طهارة سلالة الأنبياء علیهم السلام

هوية الکتاب

طهارة سلالة الأنبياء علیهم السلام

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 1

اشارة

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 2

سلسلة الأنبياء في نهج البلاغة (6) طهارة سلالة الأنبياء علیهم السلام تأليف محمد حمزة الخفاجي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 07815016633الموقع: www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام السلام: «فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِی أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ، وَ أَقَرَّهُمْ فِی خَیْرِ مُسْتَقَرٍّ، تَنَاسَخَتْهُمْ کَرَائِمُ اَلْأَصْلاَبِ إِلَی مُطَهَّرَاتِ اَلْأَرْحَامِ، کُلَّمَا مَضَی مِنْهُمْ سَلَفٌ، قَامَ مِنْهُمْ بِدِینِ اَللَّهِ خَلَفٌ» نهج البلاغة: الخطبة 94، ص 161

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلق الله وآله الطيبين الأخيار.

وبعد:

فهذه سلسلة خاصة بما ورد في كتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حول بعض الأنبياء عليهم السلام وقد تناول فيها الإمام جوانب مختلفة من حياتهم وما ارتبط بهم ابتداءً من آدم عليه السلام حيث بيّن الإمام علي عليه السلام العلة في خلقه وما رافق هذا الأمر من ابتلاء للملائكة وغير ذلك مما ارتبط بهذه الشخصية.

والحديث في نهج البلاغة عن الأنبياء عليهم السلام لم يكن شاملاً لجميع الأنبياء وإنما يكتفي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بذكر بعضاً فهم، وهم (آدم وموسى وعيسى وداود ويحيى وسليمان

ص: 7

والحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ الحيز الأكبر من البيان والتعريف في كلام أمير المؤمنين عليه السلام.

ولذا:

وجدت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ الكريم هذا البيان الوارد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الشخصيات الربانية ضمن هذه السلسلة مع بيان موجز لما أورده الشراح لكتاب نهج البلاغة فضلاً عن رفد هذه الألفاظ الشريفة بما يناسبها من روايات شريفة نبوية عن آل البيت عليهم السلام بغية الوصول إلى معنى واضح يأخذ بأيدينا ويد القارئ الكريم إلى ما يحب الله ويرضى.

السيد نبيل الحسني مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها»(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد..

فقد مر الكلام عن بعض ما يتعلق بالأنبياء المذكورين في كتاب (نهج البلاغة) ضمن هذه السلسلة الموسومة ب (سلسلة الأنبياء في نهج البلاغة)، وفي هذا الجزء منها نتطرق إلى سلالة

ص: 9


1- من خطبة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، الاحتجاج، للشيخ الطبرسي، ج 1، ص 132؛ بلاغات النساء، لابن طیفور، ص 15

الأنبياء وطهر نسبهم مستلهمين ذلك من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، سائلين من الله التوفيق إنه سميع مجيب.

محمد حمزة الخفاجي

ص: 10

تمهيد:

جعل الله مستودع أنبيائه في أشرف وأكرم الأصلاب وجعل مستقرهم في أطهر الأرحام كونهم المبلغين عن رسالاته، فيجب أن يكون أساسهم طهر مطهر فلا يضاهي حسبهم ونسبهم أحد فهم أسياد الكون.

ولو تأملنا كلام الإمام الصادق عليه السلام في زيارة الإمام الحسين عليه السلام بدقة وإمعان حيث نقرأ فيها «أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة»، وكون الإمام الحسين عليه السلام من سلالة الأنبياء ففي هذه الفقرات من الزيارة دلالة على عظمة شأنهم وشرف سلالتهم وطهر نسبهم، لكي لا يعابوا ولا يعيروا من قبل أعدائهم، فالشموخ هو العلو والارتفاع، ولو رجعنا إلى قصة السيدة مريم عليها السلام الرأينا كيف يتربص أعداء الله سبحانه وتعالى

ص: 11

وينتظرون شيئاً يعيبون به أولياء الله، فحينما تمت كلمة الله وولد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وأتت به إلى القوم تحمله قالوا كما وصف كلامهم رب العزة في كتابه:

«يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا»(1)، فأنطقه الله سبحانه وتعالى وهو في المهد صبيا، قال تعالى حاكياً عن لسان عیسی:

«قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا»(2).

ص: 12


1- سورة مريم، الآيتان: 28 - 29
2- سورة مريم، الآيات: 30 - 32

المسألة الأولى

قوله عليه السلام: «فاستودعهم في أفضل مستودع»

قوله عليه السّلام «فاستودعهم» الضمير راجع إلى الرّسل، «في أفضل مستودع» أي: من الأصلاب(1).

استودع الله سبحانه وتعالى أنبياءه في أصلاب خيار الرجال طيلة تاريخهم الزاهر، کل اباء الأنبياء إما أنبياء أو عباد صالحون، فمن المحال أن يُخرِج الله سبحانه من أصلاب الكافرين أنبياءه ورسله الذين يُؤدون رسالاته لكي لا يعابوا بکفر آبائهم كما مر آنفاً، وهذه إحدى حكم الله سبحانه النجاح الرسالات السماوية.

ص: 13


1- بهج الصباغة، التستري، ج 2، ص 33

جاء في كتاب بحار الانوار: (لما قتل هابیل جزع آدم فأوحى الله إليه: أني مخرج منك نوري الذي أريد به السلوك في القنوات الظاهرة والأرومات الشريفة وأباهي فيه بالأنوار، وأجعله خاتم الأنبياء وأجعل له خيار الأئمة الخلفاء حتى أختم الزمان بمدتهم، وأغص الأرض بدعوتهم، وأنيرها بشيعتهم. فشمرّ وتطهّر وقدّس وسبّح ثم اغش زوجتك على طهارة منها، فإن وديعتي تنتقل منكما إلى الولد الكائن بینکما، فواقع آدم حواء فحملت لوقتها وأشرقت حسنها(1) وتلألأ النور في مخايلها ولمع من محاجرها حتى انتهى حملها ووضعت شیثا"، وكان كأسوى(2) ما يكون من الذکران، وأتمهم وقارا، وأحسنهم صورة وأكملهم هيبة، وأعدلهم خلقا، مجللا بالنور

ص: 14


1- في الأصل واشرق جبينها
2- في المصدر: وضعت نسمة كأسر ما يكون

والهيبة، موشحا بالجلال والسكينة، فانتقل النور من حواء إليه حتى لمع في أسارير جبينه وسبق في غرة طلعته، فسمّاه آدم شیثا، وقيل: إنه إنما سماه هبة الله، حتى إذا ترعرع وأينع وكمل واستبصر أذاع إليه آدم وصيته، وعرفه بمحل ما استودعه وأعلمه أنه حجة الله بعده، والخليفة في الأرض، والمؤدي حق الله إلى أوصيائه، وأنه ثاني انتقال الذرية الطاهرة والجرثومة الظاهرة، وأن آدم حين أدى الوصية إلى شيث عليه السلام اجتنبها واحتفظ بمكنونها، وأتت وفاة آدم وقرب انتقاله، فتوفي يوم الجمعة لست خلون من نيسان في الساعة التي كان فيها خلقه، وكان عمر آدم عليه السلام تسع مائة وثلاثين سنة، وكان شيث وصي أبيه على ولده. ويقال: إن آدم مات عن أربعين ألفا من ولده وولد ولده، فتنازع الناس في قبره، فمنهم من قال: إن قبره بمنى في مسجد الخیف، و منهم

