علة بعثة الأنبیاء علیهما السلام

هوية الکتاب

علة بعثة الأنبياء علیهم السلام

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 1

اشارة

الناشر:...مؤسسة علوم نهج البلاغة.

الطبعة:...الأولى.

عدد النسخ:...1000 نسخة.

التصميم:...احمد عباس مهدي عباس.

التنضيد والاخراج الفني:...علي جاسم محمد علي.

ص: 2

سلسلة الانبياء في نهج البلاغة (11) علة بعثة الأنبياء علیهم السلام تأليف محمد حمزة الخفاجي

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1437 ه - 2015 م العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع:

www.inahj.org Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

قال أمير المؤمنين علیه السلام:

«فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ؛ وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَ يُرُوهُمْ الْآيَاتِ الْمُقَدِّرَةَ، مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَ مِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ، وَ مَعَائِشَ تُحْيِيهِمْ وَ آجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَ أَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ، وَ أَحْدَاثٍ تَتَتَابَعُ عَلَيْهِمْ، وَ لَمْ يُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لاَزِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ، رُسُلٌ لاَ تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَ لاَ كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ، مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ عَلَی ذَلِكَ نَسَلَتِ اَلْقُرُونُ وَ مَضَتِ اَلدُّهُورُ، وَ سَلَفَتِ اَلْآبَاءُ وَ خَلَفَتِ اَلْأَبْنَاءُ».

نهج البلاغة: الخطبة الأولى، ج 1، ص 28.

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلق الله وآله الطيبين الأخيار.

وبعد:

فهذه سلسلة خاصة بما ورد في كتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حول بعض الأنبياء عليهم السلام وقد تناول فيها الإمام جوانب مختلفة من حياتهم وما ارتبط بهم ابتداءً من آدم عليه السلام حيث بيّن الإمام علي عليه السلام العلة في خلقه وما رافق هذا الأمر من ابتلاء للملائكة وغير ذلك مما ارتبط بهذه الشخصية.

والحديث في نهج البلاغة عن الأنبياء عليهم السلام لم یکن شاملاً لجميع الأنبياء وإنما يكتفي الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بذکر بعضاً فهم،

ص: 7

وهم (آدم وموسى وعيسى وداود ويحيي وسليمان والحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ الحيز الأكبر من البيان والتعريف في كلام أمير المؤمنين عليه السلام.

ولذا:

وجدت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تضع بين يدي القارئ الكريم هذا البيان الوارد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في الشخصيات الربانية ضمن هذه السلسلة مع بيان موجز لما أورده الشراح لكتاب نهج البلاغة فضلاً عن رفد هذه الألفاظ الشريفة بما يناسبها من روایات شريفة نبوية عن آل البيت عليهم السلام بغية الوصول إلى معنی واضح يأخذ بأيدينا ويد القارئ الكريم إلى ما يحب الله ويرضى.

السيد نبيل الحسني مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها، وإحسان مننٍ والاها، جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن المجازاة أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها»(1)، والصلاة والسلام على النبي المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد..

فإن بعثة الأنبياء وتواترهم الى الناس هي من عناية الله سبحانه وتعالى بخلقه، فكلما ارتحل نبيي لجوار رحمة الله بعث الله لهم نبياً آخر ليتمم بهم الحجة على العباد، ومن أهم العلل الأخرى في بعثهم هو تذكير العباد بمنن الله عليهم بأن خلقهم وكرمهم على سائر المخلوقات، قال

ص: 9


1- من خطبة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام: الاحتجاج، للشيخ الطبرسي، ج 1، ص 132؛ بلاغات النساء لابن طيفور، ص 15

تعالی:

«وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»(1).

وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليهم نعماً ظاهرة وباطنة وبيَّن لهم الأحكام الشرعية وأنزل لهم كتباً سماوية فيها تبيان كل شيء ومنافع الدنيا والآخرة، فتواتر الأنبياء والرسل من قِبَلِه تعالى على العباد وعلّة بعثهم فيها بیان قدرة الله وعظمته، وإن القوانين الاجتماعية وسنن الحياة التي سنتها الانبياء والرسل كلها هي من عنده تعالى، وهي أحكام تهتدي لها فطرة الانسان.

محمد حمزة الخفاجي

ص: 10


1- الاسراء: 70

المسألة الأولى

قوله عليه السلام: «فَبَعَثَ فِيهِم رُسُلَه ووَاتَرَ إِلَيهِم أَنبِيَاءَه»

حينما بعث الله رسله وأنبياءه ليكون الناس على بينة من أمرهم فإنه عز وجل لا يحاسب العباد إلا بعد بعثة الرسل إليهم وتبيان كل شيء من خلال رسله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض خطبه: (.... وابتعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينة، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه فيعرفوه بربوبيته، بعد ما أَنكروا ويوحدوه بالإلهية بعد ما عضدوا)(1).

فأرسل الله أنبياءه إلى الخلق بحجج بالغة كآیات موسى التي أراها للخلق وآيات عيسي التي لا ينكرها أي مخلوق حتى المعاندين كالتكلم بالمهد

ص: 11


1- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 45

وإحياء الموتى، وكذلك النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسائر الأنبياء، فكل نبي جاء الى قومه بدلائل وحجج لا تشوبها شائبة وإنما العباد أنفسهم يظلمون، فكل نبي عرف بصدق الكلام وطيب الخصال والحكمة والمعرفة فعلموا الناس كيفية العيش ونظموا لهم جميع الأمور فوعظوا الناس بما أمرهم الله وأتّموا الحجة، فبهذا التبليغ تمَّت الحجة على العباد، ومن أهم الأمور التي بعثهم بها الله للخلق هو اتمام مکارم الأخلاق ذلك أن دين الله هو دين المعاملة لهذا اهتم الأنبياء بالجانب التربوي لذا نجد كثيراً من الروايات تشير الى أن كثيراً من اليهود أسلموا على يد الرسول محمد صلى الله عليه واله بسبب خلقه العظيم، وهذا ما كانت عليه جميع الانبياء والرسل فجميعهم ذوي خلق، فلهذا الخلق وسعة الصدر وصدق القول اختارهم الله لتبليغ رسالاته، ومضمون بعثتهم هو أن

ص: 12

يشهدوا الخلق بأن لا إله إلّا هو سبحانه عالم الغيب والشهادة الواحد الأحد خالق كل شيء، ويبينوا للناس قدرة الله وعظمته في بديع خلقه من أفلاك جارية وسماوات طباق وتنوع الحيوانات والنباتات والسهول والجبال، وكذلك بيان علة وجودهم في هذا العالم، فلذلك واتر إليهم الأنبياء من نبي إلى نبي حتى انتهت بخاتمهم وسيدهم أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله من ثم جاءهم بالحجج الأطهار، فالأرض لا تخلو من مبلغ ليتم الله به الحجة على العباد.

