، ح29؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 123، ح2.

أمّة جدّكما(1).

أخ كريم

خطب الناس الحسن ابن عليّ (صلوات اللّه عليهما) فقال: أيّها الناس أنا أ ُخبركم عن أخ لي، كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظم به في عيني، صغر الدُّنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، كان خارجاً من سلطان فرجه، فلا يستخفّ له عقله ولا رأيه، كان خارجاً من سلطان الجهالة، فلا يمدُّ يده إلّا على ثقة لمنفعة، كان لا يتشهّى، ولا يتسخّط ولا يتبرّم، كان أكثر دهره صمّاتاً، فإذا قال بذّ القائلين(2) كان لا يدخل في مراء، ولا يشارك في دعوى، ولا يدلي بحجّة حتّى يرى قاضياً، وكان لا يغفل عن إخوانه، ولا يخصّ نفسه بشيء دونهم، كان ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جاء الجدُّ كان ليثاً عادياً، كان لا يلوم أحداً في ما يقع العذر في مثله، حتّى يرى اعتذاراً، كان يفعل ما يقول، ويفعل ما لا يقول، كان إذا ابتزّه أمران لا يدري أيّهما أفضل، نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه، كان لا يشكو وجعاً إلّا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير إلّا من يرجو عنده النصيحة، كان لا يتبرّم ولا يتسخّط، ولا يتشكّي ولا يتشهّى ولا ينتقم ولا يغفل عن العدوّ، فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة إن أطقتموها، فإن لم تطيقوها كلّها، فأخذ القليل خيرٌ من ترك الكثير. ولا حول ولا قوّة إلا باللّه(3).

ص: 61


1- بحار الأنوار 43: 319، ح2؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 100، ح1.
2- بذ القائلين؛ أي: سبقهم وغلبهم.
3- الكافي 2: 237، ح26.

شكر النعمة

وقال (عليه السلام) : تجهل النعّم ما أقامت، فإذا ولّت عرفت(1).

وقال (عليه السلام) : النّعمة محنة، فإن شكرت كانت نعمة، فإن كفرت صارت نقمة(2).

الشكر والصبر

وقال (عليه السلام) : الخير الّذي لا شرّ فيه: الشكر مع النعمة، والصبر على النازلة(3).

المسألة والعمل والشكر

وقال (عليه السلام) : ما فتح اللّه عزّ وجلّ على أحد باب مسألة، فخزن عنه باب الإجابة، ولا فتح الرّجل باب عمل، فخزن عنه باب القبول، ولا فتح لعبد باب شكر، فخزن عنه باب المزيد(4).

الجواد

وقيل للحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) : مَنْ الجواد؟ فقال: الّذي لو كان له الدنيا بحذا فيرها فأنفقها في الحقوق، لرأى في نفسه أنّ عليه بعد ذلك حقوقاً(5).

مرض الجود

وقال (عليه السلام) : الوعد مرض في الجود، والإنجاز دواؤه(6).

ص: 62


1- أعلام الدين: 297؛ بحار الأنوار 75: 115، ح12.
2- بحار الأنوار 75: 113، ح7.
3- بحار الأنوار 75: 106، ح4؛ تحف العقول: 234.
4- بحار الأنوار 75: 113، ح7.
5- مستدرك الوسائل 15: 259، ح13.
6- بحار الأنوار 75: 113، ح7.

الإنجاز

وقال (عليه السلام) : الإنجاز دواء الكرم(1).

الناس أربعة أصناف

قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : الناس أربعة، فمنهم من له خُلُق ولا خَلاق له، ومنهم من له خلاق ولا خلق له، قد ذهب الرابع وهو الّذي لا خلاق ولا خلق له، وذلك شرّ الناس، ومنهم من له خلق وخلاق، فذلك خير الناس(2).

الخُلق الحسن

قال الحسن (عليه السلام) : إن أحسن الحسن، الخُلُق الحسن(3).

معاشرة الناس

وقال (عليه السلام) : صاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به(4).

الجار

عن الحسين بن عليّ، عن أخيه الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: رأيت أمّي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتّضح عمود الصبّح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسمّيهم وتكثر الدّعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه لِمَ لا تدعينَلنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ الجار ثمّ الدّار(5).

ص: 63


1- بحار الأنوار 75: 113، ح7.
2- بحار الأنوار 67: 10، ح8.
3- بحار الأنوار 68: 386، ح30.
4- أعلام الدين: 297.
5- بحار الأنوار 43: 81، ح3.

المشورة

قال (عليه السلام) : ما تشاور قومٌ إلّا هُدوا إلى رشدهم(1).

العقل والهمّة والدّين

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال: لا أ َدب لمن لا عقل له، ولا مروَة لمن لا همّة له، ولا حياء لمن لا دين له، ورأس العقل معاشرة النّاس بالجميل، وبالعقل تدرك الدّاران جميعاً، ومن حرم من العقل حرمهما جميعاً(2).

المعذرة

وقال (عليه السلام) : أوسع ما يكون الكريم بالمغفرة، إذا ضاقت بالمذنب المعذرة(3).

الهيبة

وقال (عليه السلام) : المزاح يأكل الهيبة، وقد أكثر من الهيبة الصّامت(4).

المعروف والإعطاء

وقال (عليه السلام) : المعروف ما لم يتقدّمه مطلٌ ولا يتبعه مَنّ، والإعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد(5).

خير المروّة

قال (عليه السلام) : اجعل ما طلبت من الدّنيا فلن تظفر به، بمنزلة ما لم يخطر ببالك، واعلم أنّ مروّة القناعة والرّضا أكثر من مروّة الإعطاء، وتمام الصّنيعة

ص: 64


1- بحار الأنوار 75: 105، ح4؛ تحف العقول: 233.
2- بحار الأنوار 75: 111، ح6.
3- أعلام الدين: 297.
4- بحار الأنوار 75: 113، ح7.
5- بحار الأنوار 75: 113، ح7.

خير مِن ابتدائها(1).

المروءة

قال أمير المؤمنين (صلوات اللّه عليه) للحسن ابنه (عليه السلام) : يا بنّي ما المروءة؟ فقال: العفاف وإصلاح المال(2).

عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، أنّه قال: قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في حديث: واستثمار المال تمام المروّءة(3).

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في نفر من أصحابه عند معاوية، فقال له: يا أبا محمّد أخبرني عن المروءة، فقال: حفظ الرّجل دينه، وقيامه في إصلاح ضيعته، وحسن منازعته، وإفشاء السلام، ولين الكلام، والكفّ، والتحبّب إلى النّاس(4).

سئل الحسن (عليه السلام) عن المروءة؟ فقال: العفاف في الدّين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على النّائبة(5).

قال عبد الرحمن بن العبّاس - ورفعه - قال: سأل معاوية الحسن بن عليّ (عليهما السلام) عن المروءة؟ فقال: شحّ الرّجل على دينه، واصلاحه مالَهُ، وقيامهبالحقوق، فقال معاوية: أحسنت يا أبا محمّد، أحسنت يا أبا محمّد. قال: فكان معاوية يقول بعد ذلك: وددت أنّ يزيد قالها وإنّه كان أعور(6).

ص: 65


1- بحار الأنوار 75: 111، ح6.
2- معاني الأخبار: 257، ح4؛ بحار الأنوار 73: 312، ح5.
3- مستدرك الوسائل 13: 49، ح1.
4- معاني الأخبار: 257، ح3؛ بحار الأنوار 73: 312، ح4.
5- معاني الأخبار: 258، ح5.
6- معاني الأخبار: 257، ح2؛ بحار الأنوار 73: 312، ح3.

الصّمت

وسئل (عليه السلام) عن الصّمت؟ فقال: هو ستر العمى، وزين العِرض، وفاعله في راحة وجليسه آمن(1).

طاب ما طهر منك

إنَّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) خرج من الحمّام، فلقيه إنسان، فقال: طاب استحمامك، فقال: يا لُكع وما تصنع بالأست هاهنا؟ فقال: طاب حميمك، فقال: أما تعلم أنّ الحميم العرق، قال: فطاب حمّامك، قال: وإذا طاب حمّامي فأيُّ شيء لي، ولكن قل: طهر ما طاب منك، وطاب ما طهر منك(2).

آداب الطعام

قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : في المائدة اثنا عشرة خصلة، تجب على كلّ مؤمن أن يعرفها: أربع منها فرض، وأربع منها سنّة، وأربع منها تأديب، فأمّا الفرض: فالمعرفة، والرّضا، والتسمية، والشكر، وأمّا السنّة: فالوضوء قبل الطعام، والجلوس على الجانب الأيسر، والأكل بثلاث أصابع، ولعقُ الأصابع، وأمّا التّأديب: فالأكل ممّا يليك، وتصغير اللّقمة، والمضغُ الشديد،وقلّة النظرِ في وجوه النّاس(3).

قال (عليه السلام) : إنّ الطعام أهون من أن يقسم فيه(4).

ص: 66


1- بحار الأنوار 75: 111، ح6؛ كشف الغمة 1: 571.
2- كافي 6: 500، ح21.
3- بحار الأنوار 95: 9.
4- بحار الأنوار 43: 349، ح21؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 117، ح5.

اللّؤم

قال (عليه السلام) : اللّؤم أن لا تشكر النعمة(1).

الحسد

وقال (عليه السلام) : ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد(2).

عاقّ الوالدين

وسئل (عليه السلام) عن العقوق، فقال: أن تحرمهما وتهجرهما(3)(4).

الكبر والحرص والحسد

قال (عليه السلام) : هلاك النّاس في ثلاث: الكبر والحرص والحسد، فالكبر هلاك الدّين، وبه لعن إبليس، والحرص عدوّ النّفس، وبه أ ُخرج آدم من الجنّة، والحسد رائد السّوء، ومنه قتل قابيل هابيل(5).

اللّه أعلم حيث يجعل رسالته

أنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه، والحسن لا يردّ، فلمّا فرغ أقبلالحسن (عليه السلام) فسلّم عليه وضحك، وقال: أيّها الشّيخ أظنّك غريباً، ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك،

ص: 67


1- بحار الأنوار 75: 105، ح4.
2- بحار الأنوار 75: 111، ح6؛ كشف الغمة 1: 572.
3- يعني الوالدين.
4- بحار الأنوار 75: 112، ح6؛ كشف الغمة 1: 572.
5- بحار الأنوار 75: 111، ح6؛ كشف الغمة 1: 571.

وإن كان لك حاجةٌ قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً.

فلمّا سمع الرّجل كلامه، بكى ثمّ قال: أشهد أنّك خليفة اللّه في أرضه، «اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته»، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق اللّه إليّ، والآن أنت أحبّ خلق اللّه إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم(1).

أدّبنا اللّه تعالى

قال أنس: حيّت جاريةٌ للحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) بطاقة ريحانٍ فقال لها: أنت حرّةٌ لوجه اللّه.

فقلت له في ذلك. فقال: أدّبنا اللّه تعالى فقال: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا}(2) الآية، وكان أحسن منها إعتاقها(3).

ص: 68


1- بحار الأنوار 43: 344، ح16.
2- سورة النساء، الآية: 86.
3- عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 114، ح2؛ بحار الأنوار 43: 343، ح15.

فضائل

اشارة

ص: 69

ص: 70

ما وراء الأرض

قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : إنّ لله مدينة في المشرق ومدينة في المغرب، على كلّ واحد سور من حديد، في كلّ سور سبعون ألف مصراع، يدخل من كلّ مصراع سبعون ألف لغة آدميّ ليس منها لغة إلاّ مخالف الأخرى، وما منها لغة إلاّ وقد علمناها، وما فيهما وما بينهما ابن نبيّ غيري وغير أخي، وأنا الحجّة عليهم(1).

الإمام يعلم ما كان وما يكون

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إنّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) كان عنده رجلان، فقال لأحدهما: إنّك حدثّت البارحة فلاناً بحديث كذا وكذا، فقال الرّجل: إنّه ليعلم ما كان، وعجب من ذلك، فقال (عليه السلام) : إنّا لنعلم ما يجري في اللّيل والنهار، ثمّ قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى علّم رسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الحلال والحرام، والتنزيل والتأويل، فعلّم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليّاً علمه كلّه(2).

