الأنبياء حجة الله على العباد
الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.
الطبعة:...الأولى.
عدد النسخ:...1000 نسخة.
التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.
التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.
ص: 1
الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.
الطبعة:...الأولى.
عدد النسخ:...1000 نسخة.
التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.
التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.
ص: 2
سلسلة الأنبياء في نهج البلاغة (7) الأنبياء علیهم السلام حجة الله على العباد تأليف محمد حمزة الخفاجي
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع:
www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com
ص: 4
قال أمير المؤمنين علیه السلام:
عدد «ولَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهَ وَيَصِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بَالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَمُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ قَرْناً فَقَرْناً» نهج البلاغة: خطبة الأشباح، ص 155.
ص: 5
ص: 6
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلق الله وآله الطيبين الأخيار.
وبعد:
فهذه سلسلة خاصة بما ورد في كتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حول بعض الأنبياء عليهم السلام وقد تناول فيها الإمام جوانب مختلفة من حياتهم وما ارتبط بهم ابتداءً من آدم عليه السلام حيث بيّن الإمام علي عليه السلام العلة في خلقه وما رافق هذا الأمر من ابتلاء للملائكة وغير ذلك مما ارتبط بهذه الشخصية.
والحديث في نهج البلاغة عن الأنبياء عليهم السلام لم یکن شاملاً لجميع الأنبياء وإنما يكتفي
ص: 7
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بذکر بعضاً فهم، وهم (آدم وموسى وعيسى وداود ويحيي وسليمان والحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ الحيز الأكبر من البيان والتعريف في كلام أمير المؤمنين عليه السلام.
ولذا:
وجدت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ الكريم هذا البيان الوارد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الشخصيات الربانية ضمن هذه السلسلة مع بيان موجز لما أورده الشراح لكتاب نهج البلاغة فضلاً عن رفد هذه الألفاظ الشريفة بما يناسبها من روایات شريفة نبوية عن آل البيت عليهم السلام بغية الوصول إلى معنی واضح يأخذ بأيدينا ويد القارئ الكريم إلى ما يحب الله ويرضى.
السيد نبيل الحسني مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم
«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها»(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد..
فإن من ألطاف الله سبحانه على العباد هو جعل الخليفة قبل الخليقة، قال تعالى في محكم كتابه:
«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(2)، وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق عليه
ص: 9
السلام بقوله:
«الحجة قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق»(1).
وعليه فالحكمة من جعل الخليفة قبل الخليقة أبلغ، كون الله عز وجل لا يترك عباده بلا إرشاد ولا موعظة، أو أن يتركهم في هذه الدنيا لا يعلمون شيئا من قوانين السماء لذلك جعل الله الخليفة قبل الخليقة، إذا فالخليفة هو الذي ينبأ عن الله وهو لسانه الناطق بالحق، فلو بدأ الله بالخليقة لتاهت العباد ولم تكن عليهم حجة من الله عند ارتكابهم المعاصي كونهم غير مبلغين بذلك وحاشا لله أن يترك عباده بالعمى والجهل، بل جعل لهم حججاً أرأف بهم من أنفسهم، قال تعالى:
«لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(2).
ص: 10
فالأنبياء بيّنوا للعباد كل ما أراد الله لهم أن يوصلوا من احکام شرعية وامور تخص الدنيا والآخرة، والله عز وجل لا يحاسب العباد إلا بعد التبليغ، ولا يتم هذا التبليغ إلا من خلال الحجج الأطهار، فمن هنا أوجب الله طاعة الحجج كونهم المبلغين عن الله ولا ينطقون بشيء إلا من عند الله عز وجل.
وفي قصة النبي آدم عليه السلام وسجود الملائكة له خير دليل على وجوب طاعة الخليفة فالله أسجد ملائكته لآدم وأمرهم بذلك فكانت هذه أول إشارة الله إلى وجوب طاعة خلفائه، فسجود الملائكة لآدم كان طاعة وعبودية لله، إلا إبليس لم يسجد لآدم فأصبح من العاصين، وهذا الحال يجري مجراه في الخليفة، فمن لم يتبع حجج الله ويقتدي بهم ولم يتبع أوامرهم ونواهيهم أصبح من المعاندين ويكون مصيره مثل ابليس لعنه الله.
من أن القضية في الخليفة باقية إلى يوم القيامة، ومن الله زعم أن الخليفة أراد به النبوة فقد أخطأ من وجه،
ص: 11
وذلك أن الله عز وجل وعد أن يستخلف من هذه الأمة (الفاضلة) خلفاء راشدین کما قال جل وتقدس:
«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»(1).
ولو كانت قضية الخلافة قضية النبوة أوجب حکم الآية أن يبعث الله عز وجل نبيا بعد محمد صلى الله عليه وآله وما صح قوله: (وخاتم النبيين)، فثبت أن الوعد من الله عز وجل ثابت من غير النبوة وثبت أن الخلافة تخالف النبوة بوجه وقد يكون الخليفة غير نبي ولا يكون النبي إلا خليفة»(2).