ص: 13

المسألة الثانية: الفرق بين النبي والرسول: قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ»

وقال تعالى: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا»(1).

وقال تعالى: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا»(2).

(النبي لغة هو الانسان المخبر عن الله عز وجل بغیر واسطة بشر سواء أكان له شريعة كنبينا وسائر الانبياء المرسلين صلوات الله عليهم أم لا كنبي الله

ص: 14


1- مريم: 51
2- مريم: 54

يحيى وسائر الانبياء غير المرسلين والفرق بين النبي والمرسل أن النبي من ليس له شريعة والرسول له شريعة والفرق الآخر أن النبي يرى في منامه ويسمع الصوت ولا يعاين الملك، وفرق آخر أن الرسول قد يكون من غير البشر والنبي لا يكون إلا من البشر والمرسل من الأنبياء ثلاثمائة وثلاثة عدد بعدد أصحاب بدر وأصحاب القائم عجل الله فرجه، والنبي إما مشتق من النبأ وهو الإخبار أي أخبر عن الله تعالى أو من بنی بنو بمعنی ارتفع أي ارتفع بهذا المنصب العظيم وتشرف)(1).

وفي الكافي عن الأحول قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرسول والنبي والمحدث، قال:

«الرسول الذي يأتيه جبرئيل قبلا فيراه ويكلمه فهذا الرسول، وأما النبي فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم ونحو ما كان رأي رسول الله صلى الله عليه

ص: 15


1- مجمع النورین، ص 267

وآله من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئیل عليه السلام من عند الله بالرسالة وكان محمد صلى الله عليه وآله حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويكلمه بها قبلا، ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلمه ويحدثه، من غير أن یکون یرى في اليقظة، وأما احدث فهو الذي يحدث فيسمع، ولا يعاين ولا يرى في منامه»(1).

وعن بريد، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله عز وجل:

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ» قال (ولا محدث) " قلت: جعلت فداك ليست هذه قراءتنا فما الرسول والنبي والمحدث؟ قال: الرسول الذي يظهر له الملك فيكلمه والنبي هو الذي يرى في منامه وربما اجتمعت النبوة والرسالة لواحد والمحدث الذي يسمع الصوت ولا يرى الصورة،

ص: 16


1- الكافي، ج 1، ص 176، ح 3

قال: قلت: أصلحك الله كيف يعلم أن الذي رأى في النوم حق، وأنه من الملك؟ قال: يوفق لذلك حتى يعرفه، لقد ختم الله بكتابكم الكتب وختم بنبیکم الأنبياء)(1).

ص: 17


1- المصدر نفسه، ح 4

المسألة الثالثة

قوله عليه السلام: «لِيَستَأدُوهُم مِيثاق فِطرَتِه».

قال تعالى: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ»(1).

ويراد بميثاق الفطرة ميثاق التّوحيد والنّبوة والولاية لعلي بن أبي طالب عليه السلام وهذا ما جاء في تفسير القمي، ما روي عن علي بن موسی الرضا عليه السلام عن أبيه عن جده محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله

«فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» قال: «هولا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين ولي الله».

ص: 18


1- الروم: 30

كما ذكرنا في بادئ البحث أن الله أخذ على عباده الميثاق في العوالم التي سبقت هذا العالم وهو (عالم الدنيا) بأن اشهدوا أن لا إله إلا أنا، ثم أخذ عليهم الميثاق بأن اشهدوا أن محمداً عبدي وخاتم رسلي واشهدوا أن أمير المؤمنين حجة الله من بعده ومن ولده أحد عشر حجة هم نور الله في أرضه، فكان هذا الميثاق المأخوذ من الله على العباد.

إذاً فالآية صريحة وواضحة بأنها تشير الى إن كل مولود يولد على الفطرة، ولكن الانسان يتغير بالظروف والبيئة التي يعيش فيها، فقد روي عن فضیل بن عثمان الأعور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

«ما من مولود ولد إلا على الفطرة فأبواه يهّودانه وينصّرانه ويمجّسانه»(1).

فالإنسان مخلوق على الفطرة مُذ كان في الذر

ص: 19


1- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 376، ح 2

وفي جميع الانتقالات التي انتقل فيها من عالم الى عالم حتى جاء الى الدنيا وكذلك في عالم الاصلاب، فإن الله أخذ عليهم الميثاق وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربکم؟ قالوا بلى، فإن الله مزج هذه الفطرة في خلقه، وحتى حينما تستقر النطفة في رحم الأم فإن غريزة الميل والانجذاب الی الله موجودة عند جميع الخلق البشري، وقد جاء في شرح اصول الكافي عن قوله تعالى: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» وفسّره الصادقون عليهم السلام بأنّه فطرهم جميعاً على التوحيد والمعرفة به، وظاهر الأحاديث مثل ما روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ومضمونه: (أنّ الطفل في بطن الاُمّ يعرف عهده ومیثاقه فإذا أكمل أجله بعث الله ملكاً فزجره زجر فيخرج وقد نسي الميثاق)(1).

ص: 20


1- شرح اصول الكافي، ج 2، ص 117

عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: حنفاء لله غير مشركين به؟ قال: الحنيفية من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لا تبديل لخلق الله قال: فطرهم على المعرفة به، قال زرارة: وسألته عن قول الله عز وجل: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»؟ قال: أخرج من ظهر آدم ذريته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذر فعرفهم وأراهم نفسة ولولا ذلك لم يعرف أحد ربه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل مولود يولد على الفطرة، يعني المعرفة بأن الله عز وجل خالقه، كذلك قوله: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»(1) (2).

ص: 21


1- الزمر: 38
2- الكافي، ج 2، ص 12، ح 3، باب (فطرة الخلق على التوحيد)

عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» قال: «فطرهم جميعا على التوحيد»(1).

فالأنبياء تذكِّر العباد بهذه العهود والمواثيق المأخوذة منهم في السابق بعدما نكروها وجحدوها في هذا العالم، قال تعالى:

«وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا»(2)، فالدنيا هي التي تحدد من هو مؤمن ومن هو كافر فالأنبياء جاءوا لتذكرة الناس وبیان علة خلقهم.

