نبي الله موسی علیه السلام

هوية الکتاب

نبي الله موسی علیه السلام

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 1

اشارة

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 2

سلسلة الانبياء في نهج البلاغة (5) نبي الله موسی علیه السلام تأليف محمد حمزة الخفاجي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر عليه السلام هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع:

www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام

«وَإِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بِمُوسى كَلِيمِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إذْ يَقُولُ: «رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ»، وَاللهِ مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ لاِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الاْرْضِ، وَلَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بطْنِهِ، لِهُزَالِهِ وَتَشَذُّبِ لَحْمِهِ» نهج البلاغة: خطبة 159

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلق الله وآله الطيبين الأخيار.

وبعد:

فهذه سلسلة خاصة بما ورد في كتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حول بعض الأنبياء عليهم السلام وقد تناول فيها الإمام جوانب مختلفة من حياتهم وما ارتبط بهم ابتداءً من آدم عليه السلام حيث بيّن الإمام علي عليه السلام العلة

ص: 7

في خلقه وما رافق هذا الأمر من ابتلاء للملائكة وغير ذلك مما ارتبط بهذه الشخصية.

والحديث في نهج البلاغة عن الأنبياء عليهم السلام لم یکن شاملاً لجميع الأنبياء وإنما يكتفي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بذکر بعضاً فهم، وهم (آدم وموسى وعيسى وداود ويحيى وسليمان والحبيب المصطفى محمد صلی الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ الحيز الأكبر من البيان والتعريف في كلام أمير المؤمنين عليه السلام.

ولذا:

وجدت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ الكريم هذا البيان الوارد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الشخصيات الربانية ضمن هذه السلسلة مع

ص: 8

بیان موجز لما أورده الشراح لكتاب نهج البلاغة فضلاً عن رفد هذه الألفاظ الشريفة بما يناسبها من روایات شريفة نبوية عن آل البيت عليهم السلام بغية الوصول إلى معنی واضح يأخذ بأيدينا وید القارئ الكريم إلى ما يحب الله ويرضى.

السيد نبيل الحسني مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 9

مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان منن والاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها»(1).

وبعد..

لقد تناولنا في الاجزاء السابقة من هذه السلسة الموسومة ب (سلسلة الانبياء في نهج البلاغة) وما ورد من ذكر لبعض الانبياء فكان الحديث عن انبياء الله آدم وسليمان وداود

ص: 10


1- من خطبة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، الاحتجاج، للشيخ الطبرسي، ج 1، ص 132

وعيسی عليهم السلام، وهنا سنتناول ما ورد في نهج البلاغة عن نبي الله موسى عليه السلام فكان ضمن مسائل عدة، وهي المسألة الأولى تناولنا فيها عن زهد النبي موسى عليه السلام وجاءت المسألة الثانية عن تكليم الله عز وجل الموسى عليه السلام واما في المسألة الثالثة فقد تناولنا فيها بعثة موسى وهارون عليهم السلام إلى فرعون، واخيراً وفي المسألة الرابعة تحدثنا عن تنزيه نبي الله موسى عليه السلام عن الخوف، سائلين من العلي القدير التوفيق والتسديد إنه سميع مجيب.

محمد حمزة الخفاجي

ص: 11

المسألة الاولى

زهد النبي موسى عليه السلام

إن الزهد - بمراتبه العليا - من أولويات سمات الأنبياء حيث تركوا ما طاب ولذ من العيش الهنيء، وقد أشار الإمام علي عليه السلام في كلامه الى زهد النبي موسى عليه السلام حيث انه عليه السلام قد زوی نفسه عن هذه الدنيا، ولم يأخذ منها إلا ما يسد به حاجته، وانشغل عنها بحلاوة عبادة الله وحبه، فالإمام أمير المؤمنين عليه السلام يصفه بأنه ملصوق البطن بحيث يُرى ما في بطنه لالتصاقها، وقد بدأت علامات الضعف

ص: 12

واضحة على جسده، وهو في هذا الحال لم يسأل الله عز وجل إلا خبزاً يسد به جوعه.

ولبيان معنى هذه الكلمات التي وردت عن أمير المؤمنين عليه السلام نقول:

1- قوله عليه السلام:

«وإن شئت ثنیت».

(أي: جعلت دليلاً ثانيا في ذمّ الدّنيا وعيبها، وكثرة مخازيها ومساويها).

2- قوله عليه السلام:

«بموسی کلیم الله صلى الله عليه وسلم».

وكون موسى عليه السلام كليم الله ممّا نطق به القرآن، قال عزّ وجلّ: «وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا»(1).

ص: 13


1- سورة النساء، الآية 164

وعن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال:

«إنّ الله عز وجل ناجی موسی بن عمران علیه السلام بمائة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام ولياليهن، ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها، فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله عز وجل»(1).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«أوحى الله إلى موسی بن عمران علیه السلام: أتدري یا موسى لم انتجبتك من خلقي واصطفيتك لكلامي؟ فقال: لا يا رب، فأوحى الله إليه: إني اطلعت إلى الارض فلم أجد عليها أشد تواضعا لي منك، فخر موسی ساجدا وعفّر خديه في التراب تذلللاً منه لربه عز وجل، فأوحى الله إليه: ارفع رأسك يا موسى، وأمر يدك في موضع سجودك، وامسح بها وجمك وما نالته من بدنك، فإنه أمان من كل سقم وداء وآفة وعاهة»(2).

3- قوله عليه السلام:

ص: 14


1- بهج الصباغة، للعلامة التستري، ج 2، ص 56
2- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 13، ص 7، ح 6

«إذ يقول: ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير» .

قال تعالى:

«وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ»(1).

4- قوله عليه السلام:

«والله ما سأله إلاّ خبزا ياكله».

جاء في الكافي عن رسول الله صلی الله عليه واله وسلم، إنه قال:

«بارك لنا في الخبز ولا تفرق بيننا وبينه فلولا الخبز ما صلينا ولا صمنا ولا أدينا فرائض ربنا»(2).

ص: 15


1- سورة القصص، الآيتان: 23 - 24
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج 6، ص 287، ح 6

لعل المراد من هذا الدعاء هو: أن أغلب العبادات إنما تؤتى بالجسد، وحيث أن الخبز يمثل أهم الغذاء للجسد، ولولا الخبز ما بني الجسد، وذلك ما أكده الإمام الصادق عليه السلام إذ قال:

«إنما بني الجسد على الخبز»(1).