هذا أمير المؤمنين (عليه السلام)

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: جاء الناس إلى الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقالوا: أرنا

ص: 71


1- بحار الأنوار 54: 329، ح14.
2- بحار الأنوار 43: 330، ح10؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 90، ح6.

من عجائب أبيك الّتي كان يرينا فقال: وتؤمنون بذلك؟ قالوا: نعم نؤمن واللّه بذلك، قال: أليس تعرفون أبي؟ قالوا جميعاً: بل نعرفه، فرفع لهم جانب الستر فإذا أمير المؤمنين (عليه السلام) قاعد، فقال: تعرفونه؟ قالوا بأجمعهم: هذا أمير المؤمنين (عليه السلام) ونشهد أنّك أنت وليّ اللّه حقّاً والإمام من بعده، ولقد أريتنا أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد موته، كما أرى أبوك أبا بكر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في مسجد قبا بعد موته، فقال الحسن (عليه السلام) : ويحكم أما سمعتم قول اللّه عزّ وجلّ: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتُ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ}(1) فإذا كان هذا نزل فيمن قتل في سبيل اللّه ما تقولون فينا؟ قالوا: آمنّا وصدقّنا يا ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2).

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في حديث، قال: أتى قوم من الشّيعة الحسن بن عليّ (عليهما السلام) بعد قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فسألوه أن يريهم آية، فقال: تعرفون أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رأيتموه؟ قالوا: نعم، قال: فارفعوا السّتر، فرفعوه فإذا هم بأمير المؤمنين (عليه السلام) لا ينكرونه، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يموت من مات منّا وليس بميّت، ويبقى من بقي منّا حجّة عليكم(3).

دعوة ابن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: خرج الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في بعض عمره، ومعه رجل من ولد الزبير كان يقول بإمامته، فنزلوا في منهل من تلك

ص: 72


1- سورة البقرة، الآية: 154.
2- بحار الأنوار 43: 328، ح8؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 85، ح1.
3- بحار الأنوار 27: 303، ح4.

المناهل تحت نخل يابس، قد يبس من العطش، ففرش للحسن (عليه السلام) تحت نخلة وفرش للزبيّري بحذائه تحت نخلة أ ُخرى، قال: فقال الزبيّري ورفع رأسه: لو كان في هذا النخل رطب لأكلنا منه، فقال له الحسن (عليه السلام) : وإنّك لتشتهي الرُّطب؟ فقال الزبيّري: نعم، قال: فرفع يده إلى السّماء فدعا بكلام لم أفهمه، فاخضرّت النخلة ثمّ صارت إلى حالها فأورقت وحملت رطباً، فقال الجمّال الّذي اكتروا منه: سحر واللّه، قال: فقال الحسن (عليه السلام) : ويلك ليس بسحر، ولكن دعوة ابن النبيّ مستجابة، قال: فصعدوا إلى النخلة فصرموا ما كان فيه فكفاهم(1).

كرم الإمام (عليه السلام)

إنّ رجلاً جاء اليه (عليه السلام) وسأله حاجة، فقال له: يا هذا، حقّ سؤالك يعظم لديّ، ومعرفتي بما يجب لك يكبر لديّ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله، والكثير في ذات اللّه عزّ وجلّ قليل، وما في ملكي وفاء لشكرك، فإن قبلت الميسور، ورفعت عنّي مؤونة الاحتفال والاهتمام لما أتكلّفه من واجبك فعلت. فقال: يا ابن رسول اللّه أقبل القليل، واشكر العطيّة، واعذر على المنع، فدعا الحسن (عليه السلام) بوكيله، وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها، فقال: هات الفاضل من الثلاثمائة ألف درهم، فأحضر خمسين ألفاً، قال: فما فعل الخمسمائة دينار؟ قال: هي عندي، قال: احضرها، فأحضرها، فدفع الدّراهم والدّنانير إلى الرّجل، فقال: هات من يحملها لك فأتاه بحمّالين، فدفع الحسن (عليه السلام) اليه رداءه لكرى الحمّالين، فقال مواليه:

ص: 73


1- الكافي 1: 462، ح4؛ بحار الأنوار 43: 323، ح1.

واللّه ما بقي عندنا درهم، فقال (عليه السلام) لكنّي أرجو أن يكون لي عند اللّه أجرُ عظيم(1).

علم الإمام (عليه السلام)

روي أنّ الحسن (عليه السلام) وعبد اللّه بن العباس كانا على مائدة، فجاءت جرادة ووقعت على المائدة، فقال عبد اللّه للحسن (عليه السلام) : أيّ شيء مكتوب على جناح الجرادة؟ فقال (عليه السلام) : مكتوبٌ عليه: أنا اللّه لا إله إلّا أنا، ربّما أبعث الجراد لقوم جياع ليأكلوه، وربّما أبعثها نقمة على قوم فتأكل أطعمتهم، فقام عبد اللّه وقبّل رأس الحسن (عليه السلام) ، وقال: هذا من مكنون العلم(2).

علم آل محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) : لمّا صالح الحسن بن عليّ (عليهما السلام) معاوية جلسا بالنخيلة، فقال معاوية: يا أبا محمّد بلغني أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يخرص النخل، فهل عندك من ذلك علم، فإنّ شيعتكم يزعمون أنّه لا يعزب عنكم علم شيء في الأرض ولا في السماء؟ فقال الحسن (عليه السلام) : إنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان يخرص كيلاً وأنا أخرص عدداً، فقال معاوية: كم في هذه النخلة؟ فقال الحسن (عليه السلام) : أربعة آلاف بُسرة وأربعُ بُسرات. فأمر معاوية بها فصُرمت وعدّت، فجاءت أربعة آلاف وثلاث بسرات، ثمّ صحّ الحديث بلفظها، فقال: واللّه ما كذبت ولا كُذّبت، فنظر فإذا في يد عبد اللّه بن عامر بن كُريز بسرة، ثمَ قال: يا معاوية أما واللّه لو لا أنّك تكفر لأخبرتك بما تعمله، وذلك

ص: 74


1- كشف الغمة 1: 558؛ بحار الأنوار 43: 347، ح20.
2- بحار الأنوار 43: 337، ح8؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 111، ح8.

أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان في زمان لا يُكذَّب وأنت تُكذِّب وتقول: متى سمع من جدّه على صغر سنّه، واللّه لتدّعن زياداً، ولتقتلنّ حجراً، ولتحملنّ إليك الرؤوس من بلد إلى بلد، فادّعى زياداً، وقتل حجراً، وحمل إليه رأس عمرو بن الحَمِقِ الخُزاعيّ(1).

علم الغيب

عن زين العابدين (عليه السلام) قال: كان الحسن بن عليّ (عليهما السلام) جالساً فأتاه آت، فقال: يا ابن رسول اللّه قد احترقت دارك، قال: لا، ما احترقت، إذ أتاه آت، فقال: يا ابن رسول اللّه قد وقعت النار في دار إلى جنب دارك، حتّى ما شككنا أنّها ستحرق دارك، ثمّ إنّ اللّه صرفها عنها(2).

وعن عبد اللّه بن عباس، قال: مرّت بالحسن بن عليّ (عليهما السلام) بقرة، فقال: هذه حبلى بعجلة أ ُنثى، لها غرّة في جبينها، ورأس ذنبها أبيض، فانطلقنا مع القصّاب حتّى ذبحها فوجدنا العجلة كما وصف على صورتها، فقلنا: أو ليس اللّه عزّ وجلّ يقول: {وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْأَرْحَامِ}(3) فكيف علمت؟ فقال: ما يعلم المخزون المكنون المجزوم المكتوم الّذي لم يطّلع عليه ملك مقرّب، ولا نبّي مرسل، غير محمّد وذرّيته(4).

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: خرج الحسن بن عليّ (عليهما السلام) إلى مكّة سنة ماشياً، فورمت قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبت لسكن عنك هذا الورم، فقال:

ص: 75


1- بحار الأنوار 43: 329، ح9؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 91، ح7.
2- بحار الأنوار 43: 326، ح6؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 88، ح2.
3- سورة لقمان، الآية: 34.
4- بحار الأنوار 43: 328، ح7؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 88، ح1.

كلاّ، إذا أتينا هذا المنزل فإنّه يستقبلك أسودٌ، ومعه دهنٌ، فاشتر منه ولا تماكسه، فقال له مولاه: بأبي أنت وأمّي ما قدمنا منزلاً فيه أحدُ يبيع هذا الدواء، فقال له: بلى، إنّه أمامك دون المنزل، فسارا ميلاً فإذا هو بالأسود، فقال الحسن (عليه السلام) لمولاه: دونك الرّجل، فخُذ منه الدّهن وأعطه الثمن، فقال الأسود: يا غلام لمن أردت هذا الدّهن؟ فقال للحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال: انطلق بي إليه، فانطلق فأدخله إليه، فقال له: بأبي أنت وأمّي لم أعلم أنّك تحتاج إلى هذا، أو ترى ذلك ولست آخذ له ثمناً، إنّما أنا مولاك، ولكن ادع اللّه أن يرزقني ذكراً سويّاً يحبّكم أهل البيت، فإنّي خلّفت أهلي تمخض، فقال: انطلق إلى منزلك فقد وهب اللّه لك ذكراً سويّاً وهو من شيعتنا(1).

فرجع الأسود من فوره، فإذا إمرأته قد ولدت غلاماً سوّياً، ثمّ رجع الأسود إلى الحسن (عليه السلام) ، ودعا له بالخير بولادة الغلام له، وإنّ الحسن (عليه السلام) قد مسح رجليه بذلك الدّهن، فما قام عن موضعه حتّى زال الورم(2).

هديّة من ربّ العالمين

عن حذيفة بن اليمان، قال: بينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في جبل أظنّه حرى، أو غيره، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ (عليه السلام) ، وجماعة من المهاجرين والأنصار، وأنس حاضر لهذا الحديث، وحذيفة يحدّث به، إذ أقبل الحسن بن عليّ (عليهما السلام) يمشي على هدوء ووقار، فنظر إليه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وقال: إنّ

ص: 76


1- الكافي 1: 463، ح6.
2- بحار الأنوار 43: 324، ح3.

جبرئيل يهديه وميكائيل يسدّده، وهو ولدي والطّاهر من نفسي، وضلع من أضلاعي، هذا سبطي وقرّة عيني بأبي هو.

فقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وقمنا معه، وهو يقول له:

أنت تفّاحتي، وأنت حبيبي ومهجة قلبي، وأخذ بيده فمشى معه، ونحن نمشي حتّى جلس وجلسنا حوله ننظر إلی رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وهو لا يرفع بصره عنه، ثمّ قال: أما إنّه سيكون بعدي هادياً مهديّاً، هذا هديّة من ربّ العالمين لي ينبّئ عنّي، ويعرّف النّاس آثاري ويحيي سنّتي، ويتولّى أموري في فعله، ينظر اللّه إليه فيرحمه، رحم اللّه من عرف له ذلك، وبرّني فيه وأكرمني فيه.

فما قطع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كلامه حتّى أقبل إلينا أعرابيّ يجرّ هراوةً له، فلمّا نظر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إليه، قال: قد جاءكم رجل يكلّمكم بكلام غليظ تقشعرّ منه جلودكم، وإنّه يسألكم من أمور، إنّ لكلامه جفوة، فجاء الأعرابيّ فلم يسلّم، وقال: أيّكم محمّد؟ قلنا: وما تريد؟، قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : مهلاً، فقال: يا محمّد لقد كنت أبغضك ولم أرك، والآن فقد ازددت لك بُغضاً.

قال: فتبسّم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وغضبنا لذلك وأردنا بالأعرابيّ إرادة، فأومأ إلينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أن، اسكتوا؛ فقال الأعرابيّ: يا محمّد إنّك تزعم أنّك نبيّ وإنّك قد كذبت على الأنبياء وما معك من برهانك شيء، قال له: يا أعرابيّ وما يدريك؟ قال: فخبّرني ببرهانك قال: إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي فيكون ذلك أوكد لبرهاني، قال: أو يتكلّم العضو؟! قال: نعم، يا حسن قم؛ فازدرى الأعرابيّ نفسه، وقال: هو ما يأتي ويقيم صبيّاً ليكلّمني،

ص: 77

قال: إنّك ستجده عالماً بما تريد، فابتدره الحسن (عليه السلام) ، وقال: مهلاً يا أعرابيّ.