ص: 22


1- المصدر نفسه
2- النمل: 14

المسألة الرابعة

قوله عليه السلام: «ويُذَكِّرُوهُم مَنسِيَّ نِعمَتِه ويَحتَجُّوا عَلَيهِم بِالتَبلِيغِ، ويُثِيرُوا لَهُم دَفَائِنَ العُقُولِ، ويُرُوهُم أيَاتِ المَقدِرَةِ، مِن سَقفِ فَوقَهُم مَرفُوعٍ ومِهَادٍ تَحتَهُم مَوضُوعٍ، ومَعَايِشَ تَحيِيهِم وآجَالٍ تَفنِيهِم وأَوصَابِ تَهرِمُهُم، وأحدَاثِ تَتَابَعُ عَلَيهِم».

يشير الإمام عليه السلام الى بعض العلل التي من أجلها بعث الأنبياء للعباد وسنّبين ذلك بالنقاط الآتية:

1- تذكرة العباد بمنن الله:

قوله عليه السلام: «ويُذَكِّرُوهُم مَنسِيَّ نِعمَتِه»: فإن هدف بعثهم عليهم السلام هو تذكرة العباد بنعم الله عليهم، قال تعالی:

«أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ

ص: 23

وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ»(1).

فإن الآية المبارك تشير الى أن هنالك نعماً ظاهرة ونعماً، باطنة، أما النعم الظاهرة فتشمل جميع أرزاق الله من طعام أو شراب أو عافية أو مال أو بنين، وأما النعم الباطنة كالأمان والستر وبعض الأمور المخفية التي لا يعلمها إلا هو سبحانه، فإن الله تعالى كثيراً ما يدفع عن عباده السوء، قال تعالی:

«وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ»(2).

فكانت الأنبياء والرسل تذكِّر أمها بأنعم الله،

ص: 24


1- لقمان: 20
2- النحل: 18

قال تعالى:

«إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى»(1).

فإن أغلب العباد تنسی منن الله عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«نعمتان مکفورتان: الأمن والعافية»(2)، وعنه صلی الله عليه وآله وسلم:

«نعمتان مجهولتان الامن والعافية»(3).

فالإنسان لا يشعر بهذه النعم إلا عند فقدها، فمن أخذ العبر من الرسل لا يندم لأنهم طرق النجاة في الدارين، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

«يا أبا ذر، نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ، يا أبا ذ، اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل

ص: 25


1- طه: 3
2- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص 34، ح 5
3- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص 472

فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»(1).

2- الاحتجاج بالتبليغ:

قوله عليه السلام: «ويَحتَجُّوا عَلَيهِم بِالتَّبلِيغِ»:

إن كل قول أو فعل صدر من النبي هو حجة على العباد، کون الأنبياء لا ينطقون من هوى أنفسهم وإنما كل ما جاءوا به هو من عند الله، فلهذا صار كلامهم حجة.

فالآيات التي أظهرتها الرسل لأقوامها هي حجة عليهم، وكذلك الكتب السماوية فيها دلائل قاطعة وحجج کافية ووافية، وكذا؟ تواتر الأنبياء والرسل من قبله تعالی لیکونوا شهداء على العباد يوم القيامة، فكل نبي يحتج على أمته بما بلغ، عن أبي الحسن عليه السلام قال:

«إن الأحلام لم تكن فيما مضى - في أول الخلق وإنما حدثت فقلت: وما العلة في ذلك؟ فقال: إن الله عز

ص: 26


1- مكارم الأخلاق، ص 459

ذكره بعث رسولا إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته فقالوا: إن فعلنا ذلك فيما لنا؟ فو الله ما أنت بأكثرنا مالا ولا بأعزنا عشيرة، فقال: إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة وإن عصيتموني أدخلكم الله النار، فقالوا: وما الجنة والنار؟ فوصف لهم ذلك فقالوا: متى نصير إلى ذلك؟ فقال: إذا متم فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا، فازدادوا له تكذيبا وبه استخفافا، فأحدث الله عز وجل فيهم الأحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك فقال: إن الله عز وجل أراد أن يحتج عليكم بهذا، هكذا تكون أرواحكم إذا متّم وإن بلیت أبدانكم تصير الأرواح إلى عقاب حتى تبعث الأبدان»(1).

3- إثارة دفائن العقول:

قوله عليه السلام: «ویُثِيرُوا لَهُم دَفَائِنَ العُقُولِ»:

خلق الله العقل بأتم خلق، فالعقل قادر على

ص: 27


1- الكافي، ج 8، ص 90، ح 57

التفكر والتأمل والتدبر في آيات الله، والأنبياء عليهم السلام حينما يخاطبون الناس إنما يخاطبون أصحاب العقول النيّرة، قال تعالى:

«إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ»(1).

ومن ثم يثير لهم ما اودعه الله في هذا العقل من كنوز وجواهر ثمينة ويحيون لهم ما هو كامن في محتواه الفطري كتوحيد الله عز وجل، قال رجل للصادق عليه السلام: (يا ابن رسول الله دلني على الله ما هو؟ فقد أكثر علي المجادلون وحيروني، فقال له:

«يا عبد الله هل ركبت سفينة قط؟»

قال: نعم قال:

«فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟».

ص: 28


1- آل عمران: 190

قال: نعم قال:

«فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟».

فقال نعم، قال الصادق عليه السلام:

«فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث»(1).

4- ويَرُوهُم آيَاتِ المَقدِرَةِ:

ومن آیات قدرة الله عز وجل التي أشار إليها الإمام هي:

أ- مِن سَقفٍ فَوقَهُم مَرفُوعٍ:

قال تعالى: «وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ»(2).

وقال تعالى: «وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا *

ص: 29


1- التوحيد، ص 231
2- الأنبياء: 32

وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا»(1).

«وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا» أي سبع سموات «شداد» أي محكمة الصنع «وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا» يعني الشمس جعلها الله سراجاً للعالم، وقاداً متلألأ بالنور يستضيئون به»(2).

«السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ»

جاء في تفسير الأمثل أن كلمة «سماء» تشير إلى جهة عليا، ولها مفهوم واسع ذو مصادیق مختلفة. ولذلك كان لها استعمالات عديدة في القرآن الكريم:

1. أطلقت أحياناً على «الجهة العليا» المجاورة للأرض كقوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ

ص: 30


1- النبأ: 12 - 13
2- الموسوعة العلمية القرآنية، ج 4، ص 284، سورة النبأ

وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ»(1).

