النُّبُوَة و الإمامةُ في عَصرِ التأسیْسِ ضَرورَةُ التلازم ووحدة المسار

هوية الکتاب

النبوة والامامة في عصر التأسيس ضرورة التلازم ووحدة المسار

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 200 لسنة 2018 م مصدر الفهرسة: KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم الاستدعاء: 2017 BP22I N33 المؤلف (ندوة): النبوة والإمامة في عصر التأسيس ضرورة التلازم ووحدة المسار (الأولى: 2017: كربلاء العراق). العنوان: النبوة والإمامة في عصر التأسيس ضرورة التلازم و وحدة المسار / بیان المسؤولية: مجموعة مؤلفين.

بيانات الطبعة: الطبعة الأولى. بيانات النشر: کربلاء، العراق، العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1439 ه - 2018 م الوصف المادي: 440 صفحة:

سلسلة النشر: سلسلة الندوات العلمية - العراق / (أعمال الندوة العلمية الأولى). سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 128 تبصرة ببليوغرافية: يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: محمد (صلی الله عليه وآله)، نبي الإسلام، 53 قبل الهجرة - 11للهجرة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة الإمامة - مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - الخلافة مؤتمرات.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - سیاسته وحكومته - مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: النبوة - بحوث -- مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: النبوة - بحوث -- مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: أحاديث الشيعة الإمامية -- مؤتمرات.

مصطلح موضوعي: أحاديث أهل السنة -- مؤتمرات.

اسم شخص إضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965م، مقدم.

اسم هيئة إضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، مؤسسة علوم نهج البلاغة.

عنوان إضافي: السيرة النبوية.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة الندوات العلمية أعمال الندوة العلمية الأولى النبوة والامامة في عصر التأسیس ضرورة التلازم ووحده المسار الباحثون أ. د. جواد كاظم النصر الله أ. د. حميد سراج جابر أ. د. حسين علي الشرهاني م. د. انتصار عدنان العواد م. د. شهيد كريم محمد م. د. علي رحيم أبوالهيل م. د. علاء حسن اللامي م. د. جمعة ثجيل الحمداني إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة (128)

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2018 م مادة وعى العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 07815016633 الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Inahj.org@gmail.com تنویه: إن الأفکار والآراء المذکورة في هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالظرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ولا يحصي نعمائه العادّون، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أمّا بعد:

يُعد أمر التلازم بين النبوّة والإمامة وفقاً لما أفادت به النصوص، أمراً حتمياً في التكوين والمسار فقدّم ضرورة عقلية أثبتتها الوقائع الحياتية منذ وجود الإنسان على الأرض وإلى آخر لحظات الوجود التكليفي للمعقولات.

فمثلما كانت الضرورة التشريعية والعقلية تقتضي وجود الخليفة قبل الخليقة كذا تقتضي هذه الضرورة وحدة المسار في النبوّة والإمامة وإن اختلفت الرُّتبة بينهما واختصاص الوحي بالأولى حيناً واندماجهما حيناً آخر كالذي نجده في إبراهيم وسيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانقطاع الوحي في الثانية بعلّة الخاتمیّة فلا نبيَّ من بعدي، لكنّهما لن يفترقا حتی یردا على سيّد النبوّة والإمامة

ص: 5

الحوض يوم القيامة.

فمنذ الإعلان الأول عن وحدة المسار في «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(1) وضرورة التلازم في «يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ»(2) إلى الإعلان الأخير في وحدة المسار أيضاً في «إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(3) وضرورة التلازم في «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ»(4) تتضح ملامح المشروع الإلهي في إصلاح الحياة في ساحة التكليف الإلهي أي: (هذه الأرض) وتتضح حكمة الله عز وجل في احادة الملائكة عن هذا المشروع الإصلاحي وهم الذين وَجَدوا في أنفسهم قيادة هذا المشروع مستفهمين من حضرة الجلال والعظمة والوحدانية «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(5) فكان الجواب في اختصاص الصلاح والإصلاح في تلازم النبوّة والإمامة من آدم إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنه إلى عليّ وولده الأئمة الأحد عشر (عليهم السلام) الذين لم تعْلَمهم الملائكة بأسمائهم لكنها علمتهم بأنوارهم «قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(6).

إذن: هي وحدة المسار والتلازم اللذان لا ينفكان في «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»(7)، وهم عترة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم خيُر أمة أخرجت

ص: 6


1- سورة البقرة: 30
2- سورة البقرة: 33
3- سورة الرعد: 6
4- سورة المائدة: 67
5- سورة البقرة: 30
6- سورة البقرة: 33
7- سورة آل عمران: 110

للناس؛ وهم آل إبراهيم الذي قال فيه عزّ وجل «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»(1) فهم خير ما أخرجه الله للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في تصحيح مسار الشريعة وإصلاح الحياة.

ولهذه العلّة كانت وحدة المسار وضرورة التلازم وهو ما نجده جلياً في حديث سيّد الأنبياء والمرسلين، الذي أخرجه الحافظ ابن المغازلي الشافعي (ت 483 ه) عن سلمان المحمدي (رضوان الله عليه) أنّه قال: سمعت حبيبي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

«كنتُ أنا وعليّ نوراً بين يدي الله عزّ وجلّ يسبّحُ الله ذلك النور ويقدّسُه قبل أن يخلق الله آدم بألف عام، فلمّا خلق الله آدم رکّب ذلك النور في صُلبِه فلم يزل في شيء واحد حتّى افترقنا في صُلب عبد المُطّلب: فَفِيَّ النبوّةِ وفي عَلِيٍّ الخلافة»(2).

لذا: فإن الحديث عن ضرورة التلازم ووحدة المسار بين النبوّة والإمامة في عصر التأسيس - عنوان هذه الندوة العلمية - يُعدُ نافذةً مهمَّة على هذه المرحلة من سير النبوّة والإمامة وعمرها الذي ابتدأ منذ أن خلق الله نور النبوّة والإمامة قبل آدم (عليه السلام)، بل قبل خلق الخليقة وإلى أوج هذا التلازم في عصر الظهور للإمام الثاني عشر (عجل الله تعالى فرجه) الذي يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

ولأن هذه المرحلة فيها من الإجحاف العلمي بحق النبوّة والإمامة بفعل ما مرّت به السيرة النبوية وتدوينها منذ نبوغ مصنفها الأول محمد بن إسحاق (ت 141 ه) و شیخ کتابها فضلاً عن الإرهاصات الفكرية في الإقصاء الممنهج

ص: 7


1- سورة النحل: 120
2- مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): ص 94

للإمامة ورمزها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في حركة النبوّة ومسارها التاريخي والفكري هدفت مؤسسة علوم نهج البلاغة إلى إقامة هذه الندوة العلمية، التي أسهم فيها ثمانية من الباحثين من أساتذة الجامعات العراقية بأبحاث علمية رصينة سعياً منها إلى إرساء الأسس النظرية لهذه المرحلة وسدّ الفجوة المعرفية في المكتبة الإسلامية .

السيد نبيل قدوري الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

البحث الأول النبوة والإمامة في عصر التأسيس دراسة عقدية أ. د. جواد كاظم النصر الله جامعة البصرة - كلية الآداب

ص: 9

ص: 10

مقدمة:

لم تكتف السماء بتكليف الأنبياء بدعوة الناس إلى طريق الهدى والصلاح، وإنما كانت تضع لهم الأسس الواجب إتباعها والمنهج الذي ترسمه لهم للسير على هداه. فبعد أن كلف النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغ دعوته الأممية، كان عليه أن يبدأ بأهل بيته (علي وخديجة و أبي طالب)، ثم ينطلق لعشيرته الأقربين (بنو هاشم)، إذ جاء التبليغ الإلهي «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1)، فإذا كانت قريش هي عشيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الكبيرة، فإن الأقربين هم بنو هاشم، لذا قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخطوة الأولى نحو تحقيق المهمة الكبرى، وبالتعاون مع الإمام علي (عليه السلام) حيث أمر الإمام علي (عليه السلام) بدعوة بني هاشم وكانوا أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا، ليطلعهم على مهمته الرسالة وليعلمهم بمن يؤازره على هذه المهمة، فكان عليا هو «أخي ووصيي وخليفتي»(2).

من هنا غدا محمد نبيا، وعلي وصيا، وخطت النبوة والإمامة الخطوة الأولى نحو تحقيق المهمة الرسالية، ليستمر العمل المشترك نحو ثلاثة وعشرين عاما، من العمل الدؤوب وفي مواجهة كل الصعاب والمحن حتى تحقق أمر الله «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا(3)»(3).

ص: 11


1- سورة الشعراء الآية 214
2- الطبري: تاریخ 2 / 62. 63. ابن كثير: البداية والنهاية 3 / 52، 6 / 122
3- سورة النصر الآيات 1. 3

لقد حدد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول خطوة للنبوة موقعية الإمام علي (عليه السلام) حينما خاطب عشيرته الأقربين «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا». من هنا غدا الإمام علي (عليه السلام) يتمتع بمناصب ثلاث: الأخوة - الوصية - الخلافة.

ص: 12

المحور الأول: الأخوة:

أكد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على موضوع أخوته للإمام علي (عليه السلام) كثيرا، ويتضح من خلال تلك الأحاديث أن هذه الأخوة تكون على معنيين:

المعنى الأول: الأخوة النسبية.

المعنى الثاني: الأخوة العقائدية.

ونأت هنا لمناقشة المعنيين:

المعنى الأول: الأخوة النسبية:

المعلوم أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) من أصل واحد، فنسبهما من لدن آدم (عليه السلام) مرورا بجميع الأنبياء والآباء إنتهاء إلى عبد المطلب الجد الأول لهما، وأم واحدة ثم يفترقان ((بين الأخوين عبد الله و أبي طالب، وأمهما واحدة، فكان منها سيدا الناس، هذا الأول وهذا التالي، وهذا المنذر، وهذا الهادي))(1).

وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لما خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى اقره في صلب عبد المطلب، فقسمه قسمين: قسما في صلب عبد الله، وقسما في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي»(2)، وفي حديث: «إنّ الله عز وجل نقلنا من صلب آدم (عليه السلام) في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية، فما

ص: 13


1- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 1 / 30
2- ابن مردويه: المناقب ص 286. الخوارزمي: المناقب ص 145 - 146. الزرندي: معارج الوصول ص 33

نقلت من صلب إلا ونقل علي معي، فلم يزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد»(1). إذ «کُلَّماَ نَسَخَ اللهَّ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَه فِي خَيْرِهِمَا»(2).

هذا الأصل وصفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالشجرة الواحدة، إذ قال للإمام علي (عليه السلام): «خلقت یا عليُّ من شجرة خُلْقِتُ منها»(3). وقال له أيضا: «الناس من أشجار شتّى، وأنا وأنت ياعلي من شجرة واحدة»(4)، وسمي أمير المؤمنين هذه الشجرة ب (شجرة الأنبياء)(5) ولما كان الأنبياء «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»(6). جاء وصف الإمام علي (عليه السلام) لسلالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصوله بالشجرة الكثيرة الأغصان، وإنما شبّهها بذلك بجامع الأصل الواحد، فالشجرة تقابل الأب الواحد في سلالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تتفّرع عن أغصان كثيرة، أي أبناء كثر(7).

ولكن هذه الخصوصية يشترك فيها الآخرون أيضا، هنا نجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يبين أن الإمام ينفرد بخصوصية مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا وهي أن النبي له نور أزلي، سابق لخلق آدم(8)، ومن هذا النور

ص: 14


1- الكنجي الشافعي: كفاية الطالب: ص 4.6. المرعشي: شرح احقاق الحق: 7 / 488
2- نهج البلاغة: ص 447 - 448
3- الصدوق: عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 656
4- الصدوق: عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 68، الكوفي: مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): 1 / .46. الخزاز: كفاية الاثر: ص 158. الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل 1 / 376. السيوطي: الدر المنثور: 4 / 44
5- نهج البلاغة: ص 179، 200 - 201
6- سورة آل عمران الآية 34
7- الفحام: بلاغة النهج في نهج البلاغة: ص 22
8- ابن مردویه: المناقب، ص 286. الخوارزمي: المناقب، ص 145 - 146. الزرندي: نظم درر السمطين: ص 79

خلق الإمام علي (عليه السلام)، فلقد كانا صلوات الله عليها في إرادة الله الأزلية، نورین متعانقين بساق عرشه، فكان لأمير المؤمنين (عليه السلام) وجودا في الإرادة الأزلية الربانية(1). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله تبارك وتعالى خلق عليا من نوري، وخلقني من نوره، وكلانا نور احد...»(2).

وفضلا عن الأصل النوراني الواحد، فإنَّ أصل أرومتهما نبوية خالصة، كما جاء في تفسير الآية: «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ»(3)، أي من نبي إلى نبي(4)، وأكد ذلك الإمام علي (عليه السلام) واصفا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (فَأَخْرَجَه... مِنْ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وَانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه»(5).

المعنى الثاني: الأخوة العقائدية.

إن المتأمل في الأحاديث النبوية يجد تأكيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أخوته للإمام علي (عليه السلام)، فهل يعقل أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في مجتمع يعرف حقا من هو النبي ومن هو علي؟ فيردد مرارا على أن عليا أخوه، وكيف يصح ذلك وهو يدعو أربعون من بني هاشم ليقول لهم عن الإمام علي (عليه السلام): «هذا أخي»(6).

إذن يمكن القول إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرمي في كلامه

ص: 15


1- الاسدي: الامام علي بين طهر الميلاد ومجد الاستشهاد: ص 11
2- الكنجي الشافعي: كفاية الطالب: ص 406. المرعشي: شرح احقاق الحق. 7 / 488
3- سورة الشعراء الآية 219
4- ابن سعد، الطبقات: 1 / 25. ابن أبي حاتم: تفسیر: 9 / 2828. الطبراني: المعجم الكبير: 11 / 287. الثعلبي: الكشف والبيان: 7 / 184. الطوسي: التبيان: 8 / 68. ابن كثير: السيرة النبوية: 1 / 191. الشوكاني: فتح القدير: 4 / 120
5- نهج البلاغة: ص 179
6- الطبري: تاریخ 2 / 62. 63 ابن كثير: البداية والنهاية 3 / 52، 6 / 122

إلى معنى آخر وهو المعنى العقائدي، وهو تماثل النبوة والإمامة. هذا التماثل سنجده على أرض الواقع طيلة ثلاث وعشرين سنة قضتها النبوة والإمامة في خط المواجهة لنشر قيم الدين الإلهي، بل استمرت من بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ حل أمير المؤمنين (عليه السلام) مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القيام على الشريعة الإلهية.

من هنا سنجد الإمامة تنشأ في ظل النبوة، فضلا عن ذلك نجد العناية الإلهية لها دورها في رسم طبيعة الإمامة بشكل لا يشوبه دنس، لذا نجد العناية الإلهية تتخذ بيت الله مكانا لولادة الإمامة، إذ لم يعهد أن يولد أحد من خلق الله لا نبيا ولا غيره في بيت عبادة، فكيف ببيت الله، فكانت هذه الفضيلة مما انفرد بها الإمام علي (عليه السلام)(1)، حتى عرف باسم وليد الكعبة). وكأنما كان ميلاده إيذانا بعهد جديد للكعبة(2) والعبادة فيها(3).

ولعل من دلالات ولادة الإمامة في بيت الله، أنّ الله أعد الإمامة لعملية تغييرية مهمة في بيته الحرام، وهي تطهيره من رجس الوثنية. إذ علم الله عز وجل أنّ الإمامة هي الخط الأصيل والمماثل لخط النبوة، حتى جعل محطّ قدم النبوة هو منکب النبوة.(4).

فضلا عن ذلك فإن الإمامة ماثلت النبوة في استثنائها من أحكام شرعية،

ص: 16


1- اشارت الرويات لولادة حكيم بن حزام في الكعبة، لكن التحقيق العلمي اثبت بطلانها وانفراد أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه المنقبة. ينظر: النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 149. 284
2- النصر الله: شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي رؤية اعتزالية عن الامام علي (عليه السلام): ص 120 - 121
3- العقاد: عبقرية الامام: ص 43
4- الأسدي: الامام علي (عليه السلام) بين طهر الميلاد: ص 14

كحرمة دخول المسجد على جنابة(1). وفي حديث إن هذا الاستثناء شمل جميع أهل بيته، إذ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلا أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ومن كان من أهلي فإنهم مني«.(2)

تربيته في بيت النبي صلى الله عليه وآله

وكما قدرت عناية السماء للإمامة أن تولد في بيت الله الحرام، فقد جرت قدرتها في أن تنشأ على يد النبوة، لتحظى برعايتها، فكانت هذه الفضيلة التي اختص بها أمير المؤمنين (عليه السلام) دون سواه من الخلق، من أوضح ما تزخر به سيرته الشريفة حيث تربي في كنف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ولعل هذه التنشأة كانت منذ الأيام الأولى لولادته، وقد استمرت طيلة الوجود النبوي، لذا حق لمن كان مربيه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون جدير بقيادة السعادة البشرية وأمير جيش الإيمان والتقوى(3).

إن القول بتربية النبي للإمام علي (عليه السلام) لا يعني أن هذه التربية كانت على نحو التأسيس لشيء كان يفتقده (عليه السلام)، أو تعليمه لعلم كان يجهل أسسه وقواعده، بل كان ذلك لأغراض عدة، منها: إثارة المواهب الكامنة في ذاته وتنميتها بالأسلوب الطبيعي الذي يخرج المسألة عن الإعجاز المحض. والكشف عن هذا الاستعداد الذي تلّقاه الإمام علي (عليه السلام) في المعهد الرباني الأول. وتأكيد الشعور في نفسه، بفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه. وإلفات نظر الأمة إلى جوهر الصلة الرابطة بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه

ص: 17


1- الترمذي: السنن: 5 / 3. 3. ابو يعلى: المسند: 2 / 311. الزيعلي: تخريج الحديث والآثار: 1 / 326 - 327. الهيثمي: مجمع الزوائد: 9 / 115. المتقي الهندي: کنز العمال: 11 / 559
2- الصدوق: من لا يحضره الفقيه: 3 / 557 - 558. الطوسي: تهذيب الأحكام: 6 / 15
3- فلسفي: الطفل بين الوراثة والتربية: 1 / 217

وآله وسلم)(1).

لا غرو إن اختيار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) كان مخططا هادفا من السماء، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وآله ليتولى تأديبه ويتضمن حضانته وحسن تربيته إلا على ضربين: أما على التفرس فيه أو الوحي من الله تعالى، فان كان بالتفرس فلا تخطئ فراسته ولا يخيب ظنه، وان كان بالوحي فلا منزلة أعلى ولا حال أدل على الفضيلة والإمامة منه(2). فهذه العناية الم تكن مجرد علاقة رحم و قرابة، بل إن الأمر مرتبط بحياة هذه الأمة وهذه العلاقة ترتبط بامتداد فرع النبوة(3).

ولكن متى بدأت تلك التربية؟ ولماذا؟

إن الرواية التاريخية تذهب إلى أن ذلك كان لما بلغ الإمام ست سنوات(4)؟ وبسبب الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت قريش. ولكننا نجد في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ما ينفي ذلك. وإن تربيته كانت منذ نعومة أظفاره، إذ يقول (عليه السلام): «وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَليَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه، ویُمِسُّنِي جَسَدَه، وَيُشِمُّنِي عَرْفَه»(5)، فحين ولد (عليه السلام)، طلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمِّه السيدة فاطمة بنت أسد، أن تجعل مهده إلى جنب فراشه، وكان يلي أكثر تربيته، ويرعاه في نومه ويقظته، ويحمله على صدره وكتفه،

ص: 18


1- الاسدي: الامام علي (عليه السلام) بين طهر الميلاد: ص 27
2- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب 2 / 28
3- لطيف القزويني: رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ: ص 95
4- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 15
5- نهج البلاغة: ص 406

ويحبوه بألطافه وتحفه(1). بل إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يطهره وقت غسله ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته(2)، ويحمله دائما ويطوف به في جبال مكة وشعابها وأوديتها(3).

وبلغ من شديد عناية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإمام علي (عليه السلام) انه كان «يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه»(4)، وفي رواية أنّه كان: «يمضغ اللحمة والتمرة حتى تلين، ويجعلها في فم علي (عليه السلام) وهو صغير في حجره»(5). حتى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعده في جملة أبناءه، إذ قال العباس بن عبد المطلب: «انه كان أحب عليه من بنيه جميعا وأرأف، ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا... وما رأينا أبا ابر بابن منه بعلي، ولا ابنا أطوع لأب من علي له»(6).

إن هذه الطريقة الفريدة في تعامله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الإمام (عليه السلام) لم تكن نابعة من علاقة الرحم التي تربطه به، إذ روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقربني ما تعلمونه من القرب للنسب واللُحمة»(7)، فكل فعل منه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما كان الحكمة ولا يمكن أن يكون اعتباطيا، فهو (صلى الله عليه وآله

ص: 19


1- الكراكجي: كنز الفوائد: ص 117. العلامة الحلي: نهج الحق: ص 233
2- ابن شهرآشوب: المناقب: 2 / 92
3- العلامة الحلي: نهج الحق: ص 233
4- نهج البلاغة: ص 6. 4
5- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 13 / 200. ابن میثم: شرح نهج البلاغة: 4 / 313
6- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 13 / 200
7- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 20 / 299

وسلم) وإن لم يكن في تلك المدة مكلف بتبليغ الرسالة السماوية، فانه - وبلا أدني شك - كان مسددا من الله عز وجل(1)، فكل ما يصدر منه فهو لحكمة بلا شك.

إن ما ذكره الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وما ورد في الروايات التاريخية فيما يتعلق بتعهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتربيته (عليه السلام)، وتفاصيل معاملته له، يقودنا إلى ترجيح انتقاله إلى بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرحلة طفولته، أي منذ أن كان وليداً، وليس کما ذکر بان عمره حين انتقاله إلى بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ست سنوات(2).

والأمر الجدير بالطرح هنا حول هذه العلاقة الخاصة الخالصة ما بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام (عليه السلام)، هل يمكن أن تقف عند حد علاقة رحم فيما بينهما؟ أو أنها تلتزم جانبا خاصا محدودا على مستوى توفير سكن ومأكل وملبس؟ کما تحاول بضعة روایات بائسة أن تحجم ابعاد تلك العلاقة الفريدة، لتعللها تعليلا يقف بهذه الاصرة عند حد ازمة اقتصادية عصفت بمكة فاضطرت والد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى تفریق اولاده بين اقربائه، فيكون أمير المؤمنين (عليه السلام) من حصة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وبهذا تكون هذه الأزمة الاقتصادية من نعم الله على الإمام (عليه السلام) إذ قادته اتفاقا الى احضان بيت الرسالة لينشأ في كنف النبي (عليه السلام)، وبهذا يكون سبق اسلامه أمراً طبيعياً ما دام قد عاش في ظل تلك البيئة الرسالية التي تلقت وحي السماء، فأذعن أفرادها للتكليف الالهي، وكانوا سباقين لاعتناق الدين

ص: 20


1- هذا ما اشار اليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن آن كان فطيما اعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن اخلاق العالم، ليله ونهاره». نهج البلاغة: ص 6. 4
2- ابن أبي الحديد: شرح 1 / 15 . العواد: السيرة النبوية ص 83

الاسلامي(1).

وهذا ما يتضح من رواية مجاهد: «كان من نعمة الله على علي بن ابي طالب او مما صنع الله له، و اراده به من الخير، أن قريشا اصابتها ازمة شديدة... «ثم ساق تفاصيل ما جرى وكيف كانت هذه الأزمة ذات مردود طيب على الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكنها تركت آثارها السلبية ابويه إذ اضطرا إلى التنازل عن ابنائهم ومفارقتهم حسب زعم الرواية: «.. وكان ابو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم للعباس عمه، وكان من ایسر بني هاشم: یا عباس، ان اخاك ابا طالب كثير العيال، وقد اصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا اليه، فلنخفف من عياله، آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ انت رجلا، فنكفلهما عنه، فقال العباس: نعم، فانطلقا حتى آتيا ابا طالب، فقالا له: انا نريد ان نخفف من عيالك حتي ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما ابو طالب: اذا تركتما عقيلا فاصنعا ما شئتما - قال ابن هشام: ويقال عقيلا وطالبا، فاخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا فضمه اليه، واخذ العباس جعفرا فضمه اليه، فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا، فاتبعه علي (عليه السلام)، وآمن به وصدقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتی اسلم واستغني عنه»(2).

ص: 21


1- العواد: السيرة النبوية ص 63
2- ابن هشام، السيرة النبوية: 1 / 162. الطبري: تاريخ: 2 / 57 - 58. ابو الفرج: مقاتل الطالبيين: ص 15. الحاكم: المستدرك: 3 / 576. ابن عبد البر، الاستیعاب: 1 / 38 - 39. المحب الطبري: ذخائر العقبی: ص 58. الخوارزمي: المناقب، ص 51. ابن الأثير: الكامل: 2 / 58. ابن طلحة الشافعي: مطالب السؤول: ص 58 - 59. ابن سيد الناس: عيون الأثر: 1 / 124 - 125. الذهبي: تاريخ الإسلام: 1 / 136. ابن كثير: البداية والنهاية: 3 / 34. ابن الصباغ: الفصول المهمة: 1 / 181 - 182. ابن الدمشقي: جواهر المطالب: 1 / 41. الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد: 2 / 301. الحلبي: السيرة الحلبية: 1 / 432

وهنا نتوقف عند الرواية أعلاه لنسجل عليها ملاحظات عدة:

1. إنّ السبب لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عمه العباس او العباس وحمزة معا(1)، هو بسبب الأزمة الاقتصادية التي حلت بقریش، ولكن ما بال هذه الأزمة شدت رحالها صوب بيت ابي طالب، على حين لم نسمع باي اثر لهذه الازمة على باقي البيوت القرشية.؟!(2).

2. تشير الروايات إلى أن طالبا هو اکبر اولاد ابي طالب، فهو اكبر من عقيل بعشر سنوات، وعقيل اكبر من جعفر بعشر سنوات، وجعفر اکبر من علي بعشر سنوات! فاذا كان عليٌّ ابن ست سنوات(3)، فلا مانع من أن يأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويربيه، ولكن هذا لا يصح بالنسبة الى جعفر الذي هو ابن ست عشرة سنة، ولا بالنسبة لعقيل الذي له من العمر ست وعشرون سنة، والأمر يبدو مستحيلا بالنسبة لطالب الذي له من العمر ست وثلاثون سنة، مع أن عمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والحمزة وقتذاك ست وثلاثون سنة ايضا(4).

3. ما السبب في ايثار ابي طالب لولده الأوسط عقیل؟! وكان الاجدر إيثار الإمام علي (عليه السلام) لكونه الأصغر وبحاجة لرعاية والديه؟! فهل يريد الرواة الربط ما بين المعتقد المستقبلي لاولاد ابو طالب و معتقد من رباهم؟! فعقيل بقي مشركا لان اباه بزعمهم كان مشرکا! اما طالب

ص: 22


1- ورد أن النبي صلى الله عليه وآله قد دعا عميه العباس والحمزة معا، ينظر: ابن شهر آشوب: المناقب: 2 / 27
2- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210. الإمام علي (عليه السلام) في فكر معتزلة البصرة ص 19 - 20
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 15
4- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210

فسلك مسلك مربيه العباس فلم يؤمن ثم خرج في بدر لمحاربة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) کما فعل العباس! اما جعفر فاعتنق الاسلام لان الحمزة قد اسلم(1)، وكذا الحال بالنسبة للإمام علي (عليه السلام) فلم يعبد الأصنام لتربيته في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

4. وضعت هذه الرواية لتدلل على عدم ایمان ابي طالب، فهناك تأكيد على أن إسلام عقیل کان بعد وفاة أبيه لأنّه بقي في بيته، فلذا فسّروا تأخر اسلام ولده بتأثير منه، ومن ثم فإن إشارة الرواية بإنّه كان الاقرب الى قلب ابيه حتى قال: «اذا ترکتما لي عقيلا فاصنعوا ما شئتم»، فلماذا يفضله على باقي أولاده؟ ثم أليس الأصغر سنا في الغالب هو الأشد تعلقا بوالديه؟ أليس الأولى أن يبقى جعفر او الامام علي (عليه السلام) في كنفه لأنّهما اصغر منه؟.

5. وردت ثمة اختلافات في التفاصيل بين هذه الرواية وباقي الروايات، فمثلا الرواية اعلاه صرحت بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قصد عمه العباس. على حين ذكرت رواية أخرى انه قصد العباس والحمزة معا(3)، وكما هو واضح من اشارة الرواية إلى إن أبا طالب قد طلب منهم أن يتركوا له عقيلا، فقط في حين يعقب ابن هشام بأنّه يقال عقیلا وطالبا(4). وفي هذه الرواية وقع اختيار العباس على جعفر (عليه السلام)، فيما تشير رواية أخرى الى أنه ضم اليه طالبا الذي اهملت ذكره

ص: 23


1- وفق اشارة الرواية القائلة بان العباس قد اختار طالبا والحمزة قد اختار جعفرا. أبو الفرج: مقاتل الطالبيين ص 15. (2) النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210
2- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210
3- ابن شهرآشوب: المناقب: 2 / 27
4- ابن طلحة الشافعي: مطالب السؤول: ص 59

الرواية السابقة وانه بقي معه الى يوم بدر ثم فقد ولم يعرف له خبر، وان الحمزة قد انتخب جعفرا وظل ملازما له حتى مقتله في احد(1)، وتأتي رواية ابن معد(2) لتعيد جعفرا مرة اخرى الى احضان العباس بن عبد المطلب، وتنقل طالبا الى حمزة(3).

6. يلاحظ على شخصية طالب انه شخصية لا اساس لها من الصحة؛ إذ إن كتب التاريخ لم تقدم لنا أيَّ معلومات عن شخصيته الا في هذه الرواية، والاشارة الى خروجه في بدر مشركا، فهل القول بوجود شخصية طالب لمقاصد ما؟! أم أنَّ بعضهم تصور آن لأبي طالب ولدا اسمه طالب، فابو طالب اسم وليس کنية، كما في اسم ابي لهب، والظاهر أن أبا طالب عرف بذلك لكثرة استجابته للمطالب(4).

7. تقول الرواية: إنّ أبا طالب كان كثير العيال قليل المال، والحال غير ذلك، فليس له من الأولاد الا ثلاثة وبنت واحدة هي ام هاني، إذ لاحظنا أن شخصية طالب لم تقو الادلة على اثباتها، واذا استثنينا جعفرا وعقيلا لانهما کبیران وقت الأزمة، فلا يبقى الا الامام علي (عليه السلام) وأمُّ هاني(5).

هذا من جانب ومن جانب آخر فقد وردت شواهد تاريخية تفيد ان وضع ابي طالب المعاشي كان جيدا؛ اذ كان يعمل تاجرا وبائعا للعطور والبز(6) وأنّه

ص: 24


1- ابن شهرآشوب: المناقب: 2 / 27
2- الحجة على الذاهب الى تكفير ابي طالب: ص 180
3- العواد: السيرة النبوية ص 67. 66
4- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210
5- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210
6- ابن قتيبة: المعارف: ص 575

خرج الى الشام لغرض التجارة(1). وهي من الأدلة التي تثبت أنّه كان في وضع جيد ولم يكن فقيرا كما تصفه الرواية(2).

1. يبدو أنّ هذه الرواية قد وضعت للطعن في تربية الإمام (عليه السلام) في كنف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وللقول بانها جاءت لاسباب مادية(3). اذان تربيته في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي التي جعلته يسبق الجميع في اسلامه، إذ لو قدر له وبقي في بيت ابيه لما كانت له هذه المكانة وهذا المقام الرفيع والسبق في الاسلام.

2. اما عن سند هذه الرواية، فكان مرسلا لا يثبت أطمئنانا(4).

إن العلاقة بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام (عليه السلام) لم تقف عند الجانب المادي المزعوم، فأنّ أبا طالب كان من اشراف قريش وسادات مكة ووجهائها، وهو من تكفّل برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في طفولته ورعاه في هذه الجوانب، ونصب نفسه منصب الحماية له من غوائل الدهر ومصاعب الزمن. فلا يعجزه جانب من هذه الجوانب المادية حتى يتصدى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليرد الفضل إلى عمه، باشباع هذه الجوانب في حياة الامام علي (عليه السلام)، بل تلقاه بیت الرسالة بطلا في صدارة ابطال الحق، ورائدا في حركة التغيير، وموجها للامة الى سبيل الهدی، حاملا لها شعلة الاصلاح والفضيلة، من مركز الفكر الناهض المشع، من مدرسة الرسول الاعظم محمد التي واصلت عطاءها في اعداد الامام علي (عليه السلام) للقيادة العامة

ص: 25


1- ابن اسحاق: السير والمغازي: ص 73
2- العواد: السيرة النبوية ص 69
3- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210
4- العواد: السيرة النبوية ص 70

من بعده، وتهيئته لاستلام منصب الامامة امتدادا لوجوده (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

ولكن هل كان هذا الاعداد النبوي الشخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) مقتصرا على جانب واحد فقط کالعقائدي او الاخلاقي مثلا؟ وهل اقتصرت رعايته لشخص أمير المؤمنين (عليه السلام) على مرحلة الطفولة فقط؟ في الواقع أنّ الشواهد تدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعد الامام اعدادا متكاملا، شاملا لجميع الجوانب (روحیا وفكريا وعقائديا وسیاسیا)، ومن جانب آخر فإنّ الاستعداد في ذات أمير المؤمنين (عليه السلام) كان عاليا ودقيقا، مستوعبا للمفاهيم التي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يغرسها في شخصيته.

كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) افضل العقلاء واعلم العلماء، أما الإمام عليا (عليه السلام) في اصل الخلقة فكان غاية في الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم، و في غاية الحرص في طلبه، وكان النبي محمد صلوات الله عليه وآله حريص على تربيته وارشاده إلى اكتساب الفضائل(2). وان كمال القوة النظرية انما هو باستكمال الحكمة النظرية وهي استعداد النفس الإنسانية بتصور المعارف الحقيقية والتصديق بالحقائق النظرية بقدر الطاقة البشرية، ولا شك أن هذه الدرجة كانت ثابتة له (عليه السلام) بحسب قوته الحدسية القدسية وادراك كثير الحكماء لها ادراك فكري محتاج الى كلفة ومشقة يستلزم اغلاطا عظيمة لا يخلو عنها الا آحاد

ص: 26


1- الاسدي: الامام علي بين طهر الميلاد: ص 27 - 28، العواد: السيرة النبوية ص 70. 71
2- ابن طاووس: الطرائف: ص 515. الشامي: الدر النظيم: ص 260

الحكماء(1).

إن التأمل في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتتبع فصول سيرته الشريفة سيجدها تنطق بوضوح أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تكفل تربية أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ صغره، وتعد هذه القضية من المسلمات، وان ما قام به من تفاصيل تلك المعاملة تدل على قربه منه، والتصاقه به، بل يبدو الأمر امر مداومة وليس عملا منفردا قام به (صلى الله عليه وآله وسلم) لمرة واحدة، كتعهده بحمله وتغذيته ومناغاته وغسله وقرب مهده من فراشه (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولكن هل اقتصرت معاملة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لامير المؤمنين (عليه السلام) على رعاية وحرص منقطع النظير على مرحلة الطفولة والصبا فقط؟ في الواقع أن هذه العلاقة الروحية التلازمية بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) دامت حتى آخر لحظات حياته، ومن شواهد ذلك ما جاء على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، اذ يقول مفتخرا بتلك الرعاية التي كان يحظى بها من لدنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «الا وانا خاصته... وخالصته، وصنوه(2)، ووصيه ووليه، وصاحب نجواه وسره»(3).

إن هذا القرب منه والاختصاص به انما كان بامر الله تعالى، اذ يقول (صلی

ص: 27


1- شرح مئة كلمة لامير المؤمنين (عليه السلام): ص 217
2- الصنو بالكسر: الصنو من النخل: نخلتان أو أكثر لهما أصل واحد، الاخ الشقيق. الفراهيدي: العين: 7 / 158. ابن سلام: غريب الحديث: 2 / 15. ابن فارس: معجم مقاييس اللغة: 3 / 312. الفيروز آبادي: القاموس المحيط: 4 / 353
3- المفيد: الامالي: ص 6. الطوسي: الامالي: ص 626

الله عليه وآله وسلم): «يا علي، إنّ الله عز وجل أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلمك ولا اهملك، وأن اقربك ولا اجفوك»(1)، وهذه المنزلة الخصيصة هي التي اسهرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحمی اصابت أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات ليلة(2)، ثم إن هذه الآصرة فيما بينهما متبادلة في عمق ودِّها، فنجده (عليه السلام) يشير الى هذا المعنى قائلا: «وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اذا اراد ان يتجه الى موضع اعلمني بذلك، فكان اذا ابطأ في ذلك الموضع صرت اليه لاعرف خبره، لأنه لا يتصابر قلبي على فراقه ساعة»(3). وكانت له خلوة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تكن لاحد غيره، وهذا مما خُصَّ به دون سواه، اذ يقول: «كان لي منه مجلس سرٍّ لا يطلع عليه غيري»(4)، وفي قول آخر: «كان لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدخلان: بالليل وبالنهار، وكنت اذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح»(5). و«كانت لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساعة من السحر آتية فيها، فكنت أنا آتيت استأذنت، فان وجدته يصلي سبَّح»(6)، بل إنّه (عليه السلام) دخل عليه يوما وهو في بعض حجراته فاستأذن عليه فأذن له، فلما دخل قال له (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا علي، أما علمت أن بيتي بيتك، فما لك تستأذن علي! فقال (عليه السلام):

ص: 28


1- أبو جعفر الاسكافي: المعيار والموازنة: ص 301. الطبري: جامع البيان: 29 / 69. الثعلبي: الكشف والبيان: 10 / 28. الواحدي: اسباب النزول: ص 294. العلامة الحلي: كشف اليقين ص 390. ابن طلحة الشافعي: مطالب السؤول: ص 121. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 18 / 264. الهيثمي: مجمع الزوائد: 1 / 131
2- الطبرسي: الاحتجاج: 1 / 233. ابن شهرآشوب: المناقب: 2 / 61
3- الطبرسي: الاحتجاج: 1 / 292
4- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 20 / 316
5- ابن ماجة: السنن: 2 / 1322. السرخسي: المبسوط: 1 / 200
6- ابو یعلی: المسند: 1 / 445. النسائي: السنن: 5 / 141. المتقي الهندي: کنز العمال: 4 / 132

فقلت يا رسول الله، أحببت أن أفعل ذلك «قال: «يا علي، احببت ما احب الله، واخذت بآداب الله(1).

ومن اوضح الدلائل على أنّ تلك العلاقة فيما بينها لا مثيل لها، انها قد أثارت غيرة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فزجرها قائلا: «لا تؤذيني في علي، فانه اخي في الدنيا واخي في الآخرة»(2).

إن من مصادیق هذه الإخوة ما يذكره الإمام علي (عليه السلام) عن برنامجه اليومي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يقول: «كنت ادخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل يوم دخلة، وكل ليلة دخلة، فيخليني فيها ادور معه حيث دار، وقد علم اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اکثر ذلك في بيتي، وكنت اذا دخلت عليه في بعض منازله اخلاني واقام عني نسائه فلا يبقى عنده غيري، واذا اتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا احد من بني»(3)، بل إنّه (عليه السلام) كان يلازمه ليلا ونهارا(4). واذا ما رآه (صلى الله عليه وآله وسلم) تهلل وجهه فرحا، واذا افتقده او ابطأ عنه حزن وتألم، كما في الحادثتين أدناه: «دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في قبا - وعند نفر من اصحابه - فلما بصر بي تهلل وجهه وتبسم، حتى نظرت الى بياض اسنانه يبرق، ثم قال: إلي يا علي، إلى يا علي، فما زال يدنيني حتى ألصق فخذي بفخذه، ثم أقبل على اصحابه، فقال:

ص: 29


1- ابن عقدة: فضائل أمير المؤمنين: ص 52. ابن شاذان: مائة منقبة: ص 60. الكراكجي: كنز الفوائد: ص 208
2- الطبرسي: اعلام الورى: 1 / 368. ابن طاووس: التحصين: ص 541
3- الكليني: الكافي: 1 / 64. ابن عقدة: فضائل أمير المؤمنين: ص 163. النعماني: الغيبة: ص 82
4- ابن عساکر، تاریخ دمشق: 42 / 386

معاشر أصحابي، اقبلت اليكم الرحمة باقبال علي اخي اليكم معاشر اصحابي، ان عليا مني وانا منه، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو اخي ووصيي، وخليفتي على امتي، في حياتي وبعد موتي، من أطاعه اطاعني، ومن وافقه وافقني ومن خالفه خالفني»(1).

والغريب انك تصادف في سيرته الشريفة، أنه كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتولى تغذيته بيديه الشريفتين وهو صغير، نجده يفعل مثيل هذا في شبابه أيضا، اذ تقول الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أهدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قنو(2) موز - فجعل يقشر الموزة ويجعلها في فمي. فقال له قائل: إنك تحب عليا؟ قال: أو ما علمت أن عليا مني وأنا منه»(3). فلو فسر بعضهم ذاك الفعل معه في صغره على أنه مجرد عناية بطفل صغير تكفلها ذو رحم ينشد رد الفضل بها لابويه على ما فعلاه معه حال يتمه وحاجته اليهما، فاذا سيقول بهذا الصنيع منه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حال شبابه (عليه السلام)؟! وفي الواقع أن هذه الشواهد تقودنا إلى نتيجة اساسية مفادها: أنه لا يمكن تحجيم ذاك الأفق الواسع لعلاقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بربيبه المرتضى (عليه السلام) عند حدود علاقة القرب والرحم ورد الجميل! لأنّ ما فعله معه في صغره ما زال دائبا على مثيله او ما يقاربه من فعال في عمر الصبا والشباب وحتى آخر لحظات حياته معه (صلى الله عليه وآله وسلم)(4).

ص: 30


1- البحراني: غاية المرام: ص 244. المجلسي: البحار: 40 / 4
2- قنو: العذق، ومنه عذق النخل، الطريحي: مجمع البحرين: 1 / 350
3- الخوارزمي: المناقب: ص 64. الاربلي: کشف الغمة: 1 / 95. القندوزي: ينابيع المودة: 1 / 170
4- ابن جبر: نهج الايمان: ص 632. المجلسي: البحار: 34 / 435

وبعد هذا حق له أن يفتخر واصفا طبيعة علاقته بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله (عليه السلام): «وأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهَّ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ، والذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ»(1)، وفي قول آخر: «انا من رسول الله صلى الله عليه وآله كالعضد من المنكب وكالذراع من العضد، وكالكف من الذراع، رباني صغيرا، وآخاني كبيرا»(2). بل شبه الامام (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالضوء الأول، ونفسه بالضوء الثاني، إذ شبه منبع الاضواء والانوار بالشمس التي توجب الضوء الاول، ثم الضوء الاول يوجب الضوء الثاني»(3)، وشبه نفسه من النبي بالذراع الذي اصله العضد، كناية عن شدة الامتزاج والقرب بينهما(4).

ولقد اجاد ابن ابي الحديد بقوله: إنّ الامام (عليه السلام) بالنسبة الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «شعاع من شمسه وغصن من غرسه، وقوة من قوى نفسه، ومنسوب اليه نسبة الغد الى يومه، واليوم الى امسه، فما هما الا سابق ولاحق، وقائد وسائق، وساكت وناطق، ومجل ومصل، سبقا لمحة البارق، وانارا سدفه الغاسق...»(5).

اسلامه (علیه السلام)

إن ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكعبة وتربيته في بيت الرسالة تعني أنه ولد مسلما على التحقيق اذا نظرنا الى ميلاد العقيدة والروح، لانه (عليه السلام)

ص: 31


1- نهج البلاغة: ص 576
2- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 2 / 315
3- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 16 / 289 - 290
4- صبحي الصالح: نهج البلاغة ( الشرح ): ص 576
5- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 1 / 3

فتح عينيه على الاسلام، ولم يعرف عبادة الاصنام(1). إذ يقول (عليه السلام): «إِنيِّ وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ»(2)، فكان قوله مدعاة للتساؤل: إذ إن كل مولود يولد على الفطرة، ففي الحديث النبوي: «كل مولود يولد على الفطرة، وإنمَّا أبواه يهودانه وينصرانه»(3)، فاذا يقصد الامام بذلك؟(4).

هناك عدة آراء في تفسير معنى الفطرة:

أولا: ان الامام (عليه السلام) لم يولد في الجاهلية، إذ كانت ولادته قبل البعثة بعشر سنوات، وهذه السنوات العشر تعد مقدمة للاسلام وارهاصات النبوة، إذ جاء في الاخبار الصحيحة انه (صلى الله عليه وآله وسلم) مكث قبل الرسالة سنين عشرا يسمع الصوت ويرى الضوء، ولا يخاطبه احد وكان ذلك ارهاصات لرسالته، فحكم تلك السنين العشر حكم أيام رسالته، فالمولود فيها اذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته، مولود في ايام كايام النبوة، وليس بمولود في جاهلية محضة(5).

ان هذه السنة لها اثر في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لانها السنة التي بدء فيها برسالة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ سمع الهتاف من الاحجار والاشجار، وكشف عن بصره، فشاهد انوارا، واشخاصا، ولم يخاطب فيها بشيء

ص: 32


1- العقاد: عبقرية الامام: ص 43
2- نهج البلاغة: ص94
3- ابن حنبل: المسند: 2 / 233. البيهقي: السنن الكبرى: 6 / 203. الهيثمي: مجمع الزوائد: 7 / 228
4- النصرالله: شرح نهج البلاغة ص 124. 126
5- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 4 / 114

وفي هذه السنة ابتدأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتبتل، والانقطاع والعزلة في جبل حراء، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة، ونزل عليه الوحي.

وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتيمن بتلك السنة، وبولادة الامام علي (عليه السلام) فيها، ويسميها سنة الخير والبركة، وقال لاهله ليلة ولادته وقد شاهد فيها ما شاهد من الكرامات والقدرة الالهية، ولم يكن من قبل شاهد ذلك: «لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح الله علينا به ابوابا كثيرة من النعمة والرحمة». وفعلا كان كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم)، فانه كان ناصره والمحامي عنه، وكاشف الغاء عن وجهه، وبسيفه ثبت دين الاسلام، ورست دعائمه وتمهدت قواعده(1).

ثانيا: ويراد بها الفطرة التي لم تتغير، ولم تحل، وذلك ان معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كل مولود يولد على الفطرة»(2) ان كل مولود فان الله تعالى قد هيأه بالعقل الذي فلقه فيه، وبصحة الحواس، والمشاعر. لان يعلم التوحيد والعدل، ولم يجعل فيه مانعا يمنعه من ذلك، ولكن التربية والعقيدة في الوالدين، والالف لاعتقادهما، وحسن الظن فيهما، يصده عما فطر عليه. وامير المؤمنين (عليه السلام) دون غيره، ولد على الفطرة التي لم تحل، ولم يصد ع-ن مقتضاها مانع، لا من جانب الابوين، ولا من جهة غيرهما، وغيره ولد على الفطرة، ولكنه حال عن مقتضاها وزال عن موجبها(3).

ثالثا: انه اراد بالفطرة - العصمة - وانه منذ ولد لم يواقع قبيحا، ولا كان كافرا

ص: 33


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 4 / 114. 115
2- ينظر: مالك: الموطأ 1 / 241. البخاري: الصحيح: 2 / 104. الكليني: الكافي: 2 / 13
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 4 / 115

طرفة عين، ولا مخطئا ولا غالطا في شيء يتعلق بالدين»(1).

لقد عرف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان يتحنث(2) في غار حراء(3) قبل تكليفه بالبعثة النبوية، ولم يكن معه في الغار إلا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهذا دليل على توحيده ومعرفته بالإسلام قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي»(4)، وما مسألة إسلامه إلا إيمان بدعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس إسلام بعد كفر، إذ أجمعت الأمة على قولها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (كرم الله وجهه عن السجود لغير الله تعالى.

كانت نواة الإسلام الأولى لا تتجاوز ثلاثة أشخاص (النبي وعلي وخديجة)، يقول (عليه السلام): «ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ اللهَّ ؇ صلى الله عليه وآله - وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ»(5).

وقد اشار ابو جعفر الاسكافي(6) ان الامام امير المؤمنين (عليه السلام) قد

ص: 34


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 4 / 115 - 116
2- لمزيد من التفاصيل عن تحنث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر: العواد: السيرة النبوية ص 409. 421
3- وحراء: هو الجبل الطويل الذي بأصل شعب آل الاخنس، بينه وبين مكة نحو ثلاثة اميال عن يسار الذاهب من مكة الى منى. ومن خصائص هذا الغار إن المصلي فيه يرى الكعبة وهي في واد بين جبال؛ لأن الغار أعلى من الجبال التي حولها، فكأنه مفصل للعبادة مع استقبال الكعبة ومشاهدتها. ينظر: الازرقي: اخبار مكة 2 / 288. النووي: شرح صحيح مسلم 2 / 198. الكوراني: السيرة النبوية برواية اهل البيت ص 169
4- نهج البلاغة: ص 406
5- نهج البلاغة: ص 406
6- نقض العثمانية: ص 310. وينظر ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 13 / 253

صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلوته ((حيث لا يجد انسا غيره ليله ونهاره، ايام مقامه بمكة يعبد الله معه سرا، ويتكلف له الحاجة جهرا، ويخدمه كالعبد يخدم مولاه، ويشفق عليه ويحوطه، وكالولد يبر والده ويعطف عليه)). فقد كان (عليه السلام) يرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعبد ويحتجب فلا يراه احد الا علي (عليه السلام) عندما ياتي له بالزاد وقد يعتكف معه(1).

وحينما بدأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطوته الأولى لتنفيذ الأمر الإلهي بالدعوة إلى التوحيد بعد أن نزل قوله تعالى: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»، كانت هذه الخطوة مشتركة قامت بها النبوة والإمامة على حد سواء، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يفاتح أحدا سوى الإمام علي (عليه السلام)، الذي كان عليه أن يوفر الأجواء المناسبة لذلك، فتحرك (عليه السلام) داعيا بنو عبد المطلب وكانوا أربعون رجلا، ثم أن يحضر لهم وليمة تفي بمتطلبات هذا العدد، أما النبوة فكان عليها أن توضح لهم طبيعة الدعوة الجديدة، والغريب أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يطلب من المجتمعين أن يؤمنوا بدعوته ولا أن ينبذوا عبادة الأصنام وإنما طلب منهم من يؤازره على هذا الأمر، ليكون أخيه ووصيه ووخليفته.

نلاحظ أنه منذ اللحظة الأولى لحركة النبوة أرادت أن تحدد موقعية الإمامة، ويظهر أنه لم يكن مهيئا تمام الأمر للإحاطة بما كان يريده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سوى أمير المؤمنين (عليه السلام)، بينما أحجم الباقون عن الإدلاء برأي حول الأمر ما عدا إثنان أبو لهب وأبو طالب، ولعل كل منها يمثل إتجاه ما، فأبو لهب يمثل الإتجاه المعارض، وأبو طالب يمثل الإتجاه المؤيد.

ص: 35


1- الكوراني: السيرة النبوية برواية اهل البیت (علیهم السلام):ص 170 - 171

لقد أسفر الإجتماع الأول عن تحديد مقام الإمامة الذي سينطلق مع مقام النبوة منذ اللحظة الأولى، وغدا أمير المؤمنين الفائز بمقام الأخوة والوصية والخلافة سواء في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ما بعده. واننا لنجد في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) وخطبه الشريفة بعض الايحاءات الجانبية التي تقارب هذه المقامات التي اختص بها (عليه السلام). فالامام (عليه السلام) وإن لم يكن نبيّا، الا أنه كان ذا مقام يصعب على العقول ادراك كنهه، إذ من دلالات هذا المقام ما أشار إليه (عليه السلام) بقوله: «أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِینَ نَزَلَ الوَحْيُ عَلَيْه صلى الله عليه وآله، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهَّ مَا هَذِه الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ»(1).

نلاحظ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نفى عن الإمام علي (عليه السلام) مقام النبوة جبّره بمقام الوزارة، إشارة الى أنَّه الصالح لتدبير احوال الخلق في معاشهم ومعادهم من ورائه(صلى الله عليه وآله وسلم) المعين له على ذلك(2). والاحاديث الشاهدة على وزارته (عليه السلام) للنبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) كثيرة جدا، كان أولها يوم الإنذار أعلاه، قائلا لبني عبد المطلب: «يا بني عبد المطلب! إنّي والله ما اعلم شابا في العرب جاء قومه بافضل مما جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والاخرة، وقد أمرني الله تعالى أن ادعوكم إليه، فايكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يکون أخي، ووصيِّي، وخليفتي فيكم»، فلم يجبه أحد إلا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «هذا

ص: 36


1- نهج البلاغة: ص 406
2- ابن میثم: شرح نهج البلاغة: 4 / 372

أخي، ووصيِّي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له واطيعوا»(1). وفي رواية الحلبي(2): «اجلس، فأنْتَ أخِي، ووزيري، وَوَصيِّي، وَوَارِثِي، وخَلْيفَتِي مِنْ بَعْدِي». وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «اللهم إنّي اقول كما قال أخِي موسى: اللهم اجعل لي وزيرا من اهلي، عليا اخي، اشدد به ازري، واشركه في امري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصیرا»(3). وروي أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مِدَّ يده الى السماء داعيا، فقال: «اللهم إنْ نبيك موسى بن عمران (عليه السلام) سألك فقال: «قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي»(4). «وانا محمد نبيك اسألك: ربي اشرح لي صدري، ويسر لي امري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من اهلي، عليا اخي، اشدد به ازري، واشركه في امري»(5).

وفي حديث أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «اللهم اجعل لي وزيرا من اهل السماء، ووزيرا من اهل الارض فاوحى الله اليه، اني قد جعلت وزيرك من اهل السماء جبرائيل، ووزيرك من اهل الارض علي بن ابي طالب»(6).

إن مقامي الوزارة والخلافة اللذين هما من منازل هارون (عليه السلام)، من أول الادلة واظهرها على أحقّية أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وبهذه الكلمات الموجزة التي قصرت الفاظها،

ص: 37


1- ينظر: الطبري: تاريخ: 2 / 228 - 229، جامع البيان: 19 / 149. ابن مردويه: المناقب: ص 290. ابن الاثير: الكامل: 2 / 62 - 63. ابن كثير: البداية والنهاية: 3 / 53، تفسير: 3 / 364، السيرة النبوية: 1 / 459. المتقي الهندي: كنز العمال: 13 / 114
2- السيرة الحلبية: 1 / 461
3- ابن البطريق: العمدة: ص 272. ابن طاووس: الطرائف: ص 133. القندوزي: ينابيع المودة: 1 / 258
4- سورة طه الآيتان 25 - 26
5- ابن مردويه: المناقب: ص 277
6- القمي: مائة منقبة: ص 145. البحراني: غاية المرام: 6 / 155

واتسعت معانيها بقيم تعبيرية عالية، دلّنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ابعاد مهمة ونادرة في شخصيّة أمير المؤمنين(عليه السلام)(1).

إن الحديث عن ايمان أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقينه يبقى في دائرة الوصف القاصر عن بلوغ حقيقة الموصوف، بعد ان افصح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عمق هذا الايمان ورسوخ هذا اليقين بكلمات نيرة تواتر نقلها واجمع المسلمون على اثباتها، اذ روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: «لو ان السموات والارض وضعتا في كفة وايمان علي في كفة، لرجح ايمان علي»(2). ولما برز (عليه السلام) في يوم الخندق قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «برز الايمان كله الى الشرك كله»(3)، هكذا عبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم عن ايمان أمير المؤمنين في معادلات ترجيحية تجاوزت مديات التحديد بكل ما يتعامل به البشر من وحدات القياس ومعرفة المقادير، فما هو وزن السموات والارض يا ترى؟، وما معنى الايمان كله؟، كل ذلك متروك لايحاءات اللغة واساليبها في صياغة دوالها على مدلولاتها، ولكن هذه الصياغات النبوية تكشف عن حقيقة واحدة مؤداها ان هذا الرجل المتفرد في ميادين الحياة له السبق والعمق والرسوخ، في دائرة اليقين والايمان بالله الواحد، حتى اندك شخصه في ايمانه كما هو الحال في صفاته الاخرى(4).

إن المتتبع لما جاء في كتب السيرة والتاريخ والتراجم والمناقب أنها تتفق على

ص: 38


1- العواد: السيرة النبوية ص 41
2- ابن عساکر: تاریخ دمشق: 42 / 341. ابن البطريق: العمدة: ص 370. الذهبي: ميزان الاعتدال: 3 / 494
3- ابو جعفر الإسكافي: نقض العثمانية: ص 324، 333. الكراكجي: كنز الفوائد ص 137. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة 19 / 61. الدميري: حياة الحيوان ص 387
4- درويش: علي كما وصف نفسه: ص 41 - 42

سبق الإمام علي (عليه السلام) للإيمان بدعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلا عن تأكيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام نفسه على ذلك، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الإمام علي (عليه السلام) «وأقدمهم سلما»، وأشار الإمام لذلك بقوله: «وسَبَقْتُ إِلَى الإِيمَانِ»(1)، وقوله (عليه السلام): «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ - وسَمِعَ وأَجَابَ - لَمْ يَسْبِقْنِي إِلَّا رَسُولُ اللهَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بِالصَّلَاةِ»(2) وفي موضع آخر يقول (عليه السلام): «إِنيِّ أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ الله»(3)، وكثيرا ما كان يفتخر (عليه السلام) بسابقته في الاسلام ومسارعته للايمان بالله ونبيه الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، اذ نجده يقول: «انا أول من اسلم مع رسول الله»(4) وفي رواية ثانية عنه: «انزلت النبوة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين، واسلمت غداة يوم الثلاثاء، فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي وانما اصلي عن يمينه، وما معه احد من الرجال غيري»(5) ولما كان التوحيد من أبرز معالم دين الله فقد قرن ایانه (عليه السلام) بالتوحيد الخالص فكان ايمانه إيمان الموحدين الذين بعُد إيمانهم عن كل مظهر من مظاهر الشرك، ومن اقواله الدالة على ذلك: «اللُّهُمَّ وهَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ - ولَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لَهِذِه الْمَحَامِدِ والْمَمَادِحِ غَيْرَكَ»(6). وقال في موضع آخر:

ص: 39


1- نهج البلاغة: ص94
2- نهج البلاغة: ص 247
3- نهج البلاغة: ص 408
4- الكوفي: المناقب: 1 / 275. وينظر أبو جعفر الاسكافي: نقض العثمانية: ص 2. 3. الخطيب: تاريخ بغداد: 4 / 456 الحلبي: السيرة الحلبية: 1 / 445
5- الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل: 2 / 300
6- نهج البلاغة: ص 171

«ونُؤْمِنُ بِه إِیمَانَ مَنْ رَجَاه مُوقِناً... وأَخْلَصَ لَه مُوَحِّداً وعَظَّمَه مُمَجِّداً»(1).

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في ايمانه العميق قد بلغ اعلى درجات اليقين حتى قال: «وإِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وغَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِ»(2). وفي مقولته المأثورة: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً»(3) دليل على انه تسنم درجة الوصول الى اعلى درجات الايمان. ولو لم يفصح (عليه السلام) بهذا البيان عن يقينه لوجدنا عليه الف دليل ودليل في كل حرف نطق به وفي كل حركة او سكنه في سلوكه، وهو من عرف الايمان بقوله: «الإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ - وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ»(4)، فما نطق أمير المؤمنين (عليه السلام) بحرف الا وملؤه اليقين والايمان، ولا اقدم ولا احجم الا وكان في اقدامه واحجامه ما یدلل على يقينه بربه والايان بخالقه(5).

ومن اوضح الدلالات على قوة ورسوخ يقينه ما كان يواجه به تلك العقبات التي لاقاها في مسيرته فكان شعاره الدائم انه على يقين من ربه، ومن ذلك قوله واصفا مناوئيه: «وإِنِّي مِنْ ضَلَالهِمُ الَّذِي هُمْ فِيه - والْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْه - لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي ويَقِينٍ مِنْ رَبِّي - وإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللهَّ لَمُشْتَاقٌ - وَحُسْنِ ثَوَابِه لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ»(6).

وهكذا كان (عليه السلام) ایمانه ایمان من عاين الغيوب، وبلغ حد اليقين، فهو ایمان العارف الموقن، اذ عرض في احدى مقطوعاته الرائعة التي كان يفتتح

ص: 40


1- نهج البلاغة: ص 348
2- نهج البلاغة: ص 50
3- ابن جبر: نهج الايمان: ص 269. السبكي: طبقات الشافعية الكبرى: 6 / 61. القندوزي: ينابيع المودة: 1 / 203
4- نهج البلاغة: ص 700
5- درويش: علي كما وصف نفسه: ص 46
6- نهج البلاغة: ص 627

بها خطبته الى نوع ایانه وكيفيته المستوعبة التي تطرد جميع ما يتعارض مع هذا الايمان، او ما يتزاحم معه في نفس الانسان التي فطرت على طبيعة يمكن أن تضطم على المتناقضات، وتتلاطم فيها المتخالفات، اذ قال (عليه السلام): «الْحَمْدُ للهَّ الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ..، وَنَسْتَعِینُه عَلَى هَذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ - عَمَّا أُمِرَتْ بِه... ونُؤْمِنُ بِه إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ - ووَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ - إِيمَاناً نَفَى إِخْلَاصُه الشِّرْكَ ويَقِينُه الشَّكَّ»(1) تنطوي الكلمات اعلاه على معاني جليلة تنبئ عن مقام خاص بامیر المؤمنين (عليه السلام)، وهو مقام اولیاء الله واصفيائه، الذي يكشف عن بعد معنوي تتميز به تلك الذوات العارفة، هذا البعد میز هذه الصفوة من الناس وجعلهم نخبة مختارة من عباد الله او کما عبر عنهم (عليه السلام) بقوله: «فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا والنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا»(2).

وقد كان (عليه السلام) سید العارفين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك ببيان انه كان قد تسنم درجة الوصول والذي يحق اذا غاب العارف عن نفسه فلحظ جناب الحق حيث انه هو فقط وان لحظ نفسه من حيث هي لاحظة - لا من حيث هي متزينة بزينة الحق، وقد وجد في كلامه واشاراته ما يستلزم حصول هذه المرتبة(3). وهكذا وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) ایمانه، انه من القوة والاستحکام التي ترقى إلى ایمان المشاهدة، وصدق تصديق من لاقي مايوعد، وكل ذلك مقرونا باخلاص لم يتسلل إلى ساحته أي مظهر من مظاهر

ص: 41


1- نهج البلاغة: ص 219
2- نهج البلاغة: ص 528
3- ابن میثم: شرح مئة كلمة: ص 219. لمزيد من التفاصيل عن ريادة الإمام علي (عليه السلام) في العرفان ينظر: النصرالله: شرح نهج البلاغة ص 417. 422

الشرك، ويقين لم يمازجه أي لون من الوان الشك(1).

ومن امثلة تلك المعاينة هي قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أَرَی نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ - ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (صلى الله عليه وآله) - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهَّ مَا هَذِه الرَّنَّةُ - فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه»(2) وذلك انه (عليه السلام) رأى بعين بصيرته الصور الالهية امثال الانوار البهية وفي ذلك دلالة على وصوله واتصاله بأرباب حظيرة القدس وقرب منزلته من تناول صورة الوحي وان صدق انه دون درجة النبوة(3).

فالانسان حينما يتوفر على البصيرة العلمية، ويرى الله في ضوء نور المعرفة ومن خلال ملاحظة اثارة الوجود يمكنه بيسر أن يعرف رسل الله الواقعيين على اساس نفس البصيرة العلمية وفي ضوء عين المعرفة، ومن خلال ملاحظة آثار النبوة. غير أن الرؤية تبلغ في بعض الاحيان درجة من القوة. بحيث يشاهد الانسان نور النبوة في شخص الرسول بواسطة الرؤية القلبية(4).

وقد شهد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) بهكذا مقام يسمو فوق كل الكالمات ليبلغ درجة الوصول التام ويكون في قمة المعرفة اذ قال له: «إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَی - إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ

ص: 42


1- درويش: علي كما وصف نفسه: ص 45
2- نهج البلاغة: ص 6. 4
3- ابن میثم: شرح مئة كلمة: ص 221
4- الريشهري: میزان الحکمة: 4 / 3191

بِنَبِيٍّ» فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان له اتصال بالحق تعالى والوصول التام، وكان ذلك الاتصال حاصلا للامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وان كان دون درجة النبوة.

ومن دلالات معاينته (عليه السلام) للغيوب، اشارته برؤيته للملائكة كما في حادثة تغسيله لجثمان النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ يقول: «ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه صلى الله عليه وآله والمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي - فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ - مَلأٌ يَهْبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ - ومَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَیْنَمَةٌ مِنْهُمْ - يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَیْنَاه فِي ضَرِيحِه».

لقد ولد الإمام علي (عليه السلام) مسلما، لانه من معدن الرسول مولدا ونشاة، ومن ذاته خلقا وفطرة، ثم ان الظرف الذي أعلن فيه عا يكمن في كيانه من روح الاسلام، ومن حقيقته لم يكن شيئا من ظروف الآخرين، ولم يرتبط بموجبات العمر، لان اسلامه كان اعمق من ضرورة الارتباط بالظروف، اذ كان جاريا من روحه کما تجري الأشياء من معادنها والمياه من ينابيعها. ومع أن الروايات لم تتفق على سنه يوم اسلامه، وظهرت فيها نزعات مختلفة، ولكن من مجموعها يستطيع الباحث أن يجزم بانه كان في مطلع شبابه. إذ ملأ الدين الجديد قلبا لم ينازعه فيه منازع من عقيدة سابقة، ولم يخالطه شوب یکدر صفاءه، فبحق ما يقال: أن عليا (عليه السلام) كان المسلم الخالص على سجيته المثلى، وان الدين

ص: 43

الجديد لم يعرف قط احد اصدق اسلاما ولا اعمق نفاذا منه(1). ولكن بعض الشانئين له (عليه السلام) و کاهو دیدنهم مع فضائله (عليه السلام) لم يرق لهم التسليم بسبقه بالاسلام دون أن ينتقصوا من هذا السبق، فمنهم من عد إسلامه (عليه السلام) إسلام تقلید و محاكاة لانه اسلم في عمر الصبا(2)، ومنهم من وضع تصنيف من عند نفسه ليجعل أسبقية الإمام (عليه السلام) لا تعدو الصبيان، فقال: أول من أسلم من النساء خديجة، ومن الصبيان علي (عليه السلام) ومن الموالي زيد، ومن العبيد بلال، ومن الرجال ابو بكر(3).

ولكن هل كان الإمام علي (عليه السلام) کافرا حتى يسلم؟ ومتي اشرك بالله حتى يؤمن؟ وقد انعقدت نطفته على الحنيفية البيضاء، واحتضنه حجر الرسالة، وغذته يد النبوة، وهذبه الخلق النبوي العظيم، فلم يزل مقتصا اثر الرسول قبل ان يصدع بالدين الحنيف وبعده، فلم يكن له هوی غیر هواه، ولا نزعة غير نزعته... ان المراد من اسلامه وایانه واوليته فيهما وسبقه إلى النبي في الاسلام هو المعنى المراد من قوله تعالى عن ابراهیم (عليه السلام): «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»(4)، وفيما قال سبحانه عنه: «إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ»(5)، وفيها قال سبحانه عن موسى (عليه السلام): «أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»(6)، وفيما قال تعالى

ص: 44


1- العقاد: عبقرية الامام: ص 45
2- الحسني: سيرة الأئمة: 1 / 148 - 149
3- الثعلبي: الكشف والبيان: 5 / 85. البغوي: معالم التنزيل: 2 / 322. عبد الله بن قدامة: المغني: 10 / 89. القرطبي: الجامع: 8 / 237. ابن حجر: الاصابة: 1 / 84. الحلبي: السيرة الحلبية: 1 / 444
4- سورة الأنعام الآية 163
5- سورة البقرة الآية 131
6- سورة الأعراف الآية 143

عن نبيه العظيم «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ»(1)، وفي قوله: «أُمِرْتُ أَنْ أُسلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ»(2))(3).

يقول المقريزي(4): (وأما علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، فلم يشرك بالله قط،... فلم يحتج علي (عليه السلام) أن يدعى، ولا كان مشرکا حتى يولد فيقال أسلم، بل كان - عندما أوحى الله إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - عمره ثاني سنين، وقيل: سبع سنين، وقيل: إحدى عشر سنة. وكان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منزله بين أهله كأحد أولاده يتبعه في جميع أحواله).

وهل يدل تأمل حال الإمام (عليه السلام) مع الانصاف الا على انه اسلم، لانه شاهد الاعلام، ورأى المعجزات، وشم ريح النبوة، ورأى نور الرسالة، وثبت اليقين في قلبه بمعرفة وعلم ونظر صحيح، لا بتقليد ولا حمية، ولا رغبة ولا رهبة، الا فيما يتعلق بامور الاخرة(5).

المؤاخاة

من الأحداث التاريخية التي نالت اهتماما من لدن کتاب السيرة النبوية والتاريخ، ماعرف بالمؤاخاة، إذ لما هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى

ص: 45


1- سورة البقرة الآية 285
2- سورة غافر الآية 66
3- الأميني: الغدير: 3 / 239
4- امتاع الأسماع 1 / 33. 34
5- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 13 / 246

المدينة كان من أولى إجراءاته لمعالجة إشكاليات الوضع الجديد كان المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فجعل لكل مهاجر أخ له من الأنصار. ويروى أنّ المؤاخاة بين المسلمين وقعت مرتين: الأولى كانت في مكة قبل الهجرة إذ آخى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين خاصة، والثانية كانت في المدينة بعد الهجرة بخمسة اشهر، فقد آخى النبي بين المهاجرين والأنصار، وفي كلتا المرتين يصطفي لنفسه منهم الإمام عليا (عليه السلام) فيتخذه من دونهم أخاً له، تفضيلا له على من سواه(1).

إن صنيع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المؤاخاة لهو دليل على عظم منزلة الإمام علي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ جعل يضم الشكل إلى الشكل يؤلف بينهما، والدّخر عليا لنفسه، وخصّه بذلك، فيا لها من مفخرة وفضيلة(2).

في الواقع أن هدف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه المؤاخاة لمواجهة المشكلة الاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بالمجتمع المدني بعد هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن الغريب أننا نجد أن أهداف هذه المؤاخاة لا تنطبق على النبي والإمام لأن كليهما مهاجري. فضلا عن ذلك فإن تأكيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أخوته لأمير المؤمنين (عليه السلام) لم تقتصر على يوم المؤاخاة، وانما تكرر ذلك من النبي طوال ثلاثة وعشرين سنة.

لقد كبر على بعضهم هذه المرتبة العظيمة؛ إذ غدا نظير النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فماج الحقد والحسد والبغض في صدورهم الضيقة، فراح كلُّ

ص: 46


1- ابن عبد البر، الاستیعاب: 2 / 511، 3 / 1098. ابن حجر: فتح الباري: 4 / 82. العيني: عمدة القاري: 11 / 80
2- الأميني: الغدير: 3 / 164

منهم يعمل بجد وحسب طاقته ووسعه، لاجل ردها او نفيها، او اشراك غيره فيها، او سلبها منه (عليه السلام)، وهذا هو ديدنهم مع فضائله (عليه السلام)(1)، متخذين عدة أساليب، منها النفي الصريح لأخوته، فحينا هدد بالقتل يوم السقيفة قال: «إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله»، فكان أن نفو قائلين: (أما عبد الله فنعم، واما اخو رسول الله فلا)(2).

ويظهر إنه إتكأ على هذا الموقف عدد من أصحاب الإتجاهات الفكرية فيما بعد، کابن حزم الأندلسي(3) بقوله: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن اخي وصاحبي. وهذا الذي لا يصح غيره، وأمّا أُخّوة علي فلا تصح الا مع سهل بن حنيف). وتلاه ابن تيمية بقوله: (أما حديث المؤاخاة فباطل موضوع، فإِنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يؤاخ احدا، ولا اخي بين المهاجرين بعضهم من بعض، ولا بين الانصار بعضهم من بعض، ولكن آخى بين المهاجرين والأنصار). وقال أيضا:

(إنّ النبيّ صلّى اللهّ عليه وسلّم لم يؤاخ عليّاً ولا غيره، بل كلّ ما روي في هذا فهو کذب)(4).

ولقد أجاد الأميني(5) الرد على ابن حزم بقوله: (انا لا اروم الكلام حول حدیث رآه صحيحا، ولا اناقش في صدوره، ولا أُزيفه بما زیف عمر بن الخطاب

ص: 47


1- ينظر: النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) المنسوبة لغيره الحلقة الاولى ( الولادة في الكعبة): ص 123 - 144
2- ابن قتيبة: الامامة والسياسة 1 / 20. الطبري الصغير: المسترشد: ص 380. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 2 / 90
3- الفصل في الملل والنحل: 4 / 167
4- منهاج السنة: 4 / 32
5- الغدير: 3 / 161 - 163

حديث الكتف والدواة، اذ هذه لدة(1) ذاك صدرا في مرض وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) کما في الصحيحين، و لا اقول بما قال ابن أبي الحديد في شرحه من إنه موضوع وضعته البكرية في مقابلة حديث الاخاء. وانا لا ابسط القول في مفاده بما يستفاد من كلام ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث من أنّ الاخوة هناك منزلة بالاخوة الاسلامية العامة الثابتة بقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»(2) نظير ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله لعمر: يا اخي، ولزيد: انت اخونا، ولاسامة: يا اخي. وإنَّما يفسر تلك الاخوة لفظ البخاري ومسلم، والترمذي: «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابا بكر خليلا، ولكن اخوة الاسلام و مودته». کما أنَّ الخَّلة المنتفية فيه هي الخلة بالمعنى الخاص، لا الخلة العامة الثابتة بقوله تعالى: «الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ»(3). بل اقول عجبا للصلافة التي تحدد الانسان لان يقول: لا يصح غير حدیث حسبه صحيحا، ويجهل مفاده او يعلم ويحب أن يغري الامة بالجهل، ثم يعطف على حديث اعترفت به الأمة جمعاء، وجاء مثبتا في الصحاح والمسانید ویراه باطلا. اهكذا حب الشيء يعمي ويصم؟ أهكذا خلق الانسان ظلوما جهولا؟ هذه الاخوة بالمعنى الخاص الثابتة لامير المؤمنين مما يختص به (عليه السلام) ولا يدعيها بعده الا كذاب، على ما ورد في الصحيح...، وكانت مطردة بين الصحابة كلقب يعرف به، تداولته الاندية، وحوته المحاورات، ووقع الحجاج به، وتضمنه الشعر السائر، ولو ذهبنا إلى جمع شوارد هذا الباب لجاء منه کتاب ضخم، غير إنا نختار منه نبذا...». ثم اورد الحديث بمصادره الكثيرة والفاظه المختلفة المتعددة ومناسباته مما يدل على

ص: 48


1- لدة: الترب المتساوون في السن. وتعني المماثلة والمشابهة. ينظر: ابن سيدة: المخصص النهاية في غريب الحديث 4 / 246، الزبيدي: تاج العروس 18 / 443
2- سورة الحجرات الآية 10
3- سورة الزخرف الآية 67

تواتره(1).

أما كلام ابن تيمية فقد تكفل احد الباحثين برد ادعائه وبيان زيف رأيه، إذ استقصی موارد الاخاء بين الصحابة عامة، وبين النبي والامام خاصة بتفصيل دقيق مما لا يتسع المجال لذكره هنا(2).

فيما لجأ آخرون إلى الدس والتزوير، حيث نسبوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث في حق عدد من الصحابة قبال فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، كالقول «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، ولكن اخي وصاحبي»(3)، قال ابن أبي الحديد(4) (فانهم وضعوه في مقابلة حديث الاخاء). ومنهم من دس في مرویات حادثة الاخاء من سموم الوضع والتحريف کمن دسّ سّما في عسل، فغدت ظاهرها مدحاً لامير المؤمنين (عليه السلام) وباطنها لا يخلو من ذم او اساءة لمقامه الشريف. فبعد أن ثبت لديهم صحة قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «أنت أخي في الدنيا والآخرة»(5)، أخذوا يضيفون عبارات تلقي بضلالها على حال سلبي لأمير المؤمنين وكأن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلاه جاء تسلية له، بعد إذ نساه، مما أدى إلى بكاء الإمام (عليه السلام) أو خوفه من محذور أسخط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه، حيث نسبوا له أنه قال: «لقد ذهبت روحي، وانقطع

ص: 49


1- ينظر الغدير: 3 / 164 - 481
2- محمد الرضي الرضوي: من اقطاب الكذابين احمد بن تيمية الحراني: ص 49 - 235. وكذلك ينظر: الميلاني: ابن تيمية والامام علي (عليه السلام): ص 27 - 31
3- ابن حنبل: المسند: 1 / 412. البخاري: الصحيح: 4 / 191. مسلم: الصحيح: 7 / 108. ابن حزم: المحلى 1 / 35
4- شرح نهج البلاغة: 11 / 49
5- الترمذي: السنن: 5 / 300. ابن عساکر، تاریخ دمشق: 42 / 51. ابن كثير: البداية والنهاية: 7 / 371

ظهري حين رأيتك فعلت باصحابك ما فعلت بغيري، فان كان من سخطة علي فلك العتبى والكرامة»(1)، وأظهرته (عليه السلام) روايات أخرى جاهلا بمقامه، واظهرت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متجاهلا له، فادعت قائلة: (إنّه لما كان النبي يؤاخي، فحانت منه التفاتة، فنظر إلى علي بن ابي طالب جالسا ناحية، وهو يرفع نفسه مرة ويتقاصر مرة، والدموع تنحدر على خديه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ممَّ بكاؤك يا أبا الحسن؟ لا ابكي الله عينيك؟ فقال (عليه السلام): بكائي على نفسي. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ولم ذاك یا ابا الحسن؟ فقال: لانك يا رسول الله كلما اقمت رجلا من المؤمنين قلت: إنّك ستقيمني إليه وتؤاخي بيني وبينه، فتعدل عني الى غيري، فقلت في نفسي: لا اصلح لمؤاخاة رجل من المؤمنين)(2).

هذا هو المقطع الأول من الرواية والاساءة واضحة فيه للنبي الأعظم (صلی الله عليه وآله وسلم) ولامير المؤمنين (عليه السلام)، بل إنّ الراوي بالغ في تصوير الحادثة بهكذا مشهد تجني فيه على مقام النبي والامام. ثم يأتي المقطع الآخر الذي ظاهره المدح لمقام الامام (عليه السلام) اذ يقول: «فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما عدلت عنك، ولكن وجدت الله يعدل بي عنك، فهذا جبرائیل قائم في الهواء كلما اقمت رجلا من المؤمنين واردت أن أقيمك يقول جبريل: اقعد عليا، وأَخِّره في هذا المقام ولا تقدمه، فغمني ذلك، واقلقني وساءني واحزنني، فهبط علي جبریل (عليه السلام) وقال: يا محمد، العلي الاعلى يقرئك السلام ويقول لك قد علمت عزل علي، فلا يغمك ذلك فانها خبأته لك، وقرنته بك، وآخيت بينك

ص: 50


1- الطبراني: المعجم الكبير: 5 / 221. المتقي الهندي: كنز العمال: 9 / 167
2- ابن جبر: نهج الايمان: ص 414

وبينه في السماء والأرض»(1). بل تأتي رواية ثالثة يرويها الصحابي أنس بن مالك، تظهر أنّ الإمام (عليه السلام) ساءه فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فذهب منعزلا شاكيا للسيدة فاطمة (عليه السلام)»(2).

ومن خلال تأمل ما جاء في هذه الروايات يمكن القول(3):

1. أظهرت روايات التآخي بين النبي والامام (صلوات الله علیهما) اقتصارها على حادثة (المؤاخاة) بين الصحابة، في حين قد دلت المصادر على سبق هذا الإخاء في حادثة الانذار، وفي حادثة المبيت على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين فداه بنفسه الشريفة(4)، بل تكرر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التأكيد على أنّ الإمام (اخاه في عدة مواضع كان من ضمنها (المؤاخاة بين اصحابه(5).

2. يبدو مما تدّعيه احدى الروايات في أعلاه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تجاهل الإمام (عليه السلام)، فيما تدعي ثانية أنّه أراد أن يؤاخيه باي فرد من المسلمين، ولكن جبريل كان يمنعه، ولم يدرك الإمام (عليه السلام) سر ذلك حتى ظن بنفسه ونبيه الظنون! بل إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) کما يبدو لم يدرك سر هذا المنع، لذا فانه قد حزن

ص: 51


1- ابن جبر: نهج الايمان: ص 414 - 415
2- ابن جبر: نهج الايمان: ص 426 - 427
3- العواد: السيرة النبوية ص 47. 49
4- ابن شاذان: الروضة: ص 25
5- ابن هشام: السيرة النبوية: 2 / 351 - 352

واغتم لاجل ذلك!! ولكن أليس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو من طلب من الله تعالى أن يجعل له من اهله عليا اخاه ووزيره يشدد به ازره ويعضده في امره(1) ثم ألم يدرك النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) منزلة أمير المؤمنين (عليه السلام) ومقامه حتى تلك اللحظة؟! فظل متحيرا وحزينا لما حدث. والادهى من ذلك أنّ الأمام نفسه ظنَّ بعدم أهليته لمؤاخاة أيِّ احد من المسلمين؟! حتی أنّه لم يطق ذرعا؛ فغادر المكان وذهب حزينا باكيا شاكيا الى زوجته السيدة فاطمة (عليه السلام) من فعل أبيها! وأنَّ هذا لشيء عجاب! ففي الوقت الذي يسيء الراوي للامام (عليه السلام) يقابل ذلك بمدح للسيدة فاطمة (عليه السلام) التي أدركت مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن هذا من الراوي حبا واجلالا للسيدة فاطمة (عليه السلام)، وانها محاولة للتغطية على مقصد الإساءة، ولتكون روايته مقبولة جعل هذا المدح صك شفاعة لقبولها عند قراءها، ولذا نرى امثال هذه الروايات مقبولة في المصادر كافة ومتداولة دون التنبّه لهذا المدح المشوب بالذم.

3. أنّ ما ذكرته هذه الروايات حول ردة فعل الإمام (عليه السلام) وبكائه، وما فعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الارسال في طلبه وترضيته بأن آخاه بنفسه، هي التي جرّأت بعضهم للقول: (إن قضية المؤاخاة توحي بأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يؤاخ احدا لحاجة منه اليه لكثرة اصحابه وخدامه من المهاجرين والأنصار، وانما شرف المرتضى بالاخوة لحزنه وبكائه)(2).

ص: 52


1- الكوفي: المناقب: 1 / 303
2- النقوي: خلاصة عقبات الانوار: 4 / 226

4. ان اوضح دليل على بطلان ما جاء في الروايات أعلاه من مزاعم أنّنا لو رجعنا إلى المصادر الاقدم لوجدناها خالية من هكذا اضافات موضوعة: فابن اسحاق يروي: (وآخی رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين اصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال:... تخوا في الله اخوين اخوین ثم أخذ بيد علي بن ابي طالب، فقال: هذا اخي، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سید المرسلين، وامام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له خطير، ولا نظير من العباد، وعلي بن ابي طالب (عليه السلام) اخوين،...)(1).

آیة أولو الآرحام

من هنا غدا أمير المؤمنين (عليه السلام) الأقرب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد احتج (عليه السلام) بآية: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ»(2)، فقد احتج أمير المؤمنين (عليه السلام) بدلالتها على أنه الاولى بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنّه الأشد قربا منه، إذ يقول (عليه السلام): «وكِتَابُ اللهَّ یَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا، وهُوَ قَوْلُه سُبْحَانَه وتَعَالَى: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ»، وقَوْلُه تَعَالَى: «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ»(3)، فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ وتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ، ولَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الأَنْصَارِ يَوْمَ

ص: 53


1- ابن هشام، السيرة النبوية: 2 / 351 - 352. وينظر أيضا: الكوفي: المناقب: 1 / 301 - 303، 319. ابن المغازلي: المناقب ص 53 - 55
2- سورة الأحزاب 6
3- سورة آل عمران الآية 68

السَّقِیفَةِ بِرَسُولِ اللهَّ صلى الله عليه وآله فَلَجُوا(1) عَلَيْهِمْ، فَإِنْ يَکُنِ الْفَلَجُ بِه فَالْحَقُّ لَنا دُونَکُمْ، وإِنْ یَکُنْ بِغَیْرِه فَالأَنْصَرُ عَلَى دَعْوَاهُمْ»(2).

المحور الثاني: الوصية

لقد غدا أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ يوم الإنذار وصی رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته وبعد مماته، بل أصبح نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب النص القرآني، اذ يقول الحق تعالى: «وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(3) التي اجمع المفسرون أن المراد بنفس النبي هنا هو أمير المؤمنين (عليه السلام)(4). بل إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) صرّح عدة مرات أنّه (عليه السلام) کنفسه، كما في قوله بعد فتح مكة: «لينتهين بنو وليعة أو لابعثن اليهم رجلا كنفسي ينفذ فيهم امري»(5). وفي حادثة أخرى لما حاصر مدينة الطائف، فقال: «والذي نفسي بيده، ليقيمن الصلاة، وليؤتن الزكاة، او لابعثن اليهم رجلا مني او کنفسي... ثم اخذ بيد على فقال: هذا»(6).

ص: 54


1- فلجوا عليهم: اي ظفروا بهم. الجوهري: الصحاح: 1 / 335
2- نهج البلاغة: 529
3- سورة آل عمران الآية 61
4- الثعلبي: الكشف والبيان: 3 / 84 -85. الواحدي: اسباب النزول: ص 68. السمعاني: تفسيره: 1 / 327. النسفي: مدارك التنزيل 1 / 157 - 158. ابن الجوزی: زاد المسير 1 / 338 - 339. الفخر الرازي: مفاتح الغيب 8 / 85 - 86 البيضاوي: تفسيره 2 / 47. ابن حيان الأندلسي: البحر المحيط 2 / 503. الالوسي: روح المعاني: 3 / 188
5- النسائي: السنن الكبری: 5 / 127. وينظر: ابن ابي شيبة: المصنف: 7 / 506. ابن شعبة الحراني: تحف العقول ص 429. ابن ابي الحديد: شرح 9 / 167. المتقي الهندي: کنز العمال: 9 / 163. السيوطي: الدر المنثور: 3 / 213
6- الهيثمي: مجمع الزوائد: 9 / 163. المرعشي: شرح إحقاق الحق: 6 / 450

وقد عبّر الامام الرضا (عليه السلام) عن هذه المنزلة لامير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «فهذه خصوصية لا يتقدمه فيها أحد، وفضل لا يلحقه فيه بشر، وشرف لا يسبقه اليه خلق أن جعل نفس علي کنفسه»(1). وفي صورة اخرى لهذا الاتحاد فيما بينها (صلوات الله عليها)، نقرأ في حديث عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «يا علي، انت مني وانا منك»(2).

ويأتي تصريح آخر من النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لبيان عمق العلاقة بينه وبين أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذلك في حديث المنزلة الشهير: «یا علي! انت منی بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبّي بعدي»(3).

إنّ وقفة موجزة مع دلالات هذا الحديث تقودنا إلى تلمّس شيء من حقيقة هذه (القرابة القريبة) التي ارادها الله تبارك وتعالى ما بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد ربط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علاقته بعلي (عليه السلام) بما كان بين موسى وهارون. وهنا لابد من إيضاح منزلة هارون من موسی (علیه السلام) وهي ما تكفلها القرآن الكريم ببعض مواطنه التي تناول فيها موسى وهارون. ومن ثم نتعرف على ماهيَّة منزلة أمير المؤمنين (عليه السلام) من النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

فمن خلال الأيات القرآنية يمكن الاستدلال على تلك المنازل، وهي كالآتي:

ص: 55


1- الصدوق: الامالي: ص 618
2- الخزاز: كفاية الاثر: ص 108. ابن عساکر، تاريخ مدينة دمشق: 42 / 53، 63
3- ابن ابي شيبة: المصنف: 7 / 496 . ابو جعفر الاسكافي: المعيار والموازنة: ص 219 - 220. ابن حنبل: المسند: 1 / 179. مسلم: صحیح مسلم: 7 / 120. الترمذي: السنن: 5 / 306. الطبراني: المعجم الاوسط: 3 / 139، المعجم الصغير: 2 / 22، المعجم الكبير: 1 / 146 - 148. الصدوق: علل الشرائع: 1 / 222، 2 / 474

المنزلة الأولى: النبوة: قال تعالى: «وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا»(1).

المنزلة الثانية: الوزارة: قال تعالى على لسان موسی (علیه السلام): «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي»(2). وقوله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا»(3). وقال تعالى على لسان موسی (علیه السلام):

«وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي»(4).

المنزلة الثالثة: الخلافة: قال تعالى: «وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(5).

المنزلة الرابعة: القرابة القريبة: قال تعالى على لسان موسی (علیه السلام): «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا»(6).(7) نلاحظ أنّ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) اثبت في حديث المنزلة أن هذه المنازل القرآنية لهارون (عليه السلام)، هي ثابتة لامير المؤمنين (عليه السلام) عدا منزلة النبوة، فكلامه (عليه السلام) شامل لكل المقامات عدا النبوة التي استثناها للحكمة الالهية التي قضت على أنّه لا نبيَّ بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو خاتم الأنبياء والمرسلين كما في قوله تعالى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ

ص: 56


1- سورة مريم الآية 53
2- سورة طه الآيتان 29 - 30
3- سورة الفرقان الآية 35
4- سورة القصص الآية 34
5- سورة الأعراف الأية 142
6- سورة طه الآيات 29 - 35
7- الميلاني: حديث المنزلة: ص 18 - 31

رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا»(1).

واننا لنجد في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) و خطبه الشريفة بعض الايحاءات الجانبية التي تقارب هذه المقامات التي اختص بها (عليه السلام). فالامام (عليه السلام) وإن لم يكن نبّيا، الا أنه كان ذا مقام يصعب على العقول ادراك كنهه، إذ من دلالات هذا المقام ما أشار إليه (عليه السلام) بقوله: «أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِینَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه صلى الله عليه وآله، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهَّ مَا هَذِه الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ»(2).

ولكن ما هي مهمة هارون؟ سنجد ذلك على لسان النبي موسى (عليه السلام) إذ قال «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا»(3). هنا موسی (علیه السلام) يطلب من الله أن يجعل له هارون وزيرا له لماذا؟ لكي يشدد به أزره، ويشركه في أمره، ولكن ما هو أمر موسی؟ أليس هي النبوة، إذا هارون شريكا لموسى في النبوة وهنا أمير المؤمنين شريكا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمره إلا أنه لا نبي بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك فهو إمام، وشادا أزر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومصداق ذلك نجده في سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مدى ثلاث وعشرين سنة. مصاديق ذلك:

ص: 57


1- سورة الأحزاب الاية .4
2- نهج البلاغة: ص 6. 4
3- سورة طه الآيات 29 - 35

أولا: ليلة الهجرة

من بين مهام أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة الهجرة المبيت في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم رد الودائع إلى أهلها، وحمل الفواطم والهجرة إلى المدينة. ففي ليلة هجرته (صلى الله عليه وآله وسلم)، بلغ قریش عزمه ترك مكة فاجمعوا أمرهم على أن ينتخبوا من كل قبيلة فرد فيضربوه ضربة رجل واحد فيضيع دمه بين القبائل(1)، فلما علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمرهم دعا «اوثق الناس عنده وامثلهم في نفسه، وابذهم في ذات الاله لمهجته، واسرعهم اجابة إلى طاعته»(2)، فأوكل اليه ثلاث مهام لا يقوم بها الا هو (صلى الله عليه وآله وسلم) او من يماثله في نفسه اذ جاء ما نصه: «وأمره أن ينام في فراشه الذي كان ينام فيه، وقال له: لن يصل إليك منهم أمرا تكرهه، واوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته ظاهراً على أعين الناس، حيث كانت قريش تدعو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجاهلية بالأمين، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم: فاطمة بنت النبي عليها السلام، و فاطمة بنت أسد أم الإمام علي وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، ومن لم يهاجر معه من بني هاشم ومن ضعفاء المؤمنين، وقال لعلي: «إذا أبرمت ما أمرت به کنّ على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله وسر لقدوم كتابي عليك»(3). وكما هو واضح أن المهام هي تتمثل بالمبيت في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليوهم المشركين أنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لينشغلوا عن متابعته وهو يهاجر إلى المدينة، ومع علم الإمام بقساوة قريش وحقدهم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يتوانون عن قتله في الفراش، لكن

ص: 58


1- البلاذري: أنساب الأشراف 1 / 260، المحب الطبري: الرياض النظرة 3 / 177
2- أبو جعفر الإسكافي: نقض العثمانية: ص 321
3- ابن الصباغ: الفصول المهمة: 1 / 288 - 293

استسلامه لمولاه ومحبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(1). لذا عد العلماء هذا الموقف منه اعظم المحن التي عز نظيرها بل أن الإمام (عليه السلام) قد فاق في تصبره وطواعيته محنة اسماعيل النبي لما اخبره ابوه ابراهیم (عليه السلام) بعزمه على ذبحه تنفيذا لأمر الله جل وعلا(2). وقد خصه الله عز وجل بآية من آيات ذكره الحكيم، وباهی به سادة ملائكته(3) اذ نزل فيه قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ»(4)، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته ظاهراً على أعين الناس، حيث كانت قريش تدعو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجاهلية بالأمين. وهذا ايضا لم يكن بالامر الهين ففيه من المخاطر على حياته ممن يتربصون به ولا يفوتنا دلالة الاشارة في النص اعلاه ((ظاهرا على اعين الناس))، وهذا يجعله بمرأى ومسمع المشركين. ومع ذلك لم يجرؤ احد منهم على التعرض له (عليه السلام). ثم عليه ان يصحب معه الفواطم ويخرج مهاجرا لاحقا به(5)، فهو لم يأتمن غيره على بضعته الطاهرة الصديقة فاطمة (عليه السلام) ومن معها من الفواطم ليأتيه بها إلى حين استقراره (صلى الله عليه وآله وسلم) في دار الهجرة.

وأقام الإمام علي (عليه السلام)، بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله الودائع التي كانت عنده للناس(6)، حيث قام منادياً بالابطح: من كان له قبل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمانة فليأت ترد إليه أمانته

ص: 59


1- المفيد: تفسير القران: ص 422
2- أبو جعفر الإسكافي: نقض العثمانية ص 323، المفيد: تفسير القرآن ص 432
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 262
4- سورة البقرة الآية 207
5- ابن الصباغ: الفصول المهمة: 1 / 303
6- ابن هشام، السيرة: 2 / 106

وقضى حوائجه وجميع أموره وابتاع ركايب وأجمالاً بسبب المهاجرة، وبقي ينتظر مجيء كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1). ثم إلتحق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه الفواطم وعدد من ضعفاء المؤمنين. ولما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدومه (عليه السلام) قال: أدعولي علياً قیل: یا رسول الله لا يقدر أن يمشي، فأتاه (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه، فلما رآه اعتنقه و بکی رحمه لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دما، فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ريقه، ومسح بها قدميه فبرئتا من المرض ولم يشكو بعد ذلك منهما شيئاً(2).

ثانيا: بنو وليعة

بطن من بطون كندة، من بني عمرو بن معاوية، وهي من القبائل القحطانية(3). قدموا مكة لما بدأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض نفسه على القبائل، فرفضوا دعوته، ولما هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة وتمكن من نشر الإسلام، جاءه وفود العرب ومنهم وفد بنو وليعة، فأطعمهم رسول الله صلى الله عليه و آله طعمة من صدقات حضرموت، وكان قد استعمل على حضرموت زیاد بن لبيد البياضي الأنصاري، فدفعها إليهم، فأبوا أخذها، وقالوا: لا ظهر لنا، فابعث بها إلى بلادنا على ظهر من عندك، فأبی زیاد، وحدث بينهم وبين زیاد شر، کاد یکون حربا، فرجع منهم قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وكتب زیاد إليه (عليه السلام) یشکوهم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لتنتهين يا بني وليعة، أو لأبعثن عليكم رجلاً عدیل نفسي، يقتل مقاتلكم، ويسبي

ص: 60


1- ابن الصباغ: الفصول المهمة: 1 / 303
2- ابن الأثير: أسد الغابة: 3 / 285
3- الجوهري: الصحاح 3 / 1304. ابن منظور، لسان العرب 1 / 293. الفيروزآبادي: القاموس المحيط 3 / 97

ذراریکم»، قال عمر بن الخطاب: فما تمنيت الامارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول: هو هذا، فأخذ بيد علي (عليه السلام)، وقال: هو هذا(1). وكان إسلام بنو وليعة ضعيفا فلا مات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت في من إرتد عن الإسلام. وغنت بغاياهم، وخضبن له أيديهن(2).

ثالثا: وفد ثقيف

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لوفد ثقيف: «لتسلمن أو لأبعثن إليكم رجلا مني» أو قال: «عديل نفسي (عليه السلام) وليضربن أعناقكم وليسبين ذراریکم وليأخذن أموالكم» (قال عمر: فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ وجعلت انصب صدري رجاء أن يقول: هو هذا فالتفت فأخذ بيد علي وقال: هو هذا، مرتين(3).

رابعا: سورة براءة

بعد فتح مكة المكرمة وتحولها إلى دار الإسلام أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يوقف الأعمال غير الشرعية التي يمارسها المشركون في مكة، فأرسل أبا بكر بتبليغ أحكام القرآن التي وردت في سورة براءة، ومنها ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الانفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدة فأجله إلى مدته، والله برئ من المشركين ورسوله، فسار أبو بكر ثلاثا ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 61


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 294
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 294
3- البلاذري: أنساب الأشراف 2 / 123، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 9 / 167، المحب الطبري: الرياض النظرة 3 / 119، البري: الجوهرة ص 73، البحراني: غاية المرام 5 / 23

لعلي: «الحقه»، فرد علي أبا بكر، وبلغها أنت. فرجع أبو بكر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باكيا. وقال: يا رسول الله حدث في شئ؟ قال: «ما حدث فيك الا خير، ولكني أمرت أن لا يبلغه الا أنا أو رجل مني»(1).

