رُدود التَستَري علی ابن ابي الحدید في شرح نهج البلاغة

هوية الکتاب

بسم الله الرحمن الرحیم ردود التسري علی ابن ابي الحدید فی شرح نهج البلاغة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1090 لسنة 2019 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف BP38.08. K8 R5 2019 :LC المؤلف الشخصي: الكريطي، محمد حاكم حبيب - مؤلف.

العنوان: ردود التستري على ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة: دراسة نقدية / بیان المسؤولية: تأليف محمد حاكم حبيب الكريطي؛ تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي: 240 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 630).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 165).

سلسلة النشر: (سلسلة دراسات في شروح نهج البلاغة؛ 1).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 219 - 238).

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 406 - 359 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، 586 - 656 للهجرة - شرح نهج البلاغة.

مصطلح موضوعي:

التستري، محمد تقي 1320 - 1415 للهجرة - بھج الصباغة في شرح نهج البلاغة.

مصطلح موضوعي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - أحاديث.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية.

مصطلح موضوعي: اللغة العربية - نحو.

مصطلح موضوعي: النقد الادبي.

مصطلح موضوعي: البلاغة العربية.

مؤلف اضافي: نقد ل ۔ (عمل): ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، 586 - 656 للهجرة - شرح نهج البلاغة.

مؤلف اضافي: نقد ل (عمل): التستري، محمد تقي 1320 - 1415 للهجرة - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة.

مؤلف اضافي: الحسني، نبيل قدوري، 1965 -، مقدم.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

عنوان اضافي: شرح نهج البلاغة.

عنوان اضافی: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة دراسات في شروح نهج البلاغة (1) ردود التسري علی ابن ابي الحدید فی شرح نهج البلاغة دراسة نقدیة تَألِیفُ مُحمّد حَاکِم حَبِیب اصدار موسسة علوم نهج البلاغة فِي العَتَبةُ الحُسينيَةُ المُقَدَسَةِ

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1440 ه - 2019 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر (عليه السلام) مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Info@Inahj.org تنویه:

إن الأفکار والآراء المذکورة في هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة تخلي العتبة الحسینیة المقدسة مسؤولیتها عن أي انتهاك لحقوق الملکیة الفکریة

ص: 4

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ» صدق الله العلي العظيم سورة البقرة الآية: 207

ص: 5

ص: 6

الإهداء إلى الذي أرى بعينه الدنيا، فهو نافذتي على الحياة، إلى الذي والذي حتي تنقل الكلمات...

«والدي» ابقاك الله نوراً الدُنيانا.

إلی الثنایا الباسمة تفاؤلاً وأملًا بنا، إلی الصوت الذي أکثر مخاطبة السماء عنا اطبة السماء «والدتي» أطال الله عمرك.

محمد

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل کلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلًا للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية فحسب، بل شمل غيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم کافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضرًا وشاهدًا فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات العلمية

ص: 9

المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب(سلسلة دراسات في شروح نهج البلاغة) التي يتم عبرها طباعة هذه الكتب وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه بغية إيصال هذه العلوم إلى الباحثين والدارسين وإعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة التي بين أيدينا، إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها للغوص في بحر علم أمير المؤمنين (علیه السلام) حيث تناول فيها الباحث ردود التستري في شرحه لنهج البلاغة على شرح ابن أبي الحديد، لما له من شهرة من بين شروح نهج البلاغة، إذ تناول فيها الباحث النقد اللغوي والتأويلي والتوثيقي والأدبي التي رد بها التستري في شرحه (بهج الصباغة) على شرح ابن أبي الحديد.

فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره.

والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكرهِ ودليلاً على نعمهِ وآلائه، والصلاة والسلام على سيد الكائنات رسول رب العالمين محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد: فقد كنت أدعو من الله سبحانه وتعالى أن تتاح لي الفرصة لأكتب في نهج البلاغة، لما لهذا الكتاب من ثقل معرفي في حياة المسلمين الثقافية والإجتماعية والاقتصادية وغيرها.

وبفضل من الله تعالی تهیّأت لي الفرصة لكي اكتب عن هذا السفر الخالد بخلود منشئ هذا النص. وعلى الرغم من كثرة الشروح، وكثرة ما كتب عن نهج البلاغة، فإنّ مادته متجددة تَلدُ معاني أخرى، معتمدة على وعي القارئ وإدراكه، فكلما ازداد وعي القارئ ازدادت تلك المعاني والدلالات. وعلى الرغم من تعدد الشروح واختلاف الدراسات واتجاهات الدارسين الفكرية والثقافية، فإننا نلحظ أن النهج ما زال مادة تعطي كثيراً من المعارف، والدليل كثرة الرسائل والأطاريح التي ما زالت تأخذ من النهج میدانا لها.

وبعد أن استشرتُ أساتذتي في قسم اللغة العربية، وبخاصة السيد رئيس القسم والسيد المشرف فوافقوا على الكتابة عن نهج البلاغة، وبفضلهم بعد الله

ص: 11

تعالى تم اختيار هذا العنوان وقبوله، وهو: (ردود التُستَري على ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة دراسة نقدية).

فاسم ابن أبي الحديد ارتبط بنهج البلاغة. أما التستري فهو من الشرّاح المعاصرين، شرح نهج البلاغة بشرحهِ المعروف (بهج الِصباغة في شرح نهج البلاغة)، إذ تألّف من أربعة عشر جزءاً، معتمدا فيه على آراء القدماء من جهةٍ وآراء المحدثين، وردَّ على كثيرٍ ممن شرحوا النهج بما كان يراه مناسب. ولكنّ دراستنا اختصت بردودهِ على ما ذكره ابن أبي الحديد في شرحهِ کما قيّدها العنوان.

وقبل الشروع بكتابة البحث، عدت إلى بعض شروح نهج البلاغة واطّلعت عليها، ومن هذه الشروح، شرح نهج البلاغة للحائري، وشرح نهج البلاغة لابن میثم البحراني، وشرح نهج البلاغة للسيد محمد حسين الجلالي، وبعض الشروح الأخرى التي تعددتْ عنواناتها، فضلاً عن ذلك، أطّلعتُ على كثيرٍ منْ الدراساتِ التي اختصت بالنهج، وهي كثيرة، وقد اتّصلت بجميع فروعهِ اللغوية والأدبية والبلاغية وغيرها. وهذه المراجعات، هیّأتْ لي - على وفق قدراتي - مناخاً فكرياً مناسباً لدراسة الشرحين المذكورين. وكانت الدراسة باعتمادي على ثلاثة کتب رئيسة في موضوعي، كان الأول هو نهج البلاغة، والثاني شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وثالثها بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة للشيخ محمد تقي التستري. وكانتْ البدايةُ من بهج الصباغة، حيث قمت باحصاء الردود من هذا الكتابِ، وأخذ النصّ المختلف، أو المتفق عليه في بعض الأحيان بين ابن أبي الحديد والتستري، من نهج البلاغة وأضيف للنص ما يتصل به من الخطبة حتى يكتمل معناه، بعد ذلك أذكر ما قاله ابن أبي الحديد فيه، وبعده انتقل لأذكر ما ردّ به التستري، وأناقش آراء الشارحَيْنِ، بروح علمية، أجهدت نفسي أن أكون فيها

ص: 12

موضوعيا، بعيدا عن الميل والهوى.

وقد اقتضت طبيعة البحث أنْ ينتظم في أربعة فصول يسبقها تمهيد، وتتلوها خاتمة.

أما التمهيد فقد عرض فكرة موجزة عن نهج البلاغة وما قيل فيه، ومن ثم تناول الحديث عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، والأهمية التي امتاز بها هذا الشرح من غيره من الشروح، حيث تقدّم الجميع بمادتهِ وشهرته، ومن ثم الحديث عن ابن أبي الحديد المعتزلي بإيجاز، لانّ التعريف الموجز خير من الإغفال الكامل. ومن بعد ذلك، التعريف ببهج الصباغة، وبمؤلفه، بحدیث مفصل عن حیاتهِ الاجتماعية والفكرية، لأنّ الأصل في البحث يقوم على شرحه في ردوده واعتراضاته.

أما في فصول الرسالة فقد سرت على وفق ما هو منهج علمي ثابت، إذ تناولتُ القضايا التي تتعلق بمادة البحث بحسب ورودها في (بهج الصباغة)، ففي كل مبحث کنت ابدأ بالقضايا المتعلقة بذلك المبحث من الجزء الأول من (بهج الصباغة) ومن ثم انتقل إلى الجزء الثاني وهكذا حتى أصل إلى الجزء الأخير من الكتاب. فالقضايا والردود التي جاءت ضمن هذا البحث قد تسلسلت على وفق ما جاء في (بهج الصباغة).

تكفّل الفصل الأول بدراسة الردود اللغويّة في مبحثيه، الأول وهو مبحث (النقد اللغوي) للتستري على ابن أبي الحديد، ومخالفته لآرائه في اللغة وقد عدت في ذلك إلى أغلب المعاجم اللغوية ومنها الصحاح، ولسان العرب، وتاج العروس، وغيرها. واختتم المبحث بخلاصة تُبيّن كيف كانت ردود التستري وعلى أيّ المعاجم اعتمد في بسطهِ لآرائه اللغوية وتفنيدهِ لبعض ما جاء به ابن أبي الحديد.

ص: 13

وجاء المبحث الثاني من (النقد النحوي)، إذ عرض لآراء ابن أبي الحديد في النحو، وما كانت ردود التستري على تلك الآراء، وما الاسباب التي تقف وراء آراء الاثنين من استعمال أحدهم لهذهِ القاعدة النحوية والآخر لتلك، واختلافهما في قضايا نحوية متشابهة ثم خلاصة ذلك الاختلاف.

أما الفصل الثاني فقد اختص ب(النقد الأدبي)، فكان المبحث الأول في النقد الأدبي، وجدنا ابن أبي الحديد والتستري کليهما ناقدين في هذا المبحث، فقد عرض ابن أبي الحديد في شرحهِ لبعض الأشعار الجاهلية والإسلامية وأبدى رأيه فيها، وكانت للتستري في ذلك آراء أخرى في الشعر والشعراء المذكورين، وتلك الاراء نقدية تكشف عن ذوق الشارحين في تلك المسألة، أما المبحث الثاني (النقد البلاغي) فقد تناول فيه قضايا النقد البلاغي التي مرّ عليها ابن أبي الحديد وعارضه التستري فيها، وقد ركّز الشارحان على الأساليب الجمالية التي وردت في نهج البلاغة والتي كانت أغلبها مجازية غير حقيقية التعبير.

أما الفصل الثالث فهو (النقد التأويلي)، إذ ردّ التستري على كثير من القضايا التأويلية عند ابن أبي الحديد لاختلاف مذهبيهما من جهة، وقدرة نص الإمام (عليه السلام) على الانفتاح على معانٍ كثيرة.

أما الفصل الرابع وهو (النقد التوثيقي)، وجاء في مبحثين، الأول مبحث نقد التوثيق الأدبي، وكان أشبه بالعمل التحقيقي، وأعتمد البحث فيه على المصادر الأدبية، التي من خلالها أرجع الأبيات الشعرية، وبعض الأمثال إلى قائليها، من خلال الاستعانة ببعض المصادر الأدبية والدواوين الشعرية التي وردت فيها الأبيات، وبخاصة في العصر الجاهلي والعصور الإسلامية اللاحقة.

أما المبحث الثاني من هذا الفصل فهو مبحث نقد التوثيق التاريخي الذي

ص: 14

كثّف الحديث عن الأحداث التي جاءت في صدر الإسلام، والعصر الأموي، وبعض القضايا من العصور الأخرى.

وتكفّلت الخاتمة ببيان النتائج التي توصّل إليها البحث، وقد ذكرت فيها النتائج الرئيسة، أما النتائج الأخرى، فقد وردت في صفحات الرسالة.

بقي أن نذكر بعض الصعوبات التي رافقت وواجهت البحث منها ما يتصل بالنهج نفسه، ومنها ما له علاقة بالمادة التي عدت إليها فيما يتعلق بالنهج من خلالها فهو المدونة الي استوعبت كلمات الإمام علي (عليه السلام)، ولأن لغته (عليه السلام)، هي قمة اللسان العربي، وذات وجوه ودلالات مختلفة، لا تنتهي عند معنى واحد، وذلك كله كان سبباً صعباً في دراستها، والوصول إلى ما نعتقده في النص، وأغلب النصوص بحاجة إلى تأويل. لأن المعاني قد أحيطت بسرادق من المعاني الأخرى، فتعدد الألفاظ في نهج البلاغة، أنتج ما لا يحصى من تعدد المعاني، وذلك أمر ليس بالسهل على المتلقي بوصفهِ قارئاً أو بوصفهِ دارساً.

أما الصعوبات الأخرى فتمثلت في العودة إلى المصادر والمراجع المختلفة، التي منها قد اتصل اتصالاً مباشراً بنهج البلاغة، ومنها ما كانت ذات علاقة ببعض المواضيع، فالتنوع الثقافي والديني لدارسي النهج، هو ما يجعل الدراسة أكثر صعوبة، ذلك لأن الآراء متعددة ومتنوعة وكثيراً ما نجدها متناقضة، وهذا يتطلب كيفية ما يمكن توظيفه في دراستنا بحسب الخدمة التي يقدمها لهذه الدراسة.

وهنا نقول إنَّ ما في هذا البحث من تسديد وصواب، فهو من فضل الله تبارك وتعالى وتوفيقه ومنّه عليّ، أولاً ومن فضل استاذي المشرف د. ياسر علي عبد الخالدي الذي تابع البحث مذ كان فكرة حتى استوى على ما هو عليه الآن. فله مني الشكر كلّه، على جهده وتوجيهه وحرصه، فقد كان بحق أباً، ومعلماً

ص: 15

فجزاه الله خير الجزاء. فأحمد الله رب العالمين على ما أنعم، وأما إن كان في البحث ضعف هنا أو نقص هناك، فهو منّي لوحدي، وذلك من طبع الإنسان، وآخر دعوانا أنْ الحمدُ لله ربّ العالمين.

ص: 16

التمهيد

نبذة عن نهج البلاغة لقد حظيّ نهج البلاغة بنصيب وافر من اهتمام علماء الامة وأدبائها ومؤرخيها وباحثيها، وكان من ثمار ذلك الاهتمام تنوع الشروح والدراسات التي شرحت النهج ودرسته، كلّ دراسةٍ على وفق اتجاه صاحبها العلمي، وكان التنوع في تلك الاتجاهات نابعاً من تنوع مادة النهج وتلوّنها، وما اشتمل عليه من لفظٍ منتقی ومعنی خصب، ولم تقف أهمية نهج البلاغة عند حدود دارسيه ممن تمت الاشارة اليهم ضمن البيئة العربية والإسلامية، بل تعدّى ذلك إلى ترجمتهِ إلى لغات أخرى فكانت: ((أول ترجمة لنهج البلاغة حصلت في القرن العاشر إلى الفارسية، ثم التركية، ثم الأوردويّة، ثم الانجليزيّة، ثم الالمانيّة))(1)، فضلا عن الاهمية الدينية والأدبية والتاريخية التي يمتاز بها النهج، فقد اشتمل على مادة علمية واسعة، كانت هي السبب وراء ترجماته تلك، فضلا عن هذا فقد كان الباعث الديني يحتّم على بعض علماء الحديث في العصور المتقدمة وحتى المتأخرة بحفظ نهج البلاغة کما يحفظون القران الكريم(2).

كيف لا تكون هذه الاهمية للنهج في نفوس متلقّيه وقد أخذ أمير المؤمنين علومه من القرآن الكريم ومن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعمل في حياته على،

ص: 17


1- مسند نهج البلاغة، المجلد الأول: 2
2- ينظر: م، ن

((على توسيع الثقافة القرآنية في أذهان الناس.))(1).

أما المادة الدينيّة في نهج البلاغة هي سبب رئيس لاهتمام شريحة اخرى من الناس بهذا السفر. لأنّه حفظ لهم شؤون دينهم ودنياهم وآخرتهم على السواء. ويمكن ان تعد هذه الشريحة هي الاوسع في المجتمع الاسلامي لأنها تجمع بين من اهتم بالأدب والتاريخ والشرح، فضلاً عن غير المهتمين بذلك، فيتلقونه بأثر السلطة الدينية الروحية.

إنّ هذه الاسباب اجتمعت لتكون من نتائجها الدراسات المختلفة التي عُنيت بدراسة مادة نهج البلاغة، لإنّ نصه ينفتح على دلالات لا يمكن ان تجد حدا لها، وتتعدد بتعدد الناظرين أو المتلقين أو المتأملين في الفاظه وعباراته، ولغزارة المعنى الذي احتواه کلامه (عليه السلام) وهو ليس كلام الاخرين من البشر، يكون التلقي حسب الاتجاه العقدي والمعرفي للشارح، فهناك تفاعل بين النص ومستقبله، فكلاهما يكمل الاخر، فالاتجاه الثقافي والمحيط الديني هو الذي يحدّد نوع التلقي، ومن هنا تعدّدت شروح نهج البلاغة بتعدد اتجاهات الشارحين، وكان من بين تلك الشروح التي تربو على المائة والخمسين شرحا منها ((شرح أبي الحسين البيهقي، والامام فخر الدين الرازيّ، والقطب الراونديّ، وكمال الدين محمد ميثم البحرانيّ، من المتقدمين، وحبیب بن محمد بن هاشم الهاشمي والشيخ محمد عبدة، ومحمد نائل المرصفي من المتأخرين))(2)، ومن خلال هذه الشروح، يتضح أن لغة نهج البلاغة تمثل فكر الإمام (عليه السلام) وفي الوقت نفسه هي الاداة التي تنقل هذا الفكر(3).

ص: 18


1- الأثر القرآني في نهج البلاغة: 30
2- شرح نهج البلاغة: 10 / 1
3- ينظر: أهل البيت في نهج البلاغة: 16

أهمية شرح نهج البلاغة:

يمكن أن يكون تقدم شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، هو أحد الأسباب التي أدت إلى أهميته وشهرته، فضلاً عن المادة التي احتواها، وقد قيل في هذا الشرح: ((يحتوي على مسائل مثيرة لم يحوِ عليها كتاب من جنسهِ))(1)، فهو شرح امتاز عن غيرهِ بمادتهِ وشرحه وتعاطيه مع نصوص الإمام (عليه السلام) من خطب وأحكام ورسائل. ويبدو أن الاتجاه العقلي لابن أبي الحديد قد سما بشرحه ليكون المقدم على تلك الشروح الأخرى، على الرغم من خضوعه في مواطن كثيرة من شرحه إلى عقيدته.

لقد شرع ابن أبي الحديد في تأليف شرحه، في غرة شهر رجب من سنة 641 ه، وأتمّه في أواخر صفر من سنة 644 ه، فقد مضى أربع سنين وثمانية أشهر، وقيل إن مقدار شرحه لشرح النهج دام بقدر مدة خلافة الإمام علي (عليه السلام) وقد قسم على عشرين جزءاً(2).

شرح ابن أبي الحديد الكلمات شرحاً دقیقاً مفصلاً مشتملاً على الغريب وعلم البيان، وتعرض بالذكر إلى بعض السير والوقائع والأحداث وخاصة ما جاء من أحداث ومعارك وتحولات في زمن الإمام (عليه السلام)، وترجم لبعض أصحاب الإمام وبعضاً من خصومه، ممن جاء ذكرهم في النهج ومن لم يذكر صراحة، وإنما من خلال شرحهِ، ذكر بعضاً ممن لم يذكرهم الإمام (عليه السلام)، فقد تأول کلام الإمام في كثير من المواطن، ليقترب أكثر إلى معناه، ولا يكفيه الاستناد إلى ظاهره، فكانت المعطيات اللغوية والدلالية والعقلية في النص، هي أول الشفرات التي من خلالها يمكن ان يترجم نص الامام علي (عليه السلام) على وفق ما يراه

ص: 19


1- الفلك الدائر على المثل السائر: 4 / 16
2- ينظر: شرح نهج البلاغة: 10

هو بنظرةٍ عقلية اعتزاليه، وقد امتاز شرحه بالجزالة والابتعاد عن الخلل والتعقيد، والتجافي عن الركاكة والايهام، وكان دأبه الاسلوب الرصين والتعبير الفصيح(1)، وابتعاده عن التورية واللغة المبطنة، فكلماته سهلة المنال للقارئ لا يبذل جهداً في معرفة كُنهها، فهو حريص على ارواء ظمأ الباحث أو القارئ الذي يريد أن يفهم نهج البلاغة، لذلك كان الشرح ترجمة للنهج، فضلاً عمّا ذُکِر من المادة التي احتوي عليها الشرح التي تطرقت لمختلف العلوم يضاف لها مادته النقدية، فقد اشتمل على مادة ادبية عُلِجت معالجات نقدية من قبل الشارح(2).

والقارئ لشرح نهج البلاغة يجد امثالاً كثيرة ويمكن انها تجاوزت الثلاثمائة مثلا(3)لذلك نجد أنّ الشرّاح الذين تأخروا عن ابن أبي الحديد، كانوا يعتمدون شرحه مرجعا لهم، ويمكن ان تقارن مادة تلك الشروح بمادة شرح ابن أبي الحديد، فهو المثال الأعلى للشروح في معرفة قيمتها العلمية، فهو القطب الذي تدور في فلکه کلها، وهو الشرح المتصدر بشهرته ومادتهِ وفائدتهِ، باعتماده مرجعا للقريبين من زمنه، ومصدراً للعصور البعيدة عنه حتى عصرنا الحاضر، فهذا الكتاب هو منجمٌ لكنوز دفينة لا يمكن ان تقوم بثمن(4). وهذه القضايا الانفة الذكر كانت اسباباً ليكون شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد جديراً بأن يتقدم كل الشروح زمانیا وخزيناً معرفياً، وبهذا التنوع الشديد صار، ((كتابا كاملا في فنهِ، واحداً بين ابناء جنسهِ، ممتعاً بمعانيه، جليلة فوائده، شريفة مقاصده، عظیماً شانه، عالية منزلته ومكانته))(5).

ص: 20


1- ينظر: شرح نهج البلاغة: 1 / 12
2- ينظر: أصول الفكر البياني العربي ابن أبي الحديد نموذجاً: 14
3- ينظر: مجلة اللغة العربية وآدابها، العدد 9: 75
4- ينظر: أصول الفكر البياني العربي ابن أبي الحديد نموذجاً: 15
5- شرح نهج البلاغة: 1 / 12

ابن أبي الحديد المعتزلي

هو عزّ الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين ابن أبي الحديد المدائني(1). ولد أبو حامد في عام 586، ه وكانت وفاته في عام 656 ه(2)، فبين هذين التاريخين من ولادته إلى وفاته، عاش حياة جمعت بين مختلف العلوم المعرفية والأدبية والعقدية، وخلّف لنا العديد من المؤلفات، التي عُدّتْ شاهداً على تلك العلوم، وكان من أشهرها شرحه لنهج البلاغة.

كانت ولادته بالمدائن في شهر ذي الحجة من العام المذكور، ونشأ بهذه المدينة، وأخذ علومه على يد شيوخها، فدرس بعض المذاهب الكلامية، بعد ذلك بدأ بالميل إلى مدرسة الاعتزال، بعد أن كان على المذهب السائد في المدائن آنئذ وهو التشيّع، فقد تركه واعتنق الاعتزال(3). جاء ذلك التحوّل العقدي في حياته بسبب معاصرته لنهايات العصر العباسي، فشهد هذا العصر مختلف المدارس والاتجاهات والتجاذبات الفكرية، كان اعتزاله نتيجة لتلك الحالات. كان أدبياً متضلّعاً وسعته في معرفة أنواع الفنون الأدبية من بلاغة ونحو وأدب، هي ما مكّنته أن يكون شارحاً من أشهر الشرّاح، وأن يكون ناقداً حاذقاً، هذا فضلا عن معرفته بأيام العرب، واطّلاعه على لهجاتها، وكتابه الموسوم ب((الفلك الدائر على المثل السائر)) دلیل على بعد غوره ورسوخ قدمه في نقد الشعر وفنون البيان(4).

فحياته الأدبية التي جاورت الحياة العقلية والدينية له، كان لها الأثر في ساحة

ص: 21


1- م، ن: 1 / 13
2- ينظر: ابن أبي الحديد سيرته وآثاره الأدبية : 13
3- ينظر: شرح نهج البلاغة: 1 / 14
4- شرح نهج البلاغة: 1 / 13

المعرفة العربية، ويقف شرحه الخالد شاهداً على ما قدّم، فضلاً عن هذا فيذكر انه كان محققاً ترك خلفه ما يصعب عدّه من المواد الأدبية المحققة، وبالأخص الشعر، فكان يوثق النصوص الشعرية الواردة في كتاباته بالعودة إلى دواوين الشعراء الذين تعرّض بالذكر إلى شعرهم(1). وابن أبي الحديد نفسه يُعدّ شاعراً، وله ديوان شعر بأيدي الناس(2). ولديه قصائد في مدح الامام (عليه السلام)، ويمكن ان تقف في مقدمة قصائده(3).

ولم تقتصر حياة ابن أبي الحديد على مجالات الفكر المختلفة، بل كان أحد جوانب حياته سياسيا، وقد عمل في هذا المجال في زمن عدد من الخلفاء العباسيين، فعمل كاتباً دار التشريفات، والديوان، وبعد ذلك، فُوّضَ اليه أمر خزائن الكتب في بغداد(4).

إن كل هذه الاتجاهات المعرفية الدينية والادبية من جهة، والسياسية من جهة اخرى لدى ابن أبي الحديد، تكاثفت وتعاضدت لتعطيه هذه المكانة العلمية والادبية وتلك الشهرة التي كتبت له، في حياته وبين معاصريه، حتى وفاته إلى يومنا هذا.

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة:

جاء بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، في أربعة عشر جزءاً، ويُعدّ من الشروح المهمة لنهج البلاغة، ذلك لأنّ التستري شرح النهج بروايات عن رسول الله (صلى

ص: 22


1- ينظر: اصول الفكر البياني العربي ابن أبي الحديد انموذجا: 118
2- ينظر: المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي: 7 / 149
3- ينظر: الوافي بالوفيات: 18 / 48
4- ينظر: شرح نهج البلاغة: 1 / 15

الله عليه واله)، وعن أهل بيته الطاهرين، والأهمية الأخرى لهذا الشرح، هو انه رتّبه على شكل موضوعات، فالقضايا التي تناولها الشارح كانت حسب المناسبة التي وردت فيها، لا حسب ترتيبها الزمني الذي وردت فيه ضمن خطب الامام علي (عليه السلام) على وفق ترتيب الشريف الرضي.

کما امتاز هذا الشرح ببيان الأمور اللغوية والأدبية، فهو من الكتب الثمينة التي تُغني كّل محقّق وباحث، ومثقف أراد البحث، أو الدراسة، أو التعرف على نهج البلاغة(1). فهو من الكتب التراثية التي تضمنت معظم فكر أهل البيت (عليهم السلام). وفضلا عن مناقشته للأمور الدينية والادبية واللغوية، وبالخصوص ما يرتبط بموضوعنا، في خلافاته ونقاشاته لآراء ابن أبي الحديد، فقد ناقش آراء الكثير من الشراح ممن سبقوه، منهم الراوندي وابن میثم البحراني. وذكر بعض ما جاء في منهاج البراعة للخوئي، من قضايا كانت لها صلة بمسائل قد وردت في شرحه، ولكنّ وقوفه الأطول والأهم كان مع شرح ابن أبي الحديد، إذ صرّح أنّ فيه معایب، كالإفراط في نقل التاريخ، والأدب، فضلا عن الأوهام الكثيرة في الباب أو، وهذا موضع بحثنا هذا إنْ شاء الله(2).

ولعل في قوله الآتي بيانٌ لمنهجه: ((ولیس دأبي دأب أكثر الشّرّاح يذكر اللاحق ما قاله السابق في صورة الإنشاء منه، فإنه نوع سرقة؛ وما فيه بلا نسبة فهو منّي. وحيث إنّ ترتيب المصنّف للكتاب بالخطب والكتب والكلمات القصار ترتيب لفظيّ أحببت ترتيبه بالمعنى، فجمعت ما یکون راجعاً إلى التوحيد مثلاً في موضع، وما یکون راجعاً إلى النبوّة في موضع، وإلى الإمامة في موضع، وهكذا

ص: 23


1- ينظر: بهج الصباغة: 1 / 5
2- ينظر م. ن 1 / 124

كلّ موضوع))(1)، وهذا يدلُّ على أنّ التستري قد راجع العديد من الشروح، فضلا عمّا ذكرنا، حتی تولدت لديه مجموعة افکار نضجت ضمن مناخ فكري وظّفه في شرحه، وهو بذلك أراد أن يطلع القارئ على بعض الآراء في الشروح المتفرقة، ليخلق لدى القارئ أفكارا متعددة، يمكن لها ان تتيح له الوقوف على حقائق الاشياء فيما جاء عن الإمام (عليه السلام).

وبذلك نلاحظ أن بهج الصباغة قد آمتاز عن شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد، باعتماده على اراء من سبقه من الشرّاح وبالخصوص من ذكرناه، فضلا عن مزاياه الأخرى التي مرّ ذكرها، وهو أخذه بروایات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، فضلا عن ترتيبه على شكل موضوعات قد جمعها بحسب المناسبة التي وردت فيها کما مرّ انفا.

الشيخ محمد تقي التُستري:

هو الشيخ محمد تقي بن كاظم بن الشيخ محمد علي بن الشيخ جعفر التستري الشهير، ويبدو أنّ جده هذا، الشيخ جعفر قد حصل على شهرة في زمانه لا تقل عن شهرة حفيده كما يظهر ذلك من أخباره(2).

ولد الشيخ التستري في النجف الاشرف في عام (1320 ه)، وقيل انه ولد في عام (1321 ه)(3)، في بيت علمي معروف بالتقى والزهد. عاش في تلك المدينة المباركة إلى أن أتم والده دراسته العليا ونال درجة الاجتهاد. بعد ذلك عاد إلى مدينة (تُستر) في ايران التي ترجع بداياتهم الأولى اليها، وبدأ بدراسة العلوم

ص: 24


1- م.ن 1 / 126
2- ينظر: قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): 3
3- ينظر: طبقات أعلام الشيعة: 13 / 256، ينظر قاموس الرجال: 3

الاسلامية والقرآن الكريم عند أساتذة تلك البلدة، وعندما بدأت السلطات في ذلك الوقت بمعارضة المظاهر الاسلامية، وخاصة الحجاب، غادر شيخنا مع عائلته إلى كربلاء، وهناك واصل دراسته العالية في هذه المدينة المقدسة، والتقى بالعلامة أغا بزرك الطهراني، ونال منه إجازة نقل الحديث(1)، وبعد سبع سنوات عاد الشيخ إلى مدينة (تستر) وأقام فيها حتى وفاته(2).

نشأ التستري على حبّ طلب العلم والمعرفة، الذي ورثه عن آبائه، وانظم إلى حلقات الدرس المنتشرة في المدارس الدينية في مدينة كربلاء، حتى وصل إلى مرتبة علمية كبيرة، دلّت على سعة معرفته، ونفاذ بصيرته، وقدرته على استنطاق النصوص، وخاصة فيما يتصل بعلم الرجال، كما يظهر ذلك في كتابه الرجالي (قاموس الرجال)، وفي كتابه (بهج الصباغة)، هذا فضلا عن أنّ هذه المكانة العلمية، توضّحت من خلال ما تركه من مؤلفات كثيرة ومهمّة كلها مطبوعة الإ رسالة سهو النبي فهي مخطوطة، نذكر بعضها فيما يأتي:

1 آیات بینات في حقيقة بعض المنامات.

2 الأخبار الدخيلة.

3 الأربعينيات الثلاث. وطبع بأسم (الأربعين حديثا).

4 الأوائل.

5 - البدائع.

6 بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة.

7 تحقیق المسائل، وهو شرح على الروضة البهية (شرح اللمعة الدمشقية).

ص: 25


1- ينظر بهج الصباغة: 1 / 4
2- ينظر: قاموس الرجال: 5 - 6 / 1

8 - جوامع أحوال الأئمة.

9 الرسالة المبصرة في أحوال أبي بصير.

10 رسالة سهو النبي، (مخطوط).

11 شرح تنقیح المقال.

12 قاموس الرجال.

13 قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

وقد استمر الشيخ محمد تقي التستري في التأليف والتحقيق، و خاصه فيما يتعلق بفكر أهل البيت، واستمر على تلك الوتيرة العلمية في مدينة كربلاء إلى أن عاد إلى مدينة تستر عام (1321 ه - ش)(1)، وقد أقام في تلك البلدة وعمل بالتدريس، فضلا عن استمراره بالتحقيق والإرشاد والتأليف، إلى أن توفاه الله عن عمر قارب التسعين عاماً.

بعض أساتذته:

علي(2).

ص: 26


1- ينظر: قاموس الرجال: 1 / 4
2- ينظر بهج الصباغة: 1 / 4

الفصل الأول ردود اللغة المبحث الأول: النقد اللغوي المبحث الثاني: النقد النحوي

ص: 27

ص: 28

المبحث الأول: النقد اللغوي

إن لغة نهج البلاغة ليست كغيرها من اللغات التي تهدف إلى ايصال المعنی سواء أكان ذلك المعنى منقولاً بلغةٍ تداولية نفعية لا تريد أن تتناول الجوانب الجمالية في الكلام، أم بلغة تحتوي على المحسنات اللفظية فيكون هدفها نفعياً أو إفهامياً جمالياً. هذا في اللغة المتداولة أو لغة الأدب.

أما لغة نهج البلاغة فتختلف عن تلك اللغة التي أشرنا إليها، فهذه هي لغة الإمام علي (عليه السلام) أعلى من كلام جميع البشر مهما كانت صفاتهم العلمية وهذا ملموس في نهج البلاغة إذا ما قارناه مع كل الكتب والمؤلفات على مرّ العصور واختلاف مؤلفيها فالكل يعد أقل من نهج البلاغة ببلاغتهِ ولغته وعلومه أيضاً، فلغة علي (عليه السلام) أعلى من لغة البشر، وأقل من لغة القرآن الكريم، فلغته (عليه السلام) لا تنتهي عند دلالة واحدة فهي قابلة للتأويل على عدة وجوه ومعان بحسب مرجعيات المؤلف الدينية والاجتماعية، والدليل على تعدد التأويلات وتنّوعها حول كلامه (عليه السلام)، أننا ندرس الشارحين في زمنين مختلفين كلٍ منهما يشرح کلام الإمام (عليه السلام)، ويأوله على المعنى الذي يتناسب مع أفكاره وهو ما أحيط به من مؤثرات تجعل من فهمه للنص مختلفاً عن الآخر.

وشراح نهج البلاغة كثيرون فقد تعددت شروحهِ، وشراحه، وفي الأعم

ص: 29

الأغلب نجد الشراح مختلفين في توجيه كلامه (عليه السلام)، ذلك بسبب لغته التي تحمل أكثر من وجه ومعنى. أما إذا تركنا الشراح، وذهبنا إلى الدراسين نجد تعدد آرائهم بتعدد عناوین کتبهم، وسبب هذا الاختلاف بين الشراح أنفسهم، وبين الدارسين لنهج البلاغة هو تلك اللغة الحية في ذلك النص ومع تنوع الثقافات الإسلامية المتلقية لهذا النص، فالدارس يفهم النهج بحجم ثقافتهِ ومعرفتهِ فكلما إزدادت سعتهُ الفكرية إزدادت معاني النص، وكلما انحسرت تلك الثقافة عند الدارس تأطرت لغة النهج بالنسبة له وضاقت حدودها المعرفية، ونتناول هنا بعض القضايا اللغوية التي تطرق إليها ابن أبي الحديد، مع ما ردّ عليه التستري فيها.

شرح ابن أبي الحديد قول الإمام (عليه السلام): ((أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا روية اجالها ولا تجربة استفادها ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها))(1). لقد اتجه ابن أبي الحديد في شرحهِ إلى كلمة (همامه)، إذ قال فيها: إنّ الهامة اصطلاح للثَنًوِيّة، وقال أصحاب (المقالات): إنّ همامة من النور، وهمامة من الظلمة، أي: قطعة منهما، غُيّرتا أولاً ثم تقارنتا حتى ابتُني منهما هذا العالم المحسوس، وإن أمير المؤمنين (عليه السلام) ردّ عليهم في اصطلاحهم، وليست بلفظة عربية(2).

وقد ردّ التستري على قول ابن أبي الحديد: ((إنّ ابن أبي الحديد لا يراجع غير (الصحاح)، وحيث لم يذكرها، جعل اللفظة غير عربية))(3).

ص: 30


1- نهج البلاغة: 1 / 16
2- ينظر: شرح نهج البلاغة: 1 / 80
3- بهج الصباغة: 1 / 201

لقد ذكر صاحب لسان العرب عدداً من المعاني لتلك اللفظة المختلف عليها، والمعنى الذي تبنّاه التستري لا يدخل ضمن معنی سیاق قوله (عليه السلام). فإذا أردنا التسليم بما قاله التستري، يكون المعنى ذاته مقحماً في خطبته (عليه السلام)، إذ أنه أخذ من ابن منظور قوله: ((والهِم بالكسر الشيخ الكبير البالي، والأنثى همّه بيّنة الهامة))(1).

وقال التستري: ((الصواب أن يقال إنه يجيء مصدراً من هممت بالشيء إذا قصدته كما في كلامهِ (عليه السلام) وهو على القياس))(2).

وهذا المعنى يكون ملفقاً للنص الذي جاء بهِ الإمام (عليه السلام) لأن مثل هذا الكلام يكون غامضاً، لم نجده في نهج البلاغة، ولابد من ذكر ما جاءت بهِ كتب اللغة وأبرزها قول ابن منظور، والذي يمكن أن يعد مقبولاً ضمن البنية المعنوية للنص، فضلاً عمّا ذكرناه قبل قليل، فقد جاء في اللسان: ((الهمُّ: الحزن وجمعه همومٌ الأمر همّاً ومهمةً وأهمته فأهتم وآهتم بهِ))(3).

فإذا أخذنا هذا المعنى، وقلنا إنّه الذي أراده الإمام (عليه السلام)، نجده قد يكون منسجماً مع قولهِ (عليه السلام)، فإذا كانت الهمامة بمعنی هم النفس، نلاحظ أنه يذكر عدم الاضطراب مع الهمامة أو ما يعني بهِ الهم الذي أشتق أو أخذ منها، وذلك ليس من صفاته تعالى، لأن مثل تلك الحالة هي من صفات الجسد، والله تبارك وتعالى ليس كمثلهِ شيء، وقد تنزّه عن مجانسة صفات مخلوقاتهِ.

فالإمام (عليه السلام) أبعد نسبة تلك الصفات الإنسانية عن الذات الإلهية،

ص: 31


1- لسان العرب: 12 / 621، وينظر: المخصص: 270
2- بهج الصباغة: 1 / 202
3- لسان العرب: 12 / 619

وهذه فقرة ضمن فقار الخطبة التي كان (عليه السلام) فيها ينفي صفات الخلق عن الخالق، وضمن السياق اللغوي والقرائن الدالة التي جاءت في تلك الخطبة، توجّهت دلالة الكلمة إلى غير ما ذهب إليه ابن أبي الحديد والتستري.

وقولٌ آخرُ من أقوال الإمام علي (عليه السلام): ((وما يتجلجل به الرعد في أفق السماء، وما تلاشت عنه بروق الغام))(1)، شرح ابن أبي الحديد كلمة (تلاشت) التي وردت فيه، فقال: ((أهمل بناء تلاشت كثير من أئمة اللغة وهي صحيحة وقد جاءت ووردت، قال ابن الأعرابي لشا الرّجل إذا اتضع وخسّ بعد رفعه، وإذا صحّ أصلها صحّ استعمال الناس، تلاشى الشيء بمعنی اضمحل))(2)، وعلى قوله ردّ التستري: ((لم يتفطن ابن أبي الحديد أنّ (لشا الرجل) الذي ذكره ابن الأعرابي أيضاً أصله من لا شيء، والمراد أنه كان شيئاً ثم صار شيئاً.))(3).

وعند النظر إلى هذين الرأيين نَجد أنهما لم يختلفا في المعنى والدلالة، لكن التستري قد أخذ قول ابن أبي الحديد وكان أكثر اتساعاً في شرحهِ إذ أنه باعد بين الكلمتين (شيء، ولا شيء).

وقد أشارت المعاجم اللغوية إلى كلمة (تلاشت) فجاء قول بعضهم : ((تلاشی الشيء: إذا اضمحلّ، وقال ابن الأعرابي: إذا (خسّ بعد رفعتهِ).))(4).

نلاحظ أن كلام ابن الأعرابي (خس بعد رفعةِ)، أي كان هذا الشيء أو الشخص موجوداً شامخاً وبعد ذلك خس أي قلّت قیمته، و تحجّمت رفعته، وقل شأنه أي

ص: 32


1- نهج البلاغة: 2 / 105
2- شرح نهج البلاغة: 10 / 87
3- بهج الصباغة: 332
4- تاج العروس: 39 / 454

بدأ بالاختفاء والضياع، أي أنه تحول من الكون إلى العدمية، حتى وإن لم یکن اختفاؤه عن الأنظار، وإنما تلاشي وضاعتْ منزلته ورفعتهِ.

ومثل هذه الظاهرة التي تحدث عنها ابن أبي الحديد، وتبعه التستري في وصفهِ لها أي كلمة (تلاشت)، فقالا: (تلاشى الشيء)، وقالا: (كان شيئاً ثم صار لا شيء) فهاتان الكلمتان المتقاربتان من حيث اللفظ، قد شكلتا كلمة واحدة.

فهذه الظاهرة التي يطلق عليها اللغويون مصطلح (النحت)، وعرفوه بقولهم:

((نزع لفظ من آخر، شرط مناسبتهما معنیً وترکیباً، ومغایرتهما في الصيغة))(1).

فضلاً عن هذا يكون الاشتقاق لفظاً مأخوذاً من لفظتين أو أكثر، تكوّن كلمة واحدة تعطي دلالة على الألفاظ التي نُحتتْ منها، فهي الكلمة التي وُلدِتْ من اجتماع كلمتين أو أكثر(2).

فلفظة تلاشت في قول الإمام (عليه السلام)، كانت قد نحتت أو اشتقت من لفظتين اثنتين، فصارت كلمة واحدة، ولعلّ هذه الظاهرة اللغويّة التي رأيناها في هذا الشاهد اللغوي، ممّا أعان علماء اللغة على الالتفات إليها والتنظير لها فيما بعد.

وشرح ابن أبي الحديد دلالة كلمة (اجتالت) في قوله (عليه السلام): ((عهد الله إليهم فجهلوا حقه واتخذوا الانداد معه واجتالتهم الشياطين عن معرفته))(3)، بقوله: ((اجتال فلان فلاناً، واجتاله عن كذا وعلى كذا، أي: أداره عليه، كأنه يصرف تارة هكذا، وتارة هكذا، يحسّن له فعله، ويُقرّبه به))(4).

ص: 33


1- التعريفات: 27
2- ينظر: المباحث اللغوية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 184
3- نهج البلاغة: 1 / 23
4- شرح نهج البلاغة: 1 / 114

وقد ردّ التستري بقولهِ: ((بل قوله ليس بشيء، لعدم ذكره في لغة))(1).

إنّ ما ذكره ابن أبي الحديد لم نقف عليه في كتب اللغة كما قال التستري، والتي عدت إليها أو البعض منها، وقد وجدت ما هو قريبٌ من ذلك المعنى، وليس هو المعنى بعينه، إذ جاء قولهم: ((جول: تجولت البلاد، وجولتها تجويلاً، أي جلت فيها (كثيراً). والجولان) التراب الذي تجول به الريح على وجه الأرض))(2). ونرجح أن ابن أبي الحديد نظر إليه فيما أورد من معنى، لأن الريح تجول بالتراب على وجه الأرض تارة هكذا وأخرى هكذا، فأخذ هذا المعنى وفسّر قول الإمام (عليه السلام) من خلالهِ،، ولا وجه لاعتراض التستري عليه، لأنه أخذ من دلالة الجذر (جَولَ) ووجه على هذا النحو. هذا من جهةٍ أما من الجهة الأخرى فإن التستري لم يأتِ بمعنى آخر (لأجتال) حتى يوجه به قول الإمام (عليه السلام). وبذلك يسوّغ اعتراضه.

ويُفسّرُ ابن أبي الحديد ليوجه دلالة كلمة: ((الأنباء)) ضمن خطبته (عليه السلام): ((وبَطِل الجزاء واضمحلت الأنباء))(3)، بقوله: ((الأنباء جمع نبأ، وهو الخبر، أي: لسقط الوعد والوعيد))(4).

وقد التفت التستري إلى دلالة أخرى غير التي وجهها ابن أبي الحديد فقال: ((يحتمل أن يكون الإنباء بكسر الهمزة: مصدر أنبأ والمراد إرسال الأنبياء))(5).

ص: 34


1- بهج الصباغة: 2 / 21
2- العين: 6 / 181
3- نهج البلاغة: 2 / 145
4- شرح نهج البلاغة : 13 / 153
5- بهج الصباغة: 2 / 50

يبدو من خلال ما ذكره الاثنان إن كلام ابن أبي الحديد هو أكثر توافقاً وانسجاماً مع قوله (عليه السلام)، إذ أن الإمام (عليه السلام) أشار إلى سقوط الابتلاء وبطلان الجزاء، وهو وجه الوعد والوعيد.

والكلام هنا هو عمّا يريده الله من المسلم في الآخرة. أما إرسال الأنبياء، فهو أقل اتساقاً مع السياق، وإن كان كلام التستري ليس بعيداً في دلالته عن السياق.

والى قضيةٍ أخرى من القضايا اللغوية في نهج البلاغة ذهب ابن أبي الحديد ليشرح قوله (عليه السلام): ((وأنار علماً لحابس))(1)، بقوله: ((يعني نصب النبي (صلى الله عليه وآله) لمن قد حبس ناقته ضلالاً فهو يخبط لا يدري كيف يهتدي))(2).

وقد كان للتستري رأي آخر قال فيه: ((أنّ الحابس بمعنى الراجل الذي تخلف عن الركب فتحيّر))(3).

يتّضح لنا أن الشارحين قد دارا حول معنى واحد. فما قاله التستري یعني الواقف المتحيّر، وهو ما قاله ابن أبي الحديد في الإطار العام للكلام.

فالذي يتخلف عن الركب يحبس ناقته ضلالاً. بيد أن ما يستحق الذكر هنا أن كتب اللغة لم تعطِ هذا المعنى تماماً، وإنما قد اقتربت منه. فقد جاء: ((والعاهن الحابس))(4)، والراجح ان الاثنين قد أخذا هذا المعنى، والأقرب إلى الحقيقة كما يبدو في قول التستري، وقد ذكر (الرجل الذي تخلّف عن الركب). والذي يحبس ناقته ويمتنع عن الحركة، هو من تاه ولا يدري أين يذهب.

ص: 35


1- نهج البلاغة: 1 / 204
2- شرح نهج الباغة: 7 / 173
3- بهج الصباغة: 2 / 245
4- الجيم: 2 / 302

وذهب ابن أبي الحديد ليعلق بقوله شارحاً لكلام الإمام (عليه السلام): ((دنیاکم هذه أزهد عندي من عفطة عنز))(1)، بقوله: ((أكثر ما يستعمل العفطة في النعجة، فأما العنز، فالمستعمل الأشهر فيها النفطة بالنون ويقولون ((ما له عافط ولا نافط، أي نعجة ولا عنز))(2).

وقد ردّ التستري متمسّكاً بتفسير العافطة بالماعزة، لأنه المروي عن الأعراب وهم أهل اللغة التي لم تختلط بها العجمة. وإن معاجم اللغة ذكرت المعنى الذي أخذ بهِ التستري، فجاء في لسان العرب: ((العافطةُ: النعجةُ والماعزة تعفط عفيطاً))(3).

ومن خلال ما ذكره ابن منظور، وتقديمه للنعجة في نسبة العفطة لها على الماعزة، إن الأصل هو النعجة، وقد يكون لقرب الماعزة من النعجة في الفصيلة الحيوانية(4)، فصار المعنى أوسع وأخذ يطلق على الاثنين معاً، فضلًا عن ذلك، فإنّ ما جاء في معاجم اللغة قولهم: ((تقول العرب: ما له عافطة ولا نافطة فالعافطة: العنزة، والنافطة الضائنة))(5).

وحول دلالة كلام الإمام (عليه السلام): ((واشتالوا عن لقاح حربهم))(6)، شرح ابن أبي الحديد ذلك بقوله: ((معنى قوله (عليه السلام) واشتالوا عن

ص: 36


1- نهج البلاغة: 1 / 37
2- شرح نهج البلاغة: 1 / 203
3- لسان العرب: 7 / 352
4- ينظر: الحيوان: 10 / 142
5- جمهرة اللغة: 2 / 914، ينظر: الصحاح 3 / 143، المخصص: 4 / 168، تاج العروس: 19 / 480. والمثل في: مجمع الأمثال 2 / 268
6- نهج البلاغة: 2 / 36

لقاح حربهم رفعوا أيديهم وسيوفهم عن أن يثبتوا الحرب بينهم وبين هذه الفئة مهادنة))(1).

لكن التستري قد وجّه الكلام توجیهاً آخر، کان مختلفاً عمّا ذكره ابن أبي الحديد، فقال: ((من المحتمل أن يكون أن تولّد حربهم صار قريباً كناقة صار وضعها قريباً))(2). ومعاجم اللغة تؤيد قول التستري، فقد جاء فيها: ((اشتال بمعنی شال، کارتوى، بمعنی روي يشول بالشيء أي يرفعه))(3).

والحق إن ما جاء بهِ ابن أبي الحديد يتوافق مع الاستعمال الاجتماعي للفظة، وكما ذكر المعجم فهو متفقٌ مع قول ابن أبي الحديد.

أما التستري قد نحا باللفظة نحو المجاز واستبعد المعنى الحقيقي، على الرغم من أنه كثيراً ما كان يأخذ على ابن أبي الحديد ذهابه إلى المجاز في مواطن كثيرة في شروحه.

إلّا ان الواقع التي جعل التستري يوجّه هذه اللفظة إلى التوجيه المجازيّا، هو المناخ الفكري الذي نشأت ونضجت فيه افكاره، فهو ابن بيئة ترى في المجاز القرآني سر من أسرار اعجاز القرآن، وسرّا من أسرار نهج البلاغة.

وقد ذهب ابن أبي الحديد إلى شرح دلالة قولهِ (عليه السلام): ((فأقبلتم إلىَّ إقبال العوذ المطافيل))(4)، بقوله: ((العوذ: الناقة إذا ولدت عن قريب، والمطافيل: هي التي زال عنها اسم العياذ ومعها طفلها، وقد تسمى المطافيل عوذاً إلى أن يبعد

ص: 37


1- شرح نهج البلاغة : 9 / 13
2- بهج الصباغة: 6 / 171
3- تاج العروس: 29 / 306، ينظر: لسان العرب: 11 / 376
4- نهج البلاغة: 2 / 20

العهد بالنتاج مجازاً. وعلى هذا الوجه قال أمير المؤمنين ((عليه السلام)) إقبال العوذ المطافيل والإفالاسمان معا لا يجتمعان حقيقة))(1).

وقد ردّ التستري على ذلك بقوله: ((ما ذكره غلط، كيف لا يجتمع الاسمان (العوذ) و (المطافيل) وقد قال في (الجمهرة): والعوذ المطافيل من الإبل الحديثات العهد بالنتائج التي معها أولادها))(2).

إن ما يراه التستري ليس خلافاً لغوياً في أصلهِ وإنما هو خلاف على جواز اجتماع هاتين الكلمتين (عوذ ومطافيل) في جملةٍ واحدة، إلّا في المجاز کما ذهب لذلك ابن أبي الحديد، لأنهما صفتان مختلفتان فكل منهما تناسب حالة معينة للإبل.

لكن هاتين الكلمتين قد اجتمعتا في كلام العرب، فجاء في قولهم: ((سارت قريش بالعوذ المطافيل أي النوق الحديثات النتاج ذوات الأطفال))(3).

يحتمل أن يكون الذي دفع ابن أبي الحديد ليقول إن هاتين الكلمتين لا تجتمعان على سبيل الحقيقة، إلّا في المجاز على الرغم من إجماع أغلب معاجم اللغة على صحة اجتماعهما على الحقيقة، هو معتقد ابن أبي الحديد المعتزلي، والذي يرجّح ما يقوله العقل حتى وإن كان على حساب النص، فوجد أن العوذ هي التي ولدت من قريب و(المطافيل): هي التي زال عنها أسم العياذ. ففي حكمهِ العقلي، لا يمكن أن يجتمع هذان المعنيان أحسبهما متباعدين، ولكنّ الإمام (عليه السلام) جمعهما، إذ لم يكن لذلك وجه بلاغي أو أثر لغوي. فذهب ابن أبي الحديد إلى ما

ص: 38


1- شرح نهج البلاغة: 9 / 38
2- بهج الصباغة: 9 / 387
3- الفائق في غريب الحديث والأثر: 3 / 41، ينظر: غريب الحديث لابن الجوزي: 2 / 134، النهاية في غريب الحديث والأثر: 3 / 130، لسان العرب: 3 / 500

ذهب إليه وقال: جمعهما.

