خلاصة المواجهة مع الرسول وآله

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: یعقوب اردنی، احمدحسین، - 1939

عنوان واسم المؤلف: خلاصة المواجهة مع الرسول وآله/ تالیف أحمد حسين يعقوب

تفاصيل المنشور: قم: مؤسّسة المعارف الاسلامية ، 1417ق. = 1375.

مواصفات المظهر: ص 190

شابک : 5000ریال

حالة الاستماع: القائمة السابقة

ملحوظة : العربية

ملحوظة : فهرس

موضوع : محمد(ص)، پیامبر اسلام، 53 قبل از هجرت - 11ق. -- رسالت سیاسی

المعرف المضاف: مؤسّسة المعارف الاسلامية

ترتيب الكونجرس: BP24/65/ی 7خ 8

تصنيف ديوي: 297/93

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 77-7274

ص: 1

اشارة

هوية الكتاب

إسم الكتاب :...خلاصة المواجهة مع الرسول وآله .

تأليف :...المحامي الاردني أحمد حسين يعقوب .

نشر:...مؤسسة المعارف الإسلامية

الطبعة : ...الأولى 1417ه-.ق

المطبعة :... قلم

العدد :...3000 نسخة

السعر : ...500 تومان

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

ص: 3

ص: 4

كلمة الناشر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المحامي أحمد حسين يعقوب ، المكثر الجيد ، الذي لم يفتأ يكتب كلما سنحت له الفرصة وكلما جادت به قريحته ، دفاعاً عن صاحب الدعوة السمحاء وأهل بيته الكرام، عليهم صلوات الرحمن ، وها هو اليوم يقدّم إلى التاريخ والانسانية كتاباً آخر يحوي المواجهة بين الخطين : خط الرسول وأهله ، والخط القبلي المناوىء له له ، والذي سار في غير المسار الذي رسمه صاحب الدعوة صلّى الله عليه وآله وساد حيناً من الدهر محرّفاً ومبدعاً .

حقائق تاريخية لا بد من معرفتها ومعرفة اتجاهاتها ، حتى لا نقع في تلك الأخطاء المستتبعة لسفك الدماء التي وقع فيها ثلة من أسلافنا ، ولأن معرفة حركة التاريخ ، مقدمة ضرورية لمعرفة الاسلام المحمَّدي الخالص ، والبحث في تلك الحقائق التاريخية التي تحوي المواجهة السياسية بين الخطين ، لا مناص له ، إذ لا يمكننا تجاهل تلك الأحداث أو التغافل عنها ، فنحن نحتاج إلى معرفة الخ--ط الأصيل، في حياتنا اليومية وفي معاشراتنا الاجتماعية وفي عباداتنا ومعاملاتنا وحتى خلوتنا ومناجاتنا مع ربّ العالمين ، وان الكتاب الحاضر الذي يرسم لنا صورة مبدعة عن تلك المواجهة المستمرة في أسلوب استدلالي متأدب ، قلما نجده في غيره ؛ فلنطالعه بتمعّن وتدبّر .

سلمت يداك أيُّها الكاتب القدير المؤيَّد من الله ووفقك أكثر مما مضى لتدافع عن الاسلام المحمدي الخالص وتزيل عن التاريخ الزبد والشوائب.

« فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ »

مؤسّسة المعارف الاسلامية

ص: 5

ص: 6

تقديم

بقلم : حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي الكوراني

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين

الطاهرين.. وبعد ،

فإن البحث في سيرة الأنبياء صلوات الله عليهم يتوقف على فهم طبيعة عملهم

ومهمتهم التي كلفوا بها ، وفهم أسلوب تعاملهم الذي أمروا به...

فالمسألة ترجع إلى فهم هدف الله تعالى الذي أراده من بعثة أنبيائه ، وفَهمَهُم إياه،

وعَلَّمَهُم أساليب العمل له.

فهل أراد الله تعالى من مشروع بعثة الأنبياء أن يفرض رسالتهم وحكمهم على الناس ؟

كلا .. فلو شاء ذلك لفرضه في نصف يوم ، أو فرضه من يوم أنزل آدم على الأرض فخالفه ولده قابيل ووقف في وجه أبيه ، وحسد أخاه هابيل وقتله ، ثم شكل مع إبليس جبهة مضادةً لأبيه وإخوته وربه ..!

ولكن الله تعالى يريد أن يتقبل الناس بإرادتهم واختيارهم رسالة الأنبياء ، وأن يقيموا حياتهم بإرادتهم واختيارهم على مبادئها .. فإن لم يقبلوا ذلك فلا ضرر ، لأن واجب الأنبياء إيصال الرسالة وإقامة الحجة لا غير.. ثم لا غير.

إن هدف إقامة الحجة على العباد ، وإبقاءها قائمةً حية في الأجيال لمن يريد أن يفهم ويستقيم.. هو المحور الأساسي لعمل الأنبياء ، والمحور الأساسي لفهم عملهم، صلوات الله وسلامه عليهم .

ص: 7

على هذا الأساس يجب أن ندرس سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، وبتعبير أدق : العمل الرباني الذي أشرق على أرضنا لمدة ثلاث وعشرين سنة .. فقد كان هدف الرسول أن يقيم لربه الحجة على الناس ، وأن تتمثل هذه الحجة بوجود أمة في مقابل الأمم المشركة وأمم أهل الكتاب .. وكان هدفه أن يقيم الحج-ة داخ-ل ه-ذه الأمة ، بكتاب الله وسنته ، ثم هو غير مسؤول إذا أطاعته أمته ، أو عصته وانحرفت .

وقد بيّن صلى الله عليه وآله وسلم أن واجبه الذي كلفه الله به يتكون من ركنين : مداراة الناس وتبليغ الرسالة ) أمرت أن أبلغ رسالة ربي وأن أداري الناس ) فالرسالة يجب أن يبلغها كاملة مهما قيل عنه ، وعنها . والناس لابد أن يداريهم ويراعيه مراعاة كاملةً ، ولا يجرح منهم شعور أحد إلا إذا أمره الله يجرحه ، ولا يكسر منهم أحداً إلا من أمره الله بكسره .

ومعنى ذلك أن عمله صلى الله عليه وآله يقوم على الحَدّيَّة في تبليغ النظرية وعلى المرونة مع الناس في تطبيقها ، وحتى في قبولها.

ففي المجال الخارجي بلغ رسالة ربه كاملةً قويةً واضحة لغير المسلمين ، وفي نفس

الوقت أعلن مبدأ التعايش السلمي مع أهل الكتاب ، إلا إذا هم بدؤوا العدوان وفي المجال الداخلي بلغ رسالة ربه كاملة ، وقاتل الناس كما أمره ربه حتى يعلنوا الشهادتين، فإذا أعلنوها ولو طمعاً ونفاقاً ورياءً .. فقد عصموا منه دماءهم وأموالهم وصاروا جزء من الأمة التي أمره ربه بإنشائها .

وهذا يعني أنه صلى الله عليه وآله مأمور أن ينشيء من الجزيرة العربية سفينة كبيرة ويملأها بكل من يعلن الشهادتين ثم يطلقها في بحر العالم .. أما من يكون في هذه السفينة..؟ وأما كيف ستجري من بعده ..؟ فهو ليس مسؤولاً عملياً ، إنما عليه أن يبين النظرية كاملة إلى أبعد الحدود، ويكون مرناً في التطبيق الى أبعد الحدود.

لهذا السبب كان النبي صلى الله عليه وآله يقبل من الناس مجرد النطق بالشهادتين، حتى أنه قبل إسلام طغاة العرب وقادة الأحزاب من قريش الذين ما تركوا وسيلة إلا

ص: 8

حاربوه بها ، والذين سماهم الله تعالى فراعنة بقوله ( إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً .. ) والذين أمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم (.. ولا أنتم عابدون ما أعبد ) !

قبل منهم إسلامهم ولو تحت حد السيف ، وعفا عنهم ، وأشركهم في مناصب دولته ، وأعطاهم من غنائم ثقيف وحرم غيرهم من خيار المسلمين إنه يريد لهذه السفينة أن تمتليء وأن تجري في بحر العالم ..

وقد ارتاح قادة قريش لهذه السياسة وتنفسوا الصعداء بعد فتح مكة .. فماذا يريدون من محمد الذي ما كانوا يسمونه إلا ( ابن أبي كبشة ) ؟ لقد أخضع لهم جزيرة العرب وهدد بجيشه الروم، وهاهم محترمون عنده شركاء في سلطانه ! مع أنهم لو غلبوه وانتصروا عليه وقضوا على زعامة بني هاشم ، لما كان سلطانهم أوسع من قريش ! .

لقد تحولت عداوة زعماء قريش للنبي صلى الله عليه وآله إلى إعجاب وتعجب وطمع ، وهدأ في نفوسهم غليان الحقد ، وغفروا لمحمد ما تقدم من ذنبه ، بل غفروا له ما قد يرتكبه فيما بقي من عمره ، بعد أن جاء لقريش بهذا الملك العريض ! وصار محمد الإبن البار لقريش وصار إسمه ( النبي محمد بن عبد الله ) وصار بنو هاشم معدن النبوة في قريش .. وهذا هو المعنى الثاني لقوله تعالى ( إنا فتحنا لك فتحاً مبينا .. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر .. )

لقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وآله أن يجمع بين الحدية في النظرية والمرونة في التطبيق ، بشكل لا مثيل له في تاريخ البشرية .. وأن يبلغ ربه رسالة بحلوها ومرها على قريش، وأن يداري قبائل قريش وبقية قبائل العرب مداراة اقتصرت على الحد الأدنى من القتلى ، حيث لم يصل الذين قتلوا بسبب نبوته من الطرفين الى ست مائة شخص !

بل استطاع أن يجذب إليه زعماءهم جميعاً ويجمعهم تحت راية الإسلام ، ويتجه بهم نحو الخارج باتجاه الروم والعالم ..

ص: 9

هذه هو الخط العام لسيرته صلى الله عليه وآله .. وفيها مجموعات من الأحداث وأنواع من الفعاليات النبوية والفعاليات المضادة .. وكلها تحتاج إلى فهم عميقٍ يستطلع مرامي النبوة ، وذهن نافذ يلتقط إشاراتها ، وروح شفافة ترى أنوارها ..

إن سيرة النبي صلى الله عليه وآله ، قد استُكْمِلت جمعاً وتوثيقاً بقدر الإمكان والظروف .. ولكنها لم تستكمل بحثاً وتحليلاً ، سواء من الباحثين السابقين أو المعاصرين .. فكم ترك الأول للآخر من هذا المعين الإلهي ، الذي لا ينضبه المغترفون ، عبرالأجيال والقرون !

* *

وقضية بني هاشم في سيرة النبي صلى الله عليه وآله قضية كبيرة .. ولكن الباحث لا يرغب عادة في بحثها ، لأنها تتصل بمذاهب المسلمين التي يتعصبون لها، وتتصل بصحابة النبي صلى الله عليه وآله ، خاصة زعماء قريش منهم ، وما يقال من أنهم خططوا ضد بني هاشم لينتزعوا منهم سلطة النبي بعد وفاته !

فالمسألة تبدو في بعدها الأول نزاع بين عشيرة هاشم وبقية عشائر قريش.. ورضي الله عن الجميع . وفي بعدها الآخر محاكمة بين المذاهب السنية والمذهب الشيعي ووفق الله الجميع .

ولكن هل يصح تناول قضايا السيرة بهذا التبسيط ؟

لقد كذبت قريش بالنبوة وقالت إنها مسألة شخصية أراد محمد منها أن يفرض

زعامة بني هاشم على قريش والعرب .. ثم تبين لكل ذي عينين وحتى للعميان أنها قضية الهدى الإلهي في مقابل الضلال البشري.

ثم قالت قريش نفس المقولة عن أهل بيت النبي من بعده صلى الله عليه وآله ، وفرضت رأيها على مجرى التاريخ وأبعدت آل النبي عن الحكم ، وحاصرتهم ، وقتلتهم . . واستعملت كل الفنون في تأويل آيات القرآن وأحاديث النبي حول أهل

بيته وعترته .. !

ص: 10

فهل كان عملها هو الحق الذي لا غبار عليه ، أم أن في المسألة ما فيها ؟

إنها مسألة أساسية وحيوية ، تستحق من الباحث بذل الوقت والجهد، ومن القاريء سعة الصدر وتحمل النتائج . . والأمر المركزي فيها : هل أن الله تعالى أعطى موقع القيادة بعد محمد لآل محمد ، وقال له بلغ الناس ذلك، فإن لم يقبلوا فما عليك إلا البلاغ ؟

وهل أخبر النبي صلى الله عليه وآله أمته أن المشروع الإلهي للإسلام سوف يبلغ أوجه ببني هاشم كما بدأ بهم ( المهدي منا أهل البيت ) المهدي منا أهل البيت ... بنا بدأ الله وبنا يختم ... إلى آخر الأسئلة التي يفرضها بحث هذه المسألة الحيوية.

لقد اختار الباحث الأستاذ أحمد حسين يعقوب أن يدخل في رحاب هذه القضية ، ويتتبع مواجهة قريش للنبي صلى الله عليه وآله ، الساخنة منها والباردة ، ليخلص إلى أن مواجهة قريش مع آل محمد هي استمرار لمواجهتهم مع محمد نفسه صلى الله علي-ه

وآله.

ولئن كان هذا البحث ثقيلاً ، وكانت نتيجته صعبة القبول ، فإن الأستاذ يعقوب

ساعد القاريء بأسلوبه الهاديء ومحاكماته الرصينة ، وفتح الباب لكشف جديد في سيرة أعظم نبوة ، ونبه الى ضرورة قراءتها في عصرنا من جديد ، وكشف حقائقها حتى لو كانت حُلْوَةً عند هؤلاء ومُرَّةً عند أولئك ..

فمتى كان يجب أن تكون الحقيقة دائماً حلوة ..؟

ومتى كانت حقائق حياة النبي وسيرته مرةً عند عاشقيه ..؟

في العاشر من جمادى الأولى 1417

الحوزة العلمية بقم المشرفة علي الكوراني العاملي

ص: 11

ص: 12

الباب الأول : المواجهة قبل الهجرة

اشارة

ص: 13

ص: 14

الفصل الأول : انتشار نبأ النبوة والولاية

1 - بعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية ، تلقى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أمراً إلهياً بإعلان دعوته رسمياً والبدء بعشيرته الأقربين، فبدأ بالهاشميين وجمعهم في بيته وأطلعهم على النبأ العظيم ، وعيّن في هذا الإجتماع - بأمر من ربه - عليا بن أبي طالب وليا لعهده ، وانفض الاجتماع عن إعلان عميد البيت الهاشمي أبو طالب قرار البيت الهاشمي بحماية النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وعدم تسليمه.