2- وعنى بها القرآن تارة المنطقة البعيدة عن سطح الأرض: «وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا»(2).

3- عبّر القرآن بها في موضع آخر عن (الغلاف الجوي) المحيط بالأرض: «وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا»(3)، لأن هذا الغلاف يقي الكرة الأرضية من الصخور السماوية (النيازك) التي تتجه إلى الأرض ليلا ونهاراً بفعل جاذبية الأرض، لكن اصطدام هذه الصخور بجوّ الأرض يؤدي إلى اشتعالها ومن ثم تحوّلها إلى رماد.

4- وأراد القرآن بالسماء في موضع آخر

ص: 31


1- ابراهيم: 24
2- ق: 9
3- الأنبياء: 32

(الكرات العليا): «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ»(1).

نعود الآن إلى «السماوات السبع» لنرى ما المقصود من هذا العدد.

تعددت آراء المفسرين والعلماء المسلمين في ذلك، ومنهم من قال إنها السّيارات السّبع في اصطلاح الفلكيين القدماء: أي عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل والقمر والشمس. ومنهم من قال إن المقصود بها هو الطبقات المتراكمة للغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.

ومنهم من قال إن العدد (سبعة) لا يراد به هذا العدد المعروف، بل يراد به الكثرة، أي أن معنى «السماوات السبع» هو السماوات والكرات الكثيرة في الكون.

ولهذا نظير في كلام العرب وفي القرآن، كقوله

ص: 32


1- فصلت: 11

تعالى: «وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ»(1).

وواضح أن المقصود بالسبعة في هذه الآية ليس العدد المعروف، لأن علم الله لا ينتهي حتى ولو أن البحر يمده من بعده الآلاف المؤلفة من الأبحر.

والأصح في رأينا أن المقصود بالسماوات السبع، هو وجود سبع سماوات بهذا العدد. وتكرار هذه العبارة في آيات الذكر الحكيم يدل على أن العدد المذكور في هذا الآيات لا يعني الكثرة، بل يعني العدد الخاص بالذات. ويستفاد من آيات اُخرى أن كل الكرات والسيّارات المشهودة هي جزء من السماء الاُولى، وثمة ستة عوالم أخرى خارجة عن نطاق رؤيتنا

ص: 33


1- لقمان: 27

ووسائلنا العلمية اليوم. وهذه العوالم السبعة هي التي عبّر عنها القرآن بالسماوات السبع.

يقول تعالى: «وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ»(1).

ويقول أيضاً: «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ»(2).

ويتضح من هاتين الآيتين أن ما نراه وما يتكون منه عالم الأفلاك هو جزء من السماء الاُولى، وما وراء هذه السماء ست سماوات اُخرى ليس لدينا اليوم معلومات عن تفاصيلها»(3).

فسبحان ممسك السماوات من غير عمد وجاعل بينها أفلاكاً ومجرات ونجوماً، لا يحصي عددها إلا هو سبحانه وتعالى، فهذه قدرة الله التي تظهر في عجائب خلقه، فيها يستدل المخلوق على عظيم

ص: 34


1- فصلت: 12
2- الصافات: 6
3- الأمثل، ج 1، ص 151 - 152

صنع الخالق، فلو تأملنا الى حرارة الشمس كيف قدر الله لها مسافة بينها وبين الأرض وجعل بينهما غلافا غازياً يمنع حرارتها المحرقة من أن تصيب جسم الانسان وكذلك النباتات وبقية الموجودات التي تسكن الأرض، فالذي جعل السماء سقفا للأرض وخلق الشمس والمجرات إنما قدَّرها تقديراً بحيث جعل منها فائدة عجيبة لأهل الارض لتستضيء بأنوارها وفيها منافع اخرى لا يعرفها الا ذوي الاختصاص.

جاء في كتاب الموسوعة العلمية القرآنية عن إشعاعات الشمس (إن حرارة سطح الشمس ستة آلاف درجة مئوية، وتصدر عن الشمس إشعاعات كثيرة منها: الأشعة الضوئية من الحمراء إلى البنفسجية، والأشعة الحرارية تحت الحمراء، والأشعة فوق البنفسجية التي تسبب الحروق في الجلد عند تعرضه لها. وإشعاعات كهرطيسية

ص: 35

تؤدي الى تشويش البث الإذاعي عند زيادة كميتها، وإشعاعات (إكس) التي تخترق الجسم باستثناء العظام. ثم الاشعة النووية، وأهمها أشعة (غما) القاتلة.

وقد خلق الله حول الأرض غلافاً غازياً يمتص اكثر هذه الإشعاعات ليحمي الإنسان من خطرها. ومنه طبقة الأوزون التي تعكس الأشعة فوق البنفسجية الضارة)(1).

دور غاز الأوزون ومنشؤه:

يستطيع الغلاف الجوي امتصاص كميات كبيرة من الإشعاعات الشمسية، فهو يمتص الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الخارج، وهي إشعاعات مميته للأحياء.

ويؤدي امتصاص الأشعة فوق البنفسجية في الأجزاء العليا من الغلاف الجوي إلى إنتاج

ص: 36


1- الموسوعة العلمية القرآنية، ج 9، ص 288

(الأوزون). والأوزون هو غاز الأكسجين إلا أن ذرته ثلاثية (03) وهو يمتص بدوره الأشعة فوق البنفسجية بشدة، فيحمي الأرض وسكانها من الموت والأخطار)(1).

ب- ومِهَادٍ تَحتَهُم مَوضُوعٍ:

قال تعالى: «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا»(2).

جاء في تفسير الأمثل «المهاد»: كما يقول الراغب في المفردات: المكان الممهّد الموطأ، وهو في الأصل مشتق من «المهد»، أي المكان المهيء للصبي.

وفسّره بعض أهل اللغة والمفسّرين بالفراش، لنعومته واستوائه وكونه محلاً للراحة.

واختيار هذا الوصف للأرض ينم عن مغزىً عميق، فمن جهة نجد في قسم واسع من الأرض

ص: 37


1- المصدر السابق نفسه، ص 289
2- النبأ: 6

الإستواء والسهولة، فتكون مهيئة لبناء المساكن والزراعة.

ومن جهة ثانية اُودع فيها كل ما يحتاجه الإنسان لحياته من المواد الأولية إلى المعادن الثمينة، سواء كان ذلك على سطحها أم في باطنها.