أما التستري فقد اعتمد على كلام العرب الذي اجتمعت فيه هاتان الصفتان. وإن الإمام (عليه السلام) أراد بها (النساء والصبيان)، وهذا ما أشارت إليه العرب في كلامها وهو ما أورده ابن منظور(1).

واستشهد على هذه الدلالة بقول الإمام (عليه السلام) هذا، ومن هنا صحّ الذي ذهب إليه التستري أيضاً، لأن العوذ التي يعوذ بها ولدها، فإذا اشتد صارت مطافيل، والإمام (عليه السلام) هنا يريد أن يبيّن ضعفهم فكانوا كالعوذ التي تلجأ لمن يحميها، وإن كانت مطافيل.

وحول دلالة قضية لغوية أخرى ذهب ابن أبي الحديد ليعلّق على قول الرضي: ((وقد تواترت عليه الأخبار))(2)، بقوله: ((التواتر لا يكون إلا مع فترات، ومنه قوله سبحانه: ثم أرسلنا رسلنا تترا.

ليس المراد أنهم مترادفون بل بين كل نبيين فترة))(3).

وقد ردّ التستري على ابن أبي الحديد معترضاً بقولهِ: ((في خبر نعي محمد بن أبي بكر (عليه السلام) حدثه الفزاري: أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تترى أي يتبع بعضها بعضاً بفتح مصر وقتل محمد))(4).

لقد اتفقت أغلب المعاجم على معنى التواتر، وهو التتابع إلّا أن ابن أبي الحديد تفرد بما أورده معتمداً على ما يستنبطه بنفسهِ من النص، فضلاً عن عقيدته التي

ص: 39


1- لسان العرب: 8 / 175
2- نهج البلاغة: 1 / 63
3- شرح نهج البلاغة: 1 / 333
4- بهج الصباغة: 10 / 338

تؤثر في توجيه النص.

إنّ ابن أبي الحديد استدل على معنى التواتر باعتماده على قوله تعالى «ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ...»(1)، وقد تحدث المفسرون عن تفسير هذه الآية، فذكر الزمخشري قوله: ((تتری... أي متواترین واحد بعد واحد، من الوتر وهو الفرد))(2).

ومن خلال ما ذكره المفسرون يمكن أن نقبل رأي ابن أبي الحديد، لأن المتواترين الواحد بعد الواحد، وهنا لم يتضح لنا هل ان الواحد بعد الواحد يعني النبي بعد النبي بفاصل زمني، أم لم يفصل بينهما زمن، فلذلك يمكن ان يكون کلام ابن أبي الحديد مقبولاً، فكان توجيه الكلام أن الرسل لم تأتِ في زمن واحد، بل تغير الأزمنة والأمكنة، فيكون بين رسول وآخر استطاع، وقد يكون استدل على ذلك بالفترة الزمنية التي كانتْ بين المسيح (عليه السلام)، والرسول محمد (صلى الله عليه وآله) ومن قبلهما، أي بين موسی و عیسی (علیهما السلام)، ثم وظّف هذه الآية المباركة لتكون سنداً عقائدياً لغوياً لفكرتهِ.

ويمكن أن نقبل رأي التستري، لأنه أراد من تترى أن يتبع بعضهم بعضاً، فالمفسرون وأهل اللغة ذكروا اتباع بعضهم البعض، لكن لم يقل أحدٌ، هل هذا التتابع كان بانقطاع أو بغيرهِ، فنقف أمام الرأيين لا نستطيع ترجيح رأي على الآخر لمتانة كلّ منهما.

والى موضع آخر، وحول دلالة كلام الإمام (عليه السلام): ((قد انفرجتم

ص: 40


1- سورة المؤمنون: 44
2- الكشّاف: 3 / 190، ينظر: تفسير ابن كثير: 10 / 123، تفسير الميزان: 15 / 16

عن ابن أبي طالب انفراج الرأس))(1)، شرح ابن أبي الحديد قوله (عليه السلام): ((انفرجتم انفراج الرأس أي كما ينفلق الرأس فيذهب نصفه يمنه ونصفه شأمة))(2).

وقد ردّ التستري بقولهِ: ((الأصح قول ابن درید))(3)، وقول ابن درید هو: ((إن الرأس إذا انفرج عن البدن لا يعود إليه))(4).

وإذا عدنا إلى المعاجم اللغوية نجد فيها: ((نعص: النعصُ: الانفراج وانفعص الشيء أي انفتق))(5)، وبناء على هذا ان الانفتاق هو الانفراج، فإذا عرضنا هذا القول على ما ذكره ابن أبي الحديد في ذكرهِ لانفلاق الرأس، فيذهب نصفه يمينه، ونصفه شماله، ومن هنا يتبيّن إنّ الانفراج ذهاب شيء إلى اتجاه والآخر إلى نقيضه، والانفتاق الذي أشارت إليه المعاجم معناه ذهاب جزء إلى اليمين والآخر إلى الشمال، وبذلك يحدث الانفتاق، يظهر إن هذا (الاتساع) هو نتيجة لحدوث الأول وهو (الانفتاق) وهو ما تكرر ذكره في كتب اللغة. وهذه الدلالة تعضّد ما جاء به ابن أبي الحديد.

أما قول التستري الذي استند فيه إلى رأي ابن درید، فلا يتّسق مع سياق كلام الإمام (عليه السلام)، لأن الاصل ليس معنى المفردة، وإنّما معناها الذي ينتجه السياق الذي ترد فيه، وهذا مالم يرد في شرحه.

ص: 41


1- نهج البلاغة: 30 / 83
2- شرح نهج البلاغة: 2 / 191
3- بهج الصباغة: 10 / 392
4- م، ن: 10 / 392
5- لسان العرب: 7 / 67، ينظر: غريب الحديث للخطابي: 687، القاموس المحيط : 916، تاج العروس: 26 / 276

وعن کلامٍ آخر للإمام (عليه السلام) خاطب به جمعاً من المسلمين، جاء فيه: ((وأنا أدعوكم وأنتم تريكة الإسلام))(1).

علّق ابن أبي الحديد قائلاً: ((التريكة بيضة النعام تتركها في مجثمها، يقول انتم خلف الإسلام وبقیته کالبيضة التي تتركها النعامة))(2).

وقد كان للتستري رأي آخر قال فيه: ((بيضة النعامة رذيلة لا فضيلة، فمن أمثال العرب: أرذل من بيضة النعامة))(3)، ثم استدرك مصحّحا قول ابن أبي الحديد، فقال: ((الصواب: أنها بمعنى البقيّة، ففي (النهاية) في حديث الحسن: إن لله ترائك في خلقه، أراد أموراً أبقاها الله في العباد...))(4).

وإن أغلب المعاجم والكتب اللغوية قد أجمعت على أن معنى التريكة: هي البقية من قولهم ((الترك: الإبقاء))(5). والتريكة التي كان يقصدها الإمام (عليه السلام) هي المسلمون، ولو أننا قبلنا معنى التريكة على أنها (بيضة النعامة) لكان قوله (عليه السلام) قولاً مجازياً للدلالة على المسلمين.

وتسمى بيضة النعامة تريكة لأنها تتركها في مكانها، ليست هي في الحقيقة تحمل هذا الاسم، وإنما هذه صفةٌ للنعامة، وصار يقال عنها هذا حتى أصبح يضرب بها المثل(6).

ص: 42


1- نهج البلاغة: 2 / 101
2- شرح نهج البلاغة: 10 / 71
3- بهج الصباغة: 10 / 422، ينظر المثل في مجمع الأمثال: 1 / 225، جمهرة الأمثال: 1 / 159
4- بهج الصباغة: 10 / 422، والحديث في نهاية الغريب والأثر: 188
5- لسان العرب: 10 / 405، ينظر: غريب الحديث لابن الجوزي: 107
6- ينظر: مقاییس اللغة: 326

من هنا نجد أن الإمام (عليه السلام) لم يرد البيضة في ذاتها، وإنما (ترك البيضة)، فلم يشبه المسلمين بالبيضة على ماظن التستري، وليست من رذيلةٍ هنا، بل إن بعض أمثال العرب مما يُمدَح بها بيض النعام، ومنه قولهم: ((أصح من بيض النعام))(1).

وهنا يصح أن يوجّه قول الإمام (عليه السلام) إلى هذا المعنى فأصحابه تريكة للإسلام المحمدي الصحيح.

ويلتفت ابن أبي الحديد إلى قول الإمام (عليه السلام) الذي جاء فيه: ((واتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم وترحّلوا فقد جُدّ بكم واستعدوا للموت.))(2)، فيقول شارحاً قوله (عليه السلام): ((جُدّ بفلان إذا أزعج وحث على الرحيل))(3).

وقد ردّ التستري بقولهِ: ((لم يذكر ما قاله لغة، والأقرب أنه نظير قوله تعالى «إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ۞ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ»))(4)، فعند اقتراب أجل الإنسان يكون ذهب الهزل، وجاء الجد الذي ذكره الإمام (عليه السلام) وهو مختص في الحياة الآخرة أي (الجد) الذي هو نقيض (الهزل) وهو في الدار الدنيا، وكما يبدو ومن خلال قول الإمام (عليه السلام)، إذ إنه كان يدعو المسلمين إلى التزود من العمل الصالح لأنهم على قرب من الرحيل عن الدنيا.

فضلاً عن هذا فهناك إشارة لغوية قريبة من قولهِ (عليه السلام) الجد إنما هو

ص: 43


1- مجمع الأمثال: 1 / 414
2- نهج البلاغة: 1 / 109
3- شرح نهج البلاغة 5 / 146
4- بهج الصباغة: 11 / 90، والآية من سورة الطارق: ((13 - 14))

الاجتهاد بالعمل(1).

أما ما ذهب إليه التستري، فيبدو بعيدا، لأنّ دلالة الآية وسياقها يؤدي إلى غير ما أشار إليه.

فإذا انتهينا من هذه القضية اللغوية ننتقل إلى قضية أخرى من قضايا اللغة في قولهِ (عليه السلام): ((وإنظار التوبة، وانفساح الحوبة قبل الضنك والمضيق))(2). وقد شرح ابن أبي الحديد قوله (عليه السلام): ((الحوبة: الحاجة، قال الفرزدق:

فهب لي خنیساً واحتبست فيه منّة ٭٭٭ لحوْبة أم ما يسوغ شرابها))(3) وقد ردّ التستري: ((إن الحوبة وإن كانت تأتي بمعنى الحاجة، إلا أنها في كلامه (عليه السلام) بمعناها الأشهر وهو الأثم بقرينة قرينتها (التوبة) والمراد بانفساح الحوبة انفساح التخلص عن الأثم وسعته))(4).

نعم إن الحوبة على قول ابن أبي الحديد تدل على الحاجة وهي تأتي حتماً تحمل تلك الدلالة، لأن الإمام (عليه السلام) يتحدث عن انشغال الناس بالحياة الدنيا. وما ورد في السياق يعضّد هذه الدلالة، فالإنسان لم يضنك بعد.

لكن التستري ذهب إلى أنّ (إنظار التوبة) تعني لم يتب الإنسان بعد، ولم يضنك أيضاً، والتستري قد ذكر أن واحداً من معاني (الحوبة) هي الحاجة لكنه بعد ذلك ابتعد عن معناها الذي ذكره، فجاء هذا التوجيه من التضاد بين الحوبة والتوبة. وما قاله ابن أبي الحديد يؤيده المعجم اللغوي العربي، فقد جاء في لسان العرب:

ص: 44


1- ينظر: لسان العرب: 3 / 235
2- نهج البلاغة: 1 / 146
3- شرح نهج البلاغة: 6 / 277، والبيت في ديوان الفرزدق : 53
4- بهج الصباغة: 11 / 135

((الحوبة أي الحاجة والمسكنة والفقر))(1).

ومن هذا فإن الإمام (عليه السلام) يحث الناسَ على طلب العفو والمغفرة من الله قبل فوات وقتها.

وفي إحدى خطبه، تلا الإمام (عليه السلام) تلا فيها قوله تعالى: «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ۞ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ»(2).

فقال: ((يا له مراماً ما أبعده، وزوراً ما أغفله))(3)، فقال ابن أبي الحديد: ((زوراً: كالزائرين لقبورهم))(4).

وردّ التستري عليه بقولهِ: ((بل ((زوراً) مصدر زاره کما صرح به الفيروز آبادي، ولو كان جمعاً لقال: ما أغفلهم))(5)، فقد جاء في لسان العرب قوله: ((الزور: الزائرون: وزاره يزور زوراً وزيارة))(6).

واستناداً إلى هذا تكون قد تساوت الحجة بين الشارحين، بل يكون قول ابن أبي الحديد هو الأكثر حجية من قول التستري، فالرجوع إلى قولهِ (عليه السلام) نلاحظ أن (زوراً) تناسب بيان الخطبة والتي بدأت بقولهِ تعالى (حتی زرتم المقابر)، فضلاً عن هذا، فإنّ (زوراً ما أغفله) تعنى ذلك أنكم تزورون المقابر وأنتم في غفلةٍ عنها، لأنّ النظر إلى حياة الموتی محجوب عنكم، أي حياة ما بعد

ص: 45


1- لسان العرب: 1 / 338، ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 455، تاج العروس: 2 / 231
2- سورة التكاثر: 1 - 2
3- نهج البلاغة: 2 / 204
4- شرح نهج البلاغة: 11 / 146
5- بهج الصباغة: 11 / 158
6- لسان العرب: 4 / 335، ينظر: جمهرة اللغة: 2 / 711، تهذيب اللغة: 13 / 163

الموت، وفي ذلك قال تعالى: «لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ»(1)، فالإنسان في الحياة الدنيا لم يكن يرى أو يسمع، إلا ما يدور حوله في عالمهِ المحسوس، فهو في ذلك يكون غافلاً عن الآخرة، والإمام علي (عليه السلام) يحذر المسلمين من تلك الغفلة، وفي مطلع خطبتهِ كان قد ذكر قوله تعالى: «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ۞ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ»(2).

وهذا دليل آخر على أن المراد من كلامهِ (عليه السلام) (زوراً) هو الزيارة التي ذكرتها المعاجم، وتوافق مع سياقها قول ابن أبي الحديد، ولم يكن بعيداً من قولهِ ما ذكره التستري، فكل المعطيات الدلالية والمعجمية، كانت تصب في معنی واحد، هو المعنى الذي أشرنا إليه.

ويقول الإمام (عليه السلام) في خطبة أخرى: ((ولا ترفعوا من رفعته الدنيا ولا تشيموا بارقها، ولا تستمعوا ناطقها، ولا تجيبوا ناعقها، ولا تستضيئوا باشراقها، ولا تفتنوا بأعلاقها))(3)، وقد شرح ابن أبي الحديد قول الإمام (عليه السلام) هذا بقوله: ((الأعلاق جمع علق وهو الشيء النفيس))(4).

وقد كان للتستري رأي آخر، قال فيه: ((بل مطلق المتاع وليس الخسيس وتخصيصه بالنفيس وهم))(5).

فقول ابن أبي الحديد، يتلاءم مع السياق، لأنّ الإمام (عليه السلام) يحذّر

ص: 46


1- سورة ق: 22
2- سورة التكاثر : 1 - 2
3- نهج البلاغة: 2 / 135
4- شرح نهج البلاغة : 13 / 122
5- بهج الصباغة: 12 / 17

المسلمين من الافتنان بأعلاق الدنيا، أي نفائسها التي تشغلهم عن الآخرة، وهذا المعنى أيّدته اللغة التي فسّرتْ (الغلق) بالنفيس. هذا وإنْ كانتْ رؤيته (عليه السلام) تختلف عمّا يراه الناس ويفهمونه، ولكنّه (عليه السلام) كان يحدث المسلمين عن ذلك، لأنّه يعرف ما في نفوسهم من رغبة في الدنيا، وهذا يعني أنهم غير زاهدين فيها، لذلك وصفها بما تعنيه عندهم، لا بما تعنيه له، فهو القائل: ((دنیاکم هذه أزهد عندي من عفطة عنز))(1).

فأما التستري فشرح قوله (عليه السلام) بما يراه الإمام (عليه السلام) لحال الدنيا، وليس بما يراها الناس وهم عبيدها. وقد ورد في كتب اللغة ((العلقة: الثوب النفيس يكون للرجل))(2). فإذا كانت اللغة تسمي الثوب بالنفيس على بخاسة ثمنه، فإن الدنيا عند طلابها والذين كان يحذرهم (عليه السلام) في خطبته. هي ثمینة بما فيها، فضلاً عن هذا ذكرت العرب إن العلق والعلوق بمعنى النفيس من كل شيء(3).

وهناك معنى آخر ذكرته معاجم اللغة يمكن أن نأخذ قول الإمام (عليه السلام) على هذا المعنى الذي قال: ((العلق: الهوى يكون للرجل في المرأة))(4).

وقد يكون (عليه السلام) قصد أن يحذر الناس من تعلقهم بالنساء، والابتعاد عن ذلك الهوى، لأن كل هوى هو محرمٌ من قبل الله تعالى، إذ جاء في الذكر الحكيم قوله: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ۞ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ

ص: 47


1- نهج البلاغة: 1 / 37
2- تاج العروس: 26 / 194
3- ينظر: لسان العرب: 10 / 268، ينظر مختار الصحاح: 216
4- لسان العرب: 10 / 262، ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: 4 / 1532

الْمَأْوَى»(1). فيمكن أخذ المعنيين اللغويين، لأن دلالتهما لم تكن بعيدة عن قوله (عليه السلام). وما جاء ذكره في المعاجم هو متفق مع قول ابن أبي الحديد، وهذا ما يدعو إلى أن نقف بجانبهِ ونؤيد ما قاله، وإن قول التستري لم يأتِ له بسندٍ لغوي وإنما اعتمد فيه على اتجاهه العقائدي.

ويشرح ابن أبي الحديد قوله (عليه السلام): ((محاسبة أهل الهوى منسأة للإيمان))(2)، بقوله: ((منسأة للإيمان أي داعية إلى نسيان الإيمان وإهماله))(3). وقد اعترض التستري على توجيه ابن أبي الحديد بقوله: ((يُقال للعصا: منسأة لكونها آلة دفع المكروه وتأخيره))(4).

ويظهر أنّ ما جاء به ابن أبي الحديد أكثر ملائمة للسياق، لأن من يجالس أهل الهوى سيبتعد عن الإيمان ويُهْمِلُه ويَنْسَاه، وهذا المعنى يُفهم من السياق تماماً.

أما ما أورده التستري في اعتراضه فمعنى (المنسأة) صحيح في اللغة، ولكن العصا لا تُلائم السياق، لأنّها تكون بمثابة الأداة التي تطرد الإيمان. إلّا إنّنا عثرنا على توجيه آخر للمنسأة مأخوذٌ من (نَسِيَ)، فيكون المعني هنا، إنّ مجالسة أهل الهوى موجبة لنسيان الإيمان(5)، وهذا توجيه يلائم السياق تماماً، ويكون أقرب إلى الواقع مما قاله الشارحان.

وهنا ننتقل مع ابن أبي الحديد لشرح قضية لغوية أخرى من القضايا التي

ص: 48


1- سورة النازعات: 40 - 41
2- نهج البلاغة: 1 / 150
3- شرح نهج البلاغة: 6 / 356
4- بهج الصباغة: 13 / 265
5- ينظر: دراسات في نهج البلاغة: 203

وقف عليها في نهج البلاغة وتابعه في ذلك التستري. فعن دلالة كلامه (عليه السلام): ((المؤمن لا يمسي ولا يصبح إلّا ونفسه ظنون عنده))(1)وقد شرح ابن أبي الحديد قوله (عليه السلام) الظنون البئر التي لا يدري فيها ماء أم لا(2). وقد ردَّ التستري بقولهِ: ((كون المعنى حقيقة وأن المراد أن المؤمن سيء الظنّ بنفسهِ قال الجوهري: الظنون الرجل السيء الظن))(3).

فإذا أخذنا قول ابن أبي الحديد من جنبتهِ اللغوية فهو صحيح، وذلك ما نصّت عليه كتب اللغة، إذ جاء في البعض منها: ((الظّنون البئر لا يدري أفيها ماءٌ أم لا))(4).

فالإمام (عليه السلام) يرى أن الإنسان المؤمن يبقى شاكاً في قدرتهِ على نهي نفسهِ عن هواها، فتكون كالبئر التي لا يعرف فيها ماء أم لا، وفي حالتهِ هذه هو على عدم اليقين من نفسهِ في عملها المنكر، وظنه في نفسهِ نابع من معرفتهِ أن النفس إمارة بالسوء، ((فالمؤمن لا يصبح ولا يمسي إلّا وهو على حذر من نفسه، معتقدا فيها التقصير في الطاعة، غير قاطع على صلاحها وسلامة عاقبتها))(5).

أما ما ذكره التستري فهو الأقرب للانضواء تحت سياق قوله (عليه السلام)، إذ أنه اعتمد بفهمهِ للمعنى على ما ذكرته المعاجم اللغوية، والتي جاء فيها:

ص: 49


1- نهج البلاغة: 2 / 91
2- ينظر شرح نهج البلاغة: 19 / 112
3- بهج الصباغة: 12 / 94، ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: 16 / 216
4- تاج العروس: 35 / 368
5- شرح نهج البلاغة 10 / 18. واستعان ابن منظور في لسان العرب (ظنن) بقول الإمام (عليه السلام) هذا

((الظنون: الرجل السيء الظن))(1).

وهذا ما تقبله الدلالة، لأن المؤمن يحاسب نفسه ظنّاً أنه فعل الخطأ، ليس على سبيل اليقين، ولكن لرسوخ إيمانه يبقى شاكاً في نفسه، لأن النفس هي ما تدفع إلى ارتكاب السوء، فهو يريد أن يدرأ عن نفسه السيئة، فيبقى في حالة ظنٍ مستمرة بنفسه.

بينة يمكن الوثوق بها.

ويقول الإمام (عليه السلام) يذمّ بعض أصحابه: ((إنه لا يخرج إليكم من أمري رضاً فترضونه ولا سخط فتجتمعون عليه، وإن أحبَّ ما أنا لاق إلىَّ الموتُ، قد دارستكم الكتاب، وفاتحتكم الحجاج، وعرفتكم ما أنكرتم...))(2).

فسّر ابن أبي الحديد کلام الإمام (عليه السلام) بقوله: (((قد دارستکم الكتاب). أي دارسته علیکم. دارست الكتب وتدارستها وأدرستها ودرستها بمعنی، وهي من الألفاظ القرآنية))(3).

وقد ردّ التستري على ما ذكره ابن أبي الحديد مخالفاً، فقال: ((لم نقف على من ذکر (ادرس) وإنما في القرآن مجردة: (درست ودرسوا وتدرسون) الظاهر أن المراد، علمتكم درس القرآن وتفسيره، فإن الأصل في تفسيره هو (عليه السلام) ))(4).

نحن هنا أمام رأيين مختلفين أو تأويلين غير متشابهين، فما ذكره ابن أبي الحديد: من أن لا فرق بين قولك درست وتدارست وأدرست ودرست.

ص: 50


1- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: 16 / 16
2- نهج البلاغة: 2 / 101
3- شرح نهج البلاغة: 10 / 72
4- بهج الصباغة: 10 / 423

فهو يعد كل هذه الأفعال تؤدي معنى واحداً ولا اختلاف فيما بينها، فاعتماد المعاجم اللغوية يضعف ويختلف مع ما ذكره ابن أبي الحديد، فجاء في معنى كلمة (درست) أي تعلمت، أي أنت الذي تعلمت(1)، وعن كلمة أدرستها أي بمعنی درستها أي المتحدث هو الفاعل وهو الذي قام بتدریس غیره(2).

فما أشارت إليه اللغة يختلف مع ما ذكره ابن أبي الحديد، فإذا اختلفت الدلالة اللغوية فذلك يقود إلى اختلاف في المعنى. أما ما ذكره التستري هو قوله: (أي علمتكم درس القرآن وتفسيره). يريد هنا أن الإمام (عليه السلام) علمهم القرآن وتفسيره، لأنه الأصل في ذلك، وإذا استحضرنا قوله (عليه السلام): ((أنا القرآن الناطق))(3). ندرك مأ اراده التستري في إشارته هذه.

فهو كما كان يعني (عليه السلام) منه تعليمهم القرآن وتعليمه يقتضي تفسيره وتأويله، وكل ما يتصل بعلومه.

ويضاف إلى هذا المعنى اللغوي لكلمة دارستکم معنى آخر، وهو الأخذ والعطاء فيقال: ((دارستهم: ذاكرتهم))(4)، وقيل دارست: أي قرأت عليهم وقرئوا عليك(5).

ومن خلال هذا فإن المدارسة تقع بين اثنين، لأنّ الفعل يدلّ على المشاركة. والإمام (عليه السلام) كان يعني بذلك أنه درّسهم الكتاب، وكان يسمع إليهم

ص: 51


1- ينظر: تاج العروس: 16 / 70
2- ينظر: م، ن: 16 / 70
3- ينابيع المودة: 1 / 191
4- لسان العرب: 6 / 79، ينظر: تاج العروس: 16 / 70
5- ينظر: تهذيب اللغة: 12 / 250، لسان العرب: 6 / 79

ويرد على شكوكهم وتشکیکهم بقرينة قوله (عليه السلام) (وفاتحتكم الحِجاج لأن تلك المدارسة بالسؤال أدت إلى الحجاج وإثارة الشكوك، وعلى هذا يكون الحجاج: ((عبارة عن علاقة تخاطبية بين المتكلم والمستمع حول قضية ما، متلكم يدعم قوله بالحجج والبراهين لإقناع الغير.))(1).

والتعامل بأسلوب حجاجي يكون هدفه التأثير في المقابل والتوجيه والإقناع(2).

فالإمام (عليه السلام) أراد أن يذكر أصحابه بما علّمهم من علوم القرآن فقال (عليه السلام): (عرفتكم ما أنكرتم)، وهكذا نظر الشارحان إلى الفعل (درس)، وأخذا منه ما احتاجا إليه في بيان کلام الإمام.

الدلالة:

إن للسياق أثره المباشر في توجيه الدلالة في أيِّ نصّ لغوي، ويبرز أثر الكلمات والألفاظ في فهم دلالة النص من خلال معانيها، ووقوعها ضمن السياق اللغوي، فتبدو قيمة خلافية في المعنى، وتعدد أنواع الدلالة، فمنها الدلالة الصوتية، وهي التي تعتمد في طبيعتها على الأصوات التي ترد في العبارة(3)، والأخرى هي الدلالة الصرفية والتي تستمد عن طريق الصيغ وبنيتها. والدلالة النحوية التي يفهم المراد منها من خلال بناء الجملة أو هندستها(4). فضلا عن هذا، فإنّ الدلالة المعنوية وهي التي تُستقي من الحقائق والمعاني الظاهرة، وهي بدورها تنقل صورة الشيء

ص: 52


1- الحجاج في كاب المثل السائر لابن الأثير: رسالة ماجستير: 11
2- ينظر: بنية الملفوظ الحجاجي في العر الأموي: رسالة ماجستير: 34
3- ينظر: دلالة الألفاظ: 35
4- ينظر: م، ن: 36

المادية وتصفه(1).

وهنا نتناول بعض القضايا الدلالية التي جاءت في ردود التستري على ابن أبي الحديد، ففي شرحه لقول الإمام (عليه السلام): ((فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر))(2).

والذي قال فيه ابن أبي الحديد: ((هجر اسم مدينة لا ينصرف للتعريف والتأنيث بل هو اسم مذکر مصروف))(3). وعلّق التستري على هذا القول بقولٍ أقرب إلى السخريّة، إذ يتهمه بأنّه لم يطالع غير الصحاح، ولأن صاحب الصحاح لم يذكر غیر صرف هجر، فهو قد يكون التزم في كلامهِ، وقال ابن الأنباري الغالب عليه التنكير والصّرف وقد يكون أنشدوها ولم يصرفوها. وينكر التستري على ابن أبي الحديد أنّثها(4).

ولأن هذا المثل هو شائع ومعروف فإن هجر قد عرفت من خلاله، أو يكون قد شاع من خلالها، لكن الاهم من ذلك إن هجر أسمٌ لمدينةٍ معروفةٍ، ونظراً للشهرة التي يتمتع بها هذا الاسم (هجر) فقد ذكره ابن بطوطة في رحلتهِ وقال: ((مدينة هجر وتسمى الآن بالحسا بفتح الحاء والسين واهمالهما وهي التي يضرب المثل بها فيقال: كجالب التمر إلى هجر))(5).

ولو كان اسم هذه المدينة من اسماء المدن غير المعروفة، والتي لم تُذع شهرتها في

ص: 53


1- ينظر: البحث الدلالي في تفسير الميزان: 303
2- نهج البلاغة: 3 / 30
3- شرح نهج البلاغة: 15 / 188
4- ينظر: بهج الصباغة: 3 / 70
5- رحلة ابن بطوطة: 2 / 153

الجزيرة العربية، ويعرفها بعض الناس دون البعض الآخر، يمكن القول أن يكون الشارحان توهّما في هجر اسم هو أو فعل، وبذلك جاز لهما أن يصرفاه، لكنّ، ابن أبي الحديد قال الأمرين معاً، فجعلها اسما مرة وفعلا مرّة أخرى.

ومن كتاب كتبه الإمام (عليه السلام) إلى معاوية، جاء فيه: ((فعدوت على الدنيا بتأويل القرآن))(1).

فوجهه ابن أبي الحديد بقوله: فعدوت: أي تعديت و ظلمت، مثابراً على طلب الدنيا(2)، وما ذكره ابن أبي الحديد، يبينّ أنّ معاويّة أخذ الدنيا وظلم أهلها من خلال تأويا القرآن إلى ما يريد وليس إلى ما يريد الله تعالى.

وقد ردّ التستري على ذلك برأي آخر: ((بل الظاهر أنّ ((عدوت)) هنا من قولهم (ذئب عدوان) أي يعدو على الناس فلا يحتاج إلى تقدير))(3).

وقد استشهد التستري على شرحهِ هذا في ما ورد في لسان العرب يقال: ((ذئب عدوان إذا كان يعدو على الناس والشاء))(4). فضلًا عن ذلك فقد ورد ذكر الذئب في كثير من الأمثال العربية، التي على أن الذئب تجتمع فيه الصفات الذميمة وغير مقبولة في المجتمع العربي الإسلامي(5)، فهو يحمل دلالة الحرص والوقاحة وغيرها مما ذكرته المعاجم، فالإمام (عليه السلام) كان يخاطب معاوية بقولهِ (عدوت) وفي ذلك إشارة إلى الحاضرين انه أشبه بالذئب لحرصهِ على الدنيا، فضلاً عن هذا الآخر

ص: 54


1- نهج البلاغة: 3 / 112
2- ينظر: شرح نهج البلاغة: 17 / 136
3- بهج الصباغة: 9 / 289
4- لسان العرب: (عدو)، 15 / 32
5- ينظر: جمهرة الأمثال 1 / 167، مجمع الأمثال 1 / 186

المخاطب في ثقافته العربية يفهم ان الشخص الذي قصده الإمام (عليه السلام) هو قد اتصف بصفات الذئب المعروفة عند العرب والمسلمين، فهو لم يكن يخاطب مجتمعاً خالي الذهن من الصفات التي يحملها الذئب ولأن الحاضرين قد عرفوا تلك الصفات مسبقاً فهو لا يحتاج إلى القرائن والتصريح، فاللغة التي كان يتحدث بها (عليه السلام) كانت قادرة على توصيل ما أراده.

ويلاحظ هنا اتفاق الشارحين على توجيه المعنى مع زيادةٍ بسطها التستري بما يتفق مع السياق.

ويشرح ابن أبي الحديد قول الإمام (عليه السلام): ((فالله الله في كبر الحمية وفخر الجاهلية فإنه ملاقح الشنان ومنافخ الشيطان))(1).

بقوله: ((المنافخ جمع منفخ مصدر نفخ))(2).

وقد ردّ التستري بقولهِ: ((بل جمع المنافخ أي الذي ينفخ بهِ، أو جمع المنفخ بمعناه))(3).

لم يختلف التستري مع ابن أبي الحديد في حال جمع الكلمة، لكن الاختلاف الذي جاء به هو في أصل الكلمة، فابن أبي الحديد ذكر أنها مصدر، أما التستري فقد خالف ذلك، ووجه الكلمة توجيهاً مختلفاً، على أن الأصل في كلمة (نفخ) فعل ماضٍ مستنداً إلى سياق قوله (عليه السلام) ففي كلامهِ جاء ملاقح الشنان أي بمعنى (لقح)، و(منافخ) أي بمعنی نفخ، وذكر قوله الفيومي الذي ينص على

ص: 55


1- نهج البلاغة: 2 / 142
2- ينظر: شرح نهج البلاغة: 13 / 147
3- بهج الصباغة: 14 / 263

أن المنفخ والمنفاخ هو الذي ينفخ بهِ(1)، وقد ذكرت المعاجم العربية معنى المنفاخ: ((المنفاخ: ما ينفخ به الإنسان في النار وغيرها))(2).

ومن هذا يتبيّن أن القصد من كلمة (النفخ) هو ما يحول الشيء من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى، فالنفخ في النار يحول حالتها من متقدة إلى خامدة أو بالعکس، وقد تكرر ذكر هذه اللفظة كثيراً في القرآن الكريم، إذ انها تبدو من الألفاظ الشائعة في كتاب الله، فكل دلالاتها التي جاءت، كانت تفيد بتغيّر الشيء من حال إلى آخر، فجاء في قوله تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ»(3).

فنلاحظ أن دلالة الآية هو عند النفخ في الصور، فإذا هم تحولوا من حالة الموت إلى حالة الحياة.

وجاء في آية أخرى قوله تعالى: «... فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ...»(4).

ويتبيّن من قولهِ تعالى بعد تلك النفخة يتحول الجماد إلى طير حين بثت فيه الروح، فينتقل من حالة السكون والموت إلى حالة الحركة والحياة، هذا فضلاً عن بعض الآيات الأخرى والتي تأتي بهذه اللفظة، وهي تحمل نفس الدلالة، ومن هذا نستدل على أن (منافخ الشيطان) هي من الفعل (ينفخ به) الذي ذكره التستري، فيبدو لنا، إن الإمام (عليه السلام) أراد أن يحذر الناس من فتن الشيطان فيغيّر أحوالهم من حال الفطرة التي فُطر الناس عليها إلى ما يرده الشيطان مما يخالف أمر الله وما جاءت بهِ الفطرة السليمة.

ص: 56


1- ينظر: المصباح المنير للفيومي: 2 / 592
2- العين: 4 / 277 ينظر: أساس البلاغة: 1 / 207
3- یس: 51
4- آل عمران: 49

يرى التستري أن ابن أبي الحديد لم يراجع من المصادر اللغوية غير الصحاح، فهو يحتكم إليه في أيّة قضية لغوية، وبهذا نجد أن رأي ابن أبي الحديد في القضايا اللغوية هو رأي صاحب الصحاح، حتى وإن راجع غيره من المعاجم اللغوية، فهي تعد بالنسبة له مصادر ثانويّة لا يمكن الاعتماد والأخذ بما تقوله، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها على التستري، فقد كان ابن أبي الحديد يعد الصحاح محوراً تدور حوله بقية المعاجم، أما التستري فلا يعتمد على معجم بعينه، وإنّما يرجع إلى أكثر المعجمات العربية. أما ردود التستري فهي في غالبها ردود اعتراضيه، اختلف فيها مع ابن أبي الحديد. ونعزو ذلك الاختلاف لأكثر من سبب، منها اختلاف المصادر المعجمية التي يعود إليها كل منهم كما أشرنا، ولأن الكلام العربي يأخذ دلالته من الكلمات الأخرى المحيطة به، أي يُفهم من السياق، وفهم السياق راجع إلى الثقافة الفردية للمتلقي، فبيئة ابن أبي الحديد الثقافية والاجتماعية والدينية فرضت عليه فهما غير الفهم الذي يملکه التستري ابن الزمان الآخر والمتأخر، وهذا أنتج فهماً مختلفاً بين الشارحين في اتجاهاتهما اللغوية، ولا يمكن أن نقول أن نسب التلقي بينهما كانت مختلفة تمام الاختلاف ولا يوجد توافق بينهما، بل كان بعض الفهم للغة يتفق عليه الاثنان، وتؤيد وجهات نظرهم المعاجم التي يعودون إليها.

ص: 57

المبحث الثاني: النقد النحوي

بعد مجيء الإسلام، ودخول بعض الأمم من غير العرب فيه، أخذ ذلك الاختلاط يفسد سليقة اللسان العربي، وبدأ اللحن يتسرب إلى الألسنة وخاصة ألسنة الناشئة، حتى أصبح ظاهرة بين العامة من الناس. فانبرى عدد من العلماء في القرن الثاني الهجرة لصيانة اللغة والحفاظ عليها. وقد نظروا إلى علوم العربية، نظرة تقديس وإجلال وتعظيم، فهي لغة كرّمها الله تعالى بالقران الكريم، فصيانتها وحفظها هو حفظ للقران الكريم، وخلودها خلوده أيضاً.

وقد برزت مدرستان نحویتان لوضع قواعد اللغة العربية، كانت الأولى مدرسة البصرة، وقد لمعت أسماء عدد من علمائها الذين نشؤوا وتربوا فيها، كان من أبرزهم عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي (117 ه)، والخليل بن أحمد الفراهيدي (175 ه)، وسیبویه (180 ه)، وغيرهم(1). والثانية مدرسة الكوفة، وظهر من علمائها الكسائي (189 ه)، وثعلب (291 ه). بيد أنّ التأليف النحوي والقواعد اللغوية بمجملها بصرية، فالقواعد النحوية التي استقر عليها النحو العربي، هي التي وضعتها مدرسة البصرة، وصار کتاب سيبويه (الكتاب) المنبع الذي يُستقی منه النحو العربي في العصور كلّها.

ص: 58


1- ينظر: من تاريخ النحو العربي: 34

وجاء النحو للنظر في أواخر الكلمات وما تأخذه من علامات إعرابية، وذلك مرتبط بالمعنى الذي يُراد التعبير عنه، وقديما قالوا ((الإعراب فرع المعنى)). وقد استقر علم النحو العربي بجهود العلماء الأول، واستند المتأخرون إلى جهود المتقدّمين في الاستمرار بالدراسات النحوية. ولما جاء ابن أبي الحديد، ونهض بشرح نهج البلاغة، كان النحو وسيلة من الوسائل التي أعانته على الوصول إلى ما يؤديه کلام الإمام من معانٍ. وكان أمامه أمهات المصادر العربية في النحو، فاستعان بها في شرحه على الوجه الذي يحقّقُ له ما يريد.

وحين جاء التستري، وتعقّب ما قاله شراح النهج في القضايا النحوية، وفي مقدّمتهم ابن أبي الحديد، وافقهم مرة، وخالفهم مرات، وسندرس فيما يأتي مخالفاته النحوية لبعض ما أورده ابن أبي الحديد بنظر نقدي، يستند إلى النصوص التي وقفا عندها.

ومن ذلك ما ذكره ابن أبي الحديد، معلقاً على قول الإمام (عليه السلام) ((الحمد لله فلا شيء قبله...))(1)، بقوله: ((لا فرق بين قولنا الحمد لله وقولنا أحمد الله))(2)، أما التستري فإنه يرى أن ابن أبي الحديد: ((لم يراجع کلمات علماء البيان في الفرق بين الجملة الإسمية والجملة الفعلية))(3)، ثم يشير إلى ((أن الجملة الاسمية تدل على الدوام والاستمرار، أما الجملة الفعلية ففيها اخبار فقط))(4)، ولا يخفی ما في هذا القول من تهکّمٍ واضحٍ، وإلّا فكيف يكون ابن أبي الحديد لم يراجع ما قيل بهذا الشأن؟.

ص: 59


1- نهج البلاغة: 1 / 186
2- شرح نهج البلاغة: 628
3- بهج الصباغة: 1 / 191
4- م، ن: 1 / 191

إنّ ما قاله التستري هو ما تؤديه اللغة لأن الفعل فيه حركية واستمرار في حين يتم الاخبار بالجملة الاسمية عن أمر ثابتٍ مستقرّ. ولكنّ ابن أبي الحديد لم يشأ الالتفات إلى المعنى الدقيق، وإنّما أراد المعنى العام الذي يُفهم من دلالةِ الجذر (حمد)، وإلا فالفرق بين دلالة الجملتين الفعلية والإسمية، لا يلتبس علي ابن أبي الحديد حتما.

وعلّق ابن أبي الحديد على معنی (ما) في قوله (عليه السلام): ((والهجرة قائمة على حدها الأول ما كان لله في أهل الأرض حاجة))(1).

بقوله ((أي ما دام التكليف باقياً. قال: وقال الراوندي: (ما) ها هنا نافية، أي: لم يكن لله في الأرض من حاجة، وهذا ليس بصحيح، لأنّه إدخال كلام منقطع بين کلامين يتصل احدهما بالآخر))(2).

وقد ردَّ التستري بقوله ((الإنصاف أنه لا مناسبة هنا ل(ما) النافية، وليس المحل محلّ التوهم حتى يحتاج إلى الدّفع، فإنه لو كان قوله (عليه السلام): الهجرة قائمة على حدّها الأول، موهماً لا حتياجه تعالى، كان بيان حكم من أحكام الشريعة كذلك، وإنما لدفع التوهم موضع، كقوله تعالى: «... تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ....»))(3).

لقد وافق التستري على ما قاله ابن أبي الحديد في أنّ (ما)، ليست نافية، وقد سوّغ ذلك بما مرّ ذكره. وهو هنا عضّد رأي ابن أبي الحديد، وقال: إنّ (ما) غير نافية، وإنّما مصدرية، ولكنّه بسّط ما أراده بما يقرب من التعقيد اللفظي الذي أراد

ص: 60


1- نهج البلاغة: 2 / 129
2- شرح نهج البلاغة: 13 / 103، وما نُقل عن الراوندي لم أعثر عليه في شرحه لنهج البلاغة
3- بهج الصباغة : 3 / 295، والآية: (32) من سورة القصص

أن يجعله أكثر وضوحا ودلالة، مما قاله ابن أبي الحديد، ولكنّه لم يحقّق مبتغاه.

وقد ورد أنّ (ما) تكون ظرفية زمانية كقوله تعالى: «...فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(1). وهذا شاهد على صحة توجيه ابن أبي الحديد، ومتابعة التستري له.

ووجّه ابن أبي الحديد إعراب قول الشاعر:

مستقبلين رياح الصيف تضربُهم ٭٭٭ بحاصبٍ بين أغوارٍ وجلمودِ(2) بقوله: ((إنّه يمكن أن يكون جلمود عطفاً على حاصب وعلى أغوار والأول أليق))(3). وقد استند في توجيهه هذا إلى ما يتطلّبه السياق كما فهمه هو. وقد ردّ التستري على ذلك بقوله: ((كونه عطفاً على حاصب لا يصح إلا أن يكون معنی (بين أغوار) بين غور وغور))(4). والتستري بكلامه هذا أراد أن يبينّ مسألة نحوية مهمة وهي أن (بين) ظرف مکان(5)، يقتضي أن يكون موقعه في سياق الكلام بين شيئين، وقد جاء في بعض كتب النحو ما يؤكد هذا الذي أشار إليه التستري، فقد ورد أنّ بين ((تكون ظرفاً للمكان وتتخلل بين شيئين أو ما في تقدير شيئين أو أشياء))(6)، وما قال به ابن أبي الحديد يتعارض مع ما أراده التستري. ولكن التستري استدرك فأشار إلى صحة توجيه ابن أبي الحديد إذا كان المراد ب (بين أغوار) بين غور وغور، وهذا ما أراده ابن أبي الحديد، لأنّ الريح الحاصب هي

ص: 61


1- ينظر: معاني النحو 3 / 153، والآية (16) من سورة التغابن
2- نهج البلاغة: 3 / 123، والبیت لم أجده في دیوان الشاعر بشر بن خازم الأسدي
3- شرح نهج البلاغة: 18 / 19
4- بهج الصباغة: 4 / 189
5- وقد تكون زمانية وذلك بحسب ما تضاف إليه. ينظر: معاني النحو 2 / 636
6- بهج الصباغة 4 / 189

التي تقشّر الحصى عن وجه الأرض، فيضرب هؤلاء کما تضربهم الريح في الوقت نفسه. وهم ينتقلون بين الأغوار. وبهذا يصحُّ ما أراده الشارحان في هذا الشاهد.

وينتقل ابن أبي الحديد ليشرح قولاً آخر من أقواله (عليه السلام) جاء فيه: ((فيا لها حسرة على ذي غفلة))(1)، بقوله: ((الهاء في (فيا لها) إما منادی مستغاث وإما مستغاث لأجلهِ، والمستغاث محذوف، أي أدعوكم أيها الرجال لتقضوا العجب من هذه الحسرة))(2).

وقد ردَّ التستري بقوله: ((الأحسن ألّا يسمى مثله مستغاثاً بهِ، ولا لأجلهِ بل هو للتعجّب))(3).

إذا أخذنا ما قاله ابن أبي الحديد، وقبلنا أنه مستغاث أو مستغاث لأجله، ففي كلتا الحالتين نكون احتجنا في الجملة في حال وجود المستغاث إلى مستغاث له، ومستغاث منه، فإذا حصلنا على واحد منهما، سوف نفقد الأخر أو الاثنين معاً، لأن الجملة الآنفة الذكر، لا تجمع أركان الاستغاثة كلها، وهي المستغاث به، والمستغيث والمستغاث منه وهو الذي يسمى المُستنصَر عليه وعادة يكون مجروراً(4).

فهذه أركان الاستغاثة الثلاثة لم نجدها في قوله (عليه السلام)، أما ما قاله التستري من أنّه ليس باستغاثة، وإنما هو من باب التعجب، فلا يقبله النحو، إذ لا تتوفر فيه لا يتوفر صيغتا التعجب وهما (ما أفعله، أفعل به).

ص: 62


1- نهج البلاغة: 1 / 111
2- شرح نهج البلاغة: 5 / 147
3- بهج الصباغة: 11 / 97
4- ينظر: معاني النحو: 4 / 706

ونظراً لخلو الجملة من الصيغتين المذكورتين فلا مسوّغ يُعيننا على قبول توجيه أحد الشارحين، ابن أبي الحديد والتستري.

ويمكن لنا القول: إنّ الإمام (عليه السلام) جمع بين النداء والتعجّب في قوله (يا لها)، وهذا أسلوبٌ في علم المعارف يُسمّى (التعجب بالنداء)، وغالبا ما يستعمل في التعجّب من الأمور العظيمة(1)، وهذا ما أراده الإمام (عليه السلام)، إذ أبدى تعجّبه مناديا الغافلين أن لا يكون عمرهم عليهم حجة، أو تؤديهم أيامهم إلى الشقاء(2)، وهنا أدّى هذا الأسلوب ما أراده الإمام (عليه السلام) بحق، وعلى الرغم من هذا كلّه، لم يبتعد الشارحان عن مراد الإمام كثيرا.

ويشرح ابن أبي الحديد قولاً آخر من أقوالهِ (عليه السلام) والذي جاء فيه: ((رمی غرضاً وأحرز عوضاً))(3).

بقوله ((رمى غرضاً أي قصد الحق كمن يرمي غرضاً يقصده، لا من يرمي في عمياء لا يقصد شيئاً بعينهِ))(4).

وردّ التستري عليه بقوله: ((بل كلامه (عليه السلام) استعارة في تشبيه من استبق إلى الخيرات واستحق الجنّات بمن رمى في وقت الرماية، وأصاب الهدف واستحق العوض الذي جعلوه لمصيب الهدف، فالغرض الهدف الذي يرمي فيه وهو مفعول بهِ، وابن أبي الحديد وهم مفعولاً له))(5).

ص: 63


1- ينظر: معاني النحو 4 / 663
2- ينظر: نهج البلاغة 1 / 122
3- نهج البلاغة: 1 / 126
4- شرح نهج البلاغة: 6 / 172
5- بهج الصباغة: 11 / 102

إن التستري أراد أن يقول أن (رمی غرضاً) في قوله (عليه السلام) هي مفعول به، وان ابن أبي الحديد قال عنها مفعول لأجله، ومن خلال هذهِ فقد يكون ان التستري حمل کلام الإمام (عليه السلام) على إنه تعبير حقيقي وليس تعبيراً على سبيل المجاز، فاعتمد في تحليله للكلام على لفظة (رمی)، الفعل وفاعله المستتر، ووقوع ذلك الفعل على كلمة (غرضا) لتصبح بذلك مفعولا بهِ وقع عليه فعل الفاعل.

والظاهر أن الإمام (عليه السلام) في قوله كان يقصد الفعل المعنوي لا الفعل الحقيقي، وهذا ما أدركه ابن أبي الحديد في شرحه لقوله (عليه السلام)، فعندما قال الإمام (عليه السلام): ((رمی غرضاً وأحرز عوضاً))، كأنما فعل فعلاً معنوياً غير حقيقي، أي عمل عملاً صالحاً إذا جاز لنا أن نقرب المعني بهذه الصورة. وبذلك العمل قد (أحرز عوضاً)، فالعوض الذي أحرزه، جاء من رميه للغرض، وهذا هو المفعول لأجلهِ. كما أشار ابن أبي الحديد. فالنحويون يعرّفون المفعول لأجله ((بأنه مصدر يأتي لبيان سبب الحدث العامل فيه، ولا بد أن يشاركه في الزمان وفي الفاعل))(1).

وإذا رجعنا إلى قوله (عليه السلام)، واعتمدنا معه ما ذكره ابن أبي الحديد أي التركيز على الجانب المعنوي، وليس الحقيقي كما أراد التستري، نجد أنه توافرت فيه شروط المفعول له، والتي سبق ذكرها. ولا بد من الإشارة إلى أن كلمتي (غرضاً وعوضاً) هما مصدران، ومن صفات المصدر أنْ يكون تفسيراً لما قبله(2). والكلمتان السابقتان اللتان قالهما الإمام (عليه السلام) (غرضاً وعوضاً) كانتا

ص: 64


1- التطبيق النحوي: 224
2- ينظر: معاني النحو: 2 / 650

تفسيراً لما قبلهما من كلامهِ، ومن خلال موقع هذين الكلمتين من الإعراب، شرح ابن أبي الحديد قوله (عليه السلام).

وينتقل ابن أبي الحديد ليشرح قوله (عليه السلام) في وصف الموت: ((واحتدام عللهِ، وحنادس غمراتهِ، وغواشي سكراتهِ، وأليم ارهاقهِ، ودجوُّ إطباقهِ))(1).

بقوله: ((إطباقهِ: جمع طبق، تكاثف ظلماتهِ كأنها طبق فوق طبق))(2).

وردَّ التستري بقوله: ((بل الظاهر کون (إطباقهِ) مصدراً مثل (إزهاقه) وقد عرفت الأصل في (دجوّ)، في ((دواجي ظله)) فيكون من باب الصفة التأكيدية))(3).

إن ما قاله التستري من أن الكلام من باب الصفة التأكيدية، يحتاج إلى بيان فالصفة التأكيدية تلازم الموصوف، وقول الإمام (عليه السلام) كان في سياق عطف جملةٍ على جملة، ولا توجد أيّة دلالة على المعنى الذي ذكره التستري من الصفة التأكيدية.

ويدلنا تعريف النعت على ارتباطه بمنعوته، أو ارتباط منعوتهِ به، فيقال: عنه: هو التابع المكمل متبوعه ببيان صفة من صفاته، وتكون متعددة منها ما يرتبط بقضيتنا، والمسمى بنعت التأكيد(4). فما تشير إليه هذه القاعدة هو بعيد عماّ شرحه التستري، أما ما قاله ابن أبي الحديد فهو الأقرب إلى معنى قوله (عليه السلام)،

ص: 65


1- نهج البلاغة: 13 / 5.الاحتدام: الاشتداد، ينظر: المخصص: 3 / 170، الحنادس: جمع حندس، الظلمة الشديدة: تهذيب اللغة: 5 / 211، الدجوّ: الظلام: العين : 6 / 168
2- شرح نهج البلاغة: 13 / 7
3- بهج الصباغة: 11 / 196
4- ينظر معاني النحو: 3 / 176

من حيث الدلالة النحوية، فقد ذكر أن (اطباقه هي جمع طبق، أي طبق فوق طبق)، وجاء في كتب اللغة: ((الطبق غطاء لكل شيء والجمع أطباق، وقد أطبقه وطبّقه انطبق وتطبّق: غطاه وجعلهُ مُطبقاً.))(1). فإذا أضيف هذا المعنى اللغوي إلى سياق كلامهِ (عليه السلام) يكون ما قاله ابن أبي الحديد مقبولاً، واللغة قالت أن الطبق هو الغطاء، وطبق على طبق هو غطاء على غطاء، ومن ذلك نفهم أن كثرة الأغطية سيجعل الظلام شديدا تحتها، وهذا ما جاء بقوله (عليه السلام).