وتمثلت الخطوة الثانية بصعود النبي صلى الله عليه وآله وسلّم على الصفا ومناداته بطون قريش الذين كانوا يجتمعون دائماً حول الكعبة ، وإعلامه إياهم بنبأ النبوة(1).

وبهذا أحيطت بطون قريش وأهل مكة عامة بخبر النبوة والولاية في وقت واحد ، وإن كان النبأ العظيم (نبأ النبوة ) قد طغى على نبأ الولاية.

وقد كان النبي وولي عهده متلازمين طيلة مرحلة الدعوة العلنية في مكة ، التي استمرت عشر سنين ، كانا يسكنان معاً في بيت النبي ، ويسيران معاً ، ويصليان معاً ، بنحو أدى إلى ربط نبوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم بإمامة علي عليه السلام في أذهان أهل مكة.

سئل قثم بن العباس : كيف ورث علي رسول الله دونكم ؟ فقال : كان أولنا به لحوقاً ، وأشهرنا به لصوقاً (2) . وقال الإمام علي عليه السلام واصفاً علاقته بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم في تلك الفترة : ( كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي كل يوم من أخلاقه ويأمرني بالإقتداء به ، وكنت في

ص: 15


1- سيرة الرسول وأهل بيته ، لجنة التأليف في مؤسسة البلاغ : 1 / 58 - 60
2- خصائص النسائي : 108 ، تهذيب التهذيب : 23 / 112 ، مستدرك الحاكم : 3 / 125 . 3

حراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ) (1).

2 - ونظراً لأهمية ولاية العهد ، عمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلى توكيدها بنحو متواصل ، على إمتداد مرحلتي الدعوة والدولة الإسلامية ، فصدرت عنه نصوص كثيرة متوالية تثبت إمامة علي عليه السلام وولايته على المسلمين ، فسجل منها النصوص التالية : قوله صلى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه السلام : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) (2)قوله له أيضا : ( أنت ولي كل مؤمن من بعدي )(3). . قوله صلى الله عليه وآله وسلّم للمسلمين : ( إن لعلي أكثر من الجارية ، إنه وليك-م م-ن بع-دي )(4).

قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( من يريد أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي ، فليتول علياً بن أبي طالب ، فإن-ه ل-ن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ) (5). قوله صلى الله عليه وآله وسلّم ( أوصى من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب ، فم-ن ت-ولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله ، ومن أحبه فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله )(6).

وأخيراً أعلن في حجة الوداع أمام جمع يزيد على مئة ألف مسلم ولاية علي وإمامته للمسلمين من بعده ، فقام المسلمون بتهنئة علي عليه السلام وعلى رأسهم أبو بكر وعمر (7).

3- النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم يتبع ما يوحى إليه من ا الله عز وجل ،« إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ » (8) ، «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى .إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(9).

، وعندما أعلن أن علياً عليه السلام ولي عهده والخلفية من بعده بمئات النصوص الشرعية ، لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه ، وإنما فعله بياناً للتوجيهات الإلهية ، بل هناك بعض النصوص يصرح فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بأن ما يبلغه للمسلمين بشأن مكانة علي ومنزلته ، إنما هو وحي من الله عزوجل ومن نماذج ذلك : قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( إن الله

ص: 16


1- نهج البلاغة : 300 - 301
2- صحيح البخاري : 5 / 24 ، صحیح مسلم : 4 / 1870 ح 31 ، صحيح الترمذي : 5 / 641 ، مسند أحمد : 1 / 179 ، مستدرك الحاكم : 2 / 337 ، تاريخ الطبري : 3 / 104 ، تاریخ دمشق لابن عساكر : 1 / 306 -394
3- مسند أحمد : 1 / 331 ، الإصابه لابن حجر : 2 / 509 ، ينابيع المودة للقندوزي : 55 ، 182 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : 64 ، مستدرك الحاكم : 3 / 134 ، تاریخ دمشق لابن عساكر : 1 / 399 وما بعدها
4- صحيح الترمذي : 5 / 632 ، خصائص النسائي : 97 ، مناقب الخوارزمي : 92 ، الإصابة لابن حجر : 2 / 509 ، حلية الأولياء : 6 / 294 ، أسد الغابة لابن الأثير : 4 / 27 ، مصابيح السنة للبغوي: 4 / 172 4766 ، ينابيع المودة : 53 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي : 36 ، وغيرها ..
5- حلمية الأولياء : 4 / 349 ، مجمع الزوائد للهيثمي : 9 / 108 ، تاریخ دمشق لابن عساكر : 2 / 99 : ح 605
6- تاريخ دمشق : 22 / 94 ح 098 ، المناقب لابن المغازلي : 230 ، مجمع الزوائد : 9 / 108 ، منتخب لکنز بهامش مسند احمد : 0 / 32 ، ينابيع المودة : 282 ، فضائل الخمسة : 2 / 230 / 230 و 236
7- تاریخ دمشق : 47/22 - 48 وص 76 575 - 578 ، المناقب للخوارزمي : 94 ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 8 / 290 ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 1 / 158
8- الأحقاف : 9
9- النجم : 3 - 4

أوحى إلي في علي ثلاثاً : إنه سيد المسلمين ، وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين)(1). قوله صلى الله عليه وآله وسلّم : ( إن الله عهد إلي في علي عهداً)(2). قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( يا معشر الأنصار ، ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي ، فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل )(3) .

إن النصوص على ولاية علي عليه السلام من الكثرة بنحو يصعب إنكارها ، ومن الوضوح والصراحة بشكل يصعب تأويلها ، فقد وصفه النبي بأنه خليفته ، وأنه ولي المسلمين ، وأمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وأنه المبين للدين من بعده ، وأنّ طاعته طاعة النبي ، ومعصيته معصية للنبي .... فهي نصوص تشكل شبكة محكمة وإطاراً متيناً لإثبات الإمامة ، بنحو لا يمكن الخروج عنها دون الخروج عن الدين نفسه وإننا لنجد البعض ممن يضيقون ذرعاً بهذه النصوص ، يعمدون إلى حذفها من الكتب إمعاناً منهم في التعتيم على الحقيقة ، واستغفالاً للمسلمين . ففي كتاب حياة محمد لمحمد حسين هيكل ص 104 الطبعة الأولى ذكر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : ( إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ) ، لكنه حذف من الطبعة الثانية وما بعدها . وفي تفسير الطبري ج 19 ص 121 طبعة مصطفى البابي الحلبي استبدلوا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : ( إن هذا أخي ووصيي وخليفتي ) بجملة : ( إن هذا أخي : وكذا وكذا ) ، مع أن الطبري نفسه ذكر النص بكامله أيضا في تاريخه ج 2 ص 319-321.

ص: 17


1- مناقب المغازلي : 104 و 105 ، مستدرك الحاكم 3 : 137 ، مجمع الزوائد 9 / 121 ، ذكر أخبار اصفهان : 2 / 229
2- تاریخ دمشق : 12 / 229 ح 742 ، لسان الميزان : 6 / 237 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 9 / 168 ، حلية الأولياء : 1 / 66 ، ينابيع المودة : 312 ، المناقب لابن المغازلي : 46 ح 69 .
3- حلية الأولياء : 1 / 63 ، مستدرك الحاكم : 3 / 124 ، تاریخ دمشق 2 / 261 - 265 ، المناقب للخوازمي : 226 ، ينابيع المودة : 313

الهوامش :

(1) سيرة الرسول وأهل بيته ، لجنة التأليف في مؤسسة البلاغ : 1 / 58 - 60 .

(2) خصائص النسائي : 108 ، تهذيب التهذيب : 23 / 112 ، مستدرك الحاكم : 3 / 125

(3) نهج البلاغة : 300 - 301

(4) صحيح البخاري : 5 / 24 ، صحیح مسلم : 4 / 1870 ح 31 ، صحيح الترمذي : 5 / 641 ، مسند أحمد : 1 / 179 ، مستدرك الحاكم : 2 / 337 ، تاريخ الطبري : 3 / 104 ، تاریخ دمشق لابن عساكر : 1 / 306 - 394 .

(5) مسند أحمد : 1 / 331 ، الإصابه لابن حجر : 2 / 509 ، ينابيع المودة للقندوزي : 55 ، 182 ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : 64 ، مستدرك الحاكم : 3 / 134 ، تاریخ دمشق لابن عساكر : 1 / 399 وما بعدها .

(6) صحيح الترمذي : 5 / 632 ، خصائص النسائي : 97 ، مناقب الخوارزمي : 92 ، الإصابة لابن حجر : 2 / 509 ، حلية الأولياء : 6 / 294 ، أسد الغابة لابن الأثير : 4 / 27 ، مصابيح السنة للبغوي: 4 / 172 4766 ، ينابيع المودة : 53 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي : 36 ، وغيرها ..

(7) حلمية الأولياء : 4 / 349 ، مجمع الزوائد للهيثمي : 9 / 108 ، تاریخ دمشق لابن عساكر : 2 / 99 : 172 ح 605

(8) تاريخ دمشق : 22 / 94 ح 098 ، المناقب لابن المغازلي : 230 ، مجمع الزوائد : 9 / 108 ، منتخب لکنز بهامش مسند احمد : 0 / 32 ، ينابيع المودة : 282 ، فضائل الخمسة : 2 / 230 / 230 و 236.

(9) تاریخ دمشق : 47/22 - 48 وص 76 575 - 578 ، المناقب للخوارزمي : 94 ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 8 / 290 ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 1 / 158

(10) الأحقاف : 9.

(11) النجم : 3 - 4.

(12) مناقب المغازلي : 104 و 105 ، مستدرك الحاكم 3 : 137 ، مجمع الزوائد 9 / 121 ، ذكر أخبار اصفهان : 2 / 229

(13) تاریخ دمشق : 12 / 229 ح 742 ، لسان الميزان : 6 / 237 ، شرح النهج لابن أبي الحديد : 9 / 168 ، حلية الأولياء : 1 / 66 ، ينابيع المودة : 312 ، المناقب لابن المغازلي : 46 ح 69 .

(14) حلية الأولياء : 1 / 63 ، مستدرك الحاكم : 3 / 124 ، تاریخ دمشق 2 / 261 - 265 ، المناقب للخوازمي : 226 ، ينابيع المودة : 313.

ص: 18

الفصل الثاني : موقف بطون قريش من نبأ النبوة والولاية

1 - كانت زعامة مكة قد آلت إلى بطون قبيلة قريش ، التي تتألف من 25 بطناً (1) ، وكان أشرف البطون إطلاقاً أولاد عبد مناف ( بنو هاش-م ، ب-ن-و المطلب ، بنو عبد شمس ، بنو نوفل )(2) ، وقد تقاسمت هذه البطون مناصب الشرف ، فاختص الهاشميون بالسقاية والرفادة ، وهو من أخطر المناصب آنذاك وأكثرها كلفة ، واختص بنو عبد الدار باللواء ، وهو رمز لوحدة قريش ، واختص بنو عبد شمس بالقيادة التي آلت إلى أبي سفيان والد معاوية.

2 - هاشم أول من سن رحلتي الشتاء والصيف ، وفي السنين العجاف لم يكن لمكة غير هاشم يطعم الناس ويشبعهم ، وكان يحمل ابن السبيل ويؤمن الخائف وينهى عن أكل الحرام، ويجالس الملوك ، فكثيراً ما دخل على النجاشي وقيصر وأكرماه ، مما جعله قائداً فعلياً لمكة ، الأمر الذي آثار حسد أمية واعتبره خطراً يهدد حصته في القيادة(3) . وخلف هاشماً ابنه عبد المطلب الذي كان متخلقاً بأخلاق أبيه ، فنهى عن الظلم والبغي ، وحث على الوفاء بالنذر ، ومنع نكاح المحارم، ونهى عن وأد البنات ، وحرم الخمر والزنا ، وكانت رؤياه حقاً ودعاؤه مستجاباً ، وكان يفي بالعقود ولا يظلم ولا يغدر ، ويحرّم أكل الميتة (4) كانت تلك الصفات والمزايا العالية تجعل من صاحبها زعيماً وقائداً فعلياً ، الأمر الذي أثار حسد البطون ووساوسها ، وبدأت تشعر بالقلق من هذا التميّز الهاشمي، وكان أبو سفيان أكثرها قلقاً ، وقد سمع خلال أسفاره أن نبياً سوف يظهر من بني عبد مناف ، فقدر أنه ليس فيهم من هو أجدر بالنبوة منه (5)، لأنه وارث الحق بالقيادة ، فارتاح لهذا الوهم ، وترقب أن يصبح نبياً ، فيرغم أنوف بني هاشم بنبوته ، ويضع حدا لتميزهم .

ص: 19


1- مروج الذهب للمسعودي : 2 / 275 - 276
2- طبقات ابن سعد : 1 / 77
3- السيرة الحلبية : 1 / 7 ، طبقات ابن سعد : 1 / 76 - 78
4- تاريخ الطبري: 246/22 - 254 ، السير الحلبية: 10/1 ، طبقات ابن سعد: 82،81/1 ، 84 ، 85 .
5- السيرة الحلبية : 1 / 461

3 - بدأت الإشاعات تتسرب عن النبوة خلال المرحلة السرية للدعوة ، وتناهى إلى الاسماع أنّ ( فتى عبد المطلب يكلم من السماء ) فاستبعد أبو سفيان وبطون قريش صحة هذه الإشاعات ، واستثقلت نفوسهم أن يتبعوا هذا الغلام(1) . ولكن سرعان ما تسربت وقائع الإجتماع الهاشمي في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ونباً تعيين ولي العهد(2)، ليعقب ذلك صعود النبي صلى الله عليه وآله وسلّم على الصفا ، وإعلانه النبوة على الملأ من قريش ، ثم يتوجه هو وأصحابه عبر طرق مكه معلنين إنتماءهم للدين الجديد(3).

4 - قدرت بطون قريش عامة وأبو سفيان خاصة أنهم المتضررون من هذا الدين الجديد ، وأن النبوة موجهة ضدهم بالذات، وأن غايتها إبدال زعامة البطون بزعامة محمد والهاشميين وحدهم ، وهذا ما يعبر عن-ه ج-واب أبي جهل حينما سأله أبو شريف : (أترى محمداً يكذب ؟ فقال له أبو جهل : كيف يكذب على الله ، وقد كنا نسميه الأمين لأنه ما كذب قط، ولكن إذا اجتمعت في بني عبد مناف السقاية والرفادة والمشورة ، ثم تكون فيهم النبوة ، فأي شيء يبقى لنا ؟ وكان أبو سفيان يقول : ( كنا وبني هاشم كفرسي رهان كلما جاؤا بشيء جئنا بشيء مقابل ، حتى جاء منهم من يدعى بخبر السماء ، فأنى نأتيهم بذلك )(4). لقد قدرت البطون خطاً أن تغيير عقيدة الشرك واستبدالها بالعقيدة الإسلامية يستتبع إلغاء الصيغة السياسية السائدة في مكة آنذاك والقائمة على اقتسام مناصب الشرف بين بطون قريش ، ويجعلها حكراً للبيت الهاشمي ، وفي ذلك إجحاف بحق البطون على حد تعبير عمر بن الخطاب فيما بعد (5).