تدلنا القرائن الحالية والمقالية في المقام، أن القصد من التبليغ في هذه الروايات وما شابهها تبلیغ ما أوحى الله إلى رسوله من احکام إلى المكلفين بها في بادئ الأمر، وهذا ما لا يقوم به الا الرسول أو رجل من الرسول. ويقابل هذا التبليغ التبليغ الذي يقوم به المكلفون بتلك الأحكام بعدما بلغوا بها بواسطة الرسول أو رجل من الرسول فان لهم عند ذاك أن يقوموا بتبليغها إلى غيرهم، ويطرد جواز هذا التبليغ ورجحانه ويتسلسل مع كل من بلغه الحكم إلى أبد الدهر. وواضح أن الرسول عني بقوله «لا يبلغ عني غيري أو رجل مني التبليغ» من النوع الأول(2)

خامسا: تبوك

في السنة التاسعة من الهجرة قرر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخروج لغزو تخوم الروم، وقال لأمير المؤمنين: أما أن تخرج وأقيم أو أقيم وتخرج، فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبقي الإمام على المدينة، فأرجف البعض طعنا بأمير المؤمنين، فخرج الإمام (عليه السلام) وأدرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره بقول المرجفين، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(3).

ص: 62


1- ابن حنبل: مسند 1 / 3، النسائي: السنن الكبرى 5 / 129، الصدوق: علل الشرائع 1 / 190، الهيثمي: مجمع الزوائد 3 / 238
2- العسكري: معالم المدرستين 1 / 315
3- كتاب سليم ص 195، المفيد: الإرشاد 1 / 8، ابن المغازلي: مناقب علي (عليه السلام) ص 46

دور الإمام علي (عليه السلام) الجهادي

تعد الشجاعة من أهم صفات الإمام علي (عليه السلام)، إذ انه انسى فيها ذكر من كان قبله، ومحا اسم من ياتي بعده، والمعروف عنه (عليه السلام) انه ما بارز احداً الا قتله، ولا ضرب ضربة فاحتاجت الأولى إلى ثانية بل «کانت ضرباته وتراً»(1). وقد وظف الإمام (عليه السلام) شجاعته في الجهاد في سبيل الله، حتی اصبح معروفاً لدى اعدائه واوليائه انه سيد المجاهدين(2)، وكانت علائم شجاعته الواضحة في مبیته في فراش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة الهجرة في الوقت الذي اجمعت فيه قريش على ضرب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ضربة واحدة من قبل اربعین شخصاً ينتمون لاربعين قبيلة، فلم يعبأ (عليه السلام) بذلك، ولم يكتف بهذا الدور بل قام بارجاع كل الودائع والامانات التي كانت عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لاهلها ثم هاجر علناً.

والى ذلك اشار - الاسكافي - احد معتزلة بغداد بأنه لما علم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بخطة قريش بقتله «دعا اوثق الناس عنده، وامثلهم في نفسه، وابذلهم في ذات الله لهجته، واسرعهم اجابة إلى طاعته، فقال له: أن قريشاً قد تحالفت على أن تبيتني هذه الليلة، فامض الى فراشي، ونم في مضجعي، والتف في بردي الحضرمي ليروا اني لم اخرج، واني خارج ان شاء الله، فمنعه اولاً من التحرز واعمال الحيلة، وصده عن الاستظهار لنفسه بنوع من انواع المكايد والجهات التي يحتاط بها الناس لنفوسهم، والجأه ان يعرض نفسه لظبات السيوف الشحيذة من ايدي ارباب الحنق والغيظة، فأجاب الى ذلك سامعاً مطيعاً طيبة بها نفسه،

ص: 63


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 50. قال ابن فارس في المجمل: كانت ضربات علي - ع - في الحرب ابكاراً. ان اعتلى قد، وان اعترض قط. المجمل 1 / 133
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 1 / 24

ونام على فراشه صابراً محتسباً، واقياً بها بمهجته، ينتظر القتل، ولا نعلم فوت بذل النفس درجة يلتمسها صابر، ولا يبلغها طالب؛ «والجود بالنفس اقصى غاية الجود»؛ ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم انه اهل لذلك، لما اهله، ولو كان عنده نقص في صبره، او في شجاعته او في مناصحته لابن عمه، واختير لذلك، لكان من اختاره صلى الله عليه وآله منقوصاً في رأيه، مضراً في اختياره، ولا يجوز ان يقول هذا احد من اهل الاسلام، و كلهم مجمعون على أن الرسول صلى الله عليه وآله عمل الصواب واحسن الاختيار»(1).

كانت معركة بدر الكبرى (2 ه) هي من اعظم غزوات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واشدها نكاية بالمشركين، وقد قتل منهم سبعون رجلاً، قتل الامام علي (عليه السلام) نصفهم بينما قتل المسلمون والملائكة النصف الاخر(2). اما موقفه (عليه السلام) يوم الخندق فقد أجاد في وصفه ابن أبي الحديد اذ قال:

«فاما الحرجة التي خرجها يوم الخندق الى عمرو بن عبدود، فانها اجل من أن يقال جليلة، واعظم من أن يقال عظيمة، وما هي الا كما قال شيخنا ابو الهذيل وقد سأله سائل: ایا اعظم منزلة عند الله علي ام ابي بكر؟ فقال يا ابن أخي، والله لمبارزة علي عمرا يوم الخندق تعدل اعمال المهاجرين والأنصار وطاعتهم كلها وتربی عليها فضلا عن أبي بكر وحده»(3).

ص: 64


1- أبو جعفر الاسكافي: نقض العثمانية ص 322. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 259. وقد حاول البعض التنقص من فضيلة المبيت هذه، وتصدى للرد عليهم أبو جعفر الاسكافي في كتابه اعلاه. ينظر: الاسكاني: نقض العثمانية ص 321 - 326. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 258 - 264
2- الواقدي: المغازي 1 / 147 - 152. البلاذري: انساب الاشراف 1 / 296 - 304، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 1 / 24، 10 / 181 - 182
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 19 / 60

رؤية ابو الهذيل اعلاه سبق وان اشار اليها الصحابي حذيفة بن اليمان حينما قال: «والذي نفس حذيفة بيده لو وضع جميع اعمال امة محمد في كفة ميزان منذ بعث الله تعالى محمد الى يوم الناس هذا، ووضع عمل واحد من اعمال علي في الكفة الاخرى لرجح على اعمالهم كلهم». فاعتبر احد السامعين هذا الكلام اسرافاً فاجابه حذيفة: «يا لكع، وكيف لا يحمل، واین كان المسلمون يوم الخندق، وقد عبر اليهم عمرو واصحابه، فملكهم الهلع والجزع، ودعا إلى المبارزة فاحجموا فبرز اليه علي فقتله والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم اعظم اجراً من اعمال امة محمد صلى الله عليه وآله إلى هذا اليوم والى أن تقوم الساعة»(1).

وقد علق - ابو الخير مصدق بن خير النحوي(2) - شیخ ابن أبي الحديد على قول عمرو بن عبدود للامام علي (عليه السلام) «لقد كان ابوك نديماً لي وصديقاً، فارجع فاني لا احب ان اقتلك» فقال أبو الخير: «والله ما امره بالرجوع ابقاءً عليه، بل خوفاً منه، فقد عرف قتلاه ببدر واحد، وعلم انه ان ناهضه قتله، فاستحيا ان يظهر الفشل، فأظهر الابقاء والرعاء، وانه لكاذب فيهما»(3).

ان جهاد الامام هذا يعد من نعم الامام على الصحابة «وان من انصف علم انه لولا سيف علي - (عليه السلام) - لاصطلم المشركون، وقد علمت آثاره في بدر واحد والخندق وخيبر وحنين، وان الشرك، فيها فغرفاه، فلولا سده بسيفه الالتهم المسلمين كافة»(4)، وكان (عليه السلام) يفتخر بشجاعته، ويوظف اسمه

ص: 65


1- المفيد، الارشاد ص 41. الطبرسي: اعلام الوری ص 193 - 4. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 19 / 60 - 61
2- الأديب البارع ولد في قرية دوران احدى قرى الصلح من سواد شرقي واسط سنة 535 ه. وتوفي في بغداد سنة 605. وانظر ترجمته: الحموي: معجم الأدباء 19 / 147 - 148: ابن الأثير: الكامل 12 / 282
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 19 / 61
4- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 141

الاول - حيدرة - لارهاب الخصم، وهو الاسم الذي اسمته به امه اولاً، والمعروف ان ؇حيدرة - من اسماء الأسد، وفيه اشارة الى الشجاعة(1)، وقد اصبح هذا الاسم فيما بعد اسماً على مسمى، فكان - (عليه السلام)- لما برز يوم خيبر ارتجز قائلاً:

انا الذي اسمتني امي حيدرة.(2) وكان (عليه السلام) تكتنفه الملائكة(3) في حملاته الجهادية فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعثه، وجبريل عن يمينه، و میکائیل عن شماله، ولذلك شهد جبریل للامام يوم احد حينما نادی:

لا سیف الا ذو الفقار *** ولا فتى الا علي(4) ولم يقتصر جهاده (عليه السلام) على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاذا كان (صلى الله عليه وآله وسلم) قاتل على التنزيل، فعلي (عليه السلام) قاتل على التأويل(5)، لذلك كان (عليه السلام) أول من سن قتال أهل القبلة، وكان المسلمون

ص: 66


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 12، 19 / 127. محب الدين الطبري: الرياض النظرة 2 / 205. الدميري: حياة الحيوان الكبرى 1 / 3
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 12. وينظر: مسلم الصحيح 12 / 185. ابو الفرج: مقاتل الطالبيين ص 16. الحاكم: المستدرك 3 / 41، 116. المفيد: الارشاد ص 50
3- انظر تحليل ابن أبي الحديد لنزول الملائكة. الشرح 1 / 157 - 164. وانظر ابن عبد البر: الاستيعاب 3 / 1101. محب الدين: الرياض 2 / 251
4- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 7 / 219
5- روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: «ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، فاستشرف لها القوم، وفيهم أبو بكر وعمر قال أبو بكر: أنا هو. قال: لا. قال عمر: انا هو. قال: لا، ولكن خاصف النعل يعني علياً. فأتيناه فبشرناه، فلم يرفع رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). المنقري: صفين ص 148. الملطي: التنبيه ص 25. الحاكم: المستدرك 3 / 132. محب الدين: الرياض 2 / 252. ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 305، 361. المتقي الهندي: کنز العمال 12 / 211

قبله يتحاشون ذلك حتى قال الامام الشافعي: ما عرفنا قتال اهل البغي الا من علي(1).

ونتيجة لذلك كانت الشعوب تتیمن بالامام خيراً وتصور ملوك الفرنج والروم صورته في بيعها، وبيوت عبادتها، حاملاً سيفه، مشمراً لحربه، وتصور ملوك الترك والديلم صورته على اسيافها! كان على سيف عضد الدولة بن بوية، وسيف ابيه ركن الدولة صورته، وكان على سيف الب ارسلان وابنه ملکشاه . صورته، كأنهم يتفائلون به النصر والظفر(2). وجملة الأمر أن كل شجاع في الدنيا اليه ينتهي، وبأسمه ينادي في مشارق الأرض ومغاربها(3).

ص: 67


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 9 / 331. وينسب القاضي هذا القول للامام أبي حنيفة: شرح الأصول الخمسة ص 161
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 28 - 29
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 21. ومع كل هذه الأدلة على شجاعة الامام نجد البعض قد حاول التمويه على ذلك واعتبار ذلك تهوراً وليس شجاعة. وللتفاصيل ينظر الشرح 3 / 285 - 6. الجاحظ: العثمانية ص 47. الاسكاني: نقض العثمانية ص 333 - 336

المحور الثالث: الخلافة (الإمامة)

ان هذه العلاقة الفريدة التي جمعت بين النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) - إذنال من لدنه (صلى الله عليه وآله وسلم) اهتماماً منقطع النظير، وإعداداً ممیزاً لم ينله احد سواه - مدعاة للتساؤل عن موقعية شخصية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، التي استلزمت هذه الحظوة من لدن السماء على يد سيد المرسلين وخاتم الانبیاء (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فما هو الهدف من وراء هذا الاعداد الالهي المحمدي؟ بعد ان تخطت حدود العلاقة بينهما كل المسميات الثانوية، لتقف عند مرتکز اساسي بتدخل السماء في كل خطوة خطاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريق تهيئة شخصية أمير المؤمنين لمقام «الامامة» باعتبارها الامتداد الضروري للنبوة؟ ومع كل المعطيات السابقة، عاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرة أخرى ليؤكد للأمة على دور الإمام علي (عليه السلام) الريادي في قيادة الأمة على مستوى القيام على الشريعة، وعلى مستوى قيادة الأمة في الجانب السياسي، واستجابة للأمر الإلهي «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1)، فعند رجوعه (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع المسلمون في غدیر خم وأبلغهم بالأمر الإلهي الذي يقتضي قيادة أمير المؤمنين (عليه السلام) للأمة. إذ أن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) من سنخ ولاية الله ورسوله، فمثلما كانت ولاية الله ورسولة عامة، فكذلك ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومثلما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بالمؤمنين من أنفسهم حسب النص القرآني فكذلك غدا أمير المؤمنين (عليه السلام) «من کنت مولاه فهذا علي مولاه»(2)

ص: 68


1- سورة المائدة الآية 55
2- لمزيد من التفاصيل عن يوم الغدير يراجع كتاب الغدير في الكتاب والسنة والتاريخ والأدب للشيخ الأميني في أحد عشر جزء

إن الذي يميز رؤية أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الإمامة أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو صاحب هذا المقام فهو الاولى في بيان ماهيته وشرائطه والمهام المناطة بشخصه لاكمال الدور النبوي المنقطع برحيل خاتم الانبیاء (صلی الله عليه وآله وسلم)(1) فالإمامة واجبة على الله، إذ «لا تَخْلُوا الاَرْضُ مِنْ قَائِمِ للّهَّ بِحُجَّهٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَ إِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللّهَّ وَ بَیِّنَاتُه»(2)، فالامامة من مصادیق حجج الله على عباده، وهي واجبة في كل زمان ما دام التكليف باقياً، والائمة اما ان يكونوا ظاهرين معروفين، او مستترين من الخلق العلة وضرورة اقتضتها الحكمة الالهية كما هو حال الامام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف.

وإن مقام الإمامة مختصا بنخبة مصطفاة من رهط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، «إِنَّ اَلْأَئِمَّهَ مِنْ قُرَیْشٍ، غُرِسُوا فِی هَذَا اَلْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لاَ تَصْلُحُ عَلَی مَنْ سِوَاهُمْ، وَ لاَ تَصْلُحُ اَلْوُلاَةُ مِنْ غَیْرِهِمْ»(3). وهم «الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهَّ قَدْراً»(4)، إذ « أَسْمَاؤُهُمْ فِی السَّماَءِ مَعْرُوفَةٌ وفِي الَأَرْضِ مَجْهُولَةٌ»(5)، وهم كبنجوم السماء دلالة على ضرورة استمرار الامامة فيهم: «ألَا إِنَّ مَثَلَ آل مُحَمَّدٍ، صلّی اللّه علیه وآله کَمَثَلِ نُجُومِ السَّماءِ، إِذَا خَوَی نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ»(6).

ومن خصائص من يستحق الإمامة، هو اصطفائهم من لدن الله سبحانه

ص: 69


1- العواد: السيرة النبوية ص 75. 79
2- نهج البلاغة: ص 686 - 687
3- نهج البلاغة: ص 263
4- نهج البلاغة: ص 687
5- نهج البلاغة: ص 371
6- نهج البلاغة: ص 186

«فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَاٍ وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا»(1)، وقد عز نظيرهم في الوجود فلا يقاس بهم احد(2)، وقد اشاد القرآن بفضلهم ونزلت آياته بمدحهم «فِيهِمْ كَرَائِمُ الْقُرْآنِ، وَ هُمْ كُنُوزُ الرَّحْمَنِ»(3). و«لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلاَيَةِ، وفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ والْوِرَاثَةُ»(4)، فهم يمتلكون خصائص حق الولاية ولا يمتلك غيرهم تلك الخصائص. لذلك انحصرت فيهم الوراثة(5). ومن ابرز تلك الخصائص واهمها كونهم يشاركون النبي، بل الانبياء جميعاً في خصائصهم، فهم من طين سيد البشر (صلى الله عليه وآله وسلم) ورزقوا فهمه وعلمه(6). ومن خصائصهم لزوم الرجوع اليهم في كل الامور «هُمْ عَیْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ، یُخْبِرُکُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِکَمِ مَنْطِقِهِمْ، لاَ یُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ یَخْتَلِفُونَ فِیهِ، وَهُمْ دَعَائِمُ الإِسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ الإِعْتِصَامِ، بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَی نِصَابِهِ، وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ»(7). اذ بين علة دعوة الناس الى اتباعهم (عليه السلام)، وفي نص آخر «فَأَیْنَ یُتَاهُ بِکُمْ؟ وَکَیْفَ تَعْمَهُون؟ وَبَیْنَکُمْ عِتْرَهُ نَبِیِّکُمْ، وَهُمْ أَزِمَّهُ الْحَقِّ، وَأَعْلَامُ الدِّینِ، وَأَلْسِنَهُ الصِّدْقِ، فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ، وَرِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِیمِ الْعِطَاش»(8). إذهم «الشِّعارُ والَأصْحَابُ والْخَزَنَةُ والَأبْوَابُ،

ص: 70


1- نهج البلاغة: ص 528
2- اشارة لقوله (عليه السلام): «لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله مِنْ هَذِه الُأُمَّةِ أَحَدٌ، ولا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْه أَبَداً» نهج البلاغة: ص 25
3- نهج البلاغة: ص 283
4- نهج البلاغة: ص 25
5- العواد: السيرة النبوية ص 76
6- الدرويش: علي كما وصف نفسه: ص 22
7- نهج البلاغة: ص 489
8- نهج البلاغة: ص 141

ولَا تُؤتَی البُیُوتُ إلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَیْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً»(1).

ويأتي مقام العصمة من أهم المؤهلات الواجب توافرها في صاحب مقام الامامة، إذ يجب لزوم الطاعة لهم (عليه السلام): «انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ، فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ»(2)، هذا المقطع متحد في معناه ودلالته مع حديث الثقلين اذ يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي(3). فهو دال على العصمة من جانبين:

الاول: اقترانهم بالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذ «بِهِمْ عُلِمَ اَلْکِتَابُ وَبِهِ عُلِمُوا»(4)، وانهم (عليه السلام) مستودع كتبه: «هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ، وَ لَجَأُ أَمْرِهِ، وَ عَیْبَةُ عِلْمِهِ، وَ مَوْئِلُ حُکْمِهِ، وَ کُهُوفُ کُتُبِهِ، وَ جِبَالُ دِینِهِ»(5).

الثاني: وجوب طاعتهم طاعة مطلقة «وَخَلَّفَ فِينَا رايَةَ الْحَقِّ، مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ، وَمَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ»(6).

وإن من دلائل العصمة (الصدق) الذي يعد من الكمالات الذاتية، فإنهم: «إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا»(7). بل هم «أَلْسِنَةُ الصِّدْقِ»(8) ومن أدلة العصمة أيضاً ملازمتهم

ص: 71


1- نهج البلاغة: ص 283
2- نهج البلاغة: ص 181
3- ابن أبي شيبة: المصنف 7 / 176، ابن حنبل: مسند 3 / 14، الحاکم: المستدرك 3 / 148
4- نهج البلاغة: ص 749
5- نهج البلاغة: ص 25
6- نهج البلاغة: ص 185
7- نهج البلاغة: ص 283
8- نهج البلاغة: ص 141

للحق ملازمة دائمة، «هم أزمة الحق»(1)، «لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه»(2).

ثم أن من سمات الإمام العلم، إذ «إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَیْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِاَمْرِ اللّهِ فِیهِ»(3)، و«إِنَّ أَوْلیَ اَلنَّاسِ بِالْأَنْبِیَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ»(4). من هنا فإن من مراتب الامامة أنها مرجعية دينية، لذا يجب الرجوع اليهم (عليه السلام) وملازمتهم وطاعتهم. وايضاً كقيادة سياسية واجتماعية، فإن: «مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً، فَلْیَبْدَأْ بِتَعْلِیمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِیمِ غَیْرِهِ...»(5). ويجب على الأمة معرفة الامام، إذ لا عذر لهم في ذلك: «عَلَیْکُمْ بِطَاعَهِ مَنْ لاَ تُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِه»(6)، حيث «لاَ یَدْخُلُ اَلْجَنَّهَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَ عَرَفُوهُ، وَ لاَ یَدْخُلُ اَلنَّارَ إِلاَّ مَنْ أَنْکَرَهُمْ وَ أَنْکَرُوهُ»(7).

أهل البيت عليهم السلام

إن من مظاهر اختصاص أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قربه منه، تلك المصاهرة الطيبة، إذ زوجه من السيدة فاطمة (عليه السلام) التي هي بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، تلك المصاهرة التي أفضت إلى النسل الطاهر. فكان (عليه السلام) كفؤ ابنته التي لولاه لم يكن لها كفؤ على وجه الارض آدم فما دونه(8). وطالما كان (عليه السلام) يفتخر بذلك إذ قال:

ص: 72


1- نهج البلاغة: ص 141
2- نهج البلاغة: ص 489
3- نهج البلاغة: ص 329
4- نهج البلاغة: ص 670
5- نهج البلاغة: ص 656
6- نهج البلاغة: ص 690
7- نهج البلاغة: ص 279
8- الطبري الصغير: دلائل الامامة: ص 80. ابن الفتال: روضة الواعظين: ص 148

محمد النبي اخي وصهري *** وحمزة سید الشهداء عمي(1) لقد كانت آية أولو الأرحام فيها دلالة على اولويتهم بالامامة والامرة بعد النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)،(2) فقد روي أنّ الامام الحسين (عليه السلام) سأل جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تفسير هذه الآية، فقال: «والله ما عنى بها غير كم، وانتم اولوا الارحام فاذا مت، فابوك علي اولى بي وبمكاني...»(3)، وقال لأمير المؤمنين (عليه السلام): «أنا اولى بالمؤمنين منهم بانفسهم ثم انت یا علي اولى بالمؤمنين...» حتى عد الائمة تباعا(4).

وَيعدُّ أمير المؤمنين (عليه السلام) من سنخ شجرة الأنبياء، ومن معدن النبوة(5). وقد جمع (عليه السلام) بين النبوة والامامة في الاصطفاء من تلك الشجرة التي صدع منها انبياءه، في قوله: «حَتَّى أَفْضَتْ کَرَامَةُ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله، فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ اَلْمَعَادِنِ مَنْبِتاً وَ أَعَزِّ اَلْأَرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ اَلشَّجَرَةِ اَلَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ، وَ اِنْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ، عِتْرَتُهُ خَيْرُ اَلْعِتَرِ، وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ اَلْأُسَرِ، وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ اَلشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ، وَ بَسَقَتْ(6) فِي کَرَمٍ، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ، وَ ثَمَرٌ لاَ يُنَالُ»(7). فهنا جمع الامام للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الكلام اولا فضل النبوة، وأصل الارومة، أي الشجرة، مشيرا بقوله في أول

ص: 73


1- البلاذري: انساب الاشراف: 5 / 111. ابن عساکر: تاریخ دمشق: 23 / 54. ابن ابي الحديد: شرح 4 / 122. ابن كثير: البداية والنهاية: 8 / 9. المتقي الهندي: كنز العمال: 13 / 112
2- الصدوق: علل الشرائع: 1 / 207. ابن مردويه: المناقب: ص 250، 298
3- الخزاز: كفاية الاثر: ص 175. المجلسي: بحار الانوار: 36 / 344. البحراني: غاية المرام: 1 / 195
4- الخزاز: كفاية الاثر: ص 177
5- نهج البلاغة: ص 210
6- بسقت: بسق: طال وعلى وارتفع. الجوهري: الصحاح: 4 / 1450. ابن منظور: لسان العرب: 10 / 20
7- نهج البلاغة: ص 176

كلامه الى ختام عهد النبوة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا الافضاء كأنّه سبب إلى أن يكون خلاصة في كل فضيلة، لا في النبوة وحدها، فهو - فعلا - خلاصة في العقل والكال والصبر والطهارة والتقوى والقرب من الله تعالى، ومن ثم فقد جمع بين النبوة والامامة في الاصطفاء، فهو حين عمّ في قوله: «مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِساً» - أي نسلا ساميا - عمد الى التخصيص، فقال: «مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه»، وهي شجرة النبي إبراهيم (عليه السلام). واتبعه بالتصريح متدرجا بالاخص فالاخص، فبدأ باهل البيت (عليه السلام) وهم العترة الطاهرة، قائلاً: «عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الأُسَرِ، وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ»، یعني بعترته اهل بیته وهم: الإمام علي والسيدة فاطمة وابناهما الإمامان الحسن والحسين (عليه السلام)، واولاد الإمام الحسين من الأئمة المعصومين (عليه السلام)(1).

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يفتخر بأنّهم ؆ أي اهل البيت - الاقرب الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاشد التصاقا به؛ اذ يقول: «ونَحْنُ الأَعْلَوْنَ نَسَباً والأَشَدُّونَ بِرسُولِ الله صلى الله عليه وآله نَوْطاً(2)»(3). بل كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد أنّ عترته الأطايب، هم من طينته، وأنهم يشاركونه خصائصه التكوينية، اذ كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «ان لكل بني أب عصبة ينتمون إليه، الا ولد فاطمة، فأنا وليهم، وانا عصبتهم، وهم عترتي، خلقوا من طينتي، ويل للمكذبين بفضلهم»(4). وفي حديث آخر: «من سّره أن يحيی

ص: 74


1- الفحام: بلاغة النهج: ص 23 - 24
2- النوط - بالفتح: التعلق والالتصاق. الفراهيدي: العين: 7 / 455. ابن منظور، لسان العرب: 7 / 418
3- نهج البلاغة: ص 304
4- ابن عساکر، تاريخ مدينة دمشق: 36 / 313. المتقي الهندي: كنز العمال: 12 / 98

حياتي، ويموت ماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليّاً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالائمة من بعدي، فأِنّهم عترتي، وخلقوا من طينتي، ورزقوا فهما وعلما»(1).

لقد تعارف على تسمية تلك الأسرة التي تكونت من علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام بأسم (اهل البيت) ووصفوا بأنهم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله أي اهله الادنين ونسله ولا تشمل رهطه وان بعدوا.(2) والعترة التي بينها الرسول صلى الله عليه وآله هي ما اشار اليها في قوله «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي، حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض»(3) وبين في مقام اخر اهل بيته لما طرح عليهم کساءا فنزل قوله تعالى «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(4)، فقال الرسول صلى الله عليه واله: «اللهم هؤلاء اهل بيتي فأذهب الرجس عنهم» وهم علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)(5).

وقد نعت الامام علي العترة بانها السبب(6)، وانها راية الحق(7) قال ابن أبي الحديد (ان الامام يشير هنا إلى نفسه وولديه، والأصل في الحقيقة نفسه(8)، حيث

ص: 75


1- ابن عساکر، تاریخ دمشق: 42 / 240. یحیی بن الحسين: التحفة العسجدية: ص 137. الكليني: الكافي: 1 / 208. ابن شهر آشوب: مناقب آل ابي طالب: 1 / 251 . ابن البطريق: خصائص الوحي المبين: ص 30
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 6 / 375
3- الحاكم: المستدرك 3 / 118، 163. الخوارزمي: المناقب ص 93
4- سورة الأحزاب الآية 33
5- الحاكم: المستدرك 3 / 117، 163، 158 - 60. ابن تيمية: منهاج السنة 2 / 121
6- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 9 / 133
7- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 7 / 85
8- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 6 / 376

وصف نفسه (دليلها مكيث الكلام) أي بطيئة(1) اما ولداه فهما تابعان له ونسبتهما له كنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة، وقد اشار لذلك النبي صلى الله عليه وآله بقوله لهما: وابوكما خير منكما(2)).

وعد الامام علي (عليه السلام) اهل البيت «ازمة الحق، واعلام الدين، والسنة الصدق، فانزلوهم منزلة القرآن». ان تحت قوله (عليه السلام): فأنزلوهم منزلة القرآن، سر عظيم، وذلك انه امر المكلفين بأن يجروا العترة في الاجلال والاعظام والانقياد لها والطاعة لاوامرها مجرى القرآن.(3) هذه الرؤية تشعر بعصمة الإمام علي (عليه السلام) عند الإمامية والمعتزلة إذ أن ((ادلة النصوص قد دلت على عصمته، والقطع على باطنه ومغيبه، وان هذا امرا اختص هو به دون غيره من الصحابة.))(4).

ثم ان آل البيت عليهم السلام هم (ابواب الحكم) وهي الشرعيات والفتاوي وهم ضياء الامور، أي العقليات والعقائد، وهذا المقام العظيم لا يستطيع ان يجسر احد من المخلوقين على ادعائه الا الامام علي (عليه السلام) فلو ادعاه غيره لكذب وكذبه الناس(5). وقد قال (عليه السلام): «نحن مختلف الملائكة»(6) ولذا دعا الامام علي الناس الى «ورودهم ورود الهيم العطاش»، أي الحرص على اخذ

ص: 76


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 7 / 85
2- ابن عبد ربه: العقد الفريد 4 / 312. الصبان: اسعاف الراغبين ص 116
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 373/6، 376
4- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 6 / 376 - 7
5- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 7 / 289
6- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 7 / 218

العلم والدين منهم(1)، ووصف امرهم بانه «صعب مستعصب لا يحتمله الا عبدا امتحن قلبه للايمان». والمعنى انهم صبرٌ على التقوى اقوياء على احتمال مشاقها، ويجوز أن يكون وضع الامتحان موضع المعرفة لأنه تحققك الشيء انما يكون باختياره - ويجوز أن يكون المعنى: ضرب الله على قلوبهم بانواع المحن والتكاليف الصعبة لاجل التقوى - ويجوز أن يكون المعنى انه اخلص قلوبهم للتقوى من قولهم: «امتحن الذهب، اذا اذابه فخلص ابريزه من خبثه ونفاه»(2).

وفي شرحه لقوله (عليه السلام): (لا يقاس بال محمد من هذه الأمة احد، ولا يسوی بهم من جرت نعمتهم عليه ابدا)، قال ابن أبي الحديد: ((لا شبهة ان المنعم اعلى واشرف من المنعم عليه، ولا ريب أن محمداً صلى الله عليه وآله واهله الادنين من بني هاشم، - لاسيما عليا (عليه السلام) - انعموا على الخلق كافة بنعمة لا يقدر قدرها، وهي الدعاء الى الاسلام، والهداية اليه، فمحمد صلى الله عليه وآله وان كان هدى الخلق بالدعوة التي قام بها بلسانه ويده، ونصرة الله تعالى له بملائكته وتأييده، وهو السيد المتبوع والمصطفی المنتجب، الواجب الطاعة الا آن لعلي (عليه السلام) من الهداية ايضا وان كان ثانيا لاول ومصليا على اثر سابق، ما لا يجحد ولو لم يكن الا جهاده بالسيف اولا وثانيا، وما كان بين الجهادين من نشر العلوم، وتفسير القران وارشاد العرب إلى ما لم تكن له فاهمه، ولا متصوره، لكفی في وجوب حقه، وسبوغ نعمته (عليه السلام)، فان قيل: ؆ فاي نعمه له عليهم؟ قيل: نعمتان: الأولى منهما، الجهاد عنهم وهم قاعدون، فان من انصف علم انه لولا سيف علي (عليه السلام) لاصطلم المشركون ؇ وقد علمت اثاره في بدر واحد والخندق وخيبر وحنين، وان الشرك فيها فغر فاه، فلولا أن سده بسيفه

ص: 77


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 6 / 373، 377
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 13 / 101، 105

لالتهم المسلمين كافة، والثانية: علومه التي لولاها لحکم بغير الصواب في كثير من الاحكام وقد اعترف عمر له بذلك، والخبر مشهور، لولا علي لهلك عمر»(1).

ومن مميزات اهل البيت عليهم السلام أن الصلة وصدقة التطوع والزكاة الواجبة محرمة عليهم وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام)، واما غيرهم فتحرم عليهم الزكاة الواجبة ولا تحرم صدقة التطوع ولا الصلة. وتسائل ابن أبي الحديد: كيف يقال ان الصلة محرمة عليهم، وقد اخذ الحسن والحسين عليهما السلام الصلات من معاوية؟ فأجاب: «کلا! لم يقبلا صلته ومعاذ الله أن يقبلاها! وانما قبلا منه ما كان يدفعه اليهما من جملة حقهما من بيت المال، فان سهم ذوي القربی منصوص عليه في الكتاب العزيز ولهما غير سهم ذوي القربی سهم اخر للاسلام من الغنائم»(2).

ولما اشار (عليه السلام) إلى اختصاص آل البيت بخصیصة بعد الموت «ايها الناس خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله انه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلی من بلی منا وليس ببالٍ». حمل ابن أبي الحديد هذا الكلام على وجهين.

الاول: أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وعلي (عليه السلام) ومن يتلوهما من اطايب العترة احیاء بابدانهم التي كانت في الدنيا باعيانها، قد رفعهم الله تعالى إلى ملکوت سماواته، وعلى هذا لو قدرنا أن محتفرا احتفر تلك الاجداث الطاهرة عقب دفنهم لم يجد الابدان في الأرض، وقد روي في الخبر النبي صلى الله علیه و آله مثل ذلك، وهو قوله «ان الارض لم تسلط علي وانها لا تأكل لي لحها، ولا تشرب لي

ص: 78


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 1 / 140 - 1
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 11 / 249

دما(1). نعم، يبقى الاشكال في قوله: (ويبلى من بلي منا وليس ببالٍ). فانه ان صح هذا التفسير في الكلام الاول وهو قوله: (يموت من مات منا وليس بميت). فليس يصح في القضية الثانية وهي حديث البلاء، لانها تقتضي ان الابدان تبلى وذاك الانسان لم يبلَ، فاحوج هذه الاشكال الى تقدير فاعل محذوف، فيكون تقدير الكلام: يموت من مات حال موته وليس بميت فيها بعد ذلك من الاحوال والاوقات، ويبلى كفن من بلي منا وليس هو ببالٍ، فحذف المضاف كقوله «وَإِلَى مَدْيَنَ»(2) أي والى اهل مدين، ولما كان الكفن كالجزء من الميت لاشتماله عليه عبر باحدهما عن الاخر للمجاورة والاشتال، كما عبروا عن المطر السماء وعن الخارج المخصوص بالغائط، وعن الخمر بالكأس، ويجوز ان يحذف الفاعل كقوله تعالى «حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ»(3) و «فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ»(4) وقول حاتم: اذا حشرجت(5).

الثاني: ان اكثر المتكلمين ذهبوا الى ان للانسان الحي الفعال اجزاء اصلية في هذه البنية المشاهدة وهي اقل ما يمكن ان تأتلف منه البنية التي معها يصح كون الحي حياً، وجعلوا الخطاب متوجها نحوها، والتكليف واردا عليها، وما عداها من الاجزاء فهي فاصلة ليست داخلة في حقيقة الانسان واذا صح ذلك جاز ان ينتزع الله تلك الاجزاء الاصلية من ابدان الانبياء والاوصياء فيرفعها اليه بعد ان يخلق لها من الاجزاء الفاضلة عنها نظير ما كان لها في الدار الاولى، كما قاله

ص: 79


1- روى ما يشابهه ابن ماجه: صحیح 1 / 179، 273. ابن كثير: نهاية البداية والنهاية 1 / 278
2- سورة الاعراف 85
3- سورة ص 32
4- سورة الواقعة 83
5- قال حاتم في ديوانه ص 50: اماوي ما يغني الثراء عن الفتى *** اذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

من ذهب إلى قيامه الأنفس والابدان معا، فتنعم عنده وتلتذ بضروب اللذات الجسمانية ويكون هذا مخصوصا بهذه الشجرة المباركة دون غيرها؛ ولا عجب فقد ورد في حق الشهداء نحو ذلك في قوله تعالى «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(1).

وعلى الوجه الأول لوان محتفرا احتفر اجداثهم لوجد الابدان فيها، وان لم يعلم ان اصول تلك البني قد انتزعت منها ونقلت الى الرفيق الأعلى، وهذا الوجه لا يحتاج إلى تقدير ما قدرناه اولا من الحذف، لان الجسد يبلى في القبر الا قدر ما انتزع منه ونقل إلى محل القدس، وكذلك ايضا يصدق على الجسد انه ميت، وان كان اصل بنیته لم يمت، وقد ورد في الخبر الصحيح (ان ارواح الشهداء من المؤمنين في حواصل طيور خضر تدور في إفناء الجنان، وتأكل من ثمارها، وتأوي الى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش)(2) فاذا جاء هذا في الشهداء فما ظنك بموالي الشهداء وساداتهم(3).

غسل النبي صلى الله عليه وآله ودفنه

إنّ هذه العلاقة الروحية الوثيقة بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وامير المؤمنين (عليه السلام) نجدها تتمثل ايضا في الايام الاخيرة من عمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كان (عليه السلام) إلى جواره، فلم يرسله ضمن سرية اسامة بن زيد الى الشام، ثم هو الذي تولى غسله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكفنه ودفنه(4). لذا نجده يتحدث عن ذلك قائلا: «ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَه لِمُحَمَّدٍ

ص: 80


1- سورة ال عمران 169
2- مالك: الموطأ 1 / 328. ابن حنبل: المسند 6 / 386
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 6 / 377 - 379
4- النصر الله: شرح نهج البلاغة: ص 133

صلى الله عليه [وآله] وسلم لِقَاءَهُ، وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ، وَ أَكْرَمَهُ عَنْ دَارِالدُّنْيَا، وَرَغِبَ بِهَ عَنْ مُقَامِ البَلْوَى، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً»(1).

وقد كان (عليه السلام) الأقرب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في لحظاته الأخيرة، بل فاضت روح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الزكية في حجره (عليه السلام)، إذ يعبر عن ذلك قائلا: «وَلَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله و سلم وَإِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي، وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي»(2). وفي موضع ثان قال: «وفَاضَتْ بَيْنَ نَحْريِ وصَدْرِي نَفْسُكَ»(3)، وجعلها (عليه السلام) خصوصية احتج بها إذ قال: «أفيكم أحد ولي غمض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الملائكة غيري؟ أفيكم أحد ولي غسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الملائكة يقلبونه لي كيف اشاء غيري؟»(4)، وقال: «أفيكم احد كان آخر عهده برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى وضعه في حفرته غيري؟»(5)، وفي رواية عنه (عليه السلام): «قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في مرضه، ادعوا لي أخي، قال: فدعي له، فقال: ادن مني، فدنوت منه، فاستند إلي، فلم يزل مستندا الي وانه ليكلمني حتى أن بعض ريق النبي صلى الله عليه [وآله]، ليصيبني ثم نزل برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وثقل حجري...»(6).

وأشار الإمام (عليه السلام) إلى أن من عاونه على تغسيل النبي (صلى الله

ص: 81


1- نهج البلاغة: ص 21
2- نهج البلاغة: ص 422
3- نهج البلاغة: ص 434
4- القاضي المغربي: شرح الاخبار: 2 / 189. ابن عساکر، تاریخ دمشق: 42 / 433
5- ابن عقدة: الولاية: ص 178. ابن عساکر: تاریخ دمشق: 42 / 433
6- ابن سعد: الطبقات: 2 / 263. المتقي الهندي: کنز العمال: 7 / 253

عليه وآله وسلم) إنما الملائكة إذ يقول: «ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه صلى الله عليه وآله والْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي - فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِیَةُ - مَلأٌ یَهْبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ - ومَا فَارَقَتْ سَمْعِيِ هَیْنَمَةٌ مِنْهُمْ - يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَیْنَاه فِي ضَرِيحِه»(1).

لكننا نجد أن هذه الخصوصية والفضيلة نسبت إلى غير أمير المؤمنين وهي عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي انفردت بروايتها تفاصيل تماثل ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) اعلاه ومن ذلك أنها قالت: - «بینا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم على صدري، وقد وضع رأسه على عاتقي، اذ مال رأسه، فظننت أنّه يريد شيئا من رأسي وخرجت من فيه نطفة باردة فوقعت على ثغرة نحري، فاقشعر لها جلدي، فظننت أنه قدغشي عليه فسجيته بثوب»(2). وفي نص آخر عنها: «مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين سحري ونحري، وفي دولتي، لم اظلم فيه احدا، فمن سفهي، وحداثه سني، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبض وهو في حجري ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت التدم مع النساء واضرب وجهي»(3).

وقد حاول بعضهم التوفيق بين مارواه أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين ما روته عائشة(4)، لكن هذا التوافق لا يمكن قبوله بسهولة، فالحديثان متعارضان، والذي يلاحظ على الروايتين اعلاه: - 1 - تعدد رواة القائلين بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مات بين سحر الامام وصدره واقتصار القائلين على عائشة وعلى ابن اختها عروة بن الزبير

ص: 82


1- نهج البلاغة: ص 422
2- ابن حنبل: المسند: 6 / 219. ابن كثير: السيرة النبوية: 4 / 479
3- ابن هشام، السيرة النبوية: 4 / 1069. ابن حنبل: المسند: 6 / 276
4- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 10 / 268

الذي اخذ عنها المعروف بعدائه اللدود للإمام علي (عليه السلام).

2 - إن الذي يستقرىء الروايات التي تتحدث عن الايام الأخيرة للنبي (صلى عليه وآله وسلم) ليشهد الدور الكبير للإمام والسيدة فاطمة عليها السلام دون سواهما في هذا المجال(1).

3 - إن الملاحظ أن رواية عائشه لم تأت لتوضح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مات بين سحرها ونحرها، وانا لتنفي الوصية عن الإمام (عليه السلام). وكأنها وضعت لهذا الغرض.

4 - فهل قام عروة بن الزبير(2) بوصفه من اختيروا الى اللجنه التي وضعها معاوية لاختلاق فضائل مقابل فضائل الإمام علي (عليه السلام)!!؟(3) 5 - إنّ المتأمل في سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلاقته بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جانب، وسيرة عائشة وعلاقتها بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جانب اخر، يدرك أن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الاقرب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). كما اتضح جليا من خلال البحث انفا، وان هذا الاختصاص بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لايدانيه فيه احد حتى أنه أثار غيرة عائشة، وكان احد الاسباب التي تقف وراء موقفها السلبي من أمير المؤمنين (عليه السلام)، حتى ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم عد موقفها

ص: 83


1- لمزيد من التفاصيل ينظر: العواد: السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام): ص 681 - 725
2- عن موقف عروة العدائي من أمير المؤمنين (عليه السلام)، ينظر: ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 4 / 63 - 64، 69. عبد الجبار ناجي: نقد الرواية التاريخية عصر الرسالة انموذجا: ص 117 - 198
3- لمزيد من التفاصيل عن هذه اللجنة ينظر: النصر الله: هيأة كتابة التاريخ برئاسة معاوية: ص 89 - 117

إيذاءا للنبي نفسه إذ قال لها: لاتؤذيني في علي(1)، وقد برز موقفها السلبي بشكل جلي بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بلغ ذروته في خروجها محاربة له (عليه السلام) في حرب الجمل (36 ه). ويلاحظ أنها كانت لا تطيب نفسا أن تذكره (عليه السلام) بخير، كما قال ابن عباس: ((ولكنها لا تقدر ان تذکره بخير))(2). ومن المؤسف أن بلغ بها الحال ان سجدت شكرا لله لما علمت باستشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام)(3). ومن مصادیق موقفها السلبي منه (عليه السلام) انها كانت تروي احادیث تدعي لها ولا بيها ما لا أصل له من الفضائل التي اختص بها أمير المؤمنين (عليه السلام) واهل بيته (عليه السلام) بل انها وضعت احادیث تؤيد جانب المناوئين له (عليه السلام) وتدعمه، وخير شاهد على ذلك الحديث الذي نحن بصدد بحثه هنا اذ انها ادعت فيه حظوتها بالقرب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر لحظات حياته الشريفة، حتى جاءت ألفاظ أحاديثها على اختلافها مماثله لما رواه أمير المؤمنين (عليه السلام). وإنها لما ذكروا عندها « أن عليا كان وصيا، قالت: متى أوصي اليه؟ فقد كنت مسندته إلى صدري، او قالت في حجري، فدعا بالطست، فلقد انخنث(4) في حجري وما شعرت أنّه مات، فمتى أوصي اليه؟»(5). والملاحظ أن رواة هذا الحديث عن عائشة هم من أقاربها من آل أبي بكر وآل الزبير(6).

ص: 84


1- الطوسي: الامالي: ص 290. الطبرسي: اعلام الوری: 1 / 368
2- البلاذري: انساب الأشراف: 1 / 545. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 13 / 28. ابن حجر: فتح الباري: 2 / 131
3- أبو الفرج: مقاتل الطالبيين: ص 26 - 27
4- انخنث: انثنى واسترخی، سعدي: أبو حبيب: القاموس الفقهي 123
5- البخاري: الصحيح: 3 / 186. مسلم: الصحيح: 5 / 75. ابن ماجة: السنن: 1 / 519
6- العواد: السيرة النبوية ص 96. 97

إن التأمل في كلمات الإمام علي (عليه السلام)، وهو يتحدث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصفات التي لم يصفه بها احد من الخلق، تنبئ عن معرفة واجلال عز نظيرهما لشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنها قوله في رثائه (صلى الله عليه وآله وسلم) عند تغسيله: «بِأَبِی أَنْتَ وَأُمِّی یَا رَسُولَ اللّه، لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوتِک مَا لَمْ یَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَیْرِک، مِنَ النُّبُوَّهِ وَالإِنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ، خَصَّصْتَ حَتَّی صِرْتَ مُسَلِّیاً عَمَّنْ سِوَاک، وَعَمَّمْتَ حَتَّی صَارَ النَّاسُ فِیک سَوَاءً، وَلَوْ لاَ أَنَّک أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ وَنَهَیْتَ عَنِ الْجَزَعِ، لأَنْفَدْنَا عَلَیْک مَاءَ الشُّئُونِ، وَلَکَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلاً وَالْکَمَدُ مُحَالِفاً، وَقَلَّا لَک وَلَکِنَّهُ مَا لاَ یُمْلَک رَدُّهُ، وَلاَ یُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ، بِأَبِی أَنْتَ وَأُمِّی اذْکُرْنَا عِنْدَ رَبِّک وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِک»(1).

وقد اثرت مصيبة فقده (صلى الله عليه وآله وسلم) على أمير المؤمنين (عليه السلام) اشد تأثیر حتى انه ترك الخضاب، وقد قيل له: «وَ قِیلَ لِأَمِیرِ اَلْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ لَوْ غَیَّرْتَ شَیْبَكَ یَا أَمِیرَ اَلْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ (علیه السلام) الْخِضَابُ زِینَهٌ وَ نَحْنُ قَوْمٌ فِی مُصِیبَةٍ»(2). ومنها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شارحا صفاته: «اللَّهُمَّ دَاحِیَ الْمَدْحُوَّاتِ وَدَاعِمَ الْمَسْمُوکاتِ، وَ جَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَی فِطْرَتِها شَقِیّهَا وَ سَعِیدِهَا، اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ، وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتُكَ عَلَيَّ مُحَمَّدٌ عَبْدُكَ ورَسُولُكَ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ والْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ، والْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ والدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ، والدَّامِغُ صَوْلَاتُ اَلْأَضَالِيلِ، كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ، غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَلاَ وَاهٍ فِي عَزْمٍ، وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ، مَاضِياً عَلَى تَفَّاذِ أَمْرِكَ حتّی أوری قَبَسَ القابِسِ وَأضاءَ الطّریقَ لِلخابِطِ وَهُدِیَتْ بِهِ القُلوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ والآثَامِ، وأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ اَلْأَعْلاَمِ

ص: 85


1- نهج البلاغة: ص 486
2- نهج البلاغة: ص 756

ونَیِّرَاتِ الأَحْكَامِ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأمُونُ وخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ، وشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وبَعِیثُكَ بِالْحَقِّ ورُسُولَكَ إلى الْخَلْقِ»(1).

وقوله في الدعاء له (صلى الله عليه وآله وسلم) برفع درجاته: «اَللَّهُمَّ اِفْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِی ظِلِّکَ، وَ اِجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ اَلْخَیْرِ مِنْ فَضْلِکَ، اَللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَی بِنَاءِ اَلْبَانِینَ بِنَاءَهُ، وَ أَکْرِمْ لَدَیْکَ مَنْزِلَتَهُ وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ، وَ اِجْزِهِ مِنِ اِبْتِعَاثِکَ لَهُ مَقْبُولَ اَلشَّهَادَةِ مَرْضِیَّ اَلْمَقَالَهِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَ خُطْبَهٍ فَصْلٍ، اَللَّهُمَّ اِجْمَعْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَهُ فِی بَرْدِ اَلْعَیْشِ وَ قَرَارِ اَلنِّعْمَةِ، وَ مُنَی الشَّهَوَاتِ وَ أَهْوَاءِ اَللَّذَّاتِ وَ رَخَاءِ اَلدَّعَةِ، وَ مُنْتَهَی اَلطُّمَأْنِینَةِ وَ تُحَفِ اَلْکَرَامَةِ»(2).

مماثلة السيرة المحمدية والعلوية

بعد كل ذلك سنجد الماثلة بين السيرتين واضحة جدا، فقد تشابهت سياسة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والظرف الذي عاشه بسياسة الامام والظرف الذي عاش فيه، ((واذا تأملت احواله في خلافته كلها وجدتها هي مختصرة من احوال رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته، كأنها نسخة مستنسخة منها، في حربه وسلمه، وسيرته واخلاقه، وكثرة شكايته من المنافقين من اصحابه والمخالفين لامره، واذا اردت ان تعلم ذلك علماً واضحاً، فأقرأ سورة براءة ففيها الجم الغفير من المعنى الذي اشرنا اليه))(3). ولما كان الامام علي (عليه السلام) ابن عم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في النسب واخاه ولحمه ودمه، وفضائله مشتقة من فضائل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو قبس من نوره، وثانيه على الحقيقة ولا ثالث لهما. لذا نجد سيرته (عليه السلام) جارية

ص: 86


1- نهج البلاغة: ص 106 - 108
2- نهج البلاغة: ص 108 - 109 (3) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 6 / 229
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 6 / 229

نفس مجری سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(1). إذ ان حاله كانت مناسبة لحال النبي صلى الله عليه واله، ومن تذكر احوالهما وسيرتهما، وما جرى لهما الى ان قبضا، علم تحقيق ذلك(2). ولذا نجده (عليه السلام) يقول لأصحابه: «والله ما اسمعكم الرسول شيئاً، الا وها أنا ذا اليوم مسمعکموه، وما اسماعكم اليوم بدون اسماعكم بالأمس، ولا شقت لکم الابصار ولا جعلت لهم الافئدة في ذلك الزمان، الا وقد اعطيتم مثلها في هذا الزمان، ووالله ما بصرتم بعدهم شيئاً جهلوه، ولا اصفیتم به وحرموه، ولقد نزلت بكم البلية جائلاً حطامها ؆»(3)).

هذه الرؤية في توافق السيرتين اكدها ابو جعفر النقيب، حيث قال: ((انظر إلى اخلاقهما وخصائصهما، هذا شجاع وهذا شجاع، هذا فصیح وهذا فصيح، هذا سخي جواد وهذا سخي جواد، وهذا عالم بالشرائع والامور الالهية، وهذا عالم بالفقه والشريعة والامور الالهية الدقيقة الغامضة، وهذا زاهد في الدنيا غير نهم ولا مستكثر منها، وهذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتع بلذاتها، وهذا مذیب نفسه في الصلاة والعبادة، وهذا مثله. وهذا غير محبب اليه شيء من الامور العاجلة الا النساء وهذا مثله. وهذا ابن عبد المطلب بن هاشم، وهذا في قعدده، ابواهما اخوان لاب واحد دون غيرهما من بني عبد المطلب، وربي محمد صلى الله عليه وآله في حجر والد هذا ابي طالب، فكان جاريا عنده مجرى احد اولاده. ثم الماشب صلى الله عليه واله، وكبر استخلصه من ابي طالب وهو غلام، فربي في حجره مكافأة لصنيع ابي طالب به، فأمتزج الخلقان، وتماثلت السجيتان، واذا كان

ص: 87


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 6 / 190
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 16 / 147
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 6 / 387

القرين بالقرين، فما ظنك بالتربية والتثقيف الدهر الطويل!))(1).

واردف قائلاً: ((فواجب ان تكون اخلاق محمد صلى الله عليه وآله كأخلاق ابي طالب، وتكون اخلاق علي (عليه السلام) كأخلاق ابي طالب ابیه، و محمد (عليه السلام) مربیه، وان يكون الكل شيمة واحدة، وسوساً واحدا، وطينة مشتركة ونفساً غیر منقسمة ولا متجزئة، والا يكون بين بعض هؤلاء وبعض فرق ولا فضل، لولا أن الله تعالى اختص محمد صلى الله عليه وآله برسالته، واصطفاه لوحيه، لما يعلمه من مصالح البرية في ذلك، ومن ان اللطف به اکمل، والنفع بمكانه اتم واعم، فامتاز برسول الله صلى الله عليه وآله بذلك عمن سواه، وبقي ماعدا الرسالة على امر الاتحاد، والى هذا المعنى اشار صلى الله عليه واله: «اخصمك بالنبوة فلا نبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع»(2). وقال له ايضاً «انت مني بمنزلة هرون من موسی، الا انه لا نبي بعدي» فأبان نفسه منه بالنبوة، واثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشترکا بینهما»(3).

ومن خلال استعراضه لاحداث وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومراسیم تجهيزه ودفنه لاحظ ابن أبي الحديد ان الامام علي (عليه السلام) كان المتصدي لكل لذلك، اذ يقول: «من تأمل هذه الأخبار، علم ان علياً (عليه السلام) كان الأصل والجملة والتفصيل في أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهازه، الا تری آن اوس بن خولي(4) لا يخاطب احداً من الجماعة غيره، ولا يسأل

ص: 88


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 10 / 221
2- ابو نعيم: حلية الأولياء 1 / 65 - 66. ابن طلحة الشافعي: مطالب السئوال ص 34. الكنجي: كفاية الطالب ص 139. محب الدين: الرياض النظرة 2 / 292
3- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 10 / 222
4- هو ممن شهد سائر مشاهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وطلب الانصار من الامام علي (عليه السلام) ان يشاركوا في دفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمح لاحدهم فنزل اوس بن خولي: انظر: ابن الاثير: اسد الغابة 1 / 144 - 5. ابن حجر: الاصابة 1 / 84

غيره في حضور الغسل والنزول في القبر! ثم انظر الى كرم علي (عليه السلام) وسجاحة اخلاقه وطهارة شيمته، كيف يضن بمثل هذه المقامات الشريفة عن اوس؛ وهو رجل غريب من الانصار، فعرف له حقه واطلبه بما طلبه! فكم بين هذه السجية الشريفة، وبين قول من قال: لو استقبلت من امري ما استدبرت ما غسل الرسول صلى الله عليه وآله الا نساؤه، ولو كان في ذلك المقام غيره من اولى الطباع الخشنة وارباب الفظاظة والغلظة، وقد سأل اوس ذلك لزجر وانتهر ورجع خائباً»(1).

وبعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) كان الامام علي (عليه السلام) شديد الورع في ما يرويه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث بلغ من تعظيمه له، واجلاله لقدره واحترام حديثه، الا يرويه الا بألفاظه، لا بمعانيه، ولا بأمر يقتضي فيه الباساً وتعمية، ولو كان مضطراً الى ذلك ترجيحاً للجانب الذي على جانب مصلحته في خاص نفسه(2).

ولقد اثار ذلك التساؤل لدى ابن ابي الحديد فتوجه نحو شيخه ابي جعفر قائلاً: قد وقفت على كلام الصحابة وخطبهم فلم ار فيها من يعظم رسول الله صلى الله عليه وآله تعظيم هذا الرجل، ولا يدعو كدعائه، فأنا قد وقفنا من نهج البلاغة ومن غيره على فصول كثيرة مناسبة لهذا الفصل، تدل على جلال عظيم، وتبجل شديد منه لرسول الله صلى الله عليه واله.

فاجاب ابو جعفر: ان علياً (عليه السلام) كان قوي الايمان برسول الله صلى

ص: 89


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 40 - 41
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 6 / 132

الله عليه وآله والتصديق له، ثابت اليقين، قاطعا بالامر، متحققاً له، وكان مع ذلك يجب رسول الله صلى الله عليه وآله لنسبته منه، وتربيته له، واختصاصه به من دون اصحابه، وبعد فشرفه له لانهما نفس واحدة في جسمين: الاب واحد، والدار واحدة؛ والاخلاق متشابهة فاذا عظمه فقد عظم نفسه واذا دعا اليه فقد دعا الى نفسه، ولقد كان يود ان تطبق دعوة الاسلام مشارق الأرض ومغاربها، الان جمال ذلك لاحق به، وعائد عليه، فكيف لا يعظمه ويبجله ويجتهد في اعلاء كلمته(1).

ونتيجة لكل ذلك اصبح الامام علي (عليه السلام) وريثاً للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل شيء، حتى فيما كانت العرب تعتقده من ثارات حيث ((ان كل دم اراقه رسول الله صلى الله عليه وآله بسيف علي (عليه السلام) و بسيف غيره، فان العرب بعد وفاته صلى الله عليه وآله عصبت تلك الدماء بعلي بن ابي طالب (عليه السلام) وحده، لانه لم يكن في رهطه من يستحق في شرعهم وسنتهم وعاداتهم أن يعصب به تلك الدماء الا بعلي وحده، وهذه عادة العرب اذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل، فان مات او تعذرت عليها مطالبته، طالبت به امثل الناس من اهله - ومن نظر في ايام العرب ووقائعها ومقاتلهاعرف ما ذكرناه))(2).

ص: 90


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 7 / 174 - 175
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 300 - 301

المصادر والمراجع

القرآن الكريم المصادر الاولية:

الآلوسي: ابو الفضل شهاب الدين السيد محمود البغدادي كان حيا في 1270 ه.

روح المعاني في تفسير القران العظيم والسبع المثاني، تعليق: محمد احمد الامد وعمر عبد السلام السلامي، ط 1، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1420 ه - 1999 م.

ابن الأثير: أبو الحسن عز الدين علي بن محمدت 630 ه أسد الغابة في معرفة الصحابة، تح: الشيخ خليل مأمون شيحة، ط 2، دار المعرفة، بیروت، 1422 ه، 2001 م.

الكامل في التاريخ، دار صادر، بیروت، 1965.

الأربلي: أبو الحسن علي بن عيسى ت 693 ه.

کشف الغمة في معرفة الائمة، ط 2، دار الأضواء، بيروت، 1985 م.

الأزرقي: أبو الوليد محمد بن عبد الله بن أحمدت 250 ه أخبار مكة وما جاء فيها من الاثار، تح: رشدي الصالح ملحس، ط 3، بیروت، 1983 م.

ابن إسحاق: محمد ت 151 ه السير والمغازي، تح: سهیل زکار، ط 1، دار الفكر، ب. مكا، 1978 م.

البحراني: السيد هاشم التوبلي الموسوي ت 1107 ه غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام، تح: علي عاشور، قم، 1421.

البخاري: أبو عبد الله إسماعيل بن محمدت 256 ه الصحيح، دار الفكر، بيروت، 1401 ه البري: محمد بن أبي بكر الأنصاري التلمساني.

الجوهرة في نسب الإمام علي، تح: محمد التونجي، ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1402 ه.

ابن البطريق: شمس الدين يحيى بن الحسن 533 - 600 ه.

عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، تح: جماعة المدرسين، ط 1، مط: جماعة المدرسين، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1407.

البغوي: الحسين بن مسعود بن محمد الفراء ت 510 ه / 1117 م.

تفسير البغوي المسمى (معالم التنزيل في تفسير القرآن)، تح: خالد عبد الرحمن العك، دار

ص: 91

المعرفة، بیروت، ب.ت.

البلاذري: احمد بن يحيى بن جابرت 279 ه.

انساب الاشراف، الإمام علي (عليه السلام) ح 2، تح وتعليق: محمد باقر المحمودي، ط 2، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية 1419 ه أنساب الأشراف، تح: سهیل زکار - ریاض زر کلي، ط 1، دار الفكر، بیروت، 1996 م.

البيضاوي: ناصر الدين عبد الله بن عمرت 682 ه تفسير البيضاوي المسمى أنوار التنزيل، ب. محق، دار الفكر، بيروت، ب.ت.

البيهقي: احمد بن الحسين بن علي (384 - 485 ه).

السنن الکبری، دار الفکر، بیروت، ب. ت. الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسی (209. 279 ه).

سنن الترمذي: تح: عبد الوهاب عبد اللطيف، ب.ط، دار الفكر، بيروت، 1403 ه.

ابن تيمية: أبي العباس احمد بن تيمية الحراني ت 728 ه منهاج السنة النبوية، ط 1، المطبعة الأميرية بولاق، مصر، 1321 ه.

الثعلبي: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم ت 427 ه / 1035 م.

تفسير الثعلبي المسمى (الكشف والبيان عن تفسير القرآن)، تح: أبو محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2002.

ابن جبر: زين الدين علي بن يوسف (القرن السابع الهجري) نهج الإيمان، تح: السيد أحمد الحسيني، ط 1، مشهد، 1418 ه.

أبو جعفر الاسكافي: محمد بن عبد الله المعتزلي ت 240 ه.

المعيار والموازنة، تح: محمد باقر المحمودي، ط 1، ب. مكا، 1981. نقض العثمانية (نصوص من الكتاب ملحقة بكتاب العثمانية للجاحظ)، تح: عبد السلام محمد هارون، ط 1، دار الجيل، بيروت. ب.ت.

ابن الجوزي: أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي (510. 597 ه).

زاد المسير في علم التفسير، حققه: محمد بن عبد الرحمن عبد الله، ط 1، دار الفکر، بیروت، 1987.

الجوهري: إسماعيل بن حماد ت (393 ھ / 1003 م).

الصحاح، تح: احمد عبد الغفور، ط 4، دار العلم للملايين، بيروت، 1987 م.

ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ت 327 ه.

تفسير القرآن العظيم، تح: أسعد محمد الطيب، دار الفکر، بیروت، 2003. الحاكم الحسكاني: الحافظ عبيد الله بن أحمد الحنفي النيسابوري (القرن الخامس الهجري).

ص: 92

شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تح: محمد باقر المحمودي، ط 1، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، طهران، 1990. الحاكم النيسابوري: محمد بن محمد ت 405 ه.

المستدرك، تح: يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بیروت، 1406 ه.

ابن حجر العسقلاني: احمد بن علي ت 852 ه.

الإصابة في تمييز الصحابة، تصحیح: إبراهيم الفيومي، دار الفکر، بیروت، 1328 ه.

فتح الباري، ط 2، دار المعرفة، بیروت، ب.ت.

ابن أبي الحديد: عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني 586 - 656 ه.

شرح نهج البلاغة، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، دار الجيل، بيروت، 1987.

ابن حزم: أبو محمد بن احمد ت 456.

الفصل في الملل والأهواء والنحل، ط 1، دار صادر، بیروت، 1317 ه.

المحلى، تح: احمد محمد شاكر، ب.ط، دار الفکر، بیروت، ب.ت.

ابن الحسين: الحسن بن يحيى القاسمي ت 298 ه.

التحفة العسجدية في ما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية، أبو أيمن للطباعة، صنعاء، 1343 ه.

الحلبي: علي بن بهاء الدين الشافعي 975 - 1044 ھ / 1567 - 1635 م.

السيرة الحلبية، تصحیح: عبد الله الخليلي، ط 2، بیروت، 2006.

.الحلي: العلامة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر (648 .726 ه).

كشف اليقين، ط 1، وزارة الثقافه والارشاد الاسلامي، 1411 ه.

ابن حنبل: أبو عبد الله احمد بن محمد (164 - 241 ه).

المسند، ب. محق، دار صادر، بیروت، ب.ت.

ابن حيان: أبو عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف الأندلسي الحياني ت 754 ه.

تفسیر ابن حيان المسمى (البحر المحيط)، تح: عادل أحمد عبد الموجود، وآخرين، ط 1، دارالکتب العلمية، بيروت، 2001.

الخزاز: أبو القاسم علي بن محمد بن علي القمي ت (ق 4 ه).

كفاية الأثر في النص على الائمة الاثني عشر، تح: عبد اللطيف الحسيني، ب. ط، مط: الخيام، الناشر: بیدار، قم، 1401 ه.

الخطيب البغدادي: أبو بكر احمد بن علي ت 463 ه.

تاريخ بغداد، ب. محق، مط السعادة، القاهرة، 1931. الخوارزمي: أبو المؤيد موفق الدين بن أحمد البكري ( القرن السادس الهجري).

ص: 93

المناقب، قدم له: محمد رضا الخرسانة النجف، 1385 ه.

ابن الدمشقي: محمد بن احمد الباعوني الشافعي ت 871 ه.

جواهر المطالب في مناقب الإمام الجليل علي بن أبي طالب علیه السلام، ط 1، تح: محمد باقر المحمودي، قم، 1415 ه. الدميري: كمال الدين محمد بن موسی بن عيسی ت 806 ه.

حياة الحيوان الكبرى، ب. محق، المكتبة التجارية، مصر، 1956.

الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد 748 ه / 1347 م.

تاريخ الإسلام، تح: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، 1987.

میزان الاعتدال، تح : علي محمد البجاوي، ط 1، دار المعرفة، بيروت، 1382 ه.

الزبيدي: محمد مرتضی ت 1205 ه.

تاج العروس، مكتبة الحياة، بيروت، ب.ت.

الزرندي: جمال الدين محمد بن يوسف الحنفي ت 757 ه.

معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول والبتول، تح: محمد كاظم المحمودي، ط 1، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، 1425 ه.

نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين، مكتبة أمير المؤمنين...

العامة، ط 1، 1958 ه.

الزيلعي: العلامة جمال الدين ت 762 ه.

تخريج الأحاديث والآثار، تح: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، ط 1، دار ابن خزيمة، الرياض، 1414 ه.

. السبكي: تاج الدين ابو نصر عبد الوهاب ت 771 ه.

طبقات الشافعية الكبرى، ب. محق. ط 2، دار المعرفة، بیروت، 1324 ه.

السرخسي: شمس الدين ت 483 ه.

المبسوط، تح: جمع من الأفاضل، دار المعرفة، بیروت، 1406 ه.

ابن سعد: محمد ت 230 ه.

الطبقات الکبری، تح: إحسان عباس، بیروت، 1978 م.

ابن سلام: أبو القاسم عبيد الهروي ت 224 ه.

غريب الحديث: تح: محمد عبد المعين خان، ط 1، بیروت، 1399 ه / 1964.

سليم بن قيس العامري ت حدود 90 ه.

کتاب سليم بن قيس، حرره الحسني، ب. مکا. ب. ت.

السمعاني: أبو المظفر منصور بن محمدت 489 ه.

ص: 94

تفسير السمعاني، تح: ياسر بن إبراهيم، وغنيم بن عباس، ط 1، دار الوطن، الرياض، 1997.

ابن سيد الناس: محمد بن عبد الله بن يحي 671 - 734 ه عيون الأثر، مؤسسة عز الدين، ب. ط، بيروت، 1986.

ابن سيدة: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأندلسي ت 458 ه.

المخصص، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ب.ت.

السيوطي: ابو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ت 911 ه.

الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ب. محق، بغداد، 1377 ه.

ابن شاذان: سيد الدين شاذان بن جبرئيل القمي ت 660 ه.

الروضة في فضائل أمير المؤمنين علیه السلام، تح: علي الشكرجي، ط 1، مركز الأمير، قم، 1423 ه.

الفضائل، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1962.

الشامي: أبو حاتم جمال الدين يوسف بن حاتم العاملي ت 664 ه.

الدر النظيم، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ب.ت.

الشريف الرضي: أبو الحسن محمد بن الحسين (359 - 406 ه).

نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فہارسة العلمية: صبحي الصالح، ط 6، دار الأسوة، طهران، 1429 ه.

ابن شعبة الحراني أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين (ق 4 ه).

تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، تح: علي اکبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1404 ه. ابن شهر آشوب: أبو عبد الله محمد بن علي ت 588 ه.

مناقب آل أبي طالب، المطبعة الحيدرية، النجف، 1379 ه.

الشوكاني: محمد بن علي بن محمد الصنعاني ت 1250 ه.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير، مط عالم الكتب، ب. ت.

ابن أبي شيبة: عبد الله بن محمدت 235 ه.

المصنف، تح: سعيد محمد اللحام، ط 1، دار الفكر، 1409 ه.

الصالحي: محمد بن يوسف الشامي ت 942 ه.

سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تح: عادل احمد، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1414ه.

ابن الصباغ المالكي: نور الدين علي بن محمد (784. 855 ه / 1383 .1451 م.

الفصول المهمه.ب. محق، ط 2، النجف، ب.ت.

الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي ت 381 ه

ص: 95

الامالي، تح: قسم الدراسات الإسلامية، ط 1، قم، 1417 ه.

علل الشرائع، المطبعة الحيدرية، النجف، 1966.

عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ط 1، مط شریعت، المكتبة الحيدرية، قم، 1435 ه.

من لا يحضره الفقيه، تح: علي اکبر غفاري، ط 2، جماعة المدرسين، قم، 1404 ه.

الصنعاني: أبو بكر عبد الرزاق بن همام 211 ھ / 827 م.

المصنف، تح: حبيب الله الاعظمي، الناشر: المجلس العلمي، ب. ت.

الطائي: حاتم ت دیوان حاتم الطائي، تح: کرم البستاني، بيروت، 1963.

ابن طاووس: أبو القاسم رضي الدين علي بن موسی بن جعفر بن محمد ت 664.

التحصين: تح: الأنصاري، قم، 1413.

الطرائف في معرفة مذهب الطوائف، ب. محق، ط 2، مطبعة الخيام، قم، 1399 ه.

الطبراني: أبو القاسم سليمان بن احمد (260 - 360 ه).

المعجم الأوسط، تح: إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، ب.ت.

المعجم الكبير، تح: حمدي عبد المجيد السلفي، ط 2، دار إحياء التراث العربي، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ب.ت. الطبرسي: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب ت 548 ه.

الاحتجاج، تعليق: محمد باقر الخرسان، مطبعة النعمان، النجف، 1966.

الطبرسي: أبو علي الفضل بن الحسن ت 548 ه.

إعلام الوری بأعلام الهدی، ط 1، مؤسسة آل البيت، قم، 1417 ه.

الطبري: أبو جعفر محمد بن جریرت 310 ه.

تاريخ الأمم والملوك، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ب. ت.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ب، محق، ط 3، ب، مکا، 1968.

الطبري الصغير: أبو جعفر محمد بن جریر بن رستم (ق 5 ه).

دلائل الإمامة، تح: قسم الدراسات الإسلامية، ط 1، قم، 1413 ه.

الطريحي: فخر الدين ت 1085 ه.

مجمع البحرین، تح: احمد الحسيني، ط 2، قم، 1408 ه.

ابن طلحة الشافعي: كمال الدين محمد (582. 652 ه).

مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تح: ماجد بن أحمد العطية، ب. مکا، ب.ت.

الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن (385. 460 ه).

الامالي، ب. محق، دار الثقافة للنشر، قم، 1414 ه.

ص: 96

تهذیب الأحکام، تح: السيد حسن الخرسان وآخرين، ط 4، دار الكتب الإسلامية، 1390 ه.

التبيان في تفسير القرآن، تح: أحمد قصير العاملي، ط1 ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1409 ه.

ابن عبد البر: أبو عمرو يوسف القرطبي ت 463 ه.

الاستيعاب في أسماء الأصحاب، تح: علي محمد البجاوي، ط 1، دار الجيل، بیروت، 1992 م.

ابن عساكر: أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله الشافعي (499 - 571 ه).

تاريخ مدينة دمشق، تح: علي شيري، ب.ط، دار الفکر، بیروت، 1995 م.

ابن عقدة: أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ت 332 ه.

الولاية، جمع نصوصه، عبد الرزاق حرز الدين، ب. مکا، ب.ت.

فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، جمعه ورتبه وقدم له: عبد الرزاق حرز الدين، ب. مكا، 1421 ه.

العيني: بدر الدين ت 855 ه.

عمدة القاری شرح صحيح البخاري، ب. ط، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ب. ت.

ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زکریا ت 395 ه.

معجم مقايس اللغة، تح وضبط: عبد السلام محمد هارون، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1404 ه.

ابن الفتال النيسابوري: أبو جعفر محمد بن الحسن ت 508 ه.

روضة الواعظين، ط 2، مط: أمير، قم، 1375 ه.

الفخر الرازي: فخر الدين ت 606 ه.

مفاتح الغيب، ط 3، ب. محق، ب. مكا، ب.ت.

الفراهيدي: أبي عبد الرحمن الخليل بن احمد (100 - 175 ه).

العين، تح: مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي، دار الهجرة ط 2، 1409 ه.

أبو الفرج الأصفهاني: علي بن الحسين ت 356 ه.

مقاتل الطالبيين، تقديم واشراف: كاظم المظفر، ط 2، المكتبة الحيدرية، النجف الاشرف، 1965 م.

الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب ت 817 ه.

القاموس المحيط، جمع وشرح: نصر الهوريني، ب. مکا، ب ت.

القاضي النعمان: أبو حنيفة محمد بن منصور بن احمد المغربي ت 363 ه.

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تح: محمد الحسيني الجلالي، ب.ط، مط: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ب.ت.

ص: 97

ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري ت 276 ه.

الإمامة والسياسة، تح: علي شيري، ط 1، مط: أمير، الناشر: الشريف الرضي، قم، 1413 ه.

المعارف، تح: ثروت عكاشة، القاهرة، 1981.

ابن قدامة: موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمدت 620 ه المغني، ب. محق، دار الكتاب العربي، ب. ت.

ابن قدامة: عبد الرحمن 682 ه.

الشرح الكبير، ب. محق، ب. ط، دار الكتاب العربي، بيروت، ب.ت.

القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (671 ھ / 1273 م) الجامع لأحكام القرآن، ط 2، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1960.

القمي: أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن المعروف بابن شاذان. (ق 4 و 5 هج. مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ط 1، مدرسة الإمام المهدي، قم، 1407 ه.

القندوزي: سليمان بن إبراهيم الحنفي ت 1294 ه.

ينابيع المودة لذوي القربی، تح: سيد علي جمال الحسيني، ط 1، دار الأسوة، 1416 ه.

ابن كثير: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمرت 774 ه.

البداية والنهاية، اعتني به، حنان عبد المنان، بيت الأفكار الدولية، ب.ت. تفسير ابن كثير، ب.ط، مط: دار المعرفة، بیروت، 1412 ه.

السيرة النبوية، تح: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بیروت، 1971.

الكراكجي: أبو الفتح محمد بن علي ت 449 ه.

كنز الفوائد، ط 2، مطبعة الغدير، مكتبة مصطفوي، قم، 1369 ه.

الكليني: أبي جعفر محمد بن يعقوب ت 329 ه.

الكافي، تح علي اکبر غفاري ، ط 3، دار الكتب الإسلامية، 1388 ه.

الكنجي الشافعي: أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد ت 658 ه.

كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب، تح محمد الاميني، ط 2، النجف، 1970.

الكوفي: محمد بن سليمان القاضي، (حيا ٍ 300 ه).

مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، تح: محمد باقر المحمودي، ط 1، الناشر: مجمع أحياء الثقافة الإسلامية، قم، 1412 ه.

ابن ماجه: محمد بن يزيد القزويني ت 275 ه.

سنن ابن ماجه، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفکر، بیروت، ب.ت.

مالك بن أنس (93 _ 179 ه).

الموطأ، تح: بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط 2، بیروت، 1997.

ص: 98

المتقي الهندي: علاء الدين بن علي ت 975 ه / 1567 م.

کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ط 2، حیدر آباد الدكن، الهند، 1950 .1967.

المجلسي: محمد باقر ت 1111 ه.

بحار الأنوار، ط 2، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1983.

المحب الطبري: احمد بن عبد الله ت 694 ه.

ذخائر العقبی، مکتبة القدسي، القاهرة، 1356 ه.

الرياض النضرة، تح: سليمان حسن عبد الوهاب، ط 2، مصر، 1953 م.

ابن مردويه: أبو بكر احمد بن موسى الأصفهاني ت 410 ه.

مناقب علي بن أبي طالب، جمع: عبد الرزاق حرز الدين، ط 2، دار الحديث، قم، 1424 ه.

مسلم بن الحجاج النيسابوري ت 261 ه.

صحيح مسلم، ب. محق، دار الفکر، بیروت، ب. ت.

ابن معد: أبو علي شمس الدين فخار بن معد الموسوي ت 630 ه.

الحجة على الذاهب إلى كفر أبي طالب، تح: السيد محمد بحر العلوم، ط 1، قم، 1410 ه.

ابن المغازلي: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الواسطي الشافعي ت 483 ه.

مناقب علي بن أبي طالب، ط 1، إنتشارات سبط النبي (عليه السلام)، ب. مکا، 1426 ه.

المفيد: أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (336. 413 ه).

الإرشاد، تح: حسين الأعلمي، ط 5، بيروت، 2001 م.

الامالي، تح: الحسين استاد ولي، قم، ب.ت.

تفسير المفيد، تح: السيد محمد علي، ط 1، قم، 1424 ه.

المقريزي: تقي الدين أبو العباس احمد بن علي (ت 845 ه / 1442 م).

إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، تحقيق وتعليق: محمد عبد الحميد، منشورات محمد علي بيضون، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999.

الملطي: أبو الحسين محمد بن احمد الشافعي (ت 377 ه / 987 م).

التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، تح: محمد زاهد الكوثري، بيروت، 1968.

ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مکرم ت 711 ه / 1311 م.

لسان العرب، ط 1، دار أحياء التراث العربي، أدب الحوزة، ب.ت.

المنقري: نصر بن مزاحم ت 212 ه.

وقعة صفين، تح: محمد عبد السلام هارون، ط 2، المؤسسة العربية الحديثة، القاهرة، 1382 ه.

ابن میثم: كمال الدين بن علي البحراني ت 679 ه.

شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، عني بطبعه ونشره وتصحيحه والتعليق عليه:

ص: 99

میر جلال الدين الحسيني الإرموي المحدث، منشورات جماعة المدرسين، قم، 1390 ه. شرح نهج البلاغة، ط 1، مط: وفا، قم، 1427 ه.

النسائي: أبو عبد الرحمن احمد بن شعيب (215 - 303 ه).

السنن الکبری، تح: عبد الغفار سليمان. سید کسروي، ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 1991.

النسفي: ابو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود ت 537 ه.

تفسير النسفي المسمى (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، ب. محق، ب. مکا، ب.ت.

النعماني: محمد بن إبراهيم ت 380 ه.

الغيبة: تح: علي اکبر غفاري، طهران، ب.ت.

ابو نعيم: احمد بن عبد الله الأصبهاني ت 430 ه.

حلية الاولياء وطبقات الاصفياء، ب. محق، ط 2، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967.

النووي: محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف الدمشقي (631 _ 676 ه).

شرح صحيح مسلم، ب. محق، ط 2، دار الكتاب العربي، بیروت، 1987.

ابن هشام: أبو محمد عبد الملك الحميري ت 218 ه.

السيرة النبوية، تح: محمد محيي الدين، الناشر: مكتبة محمد علي، مصر، 1963.

الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر (ت 807 ه).

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، مكتبة القدسي، القاهرة، 1352 - 1353 ه.

الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري ت 478 ه.

أسباب النزول، دار الباز، مؤسسة الحلبي، القاهرة، 1986.

الواقدي: محمد بن عمر بن واقدت 207 ه.

المغازي، تحقيق: مارسدن جونس، عالم الكتب، بیروت، 2006.

ياقوت الحموي: أبو عبد الله الرومي ت 626 ه.

معجم الأدباء، ط الأخيرة، مكتبة عيسى الحلبي، مصر، 1963.

أبو یعلی: احمد بن علي التميمي الموصلي 210 .307 ه.

مسند أبو یعلی، تح: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، بيروت. دمشق، ب. ت.

المراجع الثانوية الأسدي: عبد الرزاق فرج الله.

الإمام علي (عليه السلام) بين طهر الميلاد ومجد الاستشهاد، تح: قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، ط 2، مط دار الضياء، النجف الاشرف، 2009 م.

الاميني: عبد الحسين بن احمد النجفي ت 1390 ه / 1970 م.

ص: 100

الغدير في الكتاب والسنة والأدب، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، ط 1، 1995 م. جرداق: جورج.

الإمام علي (عليه السلام)، صوت العدالة الإنسانية، ط 1، دار المهدي، بيروت، 2004 م.

ابو حبيب: سعدي.

القاموس الفقهي لغة واصطلاحا، ط 2، دار الفكر، دمشق، 1988.

الحسني: هاشم معروف.

سيرة الائمة الاثني عشر: ط 5، مطبعة شريعت، انتشارات المكتبة الحيدرية، 1427 ه.

درويش: السيد طاهر عيسى.

علي كما وصف نفسه، ط 1، دار ومكتبة الهلال، بیروت، 2004.

الرضوي: محمد الرضي.

من أقطاب الكذابين أحمد بن تيمية الحراني، بلا مكا، ب.ت.

الريشهري: محمد.

ميزان الحكمة، دار الحديث، ط 1، قم، 1416 ه.

الصالح: صبحي (الشارح) نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فہارسه العلمية: صبحي الصالح، ط 6، دار الاسوۃ، طهران، 1429 ه.

العسكري: مرتضى.

معالم المدرستين، ط 1، مط: ليلى، الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت علیهم السلام، 2003 م.

العقاد: عباس محمود.

عبقرية الإمام (عليه السلام)، دار الفكر، بغداد، ب.ت.

العواد: انتصار عدنان.

السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام) دراسة تاريخية، مؤسسة البديل، بيروت، 2009.

السيرة النبوية برؤية أمير المؤمنين (عليه السلام) دراسة في نهج البلاغة، دار الفيحاء، بيروت، 2015 م. الفحام:عباس علي حسين بلاغة النهج في نهج البلاغة، ط 1، مؤسسة دار الصادق الثقافية ودار الرضوان، الاردن، 2014 م.

فلسفي: محمد تقي الطفل بين الوراثة والتربية، تعريب وتعليق فاضل الحسيني الميلاني، ط 2، مط دار سبط النبي (عليه السلام)، 2005 م.

القزويني: لطيف.

ص: 101

رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ، بلا معلومات.

كحالة: عمر رضا.

معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، ط 2، دار العلم للملايين، بيروت، 1968 م.

الكوراني: علي.

السيرة النبوية برواية اهل البيت (عليه السلام)، الطبعة الجديدة، دار المرتضى، بيروت، 2009 م . آل لطيف: محمد بن ابراهيم على الله. مآثر آل البيت وبني هاشم، ط 1، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 2011 م المرعشي: ت 1411 ه.

شرح احقاق الحق، تح وتعليق السيد شهاب الدين المرعشي، تصحيح: ابراهيم الميانجي، ب ط، ب مط، منشورات مكتبة آية الله المرعشي، قم، ب.ت.

الميلاني: السيد علي الحسيني.

ابن تيمية وامامة عليه السلام، ط 1، مركز الأبحاث العقائدية، 1421 ه. حديث المنزلة، مركز الابحاث العقائدية، قم، 1421 ه.

ناجي: د. عبد الجبار.

نقد الرواية التاريخية عصر الرسالة انموذجا، ط 1، دار المحجة البيضاء، بيروت، 2011 م.

النصر الله: د. جواد.

الإمام علي (عليه السلام) في فكر معتزلة البصرة، دار الفيحاء، بيروت، 2013.

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد رؤية اعتزالية عن الإمام علي (عليه السلام)، ط 1، ذوي القربي، قم، 2004 م. فضائل الإمام علي تنسب لغيره، الحلقة الأولى (الولادة في الكعبة)، مركز الأبحاث العقائدية، النجف، 2009.

هيأة كتابة التاريخ برئاسة معاوية، مجلة رسالة الرافدين، العدد الخامس، 2008.

النقوي: السيد حامد ت 1306 ه. خلاصة عبقات الأنوار، مطبعة خيام، مؤسسة البعثة، طهران، 1405 ه.

****

ص: 102

البحث الثاني الإيحاءات التكاملية لخطي النبوة والإمامة في نهج البلاغة أ. د. حميد سراج جابر جامعة البصرة - كلية التربية الإنسانية

ص: 103

ص: 104

المقدمة

ترتبط المفاهيم الفكرية في المنظومة العقائدية للنبوة والإمامة بأطر تكاملية فيما بينها وتخضع لأسس بنائية تتمحور حول شخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يمثل العنوان التطبيقي للنبوة بمعناها الفكري والعملي، وشخص الإمام علي (عليه السلام) الذي يمثل عنصر التكامل مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعبارة أخرى التكامل بين النبوة والإمامة.

والمشكلة إن ما يثار من عدم أهلية الإمام علي (عليه السلام) عمرياً للالتحاق بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله يصطدم بالفكر في أكثر من جانب لاسيما وإن المعالجات المادية النقلية لهذا الطرح أبعدت لغة الفكر والمفهوم وهي لغة معنوية بناءة لا تنظر للحدود الملموسة فقط وإنما تدرك الوقائع من دلالاتها وفلسفتها وآثارها، وهو الأمر الذي حاولنا إثباته في هذه الدراسة ولكن بالاعتماد على ما طرحه الإمام علي (عليه السلام) نفسه في نهج البلاغة عن التكامل بين خطي النبوة والإمامة ولکن وفق الاستدلالات الفكرية المرتبطة بمظاهر ومصاديق تلك العلاقة.

إن أبرز ما يمكن طرحه في هذا المقام هو الاشتراك المصدري أو المنبع السامي الواحد بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) وهو منبع له مقامات مؤثرة في طبيعة التكامل بين النبوة والإمامة ولكنه يخرج عن نطاق المادية التي تعتمد على النسب المجرد والدافع الوراثي ويدخل في الجانب الاعتباري القائم على وجود الخصوصيات الفكرية في هذا المنبع التي تمثل عوامل مساعدة وبناءة في التكامل.

وتمثل المواكبة والاقتران محور آخر من محاور هذا التكامل وأساس من

ص: 105

أساسياته التي بنيت على منظومة إعدادية عامة لها فلسفة خاصة في تهيئة الإمام علي (عليه السلام) ليواصل العمل الرسالي بنفس الكيفية والدرجة التي مثلها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لوجود وحدة في المنهج والإطار المفاهيمي القيمي الذي عكست صورته وقائع كثيرة أكدها الإمام علي (عليه السلام) في النهج سواء بالمواكبة العملية والحضور الزماني والمكاني كالمزامنة في التعبد أيام الغار ونزول الوحي، والمساندة المادية والمعنوية كحادثة الإنذار وتعبئة الإمام علي (عليه السلام) لنفسه في سبيل النبوة وحمايتها.

ويقع ضمن ذلك أيضا الإعداد والتربية المباشرة والاتصال الجسدي والروحي وهي أمور تقع في صميم ذلك التكامل بين النبوة والإمامة ومقدمة من مقدمات الاستمرارية والبناء الفكري للإمامة بعد النبوة ولشخص الإمام علي (عليه السلام) كوريث شرعي فكري لحمل الرسالة السماوية.

وهذه التربية والإعداد لا تعني وجود حدود فاصلة بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) عدا مقام النبوة، بل إن الصنوية والتناغم هما سيدا الموقف، وقد صرح الإمام (عليه السلام) بتلك المقاربة وعناوينها وابعادها كما صرح القرآن الكريم والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بها من قبله.

وكل هذه المفاهيم قد ارتبطت بوجود المرحلية التكاملية بين النبوة والإمامة وكيف أعد الإمام علي وأئمة أهل البيت عليهم السلام ليمثلوا النبوة بإمامتهم وليتم إثبات القصدية في تربية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام علي (عليه السلام) والوعي الكامل في اسلامه وإيمانه بنبوة الخاتم وإسناده له في أحلك الظروف.

ص: 106

أولاً: سمو وخصوصية المنبع المشترك وأبعاده التكاملية

من المعلوم أن التكامل بين خطي النبوة والإمامة يرتكز على مرتكزات يحكمها الأصل المعنوي الواحد، فالأمر أبلغ من النسب المادي بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الامام علي (عليه السلام) وإنما هو المحور والمنبع الذي يمثل وحدة المصدر الذي يتميز بوجود الخصوصية فيه فهو غير متاح للآخرین لأنه مورد ومقام السمو الذي أنعكس في هذين الخطين.

لقد وجه الإمام علي (عليه السلام) كلامه ليرسم صورة التكامل بالاعتماد على المنبع الواحد ولكن بطريقة توحي بالاستمرارية على الرغم من أنه (عليه السلام) أشار فعلا الى عنصر الاشتراك ولكن الهيكلية البنائية للطرح تضع الأهداف التي رسمتها في المقدمة دون أن تعقد المسألة على المتلقي فالغايات واضحة جدا ويمكن الاستدلال عليها بقليل من الجهد، ومن هنا نجد الإمام علي (عليه السلام) يتدرج في بيان ذلك المنبع بما يحقق الأهداف وهو ما يفسر لنا ذكره لذلك الاشتراك مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله «..فأخرجه من أفضل المعادن منبتا وأعز الأرومات مغرسا من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتخب منها أمناءه عترته خير العتر، وأسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر نبتت في حرم وبسقت في كرم، لها فروع طوال وثمرة لا تنال فهو إمام من اتقى وبصيرة من اهتدى سراج لمع ضوءه وشهاب سطع نوره، وزند برق لمعه سيرته القصد وسنته الرشد. وكلامه الفصل. وحكمه العدل. أرسله على حين فترة من الرسل، وهفوة عن العمل، وغباوة من الأمم».

ص: 107

أن نظرة متفحصة لذلك الخطاب تضعنا أمام صورة تكاملية رسمها الإمام علي (عليه السلام) بخصوص المنبع الواحد وهذا ما يفسر لنا الإثبات التدريجي لتلك الوحدة والتي بنيت على ثلاثة محاور:

المحور الأول: إن هذا المنبع يمتد بالأساس ماديا» ومعنويا» الى سلسلة الأنبياء على وجه العموم ومن ثم فهو تأكيد على التكامل في الدين.

المحور الثاني: صورة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم كخاتم وصفوة لهذه الشجرة المباركة وذلك المنبع الالهي.

المحور الثالث: الاستمرارية والتكامل بإمامة أئمة أهل البيت عليهم السلام كثمرة لهذا المنبع باعتبارهم الأمناء على الدين بعد الرسول محمد (صلى الله علیه وآله وسلم)؟ والملاحظ أن أهداف الإمام (عليه السلام من هذا الطرح لم تقتصر على المحاور التي ذكرناها والمتعلقة ببيان صورة هذا المنبع وارتباطاته بين النبوة والإمامة بل هي بيان لمقام أئمة أهل البيت عليهم السلام لاسيما وإن ذلك المقام مرتبط بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولان المناسبة كانت تقتضي إثبات هذا المقام لكل المشككين آنذاك بل إثبات الأفضلية التي بدت واضحة في هذا الخطاب، ولعل المنهج الإقناعي في المحاججة مع جبهة الباطل هو الذي حد نوع الطرح ببيان المنبع المترابط في الرسالات وهو أمر يعكسه قوله (عليه السلام) المار «.. من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتخب منها أمناءه عترته خير العتر..» وقد جمع هنا بين كل المحاور التي ذكرناها.

وربما نجد إن الإمام (عليه السلام) يجمع المفاهيم بأقل العبارات ليصور المنبع المعنوي والنسبي في العلاقة مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو

ص: 108

الربط بين النبوة والإمامة من حيث الجذرية والامتداد فقد أجاب (عليه السلام) أحد أصحابه عندما سأل (كيف دفعكم قومکم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فقال.... «أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسبا، والأشدون برسول الله صلى الله عليه وآله نوطا (تعلق)، فإنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين. والحكم، الله والمعود إليه القيامة ودع عنك نهبا صبح في حجراته»).(1) ولا ينبغي أن نفهم من علو النسب شكله المادي الاعتباري وإنما المراد هو امتداد الإمامة الذي كانت من مشتركاته المعنوية والمادية الامتداد النسبي والمنبع الطاهر الذي مثلته شجرة النبوه وهي كما اسلفنا (خير الشجر نبتت في حرم وبسقت في كرم) كما أن التعلق الذي أشار له الإمام علي (عليه السلام) يتعدى أيضا» الإطار المادي فمفردة (النوط) ليست لفظة مجردة تخص التعلق بمعنى التقرب بل تعني الذوبان في شخص النبي ومقامه الإلهي المرتبط بمقامات الأئمة عليهم السلام، ومن هنا نجد الإمام علي (عليه السلام) يربط هذا الأمر بالله تعالى كونه الحاكم على الناس وعلى الأئمة وسيأخذ كل ذي حق حقه.

وقد ترجم الإمام علي (عليه السلام) هذا المحتوى بصيغة مباشرة في حجاجه مع منكري ولايته وبين بعدهم عن هذا المنبع وإدعائهم ما ليس لهم بل واختصاص الإمام علي (عليه السلام) وأئمة الهدى بالارتباط المعنوي بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان خطابه الحجاجي مع المهاجرين في قضية الخلافة دال على ذلك المنحى لا سيما وإنهم أحتجوا بأستحقاقاتهم بناء على القرب والارتباط بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ رد الإمام (عليه السلام) بقوله: «..فنحن مرة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطاعة. ولما احتج المهاجرون على الأنصار

ص: 109


1- نهج البلاغة 2 / 63

يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه وآله فلجوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم...».(1) وبالتأكيد فإن الإمام علي (عليه السلام) خاطبهم بما یفهمون ومن باب إلزموهم بما ألزموا به أنفسهم وإلاّ فأن القرابة المجردة ليست حاكمة في الأفضلية لخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما القرب المعنوي ووحدة المصدر والمنبع ومع ذلك فقد تطابق هذا القرب فيما يخص الإمام علي (عليه السلام) وعلاقته بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع القرب المادي الحقيقي المباشر کما ورد في النص ولا سيما قوله (عليه السلام) السالف «فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم».

ثانياً: المواكبة والاقتران الواعي في الإعداد

أن من أبرز الصور التي طرحها الإمام علي (عليه السلام) والتي تعرض العلاقة بين النبوة والإمامة بمدياتها المتعددة هي صورة المواكبة والإعداد الابتدائي والذي يتعلق بطبيعة مرافقة الإمام علي (عليه السلام) للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي مرافقة واعية لا كما يتصورها البعض من إنها مواكبة الطفل لمربيه(2) بل هي مقام وتعاضد وتآزر مع سيد الكائنات اي إنها مواكبة مقترنة بمبدأ ونشاط تكاملي بين النبوة والإمامة، ولعل الإمام علي (عليه السلام) أجاب عن كل الأسئلة المطروحة بهذا الشأن وبيّن طبيعة ذلك الاقتران وتلك المواكبة حينما قال «.. أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة

ص: 110


1- نهج البلاغة 3 / 32. وينظر ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة 15 / 182، المجلسي، البحار 33 / 59
2- عن اشكال اسلام الامام علي (عليه السلام) وأنه اسلام الصبا ينظر الاراء والمناقشة عند القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار 1 / 190، السيد الخوئي، مصباح الفقاهة 2 / 511

الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله، فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال هذا الشيطان أيس من عبادته. إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي. ولكنك وزیر وإنك لعلى خير.(1) ولقد كنت معه صلى الله عليه وآله لما أتاه الملأ من قريش، فقالوا له: يا محمد إنك قد ادعيت عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك....».(2) ولكي نفهم المباني الفكرية في هذا الطرح ينبغي أن نقسم كلام الإمام (عليه السلام) إلى مجموعة محاور:

المحور الأول: اقتران الإمام علي (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مسألة الإحساس بالوحي وتحسس نوره والذي عبر عنه بالرؤية العينية والتي قد تكون حسية كما هو المفهوم من الطرح إذ الملاحظ إن الأمام (عليه السلام) أستخدم المفردات الدالة على الحواس مثل (أري) (أشم) (سمعت) وهو ما يؤكد إن مقصد الإمام (عليه السلام) الجانب المادي الفعلي من الرؤية العيانية والشم والسماع المادي المرتبط بحصول الصوت وإدراكه بالأذن.

المحور الثاني: تقسيم الأدوار بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) وهو تقسیم تکاملي يقتضي معاونة الإمام للرسول صلوات الله عليهما وهذه المعاونة هي إعداد مستقبلي للقيام بالأمر وهو ما يفسر تصریح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الإمام (عليه السلام) له الكثير من المشتركات معه ولكن مع وجود الحد الفاصل بينهما وهو النبوة لذا نقل الإمام

ص: 111


1- نهج البلاغة 2 / 157
2- نهج البلاغة 2 / 158. وينظر ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 13 / 197. المجلسي، البحار 38 / 320

(عليه السلام) في كلامه جواب الرسول صلى الله عن استفساره اذ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) (إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي).

المحور الثالث: مثّل کلام الإمام (عليه السلام) تجسيد لتعيين الإمام علي كوزير للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما قال له «..ولكنك وزير وإنك لعلى خير..» وهو تأكيد فعلي لحادثة الإنذار «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(1) وكأن الإمام علي (عليه السلام) أراد بهذه الرسالة إعادة الأذهان إلى ذلك التاريخ لربط الوقائع وتحقيق الإثبات لتلك الحادثة المشهورة کما نقلها الإمام علي (عليه السلام) نفسه اذ قال إنه حينما نزلت تلك الآية (تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: «يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي وكذا وكذا»؟(2) قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت «وإني لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا(3)، وأخمشهم ساقا. أنا يا نبي الله أكون وزیرك»(4)، فأخذ برقبتي، ثم قال: «إن هذا أخي وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا»، قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون

ص: 112


1- سورة الشعراء / 214
2- ذكر الطوسي في التبيان بدل كذا وكذا (وزيري وأخي ووصيي) 8 / 67. وقد ذكرها المتقي الهندي في منتخب کنز العمال (أخي ووصي وخليفتي) 13 / 114 فيما ذكر ابن سعد في الطبقات الکبری بدل كذا وكذا (أخي) فقط 1 / 187
3- لم يذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى (أعظمهم بطنا») وإنما ذكر (وأني لأحدثهم سناً وأحمشهم ساقاً) 1 / 187
4- وقد ذكرت بعض المصادر أكثر من ذلك اذ أورد المتقي الهندي في منتخب کنز العمال أنه قال (هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم) 13 / 114

لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع)(1).