وإذا نظرنا في كلام الإمام (عليه السلام) من جنبةٍ أخرى نلاحظ أنه (عليه السلام) كان في صدد عطف جملةٍ على أخرى، كل واحدة منهما قد جمعت على ما ذكره ابن أبي الحديد (اطباق جمع طبق)، بمعنى آخر إن الإمام (عليه السلام) لم يكن يتحدث عن كلام مفرد وآخر جمع، لا بل تواتر كلامه (عليه السلام) بعطف جمع على جمع ومنه قوله (عليه السلام): (دواجي ظلله واحتدام علله، وحنادس غمراته...)(2).

ومن خلال ما سبق نلاحظ أن السياق واللغة تكفّلا بتمتين قول ابن أبي الحديد، وترجيحه على قول التستري.

وينتقل ابن أبي الحديد لشرح قول آخر من أقواله (عليه السلام)، والذي جاء فيه: ((ووقّت لكم الآجال وألبسكم الرّياش وأرفع لكم المعاش واحاطكم بالاحصاء وأرصد لكم الجزاء...))(3).

بقوله)): يحتمل أن يكون (الإحصاء) مفعولاً مطلقاً من غير أن يلفظ فعله،

ص: 66


1- مختار الصحاح: 1 / 188، ينظر: لسان العرب: 1 / 209
2- ينظر: نهج البلاغة: 13 / 5
3- نهج البلاغة: 1 / 133

أو يمكن أن يكون مفعولاً له، أو أن يكون على وجهٍ ثالث هو أن يكون مفعولاً به))(1).

وقد ردّ التستري بقوله: ((بل هو مفعول بهِ معيناً كالمعاش والجزاء))(2).

إنّ ابن أبي الحديد لم يجزم برأي واحد، بل تعدد أقواله في المحل الإعرابي لكلمة (الإحصاء)، فالرأي الأول كما أشرنا قال إنه مفعول مطلق من غير لفظ فعله(3). فكيف استدل على ذلك، ولا يوجد ما يدل على حذف فعلهِ؟، فبِمَ قدر ولفظة (الإحصاء) سُبقت بحرف جر وهو (الباء). و إذا أخذنا بما ذكره ابن أبي الحديد، فلا بد من قاعدة نحوية تحكم كلامنا، وهناك قاعدة نحوية تشير إلى أن عامل المفعول المطلق يجوز حذفه في موضع المصادر غير المؤكدة إن دلّ عليه دليل(4). وهنا لم نجد ما يدل على حذف عامل المفعول المطلق.

أما الرأي الآخر الذي ذكره ابن أبي الحديد وقال فيه: إن كلمة (الإحصاء) مفعول له، وليس في السياق ما يرجّح هذا الوجه، استنادا إلى دلالة المفعول لأجله، التي مرّ ذكرها قبل قليل.

ويبقى الوجه الثالث من قول ابن أبي الحديد، والذي ذكر فيه أنّ (الاحصاء) مفعول به، وهنا نقول: إنّ المفعول به هو الذي يقع عليه فعل الفاعل، وهو فضلاً عن ذلك اسم مفعول غير مقيّد بحرف جر أو غيره(5).

ص: 67


1- ينظر: شرح نهج البلاغة: 6 / 244 - 245
2- بهج الصباغة: 11 / 308
3- ينظر: شرح نهج البلاغة: 6 / 244
4- ينظر: الموجز في قواعد اللغة العربية : 259، النحو المصفی: 432، معاني النحو: 2 / 651
5- ينظر: جامع الدروس العربية: 3 / 5، التطبيق النحوي: 2 / 506

ويبدو أن ابن أبي الحديد في رأيه هذا نظر إلى دلالة كلمة (أحاطكم)، التي تعني: جعل احصاء أعمالكم كالسور الذي يحيط بكم، ومن هنا تكون كأنّها مفعول به من حيث المعنى وليس من حيث الإعراب. أن تكون (بالاحصاء) جارا ومجرورا، وهو موضعها المألوف في الإعراب.

وينتقل ابن أبي الحديد ليشرح قول الإمام علي (عليه السلام): ((وأثركم بالنعم السوابغ، والرفد الروافع، وأنذركم بالحجج البوالغ، فأحصاكم عدداً، ووظّف لكم مدداً في قرار خيرةٍ، ودار عبرةٍ أنتم مختبرون فيها، ومحاسبون عليها))(1).

بقوله: ((الضمير في (فيها) يرجع إلى الدار، وفي (عليها) إلى (النّعم) و(الرّفد) ويجوز أن يرجع إلى الدّار أيضاً على حذف المضاف أي على سكانها))(2).

وقد ردّ التستري بقوله: ((بل يرجع في (عليها) إلى الدّار معینا کما في (فيها) بدون حذف مضاف، بل من قبيل (وأسأل القرية) والمراد فيه أهلها))(3).

فإذا أخذنا قول ابن أبي الحديد: إنّ الضمير (فيها) يرجع إلى الدار و(عليها) إلى (النّعم)، فالنعم نفسها موجودة في الحياة الدنيا، وهنا يصح أن يعود الضمير في (فيها وفي عليها) على الدنيا، والمعنى لا يتغير، لأنّ النعم والرفد موجودة في الدنيا، فلا يبقى مسوّغ للفصل بين دلالة الضمير في الموضعين، بعد أنْ صارت الدلالة واحدة.

ثم يُجوّز ابن أبي الحديد أن تعود كلمة (عليها) إلى (الدار)، والمقصود بذلك دار الدنيا، لكن هذه المرة على نية حذف المضاف، أي على سكانها(4). فكيف يكون

ص: 68


1- نهج البلاغة: 1 / 133
2- شرح نهج البلاغة: 6 / 246
3- بهج الصباغة: 11 / 310 -311، والآية: 82 من سورة يوسف
4- ينظر: شرح نهج البلاغة: 6 / 246

هناك مضاف تقديره سكانها، وقد عُوّض بالضمير المستتر في الكلمات (أثركم، وأنذركم، فأحصاكم، وظّف لكم، وأنتم مختبرون ومحاسبون). ونلاحظ أن هذه الضمائر المستترة كلّها، لا تحتاج إلى تقدير ولا إلى حذف مضاف.

أما إذا أردنا حذف مضاف فلا بد من اتباع قاعدة، أو مجموعة قواعد منها: يجب أن يحذف المضاف بدلالة القرائن الدالة عليه، وهناك وجهان لحذفه:

الأول: هو الإتساع في المعنى، والآخر على سبيل الاختصار(1)، وحذف المضاف الذي ذكره ابن أبي الحديد لا يتناسب مع أحد الوجهين المذكورين، بل كان هناك ما يعوض التقدير، وهو الضمائر التي ذكرت.

أما ما قاله التستري من عودة الضمير المشار إليه على الدنيا، من دون حذف مضاف، بل من قبيل (وأسأل القرية)(2)، والمراد فيه أهلها(3). وقد ظنّ هنا أنّه يردّ على ابن أبي الحديد، ولكنّه وافقه تماما على حذف المضاف، لأنّ (واسأل القرية)، حُذف منه كلمة (أهل)، كما أجمع على ذلك البلاغيون والمفسّرون.

وينتقل ابن أبي الحديد ليشرح قولاً آخر من أقوالهِ (عليه السلام) التي يذمّ فيه الدنيا ويحذّر من الاغترار بها فيقول (عليه السلام): ((وإن أهل الدنيا كركبٍ بينا هم حلّوا إذْ صاح بهم سائقهم فارتحلوا))(4). فشرح ذلك بقولهِ: ((فأما إذ وإذا فإن أكثر أهل العربية يمنعون من مجيئها بعد بينا وبينما، ومنهم من يُجيزه، وعليه

ص: 69


1- ينظر: معاني النحو: 3 / 137
2- سورة يوسف: 82
3- ينظر: بهج الصباغة: 11 / 310 - 311
4- نهج البلاغة: 4 / 96

جاء کلام أمير المؤمنين))(1).

وقد ردّ التستري على ذلك بقولهِ: ((لم أدرِ من منع من أهل العربية ما قال، بل قال ابن هشام، ومن وجوه (إذا) أن تكون للمفاجأة وهي الواقعة بعد (بینا) و(بینما)... وقال الجوهري: ((إذ، لا يليها إلِّا الفعل نحو قولك بينما أنا كذا إذ جاء زید))(2).

فعلى قول ابن أبي الحديد فإن الأمثلة كثيرة في منع (إذ) و(إذا) في جواب (بینا) و (بینما)، فقال الأصمعي: ((إذ وإذا في جواب بينا وبينما لم يأت عن فصیح والصحيح أنه عربي، ولكن تركه أفصح))(3) ويستدرك الأصمعي فيقول: إنها عربية الأصل، ولكنه يفضل تركها على الأخذ بها للأسباب التي ذكرها، وتبع الأصمعي في قوله الكثيرون. والأصمعي يعلم أن اللغة العربية تؤخذ من الإمام علي (عليه السلام)، فهو سيد الفصحاء، واستعماله للكلمة التي اعترض عليها الأصمعي هو ردٌّ على الأصمعي نفسه ودحضاً لقولهِ.

أما ما قاله التستري وهو أنه لم يضعّفها أحد، وإنها تأتي للمفاجأة، وحقّاً هي تأتي للمفاجأة، وقد جاء ذلك على ألسنة الكثير من أهل اللغة، فضلاً عمّن ذكرهم هو، فجاء قول بعضهم: أن تكون للمفاجأة، ولا تكون (إذ) للمفاجأة إلّا أن يكون مجيئها بعد (بینا) و(بینما)، وقال سيبويه: بينا أنا كذا إذ جاء زيد(4).

ص: 70


1- شرح نهج البلاغة: 2 / 52
2- بهج الصباغة: 11 / 439
3- الجنى الداني في حروف المعاني: 376، ينظر المفصل في صناعة الإعراب: 214
4- ينظر: الجنى الداني في حروف المعاني: 189، الموجز في قواعد اللغة العربية: 389

ومن خلال هذا نقف إلى جانب ما ذكره التستري لأنه اعتمد كلام الإمام (عليه السلام) وهو (عليه السلام) الذي أخذت عنه قواعد العربية. هذا فضلا عمّا أشار إليه سيبويه وهو أسبقمن الأصمعي.

وينتقل ابن أبي الحديد لشرح قوله (عليه السلام): ((أدحض مسؤول حجّةً، وأقطعُ مغترٍّ معذرةً، لقد أبرحَ جهالةً بنفسِهِ))(1)، بقوله: ((جهالة منصوب على التمييز))(2).

وقد ردّ التستري عليه بقولهِ: ((كونه تمييزاً أيضاً غير معلوم بل الظاهر كونه مفعولاً له، أي أتى بالشدة لنفسه للجهالة، ويمكن أن يكون مفعولاً به))(3).

فقول ابن أبي الحديد إنّ (جهالة) منصوب على التمييز، يستدعي الوقوف على تعريف النحويين للتمييز، ثم موازنة ما قاله بذلك: فالتمييز: ((اسم نكرة فضله، يوضّح كلمةً مبهمةً أو يفصّل معنى مُجملاً.))(4).

ففي قوله (عليه السلام) لم نرَ أن كلمة (جهالة) أزالت الإبهام عن الإنسان، وإنّما أزالت الإبهام عن جهل الإنسان، وهذا يسميّه النحويّون (تمييز نسبة)، وهو غالبا ما يكون محوّلا عن فاعل أو عن مفعول(5)، واستنادا إلى هذا، يكون ما قاله ابن أبي الحديد هو المناسب للدلالة.

أما التستري فقد ذكر رأيين ولم يرجح أحدهما على الآخر، فقال في الأول:

ص: 71


1- نهج البلاغة: 11 / 238
2- شرح نهج البلاغة: 11 / 240
3- بهج الصباغة: 12 / 136
4- التطبيق النحوي: 257
5- ينظر: شرح قطر الندى: 377، معاني النحو: 2 / 750

كلمة (جهالة) مفعول له، وفي الثاني: مفعول به.

وهنا لابدّ من ترجيح أحد الرأيين على الآخر، فالمفعول له هو: ((الغرض الحامل على الفعل ولما كان كل حكيم وعاقل لا يفعل الفعل إلا لغرض جعل ذلك الغرض مفعولاً من أجله))(1). فلا يُعقل أن يعجب الإنسان بنفسه من أجل الجهل، ومن هنا لا تكون (جهالة) مفعول له بهذه الدلالة.

أما قول التستري أنّ (جهالة) مفعول به، فكما هو معلوم، فالمفعول به اسم منصوب يقع عليه الفعل(2). فإذا فهمنا من هذا القول أن المفعول به هو ما وقع عليه فعل الفاعل، نفهم من ذلك أنّ (أبرح) تكون بمعنى الفعل الماضي، ويكون فاعلها ضميراً مستتراً، وكلمة (جهالة) تكون مفعولاً به قد وقع عليها فعل الفاعل المستتر في (أبرح)، هذا من جانب نحوي، فإذا أردنا أن نقوي تلك الدلالة النحوية بأخرى لغوية فلا بد لنا من معرفة معنى كلمة (جهالة) كما ذكرتها كتب اللغة فجاء في معنى الكلمة المذكورة هي من الجهالة بالشيء يعني عدم معرفته أو إدراكه(3).

فإذا تبيّن أن الجهالة هي عدم معرفة الشيء وإدراكه، فهي من أسباب الضلالة والخسران، ويكون العلم وهو نقيضها سبيلا للنجاة، وكما جاء في قوله تعالى: «... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ...»(4).

ومن خلال هذا يتبيّن لنا أن الإنسان الجاهل هو بعيد عن خشية الله تعالى، وهذا يعود بنا إلى مطلع خطبته (عليه السلام) حيث ذكر فيها قوله تعالى «يَا أَيُّهَا

ص: 72


1- ينظر: الخصائص: 2 / 172، اللمع في العربية: 85
2- الاجرومية: 17، ينظر: التطبيق النحوي: 189، معاني النحو: 2 / 506
3- ينظر: لسان العرب: 15 / 98
4- سورة فاطر: 28

الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ»الكريم»(1)، فغرور الإنسان واعراضه عن عبادة ربه آتٍ من جهلهِ وعدم معرفتهِ باللهِ.

فمن هذا كله نستدل على أنّ كلمة (جهالة) واقعةٌ موقع المفعول به. وبالعودة إلى ما قلناه عن (تمييز النسبة) المحوّل من المفعول به، يكون توجيه التستري مقبولاً، ولكنّه أضعف من توجيه ابن أبي الحديد كما يبدو من السياق.

وينتقل ابن أبي الحديد إلى شرح قولٍ آخر من أقواله (عليه السلام) جاء فيه: ((ما الدنيا غرّتك، ولكن بها اغتررت، ولقد كاشفتك العِظاتِ))(2)، بقوله: ((العظات منصوب على حذف الخافض، أي: كاشفتك بالعظات، وروي العظاتُ بالرّفع على أنّه فاعل وروي كاشفتك الغطاء))(3).

وقد ردّ التستري بقولهِ: ((الوجه النصب لأن قوله بعد ((وأذنتك)) أي الدنيا، يدل على أنّ المراد هنا أيضاً أن الدنيا كاشفة بمواعظها الحالية التي فوق المقاليّة لأن في المقال يجيء الكذب ولا يجيء في الحال))(4).

إذا أخذنا كلام التستري والذي ذهب به مذهباً أدبياً، إذ أنه تحدث بكلام أدبي، ولم يعطِ العلة أو السبب النحوي، والذي جعل من اللفظة المذكورة منصوبة، فما هي العلة التي حملها عليها ليكون حقها النصب. الظاهر إنّه حملها على المفعول به بقرينة قولهِ في ذكر الدنيا، وأراد (بكاشفتك) الفاعل مضمر فيها ويعود على الدنيا، إذن الدنيا هي الفاعل والعظات مفعول بهِ على رأي التستري دون ذكر

ص: 73


1- سورة الانفطار: 6
2- نهج البلاغة: 2 / 215
3- شرح نهج البلاغة: 11 / 243
4- بهج الصباغة: 12 / 143

لفظة المفعول بهِ كما أشرنا إلى ذلك. وهو بهذا يتفق مع ابن أبي الحديد في أنّها مفعول به، ويختلف معه في عدم قوله بنزع الخافض، والخافض هو حرف الجر الذي قدّره(1). وكما هو معلوم فإنّ نزع الخافض عن الكلمة المجرورة، يحُوّلها إلى مفعول به، ولكنّ التستري لم يقل ذلك. واكتفى الحكم الإعرابي العام.

ونشير هنا إلى أنّ زيادة الألف في (كاشفتك) هي لتعدية الفعل(2). فالكاف ضمير متصل تقديره أنت قد وقع عليه فعل الفاعل، وهو مفعول بهِ أول منصوب، و(العظات) هي مفعول به ثان منصوب أيضاً وقع عليه فعل الفاعل. هذا ما سوّغ لنا توجيه كلام الشارحين.

وينتقل ابن أبي الحديد ليشرح قوله (عليه السلام)، الذي حذّر فيه الناس من المنافقين، فيذكر لهم بعض صفاتهم: ((يتلوّنون ألواناً، ويفتنون افتاناً... ويعمدونكم بكل عماد، ويرصدونكم بكل مرصاد، قلوبهم دويّة... وصفاحهم نقيّة يمشون الخفاء))(3)، بقوله: ((الخفاء منصوب بنزع الخافض))(4).

وقد ردّ التستري بقوله: ((بل الظاهر أنه مفعول مطلق كما في قولهم (رجعت القهقرى)))(5).

أما كلمة (يمشون) فهي فعل ماضٍ، وهذا ما يزيد قول ابن أبي الحديد قوة، على ان الكلام السابق الذكر هو منصوب على حذف الخافض وتقدير الكلام

ص: 74


1- ينظر: نزع الخافض في القرآن الكريم: 265
2- ينظر: شذا العرف: 31
3- نهج البلاغة: 2 / 166
4- شرح نهج البلاغة: 10 / 166
5- بهج الصباغة: 12 / 424

يكون: يمشون في الخفاء. أما ما ذهب إليه التستري من أنّها مفعول مطلق بدلالة قولهم (رجعت القهقرى)، فالقهقرى ضرب من الرجوع، وفي قولهم (قعدت القرفصاء)، القرفصاء ضرب من الجلوس(1)، ولكنّ الخفاء لا يختصّ بالمشي فقط حتى يكون مفعولا مطلقا، إذ يمكن أن يُقال (يتكلّمون الخفاء) أيضا، وهكذا يكون قول ابن أبي الحديد هو الراجح هنا.

وفي الخطبة ذاتها علّق ابن أبي الحديد أيضاً على قوله (عليه السلام): ((ويدبّون الضراء))(2)، بقوله: ((نصب (الضراء) أيضاً بنزع الخافض مثل (الخفاء)))(3).

أما التستري فقال: ((أنك قد عرفت ثمة أن النصب بالمفعول المطلق النوعي وهذا مثله))(4). وهنا نقول القول نفسه، بأنّ نزع الخافض أولى من قول المفعول المطلق، على وفق التوجيه السابق.

وينتقل ابن أبي الحديد ليشرح قول الإمام (عليه السلام): ((ولم يُخْلِ الله سبحانه خلقَهُ من نبيّ مُرسلٍ أو كتاب منزل أو حجةٍ لازمةٍ أو محجّةٍ قائمةٍ... رسل لا تقصر بهم قلة عددهم. ولا كثرة المكذبين لهم من سابق سُمّيَ له مَنْ بعدهِ أو غابر عرَّفهُ من قبلهِ))(5)، بقوله: ((أن الفاعل في قولهِ (عليه السلام) ((عرّفه من قبلهِ)) والمقصود بذلك من نبي سابق عرفه من يأتي من بعده کما عرفهُ على الذين من قبله، فالفاعل هنا هو (مَنْ) في جملة (عرّفه مَنْ قبلهِ)))(6).

ص: 75


1- شرح المفصل: 1 / 277
2- نهج البلاغة: 2 / 166
3- شرح نهج البلاغة: 10 / 166
4- بهج الصباغة: 12 / 424
5- نهج البلاغة: 1 / 24
6- شرح نهج البلاغة: 1 / 116

فقد ردّ التستري بقولهِ: ((أن الفاعل فيه ضمير (الله) كما في قوله (عليه السلام) (سُمّی)))(1).

فابن أبي الحديد جعل الفاعل (مَنْ) وهي اسم موصول بمعنى (الذي) ويعود على نبي لاحق، فتقدير الكلام: أي عرّفه النبي السابق له، وجاء ذلك على وفق مقتضيات السياق الذي يتحدّث عن الأنبياء، هذا فضلا عن أنّ (من) لا يمكن أنْ تكون هنا بمعنى آخر غير ما ذكرنا.

أما التستري، فلم يذكر أيّ مسوّغ نحوي لجعل الفاعل في (عرّفه) ضمير (الله)، وكذلك لم يقل شيئا بشأن (من) حتى يكون اعتراضه على ابن أبي الحديد مقبولاً.

هذا فضلا عن أنّ حالة استتار الفاعل إذا وردت، يكتفي النحويون بلفظ الفعل، ويكون هناك دليل على ما أبقوا ليعرف من خلاله ذلك الفاعل(2).

وهناك حالات أخرى في الضمير المستتر قد أشار إليها النحويون فقد يعود الضمير المستتر على متأخر لفظاً، وإن كان الأصلُ في الضمير أنّه يعود على الأقرب، والأقرب هنا (النبي اللاحق)، وهذا ما يقوّي ما ذهب إليه ابن أبي الحديد، ويجوز أن يعود على الأبعد مع وجود قرينة، والتستري أعاده على الأبعد من دون قرينة، لذا فالراجح هنا ما ذهب إليه ابن أبي الحديد.

وينتقل ابن أبي الحديد ليشرح قولاً آخر من أقوال الإمام (عليه السلام) والذي قاله في رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((ولقد واسيته بنفسي في المواطن

ص: 76


1- بهج الصباغة: 2 / 31
2- ينظر: شرحان في الأرواح في علم الصرف: 42

التي تنكُصُ فيها الأبطال، وتتأخر الأقدام، نجدةً أكرمني اللهُ تعالى بها))(1)، بقوله: ((نجدة أكرمني الله بها مفعولاً مطلقاً حذف عامله))(2).

وقد ردّ التستري بقوله: ((الصواب كونه خبراً، أي تلك المواسات نجدة أكرمني الله بها))(3).

فابن أبي الحديد يرى أنه: مفعول مطلق حذف عامله، وه-و وإنْ لم يذكر علة ذلك، فإن علماء النحو يجيزون حذف العامل هنا إذا دلّ عليه دليل(4)، والدليل هنا يمكن أن نأخذه من السياق.، وتكون الجملة: (أنجدته نجدة)، والسياق هنا يتعلق بنجدة الإمام (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) في حياته.

أما ما ذهب إليه التستري في اعتراضه على ابن أبي الحديد، فيبدو بعيدا عن السياق، لأنّ التستري احتاج إلى تقدير بعيد حقّا، ومهما يكن فليس من الخطأ ما ذهب إليه.

ولعلّ (نجدة) تكون مفعولا به مقدما على فاعله لفظ الجلالة (الله)، وهناك سبب يسوّغ هذا التوجيه، وهو توكيد الإمام على تلك النجدة التي يعرفها المسلمون جميعا. وهذا الاستعمال مألوف في لغة القرآن. فجاء في قوله تعالى «وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ...»(5). فالأهمية هي ما يجعل الكلام المفعول به يتقدم، وفي الآية السالفة الذكر، نظراً لأهمية الحدث

ص: 77


1- نهج البلاغة: 2 / 171
2- شرح نهج البلاغة: 10 / 182
3- بهج الصباغة: 4 / 72
4- ينظر: معاني النحو: 2 / 581
5- سورة الأنفال: 50

الذي يقع على الكافرين، تقدم ذكرهم على الملائكة على الرغم من أن الملائكة هم الفاعل، وهذا لا يختلف من حيث المعنى مع قوله (عليه السلام)، فلأهمية (النجدة) التي أعطاها الله له (عليه السلام) في الوقت الذي كانت الأبطال تنكص وتنهزم، فهو لم يتخلّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وواساه بنفسهِ في المواطن كلّها، بفضل تلك النجدة، إذن نرى أنّ تلك الصفة (المفعول به) يحق لها أن تتقدم على فاعلهِا، للأسباب التي ذكرناها، فقرينة انهزام الأبطال قابلتها تقدم (النجدة) في موقعها من الكلام، ومن هنا تقدم المفعول به على الفاعل.

وفضلاً عن هذا فإن هناك من ذكر أن المفعول يتقدم على الفاعل في حال انتفاء اللبس، بين من هو الفاعل ومن هو المفعول به، فإن لم يكن هناك لبس بينهما جاز التقديم(1)، وهنا لا يوجد أي لبس بين الفاعل والمفعول بهِ.

٭٭٭٭٭٭ إن الردود الخلافية التي ردّ بها التستري على ما جاء به ابن أبي الحديد في هذا المبحث (مبحث النقد النحوي)، لم تكن صادرة عن خلاف عقائدي بين الشارِحَيْن، وإنّما كانت اختلافات يفرضها فَهْمُ كلّ واحد منهما للنصّ، وأحيانا رغبته في بيان فكرة ما، يعتقد أنّ ما يأتي به من توجيه، يكون أقدر على بيانها.

فالخلافات النحوية التي كان يراها التستري لم يكن يشعر أنّها سوف تقدم فهماً يغيّر به توجيه نص الإمام (عليه السلام) إلى ما يرتبط بعقيدته، فهو يرى أنّ الخلاف النحوي بين ما يقوله ابن أبي الحديد وما يذهب إليه هو يقدم معنىً آخر، أو دلالة أخرى في النص، ولكنها في الأحوال كلّها، لم توجه توجيهاً عقائدياً كما

ص: 78


1- ينظر: شرح قطر الندى وبل الصدى: 186

أشرنا، ومن هنا يمكن أنْ نفسّر تلك الخلافات بحسب نظرية القراءة والتلقي، فإن العصر، والثقافة التي نشأ فيها ابن أبي الحديد، كانت ثقافة متنوعة، إذْ كثرت في زمانه الخلافات بين الفرق والاديان مما ساعد على توسع الثراء المعرفي عنده، ففكره فكر معتزليّ، جعله يتبع ما يقوله العقل أكثر من اعتماده على النقل، أما التستري والذي يُعد معاصراً، فقد فرض عليه فكره فهماً آخر للنصوص، والمرجعيات الثقافية والدينية له أخذت تفرض عليه زاوية نظر أخرى غير تلك التي كان ينظر من خلالها ابن أبي الحديد، فلكل من الشارحيْن أسبابه واتجاهاته التي جعلته يفهم النص بحسب تلك الأسباب، وإلّا فالشارحان كانا يرجعان إلى مصادر نحوية واحدة، ولكنّهما ينتقيان من المصادر ما يتيح لكلّ واحد منهما، توجيه النص نحويا على وفق ما يسعى إليه، ولكم من دون مخالفة لقواعد اللغة.

ص: 79

ص: 80

الفصل الثاني ردود النقد الأدبي المبحث الأول: النقد الأدبي المبحث الثاني: النقد البلاغي

ص: 81

ص: 82

المبحث الأول: النقد الأدبي

إن قضية المعنى في التراث النقدي العربي قديمة قِدَم التراث وأهميتها لا تقل عن أهمية اللغة نفسها، فاللغة عبارة عن مجموعة ألفاظ، وتلك الألفاظ لا قيمة لها لولا وجود المعنى الذي ينبع عن تلك الألفاظ، فالمعنى مرتبط باللفظ، واللفظ موثوق بالمعنى، فلا يمكن وجود أحدهما ما لم يوجد الآخر، ونظراً لتلك الأهمية التي اكتسبتها هذه القضية فقد آهتم الكثير من النقاد بها، وكان من أبرز الآراء بين ما ذكره النقاد هو ما جاء على لسان الجاحظ قال: ((والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والبدوي والقروي، والمدني وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ...))(1)، فالمعاني التي أشار إليها الجاحظ لا تختص بقومٍ دون سواهم، بل إن الجميع يعرفها، لكن الأهم في ذلك هو كيفية توظيف تلك المعاني، فذلك يكون من خلال اللفظ والذي يتمم المعنى.

ولقد نقل عن بشر ابن المعتمر وهو يحثّ أحدهم بالابتعاد عن التعقيد والذي من شأنهِ يأتي بالغموض في المعاني، فقال: ((إياك والتوعر، فإن التوعّر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك. ومن أراد معنىً كريماً فيلتمس له لفظاً كريماً، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف...))(2).

ص: 83


1- الحيوان: 3 / 131
2- البيان والتبيين: 1 / 136

فقد ساوی بشر بين مساحة اللفظ ومساحة المعنى فالمعاني تابعة للألفاظ ونابعة منها، وهناك من يرى في المعنى إنه لب العملية الابداعية وجوهرها، ويمكن أن يعد روح الابداع الأدبي، فلا يمكن للأدب أن يكون أدباً ما لم يكن منسجماً مع المعنى(1).

أما معاني نهج البلاغة فهي مقرونة بألفاظ الإمام (عليه السلام)، وإن تعددت الآراء في شرح ألفاظه (عليه السلام) فذلك نتيجة طبيعية إلى أن تتعدد في المعاني، فقد تعددت آراء ابن أبي الحديد والتستري التي وردت في نهج البلاغة، وتناولا بذلك عدد من القضايا وأحاطوها بآستشهادات أدبية. كان من ذلك ما تناوله ابن أبي الحديد في شرحه لقول الإمام (عليه السلام) والذي كان الإمام (عليه السلام) فيه ينتقد بعض أفعال المسلمين إذ قال: ((وأعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة أعراباً...))(2).

فشرح ابن أبي الحديد ذلك بقوله: ((الأعراب على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أمن به من أهل البادية ولم يهاجر وهم ناقصو المرتبة عن المهاجرين، وقال: صارت هذه الكلمة أي (صرتم بعد الهجرة أعرابا) جارية مجرى المثل، وأنشد الحَجاج على منبر الكوفة:

قد لفها الليل بعصلبي ٭٭٭ أروع خراج من الدوي مهاجر ليس بأعرابي))(3).

وقد ردّ التستري على ذلك بقوله: ((قد عرفت الأصل في الهجرة والأعرابية،

ص: 84


1- ينظر: المعنى في النقد العربي القديم حتى نهاية القرن السابع الهجري، اطروحة دكتوراه: 2
2- نهج البلاغة: 2 / 155
3- شرح نهج البلاغة: 13 / 179

ولم يكن للكلام ربط بالمثل...))(1).

لم يقل ابن أبي الحديد إن كلامه (عليه السلام)، أصبح مثلاً، بل أشار إلى أنه جرى مجرى المثل، فالتستري قد فهم معنى كلام ابن أبي الحديد على غير ما أراده هو. ولاحظنا ان كتب الأمثال قد خلت من كلامهِ (عليه السلام)، ويمكن أن نسمي مثل هذا الكلام الذي توارثه بعض الكتّاب وغيرهم وضمنوه في كلامهم من مأثور القول. ولم يكن هذا الكلام وحده ممن تناقلته الناس عن الإمام (عليه السلام) بل ان هناك من اعتمد على نهج البلاغة بكاملهِ(2).

وكلامه (عليه السلام) (صرتم بعد الهجرة أعراباً) مأخوذ من دلالة قوله تعالى: «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(3)، فعندما أصبح كلامه (عليه السلام) جاري مجرى المثل، فإنه يقال على سبيل الذم، لا على سبيل المدح.

وبذلك يكون كلام ابن أبي الحديد هو الأقرب إلى المعنى من كلام التستري.

من قوله (عليه السلام)، جاء ضمن خطبةٍ تعد من خطب الملاحم، وكان (عليه السلام) محذراً الناس من الخطأ والزلل في دار الدنيا، وبعد كلام طويل له (عليه السلام) قال: ((أين تذهب بكم المذاهب، وتتيه بكم الغياهب، وتخدعكم الكواذيب. ومن أين تؤتون وأنّى تؤفكون. فلكل أجل كتاب، ولكل غيبة إياب))(4).

ص: 85


1- بهج الصباغة: 2 / 229
2- ينظر: التذكرة الحمدونية: 17
3- التوبة: 97
4- نهج البلاغة: 1 / 208

شرح ابن أبي الحديد قول الإمام (عليه السلام) بقوله: ((استثنى عبيد بن الأبرص من العموم الموت فقال وكلّ ذي غيبة يؤوب ٭٭٭ وغائب الموت لا يؤوب وهو رأي زنادقة العرب. فأما أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو الثاني صاحب الشريعة التي جاءت بعود الموتى فإنه لا يستثنى ويحمّق عبيداً في استثنائه.))(1).

أما التستري فقد ردّ بقوله: ((كلام ابن أبي الحديد مختل منحلّ، فإن عبيداً وإن كان جاهلياً ليس في مقام إنكار البعث، بل مراده أنّ الغائبين بالسفر يرجعون في الدنيا إلى أوطانهم وأهاليهم وأما الغائب بالموت فلا يرجع إلى أهلهِ أبداً.))(2).

وقد أضاف التستري إلى ذلك أن بيت عبيد بن الأبرص في معلقتهِ، قد جاء بعدد من الحِكم، كان منها بيته القائل:

وكل نعمة مخلوسها ٭٭٭ وكل ذي أمل مكذوب وكل ذي إبل موروثها ٭٭٭ وكل ذي سلب مسلوب(3) ونلاحظ في هذين البيتين أن الشاعر لا يتحدث عن البعث والآخرة، وإنما جاء قوله مرتبطاً بالبيتين السابقين له، فهو يتحدث فيهما عن زوال النعم وذهاب الآمال وموت الإنسان وفنائهِ في النهاية، فمن يرث أسلافهُ اليوم يرثه خلفائه غداً، وتستمر هذه السلسلة الحياتية إلى ما شاء الله.

فضلاً عن ذلك فإننا نلاحظ في البيت دلالة اليأس، وقصر الحياة وضعف

ص: 86


1- شرح نهج البلاغة: 7 / 189، والبيت في ديوان عبيد: 26
2- بهج الصباغة: 6 / 129
3- ينظر: م، ن: 6 / 129، والبيتان في ديوان عبيد: 25 - 26

الأمل ثم انقطاعه، فهذان البيتان يعدّان قرينة مهمة يمكن من خلالها توجيه قول الشاعر ومعرفة دلالته، للقرينة في الشعر أو النثر أهمية الوقوف على المعنى، فاللفظ المشترك إذا أطلق من غير قرينة كان ذلك مبهماً غير واضح القصد، أو المعنى، أما إذا أضيفت إليه القرينة صار مختصاً بشيء بعينه(1).

فقرينة ذكر البيتين هي ما تجعل المعنى الذي ذكره ابن أبي الحديد بعيداً عن قصد ومراد الشاعر، ولا يمكن لنا أن نقبل كلام الشاعر إذا نظرنا إلى البيت من الأفق الذي ينظر من خلاله ابن أبي الحديد فهو كان يرى أن البيت يتحدث عن عدم عودة الأموات، وهذا المعنى الذي كان الأقرب إلى فهمهِ، وعلى ما ذكره التستري فهو يحمل معنى آخر، هو إن كل غائب يعود يوماً ما، مهما كان بعده، لكن الغائب بالموت لا يعود إلى هذه الدنيا، وليس القصد أنه لا يعود في الحياة الآخرة، فابن أبي الحديد أصبح أمام معنيين، كان أحدهما قريب وهو الذي أخذه، والآخر البعيد ولم يتطرق إليه، فهذا يدل على إن في الكلام تورية، وهي قد تترك إيهاماً في ذهن المتلقي، لأن اللفظ يكون له معنيان أحدهما قريب والآخر بعيد، وفي الغالب المطلق يراد المعنى البعيد ليس القريب الواضح(2).

أما إذا عدنا إلى القرينة وما تتركه من فهم للنص والإمساك بخيوط المعاني والوثوب على المخالطة والاشتراك مع المعاني الأخرى، فلا بد من الإشارة إلى وجود قرينة أخرى تدل على أن القصد من شعر عبيد بن الأبرص هو ليس نفي البعث يوم القيامة، فقد جاء كلام ابن أبي الحديد في ذكره لكلام الإمام (عليه

ص: 87


1- ينظر: الفلك الدائر على المثل السائر: 4 / 294
2- ينظر: البديع عند الحريري: 299، البلاغة العربية: 2 / 373

السلام) (فلكل أجل كتاب) فقال عنه أظنه منقطعاً عمّا قبله(1)، وأيضاً ذكر كلامه (عليه السلام) (ولكل غيبة إياب) جعلها مرتبطاً بما قبلهِ(2). وذكر بيت عبيد من خلال هذا، أراد أن يخضع قول الإمام (عليه السلام) إلى ما يريد أن يقوله، لا يخضع هو لما أراد أن يقوله الإمام (عليه السلام)، فجعل من قول الشاعر مناقضاً لقوله (عليه السلام). ثم أن ابن أبي الحديد نسب قول عبيد إلى آراء زنادقة العرب قال هذا وهو ينظر إلى شركهم وعدم أيمانهم في حياتهم الجاهلية، لكن هذا لا يعني أنهم لا يؤمنون بالبعث والحساب، فعبيد وغيره من الجاهليين كانوا أصحاب عقيدة توحيد، ففي الجاهلية كانت هناك الديانة الحنفية، وإن كانوا يتقربون بالأوثان إلى الله تعالى، فقد كانوا يؤمنون بالابتعاث والحياة الآخرة ودليل على ذلك حجّهم البيت والالتزام ببعض التعاليم الدينية منها الاختتان(3)، فضلاً عن هذا فقد وصف بعض العلماء على أن الذين عاشوا الحقبة الممتدة بين ميلاد المسيح (عليه السلام) ورسالة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) أنهم أناسٌ من أهل التوحيد(4).

وقد شرح ابن أبي الحديد قول الشاعر:

سقوني سلوةً فسلوت عنها ٭٭٭سقى الله المنية من سقاني(5) فقال في معنى البيت: ((أي سلوت عن السلوة واشتد بي العشق ودام))(6).

ص: 88


1- ينظر: شرح نهج البلاغة: 7 / 190
2- ينظر: شرح نهج البلاغة: 7 / 190
3- ينظر: الحياة والموت في الشعر الجاهلي: 14
4- ينظر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 1 / 42
5- لم يذكر ابن أبي الحديد نسبة البيت الشعري، ولم أعثر عليه إلا في جمهرة اللغة: 2 / 860، وقد أغفل ذكر قائله
6- شرح نهج البلاغة: 19 / 426

وقد ردّ التستري بقوله: ((ما فسره خلاف الظاهر، والظاهر أن المراد سلوت عن المحبوبة، وإنما دعا عليها لأن عنده في العشق لذة أزالها الراقي.))(1).

يمكن أن يكون قول ابن أبي الحديد هو الأقرب لما قاله الشاعر، لأنه قد ميّز بين لفظ السلوة الأولى والثانية، فلكل منهما معنى مختلف السلوتين واحتسب أن المعنى واحدٌ، وهو ما يخص عشق الشاعر.

أما إذا أخذنا المعنى الذي أشارت إليه اللغة في كلمة (سلوة) فقد قيل إن السلوة هي من السلوان وهو الدواء الذي يسقى به المريض(2)، وهنا يتبينّ من خلال ما ذكرته اللغة، أن الشاعر العاشق، كان مريضاً بحب معشوقته، وقد سقي السلوة للشفاء من مرضهِ، لكنه أعرض عنها وقال: (سلوت) وقد أشارت اللغة إلى هذا المعنى فقيل (سلوت) أي لم أنسَ ولكن تركته عمداً(3)، وقيل في هذا المعنى أيضاً: إذا ألهيت نفسك عن الشيء وانشغلت بغيره(4).

فالشاعر يريد هنا أن يقول قد سقوني دواءً حتى أنسى من كنت أعشق، وقد سُقي سلوة فسلا عن محبوبتهِ، وأظهر ندماً على سلوتهِ لها فدعا بالنسبة على من سقاه تلك السلوة.

وفي خطبةٍ أخرى من خطبة (عليه السلام)، كان يذم فيها بعض الصفات، والتي جاء فيها قوله (عليه السلام): ((البخل عار. والجبن منقصة. والفقر يخرس

ص: 89


1- بهج الصباغة: 9 / 94
2- ينظر: لسان العرب: 14 / 395
3- ينظر: م، ن. 14 / 395
4- ينظر: جمهرة اللغة: 2 / 191

الفطن عن حجتهِ. والمقل غريب في بلدتهِ.))(1).

فقد شرح ابن أبي الحديد قول الإمام (عليه السلام) بقوله: ((مالك نورك، فإن أردت أن تنكشف ففرقه وأتلفه، وقال خلف الأحمر لا تظني أن الغريب هو النائي، ولكنما الغريب المقل))(2).

وقد أضاف إلى ذلك التستري قوله مستشهداً ببيت شعري:

ألم ترَ بيت الفقر يهجر أهله ٭٭٭ وبيت الغنى يهدى له ويزار(3) إن ما نقله ابن أبي الحديد من كلام له، ومن كلام لخلف الأحمر، هو ألفاظٌ متعددة لمعنى قوله (عليه السلام)، فالغريب الذي ذكره خلف هو الغريب الذي ذكره الإمام (عليه السلام)، والسبب هو الفقر، والإمام (عليه السلام) ذكر قولاً في المعنى ذاتهِ، إذ انه قال: ((الغنى في الغربة وطن. والفقر في الوطن غربة))(4).

فالغريب من قلَّ ما له ذلك ما يدعو لإعراض الناس عنه، وهذا المعنى ما جاء عليه بيت ابن نباتة المصري والذي نقله التستري.

فإذا كان على قوله (عليه السلام) الفقر في الوطن غربة، هو ما يقابله الشطر الأول من بيت الشاعر، أما الشطر الأول من قوله (عليه السلام) (الغنى في الغربة وطن) هو ما يمكن أن يقابله بالمعنى الشطر الثاني من البيت والذي سبق ذكره.

واستناداً إلى ما تقدّم نخلص إلى أنّ التستري وافق ابن أبي الحديد في بيان معنى

ص: 90


1- نهج البلاغة: 4 / 3
2- شرح نهج البلاغة: 18 / 88
3- ينظر: بهج الصباغة: 13 / 226. والبيت لإبن نباتة المصري
4- نهج البلاغة: 4 / 14

کلام الأول، واستشهد كل واحدٍ منهما بما رآه مناسباً من الشواهد. ولا يخفى أن خلفاً الأحمر الذي استشهد بكلامه ابن أبي الحديد، وابن نباتة الذي استشهد بشعرهِ التستري، أهذا من قول الإمام (عليه السلام) وبينا عليه ما قالا، ولا شك أن الاستشهاد کشف عن هذا كله.

وينتقل ابن أبي الحديد ليشرح قوله (عليه السلام) والذي كان يمدح فيه الأنصار: ((هم والله ربوا الاسلام کما یربي الفلو مع غنائهم بأيديهم البساط وألسنتهم السلاط))(1). بقوله والذي ذكر فيه بعض الأبيات: (( إن الذي أرسى دعائم أحمدٍ ٭٭٭ وعلى بدعوتهِ على كيوان أبناء قيلة ورثوا شرف العُلا ٭٭٭ وعراعر الأقبال من قحطان بسيوفهم يوم الوغى وأكفهم ٭٭٭ ضربت مصاعب ملكه بجران لولا مصارعهم وصدق قراعهم ٭٭٭ خرّت عروش الدين للأذقان فليشكرن محمدٌ أسياف من ٭٭٭ لولاه كان كخالد بن سنان(2) وهذا افراطٌ قبيح، ولفظٌ شنيع، والواجب أن يصان قدر النبوّة عنه، وخصوصاً البيت الأخير))(3).

فابن أبي الحديد هنا استوقفه البيت الأخير فضلاً عمّا سبقه، لأن الإفراط فيه أبشع حينما وجّه الشاعر خطابه للنبي (صلى الله عليه وآله)، وطلب منه بأسلوب غليظ، أن يشكر سيوف الأنصار، إذ لولاهم لكان كخالد بن سنان وهو النبي الذي ضيّعه

ص: 91


1- م، ن: 4 / 106
2- خالد بن سنان: هو أحد بني مخزوم من بني عبس وهو نبيٌ من ولد اسماعیل (عليه السلام)، وهو الذي أطفأ الله به نار الحرتين كانت تلك النار ببلاد عبس. ينظر: ثار القلوب في المضاف والمنسوب: 573
3- شرح نهج البلاغة: 20 / 185، والأبيات في ديوان الوزير المغربي: 24

قومه، وهذا تشبیه افتراضي لا يصح أن يشبه به النبي (صلى الله عليه وآله).

أما التستري فإنه قد اتفق مع ما ذكره ابن أبي الحديد من فرطٍ في الأبيات، فقال: ((بل ليشكرَّ الأنصار له (صلى الله عليه وآله) قال تعالى: «بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»))(1).

فالتستري ألتفت إلى القرآن الكريم، واستشهد بالآية المباركة ليجعل المنَّ كلّه لله الذي هدى الأنصار خاصة والمسلمين عامة إلى الإيمان، وبذلك لا يبقى مسوّغ للشاعر لقول ما قاله.

وعلى الرغم من أتفاق ابن أبي الحديد والتستري على افراط الشاعر في أبياته، فهذا الافراط لم يكن بدواعٍ فنية لجأ إليها الشاعر، وإنما ذلك هو مؤشرٌ على اضطراب عقيدته، أو انه أراد المدح فوقع في هذا المعنى المنحرف عن روح الإسلام.

فضلاً عمّا ذكره فإن النبي (صلى الله عليه وآله) أرسل رحمة للعالمين، وجاء قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»(2). فليس هو (صلى الله عليه وآله) من يترحم عليه الأنصار.

وفي مسألة أخرى من مسائل نقد المعنى، إذ ذكر ابن أبي الحديد في شرح قوله (عليه السلام): ((ومن رضي عن نفسهِ كثر الساخط عليه))(3)ببيتين شعريين قال فيهما الشاعر:

إذا كنت تقضي أن عقلك كامل ٭٭٭ وأن بني حواء غيرك جاهل

ص: 92


1- بهج الصباغة: 14 / 5، والآية من سورة الحجرات: 17
2- الأنبياء: 107
3- نهج البلاغة: 4 / 4

وإن مفيض العلم صدرك كله ٭٭٭ فمنذا الذي يدري بأنك عاقل))(1) وقد ردّ التستري بقوله: ((لكنه كما ترى معنى آخر.))(2).

وعلى ما ذكره التستري، فإن ما ذكره ابن أبي الحديد من بيتين شعريين، أراد من خلالهما الوصول إلى المعنى الذي قاله (عليه السلام)، فالمعنى في قول الإمام (عليه السلام)، إن الرضا عن النفس هو سبب لنتيجة سخط الناس عليه، أما معنى البيتين فالشاعر أراد أن يقول إذا کنت تضن أن عقلك كامل، فيمكن أن يكون غيرك ينظر إليك على غير ماتراه أنت في نفسك، ويمكن أن نقول ان المعنى الذي يمكن أن يكون قريباً مما ذكره ابن أبي الحديد في بيتي الشاعر هو من الحِكَمة التي تقول: ((أنت لا ترى عيب نفسك فسل من ترضى عقله ونصحه يعرّفك))(3)، فالتستري لم يوفق في اعتراضه لأنه أتي بالمعنى نفسه الذي جاء به ابن أبي الحديد، ولكنه لم يلقه أحق.

وفي موضع آخر وحول معنى قوله (عليه السلام) والذي جاء فيه: ((ليس بلد بأحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك))(4).

فقال ابن أبي الحديد في هذا المعنى: ((وذهب كثير من الناس إلى غير هذا المذهب فجلعوا مسقط الرأس أحق به قال الشاعر:

أحب بلاد الله ما بين منبج ٭٭٭ إلي وسلمى أن يضرب سحابها بلاد بها نطيت علي تمائمي ٭٭٭ وأول أرضي مسَّ جلد ترابها

ص: 93


1- شرح نهج البلاغة: 18 / 101، والبيتان مجهولان نسبة القائل
2- بهج الصباغة: 14 / 352
3- محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: 33
4- نهج البلاغة: 4 / 103

وكانت العرب إذ سافرت حملت معها من تربة أرضها ما تستنشق ريحه وتطرحه في الماء إذا شربته، وكذلك كانت فلاسفة اليونان تفعل))(1).

وقد ردّ التستري على ذلك بقوله: ((ما ذكره أعم، فإن الوطن من حيث هو أحق من غيره، وكلامه (عليه السلام) فيما إذا لم يحمله وطنه فأختياره حينئذ سفاهة، وقال البحتري:

أضيع في معشر وكم بلد ٭٭٭ يعد عود الكباء من حطبهِ وقال أيضاً:

وإذا ما تنكرت لي بلاد ٭٭٭ أو خليل فإنني بالخيار))(2) إن أصل الاختلاف فيما ذهب إليه الشارحان هو في معنى قوله (عليه السلام)، فإن ابن أبي الحديد ذهب إلى غير ما قاله الإمام (عليه السلام)، وذكر أبياتاً تؤيد ما قاله.

أما التستري فإنه ذهب إلى معنى قوله (عليه السلام)، وذكر أبيات البحتري التي تختلف في معناها مع ما ذكره ابن أبي الحديد، فكان يريد بالبلد الذي يحملك، وقول البحتري الذي نقله في بيته الأول يصف حاله إنه غير مقيّد في بلدٍ بعينه ففي ذلك يكون الخيار له في أي بلدٍ أراد، ويمكن أن يكون هذا المعنى والذي أُخذ من الإمام (عليه السلام) هو مأخوذاً من قوله تعالى: «...أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ

ص: 94


1- شرح نهج البلاغة: 20 / 91، والأبيات قائلها جارية هذا ما نقله عن حفص بن الأروع الطائي. بلاغات النساء: 199
2- بهج الصباغة: 14 / 457، والبيت الأول في ديوان البحتري، 242، والبيت الثاني في ديوانه أيضاً: 987

وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا...»(1).

ومن هذا فإن العيش لا يقتصر على مسقط الرأس، وقد نقل عن الهند قولهم: ((حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك إذا كان غذاؤك منهما وغذاؤهما منه))(2).

ولم يكن القصد من بلد مسقط رأسك، أو كما يسمى البلد الأم، وإنما بلدك الذي يأويك، وإن كان الحنين إلى الموطن الأصل باقي عند من رحلوا عن بلادهم.

وقد نقل عن أعرابي قوله: ((رملة حضنتني أحشاؤها، وأرضعتني أحساؤها))(3).

فلم يكن الأعرابي في قوله مشيراً إلى أن البلد أو الرملة التي احتضنته هي بلده الأول أو كما يقال مسقط الرأس، وإنما أراد بذلك البلد الذي احتضنه، سواء أكان بلده، أو بلد آخر قد هاجر إليه.

فابن أبي الحديد عند مخالفته لقوله (عليه السلام)، لم يأتِ بمعنی مناقض أو مخالف لما ذكره (عليه السلام)، وإنما ذكر أبياتاً هي في الحنين أو في حب الوطن، ليس في أيهما أحق الذي ولدت فيه أم الذي عشت وترعرعت فيه، وبهذا كان معنى الأبيات ليس بالمعنى الصائب للغرض.

والأبيات التي ذكرها التستري أيضاً هي ليست بالمعنى الدقيق الذي يقابل معنى قوله (عليه السلام)، وإنما هي الأقرب إذ ما قيست بقول ابن أبي الحديد

ص: 95


1- النساء: 97
2- رسائل الجاحظ: 2 / 385، ينظر: ديوان المعاني: 2 / 188، ينظر: ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: 287
3- البصائر والذخائر: 9 / 205، ينظر: ربيع الأبرار: 386

ومدى ابتعاده عن قول الإمام (عليه السلام).

فمعنی أبيات البحتري هي لوصف حرية اختيارك البلاد التي ترغب بالعيش فيها، وغير مقتصر على بلدٍ بعينهِ، أما قوله (عليه السلام) فهو يدل على أحقية البلد الذي أنت تسكن فيه.

ونقل عن الجاحظ قوله في حب الأوطان فقال: لا يقتصر حب الأوطان على الإنسان بل يتعدى ذلك إلى الحيوان الذي يألف المكان الذي يعيش فيه(1).