ومن جهة ثالثة تحلل الأجساد الميتة التي تودع فيها، وتبيد كل الجراثيم الناشئة عن هذه العملية بما أودع فيها الباري من قدرة على ذلك.

ومن جهة رابعة ما لحركتها السريعة المنظمة ولدورانها حول الشمس وحول نفسها من أثر على حياة البشرية خاصة، بما ينجم عنها الليل والنهار والفصول الأربعة.

ومن جهة خامسة خزنها لقسم كبير من مياه الأمطار الغزيرة، وإخراج ذلك على شكل عيون، آبار، أنهار.

والخلاصة: إنّ جميع وسائل الإستقرار

ص: 38

والعيش لبني آدم متوفرة في هذا المهد الكبير، وقد لا يلتفت الإنسان إلى عظم هذه النعمة الرّبانية، إلاّ إذا ما أصاب الأرض زلزال..، وعندها سيدرك معنى استقرار الأرض ومعنى كونها مهاداً)(1).

ج- ومَعَايِش تُحيِيهِم:

قال تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ»(2).

قال تعالى: «وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ

ص: 39


1- الأمثل، ج 19، ص 327 - 328
2- الأنبياء: 30

كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ(1).

فإن الله جعل للعباد الماء والغذاء مصدراً للحياة، فخلق لهم أنهاراً ليشربوا منها وخلق لهم اشجاراً ليأكلوا من ثمارها ليكون الماء والغذاء سبباً لحياتهم، فلولا الماء والغذاء لما استطاع الانسان أن يعيش أكثر من ثلاثة أيام، فكل هذه النعم هي من عند الله سبحانه وتعالى، خلقها وجعلها سببا للحياة لترى العباد قدرته وعظمته فيتوجهوا له بقلب صادق ويعلموا أنه سبحانه رازقهم ورازق جميع المخلوقات وهو الذي بيده حياة الكائنات.

د- وآجَالٍ تُفنِيهِم:

قال تعالى: «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ

ص: 40


1- یس: 33 - 36

سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»(1).

فالإنسان مهما طال عمره في هذه الدنيا لا بد أن يفنى، والإنسان لم يخلق للدنيا وإنما خلق للآخرة، ومن آیات قدرته عز وجل أن بيده فناء كل شيء، قال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(2). فكل الخلائق تفنى إلا وجهه الكريم فهو باقٍ فيجب الاعتبار بالموت وأخذ العبرة من السابقين الذين عمروا الديار أين هم الآن، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«ولَو أنَّ أحَداً یَجِدُ إلَی البَقاءِ سُلّماً أو إلی دَفعِ المَوتِ سَبیلاً لَکانَ ذلِكَ سُلَیمانُ بنُ داوُدَ علیه السلام الَّذی سُخِّرَ لَهُ مُلكُ الجِنِّ وَالإِنسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وعَظیمِ الزُّلفَةِ فَلَمَّا استَوفی طُعمَتَهُ وَاستَکمَلَ مُدَّتَهُ رَمَتهُا قِسِیُّ - الفَناءِ بِنِبالِ

ص: 41


1- النحل: 61
2- الرحمن: 26 - 27

المَوتِ وأصبَحَتِ الدِّیارُ مِنهُ خالِیَةً وَالمَساکِنُ مُعَطَّلَةً ووَرِثَها قَومٌ آخَرونَ»(1).

ه- وأَوصَابٍ تُهرِمُهُم:

إن الأوجاع والأمراض تهرم الانسان وتجعله يرد الى أسفل العمر، قال تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ»(2).

قال أبو عبيدة قيل لشيخ مرة ما بقي منك قال يسبقني من بين يدي ويلحقني من خلفي وأنسى الحديث واذكر القديم وأنعس في الملاء وأسهر في الخلاء وإذا قمت قربت الأرض مني وإذا أقعدت تباعدت عني)(3).

و- وأَحدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيهِم:

ص: 42


1- نهج البلاغة، ج 2، ص 290
2- التين: 4 - 5
3- البيان والتبيان، الجاحظ، ص 258

جاء في شرح العلامة التستري «وأحداث» من الدهر، «تتابع عليهم» دفعة بعد دفعة، قال أبو الطفيل:

وما شاب رأسي من سنين تتابعت *** عليّ ولكن شيبتني الوقائع(1).

فالإنسان منذ ولادته في هذه الدنيا حتى رحيله عنها هو في احداث وتقلبات، فلا حول ولا قوة له وإنما الحول والقوة والقدرة العظيمة الخارجة عن سيطرة الإنسان إنما هي عند خالق مقتدر، فهو المحيي والمميت وهو الرازق بيده كل شيء، قال تعالی:

«الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ»(2).

ص: 43


1- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة،، ج 2، 28
2- الشعراء: 78 - 82

المسألة الخامسة

قوله عليه السلام: «ولَم يُخلِ الله سُبحَانَه خَلقَه مِن نَبِيِّ مُرسَلٍ، أَو كِتَابِ مُنزَلٍ أَو حُجَّةٍ لَازِمَةٍ أَو مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ».

إن الله سبحانه وتعالى لم يخل الأرض من حجة على عباده سواء أكانت هذه الحجة ظاهرة أم باطنة، وبهذا المعنى صرح الإمام الكاظم عليه السلام لهشام إذ قال:

«.. يا هشام إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول»(1). ولذلك قال تعالى: «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»(2).

ص: 44


1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 15، ص 207
2- الأنعام: 149

حجج الله على الناس:

أشار الإمام أمير المؤمنين إلى بعض أصناف الحجج، وسواء كان الحجة نبياً أم وصياً أم كتاباً سماوياً تهتدي به الناس، ففي هذا الكلام يبين لنا الإمام أربع حجج يحتج بها الله على الناس وهي:

1- النبي المرسل:

فالأنبياء هم حجج الله على الخلق بهم يحتج الله على العباد يوم القيامة، قال تعالى: «..لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا»(1).

عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«أن جبرئیل نزل على محمد صلى الله عليه وآله يخبر عن ربه عز وجل فقال له: يا محمد لم أترك الأرض إلا وفيها عالم يعرف طاعتي وهداي، ويكون نجاة فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر ولم أكن اترك إبليس

ص: 45


1- النساء: 165

يضل الناس وليس في الأرض حجة وداعٍ إلي وهادٍ إلى سبيلي وعارف بأمري واني قد قضيت لكل قوم هاديا أهدى به السعداء ويكون حجة على الأشقياء»(1).