محمد حمزة الخفاجي
ص: 12
ص: 13
ص: 14
الحُجَّة: البُرهان؛ وقيل: الحُجَّة ما دُوفِعَ به الخصم؛ وقال الأَزهري: الحُجَّة الوجه الذي يكون به الظَّفَرُ عند الخصومة، وهو رجل مِحجاجٌ أَي جَدِلٌ.
والتَّحاجُّ: التَّخاصُم، وجمع الحُجَّةِ: حُجَجٌ وحِجاجٌ.
وفي الحديث: فَحَجَّ آدمُ موسی أي غَلَبَه بالحُجَّة.
واحتَجَّ بالشيءِ: اتخذه حُجَّة؛ قال الأَزهري: إِنما سمیت حُجَّة لأَنها تُحَجُّ أَي تقتصد لأَن القصد لها وإِليها؛ وكذلك مَحَجَّة الطريق هي المَقصِدُ والمَسلَكُ.
وفي حديث الدجال: إِن يَخرُج وأَنا فيكم فأَنا حَجِيجُه أي مُحاجُّه ومُغالِبُه بإِظهار الحُجَّة عليه.
ص: 15
والحُجَّةُ: الدليل والبرهان. يقال: حاجَجتُه فأَنا مُحاجٌّ وحَجِيجٌ، فَعِيل بمعنی فاعل)(1).
لقد وردت لفظة الحجة في القرآن الكريم على عدة معانٍ ونحن نورد من الآيات ما يخص بحثنا فيما يلي:
قال تعالى:
«قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ»(2).
عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالی: «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»: «إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي أكنت عالما؟ فإن قال: نعم، قال له: أفلا عملت بما علمت؟! وإن قال: كنت جاهلاً، قال له: أفلا تعلمت حتى تعمل، فيخصم، فتلك الحجة البالغة»(3).
وقال تعالى:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ»(4).
ص: 16
وقال:
«لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ»(1).
وقال تعالى:
«رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا»(2).
ص: 17
بعد أن أرسل الله آدم عليه السلام إلى الأرض فبلّغ ما كلّف به وبيّن ما أمر الله به توفاه الله تعالى ثم أرسل من بعده رسلا لكي لا تخلو الأرض من حجة سواء كان الحجة نبياً أم وصيا.
روي في الكافي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:
«لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أول ما خلق الدنيا ولقد خلق فيها أول نبي يكون، وأول وصي يكون، ولقد قضى أن يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد
ص: 18
ذلك فقد رد على الله عز وجل علمه، لأنه لا يقوم الأنبياء والرسل والمحدثون إلا أن تكون عليهم حجة بما يأتيهم في تلك الليلة، مع الحجة التي يأتيهم بها جبرئيل عليه السلام، قلت: والمحدثون أيضا يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة عليهم السلام؟ قال: أما الأنبياء والرسل صلی الله عليهم فلا شك، ولا بد لمن سواهم من أول يوم خلقت فيه الأرض إلى آخر فناء الدنيا أن تكون على أهل الأرض حجة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحب من عباده. وأيم الله لقد نزل الروح والملائكة بالأمر في ليلة القدر على آدم، وأيم الله ما مات آدم إلا وله وصي، وكل من بعد آدم من الأنبياء قد أتاه الأمر فيها، ووضع لوصيه من بعده، وأيم الله إن كان النبي ليؤمر فيما يأتيه من الامر في تلك الليلة من آدم إلى محمد صلی الله عليه وآله أن أوص إلى فلان، ولقد قال الله عز وجل في كتابه لولاة الأمر من بعد محمد صلى الله عليه وآله خاصة:
«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
ص: 19
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» - إلى قوله - «فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» يقول:
«أستخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتى يبعث النبي الذي يليه» يعبدونني لا يشركون بي شيئا " يقول: يعبدونني بإيمان لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله فمن قال غير ذلك «فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ».
فقد مكن ولاة الامر بعد محمد بالعلم ونحن هم، فاسألونا فإن صدقناكم فأقروا وما أنتم بفاعلين، أما علمنا فظاهر، وأما إبان أجلنا الذي يظهر فيه الدين منا حتى لا يكون بين الناس اختلاف، فإن له أجلا من ممر الليالي والأيام، إذا أتى ظهر، وكان الامر واحدا. وأيم الله لقد قضي الامر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف، ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد صلى الله عليه وآله علينا، ولنشهد على شيعتنا، ولتشهد شيعتنا على الناس، أبي الله عز وجل أن يكون في حكمه اختلاف، أو بين أهل علمه تناقض. ثم قال أبو جعفر عليه السلام فضل إيمان المؤمن بحمله «إنا أنزلناه» وبتفسيرها
ص: 20
على من ليس مثله في الايمان بها، كفضل الانسان على البهائم، وإن الله عز وجل ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا لكمال عذاب الآخرة لمن علم أنه لا يتوب منهم ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين ولا أعلم أن في هذا الزمان جمادا إلا الحج والعمرة والجوار»(1).