فهذه الألفة التي تحدث عنها الجاحظ هي ما تجعل كل بلاد غريبة بالنسبة لسكانها في أول الامر، مألوفة له بعد حين. لذلك يصبح بلدك ويكون هو الأحق فيك كما جاء في قوله (عليه السلام)، ولابد من الإشارة إلى أن الشارحين استشهدا بالشعر لبيان ما يريدان، وكان ما يأتي به الشعر من أفكار يستشهد بها تكون هي الميزان المعرفي الذي يقاس به كل شيء من حولهِ. وهذا لا يمكن التسليم به في عامة الأمور والقضايا، فهو ضمن اطار الشعر نفسه، وعلى الرغم من هذا، فهذا كله لا يمنع أن يكون الشاهد الشعري میزاناً يهتدي به هذا الشارح أو ذاك لبيان ما يريده، لأن الأصل عنده هو إظهار المعنى وطريقة إيصاله، والشعر هو الطريق الأكثر نجاحاً في إيصال ذلك، فقد كانا ابن أبي الحديد والتستري ناقدین للمعنی من خلال استعمالهما للشعر كشاهدٍ على رأييهما.

الموازنة:

إن الموازنة في التراث النقدي قديمة فهي ممتدة إلى العصر الجاهلي بجذورها الأولى، وقد طرأت عليها تغيرات وتطورات بسيطة عبر قرون عدة، لكن النقلة

ص: 96


1- ينظر: الرسائل السياسية: 123

والتطوير الكبير الذي حدث لهذا النوع من النقد كان على يد الحسن بن بشر الآمدي (ت 371 ه)، فيعد كتابه (الموازنة) إنموذجاً تتوج فوق قمة النقد التراثي، فهو وجه التجديد البارز في الموازنة شكلا ومضمونا، ففي الشكل قد تحول من السماع الذي كان شائعاً إلى القراءة، ومن الردود النقدية الشفوية الملفوظة إلى ردود مكتوبة(1)، فلا يمكن لأي موازنة بين شاعرين، أو قصيدتين، او أي موازنة أخرى يكتب لها النجاح ما لم تأخذ بعض الخطوات التي رسمها الآمدي في كتابه والذي عقد من خلاله موازنة بين شاعرين كبيرين هما البحتري وأبو تمام واللذان عاشا في زمان واحد، فلا يمكن الموازنة بين شاعرين قد عاش أحدهما في الجاهلية والآخر في الإسلام، او شاعر في العصر الأموي والآخر في العباسي، كما لا يمكن عقد موازنة بين قصيدتين قد اختلفتا في الغرض فالأغراض والمعاني في قصيدة المدح تختلف عن الأغراض في قصيدة الهجاء.

أما الموازنة هنا في النقد الأدبي لیست موازنة بين شاعرين، او قصيدتين، وإنما هي موازنة بين ما ذكره ابن أبي الحديد من أبيات وما ردّ به التستري على توجيه تلك الأبيات، فمن ذلك خطبة له (عليه السلام) المسماة بالشقشقية نطلع على قضية من قضايا الموازنة في النقد الأدبي، إذ استشهد فيها الإمام (عليه السلام) ببیت للأعشى:

شتان ما يومي على كورها ٭٭٭ ويوم حيّتان أخي جابر(2) وعن دلالة البيت ومعناه الذي ذكره الإمام (عليه السلام)، قال ابن أبي الحديد ((وقريب من تمثله (عليه السلام) تمثل الفضل بن الربيع بأبيات البعيث

ص: 97


1- ينظر: النقد الأدبي ومدارسه عند العرب: 138
2- نهج البلاغة: 1 / 32، والبيت في ديوان الأعشى: 147

في حرب الأمين والمأمون، ورخاوة الأول وشدة الثاني.

لشتّان ما بيني وبين ابن خالد ٭٭٭ أمية في الرزق الذي الله يقسم يقارع أتراك بن خاقان ليلة ٭٭٭ إلى أن يرى الإصباح لا يتلعثم وأخذها حمراء كالمسك ريحها ٭٭٭ لها أرج من دنّها يتنسّم فيصبح من طول الطراد وجسمه ٭٭٭ نحيل وأضحى في النعيم أصمم))(1) وقد ردّ التستري بقوله: ((البيت الثالث لا ربط له بما قبله وما بعده، وقد نقل الطبري الأبيات ولم ينقله فيها))(2). إن البيت الثالث الذي ذكره ابن أبي الحديد لم یکن موجوداً في ديوان البعيث نفسه، وكما أشار إلى ذلك التستري من ان البيت لم يجده في تاريخ الطبري(3).

إذا لاحظنا البيتين الأولين والبيت الأخير، يتضح انسجام المعنى والدلالة، فالبيت الأول أراد من خلاله الشاعر أن يميز بين نفسه وبين أمية بن خالد(4).

وقد استعمل الفضل بن الربيع(5)هذه الأبيات ليميز أو ليوازن بين الأمين والمأمون، ما وصف الأول بالرخاوة والثاني بالشدة، فهناك شتان ما بين الاثنين.

وقد أضاف الشاعر البيت الثاني والذي أشرنا إلى ارتباطه بالبيت الذي قبله، والذي يقارع الاتراك هو أمية بن خالد بن عبد الله، وكما لاحظنا أن البيت الثاني

ص: 98


1- شرح نهج البلاغة: 39
2- بهج الصباغة: 5 / 65
3- ينظر: تاريخ الطبري: 7 / 67
4- أمية بن خالد بن عبد الله كان من أمراء خراسان فضلًا عن ولايته كان مقاتلًا. ينظر: الفتوح لابن أعثم: 6 / 349
5- الفضل بن الربيع: وزير هارون الرشید. الإنباء في تاريخ الخلفاء: 85

كان مشدوداً مع البيت الأول في المعنى والدلالة.

أما البيت الثالث وهو الذي خالف به التستري ابن أبي الحديد:

وأخذها حمراء كالمسك ريحها ٭٭٭ لها أرج من دنّها يتنسم(1) نلاحظ إن هذا البيت لا يكمل معنى البيتين السابقين، لأن الشاعر خصّ به وصف الخمرة، فيكون بهذه الدلالة خارج سياق النص المستشهد به، ويبدو أن ابن أبي الحديد أخذ ما يؤديه النص من دلالة تنسجم مع بیت الأعشى عند موازنة المعنى، ومن هنا فإنه لا يعبأ كثيراً بدلالة البيت الثالث لوحدهِ.

ولكن ورود بیت الخمرة في قصائد الفروسية أمر مألوف في الشعر العربي، إذ كثيراً ما ارتبط حديث الشعراء عن الخمرة بالفروسية فقد نُقل عن الأعشى أنه: ((قد تخضبت كفه من حُمرة الخمرة، فلا يزال يسقيهم حتى نفذ ما عنده من خمر دون أن يفقدوا رشدهم، ثم يقومون إلى ركابهم وخيلهم...))(2).

وهذا يوضّح شدة الارتباط بين الشعراء والخمرة والفروسية، والذي نلحظه هنا إن التستري وإن كان معترضاً على عدم ارتباط البيت الثالث بالقصيدة من جهة، فمن جهة أخرى كان مقتنعاً باستشهاد ابن أبي الحديد بالأبيات من خلال موازنتها مع حديث الأعشى الذي استشهد به الإمام (عليه السلام). وإذا صحَّ ما نقوله هنا فإن هذا الموطن من المواطن التي وافق فيها التستري ابن أبي الحديد.

وفي قول آخر من أقواله (عليه السلام)، وقد تعرض بالكلام لمن سبقه من

ص: 99


1- ديوان البعيث: 39
2- السرد القصصي في الشعر الجاهلي: 225

الخلفاء فقال: ((إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه، بين نثليه ومعتلفه))(1).

قال ابن أبي الحديد عن ذلك: ((وكلامه (عليه السلام) من ممض الذم، وأشد من قول الحطيئة:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ٭٭٭ وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي الذي قيل إنه أهجی بیت للعرب))(2).

وقد ردّ التستري بقوله: ((قول الحطيئة لم يقل أحد إنه أهجی بیت، وإنما لما شکی الزبرقان الذي هجاه الحطيئة بالبيت إلى عمر فقال عمر: لا أراه هجاءً. فكل من الناس طاعم كاسٍ. قيل بل إنه هجاء شديد، وأهجى من قول الحطيئة قول الطرماح:

تميم بطرق اللوم أهدى من القطا ٭٭٭ ولو سلكت سبل المكارم ضلّت وأهجى من قول الطرماح قول الأخطل:

قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ٭٭٭ قالوا لأمهم بولي على النار وكلامه (عليه السلام) أذم من الجميع...))(3).

إن ما ذكره ابن أبي الحديد على إن قول الحطيئة أهجی بیت قالته العرب فهذا له ما يؤيده في أقوال بعض العلماء العرب، منها ما قاله الإعجاز والإيجاز من ان هذا البيت: ((من أوجع هجاء الاسلاميين))(4)، وهذا تمتين لما ذكره ابن أبي

ص: 100


1- نهج البلاغة: 1 / 35
2- شرح نهج البلاغة: 1 / 197، والبيت في ديوان الحطيئة: 119
3- بهج الصباغة: 5 / 144، وقول الطرماح في ديوانه: 74، والأخطل دیوانه: 148
4- الإعجاز والإيجاز: 137

الحديد، ثم ذهب التستري ليوازن بين الحطيئة وبين الطرماح ليؤكد ان الأول ليس على النحو الذي قاله ابن أبي الحديد، بل بيت الطرماح أهجى منه، ثم يقفّي ذلك بقولهِ انّ بيت الأخطل أهجي من قول الطرماح.

أما الذي يراه البحث هنا ان الأبيات الثلاثة من أبيات الهجاء المقرع، وكل بيت له سمته وشكله الهجائي الذي يميزه عن غيره من الأبيات الأخرى والتي اختصت بالهجاء أيضاً. والحق إن موازنة التستري بين بيت الحطيئة وبيت الطرماح مقبولة، لأن البيتين يتضمنان الإشارة إلى المكارم. أما بيت الأخطل فلا صلة له بقرينة معنى الموازنة، إلّا في إطار الهجاء العام. يضاف إلى هذا إن النقاد العرب لم يجمعوا على ان بيت الحطيئة هو أهجى بيت قد قيل في الهجاء، كما إننا لا نرى أي اجماع على بيت آخر في الهجاء حتى يكون أهجى بيت، فذلك متعلق بقراءة النقاد للأبيات.

المفاضلة بين الشعراء:

فكرة المفاضلة بين الشعراء تعد من أهم الأفكار النقدية في العصر الجاهلي، وهي مسألة ذوقية فتارة تكون معتمدة على الذوق العام الذي يفاضل بين هذا الشاعر أو ذاك، وتارة أخرى تعتمد على الذوق الخاص، فهذا يفضل شاعرا على غيره، والآخر على العكس منه، وهنا تكون المفاضلة عندما تقترب مستويات الشعراء واجادتهم، ويمكن أن تربط هذه القضية بالشعور النفسي لدى المتلقي والذي يحكم بأفضلية هذا الشعر على ذلك وبالتالي هو حكم على الشاعر نفسه، وتعد الموازنة التي أجراها الآمدي بين الطائيين من أهم أنواع المفاضلة إذ رسم خطوطاً واضحة عندما أخذ معايب الشاعرين واجادتهم وأخذ آراء من توافق معهما ومن تخاصم، فلم يكتفِ بأخذ الآراء من فريق واحد فإذا كان صاحب الرأي من أنصار أحد الشاعرين قد يكون حكمه إيجابي بدافع العاطفة، وإذا كان

ص: 101

خصمٌ لأحدهما قد يصدر حكماً سلبياً بدافع نفسي أيضاً، وقيل: ((إن المفاضلة بين الشعراء أمر تقريبي ولا يجوز أن يؤخذ على سبيل القطع، والوصول في المفاضلة إلى درجة الجزم أمر غير ممكن، إنما يتم الترجيح فيها على سبيل التقريب...))(1).

لذلك جعل ابن قتيبة اقتران أبيات القصيدة وعدم تنافرها هو من أسباب التفاضل بين الشعراء.

وهنا نتناول ما ذكره ابن أبي الحديد في شرحهِ وردّ عليه التستري في مفاضلة كلٍّ منهم لشاعرٍ كان يراه هو الأعلى كعباً في شعره، بحسب الثقافة الأدبية لدى الشارحين فضلاً عن الآثار النفسية بالنسبة لهما، ومن تلك القضايا ما تناوله ابن أبي الحديد في قضية المفاضلة بين الشعراء الجاهليين ومن كان متقدماً عليهم، فقد نقل ابن أبي الحديد قال: هناك روايات عن جرير والأحنف والحطيئة في تقديم زهير، وقال: روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال أفضل شعرائكم القائل: (ومن ومن) يعني بذلك زهير بن أبي سلمى في قصيدته (أمن أم أوفى) وفيها قوله:

ومن يك ذا فضل فيبخل بفضلهِ ٭٭٭ على قومهِ يستغن به ويذمم ومن لم يذد عن حوضهِ بسلاحه ٭٭٭ يهدم ومن لم يظلم الناس يُظلم ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ٭٭٭ ولو نال أسباب السماء بسلّم ومن لم يجعل المعروف من دون عرضه ٭٭٭ يقره ومن لم يتق الشتم يشتم(2) وقد ردّ التستري بقوله: ((وبعدهم باقي السبعة صاحب السبعة المعلقات، وهذا معنى بحث عنه في كل زمان عموماً وخصوصاً وكل ما قال بهواء...))(3).

ص: 102


1- تاريخ النقد الأدبي عند العرب: 567
2- ينظر: شرح نهج البلاغة: 20 / 158، والأبيات في شرح ديوان زهير بن أبي سلمى: 50
3- بهج الصباغة: 14 / 40

إن قضية تفضيل شاعر على غيره من الشعراء هي قضية غير متفق عليها، فتبقى هذه المسألة تابعة لذوق الناقد، فلا يمكن مقارنة شاعر بآخر وقد عاش كل منهما في زمان مختلف، أو عصرين بعيدين تاريخياً أو قد تناولوا أغراضاً مختلفة، وأحاطت بهم بيئات ومرجعيات ثقافية مختلفة، فذلك يؤدي إلى نتاج مختلف قطعاً، لكن هناك بعض الشعراء ممن تكررت أسماؤهم عند النقاد القدامى والمحدثين فامرؤ القيس وزهير والنابغة هم شعراء الطبقة الأولى مع الأعشى عند ابن سلام(1)، ولكنّ ابن أبي الحديد مال إلى تفضيل زهر عليهم، استناداً إلى ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله).

إن تكرر أسم الشاعر لا يعني أنه أفضل الشعراء، بل يمكن إنه يمكن أن يعد من الشعراء المتقدمين في شعرهم.

ويمكن أن نتصور أن أكثر ما قيس به الشعراء من حيث الموازنة بين شعرهم، وتفضيل شاعر على آخر هو قولهم: ((أشعرهم امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا وهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب))(2).

ونجد أن هناك من الرواة، أو النقاد من أعجب بشعر هذا الشاعر دون ذاك وقدمه على غيره، وآخر أعجب بآخر لأسباب هو يراها رفعت من شعره، لكن مثل هذه الحالات لا تعد عامة، بل إنها خاصة تلاحظ عند ناقدٍ دون غيره، فقد نقل عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: ((ختم الشعر بذي الرمة والرجز برؤبة بن العجاج))(3).

ص: 103


1- ينظر: طبقات فحول الشعراء: 1 / 51
2- التذكرة الحمدونية: 8 / 356، ينظر العقد الفريد: 6 / 120، نهاية الأرب في فون الأدب: 4 / 106
3- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: 89

ومثل هذا الرأي لا نجده عند غيره حتى يمكن أن يعد إجماع على شاعر بعينهِ، فالآراء متفرقة بين الأزمان والأماكن والنقاد.

ومثلما أهتم بشعراء الجاهلية وغيرهم، وجعلوا هناك من تقدم في صفةٍ ما ومن تأخر لسبب ما، فهناك من أهتم بالشعراء المقلين وأوجد من بينهم شاعراً يعد أشعرهم وقيل إن المتلمس هو من كان متقدماً عليهم(1).

وهناك من زعم ان امرأ القيس هو من كان متقدماً عليهم(2)، قد يكون هذا الوهم ناتج من اعتقادهم بأن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) قال: امرؤ القيس حامل لواء الشعراء إلى النار(3). ولأن شعراء الجاهلية بنص القرآن الكريم هم خالدون في النار، قال تعالى: «وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ۞ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ۞ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ»(4).

فاعتقدوا ان لعظيم شعر امرئ القيس، فهو متقدمٌ إلى النار كما هو متقدم في شعره. فإن مسألة تقديم شاعر بذاته على جميع الشعراء هي مسألة لم يتفق عليها، وإذا كان هناك اتفاق على شاعر، فلا يعدو بعض الرواة أو النقاد الذين اتفقوا على تفضيله، ولا يمكن أن يعمم على جميع الرواة والناقدين في جميع العصور.

ومن خلال هذا نلاحظ أن التستري قد وافق على ما قاله ابن أبي الحديد، ثم أضاف لهؤلاء الشعراء شعراء القصائد السبع الطوال الجاهليات (المعلقات)، وعدهم من المتقدمين في الشعر على غيرهم، ولكنه استدرك بقوله أن قضية

ص: 104


1- ينظر: خزانة الأدب: 6 / 345
2- ينظر: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: 200
3- ينظر: م، ن: 200
4- الشعراء: 224 - 226

المفاضلة بين الشعراء بحث عنها في كل زمان وكل ما قيل نابع من هوى صاحب القول(1).

وينتقل ابن أبي الحديد لينقل قولاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((قال لحسان: من أشعر العرب؟ قال: الزرق العيون من بني قيس بن ثعلبة قال لست أسألك عن القبيلة. إنها أسألك عن رجلٍ واحد. فقال: إن مثل الشعر كناقة نحرت فجاء امرؤ القيس فأخذ سنامها وأطائبها، ثم جاء المتجاوران من الأوس والخزرج فأخذا ما ولى ذلك منها، ثم جعلت العرب تمرعها حتى إذا بقي الفرث والدم جاء عمر بن تميم والنمر بن قاسط فأخذاه. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ذلك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها، حامل يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار))(2).

وقد ردّ التستري بقولهِ: ((وروى الخطيب في (تاريخ بغدادهِ) عن عفيف بن معد يكرب قال: كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فجاء وفد من أهل اليمن فقالوا له: لقد أحيانا الله ببيتين من شعر أمرئ القيس. قال لهم: وما ذاك؟ قالوا أقبلنا نريدك حتى إذا كنا بموضع كذا وكذا أخطأنا الماء فمكثنا لا نقدر عليه، فانتهينا إلى موضع طلع وممر فانطلق كل منا إلى أصل شجرة ليموت في ظلّها فينا نحن في أخر رمق إذا راكب قد أقبل معتم، فلما رآه بعضنا تمثّل.

ولمّا رأت أن الشريعة همّها ٭٭٭ وأن بياضاً في فرائصها دامي تيمّمت العين التي عند خارج ٭٭٭ يفيء عليها الظل عرمضها طامي

ص: 105


1- ينظر: بهج الصباغة: 14 / 40
2- شرح نهج البلاغة: 20 / 169

فقال الراكب: من يقول هذا الشعر؟ قلنا امرؤ القيس، قال: هذه والله خارج أمامكم وقد رأى ما بنا من الجهد...

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ذاك مشهور في الدنيا خامل في الآخرة، مذكور في الدنيا منسي في الآخرة، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار))(1).

إن ابن أبي الحديد حينما أورد هذه الرواية أراد من خلالها أن يجعل الشعراء ثلاث طبقات، فالطبقة الأولى امرؤ القيس والثانية شعراء الأوس والخزرج والثالثة شعراء تميم. ثم يأتي قول النبي (صلى الله عليه وآله) في بيان فضل امرئ القيس وما أراد ان يقوله ابن أبي الحديد هو قضية خلافية جدلية، هي قضية أشعر العرب وكيفية تفضيل شاعر على آخر، أو الأخذ بآراء السواد الأعظم من النقاد عن المفضل في هذه المسألة، فابن أبي الحديد أراد أن يقول أن المقدّم من شعراء العرب هو امرؤ القيس، وكان خير دليل على تقديمه هو كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لكن في كلامه (صلى الله عليه وآله) جنبتان الأولى هي دنيوية وهي ما رفعت من قدر الشاعر ومنزلته بين الشعراء، والأخرى أخروية، فبقدر ما رفع من شأنه الشعري في الدنيا هبطت مكانته في دار الآخرة، فكلامه (صلى الله عليه وآله) فيما يخص حياة الشاعر إذ كان الشاعر المقدّم على غيره عند العرب، ولكن هذا التقديم في المنزلة، لا يوازيه في الآخرة شيء، لأن الشاعر مات مشركاً فهو خامل الذكر في الآخرة بخلاف الدنيا.

وعلى الرغم من تأخر زمن ابن أبي الحديد فقد ظلَّ امرؤ القيس هو المقدم على غيره من الشعراء. وكان للآراء النقدية القديمة ضرب من القداسة جعلها

ص: 106


1- بهج الصباغة: 14 / 55، والبيتان لم أجدهما في ديوان الشاعر

تتكرر في العصور كلها.

ولهذا وافق التستري ابن أبي الحديد، استناداً إلى هذه الحقيقة الأدبية وقدم امرأ القيس.

بقي أن نشير إلى أن امرأ القيس كان مقدماً على غيره في العصر الجاهلي وظل على مكانته في العصر الاسلامي.

٭٭٭٭٭٭ إن ردود التستري والتي تكررت في مبحث النقد الأدبي (نقد المعنى الموازنة المفاضلة بين الشعراء)، كانت قد توزعت بين ردود اعتراضية، إذ كان التستري في هذه الردود معترضاً على ابن أبي الحديد، سواء كان ذلك الاعتراض على بعض الأبيات الشعرية، أو على مقولة أدبية، ولذلك كان الاعتراض الصادر من التستري يقدم أمامه بديلاً سواء إن كان كلاًّ أو جزءاً أي في المعنى أو الغرض.

أما النوع الآخر من الردود فقد كان مؤيداً به ابن أبي الحديد في أقواله وآرائه النقدية، فيأتي بما يتوافق مع المعنى الذي ذكره ابن أبي الحديد، في هذين النوعين من الردود لم يكونا متساويين من حيث العدد، أو متقاربين، فإن الردود ذات الصفة الاعتراضية أكثر من تلك الردود ذات الجنبة التوافقية. وغالباً ما تكون العقيدة الدينية لدى التستري هي الدافع الأهم بالنسبة للاعتراضات، والتي يراها مخالفة لما يعتقد به، ليس دينياً فحسب بل للأثر الديني في تكوين شخصية التستري آثاراً متعددة ظهرت مع التستري الناقد فقبوله للمعاني النقدية أو رفضه لها صادر من ذوق أدبي جذوره عقائدية.

ص: 107

المبحث الثاني: النقد البلاغي

حرص علماء اللغة في البصرة والكوفة على حفظ اللسان العربي من اللحن، وكان ذلك جزءاً من حفاظهم على لغة القرآن الكريم بعد أنْ اختلط العرب والمسلمون بالأمم الأخرى، ودخول غير العرب في الإسلام. أما البحث البلاغي فأنه ((لم ينشأ نشاة مستقلة كما نشأت العلوم الأخرى، إنما توزعت في مراحله الأولى في بيئات علمية متعددة، أسهمت كل منها بنصيب في نموه وتطوره))(1) وجاء العلماء الذين أرادوا أن يقدموا خدمة أخرى للقرآن الكريم، تتمثل في إظهار بعض جوانب إعجازه البياني، فأسسوا بعد ذلك لعلوم البلاغة الثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع، ومن خلال تلك العناوين الثلاثة تفرعت علوم البلاغة الأخرى، وصارتْ البلاغة: ((ليست ألفاظاً فقط، ولا معاني فحسب، بل هي ألفاظ يعبر بها عن معان...))(2).

ويمكن أن نقول نعم هي ألفاظ يعبر بها عن معان، لكن ليس تعبيراً هدفه أن يوصل المعنى للآخر، بل يضيف لذلك الجمال، حتى يمكن أن يكون الجمال موازياً للمعنى من حيث أهميته، باعتماده على المجاز وأساليبه من كناية واستعارة وتورية وغيرها من أساليب المجاز المتعددة، ومثلما أرادت البلاغة أن تقف على

ص: 108


1- البلاغة العربية بين الناقدين الخالدين عبد القاهر الجرجاني وابن سنان الخفاجي: 15
2- الإعجاز والإيجاز: 5

القيم الجمالية لألفاظ القرآن الكريم، فقد جعلت البلاغة من القرآن نفسه مركزاً لانطلاقاتها وإذا رجعنا إلى أصول البلاغة وبداياتها نجد أن أول كتاب وضع في هذا الفن هو كتاب (مجاز القرآن) لأبي عبيدة المتوفى سنة 206 ه، قيل إنه وضع على إثر سؤال وجه إليه في مجلس الفضل بن الربيع عن معنى قوله تعالى: «طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ»(1).

وكيف أن الله تبارك وتعالى شبه الطلع برؤوس الشياطين(2). فكانت ولادة البلاغة ومهدها هو القرآن، وبقيت ملازمةٌ له، فلا يعرف وجه إعجاز القرآن إلّا بالبلاغة، فمن خلالها ندرك ما فيه من خصائص البيان، وتتبين لنا براعة أسلوبه، وانسجام تأليفه.

ومن هنا ولأن كلام الإمام (عليه السلام) مطبوع بلغة القرآن ومجتزأ من لفظه ومعانيه، فقد تناولنا في هذا البحث (النقد البلاغي) مزيتين من مزايا البلاغة العربية، وهما الكناية والاستعارة والتي وردتا في كلامه (عليه السلام) في نهج البلاغة، والتي نقلها ابن أبي الحديد في شرحه وقد ردّ على ذلك التستري في بهج الصباغة وكان من ذلك قول الإمام (عليه السلام): ((ولو وهبَ ما تنفستْ عنهُ معادنُ الجبالِ وضحكتْ عنه أصدافُ البحارِ))(3).

قال ابن أبي الحديد: هذا الكلام هو تتمة للكلام الذي سبق ضمن خطبته (عليه السلام) والذي جاء(4) فيه: ((ولا يَفِرُهُ المنعُ والجُمودُ، ولا يُكديهِ

ص: 109


1- الصافات 65
2- ينظر: المنهاج الواضح للبلاغة: 1 / 5
3- نهج البلاغة: 1 / 161
4- ينظر: شرح نهج البلاغة: 6 / 402

الإعطاءُ))(1).

أما التستري فإنه يرى ارتباط القول المذكور بكلامه (عليه السلام): ((ولا يُكديه الإعطاء))، وهذا الجزء ذكره ابن أبي الحديد، لكن التستري رفض الجزء الآخر الذي ذكره ابن أبي الحديد، وهو قوله (عليه السلام): ((لا يَفِرهُ المنعُ))(2).

ويظهر هنا أنّ ما قاله ابن أبي الحديد أبلغ في إظهار المعنى، لأن دلالة الجملتين متناسبة، في بيان أنّ نِعَم الله تعالى لايُنقصها شئ. أما التستري، فضيّق المعنى الذي قدّمته الاستعارة، لأنّه اكتفى بجملة واحدة عطف عليها الكلام المشار إليه.

وعن تتمة قوله (عليه السلام): ((ما تنفست عن معادن الجبال))(3)، قال التستري: ((هو استعارة كقوله تعالى: «وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ»، والمراد ما تشققت عنه المعادن))(4).

فالإمام (عليه السلام) أخذ مضمون الآية المباركة واستعمله في قوله (عليه السلام)، والآخر هو: استعارة التنفس للجبال، وبهذه الحالة فإنه (عليه السلام) قام بإضفاء صفة الإنسان على الجماد، فرسم تلك الصورة التي تبث الحياة في الكائن الذي لا يتنفس، وجعل ذلك للجبال أيضاً، وبهذا أراد الإمام (عليه السلام) أن تتعدد الصور في ذكره لتلك الألفاظ فبتعدد الصور تتعدد المعاني، ويتعدد معها إدراك المتلقي وفهمه لها إذ: ((يشكل الاستعمال الاستعاري بوابة لتعدد المعاني

ص: 110


1- نهج البلاغة: 1 / 161
2- ينظر: بهج الصباغة: 1 / 229
3- نهج البلاغة: 1 / 161
4- بهج الصباغة: 1 / 229، والآية: 18 من سورة التكوير

الناتجة عن تعدد الصور))(1). فتعدد الصور هدف أساس من أهداف الاستعارة، فضلاً عن جمال ما تحدثه في التعبير من قيمة جمالية اقناعية.

ورأى التستري في قول الإمام (عليه السلام): ((وضحكت عنه أصداف البحار...)) فقال أيضاً هو استعارة(2).

فجاء (عليه السلام) بلفظة (الضحك) کما جاء ب (التنفس)، فالإمام (عليه السلام) قد استعار ألفاظاً توصف بها الأحياء، وكأنه أراد أن يصف الجبال بصفة الأحياء، وهذا ما جاء به القرآن الكريم في اطلاق تلك الألفاظ على الجبال، فجاء قوله تعالى: «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ...»(3).

لقد تعددت الصور الكنائية والتشبيهية في نهج البلاغة، فضلاً عن تعدد تلك الصور وتنوعها إلّا أنه لم يكن يقتصر عليها، إذ كان: ((للكلمة دورٌ آخر لا يقل شأناً في صناعة الصور. غير أنه لابد للكلمة المفردة أن تعتاض عن ذلك التركيب بآخر جديد يحتوي المفردة نفسها غير متجاوز إلى غيرها))(4). من خلال هذا نلاحظ ان الكلمة المفردة في نهج البلاغة، لا تبقى على دلالة واحدة بل تتعدد الدلالات من الموقع الذي شغلته، فكل مناسبة للخطبة، أو حدث ذلك يؤطر الكلمة بمعنى أو دلالة أخرى مختلفة عن معناها في مكان آخر من خطبةٍ أخرى، فالمناخ الذي ترد فيه الكلمة هو الذي يرسم المعنى الجديد.

ص: 111


1- المباحث البلاغية بين الفخر الرازي والعلامة الطباطبائی (رسالة دكتوراه): 132
2- ينظر: بهج الصباغة: 1 / 229
3- الحشر: 21
4- التصوير الفنَي في خطب الإمام علي (عليه السلام): 58

وينتقل ابن أبي الحديد ليشرح دلالة كلمة (ادّعی)، في خطبته (عليه السلام): ((هلك من ادّعى وخاب من افترى))(1)، قال ابن أبي الحديد: كأنه (عليه السلام) أراد أن يقول قد هلك من ادعی حق الإمامة من المسلمين، لأنه غير ذي حق في أخذها أو التسنم لها، لأنها حقٌ إلهي لا يحق لأحد أن يفتري ذلك، وكان كلام الإمام (عليه السلام) في خطبته هذه عبارة عن کنایات متكررة(2).

وقد ردَّ التستري بقوله: وفي خطبته تعريضات وتصريحات فيها إشارة إلى موت الخلفاء الثلاثة السابقين(3). وقد قيل أنّ الكناية يؤتى بها، ((بدل التصريح لأن في الكناية سترٌّ للعيب وأنفي للريب))(4).

فالكناية تقدم فائدة أخرى غير التي قد عرفت عنها وهي تلك القضية الجمالية، فهنا يتضح عندما تستبدل عن التصريح فهي تستر بعض العيوب الفردية، لكنها لا تقلل من المعنى والأثر النفسي لدى المتلقي.

من خلال هذا نلاحظ أنّ الإمام (عليه السلام) أراد أن يكشف بطلان أقاويل من ادّعى الإمامة، ونسبها لنفسه، وهو غير محق في تلك النسبة فاستعمل (عليه السلام) ذلك الأسلوب الكنائي الذي يدرك أثره على السامع، من دون تصريح، فاللغة الإيحائية هي لغة بطبيعتها مؤثرة بما يلفّها من غموض، يجعل السامع هو من يسأل عن تلك المعاني الغامضة، وهذا ما يرد في لغة الشعر والنثر أيضاً، وقد جاء في أثر اللغة الموحية: ((إن لغة الإيحاء أقوى تأثیراً وأعلى فنّاً من لغة

ص: 112


1- نهج البلاغة: 1 / 50
2- ينظر: شرح نهج البلاغة: 1 / 273
3- ينظر: بهج الصباغة: 4 / 391
4- الامتاع والمؤانسة: 27، ينظر: الكامل في اللغة والأدب: 2 / 215، العقد الفرید: 2 / 214

التصريح))(1).

إنّ الإمام (عليه السلام) لم يبتعد في خطبته تلك عن اللغة الكنائية، وأخذ بالتصريح في كلامه كما ذكر ذلك التستري، ونحن لا نرى أيّ تعريض في كلامه بل هو كلامٌ مجازي، کما قال بذلك ابن أبي الحديد في شرحه، نعم هو ذکر بالتصريح والعلن قوله (هلك من ادعى وخاب من افتری)، لكن لم يبيّن ادّعى ماذا، فكان في ذلك إشارة واضحة من ادعى غيره الإمامة وقرينة اقتباس الآية المباركة في لفظة لها (وخاب من افترى) ذلك ما يقوّي ما ذهب إليه ابن أبي الحديد، ويجعل الكلام هو عبارة عن متتالية كنائية، يشير فيها إلى من يدعي الإمامة باطلاً.

وعن دلالة قوله (عليه السلام) الذي فيه: ((وتخرج له الأرض من أفاليذ كبدها))(2).

قال ابن أبي الحديد شارحاً قوله (عليه السلام) کلامه (عليه السلام) كناية عن الكنوز التي تظهر للقائم (عليه السلام) بالأمر، وقد جاء ذكر ذلك في مصدرٍ آخر، فضلاً عن ذلك فقد فسروا قوله تعالى: «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا»(3)، على هذا التفسير(4).

وقد ردّ التستري برواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) يذكر فيها ما يكون للقائم من أنّه تُجمع إليه أموال الدنيا من مختلف أصقاع الأرض وباطنها، وفي ذلك يخاطب الناس ويناديهم أن يأتوا إلى ما قطعوا من الأرحام، وما سفكوا فيه

ص: 113


1- التصوير الفني في خطب الإمام علي (عليه السلام): 114
2- نهج البلاغة: 2 / 22
3- الزلزلة: 2
4- ينظر: شرح نهج البلاغة 9 / 46

الدماء بغير حق أي ظلماً وعدواناً، ومشيتم في طريق ما حرم الله عليكم، ويعطي الناس ما لم يعطوه أو يروه من قبل، وذلك العطاء هو من كنوز الأرض وباطنها، كما انه سوف يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراْ، بعدما ملئت من قبل ذلك ظلماً وجوراْ(1). اتفق التستري مع ابن أبي الحديد في معنى الكناية، لكن التستري قد أضاف إلى ما قاله ابن أبي الحديد من كلام يتصل بعقيدة الشيعة من المسلمين، فكما ذكر ابن أبي الحديد إن كلامه (عليه السلام) كناية عن الكنوز التي تظهر للقائم بالأمر، وهذا ما يتصل بعقيدة الشيعة الإمامية، اتفق التستري معه وأضاف إلى قوله أنه يجمع أموال الدنيا من بطن الأرض إلى آخر قوله (عليه السلام). نلاحظ أن الإمام (عليه السلام)، کنّی کنوز الأرض وما تضمنهُ بطائنها بأفلاذ الأكباد، أراد أن يقول إن الأرض ستعطي أثمن ما تضمه في جوفها، إذ إن الأرض لم تخرج منه من قبل، فکنّی بلفظٍ لم يكنِّ به من قبل، ليقول بذلك أن الأرض سوف تخرج شيئاً، لم تخرجه من قبل، وقد ذكروا معنى الفلذ: ((العطاء بلا تأخير ولا عدة أو هو الإكثار منه))(2).

ومن هذا المعنى نستدل على كلامه (عليه السلام) أن الأرض سوف تخرج وتعطي من خيراتها دون تقتير، فالكناية هنا وسّعتْ المعني بقدر كبير، وأثّرتْ في نفس المتلقي بها توحيه من دلالة وجمال.

وهناك معنى آخر للكناية، وهذا ما ينسجم مع قوله (عليه السلام) فهي تتحدث عن الغائب في جوانب من استعمالاتها فحديثها يكون عن الغائب الذي

ص: 114


1- ينظر: بهج الصباغة: 6 / 150
2- تاج العروس: 9 / 453، ينظر: لسان العرب: 3 / 502

ليس له حضور فعلي (عليه السلام) في الجملة(1)، ففي خطبته (عليه السلام) كان يتحدث عن شخص لم يصرّح بذكره، إلا من خلال إشارة لغوية ترجمها ابن أبي الحديد، وتبعه التستري على ذلك، والسياق ذاته هو ما يجعلنا نتفق على قبول المعنى الذي ذكره الشارحان.

وقوله (عليه السلام) هو قريبٌ من معنى قوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ...»(2). إن الله تبارك وتعالى يجعل جزاء الإيمان هنا هو بركات من السماء والأرض، فالأرض بركاتها قد أدخرت إلى أن يؤمن أهل القرى حتى يفتحها الله لهم، ولأن القائم بالأمر هو المقيم لشرع الله وسنة نبيهِ، ذلك ما يجعل الأرض تُخرج له أفاليذ كبدها، فضلاً عن ذلك فقد ذكر التستري إن قوله (عليه السلام) (أفلاذ اكبادها) قد فسّر قوله تعالى: «وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا»(3).

فقد تعددت آراء المفسرين في ذلك، فقد جاء في الدر المنثور: ((تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة))(4)، وفستر آخرون قوله تعالى ليس (الأثقال) من ذهب وفضة، بل أضافوا إلى ذلك (الموتی)، فهم من أثقال الأرض(5). فأقواله (عليه السلام) معانٍ قرآنية، قد أُدخلت في سياقات أخرى لتعطي مفاهیم مختلفة، تتناسب مع سعة أذهان المتلقين. ونلاحظه (عليه السلام)

ص: 115


1- ينظر: البيان العربي: 23
2- الأعراف: 99
3- الزلزلة: 2
4- الدر المنثور: 8 / 592، ينظر: تفسير القرطبي: 20 / 147، تفسير ابن كثير: 4 / 660
5- ينظر: تفسیر المیزان: 20 / 193، تفسير الأمثل: 20 / 54

في كل حالٍ أو مقام من مقامات خطبه يعتمد نوعاً من الكلام، فمرة يقتبس من الآيات القرآنية، ومرة يصرّح، وأخری یکنّي.

وعن دلالة قوله (عليه السلام): ((الحمد لله الذي لم يصبح بي ميتاً ولا سقيماً، ولا مضروباً على عروقي بسوء))(1).

قال ابن أبي الحديد: إن كلمة (بسوء) كناية عن البرص وهذا وصف أجمعت عليه العرب، فهم كانوا يكنّون عن البرص بالسوء، وقد ضربوا الأمثال في ذلك(2).

وقد ردّ التستري بقوله: ((ما ذكره كلّه غلط وخبط، فلم يقل أحد إنّ السوء كناية عن البرص عند العرب، وإنما الآية (بيضاء من غير سوء) كناية عن عدم البرص...))(3)، إن إنكار التستري على ابن أبي الحديد في قوله عن تكنية البرص بالسوء، هو كلام يتقاطع مع ما ذكرته العرب، فإنهم كانوا يكنّون البرص بالسوء، فالمصادر العربية قد أشارت لهذا كما في قولهم: ((ماساءك ونائك، ناءك: أبعدك... وساءك: أبرصك، لقوله تعالى: «تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ»))(4).

والتستري على الرغم من اعتراضه على ابن أبي الحديد، لكنه من حيث اعترض فقد أثبت واتفق مع قول سابقهِ وإن كان لم يقصد الاتفاق، فقد ذكر الآية السابقة وقال إنها تدل على أنها كناية عن عدم البرص.

والآية قد ذُكر فيها (السوء) وهو البرص، فالتستري أراد أن يأتي بمعنى آخر غير الذي ذكره ابن أبي الحديد، لكنّه عضّد رأيه بدلیل قرآني.

ص: 116


1- نهج البلاغة: 2 / 197
2- ينظر: شرح نهج البلاغة: 11 / 80
3- بهج الصباغة: 7 / 7، والآية: 12 من سورة النمل والآية: 32 من سورة القصص
4- الحيوان: 230، والآية 12 من سروة النمل، و32 من سورة القصص

وقد ذكرت العرب في موضع آخر عن تكنية البرص بالسوء، في وجهٍ آخر من معارضة البرص، جاء قوله تعالى مخاطباً موسی (علیه السلام): «وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ»(1). والتكنية عن المكروهات هي سنة من سنن العرب ويؤتى بها للتفاؤل للحال الأحسن مما هو عليه، ومن هذا المعنى القول للأعمى بصير وذلك التفاؤل بالنظر والابصار. فالكناية عادة يؤتى بها لعدم قبول الألفاظ الصريحة في البيئة الاجتماعية، وقد أشار إلى ذلك أهل البلاغة فقالوا: ((ومن أحسن الكناية عن المعنى الذي يقبح ظاهره))(2).

فبعض الكلمات قد يرفضها الذوق الاجتماعي العام فيلجأ المتحدث إلى كلمات أخرى تكون مرادفة لها ودالة على المعنى نفسه، لكن بألفاظ أكثر جمالاً وتأثيراً في نفوس المتلقين، وهذا الأسلوب هو نوع من أساليب القرآن الكريم، فقد کنّی عن الحاجة بالغائط، ويقال ذهب فلان إلى الغائط إذا ذهب إلى مكان قضاء الحاجة(3).

والقرآن يستعمل المجاز عوضاً عن الحقيقة ليقدم ألفاظاً أكثر تأثيراً وقبولاً. ولأن المجاز هو: ((فرعٌ على الحقيقة))(4)، فالاستعمال المجازي ليس منقطعاً، أو بينه وبين الحقيقة فجوة، وإنما هو وجه آخر للحقيقة، حتى يجعل اللفظ أكثر أناقة وأبعد عن القبح، ففي الكناية سترٌ للعيب والعزوف عن اللفظ المستقبح ظاهره(5).

ص: 117


1- الأعراف: 108
2- العقد الفرید: 2 / 294
3- ينظر: لسان العرب: 3 / 124، تاج العروس: 3 / 238
4- الطراز: 1 / 378
5- ينظر: العقد الفريد: 2 / 294، الإمتاع والمؤانسة: 37

فالإمام (عليه السلام) كان ملازماً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)(1) منذ سنوات حياته الأولى وتربى في حجره (صلى الله عليه وآله) فهذه الأسباب اجتمعت لعلي (عليه السلام) لتجعل من قوله قولاً قرآنياً، وقد ((كان الأثر الحقيقي المبكر للقرآن في الكلام العربي على لسان علي (عليه السلام) فما وصلنا من كلامه المجموع في (نهج البلاغة) يعد أظهر تجليات الأثر القرآني في الأدب العربي.))(2). فالأساليب البلاغية من كناية واستعارة فضلًا عن أنواع المجاز الأخرى نشأت معه (عليه السلام)، لذا رسخت في ذهنه، وتجسدت في أقوالهِ.

وعن دلالة قوله (عليه السلام): ((وإنها للفئة الباغية فيها الحَمَأَ والحُمَّة))(3).

قال ابن أبي الحديد: لقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) بأن فئة باغية من المسلمين سوف تبغي عليه، وتتحزب لقتالهِ، وفي هذه الفئة بعض من زوجاتهِ وبعض من أحمائه (صلى الله عليه وآله)، فقد أخذ الإمام (عليه السلام) قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وکتی عن الزوجة بالحمةِ، وهو أسمٌ يدل على العقرب، والحمأ الذي كان يقصده الإمام (عليه السلام) هو الزبير ابن عمتير، فما كان بسبب الرجل من النسب فيسمون الأحماء وما كان بسبب المرأة فهم الأحمات(4).

وقد ردّ التستري بقوله: ((قوله: ((وبعض أحمائهِ)) لا معنى له لأنه لم يقل إن الأحماء بمعنى الأقرباء حتى يكون المعنى بعض أقربائه (صلى الله عليه وآله)،

ص: 118


1- ينظر: السيرة النبوية لابن هشام 1 / 264، علي إمام المتقين: 16
2- الأثر القرآني في نهج البلاغة: 28 - 29
3- نهج البلاغة: 2 / 20
4- ينظر: شرح نهج البلاغة: 9 / 34

وهو الزبیر ابن عمته وإنما الأحماء أقرباء زوج المرأة...))(1).

إن الدلالة التي تحدث عنها ابن أبي الحديد هي دلالة (الحَمَأ والحَمّة)، وإنما تحدث عن دلالة الأولى وقد ذكر إن اللغة لم تأتِ بما ذكره ابن أبي الحديد فقد جاء في المعاجم: ((الحمأ: الطين المتغيّر))(2).

((الحمأ: الطين الأسود))(3)، وقيل: ((الحمأ وقيل الواحد من أقارب الزوج والزوجة))(4)، إن اعتراض التستري مصيب من الناحية اللغوية، لكنه لم يقدم أي بديل آخر لقول ابن أبي الحديد، فترك الباب مفتوحاً لمن أراد أن يعترض ويوجّه کلام الإمام (عليه السلام) إلى وجهةٍ أخرى.

فمن خلال ما سبق نفهم أن كلامه (عليه السلام) في لفظهِ لل(حمأ) إنه کناية وكان يقصد به الزبير، فالإمام (عليه السلام) كان يقصد خصمه في تلك التكنية، ومن خواص الكناية أنها تمكن صاحب الكلام أن ينال من خصمهِ من غير أن يجعل له سبيلاً، بعيداً عن خدش الأدب(5).

فالإمام (عليه السلام) أراد أن يكشف ما بخصمه من سوء وأن يظهر للناس ما بهِ من خداع، وعدم حفاظه على العهد وغيره مما أراد أن يوصله (عليه السلام) للناس، لكن بلغةٍ كنائية بعيدة عن التصريح. وهو (عليه السلام) عند استعمالهِ

ص: 119


1- بهج الصباغة: 9 / 281
2- المخصص: 2 / 650، ينظر: تاج العروس: 1 / 201
3- الصحاح: 1 / 45، ينظر مختار الصحاح: 80
4- المحكم والمحيط الأعظم: 3 / 11
5- ينظر: الإيضاح في علوم البلاغة: 1 / 131

للفظة (حمأ)(1)، التي نصّت عليها المعجمات اللغوية، على أنها الطين الأسود أو الطين المتغير، أراد أن يقول عن الزبير أنّ طينته التي خُلق منها سوداء، وذلك كناية عن عدم نقائهِ، أو اخلاصه، وقد ذكر الله تعالى خلق الإنسان من طين: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا...»(2). نلاحظ أن كلمة المتغيرّ کما ذکرها اللغويون والمفسرون تُزيد المعنى والدلالة ثراءً.

وقد أشرنا إلى أن السواد يمكن أن يكون تكنية کنّی بها (عليه السلام) عن الزبير، أي إنه خلق من طين أسود، والسواد في الثقافة العربية والعمق الميثولوجي لها هو ما يحمل الدلالة النقيضة للصفاء والنقاء الروحي، أما إذا انتقلنا إلى لفظة (المتغير) والتي أجمعت عليها أغلب المعجمات اللغوية، وأغلب آراء المفسرين فالإمام کنّی عن الزبير بالطينة السوداء المتغيّرة، بمعنى إنّ نفسه غير مستقرة، فهو متغيّر من حال إلى حال حسب القرينة اللغوية والتفسيرية للكلام، وهنا تكمن أهمية القرينة في تحديد المراد من الكلام، فعند اشتراك الكلمة في أكثر من معنی یکون هذا الاشتراك عقبة أمام الفهم، ويمكن تجاوز هذه العقبة من خلال القرينة. إن الإمام (عليه السلام) عندما کنّی عن خصمه بهذه الصفات لا يقصد منها التعبير المعنوي في تغيّر حال الزبير، بل كان هناك تغير مادي وقع في حياته الدنيوية عند مبايعته للإمام (عليه السلام) في الخلافة فقد جاء الزبير ومعه طلحة إلى الإمام علي (عليه السلام) ((وهو متعوذ بحيطان المدينة، فدخلا عليه وقالا له:

ص: 120


1- فقد ذكر اللغويون معنى (الحمأ) فقالوا الطين المتغيرّ. ينظر: مختار الصحاح 1 / 80، تاج العروس 1 / 201. أما مفسرو الفريقين فقد ذكروا (من حما مسنون) أي الأسود المنتن: الدر المنشور: 5 / 177، ينظر: التبيان في تفسير القرآن 6 / 326، وقال صاحب الكشّاف الطين الأسود المتغير: 2 / 540
2- الأنعام: 2

أبسط يدك نبايعك، فإن الناس لا يرضون إلا بك))(1).

وعلى الرغم من هذا فقد نكثا البيعة، وجاء وصف الإمام (عليه السلام) على الصورة التي مرّت، ونظراً لعدم الثبات في حياة الزبير وكثرة الانعطافات في حياته، فقد کنّی عنه الإمام (عليه السلام) بما مرّ.

وعن دلالة كلامه (عليه السلام): ((رحم الله عبداً... رمی غرضاً وأحرز عوضاً))(2).

قال ابن أبي الحديد: ((رمی غرضاً، أي قصد الحق كمن يرمي غرضاً بقصده، لا من يرمي في عمياء لا يقصد بعينهِ))(3)، وقد ردّ التستري بقولهِ: ((بل كلامه (عليه السلام) استعارة في تشبیه من استبق الخيرات واستحق الجنات بمن رمی في وقت الرماية، وأصاب الهدف واستحق العوض الذي جعلوه لمصيب الهدف، فالغرض الهدف الذي يرمي فيه هو مفعول به، وابن أبي الحديد توهّمه مفعولاً له...))(4).

نلاحظ أن التستري في رده کانت لغته تحمل طابع المخالفة، لكنه قد يكون اختلف مع ابن أبي الحديد في الألفاظ واتفق في المعاني، فقول ابن أبي الحديد كان يقصد به الذي رمی غرضاً، أي كمن قصد الحق، والكاف في كلمة (كمن) دلّت على التشبيه، لأن الرمي الذي قال عنه الإمام (عليه السلام) ليس رمياً حقيقاً وإنما مجازياً.

ص: 121


1- الجمل: 135
2- نهج البلاغة: 1 / 126
3- شرح نهج البلاغة: 6 / 172
4- بهج الصباغة: 11 / 102

فالتستري استعار حال من رمى ليصيب الهدف كحال من سعى إلى الحق ليصيبه، فصارت الاستعارة عامة في التشبيه كلّه، وهذه التفاتة طيبة، ولكنها لا تخضع لضوابط الاستعارة عند البلاغيين، وربما أراد بها الاستعارة بمعناها اللغوي.

فإذا عدنا إلى ما أراده الإمام (عليه السلام)، وهو المزج بين شيئين الأول دنیوي وله حضور كبير في حياة الناس، والآخر أخروي وله وجود في العقيدة الاسلامية، ومثل هذا التشكيل البلاغي واستعمال الاستعارة والتشبيه، هوما يخدم المعاني النفسية التي تجول في صدر المتحدث أو الخطيب وتؤثر في أذهان الحضور باعتماده على المصطلحات التي تحمل الدافع الحماسي والنفسي الكبيرين وهذه من السنن المتبعة في البلاغة(1).

فالاستعارة لا تخرج عن المساحة التي يكون ضمنها وعي القلوب وإدراك العقول والافهام، والأذهان تكون مستعدة لقبول ذلك(2).

إن موضوع الدنيا من الموضوعات التي أخذت مساحة واسعة في خطب الإمام (عليه السلام) والتشخيص الاستعاري كان له الحضور الأكثر(3). والاستعارة عنده (عليه السلام) تهدف إلى ترك الأثر النفسي الأوسع عند المتلقّين، وادامة بقاء الفكرة في أذهانهم، هذا ما يجعل كلامه متعاقباً على مر العصور. والملاحظ انّ قوله (عليه السلام) كان الأقرب لصناعة المثل، وكانت محصلة هذه الصناعة قريبة من الكناية والاستعارة في آنٍ معاً. وهذا ما يحّتم على الشارِحَينِ النظر إلى كلامهِ (عليه السلام) على وفق ما يراه كل واحد منهما. فعندما قال (عليه السلام): ((رمی

ص: 122


1- ينظر: البلاغة عرض وتوجيه وتفسير: 97
2- ينظر: أسرار البلاغة: 1 / 20، رسائل الإمام علي في نهج البلاغة: 15
3- ينظر: التصوير الفني في خطب الإمام علي (عليه السلام): 110

غرضاً وأحرز عوضاً))(1). كان أشبه بحال من التمثيل فهو يريد أن يقرّب هذه الصورة الاستعارية إلى أذهان سامعيهِ، والمثل له اسهام كبير في ثراء المعنى وكيفية تقريب الفكرة التي من أجلها سيق الحديث إلى ذهن المتلقي(2).