إن ربط الإمام (عليه السلام) بين تلك الحادثة وكلامه عن نتيجتها يحمل بين طياته أكثر من مغزی وعلامة:

أولاً: میل الناس إلى جبهة الباطل وابتعادهم عن جبهة الحق اما خوفا او طمعاً بالمكاسب المادية أو الالتباس بسبب قلة الثقافة وهو أمر يحتم على المتصدي التوضيح والتذكير والتثقيف.

ثانياً: إعادة شحن الأذهان بأفضلية الإمام علي (عليه السلام) و حسن عاقبته لاسيما وإنه أورد قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه «..وإنك لعلى خير..».

ثالثا: التثقيف على المعاونة والمؤازرة وهي المعاني الدالة على الوزارة ومن ثم مواصلة العمل الرسالي دون توقف وكأنها إشارة الى التكامل في استمرارية الرسالة السماوية.

المحور الرابع: خبرة الإمام وتجاربه مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تمكنه من صد ورد كل المخططات التي قد ظهرت في فترة إمامته إي إشارة إلى التشابه بين المعترضين وفي موقف الرسول والإمام صلوات الله عليهما منهم ولهذا قال (عليه السلام) «ولقد كنت معه صلى الله عليه وآله لما أتاه الملأ من قريش، فقالوا له: يا محمد إنك قد ادعيت عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك»، وقد أراد الإمام (عليه السلام) الإشارة إلى أنه من صدق الرسول صلى الله عليه وآله وأخبرهم بذلك لكنهم اعترضوا لقربه منه وهو ما نريد الوصول إليه في بيان تلك

ص: 113


1- الطبري، جامع البيان 19 / 149

المقاربة والمواكبة وذلك التصديق لاسيما وإن هذه الحادثة التي حضرها الإمام علي (عليه السلام) طلبت أمورا إعجازية من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد أن القي الحجة عليهم بتحقيقها أتهموه بالسحر وهنا برز دور الإمام علي (عليه السلام) في مساندته.(1) لقد تدرج الإمام (عليه السلام) في ذكر ذلك الاقتران والمواكبة مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته فلم تكن رؤية الوحي بغض النظر عن مكان نزوله هي الأمر اللافت للنظر في تلك العلاقة التناغمية الروحية فقط وإنما نجد الأعجب من كل ذلك المواكبة التعبدية والتفكرية في غار حراء وهو أمر يستدعي

ص: 114


1- تذكر الرواية إن الإمام علي (عليه السلام) قال (ولقد کنت معه (صلى الله عليه و آله) لما أتاه الملأ من قريش فقالوا له: يا محمد إنك قد ادعيت عظيما لم يدعه آباؤك ولا أحد من بيتك، ونحن نسألك أمرا إن أجبتنا إليه و أريتناه علمنا أنك نبي ورسول، وإن لم تفعل علمنا أنك ساحر کذاب، فقال (صلى الله عليه وآله) لهم: وماتسألون؟ قالوا: تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك. فقال (صلى الله عليه وآله): إن الله على كل شئ قدير وإن فعل الله ذلك لكم أتؤمنون وتشهدون بالحق؟ قالوا: نعم. قال: فإني سأريكم ما تطلبون وإني لأعلم أنكم لا تفيؤون إلى خير، وإن فيكم من يطرح في القليب ومن يحزب الأحزاب، ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا أيتها الشجرة إن کنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين أني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله، فوالذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي شديد وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله مرفرفة، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وببعض أغصانها على منكبي وكنت عن يمينه، فلما نظر القوم إلى ذلك قالوا علوا واستكبارا: فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها، فأمرها بذلك فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشده دویا، فكادت تلتف برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا كفرا وعتوا: فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه کما كان، فأمره فرجع: فقلت أنا: لا إله إلا الله إني أول مؤمن بك يا رسول الله وأول من أقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقا لنيوتك وإجلالا لكلمتك، فقال القوم كلهم: بل ساحر کذاب عجیب السحر خفيف فيه، وهل يصدقك في أمرك إلا مثل هذا؟ يعنونني. ينظر المجلسي، البحار 38 / 321

التدقيق في نوع تلك المقاربة ومعانيها وآثارها ولعل الكلام الذي ذكره الإمام (عليه السلام) بهذا الخصوص جداً صريح وذلك حينما قال عن الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) «ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غیر رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما».(1) إن من أبرز الخصوصيات التي اختص بها الإمام علي (عليه السلام) مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي مسألة التفكر والرسوخ والوعي بالدين فقد عرف عن الإمام (عليه السلام) إنه لم يسجد لصنم قط(2) إسوة بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا النوع من العبادة المتقدمة يضع النقاط على الحروف في المواكبة بين النبوة والإمامة أو بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام)، وقد يظن ظان إن رؤيته في غار حراء تمت بعد البعثة النبوية وهذا ما يتعارض ويتناقض مع طبيعة الطرح التي صورها الإمام (عليه السلام) بصورة الزمن السابق للبعثة لأنه ذكر الخصوصية (فأراه ولا يراه غيري) وكذلك الحقها بخصوصيته مع خديجة عليها السلام ولكن (في الإسلام) وذلك بعد مرحلة الطرح الأول السابق للبعثة.

وقد أكد جعفر سبحاني على هذا الفهم حينما قال أن هذه العبارة وان كانت محتملة في مرافقته للنبي في حراء بعد البعثة الشريفة الا أن القرائن وكون مجاورة النبي بحراء كانت في الأغلب قبل البعثة، تؤيد ان هذه الجملة، يمكن أن تكون إشارة إلى صحبة الإمام علي (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حراء قبل البعثة فطهارته النفسية، ونقاوة روحه التي كان علي يتحلى بها، والتربية

ص: 115


1- نهج البلاغة 2 / 157
2- برهان الدين الحلبي، السيرة الحلبية 1 / 435. وينظر المجلسی، البحار 42 / 238

المستمرة التي كان يحظى بها في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله، كل ذلك كان سببا في أن يتصف علي (عليه السلام) - ومنذ نعومة أظفاره - ببصيرة نفاذة وقلب عقول، واذن سميعة واعية تمكنه من أن يرى أشياء ويسمع أمواجا تخفی على الناس العاديين ويتعذر عليهم سماعها ورؤيتها(1) وهناك نوع من الخصوصية في المواكبة هي خصوصية التربية والإعداد المادي والذهني والتي ترجمها الإمام علي (عليه السلام) ترجمة غاية في الدقة حينما قال «ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما»، ويأمرني بالاقتداء به».(2) وهو أمر حاولنا تأخيره لتقديم الجانب المعنوي الذي يربط المفاهيم ويؤكد الاشتراك والمواكبة التكاملية التي أشرنا إليها مع الأخذ بنظر الاعتبار ان التربية المباشرة والمواكبة المادية والذهنية تمثل عنصر أساس في بناء الهيكلية العامة لذلك الترابط بين خطي النبوة والإمامة، فتعبير الإمام علي (عليه السلام) «ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه» لا يشير فقط الى الإتباع المجرد وإنما يحمل جملة إيحاءات:

الإيحاء الأول: الإشارة الى الفطرة وصياغة عقلية الإمام (عليه السلام) بالكامل من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

الإيحاء الثاني: إثبات وعي الإمام (عليه السلام) بالدعوة والرسالة عموما» لا کما يحاول البعض تصويره على إنه الطفل غير الواعي للإسلام والإيمان به.

الإيحاء الثالث: الإشارة إلى الإستراتيجية والنظام المتكامل في إعداد الإمام علي

ص: 116


1- ابن البطريق، العمده، مقدمة المحقق ص 12
2- نهج البلاغة 2 / 157

(عليه السلام) من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو يرسم الخطوط والأثر المادي والمعنوي الذي يتخذه الإمام (عليه السلام) في سيره.

وهذا الإيحاء الأخير جسده کلام الإمام (عليه السلام) السالف (..يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما»، ويأمرني بالاقتداء به..) فمقدار العلم الذي يزقه الرسول صلى الله عليه وآله محدد بصفة ومفهوم و مقدار لأنه يمثل حلقة من الحلقات المتواصلة لإكمال الإعداد بل والتكامل النهائي بين خطي النبوة والإمامة وهو ما يفسر قول الإمام (عليه السلام) (ويأمرني بالاقتداء به).

أما الجزء الأكثر مساسا بمنطوق المواكبة المباشرة وخصوصية التربية فهو ما نطق الإمام علي (عليه السلام) نفسه عنه وذلك بقوله: «وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه (رائحته)، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه»(1) وقد طبعت آراء الشراح في كلام الإمام (عليه السلام) بطابع التوجيه المباشر في الغالب وهو الإشارة إلى الكمالات المتنوعة التي إستحصلها الإمام (عليه السلام) من تلك التربية(2) غير إن هناك إلماحات عدة عن مفهوم القرب والخصوصية في المنزلة يمكن بيانها با يأتي:(3) 1. القرابة المادية النسبية وما يترتب عليها.

2. القرابة المعنوية وموضع الامام علي (عليه السلام) القريب نفسیا» وفكريا»

ص: 117


1- نهج البلاغة 2 / 157. وينظر ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 13 / 197
2- ينظر الراوندي، منهاج البراعة 2 / 270، ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 13 / 200، البحراني، شرح نهج البلاغة (الكبير) 4 / 312، الخوئي، منهاج البراعة 12 / 35
3- حمید سراج جابر، الكمال الانساني والقيمي في مفاهیم نهج البلاغة ص 11

من الرسول ص.

3. الانفراد بالمنزلة وخصوصية علاقة الإمام (عليه السلام) بالرسول صلى الله علیه و آله دون غيره.

4. الإشارة إلى التربية المادية والمعنوية منذ الطفولة، وهذا معنى قوله (عليه السلام) «وضعني في حجره». ولعل التقريب المادي أخذ المدى الواسع في هذا الطرح لأنه بناء وتكوين للتقريب الفكري والمعنوي عموما فقد حرص الإمام (عليه السلام) على بيان التطابق النفسي والروحي في هذا النوع من التربية لاسيما وإنه يتطابق مع ما ذكرناه سابقا» من التكامل الروحي فتقريب الجسد بكل صوره سواءً المس أو شم الرائحة(1) كلها أساليب و مضامین تربوية عالية القيمة وتأثيرها مستقبلي وآني في الوقت نفسه على الطرف المعد وهو الإمام علي (عليه السلام) الذي سيذوب بالمربي ومبدئيته، كما إن هذا الفعل من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا الطرح من الإمام علي (عليه السلام) فيه رسائل عدة موجهة الى المسلمين عموما» والى منكري ولاية الإمام علي (عليه السلام) على وجه الخصوص.

الا أن انتقالة الإمام علي (عليه السلام) نحو الإطار الفكري لإثبات طبيعة التكامل بين خطي النبوة والإمامة ملفت للنظر ونقصد من حيث اختیار العبارات الدالة على ذلك القرب المادي المفصح عن الإطار العلمي وهو قوله (عليه السلام) «و كان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه» وهناك اكثر من صورة في هذا الطرح:(2)

ص: 118


1- ينظر الراوندي، منهاج البراعة 2 / 270، ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، 13 / 200، البحراني، شرح نهج البلاغة 4 / 312
2- حمید سراج جابر، الكمال الانساني والقيمي في مفاهیم نهج البلاغة ص 13

1. الصورة المادية او الغذاء المادي واخذ دور الام للمبالغة في الرعاية والتربية.

2. الصورة المعنوية والغذاء العلمي، وفق رؤية استحصال الامام المعصوم للعلم اللدني وزق العلم.

3. صورة الاعداد الذهني للناس لاستقبال صورة الامام الذي يخلف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد نقل الكليني رواية تؤكد طبيعة الغذاء العلمي الذي أخذه الإمام علي (عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مرحلة متقدمة من التلقي بعد الطفولة الإّ إنها تسير في فلكها وتدور في رحاها اذ قال (عليه السلام) «وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن إلاّ اقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله لي ان يعطيني فهمها وحفظها فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبت منذ دعا الله لي بما دعاه، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام، أمر ولا نهي کان أو يكون، ولا كتاب منزل على أحد قبله في أمر بطاعة، أو نهي عن معصية إلاّ علمنيه وحفظنيه، فلم انس حرفا واحدا، ثم وضع صلى الله عليه وآله يده على صدري، ودعا الله لي ان يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا، فقلت يا نبي الله بأبي أنت وامي، أني منذ دعوت الله عز وجل لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شيء لم اكتبه، أفتتخوف عليّ النسيان فيما بعد، فقال لا لست أخاف عليك النسيان ولا الجهل».(1) وربما عكست بعض المرويات هذه المزاوجة والمواكبة وترجمتها بشكل مباشر

ص: 119


1- الكافي 1 / 64

فقد قيل إن الإمام علي (عليه السلام) لما ولد لم يفتح عينيه ثلاثة أيام فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ففتح عينيه ونظر إلى النبي فقال صلوات الله عليه خصني بالنظر وخصصته بالعلم.(1)

ثالثاً: الصنوية والتكامل الروحي

لم يكن منبع ومصدر النبوة والإمامة هو عنصر الاشتراك الوحيد بينهما وإنما نجد العلاقة الروحية بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) العامل الأبرز في ذلك الاشتراك اذ تعدى الإطار الشكلي بشكل ينتمي إلى الوصف القرآني الذي صور تلك العلاقة بعلاقة النفس بالنفس في قوله تعالى:

«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(2) وهذه العلاقة هي علاقة تكاملية بلا ریب وهذا ما نفهمه من الطرح القرآني السالف فهي دليل على التزاوج والتناغم الروحي والفكري كمقدمة للتكامل بين النبوة والإمامة، ولعل ما ذكره الإمام علي (عليه السلام) فيه تقريب بدیع لهذا الفهم فقد وصف طبيعة العلاقة مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله «وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو والذراع من العضد»(3)، والصنوان

ص: 120


1- أبن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب 2 / 27
2- آل عمران / 61 - 63) لقد جعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علي (عليه السلام) مثل نفسه بقوله: «وأنفسنا وأنفسكم «لأنه أراد بقوله: «أبناءنا «الحسن والحسين (عليه السلام) بلا خلاف. وبقوله: «ونساءنا ونساءكم «فاطمة عليها السلام وبقوله: «وأنفسنا «أراد به نفسه، ونفس علي (عليه السلام) لأنه لم يحضر غيرهما بلا خلاف، وإذا جعله مثل نفسه، وجب ألا يدانيه أحد في الفضل، ولا يقاربه. ينظر الشيخ الطوسي، التبيان 2 / 485
3- نهج البلاغة 3 / 73. وينظر ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 16 / 289

النخلتان لاجتماعها على أصل واحد(1) وهذا التقريب يفصح عن العلاقة الصنوية التكاملية المبنية على جملة أمور يمكن إجمالها بما يأتي:

الصورة الأولى: وحدة الأصل ومن ثم وحدة المنهج مع الاختلاف المرحلي وحسب الدور التكاملي بين النبوة والإمامة، بل إن التشبيه بمقام الذراع من العضد هو إشارة إلى عدم الإنفكاك بين الرسول صلى الله عليه وآله والامام علي (عليه السلام) أي بعبارة أخرى بين النبوة والإمامة، والحال ينطبق على التشبيه بالنخلتين في الأصل الواحد.

الصورة الثانية: إن العلاقة التي قصدها الإمام علي (عليه السلام) لم تكن مقتصره على الإمامة المكملة للنبوة بمعناها المستقل فقط وإنما إلى الدور الذي يلعبه الإمام (عليه السلام) في مساندة النبي والنبوة فالتكامل هنا يبدأ ببداية المقدمات النبوية في عملها الرسالي وهذا ما يفسر لنا صيغة كلام الإمام علي (عليه السلام) حينما قال «وأنا من رسول الله..» أي مقامه الفعلي بوجود الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) وبعد توليه الإمامة أيضا».

الصورة الثالثة: إنها خطاب يعكس طبيعة الحاجة الملحة لتثقيف الناس بالبديهيات وهي التي تخص طبيعة العلاقة بين الرسول صلى الله عليه وآله والامام علي (عليه السلام) ونوعها مما يدل على الهجمة الشرسة على منهج الحق المتمثل بالعترة الطاهرة عليهم السلام.

وينتقل الإمام علي (عليه السلام) إلى صورة أخرى من صور الصنوية والتزاوج الروحي مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي صورة القرب المادي والمعنوي في آخر لحظات الحياة والتي تحتوي على فكرة تخرج عن نطاق

ص: 121


1- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 16 / 289

القرابة والصحبة وتدخل في نطاق آخر يجسد التكاملية التي نحن بصددها فهذا القرب في تلك اللحظة هو شرط ووظيفة وليس مراسیم، ومن هنا نجد کلام الإمام علي (عليه السلام) دقيق وفيه معان عدة اذ قال: «ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي».(1) ویمکن إجمال هذه المعاني بالنقاط الآتية:

أولاً: الإشارة الى القرب المادي الذي يستدعي المواجهة والرعاية المباشرة سواءً في الوصايا أو غيرها وبذلك فأن التقارب المادي هو من أهم مقدمات التقارب المعنوي الذي نقصده.

ثانيا: إن العبارات التي استعملها الإمام علي عليها السلام توحي وتشير الى التكاملية بين النبوة والإمامة كما اسلفنا فلا يوجد تفسير معنوي آخر لقوله (عليه السلام): «ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي» الإّ الإشارة الى المواصلة والتكامل الروحي وإستمرارية العمل الرسالي، وهذه الاستمرارية تنبع أساساً من نفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى مع الأئمة عليهم السلام.

ثالثا: يبدو إن قول الإمام علي (عليه السلام) «ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وإن رأسه لعلى صدري» فيه إشارة وإلماحة الى رد الإدعاء المقابل القائل بإن الأمر جری مع عائشة زوج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)(2) لاسيما وإن المسألة كما أسلفنا تخرج عن صورة توديع الميت أو اللقاء الأخير معه وتدخل في حسابات الصنوية بين النبي والإمام صلوات الله عليهما وإلاّ لكان وجود الزهراء عليها السلام بدل الإمام (عليه السلام) أولى وهي أم أبيها غير إن الزهراء تدرك

ص: 122


1- نهج البلاغة 2 / 172
2- عن رواية وفاة الرسول في حجر السيدة عائشة ينظر الهیثمی، مجمع الزوائد 9 / 37

معنی و مفهوم وضرورة ذلك اللقاء وإيحاءاته الفكرية على وجه العموم وبما يضمن استمرارية الرسالة السماوية.

المرحلة الأخرى في إثبات هذه الصنوية واختصاص الإمام علي (عليه السلام) بها مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي مرحلة التغسيل والتجهيز وخصوصية التعامل مع الملائكة وهي نتيجة وأثر من آثار ذلك التكامل الروحي ومقدمة لاستلام مهام الرسالة السماوية بمنصب الإمامة فقد قال (عليه السلام):

«ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية ملأ يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلون عليه حتی واریناه في ضريحه. فمن ذا أحق به مني حيا وميتا؟ فانفذوا على بصائركم، ولتصدق نياتكم في جهاد عدوکم. فوالذي لا إله إلا هو إني لعلى جادة الحق وإنهم لعلی مزلة الباطل أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم».(1) قد يرى البعض إن تغسيل الإمام علي (عليه السلام) للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي من باب القرب المادي والقرابة القريبة وهو أمر معتاد عند أهل الميت على وجه العموم، إلاّ إن ذلك بجانب الحقيقة اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أمرين:

الأمر الأول: أن هذه القاعدة الاجتماعية لا تسير على المعصوم وإنما فقط على سائر الناس الآخرين، فالمعصوم لا يغسله ويصلي عليه إلا معصوم مثله(2) بل أن هذا التغسيل وتلك الصلاة هما الإثبات العملي للإمامة اللاحقة وعصمة المغسل المصلي.

الأمر الثاني: إن الإمام علي (عليه السلام) نفسه لم يذكر أمر التغسيل إلاّ بهدف

ص: 123


1- نهج البلاغة 2 / 172
2- ينظر عن هذه القاعدة وتفاصيلها التبريزي الانصاري، اللمعة البيضاء ص 94

إلقاء الحجة على الآخرين بأحقيته بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبإمامته لإن إدراك معنى هذا الفعل يكفي لإدراك تلك الوراثة المعنوية، لذا ورد في قوله (عليه السلام): «فمن ذا أحق به مني حيا وميتا؟» أي أن التغسيل علامة على تلك الأحقية.

أن طرح الإمام علي (عليه السلام) يصور هذا الجو الملائكي الذي لا يعيه أو يراه الاّ الامام علي (عليه السلام) نفسه وكأنه عملية تنصيب رسمية وإعلان رسمي عن بدء مهمة الأئمة عليهم السلام لاسيما وإن الملائكة كانوا يعاونون الإمام (عليه السلام) بتغسيل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو قوله «ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله والملائكة أعواني» بل وكانوا يجددون العهد مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع ولي المؤمنين بعده، ولعل مفردات کلام الإمام علي (عليه السلام) فيها إيحاءات دالة على التكامل الروحي مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويمكن إدراجها بما يأتي:

1. إن المعني بالأمر هو بيت النبوة وهو بيت يشع بالعلم والأنوار وهذا هو المقصد من ذكر الإمام علي (عليه السلام) لهبوط وعروج الملائكة فهي رسالة إلى المتطفلين على هذا المقام الشريف.

2. أراد الإمام (عليه السلام) الإشارة إلى خصوصيته بالقرب من الرسول ووراثته المعنوية وهو ما يفسر لنا قوله (عليه السلام) عن حضور الملائكة «وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلون عليه حتی واریناه في ضريحه» وهو أمر ليس لغيره من المدعين.

3. أراد الإمام (عليه السلام) تشخیص جبهة الحق من جبهة الباطل على وجه العموم إذ إن معرفة شخوص و صفات کل جبهة يقود لمعرفة أصحاب الحق من عدمه وهذا ما نلمسه بشكل واضح في خاتمة حديثه (عليه السلام)

ص: 124

مع الناس أي النتيجة التي أراد أن يثبتها لهم بطرحه عن تغسیل الرسول صلى الله عليه و آله و مشاهدة الملائكة اذ قال: «فوالذي لا إله إلا هو إني العلى جادة الحق وإنهم لعلى مزلة الباطل أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم» وهذا القسم هنا هو لإلقاء الحجة عليهم أمام الله تعالى.

رابعاً: ميدان التكامل المرحلي بين خطي النبوة والإمامة

مثّلت المفاهيم والأفكار السابقة المقدمة الفعلية للتتابع بين النبوة والإمامة وهذا ما نسميه التكامل المرحلي بينهما وهو أمر تحتمه طبيعة الفكر نفسه فمیدان هذا النطاق هو تبني الإمام العملي لممارسات وأدوار النبي صلى الله عليه وآله نتيجة لوحدة المنبع والصنوية والمواكبة التي أشرنا إليها سابقا» وهذا الأمر هو الذي طرحه الإمام علي (عليه السلام) نفسه كنتيجة حتمية حينما قال «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته».(1) وما دامت هذه المرحلية هي الأساس في مواصلة العمل الرسالي فإن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شخصهم بصفاتهم كما أسلفنا أو بعناوينهم العامة التي أشار لها الإمام (عليه السلام) بقوله: «إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم. لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم».(2) ويتضح من هذه المرحلية التكاملية ومیدانها التشخيصي أمور مهمة:

الأمر الأول: أن هناك قاعدة تشير الى وجود حجة الله تعالى في كل زمان ومكان وهو ما يفسر المرحلية ويؤكد التكامل فيها.

ص: 125


1- نهج البلاغة 4 / 37
2- نهج البلاغة 2 / 27

الأمر الثاني: إن هناك ظروف وحالات تكون حاكمة في ظهور أو إستتار الحجة إلا إنها في كل الأحوال لا يمكن أن تكون حاكمة بوجوده من عدمه بسبب قطعية الوجود من حيث المبدأ مع إختلاف الحاجة إلى الظهور أو الإستتار.

الأمر الثالث: أن المنظومة الفكرية التي أشرنا إليها في الصفحات السابقة حتمت تشخيص الحجج على ألأمة وبما يتطابق مع المنبع والمواكبة والتناغم والإعداد النبوي.

وكل ذلك التشخيص هو لضمان معرفة جبهة الحق واستمراريتها بأئمة هدى يمثلون مبدأ الإمامة، ومن هنا جاء قول الإمام علي (عليه السلام) في مناسبة أخرى «ألا إن مثل آل محمد صلى الله عليه وآله كمثل نجوم السماء إذا خوی نجم طلع نجم».(1) وهنا تشخیص مباشر لذلك التكامل ومیدانه بآل محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

ص: 126


1- نهج البلاغة 1 / 194

المصادر والمراجع

القرآن الكريم البحراني، كمال الدين میثم بن علي ت 699 ه - - شرح نهج البلاغة (الكبير)، ط 2، طهران، 1404 ه.

برهان الدين الحلبي، علي الشافعي ت 1044 ه - السيرة الحلبية، دار المعرفة، بیروت، 1400 ه.

ابن البطريق، یحیی بن الحسن الاسدي الحلي، ت 600 ه - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب امام الابرار، قم، 1507 ه.

التربيزي الأنصاري، محمد علي بن احمد - اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء، تحقيق السيد هاشم الميلاني، ایران، 1418 ه.

جابر، حميد سراج - الكمال الانساني والقيمي في مفاهیم نهج البلاغة، دار تموز، دمشق، 2014.

حبیب الله الخوئي، الميرزا الهاشمي - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقیق علي عاشور، بیروت - 2008.

ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المعتزلي، ت: 656 ه - شرح نهج البلاغة , تحقيق: أبو الفضل إبراهيم , دار أحياء التراث , (القاهرة , 1385 ه - 1967 م).

ص: 127

الخوئي، أبي القاسم - مصباح الفقاهة، تقریر محمد علي التوحيدي، قم 1377 ه.

الراوندي، قطب الدين أبي الحسن سعيد بن هبة الله ت 573 ه - 1177 م - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قم، 1406 ه.

ابن سعد، محمدت 230 ه - 844 م - الطبقات الكبرى، تحقيق أحسان عباس، بیروت، د.ت.

ابن شهرآشوب، محمدت 558 ه - 1162 م - مناقب آل أبي طالب، تحقيق لجنة من اساتذة النجف الاشرف، مطبعة الحيدرية، النجف، 1376 ه.

الطبري، محمد بن جریر ت 310 ه - جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تقديم الشيخ خليل المس، ضبط صدقي جميل العطار، بیروت، 1995. الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن ت 460 ه - 1067 م - التبيان في تفسير القرآن، تحقيق أحمد العاملي، ط 1، مكتب الاعلام الاسلامي، طهران، 1409 ه.

علي (عليه السلام)، الامام ت 40 ه - - نهج البلاغة،، ط 1، مطبعة النهضة، إيران - قم، 1412 ه. (4 اجزاء) وبضمنها شرح محمد عبده.

القاضي النعمان، ابي محمد التميمي المغربي ت 363 ه - شرح الاخبار في فضائل الائمة الاطهار، تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي، قم 1414 ه.

الكليني: أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الرازي , ت: 329 ه.

- الكافي , تحقيق: علي أكبر الغفاري , ط 3 , مطبعة الحيدري , (طهران -

ص: 128

1388 ه).

المتقي الهندي: علاء الدين علي المتقي , ت: 975 ه.

- کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال , تحقيق: الشيخ بكري حياني والشيخ صفوة السقا, مؤسسة الرسالة , (بيروت, 1409 ه - 1989 م).

المجلسي، محمد باقر ت 1111 ه - بحار الأنوار الجامعة لدور أخبار الأئمة الأطهار ط 2 , مؤسسة الوفاء , (بيروت , 1403 ه - 1983 م).

النجفي: الشيخ هادي - موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) , ط 1 , مطبعة دار أحياء التراث العربي , (بيروت , 1423 ه - 2002 م).

الهيثمي، نور الدين ت 807 ه - 1404 م - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1408 ه.

ص: 129

ص: 130

البحث الثالث المهام غير العسكرية للإمام علي (علیه السلام) في دولة المدينة قراءة في فاعليته السياسية والمجتمعية أ. د. حسين علي الشرهاني جامعةذي قار - كلية الآداب

ص: 131

ص: 132

المقدمة

لم يكن حضور الإمام علي (عليه السلام) هامشياً في كل مراحل الدعوة الإسلامية بل كان حضوراً فاعلا اسهم في حسم الامور، وكان نقطة الارتكاز الرئيسة التي استند اليها النبي صلى الله عليه وآله، وكان حضوره في كل التفاصيل جوهرياً ومؤثراً بل كان متفردا في كل المهام التي اوكلت اليه، فالاختيار الالهي والعناية النبوية والمميزات الذاتية اجتمعت في شخصية الإمام لتنتج لنا علي بن ابي طالب الإمام الذي لم يستغن عنه النبي في الدعوة او بناء الدولة او القضايا العسكرية والسياسية والادارية والقيادية وحتى الاجتماعية.

وهذا الحضور المتفرد للإمام (عليه السلام) لم يكن طبيعياً بمعنى ان احد الصحابة يمكن ان يقوم به، بل انه خاص بالإمام لا يستطيع ادائه غيره لذلك لم يوكله الرسول صلى الله عليه وآله الى غيره، ولو ان احدا غيره يستطيع ان يقوم به افضل من الإمام علي (عليه السلام) لأوكله اليه، لان النبي لا يجامل ولا يحابي في اختياراته والامر لا يعود له بل الى السماء التي اختارت الامام لمنصب الامامة وجعلت مقامه ملازماً لمقام للنبوة ومكملا لها، وهذا سيتضح من خلال البحث.

ولم يكن محمد بن عبد الله الهاشمي صلى الله عليه وآله نبياً اختاره الله تعالى فحسب، بل كان سياسياً ماهراً وإداريا فذاً، استطاع ان يبني دولة قوية جدا، قائمة على احترام الإنسان واعتباره قيمة عليا، وعلى الدين كمنهج ينظم الحياة ويحمي الافراد ويرتقي بالأمة، وكان من اسباب نجاح هذه الدولة دقة اختيار الاشخاص لأداء المهام فيها، فالقائد والوالي والعامل والموظف البسيط لم يكن يتم اختياره بناء على قرب او بعد عن مركز القرار، بل الكفاءة والقدرة على اداء

ص: 133

العمل هو المعيار الاساس، لذلك اختار مجموع-ة كبيرة من الاشخاص واوكل إليهم مهام متعددة، ولم يكن الاختيار عشوائياً أو من دون مراعاة لعوامل معينة، بل كان مخططاً له ويسير وفق حسابات محددة، وذلك من أجل ضمان نجاح مهماتهم، فكان واضحاً مراعاته لجملة من العوامل، فأحياناً نجده صلى الله عليه وآله مهتماً بالخبرة العسكرية للقائد ومهارته في القتال، وأحياناً لشجاعته وذكائه وقدرته على مواجهة الظروف الاستثنائية، وفي بعض الأحیان نجده مهتماً بخبرة القائد بالطرق وجغرافية المنطقة التي تقصدها السرية او تستلزمها الوظيفة العامة وغيرها من العوامل. وكانت النتيجة انه نجح في تأسيس دولة قوية فاعلة، لكن في الوقت نفسه لا يمكن ان نجعل اختياره للإمام علي (عليه السلام) لأداء بعض المهام كباقي اختياراته، لان المهام التي اداها الامام في العهد المكي والمدني لا يستطيع احد من الصحابة ادائها، وقد اخترنا في ه-ذا السياق ستة مهام اوكلت الى الإمام علي (عليه السلام) وقد نجح فيها كلها نجاحا منقطع النظير، وقد حاولنا في البحث ان ندرس خصوصية هذه المهام وارتباطها بمقام الإمامة.

نسال الله التوفيق والسداد..

ص: 134

البحث

عرف عن الإمام علي الشجاعة الفائقة في تنفيذ المهام العسكرية الموكلة اليه، لكن هذا الأمر لم يكن وحده هو ما يميز شخصيته، بل ان لديه قدرات وامكانات اخرى اراد الرسول صلى الله عليه وآله ان يظهرها للمسلمين، من خلال تفاعله مع الأحداث التي شهدتها الدعوة الإسلامية على المستوى السياسي والاجتماعي وغيرهما من المستويات، وستكون قراءتنا لحضور الإمام علي (عليه السلام) ابتداءً من صلح الحديبية وما رافقه من احداث؛ لأنه الحدث الأبرز في فاعليته السياسية والادارية، زيادة على أن الفترة المنصرمة من الهجرة وحتى السنة السادسة للهجرة كانت مرحلة تأسيس للدولة، شغلت الجوانب العسكرية اغلب مددها، لذلك نجد الإمام حاضراً بقوة في المعارك الإسلامية بل هو عنصر الحسم فيها.

وسنحاول استعراض فاعلية الإمام (عليه السلام) في أبرز الاحداث التي شهدتها الدولة الإسلامية وكان لها اثر بارز في بنائها، وهي كما يأتي:

أولاً: كتابته لصلح الحديبية

يعد صلح الحديبية من اهم الخطوات التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه حيد قريش وانهى الصراع معها، وتفرغ للدعوة الى الاسلام في انحاء الجزيرة العربية، كما ظهرت فيه عبقريته وقدرته على ادارة الدولة وادارة الصراع الخارجي.

وقد فصلت المصادر التاريخية في هذا الصلح وطبيعة تحركات الرسول فذكرت انه خرج من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة في السنة السادسة للهجرة، وكان لا يريد ان يخوض حرباً مع قريش، ويخشى ان يصدوه عن البيت، فرافقه مجموعة من المسلمين قدر عددهم بألف واربعمائة رجل توزعوا بين المهاجرين والأنصار

ص: 135

وغيرهم من قبائل العرب، واستعد لأداء العمرة فأخذ معه الهدي سبعين بدنة، ولم يخرج بسلاح إلا سلاح المسافر السيوف أي السيوف في القرب، وعندما وصل الى منطقة قريبة من مكة تدعى ذي الحليفة لبس الاحرام هو واصحابه حتى يعرف الناس انه قادم للعمرة(1)، لكن قريش لم يرق لها الأمر فأرسلت خالد بن الوليد في مائتي فارس من قريش(2)، وكان الرسول صلى الله عليه وآله يتجنب الصدام مع هذه القوة، فأمر اصحابه ان يتجنبوا خالد ومجموعته، حتى وصل الى منطقة الحديبية وهو ينوي مهادنة قريش، وقال قوله الشهير: «لا تدعوني قريش الیوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها»(3)، وهذا هو الخلق الذي عرف عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فقد كان يأخذ الأمور مع أولئك الأجلاف الذين حاصروه وطردوه بالملاينة والإغماض، بحيث كان يأخذ بمجاميع قلوب الناس حتى اعدائه، وهو القادر على ان يقطع دابرهم(4)، لكنه عندما اصرت قريش على منعه من العمرة جمع أصحابه يستشيرهم في حرب قريش، فكان جميع اصحابه مندفعين للدفاع عن انفسهم فبايعوه على الموت في نصرته، ولما وصلت اخبار البيعة التي اطلق عليها اسم بيعة الرضوان خافت قريش على نفسها وعلى مكانتها عند العرب(5)، فعرفت قريش ان لا قبل لها بمهاجمة المسلمين فرضخت للصلح مجبرة، لكنها في الوقت نفسه لم تسمح للرسول صلى الله عليه وآله والمسلمين بأداء العمرة حتى لا تهتز صورتها امام العرب، فأرادت ان تأخذ لنفسها في هذا الصلح ما يحفظ كرامتها، وبدأت المراسلات بينها وبين الرسول

ص: 136


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 271
2- الواقدي، المغازي، 1 / 579
3- ابن كثير، السيرة النبوية، 3 / 314
4- شرف الدين، النص والاجتهاد، ص 166
5- الواقدي، المغازي، 1 / 581، 619؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 96

صلى الله عليه وآله وارسلوا مجموعة من كابرهم ابرزهم سهيل بن عمرو بن عبد شمس العامري، الذي طلب المهادنة وبعد مفاوضات دامت اياما تم الاتفاق على بنود الصلح(1)، وكانت بنود الصلح تتضمن الآتي:

(اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشا من مع محمد لم يردوه عليه، وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم. وأنك ترجع عنا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل، خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك، فأقمت بها ثلاثا، معك سلاح الراكب، السيوف في القرب، لا تدخلها بغيرها)(2)، لكن هذه البنود التي قبلها رسول الله صلى الله عليه وآله عارضها قسم من المسلمين معارضة شديدة لانهم عدوها مهينة بحقهم، على الرغم من ان الرسول صلى الله عليه وآله امر هم باحترامها، وكان عمر بن الخطاب قائد هذه المعارضة، واهم البنود التي اعترضوا عليها اشتراط قريش على المسلمين ان يردوا من جاء اليهم مسلاً، في الوقت الذي لا ترد قريش من جاءها مرتدا من المسلمين، فجاء عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وقال له: (يا رسول الله ألسنا بالمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وآله: بلى، قال: فعلام نعطي الدنیة في ديننا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «أنا عبد الله ورسوله ولن أخالف أمره ولن

ص: 137


1- ابن هشام، السيرة النبوية، 3 / 781؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 54
2- ابن هشام، السيرة النبوية، 3 / 782

يضيعني»)(1)، ثم وصل به الأمر ان يشكك بكلام الرسول صلى الله عليه وآله فقال له: (أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به)(2)، لكن الرسول صلى الله عليه وآله بما عرف عنه من دماثة اخلاق ولين في الكلام واحتواء الآخر مهما كان منطقه رده رداً لطيفاً يتناسب مع شخصية المختار صلى الله عليه وآله. فقال له: («أفأخبرتك أنا نأتيه العام»؟ قلت: لا. قال: «فإنك آتيه ومطوف به»)(3).

وعلى الرغم من هذا الكلام اللطيف الهادئ الذي تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله استطاع عمر ان يؤثر على مجموعة كبيرة من المسلمين حتى وصل الأمر الى ان يعصوا أوامر الرسول صلى الله عليه وآله، وذلك عندما امرهم ان ينحروا الهدي ويحلقوا، فلم يقم منهم احد مع انه كرر عليهم القول ثلاث مرات، فلا لم يقم منهم أحد: (فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم كلمة حتى فعل ذلك نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما)(4).

إن ما تقدم يبين لنا امور عدة؛ منها ان استراتيجية الرسول كانت تتخذ اتجاهات عدة فلم يكن الخيار العسكري خياره الوحيد مع اعداء الدعوة، بل لجأ الى اسلوب الدبلوماسية من اجل تحقيق الاهداف، وهذا ما لمسناه من دراسة تحركه في الحديبیة فلم يكن ينوي القتال الا في حالة الضرورة القصوى، لذلك استجاب لمطالب قريش حتى وان بدت للبعض انها استسلام، وهو يعرف ان النتيجة ستكون في صالح المسلمين لما يتمتع به من بعد نظر وفاعلية في القيادة، يزاد على

ص: 138


1- الواقدي، المغازي، 1 / 606
2- ابن حنبل، مسند احمد، 4 / 330؛ البخاري، صحيح البخاري، 3 / 182
3- البخاري، صحيح البخاري، 3 / 182؛ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4 / 213
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 283

ذلك ان تمرد بعض المسلمين على اوامر الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله في حياته والتشويش على خطته في احتواء قريش كانت مؤشر خطير ينذر بان هؤلاء كانوا مستعدين للتمرد في أي لحظة، لاسيما ان اعتراضهم قد خرج عن حدود الاستفهام، ووصل الى درجة العصيان، وهذا ما أكده عمر بن الخطاب عندما كان يشكك علنا في خطة الرسول صلى الله عليه وآله، كما جاء في الرواية: (فقام فقال لقوم من الصحابة: ألم يكن قد وعدنا بدخول مكة وها نحن قد صددنا عنها ثم ننصرف بعد أن أعطينا الدنية في ديننا، والله لو أجد أعوانا لم أعط الدنية أبدا)(1).

وما جاء في رواية الواقدي(2) يؤيد ما ذهبنا اليه من ان عمر بن الخطاب كان مستعداً للتمرد، إذ ذكر حديثاً له في خلافته مع عبد الله بن عباس حول ما جرى في الحديبية وعزمه على التمرد والخروج على امر الرسول صلى الله عليه وآله: (فكان ابن عباس يقول: قال لي عمر في خلافته وذكر القضية: ارتبت ارتياباً لم أرتبه منذ أسلمت إلا يومئذٍ ولو وجدت ذلك اليوم شيعةً تخرج عنهم رغبةً عن القضية لخرجت، ثم جعل الله تبارك وتعالى عاقبتها خيراً ورشداً وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أعلم)، ومع كل هذا التشويش الذي مارسه عمر بن الخطاب لكنه لم يكن قادرا على المساهمة في نصرة الإسلام، فقد امره الرسول صلى الله عليه وآله ان يحمل رسالة الى قريش، لكنه رفض الأمر ولم ينفذه، (ثم دعا النبي صلى الله عليه وآله عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بنى عدى بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلك

ص: 139


1- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 180
2- المغازي، 1 / 607

على رجل هو أعز بها منى عثمان بن عفان)(1).

وبعد هذا الاستعراض الموسع - الذي اقتضته ضرورة البحث - لما جرى في الحديبية نحتاج الى نسلط الضوء على موقف آخر يتعارض مع موقف التمرد الذي فصلنا فيه، وهو موقف الإمام علي (عليه السلام) من صلح الحديبية الذي اتسم بالتوازن التام والطاعة الكاملة الله ورسوله، ونحن هنا لا نريد ان نقارن المواقف لان المقارنة لا تصح فمهما وصل مستوى الصحابة من رجاحة العقل والايمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وآله، لا يمكن ان يصل الى ما يحمله الإمام علي (عليه السلام)، فعلى الرغم من النفس القدسية التي يحملها والايمان المطلق بالله ورسوله، وكونه عنصر الحسم في قضايا الإسلام الرئيسة، لكن الروايات لم تبين لنا موقفه من الصلح سوى انه كان كاتباً له، وقد يتبادر للذهن ان دوره كان هامشيا، وهو ما اراد الرواة تثبيته فعلا، فلم يعيروا لهذا الأمر انتباهاً او اهملوه عن قصد، ثم اضافوا اليه اعتراض الإمام علي (عليه السلام) على امر الرسول صلى الله عليه وآله، كما جاء في رواية البخاري عندما رفض ان يمحو اسمه بناءً على طلب المشركين: (ان النبي صلى الله عليه وآله لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها الا ثلاث ليال، ولا يدخلها الا بجلبان السلاح ولا يدعو منهم أحدا، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب فكتب هذا ما قاضي عليه محمد رسول الله، فقالوا: لو علمنا انك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك، ولكن اكتب هذا ما قاضي عليه محمد بن عبد الله، فقال: انا والله محمد ابن عبد الله، وانا والله رسول الله قال: وكان لا يكتب، قال: فقال لعلى امح رسول الله، فقال علي: والله لا أمحاه ابدا، قال: فأرينه، قال: فأراه

ص: 140


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 180

إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وآله بیده)(1)، أن ما ذكره البخاري في صحيحة اراد أن يعطي توازن في المواقف، ويخفي ما قام به عمر بن الخطاب من عصيان واضح الأوامر النبي صلى الله عليه وآله فزج باسم الإمام علي (عليه السلام) ربما ليعطي شرعية لتمرد عمر بن الخطاب.

ولو طالعنا بقية المدونات التي اهتمت بهذه الحادثة لوجدنا شيئا مختلفاً، فذكر ابن حنبل وغیرہ(2) ان الامور جرت بصورة طبيعية جداً لان طلب المشركين من الرسول صلى الله عليه وآله أن يكتب اسمه فقط لن يؤثر على الصفة التي يحملها، ولم يرد ذكر هذا الأمر عند مسلم النيسابوري في صحيحه(3) وهو معاصر للبخاري، بينما لم يذكر هذا الأمر رواة السيرة الاوائل کالزهري وابن اسحاق والواقدي وغيرهم(4)، بل ان الواقدي واليعقوبي(5) ذكرا أن الذي اعترض على الأمر مجموعة من المسلمين، وليس الإمام علي (عليه السلام)، فيما ذكر اخرون أن الرسول صلى الله عليه وآله هو من محي صفة الرسالة عن اسمه، من دون ان يكلف الإمام علي (عليه السلام) بالأمر(6)، وجاء في روايات أخرى أن الإمام علي امتثل لأمر الرسول صلى الله عليه وآله ومحی اسمه من دون اعتراض(7)، ربما

ص: 141


1- البخاري، صحيح البخاري، 4 / 71؛ وينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 282؛ ابن حبان، صحیح ابن حبان، 11 / 212؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 2 / 390
2- مسند احمد، 4 / 330، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 281
3- مسلم، صحیح مسلم، 5 / 175
4- ينظر: الواقدی، المغازي، 1 / 571 - 628؛ ابن هشام، السيرة النبوية، 3 / 782؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 281
5- المغازي، 1 / 611، تاريخ اليعقوبي، 2 / 54
6- أبو داود، مسند أبي داود الطيالسي، ص 29، الذهبي، تاريخ الإسلام، 3 / 590
7- ابن ابي شيبة الكوفي، المصنف، 8 / 510، ابن المغازلي، مناقب علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ص 74

يكون الإمام (عليه السلام) قد غضب من طلب سهيل بن عمر وهو امر ليس مستغرباً من الإمام الذي يعرف النبوة والرسالة، لكن هذا الغضب لا يمكن ان يصل إلى اعتراض على الرسول صلى الله عليه وآله.

ولو تركنا امر الرواة وما جاء في الروايات لننتقل إلى الإمام نفسه نجد انه نفي نفياً قاطعاً أن يكون اعترض على امر فعله الرسول صلى الله عليه وآله او اراد فعله، وحاشاه ان يقوم بهكذا امر وهو العارف العالم المطيع الله ورسوله، فقال في هذا الأمر تحديداً: (ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، أني لم أرد على الله ولا على رسوله ساعة فقط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر الأقدام، نجدة أكرمني الله بها)(1).

لقد فات هؤلاء الذين تعمدوا ان يزجوا اسم الإمام علي (عليه السلام) في التمرد الذي تبناه البعض على اوامر الرسول صلى الله عليه وآله أن اختيار الإمام ليكون كاتباً للصلح لم يأت من قبيل الصدفة، او لقربه من الرسول صلى الله عليه وآله بالنسب مع اعتبار هذا الأمر عند العرب ودلالته على القرب النسبي والمعنوي، او کما ذکرت بعض المصادر ان كتابة الإمام علي للصلح كان بناءً على طلب سهيل بن عمرو العامري: (دعا رسول الله صلى الله عليه وآله أوس بن خولي يكتب، فقال سهيل: لا يكتب إلا ابن عمك علي، أو عثمان بن عفان، فأمر عليا فكتب)(2)، بل أن الأمر كان يخص التلازم بين النبوة والإمامة، فالإمام علي (عليه السلام) الذي كان عنصر الحسم في معارك الإسلام هو نفسه العنصر الفاعل في السياسة، فقرار الصلح كان الرسول صلى الله عليه وآله عازماً عليه منذ

ص: 142


1- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، 10 / 179
2- المقريزي، امتاع الأسماع، 1 / 295؛ الحلبي، السيرة الحلبية، 2 / 706

بداية التحرك، وكما قدمنا انه يريد للسياسة أن تتخذ مسارها في حسم الصراع مع قريش، وهذا ما غاب عن الكثير من المسلمين الذين اعترضوا على الصلح، لذلك اوكل المهمة الى الشخص المناسب کما هي اختياراته، وهذا الاختيار کان مبني على اعتبارات عدة منها؛ أن الصلح كان بين طرفين لا ثالث لهما الأول رأس الدولة الإسلامية والرسول المبعوث من السماء ومعه الإمام المعد لقيادتها بعد التحاق الرسول صلى الله عليه وآله بربه، وبين المشركين الذين يمثلهم سهيل بن عمرو، وكاتب الصلح كان بمثابة امين الدولة ومستودع سرها والوزير المقرب، زيادة على ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وآله اراد اعداد الإمام اعداداً مبكراً ليقوم بقيادة الدولة بعده، لا سيما أن المفاوضات التي جرت في الحديبية وتفاصيل كتابة الصلح تشبه الى حد كبير ما وقع بين الأمام علي (عليه السلام) وبين المتمردين على خلافته، فمحی صفة امرة المؤمنين عن اسمه في الهدنة التي وقعت مع معاوية وعمرو بن العاص، (لما کتب علي الصلح يوم صالح معاوية فدعا الأشتر ليكتب، قال قائل: أكتب بينك وبين معاوية. فقال: إني والله لأنا كتبت الكتاب بيدي يوم الحديبية، وكتبت «بسم الله الرحمن الرحیم»، فقال سهيل: لا أرضى، اكتب «باسمك اللهم» فكتب: «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهیل بن عمرو»، فقال: لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك. قال علي: فغضبت فقلت: بلى والله إنه لرسول الله وإن رغم أنفك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «اكتب ما يأمرك، إن لك مثلها، ستعطيها وأنت مضطهد»)(1)، وفي رواية أخرى أن الإمام احتج على الخوارج عندما تمردوا عليه بحجة انه محی امرة المؤمنين عن نفسه بما جرى على الرسول صلى الله عليه وآله في الحديبية، فقال: (كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله الوحي، والقضايا، والشروط، والأمان يوم صالح أبا سفيان،

ص: 143


1- بن مزاحم المنقري، وقعة صفين، ص 509

وسهيل بن عمرو فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله أبا سفيان صخر بن حرب، وسهيل بن عمرو، فقال سهيل: لا نعرف الرحمن الرحيم ولا نقر أنك رسول الله، ولكنا نحسب ذلك شرفالك أن تقدم اسمك على أسمائنا وإن كنا أسن منك وأبي أسن من أبيك، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اكتب - مکان بسم الله الرحمن الرحيم -: «باسمك اللهم فمحوت ذلك وكتبت: «باسمك اللهم» ومحوت «رسول الله» وكتبت «محمد بن عبد الله» فقال لي: «إنك تدعى إلى مثلها فتجيب وأنت مکره»، وهكذا كتبت بيني وبين معاوية وعمرو بن العاص: «هذا ما اصطلح عليه أمير المؤمنين ومعاوية وعمرو بن العاص» فقالا: لقد ظلمناك بأن أقررنا بأنك أمير المؤمنين وقاتلناك، ولكن اكتب: علي بن أبي طالب «فمحوت کما محي رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن أبيتم ذلك فقد جحدتم»)(1).

إذا كان اختيار الإمام کما هو واضح من النص المتقدم باعتباره الوزير الأول في الدولة والإمام المعد لقيادتها، فضلاً عن أن الرسول صلى الله عليه وآله كان يعرف ان امر الصلح سيكون ثقيلاً على المسلمين الذين لا خبرة لهم بإدارة الصراع واستراتيجيات الحرب، فكلف الإمام حصراً بكتابة الصلح لأنه يعرف اهداف الرسول صلى الله عليه وآله ودقة اختياراته، ولا يصلح لهذا الأمر غيره من المسلمين، ويؤيد هذا الرأي أن الصلح لماتم وامرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بان يحلقوا عصوا أمره لقصور فهمهم لغائية الصلح، ولم يندموا على فعلهم الا بعد ان نزلت الآية القرآنية التي تمدح فعل الرسول وتعد الصلح فتحا، فقال تعالى: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا»(2)، فقال بعضهم - من المشككين -: (أو فتح هو

ص: 144


1- الطبرسی، الاحتجاج، 1 / 277
2- سورة الفتح، الآية 1

قال: والذي نفسي بيده انه لفتح)(1).

ثانياً: دور الإمام علي (عليه السلام) في الحفاظ على خطة فتح مكة وتنفيذها.

وازن رسول الله صلى الله عليه وآله في ادارته للدولة بين اسلوب الحوار والدبلوماسية والانفتاح على الاخر وبين اسلوب الحرب عندما تقتضي الضرورة، وفي كل منهج اتبعه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله كان يمتلك الادوات التي من شانها انجاحه، لذلك كانت كل تحركاته في ميدان السلم وميدان الحرب محسوبة بدقة متناهية لما يمتلكه من قدرة عالية على ادارة الدولة، وادارة الصراع مع اعداء الدولة، وقد نجح نجاحا منقطع النظير في تحقيق الأهداف التي رسمها لدولته، ودخلت اقسام كبيرة من شبه الجزيرة العربية إلى الدولة الاسلامية بعد ان اعتنقت الاسلام وامنت به، ولم يبق أمام الرسول صلى الله عليه وآله الا مكة التي كانت المعقل الأكبر للمعارضة ومصدر قوة المشركين، فعزم بعد ان توكل على الله الذي وعده بها فقال تعالى: «لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا»(2)، فدبر خطة محكمة ليفاجئ المشركين، فوجه مجموعة من السرايا الى مناطق متعددة من الجزيرة حتى تطمئن قريش ولا تأخذ أهبتها للحرب(3)، لكن هذا التخطيط المحكم وسرية التحرك كاد ان يفسد بعد ان اقدم احد الصحابة واسمه حاطب بن أبي بلتعة على ارسال رسالة إلى قريش يحذرهم فيها من تحرك الرسول صلى الله عليه وآله واعطى الكتاب لأحدى

ص: 145


1- الحاكم النيسابوري، المستدرك، 2 / 459
2- سورة الفتح، الآية 27
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 329

النساء من قبيلة مزينة العربية(1)، وفي رواية أخرى أن اسمها سارة وهي مولاة لابي لهب(2)، واعطاها اموالًا لتبلغه قريشاً فوضعت الكتاب في شعرها وظفرته عليه، فأخبر الله تعالى نبيه بالأمر، فارسل في اثرها الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومعه الزبير بن العوام، فأدركاها وقد تجنبت الطريق المعروف، فطلبا منها أن تخرج الكتاب الذي معها فأنكرت الأمر، ففتشا رحلها ولم يجدا فيه شيئاً، فانبرى لها الامام علي (عليه السلام) ليقول لها قولاً حازما فيه اليقين التام بصدق الرسول صلى الله عليه وآله: (إني أحلف ما کذب رسول الله ولا كذبنا ولتخرجن إلى هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه قالت أعرض عني فأعرض عنها فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منه فدفعته إليه فجاء به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم))(3)، لكن الذي يبدو ان الرواة لم تعجبهم هذه الرواية وبهذه الكيفية، فأورد الزهري رواية فيها تفاصيل تشبه الرواية المتقدمة لكنها مختلفة من حيث المضمون حيث رفع منها كلام الإمام علي (عليه السلام):

(كتب إلى كفار قریش کتابا، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا والزبير، فقال: «انطلقا حتى تدرکا امرأة معها كتاب فائتياني به»، فلقياها، وطلبا الكتاب، وأخبراها أنهما غير منصرفين حتی ینزعا كل ثوب عليها. قالت: ألستما مسلمين؟ قالا: بلی، ولکن رسول الله حدثنا أن معك كتابا. فحلته من رأسها. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله حاطبا حتی قرئ عليه الكتاب، فاعترف. فقال: «ما حملك»؟ قال: كان بمكة قرابتي وولدي، وكنت غريبا فيكم معشر قریش)(4).

ص: 146


1- الطبری، تاریخ الرسل والملوك، 2 / 327
2- سورة الفتح، الآية 27
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 328
4- الذهبي، سیر اعلام النبلاء، 2 / 45، وروى الواقدي رواية تشبه رواية الزهري اسندها الى يزيد بن رومان، ينظر: الواقدي، المغازي، 2 / 798

إن ما قام به الصحابي حاطب بن أبي بلتعة من خيانة للرسول صلى الله عليه وآله والمسلمين، كادت أن تفسد الخطة المحكمة التي وضعها الرسول صلى الله عليه وآله والتي كانت ترمي الى فتح مكة باقل خسارة ممكنة، وربما لو تم الأمر لكانت النتائج وخيمة لكن اللطف الإلهي تدخل في الأمر واخبر الرسول صلى الله عليه وآله، فاختار الإمام علي (عليه السلام) ومعه الزبير بن العوام لأداء هذه المهمة، ونحن نعرف أن طبيعة اختيار الأشخاص عند الرسول صلى الله عليه وآله ترتبط بإمكانات الشخص المعني وطبيعة المهمة، وكانت المهمة ترتكز على اساسين؛ الأول: ادراك المرأة قبل أن تصل إلى قريش وتبلغ الرسالة وهو امر صعب جدا في ظل طبيعة الجزيرة الوعرة، وتنكب المرأة عن الطريق، لكن اختيار الإمام والزبير كان دقيقاً جدا لانهما یعرفان طبيعة المنطقة ويشعران بأهمية الأمر، والثاني: الخطة التي وضعها حاطب بن أبي بلتعة مع المرأة، والقدرة على استخلاص الكتاب من المرأة مع الاحتياطات التي اخذتها للأمر، وهذا لا يمكن تنفيذه الا من قبل اشخاص حاذقين يدركون خطورة الأمر من جهة، ولديهم القدرة على مواجهة الطوارئ، لاسيما أن حاملة الكتاب كانت امرأة وهذه مسألة حساسة جداً عند العرب، لذلك كان الاختيار بحجم التحدي الذي فرضه الحدث، فجاء اختيار الزبیر کون حاطب بن أبي بلتعة كان حليفا له في مكة وتربطهما علاقة سابقة(1)، ولو صحت الرواية التي ذكرت أن المرأة التي حملت الكتاب هي سارة مولاة ابي لهب، فإن قرب الزبير النسبي من ابي لهب يسهل المهمة لأنه يعرفها، زيادة على قربه النسبي من الرسول صلى الله عليه وآله وشجاعته المعروفة، كذلك اراد الرسول صلى الله عليه وآله أن يكون هناك شاهد مع الإمام علي (عليه السلام) تبعا لحساسية الموقف کما قدمنا.

ص: 147


1- ابن الأثير، أسد الغابة، 1 / 361

أما اختيار الإمام علي (عليه السلام) فجاء بناءً على اعتبارات عدة؛ منها المواصفات الذاتية التي كان يتمتع بها من شجاعة واقدام و ایمان وخبرة ميدانية وذكاء متقد، يضاف اليها ایمان مطلق بصدق قول الرسول صلى الله عليه وآله، وقد مر بنا في رواية ابن اسحاق التي نقلها الطبري أن المرأة انكرت الكتاب فرفض أن يصدقها بناءً على يقينه التام بصدق قول الرسول صلى الله عليه وآله وانه لا ينطق عن الهوى، وكان تهديده لها مبنيا على هذا اليقين، وهو مستعدان يبذل اقصى الجهد لينفذ المهمة بشكل تام، يزاد على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله كلف الإمام (عليه السلام) بمهام عدة على صعيد الحرب او السياسة فلم يفشل في احدها، ليس لأنه شجاع ولديه قوة جسدية فحسب بل لأنه كان يحمل ایمان لا يحمله غيره، وامر هذه المرأة أن تم بالصورة التي خطط لها حاطب فان نتائجه على الدولة الاسلامية ومصداقيتها ستكون قاسية جدا، لان قریش ستستعد للحرب وتستخدم سلاح الاعلام ضد الرسول صلى الله عليه وآله مستغلة قدسية مكة، ومكانتها عند العرب، زيادة على أن السبب المباشر في هذه النتائج هو احد اصحاب الرسول صلى الله عليه وآله الأمر الذي سيهز صورة المجتمع الإسلامي من الداخل وامام اعدائه، لذلك حرص الرسول صلى الله عليه وآله أن تكون المهمة ناجحة بصورة كاملة، فاختار الإمام علي لأدائها مع معرفته التامة بقدراته.

واذا تركنا هذا جانبا وبحثنا جيدا في اسباب الاختيار، وربطنا هذا الاختيار بكتابته لصلح الحديبية نجد أن كل هذه الاختيارات هي تدريب للإمام لقيادة الامة، ولكي تأخذ الإمامة فاعليتها الحقيقية في قيادة الدولة، فالإمام الى جانب النبي يقودان الأمة في السلم والحرب؛ الأول يخطط، والثاني ينفذ بناءً على التخطيط المسبق مع القدرات الذاتية والكسبية التي يتمتع بها الإمام، فهو امين سر الدولة ووزير دفاعها وهو من ينفذ الى جانب النبي صلى الله عليه وآله سیاستها، وهو

ص: 148

المسؤول ايضا عن حمايتها من الداخل ومعالجة الأخطاء التي يقع فيها افرادها والمسؤول عن التحالفات والعقود المبرمة مع الاطراف الخارجية، إذ اراد الرسول صلى الله عليه وآله أن يضعه في المقدمة ويبرز قدراته امام المسلمين وغيرهم ويركز في اذهانهم انه نائبه وزيره ومستودع سره وقائد الأمة بعده، وربما يكون اختیار الإمام لأداء هذه المهمة مردوداً لسرية العملية التي لم يرغب النبي صلى الله عليه وآله أن يطلع عليها باقي المسلمين، ولم يكن يثق بأحد کما يثق بالإمام (عليه السلام)، فضلاً عن قدرته على تلافي الطوارئ التي قد تصادفه، ولعل مما يشير لذلك أن الوحي هو من نبه النبي صلى الله عليه وآله لخبر المرأة.

ثالثاً: تسلمه الراية يوم فتح مكة من سعد بن عبادة

ذكرنا في الموضوع السابق أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخطط لفتح مكة حتى يستطيع ان ينشر الإسلام بصورة سلمية بعيداً عن الحرب وآثارها السلبية، فوضع خطة متماسكة حتى لا تستعد قريش للحرب، لاسيما انه كان يريد ان يدخلها سلماً احتراماً للكعبة المشرفة، وقد جاءت الفرصة المناسبة بعد ان خرقت قریش بنود صلح الحديبية، وشاركت قبيلة بكر بن وائل في الاعتداء على قبيلة خزاعة التي تحالفت مع النبي صلى الله عليه وآله بعد الحديبية(1)، وبدأ النبي صلى الله عليه و آله بالتحرك الفعلي لفتح مكة وانهاء الصراع معها، فخرج بعشرة الاف مقاتل من المهاجرين والأنصار وبعض قبائل العرب وتوجه الى مكة(2)، من دون أن يعرف احد وجهته: (فقائل يقول: يريد قريشا، وقائل يقول: يريد هوازن، وقائل يقول: يريد ثقيفا)(3)، حتى أن بعض القبائل التي خرجت معه لم تعرف

ص: 149


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 324
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 328
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 330

الى این یرید التوجه، حتى اقترب من مكة وحاصرها من جميع الجهات، وسلم الرايات الى اصحابه(1)، فرعبت قريش من الأمر ولم تحرك ساكناً بل استسلمت فدخل المسلمون من دون قتال وهو ما حرص عليه الرسول صلى الله عليه وآله، وكانت احدی رایانه عند سعد بن عبادة الخزرجي زعيم قبيلة الخزرج، کما تقتضي مستلزمات الحرب حينذاك، فدخل مكة وهو ينادي: (اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً)، فجاء مجموعة من الصحابة ومجموعة من القرشيين إلى الرسول صلى الله عليه وآله يشكون سعداً(2)، فتصرف مباشرة حتى لا يؤثر هذا العمل على خطة الفتح واحترام البيت الحرام، فارسل الى سعد من يأخذ الراية منه، وهنا كان الاختلاف بين الرواة فذكر ابن اسحاق ان الرسول صلى الله عليه وآله ارسل الإمام علياً (عليه السلام) ليأخذ الراية منه(3)، فيما ذكرت بعض المصادر انه ارسل ابنه قیس بن سعد ليأخذ الراية منه(4)، اما البخاري فقد اخفى الأمر تماماً فلم يذكر من اخذ الراية من سعد ومن اجل ان يموه المسألة قال: وراية الرسول مع الزبير بن العوام(5)، وشذت بعض المصادر بقولها أن الرسول صلى الله عليه وآله اعطى الراية للزبير بن العوام وهي رواية موسی بن عقبة عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري(6).

ص: 150


1- الواقدی، المغازي، 2 / 819
2- الواقدی، المغازي، 2 / 821؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 334
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 334؛ النعمان المغربي، شرح الاخبار، 1 / 306؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 246؛ ابو الفداء، المختصر، 1 / 144؛ ابن حجر، فتح الباري، 8 / 6؛ العيني، عمدة القاري، 17 / 280
4- الواقدی، المغازي، 2 / 822؛ ابن عبد البر، الاستیعاب، 2 / 598
5- البخاري، صحيح البخاري، 5 / 91
6- ينظر: البيهقي، السنن الکبری، 9 / 121؛ ابن کثیر، البداية والنهاية، 4 / 332؛ العيني، عمدة القاری، 17 / 280

هذا الاستعراض المتقدم يجعلنا نجزم ان الرسول صلى الله عليه وآله امر الإمام علي (عليه السلام) بأخذ الراية وذلك لاعتبارات عدة منها؛ ان طبيعة الفتح والجهات المتعددة التي دخل منها الجيش الإسلامي جعل الرسول صلى الله عليه وآله بعيدا عن الاحداث، لذلك كان بحاجة الى شخص يعالج المسألة كما يعالجها هو، وليس هناك شخص قادر على اداء المهمة مثل الإمام (عليه السلام)، كذلك فإن كثرة المصادر التي ذكرت ان الإمام هو من اخذ الراية وقدمها وقيمتها العلمية تجعلنا نرجح انه هو من تكفل بالأمر، وذلك بالمقارنة مع المصادر التي ذكرت قيساً او الزبير هو من تصدى للأمر، يزاد على ذلك فإن هناك قصدية في اخفاء اسم الامام (عليه السلام)، كما هو الحال عند البخاري وغيره.

وقد كانت طبيعة الاختيار مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعلاقة بين النبوة والامامة وتلازمهما، فالمسلمون يعرفون تماما مكانة الإمام عند الله والرسول صلى الله عليه وآله، وهم من عاصر نزول الآيات الدالة على هذا التلازم، وللأنصار خصوصية في هذا الأمر لانهم انصار الدعوة وحماتها، وعلاقتهم بالرسول صلى الله عليه وآله كانت علاقة ايمانية خالصة، لذلك ليس هناك شخص يستطيع ان ينزع الراية من سعد بن عبادة سوى الإمام، لاسيما ان العرب تعد ذلك تعدياً على كرامتها، لكن الموقف كان حساس جداً لان سعد لم يوفق في تصرفه، فكان لزاماً على الرسول صلى الله عليه وآله ان يعالج الموقف بسرعة فأرسل الإمام، فأعطاه سعد الراية من دون تردد ودخل به الى مکة دخولاً رحيماً كما خطط الرسول صلى الله عليه وآله: (ثم قال لعلي: أدرك سعدا فخذ الراية منه وادخلها ادخالا رفيقا)(1)، ولم يأنف سعد من الأمر لأنه يرى ان الإمام حاله مثل حال النبي صلى الله عليه وآله في جلالة القدر، ولزوم الطاعة، وقد نظر سعد بن عبادة امر سحب الراية منه امراً

ص: 151


1- المفيد، الارشاد، 1 / 61

طبيعياً في هذا الموقف، كما لو ان الرسول صلى الله عليه وآله وقف عليه واخذها منه(1)، وهذا يتضح من قول سعد للإمام: (لولاك لما اخذت مني)(2)، وكل هذه الأمور هي ترسيخ لمفهوم الإمامة عند عامة المسلمين، فالإمام صاحب الحسم العسكري، وامين سر الدولة ووزيرها، وهو من يعالج الامور بالنيابة.

رابعاً: وأد قتلى بني جذيمة

لم يستثن الرسول منطقة من مناطق الجزيرة من دون أن يبعث لها رسل الدعوة للإسلام، ففي شهر شوال من السنة الثامنة للهجرة بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة من كنانة من اجل دعوتهم للإسلام ولم يرسله مقاتلاً، وأرسل معه ثلاثمائة مقاتل من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فوصلت الحملة إلى أراضيهم فسألهم خالد عن حالهم فقالوا له: (مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد في ساحاتنا وأذنا فيها...)، لكن خالد أسرهم وقتل قسماً منهم فجوبه عمله هذا بمعارضة شديدة من قبل المهاجرين والأنصار، ولما عاد إلى مكة وعلم الرسول صلى الله عليه وآله بعمله رفضه بشدة وقال: (اللهم أني أبرأ مما صنع خالد..)(3)، الذي يهمنا من هذا الأمر طبيعة تكليف خالد بن الوليد لقيادة هذه السرية، وتصرف الرسول صلى الله عليه وآله تجاه الجريمة التي ارتكبها خالد بن الوليد، اما عن اختياره فيبدو أن السبب يكمن في قدراته القتالية التي يمتلكها لاسيما أن السرية كانت ذاهبة إلى إحدى قبائل العرب، وربما تخوض معركة هناك، ومن المعروف أنه كان قائداً عسكرياً في الجاهلية، وكان سبباً في انتصار المشركين في معركة أحد إذ كان على ميمنة جيشهم، وبعد أن أسلم خالد بن الوليد كان مقدماً

ص: 152


1- المفيد، الارشاد، 1 / 135
2- المفيد، الارشاد، 1 / 61
3- ابن شهر آشوب، المناقب، 1 / 179

في معارك الرسول صلى الله عليه وآله مع المشركين فأثبت قدرته العسكرية عندما عاد بجیش المسلمين في معركة مؤتة بعد استشهاد قادة الجيش الثلاثة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، ولخالد بن الوليد أثر واضح في فتح مكة إذ كان قائداً من قادة الفتح، كذلك فإن قرب ديار بني خزيمة من مكة تجعله خبيرا بتلك المناطق فهو ينتمي إلى بني مخزوم اكبر تجار مکة.

أما تصرف خالد بن الوليد مع أولئك الأشخاص فقد كان خطأ كبيرا بل جريمة بعد ان ازهق ارواح سبعين شخصاً من بني جذيمة(1)، لا يتحمل وزرها الرسول صلى الله عليه وآله لأنه لم يوصه بهذا الأمر وهو مخالفة صريحة لأوامره التي تقتضي بمراعاة الناس وعدم التجاوز عليهم، لكن هذا الأمر وضع مصداقية الدولة الإسلامية على المحك، بل انه عرض مبادئ الدعوة الاسلامية للخطر، فالدعوة اعتمدت في مبادئها الانسان كقيمة عليا وجعلته أول اهتماماتها، وحفظته في ماله ودمه وكرامته، لذلك كان فعل خالد عظيماً اساء للمثل العليا للدعوة.

فما كان من الرسول صلى الله عليه وآله امام هذا الفعل القبيح المؤلم الا ان يتدارك آثاره المادية والمعنوية، فأرسل ابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمعالجة المشكلة، وتلافي ما قام به خالد من مخالفة صريحة لأوامر الرسول صلى الله عليه وآله إذ انفذه الى بني جذيمة داعياً للإسلام ولم ينفذه محارباً، فخالف أمره وقتل القوم وهم على الاسلام، وأخفر ذمتهم وهم أهل الإيمان، وعمل في ذلك على حمية الجاهلية(2)، لان بني جذيمة كانوا قد قتلوا عمه الفاكه بن المغيرة في الجاهلية عندما مر عليهم في طريق عودته من تجارة له مع اليمن، وكان برفقته

ص: 153


1- مقاتل، تفسير مقاتل بن سليمان، 3 / 158
2- المفيد، الإرشاد، 1 / 56

عوف بن عبد عوف الزهري والد عبد الرحمن فقتلوه ايضاً(1)، وهذا هو السبب الرئيس لفعلته، وقد اكد عبد الرحمن بن عوف الذي كان من ضمن السرية هذا الأمر عندما قال: (والله لقد قتل خالد القوم مسلمين، فقال خالد: إنما قتلتهم بأبيك عوف بن عبد عوف، فقال له عبد الرحمن: ما قتلت بأبي ولكنك قتلت بعمك الفاكه بن المغيرة)(2)، کما عبر عن هذا المعنى احد بني جذيمة الذي رفض ان يتخلى عن سلاحه عندما طلب منهم خالد ذلك فقال: (هو خالد لا يريد بنا ما يراد بالمسلمين، وإنه ما يقدر مع السلاح إلا الإسار ثم بعد الإسار السيف، قالوا: نذكرك الله تسومنا، فأبى يلقي سيفه حتى كلموه جميعاً فألقى سيفه وقالوا: إنا مسلمون والناس قد أسلموا وفتح محمد مكة فما نخاف من خالد فقال: أما والله ليأخذنكم بما تعلمون من الأحقاد القديمة)(3)، فأساء للإسلام اساءة كبيرة ونفر الناس عن الرسول صلى الله عليه وآله، لذلك اراد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ان يتلافى الآثار المترتبة على هذه الفعلة وتدارك نتائجها الآنية والمستقبلية، ولم يكن هناك من يستطيع ان يقوم بهذا الأمر سوى النبي صلى الله عليه وآله بنفسه او شخص بمستواه، ولم يكن هناك من بين المسلمين شخص يستطيع ان يقوم مقامه مثل الإمام علي (عليه السلام)، فالمهمة الأولى التي قادها خالد كانت مسالة طبيعية يستطيع ان يقوم بها احد الصحابة وهي قيادة سرية تدعو للإسلام، اما الان فالمسالة حساسة جدا كما اسلفنا تعرض مصداقية الدعوة للخطر، ويجب ان يؤديها من يمتلك رؤية تتوافق مع رؤية النبي صلى الله عليه

ص: 154


1- ابن حبیب، المنمق، ص 143
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 61؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 341؛ لتفاصيل اكثر عن هذه الجريمة وما جرى بين خالد والصحابة الذين خالفوه الرأي ورفضوا قتل الأسرى ينظر: الواقدي، المغازي، 2 / 875 - 885
3- الواقدي، المغازي، 2 / 876

وآله، فأرسل الإمام اليهم وأمره ان يضع امر الجاهلية تحت قدميه(1)، (فخرج علي (عليه السلام) بذلك المال حتى جاءهم، فودى لهم ما أصاب خالدً، ودفع إليهم مالهم وبقي لهم بقية المال، فبعث علي (عليه السلام) أبا رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ليستزيده، فزاده مالاً فودى لهم كل ما أصاب، حتى إنه ليدي لهم ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق لهم شئ يطلبونه بقي مع علي (عليه السلام) بقية من المال، فقال علي (عليه السلام): هذه البقية من هذا المال لكم من رسول الله صلى الله عليه وآله مما أصاب خالد مما لا يعلمه ولا تعلمونه، فأعطاهم ذلك المال، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبره،.. فلما رجع علي دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: ما صنعت يا علي فأخبره، وقال: يا رسول الله قدمنا على قوم مسلمين قد بنوا المساجد بساحتهم فوديت لهم كل من قتل خالد حتى ميلغة الكلاب ثم بقي معي بقية من المال فقلت: هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله مما لا يعلمه ولا تعلمونه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أصبت! ما أمرت خالداً بالقتل إنما أمرته بالدعاء)(2).

ذهب الإمام علي (عليه السلام) بناءً على هذا التكليف الى ديار بني جذيمة ليرأب هذا الصدع، ويعالج المشكلة وقد جاء اختياره بناءً على اسباب قدمناها فيما سبق، يزاد على ذلك ان التكليف في عهد الرسول صلى الله عليه وآله كان يعتمد على امور عدة منها؛ الخبرة والمعرفة بالطرق والمهارة العسكرية والانتساب القبلي وغيرها، لكن في هذه المهمة كان الأمر مختلف فتكليفه جاء نتيجة لأمرين: الاول حجم الجريمة التي ارتكبت، والثاني هو القرب من الرسول صلى الله عليه وآله أهله لهذه المهمة، وذلك لان الجزيرة العربية كانت محكومة بأعراف قبلية، وهذه

ص: 155


1- ابن حبان، الثقات، 2 / 61
2- الواقدي، المغازي، 2 / 882

الأعراف تقضي بأن يتولى اصلاح الأمور والديات الشخص نفسه او القريب منه نسباً، والجريمة التي ارتكبها خالد لا تعد تصرفاً شخصياً بل تتحمل مسؤوليتها الدولة الإسلامية، متمثلة برأسها وهو الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله لاسيما انها دولة دينية، ويمكن ان نلمس اهمية الأمر وخطورته من خلال قوله عندما علم بجريمة خالد: (ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه ليرى بياض ما تحت منكبيه وهو يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد خالد بن الوليد ثلاث مرات)(1).

ونتيجة لذلك اراد الرسول صلى الله عليه وآله ان يعالج جراحهم المؤلمة ويتدارك الشرخ الذي خلفه خالد بفعلته، فأرسل لهم أحداً من أهله حتى يطمئنَّ ذوو القتلى ويشعروا بأهميتهم عنده وقيمتهم في الدولة الجديدة، ولو طالعنا الروايات التي تحدثت عن طبيعة تعامل الإمام مع بني جذيمة نجد انه كان يمثل النبي صلى الله عليه وآله ويتكامل معه، فلم يكتف بأن طيب خواطرهم و وشاركهم مأساتهم، ووزع الأموال كتعويض مادي عن الارواح التي ازهقت، بل زاد على ذلك بأن طلب أموالاً اضافية ليتمكن من محو آثار وانعكاسات الجريمة بكامل فصولها من نفوسهم، وينتزع من الأنفس كل عتب على الرسول صلى الله عليه وآله بصفته الدينية او السياسية، كذلك الاعتذار منهم وطلب السماح (ليرضى الله عن رسوله صلى الله عليه وآله وترضون بفضله عليكم)، وبالفعل نجح الأمر وثبت القوم على الاسلام.

ص: 156


1- المفيد، الإرشاد، 1 / 56

خامساً: تبليغ سورة براءة

تعد هذه الحادثة اثبات لكل ما قدمناه في البحث فهي تبين التكامل التام بين النبوة والإمامة، اذ كانت سورة براءة التي نزلت في السنة التاسعة للبعثة تتضمن جملة من الأمور منها العهود التي كانت تربط بين رسول الله صلى الله عليه وآله وأقوام من العرب، وعهود ومواثیق جديدة من جملتها ألا يطوف بالبيت عريان أو مشرك والعقود التي كان قد عقدها الرسول صلى الله عليه وآله مع اقوام من العرب تنتهي بانتهاء مددها وغير ذلك(1)، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد بعث بهذه الآيات النازلة مع ابي بكر، فلما سار وبلغ الشجرة من ذي الحليفة اتبعه بالإمام علي (عليه السلام) فأخذها منه فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شيء قال لا ولكن لا يبلغ عنى غيري أو رجل مني...)(2)، وفي رواية اخرى انه: (قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين أو أربعين آية من براءة فقرأها على الناس)(3)، ونحن نرجح الرواية الأولى التي تنص على ان الرسول صلى الله عليه وآله ارسل ابا بكر اولا ثم اردفه بالإمام علي (عليه السلام) ليأخذ الآيات منه، وعلى اثر ذلك رجع ابو بكر الى المدينة، ليسأل الرسول صلى الله عليه وآله عن الأمر فقال له: (لا يبلغ عني غيري أو رجل مني)(4)، وفي رواية أنه قال: (لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي)(5)،

ص: 157


1- ينظر القرآن الكريم الآيات الأولى من سورة التوبة التي سميت أيضاً سورة براءة
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 382
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 382
4- الطبري، جامع البيان، 10 / 85، الثعلبي، تفسير الثعلبي، 5 / 8، السيوطي، الدر المنثور، 3 / 210
5- النسائي، السنن الكبرى، 5 / 128، الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل، 1 / 308، ابن كثير، تفسير ابن كثير، 2 / 347، ابن حجر، فتح الباري، 8 / 66

ويبدو ان ابا بكر رجع مرة اخرى ليبقى اميرا على الحج مع اختصاص التبليغ بالإمام علي (عليه السلام)، ولا يخفى ان تبليغ الآيات كان اكثر اهمية من امارة الحج، والدليل ان الوحي الالهي نزل على الرسول يأمره بان يكون التبليغ خاصا به او بمن هو بمنزلته، والحج كشعيرة يمكن ان يقوم أي شخص من الصحابة، كما هي امامة الصلاة وغيرها، ولو ناقشنا اسباب هذا الاختيار او اسباب استبعاد ابي بكر عن الأمر بعد اختياره، نجد ان هناك رأي يقضي بان عادة العرب انها كانت لا تحل العقود والعهود ولا يعقدها إلا المطاع، أو رجل من أهل بيته(1)، ويؤيد ذلك ان الإمام عندما ابلغ سورة براءة للعرب القادمين لأداء مناسك الحج من المسلمين وغيرهم، اجابه المشركون بالقول: (نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك، إلا من الطعن والضرب، فرجع المشركون فلام بعضهم بعضا، وقالوا ما تصنعون وقد أسلمت قريش فاسلموا)(2)، وعلى الرغم من منطقية هذا الراي بحسب التقاليد العربية والتحالفات التي كانت تنظم العلاقات بين القبائل، لكن من اتكأ عليه كان يريد ان يسفه المسألة ويحول قضية الانابة في التبليغ الى مسالة قبلية وينتزع فضيلة الامام علي (عليه السلام) ويجعلها بسبب علاقته النسبية بالرسول الاعظم صلى الله عليه وآله فقط، والحقيقة ان امر التكليف لم يكن خاصاً بالنبي صلى الله عليه وآله بل هو امر الهي كما مر بنا يعتمد تكامل الاداء الوظيفي بين النبوة والإمامة، وهذا ما حاول الرواة ومن سار على مسارهم ابعاده عن الواقع، لذلك تراهم القوا المسألة على التحالفات القبلية.

ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة قضية أبي بكر هل كان أميرا للحج أم انه أصبح مأموراً؟ أو هل واصل طريقه الى مكة أم رجع الى المدينة؟، بل لمناقشة سبب

ص: 158


1- الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، 11 / 338
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 383

الاختيار والانابة عن النبي صلى الله عليه وآله في التبليغ، وهو امر وضحت معالمه من قول النبي صلى الله عليه وآله رجل مني بمعنى يقوم مقامي، ولا يصلح لهذا الأمر غیره لا أبو بکر ولا أي شخص من المسلمين، وهو رسالة الى انابة السماء للإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله واستخلافه له، لذلك ذكرت الرواية ان ابا بكر رجع ليستفهم من النبي عن الامر، فاخبره ان الأمر لا يتعلق به كشخص بل بإرادة السماء التي اختارت عليا (عليه السلام) ليكون نفس الرسول صلى الله عليه وآله وخليفته والمؤدي عنه، وهو ما اراد الرسول صلى الله عليه وآله تركيزه في اذهان المسلمين، لا سيما في السنوات الاخيرة من حياته الشريفة، مع دخول اعداد كبيرة من الناس الى الإسلام.

وهذا النوع من المهام كانت موكلة بالإمام حصراً وليست عامة لجميع المسلمين، زيادة على ان طبيعة المهمة كانت تحتاج الى شجاعة في القول والفعل، فالتبليغ كان خاصا بتنظيم الحج في مكة، ومكة كانت حديثة عهد بالإسلام يدخلها المشركون ليؤدوا الحج، وليس هناك مجموعة اسلامية فاعلة تستطيع حماية المبلغ، لذلك ليس هناك شخص من المسلمين يستطيع ان يؤدي الرسالة بشكلها الكامل سوى الإمام علي (عليه السلام)، وذلك خوفاً من المشركين وسطوتهم، لذلك اوكل الأمر له وهو المجرب في مثل هذه المواقف، والعرب في مكة وخارجها تعرف قدراته وامكاناته، ويستطيع ان يؤدي الأمر على اتم وجه من دون ان تتجرأ عليه قريش، كما خرج في ضعن الفواطم من مكة عندما كانت کما قريش مشركة جهاراً نهاراً، وكما قاد المسلمين وحسم المعارك بسيفه، وهذا ما اکده ابن ابي الحديد(1): (ولعل السبب في ذلك أن عليا (عليه السلام) من بني عبد مناف وهم جمرة قريش بمكة، وعلى أيضا شجاع لا يقام له، وقد حصل في

ص: 159


1- شرح نهج البلاغة، 17 / 201

صدور قريش منه الهيبة الشديدة والمخافة العظيمة، فإذا حصل مثل هذا الشجاع البطل وحوله من بني عمه وهم أهل العزة والقوة والحمية، كان أدعى إلى نجاته من قريش، وسلامة نفسه وبلوغ الغرض من نبذ العهد على يده)، كما ان النص الذي ذكره الشيخ المفيد(1) حول عرض الرسول صلى الله عليه وآله سورة براءة على الصحابة وامتناعهم عن حملها يؤيد ذلك: (ثم عرض على جميع أصحابه المضي إليهم بالكتاب وكلهم يرى فيه التثاقل فلما رأى ذلك ندب منهم رجلا «ليوجهه به فأتاه جبرئيل فقال: يا محمد إنه لا يؤدي عنك إلا رجل منك، فأنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة، فأتيت مكة وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر على أن يضع مني على كل جبل إربا «لفعل ولو ببذل ماله ونفسه وأهله وولده، فبلغتهم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وقرأت عليهم كتابه فكل تلقاني بالتهدد والوعيد ويبدي البغضاء ويظهر الشحناء من رجالهم ونسائهم).

سادساً: استخلافه على المدينة في غزوة تبوك:

لقد كانت الحملة التي قادها الرسول صلى الله عليه وآله الى منطقة تبوك على حدود الشام تحمل طابعاً خاصاً، ولها خصوصية تختلف عن باقي المعارك التي خاضها المسلمون مع اعدائهم، فهي المرة الأولى التي يخبر فيها الرسول صلى الله عليه وآله الناس الوجهة التي يريدها(2)، وهي بلاد الروم اي الاراضي الخاضعة للإمبراطورية البيزنطية حينذاك، وذلك لبعد المسافة ومشقة السفر ووقته الذي كان صيفاً، فنجم النفاق وتخاذل المنافقون عن اللحاق بالحملة ورجع عبد الله بن ابي بن سلول الى المدينة بمن معه من قومه، فسار الرسول صلى الله عليه وآله

ص: 160


1- الاختصاص، ص 169
2- الواقدي، المغازي، 2 / 99

والمسلمون حتى وصلوا الشام وبقوا اياماً من دون ان يخوضوا معركة، فكانت الحملة اشبه بالاستعراض العسكري منه للمعركة، بعد ان تحركت الامبراطورية البيزنطیة ومن يمثلها في بلاد الشام لوأد الإسلام(1).

وكان لا بد ان يبقي رسول الله صلى الله عليه وآله خليفة له على المدينة يدير شؤونها ويشرف عليها، لكن المصادر التاريخية اختلفت في اسم الشخص والمهام الموكلة اليه، فابن اسحاق ذكر ان الرسول صلى الله عليه وآله خلف احد الصحابة على المدينة واسمه سباع بن عرفطة، واستخلف الإمام علي (عليه السلام) على اهله(2)، بينما ذكر ابن حنبل انه استخلف الإمام على المدينة(3)، وكذلك اليعقوبي(4) واكتفى البخاري ومسلم(5) بالقول انه استخلفه من دون ان يذكر على ماذا؟!، وذكر المسعودي(6) بعد ان عدد مجموعة من الصحابة: (والأشهر أن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف عليا على المدينة، ليكون مع من ذكرنا من المتخلفين)، لكن هذا الأمر لا يحتاج الى عناء طويل لإثبات انه خلفه على المدينة ليحميها من الاخطار التي تتعرض لها عقب مغادرة الرسول صلى الله عليه وآله والمسلمون لها، وهذه هي المرة الاولى التي يخرج بها الرسول صلى الله عليه وآله لحملة عسكرية ولا يأخذ معه الإمام (عليه السلام) مع حاجته اليه وكونه عنصر الحسم في كل المعارك، وهذا يدل على ان استخلافه كان اكثر اهمية من خروجه للمعركة، ويكمن الأمر في ان المدينة كانت محاطة بأعداء كثر من الداخل

ص: 161


1- الواقدي، المغازي، 2 / 99، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 263 - 385
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 268
3- ابن حنبل، مسند احمد، 1 / 177
4- تاريخ اليعقوبي، 2 / 67
5- صحيح البخاري، 5 / 129، صحیح مسلم، 7 / 120
6- التنبيه والاشراف، ص 236

والخارج، ولا يصلح للقيام بمهام الرسول صلى الله عليه وآله سوى الإمام علي (عليه السلام)، لا سيما ان اغلب المنافقين بقوا في المدينة، ولم يكن احد من الصحابة قادر على ضبط الاوضاع سوى الإمام (عليه السلام)، وهذا ما شعر به المنافقون عندما حاولوا اخراجه من المدينة، لان وجوده فيها لا يسمح لهم باي تحرك، كما ذكر ابن عساکر(1): (لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزاة تبوك استخلف علي بن أبي طالب على المدينة فماج المنافقون بالمدينة وفي عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالوا كره قربه وساء فيه رأيه)، عندها التحق الإمام (عليه السلام) بالرسول صلى الله عليه وآله، فسأله عن السبب، فقال له: (أو ما ترضى أن تکون منى بمنزلة هارون من موسى الا النبوة)(2)، وهذا دليل كافي على ان استخلافه كان على المدينة كلها، فالمنافقون كانوا يشعرون بالخطر من بقائه فيها، فكان التحاقه بالرسول صلى الله عليه وآله ليثبت للمنافقين وغيرهم طبيعة المهمة التي اوكلت اليه، وقد جاء رد الرسول صلى الله عليه وآله ليؤكد ذلك: (ارجع يا أخي إلى مكانك، فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)(3)، وفي هذا الاستخلاف امر اخر اشار اليه قول الرسول صلى الله عليه وآله له وهو الإنابة الكاملة بالخلافة فله جميع المنازل التي انزل الله تعالى بها هارون (عليه السلام) الا مقام النبوة، وهارون (عليه السلام) كان وزيرا وخليفة لموسى (عليه السلام)، كما صرحت به آيات القرآن الكريم: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ

ص: 162


1- تاریخ دمشق، 42 / 181
2- ابن حنبل، مسند احمد، 1 / 170؛ البخاري، صحيح البخاري، 5 / 129؛ مسلم، صحيح مسلم، 7 / 120؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 67؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 268
3- المفيد، الارشاد، 1 / 157

كَثِيرًا، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا، إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا، قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَی»(1).

يزاد على ما تقدم فإن الرسول صلى الله عليه وآله شدد مرات عدة في اواخر ايام حياته، على امر استخلاف الإمام علي (عليه السلام) بعده، وهو يريد التمهيد للأمر بعد توسع الدولة ودخول افواج كبيرة من الناس الى الإسلام، وهذا ما لمسناه من الحراك المجتمعي والسياسي للإمام (عليه السلام) بعد السنة السادسة للهجرة، ويمكن القول ان الرسول صلى الله عليه وآله كان يريد ان يدرب الإمام على القيادة، وادارة الحکم بعده، وهو الأنموذج الأعلى للإسلام وخلاصة الرسالة المحمدية.

سابعاً: دعوة أهل اليمن للإسلام

تعد اليمن من مناطق الجزيرة العربية المهمة جدا من حيث جغرافيتها وغناها بالثروات الطبيعية ومواردها البشرية الكبيرة، وتماشياً مع هذه الأهمية وحرص الرسول صلى الله عليه وآله على إسلام أهلها، ورغبته في توحيد العرب الساكنين في الجزيرة تحت راية الإسلام، فنراه أرسل أكثر من حملة إلى هذه البلاد الواسعة، وكانت قبيلة همدان احدى القبائل المهمة والكثيرة العدد والمعروفة بشجاعتها التي وصلتها الدعوة، فأرسل اليها خالد بن الوليد في سرية ليدعوها إلى الإسلام، فبقي ستة أشهر هناك من دون أن يحقق نتيجة، وهو غير مأمور بالقتال بل الدعوة الى الإسلام فقط، ونتيجة لذلك امره النبي صلى الله عليه وآله بالعودة إلى المدينة، وخیر من كان معه بين الالتحاق بالإمام علي (عليه السلام) الذي أرسله بديلاً عن خالد وبين الرجوع إلى المدينة، فذهب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) مع عدد قليل من الصحابة الذين وفدوا معه، والتحق به عدد اخر من كانوا مع

ص: 163


1- سورة طه، الآيات 29 - 36

خالد(1)، وعندما وصل إلى وجهته واقترب من أرض اليمن خرجت قبيلة همدان لتقابله، فصلى بمن معه ثم صف اصحابه صفاً واحداً، ثم قرأ على القوم كتاب الرسول صلى الله عليه وآله فأسلمت قبيلة همدان جميعاً في يوم واحد، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بما جرى معه، فلما قرأ الكتاب خر ساجداً ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان السلام على همدان، وبعد هذه الدعوة تتابع أهل اليمن على الإسلام(2).

إن ما تقدم يبين لنا امر غاية في الأهمية، وهو ان المهام التي لا يستطيع ان يؤديها احد من الصحابة يرسل لها الإمام علي ليؤديها بالصورة التي يريدها، کما انه صلى الله عليه وآله كان يريد ان يعرف المسلمين بإمكانات الإمام وقدراته القيادية، والادوار التي كان يؤديها كانت مكملة للدور النبوي وملازمة له، فالنبي صلى الله عليه وآله امر خالد بالدعوة للإسلام، ولم يأمره بالقتال لان اهل اليمن لم يكونوا اعداء للدعوة الإسلامية، بل من الممكن دعوتهم للإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا هو المنهج الذي قامت عليه الدعوة، لكن ستة اشهر كانت طويلة جداً، لماذا لم يدخل هؤلاء الى الإسلام؟، مع القيم العليا التي جاء بها، ولماذا قبل هؤلاء الدخول فيه بخطبة واحدة خطبها فيهم الإمام علي (عليه السلام)؟، هل السر یكمن في شخصية الإمام ام في قبيلة همدان نفسها؟.

قلنا فيما سبق ان اليمن بلاد مهمة جدا والنبي صلى الله عليه وآله يعرف هذه الأهمية جيداً، فهي ممر لتجارة قريش الى الحبشة زيادة على كونها سوقاً مهمة، وعليه فهو يعرف اهلها وطبيعتهم، وهي ارض حضارة وشعبها شعب متمدن حكمته دول متعاقبة كان لها اثر كبير في الحضارة الإنسانية على عكس بلاد الجزيرة

ص: 164


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 389
2- ابن عبد البر، الاستیعاب، 3 / 1120

الصحراوية، لذلك اعتنى بها النبي صلى الله عليه وآله عناية خاصة، ولم تكن بعثة خالد اليها هي الاولى، بل سبقتها مقدمات اخرى، وهذه المقدمات كان الإمام هو السباق فيها، وكأن هناك قصدية عند النبي صلى الله عليه وآله بان تكون دعوة اهل اليمن للإسلام على يد الإمام علي (عليه السلام)، فكان الإمام أول من دخلها داعيا للإسلام في شهر رمضان من السنة العاشرة للهجرة، فجاء في الرواية ان النبي صلى الله عليه وآله ارسله اليها واوصاه: (امض ولا تلتفت، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله كيف أصنع قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك، فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلاً، فإن قتلوا منكم قتيلاً فلا تقاتلهم تلومهم ترهم أناه ثم تقول لهم: هل لكم إلى أن تقولوا لا إله إلا الله فإن قالوا نعم فقل هل لكم أن تصلوا فإن قالوا نعم فقل: هل لكم أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردونها على فقرائكم، فإن قالوا نعم فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لأن يهدي الله علي يدك رجلاً واحداً خیر لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت)(1)، وهذه التوصيات التزم بها الإمام التزاماً حرفياً وهي دالة على الدعوة السلمية للإسلام، ولم يقاتل حتى اعترضته مجموعة من قبيلة مذحج لتمنع تقدمه فاستطاع ان ينتصر عليها ويغنم من ارض المعركة مجموعة من الغنائم، الأمر الذي تبعه مجيء وفد من رؤسائهم يعلنون إسلامهم وإسلام أتباعهم بعد ان شرح لهم الإمام علي (عليه السلام) تعاليم الإسلام(2).

ويمكن القول إن هذا أول دخول للإمام (عليه السلام) الى اليمن بل هو أول دخول اسلامي لها، ويتضح هذا من خلال رواية الواقدي: (فكانت خيلهم أول

ص: 165


1- الواقدي، المغازي، 2 / 1079
2- الواقدي، المغازي، 2 / 1080

خيل دخلت تلك البلاد)(1)، وفي المرة الثانية بعثه الرسول صلى الله عليه وآله يدعو من لم يسلم من أهل اليمن للدخول في الإسلام، وهي المرة التي أرجع فيها الرسول صلى الله عليه وآله سرية خالد بن الوليد، وأسلمت فيها همدان كلها، لأن الرواية تقول: (ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام)(2).

إن ما تقدم يبين لنا ان الدعوة الى الإسلام في بلاد اليمن الواسعة كان لا يؤديها سوى الإمام علي (عليه السلام)، ولا يستطيع غيره ادائها ومن خلال السياق الذي قدمناه نستنتج ان الرسول صلى الله عليه وآله ارسل الإمام الى ارض اليمن وهي ارض لم تطئها خيل المسلمين وهي واسعة وكبيرة وطبيعتها الجغرافية متنوعة ووعرة، وانظمتها السياسية متعددة ومتباينة من ممالك وولايات وتنظيمات قبلية، لذلك لا يستطيع القيام بهذه المهمة سوى الإمام (عليه السلام) لما يمتلكه من قدرات عسكرية وسياسية فضلاً عن معرفته بطباع العرب وتركيبتها القبلية، وبالفعل استطاع ان يؤدي المهام الموكلة اليه من دون ان يعطي خسائر، بل انه دعى للإسلام باللين الطرق السلمية، واستجابت الناس ودخلت اليه بقناعة تامة، ثم ان الرسول صلى الله عليه وآله ارسل خالداً الى بقية القبائل اليمنية ليدعوها لدخول الإسلام، وبقي مع قوة عسكرية تحسباً للطوارئ لكنه لم يفلح في شيء على الرغم من بقائه ستة اشهر، وفي هذا دلالة كافية ان هذا الدور المهم لا يستطيع احد ان يؤديه الا الإمام علي (عليه السلام)، لذلك عندما ذهب الإمام دخلت همدان كلها الإسلام بوقت قياسي، ويعود هذا لطبيعة شخصية الامام الممتلئة ايمانا والتي لا تضاهيها شخصية اخرى ولا تقارن بشخصية مثل خالد

ص: 166


1- المغازي، 2 / 1080
2- الواقدي، المغازي، 2 / 1080. (227) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 170، ابن سيد الناس، عيون الأثر، 2 / 340، المقريزي، إمتاع الأسماع، 2 / 96

الذي امضى عشرين سنة من عمره يحارب الاسلام، وطريقته في الدعوة للإسلام والتزام الامام الحرفي بتعليمات الرسول صلى الله عليه وآله، كذلك يعود الى طبيعة قبيلة همدان نفسها فقد كان معروفاً عنها شجاعتها ونخوتها وعزة نفسها فأرادت تكريما من نوع خاص، ففهم النبي صلى الله عليه وآله الأمر وكرمهم بإرسال ابن عمه الذي هو نفسه، وأقرب الناس إليه لكي يشعرهم بمكانتهم عنده، لاسيما أن العرب كانت تعد الإسلام عقداً بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله، وقد جرت العادة عندهم في العهود ونقضها أن يتولى ذلك الشخص نفسه أو من يمثله من أسرته(1). ويؤيد هذا الأمر الرواية التي تحدثت عن نزول الآيات الأولى من سورة براءة سنة تسع للهجرة والتي كانت تتضمن جملة من الأمور منها العهود التي كانت تربط بين رسول الله صلى الله علیه وآله وأقوام من العرب، وعهود ومواثيق جديدة من جملتها ألا يطوف بالبيت عريان أو مشرك وغير ذلك(2)، وقد شرحنا ذلك في موضوع سابق، زيادة على ذلك فإن المواصفات التي يتميز بها علي بن أبي طالب من الإيمان والإقدام والشجاعة والفصاحة والقدرة على الإقناع إلى غير ذلك من الصفات التي امتلأت بها كتب التاريخ والطبقات والتراجم والأدب وغيرها، ذلك كله أهله لأداء هذه المهمة.