5 - كان البطن الأموي بقياده أبي سفيان أكثر البطون القرشية معاداة للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وللهاشميين ، وذلك لأن دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم تعني فقدان هذا البطن لمنصب القيادة ، وقد شكلت البطون بقيادة أبي سفيان جبهة لمعارضة النبي وآل النبي ، واستخدموا كل وسائل المعارضة ، و آذوه بكل أنواع الأذى ، وصدوا عن سبيل الله بكل أساليب الصد ، ثم تآمروا

ص: 20


1- السيرة الحلبية : 1 / 461
2- تاريخ الطبري : 12 / 320 - 321 ، الكامل في التاريخ : 2 / 62 ، تاريخ دمشق 1 / 97 و 98 ح 134 و 135 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 210
3- تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 ، طبقات ابن 24 ، طبقات ابن سعد : 1 / 200 ، سيرة الرسول وأهل بيته مؤسسة البلاغ1 / 60
4- نقله الحسيني في كتابه لقد شيعني الحسين : 106 ، السيرة الحلبية : 1 / 497
5- شرح نهج البلاغه105/2،الکامل فی التاریخ لابن الاثیر:24/2.مروج الذهب المسعودی:236/2-238

على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم (1) ، وشرعوا في تنفيذ جريمتهم (2)،ولكن الله نجى نبيه . هاجر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مُكرهاً من مكة إلى المدينة ، وكوَّن قاعدة دولته ، فقامت بطون قريش بتجييش الجيوش بقيادة البطن الأموي ، وحاربت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا هوادة طيلة ثمان سنين من أصل عشر سنين ( عمر دولة النبي المباركة ) ، فكانت نتيجة هذه الحروب أن أحاط الله بهم وأمكن نبيه بهم وأمكن نبيه منهم ، فدخل مكة فاتحاً ، ولم يبق أمامهم إلا القتل أو الإسلام ، فأسلموا مكرهين بعد أن غلبوا على أمرهم ، وعفى النبي الكريم عنهم وسماهم الطلقاء بعد أن تمكن منهم ، وقال لهم : ( إذهبوا فانتم الطلقاء)(3). لقد ألقوا السيوف مكرهين راغمين ، ولكنهم ظلوا يعيشون الحقد والحسد على النبي وبني هاشم ، ويتحينون الفرصة لإعادة التوازن بين البطون ، الذي اختل برأيهم بالنبوة الهاشمية ، وأخذوا يعملون في الخفاء لتعديل الترتيبات الإلهية بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم (4).

ص: 21


1- طبقات ابن سعد : 1 / 202 - 203 ، السيرة الحلبية : 1 / 462 - 463
2- سيرة ابن هشام : 2 / 126 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 - 25
3- الكامل في التاريخ لابن الأثير : 2 / 252
4- راجع كتابنا الخطط السياسية : 150 - 500 للاطلاع على منهج بطون قريش لتعديل الترتيبات الالهية.

الهوامش :

(1) مروج الذهب للمسعودي : 2 / 275 - 276

(2) طبقات ابن سعد : 1 / 77

(3) السيرة الحلبية : 1 / 7 ، طبقات ابن سعد : 1 / 76 - 78 .

(4) تاريخ الطبري: 246/22 - 254 ، السير الحلبية: 10/1 ، طبقات ابن سعد: 82،81/1 ، 84 ، 85 .

(5) و (6) السيرة الحلبية : 1 / 461

(7) تاريخ الطبري : 12 / 320 - 321 ، الكامل في التاريخ : 2 / 62 ، تاريخ دمشق 1 / 97 و 98 ح 134 و 135 ، شرح نهج البلاغة : 13 / 210 .

(8) تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 ، طبقات ابن 24 ، طبقات ابن سعد : 1 / 200 ، سيرة الرسول وأهل بيته مؤسسة البلاغ 1 / 60

(9) نقله الحسيني في كتابه لقد شيعني الحسين : 106 ، السيرة الحلبية : 1 / 497

(10) شرح نهج البلاغة 2 / 105 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 24/2 ، مروج الذهب للمسعودي: 2 / 236 - 238

(11) طبقات ابن سعد : 1 / 202 - 203 ، السيرة الحلبية : 1 / 462 - 463 .

(12) سيرة ابن هشام : 2 / 126 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 - 25 .

(13) الكامل في التاريخ لابن الأثير : 2 / 252 .

(14) راجع كتابنا الخطط السياسية : 150 - 500 للاطلاع على منهج بطون قريش لتعديل الترتيبات الالهية.

ص: 22

الفصل الثالث : بطون قريش ترفض النبوة

1 - ما أن أعلن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم نبوته رسمياً ، واختياره لولي عهده ، حتى وقفت قريش وقفة رجل واحد بقيادة البيت الأموي ، وأعلنت رفضها المطلق للنبوة والكتاب وولاية العهد ، وصرحت بأنها ستجند كل طاقاتها المادية والمعنوية لصد أهل مكة خاصة والعرب عامة عن اتباع محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والدخول في دينه ، وانقسم المجتمع المكي إلى قسمين(1):

الأول - وهو الأكثر عدداً ومدداً ظاهرياً ، ويتألف من ثلاثة ثلاثة وعشرين بطناً من بطون قريش ومن والاهم من الموالي والأحابيش .

الثاني - وهو الأقل عدداً ، ويتألف من رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ومن بطنه الهاشمي وبطن بني المطلب بن عبد مناف ، ومن والى هذين البطنين من الموالي والأحابيش ، مضافاً إليهم الذين اعتنقوا الدين الإسلامي.

2 - شنّ القسم الأول حملة نفسية وإعلامية مركزة ومنظمة على محمد صلى الله عليه وآله وسلّم والبطن الهاشمي ، وعلى الذين آمنوا بالدين الجديد ، من أجل عزلهم والتضييق عليهم وحملهم على ترك هذا الدين ، وأشاعوا الدعايات الكاذبة من أجل تشويه صورة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في أذهان الناس ، وادعوا أنه - حاشاه - مجنون أو شاعر أو كاذب أو كاهن ، وأن القرآن الذي جاء به أساطير الأولين.

أما النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقد مضى يبلغ رسالة ربه بإصرار لا يعرف التراجع أو المساومة ، وقال لعمه الذي راجعته بطون قريش ورجته أن يتدخل لدى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لكي يتوقف عن دعوته لقاء عروض

ص: 23


1- مروج الذهب للمسعودي : 1 / 282 - 283 ، الكامل في التاريخ : 2 : 60 - 63 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 107

مغرية : ( يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ، ما تركته )(1).

3 - كان موقف عمادة البطن الهاشمي - المتمثل آنذاك بأبي طالب - مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بموقف النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فها هوذا أبو طالب يقول باسم الهاشميين مخاطباً النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، ( يا ابن أخي ، إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا ، حتى نخرج معك بالسلاح ) (2).

وقال له في موقف آخر ، ( إذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبداً)(3). وعندما أشيع يوماً أن محمداً قد قتل ، وضع أبو طالب خطة لقتل كل سادات قريش دفعة واحدة ، فلما حضر محمد والفتية الهاشميون على وشك تنفيذ خطة أبي طالب ، أعلن أبو طالب تفاصيل خطته ، وكشف الفتيه الهاشميون عن سلاحهم (4)، فأدركت مشيخة بطون قريش الجد الهاشمي ، وأن أي اعتداء على محمد صلى الله عليه وآله وسلم من قبل البطون هو بمثابة إعلان حرب لن تضع أوزارها حتى يفنى الهاشميون والبطون معاً.

قررت البطون إستعمال كل الوسائل لعزل محمد عن الهاشميين ، فإن هم أصروا على عدم التخلي عنه ، فلابد من عزل الهاشميين أنفسهم عن البطون وفرض محاصرتهم ومقاطعتهم (5)، فإن لم تجد هذه الوسائل تعين على البطون أن تختار رجالاً منها يشتركون جميعاً في قتل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم فيضيع دمه بين البطون ، ولا يقوى الهاشميون على المطالبة بدمه ، وإن لم تنجح محاولة القتل ، وجب ملاحقة محمد أينما حل ، ومحاربته حتى يتم القضاء التام عليه وعلى دعوته (6).

ص: 24


1- السيرة الحلبية : 1 / 462 ، تاريخ الطبري : 2 / 326
2- تاريخ اليعقوبي : 2 / 27 - 28
3- السيرة الحلبية : 1 / 462 و 464 ، تاريخ الطبري : 2 / 326 ، سيرة ابن هشام : 1 / 285
4- طبقات ابن سعد : 202/1 - 203
5- طبقات ابن سعد : 1 / 208 - 209 ، سيرة ابن هشام : 1 / 284 - 285 ، عيون الأخبار لابن - قتيبة: 2 / 151 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 31 ، السيرة الحلبية : 2 / 25 ، تاريخ ابن كثير : 2 / 43 - 47
6- ونجد تطبيق هذا القرار في معارك بدر واحد والخندق

الهوامش :

(1) مروج الذهب للمسعودي : 1 / 282 - 283 ، الكامل في التاريخ : 1/ 282 - 283 ، الكامل في التاريخ : 2 : 60 - 63 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 107 .

(2) السيرة الحلبية : 1 / 462 ، تاريخ الطبري : 2 / 326

(3) تاريخ اليعقوبي : 2 / 27 - 28

(4) السيرة الحلبية : 1 / 462 و 464 ، تاريخ الطبري : 2 / 326 ، سيرة ابن هشام : 1 / 285 .

(5) طبقات ابن سعد : 202/1 - 203 .

(6) طبقات ابن سعد : 1 / 208 - 209 ، سيرة ابن هشام : 1 / 284 - 285 ، عيون الأخبار لابن - قتيبة: 2 / 151 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 31 ، السيرة الحلبية : 2 / 25 ، تاريخ ابن كثير : 2 / 43 - 47 .

(7) ونجد تطبيق هذا القرار في معارك بدر واحد والخندق.

ص: 25

الفصل الرابع

المواجهة بين جبهة الإيمان وجبهة الشرك

1 - أصبحت المواجهة بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والهاشميين من جهة وبين بقية بطون قريش قدراً محتوما ، اتخذت في المرحلة الأولى طابع الحرب الباردة ، والمواجهة النفسية والإعلامية ، وذلك أن البطون أدركت أن عملية قتل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ستكون باهظة التكاليف ، وقد لا تنتهي إلا بدمار الطرفين ، بل هذا ما صرح به أبو طالب حامي النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إذ قال للبطون : ( والله لوقتلتموه ، ما أبقيت منكم أحداً حتى نتف-ان-ي نحن وأنتم ) (1).

2 - كان النبي محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم هو القائد العام لجبهة الإيمان ، وقد استعان بصفوة من أتباعه ليكونوا أركاناً لقيادته ،وهم:

أولاً - ولي عهده والإمام من بعده علي بن أبي طالب عليه السلام ، الذي عينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الله ولياً لعهده ، وأعلن ذلك مع إعلانه للنبوة ، وطلب من الهاشميين وبني المطلب - وهم العمود الفقري لجبهة الإيمان - أن يسمعوا لعلي ويطيعوه ، وكان من بين الحضور والده أبو طالب (2).

واقتضت حكمة الله تعالى أن يكفل النبي علياً في صغره ، ليعيش في كنف النبي صلى الله عليه وآله وسلّم واحداً من أفراد أسرته(3) ، وأن يبقى ملازماً للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يفارقه حتى ودع النبي هذه الدنيا الفانية ، وذلك لكي يصنعه النبي على عينه ويعده الخلافته . أمره النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أن ينام في فراشه ليلة هجرته ليوهم المتآمرين على قتل النبي أن النائم هو النبي وليس علياً(4)، ويوفر بذلك الوقت الكافي للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ص: 26


1- الطبقات الكبري لابن سعد : 1 / 203
2- تاريخ الطبري : 2 / 319 - 320 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 2 / 62
3- تجد توثيق ذلك في كتابنا : نظرية عدالة الصحابة : 222 - 225
4- تاريخ اليعقوبي : 2 / 39 ، سيرة ابن هشام : 2 / 126 ، مستدرك الحاكم : 3 / 4 ، تاريخ الطبري: 2 / 372 ، الكامل في التاريخ : 2 / 103

للابتعاد عن المشركين وكلفه أن يؤدي الأمانات إلى أهلها بعد هجرته (1) ، وأن يتولى عملية ترحيل عائلة الرسول من مكة إلى المدينة.

في أول معركة بين الكفر والإيمان بعد الهجرة ، كلفه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يخرج مع حمزة وعبيدة بن الحارث لمبارزة صناديد قريش دفاعاً عن الحق (2) . وفي كل معارك الإيمان مع الشرك ، كانت الراية بيد علي(3)، وقد فرّ الجميع ولم يفر، وتقدم في مواطن عجز الجميع أن يصلوا إليها (4)، وحقق النصر في معارك عجز الجميع عن تحقيقه (5). وفي حجة الوداع ، نصبه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم رسمياً إماماً وولياً للمؤمنين من بعده (6)، وأمر المؤمنين أن يقدموا له التهاني بذلك ، ففعلوا وعلى رأسهم أبو بكر وعمر(7).