فالإمام (عليه السلام) يسعى عند توظيفه للمثل أو مايشبهه إلى تحريك عقول الناس وأفكارهم.

وعن دلالة قوله (عليه السلام): ((والله لا أكون كمستمع الّلدم، يسمع الناعي، ويحضر الباكي ثم لا يعتبر))(3).

قال ابن أبي الحديد: ((مستمع اللدم كناية عن الضبع، تسمع وقع الحجر بباب جحرها من يد الصائد فتنخذل وتكف جوارحها إليها، حتى يدخل عليها فيربطها))(4).

وقد ردّ التستري بقوله: ((فلم يقل أحدان مستمع اللدم كناية عن الضبع، وإنّما قالوا: إن الضبع تسمع اللدم، أي: الصوت فتخرج فتصاد))(5).

إنّ ما قاله التستري من عدم تكنية الضبع بالدم، هو كلام متفق مع كتب اللغة والأدب، إلا إنّ ارتباط الضبع بالدم لأنّها إذا سمعته خرجت من جحرها، فصار مستمع اللدم كناية عنها، إذ لم يكن يکنّی غیرها به على وفق ما جاء في

ص: 123


1- نهج البلاغة: 1 / 126
2- ينظر: مجلة اللغة العربية وآدابها، العدد التاسع، عنوان البحث: المثل في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید: 77
3- نهج البلاغة: 2 / 32
4- شرح نهج البلاغة: 9 / 109
5- بهج الصباغة: 10 / 16

كتب الأمثال: ((ومن أمثالهم في الأحمق قولهم خامري أم خامر وهو الضبع يشبه بها الأحمق. ويروى عن علي (عليه السلام) أنه قال لا أكون مثل الضبع، تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد))(1)، وقيل مع بعض الاختلاف باللفظ: ((لا أكون کالضبع تسمع اللدم حتی تصاد))(2). وحال الضبع وصفتها هذه التي ذكرها الإمام علي (عليه السلام)، هي حال قد عرفتها العرب، لكن ذكر الإمام (عليه السلام) لها في حديثه هو ما جعلها أكثر رسوخاً لذلك أصبحت مثلاً وذكرت في كتب الأمثال كما أشرنا إلى ذلك. فصار ذکرها يرد في كثير من كتب اللغة والأدب وغيرها، فقد ذكروا إن الصياد يجيء إلى جحر الضبع فيضرب بحجرٍ، أو بيده، فتخرج وتحسب شيئاً لتأخذه فيأخذها(3).

إن الذي أُريد (بمستمع اللدم) هنا هو كناية الضبع عند سماعها اللدم، لكن ابن أبي الحديد التفت إلى ذلك الاسلوب البلاغي في كلامهِ (عليه السلام)، والإمام (عليه السلام) أراد أن يوصل حقيقة وهي أنه (عليه السلام) لا ينخدع کما ينخدع الضبع بسماعهِ اللدم، لكنه لم يصرح باسم الضبع، وذلك للصفة السلبية التي يحملها الضبع في الحياة العقلية للمجتمع العربي، كما أن أغلب أسماء الحيوانات لها دلالات في الثقافة العربية وتكون بين السلب والإيجاب.

وعادة ما يؤتى بالتكنية من أجل البعد عن التصريح الذي يُنفّر المتلقّين أحيانا لأن التصريح بالكلام أحياناً يكون فاحشاً، أو مُنفِّراً في البيئة الاجتماعية للفظة المصرّح بها، وإن أسلوب التكنية عن الألفاظ التي تخرج عن السنن الثقافية

ص: 124


1- الأمثال لابن سلاّم: 126، ينظر: حياة الحيوان الكبرى: 506
2- جمهرة الأمثال: 2 / 404
3- ينظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام: 3 / 637، أساس البلاغة: 2 / 165، لسان العرب: 12 / 539

للمجتمع وهو أسلوبٌ قرآني.

فضلاً عن هذا، فقد أشار الجاحظ بقوله: ((وقد يستعمل الناس الكناية وربما وضعوا الكلمة بدل الكلمة يريدون أن يظهر المعنى بألين اللفظ، وإما تنويهاً وإما تفصیلاً))(1). لإنّ الكناية أبلغ من الكلام المصرح به(2).

ومن خلال ما سبق فإن ابن أبي الحديد هو الأكثر صواباً فيما ذكر، ذلك لأن (مستمع اللدم) کما ذکره هو كناية عن الضبع، وقد أشارت الكثير من الكتب العربية إلى ذلك، لكن دون تسميته بالكناية، وقد سبقهم ابن أبي الحديد لهذه الالتفاتة.

وكتب الإمام (عليه السلام) إلى أبي موسى الأشعري، عامله على الكوفة، الذي كان يثبّط الناس عن الخروج إلى الجمل: ((وأشدد مئزرك، وأخرج من جحرك، وأندب من معك))(3)، شرح ابن أبي الحديد ذلك بقوله: ((أمر له بالخروج من منزله للحاق به، وهي كناية فيها غض من أبي موسى واستهانتهُ به لأنه لو أراد إعظامه لقال: وأخرج من خیسك، أو من غيلك كما يقال للأسد، ولكنه جعله ثعلباً أو ضباً))(4).

وقد ردّ التستري بقوله: ((أن الجحر لم يأتِ للثعلب بل للضب والحية، وإنما يأتي للثعلب کالأرنب المكو، کما صرح به الثعالبي))(5).

ص: 125


1- الرسائل للجاحظ: 3 / 140، ينظر: البديع في البديع لابن المعتز: 39
2- ينظر: مفتاح العلوم: 286
3- نهج البلاغة: 3 / 121
4- شرح نهج البلاغة: 17 / 246
5- بهج الصباغة: 10 / 56

انقسم اعتراض التستري على شقين، الأول منهما، إنّ الجحر لم يأتِ إلا للضبّ والحية، وأشار إلى إنّه يأتي للثعلب کالأرنب كما جاء عند الثعالبي(1)، ولكن المعجم العربي ذكر الجحر للثعلب كما ورد في لسان العرب(2)، ومن هنا فإن كلام ابن أبي الحديد في محلّهِ ولا مسوغ لاعتراض التستري عليه. فإذا ثَبُتَ لنا أن الجحر يأتي للثعلب، کما لغيره من بعض الحيوانات، ندرك أن الإمام (عليه السلام) قد خاطب أبا موسى الأشعري، وقد کنّی ملازمته لقصرهِ أو دار حكمهِ في الكوفة کجلوس الثعلب في جحرهِ، استصغاراً منه (عليه السلام) لأبي موسى و حكمهِ، فساوی بين القصر والجحر في تعبيرهِ المجازي، فضلاً عن وصف الإمام (عليه السلام) للقصر بالجحر، فقد شبّه أبا موسى نفسه بالثعلب، وهذا التشبيه نفسه هو كناية في الوقت نفسه، فهو كناية عن خداع الثعلب ومکره، قابل بها خداع أبي موسى للإمام، لأنه عامله على الكوفة، وذلك يحتّم عليه أن يكون مؤتمراً بأمر الإمام (عليه السلام)، فيبدو أنه كان في ظاهرهِ مع الإمام (عليه السلام)، وفي باطنه ضدّه، لأنه ثبط الناس عن الخروج للقتال مع الإمام (عليه السلام)، واستخدام الإمام (عليه السلام) لتلك الأساليب الكنائية كان القصد من ورائه، التأثير على الحالة النفسية للمتلقين، وبالأخص من ثبطهم أبو موسى عن الخروج لنصرة الإمام (عليه السلام) في حرب الجمل، فالتشكيل البلاغي يستمد قوة تأثيره من خلال تعاطيه مع النفس المتلقية(3). فبهذه الألفاظ التي تغيرت وظائف معانيها الدخولها تحت إطار الكناية، لفت (عليه السلام) أنظار الناس إلى أبي موسى، بنظرة مختلفة سلب فيها المكانة التي كان عليها.

ص: 126


1- ينظر: فقه اللغة وسر العربية: 200
2- ينظر: فقه اللغة وسر العربية: 200
3- ينظر: البلاغة عرض وتوجيه وتفسير: 162

أما اعتراض التستري الآخر على ابن أبي الحديد عن قوله (عليه السلام): ((ارفع ذيلك وأشدد مئزرك))(1)، فهو: ((فيكون الكل في معنى الأمر بالجد في الأمر وإن بعد))(2). وهذه كناية تجسّد أمره (عليه السلام) لأبي موسى بالجدّ، وترك ما كان يفعله من تحريض الناس على عدم الخروج لنصرة الإمام (عليه السلام) في وقعة الجمل في البصرة.

ويمكن القول إن اللغة الكنائية هي ضلال للغة الحقيقة التصريحية ففي الأعم الأغلب ما ينطبق على اللغة الحقيقية هو منطبق على اللغة المجازية، فضلاً عن ذلك إن اللغة المجازية عادة ما يكون لها الأثر الأكبر والأسرع في النفوس(3) وكل ما سبق يتفق مع ما ذكره ابن أبي الحديد.

****** لقد اهتم التستري في ملاحقة الإشارات البلاغية، ممثلة بالاستعارة والكناية عند ابن أبي الحديد، ونظر إليها بنظرة الناقد البلاغي، الذي لا يلتفت إلى مواطن الاستعارة والكناية، فهذا مما لا يُختلف فيه غالبا، وإنّما ينظر إلى ما يقدّمه توظيفهما في السياق من إضافات دلالية وجمالية في آنٍ معا. فابن أبي الحديد عند شرحهِ الأقوال الإمام (عليه السلام) التفت كثيرا إلى استثماره الفنّي (الاستعارة والكناية) مما فتح أمامه أبوابا من التأويل، كشفت عنها الرؤية النقدية، التي نظر البحث من خلالها إليها، وذلك لأن البلاغة تحمل دلالات عدة يمكن للمتلقي أن يفسرها بحسب مرجعياته الثقافية والدينية، وفي كثير من الأحيان، لاحظنا، أن التستري

ص: 127


1- نهج البلاغة: 3 / 121
2- بهج الصباغة: 10 / 56
3- ينظر: بهج الصباغة: 10 / 223

اتفق مع ابن أبي الحديد في تناوله وشرحهِ لأقوال الإمام (عليه السلام)، وهذا الاتفاق كان صادراً من التستري لأنه وجد فيما قاله ابن أبي الحديد، توافقا هذه المرة مع عقيدته في الإمام (عليه السلام)، وإن وُجِدتْ بعض الخلافات فهي لا تمسّ روح الموضوع، بل تكون حول هذه القضية أو تلك فيما إذا كانت استعارة أو كناية وهل تجوز أن تكون أو لا تكون، بنظرة نافذة، اتخذت من النقد البلاغي ركائز الها.

ص: 128

الفصل الثالث ردود القضايا التأويلية

ص: 129

ص: 130

الفصل الثالث: ردود القضايا التأويلية

إن القضية الأساسية التي يتناولها التأويل هي قضية تفسير النص وفهمه، ولم يقتصر ذلك الفهم على نصٍّ بعينه، فهو يصلح للنصوص كلّها، الدينية والأدبية والتاريخية وغيرها، من النصوص التي يتدخل التأويل في فكّ شفراتها وفهمها.

إن بداية أمر التأويل کان مختصاً بالقضايا اللاهوائية والدينية، وبعد ذلك انتقل ليشمل دوائر أكثر اتساعاً، فقد شمل كافة العلوم الإنسانية، وكان الأثر الكبير في تلك الانتقالة للمفكر الكبير شلير ماخر(1)، فهو الذي قام بنقل المصطلح من دائرته الدينية إلى دائرة أوسع تمثل جميع الدراسات الإنسانية(2).

فقد ساعد ذلك على فتح باب آخر للمعرفة التي كانت محصورة لقرون بين الكاتب ومادته، فلا يوجد أي أثر للقارئ في توجيه النصوص، لكن بعد تلك الانتقالة صار أثر القارئ لا يقلّ عن أثر المؤلف، فيمكن أن يُسمّى القارئ مؤلفا آخر للنصوص، لأن النصوص في التأويل تختلف من قارئ إلى آخر، ويبقى النص متجدّداً، ويعطي معاني أخرى لكل قارئ يريد تأويله، فالمرجعيات الثقافية والبيئية والدينية للمؤلف، هي ما يجعل النص يلد نصاً آخر، وإذا تعددت أنواع

ص: 131


1- شلير ماخر: هو مفكر ألماني (1843 م) أول من قام بنقل التأويل من دائرته اللاهوتية إلى دوائر اكثر اتساعا. ينظر: إشكاليات القراءة وآليات التأويل: 20
2- ينظر: م. ن: 20

التأويل نجد أشدها تعقيداً هو التأويل الديني، فمهما كان من اختلاف بين رؤی المؤلفين نلاحظ هناك بعض التشابه بين أفكارهم إلا في التأويل الديني، فلا يوجد أي تشابه في بعض الأحيان، وقد تصل النتائج إلى التناقض التام، فالنص الواحد تتعدد أحكامه وتختلف بسبب اتجاهات المأوّل، فقد: ((جعل التأويل آلة للصراع وسبباً للتقاتل والتكفير والتهميش والإقصاء))(1).

ويبقى باب التأويل مفتوحاً عن تعدد المعاني وتغّير الزمن وتنوع الثقافة، وحركة السنين، فمعنى النص بيد من يريد تأويله، وهذا نفسه بيد محيطه البيئي.

وفيما يخصّ کلام الإمام (عليه السلام) فلا يمكن أنْ يُحمل على معنى واحد، ولا دلالة واحدة، فلا بد من تأويله للوصول إلى المعنى المراد واستيعاب دلالته، لذلك نرى ابن أبي الحديد في بعض أقوال أو خطب الإمام (عليه السلام) التي لا يمكن تفسيرها بحسب الوعي الإنساني الذي يملکه هو، وغيره من الشرِاح الآخرين بما فيهم التستري، راحوا يلجأون إلى التأويل حتى يصلوا إلى ما يريده (عليه السلام)، أو يدورون حوله في أقلِّ تقدير، ويمكن أن نلاحظ ذلك فيما يأتي عندما انصرف الإمام (عليه السلام) من صفين خطب خطبة أشار فيها إلى من قاتلهم، فقال: ((فهم فيها تائهون خائرون جاهلون مفتونون في خير دار وشر جيران، نومهم سهود وكحلهم دموع))(2)، فشرح ابن أبي الحديد کلام الإمام (عليه السلام) بقوله: ((نومهم سهود وكحلهم دموع مثل أن يقول جودهم بخل وأمنهم خوف، أي لو استراحهم محمد (عليه السلام) النومَ لجادوا عليه بالسهود

ص: 132


1- المعنى القرآني بين التفسير والتأويل: 105
2- نهج البلاغة: 1 / 29

عوضاً عنه، ولو استجداهم الكحل لكان كحلهم الذي يصلونه به الدموع))(1).

وقد ردّ التستري على قول ابن أبي الحديد هذا بقوله: ((وما قاله كما تری معنى بارد ركيك، والصواب ما عرفت من كون المراد أنّ لهم في أنفسهم بدل النوم السهود، وبدل الكحل الدموع، لا بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله)))(2). إذ يبد و ما ذكره ابن أبي الحديد أبعد في التأويل منه توجيه التستري.

فقوله استماحهم محمد (صلى الله عليه وآله) لجادوا عليه بالسهود يبدو بعيداً وهو يصف الأشخاص الذين قاتلوهم في معركة صفين، إذ لا يوجد رابط بين ما ذكره ابن أبي الحديد، لو استماحهم محمد (عليه السلام) لجادوا عليه بالسهود، وبين حال أصحاب الإمام (عليه السلام) وهم في غمرة عصيان الرحمن ونصرة الشيطان.

نلاحظ أن ما ذكره التستري هو الأقرب إلى قوله (عليه السلام)، فيبدو أن قوله نومهم سهود هو لعدم الراحة والاطمئنان، وكثرة الشكوك في ما يدور في أذهانهم، وهل ان قتالهم له (عليه السلام) كان على حق أم على باطل، فذلك الصراع الفكري الذي عاشهُ بعض ممن كان مع جيش معاوية، هو ما جعل نومهم سهوداً، وكحلهم دموعاً، والكحل في كلامه (عليه السلام) جاء تعبيراً مجازياً ليس حقيقاً، فهو كناية عن قرة العين، أو سعادتها، ذلك أن من صفات الكناية تكون أبلغ في التعظيم(3).

ص: 133


1- شرح نهج البلاغة: 1 / 137
2- بهج الصباغة: 2 / 114
3- ينظر: رسائل الجاحظ : 1 / 307

وقيل إذا كان طريق الإفصاح وعراً كانت الكناية أكثر نفعاً(1)، لذلك كان الإمام (عليه السلام) یکنّي بدل الإفصاح، فكان كلامه بدل السعادة التي كنّی عنها (عليه السلام) بالكحل كما أشرنا، كانت أعينهم تفيض دمعاً، وذلك لأنهم تركوا الحق، ولم يصيبوا في تشخيصه وفي أيّة فئةٍ كان، هل هو مع الإمام (عليه السلام) أم مع الخصم الآخر، على الرغم من وضوحهِ لذوي البصائر، فمعاوية نفسه يعرف بأنه قد جانب الحق في حربهِ للإمام (عليه السلام) حين قال عن شخصهِ بصيغة ذمٍ: ((بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته))(2). فهذا رأي معاوية في حربهِ على الإمام (عليه السلام)، على الرغم من جحودهِ من جانبٍ آخر، أما عامة الناس ممن شارك في القتال، فقد اختلفت آراؤهم وقيل أن الإمام (عليه السلام) عند رجوعهِ منصرفاً من صفين إلى الكوفة وجد شيخاً يقال اسمه صالح بن سليم(3). فسأله الإمام (عليه السلام) قائلًا: ((خبرّني ما تقول فيما كان بيننا وبين أهل الشام، فقال صالح بن سليم: فيهم المسرور فيما كان بينك وبينهم، وفيهم المكبوت الأسنّ بما كان من ذلك، وأولئك نصحاء الناس لك(4).

هذا فضلاً عمّا تقدم ذكره فإن بعضا من كان في جيش معاوية كان سيفه على الإمام (عليه السلام) وقلبه معه، والأسباب وراء ذلك الطمع والمال الذي أغری به معاوية جيش الشام لذلك أفرزت تلك الحالة ما أشار إليه الإمام (عليه السلام) في سهود نومهم إلى آخر خطبته وقول آخر للإمام (عليه السلام) يصف فيه النبي (صلى الله عليه وآله) يقول

ص: 134


1- ينظر: كتب الصناعتين: 1 / 15
2- وقعة صفين: 499
3- لم أجد له ترجمة في كتب التراجم، كما أن صاحب الكتاب ذكر أنه لم يجد له ترجمة أيضاً
4- ينظر: وقعة صفين: 519 520، الجمل وصفين و النهروان: 390

فيه: ((وأسرتهُ خيُر الأسرِ وشجرتهُ خير الشجرِ نبتت في حرمٍ وبسقت في كرم لها فروع طوال وثمرة لا تُنال))(1).

تأوّل ابن أبي الحديد هذا القول، فقال عن الشجرة: ((إن ثمرَها لا يُنتفع به، لأن ذلك ليس بمدح، بل يُريدُ به أنّ ثَمرها لا يُنال قهراً، ولا يُجني غصباً))(2).

وقد ردّ التستري على ذلك بقوله: ((إنما يُنال قهراً وغصباً من الإنسانِ لا من الشجر والثمر، والصواب أن يقال: إنّ شرفَ الشجرِ بعلوّهِ حتّى لا يذهب بثمرهِ كلّ من مرّ عليه، والمراد أن علوم النبي (صلى الله عليه وآله) وكمالاته ليس عادية متعارفة حتى يدّعي نیابته أحد))(3)، ويبدو أن ابن أبي الحديد هو الأقرب إلى معنی قوله (عليه السلام) فهو يقول إن ثمرها لا ينال قهراً...

فبما أن تكنية الإمام (عليه السلام) عن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) بالشجر، ونتاج ذلك الشجر هو كنايةٌ أيضاً وهو ثمارها، والإمام (عليه السلام) عبر عن ذلك بالكناية لأنها تكون أسم في المعنى مثلما الإشارة تكون أعم(4).

وقد يكون الإفصاح أوعر طريقه فتكون الكناية أبسط في إيصال المعني(5). فالثمر هو علوم النبي (صلى الله عليه وآله) وعلوم أهل بيته (عليهم السلام)، فلا يمكن لأحد أن ينال من تلك العلوم لأنها اختصّت بهم (عليهم السلام) دون سواهم. والعلوم التي تحدث عنها (عليه السلام) ووصفها، لا يمكن لأحدٍ

ص: 135


1- نهج البلاغة: 1 / 185
2- شرح نهج البلاغة: 7 / 63
3- بهج الصباغة: 2 / 136
4- ينظر: البصائر والذخائر: 2 / 67
5- ينظر: البيان والتبيين: 1 / 92

الحصول عليها، إذن هي ليست من العلوم التحصيلية التي يأخذها الإنسان ويتعلّمها بالمدارسة. بل هي علومٌ لدنيّة أعطاها الله لأنبيائه وأوليائه، فقد خص بها أناس دون غيرهم.

فعن قضية العلم اللدنّي الذي أختص بأهل البيت (عليهم السلام) تحدث عن ذلك الإمام الغزالي وعن المنزلة التي امتاز بها الإمام (عليه السلام) عن غيره من الصحابة والتابعين فقال: ((إنه قد بلغ درجة الاجتهاد المطلق في رسالة العلم اللدني))(1).

والإمام (عليه السلام) نفسه قد تحدث عن علمهِ وقال: ((بل اندمجت على مكنون لو بُحتُ به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة))(2).

فالإمام (عليه السلام) يشير إلى علمهِ الذي لم يبح به، ولو أنه أظهر ذلك العلم لاضطرب الناس وأرتجفوا، فما هذا العلم الذي حفظه صدر الإمام (عليه السلام)؟.

ولو كان هذا العلم حصولي، ويمكن لأي إنسان، الحصول عليه ما قال لاضطربتم، لأن التحصيل على العلم لا يمكن أن يرافقه الاضطراب، وإنّما قد تصاحبه دهشة، لأنّ الاضطراب شيء آخر.

وقيل إن الإمام: ((هو الوحيد الذي لم يحتج إلى أحدٍ في علمهِ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد صرح بذلك (عليه السلام) حينما خاطب طلحة

ص: 136


1- الأربعون حديثاً في إثبات إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام): 2
2- علي كما وصف نفسه: 51، والأرشية: الحبال والأغصان، ينظر: تهذيب اللغة: 8 / 193، لسان العرب: 1 / 508

والزبير مشيراً إلى أنه غنيّ عن رأيهما))(1)، وما ينطبق عليه (عليه السلام) ينطبق على ذريته من أهل البيت (عليهم السلام) أي على تلك الشجرة التي أشار إليها هو (عليه السلام) في خطبتهِ. والثمار التي ذكرها هي نتاج أهل البيت (عليهم السلام) کما يكون نتاج الأشجار الثمر.

ويجوز یرید بثمرها نفسه (عليه السلام) ومن يجري مجراه من أهل البيت (عليهم السلام) لأنهم ثمرة تلك الشجرة.

ويتأوّل ابن أبي الحديد قولاً آخر من أقواله (عليه السلام) يتحدث فيه عن النبي (صلى الله عليه وآله): ((أرسله على حين فترة من الرسل وتنازع من الألسن))(2). بقوله: ((معنی تنازع الألسن: أن قوماً في الجاهلية كانوا يعبدون الشمس، وقوم يعبدون الشيطان، وقوماً یعبدون المسيح، فكل طائفة تجادل مخالفيها بألسنتها لتقودها إلى معتقدها))(3).

ولم يكن التستري بعيداً عن شرح ابن أبي الحديد في تأويله لقول الإمام (عليه السلام)، فقال: ((الأظهر أنّ معناه: أن الناس كانوا قبل رسالته يتنازعون في ملل ونحل، لم يكن لها معنى في القلوب، بل ألفاظ على الألسن، فيكون قوله (عليه السلام) ((وتنازع الألسن)) نظير قول يوسف (عليه السلام) في ما حكى الله تعالى عنه: ((ما تعبدون من دون الله إلّا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان...))(4).

ص: 137


1- علي كما وصف نفسه: 51
2- نهج البلاغة: 2 / 16
3- شرح نهج البلاغة: 8 / 275
4- بهج الصباغة: 2 / 199، والآية 40 من سورة يوسف

إن الشارحيْن اقتربا كثيراً من بعضها، إلا أن التستري قد متّن قوله بالآية المباركة، إذ جعل قوله (تنازع الألسن) منسجما مع دلالتها فيما يريد ذكره.

و(تنازع من الألسن)، هنالیس کلاماً إخبارياً فحسب، کما شرحه ابن أبي الحديد والتستري، وكأن الإمام (عليه السلام) يخبر عن شيء من الماضي لتوكيد ما كان عليه الناس من الفرقة والتشتت فقط.

وهذا النوع من الإخبار لإفادة الخبر(1) كما يقول علماء البلاغة. بل إن الإمام (عليه السلام) جعل ما أخبر به وسيلة لنهي الناس عن الجدال والابتعاد عمّا يفسد العقول، لأن قوله (عليه السلام) هو ترجمة لما في كتاب الله تعالى، فقد ذكر القرآن الجدال وحثَّ على الابتعاد عنه وفي ذلك إشارة إلى تفسير قوله تعالى: «مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا...»(2). وهذه الآية واضحة في نهي الله تعالى عن الجدال في آياته وفي غيرها، ولأنه سبحانه يأمر بالجدل على وجهٍ واحد، وذلك في قوله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...»(3).

فالجدال مرغوب فيه بالقول الأحسن، أي بالحجّة الأقوى والأبلغ والكلام الأكثر حُجّية، فأن تساوت الحجّة بين المتجادلين فذلك يدعو إلى شدة الجدال، وهذا ما دعا القرآن إلى الابتعاد عنه، وما تضمنته خطبة الإمام (عليه السلام)، أشبه بالموروث الثقافي للأمة في أهمية العزوف عن الجدال. ومن خلال ما ذكرنا يتبيّن لنا أن الإمام (عليه السلام) أراد أن يوصل إلى المسلمين ما أراده القرآن

ص: 138


1- ينظر: مفتاح العلوم: 166، بغية الإيضاح في تلخیص علوم المفتاح: 41
2- غافر: 4
3- النحل: 125

الكريم بشأن الجدال.

ويشرح ابن أبي الحديد قول الإمام (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله): ((وخلّف فينا راية الحق من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها زهق، دليلها مكيث الكلام))(1)، بقوله: ((إن المراد براية الحق الثقلان المخلّفان: الكتاب والعترة))(2).

وقد علق التستري على قول الإمام (عليه السلام) وشرح ابن أبي الحديد بقولهِ: ((كلّ منها وإن كان معنى صحيحاً إلا أن الظاهر أن المراد براية الحقّ هنا: الكتاب بالخصوص، لقولهِ (عليه السلام) بعد: ((دليلها مكيث الكلام...)) جاعلاً للعترة دلیل على الكتاب))(3).

إذا أخذنا تأويل ابن أبي الحديد والتستري وقبلناهما معاً، أو إختلفنا عنهما في الرؤية التأويلية، فلا بد من دليل على ذلك، فلا بد من جمع المعطيات اللغوية أو الدلالية التي تفسر غموض المعنى، فقد أغفل ابن أبي الحديد والتستري الاعتماد على المعنى اللغوي في تأويليهما لهذه الخطبة التي نحن في صدد الحديث عنها.

وهذا لا يعني ضعف براعة الشارِحَيْن في اتجاههما التأويلي، وبالأخص ابن أبي الحديد الذي وصِفَ بأنه مؤولاً في غاية الدقة والطرافة(4).

لكنّهما في هذه القضية كانا قد أغفلا اللغة وما تؤديه من أجل فك الشفرات المعنوية في النص، فلم يعتمداها في تأويليهما، فقول الإمام (عليه السلام):

ص: 139


1- نهج البلاغة: 1 / 193
2- شرح نهج البلاغة: 7 / 9
3- بهج الصباغة: 3 / 336
4- ينظر: ابن أبي الحديد ناقداً، رسالة ماجستير: 117

((وخلّف فينا راية الحق))(1).

وإشارة ابن أبي الحديد جيدة في شرحه لراية الحق عندما وصفها، ففي معركة صفين عندما أراد الطرف الآخر الاحتكام إلى كتاب الله، قال الإمام (عليه السلام) عن نفسه: ((أنا القرآن الناطق))(2)، يضاف إلى رأي ابن أبي الحديد رأي التستري في مقبوليته، فأضاف أهل البيت (عليهم السلام) لم يكونوا دليلاً على هذه الراية.

لكن لا بد من معرفة معنى الراية من جنبتها اللغوية حتى يمكن أن تعطينا مفاتيح أخرى للمعنى الذي نروم الوصول إليه، فقيل عن الراية: ((هي العلامة تنصب للقوم فيقاتلون ما دامت واقفة))(3).

فهذه إشارة لغوية تصلح أن تكون للإمام (عليه السلام)، فوجوده في الأمة کوجود الراية في المعسكر، دلالة على البقاء والاستمرار، ولم ينته معنى الراية عند الإمام (عليه السلام) بل هو باقٍ في ذريته إلى ما شاء الله، فالراية عند القوم يقابلها وجود أهل البيت (عليهم السلام) في الإسلام والمسلمين، وهذا الاستمرار في الذرية من بعد الإمام (عليه السلام) هو لأن ولديه ومن ثم أهل البيت (عليه السلام) تابعون له ونسبتهم إليه مع وجودهِ أو بعده، کنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس أو بعد غيابها(4)، فالإمام (عليه السلام) هو الراية التي أراد من الناس أن يلتفوا حولها، فقد نشأ وتربى في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قبل الاسلام وبعده(5).

ص: 140


1- نهج البلاغة: 1 / 193
2- ينابيع المودة: 1/ 191
3- الزاهر في معاني كلمات الناس: 427
4- ينظر: أهل البيت في نهج البلاغة / قراءة تأويلية: 97
5- ينظر: سيرة النبي: 1 / 264

فتلك المزية التي امتاز بها الإمام (عليه السلام) من غيره، أي نشأته في حجر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، جعلته راية للحق يجتمع إليها الناس.

وهناك معنى آخر للراية أو العلم فقيل انه سيد القوم(1). فمما لا يمكن أن يرقى إليه الشك أن الإمام (عليه السلام) هو سيد قومهِ، بل سيد المسلمين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكانت سيادته مختلفة عن غيرهِ فهي دينية شرعية سیاسية لإدارة أمور المسلمين.

ومعنى آخر للراية وهي: ((التي يجتمع إليها الجند))(2)، وهذه المعاني اللغوية المكثفة تعضّد ما سبقها من دلالات لغوية كانت تتجه معانيها نحو الإمام (عليه السلام) فهو ما يشبه الراية في العسكر، فهي قطبٌ ثابتٌ يتجه إليه الجند، وتجتمع عندها فوجودهم من وجودها، والإمام (عليه السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يُسلَّم أمرة الجيش ورايته بيده(3). وموقفه في بدر وأُحد وحنين وغيرها، كان لها الأثر الواضح في حياة المسلمين الدينية، لذلك نلاحظ أن الإمام (عليه السلام) أدّخر ذلك الأثر وأخذ وصية رسول الله (عليه السلام) في حقهِ، فكنّی عن نفسه براية الحق.

والإمام (عليه السلام) حين قال خلّف فينا راية الحق، فلا بد هناك من راية باطل، وهي إشارة إلى أعدائه ممن حملوا راية الظلال وادعوا أنهم أحق بخلافة المسلمين فقاتلوا الإمام (عليه السلام) في الجمل وصفين(4). ويضاف إليهم ممن

ص: 141


1- ينظر: تاج العروس: 33 / 132
2- تهذيب اللغة: 2 / 254، ينظر: لسان العرب: 12 / 420
3- بنظر: سيرة النبي: 2 / 251
4- ينظر: الجمل وصفين والنهروان: 300 - 301

قاتلوه في النهروان(1).

فراية الإسلام المادية التي اعتاد على حملها الإمام علي (عليه السلام)، اقترن شخصه بها، لذلك جوز أن يعبر بلفظة الراية مجازياً عن نفسه.

فضلاً عمّا ذكرته اللغة، واتجهت به لتصرف الأذهان والأنظار للإمام عليه السلام لا لغيرهِ، فهناك دلالة أخرى تشير إلى أن المراد بلفظة الراية التي ذكرها الإمام (عليه السلام هو شخصه (عليه السلام)، فقد قال (عليه السلام) في موضع آخر من نهج البلاغة: ((ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر))(2).

فالثقل الأكبر الذي عمل به (عليه السلام) هو القرآن الكريم، والإمام نفسه قال عن نفسه أنا القرآن الناطق، فإضافة شخص الأمام (عليه السلام) إلى القرآن يكون الثقل الأكبر، أما الثقل الأصغر والذي أشار (عليه السلام) إلى تركه فيهم هم أهل البيت (عليهم السلام) اعتماداً على المعطيات السابقة.

والإمام، بذكره لحديث الثقلين بلفظه ومعناه، وبذكره للراية أراد أن يُعرف معنى كلامهِ، بعد تأويل وتفسيره، بالنسبة لمن يكون قادراً على ذلك، وفي مرة أخرى قد جعل من كلامهِ بائن ومكشوف حتى يعلمه جميع الناس على مختلف مستوياتهم وفي جميع أزمانهم، وبذلك ألقى حجتهُ على جميع المسلمين.

فضلاً عن هذا فابن أبي الحديد قد شرح تتمة خطبة الإمام (عليه السلام) وكان في شرحهِ مناقضاً لما تأولّه في مطلع الخطبة، فشرح قوله (عليه السلام) ((فإذا

ص: 142


1- ينظر: م، ن: 434 - 435
2- نهج البلاغة: 1 / 154

ألتم له رقابكم، وأشرتم إليه جاءه الموت فذهب بهِ))(1)، بقوله إن هذه الخطبة قد کنّی بها أمير المؤمنين عن نفسه.

لا اعتراض على شرحه، فيما قاله عن الفقرة الأخرى من خطبة الإمام (عليه السلام) فهو أشار إليه (عليه السلام) بشخصه، إنّما الاعتراض على أن كلامه هنا يتعارض مع مطلع شرح للخطبة، وقد أشرنا إلى ما قاله في تأويل ذلك. وعلى الرغم من أن الضمير لم يتغيّر في الخطبة، فهو عائدٌ عليه (عليه السلام) من مطلع الخطبة حتى آخرها، لكنّ ابن أبي الحديد جعل مطلع الخطبة يعني حديث الثقلين، وهذا ما يخص جميع أهل البيت (عليهم السلام) والقرآن الكريم، ثم عاد وقال: الإمام (عليه السلام) کنّی عن نفسه، وبهذا يكون قد شطر الخطبة إلى شطرين مختلفين، الأول منها يخص الثقلين والآخر يخص الإمام (عليه السلام)، لكن الضمير في الخطبة كما أشرنا إنه لم يتغير، بل بقي هو نفسه يشير إلى الإمام (عليه السلام)(2). وهذا ما جعلنا لا نتفق مع ابن أبي الحديد والتستري فيما ذهبا إليه من تأويل.

ويشرح ابن أبي الحديد قول الإمام (عليه السلام): ((فإنه لا سواء، إمام الهدى وإمام الردّی، وولي النبي (صلى الله عليه وآله) وعدو النبي (صلى الله عليه وآله).))(3)، بقوله: ((الإشارة بإمام الهدى إليه نفسه، وبإمام الردّى إلى معاوية كما قال تعالى «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ»))(4).

ص: 143


1- م، ن: 1 / 154
2- ينظر: نهج البلاغة: 1 / 154
3- نهج البلاغة: 3 / 29
4- شرح نهج البلاغة: 16 / 170، والآية: 41 من سورة القصص

أما التستري فإنه قد توسع في دلالة إمام الردى فقال: ((إنه (عليه السلام) وإن قال ذلك، وكان في قبالة معاوية في ذلك الوقت إلا أنه (عليه السلام) أراد بإمام الردى غيره مطلقاً، معاوية والثلاثة المتقدمة عليه))(1). وهذه الزيادة التي ذكرها التستري في تأويله، مردها إلى ما يعتقد به، لأنّ الإمام (عليه السلام) حينما يذكر (إمام الردی)، لا يقتصر على معاوية، وإنّما يريد معه من سبقه حتما، لأنّ منهج الردى واحد عند أئمة الردي، ولكنّ الإمام (عليه السلام)، لم يكن يقصد من سبق معاوية، وإنْ كان الكلام ينطبق عليهم. واستناداً إلى ما سبق، نخلص إلى ان كل من الشارحين تأوّل كلام الإمام (عليه السلام) على وفق عقیدتهِ، وبهذا فإن كل واحد منها مصيب فيما ذهب إليه.

هذا فضلا عن أنّ الإمام (عليه السلام) عند حديثه عن معاوية أو عن أي خصمٍ آخر من خصومه الذين وقفوا بوجهِ حکومته، كان حريصاً على أن تدرك الأمة الإسلامية على أن الخصومة أو النزاع بينه وبين الخصوم هو ليس نزاعا شخصياً، بل هو معركة بين الإسلام والجاهلية(2).

فالإمام (عليه السلام) كما أشار في خطبته إلى إمام الهدی، فهو إمام الهدى حقّا وخصومه أئمة الردّى. بقي أنْ نشير إلى أنّ مصادر المسلمين تُسمّي الإمام (عليه السلام) بإمام الهدى(3).

نلاحظ إن الإمام (عليه السلام) في معظم خطبهِ جعل القرآن واسطة العقد فيما يريد أن يوصل من قولٍ أو حكمةٍ، وقد أشرنا إلى ذلك على طول البحث،

ص: 144


1- بهج الصباغة: 4 / 3
2- ينظر: الحياة السياسية لأهل البيت (عليهم السلام): 84
3- ينظر: تاريخ الطبري: 5 / 431 - 432، إعلام الوری بأعلام الهدی: 166

فعندما قال إمام الهدى وهي إشارة إلى نفسه الكريمة هو اجتزاء للفظ ومعنى قرآني، حيث جاء قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا...»(1). وقد قابل الإمام (عليه السلام) هذا بخطبته عندما أشار إلى إمام الهدى بإمام الرّدى، وأيضاً (عليه السلام) صورة معكوسة لما جاء به القرآن الكريم في هذا المعنى وقد ذكره ابن أبي الحديد في شرحهِ أي في معنى الآية التي تخص إمام الردى، قال تعالى: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ...»(2).

ومما يزيد المعنى وضوحاً بأن إمام الهدى هو الإمام علي (عليه السلام)، قوله (عليه السلام) في الخطبة نفسها: ((وولي النبي (صلى الله عليه وآله)))(3)، والمعروف أن ولي النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام) حيث اتفق المسلمون على أن قوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(4)، وهذه الآية نزلت في الإمام علي (عليه السلام) عندما تصدق بخاتمهِ وهو راكع(5).

ولعلّ في تتمّة الخطبة ما يشير إلى صحة تأويل ابن أبي الحديد، فقد أتم الإمام (عليه السلام) خطبته نقلاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال: ((إني لا أخاف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، أما المؤمن فيمنعه الله بإيمانه، وأما المشرك فيقمعه الله بشركه، ولكني أخاف عليكم كل منافق الجَنان، عالم اللسان، يقول ما

ص: 145


1- السجدة: 24
2- القصص: 41
3- المائدة: 55
4- المائدة: 55
5- ينظر: تفسير ابن كثير: 5 / 266، الدر المنثور: 3 / 404، التبيان في تفسير القرآن: 3 / 557

تعرفون ويفعل ما تنكرون))(1).

فالرسول (صلى الله عليه وآله) يحذر على لسان الإمام (عليه السلام) من المنافقين، فهم الذين ناقضت أفعالهم أقوالهم، لذلك يشكلون خطراً على الأمة، وقد أشار إليهم القرآن الكريم: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ»(2).

فنلاحظ هذه الثنائية في الموقف والتناقض بين القول والعمل وهذه الحالة التي تسمى النفاق عند من أشار إليه ابن أبي الحديد، فتعددت مواقفه في ذلك، فعندما أمر أهل الشام برفع المصاحف، وقالت الناس نجيب كتاب الله، على الرغم من إنه لا يريد الدعوة إلى كتاب الله(3)، بل يريد أن يلتف الناس حوله من خلال كتاب الله، وهذه الحال تشابه ما قاله هو في أحد خطبهِ: ((ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة))(4)، فالعمل الذي أمر به في ظاهره لطلب الآخرة، أما في باطنه والنتيجة التي أرادها هي طلب الدنيا، وأخذ بيعة الناس فقد كان في موقفه هو الأقرب لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي جاء على لسان الإمام (عليه السلام): ولكني أخاف علیکم کل منافق الجنان، عالم اللسان، يقول ما تعرفون، ويفعل ما تنکرون، ففعل معاوية ما يعرفه الناس من القرآن، وقال بالدعوة إلى كتاب الله، لكنّه أخفى ما تنكر الناس، لأنه لا يريد الدين، بل أراد الدنيا بذلك، فقال عنه الإمام علي (عليه السلام) محذراً الناس منه ومن أصحابه: عباد الله، أمضوا على

ص: 146


1- نهج البلاغة: 3 / 29
2- البقرة 204
3- ينظر: تاریخ الخلفاء: 202، الجمل وصفين والنهروان: 370
4- عيون الأخبار: 2 / 259

حقكم، وصدقكم في قتال عدوکم، فإن معاوية، وعمرو بن العاص، وأصحابهم، ليسوا أصحاب دين ولا قرآن(1)، فكل هذه المواقف وإشارة الإمام (عليه السلام)، تبيّن لنا أن معاوية كان يوظّف الدين بما يحقّق له التمسّك بالدنيا، ولا صلة له بالدين الحق.

ويتأوّل ابن أبي الحديد قوله (عليه السلام): ((فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بیعتي، وإذا الميثاق في عنقي لغيري))(2)، بقوله: ((أي وجوب طاعة النبي (صلى الله عليه وآله) وامتثالي أمره سابق على بيعتي للقوم، فلا سبيل إلى الامتناع من البيعة لأنه أمرني بها))(3).

أما التستري فإنه قال: ((ما ذكره بلا محصّل وإنّما معناه أن وجوب طاعته على جميع الناس كالنبي (صلى الله عليه وآله) بمقتضى قوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»))(4).

ويبدو أن قوله (عليه السلام)، هو غير ما ذهب إليه ابن أبي الحديد. فلابدّ من النظر في القول نفسه، لنصل إلى ما أراده كلّ واحد من الشارحين.

إنّ كلام الإمام (عليه السلام) تضمن (إذا) الفجائية، فيظهر هناك ما كان د تفاجئ به الإمام وناقض هذا الخبر ما كان مستقراً في ذهنه وتصوره من أمر المسلمين بعد وفاة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله).

ففي بادئ الأمر لا بد من إثبات (إذا) أنها فجائية ومعرفة ما هي الصفات

ص: 147


1- ينظر: الجمل وصفين والنهروان: 370
2- نهج البلاغة: 1 / 89
3- شرح نهج البلاغة: 2 / 284
4- بهج الصباغة: 4 / 60، والآية: 55 من سورة المائدة

التي تلازم أو تصاحب (إذا) التي هي من هذا النوع المذكور، ومن ثم ننتقل إلى معنى قوله (عليه السلام) بعد الإمساك بأحد مفاتيح الكلام أو المعنى وهو المفتاح النحوي. فمن صفات (إذا) الفجائية إن الفاء تتصل بها في أغلب مواضعها فنلاحظ أن الفاء قد اتصلت ففي قوله (عليه السلام) ((فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي))(1). وهناك من قال عاطفة وآخر قال زائدة(2)، فالشرط الأول في إثبات أن هذه (إذا) أنها فجائية لا تدخل إلا على الجملة الإسمية(3).

وهذا ما يكون كافياً لإثبات أن هذه (إذا) هي فجائية، إذن هنا لا بد من الرجوع والالتفات إلى الواقع الذي جعل الإمام (عليه السلام) يضمن كلامه أو خطبته، هذا الحرف على رأي الأخفش أو ما تسمى بظرف المكان على رأي المبرد(4).

فيبدو أن الذي كان في ذهن الإمام (عليه السلام) ان ليس لأحدٍ بيعة في عنقه لذلك كان أمر طاعتهِ مفاجئاً فبدأ بالطاعة ومن ثم البيعة، وعندما استعمل الإمام (عليه السلام) (إذا) الفجائية الثانية في كلامهِ: ((وإذا الميثاق في عنقي لغيري))(5)، فيظهر أن الإمام (عليه السلام) كان ينتظر شيئاً ويعتقد به غير الشيء الذي وقع له، فكان مخالفاً لما في ذهنه ومتناقضاً معه تماماً، فبدل أن يكون الميثاق في عنق الآخر للإمام (عليه السلام) فإذا الميثاق في عنق الإمام (عليه السلام) لغيره،

ص: 148


1- نهج البلاغة: 1 / 89
2- ينظر: الجنى الداني في حروف المعاني: 1 / 73
3- ينظر: شرح قطر الندي وبل الصدى: 196، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: 1 / 232، همع الهوامع في شرح جمع الجوامع: 1 / 376
4- ينظر: المدارس النحوية: 138
5- نهج البلاغة: 1 / 89

وهذا ما کسر أفق الانتظار له (عليه السلام) فانتظاره بطاعة الآخرين کسرت بطاعته لهم.

وقد أشارت کتب التاريخ على أن البيعة قد أخذت من علي (عليه السلام) قهراً، فقد ذكر أبو الفداء في تاريخه تأخر علي (عليه السلام) عن المبايعة، ومعه نفر من الأصحاب، من بينهم أبو ذر والزبير وعتبة بن أبي لهب وغيرهم، ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي (عليه السلام) ليخرجه من بيت فاطمة وأراد أن يضرم النار فيه(1).

وإن ابن الأثير قد ذكر تخلف الإمام (عليه السلام) عن البيعة، وكان في بيت فاطمة وقد بايع بعد مضي ستة أشهر(2).

فكل هذه الإشارات التاريخية هي لإثبات موقف الإمام (عليه السلام)، وما هو الدافع من وراء استعماله (إذا) الفجائية في خطبته، فهذه الأخبار التاريخية هي إجابات لذلك.

وإن كانت خطبة الإمام (عليه السلام) واستعماله ل (إذا) الفجائية جاءت بعد بيعته للخليفة الأول بسنوات عدة، لكن بالنسبة لنا نحن من يقرأ التاريخ، يتبيّن لنا تفسیر کلام الإمام (عليه السلام) في خطبته من خلال تأخره عن البيعة.

ويصف الأيام التي مرّ بها المسلمون بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، وقبل تولّيه أمورهم، بقوله: ((أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير))(3).

ص: 149


1- ينظر: تاريخ الطبري: 3 / 208، تاريخ اليعقوبي: 2 / 88، تاريخ أبي الفداء: 1 / 219
2- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 188
3- نهج البلاغة: 1 / 31

وتأول ابن أبي الحديد قوله هذا قائلاً: ((یهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير، يمكن أن يكون من باب الحقائق، ويمكن أن يكون من باب المجازات والاستعارات، أما الأول فإنه يعني به طول مدة ولاية المتقدمين عليه، فإنها مدة يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، وأما الثاني فإنه يعني بذلك صعوبة تلك الأيام حتی یکاد يهرم لصعوبتها الكبير والصغير يشيب من أحوالها))(1).

أما التستري فأنه كان يرى غير ذلك فقال: ((قوله (عليه السلام) ((هرم)) صفة لقوله (عليه السلام) ((طخية عمياء)) وحينئذٍ فالمراد شرح حاله (عليه السلام) في أول الأمر يوم تصدي أبو بكر(2) للأمر فيتعينّ أنّ كلامه (عليه السلام) من باب الإستعارة))(3).

لا يمكن لنا أن نقبل ما ذكره ابن أبي الحديد في احتماله الأول وهو على أن کلام الإمام (عليه السلام) من باب الحقائق، والسبب أننا لو أردنا أن نقول كلامه حقيقة وليس مجازاً، فكيف به (عليه السلام) يقول: ((يشيب فيها الصغير))(4)، وهو يتحدث عن المدة الزمنية الممتدة من بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي السنة الحادية عشرة للهجرة، فيكون مجموع السنين بين التاريخين أو المناسبتين المذكورتين حوالي أربع وعشرين سنة، فلا يمكن لأي طفل خلال هذه السنوات أن يشيب رأسه حتى وإن أضيف إلى ذلك سنوات عمرهِ حين كان طفلاً.

وبهذهِ الحقيقة نستدل على أن قول الإمام (عليه السلام) جاء على سبيل المجاز

ص: 150


1- شرح نهج البلاغة: 1 / 154
2- وردت في المتن مكتوبة أبي بكر
3- بهج الصباغة: 5 / 32
4- نهج البلاغة: 1 / 31

لا على سبيل الحقيقة كما أشار لذلك ابن أبي الحديد، فهو يتحدث عن صعوبة تلك الحقبة من الزمن، ليس على شخصه، بل على الأمة الإسلامية بأجمعها، وذلك من خلال ما ذكرناه من وصفه بهرم الكبير ويشيب الصغير، وإن كان الكلام مجازياً، لكنه يعبر فيه عن حال حقيقية قد أصابت الأمة في تلك الحقبة. لذلك كان الإمام (عليه السلام) يخشى على الأمة الضياع، ليس طمعاً في السلطة، فهو (عليه السلام) في الخطبة نفسها يقرأ قوله تعالى: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(1).

فقراءة الإمام (عليه السلام) للآية المباركة هو يمكن تزيل الوهم عن فكر الذين يعتقدون أنه كان راغبا في السلطة بمفهومها الدنيوي، أما ما قاله التستري في تأويله لقوله (عليه السلام) فقد ذكر أن (يهرم) هي صفة لقوله (عليه السلام) (طخية عمياء)، نعم إن من الباب النحوي فإن يهرم هي صفة (لطخية عمياء)، ذلك لأن الصفة تتبع الموصوف إن كان جمعا وإن كان مفردا(2).

وقد استند التستري إلى لفظة (يهرم) التي جُعلت صفة (لطخية عمياء) جعل كلامه (عليه السلام) من باب الاستعارة، أي كلام مجازي ليس حقيقياً، وهذا ما اتفقنا عليه مع التستري، فضلاً عن ذلك فلا بد من معرفة معنى (طخية عمياء) في معناها اللغوي فقيل طخية الضم، أي الشيء الذي هو من سحاب والطخياء الليلة المظلمة(3).

وأضافوا لهذا المعنى ما هو قريبٌ منه فقالوا: ((طخية بالضم أي شيٌ من

ص: 151


1- القصص: 83
2- ينظر: المفصل في صنعة الإعراب: 151، شرح شذور الذهب لابن هشام: 51
3- ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: 6 / 2412

سحاب، والطخاء السحاب المرتفع))(1).

فنلاحظ إن الإمام (عليه السلام) بلغتهِ ذات النسق والطابع القرآني قد استعار هذه اللفظة ليطلقها على ذلك الزمن الذي أشار إليه وما رافقه من صعوبات أثقلت كاهل الأمة.

ويصف الإمام (عليه السلام) ما يمرّ على الكوفة من أحداث بقوله: ((كم يخرق الكوفة من قاصفٍ، ويمر عليها من عاصفٍ. وعن قليل تلتف القرون بالقرون، ويحصد القائم ويحطم المحصود.))(2).

وشرحه ابن أبي الحديد متأوّلا بقوله: ((وعن قليل)) ((كناية عن الدولة العباسية التي ظهرت على الدولة الأموية))(3).

أما التستري فإنه اتفق مع ابن أبي الحديد فيما كان يرى، لكنه أضاف إليه: ((وهو كما ترى. فإن الظاهر أنّ مرادهُ (عليه السلام) جميع دول الدنيا الأموية والعباسية ومن بعدهم إلى يوم القيامة))(4).

يمكن أن نقول إن الذي دفع بابن أبي الحديد أن يقف في تأويله عند الدولة العباسية، هو لأنه قد عاش إلى نهاية تلك الحقبة الزمنية، وعاصر آخر الخلفاء العباسيين(5).

وقد أتمَّ شرحه قبل انتهاء حكم بني العباس، فحدوده الفكرية انتهت عند

ص: 152


1- تاج العروس: 38 / 485، ينظر: لسان العرب: 15 / 6
2- نهج البلاغة: 1 / 195
3- شرح نهج البلاغة: 7 / 101
4- بهج الصباغة: 5 / 453
5- ينظر: ابن أبي الحديد سيرته وآثاره الأدبية والنقدية: 13

زمانه فهو لا يمكن أن يمتد في نظرته إلى من سيأتي من بعده.