ص: 167


1- الثعلبي، تفسير الثعلبي، 5 / 8
2- ينظر القرآن الكريم الآيات الأولى من سورة التوبة التي سميت أيضاً سورة براءة

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم - ابن الأثير، علي بن ابي الكرم بن محمد بن عبد الكريم الشيباني (ت 630 ه)، 1 - أسد الغابة، دار الكتاب العربي، بيروت د ت.

2 - الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت 1966.

- البخاري، محمد بن اسماعيل بن ابراهيم (ت 256 ه)، 3 - صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت 1981.

- البيهقي، احمد بن الحسين بن علي (ت 458)، 4 - السنن الکبری، دار الفکر، د م، د ت.

- الثعلبي، (ت 427 ه)، 5 - تفسير الثعلبي، تحقيق ابو محمد عاشور، دار احياء التراث العبي، بيروت 2002.

- الحاكم الحسكاني، عبيد الله بن احمد (ت القرن 5 الهجري)، 6 - شواهد التنزيل، تحقيق محمد باقر المحمودي، طهران 1990.

- الحاكم النيسابوري، ابو عبد الله (ت 405 ه)، - المستدرك على الصحيحين، اشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت د ت.

ابن حبان، ابو حاتم محمد بن حبان (ت 354 ه)، 8 - الثقات، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن 1393 ه.

9 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان المتوفي سنة 739 ه، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، د د م 1993.

- ابن حبیب، محمد بن حبيب البغدادي(ت 245 ه)،

ص: 168

1 - المنمق في اخبار قريش، تعلیق خورشيد احمد فائق، عالم الكتب، بيروت 1963.

- ابن حجر، شهاب الدین بن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، 11 - فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ط 2، دار المعرفة، بيروت د ت.

- ابن ابي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله (ت 655 ه)، 12 - شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم، دار احياء الكتب العربية، بيروت 1959.

- الحلبي، علي بن برهان الدين الحلبي (ت 1044 ه)، 13 - السيرة الحلبية في سيرة الأمين والمأمون، دار المعرفة، بيروت 1400ه.

- ابن حنبل، احمد بن حنبل (ت 241 ه)، 14 - مسند احمد، دار صادر، بيروت د ت.

ابو داود، سلیمان بن داود البصري (ت 204 ه)، 15 - مسند ابي داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت د ت.

- الذهبي، محمد بن احمد بن عثمان(ت 748 ه) 16 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والاعلام، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، ط 2، دار الكتاب العربي، بيروت 1990.

17 - سیر اعلام النبلاء، تحقيق حسين الأسد، ط 9، مؤسسة الرسالة، بيروت 1993.

- ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع (ت 230 ه)، 18 - الطبقات الکبری، دار صادر، بيروت د ت.

- ابن سيد الناس، محمد بن عبد الله بن يحيى(ت 734 ه)، 19 - عيون الأثر في فنون المغازي والشائل والسير، مؤسسة عز الدين، بيروت 1986.

ص: 169

- السيوطي، جلال الدين (ت 911 ه)، 20 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة، بيروت د ت.

- شرف الدين، عبد الحسين شرف الدين الموسوي، 21 - النص والاجتهاد، تحقیق ابو مجتبی، مطبعة سيد الشهداء، قم 1404ه.

- ابن شهر آشوب، مشیر الدین احمد بن علي (ت 588 ه)، 22 - مناقب آل ابي طالب، مطبعة محمد كاظم الكتبي، النجف 1956.

-ابن ابي شيبة الكوفي، عبد الله بن محمد (ت 235 ه)، 23 - المصنف، تحقیق سعيد اللحام، دار الفكر، بيروت 1989.

- الصالحي الشامي، محمد بن يوسف (ت 942 ه)، 24 - سبل الهدى والرشاد، تحقيق عادل احمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت 1993.

- الطبرسي، احمد بن علي بن ابي طالب (ت 548 ه)، 25 - الاحتجاج، تعلیق محمد باقر الخرسان، مطبعة النعمان، النجف الاشرف 1966.

- الطبري، محمد بن جريد بن يزيد (ت 310 ه)، 26 - جامع البيان في تأويل آي القرآن، تحقيق خليل الميس، دار الفكر، بيروت 1995.

27 - تاریخ الرسل والملوك، مراجعة نخبة من العلماء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت 1983.

- ابن عبد البر، ابو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد (ت 430 ه)، 28 - الاستیعاب، تحقيق محمد علي البجاوي، دار الجيل، بيروت 1992.

- ابن عساکر، ابو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي (ت 571 ه) 29 - تاریخ دمشق، تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت 1415 ه.

- العيني، (ت 855 ه)، 30 - عمدة القاري، دار احياء التراث العبي، بيروت، د ت.

ص: 170

- ابو الفداء، عماد الدين اسماعيل (ت 732 ه)، 31 - المختصر في اخبار البشر، دار المعرفة، بیروت د ت.

- ابن کثیر، ابو الفداء اسماعيل بن كثير (ت 774 ه)، 32 - تفسير القرآن العظيم، تقديم يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بیروت 1992.

33 - السيرة النبوية، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بیروت 1979.

- المسعودي، علي بن الحسين (346 ه) 34 - التنبيه والاشراف، دار صعب، بیروت د ت.

- مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه)، 35 - صحیح مسلم، دار الفکر، بیروت د ت.

- المنقري، نصر بن مزاحم (ت 212 ه)، 36 - وقعة صفين، تحقیق عبد السلام محمد هارون، ط 2، المؤسسة العربية الحديثة، مصر 1382 ه.

- ابن المغازلي، علي بن محمد الواسطي (ت 483 ه)، 37 - مناقب علي بن ابي طالب (عليه السلام)، انتشارات سبط النبي، د م 1426 ه.

- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (ت 413 ه)، 38 - الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقیق مؤسسة آل البيت، ط 2، دار المفيد، بیروت 1993.

39 - الاختصاص، تصحیح علي اکبر الغفاري، دار المفيد، بیروت 1993.

- مقاتل، مقاتل بن سلیمان (ت 150 ه)، 40 - تفسير مقاتل بن سلیمان، تحقیق احمد فرید، دار الكتب العلمية، بيروت 2003.

- المقريزي، احمد بن علي بن عبد القادر (ت 845 ه)، 41 - امتاع الأسماع بما للنبي صلى الله عليه وآله من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع،

ص: 171

تحقیق محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية، بیروت 1999.

- النسائي، احمد بن شعیب (ت 303 ه)، 42 - السنن الكبرى، تحقیق عبد الغفار سلیمان و سید کسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت 1991.

ابن هشام، عبد الملك بن هشام الحميري (ت 2018 ه)، 43 - السيرة النبوية، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة 1963.

- الواقدي، محمد بن عمر بن واقد (ت 207 ه)، 44 - المغازي، تحقيق ماردسن جونس، دت، د م.

- اليعقوبي، احمد بن ابي يعقوب بن جعفر (ت بعد 292 ه)، 45 - تاريخ اليعقوبي، دار صادر، بیروت د ت.

ص: 172

البحث الرابع النبوة والإمامة في مرحلة التأسيس دراسة في العلاقة الأسرية م. د. انتصار عدنان العواد جامعة البصرة كلية الآداب

ص: 173

ص: 174

عراقة النسب والأصل الواحد

اختص النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنهما من أرومة واحدة في أطيب مغرس وأنمی منبت، فهما من شجرة واحدة، يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «الناس من أشجار شتّى، وأنا وأنت يا علي من شجرة واحدة»(1)، وفي حديث آخر: «خلقت یا عليُّ من شجرة خُلْقِتُ منها»(2). وهذه الشجرة هي (شجرة الأنبياء)؛ إذ يقول (عليه السلام) في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «اخْتَارَه مِنْ شَجَرَةِ الأَنْبِيَاءِ، ومِشْکَاۃِ(3) الضِّيَاءِ، وذُؤَابَةِ(4) الْعَلْيَاءِ»(5).

إن في كلام الإمام (عليه السلام) أعلاه إمعان في التركيز على طهارة الآباء وشرفهم، و أنهما من سلالة الأنبياء وذريتهم، تصديقا لقوله تعالى: «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(6). وقد وصف الإمام (عليه السلام) هذه السلالة وأصولها بالشجرة الكثيرة الأغصان، وإنما شبّهها بذلك بجامع الأصل الواحد، فالشجرة تقابل الأب الواحد في سلالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تتفّرع عن أغصان كثيرة، أي أبناء كثر، وفي كلمة الإمام (عليه السلام): «اختاره» إيحاء بالاصطفاء والعناية الإلهية للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ إنّ

ص: 175


1- الصدوق: عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 68، وينظر له: الخصال: ص 21. وينظر ايضا: الكوفي: مناقب الإمام أمير المؤمنين: 1 / 0 46. الخزاز: كفاية الاثر: ص 158. ابن مردويه: مناقب علي بن أبي طالب: ص 265. الطوسي: الأمالي: ص 610. الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل 1 / 376. السيوطي: الدر المنثور: 4 / 44
2- الصدوق: عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 65
3- المشكاة: كل كوة غير نافذة، ومن العادة أن يوضع فيها المصباح. الجوهري: الصحاح: 6 / 2395
4- الذؤابة: الناصية أو منبتها من الرأس. الجوهري: الصحاح: 1 / 129. ابن منظور، لسان العرب: 1 / 379
5- نهج البلاغة: ص 200 - 201
6- سورة آل عمران الآية 34

الخلق أشجار شتّى، ولكنَّ الله انتقاه من الشجرة الخاصة بالأنبياء، إشارة إلى أنّ الرسالة الإلهية واحدة الابتداء، وإن فصلت ما بينها القرون، وفي ذلك كله تعظیم للنبوة والأنبياء، وتعزيز الموقف النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في كونه من السلالة نفسها التي تنجب الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين على مرّ تاريخ الإنسانية إلى ختام الوحي بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

وجمع (عليه السلام) بين النبوة والإمامة في الاصطفاء من تلك الشجرة التي صدع منها أنبياءه، في قوله (عليه السلام): «حَتَّى أَفْضَتْ کَرَامَةُ اللهَّ سُبْحَانَه وتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله، فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه، عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الأُسَرِ، وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ، وبَسَقَتْ(2) فِي کَرَمٍ، لَها فُرُوعٌ طِوَالٌ، وثَمَرٌ لَا يُنَالُ»(3). فهنا جمع الإمام للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الكلام أولا فضل النبوة، وأصل الأرومة - اصل الشي - أي الشجرة، مشيرا بقوله في أول كلامه إلى ختام عهد النبوة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا الإفضاء كأنّه سبب إلى أن يكون خلاصة في كل فضيلة، لا في النبوة وحدها، فهو - فعلا - خلاصة في العقل والكمال والصبر والطهارة والتقوى والقرب من الله تعالى، ومن ثم فقد جمع بين النبوة والإمامة في الاصطفاء، فهو حين عمّ في قوله: «مِنْ أُفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِساً» - أي نسلا سامیا - عمد إلى التخصيص، فقال: «مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه»، وهي شجرة النبي إبراهيم (عليه السلام). واتبعه بالتصريح متدرجا

ص: 176


1- الفحام: بلاغة النهج في نهج البلاغة: ص 22
2- بسقت: بسق: طال وعلى وارتفع. الجوهري: الصحاح: 4 / 1450. ابن منظور، لسان العرب: 10 / 20
3- نهج البلاغة: ص 176

بالأخص فالأخص، فبدأ بأهل البيت (عليه السلام) وهم العترة الطاهرة، قائلاً:

«عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَیْرُ الأُسَرِ، وشَجَرَتُه خَیْرُ الشَّجَرِ»، یعني بعترته اهل بیته وهم: الإمام علي والسيدة فاطمة وابناهما الإمامان الحسن والحسين (عليه السلام)، وأولاد الإمام الحسين من الأئمة المعصومين (عليه السلام)(1).

إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من أصل واحد يتصل جذره بالنبي إبراهيم (عليه السلام)، في «آباؤه آباء رسول الله، وأُمهاته أٌمّهات رسول الله، وهو منوط لحمه ودمه، لم يفارقه منذ خلق الله آدم، إلى أنّ مات عبد المطلب افترقا بين الأخوين عبد الله و أبي طالب، وأمهما واحدة، فكان منهما سيدا الناس، هذا الأول وهذا التالي، وهذا المنذر، وهذا الهادي»(2). لذا فان أي كلام عن النبي في هذا الجانب إنما يشمل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بكل خصائصه وميزاته لأنهما واحد في الأصل والمغرس.

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يفتخر بأنّهم - أي أهل البيت - الأقرب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأشد التصاقا به؛ إذ يقول: «ونَحْنُ الأَعْلَوْنَ نَسَباً والأَشَدُّونَ بِرسُولِ الله صلى الله عليه وآله نَوْطاً(3)»(4). بل كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكد أنّ عترته الأطايب، هم من طينته، وأنهم يشاركونه خصائصه التكوينية، إذ كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إن لكل بني أب عصبة ينتمون إليه، إلا ولد فاطمة، فأنا وليهم، وأنا عصبتهم، وهم عترتي، خلقوا

ص: 177


1- الفحام: بلاغة النهج: ص 23 - 24
2- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 1 / 30
3- النوط - بالفتح: التعلق والالتصاق. الفراهيدي: العين: 7 / 455. ابن منظور، لسان العرب: 7 / 418
4- نهج البلاغة: ص 304

من طينتي، ويل للمكذبين بفضلهم»(1). وفي حديث آخر: «من سّره أن يحيي حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوال عليّاً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي، فأِنّهم عترتي، وخلقوا من طينتي، ورزقوا فهما وعلما»(2).

ولإدراك معنى هذا التساخ بينه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أهل بيته (عليه السلام)، ولا سيما أمير المؤمنين (عليه السلام) نصغي إلى الآية الكريمة التي أنزلته (عليه السلام) في مقام نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ يقول الحق تعالى: «وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(3) التي اجمع المفسرون أن المراد بنفس النبي هنا هو أمير المؤمنين (عليه السلام)(4). بل إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) صرّح عدة مرات أنّه (عليه السلام) کنفسه، كما في قوله بعد فتح مكة: «لينتهين بنو وليعة(5) أو لابعثن إليهم رجلا كنفسي ينفذ فيهم أمري»(6). وفي حادثة أخرى

ص: 178


1- ابن عساکر: تاريخ مدينة دمشق: 36 / 313. المتقي الهندي: کنز العمال: 12 / 98
2- ابن عساكر: تاريخ دمشق: 42 / 240. وورد بالفاظ أخرى. ينظر: يحيى بن الحسين: التحفة العسجدية: ص 137. الكليني: الكافي: 1 / 208. ابن شهر آشوب، مناقب آل ابي طالب: 1 / 251
3- سورة آل عمران الآية 61
4- الطبري: جامع البيان: 3 / 407. ابن أبي حاتم: تفسير القرآن العظيم: 2 / 667. الواحدي: اسباب نزول الآيات: ص 68. السمعاني: تفسير السمعاني: 1 / 327. الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل: 1 / 159 - 164، 182. النسفي: مدارك التنزيل 1 / 157 - 158. ابن العربي: احكام القران: 1 / 360. ابن الجوزي : زاد المسير: 1 / 338 - 339. الفخر الرازي: مفاتح الغيب: 8 / 85 - 86. القرطبي: الجامع: 4 / 104. البيضاوي: تفسير البيضاوي: 2 / 47. ابن حيان الاندلسي: البحر المحيط: 2 / 503. الالوسي: روح المعاني: 3 / 188
5- بطن من كندة نسبة إلى وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن حجر. عمر رضا کحالة: معجم قبائل العرب: 3 / 1253
6- النسائي: السنن الكبری: 5 / 127. وينظر: ابن أبي شيبة: المصنف: 7 / 506. الكوفي: المناقب: 1 / 461. الصدوق: الأمالي: ص 618، الخصال : ص 555. ابن شعبة الحراني: تحف العقول، ص 429. ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 9 / 167. الهيثمي: مجمع الزوائد: 7 / 110. المتقي الهندي: كنز العمال: 9 / 163. السيوطي: الدر المنثور: 3 / 213

لما حاصر مدينة الطائف، فقال: «والذي نفسي بيده، ليقيمن الصلاة، وليؤتن الزكاة، أو لابعثن إليهم رجلا مني أو كنفسي... ثم اخذ بیدعلي فقال: هذا»(1).

أكدت آیات الذكر الحكيم وأحاديث النبي وعترته على أن التنسيل الذري النبوي قائم على أساس الاصطفاء، إذ يقول تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(2). إذ اقتضت حكمة الباري أن يكون الأنبياء من ذوي الأنساب الأصيلة والأقوام العريقة الشريفة. وان أمر الاجتباء منوط بإرادة الله تبارك وتعالى، فهو الذي حبي نبيه الكريم وخصه بما لا يمكن لمخلوق إن يضاهيه في مقاماته السامية، ومن تلك المقامات: اصطفاء أصله وعلو نسبه وكرامة حسبه، إذ خصه بان «اختاره من شجرة الأنبياء، ومشكاة الضياء، وذؤابة العلياء، وسرة البطحاء، ومصابيح الظلمة، وينابيع الحكمة»(3). وان المراد «من شجرة الأنبياء» هنا هو النبي إبراهيم (عليه السلام) وأولاده لان أكثر الأنبياء منهم(4).

وتوالت العناية الإلهية تكتنف الحبيب المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم) بأعز اصطفاء إذ يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «بعثت في خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتی بعثت في القرن الذي كنت فيه»(5). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله اصطفی کنانة من ولد إسماعيل، واصطفی قریشا من كنانة،

ص: 179


1- الهيثمي، مجمع الزوائد: 9 / 163. المرعشي: شرح إحقاق الحق: 6 / 450
2- سورة آل عمران الآيتان 33 - 34
3- نهج البلاغة: 200 - 201
4- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 7 / 168. الحسيني: الديباج الوضي: 2 / 777
5- ابن حنبل: المسند: 2 / 417

واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»(1). ويقول الإمام علي (عليه السلام) «کُلَّمَا نَسَخَ اللهَّ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَه فِي خَيْرِهِمَا، لَمْ يُسْهِمْ فِيه عَاهِرٌ ولَا ضَرَبَ فِيه فَاجِرٌ»(2)، وإلى المعنى ذاته يشير (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما افترقت فرقتان منذ نسل آدم ولده الا كنت في خيرهما»(3).

ففضلا عن دلالات هذه النصوص والأحاديث الشريفة على طهارة أصل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من دنس الشرك والشك في النسب فانه يتبين لنا إن الاصطفاء الإلهي قد اختص بآباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طاهر بعد طاهر، وطيب بعد طيب حتى أخرجه من أبوين طاهرين، وان هذا الاصطفاء قد حدد بسلسلة متصلة تميزت بأنها الأفضل والأكرم، وما لفظة «الافتراق «في الحديث أعلاه إلا دلالة على أن التشعب قد حدث في ذلك الأصل، فمن نسل آدم كان اصطفاء إبراهيم (عليه السلام) ومن ولد إبراهيم كان اصطفاء إسماعيل ومن ولد إسماعيل كان الاصطفاء قد خص کنانة، ومن كنانة خص قريش، ومن بطون قریش خص بني هاشم ثم من بني هاشم خص بنو عبد المطلب، ومن بني عبد المطلب اختص بعبد الله و أبي طالب.

إذ يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله مطيعا يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله ادم ركز ذلك النور في صلبه فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد

ص: 180


1- البخاري: التاريخ الصغير: 1 / 35، أبو یعلی: مسند: 13 / 469. ابن حبان: الثقات: 1 / 21. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد: 13 / 65. ابن قدامة: الشرح الكبير: 7 / 467. السيوطي: الجامع الصغير: 1 / 256
2- نهج البلاغة: ص 447 - 448
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 9 / 326. وينظر: ابن عساکر، تاریخ دمشق: 3 / 408. السيوطي: الخصائص النبوية: 1 / 37، الألباني: إرواء الغليل: 6 / 332

المطلب فجزء أنا وجزء علي»(1).

ولتحديد مسار العناية الإلهية في دائرة الاصطفاء بشكل أدق لنتأمل كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ يقول: «عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الأُسَرِ، وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ، وبَسَقَتْ فِي کَرَمٍ، لَها فُرُوعٌ طِوَالٌ، وثَمَرٌ لَا یُنَالُ»(2)، وفي مورد آخر يقول: «أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ، و شَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ، أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ، وثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ»(3). ويظهر أن المراد بالشجرة هنا أما ابراهیم او اسماعیل او هاشم(4). واحتمل البعض ان يراد بها نفسه الشريفة على كون الاضافة بيانية(5). فاذا كان المراد بالشجرة ابراهيم او اسماعيل فالمراد بالفروع الأنبياء من ذريتهما، واذا كان المراد بها هاشم أو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فالمراد بها الأئمة (عليه السلام)(6).

ولرب قائل يقول: آن حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي ورد فيه: «واصطفی قریشا من كنانة» قد يبدو فيه للوهلة الاولى امکان قبول تطبيق عنوان «الشجرة الطيبة» الموصوفة في القرآن على «قریش» لشمولها بالاصطفاء واختصاصها من کنانة دون باقي البطون؟! وهذا يعني شمول كل فروع قریش بالاصطفاء! ويرد هذا عدة امور، هي:

أولا: أسلفنا ان ورود لفظة «النسخ» و «الافتراق» في تلك الأحاديث الشريفة تدلل على حدوث التشعب في كل اصل اصطفاه الله تعالى ورغم ان قریش مرت

ص: 181


1- ابن عساکر، تاریخ دمشق: 42 / 67. وينظر: ابن مردويه: المناقب، ص 289
2- نهج البلاغة: ص 176
3- نهج البلاغة: ص 302
4- حبيب الله الخوئي: منهاج البراعة: 7 / 84، 87 - 88
5- حبيب الخوئي: منهاج البراعة: 7 / 87
6- حبيب الخوئي: منهاج البراعة: 7 / 88

في مسار التدرج الاصطفائي الا ان كلام النبي صلى الله عليه وآله واضح في انه قد خص من قريش فرعا واحدا او مسارا بعينه دون باقي الفروع، فالمعلوم أن قريشا يتفرع منها عدة بطون ولكن الاصطفاء قد خص منها «بني عبد مناف» ثم «هاشما» و «عبد المطلب» يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «الناس من اشجار شتی، وانا وانت يا علي من شجرة واحدة»(1).

يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ان جبرائیل قال لي: يا محمد قد طفت الارض شرقا وغربا، فلم اجد فيها اكرم منك ولا بيتا اکرم من بني هاشم»(2). وذكر الترمذي(3): «ان الله خلق الخلق، فجعلني في خيرهم فرقة ثم جعلهم فرقتين، فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل، فجعلني في خيرهم قبيلة ثم جعلهم بيوتا، فجعلني في خيرهم بيتا، وخيرهم نفسا».

ثانيا: ان التأمل في كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) الذي قادنا إلى الوقوف عند استعماله للتمثيل ب «الشجرة الطيبة» التي بانت في مظان کلامه صفاتها وميزاتها، يمكن أن نستوحي منها صفات الضد لتلك الشجرة الطيبة الثابتة المتعالية المتدلية الثمار. وكأن كلامه (عليه السلام) في مقام المقابلة بينها وبين نقيضها، وما ذاك الا جريا على نهج القرآن الكريم الذي نعت الشجرة الطيبة بأفضل الصفات ، و أشار إلى الشجرة الخبيثة واهم ساتها بقوله تعالى: «وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ»(4). وابرز مصداق في كلام امير المؤمنين

ص: 182


1- ابن مردويه: المناقب: ص 265. الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل: 1 / 375. السيوطي: الدر المنثور: 4 / 44
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 7 / 51
3- السنن: 5 / 244. وينظر: الهيثمي: مجمع الزوائد: 8 / 216
4- سورة إبراهيم الآية 25

(عليه السلام) على ذلك، حين وبخ أحد مناوئيه وهو المغيرة بن الاخنس(1) قائلا له: «یَا ابْنَ اللَّعِينِ الأَبْتَرِ! والشَّجَرَةِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَها ولَا فَرَعْ»(2). وذلك كناية عن وضاعة اسرته وبعدها عن القيم، والملاحظ أن كلامه (عليه السلام) ها هنا، انما هو اقتباس من الآية الكريمة في أعلاه: «كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ»، فشجرة الانسان قبيلته التي يعزى اليها، واراد (عليه السلام) انه لا أصل له، فيعرف ولا فرع له فيثمر ويورق(3).

هذا من جانب ومن جانب آخر نجد ان امیر المؤمنين (عليه السلام) يشير الى ان الاصل الواحد قد ينتج فرعا طيبا تتجلى فيه سمات الاصالة، في الوقت نفسه قد ينتج فرعا آخر مغايرا للاول في خصائصه.

مميزات السلالة الطاهرة

ومن خلال إشارات القران واحادیث النبي واهل بيته يمكن ايجاز اهم ميزات السلالة الطاهرة للاباء والامهات التي احتضنت النور المحمدي والعلوي:

ص: 183


1- هو المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي، حليف بني زهرة، وأمه عمة عثمان بن عفان، قتل الإمام علي (عليه السلام) أخاه أبا الحكم يوم أحد، ومن هنا كان يحقد على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد عده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المؤلفة قلوبهم، وكان يشير على عثمان بعدم الاستجابة لمطالب الثائرين، قتل يوم الدار مع عثمان. ابن سعد، الطبقات: 3 / 66. ابن خياط: تاریخ خليفة: ص 133. ابن عبد البر، الاستیعاب: 3 / 1067، 4 / 1444. ابن الأثير: أسد الغابة: 4 / 405. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 8 / 301 - 306. ابن حجر: الإصابة: 6 / 155
2- نهج البلاغة: ص 253
3- الحسيني: الديباج الوضي: 3 / 1105. ناصر مکارم الشيرازي: نفحات الولاية: 5 / 321 - 322

أولا: الطهارة:

من أهم ما تميزت به هذه السلالة طهارة الاصلاب والارحام التي تشرفت بحمل نور النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن آدم (عليه السلام)، اذ يقول (عليه السلام): «تَنَاسَخَتْهُمْ کَرَائِمُ الأَصْلَابِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ الأَرْحَامِ»(1). وهذه الطهارة تشمل جانبين:

الأول: الطهارة من دنس الرجس والزنا والسفاح وكل متعلقات و فواحش الجاهلية، اذ لم يكن في نسبهما وشب(2). اذ جاء في تفسير الآية الشريفة: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(3)، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «نسبا وصهرا وحسبا ليس من آبائي من لدن آدم سفاح، كلنا بنكاح». ولقد قال الكلبي: كتبت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسمائة ام، فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان عليه اهل الجاهلية(4). وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما مسني عرق سفاح قط، وما زلت انقل من الاصلاب السليمة من الوصوم - اي العيوب - والارحام البريئة من العيوب»(5). وفي قول آخر يقول: (صلى الله عليه وآله وسلم): «خرجت من نکاح ولم اخرج من سفاح، من لدن آدم لم يصبني سفاح الجاهلية، ولم اخرج الا من طهر»(6). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «ان الله لم يمسسني بسفاح في ارومتي

ص: 184


1- نهج البلاغة: ص 179
2- وشب: اختلاط في النسب يدعو الى الريب. ينظر: الفراهيدي: العين: 6 / 291
3- سورة التوبة الآية 128
4- ابن سعد: الطبقات 1 / 60 - 61. ابن عساكر: تاريخ دمشق: 3 / 403. ابن سيد الناس: عيون الأثر: 1 / 36. السيوطي: المحاضرات والمحاورات: ص 55. القندوزي: ينابيع المودة: 1 / 61
5- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 11 / 70
6- ابن سعد: الطبقات: 1 / 61.الطبراني: المعجم الاوسط: 5 / 80. الرامهرمزي: الحد الفاصل: ص 470. الصدوق: الاعتقادات في دين الإمامية: ص 110. الحاكم: معرفة علوم الحديث: ص 171. الهيثمي: مجمع الزوائد: 8 / 214

منذ اسماعیل بن ابراهيم إلى عبد الله بن عبد المطلب»(1).

وفي هذا يقول امير المؤمنين (عليه السلام): «لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ ولَا ضَرَبَ فِيه فَاجِرٌ»(2). وفي اشارة ثانية يقول: «مُسْتَقَرُّه خَیُرْ مُسْتَقَرٍّ، ومَنْبِتُه أَشَرْفُ مَنْبِتٍ، فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ، ومَمَاهِدِ السَّلَامَةِ»(3). اذ حمل معنی «مماهد السلامة»، ها هنا بمعنی: البراءة من العيوب اي في نسب طاهر غير مأفون ولا معيب»(4). ومما لا يفوتنا تسجيله ما قد يتبادر للذهن: لماذا هذا التأكيد من النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) و امير المؤمنين (عليه السلام) على هذا الجانب ؟ هل هناك من طعن في نسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستلزم الأمر رده ام انها تدارك للامر قبل وقوعه؟!! لو تصفحنا مرویات بعض المصادر التاريخية لوجدناها قد روجت لهذه الطعون وباتت الاجيال تتناقلها وكانها من المألوفات التي لا ضير فيها، ويمكن أن نستقرأ من خلالها رؤية تبين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا فضل له الا النبوة، وانه کالاخرين الذين شابت انسابهم شوائب الجاهلية وارجاسها، لكن هذه الرؤية لا تمثل الجميع فهناك من ذهب الى رأي مخالف واكد على طهارة آباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وامهاته من هذه الناحية(5).

ص: 185


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 7 / 63
2- نهج البلاغة: 448
3- نهج البلاغة: ص 178
4- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 7 / 55
5- ينظر على سبيل المثال ما جاء في الرسائل العشر للسيوطي: ومنها: الرسالة الأولى: المقامة السندسية في النسبة المصطفوية: ص 7 - 26، الرسالة الثانية: الدرج المنيفة في الآباء الشريفة: ص 27 - 43، الراسالة الثالثة: مسالك الحنفا في والدي المصطفى: ص 45 - 102، الرسالة الرابعة: نشر العلمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين: ص 103 - 118، الرسالة الخامسة: التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله في الجنة: ص 119 - 164، الرسالة السادسة: السبل الجلية في الآباء العلية: ص 165 - 179، الرسالة السابعة: تنزيه الأنبياء عن تشبيه الأغبياء: ص181 - 196 إيمان الساعدي: والدي النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، الفصل الثالث، تحت عنوان (عقيدة والدا النبي (صلی الله عليه وآله وسلم)). حيدر إسماعيل: آباء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من آدم إلى عبد الله: ص 6 - 348

وللماوردي(1) کلام لطيف في هذا المجال يختصر المقال بقوله: «واما طهارة مولده، فإن الله تعالى استخلص رسوله من اطيب المناکح، وحماه من دنس الفواحش، ونقله من اصلاب طاهرة إلى ارحام مطهرة. وقد قال ابن عباس في تأويل قوله تعالى - «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ»(2) - أي تقلبك من اصلاب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلك نبيا، وكان نور النبوة في آبائه ظاهرا، واذا خبرت حال نسبه، وعرفت طهارة مولده، علمت انه سلالة آباء کرام سادوا ورأسوا لانه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم... [وساق نسبه الى عدنان ثم قال]: ليس في آبائه خامل وله مسترذل ولا مغمور مستذل كلهم سادة قادة وهم اخص الناس بالمناكح الطاهرة.

الثاني: الطهارة من الشرك: لقد صرحت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلمات أئمة أهل البيت (عليه السلام) بطهارة اسلافه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكفر والشرك بالله الذي الحقته بعض المرويات التاريخية بآباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). والكافر لا يقال بحقه: انه مختار او کریم ولا طاهر لقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ»(3). وفي قوله تعالى: «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» که دلالة لا لبس فيها على طهارة آبائه (صلى الله عليه وآله وسلم) من كل شرك وكفر. وهنا تنتفي

ص: 186


1- اعلام النبوة: ص 201 - 202
2- سورة الشعراء الآية 219
3- سورة التوبة الآية 28

تقولات بعض الرواة الذين نجد في مروياتهم ما يشير إلى أن من آبائه (صلى الله عليه وآله وسلم) من اشرك بالله وعبد الأصنام، كما هو الحال في الرواية المزعومة التي نسبت إلى جد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خزيمة بن مدركة(1) انه أول من وضع هبل في الكعبة حتى سمي هبل خزيمة(2). رغم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد خصه من ضمن آبائه الذين اكد انهم «على ملة ابراهيم فلا تذكروهم الا بخير»(3)، وذكر البلاذري أن تسمية عبد مناف جد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت نسبة الى صنم من الأصنام(4)، بينما أصل التسمية يرجع إلى أنها كانت بمعنی «علا واناف(5) «واسمه المغيرة بن قصي(6). فلا يمكن قبول ما جاء في تلك الروايات الشائبة التي حاولت أن تلصق بآباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الشرك بالله او اي عمل ينافي الشريعة الالهية والثوابت العقلية، وقد صرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بان آباء واجداده کانوا موحدين وعلى ملة

ص: 187


1- هو خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فهو الجد الرابع عشر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). كان احد حكام العرب، وصاحب الفضل والسؤدد فيهم، كان من الموحدين ومات على ملة النبي ابراهيم (عليه السلام). ينظر: اليعقوبي: تاریخ: 1 / 229. الصالحي: سبل الهدی: 1 / 287. الديار بكري: تاريخ الخميس: 1 / 150
2- البلاذري: انساب الاشراف: 1 / 37. ياقوت الحموي: معجم البلدان: 5 / 391. ابن الأثير: الكامل: 2 / 28. النويري: نهاية الأرب: 16 / 12. البغدادي: خزانة الادب: 7 / 212
3- ابن حجر: فتح الباري 7 / 125. ولقد ناقش إسماعيل هذه الشبهة ودحضها. ينظر: آباء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): ص 91 - 94
4- البلاذري: انساب الاشراف: 1 / 52
5- مناف: مأخوذ من ناف أي ارتفع، وجبل منيف، أي مرتفع، وجبل عالي المناف، أي المرتقى، وناف ينوف، أي طال، وإمرأة منيفة، تامة الحسن والجمال. ومنه عبد مناف. الزمخشري: أساس البلاغة: ص 996. ابن منظور: لسان العرب: 9 / 342 - 343
6- ابن سعد، الطبقات: 1 / 55. ياقوت الحموي: معجم الأدباء: 14 / 41. ابن شهر آشوب: المناقب: 1 / 134

ابراهیم (عليه السلام)(1). وفي مراجعة فاحصة لسير حياتهم نجد أن مَعْلَم التوحيد بارز في ثنياتها(2).

نخلص إلى القول إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه تميزا بانتسابهما الى اعرق واشرف الأنساب إذ قيض لهما الباري آباء وأمهات طاهرون مطهرون من كل شائبة ودنس رغم تواجدهم في بيئة مشوبة في الأعم الأغلب بالآثام، إلا أن المسار النبوي الطيب تنزه عن كل ذلك فتسامی طیباً کریماً معافی.

ثانيا: مكارم الأخلاق:

لقد تميزت سلالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام (عليه السلام) بمكارم ومحامد كثيرة، وخصائص ذاتية، ومكارم أخلاقية اختص بها آباؤهما، من قبيل وصف بني هاشم بالكرم، والسخاء، والشجاعة، والفصاحة، والهيبة، اذ يقول الإمام علي (عليه السلام): «وأَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا، وأَسْمَحُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا،...، ونَحْنُ أَفْصَحُ وأَنْصَحُ وأَصْبَحُ»(3).

ولا يسعنا الاستفاضة في تتبع مصاديق هذه الصفات والسجايا على جميع آباؤهما، بل سنركز الحديث على هاشم وولده عبد المطلب وولديه عبد الله وأبي طالب، لما لهذه الشخصيات من اثر ملحوظ لا يمكن تجاهله لذا صاروا محل افتخار النبي والامام علي (عليه السلام) امام خصومهما.

ص: 188


1- ينظر: إسماعيل: آباء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): ص 45 - 59
2- لمزيد من التفاصيل ينظر: اسماعيل: آباء النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (الصفحات جميعها). وينظر: حسين الصافي: آباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الكتاب والسنة:ص 105 - 126
3- نهج البلاغة: ص 977 - 978

ففي جانب الكرم والسخاء، فإنّا نجد هاشماً(1) الذي اسمه «عمرو»(2) شهد له التاريخ بسخاء لا مثيل له، حتى أن لقبه ب«هاشم« كان كناية عن جوده وكرمه، اذ عُرف به لتهشيمه الثريد لبني قومه في ازمة لحقتهم في عهده(3). وفي ذلك يقول الشاعر (ابن الزبعرى)(4):

عمرو العلا هشم الثريد لقومه *** كانوا بمكة مسنتين عجاف(5) و«كانت مائدته منصوبة لا ترفع في السراء والضراء، وكان يحمل ابن السبيل ويأوي الخائف»(6) وقد تولى هاشم مهام الرفادة وهي التي تتضمن تهيأة الطعام للحاج ایام الموسم(7)، وكانت فضيلة اطعام الطعام من اكبر الفضائل التي يمتدح بها العرب، وينال صاحبها الاحترام العام، والمنزلة الرفيعة والسمعة الطيبة، بل كانوا يعتبرون المؤاكلة عقد رباط وجوار(8). (وكان هاشم قد وصل القمة في الكرم وذاع صيته عند قريش وخارجها، حتى عجز بعض فروع قريش ان يصنعوا

ص: 189


1- لمزيد من التفاصيل ينظر: ریاض رحيم الصفراني: هاشم بن عبد مناف دراسة في مسيرته الشخصية: (الصفحات جميعها)
2- سمي عمرو العلا لمعاليه. ينظر: ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 15 / 210
3- ابن عساكر: تاريخ دمشق: 3 / 59. ابن الجوزي: المنتظم: 2 / 210. النويري: نهاية الأرب: 2 / 358
4- هو عبد الله بن الزبعرى السهمي القرشي من شعراء المشركين، كان يؤذي النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة، وهو صاحب الأبيات المشهورة يوم أحد ثأرا لقتلى المشركين يوم بدر: ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل اسلم عام الفتح، فكان من الطلقاء. ينظر: ابن عبد البر، الاستیعاب: 3 / 901. ابن الأثير: أسد الغابة: 3 / 159
5- الازرقي: أخبار مكة 1 / 112، السهيلي الروض الأنف 1 / 161
6- الديار بكري: تاريخ الخميس: 1 / 158
7- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 15 / 209
8- الملاح: الوسيط في تاريخ العرب قبل الإسلام: ص 382

صنيعه في الكرم والاطعام كأمية بن عبد شمس في قضية المنافرة المعروفة(1).

ما أحد کهاشم وإن هشم *** ولا أمرؤ كحاتم وان حتم(2) وقد آلت اليه زعامة مكة، وساد قومه، واعاد إلى الأذهان سيرة جده قصي بن کلاب، وقد توفر لديه القدرة على الوفاء بالتزامات الرئاسة من الشجاعة والكرم ورجاحة العقل وبذل المال وغيرها من سمات هیأت له السيادة على قومه، يقول الشاعر مطرود بن کعب الخزاعي(3):

يا أيها الرجل المحول رحله *** هلا نزلت بدار عبد مناف(4) وقد ورث ولده عبد المطلب من أبيه من صفات الكمال والجمال والسخاء ما فاق فيه من سواه، إذ كان سيدا من سادات العرب ومقدميهم، فصیحاً، عاقلاً، ذا اناة ونجدة، ومن الأربعة الذين وطد الله بهم قريش وبنو مكة ونظموها وتعاهدوا البيت الحرام(5). فمن صفاته الشخصية انه كان اوسم العرب شکلا، واعظمهم مهابة، واجملهم صفاتا، واطولهم قامة، واحسنهم وجهاً(6).

وكان من حلاء قريش وحكمائها، وكان مجاب الدعوة محرماً الخمر على نفسه، وهو أول من تحنث بحراء، وقد دأب على اطعام المساكين، وكان يرفع من مائدته

ص: 190


1- محمد بن ابراهيم آل لطيف: مآثر آل البيت وبني هاشم: ص 52. النصرالله: شرح نهج البلاغة: ص 60 - 61
2- الثعالبي: يتيمة الدهر: 4 / 341
3- هو من فحول شعراء الجاهلية، ارتكب جناية فلجأ إلى عبد المطلب فآمنه، وبقي عنده في حماية بني هاشم. ينظر: الزركلي: الأعلام: 7 / 251
4- ابن حبيب: المحبر ص 163. البلاذري: انساب الاشراف: 1 / 59. الشريف المرتضى: الامالي: 4 / 178
5- آل لطيف: مآثر آل البيت وبني هاشم ص 55
6- لقد وصفه دغفل النسابة قائلا: «كان عبد المطلب ابيض، مديد القامة، حسن الوجه، في جبينه نور النبوة، وعز الملك، يطيف به عشرة من بنيه، كأنهم اُسد غاب». ينظر: أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني: 1 / 45

للطير والوحوش في رؤوس الجبال، ولذلك كان يقال له مطعم الطير، ويقال له الفياض(1) وله من الهيبة التي ما رآه ملك قط إلا اكرمه وشفعه(2)، وقد روي عن النبي الاعظم صلى الله عليه وآله: «ان الله يبعث جدي عبد المطلب أمة وحده في هيئة الانبياء وزيّ الملوك»(3). ومما شرف به عبد المطلب عبادته، وزهده، وفصاحته، وموقفه الشجاع في مواجهة ابرهة صاحب الفيل، فكان أن لقبته قريش بابراهیم الثاني(4). وكان مفزع قريش في النوائب وملجأهم في الامور وشريفهم وسيدهم کمالا وفعالا(5). وكان مقراً بالتوحید، مثبتا للوعيد وتاركاً للتقليد(6). اما شعره وفصاحته فاشهر من أن يذكر، وله ديوان شعر مطبوع(7).

كان بنوه ممن اشتهر بصفات ندر وجودها، حتى قيل: «لم يكن في العرب عدة بني عبد المطلب، اشرف منهم ولا اجسم، ليس منهم رجل الا اشم العرنين، يشرب انفه قبل شفتيه، ويأكل الجذع، ويشرب الفرق»(8). وكان لكل واحد من ولد عبد

ص: 191


1- احمد بن زيني دحلان: السيرة النبوية: 1 / 22. وينظر: اسماعيل: آباء النبي محمد ص 158 - 165
2- ابن سعد: الطبقات: 1 / 85
3- اليعقوبي: تاریخ 2 / 14
4- اليعقوبي: تاریخ 2 / 14. ولمزيد من التفاصيل عن موقفه المتميز في مواجهة أبرهة ينظر: النصر الله: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد رؤية اعتزالية عن الامام علي ع: ص 61 - 65
5- دحلان: السيرة النبوية: 1 / 22
6- المسعودي: مروج الذهب: 2 / 103
7- ينظر: اسماعيل: آباء النبي صلى الله عليه وآله: ص 164 - 165
8- ابن حبيب: المنمق: ص 34

المطلب شرف وذكر وفضل وقدر ومجد(1) قال أبو حيان التوحيدي(2): «انصرف العباس بن مرداس السلمي من مكة فقال: يا بني سليم، اني رأيت أمراً، وسيكون خیر، رأيت بني عبد المطلب كأن قدودهم الرماح الردينية(3)، وكأن وجوههم بدور الدجنة، وكأن عمائمهم فوق الرجال ألوية، وكأن منطقهم مطر الوبل على المحل؛ وإن الله إذا أراد ثمراً غرس له غرساً، وإن أولئك غرس الله؛ فترقبوا ثمرته، وتوكفوا غيثه، وتفيئوا ظلاله، واستبشروا بنعمة الله عليكم به».

وعن الكلبي: «فلم يكن في العرب بنواب مثل بني عبد المطلب أشرف منهم ولا اجسم شم العرانين تشرب انوفهم قبل شفاههم»(4). وفي اعلام النبوة للماوردي(5): «وصار عبد المطلب سیداً عظیم القدر مطاع الأمر نجیب النسل حتى مر به أعرابي وهو جالس في الحجر وحوله بنوه کالأُسد فقال: إذا احب الله إنشاء دولة خلق لها امثال هؤلاء. فأنشأ الله لهم بالنبوة دولة خلد بها ذكرهم ورفع لها قدرهم حتی سادوا الانام وصاروا الاعلام وصار كل من قرب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من آیاته أعظم ریاسة وتنوها وأكثر فضلا وتألها».

ومن أبرز أبناؤه عبد الله والد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كانت له أدوار واضحة في تاريخ مكة، فكان له موقفا مشهودا يوم الفيل، يقول اليعقوبي(6):

ص: 192


1- اليعقوبي: تاريخ: 2 / 11
2- الامتاع والمؤانسة: 1 / 79
3- الرماح الردينية: نسبة لأمراة تدعى ردينة كانت تسوي الرماح بخط هجر، الجوهري: الصحاح 5 / 2122، ابن منظور، لسان العرب 13 / 178، الزبيدي: تاج العروس: 18 / 232
4- ابن سعد، الطبقات: 1 / 94. ابن عساکر، تاریخ دمشق: 3 / 117
5- ص 210
6- التاريخ 1 / 221 - 222

(لما قدم ابرهة ملك الحبشة صاحب الفيل مكة ليهدم الكعبة، فتهاربت قريش في رؤوس الجبال. فقال عبد المطلب: لو اجتمعنا فدفعنا هذا الجيش عن بيت الله. فقالت قريش: لا بد لنا به. فاقام عبد المطلب في الحرم وقال: لا ابرح من حرم الله ولا اعوذ بغير الله فاخذ اصحاب ابرهة أبلاً لعبد المطلب وصار عبد المطلب الى ابرهة فلما أستاذن عليه، قيل له: قد أتاك سيد العرب وعظیم قریش وشريف الناس. فلما دخل عليه أعظمه ابرهة وجل في قلبه لما رأى من جماله وكماله ونبله. فقال لترجمانه: قل له: سل ما بدا لك. فقال: إبلاً لي اخذها اصحابك فقال: لقد رأيتك فأجللتك واعظمتك وقد تراني حيث تهدم مکرمتك وشرفك فلم تسألني الانصراف، وتكلمني في ابلك، فقال عبد المطلب: انا رب هذا الابل، ولهذا البيت الذي زعمت ترید هدمه رب يمنعك منه، فرد الابل وداخله ذعر لكلام عبد المطلب. فلما انصرف جمع ولده ومن معه ثم جاء إلى باب الكعبة فتعلق به وقال:

لا هم أن المرء يمنع *** رحله فإمنع رحالك لايغلبن صليبهم *** ومحالهم غدوا محالك ولئن فعلت فإنه *** أمر تتم به فعالك أن كنت تاركهم وقبلتنا *** فأمر ما بدا لك واقام بموضعه فلما كان من غد بعث ابنه عبد الله ليأتيه بالخبر، ودنا وقد اجتمعت اليه من قریش جماعة ليقاتلوا معه، ان امكنهم ذلك، فأتی عبد الله على فرس شقراء يركض، وقد جردت ركبته، فقال عبد المطلب: قد جاءكم عبد الله بشيرا ونذيرا والله ما رأيت ركبته قط قبل هذا اليوم فاخبرهم ما صنع الله باصحاب الفيل).

ان هذا النص يوضح لنا وضع عبد المطلب ما يسمى (بقوة الاستطلاع)

ص: 193

لمعرفة اخبار العدو متمثلة بولده عبد الله واختياره لعبد الله قد يعطينا انطباعا عن کون هذا الابن شخصية مهيأة لهكذا مواقف وهذا لا يعني أن عبد الله كان لوحده بل ربما كان قائدا لقوة الاستطلاع(1).

وممن برز من ولده وحاز سيادة قومه بعد أبيه ولده ابو طالب (عليه السلام) الذي اشتهر بالكرم والشجاعة والفصاحة والهيبة والجمال. فاما کرمه، فقد كان کآبائه سخياً کریماً معطاءاً، حتى قيل فيه: «الجواد بما يملك من غير منة، والسمح بما يستطيع بلا طلب»(2)، وقد بلغ من جوده آن اعترف اعدائه له بهذه المكرمة(3). اما دلیل شجاعته فانه لا يحتاج إلى بيان، اذ يكفي موقفه من نصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووقوفه بوجه اعتی عتاة قريش، وقد عبر هو عن شجاعته بقوله(4):

انیّ تضام ولم أمُت *** وانا الشجاع العربد وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بحقه: «لو ولد الناس ابو طالب لولدهم شجعاناً»(5) وقد جعلته هذه السمات السيد المطاع في قومه والافضل بين رجالات قريش وهذا ما اشارت اليه وفود قریش لما وفدوا عليه يشكون اليه امر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لانه عاب دينهم وسفه

ص: 194


1- المزيد من التفاصيل ينظر: النصرالله: شرح نهج البلاغة ص 62 .64
2- المسعودي: اثبات الوصية: ص 135
3- روي ان احدهم دخل على معاوية في مجلسه فقال: «جئتك من عند الام العرب وابخل العرب واعيا العرب واجبن العرب، قال ومن هو... قال علي بن ابي طالب « فلما اختلى به وبخه قائلا: «ويحك يا جاهل كيف يكون الأم العرب وابوه ابو طالب وجده عبد المطلب «. الاربلي: کشف الغمة: 2 / 48
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 14 / 77
5- الإربلی: کشف الغمة 2 / 235

احلامهم فخاطبوا ابو طالب بقولهم: «انت سیدنا وافضلنا في انفسنا»(1).

الإمامة في كنف النبوة:

أن أبعاد العلاقة بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام (عليه السلام) لم تقتصر على كونهما من أصل واحد بل تمتد لتنشأ الإمامة وتمتد في كنف النبوة، إذ شاءت الإرادة الإلهية أن ينشأ الإمام علي (عليه السلام) ويتربى على يدي النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكانت هذه التربية في بيت الرسالة بداية تفتّح ذهنّیته في الولوج إلى حقائق الكون وأسراره الکبری، فضلا عن ذلك كان (عليه السلام) مخصوصاً بخلوات يخلو بها مع رسول الله، لا يطلع أحداً من الناس على ما يدور بینهما، وكان (عليه السلام) كثيرا ما يسأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن معاني القرآن، ومعاني كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإذا لم يسأل ابتدأه النبي بالتعليم والتثقيف(2)، وروي أنّه (عليه السلام) قال: «كنت اذا سألت رسول الله أعطاني وإذا سكت ابتدأني»(3). حتی کان (عليه السلام) آخر الناس عهدا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(4)، من هنا شكلت علاقته (عليه السلام) بالنبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) علاقة مثلي يندر أن يوجد لها نظير.

هذه الحقيقة نجدها ماثلة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) حين يصف لنا أبعاد هذه العلاقة منذ بواكير صباه، فيقول (عليه السلام): «وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهَّ صلى الله عليه وآله بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، والْمُنْزِلَةِ الْخْصِیصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَليَدٌ یَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه، ویُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه،

ص: 195


1- ابن سعد: 1 / 202
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: 11 / 48
3- الحاكم: المستدرك: 3 / 125. ابن طلحة: مطالب السؤول: ص 106. السيوطي: تاريخ الخلفاء: ص 170
4- نهج البلاغة: ص 434

وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِیه، ومَا وَجَدَ لِي کَذْبَةً فِي قَوْلٍ، ولَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ...»(1).

يشير النص الى استيعاب كل الوشائج والأواصر التي تشدّ الإمام الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتفاصيل الطريقة التي اتّبعها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تربيته وإعداده ليتحمل مسؤولية الرسالة من بعده(2). وعدد احواله التي هي وجوه ذلك الاستعداد واسبابه؛ ومنها المنزلة الخصيصة التي من مصاديقها انه تربى في كنف النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

ان مكونات شخصية كل فرد تتأثر بعاملي الوراثة والبيئة معاً، ولكن بدرجات متفاوتة(3). ويكون اثر الوراثة اكثر وضوحاً في النواحي الجسمية والعقلية، اما أثر البيئة فيظهر بوضوح اكثر في التكوين الخلقي والصفات النفسية والدوافع التي يكتسبها الفرد بالتعلم والخبرة، وكذلك ما يتكون عنده من اتجاهات وآراء ومثل عليا، وما يحصله من ضروب المعرفة والمهارات العملية وانواع الثقافة(4).

اذاً تتبلور شخصية الفرد نتيجة تفاعل مكوناته الجسمية والعقلية مع البيئة التي يعيش فيها(5). بمعنى آخر فان العوامل الوراثية والبيئية تشترك معاً في رسم مسار النمو من حيث ان الوراثة تعطي الاستعداد، وتحدد السقف الاقصى للنمو، والبيئة تعمل على انجاز هذا الاستعداد ليصير واقعاً(6). وإن كان بعضهم قد جعل

ص: 196


1- نهج البلاغة: ص 405 - 406
2- طاهر عيسی درویش: علي كما وصف نفسه: ص 31
3- مصطفى محمد الطحان: التربية ودورها في تشكيل السلوك: ص 118 - 126
4- جنان سعيد الرحو: اساسيات في علم النفس: ص 293
5- محمد خليفة بركات: علم النفس التعليمي: 1 / 43
6- صالح محمد ابو جادو: علم النفس التربوي: ص 57

العامل البيئي هو الاشد اثراً في تكوين شخصية الانسان(1).

ولم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) - بوصفه بشراً -، بمستثنى من هذه القاعدة، فقد أثرت هذه العوامل في جوانب من شخصيته الروحية والنفسية والأخلاقية، كما سيتضح لنا:

العامل الوراثي:

يقصد بالوراثة انتقال بعض الصفات الى الفرد من ابويه عن طريق الجينات.

سواء كانت هذه الصفات فطرية عامة في الجنس ام كانت من التغييرات التي استجدت في الاباء(2). ولكن لا يمكن الوقوف عند أثر هذا العامل في حد الاكتساب على الابوین، بل أن عملية الاكتساب الوراثي للصفات والسمات قد تتجاوز الى ما هو أبعد من ذلك إلى الأباء والأجداد، حتى يمكن ان تتصل باصل الحلقة. اذ قدر علماء الوراثة ان للانسان جزءا نوعيا خاصا لا يموت صاحبه، بل يمتد ويستأنف حياته في نسله، وقسموا الوراثة حسب المشابهة الى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الوراثة بالتحيز: ومعناها أن يشابه الفرع احد اصليه في كل الصفات او معظمها، كأن يكون الولد مثل ابيه في كثير من صفاته الجسمية والعقلية.

القسم الثاني: الوراثة بالائتلاف: وهو مخالفة الفرع لصفات اصلية، كأن يخالف الابن ابويه في مظاهرهما الشكلية. القسم الثالث: الوراثة بالاقتران: وهي أن يكون الفرع مشابها لاحد اصليه في صفات، ويشابه للثاني في صفات اخرى واكد العلم الحديث على إنّ كثيرا من الصفات الوراثية تنتقل و بدون تجزئة او تغير

ص: 197


1- الطحان: التربية: ص 122 - 125. و ينظر: أنس شكشك : علم النفس العام:ص 142 - 143
2- ابو جادو: علم النفس: ص 57

من احد الاصلين او منها الى الفرع. وقد يرث الانسان صفات اجداده السابقين ومميزاتهم الشكلية(1).

ويقول الدكتور (الکسیس کاریل)(2): «يمتد الزمن مثلما يمتد في الفراغ إلى ما وراء حدود جسمه، وحدوده الزمنية ليست اکثر دقة ولا ثباتا من حدوده الاتساعية فهو مرتبط بالماضي والمستقبل على الرغم من أن ذاته لاتمتد خارج الحاضر. وتاتي فريدتنا کما نعلم إلى الوجود حينما يدخل الحويمن في البويضة ولكن عناصر الذات تكون موجودة قبل هذه اللحظة ومبعثرة في انسجة ابوینا واجدادنا واسلافنا البعيدين جدا لانا مصنوعون من مواد آبائنا وامهاتنا الخلوية، وتتوقف في الماضي على حالة عضوية لا تتحلل... وتحمل في انفسنا قطعا ضئيلة لاعداد من اجسام اسلافنا وما صفاتنا ونقائصنا الا امتداد لنقائصهم وصفاتهم...»(3) هذا المعنى أشار إليه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل، اذ يروى: أن رجلا قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «یا رسول الله! ولد لي غلام اسود، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فأنی کان ذلك؟ قال: ما ادري. قال: فهل لك من ابل؟ قال: نعم. قال: فيها الوانها؟ قال: حمر. قال: فهل بينها جمل اورق؟(4) قال: فيها ابل اورق. قال: فاني ذلك؟ قال: ما ادري يا رسول الله، إلا أن يكون نزعه عرق. قال: هذا لعله نزعه عرق»(5).

ص: 198


1- الصائغ: علي السلام بين امه وابيه: ص 45 - 46
2- هو عالم الأحياء والجراح الفرنسي (Alexis Carrel) ولد في 1873 وتعلم في ليون، وقام بدراسات طبية في جامعتي ليون وشیکاغو، منح جائزة نوبل للطب سنة 1912 م، توفي سنة 1944 م. ينظر: الجبوري: موسوعة العلماء ص 314
3- الصائغ: علي (عليه السلام) بين امه وابيه: ص 46 - 47
4- الاورق: جمل ابيض يخالط بياضه سواد. ينظر: الشربيني: مغني المحتاج: 3: 374
5- النسائي: السنن الكبرى: 6 / 179. وينظر: الشافعي: كتاب المسند: ص 270. ابن قدامة: المغني: 9 / 43 - 44

فالحديث هنا صريح في أن الأبناء والأحفاد يرثون اغلب صفات آبائهم واجدادهم النفسية والجسمية، وأنها تنتقل اليهم بلا ارادة واختيار. فما الذي ورثه أمير المؤمنين (عليه السلام) من أسلافه؟ في البدء يمكن القول: لو تأملّنا قليلا في حديث للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ يقول: «ان الله تبارك وتعالى خلق عليا من نوري، وخلقني من نوره، وكلانا نور واحد...»(1). وفي حديث آخر: «كنت انا وعلي بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم...»(2). فلقد كانا صلوات الله عليهما في ارادة الله الازلية، نورين متعانقين بساق عرشه، فلسنا مبالغين إن قلنا: إن العلي بن ابي طالب (عليه السلام) وجودا في الارادة الأزلية الربانية(3).

ثم يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «فلما خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب الى صلب حتيأقره في صلب عبد المطلب، فقسمه قسمين: قسما في صلب عبد الله، وقسما في صلب ابي طالب، فعلي مني وانا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي»(4)، وفي حديث: «إنّ الله عز وجل نقلنا من صلب آدم (عليه السلام) في اصلاب طاهرة إلى ارحام زكية، فما نقلت من صلب الا ونقل علي معي، فلم يزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت اسد...»(5). بمعنى: أن الله قد قدر في سابق علمه لهذا النور أن ينزل الى الاصلاب الطاهرة من آدم (عليه السلام)، «کُلَّمَا نَسَخَ اللهَّ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَه فِي خَيْرِهِمَا»(6)، «مُسْتَقَرُّه خَیُرْ مُسْتَقَرَّ، ومَنْبِتُه أَشَرْفُ مَنْبتٍ، في

ص: 199


1- الكنجي الشافعي: كفاية الطالب: ص 406. المرعشي: شرح احقاق الحق. 7 / 488
2- الخوارزمي: المناقب ص 145 - 146. الزرندي: معارج الوصول: ص 33، البحراني: غاية المرام: 1 / 28
3- الاسدي: الامام علي بين طهر الميلاد ومجد الاستشهاد: ص 11
4- ابن مردويه: المناقب، ص 286. الاربلي: كشف الغمة: 1 / 301. الزرندي: نظم درر السمطين: ص 79
5- الكنجي الشافعي: كفاية الطالب: ص 406. المرعشي: شرح احقاق الحق: 7 / 488
6- نهج البلاغة: ص 447 - 448

مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ، ومَمَاهِدِ السَّلَامَةِ»(1)، حتى انتهى إلى صلب عبد المطلب، فاجتزأ النور الى جزأين، فجزأ في عبد الله والاخر في ابي طالب ثم نتج المولودان المبارکان: النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام).

فمن جانب انهما من اصل نوراني واحد، ومن جانب آخر، فإنَّ اصل ارومتهما نبوية خالصة، إذ كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم) في معنى الآية: «وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ»(2)، أي من «نبي الى نبي»(3)، وفي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يعضد هذا التأويل؛ إذ يقول في معرض حديثه عن اصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم): «فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وَانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه»(4).

وبهذا يكون الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ورث صفات جسدية وعقلية ونفسية من تلك الاصلاب النبوية والارحام النورانية، التي لم يخامرها رجس ولا شرك.

ويدلنا على ذلك بوضوح قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الاشباه(5) وهو من الأحاديث المعروفة: «من أحبَّ أن ينظر إلى آدم في خلقه، وانا

ص: 200


1- نهج البلاغة: ص 178
2- سورة الشعراء الآية 219
3- ابن سعد، الطبقات: 1 / 25. ابن أبي حاتم: تفسیر: 9 / 2828. الطبراني: المعجم الكبير: 11 / 287. الثعلبي: الكشف والبيان: 7 / 184. الطوسي: التبيان: 8 / 68. البغوي: معالم التنزيل: 3 / 402. ابن عساکر: تاریخ دمشق: 3 / 401. ابن كثير: البداية والنهاية: 2 / 314، السيرة النبوية: 1 / 191. السيوطي: الدر المنثور: 5 / 98. الشوكاني: فتح القدير: 4 / 120
4- نهج البلاغة: ص 176
5- الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل: 1 / 103، 137. ابن عساکر: تاريخ دمشق: 42 / 313. ابن الفتال: روضة الواعظين: ص 128. ابن البطريق: العمدة: ص 369. العلامة الحلي: كشف اليقين: ص 52 - 54، نهج الحق ص 236 - 237. ابن شاذان: الروضة: ص 34، الفضائل: ص 98. الذهبي: ميزان الاعتدال: 4 / 99. الايجي: المواقف: 3 / 626. ابن حجر: لسان المیزان: 9 / 24

في خلقي، والى ابراهيم في خلّته، والى موسى في مناجاته، والى يحيى في زهده، والى عيسى في سنته، فلينظر الى علي بن ابي طالب اذا خطر بين الصفين، فكأنما يتقلع من صخر أو يتحدر من دهر»(1).

تجدر الاشارة الى ان الشواهد المارة الذكر - في احاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلمات الإمام (عليه السلام) - وان كانت تدلل على أثر للجانب الوراثي الرسالي بالدرجة الاساس الا انها لا تخلو من دلالة على اكتساب بعض الموروثات العقلية والجسمانية.

وأمّا ما ورثه واكتسبه عن أبويه خاصة، فغير خاف على كلِّ متأمِّل في سيرة هذين الأبوين الموحدين الطاهرين وما تميزا به من خصال الشرف والنبل والكرم والشجاعة وغيرها من سمات كانت قد تركت اثراً كبيراً في شخصّية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا يتسع المجال هنا للتفصيل في هذا الجانب، ونقتصر على اشارة ابن أبي الحديد حيث عد ابوة ابو طالب من فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) اذ يقول: «وما اقول في رجل ابوه ابو طالب سید البطحاء وشيخ قريش ورئيس مكة»(2) وقال ايضا: «ان عليا (عليه السلام) كان يدعي التقدم على الكل، والشرف على الكل، والنعمة على الكل، بابن عمه صلى الله عليه وآله، وبنفسه، وبأبيه ابي طالب، فأنه من قرأ علوم السير عرف ان الاسلام لولا ابو طالب علم يكن شيئا مذكورا»(3).

ص: 201


1- ابن عساکر، تاریخ دمشق: 42 / 288
2- شرح نهج البلاغة: 1 / 29
3- شرح نهج البلاغة: 1 / 142. ولمزيد من التفاصيل عن أبي طالب ينظر: الخنيزي: مؤمن قريش (الصفحات جميعها)، المحمداوي: أبو طالب وموقفه من الدعوة الإسلامية (الصفحات جميعها)

اما امه فتعد من شواخص نساء التاريخ، وهي الزوجة الوحيدة لابي طالب (عليه السلام)، اسلمت بعد عشرة من المسلمين فكانت الحادية عشرة، وهي أول امرأة بايعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من النساء وكان يكرمها ويدعوها (امي)، وقد هاجرت إلى المدينة، ولما حضرتها الوفاة اوصت الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقبل وصيتها، وصلى عليها ونزل في لحدها(1).

العامل البيئي:

البيئة: مفهوم له معنی خاص من وجهة نظر علم النفس ؛ اذ يقصد بها جميع المؤثرات التي يتلقاها الفرد من المحيط الذي يكتنفه(2).

إنّ المتتبع لسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) الشريفة، يلاحظ بدقة تدخُّل العناية الإلهية في كل شأن يرتبط بوجوده (عليه السلام)، منذ ولادته حتی استشهاده؛ مما يدل على أنّ هذا الوجود رشحة من ألطاف الله عز وجل، واطلالة من نوره على هذه الخليقة.

إن هذه الرشحة المقدسة فرضتها حاجة الانسانية إلى هذا اللطف الرباني(3)، واوضح مصداق على ذلك ولادته في بيت الله الحرام، فقد جرت مقادير السماء أن تكون «الكعبة»(4) التي هي قبلة الموحدين، موضعالولادة علي بن ابي طالب

ص: 202


1- ولمزيد من التفاصيل عن ترجمتها ينظر: ابن سعد، الطبقات: 8 / 222. ابن عبد البر، الاستیعاب: 4 / 1891
2- ابو جادو: علم النفس: ص 57
3- الاسدي: الامام علي (عليه السلام) بين طهر الميلاد: ص 13
4- الكعبة: (لغة): كعبت الشيء اي ربعته، والكعبة البيت المربع، وسمي البيت الحرام بالكعبة لتكعيبه اي تربيعه، والعرب تسمي المكان المرتفع كعبة. ابن منظور: لسان العرب: 1 / 718

(عليه السلام)، فكانت هذه الفضيلة مما انفرد بها (عليه السلام)(1)، حتى عرف باسم وليد الكعبة(2). وكأنما كان ميلاده إيذانا بعهد جديد للكعبة، والعبادة فيها(3).

ان هذا التخطيط الالهي من اوضح الاشارات الى طهر هذه الذات المصطفاة وقداستها، هذه الذات التي من أجلها استثنیت اعتبارات والتزامات شرعية هامة، الزم الله - عز وجل - بها سائر الناس تجاه بيته الحرام(4). ومن دلالات الولادة في بيت الله، أنّ الله أعدّ هذه الشخصيّة المطهرة لعملية تغييرية مهمة في بيته الحرام، وهي تطهيره من رجس الوثنية الجاهلية. فأعطاه الله عز وجل ذا الاختصاص بالولادة في بيته، وفاءً مقدَّما منه تعالى إلى الوجود المطهر الوفي المعطاء، الذي علم الله عز وجل أنّه الرجل الذي لا يتغير جوهره، ولا تنحرف حركته عن خط الرسالة الاسلامية المرتقبة، تحت أیِّ ظرف من الظروف والاحوال، وكما کرمه الله عز وجل مع ذلك الشرف والقدر، أن جعل محطّ قدمه منكب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، اذ لم يتسن لعلي (عليه السلام) الصعود الى سطح الكعبة الا

ص: 203


1- اشارت الرويات لولادة حكيم بن حزام في الكعبة، وقد قام احد الباحثين بتحقيق الروايات واثبت بطلانها وانفراد أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه المنقبة. ينظر: النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ص 149 2840
2- النصر الله: شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي رؤية اعتزالية عن الامام علي (عليه السلام): ص 120 - 121
3- العقاد: عبقرية الامام: ص 43
4- الترمذي: السنن: 5 / 303. ابو يعلى: المسند: 2 / 311. الهيثمي: مجمع الزوائد: 9 / 115. المتقي الهندي: كنز العمال: 11 / 599. وفي حديث أن هذا الاستثناء شمل جميع اهل بيته، إذ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) «لا يحل الاحد أن يجنب في هذا المسجد الا انا وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ومن كان من اهلي فانهم مني «.الصدوق: الأمالي: ص 413، من لا يحضره الفقيه: 3 / 557 - 558. الطوسي: تهذیب الاحکام: 6 / 15

على كتف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

وكما قدرت عناية السماء لهذا الامام أن يولد في بيت الله الحرام، فقد جرت قدرتها في أن ينتقل منه إلى بيت الرسالة، ليحظى برعاية النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن «غرس الله عز وجل فيه ادبه وغامض علمه استعداداً للتلقي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(2). فكانت اوضح ما تزخر به سيرته الشريفة هذه الفضيلة التي اختص بها دون سواه من الخلق، بان يكون في کنف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). واللافت للنظر أنّه ص قد تعاهده منذ صغره، بل منذ أن كان وليدا.

ومن كان في طفولته واجدا لأثمن الذخائر الروحية والمادية من الوجهة الوراثية، ومن ناحية التربية قد تلقى المثل في اطهر اسرة، وكان مربيه الرسول الاعظم ص، لذا فهو جدير بأن يكون في الكبر قائد السعادة البشرية وامير جيش الايمان والتقوى(3).

وعندما نقول: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تبنّی تربیته واعداده (عليه السلام)، لا نعني أن تربية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للامام (عليه السلام) كانت على نحو التأسيس لشيء كان يفتقده (عليه السلام)، او تعليمه لعلم كان يجهل اسسه وقواعده، بل كان ذلك لعدة اغراض:

1 - اثارة المواهب الكامنة في ذاته وتنميتها، بالاسلوب الطبيعي الذي يخرج المسألة عن الاعجاز المحض.

ص: 204


1- الاسدي: الامام علي بين طهر الميلاد: ص 14
2- الاسدي: الامام علي بين طهر الميلاد: ص 27
3- محمد تقي فلسفي: الطفل بين الوراثة والتربية: 1 / 217

2 - الكشف عن هذا الاستعداد الذي تلقاه الامام علي (عليه السلام) في المعهد الرباني الأول.

3 - تأكيد الشعور في نفسه، بفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه.

4 - إلفات نظر الامة الى جوهر الصلة الرابطة بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

والامر الجدير بالطرح هنا حول هذه العلاقة الخاصة الخالصة ما بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام (عليه السلام)، هل يمكن أن تقف عند حد علاقة رحم فيما بينهما؟ او انها تلتزم جانبا خاصا محدودا على مستوى توفير سكن ومأكل وملبس؟ کما تحاول بضعة روایات بائسة أن تحجم ابعاد تلك العلاقة الفريدة، لتعللها تعليلا يقف بهذه الاصرة عند حد ازمة اقتصادية عصفت بمكة فاضطرت والد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى تفريق اولاده بين اقربائه، فيكون أمير المؤمنين (عليه السلام) من حصة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وبهذا تكون هذه الأزمة الاقتصادية من نعم الله على الإمام (عليه السلام) إذ قادته اتفاقا الى احضان بیت الرسالة لينشأ في كنف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبهذا يكون سبق اسلامه أمراً طبيعياً ما دام قد عاش في ظل تلك البيئة الرسالية التي تلقت وحي السماء، فأذعن افرادها للتكليف الالهي، وكانوا سباقين لاعتناق الدين الاسلامي.

وهذا ما يتضح من الرواية التي تقول في مطلعها، عن ابن اسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر ابي الحجاج، قال: «كان من نعمة الله على علي بن ابي طالب او مما صنع الله له، و اراده به من الخير، أن قريشا اصابتها ازمة شديدة...» ثم ساق الراوي تفاصيل ما جرى وكيف كانت هذه الأزمة

ص: 205


1- الاسدي: الامام علي بين طهر الميلاد: ص 27

ذات مردود طيب على الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) حصراً «فرب ضارة نافعة»، ولكنها تركت اثارها السلبية على غيره بما فيهم ابويه اللذين اضطرا الى التنازل عن ابنائهم ومفارقتهم حسب زعم الرواية كما سيتضح لنا: «.. وكان ابو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم للعباس عمه، وكان من ایسر بني هاشم: يا عباس، ان اخاك ابا طالب كثير العيال، وقد اصاب الناس ما ترى من هذه الازمة، فانطلق بنا اليه، فلنخفف من عياله، آخذ من بنیه رجلا، وتأخذ انت رجلا، فنكفلهما عنه، فقال العباس: نعم، فانطلقا حتی آتیا ابا طالب، فقالا له: انا نريد ان نخفف من عيالك حتي ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما ابو طالب: اذا تركتما عقيلا فاصنعا ما شئتما - قال ابن هشام: ويقال عقيلا وطالبا، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا فضمه اليه، واخذ العباس جعفرا فضمه اليه، فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، حتی بعثه الله تبارك وتعالى نبيا، فاتبعه علي (عليه السلام)، وآمن به وصدقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتی اسلم واستغني عنه»(1).

ونحن نتفق مع ما جاء لدى باحثين(2)تناولا هذه الرواية بالنقد والتحليل، وخلصا الى نتيجة متوافقة، وكان مما سجلا على ما ورد فيها من ملاحظات:

إنّ السبب لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عمه العباس او العباس

ص: 206


1- ابن هشام، السيرة النبوية 1 / 162. الطبري: تاریخ 2 / 57 - 58. ابو الفرج: مقاتل الطالبيين ص 15. الصدوق: علل الشرائع 1 / 169. الخوارزمي: المناقب ص 51. ابن الاثير: الكامل 2 / 58. ابن طلحة الشافعي: مطالب السؤول ص 58 - 59. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 198 - 199. ابن سيد الناس: عيون الأثر 1 / 124 - 125. الذهبي: تاريخ الاسلام 1 / 136. ابن كثير: البداية والنهاية 3 / 34. ابن الدمشقي: جواهر المطالب 1 / 41. الصالحي الشامي: سبل الهدى 2 / 301
2- ينظر: النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) 209 - 210. المحمداوي: ابو طالب بن عبد المطلب: ص 77 - 85

وحمزة معا(1)، هو بسبب الازمة الاقتصادية التي حلت بقريش، ولكن ما بال هذه الازمة شدت رحالها صوب بيت ابي طالب، على حين لم نسمع باي اثر لهذه الازمة على باقي البيوت القرشية.؟!(2) ثم ان المصادر لم تحدد لنا تاريخ هذه الازمةْ(3)التي اصابت قريشاً ومدی اثرها، وكم دامت؟ ويرجح - كما يبدو من الرواية - أنّها وقعت بعد زواج النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من السيدة خديجة، لأَن الرواية واضحة في الاشارة الى أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان خارج بيت ابي طالب وانه متزوج وفي وضع مادي مقتدر يمكنه تخفيف الاعباء عن عمه(4).

تشير الروايات إلى أن طالبا هو اکبر اولاد ابي طالب، فهو اكبر من عقیل بعشر سنوات، وعقيل اكبر من جعفر بعشر سنوات، وجعفر اکبر من علي بعشر سنوات! فاذا كان عليٌّ ابن ست سنوات، فلا مانع من أن يأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويربيه، ولكن هذا لا يصح بالنسبة الى جعفر الذي هو ابن ست عشرة سنة، ولا بالنسبة لعقيل الذي له من العمر ست وعشرون سنة،

ص: 207


1- ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دعا عميه العباس والحمزة معا، ينظر: ابن شهر آشوب: المناقب 2 / 27
2- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210. الإمام علي (عليه السلام) في فكر معتزلة البصرة ص 19 - 20
3- حدد احد الباحثين تاريخا لهذه الازمة بقوله «نص بعض المؤرخين انه بعد بناء البيت بسنة، وقبل البعثة بالنبوة باربع سنين كانت سنة اصابة قريش بقحط شديد كان من اثاره ان تكفل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بمعيشة علي عنده في داره مع اولاده «. اليوسفي: موسوعة التاريخ الإسلامي: 1 / 351، ولكنه لم يدلنا على المؤرخين الذين نصوا على ذلك؟ الا ان يكون قد استوحى ذلك مما جاء عند ابن أبي الحديد بقوله: «وأخذ رسول الله عليا وهو ابن ست سنين». شرح نهج البلاغة: 1 / 15. وينظر: ابن شهر آشوب: المناقب: 2 / 27
4- المحمداوي: أبو طالب: ص 77 - 78

والامر يبدو مستحيلا بالنسبة لطالب الذي له من العمر ست وثلاثون سنة، مع ان عمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والحمزة وقتذاك ست وثلاثون سنة ایضا(1).

ما السبب في ایثار ابي طالب لولده الاوسط عقيل؟! وكان الاجدر إيثار الإمام علي (عليه السلام) لكونه الاصغر وبحاجة لرعاية والديه؟! فهل يريد الرواة الربط ما بين المعتقد المستقبلي لاولاد ابو طالب ومعتقد من رباهم؟! فعقيل بقي مشركا لان اباه بزعمهم كان مشرکا! اما طالب فسلك مسلك مربیه العباس فلم يؤمن ثم خرج في بدر لمحاربة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) کما فعل العباس! اما جعفر فاعتنق الاسلام لان الحمزة قد اسلم(2)، وكذا الحال بالنسبة للإمام علي (عليه السلام) فلم يعبد الاصنام لتربيته في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).(3) وضعت هذه الرواية لتدلل على عدم ایمان ابي طالب، فهناك تأكيد على أن إسلام عقیل کان بعد وفاة أبيه لأنّه بقي في بيته، فلذا فسّروا تأخر اسلام ولده بتأثير منه، ومن ثم فإن إشارة الرواية بإنّه كان الاقرب الى قلب ابيه حتى قال: «اذا تركتما لي عقيلا فاصنعوا ما شئتم»، فلماذا يفضله على باقي أولاده؟ وهل كان ابو طالب يفاضل بين أولاده؟ ثم أليس الاصغر سنا في الغالب هو الاشد تعلقا بوالديه؟ أليس الاولى أن يبقى جعفر او الامام علي (عليه السلام) في كنفه لأنّهما اصغر منه؟ أم أنّ زعم الرواية لكونه الاشد قربا لقلب ابيه دعا الاخير لتفضيله

ص: 208


1- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210
2- وفق اشارة الرواية القائلة بان العباس قد اختار طالبا والحمزة قد اختار جعفرا. ينظر: أبو الفرج: مقاتل الطالبيين ص 15. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 15
3- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210

على اخوته رغم كونهم اصغر منه سنا(1).

وردت ثمة اختلافات في التفاصيل بين هذه الرواية وباقي الروايات، فمثلا الرواية اعلاه صرحت بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قصد عمه العباس. على حين ذكرت رواية أخرى انه قصد العباس والحمزة معا(2)، وكما هو واضح من اشارة الرواية إلى إن ابا طالب قد طلب منهم ان يتركوا له عقيلا، فقط في حين يعقب ابن هشام بأنّه يقال عقيلا وطالبا(3).

وفي هذه الرواية وقع اختيار العباس علی جعفر، فيما تشير رواية أخرى الى أنّه ضم اليه طالبا الذي اهملت ذكره الرواية السابقة وانه بقي معه الى يوم بدر ثم فقد ولم يعرف له خبر، وان الحمزة قد انتخب جعفرا وظل ملازما له حتى مقتله في احد(4)، وتأتي رواية ابن معده(5)لتعيد جعفرا مرة اخرى الى احضان العباس بن عبد المطلب، وتنقل طالبا الى حمزة، وعلى الرغم من ان مصدر الرواية الاول ماخوذ عن ابن اسحاق، عن رواية مجاهد بن جبر، وان باقي المصادر قد نقلت عنه وصرحت بهذا النقل، الا أنّنا نلاحظ هذه الاختلافات والتناقضات في تفاصيل الرواية الواحدة!! وفي الوقت الذي اطنبت رواية ابن اسحاق اعلاه في بيان اقتسام اولاد ابي طالب ما بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واعمامه، اوجز البلاذري(6)قائلا: «وكان ابو طالب قد اقل واقتر فاخذ رسول الله (صلى

ص: 209


1- المحمداوي: أبو طالب: ص 82
2- ابن شهراشوب: المناقب: 2 / 27
3- ابن طلحة الشافعي: مطالب السؤول: ص 59
4- ابن شهراشوب: المناقب: 2 / 27
5- الحجة على الذاهب الى تكفير ابي طالب: ص 180
6- انساب الاشراف: 2 / 90

الله عليه وآله وسلم)».

في إشارة لافتة للنظر يقف باحث مستغربا عند رواية الطبري قائلا: «واكثر ما يدعو الى الاستغراب، رواية الطبري التي اكدت وقوع الازمة قبل البعثة، وان جعفرا بقي عند العباس الى ما بعد البعثة، أذ أشار الى ذلك بقوله: «فأَنّ الاسلام قد جاء والعباس يموّن ابا طالب وعياله للأزمة التي أصابته ولولا أنّ العباس اخرج الى بدر مکرها لمات طالب وعقیل جوعا»(1).

ولتفنيد هذه الرواية يقول المحمداوي(2): «هل يجوز أن يستمر العباس في كفالته لجعفر حتى بعد زواجه واسلامه؟ واذا كان جعفر قد اسلم قديما، وقد اثبتنا أنّه من اوائل المسلمين، إذ قيل: إنّه كان ثالث من اسلم بعد الامام علي (عليه السلام) وزيد بن حارثة، وهناك من يرى انه اسلم بعد خمسة وعشرين رجلا، ومهما يكن من شيء فانه اسلم مبكرا وهو في بيت العباس، فلماذا لم يسلم العباس، وبقي الى فتح مكة كما يدعي من يؤكد تأخّر اسلامه؟ فضلا عن ذلك عرف جعفر بسعة جوده وعطائه، فاذا كان فقيرا، فمن اين يعطي الفقراء حتى نعت بأبي المساكين، لانه كان يأتي بهم الى بيته، فاذا لم يجد لهم شيئا اخرج لهم آنية فيها عسل فيلعقون منها، فاذا كان في بيت عمه هل يجوز له أن يعطي الفقراء من اموال عمه وكيف يجوز له ذلك وهو عالة على غيره»؟ ثم يستطرد معترضا على الرواية بمزيد من الملاحظات قائلا: «يمكن رد رواية الطبري، بالعودة الى مقدار اعمار اولاد ابي طالب، فإنّ اصغرهم الامام علي (عليه السلام) اسلم وعمره حوالي احدى عشرة سنة، واذا اضفنا الى عمره سنوات

ص: 210


1- المحمداوي: أبو طالب: ص 46، وينظر النص عند الطبري: تاريخ: 6 / 199
2- ابو طالب: ص 80 - 81

البعثة وهي عشر سنوات حتى هاجر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة، يصبح عمره حوالي احدى وعشرين سنة مضافا اليها سنتان على اعتبار ان معركة بدر الوارد ذكرها، كانت سنة 2 ه وبهذا يكون مجموع عمره الشريف ثلاث وعشرين سنة، فاذا كان عمر اصغرهم هكذا، فجعفر يعلوه بعشر سنوات، فيكون عمره طبعا ثلاث وثلاثين سنة، والحال نفسها مع عقيل الذي يكون عمره طبقا لما اوردناه ثلاثا واربعين سنة، وطالب على فرض وجوده يكون عمره ثلاثا وخمسين سنة، اذن كيف يكون العباس يمّون عيال ابي طالب وهم في مثل هذه الاعمار؟ أليسوا هم باعمار تسمح لهم بالعمل والزواج؟ وكيف لا وعقيل له عدة زوجات؟!»(1).

يلاحظ على شخصية طالب انه شخصية لا اساس لها من الصحة؛ إذ إن كتب التاريخ لم تقدم لنا أيَّ معلومات عن شخصيته الا في هذه الرواية، والاشارة الى خروجه في بدر مشركا، فهل القول بوجود شخصية طالب لمقاصد ما؟! أم أنَّ بعضهم تصور ان لابي طالب ولدا اسمه طالب، فابو طالب اسم وليس كنية، كما في اسم ابي لهب وابي جهل، والظاهر أن ابا طالب عرف بذلك لكثرة استجابته للمطالب(2).

تقول الرواية: إنّ ابا طالب كان كثير العيال قليل المال، والحال غير ذلك، فليس له من الاولاد الا ثلاثة وبنت واحدة هي ام هاني، أذا لاحظنا ان شخصية طالب لم تقو الادلة على اثباتها، واذا استثنينا جعفرا وعقيلا لانهما كبيران وقت الأزمة، فلا يبقى الا الامام علي (عليه السلام) وأمُّ هاني(3).

ص: 211


1- المحمداوي: أبو طالب ص 81
2- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210
3- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210

ثم لما كان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يعيش في بيت ابي طالب، لم ترد الاشارة الى تفاقم وضعه المعاشي واولاده آنذاك كانوا ما يزالون صغار العمر، فلم يتدخل العباس ولا غيره في التخفيف عن كاهله؟ فكيف وقد تزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وولداه عقيل وجعفر كانا في عمر ينبغي لهما العمل فيه(1)؟. هذا من جانب ومن جانب آخر فقد وردت شواهد تأريخية تفيد ان وضع ابي طالب المعاشي كان جيدا؛ اذ كان يعمل تاجرا وبائعا للعطور والبز(2)وأنّه خرج الى الشام لغرض التجارة(3). وهي من الادلة التي تثبت أنّه كان في وضع جيد ولم يكن فقيرا كما تصفه الرواية(4).

يبدو أنّ هذه الرواية قد وضعت للطعن في تربية الامام (عليه السلام) في كنف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وللقول بانها جاءت لاسباب مادية.(5)اذ ان تربيته في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي التي جعلته يسبق الجميع في اسلامه، إذ لو قدر له وبقى في بيت ابيه لما كانت له هذه المكانة وهذا المقام الرفيع والسبق في الاسلام.

اما عن سند هذه الرواية، فعلى الرغم من انتشارها اللافت للنظر في مصادر السيرة، فان لها طريقن فقط، الاول كما هو واضح في رواية ابن هشام(6)- آنفة الذكر - ينتهي الى ابن اسحاق، وهو اقدم من ذكرها الذي ينقلها عن مجاهد بن

ص: 212


1- المحمداوي: ابو طالب: ص 79
2- ابن قتيبة: المعارف: ص 575
3- ابن اسحاق: السير والمغازي: ص 73
4- لمزيد من التفاصيل يراجع: المحمداوي: ابو طالب: ص 71 - 85
5- النصر الله: فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ص 210
6- السيرة: 1 / 162

جبر(1)، والطريق الثاني ورد برواية ابي الفرج الاصفهاني(2)الذي اسندها الى زيد الشهيد بن الامام زين العابدين (عليه السلام)(3).

والملاحظ أنّ هاتين الشخصيتين كليهما من التابعين، فبالنسبة الى مجاهد ولد في سنة 23 ه وتوفي سنة 101 ه او 103 ه او 104 ه على اختلاف الاقوال في ذلك.

اما زيد الشهيد فقد توفي سنة 122 ه. وتفصلهما عن الحادثة مدة زمنية، ومن ثم فإنّهما لم يسندا روايتهما الى احد الصحابة فجاءت مرسلة، وبهذا لا يمكن الاطمئنان الى الرواية من ناحية السند.

نخلص الى القول: إن العلاقة بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام (عليه السلام) لم تقف عند الجانب المادي المزعوم، فأنّ ابا طالب كان من اشراف قريش وسادات مكة ووجهائها، وهو من تكفّل برسول الله ؊ في طفولته ورعاه في هذه الجوانب، ونصب نفسه منصب الحماية له من غوائل الدهر ومصاعب الزمن. فلا يعجزه جانب من هذه الجوانب المادية حتى يتصدى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليرد الفضل الى عمه، باشباع هذه الجوانب في حياة الامام علي (عليه السلام)، بل تلقاه بيت الرسالة بطلا في صدارة ابطال الحق، ورائدا في حركة التغيير، وموجها للامة الى سبيل الهدى، حاملا لها شعلة الاصلاح والفضيلة، من

ص: 213


1- ابو الحجاج مجاهد بن جبر المخزومي المكي، مولى قيس بن السائب، احد ائمة التفسير، ولد سنة 23 ه وتوفي سنة 101 ه او 102 او 104. ينظر: الذهبي: تذكرة الحفاظ: 1 / 92 - 93، سیر اعلام النبلاء: 4 / 449 - 457
2- مقاتل الطالبيين: ص 15
3- هو ابو الحسين زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) احد سادة اهل البيت (عليه السلام) علما وعملا، كان يقال له حليف القرآن، ومناقبه اجل من ان تحصى، وفضله اكثر من ان يوصف، وكان عين اخوته بعد الامام الباقر (عليه السلام)، وكان ورعا فقيها سخيا شجاعا، ظہر بالسيف مطالبا بثأر الامام الحسين (عليه السلام) وقد استشهد (علیه السلام) سنة 122ھ وصلب بالكناسة منكوسا اربع سنين. ينظر ابن حبان: مشاهير علماء الامصار: ص 104 - 105. الذهبي: سير اعلام النبلاء: 5 / 389 - 391. الامين: اعيان الشيعة: 7 / 107 - 125

مركز الفكر الناهض المشع، من مدرسة الرسول الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) التي واصلت عطاءها في اعداد الامام علي (عليه السلام) للقيادة العامة من بعده، وتهيئته لاستلام منصب الامامة امتدادا لوجوده (صلى الله عليه وآله وسلم)(1) والسؤال الجدير بالطرح: هل كان هذا الاعداد النبوي لشخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) مقتصرا على جانب واحد كالسياسي فقط او العقائدي او الاخلاقي مثلا؟ وهل اقتصرت رعايته لشخص أمير المؤمنين (عليه السلام) على مرحلة الطفولة فقط؟ في الواقع أنّ الشواهد كثيرة على انه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعد الامام (عليه السلام) اعدادا متكاملا، شاملا لجميع الجوانب (روحيا وفكريا وعقائديا وسياسيا)، وهذا ظاهر ملحوظ بارقامه الكثيرة في حياة أمير المؤمنين (عليه السلام).

ومن جانب آخر فإنّ الاستعداد في ذات أمير المؤمنين (عليه السلام) كان عاليا ودقيقا، مستوعبا للمفاهيم التي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يغرسها في شخصيته (عليه السلام). وقد روي عن العباس بن عبد المطلب قوله: لما سئل عن ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذكور ايهم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له اشد حبا؟ فقال العباس: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فقيل له: «سألتك عن بنيه؟ فقال: انه كان احب عليه من بنيه جميعا وارأف، ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا... وما رأينا ابا ابر بإبن منه بعلي، ولا

ص: 214


1- الاسدي: الامام علي بين طهر الميلاد: ص 27 - 28

ابنا اطوع لاب من علي له(1).

ويقول الفخر الرازي: لا نزاع ان عليا (عليه السلام) كان في اصل الخلقة في غاية الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم، وكان محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) افضل العقلاء واعلم العلماء، وكان علي (عليه السلام) في غاية الحرص في طلب العلم، وكان محمد صلوات الله عليه وآله في غاية الحرص في تربية علي وفي ارشاده الى اكتساب الفضائل(2).

وفي اشارة لابن ميثم(3)في بيان كماله (عليه السلام) بحسب القوى النظرية: «قد علمت ان كمال القوة النظرية انما هو باستكمال الحكمة النظرية وهي كما علمت استعداد النفس الانسانية بتصور المعارف الحقيقية والتصديق بالحقائق النظرية بقدر الطاقة البشرية، ولا شك ان هذه الدرجة كانت ثابتة له (عليه السلام) على اتم ما يمكن ادراكه لهذه الاشياء ادراك بحسب قوته الحدسية القدسية وادراك كثير الحكماء لها ادراك فكري محتاج الى كلفة ومشقة يستلزم اغلاطا عظيمة لا يخلو عنها الا آحاد الحكماء: فاين احدهما من الآخر؟!».

إن انتخاب أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مخططا هادفا لا شك ان للسماء اثراً واضحاً فيه، حتى قال ابن شهر اشوب(4): «ولم يكن الرسول صلى الله عليه وآله ليتولى تأديبه ويتضمن حضانته وحسن تربيته الا على ضربين: اما على التفرس فيه او الوحي من الله تعالى، فان كان بالتفرس فلا تخطئ فراسته ولا يخيب ظنه، وان كان بالوحي فلا

ص: 215


1- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 13 / 200
2- نقلها عنه من كتابه الاربعين: ابن طاووس: الطرائف ص 515. الشامي: الدر النظيم ص 260
3- شرح مئة كلمة لامير المؤمنين: ص 217
4- المناقب: 2 / 28

منزلة اعلى ولا حال ادل على الفضيلة والامامة منه.». إن هذه العناية لم تكن مجرد علاقة رحم وقرابة، بل إن الأمر مرتبط بحياة هذه الامة وهذه العلاقة ترتبط بامتداد فرع النبوة(1).

إنّ المتأمل في دلالات تلك المعاملة الفريدة التي حظي بها الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) من لدن النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليقف على رعاية حانية عظيمة انعدم نظيرها، إذ نراه (عليه السلام) يقول: «وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلیَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه، ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه»(2)، وهذا ما نجد صداه في بعض مرويات التاريخ، فحين ولد أمير المؤمنين (عليه السلام)، طلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أُمِّه السيدة فاطمة بنت أسد، أن تجعل مهده الى جنب فراشه، وكان يلي اكثر تربيته، ويرعاه في نومه ويقظته، ويحمله على صدره وكتفه، ويحبوه بألطافه وتحفه(3). بل إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يطهره وقت غسله ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته(4)، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحمله دائما ويطوف به في جبال مكة وشعابها وأوديتها(5).

وقد بلغ من شديد عناية النبي بالإمام علي انه كان «يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه»(6)، وفي رواية أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان: «يمضغ اللحمة

ص: 216


1- لطيف القزويني: رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ: ص 95
2- نهج البلاغة: ص 406
3- الكراكجي: كنز الفوائد: ص 117. العلامة الحلي: نهج الحق: ص 233
4- ابن شهرآشوب: المناقب: 2 / 92
5- العلامة الحلي: نهج الحق: ص 233
6- نهج البلاغة: ص 406

والتمرة حتى تلين، ويجعلها في فم علي وهو صغير في حجره»(1).

ويمكن ان نستقي من هذه الروايات بضعة ايحاءات مهمة، وهي:

ان هذه الطريقة الفريدة في تعامله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الامام (عليه السلام) لم تكن نابعة من علاقة الرحم التي تربطه به (عليه السلام)، إذ روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقربني ما تعلمونه من القرب للنسب واللُحمة»(2)، فكل فعل منه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّما كان لحكمة ولا يمكن أن يكون اعتباطيا، فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن لم يكن في تلك المدة مكلف بتبليغ الرسالة السماوية، فانه - وبلا ادنی شك - كان مسددا من الله عز وجل(3)، فكل ما يصدر منه فهو لحكمة بلا شك.

ما ذكره الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) اعلاه، وما يضارعه في مظان الروايات التاريخية الآنفة فيما يتعلق بتعهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتربيته (عليه السلام)، وتفاصيل معاملته له، يقودنا الى ترجيح انتقاله الى بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرحلة طفولته، أي منذ أن كان وليداً، وليس كما ذكرته بعض المصادر الاخرى بان عمره حين انتقاله الى بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ست سنوات، واشارت الروايات الى أنّه نفس عمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين انتقاله الى بيت عمه ابي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم)(4).

ص: 217


1- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 13 / 200. ابن میثم: شرح نهج البلاغة: 4 / 313
2- - ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 20 / 299
3- هذا ما اشار اليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن ان كان فطيما اعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن اخلاق العالم، ليله ونهاره». نهج البلاغة: ص 406
4- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 1 / 15

فيما انفرد ابن شهر آشوب(1)بالقول: «ان النبي حين تزوج خديجة قال لعمه ابي طالب اني احب ان تدفع اليّ بعض ولدك يعينني على امري ويكفيني واشكر لك بلاك عندي فقال ابو طالب خذ ايهم شئت فاخذ عليا (عليه السلام)».

التأمل في ظاهر هذا الخبر يبعد التسليم له؛ إذ كيف يمكن أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذه إليه «حين تزوج خديجة» في حين إن عليا ( عليه السلام) ولد بعد ثلاثين سنة من عام الفيل - على المشهور -، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تزوج خديجة قبل ذلك بخمس سنين على المشهور ايضا! اللهم إلا أن يحمل الخبر على خلاف المشهور في ميلاد الامام علي او زواج خديجة (عليه السلام) او المسامحة في قوله «حين تزوج خديجة «باكثر من سبع سنين(2).

ولكن ثمة تساؤل هنا: هل يمكن طرح احتمال أن يكون الامام (عليه السلام) قد عاش سنوات طفولته في كنف والديه، وان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - بحكم علاقته بالبيت الذي نشأ فيه ببيت عمه ابي طالب - كان يرتاده ويزوره حتى بعد زواجه بالسيدة خديجة واستقلاله ببيتهما، فيكون (صلى الله عليه وآله وسلم قد تولاه، بتلك الرعاية الى ان بلغ عمر الاربع سنوات او الست سنوات ثم انتقل بعدها الى بيته (صلى الله عليه وآله وسلم) ونشأ في كنفه؟ إن التأمل في كلمات الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) الانفة الذكر، ومن يراقب فصول سيرته الشريفة - كما تحكيها الروايات التأريخية - سيجدها تنطق بوضوح أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تكفل تربية أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ صغره، وتعد هذه القضية من المسلمات، ومحل الخلاف فقط في السن

ص: 218


1- المناقب: 2 / 28
2- اليوسفي: موسوعة التاريخ الاسلامي: 1 / 351، ه 2

التي انتقل فيها الى بيت الرسالة، وان مقولة الامام (عليه السلام) الآنفة الذكر، فضلا عما يعضدها من روايات ذكرناها آنفاً تدلل على انه (صلى الله عليه وآله وسلم) تولى امره منذ طفولته، وان ما قام به من تفاصيل تلك المعاملة تدل على قربه منه، والتصاقه به، بل يبدو الأمر امر مداومة وليس عملا منفردا قام به (صلى الله عليه وآله وسلم) لمرة واحدة، كتعهده بحمله وتغذيته ومناغاته وغسله وقرب مهده من فراشه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن غير المقبول القول: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان له فراش في بيت عمه ينام فيه بعيدا عن زوجته السيدة خديجة (عليه السلام)؟! فالذي يبدو اقرب للمعقول أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نقله الى بيته في كنفه وكنف زوجته بعد استئذانه من ابيه ابي طالب (عليه السلام) الذي لم يمانع كما مر في رواية ابن شهر اشوب الانفة.