ص: 15

من رأى أنه في كهف في جبل أبي قبيس، وقيل غير ذلك، والله أعلم بحقيقة الأمر، وإن شیثا" حكم في الناس واستشرع في صحف أبيه وما أنزل عليه في خاصة من الأسفار والأشراع، وإن شیثا واقع امرأته فحملت بأنوش فانتقل النور إليها حتى إذا وضعته ساخ النور عليه، فلما بلغ الوصاية أوعز إليه شيث شأن الوديعة وعرفه شأنها وأنها شرفهم، وأوعز إليه أن ينبه ولده على حقيقة هذا الشرف وكبر محله، وأن ينبهوا أولادهم عليه، ويجعل ذلك وصية فيهم منتقلة ما دام النسل، فكانت الوصية جارية تنتقل من قرن إلى قرن إلى أن أدى الله النور إلى عبد المطلب وولده عبد الله إلى رسول الله صلی الله عليه وآله)(1).

ص: 16


1- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 11، ص 171. باب تزويج ادم حواء وكيفية بدء النسل منهما

المسألة الثانية

قوله عليه السلام: «وأقرهم في خير مستقر»

لقد مر الكلام في طهارة أصلاب الأنبياء وأن الله استودعهم في أفضل الأصلاب، كذلك جعل مستقرهم أي أرحام أمهاتهم عليهم السلام أشرف الأرحام، ولو راجعنا تاريخ الأنبياء عليهم السلام لوجدنا أن كل أمهات الأنبياء عليهم السلام طاهرات نقيات الجيوب، لأن الله عز وجل لم يرتضِ أن يضع أنبياءه في أرحام نساء غير مؤمنات، بل وضعهم في أرحام أطهر النساء وأقدسهن وأعلاهن شرفاً، قال تعالى واصفاً منبت مريم أم عیسی علیهما السلام:

«فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا

ص: 17

حَسَنًا..»(1).

وأما بالنسبة إلى نساء الأنبياء الضالات اللاتي ورد ذكرهن في محكم التنزیل کامرأة نوح ولوط، فقد تعارضت أفعالُهن مع رسالات السماء فإنهن لم يلدن نبيا قط، بل ربما لم يلدن مولودا البتة، ومن هنا ينبغي ذكر مسألة طالما ترددت على ألسنة المغرضين وهي:

هل يجوز الطعن في نساء الأنبياء المعروفات والمذكورات بخبث الأفعال والخائنات؟ وما هو المقصود بخيانتهن؟

وللإجابة عن هذين السؤالين نقول:

1- إن الطعن في شرف نساء الأنبياء لا يجوزه الشرع المقدس ولا خلق المؤمنين وإن عُرِفن بضلالتهن وخبث نياتهن لأنهن أزواج أنبياء الله المبلغين عن رسالاته.

ص: 18


1- سورة آل عمران، الآية: 37

لذا فقد خاطب الله سبحانه وتعالى زوجات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وبين لهن خطورة كل حركة وسكنة بقوله تعالی:

«يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ»(1).

وهذا التحذير المشدد عليهن لما لهن من تأثير خطير على الجانب الرسالي وبسبب قربهن الظاهري من النبي صلى الله عليه وآله، ولو تصفحنا التاريخ الإسلامي لوقفنا على مشاهد عظيمة قد قصمت ظهر الأمة بسبب ضلال بعضهن، بل ذهب ضحية هذا الضلال مئات القتلى من المسلمين.

ص: 19


1- سورة الأحزاب، الآيتان: 32 - 33

2- قال تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ»(1)، ومعنی خانتاهما هو إفشاء السر وتحريض الناس عليهما؛ فهذا المقصود من خيانتهما لأن الفحش مبعد عن هذه المنازل الطاهرة، والله لا يدخل زانية في منازل الأنبياء فهم الذين ينهون الناس عن فعل الفواحش ويأمرون الناس بالعفة والإحسان والأخلاق الحميدة؛ ووجود نساء فاجرات في منازلهم يخل بتبليغ رسالة السماء.

والخلاصة إن الخبث الذي كان في نساء الأنبياء لا يمس شرفهن؛ وإنما هو خبث السرائر کالحسد

ص: 20


1- سورة التحريم، الآية: 10

والضغينة وسوء النوايا وغيرها من الأمراض القلبية لما اعترضهن من اعوجاج فكري بفعل الغيرة وغيرها.

ص: 21

المسألة الثالثة

قوله عليه السلام: «تناسختهُم كرائم الأصلاب»

قوله عليه السلام: «تناسختهم» أي: بدّلتهم. «کرائم الأصلاب» من صلب إلى صلب)(1).

(الأَصلابُ: جَمعُ صُلب وهو الظهر)(2).

قال تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(3).

إن عالم الأصلاب هو أحد العوالم التي مر بها

ص: 22


1- بهج الصباغة، ج 2، ص 33
2- لسان العرب، ج 1، ص 527
3- سورة آل عمران، الآيتان: 33 - 34

الانسان بمراحل من صلب إلى صلب حتى استقر في رحم أمه قال علي بن ابراهيم في قوله تعالی:

«فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ»(1).

قال: النطفة التي تخرج بقوة، «يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ»(2). قال: الصلب الرجل والترائب المرأة وهي صدرها، «إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ»(3). كما خلقه من نطفة يقدر أن يرده إلى الدنيا وإلى القيامة)(4).

وهذا الماء هو في الحقيقة ماءان: يخرج أحدهما من بين صلب الرجل أي من بين فقرات ظهره، فهنا يكون مستقر الإنسان، فكان مستقر الأنبياء في

ص: 23


1- سورة الطارق، الآيتان: 5 - 6
2- سورة الطارق، الآية: 7
3- سورة الطارق، الآية: 8
4- تفسير القمي، ج 2، ص 415

خیر مستقر لأن هذا العالم من أهم العوالم التي يكتسب منها الإنسان الجينات الوراثية فاختلاط ماء الرجل مع ماء المرأة يكون الجنين، فيكتسب الجنين الجينات الوراثية في أدوار خلقه لذلك كان من الواجب طهر آباء الأنبياء والأمهات، قال تعالى:

«إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ»(1).

عن أبي جعفر عليه السلام في قوله «أمشاج نبتليه» قال ماء الرجل وماء المرأة اختلطا جميعا)(2).