ص: 21
إن الله عز وجل أرسل رسله لنشر كلمة التوحيد فهم الحجة على العباد، ومن خلالهم أوضح الله حجة ربوبيته على الناس، روي عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال:
«يا هشام إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة وأما الباطنة فالعقول»(1).
قال تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا
ص: 22
عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ»(1).
وقوله تعالى:
«قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ»(2).
وقال الإمام علي عليه السلام:
«فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ، مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُخْلِ اللَّهُ
ص: 23
سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ، رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَلا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ، مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ»(1).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
«بعث إليهم الرسل لتكون له الحجة البالغة على خلقه، ويكون رسله إليهم شهداء عليهم، وابتعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيّ عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جملوه، فيعرفوه بربوبيته بعد ما أنكروا، ويوحدوه بالإلهية بعد ما عضدوا»(2).
ص: 24
الأنبياء هم الصلة بين الله وبين عباده فمن خلال الرسل عرف الله، وهذه حكمة الله شاء أن يعرف عن طريق رسله، فمن عرفهم عرف الله ومن لم يعرفهم لم يعرف الله كونهم حبل الله ونوره وصراطه المستقيم، قال تعالى:
«وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ
ص: 25
عَلِيمًا»(1)، فطاعة الرسل تعني طاعة الله فمن تبعهم نال الظفر في الدنيا والاخرة كونهم حبل الله المتين ونوره المبين وصراطه المستقيم، فالرسل حجج الله وكذلك الأئمة عليهم السلام وهم ورثة الأنبياء هم الصلة بين الله والعباد، فقد روي في الكافي عن الحسين محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن علي بن الصلت، عن الحكم وإسماعيل إبني حبيب، عن بريد العجلي قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
«بنا عبد الله، وبنا عرف الله، وبنا وحد الله تبارك وتعالى، ومحمد حجاب الله تبارك وتعالى»(2).
وجاء في شرح اصول الكافي (ولولاهم ما عرف الله لأن عظمته أرفع من أن يصل إليه كل طالب ورفعته أجل من أن ينظر إليه كل شاهد وغائب، وصراطه أدق من أن يتطرق إليه قدم الأوهام وشرعه
ص: 26
أشرف من أن يقبل مخترعات الأفهام، فلولا هداية الأوصياء وإرشاد الأولياء لبقوا متحيرين في تيه الجهالة وراقدين في مرقد الضلالة كما ترى من أعرض عن التوسل بهدايتهم والتمسك بذيل عصمتهم فإن بعضهم يقول بالتجسيم وبعضهم يقول بالتصوير وبعضهم يقول بالتحديد وبعضهم يقول بالتخطيط وبعضهم يقول إنه محل للصفات وبعضهم يقول بأنه قابل للحركة والانتقال إلى غير ذلك من المذاهب الباطلة وبالله العصمة والتوفيق)(1).
ص: 27
إن لكل نبي وصى يرثه، إذ لا بد من وجود حجة في الأرض فإن الله لم يترك الناس بلا حجة، بل تعاهدهم بالحجج واحداً تلو الآخر. روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
«عاش نوح عليه السّلام بعد الطوفان خمسمائة سنة ثم أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا نوح إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فانظر إلى الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة التي معك فادفعها إلى ابنك سام فإني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف، طاعتي ويعرف به هداي ويكون النجاة فيما بين مقبض النبي ومبعث النبي الآخر ولم أكن أترك الناس بغير حجة لي وداع إلي وهاد إلى سبيلي وعارف بأمري، فإني قد قضيت أن أجعل لكل قوم هاديا أهدي به السعداء ويكون حجة لي على الأشقياء، قال: فدفع
ص: 28
نوح عليه السّلام الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة إلى سام، وأما حام ويافث فلم يكن عندها علم ينتفعان به، قال: وبشرهم نوح بهود عليه السّلام وأمرهم باتباعه وأمرهم أن يفتحوا الوصية في كل عام وينظروا فيها ويكون عيدا لهم»(1).