وأما قوله أي قول ابن أبي الحديد في تأويله (وعن قليل)، بالكناية، يمكن أن نسمّيه من باب الإشارة أو التعريض. وهذا وجه من وجوه الكناية.

أما ما ذكره التستري من أن الإمام (عليه السلام) كان يعني جميع دول الدنيا منها العباسية ومن قبلها الأموية وغيرها، وذلك لأنه عاش إلى زماننا المعاصر فقرأ كل التعاقبات التاريخية للأمم، هذا فضلا عن إنه لم يقدم أو يذكر أيّ دليل ليمتّن به ما ذهب إليه.

وهنا لا بأس من الاستعانة بالمعاني اللغوية من أجل الاقتراب من مراد الإمام، فقوله (عليه السلام): (ولكأني أنظر إلى ضليل قد نعق بالشام)، الضليل في المعنى اللغوي وهو الكذّاب أو نقيض الصدّيق(1)، فيبدو هذه إشارة منه (عليه السلام) قد أشار عن أمر مقتل الحسين (عليه السلام) وما يمكن من أمر مقتله على يد ذلك الضليل الذي يحكم الشام في زمانه.

وقوله (نعق بالشام) ولم يقل صاح بالشام، هو لأن: ((النعق دعاء الغنم بلحن تزجر به))(2).

فإستعمال الإمام (عليه السلام) لهذه اللفظة حتى تأخذ المعنى والدلالة التي وردت فيها بالقرآن الكریم، حيث قال تعالى «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ»(3).

ص: 153


1- ينظر: لسان العرب: 2 / 595، تاج العروس: 7 / 131
2- الفائق في غريب الحديث: 3/ 326
3- البقرة: 171

وقريبٌ من هذا المعنى قوله (عليه السلام): ((الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع ينعقون وراء كل ناعق...))(1).

فالمراد في كلامه (عليه السلام) (ينعقون) هو إشارة إلى من أسهم في قتل الحسين (عليه السلام) دون النظر أو التفكير في أمرهِ، بل نعقوا وراء من نعق بهم وحرضهم على ذلك.

وبعد ذلك أكمل خطبته (عليه السلام) فقال: (وفحص براياته في ضواحي كوفان)، فهنا يشير إلى رايات بني أمية في كربلاء عندما تجمعت لقتل الحسين (عليه السلام)، فكربلاء هي من ضواحي الكوفة، أو تسمى ظهر الكوفة(2). وقيل ((بسواد الكوفة ناحية يقال لها نينوى منها كربلاء))(3). فكتب البلدان والجغرافيا أشارت إلى أن من ضواحي الكوفة كربلاء، وهذا ما يتناسب مع قوله (عليه السلام).

وبعد أن تحدث عن الحرب وارتفاع وتيرتها، وهي إشارة واضحة إلى ما جرى في كربلاء اعتماداً على القرائن السابقة في قوله (عليه السلام) فضلاً عن القرائن التي ستأتي تباعاً.

وبعد جملة من الكلام والتي يصف بها الحرب السابقة والذي لا يمكن أن يخرج من هذا المعنى التأويلي بحسب الإشارات اللغوية والجغرافية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما ذكرناه، يقول (عليه السلام) (عقدت رايات الفتن المعضلة وأقبلن كالليل المظلم والبحر الملتطم).

وهنا يمكن أن تعد إشارة منه (عليه السلام) إلى رايات دولة بني العباس وقد

ص: 154


1- نهج البلاغة: 4 / 36
2- ينظر: معجم البلدان: 4 / 183
3- م، ن: 5 / 339

كنّى عنها بالليل المظلم وذلك للونها الأسود فقد كان شعار العباسيين السواد. إذ أنهم كانوا يلبسون السواد أيام الجُمع والأعياد(1).

فجاءت ثورة العباسيين تمثل الغضب ضد الأمويين، وكان شعارها يا لثارت الحسين (عليه السلام)، أما الحقیقة فهم ليسوا أقل ظلماً من بني أمية، وقد أشار إلى ظلمهم الإمام (عليه السلام).

بعد ذلك يصل الإمام (عليه السلام) في خطبته إلى قوله: (وعن قليل تلتف القرون بالقرون ويحصد القائم ويحطم المحصود).

فقوله (عليه السلام) (تلتف القرون بالقرون) هو كناية عن اشتباك الأمم وتعاقبها، فالقرن مفرد قرون هو الأمة(2). والقرون الأمم السالفة(3).

ويتبيّن لنا إن إشارة الإمام (عليه السلام) واضحة باستعمالهِ للفظة قرون بدل من أن يقول أمم بلفظها الأكثر استعمالاً أو شيوعاً، وذلك لأنه قصد بذلك ماورد في القرآن الكريم، عن الأمم الهالكة التي ينالها غضبُه سبحانه بالقرون، فجاء في قوله تعالى: «أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ»(4)، وفي آية أخرى قوله تعالى: «وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا»(5)، فنلاحظ أن القرآن استعمل لفظة القرون بدل الاسم، مع الأمم التي تكون نهايتها الهلاك، والانتقام.

10\00

ص: 155


1- ينظر: البداية والنهاية: 6 / 10
2- ينظر: اتفاق المباني وافتراق المعاني: 243
3- ينظر: م، ن: 149
4- يس: 31
5- الفرقان: 38

ويبدو أن الإمام (عليه السلام) قد أخذ هذا اللفظ القرآني وعبّر به عن صراع دولة بني أمية مع دولة بني العباس، وهلاك الأولى على يد الثانية.

وهذه إشارات كافية، تبيّن أنّ ما يريده الإمام (عليه السلام) بقوله، لا يقف حدود ما تأوّله ابن أبي الحديد أو التستري، وإنّما يتعدّى ذلك إلى ما بيناه، وإلى غير ذلك.

ونظر ابن أبي الحديد إلى كلام للإمام (عليه السلام) يذكر فيه بعض الملاحم والفنتن، وهو قوله: ((يا قومِ هذا إبانُ ورود كلّ مورود، ودُنُوٍّ من طلعةِ ما لا تعرفون، ألا وإنّ من أدركها منّا يسري فيها بسراج منير))(1)، فقال في تأويل قوله (عليه السلام): ((أي: دنا وقت القيامة، وظهور الفتن التي تظهر أمامها، ولأن تلك الملاحم والآثار الهائلة غير معهود مثلها، نحو دابة الأرض، والدجّال وفتنه، وما يظهر على يده من المخاريق والأمور المُوهمة، وواقعة السفياني))(2). واختلف التستري في بيان مراد الإمام (عليه السلام) من كلامهِ فقال: ((بل مراده (عليه السلام) فتن تأتي من بعدهِ من بني أميّة، وبني العباس إلى علامات القائم (عليه السلام) لأن قوله (عليه السلام) (هذا إبّان) يدل على أنه حين خاطبهم بهذا الكلام صار زمان ما وعدهم، وقرب ما أخبرهم))(3).

إن ما ذهب إليه ابن أبي الحديد يُعدُّ من الأمور الغيبيّة التي أخبر بها (عليه السلام)، ولكي يقطع ما قد يتقوّله الآخرون عن علمهِ بالغيب. أجاب من سأله عن ذلك بقوله: ((يا أخا كلب ليس بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم...

ص: 156


1- نهج البلاغة: 2 / 35
2- شرح نهج البلاغة: 9 / 128
3- بهج الصباغة: 6 / 160

وإنّما علم الغيب علم الساعة...))(1)، فضلًا عن هذا، فإنّ ما ذكره ابن أبي الحديد واضح الدلالة في أن الإمام (عليه السلام) كان يقصد من مجمل الأحداث ظهور السفياني.

فالإمام (عليه السلام) يعلم لم يكن في وقت حديثه ظهور أي من تلك العلامات، ومنها وجود الدجّال، وقتل النفس الزكية، فضلاً عن الخسف بالبيداء(2).

فما لم تتوفر تلك العلامات والتي هي بمثابة الأسباب، فإن الإمام (عليه السلام) لم يكن يتحدث عن النتائج، التي ستكون بعيدة لفقد المسببات.

وما ذكره التستري من فتن بني أمية وبني العباس يمكن التسليم بصحته، بالاستناد إلى قرائن أخرى وردت في النص، منها قوله عليهالسلام: (وما أقرب اليوم من تباشير غدٍ). فالمعنى اللغوي لكلمة (تباشير) المأخوذة من الجذر (بشر)، تعني أوائل كل شيء(3)، وقال آخر: ((البشرى أو البشارة هو كل خبر صادق تتغير بهِ بشرة الوجه، وتستعمل في الخير والشر))(4). ولا شك إن ما ينقله الإمام (عليه السلام) للمسلمين من أخبار، ستتحقق حتما في الوقت الذي يعدهم فيه، ولأن كلامه (عليه السلام) متلازماً مع القرآن، مرة في المعنى، ومرة في اللفظ. فكلمة (التباشير) قد أخذت من لفظة قرآنية، إذ قال تعالى: «وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا

ص: 157


1- نهج البلاغة: 2 / 10
2- ينظر: تاريخ الغيبة الكبرى: 2 / 396
3- ينظر:الصحاح: 2 / 591، القاموس المحيط: 351
4- التوفيق على مهمات التعاريف: 78

يَعْمَلُونَ»(1)، فقال بعض المفسرين في معنى الآية: ((بشارة لنفسهِ أو لقومه كأنه قال تعالى هذا أوانك))(2).

وعلى هذا المعنى فإن البشارة مرتبطة بالأوان والقدوم، فكأنه قدِمَ عليهم الشيء الذي وعدهم به (عليه السلام)، هذا فضلا عن أنّ قول المفسر (هذا أوانك) مرتبط من حيث الدلالة بقوله (عليه السلام): (هذا إبّان)، وبعد أوان الشيء وحلوله تكون إبانَتهُ، وكلمة (إبّان) لها ارتباط بكلمة (موعود) من جهة أخرى، ويبدو إنّه (عليه السلام) كان قد وعدهم بشيء، وها هو الشيء قد تحقق، أو سوف يتحقق، وهذا على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة، لأن الشيء الذي كان يتحدث عنه (عليه السلام)، لم يتحقق في حياتهِ، لكن الإمام (عليه السلام) كان يتحدث عن ذلك الأمر وكأنه يراه وهو يقول: (هذا إباّن) فهو محجوبٌ عن الآخرين، فتلك الرؤية قد تحققت عنده (عليه السلام) من خلال علمه اليقيني، وهذا العلم الذي حصل (عليه السلام) جاء ذكره في القرآن الكريم: «كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ»(3).

والإمام (عليه السلام) عنده علم اليقين، فيصحّ أن يرى الدنيا بعينها. وهو تحدث عن شيء وقع بعد ذلك كما حَدّث عنه (عليه السلام).

أما قوله (عليه السلام) (ودنّو من طلعهِ ما لا تعرفون) كان يتحدث عن شيء لم يكن محدثهم عنه من قبلُ، يكون ضمن ما حدّثهم به، فهو (عليه السلام) يذكر لهم حوادث ستأتي فيما بعد، وهي مجيء دولة بني أمية، ومن بعدها دولة بني العباس،

ص: 158


1- یوسف: 19
2- البحر المديد: 3 / 364
3- التكاثر: 5 - 7

وما لم يحدثهم به هو الوقائع التي سوف تجري وكيفية تفاصيل أحداثها، وهذا ليس باعتمادنا على القرائن السابقة وحدها، ولكن بالاعتماد على القرائن التي ستأتي لاحقاً أيضاً، ثم قال (عليه السلام) (ومَنْ أدركها منّا يسري فيها بسراج منير).

يعني بکلامه (عليه السلام) منّا أي من أهل البيت (عليهم السلام)، من سوف يعاصر تلك الأحداث والتحولات. يسري فيها بسراج منير، وهذا كناية عن علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إستناداً إلى قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا»(1). وبعد ذلك قال (عليه السلام): (ليحلَّ فيها ربقاً) فالربق في معناه اللغوي ((هو حبل تشد به البهم))(2).

وجاء في أساس البلاغة وقد نكثوا الجبال وأكلوا الرباق إذا نقضوا العهود(3)، فكلامه (عليه السلام) كناية عن فك ميثاق بين من كان يقصده من أهل البيت (عليهم السلام) والذي شهد هذا الزمان الذي أشار إليه الإمام (عليه السلام)، وبين مع من تواثق معهم بذلك الميثاق، وكان سبب الميثاق هو لإعتاق الرقيق وحقن دماء الناس. وهذه الدلائل التي سبقت. ومن خلال تأويل قوله (عليه السلام) يتجه قصده ومعنى كلامه (عليه السلام) إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) فعندما بايع الناس الحسن بن علي (عليه السلام) بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل بالمدائن))(4)، فهذه بداية الربق أو الميثاق بين الإمام الحسن

ص: 159


1- الأحزاب: 45 - 46
2- لسان العرب: 10 / 113، ينظر: تاج العروس: 25 / 329
3- أساس البلاغة: 333
4- تاريخ الطبري: 5 / 159

(عليه السلام) وبين من بايعه من الناس.

وبعد إشاعة خبر مقتل قيس بن سعد بن عبادة، فنفر العسكر ونهبوا سرادق الحسن (عليه السلام) حتى قيل انهم نازعوه بساطاً كان تحتُهُ، ولما رأى ذلك بعث إلى معاوية يطلب الصلح(1)، ليفك ذلك الربق الذي أشار إليه الإمام (عليه السلام) في خطبته، والربق الذي هو بين الإمام الحسن (عليه السلام) وبين من بايعه من الناس.

ومن أجل ما قاله الإمام علي (عليه السلام) أن يعشق الحسن رقاً، وهو ما يحقن به دماء المسلمين.

وأضاف الإمام علي (عليه السلام) قوله: (ويصدع شعباً). الصدع: هو شق في الأجسام، ومنه التعبير عن الانصداع وهو الانشقاق(2) فكان ذلك الشق في صف المسلمين والذي جعل بعضهم يذهب مع الإمام الحسن (عليه السلام)، والبعض الآخر مع غيره، وفي حينها أصبح المسلمون شيعاً، فمنهم من كان إلى جانب معاوية، ومنهم من كان إلى جانب الحسن (عليه السلام).

وإن كانت الإرهاصات الأولى للفرقة والإنقسام هو معارك الجمل وصفين والنهروان.

وعلى الرغم من إننا أطلنا قليلا في شرح القول السابق، عمّا ذهب إلیه ابن أبي الحديد والتستري، واعتمدنا على مساحةٍ تأويليةٍ أوسع حتى نحيط بالمعنى الذي

ص: 160


1- م، ن: 5 / 159
2- ينظر: لسان العرب: 8 / 194، التوقيف على مهمات التعاریف: 213

أراده (عليه السلام)، علما إنّما استعنا به، جاء بالخطبة نفسها، وهو على اتصال بما قبله، لأنّ تأويل كلامه (عليه السلام) إذا اختصر على بعض الوجوه، فذلك لا يقود إلى نتائج.

وتحدث الإمام (عليه السلام) عن الموت ومصير الإنسان، في خطبة منها: ((وإنما كنت جاراً جاورکم بدني أياماً، وستعقبون مني جثة خلاء ساكنة بعد حراك وصامتة بعد نطق...))(1). وقد تأوّل ابن أبي الحديد کلام الإمام (عليه السلام) قائلاً: ((جاورکم بدني أياماً إشعار بما يذهب إليه أكثر العقلاء من أمر النفس وأن هوية الإنسان شيء غير هذا البدن))(2). وردّ التستري بقولهِ)) قلت بل قوله إشعار بأن روحه (عليه السلام) غير أرواحهم لم يجاورهم برو حهبل جاورهم ببدنه))(3).

إن ما ذكره ابن أبي الحديد بعيدا عن سياق قول الإمام (عليه السلام) فإنه (عليه السلام) لم يكن في معرض الحديث عن الجسد أو البدن والروح، وما يتصل به من أمور أخرى، بل كان حديثه (عليه السلام) عن حتمية الموت.

أما ما ذهب إليه التستري فهو مختلف أيضاً عمّا أراده (عليه السلام)، ولو إنه (عليه السلام) كان في حديث ذم أصحابه، لكان يقبل ما جاء به التستري، لقلنا میّز به بدنهُ وروحه التي لم تعش معهم.

لأن التفسير أو التأويل يعتمد بالدرجة الأساس على علاقة من يتصدى لذلك

ص: 161


1- نهج البلاغة: 2 / 34
2- شرح نهج البلاغة: 9 / 123
3- بهج الصباغة: 11 / 34

بالنص، فمن تلك العلاقة بين الاثنين تبدأ نقطة الإنطلاق(1). ولأن العلاقة بين التستري ومرجعياته الثقافية والدينية من جهةٍ، وبين نص الإمام (عليه السلام) من جهة أخرى، هي علاقةٌ عقائدية قبل أن تكون علاقة بين نص وشارح، فللأثر الديني والعقائدي في فكر التستري عن بعض أصحاب الإمام (عليه السلام)، جعله أن يحمل النص على هذا المنحى.

أما ما يبدو لنا من خلال نص الإمام (عليه السلام)، ومن خلال القرائن التي أحاطت به، أو يمكن لنا القول من خلال تكثيف قرينة واحدة وهي قرينة الموت في خطبته (عليه السلام)، فيمكن أن يكون هذا المعنى في قوله (عليه السلام) مشترك، فإذا اطلق من غير قرينة كان مبهماً أو غير مفهوم لاشتراكه مع غيره من المعاني الأخرى، أما إذا أضيفت إليه القرينة صار مختصاً بشيء بعينه(2).

وخطبة الإمام (عليه السلام) جاءت أفكار متماسكة لأنه يتحدث عن الموت والتفكير به لأخذ العبرة، فالعبرة لم تكن بالروح، وإنما بالبدن، ولأن الروح أخفيت عن البصر في حياة الناس الدنيوية والأخروية، ولأن علم الروح اختص بالله تبارك وتعالى، فضلاً عن غياب مظهر الروح أمام الناس، فلجأ الإمام (عليه السلام) لجعل البدنِ عبرة للناس، وأخذ لفظة البدن دون الجسد على الرغم من أن الشائع هو لفظ الجسد أمام الروح، لأن البدن يتضمن معنی کبر السن يقال: بدنت بالتشدید یعني كبرت وأسنت(3).

وجاء في قوله تعالى عن فرعون: «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ

ص: 162


1- ينظر: إشكاليات القراءة وآليات التأويل: 13
2- ينظر: الفلك الدائر على المثل السائر: 4 / 293
3- ينظر: المخصص: 5 / 84، النهاية في غريب الحديث والأثر: 107

آیَةً...»(1).

فنلاحظ أن العبرة في البدن، وإن الله تبارك وتعالى، جعل من بدن فرعون آية لمن خلفه من الناس لأنهم لم يعايشونه أو يعيشون في زمانه فبقاء بدنه هو بقاء العبرة، أما فناء بدن الإمام (عليه السلام) بالنسبة لأصحابه الذين عايشوه فهو عبرةٌ لهم، فنلاحظ أن الآية أو العبرة في الحالتين هي في البدن، الأولى هي مع فرعون في بقائه لأناس لم يشاهدوه من قبل، والأخرى هو فناؤه عن أشخاص عايشوه. فالعبرة هي في البدن لا في غيرها وقد ذكر الإمام (عليه السلام) في خطبة أخرى في نهج البلاغة، قال فيها: ((إن هذه القلوب تمل کما تحمل الأبدان فالتمسوا لها من الحكمة طرفاً))(2).

ولأن القلب في جوف الإنسان ولا يمكن أن تعرف أسراره، فجعل الإمام (عليه السلام) من البدن قیاماً له، لأن في البدن عبرة كما أشرنا.

ويحذر الإمام (عليه السلام) من مصير الإنسان بعد الموت، فيقول: ((ورأوا من آیاتها أعظم مما قدّروا، فكلتا الغايتين مدّت لهم إلى مباءۃٍ فاتت مبالغ الخوف والرجاء))(3).

وقد شرح ابن أبي الحديد کلام الإمام (عليه السلام) بقوله: ((ورأوا من آیاتها أعظم مما قدّروا، شاهد المتقون من آثار الرحمة وامارتها، وشاهد المجرمون من آثار النقمة وإماراتها عند الموت والحصول في القبر أعظم مما كانوا يسمعون ويظنون

ص: 163


1- یونس: 92
2- نهج البلاغة: 4 / 20
3- نهج البلاغة: 2 / 207. المباءة: مكان التبوء والاستقرار: ينظر: لسان العرب: 1 / 39

أيام كونهم في الدنيا))(1).

وقد تأول التستري کلامه (عليه السلام) على غير ما ذهب إليه ابن أبي الحديد، فقال: ((لم يعلم إرادة ما قالا، لأن سياق الكلام في شدائد الآخرة وليس قبله ذكر مجرم ومؤمن حتی یکون قوله (شاهدوا) للمجرمين وقوله (ورأوا) للمؤمنين فالصواب: أن المراد به کالأول الناس مطلقاً والمعنى: أنهم رأوا من آیات جبروته في دار الآخرة مما قدّرا وفكّروا في دار الدنيا))(2).

وقد فسّر التستري قول الإمام (عليه السلام) في: (((فكلتا الغايتين) أي النار والجنة))(3).

فعلى ما ذكره ابن أبي الحديد من تأويله لقوله (عليه السلام) (ورأوا من آیاتها أعظم مما قدّروا) فهنا رأي المتقون أكثر مما كانوا يتصورون في أذهانهم من منازلهم في الدار الآخرة، ويقاس الكلام بما قبله من قوله (عليه السلام) (أفظع ما خافوا)، فإذا كان الخوف مع الذين أذنبوا، فيكون التقدير مع الذين آمنوا أو المؤمنين كما أشار إليه ابن أبي الحديد في تأويله لكلام الإمام (عليه السلام)، فضلاً عن هذا فإنّ (فكلتا الغايتين) تعد قرينة أخرى لما ذكرناه، فالغایتان أي الغاية الأولى وهي التي رآها الذين قال عنهم الإمام (عليه السلام) (شاهدوا أخطار دارهم أفضع مما خافوا)، والغاية الأخرى هي التي شاهدها من قال عنهم (عليه السلام): (ورأوا من آیاتها أعظم مما قدروا). وقد ذكر (عليه السلام) تلك المشاهد الغائبة عن خيال الإنسان، مهما أراد أن يتصورها، فساها بالآيات، لأن

ص: 164


1- شرح نهج البلاغة: 11 / 159
2- بهج الصباغة: 11 / 171
3- م، ن: 11 / 171

للآية في اللغة معان تدل على التعجب والذهول، أو ما هو قريبٌ من ذلك، فقيل: ((الآية عجب وقولهم فلان آية من الآيات أي عجب من العجائب))(1)، ويمكن أن تكون له دلالة أخرى، وهي أيضاً قرينة من سياق قوله (عليه السلام)، ولأن حديث الإمام (عليه السلام) كان للعبرة من الموت والموعظة للأحياء، فيمكن أن نحمل المعنى اللغوي الذي يشير إلى أن الآية هي من العبرة وسميت آية، وقال تعالى: «لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ»(2). فقيل إن (الآيات) في قوله تعالى، هي عبر ومواعظ للسائلين عن ذلك أي أمر يوسف واخوته، لأن خبرهم عجيب يستحق أن يخبر به ليكون عبرة لمن خلفهم(3).

وفي الخطبة ذاتها جاء ما يتمم المعنى من حيث دلالته اللغوية، إذ قال (عليه السلام) بعد قوله (فكلتا الغايتين)، (مدّت لهم إلى مباءةٍ) فأتت مبالغ الخوف والرجاء).

فدلالة لفظة مباءة التي نصت عليها اللغة تؤازر المعنى السابق فيما ذهب إليه ابن أبي الحديد، فالمباءة: منزل القدم في كل موضع(4)، إذا كان معنى (المباءة) هي المنزل في كل موضع فهذا ما يزيد المعنى قوةً، فلم يتحدد المعني بالعذاب مثلما أراده التستري أن یکون، وهنا يمكن أن يكون منزل الأموات الذي ذكره الإمام (عليه السلام) في أي موضع سواء أكان في العذاب أم في النعيم، هو موضع ثبات و استقرار.

وبعد ذلك جاء قوله (عليه السلام): فاتت مبالغ الخوف والرجاء) وهذا ما

ص: 165


1- الزاهر في معاني كلمات الناس: 77
2- ينظر: تاج العروس: 37 / 124، والآية من سورة يوسف: 7
3- ينظر: زاد المسير: 4 / 182، الدر المنثور / دار الفكر: 2 / 571
4- ينظر: الجيم: 1 / 89

یعضّد ما ذهبنا اليه في تأويلنا الذي تبعنا به ابن أبي الحديد، فيمكن أن يكون (مبالغ الخوف) مع الذين قال عنهم (عليه السلام): (شاهدوا من أخطار دارهم أفظع مما خافوا) وتكون (مبالغ الرجاء) مع الذين قال عنهم (عليه السلام):

(ورأوا من آیاتها أعظم مما قدروا).

فلفظة الرجاء تحمل دلالة دينية عن الذين يخافون ربهم، وجاء في قوله تعالى: «... وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»(1). وقوله تعالى في آية أخرى من القرآن الكريم: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(2).

إن الرجاء من سياق هاتين الآيتين والآيات الأخرى التي جاءت فيها لفظة الرجاء(3)، هي لفظة مختصة بالذين يرجون المرحمة والمغفرة من الله تعالى.

ومن هنا فإنَّ ما ذهب إليه التستري يبدو غير ملائم للسياق الذي أشرنا إليه من أن خطبته (عليه السلام) قد اختصت بالعذاب وعن الذين يرون شدائد الآخرة ولا يرون نعيمها.

ولكننا قد نجد العذر للتستري لأن الخطبة من مطلعها إلى نهايتها هي للتذكير بالموت وبأهواله والدفع والحث على أخذ العبرة والموعظة.

فالمتقون رأوا الجنة أكثر مما كانوا يتصورون، والمجرمون رأوا النار أكثر مما كانوا يخافون ويحذرون.

ص: 166


1- النساء: 104
2- البقرة: 218
3- ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم فقد وردت الكلمة المذكورة في القرآن اثناعشر مرة: 304

واستناداً إلى ما تقدّم فإن التستري باعتراضه على ابن أبي الحديد لم يأتِ بها يوافق السياق، ولذا كان تأويل ابن أبي الحديد هو الأقرب إلى ما أراده الإمام (عليه السلام) .

ويأخذ ابن أبي الحديد قولاً آخر من خطبة للإمام (عليه السلام) في أول خلافته أوصى بها المسلمين فقال (عليه السلام): ((فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده إلّا بالحق، ولا يحل أذى المسلم إلا بما يجب، بادروا أمر العامّة وخاصّة أحدكم وهو الموت، فإن الناس أمامكم، وإن الساعة تحدو كم من خلفكم))(1).

وقال الإمام (عليه السلام): ((بادروا أمر العامّة وخاصّة أحدكم وهو الموت))(2) فتأوّله ابن أبي الحديد بقوله: ((أمر بمبادرة الموت، وسمّاه الواقعة العامة، لأنه يعم الحيوان كلّه، ثم سمّاه خاصّة أحدكم، لأنه وإن كان عاماً إلا أن له مع كل إنسان بعينهِ خصوصية زائدة على ذلك العموم))(3).

وردّ التستري على ابن أبي الحديد بقوله: ((تفسيره في غاية البعد بل الظاهر من قوله (عليه السلام) ((بادروا أمر العامة)) المبادرة في أمر عامة المسلمين بإصلاح شؤونهم وقضاء حوائجهم))(4). وهنا يظهر أنّ ابن أبي الحديد أخذ الكلام على ظاهره، أما التستري فتأوله بحوائج الناس. وهذا ما يحتاج إلى بيان.

فالإمام (عليه السلام) كان يوصي المسلمين بالمسلمين أنفسهم وفيما بينهم ويريد بذلك دفع الشر عن بعضهم بعض، ومثله جلب الخير لهم.

ص: 167


1- نهج البلاغة: 9 / 289
2- نهج البلاغة 2 / 80
3- شرح نهج البلاغة: 9 / 289
4- بهج الصباغة: 12 / 161

ومن خلال هذا يتبين أن قوله (عليه السلام) (بادروا أمر العامة) يريد به خدمة عامة المسلمين من قبل بعض الخاصة، والذين تتعلق بهم أمور الناس وهو (عليه السلام) كان كثير الاهتمام بأمر الرعية، إذ أوصى بهم في خطبٍ أخرى جاء ذكرها في نهج البلاغة، منها قوله (عليه السلام): ((وأخفض جناحك وألن لهم جانبك))(1).

وقد أوصى (عليه السلام) مالك بن الحارث الأشتر عند تولّيه أمر مصر فقال (عليه السلام): ((وأشعر قلبك الرحمة والمحبة لهم واللطف بهم))(2)، فالإمام (عليه السلام) في حثه وتأكيده على أمور الرعية والاهتمام بها، ينظر إلى ما أمر الله تعالى به في هذا الشأن. فقد أعطى مساحة واسعة من حيث تركيزه على تلك القضية فجاء قوله تعالى: «لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ...»(3) كانت من عادة العرب الإهتمام بحوائج الناس قبل ترسيخ الثقافة الإسلامية في نفوسهم، وبعد مجيء الإسلام، أصبحت تلك القضية منهجا للمسلمين، فيما عُرف به الإمام (عليه السلام) خير دليل على ذلك، وقد أورثها لأهل البيت (عليهم السلام) من بعده(4). وقيل: ((وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله على قضاء حوائج الناس))(5).

ص: 168


1- نهج البلاغة: 3 / 79
2- م، ن: 3 / 84
3- النساء: 114
4- قال الإمام الحسين (عليه السلام): ((كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الناس)). التذكرة الحمدونية 8 / 158، ونقل عن الحسين (عليه السلام) أيضاً: ((من کثرت نعم الله علیه کثرت حوائج الناس إليه)). الأمثال المولدة: 125
5- لباب الآداب: 83

أما إذا أردنا أن نكمل قوله (عليه السلام): ((بادروا أمور العامة وخاصة أحدكم وهو الموت))(1).

إن كلامه (عليه السلام) (بادروا) يعود على قوله (عليه السلام) (أمور العامة) ومن ثم يعود على (خاصة)، أي بمعنى إنه قال: بادروا أمر العامة وبادروا من أمر الخاصة، فعرّف بأمر الخاصة ليميزه من أمر العامة، وهي حوائج الناس، ففي الكلام حذف وهو أنه (عليه السلام) استعمل (بادروا) مرّة واحدة، أراد أمور الناس وأراد أن يحذر من الموت، وهذا بالاعتماد على قرينة كلامه (عليه السلام) الذي جاء بعد هذا الذي ذكرناه، إذ إنه قال: (فإن الناس أمامكم) وهذا يعود على (بادروا أمر العامة)، ومن ثم قال: (وإن الساعة تحدو كم من خلفكم) لأن كلامه (عليه السلام) (الساعة تحدو کم) هو تذكير بالموت.

ومن هنا نكون قد جمعنا ما كان منفصلاً من رأي ابن أبي الحديد الذي أشار به إلى الموت، ومن رأي التستري الذي أشار به إلى حوائج الناس.

ومن أقوال الإمام (عليه السلام) التي تأوّلها ابن أبي الحديد، قوله: ((كان لي فيما مضى أخٌ في الله، وكان يعظّمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجاً من سلطان بطنه))(2).

تأول ابن أبي الحديد کلام الإمام (عليه السلام) بقوله: ((اختلفوا في مراده (عليه السلام) بهذا الأخ فقيل النبي (صلى الله عليه وآله) واستبعد لقوله: وكان ضعيفاً مستضعفاً، وقيل: أبو ذر واستبعد لقوله: فإن جاء الجد فهو ليث عاد، وصلّ وادٍ، وأبو ذر لم يكن معروفاً بالبسالة والشجاعة، وقيل: المقداد، وقيل ليس بإشارةٍ إلى أخ

ص: 169


1- نهج البلاغة: 2 / 80
2- م، ن: 4 / 69

معين، ولكنه خارج مخرج المثل، وعادة العرب جارية بمثلهِ))(1).

أما التستري فإنه قال: ((قد عرفت ما في أصل نسبته إليه (عليه السلام) وعلى فرض صحتها فما قاله من منافاة قوله: (فإن جاء الجد فهو ليث عادٍ وصلّ وادٍ)، لإرادة أبي ذر غلط، فإن في غاية الانطباق، فأبو ذر مع كونه ضعيفاً لاسيما بعد إرجاع معاوية له من الشام على جمل بلا قتب يسوقه ليلاً ونهاراً...))(2).

نلاحظ أن ابن أبي الحديد لم يسمِ أيّاً من أصحاب الإمام (عليه السلام) هذا الذي قال عنه (عليه السلام) (كان لي فيما مضى أخٌ في الله).

ففي تأويله أعطى أكثر من احتمال، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستعبد ذلك بما اعتمده من قرائن أخرى جاءت ضمن الخطبة ذاتها، منها قول الإمام (عليه السلام): (وكان ضعيفاً مستضعفاً)، واستبعد هذا الترجيح، لأنه استبعد الشجاعة التي وصفها الإمام (عليه السلام) في خطبته عن أخيه، فاستبعدها ابن أبي الحديد أن تكون صفة لأبي ذرٍ.

فهو كان يعترض على من سمّى الأخ هذا، ولم يقطع بذلك على شخص بعينه، کما جزم التستري على أن الشخص الذي كان يتحدث عنه الإمام (عليه السلام) هو أبو ذر، وكان دليله على ذلك هو قوله (عليه السلام): (كان فيما مضى أخ في الله).

لكن يبقى هذا من باب الاحتمال أيضاً، فتسميته لأبي ذر لم تكن مأخوذة من مصدر، بل على معطيات الخطبة من إشارات وتلميحات.

والتفاتة إلى قوله (عليه السلام): (وكان خارجاً من سلطان بطنهِ) هذه إشارة

ص: 170


1- شرح نهج البلاغة: 19 / 184
2- بهج الصباغة: 12 / 343

إلى زهد من كان يقصده (عليه السلام) من أصحابه، وإن كان كل أصحابه زاهدين، لكن يمكن أن نميّز بأن زهدهم كان على مراتب، فقد احتل مرحلة متقدمة في الزهد من أصحابه عثمان بن مظعون، فقيل عنه لما توفي مرَّ عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال له خرجت ولم تتلبس منها بشيء(1).

وفي كلامه (صلى الله عليه وآله) إشارة قطعية إلى زهده وبُعده عن ما يغتر به الإنسان من الدنيا، وهذا يتلاقى في معناه مع كلامه (عليه السلام)، ونقل عن عثمان بن مظعون أنه حرّم الخمر على نفسه ليس في عهد الإسلام، وإنما كان ذلك في الجاهلية، فكان يؤثر عقله على نفسه وهواه(2).

ففي مخالفته للهوى كان ذلك أمراً شائعاً فضلاً عما ذكرناه من بعض الروايات عن ذلك، فإن الإمام (عليه السلام) في الخطبة نفسها قال: ((وكان إذا بدههُ أمران ينظر أيهما أقرب إلى الهوى فيخالفه))(3).

فامتناعه عن الهوى هو لزهده في الدنيا، وتوافقاً مع قوله تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(4).

فضلاً عن ذلك فإن الإمام (عليه السلام) في خطبته كان متحدثاً عن أحد أصحابه السابقين الذين مضوا إلى ربهم، فقد كانت وفاة عثمان بن مظعون في السنة الثانية للهجرة(5).

ص: 171


1- ينظر: البدء والتاريخ: 2 / 107، روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار: 436
2- ينظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: 3 / 190
3- نهج البلاغة: 4 / 69
4- النازعات: 40 - 41
5- ينظر: تاریخ ابن الوردي: 111

فالزهد الذي وصف به عثمان بن مظعون من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن الصحابة، هو ما يتناسب مع ما ذكره عنه الإمام (عليه السلام) في خطبته، فضلاً عن هذا فإن الإمام (عليه السلام) في خطبته قال (كان لي أخ).

إنّ الإمام (عليه السلام) في حياته كان يسمي عثمان أخي، فتلك الأخوة في حياة عثمان بقي ذكرها عند الإمام (عليه السلام) بعد وفاته، أي وفاة عثمان بن مظعون وقد سمّى الإمام (عليه السلام) أحد أبنائه عثمان وقال: ((إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون))(1). ومهما يكن من شأن الموصوف في كلامه، فالكلام يمكن أن يكون عاماً لباقي أصحابه إذا أرادوا أن يتمثلوا سيرة من تحدث عنه.

وينتقل ابن أبي الحديد لتأويل قول آخر من أقواله (عليه السلام) قاله لما استخلف أمراء الأجناد: (أما بعد، فإنما من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فأشتروه و أخذوهم بالباطل فاقتدوه))(2).

فقد تأوّل ابن أبي الحديد قوله (عليه السلام): ((وأخذوهم بالباطل فاقتدوه))(3). بقوله: ((أي حملوهم على الباطل فجاء الخلف من بعد السلف فاقتدوا بآبائهم وأسلافهم في ارتكاب ذلك الباطل، ظنا أنّه حق كما ألفوه ونشئوا وربوا عليه))(4).

أما التستري فقد رد بقوله: ((اللفظ لا يُغيّر ماقال والمعنى لا يجيزه، لأنه

ص: 172


1- مقاتل الطالبيين: 89
2- نهج البلاغة: 3 / 138. فاقتدوه: كلّفوهم بإتيان الباطل فأتوه، والاقتداء: هو ما تسننت به وبعد ذلك يقتدى بتلك السنة، ينظر: لسان العرب: 15 / 171
3- م، ن: 3 / 138
4- نهج البلاغة: 18 / 77

(عليه السلام) في مقام ذم الأمراء دون الرعايا والصواب، أن يقال: ((اقتدوه)) محرّف ((افتدوه)) بالتاء، أي أعطوا الفدية لئلا يؤخذ بالباطل))(1).

إن ما قاله التستري من أنْ (اقتدوه) هو محرّف من (افتدوه) هذا لم يقل به أحدٌ من الذين حقّقوا نهج البلاغة وشروحه، وهو افتراض لايُقبل لأنّه من عمل المحقّق، ومن المحقّق لا يّقبل إلا بشروط.

وعود إلى قول ابن أبي الحديد، نلاحظ أنّه الأقرب إلى معنى قوله (عليه السلام)، فالإمام (عليه السلام) أراد أن يقول إن الذين سبقوكم من أمراء الأجناد الذين كانوا في زمن من سبقه من الخلفاء، إنهم ساروا على طريق الباطل، وقد توهم من جاء من بعدهم بأن طريقهم الذي سلكوه هو الحق.

وهذا الاعتقاد لا يُقبل منهم، لأنّ متابعة السابقين من دون تدبّر في أفعالهم، يتعارض مع منهج الاسلام الحقّ، الذي يريده الإمام (عليه السلام) لأصحابه، فتأويل ابن أبي الحديد لكلام الإمام أقرب إليه، مما قاله التستري، الذي اضطر إلى القول بتصحيف كلمة (اقتدوه) إلى (افتدوه)، وهذا لا يُقبل كما أشرنا-.

****** في هذا الفصل (نقد التأويل) كان الإختلاف فيه ظاهراً، بين ابن أبي الحديد والتستري، ولم نجد قضية تأويلية واحدة قد اتفقا عليها، فعلى الرغم من كثرة الردود الخلافية للتستري في بقية الفصول، إلا أننا نجده في بعض الأحيان يأخذ بما قاله ابن أبي الحديد، لكنّنا هنا في التأويل لم نجد أيّ توافق بينهما، ويمكن أن يعود ذلك لاعتماد التأويل، بالدرجة الأساس على العقيدة الدينية، فالتأويل ليس قضية

ص: 173


1- بهج الصباغة: 13 / 220

ثابتة كالقضايا اللغوية، أو النحوية، أو بقية القضايا الأدبية الأخرى، كما أشرنا في مقدمة الفصل، فهو مختلف من شخص إلى آخر، حسب ما تّمليه العقيدة والبيئة والزمان، كل هذه أنتجتْ لنا ذلك الاختلاف بينهما. ومن هنا اختلف تأويل ابن أبي الحديد بوصفه الأقرب زمانیا لنص الإمام (عليه السلام)، عن تأويل التستري بوصفه المختلف عقائدياً والأبعد زمانياً، وإن ماقد تأوله ابن أبي الحديد لم يكن یکسر النسق العقلي الذي نشأ فيه في بيئته المعتزلية، فلم يذكر قضية إلا وكانت النتائج التي يصل إليها عقلية صرفة، أما التستري فكان يعتمد على عقيدته في فهم النصوص، فضلاً عن اللغة، التي تّسهم في الاختلاف على وفق قدرة كلّ واحد منهما.

ص: 174

الفصل الرابع ردود التوثيق المبحث الأول: نقد التوثيق الأدبي المبحث الثاني: نقد التوثيق التاريخي

ص: 175

ص: 176

المبحث الأول: نقد التوثيق الأدبي

يحتاج التوثيق الأدبي بشقّيه الشعري والنثري إلى صبر وأناة وتثبُّت، لأن الروايات تتعدد أحياناً وتتقاطع وتختلف أحياناً أخرى، وأظهر ما يكون ذلك في رواية الأبيات الشعرية، فهناك بعض الأبيات تُحذف وتُستبدل بأبياتٍ غيرها، أو يُضاف بيت هنا، ويُحذف بیتٌ من هناك، والمسألة لا تختلف كثيراً في رواية النصوص النثرية، وخاصة الأمثال العربية، فبعض نصوصها تختلف بين مصدر وآخر، وذلك لأنها مرويّة من طرق مختلفة، كما هو شأن الشعر. هذا فضلاً عن أنّ بعض الروايات تخضع أحياناً لميول الراوي إن لم يكن ثقة، فتكون له يد في زيادة أو حذف، أما إذا كان من الثقاة المعتد بهم وبنقولهم، فلا يمكن أن يكون للشك مكان فيما يُؤخذ عنه، ذلك مما يُسهم في تذلیل صعوبات عملية التوثيق، وعلى الرغم من هذا، فإننا لا نستبعد أن يكون الاختلاف في الروايات آتٍ من كتابة النصوص القديمة، أو نسخها، إذ يقع الناسخُ في تصحيف أو تحريف لبعض المفردات، مما يؤدي إلى اختلاف الروايات، وخاصة في زمن ابن أبي الحديد.

واستناداً إلى ما تقدم يكون التوثيق ارجاع النصوص إلى أصلها وحقيقتها التي كانت عليها التي أرادها المؤلف أو الشاعر قدر الامكان. وفي زمن التستري العصر الحديث فقد حُققّتْ الكتب القديمة تحقيقاً علميّاً، فتوفرت له فرصة الوقوف على النصوص الشعرية والتثرية بدقُة، ومن هنا تأتي استدراكاته على ابن أبي الحديد

ص: 177

من هذا الباب. ومن أجل هذا وثقّنا النصوص الأدبية التي ذكرها ابن أبي الحديد في شرحهِ لنهج البلاغة، والتي ردَّ عليه التستري فيها. وفيما يأتي نقف على بعض ردود التستري في هذا الباب.

تمثل الإمام (عليه السلام) بصدر بيتٍ امرئ القيس وهو قوله: ((ودع عنك نهباً صيح في حجراتهِ.))(1)، وقد التفت ابن أبي الحديد إلى الحادثة المرتبطة بدورانه في أحياء العرب لاسترداد ملك أبيه، وأغار بنو جديلة على إبله، فقال الأبيات التي تضمنتْ الشطر المشار إليه(2).

وقد ردَّ التستري على ذلك بقولهِ: ((والذي رواه أبو الفرج في (الأغاني) هكذا: ينزل امرؤ القيس في أرض طيّء برجل من بني جديلة يقال له المعلّى بن تميم فقال فيه:

كأنّي إذا نزلتُ على المعلّى *** نزلتُ على البواذخ من شمام فما ملك العراق على المعلّى *** بمقتدر ولا ملك الشام))(3) وقد أورد التستري رواية الأغاني بنصّها، في حين نقلها ابن أبي الحديد بتصرّف، لأنه أخذ من أكثر من مصدر، ولذا جاء بعض الاختلاف فيها، ولم يذكر التستري لماذا رجّح ما أورده صاحب الأغاني، على الرغم من أن رواية ابن أبي الحديد کانت أكثر تفصيلاً، وهناك من كان يرى أن هذه الأبيات لیست لامرئ القيس، وهذا

ص: 178


1- نهج البلاغة: 2 / 64. والبيت في ديوان امرئ القيس: 94، وتمامه: فدع عنك نهباً صيح في حجراته *** ولكن حديثا ما حديث الرواحل
2- شرح نهج البلاغة: 9 / 244
3- بهج الصباغة: 4 / 153، البوادخ: جمع بذخ وهو الجبل الشامخ الطويل: ينظر: تهذيب اللغة 7 / 143، لسان العرب: 3 / 7، والأبيات في ديوان امرئ القيس: 140

النوع من الشعر لا يتناسب مع طبيعة شعره وأسلوبهِ، فالأصمعي ينكر أن يكون هذا الشعر لشاعرنا المذكور، وقال أحسبه للحطيئة(1).

أما محقق الديوان فقد ذكر الأبيات لامرئ القيس، لكن الذي اختلف فيه عن الروايات الأخرى، هو أن من كان يطلب امرأ القيس هم ليسوا بني جديلة، وإنما المنذر بن ماء السماء(2).

والذي يراه البحث، يتمثل في أنّ ما أورده ابن أبي الحديد أوسع مما أورده التستري نقلاً عن الأغاني(3)، لأنه جمع الروايات وأعاد صياغتها، ولأن ما ورد في تلك المصادر يوثق ما جاء به، لأنها أسبق في الزمن من الأغاني، والقدم الزمني يعوّل عليه في توثيق الروايات. واستناداً إلى ما تقدم فإننا نرجّح ما جاء في شرح ابن أبي الحديد، موازنة بما جاء بهِ التستري، على الرغم من أن الإطار العام لقصة الشاهد الشعري واحد.

وعلّق ابن أبي الحديد على استشهاد الإمام (عليه السلام) بقول الأعشى: فشتّان ما يومي على كورها *** ويوم حيّان أخي جابر(4) بإشارته إلى قصة القصيدة التي ورد فيها البيت، وهي قصة المنافرة بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة(5) فذكر مطلع القصيدة.

ص: 179


1- ينظر: زهر الأكم في الأمثال والحكم: 2 / 119
2- ينظر: الديوان:140
3- وردت القصة مثالاً لا حصراً في المعاني الكبير: 2 / 1115، جمهرة الأمثال: 1 / 452
4- ينظر: نهج البلاغة: 1 / 32، والبيت في ديوان الأعشى: 147
5- (2) علقمة بن علاثة بن عوف الكلابي العامري من بني عامر بن صعصعة ت: نحو 20 ه: ينظر: أسد الغابة: 4 / 82

علقم ما أنت إلى عامر *** الناقض الأوتار والواتر(1) وقد ردّ التستري على ابن أبي الحديد معتمداً على رواية الأغاني، ورواية ديوان المعاني، فقال البيت الذي ذكره ابن أبي الحديد نفسه(2)، وقد استشهد صاحب الأغاني بخمسة أبيات أخرى من القصيدة تضمّنت مديحاً وغزلا لعامر بن الطفيل، ولم يورد بیت الشاهد وأورده صاحب دیوان المعاني(3)، كما ذكر التستري، سبعة أبيات وفيها بيت الشاهد أيضاً. وما جاء بهِ الاثنان من أبيات موجودة في الديوان، ولكن مع تقديم وتأخير واختلاف في رواية بعض الأبيات، والظاهر أن التستري أراد أن يأتي بموقف للنبي (صلى الله عليه وآله) يتصل بالقصيدة والمنافرة، فذكر ما ذكر فيها ليصل إلى ما أراد من الإشارة إلى توجيه النبي (صلى الله عليه وآله) لحسّان بن ثابت ليكف عن ذكر المنافرة، فأطال الكلام عنها، ولم يرجّح رواية على رواية وإنما أورد ما جاء في الأغاني وديوان المعاني للغاية المشار إليها. واستناداً إلى هذا نقول ان اعتراضه على ابن أبي الحديد ليس من باب الاعتراض، وإنما يدخل ضمن رغبته في استكمال ما يتصل بالحادثة.

وفي موطن آخر يتصل ببيت الأعشى نفسه، يذكر ابن أبي الحديد أن الفضل بن الربيع(4) تمثل بأبيات البعيث(5) في حرب الأمين والمأمون:

ص: 180


1- ينظر: شرح نهج البلاغة: 1 / 166 - 167، والبيت في ديوان الأعشى: 141
2- ينظر: بهج الصباغة: 5 / 59
3- ينظر: ديوان المعاني: 1 / 172
4- الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة، كان وزيرا لهارون الرشید، ينظر: الوافي بالوفيات: 24 / 29
5- البعيث: شاعر وخطيب واسمه خداش بن بشر بن بيبة المجاشعي، ينظر: البيان والتبيين 1 / 60

لشتان ما بيني وبين ابن خالدِ *** أميّة في الرزق الذي الله يقسمُ يقارع أتراك ابن خاقان ليله *** إلى أن يرى الأصباح لا يتلعثمُ وأخذها حمراء كالمسك ريحها *** لها أرجٌ من دنها يتنسّمُ فيصبح من طول الطراد وجسمه *** نحيلٌ وأضحى في النعيم أصمّم وقد ردّ التستري على ما ذكره ابن أبي الحديد وقال: ((البيت الثالث لا ربط له بما قبله وما بعده، وقد نقل الطبري الأبيات ولم ينقله فيها))(1).

إن اعتراض التستري هنا آتٍ من وجهين، الأول إنّ البيت الثالث لا علاقة له بالأبيات التي جاءت معه، وهذا اعتراض حقّ، لأنّ البيت يتحدث عن لون الخمرة وريحها ودنّها. أما الأبيات الأخرى فتتحدث عن مديح الشاعر لبطولة ممدوحهِ. وهذا الافتراق في معنى السياق يقوي ما أراده التستري، إذ يظهر البيت وكأنه أقحم في الأبيات. أما الوجه الثاني لاعتراض التستري، فيتمثل في قولهِ إنّ البيت الثالث نفسه لم يورده الطبري حينما استشهد بالأبيات، هذا فضلاً عن أن مصادر أخرى أوردت الأبيات ولم تورد البيت المشار إليه فيها(2) مع الإشارة إلى أن الترتيب يختلف من مصدر إلى آخر.

ولعلّ ما يقوّي هذا إنّنا لم نعثر على البيت في أغلب المصادر التي عدنا إليها. وعلى الرغم من أنّنا لا نستطيع أن نقطع بقولٍ عن البيت، فنرجّح انه زيادة من ابن أبي الحديد نفسه، حدث سهواً. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنّ البيت لم يرد في ديوان البعيث لا في القصيدة نفسها، ولا في غيرها، مما يجعل ما قاله التستري في محلّهِ.

ص: 181


1- بهج الصباغة: 5 / 65
2- ينظر: زهر الآداب: 2 / 582، التذكرة الحمدونية: 3 / 263

وعلّق ابن أبي الحديد على استشهاد الإمام (علیه السلام) بقول الشاعر:

وحسبك داء أن تبيتَ ببطنةٍ *** وحولك أكباد تحنُّ إلى القدِّ(1) بقولهِ: ((وهذا البيت من أبيات منسوبة إلى حاتم بن عبد الله الطائي الجواد، وأولها:

أيا ابنة عبد الله وابنة مالك *** وابنة ذي الجدّين والفرس الوردِ إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له *** أكيلا فإني لست أكله وحدي قصياً بعيداً أو قريباً فإنني *** أخاف مذمات الأحاديث من بعدي كفى بك عاراً أن تبيت ببطنةٍ *** وحولك أكباد تحن إلى القدِّ وإنّي لعبد الضيف ما دام نازلاً *** وما من خلالها شيمة العبد))(2) وقد ردّ التستري على ما ذكره ابن أبي الحديد فقال: ((لم يذكر مستنده كون الأبيات لحاتم، وقد نسب المبرّد في (كامله) الأبيات الثلاثة الأولى والأخير إلى قيس بن عاصم المنقري، ولم ينقل فيها الرابع شعر كلامه (عليه السلام). ونقل ابن قتيبة في (عيونهِ) أيضاً الأبيات الثلاثة الأولى وذكر بدل الأخيرين كيف يسيغ المرء زاداً وجاره *** خفيف المعى بادي الخصامة والجهد وللموت خير من زيادة باخل *** يلاحظ أطراف الأكيل على عمد))(3) إن هذه الأبيات المذكورة هي من الأبيات التي يبد و عدم الإتفاق عليها واضحاً، فهناك فريق قد نسبها إلى حاتم الطائي(4) واخر رواها لقيس بن عاصم

ص: 182


1- نهج البلاغة: 3 / 72
2- شرح نهج البلاغة: 16 / 288
3- بهج الصباغة: 6 / 355
4- ينظر: لباب الآداب: 1 / 120، الکامل: 2 / 133

المنقري(1)، وفريق لم ينسبها إلى شاعر بعينهِ، وإنما اكتفوا بالقول: وقال شاعر، أو قال: آخر(2).