يظهر أن تربية أمير المؤمنين (عليه السلام) لم تقتصر على وجوده في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل كان يتبعه حتى خارج مكة أيام تعبد النبي وتحّنثه، إذ يشير (عليه السلام) إلى ذلك صراحة بقوله: «ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ(1)، فَأَرَاه ولاَ يَرَاه غَيِرْي»(2). فيشير الامام امير المؤمنين (عليه السلام) الى حدث مهم متعلق بحياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل بعثته الشريفة، وهو دأبه (صلى الله عليه وآله وسلم) على المجاورة في غار حراء في كل سنة(3).

ص: 219


1- حراء: هو الجبل الطويل الذي بأصل شعب آل الاخنس، بينه وبين مكة نحو ثلاثة اميال عن يسار الذاهب من مكة الى منى. الازرقي: اخبار مكة: 2 / 288، النووي: شرح صحيح مسلم: 2 / 198.. ومن خصائص هذا الغار إن المصلي فيه يرى الكعبة وهي في واد بين جبال؛ لأن الغار أعلى من الجبال التي حولها، فكأنه مفصل للعبادة مع استقبال الكعبة ومشاهدتها. الكوراني: السيرة النبوية برواية اهل البيت: ص 169
2- نهج البلاغة: ص 406
3- الصنعاني: المصنف: 5 / 321. مسلم: الصحيح: 1 / 97. الحاكم: المستدرك: 3 / 183

والجوار - بالكسر - بمعنى المجاورة، وهي الاعتكاف(1)، ولا فرق بين الجوار والاعتكاف الا من وجه واحد، وهو أن الاعتكاف لا يكون الا داخل المسجد، والجوار قد يكون خارج المسجد، ولذلك لم يسم جواره (صلى الله عليه وآله وسلم) اعتكافا، لان حراء ليس من المسجد، ولكنه من جبال الحرم(2).

وفي هذا المفصل الهام من حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل البعثة الشريفة، اختص الإمام علي (عليه السلام) برفقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في اعتكافه في ذلك الغار فيقول: «فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي»(3). وجاء ما يعضد ذلك في الروايات وفي كلام امير المؤمنين نفسه في ذات الخطبة(4).

ص: 220


1- الاعتكاف: لغة مأخوذ من عكف: أي الإقبال على الشيء. الفراهيدي: العين: 1 / 205 - 206، وهو من العبادات وفحواه المكوث في المسجد، وعدم الخروج منه إلا لحاجة ضرورية كزيارة مريض أو تشييع جنازة، ويجب أن يكون صائما وأن لا يقل عن ثلاثة أيام. ينظر: ابن بابويه: فقه الرضا: ص 190، المفيد: المقنعة: ص 362، 362، الشريف المرتضى: الانتصار: ص 202، أبو الصلاح الحلبي: الكافي في الفقه ص 186، الرافعي: فتح العزيز 6 / 420، النووي: روضة الطالبين 2 / 255، المجموع 6 / 474، المحقق الحلي: شرائع الإسلام 1 / 158 - 162، الأنصاري: فتح الوهاب 1 / 217. السيد السيستاني: منهاج الصالحين: 1 / 341 وما بعدها. النصرالله: الإمام علي (عليه السلام) في رحاب البصرة: ص 153
2- السهیلی: الروض الانف: 2 / 256
3- نهج البلاغة: ص 406
4- حين تحدث قائلا: «وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلی الله عليه وآله -، بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمُنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ، وَضَعَنِي فِي حِجْرِه وأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِه، ويَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِه ويُمِسُّنِي جَسَدَه، ويُشِمُّنِي عَرْفَه، وكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيه، ومَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ، ولَقَدْ قَرَنَ الله بِه -صلى الله عليه وآله - مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه، يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه» نهج البلاغة: ص 405 - 406،

وقد أشار ابو جعفر الاسكافي(1)ان الامام امير المؤمنين (عليه السلام) قد صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خلوته «حيث لا يجد انسا غيره ليله ونهاره، ایام مقامه بمكة يعبد الله معه سرا، ويتكلف له الحاجة جهرا، ويخدمه کالعبد يخدم مولاه، ويشفق عليه ويحوطه، وكالولد يبر والده ويعطف عليه». فقد کان (عليه السلام) يرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعبد ويحتجب فلا يراه احد الا علي (عليه السلام) عندما ياتي له بالزاد وقد يعتكف معه.(2) ولكن هل اقتصرت معاملة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لامير المؤمنين (عليه السلام) على رعاية وحرص منقطع النظير على مرحلة الطفولة والصبا فقط؟ إن الذي تدلنا عليه الروايات ان هذه العلاقة الروحية التلازمية التي كانت بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام أمير المؤمنين (عليه السلام) دامت حتى آخر لحظات حياته، ومن شواهد ذلك ما جاء على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، اذ يقول مفتخرا بتلك الرعاية التي كان يحظى بها من لدنه صلى الله عليه وآله: «الا وانا خاصته... وخالصته، وصنوه(3)، ووصيه ووليه، وصاحب نجواه وسره»(4).

ان هذا القرب منه والاختصاص به انما كان بامر الله تعالى، اذ يقول صلى الله عليه وآله: «يا علي، إنّ الله عز وجل امرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلمك

ص: 221


1- نقض العثمانية : ص 310. وينظر ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 13 / 253
2- الكوراني: السيرة النبوية برواية أهل البيت ص 170 - 171
3- الصنو بالكسر: الصنو من النخل: نخلتان أو أكثر لهما أصل واحد، الاخ الشقيق. ابن سلام: غريب الحديث: 2 / 15. الجوهري: الصحاح: 6 / 2404
4- الطوسي: الامالی: ص 626. الاربلی: کشف الغمة: 2 / 39

ولا اهملك، وأن اقربك ولا اجفوك»(1)، وهذه المنزلة الخصيصة هي التي اسهرت رسول الله صلى الله عليه وآله لحمی اصابت أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات ليلة، إذ يقول (عليه السلام): «أخذتني الحمى ليلة فاسهرتني، فسهر رسول الله صلى الله عليه وآله لسهري، فبات ليلته بيني وبين مصلاه، يصلي ما قدر له ثم يأتيني يسألني وينظر اليّ، فلم يزل ذلك دأبه حتى اصبح، فلما صلى بأصحابه الغداة قال: اللهم اشف عليا وعافه، فانه اسهرني الليل مما به»(2)، وفي رواية تحكي صنيعه معه صلى الله عليه وآله لما مرض مرضه، اذ يقول «مرضت مرة مرضه، فعادني رسول الله صلى الله عليه وآله، فدخل عليّ وانا مضطجع، فاتی الى جنبي، ثم سجاني بثوبه، فلما رآني قد ضعفت قام الى المسجد يصلي، فلما قضى صلاته، جاء فرفع الثوب عني» ثم قال: «قم يا علي، فقد برأت». فقمت وكأني ما اشتكيت قبل ذلك. فقال صلى الله عليه وآله: «ما سألت ربي شيئا الا اعطاني، وما سألت شيئا لي الا وسألت لك مثله»(3). ثم إن هذه الآصرة فيما بينهما متبادلة في عمق ودِّها، فنجده (عليه السلام) يشير الى هذا المعنى قائلا: «وكان رسول الله صلى الله عليه وآله اذا اراد ان يتجه الى موضع اعلمني بذلك، فكان اذا ابطأ في ذلك الموضع صرت اليه لاعرف خبره، لأنه لا يتصابر قلبي على فراقه ساعة»(4).

ص: 222


1- أبو جعفر الاسكافي: المعيار والموازنة: ص 301. الطبري: جامع البيان: 29 / 69. ابن ابي حاتم: تفسیر القرآن: 10 / 3370. ابن مردويه: المناقب ص 337. الطوسي: التبيان: 10 / 98. الواحدي: اسباب النزول: ص 294. ابن المغازلي: المناقب: ص 250. ابن البطريق: العمدة: ص 290. ابن طلحة الشافعي: مطالب السؤول: ص 121. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 18 / 264. الاربلي: کشف الغمة: 1 / 118 - 329. ابن كثير: تفسير: 4 / 441. الشوكاني: فتح القدير: 5 / 282
2- الطبرسي: الاحتجاج: 1 / 233. ابن شهراشوب: المناقب: 2 / 61
3- ابن عساکر، تاریخ دمشق: 42 / 311
4- الطبرسي: الاحتجاج: 1 / 292

وكانت له خلوة برسول الله صلى الله عليه وآله لم تكن لاحد غيره، وهذا مما خُصَّ به دون سواه، اذ يحدثنا قائلا: «كان لي منه مجلس سرٍّ لا يطلع عليه غيري»(1)، وفي قول آخر: «كان لي من رسول الله صلى الله عليه وآله مدخلان: بالليل وبالنهار، وكنت اذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح»(2). و«كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة من السحر آتية فيها، فكنت اذا آتيت استأذنت، فان وجدته يصلي سبَّح»(3)، بل إنّه (عليه السلام) دخل عليه يوما وهو في بعض حجراته فاستأذن عليه فأذن له، فلما دخل قال له صلى الله عليه وآله: «يا علي، أما علمت ان بيتي بيتك، فما لك تستأذن عليّ! فقال (عليه السلام): فقلت يا رسول الله، احببت أن افعل ذلك قال: يا علي، احببت ما احب الله، واخذت بآداب الله»(4).

ومن اوضح الدلائل على أنّ تلك العلاقة فيما بينهما لا مثيل لها، انها قد اثارت غيرة عائشة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فزجرها قائلا: «لا تؤذيني في علي، فانه اخي في الدنيا واخي في الآخرة»(5).

وكيف لا تثار الغيرة والامام (عليه السلام) قد كان بينه وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حال خاصة، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «وكنت ادخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كل يوم دخلة، و كل ليلة دخلة، فيخليني فيها ادور معه حيث دار، وقد علم اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله

ص: 223


1- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 20 / 316
2- النسائي: السنن 3 / 12. السرخسي: المبسوط 1 / 200
3- ابو یعلی: المسند، 1 / 445. النسائي: السنن: 5 / 141. المتقي الهندي: كنز العمال: 4 / 132
4- ابن شاذان: مائة منقبة: ص 60. الكراكجي: كنز الفوائد: ص 208
5- الطبرسي: اعلام الوری: 1 / 368. ابن طاووس: التحصين: ص 541

(صلى الله عليه وآله وسلم) اکثر ذلك في بيتي، وكنت اذا دخلت عليه في بعض منازله اخلاني واقام عني نسائه فلا يبقى عنده غيري، واذا اتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا احد من بني»(1)، بل إنّه (عليه السلام) كان يلازمه ليلا ونهارا(2). واذا ما رآه (صلى الله عليه وآله وسلم) تهلل وجهه فرحا، واذا افتقده او ابطأ عنه حزن وتألم، كما في الحادثتين أدناه: «دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في قبا ؆ وعند نفر من اصحابه - فلما بصر بي تهلل وجهه وتبسم، حتى نظرت الى بياض اسنانه يبرق، ثم قال: إلي يا علي، إلي يا علي، فما زال يدنيني حتى ألصق فخذي بفخذه، ثم اقبل على اصحابه، فقال: معاشر أصحابي، اقبلت اليكم الرحمة باقبال علي اخي اليكم معاشر اصحابي، ان عليا مني وانا منه، روحه من روحي، وطينته من طينتي، وهو اخي ووصيي، وخليفتي على امتي، في حياتي وبعد موتي، من اطاعه اطاعني، ومن وافقه وافقني، ومن خالفه خالفني»(3).

والغريب انك تصادف في سيرته الشريفة، أنه كما كان رسول الله يتولى تغذيته بيديه الشريفتين وهو صغير، نجده يفعل مثيل هذا في شبابه أيضا، اذ تقول الرواية عن أمير المؤمنين: «اهدي الى النبي قنو(4)موز - فجعل يقشر الموزة ويجعلها في فمي. فقال له قائل: إنك تحب عليا؟ قال: أو ما علمت أن عليا مني وأنا منه»(5). فلو فسر بعضهم ذاك الفعل معه في صغره على أنه مجرد عناية بطفل صغير تكفلها ذو رحم ينشد رد الفضل بها لابويه على ما فعلاه معه حال يتمه وحاجته اليهما، فماذا سيقول بهذا الصنيع منه (صلى الله عليه وآله وسلم) في حال شبابه (عليه السلام)؟!

ص: 224


1- ابن عقدة: فضائل أمير المؤمنين: ص 163. النعماني: الغيبة: ص 82
2- ابن عساکر، تاریخ دمشق: 42 / 386
3- البحراني: غاية المرام: ص 244. المجلسي: البحار: 40 / 4
4- قنو: العذق، ومنه عذق النخل، الطريحي: مجمع البحرین: 1 / 350
5- الاربلي: کشف الغمة: 1 / 95. ابن جبر: نهج الايمان: ص 480 - 481. القندوزي: ينابيع المودة: 1 / 170

وفي الواقع أن هذه الشواهد تقودنا إلى نتيجة اساسية مفادها: أنه لا يمكن تحجيم ذاك الافق الواسع لعلاقة النبي بربيبه المرتضى وايقافها عند حدود علاقة القرب والرحم ورد الجميل! لأنّ ما فعله معه في صغره ما زال دائبا على مثيله او ما يقاربه من فعال في عمر الصبا والشباب وحتى آخر لحظات حياته معه (صلى الله عليه وآله وسلم).

وبعد هذا حق له أن يفتخر واصفا طبيعة علاقته بالنبي بقوله: «وأَنَا مِنْ رَسُولِ اللّهَّ کَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ، وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ»(1)، وفي قول آخر: «انا من رسول الله صلى الله عليه وآله كالعضد من المنكب وكالذراع من العضد، وکالكف من الذراع، رباني صغيرا، وآخاني كبيرا»(2). وقد شبه الامام نفسه بالضوء الثاني، وشبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالضوء الاول، وشبه منبع الاضواء والانوار بالشمس التي توجب الضوء الاول، ثم الضوء الاول يوجب الضوء الثاني(3)، وشبه نفسه (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالذراع الذي اصله العضد، كناية عن شدة الامتزاج والقرب بينهما(4).

لقد اجاد ابن ابي الحديد بقوله: إنّ الامام (عليه السلام) بالنسبة الى النبي (صلى الله عليه و آله وسلم): «شعاع من شمسه وغصن من غرسه، وقوة من قوى نفسه، ومنسوب اليه نسبة الغد الى يومه، واليوم الى امسه، فما هما الا سابق ولاحق، وقائد وسائق، وساکت وناطق، ومجل ومصل، سبقا لمحة البارق، وانارا سدفه الغاسق...»(5).

ص: 225


1- نهج البلاغة: ص 576
2- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 2 / 315
3- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة: 16 / 289 - 290
4- صبحي الصالح: نهج البلاغة (الشرح): ص 576
5- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 1 / 3

ومن مظاهر اختصاصه (عليه السلام) بالنبي وقربه منه، تلك المصاهرة الطيبة، إذ زوجه من السيدة فاطمة عليها السلام التي هي بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، تلك المصاهرة التي افضت الى النسل الطاهر. وطالما افتخر أمير المؤمنين بذلك إذ قال:

محمد النبي اخي وصهري ٭٭٭ وحمزة سيد الشهداء عمي(1) فكان (عليه السلام) كفؤ ابنته التي لولاه لم يكن لها كفؤ على وجه الارض آدم فما دونه(2)؛ اذ تزوج من البنت الوحيدة(3)للنبي وهي السيدة فاطمة (عليها

ص: 226


1- البلاذري: انساب الاشراف: 5 / 111. ابن عقدة: الولاية: ص 171. ابن عساکر: تاريخ دمشق: 23 / 54. المتقي الهندي: كنز العمال: 13 / 112
2- الطبري الصغير: دلائل الامامة: ص 80. ابن الفتال: روضة الواعظين: ص 148
3- لقد تباينت الروايات في عدد الأبناء والبنات الذين رُزقهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من السيدة خديجة، إلى ثلاثة آراء: - الرأي الأول: يرى إن السيدة خديجة أنجبت من النبي مجموعة من الأبناء والبنات، فالأولاد هم: القاسم، وعبد الله والطيب والطاهر على اختلاف الروايات فيهم، والظاهر انه ولد واحد وهو القاسم، والباقي مجرد ألقاب له، وقد مات القاسم بعد البعثة، وبه كان يکني. ومن البنات له: زینب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة (عليها السلام)، وكلهن أدركن الإسلام ومُتین قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، عدا السيدة فاطمة عليها السلام والتي ماتت بعده. ابن إسحاق: السير والمغازي: ص 82. ابن سعد: الطبقات 1 / 133، 8 / 16. اليعقوبي: تاریخ 2 / 14. ابن عبد البر: الاستيعاب 4 / 280 - 281. ابن كثير: البداية والنهاية: 2 / 359. الشرهاني: حياة السيدة خديجة ص 1. 2 - 233. الرأي الثاني: يقول بأن السيدة خديجة ولدت للنبي: السيدة فاطمة والقاسم فقط، أما باقي البنات فهن ربائب له (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كن بنات أختها هالة. العاملي: بنات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم ربائبه: ص 13 وما بعدها، وله: القول الصائب في إثبات الربائب: ص 16 وما بعدها. الرأي الثالث: ينفي وجود أبناء للسيدة خديجة غير السيدة فاطمة والقاسم، ويقول بان باقي البنات إنما هنّ شخصيات مختلقة، وانه لا اصل لوجودهن، وبيّن فلسفة وضع الروايات القائلة بوجودهن، داعماً أرائه بالأدلة العقلية والنقلية. النصر الله: والعواد: صاحبة التسبيح المقدس ص 17

السلام) وهي ذات الكمالات المعروفة والمنزلة السامية(1). وقد تم هذا الزواج بإرادة الهية، اذ روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يا علي ان الله أمرني ان اتخذك صهراً»(2)، وعن الإمام الرضا (عليه السلام) أن رسول الله قال: «أتاني ملك، فقال: يا محمد! ان الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: قد زوجت فاطمة من علي، فزوجها منه»(3)، وايضا روي عن أنس، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله فغشيه الوحي، فلما سرى عنه قال: «يا أنس أتدري ما جاءني به جبرائیل من عند صاحب العرش؟ قال: ان الله أمرني ان أزوج فاطمة عليها السلام من علي»(4). وقد عدّت هذه المصاهرة من أبرز فضائله (عليه السلام) وقد افضت الى النسل الاطهر «ائمة اهل البيت عليهم السلام»، وقد كان الصحابة يغبطونه عليها، من ذلك ما روي عن عمر قوله: «لقد أوتي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لان تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجة ابنته فولدت له، وسد الأبواب إلا بابه، وأعطاه الراية يوم خيبر»(5).

وَيعدُّ أمير المؤمنين (عليه السلام) - في عبارة واضحة - أهل البيت (عليه السلام) من سنخ تلك الشجرة (شجرة الانبياء)، ومن معدن النبوة(6). وفي موضع آخر جمع (عليه السلام) بين النبوة والامامة في الاصطفاء من تلك الشجرة

ص: 227


1- لمزيد من التفاصيل عن هذا الزواج المبارك ينظر: العواد: السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام) دراسة تاريخية: ص 139 - 240
2- المحب الطبري: ذخائر: ص 86
3- ابن الفتال: روضة الواعظين: 1 / 146. المجلسي: البحار: 43 / 105، 124
4- ابن عساکر، تاریخ دمشق: 37 / 13، 42 / 129. الزرندي: نظم درر السمطين: 186. ابن حجر: لسان الميزان: 5 / 163
5- الحاكم: المستدرك: 3 / 125. الهيثمي: مجمع الزوائد: 9 / 120
6- إذ يقول (عليه السلام): «نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، ومَحَطُّ الرِّسَالَةِ، ومُخْتَلَفُ الْمَلاَئِکَةِ» نهج البلاغة: ص 210

التي صدع منها انبیاءه کما مر بنا آنفا، في قوله (عليه السلام): «حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللَّهَّ سُبْحَانَه وتَعَالَی إِلَى مُحَمَّدٍ صلی الله علیه وآله فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه، عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الْأُسَرِ، وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ، وَبَسَقَتْ(1)فِي كَرَمٍ، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ، وثَمَرٌ لاَ یُنَالُ»(2). فهو حين عمّ في قوله: «مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً» - أي نسلا ساميا - عمد الى التخصيص، فقال: «مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه»، واتبعه بالتصريح متدرجا بالاخص فالاخص، فبدأ باهل البيت عليهم السلام وهم العترة الطاهرة، قائلاً: «عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الأُسَرِ، وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ»، يعني بعترته اهل بیته وهم: الإمام علي والسيدة فاطمة وابناهما الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام، واولاد الإمام الحسين من الائمة المعصومين(3).

إنَّ العترة لفظ نبويٌّ محفوظ في اذهان المسلمين لكثرة تردده فيهم على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(4)، كما في قوله: «ان الله اشتد غضبه على من أراق دمي، وآذاني في عترتي»(5)، وقوله: «ألا إنّ ابرار عترتي واطايب ارومتي احلم الناس صغارا، واعلم الناس كبارا»(6)، وقوله: «إني تارك فيكم الثقلين احدهما

ص: 228


1- بسقت: بسق: طال وعلى وارتفع. الجوهري : الصحاح: 4 / 1450. ابن منظور: لسان العرب: 10 / 20
2- نهج البلاغة: ص 176
3- الفحام: بلاغة النهج: ص 23 - 24
4- لمزيد من التفاصيل عن مصطلح العترة ينظر: النصرالله: شرح نهج البلاغة: ص 192 - 198
5- المتقي الهندي: كنز العمال: 1 / 435. الصدوق: الامالي: ص 552، عیون اخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 30. الزمخشري: الكشاف 3 / 467. ابن البطريق: العمدة ص 53. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: 16 / 22. الاربلي: کشف الغمة: 2 / 100
6- الكوفي: المناقب : 2 / 107. الطبرسي: الاحتجاج: 2 / 224

اكبر من الاخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض، وعترتي اهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(1). وقوله: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»(2)، ويبدو أن الامام (عليه السلام) تعمد اعادة ذكر اللفظ ذاته، لأنه بات مصطَلَحا عليهم وحدهم، وليذكر المسلمين مجددا بعد عهود من تغييبهم(3).

ومن اثار التربية النبوية التي كانت شديدة الوضوح في شخصية الامام امیر المؤمنين (عليه السلام) انه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد صاغ منه خُلقا يماثل خلقه العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) فکان (عليه السلام) مثيله في الاخلاق والسلوكيات. وللكنجي الشافعي(4)تعليق ذا دلالة واضحة في هذا المضمار اذ قال في معرض حديثه عن مؤاخاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للامام (عليه السلام): تأمل صنيعه في المؤاخاة بين الصحابة، جعل يضم الشكل الى الشكل، والمثل الى المثل، فيؤالف بينهم،... وادخر عليا (عليه السلام) لنفسه، واختصه بأخوته.

فالمعلوم بان التربية من ابرز العوامل المؤثرة في عملية الاعداد الخلقي والسلوكي للفرد(5). وكان مما خص به الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) انه

ص: 229


1- ابن حنبل: المسند: 3 / 16، 5 / 182، 189 - 190. وينظر: ابن ابي شبية: المصنف: 7/ 418. ابو يعلى: المسند: 2 / 303. الطبراني: المعجم الاوسط: 3 / 374. الحاكم: المستدرك: 3 / 110. ابن الفتال: روضة الواعظين: ص 273. الشامي: الدر النظيم: ص 755. الهيثمي: مجمع الزوائد: 9 / 162 - 163. نجم الدين العسكري: حديث الثقلين : ص 5 - 127
2- الطوسي: الامالي: ص 180. ابن البطريق: العمدة: ص 433، 436. الذهبي: میزان الاعتدال: 2 / 87. السيوطي: الجامع الصغير: 2 / 672، الدر المنثور: 6 / 58. المتقي الهندي: كنز العمال: 14 / 264
3- الفحام: بلاغة النهج: ص 23 - 24
4- كفاية الطالب: ص 194
5- لمزيد من التفاصيل ينظر: الطحان: التربية: (الصفحات جميعها). فلسفي: الطفل بين الوراثة والتربية 1 / 254 - 255

تربى في كنف ادیب السماء والذي شهد له القرآن: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»(1)، وقد اشار الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) الى اثر السماء في اعداد النبي بقوله «ولَقَدْ قَرَنَ اللّهَّ بِه (صلی اللّه علیه وآلِهِ وسلم) مِنْ لَدُنْ أَنْ کَانَ فَطِیماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِکَتِه - یَسْلُكُ بِه طَرِیقَ الْمَکَارِمِ - ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَیْلَه ونَهَارَه - ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه - يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِه عَلَماً -ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه»(2). فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ادیب الله، والامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ادیب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(3).

اذ كان للاساليب التربوية العميقة والحكيمة التي اتخذها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أمير المؤمنين (عليه السلام) قد احيت جميع مواهبه الكامنة واوصلته في مدة قصيرة الى اعلى مدارج الكمال(4).

وبذا احتل أمير المؤمنين (عليه السلام) الذرى في كل ميادين الحياة، وهو الذي عبر عن علو مرتبته وسمو مكانه بكلمة وجيزة قصرت الفاظها واتسعت معانيها لتجلي عظمته بكل ما فيها من تشعب وشمول واحاطة، فقال (عليه السلام): «یَنْحَدِرُ عَنِّي السَّیْلُ، ولَا یَرْقَی إِلَيَّ الطَّیْرُ»(5).

والمراد به انه عالي المكان بعيد المرتقی، لان السيل لا ينحدر الا عن الاماكن العالية والمواضع المرتفعة. ثم اكد (عليه السلام) هذا المعنى بقوله: «وَلَا یَرْقَی إِلَيَّ

ص: 230


1- سورة القلم الآية 4
2- نهج البلاغة: ص 406
3- روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «انا اديب الله، وعلي اديي»، الطبرسي: مکارم الاخلاق ص 17. الريشهري: میزان الحکمة: 1 / 58
4- محمد تقي فلسفي: الطفل بين الوراثة والتربية: 1 / 217 - 218
5- نهج البلاغة: ص 26، ينظر درویش: علي كما وصف نفسه: ص 99

الطَّیْرُ» ولأنه ليس كل مكان عال من استقرار السيل عليه واقتضى تحدره منه، يكون مما لا يرقى اليه الطير، فان هذا وصف يقتضي بلوغ الغاية في العلو والارتفاع(1).

وهذا من مختصاته ولم يحسن هذا القول من غيره (عليه السلام). ومن ابرز جوانب التفرد في شخصيته (عليه السلام) مکارم اخلاقه التي ضرب بها مثلا فكان اسوة کما ان رسول الله صلى الله عليه وآله اسوة وقدوة في مکارم اخلاقه، فعمت اخلاقه الحميدة حتى شملت اعداءه، ومخالفيه(2).

کان (علیه السلام) في الخصائص الخلقية، والفضائل النفسانية - ابن جلاها وطلاع ثناياها(3)- فكان (عليه السلام) من لطافة الاخلاق، وسجاحة الشيم على قاعدة عجيبة جميلة(4)، وقد اشار (عليه السلام) الى بعض تلك المكارم في مناسبات شتی، منها قوله (عليه السلام): «لَنْ یُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَی دَعْوَةِ حَقٍّ - وصِلَهِ رَحِمٍ وَ عَائِدَهِ کَرَمٍ»(5)، وفي حديثه عن صدق لهجته وصواب منطقه يقول: «واللّهَّ مَا کَتَمْتُ وَشْمَةً(6)، ولاَ کَذَبْتُ کِذْبَةً»(7)، وقد اشار (عليه السلام) الى جوانب متعددة من خلقه الكريم في تعامله مع من حوله: «ولَقَدْ أَحْسَنْتُ جِوَارَکُمْ -

ص: 231


1- الشريف المرتضى: رسائل الشريف المرتضی: 2 / 107
2- درويش: علي كما وصف نفسه: ص 100
3- مأخوذ من بيت شعر قاله - سحيم بن وثيل الرياحي - وهو: انا ابن جلا وطّلاع الثنايا ٭٭٭ متى اضع العمامة تعرفوني وابن جلا جلا أي النهار. والمقصود: الأمر الواضح، وطلاع الثنايا: كناية عن السمو الى معالي الامور. والثنايا جمع ثنية وهي الطريق في الجبل. ينظر: الميداني: مجمع الامثال: 1 / 33. ابن منظور: لسان العرب: 14 / 152
4- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 11 / 248. وينظر: النصر الله: شرح نهج البلاغة: ص 203
5- نهج البلاغة: ص 257
6- وشمة: كلمة. الجوهري: الصحاح: 5 / 2052
7- نهج البلاغة: ص 41

وأَحَطْتُ بِجُهْدِي مِنْ وَرَائِکُمْ - وأَعْتَقْتُکُمْ مِنْ رِبَقِ الذُّلِّ وحَلَقِ الضَّیْمِ - شُکْراً مِنِّی لِلْبِرِّ الْقَلِیلِ - وإِطْرَاقاً عَمَّا أَدْرَکَه الْبَصَرُ - وشَهِدَه الْبَدَنُ مِنَ الْمُنْکَرِ الْکَثِیرِ»(1).

فامير المؤمنين (عليه السلام) يشير هنا الى مظاهر منهجه الاخلاقي وسيرته مع الناس بأنه شكر قليل ما يصدر منهم بالبر والاحسان، ويتغاضى عن كثير من الهفوات والاخطاء. وهو الذي يطلق كلامه بكل ثقة واطمئنان فلا يجرأ احد على ان يطعن فيما يقوله لانه قد وافق قوله فعله وهو القائل (عليه السلام): «اني لا رفع نفسي ان انهى الناس عما لست انتهي عنه، او آمرهم بما لا اسبقهم اليه بعملي، او ارضي منهم بما لا يرضي ربي»(2)، وقد فرضت اخلاقه (عليه السلام) لونا من الجود والكرم قل نظيره اذ اختلف عما تعارف عليه الناس، فنجده يقول:

«ما توسل احد اليّ بوسيلة، اجل عندي من يد سبقت مني اليه، لأربيها عنده، باتباعها اختها، فان منع الاواخر يقطع شكر الاوائل»(3).

وفي مثال آخر يوضح لنا بعدا آخر من ابعاد ذلك الخلق الفريد: «ما بات لرجل عندي موعد قط، فبات يتململ على فراشه ليغدوا بالظفر بحاجته، اشد من تململي على فراشي حرصا على الخروج اليه من دين عدته، وخوفا من عائق يوجب الخلف، فان خلف الوعد ليس من اخلاق الكرام»(4).

وما الذي يمكن عده من تلك الفضائل الخلقية في هذه العجالة فقد استفاضت المؤلفات التي تحدثت عن سجاياه ومکارم اخلاقه حتى بلغت من

ص: 232


1- نهج البلاغة: ص 294
2- الواسطي: عيون الحكم والمواعظ: ص 170
3- الواسطي: عيون الحكم والمواعظ: ص 483
4- الواسطي: عيون الحكم والمواعظ: ص 477

العظم والجلالة، والانتشار مبلغا يسمج(1)منه التعرض لذكرها والتصدي لتفصيلها، فصارت کما قال ابو العيناء(2)لعبيد الله بن يحيى بن خاقان(3): «رأيتني فيما اتعاطى من وصف فضلك، كالمخبر عن ضوء النهار الباهر، والقمر الزاهر، الذي لا يخفى على الناظر، فايقنت اني حيث انتهى بي القول منسوب الى العجز مقصر عن الغاية، فانصرفت عن الثناء عليك الى الدعاء لك، ووكلت الاخبار عنك الى علم الناس بك»(4).

ومن مظاهر اختصاصه بالنبي صلى الله عليه وآله انه كان تلميذه الاول واختص الامام امير المؤمنين (عليه السلام) انه التلميذ الاول للنبي وباب مدينة علمه الرباني لا ينافسه احد في هذا المقام وقد تواترت الاحاديث والاخبار والروايات في بيان فضله وتفرده في علمه واختصاصه بالنبي يستقي علمه منه ويخصه بوافر عنايته وتعليمه وليس هذا محض ادعاء، بل حقيقة ثابتة لم یکن يخفيها، فلطالما أفصح عنها في خطب بليغة يلقيها على الملأ العظيم، وفيهم كثير من الصحابة الذين عاشوا معه (عليه السلام) ومع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعرفوه وعرفوا غيره من الصحابة، فمن ذلك قوله في مقارنة بينه وبين غيره من الصحابة، «ولَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهَّ - صلى الله عليه وآله - مَنْ كَانَ يَسْأَلُه ويَسْتَفْهِمُه، حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الأَعْرَابِيُّ والطَّارِئُ، فَيَسْأَلَهُ (عليه

ص: 233


1- سمج: قبح. الجوهري: الصحاح: 1 / 322
2- هو محمد بن القاسم الهاشمي بالولاء، اديب مشهور بالكتابة والترسل توفي سنة 283 ه. ينظر ترجمته: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد: 3 / 398 - 396. الذهبي: سير أعلام: 13 / 308 - 309
3- هو وزير المتوكل والمعتمد. ينظر ترجمته: ابن عساکر: تاريخ دمشق: 38 / 143 - 148
4- ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة: 1 / 16. وينظر النصر الله: شرح نهج البلاغة: ص 202

السلام) حَتَّى يَسْمَعُوا، وكَانَ لَا يَمُرُّ بِي مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ إِلَّا سَأَلْتُه عَنْه وحَفِظْتُه(1).

وفوق هذا كانت هناك عناية ربانية خاصة ترعاه إذ شملته رعاية السماء في كثير من جوانب العظمة والارتقاء، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وان أعلمك وان تعي، وحق على الله تعالى أن تعي، قال: فنزل قوله تعالى: «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(2))(3)، وفي رواية: حين نزلت هذه الآية، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «سألت الله عز وجل أن يجعلها أذنك يا علي، قال علي (عليه السلام): «فما نسيت شيئا من بعد وما كان لي أن أنسی»(4).

هذا ما أهله لأن يصرح بعظمة علمه قائلا: «بَلِ انْدَمْجَتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِه لَاضْطَرَبْتُمْ، اضْطِرَابَ الأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ»(5)، إذ بهذا النص الجلي وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) غزارة علمه، وما تنطوي عليه شخصيته العلمية من شمول وعمق بجوانب متعددة، لذا نجده يتحدى كل من يدعي العلم من غير أهل البيت (عليه السلام) قائلا: «أَیْنَ الَّذِینَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا، کَذِباً وبَغْیاً عَلَیْنَا أَنْ رَفَعَنَا اللَّهَّ ووَضَعَهُمْ، وأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ وأَدْخَلَنَا وأَخْرَجَهُمْ»(6).

ولما كان (عليه السلام) على هذا القدر من العلم أصبح هو الوحيد الذي لم

ص: 234


1- نهج البلاغة:ص 443. من هنا غدا أمير المؤمنين المصدر الوحيد بعد القرآن الكريم الذي تمكن من تقديم صورة دقيقة لسيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متطابقة مع الرؤية القرآنية. لمزيد من التفاصيل راجع: العوا> السيرة النبوية برؤية أمير المؤمنين (عليه السلام) الصفحات جميعها
2- سورة الحاقة آية 12
3- الواحدي: اسباب النزول: ص 294. ابن طلحة: مطالب السؤول: ص 121
4- الزيلعي: تخريج الاحاديث والاثار: 4 / 84. المازندراني: شرح أصول الكافي: 7 / 88
5- نهج البلاغة: ص 34
6- نهج البلاغة: ص 263

يحتج إلى أحد في علمه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومثال ذلك ما صرح به (عليه السلام) حينما خاطب طلحة والزبير، مشيرا إلى أنه في غنى عن رأيهما على الصعيد العلمي وغيره، وذلك حينما عتبا عليه فقالا: ما نراه يستشيرنا في أمر، ولا يفاوضنا في رأي، ويقطع الأمر دوننا ويستبد بالحكم عنا(1)، فقال (عليه السلام): «فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَیيَّ نَظَرْتُ إِلَی کِتَابِ اللَّهَّ ومَا وَضَعَ لَنَا، وأَمَرَنَا بِالْحُکْمِ بِه فَاتَّبَعْتُه، ومَا اسْتَنَّ اَلنَّبِیيُّ - (صلی الله علیه وآله وسلم) - فَاقْتَدَیْتُه، فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إِلَی رَأْیِکُمَا ولَا رَأْيِ غَیْرِ کُمَا، ولَا وَقَعَ حُکْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِیرَکُمَا وإِخْوَانِي مِنَ اَلْمُسْلِمِینَ، ولَوْ کَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْکُمَا ولَا عَنْ غَیْرِکُمَا»(2).

وإذا كان (عليه السلام) قد أشار الى علمه إجمالا في النصوص المتقدمة في وصفه لسعة علمه، فانه في نصوص أخرى قد تكلم بلون من التفصيل عما يشتمل عليه من العلوم في الميادين المختلفة ومن تلك الميادين علمه بسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ «يبرهن للناس على علمه التفصيلي الدقيق بالسنة، كما هو في الكتاب، في خطاب يأخذ بمجاميع القلوب، ما سمع الناس نظيرا له من صحابي غيره قط، فيقول: «وَخَلَّفَ فِیکُمْ [النبي] مَا خَلَّفَتِ الأَنبِیَاءُ فِي اُمَمِهَا، إِذْ لَمْ یَتْرُکُوهُمْ هَمَلًا بِغَیْرِ طَرِیقٍ وَاضِحٍ ولَا عَلَمٍ قَائِمٍ، کِتَابَ رَبِّکُمْ فِیکُمْ مُبَیِّناً حَلَالَه وَحَرَامَه، وفَرَائِضَه وفَضَائِلَه ونَاسِخَه ومَنْسُوخَه، ورُخَصَه وعَزَائِمَه وخَاصَّه وعَامَّه، وعِبَرَه وأَمْثَالَه ومُرْسَلَه ومَحْدُودَه، ومُحْکَمَه ومُتَشَابِهَه، مُفَسِّراً مُجْمَلَه ومُبَیِّناً غَوَامِضَه، بَیْنَ مَأْخُوذٍ مِیثَاقُ عِلْمِه ومُوَسَّعٍ عَلَی الْعِبَادِ فِي جَهْلِه، وبَیْنَ مُثْبَتٍ فِي الْکِتَابِ فَرْضُه، ومَعْلُومٍ فِي اَلسُّنَّةِ نَسْخُه، ووَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُه، ومُرَخَّصٍ فِي الْکِتَابِ تَرْکُه، وبَیْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِه وزَائِلٍ فِی مُسْتَقْبَلِه، ومُبَایَنٌ بَیْنَ مَحَارِمِه مِنْ کَبِیرٍ أَوْعَدَ عَلَیْهِ نِیرَانَه، أَوْ صَغِیرٍ أَرْصَدَ لَه

ص: 235


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة: ص 11 / 10
2- نهج البلاغة: ص 437

غُفْرَانَه، وبَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاه مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاه»(1)، هذه أبواب من السنن فتحت على علوم جمة توفر عليها، مع بصيرة لا يخشى عليها لبس ولا توهم(2).

إن اختصاصه (عليه السلام) بالنبي (صلى الله عليه وآله) جعله الأولى بوراثته علما ومنهاجا والأحق به من بعده، وقد مر بنا دلالات ومعالم هذا الاختصاص الفريد.

وقد اشار (عليه السلام) الى معلم من معالم ملازمته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرصه على اعداده (عليه السلام) انه قد خصه بعلم الكتاب والسنة الشريفة، إذ يقول: «فما نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله إن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال وحرام، ولا أمر ولا نهي کان أو يكون، ولا كتاب منزل على احد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس حرفا واحدا ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملا قلبي علما وفهما وحکما ونورا»(3).

وبالقدر الذي كان فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حريصا على إعداد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونشأته علميا في كنف النبوة المقدسة كان الإمام (عليه السلام) نفسه شديد الحرص على التزام شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واخذ العلم عنه، إذ جاءت کلماته صريحة في بيان هذه الملازمة وهذا الحرص منه(4)، وفي نص آخر يقول: «ما دخل نوم عيني، ولا غمض رأسي على

ص: 236


1- نهج البلاغة: ص 21 - 22
2- عبد الحميد: تاريخ السنة النبوية: ص 58
3- الكليني: الكافي 1 / 64، ينظر: المير جهاني: مصباح البلاغة: 1 / 327 - 328
4- وذلك اشارة لقوله (عليه السلام): «وَلَقَدْ کُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِیلِ أَثَرَ أُمِّه، یَرْفَعُ لِي فِي کُلِّ یَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ویَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه… «نهج البلاغة: ص 6. 4

عهد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى علمت ما نزل به جبرئیل من حلال، أو حرام، أو سنة أو كتاب، أو أمر أو نهي، وفيمن نزل»(1).

وقد بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن هذا الاختصاص بالإمام (عليه السلام) إنما هو توجيه من السماء: «يا علي! إن الله أمرني أن أدنينك ولا أقصيك، وان أعلمك، وان تعي، حق على الله أن تعي»، فنزلت آية «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(2).

فمن ذا - بعد هذه الخصوصية - أحق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسنته سوى أمير المؤمنين (عليه السلام) لذا قال (عليه السلام): «إن حُکم بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنحن أحق الناس وأولاهم بها»(3)، وقد أشار (عليه السلام) إن مرجعية علومه ومصدرها هو النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): «أَيُّهَا النَّاسُ، لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ عِصْيَانِي، وَلَا تَتَرَامَوْا بِالأَبْصَارِ عِنْدَ مَا تَسْمَعُونَه مِنِّی، فَوَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّهَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّ الَّذِي أُنَبِّئُکُمْ بِه عَنِ النَّبِیِّ الأُمِّیِّ - (صلی الله علیه وآله وسلم) -، مَا کَذَبَ الْمُبَلِّغُ، ولَا جَهِلَ السَّامِعُ»(4)، ولشدة التصاقه برسول الله صلى الله عليه وآله وحمله علومه ومعارفه، كان (عليه السلام) يفرغ عن لسانه، ولا يتردد في تأكيد ذلك بكل اطمئنان فيقول: «وَاللهَّ مَا أَسْمَعَكُمُ الرَّسُولُ شَيْئاً، إِلَّا وهَا أَنَا ذَا مُسْمِعُكُمُوه»(5).

ص: 237


1- الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل: 1 / 43
2- الواحدي: اسباب النزول: ص 294. ابن طلحة: مطالب السؤول: ص 121
3- نهج البلاغة: ص 238 - 239
4- نهج البلاغة: ص 186 - 187
5- نهج البلاغة: ص 145

الامامة تفّدي النبوة (الفداء الأكبر في مواطن المحن العظيمة):

وهو الذي كان مشروع فداء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في اوقات المحن والازمات العظيمة يفديه بنفسه ويقيه بمهجته في مواقف بطولية عز نظيرها ملؤها الاخلاص والايثار، فكم من مرة جعل نفسه عرضة للموت المؤكد حفاظا على سلامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فها هو (عليه السلام) يبيت في فراشه (صلى الله عليه وآله وسلم) مرتين الاولى في حصار الشعب لما كان والده ابو طالب (عليه السلام) قد دأب على تغيير مكان مبيته (صلى الله عليه وآله وسلم) عدة مرات حفاظا على حياته من كيد المشركين المتربصين به، فيجعل مكانه امیر المؤمنين عرضة للسيوف الوشيكة دون ادنی تملل منه (عليه السلام)(1).

والثانية في ليلة هجرته (صلى الله عليه وآله وسلم) لما بلغ قریش خبر عزمه على ترك مكة فاجمعوا امرهم على ان ينتخبوا من كل قبيلة فرد فيضربوه ضربة رجل واحد فيضيع دمه بين القبائل(2)، فلما علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمرهم دعا «اوثق الناس عنده وامثلهم في نفسه، وابذلهم في ذات الاله لمهجته، واسرعهم اجابة الى طاعته(3)»، فاوكل اليه ثلاث مهام لا يقوم بها الا هو (صلى الله عليه وآله وسلم) او من يماثله في نفسه اذ جاء ما نصه: «وأمره أن ينام في فراشه الذي كان ينام فيه، وقال له: لن يصل إليك منهم أمرا تكرهه، واوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته ظاهراً على أعين الناس، حيث كانت قريش تدعو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجاهلية بالأمين، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم: فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفاطمة بنت أسد أم الإمام علي

ص: 238


1- ابن الفتال: روضة الواعظین ص 53. ابن أبي الحديد: شرح 14 / 64
2- البلاذري: أنساب الأشراف 1 / 260. الصدوق: الخصال ص 366، المحب الطبري: الرياض النظرة 3 / 177
3- أبو جعفر الإسكافي: نقض العثمانية: ص 321

وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، ولم يهاجر معه من بني هاشم ومن ضعفاء المؤمنين احد وقال لعلي: إذا أبرمت ما أمرتك به كنّ على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله وسر لقدوم کتابي عليك(1). وكما هو واضح ان المهام هي:

الاولى: امره ان يبيت في فراشه ويلتحف ببرده ليروا بانه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخرج وهو خارج بأذن ربه. فما كان منه (عليه السلام) الا الطاعة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كطواعية نفسه له. وعلم امير المؤمنين (عليه السلام) «أنّ قريشا أغلظ الناس على رسول اللهَّ صلى اللهَّ عليه وآله، وأقساهم قلبا، وما يعرفه كل عاقل من الفرق بين الاستسلام للعدوّ المناصب، والمبغض المعاند، الذي يريد أن يشفي نفسه، ولا يبلغ الغاية في شفائها، إلَّا بنهاية التنكيل وغاية الأذى بضروب الآلام، وبين الاستسلام للوّلي المحبّ، والوالد المشفق، الذي يغلب في الظنّ أنّ إشفاقه يحول بينه وبين إيقاع الضرر بولده(2)».

ولا يخفى ما لهذه التضحية منه (عليه السلام) في سبيل سلامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المنزلة الرفيعة وكم اظهر فيها من الشجاعة والاخلاص. وقد كان للاسكافي(3)وقفة تحليلة رائعة لموقف النبي والامام امير المؤمنين (عليه السلام) اذ يقول: «فمنعه أولا من التحرز وإعمال الحيلة، وصده عن الاستظهار لنفسه بنوع من أنواع المكايد والجهات التي يحتاط بها الناس لنفوسهم، وألجأه إلى أن يعرض نفسه لظبات السيوف الشحيذة من أرباب الحنق والغيظة، فأجاب إلى ذلك سامعا مطيعا، طيبة بها نفسه، ونام على فراشه صابرا محتسبا، واقيا له بمهجته ينتظر القتل، ولا نعلم فوق بذل النفس درجة يلتمسها صابر، ولا يبلغها

ص: 239


1- ابن الصباغ: الفصول المهمة: 1 / 288 - 293
2- المفيد: تفسير القران: ص 422
3- أبو جعفر الإسكافي: نقض العثمانية ص 322. 323

طالب، «والجود بالنفس أقصى غاية الجود» ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم أنه أهل لذلك لما أهله، ولو كان عنده نقص في صبره أو في شجاعته أو في مناصحته لابن عمه واختير لذلك، لكان من اختاره منقوضا في رأيه، مضرا في اختياره ولا يجوز أن يقول هذا أحد من أهل الاسلام، وكلهم مجمعون على أن الرسول صلى الله عليه وآله عمل الصواب، وأحسن في الاختيار. ثم في ذلك إذا تأمله المتأمل وجوه من الفضل: منها أنه وإن كان عنده في موضع الثقة فإنه غير مأمون عليه ألا يضبط السر فيفسد التدبير بإفشائه تلك الليلة إلى من يلقيه إلى الأعداء. ومنها أنه وإن كان ضابطا للسر وثقة عند من اختاره فغير مأمون عليه الجبن عند مفاجأة المكروه ومباشرة الأهوال، فيفر من الفراش، فيفطن لموضع الحيلة ويطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيظفر به ومنها أنه وإن كان ثقة ضابطا للسر شجاعا نجدا فلعله غير محتمل للمبيت على الفراش، لان هذا أمر خارج عن الشجاعة إن كان قد قامه مقام المكتوف الممنوع، بل هو أشد مشقة من المكتوف الممنوع، لان المكتوف الممنوع يعلم من نفسه أنه لا سبيل إلى الهرب وهذا يجد السبيل إلى الهرب وإلى الدفع عن نفسه، ولا يهرب ولا يدافع. ومنها أنه وإن كان ثقة عنده ضابطا للسر شجاعا محتملا للمبيت على الفراش فإنه غير مأمون أن يذهب صبره عند العقوبة الواقعة، والعذاب النازل بساحته، حتى يبوح بما عنده ويصير إلى الاقرار بما يعلمه، وهو أنه أخذ طريق كذا، فيطلب فيؤخذ».

لذا عد العلماء هذا الموقف منه اعظم المحن التي عز نظيرها بل ان الامام (عليه السلام) قد فاق في تصبره وطواعيته محنة اسماعيل النبي لما اخبره ابوه ابراهيم (عليه السلام) بعزمه على ذبحه تنفيذا لامر الله جل وعلا(1).

ص: 240


1- أبو جعفر الإسكافي: نقض العثمانية ص 323. المفيد: تفسير القرآن ص 432

وقد خصه الله عز وجل بآية من آيات ذكره الحكيم، وباهی به سادة ملائكته(1)اذ نزل فيه قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ»(2).

الثانية: «واوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته ظاهراً على أعين الناس، حيث كانت قريش تدعو النبي - (صلى الله عليه وآله وسلم) - في الجاهلية بالأمين». وهذا ايضا لم يكن بالامر الهين ففيه من المخاطر على حياته من يتربصون به ولا يفوتنا دلالة الاشارة في النص اعلاه «ظاهرا على اعين الناس «وهذا يجعله بمرأى ومسمع المشركين. ومع ذلك لم يجرؤ احد منهم على التعرض له (عليه السلام).

الثالثة: ان يصحب معه الفواطم ويخرج مهاجرا لاحقا به (صلى الله عليه وآله وسلم)(3)، فهو لم يأتمن غيره على بضعته الطاهرة الصديقة فاطمة ع ومن معها من الفواطم ليأتيه بها الى حين استقراره (صلى الله عليه وآله وسلم) في دار الهجرة. ولم تكن هذه المهام هينة ومن لمثلها غير امير المؤمنين (عليه السلام).

وأقام الإمام علي - (عليه السلام) -، بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله الودائع التي كانت عنده للناس(4)، حيث قام منادياً بالابطح: من کان له قبل محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - أمانة فليأت ترد إليه أمانته وقضى حوائجه وجميع أموره وابتاع ركايب وأجمالاً بسبب المهاجرة، وبقي ينتظر مجيء كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(5).

ص: 241


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 13 / 262
2- سورة البقرة الآية 207
3- ابن الصباغ: الفصول المهمة: 1 / 303
4- ابن هشام: السيرة: 2 / 106
5- ابن الصباغ: الفصول المهمة: 1 / 303

ولما ورد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة، نزل في بني عمر بن عوف بقباء، فأراده أبو بكر على دخول المدينة واصر في ذلك فقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي(1). ثم كتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإمام علي بن أبي طالب كتابا بيد أبا واقد الليثي يأمره بالمسير إليه وقلة التلوم، فلما أتاه الكتاب تهيأ للهجرة؛ فاعلم من كان معه من ضعفاء المؤمنين فأمرهم أن يتسللوا ويتخفوا تحت جنح الليل إلى ذي طوى وخرج علي (عليه السلام) بفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب - وقد قيل هي ضباعة - وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو واقد رسول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجعل أبو واقد يسوق بالرواحل فاعنف بهم، فقال علي (عليه السلام)، أرفق بالنسوة يا أبا واقد إنهن من الضعائف. قال: أني أخاف أن يدركنا الطلب، فقال علي (عليه السلام): أربع عليك، فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي: يا علي: إنهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه ثم جعل علياً. يسوق بهن سوقاً رفيقاً وهو يرتجز ويقول:

ليس إلا الله فارفع ظنكا ٭٭٭ يكفيك رب الناس ما اهمكا وأدركه الطلب من المشركين وعددهم سبعة فوارس من قريش، متلثمين وثامنهم مولى لحرب بن أمية يدعى جناحاً، فاقبل علي على أم ايمن وأبي واقد، وقد تراءى القوم، فقال لهما: أنيخا الإبل واعقلاها، وتقدم حتى انزل النسوة، ودنا القوم فأستقبلهم منتضياً سيفه، فاقبلوا عليه فقالوا: أظننت انك يا غدر ناج بالنسوة؟! ارجع لا أبا لك، قال: فان لم افعل؟ قالوا: لترجعن راغماً، أو لنرجعن باكثرك شعراً واهون بك من هالك، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها، فحال

ص: 242


1- الطوسي: الامالي: ص 468. 469. ابن الصباغ: الفصول المهمة 1 / 303

علي بينهم وبينها، فأهوى له جناح بسيفه، فراغ علي عن ضربته وتختله علي فضربه على عاتقه، فأسرع السيف مصيباً فيه حتى مس كاثبة فرسه، فكان يشد على قدمه شد الفرس أو الفارس على فرسه، فشد عليهم بسيفه وهو يقول:

خلوا سبيل الجاهد المجاهد ٭٭٭ آليت لا اعبد غير الواحد فتصرع عنه القوم وقالوا له: اغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب. قال: فاني منطلق إلى ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيثرب فمن سره أن افري لحمه وأريق دمه فليتعقبني أو فليدن مني. ثم نادى على صاحبيه ايمن وأبي واقد فقال لهما: أطلقا مطاياكما.

ثم سار ظاهراً قاهراً حتى لحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أم ايمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فظل ليلته تلك هو والفواطم طوراً يصلون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلي (عليه السلام) بهم صلاة الفجر، ثم سار لوجهه يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله، والفواطم كذلك وغيرهم ممن صحبه حتى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان في شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالى «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ»(1)فالذکر

ص: 243


1- سورة آل عمران آية 191. 195

علي والأنثى فاطمة (بعضكم من بعض) علي من الفواطم وهن من علي(1).

ولما بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدومه (عليه السلام) قال: أدعو لي علياً قيل: يا رسول الله لا يقدر أن يمشي، فأتاه (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه، فلما رآه اعتنقه وبكى رحمه لما بقدميه من الورم، وكانتا تقطران دماً، فاخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من ريقه، ومسح بها قدميه فبرئتا من المرض ولم يشكو بعد ذلك منهما شيئاً(2).

ولم تقتصر مصاديق الفداء على هذه المشاهد المشرفة بل ان الامام (عليه السلام) كان على طوال مسيرته مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول المضحين والمدافعين عنه واشد الناس حرصا على وجوده وسلامته (صلى الله عليه وآله وسلم) يفّديه ويقيه بنفسه في كل محنة ومعظلة في حروبه ومساجلاته ومواطن تصديه لاعدائه، بل ان ذلك لم يقتصر على ايام حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) بل نجده في اعظم محنة مرت على البيت النبوي بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤثر مصلحة الاسلام ويصون امته ولو كان ذلك على حساب نفسه واستحقاقاته(3).

الإمامة ترثي النبوة:

ثم إنّ هذه العلاقة الروحية الوثيقة بين النبي صلى الله عليه وآله وامير المؤمنين (عليه السلام) نجدها تتمثل ايضا في الايام الاخيرة من عمر النبي صلى الله عليه وآله فقد كان (عليه السلام) الى جواره، فلم يرسله ضمن سرية اسامة بن زيد الى

ص: 244


1- الطوسي: الامالي: ص 469. 471. ابن شهر آشوب: المناقب: 1 / 160
2- ابن الأثير: أسد الغابة: 3 / 285
3- العواد: السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام) ص 998. 1001

الشام، ثم هو الذي تولى غسله صلى الله عليه وآله وكفنه ودفنه(1).

اذ لما مرض (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا اسامة بن زيد بن حارثه، وقال له: سر الى مقتل ابيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش. وكان ضمن الجيش وجوه المهاجرين(2)، فيما لم يذكر أي مصدر ان الامام علي (عليه السلام) كان ضمن الجيش وهذا فيه دلالة على مدى اختصاصه بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد اكد هذه الحقيقة الامام علي (عليه السلام) بقوله مخاطباً الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته «وفاضت بين نحري وصدري نفسك»(3).

ولكن روي عن عائشة انها قالت: «توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين سحري ونحري»(4). لذا حاول ابن ابي الحديد التوفيق بين الروايتين بقوله «الله اعلم بحقيقة هذا الحال، ولا يبعد عندي ان يصدق الخبران معاً، بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وقت الوفاة مستنداً الى علي وعائشة جميعاً، فقد وقع الاتفاق على انه مات وهو حاضر لموته، وهو الذي كان يقلبه بعد موته، وهو الذي كان يعلله ليالي مرضه، فيجوز ان يكون مستنداً الى زوجه وابن عمه، ومثل هذا لا يبعد وقوعه في زماننا هذا، فكيف في ذلك الزمان الذي كان النساء فيه والرجال مختلطين، لا يستتر البعض عن البعض، فأن قلت: فكيف تعمل بآية الحجاب، وما صح من استتار ازواج الرسول صلى الله عليه وآله عن الناس بعد نزولها؟ قلت قد وقع اتفاق المحدثين كلهم على ان العباس كان ملازماً للرسول

ص: 245


1- النصر الله: شرح نهج البلاغة: ص 133
2- البخاري: الصحيح 6 / 39 - 40. الطبري: تاريخ 3 / 184. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة 1 / 159
3- ابن سعد: الطبقات 2 / 262 - 263. ابن ابي الحديد: شرح نهج البلاغة 10 / 265
4- ابن عبد ربه: العقد الفريد 4 / 261 - 2. سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواص ص 43

صلى الله عليه وآله ايام مرضه في بيت عائشة، وهذا لا ينكره احد، فعلى القاعدة التي كان العباس ملازمه صلى الله عليه وآله كان علي (عليه السلام) ملازمه، وذلك يكون باحد امرين: اما بأن نسائه لا يستترن من العباس وعلي لكونهما اهل الرجل وجزءاً منه. او لعل النساء كن يختمرن باخمرتهن، ويخالطن الرجال فلا يرون وجههن، وما كانت عائشة وحدها في البيت عند موته، بل كان نسائه كلهن في البيت، وكانت ابنته فاطمة عند رأسه صلى الله عليه وآله»(1). ان الذي يلاحظ على الروايتين اعلاه:

1 - تعدد رواة القائلين بان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مات بين سحر الامام وصدره واقتصار القائلين على عائشه عليها وعلى ابن اختها عروة بن الزبير المعروف بعدائه اللدود للأمام علي (عليه السلام).

2 - ان الذي يستقرىء الروايات التي تتحدث عن الايام الأخيرة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليشهد الدور الكبير للأمام والسيدة فاطمة عليهما السلام دون سواهما.

3 - ان الملاحظ ان رواية عائشه لم تأت لتوضح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مات بين سحرها ونحرها، وانما لتنفي الوصية عن الأمام (عليه السلام). وكأنها وضعت لهذا الغرض.

4 - فهل وضعت الرواية من قبل عروة بن الزبير بأعتباره من ضمن اللجنه التي وضعها معاوية لأختلاق فضائل مقابل فضائل الأمام علي (عليه السلام)!!؟

ص: 246


1- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 10 / 267 - 8

ومن خلال استعراضه لاحداث وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومراسيم تجهيزه ودفنه لاحظ ابن ابي الحديد ان الامام علي (عليه السلام) كان المتصدي لكل لذلك، اذ يقول: «من تأمل هذه الاخبار، علم ان علياً (عليه السلام) كان الاصل والجملة والتفصيل في امر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهازه، الا ترى ان اوس بن خولي(1)لا يخاطب احداً من الجماعة غيره، ولا يسأل غيره في حضور الغسل والنزول في القبر! ثم انظر الى كرم علي (عليه السلام) وسجاحة اخلاقه وطهارة شيمته، كيف يضن بمثل هذه المقامات الشريفة عن اوس؛ وهو رجل غريب من الانصار، فعرف له حقه واطلبه بما طلبه! فكم بين هذه السجية الشريفة، وبين قول من قال: لو استقبلت من امري ما استدبرت ما غسل الرسول صلى الله عليه وآله الا نساؤه، ولو كان في ذلك المقام غيره من اولى الطباع الخشنة وارباب الفظاظة والغلظة، وقد سأل اوس ذلك لزجر وانتهر ورجع خائباً»(2).

ص: 247


1- هو ممن شهد سائر مشاهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وطلب الانصار من الامام علي (عليه السلام) ان يشاركوا في دفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسمح لاحدهم فنزل اوس بن خولي: انظر: ابن الاثير: اسد الغابة 1 / 144 - 5. ابن حجر: الاصابة 1 / 84
2- ابن أبي الحديد: الشرح 13 / 40 - 41. يقصد بالقائل (لو استقبلت من امري ما استدبرت... عائشة. اما صاحب الطباع الخشنة فيقصد الخليفة عمر

المصادر والمراجع

القرآن الكريم المصادرالاولية:

الآلوسي: ابو الفضل شهاب الدين السيد محمود البغدادي كان حيا في 1270 ه.

روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تعليق: محمد احمد الامد وعمر عبد السلام السلامي، ط 1، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1420 ه - 1999 م.

ابن الأثير: أبو الحسن عز الدين علي بن محمد ت 630 ه.

أسد الغابة في معرفة الصحابة، تح: الشيخ خليل مأمون شيحة، ط 2، دار المعرفة، بيروت، 1422 ه، 2001 م.

الكامل في التاريخ، دار صادر، بيروت، 1965 م.

الاربلي: أبو الحسن علي بن عيسى ت 693 ه.

كشف الغمة في معرفة الائمة، ط 2، دار الأضواء، بيروت، 1985 م.

الأزرقي: أبو الوليد محمد بن عبد الله بن احمد ت 250 ه أخبار مكة وما جاء فيها من الاثار، تح: رشدي الصالح ملحس، ط 3، بيروت، 1983 م.

ابن إسحاق: محمد ت 151 ه.

السير والمغازي، تح: سهیل زکار، ط 1، دار الفكر، ب. مکا، 1978 م.

الأنصاري: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا ت 936 ه.

فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب، ط 1 دار الكتب العلمية، بيروت،، 1998.

الإيجي: عضد الدين بن عبد الرحمن بن أحمد ت 756 ه.

المواقف، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، ط 1، دار الجيل، بيروت، 1997.

ابن بابويه: أبو الحسن علي بن موسى ت 329 ه.

فقه الرضا (عليه السلام)، المؤتمر العالمي للإمام الرضا، ط 1، مشهد، 1410 ه.

البحراني: السيد هاشم التوبلي الموسوي ت 1107 ه.

ص: 248

غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام، تح: علي عاشور، قم، 1421 ه.

البخاري: أبو عبد الله إسماعيل بن محمد ت 256 ه.

التاريخ الصغير، تح: محمود إبراهيم، ط 1، دار المعرفة، بيروت، 1406 ه.

الصحيح، دار الفكر، بيروت، 1401 ه.

ابن البطريق: شمس الدين يحيى بن الحسن 533 - 600 ه.

عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، تح: جماعة المدرسين، ط 1، مط: جماعة المدرسين، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1407 ه.

البغدادي: عبد القادر بن عمر ت 1093 ه.

خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، تح: عبد السلام هارون، القاهرة، 1967.

البغوي: الحسين بن مسعود بن محمد الفراء ت 510 ه / 1117 م.

تفسير البغوي المسمى (معالم التنزيل في تفسير القرآن)، تح: خالد عبد الرحمن العك، دار المعرفة، بيروت، ب.ت.

البلاذري: احمد بن يحيى بن جابر ت 279 ه.

انساب الأشراف، الإمام علي (عليه السلام) ح 2، تح وتعليق: محمد باقر المحمودي، ط 2، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية 1419 ه.

أنساب الأشراف، تح: سهيل زكار - رياض زر كلي، ط 1، دار الفكر، بيروت، 1996 م.

البيضاوي: ناصر الدين عبد الله بن عمر ت 682 ه.

تفسير البيضاوي المسمى أنوار التنزيل، ب.محق، دار الفكر، بيروت، ب.ت.

الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى (209 - 279 ه).

سنن الترمذي: تح: عبد الوهاب عبد اللطيف، ب.ط، دار الفكر، بيروت، 1403 ه.

الثعلبي: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم ت 427 ه / 1035 م.

تفسير الثعلبي المسمى ( الكشف والبيان عن تفسير القرآن)، تح: أبو محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2002.

ابن جبر: زين الدين علي بن يوسف (القرن السابع الهجري)

ص: 249

نهج الإيمان، تح: السيد أحمد الحسيني، ط 1، مشهد، 1418 ه.

أبو جعفر الاسكافي: محمد بن عبد الله المعتزلي ت 240 ه.

المعيار والموازنة، تح: محمد باقر المحمودي، ط 1، ب.مکا، 1981.

نقض العثمانية (نصوص من الكتاب ملحقة بكتاب العثمانية للجاحظ)، تح: عبد السلام محمد هارون، ط 1، دار الجيل، بيروت. ب.ت.

ابن الجوزي: أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي (510 - 597 ه).

زاد المسير في علم التفسير، حققه: محمد بن عبد الرحمن عبدالله، ط 1، دار الفكر، بیروت، 1987.

الجوهري: إسماعيل بن حماد ت (393 ه / 1003 م).

الصحاح، تح: احمد عبد الغفور، ط 4، دار العلم للملايين، بيروت، 1987 م.

ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ت 327 ه.

تفسير القرآن العظيم، تح: أسعد محمد الطيب، دار الفكر، بيروت، 2003.

الحاكم الحسكاني: الحافظ عبيد الله بن أحمد الحنفي النيسابوري (القرن الخامس الهجري).

شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تح: محمد باقر المحمودي، ط 1، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، طهران، 1990.

الحاكم النيسابوري: محمد بن محمد ت 405 ه.

المستدرك، تح: يوسف المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، 1406 ه.

معرفة علوم الحديث، ط 4، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1400.

ابن حبان: محمد البستي التميمي ت 354 ه.

كتاب الثقات، ط 1، حیدر آباد الدكن، الهند، 1393 ه.

مشاهير علماء الأمصار، تح: مرزوق علي، ط 1، دار الوفاء، ب.مکا، 1991 م.

ابن حبيب: محمد البغدادي ت ما بعد 279 ه.

المنمق، تح: خورشید احمد فاروق؛ ط 1، حیدر آباد الدكن - الهند، 1384 ه / 1964 م.

ابن حجر العسقلاني: احمد بن علي ت 852 ه الإصابة في تمييز الصحابة، تصحيح: إبراهيم الفيومي، دار الفكر، بيروت، 1328 ه.

ص: 250

تهذيب التهذیب، تح: صدقي جميل العطار، ط 1، دار الفكر، 1995.

فتح الباري، ط 2، دار المعرفة، بیروت، ب.ت.

لسان المیزان، ب.محق، ط 1، حیدر آباد الدكن - الهند، 1330 - 1331 ه.

ابن أبي الحديد: عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المدائني 586 - 656 ه.

شرح نهج البلاغة، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، دار الجيل، بیروت، 1987.

الحسني: ابو الحسين يحیی بن حمزة بن علي ت 749 ه.

الديباج الوضي في الكشف عن اسرار کلام الوصي (شرح نهج البلاغة)، تح: خالد بن قاسم بن محمد المتوكل، ط 1، مؤسسة الامام زید بن علي الثقافية، صنعاء، 2003 م.

ابن الحسين: الحسن بن يحيى القاسمي ت 298 ه.

التحفة العسجدية في ما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية، أبو أيمن للطباعة، صنعاء، 1343 ه.

ابن حنبل: أبو عبد الله احمد بن محمد (164 - 241 ه).

المسند، ب.محق، دار صادر، بیروت، ب.ت.

ابن حيان: أبو عبد الله محمد بن يوسف بن علي بن يوسف الأندلسي الحياني ت 754 ه.

تفسیر ابن حيان المسمى (البحر المحيط)، تح: عادل أحمد عبد الموجود، وآخرين، ط 1، دارالکتب العلمية، بيروت، 2001.

الخزاز: أبو القاسم علي بن محمد بن علي القمي ت (ق 4 ه).

كفاية الأثر في النص على الائمة الاثني عشر، تح: عبد اللطيف الحسيني، ب.ط، مط: الخيام، الناشر: بیدار، قم، 1401 ه.

الخطيب البغدادي: أبو بکر احمد بن علي ت 463 ه تاریخ بغداد، ب. محق، مط السعادة، القاهرة، 1931.

الخوارزمي: أبو المؤيد موفق الدين بن أحمد البكري (القرن السادس الهجري).

المناقب، قدم له: محمد رضا الخرسان، النجف، 1385 ه.

ابن خياط: خليفة ت 240 ه.

تاریخ خليفة، تح: سهیل زکار، دار الفکر، بیروت، 1993.

ابن الدمشقي: محمد بن احمد الباعوني الشافعي ت 871 ه.

ص: 251

جواهر المطالب في مناقب الإمام الجليل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ط 1، تح: محمد باقر المحمودي، قم، 1415 ه.

الديار بكري: حسين بن محمد بن الحسن ت 966 ه / 1559 م.

تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس، دار صادر، بیروت، ب.ت.

الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد 748 ه / 1347 م.

تاريخ الإسلام، تح: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بیروت، 1987.

تذكرة الحفاظ، ب.محق، ب.ط، الناشر: مكتبة الحرم المكي، ب.مکا، ب.ت.

سير أعلام النبلاء، تح: محب الدين العمروي، ط 1، بیروت، 1997.

میزان الاعتدال، تح: علي محمد البجاوي، ط 1، دار المعرفة، بیروت، 1382 ه.

الرافعي: أبو القاسم عبد الكريم بن محمد ت 623 ه.

فتح العزيز، ب. محق، دار الفكر، ب. ت.

الرامهرمزي: الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد ت 360 ه 970 م.

المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، تح: محمد عجاج الخطيب، ط 3، دار الفكر، بیروت، 1404 ه.

ابن راهويه: إسحاق بن إبراهيم ت 238 ه.

مسند ابن راهويه، تح: عبد الغفور عبد الحق، ط 1، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، 1991.

الزبيدي: محمد مرتضی ت 1205 ه.

تاج العروس، مكتبة الحياة، بيروت، ب.ت.

الزرندي: جمال الدين محمد بن يوسف الحنفي ت 757 ه.

معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول والبتول، تح: محمد كاظم المحمودي، ط 1، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، 1425 ه.

نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين، مكتبة أمير المؤمنين... العامة، ط 1، 1958 ه.

الزمخشري: محمود بن عمر ت 538 ه.

أساس البلاغة، ب.محق، ب.ط، دار ومطابع الشعب، القاهرة، 1960.

الفائق في غريب الحديث، ط 1، بیروت، 1417 ه.

ص: 252

الكشاف عن حقائق وغوامض التنزيل وعيون الأقاويل، دار الكتاب العربي، بیروت، ب. ت.

الزيلعي: العلامة جمال الدین ت 762 ه.

تخريج الأحاديث والآثار، تح: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، ط 1، دار ابن خزيمة، الرياض، 1414 ه.

السرخسي: شمس الدین ت 483 ه.

المبسوط، تح: جمع من الأفاضل، دار المعرفة، بیروت، 1406 ه.

ابن سعد: محمد ت 230 ه.

الطبقات الکبری، تح: إحسان عباس، بیروت، 1978 م.

ابن سلام: أبو القاسم عبيد الهروي ت 224 ه.

غريب الحديث: تح: محمد عبد المعين خان، ط 1، بیروت، 1396 ه / 1964.

السمعاني: أبو المظفر منصور بن محمد ت 489 ه.

تفسير السمعاني، تح: ياسر بن إبراهيم، وغنيم بن عباس، ط 1، دار الوطن، الرياض، 1997.

السهيلي: الامام المحدث ابو القاسم عبد الرحمن ت 581 ه.

الروض الانف في شرح السيرة النبوية لابن هشام ت 213 ه، تعليق: الشيخ عمر عبد السلام السلامي، ط 1، دار احیاء التراث العربي، بیروت، 2000 م.

ابن سيد الناس: محمد بن عبد الله بن يحيی 671 - 734 ه.

عيون الأثر، مؤسسة عز الدين، ب.ط، بیروت، 1986.

السيوطي: ابو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ت 911 ه.

تاریخ الخلفاء، تح: محمد محي الدين عبد الحميد، منشورات الشريف الرضي. ب.ت.

التعظيم والمنة في ان ابوي رسول الله في الجنة، منشور ضمن الرسائل العشر للسيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 1989.

تنزيه الأنبياء عن تشبيه الاغبياء، منشور ضمن الرسائل العشر للسيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989 م.

الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، ط 1، دار الفکر، بیروت، 1401 ه.

ص: 253

الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ب. محق، بغداد، 1377 ه.

الدرج المنيفة في الاباء الشريفة، منشور ضمن الرسائل العشر للسيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989.

السبل الجلية في الاباء العلية، منشور ضمن الرسائل العشر للسيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989.

كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب المعروف بالخصائص الکبری، دار الكتاب العربي، 1320 ه.

المحاضرات والمحاورات، تح: يحيى الجبوري، ط 1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2003 م.

مسالك الحنفا في والدي المصطفی، منشور ضمن الرسائل العشر للسيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989.

المقامة السندسية في النسبة المصطفوية، منشور ضمن الرسائل العشر للسيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989.

نشر العلمين المنيفين في اخبار الابوين الشريفين، منشور ضمن الرسائل العشر للسيوطي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1989.

ابن شاذان: سید الدین شاذان بن جبرئيل القمي ت 660 ه.

الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، تح: علي الشكرجي، ط 1، مرکز الأمير، قم، 1423 ه.

الفضائل، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1962. الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدریس (150 - 204 ه).

مسند الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ب. ت.

الشامي: أبو حاتم جمال الدین یوسف بن حاتم العاملي ت 664 ه.

الدر النظيم، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ب.ت.

الشربيني: شمس الدين محمد بن أحمد ت 960 ه.

مغني المحتاج، دار إحياء التراث العربي، 1958.

الشريف الرضي: أبو الحسن محمد بن الحسين (309 - 406 ه).

نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: صبحي الصالح، ط 6، دار

ص: 254

الاسوة، طهران، 1429 ه. الشريف المرتضي: أبو القاسم علي بن الحسين علم الهدی 355 - 436 ه.

الامالي، تح: احمد الشنقيطي، ط 1، قم، 1907. الانتصار: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1415 ه.

رسائل المرتضی، تح: مهدي رجائي، ب.ط، مط: سید الشهداء، الناشر: دار القرآن، ب.مکا، 1405 ه.

ابن شعبة الحراني أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين (ق 4 ه).

تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله، تح: علي اکبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1404 ه.

ابن شهر آشوب: أبو عبد الله محمد بن علي ت 588 ه.

مناقب آل أبي طالب، المطبعة الحيدرية، النجف، 1376 ه.

الشوكاني: محمد بن علي بن محمد الصنعاني ت 1250 ه.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير، مط عالم الكتب، ب.ت.

ابن أبي شيبة: عبد الله بن محمد ت 235 ه.

المصنف، تح: سعيد محمد اللحام، ط 1، دار الفكر، 1409 ه.

الصالحي: محمد بن يوسف الشامي ت 942 ه.

سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تح: عادل احمد، ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 1414 ه.

الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي ت 381 ه.

الامالي، تح: قسم الدراسات الإسلامية، ط 1، قم، 1417 ه.

الخصال، تح: علي اکبر غفاري، جماعة المدرسين، قم، 1403 ه.

علل الشرائع، المطبعة الحيدرية، النجف، 1966.

عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ط 1، مط شریعت، المكتبة الحيدرية، قم، 1425 ه.

من لا يحضره الفقیه، تح: علي اکبر غفاري، ط 2، جماعة المدرسين، قم، 1404 ه.

أبو الصلاح الحلبي: تقي الدين بن نجم الدين بن عبيد الله (374 - 447 ه).

ص: 255

الكافي في الفقه، تح: رضا أستادي، مكتبة أمير المؤمنين، أصفهان، 1403 ه.

الصنعاني: أبو بكر عبد الرزاق بن همام 211 ه / 827 م.

المصنف، تح: حبیب الله الاعظمي، الناشر: المجلس العلمي، ب. ت.

ابن طاووس: أبو القاسم رضي الدين علي بن موسی بن جعفر بن محمد ت 664.

التحصين: تح: الأنصاري، قم، 1413.

الطرائف في معرفة مذهب الطوائف، ب.محق، ط 2، مطبعة الخيام، قم، 1399 ه.

الطبراني: أبو القاسم سلیمان بن احمد (260 - 360 ه).

المعجم الأوسط، تح: إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، ب.ت.

المعجم الكبير، تح: حمدي عبد المجيد السلفي، ط 2، دار إحياء التراث العربي، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ب.ت.

الطبرسي: رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل ت 548 ه.

مکارم الاخلاق، ب.محق، ط 6، منشورات الشريف الرضي، 1972.

الطبرسي: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب ت 548 ه.

الاحتجاج، تعليق: محمد باقر الخرسان، مطبعة النعمان، النجف، 1966.

الطبرسي: أبو علي الفضل بن الحسن ت 548 ه.

إعلام الوری بأعلام الهدی، ط 1، مؤسسة آل البيت، قم، 1417 ه.

الطبري: أبو جعفر محمد بن جریر ت 310 ه.

تاريخ الأمم والملوك، مؤسسة الاعلمي، بيروت، ب. ت.

جامع البيان عن تأویل آي القرآن، ب، محق، ط 3، ب، مکا، 1968.

الطبري الصغير: أبو جعفر محمد بن جریر بن رستم (ق 5 ه).

دلائل الإمامة، تح: قسم الدراسات الإسلامية، ط 1، قم، 1413 ه.

الطريحي: فخر الدين ت 1085 ه.

مجمع البحرین، تح: احمد الحسيني، ط 2، قم، 1408 ه.

ابن طلحة الشافعي: كمال الدين محمد (582 - 652 ه).

مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تح: ماجد بن أحمد العطية، ب.مکا، ب.ت.

الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن (385 - 460 ه).

ص: 256

الامالى، ب. محق، دار الثقافة للنشر، قم، 1414 ه.

تهذیب الأحکام، تح: السيد حسن الخرسان وآخرين، ط 4، دار الكتب الإسلامية، 1390 ه.

التبيان في تفسير القرآن، تح: أحمد قصير العاملي، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بیروت، 1409 ه.

ابن عبد البر: أبو عمرو يوسف القرطبي ت 463 ه.

الاستيعاب في أسماء الأصحاب، تح: علي محمد البجاوي، ط 1، دار الجيل، بیروت، 1992 م.

ابن عساکر: أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله الشافعي (499 - 571 ه).

تاريخ مدينة دمشق، تح: علي شيري، ب.ط، دار الفکر، بیروت، 1995 م.

ابن عقدة: أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد ت 332 ه.

الولاية، جمع نصوصه، عبد الرزاق حرز الدين، ب.مکا، ب.ت.

فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، جمعه ورتبه وقدم له: عبد الرزاق حرز الدين، ب.مکا، 1421 ه.

ابن الفتال النيسابوري: أبو جعفر محمد بن الحسن ت 508 ه.

روضة الواعظين، ط 2، مط: أمير، قم، 1375 ه.

الفخر الرازي: فخر الدين ت 606 ه.

مفاتح الغيب، ط 3، ب.محق، ب.مکا، ب.ت.

الفراهيدي: أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد (100 - 175 ه).

العين، تح: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار الهجرة ط 2، 1409 ه.

أبو الفرج الاصفهاني: علي بن الحسين ت 356 ه.

الاغاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1994 م.

مقاتل الطالبيين، تقديم واشراف: كاظم المظفر، ط 2، المكتبة الحيدرية، النجف الاشرف، 1965 م.

ابن قتيبة: أبو محمد عبدالله بن مسلم الدينوري ت 276 ه.

المعارف، تح: ثروت عكاشة، القاهرة، 1981.

ابن قدامة: موفق الدين أبي محمد عبد الله بن احمد ت 620 ه.

ص: 257

المغني، ب. محق، دار الكتاب العربي، ب.ت.

ابن قدامة : عبد الرحمن 682 ه.

الشرح الكبير، ب.محق، ب.ط، دار الكتاب العربي، بیروت، ب.ت.

القرطبي: أبو عبد الله محمد بن احمد الأنصاري (671 ه / 1273 م) الجامع لأحكام القرآن، ط 2، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1960.

القندوزي: سلیمان بن إبراهيم الحنفي ت 1294 ه.

ينابيع المودة لذوي القربی، تح: سيد علي جمال الحسيني، ط 1، دار الأسوة، 1416 ه.

ابن كثير: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمرت 774 ه.

البداية والنهاية، اعتني به، حنان عبد المنان، بیت الأفكار الدولية، ب.ت.

تفسير ابن كثير، ب.ط، مط: دار المعرفة، بیروت، 1412 ه.

السيرة النبوية، تح: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بیروت، 1971.

الكراكجي: أبو الفتح محمد بن علي ت 449 ه کنز الفوائد، ط 2، مطبعة الغدير، مكتبة مصطفوي، قم، 1369 ه.

الكليني: أبي جعفر محمد بن يعقوب ت 329 ه.

الكافي، تح علي اکبر غفاري، ط 3، دار الكتب الإسلامية، 1388 ه.

الكنجي الشافعي: أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد ت 658 ه.

كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب، تح محمد الاميني، ط 2، النجف، 1970.

الكوفي: محمد بن سليمان القاضي، ( حياً 300 ه).

مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تح: محمد باقر المحمودي، ط 1، الناشر: مجمع أحياء الثقافة الإسلامية، قم، 1412 ه.

المازندراني: موسى محمد صالح ت 1081 ه.

شرح أصول الكافي، ضبط وتصحیح: علي عاشور، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بیروت، 2000.

الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد البصري ت 450 ه.

إعلام النبوة، تح: سعيد محمد اللحام، ط 1، دار مكتبة الهلال، بیروت، 1989.

المتقي الهندي: علاء الدين بن علي ت 975 ه / 1567 م.

ص: 258

کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ط 2، حیدر آباد الدكن، الهند، 1950 - 1967.

المجلسی: محمد باقرت 1111 ه.

بحار الأنوار، ط 2، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1983.

المحب الطبري: احمد بن عبد الله ت 694 ه.

ذخائر العقبی، مكتبة القدسي، القاهرة، 1356 ه.

الرياض النضرة، تح: سليمان حسن عبد الوهاب، ط 2، مصر، 1953 م.

المحقق الحلي: أبو القاسم نجم الدین جعفر بن الحسن ت 676 ه.

شرائع الإسلام، تح: صادق الشيرازي، ط 2، قم، 1409 ه.

ابن مردويه: أبو بكر احمد بن موسى الاصفهاني ت 410 ه.

مناقب علي بن أبي طالب، جمع: عبد الرزاق حرز الدين، ط 2، دار الحدیث، قم، 1424 ه.

المسعودي: أبو الحسن علي بن الحسين ت 346 ه.

اثبات الوصية للامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ب.ط، ب. مط، قم، 1996 م.

مروج الذهب ومعادن الجوهر في التاريخ، عني به: محمد النعسان وعبد المجيد طعمة، ط 1، دار المعرفة، 2005. مسلم بن الحجاج النيسابوري ت 261 ه.

صحیح مسلم، ب. محق، دار الفکر، بیروت، ب.ت.

ابن معد: أبو علي شمس الدين فخار بن معد الموسوي ت 630 ه.

الحجة على الذاهب إلى كفر أبي طالب، تح: السيد محمد بحر العلوم، ط 1، قم، 1410 ه.

ابن المغازلي: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الواسطي الشافعي ت 483 ه.

مناقب علي بن أبي طالب، ط 1، إنتشارات سبط النبي (عليه السلام)، ب. مکا، 1426 ه.

المفيد: أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (336 - 413 ه).

تفسير المفيد، تح: السيد محمد علي، ط 1، قم، 1424 ه.

المقنعة، ب. محق، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم، 1413 ه.

ص: 259

المقريزي: تقي الدين أبو العباس احمد بن علي (ت 845 ه / 1442 م).

إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، تحقیق وتعليق: محمد عبد الحميد، منشورات محمد علي بيضون، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999.

ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مکرم ت 711ھ / 1311 م.

لسان العرب، ط 1، دار أحياء التراث العربي، أدب الحوزة، ب.ت.

ابن میثم: كمال الدين بن علي البحراني ت 679 ه.

شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، عني بطبعه ونشره وتصحيحه والتعليق عليه: میر جلال الدين الحسيني الإرموي المحدث، منشورات جماعة المدرسين، قم، 1390 ه.

شرح نهج البلاغة، ط 1، مط: وفا، قم، 1427 ه.

الميداني: أبو الفضل أحمد بن محمد. ت 588 ه.

مجمع الأمثال، تح: محمد محيي الدين عبد الحميد، ط 2، مط السعادة، مصر، 1959.

النسائي: أبو عبد الرحمن احمد بن شعیب (215 - 303 ه).

السنن الکبری، تح: عبد الغفار سلیمان - سید کسروي، ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 1991.

النسفي: ابو البرکات عبد الله بن أحمد بن محمود ت 537 ه.

تفسير النسفي المسمى ( مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، ب. محق، ب. مکا، ب.ت.

النعماني: محمد بن إبراهيم ت 380 ه.

الغيبة: تح: علي اکبر غفاري، طهران، ب.ت.

النووي: محيي الدين أبو زکریا یحیی بن شرف الدمشقي (631 - 676 ه).

روضة الطالبين: تح عادل احمد - علي محمد، بیروت، ب.ت.

شرح صحیح مسلم، ب.محق، ط 2، دار الكتاب العربي، بیروت، 1987.

المجموع، من شرح المهذب، دار الفكر، ب.ت.

ابن هشام: أبو محمد عبد الملك الحميري ت 218 ه.

السيرة النبوية، تح: محمد محيي الدين، الناشر: مكتبة محمد علي، مصر، 19663.

الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر (ت 807 ه).

ص: 260

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، مكتبة القدسي، القاهرة، 1352 - 1353 ه.

الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري ت 478 ه أسباب النزول، دار الباز، مؤسسة الحلبي، القاهرة، 1986.

الواسطي الليثي: كافي الدين أبو الحسن علي بن محمد الواسطي (ق 6 ه).

عيون الحكم والمواعظ، تح: حسين الحسني، ط 1، دار الحديث، قم، 1376.

ياقوت الحموي: أبو عبد الله الرومي ت 626 ه.

معجم الأدباء، ط الأخيرة، مكتبة عيسى الحلبي، مصر، 1963.

معجم البلدان، تح: وستنفلد، لا يبزج، 1868.

اليعقوبي : احمد بن أبي يعقوب (كان حيا في 292 ه).

التاريخ، علق عليه: خليل المنصور، ط 1، مط مهر، دار الاعتصام، 1425 ه.

أبو يعلى: احمد بن علي التميمي الموصلي 210 - 307 ه.

مسند أبو يعلى، تح: حسین سلیم أسد، دار المأمون للتراث، بیروت ۔ دمشق، ب.ت.

المراجع الثانوية الأسدي: عبد الرزاق فرج الله.

الإمام علي (عليه السلام) بين طهر الميلاد ومجد الاستشهاد، تح: قسم الشؤون الفكربة والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، ط 2، مط دار الضياء، النجف الاشرف، 2009 م.

إسماعيل: حیدر.

آباء النبي محمد صلى الله عليه وآله من آدم إلى عبد الله (سيرة مختصرة ورد شبهات)، ط 1، دار ومكتبة البصائر، بیروت، 2012.

الألباني: محمد ناصر الدين.

إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، ط 2، المكتب الإسلامي، بيروت، 1985 م.

برکات: محمد خليفة.

علم النفس التعليمي، ط 4، دار القلم، الكويت، 1994 م.

ابو جادو: صالح محمد.

ص: 261

علم النفس التربوي، ط 8، دار المسيرة، عمان، 2011 م.

الجبوري: صفاء كامل.

موسوعة العلماء والمكتشفين والمخترعين، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 2007 م.

حبيب الله الخوئي: الميرزا الهاشمي ت 1324 ه.

منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح: علي عاشور، ط 2، دار احياء التراث العربي، بيروت، 2008 م.

درويش: السيد طاهر عيسى.

علي كما وصف نفسه، ط 1، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 2004.

الرحو:جنان سعيد اساسيات في علم النفس، ط 1، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2005 م.

الريشهري: محمد.

ميزان الحكمة، دار الحديث، ط 1، قم، 1416 ه.

الزركلي: خير الدين.

الأعلام، دار العلم للملايين، ط 5، بيروت، 1980.

زيني دحلان: احمد ت 1304 ه السيرة النبوية، الطبعة الجديدة، دار احياء التراث العربي، بيروت، ب.ت.

الساعدي: إيمان حسن مجيسر.

والدا النبي محمد صلى الله عليه وآله رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة البصرة، 2009.

السيستاني: السيد علي الحسيني.

منهاج الصالحين، قم، ط 1، 1416 ه.

الشرهاني: حسين.

حياة السيدة خديجة بنت خويلد، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 2005 م.

شكشك: انس.

علم النفس العام، ط 1، دار النهج، حلب، 2008 م.

الصائغ: مجيد.

ص: 262

علي (عليه السلام) بين أمه وأبيه، بیروت، 2001 م.

الصافي: د. حسين آباء النبي صلى الله عليه وآله في الكتاب والسنة، مجلة صدى القرآن، العدد الثاني، السنة الاولى، 2012 م، ص 105 - 124.

الصالح: صبحي (الشارح) نهج البلاغة، ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: صبحي الصالح، ط 6، دار الاسوة، طهران، 1429 ه.

الساعدي: إيمان حسن مجيسر.

والدا النبي محمد صلى الله عليه وآله، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة البصرة، 2009. الصفراني: ریاض رحيم حسين هاشم بن عبد مناف، دراسة في سيرته الشخصية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية، 2010 م.

الطحان: مصطفی محمد.

التربية ودورها في تشكيل السلوك، ط 1، دار المعرفة، بیروت، 2006 م.

العاملي: جعفر مرتضى بنات النبي أم ربائبه، ط 2، المركز الإسلامي للدراسات، بیروت، 2002 م.

القول الصائب في إثبات الربائب، ط 2، بیروت، 2002 م.

عبد الحميد: صائب.

تاريخ السنة النبوية (ثلاثون عاما بعد الرسول (صلى الله عليه وآله)، ط 1، مط: فروردین، ب مکا، 1997 م.

العسكري: نجم الدين. ت 1390 ه / 1970 م.

حديث الثقلين، ط 4، مطبعة الآداب، النجف، ب.ت.

العقاد: عباس محمود.

عبقرية الإمام (عليه السلام)، دار الفکر، بغداد، ب.ت.

العواد: انتصار عدنان.

السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام) دراسة تاريخية، مؤسسة البديل، بیروت،

ص: 263

2009.

السيرة النبوية برؤية أمير المؤمنين (عليه السلام) دراسة في نهج البلاغة، دار الفيحاء، بیروت، 2015 م.

الفحام: عباس علي حسين بلاغة النهج في نهج البلاغة، ط 1، مؤسسة دار الصادق الثقافية ودار الرضوان، الاردن، 2014 م.

فلسفي: محمد تقي الطفل بين الوراثة والتربية، تعريب وتعليق فاضل الحسيني الميلاني، ط 2، مط دار سبط النبي (عليه السلام)، 2005 م.

القزويني: لطيف.

رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ، بلا معلومات.

كحالة: عمر رضا.

معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، ط 2، دار العلم للملايين، بيروت، 1968 م.

الكوراني: علي.

السيرة النبوية برواية اهل البيت (عليه السلام)، الطبعة الجديدة، دار المرتضی، بیروت، 2009 م.

- آل لطيف: محمد بن ابراهيم على الله.

مآثر آل البيت وبني هاشم، ط 1، الدار العربية للموسوعات، بیروت، 2011 م.

المحمداوي: علي صالح رسن.

أبو طالب بن عبد المطلب، ط 1، مؤسسة البصرة للكتاب الثقافي، دار ومكتبة البصائر، بیروت، 1433 ه.

المرعشي: ت 1411 ه.

شرح احقاق الحق، تح وتعليق السید شهاب الدين المرعشي، تصحیح: ابراهیم الميانجي، ب ط، ب مط، منشورات مكتبة آية الله المرعشي، قم، ب.ت.

الملاح: هاشم یحیی.

الوسيط في تاريخ العرب قبل الإسلام، دار الكتب، الموصل، 1994 م.

المير جهاني: حسن الطباطبائي.

ص: 264

مصباح البلاغة في مشكاة الصياغة (مستدرك نهج البلاغة )، طهران، 1388 ه الميلاني: السيد هاشم سيرة الرسول الأعظم من نهج البلاغة، نشر العتبة العلوية المقدسة، النجف الاشرف، 2012 م.

ناصر مكارم الشيرازي.

نفحات الولاية (شرح نهج البلاغة شرح عصري جامع لنهج البلاغة)، بمساعدة مجموعة من الفضلاء، اعداد: عبد الرحيم الحمراني، ط 2، دار جواد الائمة عليهم السلام، بيروت، 2009 م.

النصر الله: د. جواد.

أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) في رحاب البصرة، مطبعة الغدير، البصرة، 2013.

الإمام علي (عليه السلام) في فكر معتزلة البصرة، دار الفيحاء، بيروت، 2013.

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد رؤية اعتزالية عن الإمام علي (عليه السلام)، ط 1، ذوي القربى، قم، 2004 م. فضائل الإمام علي تنسب لغيره، الحلقة الأولى (الولادة في الكعبة)، مركز الأبحاث العقائدية، النجف، 2009.

النصر الله: جواد، العواد: انتصار.

صاحبة التسبيح المقدس ( حوارية تاريخية في رد الشبهات عن سيرة السيدة فاطمة (عليه السلام)، مؤسسة الرافد للمطبوعات، بغداد، 2012 م.

اليوسفي: محمد هادي الغروي.

موسوعة التاريخ الإسلامي، ط 1، مجمع الفكر الإسلامي، قم، 1417 ه.

ص: 265

ص: 266

البحث الخامس النبوة والإمامة ومسارات التكامل الأدائي دراسة في حتمية التلازم م. د. شهيد كريم محمد جامعة ميسان - كلية التربية

ص: 267

ص: 268

المقدمة

على الرغم من كثرة الاشتغالات الفكرية التي استهدفت موضوعة الترابط بين النبوة والإمامة، ظلت على الدوام مثار نزوع فکري يستقطب مراجعات جديدة، فهي لا تزال تدرس بمعايير تقليدية ترتد لفواعل الانتماء المذهبي والسياسي والفكري، وهي بهذا التباين تظل محدودة التأثير والاقناع، والجدوى في الكشف عن طبيعة ذلك الترابط والدور الذي أداه على مستوى الحدث الداخلي لمسار الإسلام التاريخي، وعلى مستوى التأثير والانعکاس في الثقافة الإسلامية المعاصرة. ولذلك يبدو الموضوع بحاجة لضرب آخر من المراجعة، يعمل على تفكيك الحدث نفسه (الحراك أو الفعل المادي للحدث) لا صورته المنتجة عبر المواقف والآراء المتبناة في مادته النصية، فمن المعلوم أن الصورة النصية غالباً ما تمثل اعادة انتاج للأحداث والآراء والمواقف المتخذة حيالها، وهي غالبا ما تمثل رؤية ووجهة نظر السائد القادر على إزاحة من يخالفه في الانتماء والرأي، وقد حفلت مدونة السيرة النبوية (سيرة ابن اسحاق وتهذيبها على يد ابن هشام خصوصاً) بعدها المجال الثقافي الأول - من حيث طبيعة موضوعها وانتاجها النصي المبكر - الذي تجلت فيه مساحة الترابط والتفاعل الأدائي بين النبوة والإمامة، حفلت بمواطن متعدد للتشكل وفق معايير السائد والمهمش، بل إننا نستطيع القول أنها إنما تشكلت بمجملها وفق هذا المنظور(1). ولذلك يرغب البحث باختراق تلك الصور النصية (الأحداث المكونة) والولوج إلى حقيقتها الكائنة، عبر تفعيل حراك النسق الداخلي للحدث وأسباب تشكله ومعطياته ومنطق تحققه التاريخي، للكشف عن

ص: 269


1- للوقوف على تفصيلات تشكل المدونة السيرية وفق معايير السائد والمهمش ينظر: الكعبي: منهجية اقصاء سيرة الإمام علي (عليه السلام) في كتاب السيرة النبوية لابن هشام (بحث منشور في مجلة المبين العدد الثاني، 2016)

كيفية تحكمه بصياغة طبيعة الترابط وحتمية التلازم والتكامل الأدائي بين النبوة والإمامة، والذي رغبت المدونة السيرية بتغيير مساره و طرائق فهمه والتعاطي معه.

مثال ذلك عندما تعلل المدونة السيرية نشأة الإمام علي (عليه السلام) على الإسلام والإيمان، بدعوى حدوث المجاعة في قريش وتكفله من قبل النبي صلى الله عليه وآله وتكفل أخويه (طالب وجعفر) من قبل الحمزة والعباس للتخفيف عن أبي طالب (عليه السلام)(1)، فهي تتجاهل المنطق التاريخي الذي لا نكاد نعثر معه على شخصية طالب!؟، وإن كان موجود فعلاً فقد بلغ من العمر (30 سنة) أما جعفر فقد بلغ (10 سنوات) بمعنى أنها قادران على الاعتماد على نفسيهما، فضلاً عن ذلك فهذا التأويل يتجاهل حقيقة الاقتران التي صرح بها الإمام (عليه السلام) دون الإشارة لتعلقه بمجاعة أو ما شاكل(2). وعندما تعمل المدونة على تغييب دور الإمام (عليه السلام) في تولي مسؤولية الهجرة بعائلة النبي (صلى الله عليه وآله) كي لا يجتمع له فضل المبيت على فراشه وتأدية أمانته والائتمان على عائلته؛ نجدها تضطر لإسقاط حدث هجرة العائلة النبوية من مفاصل السيرة!(3)، مما شكل فجوة كبيرة واضحة المعالم في بنيتها التدوينية، عُمل على ملئها - لاحقاً - بروایات

ص: 270


1- ينظر. ابن هشام: السيرة النبوية، 1 / 246؛ الطبري: تاریخ، 2 / 313؛ ابن عد البر: الاستیعاب، 1 / 38؛ أبو الفرج الأصفهاني: مقاتل الطالبيين، 15؛ ابن الأثير: الكامل، 2 / 58؛ ابن سید الناس: عيون الأثر، 1 / 124 - 125
2- ينظر. الشريف الرضي: نهج البلاغة، 300 - 301؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 13 / 197. ولتفاصيل أوفي عن هذه الموضوعة ينظر. النصر الله جواد کاظم: فضائل أمير المؤمنين، 210؛ انتصار العواد: السيرة النبوية، 66 - 70
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 2 / 482 - 493؛ الطبري: تاریخ، 2 / 372 - 382؛ ابن سيد الناس: عيون الأثر، 1 / 235، 253؛ ابن کثیر، البداية والنهاية، 3 / 216 - 219؛ السيرة النبوية، 2 / 233، 342

متهافتة ومتناقضة(1)، دلت بشكل صريح على نية مبيته في التعتيم على الحقيقة(2). وعندما تعمل على حسم معركة الخندق بالخلاف الذي أوقعه نعيم بن مسعود بين قریش واليهود، وبهبوب الريح على معسكر الأحزاب، نلحظ بأنها تحاول تجاوز أو تسطيح عامل الحسم الأبرز في المعركة وهو قتل الإمام علي (عليه السلام) لقائد جیش الأحزاب عمر بن عبد ود(3). وعندما تحاول تضبيب الحقيقة الكامنة وراء حسم معركة خيبر وتشويهها نلمس منها رغبة طاغية في توزيع أدوار الحسم على أكبر عدد من الصحابة ومصادرة تفرد الإمام علي (عليه السلام) فيه(4).