ثانياً - أبو طالب (عبد مناف بن عبد المطلب ) ، وهو والد الإمام علي : وعم الرسول الشقيق لوالده ، كفل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد وفاة جده ، وضمه إلى أولاده، ورباه في كنفه حتى تزوج فاستقل عنه(8) . وأبو طالب هو الذي شجع الهاشميين والمطلبيين على حضور أول اجتماع سياسي في دار النبي ، وتصدى لخصومه في ذلك الإجتماع ولجمهم (9) ، وأرسى قواعد تأييد الهاشميين والمطلبيين وحمايتهم للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (10) وأعلن أمام بطون قريش أنها إذا قتلت محمدا فإن الهاشميين والمطلبيين سيقاتلون البطون وشجع بنيه على التضحية بأرواحهم فداءً لمحمد صلّى الله الفناء التام (11) حتى عليه وآله وسلّم (12)، وكان يقوم بنقل النبي من فراش إلى آخر ليلياً عدة مرات أثناء الحصار خوفاً على حياته(13) وكان الناطق الرسمي بإسم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما أكلت دابة الأرض صحيفة المقاطعة ، وقاد عملية الرجوع من الشعب إلى مكة بعد انتهاء حصار المشركين للمسلمين في شعب أبي طالب(14). ومن هنا نفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : ( ما نالت مني قريش حتى مات أبو طالب ( ، وتسميته العام الذي مات فيه أبو طالب وخديجة ( عام الحزن ) (15) وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن وفاتهما:

ص: 27


1- سيرة الرسول وأهل بيته ، مؤسسة البلاغ : 1 / 112
2- المغازي للواقدي : 1 / 68
3- مستدرك الصحيحين : 3 / 111 و 137 ، طبقات ابن سعد : 2 / 106 ، مسند ابن حنبل : 1 / 368 ، اسد الغابة : 4 / 20 ، مجمع الزوائد للهيثمي : 5 / 321 ، سنن البيهقي : 6 / 207 ، كنز العمال : 13 / 136 ح 36427 ، الرياض النظرة للطبري : 3 / 156 ، الصواعق المحرقة : 76
4- ذخائر العقبى للطبري : 72 ، الامامة والسياسة لابن قتيبة : 97 ، الاستيعاب لابن عبد البر : 3 / 1090 ، الاصابة لابن حجر : 2 / 507 ، كنز العمال : 2 / 154 و 13 / 120 - 121
5- اسد الغابة : 4 / 20 الرياض النضرة للطبري: 2 / 204 - 200 ، مسند أحمد: 6 /8 ، تاريخ الطبري: 3/ 13 ، تاریخ بغداد 11 / 324 ، كنز العمال: 6 / 398 ، الاستيعاب : 3 / 1096 - 1097 .
6- تجد توثيق ذلك في كتابنا : نظرية عدالة الصحابة : 247 وما بعدها
7- تاریخ دمشق : 2 / 47 - 52 ح 548 - 550 ، مسند أحمد : 4 / 281 ، فضائل الخمسة : 1 / 432 - 433 ، تاريخ الاسلام للذهبي : 3 / 632 - 633 ، البداية والنهاية : 5 / 210
8- سيرة الرسول وأهل بيته : 1 / 29
9- الكامل في التاريخ : 2 / 62 ، وتعليل العلامة الأميني في غديره : 7 / 352
10- طبقات ابن سعد : 1 / 203
11- السيرة الحلبية : 1 / 304 ، طبقات ابن سعد : 1 / 203
12- سيرة ابن هشام : 1 / 264 ، تاريخ الطبري : 2 / 214 ، الاصابة لابن حجر : 4 / 116 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 64 ، اسد الغابة : 1 / 287
13- رواه ابن كثير : 22 / 44 ، ونقله عنه الأميني في كتابه الغدير : 7 / 363
14- الكامل في التاريخ : 2 / 87 - 90 ، ونقله عنه 2 90 ، ونقله عنه الأميني في كتابه الغدير : 7 / 363
15- الكامل في التاريخ : 2 / 91

( اجتمعت على هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان ، لا أدري بأيهما أنا أشد جزعاً) (1) ومما يثير الدهشة ، أن السلطة التي قبضت على مقاليد الأمور بالقوة بعدئذ ، وسيطرت على وسائل الاعلام ، قلبت الحقائق رأساً على عقب ، وحولت أبا الله عنه إلى رجل مشرك ، وأنه في ضحضاح من النار ، على حد تعبير المغيرة بن شعبة المشهور بعداوته لبني هاشم، ونسيت أو تناست قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وهو يقف عند جنازة أبي طالب : ( يا عم ، ربيت صغيراً ، وكفلت يتيماً ، ونصرت كبيراً ، فجزاك الله عني خيرا).

ثالثاً - جعفر بن أبي طالب ، الأخ الشقيق للإمام علي ، من أوائل الذين آمنوا أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بقيادة المهاجرين إلى الحبشة ، تمكن من إقناع النجاشي بعدالة القضية الإسلامية ، فلم يستجب لوفد بط-ون قريش الذي جاء إلى الحبشة يحمل الهدايا إلى النجاشي ، مطالباً بردّ المهاجرين المسلمين إلى مكة(2). عاد جعفر من الحبشة بعد فتح خيبر ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( والله ما أدري بأيهما أنا أشد سروراً ، بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر )(3) . استشهد رحمه الله في غزوة مؤتة ، حاملاً راية القيادة والجهاد في سبيل الله .(4).

رابعاً - حمزة بن عبد المطلب ، عم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، اشترك الهاشميين في حماية النبي ودعوته ، ولما اشتد أذى قريش للنبي ، تحد البطون ، وأعلن إسلامه ، قاتل في بدر قتالاً لم تعهده العرب ، وكان هو وعلي وعبيدة بن الحارث أول ثلاثة برزوا السادات بني أمية ، وغيروا ميزان القوى لصالح الإسلام. القلة التي ثبتت إلى جانب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في معركة أحد بعد أن فر الجميع ، وبينما كان يقاتل غدر ب-ه عب-د حبشي من عبيد أب-ي سفيان ، وكان مقتله نتيجة مؤامرة أموية رتب فصولها أبو سفيان وزوجته هند ) أم معاوية ( التي بلغ حقدها على حمزة أن مثلت بجثته ، فبقرت بطنه ، وقطعت أنفه وأذنيه ، ولاكت كبده تشفياً وانتقاماً (5).

كان من

ص: 28


1- تاريخ اليعقوبي : 2 / 35
2- سيرة ابن هشام : 1 / 356 - 362
3- تاريخ اليعقوبي : 2 / 56
4- سيرة الرسول وأهل بيته : بیته : 1/ 79
5- سيرة الرسول وأهل بيته : 1 / 139

خامسا - عبيدة بن الحارث ، من سادات بني عبد المطلب ، أعلن إسلامه يوم إجتماع الدار، وبقي تحت إمرة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى هاجر معه إلى المدينة ، وكان أحد الثلاثة الذين برزوا لصناديد قريش في معركة بدر ، وكان خصمه أفتى منه ، فتبادلا الطعان ، فأصيب عبيدة ، واستشهد(1).

ويلاحظ أن أركان قيادة جبهة الإيمان في مرحلة الدعوة كلهم هاشميون ومردّ ذلك إلى أن الهاشميين هم الذين تحملوا عبء الدعوة وحماية الداعية محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهم الذين تآمرت عليهم البطون وحاصرتهم في شعب أبي طالب (2)، واشترك في الحصار كافة بطون قريش الثلاثة والعشرين بما فيهم بنو تيم ، وبنو عدي ، وبنو أمية . وأما الذين أسلموا خلال مرحلة الدعوة من غير بني هاشم ، فهم على نوعين :

الأول - من كان ينتمي بالدم الى أحد البطون القرشية ، فكان داخلاً تحت حماية بطنه ، فقد يتعرض للوم والتقريع ، لكن لا يقوى أحد على التعرض ل-ه بالايذاء أو القتل.

الثاني - العبيد والأحابيش ومن كان منتمياً إلى بطون قريش بالموالاة ، وهؤلاء كانوا موضع النقمة ومحط الابتلاء ، لأنهم بلا حماية عشائرية ، ومنهم : الف - بلال بن رباح الحبشي ، كان مملوكاً لأمية بن خلف الجمحي ، الذي كان يعذبه عذاباً أليماً ، ويضع الصخرة العظيمة على صدره في الرمضاء ، ومع ذلك لم يتحول عن إيمانه (3).

ب - ياسر وزوجته سمية وابنهما عمار ، حلفاء بني مخزوم ، عذبهما أبو جهل، ولم يتورع عن طعن سمية في قبلها ، فاستشهد ياسر وزوجته تحت التعذيب ، وبقى عمار على قيد الحياة(4).

ج-لبيبة جارية بني المؤمل ، التي كان عمر بن الخطاب لا يتوقف عن تعذيبها إلا سآمة (5).

د - زنيرة ، المرأة التي عذبها عمر بن الخطاب حتى فقدت عينيها (6).

ص: 29


1- المغازي للواقدي : 1 / 69
2- طبقات ابن سعد : 1/ 208 ، السيرة الحلبية 22 / 25 - 26 ، تاريخ الطبري: 2 / 335 - 336
3- الكامل في التاريخ : 2 / 66
4- الكامل في التاريخ : 2 / 67
5- الكامل في التاريخ : 2 / 68
6- الكامل في التاريخ : 2 / 69

ه- - الخباب بن الأرت ، كان أبوه من السبايا ، تعرض لعذاب شديد ، لكنه ثبت على دينه(1).

3 - كان القائد العام لجبهة الشرك طيلة مرحلتي الدعوة والدولة هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، المكنى بأبي سفيان . كان تاجراً كثير الأسفار ، وقد سمع أن نبياً سيبعث من آل عبد مناف ، فظن أنه سيكون ذلك النبي ، إذ ليس في بني عبد مناف - في تصوره - من هو أجدر بالنبوة منه ، فهو قائد قريش في غزواتها ، وهو تاجر ثري ، ومن حوله بنو أمية الأكثر مالاً ونفيراً(2) .

وفوجىء أبو سفيان بإعلان النبي محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم عن نبوته ، فجن جنونه ، واعتبر قضية النبوة مؤامرة هاشمية على الأمويين عامة ، وعليه خاصة . كان أبو سفيان وراء وحدة بطون قريش الثلاثة والعشرين ضد محمد صلى الله عليه وآله وسلّم والبطن الهاشمي ، إذ ليس من المعقول أن تتحد البطون في غياب قائد غزواتها ودون علمه.

وكان رئيس وفد البطون الذي توجه إلى أبي طالب وطالبه إما بكف ابن أخيه محمد عن دعوته ، أو أن يخلي بين محمد وبين البطون (3). وهو مهندس عملية حصار الهاشميين في شعب أبي طالب مدة ثلاث سنين حتى اضطروا إلى أكل ورق الشجر من الجوع ، واضطر أطفالهم أن يمصوا الرمال من العطش (4)وكان وراء استقبال أهل الطائف لرسول الله ، ذلك الإستقبال السيء الذي أثر بنفسه الشريفة تأثيراً عميقاً فهتف منادياً ربه : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس )(5).

وكان أحد الذين خططوا لإرسال وفد إلى النجاشي ، مزوّداً بالهدايا ، لرد المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة ، حتى يتمكن أئمة الكفر في مكة من فتنتهم عن دينهم (6).

ص: 30


1- الكامل في التاريخ : 2 / 70
2- السيرة الحلبية : 1 / 461
3- سيرة ابن هشام : 1 / 284 - 280 ، الغدير للأميني : 10 / 80 - 81 وما بعدها
4- سيرة ابن هشام : 2 / 14 - 15 ، صحيح البخاري : 2 : 082 ، طبقات ابن سعد : 1 / 208 ، السيرة الحلبية : 2 / 25
5- الكامل في التاريخ : 2 / 91
6- سيرة ابن هشام : 1 / 356 - 365 .

وكان هو وزوجته وابناه معاوية ويزيد ، وراء معركة أحد ، إذ حرضوا المشركين على خوضها ، وأنفق أبو سفيان على هذه المعركة أربعين أوقية من الذهب(1).

وكان وراء أكبر تجمع شهدته الجزيرة العربية آنذاك ، إذ جمع الأحزاب وغزا بها رسول الله ، وتحالف مع اليهود طمعاً باستئصال محمد على حدّ تعبيره .

وظلّ يحارب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بكل وسائل الحرب ، حتى أظهر الله دينه ، وأحاط جند الله بعاصمة الشرك ، فاضطر لإظهار الإسلام ، ليحقن بذلك دمه (2).

وتعاملاً مع التركيبة النفسية لأبي سفيان ، ونزع-اً لفتي-ل المقاوم--ة ب-الإعلان الضمني عن استسلام أبي سفيان ، أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم منادياً ينادي ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن )(3).

ومن العبارات التي صدرت عن أبي سفيان ، وكشفت عن دخيلة نفسه ، وبقائه على الكفر ، قوله لعثمان عندما آلت إليه الخلافة : ( صارت إليك بعد تيم وعدي ، فأدرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني أمية ، فإنما هو فإنما هو الملك ، ولا أدري ما جنّة ولا نار )(4).

ودخل يوماً على عثمان بعدما ذهب بصره ، فقال : أههنا أحد ؟ فقالوا : لا فقال : ( أللهم اجعل الأمر أمر جاهلية ، والملك ملك غاصبية ، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية )(5).

4 - وأما أركان قيادة جبهة الشرك ، فهم مجموعة من الشخصيات المشركة ذات القدم الراسخة بمعاداة النبي ومحاربته طيلة مدة 18 عاماً ، ومن أبرزهم :

أولاً - معاوية ويزيد وعتبة وحنظلة ، أبناء أبي سفيان ، وهم الحلقة الأولى من أركان الشرك ، قاوموا الإسلام بضراوة ، ولم يلقوا سلاحهم إلا بعد أن استسلم قائدهم أبو سفيان ، فأظهروا الشهادتين ، وحقنوا بذلك دماءهم .

ص: 31


1- الغدير : 10 / 81 .
2-
3- سيرة ابن هشام : 4 / 46
4- الغدير : 10 / 83
5- تاريخ ابن عساكر : 23 / 471 طبعة دار الفكر (بيروت

ثانيا - عتبة وشيبة ابنا ربيعة ( وربيعة جد معاوية لأم-ه ) ، والوليد بن عتبة وهو ابن خال معاوية ، والعاص بن سعيد ، وعقبة بن أبي معيط ، وقد قتلوا جميعا في معركة بدر(1).

ثالثا - الحكم بن العاص وابناه مروان والحارث . أما الحكم فقد كان أشد الكفار عداوة وحرباً للرسول صلى الله عليه وآله وسلّم في مرحلتي الدعوة والدولة ، ثم صار طليقاً من الطلقاء بعد فتح مكة ، ولكن لم يتوقف عن عداوته وكيده ، فنفاه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وبقى منفي-اً طيلة حياة النبي وخلافة أبي بكر وعمر ، رغم مراجعة عثمان للأخيرين بشأن إرجاعه ، فلما تولى عثمان الخلافة أعاده معززاً مكرماً ، وأعطاه من بيت مال المسلمين ما حوله من الفقر المدقع إلى الغنى الفاحش ، وكان عثمان يحبه حباً شديداً ، رغم كراهية الحكم للرسول ، وكراهية الرسول له . وعندما مات أقام عثمان على قبره فسطاطاً ، على عادة أهل الجاهلية بإظهار الحزن (2).

وأما ابنه مروان ، فهو من فهو من أعمدة الشرك ، وقد قربه عثمان ، وزوج-ه من ابنته، وجعله رئيساً لوزرائه وكاتما لأسراره ، وأعطاه خمس غنائم أفريقيا (3)منحه فدك التي اغتصبوها من صاحبة الحق الشرعي وهي فاطمة الزهراء عليها السلام (4)، صار الملك له ولأولاده من بعده ، فأصبحوا خلفاء المسلمين ، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد لعنهم وحرم عليهم أن يسكنوا المدينة معه (5).