يلاحظ أنّ البيت الذي استشهد به الإمام (عليه السلام) لم يرد في المصادر التي ذكرت الأبيات، والتستري حينما ذكر ما أورده المبرّد في الكامل لم يُشر إلى أنه لم يورد بيت الشاهد. واستناداً إلى ما تقدم فإن اعتراض التستري على ابن أبي الحديد لا مسند له، فكل ما قيل يخص الأبيات التي أوردها ابن أبي الحديد، ولا علاقة له بشاهد الإمام (عليه السلام) -. ومن هنا فإن توافق الشاهد مع النص الذي أورده الشارحان من حيث الدلالة والوزن والقافية، أغراهما بوضعهِ مع الأبيات المشار إليها. وقد لا يكون فيها، لأنه لم يرد في أي مصدر من المصادر المذكورة. ونخلص مما تقدم إلى القول: إن البيت المذكور قد يكون من إنشاء الإمام (عليه السلام) نفسه وجاء بهِ متوافقاً تماماً مع الفكرة التي عبّر عنها بالخطبة، وأما أن يكون مجهول القائل وكان شائعاً لعلاقتهِ بقيمة الكرم عند العرب، وأما أن يكون من ضمن الأبيات المشار إليها ولكنه سقط فيها أثناء الرواية.

وعلى هذا يبقى لاعتراض التستري وجهاً مقبولاً، لأن عدم ذكر المصدر الذي استقى منه ابن أبي الحديد الأبيات المذكورة، هيّأت للتستري فرصة التعليق على الشاهد بما يراه هو.

وفي كتاب من الإمام (عليه السلام) إلى أخيه عقيل استشهد (عليه السلام) ببيتين من الشعر:

ص: 183


1- ينظر: التذكرة الحمدونية: 2 / 280
2- ينظر: البيان والتبيين: 3 / 205، عيون الأخبار: 3 / 286

فإن تسأليني كيف أنت فإنني *** صبورٌ على ريب الزمانِ صليبُ يعزُ عليَّ أن ترى بي كآبة *** فيشمت عادٍ أو يُساء حبيبُ(1) وعن هذا قال ابن أبي الحديد: ((الشعر يُنسب إلى العباس بن مرداس السلمي ولم أجده في ديوانه))(2).

وقد ردّ التستري على ذلك بقولهِ: ((بل الظاهر أن البيتين لصخر بن عمرو السلمي، قال في الأغاني كان صخر طعن في جنبهِ في حرب، تمرض قريباً من حول وقد نشأت في موضع الطعنة قطعة مثل الكبد، فأحموا له شفرة، ثم قطعوها لعله يبرأ، فسمع أن أخته تقول: كيف كان صبره فقال:

أجارتا أن الخطوب تنوب *** على الناس كل المخطئين يُصيبُ فإن تسأليني هل صبرت فإنني *** صبور على ريب الزمان صليب))(3) على الرغم من ان ابن أبي الحديد لم يقطع بنسبة البيتين إلى العباس بن مرداس من خلال قوله السابق ((الشعر ينسب)) ولم أجده في ديوانهِ. فإن التستري تغافل عن هذا، وجاء برواية الأغاني التي نسبت الشعر لصخر بن عمرو السلمي يرد بها على ابن أبي الحديد. وهذا ردّ مقبول.

غير أن ما ينبغي أن نشير إليه هو أن المصادر القديمة ذهبت في ثلاثة اتجاهات في نسبة الأبيات، فمنها من نسبها إلى العباس بن مرداس کما مرَّ في إشارة التستري، ومنها من يكتفي بالقول ((قال الشاعر))، ومنها من يقول: قال أخو بني سليم(4)

ص: 184


1- نهج البلاغة: 3 / 62
2- شرح نهج البلاغة: 16 / 152
3- بهج الصباغة: 7 / 360
4- ينظر: أمالي الزجاجي: 211

وآخر قال لبعض بي سليم(1)، من دون أن يُسمّي المعني من بني سليم، والظاهر أن تردد الأبيات بين العباس بن مرداس وصخر بن عمرو، وموضوعها العام عن الجلد والصبر، سوّغت للمصادر المذكورة هذا القول.

وفي قضية أخرى نسب ابن أبي الحديد أبياتاً من الشعر إلى الإمام (عليه السلام)، حينما ذكر من يموت من الشيعة الاثني عشرية يشاهد الإمام (عليه السلام) حاضراً عنده، يقول: ((لا يموت ميت حتى يشاهده (عليه السلام) حاضراً عنده. والشيعة تذهب إلى هذا القول وتعتقد، وتروي عنه شعراً قاله (عليه السلام) للحارث الأعور الهمداني(2):

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قُبلا يعرفني طرفةُ وأعرفهُ *** بعينهِ وأسمه وما فعلا أقول للنار وهي توقد لل *** عرض ذريه لا تقربي الرجلا ذريه لا تقربيه إنّ له *** حبلا بحبل الوصي متصلا وأنت یا حار إن تمت ترني *** فلا تخف عثرة ولا زللا أسقيك من باردٍ على ظمأ *** تخاله في الحلاة العسلا))(3) وقد ردّ التستري بقوله: ((لم يروِ الشيعة نفس الشعر له (عليه السلام) بل مضمونه. وإنما نظم الحميري مضمون كلامه (عليه السلام).... فجاء في الأبيات والتي أولها:

ص: 185


1- فصل المقال: 72
2- الحارث بن عبد الله الاعور الهمداني، من همدان باليمن عرف بعظيم قدره وسعة علمه:ينظر: معجم رجال الحديث للسيد الخوئي / 13
3- شرح نهج البلاغة: 1 / 299

قول علي لحارث عجبٌ *** كم ثم أعجوبة له حملا يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قُبُلا وأنت عند الصراط تعرفني *** فلا تخف عثرة ولا زللا أسقيك من باردٍ على ظمأ *** تخاله في الحلاة عسلا))(1) والأبيات التي نقلها ابن أبي الحديد، وقال تنسبها الشيعة إلى الإمام علي (عليه السلام)، على أنه قالها للحارث الهمداني، فذلك وهمٌ من ابن أبي الحديد، لأن الشيعة لم تروِ هذا الشعر، ولا تنسبه للإمام (عليه السلام) ولا لغيرهِ، وإن الذي روته الشيعة هو ما نقله التستري عن السيد الحميري(2). وقد كتب الحميري في تلك الأبيات حول معنى كلامه (عليه السلام) الذي قاله للحارث الهمداني: ((ابشرك يا حارث لتعرفني عند الممات وعند الصراط وعند الحوض وعند المقاسمة. قال الحارث: وما المقاسمة، قال: مقاسمة النار أقسامها قسمة صحيحة أقول: هذا وليّ فاتركيه وهذا عدوّي فخذيه...))(3). فما نقله الشيعة هو كلامه (عليه السلام) والذي حدّث به الحارث، وعن ذلك كتب السيد الحميري أبياته.

بقي أن نشير إلى أن البيت الأول من القصيدة واضح الدلالة على أن السيد الحميري نظم قول الإمام (عليه السلام) وهو قوله:

قول عليّ لحارث عجب *** كم ثم أعجوبة له جملا ومن هنا لا يبقى مسوّغ للأخذ بقول ابن أبي الحديد بشأن نسبة الأبيات، على الرغم من هذا كلّه فإننا لا نستبعد تماماً أن ابن أبي الحديد لم يرَ الأبيات المذكورة في

ص: 186


1- بهج الصباغة: 11 / 85 - 86، والأبيات في ديوان السيد الحميري: 155
2- ينظر: ديوان السيد الحميري: 155
3- أمالي الشيخ المفيد: 11، ينظر: بحار الأنوار: 6 / 180

دیوان السيد الحميري الذي أطّلع عليه، فنسبها إلى الإمام (عليه السلام).

وقف ابن أبي الحديد عند أبيات لأبي دوّاد الإيادي وردت في محاورة بين الإمام (عليه السلام)، وأبي الأسود. يقول: سأل الإمام (عليه السلام) أبا الأسود من أفضل شاعر تحدثوا عنه فقال أبو الأسود: الذي يقول:

ولقد أغتدي يدافع ركني *** أعوجيٌّ ذو مَيعةٍ أضريجِ مِخْلَطٌ مِزيلٌ مِعَنٌّ مِفَنٌّ *** منفخ مِطرح سبوحٌ خروجِ يعني أبا دوّاد الإيادي(1).

وقد اتفق التستري مع ابن أبي الحديد فيما ذكره فقال: ((ورواه أبو الفرج في (أغانيه) في (أبي دوّاد الإيادي)...))(2).

لكن التستري وقف عند سلسلة السند، فرأى اختلافاً في سند الرواية بين صاحب الأغاني وبين ابن أبي الحديد، ورجّح أنّ أحد السندين غير صحيح فقال: ((ولا بد ان أحدهما تحريف كلّا أو بعضاً))(3). ولا موجب للاعتراض هنا على ابن أبي الحديد، لأنه أخذ الرواية عن أمالي ابن دريد كما ذكر ذلك(4). وهنا يمكن أن يكون ابن دريد أخذ الرواية من طريق آخر، غير طريق أبي الفرج الأصفهاني، هذا فضلاً عن أنه سابق له في الزمن وهذا يرجّح روايته لقدمها.

بقي أن نشير إلى أنّ التستري نقل رواية الأغاني بتمامها فذكر الأبيات الشعرية، وعلى الرغم من الاختلاف بين الروايتين، فإنه اكتفى بذكرها من دون أن يشير إلى

ص: 187


1- ينظر: شرح نهج البلاغة: 20 / 153 - 154
2- بهج الصباغة: 14 / 38
3- م، ن: 14 / 38
4- شرح نهج البلاغة: 20 / 153

ذلك، وكان ترجيحه لرواية أبي الفرج أغنته عن ذلك.

وعن كلامه (عليه السلام): ((هذا الخطيب الشحشح))(1). قال ابن أبي الحديد: ((وهذه الكلمة قالها علي (عليه السلام) لصعصعة بن صوحان العبدي رحمه الله، وكفى صعصعة بها فخراً أن يكون مثل علي (عليه السلام) يُثنى عليه بالمهارة وفصاحة اللسان...))(2).

ورّد عليه التستري بقوله: ((بل قال (عليه السلام) هذه الكلمة إن صحّ كونها كلامه (عليه السلام) في شاب من قيس غير معروف، ففي تأريخ الطبري بعد ذكره خبراً عن كليب ونادى (عليه السلام) بعد ظفره: ألا تتبعوا مدبراً ولا تجهزوا على جريح ولا تدخلوا على الدور. ثم بعث إليهم أن أخرجوا للبيعة، فبايعهم على الرايات وقال: من عرف شيئاً فليأخذه... فقال علي (عليه السلام): أين أمراؤكم؟ فقال الخطيب أُصيبوا تحت نظار الجمل ثم أخذ في خطبتهِ، فقال علي (عليه السلام) أما هذا لهو الخطيب الشحشح...))(3).

إنّ استناد التستري إلى رواية الطبري(4) كافٍ لتضعيف رواية ابن أبي الحديد. ويقوي هذا رواية مؤرخين آخرين(5)، لما أورده الطبري من حيث مخاطبة الإمام للشاب وليس لصعصعة بن صوحان، ولا بأس من الإشارة هنا إلى أن شهرة صعصعة بن صوحان بالخطابة(6)، التي أغرت ابن أبي الحديد بقوله هذا، لأن

ص: 188


1- نهج البلاغة: 4 / 57
2- شرح نهج البلاغة: 19 / 106
3- بهج الصباغة: 14 / 401
4- ينظر: تاريخ الطبري: 3 / 506
5- تاريخ دمشق: 30 / 293
6- البيان والتبيين: 1 / 98

هذه الصفة المحمودة للخطيب تليق به، فضلاً عما فيها من مديح للخطيب.

وهنا يكون من المقبول أن يمدح الإمام (عليه السلام) خطيب خصومه، بعد أن رأى ما في كلامه من فصاحة وقدرة على بيان ما يريد، خاصة وإن الخطيب قال ما قال بعدما انتهت المعركة بهزيمة أصحاب الجمل، وليس في كلام الخطيب ما يثير ضغائن الخصوم، بل في كلامهِ اقرار بالهزيمة أمام الإمام (عليه السلام)، ومن هنا فلا خشية من مديحه بما فيه من صفة، والإمام سيد الناس بالانصاف.

توثيق مثل:

نقل ابن أبي الحديد مثلاً من الأمثال العربية فقال: ((إن الأشعث فُدي في الجاهلية بفداء يضرب به المثل، فيقال: ((أغلى فداء من الأشعث))(1).

وقد ردّ التستري على ذلك بقوله: ((إنما المثل ((أوفى فداة من الأشعث)) والأمثال لا تتغير...))(2).

إن هذا المثل قد ورد ذكره بروايات مختلفة فهناك من قال: ((أغلى فداء من الأشعث))(3)، وجاء برواية أخرى: ((أوفر فداء من الأشعث))(4).

وهذه الصيغ التي وردت في كتب الأمثال، فمن هنا لا يمكن ترجيح اعتراض التستري على ابن أبي الحديد، إلا في وجهٍ، وهو أن المثل ورد في كتاب جمهرة الأمثال: ((أوفى فداء)) وورد بصيغة ((أغلى فداء من الأشعث)) في مجمع الأمثال وهو

ص: 189


1- شرح نهج البلاغة: 1 / 292
2- بهج الصباغة: 8 / 19
3- الأشعث بن قيس بن معد يكرب بن معاوية الكندي يكنى أبا محمد، وكان من ملوك كندة، وهو صاحب أرض جهر موت، ينظر الاصابة في تمييز الصحابة: 1 / 87
4- مجمع الأمثال: 2 / 66

متأخر على الجمهرة، فيصبح الاعتراض هنا لتقدم المصدر الأول، ولكن هذا لا يمنع أن يكون المثل مستعملاً بصِيَغهِ الثلاث عند العرب على وفق السياق الذي يرد فيه، فلا مسوّغ يبقى لترجيح رواية على رواية.

أما قول التستري ((والأمثال لا تُغيّر))(1)، فهذا صحيح لأن الأمثال من أقدم نصوص النثر العربي التي رويت كما قيلت وهي لا تتغيّر، وابن أبي الحديد يدرك هذا تماماً، فلا يمكن أنْ يغيّر في المثل، ولكن وصل إليه برواية أخرى كما مرّ.

****** لقد اعتمد التستري في توثيقه للشعر والنثر، باعتماده على عدد من المصادر القديمة، على العكس من ابن أبي الحديد، الذي لم تتعدد مصادره في نقلهِ للأبيات الشعرية والنسبة إلى قائلها، كذلك المثل الذي أوردنا ذكره في هذا المبحث. فالتستري كان ملحّاً في اتباع سلسلة نسب البيت الشعري. وإذا كان التوثيق فيما يخص الأمثال فيعمد إلى مراجعة أغلب كتب الأمثال، وعلى الرغم من أنّ توثيق الشعر والنثر مسألة غير مرتبطة بالجانب العقائدي لدى التستري، يختلف فيها مع ابن أبي الحديد، كما اختلف معه في أغلب المباحث الأخرى من الرسالة والتي كان الكلام فيها يدور ضمن قضية عقائدية، أو يمكن أن تكون قريبة من ذلك. فالتستري من عادتهِ أن يتبع السلسلة التي جاءت منها الرواية، أو أن يُكثر من المصادر التي ذكرت الرواية حتى يصل إلى أتم وجهٍ يمكن الوثوق به.

ص: 190


1- بهج الصباغة: 8 / 19

المبحث الثاني: نقد التوثيق التاريخي

تُعد دراسة التوثيق التأريخي أصعب وأعقد بكثير من الدراسة التاريخية نفسها، لأن هذه الثانية تدرس التاريخ من دون التشديد على معرفة صحة ما يُنقل وما یروى فهي تنقل عن المصادر ليس بأسلوب تحقيقي كما في الدراسة التوثيقية، بل بطريقةٍ سردية للأحداث، وهذا ما يُسهّل، أو يقلل من عملية التفتيش في المصادر.

أما الدراسة التوثيقية فتحتاج إلى إدراك وانصاف شديدين، لأن دراسة التاريخ على وفق هذا المنهج تختلف عن باقي الدراسات، سواء أكانت علمية، أو إنسانية، لأن التاريخ وخاصة في حقبتهِ الإسلامية، امتدت إليه يد السلطة على مدى قرون فحذفت ما كان موجوداً وأضافتْ ما لم يكن موجوداً، وكان من نتاج ذلك التحريف ما نشأ من صراع إسلامي داخلي إلى اليوم.

ولكثرة الكتب التاريخية ومناقضة بعضها بعضا الآخر، في نقلها للأحداث، يتحتم على القارئ أن يكون ذا بصيرةٍ في كشف الحقيقة والوثوق منها وسط كمٍّ هائل من يدعي أنّ الحقيقة معه.

فإذا كانت هذه الأمور بذاتها صعوبات في طريق عملية التوثيق، فالصعوبات تتضاعف بنسبٍ عالية، فكيف إذا كان التوثيق بين أحداث يرويها اثنان مختلفان في الاتجاه والعقيدة، مثلما هو الحال بين ابن أبي الحديد والتستري، فالاختلاف

ص: 191

العقائدي بينهما يجعل كل واحدٍ منهما يعتمد على مصادرهِ التاريخية التي تتوافق مع ما يعتقد به، وهذا يُحدث تقاطعات كبيرة بين ما يقولاه، ومن هنا تبدأ عملية التوثيق، أي من نقطة الاختلاف، ولا بد أن يكون الانصاف حاضراً في ذلك، وهذا ما يزيل الغبار عن بعض الحوادث التاريخية، ويُمكّن من رسم صورةٍ جديدةٍ في ذهن المتلقي الذي كان يرى غير ذلك، فالوثوق من الحقائق التاريخية يجعلك امام تاریخ جم الفوائد، فهو يوقفنا على أحوال وأخلاق الماضين من الأقوام والأمم وعلى وطبيعة حياتهم، ولا تتوارى هذه الأحداث خلف تاریخ کتب بأيدي سیاسية تكسبت في خطه ورسم أحداثهِ.

فالتوثيق هو ما يرجع الأمور إلى نصابها الحقيقي، وهنا في هذا المبحث (التوثيق التاريخي) قد أخذنا جملة من الأمور التاريخية والتي تعرض لها بالذكر ابن أبي الحديد، وقد ردّ عليه التستري سواء أكان معترضاً، أم متوافقاً، على الرغم من ندرة التوافق بينهما في تلك القضايا.

ومن القضايا التوثيقية، ما نقله ابن أبي الحديد عن نوف البكّالي(1) فقال: ((قال صاحب (الصحاح): نوف البكّالي بفتح الباء کان حاجب علي (عليه السلام)))(2).

وقد ردّ التستري بقوله: ((لم يقل صاحب (الصحاح): إنّ بکّال بفتح الباء...))(3).

ص: 192


1- نوف البكالي: وهو ابن امرأة كعب الأحبار وكان عالما، قرأ الكتب، وكان يكنّى أبا عبيد، ينظر: الطبقات الکبری: 7 / 425
2- شرح نهج البلاغة: 18 / 265
3- بهج الصباغة: 1 / 234

وقد نقل التستري النص الذي نقله صاحب الصحاح ونفى أن يكون قد ذكر (البكالي) بفتح الباء، ونقل عن المهلبي إنه قد نقلها بالكسر، وليس الفتح(1).

لقد عاد الاثنان إلى الصحاح في بيان ضبط هذه المفردة. وما جاء في الصحاح هو الآتي: ((ونوف البكّالي كان صاحب علي رضي الله عنه، وقال ثعلب هو منسوب إلى بكالة قبيلة))(2).

وليس في هذا القول ضبط لحرف الباء بالفتح أو الكسر. والذي يراه البحث أن ابن أبي الحديد كتبها بالفتح استناداً إلى ما وصل إليه من بعض المصادر. وربما لأنّ اسم القبيلة شائعٌ، فلا يرى مسوّغا لضبط الحرف.

أما التستري فرجَح أنها بالفتح استناداً إلى مصادر أخرى، والذي نرجّحه هنا ان (البكّالي) بالفتح، وقد نقلها ابن أبي الحديد بالفتح: ((بكّالة قبيلة من اليمن والمحدثون يقولون نوفٌ البكّالي بفتح الباء والتشديد))(3).

ولعلّ ابن منظور في قوله من أنّ المحدثين يقولون (البكّالي) بفتح الباء يومئ إلى ابن أبي الحديد والذي يعد محدثاً بالنسبة له.

ومن هنا نجد أن الاختلاف كان واضحاً بين القدماء في فتح أو كسر (باء) (البكّالي) وغير متفق عليها، وهذا الاختلاف أمتد إلى التستري في اعتراضه على ابن أبي الحديد، ويمكن قبول ما ذكره ابن أبي الحديد لأنه أخذها عن الذين سبقوه، وأيضاً قبول رأي التستري الذي أخذها عن آخرين.

ص: 193


1- ينظر: م، ن: 1 / 234
2- الصحاح: 5 / 324
3- لسان العرب: 11 / 63

وبعث الإمام بكتاب إلى معاوية بن أبي سفيان قال فيه: ((وذكرت أنك زائري في المهاجرين والأنصار، وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك...))(1).

وعلّق عليه ابن أبي الحديد بقوله: ((يعني (عليه السلام) بأخیه يزيد بن أبي سفيان، أُسِرَ يوم الفتح...))(2).

وقد ردّ التستري بقوله: ((قد عرفت أن (خلفاء ابن قتيبة) نقله ((يوم أسر أبوك))))(3). فالتستري هنا استند إلى ما أورده ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة (يوم أسر أبوك)، والى ما ذكره ابن ميثم في شرحه(4) وترجيحه للفظة (أبوك). إذ جعل أخْذَ العباس بن عبد المطلب لأبي سفيان إلى النبي أسراً كما ذكر.

ولكن التستري لم يكتفِ بذلك وإنما اعترض على ابن ميثم الذي رجّح في وجهٍ آخر رواية ابن أبي الحديد ((أسر أخوك))، وحملها على أسر عمر و بن أبي سفيان، ولكي يضعّف رأي ابن أبي الحديد أكثر، حمّله (الخطأ) الذي يرى أنّ ابن ميثم أنه قد وقع فيه لأن ابن أبي الحديد حّرف (أبوك) إلى (أخوك) للتشابه بينهما. وإن أغلب المصادر التي عدت إليها تذكر ما ذكره ابن أبي الحديد من ان المذكور في كتابه (عليه السلام) إلى معاوية هو (أخوك) وليس (أبوك).

وهنا نشير إلى أنَّ ما موجود في كتاب ابن قتيبة (الإمامة والسياسة) هو (أسر أخوك)(5)، وليس كما ذكر التستري (أسر أبوك). إلا أنْ يكون قد اطلع على طبعة

ص: 194


1- نهج البلاغة: 3 / 123
2- شرح نهج البلاغة: 17 / 256
3- بهج الصباغة: 4 / 186
4- ينظر: شرح نهج البلاغة، لأبن ميثم البحراني: 5 / 240
5- الإمامة والسياسة: 75

أخرى للكتاب وذكر عنها ما ذكر. وهذا أيضاً مستبعد لأن الكتاب الموجود محقق تحقیقاً علمياً دقيقاً(1). واستناداً إلى هذا فما موجود في الإمامة والسياسة يعضّد ما قاله ابن أبي الحديد.

وثمة مصادر أخرى ذكرت أيضاً (يوم أسر أخوك)، فما موجود في نص الرسالة في نهج البلاغة المحقق هو (يوم أسر أخوك) ومن هنا يكون النص (يوم أسر أخوك) وهو ما قاله ابن أبي الحديد، ومن هنا يكون النص الذي ذكره ابن أبي الحديد هو الشائع والذي يمكن الاطمئنان إليه. ولا بد من الإشارة إلى أمر آخر، وهو أن التستري أراد ان يقوّي ترجيحه لما أورده (أسر أبوك) فقال: ((الأنسب بتكبیت معاوية أن يقول (عليه السلام) له يوم أسر أبوك، وأراد (عليه السلام) بالأسر أنه كان النبي (صلى الله عليه وآله) أسر أبا سفيان وولدیه یزید ومعاوية.))(2). وهذا مخالف للحوداث التاريخية إلى رافقت فتح مكة. أما الأرجح حقا فهو (يوم أسر أخوك) استناداً إلى ما ذكره، واستناداً إلى الحادثة التاريخية التي تخص أسر یزید بن أبي سفيان الذي أسر يوم الفتح، وكان خرج في نفر من قریش يحاربون ويمنعون المسلمين من دخول مكة، فقتل منهم جماعة، وأسر عمرو وخلّصه أبوه أبو سفيان بعد أن أدخله إلى بيته(3).

واستناداً إلى ما تقدم نرجّح ما ذهب إليه ابن أبي الحديد في هذه القضية التاريخية.

وينقل ابن أبي الحديد، لما مات النبي (صلى الله عليه وآله) اجتمعتْ أسد

ص: 195


1- الكتاب موجود بتحقيق الزينی
2- بهج الصباغة: 4 / 187
3- شرح نهج البلاغة: 17 / 257

وغطفان وطئ على طليحة بن خويلد، وبعثوا وفداً إلى أبي بكر يسألونه أن يقارّهم على إقامة الصلاة ومنع الزكاة. فقال: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه...))(1).

وردّ التستري على ما نقله ابن أبي الحديد بقوله: ((فإنهم كانوا قد ارتدوا عن أصل الإسلام، فكيف يقولون لأبي بكر ما قال، وإنما كان جمع آخر ثابتين على الإسلام قالوا: إن النبي (صلى الله عليه وآله) أمرنا معاملة المرتدين وقال: لو منعوني عقالاً لقاتلتهم كما لا يخفى على من راجع تاریخ ابن أعثم...))(2).

لم يعتمد التستري على دليل نقلي هنا، وهو يردّ على ابن أبي الحديد، بل اعتمد على الدليل العقلي، فقد فسّر الأمر بأن المرتدين الذين ارتدوا عن أصل الإسلام لا حاجة لهم بأن يقاضوا أبا بكر على بعض شرائع الإسلام مثل الزكاة.

إن ما أضافه التستري لدليلهِ العقلي على بطلان الرواية المنقولة، هو اعتماده على رأي ابن أعثم، لكن هذا الرأي لا يؤيّد ما جاء به التستري، بقدر ما يقف إلى جانب ما ذكره ابن أبي الحديد، فنقل عن ابن أعثم حول أمر المرتدين قال: قال أبو أيوب الأنصاري في أمرهم، أي أمر المرتدين إن القوم كثر عددهم ليس من السهل مقاتلتهم فلو إنك صرفت خيلك عن مقاتلتهم في هذا العام، ونرجو إن ينيبوا إلى الحق وأن يعملوا لك الزكاة بعد عامهم هذا وإن يأتوا إليك مطيعين غير مكرهين، وقد ردّ أبو بكر على ذلك، والله يا أبا أيوب لو منعوني عقالاً لقاتلتهم عليه(3).

فالسبب الذي كان وراء مقاتلة أبي بكر للمرتدين كما نقله ابن أعثم، ليس هو السبب الذي ذكره التستري نقلاً عن ابن أعثم نفسه، فالتستري أراد أن يُضعِفَ

ص: 196


1- شرح نهج البلاغة: 17 / 153
2- بهج الصباغة: 4 / 278
3- ينظر: الفتوح لأبن أعثم: 56

الرواية مع قلة مصادرهِ، ومقابل هذا فإن هناك عدد ليس بالقليل يؤيد ما ذكره ابن أبي الحديد، فقد جاء في خبر المرتدين قولهم: ((وأرسلوا إلى المدينة يبذلون الصلاة ويمنعون الزكاة، فقال أبو بكر: والله لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه))(1).

ويمكن أن تقبل هذه الرواية وتؤيد ما ذكره ابن أبي الحديد، وذلك لأنها تواترت في عدد من المصادر كما أشرنا، وفي مصادر أخرى جاءت بأسلوب آخر، إذ نقلوا: إن عمر قال لأبي بكر عندما سمع بمقاتلته للمرتدين، كيف تقاتل الناس، والرسول (صلى الله عليه وآله) قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه...)، فقال أبو بكر: لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم على منعها(2).

فهذه الروايات التي يمكن أن يُقال أنها متواترة، والتي تقف إلى جانب ما ذكره ابن أبي الحديد، مقابل ضعف الرواية التي اعتمدها التستري، واعتماده على المبدأ العقلي، الذي تتقلّص مهمته في التأريخ، مقابل ما هو نقلي، ومن هنا فإنّنا نتفق مع ما جاء به ابن أبي الحديد في توثيق هذه الرواية.

وفي قضية توثيقية أخرى حول كتاب كتبه (عليه السلام) إلى معاوية، كان من ضمنه قوله: ((وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش...))(3).

فقال التستري: ((قال ابن أبي الحديد: إن النقيب قاله: إنّه جواب كتاب كتبه

ص: 197


1- الكامل في التاريخ: 2 / 202، ينظر: تاريخ الطبري: 3 / 243، عصر الخلافة الراشدة: 400
2- ينظر: البدء والتاريخ: 5 / 152، الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى: 1 / 74
3- نهج البلاغة: 3 / 33

معاوية إليه (عليه السلام) مع أبي أمامة الباهلي، قلت بل أبي مسلم الخولاني...))(1).

لكن التستري لم ينقل قول ابن أبي الحديد بعينهِ، بل حذف بعض قوله حتى يتناسب مع ما يريده.

فقد كان قول ابن أبي الحديد: ((فلما وصل هذا الكتاب إلى علي (عليه السلام) مع أبي أمامة الباهلي، كلّم أبا أمامة بنحو مما کلّم به أبا مسلم الخولاني...))(2).

لاحظنا ان التستري قد اختصر کلام ابن أبي الحديد وأخذ منه ما يخصّ ذكره لأبي أمامة الباهلي، وذكر أبا مسلم الخولاني، على الرغم من ذكر ابن أبي الحديد للاسمين معاً في نقله للرواية. فقد نُقل عن أبي مسلم الخولاني، انه دخل على معاوية وطلب منه أن يكتب کتاباً لعلي حق ينطلق به، وقد فعل معاوية ذلك، وسار أبو مسلم بكتاب معاوية إلى علي وناوله الكتاب عند وصوله(3).

وقد نقل صاحب هذا الكتاب نفسه خبراً أخر قال فيه: أقبل أبو الدرداء وأبو أمامة الباهلي على معاوية حتى دخلا عليه وسألاه عن سبب مقاتلته لعلي، ومن هو أحق بالأمر، فقال لهما معاوية: اذهبا لعلي وقولا له عمّن قتل العشرات، وقد أقبلا على علي فأخبراه بما أرسلهما به معاوية(4).

فيبدو أن الاثنين قد ذهبا إلى الإمام (عليه السلام) -، أبو مسلم الخولاني وأبو أمامة الباهلي، وكان كل واحد منهما قد ذهب مع جماعة من أصحابه، ويمكن أن یکون الذي ذهب في بداية الأمر هو أبو مسلم الخولاني، وذلك بالاعتماد على

ص: 198


1- بهج الصباغة: 4 / 279
2- شرح نهج البلاغة: 15 / 187
3- ينظر: الأخبار الطوال: 162
4- ينظر: م، ن، فصل وقعة صفين: 170

ما ذكره ابن أبي الحديد بقوله في شرح الكتاب: ((فلما وصل هذا الكتاب إلى علي (عليه السلام) مع أبي أمامة الباهلي، كلّم أبا أمامة بنحو ما كلّم به أبا مسلم الخولاني...))(1).

وهذا يعد دلیلاً على تقدم أبي مسلم بكتابه على أبي أمامة الباهلي، ويمكن أن نقول: إنّ أبا مسلم الخولاني ذهب إلى الإمام (عليه السلام) بكتابٍ خطي من معاوية، وإنّ أبا أمامة الباهلي قد ذهب إليه (عليه السلام) بكتاب شفويّ، لأن هناك من ذكر في ذهاب أبي مسلم الخولاني لمعاوية، وبعدما سأله عن منازعتهِ علي (عليه السلام)، أمره معاوية أن يذهب لعلي (عليه السلام) ويكلّمه بذلك الأمر(2).

ومن هنا فإنّ البحث يرى أن ما أورده ابن أبي الحديد أكثر وجاهة واتفاقاً مع ما ذكرته المصادر التاريخية.

وفي موضع آخر قال ابن أبي الحديد: ((استشار الحسين (عليه السلام) عبد لا الله بن الزبير وهما بمكة في الخروج عنها، وقصد العراق ظاناً أنّه ينصحه فغشّه، وقال له: لا تقم بمكة، فليس بها من يبايعك، ولكن دونك العراق، فإنهم متى رأوك لم يعدلوا بك أحداً.))(3).

أما التستري فاعترض عليه وقال: ((ما قاله غير صحيح، فلم يستشر الحسين (عليه السلام) ابن الزبير ولا ظن أنه ناصحه ولا خرج إلى العراق بإشارته...))(4).

إن ما نقله ابن أبي الحديد من كلام في استشارة الحسين (عليه السلام) لعبد

ص: 199


1- شرح نهج البلاغة: 15 / 187
2- ينظر: تاريخ الإسلام: 3 / 538، سمط النجوم: 2 / 574، عصر الخلافة الراشدة: 464
3- شرح نهج البلاغة: 16 / 102
4- بهج الصباغة: 8 / 307

الله بن الزبير، هو ما يناقض كلامه والذي ذكره في شرحه، إذ أنه قال: ((كان عبد الله بن الزبير يبغض عليّاً (عليه السلام) وينتقصه وينال من عرضه))(1) فالحسين (عليه السلام) كان يعلم بذلك الأمر جيداً، فكيف له أن يستشير من كان مبغضاً لأبيه (عليه السلام)، وأنى له أن يكون ناصحاً معه (عليه السلام)، فهذا مصداق ذكره ابن أبي الحديد ينفي ما قاله ابن أبي الحديد نفسه.

وثمة إشارة تاريخية تقول ان ابن الزبير حينما سمع أن الحسين (عليه السلام) يريد الخروج إلى العراق، دخل عليه وقال له: لو أقمت بهذا الحرم وبثثت رسلك إلى البلدان وكتبت إلى شيعتك في العراق أن يقدموا عليك(2). إلا إنّ الذي أراده عبد الله غير هذا، فهو كان يرى أن الحسين (عليه السلام) منافسٌ له في الحجاز، فلا يمكن أن يعرض عليه مثل هذه النصيحة، ولكنه عندما لقيَ الإمام (عليه السلام) وكان في حينها يريد الخروج إلى العراق، وهو محبٌّ لخروجه طمعاً منه في الوثوب على أمر الحجاز، وعلم أن ذلك لا يتم إلا بعد خروج الحسين (عليه السلام) منها، فقال له على أي شيء عزمت يا أبا عبد الله فأخبره برأيهِ بإتيان الكوفة وأعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل فقال ابن الزبير: ((فو الله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلومت في شيء وقوى عزمه...))(3).

وبالحقيقة فإن ابن الزبير لم يكن من قوّى عزم الإمام (عليه السلام)، بل أن الا الإمام (عليه السلام) كان قد أعدّ العدّة للخروج، ولكن ابن الزّبير فعل ذلك لغايةٍ في نفسهِ قضاها، ويمكن أن يكون هذا القول الذي نقله صاحب (مقاتل

ص: 200


1- شرح نهج البلاغة: 4 / 61
2- ينظر: الأخبار الطوال: 244
3- مقاتل الطالبيين: 110

الطالبيين)، هو الذي جعل ابن أبي الحديد يظنّ أن الحسين (عليه السلام) قد استشار ابن الزبير. ومن هنا نعتقد أن ما ذهب إليه التستري أقرب إلى الحقيقة.

وفي خبرٍ آخر نقله ابن أبي الحديد أيضاً، قال فيه: ((حضر عبيد الله بن زیاد عند هانی بن عروة عائداً، وقد كمن له مسلم بن عقيل، وأمره أن يقتله إذا جلس واستقر، فلما جلس مسلم يؤامر نفسه ويريدها على الوثوب به فلم تطعه...))(1).

أما التستري فإنه اعترض بقوله: ((إن هانيا لم يأمر مسلماً بقتل عبيد الله بل نهاه في عيادة عبيد الله له وفي عيادتهِ لشريك ابن الأعور الذي كان نازلاً على هاني، وإنما شريك أمر بقتلهِ...))(2).

إن ما ذكره ابن أبي الحديد، قد خالف به المصادر التأريخية فقد نُقل إن شريك بن الأعور کان کریماً علی ابن زیاد، وكان شديد التشيع، وجاء ابن زیاد لزيارتهِ آنئذٍ وكان مريضاً، وطلب من مسلم أن يقتله ويتولى أمر الكوفة، وكان هانئ بن عروة قال ((إني لا أحب يقتل في داري كأنه استقبح ذلك))(3).

فالذي أمر مسلم بقتل ابن زیاد هو شريك بن الأعور، وليس هانئ بن عروة، لكن هانئاً كان راضٍ بقتلهِ إن لم يكن ذلك في بيتهِ، فقد خلط ابن أبي الحديد بين رغبة هانی بن عروة بقتل عبيد الله، وبين انه أمر بذلك.

وهناك من نقل خبراً يفيد بما ذكرته المصادر السابقة، لكن مع الاختلاف في بعض الأحداث، والتي تشير إلى أن الذي أمر مسلم بن عقيل بقتل ابن زیاد هو ليس هانی بن عروة فقيل: ((مرض هانی بن عروة فأتاه عبيد الله يعوده فقال

ص: 201


1- شرح نهج البلاغة: 16 / 102
2- بهج الصباغة: 8 / 311
3- مقاتل الطالبيين: 101، ينظر: التفاصيل في الأخبار الطوال: 234

له عمارة بن عبد السلولي: إنما جماعتنا وکيدنا قتل هذا الطاغية وقد أمكنك الله فأقتله. فقال هانئ: ما أحب أن يقتل في داري...))(1).

فهذه المصادر المتقدمة تثبت أن هانئ بن عروة لم يكن هو من أمر مسلم بن عقيل بقتل عبيد الله بن زیاد، وأثبتت أنه كرِه أن يكون ذلك في بيتهِ.

واستناداً إلى ما تقدم تقاسم شريك بن الأعور وعمارة بن عبد السلولي التخطيط والتدبير لقتل عبيد الله بن زیاد على وفق ما جاء في الروايات، مع ميل إلى ترجيح كفة شريك بن الأعور. ولذا فإننا نرجّح ما قاله التستري وما ذكرته المصادر الأخرى في نفي أن یکون هانی بن عروة هو الذي أمر بذلك، ولا جذور تأريخية لما قاله ابن أبي الحديد.

وفي قول آخر لابن أبي الحديد ذكر فيه بعض من شارك بقتل عثمان فقال: ((إن الذين باشروا قتل عثمان بأيديهم کانا اثنين، وهما قتيرة بن وهب وسودان بن حمران، وكلاهما قتل يوم الدار، قتلهما عبيد بن عثمان، والباقون الذين هم جندي وعضدي کما تزعمون لم يقتلوا بأيديهم وإنما أغاروا به وحصروه...))(2).

وقد ردّ التستري على ما ذكره ابن أبي الحديد بقوله: ((هل هو أعلم بالقضية وبقضائها منه (عليه السلام)؟ وكيف أنكر تحدي أولئك وقد طعنه عمرو بن الحمق تسع طعنات؟ وكون عمار من قتلته...))(3).

إن ما أنكره التستري على ابن أبي الحديد قد أصاب به بقدر ما أخفق به ابن أبي الحديد، فكيف يقترح حلًّا لو عمل به الإمام (عليه السلام)، لكان أجدى فيما

ص: 202


1- الكامل في التاريخ 2 / 138، ينظر: تاريخ الطبري: 5 / 363
2- شرح نهج البلاغة 4 / 16
3- بهج الصباغة: 10 / 199

يعتقد هو -.

والحق أن المصادر التاريخية لم تقف عند الأسماء التي ذكرها ابن أبي الحديد، وإنما ذكرت أسماء أخرى اشتركت في قتل الخليفة عثمان، وكان من تلك الأسماء محمد بن أبي بكر، الذي ذكر أنه أول من تسوّر عليه الدار، وأخذ برأسهِ قبل أن يباشروا قتله(1).

فضلاً عن أسماء أخرى مثل كنانة بن بشر وعمرو بن الحمق الخزاعي الذي ذكره التستري والذي طعنه تسع طعنات، وكنانة بن بشر والذي يرجّح البعض أنه هو الذي قتله. وهذه الأسماء غيّبها ابن أبي الحديد على الرغم من انها تواتر ذکرها في المصادر. وقيل أن عمرو بن الحمق جلس على صدر عثمان وكان به رمق فطعنه تسع طعنات، فقال طعنته تسع طعنات ثلاث له، وست لما في نفسي عليه(2).

فقد توزّع دم عثمان بين اثنين وهما عمرو بن الحمق الخزاعي وكنانة بن بشر، كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في تاريخه(3).

واستنادا إلى ما تقدّم، نعتقد أن ما ذكره التستري من أسماء قد شاركت في قتل عثمان هو الأصوب، وقد أستند برأيهِ إلى المصادر التاريخية المتعددة، التي أشارت لما هو مختلف مع ما ذكره ابن أبي الحديد الذي أغفل بعض الأسماء لغاية تتصل بعقيدته، فذكر محمد بن أبي بكر قد لا يتوافق مع ما يؤمن به هو، فضلاً عن أن عمرو بن الحمق الخزاعي يُعدّ من خيار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وربما ذكره لهذه الأسماء يضعه في مواقف لا يريدها لنفسه هو أي ابن أبي الحديد .

ص: 203


1- م، ن: 10 / 199
2- ينظر: البداية والنهاية: 7 / 207، تاريخ الإسلام: 3 / 456
3- تاریخ ابن خلدون: 2 / 601

وفي قضية أخرى من القضايا التوثيقية، حول صحة أسم عامل الإمام علي (عليه السلام) على الأنبار، قال ابن أبي الحديد: ((قال ابراهيم الثقفي كان أسم عامل علي (عليه السلام) على مسلحة الأنبار أشرس بن حسان))(1).

أما التستري فقد ردّ قائلاً: ((لا خلاف في أنّ أسم أبيه حسّان، وأما أسمه فاختلف فيه بين حسان وأشرس، فخبر الثقفي الذي نقله ابن أبي الحديد وخبر عوانة الآتي وأنساب البلاذري و تاریخ ابن اعثم كلها تضمن (أشرس)))(2).

نعم إن ما ذكره التستري في مسألة الخلاف على اسم عامل الإمام علي (عليه السلام) على مسلحة الأنبار، فقد جاء الاختلاف بسبب تكرار اسم (حسان) في کنیتهِ وفي أسم أبيه، لذا وقع هذا الخلط عند المؤرخين في أسمهِ، فمنهم من ذکر أن اسمه أشرس بن حسان. وهناك من قال ان اسمه (حسان بن أشرس)(3)، وهذا لم يشر إليه التستري في قوله السابق. وهناك من قال ان اسمه، هو حسان البكري وأسمه أشرس بن حسان(4). وهذا الاسم الأخير قد تكرر، لكن صاحب المحن زاد في تعريفه عند إضافة كنيتهِ، ويمكن أن يكون هذا الرأي هو الأقرب إلى الصواب فإذا كان أبوه حسان، وكنيته أبو حسّان نتج من هذا التشابه الاختلاف في صحة اسمهِ، فالذي ساه حسان بن حسان(5)، قد يكون بسبب كنيته فاختلط

ص: 204


1- شرح نهج البلاغة: 2 / 87. أشرس بن حسان هو أبو حسان البكري، ويسمى أشرس وكان عامل علي (عليه السلام) على الأنبار، قتله سفيان بن عوف الأزدي: ينظر: المحن / 135
2- بهج الصباغة: 10 / 374
3- ينظر: الفتوح لابن أعثم: 4 / 245
4- ينظر «المحن: 135، الكامل في التاريخ: 3 / 245
5- ينظر: البداية والنهاية: 7 / 354

ذلك عليه.

واستناداً إلى ما تقدم لا يمكن تخطئة ابن أبي الحديد في هذه القضية، لأنه غير معني بذكر الاختلاف في الاسم وإنما ذکره کما وصل إليه من مصادره، أما التستري فأراد أن يستقصي ما ورد بشأن الاسم، ليؤكد صحة ما يذهب إليه من خلافه مع ابن أبي الحديد.

ويتحدث ابن أبي الحديد عن وفاة الصحابي خبّاب بن الأرتّ في الكوفة، فيقول: ((ومات بها في سنة سبع وثلاثين، وقيل سنة تسع وثلاثين))(1) وقد ردّ التستري بقوله: ((قد عرفت من رواية نصر بن مزاحم أنه لم يشهد صفين وأنه مات قبل انصرافه وإنما الأصل في وهم ابن أبي الحديد استيعاب ابن عبد البر...))(2).

إن ما أشار إليه التستري نقلاً عن ابن قتيبة في المعارف: ((وكان خباب یکنّی أبا عبد الله ومات بالكوفة سنة 37 ه))(3).

فإنه لم يذكر سنة 39 ه كما ذكر ذلك التستري. ومن هنا فلا مسوّغ لاعتراض التستري على ابن أبي الحديد لأنه قال بما كان شائعاً بل أنه أي التستري باعتراضه وقع في وهم لأنه أهمل تأريخاً وهو سنة (39 ه) وقد ذكرته المصادر، فالتستري هنا يوافق على ترجيح ابن أبي الحديد، إن وفاة خبّاب كانت سنة 37 ه، أي أنه لم يشهد صفين مع الإمام (عليه السلام) کما ذکر ذلك نصر بن عاصم حين أشار إلى أن الإمام (عليه السلام) بعد قدومهِ من صفين، سأل عن قبور في ظهر

ص: 205


1- شرح نهج البلاغة : 18 / 172
2- م، ن: 18 / 172
3- المعارف: 72

الكوفة، فقال له قدامة الأزدي ((يا أمير المؤمنين ان خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فأوصى أن يدفن في الظهر))(1).

ولكنه اختلف معه في جعل الوفاة سنة (39 ه) وعزا ما قاله ابن أبي الحديد إلى كتابة الاستيعاب والمعارف.

فقد قال صاحب الاستيعاب ان وفاته سنة (37 ه) کما قال بذلك صاحب وقعة صفين، ولكنه أضاف سنة (39 ه) لورودها في المصادر التاريخية وهو الأضعف لأنه قال: ((نزل الكوفة ومات فيها 37... وقیل علیه مات سنة تسع وثلاثون))(2).

وفي قضية أخرى حول من حضر في مجلس ابن زیاد و مجلس یزید عندما أحضر رأس الحسين (عليه السلام) في مجلسيهما، وأخذ مثالاً عن كلمة العدل عند الإمام الجائر، قال ابن أبي الحديد: ((ما روي أن زيد بن الأرقم رأي عبيد الله بن زیاد ويقال بل یزید بن معاوية يضرب بقضيب في يدهِ ثنايا الحسين (عليه السلام) حين حُمل إليه رأسه، فقال له أرفع يدك فطالما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقبلها))(3).

وقد ردّ التستري على ذلك بقولهِ: ((خلط في قوله: أنکر زید علی ابن زیاد وقيل بل على يزيد، وكان أنكر على كل من ابن زیاد و یزید صحابي زيد على ابن زیاد وأبو برزة على يزيد...))(4).

ص: 206


1- وقعة صفين: 53
2- الاستیعاب: 1 / 130
3- شرح نهج البلاغة: 19 / 307
4- بهج الصباغة: 13 / 141

نعم إن ما ذكره التستري من وهم ابن أبي الحديد في تلك المسألة، قد أصاب فيه، فابن أبي الحديد قد خلط بين الموقفين، فالذي حضر بمجلس عبيد الله بن زیاد، هو زيد بن أرقم، وأشارت الروايات إلى أنّ رأس الحسين (عليه السلام) أُدخل: ((علی ابن زیاد فوضع بين يديه جعل ابن زیاد ینکث بالخيزرانة ثنایا الحسين وعنده زيد بن أرقم صاحب رسول الله، فقال له: ارفع قضيبك عن هذه الثنايا، فلقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشمها...))(1).

أما ما ذكر عن مجلس یزید، فقيل عند وضع رأس الحسين (عليه السلام) بين يدي يزيد، وأخذ بضرب ثناياه بالخيزران، فأقبل إليه أبو برزة، وقال ليزيد أن تنكث ثنايا الحسين ولقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرشف ثناياه وثنايا أخيه(2).

فالخلط الذي وقع فيه ابن أبي الحديد جاء من ظنّه انّ المجلس كان واحداً، لتشابه موقف عبيد الله بن زیاد مع موقف یزید بن معاوية مع رأس الحسين (عليه السلام)، مع أن الحادثة كانت مع صحابيين، زيد بن أرقم في الكوفة، وأبو برزة الأسملي في الشام. ولذا نحن نرجح ما ذكره التستري، وهو الصحيح على وفق الروايات.

وفي موضع آخر اختلف التستري مع ابن أبي الحديد في أصل تحية الجاهلية، التي قال عنها ابن أبي الحديد ((أبيتَ اللعن، وجعل عوضها (سلامٌ علیکم)))(3).

واعترض عليه التستري بقوله: ((إنما كان ((أبیت اللعن)) عندهم تحية الملوك،

ص: 207


1- الأخبار الطوال: 359، ينظر : تاريخ الطبري: 4 / 349
2- ينظر: الفتوح: 5 / 129، تاريخ الطبري: 4 / 293
3- شرح نهج البلاغة: 19 / 270

والسلام تحية لجميع الناس فكيف يكون بدلاً عنه))(1).

إن ما ذكره التستري صحيح، فأبيت اللعن تحية الملوك(2). ولكن ما ذكره ابن أبي الحديد جاء به في سياق النهي عن بعض الكلمات التي كانت شائعة في الجاهلية وظلّت في الإسلام، ومنها ما قيل إن رجلاً قد نهی رجلاً آخر عن قولٍ قالهُ لرجل آخر مهنئاً له بمولود ولد له (ليهنئك الفارس)، فعلّق ابن أبي الحديد بقوله: ((هذه كلمة كانت من شعار الجاهلية فنهی عنها، کانهی عن تحية الجاهلية (أبيت اللعن) وجعل عوضها (سلام علیکم)))(3).

فإشارته هنا للنهي عن هذه التسمية دون أن يذكر من يُحيّا بها، وربما جاء أحد المسلمين وحيّاه بها بوصفه خليفة المسلمين فنهاه عن ذلك، وأرشده إلى تحية المسلمين بعضهم بعضا وهو (سلامٌ علیکم).

فما قاله ابن أبي الحديد صحيحٌ في سياقه، وما أراده التستري صحيح في سياقهِ أيضاً، وأشار ابن الحديد إلى ما أمر به الإمام (عليه السلام) من قتال الناكثين والقاسطين والمارقين ونقل قوله (عليه السلام) فيهم: ((وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر))(4).

فقال ابن أبي الحديد عن ذلك: ((فإن قلت: أما قهره لمضر فمعلوم، فما حال ربيعة ولم نعرف أنه قتل منهم أحداً))(5).

ص: 208


1- بهج الصباغة: 344: 13 - 345
2- ينظر: المعارف: 626، نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب: 88
3- شرح نهج البلاغة: 19 / 270
4- نهج البلاغة: 2 / 107
5- شرح نهج البلاغة: 13 / 198

أما التستري فقد رد بقوله: ((بلى قد قتل بيده وجيشه كثيراً من رؤسائهم في صفين والجمل... لا يبعد أن یرید (عليه السلام) بکسرهِ نواجم قرون ربيعة ومضر في حروبهِ (عليه السلام) في غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) فكان حروبه مع ربيعة ومضر دون اليمن ولأنّه (عليه السلام) ذكر أهل الجمل وصفين والنهروان قبل هذا الكلام))(1).

إن ابن أبي الحديد قد قال ما قال ليؤكد صحة ما قاله الإمام (عليه السلام) فقول ابن أبي الحديد: ((فإن قلت أما قهره لمضر فمعلوم فما حال ربيعة...))(2).

فكلامه هنا واضح. ولكنّه جعله على هذا النحو الذي يقوم على الحوار، لأن من قتل من مضر ربما كان أكثر وأشهر، ممن قتل من ربيعة، فأراد أن يؤكد لمن يلتبس عليه الأمر إن الإمام (عليه السلام) قتل في صفين والجمل من رؤساء ربيعة الكثير.