ما غبيّاً سألت وابن غبيّ***بل فقيهاً إذن وأنت الجهولُ

فإن تك قد جهلت فإنّ عندي***شفاء الجهل ما سأل السّئولُ

وبحراً لا تقسّمه الدّوالي***تراثاً كان أورثه الرّسولُ

لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك وخادعت نفسك، غير أنّك لا تبرح حتّى تؤمن إن شاء اللّه، فتبسّم الأعرابيّ، وقال: هيه.

فقال له الحسن (عليه السلام) : نعم اجتمعتم في نادي قومك، وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهلٍ وخرق منكم، فزعمتم أنّ محمّداً صنبور، والعرب قاطبةً تبغضه، ولا طالب له بثأره، وزعمت أنّك قاتله، وكان في قومك مؤونته، فحملت نفسك على ذلك، وقد أخذت قناتك بيدك، تؤمّه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك، وعمي عليك بصرك، وأبيت إلّا ذلك، فأتيتنا خوفاً من أن يشتهر، وإنّك إنّما جئت بخيرٍ يُراد بك.

أنبّئك عن سفرك: خرجت في ليلة ضحياء، إذ عصفت ريح شديدة، اشتدّ منها ظلماؤها، وأطلّت سماؤها، وأعصر سحابها، فبقيت مُحرَنجِما كالأشقر، إن تقدّم نحر وإن تأخّر عقر، لا تسمع لواطئٍ حسّاً ولا لنافخ نار جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها، فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، تقطع محجّة، وتهبط لجّة، في ديمومة قفر، بعيدة القعر، مجحفة بالسّفر، إذا علوت مصعداً، ازددت بعداً، الرّيح تخطفك، والشّوك تخبطك، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرّت عينك، وظهر رينك، وذهب أنينك.

ص: 78

قال: من أين قلت يا غلام هذا؟! كأنّك كشفت عن سويد قلبي، ولقد كنت كأنّك شاهدتني، وما خفي عليك شيء من أمري، وكأنّه علم الغيب، فقال له: ما الإسلام؟

فقال الحسن (عليه السلام) : اللّه أكبر، أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، فأسلمَ وحسن إسلامه، وعلّمه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) شيئاً من القرآن، فقال: يا رسول اللّه أرجع إلى قومي فأعرّفهم ذلك، فأذن له، فانصرف ورجع ومعه جماعة من قومه، فدخلوا في الإسلام، فكان النّاس إذا نظروا إلى الحسن (عليه السلام) قالوا: لقد أعطي ما لم يعط أحد من النّاس(1).

حجة اللّه

كان النّبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يصلّي فجاء الحسن والحسين (عليهما السلام) فارتدفاه، فلمّا رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن، وهذا على فخذه الأيسر، ثمّ قال: من أحبّني فليحبّ هذين، وكانا (عليهما السلام) حجّة اللّه لنبيّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في المباهلة، وحجّة اللّه من بعد أبيهما أمير المؤمنين (عليه السلام) على الأمّة في الدّين والمنّة للّه(2).

لي محض الفضائل

تفاخرت قريشٌ والحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) حاضرٌ لا ينطق، فقال معاوية: يا أبا محمّدٍ ما لك لا تنطق؟ فو اللّه ما أنت بمشوب الحسب، ولا بكليل اللّسان، قال الحسن (عليه السلام) : ما ذكروا فضيلةً إلّا ولي محضها ولبابها، ثمّ قال:

ص: 79


1- بحار الأنوار 43: 333، ح5.
2- بحار الأنوار 43: 275، ح43.

فيم الكلام وقد سبقت مبرّزاً***سبق الجواد من المدى المتنفّس(1)

لنا الفخر والنسب

قيل: وفد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) على معاوية، فحضر مجلسه وإذا عنده هؤلاء القوم، ففخر كلّ رجلٍ منهم على بني هاشمٍ فوضعوا منهم، وذكروا أشياء ساءت الحسن (عليه السلام) وبلغت منه، فقال الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) أنا شعبةٌ من خير الشّعب، آبائي أكرم العرب، لنا الفخر والنّسب، والسّماحة عند الحسب، من خير شجرةٍ أنبتت فروعاً ناميةً، وأثماراً زاكيةً، وأبداناً قائمةً، فيها أصل الإسلام وعلم النّبوّة، فعلونا حين شمخ بنا الفخر، واستطلنا حين امتنع منّا العزّ، بحورٌ زاخرةٌ لا تنزف، وجبالٌ شامخةٌ لا تقهر(2).

لو دعوت اللّه تعالى

عن الصّادق (عليه السلام) : قال بعضهم للحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) في احتماله الشّدائد عن معاوية، فقال (عليه السلام) كلاماً معناه: لو دعوت اللّه تعالى لجعل العراق شاماً، والشّام عراقاً، وجعل المرأة رجلاً، والرّجل امرأة، فقال الشّاميّ: ومن يقدر على ذلك؟! فقال (عليه السلام) : انهضي ألا تستحين أن تقعدي بين الرّجال، فوجد الرّجل نفسه امرأةً، ثمّ قال: وصارت عيالك رجلاً، وتقاربك وتحمل عنها، وتلد ولداً خنثى، فكان كما قال (عليه السلام) ، ثمّ إنّهما تابا وجاءا إليه، فدعا اللّه تعالى فعادا إلى الحالة الأولى(3).

ص: 80


1- بحار الأنوار 44: 103، ح10.
2- بحار الأنوار 44: 93، ح8.
3- بحار الأنوار 43: 327، ح6؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 87.

من يوازن حلمه الجبال

لمّا مات الحسن (عليه السلام) أخرجوا جنازته، فحمل مروان بن الحكم سريره، فقال له الحسين (عليه السلام) : تحمل اليوم جنازته، وكنت بالأمس تجرّعه الغيظ؟ قال مروان: نعم، كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال(1).

معاوية فتنة للنّاس

روي أنّه لمّا قدم معاوية الكوفة قيل له: إنّ الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) مرتفعٌ في أنفس النّاس، فلو أمرته أن يقوم دون مقامك على المنبر، فتدركه الحداثة والعيّ فيسقط من أنفس النّاس وأعينهم، فأبى عليهم وأبوا عليه إلّا أن يأمره بذلك، فأمره فقام دون مقامه في المنبر، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال:

أمّا بعد، أيّها الناس فإنّكم لو طلبتم ما بين كذا وكذا، لتجدوا رجلاً جدّه نبيٌّ، لم تجدوا غيري وغير أخي، وإنّا أعطينا صفقتنا هذا الطّاغية - وأشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية - وهو في مقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من المنبر، ورأينا حقن دماء المسلمين أفضل من إهراقها، وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حينٍ - وأشار بيده إلى معاوية - ، فقال له معاوية: ما أردت بقولك هذا؟ فقال: ما أردت به إلاّ ما أراد اللّه عزّ وجلّ، فقام معاوية فخطب خطبةً عييّةً فاحشةً فسبّ فيها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقام إليه الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) ، فقال له وهو على المنبر: ويلك يا ابن آكلة الأكباد، أو أنت تسبّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : من سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ اللّه، ومن سبّ اللّه أدخله اللّه نار جهنّم خالداً فيها مخلّداً، وله

ص: 81


1- بحار الأنوار 44: 145، ح13.

عذابٌ مقيمٌ؟ ثمّ انحدر الحسن (عليه السلام) عن المنبر فدخل داره، ولم يصلّ هناك بعد ذلك أبدا(1).

أهل بيت الطهارة

لقي عمرو بن العاص الحسن (عليه السلام) في الطّواف، فقال له: يا حسن زعمت أنّ الدّين لا يقوم إلّا بك وبأبيك، فقد رأيت اللّه أقام معاوية فجعله راسياً بعد ميله، وبيّناً بعد خفائه، أ فيرضى اللّه بقتل عثمان؟! ...

فقال الحسن (عليه السلام) : إنّ لأهل النّار علاماتٍ يعرفون بها: إلحادٌ لأولياء اللّه، وموالاةٌ لأعداء اللّه، واللّه إنّك لتعلم أنّ عليّاً لم يرتب في الدّين، ولم يشكّ في اللّه ساعةً ولا طرفة عينٍ قطّ، واللّه لتنتهينّ يا ابن أمّ عمرٍو أو لأنفذنّ حضنيك بنوافذ أشدّ من الأقضبة، فإيّاك والهجم عليّ، فإنّي قد عرفت ليس بضعيف الغمزة، ولا هشّ المشاشة، ولا مريء المأكلة، وإنّي من قريشٍ كواسطة القلادة، يعرف حسبي، ولا أدعى لغير أبي وأنت من تعلم، ويعلم النّاس، تحاكمت فيك رجال قريشٍ، فغلب عليك جزّارها، ألأمهم حسباً، وأعظمهم لؤماً، فإيّاك عنّي فإنّك رجسٌ، ونحن أهل بيت الطّهارة، أذهب اللّه عنّا الرّجس وطهّرنا تطهيراً، فأفحم عمرٌو وانصرف كئيباً(2).

طاعته طاعة اللّه عزّ وجلّ

أنّ معاوية فخر يوماً فقال: أنا ابن بطحاء ومكّة، أنا ابن أغزرها جوداً، وأكرمها جدوداً، أنا ابن من ساد قريشاً فضلاً، ناشئاً وكهلاً، فقال الحسن بن

ص: 82


1- الاحتجاج 1: 420.
2- عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 232، ح1.

عليٍّ (عليهما السلام) : أعليّ تفتخر يا معاوية؟ أنا ابن عروق الثّرى، أنا ابن مأوى التّقى، أنا ابن من جاء بالهدى، أنا ابن من ساد أهل الدّنيا بالفضل السّابق، والحسب الفائق، أنا ابن من طاعته طاعة اللّه، ومعصيته معصية اللّه، فهل لك أبٌ كأبي تباهيني به؟! وقديمٌ كقديمي تساميني به؟ قل نعم أو لا.

قال معاوية: بل أقول لا، وهي لك تصديقٌ، فقال الحسن (عليه السلام) :

الحقّ أبلج ما يحيل سبيله***والحقّ يعرفه ذوو الألباب(1)

زينة العرش

في خبر عن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) :

إذا كان يوم القيامة زيّن عرش الرّحمن بكلّ زينةٍ، ثمّ يؤتى بمنبرين من نورٍ طولهما مائة ميلٍ فيوضع أحدهما عن يمين العرش، والآخر عن يسار العرش، ثمّ يؤتى بالحسن والحسين، ويزيّن الرّبّ تبارك وتعالى بهما عرشه، كما تزيّن المرأة قرطاها.

وسألت الجنّة ربّها أن يزيّن ركناً من أركانها، فأوحى اللّه تعالى إليها أنّي قد زيّنتك بالحسن والحسين، فزادت الجنّة سروراً بذلك(2).

لعن اللّه معاوية

أنّ معاوية قدم المدينة فقام خطيباً فقال: أين عليّ بن أبي طالبٍ (عليه السلام) ؟ فقام الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) فخطب، وحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّه لم يبعث نبيٌّ إلّا جعل له وصيٌّ من أهل بيته، ولم يكن نبيٌّ إلّا وله عدوٌّ من

ص: 83


1- بحار الأنوار 44: 103، ح11.
2- بحار الأنوار 43: 293، ح54.

المجرمين، وإنّ عليّاً (عليه السلام) كان وصيّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من بعده، وأنا ابن عليٍّ وأنت ابن صخرٍ، وجدّك حربٌ وجدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، وأمّك هندٌ وأمّي فاطمة، وجدّتي خديجة وجدّتك نثيلة، فلعن اللّه ألأمنا حسباً، وأقدمنا كفراً، وأخملنا ذكراً، وأشدّنا نفاقاً، فقال عامّة أهل المجلس: آمين، فنزل معاوية فقطع خطبته(1).