وأما الحارث ، فقد قربه عثمان أيضاً وزوجه ابنته ، وأغدق عليه من أموال المسلمين ما جعله مترفاً ، وأقطعه منطقة مهزور التي تصدق بها رسول الله على المسلمين(6).

رابعاً - الوليد بن عقبة، أخو عثمان لأمه، كان والده من أشد أعداء النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وقد قتل في بدر صبراً، واستمر الوليد في خط معاداة الإسلام ومحاربته حتى إضطر إلى التظاهر بالإسلام بعد فتح مكة، فأصبح من الطلقاء

ص: 32


1- مغازي الواقدي : 1 / 147 - 148
2- تاريخ اليعقوبي : 2 / 164
3- تاريخ ابن الأثير : 13 / 91 ، أنساب الأشراف : 5 / 25 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 156
4- تاريخ أبي الفداء : 1 / 169 ، العقد الفريد : 4 / 283 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 198 ، سنن أبي داود : 13 / 143 ح 2972 ، سنن البيهقي : 6 / 301 3
5- أنساب الأشراف : 5 / 27 ، أسد الغابة : 2 / 34 - 35 ، الاصابة في تمييز الصحابة : 1 / 345
6- شرح نهج البلاغة : 1 / 189 و 199

ولاه عثمان على الكوفة ، وكان مشهوراً بالزنا وشرب الخمر(1) الصبح أربعاً بدلاً من اثنتين ، وكان يقول وهو ساجد : اشرب واسقني(2) وكان له تأثير فعال في إقامة وتثبيت الملك الأموي

خامساً - عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ، ابن خالة عثمان وأخوه من الرضاعة ، وهو كغيره من بني أمية من الطلقاء أيضاً ، كتب للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وعرف النبي أن الرجل خائن فطرده ، فارتد عن الإسلام وأخذ يشيع في مكة أنه كان يتلاعب بالقرآن (3) ، فأباح الرسول دمه ، ولكن عثمان استأمن له من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم (4)، لمع نجمه في خلافة عثمان الذي أعطاه جميع ما أفاء الله ما أفاء الله من فتح أفريقيا كلها ، دون أن يشرك فيه أحداً من المسلمين (5)، ثم ولاه على مصر(6)بعد أن عزل عنها عمرا بر العاص.

سادسا - عبد الله بن عامر بن كريز الأموي ، ابن خالة عثمان ، وهو من الطلقاء المشهورين بعداوتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، ولاه عثمان البصرة ، وجعله أميراً على فتوحات الشرق ، ساهم في زعزعة أركان الإسلام ، وتثبيت دعائم الحكم الأموي

(7)

سابعاً - أبو جهل ( عمرو بن هشام المخزومي ) ، كان منافساً لأبي سفيان على قيادة جبهة الشرك ، وقد قتل في معركة بدر(8).

ثامناً - الوليد بن المغيرة وابنه خالد ، كان الوليد أحد المستهزئين(9) ، وقاوم هو وابنه الإسلام في مرحلتي الدعوة والدولة ، وفي معركة أحد تمكن خالد قلب ميزان القوة لصالح المشركين ، ثم حالف أبا بكر وعمر وساهم في قيام دولتيهما ، وكان من المساهمين في محاولة إحراق بيت فاطمة ، أصبح من القادة العسكريين في حكومتي أبي بكر وعمر ، يفعل ما يشاء ، كأن يقتل مسلماً ، ويتزوج أرملته في نفس اليوم، دون أن يتعرض لأي لوم من ولاة الأمر(10).

تاسعاً - عمرو بن العاص بن وائل ، كان أبوه شانئاً لرسول الله صلّى صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ويقول : إن محمداً أبتر لا ابن له(11) ، فنزل فيه قوله تعالى :

ص: 33


1- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني : 5 / 126
2- الأعلام للزركلي : 8 / 122 ، في الهامش
3- المستدرك على الصحيحين : 3 / 100 ، أسد الغابة : 3 / 173 ، أنساب الأشراف : 5 :49
4- المستدرك على الصحيحين : 3 / 100 ، أسد الغابة : 3 / 173 ، أنساب الأشراف : 5 :49
5- المستدرك على الصحيحين : 13 / 100 ، أنساب الأشراف : 5 : 28
6- شرح نهج البلاغة : 1 / 199
7- أسد الغابة : 3 / 191
8- مغازي الواقدي : 1 / 149 - 150
9- مغازي الواقدي : 1 / 149 - 150
10- السيرة الحلبية : 3 / 209 - 214
11- تفسير الرازي : 31 / 132 ، طبقات ابن سعد : 1 / 133 ، المعارف لابن قتيبة : 162 ، تاريخ ابن عساکر : 7 / 493 مخطوط

«إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ». وأم عمرو هي ليلى ، كانت من أشهر بغاي-ا مك-ة وأرخصهن أجرةً ، واقعها ستة رجال ، فحملت بعمرو ، فلما ولدته إدعاه ك-ل منهم، فقالت : ألحقوه بأكثرهم شبها به ، فألحقوه بالعاص بن وائل (1).قاوم عمرو بن العاص رسول الله خلال مرحلة الدعوة كلها ، وكان رئيس بعثة بطون قريش إلى النجاشي لرد المهاجرين إلى الحبشة ، طمعاً بفتنته-م ع-ن دينهم(2).

هجا رسول الله بسبعين بيتاً من الشعر ، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم : اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة (3) . أدرك بدهائه وذكائه أن كفة النبي قد رجحت ، وأنه سيغلب بطون قريش ، فسار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ونطق بالشهادتين وهو يحمل قناعات الشرك . رآه النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مجتمعاً مع معاوية ، فقال : ( إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص مجتمعين ، ففرقوا بينهما : فإنهما لن يجتمعا على خير )(4) تربع على ولاية مصر طوال عهدي أبي بكر وعمر ، وجاء عثمان فعزله عنها، فأخذ يحرض على قتل عثمان ، ولما آلت الخلافة للإمام علي عليه السلام التحق ابن العاص بركب معاوية ، واتفقا على أن تكون مصر لعمرو بن العاص والخلافة لمعاوية(5).

ص: 34


1- بلاغات النساء : 28 ، العقد الفريد : 12 / 120 ، جمهرة الخطب : 2 / 25 2/
2- سيرة ابن هشام : 1 / 357 - 360
3- تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : 14 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 291 ، جمهرة الخطب : 2 / ،27 الغدير : 2 / 135 وما بعدها
4- كتاب صفين لنصر بن مزاحم : 118 ، العقد الفريد : 4 / 346
5- كتاب صفين : 20 - 24 ، الكامل للمبرد : 1 / 221 ، شرح نهج البلاغة 2 : 61 - 65 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 221 ، قصص العرب : 2 / 370

الهوامش :

(1) الطبقات الكبري لابن سعد : 1 / 203

(2) تاريخ الطبري : 2 / 319 - 320 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 2 / 62

(3) تجد توثيق ذلك في كتابنا : نظرية عدالة الصحابة : 222 - 225 .

(4) تاريخ اليعقوبي : 2 / 39 ، سيرة ابن هشام : 2 / 126 ، مستدرك الحاكم : 3 / 4 ، تاريخ الطبري: 2 / 372 ، الكامل في التاريخ : 2 / 103

(5) سيرة الرسول وأهل بيته ، مؤسسة البلاغ : 1 / 112 .

(6) المغازي للواقدي : 1 / 68 .

(7) مستدرك الصحيحين : 3 / 111 و 137 ، طبقات ابن سعد : 2 / 106 ، مسند ابن حنبل : 1 / 368 ، اسد الغابة : 4 / 20 ، مجمع الزوائد للهيثمي : 5 / 321 ، سنن البيهقي : 6 / 207 ، كنز العمال : 13 / 136 ح 36427 ، الرياض النظرة للطبري : 3 / 156 ، الصواعق المحرقة : 76 .

(8) ذخائر العقبى للطبري : 72 ، الامامة والسياسة لابن قتيبة : 97 ، الاستيعاب لابن عبد البر : 3 / 1090 ، الاصابة لابن حجر : 2 / 507 ، كنز العمال : 2 / 154 و 13 / 120 - .

(9) اسد الغابة : 4 / 20 الرياض النضرة للطبري: 2 / 204 - 200 ، مسند أحمد: 6 /8 ، تاريخ الطبري: 3/ 13 ، تاریخ بغداد 11 / 324 ، كنز العمال: 6 / 398 ، الاستيعاب : 3 / 1096 - 1097 .

(10) تجد توثيق ذلك في كتابنا : نظرية عدالة الصحابة : 247 وما بعدها.

(11) تاریخ دمشق : 2 / 47 - 52 ح 548 - 550 ، مسند أحمد : 4 / 281 ، فضائل الخمسة : 1 / 432 - 433 ، تاريخ الاسلام للذهبي : 3 / 632 - 633 ، البداية والنهاية : 5 / 210.

(12) سيرة الرسول وأهل بيته : 1 / 29 .

(13) الكامل في التاريخ : 2 / 62 ، وتعليل العلامة الأميني في غديره : 7 / 352 (14) طبقات ابن سعد : 1 / 253.

(15) السيرة الحلبية : 1 / 304 ، طبقات ابن سعد : 1 / 203.

(16) سيرة ابن هشام : 1 / 264 ، تاريخ الطبري : 2 / 214 ، الاصابة لابن حجر : 4 / 116 ، شرح نهج البلاغة : 14 / 64 ، اسد الغابة : 1 / 287.

(17) رواه ابن كثير : 22 / 44 ، ونقله عنه الأميني في كتابه الغدير : 7 / 363.

(18) الكامل في التاريخ : 2 / 87 - 90 ، ونقله عنه 2 90 ، ونقله عنه الأميني في كتابه الغدير : 7 / 363 .

(19) الكامل في التاريخ : 2 / 91 .

(20 و 21 ) تاريخ اليعقوبي : 2 / 35 .

(22) سيرة ابن هشام : 1 / 356 - 362 .

(23) تاريخ اليعقوبي : 2 / 56 (24 ) سيرة الرسول وأهل بيته : بیته : 1/ 79 .

(25) سيرة الرسول وأهل بيته : 1 / 139.

(26) المغازي للواقدي : 1 / 69

(27) طبقات ابن سعد : 1/ 208 ، السيرة الحلبية 22 / 25 - 26 ، تاريخ الطبري: 2 / 335 - 336 .

(28) - (32) الكامل في التاريخ : 2 / 66 ، 67 ، 69 ، 67 - 68 .

(33) السيرة الحلبية : 1 / 461 .

ص:35

الهوامش :

(34) سيرة ابن هشام : 1 / 284 - 280 ، الغدير للأميني : 10 / 80 - 81 وما بعدها. (35) سيرة ابن هشام : 2 / 14 - 15 ، صحيح البخاري : 2 : 082 ، طبقات ابن سعد : 1 / 208 ، السيرة الحلبية : 2 / 25 .

(36) الكامل في التاريخ : 2 / 91.

(37) سيرة ابن هشام : 1 / 356 - 365 . (38) الغدير : 10 / 81 .

(39) و 40 ) سيرة ابن هشام : 4 / 45 و 46 . (41) الغدير : 10 / 83

(42) تاريخ ابن عساكر : 23 / 471 طبعة دار الفكربيروت ).

(43) مغازي الواقدي : 1 / 147 - 148 .

(44) تاريخ اليعقوبي : 2 / 164.

(45) تاريخ ابن الأثير : 13 / 91 ، أنساب الأشراف : 5 / 25 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 156.

(46) تاريخ أبي الفداء : 1 / 169 ، العقد الفريد : 4 / 283 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 198 ، سنن أبي داود : 13 / 143 ح 2972 ، سنن البيهقي : 6 / 301 .

(47) أنساب الأشراف : 5 / 27 ، أسد الغابة : 2 / 34 - 35 ، الاصابة في تمييز الصحابة : 1 / 345 .

(48) شرح نهج البلاغة : 1 / 189 و 199 .

(49) الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني : 5 / 126 .

(50) الأعلام للزركلي : 8 / 122 ، في الهامش .

(51) و (52) المستدرك على الصحيحين : 3 / 100 ، أسد الغابة : 3 / 173 ، أنساب الأشراف : 5 : .49.

(53) المستدرك على الصحيحين : 13 / 100 ، أنساب الأشراف : 5 : 28.

(54) شرح نهج البلاغة : 1 / 199 .

(55) أسد الغابة : 3 / 191 .

(56) و (57 )مغازي الواقدي : 1 / 149 - 150 .

(58) السيرة الحلبية : 3 / 209 - 214 .

(59) تفسير الرازي : 31 / 132 ، طبقات ابن سعد : 1 / 133 ، المعارف لابن قتيبة : 162 ، تاريخ ابن عساکر : 7 / 493 مخطوط .

(60) بلاغات النساء : 28 ، العقد الفريد : 12 / 120 ، جمهرة الخطب : 2 / 25

(61) سيرة ابن هشام : 1 / 357 - 360 .

(62) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : 14 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 291 ، جمهرة الخطب : 2 / ،27 الغدير : 2 / 135 وما بعدها.

(63) كتاب صفين لنصر بن مزاحم : 118 ، العقد الفريد : 4 / 346

(64) كتاب صفين : 20 - 24 ، الكامل للمبرد : 1 / 221 ، شرح نهج البلاغة 2 : 61 - 65 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 221 ، قصص العرب : 2 / 370 .

ص: 36

الفصل الخامس : أشكال المواجهة

إتخذت مواجهة بطون قريش للنبي وعترته ودينه وأتباعه أشكالاً مختلفة ،

نعرض لها كما يلي :

1 - الهزؤ والسخرية :

الفت بطون قريش فريقاً خاصاً مهمته الإستهزاء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ، ومن أعضاء هذا الفريق : الوليد بن المغيرة والد خالد ، وعقبة بن أبي معيط ، والحكم بن العاص بن أمية ، وهو والد مروان مؤسس الدولة الأموية وعم عثمان بن عفان ، وأبو جهل بن عمرو بن هشام المخزومي(1).

وقد أشار القرآن الكريم لهذه الفرقة وممارساتها في آيات عديدة ، منها قوله تعالى :«إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ »(2) ، وقوله تعالى : «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ »(3) . لقد كانوا يستهزؤن بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم للتقليل من شأنه ، لأنه لم يكن جديراً بالنبوة في نظرهم ، وأنه ليس عظيماً بمقاييسهم الخاطئة للعظمة .«وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ »(4).

2- الإتهامات الباطلة :

فقد أشاعث البطون أن النبي ( حاشاه ) كاذب في ما يزعمه من أمر النبوة والوحي ، قال تعالى : «وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ »(5).