هذه الشواهد وغيرها تعطي أدلة متتابعة على خضوع المدونة السيرية لمعايير السائد والمهمش، وبالتالي خضوع مفاهيم الترابط بين النبوة والإمامة فيها لهذه المعايير. ومع ذلك يرغب البحث بتفعيل مبدأ الحركة الية للأحداث وطبيعة مسارها، والسماح له بالكشف عن النسق الواقعي والحقيقي لها وما تم حجبه في صورها النصية. بعبارة أخرى قراءة الحادثة وفق معطياتها التاريخية وأسباب تشکلها، للوقوف على ضرورة أو إلزامية التلازم بين النبوة والإمامة ومسارات تکامل الأداء الوظيفي بينهما، ومدى إمكانية تحقق الوظيفة الأدائية للنبي بدون وجود الإمام؟، عبر تجاوز مساحة أو نطاق النص والولوج إلى الحدث نفسه، والتحرك خلاله وإعادة الاعتبار لما أهمل منه، وصولاً إلى صورته الحقيقية الكائنة وفرضیات تحققها الممكنة.

ص: 271


1- ينظر. ابن هشام: السيرة النبوية، 2 / 410؛ ابن سعد، الطبقات، 1 / 204؛ البلاذري: أنساب الأشراف، 1 / 269 - 270؛ الحاكم النيسابوري: المستدرك، 4 / 4 - 5
2- ينظر. الكعبي: صورة أصحاب الكساء، 529 - 539
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 3 / 699 - 715
4- ينظر. الكعبي: منهجية اقصاء سيرة الإمام علي (عليه السلام)، 121 - 132

يجدر الالتفات هنا إلى أن النص القرآني يقدم - من خلال عرضه لقصص الأنبياء - مسألة التلازم بين النبي ومن يؤازره في أداء وظيفة النبوة أو يخلفه فيها، کما في مثال ابراهيم واسماعيل أو يعقوب ويوسف أو سليمان وداود أو موسی وهارون (عليه السلام)، على أنها سنة كونية في تاريخ الأنبياء (عليه السلام)، بحيث لا يمكن - حسب المنطق التاريخي - أداء الوظيفة النبوية التي كلف بها النبي إبراهيم (عليه السلام) - إسكان الذرية واعادة بناء البيت العتيق(1)- برفع أيقونة النبي اسماعیل (عليه السلام)؟ كما لا يمكن تحقق اختبار وبلاء يعقوب برفع أيقونة يوسف (عليه السلام)، والعكس صحيح!، وكذلك بالنسبة لسليمان وداود (عليه السلام). كما أكد النص القرآني على لسان موسی (علیه السلام) أنه كان بحاجة ماسة لمساندة أخيه هارون في اكمال رسالته وأدائها على أكمل وجه قال تعالى: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ٭ هَارُونَ أَخِي ٭ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ٭ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي»(2).

وقال تعالى: «وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ٭ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ»(3). وعليه فالنص القرآني يخُضع تأدية تلك الأدوار أو المهام الأدائية المتلازمة - المتكاملة لمنطقها التاريخي وعللها المادية الطبيعية، التي فرضت حتمية التلازم بين النبي ومن يؤازره أو يخلفه في تحقيقها، وبالتالي تأكيد المسار التكاملي لعملية الأداء بينهما، كقاعدة عملية ثابتة.

وفي هذا اللحاظ يغدو اختبار فرضية التلازم والتكامل بين النبي صلى الله

ص: 272


1- ينظر. سورة ابراهيم / 37؛ البقرة / 125 - 127
2- طه / 29 - 35
3- القصص / 34 - 35

عليه وآله والإمام علي (عليه السلام) بالاعتماد على مبدأ الحتمية التاريخية(1)، وتفعيل حاکمية المنطق التاريخي للحدث، ضرورة علمية ملحة وحرية بالاهتمام، فغالباً ما كانت التناولات السابقة للأدوار والمهام التي تفرد بها الإمام (عليه السلام) عن بقية الصحابة في الصدر الأول من الإسلام، تنتظم في اطار إبراز جانب الفضيلة والتميز والخصائص..، دون الالتفات لعلة هذا التفرد والتميز والتخصص، والأسباب المنطقية الكامنة في أُس الحدث وديناميته الحركية، ودون الاهتمام بشكل وافٍ لخضوعه لمبدأ التكامل الأدائي بينهما. بمعنى أن المسألة لم تكن خاضعة للحظتها الآنية وظرف حدوثها كما يبدو، بقدر ما كانت اللحظة الآنية كاشفة عن انتظام هذا التلازم والتكامل وفق اعداد مقدس مسبق درج عليه تاريخ البعثات والنبوات، ولعل هذا ما يُشعِر به قول الإمام علي (عليه السلام): قد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني إلى فراشه، ويمسني جسده ويشمني عرفه (رائحته الطيبة) وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه..، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بیت واحد يومئذ في الاسلام غیر رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه، فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟!. فقال: هذا الشيطان آیس من عبادته!. إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي، ولكنك وزير، وإنك لعلى خير(2).

ص: 273


1- مذهب فلسفي وسياسي قائم على القول بأن للحوادث التاريخية نظاماً معقولًا، تترتب فيه العناصر بشكل يكون فيه كل منها متعلقاً بغيره ومتحققاً به. ينظر. الكيالي: موسوعة السياسة، 2 / 159 - 161
2- ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 13 / 197 - 198

يستفاد من هذا النص أن التأسيس لمبدأ التلازم والترابط بين النبي صلى الله عليه وآله والإمام (عليه السلام) قد ابتدأ منذ اللحظة الأولى لنزول الوحي، على أنه سبق بمرحلة اعداد مبكرة تمثلت بتربية الإمام (عليه السلام) في حجر وبیت النبي صلى الله عليه وآله. فضلاً عن ذلك فهو يفتح أفق العلاقة والترابط بين النبي صلى الله عليه وآله والإمام (عليه السلام) إلى أبعد مستوى لهما - وإن كان مجال التحقق العملي أو التطبيقي لهذا الترابط سيتضح بشكله المكثف في العهد المدني - زد على ذلك أن النص يُوحي بانتماء هذه العلاقة الترابطية لمثيلاتها بين الأنبياء وأوصيائهم أو خلفائهم في الحالات القرآنية السابقة الذكر. سيما وأننا سنجد النصوص القرآنية (كما في آية المباهلة والتطهير مثلا) والحديثية (كما في حديث المنزلة والولاية مثلاً) والتاريخية (كما في كل المعارك الفاصلة) تؤكد هذه الحقيقة بأدق تفاصيلها وحيثياتها. ولخصوصية البحث وحصره بتتبع مناطق التلازم والتكامل في الأداء الوظيفي بين النبي صلى الله عليه وآله والإمام (عليه السلام)، فإنه سيتغاضى عن كثير من حيثيات الترابط الأخرى، ويحاول رصد الحالات التي انطوت على مسار تكاملي في تأدية مهمة أو وظيفة ما.

ص: 274

أولاً: مبدأ التكامل الأدائي في حدث الهجرة.

لعل من أبرز المواطن التي انطوت على مبدأ حتمية التلازم وتكامل الأداء بين النبوة والإمامة في المرحلة المكية، هي حادثة الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة وما تعلق بها من حيثيات ممهدة ومكملة للفعل التاريخي. فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله اشتهر قبل بعثته بلقب الأمين(1)، أو الصادق الأمين(2)، وعلى هذا الأساس كان أهل مكة يودعونه أماناتهم. ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله طلب من الإمام (عليه السلام) أن يبيت في فراشه وأن يؤدي عنه أماناته لأهل مكة(3)، ومن ثم يحمل عائلته إليه، وهنا بغض النظر عن اسقاط جزئية الهجرة بالعائلة النبوية من مرويات السيرة الرسمية، ومقدار التشويه والتجني، ومحاولات خلط الأوراق وتمييع الحقائق، والقفز على المنطق التاريخي والعقلي وحتى النصي، لفك الارتباط بين النبي والإمام (عليه السلام)(4)، تبقى طبيعة الحدث حاكمة بالاقتران لتأدية مهمة الهجرة على أكمل وجه، وبالنتيجة حتمية التكامل في أدائها.

فمن المعلوم أن عموم المسلمين قد خرجوا من مكة، ولم يبق فيها إلا عائلة

ص: 275


1- ابن سعد، الطبقات، 1 / 146؛ اليعقوبي: تاریخ، 2 / 19؛ المسعودي: التنبيه والإشراف، 197؛ مروج الذهب، 2 / 272؛ الذهبي: تاريخ الإسلام، 1 / 67؛ ابن كثير: البداية والنهاية، 2 / 366 - 367؛ المقريزي: إمتاع الأسماع، 4 / 108
2- النويري: نهاية الإرب، 8 / 167 وينظر التأكيد على هاتين الصفتين عند النبي صلى الله عليه و آله في حدیث جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) مع النجاشي. ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 223 - 225
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 2 / 482 - 493؛ الطبري: تاریخ، 2 / 372 - 382؛ ابن سيد الناس: عيون الأثر، 1 / 235، 253؛ ابن كثير: البداية والنهاية، 3 / 219 - 219؛ السيرة النبوية، 2 / 233، 342
4- ينظر حول تفصیلات هذه الجزئية: الكعبي: منهجية اقصاء سيرة الإمام علي (عليه السلام)، 108 - 121

النبي صلى الله عليه وآله والإمام علي (عليه السلام) وبعض المستضعفين. وعليه لو فرضنا أن الإمام (عليه السلام) قد هاجر مع النبي صلى الله عليه وآله أو مع المسلمين، أو لم يقم بتلك الأدوار (المبيت، اداء الأمانات، رعاية العائلة والمهاجرة بها) هل يمكن أن ينتظم حدث الهجرة بتلك الصورة؟. هل كان النبي صلى الله عليه وآله سينجو تلك الليلة من محاولة الاغتيال؟. هل كان بمقدوره - من وجهة نظر تاريخية - أن يهاجر؟، وبالنتيجة هل كانت ستقوم دولة الإسلام؟. هل كان بإمكان النبي صلى الله عليه وآله الهجرة دون تأدية الأمانات؟، هل كان يملك الفرصة لأدائها؟، وإن لم تؤد هل كان لقب (الأمين) سیبقی ساري المفعول حينها؟. ولولم يقم الإمام علي (عليه السلام) بحماية العائلة النبوية والمهاجرة بها، هل كان بالإمكان الحديث عن امتداد طبيعي للنبي صلى الله عليه وآله سيتشكل بعنوان أهل البيت والقربی؟. هل كان بإمكان أي شخص آخر أداء هذه المهمة؟. ثم لماذا قدمت المدونة السيرية الحدث بهذه الألوان الباهتة؟!، وتغاضت عن أسباب تشکله الأساسية والحقيقية؟، بل وأسقطت جزءاً كبيراً منه (هجرة الإمام (عليه السلام) بالعائلة النبوية)، وحاولت معالجته بروایات مفككة ومتناقضة، ومفتقدة للترابط المنطقي والتاريخي، بل ومتعامدة مع المسار التاريخي للحدث، وهي كالتالي:

1 / رواية ابن هشام التي تقول: إن العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة وأم کلثوم ابنتي رسول الله من مكة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحویرث بن نقید فرمی بها إلى الأرض(1). وهي رواية مجزوءة وغير متكاملة وعليها ما عليها من الملاحظات.

2 / روایات (ابن سعد، البلاذري، الحاكم النيسابوري). على أن (ابن سعد والبلاذري) قدماها بدون اسناد، أما الحاكم فقدمها بسند ينتهي إلى السيدة عائشة.

ص: 276


1- السيرة النبوية،4 / 868

ومفادها: أن النبي صلى الله عليه وآله بعث أبا رافع وزيد بن حارثة، لحمل ابنتيه فاطمة وأم كلثوم ومعهن زوجته سودة بنت زمعة، وأخذ من أبي بكر (500 درهم) - ابن سعد لا يذكر مصدر الدراهم - فدفعها إليهما، وأعطاهما بعيرين، وكتب أبو بكر إلى ولده عبد الله يأمره بحمل أم رومان امراته وعائشة وأسماء - ابن سعد لا يذكر ذلك - وتوجه مع أبي رافع وزيد عبد الله بن أريقط الديلي - تضيف رواية الحاكم أن أبا بكر بعث معه ببعيرين أو ثلاثة وأنهم لما وصلوا إلى قديد(1)اشتری زيد بالخمسمائة درهم ثلاثة أخرى - فلما قدموا مكة التقوا بطلحة بن عبيد الله يريد الهجرة فتصاحبوا - ابن سعد لم يذكر ذلك - فخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة بنت زمعة. وحبس زینب زوجها أبو العاص بن الربيع، وحمل زید زوجته أم أيمن وأسامة بن زيد، وخرج عبد الله بأم رومان وأختيه عائشة وأسماء فقدموا المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله يبني المسجد(2). ويبدو أن هذه الروايات متأتية من مصدر واحد، ولكنها بذات الوقت متقاطعة مع بعضها، ومع مسار بعض الأحداث الأخرى، وهي أيضاً عليها ما عليها من الملاحظات التي تظهر تهافتها وعدم اتساقها مع مجمل الفعل التاريخي للهجرة النبوية(3).

إن النسق الداخلي للحدث يحكم بأن كل ما تحقق بعد الانتقال من مرحلة مكة إلى مرحلة المدينة كان منوطاً بتكامل الأدوار والأداء لحدث الهجرة بين النبي صلى الله عليه وآله والإمام (عليه السلام). وعندما نتجاوز صورة الحدث النصية، ونلج إلى طبيعته الكائنة، سندرك أن المسألة كانت تسير وفق تنظيم وتخطيط مقدس للأشياء، ولكنه بذات الوقت أُريد له التحقق حسب المبدأ أو المنطق الطبيعي، وعبر

ص: 277


1- اسم موضع قرب مكة. ياقوت الحموي: معجم البلدان، 4 / 313
2- الطبقات، 1 / 204؛ أنساب الأشراف، 1 / 269 - 270؛ المستدرك، 4 / 4، 5
3- الكعبي: منهجية اقصاء سيرة الإمام علي (عليه السلام)، 108 - 121

فرض الاقتران، وبالتالي حتمية التلازم والتكامل!. وهذا ما يؤكده قوله تعالى: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»(1). فالآية تتحدث بصيغة المضارعة، أي اللحظة الآنية لوقوع الحدث، وقد أجمعت المصادر على أنها نزلت عند مبيت الإمام علي (عليه السلام) في فراش النبي صلى الله عليه وآله ليلة الهجرة(2). هذا فضلًا عن اخبار النبي صلى الله عليه وآله للإمام علي (عليه السلام) بأن الوحي نزل عليه وأخبره بضرورة القيام بهذه المهمة على هذه الشاكلة، فأجاب سامعاً مطيعاً مختاراً كما أجاب اسماعيل أباه إبراهيم (عليه السلام) حين أُمر بذبحه(3). وعليه فإن النسق الداخلي للحادثة إضافة لكونه يحتم عملية التلازم وتكامل الأداء وفق المعطيات التاريخية والطبيعية، فهو يؤكد بأنها تنتظم وفق أسباب تشكل خاصة تربط الحدث بمجمل الأداء والفعل النبوي المخطط وفق المشيئة الإلهية، وهو يعكس بالضرورة سنة کونية قارة لمبدأ التلازم والتكامل.

ولعل مما يؤكد ذلك وفق منظور الفعل التاريخي، أننا إذا عدنا لموضوعة الأمانات، نجد أنها في هذا اللحاظ تبتعد لأكثر من ليلة الهجرة، فقد نص ابن سعد على: أن الإمام علي (عليه السلام) لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله أمر منادياً أن ينادي: من كان له عند رسول الله عدة أو دين فليأتني، فكان يبعث كل عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك، فلا يأتي أحد من خلق الله إلى علي

ص: 278


1- الأنفال / 30
2- أبو جعفر الإسكافي: المعيار والموازنة، 186؛ الطبري: جامع البيان، 9 / 298 - 309؛ الرازي: تفسير القرآن، 5 / 1687 -1688؛ الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل، 1 / 277؛ الفخر الرازي: تفسير الرازي، 15 / 154 - 155؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 13 / 262؛ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 7 / 397
3- ينظر: أبو جعفر الاسكافي: المعيار والموازنة، 185 - 186؛ الطبري: مجمع البیان، 9 / 298 - 304

بحق ولا باطل إلا أعطاه، حتى توفي علي (عليه السلام)، ثم كان الإمام الحسن (عليه السلام) يفعل ذلك حتى توفي، ثم كان الإمام الحسين (عليه السلام) يفعل ذلك، وانقطع ذلك بعده(1). بمعنى امتداد التماثل وتكامل الدور الأدائي حتی بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله بحق الإمام (عليه السلام): «أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي»(2). إذن فتكامل الدور الأدائي كان حتمية تاريخية لا مفر منها، وهنا يجدر أن تتسع زاوية الرؤية لحدث الهجرة بالمجمل، فهي تنفتح بأداء الإمام (عليه السلام) إلى أبعد من مستوى الفضيلة المتعلقة بذات الفعل، لتصوغه بعنوان رهان وجود على كينونة الإسلام ككل!.

ثانياً: حتمية التلازم ومسارات التكامل في المنحى العسكري.

تكثفت صور التلازم والتكامل الأدائية بين النبوة والإمامة في المرحلة المدنية بشكل ملحوظ، سيما بعد تأسيس دولة الإسلام، فكانت هذه المرحلة زاخرة بتلك الصور التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن حتمية التلازم والتكامل كانت تسير وفق مخطط مقدس للمسار الأدائي لوظيفة النبوة. وكانت معركة أُحد هي الرهان الثاني الذي برز فيه الإمام علي (عليه السلام) كمحافظ على حياة النبي صلى الله عليه وآله والكينونة الإسلامية ككل. فمن المعلوم أن المسلمين هزموا في يوم أحد وارتبكت صفوفهم حتى ضرب بعضهم بعضا(3). وحتی کان

ص: 279


1- الطبقات الکبری، 2 / 319
2- الطبراني: المعجم 12 / 321؛ الهيثمي: مجمع الزوائد، 9 / 121؛ المتقي الهندي: کنز العمال، 11 / 610 - 611. وينظر. ابن المغازلي: المناقب، 212 - 213؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 13 / 228
3- الواقدي: المغازی، 1 / 231 - 234

النبي صلى الله عليه وآله يناديهم: إلي يا فلان، إلي يا فلان!، أنا رسول الله!، وهم يتركونه ويهربون إلى الجبل، وما رجع إليه منهم أحد(1). في خضم هذه اللحظات الحرجة وانکسار معنويات المسلمين وهزيمتهم بعد استشهاد الحمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) وإصابة النبي صلى الله عليه وآله، كان الإمام علي (عليه السلام) يقاتل يميناً وشمالاً بكل بسالة وفداء ليدفع جموع المشركين التي تحاول قتل النبي صلى الله عليه وآله بعد أن أعياه جرحه، فما زال يفديه بنفسه ويرد عنه الكتيبة تلو الكتيبة، حتی نادی جبریل (عليه السلام) في السماء: لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار(2).

وهنا بغض النظر عن عملية التشكيك أو التكذيب لهذه المقولة، أو إزاحتها من معركة أحد إلى معركة بدر(3)، لمصادرة تفرد الإمام علي (عليه السلام) في الثبات في تلك المعركة، وتغييب حراجة الموقف الانهزامي للجماعة الإسلامية، سیما رموز السلطة الحاكمة!. تبقى طبيعة هذه المقولة وما تعكسه من صورة للحدث (انعکاس دينامية الحدث) لا تنسجم مع معركة بدر بقدر ما تتطابق مع معركة أحد، فمع بروز الإمام (عليه السلام) في معركة بدر، وقتله لما يقرب من

ص: 280


1- الواقدي: المغازي، 1 / 237
2- الطبري: تاریخ، 2 / 197 -198؛ الكليني، الكافي، 8 / 110؛ الصدوق: علل الشرائع، 1 / 8؛ ابن المغازلي: مناقب، 118؛ ابن الأثير: الكامل، 2 / 154؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 7 / 219. وينظر. ابن هشام، السيرة النبوية، 3 / 615؛ أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني، 15 / 812؛ الكلاعي: الاكتفاء، 1 / 387 - 389؛ ابن كثير: السيرة النبوية، 3 / 94؛ السهيلي: الروض الأنف، 3 / 180؛ 4 / 707؛ الصالحي الشامی: سبل الهدى والرشاد، 4 / 229
3- ينظر. ابن أبي الدنيا: الهواتف، 20؛ ابن عساکر: تاريخ مدينة دمشق، 42 / 71؛ ابن الجوزي: الموضوعات، 1 / 381 - 382؛ الذهبی: میزان الاعتدال، 3 / 324 - 325؛ الحلبي: السيرة الحلبية، 2 / 517

نصف عدد قتلى المشركين فيها(1). كان هناك حضور لباقي المسلمين كحمزة سيد الشهداء (عليه السلام) وعبيدة بن الحارث وغيرهم، وهذا المقولة تتحدث عن تفرد واستثناء تام، يُوحي بهزيمة كل الآخرين وغيابهم، وهو ما حدث في معركة أحد لا في معركة بدر؟. فضلاً عن ذلك يبدو إن المصادر التي ذكرت أن هذا النداء حدث في معركة بدر، إنما تعمدت الخلط بين الرواية التي تقول: أن سيف ذو الفقار كان لنبيه بن الحجاج، أو للعاص بن منبه بن الحجاج، وقد قتله الإمام علي (عليه السلام) فنفله رسول الله سيفه(2)، وبين خبر النداء!، وإلا فالمنطق التاريخي للأحداث يفرض أن الإمام (عليه السلام) حصل على هذا السيف بعد نهاية معركة بدر، أي أنه لم يقاتل به حينها؟ وقد جاء في رواية منقولة عن الزبير بن بكار أن النبي صلى الله عليه وآله قلده إياه في معركة أحد(3). وعلى أية حال نجد مبدأ حتمية التلازم يفرض نفسه مرة أخرى في إيقاع الحدث التاريخي، وتكامل الأداء بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله. فلو فرضنا أن الإمام (عليه السلام) لم يكن موجوداً في تلك اللحظة، أو لم يقم بما قام به، فهل كان النبي صلى الله عليه وآله سيبقى على قيد الحياة؟. وهل كانت ستستمر دولة الإسلام؟ المعطيات التاريخية لطبيعة حركة الحدث لاشك تجيب بالنفي، سيما وأننا نتحدث عن واقعة تشكلت حسب المجريات الطبيعية، ولا دخل لعنصر الإعجاز فيها؟!.

إذن فوجود الإمام (عليه السلام) في تلك اللحظة كان ضامناً لبقاء النبي صلى الله عليه وآله على قيد الحياة، وبالنتيجة ضامناً لبقاء دولة الإسلام. وبالتالي تحققاً

ص: 281


1- ينظر. الواقدي: المغازي، 1/ 147 - 152؛ القاضي النعمان المغربي: شرح الأخبار، 1 / 262 - 266
2- ابن حبيب: المنمق، 411؛ البلاذري: أنساب الأشراف، 1 / 521؛ ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 2 / 137؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 14 / 168 - 169؛ المقريزي: إمتاع الأسماع، 7 / 136
3- ينظر. المقريزي: إمتاع الأسماع، 7 / 136

إلزامياً لمبدأ التلازم والتكامل حسب المعطى التاريخي، مع ملاحظة جديرة بالاهتمام هنا، وهي أن المسألة الفارقة في أحداث معركة أحد عن أحداث الهجرة أنها جرت وفق منطقها الآني!، ودون اخبار أو اعداد وتهيئة مسبقة كما في حدث الهجرة. وكأن المنظور الإلهي يسجل اختباراً لكل من النبي والإمام (عليه السلام) في هذه اللحظة الحرجة، كما هي بلاءات واختبارات الأنبياء السابقين، ولذا نجد السيدة الزهراء (عليه السلام) تستحضر هذا المعنى الذي تكرر في كل المواجهات الإسلامية الحاسمة في خطبتها الاحتجاجية:..، فأنقذكم الله بنبيه صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب، كلما حشوا نارا للحرب أطفأها الله، ونجم قرن الضلالة ونفر فاغر من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتی يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا دؤبا في ذات الله(1).

وفي معركة الخندق التي أسهب النص القرآني في وصف الحالة المعنوية المنهزمة للمسلمين فيها «إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ٭ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ٭ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ٭ وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا ٭ وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا»(2). وكان من حراجة ذلك الموقف والخوف الشديد المصاحب له، وانهيار معنويات المسلمين إلى درجة اليأس والشك بالله وبالنبي صلى الله عليه وآله أن عمرو بن ص: 282


1- الجوهري: السقيفة وفدك، 142 - 143؛ ابن طيفور: بلاغات النساء، 13؛ ابن الأثير: منال الطالب، 502؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 16 / 250؛ الباعوني: جواهر المطالب، 1 / 159
2- الأحزاب / 10 - 14

عبد ود كان يطلب البراز فلم يبرز له أحد، حتى صار يستهزئ بالمسلمين وينادي: لقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز؟!. فلم يجبه أحدٌ من المسلمين، وهنا انبرى له الإمام (عليه السلام) بكل تحدي وثقة وشجاعة واطمئنان فقتله وفتح الله للمسلمين على يديه(1).

فلو لم يكن الإمام (عليه السلام) موجوداً، أو لم يقم بقتل عمرو بن عبد ود، ألم يكن بمقدور جيش الأحزاب النفوذ لمعسكر المسلمين؟!. وإذا ما تحقق ذلك ما ستكون النتيجة يا ترى؟. إن المدونة السيرية عندما تحسم الأمر بهبوب الريح القوية التي أخافت جيش الأحزاب، إنما تحاول القفز على المنطق التاريخي للأحداث وتراتبها الطبيعي، فعمرو بن عبد ود فتح ثغرة في خندق المسلمين واستطاع اجتيازها، واستهزأ بالمسلمين وتحداهم، فقتله الإمام (عليه السلام) قبل هبوب الريح ودخول الرعب في قلوب الأحزاب، بل إن قتله هو من أدخل الرعب في قلوبهم. وعليه فالمنطق التاريخي يفرض أن الحسم كان على يديه، وبدلالة الثناء العالي المضمون في قول النبي صلى الله عليه وآله: «برز الإيمان كله إلى الشرك کله»(2). وقوله صلى الله عليه وآله: «مبارزة علي يوم الخندق أفضل من اعمال أمتي إلى يوم القيامة»(3). وقد ورد عن الصحابي عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ الآية

ص: 283


1- الواقدي: المغازي، 2 / 470 - 471؛ ابن سعد: الطبقات، 2 / 64؛ ابن هشام: السيرة النبوية، 2 / 224 - 225؛ ابن عبد البر: الدرر، 174 - 175؛ ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، 42 / 87 - 79؛ ابن الجوزي: المنتظم، 3 / 232 - 233؛ الكلاعي: الاكتفاء، 1 / 12، 124؛ ابن كثير: البداية والنهاية، 4 / 121 - 122
2- الجاحظ: العثمانية، 324؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 13 / 261؛ الدميري: حياة الحيوان، 1 / 387
3- الحاكم النيسابوري: المستدرك، 3 / 32؛ الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 13 / 19؛ الموفق الخوارزمي: المناقب، 107؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 19 / 60؛ الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل،2 / 14؛ القندوزي: ينابيع المودة، 1 / 282

(وكفى الله المؤمنين القتال)، ويقول: كفاهم القتال بعلي(1). وعليه كان التلازم بين النبوة والإمامة حتمية تاريخية مقرورة لتجاوز هذه المرحلة وهذا الاختبار العسير.

وكذلك الحال في معركة خيبر، فلولا التلازم لما اكتمل الحدث، وتحقق الأداء المطلوب، فقد أعطى النبي صلى الله عليه وآله الراية لأبي بكر فرجع هارباً!. ثم أعطاها لعمر فرجع يجبن أصحابه وهم يجبنونه!، فقال: لأعطين الراية غداً رجلاً كراراً ليس فراراً، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه. فلما أصبح دعا الإمام علي (عليه السلام)، وكان يشكو الرمد، فمسح على عينيه فشفيتا، وأعطاه الراية، فخرج يهرول هرولة، وركز رايته في كوم من الحجارة، فقتل مرحباً اليهودي، وقلع باب خيبر وفتح الحصن(2). على أن المصادر حاولت التغطية على انهزام أبي بكر وعمر وجماعتهما المهاجمة للحصن أو التخفيف من حدته وحراجته، و لكن المقارنة التي عقدها قول النبي صلى الله عليه وآله بين موقف الإمام (عليه السلام) وموقف الآخرين تؤكد أنهم فروا من المواجهة وانهزموا؟.

صفوة القول إن نسق الحدث وحراكه الداخلي يحتم التلازم ويفرض تكامل الأداء (قيادة الحملة - فتح الحصن وتحقيق هدفها). بل إن الملفت للنظر أن النبي صلى الله عليه وآله ينص في حديثه على حتمية الفتح قبل وقوعه (كرارا ليس فرارا،

ص: 284


1- ابن ماكولا: اكمال الكمال، 7 / 67؛ ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، 42 / 360؛ ابن أبي حاتم الرازي: تفسير القرآن، 9 / 3126؛ الذهبي: ميزان الاعتدال، 2 / 380؛ السيوطي: الدر المنثور، 5 / 192
2- الواقدي: المغازي، 2 / 653 - 654؛ ابن سعد: الطبقات، 2 / 104 - 106؛ ابن هشام السيرة النبوية، 2 / 334 - 335؛ ابن أبي شيبة: المصنف، 8 / 520؛ أحمد بن حنبل: مسند، 4 / 52؛ البخاري: صحي ح، 4 / 207؛ مسلم: صحيح، 5 / 19؛ النسائي: السنن، 5 / 109 - 110؛ الطبري: تاريخ، 3 / 11 - 13؛ ابن حبان: صحيح، 15 / 380 - 382؛ الحاكم المستدرك، 3 / 38 - 39؛ أبو نعيم: حلية، 1 / 62 - 63؛ ابن عبد البر: الدرر، 197 - 199؛ البيهقي: السنن الكبرى، 9 / 131 - 132

لا يرجع حتى يفتح الله على يديه)!. وهنا يجدر بنا التساؤل: لماذا أخر النبي صلى الله عليه وآله خروج الإمام (عليه السلام)، واستنفذ محاولات سابقة بهذا المجال، بل إن نصه يستغرق مساحة التحقق ويفتحها أمام الآخرين (لأعطين الراية غداً) حتى اشر أبت لها الأعناق، بمعنى أنه كان بإمكان كل المسلمين طلب تجربة القيام بالفتح حتى مجيئ الغد واعطاء الراية للإمام (عليه السلام)؟!. ولعل هذا نظير تأخير خروجه في يوم الخندق، ففي كل مرة ينادي بها عمر بن ود هل من مبارز كان الإمام (عليه السلام) يقوم فيقعده النبي صلى الله عليه وآله حتى أذن له في المرة الثالثة(1). وبذلك يتضح أن النبي صلى الله عليه وآله أراد أن يضع المسلمين أمام حتمية أن الفتح مرتبط بشخص الإمام (عليه السلام) ولا أحد سواه. وبالنتيجة فإن الأداء الوظيفي المكلف به النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين، لا يتسنى له التحقق دون وجوده. وبذلك تنفتح زاوية الرؤية لهذا الفعل من مجال الفضيلة والتميز والتفرد، ليبدو انعكاساً لذات الفعل النبوي. بمعنى أنه يتحول من جزئية الحدث إلى كليته، فانتفائه يوقف وقوع الحدث وتحققه بصورته الكاملة والتامة.

ثالثاً: حتمية التلازم ومسارات التكامل في المنحى الديني والسياسي.

إذا كانت حتمية التلازم والتكامل في الاختبارات السابقة قد أقرها الفعل التاريخي (الأداء) ورهنها بشخص الإمام علي (عليه السلام) لخصوصية عسكرية أو ما شابه، فإن شمول مبدأ التلازم والتكامل للأداءات المتعلقة بالفعل

ص: 285


1- أبو جعفر الاسكافي: المعيار والموازنة، 91؛ الجاحظ: العثمانية، 323 - 324؛ الحاكم النيسابور ي: المستدرك، 3 / 32؛ البيهقي: السنن الكبرى، 9 / 132؛ دلالئل النبوة، 3 / 438؛ الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل، 2 / 11؛ ابن المغازلي: مناقب، 169؛ ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، 42 / 78 - 79؛ ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، 13 / 261؛ ابن كثير: البداية والنهاية، 4 / 121؛ الدميري: حياة الحيوان، 1 / 386

الديني (التبليغي) والسياسي والاجتماعي، تشي بأن حتمية التلازم لم تكن مقروراً لطبيعة ظرف تاريخي أو مرحلة دون أخرى، فهي تستحوذ على مجمل الفعل الأدائي للرسالة النبوية، وتسير وفق مخطط معدود سلفاً يقرن بين النبوة والإمامة، بحيث لا تنفك احداهما عن الأخرى، ولا يمكن لأي منهما القيام بنفسها. ولعل مما يؤكد ذلك أن مساحات التلازم والتكامل في الأداء الديني والسياسي والاجتماعي، كانت مقرورة بنصوص تشريعية حاكمة فهي في حادثة المباهلة قد أُشترِطت مسبقاً وبنص قرآني، بل ووسعت أدواتها التنفيذية لتنفتح على كينونة أهل البيت (عليه السلام)، قال تعالى: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(1)بمعنى الانتقال من مفهوم التلازم بين النبي صلى الله عليه وآله وشخص الإمام (عليه السلام) إلى التلازم بينه وبين أهل البيت (عليه السلام) أو الإمامة كعنوان متعدد الشخوص. وبذلك يغدو النظر لموضوعة زواج الإمام (عليه السلام) من السيدة الزهراء (عليه السلام) وفق أمر إلهي وحسب تعبير النبي صلى الله عليه وآله: «ما أنا زوجته ولكن الله زوجه»(2)، على أنه اعداد مسبق لحتمية تلازمية لاحقة، فلولا تحقق ذلك الزواج لما تحققت حادثة المباهلة، ولما تحققت آية التطهير، ولما تحققت كينونة آل البيت والقربي، ولما تحقق امتداد الإمامة؟.

وكانت خصوصية الحادثة ومساحتها التأثيرية عبر توسيعها أدوات التلازم، وكونها مقابلة بين المسيحية المحرفة والإسلام، وصيغتها الشرطية الحازمة، تمتلك ما لا تمتلكه غيرها من محطات حتمية التلازم الأخرى، ولذلك استهدفها

ص: 286


1- آل عمران / 61
2- اليعقوبي: تاريخ، 2 / 41؛ ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، 42 / 126 - 127؛ ابن المغازلي: مناقب، 268

المستشرق (Louis Massignon = لويس ماسينيون 1883 - 1962 م)(1)بدراسة خاصة تحت عنوان (La Mobahala =المباهلة) أصدرها في ميلان عام (1944 م) وقد ترجمها ونشرها الدكتور (عبد الرحمن بدوي) ضمن الكتاب الذي ألفه من عمليات جمع وترجمة مماثلة تحت عنوان شخصيات قلقة في الإسلام خلال الصفحات (159 - 182).وكان مما قاله بشأنها:» أن هذا الاتفاق مع أهل نجران كان الوحيد الذي لم يكن من شأن موت محمد أن يبطله؛ وهذا لأنه شارك فيه ضامنون عاشوا بعده وحافظوا عليه، ولم يكونوا مجرد شهود على صحة توقيعه مادياً إبان حياته، بل كانوا أيضاً أبدالاً حقيقيين، هم (آل محمد) صاروا أبدالاً عنه بنطق سابق لصيغة شعائرية»(2). أي صيغة المباهلة: أنفسنا= النبي والإمام علي / 287 أنفسكم . نسائنا= فاطمة / نساءكم. أبناءنا= الإمامين الحسن والحسين / أبناءكم. وهنا يجدر الانتباه إلى أن الصيغة الشرطية لأداء حدث المباهلة هي من فرضت الاقتران وحتمية التلازم والتكامل في أدائها! فأسقط ما في أيدي الوفد النصراني وسرعان

ص: 287


1- مستشرق فرنسي درس الطب وفن النحت وتخصص في الأخير، فكان مما أسهم في توجهه لدراسة الآثار والفن والإسلامي؛ فدرس العربية وسافر إلى الجزائر ومصر والمغرب ومن هناك بدأت انتاجاته الاستشراقية التي كان أولها (لوحة جغرافية للمغرب تبعاً لليون الأفريقي 1906 م) وعهد إليه بمهمة التنقيب في العراق خلال المدة (1907 - 1908 م) فاهتم بشخصيتي الحلاج وسلمان المحمدي، وآثار إيوان كسرى وغيرها. وانتهت حفائره في الصحراء باكتشاف قصر الأخيضر. وكتاب ضخم مع عدد من المقالات عن تلك البعثة. ثم قدم دراساته عن الحلاج خلال المدة (1911 - 1914 م). والتحق بالجيش الفرنسي في سوريا وفلسطين خلال الحرب العالمية الاولى. وبعدها عاد للتدريس في باريس، وكتب اطروحته للدكتوراه (عذاب الحلاج: شهيد التصوف في الإسلام 1922 م). كما كتب بحوثاً ودراسات كثيرة أخرى عن الشخصيات الصوفية والإسلامية الأخرى. كسلمان المحمدي والسيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام). بدوي: موسوعة المستشرقين، 529 - 535
2- شخصيات قلقة في الإسلام، 162

ما انتهت المباهلة قبل بدئها(1).

وبالانتقال لحتمية التلازم والتكامل التي فرضتها معركة تبوك، نجد ذلك التماهي والتماثل ووحدة الذات بين النبي والإمام (عليه السلام) لا يستثني إلا النبوة، فيصرح النبي صلى الله عليه وآله بأن المدينة بما تمثله من مركز قيادة للدولة والأمة الإسلامية حينها، لا يصلح أمرها إلا ببقائه أو بقاء الإمام (عليه السلام)، لأن تواجده فيها يقوم مقام تواجد النبي صلى الله عليه وآله فخاطبه بعد أن استخلفه على المدينة وسار إلى تبوك(2)في السنة التاسعة للهجرة: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(3). وهنا يجدر الالتفات لأمر غاية في الأهمية وهو أن هذه هي المرة الأولى والمعركة الوحيدة التي لم يشارك بها الإمام علي (عليه السلام). فلماذا أمره النبي صلى الله عليه وآله بالبقاء في المدينة، وهو لا يمكن أن يستغني عن مشاركته في المعركة إن حدثت، سيما وأنه كان عنصر الحسم في كل المعارك الإسلامية السابقة؟!. هذا فضلاً عن خصوصية المادة اللغوية المستخدمة هذه المرة: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).

إن قراءة النسق الداخلي للحدث، يفرض حتمية التلازم بناء على الفعل

ص: 288


1- ينظر. ابن هشام: السيرة النبوية، 1 / 573 - 584؛ اليعقوبي: تاريخ، 2 / 82 - 83؛ ابن شبة: تاريخ المدينة، 2 / 580 - 586؛ البلاذري: فتوح البلدان، 76 - 78؛ أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني، 12 / 267 - 268؛ المفيد: الإرشاد، 1 / 166 - 168؛الفخر الرازي: تفسير، 8 / 85؛ المقريزي: إمتاع الأسماع، 2 / 95
2- موضع أو حصن بين وادي القرى والشام. قيل هو موضع الأيكة التي ذكرت في القرآن في قصة شعیب (عليه السلام). ياقوت الحموي: معجم البلدان، 2 / 15، 14
3- الطيالسي: مسند، 29؛ أبو جعفر الإسكافي: المعيار والموازنة، 219 - 221؛ ابن أبي شيبة: المصنف، 7 / 496؛ أحمد بن حنبل: مسند، 1 / 179؛ 3 / 32؛ 6 369، 438؛ مسلم: صحیح، 7 / 12؛ ابن ماجة: سنن، 1 / 45؛ الترمذي: سنن، 5 / 304؛ النسائي: فضائل، 53؛ السنن الكبرى، 5 / 44 - 45؛ أبو يعلى الموصلي مسند،2 / 99، 87؛ ابن حبان: صحيح، 15 / 396

التاريخي، فمن المعروف أن الجيش المتوجه إلى تبوك سمي بجيش العسرة وقد استغرق خروج النبي صلى الله عليه وآله وعودته إلى المدينة (3 أشهر) رجب وشعبان ورمضان، وعاد في شوال(1)، وقد سمي جيش العسرة، لأنهم أمروا بالخروج لما طابت الثمار، واشتد الحر، ولبعد المسافة، وقلة الماء، وقلة النفقة والدواب(2). وقد استغلت فئة المنافقين هذه الأوضاع الحرجة لتشتيت الجماعة الإسلامية وتفريق رأيهم، وحملهم على معصية الرسول، فاستجاب عدد غير قليل من المسلمين لدعواتهم، وقد أسهب النص القرآني باستعراض طبيعة الأجواء الاجتماعية السائدة في المدينة حينها، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ... إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ... انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ... لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ... لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ... إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ... وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ... فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ

ص: 289


1- ابن حبيب: المنمق، 116
2- ابن هشام: السيرة النبوية، 4 / 943 - 946؛ المسعودي: التنبيه والإشراف، 235؛ المقدسي: البدء والتاريخ، 4 / 239؛ ابن الأثير الكامل في التاريخ، 2 / 277؛ ابن كثير: السيرة النبوية، 4 / 3 - 12؛ أبو الفداء: المختصر، 1 / 149؛ المقريزي: إمتاع الأسماع، 8 / 392. وينظر. ابن حبيب المنمق، 116

نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ... فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ... وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ.. رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ... لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1).

إذن فالحالة المعنوية والنفسية لغالبية المسلمين الذين خرجوا للقتال مع النبي صلى الله عليه وآله، لم تكن بأفضل من حالة من تخلف منهم، وعليه كان النبي صلى الله عليه وآله في وضع حرج لا يحسد عليه، فهو مأمور بالمسير إلى تبوك، وبذات الوقت يخشى انفلات الوضع في المدينة، ولم يكن بإمكان أي أحد أن يسد مسده في المدينة باستثناء الإمام علي (عليه السلام)، فكان أن أمره بالبقاء وقاد هو تلك الحملة، ولعله قد علم مسبقاً بعدم وقوع القتال فيها، وأنها كانت على نحو الاختبار والامتحان والتمحيص للجماعة الإسلامية. المهم في الأمر أن طبيعة الحدث الداخلي كانت تفرض التلازم بين النبي والإمام وتكامل المسار الأدائي لوظيفة النبوة، ولذلك كانت المادة اللغوية المستخدمة في تأكيد التلازم (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) ناظرة لتماثل العلاقة من حيث الأخوة النسبية والسببية وتلازم الدور الأدائي بينهما مع ما سبق من التماثل والتلازم بين النبي موسى وأخاه هارون (عليه السلام).

كما يلحظ هذا الإلزام الإلهي بتعلق الأداء بشخص النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام (عليه السلام) حصراً، في موضوعة تبليغ سورة براءة، فمن المعلوم أنه

ص: 290


1- التوبة / 38 - 89

بعث مبدئياً أبا بكر، ثم أرجعه وقال: «لا يبلغ عني غيري أو رجل مني»(1). وحقيقة الأمر عبثاً تحاول بعض المصادر تعليل هذا الاستبدال بدعوى أن العرب جرت عادتهم على أن يتولى عقد عهودهم ونقضها من أبرم معهم العهد أو أحد أهل بيته(2). وإلا هل كان النبي صلى الله عليه وآله أو أبو بكر نفسه لم يلتفتا لذلك!؟. ثم إن أبا بكر عندما رجع سأل النبي صلى الله عليه وآله: هل نزل فيَّ شيء من القرآن فأرجعتني!؟. فأجابه النبي صلى الله عليه وآله بأن الوحي أمره بذلك!. بمعنى أنه لم يكن ناظراً لحتمية التلازم والتكامل في الأداء في هذه الجزئية حتى أخبره الوحي بلزوم ذلك؟! وعليه فالمسألة لم تكن تدور مدار ما اعتادت عليه العرب، وليس من المقبول تأويلها بهذا التأويل المتغابي، أو نسبتها لرغبة النبي صلى الله عليه وآله أو تخطيطه وتحوطاته السياسية!، فالخصوص في العبارة (لا يبلغ عني غيري أو رجل مني) لم يكن ناظراً لعلاقة نسبية أو قرابة دم، وإلا لقال النبي صلى الله عليه وآله: لا يبلغ عني إلا أنا أو علي؟!. أو لكان المعنى منصرف لغير الإمام (عليه السلام)؟، وعليه يبدو أن المادة اللغوية المستخدمة في تأكيد حتمية التلازم والتكامل، راغبة بوصل وتماثل هذه الحلقة من عملية الأداء النبوي مع سابقتها في غزوة تبوك: (أنت مني بمنزلة..).

وبالانتقال لمثال آخر من أمثلة الأداء السياسي المتلازم، نجد الحدث الداخلي لفتح مكة يفرض قيام الإمام (عليه السلام) بتدارك الخطأ الذي وقع فيه سعد

ص: 291


1- الجاحظ: العثمانية، 192 -130؛ الطبري: تاریخ، 2 / 383؛ جامع البيان، 10 / 85؛ الثعلبي: الكشف والبيان، 5 / 8؛ ابن الجوزي: زاد المسير، 3 / 266؛ ابن عربي: الفتوحات المكية، 4 / 78؛ أبو الفداء: المختصر، 1 / 150؛ ابن خلدون: تاریخ، 2 / 53؛ ابن حجر: فتح الباري، 8 / 239؛ المقريزي: امتاع الأسماع، 14 / 322؛ السيوطي: الدر المنثور، 3 / 210
2- الجاحظ: العثمانية، 192 -130؛ الثعلبي: الكشف والبيان، 5 / 8؛ السمعاني: تفسير، 2 / 286؛ ابن الجوزي: زاد المسير، 3 / 266؛ الرازي: تفسير، 15 / 219

بن عبادة، فلولا تأديته هذه المهمة على أكمل وجه لكان من المحتمل أن يتغير مجرى الأحداث في عملية الفتح، ولربما أصيبت الحملة بالفشل، أو على الأقل تحول دخول مكة من دخول سلمي دون إشهار للسلاح، إلى دخولها عنوة وبقوة السلاح والحرب، إذ كانت العملية تعتمد عنصر المفاجئة. وقد روي أن سعد بن عبادة دخل مكة وهو ينادي: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة. فقال النبي صلى الله عليه وآله للإمام (عليه السلام): أدرك سعداً، وخذ الراية منه، فكن أنت الذي تدخل بها، فأخذها ودخل بها مكة، وهو ينادي: اليوم يوم المرحمة اليوم تصان الحرمة(1)، فاستدرك ما كاد يفوت من صواب التدبير، ويجدر الالتفات هنا لخصوصية انتداب الإمام (عليه السلام) لأخذ الراية من سعد بن عبادة وتصحيح الموقف، فسعد كان ينظر لكل الصحابة الآخرين على أنهم مساوين له بالفضل والمنزلة إن لم يكن هو أفضل من كثير منهم على المستوى الشخصي، فضلاً عن كونه يمثل زعامة الأنصار، وبالتالي ليس من السهولة استبداله بأي شخص آخر، إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام (عليه السلام)، ولعل هذا ما يشي به قول سعد بن عبادة للإمام (عليه السلام): لولاك لما - وفي لفظ ما - أخذت مني(2).

ثم كان هو ورسول الله صلى الله عليه وآله من أزالا الأصنام عن الكعبة وكانت (360 صنماً)، وبقي صنم خزاعة وكان منصوباً فوق الكعبة، فحاول الإمام (عليه السلام) حمل النبي صلى الله عليه وآله ليكسر الصنم ولكنه لم يستطع حمله، فحمل

ص: 292


1- الواقدي: المغازي، 2 / 821 - 822؛ ابن هشام: السيرة النبوية، 2 / 406 - 407؛ الطبري: تاريخ، 3 / 56؛ ابن عبد البر: الدرر، 218؛ الاستيعاب، 2 / 599؛ ابن الأثير: أسد الغابة، 2 / 284؛ الكامل، 2 / 246؛ الكلاعي: الاكتفاء، 1 / 223؛ ابن كثير: البداية والنهاية، 4 / 337؛ الدياربكري: تاريخ الخميس، 2 / 82
2- ابن شهر آشوب: مناقب، 1 / 197

النبي الإمام علي (عليه السلام) فرمی به وكسره(1). ولا شك أن هذا الأداء المتلازم والمتكامل بدخول مكة وتكسير الأصنام لم يكن مصادفة أو استجابة للحظة آنية، بقدر ما كان يحمل دلالة على تلازم مسار الأداء وتمثله الأساسي بشخصي النبي صلى الله عليه وآله والإمام (عليه السلام) قبالة المكون القرشي المشرك، طوال مرحلة الدعوة الإسلامية في مكة ومسيرته الجهادية العسكرية في المدينة.

وبعد فتح مكة أوكل النبي صلى الله عليه وآله للإمام (عليه السلام) مهمة تدارك آثار غدر خالد بن الوليد ببني جذيمة بعد أن أسلموا، فقد أرسله النبي صلى الله عليه وآله يدعوهم للإسلام دون أن يقاتلهم - وكانوا قتلوا عمه الفاكهة في الجاهلية - فخرج ومعه (350 مقاتل) من المهاجرين والأنصار وبني سليم، فلما وصلوا إلى بني جذيمة وجدوهم قد أسلموا، وأقروا بالشهادتين وأقاموا مساجد في ساحتهم، فغدر بهم خالد وقتل جماعة كثيرة منهم، ولما علم النبي صلى الله عليه وآله بذلك غضب على خالد، وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، وسارع لاستقراض بعض الأموال من مكة، وأرسل الإمام علي (عليه السلام) ليؤدي ديات القتلى، وما نهب من بني جذيمة، فقدم عليهم وأدى دياتهم وخسائرهم، حتى ميلغة الكلب. وزادهم بتفريق ما بقي من الأموال عليهم وقال: هذا من رسول الله، حتى أرضاهم ورجع إلى النبي صلى الله عليه وآله فشكر له ما صنع(2). ولا شك أن تمثيل الإمام (عليه السلام) للنبي صلى الله عليه وآله في

ص: 293


1- ابن أبي شيبة: المصنف، 8 / 535 - 536؛ أحمد بن حنبل: مسند، 1 / 151، 84؛ النسائي: السنن الكبرى، 5 / 142 - 143؛ خصائص، 165 -166؛ أبو يعلى: مسند،1 / 251 - 252؛ الحاكم النيسابوري: المستدرك،3 / 5؛ الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 13 / 304؛ ابن المغازلي: مناقب أمير المؤمنين، 142 -143؛ الهيثمي: مجمع الزوائد، 6 / 23؛المتقي الهندي: كنز العمال، 13 / 171؛ الديار بكري: تاريخ الخميس، 2 / 86 - 87؛ الحلبي: السيرة الحلبية، 3 / 30
2- الواقدي: المغازي، 2 / 875 - 882؛ ابن سعد: الطبقات، 2 / 137؛ ابن هشام: السيرة النبوية، 2 / 428 - 433؛ اليعقوبي: تاريخ، 2 / 61؛ ابن عبد البر: الدرر، 222؛ ابن الأثير: الكامل، 2 / 94؛ ابن سيد الناس: عيون الأثر، 2 / 209 -210؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، 1 / 37 - 38؛ ابن كثير: البداية والنهاية، 4 / 358؛ السيرة النبوية، 3 / 591 - 592؛ المقريزي: إمتاع الأسماع، 2 / 6 - 7؛ الصالحي الشامي: سبل الهدى، 6 / 200 - 201؛ الديار بكري: تاريخ الخميس، 2 / 97 - 98؛ الحلبي: السيرة الحلبية، 3 / 209 - 211

هذه الحادثة لا ينفك عن نياباته الأخرى السابقة عنه، سيما الاداء المتعلق بحقوق الآخرين تجاهه، فهو ينتظم وفق النسق المتعلق بأداء الأمانات والتبليغ عنه (تبليغ براءة)، وبالتالي فإن هذا الأداء السياسي يعبر عن مبدأ الحتمية في التلازم والتكامل الأدائي بين النبي والإمام (عليه السلام) لمجمل الوظيفة النبوية، بدلالة توفر الخيارات الأخرى، واحجام النبي صلى الله عليه وآله عن اختيار شخص آخر للقيام بهذه المهمة.

وكان ختام المسار الأدائي المتلازم بين النبي والإمام (عليه السلام) أن نزل الأمر الإلهي بإعلان ولايته على المسلمين، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(1). فصرح في حجة الوداع: من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه(2). أي أن النص القرآني والحديثي انتقل بحتمية التلازم وتكامل المسار الأدائي من نطاق الخصوص والجزئيات المتعلقة ببعض الأفعال كالمبيت على الفراش أو المباهلة أو تبليغ براءة أو فتح خيبر..، إلى نحو العموم وفتح مساحة التماثل والتلازم على أوسع مدى لها، وهو إعلان

ص: 294


1- المائدة / 67
2- الاسكافي: المعيار والموازنة، 211 - 212؛ ابن أبي شيبة: المصنف، 7 / 499، 503؛ أحمد حنبل: مسند، 1 / 118 - 119؛ 4 / 368 - 373؛ 5 / 370؛ ابن ماجة: سنن، 1 / 43؛ النسائي: فضائل الصحابة، 15؛ خصائص، 112 - 128؛ ابن حبان: صحيح، 15 / 376؛ الحاكم النيسابوري: المستد رك، 3 / 371، 116، 109

وجوب الطاعة والولاية، فقد نص عدد من المفسرين أن هذه الآية نزلت بحق الإمام علي (عليه السلام) يوم غدير خم(1)، فكان وجوب ولايته على المسلمين (عليه السلام) آخر الفرائض الإلهية المبلغ بها(2).

وحقيقة الحال إن النسق الداخلي للحدث ينبئ عن ابتعاد مضمون التبليغ بالولاية عما أُريد من موضعته بتغابي واضح عند معان مغايرة مثل: الأولى بالتصرف والتدبير أو الأولى بالمحبة أو الأولى بالتعظيم والفضل أو القرابة ونحو ذلك،!(3). فهذه المعاني معروفة سلفاً وهي مستجيبة لطبيعة البيئة العربية، سيما وأنهم أدعوا أن المبيت بالفراش وتبليغ براءة وما شابه من المواقف كان مردوداً لهذه المعاني!؟. وعليه فمن غير المنطقي ولا المتفق مع التفكير السليم والمنطق العلمي أن يقوم النبي صلى الله عليه وآله بإيقاف جموع المسلمين في مكان واحد، وفي وقت الظهيرة، وفي يوم شديد الحر، وفي مفترق الطريق بين مكة والمدينة، وفي مكان ليس فيه ظلال أو أشجار، حتى أن بعض المسلمين كان يضع بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدة الحر، ومن ثم يخطب بهم ويحذرهم من الضلال ويذكرهم بالآخرة ويخبرهم بدنو أجله، ويؤكد عليهم بالشهادة له بالرسالة والولاية عليهم وبالإيمان بالجنة والنار، ومن ثم يوصيهم بالكتاب والعترة(4). كل

ص: 295


1- الثعلبي: الكشف والبيان، 4 / 92؛ الواح-دي النيسابوري: أسباب النزول، 135؛ ابن البطريق: خصائص الوحي المبين، 90 - 91؛ الرازي: تفسير، 4 / 1172؛ الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل، 1 / 249؛ 2 / 391 - 392. وللإحاطة بهذا الموضوع ينظر مؤلف الغدير للشيخ الأميني
2- الكليني: الكافي، 1 / 289؛ القاضي النعمان المغربي: دعائم الإسلام، 1 / 15؛ شرح الأخبار، 1 / 104؛ المفيد: الارشاد، 1 / 174 - 175؛ الصدوق: الأمالي، 436؛ الطبرسي: الاحتجاج، 1 / 70 - 71
3- ينظر. الأيجي: المواقف، 3 / 602؛ القاضي الجرجاني: شرح النمواقف، 8 / 360 - 362؛ الآلوسي: روح المعاني، 6 / 192 - 199
4- ابن البطريق: عمدة عيون صحاح الأخبار، 104 - 10؛ ابن جبر: نهج الإيمان، 91 - 99

ذلك ليبلغهم بأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عمه وأولى بنصرته وتولي شؤونه الخاصة وأولى بمحبته وأنه جدير بالتعظيم والمحبة مثله!؟. ولعل مما يؤكد تهافت هذا الطرح، أن النسق الداخلي للحدث ينص على أن المسلمين بايعوا الإمام (عليه السلام) حينها، وسلموا عليه بالولاية، حتى أن عمر بن الخطاب خاطبه قائلاً: «هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة»(1). وفي لفظ : بخ بخ لك ياعلي..(2). ولذلك حاول البعض سلوك الطريق الأقصر في دفع معنى الولاية المنصرفة للمقام مقام النبوة وحتميتها التاريخية، عبر اسقاط الحديث أو تكذيب رواته وتضعيفهم!(3).

إن حراك الحدث الداخلي وانتظامه ضمن مسار طويل متتابع من مساحات التلازم والتكامل في الأداء، ابتداءً منذ السنوات الأولى لولادة الإمام (عليه السلام)، وانتهاءً بإعلان الولاية في الأيام الأخيرة من حياة النبي صلى الله عليه وآله، والاشتغال الايديولوجي الواضح على المادة اللغوية للنصوص المصاحبة للأحداث ومحاولة تأويلها أو تكذيبها أو تشويهها أو تضعيف رواتها، بقدر ما يؤكد انصراف مسارات التلازم والتكامل لمؤدى الولاية بمعنى المقام مقام النبوة، فإنه يشير لتحكم الحدث التاريخي بفرض وصياغة مبدأ حتمية التلازم

ص: 296


1- ابن أبي شيبة: المصنف، 7 / 503؛ أحمد بن حنبل: مسند، 4 / 281؛ الثعلبي: الكشف والبيان، 4 / 92؛ ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، 42 / 221 - 222؛ الذهبي: تاريخ الإسلام، 3 / 632 - 633؛ ابن كثير: البداية والنهاية، 5 / 229؛ السيرة النبوية، 4 / 417؛ المتقي الهندي: كنز العمال، 13 / 134؛ القندوزي: ينابيع المودة، 1 / 97 - 98
2- أبو جعفر الإسكافي: المعيار والموازنة، 212؛ اليعقوبي: تاريخ، 2 / 39؛ الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، 8 / 284؛ الموفق الخوارزمي: المناقب، 89؛ ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق، 42 / 233؛ ابن البطريق: خصائص الوحي المبين، 97؛ الحاكم الحسكاني: شواهد التنزيل، 1 / 203
3- ينظر. ابن كثير: البداية والنهاية، 5 / 299؛ السيرة النبوية، 4 / 417 - 418؛ ابن خلدون: تاریخ، 1 / 197

والتكامل، واخضاع التصور الإسلامي لمنطقه، مما يشكل احراجاً شديداً لوجهة النظر الرافضة لهذا المبدأ، فتلجأ إلى خرقه عبر القفز على منطقه التاريخي، وتجاهل معطياته المادية وأسباب تشكل أحداثه، وتوجيهها حسب موقع الانتماء بالتأويل المتعسف تارة وبالتكذيب والتضعيف تارة أخرى!.

ويجدر الانتباه هنا إلى إن تشكل المادة اللغوية الخاصة بمجمل هذه الأحداث - باستثناء النص القرآني - إنما هو لا حق للحدث نفسه، بمعنى أنه - في جزء كبير منه - انعكاس متأخر لطبيعة التصورات والرؤى والمناهج الفكرية والانتماءات العقدية والسياسية التي كانت عليها الجماعة الإسلامية خلال عصور التدوين، وهي الأخرى خاضعة - بصورة عامة - لسنة كونية قارة، وحتمية تاريخية متكررة في تاريخ الأنبياء تتمثل في انقلاب الأمم وارتدادها بعد أنبيائها، فقد أثر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وسبعون في النار. وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة. والذي نفس محمد بيده!، لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار»(1). وحذر المسلمين من مغبة ذلك فقال: «ألا فليبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»(2). وهو بذلك يصدر عن قوله تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى

ص: 297


1- ابن ماجه: سنن، 2 / 1322. وينظر: أحمد بن حنبل: مسند، 2 / 332؛ أبو داود: سسن، 2 / 390؛ ابن حبان: صحيح، 14 / 141؛ الحاكم النيسابوري: المستدرك، 1 / 128. وغيرها مئات المصادر الأخرى
2- أحمد بن حنبل: مسند، 1 / 230 [وفي مواضع أخرى من مسنده؛ البخاري: صحيح، 1 / 38 [وفي مواضع أخرى من صحيحه]؛ مسلم: صحيح، 1 / 58 [وفي مواضع أخرى من صحيحه]. وغيرها مئات المصادر الأخرى

عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(1). فكانت مسألة خلافة النبي صلى الله عليه وآله والقيام مقامه هي سبب الاختلاف والانقسام بين أبناء الجماعة الإسلامية منذ انتهاء عصر النبوة، وعبثاً يحاول المفسرون وغيرهم موضوعة هذا النص القرآني عند ما جرى في معركة أحد أو سحبها لما اصطلح على تسميته تاريخياً بحروب الردة(2)، فالآية وإن كانت نزلت في معركة أحد، فهي تفصح بجلاء عن امتداد الزمن الافتراضي لحدوث هذا الانقلاب، أما مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وجماعتهما فكتب السيرة تنص على أنهم لم يُسلموا، وأنهم ادعوا النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وأنه قال في إحدى خطبه: أيها الناس، إني قد رأيت ليلة القدر في ذراعي سوارين من ذهب، فكرهتهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما هذين الكذابين: صاحب اليمن، وصاحب اليمامة(3). كما أنها تنص على أن مسيلمة الكذاب كتب للنبي صلى الله عليه وآله كتاباً قال فيه: من مسيلمة رسول الله، إلى محمد رسول الله. سلام عليك، أما بعد، فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض..، فقال النبي صلى الله عليه وآله لرسولي مسيلمة: ما تقولان أنتما؟. قالا: نقول کما قال، فقال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما. ثم كتب إليه من محمد رسول الله إلى مسيلمة

ص: 298


1- آل عمران / 144
2- ينظر. مقاتل بن سليمان: تفسير مقاتل، 1 / 194؛ الطبري: جامع البيان، 4 / 147- 151؛ ابن أبي حاتم الرازي: تفسير القرآن، 3 / 777 - 778؛ الواحدي الوجيز، 1 / 235؛ ابن عطية: المحرر الوجيز، 1 / 517؛ السمعاني: تفسير السمعاني، 1 / 363؛ الرازي: تفسير الرازي، 9 / 20 - 2؛ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 4 / 221 - 226؛ الثعالبي: جواهر الحسان، 2 / 116 - 117؛ المقريزي امتاع الأسماع، 14 / 219
3- ابن هشام: السيرة النبوية، 4 / 998 - 999؛ 1018؛ ابن شبة: تاريخ المدينة، 2 / 577؛ الطبري: تاريخ، 2 / 431؛ ابن الجوزي: المنتظم، 4 / 18؛ الكلاعي: الاكتفاء، 28؛ أبو الفداء: مختصر تاريخ البشر، 1 / 155؛ ابن خلدون: العبر، 2 / 61؛ المقريزي: إمتاع الأسماع، 4 / 524

الكذاب، الس-لام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإن الأرض الله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين(1).

وعليه فصرف الآية نحو هذين الموضعين، واهمال تعلقها بالاختلاف والانقسام حول منصب الخلافة والإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله يبدو متغاضياً عن المنطق التاريخي للأحداث وطبيعة حركتها، بل ومتناقضا معها بشكل واضح جداً، عبر اللجوء لمؤدى انعكاساتها المتأخرة في المادة النصية المنتجة وفق الانتماءات المتباينة، مما شكل هذا الموروث المفكك والسطحي، الذي مارس تجهيل العقلية الإسلامية وتقييدها والحجر عليها على امتداد المسار التاريخي للجماعة الإسلامية وصولاً للوقت الحاضر، فموروثنا التأريخي (التدويني) في حقيقة الأمر يفتقر لروحه وصبغته التاريخية، وهو لا يسهم بالكشف عن حقيقة التاريخ (الأحداث) بقدر ما يسهم في تضبيبها وتشويهها، وانتزاع صفتها التاريخية والواقعية، فأسس لظاهرة الاختلاف والخلاف أكثر مما أسس لظاهرة الاتفاق والائتلاف.

ص: 299


1- ابن هشام: السيرة النبوية، 4 / 1019

المصادر والمراجع

- القرآن الكريم.

- ابن الأثير: عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم. ت (630 ه / 1232 م).

1 / أسد الغابة في معرفة الصحابة (المطبعة الوهبية: مصر - القاهرة 1280 ه / 1863 م).

2 / الكامل في التاريخ (دار صادر: بيروت - لبنان 1385ه / 1965 م).

ابن الأثير: أبو السعادات مجد الدين بن محمد بن عبد الواحد.

ت (606 ه / 1209 م).

3 / منال الطالب في شرح طوال الغرائب. تح: محمد محمود الطناحي (ط 1، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي: مكة المكرمة - السعودية 1399 ه / 1979 م).

- ابن أعثم الكوفي: أبو محمد أحمد. ت (314 ه / 926 م).

4 / كتاب الفتوح. تح: علي شيري (ط 1، دار الأضواء: بيروت - لبنان 1411 ه / 1991 م).

- الأيجي: عضد الدين عبد الرحمان بن أحمد. ت (759 ه / 1357 م).

5 / المواقف. تح: عبد الرحمن عميرة (ط 1، دار الجيل: بيروت - لبنان 1417 ه / 1997 م).

-البخاري: ابو عبد الله محمد بن اسماعيل. ت (256 ه / 869 م).

6 / صحيح البخاري (دار الفكر. بيروت - لبنان 1401 ه / 1981م).

- ابن البطريق: يحيى بن الحسن الأسدي الحلي. ت (600 ه / 1203 م).

7 / خصائص الوحي المبين. تح: مالك المحمودي (ط 1، دار القرآن الكريم : قم - إيران 1417 ه / 1996 م).

8 / عمدة عيون صحاح الاخبار (مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين:

قم - إيران 1407 ه / 1986 م).

- البغوي: أبو محمد حسين بن مسعود. ت (516 ه / 1122 م).

ص: 300

9 / معالم التنزيل. تح: خالد عبد الرحمن العك (ط، دار المعرفة: بيروت - لبنان د.ت).

- البلاذري: ابو جعفر احمد بن جابر. ت (279 ه / 892 م).

10 / أنساب الاشراف. تح: محمد حمید الله (دار المعارف. مصر - القاهرة ط 1 / 1379 ه / 1959 م).

11 / جمل من أنساب الاشراف. تح: سهیل زکار وریاض زركلي .(ط 1، دار الفکر.

بيروت - لبنان 1417 ه / 1996 م).

12 / فتوح البلدان، وضع ملاحقه وفهارسه: صلاح الدين المنجد (ط 1، مکتبة النهضة المصرية: القاهرة - مصر 1376 ه / 1956 م).

- البيهقي: أبو بکر احمد بن الحسين. ت (458 ه / 1065 م).

13 / السنن الكبري. (دائرة المعارف النظامية: حیدر آباد الدكن - الهند / 1344 ه / 1925 م).

- الترمذي: أبو عيسى محمد بن عیسی. ت (297 ه / 909 م).

14 / الجامع الصحيح. المعروف بسنن الترمذي. تحقیق وتصحیح: عبد الوهاب عبد اللطيف (ط 2، دار الفكر: بيروت - لبنان 1403 ه / 1983 م).

- ابن تيمية: أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم. ت (728 ه / 1327 م).

15 / مجموع الفتاوی (ط 1، د.ت) - الثعلبي: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري. ت (427 ه / 1035 م).

16 / الكشف والبيان. تح: محمد بن عاشور، تدقيق: نظير الساعدي (ط 1، دار إحياء التراث العربي: بيروت - لبنان 1422 ه / 2001 م).

- الجاحظ: أبو عثمان عمرو بن بحر. ت (255 ه / 868 م).

17 / العثمانية، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون (ط 1، دار الكتاب العربي: القاهرة - مصر 1374 ه / 1955 م).

- الجصاص: أبي بكر أحمد بن علي الرازي. ت (370 ه / 980 م).

18 / أحكام القرآن. ضبط وتخریج: عبد السلام محمد علي (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1415 ه / 1994م).

ص: 301

- أبو جعفر الإسكافي: محمد بن عبد الله المعتزلي. ت (240 ه / 835 م).

19 / المعيار والموازنة. تح: محمد باقر المحمودي (ط 1، إيران 1402 ه / 1981 م).

- ابن الجوزي: ابو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597 ه / 1200 م).

20 / زاد المسير في علة التفسير. تح: محمد بن عبد الرحمن عبد الله، تخریج: أبو هاجر السعيد بسيوني زغلول (ط 1، دار الفكر: بيروت - لبنان 1407 ه / 1987 م).

21 / المنتظم في تاريخ الملوك والأمم. دراسة وتحقيق: محمد ومصطفى عبد القادر عطا، مراجعة: نعیم زرزور. (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1412 ه / 1992 م).

- الجوهري: أبو بكر أحمد بن عبد العزيز. ت (323 ه / 934 م).

22 / السقيفة وفدك. تقديم وجمع وتحقيق: محمد هادي الأميني (ط 2، شركة الكتبي: بيروت - لبنان 1413 ه / 1993م).

- الجوهري: إسماعيل بن حماد. ت (393 ه / 1002 م).

23 / الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية. تح: أحمد عبد الغفور عطار (ط 4، العلم للملايين 1407 ه / 1987 م).

- ابن أبي حاتم الرازي: أبو محمد محمد بن إدريس. ت (327 ه / 938 م).

24 / الجرح والتعديل (ط 1، دار إحياء التراث العربي: بيروت - لبنان 1371 ه / 1951 م).

- الحاكم الحسكاني: عبيد الله بن أحمد الحذاء الحنفي النيسابوري من أعلام القرن (الخامس الهجري / الحادي عشر الميلادي).

25 / شواهد التنزيل لقواعد التفضيل. تح: محمد باقر المحمودي (ط 1، مجمع أحياء الثقافة الإسلامية: طهران - إيران 1411 ه / 1990 م).

- الحاكم النيسابوري: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد. ت (405 ه / 1014 م).

26 / المستدرك على الصحيحين. (دار المعرفة: بيروت - لبنان. د.ت).

- ابن حبان: أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي السجستاني. ت (354 ه / 965 م).

27 / صحيح ابن حبان. تحقیق وتعلیق: شعيب الأرنؤوط (ط 2، مؤسسة الرسالة: بيروت - لبنان 1414 ه / 1993 م).

- ابن حبيب: أبو جعفر محمد. ت (245 ه / 859 م).

ص: 302

28 / المنمق (ط 1، دائرة المعارف النظامية: حیدر آباد الدكن - الهند 1361 ه / 1942 م).

- ابن حجر: أحمد بن علي العسقلاني. ت (852 ه / 1448 م).

29 / الإصابة في تميز الصحابة. دراسة وتحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1415 ه / 1995 م).

30 / لسان الميزان (ط 2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات: بیروت - لبنان 1390 ه / 1971م).

31 / فتح الباري بشرح البخاري (ط 2، دار المعرفة: بيروت - لبنان د.ت).

- ابن أبي الحديد، عز الدين ابو حامد بن هبة الله محمد. ت (656 ه / 1258 م).

32 / شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم (ط 1، دار احیاء الكتب العربية: القاهرة - مصر 1378 ه / 1959 م).

- أبن حنبل: أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد. ت (241 ه / 855 م).

33 / المسند. (المطبعة الميمنية، القاهرة - مصر 1313 ه / 1895 م).

- الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي. ت (463 ه / 1070 م).

34 / تاریخ بغداد. دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1417 ه / 1997م).

- ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد. ت (808 ه / 1405 م).

35 / ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبرر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر. ضبط وفهرست: خليل شحادة (ط 1، دار الفكر: بيروت - لبنان 1431 ه / 2001 م).

- الخوارزمي: الموفق بن أحمد بن محمد المكي. ت (568 ه / 1172 م).

36 / المناقب. تح: مالك الحمودي (ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين: قم - إيران 1411 ه / 1990 م).

- ابن أبي الدنيا: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد. ت (281 ه / 894 م).

37 / کتاب الهواتف. دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا (ط 1، مؤسسة الكتب الثقافية: بيروت - لبنان 1413 ه / 1993 م).

- الذهبي: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان. ت (748 ه / 1347 م).

38 / تاريخ الإسلام، تح: عمر عبد السلام تدمری (ط 1، دار الكتاب العربي،

ص: 303

بيروت - لبنان 1407 ه / 1987م).

39 / سير أعلام النبلاء. تح: شعيب الأرنؤوط وحسين الأسد (ط 9، مؤسسة الرسالة: بيروت - لبنان 1413 ه / 1993 م).

40 / میزان الاعتدال. تح: علي محمد البجاوي (ط 1، دار المعرفة: بيروت - لبنان 1382 ه / 1963 م).

- ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع. ت (230 ه /941 م).

41 / الطبقات الکبری، تح: علي محمد عمر (ط 1، مكتبة الخانجي: القاهرة - مصر 1421 ه / 2001 م).

- السمعاني: أبو المظفر منصور بن محمد. ت (489 ه / 1095م).

42 / تفسير السمعاني. تح: ياسر إبراهيم وغنيم عباس (ط 1، دار الوطن: الرياض - السعودية 1418 ه / 1997 م).

- ابن سيد الناس: محمد بن عبد الله بن يحي. ت (734 ه / 1333 م).

43 / عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير (ط 1، مؤسسة عز الدين: بيروت - لبنان 1406 ه / 1986 م).

- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر محمد. ت (911 ه / 1505 م).

44 / الدر المنثور في التفسير بالمأثور. (ط 1، المطبعة الميمنية: القاهرة - مصر 1314 ه / 1896 م).

45 / لباب النقول في أسباب النزول (دار إحیاء العلوم: بيروت - لبنان د.ت).

- ابن شبة النميري: أبو زيد عمر. ت (262 ه / 875 م).

46 / تاريخ المدينة المنورة. تح: تفهيم محمد شلتوت (ط 1، دار الفكر: قم - إيران 1410 ه / 1989 م).

- ابن أبي شيبة: ابو بکر عبد الله (235 ه / 849 م).

47 / المصنف في الاحاديث والاخبار. ضبط وتعليق: سعيد اللحام (ط 1، دار الفكر: بيروت - لبنان 1409 ه / 1989 م).

- الصالحي الشامي: محمد بن يوسف. ت (942 ه / 1535 م).

48 / سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد. تحقیق وتعليق: عادل

ص: 304

احمد عبد الموجود وعلي محمد معوض (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1414ه / 1993 م).

- الصدوق: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي. ت (381 ه / 894 م).

49 / علل الشرائع (المكتبة الحيدرية ومطبعتها: النجف - العراق 1385 ه / 1966 م).

- الطبراني: أبي القاسم سلیمان بن أحمد. ت (360 ه / 970 م).

50 / مسند الشاميين. تح: حمدي عبد المجيد السلفي (ط 2، مؤسسة الرسالة: بيروت - لبنان (1417 ه / 1996 م).

51 / المعجم الكبير، تح: حمدي عبد المجيد السلفي (ط 2، دار إحياء التراث العربي: بيروت - لبنان 1397 ه / 1976 م).

- الطبري: أبو جعفر محمد بن جریر. ت (310 ه / 922 م).

52 / تاریخ الرسل والملوك. تح: محمد أبو الفضل إبراهيم (ط 2، دار المعارف: القاهرة - مصر 1387 ه / 1967 م).

53 / جامع البيان عن تأویل آي القرآن، تقديم: خليل الميس، ضبط وتخریج: صدقي جميل العطار (دار الفكر: بيروت - لبنان 1415 ه / 1995 م).

- ابن طيفور: أبو الفضل بن أبي طاهر . ت (380 ه / 990 م).

54 / بلاغات النساء. (ط 1، مکتبة بصيرتي: قم - إيران 1361 ه / 1942 م).

- ابن عبد البر: أبو عمر يوسف أحمد بن عبد الله أحمد بن محمد. ت (463 ه / 1070 م).

55 / الاستذكار. تح: سالم محمد عطا ومحمد علي معوض (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1421 ه / 2000 م).

56 / الاستيعاب في معرفة الأصحاب. تح: علي محمد البجاوي (ط 1، دار الجيل:

بيروت - لبنان 1412 ه / 1991م).

57 / الدرر في اختصار المغازي والسير. تح: شوقي ضيف (ط 1، دار المعارف: القاهرة - مصر 1403 ه / 1982 م).

- عبد الرزاق الصنعاني: أبو بكر بن همام. ت (211 ه / 826 م).

58 / المصنف. تحقیق وتخریج وتعليق: حبیب الرحمن الأعظمي (ط 1، المجلس العلمي: بيروت - لبنان 1392 ه / 1972 م).

ص: 305

- بن عساكر: أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله. ت (571 ه / 1175 م).

59 / تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها. تح: علي شيري (ط 1، دار الفكر: بيروت - لبنان 1415 ه / 1995 م).

- ابن عقدة: أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد. ت (332 ه / 943 م).

60 / فضائل أمير المؤمنين. جمع وتقديم وترتیب: عبد الرزاق محمد حسین (ط 1، دلیل ما: قم - إيران 1424 ه / 2003م).

- العيني: أبو محمد محمود بن أحمد. ت (855 ه / 1451 م).

61 / عمدة القاري في شرح صحيح البخاري. (دار إحياء التراث العربي: بيروت - لبنان د.ت).

- الفخر الرازي: أبو عبد الله فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين. ت (606 ه / 1210 م).

62 / مفاتح الغيب. تح: أسعد محمد الطيب (المكتبة العصرية: صيدا - لبنان د.ت).

- أبو الفدا: عماد الدين إسماعيل بن علي صاحب حماة. ت (732 ه / 1331 م).

63 / التبر المسبوك في تواريخ الملوك. تح: محمد زينهم محمد عزب (مكتبة لثقافة الدينية: القاهرة - مصر 1415 ه / 1995 م).

64 / المختصر في أخبار البشر: تاريخ أبي الفداء (ط 1، المطبعة الحسينية المصرية: مصر 1325 ه / 1907 م).

- أبو الفرج الأصفهاني: علي بن الحسين بن محمد بن أحمد. ت (356 ه / 966 م).

65 / الأغاني. تح: عبد الرحيم محمود (ط 2، دار الكتب المصرية: القاهرة - مصر 1371 ه / 1952 م).

66 / مقاتل الطالبيين (ط 2، مؤسسة دار الكتاب: قم - إيران 1385 ه / 1965 م).

- القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري. ت (671 ه / 1272 م).

67 / الجامع لأحكام القرآن (دار احیاء التراث العربي: بيروت - لبنان 1405 ه / 1985 م).

- القندوزي: سليمان بن إبراهيم الحنفي. ت (1294 ه / 1877 م).

ص: 306

68 / ينابيع المودة لذوي القربی. تح: علي جمال الحسيني (ط 1، دار الأسوة للطباعة والنشر: قم - إيران 1416 ه / 1995 م).

- ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل الدمشقي. ت (774 ه/ 1372 م).

69 / البداية والنهاية في التاريخ. تح: علي شيري (ط 1 ، دار إحياء التراث العربي: بيروت - لبنان 1408 ه / 1988 م).

70 / السيرة النبوية. تح: مصطفى عبد الواحد (ط 1، دار المعرفة: بيروت - لبنان 1396 ه / 1971 م).

71 / تفسير القرآن العظيم. تح: يوسف عبد الرحمن المرعشلي (ط 1، دار المعرفة: بيروت - لبنان 1412 ه / 1992 م).

- الكلاعي: أبو الربيع سليمان بن موسی. ت (634 ه / 1236 م).

72 / الاكتفاء في مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء. تح: مصطفى عبد الواحد (ط 1، مكتبة الخانجي: القاهرة - مصر 1387 ه / 1968 م).

- الكليني: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق. ت (329 ه / 950 م).

73 / الكافي. صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري (ط 5، دار الكتب الاسلامية: طهران - إيران 1363 ه / 1943 م).

- ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني. ت 275 ه / 888 م).

74 / سنن ابن ماجه. تحقیق وترتیب وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي (ط 1، دار الفكر:

بيروت - لبنان 1373 ه / 1954م).

- ابن ماکولا: أبو النصر علي بن أبي القاسم هبة الله بن علي ابن جعفر بن علکان. ت (486 ه / 1093 م).

75 / الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب.

تصحیح وتعليق: نايف العباس (ط 1، دار الكتاب العربي: القاهرة - مصر د.ت).

- المتقي الهندي: علاء الدين علي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري. ت (975 ه / 1567 م).

76 / کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. ضبطه وفسر غریبه وصححه ووضع فهارسه ومفتاحه: بكري حياني وصفوة السقا (ط 1، مؤسسة الرسالة: بيروت - لبنان

ص: 307

1409 ه / 1989 م).

- المسعودي: أبو الحسن علي بن الحسين بن علي. ت (346ه / 957 م).

77 / التنبيه والإشراف (ط 1، دار صعب: بيروت - لبنان د.ت).

78 / مروج الذهب ومعادن الجوهر. اعتناء ومراجعة: کمال حسن مرعي (ط 1، المكتبة العصرية: بيروت - لبنان 1425 ه / 2005 م).

- المقدسي: مطهر بن طاهر. ت (بعد 355 ه / 965 م).

79 / البدء والتاريخ (ط 1، مكتبة الثقافة الدينية: مصر د.ت).

- المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد. ت (845 ه / 1441 م).

80 / إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع. تح: محمد عبد الحميد النميسي (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1420 ه / 1999 م).

- مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري. ت (261 ه / 874 م).

82 / الجامع الصحیح (ط 1، دار الفكر: بيروت - لبنان د.ت).

- ابن المغازلي: أبو الحسن علي بن محمد الواسطي الشافعي. ت (483 ه / 1090م).

83 / مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ط 1، دار مكتبة الحياة: بيروت - لبنان 1400 ه / 1980 م).

- المفيد: محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي. ت (413 ه / 1022 م).

84 / الارشاد في معرفة حجج الله على العباد. تح: مؤسسة آل البيت (ط 2، دار المفيد:

بيروت - لبنان 1414 ه / 1993م).

- النحاس: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل. ت (338 ه / 949 م).

85 / معاني القرآن الكريم. تح: محمد علي الصابوني (ط 1، جامعة أم القرى 1408 ه / 1988 م).

- النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر. ت (303 ه / 915 م).

86 / خصائص أمير المؤمنين. تح: محمد الكاظم (ط 1، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية 1419 ه / 1998 م).

87 / السنن (ط 1، دار الفکر: بیروت - لبنان 1348 ه / 1930 م).

ص: 308

88 / فضائل الصحابة (دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان د.ت).

- النعمان المغربي: أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد. ت (363 ه / 973 م).

89 / دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام. تح: آصف علی أصغر (ط 1، دار المعارف: القاهرة - مصر (1383 ه / 1332 م).

- النويري: شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب. ت (733ه/ 1332 م).

90 / نهاية الإرب في فنون الأدب. تح: مفید قميحة وحسن نور الدين (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1424ه / 2004 م).

- ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري. ت (218 ه / 833 م).

91/ السيرة النبوية. تحقيق وضبط: محمد محيي الدين عبد الحمید (ط 1، مکتبة محمد علي صبيح: مصر - القاهرة 1383 ه / 1963 م).

- الهيثمي: نور الدين علي بن أبي بكر. ت (807 ه / 1404 م).

92 / مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (ط 1، دار الكتب العلمية: بيروت - لبنان 1408 ه / 1988 م).

- الواحدي النيسابوري: أبو الحسن علي بن أحمد. ت (468 ه / 1075 م).

93 / أسباب النزول (ط 1، مؤسسة الحلبي وشركاؤه: القاهرة - مصر 1388 ه / 1968 م).

94 / الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (ط 1، دار القلم: دمشق - سوريا 1415 ه / 1994 م).

- الواقدي: أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد. ت (207 ه / 822 م).

95 / کتاب المغازي. تح: لمستشرق مارسدن جونس (ط 3، عالم الكتب: بيروت - لبنان 1404 ه / 1984 م).

- یاقوت الحموي: شهاب الدين أبو عبد الله یاقوت بن عبد الله. ت (626 ه / 1228 م).

96 / معجم البلدان (دار إحياء التراث العربي: بيروت - لبنان 1399 ه / 1979 م).

- اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح. كن حياً عام (292 ه / 904 م).

97 / تاريخ اليعقوبي (دار صادر: بيروت - لبنان د.ت).

- أبو يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى التميمي. ت (307 ه / 919 م).

ص: 309

98 / مسند أبي يعلى. حققه وخرج أحاديثه: حسین سليم أسد(ط 1، دار المأمون للتراث: سوریا د.ت).

المراجع الثانوية.

- بدوي: عبد الرحمن.

1 / شخصيات قلقة في الإسلام، (ط 2، مصر 1964 م / 1384 ه).

2 / موسوعة المستشرقين، (ط 3، دار العلم للملايين: بيروت - لبنان 1414 ه / 1993 م).

- العواد: انتصار عدنان.

3 / السيرة النبوية برؤية أمير المؤمنين (عليه السلام) دراسة في نهج البلاغة، دار الفيحاء، بیروت، 2015 م.

- الكعبي: شهید کریم محمد.

4 / صورة أصحاب الكساء بين تجني النص واستباحة الخطاب الاستشراقي: هنري لامنس أنموذجا - دراسة تحليلية نقدية (ط 1، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية التابع للعتبة العباسية المقدسة، 1437 ه / 2015 م).

- الكيالي: عبد الوهاب.

5 / موسوعة السياسة (ط 1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر: بيروت - لبنان 1981 م).

- النصر الله: د. جواد.

5 / فضائل الإمام علي تنسب لغيره، الحلقة الأولى (الولادة في الكعبة)، مرکز الأبحاث العقائدية، النجف، 2009.

الدوريات.

- الكعبي: شهید کریم محمد.

1 / منهجية اقصاء سيرة الإمام علي (عليه السلام) في كتاب السيرة النبوية لابن هشام (بحث منشور في مجلة المبين العدد الثاني، لسنة 2016 م).

ص: 310

البحث السادس النبوة والإمامة في المدونة السيرية قراءة في عرض الاحداث ووعي الترابط م. د. علي رحيم أبو الهيل جامعة ذي قار - كلية الآداب

ص: 311

ص: 312

المقدمة

يمثل النص السيري المدون عند كثير من المتلقين له بمثابة الأنموذج الأكمل في عرض شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ وصل الأمر بأحدهم إلى القول بأن كل الناس عيال في معرفة السيرة على مجموعة من ناقلي ومدوني السيرة(1).

غير أن هذا القول لا يمثل حقيقة الواقع الملموس الذي عرضت من خلاله سيرة الرسول وأحداث عصره، فيكفي في ذلك ما ذكره ابن هشام من رفضه لأجزاء من السيرة كونها لا توافق هوى الناس المعاصرين له فاقتطعها عنها وهذا ما صرح به واضحا بقوله «وتارك بعض ما ذكره ابن اسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه ذكر... وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره»(2).

فليس من الغريب أن نلحظ مدى التغييب والطمس الذي هيمن واستباح سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) في جوانبها الكثيرة، وهو أمر لا مفر منه ويمكن ملاحظته في عدة روايات شوهاء عرضت من خلالها تلك السيرة المباركة والتي اصبحت مادة مثلت أساس النقد والتجريح عند الأطراف الأخرى التي وجدت ضالتها في التراث الإسلامي.

غير أننا نحاول في هذا البحث التعرض إلى جنبة من الطمس أفاضت بها المدونات السيرية وذلك من خلال عرضها للتلازم والترابط الواضح والصريح

ص: 313


1- يراجع في ذلك: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 1 / 235
2- السيرة النبوية، 1 / 2

بین خاتمية النبي وإمامة أمير المؤمنين ومدى التوجيه والتلاعب والحذف وو... الذي غير حقيقة الحدث والغاية وغيبت الترابط.

أولاً: المجاعة وتغيب الارتباط

تشكل حالة الترابط بين النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) علامة واضحة في سيرة كلیهما، فالنبي يحتضن أمير المؤمنين منذ الطفولة وهذا الأمر يلقي بظلاله على حياته (سلام الله عليه)، وأمير المؤمنين يفتخر بهذا الترابط وهذا القرب.

إلا أن المدونة السيرية برّزت هذا الارتباط وكأنه نتاج حالة اضطرار کانت قائمة على مجاعة اجتاحت مجتمع مكة كان ابو طالب قد اثقل منها مما دفعه إلى أن يقسم ابناءه على اخوته - بطلب منهم - کي يساعدوه في إعالتهم، فوقع الإمام علي (عليه السلام) ونتيجة لهذا الظرف من حصة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إذ نصت الرواية: (أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال: رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للعباس عمه وكان من أيسر بني هاشم: «یا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه نخفف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلا وتأخذ أنت رجلا فنكفلهما عنه»... فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا فضمه إليه...)(1).

لذا وبناء على تلك الرواية فقد راج في المدونات الإسلامية بشقيها السيرية والحديثي على أنه من نعم الله تعالى على الإمام علي (عليه السلام) أن أصبح

ص: 314


1- ابن هشام السيرة النبوية، 1 / 162، الطبري، تاریخ الرسل ، 2 / 57، ابن الأثير، الكامل، 2 / 58

وبسبب تلك الأزمة في كنف الرسول صلى الله عليه وآله(1)، في إلغاء تام وتجاهل الواقعية وحقيقة ذلك الأمر الإلهي وتسليم مطلق لتلك الرواية، ومن ثم فإن اهم ما يترشح من هذه الرواية أن مجاعة قريش كانت هي المسبب لذلك الارتباط الذي حدث بين النبي وأمير المؤمنين لتخفي أي دور للاجتباء الإلهي، فهل أن ما راج في تلك الروايات هو الحقيقة أم أن تربية أمير المؤمنين عند النبي كانت من ضمن الأمور المبتوت بها في عالم الغيب الإلهي، خصوصا وأن الرواية التي ادعت خلاف ذلك عليها جملة من الملاحظات أهما:

1. إن المصادر التاريخية أكدت أن أبا طالب كان صاحب تجارة وقوافل تخرج وتتاجر خارج مكة وكان يخرج بنفسه معها حتى انه اخذ الرسول (صلی الله عليه واله) معه في تجارته الى الشام وهذا يدلل على أن ابا طالب كان تاجرا شانه شأن باقي اهل مكة، كما أنه قد تكفل زواج النبي وقبلها کفالته ولو لم يكن موسرا لما فعل ذلك(2).

2. ان المصادر التاريخية لا تعطي معلومات مفصلة عن تلك الازمة التي اجتاحت قريشا» بل انها تكتفي فقط بالإشارة الى أن الأزمة ادت الى عدم استطاعة ابي طالب من اعالة ابنائه، ولا تشير لا من قريب ولا بعيد عن أسبابها وتاريخها والمتأثرين بها غير أبو طالب.

3. أن الرواية جعلت سبب اقدام النبي (صلى الله عليه وآله) والعباس - وإضافة

ص: 315


1- ابن هشام السيرة النبوية، 1 / 162، الطبري، تاریخ الرسل، 2 / 57، ابن الأثير، الكامل، 2 / 58
2- ابن اسحاق، السير والمغازي، 73، ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 313، ابن سعد، الطبقات، 1 / 75، اليعقوبي، التاريخ، 2 / 10، الطبري، تاريخ الرسل، 2 / 341، المسعودي، مروج الذهب، 2 / 302، السهيلي، الروض الانف، 1 / 314، ابن کثیر، البداية والنهاية، 2 / 242

اليهم بعض الروايات الحمزة - على اعالة ابناء ابي طالب هو كثرة عياله وقلة ماله، وبعد التمحيص في عدد اولاد ابي طالب لا نكاد نجد ان عددهم قد يتجاوز الخمسة وهم: طالب وعقيل وجعفر وأمير المؤمنين وأم هانئ، وإذا كانت المصادر تختلف بوجود طالب فلا يبقى الا جعفر وعقيل وعلي وأم هاني، وحتى مع وجوده فإن المصادر تذكر أن (أكبر اولاد ابي طالب ابنه طالب وهو اكبر من عقيل بعشر سنوات، وعقيل اكبر من جعفر بعشر سنوات، وجعفر اكبر من علي بعشر سنوات)(1)، وبعض المصادر تشير إلى أن الأزمة قد اجتاحت قريش وعمر الإمام علي (عليه السلام) 8 سنوات(2)فمعناها عمر جعفر 18 عاما، وعقيل 28 عاما، طالب 38 عاما) فهل هؤلاء يحتاجون إلى كفالة حتى يكفلهم الحمزة والعباس ألا يجدر بهم أن يمتهنوا ويعملوا ما كانت تعمل به قريش من المتاجرة والبيع والشراء.

4. إذا كان ضعف الحالة المادية هي المسبب لتقسيم أبناءه بين اخوته، فهلا تركوهم وساعدوه بما سينفقوه عليهم من أموال وهم عنده، ولماذا أبا طالب هو الوحيد الذي اجتاحته الأزمة من بين قريش وبني هاشم، فالملاحظ أن النبي والعباس والحمزة لم يتضرروا منها، والمفروض أنهم كلهم قد عانوا من تلك الأزمة لا أبو طالب وحده 5. إن الناظر إلى تراث الإمام علي (عليه السلام) يجده يشير إلى حقيقة وبداية علاقته بالرسول ولم يشر من قريب أو بعيد لأزمة معينه فهو يصف تلك

ص: 316


1- ابو الفرج الاصفهاني مقاتل الطالبين، 26، وينظر قريب من ذلك، ابن سعد، الطبقات، 1 / 57، المسعودي، مروج الذهب، 2 / 369
2- الحلبي، السيرة الحلبية، 1 / 432

البداية بقوله: «ولقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره، ويكنفني فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه»(1)وقال أيضا «کنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه»(2).

مما يعني أن التحاقه بالنبي كان منذ وقت مبكر وليس کما ذهبت إليه المصادر، وكذلك فهو يشير إلى حقيقة غير تلك التي عرضتها الروايات بل وتتجاوز حدود بذل القوت أو الإعالة المادية لترتقي إلى تفرد القرابة الروحية والمنزلة المخصوصة له سلام الله عليه التي جعلته مخصوصا بهذه العلاقة دون غيره من البشر جميعا وإنما كانت تلك العلاقة استثناء خالصا له.

إن تفسیر کلام الإمام علي (عليه السلام) ناطق بما أخفاه وجنح عنه الكثيرون، فإن وضع الإمام عند الرسول لم يكن إلا بمبادرة نبوية لا علاقة لها بأي مؤثر مزعوم، فكلام الإمام (عليه السلام) يعني أن الرسول صلى الله عليه وآله قد تشبت بعدم مفارقته سلام الله عليه منذ ولادته لا بعد أن طرأت أزمة أو ما شاكل ذلك، وليس هذا فحسب بل اتبع معه عادت ممتزجة تارة بالعاطفة واخرى بالعشق الحقيقي لذلك الوليد (فيضمه لصدره / يكنفه فراشه / يمسه جسده / يمضغ الشيء ثم يلقمه له)، هذه الأمور الغير مألوفة في العلاقة الإنسانية مع وليد صغير والتي لا نظير لها في بيئة ومجتمع عرفت عنه الغلظة والكبرياء الذي يمنع الأب من تقبيل أبناءه(3)، لهي علاقة مختلفة عن عصرها وبيئتها وليس لها

ص: 317


1- نهج البلاغة، 157، ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13 / 197
2- نهج البلاغة، 157، ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13 / 197
3- ورد في بعض الروايات أن الأقرع بن حابس جاء رسول الله فوجده يقبل الإمام الحسن (عليه السلام) فتعجب الأقرع من ذلك قائلا للرسول: لي عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم قط!!! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): من لا يرحم لا یرحم، يراجع: البلاذری، انساب الأشراف، 3 / 6، الخطيب البغدادي، تاریخ بغداد، 10 / 175

إلا حقيقة واحدة وهي الإعداد والتنشأة لغاية مستقبلية متوخاة من قبل الإرادة الإلهية وأنه سبحانه جعلها لأمير المؤمنين وخصه بها، لذا تحولت فيما بعد إلى تسليم مطلق ومعرفة حقيقة بشخصية الرسول صلى الله عليه وآله، وتميز غير قابل للطعن حتی امدتنا تلك العلاقة بتفردية في عرض مشرق لسيرة النبي الأكرم صلی الله عليه وآله في وصف لرسول الله وحالته قبيل النبوة لا يجرء على الخوض فيه إلا من امتزجت نفسه بنفس رسول الله، إذ ورد عنه سلام الله عليه قوله: «ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت اتبعه إتباع الفصيل اثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غیر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما، أری نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟ فقال: هذا الشيطان ایس من عبادته، انك تسمع ما اسمع وترى ما أرى إلا انك لست بنبي ولكنك وزير، وانك لعلى خير»(1).

إن ما يبدو لي من رواية المجاعة أنها انطلقت من حاضنة العصر العباسي لما فيها من دلائل على مكانة للعباس وتفضل على آل أبي طالب وإعلاء لكعب العباس اجتماعيا واقتصاديا، وطعن بما ذكرناه من حقيقة العلاقة بين النبي وأمير المؤمنين.