اللّه برّأني

قال معاوية للحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) : أنا أخير منك يا حسن، قال: وكيف ذاك يا ابن هند؟ قال: لأنّ النّاس قد أجمعوا عليّ ولم يجمعوا عليك، قال: هيهات هيهات لشرّ ما علوت يا ابن آكلة الأكباد، المجتمعون عليك رجلان بين مطيعٍ ومكرهٍ، فالطّائع لك عاصٍ للّه، والمكره معذورٌ بكتاب اللّه، وحاش للّه أن أقول: أنا خيرٌ منك، فلا خير فيك، ولكنّ اللّه برّأني من الرّذائل كما برّأك من الفضائل(2).

الفضل ما شهدت به الأعداء

هرب سعيد بن سرحٍ من زيادٍ إلى الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) ، فكتب الحسن إليه يشفع فيه، فكتب زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن ابن فاطمة، أمّا بعد فقد أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي، وأنت طالب حاجةٍ، وأنا سلطانٌ وأنت سوقة، وذكر نحواً من ذلك، فلمّا قرأ الحسن (عليه السلام) الكتاب تبسّم، وأنفذ بالكتاب إلى معاوية، فكتب معاوية إلى زيادٍ يؤنّبه ويأمره أن

ص: 84


1- الإحتجاج 1: 420.
2- عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 225، ح4.

يخلّي عن أخي سعيدٍ وولده وامرأته، وردّ ماله وبناء ما قد هدمه من داره، ثمّ قال: وأمّا كتابك إلى الحسن باسمه واسم أمّه، لا تنسبه إلى أبيه، وأمّه بنت رسول اللّه، وذلك أفخر له إن كنت تعقل(1).

ص: 85


1- عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 236، ح2.

ص: 86

رسائل

اشارة

ص: 87

ص: 88

في القضاء والقدر

جاء في الحديث أنّ الحسن البصري كتب إلى الحسن (عليه السلام) : أما بعد، فإنّكم - معاشر بني هاشم - الفُلك الجارية في اللّجج الغامرة، مصابيح الدّجى، وأعلام الهدى، والعروة الوثقى، والأئمة القادة، الّذين من تبعهم نجا، ومن تخلّف عنهم هوى، والسفينة الّتي بركوبها ينجو المؤمنون، ويعتصم بها المستمسكون.

أما بعد: فقد كثر - يا ابن رسول اللّه - عندنا الكلام في القضاء والقدر، واختلافنا في الاستطاعة، فتعلّمنا ما ترى عليه رأيك ورأي آبائك، فإنّكم ذريةٌ بعضها من بعض، مِن عِلم اللّه علمتم، وهو الشاهد عليكم، وأنتم الشهداء على الناس، والسلام.

فأجابه الحسن (عليه السلام) : أما بعد، فقد إنتهى إليَّ كتابك عند حيرتك وحيرة من زعمت من أ ُمّتنا، وكيف ترجعون إلينا وأنتم بالقول دون الفعل! واعلم أنّه لو لا ما انتهى إليّ من حيرتك وحيرة الأ ُمّة قبلك، لأمسكت عن الجواب، ولكّني الناصح ابن الناصح الأ َمين.

واعلم أنّ الّذي أنا عليه، أنّه من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي على اللّه عزّ وجلّ فقد فجر، إنّ اللّه سبحانه لا يطاع بإكراه، ولا يُعصى بغلبة، ولا أهمل العباد من الملكة، ولكنّه عزّ وجلّ

ص: 89

المالك لما ملكهم، والقادر على ما عليه أقدرهم، فإن ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أن يمنّ عليهم، فيحول بينهم وبينها فعل، فإن لم يفعل فليس هو الّذي حملهم عليها إجباراً، ولا ألزمهم بها إكراهاً، بل الحجّة له عليهم أن عرّفهم، وجعل لهم السّبل إلى فعل ما دعاهم إليه، وترك ما نهاهم عنه، ولله الحجة البالغة على جميع خلقه(1).

تسليماً لقضائه

عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: كتب إلى الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قوم من أصحابه يُعزّونه عن ابنة له، فكتب إليهم: أمّا بعد فقد بلغني كتابكم تعزّوني بفلانة، فعند اللّه أحتسبها تسليماً لقضائه، وصبراً على بلائه، فإن أوجعتنا المصائب، وفجّعتنا النوائب بالأحبّة المألوفة الّتي كانت بنا حفّية، والإخوان المحبّين الّذين كان يسرّ بهم الناظرون، وتقرّ بهم العيون، أضحوا قد اخترمتهم الأيّام، ونزل بهم الحِمام(2)، فخلّفوا الخُلوف(3)، وأودت بهم الحتوف، فهم صرعى في عساكر الموتى، متجاورون في غير محلّة التجاور، ولا صلاة بينهم ولا تزاور، ولا يتلاقون عن قرب جوارهم، أجسامهم نائية من أهلها، خالية من أربابها، قد أخشعها إخوانها، فلم أرَ مثل دارها داراً، ولا مثل قرارها قراراً، في بيوت موحشة، وحلول مضجعة، قد صارت في تلك الدّيار الموحشة، وخرجت عن الدّار

ص: 90


1- أعلام الدين: 316.
2- الحِمام: الموت.
3- الخُلوف: من يبقى في الحيّ من النساء والعجزة بعد سفر الرجال.

المؤنسة، ففارقتها من غير قِلى(1)، فاستودعتها للبلى، وكانت أمّة مملوكة سلكت سبيلاً مسلوكة، صار إليها الأ َوّلون، وسيصير إليها الآخرون، والسّلام(2).

ص: 91


1- القِلى: البغض.
2- بحار الأنوار 43: 336، ح6؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 119، ح1.

ص: 92

أجوبة عن المسائل

اشارة

ص: 93

ص: 94

معاشر النّاس

سأل أعرابّي أبا بكر، فقال: إنّي أصبت بيض نَعَام، فشوّيته وأكلته وأنا محرم، فما يجب عليّ؟ فقال له: يا أعرابّي أشكلت عليّ في قضيّتك، فدلّه على عمر، ودلّه عمر على عبد الرّحمن، فلمّا عجزوا، قالوا: عليك بالأصلع، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : سل أيّ الغلامين شئت، فقال الحسن (عليه السلام) : يا أعرابّي ألَكَ إبل؟ قال: نعم، قال: فاعمِد إلى عدد ما أكلت من البيض نوقاً(1)، فاضربهنّ بالفحول، فما فضل منها فأهده إلى بيت اللّه العتيق الّذي حججت إليه، فقال أمير المؤمنين: إنّ من النوق السلوب، ومنها ما يزلق(2)، فقال: إن يكن من النوق السلوب وما يزلق فإنّ من البيض ما يمرق(3)، قال: فسمع صوت معاشر النّاس: إنّ الّذي فَهَّمَ هذا الغلام هو الّذي فَهَّمَهَا سليمان بن داود (عليهما السلام) (4).

الحقّ والباطل

وسأل شاميّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال: كم بين الحقّ والباطل؟ فقال: أربع

ص: 95


1- الناقة: الأنثى من الإبل.
2- النوق السلوب: التي مات ولدها أو ألقته لغير تمام. وأزلقت الفرس: اجهضت أي: ألقت ولدها قبل تمامه.
3- مرقت البيضة: فسدت فصارت ماء.
4- بحار الأنوار 43: 354، ح32؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 107، ح3.

أصابع، فما رأيت بعينك فهو الحقّ، وقد تسمع بأ ُذنيك باطلاً كثيراً، وقال: كم بين الإيمان واليقين؟ فقال: أربع أصابع، الإيمان ما سمعناه، واليقين ما رأيناه. قال: وكم بين السماء والأرض؟ قال: دعوة المظلوم، ومدُّ البصر، قال: كم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس(1).

النّاس وأشباه النّاس

عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السلام) ، قال: قام رجل إلى عليّ (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن النّاس وأشباه النّاس والنّسناس، قال: فقال عليّ (عليه السلام) : أجبه يا حسن، قال: فقال له الحسن (عليه السلام) : سألت عن النّاس، فرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) النّاس لأنّ اللّه تعالی يقول: {ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ}(2) ونحن منه، وسألت عن أشباه النّاس، فهم شيعتنا وهم منّا وهم أشباهنا، وسألت عن النّسناس، فهم هذا السواد الأعظم، وهو قول اللّه تعالی في كتابه: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَٱلْأَنْعَٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}(3)- (4).

ما الفقر؟

عن الحارث الأعور، قال: كان في ما سأل عنه عليّ بن أبي طالب ابنه الحسن (عليهما السلام) أنّه قال له: ما الفقر؟ قال: الحرص والشّره (5).

ص: 96


1- بحار الأنوار 43: 357، ح35؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 111، ح9.
2- سورة البقرة، الآية: 199.
3- سورة الفرقان، الآية: 44.
4- تفسير فرات الكوفي: 64.
5- معاني الأخبار: 244، ح1.

أسئلة ملك الرّوم

كتب ملك الرّوم إلى معاوية يسأله عن ثلاث: عن مكان بمقدار وسط السماء، وعن أوّل قطرة دم وقعت على الأرض، وعن مكان طلعت فيه الشمس مرّة، فلم يعلم ذلك، فاستغاث بالحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، فقال: ظهر الكعبة، ودمُ حوّاء، وأرض البحر حين ضربه موسى (عليه السلام) (1).

ما لا قبلة له

وعنه (عليه السلام) في جواب ملك الرّوم: ما لا قبلة له فهي الكعبة، وما لا قرابة له فهو الرّبّ تعالى(2).

مخلوقات لم تخرج من الرحم

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في حديث طويل: إنّ ملك الرّوم سأله عن سبعة أشياء خلقها اللّه عزّ وجلّ لم تخرج من رحم، فقال: آدم، وحوّاء، وكبش إبراهيم، وناقة صالح، وحيّة الجنّة، والغراب الّذي بعثه اللّه عزّ وجلّ يبحث في الأرض، وإبليس لعنه اللّه(3).

أرواح المؤمنين

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن آبائه (صلوات اللّه عليهم) قال: كان في ما سأل ملك الرّوم الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أن سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا ماتوا؟ قال: تجتمع عند صخرة بيت المقدس في ليلة الجمعة، وهو عرش اللّه

ص: 97


1- بحار الأنوار 43: 357، ح35؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 111، ح9.
2- بحار الأنوار 43: 357، ح35؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 111، ح9.
3- بحار الأنوار 11: 36، ح33.

الأدنى، منها يبسط اللّه الأرض، وإليها يطويها، وإليه المحشر، ومنها استوى ربّنا إلى السماء والملائكة، ثمّ سأل عن أرواح الكفّار أين تجتمع؟ قال: تجتمع في وادي حضر موت وراء مدينة اليمن(1).

ص: 98


1- بحار الأنوار 6: 286، ح8.

متفرّقات

اشارة

ص: 99

ص: 100

قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرّة واحدة

عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) : أنّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) كان جالساً ومعه أصحاب له، فمرّ بجنازة، فقام بعض القوم ولم يقم الحسن (عليه السلام) ، فلّما مضوا بها، قال بعضهم: ألا قمت عافاك اللّه، فقد كان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقوم للجنازة إذا مرّوا بها؟ فقال الحسن (عليه السلام) : إنّما قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرّةً واحدةً، وذلك أنّه مرّ بجنازة يهوديّ، وقد كان المكان ضيّقاً، فقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وكره أن تعلو رأسه(1).

غسل فاطمة (عليها السلام)

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : أنّ عليّاً (عليه السلام) غسّل فاطمة (عليها السلام) (2).

من علائم الظهور

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : لا يكون هذا الأمر الّذي تنتظرون حتّى يتبرّأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضاً، ويتفل بعضكم في وجه بعض، وحتّى يشهد بعضكم بالكفر على بعض، قيل: ما في ذلك خير؟ قال: الخير كلّه في ذلك، عند ذلك يقوم قائمنا فيرفع ذلك كلّه(3).

ص: 101


1- وسائل الشيعة 2: 839، ح3.
2- وسائل الشيعة 2: 717، ح17.
3- الخرائج والجرائح 3: 1153، ح59.