وقد كان تأثير هذه التهمة على قبائل العرب قوياً ونافذاً ، نظراً لمكانة بطون قريش الأدبية عند العرب ، بدليل أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عرض نفسه على قبائل كثيرة ، فامتنعت عن اتباعه ، وقالت : ( أسرتك وعشيرتك أعلم بك

ص: 37


1- السيرة الحلبية : 1 / 506 - 514 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 ، الكامل في التاريخ : 2 / 70 - 75 .
2- الحجر : 95
3- الأنعام : 10
4- الزخرف : 31
5- فاطر : 25

حيث لم يتبعوك ) (1)، وظل النبي على هذه الحال حتى ساقه الله لحي من أهل يثرب.

ومن جملة إتهاماتهم الظالمة : ما أشاعوه من أن النبي ساحر ومجنون وشاعر وكاهن ، وفي القرآن الكريم إشارات لكل هذه التهم الباطلة.

3 - إهانة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شخصياً :

ومن أمثلة ذلك ما ذكره المؤرخون من أنهم ألقوا على ظهر النبي فرثاً وسلى استخرجوه من جزور مذبوح ، بينما كان النبي يصلي في بيت الله الحرام ، فقام النبي حزيناً ليخبر عمه أبا طالب بما جرى ، فغضب أبو طالب وأقبل على زعامة البطون الجالسة قرب الكعبة حاملاً سيفه ، وقال مهدداً : ( والله لا يتكلم منكم أحد إلا ضربته ) ، ثم أمر غلامه فألقى الفرث والسلى على وجوه زعامة البطون رداً على ما فعلته بمحمد(2) ، وقال القرطبي في تفسيره : إن أبا طالب لطخ بالفرث وجه عبد الله بن الزبعرى ، وهو الذي ألقى بالفرث على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

4 - محاولات الإغراء .

فقد قالت زعامة البطون لأبي طالب : ( إن ابن أخيك قد عاب آلهتنا وضلل أسلافنا ، فليمسك عن ذلك ، وليحكم في أموالنا بما يشاء ) ، وأطلع أبو طالب النبي على عرض قريش ، فكان جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم:إن الله لم يبعثني لجمع الدنيا و الرغبة فيها ، وانما بعثني لأبلغ عنه وأدل عليه)(3) .

5 - الطعن بالقرآن الكريم:

طعنت قريش بالقرآن الكريم، لأنه أعظم براهين النبوة ، فزعمت أنه أساطير الأولين ، وأن محمداً افتراه على الله وتقوله ، وأنها لو شاءت لقالت مثله ، فتحداها رسول الله بأمر من ربه أن تأتي بعشر سور من مثله ، فعجزت عن ذلك ، ثم تحداها بالإتيان بسورة واحدة ، فعجزت أيضاً ، ثم أنزل الله تعالى قوله : «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا »(4).

ص: 38


1- طبقات ابن سعد : 1 / 216 - 218
2- تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 - 25 ، تفسير القرطبي : 6 / 406 ، الغدير : 7 / 358 - 359
3- تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 ، السيرة الحلبية : 1 / 486 - 487
4- الإسراء : 88

6 - التعذيب والتقتيل :

دخل في دين الاسلام عدد من سكان مكة ، وكان المطلوب من المسلم أن يشهد بوحدانية الله تعالى ، وبأن محمداً عبد الله ورسوله ، ولم يطلب منهم مواجهة قريش أو حماية النبي ، وإنما كانت المواجهة محصورة بالنبي وبني هاشم من جهة ، وبطون قريش من جهة أخرى . إلا أن قريش صبت جام غضبها على الذين أسلموا ممن لا قبائل لهم تحميهم ، كالموالي والأحابيش والعبيد ، وأب-رز التاريخ صوراً مرعبة لهذا التنكيل والتعذيب ، كشفت عن طبيعة الشرك وتعامله مع من يظفر بهم من أعدائه .

7 - الحصار والمقاطعة :

أدركت بطون قريش أن عدوها اللدود هو البطن الهاشمي ، ففكرت بمقاطعة هذا البطن ومحاصرته ، من أجل إجباره على التخلي عن محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ، وتمكينها من تصفية حسابها معه.

إجتمع زعماء معسكر الشرك ، وكتبوا صحيفة بالمقاطعة الكاملة لبني ،هاشم، حتى يسلموا محمداً لبطون قريش ، واعتبروا ذلك عقدا وعهدا ، ومهروه بتواقيع ثمانين من زعماء بطون قريش، ولإضفاء القداسة والجدية على هذا العقد، علقوا الصحيفة في جوف الكعبة في السنة السابعة بعد البعثة في شهر محرم(1).

إنجاز الهاشميون - باستثناء أبي لهب - وبنو المطلب بن عبد مناف ، ودخل الجميع في شعب أبي طالب ، ولم يكن يصل اليهم شيء من الطعام إلا ما كان يتسرب إليهم سراً من بعض المتعاطفين معهم . إستمر الحصار ثلاثة أعوام ، أنفقت فيها خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كل أموالها وأنفق أبو طالب وبنوه ما عندهم ، واشتد الأمر على الهاشميين والمطلبيين، وعانوا الحرمان والجوع ، فأكلوا نبات الأرض ، وأخذ الاطفال يمتصون الرمال من العطش، وكانت بطون قريش تشاهد كل هذا وتتلذذ به، دون أي احساس بالحرج. ولكن الهاشميين لم يركعوا ولم يستسلموا ، ولم يستجيبوا لبطون قريش في طلبها تسليم النبي ، لقد تحملوا ما لم تتحمله قبيلة على

ص: 39


1- سيرة ابن هشام : 1 / 370 - 380 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 31 - 32 ، الكامل في التاريخ : 2 / 87-90

وجه الأرض في سبيل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي سبيل دينه ، ولولا صبرهم وثباتهم لقتلت البطون رسول الله كما قتل غيره من الأنبياء وأجهضت دعوته في مهدها ، ولكن الله أراد أن يظهر دينه، وأن يتحمل البطن الهاشمي أعباء مرحلة التأسيس الحاسمة.

ثم أوحى الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلّم أنه أرسل حشرة أكلت صحيفة الحصار ، ولم تبق من كتابتها إلا إسم الله ، وما أن انتهى جبريل من إلقاء تلك البشارة العظيمة ، حتى نهض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبر عمه بتفاصيل خبر السماء ، وعلى أثر ذلك توجه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبو طالب والهاشميون جميعا إلى مكة . أقبلت قريش تريد الوقوف على حقيقة الأمر ، وهي تظن أن أبا طالب قد جاء ليعلن إستسلامه وإستسلام بني هاشم ، ولكن أبا طالب طلب من زعماء الشرك أن يحضروا صحيفة الحصار فلما فعلوا ذلك ، قال لهم:

- أليست هذه صحيفتكم على العهد الذي تركتموها فيه ؟ فقالت زعامة البطون : نعم . فقال أبو طالب : فهل أحدثتم فيها حدثا ؟ فقالوا : اللهم لا . فقال لهم : لقد أعلمني محمد عن ربه أن الله قد بعث الأرضة فأكلت كل ما فيها إلا ذكر الله ، أفرأيتم إن كان صادقا ما تصنعون ؟

فقالت زعامة البطون - نكف ونمسك . فقال أبو طالب - فإن كان كاذباً دفعته إليكم تقتلونه . فقالوا : قد أنصفت وأجملت .

وفضت الصحيفة فإذا كل ما فيها قد محي إلا مواقع إسم الله عزوجل (1)وبهتت زعامة الشرك ، وأسلم على أثر هذه المعجزة عدد من الناس ،وأعلن أبو طالب أنه على الدين الحق ، واهتزت شرعية الحصار والمقاطعة.

إن للهاشميين فضلا على كل مسلم ومسلمة إلى يوم الدين ، فلولا موقفهم الحاسم المشرف بقيادة أبي طالب ، لتمكنت بطون قريش من قتل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ، ولما قامت للإسلام قائمه.

ومن المهازل أن تقوم السلطات التي سيطرت على مقاليد أمور المسلمين فيما بعد بتصوير أبي طالب مشركاً ، وتنكر كفاحه وجهاد أبنائه ، وتفرض مسبتهم

ص: 40


1- تاريخ اليعقوبي : 2 / 31 - 32

على المنابر ، ولا تقبل شهادة من يواليهم، وتلقي في أذهان العامة والغوغاء أن الهاشميين ماتوا بموت محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأنهم لم يخلقوا للقيادة ، وإنما خلقوا ليكونوا أتباعاً لخلفاء بطون قريش ، وأن الخلافة حق خالص للبطون، مثل ما كانت النبوة حقاً خالصاً للهاشميين(1) ، وإن هذه القسمة هي القسمة العادلة ، وكأن البطون هي المخولة بتوزيع الفضل الإلهي.

8 - التخطيط لقتل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم :

أفلح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بتكوين قاعدة له في يثرب ، إذ أسلم من أهلها ما لا يقل عن سبعين رجلا ، دعوه إلى أن يهاجر إليهم ، وعاهدوه على أن يحموه كما يحمون أنفسهم ، وأطلعت زعامة البطون على عزم النبي على الهجرة وعرفت بالتحديد اليوم الذي سيهاجر فيه ، فأدركت أن النبي قد بدأ مرحلة حلة خطيرة ، وأنه إذا نجح في الهجرة سيتمكن من استقطاب الأكثرية من سكان يثرب ومن حولها من القبائل ، فسارعت بعقد اجتماع في دار الندوة طرحت فيه ثلاثة آراء : حبس النبي ، أو نفيه ، أو قتله (2).

قال تعالى : «وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»(3).

وانتهوا إلى أن القتل هو الحل الأفضل ، فاختاروا عددا من فتيانهم ، يمثل كل منهم عشيرته ، ليشتركوا في قتل النبي ، لتكوين جبهة متراصة تقف بوجه بني هاشم ، فلا يقوون على المطالبة بدمه ، فيضيع دمه بين العشائر.

ما أن خيم الظلام حتى أحاط القتلة المجرمون ببيت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم . كلف النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عليا أن يتدثر ببرد النبي الحضرمي الأخضر ، وينام في فراش النبي ، ليوهم المتآمرين أن النائم هو النبي وليس علياً ، ثم شرع رسول الله بالخروج وهو يتلو قوله تعالى :«وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ »(4)، وتخطى القتلة دون أن يبصروه (5) ، ثم تابع طريقه إلى يثرب يرافقه أبو بكر وعبد الله بن أريقط.

ص: 41


1- الكامل في التاريخ : 3 / 63 - 64 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 03 ، تاريخ الطبري : 4 / 110 ، مروج الذهب : 2 / 353
2- سيرة ابن هشام : 2 / 124 - 130 ، الكامل في التاريخ : 2 / 101 - 110
3- الأنفال : 30
4- يس : 9
5- معجم البلدان لياقوت الحموي : ج 5 - مكة

وطال انتظار المتآمرين حتى انبلج الفجر ، دون أن يخرج النبي ليقتلوه ، فسارعوا إلى اقتحام الدار ، واقتربوا من فراش النبي ، وكشفوا الغطاء ، فإذا بالنائم علي ، فهاج القتلة وسألوه عن النبي ، فأجابهم بهدوء المؤمن ورباطة جأشه : ( قلتم له : أخرج عنا ، فخرج عنكم )(1).

وجن جنون زعامة البطون، وأطلقت فرسانها وراء النبي صلى الله عليه وآله ، ليعودوا به حياً أو ميتاً ، لكنها لم تفلح في مساعيها ، إذ دخل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الغار ، وقضى فيه ثلاثة أيام حتى يئست زعامة البطون من العثور عليه ، فقام بعد ذلك بشق طريقه بيمن الله ورعايته إلى عاصمة دولته المباركة .

ص: 42


1- سيرة ابن هشام : 2 / 126 - 128 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 39

الهوامش :

(1) السيرة الحلبية : 1 / 506 - 514 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 ، الكامل في التاريخ : 2 / 70 - 75 .

(2) الحجر : 95.

(3) الأنعام : 10 .

(4) الزخرف : 31.

(5) فاطر : 25

(6) طبقات ابن سعد : 1 / 216 - 218 .

(7) تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 - 25 ، تفسير القرطبي : 6 / 406 ، الغدير : 7 / 358 - 359 .

(8) تاريخ اليعقوبي : 2 / 24 ، السيرة الحلبية : 1 / 486 - 487 .

(9) الإسراء : 88

(10) سيرة ابن هشام : 1 / 370 - 380 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 31 - 32 ، الكامل في التاريخ : 2 / 87-90.

(11) تاريخ اليعقوبي : 2 / 31 - 32 .

(12) الكامل في التاريخ : 3 / 63 - 64 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 03 ، تاريخ الطبري : 4 / 110 ، مروج الذهب : 2 / 353 .

(13) سيرة ابن هشام : 2 / 124 - 130 ، الكامل في التاريخ : 2 / 101 - 110 .

(14) الأنفال : 30 .

(15) يس : 9 .

(16) معجم البلدان لياقوت الحموي : ج 5 - مكة .-

(17) سيرة ابن هشام : 2 / 126 - 128 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 39 .

ص: 43

ص: 44

الباب الثاني : المواجهة بعد الهجرة

اشارة

ص: 45

ص: 46

الفصل الأول : النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في يثرب

1 - توجه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى يثرب ، وكانت أنباء هجرته ونجاته من القتل قد سبقته إليها . لقد سمع سكان يثرب ومن حولها الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واختلفوا بشأنه إختلافاً كبيراً ، فمنهم من آمن به وأحبه حباً شديداً ،واعتبر قدومه فاتحة خير وبركة للجميع ومنهم من فوجىء بدخول الإسلام إلى يثرب وبسرعة إنتشاره ، فكره النبي كرهاً شديداً قبل أن يراه ، وتمنّى لو أن قريشاً قد تمكنت منه ووضعت حداً لحياته ولدينه ومن ثم اعتبر قدومه شراً مستطيراً.

إلا أن الجميع اعتبروه شخصاً متميزاً ، وبطلاً وقف أمام ضغوط بطون قريش الثلاثة والعشرين طيلة اثني عشر عاماً ، فتولدت حالةً من الإنبهار العام بشخصه ، جعلت الجميع يتلهفون على مشاهدته ، وأخفي الكارهون له ولدينه و لقدومه مشاعرهم ، وأظهروا كياسة وحسن ضيافة ، وخرجت يثرب ومن حولها عن بكرة أبيها تستقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمشاعر الأعجاب والإحترام ، وعرض العديد من الوجهاء على النبي أن يحل ضيفاً عليهم ، ومن جملتهم عبد الله بن أبي زعيم المنافقين ، فقطع النبي تنافسهم ، بأن أخبرهم أن ناقته مأمورة بأن تبرك في مكان معين ، وأنه سيحل في ذلك المكان (1).