فبذلك تكون الغاية هي عبادة الله سبحانه بالقربات، والخبز وسيلة لهذه الغاية.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه واله وسلم:

«أكرموا الخبز فإنه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض وما فيها من كثير من خلقه، ثم قال لمن حوله: ألا اخبركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله فداك الآباء والامھات،

ص: 16


1- المصدر السابق نفسه، ص 287، ح 7

فقال:

إنه كان نبي فيمن كان قبلكم يقال له دانیال وإنه أعطى صاحب معبر رغيفا لكي يعبر به فرمی صاحب المعبر بالرغيف، وقال:

ما أصنع بالخبز هذا الخبز عندنا قد يداس بالأرجل، فلما رأى ذلك منه دانیال رفع يده إلى السماء ثم قال: اللهم أكرم الخبز فقد رأيت يا رب ما صنع هذا العبد وما قال، قال:

فأوحى الله عز وجل إلى السماء أن تحبس الغيث وأوحى إلى الأرض أن كوني طبقا كالفخار، قال:

فلم يمطروا حتى أنه بلغ من أمرهم أن بعضهم أكل بعضا فلما بلغ منهم ما أراد الله عز وجل من ذلك قالت امرأة الأخرى ولهما ولدان:

یا فلانة تعالي حتى نأكل أنا وأنت اليوم ولدي وإذا كان غداً اكلنا ولدك، قالت لها:

نعم، فأكلتاه فلما أن جاعنا من بعد راودت الاخرى على أكل ولدها فامتنعت عليها فقالت لها:

بيني وبينك نبي الله فاختصما إلى دانیال علیه السلام فقال لهما:

وقد بلغ الأمر إلى ما أرى، قالت له:

ص: 17

نعم يا نبي الله وأشد قال: فرفع يده إلى السماء فقال:

أللهم عد علينا بفضلك وفضل رحمتك ولا تعاقب الاطفال ومن فيه خير بذنب صاحب المعبر وأضرابه النعمتك، قال:

فأمر الله عز وجل السماء أن أمطري على الارض وأمر الارض أن انبتي لخلقي ما قد فاتهم من خيرك فإني قد رحمتهم بالطفل الصغير»(1).

و روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام:

«أنّ سلمان دعا أبا ذر إلى منزله فقدّم إليه رغيفين، فأخذ أبو ذر الرغيفين فقلّبهما، فقال سلمان: يا أبا ذر لأي شيء تقلّب هذين الرّغيفين؟ قال: خفت أن لا يكونا نضيجين، فغضب سلمان من ذلك غضبا شديدا، ثم قال: ما أجرأك حيث تقلب هذين الرغيفين، فو الله لقد عمل في هذا الخبز الماء الّذي تحت العرش، وعملت فيه الملائكة حتّى ألقوه إلى الرّيح، وعملت فيه الريح حتّى ألقته إلى السحاب، وعمل فيه السحاب حتّى أمطره إلى الأرض، وعمل فيه الرعد والبرق

ص: 18


1- الكافي: للكليني، ج 6، ص 302، ح 2، باب فضل الخبز

والملائكة حتّى وضعوه مواضعه، وعملت فيه الأرض والخشب والحديد والبهائم والنار والحطب والملح، وما لا أحصيه أكثر، فكيف لك أن تقوم بهذا الشكر؟ فقال أبو ذر: إلى الله أتوب و أستغفر إليه ممّا أحدثت»(1).

5- قوله عليه السلام:

«لأنّه كان ياكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل ترى مِن شَفِيفِ صِفَاقِ بَطنِهِ لِهُزَالِه وَتَشَذُبِ لَحمِهِ».

قوله عليه السلام: «من شفيف»، من شف عليه ثوبه، إذا رق حتّى يرى ما خلفه «بطنه لهزاله»، الهزال مقابل السمين. «وتشذّب لحمه»، أي: تفرّقه(2).

وجاء في البحار عن ابن عباس: لقد قال ذلك موسی علیه السلام ولو شاء

ص: 19


1- عیون أخبار الرضا: الشيخ الصدوق، ج 2، ص 57
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: العلامة التستري ج 2، ص 58

إنسان أن ينظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع لنظر، ما يسأل الله تعالى الا أُكله(1).

وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام:

«لقد قالها وإنه تحتاج إلى شق تمر»(2).

وعلى الرغم من كون النبي موسى عليه السلام في هذا الحال المرير لم يفتر عن عمل الصالحات ومساعدة ذي الحاجة - كما سيأتي في الخبر - بل كان قويا أمينا كما وصفه القرآن الكريم على لسان ابنة شعيب عليه السلام في قوله تعالى:

«قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ

ص: 20


1- بحار الانوار: العلامة المجلسي، ج 13، ص 59
2- المصدر السابق نفسه

اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ»(1).

والنبي موسى عليه السلام ممن وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتقين إذ قال:

«..فَمِنْ عَلامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ وَ حَزْماً فِي لِينٍ وَ إِيمَاناً فِي يَقِينٍ وَ حِرْصاً فِي عِلْمٍ وَ عِلْماً فِي حِلْمٍ وَ قَصْداً فِي غِنىً وَ خُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ وَ تَجَمُّلاً فِي فَاقَةٍ وَ صَبْراً فِي شِدَّةٍ وَ طَلَباً فِي حَلالٍ وَ نَشَاطاً فِي هُدىً وَ تَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَ هُوَ عَلَى وَجَلٍ...»(2).

وجاء في الأخبار أن النبي موسى عليه السلام كان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة أيام فلما بلغ باب مدین رأی بئرا يستقی الناس منها لأغنامهم ودوابهم فقعد ناحية

ص: 21


1- سورة القصص، الآية 26
2- نهج البلاغة، محمد عبدة، خطبة 192، ج 2، ص 331

ولم يكن اكل منذ ثلاثة أيام شيئا، فنظر إلى جاريتين في ناحية ومعهما غنيمات لا تدنوان من البئر، فقال لهما مالكما لا تستقيان قالتا كما حكى الله تعالى «لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ»(1) فرحمهما موسی ودنا من البئر فقال لمن على البئر استقي لي دلوا ولكم دلوا وكان الدلو يمده عشرة رجال، فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ودلوا لبنتي شعيب وسقى أغنامهما «ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ»(2) وکان شدید الجوع.

ص: 22


1- سورة القصص، الآية 23
2- سورة القصص، الآية 24

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن موسی کلیم الله حيث سقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب اني لما أنزلت إلي من خير فقير والله ما سأل الله إلا خبرا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه من هزاله فلما رجعتا ابنتا شعيب إلى شعيب قال لهما أسرعتم الرجوع فأخبرتاه بقصة موسی علیه السلام ولم تعرفاه.