أما التستري فالظاهر أنه كان مقتنعاً بما أورده ابن أبي الحديد، ولكنه أراد أن يضيف إلى ما ذكره، من قتله الإمام (عليه السلام) في غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) من سادة ربيعة ومضر. ولم يرد أن يقف بدلالة كلام الإمام (عليه السلام) على معاركه في الجمل وصفين. ومن ملاحظة سياق كلام الإمام (عليه السلام) يظهر أنه (عليه السلام) كان يتحدث عن حقبة الإسلام الأولى أكثر من حديثه عن عصره هو، لیذکّر المسلمين بما نهض به مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صدر الإسلام فیکون قول التستري موافقاً للسياق إذ يستوعب الزمنين معاً. وهكذا فإن ابن أبي الحديد والتستري مصيبان فيما ذهبا إليه.

ص: 209


1- بهج الصباغة: 7 / 356
2- شرح نهج البلاغة: 2 / 157

وفي قضية أخرى نقل ابن أبي الحديد عن محمد بن اسحاق: ((لما نزل علي (عليه السلام) الربذة بعث إلى الكوفة محمد بن جعفر بن أبي الطالب ومعه محمد بن أبي بكر الصديق، وكتب إليهم کتاباً...))(1).

وقد ردّ التستري بقوله: ((ورواه ابن قتيبة في (خلفائهِ) إلا أنه قال: بعث علي (عليه السلام) أولاً محمد بن أبي بكر وعماراً، فمنعهما أبو موسی فانصرفا، فبعث الحسن (عليه السلام) وابن عباس وعماراً، وقيس بن سعد، وكتب معهم هذا الكتاب...))(2).

لقد اعتمد التستري على ما نقله ابن قتيبة في كتابهِ (الإمامة والسياسة)(3) من أن الذي أرسله الإمام (عليه السلام) في بداية الأمر هو محمد بن أبي بكر، ومن ثم عمار، لكن مثلما ضمَّ التستري رأيه إلى رأي ابن قتيبة، فإن المجلسي ذهب إلى ما أورده ابن أبي الحديد، فذكر أن الذي بعثه الإمام (عليه السلام) إلى الكوفة هو محمد بن جعفر بن أبي طالب، ومن بعده محمد بن أبي بكر(4).

وهنا نكون أمامَ رأيين متوازيين، رأيي ابن قتيبة ورأي ابن أبي الحديد، ورأيي المجلسي والتستري، ويمكن أن نرجّح ما ذكره ابن أبي الحديد، ذلك لأن ابن قتيبة هو الأقرب لزمان الإمام (عليه السلام).

ثم ينقل ابن أبي الحديد قولاً آخر، يعتقد بعضهم أنه ليس للإمام (عليه السلام) والذي فيه: ((أما بعد فإني أحذركم الدُنيا فإنها حلوة خضرة حُفّت

ص: 210


1- شرح نهج البلاغة: 14 / 8
2- بهج الصباغة: 9 / 225
3- ينظر: الإمامة والسياسة: 1 / 86
4- ينظر: بحار الأنوار: 32 / 85

بالشهوات وتحببت بالعاجلةِ وراقت بالقليل، وتحلّت بالآمال، وتزيّنت بالغرور، لا تدوم حبرتها، ولا تؤمن فجيعتها غرارة ضرّارة، حائلة زائلة...))(1).

قال ابن أبي الحديد: ((رواها الجاحظ في (بيانهِ) لقطري بن الفجاءة والناس يروونها لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقد رأيتها في كتاب المونق لأبي عبد الله المرزباني لأمير المؤمنين (عليه السلام) وهي بكلامه (عليه السلام) أشبه، وليس يبعد عندي أن يكون قطري قد خطب بها بعد أن أخذها عن بعض أصحابه (عليه السلام) ...))(2).

وقد ردّ التستري بقولهِ: ((ونسبها ابن عبد ربه في (عقده) في عنوان خطب الخوارج إلى قطري تبعاً للجاحظ وليس نسبتها خطبة له (عليه السلام) إلى غيره منحصرة بهذه الخطبة بل نسب كثيراً من خطبهِ (عليه السلام) إلى غيرهِ))(3).

نلاحظ أن ابن أبي الحديد نقل قول من قال إنها ليس لأمير المؤمنين (عليه السلام)، لكنه لم يعتقد هو نفسه بما نُقل من قول، وكان أخذه عن الجاحظ(4). فقد ذكر أن الناس يروونها للإمام (عليه السلام)، فضلاً عمّا نقله عن المرزباني. وابن أبي الحديد نفسه يرى أنها أشبه بكلام الإمام (عليه السلام) وقد خبُر كلامه (عليه السلام) من خلال قراءته وشرحه له، فهو يستبعد أن تكون لقطري ويعتقد أن الخوارج نقلوها عنه (عليه السلام)(5).

ص: 211


1- نهج البلاغة: 1 / 216. الحبرة: بالفتح السرور والنعمة: ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 1 / 327
2- شرح نهج البلاغة: 7 / 236
3- بهج الصباغة: 7 / 325
4- ينظر: البيان والتبيين: 2 / 126
5- ينظر: شرح نهج البلاغة: 7 / 236

أما التستري فإنه يتفق مع ابن أبي الحديد في نسبتها له (عليه السلام) على الرغم من نقلهِ لقول اب عبد ربه الأندلسي في عقده(1). والذي تبع الجاحظ في قوله ونسبها لقطري. ومن هنا فإننا نقف إلى جانب ما ذكره الشارحان في اتفاقهما على نسبة الخطبة للإمام (عليه السلام).

وفي حديث آخر لابن أبي الحدید عن قُثَم بن عباس قال عنه: ((وكان قُثم والياً لعليّ (عليه السلام) على مكة... فلم يزل واليه عليها حتى قتل علي (عليه السلام)... وقال الزبير بن بكار: استعمل عليّ (عليه السلام) قُثم بن العباس على المدينة))(2).

وقد ردّ التستري بقوله: ((لم ينقل الطبري خلافاً في كون قثم عامله (عليه السلام) على مكة في سنتي (38 - 39) وإنما نقل الخلاف في من حج سنة (39).))(3).

لقد اتفق التستري مع ابن أبي الحديد على أن قثماً كان والي الإمام (عليه السلام) على مكة، ولكن الكلام يبدو غير ذلك فهناك من قال: إن قثماً وليَّ من قبل (عليه السلام) على المدينة، وهناك من قال إنه كان على مكة، فقد نقل ابن قتيبة في خلفائهِ: ((استخلف على المدينة قثم بن عباس، وكان له فضل وعقل.))(4).

فنحن أمام فريقين مختلفين في الرواية، ويمكن أن يعدّوا الذين قالوا بأن قثم

ص: 212


1- ينظر: العقد الفريد: 4 / 225 - 227
2- شرح نهج البلاغة: 16 / 140. قثم بن عباس بن عبد المطلب الهاشم، قيل إنه توفي في زمن معاوية بسمرقند، ينظر: التأريخ الأوسط: 141
3- بهج الصباغة: 13 / 424
4- الإمامة والسياسة: 74، ينظر: الفتنة ووقعة صفين والجمل: 108

وليَّ على مکة(1)، أنهم قد وقعوا في خلطٍ بين قُثمٍ نفسه، وبين أخيه عبيد الله، حيث جاء: ((استعمل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عبيد الله بن عباس على اليمن، وأمره على الموسم فحجّ بالناس سنة تسع وثلاثين))(2). ولا يمنع أن يكون قثم على مكة، وعبيد الله على اليمن، وجعله الإمام (عليه السلام) أميراً على الحج في هذه السنة (39 ه) لكن الاحتمال الذي نرجّحه هو أن عبيد الله بن عباس هو من كان على مكة حتى وفاة الإمام (عليه السلام) -.

وعن خطبةٍ أخرى من خبطه (عليه السلام) قال فيها: ((أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمّع فيكم الأعداء...))(3)، قال ابن أبي الحديد: ((خطب (عليه السلام) بهذه الخطبة في غارة الضحاك بن قیس روى غارات الثقفي أن غارة الضحاك كانت بعد الحكمين وقبل النهر))(4).

وقد ردّ التستري على ذلك بقوله: ((إن ابن أبي الحديد کما ترى خلط وخبط، فقال: إن (غارات الثقفي) روى: أنّ غارة الضحاك كانت قبل النهر. ثم نقل عن (الغارات) أن الخبر لمّا جاء معاوية: أن علياً قتل أولئك الخوارج وبعد قتلهم أراد الشخوص إليه فامتنع عليه أصحابه، دعا حينئذ الضحاك وبعثه بما مرّ، وكون غارة الضحاك بعد النهر مما لا ريب فيه، فواقعة النهروان كانت سنة (39 ه) وقال: لكن أكثر أهل السير ذكروها في سنة (38) فجعل الاختلاف في سنة غارة

ص: 213


1- ينظر: الكامل في التاريخ: 2 / 748، تاریخ ابن خلدون: 2 / 648
2- تاريخ الطبري: 11 / 536
3- نهج البلاغة: 1 / 73
4- شرح نهج البلاغة: 2 / 113. الضحاك بن قيس بن خالد الفهري، القرشي أبو أمية أحد أتباع بني أمية، ولّاه معاوية على الكوفة سنة 53 ه. ينظر: معجم رجال الاعتبار: 148

الضحاك كونها بعد النهر))(1).

إن ما ذكره ابن أبي الحديد هو ما جاء في كتاب (الغارات للثقفي) فصاحب الغارات هو الذي ذكر إن غارة الضحاك كانت بعد حُكم الحكمين وقبل النهر(2).

فابن أبي الحديد قد تبنّى رأي صاحب الغارات ولم يتحقق من صحة قوله، حيث قدّم غارة الضحّاك بن قيس على معركة النهروان، ومعروف إن هذه المعركة كانت سنة 37 ه. ففي الوقت نفسه الذي وجّه بن معاوية بن أبي سفيان الضحّاك بن الا قيس إلى العراق، هناك من قصد إلى الأنبار وقد قتل أشرس بن حسان البكري(3). وقد نقل إن وفاة أشرس بن حسان البكري(4) كانت في سنة 39 ه(5). فمن هنا يفهم إن غارة الضحاك التي توافقت مع هذه الأحداث زمانياً كانت في عام 39 ه، وقد كانت بعد معركة النهروان في عامين، واستنادا إلى هذا نؤيد ما قال به التستري.

****** وفي ختام نقد التوثيق التاريخي نقول: إنّ أغلب ما كان يعتمد عليه ابن أبي الحديد في توثيقهِ للقضايا التاريخية، هو اعتماده على المصادر العامة، ولكنّ التستري اعتمد في ردوده على المصادر الخاصة وبعض من المصادر العامة، إذْ كان لعقيدته أثرٌ واضحٌ في انتقائه المصادر، وفي بسط آرائهِ الاعتراضية التي كانت تتفق مع

ص: 214


1- بهج الصباغة: 10 / 402
2- ينظر: الغارات: 288
3- الجمل وصفين والنهروان: 522
4- أشرس بن حسان: هو أبو حسان وأسمه أشرس بن حسان البكري، كان عاملًا لعلي على الأنبار قتله سفيان بن عون الأزدي: ينظر: المحن: 135
5- ينظر: تاريخ الطبري: 133 - 134

فكر أهل البيت (عليهم السلام)، وفي الوقت ذاتهِ تتعارض مع فكر خصومهم. والتستري في هذا النوع من الردود التوثيقية، حرص على الاستمرار في معارضته لآراء ابن أبي الحديد كما في المباحث الأخرى من الرسالة، فكثيراً ما كان يمیل لمخالفة ما يطرحه ابن أبي الحديد من آراء لاختلاف المنهج العقائدي بينهما، إلا أن هناك بعض الردود كانت متفقة مع ما ذكره ابن أبي الحديد، حيث زاد عليها التستري بعض ما يعضد به القول.

ص: 215

الخاتمة

بعد أن منَّ الله تعالى علينا بالوصول إلى نهاية هذا البحث، نوجز فيها يأتي أهم النتائج التي توصل إليها، بعد أن تكفّلت صفحات البحث بالنتائج الأخرى، إذ لا تخلو صفحة من صفحاته من نتيجة آلت إليها الموازنة النقدية بين رأي ابن أبي الحديد ورأي التستري وتتلخص النتائج الكبرى للبحث بما يأتي: - * في فصل الرسالة الأول لغوية، وكان من الملاحظ هنا أن ابن أبي الحديد لم يكن يراجع من المصادر اللغوية سوى الصحاح، وكان يحتكم إلیه في أي قضية لغوية ترد في نهج البلاغة، فكان رأيه رأي صاحب الصحاح، وإن راجع غيره، من المعجمات فهي تعد بالنسبة له مصادر ثانوية لا يمكن الجزم بما تقوله، أما ردود التستري على تلك القضايا اللغوية فاعتمد بها على عدد من المعجمات، وكانت عنده بعض المعجمات سنداً لبعضها فيما يرد فيها من رأي.

* لم يكن النقد النحوي عند التستري مستنداً إلى الوجوه الإعرابية فقط، لأن المصادر التي عاد إليها هي نفسها التي عاد إليها ابن أبي الحديد، ولكنّه أي التستري أخذ منها ما يتوافق مع عقيدته وأفكاره، إذ غالباً ما يصل من توجيه النص نحوياً إلى مبتغاه الذي يخالف به بالنتيجة ابن أبي الحديد.

* في ردود التستري النقدية أتضح أنه ناقد ذو منهجٍ، اعتمد على الذوق والدربة التي أكسبته خبرةً في هذا النطاق، فجاءت دراسته للإستشهادات الأدبية في ضوء تلك الرؤية، واستطاع من خلال ذلك كلّه، أن يطرح ما هو بديل لما

ص: 216

ذكره ابن أبي الحديد، وخاصة في (نقد المعنى).

* تركزت البلاغة بصورتين من صورها المتعددة، هما الصورة الكنائية والاستعارية، وقد ظهرت ردود التستري هنا في وجه الخصوص أي في القضايا الكنائية والاستعارية ردود إتفاقية توافقية مع ابن أبي الحديد في أغلبها، ذلك لأنه لمس في شرح ابن أبي الحديد لهذه القضايا توافقاً مع جوهر العقيدة الدينية عنده، من دون أن يتقاطع فكريا مع ابن أبي الحديد في هذا المبحث.

* كانت ردود التستري التأويلية جميعها ردودا خلافية، إذ لم يكن بينهما أيّ توافق، ولو على قضيةٍ واحدةٍ في التأويل. فكان ابن أبي الحديد يخضع النص في تأويله إلى منهجه المعتزلي، وهو المنهج العقلي ليصل إلى نتائج تتوافق مع اعتزاله، أما التستري فقد كان يتأوّل النص بما يتفق مع عقيدتهِ في الإمام (عليه السلام)، واللغة هي العامل المشترك في التأويل، لكن ابن أبي الحديد أخذ بالدلالات التي تخدم معتزليته كما أشرنا، والتستري أخذ بالدلالات التي تخدم عقيدته. والنصّ يقبل الرأيين معا لعلوّه.

* اعتمد ابن أبي الحديد في توثيقهِ للقضايا التأريخية على كتب العامة، وكان مسلّماً ومتيقناً بما تذكره تلك المصادر وآراؤه التوثيقية باتت قطعية فيما نقله من حوادث تأريخية. أما التستري في توثيقه فقد أخذ من مصادر المسلمين ما يتناسب مع فكر أهل البيت (عليهم السلام)، ولكنّ اعتماده الرئيس كان على المصادر الخاصة. وكان التستري محققاً تأريخياً في توثيقهِ للأحداث مثلما كان ابن أبي الحديد محققاً، لكن التستري أجهز على ابن أبي الحديد في كثير مما ذکر من أحداث، وحاول أن يرسم أفكاراً مختلفة يستنبطها من الحوادث التأريخية، إذ يرى أنها يجب أن تتلائم مع حقيقة فكر الإمام علي (عليه السلام) وتاريخ الأئمة (عليهم السلام) من

ص: 217

بعده، فكان كثير التدقيق في كل رواية ذكرها قبله ابن أبي الحديد.

* يظهر ان نقد التستري التوثيقي للأدب بشقيه الشعر والنثر يعتمد على المصادر القديمة، وأمهات الكتب، على العکس من ابن أبي الحديد الذي أثر الاكتفاء ببعض المصادر في توثيقه للنصوص الأدبية، ولعلّ تأخر التستري في الزمن عن ابن أبي الحديد، سهّل عليه أمر التوثيق، ومتّن ردوده في هذا السبيل.

* كان التستري دقيقا في توثية نسبة البيت لقائلهِ، فهو في ذلك يراجع عدداً من المصادر والمراجع التي يرد فيها ذكر البيت أو القصيدة حتى يقطع في ذلك رأياً.

* ومن خلال هذا تبيّن أن ابن أبي الحديد والتستري لغويان ناقدان مؤولان محققان، قد امتدت جذورهم في كل تلك الفروع المعرفية وامتازا بدقة أقوالهم وأصاباتهم فيما تناولا، فضلاً عن انهما شارحان بارعان لكلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا يمكن حصر معرفتهما في حيز ضيّق من المعرفة، بل الموسوعية المعرفية كانت علامةٌ لهما، لكن المزيّة التي يشترك فيها الاثنان، الحرص الأكيد على الوصول إلى أدق معاني كلام الإمام، وترتّب على هذا كثرة ردود التستري على ابن أبي الحديد التي كشفت عن اختلاف عميق بين الاثنين.

ص: 218

المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

*ابن أبي الحديد سيرته وآثاره الأدبية والنقدية، تأليف علي محيي الدين، مكتبة المواهب للطباعة والنشر، النجف الأشرف، ط 1، ه 1430 - 2010 م.

* إتعاظ الحنفاء الأئمة الفاطميين الخلفاء، المقريزي (أحمد بن علي بن عبد القادر أبو العباس الحسيني العبيدي تقي الدين ت 845 ه)، تحقيق جمال الدين الشيال، أستاذ التاريخ الإسلامي.

* اتفاق المباني وافتراق المعاني، أبو الربيع سلیمان بن بنين بن خلف بن عوض تقي الدين المصري، دار عمار، ط 1، 1985 م.

* الأثر القرآني في نهج البلاغة - دراسة في الشكل والمضمون -، تأليف د. عباس علي حسين الفحام، منشورات الفجر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان، بيروت، ط 1430، 1 ه، 2010 م.

* الأجرومية، ابن أجروم (محمد بن محمد بن داود الصنهاجي ت 723 ه)، دار الأصمعي، 1419 ه - 1998 م.

* الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت 282 ه)، تحقيق عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين شيال، دار إحياء الكتاب العربي، عيسى البابي الحلبي وشركائه، القاهرة.

* الأربعون حديثاً في إثبات امامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، العلامة الفقيه المح-دث الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني، ت 1121هجري - قمري، تحقيق السيد مهدي الرجائي.

* أساس البلاغة، جار الله الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر و بن أحمدت 538 ه)، تحقيق محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

* الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى، أبو العباس أحمد بن خالد بن محمد الناصري،

ص: 219

تحقيق جعفر الناصري، محمد الناصري، دار الكتاب.

* الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (ت 463 ه).

* أسرار البلاغة، الجرجاني (أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي ت 471 ه)، قرأه وعلق عليه محمد محمد شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة، دار المدني بجدة.

* إشكاليات القراءة وآليات التأويل، نصر حامد أبو زيد، المركز الثقافي، ط 9، 2012 م.

* أصول الفكر البياني العربي ابن أبي الحديد نموذجاً، جمع ودراسة الدكتور حامد ناصر الظالمي، دار ومكتبة البصائر، ط 1، 2013 م 1434 ه. * الاعجاز والايجاز، الثعالبي (عبد الملك بن محمد بن اسماعيل أبو منصور ت 429 ه)، مكتبة القرآن بالقاهرة.

* إعلام الورى بأعلام الهدى، الطبرسي (أمين الإسلام أبي علي الفضل بن الحسن، من أعلام القرن السادس)، صححه وعلق عليه علي أكبر الغفاري، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، 1424 ه - 2004 م. *الأمالي، الشيخ المفيد (محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد ت 413 ه)، منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الأشرف.

* أمالي الزجاجي، الزجاجي (أبو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق البغدادي النهاوندي ت 337 ه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت.

* الامتاع والمؤانسة، أبو حيان التوحيدي (علي بن محمد بن العباس ت 400 ه)، المكتبة العصرية، بيروت، ط 1، 1424 ه.

* الأمثال، القاسم بن سلام (أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي البغدادي ت 224 ه)، تحقيق الدكتور عبد المجيد قطامش، دار المأمون للتراث.

* الأمثال المولدة، محمد بن العباس الخوارزمي أبو بكر ت 383 ه)، الناشر: المجمع الثقافي أبو ظبي، 1424 ه.

ص: 220

* الأمثال للهاشمي، زید بن عبد الله بن مسعود بن رفاعة أبو الخير الهاشمي، ت 400 ه، دار سعد الدين، دمشق، ط 1، 1423 ه.

* الإنباء في تاريخ الخلفاء، محمد بن علي بن محمد ابن العمراني ت 580 ه)، تحقيق قاسم السامرائي، دار الافاق العربية، القاهرة، ط 1، 1421 ه 2001 م.

* أهل البيت في نهج البلاغة قراءة تأويلية، أ.د حاکم حبيب الكريطي، منشورات الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة، مرکز کربلاء للدراسات والبحوث ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 1435، 1 ه - 2014 م.

* الايضاح في علوم البلاغة، القزويني (محمد بن عبد الرحمن بن عمر أبو المعالي جلال الدين المعروف بخطيب دمشق ت 739 ه)، تحقيق محمد عبد المنعم خفاجي، دار الجيل. بحار الأنوار، العلامة المجلسي (محمد باقرت 1111 ه)، مؤسسة الوفاء، ط 2 المصححة، بیروت، لبنان، 1403 ه - 1983 م.

* البحث البلاغي في تفسير الميزان، تأليف د. حيدر هادي أحمد، ط 1، مطبعة دار المنصور، بغداد، 2009 م * البحث الدلالي في تفسير الميزان دراسة في تحليل النص، الدكتور مشکور کاظم العوادي، مؤسسة البلاغ، دار سلوني، ط 1، 2003 م 1424 ه.

* البحر المديد، أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الإدريسي الشاذلي الفارسي أبو العباس، دار الكتب العلمية، بيروت.

* البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي (ت 355 ه)، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد.

* البداية والنهاية، ابن کثیر (إسماعيل بن عمرو بن كثير القرشي أبو الفداء ت 774 ه)، مكتبة المعارف، بيروت.

* البديع عند الحريري، محمد بیلو أحمد أبو بكر، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط رجب، ذو الحجة 1400 ه.

* البديع في البديع، ابن المعتز (أبو العباس عبد الله بن محمد المعتز بالله ابن المتوكل

ص: 221

ابن الرشيد العباسي ت 296 ه)، دار الجيل، ط 1، 1410 ه 1990 م.

* البصائر والذخائر، أبو حيان التوحيدي (علي بن محمد بن العباس ت 414 ه)، تحقيق د. وداد القاضي، دار صادر، بیروت، لبنان، ط 4، 1419 ه 1999 م.

* بغية الإيضاح لتخليص المفتاح في علوم البلاغة، عبد المتعال الصعيدي (ت 1391 ه)، مكتبة الأدب، ط 17، 1426 ه 2005 م.

* بلاغات النساء، ابن طيفور (أبو الفضل أحمد بن أبي طاهرت 280 ه)، صححه وشرحه أحمد الألفي، مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة، 1329 ه 1908 م.

* بلاغة الخطاب وعلم النص، صلاح فضل، الشركة المصرية العالمية للنشر - لونجمان، 2011 م.

* البلاغة العربية، عبد الرحمن بن حسن الميداني الدمشقي ت 1425 ه)، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط 1، 1416 ه 1996 م.

* البلاغة العربية بين الناقدین الخالدين عبد القاهر الجرجاني وابن سنان الخفاجي تاليف الدكتور عبد العاطي غريب علي علام، الأستاذ بكلية اللغة العربية بالزقازيق، دار الجيل، بیروت، ط 1، 1413 ه 1993 م * البلاغة عرض وتوجيه وتفسير، الدكتور محمد بركات حمدي أبو علي، الجامعة الأردنية، كلية الآداب، دار الفكر للنشر والتوزيع، عمان، ط 1، 1983 م.

* بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، التستري (محمد تقي كاظم محمد علي جعفر التستري ت 1420 ه)، مؤسسة التاريخ العربي، بیروت لبنان، ط 1، 2011 م.

* البيان العربي، دراسة في تطوّر الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى، الدكتور بدوي طبانة، دار الثقافة، بیروت، لبنان، 1986م.

* البيان والتبيين، الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظت 255 ه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط 5، 1405 ه 1985 م، مكتبة الخانجي، القاهرة.

* تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي (محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، أبو الفيض الملقب بمرتضى الزبيدي ت 1205 ه)، دار الهداية.

* تاریخ ابن الوردي، عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس أبو حفص

ص: 222

زين الدين الكندي ت (749 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1417 ه 1996 م.

* تاريخ أبي الفداء، الملك المؤيد إسماعيل بن أبي الفداء.

* تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، الذهبي (شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز، تحقیق عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، بيروت.

* التاريخ الأوسط، محمد بن اسماعیل بن ابراهيم بن المغيرة البخاري أبو عبد الله (ت 256 ه)، تحقيق محمود ابراهیم زايد، دار الوعي، مكتبة التراث، حلب، القاهرة.

* تاریخ الخلفاء من الخلافة الراشدة إلى سنة 903 ه، السيوطي (جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال أبو الفضلت 911 ه)، ضبط و تحقیق رضوان جامع رضوان، مؤسسة المختار، القاهرة، ط 1، 1425 ه 2004 م.

* تاريخ الطبري (تاریخ الرسل والملوك)، الطبري (محمد بن جریر بن یزید بن كثير بن غالب الأمليت 310 ه)، دار التراث، بیروت.

* تاریخ الغيبة الكبرى، تأليف محمد محمد صادق الصدر (ت 1999 م)، دار التعارف للمطبوعات، بیروت لبنان.

* تاريخ النقد الأدبي عند العرب، الدكتور إحسان عباس (ت 1424 ه)، ط 4، دار الثقافة، بیروت، لبنان، 1983 م.

* تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي (أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح ت 292 ه).

* تاریخ دمشق، ابن عساكر (أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله ت 571 ه)، تحقيق عمرو بن غرامة العمروي، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع.

* التبيان في تفسير القرآن، الطوسي (أبو جعفر محمد بن الحسن ت 1067 ه)، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي.

* التذكرة الحمدونية، بهاء الدين البغدادي (محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون، أبو المعالي ت 562 ه)، ط 1، دار صادر، بیروت.

ص: 223

* التصوير الفني في خطب الإمام علي (عليه السلام)، الدكتور عباس الفحام، ط 1، مؤسسة دار الصادق للطبع والنشر والتوزيع، 1433 ه 2012 م.

* التطبيق النحوي، د. عبدة الراجحي، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ط 1، 1420 ه 1999 م.

* التعريفات الجرجاني (علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني ت 816 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط 1، 1403 ه 1983 م.

* تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظیم)، ابن کثیر (أبو الفداء اسماعیل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي ت 774 ه)، تحقيق محمود حسن، دار الفكر.

* تفسير الأمثل (الأمثل في كتاب الله المنزل)، الشيخ ناصر مکارم الشيرازي.

* تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، القرطبي (محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرحت 671 ه)، تحقيق هشام سمير البخاري، نشر دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية.

* تفسير الميزان الميزان في تفسير القرآن)، الطباطبائي (السيد محمد حسين الطباطبائي ت 1402 ه).

* تهذيب اللغة، الأزهري (محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصورت 370 ه)، تحقيق محمدعوض مرعب، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

* التوقيف على مهمات التعاريف (زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زین العابدين القاهري ت 1031 ه)، الناشر: عالم الكتب، عبد الخالق ثروت، القاهرة، ط 1، 1410 ه 199 م.

* ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، الثعالبي (أبو منصور عبد الملك بن محمد بن اسماعيل ت 429 ه)، دار المعارف، القاهرة، ط 1، 1995 م.

* جامع الدروس العربية، مصطفی بن محمد سليم الغلاييني (ت 1394 ه)، المكتبة المصرية، صیدا، بیروت، ط 28، 1414 ه 1993 م.

* الجمال والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، تأليف الشيخ المفيد (أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العُكبري البغدادي ت 413 ه)، تحقيق السيد علي مير

ص: 224

شریفي.

* الجمل وصفين والنهروان، أبو مخنف (أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الكوفي ت 157 ه)، جمع و تحقیق حسن حميد السنيد، مؤسسة دار الاسلام، ط 1، 1423 ه 2002 م.

* جمهرة الأمثال، أبو هلال العسكري (الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعید بن يحيى بن مهران ت 395 ه)، دار الفکر، بیروت، لبنان.

* جمهرة اللغة، ابن دريد (أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ت 321ذه)، تحقيق رمزي منير بعلبکي، دار العلم للملايين، بيروت، ط 1، 1987 م.

* الجنى الداني في حروف المعاني، أبو محمد بدر الدين حسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري المالكي (ت 749 ه)، تحقيق د. فخر الدين قباوة، الاستاذ محمد ندیم فاضل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

* الجيم، أبو عمرو الشيباني (أبو عمرو اسحاق بن مرار الشيباني ت 206 ه)، تحقيق ابراهيم الأبياري، مراجعة محمد خلف أحمد، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة.

* حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك، أبو العرفان محمد بن علي الصبان الشافعي، ت 1206 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1417 ه 1997 م.

* الحماسة البصرية، علي بن أبي الفرج بن الحسن، صدر الدين أبو الحسن البصري (ت 659 ه)، تحقيق مختار الدين أحمد، عالم الكتب، بیروت.

* حياة الحيوان الكبرى، الدميري (كمال الدين محمد بن موسی بن عیسیت 808 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 2، 1424 ه 2003 م.

* الحياة السياسية لأئمة أهل البيت، تأليف معهد الإمام الخميني للدراسات الإسلامية، كربلاء المقدسة، العراق.

* حياة الصحابة، محمد یوسف بن محمد، إلياس بن محمد إسماعيل الكاندهلوي، ت 1384 ه)، حققه وضبط نصه وعلق عليه: الدكتور بشار عوّاد معروف، الناشر:

ص: 225

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

* الحياة والموت في الشعر الجاهلي، أ.د مصطفى عبد اللطيف جياووك، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، ط 1، 1433 ه 2012 م.

* الحيوان، الجاحظ (عمرو بن محبوب الكناني الليثي، أبو عثمان الجاحظت 255 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1424 ه.

* خزانة الأدب وغاية الأرب، الحموي (ابن حجة تقي الدين أبو بكر بن علي بن عبد الله الحموي الأزراري ت 837 ه)، تحقيق عصام شقيو، دار ومكتبة الهلال، بیروت، دار البحار، بیروت.

* خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، البغدادي (عبد القادر بن عمر البغدادي ت 1093 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 4، 1418 ه 1997 م.

* الخصائص، ابن جني (أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، ت 392 ه)، الهيئة العامة للكتاب، ط 4.

* الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي (عبد الرحمن بن أبي بكر ت 911 ه)، دار الفكر، بيروت.

* دلالة الألفاظ، ابراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية، شارع محمد فريد، القاهرة.

* دلائل الاعجاز، الجرجاني (أبو بكر بن عبد الرحمن بن محمدت 471 ه)، حقق وقدم له الدكتور محمد رضوان الدّابة (استاذ بجامعة دمشق)، الدكتور فايز الدّابة (استاذ مساعد في جامعة حلب)، مكتبة سعد الدين، ط 1، 1403 ه 1983 م.

* دلائل الاعجاز، الجرجاني (أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد 471 ه)، دار الكتاب العربي، بیروت، 1995 م.

* دليل الطالبيين لكلام النحويين، مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد الكرمي المقدسي الحنبلي (ت 1033 ه)، الناشر: إدارة المخطوطات والمكتبات الإسلامية، الكويت، 1430 ه 2009 م.

* دیوان ابن نباتة المصري، للشاعر والخطيب البليغ الشيخ جمال الدين بن نباتة

ص: 226

المصري الفاروقي (ت 678 ه)، دار إحياء التراث العربي، بیروت، لبنان.

* ديوان الأخطل، تقديم وشرح د. کارین صادر، دار الأبحاث، ط 1.

* ديوان الأعشى، أبي بصير ميمون بن قيس بن جندل، الأعشى الكبير (ت 629 ه)، شرح و تعليق الدكتور محمد حسين أستاذ الأدب العربي المساعد بجامعة فاروق، الناشر مكتبة الآداب بالجماميزت، المطبعة النموذجية.

* دیوان البحتري، عنی بتحقيقه وشرحه والتعليق عليه حسن كامل الصيرفي، ط 3، دار المعارف، كورنيش النيل.

* ديوان الحطيئة، برواية ابن السكيت - 186 ه - 246 ه، دراسة وتبويب د. مفید محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1413 ه 1993 م.

* دیوان السيد الحميري، شرحه وضبطه وقدم له ضياء حسين الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمی للمطبوعات.

* دیوان الطرماح، تحقيق الدكتور عزّة حسن، دار الشرق العربي، بیروت، لبنان، حلب، سورية، ط 2، 1414 ه 1994 م.

* ديوان الفرزدق، ط 1، دار صادر، بیروت، 1427 ه 2006 م.

* ديوان المعاني، أبو هلال العسكري (الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعید بن يحيى بن مهران ت 395 ه)، دار الجيل، بيروت.

* ديوان الوزير المغربي.

* دیوان امرئ القيس، تحقیق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 4، دار المعارف.

* دیوان شیخ شعراء العربية أبي الطيب المتنبي، د. عبد المنعم خفاجي وسعيد السحار و د. عبد العزيز شرف، مكتبة مصر للطباعة.

* دیوان عبيد بن الأبرص، دار صادر، بیروت.

* ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، جار الله الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي ت 583 ه)، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط 1، 1412 ه.

* رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، ابن بطوطة (محمد بن عبد الله بن محمد بن ابراهيم اللواتي الطنجي، أبو عبد الله ت 779 ه)،

ص: 227

أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، 1417 ه.

* رسالة الاصلاح والواقع الاجتماعي للإمام علي (عليه السلام)، تأليف عذراء مهدي حسين العذاري، ط 1، 1434 ه 2013 م.

* رسالة في سهو النبي (صلى الله عليه وآله)، العلامة مؤلف القاموس الحاج الشيخ محمد تقي التستري بخطه الشريف، جاءت ضمن قاموس الرجال في جزئه الثاني عشر.

* رسائل الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة، رملة خضير مظلوم البديري، مكتبة الروضة الحيدرية.

* رسائل الجاحظ، الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الكناني ت 255 ه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة.

* الرسائل السياسية، الجاحظ (أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الكناني ت 255 ه)، دار ومكتبة الهلال، بیروت.

* روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار، محمد بن قاسم بن يعقوب الأماسي الحنفي، محي الدين بن الخطيب، ت 940 ه، دار القلم العربي، حلب، ط 1، 1423 ه.

* زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي (عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ت 597 ه)، تحقيق عبد الرزاق مصري، الناشر: المكتب الإسلامي.

* الزاهر في معاني كلمات الناس، أبو بكر الأنصاري (محمد بن القاسم بن محمد بن بشارت 328 ه)، تحقيق د. حاتم الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت.

* زهر الآداب وثمر الألباب، إبراهيم بن علي بن تميم الأنصاري، أبو اسحاق الحُصري القيرواني (ت 453 ه)، دار الجيل، بیروت.

* السرد القصصي في الشعر الجاهلي، تأليف الدكتور حاکم حبيب الكريطي، تموز للطباعة والنشر، دمشق، ط 2011، 1 م * سلامة اللغة العربية، المراحل التي مرّت بها، تأليف عبد العزيز عبد الله محمد، مطابع جامعة الموصل، ط 1، 1405 ه 1985 م.

* سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك

ص: 228

العصامي المكي (ت 1111 ه)، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود - علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت.

* سيرة النبي (صلى الله عليه وآله)، لابن هشام (أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري ت 213 ه)، راجع أصولها وضبط غريبها وعلق حواشيها ووضع فهارسها المرحوم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر.

* شذا العرف في فن الصرف، أحمد بن محمد الحملاوي (ت 1351 ه)، تحقيق نصر الله عبد الرحمن نصر الله، مكتبة الرشد الرياض.

* شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، ابن عقیل (بهاء الدين عبد الله بن عقیل العقيلي الهمداني المصري ت 769 ه)، تأليف محمد محي الدين عبد الحميد، مكتبة الهداية، بيروت، لبنان، ط 1، 1429 ه 2008 م.

* شرح الرضي على الكافية، رضي الدين الاسترابادي، تعليق و تصحیح يوسف حسن عمر الاستاذ بكلية اللغة العربية والدراسات الإسلامية، 1398 ه 1987 م.

* شرح الكافية الشافية، محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (ت 672 ه)، تحقيق عبد المنعم أحمد هريدي، الناشر: جامعة أم القرى مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.

* شرح المعلقات السبع، تأليف أبي عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني، دار القاموس الحديث، بیروت.

* شرح دیوان زهير بن أبي سُلمی، صنعة أبي العباس ثعلب، قدم له ووضع هواشمه وفهارسه الدكتور حنا ناصر الحلي، الناشر دار الكتاب العربي، ط 3، 1418 ه 1997 م.

* شرح دیوان عمرو بن كلثوم التغلبي، شرح و تحقيق الدكتور رحاب عكاوي، دار الفكر العربي، بيروت، ط 1، 1996 م.

* شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، ابن هشام (عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن يوسف، تحقيق عبد الغني الدقر، الناشر الشركة المتحدة للتوزيع، سوريا.

ص: 229

* شرح قطر الندى وبل الصدى، ابن هشام (عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله أبو محمد جمال الدين ت 761 ه)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، ط 11، 1383 ه.

* شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (ت 656 ه)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء التراث العربي، ط 2، 1358 ه 1995 م.

* شرح نهج البلاغة، تألیف کمال الدين میثم بن علي بن میثم البحراني (ت 679 ه)، منشورات الفجر، ط 1، بیروت، لبنان.

* شرحان على مراح الأرواح في علم الصرف، شمس الدين أحمد المعروف دنقوز (ت 855 ه)، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط 3، 1379 ه 1959 م.

* شعر البعيث المجاشعي، جمع وتحقيق الدكتور ناصر رشید محمد حسين، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974 م 1394 ه.

* الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، الجوهري (إسماعيل بن حماد الجوهريت 393 ه)، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، ط 4، 1407 ه 1987 م.

* الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات.

* طبقات أعلام الشيعة، العلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر، ط 1.

* الطبقات الکبری، ابن سعد (ابو عبد الله محمد بن منيع الهاشمي بالولاء البصري البغدادي ت 230 ه)، تحقيق احسان عباس، دار صادر، بیروت.

* طبقات فحول الشعراء، ابن سلّام الجمحي (أبو عبد الله محمد بن سلّام ت 233 ه)، تحقيق محمود محمد شاكر، دار المدني، جدة.

* عصر الخلافة، محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين، أكرم بن ضیاء العمري، مكتبة العبيكان.

ص: 230

*العقد الفريد، ابن عبد ربه (الفقيه أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ت 328 ه)، تحقيق الدكتور عبد المجيد الترحيني، ط 1، 1404 ه - 1983 م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

* علم البيان، الدكتور عبد العزيز عتيق، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1985 م.

* علي إمام المتقين، عبد الرحمن الشرقاوي، العتبة العلوية المقدسة، قسم الشؤون الفكرية والثقافية.

* علي كما وصف نفسه، تأليف السيد طاهر عيسى درویش، دار ومكتبة الهلال، بيروت، دار البحار، بيروت ط 1، 2004 م.

* العمدة في محاسن الشعر وآدابه، ابن رشيق القيرواني (أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي ت 463 ه)، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، ط 5، 1401 ه - 1981 م.

* العين، الفراهيدي (أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمر و بن تميم الفراهيدي البصري ت 170 ه)، تحقيق د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال.

* عيون الأخبار، ابن قتيبة (أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري ت 276 ه)، دار الكتب العلمية، 1418 ه.

* الغارات، الثقفي (أبو اسحاق ابراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال المعروف بابن هلال الثقفي ت 283 ه)، تحقيق السيد عبد الزهرة الحسيني الخطيب، ط 1، دار الاضواء، بيروت، لبنان 1987 م.

* غريب الحديث، ابن الجوزي (جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ت 597 ه)، تحقيق الدكتور عبد المعطي أمين القلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

* غريب الحديث، القاسم بن سلام (أبو عبيد القاسم بن سلام بن عبد الله الهروي البغدادي ت 224 ه)، تحقيق د. محمد عبد المعين خان، مطبعة دائرة المعارف

ص: 231

العثمانية، حيدر آباد الدكن.

* غريب الحديث، للخطابي (أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي ت 388 ه)، تحقيق عبد الكريم إبراهيم الغرباوي، خرج أحاديثه عبد القيوم عبد النبي.

* الفائق في غريب الحديث والأثر، جار الله الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر و بن أحمد الزمخشري ت 538 ه)، تحقيق علي بن محمد البجاوي - محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، لبنان.

* الفتنة ووقعة صفين والجمل، سيف بن الضبي الأسدي (ت 200 ه)، تحقيق أحمد راتب عرموش، دار النفائس.

* الفتوح لابن أعثم، ابن أعثم (أحمد بن محمد بن علي بن أعثم الكوفي، أبو محمد ت 314 ه)، تحقيق علي شيري، دار الأضواء، بيروت.

* فصل المقال في شرح كتب الأمثال، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (ت 487 ه)، تحقيق إحسان عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

* الفصول المفيدة في الواو المزيدة، صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي العلائي ت (76 ه)، دار البشير، عمان.

* فقه اللغة وسر العربية، الثعالبي (عبد الملك بن محمد بن اسماعيل أبو منصور ت 429 ه)، تحقيق عبد الرزاق المهدي، إحياء التراث العربي.

* الفلك الدائر على المثل السائر، ابن أبي الحديد (عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن الحسين، أبو حامد عز الدين ت 656 ه)، تحقيق أحمد الحوفي - بدوي طبانة.

* في النقد الأدبي، تأليف علي مصطفى صبح.

* قاموس الرجال، العلامة المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد تقي التستري (قدس)، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط 2، شوال 1425 ه.

* القاموس المحيط، الفيروز آبادي (مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ت 817 ه)، تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة

ص: 232

للطباعة والتوزيع، بيروت، لبنان.

* قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، تحقيق الشيخ محمد تقي التستري، منشورات اهل الذكر، ط 1، صفر 1426 ه.

* الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، أبو عبد الله الذهبي (حمد بن أحمد الدمشقي ت 748 ه). الكامل في اللغة والأدب، المبرد (أبو العباس محمد بن يزيد المبرّدت 285 ه)، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط 3، 1417 ه - 1997 م.

* كتاب الصناعتين الكتابة والشعر، تصنيف أبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري (ت 395 ه)، تحقيق علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ط 1، 1427 ه - 2006 م.

* الكشاف، الزمخشري (أبو قاسم محمود بن عمر و الزمخشري الخوارزمي ت 538 ه)، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

* لباب الآداب، أسامة بن منقذ (أبو المظفر مؤيد الدولة مجد الدين أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر الكناني ت 584 ه)، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة السنة، القاهرة.

* اللباب في علل البناء والإعراب، أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي محب الدين (ت 616 ه)، تحقيق د. عبد الإله النبهان، دار الفکر، دمشق.

* لسان العرب، ابن منظور (محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الأنصاري ت 711 ه)، دار صادر، بيروت، ط 3، 1414 ه.

* اللمع في العربية، ابن جني (أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي ت 392 ه)، تحقيق فائز فارس، دار الكتب الثقافية، الكويت، 1972 م.

* المباحث اللغوية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، الدكتور هادي عبد علي هويدي، دار الضياء، النجف الأشرف، ط 1، 2009 م.

* المثل في نهج البلاغة دراسة تحليلية فنية، عبد الهادي عبد الرحمن، ط 1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 2013

ص: 233

* المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، ابن حبان (محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي أبو حاتم الدارمي البستي ت 354 ه)، تحقيق محمد ابراهيم زايد، جار الوعي، حلب.

* مجمع الأمثال، الميداني (أبو الفضل أحمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري ت 518 ه)، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

* مجمل اللغة، ابن فارس (أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين ت 310 ه)، دراسة وتحقيق زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، بيروت.

* محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، الراغب الأصفهاني (أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني ت 502 ه)، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت، ط 1، 1420 ه.

* المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيدة (أبو الحسن علي بن اسماعيل بن سيدة المرم ت 458 ه)، تحقيق عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية.

* المحن، محمد بن أحمد بن تميم المغربي الإفريقي، أبو العرب (ت 333 ه)، تحقيق د. عمر سليمان العقيلي، الناشر دار العلوم، الرياض، السعودية.

* مختار الصحاح، الرازي (زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي ت 666 ه)، تحقيق يوسف الشيخ محمد، المكتبة العصرية، الدار النموذجية، بيروت، صيدا.

* المخصص، ابن سيدة (أبو الحسن علي بن اسماعيل بن سيدة المرسي ت 458 ه)، تحقيق خليل ابراهيم جفال، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 1، 1417 ه - 1996 م.

* المدارس النحوية، شوقي ضيف، (أحمد شوقي عبد السلام ت 1436 ه)، دار المعارف.

* المستقصى في أمثال العرب، الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر و بن أحمد، جار الله ت 538 ه-)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1987 م.

* مسند نهج البلاغة، تأليف العلامة الخبير السيد محمد حسين الجلالي، تحقيق السيد محمد جواد الحسيني الجلالي، مكتبة العلامة المجلسي، ط 1، 1431 ه.

ص: 234

* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، الحموي (أحمد بن محمد بن علي الفيومي، أبو العباس ت 770 ه)، المكتبة العلمية، بيروت.

* المعارف، ابن قتيبة الدينوري (أبو محمد عبد الله بن مسلم ت 276 ه)، تحقيق ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط 2، 1992 م.

* المعاني الكبير في أبيات المعاني، تأليف أبن قتيبة (أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، ت 276 ه)، تحقيق المستشرق د. سالم الكرنك-وي (ت 1373 ه)، مطبعة دائرة المعارف العثمانية - حيدر اباد الدكن.

* معاني النحو، تأليف الدكتور فاضل صالح السامرائي، مطبعة التعليم العالي بالموصل، 1986 ه - 1987 م.

* معجم البلدان، ياقوت الحموي (شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي ت 626 ه)، دار صادر، بيروت، ط 2، 1995 م.

* المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وضعه محمد فؤاد عبد الباقي، دار الجيل، بيروت لبنان، 1407 ه 1987 م.

* معجم رجال الاعتبار، عبد السلام بن عباس الوجيه، مؤسسة الإمام زيد بن علي (عليه السلام) الثقافية.

* معجم رجال الحديث وتفضيل طبقات الرواة، تأليف السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413 ه)،ط 5، 1413 ه.

* المعنى القرآني بين التفسير والتأويل دراسة تحليلية معرفية في النص القرآني، عباس أمير معارز، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت لبنان، ط 1، 2008 م.

* مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام (جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الأنصاري ت 761 ه)، دار الفکر، بيروت، ط 6، 1985 م.

* مفتاح العلوم، السكاكي (يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي أبو يعقوب ت 626 ه)، ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

* المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الدكتور جواد علي (ت 1408 ه)، الناشر

ص: 235

دار الساقي، ط 4، 1422 ه 2001 م. * المفصل في صنعة الإعراب، جار الله الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمدت 538 ه)، تحقيق د. علي بن ملحم، مكتبة الهلال، بيروت، لبنان.

* مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصبهاني (علي بن الحسين بن محمد بن أحمد -ن الهيثم المرواني الأموي القرشي ت 356 ه)، تحقيق السيد أحمد صقر، دار المعرفة، بيروت.

* مقاييس اللغة، ابن فارس (أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسن ت 395 ه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر.

* من تاريخ النحو العربي، سعيد الأفغاني (1417 ه)، مكتبة الفلاح.

* المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ابن الجوزي (جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ت 597 ه)، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت.

* المنهاج الواضح للبلاغة، حامد عويني، المكتبة الأزهرية للتراث. *المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، جمال الدين أبو المحاسن (يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي ت 874 ه)، حققه ووضع حواشيه: د. محمد أمين، تقديم د. سعيد عبد الفتاح عاشور * الموجز في قواعد اللغة العربية، سعيد بن محمد بن أحمد الأفغاني ت 1417 ه)، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1424 ه - 2003 م.

* نثر الدر في المحاضرات، منصور بن الحسين الرازي أبو سعد الآبي ت 421 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1424 ه - 2004 م. النحو المصفى، تأليف محمد عيد، مكتبة الشباب.

* نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب، ابن سعيد الأندلسي، تحقيق الدكتور نصرت عبد الرحمن، مكتبة الأقصى، عمان، الأردن.

* النقد الأدبي ومدارسه عند العرب، أ.د قصي الحسين، دار ومكتبة الهلال، بيروت، دار الشروق، جدة، 2008 م - 1429 ه.

* النقد الثقافي، عبد الله الغذامي، المركز الثقافي العربي، المملكة المغربية، الدار البيضاء،

ص: 236

ط 2001، 2 م.

* نهاية الأرب في فنون الأدب، أحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد المنعم الدائم القرشي التيمي البكري، شهاب الدين (ت 733 ه)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ط 1، 1423 ه.

* النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير (مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكریم الشيباني الجزري ت 606 ه) تحقيق طاهر أحمد الزاوي – محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، 1399 ه - 1979 م.

* نهج البلاغة، الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، جمع الشيخ محمد عبده، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

* همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، السيوطي (عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيطوي ت 911 ه)، تحقيق عبد الحميد هنداوي، المكتبة التوفيقية، مصر.

* الوافي بالوفيات، صلاح الين الصفدي (خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي ت 764 ه)، دار إحياء التراث، بيروت، 1420 ه - 2000 م.

* وقعة صفين، نصر بن مزاحم (أبو الفضل نصر بن مزاحم العطار المنقري ت 212 ه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط 2، 1382 ه، مطبعة المدني، مصر.

* ينابيع المودة لذوي القربى، الشيخ سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي (ت: 1294 ه)، تحقيق سيد علي جمال اشرف الحسيني، دار الاسرة للطباعة، ط 1 / 1416 ه.

الرسائل والأطاريح الجامعية *ابن أبي الحديد ناقداً، حسن حميد فياض، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 1418 ه 1997 م.

* بنية الملفوظ الحجاجي للخطبة في العصر الأموي، خديجة محفوظي، رسالة ماجستير، جامعة منوري قسطنطينة، كلية الآداب واللغات، 2007 م.

* الحجاج في كتاب المثل السائر لابن الأثير، نعيمة يعمران، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة مولود معموري، 2012 م.

ص: 237

* المباحث البلاغية بين الفخر الرازي والعلامة الطباطبائي (دراسة موازنة)، رشا سعود عبد العالي، اطروحة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 2015 م.

* المعنى في النقد العربي القديم حتى نهاية القرن السابع الهجري، حسين لفتة حافظ الزيادي، اطروحة دكتوراه، كلية الآداب، جامعة الكوفة، 2007 م. المجلات مجلة اللغة العربية وآدابها، تصدر عن كلية الآداب، جامعة الكوفة، العددة، الأول 1431 ه نيسان 2010 م. المنصوب على نزع الخافض، ابراهيم بن سليمان البعيمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد 116، السنة 34، 1422 ه 2002 م.

ص: 238

المحتويات مقدمة المؤسسة...9 المقدمة...11 التمهيد: نبذة عن نهج البلاغة...17 أهمية شرح نهج البلاغة:...19 ابن أبي الحديد المعتزلي...21 بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة:...22 الشيخ محمد تقي التُستري:...24 بعض أساتذته:...26 الفصل الأول ردود اللغة المبحث الأول: النقد اللغوي...29 الدلالة:...52 المبحث الثاني: النقد النحوي...58 الفصل الثاني ردود النقد الأدبي المبحث الأول: النقد الأدبي...83

ص: 239

الموازنة:...96 المفاضلة بين الشعراء:...101 المبحث الثاني: النقد البلاغي...108 الفصل الثالث: ردود القضايا التأويلية الفصل الثالث: ردود القضايا التأويلية...131 الفصل الرابع ردود التوثیق المبحث الأول: نقد التوثيق الأدبي...177 توثيق مثل:...189 المبحث الثاني: نقد التوثيق التاريخي...191 الخاتمة...216 المصادر والمراجع...219

ص: 240

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109