2 - يمكن تصنيف القوى الفاعلة إجتماعيا في يثرب عند قدوم النبي إليها إلى ثلاثة أصناف :

ص: 47


1- الكامل في التاريخ : 2 / 109 - 110 ، تاريخ الطبري : 2 / 396 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 41

الأول - المسلمون ، وهم فريقان أولهما - المهاجرون ، وهم الذين أسلموا من سكان مكة ، وهاجروا قبل النبي أو بعده ، وكان أكثرهم من بطون قريش ، وبعضهم من الموالي الذين إمتحن الله قلوبهم للإيمان كعمار بن ياسر. وثانيهما - الأنصار ، وهم الذين أسلموا من أهل يثرب ، وينتمون إلى قبيلتي الأوس والخزرج ، وكانت هاتان القبيلتان تعيشان التنافس على السيادة ، مما جرى عليهما المتاعب والويلات ، وغرس في نفوس المنتسبين إليهما بذور الحسد والحقد ، وأوجد حالة من التآكل الداخلي في المجتمع اليثربي الذي تشكل القبيلتان أسه وقوامه ، وشعوراً عميقاً بالحاجة إلى حلّ يأتي من خارج يثرب ، وسعت كل قبيلة منهما لتبني هذا الحلّ ، ولتكون لها اليد الطولى بإيجاده ، وهذا يفسّر السرعة الهائلة التي انتشر بها الإسلام في يثرب وما حولها.

الصنف الثاني - القبائل اليهودية التي تسكن المدينة وما حولها مع الأوس والخزرج ، وقد ارتبطت مع هاتين القبيلتين بأحلاف عشائرية ، وتعاطت التجارة واحتكرتها ، وتمركزت لديها رؤوس الأموال ، وتعاملت بالربا ، ومارست إذكاء نار الفتنة بين قبيلتي الأوس والخزرج ، وكونت لنفسها نفوذا هائلاً ، ولكنها لم تفكر بالسيادة على يثرب ، لإحساسها بأنها عنصر أجنبي لا يقبل اليثاربة حكمه ، ومن أهم القبائل اليهودية في يثرب بنو قينقاع، وبنو النضير ، وبنو قريظة .

الصنف الثالث - وهم الذين تظاهروا بالإسلام من أهل يثرب ، بعد أن بعد أدركوا أن معارضة النبي والدين الجديد هي بمثابة انتحار سياسي يجر على صاحبه سخط العامة ، والعزل التام عن مواقع القيادة والتوجيه ، فتفتقت ذهنياتهم المريضة عن إظهار الإسلام وإبطان الكفر.

ولقد صار النفاق من أعظم المشكلات التي واجهت النبي ومن والاه ، وقد تحول المنافقون إلى قوة رهيبة ، إلا أنها كانت ملجومة بقيادة النبي الحكيمة وبوجوده المبارك.

ص: 48

والغريب أنه بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جوار ربه ، وإقصاء أهل بيت النبوة عن دائرة التأثير والقيادة ، هنالك اختفت كلمة النفاق وتبخر المنافقون تماماً ،وكأنهم كانوا ينتظرون رحيل النبي ليصلحوا أنفسهم في طرفة عين ، وليعلنوا ولاءهم المطلق للسلطة التي خلفت النبي !

3 - استقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وطنه الجديد ( المدينة المنورة وما حولها) وبرزت عملياً أركان الدولة الإسلامية ، وتولى النبي زمام المبادرة لتوجيه هذا البروز بحكمة وكفاءة عالية ، وبدون ضجة إعلامية ، وقامت بذلك دولة المواجهة المستقبلية على أربعة اركان ، وهي : الركن الأول : السلطة أو القيادة السياسية ، متمثلة بقيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الرسول الذي اختاره الله تعالى لتبليغ رسالته ، وعينه ولياً وإماماً،وجعل طاعته والقبول بشرعية قيادته جزءاً لا يتجزأ م-ن دي-ن الإسلام . وقد أحيط سكان يثرب علماً بالخطوط العريضة للمواجهة التي جرت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين زعامة بطون قريش طيلة الثلاثة عشر عاماً المنصرمة قبل الهجرة ، وفهموا أن النبي قد أعلن علياً بن أبي طالب ولياً لعهده . فالإمام أو رئيس السلطة معروف ونائبه معروف .

ومن الطبيعي أن يتولى الإمام القائد توزيع المسؤوليات ، وأن يستعين بمن يراه مناسبا لتحقيق الغاية الشرعية من وجود السلطة.

الركن الثاني - الشعب ، وهو يضم الفئات التالية :

أولا - المسلمون الصادقون من المهاجرين والأنصار ثانياً - الذين تظاهروا بالإسلام من أهل يثرب وأضمروا الكفر والكراهية للنبي وأهل بيته ومن والاهم ، وهم ( المنافقون ).

ثالثاً - أصحاب المصالح الذين كرهوا قيادة النبي وكرهوا دينه ، ولكنهم حرصاً على مصالحهم ، وحتى لا يسبحوا بمواجهة التيار العام ، تظاهروا بقبولهم لقيادة محمد صلى الله عليه وآله وسلم للمجتمع الجديد ، وهم .اليهود وبهذا يتضح أن سكان يثرب ونواحيها رضوا بمحض اختيارهم العلني أن يكونوا شعباً للسلطة الجديدة ، وقبلوا أو تظاهروا بالقبول بكافة ترتيبات

ص: 49

هذه السلطة بدون ضغط ولا إكراه ، وهذا عين ما تمنت-ه كل دولة متحضرة طوال التاريخ. الركن الثالث - السلطة التشريعية أو المنظومة الحقوقية.

المسلمون الصادقون من المهاجرين والأنصار كانوا يؤمنون بأن الحل لما ينجم بينهم ، أو بينهم وبين غيرهم ، يكمن في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهما القانون النافذ الذي ينظم العلاقة بين أفراد الأمة، وبين الأمة والسلطة ، وبين الكيان السياسي للأمة وغيره من الكيانات.

والمنافقون كانوا يتظاهرون بقبول ذلك أيضاً ، وأصحاب المصالح من اليهود كانوا يعلنون أنه لا مانع لديهم من ذلك ، وأنهم يقبلون بكل الترتيبات التي يضعها محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

أي أن كل أفراد الشعب قبلوا أو تظاهروا بقبول القانون النافذ المتمثل بالقرآن الكريم وبسنة النبي وتوجيهاته ، وهذا أقصى ما تطمع الدول بتحقيقه. الركن الرابع - الوطن أو الإقليم ، وهو المدينة المنوّرة من حيث المبدأ ، لكنه غير محدّد بها ، لأن الأرض كلها لله ، ومحمد هو رسوله المكلف بتبليغ رسالة ربه إلى بني البشر كافة ، فكلما أسلم قوم أصبحوا آلياً من رعايا دولته، وأصبحت أرضهم جزءاً لا يتجزأ من أراضي الدولة الإسلامية ، ومن هنا فإن الدولة الإسلامية معدة لتكون دولة عالمية ، تفرض سلطتها على العالم كله وتنتظم جماعات الجنس البشري كلها ، لتكون شعباً لهذه الدولة.

الهوامش :

(1) الكامل في التاريخ : 2 / 109 - 110 ، تاريخ الطبري : 2 / 396 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 41 .

ص: 50

الفصل الثاني : المواجهة المسلحة

1 - بالهجرة اختلفت الأمور تماماً ، فالإسلام أصبحت له دولة ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم يترأس كياناً سياسياً أكثر تنظيماً واستقراراً من الكيان السياسي الذي تتوزع زعامة البطون القرشية رئاسته ، ولم يعد أتباع محمد ضعفاء يخافون أن يتخطفهم الناس ، بل صارت لهم دولة تحميهم ووطن يأويهم ويدافعون عنه.

وما أن رتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأوضاع الداخلية لكيانه السياسي حتى بدأ بإرسال الإشارات المتلاحقة إلى زعامة بطون قريش ، لإشعارها بأن الأمور قد تغيرت وأن طريق تجارتها إلى الشام أصبح تحت سيطرته ، فإن شاء تركها تمر وإن شاء منعها ، ومن الخير لها أن تفاوضه ، فهو لا يطمع بالكثير ، وليس له سوى مطلب واحد ، وهو أن تخلي قريش بينه وبين العرب يدعوهم إلى دينه بلا إكراه ، وليس كثيراً على قريش أن تجيبه إلى طلبه ، فإن اليهود والنصارى كانوا يدعون الناس إلى دينهم ، ولا تعترضهم بطون قريش ، بل إن عبدة الأصنام يتمتعون بذات الحق أيضاً فلماذا لا تعامل قريش ابنها محمداً وتخلي بينه وبين العرب ، كم-ا ع-املت أصحاب بقية الأديان ؟

أرسل النبي سبع سرايا عسكرية خلال أحد عشر شهراً لاعتراض قوافل قريش التجارية ، إبتداءً من الشهر السابع للهجرة وانتهاء بالشهر السابع عشر، وقد قتل في السرية الأخيرة من المشركين عمرو الحضرمي وأسر صاحباه (1)، ولكن قريش مضت بتجاهلها للنبي ، وتجاهلها للواقع ، وأصرت على أن لا تفاوضه أو تتحدث معه بأي شكل من الاشكال .

ص: 51


1- مغازي الواقدي : 1 / 9 - 14

2 - في المرة الثامنة خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لإعتراض قافل-ة قريش القادمة من الشام بقيادة أبي سفيان ، الذي علم بخروج النبي ، فغير القافلة ، وأرسل إلى بطون قريش يستنفرها لحماية أموالها ، فقررت مسير البطون أن تخرج كلها هذه المرة ، وأن تشترك في النفقات ، فجهزت جيشاً بقيادة أبي جهل (1) ، وبدأت زحفها الآثم على رسول الله وهدفها المعلن هو حماية الأموال والقافلة ، إلا أنها اضطرت أن تصرح بهدفها الحقيقي بعد أن نجت القافلة وأرسل أبو سفيان لقريش رسالة يقول فيها : ( إنما خرجت-م لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجاها الله ، فارجعوا )(2)، فأصر أبو جهل على محاربة المسلمين وقال : ( والله لا نرجع بعد أن مكننا الله منهم ، ولا نطلب أثراً بعد عين ، ولا يعترض لعيرنا بعد هذه أبداً ) (3).

سمع النبي وأصحابه بإفلات القافلة وبخروج قریش بخيلها ورجلها وتصميمها على الوصول إلى بدر ، فاتخذ النبي بمشورة أصحابه أفضل المواقع وسيطر على الماء ، وعباً أصحابه ، وكانت راية المهاجرين مع علي بن أبي طالب وراية الأنصار سعد بن عبادة (4)، وأمرهم أن لا يسلّوا السيوف حتى يغشاهم المشركون، وبين لهم أن رجالاً من بني هاشم قد أخرجوا كرهاً، وأوصاهم ( فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله )(5)، وكانت زعامة البطون على علم بحقيقة مشاعر الهاشميين في مكة عندما أكرهتهم على الخروج ، إذ قالت : ( والله لقد عرفنا يا بني هاشم خرجتم وإن معنا أن هواكم مع محمد )(6).

التقى الجيشان ، فرفع أبو جهل يديه بالدعاء وقال بخشوع مصطنع : (اللهم أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا يعرف ، فاحنه الغداة ) (7)، ورفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يديه إلى السماء ودعا ربه : ( اللهم إنك أنزلت عليَّ الكتاب وأمرتني بالقتال ، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد ، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها ، تحادّك وتكذب رسولك ، اللهم نصرك الذي وعدتني ، اللهم أحنهم الغداة ) (8) .

ص: 52


1- مغازي الواقدي : 1 / 32 - 43
2- تاريخ الطبري : 2 / 438
3- مغازي الواقدي : 1 / 61
4- تاريخ الطبري : 2 / 431
5- تاريخ الطبري : 2 / 450
6- تاريخ الطبري : 2 / 439
7- تاريخ الطبري : 2 / 449
8- مغازي الواقدي : 1 / 59

تقدم عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد للمبارزة ، ونادى مناديهم :

يا محمد أخرج لنا الأكفاء من قومنا . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

(يا بني هاشم ، قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم ، إذ جاؤا. بباطلهم ليطفئوا نور الله ) ، وكلّف حمزة وعلياً وعبيدة بن الحارث أن يخرجوا للمبارزة ، فكانت النتيجة أن قتل المشركون الثلاثة ، وقطعت ساق عبيدة ، فحمل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله ، ألست شهيداً ؟ قال : بلى ، قال : أما والله لو كان أبو طالب حياً لعلم أني أحق بما قال حين قال :

كذبتم وبيت الله نخلي محمداً* ولما نطاعن دونه وتناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله *ونذهل عن أبنائنا والحلائل (1)

صعقت بطون قريش لهذه النتيجة واهتزت ، وشهر أبو جهل سيفه وحرض المشركين على الهجوم العام ، والتحمت الفئتان ، فتة قليلة مؤمنة ، وأخرى كثيرة مشركة وأبلى الحمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله بلاء حسناً ، وقاتل الإمام علي بقدرة تفوق الوصف والتصور ، حتى لفت أنظار أهل الأرض وأهل السماء ، فنادى ملك من السماء : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي(2).

لقد تألق نجم ولي العهد في بدر ، وأدرك الكثير أن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، فقد أثخن علي في المشركين ، وقتل هو وحمزة وحدهما نصف ما قتل من المشركين ، ومما يدعو للعجب أن بطولة عليّ صارت مسبة له ، سيلة للتحريض عليه ، وإبعاده عن حقه بالإمامة من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعد عشرين سنة يقول عمر بن الخطاب لسعيد بن العاص : ) إني لأراك معرضاً ، تظن أني قتلت أباك ، والله ما قتلت أباك ) ، يريد أن يذكره بأن الذي قتل أباه في بدر هو علي بن أبي طالب .

وانجلت معركة بدر بهزيمة بطون قريش هزيمة منكرة ، وبقتل سبعين رجلاً من أفضل رجالات البطون ، وبأسر مثلهم ، وعلم العرب بنتائج المعركة ،

ص: 53


1- مغازي الواقدي : 1 / 68 - 70
2- الرياض النضرة للطبري : 155/3 ، المرقاة لعلي بن سلطان : 5 / 567 ، کنز العمال للمتقي الهندي : 5 / 723 ، تاريخ الطبري 2 / 514

وأدركوا أن قوة خارقة تدعم محمداً ، وأن دينه أصبح واقعاً مفروضاً ، وأن طريقه هو طريق النصر والمجد.

3 - كان الحسد هو الدافع الأساسي لعداوة بطون قريش للنبي صلى ا عليه وآله وسلم ولبني هاشم ، وكراهيتها أن يتميز عليها الهاشميون بميزة لا تستطيع الإتيان مثلها وهي النبوة ، وأما بعد معركة بدر وم-ا س-ال فيه-ا م-ن دماء المشركين ، فقد أضيف دافع آخر للعداء وهو الحقد على محمد وآله : الذي امتلأت به نفوس البطون ، وظل ينمو فيها على الأيام ، ولم يفارقها لحظة واحدة .