فقال شعيب لواحدة منهن اذهبي إليه فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا فجاءت إليه كما حکی الله تعالى «تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ» فقالت «إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا» فقام موسی معها ومشيت

ص: 23

أمامه فسفقتها الرياح فبان عجزها فقال لها موسى تأخري ودليني على الطريق بحصاة تلقيها أمامي أتبعها فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء فلما دخل على شعیب قص عليه قصته فقال له شعيب «لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» قالت إحدى بنات شعيب «قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» فقال لها شعیب اما قوته فقد عرفتيه انه يستقي الدلو وحده فبم عرفت أمانته؟ فقالت إنه لما قال لي تأخري عني ودليني على الطريق فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء عرفت انه ليس من القوم الذين ينظرون اعجاز النساء فهذه أمانته، فقال له شعيب «قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ

ص: 24

أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» فقال له موسى «ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ» اي لا سبيل علي إن عملت عشر سنين أو ثمان سنين فقال موسى «وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ»(1).

* * * *

ص: 25


1- تفسير القمي، ج 2، ص 137

المسألة الثانية:

(تكليم الله لموسى)

قوله عليه السلام:

«الَّذِي كَلَّمَ مُوسى تَكْلِيماً وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ عَظيماً بِلاَ جَوَارِحَ وَلاَ أَدَوَاتٍ وَلاَ نُطْقٍ وَلاَ لَهَوَاتٍ»

إن في هذا المقطع من كلام الإمام عليه السلام عدة فقرات، وللوقوف عليها نقول:

أولا: قوله عليه السلام:

«الّذي كلم موسى تكليما»: قال تعالى:

ص: 26

«وَكَلَّمَ مُوسى تَكْلِيماً»(1).

ان الكلام عند بني الانسان هو: (مجموعة الاصوات المفهمة لمعنى تام، وهو يحصل بحسب ما توصلت اليه الابحاث العلمية نتيجة ارتجاجات في أوتار الحنجرة وعضلاتها، تحصل بسبب النبضات والاشارات الخاصة التي يرسلها الدماغ عبر الاعصاب، ثم تسبب تلك الارتجاجات ذبذبات واهتزازات مناسبة لها في الهواء تنتقل الى الاسماء)(2).

ولاشك ولا اشكال أن هذا المعنى لا يجوز أن ننسبه إلى الله سبحانه وتعالى

ص: 27


1- سورة النساء، الآية: 164
2- بداية المعرفة، للشيخ حسن مكي العاملي، ص 127

لأنه يلزم التجسيم وهو منفي عنه سبحانه، قال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(1)

وقال أمير المؤمنین علیه السلام في کلام له: «یَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ کَوْنَهُ کُنْ فَیَکُونُ لاَ بِصَوْتٍ یَقْرَعُ وَ لاَ بِنِدَاءٍ یُسْمَعُ وَ إِنَّمَا کَلاَمُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَ مَثَّلَهُ»(2).

وقد ثبت في محله بالأدلة العقلية والنقلية(3) أن كلام الله سبحانه وتعالى: (فعله وإيجاده. وإذا قلنا إن الله متکلم، فمعناه أنه مُوجِد للأشياء الكاشفة عن

ص: 28


1- سورة الشورى، الآية 11
2- نهج البلاغة خطبة 186
3- ومن أراد التفصيل يراجع: الالهيات للشيخ جعفر السبحاني، ج 1، ص 189، وبداية المعرفة، للعاملي، ص 127

قدرته وعلمه وحكمته تعالى، وإذا قلنا إن الله تعالى يكلم أنبياءه، فمعناه أنه يوجد الكلام والأصوات المفهومة - بكيفية معينة - فيسمعها الأنبياء ويدركونها.

وهذه الكيفية تكون بثلاثة أنحاء:

1- الوحي:

وهو الإلقاء الخفي في نفوس الأنبياء.

2- من وراء حجاب:

بأن يوجد الكلام في الموجودات فيُسمَعُ الصوتُ ولا يُرى المتكلم كما حصل لموسى عليه السلام.

3- إرسال مَلكٍ:

وهو جبرائیل علیه السلام فيكلم النبي عن الله تعالی.

وإلى هذه الطرق الثلاثة يشير الذکر

ص: 29

الحكيم بقوله:

«وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ»(1) (2).

وقد أخبر القرآن الكريم عن هذا الحدث التاريخي العظيم في طور سيناء بقوله تعالى:

«وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى

ص: 30


1- سورة الشورى الآية: 51
2- بداية المعرفة، ص 129

* إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى * وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى»(1).

وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه: «كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى بن عمران عليه السلام خرج

ص: 31


1- سورة طه، الآيات 9 - 23

ليقتبس لأهله نارا فرجع إليهم وهو رسول نبي فأصلح الله تبارك وتعالى أمر عبده ونبيه موسى في ليلة، وكذا يفعل الله تعالى بالقائم الثاني عشر - من الأئمة عليهم السلام يصلح الله أمره في ليلة كما أصلح الله أمر موسى عليه السلام، ويخرجه من الحيرة والغيبة إلى نور الفرج والظهور»(1).

ثانيا: قوله علیه السلام:

«وأراه من آياته عظيما».

ان لكل نبي آيات وبينات يُثبت بها صدق نبوته ويتم بها حجته على من بُعث اليهم، وللنبي موسى عليه السلام آيات ذكرت في القران الكريم نذكر بعضها اجمالا:

أ- العصا: إن من أبرز الآيات التي جاء

ص: 32


1- بحار الانوار، للعلامة المجلسي، ج 13، ص 42

بها النبي موسى عليه السلام هي العصا التي حكى عنها القرآن الكريم عدة حكايات ومواقف، منها قوله تعالى: «فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ»(1).

وقوله تعالى:

«فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى»(2).

وقوله تعالى:

«وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ»(3).

وقوله تعالى:

ص: 33


1- سورة الأعراف، الآية: 107
2- سورة طه، الآية: 20
3- سورة البقرة، آية 60

«فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ»(1).

وعن عبد الله سنان قال: سمعت أبا بن عبد الله عليه السلام يقول:

«عصا موسى قضيب آس من غرس الجنة أتاه بها جبرئيل عليه السلام لما توجه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا ولن يتغيرا حتى يخرجها القائم عليه السلام إذا قام»(2).

ب- اليد البيضاء:

قال تعالى:

«وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ

ص: 34


1- سورة الشعراء، الآية 63
2- الغيبة، النعماني، ص 172 ح 285 ما روي في صفته، وسيرته وفعله، وانه ابن سبية

غَيْرِ سُوءٍ»(1).

عن أبي عبد الله عليه السلام في معنى قوله تعالى: «وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ»، قال: «من غير برص»(2).