وعن سعيد بن سليمان بن جعفر الجعفري قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت تخلو الأرض من حجة؟ فقال:

«لو خلت الأرض طرفة من حجة لساخت بأهلها»(2).

2- الكتاب المنزل:

فالتوراة والانجيل والزبور والفرقان، هذه الكتب السماوية حجج من الله يحتج بها على العباد فيها هدى للناس، قال تعالى: «نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ

ص: 46


1- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 196، ح 7
2- علل الشرائع، ج 1، ص 199، ح 21

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ»(1).

ونحن الآن في عصر غيبة مولانا وحجتنا صاحب العصر، فإن القرآن الكريم هو حجة الله علينا لأن القرآن دستور الحياة فيه بيان جميع أمور الدنيا والآخرة من الحلال والحرام وجميع العلوم والمعارف الكونية، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أرسله بحجة كافية، وموعظة شافية، ودعوة متلافيه. أظهر به الشرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة، وبين به الاحكام المفصولة. فمن يتبع غير الاسلام دينا تتحقق شقوته، وتنفصم عروته، وتعظم كبوته، ويكون ما به إلى الحزن الطويل والعذاب الوبیل»(2).

وقوله عليه السلام:

ص: 47


1- آل عمران: 3 - 4
2- نهج البلاغة، الخطبة 160، ج 2، ص 254

«وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور والكتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللامع، والامر الصادع إزاحة للشبهات، واحتجاجا بالبينات، وتحذيرا بالآيات، وتخويفا للمثلات»(1).

3- حجة لازمة أو محجة قائمة:

لا تقوم الحجة لله على خلقه إلا بعد البيان منه تعالى، والمعصية من العبد، وليس من الضروري أن يكون البيان من رسول الله مشافهة ووجها لوجه، بل يكون أيضا بكتاب الله كالقرآن، وبالسنّة الثابتة عن رسول الله، وهي المراد من المحجة القائمة، أما المقصود من قوله عليه السلام: الحجة اللازمة فهو العقل، أو المعصوم الذي أشار إليه فيما يأتي من كلامه: «لا تخلو الأرض من قائم بحجة، إما ظاهرا مشهورا، وإما خائفا

ص: 48


1- نهج البلاغة، الخطبة 2، ج 1، ص 31

مغمورا»(1).

فالإمام المعصوم هو حجة الله على العباد وکل قول أو فعل صدر من الإمام هو حجة علينا، أما الحجة الباطنة فالعقل، إن الله خلق العقل وجعل فيه معارف و جواهر لو استغلها الانسان بشكل صحيح لوصل الى قمة التكامل البشري والدليل على صحة كلامنا ما وصل له الانبياء والمعصومون فهم حجج الله على الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«ما قسم الله للعباد شيئا أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وإفطار العاقل أفضل من صوم الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل، ولا بعث الله رسولا ولا نبيا حتى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من عقول جميع أمته، وما يضمر النبي في نفسه أفضل من اجتهاد جميع المجتهدين، وما أدى العاقل فرائض الله حتى عقل منه، ولا بلغ

ص: 49


1- في ظلال نهج البلاغة، ج 1، ص 60

جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل، این العقلاء هم أولوا الألباب الذين قال الله عز وجل: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1).

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم لمّا سأله شمعون بن لاوي ابن يهودا من حواريي عیسی عليه السلام عن العقل وكيفيته وشعبه وطوائفه:

«إن العقل عقال من الجهل، والنفس مثل أخبث الدواب، فإن لم تعقل حارت، فالعقل عقال من الجهل. وإن الله خلق العقل، فقال له: أقبل فأقبل، وقال له: أدبر فأدبر، فقال الله تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أعظم منك، ولا أطوع منك، بك أبدئ وبك أعيد، لك الثواب وعليك العقاب، فتشعب من العقل الحلم، ومن الحلم العلم، ومن العلم الرشد، ومن الرشد العفاف، ومن العفاف الصيانة، ومن الصيانة الحياء، ومن الحياء الرزانة، ومن الرزانة المداومة على الخير، ومن المداومة على الخير كراهية الشر، ومن

ص: 50


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 12، ح 11

كراهية الشر طاعة الناصح»(1).

ص: 51


1- میزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 3، ص 2055

المسألة السادسة

قوله عليه السلام: «رُسُلٌ لَا تَقَصِّرُ بِهِم قِلَّةُ عَدَدِهِم».

فكانوا عليهم السلام لا يهابون أعداء الله رغم قلة عددهم، فالنبي منهم كان يخرج على قومه يبلغ رسالات الله وهو يعلم ماذا سوف يلاقي من أعداء الدين حيث أن بني اسرائيل كانوا يقتلون الأنبياء ولا يبالون ولا يكترثون لأي جرم، فالرسل واجهوا أشد المعاندين وبعدد كبير وهم قلة إلا أنهم لم يقصروا ولم يهابوا احد فهذا النبي ابراهيم خرج لقومه يتحدى هذه الزمر الضالة بمفرده ثم اجتمعوا ليقتلوه ويحرقوه إلا أنه عليه السلام بإيمانه وثقته بالله صارت النار له بردا وسلاما، قال الله حاكياً عنه في كتابه الكريم: «وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ

ص: 52

أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا

ص: 53

عَلَى إِبْرَاهِيمَ»(1).

وكذلك نبيّا الله موسى وهارون عليهما السلام حينما جاءا فرعون وهو أحد جبابرة الأرض فواجهاه بلا خوف ولا تردد بين الملأ من قومه فكان النصر حليفهما، وكذلك جميع الانبياء والرسل يمتازون بالشجاعة الفائقة والصبر على الاذى وتحمل الشدائد لأن طريقهم هو طريق الحق لذلك كانوا لا يبالون لأي شيء، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أَیُّهَا النَّاسُ مَنْ سَلَك الطَّرِیقَ الْوَاضِحَ وَرَدَ الْمَاءَ وَمَنْ خَالفَ وَقَعَ فِی التِّیهِ»(2)، ومن حكمة له عليه السلام قال:

«وَکَمْ ذا وَأَیْنَ أُولئِكَ أُولئِكَ وَاللَّهِ الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَالْأَعْظَمُونَ قَدْراً یَحْفَظُ اللَّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَیِّناتِهِ حَتّی

ص: 54


1- الأنبياء من الآية: 57 - 69
2- نهج البلاغة، الخطبة 200، ج 2، ص 346

یُودِعُوها نُظَرآءَهُمْ وَیَزْرَعُوها فِی قُلُوبِ أَشْباهِهِمْ»(1).