وجاء في كتاب الأمالي للشيخ الصدوق عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«أنا سيد النبيين، ووصي سيد الوصيين، وأوصياؤه سادة الأوصياء، إن آدم عليه السلام سأل الله عز وجل أن يجعل له وصياً صالحاً، فأوحى الله عز وجل إليه: أني أكرمت الأنبياء بالنبوة، ثم اخترت خلقي، وجعلت خيارهم الأوصياء. ثم أوحى الله عز وجل إليه: يا آدم، أوص إلى شيث، فأوصى آدم إلى شيث، وهو هبة الله بن آدم، وأوصى شيث إلى ابنه شبان، وهو ابن نزلة الحوراء التي أنزلها الله على آدم من الجنة، فزوجها ابنه شيئا، وأوصى شبان إلى مجلث، وأوصى مجلث إلى محوق، وأوصى محوق إلى غثميشا، وأوصى غنميشا إلى أخنوخ، وهو إدريس النبي عليه السلام، وأوصى إدريس إلى ناحور ودفعها ناحور إلى نوح النبي عليه
ص: 29
السلام، وأوصى نوح إلى سام، وأوصى سام إلى عثامر، وأوصى عثامر إلى برعيثاشا، وأوصى برعيثاشا إلى يافث، وأوصى يافث إلى برة، وأوصى برة إلى جفسيه وأوصى جفسيه إلى عمران، ودفعها عمران إلى إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق، وأوصى إسحاق إلى يعقوب، وأوصى يعقوب إلى يوسف، وأوصى يوسف إلى بثرياء، وأوصى بثرياء إلى شعيب عليه السلام، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران عليه السلام، وأوصى موسى بن عمران عليه السلام إلى يوشع بن نون، وأوصى يوشع بن نون إلى داود عليه السلام، وأوصى داود عليه السلام إلى سليمان عليه السلام، وأوصى سليمان عليه السلام إلى آصف بن برخيا، وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريا عليه السلام، ودفعها زكريا عليه السلام إلى عيسى بن مريم عليه السلام، وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا، وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر، وأوصى منذر إلى سليمة، وأوصى سليمة إلى بردة.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ودفعها إلي بردة، وأنا أدفعها إليك يا علي، وأنت تدفعها إلى وصيك، ويدفعها وصيك إلى أوصيائك من ولدك واحدا بعد واحد،
ص: 30
حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك، ولتكفرن بك الأمة، ولتختلفن عليك اختلافا شديدا، الثابت عليك كالمقيم معي، والشاذ عنك في النار، والنار مثوى الكافرين»(1).
ص: 31
الأنبياء هم خيرة خلق الله وهم لسانه الناطق بالحق، قال تعالی:
«حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ»(1).
وقوله تعالی:
«رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ»(2).
ص: 32
وقال أمير المؤمنين لولده الحسن عليه السلام:
«أنا عين الله الناظرة في أرضه، أنا لسانه الناطق في خلقه، أنا نور الله الذي لا يطفي، أنا باب الله الذي يؤتي منه، وحجته على عباده»(1).
إن الله حينما جعل الأنبياء لسانه الناطق فهو عالم بأنهم خيار الخلق وإنه تعالى أخذ عليهم الميثاق في عوالم غير هذا العالم بأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن لا يقولوا إلا الحق، قال تعالی:
«وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا»(2).
جاء في تفسير الميزان (.. وعلى هذا فمعنی سؤال الصادقين عن صدقهم مطالبتهم أن يظهروا ما في
ص: 33
باطنهم من الصدق في مرتبة القول والفعل وهو عملهم الصالح في الدنيا، فالمراد بسؤال الصادقين عن صدقهم توجيه التكليف على حسب الميثاق إليهم ليظهر منهم صدقهم المستبطن في نفوسهم، وهذا في الدنيا لا في الآخرة، فأخذ الميثاق في نشأة أخرى قبل الدنيا كما تدل عليه آيات الذر "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربکم قالوا بلی.
وبالجملة الآيتان من الآيات المنبئة عن عالم الذر المأخوذ فيه الميثاق وتذكر أن أخذ الميثاق من الأنبياء عليهم السلام وترتب شأنهم وعملهم في الدنيا على ذلك في ضمن ترتب صدق كل صادق على الميثاق المأخوذ منه)(1).
وبما أن علياً وارث الأنبياء ولسان الله الناطق فقد قال عليه السلام:
ص: 34
«ما کَذِبْتُ وَلاکُذِبْتُ وَلاضَلَلْتُ وَلا ضُلَّ بی»(1).
ومن كلام له عليه السلام حين قيل له: إن هذه الحرب من أعظم الفتن؟
قال أبو مخنف: وقام رجل إلى علي عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين أي فتنة أعظم من هذه؟ إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف! فقال علي عليه السلام:
«ويحك أتكون الحرب فتنة وأنا أميرها وقائدها! والذي بعث محمداً بالحق وكرم وجهه ماكَذَبت ولا كُذِّبت، ولا ضللت ولا ضل بي، ولا زللت ولا زل بي، وإني لعلى بينة من ربي، بيّنها الله لرسوله وبيّنها رسوله لي، وسأدعى يوم القيامة ولا ذنب لي، ولو كان لي ذنب لكفر عني ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم»(2).
وهذا يكشف عن أن الله تعالى قد قطع العذر على أي معتذر وألزم الناس الحجة فيما اكتسبوا وذلك انه
ص: 35
سبحانه تعاهد خلقه بالحجج الدامغة على ألسن أنبيائه وأوصيائهم وهو ما كشفه النبي الأكرم صلى الله عليه وآله للناس حينما ترك فيهم کتاب الله وعترته أهل بيته عليهم السلام فمن تمسك بهم لن يضل ابداً، فهم البيان للشريعة ومرادها وسنامها.