الدّنيا سجن المؤمن

روى أنّ يهودياً تعرّض للحسن بن عليّ (عليهما السلام) وهو في شظف من حاله وكسوف من باله، والحسن (عليه السلام) راكب بغلة فارهة، عليه ثياب حسنة، فقال: جدّك يقول: إنّ الدّنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، فأنا في السجن وأنت في الجنّة؟ فقال (عليه السلام) : لو علمت مالك وما يرقب لك من العذاب، لعلمت أنّك مع هذا الضرّ ههنا في الجنّة، ولو نظرت إلى ما أعدّ لي في الآخرة لعلمت أنّي معذّب في السجن ههنا(1).

الصدّقة لا تحل إلاّ...

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما جالسان على الصّفا، فسألهما، فقالا: إنّ الصدّقة لا تحلّ إلاّ في دَين مُوجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، ففيك شيء من هذا؟ قال: نعم فأعطياه، وقد كان الرّجل سأل عبد اللّه بن عمر، وعبد الرّحمن بن أبي بكر، فأعطياه ولم يسألاه عن شيء، فرجع إليهما، فقال لهما: ما لكما لم تسألاني عمّا سألني عنه الحسن والحسين (عليهما السلام) ؟ وأخبرهما بما قالا، فقالا: إنّهما غذّيا بالعلم غذاءً(2).

الموت يطلبني

قيل له (عليه السلام) : كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قال: أصبحت ولي ربّ فوقي، والنّار أمامي، والموت يطلبني، والحسّاب محدق بي، وأنا مرتهنٌ بعملي، لا أجد ما أحبُّ، ولا أدفعُ ما أكرهُ، والأ ُمور بيد غيري، فإن

ص: 102


1- بحار الأنوار 65: 220، ح9.
2- الكافي 4: 47، ح7؛ بحار الأنوار 43: 320، ح4؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 99، ح1.

شاء عذّبني، وإن شاء عفا عنيّ، فأيّ فقير أفقر منّي؟(1).

عمر عيسى (عليه السلام)

عن أبي عبد اللّه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في ما ناظر به ملك الروم: كان عمر عيسى (عليه السلام) في الدنيا ثلاثة وثلاثين سنة، ثمّ رفعه اللّه إلى السماء، ويهبط إلى الأرض بدمشق، وهو الّذي يقتل الدجّال(2).

الدليل على منهاج السّبل

من خطبة له (عليه السلام) في صفة النّجوم ما هذا لفظه: ثمّ أجرى في السماء مصابيح ضوؤها في مفتحه وحارثها بها، وجال شهابها من نجومها الدّراري المضيئة، الّتي لو لا ضوؤها ما أنفذت أبصار العباد في ظلم اللّيل المظلم بأهواله، المدلهمّ بحنادسه، وجعل فيها أدلّة على منهاج السّبل، لما أحوج إليه الخليقة من الانتقال والتحوّل، والإقبال والإدبار(3).

هذه صدقة مالنا

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: إنّ أناساً بالمدينة قالوا: ليس للحسن (عليه السلام) مال، فبعث الحسن (عليه السلام) إلى رجل بالمدينة فاستقرض منه ألف درهم، وأرسل بها إلى المصدّق، وقال: هذه صدقة مالنا، فقالوا: ما بعث الحسن (عليه السلام) بهذه من تلقاء نفسه إلاّ وله مال(4).

ص: 103


1- بحار الأنوار 75: 113، ح7.
2- بحار الأنوار 14: 247، ح27.
3- بحار الأنوار 55: 92، ح12.
4- الكافي 6: 440، ح12.

الواهب والموهوب

عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: رجل هَنّأ رجلاً أصاب ابناً، فقال: يهنّئك الفارس، فقال له الحسن (عليه السلام) : ما علمك يكون فارساً أو راجلاً؟! قال: جعلت فداك فما أقول؟ قال: تقول: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، وبلغ أشدّه، ورزقك برَّه(1).

لا تؤذِ جارك

شكی رجل إلى الحسن بن عليّ (عليهما السلام) جاراً يؤذيه، فقال له الحسن (عليه السلام) : إذا صلّيت المغرب فصلِّ ركعتين، ثمّ قل: يا شديد المحال، يا عزيز أذللت بعزّتك جميع ما خلقت، إكفني شرّ فلان بما شئت. قال: ففعل الرجل ذلك، فلّما كان في جوف الليل سمع صراخ، وقيل: فلان قد مات اللّيلة(2).

الشهداء

عن الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال: من قرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر إذا أصبح، فمات من يومه ذلك طُبع بطابع الشهداء، وإن قرأ إذا أمسى فمات في ليلته، طبع بطابع الشهداء(3).

العقل

سئل الحسن بن عليّ (عليهما السلام) عن العقل؟ فقال: التجرّع للغصّة، ومداهنة الأعداء(4).

ص: 104


1- الكافي 6: 17، ح3.
2- بحار الأنوار 84: 103، ح20.
3- بحار الأنوار 89: 310، ح3.
4- معاني الأخبار: 380، ح7؛ بحار الأنوار 72: 394، ح4.

حسن السؤال

قال (عليه السلام) : حسن السؤال نصف العلم(1).

التقيّة

قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) : إنّ التقيّة يصلح اللّه بها أمّة، لصاحبها مثل ثواب أعمالهم، وإن تركها ربّما أهلك أ ُمّة، تاركها شريك من أهلكهم، وإنّ معرفة حقوق الإخوان تحبّب إلى الرحمن، وتعظّم الزلفى لدى الملك الدّيان، وإنّ ترك قضاءها لمقت إلى الرحمن، وتصغر الرتبة عند الكريم المنّان(2).

التقبيل

قال (عليه السلام) : إذا لقى أحدكم أخاه فليقبّل موضع النّور من جبهته(3).

مفتاح الأجر

قال (عليه السلام) : المصائب مفاتيح الأجر(4).

الفطنة

قال (عليه السلام) : الوحشة من النّاس على قدر الفطنة بهم(5).

العار والنار

قال (عليه السلام) : العار أهون من النّار(6).

ص: 105


1- كشف الغمة 1: 575.
2- بحار الأنوار 72: 414، ح68.
3- بحار الأنوار 75: 110، ح4؛ تحف العقول: 236.
4- أعلام الدين: 297؛ بحار الأنوار 75: 113، ح7.
5- بحار الأنوار 75: 113، ح7.
6- بحار الأنوار 75: 106، ح4؛ تحف العقول: 234.

الغضب

قال (عليه السلام) : لا يعرف الرّاي إلاّ عند الغضب(1).

المسؤول حرّ

قال (عليه السلام) : المسؤول حرّ حتّى يعد، ومسترقّ المسئول حتّى ينجز(2).

نكال العاجل

استغاث الناس من زياد إلى الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ، فرفع يده وقال: اللّهم خذ لنا ولشيعتنا من زياد بن أبيه، وأرِنا فيه نكالاً عاجلاً، إنّك على كلّ شيء قدير، قال: فخرج خُراج في إبهامِ يمينه يقال لها: السلعة، وورم إلى عنقه فمات(3).

دنياكم أمام دينكم

من كلام الحسن بن عليّ (عليهما السلام) لأصحابه بعد وفاة أبيه، وقد خطب (عليه السلام) فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أما واللّه ما ثنّانا عن قتال أهل الشام ذلّة ولا قلّة، ولكن كنّا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجّهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، فكنّا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا، ثمّ أصبحتم تعدّون قتيلين: قتيلاً بصفّين تبكون عليه، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأره، فأمّا الباكي فخاذل، وأمّا الطالب فثائر. وإنّ معاوية قد دعا إلى أ َمرٍ ليس فيه عزّ ولا نَصَفَةُ، فإن أردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا على القذى،

ص: 106


1- بحار الأنوار 75: 113، ح7.
2- بحار الأنوار 75: 113، ح7.
3- بحار الأنوار 43: 327، ح6؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 87، ح3.

وإن أردتم الموت بذلناه في ذات اللّه وحاكمناه إلى اللّه. فنادى القوم بأجمعهم: بل البقيّة والحياة(1).

التّخلي

سُئِلَ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ما حدّ الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولا تستقبل الرّيح ولا تستدبرها(2).

اليمين الكاذبة

ادّعى رجل على الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ألف دينار كذباً، ولم يكن له عليه، فذهبا إلى شريح، فقال للحسن (عليه السلام) : أتحلف؟ قال: إن حلف خصمي أُعطيه، فقال شريح للرّجل: قل باللّه الّذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة، فقال الحسن (عليه السلام) : لا أ ُريد مثل هذا، لكن قُل: باللّه إنّ لك علَّي هذا، وخذ الألف، فقال الرّجل ذلك وأ َخذ الدّنانير، فلّما قام خرّ إلى الأرض ومات، فسُئِل الحسن (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال: خشيت أنّه لو تكلّم بالتوحيد يغفر له يمينه ببركة التوحيد، ويحجب عنه عقوبة يمينه(3).

أهل النّار

عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) أنّه سُئل عن قول اللّه عزّ وجلّ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَٰهُ بِقَدَرٍ}(4) فقال (عليه السلام) : يقول عزّ وجلّ: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ

ص: 107


1- أعلام الدين: 292؛ بحار الأنوار 44: 21، ح5.
2- وسائل الشيعة 1: 213، ح6؛ التهذيب 1: 26، ح65.
3- بحار الأنوار 43: 327، ح6؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 88، ح3.
4- سورة القمر، الآية: 49.

خَلَقْنَاهُ لِأَهْلِ النَّارِ بِقَدْرِ أ َعْمَالِهِم(1).

إنّه ليس بأمين على درهم

عن الحسن (عليه السلام) ، أنّه كتب إلى معاوية كتاباً يقرعه فيه ويبكته(2) بأمور صنعها كان فيه: ثمّ وليّت ابنك، وهو غلام كان يشرب الشراب، ويلهو بالكلاب، فخنت أمانتك، وأخربت رعيتك، ولم تؤدِّ نصيحة ربّك، فكيف تولّي على أ ُمّة محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من يشرب المسكر، وشارب الخمر المسكر من المنافقين والفاسقين، وشارب الخمر المسكر من الأشرار، وليس بأمين على درهم، فكيف على الأ ُمّة(3).

لو وجدت أنصاراً

عن سالم بن أبي الجعد قال: حدّثني رجل منّا قال: أتيت الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقلت: يا ابن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشّيعة عبيداً، ما بقي معك رجلٌ، فقال: وممّ ذاك؟

قال، قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطّاغية، قال: واللّه ما سلّمت الأمر إليه إلّا أنّي لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتّى يحكم اللّه بيني وبينه، ولكنّي عرفت أهل الكوفة، وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسداً، إنّهم لا وفاء لهم ولا ذمّة في قولٍ ولا فعل، إنّهم لمختلفون، ويقولون لنا: إنّ قلوبهم معنا وإنَّ سيوفهم لمشهورة علينا. قال: وهو يكلّمني إذا تنخّع

ص: 108


1- التوحيد: 382، ح30.
2- التبكيت: التقريع والتوبيخ.
3- مستدرك الوسائل 14: 17، ح5.

الدَّم، فدعا بطستٍ فحمل من بين يديه ملآن ممّا خرج من جوفه من الدَّم، فقلت له: ما هذا يابن رسول اللّه إنّي لا أراك وجعاً، قال: أجل، دسَّ إليِّ هذا الطّاغية من سقاني سمّاً فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعاً كما ترى، قلت: أفلا تتداوى؟ قال: قد سقاني مرّتين وهذه الثّالثة لا أجد لها دواء(1).

كان خيراً ممّا طلعت عليه الشمس

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: واللّه الّذي صنعه الحسن بن عليّ (عليهما السلام) كان خيراً لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشّمس، وواللّه لقد نزلت هذه الآية {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ} إنّما هي طاعة الإمام، ولكنّهم طلبوا القتال {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ} مع الحسين (عليه السلام) {قَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ}(2)... {نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ}(3) أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (عليه السلام) (4).