والقيد (من غير سوء)، إشارة إلى أن بياض اليد ليس من برص ونحوه، بل هو بياض نوراني يلفت النظر، وهو بنفسه كاشف عن إعجاز وأمر خارق للعادة: ومن أجل أن يظهر الله تعالى عنايته ولطفه لموسى أكثر، وكذلك منح الفرص-ة للمنحرفين للهداية أكثر، قال لموسى بأن معاجزه ليست منحصرة بالمعجزتين

ص: 35


1- سورة النمل، الآية: 12
2- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 13، ص 136، ح 47

الأنفتين، بل «فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ»(1).

ويستفاد من ظاهر الآية أن هاتين المعجزتين من مجموع تسع معاجز «آیات» موسى المعروفة، وقد استنتجنا ذلك من الآية (101) من سورة الإسراء، وإن المعاجز السبع الأخر هي:

1- الطوفان.

2- الجراد.

3- كثرة الضفادع.

4- تبدل لون نهر النيل كلون الدم.

5- الآفات في النباتات.

وكل واحدة من هذه المعاجز الخمس

ص: 36


1- سورة النمل، الآية: 12

تعدّ إنذاراً لفرعون وقومه، فكانوا عند البلاء يلجأون إلى موسى ليرفع عنهم ذلك.

أمّا المعجزتان الأخرتان فهما:

6- القحط «السنين».

7- ونقص الثمرات.

إذ أشارت إليهما الآية (130) من سورة الأع--راف فقالت: «وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ»(1).

وعن هارون الغنوي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن التسع آيات التي أوتي موسى عليه السلام فقال:

ص: 37


1- الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 12، ص 21

(الجراد والقمل والضفادع والدم والطوفان والبحر والحجر والعصا ويده)(1).

ثالثا: قوله: علیه السلام:

«بِلاَ جَوَارِحَ وَلاَ أَدَوَات، وَلاَ نُطْق وَلاَ لَهَوَات»

(لهوات جمع لهاة: الهنة المطبقة في أقصى اللهات سقف الفم... كان تكليمه تعالى مع موسى بلا نطق ولا لهوات، وإنّما أوجد الصوت في الجهات الست، فكان يسمعه من كلّ جهة)(2).

لقد مر البيان المجمل عن معنى الكلام عندنا وكيفية صدوره من الانسان، وكيف يتلقاه الآخر، وأنه لا يتحصل - عندنا - إلا

ص: 38


1- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 13، ص 136، ح 45
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، العلامة التستري، ج 1، ص 336

عن طريق الجوارح والأدوات، وبينا أن هذا المعنى لا يِنسب الى الله سبحانه، وإنما تكليم الله سبحانه لأنبيائه هو إيجاد الكلام - أي يخلقه - بقدرته وحكمته، فيعلمه النبي - بطريقة معينة - علما يقينيا لا يقبل الترديد.

وفي هذا المضمون قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة أخرى: «فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه»(1).

وكان من جملة أسئلة المأمون للإمام الرضا عليه السلام سؤاله حول عصمة الأنبياء عليهم السلام، إذ قال: فما معنى قول الله عز وجل: «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا

ص: 39


1- نهج البلاغة، محمد عبدة، الخطبة الاولى، ص 23

وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي»(1).

كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تبارك وتعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ قال الرضا عليه السلام:

«إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله تعالى أعز ان يرى بالأبصار ولكنه لماكلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه فقالوا: «لَن نُؤمِن لَكَ». حتى نستمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات

ص: 40


1- سورة الأعراف، الآية: 143

ربهم، خرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى: أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وامام لان الله عز وجل أحدثه في الشجرة وجعله منبعث منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ» بأن هذا الذي سمعناه كلام الله «حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً».

فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسی: یا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم؟! لأنك لم تكن صادقا فيما ادعیت من مناجاة الله عز وجل إياك؟

فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته؟ فقال موسى: يا قوم ان الله تعالى لا يرى بالابصار ولا كيفية له وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه فقالوا: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ» حتى تسأله فقال موسی: یا رب انك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت اعلم بصلاحهم فأوحى الله جل جلاله: يا موسی سلني ما

ص: 41

سألوك فلن أواخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى عليه السلام: «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ » وهو يهوى فسوف تراني «فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ» بآية من آياته «جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ» يقول: رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» منهم بأنك لا تُرى».

فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن)(1).

ص: 42


1- عیون اخبار الرضا، للصدوق، ج 1، ص 178

المسألة الثالثة

بعثة موسى وهارون علیهما السلام

قال: الإمام عليه السلام:

«وَلَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ علیهما السلام عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَيْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ، وَبِأَيْدِيهِمَا الْعِصِيُّ، فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ، وَدَوامَ عِزِّهِ، فَقَالَ: أَلاَ تَعْجبُونَ مِنْ هذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ الْعِزِّ وَبَقَاءَ الْمُلْكِ وَهُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَالذُّلِّ، فَهَلاَّ أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَجَمْعِهِ، وَاحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَلُبْسِهِ»(1).

اولا: قوله عليه السلام:

«وَلَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ

ص: 43


1- نهج البلاغة، محمد عبده، الخطبة القاصعة، ص 318

علیهما السلام عَلَى فِرْعَوْنَ».

عن الإمام الصادق عليه السلام قال:

«لمّا بعث الله تعالى موسى إلى فرعون، أتى بابه فاستأذن عليه ، فلم يؤذن له، فضرب بعصاه الباب، فاصطكّت الأبواب ففتحت، ثمّ دخل على فرعون، فأخبره أنّه رسول ربّ العالمين وسأله أن يرسل معه بني إسرائيل»(1).

جاء في بحار الانوار: (فلما وقفا عنده دعا موسی بدعاء وهو: لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلین والحمد لله رب العالمين، اللهم إني أدرؤك

ص: 44


1- تفسير القمي، علي بن ابراهيم، ج 2، ص 118

في نحره وأعوذ بك من شره وأستعينك عليه فاكفنيه بما شئت قال: فتحول ما بقلب موسى من الخوف أمنا، وكذلك من دعا بهذا الدعاء وهو خائف أمن الله خوفه، ونفس كربته، وهون عليه سكرات الموت.

ثم قال فرعون لموسى: من أنت؟ قال: أنا رسول رب العالمين، فتأمله فرعون فعرفه فقال له: «أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ». معناه: على ديننا هذا الذي تعيبه، فقال موسى: «قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ»، ولم أرد بذلك القتل «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي

ص: 45

رَبِّي حُكْمًا» أي نبوة «وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ» ثم أقبل موسی ینکر عليه ما ذكر فقال: «وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ» أي اتخذتهم عبيدا تنزع أبناءهم من أيديهم تسترق من شئت، أي إنما صبرني إليك ذلك، قال فرعون: «وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ» قال فرعون لمن حوله: ألا تستمعون؟ إنكارا لما قال، قال موسی: «رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» فقال فرعون «إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ» يعني ما هذا بكلام صحيح إذ يزعم أن لكم إلها غيري، قال موسى: «قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ» فقال

ص: 46

فرعون لموسى: «لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ» تعرف به صدقي وكذبك، وحقي وباطلك، قال فرعون: «فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ»(1).