(أمشاج: جمع مَشَج، على وزن (نسج) أو (سبب)، أو أنه جمع «مَشِیج» على وزن (مريض) بمعنى المختلط.

ولعل ذکر خلق الإنسان من النطفة المختلطة إشارة إلى اختلاط ماء الذكور والإناث، وقد أُشير

ص: 24


1- سورة الإنسان، الآية: 2
2- تفسير القمي، ج 2، ص 398

إلى ذلك في روايات المعصومين عليهم السلام بصورة إجمالية، أو أنّها إشارة إلى القابليات المختلفة الموجودة داخل النطفة من ناحية العوامل الوراثية عن طريق الجّينات، أو أنَّها إشارة إلى اختلاط المواد التركيبية المختلفة للنطفة، لأنَّها تتركب من عشرات المواد المختلفة، أو اختلاط جميع ذلك مع بعضها البعض، والمعنى الأخير أجمع وأوجه.

ويحتمل کون «الأمشاج» إشارة إلى تطورات النطفة في المرحلة الجنينية(1).

قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام سأل عبد الله بن صوریا رسول الله فقال: أخبرني یا محمد الولد يكون من الرجل أو المرأة؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله:

«أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل وأما اللحم

ص: 25


1- الأمثل، ج 19، ص 245

والدم والشعر فمن المرأة»، قال: صدقت يا محمد، ثم قال: فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء، ويشبه أخواله وليس فيه من شبه أعمامه شيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له، فقال: صدقت یا محمد..»(1).

إن الله اختبر عباده قبل أن يخلقهم وأخذ عليهم الميثاق - كما سنبيّن هذا - بقوله عز وجل:

«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا...»(2).

فكان التقييم على قدر الامتثال للأوامر الإلهية، جاء في تفسير علي بن ابراهيم (... وهو ألطف

ص: 26


1- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 48
2- سورة الأعراف، الآية: 172

الوجوه ماقال غواص بحار الأخبار، وطلاع جواهرها عن الأستار، جدنا السيد الجزائري رحمه الله في أنواره من أن خلق الأرواح قد كان قبل خلق عالم الذر، وقد أجّج سبحانه نارا وكلف تلك الأرواح بالدخول، كما سيأتي تفصيله عند تفسير الآية «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ» في هذا الكتاب فمنهم من بادر إلى الامتثال ومنهم من تأخر عنه ولم يأت به، فمن هنا جاء الإيمان والكفر ولكن بالاختيار، فلما أراد سبحانه أن يخلق لتلك الأرواح أبدانا تتعلق لكل نوع من الأرواح نوعا مناسبا له من الأبدان فيكون ما صنع بها سبحانه جزاءًا لذلك التكليف السابق)(1).

فحينما خلق الله الأرواح واختبرها فمنهم من نجح ومنهم من لم ينجح بالامتحان، فمن أطاع وامتثل لأمر الله سبحانه وتعالى طابت روحه

ص: 27


1- تفسير القمي، ج 1، ص 228

وطينته على قدر طاعته وامتثاله ومن عصى ولم يمتثل لأمر الله فسدت روحه وطينته على قدر عصيانه وعدم امتثاله، كذلك عالم الأصلاب فإن الله حينما وضع أنبياءه في هذه الأصلاب الطاهرة لاستحقاقهم كونهم طيبين طاهرين وكذلك استحقاق من یکون النبي في صلبه فمن طهرت روحه لا يأتي إلى هذه الدنيا إلا عن طريق الحلال والنطفة الطاهرة والرحم الطاهر، ومن فسدت روحه لا يأتي إلا عن طريق الأرحام والأصلاب الملوثة كالزنا والحيض.

عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقا وبشرا نورانيین لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا، وخلق أرواح شیعتنا من طينتنا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله

ص: 28

لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيبا إلا للأنبياء، ولذلك صرنا نحن وهم الناس، وصار سائر الناس همج، للنار وإلى النار»(1).

فالأنبياء عليهم السلام لم يخرجوا من صلب کافر أو مشرك، جميعهم كرام مطهرون نقلهم الله من الأصلاب الشامخة من صلب إلى صلب حتى انتهت إلى الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«سُئل النبي صلى الله عليه وآله أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: كنت في صلبه، وهبط بي إلى الأرض في صلبه وركبت السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي في النار في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق لي أبوان على سفاح قط، لم يزل الله عز وجل ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، هاديا مهديا، حتى أخذ الله بالنبوة عهدي وبالإسلام میثاقي، وبيّن كل شيء من صفتي، وأثبت في التوراة والانجيل ذكري ورقي بي إلى سائه، وشق لي اسماً

ص: 29


1- الكافي، ج 1، 389، ح 2

من أسمائه، أمتي الحمادون فذو العرش محمود وأنا محمد»(1).

وفي رواية عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال:

«سمعته يقول خلق الله الأنبياء والأوصياء يوم الجمعة وهو اليوم الذي أخذ الله فيه میثاقهم وقال خلقنا نحن وشیعتنا من طينة مخزونة لا يشذ منها شاذٌ إلى يوم القيامة»(2).

فمن هذا البحث نثبت أمرين مهمين وهما:

أ- طهر آباء الأنبياء جميعا من دنس الجاهلية

هنالك كثير من الأحاديث الشريفة التي تنزه آباء الأنبياء عليهم السلام من دنس الجاهلية، وفي هذا البحث وما ذكرناه من أحاديث النبي والعترة الطاهرة عليهم السلام أدلة قاطعة على طهر آباء الأنبياء وإن جميعهم موحدين حتى والد النبي إبراهيم عليه السلام وهذا اعتقادنا فيهم، قال تعالی:

ص: 30


1- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ج 1 ص 67
2- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص 37

«وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ»(1)، أي من ساجد إلى ساجد، فهذه الآيات والأحاديث تنفي قول الذين يدعون بأن آزر والد النبي إبراهيم لأن كلامهم مخالف للآية السابقة وما ذكرنا من أقوال النبي صلى الله عليه وآله عن آبائه، فآزر كان من المشركين، والرسول الأكرم يقول (لم يزل الله عز وجل ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة).

وأما اعتقاد الإمامية في آزر فإنهم يقولون أنه عم النبي إبراهيم وليس بوالده وفي روايات أخرى أنه جده.