وقال تعالى في محكم كتابه الكريم:

«كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»(2).

فلو تأملنا في تاريخ الأنبياء وبالخصوص النبي محمد صلى الله عليه واله نجد أن أعداء الاسلام على كثرة عددهم مع الدعم المادي ووجود القدرات والامكانيات إلا أنهم هزموا من قبل هذه الفئة القليلة من المؤمنين، فالإنسان مهما كانت قوته فإن قوة الله أعظم، إذاً فالإنسان المؤمن هو أقوى الناس لأن الله ناصره ومعينه فالرسل والأنبياء والحجج الأطهار هم أقوى الناس لأنهم الأقرب الى الله عز وجل، قال تعالى:

«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ

ص: 55


1- نهج البلاغة، ج 4، الحكمة: 147
2- البقرة: 249

الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ»(1).

ص: 56


1- الأنبياء: 105

المسألة السابعة

قوله عليه السلام: «ولَا كَثرَةُ المُكَذبِينَ لَهُم».

فكل الانبياء کُذِبوا في بادئ الدعوة إلا أنهم أصحاب عزائم فلم ييأسوا من رحمة الله، بل بالغوا في النصيحة حتى نصرهم الله على القوم الظالمين، قال تعالى:

«حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ»(1).

وقوله تعالی:

«قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ

ص: 57


1- يوسف: 110

يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ»(1).

وقد جاء في كتاب علل الشرائع ما روي عن الحسين بن علي عليهما السلام وهو حديث طويل أنه أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام من أشراف بني تميم يقال له عمرو فسأله عن أصحاب الرس عدة أسئلة ومنها هل بعث الله إليهم رسولاً أم لا؟ فقال الإمام عليه السلام:

«..فلما طال كفرهم بالله عز وجل وعبادتهم غيره بعث الله عز وجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل ومعرفة ربوبيته فلا يتبعونه فلما رأى شدة تماديهم في الغي به والضلال وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح وحضر - عيد قريتهم العظمى،

ص: 58


1- الأنعام: 33 - 34

قال: يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي والكفر بك وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر - فأيبس شجرهم أجمع وأرهم قدرتك وسلطانك، فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كلها فهالهم ذلك وقطع بهم وصاروا فرقتين:

فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الرجل الذي يزعم رسول رب السماء والأرض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه.

وفرقة قالت: لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهائها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه، فاجتمع رأيهم على قتله، فاتخذوا أنابيب طوالا من رصاص واسعة الأفواه، ثم أرسلوها في قرار العين إلى أعلا الماء واحدة فوق الأخرى مثل البرانج، ونزحوا ما فيها من الماء، ثم حفروا في قرارها من الأرض بئرا عميقة المدخل، وأرسلوا فيها نبيهم وألقموا فاها صخرة عظيمة، ثم اخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت إنا قد قتلنا من كان يقع فيها ويصد عن عبادتها ودفناه تحت كبيرها ليشتفى تفى منه

ص: 59

فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان، فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم عليه السلام وهو يقول: سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربتي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعائي، حتى مات عليه السلام فقال الله تبارك وتعالى لجبرئيل:

يا جبرئيل أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي، وأمنوا مكري، وعبدوا غيري، وقتلوا رسلي، أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني، كيف وانا المنتقم ممن عصاني، ولم يخش عقابي، وإني حلفت بعزتي لأجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين. فلم يدعهم وفي عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديد الحمرة فتحيروا فيها وذرعوا منها وتضام بعضهم إلى بعض ثم صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء مظلمة، فانكبت عليهم كالقبة جمرة تتلهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار، فنعوذ بالله من غضبه ونزول نقمته»(1).

قال وهب: بعث الله شعيب إلى أهل مدين ولم

ص: 60


1- علل الشرائع الشيخ الصدوق، ج 1، ص 42 - 43

يكونوا قبيلة شعيب التي كان منها ولكنهم كانوا أمة من الأمم بعث إليهم شعيب وكان عليهم ملك جبار، ولا يطيقه أحد من ملوك عصره، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيه وكانوا يستوفون إذا اکتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها وكانوا في سعة من العيش، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص المكاييل والموازين ووعظهم شعيب، فأرسل إليه الملك ما تقول ما صنعنا أراض أنت أم ساخط؟

فقال شعيب أوحى الله تعالى إليّ أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت يقال له ملك فاجر فكذبه الملك وأخرجه وقومه من المدينة. قال الله تعالی حكاية عنهم: «لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا» فزادهم شعيب في الوعظ «قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا

ص: 61

يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ» فآذوه بالنفي من بلادهم فسلط الله عليهم الحر والغيم حتى أنضجهم الله فلبثوا فيه تسعة أيام وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه فانطلقوا إلى غيضة لهم وهو قوله تعالى: «وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ» فرفع الله لهم سحابةً سوداء فاجتمعوا في ظلها فأرسل الله عليهم ناراً منها فأحرقتهم فلم ينج أحد منهم وذلك قوله تعالى: «فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ» فلما أصاب قومه ما أصابهم لحق شعیب والذين آمنوا معه بمكة فلم يزالوا بها حتى ماتوا(1).

ص: 62


1- النور المبين في قصص الانبياء والمرسلين، السيد نعمة الله الجزائري، ص 213

المسألة الثامنة

«مِن سَابِقٍ سُمِّي لَه مَن بَعدَه أَو غَابِرٍ عَرَّفَه مَن قَبلَه عَلَى ذلِكَ نَسَلَتِ القُرُونُ ومَضَتِ الدُّهُورُ، وسَلَفَتِ الآبَاءُ وخَلَفَتِ الأَبنَاءُ».

والمراد من كلام الإمام عليه السلام إن الأنبياء السابقين يبشرون الناس بالأنبياء المتأخرين، قال تعالى:

«وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ»(1).

قال تعالى:

ص: 63


1- الصف: 6

«وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ»(1).

فكما بشَّر عيسى ابن مريم عليه السلام بالرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم كان رسول الله يبشر بالحجج الاطهار، روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلی الله عليه وآله:

«المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً

ص: 64


1- آل عمران: 81

وقسط كما ملئت جورا وظلما»(1).