ثانيا: قوله عليه السلام

«وعليهما مدارس الصوف».

مدارع: (جمع مدرعة وهي ثوب قصير ضيق لا يلبسه إلا المتواضع)(2).

وفي الكافي عن الحسين بن كثير الخزّاز: رأيت أبا عبد الله عليه السلام،

ص: 47


1- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 13، ص 143
2- توضيح نهج البلاغة، محمد الشيرازي، ج 3، ص 196

وعليه قميص غلیظ خشن تحت ثيابه، وفوقها جبّة صوف، وفوقها قميص غليظ، فمسستها، فقلت: جعلت فداك، إنّ الناس يكرهون لباس الصوف، فقال عليه السلام:

«كلاً، كان أبي محمّد بن علي عليه السلام يلبسها، وكان على بن الحسين عليه السلام يلبسها، وكانوا يلبسون أغلط ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة، ونحن نفعل ذلك»(1).

ثالثا: قوله علیه السلام:

«وبأيديهما العصيّ»

قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«من خرج في سفر ومعه عصا لوز مُر وتلا هذه الآية: «وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ» إلى قوله تعالى: «وَاللهُ

ص: 48


1- الكافي الكليني، ج 6، ص 450، ح 4، باب لبس الصوف والشعر والوبر

عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ». أمنه الله من كل سبع ضار ومن كل لص عاد ومن كل ذات حمة حتى يرجع إلى أهله ومنزله وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات يستغفرون له حتى يرجع ويضعها»(1).

عن علي بن الحسين بن عليّ (عليهم السلام) قال:

«كانَ عَلِىٌ بنُ أبي طالب عليه السلام بِالكُوفَةِ في الجامِعِ إذ قامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن أَهلِ الشّامِ فقال: يا أمير المؤمنين! إنّي أسألك عن أشياء. فقال: سل تفقّهاً، ولا تسأل تعنّتاً...»

وسأله عن شيء شرب وهو حي واكل وهو ميت؟ فقال: تلك عصی - موسی علیه السلام شربت وهي في شجرتها غضة وأكلت لما لقفت حبال السحرة وعصيهم...»(2).

ص: 49


1- مكارم الأخلاق، الشيخ رضي الدين الطبرسي، ص 244، في حمل العصا
2- مسند الإمام علي عليه السلام للقبانجي، ج 8، ص 488

وفي الخصال: عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فسأله عن مسائل فكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن ستة لم يركضوا في رحم؟ فقال: آدم، وحواء، وكبش إبراهيم، وعصا موسی، وناقة صالح، والخفاش الذي عمله عیسی بن مريم فطار بإذن الله عز وجل)(1).

رابعا: قوله عليه السلام:

«فشرطا له إن أسلم بقاء ملکه و دوام عزّه فقال: ألا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ وبقاء الملك»

يصور لنا أمير المؤمنين عليه السلام

ص: 50


1- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 323، ح 8

العروض التي عرضها النبيان موسى وهارون عليهما السلام لفرعون حين دعوته الى التسليم لله سبحانه وتعالى وما جاءا به من أحكام السماء.

قال تعالى:

«اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى»(1).

وهنا نشير الى عدة نقاط تُفهم من كلام الإمام عليه السلام:

أ- إن وعدهما له ببقاء الملك لهو بيان جلي له بأنهما لم يطمعا بملكه وعزه.

ب- إن الوعد ببقاء الملك لهو تحفيز ومقوم للرغبة بقبول الدعوة، ولكن بشرط

ص: 51


1- سورة طه، الآيتان: 43 - 44

التسليم لأوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه.

ج- لا يخفى أن البقاء الذي وعداه به ليس البقاء الأبدي.

د- إن التعجب الذي أبداه فرعون ناتجٌ من داء الكبر المترسخ في نفسه، ومن نظرته الضيقة للحياة الدنيا.

ولو عُدنا ودققنا في قوله تعالى: «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى»(1).

يتبين لنا سبب قولهما له: إن أسلمت يدوم لك ملكك وعزك، وهو أن فرعون كان يمثل كلمة شعبه المریدین له، فإن آمن هو آمنوا كلهم أو أكثرهم، ولو تقصينا

ص: 52


1- سورة طه، الآية: 43 - 44

التأريخ لوجدنا أن فرعون كان سبباً لكل هذا الشقاء والتعاسة في هذه المنطقة الواسعة، وما لم يتم إصلاحه فسوف لا ينجح أي عمل، لأن عامل تقدم الأمة أو تخلفها، سعادتها أو شقائها وبؤسها هو قادتها وحكامها، ولذلك يجب أن يكون هدفكما قبل الجميع...

ثم بينت الآية طريقة التعامل المؤثرة مع فرعون، فمن أجل أن تنفذا إليه وتؤثرا فيه فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشی والفرق بين (يتذکر) و (بخشی) هنا هو أنكما إذا واجهتماه بكلام لطيف، رقیق، ملائم، وتبينان في الوقت ذاته المطالب بصراحة وحزم، فيحصل أحد الاحتمالين: أن يقبل من صميم قلبه أدلتكما المنطقية

ص: 53

ويؤمن، والاحتمال الآخر هو أن يخاف على الأقل من العقاب الإلهي في الدنيا أو الآخرة، ومن زوال ملكه وقدرته، فيذعن ويسلم ولا يخالفكما.

ويوجد احتمال ثالث أيضا، وهو أنه لا يتذكر ولا يخشى، بل سيستمر في طريق المخالفة والمجابهة، وقد أشير إلى ذلك بكلمة (لعل) وفي هذه الصورة فإن الحجة قد تمت عليه..)(1).

وهنا ينبغي الإشارة إلى أن الإسلام بمفهومه العام كما جاء في رسالة الإمام الصادق عليه السلام الى شيعته:

«واعلموا أن الإسلام هو التسليم، والتسليم هو

ص: 54


1- الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 10، ص 6

الإسلام، فمن سلم فقد أسلم، ومن لم يسلم فلا إسلام له»(1).

وهذا ما جاء به كل الأنبياء والمرسلين كما نصت عليه الكثير من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى:

«إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ»(2).

وقوله تعالى:

«مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ»(3).

وقوله تعالى عن نوح عليه السلام:

«فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ

ص: 55


1- الكافي، للكليني، ج 8، ص 11
2- سورة آل عمران، الآية 19
3- سورة الحج، الآية 78

الْمُسْلِمِينَ»(1).

فالتسليم الله سبحانه وتعالى هو الأصل في دعوة الأنبياء جميعا.