أنتم عبيد الدّنيا

لمّا مات عليٌّ (عليه السلام) جاء النّاس إلى الحسن (عليه السلام) وقالوا: أنت خليفة أبيك ووصيّه، ونحن السّامعون المطيعون لك فمرنا بأمرك، فقال (عليه السلام) : كذبتم واللّه ما وفيتم لمن كان خيراً منّي، فكيف تفون لي؟ وكيف أطمئنّ إليكم ولاأثق بكم؟ إن كنتم صادقين فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن، فوافوا

ص: 109


1- بحار الأنوار 44: 147، ح14؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 281، ح6.
2- سورة النساء، الآية: 77.
3- سورة إبراهيم، الآية: 44.
4- بحار الأنوار 44: 25، ح9.

إليّ هناك، فركب وركب معه من أراد الخروج، وتخلّف عنه كثيرٌ، فما وفوا بما قالوه وبما وعدوه، وغرّوه كما غرّوا أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبله، فقام خطيباً وقال: غررتموني كما غررتم من كان من قبلي، مع أيّ إمامٍ تقاتلون بعدي، مع الكافر الظّالم الّذي لم يؤمن باللّه ولا برسوله قطّ، ولا أظهر الإسلام هو وبني أميّة إلّا فرقاً من السّيف؟ ولو لم يبق لبني أميّة إلّا عجوزٌ درداء، لبغت دين اللّه عوجاً، وهكذا قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ثمّ وجّه إليه قائداً في أربعة آلافٍ، وكان من كندة، وأمره أن يعسكر بالأنبار، ولا يحدث شيئاً حتّى يأتيه أمره، فلمّا توجّه إلى الأنبار ونزل بها، وعلم معاوية بذلك، بعث إليه رسلاً وكتب إليه معهم أنّك إن أقبلت إليّ أولّك بعض كور الشّام والجزيرة، غير منفسٍ عليك، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهمٍ، فقبض الكنديّ عدوّ اللّه المال، وقلب على الحسن (عليه السلام) ، وصار إلى معاوية في مائتي رجلٍ من خاصّته وأهل بيته، فبلغ ذلك الحسن (عليه السلام) فقام خطيباً وقال: هذا الكنديّ توجّه إلى معاوية، وغدر بي وبكم، وقد أخبرتكم مرّةً بعد مرّةٍ أنّه لا وفاء لكم، أنتم عبيد الدّنيا وأنا موجّهٌ رجلاً آخر مكانه، وإنّي أعلم أنّه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه، ولا يراقب اللّه فيّ ولا فيكم، فبعث إليه رجلاً من مرادٍ في أربعة آلافٍ، وتقدّم إليه بمشهدٍ من النّاس، وتوكّد عليه وأخبره أنّه سيغدر كما غدر الكنديّ، فحلف له بالأيمان الّتي لا تقوم لها الجبال أنّه لا يفعل، فقال الحسن (عليه السلام) : إنّه سيغدر. فلمّا توجّه إلى الأنبار، أرسل معاوية إليه رسلاً، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه، وبعث إليه بخمسة آلاف درهمٍ، ومنّاه أيّ ولايةٍ أحبّ من كور الشّاموالجزيرة، فقلب على الحسن (عليه السلام) ، وأخذ طريقه إلى معاوية، ولم يحفظ ما

ص: 110

أخذ عليه من العهود، وبلغ الحسن (عليه السلام) ما فعل المراديّ، فقام خطيباً فقال: قد أخبرتكم مرّةً بعد أخرى أنّكم لا تفون للّه بعهودٍ، وهذا صاحبكم المراديّ غدر بي وبكم، وصار إلى معاوية. ثمّ كتب معاوية إلى الحسن (عليه السلام) : يا ابن عمّ، لا تقطع الرّحم الّذي بينك وبيني، فإنّ النّاس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك. فقالوا: إن خانك الرّجلان، وغدروا بك فإنّا مناصحون لك، فقال لهم الحسن (عليه السلام) : لأعودنّ هذه المرّة فيما بيني وبينكم، وإنّي لأعلم أنّكم غادرون ما بيني وبينكم، إنّ معسكري بالنّخيلة، فوافوني هناك، واللّه لا تفون لي بعهدي، ولتنقضنّ الميثاق بيني وبينكم، ثمّ إنّ الحسن (عليه السلام) أخذ طريق النّخيلة، فعسكر عشرة أيّامٍ، فلم يحضره إلّا أربعة آلافٍ، فانصرف إلى الكوفة فصعد المنبر وقال: يا عجباً من قومٍ لا حياء لهم ولا دين، ولو سلّمت له الأمر فايم اللّه لا ترون فرجاً أبداً مع بني أميّة، واللّه ليسومونكم سوء العذاب حتّى تتمنّوا أنّ عليكم جيشاً جيشاً، ولو وجدت أعواناً ما سلّمت له الأمر، لأنّه محرّمٌ على بني أميّة، فأفٍّ وترحاً يا عبيد الدّنيا، وكتب أكثر أهل الكوفة إلى معاوية: فإنّا معك، وإن شئت أخذنا الحسن (عليه السلام) وبعثناه إليك، ثمّ أغاروا على فسطاطه، وضربوه بحربةٍ، وأخذ مجروحاً، ثمّ كتب جواباً لمعاوية: إنّما هذا الأمر لي، والخلافة لي ولأهل بيتي، وإنّها لمحرّمةٌ عليك وعلى أهل بيتك، سمعته من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) واللّه لو وجدت صابرين عارفين بحقّي، غير منكرين ما سلّمت لك، ولا أعطيتكما تريد، وانصرف إلى الكوفة(1).

ص: 111


1- بحار الأنوار 44: 43، ح4.

كذب معاوية

لمّا وادع الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) معاوية، صعد معاوية المنبر، وجمع النّاس فخطبهم، وقال: إنّ الحسن بن عليٍّ رآني للخلافة أهلاً، ولم ير نفسه لها أهلاً، وكان الحسن (عليه السلام) أسفل منه بمرقاةٍ، فلمّا فرغ من كلامه، قام الحسن (عليه السلام) فحمد اللّه تعالى بما هو أهله، ثمّ ذكر المباهلة فقال: فجاء رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من الأنفس بأبي، ومن الأبناء بي وبأخي، ومن النّساء بأمّي، وكنّا أهله ونحن آله، وهو منّا ونحن منه، ولمّا نزلت آية التّطهير، جمعنا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في كساءٍ لأمّ سلمة رضي اللّه عنها خيبريٍّ، ثمّ قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً، فلم يكن أحدٌ في الكساء غيري وأخي وأبي وأمّي، ولم يكن أحدٌ تصيبه جنابةٌ في المسجد ويولد فيه، إلّا النّبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأبي، تكرمةً من اللّه لنا، وتفضيلاً منه لنا، وقد رأيتم مكان منزلنا من رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) . وأمر بسدّ الأبواب فسدّها وترك بابنا، فقيل له في ذلك، فقال: أما إنّي لم أسدّها وأفتح بابه، ولكنّ اللّه عزّ وجلّ أمرني أن أسدّها وأفتح بابه، وإنّ معاوية زعم لكم أنّي رأيته للخلافة أهلاً، ولم أر نفسي لها أهلاً، فكذب معاوية، نحن أولى بالنّاس في كتاب اللّه عزّ وجلّ وعلى لسان نبيّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض اللّه نبيّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فاللّه بيننا وبين من ظلمنا حقّنا، وتوثّب على رقابنا، وحمل النّاس علينا، ومنعنا سهمنا من الفيء، ومنع أمّنا ما جعل لها رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) .وأقسم باللّه لو أنّ النّاس بايعوا أبي حين فارقهم رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، لأعطتهم السّماء قطرها، والأرض بركتها، وما طمعت فيها يا معاوية، فلمّا خرجت من معدنها، تنازعتها قريشٌ بينها، فطمعت فيها الطّلقاء وأبناء الطّلقاء، أنت

ص: 112

وأصحابك، وقد قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ما ولّت أمّةٌ أمرها رجلاً وفيهم من هو أعلم منه، إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتّى يرجعوا إلى ما تركوا، فقد تركت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنّه خليفة موسى فيهم، واتّبعوا السّامريّ، وقد تركت هذه الأمّة أبي وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) يقول: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النّبوّة، وقد رأوا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نصب أبي يوم غدير خمٍّ، وأمرهم أن يبلّغ الشّاهد منهم الغائب، وقد هرب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من قومه وهو يدعوهم إلى اللّه تعالى حتّى دخل الغار، ولو وجد أعواناً ما هرب، وقد كفّ أبي يده حين ناشدهم، واستغاث فلم يغث، فجعل اللّه هارون في سعةٍ حين استضعفوه، وكادوا يقتلونه، وجعل اللّه النّبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) في سعةٍ حين دخل الغار، ولم يجد أعواناً، وكذلك أبي، وأنا في سعةٍ من اللّه حين خذلتنا هذه الأمّة، وبايعوك يا معاوية، وإنّما هي السّنن والأمثال، يتبع بعضها بعضاً، أيّها النّاس إنّكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلاً ولده نبيٌّ غيري وأخي لم تجدوا، وإنّي قد بايعت هذا - وإن أدري لعلّه فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حينٍ(1).

أطعت معاوية على دنيا قليلة

قال الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) لحبيب بن مسلمة الفهريّ: ربّ مسيرٍ لك فيغير طاعةٍ، قال: أمّا مسيري إلى أبيك فلا، قال: بلى ولكنّك أطعت معاوية على دنيا قليلةٍ، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في آخرتك، فلو كنت إذا فعلت شرّاً قلت خيراً، كنت كما قال اللّه عزّ وجلّ: {خَلَطُواْ عَمَلًا

ص: 113


1- بحار الأنوار 44: 62، ح12.

صَٰلِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا}(1) ولكنّك كما قال: {رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}(2)(3).

أهل بيت الكرم (عليهم السلام)

وقف رجلٌ على الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) ، فقال: يا ابن أمير المؤمنين، بالّذي أنعم عليك بهذه النّعمة الّتي ما تليها منه بشفيعٍ منك إليه، بل إنعاماً منه عليك، إلّا ما أنصفتني من خصمي فإنّه غشومٌ ظلومٌ، لا يوقّر الشّيخ الكبير، ولا يرحم الطّفل الصّغير، وكان متّكئاً فاستوى جالساً وقال له: من خصمك حتّى أنتصف لك منه؟ فقال له: الفقر، فأطرق (عليه السلام) ساعةً ثمّ رفع رأسه إلى خادمه، وقال له: أحضر ما عندك من موجودٍ، فأحضر خمسة آلاف درهمٍ، فقال: ادفعها إليه، ثمّ قال له: بحقّ هذه الأقسام الّتي أقسمت بها عليّ متى أتاك خصمك جائراً إلّا ما أتيتني منه متظلّماً(4).

ص: 114


1- سورة التوبة، الآية: 102.
2- سورة المطففين، الآية: 14.
3- بحار الأنوار 44: 106، ح14.
4- بحار الأنوار 43: 350، ح22؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 119، ح8.

أشعار

اشارة

ص: 115

ص: 116

حان الرحيل

وللحسن بن عليّ (عليهما السلام) :

قل للمقيم بغير دار إقامةٍ***حان الرّحيل فودّع الأحبابا

إنّ الّذين لقيتهم وصحبتهم***صاروا جميعاً في القبور ترابا(1)

كسرة وكفن

وقال (عليه السلام) :

لكسرة من خسيس الخبز تشبعني***وشربة من قراح الماء تكفيني

وطمرة من رقيق الثوب تسترني***حيّاً وإن متّ تكفيني لتكفيني(2)

الأيّام

وله (عليه السلام) :

ذري كدر الأيّام إنّ صفاءها***تولّى بأيّام السرور الذّواهب

وكيف يغرّ الدّهر من كان بينه***وبين اللّيالي محكمات التجارب(3)

ظل زائل

وله (عليه السلام) :

ص: 117


1- بحار الأنوار 43: 340، ح14؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 132، ح3.
2- بحار الأنوار 43: 341، ح14؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 132، ح3.
3- بحار الأنوار 43: 340، ح14؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 131، ح3.