ص: 318


1- نهج البلاغة، 157، ويراجع: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13 / 197

ثانياً: حادثة الدار والموقف التدويني من ترابط النبوة والإمامة

تشكل حادثة الدار عنصرا أساس تغيا الرسول من خلاها جملة من الأهداف، أبرزها التنفيذ للأمر الإلهي بعرض الرسالة على عشيرته الأقربين ليخرج من خلالهم إلى فضاء الدعوة العامة التي حتما ستشمل أطياف مختلفة التوجهات والأفكار، وحصوله على دعم الأقربين يعني أن النظام السياسي والاقتصادي والديني المهيمن على حياة مكة سيكون مقوما أساس لدعوته ومعضدا لها مما يضعف أي توجهات معارضة له.

غير أن ما يلفت الانتباه في هذه الغاية السالفة الذكر والتي عرضت وكأنها هي المبتغى الوحيد في تلك الحادثة قد شفعت واتبعت بأمر فوجئ الجميع به، حتى اعتبره البعض حادثا عرضيا، ألا وهو الدعوة الصريحة من قبل الرسول إلى أن يترشح شخص لخلافته، هذا الأمر يدعونا إلى جملة من التساؤلات أهمها: هل أن حادثة الدار كان هدفها عرض الإسلام والاستقواء بالعشيرة فقط، أم أنها هادفة اظهار الترابط بين النبوة والإمامة والتي لا تستقيم الرسالة إلا بترابطهما متوخية التصريح العلني عن ذلك، ومالذي دعا الرسول أن يعلن عن خليفته وهو في بداية أمر دعوته التي لم تكن حينها قد تجاوزت الأفراد القلائل؟!، وهل كان ذلك الوقت مثاليا لتحديد الخليفة من بعده وهل كانت الخلافة التي صرح بها يوم الدار هي الخلافة السياسية أم الخلافة الدينية العامة؟!، وما هي ألفاظ حادثة الدار، هل فعلا فيها إشارات إلى الخلافة، وما موقف اصحاب السير والحديث من هذا الترابط والارتباط؟!.

عند الاطلاع على النص الذي رواه محمد بن اسحاق واورده الطبري عن تلك الحادثة نراه يقول: «تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني

ص: 319

قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟، قال: فأحجم القوم عنها جميعا وقلت وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا: أنا یا نبي الله أكون وزیرك عليه، فاخذ برقبتي ثم قال إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع»(1).

هذا يعني أن الرسول كان متوخيا وبجدية واضحة إظهار أمرين الأول هو الإيمان برسالته والخلافة ثانيا وذلك بقوله «فأيكم يؤازرني على أن يكون خليفتي» ما يدلل على حقيقة الترابط بين الإيمان بالله تعالى ورسالة النبي من جهة والخلافة من جهة أخرى وانهما يسيران في خط واحد، فالرسول لو لم يكن عالما بمكانة الخلافة بالنسبة لنبوته وانه كان مأمورا على إظهار ترابطها مع دعوته إلى الوحدانية وفي هذا الموقف تحديدا أي يوم الدار وفي هذا التوقيت لقلنا ان عرضه لها وهو في موقف يريد أن يستميل الزعماء وذوي الأسنان ويؤمر عليهم فتى لم يتجاوز 13 عاما، أمر غير عقلائي وهو منفر لهم وأن نتائجه محسومة مبكرا، فإضافة إلى ما ترسخ في الأذهان من ضرورة السن في الخليفة، هو يعني أن القيادة السياسية قد تنحصر وتختزل في شخص الخليفة وفرعه الذي ينتمي إليه وأن الباقون عبارة عن اتباع لا أكثر ولا أقل، وأن النبي ما جاء بهذا إلا ليؤكد هيمنة بني عبد المطلب على الرئاسة الدينية والسياسية في مكة.

هذه المعطيات تجعلنا نذهب إلى أن القصدية واضحة لكونها تعبر عن الإرادة الإلهية والتي حتمت عليه صلى الله عليه وآله أن يقول لأمير المؤمنين أنت اخي وخليفتي وإن كانت قد أوجدت ردة فعلا عكسية تجاه دعوته إذ بمجرد أن قالها

ص: 320


1- الطبري، تاریخ الرسل، 19 / 149

هزء منه ابناء عشيرته فوجهوه على شكل خطاب لأبي طالب حين قالوا وهم يضحكون (قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع)، ولكنه كان مصرا عليها.

وإذا كان تنصيب أمير المؤمنين خليفة في يوم الدار قد أوجد ردة الفعل التي عرضناها عند المعاصرين لها رافضين خلافته، فقد تبعتها هزات ارتدادية لا عند اصحاب الدار من المشركين بل عند أهل السير والحديث هذه المرة، فقد تشظت المواقف تجاه ما جرى من تصريح بهذا الترابط بين النبوة المتمثلة بالخاتم صلى الله عليه وآله والخلافة المتمثلة بأمير المؤمنين (عليه السلام) ضاربا عدة جهات من هذه الحادثة اهمها:

1. الإحجام عن ذكر الحادثة: تمثل هذا الأمر بابن هشام إذ أنه لم يتطرق لها لا من قريب ولا بعيد وهي من ضمن ما حذفه لكونه من البعض الذي يسوء بعض الناس ذكره.

2. الاضطراب في عرض الحادثة ومثله الطبري، إذ أنه بالرغم من ذكره قول الرسول (على أن يكون وصيي وخليفتي) في تاريخه، عاد في تفسيره جامع البيان لينقل الحادثة بما نصه «فأيكم يؤازرني على هذا الامر، على أن يكون أخي» وكذا وكذا؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت وإني لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأخمشهم ساقا. أنا یا نبي الله أكون وزیرك، فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع1(1).

غير أن دلالة ما نقله الطبري توضح وبما لا يقبل الشك أن ما حرف إلى

ص: 321


1- الطبري، تاریخ الرسل، 19 / 149

(كذا وكذا) انما تدلل على الخلافة، فهو بعد أن قال وكذا وكذا أردفها بقول الرسول «فاسمعوا له وأطيعوا» فقام القوم يضحكون يقولون لأبي طالب: «قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع» غفلة منه عن مدلولها، وإنها لو لم تدلل على الخلافة لأصبحت لا معنى لها، ومع وجودها ودلالتها فإن هذا الطاعة والانقياد لا تدلل إلا على مفردة واحدة ألا وهي الخلافة له صلى الله عليه وآله.

إن ما ذهب إليه الطبري في تفسيره قد انسحب على مجموعة من آخرين الذين أغفلوا الرواية التي فيها (خليفتي) فركزوا على رواية كذا وكذا، متناسين ما تناساه الطبري من دلالة ذيل الرواية أو انهم أتوا بروايات لا تمثل حقيقة يوم الدار.

3. ابن کثیر: لاشك ولا ريب إن ابن كثير من اهم الشخصيات التي حولت مسار حادثة الدار وغايتها وحاول جاهدا وبشتى الوسائل إن يخفي أي وجود لأمير المؤمنين فيها لذا اتبع عدة امور في ذلك:

ا - تابع الطبري بقوله (كذا وكذا).

ب - عرض الحادثة على أنها دعوة من النبي إلى بني المطلب واعلامهم بأنه لا يغني عنهم من الله شيء دون التعرض من قريب أو بعيد إلى واقع حادثة الدار فهو يروي: «لما أنزل الله عز وجل «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصفا فصعد عليه ثم نادى «يا صباحاه» فاجتمع الناس إليه بين رجل يجئ إليه وبين رجل يبعث رسوله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» یا بني عبد المطلب، یا بني فهر، یا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليکم صدقتموني؟ «قالوا نعم قال» فإني نذير لكم بين يدي عذاب شدید «وفي أخرى» لما نزلت «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال «يا فاطمة ابنة محمد یا

ص: 322

صفية ابنة عبد المطلب یا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم»(1).

ج . ان حادثة الدار كانت نتيجة لرغبة الرسول في أن يكون هناك من بني عبد المطلب من يقضي دينه ويكون خليفته في أهله إذ روی: «ما نزلت هذه الآية «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» جمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل بيته فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا قال: وقال لهم «من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟» فقال رجل لم يسمه شريك يا رسول الله أنت كنت بحري من يقوم بهذا قال ثم قال الآخر - ثلاثا - قال فعرض ذلك على أهل بيته فقال علي أنا» وفي رواية «فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي أيكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي»(2).

4. النفي للحادثة جملة وتفصيلا وهذا كان موقف ابن تيمية، إذ عد وجود مثل هذه الحادثة بأنه من المكذوبات التي اجمع عليها علماء الأمة(3).

وإضافة على ما سبق فإنه يوجد جملة من الملاحظات على بعض المصادر التي نقلت حادثة الدار أهمها:

ص: 323


1- التفسير، 3 / 363
2- التفسير، 3 / 363، وما بعدها
3- ان النفي لهذه الحادثة من قبل ابن تيمية امر غير مستغرب فهو قد ترصد لكل ما يمت لأمير المؤمنين بصلة، ولعل القول بنفيها وعدم ورودها في المصادر لهو من الأمور المفضوحة إذ وردة تلك الحادثة بمصادر عديدة أبرزها: الطبري، التاريخ، 2 / 63، الطبري، جامع البيان، 19 / 149، ابن كثير، التفسير، 3 / 363، البداية والنهاية، 3 / 53. السيرة النبوية، 1 / 459، وللتوسع اكثر عن موقف ابن تيمية ونفيه لكل ما يتلق بأمير المؤمنين، يراجع: الجابري، شخصية الإمام علي (عليه السلام) وفلسفة ابن تيمية في التعامل معها

1. رافق العرض السيري حالة من عدم اللياقة في النقل عن الرسول (صلی الله عليه وآله) فالرواية تقول أنه اخذ اللحم بأسنان ونثره لهم «فقدمت إليهم تلك الجفنة فأخذ منها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جذبة فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها وقال «كلوا بسم الله» فأكل القوم حتى نهلوا عنه»(1).

2. الصفات الجسمانية للإمام علي (عليه السلام) (واني لأسوأهم هيئة، لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، و أخمشهم ساقا)(2).

3. إن بعض المرويات قد اضافت مجموعة من الصفات على الرواية دون أن تشير إلى الخلافة فقد جعلت الإمام علي يقضي دين الرسول وغيره وهي تغیت تغییب الحالة الحقيقية للرواية وهي التصريح بالخلافة.

ثالثاً: رزية يوم الخميس ما بين استلاب النص وتغييب الترابط

تشكل رزية يوم الخميس واقع مؤلما مدونا عن حالة من التصرف المج الذي تمثل به مجموعة من الصحابة يقودهم عمر بن الخطاب في محضر الرسول (صلی الله عليه وآله)، فالرسول يشير إلى أصحابه وهو على فراش الموت ويأمرهم بأن يأتوا له ما يخصهم به في أخر أيامهم، قائلا لهم: «آتوني أكتب لكم كتابا لن تظلوا بعده أبدا»، وعمر يقول دعوه انه يهجر حسبنا کتاب الله(3).

ص: 324


1- التفسير، 3 / 363
2- الطبري، جامع البيان، 19 / 149، ابن کثیر، التفسير، 3 / 363، البداية والنهاية، 3 / 53. السيرة النبوية، 1 / 459
3- عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، 5 / 438، أحمد بن حنبل، المسند، 1 / 324، البخاري، الصحيح، 5 / 138، مسلم، الصحيح، 5 / 76

وقبل البدء لا بد من الملاحظة إلى أن رغبة الرسول في كتابة كتاب لم تكن وليدة خاطرة قد خطرة مفصولة عن واقع اللحظة التي يعيشها الرسول وما لوحظ من إمارات التمرد آنذاك، بل لابد من انها حاصلة من أن أمرا استلزم أن يطلب رسول الله أن يكتب كتابا للأمة يقيها من الضلال وإن هذا الطلب لم يتأتى من فراغ، وفسح المجال للعقل يؤكد وبما لا يقبل للشكك بان هذا الكتاب ما هو إلا توثيق لحالة الترابط بين النبوة والإمامة وأن خلافة الإمام علي (عليه السلام) هو المصداق الذي أراد الرسول أن يبينه في هذا الكتاب فالرسول يشير «أكتب کتابا لن تضلوا بعده ابدا»(1)وهو يؤكد في عدة مواقف أخر «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي - أحدهما أعظم من الآخر - كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى یردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2)، فالرسول هنا میز عدم الضلال من خلال التمسك ب (الكتاب / العترة)، وبرجوعنا إلى ما جرى يوم الرزية نجد أن من اعترض كان ملتفتا إلى أن الكتاب يخص العترة إذا ورد أن عمر بعد طلب الرسول قال (حسبنا كتاب الله) مما يشير إلى امرين، إما أن عمر قد سمع من الرسول أن الكتاب يخص العترة، أو احس بناء على كلمة لن تضلوا، وإلا لما قال حسبنا کتاب الله مركزا على الكتاب ومقصياً للعترة المباركة.

إن ما تلته من شطحات كلامية لعمر أكدت ذلك وأنه كان واثقا من أن هذا الكتاب يخص خلافة الإمام علي (عليه السلام) وهذا ما يتضح مما رواه ابن أبي الحديد عن عمر بن الخطاب في محاورة بينه وبين ابن عباس وكان قد قاله له: «من

ص: 325


1- عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، 5 / 438، أحمد بن حنبل، المسند، 1 / 324، البخاري، الصحيح، 5 / 138، مسلم، الصحيح، 5 / 76
2- الترمذي، السنن، 5 / 329، الطبراني، المعجم الصغير، 1 / 135

أين جئت يا عبد الله؟ قلت: من المسجد، قال: كيف خلفت ابن عمك؟ فظننته یعنی عبد الله بن جعفر قلت: خلفته يلعب مع أترابه، قال: لم اعن ذلك، إنما عنيت عظیمكم أهل البيت قلت: خلفته يمتح بالغرب على نخیلات من فلان وهو يقرأ القرآن قال: يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها! هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم، قال: أيزعم ان رسول الله صلى الله عليه وآله نص عليه؟ قلت: نعم، وأزيدك سالت أبي عما يدعيه، فقال: صدق، فقال عمر: لقد كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في امره ذرو من قول لا يثبت حجة، ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع في امره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه ان يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الاسلام، لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قریش ابدا ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله اني علمت ما في نفسه، فامسك وأبى الله إلا امضاء ما حتم»(1).

هذه الرواية دليل لا يقبل الشك على أن المقصود من الكتاب هو اثبات الترابط بين الإمامة والنبوة وأن واقع قيادة الأمة يجب أن لا يفصل بينهما.

إلا أننا وفي مقابل هذا التصريح وهذه الصراحة عندما نراجع المدونات التي حفظت لنا هذه الحادثة نلاحظها تشرق تارة وتغرب أخرى، في معالجات تتسم بالمغايرة تارة وبالتكذيب أخرى والتوجيه ثالثة، في اختراق تامة للغاية التي ارادها الرسول من هذا الحديث.

إذ أن من ابرز هذه المغايرة هو جرها نحو خانة الدلائل المتعلقة بخلافة أبي بكر فقد نسج البخاري حديثا على غرار ما جاء في يوم رزية الخميس من رغبة

ص: 326


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 12 / 21، ثم أن ابن أبي الحديد صرح عن تلك الرواية بقوله: «ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب کتاب تاریخ بغداد في كتابه مسندا»

الرسول في كتابة كتاب للأمة بخلافة الإمام علي (عليه السلام) إذ روى أن رسول الله قال لعائشة في مرضه: «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه الناس من بعدي ثم قال يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»(1).

إن مدونة البخاري التي سطرت هذا الحديث اعتبرت جذرا أساس لكل من حاول التلاعب بغاية رسول الله من كتابة الكتاب في يوم الرزية، فقد ذكر النووي أنه صلى الله عليه و آله: «أراد أن یکتب استخلاف أبي بكر ثم ترك ذلك اعتمادا على ما علمه من تقدير الله تعالى ذلك كما هم بالكتاب في أول مرضه حين قال وا رأساه ثم ترك الكتاب وقال يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ثم نبه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه إياه في الصلاة... وإن كان المراد بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فيها فقد علم عمر حصول ذلك لقوله تعالى أكملت لکم دینکم وعلم أنه لا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي الكتاب أو السنة بيانها نصا أو دلالة وفي تكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) في مرضه مع شدة وجعه کتابة ذلك مشقة ورأي عمر الاقتصار على ما سبق بيانه إياه نصا أو دلالة تخفيفا عليه ولئلا يفسد باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط... فرأى عمر الصواب تركهم على هذه الجملة لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد مع التخفيف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ترکه (صلى الله عليه وآله وسلم) الانکار على عمر دلیل

ص: 327


1- الحديث في صحيح البخاري، 7 / 8، 8 / 126: مروي عن: يحيى بن يحيى عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: قالت عائشة: «وا رأساه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذاك لو كان وانا حي فأستغفر لك وادعو لك فقالت عائشة واثكلياه والله اني لأظنك تحب موتي ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بل انا وا رأساه لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ثم قلت يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون»

على استصوابه»(1).

أما ابن حجر فقد ذكر: «واختلف في المراد بالكتاب فقيل كان أراد أن يكتب كتابا ينص فيه على الاحكام ليرتفع الاختلاف وقيل بل أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف... ويؤيده انه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة ادعي لي أباك وأخاك حتى اكتب كتابا فانی أخاف أن يتمنی متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون الا أبا بكر»(2).

في حين اخذ هذا الحديث صدی رحبا عند ابن تيمية وهو المتربص بكل ماله علاقة بأمير المؤمنين لذا نراه يقول: «وإما قصة الكتاب الذي كان رسول الله يريد أن يكتبه فقد جاء مبين كما في الصحيحين عن عائشة قالت: قال رسول الله في مرضه ادعي لي اباك وأخاك حتى اكتب كتابا فإني أخاف ان يتمني متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنين الإ أبا بكر»(3).

وفي موقف آخر يقول «وفي الصحيح أنه قال لعائشة في مرضه: (ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بکر کتاباً لا يختلف عليه الناس من بعدي ثم قال یأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر) فلما كان يوم الخميس همَّ أن يكتب كتابا فقال عمر ماله أهجر؟!... وقال ابن عباس الرزية كل الرزية ما حال بین رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن یکتب الكتاب فإنها رزية أي مصيبة في حق الذين شكوا في خلافة أبي بكر وطعنوا فيها، وابن عباس قال ذلك لما ظهر أهل الأهواء من الخوارج والروافض...»(4).

ص: 328


1- شرح صحیح مسلم، 11 / 90
2- فتح الباري، 1 / 186
3- منهاج السنة، 3 / 532
4- منهاج السنة، 3 / 533

ثم يكمل فيقول: «وقول ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بین رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب الكتاب يقتضي أن هذا الحائل كان رزية وهو رزية في حق من شك في خلافة الصديق أو اشتبه عليه الأمر فإنه لو كان هناك كتاب لزال هذا الشك فأما من علم أن خلافته حق فلا رزية في حقه ولله الحمد»(1).

بعد هذا العرض يمكن أن نبين عدة أمور نرد من خلالها على مجمل تلك الآراء التي أسس لها البخاري في صحيحه:

1. إن حدیث ادعوا لي أباك وأخاك قد ولج إلى التراث الإسلامي عن طريق سلسلة ابتدأت بالسيدة عائشة، ولو نظرنا إلى موضوعه فإنه قد أتي في بيان تحشيد الأدلة على خلافة أبيها وهو شهادة منها لم تردف بشهادة آخرين، إذ انحصر نقل هذا الحديث بها ولم يرد أن الرسول صلى الله عليه وآله قد تكلم به أمام أصحابه أو نقله أحد منهم مما يشير إلى إشكالية واضحة خصوصا وأن الفقه في مدرسة الخلفاء لا يقبل شهادة الابن لأبيه(2)، هذا فيما يخص السيدة عائشة، ولكن الناقل الثاني لهذا الحديث هو عروة ابن الزبير، وهو شخص يشكل مصدرا قلقا في نقل أحادیث السيدة عائشة، فعروة من ابرز الذين انغمسوا في روايات المكذوبات والشواذ عن السيدة عائشة مستغلا قرابته منها ودخوله وخروجه عليها ولعل من أبرز تلك المرويات الشاذة التي رواها عنها والتي تدلل على حجم الطعن على الإمام ما نسب للنبي على لسانها: «إن هذين يموتان على غير ملتي أو:

ص: 329


1- منهاج السنة ، 3 / 533
2- مالك بن أنس، المدونة الكبرى ، 5 / 155، الشافعي، الأم، 5 / 315، الترمذي، الجامع الصحيح، 3 / 374، القيرواني، رسالة ابن أبي زيد، 609

ديني»(1)يقصد الإمام علي (عليه السلام) والعباس بن عبد المطلب.

ومما رواه عن السيدة عائشة أيضا قولها «كنت عند النبي إذ أقبل العباس وعلي فقال: یا عايشة إن سرك إن تنظري إلى رجلين من أهل النار، فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب»(2)، يضاف إلى ذلك اتساقه والتصاقه بالأمويين، وشهرته في اختلاق الأحاديث لهم وشدة ازدراءه للإمام علي (عليه السلام) إذ عد من المنحرفين عن الإمام علي (عليه السلام)(3)، وهذا الأمر يجعلنا في حذر من قبول مثل هكذا حديث خصوصا وأنه قد تفرد به دون غيره.

كما أن الناقل الآخر لهذا الحديث ليس بأحسن حالا من عروة، فالزهري ذا علاقة وطيدة مع الأمويين وهو أحد أعضاء اللجنة التي شكلها بني أمية في خلق مناقب وأحاديث للخلفاء قبالة مناقب الإمام علي (عليه السلام)، إضافة إلى كونه شخص متلون غير متزن كثيرا ما تبدل ولائه لمجرد هوى نفسه(4).

ولم يكونا بعيدين عن المساهمة والترويج لما سنة الأمويون من النيل والتعرض للإمام علي (عليه السلام) في سياسة السب(5)، إذا كانا يجتمعان على سبه والتعرض له في المسجد مما آثار الإمام السجاد (عليه السلام) «فجاء ووقف عليهما فقال: أما أنت يا عروة، فإن أبي حاكم أباك إلى الله فحكم لأبي على أبيك، وأما أنت يا زهري، فلو کنت بمكة لأريتك كير أبيك»(6).

ص: 330


1- ابن ابي الحدید، شرح النهج، 4 / 64
2- ابن ابي الحدید، شرح النهج، 4 / 64
3- ابن ابي الحدید، شرح النهج، 4 / 64
4- النصر الله، هيأة كتابة التاريخ، 96
5- الجابري، الدعاية الأموية المضادة، 80
6- الثقفي، الغارات، 2 / 395، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4 / 102

زيادة على عدم ثقة العلماء بهما، فقد روى عبد الرزاق عن معمر قال: «كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي، فسألته عنهما يوما، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما، الله أعلم بهما»(1)، هذا من جهة سند الحديث.

1. ولو بحثنا عن موضوع الحديث لوجدنا أن الضرورة كانت تحتم على أبي بكر وهو في السقيفة أن يورده کي يكون دلالة على شرعية خلافته فهو يخص عملية الاستخلاف غير أن هذا الأمر لم يحدث ولم يكن له أدنی وجود بل لم يكن متصورا في مخيلته كونه لم يسمع هكذا حديث، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وآله قد أرسل إليه أو عناه بكتابه،، إذ لو كان قد سمعه وتجاهله فإنه قد تخلى عن نص شرعي هو في أمس الحاجة إليه، وقد خلت الصحاح من احتجاجه به أو روايته عنه.

وما دام هذا لم يحدث فإن لنا أن نتساءل عن العهد والتاريخ الذي ولد فيه هذا الحديث فإحجام أبي بكر عن إيراده أو الاستقواء به ينبأ أن هذا الحديث لم یکن قد ولد بعد وإنما يدلل على أنه قد ولد لا في حياة الرسول صلى الله عليه وآله ولا في خلافة أبي بكر وإنما ولد بعد هذا التاريخ والعهد الأموي هو الرحم الأنسب لولادة مثل هكذا مولود ومن ثم نسبته إلى السيدة عائشة كي يأخذ أكبر مساحة من المقبولية.

والعجيب أن الرواية تجعل إرسال الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى أبي بكر وابنه عبد الرحمن أشبه بما یکون إرسالا أو دعوة سرية يرغب الرسول (صلى الله عليه وآله) من خلالها بعدم إطلاع الأمة عليه، وهذا الأمر فيه من الاعتراضات اهمها أن السرية في مثل هكذا أمر لا تنفع ولا تنتج الهدف المطلوب من الكتاب، وكان على الرسول صلى الله عليه وآله إذا ما أراد أن ينصب أبا بكر خليفة أن يجهر

ص: 331


1- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، 4 / 64

لا أن يكتفي بالسيدة عائشة وعبد الرحمن فالشك سيتسلل إلى الأمة في مثل هكذا أمر، والدليل أن عمر وأصحابه وفي محضر الرسول لم يطيقوا ويسمحوا للرسول صلى الله عليه وآله بكتابة كتاب فهل سيوافق الناس على كتاب یکتب بطريقة سرية؟!.

3. وهناك شيء مهم وهو إذا كان أبو بكر قد كتب له الكتاب بنص من الرسول (صلى الله عليه وآله) فلماذا يذهب إلى السقيفة، هل لتحصيل المشروعية فالمشروعية حاصلة من خلال النص المزعوم أم لاستغلال فرصة كونه لا دليل على خلافته؟!!.

3. لقد أشار أصحاب الآراء السابقة إلى أن الرسول صلى الله عليه وآله قد أرسل إلى ابي بكر ليكتب الكتاب قبل رزية يوم الخميس ثم أنه في يوم الخميس أراد أن يوثقها، غير أننا نتساءل مالذي منع الرسول صلى الله عليه وآله أن يكتب الكتاب حينما أرسل إلى أبو بكر ولماذا أجله، ثم لماذا يقصد کتابته يوم الخميس؟!!.

إن الجو العام للرواية ينبأ أن الرسول صلى الله عليه وآله عندما أرسل إلى أبي بكر لم یکن مرضه قد اشتد عليه، بل وصريح الروايات تقول أنه كان في اليوم الأول من مرض الرسول صلى الله عليه وآله(1)، ومن ثم كتابة الكتاب في ذلك الظرف كانت من الممكن أن تمر بسهولة ودونما يجري الذي جرى في رزية يوم الخميس ويبعده عن الوجود، فلماذا يا ترى امتنع الرسول صلى الله عليه وآله عن ذلك واكتفي فقط بالاستدعاء أو الدعوة ثم أراد أن يكتب بعد ذلك؟!!.

أما ما يخص رزية يوم الخميس ما جرى فيها من منع للرسول (صلى الله عليه وآله) فإن أهم ما يلاحظ فيها:

ص: 332


1- البيهقي، السنن الكبرى، 8 / 153، ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، 1 / 186

1. أنه لم يقل أحد أن رزية يوم الخميس مختصة باستخلاف أبي بكر وأن هذا الكتاب لتوثيق خلافته، إذا كان الأمر متعلق به فلماذا منع عمر من كتابة الكتاب وبالتالي لماذا هو الوحيد الذي تخوف وأجج المعارضة، فالروايات تشير إلى أن عمر رفض ذلك بقوله «حسبنا کتاب الله»(1)ثم بعدها کثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى طردهم الرسول صلى الله عليه وآله قائلا «دعوني فالذي انا فيه خير مما تدعوني إليه»(2)، ولماذا هو الوحيد الذي رفع دعوى هجر النبي ألم يكن من مصلحته إذا كان الكتاب لأبي بكر أن لا يشكك بصحة النبي صلى الله عليه وآله حتى لا يشكك بخلافة صاحبه وتنازع الناس عليها؟!.

2. على فرض أن عمر كان يعتقد أن هذا الكتاب كان بسبب الحمى أفلم يكن الأولى أن يسمع ويسمح للنبي صلى الله عليه وآله أن يكتب الكتاب لتنقطع الحجة على الخصوم المخالفين الذين خالفوا خلافة أبي بكر وبالتالي ليس هناك أي داع لحضور اجتماع السقيفة والمشاورات والانقسام الذي حصل؟!.

3. إن عدم كتابة الكتاب وقعت بسبب التنازع بين القوم ولكن الروايات التي تحدثت عن ذلك التنازع لا تذكر غير أسم عمر الذي كان من المعارضين إلى أن كثر اللغط فقال عمر إنه يهجر، فمن هم هؤلاء المعترضين وعلى

ص: 333


1- الصنعاني، المصنف، 5 / 531، احمد بن حنبل، المسند، 1 / 335، 1، 336، البخاری، الصحيح، 5 / 138، 7 / 9، مسلم، الصحيح، 5 / 76، النسائي، السنن الكبرى، 3 / 433، ابن حبان، الصحيح، 14 / 562، النووي، شرح صحيح مسلم، 5 / 76
2- الصنعاني، المصنف، 6 / 57، احمد بن حنبل، المسند، 1 / 222، البخاري ، الصحيح، 4 / 31، 4 / 66، 5 / 37، النسائي، السنن الكبرى، 3 / 434

ماذا اعترضوا؟ إذا كانوا من أتباع أبي بكر وعمر فلماذا يعترضون إذا كان الكتاب نفسه لأبي بكر، وإما إن كان الكتاب لغير أبي بكر فهنا يبدو الاعتراض الصادر من عمر طبیعيا جدا ووجيها كون الكتاب في حال إملائه وفي حال ایقاعه سيسد كل الطرق للادعاء بالخلافة ومن هذا يتبين أن الكتاب لم یکن مختص بأبي بكر وإنا كان مختص بالإمام علي (عليه السلام) وإلا لما اعترض عمر.

4. ولو كان المعني بالكتاب أبي بكر وعرف ذلك من قبل المسلمين لما اعترضوا عليه في السقيفة، ولما قال عمر بعد ان قال الأنصار منا أمير ومنكم أمير «من ذا ينازعنا سلطان محمد ونحن عشيرته »(1)، فوضع مقالة عمر تلك قبالة تخريج البخاري ومن تبعه لموقف عمر أثناء طلب الرسول كتابة الكتاب يفصح عن تناقض واضطراب كبير في توخي عمر لوقوع الفتنة، وحتى العذر الذي اعتذر به البعض منهم في أن عمر قد رفض خشية المنافقين واستغلالهم له وإحداث الفتنة فهو أمر غير صحيح فالانقسام حاصل غير أنهم تناسوا ذلك كونهم يدعون الإجماع على خلافة أبي بكر وهو ما يعاكس حقيقة الروايات التي وصفت على اقل تقدر حالة البيعة وما تلاها؟! كما أن ابن تيمية نفسه وهو أحد أصحاب هذه الآراء ضمن في تراثه من أن الرسول قد دعا الله بثلاث فاستجاب له اثنان ومسألة الاختلاف وأن لا يجعل بأسهم بينهم منعه إياها الله إياها إذا فالاختلاف واقع لا محالة وتخوف عمر ينافي السنن الكونية التي سنها الله ولم تغير حتی بدعاء الرسول صلى الله علیه و آله!!!.

ص: 334


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 10، الطبري، تاریخ الرسل والملوك، 2 / 457، ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 330، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 38

5. ولو كان الكتاب فيه اقرار لخلافة أبي بكر فلماذا لم يبايع أمير المؤمنين (عليه السلام)، فهل أمير المؤمنين مخالف للحق الذي انزل من الله وعلى لسان الرسول صلى الله عليه وآله، إن الحال وكما هو واضح بأن الإمام مع الحق والحق معه كما صرح بذلك الرسول(1)، فهل يصح ممن كان مع الحق ان يتخلف عن الحق، إذ لو كانت خلافة أبي بكر حق لما تخلف عنها أمير المؤمنين ولکان بایعه بلا نقاش ولا اشکال فهو لم يعص للرسول (صلى الله عليه وآله) أمرا طيلة حياته.

6. والأمر الأهم من ذلك كله لو كان الكتاب كما يُدعي لابي بكر وهو الخليفة الشرعي بعد الرسول صلى الله عليه وآله فلماذا لم يصرح به الرسول ايام حياته کما صرح بأمير المؤمنين وهو أمر قد تفرد به الإمام فقد صرح بخلافته وولايته في أبرز تصريح في يوم الغدير(2).

7. مواقف ابن عباس مع الخليفة هل تؤكد ما ذهب إليه اصحاب الآراء السابقة من أن ابن عباس قد علل الرزية بشك الذين لم يبايعوا ابا بكر وما علاقة الذين لم يبايعوا برزية الخميس فهم لم يحضروا عند النبي حتى يتحملوا التبعات، والمفروض أن تحمل المسؤولية يقع على الذين نهوا من كتابة الكتاب، وتصریح ابن عباس واضح من أن الرزية قد حدت بسبب حالة التنازع يوم الخميس ولا علاقة لها بالشك في خلافة أبي

ص: 335


1- ابو جعفر الإسكافي، المعيار والموازنة، 30، 119، 322، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 98، الخطيب البغدادي، تاریخ بغداد، 14، 322، ابن عساکر، تاریخ دمشق، 42 / 449، ابن أبي الحدید، شرح نهج البلاغة، 2 / 297، الهیثمی، مجمع الزوائد، 7 / 235
2- للتوسع في حديث الغدير وطرقه ينظر: الطباطبائي، عبد العزيز، رسالة في طرق حديث من کنت مولاه بجميع صفحاته، الأميني، الغدير بجميع صفحاته

بکر!!! إذ لو كان ابن عباس يدرك أن المقصود بالكتاب هو أبو بكر وأن الرزية قد حلت بسبب المخالفة لبيعته، فلماذا لم يبايع هو وأبوه، إذ كانا من الممتنعين عن بيعته شأنه شأن بني هاشم الذين تخلفوا مع الإمام علي (عليه السلام)(1)، وعلى طول مسار الخلافة التاريخي كان ابن عباس ضمن جبهة الإمام علي ((عليه السلام)) فإذا كان يعلم ذلك فما الداع إلى وقوفه إلى جنب الإمام وتركه لأبي بكر وخلافته؟!!.

8. ثم إننا لو تأملنا الكتب لم نجد مصدرا يفسر كلام ابن عباس بأن الرزية هي للممتنعين عن خلافة أبي بكر بل أن نص ما ذكره الصحيحين أن ابن عباس قد سئل فقال «يوم الخميس ومايوم الخميس - وهو دلالة على استعظام الأمر - اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه فقال ائتوني اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا ما شأنه أهجر استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال دعوني فالذي انا فيه خير مما تدعوني.... قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس ان الرزية كل الرزية ما حال بین رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم»(2).

إن ابن عباس كان مستاء من حالة التنازع والاعتراض الذي حدث والتي أطلقها عمر، كم تمنى أن يكتب الرسول (صلى الله عليه وآله) الكتاب وهو بالتالي على غير الشاكلة التي ينتمي إليها موقف عمر مما يؤكد أنه كان مدركا لحقيقة

ص: 336


1- عبد الرزاق الصنعاني، المصنف، 5 / 472، الطبري، تاریخ الرسل، 2 / 48، البيهقي، السنن الكبرى، 6 / 300، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 46، الأربلي، کشف الغمة، 2 / 103، وينظر: مرتضى العسكري، أحاديث أم المؤمنين، 1 / 138 وما بعدها
2- البخاري، الصحيح، 5 / 138

الكتاب وان تعليله وتسميته لم تتأتى من كونهم منعوا كتابة الكتاب بخلافة أبي بکر، فهم إن منعوا فقد حصل مقصود الكتاب فلماذا يقول عنها رزية؟!!.

كما أنه سماها رزية لشيء أساسي ألا وهو منع الرسول من كتابه لذا نراه يقول «ان الرزية كل الرزية ما حال بین رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم»(1)، وهذا ما فهمه الباحثون وحللوا به الرزية، إذ يشير الدكتور صبحي الصالح إلى معنى الرزية بقوله «ولا بد لنا من الاعتراف بأنه لم يكن من المنتظر أن يقف من بين الصحابة مثل عمر ليقول ما قال، حتى أكبر عبد الله بن عباس، وهو حبر الأمة الاسلامية هذا الأمر وعده أكبر رزية أصابت المؤمنين ولم يكن من المتوقع إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يختار المؤمنون غير ما يختار لهم المعصوم»(2)، ومن ثم قسر مفهوم الرزية على خلافة أبي بکر أمر يخرجه من دائرة التفكير المنطقي السليم.

9. كما أنه ابن تيمية وهو أشدهم في نقض كتابة الكتاب في رزية يوم الخميس يقول أن ابن عباس قد قال ذلك أثناء ظهور الخوارج والروافض ما هو في الحقيقة إلا إغفال لموضوع الكتاب والمجتمع المخاطب به والمقصود من وجوده، فما الربط بين الخوارج وأبي بكر سيما وأن ظهورهم كان سنة 37 ه، وهم لم يظهروا على أنهم معارضون لخلافة أبي بكر وإنما ظهروا كمعارضين للإمام علي (عليه السلام)، وبالتالي فلا داعي لقول ابن عباس أن الرزية متعلقة بالخوارج الذين أنكروا خلافة أبي بكر.

أن حقيقة الأمر لا تتعدى القول من أن هذه الرواية - أي رواية أدعو لي أباك

ص: 337


1- البخاري، الصحيح، 5 / 138
2- النظم الإسلامية، 78

- خلقت وهي في حقيقتها صورة مقلوبة عن الرواية الأصلية التي اراد ترسيخ ذلك الترابط بين النبوة الخاتمة والإمامة الحقة، ولعل ابن أبي الحديد قد قال کلمة الفصل في ذلك حين قال: «وضعوه في مقابلة الحديث المروي عنه في مرضه: ائتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلون بعده أبدا فاختلفوا عنده وقال قوم منهم: لقد غلبه الوجع حسبنا کتاب الله»(1)، وكما وصفه الشيخ الأميني: «هذه صورة ممسوخة من حديث الكتف والدواة المروي بأسانيد جمة في الصحاح والمسانيد وفي مقدمها الصحيحان حولوه إلى هذه الصورة لما رأوا الصورة الصحيحة من الحديث لا تتم بصالحهم، لكنها الرزية كل الرزية كما قاله ابن عباس في الصحيح، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع في وقته عن كتابه ما رامه من الايصاء بما لا تضل الأمة بعده وكثر هناك اللغط، ورمي صلى الله عليه وآله بما لا يوصف به، أو قال قائلهم: إن الرجل ليهجر. أو: إن الرجل غلبه الوجع. وبعد وفاته صلى الله عليه وآله قلبوا ذلك التاريخ الصحيح إلى هذا المفتعل وراء أمر دبر بليل»(2).

كما إن الذي يبدو أن رواية أدعو لي اباك وأخاك إنما هي تعليق ونسج على صورة على الرواية الواردة في الصحاح من أن النبي قال ادعو لي حبيبي، فهمت كل من حفصة وعائشة بدعوة أبيها ولما جاءوه کشح بوجهه عنهم فقالت أم سلمة ادعو له عليا فلما جاءه ناجاه وأطلعه على أسراره حتى توفي وهو على صدره(3)وهكذا كان شأن المؤسسة الأموية التي حاولت أن تزيح مختصات الإمام وتضع

ص: 338


1- شرح نهج البلاغة، 3 / 17، وينظر: احمد بن حنبل، المسند، 1 / 325، البخاری، الصحيح، 1 / 37، 8 / 161
2- الغدير، 5 / 340
3- ابن مردويه، المناقب، 71، المحب الطبري، بشارة المصطفی، 373، الموفق الخوارزمي، المناقب، 68، ابن عساکر، تاریخ دمشق، 42 / 393، ابن ابي حاتم، الدر النظيم، 194، العيني، عمدة القاري، 18 / 71

مكانها أو تنسبها لأحد حکام مدرسة الخلفاء، وابن تيمية وجد ضالته في مثل هكذا أحاديث فعمد إلى مغايرة دلالتها واستلابها وإلصاقها للآخرين.

بعدما أوردناه يمكننا القول أن البخاري ومن تبعه أرادوا أن يزيحوا البعد الشرعي لخلافة الإمام وترابطها مع الرسالة وأن يمجدوا الخليفة بلا نص يذكر، فضلا عن عدم وجود معطيات واضحة ومؤثرة في حياة أبي بكر حتى تكون خلافته مستندة على نص شرعي، فكل ما ادعاه ابن تيمية ناتج عن حقد دفين لأمير المؤمنين لا أكثر بدليل أن كتابه لم نجد فيه أي اعتراف واضح بمناقب الإمام علي (عليه السلام) تلك المناقب التي أفاضت المصادر الأخرى وكتب الصحاح بها وامتازت بذكرها.

رابعاً: جيش أسامة وسطحية الفهم السيري

بعد بيعة الغدير رجع الرسول إلى المدينة وقد بانت له علائم التمرد على تلك البيعة، فقد أورد بعض المصادر مجموعة من الأقوال التي توصل إلى حجم المعارضة لبيعة الغدير ومن المحيطين بالرسول صلى الله عليه وآله، مما استدعى من الرسول وهو في آخر لحظات حياته أن يعمل على إفراغ المدينة من الأفراد الذين قد يشكلون صوتا معارضا لانتقال الخلافة لأمير المؤمنين (عليه السلام) فأمر بتجهيز جيش أسامة وأن لا يبقى أحد إلا وينتدب إليه(1).

والتساؤل المطروح ما هي الغاية من اخراج جیش من المدينة بقيادة أسامة بن زيد وإصرار النبي على مشاركة وجوه المسلمين به، وهل له مدخلية بخسارة المسلمين في مؤته تلك المدخلية التي ركزت عليها أغلب الروايات أم أن لها ارتباط بشيء آخر، ولماذا أوجد تأمير أسامة معارضة من طرف المهاجرين فقط، هل

ص: 339


1- الواقدی، المغازي، 2 / 1117 - 1118،

لإحساسهم بحقيقة أمر هذا الجيش أم لشيء آخر؟.

كل المصادر الإسلامية تقريبا قد ربطت توجيه الجيش إلى أرض مؤته بالرغبة في الرد على هزيمة المسلمين فيها وهذا واضح من الروايات التي تقول إن الرسول قال لأسامة: «يا أسامة سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل»(1)غير أن هذا الأمر عليه جملة من الملاحظات أهمها:

1. إن مؤتة قد حدثة سنة 8 ه للهجرة وأن جيش أسامة قد وجه سنة 11 ه والفاصل الزمني بينهما واضح، فلماذا لم تكن ردة فعل الرسول على هذه الهزيمة بصورة قريبة من تاريخها أو في حينها، انما تركها لسنة 11 ه ألا بعد ذلك الأمر مبررا غير واقعي لهذه الحملة العسكرية، خصوصا وأن المدينة يتنظرها حدث عظيم ألا وهو فقد رسول الله صلى الله عليه وآله.

2. إن من قتل في مؤتة لم يكن فقط زید بن حارثة وإنما قتل معه جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، فلماذا خص أسامة بقيادة الحملة ولماذا يترك ابناء الباقين في أن تكون لهم حظوة کما لابن زيد، ولماذا يقول الرسول لأسامة اذهب إلى الوجهة التي قتل فيها ابوك ولا يقول له إذهب حيث قتل أباك وجعفر وعبد الله ألا يعد ذلك غمطا لحق البقية، أم أن لزيد خصوصية على هؤلاء في تلك المعركة ميزته عنهم، هذا ما لا تسعفه المعطيات التي دارت في المعركة فجعفر قد قطعت يداه وعوضه الله بجناحين يطير بهما في الجنة، إضافة إلى كونه وحسب بعض المصادر هو قائد جيش مؤته.

3. إن مؤتة لم تقع فيها حرب كبيرة وخسارة المسلمين لم تكن إلا باستشهاد

ص: 340


1- - الواقدي، المغازي، 2 / 1117

ما لا يتجاوز 12 شهیدا(1)مما يستدعي القول من أنها أقرب إلى المناوشات منها إلى الحرب، ليفر المسلمون بعد استشهاد القادة، ومن ثم اعطاءها هذا الزخم بحيث تبقى عالقة في أذهان الرسول ويطلب الثأر من أصحابها بعد مدة قد تتجاوز الثلاث سنوات أمر غير منطقي، خصوصا وهو في حملة إسامة يحاول أن يفرغ المدينة من كل قوتها العسكرية ويزجها في هذه الحملة فهل أن مؤتة فعلا قد أثرت بنفسية الرسول إلى ذلك الحد وهل من المنطقي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الذي بانت علامات رحيله من الدنيا يسمح لنفسه أن يضحي بقوة المسلمين جميعا إذا ما وجهت إلى مؤته وانهزمت، وهل من المنطقي أن يرسل الجيش الإسلامي إلى مؤته التي يستغرق الوصول والرجوع منها أربعين يوما وهو يعلم بأن نفسه قد نعيت إليه مع علمه بالأخطار المحدقة بدولته ورسالته من قبل اليهود والمنافقين.

إذن السؤال المطروح هناك إلى ماذا كانت ترمز حملة أسامة بن زيد، هل للثأر أم لتامين انتقال الخلافة إلى أمير المؤمنين ذلك الترابط الذي كانت تتوخاه هذه الحملة غير أن المصادر السيرية قد غيبته.

عند الاطلاع على الروايات التي تتعرض لتلك الحملة يتضح أن أكثر المعترضين على تأمير أسامة من جهة المهاجرين وإن كان ظاهره لصغر سنه إلا أن الخوض في أعماقه ينبأ بأنه تنبه وطعن بالغاية التي كانت متوخاة من ذلك التأمير، والتي تعني خلق جوء ملائم لتسلم الإمام علي الخلافة من الرسول، لذا وجد الاعتراض من المهاجرين تحديد وفي بعض الروايات من الأولين، وفي المقابل فإن اصرارهم دفع الرسول أن يتشدد بخروج أسامة قائلا (اخرج / سر /

ص: 341


1- - ابن هشام، السيرة النبوية، 4 / 140

انفذلما أمرتك)(1)وأن يؤكد على خروجهم بعد أن علم برفضهم وتحججهم بصغره منوها إلى عدة أمور وصلت أقصاها بقوله «لعن الله من تخلف عن جيش أسامة»(2)، وكان قصده واضحا هو المتخلفين عن النفاذ مع جيش أسامة، وإذا علمنا أن الرسول أمر أسامة أن لا يبقى في المدينة إلى أن يتجهز جيشه ويخرج دفعة واحدة بل أن يتخذ من الجرف معسكرا له أدركنا أن الرسول كان يتوخى أكبر قد من الاستعجال في افراغ المدينة من هؤلاء الذين قد يعترضون على خلافة الإمام خصوصا وان علامات ذلك الأمر قد بانت مباشرة بعد الغدير.

كما يمكن القول أن رسول الله كان متوخيا انتقال الحكم والخلافة إلى أمير المؤمنين بهذا الإجراء وذلك من خلال عقد مقارنة بسيطة توضح فيها ماذا لو اطيع أمر رسول الله في جيش أسامة، ومن المنتفع من عدم تحرك جيش أسامة إلى وجهته، سوف نلحظ أن الامتثال لأمر الرسول يعني تسلم الإمام علي (عليه السلام) الخلافة، وأن عدم الامتثال لأمر الرسول أدى إلى سيطرت المعترضين على تأمير أسامة على الخلافة ومن ثم فإن تجهيز جيش أسامة لم يكن إلا إجراء نبويا هدف اتساق الأمور لخلافة الإمام علي (عليه السلام) غير أن معارضة أمر الرسول أدى إلى تحقق خلاف ذلك، خصوصا وأن المرويات جميعها وبدون استثناء لم تشر إلى أن الإمام علي قد أمر بأن يخرج مع جيش أسامة إذ أنه لو كان مأمورا لكان هو الأمير في حين أنها ركزت على (ابو بکر / عمر / أبو عبيدة / سعد بن

ص: 342


1- - الواقدي، المغازي، 2 / 1118، 2 / 1120. رغم كل هذا التأكيد والاصرار من النبي الا ان اسامة قد ماطل ولم ينفذ امر النبي مما يجعله مرشحا وبقوة للتآمر مع المتآمرين لافشال المشروع النبوي في تنصيب الامام أمير المؤمنين ع وافراغ الساحة من المعارضين. وخير دليل على ذلك موقف اسامة من الامام ع بعد رحيل النبي إذ أنه لم يبايعه فيما بعد
2- - القاضي النعمان، دعائم الإسلام، 1 / 41

أبي وقاص)، إذا لماذا ذلك الاستثناء لأمير المؤمنين، لا شك أنه يتعلق بأمر خلافته لرسول الله صلى الله عليه وآله.

لقد كانت المرويات في هذا كله غائبة عن واقع الحقيقة وحاول أن تروج إلى ان انتداب أسامة لهذه المهمة ما هو إلا ثأرا لشهداء مؤته ولم تستطع أن تعمل أدنی فكر في حقيقة المقصد کونه ستفتح النقد على كل المعترضين على ذلك التأمير، بل يبدو لي أن بعض المصادر قد تنبهت إلى جزء من الحقيقة لذا أضافت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمر أسامة أن يأتي آبل فيحرقها، وهي أمور غير مقبولة على رسول الله صلى الله عليه وآله.

ص: 343

الخاتمة

يمكننا بعد ما تم عرضه أن نقول:

1. إن العرض السيري لترابط النبوة والإمامة قد عانى من اخفاقات واضحة، البعض الأبرز منها كان مقصودا، وقليل منها خفيت مقاصده عن الذين تعرضوا لتلك المواضيع.

2. شكلت علاقة الرسول بأمير المؤمنين تلك العلاقة اللصيقة صدمة لكل الذين لم يستسيغوا مثل هكذا اختصاص واجتباء وتفرد، فابتدعوا عدة معوقات كان من بينها مجاعة مزعومة اجتاحت المجتمع المكي، نسجت على منوال ما حدث لقريش من مجاعة أيام هاشم بن عبد مناف، أرادوا من خلالها خلق مبررا يطمئن إليه ويرضي انفسهم ليكون مبررا عن هذه المكانة التي كانت لأمير المؤمنين عند رسول الله.

3. اخفقت المصادر في تكوين صورة واضحة عن طبيعة نصوص حادثة الدار لأن اخذها على واقعها ينتج خندقا عقديا وحدا فاصلا لما يدعی من شرعية خلافة غيره (عليه السلام)، لذا اختلف التعامل معها، فجاء عرضها بعدة صورة مشوه ولا تمت لها بأي صلة. فرغبة أصحاب المدونة السيرة في مغايرة حادثة الدار جعلت البعض منهم يستعيض عن لفظة خليفتي ب (كذا وكذا)، أو أن ينفيها جملة وتفصيلا أو يدخل عليها فهوم غير تلك التي كانت متوخاة من قبل الرسول.

4. شكلت رغبة الرسول (صلى الله عليه وآله) بتوثيق ترابط النبوة و الإمامة بكتاب يمليه في اخريات ايامه انتقالا نوعيا في سيرته العملية، مما يؤشر إلى حجم المعارضة التي ادارت ظهرها لمثل هكذا ترابط فادرك الرسول

ص: 344

واقعیتها والتي حتمت عليه (صلى الله عليه وآله) أن لا يكتفي ويركن إلى التصريح الشفهي بهذا الترابط ذلك الذي حدث في غدیر خم، إلا أن إدراك معارضة ذلك الترابط إلى حقيقة الغاية المتوخاة كشفت عن مواجهة علنية وصريحة مع الرسول (صلى الله عليه و آله) وصلت إلى اتهامه بأبشع العبارات.

5. حاول الرسول أن يستغل سلطته الروحية لدى المسلمين، إذ وبقرار سریع وفجائي ارتأى أن يخلي المدينة من كل العناصر التي قد تعرقل استلام الإمام علي ((عليه السلام)) لذا وجه بخروج جيش من المدينة وعلى عجل لمنطقة بعيدة نسبيا، إلا أن وضوح قصدية ذلك الجيش وهدفه جعل الكثير منهم يبطئ عن الالتحاق به، مما أدى إلى ضياع فرصة حقيقية كان بالإمكان أن تفضي الخلافة بموجبها إلى أمير المؤمنين.

ص: 345

المصادر والمراجع

أولا: المصادر ٭ القرآن الكريم ٭ ابن الأثير، أبي الحسن علي بن أبي الكرم بن محمد بن عبد الكريم بن الشيباني (630 ه / 1232 م).

1. الكامل في التاريخ، (دار صادر - دار بیروت، بيروت - لبنان 1385 ه / 1965 م).

٭ أحمد بن حنبل، احمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، (241 ه / 855 م).

2. المسند (دار صادر، بیروت - لبنان ، د. ت).

٭ ابن إسحاق، محمد بن إسحاق بن يسار (151 ه / 768 م).

3. السير والمغازي، تحقيق: سهيل زكار (ط 1، دار الفكر، بيروت - لبنان، 1398 ه / 1978 م).

٭ البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي (256 ه / 869 م).

4. التاريخ الكبير (المكتبة الإسلامية، ديار بكر - تركيا، د.ت).

5. صحيح البخاري، (دار الفكر، بيروت - لبنان، 1401 ه / 1981 م).

٭ البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر (279 ه / 892 م).

6. انساب الأشراف، تحقیق وتعلیق: محمد باقر المحمودي ( ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان، 1394 ه / 1974 م).

٭ البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (458 ه / 1065 م).

7. السنن الكبرى، (دار الفكر، بيروت - لبنان، د.ت).

ص: 346

8. معرفة السنن والآثار، تحقيق: سید کسروي حسن (دار الكتب العلمية، لبنان، د.ت.).

الترمذي ، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (279 ه / 909 م).

9. الجامع الصحيح، تحقیق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف (ط 2، دار الفكر، بيروت - لبنان ،1403 ه / 1983 م).

ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم (728 ه / 1328 م).

10. مجموعة الفتاوى، تحقيق: عامر الجزار وأنور الباز (ط 4، دار الوفاء، المنصورة - القاهرة، 1426 ه / 2005 م).

11. منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، تحقيق: محمد رشاد سالم (دار الفضيلة للنشر، الرياض - السعودية، 1242 ه).

الثقفي، أبو اسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي (283 ه / 896 م).

12. الغارات، تحقيق: جلال الدين الأرموي الحسيني (مطبعة بهمن، ایران، 1395 ه / 1998).

أبو جعفر الإسكافي، محمد بن عبد الله المعتزلي (220 ه / 835 م).

13. المعيار والموازنة في فضائل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) وبيان أفضليته على جميع العالمين بعد الأنبياء والمرسلين، تحقيق: محمد باقر المحمودي (ط 1، د. م، 1402 ه / 1981 م).

٭الحاكم النيسابوري، ابو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد، (405 ه / 1014 م).

14. المستدرك على الصحيحين، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي (دار المعرفة، بيروت - لبنان، د. ت).

ابن حبان، علاء الدين علي بن بلبان الفارسي (354 ه / 965 م).

ص: 347

15. صحیح ابن حبان، تحقيق: شعيب الارنؤوط (ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، 1414 ه / 1993 م).

٭ ابن حجر، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 ه / 1448 م).

61. فتح الباري، تقديم: حسن عباس زكي (ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، 1408 ه / 1998 م).

٭ ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين ابن أبي الحديد المدائني (656 ه / 1258 م).

17. شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (ط 1، دار احياء الكتب العربية، بيروت - لبنان، 1378 ه / 1959 م).

الحلبي، نور الدين علي بن ابراهيم بن محمد (975 ه / 1567 م).

18. إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون المعروف بالسيرة الحلبية (دار المعرفة، بيروت - لبنان ، 1400 ه / 1980 م).

٭ الخطيب البغدادي، ابو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي (463 ه / 1070 م).

19. تاریخ بغداد، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1417 ه - 1997 م).

٭ ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الزهري، (230 ه / 844 م).

20. الطبقات الكبرى (دار صادر، بیروت - لبنان، د. ت).

٭ السهيلي، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله (581 ه / 1198 م).

21. الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، تعليق: مجدي بن منصور، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، د.ت).

الشافعي، أبي عبد الله محمد بن إدريس (204 ه / 819 م).

ص: 348

22. كتاب الأم (ط 2، دار الفكر، بيروت - لبنان ، 1403 / 1983 م).

٭ الطبراني، أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360 ه /970 م).

23. المعجم الصغير ،(ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، د.ت).

٭ الطبري، أبو جعفر محمد بن جریر (310 ه / 922 م).

24. تاريخ الرسل والملوك (ط 4، مؤسسة الأعلمي، بيروت - لبنان، 1403 ه / 1993 م).

25. جامع البیان جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ضبط وتوثيق وتخریج: صدقي جميل العطار (دار الفكر، بيروت - لبنان، 1415 ه / 1995 م).

٭ عبد الرزاق الصنعاني، ابو بكر عبد الرزاق بن همام (211 ه / 826 م).

26. المصنف، تحقيق: حبیب الرحمن الأعظمي، (ط 1، المجلس العلمي، بيروت - لبنان، 1392 ه / 1972 م).

٭ الإمام علي (عليه السلام) (40 ه / 664 م).

27. نهج البلاغة، جمع: الشريف الرضي (ط 4، مؤسسة أنصاريان للنشر، قم المقدسة - ایران، 1426 ه / 2006 م).

٭ ابو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم (356 ه / 966 م).

28. مقاتل الطالبيين، تقديم واشراف: كاظم المظفر (ط 2، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم - إيران، 1385 ه / 1965 م).

٭ القيرواني، ابن أبي زيد (389 ه / 1008 م).

29. رسالة ابن أبي زيد، جمع المحقق: صالح عبد السميع الآبي الأزهري (المكتبة الثقافية، بيروت - لبنان).

٭ ابن كثير، ابو الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي (774 ه / 1372 م).

30. البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري (ط 1، دار احياء التراث، بیروت

ص: 349

- لبنان، 1408 ه / 1988 م).

31. تفسير ابن كثير (تفسير القران العظیم)، تقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي (دار المعرفة، بيروت - لبنان، 1412 ه / 1992 م).

32. السيرة النبوية، ٭ مالك، أبو عبد الله الإمام مالك بن أنس الأصبحي (179 ه / 797 م).

33. المدونة الكبرى، (دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، د. ت).

٭ المتقي الهندي، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (ت 975 ه / 1567 م).

34. کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للعلامة، ضبط تصحيح بكري حياني، صفوة السفا (مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، 1409 ه / 1989 م).

- المحب الطبري، محب الدين أحمد بن عبد الله (694 ه / 1297 ه).

35. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربی (نشر مكتبة القدسي، القاهرة - مصر، 1356 ه / 1963 م).

٭ ابن مردويه، أبي بكر أحمد بن موسی ابن مردويه الإصفهاني (410 ه / 1019 م).

36. مناقب الإمام علي (عليه السلام)، جمع تحقيق عبد الرزاق محمد حسین حرز الدين، (ط 2، دار الحديث، قم المقدسة - ایران ، 1422 ه).

٭ مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري (261 ه / 874 م).

37. الجامع الصحيح (ط 1، دار الفكر، بيروت - لبنان، د.ت).

٭ الموفق الخوارزمي، الموقف بن أحمد المكي الحنفي الخوارزمي (568 ه / 1172 م).

ص: 350

38. المناقب، تحقيق: مالك المحمودي (ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة - ایران، 1414 ه).

٭ النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (303 ه / 915 م).

39. السنن الكبرى ، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري وسيد کسروي حسن (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1411 ه / 1991 م) ٭ النووي، ابي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (676 ه / 1266 م).

40. شرح صیح مسلم، (دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، 1407 ه / 1987 م).

٭ ابن هشام، أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري، ت (218 ه / 833 م). 41. السيرة النبوية، تحقيق وضبط وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد (المدني، القاهرة - مصر، 1383 ه / 1963 م).

الواقدي، محمد بن عمر (207 ه / 822 م).

42. المغازي، تحقيق: مارسدن جونس (ط 3، عالم الكتب، بيروت - لبنان، 1404 ه / 1984 م).

٭ اليعقوبي، احمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح (كان حيا 292 ه / 897 م).

43. تاريخ اليعقوبي، (دار صادر - بيروت - لبنان).

ثانياً: المراجع ٭ الأميني، عبد الحسين احمد الأميني النجفي.

44. الغدير في الكتاب والسنة والأدب (ط 4، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، 1397 ه / 1977 م).

الجابري، علي رحيم أبو الهيل

ص: 351

45. الدعاية الأموية المضادة للإمام علي (دراسة في سياسة السب)، (رسالة ماجستير غير منشورة - كلية التربية - جامعة البصرة، 2008م).

٭ الصالح، صبحي.

46. النظم الإسلامية نشأتها وتطورها، (ط 1، منشورات الشريف الرضي، ایران، 1417 ه).

٭ الموسوي عبد الحسين شرف الدين.

أبو هريرة، (مؤسسة أنصاریان، قم المقدسة - ایران).

٭ النصر الله، جواد كاظم.

هيأة كتابة التاريخ برئاسة معاوية (مجلة رسالة الرافدين، العدد الخامس، السنة الثانية، البصرة - العراق ، 2008 م).

ص: 352

البحث السابع النبي (صلی الله علیه وآله) والإمام علي (علیه السلام) ومسارات المواجهة في المرحلة المكية دراسة في حادثتي الحصار والمبيت م. د. علاء حسن مردان اللامي كلية الامام الكاظم الجامعة فرع ميسان

ص: 353

ص: 354

المقدمة

لا شك ان الامامة امتداد طبيعي للنبوة، وبما انها تعد كذلك فحري بها ان تأخذ نسق حركة الأنبياء والمرسلين، ولدراسة هذا النسق ينبغي دراسة الموضوع دراسة جذرية للبيئة التي نشأ فيها الامام علي (عليه السلام) وهو يحمل أعباء الامامة في مهدها الاول، قاطعا بذلك مسافة التحديات الموجهة لصد او عرقلة فكرة دين التوحيد وسط قوة معتقد الصنمية بكل اشكالها، والشيء الضروري هو سادة أولئك الصنمية، الذين لا يترددون في توجيه كل ثقلهم لإفشال مشروع الدعوة الإسلامية في بيئة مكة المكرمة، والاثر الاخر الذي له أهمية في التعرف على طبيعة الامامة هو علاقتها بالنبوة، فهل الأخيرة بحاجة الى الامامة ام لا هي قادرة على التصدي لجميع تلك التحديات التي تنتظرها، واذا كانت النبوة مهمة سماوية فلماذا لم تنصرها السماء بالمعجزات فقط، وهل الامامة تعد ضمن مسار النصرة للنبوة ام لا؟ كل هذا سنتعرف عليه في سياق تشكيل الامامة ومسارها الاولي في بيئة مكة.

والملفت للنظر في دراسة الامامة هل جاءت من واقع جعلها فكرة متعالية ينبغي اتباعها وإلزام الجميع بوجوب الإقرار لها او التسليم بحادثتها؟ ام هناك تفسير اخر لمسألة الامامة من وجهة نظر التاريخ، ام هي نتاج احداث متعاقبة بعد النبوة، فأصبح لها مخرجات تبعاً للأحداث التاريخية أو الأدوار التي مرت بها.

إذا نحن بحاجة الى معرفة الامامة في بيئتها المكية ووفق الاحداث التاريخية التي تعكس وظيفتها في إتمام رسالة التوحيد، ومن اجل ذلك كان عليها ان تظهر بثوب البطل الذي يقدم كل شيء من اجل الحفاظ على دوره دون ان يخسره او يفقد جزئية منه، واقصد هنا التكليف الإلهي لمن ينصر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسط تزاحم الالحاد وكثرة معاونيه، وهنا سيكون التركيز على حدثين

ص: 355

مهمين وهما: الأول حادثة حصار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في شعب ابي طالب، والحادثة الثانية مبيت الامام علي (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون البحث في هذا السياق مع الوقوف على دور الامام علي (عليه السلام) من ذلك وما او كل اليه من مهام عظيمة كانت بحق مشروع إنجاح النبوة ومؤازرتها وسط بيئة الشرك وقوة تسلطه في مكة آنذاك.

المحور الأول: مؤازرة الامامة للنبوة وسط حصار الكفر والكافرين.

هناك بعض الروايات التي نقلت تفاصيل حادثة حصار النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه من بني هاشم في شعب ابي طالب، وجاء هذا واضحاً في أحد كتب الامام علي (عليه السلام) الى معاوية بن ابي سفيان، اذ جاء فيه: (إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا أهل البيت أول من آمن به، وصدق بما جاء به، فلبثنا أحوالا مجرمة وما يعبد الله في ربع ساکن من العرب غيرنا، فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا، وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل، ومنعونا العذب، وأحلسونا(1)الخوف، واضطرونا إلى جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، فعزم الله لنا على الذب عن حوزته، والرمي من وراء حرمته. مؤمننا يبغي بذلك الأجر، وكافرنا يحامي عن الأصل. ومن أسلم من قريش خلو مما نحن فيه بحلف يمنعه أو عشيرة تقوم دونه، فهو من القتل بمكان أمن)(2).

في كلام الامام امير المؤمنين (عليه السلام) يحمل قيمة فكرية رائعة وهي تجسد الصورة الأولى لمن امن بالنبوة وسلم لها بالتصديق، ودافع عنها بكل ما يملك،

ص: 356


1- أحلسونا: ألزمونا. ينظر: ابن منظور، لسان العرب 6 / 56
2- المنقري، وقعة صفين، ص 89؛ الشريف الرضي، نهج البلاغة 3 / 8 - 9؛ الموفق الخوارزمي، المناقب، ص 252؛ قطب الدين الراوندي، مناهج البراعة في شرح نهج البلاغة 3 / 22؛ ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 14 / 47

وهو يشير الى واقع الصبر وتحمل الأذى في سبيل تحقيق مشروع الرسالة السماوية، وما يهمنا من كلام الامام امير المؤمنين (عليه السلام) هو الصورة المعبرة عن حقيقة الأمور التي وقعت آنذاك، وما الم ببني هاشم من جهد كبير تحملوه في سبيل نجاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان المدافعون فئتين الأولى كانت مؤمنة بالنبوة ودين التوحيد ترجوا ثواب الله تعالى، والثانية كانت كافرة ترجوا بذلك الدفاع عن الأصل وهو نصرة النسب والعشيرة، وهذا يشير الى دافع مشترك للدافع عن النبوة، ويتخلل ذلك دور الامامة في هذه المرحلة الحرجة من عمر الدين الإسلامي، اذ كانت علاقة النبوة والامامة علاقة وطيدة ومؤكدة من الله عز وجل، اذ يقول الامام علي (عليه السلام): «فعزم الله لنا على الذب عن حوزته»(1). كأن الامام (عليه السلام) يشير الى ذلك التكليف الرباني بشأن نصر النبوة واتمام حجتها على الخلق، وهو أمر في غاية الأهمية، وفي نفس الوقت تکلیف معقد نسبة الى البيئة المكية آنذاك اذ يطوقها الكفر والالحاد، ولا ينتهي هذا الشيء الا بالعزم للذب عن النبوة، ومؤازرتها(2)، وأيضاً يمكن أن تقرأ رواية علي بن زید بن جدعان(3)من باب اخر، الا وهو الإخلاص من جانب الامام علي (عليه السلام) وذوبانه في نصرة الدين الإسلامي ونبي الإسلام (صلى الله

ص: 357


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة 3 / 8 - 9؛ وينظر : لبيب بیضون، تصنیف نهج البلاغة، ص 403
2- ينظر: محمد مهدي الخرساني، موسوعة عبد الله بن عباس 1 / 71
3- هو علي بن زید بن جدعان أبو الحسن القرشي الأعمی تیمي، روى عن انس بن مالك وأبي عثمان النهدي وأبي نضرة وأوس بن خالد روى عنه الثوري وشعبة وشريك وحماد بن سلمة وحماد بن زید، عدّ من فقهاء البصرة وائمتها ومن أشرف الناس الفاقدين للبصر، بل قيل انه ولد أعمى، وعد أحد علماء الشيعة. وقيل عنه في الكتب الرجالية كان يتشیع ولا بأس به، وقيل ليس بذلك القوي، وممن نسب الى الرفض من أهل البصرة، وانه كان يرفع الحديث، اختلف بسنة وفاته، فهناك من جعلها سنة 129 ه، والبعض جعلها سنة 131 ھ / 748 م. الذهبي، میزان الاعتدال 3 / 129؛ الصفدي، الوافي بالوفيات 21 / 82

عليه وآله وسلم)، وهذه الفكرة تجسدت في اخلاص هارون لأخيه النبي موسى (عليهما السلام)، اذ جاء بهذا الشأن بعض الاخبار التي أشار اليها القرآن الكريم في قوله تعالى: «وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(1). وفي أية أخرى: «وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا»(2). وفي قوله تعالى ايضاً: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ٭ هَارُونَ أَخِي ٭ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ٭ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ٭ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا ٭ وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا»(3). فقول الله تعالى فيه صورة فكرية واضحة اذ ان اختیار هارون جاء من باب حاجة النبوة للمؤازرة وتقديم الجهد للنصح في امرها، ومخالفة هوى المفسدين وكل من بغى الإسلام سواء، وايضاً فيها تعبير عن الرحمة الإلهية المقدرة لنجاح النبوة، وهذا الأمر تجسد في مواقف الامام علي (عليه السلام) عندما قدم كل قواه لردع الشرك والمنافقين بل كان مستعداً للموت من اجل نجاح النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة الإسلامية - سنذكر ذلك في موقف الامام علي (عليه السلام) من مبيته على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - فوظيفة الامام تقتضي استمرار الدين الإسلامي الصحيح والذب عنه ما إلى ذلك من سبيل، لذلك يلاحظ ان الامام علي (عليه السلام) تحمل ثقل الامامة الى جنب الدفاع عن ثقل النبوة، فاذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعاني ما عانه من المشركين واتباع الصنمية، فعلي بن ابي طالب (عليه السلام) مثله تماماً، كان قد تحمل الألم والاذي وحرم نفسه من ابسط الحقوق ليوفرها لغيره بشأن التحديات التي اعترضت الدعوة الإسلامية، وهذا الأمر جلي في موقفه أيام حصار بني هاشم في شعب ابي طالب.

ص: 358


1- سورة الأعراف، الآية: (142)
2- سورة مريم، الآية: (53)
3- سورة طه، الآيات: (29 - 34)

جاء في الرواية التاريخية ان قریش اجتمعت على ادخال بني هاشم وبنی عبد المطلب شعب ابی طالب کتبوا بينهم صحيفة، فدخل الشعب مؤمن بني هاشم وكافرهم ومؤمن بنی عبد المطلب وكافرهم ما خلا أبو لهب وأبو سفيان بن الحرب فبقي القوم في الشعب ثلاث سنين فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا اخذ مضجعه ونامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه وأضجع عليا مكانه فقال علي: (يا أبتاه انی مقتول ذات ليلة)(1)؟ فقال أبو طالب هذه الأبيات الشعرية:

اصبرن يا علي فالصبر أحجی ٭٭٭ كل حي مصيره لشعوب قد بذلناك والبلاء عسير ٭٭٭لفداء النجيب وابن النجيب لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب ٭٭٭ والباع والفناء الرحیب ان رمتك المنون بالنبل فاصبر ٭٭٭ فمصيب منها وغير مصیب كل حي وان تطاول عمرا ٭٭٭ آخذ من سهامها بنصيب(2) فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ٭٭٭ ووالله ما قلت الذي قلت جازعا ولكنني أحببت إظهار نصرتي ٭٭٭ وتعلم أني لم أزل لك طائعا وسعيي لوجه الله في نصر أحمد ٭٭٭ نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا(3) لذلك قيل: (وكان علي (عليه السلام) يحمل إليهم الطعام مسارقة كانوا يمنعون من المبايعة)(4). أي أن دور علي (عليه السلام) هو المؤازرة والنصرة ما

ص: 359


1- المفيد، الفصول المختارة، ص 58
2- الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 35 - 45
3- المفيد، الفصول المختارة، ص 95
4- أبو جعفر الاسكافي، المعيار والموازنة، ص 88

امكنه ذلك، فقدم قدراته كلها من اجل المساهمة في استمرار الحياة والحصول على نصيبه منها، وهو ما أكده عليه أبو طالب في الأبيات الشعرية أعلاه، إضافة إلى ان رد امير المؤمنين (عليه السلام) يدل على النضوج الفكري في مناقشة امر فداء النبوة من قبل بیت أبو طالب، وهو امر يدل على تفهم امر النبوة وما يحيطها من خطر يدق الاذهان قبل الابدان، لكن الحوارية الشعرية بين الاب أبو طالب والابن الامام علي (عليه السلام) تعطي نسق معرفي منسجم مع دورهم آنذاك في نصر النبوة ومؤازرتها.

أضف الى ذلك ما وصل اليه الامام علي (عليه السلام) من درجة روحية في العشق الإلهي، فهو لا يخشى الموت في قضية نصرة دين الإسلام ونبيه، بل كان عارف لدوره في المؤازرة والنصرة، فالظروف الطارئة او المستجدة في مسار الدين الإسلامي كان أثر الامامة جلي منها، وهو دور مکمل لمشروع السماء، كأن دور علي بن ابي طالب سخره الله تعالى لنصرة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، اذ ينقل ابن ابي الحديد قول احد مشايخه وهو أبو جعفر الاسكافي(1)، جاء فيه: (ان الامام علي [(عليه السلام)] كان يوم أسلم بالغا کاملا منابذا بلسانه وقلبه لمشركي قريش، ثقيلا على قلوبهم، وهو المخصوص دون أبی بکر بالحصار في الشعب، وصاحب الخلوات برسول الله صلى الله عليه وآله في تلك الظلمات، المتجرع لغصص المرار

ص: 360


1- هو أبو جعفر محمد بن عبد الله، من متکلمي المعتزلة وشيوخهم، أصله من سمرقند، قيل كان صاحب ذكاء وفطنة، كان الإسكافي أولا خياطا، وكان أبوه وأمه يمنعانه من الاختلاف في طلب الكلام، ويأمرانه بلزوم الكسب، فضمه جعفر بن حرب إليه، وكان يبعث إلى أمه في كل شهر عشرين درهما بدلا من کسبه. وكان المعتصم العباسي قد أعجب به إعجابا شديدا، فقدمه ووسع عليه، له العديد من الكتب المؤلفة، أشهرها المعيار والموازنة في فضائل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، مات الاسكافي سنة 220 ه وقيل سنة 240 ه. خير الدين الزركلي، الاعلام 6 / 221

من أبي لهب وأبي جهل وغيرهما، والمصطلي لكل مكروه والشريك لنبيه في كل أذي، قد نهض بالحمل الثقيل، وبان بالأمر الجليل، ومن الذي كان يخرج ليلا من الشعب على هيئة السارق، يخفی نفسه، ويضائل شخصه، حتى يأتي إلى من يبعثه إليه أبو طالب من کبراء قریش، کمطعم بن عدي(1)وغيره، فيحمل لبني هاشم على ظهره أعدال الدقيق والقمح، وهو على أشد خوف من أعدائهم، كأبي جهل وغيره، لو ظفروا به لأراقوا دمه. أعلي كان يفعل دلك أيام الحصار في الشعب، أم أبو بكر وقد ذكر هو (عليه السلام) حاله يومئذ، فقال في خطبة له مشهورة فتعاقدوا الا يعاملونا ولا يناکحونا، وأوقدت الحرب علينا نيرانها، واضطرونا إلى جبل وعر، مؤمننا يرجو الثواب، وکافرنا يحامی عن الأصل، ولقد كانت القبائل كلها اجتمعت عليهم، وقطعوا عنهم المارة والميرة، فكانوا يتوقعون الموت جوعا، صباحا ومساء، لا يرون وجها ولا فرجا، قد اضمحل عزمهم، وانقطع رجاؤهم، فمن الذي خلص إليه مکروه تلك المحن بعد محمد صلى الله عليه وآله الا علي (عليه السلام) وحده وما عسى أن يقول الواصف والمطنب في هذه الفضيلة، من تقصى معانيها، وبلوغ غاية كنهها، وفضيلة الصابر عندها ودامت هذه المحنة عليهم ثلاث سنين، حتى انفرجت عنهم بقصة الصحيفة، والقصة مشهورة)(2).

والظاهر من القول أعلاه بعض الأمور التي بحاجة الى إيضاح وهي كالاتي:

ص: 361


1- المطعم بن عدي: هو المطعم بن عدی بن نوفل بن عبد مناف، من قريش: رئيس بني نوفل في الجاهلية، وقائدهم في حرب الفجار سنة 33 ق ه، 591 م وهو الذي أجار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما انصرف عن أهل الطائف وعاد متوجها إلى مكة، يروي انه كان أحد الذين مزقوا الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم، وعمي في كبره. ومات قبل معركة بدر الكبرى. خير الدين الزركلي، الاعلام 7 / 252
2- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 13 / 253 - 254

1 - دل القول على ان الامام علي (عليه السلام) کان بالغاً مبلغ الرجال، وانه قادرا على تأدية ما انيط به من مهام عسيرة دون غيره. وهنا هذا الكلام اخذ على ظاهر الأفعال التي قام بها امير المؤمنين (عليه السلام) في حين هناك امر أعظم اخر لم يتطرق اليه القول وهو المنزلة التي حصل عليها الامام علي (عليه السلام) بعدما أصر على ان يؤازر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على امر الدين الإسلامي، وأول اختبار للإمام علي (عليه السلام) لذلك القول هو محنة النبي ومن معه في شعب ابي طالب، اذ برهن على استعداده التام من اجل النصرة والمؤازرة.

2 - القول أشار الى ان الامام علي (عليه السلام) هو الشريك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل اذى، وهذا يعني ان الخصوصية لعلي بن ابي طالب دون غيره، وبالتالي مرتبة الامامة كانت واضحة مع تزايد الاخطار المحدقة بالنبوة والمسلمين، فتجسدت في شخص علي (عليه السلام) دون غيره.

3 - كان هناك رجال محصورين في شعب ابي طالب، والبعض منهم اباء لأطفال فتكون ثورتهم أعنف من غيرهم حسب طبيعة الابوة وغريزتها، لكنهم لم يتحلوا بتلك المسؤولية، بل اعتمدوا على جهد الامام علي (عليه السلام) في تأمين ما يحتاجون اليه من طعام وشراب، فاذا ما قرنا هذا الإصرار من طرف الامام علي (عليه السلام) فنجده قد تحلى بروح المسؤولية، نسبة الى ما انيط به من مهام الامامة، فتجرع الويلات وصبّر نفسه من اجل إتمام مهامه على أفضل ما یکون.

4 - صورة التضحية التي تمتع بها الامام علي (عليه السلام) فمع شدة الحصار وكثرة العيون المراقبة لكل من يدخل او يخرج من شعب ابي طالب، وان من خرج منهم مصيره الموت لا بديل، كل ذلك لم يثني الامام علي (عليه السلام) بل ازداد

ص: 362

اصراراً مع ازدياد الخطر، وهذا يعني ان الامامة تمتعت بالبعد العملي وهو الصبر وتصبير النفس في مواقف الشدة، والبعد الاخر هو اليقين والتصديق دون أدنى شك، وهذا يتفق مع قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ»(1).

5 - الملاحظ في الامام علي (عليه السلام) تفانيه في توفير اهم الأشياء للمحاصرين في شعب ابي طالب آنذاك، وهذا الأمر يعكس اهتمام الامام امير المؤمنين بالناس من حوله سواء اقرباءه او غيرهم، وهو بهذا العمل يجسد دور النبوة في رعاية الناس على اختلاف توجهاتهم الفكرية، وبالتالي فالنبوة والامامة مشكاة واحدة تجاه مصلحة الناس، وحسب ما قيل: (وعلي [(عليه السلام)] يقاسي الغمرات، ويكابد الأهوال، ويجوع ويظمأ، ويتوقع القتل صباحا ومساء، لأنه كان هو المتوصل المحتال في احضار قوت زهيد من شيوخ قريش وعقلائها سرا، ليقيم به رمق رسول الله [(صلى الله عليه وآله وسلم)] وبنی هاشم، وهم في الحصار، ولا يأمن في كل وقت مفاجأة أعداء رسول الله [(صلى الله عليه وآله وسلم)] له بالقتل، كأبي جهل بن هشام وعقبه بن أبي معيط، والوليد بن المغيرة، وعتبة ابن ربيعة وغيرهم من فراعنة قريش وجبابرتها، ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله [(صلى الله عليه وآله وسلم)] زاده، ويظمئ نفسه ويسقيه ماءه وهو كان المعلل له إذا مرض، والمؤنس له إذا استوحش)(2).

فهذا الجهد الذي بذله الامام علي (عليه السلام) يدل على قدر كبير من المسؤولية التي انيطت به، وهو أمر بحاجة إلى تأمل، لا سيما مع حجم الخطر من طرف قريش آنذاك، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن إصرار علي بن ابي طالب في ذلك

ص: 363


1- سورة السجدة، الآية: (24)
2- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 13 / 256

السعي، هل كان ملزماً على فعله ام هو مخير فيه؟ وايضاً ما سر تلك التضحية التي قدمها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وممن معه في شعب ابي طالب؟ حسب احداث التاريخ فالإمام علي (عليه السلام) كان ملزمٌ بالسعي من اجل اذلال الأمور العسيرة، لأنه (عليه السلام) تعهد امام بنو هاشم جميعا انه سيؤازر النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على امر النبوة(1)، وهذا الأمر جاءه تطبيقه عند محاصرتهم في شعب ابي طالب، فعمل امير المؤمنين بما هو ملزم به، وحسب قوله تعالى: «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا»(2). فاتخذ الامام (عليه السلام) الوضع الكامل للشكل الإنساني، اذ لم يكن مرتاب بشأن خصوصية المؤازرة، بل كان واعيا لها، عارفا بثقل النبوة وما تحتاجه من تضامن لا محدود، بحيث يكون التزامه تعبيرا عن صدقه من الجانب الظاهري على تقديرنا لموقفه (عليه السلام)، وهذا ما جعله يتقرب الى الله تعالى، وتبعا لهذا الموقف كان الامام علي (عليه السلام) هو المسؤول الثاني عن المحاصرين في الشعب، وبرهن للجميع انه يتحلي بروح المسؤولية وانه اختار لنفسه سبيل تحقيق ما فيه نجاة الاخرين وتفادي هلاكهم، من هنا اكتسب امير المؤمنين فوائد تجربته مع المخالفين من اجل نصرة الدين، فانتصر الدين له.

أما عن علاقته برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهناك روايات تاريخية تبين المستوى الروحي والعاطفي بينهما، فعن الفضل بن عباس(3)قال: (سألت

ص: 364


1- للتفصيل ينظر: الطبري، تاریخ 2 / 63؛ وايضاً كتابه الاخر: جامع البيان عن تأویل آي القرآن 19 / 149؛ ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك 2 / 367؛ ابن الاثیر، الکامل في التاريخ 2 / 63؛ أبو الفداء، المختصر في اخبار البشر 1 / 116
2- سورة الإسراء، الآية: (34)
3- هو الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجیر بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر يكنى أبا عبد الله، ويقال یکنی أبا محمد، اختلف بشأن وفاته، قيل كانت شهادته بالشام يوم أجنادين في جمادي الآخرة سنة 13 ه، ويقال استشهد يوم مرج الصفر في جمادي الأولى سنة ثلاث 13 ه، والبعض جعل وفاته في أيام حكم عمر بن الخطاب في واقعة اليرموك سنة 15 ه. ابن خیاط، طبقات خليفة، ص 475؛ ابن حبان، الثقات 3 / 329

أبي عن ولد رسول الله [(صلى الله عليه وآله وسلم)] الذكور: أيهم كان رسول الله [(صلى الله عليه وآله وسلم)] له أشد حباً؟! فقال: علي بن أبي طالب [(عليه السلام)]. فقلت له: سألتك عن بنيه؟! فقال: إنه كان أحب إليه من بنيه جميعاً وأرأف. ما رأيناه زايله يوماً من الدهر، منذ كان طفلاً، إلا أن يكون في سفر لخديجة. وما رأينا أباً أبر بابن منه لعلي [(عليه السلام)]، ولا أبناً أطوع لأب من علي له)(1). وروی جبیر بن مطعم(2)، قال: (قال أبي مطعم بن عدي لنا، ونحن صبيان بمكة: ألا ترون حب هذا الغلام - يعني علياً [(عليه السلام)] - لمحمد [(صلى الله عليه وآله وسلم)]، واتَّباعه له دون أبيه؟! واللات والعزى، لوددت أنه أبني بفتيان بني نوفل جميعاً)(3). ويروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة، بل للجهاد والنصيحة...)(4). فالقربة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت من اجل الدين وهذا بلا

ص: 365


1- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 13 / 200
2- جبیر بن مطعم: هو جبیر بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصّى القرشي النوفلي یکنی أبا محمد، وقيل أبا عدّى، أمه أم جميل بنت سعيد، من بني عامر ابن لؤيّ، عد من نسابة العرب ومن حلماء قريش وساداتهم، ويقال: إن أول من لبس طیلسانا بالمدينة، قيل ان وفاته كانت سنة 57 او 59 ه. ابن عبدالبر، الاستیعاب 1 / 233
3- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 13 / 201
4- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 20 / 299

شك نابع من حكمة الهية اقتضت تلك القرابة، اذ يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا علي إن الله عز وجل أمرني ان أدنيك ولا أقصيك وان أعلمك ولا أهملك وان أقربك ولا أجفوك)(1). فهذا الحديث الشريف له معني فكري كبير، اذ يعكس تلك العلاقة الروحية بين من يتحلى بمقام النبوة وبين من نشأة في ظلها وعنايتها، ليبرهن أنه لا يشك ابداً بتدبير السماء، بل تأملها جيدا فوعاها من عين النبوة، ليكلل ذلك التوجه الفكري والعقائدي بدرجة أدنى من نبوة الخاتم ولكنها متمم لها وهي الامامة.

المحور الثاني: فداء الامامة للنبوة في ظلمة إصرار الكفار على قتل النبي (صلی الله علیه وآله).

اتضح فيما تقدم في سياق البحث ان الامامة امتداد للنبوة، وهما مشروع اصلاح الناس وكشف ما هو غائب عن الفكر الإنساني، ولتتمة ذلك جاءت النبوة والامامة مسخرة لخدمة البشرية جمعاء، وهو مقام يعلو على مكانة أي شيء اخر في الأديان والمعتقدات البشرية، اذ تجسدت صورة التضحية بكل معانيها، وبمختلف مواقفها، وهذا ما سندرسه فيما هو اتي من هذا البحث بشأن مبيت الامام علي (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما علم بمؤامرة القتل من طرف مشركي قريش، فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخشى على امانات الناس، فكلف الامام علي (عليه السلام) بتأدية ذلك

ص: 366


1- القضاعي، دستور معالم الحكم ومأثور مکارم الشيم من كلام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، ص 87؛ وينظر للقول المنقول باختلاف بعض الالفاظ: أبو جعفر الاسكافي، المعيار والموازنة، ص 301؛ الكوفي، مناقب الامام امير المؤمنين 2 / 21؛ الطبري، جامع البيان عن تأویل آي القرآن 29 / 69؛ الصدوق، الخصال، ص 576؛ الواحد النيسابوري، أسباب نزول الآيات، ص 294؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضیل 2 / 363

عنه(1)، مع الحرص على ذلك ما امكنه من سبيل، وحفظ نساء البيت النبوي فلم يكن احد قادر على تلك المسؤولية غير الامام علي (عليه السلام)(2)، بالإضافة إلى ما عرفت به الروايات التاريخية من عنصر التنويه واشغال ذهن المشركين بان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يغادر بيته.

جاء في قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(3). اذ ذكر عن أبي سعيد الخدري قال: (لما أسري بالنبي [صلى الله عليه وآله سلم] یرید الغار، بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأوحى الله إلى جبرئیل ومیکائیل: إني قد آخیت بینکما وجعلت عمر أحدكما أطول من الاخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فكلاهما اختاراها وأحبا الحياة، فأوحى الله إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخیت بينه وبين نبيي محمد صلى الله عليه - وآله - وسلم فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه. فكان جبرئيل عند رأسه ومیکائیل عند رجليه وجبرئيل ينادي بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب الله عز وجل يباهي بك الملائكة)(4). فالإمام علي (عليه السلام) أول من قدم نفسه في سبيل الله تعالى(5)، وهو امر يعد غاية في الأهمية يعكس القيمة المعرفية التي وصل اليها الامام (عليه السلام) وهو يمتثل لطلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فداءه آنذاك.

ص: 367


1- الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن 4 / 349
2- المفيد، الارشاد 1 / 53
3- سورة البقرة، الآية: (207)
4- الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفصيل 1 / 123؛ وينظر: ابي الفتح الكراجکي، التعجب من اغلاط العامة في مسألة الامامة، ص 123؛ الطوسي، الأمالي، ص 252؛ ابن حمزة الطوسي، الثاقب في المناقب، ص 146
5- الكوفي، مناقب الامام امير المؤمنين (عليه السلام) 1 / 124

فيما يخص الرواية التاريخية فيبدو عليها تفاصيل ذات قيمة فكرية رائعة وهي تصور ذلك الدور الفدائي الذي قدمه امير المؤمنين (عليه السلام) تجاه دین التوحيد، اذ جاء فيها: (فأتی جبریل (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مکانهم قال لعلي بن أبي طالب: نم علی فراشي وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينام في بردة ذلك إذا نام. قال ابن إسحاق(1): فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن کعب القرظي، قال: لما اجتمعوا له، وفيهم أبو جهل بن هشام، فقال وهم على بابه: إن محمد يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره کنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم جنان كجنان الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فیکم ذبح، ثم بعثتم من بعد موتكم، ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها. قال: وخرج عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: نعم أنا أقول ذلك، أنت أحدهم، وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فلا يرونه، فجعل ينثر

ص: 368


1- هو محمد بن إسحاق ابن يسار المُطَّلبي بالولاء، أبو بكر، وقيل: أبو عبد اللهَّ المدني، مصنّف کتاب السير والمغازي، كان جدّه من سبي عين التمر، ولد ابن إسحاق بالمدينة سنة 80 ه، وبها نشأ، ثم رحل في طلب العلم إلى مصر، فزار الإسكندرية سنة 119 ه، وكان ابن إسحاق قد أتی أبا جعفر المنصور بالحيرة، فكتب إليه المغازي، ثم انتقل إلى بغداد فأقام بها إلى أن مات، وقد كلَّفه المنصور بملازمة ابنه المهدي فصحبه طويلًا، وسافر معه إلى خراسان حيث حدّث هناك بالرَّيّ وأملى، وما كتبه ابن إسحاق في السير والمغازي لم يصل إلينا بشكله الاوّل، بل وصلنا بعد تلخيصه وتعديله من قبل آخرین أشهرهم ابن هشام، وهو الموجود اليوم والمعروف بسيرة ابن هشام، توفي ابن إسحاق سنة 150 أو 151 او 152 ه ودفن في مقبرة الخيزران بالجانب الشرقي ببغداد. ابن سعد، الطبقات الکبری 7 / 321؛ ابن قتيبة، المعارف، ص 491؛ ابن حبان، مشاهير علماء الامصار، ص 222

ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس: «يس ٭ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ٭ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ٭ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ؉تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ» إلى قوله: «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»(1)، حتى فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمدا، قال: خیبکم الله! قد والله خرج علیکم محمد، ثم ماترك منکم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟ قال: فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، فإذا علیه تراب، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجیا ببرد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما، عليه برده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا، فقام علي (عليه السلام) عن الفراش، فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا. قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم، وما كانوا أجمعوا له: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»(2)، وقوله الله عز وجل: «أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ٭ «قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ»(3). قال ابن هشام: المنون: الموت، وريب المنون: ما يريب ويعرض منها)(4).

فالرواية أعطت صورة للحدث آنذاك، وهي تعالج قضية مبيت الامام علي

ص: 369


1- سورة يس، الآيات: (1 - 9)
2- سورة الانفال، الآية: (30)
3- سورة الطور، الآيات: (30 - 31)
4- ابن هشام، السيرة النبوية 2 / 333 - 334

(عليه السلام) في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالتالي هذه الرواية تعد نطاق الحقيقة في توثيقها الاولي على انها تحاكي احداث ذلك الزمن الذي وقعت فيه الصورة الأولية للتضحية بالنفس من اجل نجاة الرسول او نجاحه في احتواء عقول الناس سواء المؤيدين من باب عدم طعنهم بالنبوة او التشكيك بمصداقها، وأيضا المخالفين او المشركين الذين انذهلوا امام تحرك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون علمهم وصمود الامام علي (عليه السلام) بوجههم(1)، وهذا يترك اكثر من تساءل في أذهانهم والاجيال المتعاقبة على مر الزمان.

الشيء الاخر المترتب على مبيت الامام علي (عليه السلام) هو التأسيس لمصداق النبوة والامامة معاً، فكلما فكر أي انسان بتلك الحداثة وجدها متحققة من ناحية الزمان والمكان، مما يعني انها قادرة على جعل القارئ يعتقد انها لم تكن من ضرب الخيال او من الكذب او الوهم، بل انها تعزز القيمة المعرفية بشان النبوة والامامة معاً، فليس كل انسان قادراً على اجتياز هذا الاختبار العسير الذي مر به الامام علي (عليه السلام) مما يعني انه امر اکبر مما نتصوره او نحاول تأويله وتقديمه بقراءات مختلفة، فالروايات ذكرت ان هناك تحدي للملائكة ايهم يفدي الاخر، فلم يتجرؤوا لفعل ذلك، بينما الامام علي (عليه السلام) كان همه نجاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اما عن نفسه فلم يكن مبالي بما سيحدث حينها، اذ طالما هو في خدمة النبوة فهذا امر مقدس(2).

ويمكن للقارئ ان يتوصل مع الرواية التي تحدثت عن مبيت الامام علي (عليه السلام) الى مجموعة من الملاحظات ويمكن تسطير بعضها بهذه الأفكار الاتية: -

ص: 370


1- ينظر: الطبري، تاریخ 2 / 101
2- ينظر: الطوسي، الأمالي، ص 252؛ ابن حمزة الطوسي، الثاقب في المناقب، ص 146

1 - ان درجة الامامة بدأت مسؤولة عن واقعها الذي تنتمي اليه، ونسبة لذلك كان عليها ان تعكس قيمتها الى جنب النبوة، فالإمام علي (عليه السلام) جسد تلك القيمة بعيدا عن الوهم او التصنع من اجل تقمص دور البطل المنقذ، بل هو صمد امام ارتباك الحياة بما یعترضها من ارهاصات اسياد الكفر في مكة، وهذا بحد ذاته تحدي لكل مشرك يهرع بالضد تماما من النبوة.

2 - الامام علي (عليه السلام) كان يصارع الصنمية وثقافتهم الخاطئة، فمبيته على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عبارة عن تحدي الحق ضد الباطل، فليس بمقدور كل انسان ان يضع نفسه ذلك الموضع المباشر للموت! الا في حالة انه لم يعد يخشى من الموت نفسه، وهذا الأمر ينطبق على الأنبياء والاوصياء والعباد المخلصين لله، بالتالي لم يعد النص عاجز في تبيين الفكرة من المبيت الا وهي التحلي بالمسؤولية المشتركة بين النبوة والامامة.

3 - اثبات حقيقة الامامة الظاهرة، كون وضيفتها المرحلية مع حادثة المبيت هي مشاركة النبوة في إدارة شؤون الرعية، فالرواية جاء فيها ان بقاء الامام علي (عليه السلام) انما لرد كل امانة الى صاحبها، وبعدما ينتهي من ذلك يتحمل مسؤولية إيصال نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة، فكانت هذه المهمة قد جسدت ثقل المسؤولية الملقاة على عاتق الامام علي (عليه السلام) فهذه المرة سوف تكون المواجهة مباشرة مع مشركي قريش، فكيف يتصرف حينها، وهل هو قادر على اثبات قدرته في تحمل تلك المسؤولية، ام سيكون عاجزا امامهم؟ 4 - ان علاقة الامامة بالنبوة بهذه المرحلة بالذات هي المناصرة والثبات امام إصرار المشركين على قتل النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اذ وفق رواية

ص: 371

اليعقوبي انهم قالوا: (ليس له اليوم أحد ينصره وقد مات أبو طالب، فأجمعوا جميعا على أن يأتوا من كل قبيلة بغلام نهد فيجتمعوا عليه فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد فلا يكون لبني هاشم قوة بمعاداة جميع قریش)(1). فالنص التاريخي واضح، ان قريش تتحدى جميع بني هاشم بمقتل النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) انها ستعجز بالنهاية من المطالبة بالثأر، فتقبل بالدية، في حين لم يكن بحسبان رجال قريش ان علي بن ابي طالب (عليه السلام) سيثبت امام جمعهم ويفشل مشروعهم(2)، انها فعلا صورة بطولية تجسدت بفتوة الامام علي (عليه السلام)، وبالتالي هذا التوجه من الامام (عليه السلام) يفيد بالمرة امتلاكه مؤهلات الامامة المسؤولة عن إتمام الدين والثبات على نهجها القويم.

5 - ما للإمامة من إرادة في تحويل المجتمع الكافر الى مجتمع موحد مسؤول عن حفظ الحقوق لا اضاعتها وسط رغبة المتسلطين والظلمة من كبار قريش واسیادها، هذا ما يبدو عليه الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) على اقل فكرة تحاكي واقع المبيت على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففكرة تغيير المجتمع تحتاج الى إصرار وإرادة وعمل، وهذا كله تحقق في شخص الامام علي (عليه السلام) فهو منسجم مع مهمة المبيت آنذاك، وفي اتم الجاهزية لمواجهة الشرك واسياده ومناصريه(3)، وهو ما تحلى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك المرحلة من عزمه على الهجرة ونصر الدين الإسلامي وانسجامه مع الأنصار الجدد في المدينة يثرب، فالدور للنبوة والامامة كان واحد لا يختلف.

6 - حادثة المبيت تدل على جهد الامام علي (عليه السلام) في نصر الدين

ص: 372


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 39
2- ينظر: اليعقوبي، تاریخ 2 / 39؛ ابن عبد البر، الدرر، ص 79 - 80
3- ينظر: البلاذری، انساب الاشراف 1 / 260

الإسلامي، وانه في كل يوم له شأن أعظم مما فاته من الأيام، بمعنى ان اليوم القادم سيكون أكثر أهمية من اليوم المنصرم، لذلك قيل: (فالإمام کالنبي في حركته الكمالية وسيره إلى الله تعالى لا يقف على حد كما أن أسير إلى الله تعالى في عين أنه في كل مرحلة من مراحله مرتبة من الوصول، ونيل للمقصود لا نهاية له ولا ينتهي إلى حد ففي هذا السير يسير الإمام دائما إلى الأمام، ولا يتساوی یوماه بل كل يوم من أيامه أفضل من أمسه)(1).