ص: 36
فالرسالة حمل ثقيل لا يستودعها الله إلا عند أهل العلم والمعرفة وأهل الصبر، القادرين على حمل هذه الرسالة العظيمة، قال تعالى:
«وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ»(1).
فهذه الرسالة أمانة عظيمة استودعها الله رسله من نبي إلى آخر حتى انتهت بخاتم الرسل الذي كانت مهمته أعظم المهام في نشر كلمة التوحيد وإعلاء الحق
ص: 37
كونه سيد المرسلين وخاتم الرسل، أرسله الله لكافة الناس هاديا مهديا.
جاء في شرح العلامة التستري: (لما قام نوح بأمر الله تعالى، وهو أوّل ذوي العزم من الرّسل وأظهر نبوّته، وأمره الله تعالى بإظهار الدعوة، فأقبل نوح عليه السّلام يدعو قومه، والملك في بني راسب وأهل مملكته وعوج بن عناق، وكان دعاؤه إيّاهم في أوّل أمره سرّا فلم يجيبوه، فلم يزل يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة كلّما مضى منهم قرن تبعهم قرن على ملّة آبائهم، و كان الّذي آمن به العقب من ولد هبة الله، والّذين كذّبوه العقب من ولد قابيل وعوج بن عناق بني عمّهم مع كثرتهم و عظم أمرهم وسلطانهم في الأرض، وكانوا إذا دعاهم يقولون له:
«قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ»(1).
يعنون: العقب من ولد شيث، يعيّرونهم بالفقر والفاقة، وأنّه لا مال لهم، ولا عزّ ولا سلطان في
ص: 38
الأرض، وكانت شريعة نوح التّوحيد وخلع الأنداد، والفطرة، والصّيام، والصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن قال في قيام سام بعده فآمن به شيعة نوح، وأقام ولد قابيل، وعوج بن عناق على كفرهم وطغيانهم، وخالف حام ويافث على أخيهما سام ولم يؤمنا به، وقام بعده أرفخشد بن سام، فعند ذلك ملك آفريدون، وهو ذو القرنين، وكان من قصّته أنّ الله تعالى بعثه إلى قومه، فدعاهم إلى الله، فكذّبوه وجحدوا نبوّته، ثمّ أخذوه فضربوه على قرنه الأيمن، فأماته الله مائة عام، ثمّ أحياه فبعثه فجحدوا نبوّته، وضربوه علی قرنه الأيسر، وروي أنّ الخضر بن أرفخشد بن سام بن نوح كان على مقدّمته)(1).
وفي الكافي عن عبدالعزيز بن مسلم أنه دخل على أبي الحسن علي بن موسی الرضا عليه السلام وأخبره عن أمر الإمامة وكثرة اختلاف الناس فيها،
ص: 39
فقال الإمام الرضا عليه السلام:
«إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرَّفه بها وأشاد بها ذكره، فقال:
«إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا»(1).
فقال الخليل عليه السلام سرور بها: «وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» قال الله تبارك وتعالى «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»، فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»(2).
فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا
ص: 40
فقرنا حتى ورّثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله، فقال جل وتعالى:
«إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ»(1).
فكانت له خاصة فقادها صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان، بقوله تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(2).
فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟ إن الامامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء.
إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلی
ص: 41
الله عليه وآله ومقام أمير المؤمنين عليه السلام وميراث الحسن والحسين عليهما السلام، إن الامامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، إن الامامة أس الاسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والاحكام، ومنع الثغور والاطراف)(1).
ص: 42
ص: 43
ص: 44
قال أمير المؤمنين عليه السلام :
«بَعَثَ اللَّهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلاَّ تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَق»(1).
إن الغاية من بعثة الأنبياء هو إتمام الحجة على العباد، فإن الله لا يحاسب عباده بما جهلوا وإنما يحاسبهم بعد تبليغ الأنبياء والرسل لهم، فمن خلالهم يعرف الحلال والحرام، إذ هم الصلة بين الله والعباد لكي لا يكون لأي مخلوق يوم القيامة حجة على الله، قال تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا»(2).
فلذلك أرسلهم وأنزل معهم كتبه السماوية فيها
ص: 45
تبيان كل شيء، فبذلك تمم الله حجته على عباده، قال تعالى: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا»(1).
فالأنبياء هم حجج الله على الخلق وبهم وبمن يرثهم يحتج الله يوم القيامة على العباد، فالإمام علي هو حجة الله وكذلك ذريته الطاهرة من ولد فاطمة عليها السلام هم حجج الله على البرايا، قال أمير المؤمنين عليه السلام:
«لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَ إِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَ بَيِّنَاتُهُ، وَ كَمْ ذَا؟ وَ أَيْنَ أُولَئِكَ؟ وَ اللَّهِ الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَ الْأَعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللَّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ»(2).