جاء في تفسير علي بن إبراهيم (لا يخفى أنه قد اختلف العلماء في والد إبراهيم عليه السلام، قال الرازي في تفسير قوله «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ»(2)

ص: 31


1- سورة الشعراء، الآية: 219
2- سورة الانعام، الآية: 74

وظاهر هذه الآية يدل على أن اسم والد إبراهيم عليه السلام هو آزر، وقال الزجاج لا خلاف بين النسابين أن اسمه «تارخ» وعلى هذا فآزر كان عمه وإطلاق لفظ الأب على العم في لغة العرب والقرآن شائع ومنه الحديث المعروف «عم الرجل صنو أبيه» وقال الله تعالى حاكيا عن أولاد يعقوب عليه السلام انهم قالوا:

«نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ»(1)، ومن المعلوم إن إسماعيل كان عما ليعقوب، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لم نزل ننتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، وقال الله تعالى إنما المشركون نجس، فلا يكون أحد أجداد النبي ولو بعيدا نجسا وهذا هو معقد إجماع الطائفة المحقة، فتحمل الروايات

ص: 32


1- سورة البقرة، الآية: 133

المخالفة له على التقية)(1).

وجاء في شرح العلامة التستري من رحم إلى رحم، روي أنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلّم قرأ قوله تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ»(2). فقيل له: أي بيوت هذه؟ فقال: بيوت الأنبياء.

قال الصدوق: (اعتقادنا في آباء النبي صلى الله عليه و آله وسلّم أنّهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله. ثم قال: وقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أخرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح من لدن آدم).

وأمّا (آزر) ففي (الإثبات): روي عن العالم(3) عليه السّلام أنّه كان جدّ إبراهيم عليه السّلام لأمّه، وكان أبو إبراهيم توفّي وهو طفل، وبقيت

ص: 33


1- تفسير القمي، ج 1، ص 226
2- سورة النور، الآية: 36
3- العالم يعني الإمام الكاظم عليه السلام

أمّه، فبينا قومه يعملون الأصنام إذ أخذ إبراهيم عليه السّلام خشبة وأخذ الفأس، ونجر منها صنما لم يروا مثله قط ، فقال آزر لأمّه: إنّي لأرجو أن أصيب خيرا كثيرا ببركة ابنك هذا. فأخذ إبراهيم الفأس فكسر الصنم، فأنكر ذلك أبوه عليه، فقال له إبراهيم عليه السّلام: وما تصنعون به؟ قال: نعبده. قال إبراهيم عليه السّلام: «أتعبدون ما تنحتون بأيديكم»(1).

جاء في تفسير الصافي (إن آزر كان جد إبراهيم عليه السلام لأمه أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلى الله عليه وآله إلى آدم عليه السلام كان كلهم موحدين وأجمعت الطائفة على ذلك ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لم يزل ينقلني الله تعالى من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في

ص: 34


1- بهج الصباغة، ج 2، ص 3334

عالمكم هذا لم يدنسني بدنس الجاهلية ولو كان في آبائه كافر لم يصف جميعهم بالطهارة مع قوله إنما المشركون نجس)(1).

ب- طيب منبت أتباع الأنبياء والأئمة عليهم السلام

كما أعطى الله لأنبيائه وأوليائه كرامات ومنها طيب المنبت كذلك صنع مع محبيهم الذين يجدون في قلوبهم حب أنبياء الله وأوصيائهم فهذه دلالة على طيب الولادة وطهر الآباء والامهات.

وفي المقابل نجد أن أعداء الأنبياء وأعداء أئمة الهدى من أصول فاسدة لا يحبون المطهرين لأن وجود أشخاص طاهرين مثل الأنبياء والأولياء يشعرهم بالنقص من جميع النواحي، لذلك كان السبب الأساس في بغضهم لأوليائه هو الحسد لما أعطاهم الله من الكرامات الباهرة والعزة التي نالوها من الله.

ص: 35


1- التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 131

فأما بخصوص أعداء أهل البيت عليهم السلام فقد تظافرت الروايات بأن كل من عاداهم أما أن يكون ابن زنا أو ابن حيض أو منافق، فقد روي عن إبراهيم القرشي قال: كنا عند أم سلمة فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام:

«لا يبغضكم إلا ثلاثة: ولد زنا، ومنافق، ومن حملت به أمه وهي حائض»(1).

ويراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم (وهي حائض) إما أن تكون المرأة على نجاسة الحيض بحيث لم تطهر منه بغسل صحيح كما ورد في كتب الفقهاء فقد نهوا الإقامة على نجاسة مستمرة.

وإما أن يكون الحمل واقعاً أثناء فترة الحيض وذلك لنشاط المبيض عند المرأة أو اضطرابه ولكن الملفت هنا ان انعقاد النطفة وقع بوجود النهي

ص: 36


1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 2، ص 319

الصريح الذي جاء به القرآن عن مواقعة المرأة أثناء الحيض فيكون خلق الجنين مرتكزاً على الحرمة وفساد الدم.

وجاء في الآمالي للشيخ الطوسي، عن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام، عن أبيه، عن جابر ابن عبد الله، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول لعلي عليه السلام:

«يا على، ألا أسرك، ألا أمنحك، ألا أبشرك؟ قال بلى يا رسول الله. قال إني خلقت أنا وأنت من طينة واحدة، وفضلت فضلة فخلق الله منها شيعتنا، فإذا كان دعي الناس بأسماء أمهاتهم سوى شيعتنا فإنهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم»(1).

فحُب النبي وآله دلالة على طيب المنبت وبغضهما دلالة على فساده، جاء في الروايات عن جابر قال: قال أبو أيوب الأنصاري اعرضوا حب علي على أولادكم، فمن أحبه فهو منكم، ومن

ص: 37


1- الآمالي، الشيخ الصدوق، ص 416، ح 15

لم يحبه فاسألوا أمه من أين جاءت به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي ابن أبي طالب:

«لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق أو ولد زنية أو حملته أمه وهي طامث»(1).

عن الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«من أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أول النعم قيل وما أول النعم؟ قال: طيب الولادة، ولا يحبنا إلا مؤمن طابت ولادته»(2).

وقد جاء عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«إذا أردت أن تعلم أن فيك خيرا فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله عز وجل ويبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله

ص: 38


1- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 145، ح 12
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 141، ح 1

ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك والمرء مع من أحب»(1).

ص: 39


1- المصدر السابق نفسه، ج 1، ص 117، ح 16، باب علة المعرفة والجود

المسألة الرابعة

قوله عليه السلام: «إلى مُطهَّرات الأرحَام»

قال الشارح البحراني (ما طهر منها وحقّ لما استعدّ منها الإنتاج مثل هذه الأمزجة وقبولها أن تكون طاهرة من كدر الفساد. والشيعة يطهّرون أصول الأنبياء من طرف الآباء والأمّهات عن الشرك ونحوه قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلَّم: نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكيّة)(1).

عن الحكم بن عتيبة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله في الكتاب «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ

ص: 40


1- شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج 2، ص 396

وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»(1) اصطفاها مرتين، والاصطفاء إنما هو مرة واحدة، قال:

«فقال لي يا حكيم إن لهذا تأويلاً وتفسيراً، فقلت له، ففسره لنا أبقاك الله فقال، يعني اصطفاه إياها أولا من ذرية الأنبياء المصطفين المرسلين، وطهرها من أن يكون في ولادتها من آبائها وأمهاتها سفاحا، واصطفاها بهذا في القرآن، يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي شكراً الله»(2).