ومنها ما جاء في الكافي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن جابر بن عبد الله الأنصاري كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله وكان رجلاً منقطعاً إلينا أهل البيت وكان يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو معتجر بعمامة سوداء وكان ينادي يا باقر العلم، یا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: لا والله ما أهجر ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنك ستدرك رجلاً مني اسمه اسمي وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقراً، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول، قال: فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة إذ مر بطريق في ذاك الطريق كتاب فيه محمد بن علي فلما نظر إليه قال: يا غلام أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر

ص: 65


1- كما الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 286، ح 1

ثم قال: شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله والذي نفسي بيده، یا غلام ما اسمك؟ قال: اسمي محمد بن علي بن الحسين، فأقبل عليه يقبل رأسه ويقول: بأبي أنت وأمي أبوك رسول الله صلى الله عليه وآله يقرؤك السلام ويقول ذلك، قال: فرجع محمد بن علي بن الحسين إلى أبيه وهو ذعر فأخبره الخبر، فقال له: يا بني وقد فعلها جابر، قال نعم قال: الزم بيتك يا بني فكان جابر يأتيه طرفي النهار و كان أهل المدينة يقولون: واعجباه لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين عليهما السلام فكان محمد بن علي يأتيه على وجه الكرامة لصحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله قال: فجلس عليه السلام يحدثهم عن الله تبارك وتعالى، فقال أهل المدينة: ما رأينا أحد أجرأ من هذا، فلما

ص: 66

رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أهل المدينة: ما رأينا أحدا قط أكذب من هذا يحدثنا عمن لم يره، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله، قال فصدقوه وكان جابر بن عبد الله يأتيه فيتعلم منه»(1).

وقوله عليه السلام:

«عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ»

«نسلت» القرون من مادة «نسل» بمعنی تکاثر الأولاد، والعبارة كناية رائعة عن توالي القرون وكأن كل قرن قد ولد من القرن السابق»(2).

ص: 67


1- الكافي، ج 1، ص 470، ح 2
2- نفحات الولاية، ج 1، ص 144

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

1. الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، تحقيق وتعليق: السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، 1386 ه - 1966 م.

2. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مکارم الشيرازي.

3. بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، محمد تقي التستري، مؤسسة التاريخ العربي، ط 1، 1432 ه - 2011 م.

4. التوحيد، الشيخ الصدوق، تحقیق وتعليق وتصحيح: السيد هاشم الحسيني، الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

5. روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، تحقيق: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي - قم.

6. شرح أصول الكافي، مولي محمد صالح المازندراني، تحقيق: الميرزا أبو الحسن الشعراني؛ السيد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، لبنان، ط 1، 1421 ه - 2000 م.

ص: 68

7. علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تحقيق: محمد صادق بحر، المكتبة الحيدرية، 1385 ه - 1966 م.

8. في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية، مطبعة ستار، ط 1، 1427 ه.

9. الكافي، الشيخ الكليني، تصحیح: علي اكبر الغفاري، دار الكتب الاسلامية طهران، 1393 ه.

10. کمال الدین وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، تحقيق وتعليق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، 1405 ه - 1363 ش.

11. مجمع النورين، الشيخ أبو الحسن المرندي.

12. مکارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، منشورات الشريف الرضي، 1392 ه - 1972 م.

13. الموسوعة العلمية القرآنية، شرح الآيات العلمية في القرآن، الدكتور لبيب بیضون، منشورات الأعلمي، بیروت، لبنان.

14. میزان الحكمة، محمد الريشهري، تح: دار الحديث، ط 1.

15. نهج البلاغة، شرح محمد عبده، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان، د. ط، د. ت.

ص: 69

16. نهج البلاغة، شرح محمد عبده، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت - لبنان، د. ط، د. ت.

17. النور المبين في قصص الانبياء والمرسلين، السيد نعمة الله الجزائري، منشورات مكتبة اية الله العظمی المرعشي النجفي، قم، ایران. 1404 ه.

18. وسائل الشيعة، الحر العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم المشرفة، 1414 ه.

ص: 70

المحتويات

مقدمة المؤسسة...7

المقدمة...9

المسألة الأولى...11

قوله عليه السلام: «فَبَعَثَ فِيهِم رُسُلَه ووَاتَرَ إِلَيهِمُ أَنبِيَاءَه»...11

المسألة الثانية: الفرق بين النبي والرسول:...14

المسألة الثالثة...18

قوله عليه السلام: «لِيَستَأدُوهُم مِيثَاقَ فِطرَتِه»...18

المسألة الرابعة...23

قوله عليه السلام: «ويُذَكِّرُوهُم مَنسِيَّ نِعمَتِه ويَحتَجُّوا عَلَيهِم بِالتَبلِيغِ، ويُثِيرُوا لَهُم دَفَائِنَ العُقُولِ، ويُرُوهُم أيَاتِ المَقدِرَةِ، مِن سَقفِ فَوقَهُم مَرفُوعٍ ومِهَادٍ تَحتَهُم مَوضُوعٍ، ومَعَايِشَ تَحيِيهِم وآجَالٍ تَفنِيهِم وأَوصَابِ تَهرِمُهُم، وأحدَاثِ تَتَابَعُ عَلَيهِم»...23

1- تذكرة العباد بمنن الله:...23

2- الاحتجاج بالتبليغ:...26

3- إثارة دفائن العقول:...27

4- ويُرُوهُم آیَاتِ المَقدِرَةِ:...29

دور غاز الأوزون ومنشؤه:...36

المسألة الخامسة...44

ص: 71

قوله عليه السلام:«ولَم يُخلِ الله سُبحَانَه خَلقَه مِن نَبِيِّ مُرسَلٍ، أَو كِتَابِ مُنزَلٍ أَو حُجَّةٍ لَازِمَةٍ أَو مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ»...44

حجج الله على الناس:...45

1- النبي المرسل:...45

2- الكتاب المنزل:...45

3- حجة لازمة أو محجة قائمة:...48

المسألة السادسة...52

قوله عليه السلام: «رُسُلٌ لَا تَقَصِّرُ بِهِم قِلَّةُ عَدَدِهِم»...52

المسألة السابعة...57

قوله عليه السلام: «ولَا كَثرَةُ المُكَذبِينَ لَهُم»...57

المسألة الثامنة...63

«مِن سَابِقٍ سُمِّي لَه مَن بَعدَه أَو غَابِرٍ عَرَّفَه مَن قَبلَه عَلَى ذلِكَ نَسَلَتِ القُرُونُ ومَضَتِ الدُّهُورُ، وسَلَفَتِ الآبَاءُ وخَلَفَتِ الأَبنَاءُ»...63

المصادر والمراجع...68

المحتويات...71

ص: 72

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.