والتسليم يكون تارة بالاختيار وهو ناتج عن قناعة واذعان واعتقاد، وأخرى يكون بالكره والاضطرار وهو ناتج عن انکشاف الهيمنة والقهر، کتسلیم فرعون حين الغرق في قوله تعالى:

«وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ»(2).

ص: 56


1- سورة يونس، الآية 72
2- سورة يونس، الآية 90

فكان الجواب:

«آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»(1).

وكما في الخبر لما انقلبت عصا موسى عليه السلام الى ثعبان (وتوجهت نحو فرعون لتأخذه فوثب عن سريره وأحدث حتى قام به بطنه في يومه ذلك أربعين مرة.

وكان فيما يزعمون لا يسعل ولا يصدع ولا تصيبه آفة مما تصيب الناس وكان يقوم في أربعين يوما مرة وكان أكثر ما يأكل الموز لكيلا يكون له ثفل فيحتاج إلى القيام وكانت هذه الأشياء مما زين له

ص: 57


1- سورة يونس، الآية 91

أن قال ما قال لأنه ليس له من الناس شبیه فلما قصدته الحية نادی یا موسی اكففها عني بحرمة الرضاع وإني أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل)1.

وكذلك تسليم المنافقين الذين أظهروا الايمان ليحقنوا دمائهم وينالوا مآربهم فيما بعد، وهم يضمرون الكفر والالحاد، وما أكثرهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله حتى صرحت بعض الروايات بتسميتهم بالجبت والطاغوت.

قال تعالى: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي

ص: 58

أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(1).

«فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا

ص: 59


1- سورة النساء، الآية 65

عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى»(1).

خامسا: قوله علیه السلام:

«وهما بما ترون من حال الفقر والذلّ فهلاّ ألقى عليهما أساور من ذهب إعظاما للذهب وجمعه واحتقارا للصوف ولبسه»

قال تعالى:

«وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ»(2).

إن فرعون كان يدعي أنه اله وان بيده

ص: 60


1- سورة طه، الآية: 70 - 73
2- سورة الزخرف، الآية:51 - 54

النيل الذي يجري قرب قصره وحكم مصر، بل كان تحت إمرته زينة مصر وأموالها، ومن عادات بنی اسرائیل: (كانوا إذا سوّروا رجلا سوّروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب)(1) ولما أتياه موسى وهارون عليهما السلام ولا يوجد معهما شيء من زينة الدنيا ما يبهر أصحاب الدنيا، إلا عصيهما وحالهما يدل على الضعف، فاراد فرعون ان يضلل الناس بهذه الحجة كون أغلب الناس ينظرون الى ظاهر الدنيا ولا يعلمون ما هي حقيقتها، قال تعالى:

«يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ

ص: 61


1- منهاج البراعة ج 11 ص 318

الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ»(1).

فاستكبر فرعون وقومه واستهزأوا بموسى وهارون عليهما السلام، قال تعالى:

«ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ»(2).

بعد هذا التكذيب والاستعلاء بسبب نظرة أغلب الناس المادية، أخذ النبی موسی علیه السلام يدعو الله (عز وجل) بأن يسلب من فرعون وقومه اموالهم التي

ص: 62


1- سورة الروم، الآية 7
2- سورة المؤمنون، الآيات 45 - 48

ضللوا بها الكثير من الناس لأن (المَال مَادَّةُ الشَّهَوَاتٌ)(1)، قال تعالى:

«وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ»(2).

وأما الحكمة من فقر الأولياء والأنبياء عليهم السلام، فقد بين أمير المؤمنین علیه السلام ذلك إذ قال:

«..فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ... وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ وَ مَعَادِنَ الْعِقْيَانِ وَ مَغَارِسَ الْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ - مَعَهُمْ طَيْرَ السَّمَاءِ وَ وُحُوشَ الْأَرْضِ لَفَعَلَ وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلاَءُ

ص: 63


1- نهج البلاغة، حكمة 58
2- سورة يونس، الآية 88

وَ بَطَلَ الْجَزَاءُ وَ اضْمَحَلَّتِ الْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَيْنَ وَ لاَ اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ وَ لاَ لَزِمَتِ الْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا وَ لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الْأَعْيُنُ مِنْ حَالاَتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَ الْعُيُونَ غِنًى وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ الْأَبْصَارَ وَ الْأَسْمَاعَ أَذًى...» القاصعة.

وجاء في البحار أنه لما بعث الله موسى وهارون إلى فرعون قال لهما:

«لا يروعکما لباسه فإن ناصيته بيدي، ولا يعجبكما ما متع به من زهرة الحياة الدنيا وزينة المسرفين، فلو شئت زینتکما بزينة يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عنها، ولكني أرغب بكما عن ذلك فأزوي الدنيا عنكما وكذلك أفعل بأوليائي إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي غنمه عن مراتع الهلكة، وإني لأجنبهم

ص: 64

سلوكها كما يجنب الراعي الشفيق إبله من موارد الغرة، وما ذاك لهوانهم علي، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا. إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخشوع والخوف الذي ينبت في قلوبهم فيظهر على أجسادهم فهو شعارهم ودثارهم الذي يستشعرون، ونجاتهم التي بها يفوزون، ودرجاتهم التي يأملون، ومجدهم الذي به يفخرون، وسيماهم التي بها يعرفون، فإذا لقيتهم یا موسى فاخفض لهم جناحك، وألن لهم جانبك، وذلل لهم قلبك ولسانك، واعلم أنه من أخاف لي أوليائي فقد بارزني بالمحاربة، ثم أنا الثائر لهم يوم القيامة»(1).

ص: 65


1- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 13، ص 49، ح 18

المسألة الرابعة:

تنزیه موسی (علیه السلام) عن الخوف المذموم

قوله عليه السلام:

«لَمْ یُوجِسْ مُوسَی علیه السلام خِیفَةً عَلَی نَفْسِهِ، بَل أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ اَلْجُهَّالِ وَ دُوَلِ اَلضَّلاَلِ»(1).

قال تعالى:

«قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى»(2).

ص: 66


1- نهج البلاغة، محمد عبده، الخطبة4، ص 40
2- سورة طه: الآيات 65 - 68

يصرح ترجمان القرآن علي ابن ابي طالب عليه السلام بتصريح يدفع به شبهة كانت ولا زالت في أذهان بعض المسلمين، وهي خوف النبي موسى عليه السلام في الاية أعلاه، حيث يبين الإمام عليه السلام أن موسى عليه السلام لم يكن خوفه على نفسه، بل كان يخاف من وقوع الناس في شباك إضلال فرعون وسحرته.