وفي كتاب علل الشرائع جاء عن محمد بن عیسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«إنما سميت فاطمة عليها السلام محدّثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة إقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء

ص: 41


1- سورة آل عمران، الآية: 42
2- تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج 1، ص 336

عالمها، وان الله عز وجل جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين»(1).

فكما اصطفى الله من ولد آدم أنبياء وأولياء كذلك اصطفى نساءً من خيرة الخلق يودعهن الله خيار خلقه فيكون مستقرهم في تلك الأرحام الطاهرة لأن الله قد حفظهم من دنس الجاهلية لذلك لم نجد أي زوجة من زوجات الأنبياء المعروفات بالكفر أنها ولدت نبياً بل لم يلدن من الانبياء أي مولود إطلاقاً والسبب في ذلك إن الإنسان يتأئر وهو في رحم أمه كما يتأثر الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها، كذلك يتأثر بطعامها وكلامها وما تستمع له فلذلك لم يضع الله انبياءه في هذه الارحام الكافرة لأنها تنقل كل السلبيات إلى جنينها فتؤثر عليه عقائديا.

ص: 42


1- علل الشرائع، ج 1، ص 182، ح 1

المسألة الخامسة

قوله عليه السلام «كلما مضى منهم سلف»

والمعنى كلما ارتحل منهم نبي إلى جوار ربه قام مقامه نبي او وصي عوضاً عنه ليبلغ رسالات رب العالمين، قال تعالى:

و«وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ»(1).

جاء في الكافي: (..فَلَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّةُ آدَمَ عَلَیْهِ السَّلامُ وَ اسْتَکْمَلَ أیَّامَهُ أوْحَی اللهُ عَزَّوَجَلَّ إلَیْهِ أنْ یَا آدَمُ قَدِ انْقَضَتْ نُبُوَّتُكَ وَ اسْتَکْمَلْتَ أیَّامَكَ فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِی عِنْدَكَ وَ الْإیمَانَ وَ الِاسْمَ الْأکْبَرَ وَ مِیرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ

ص: 43


1- سورة غافر، الآية: 34

فِی الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّیَّتِكَ عِنْدَ هِبَةِ اللهِ فَإنِّی لَنْ أقْطَعَ الْعِلْمَ وَ الْإیمَانَ وَ الِاسْمَ الْأکْبَرَ وَ آثَارَ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّیَّتِكَ إلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ وَ لَنْ أدَعَ الْأرْضَ إلَّا وَ فِیهَا عَالِمٌ یُعْرَفُ بِهِ دِینِی وَ یُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِی وَ یَکُونُ نَجَاةً لِمَنْ یُولَدُ فِیمَا بَیْنَكَ وَ بَیْنَ نُوحٍ وَ بَشَّرَ آدَمَ بِنُوحٍ علیهما السلام فَقَالَ: إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی بَاعِثٌ نَبِیّاً اسْمُهُ نُوحٌ وَ إنَّهُ یَدْعُو إلَی اللهِ عَزَّ ذِکْرُهُ وَ یُکَذِّبُهُ قَوْمُهُ فَیُهْلِکُهُمُ اللهُ بِالطُّوفَانِ وَ کَانَ بَیْنَ آدَمَ وَ بَیْنَ نُوحٍ علیهما السلام عَشَرَةُ آبَاءٍ أنْبِیَاءُ وَ أوْصِیَاءُ کُلُّهُمْ وَ أوْصَی آدَمُ علیه السلام إلَی هِبَةِ اللهِ أنَّ مَنْ أدْرَکَهُ مِنْکُمْ فَلْیُؤْمِنْ بِهِ وَ لْیَتَّبِعْهُ وَ لْیُصَدِّقْ بِهِ فَإنَّهُ یَنْجُو مِنَ الْغَرَقِ ثُمَّ إنَّ آدَمَ علیه السلام مَرِضَ الْمَرْضَةَ الَّتِی مَاتَ فِیهَا فَأرْسَلَ هِبَةَ اللهِ وَ قَالَ لَهُ: إنْ لَقِیتَ جَبْرَئِیلَ أوْ مَنْ لَقِیتَ مِنَ الْمَلَائِکَةِ فَأقْرِئْهُ مِنِّی السَّلَامَ وَ قُلْ لَهُ یَا جَبْرَئِیلُ إنَّ أبِی یَسْتَهْدِیكَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِیلُ یَا هِبَةَ اللهِ إنَّ أبَاكَ قَدْ قُبِضَ وَ إنَّا نَزَلْنَا لِلصَّلَاةِ عَلَیْهِ فَارْجِعْ فَرَجَعَ فَوَجَدَ آدَمَ علیه السلام قَدْ قُبِضَ فَأرَاهُ جَبْرَئِیلُ کَیْفَ یُغَسِّلُهُ فَغَسَّلَهُ حَتَّی إذَا بَلَغَ الصَّلَاةَ عَلَیْهِ قَالَ هِبَةُ اللهِ یَا جَبْرَئِیلُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ عَلَی آدَمَ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِیلُ: إنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ أمَرَنَا أنْ نَسْجُدَ لِأبِیكَ آدَمَ وَ هُوَ فِی الْجَنَّةِ فَلَیْسَ لَنَا أنْ نَؤُمَّ شَیْئاً مِنْ وُلْدِهِ فَتَقَدَّمَ هِبَةُ اللهِ فَصَلَّی عَلَی أبِیهِ وَ جَبْرَئِیلُ خَلْفَهُ وَ جُنُودُ الْمَلَائِکَةِ وَ کَبَّرَ عَلَیْهِ ثَلَاثِینَ تَکْبِیرَةً. فَأمَرَ جَبْرَئِیلُ علیه السلام