روي في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمر الفقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال للزنديق الذي سأله
ص: 46
من أين أثبت الانبياء والرسل؟ قال:
«إنه لما أثبتنا أن لنا خالق صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي ترکه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه عز وجل، وهم الانبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه، حکماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس - على مشاركتهم لهم في الحلق والتركيب - في شيء من أحوالهم مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته»(1).
ص: 47
الأنبياء هم سفراء الله إلى العباد، بعثهم الله لهداية الناس ليرشدوهم إلى طريق الحق ويجنبونهم المعاصي وما حرمه الله لهم وبيان ما خفي عنهم، فهم رحمة الله على العباد، أفضل شيء معرفتهم كونهم صلتنا بالله، فمن تقرب منهم كان أقرب إلى الله ومن ابتعد عنهم ابتعد عن طريق الصواب ونال غضب الله، ذلك إن الإنسان محتاج إلى من يدله على طريق الحق وإن الله أعلم بعباده وأرأف بهم من أنفسهم، فلذلك بعث لهم رسله، فالعقل غير كافٍ تدبير الامور وحده، إذ لا بد من مرشد يرشده إلى الصواب، لذلك كانت بعثة الأنبياء، وكونهم لا ينطقون شيئا إلا بما أمرهم الله وما
ص: 48
بيّنه لهم عن طريق الوحي والكتب السماوية، فلذلك وجبت طاعتهم، فمن تبعهم نجا ومن تخلف عنهم هلك والله تعهد أن ينصر رسله رغم أهل الضلالة، قال تعالى:
«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(1).
عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»، فقال:
«والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام فإذا خرج القائم عليه السلام، لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى أن لو كان كافرا أو مشركا في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني کافر فکسرني واقتله»(2).
ص: 49
عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: «وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا» ما الرسول وما النبي؟ قال:
«النبي الذي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاین الملك، والرسول الذي يسمع الصوت ويرى في المنام ويعاین الملك، قلت: الامام ما منزلته؟ قال: يسمع الصوت ولا يرى ولا يعاين الملك، ثم تلا هذه الآية: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث»(1).
وعن الأحول قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرسول والنبي والمحدث، قال:
«الرسول الذي يأتيه جبرئیل قبلاً فيراه ويكلمه فهذا الرسول، وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان رأى رسول الله صلى الله عليه وآله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئیل علیه السلام من عند الله بالرسالة وكان محمد صلى الله عليه وآله حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويكلمه بها
ص: 50
قبلا، ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلمه ويحدثه، من غير أن يكون يرى في اليقظة، وأما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع، ولا يعاين ولا يرى في منامه»(1).
ص: 51
خص الله آدم عليه السلام بالنبوة ثم اصطفى من ولده أنبياء حتى انتهت إلى خاتم الرسل وهو الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى:
«إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا»(1).
وخص الله أنبياءه وأوصياءه بالنور والحكمة والإيمان وخصهم بوحيه لعلمه باستعدادهم لحمل
ص: 52
الرسالة السماوية وتصديقهم وطاعتهم له في كل الاحوال والظروف.
روي عن معاوية بن وهب قال: استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فأذن لي فسمعته يقول في كلام له:
«يا من خصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي الينا وجعلنا ورثة الانبياء»(1).
إن أدوات المعرفة لدى عامة الناس هما اداتان، العقل والحس، وأعني به جميع الحواس، أما الانبياء والمرسلون فقد خصهم الله سبحانه وتعالى بأداة أو وسيلة ثالثة عبر عنها بالوحي، والله حينما خصهم وميزهم عن سائر خلقه كونهم يختلفون عن الناس بكثير من الامور منها عصمتهم فإنه حينما عصمهم من كل رجس لأنهم يجتنبون المعاصي ويسألون الله أن يعصمهم منها ومن كل خطأ سواء كان صغيراً أم كبيراً، وهذه العصمة تجعلهم لا يخطئون في تنفيذ ما
ص: 53
أوحي إليهم وهذا يأتي من صفائهم الروحي والذهني فهم لا يشغلون أنفسهم بالدنيا وانما همهم الوحيد تبلیغ رسالاتهم السماوية، ومن الصفات الأخرى التي تميز بها الرسل عن سائر الخلق هو صدقهم، جاء في قوله تعالى:
«يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ»(1). فكان النبي يوسف يلقب بالصدِّيق وكذلك سائر الانبياء، فهذا رسول الله الخاتم عرف بالصادق الأمين وكذلك جميع الرسل عرفوا بأمانتهم وصبرهم ومدى تحملهم في سبيل نشر كلمة التوحيد فقد اختارهم الله واصطفاهم لأجل هذه الصفات، قال تعالى:
«اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ»(2).
ص: 54
ليكونوا شهداء على عباده بما جاء وهم من البراهين والبينات والدلائل والمعاجز، قال تعالى في محكم كتابه الكريم:
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ»(1).