وكلمة "أوجس" أخذت من مادة (إيجاس) وفي الأصل من (وجس) على وزن (حبس) بمعنى الصوت الخفي، وبناء على هذا فإن الإيجاس يعني الإحساس الخفي والداخلي، وهذا يوحي بأن خوف موسى الداخلي كان سطحيا وخفيفا، ولم يكن يعني أنه أولى اهتماما لهذا المنظر

ص: 67

المرعب لسحر السحرة، بل كان خائفا من أن يقع الناس تحت تأثير هذا المنظر بصورة يصعب معها إرجاعهم إلى الحق.

أو أن يترك جماعة من الناس الميدان قبل أن تتهيأ الفرصة لموسى لإظهار معجزته، أو أن يخرجوهم من الميدان ولا يتضح الحق لهم)(1).

وقال السيد المرتضى: (لم يخف من الوجه الذي تضمنه السؤال، وانما رأى من قوة التلبيس والتخييل ما أشفق عنده من وقوع الشبهة على من لم يمعن النظر، فأمنه الله تعالى من ذلك وبين له أن حجته ستتضح للقوم بقوله تعالى:

ص: 68


1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 10 ص 28

«لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى»(1).

وإن قول الإمام عليه السلام: (بل أشفق) - والشَّفَق والشَّفَقة: (رقَّة مٌن نُصحٍ أو حُبّ يؤدِّي إلى خوف)(2) - يكشف عن شعور الأنبياء الأبوي تجاه من يُبعثون اليهم، وأنهم لا هَمَ لهم إلا هداية الناس، والخوف عليهم مما يتداوله المضلون من أباطيل والحاد.

فالأنبياء عليهم السلام لا يخشون إلا الله كما قال تعالى:

«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا»(3).

ص: 69


1- تنزيه الأنبياء، الشريف المرتضی، ص 106
2- لسان العرب، ابن منظور، ج 10، ص 180
3- سورة الأحزاب، الآية 39

وأما ما جاء في بعض الآيات في نسبة الخوف لموسى عليه السلام فهو من قبيل التوقي والحذر والتحرز

والحذر هو: (خوف مع تحرّز من المخوف)(1).

وهذا الخوف التحرزي لا يعني الخشية، وفي قوله تعالى:

«قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى»(2).

قال العلامة الطباطبائي: (أي حالتها الأولى وهي أنها عصا فيه دلالة على خوفه عليه السلام مما شاهده من حية ساعية

ص: 70


1- رياض السالكين، ج 7، ص 115
2- سورة طه، الآية 21

وقد قصه تعالى في موضع آخر إذ قال:

«فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ»(1).

والخوف وهو: الأخذ بمقدمات التحرز عن الشر غير الخشية التي هي تأثر القلب واضطرابه فإن الخشية رذيلة تنافي فضيلة الشجاعة بخلاف الخوف، والأنبياء (عليهم السلام) يجوز عليهم الخوف دون الخشية كما قال الله تعالى:

«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ»(2))(3).

ص: 71


1- سورة القصص، الآية 31
2- سورة الأحزاب، الآية 39
3- تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، ج 14، ص 144

وفي الختام نذكر رواية وردت في تفسير القمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«لما بعث الله موسى إلى فرعون اتى بابه فاستأذن عليه فلم يؤذن له فضرب بعصاه الباب فاصطكت الأبواب ففتحت ثم دخل على فرعون فأخبره انه رسول رب العالمين وسأله ان يرسل معه بني إسرائيل، فقال له فرعون كما حكى الله «قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ» اي قتلت الرجل «وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ» يعني كفرت نعمتي قال موسى كما حكى الله «فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ»(1) «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ»

ص: 72


1- عن الرضا عليه السلام انه سئل عن ذلك مع أن الأنبياء معصومون فقال: (قال وأنا من الضالين عن الطريق بوقوعي إلى مدينة من مداينكم). ثم قال الكاشاني رحمه الله في توضيح هذا الحديث: لعل المراد انه ورى لفرعون فقصد الضلال عن الطريق وفرعون إنما فهم منه الجهل والضلال عن الحق فان الضلال عن الطريق لا يصلح عذرا للقتل. (تفسير القمي، ج 2، ص 118)

إلى قوله - «أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ».

فقال فرعون «قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ» وإنما سأله عن كيفية الله فقال موسى «رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ» فقال فرعون متعجبا لأصحابه: «أَلَا تَسْتَمِعُونَ» أسأله عن الكيفية فيجيبني عن الصفات فقال موسى «رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» ثم قال لموسى: «قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ» قال موسى: «قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ» قال فرعون «فَأْتِ بِهِ

ص: 73

إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ» فلم يبق أحد من جلساء فرعون إلا هرب ودخل فرعون من الرعب ما لم يملك به نفسه، فقال فرعون: أنشدك بالله وبالرضاع إلا ما كففتها عني فكفها ثم «وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ».

فلما أخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه وهم بتصديقه فقام إليه هامان فقال له: بينما أنت إله تعبد إذ صرت تابعا لعبد ثم قال فرعون للملاً الذين حوله «إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ» - إلى قوله - «لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ» وكان فرعون وهامان قد تعلما السحر وإنما غلبا

ص: 74

الناس بالسحر وادعى فرعون الربوبية بالسحر.

فلما أصبح بعث في المداين حاشرين مداين مصر كلها وجمعوا الف ساحر واختاروا من الألف مائة ومن المائة ثمانين، فقال السحرة لفرعون قد علمت أنه ليس في الدنيا أسحر منا فان غلبنا موسى فما يكون لنا عندك؟ قال: «وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ» عندي أشارككم في ملكي، قالوا: فان غلبنا موسى وأبطل سحرنا علمنا أن ما جاء به ليس من قبل السحر ولا من قبل الحيلة وآمنا به وصدقناه فقال فرعون ان غلبكم موس صدقته أنا أيضا معكم، ولكن اجمعوا كيدكم اي حيلتكم، قال وكان موعدهم

ص: 75

يوم عيد لهم فلما ارتفع النهار من اليوم جمع فرعون الناس والسحرة وكانت له قبة طولها في السماء ثمانون ذراعا وقد كان كسيت بالحديد والفولاذ المصقول فكانت إذا وقعت الشمس عليها لم يقدر أحد ان ينظر إليها من لمع الحديد ووهج ذلك الشمس.

وجاء فرعون وهامان وقعدا عليها ينظران وأقبل موسى ينظر إلى السماء، فقالت السحرة لفرعون: إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء ولن يبلغ سحرنا إلى السماء وضمنت السحرة من في الأرض فقالوا لموسى «إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ». قال لهم موسى «أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ

ص: 76

مُلْقُونَ» «فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ» فأقبلت تضطرب وصارت مثل الحيات «وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ» فأوجس في نفسه خيفة موسى فنودي لا تخف انك أنت الاعلى «وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى».