ص: 44

السلام فَرَفَعَ خَمْساً وَ عِشْرِینَ تَکْبِیرَةً وَ السُّنَّةُ الْیَوْمَ فِینَا خَمْسُ تَکْبِیرَاتٍ وَ قَدْ کَانَ یُکَبَّرُ عَلَی أهْلِ بَدْرٍ تِسْعاً وَ سَبْعاً ثُمَّ إنَّ هِبَةَ اللهِ لَمَّا دَفَنَ أبَاهُ أتَاهُ قَابِیلُ فَقَالَ یَا هِبَةَ اللهِ إنِّی قَدْ رَأیْتُ أبِی آدَمَ قَدْ خَصَّكَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ أُخَصَّ بِهِ أنَا وَ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِی دَعَا بِهِ أخُوكَ هَابِیلُ فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ وَ إنَّمَا قَتَلْتُهُ لِکَیْلَا یَکُونَ لَهُ عَقِبٌ فَیَفْتَخِرُونَ عَلَی عَقِبِی فَیَقُولُونَ نَحْنُ أبْنَاءُ الَّذِی تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ وَ أنْتُمْ أبْنَاءُ الَّذِی تُرِكَ قُرْبَانُهُ فَإنَّكَ إنْ أظْهَرْتَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِی اخْتَصَّكَ بِهِ أبُوكَ شَیْئاً قَتَلْتُكَ کَمَا قَتَلْتُ أخَاكَ هَابِیلَ فَلَبِثَ هِبَةُ اللهِ وَ الْعَقِبُ مِنْهُ مُسْتَخْفِینَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ الْإیمَانِ وَ الِاسْمِ الْأکْبَرِ وَ مِیرَاثِ النُّبُوَّةِ وَ آثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ حَتَّی بَعَثَ اللهُ نُوحاً علیه السلام وَ ظَهَرَتْ وَصِیَّةُ هِبَةِ اللهِ حِینَ نَظَرُوا فِی وَصِیَّةِ آدَمَ علیه السلام فَوَجَدُوا نُوحاً علیه السلام نَبِیّاً قَدْ بَشَّرَ بِهِ آدَمُ علیه السلام فَآمَنُوا بِهِ وَ اتَّبَعُوهُ وَ صَدَّقُوهُ وَ قَدْ کَانَ آدَمُ علیه السلام وَصَّی هِبَةَ اللهِ أنْ یَتَعَاهَدَ هَذِهِ الْوَصِیَّةَ عِنْدَ رَأْسِ کُلِّ سَنَةٍ فَیَکُونَ یَوْمَ عِیدِهِمْ فَیَتَعَاهَدُونَ نُوحاً وَ زَمَانَهُ الَّذِی یَخْرُجُ فِیهِ وَ کَذَلِكَ جَاءَ فِی وَصِیَّةِ کُلِّ نَبِیٍّ حَتَّی بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً صلی الله علیه و آله وسلم وَ إنَّمَا عَرَفُوا نُوحاً بِالْعِلْمِ الَّذِی عِنْدَهُمْ وَ هُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: «وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی

ص: 45

قَوْمِهِ»(1) إلى آخِرِ الآيَةِ، وَ کَانَ مَنْ بَیْنَ آدَمَ وَ نُوحٍ مِنَ الْأنْبِیَاءِ مُسْتَخْفِینَ وَ لِذَلِكَ خَفِیَ ذِکْرُهُمْ فِی الْقُرْآنِ فَلَمْ یُسَمَّوْا کَمَا سُمِّیَ مَنِ اسْتَعْلَنَ مِنَ الْأنْبِیَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَیْهِمْ أجْمَعِینَ وَ هُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: «وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَیْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَیْكَ»(2) یَعْنِی لَمْ أُسَمِّ الْمُسْتَخْفِینَ کَمَا سَمَّیْتُ الْمُسْتَعْلِنِینَ مِنَ الْأنْبِیَاءِ علیهم السلام فَمَکَثَ نُوحٌ علیه السلام فِی قَوْمِهِ ألْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِینَ عَاماً لَمْ یُشَارِکْهُ فِی نُبُوَّتِهِ أحَدٌ وَ لَکِنَّهُ قَدِمَ عَلَی قَوْمٍ مُکَذِّبِینَ لِلْأنْبِیَاءِ الَّذِینَ کَانُوا بَیْنَهُ وَ بَیْنَ آدَمَ علیه السلام وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: «کَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِین»(3) یَعْنِی مَنْ کَانَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ آدَمَ علیه السلام إلَی أنِ انْتَهَی إلَی قَوْلِهِ عَزَّوَجَلَّ: «وَ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ»(4) ثُمَّ إنَّ نُوحاً علیه السلام لَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّتُهُ وَ اسْتُکْمِلَتْ أیَّامُهُ أوْحَی اللهُ عَزَّوَجَلَّ إلَیْهِ أنْ یَا نُوحُ قَدْ قَضَیْتَ نُبُوَّتَكَ وَ اسْتَکْمَلْتَ أیَّامَكَ فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِی عِنْدَكَ وَ الْإیمَانَ وَ الِاسْمَ الْأکْبَرَ وَ مِیرَاثَ الْعِلْمِ

ص: 46


1- سورة الأعراف الآية: 59
2- سورة النساء، الآية: 163
3- سورة الشعراء، الآية: 105
4- سورة الشعراء، الآية: 191

وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِی الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّیَّتِكَ فَإنِّی لَنْ أقْطَعَهَا کَمَا لَمْ أقْطَعْهَا مِنْ بُیُوتَاتِ الْأنْبِیَاءِ علیه السلام الَّتِی بَیْنَكَ وَ بَیْنَ آدَمَ علیه السلام وَلَنْ أدَعَ الْأرْضَ إلَّا وَ فِیهَا عَالِمٌ یُعْرَفُ بِهِ دِینِی وَ تُعْرَفُ بِهِ طَاعَتِی وَ یَکُونُ نَجَاةً لِمَنْ یُولَدُ فِیمَا بَیْنَ قَبْضِ النَّبِیِّ إلَی خُرُوجِ النَّبِیِّ الآْخَرِ وَ بَشَّرَ نُوحٌ سَاماً بِهُودٍ علیه السلام وَ کَانَ فِیمَا بَیْنَ نُوحٍ وَ هُودٍ مِنَ الْأنْبِیَاءِ علیهما السلام وَ قَالَ نُوحٌ إنَّ اللهَ بَاعِثٌ نَبِیّاً یُقَالُ لَهُ هُودٌ وَ إنَّهُ یَدْعُو قَوْمَهُ إلَی اللهِ عَزَّوَجَلَّ فَیُکَذِّبُونَهُ وَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ مُهْلِکُهُمْ بِالرِّیحِ فَمَنْ أدْرَکَهُ مِنْکُمْ فَلْیُؤْمِنْ بِهِ وَ لْیَتَّبِعْهُ فَإنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ یُنْجِیهِ مِنْ عَذَابِ الرِّیحِ وَ أمَرَ نُوحٌ علیه السلام ابْنَهُ سَاماً أنْ یَتَعَاهَدَ هَذِهِ الْوَصِیَّةَ عِنْدَ رَأْسِ کُلِّ سَنَةٍ فَیَکُونَ یَوْمُئِذٍ عِیداً لَهُمْ فَیَتَعَاهَدُونَ فِیهِ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ الْإیمَانِ وَ الِاسْمِ الْأکْبَرِ وَ مَوَارِیثِ الْعِلْمِ وَ آثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ - فَوَجَدُوا هُوداً نَبِیّاً وَ قَدْ بَشَّرَ بِهِ - أبُوهُمْ نُوحٌ علیه السلام فَآمَنُوا بِهِ وَ اتَّبَعُوهُ وَ صَدَّقُوهُ فَنَجَوْا مِنْ عَذَابِ الرِّیحِ وَ هُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: «وَ إِلی عادٍ أَخاهُمْ هُوداً»(1) وَ قَوْلُهُ عَزَّوَجَلَّ: «کَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِینَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ»(2) وَ قَالَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی: «وَ وَصّی بِها