فالحجة هو من اختاره الله وخصّه بالرسالة من سائر خلقه لعلمه به، كون الرسل لا يعملون عملاً إلا
ص: 55
لمرضاة الله، وكل قول أو فعل صدر من النبي أو الوصي فهو حجة على العباد لا بد من الأخذ به والعمل بموجبه ذلك ان الأنبياء هم الحجة الظاهرة.
روي عن الرضا عن آبائه عن علي صلوات الله عليهم أجمعين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
«إن الله عز وجل اختارنا معاشر آل محمد واختار النبيين واختار الملائكة المقربين وما اختارهم إلا على علم بهم انهم لا يواقعون ما يخرجون عن ولايته وينقطعون به عن عصمته وينتمون به إلى المستحقين لعذابه ونقمته، قالا فقلنا له: قد روي لنا: أن عليا عليه السلام لما نصّ عليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالإمامة عرض الله عز وجل ولايته في السماء على فيام من الناس وفيام من الملائكة فأبوها فمسخهم الله ضفادع! فقال عليه السلام: معاذ الله! هؤلاء المكذبون لنا المفترون علينا الملائكة هم رسل الله فهم كسائر أنبياء الله ورسله إلى الخلق أفيكون منهم الكفر بالله؟ قلنا: لا، قال: فكذلك الملائكة إن شأن الملائكة لعظيم وإن خطبهم
ص: 56
لجليل»(1).
وروي أنّ أحمد بن إسحاق دخل على الإمام الحسن العسكري عليه السّلام يريد أن يسأله عن خلفه، فقال عليه السّلام له مبتدئا:
«يا أحمد إنّ الله تعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزّل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض»(2).
ص: 57
قال تعالى:
«وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا»(1).
وقوله تعالى:
«وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا»(2).
أرسل الله للناس مائة وأربعة وعشرون ألف نبي
ص: 58
لكي لا تكون للعباد يوم القيامة حجة على الله، فمن خلال الرسل أتم الله الحجة على الخلق.
روي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله رجل فقال: لأي شيء بعث الله الأنبياء والرسل إلى الناس؟ فقال عليه السلام:
«لئلا يكون للناس على الله حجة من بعد الرسل ولئلا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير وليكون حجة الله عليهم، ألا تسمع الله عز وجل يقول حكاية عن خزنة جمنم واحتجاجهم على أهل النار بالأنبياء والرسل: «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ»(1)»(2).
وروي عن أبي محمد القاسم بن العلاء رفعه عن عبد العزيز بن مسلم، عن الرضا عليه السلام - في حديث طويل -، قال:
«ولم يمض رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بيّن
ص: 59
لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم عليا عليه السلام علما وإماما، وما ترك شيئا تحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عزّ وجلّ لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عزّ وجلّ، ومن رد کتاب الله فهو كافر»(1).
وفي البحار عن أبي ذر رحمه الله قال: قلت: يا رسول الله كم النبيون؟ قال:
مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، قلت: كم المرسلون منهم؟ قال:
ثلاث مائة وثلاثة عشر جما غفيرا، قلت: من كان أول الأنبياء؟ قال:
آدم، قلت: وكان من الأنبياء مرسلا قال:
نعم، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، ثم قال: يا أبا ذر أربعة من الأنبياء سريانيون: آدم، وشيث، واخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم، ونوح، وأربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب،
ص: 60
ونبيك محمد صلى الله عليه وآله. وأول نبي من بني إسرائيل موسی، وآخرهم عیسی، وستمائة نبي. قلت: يا رسول الله كم أنزل الله تعالى من كتاب؟ قال: مائة كتاب وأربعة كتب: أنزل الله تعالى على شيث عليه السلام خمسين صحيفة، وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشرين صحيفة، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان»(1).
ص: 61
«وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا»(1).
وقال تعالى:
«لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»(2).
روي عن أسوَد بن سعيد قال كنت عند أبي جعفر عليه السلام فأنشأ يقول ابتداء من غير أن يسأل:
ص: 62
«نحن حجة الله ونحن باب الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن عين الله في خلقه ونحن ولاة أمر الله في عباده»(1).
فحينما يتكلم النبي فإنه لا ينطق إلا عن صدق، قال تعالى:
«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(2).
وكذلك سائر الأنبياء.
إن الله حينما يدعو الناس إلى الهداية إنما يدعوهم بلسان أصدق الخلق كون الأنبياء لا يكذبون ولا ينطقون شيئا إلا من عند الله، فهم لسان الله الصادق والناطق بالحق، روي عن الإمام الصادق عليه السلام لما سئل عن حكمة النبوة قال:
«لِئَلاَّ یَکونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللّهِ حُجَّةٌ مِن بَعدِ الرُّسُلِ، ولَئِلاَّ یَقولوا: ماجاءَنا مِن بَشیرٍ ولا نَذیرٍ، ولِیَکونَ حُجَّةُ اللّهُ عَلَیهِم، ألا تَسمَعُ اللّهَ عَزَّوجَلَّ یَقولُ - حِکایَةً عَن خَزَنَةِ جَهَنَّمَ
ص: 63
وَاحتِجاجِهِم عَلی أهلِ النَّارِ بِالأنبِیاءِ وَالرُّسُلِ-: «أَلَمْ یَأْتِکُمْ نَذِیرٌ...»(1).