فألقى موسى العصا فذابت في الأرض مثل الرصاص ثم طلع رأسها وفتحت فاها ووضعت شدقها(1) العليا على رأس قبة فرعون ثم دارت وأرخت شفتها السفلى والتقمت عصي السحرة وحبالها وغلب

ص: 77


1- شِدقا الفرس: مَشَقُّ فَمِه إلى منتهى حدِّ اللجام. (لسان العرب مادة شدق)

كلهم وانهزم الناس حين رأوها وعظمها وهو لها مما لم تر العين ولا وصف الواصفون مثله فقتل في الهزيمة من وطي سبي الناس عشرة آلاف رجل وامرأة وص ودارت على قبة فرعون قال فأحدث فرعون وهامان في ثيابهما وشاب رأسهما وغشي عليهما من الفزع ومر موسى في الهزيمة مع الناس. فناداه الله «خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى» فرجع موسى ولف على يده عباءا كانت عليه ثم ادخل يده في فمها فإذا عصا كما كانت وكان كما قال الله «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ» لما رأوا ذلك «قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ» فغضب فرعون عند ذلك

ص: 78

غضبا شديدا و «قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ» يعني موسى «الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ» فقالوا له كما حكى الله «لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ» فحبس فرعون من آمن بموسى حتى انزل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، فأطلق فرعون عنهم فأوحى الله إلى موسى «أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ» فخرج موسى ببني إسرائيل ليقطع بهم البحر.

وجمع فرعون أصحابه وبعث في المدائن حاشرين وحشر الناس وقدم

ص: 79

مقدمته في ستمائة الف وركب هو في الف الف وخرج كما حكى الله عز وجل «فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ» فلما قرب موسى البحر وقرب فرعون من موسى «أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ» قال موسى «إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ» اي سينجيني.

فدنا موسى عليه السلام من البحر... وأوحى الله إلى موسى «أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ» فضربه «فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ» اي كالجبل العظيم فضرب له في البحر اثنى عشر طريقا فأخذ كل سبط منهم في طريق فكان الماء قد ارتفع

ص: 80

وبقيت الأرض يابسة طلعت فيه الشمس فیبست كما حكى الله «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى» وكان الماء قد ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى في طريقه فقالوا يا موسى أين اخواننا؟

فقال لهم موسی معکم في البحر، فلم يصدقوه فأمر الله البحر فصارت طاقات حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض ويتحدثون وأقبل فرعون وجنوده فلما انتهى إلى البحر قال لأصحابه ألا تعلمون اني ربكم الاعلى قد فرج لي البحر فلم يجسر أحد أن يدخل البحر وامتنعت الخيل منه لهول الماء فتقدم فرعون حتی جاء إلى ساحل البحر فقال له منجمه لا

ص: 81

تدخل البحر وعارضه فلم يقبل منه وأقبل على فرس حصان فامتنع الحصان ان يدخل الماء فعطف عليه جبرئيل وهو على ما ديانة فتقدمه ودخل فنظر الفرس إلى الرمكة فطلبها ودخل البحر واقتحم أصحابه خلفه فلما دخلوا كلهم حتى كان آخر من دخل من أصحابه وآخر من خرج من أصحاب موسى أمر الله الرياح فضربت البحر بعضه ببعض فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال فقال فرعون عند ذلك «آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» فأخذ جبرئیل کفا من حماة فدسها في فيه ثم قال: «آلْآنَ وَقَدْ

ص: 82

عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»(1).

* * * *

ص: 83


1- تفسير القمي، ج 2، ص 118

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مکارم الشيرازي.

2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، تح: الشيخ عبد الزهراء العلوي، دار الرضا، بیروت، لبنان، 1403 ه - 1983 م.

3- بداية المعرفة، الشيخ حسن مكي العاملي، مكتبة الكلمة الطيبة، بغداد العراق، ط 1.

4- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، محمد تقي التستري، مؤسسة التاريخ العربي، ط 1، 1432 ه - 2011 م.

5- تفسير القمي، علي بن ابراهيم القمي، تح وتع: السيد طيب الموسوي الجزائري، موسوعة دار الكتاب للطباعة والنشر - ایران، ط 3.

ص: 84

6- تفسير الميزان، السيد الطبطبائي، مؤسسة النشر الاسلامي جماعة المدرسین بقم المشرفة.

7- تنزيه الأنبياء عليهم السلام، الشريف المرتضی، الناشر: دار الأضواء، بیروت، لبنان، ط 2، 1409 ه - 1989 م.

8- توضیح نهج البلاغة، السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار تراث الشيعة، طهران، ایران.

9- الخصال، الشيخ الصدوق، تح وتص وتع: علي أكبر الغفاري،. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، 18 ذي القعدة الحرام 1403 ه. ق - 1362 ه. ش

10- رياض السالكين في شرح صحيفة سید الساجدين، علي خان المدني الشيرازي،

ص: 85

تح: السيد محسن الحسيني الاميني، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 4، محرم الحرام 1415 ه.

11- عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، تح:

تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، بیروت، لبنان، 1404 ه - 1984 م.

12- الغيبة، ابن أبي زينب النعماني، تح:

فارس حسون کریم، مهر - قم، أنوار الهدی ایران قم، ط 1، 1422 ه.

13- الكافي، الشيخ الكليني تح وتص وتع: علي أكبر الغفاري، مطبعة حيدري دار الكتب الإسلامية ، طهران، ط 3، 1367 ه.

14- لسان العرب، ابن منظور، نشر أدب الحوزة، 1405 ه.

15- مسند الإمام علي، السيد علي

ص: 86

القبانجي، تح: الشيخ طاهر السلامي، الاعلمي بيروت لبنان، 1421 ه - 2000 م.

16- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، منشورات الشريف الرضي، ط 6، 1392 ه - 1972 م.

17- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبیب الله الهاشمي الخوئي، تح: سید إبراهيم الميانجي، المطبعة الاسلامية بطهران، ط 4.

18- نهج البلاغة، تح: محمد عبده، مؤسسة التاريخ العربي، بیروت، لبنان.

19- النور المبين في قصص الانبياء والمرسلين، السيد نعمة الله الجزائري، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم ایران، 1404 ه.

ص: 87

جدول المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

مقدمة الكتاب...10

المسألة الأولى...12

زهد النبي موسى عليه السلام...12

المسألة الثانية:...26

(تكليم الله لموسى)...26

المسألة الثالثة...43

بعثة موسى وهارون علیهما السلام...43

المسألة الرابعة:...66

تنزیه موسی (علیه السلام) عن الخوف المذموم...66

ص: 88

المصادر والمراجع...84

ص: 89

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.