ص: 47


1- سورة الأعراف، الآية: 65
2- سورة الشعراء، الآيتان: 123 - 124

إِبْراهِیمُ بَنِیهِ وَ یَعْقُوبُ»(1) وَ قَوْلُهُ: «وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ یَعْقُوبَ کُلاًّ هَدَیْنا» لِنَجْعَلَهَا فِی أَهْلِ بَیْتِهِ: «وَ نُوحاً هَدَیْنا مِنْ قَبْلُ»(2) لِنَجْعَلَهَا فِی أهْلِ بَیْتِهِ فَآمَنَ الْعَقِبُ مِنْ ذُرِّیَّةِ الْأنْبِیَاءِ علیه السلام مَنْ کَانَ قَبْلَ إبْرَاهِیمَ لِإبْرَاهِیمَ علیه السلام وَ کَانَ بَیْنَ إبْرَاهِیمَ وَ هُودٍ مِنَ الْأنْبِیَاءِ وَ هُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: «وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْکُمْ بِبَعِیدٍ»(3) وَ قَوْلُهُ عَزَّ ذِکْرُهُ: «فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَ قالَ إِنِّی مُهاجِرٌ إِلی رَبِّی»(4) وَ قَوْلُهُ عَزَّوَجَلَّ: «وَ إِبْراهِیمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ اتَّقُوهُ ذلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(5) فَجَرَی بَیْنَ کُلِّ نَبِیَّیْنِ عَشَرَةُ أنْبِیَاءَ وَ تِسْعَةُ وَ ثَمَانِیَةُ أنْبِیَاءَ کُلُّهُمْ أنْبِیَاءُ وَ جَرَی لِکُلِّ نَبِیٍّ مَا جَرَی لِنُوحٍ علیه السلام وَ کَمَا جَرَی لآِدَمَ وَ هُودٍ وَ صَالِحٍ وَ شُعَیْبٍ وَ إبْرَاهِیمَ علیهم السلام حَتَّی انْتَهَتْ إلَی یُوسُفَ بْنِ یَعْقُوبَ علیهما السلام ثُمَّ صَارَتْ مِنْ بَعْدِ یُوسُفَ فِی أسْبَاطِ

ص: 48


1- سورة البقرة، الآية: 132
2- سورة الأنعام، الآية: 84
3- سورة هود، الآية: 89
4- سورة العنكبوت، الآية: 26
5- سورة العنكبوت، الآية: 16

إخْوَتِهِ حَتَّی انْتَهَتْ إلَی مُوسَی علیه السلام فَکَانَ بَیْنَ یُوسُفَ وَ بَیْنَ مُوسَی مِنَ الْأنْبِیَاءِ علیه السلام فَأرْسَلَ اللهُ مُوسَی وَ هَارُونَ علیهما السلام إلَی فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ قَارُونَ ثُمَّ أرْسَلَ الرُّسُلَ تَتْری «کُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها کَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِیثَ»(1) وَ کَانَتْ بَنُو إسْرَائِیلَ تَقْتُلُ نَبِیّاً وَ اثْنَانِ قَائِمَانِ وَ یَقْتُلُونَ اثْنَیْنِ وَ أرْبَعَةٌ قِیَامٌ حَتَّی أنَّهُ کَانَ رُبَّمَا قَتَلُوا فِی الْیَوْمِ الْوَاحِدِ سَبْعِینَ نَبِیّاً وَ یَقُومُ سُوقُ قَتْلِهِمْ آخِرَ النَّهَارِ فَلَمَّا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَی مُوسَی علیه السلام بَشَّرَ - بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله وسلم کَانَ بَیْنَ یُوسُفَ وَ مُوسَی مِنَ الْأنْبِیَاءِ وَ کَانَ وَصِیُّ مُوسَی یُوشَعَ بْنَ نُونٍ علیه السلام وَ هُوَ فَتَاهُ الَّذِی ذَکَرَهُ اللهُ عَزَّوَجَلَّ فِی کِتَابِهِ فَلَمْ تَزَلِ الْأنْبِیَاءُ تُبَشِّرُ بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله وسلم حَتَّی بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی الْمَسِیحَ عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ فَبَشَّرَ بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله وسلم وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَی: «یَجِدُونَهُ» یَعْنِی الْیَهُودَ وَ النَّصَارَی: «مَکْتُوباً» یَعْنِی صِفَةَ مُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله وسلم «عِنْدَهُمْ» یَعْنِی «فِی التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِیلِ یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهاهُمْ

ص: 49


1- سورة المؤمنون، الآية: 44

عَنِ الْمُنْکَرِ»(1) وَ هُوَ قَوْلُ اللهِ عَزَّوَجَلَّ یُخْبِرُ عَنْ عِیسَی -: «وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ یَأْتِی مِنْ بَعْدِی اسْمُهُ أَحْمَدُ»(2) وَ بَشَّرَ مُوسَی وَ عِیسَی بِمُحَمَّدٍ صلی الله علیه و آله وسلم کَمَا بَشَّرَ الْأنْبِیَاءُ علیهم السلام بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ حَتَّی بَلَغَتْ مُحَمَّداً صلی الله علیه و آله وسلم فَلَمَّا قَضَی - مُحَمَّدٌ نُبُوَّتَهُ وَ اسْتُکْمِلَتْ أیَّامُهُ أوْحَی اللهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی إلَیْهِ یَا مُحَمَّدُ قَدْ قَضَیْتَ نُبُوَّتَكَ وَ اسْتَکْمَلْتَ أیَّامَكَ فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِی عِنْدَكَ وَ الْإیمَانَ وَ الِاسْمَ الْأکْبَرَ وَ مِیرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ فِی أهْلِ بَیْتِكَ عِنْدَ عَلِیِّ بْنِ أبِی طَالِبٍ علیه السلام فَإنِّی لَمْ أقْطَعِ الْعِلْمَ وَ الْإیمَانَ وَ الِاسْمَ الْأکْبَرَ وَ مِیرَاثَ الْعِلْمِ وَ آثَارَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّیَّتِكَ کَمَا لَمْ أقْطَعْهَا مِنْ بُیُوتَاتِ الْأنْبِیَاءِ الَّذِینَ کَانُوا بَیْنَكَ وَ بَیْنَ أبِیكَ آدَمَ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَی:

«إِنَّ اللّهَ اصْطَفی آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَی الْعالَمِینَ * ذُرِّیَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ »(3)»(4).