وعنه عليه السلام قال: «إن الله عز وجل مكن أنبيائه من خزاعن لطفه وكرمه ورحمته وعلمهم من مخزون علمه وأفردهم من جميع الخلائق لنفسه فلا يشبه أحوالهم واخلاقهم أحداً من الخلائق أجمعين إذ جعلهم وسائل سائر الخلق إليه وجعل حبهم وإطاعتهم سبب رضائه وخلافهم وانكارهم سبب سخطه وأمر كل قوم وفئة باتباع رسولهم ثم أبى أن يقبل طاعة إلا بطاعتهم وتمجيدهم ومعرفة حبهم وتبجيلهم وحرمتهم ووقارهم وتعظيمهم وجاههم عند الله تعالى فعم جميع أنبياء الله ولا تنزلهم منزلة أحد من دونهم ولا تتصرف بعقلك في مقاماتهم وأحوالهم وأخلاقهم إلا ببيان محكم من عند الله وإجماع أهل البصائر بدلائل يتحقق بها فضائلهم ومراتبهم وأني بالوصول إلى حقيقة ما لهم عند الله فإن قبلت أقوالهم وافعالهم بمن دونهم من الناس أجمعين فقد أسأت صحبتهم وأنكرت معرفتهم وجعلت خصوصيتهم بالله وسقطت عن حقائق الإيمان والمعرفة فإياك إياك»(2).
ص: 64
القرآن الكريم:
1. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، تح، السيد ابراهيم المينانجي؛ محمد الباقر البهبودي،. مؤسسة الوفاء، دار احياء التراث، ط 2 ، بيروت - لبنان 1403 ه - 1983 م.
2. تفسير القمي، علي بن ابراهيم القمي، تح وتع: السيد طيب الموسوي الجزائري، موسوعة دار الكتاب للطباعة والنشر - ایران، ط 3.
3. تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، تح وتع: لجنة من العلماء والمحققين المختصين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، لبنان، 1415 ه - 1995 م.
4. عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، تح: تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، بیروت، لبنان، 1404 ه - 1984 م.
5. الكافي، الشيخ الكليني، تح: علي أكبر الغفاري، مطبعة حيدري، دار الكتب الإسلامية - طهران ط 3، 1367 ه.
6. مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، تح وتص: الشيخ حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم
ص: 65
المشرفة، 1418 ه.
7. میزان الحكمة، محمد الريشهري، تح: دار الحديث، ط 1.
8. نهج البلاغة، تح: محمد عبده، مؤسسة التاريخ العربي، بیروت، لبنان.
9. الوافي، الفيض الكاشاني، تح وتع وتص: ضياء الدين الحسيني الأصفهاني، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامة - أصفهان، ط 1، 1406 ه. 1365 ش.
ص: 66
مقدمة المؤسسة...7
المقدمة...9
المبحث الأول هل حجج الله هم الأنبياء فقط؟
المسألة الأولى: الحجة في اللغة والقرآن...15
1- الحجة في اللغة:...15
2- الحجة في القران:...16
المسألة الثانية: قال عليه السلام: «وَلَم يُخَلِّهِم بَعدَ أَن قَبَضَهُ»...18
المسألة الثالثة: قوله عليه السلام: «ممّا يؤكّد عليهم حجّته ربوبيّته»...22
المسألة الرابعة: قوله عليه السلام: «ويصل بينهم وبين معرفته»...25
المسألة الخامسة: قوله عليه السلام: «بَل تَعَاهَدَهُم بِالحُجَجِ»...28
المسألة السادسة قوله عليه السلام: «على ألسن الخيرة من أنبيائه»...32
المسألة السابعة: قوله عليه السلام: «ومتحمّلي ودائع رسالاته قرنا فقرنا»...37
المبحث الثاني الغاية في جعلهم الحجة على الخلق
المسألة الأولى: قوله عليه السلام: «بعث الله رسله»...48
الفرق بين الرسول والنبي:...50
المسألة الثانية: قوله عليه السلام: «بِمَا خَصَّهُم بِه مِن وَحيِه»...52
ص: 67
المسألة الثالثة: قوله عليه السلام: «وجَعَلَّهُم حُجَّةً لَه عَلَى خَلقِه»...55
المسألة الرابعة: قوله عليه السلام: «لِئَلَّا تَجِبَ الحُجَّةُ لَهُم بِتَركِ الإِعذَارِ إِلَيهِم»...58
المسألة الخامسة: قوله عليه السلام: «فَدَعَاهُم بِلِسَانِ الصِّدقِ إلى سَبِيلِ الحَقِّ»...62
المصادر والمراجع...65
المحتويات...69
ص: 68