يا أهل لذّات دنيا لا بقاء لها***إنّ المقام بظلٍّ زائلٍ حُمقُ(1)

السخاء فريضه

وللحسن بن علي (عليهما السلام) :

إنّ السخاء على العباد فريضة***لله يقرأ في كتاب محكم

وعد العباد الأسخياء جنانه***وأعدّ للبخلاء نار جهنّم

من كان لا تندى يداه بنائل***للراغبين فليس ذاك بمسلم(2)

ص: 118


1- بحار الأنوار 43: 341، ح14؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 132، ح3.
2- بحار الأنوار، 43: 343، ح15عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 114، ح2.

وصايا

اشارة

ص: 119

ص: 120

إنّي مفارقك

لمّا حضرت الحسن (عليه السلام) الوفاة استدعى الحسين بن عليّ (عليهما السلام) فقال له: يا أخي إنّي مفارقك ولاحق بربّي - إلى أن قال: - فإذا قضيت نحبي فغمضني وغسّلني وكفّني واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لاُجدّد به عهداً، ثم ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة، فادفنّي هناك(1).

المؤاخاة

وقال (عليه السلام) لبعض ولده: يا بنيّ لا تواخ أحداً حتّى تعرف موارده ومصادره، فإذا استنبطت الخبرة، ورضيت العشرة، فآخه على إقالة العثرة، والمواساة في العسرة(2).

يوماً على بغل ويوماً على جمل

روي أنَّ الصّادق (عليه السلام) قال: لمّا حضرت الحسن بن عليّ (عليهما السلام) الوفاة، بكى بكاء شديداً وقال: إنّي أقدم على أمر عظيم وهول لم أقدم على مثله قطّ، ثمّ أوصى أن يدفنوه بالبقيع، فقال: يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأجدّد به عهدي، ثمّ ردّني إلى قبر جدَّتي فاطمة بنت أسد فادفنّي هناك، وستعلم يا ابن أمَّ أنَّ القوم يظنّون أنَّكم تريدون دفني عند

ص: 121


1- وسائل الشيعة 2: 835، ح10.
2- بحار الأنوار 75: 105، ح4؛ تحف العقول: 233.

رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فيجلبون في منعكم ذلك، وباللّه أقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجمة دم.

فلمّا غسّله وكفّنه الحسين (عليه السلام) ، حمله على سريره وتوجّه به إلى قبر جدّه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليجدّد به عهداً، أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أميّة، فقال: أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النّبيِّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لا يكون ذلك أبداً، ولحقت عائشة على بغل وهي تقول: ما لي ولكم، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ.

فقال ابن عبّاس لمروان بن الحكم: انصرفوا لا نريد دفن صاحبنا عند رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فإنّه كان أعلم بحرمة قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره، ودخل بيته بغير إذنه، انصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصّى، ثمَّ قال لعائشة: واسوأتاه، يوماً على بغل ويوماً على جمل! وفي رواية: يوماً تجمّلت ويوماً تبغّلت، وإن عشت تفيّلت. فأخذه ابن الحجّاج الشاعر البغداديّ فقال:

يا بنت أبا بكر***لا كان ولا كنت

لك التّسع من الثّمن***وبالكلّ تملّكت

تجمّلت تبغّلت***وإن عشت تفيّلت(1)

سيصيبني من الحميراء

عن محمّد بن مسلمٍ قال: سمعت أبا جعفرٍ (عليه السلام) يقول: لمّا احتضر الحسن

ص: 122


1- عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 291، ح6.

بن عليٍّ صلوات اللّه عليهما قال للحسين (عليه السلام) : يا أخي إنّي أوصيك بوصيّةٍ فاحفظها، فإذا أنا متّ فهيّئني ثمّ وجّهني إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأحدث به عهداً، ثمّ اصرفني إلى أمّي فاطمة (عليها السلام) ، ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع، واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم النّاس من صنيعها وعداوتها للّه ولرسوله (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعداوتها لنا أهل البيت. فلمّا قبض الحسن (عليه السلام) وضع على سريره، وانطلق به إلى مصلّى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الّذي كان يصلّي فيه على الجنائز، فصلّي على الحسن (عليه السلام) ، فلمّا أن صُلّي عليه حمل فأدخل المسجد، فلمّا أوقف على قبر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بلغ عائشة الخبر، وقيل لها: إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن عليّ (عليهما السلام) ليدفن مع رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فخرجت مبادرةً على بغلٍ بسرجٍ، فكانت أوّل امرأةٍ ركبت في الإسلام سرجاً، فوقفت فقالت: نحّوا ابنكم عن بيتي، فإنّه لا يدفن فيه شيءٌ، ولا يهتك على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حجابه. فقال لها الحسين بن عليٍّ صلوات اللّه عليهما: قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قربه، وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة، إنّ أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليحدث به عهداً، واعلمي أنّ أخي أعلم النّاس باللّه ورسوله، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ستره، لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ}(1) وقد أدخلت أنت بيت رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) الرّجال بغير إذنه، وقد قال

ص: 123


1- سورة الأحزاب، الآية: 53.

اللّه عزّ وجلّ: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ}(1) ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند أذن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) المعاول، وقال اللّه عزّ وجلّ: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَٰتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ}(2) ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) بقربهما منه الأذى، وما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، إنّ اللّه حرّم على المؤمنين أمواتاً، ما حرّم منهم أحياءً. وتاللّه يا عائشة لو كان هذا الّذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه صلوات اللّه عليهما جائزاً فيما بيننا وبين اللّه، لعلمت أنّه سيدفن وإن رغم معطسك، قال: ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة وقال يا عائشة: يوماً على بغلٍ، ويوماً على جملٍ، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوةً لبني هاشمٍ، قال: فأقبلت عليه فقالت: يا ابن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين (عليه السلام) : وأنّى تبعدين محمّداً من الفواطم، فو اللّه لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزومٍ، وفاطمة بنت أسد بن هاشمٍ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامرٍ، قال: فقالت عائشة للحسين (عليه السلام) : نحّوا ابنكم واذهبوا به فإنّكم قومٌ خصمون، قال: فمضى الحسين (عليه السلام) إلى قبر أمّه ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع(3).

ص: 124


1- سورة الحجرات، الآية: 2.
2- سورة الحجرات، الآية: 3.
3- بحار الأنوار 44: 142، ح9.

استعدّ لسفرك

عن جنادة بن أبي أميّة قال: دخلت على الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) في مرضه الّذي توفّي فيه، وبين يديه طستٌ يقذف عليه الدّم، ويخرج كبده قطعة قطعة من السّمّ الّذي أسقاه معاوية لعنه اللّه، فقلت: يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك؟ فقال: يا عبد اللّه بماذا أعالج الموت؟! قلت: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، ثمّ التفت إليّ فقال: واللّه لقد عهد إلينا رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد عليٍّ وفاطمة، ما منّا إلّا مسمومٌ أو مقتولٌ، ثمّ رفعت الطّست وبكى صلوات اللّه عليه وآله.

قال: فقلت له: عظني يا ابن رسول اللّه، قال: نعم استعدّ لسفرك، وحصّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنّك تطلب الدّنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همَّ يومك الّذي لم يأت على يومك الّذي أنت فيه...(1).

ص: 125


1- بحار الأنوار 44: 138، ح6؛ عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 280، ح5.

ص: 126

ختام

اشارة

ص: 127

ص: 128

مَنْ زار الأئمة (عليهم السلام)

عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) لرسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : يا أبه ما جزاء من زارك؟ فقال: من زارني، أو زار أباك، أو زارك، أو زار أخاك، كان حقّاً عليَّ أن أزوره يوم القيامة، حتى أخلصه من ذنوبه(1).

ملكوت السمّاء

لمّا حضر الحسن بن عليّ (عليهما السلام) قال: أخرجوني إلى الصحراء لعليّ أنظر في ملكوت السّماء - يعني الآيات - ، فلمّا أخرج به قال: اللّهم إنّي أحتسب نفسي عندك فإنّها أعزّ الأنفس عليّ(2).

لقد سقيت السمّ

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين (عليهم السلام) قال: دخل الحسين على عمّي الحسن حِدثان ما سُقي السمّ فقام لحاجة الإنسان ثمّ رجع، فقال: لقد سقيت السمّ عدّة مرّات، وما سقيت مثل هذه، لقد لفظت طائفة من كبدي، ورأيتني أقلّبه بعود في يدي، فقال له الحسين (عليه السلام) : يا أخي ومن سقاك؟ قال: وما تريد بذلك؟ فإن كان الّذي أظنّه فاللّه حسيبه،

ص: 129


1- أمالي الشيخ الصدوق: 59، المجلس 14، ح4؛ بحار الأنوار 97: 141، ح12.
2- كشف الغمة 1: 568.

وإن كان غيره فما أحبُّ أن يُؤخذ بي بريء، فلم يلبث بعد ذلك إلّا ثلاثاً حتّى توفّي صلوات اللّه عليه(1).

البكاء عليه (عليه السلام)

عن ابن عبّاس، أنّ رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) كان جالساً ذات يوم، إذ أقبل الحسن (عليه السلام) ، فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليّ إليّ يا بنيّ فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى. وساق الحديث إلى أن قال: قال النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : وأمّا الحسن فإنّه ابني وولدي، وبضعة منّي وقرّة عيني، وضياء قلبي وثمرة فؤادي، وهو سيّد شباب أهل الجنّة، وحجّة اللّه على الأمّة، أمره أمري وقوله قولي، من تبعهُ فإنّه منّي، ومن عصاه فليس منّي، وإنّي لمّا نظرتُ إليه تذكّرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي، فلا يزال الأمر به حتّى يُقتل بالسمّ ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسّبع الشّداد لموته، ويَبكيه كلّ شيء حتّى الطيرفي جوّ السماء، والحيتان في جوف الماء(2).

من زاره

عن النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصّراط يوم تزلّ فيه الأقدام(3).

فله الجنّة

عن الصادق (عليه السلام) : بينا الحسن (عليه السلام) يوماً في حجر رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إذ رفع

ص: 130


1- عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 283، ح9.
2- عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 296، ح1.
3- عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 297، ح1.

رأسه، فقال: يا أبة ما لمن زارك بعد موتك؟ قال: يا بنيّ من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة(1).

كلّ عشيّة جمعة

عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: إنّ الحسين بن عليّ (عليهما السلام) كان يزور قبر الحسن (عليه السلام) في كلّ عشيّة جمعة(2).

ستندم يا معاوية

دسّ معاوية إلى عمرو بن حريثٍ والأشعث بن قيس وإلى حجر بن الحارث وشبث بن ربعي ٍ دسيساً أفرد كلّ واحدٍ منهم بعينٍ من عيونه، أنّك إن قتلت الحسن بن عليٍّ فلك مائتا ألف درهمٍ، وجندٌ من أجناد الشّام، وبنتٌ من بناتي، فبلغ الحسن (عليه السلام) فاستلأم ولبس درعاً وكفرها، وكان يحترز ولا يتقدّم للصّلاة بهم إلّا كذلك. فرماه أحدهم في الصّلاة بسهمٍ فلم يثبت فيه لما عليه من اللأمة، فلمّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجرٍ مسموم ٍ، فعمل فيه الخنجر، فأمر (عليه السلام) أن يعدل به إلى بطن جريحى، وعليها عمّ المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن قيلة، فقال المختار لعمّه: تعال حتّى نأخذ الحسن، ونسلّمه إلى معاوية، فيجعل لنا العراق فنذر بذلك الشّيعة من قول المختار لعمّه، فهمّوا بقتل المختار، فتلطّف عمّه لمسألة الشّيعة بالعفو عن المختار، ففعلوا. فقال الحسن (عليه السلام) : ويلكم واللّه إنّ معاوية لا يفي لأحدٍ منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي أظنّ أنّي إن

ص: 131


1- بحار الأنوار 44: 161، ح30.
2- بحار الأنوار 44: 150، ح21.