ص: 50


1- سورة الأعراف، الآية: 157
2- سورة الصف، الآية: 6
3- سورة آل عمران، الآيتان: 33 - 34
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج 8، ص 114، ح 92

المسألة السادسة

قوله عليه السلام: «قام منهم بدين الله خلف»

قال الله تعالى:

«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ»(1).

فالدنيا لا تخلو من نبي أو وصي لكي يتم الله به الحجة على العباد، فمن المستحيل أن تخلو الأرض من الحجج كونهم عماد الدين وهم الذين يدعون الناس إلى عبادة الباري.

روي في الكافي عن محمد بن يحيى، عن أحمد ابن محمد، عن محمد بن سنان، عن ابن الطيّار

ص: 51


1- سورة البقرة، الآية: 87

قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«لو لم يبق في الأرض إلا إثنان لكان أحدها الحجة»(1).

وجاء في قوله تعالى:

«قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا»(2).

جاء في شرح العلامة التستري ما روي في (الإثبات) أنه لما حضرت وفاة إبراهيم عليه السّلام أمره الله أن يستودع نور الله وحكمته ومواريث الأنبياء عليهم السلام إسماعيل ابنه، فدعاه وأوصى إليه وسلّم إليه جميع ما في يده فقام إسماعيل بالنبوّة والأمر مقامه، ولم يزل يدبّر أمر الله تعالى، وهو أوّل من تكلّم بالعربيّة وأبو العرب، فلمّا حضرت وفاته أوحى إليه أن يستودع الاسم و نور الله وحكمته أخاه إسحاق.

ص: 50


1- الكافي، ج 1، ص 179
2- سورة الاسراء، الآية: 95

وروي أنّه شريكه في الوصية، وتقدمه إسماعيل بالسن إلى أن قال: إنّ يوسف قال لبني إسرائيل: إنّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم، ويفرّج الله عنكم برجل من ولد لاوي اسمه موسى بن عمران، ولن يظهر حتّى يخرج قبله سبعون كذّابا.

وروي أنّه كان إذا ولد في بني إسرائيل ولد می يسمّى عمران، ثمّ يأتي لعمران ولد فيسمّى موسى، يتعرّضون بذلك لقيام القائم موسى عليه السّلام، قلت: هو نظير أنّه لمّا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليه السّلام بقيام قائم آل محمّد صلى الله عليه و آله وسلّم الملقّب بالمهدي، تصدّى جمع من الطالبين لذلك، وتسمّوا بالمهدي، كالملقّب بالنفس الزّكية، وغيره.

وقال بعد ذكر شعيب: كان شعيب من ولد نابت بن إبراهيم، وكان من قصّته أنّ الله تعالى بعثه إلى قوم نبيّا حين كبر سنّه، فدعاهم إلى

ص: 53

التوحيد والإقرار والطاعة، فلم يجيبوه، فغاب عنهم ما شاء الله، ثمّ عاد إليهم شابّا، فدعاهم، عنهم فقالوا: ما صدّقناك شيخا فكيف نصدّقك شابّا؟

روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يعيد ذكر هذا الحديث ويكرّره، ويتمثّل به كثيرا إلى أن قال بعد ذكر موسى عليه السّلام ثمّ يوشع:

«وخرج يوشع وجمع أولاد بني إسرائيل الّذين ولدوا في التيه معه، وهم لا يعرفون الجبّارين ولا العمالقة ولا يمتنعون من قتالهم، وفتح بيت المقدس، وجميع مدائن الشام حتّى انتهى إلى البلقاء، فجعلوا يخرجون و يقاتلون، ولا يقتل منهم أحد. فسأل يوشع عن ذلك، فقيل له: إنّ في مدينته امرأة كاهنة تدّعي أنّها منجّمة تستقبل الشّمس بفرجها، ثمّ تحسب وتعرض عليها الخيل والرجال، ولا يخرج يومئذ إلى الحرب رجل قد حضر أجله. فصلّى يوشع عليه السّلام ركعتين،

ص: 54

ودعا ربّه أن يحبس الشمس عنهم ساعة فأجابه، وأخّرت الشمس، فخرجت فاختلط عليها حسابها، فقالت لباق (يعني ملكهم): انظر ما يعرض عليك يوشع، فأعطه، فإنّ حسابي قد اختلط عليّ»(1).

ص: 55


1- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 34 - 35

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

1. الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، تحقيق وتعليق: السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، 1386ه - 1966 م.

2. الأمالي، الشيخ المفيد، تحقيق: حسين الأستاد ولي، علي أكبر الغفاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط 2، 1414 ه - 1993 م.

3. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

4. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، تحقيق: الشيخ عبد الزهراء العلوي دار الرضا للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1403 ه - 1983 م.

5. بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، تحقيق وتصحيح وتعليق: الحاج میرزا حسن کوچه باغي، منشورات الأعلمي، طهران، 1404 ه - 1362 ش.

6. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، محمد تقي

ص: 56

التستري، مؤسسة التاريخ العربي، ط 1، 1432 ه - 2011 م.

7. التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، رمضان مؤسسة الهادي، قم المقدسة، طهران، ط 2، 1416 ه - 1374 ش.

8. تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي: تحقيق وتصحيح وتعليق: السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم، ایران، منشورات مكتبة الهدى، ط 3، 1404 ه

9. تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، تحقيق وتعليق وتصحيح: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم. ط 4، 4، 1412 ه

10. توضیح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار تراث الشيعة للطبع والنشر، طهران، ایران، د. ت.

11. روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، تحقيق: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات

ص: 57

الشريف الرضي، قم.

12. شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، تحقيق: عدد من الأفاضل، ط 1، 1362 ه

13. علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تحقيق: محمد صادق بحر، المكتبة الحيدرية، 1385 ه - 1966م.

14. الكافي، الشيخ الكليني، تحقيق وتصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية - طهران، ط 3، 1367.

15. لسان العرب، ابن منظور، نشر أداب الحوزة، محرم 1405 ه.

16. نهج البلاغة، تحقيق: محمد عبدة، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان.

17. وسائل الشيعة، الحر العاملي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1104 ه

ص: 58

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

المقدمة...9

تمهید:...11

المسألة الاولى...13

قوله عليه السلام: «فاستودعهم في أفضل مستودع»...13

المسألة الثانية...17

قوله عليه السلام: «وأقرهم في خير مستقر»...17

المسألة الثالثة...22

قوله عليه السلام: «تناسخَتهُم كرائم الأصلاب»...22

أ- طهر آباء الأنبياء جميعا من دنس الجاهلية...30

ب- طيب منبت أتباع الأنبياء والأئمة عليهم السلام...35

المسألة الرابعة...38

قوله عليه السلام: «إلى مُطهَّرات الأرحَام»...38

المسألة الخامسة...41

قوله عليه السلام «كلما مضى منهم سلف»...41

المسألة السادسة...49

قوله عليه السلام: «قام منهم بدين الله خلف»...49

المصادر والمراجع...54

ص: 57

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.