7 - ان الامام علي (عليه السلام) كان مبيته في فراش النبي بمثابة الحجة الملقاة على المشركين في التفكير بشأن افعالهم والتدبر بفعلهم الذي اقبلوا عليه، فلو بقي فراش النبي فارغاً، لما تمت الحجة عليهم، بل لأصروا على انهم أصحاب الحق في الامر، وبالتالي الأثر الظاهر في الأمر هو الامامة التي كانت حجة من الله ورسوله على الامة آنذاك، فضمن سؤال يزيد الكناسي(2)للإمام أبا جعفر الباقر (عليه السلام) جاء فيه: (فقلت: جعلت فداك! أكان علي (عليه السلام) حجة من الله ورسوله على هذه الأمة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: نعم يوم أقامه للناس، ونصبه علما، ودعاهم إلى ولايته، وأمرهم بطاعته. قلت: وكانت طاعة علي (عليه السلام) واجبة على الناس في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعد وفاته؟ فقال: نعم، ولكنه صمت فلم يتكلم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت الطاعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)

ص: 373


1- لطف الله الصافي الگلپایگاني، رسالتان حول العصمة، ص 117
2- يزيد الكناسي: قيل هو يزيد أبو خالد الكناسي، والبعض سماه يزيد أبا خالد القماط، مولى بني عجل بن لجيم، عد من أصحاب الامامين الباقر والصادق (عليهما السلام)، کوفي، لقب بالكناسی نسبة الى محلة الكناسة في الكوفة، وذكر النجاشي أن يزيد أبا خالد القماط له کتاب، واعتبر من الثقات في رواية الحديث. البرقي، الرجال، ص 31؛ النجاشي، الرجال، ص 452؛ أبو لقاسم الخوئي، معجم رجال الحدیث 21 / 111

على أمته، وعلى علي (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت الطاعة من الله ومن رسوله على الناس كلهم لعلي (عليه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان علي (عليه السلام) حکیما عالما)(1).

المحور الثالث: الإمامة وحادثة المبيت وفق النص القرآني.

جاء في الرواية التاريخية التي تحدثت عن مبيت الامام علي (عليه السلام) آیات القرآنية من انها اختصت بتلك الحادثة، أي انها نزلت بحق الامام (عليه السلام)، وهذا ما يبدو عليه قول ابن إسحاق الذي جاء فيه: وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في يوم مبيت الامام علي (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما كانوا أجمعوا له، قوله تعالى: «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»(2)، وقوله الله عز وجل: «أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ؉ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ»(3). قال ابن هشام: (المنون: الموت، وريب المنون: ما يريب ويعرض منها)(4).

النص القرآني يتحدث عن التدبير الإلهي لرد مكر المشركين، فكان علي بن ابي طالب (عليه السلام) هو أفضل من مثل التحدي للمشركين في ان يصلوا للنبي محمد (صلى الله عليه وله وسلم) وعندها يقتلونه، فدور الامام علي (عليه السلام) مواجهة اللحظة الحاسمة فيما أراده المشركين وبين إرادة الله «عز وجل» في نجاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهنا يتبين نقص في تفكير المشركين

ص: 374


1- الكليني، الكافي 1 / 382 - 383
2- سورة الأنفال، الآية: (30)
3- سورة الطور، الآيات: (30 - 31)
4- ابن هشام، السيرة النبوية 2 / 333 - 334

وعجزهم بما دبروا من مکیدة، امام تدبير الله «عز وجل» وهذا بحد ذاته يعطي صورة واضحة تجاه الإمامة وترتيبها بعد النبوة، وان الله تعالى جاء تدبيره لمصلحة الانسان باعتباره عاجز في معرفة الأمور الغيبية، كما هو الحال بقضية عجز المشركون من قريش بقتل النبوة وتحجيم دورها في نشر الرسالة السماوية، وهذا يقودنا إلى التفكير بسر اختيار الامام علي (عليه السلام) وهو يبيت في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ انه مثل نجاة النبوة(1)، هذا يعني استمرار الدين الإسلامي، والاستمرارية مثلها علي بن ابي طالب (عليه السلام) وهي الامامة بفكرتها العامة.

ثمة فكرة أخرى تلوح في سياق نص الآية الكريمة، وهي فكرة قتل النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا يعني تفريغ أولئك النفر المقبلين على القتل من الباطن الإنساني وتجعل منهم اناساً جفاة وبدون روح بعيدا عن التآخي والمسالمة وحفظ الحقوق، وفي مقابل ذلك كانت الصورة الإنسانية قد تجسدت في شخص الامام علي (عليه السلام) وهو يدفع نفسه ثمنا لاستمرار الحياة بواقعها الاجتماعي القائم على حب لأخيك ما تحب لنفسك، فمكر المشركين هو قتل الإنسانية من خلال نجاحهم في قتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي المقابل مكر الله «عز وجل» هو لمصلحة الإنسانية، وبما ان الانسان لا يفكر جيداً وينظر الى الحياة بنصف عين، فهو يحتاج الى من يكشف له البصر بالنصف الاخر، فكانت الامامة خير من مثل هذا النقص الحاصل في تفكير الانسان على مستوى حادثة المبيت ووفق المكر الإلهي المعبر عن استمرارية التعايش السلمي الذي بدأ بمشروع النبوة ويختم بمشروع الامامة. لذلك قال أهل التفسير إن قوله تعالى: ؉وَیَمْکُرُونَ وَیَمْکُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ؉ كناية عن الامام علي (عليه السلام)،

ص: 375


1- ينظر: ابن العربي، احکام القرآن 2 / 396

لأنه مكر بهم، ومكر الكفار کان توزيع السيوف على بطون قريش، ومكر الله تعالى هو منام امير المؤمنين علي (عليه السلام) على الفراش(1). وايضاً جاء تعبير الرواية بهذه الكيفية: (وبات المشركون يحرسون عليا وهم يظنون أنه رسول الله، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري؟)(2).

وايضاً جاء في قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(3). انها نزلت بحق الامام علي (عليه السلام) عند مبيته في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أول من شری نفسه في سبيل الله تعالى وبذلها لله ورسوله(4). فالنص القرآني يشير الى ان الامامة كانت على علاقة ودية مع النبوة في مواجهة الموت دون أي تردد او تغيير في الموقف، بمعنى ان درجة التقارب أصبحت أكثر نضوجا مما مضى، وان المرجو هو مرضاة الله تعالى، والتي توحي من خلال فكرة الآية على التكليف الشرعي الذي الزم الكل بالسعي من اجل طاعة الله «عز وجل» وبما ان النبوة كان هدفها نقل الدعوة الإسلامية الى مدينة يثرب من اجل الأنصار الجدد، فهي أيضا كانت بحاجة الى من يخلف النبوة بشان الإسلام والمسلمين، واكيد الباقي آنذاك اكثر ضرراً من الخارج منها، باعتباره سيكون بطريقة او أخرى معرض للخطر الحاف به من طرف کفار قریش، وهذا الدور مثله الامام علي (عليه السلام) على انه يضحي بنفسه من اجل الدين، لذلك جاء التعبير القرآني صريح بشأن من يبذل نفسه لإحياء امر

ص: 376


1- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة 13 / 262
2- الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 1 / 277
3- سورة البقرة، الآية: (207)
4- الكوفي، مناقب الأمام أمير المؤمنين (عليه السلام) 1 / 124؛ العياشي، التفسير 1 / 101؛ ابن البطريق، خصائص الوحي المبين، ص 121

الدين الإسلامي.

الملاحظ على نصوص الآيات القرآنية انها عبرت بمصطلحات تدل على فكرة النبوة في اطوارها الأولى مع العناية الإلهية التي بدت ظاهرة في اتمامها، وهذا جاء ممن ظهر بدور خلافة النبوة في تلك المواقف التي مرت عليها، فبين تربص المشركين «تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ» الى اصرارهم على قتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، من خلال مكرهم كما في التعبير القرآني: «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ»، فهناك عناية الهية بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان مشروعها تضحية الامام علي (عليه السلام) في سياق مرضاة الله تعالى، وهذا بحد ذاته يعطي صورة لعلاقة النبوة بالإمامة من انها علاقة الاتمام لدين الله «عز وجل»، وهي تبيان للشريعة الإسلامية من ان بدايتها النبوة وتمامها الامامة، أي ان الأدوار جاءت متناسقة لمصلحة البشرية فوضعت في مكانها المناسب.

ص: 377

الخاتمة

في سياق دراسة مسار النبوة والامامة والمواجهة في المرحلة المكية ووفق حادثتي الحصار في شعب ال ابي طالب، ومبيت الامام علي (عليه السلام) في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يتضح ان هناك علاقة تمخضت عن مواقف الإمامة بالنبوة والنبوة بالإمامة يمكن الإشارة اليها في بعض النقاط الاتية: - 1 - ان النبوة والامامة مرتبتان عظيمتان لا ينالهما الا من كرس كل حياته من اجل الطاعة الإلهية، فبقدر ما قدمن للدين من تضحية ترتفع درجات الاصطفاء الإلهي الخاص بالمرتبتين، وهذا الأمر تحقق مع خاتم الأنبياء وسيد الاوصیاء، اذ انهما بذلا كل الجهود في سبيل نصرة الدين الإسلامي.

2 - النبوة في مرحلة المواجهة جاءت لتؤكد على وجود الله ووجوب طاعته، في حين الامامة جاء دورها من باب الكيفية التي يتم معها معرفة وجود الله والتمسك بحبله المتين، وهذا الشيء أكده الامام علي (عليه السلام) في بيئة مكة أيام الحصار في شعب ابي طالب.

3 - ان النبوة والامامة كانتا حلقة متصلة ببعضها بحيث ما تبدأ به النبوة تؤكده الامامة بالفعل والقول، وهو امر نابع عن المؤازرة والمناصرة، فالنبوة تحتاج لمن يؤازرها وينصرها والا لم تتمكن من القاء الحجة على العباد، في حين كانت الامامة تجسد ذلك الخطاب السماوي من خلال الالتزام والعمل به، وهو ما يعني دور التطبيق لذلك الدور التأسيسي.

4 - النبوة مشروع معرفة الله تعالى، والامامة جاء دورها لضمان نجاح ذلك المشروع والتعريف به، مع مسؤولية تحمل جهل الاخرين والاخذ بهم تجاه ثقافة دین التوحيد وما يقدمه للحياة الإنسانية من تكامل بصورة عامة، فالإمام علي

ص: 378

(عليه السلام) اختار لنفسه سبيل تحقيق ما فيه نجاة الاخرين وتفادي هلاكهم، من هنا اكتسب امير المؤمنين فوائد تجربته مع المخالفين من اجل نصرة الدين، فانتصر الدين له.

5 - المواجهة كانت حاسمة بين التوحيد والشرك، فكلما ضيق المشركون الخناق على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نجد الامام علي (عليه السلام) یکسر طوق ذلك الخناق، ويرد عليهم بالكيفية التي تفاجئوا معها، والنتيجة استمرارية النبوة بجهد الامامة، كفعل المبيت ليلة هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 379

المصادر والمراجع

أولا: المصادر الأولية - القرآن الكريم - ابن الاثير، عز الدين ابي الحسن علي بن ابي الكرم الشيباني (ت 630 ه / 1232م).

1 - الكامل في التاريخ (مطبعة دار صادر، بیروت 1966 م).

- الاسكافي، أبو جعفر محمد بن عبد الله المعتزلي (ت 220 ه / 835 م).

2 - المعيار والموازنة، تحقيق: محمد باقر المحمودي (الطبعة الاولى 1981 م).

- البرقي، أبي جعفر أحمد بن أبي عبد الله (ت 274 / 887م).

- الرجال، تصحیح: كاظم الموسوي المياموی (مطبعة چاپخانه دانشگاه، تهران، د. ت).

- ابن البطريق، شمس الدين يحیی بن الحسن الاسدي الربعي (ت 600 ه / 1203 م). 3 - خصائص الوحي المبين، تحقيق: مالك المحمودي (مطبعة خکين، الطبعة الأولى، قم 1996 م).

- البلاذری، احمد بن یحیی (ت 279 ه / 892 م).

4 - انساب الاشراف، تحقيق: محمد حمید الله (مطبعة مطابع دار المعارف بمصر، القاهرة 1956 م).

- الثعلبي، أبي منصور عبد الملك ابن أحمد بن إبراهيم (ت 427 ه / 1035 م).

5 - الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تحقيق: ابي محمد عاشور، مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي (مطبعة دار احیاء التراث العربي، الطبعة الأولى، بيروت 2002 م).

- ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي (ت 597 ه / 1200 م).

6 - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا (الطبعة الأولى، بيروت 1992 م).

ص: 380

- الحاكم الحسكاني، عبيد الله بن احمد الحذاء الحنفي النيسابوري (ت بعد 470 ه / بعد 1077 م).

7 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تحقيق: محمد باقر المحمودي (الطبعة الأولى 1990 م).

- ابن حبان، محمد بن حبان بن احمد التميمي البستي (ت 354 ه / 965 م).

8 - الثقات (مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، الطبعة الأولى، الهند 1973 م).

9 - مشاهير علماء الامصار، تحقيق: مرزوق علي إبراهيم (مطبعة دار الوفاء - المنصورة، الطبعة الأولى 1919 م).

- ابن أبي الحديد، عز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت 656 ه / 1258 م).

10 - شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (الطبعة الاولى 1978 م).

- ابن حمزة الطوسي، عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي الطوسي (ت 560 ه / 1164 م).

11 - الثاقب في المناقب، تحقيق: نبيل رضا علوان (مطبعة الصدر، الطبعة الثانية، قم 2001 م).

- ابن خیاط، خليفة العصفري (ت 240 ه / 854 م).

12 - طبقات خليفة، تحقيق: سهیل زکار (مطبعة دار الفکر، بیروت 1994 م).

- الذهبي، شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان (ت 748 ه / 1347 م).

13 - میزان الاعتدال، تحقيق: علي محمد البجاوي (الطبعة الأولى، بيروت 1963 م).

- الراوندي، قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله (ت 573 ه / 1245 م).

14 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوکھمري (مطبعة الخيام - قم 1987 م). - ابن سعد، محمد بن سعد (230 ه / 844 م).

ص: 381

15 - الطبقات الکبری (مطبعة دار صادر، بیروت د.ت).

- الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسی (ت 406 ه / 1015 م).

16 - نهج البلاغة، تحقيق: محمد عبده (مطبعة دار المعارف - بيروت د.ت).

- الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمي (ت 381 ه / 930 م).

17 - الخصال، تحقیق: علي أكبر غفاري (منشورات جماعة المدرسين - قم 1983 م).

- الصفدي، صالح بن علي الحنفي (ت 764 / 1362 م).

18 - الوافي بالوفيات، تحقيق: احمد الارناؤوط، وتركي مصطفی (مطبعة بیروت، 2000 م).

- الطبري، أبي جعفر محمد بن جریر (310 ه / 922 م).

19 - تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: نخبة من العلماء الأجلاء (الطبعة الرابعة، بیروت 1983 م).

20 - جامع البيان عن تأويل أي القران، تقديم: خليل الميس، تخریج: صدقي جميل العطار (بیروت 1995 م).

- ابن عبد البر، أبو يوسف بن عبد الله بن محمد (ت 463 ه / 1070 م).

21 - الاستيعاب في معرفة الاصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي (مطبعة دار الجبل، الطبعة الأولى، بيروت 1992 م).

- ابن العربي، محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي (ت 453 ه / 1148 م) 22 - احکام القرآن، تحقيق: محمد عبد القادر عطا (مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر، لبنان د.ت).

- العياشي، أبو النظر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي (ت 320 ھ / 932 م).

ص: 382

23 - التفسير، تحقيق: هاشم الرسولي المحلاتي (طهران د.ت).

- أبو الفتح الكراجكي، محمد بن علي بن عثمان (ت 449 ه / 1057 م).

24 - التعجب من اغلاط العامة في مسألة الامامة، تصحيح فارس حسون کریم (د.ت. ط).

- الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه / 1067 م).

25 - الامالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة (الطبعة الأولى 1993 م).

- الفتال النيسابوري، محمد بن الحسن بن علي بن أحمد بن علي (ت 508 ه /1114 م) 26 - روضة الواعظين، تقديم: محمد مهدي حسن الخرسان (منشورات الرضي، قم د.ت).

- ابو الفداء، عماد الدين إسماعيل بن نور الدين الكردي الهذباني الروادي الدويني (ت 732 ه / 1331 م).

27 - المختصر في أخبار البشر (مطبعة شركة علاء الدين للطباعة والتجليد، بیروت د.ت).

- ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم الدينوري (ت 276 ه / 889 م).

28 - المعارف، تحقيق: ثروت عكاشة (مطبعة دار المعارف، الطبعة الثانية، مصر 1969 م).

- القضاعي، القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة (ت 454 ه / 1026 م).

29 - دستور معالم الحكم ومأثور مکارم الشيم من كلام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، شرح: محمد سعيد الرافع (مطبعة السعادة، مصر 1914 م).

- الكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الرازي (ت 329 ه / 941 م).

30 - الكافي، تحقيق: علي أكبر غفاري (مطبعة حيدري، الطبعة الخامسة، طهران 1968

ص: 383

م).

- الكوفي، محمد بن سليمان القاضي (ت حوالي 300 ه / 912 م).

31 - مناقب الامام امير المؤمنين، تحقيق: محمد باقر المحمودي (مطبعة النهضة، الطبعة الأولى، قم 1991 م).

- المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت 413 ھ / 1022 م).

32 - الارشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق: مؤسسة ال البيت عليهم السلام (الطبعة الثانية 1993م).

33 - الفصول المختارة، تحقيق: نور الدين جعفريان الاصبهاني، يعقوب الجعفري، محسن الأحمدي (الطبعة الثانية، بیروت 1993 م).

- ابن منظور، ابي الفضل جمال الدين محمد بن مکرم الافريقي المصري (ت 711 ھ / 1311 م) 34 - لسان العرب (نشر أدب الحوزة، قم 1984 م).

- الموفق الخوارزمي، احمد بن محمد المكي (ت 568 ھ / 1179 م).

30 - المناقب، تحقیق: مالك المحمودي (مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، قم 1993 م).

- النجاشي، أبو العباس احمد بن علي بن احمد بن العباس النجاشي الاسدي الكوفي (ت 450 ھ / 1058 م).

36 - فهرست أسماء مصنفي الشيعة المشتهر برجال النجاشي (الطبعة الخامسة 1995 م).

- ابن هشام، أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (ت 218 ه / 833 م). 37 - السيرة النبوية، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (مطبعة المدني، القاهرة 1993 م).

- الواحدي النيسابوري، ابي الحسن علي بن احمد (ت 468 ه / 1075 م).

ص: 384

38 - أسباب نزول الآيات (دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة 1968 م).

- اليعقوبي، أحمد بن إسحاق أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح (ت 292 ه / 904 م).

39 - تاريخ اليعقوبي (مطبعة شریعت، الطبعة الثانية، قم د. ت).

ثانياً - المراجع (المصادر الثانوية).

- بیضون، لبيب 40 - تصنیف نهج البلاغة (مطبعة مطابع مكتب الاعلام الإسلامي، الطبعة: الثانية 1999 م).

- الخرساني، محمد مهدي حسن الموسوي 41 - موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن (المطبعة ستارة، الطبعة الأولى، 2009 م).

- الخوئي، ابو القاسم بن علي أكبر الخوئي 42 - معجم رجال الحدیث وتفصیل طبقات الرواة (الطبعة الخامسة 1992م).

- الزركلي، خير الدين 43 - الاعلام (الطبعة الخامسة، بيروت 1980 م).

- الگلپایگانی، لطف الله الصافي 44 - رسالتان حول العصمة، إشراف: لجنة التحقيق في مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) (نشر دار القرآن الكريم - قم 1994 م).

ص: 385

ص: 386

البحث الثامن الإمام علي (علیه السلام) والحضور الحاسم في المعارك الإسلامية الأولى م. د. جمعة ثجيل الحمداني جامعة ذي قار - كلية الآداب

ص: 387

المقدمة.

لم يكن الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) عدوانيا في أي معركة من معارك الاسلام الاولى، لأنه كان واثقا من نفسه انه على الحق ويقاتل من اجله، ولذلك كان يتقدم نحو خصومه بقدم ثابتة وبرباطة جأش، لايأبه معها للجيوش المتجمهرة التي تريد النيل منه، والتي لاتجد حرجا في منع الماء عنه وعن جنده، وتتبع سياسة الغدر والخداع، وتستفيد من الممارسات المشينة كملاحقة الاسرى والمدنيين والمدبرين من المعركة وايذاء الجرحى.

وكانت الجيوش تلجأ الى مثل تلك الامور عند الاحساس بالهزيمة، او بقصد ادخال الرعب والقلق النفسي في قلوب المقاتلين للسيطرة على ارض المعركة عند بدئها. في الوقت الذي كانت اخلاقه ومبادئه (عليه السلام) تأبی مثل هذه التصرفات المشينة، فانسانيته العالية جسدتها افعاله في الحروب حتى لو كان منتصرا وملاحقا لفلول خصمه. قال (عليه السلام): (فاذا كانت الهزيمة - بأذن الله - فلا تقتلوا مدبرا، ولا تصيبوا معورا، ولا تجهزوا على جريح)(1).

واخلاقيات الحرب عند الامام علي (عليه السلام) نجدها واضحة في العديد من النصوص الواردة عنه، ففي وصيته الرابعة عشر، وبخصوص عدم التعدي على النساء ؆ كون العرب كانوا يعيرون الرجل الذي يرفع يده على المرأة، بل ويعيرون حتى ابناءه من بعده ؆، قال (عليه السلام): (... ولا تهيجوا النساء بأذى وان شتمن اعراضكم وسبين امرائكم؛ فانهن ضعيفات القوى والانفس والعقول، وان كنا لنؤمر بالكف عنهن وانهن لمشركات، وان كان الرجل ليتناول المرأة في

ص: 388


1- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 103؛ وينظر: الريشهري، میزان الحکمة، ج 1، ص 565

الجاهلية بالفهر والهراوة فيعير بها وعقبه من بعده)(1).

وكان (عليه السلام) قد عاش حياة قضاها في درء العدوان ودفع الفتن، ومع ذلك اتبع سياسة رصينة ثابتة، فلم يغدر ولم يفجر، بل كان يبتغي من محاربة خصومه واعدائه انقاذ المغرر بهم من الضلالة. قال (عليه السلام): (فوالله مادفعت الحرب يوما الا وانا اطمع ان تلحق بي طائفة، فتهتدي بي وتغشوا إلى ضوئي، وذلك احب الي من ان اقتلها على ضلالها وان كانت تبوء بآثامها)(2)، فقد كانت حروبه (عليه السلام) كلها یکره ان يكون الباديء بالحرب، بل كان يبادر الى وعظ عدوه وخصمه وارشاده؛ ملقيا الحجة، ومبينا فداحة النتائج، حتى لا يتذرع احد بعد وقوع الواقعة باننا: (لو كنا نسمع او نعقل ماكنا في اصحاب السعير)(3).

ولا يخفى ما في مخاطبة هؤلاء من صعوبة حيث الجهل المطبق والضلال المبين، خصوصا في مثل تلك الظروف. قال (عليه السلام) في جملة ما اوصى به معقل بن قیس(4): (فاذا لقيت العدو فقف من اصحابك وسطا، ولا تدن من القوم دنو من يريد ان ينشب الحرب، ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس. حتی يأتيك امري ولا يحملنكم شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار اليهم)(5). وفي قول اخر له (عليه السلام) وهو يوصي جنوده قبل بدء القتال: (لاتقاتلوهم حتى

ص: 389


1- المصدر نفسه والصفحة
2- المصدر نفسه، ج 4، ص 12. وينظر: الكوراني، جواهر التاریخ، ج 1، ص 288؛ محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، ص 458
3- سورة الملك، الآية: 10
4- معقل بن قيس من بني رباح بن یربوع بن حنظلة، من اهل الكوفة، قائد من الشجعان الاجواد، ادرك عصر النبوة، قتل سنة اثنين واربعين في خلافة معاوية. ينظر: (ابن عساکر، تاریخ مدينة دمشق، ج 59، ص 367؛ الزركلي، الاعلام، ج 7، ص 271)
5- ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 92

يبدؤوكم فانكم بحمد الله على حجة، وترككم اياهم حتى يبدؤوكم حجة اخرى لكم عليهم)(1).

وهكذا كان علي بن ابي طالب (عليه السلام) في كل معارکه واثقا من نفسه انه على الحق ويقاتل من اجله.

واستنادا لكل ما تقدم، تولدت الرغبة لكتابة هذا البحث ليسلط الضوء على الدروس والعبر والعظات الاخلاقية العالية والتفوق المعنوي في الفكر العسكري لامير المؤمنين (عليه السلام) في معاركه الاسلامية الاولى برفقة المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم).

ولكي يخرج البحث بخلاصة ذات قيمة وفائدة واضحة تبرز نهج امير المؤمنين (عليه السلام) في الجانب العسكري والاخلاقي، وحتى لا تتشتت فكرة البحث ولا تنجر وراء السرد التاريخي التقليدي لاحداث المعارك في جانبها العسكري الرتيب فقط: اقتصر البحث الاشارة الى المعارك الشهيرة التي كان لها اثر بارز في الدعوة الاسلامية والتي كان لها نتائج ملموسة منذ الايام الاولى للدعوة حتى نهايتها، وسلط البحث - بالتحديد - على معارك: بدر، واحد، والخندق، كمرحلة اولى، ثم اتجه البحث الى الاشارة لمعارك ما بعد صلح الحديبية، والتي اثمرت عن تولد تاریخ وسجل حافل بالمواقف والبطولات، وسيرة عطرة لامير المؤمنين (عليه السلام) في جانبها الأخلاقي والعسكري، فكانت اخلاقياته العسكرية صفة ملازمة له (عليه السلام) في اصعب الظروف والمواقف بحيث عدت سيرته (عليه السلام) وخلال هذه المعارك العامل الحاسم والرئيس في ارساء قواعد السلوك الاسلامي الصحيح.

ص: 390


1- المصدر نفسه، ج 15، ص 103

تمهيد:

لقد كانت المدرسة التي نهل منها الامام علي (عليه السلام) كل شيء بما في ذلك فنون الحرب والقيادة العسكرية، هي مدرسة الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) التي كانت زاخرة بالتجارب، فقد اظهر النبي الاكرم (صلى اله عليه وآله وسلم) قدرة فائقة في فهم الحرب ومبادئها: الامن، المباغتة، الاقتصاد بالجهد، الشؤون الادارية، المحافظة على الهدف، قابلية الحركة، الاعتماد على الهجوم، الاستخبارات وجمع المعلومات، وغيرها.

من هذا المنهل نهل الامام عي (عليه السلام) علمه، واتقن فنون الحرب وادارتها، ولم يتخلف عن اي معركة قادها الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ضد اعداء الدعوة الاسلامية، بل اشركه فيها كلها، وكان الفارس والبطل الذي اعتمد فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه وحده دون غيره. وقد جسد الامام علي (عليه السلام) هذا الكلام بقوله: (شجاعة الرجل على قدر همته، وغيرته على قدر حمیته)(1).

وقال علية السلام: (ما بارزني احد الا وقد اعانني على نفسه)(2).

في الجانب العسكري، اذ ترتبط عدة عوامل وتتشابك لتقرير نتيجة الحرب، فان العلم العسكري يفرض ان القوة او العدة تحتاج الى تخطيط والتخطيط يحتاج الى قادة ميدانيين، ويضع الى جانب ذلك كله العنصر المعنوي كشرط ضروري ملازم لكل مراحل المعركة وقبلها، والى هذه الصورة تبرز الحاجة الى التدقيق في كيفية الاستعداد لدى المقاتل كي يخوض المعركة بصرامة واستبسال.

ص: 391


1- الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 298؛ النجفي، موسوعة احادیث، ج 12، ص 72
2- النقدي، الانوار العلوية، ص 173

فالمعركة دائما ما تكون ذات اهداف واضحة ومحددة، واذا كانت كذلك فانها ستكون عاملا دافعا لمن يخوض اغوارها وتمنح المقاتلين روح التفاني والاستبسال والثبت الى اخر اشواطها، ولهذا السبب كان الامام علي (عليه السلام) يحدد اهداف المعركة ويوضحها لاصحابه قبل ان يخوضها، ولقد قال في احدى معاركه: (الا انا ندعوكم الى الله والى رسوله، والى جهاد عدوه، والشدة في امره، وابتغاء مرضاته، واقامة الصلاة، وایتاء الزكاة، وحج البيت وصيام شهر رمضان، وتوفير الفيء على اهله(1).

ووفق هذه العبارة المختصرة، فان اهداف المعركة لخصها الامام علي (عليه السلام) في تمكين الشريعة الاسلامية وتطبيق مبادئها السامية، وذلك عندما تضمحل المصالح الشخصية وتوضع المصلحة الاسلامية العليا هدفا واضحا، فان الاهداف الذاتية الضيقة الملغية من التفكير والممارسة معا تجعل المقاتل لا يحسب في تحرکه سوى تحقيق اهداف الاسلام الكبرى حتى كان خصمه أخاه، ولعل المقطع التالي من كلام امير المؤمنين (عليه السلام) يوضح هذه الحقيقة بجلاء: (ولكنا انما اصبحنا نقاتل اخواننا في الاسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج، والشبهة والتأويل، فاذا اطمعنا في خصلة يلم الله بها شعثنا، وتتدانی بها الى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وامسكنا عما سواها)، وهناك شواهد اخرى تؤكد الانتماء الكبير لروح الاسلام اثناء احتدام المعارك يشير اليها الإمام (عليه السلام) بقوله: (... فلقد كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن القتل ليدور على الاباء والابناء والاخوان والقرابات، فما نزداد في كل مصيبة وشدة الا ایمانا ومضيا على الحق وتسليما للامر وصبرا على مضض الجراح)(2).

ص: 392


1- المفيد، الامالي، ص 234؛ الطوسي، الامالي، ص 11
2- الطبرسي، الاحتجاج، ج 1، ص 181؛ ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغه، ج 7، ص 298

ان الامام علي (عليه السلام) الذي انصهر بالاسلام، وكان لايرى مصلحة فوق مصلحة الاسلام، ولا هدفا اهم من تدعيم کيان الدولة الاسلامية وتشذيب مسيرتها، وهو اذا كان صارما مع اعداء الاسلام من الكفار والملحدين، فانه لم يلين قط امام الذين حاولوا استثمار الدين لصالح شهواتهم، ولذلك حارب المنحرفين الذين ارادوا تحويل الاسلام الى ملك عضوض بنفس العزم الذي قاتل فيه الكافرين، وهو (عليه السلام) لما كان يضع جنوده وامراء اجنحته امام صورة واضحة للاهداف المطلوبة في القتال، فقد كان اصحابه کزبر الحديد، وصنادید لا تلين لهم عزيمة، فالاهداف واضحة، ويقاتلون تحت راية الحق، وقلما يذكر التاريخ جنودا اشداء كجنود واصحاب الامام علي (عليه السلام) ان العقيدة كلما كانت متمكنة من نفوس الجنود، كلما ارتفعت معنوياتهم، ومن هنا نجد الامام علي (عليه السلام) يحث افراده الى التقرب الى الله تعالى عند التذكير على الممارسة العبادية في كل مراحل المعركة، ومن توصياته في هذا المجال قوله (عليه السلام): (الا انکم ملاقوا العدو غدا ان شاء الله، فاطيلوا الليل بالقيام، واكثروا تلاوة القرآن، واسألوا الله الصبر والنصر، والقوهم بالجد والحزم، وكونوا صادقين)(1).

وتعكس النصوص الاسلامية الواردة عنه (عليه السلام)، الصورة الجميلة في اخلاقهم العسكرية والایمان الوثيق بالمسؤولية الى الدرجة التي يشعر فيها الفرد المسلم ان علي بن ابي طالب يمثل حقا اكبر مصدر لوحدة الامة بعد النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وانه ترك وتخلى عن الكثير من اجل وحدة المسلمين.

ص: 393


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج 4، ص 9؛ ابن الاثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 295؛ ابن ابي الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 182؛ النوري، مستدرك الوسائل، ج 11، ص 40

كان الامام علي (عليه السلام) يتمتع بصفات فريدة من نوعها تميزه عن اقرانه ومعاصريه، وهذه الصفات كانت واضحة للعيان وبارزة للناظر، فكان (عليه السلام) حاملا لصفات: حزم الشباب وحکمة الشيوخ، شجاعة الابطال الفرسان وحلم العقلاء الكبار، اضافة الى الاعتداد بالنفس، والتواضع، وصدق العزيمة، وهي صفات تؤهله لحرب اعدائه، والنجاح والاستبسال في هذه الحرب.

كان علي (عليه السلام) له الحظ الاوفر والنصيب الاكثر من الشجاعة ومقاتلة الابطال ومنازلة الشجعان، وهذا لا يعني انه كان سفاكا للدماء، بل المقصود: ان ایمان علي (عليه السلام) بالله كان فوق كل غريزة وكل اتجاه، ولم يكن علي (عليه السلام) یعرف للخوف معنی، ولا للجبن مفهوما في نفسه، بل كان يستقبل الموت برحابة صدر، ويهرول في الحرب يجابه العدو وكأنه يقصد شيئا يحبه حتی اجمع المسلمون وغير المسلمين أن عليا اشجع العرب والعجم، ولم يشهد التاريخ له مثيلا ونظيرا، فضلا من ان يرى اشجع منه(1).

وكان نصيبه من الجهد والعناء اكثر من غيره، ولم يسلم علي من سهام العدو وسيوفهم، بل كانت الجراحات تاخذ من مقادیم بدنه كل مأخذ، ولولا حفظ الله وعنايته لكان علي من المقتولين في تلك الحروب.

قال ابن أبي الحديد(2): (واما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند - صديقه وعدوه - أنه سيد المجاهدین، وهل الجهاد لاحد من الناس الا له؟ وقد عرفت ان اعظم غزوة غزاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واشدها نكاية في المشركين:

ص: 394


1- ينظر: ابن الاثير، النهاية، ج 1، ص 145؛ المرعشي، احقاق الحق، ج 5، ص 60؛ الهمداني، الامام علي بن ابي طالب (ع)، ص 606
2- شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 26؛ وينظر : محسن الامین، اعیان الشيعة، ج 1، ص 340

غزوة بدر الكبرى التي قتل فيها سبعون من المشركين، قتل علي نصفهم، وقتل المسلمون والملائكة النصف الاخر، واذا رجعت الى محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الاشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك، دع من قتله في غيرهما كاحد والخندق وغيرهما....).

ص: 395

المبحث الأول دوره (عليه السلام) في معركة بدر ان معركة بدر کانت هي المعركة الأقوى تأثيرا على قريش، لانها ألحقت بها هزيمة قاسية، وكبدتها خسائر كبيرة، وقد ظهر أن عليا (عليه السلام) في هذه المعركة هو الفارس الأوحد، الذي حصد بسيفه ذي الفقار أكثر فرسان قريش.

وكانت معركة بدر هي المحطة الكبرى والبداية العسكرية الحقيقية لترجمة هذه المؤهلات الى ارض الواقع. ولحد حدوث معركة بدر لم يكن (عليه السلام) ذا صيت في الحرب اذ لم يحارب الا لماما، ولم يكن ذا سن متقدمة عركتها میادین القتال، كان قد قارب الخامسة والعشرين او دون ذلك بقليل، واذا بعلي (عليه السلام) يحمل لواء الحمد في يد، والسيف في يد، وتتجمع قريش في بدر بين مكة والمدينة، وتبدأ في السابع عشر من رمضان ذلك العام اعظم معركة بين الوثنية والاسلام، وصدع القرآن فيها بالامر الواقع حين نبیء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمصير هؤلاء: «سيهزم الجمع ويولون الدبر»(1)و(2).

لقد كانت معركة بدر الصوت الهادر الذي اعلن من خلاله للمشركين: ان هابوا عليا، وتحاشوه، فهذا حنظلة بن ابي سفيان يهوی بسیف علي، وهذا الوليد بن عتبة يتهاوى هو الاخر، فقد روى جابر، عن الباقر، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «لقد تعجبت يوم بدر من جرأة القوم وقد قتلت الوليد بن عتبة، اذ اقبل إلي حنظلة بن ابي سفيان فلما دنا مني ضربته بالسيف فسالت عيناه ولزم

ص: 396


1- سورة القمر، الآية: 45
2- ابن هشام، السيرة النبوية، ج 2، ص 440؛ ابن عبد البر، الدرر، ص 100؛ ابن الاثیر، الکامل في التاريخ، ج 2، 128؛ ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 84

الارض قتيلا»(1).

وقتل امير المؤمنين (عليه السلام) الحارث بن زمعة، ونوفل بن خويلد بن اسد بن عبد العزي، والعاص بن هاشم المخزومي خال عمر بن الخطاب، وهؤلاء السهميون: منبه بن الحجاج، ونبيه بن الحجاج، والعاص بن منبه، وابو العاص بن قيس، كل هؤلاء قتلهم علي في معركة بدر(2).

ومن بني عبد الدار بن قصي، النضر بن الحارث بن كلدة، قتله علي بن ابي طالب (عليه السلام) صبرا بالسيف بامر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان الذي اسره المقداد بن عمرو(3).

وكان القتلى من المشركين سبعين، قتل منهم علي (عليه السلام) عشرين رجلا. وقيل اثنين وعشرين رجلا، وقال الشيخ المفيد(4): كان المقتولون منهم سبعون رجلا، تولى كافة من حضر من المسلمين مع ثلاثة الاف من الملائكة المسومين قتل الشطر الاكبر منهم، وتولى امر المؤمنين قتل الشطر الاخر وحده، بمعونة الله له وتأييده وتوفيقه ونصره. قد اثبت رواة العامة والخاصة معا اسماء الذين تولى امیر المؤمنين (عليه السلام) قتلهم ببدر من المشركين، على اتفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح. ثم ذكر من سموه ثم قال: فذلك ستة وثلاثون رجلا، سوی من اختلف فيه او شرك امير المؤمنين فيه غيره، وهم اكثر من شطر المقتولين ببدر.

ص: 397


1- المفيد، الارشاد، ج 1، ص 75؛ الطبرسی، اعلام الوری، ج 1، ص 170
2- القاضي النعمان، شرح الاخبار، ج 1، ص 263؛ الذهبي، تاريخ الاسلام، ج 2، ص 125؛ الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج 4، ص 76
3- ابن هشام، السيرة النبوية، ج 2، ص 525؛ ابن الاثير، الکامل في التاریخ، ج 2، ص 128
4- الارشاد، ج 1، ص 69 - 70

وذكر الاربلي(1): وقتل علي (عليه السلام) ببدر من المشركين ستة وثلاثون رجلا. وسمى عشرة ممن ذكرهم الشيخ المفيد، منهم العاص بن سعيد بن العاص، وطعيمة بن عدي بن نوفل، ونوفل بن خویلد، وهو هم الزبير بن العوام، وعمير بن عثمان التيمي عم طلحة، ومالکا وعثمان ابني عبيد الله اخوي طلحة.

ومن المناسب الاشارة هنا إلى ما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اهل بدر كان ينبغي ان يترك اثره على قرار الحرب الذي اتخذوه ضد من لم تزل الايات والمعجزات والكرامات الالهية تظهر لهم فيه، وتدلهم على صدقه، ولزوم الايمان به، وقصة رميه التراب في وجوههم واحدة منها. فقد رأى المشركون بأعينهم، ولمسوا بأنفسهم كيف أن كفا من تراب يدخل في عيون جيش بأكمله، وفي أفواههم ومناخرهم، ويملؤها، فأن هذا الأمر غير عادي(2).

يقول جعفر مرتضى العاملي(3): ولنفترض أن ذلك لم يقنع الجيش، ولم يجد فيه ما يشير او ما يستهجن.. ولكن بعد ان تحقق ذلك النصر المؤزر، الذي لايمكن تصديقه، بل ولا توهمه، لماذا لم يدركوا أن هذا النصر بذاته معجزة إلهية تدعوهم الى التخلي عن بغيهم وعنادهم وجحودهم؟ ويزيد هذه المعجزة وضوحا في دلالتها ان ثلاثة ارباع هذا النصر كان على يد رجل واحد هو علي بن ابي طالب (عليه السلام)... مع ان هذا الرجل لم يسبق له ان خاض حروبا، او قاد جيوشا... وها هو يقود جيشا ليس فيه سوی فرس واحد، وليست هي لهذا القائد المنتصر، ولدى عدوه مئات الافراس، وليس لدى

ص: 398


1- کشف الغمة، ج 1، ص 183
2- ينظر: احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 1، ص 303؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج 3، ص 157؛ ابن عبد البر، الدرر، ص 226
3- الصحیح من سيرة الامام علي ((عليه السلام))، ج 2، ص 278

جيشه سوی ثمانية دروع، في مقابل ستمائة دارع، وليس مع جيشه سوى ستة سيوف، ومع الباقين جريد النخل او ما شابه، وجيش عدوه مدجج بالسلاح، متخم بالامكانيات(1).

كل ذلك بالاضافة الى الحاجة الملحة، والفقر والعدم في هذا الجانب، والمفقود في الجانب الاخر... ومع ذلك كله يتحقق النصر الكبير والهائل على يد رجل واحد من هذا الجيش تقريبا، الا وهو علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ألا يكفي ذلك لتكوين القناعة الراسخة لديهم بالرعاية الالهية لهذا الدين ولأهله؟ ولم يتوقف الأمر في مؤهلات الامام علي (عليه السلام) على هذه الامور الحربية، بل تعدى الى مسألة مهمة جدا وهي: اهتمام علي (عليه السلام) برسول الله (صلى اله عليه وآله وسلم) في اثناء معركة بدر فقد وردَ عن علي (عليه السلام) قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال، ثم جئت مسرعا لانظر الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما فعل. قال: فجئت، فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم، لا يزيد عليها. فرجعت الى القتال، ثم جئت، وهو ساجد يقول ذلك، حتی فتح الله عليه(2).

وعند التدقيق في هذا النص نلحظ ان امير المؤمنين (عليه السلام) كان يتعاهد النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) باستمرار، ولا يغفل عنه لحظة واحدة، حتى في هذا الموقف، الذي تبلغ فيه القلوب الحناجر، وتزيغ الابصار.

کما ويلاحظ: أنه (عليه السلام) كان في سائر المواطن والاحوال يتعاهد النبي (صلى الله عليه وآله)، ويأخذ على عاتقه عهدة حفظه وحراسته.

ص: 399


1- ابن هشام، السيرة النبوية، ج 2، ص 105؛ ابن الاثير، الکامل في التاریخ، ج 2، ص 121
2- ابن البطريق، العمدة، ص 300؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، ج 10، ص 147

المبحث الثاني: دوره (عليه السلام) في معركة أحد

قال الامام الصادق (عليه السلام): «كان سبب غزوة أحد، ان قريشا لما رجعت من بدر الى مكة وقد اصابهم ما أصابهم من القتل والأسر، فقد قتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون...»(1) وقد تأثرت قریش بهذه الهزيمة الى درجة دعت بابي سفيان ان يعلن للقرشيين قوله: (يا معشر قريش لا تدعوا النساء يبكين على قتلاكم، فأن البكاء والدمعة اذا خرجت أذهبت الحزن والحرقة والعداوة لمحمد، ويشمت بنا هو واصحابه)(2).

وروى ابن اسحاق بسنده عن ابن الزبير قال: ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا: لا تفعلوا فيبلغ محمد واصحابه فيشمتوا بکم(3) وروى الواقدي(4)بسنده عن عائشة: قام ابو سفیان بن حرب فقال: يا معشر قريش لا يتبکوا على قتلاكم ولا تنح عليهم نائحة ولا يبكيهم شاعر، وأظهروا الجلد والعزاء، اذا نحتم عليهم وبكيتموهم بالشعر أذهب ذلكم غيظكم فأكلًكم ذلك عن عداوة محمد واصحابه. مع انه إن بلغ محمدا واصحابه شمتوا بکم فیکون اعظم المصيبتين شماتتهم، ولعلكم تدركون ثأرهم. والدهن والنساء عليَ حرام حتى اغزو محمدا. فمكثت قریش شهرا لا يبكيهم شاعر ولا تنوح عليهم نائحة.

وهكذا أظهرت قریش التجلد، فلم تندب قتيلا، ولم يبك احدا من رجالها،

ص: 400


1- القمي، تفسير القمي، ج 1، ص 110؛ وينظر: الطبرسی، مجمع البیان، ج 2، ص 376
2- المصدر نفسه والصفحة
3- ابن هشام، السيرة النبوية، ج 2، ص 474؛ الذهبي، تاريخ الاسلام، ج 2، 68
4- المغازي، ج 1، ص 211

ومنعت النساء من النياحة، والشباب من الاخلاد الى العاطفة، واستعدوا للثأر لقتلاهم في بدر، وخرجت قريش بالظعن، وكثرت العدة والاسلحة، ووصلت الجموع المعتدية الى اطراف المدينة في الخامس من شوال للسنة الثالثة من الهجرة، وكانت المعركة يوم السبت السابع من شوال للعام نفسه. واعطت قريش اللواء لبني عبد الدار، ولواء المسلمين بيد علي (عليه السلام)، وأقبلت هند زوج ابي سفيان وصواحبها يحرضن:

نحن بنات طارق ٭٭٭ نمشي على النمارق إن تقبلوا نعانق ٭٭٭ او تدبروا نفارق فراق غير وامق فلما أرادوا ان يغزوا رسول الله الى احد ساروا في حلفائهم من كنانة وغيرها فجمعوا الجموع والسلاح، وخرجوا الى مكة في ثلاثة الاف فارس، والفي راجل، واخرجوا معهم النساء يذكرنهم ويحثثنهم على حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

ان تشريعات القتال في الاسلام تدور بين اوامر تشريعية تخضع لقواعد تشريعية، فالاوامر هي: (قاتلوا) والقواعد التشريعية هي (في سبيل الله). بمعنی ان يكون القتال دفاعيا فقط، او قتال اولئك الذين يقاتلونکم من دون اعتداء عليهم لقوله تعالى: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(2). اي ان المسلمين حين يعتدون على من لم يعتد عليهم فأنهم لم يتقوا

ص: 401


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج 2، ص 187؛ ابن الاثير، الكامل في التاریخ، ج 2، ص 152؛ الصفدي، الوافي بالوفیات، ج 27، ص 230؛ اليوسفي، موسوعة التاريخ الاسلامي، ج 2، ص 271
2- البقرة، الاية: 190

الله، لهذا نرى الامام الصادق (عليه السلام) يقول: «... لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن قريشا جمعوا جموعهم لحربه في المدينة حث اصحابه على الجهاد والخروج...»(1) فحصلت المواجهة، واصطف القوم، فنادى ابو سفیان: (يا معشر الأوس والخزرج خلوا بيننا وبني عمنا وننصرف عنكم، فشتموه اقبح شتم ولعنوه اشد اللعن)(2) وخرج طلحة بن أبي طلحة(3)، وكان بيده لواء المشركين فطلب المبارزة، فخرج اليه علي بن ابي طالب (عليه السلام) فضربه فقطع رجليه فوقع على الارض وبدت عورته فرجع عنه ولم يجهز عليه(4).

قال الامام الصادق (عليه السلام): «كان اصحاب لواء المشركين يوم احد تسعة قتلهم علي بن ابي طالب عن اخرهم، وانهزم القوم، وطارت مخزوم منذ فضحها علي (عليه السلام) يومئذ»(5).

وقال (عليه السلام): «وبارز علي (عليه السلام) الحكم بن الأخنس(6)فضربه

ص: 402


1- الطبرسی، مجمع البیان، ج 2، ص 376؛ الفيض الكاشاني، التفسير الصافي، ج 1، 374
2- الحلبي، السيرة الحلبية، ج 2، ص 497
3- طلحة بن ابي طلحة، واسم ابي طلحة عبد الله بن عبد العزی بن عثمان بن عبد الدار، وهو صاحب لواء المشركين يوم احد، قتل يوم احد قتله علي بن ابي طالب ((عليه السلام)). ينظر: (ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 2، ص 40)
4- الكليني، الكافي، ج 8، ص 111؛ الذهبي، تاريخ الاسلام، ج 2، ص 176
5- المفيد، الارشاد، ج 1، ص 87؛ محسن الامین، اعیان الشيعة، ج 1، ص 256
6- الحكم بن الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، حليف بني زهرة، قتل يوم احد. ينظر: (ابن قتيبة، المعارف، ص 160)

فقطع رجله من نصف الفخذ فهلك منها، ولما جال المسلمون تلك الجولة اقبل أمية بن ابي حذيفة بن المغيرة(1)وهو دارع ويقول: يوم بيوم بدر، فعرض له رجل من المسلمين فقتله أمية، وصمد له علي بن ابي طالب (عليه السلام) فضربه بالسيف على هامته... ثم تناوشا فقال علي (عليه السلام): فنظرت الى فتق تحت ابطه فضربته بالسيف فقتلته وانصرفت عنه»(2) وقد ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نادي ملك من السماء يوم احد، لا سیف الا ذو الفقار، ولا فتى الا علي»(3)، وهذا التكريم السماوي لشخص امير المؤمنين (عليه السلام) يستحق منا اكثر من وقفة وتأمل في مدى قدسية وقيمة ایمانه وانتمائه (عليه السلام) الشديدين لروح وجوهر الرسالة الاسلامية، بل ومدى قدرته الفائقة (عليه السلام) في تقديم ما يعجز عنه الاخرون من تضحيات ومواقف بطولية لهذا الدين، وهو ما جسده (عليه السلام) - قولا وعملا وسلوكا واخلاقا - في اكثر المعارك الاسلامية الاولى والتي هي الاصعب من بين كل المعارك الاخرى.

وهكذا ادي سيف علي (عليه السلام) دوره المميز في معارك الجهاد لرفع راية الاسلام، واخفات رايات الشرك، فلما قتل علي (عليه السلام) اصحاب لواء المشركين صاروا كتائب متفرقة فجاش المسلمون فيهم ضربا حتى اجهضوهم وأزالوهم عن أمكنتهم وكان شعار المسلمين يومئذ (یا نصر الله اقترب)، وهو

ص: 403


1- امية بن أبي حذيفة بن النغيرة: امه عبلة بنت عبيد بن جاذل، قتل يوم احد. ينظر: ( ابن قتيبة، المعارف، ص 160)
2- المفيد، الارشاد، ج 1، 88
3- الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 128

المروي عن الامام الصادق (علیه السلام)(1)، وشعار الكفار: (أعلُ هبل، أعلُ هبل)، وقيل كان شعارهم: (يا للعزّی، یا لهبل)(2) وانهزم المشركون ووقع المسلمون ينتهبون المعسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم وانشغلوا عن الحرب، وهنا حدث التحول الكبير في مجری معركة احد وسيرها وتغيرت المعادلة العسكرية رأسا على عقب.

قال الامام الصادق (عليه السلام): «لما كان يوم احد انهزم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى لم يبق معه الاعلي بن ابي طالب (عليه السلام)، وابو دجانة سماك بن خرشة، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا ابا دجانة أما ترى قومك؟ قال: بلى. قال: إلحق بقومك، قال: ما على هذا بايعت الله ورسوله، قال: انت في حل، قال والله لا تتحدث قريش بأني خذلتك وفررت حتى آذوق ما تذوق، فجازاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خيرا، وكان علي (عليه السلام) كلما حملت طائفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إستقبلهم وردهم حتى أكثر فيهم القتل والجراحات...»(3) وفي رواية اخرى للامام الصادق (عليه السلام) قال: «انهزم الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد فغضب غضبا شديدا، وكان إذا غضب انحدر من وجهه وجبهته مثل اللؤلؤ من العرق، فنظرنا فإذا علي (عليه السلام) الى جنبه... فحمل علي (عليه السلام) فضرب أول من لقي منهم، فقال جبرئیل (عليه السلام): إن لهذه هي الواساة يامحمد، قال: انه مني وأنا منه، قال جبرئیل:

ص: 404


1- الكليني، الكافي، ج 5، ص 47
2- الحلبي، السيرة الحلبية، ج 2، ص 498
3- الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 7

وانا منكما»(1) ويشير الامام الصادق (عليه السلام) الى احداث مهمة حصلت في معركة أحد، وأثر الهزيمة التي حصلت، فقد روي عنه: «ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) کسرت رباعيته، وإن الناس ولوا مصعدين في الوادي، والرسول يدعوهم في أخراهم فأثابهم غما بغم، ثم أنزل عليهم النعاس، أي: الهم، فلما استيقظوا قالوا كفرنا، وجاء ابو سفیان فعلا فوق الجبل بإلهه هبل، فقال: أعل هبل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ: الله اعلى وأجل»(2).

وقال (عليه السلام): «إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا علي أين كنت؟ فقال: يارسول الله لزقت بالارض - أي لم؟ أفر ولم أتحرك عن مكاني - فقال: يا علي إئتني بماء أغسل عني أتاه في صفيحة، فاذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عافه، وقال: أتتني بيدك، فأتاه بماء في كفه، فغسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن لحيته»(3) إن القاريء الجيد لأحداث معركة احد لا يمكن ان يجزم بان خروج الرماة عن مواقعهم كان السبب الوحيد في هذه الهزيمة التي حصلت للمسلمين، فالأحداث تشير الى أن المنافقين واليهود لعبوا دورا واضحا في للايقاع بالمسلمين وحصول هذه الهزيمة. والدليل على ذلك ان عبدالله بن ابي - رأس المنافقين - إنسحب قبيل بدء المعركة، وعبدالله هذا كان غير مقتنع اصلا بالخروج الى احد، وفضل البقاء في المدينة وادارة المعركة داخل المدينة، فاذا كانت هكذا قناعاته فلماذا خرج مع

ص: 405


1- الكليني، الكافي، ج 8، ص 110
2- العياشي، تفسير العیاشی، ج 1، ص 201
3- المصدر نفسه والصفحة

جیش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقطع مسافات طويلة وسار مع جيش المسلمين ثم إنسحب، ألا يعني هذا ان غايته كانت هي إضعاف معنويات المقاتلين الاخرين الذين لم يفكروا بالانسحاب؟ لقد كان الأولى به أن لا يشترك أصلا في المعركة، أما أن ينسحب في لحظات حرجة وموقع قريب من ساحة المعركة فان هذا له جانب نفسي كبير على معنويات المقاتلين الاخرين وادخال الضعف والوهن الى صفوفهم، واذا جاز مثل هذا الاحتمال فلابد انه جاء نتيجة تنسيق مع يهود المدينة.

اذن حصلت الهزيمة، وانسحب المسلمون وتمكن جيش الخصوم من السيطرة العسكرية المطلقة، ولكنهم لم يتعقبوا المسلمين الى المدينة ولم يتابعوهم رغم تمكنهم من ذلك، وهنا ينشأ سؤال مهم جدا هو: لما إنسحب جيش قريش قبل تحقيق هدفه؟ ولماذا لم يستمر هذا الجيش بالزحف على المدينة، والقضاء على الدعوة الاسلامية نهائيا ما دام جيش المسلمين قد انهزم؟ وعلق الشيخ علي الكوراني(1)على هذه المسألة بقوله: لانجد سببا ماديا لانسحاب جيش قريش من معركة احد قبل ان يحقق هدفه في قتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واحتلال المدينة، الا التدخل الالهي. فقد بعث الله الملائكة فقاتلوا مع الامام علي (عليه السلام) حتى انهزم المشركون، وبعد انسحابهم بعث عليا (عليه السلام) لاعتراضهم ليتأكد من أن وجهتهم مكة وليست المدينة.

قال الإمام الصادق (علیه السلام): «... ثم انهزم الناس فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص (الابل) وجنبوا الخيل فانهم يريدون مكة، وإن

ص: 406


1- السيرة النبوية، ج 2، ص 253

رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فانهم يريدون المدينة، فأتاهم علي (عليه السلام) فكانوا على القلاص، فقال ابو سفيان لعلي: ياعلي ما تريد؟ هو ذا نحن ذاهبون الى مكة فانصرف الى صاحبك، فأتبعهم جبرائیل کلما سمعوا وقع حافر فرسه جدوا في السير، وكان يتلوهم، فاذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسکر محمد قد أقبل؟ فدخل ابو سفيان مكة فأخبرهم الخبر، وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا: رأينا عسکر محمد کلما رحل ابو سفیان نزلوا يقدمهم فارس على فارس أشقر يطلب ثأرهم»(1)(2).

وهذه حادثة غريبة في تاريخ المعارك، حيث يطارد رجل واحد جيشا منتصرا من ثلاثة الاف مقاتل له قائده: إرجع لا نريد قتالك، وها نحن منسحبون.

وقد دلت مواقف الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه المعركة على شجاعته وقوته، وقد أكدها الامام علي (عليه السلام) قائلا: «كنا اذا احمر البأس، إتقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يكن أحد اقرب منا الى الى العدو منه» ومن هنا فإن سلامة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الحرب بل وفي عامة الحروب تعود في اكثر اسبابها الى:

- حسن دفاعه عن دينه وعن نفسه، والى شجاعته وبأسه في المعارك، اضافة الى تضحية تلك القلة من اصحابه الاوفياء الذين بذلوا غاية جهدهم للحفاظ على حياته وسلامته (صلى الله عليه وآله وسلم) واشتهر من هؤلاء:

1 - الامام علي (عليه السلام) الذي بلغ 26 عاما من عمره، حيث قتل 12 من

ص: 407


1- الكليني، الكافي، ج 8، ص 318
2- ابن ابي الدنيا، مکارم الاخلاق، ص 56؛ الطبرسي، مکارم الاخلاق، ص 18

رجال قريش، والباقي وهم عشرة قتلهم باقي المسلمين.

2 - ابو دجانة، الذي جعل من نفسه ترسا يقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من سيوف الكفار(1).

3 - حمزة بن عبد المطلب، الذي دأب على حماية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من اذى المشركين دائما في الظروف القاسية، الا ان وحشي العبد قتله في هذه المعركة(2) 4 - أم عمارة، نسيبة المازنية(3)، وقد باشرت القتال وذبت عن الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) بالسيف، ورمت بالقوس حتی جرحت. وقد أعجب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشجاعتها فأشاد بموقفها يو احد: (لمقام نسيبة بنت کعب اليوم خير من فلان وفلان)(4)فطلبت منه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعو لها بالجنة، فقال: بارك الله من اهل بیت رحمكم الله، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة)(5) اما الشهداء الاخرون فكانوا مابين سبعين الى ثمانین مسلما علی روایات مختلفة، ولم يتجاوز عدد قتلى قريش اثنان وعشرون فردا(6)

ص: 408


1- الكليني، الكافي، ج 8، ص 318
2- الطبراني، المعجم الكبير، ج 3، ص 148
3- ام عمارة: نسيبة المازنية بنت کعب بن عمرو بن عوف من بني مازن بن النجار الانصارية، شهدت العقبة، واحد، مع زوجها وولدها منه، وشهدت بيعة الرضوان. ينظر: ( ابن حجر، الاصابة، ج 8، ص 441)
4- ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 8، ص 413؛ ابن ابی الحدید، شرح نهج البلاغة، ج 14، ص 266
5- المقريزي، امتاع الاسماع، ج 8، ص 163؛ الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج 4، ص 201
6- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج 2، ص 211؛ ابن الاثير، الکامل، ج 2، ص 149

المبحث الثالث: تفوقه العسكري والمعنوي (عليه السلام) في معركة الاحزاب:

الاحزاب بلغة هذا العصر قريبة من (قوات التحالف) فهي قوة مؤلفة من عدة جيوش من قبائل وشعوب مختلفة إتفقت فيما بينها لغزو المسلمین نصرة لقريش.

وتشير المصادر(1)الى ان زعماء بني النضير الذين اجلاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المدينة قد اخذوا زمام المبادرة في الدعوة الى هذا التحالف، تحركهم عوامل الحقد والرغبة في الانتقام من المسلمين. فهي اذن فكرة يهودية، فبعد معركتي بدر واحد وإجلاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بني قينقاع وبني النضير لنقضهم ميثاق التعايش ذهب حاخامات اليهود وزعمائهم وفدا الى مكة برئاسة الحاخام کعب بن أسد لاقناع القرشيين بتشكيل حلف ضد النبي (صى اله عليه وآله وسلم).

ويبدو أن استجابة قريش لتحريض اليهود قد کانت بسرعة وحماسة، لان قیام مثل هذا التحالف لمحاربة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتفق ومصالحها وسياستها المعلنة: (فطافوا على وجوه قریش ودعوهم الى حرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)... فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل محمدا... قال ابو سفیان: هذا الذي أقدمكم ونازعكم؟ قالوا: نعم جئنا لنحالفكم على عداوة محمد وقتله. فقال ابو سفيان: أهلا ومرحبا، أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد)(2)

ص: 409


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 50؛ ابن عساکر، تاریخ مدينة دمشق، ج 55، ص 273
2- الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، ج 4، ص 363

وهذا يدل على العلاقة الوثيقة التي كانت تربط أبو سفیان بهؤلاء اليهود، بدلیل التوافق السريع الحاصل من جراء هذا التحالف.

لقد استطاعت قوى الاحزاب المتآلفة تشكيل جيش لمحاربة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤلف من عشرة الاف مقاتل، وحين بلغت اخبار تحرکات هذا الجيش نحو المدينة للقتال الى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قام بدعوة اصحابه لمشاورتهم فيما يصنع(1)فأجمع رأيهم على المقام بالمدينة وحرب القوم على أنقابها، وأشار سليمان عليه بالخندق فأمر بحفره وعمل فيه بنفسه، وعمل فيه المسلمون(2) وقد اشارت روایات الامام الصادق (علیه السلام) الى معلومات مهمة تخص احداث معركة الاحزاب (الخندق)، منها ماروي عنه (عليه السلام): «شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخندق في تسعمائة رجل»(3).

واشارت رواياته (عليه السلام) الى احداث مهمة حصلت في أثناء عمل الخندق وحفره، فقال (عليه السلام): «انهم مروا بكدية - قطعة غليظة لايعمل فيها الفأس - فتناول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المعول من يد سليمان فضرب بها ضربة، فانفلقت ثلاث فلق، فقال رسول الله: لقد فتحت عليَ في ضربتي هذه کنوز کسری وقيصر، فقال احدهما لصاحبه: يعدنا بكنوز کسری وقيصر، وما يقدر احدنا أن يخرج يتخلى»(4)

ص: 410


1- الطبرسی، اعلام الوری، ج 1، ص 190؛ ابن کثیر، البداية والنهاية، ج 4، ص 108
2- المفيد، الارشاد، ج 1، ص 96
3- الكليني، الكافي، ج 5، ص 46
4- المصدر نفسه، ج 8، ص 216

وقد أشار اليعقوبي(1)الى هذا الأمر بقوله: (وفي هذه الوقعة ظهر النفاق، وقال المنافقون: تعدنا یا محمد بقصور کسری وقيصر، ولأحدنا لايقدر على الغائط).

وقد اوردت المصادر الاسلامية(2)قصة انسحاب جيش الاحزاب من ساحة المعركة ولم تحدث مواجهات قتالية كبيرة بمستوى التحضيرات ومستوى مدة الحصار الذي وصل إلى حدود الشهر تقريباً.

يقول صالح احمد العلي(3): (إن عدم نشوب قتال جدي واسع خلال هذه الغزوة يرجع الى ضعف الدافع الى القتال عند القوات الغازية، والى ضعف اعتقادهم بمبرراته) ويبدو إن هذا الرأي غير دقيق بدلیل مجريات الاحداث التي سبقت المعركة واستعدادات القوات المتحالفة بأحزابها وقبائلها ويهوديها ومنافقيها التي تدل على تصميم هذه الفئات القضاء على الدعوة وصاحب الدعوة. وتدل ايضاً على ان هؤلاء لديهم التصميم الكامل لانجاز مهمتهم الكبيرة وطموحهم القوي في انجاح هذه المعركة. اذن فالدافع كان قوياً وليس ضعيفاً والاعتقاد بمبررات هذا العمل لا يقل عن ذلك ايضاً. وقد وصف الامام علي (عليه السلام) قوة الدافع في القضاء على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في جيش الاحزاب بقوله: (...ان قریشاً والعرب تجمعت وعقدت بينها عقداً ومیثاقاً لاترجع من وجهها حتى تقتل رسوالله وتقتلنا معاشر بني عبد المطلب أثم اقبلت بحدها وحديدها

ص: 411


1- تاريخ اليعقوبي، ج 2، 51
2- ابن عساکر، تاریخ دمشق، ج 55، ص 705
3- دولة الرسول، ص 253

حتى اناخت علينا بالمدينة واثقة بانفسها فيما توجهت له فهبط جبرائیل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنبأه فخندق على نفسه ومن معه من المهاجرين والانصار فقدمت فأقامت على الخندق محاصرة لنا ترى في انفسها القوة وفينا الضعف ترعد وتبرق ورسول الله يدعوها الى الله عز وجل ويناشدها بالقرابة والرحم فتأبی ولا يزيدها ذلك الا عتواً....)(1) اذن وحسب الوصف الذي وصفه الامام علي (عليه السلام) لايمكن القول بضعف الدافع لدى جيش الاحزاب الا ان السبب في عدم نشوء القتال بشكل واسع هو الاستعداد العسكري الكبير الذي اتخذه جیش الرسول (صلی الله عليه وآله وسلم) بحفره الخندق، والدليل على ذلك هو انبهارهم وتعجبهم ومفاجئتهم بهذه الخطة التي قالوا عنها) هذه المكيدة)، ما كانت العرب تصنعها ولا تکیدها)(2)، مما يدل على أن قوات الاحزاب تفاجأت بخطة المسلمين الدفاعية حين وصولها الخندق.

لهذا نرى أن قوات الاحزاب أخذت ترسل الدوريات من اجل البحث عن ثغرة لفك الحصار، والنفاذ منها الى داخل مواقع المسلمين، فلم يتمكنوا بأستثناء تمكن عمرو بن عبدود مع مجموعة صغيرة معه، وكانوا يمثلون فرسان وشجعانهم فتسللوا الى الخندق فصاحوا بخيلهم حتى ظفروا الخندق الى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وركز عمرو بن عبدود(3)في رمحه الارض وأقبل يجول حوله ويرتجز ويقول:

ص: 412


1- الصدوق، الخصال، ص 368
2- ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 2، ص 68
3- عمرو بن عبدود العامري من بني عامر بن لؤي، كان فارس العرب يومئذ وشجاعهم، وجد في يوم الخندق مكانا ضيقا فاقتحمه، وقتل يومذاك. ينظر: (ابن عبد البر، الدرر، ص 173)

ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز ووقفت إذ جبن الشجاع مواقف القرن المناجز إني كذلك لم أزل متسرعا نحو المزاهز إن الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): («من لهذا الكلب»؟ فلم يجبه احد، فقام اليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال: «أنا له یارسول الله». فقال: ياعلي، «هذا عمرو بن عبدود فارس يليل»، فقال علي (عليه السلام): «وأنا علي بن ابي طالب»، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أدن مني». فدنا منه فعممه بيده، ودفع اليه سيفه ذا الفقار وقال له: «إذهب وقاتل بهذا»)(1).

ثم دعا له فقال: «اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته»، ولما برز علي (عليه السلام) قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «برز الایمان كله الى الشرك كله»(2) قال الامام الصادق (عليه السلام): «إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يومئذ: اللهم إنك أخذت مني عبيدة(3)يوم بدر، وحمزة يوم احد. وهذا اخي علي بن ابي طالب: رب لا تذرني فردا وانت خير الوارثين»(4)و(5)

ص: 413


1- ابو جعفر الاسكافي، المعيار والموازنة، ص 91
2- الجاحظ، العثمانية، ص 333
3- المقصود عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصى، ويكنى ابا معاوية، أسن من رسول الله بعشر سنين. ينظر: (ابن عبد البر، الاستیعاب، ج 3، ص 102)
4- سورة الانبياء، الآية: 89
5- ابن ابی الحدید، شح نهج البلاغة، ج 19، ص 61

وذكر الكراجکي(1): أن النبي قال ثلاث مرات: أيكم يبرز الى عمرو وأضمن له على الله الحنة؟ وفي كل مرة يقوم علي (عليه السلام) والقوم ناکسوا رؤوسهم. فاستدناه وعممه بيده، فلما برز قال: برز الايمان كله الى الشرك كله.

وقال ابن شهر آشوب(2): ودعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جاث على ركبتيه باسط يديه باكية عيناه ينادي: یا صریح المكروبين، يامجيب دعوة المضطرين، اکشف همي وكربي، فقد نرى حالي! وقال القمي(3): فمر أمير المؤمنين (عليه السلام) يهرول في مشيه وهو يقول:

لاتعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز ذو نية وبصيرة والصدق منجي كل فائز إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء يبقى صوتها بعد الهزاهز فقال له عمرو: من انت؟ قال: أنا علي بن ابي طالب ابن عم رسول الله وختنه.

فقال عمرو: والله إن أباك كان لي صديقا قديما، وإني أكره ان أقتلك. ما آمن ابن عمك حين حين بعثك إلي أن اختطفك بر محي هذا فأتركك شائلا بين السماء والارض لا حي ولا میت! فقال له علي (عليه السلام): قد علم ابن عمي أنك إن قتلتني دخلت الجنة

ص: 414


1- کنز الفوائد، ص 137
2- مناقب آل ابي طالب، ج 1، ص 170
3- تفسير القمي، ج 2، ص 183 - 184

وانت في النار، وإن قتلتك فأنت في النار وانا في الجنة! فقال عمرو: وكلتاهما لك ياعلي؟ تلك إذا قسمة ضیزی! فقال علي (عليه السلام): دع هذا ياعمرو، وإني سمعت منك وأنت متعلق بأستار الكعبة تقول: لا يعرضن علي احد في الحرب ثلاث خصال الا أجبته الى واحدة منها. قال: هات يا علي.

قال: احدهما: أن تشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله.

قال عمرو: نح عنك هذه فاسأل الثانية.

فقال: أن ترجع وترد هذا الجيش عن رسول الله، فإن يك صادقا فأنتم أعلى به عينا، وإن يك كاذبا کفتکم ذوبان العرب امره! فقال: لا تتحدث نساء قريش بذلك، ولا تنشد الشعراء في اشعارها: أني جبنت على عقبي من الحرب وخذلت قوما رأسوني عليهم.

فقال علي (عليه السلام): فالثالثة: أن تنزل إلي، فإنك راكب وأنا راجل، حتى انابذك! فوثب عن فرسه وعرقبه، وقال: هذه خصلة ما ظننت أن احدا من العرب يسومني عليها.

وفي روايات اخرى قال عمرو لعلي (عليه السلام): إرجع، فقد كان بيني وبين ابيك خلة، وما احب ان اقتلك! فقال علي (عليه السلام): لكنني والله احب ان اقتلك مادمت ابيا للحق(1)!

ص: 415


1- المفيد، الارشاد، ج 1، ص 98

وتمكن الامام علي (عليه السلام) من التخلص من عمرو والقضاء عليه حين ضربه ضربة قوية على ساقيه فقطعهما، فكبر الامام علي (عليه السلام) يعلن انتصاره ومقتل عمرو، مما كان له أثره في العدو، فالقى الرعب في نفوسهم، فهربوا الى معسكرهم تاركين الخندق، وسقط أحدهم بفرسه في الخندق وهو: (نوفل بن عبدالله)(1)فرماه الحرس بالحجارة، مما جعله يطلب مقاتلة احد المسلمين، فنزل اليه الامام علي (عليه السلام) فقاتله وقضى عليه في الخندق(2).

ونظرا لضربة الامام علي (عليه السلام) المؤثرة ذات النتيجة والفعالية، فقد قال عنها المصطفی (صلی الله عليه وآله وسلم): «ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين»(3)إذ لم يبق بيت من بيوت المشركين الا ودخله ذل بقتل عمرو بن عبد ود، على عكس ما حدث لبيوت المسلمين، فقد دخله بذلك العز والافتخار، فالضربة كانت في الواقع هزيمة للمشركين والاحزاب ونهاية لقوتهم.

وقد امتاز علي (عليه السلام) عن جميع من حضروا الخندق بأمور: الاول: مبادرته لحماية الثغرة التي عبر منها عمرو واصحابه، والذين كانوا معه لولاه لم يجيئوا ولولا ثباته لم يثبتوا بدليل انه لما فارقهم لم يرجع اليهم وجدهم قد طارت نفوسهم جزعا.

الثاني: وهو اعظمها، مبارزته عمرا وقتله حتى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): آن ضربة علي لعمرو تعدل عمل الثقلين، وكانت هي الموجبة لهروب المشركين.

ص: 416


1- نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي. قتل يوم الخندق. ينظر: (الذهبي، تاريخ الاسلام، ج 2، ص 305)
2- ينظر: الذهبي، تاريخ الاسلام، ج 2، ص 305
3- الحلبي، السيرة الحلبية، ج 2، ص 624

الثالث: لحاقه بالمنهزمين وهو راجل وهم فرسان لم يمنعه ما به من التعب بمبارزة عمرو ومحاولته التي اثارت غبارا حجبهما عن الانظار كأنه غبار جیش عرمرم.

الرابع: انه لم يسلب عمرا درعه مع انها من الدروع الممتازة بين دروع العرب.

وفي هذا ورد في المصادر الاسلامية(1): عن محمد بن اسحاق قال: لما قتل علي بن ابي طالب عمرا اقبل نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ووجهه يتهلل فقال له عمر بن الخطاب: هلا سلبته درعه يا علي فانه ليس في العرب درع مثلها.

وقد سجل القرآن الكريم وقائع هذه المعركة واشار اليها في قوله تعالى:«إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا»(2) هذا هو المشهد کما عبر عنه القرآن، ولنا أن نتمعن في دلالته لنقف على الحقيقة المذهلة في استقراء المناخ النفسي للمسلمين، وقوة دور علي (عليه السلام) في هذه الوقعة الكبيرة.

ص: 417


1- الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج 3، ص 33
2- سورة الأحزاب، الآيات: 10 و11 و12

المبحث الرابع

دوره (عليه السلام) في معارك ما بعد الحديبية لقد كان صلح الحديبية من اعظم الانجازات الاسلامية على الاطلاق، بل هو الثمرة المباركة للمعارك كافة التي خاضها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد وصف الله تعالى في كتابه العزيز هذا الصلح بالفتح المبين والنصر العزيز في قوله تعالى: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا...»(1)، لان هذا الصلح قد حسم الموقف نهائيا لصالح الاسلام من دون اراقة قطرة دم واحدة.

ومن ضمن سياسته الهادفة الى تثبيت دعائم الاسلام ودعم قوة الدولة الجديدة، وجعلها دولة قوية سياسيا واقتصاديا، وقناعته الكاملة بضرورة انهاء التأثير اليهودي في الدولة الفتية، وللاهمية الكبيرة التي تحظى بها خيبر لانها مقر قيادة اليهود ومقر تجارتهم في يثرب والجزيرة كلها، ومركز اليهود الروحي واساس قوتهم الاقتصادية والدينية، واليها لجأيهود بني النضير وقینقاع وبنو قريظة. لهذا كله اتجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفتح خیبر بعد رجوعه من الحديبية، وذلك سنة سبع للهجرة كما يقول الواقدي(2)، أو أواخر السنة السادسة كما ذكر الطبرسي(3).

وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر برايته الى بعض حصون خیبر فقاتل فرجع ولم یکن فتحا وقد جهد، ثم بعث عمر بن الخطاب فقاتل

ص: 418


1- سورة الفتح، الآية: 1
2- المغازي، ج 2، ص 634
3- اعلام الوری، ج 1، ص 206

فرجع ولم يكن فتحا وقد جهد(1)... فساء ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله کرار غیر فرار»، فقال علي (عليه السلام) لما سمع: «اللهم لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت»، فأصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «أدعوا لي عليا»، فقالوا: إنه ارمد، فقال: «أرسلوا اليه وادعوه» فأتي به يقاد، فتفل في عينيه فقام وكانت عيناه جزعتين، واعطاه الراية ودعا له فأفبل حتى ركزها قريبا من الحصن، فخرج اليه مرحب فبارزه فضرب رجليه فقطعها، وحمل علي والجماعة على اليهود فانهزموا)(2).

قال ابو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (خرجنا مع علي (عليه السلام) حين بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) برايته الى خيبر، فلما دنا من الحصن خرج اليه اهله، فقاتلهم، فضربه یهودي فطرح ترسه من يده، فتناول علي (عليه السلام) بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل، حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر سبعة، انا ثامنهم، نجهد على ان نقلب ذلك الباب فما نقلبه)(3).

وقيل: (ان الباب كان حجارة طوله اربع اذرع في عرض ذراعين في سمك ذراع، فرمی به علي بن ابي طالب (عليه السلام) خلفه ودخل الحصن ودخله المسلمون)(4).

ومهما يكن الحال فان دلت هذه الروايات على شيء، فانما تدل على شجاعة

ص: 419


1- ابن هشام، السيرة النبوية، ج 3، ص 797؛ ابن عساکر، تاریخ مدينة دمشق، ج 42، ص 90
2- البلاذری، أنساب الاشراف، ج 1، ص 93؛ ابن کثیر، البداية والنهاية، ج 4، ص 211
3- احمد بن حنبل، مسند احمد، ج 6، ص 8
4- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 56

الامام وقدرته الخارقة العجيبة في بدنه، مع قوة إلهية معنوية عالية، وعلي (عليه السلام) نفسه يقول عن هذا الحادث: (والله ما قلعت باب الحصن بقوة جسدية، ولكن بقوة ربانية)(1) وعن جابر بن عبد الله الانصاري قال: (لما قدم علي (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بفتح خيبر قال رسول الله: لولا ان يقول فيك طوائف من امتي ما قالت النصارى في عیسی بن مریم، لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك فيستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وانا منك، ترثني وارثك، وانك مني بمنزلة هارون من موسی الا انه لا نبي بعدي، وانك تؤدي ذمتي، وتقاتل على سنتي، وانك في الاخرة غدا اقرب الناس مني...)(2)فخر علي (عليه السلام) ساجدا، ثم قال: «الحمد لله الذي من علي بالاسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية، خاتم النبيين وسيد المرسلين، احسانا منه الي، وفضلا منه علي»(3) اما وقعة حنين، فقد كان لعلي بن ابي طالب الدور المميز فيها كما هو معروف عنه (عليه السلام)، وكانت هذه الوقعة في شوال سنة ثمان من الهجرة، وحنين وادي بينه وبين مكة ثلاث ليال(4).

وقد بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن هوازن قد جمعت بحنين جمعا كبيرا تريد غزو المسلمين وقتالهم، فخرج اليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في جيش عظیم عدتهم اثنا عشر الفا، فقال بعضهم: ما نؤتى من

ص: 420


1- العلامة الحلي، کشف اليقين، ص 141
2- الطبرسی، اعلام الوری، ج 1، ص 366 - 367؛ الاربلی، کشف الغمة، ج 1، ص 290
3- الصدوق، الامالي، ص 156؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 112
4- ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 2، 149

قلة، فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك من قولهم(1).

وكان لواء المهاجرين مع علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ووزع بقية الرايات على قواد الجيش وزعماء القبائل(2).

ويروى عن جابر بن عبدالله الانصاري، انه قال: (لما استقبلنا وادي حنين، انحدرنا في واد اجوف حطوط، انما ننحدر فيه انحدارا في عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا الى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه ومضایقه، قد اجمعوا وتهيئوا واعدوا، فوالله ماراعنا ونحن منحطون الا والكتائب قد شدت علينا شدة رجل واحد، فانهزم الناس اجمعون لا يلوي احد على احد... الا انه قد بقي مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفر من المهاجرين والانصار واهل بيته)(3).

وعلى اي الاحوال فلقد اتفق المؤرخون على أن عليا (عليه السلام) واكثر بني هاشم ثبتوا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك الازمة، وعلي بن ابي طالب (عليه السلام) يذب الناس بسيفه ويفرقهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) کما کانت اکثر مواقفه في الحروب التي مضت، فلم يستطع احدان يدنو من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الا جدله بسيفه.

وكان رجل من هوازن على جمل احمر بيده راية سوداء امام الناس، فاذا ادرك رجلا طعنه، ثم رفع رايته لمن وراءه فاتبعوه، فحمل عليه علي (عليه السلام) فقتله. وقيل ان امير المؤمنين (عليه السلام) قد قتل منهم اربعين رجلا(4).

ص: 421


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 62
2- ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 2، ص 149
3- ابن الاثير، الکامل في التاريخ، ج 2، ص 262
4- المصدر نفسه والصفحة

وقد ذكر القران الكريم موقف المسلمين يومذاك بقوله تعالى: «وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ»(1)ثم انزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين.

ولابن أبي الحديد(2)كلمة بالمناسبة في مقدمة شرحه على النهج: (اما الشجاعة:

فانه انسى الناس فيها ذكر من كان قبله ومحی اسم من ياتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة، يضرب بها الامثال الى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فر قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز احدا الا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الاولى إلى ثانية).

واستمر امیر المؤمنين (عليه السلام) في رجحان کفائته الحربية الى ما بعد المعارك الاسلامي الاولى - موضوع بحثنا ۔ ففي صراعه مع معاوية تنقل المصادر: انه (عليه السلام) لما دعي معاوية الى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل احدهما، قال عمرو بن العاص لمعاوية: (لقد انصفك! فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني الا اليوم!! اتأمرني بمبارزة ابي الحسن وانت تعلم انه الشجاع المطرق؟ أراك طمعت في إمارة الشام بعدي...)(3).

وكانت غزوة تبوك هي الغزوة الوحيدة من الغزوات التي لم يشترك فيها علي بن ابي طالب (عليه السلام) مع رسول الله (صى الله عليه وآله وسلم)، حيث كان بقاؤه (عليه السلام) في المدينة امر تفرضه مصلحة الاسلام، بعدما ظهر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من امر المنافقين، فان بقاءهم بالمدينة يشكل خطرا

ص: 422


1- سورة التوبة، الآية: 25
2- شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 20
3- المصدر نفسه والصفحة

على الدعوة.

فأرجف المنافقون بعلي (عليه السلام) وقالوا: ما خلفه الا استثقالا له! فلما سمع علي (عليه السلام) ذلك اخذ سلاحه ولحق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاخبره ما قال المنافقون، فقال: (كذبوا، وانما خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في اهلي واهلك، أفلا ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)، فرجع علي ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفره....)(1).

ص: 423


1- الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 368؛ ابن عساکر، تاریخ مدينة دمشق، ج 2، ص 31؛ ابن کثیر، البداية والنهاية، ج 5، ص 11

الخلاصة:

اسفرت نتائج هذا البحث عن جملة من الحقائق نستطع أن نوجزها بالاتي:

1 - ان الدور الاكبر والحاسم للمعارك الاسلامية الاولى كان للامام علي (عليه السلام)، وهو امر تکاد تجمع عليه المصادر والمؤلفات الاسلامي بكافة اتجاهاتها ومذاهبها، وبدى هذا الأمر واضحا للجميع منذ المعركة الاولى، فعندما يكون نصف عدد المقتولين في معركة كبيرة وشرسة مثل بدر بید فرد واحد، فان هذا الأمر يعد من المعاجز الكبيرة، ولولا عناية الخالق ورعايته لهذا البطل الكبير لكانت الامور غير التي كانت وحصلت، لهذا سجل التاريخ وبدون تردد: لولا سیف علي (عليه السلام) ما كان هذا النصر ليحصل، وما كان للفئة الاقل عددا ان تنتصر على الفئة الاكبر في زمن كانت الحروب تتحكم فيها عوامل الكثرة لاعداد المقاتلين.

2 - رغم ثقل المهمة العسكرية وصعوبتها والتي اوكلت للامام علي (عليه السلام) في ميادين المعارك، ورغم شراسة الظروف في مثل هذه المواضع، والتي غالبا ما يحصل فيها انتهاك لحقوق الانسان وكرامته، الا اننا نجد ان امير المؤمنين (عليه السلام) لم يتخلى ابدا عن الجوانب الإنسانية والاخلاقية والنفسية حتى لخصومه، وهذا يعد انتصارا اخر يسجل له (عليه السلام)، انتصارا في الجوانب المعنوية والثقة العالية بقيمة الرسالة الاسلامية التي يحارب من أجل نشرها.

3 - وهناك مسالة مهمة اخرى، يجب الانتباه والاشارة لها، فقد لاحظ القارىء من خلال سير المعارك ان امير المؤمنين (عليه السلام) كان هو صاحب المبادرة عندما تحين ساعة المواجهة وساعة الجد، فهو اهلا لها، لا يعرف الخوف قلبه، ولا يعرف التردد طريقه اليه، انه صاحب التفوق المعنوي الكبير لا يضاهيه فيه احد،

ص: 424

وهذا يعد عاملا مهما من عوامل حسم المعارك.

4 - ما كان هذا ليحصل لولا الايمان الكبير برسالة الاسلام العظيمة، وروح الانتماء الكبير لهذا الدين، فقد كان (عليه السلام) أول الناس اسلاما، بل انه لم يشرك قط، وخير من صور هذا الأمر هو الامام زین العابدين (عليه السلام) حين سألوه: متی اسلم علي (عليه السلام)؟ أجاب: وهل كان كافرا حتی يسلم(1)! انه ابلغ جواب على عظمة امير المؤمنين (عليه السلام).

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الرحمة وعلى اله الطيبين الطاهرين.

ص: 425


1- الكليني، الكافي، ج 8، ص 339

المصادر والمراجع:

القرآن الكريم.

اولاً: المصادر الاولية.

ابن الأثير، أبو الحسن عز الدين بن أبي الكرم بن محمد بن عبد الكريم الشيباني (ت 630 ه / 1232 م)

1. الكامل في التاريخ، (دار صادر، بیروت، 1386 ه / 1993م)

2. أسد الغابة في معرفة الصحابة، (دار الكتاب العربي، بیروت، د.ت).

ابن الأثير الجزري، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد (ت 606 ه / 1209 م)

3. النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: محمود محمد الطناحي، وطاهر أحمد الزاوي، (مؤسسة مطبوعاتي اسماعیلیان، قم، د.ت).

أحمد بن حنبل (ت 241 ه / 854 م)

4. مسند أحمد، (دار صادر، بیروت، د.ت).

ابن البطريق، یحیی بن الحسن الأسدي الحلي (ت 600 ه / 1203 م)

5. عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، (مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1407 ه / 1987 م).

البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه/ 892 م)

6. أنساب الاشراف، تحقیق: محمد باقر المحمودي، ط 1، (مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بیروت، 1394 ه / 1974 م).

الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (ت 255 ه / 869 م)

ص: 426

7. کتاب العثمانية، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (دار الكتاب العربي، القاهرة، 1374 ه / 1955 م).

ابوجعفر الاسكافي، محمد بن عبد الله المعتزلي (ت 220 ه / 835 م)

8. المعيار والموازنة، تحقيق: محمد باقر المحمودي، ط 1، (د.م، 1402 ه / 1981 م).

الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت 405 ه / 1014 م)

9. المستدرك على الصحيحين، تحقيق: يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي، (دار المعرفة، بیروت، د.ت).

ابن حجر، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني (ت 852 ه/ 1448م)

10. الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط 2، (دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه / 1995 م).

ابن أبي الحديد، أبو حامد عز الدين بن عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت 565 ه / 1258 م)

11. شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، (مؤسسة اسماعیلیان للطباعة والنشر والتوزيع، قم، د.ت).

ابن أبي الدنيا (ت 281 ه / 892 م)

12. مکارم الأخلاق، ط 1، (مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، د.ت).

الذهبي، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان (ت 748 ه/ 1347 م)

13. تاریخ الاسلام، ط 1، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، (دار الكتاب العربي، بیروت، 1407 ه / 1987 م).

الزركلي، خير الدين (ت 1410ه / 1990 م)

ص: 427

14. الإعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، ط 5، (دار العلم للملايين، بيروت، 1400 ه / 1980 م).

ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الزهري البصري (ت 230ه / 845 م)

15. الطبقات الکبری، (دار صادر، بیروت، د.ت).

الصالحي الشامي، محمد بن يوسف (ت 942 ه / 1537 م)

16. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط 1، (دار الكتب العلمية، بيروت، 1414 ه / 1993 م).

الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 1381 ه / 991 م)

17. الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، ط 1، (مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، قم، 1417 ه / 1997 م).

الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360 ه/ 971 م)

18. المعجم الكبير، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، (دار إحياء التراث العربي، بیروت، د.ت).

الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن (ت 548 ه / 1153 م)

19. الاحتجاج، تحقيق: السيد محمد باقر الخرسان، ط 1، (مطبعة دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الاشرف، 1386 ه / 1966 م).

20. إعلام الوری بأعلام الهدى، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط 1، (مطبعة ستارة، قم، 1417 ه / 1997 م).

الطبري، أبو جعفر محمد بن جریر (ت 310 ه / 922 م)

ص: 428

21. تاریخ الأمم والملوك، ط 4، (مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، 1403 ه 1983 م).

الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت 460 ه / 1067 م)

22. الامالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية ؆ مؤسسة البعثة، ط 1، (دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم، 1414 ه / 1994 م).

ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد الأندلسي (ت 463 ه / 1070 م) 23. الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، ط 1، (دار الجيل، بیروت، 1412 ه / 1992 م).

24. الدرر في اختصار المغازي والسير، تحقيق: شوقي ضيف، ط 1، (د.م، د.ت).

ابن عساکر، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله (ت 571 ه / 1176 م)

25. تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، (دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، 1415 ه / 1995 م). العياشي، أبي النصر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي (ت 320 ه / 930 م)

26. تفسير العياشي، تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، (المكتبة العلمية الإسلامية، طهران، د.ت). الفتال النيسابوري، محمد بن الفتال (ت 508 ه / 1113 م)

27. روضة الواعظين، تحقيق: السيد محمد مهدي والسيد حسن الخرسان، (منشورات الشريف الرضي، قم، د.ت).

الفيض الكاشاني، محمد محسن (ت 1091 ه)

ص: 429

28. التفسير الصافي، ط 2، (مطبعة مؤسسة الهادي، قم، 1416 ه / 1995 م).

القاضي النعمان، أبو حنيفة بن محمد بن منصور التميمي المغربي (ت 363 ه / 973 م)

29. شرح الأخبار، تحقيق: محمد الحسيني الجلالي، (مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، د.ت).

ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 / 889 م)

30. المعارف، تحقیق: ثروت عكاشة، (دار المعارف، القاهرة، د.ت).

ابن کثیر، أبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 ه / 1372 م)

31. البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، ط 1، (دار إحياء التراث العربي، بیروت، 1408 ه / 1988 م).

الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق (ت 329 ه / 941 م)

32. الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ط 3، (مطبعة حيدري، طهران، 1388 ه / 1978 م).

المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام (ت 975 ه / 1567 م)

33. کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: الشيخ بكري حياني، (مؤسسة الرسالة، بیروت، 1409ه / 1989 م).

المجلسي، محمد باقر (ت 1111 ه/ 1700 م)

34. بحار الأنوار لدرر الأئمة الأطهار (علیهم السلام)، تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي، والسيد محمد الباقر البهبوتي، ط 2، (مؤسسة الوفاء، بیروت، 1403 ه / 1983 م).

المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد النعمان بن المعلم العكبري البغدادي (ت 413 ه / 1022 م)

ص: 430

35. الارشاد، ط 2، (دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، 1414 ه / 1993 م)

36. الامالي، ط 2، (دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، 1414 ه / 1993 م). المقريزي، تقي الدين أبو محمد بن علي بن إبراهيم بن تميم (ت 845 ه / 1441 م)

37. امتاع الاسماع بما للنبي (صلی الله علیه وآله وسلم) من الأحول والأموال والحفدة والمتاع، تحقیق: محمد عبد المجيد النميسي، ط 1، (دار الكتب العلمية، بيروت، 1420 ه / 1999 م).

ابن هشام، عبد الملك الحميري (ت 218 ه/ 833 م)

38. السيرة النبوية، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، ط 1، (مطبعة المدني، القاهرة، 1383 ه / 1963 م). الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر (ت 807 ه / 1308 م)

39. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (دار الكتب العلمية، بیروت، 1408 ه / 1988 م). الواسطي، علي بن محمد الليثي (ت ق 6 ه / 12 م)

40. عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: حسين الحسيني البيرجندي، ط 1، (مطبعة دار الحديث، قم، د.ت). الواقدي، محمد بن عمر (ت 207 ه / 822 م)

41. فتوح الشام، (دار الجبل، بیروت، دت).

اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب (ت 292 ه / 904 م)

ص: 431

42. تاريخ اليعقوبي، دار صادر، بیروت، د.ت).

ثانياً: المراجع الحديثة:

الريشهري، محمد

43. میزان الحکمة، تحقيق: دار الحديث، ط 1، (مطبعة دار الحدیث، قم، د.ت).

الطباطبائي، محمد حسين

44. الميزان في تفسير القرآن، (منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم، د.ت).

الكوراني، الشيخ علي

45. السيرة النبوية برواية أهل البيت (علیه السلام)، (دار المرتضی، بیروت، 1430 ه / 2009 م).

محمد، أویس کریم

46. المعجم الموضوعي لنهج البلاغة، ط 1، (مؤسسة الطبع والنشر في الاستانة الرضوية، مشهد، 1408 ه / 1988 م).

مغنية، محمد جواد 47. الشيعة، في الميزان، ط 4،(دار التعارف للمطبوعات، بیروت، 1399 ه / 1979م).

المرعشي، نور الله الحسيني التستري

48. شرح احقاق الحق، تحقيق: السيد محمود المرعشي، ط 1، (مطبعة حافظ،

ص: 432

قم، 1415 ه / 1995م).

النجفي، هادي 49. موسوعة أحاديث أهل البيت (علیهم السلام)، ط 1، (دار إحياء التراث العربي، بیروت، 1423 ه / 2002 م).

الهمداني، أحمد الرحماني 50. الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، ط 1، (المنير للطباعة والنشر، طهران، 1417 ه / 1997م).

العلي، صالح أحمد 51. دولة الرسول في المدينة، ط 2، (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1429 ه / 2009 م)

ص: 433

ص: 434

المحتويات مقدمة المؤسسة...5

البحث الأول النبوة والإمامة في عصر التأسيس دراسة عقدية مقدمة:...11

المحور الأول: الأخوة:...13

المعنى الأول: الأخوّة النسبية:...13

المعنى الثاني: الأخوة العقائدية...15

تربيته في بيت النبي صلى الله عليه وآله...17

ولكن متى بدأت تلك التربية؟ ولماذا؟...18

اسلامه (عليه السلام)...31

المؤاخاة...45

آية أولو الآرحام...52

المحور الثاني: الوصية...53

أولا: ليلة الهجرة...56

ثانيا: بنو وليعة...59

ثالثا: وفد ثقيف...60

رابعا: سورة براءة...60

خامسا: تبوك...61

ص: 435

دور الإمام علي (عليه السلام) الجهادي...61

المحور الثالث: الخلافة ( الإمامة)...67

أهل البيت عليهم السلام...71

غسل النبي صلى الله عليه وآله ودفنه...79

مماثلة السيرة المحمدية والعلوية...85

المصادر والمراجع...90

البحث الثاني الإيحاءات التكاملية لخطي النبوة والإمامة في نهج البلاغة المقدمة...105

أولاً: سمو وخصوصية المنبع المشترك وأبعاده التكاملية...107

ثانياً: المواكبة والاقتران الواعي في الإعداد...110

ثالثاً: الصنوية والتكامل الروحي...120

رابعاً: میدان التكامل المرحلي بين خطي النبوة والإمامة...125

المصادر والمراجع...127

البحث الثالث المهام غير العسكرية للإمام علي (علیه السلام) في دولة المدينة قراءة في فاعليته السياسية والمجتمعية المقدمة...133

البحث...135

أولاً: كتابته لصلح الحديبية...135

ص: 436

ثانياً: دور الإمام علي (عليه السلام) في الحفاظ على خطة فتح مكة وتنفيذها...145 ثالثاً: تسلمه الراية يوم فتح مكة من سعد بن عبادة...149

رابعاً: وأد قتلى بني جذيمة...152

خامساً: تبلیغ سورة براءة...157

سادساً: استخلافه على المدينة في غزوة تبوك:...160

سابعاً: دعوة أهل اليمن للإسلام...163

المصادر والمراجع...168

البحث الرابع النبوة والإمامة في مرحلة التأسيس دراسة في العلاقة الأسرية عراقة النسب والأصل الواحد...175

مميزات السلالة الطاهرة...183

أولا: الطهارة:...184

ثانيا: مکارم الأخلاق:...188

الإمامة في كنف النبوة:...195

العامل الوراثي:...197

العامل البيئي:...202

الامامة تفّدي النبوة (الفداء الأكبر في مواطن المحن العظيمة):...238

الامامة ترثي النبوة:...244

المصادر والمراجع...248

ص: 437

البحث الخامس النبوة والإمامة ومسارات التكامل الأدائي دراسة في حتمية التلازم المقدمة...269

أولاً: مبدأ التكامل الأدائي في حدث الهجرة...275

ثانياً: حتمية التلازم ومسارات التكامل في المنحى العسكري...279

ثالثاً: حتمية التلازم ومسارات التكامل في المنحى الديني والسياسي...285

المصادر والمراجع...300

البحث السادس النبوة والإمامة في المدونة السيرية قراءة في عرض الاحداث ووعي الترابط المقدمة...313

أولاً: المجاعة وتغيب الارتباط...314

ثانياً: حادثة الدار والموقف التدوینی من ترابط النبوة والإمامة...319

ثالثاً: رزية يوم الخميس ما بين استلاب النص وتغييب الترابط...324

رابعاً: جيش أسامة وسطحية الفهم السيري...339

الخاتمة...344

المصادر والمراجع...346

ص: 438

البحث السابع النبي (صلی الله علیه وآله) والإمام علي (علیه السلام) ومسارات المواجهة في المرحلة المكية دراسة في حادثتي الحصار والمبيت

المقدمة...355

المحور الأول: مؤازرة الامامة للنبوة وسط حصار الكفر والكافرين...356

المحور الثاني: فداء الامامة للنبوة في ظلمة إصرار الكفار على قتل النبي (صلی الله علیه وآله)...366

المحور الثالث: الإمامة وحادثة المبيت وفق النص القرآني...

374

الخاتمة...378

المصادر والمراجع...380

البحث الثامن الإمام علي (علیه السلام) والحضور الحاسم في المعارك الإسلامية الأولى

المقدمة...388

تمهيد:...391

المبحث الأول: دوره (عليه السلام) في معركة بدر...396

المبحث الثاني: دوره (عليه السلام) في معركة أحد...400

المبحث الثالث: تفوقه العسكري والمعنوي (عليه السلام) في معركة الاحزاب:...409

المبحث الرابع: دوره (عليه السلام) في معارك ما بعد الحديبية...418

الخلاصة:...424

المصادر والمراجع...426

ص: 439

بحمد الله

ص: 440

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.