وضعت يدي في يده فأسالمه، لم يتركني أدين لدين جدّي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإنّي أقدر أن أعبد اللّه عزّ وجلّ وحدي، ولكنّي كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم، يستسقونهم ويستطعمونهم، بما جعله اللّه لهم، فلا يسقون ولا يطعمون، فبعداً وسحقاً لما كسبته أيديهم، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلبٍ ينقلبون. فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه، فكتب الحسن (عليه السلام) من فوره ذلك إلى معاوية: أمّا بعد فإنّ خطبي انتهى إلى اليأس من حقٍّ أحييه وباطلٍ أميته، وخطبك خطب من انتهى إلى مراده، وإنّني أعتزل هذا الأمر، وأخلّيه لك، وإن كان تخليتي إيّاه شرّاً لك في معادك، ولي شروطٌ أشترطها، لا تبهظنّك إن وفيت لي بها بعهدٍ ولا تخفّ إن غدرت - وكتب الشّروط في كتابٍ آخر فيه يمنّيه بالوفاء وترك الغدر - وستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممّن نهض في الباطل، أو قعد عن الحقّ حين لم ينفع النّدم، والسّلام(1).

عدوّة اللّه قتلتيني

روي عن الصّادق، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ الحسن (عليه السلام) قال لأهل بيته: إنّي أموت بالسمّ كما مات رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قالوا: ومن يفعل ذلك؟ قال امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيسٍ، فإنّ معاوية يدسّ إليها ويأمرها بذلك، قالوا: أخرجها من منزلك، وباعدها من نفسك، قال: كيف أخرجها ولم تفعل بعد شيئاً، ولو أخرجتها ما قتلني غيرها وكان لها عذرٌ عند النّاس. فما ذهبت الأيّام حتّى بعث إليها معاوية مالاً جسيماً، وجعل يمنّيها بأن يعطيها مائة ألف درهمٍ أيضاً، ويزوّجها من يزيد، وحمل إليها شربة سمٍّ لتسقيها الحسن

ص: 132


1- بحار الأنوار 44: 33، ح1.

فانصرف إلى منزله وهو صائمٌ، فأخرجت وقت الإفطار، وكان يوماً حارّاً شربة لبنٍ، وقد ألقت فيها ذلك السمّ، فشربها وقال: عدوّة اللّه! قتلتيني، قتلك اللّه، واللّه لا تصيبين منّي خلفاً، ولقد غرّك وسخر منك، واللّه يخزيك ويخزيه، فمكث (عليه السلام) يومان ثمّ مضى، فغدر بها معاوية ولم يف لها بما عاهد عليه(1).

حقد معاوية لعنة اللّه عليه

أنّه لمّا بلغ معاوية موت الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) سجد وسجد من حوله، وكبّر وكبّروا معه، فدخل عليه ابن عبّاسٍ فقال له: يا ابن عبّاسٍ أ مات أبو محمّدٍ؟ قال: نعم رحمه اللّه، وبلغني تكبيرك وسجودك: أما واللّه ما يسدّ جثمانه حفرتك، ولا يزيد انقضاء أجله في عمرك، قال: حسبته ترك صبيةً صغاراً ولم يترك عليهم كثير معاشٍ، فقال: إنّ الّذي وكلهم إليه غيرك، وفي روايةٍ كنّا صغاراً فكبرنا، قال: فأنت تكون سيّد القوم؟ قال: أمّا أبو عبد اللّه الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام) باقٍ(2).

أ أدهن رأسي

قال الحسين (عليه السلام) لمّا وضع الحسن (عليه السلام) في لحده:

ءأدهن رأسي أم تطيب مجالسي***ورأسك معفورٌ وأنت سليبٌ

أو أستمتع الدّنيا لشيءٍ أحبّه***إلى (ألا) كلّ ما أدنا إليك حبيبٌ

ص: 133


1- بحار الأنوار 44: 153، ح23.
2- بحار الأنوار 44: 159، ح28.

فلا زلت أبكي ما تغنّت حمامةٌ***عليك وما هبّت صباً وجنوبٌ

وما هملت عيني من الدّمع قطرةً***وما اخضرّ في دوح الحجاز قضيبٌ

بكائي طويلٌ والدّموع غزيرةٌ***وأنت بعيدٌ والمزار قريبٌ

غريبٌ وأطراف البيوت تحوطه***ألا كلّ من تحت التّراب غريبٌ

ولا يفرح الباقي خلاف الّذي مضى***وكلّ فتى للموت فيه نصيبٌ

فليس حريبٌ من أصيب بماله***ولكنّ من وارى أخاه حريبٌ

نسيبك من أمسى يناجيك طيفه***وليس لمن تحت التّراب نسيبٌ(1)

رموا جنازته (عليه السلام)

ورموا بالنّبال جنازته حتّى سلَّ منها سبعون نبلاً(2).

ص: 134


1- بحار الأنوار 44: 160، ح29.
2- عوالم الإمام الحسن (عليه السلام) : 286، ح1.

فهرس المحتويات

كلمة المؤسسة... 3

المقدمة... 5

إلهيّات... 7

صفة اللّه تعالى... 9

الحمد لله... 9

القرآن... 10

ولائيّات... 11

صفات النّبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 13

إنّ اللّه أدّب نبيه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 13

ما سبقه الأوّلون... 15

سمّى اللّه عليّاً (عليه السلام) مؤمناً... 15

في احتجاجه (عليه السلام) على معاوية... 16

فضل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ... 16

أهل البيت (عليهم السلام) ... 17

نحن الأبرار... 18

ما ترك صفراء ولا بيضاء... 19

أ َعبد الناس... 19

لا يوم كيومك... 19

لا يرجعون إلى الحقّ... 20

الفرائض خمسة... 20

ص: 135

آتيناه الحكم صبيّا... 21

من صفة الإمام الحسن (عليه السلام) ... 21

ويلٌ لمن خالفك... 22

القيامة موعدنا... 23

إن اللّه عرض ولايتنا... 23

لنا العاقبة... 24

لا تمدحني... 24

من كان يباء... 24

قضاؤه (عليه السلام) ... 25

جماجم العرب... 26

كان يسمع الوحي... 26

فيَّ عزّة... 26

مَن عرفني... 27

أنا ابن فاطمة (عليها السلام) ... 28

نحن حزب اللّه... 29

هول المطّلع... 30

حبّنا يساقط الذنوب... 30

من احبّنا... 31

شفاعتنا... 31

الشيعة... 31

الشهيد... 32

عباديّات... 33

كان يتغيّر لونه... 35

ص: 136

الاختلاف إلى المساجد... 35

الخوف من اللّه... 35

الستر من النار... 35

الصلاة... 36

مرَّ بين يديه رجل... 36

قنوت الإمام الحسن (عليه السلام) ... 37

ودعائه في القنوت... 38

دعائه في الاستسقاء... 38

شهر رمضان... 39

تحفة الصائم... 39

الزكاة... 40

عشرين حجّة ماشياً... 40

المشي إلى بيت اللّه الحرام... 40

قاسم ربّه ثلاث مرّات... 41

مواعظ... 43

تزوّدوا... 45

صفة الهدى... 45

إنّ الدّنيا لا تدوم... 46

الذكر والشكر... 47

من طلب العبادة... 47

طاعة اللّه... 47

شرف كلّ عمل بالتقوى... 48

من لم يحفظ... 48

ص: 137

الموت... 49

ما بالنا نكره الموت؟... 50

خافوا اللّه... 50

يستجاب دعائه... 51

الرضا بقضاء اللّه... 51

الدنيا بمنزلة الميتة... 51

التعليم والتعلّم... 52

أسلم القلوب... 52

الموّدة... 52

الفرصة... 52

أهمّية الفكر... 53

التفكّر... 53

لا تأت رجلاً... 53

سبيل الرشد... 53

الحلم والوقار والصلة... 53

الغنى والفقر... 54

المأكول والمعقول... 54

العفّة والحرص... 54

أشقى الناس... 54

أخلاقيّات... 55

تفسير الأخلاق الفاضلة... 57

جوامع الأخلاق... 58

قضاء الحاجة... 59

ص: 138

قضاء حاجة المؤمن... 59

إجابة الدعوة... 60

أستحي من اللّه... 60

كن حكماً... 60

أخ كريم... 61

شكر النعمة... 62

الشكر والصبر... 62

المسألة والعمل والشكر... 62

الجواد... 62

مرض الجود... 62

الإنجاز... 63

الناس أربعة أصناف... 63

الخُلق الحسن... 63

معاشرة الناس... 63

الجار... 63

المشورة... 64

العقل والهمّة والدّين... 64

المعذرة... 64

الهيبة... 64

المعروف والإعطاء... 64

خير المروّة... 64

المروءة... 65

الصّمت... 66

ص: 139

طاب ما طهر منك... 66

آداب الطعام... 66

اللّؤم... 67

الحسد... 67

عاقّ الوالدين... 67

الكبر والحرص والحسد... 67

اللّه أعلم حيث يجعل رسالته... 67

أدّبنا اللّه تعالى... 68

فضائل... 69

ما وراء الأرض... 71

الإمام يعلم ما كان وما يكون... 71

هذا أمير المؤمنين (عليه السلام) ... 71

دعوة ابن النبيّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 72

كرم الإمام (عليه السلام) ... 73

علم الإمام (عليه السلام) ... 74

علم آل محمّد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ... 74

علم الغيب... 75

هديّة من ربّ العالمين... 76

حجة اللّه... 79

لي محض الفضائل... 79

لنا الفخر والنسب... 80

لو دعوت اللّه تعالى... 80

من يوازن حلمه الجبال... 81

ص: 140

معاوية فتنة للنّاس... 81

أهل بيت الطهارة... 82

طاعته طاعة اللّه عزّ وجلّ... 82

زينة العرش... 83

لعن اللّه معاوية... 83

اللّه برّأني... 84

الفضل ما شهدت به الأعداء... 84

رسائل... 87

في القضاء والقدر... 89

تسليماً لقضائه... 90

أجوبة عن المسائل... 93

معاشر النّاس... 95

الحقّ والباطل... 95

النّاس وأشباه النّاس... 96

ما الفقر؟... 96

أسئلة ملك الرّوم... 97

ما لا قبلة له... 97

مخلوقات لم تخرج من الرحم... 97

أرواح المؤمنين... 97

متفرّقات... 99

قام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) مرّة واحدة... 101

غسل فاطمة (عليها السلام) ... 101

من علائم الظهور... 101

ص: 141

الدّنيا سجن المؤمن... 102

الصدّقة لا تحل إلاّ... 102

الموت يطلبني... 102

عمر عيسى (عليه السلام) ... 103

الدليل على منهاج السّبل... 103

هذه صدقة مالنا... 103

الواهب والموهوب... 104

لا تؤذِ جارك... 104

الشهداء... 104

العقل... 104

حسن السؤال... 105

التقيّة... 105

التقبيل... 105

مفتاح الأجر... 105

الفطنة... 105

العار والنار... 105

الغضب... 106

المسؤول حرّ... 106

نكال العاجل... 106

دنياكم أمام دينكم... 106

التّخلي... 107

اليمين الكاذبة... 107

أهل النّار... 107

ص: 142

إنّه ليس بأمين على درهم... 108

لو وجدت أنصاراً... 108

كان خيراً ممّا طلعت عليه الشمس... 109

أنتم عبيد الدّنيا... 109

كذب معاوية... 112

أطعت معاوية على دنيا قليلة... 113

أهل بيت الكرم (عليهم السلام) ... 114

أشعار... 115

حان الرحيل... 117

كسرة وكفن... 117

الأيّام... 117

ظل زائل... 117

السخاء فريضه... 118

وصايا... 119

إنّي مفارقك... 121

المؤاخاة... 121

يوماً على بغل ويوماً على جمل... 121

سيصيبني من الحميراء... 122

استعدّ لسفرك... 125

ختام... 127

مَنْ زار الأئمة (عليهم السلام) ... 129

ملكوت السمّاء... 129

لقد سقيت السمّ... 129

ص: 143

البكاء عليه (عليه السلام) ... 130

من زاره... 130

فله الجنّة... 130

كلّ عشيّة جمعة... 131

ستندم يا معاوية... 131

عدوّة اللّه قتلتيني... 132

حقد معاوية لعنة اللّه عليه... 133

أ أدهن رأسي... 133

رموا جنازته (عليه السلام) ... 134

فهرس المحتويات... 135

ص: 144

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.