كيف يمكن لأبي سفيان أن يحب عليا وقد قتل ابنه وعمه ؟! وكيف يمك--ن لمعاوية أن يحب عليا وقد قتل شقيقه وجده وخاله وابن خاله وعمومته ؟! وكيف يمكن لخالد بن الوليد وعثمان بن عفان والوليد بن عقبة بن أبي معيط أن يحبوا الحمزة وعليا ، وسيوفهما تقطر ب-دم الآباء والأعمام والأخوال ؟! يسهل التصور أن يحبوا النبي ، ويصعب التصور أن يحبوا آل النبي ، لقد لاحقهم الوتر ، وأورثوه لذرياتهم ، وكتب على أهل بيت محمد طوال التاريخ أن يدفعوا ضريبة باهضة لانتمائهم الصادق لمحمد ولدين محمد النفس البشرية ليست زراً كهربائياً تضيء وتطفاً بحركة ، إنها عالم من العواطف والإنفعالات ، وإنه من المتعذر على الإنسان عملياً أن يحب من قتل ابنه أو أباه أو أخاه أو أحد أقاربه ، وإن كان الذي قتلهم إنما قتلهم على الإيمان وجهاداً في سبيل الله ، لكن هذا كله لا يمنع إنفعالات النفس البشرية وثورة أشجانها من حين إلى حين ، فمحمد هو الآمر ، وعلي والحمزة هما المنفذان اللذان نكلا بالبطون.

وأكثر بطون قريش بغضاً للنبي وآله هم ( بنو أمية ، بنو امية ، وبنو المغيرة ، وبنو مخزوم ) ، هكذا رتبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم (1)، وهذا النص علاوة على أنه صادر عمن لا ينطق عن الهوى ، يمثل قراءة دقيقة لوقائع الأمور ؛ فأكثر القتلى في بدر كانوا من هذه البطون الثلاثة ، والمتنافسون على

54

ص: 54


1- المستدرك للحاكم : 4 / 487 ، كتاب الفتن لأبي نعيم : 1 / 131 ح 319 ، کنز العمال : 11 / 169 نقلاً عن معالم الفتن - سعيد أيوب - : 1 / 403

زعامة بطون قريش هم سادات تلك البطون الثلاثة ، وحسب حسابات هذه البطون ، فإنها الأكثر تضرراً من النبوة الهاشمية والتميز الهاشمي.

الذين قتلوا من بطون قريش تركوا جراحاً نازفة في قلوب ذويهم ، سواء من بقي على الشرك منهم ومن أصبح من أتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، كان من أصحاب محمد ، وأبوه وأخوه كانوا من أركان البطون ، وقد شاهدهم بأم عينيه يتجرعون كؤوس الموت أمامه ، فبقى موتهم غصة في نفسه - رغم إسلامه - وقد عبّر بصورة عفوية وبتصرف لا شعوري عن أحاسيسه الدفينة حينما سمع النبي يطلب من أصحابه أن لا يتعرضوا لأحد من بني هاشم لأنهم أكرهوا على الخروج ، فقال بنحو لا إرادي : ( أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ، ونترك العباس عم النبي !؟ والله لئن لقيته لألجمنه السيف )(1). ومثل حذيفة حذيفات ، فهل يعقل أن يقتل خال عمر بن الخطاب ، وأولاد عمومة أبي بكر ، وعمومة عثمان ، ولا يترك قتلهم غصات في قلوب ذويهم ؟ غاية الأمر أن حذيفة صادق وعفوي فلم يخف مشاعره ، بينما غيره يتمتع بقدر من الدهاء وضبط الأعصاب ، فيخفي مشاعره رغبة أو رهبة ، ولكنها لن تختفي إلى الأبد ، ومن الممكن بكل المعايير الإنسانية أن هذه تتهيج المشاعر كلما شاهدوا علياً أو الحمزة أو النبي أو أحداً من بني هاشم.

لقد ظل الحقد يعتمل في قلوب ذوي المقتولين ، ولم تهدأ جراحهم بموت النبي ولا بقتل حمزة ولا بموت علي ، وانما بقيت نازفة يورثها الآباء للأبناء ، فعندما جىء برأس الحسين ورؤوس الطيبين من أهل بيت محمد بعد مذبحة

كربلاء ووضعت بين يدي يزيد بن معاوية ، تمثل بقول ابن الزبعرى :

قد قتلنا القرم من ساداتهم *وعدلنا ميل بدر فاعتدل

لست من خندف إن لم أنتقم* من بني أحمد ما كان فعل (2).

فبعد 58 عاماً يُعرب حفيد أبي سفيان وهن-د عن مشاعره الدفينة ويغمره الفرح والسرور بقتل الحسين عليه السلام كما غمر أباه وأجداده عندما قتل الحمزة وعلي والحسن.

ص: 55


1- تاريخ الطبري : 2 / 450
2- الفتوح لابن أعثم : 241/5 ، مقتل الخوارزمي الحنفي 2 /59

ولم يقصر الحاقدون حقدهم على محمد وآل محمد ، بل حقدوا على ك--ل الموالين لهم ، فبعد مرور 58 عاماً على وقعة بدر أرسل مسلم بن عقبة رؤوس المتمردين على يزيد بن معاوية من أهل المدينة ، فلما القيت الرؤوس بين يديه، جعل يتمثل بشعر ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا *جزع الخزرج من وقع الأسل

الأهلوا واستهلوا فرحاً *ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

لعبت هاشم بالملك فلا* ملك جاء ولا وحي نزل (1).

وبالإجمال : فإن نجاح النبوة الهاشمية ، وتأكد التميز الهاشمي ، والجراح التي نتجت عن قتلى معركة بدر ، والغصص التي تجرعها الذين اتبعوا محم-دا م-ن بطون قريش ، تركت بصماتها على التاريخ الإسلامي كله ، وظلت تعتمل في النفوس ، وكانت من أبرز الأسباب التي قوّضت النظام السياسي الإسلامي ، وأفرغته من مضمونه ومحتواه ، وأخرجت المنظومة الحقوقية الإلهية من دائرة التأثير.

4 - كانت النتائج المذهلة وغير المتوقعة لمعركة بدر صدمة عنيفة لبطون قريش ، وليهود المدينة ، وللمنافقين ، وكان البيت الأموي عامة وأبو سفيان خاصة من أكثر البطون إحساساً بالنكبة والفجيعة ، فقد قتل منهم في بدر أحد عشر سيداً من سادات الوادي على حد تعبير أبي سفيان ، منهم حنظلة الابن البكر لأبي سفيان .

وأمام ضغط الأسرة وفيض مشاعر الحقد والاحباط حرّم أبو سفيان على نفسه الدهن حتى يثأر من محمد ، ثم خرج مع مجموعة من أربعين أو مئتي فارس ، ودخل المدينة ليلاً ، ونزل في بيت سلام بن مشكم اليهودي ، واستقصوا أخبار النبي ، وخرجوا مع الفجر فقتلوا رجلاً من الأنصار وأجيراً له وأهلكوا حرثه، وأحرقوا بيتين وأهلكوا حرثاً بالعريض ، ثم ولّوا مدبرین(2).

واعتقد أبو سفيان أنه قد تحلل من يمينه ، وأنه قد أوصل بنفسه رسالة ضمنية لمحمد وآل محمد بأن الثأر والانتقام لقتلى بدر قدر لا مفرّ منه.

ص: 56


1- العقد الفريد لابن عبد ربه : 4 / 390 ، تاریخ ابن كثير : 8 / 224
2- مغاوي الواقدي :181/1طبقات ابن سعد:30/2

كانت العير التي رجعت من الشام موقوفة في دار الندوة ، لم توزّع بسبب غيبة البطون في بدر ، فاجتمعت زعامة البطون في دار الندوة ، واتفقت على تخصيص كامل هذه العير لتجهيز جيش يقوده أبو سفيان للهجوم على المسلمين ، وشكلت أربعة وفود لتسير في العرب وتطلب منهم النصر ، وكانت هذه الوفود برئاسة عمرو بن العاص ، وهبيرة بن وهب ، وابن الزبعرى، وأبي عزت الجمحي . وبالفعل تحرك-ت ه-ذه الوفود الأربعة ، وحققت نجاحاً بتأليب العرب وجمعهم لقتال محمد صلى الله عليه وآله وسلّم. ولكي تتذكر البطون قتلى بدر ، فلا ترجع حتى تدرك ثارها أو تموت

دونه ، قرروا إخراج النساء معهم ، ولقد لقي هذا القرار معارضة في البداية لكن هنداً زوجة أبي سفيان تصدت للمعارضين ، وأصرت على خروج الحريم ليشهدن القتال والثأر للأحبة الذين قتلهم محمد وآله (1).

ولما أجمعت قريش على الخروج كتب العباس بن عبد المطلب كتاباً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخبره فيه بأن قريشاً قد أعدت للهجوم علي-ه بثلاثة آلاف مقاتل (2).

تحرك جيش المشركين حتى وصل إلى منطقة جبل أحد جنوب المدينة ، فاجتمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه للمشاورة ، وكان رأي النبي وبعض المسلمين أن يتحصن المسلمون في المدينة ، فإن دخلها عليهم المشركون قاتلوهم في الأزقة ، وهم أعلم بها من المشركين ، ورموهم من فوق الأبنية ، ولكن الأكثرية رأت الخروج لملاقاة العدو ، خشية أن يفسر البقاء في المدينة بالجبن ، فاستجاب النبي لرأي الأكثرية ، وأمرهم بالإستعداد للخروج ، ولبس عدة الحرب ، وشعر الأكثرية بأنهم أكرهوا الرسول على الخروج فندموا وقالوا : يا رسول الله ما كان لنا أن نخالفك ، فاصنع ما بدا لك.

فقال : ( دعوتكم فأبيتم ، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه ) .

ص: 57


1- مغازي الواقدي : 1 / 199 - 202
2- مغاوي الواقدي : 1 / 203 - 204

ودفع النبي لواء المهاجرين إلى علي ، ولواء الخزرج إلى سعد بن عبادة ، ولواء الأوس إلى سعد بن معاذ ، وأرجع اليهود الذين خرجوا معه ، وانصرف عبد الله بن أبي ومن والاه .

سار النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى وصل إلى جبل أحد ، فجعل الجبل خلف ظهره، واستقبل المدينة ، وأمر خمسين من الرماة بالمرابطة على جبل أحد ، وقال لهم : ( أحموا لنا ظهورنا ، فإنا نخاف أن نؤتى من ورائنا ، وألزموا مكانكم لا تبرحوا منه ، وإن رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل معسكرهم فلا تفارقوا مكانكم ، وان رأيتمونا نقتل فلا تعينونا ولا تدافعوا عنا ، وأرشقوا خيلهم بالنبل ، اللهم إني أشهدك عليهم ) ، ثم وقف أمام اصحابه ونهى أن يقاتل أحد حتى يأمره (1).

التقى الجيشان ، وبرز من صفوف المشركين طلحة بن أبي طلحة وصاح ، هل من مبارز ؟ فانبرى له علي عليه السلام ، واختلفا بضربتين ، وأص-اب علي رجل طلحة فقطعها ، فكان بذلك مقتله ، فسرّ رسول الله وكبّر ، وكبر المسلمون ، ثم هجموا على المشركين(2).

وقتل علي حملة لواء المشركين وكانوا ثمانية ، فحمل اللواء عبد لهم ، فألحقه الإمام علي بهم (3)، وعلى اثر صولات علي والحمزة انكشف المشركون منهزمين ، والمسلمون يلاحقونهم حتى أجلوهم عن معسكرهم ، وكان الرماة الذين أوصاهم النبي بالبقاء على الجبل يشاهدون ذلك ، فلما رأوا المسلمين يحوزون الغنائم من معسكر المشركين ، تركوا مواقعهم وانطلقوا إلى المعسكر يبغون الإشتراك في المغنم ، ولم يبق على الجبل إلا عشرة فاستغل خالد بن الوليد هذه الفرصة ، فهجم على الجبل ومعه عكرمة، وقتلوا من بقي من الرماة ، وهجموا على المسلمين ، وقلبوا موازين القوى ، وفوجىء المسلمون بما حدث ، وأخذ بعضهم يضرب بعضاً ، وفرّعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهما (4).

وزاد الطين بلة أن المشركين تمكنوا من الغدر بحمزة فقتلوه ، وأُشيع أن النبي قد قتل ، فزلزل المسلمون زلزالاً شديداً ، وصبر الإمام علي عليه السلام

ص: 58


1- مغازي الواقدي : 1 / 210 - 225
2- نور الأبصار : 177 ، مغازي الواقدي : 1 / 226
3- تاريخ الطبري : 2 / 513 ، سيرة ابن هشام : 3/ 83 ، الرياض النضرة للطبري : 2 / 172، المجمع للهيثمي : 6 / 114
4- مغازي الواقدي : 1 / 237

وقاتل دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتالا يفوق التصور ، حتى قال ابن إسحاق : كان الفتح يوم أحد بصبر علي (1)، وكان من الذين ثبتوا أيضاً سعد بن عبادة والمقداد والحباب بن منذر وكعب وأبو دجانه وسهل بن حنيف.

احتاج المسلمون إلى وقت حتى أعادوا تنظيم أنفسهم ، وعاد الذين فروا من القتال إلى الميدان ، وأحس المشركون بأنهم قد ثأروا لقتلاهم في بدر ، فقد قتلوا 70 رجلا من الأنصار وأربعة من المهاجرين منهم حمزة عم النبي وجناحه وأصيب النبي في جبهته ورباعيته وشفته ، ورأوا أن من حسن التدبير أن يحافظوا على بريق هذا النصر ، فانسحبوا من المعركة ، وأقبل المسلمون على قتلاهم ، وكان أول من أحضر حمزة ، فصلى عليه النبي أربعاً ، ثم جمع إليه الشهداء ، وكلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة ، فصلى علي-ه وع-ل-ى الشهداء ، حتى صلى عليه سبعين مرة(2).

من المؤكد أن بطون قريش قد انتصرت في معركة أحد ، ولكن من المؤكد أيضاً أن المسلمين لم ينهزموا لقلة عددهم ، فقد انتصروا في معركة بدر رغم قلة العدد ، وإنما يكمن سبب هزيمتهم في مخالفتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم البقاء في المدينة أولاً ، وبعدم الثبات على المرابطة في الجبل ثانياً ، وطوال التاريخ الإسلامي كان مكمن الكوارث والنكبات التي حلت بالأمة الإسلامية هو مخالفة الرسول ، وإعتماد الرأي بدلاً من النص.

5- أحدثت هزيمة المسلمين هزة في التركيبة الهشة لمجتمع المدينة وما حولها، وأشاع اليهود أن محمداً طالب ملك ، وأنه لم يصب نبي قط في بدنه بهذا النحو ، وتنمّر المنافقون وأخذوا يثبطون عزائم الناس ويبثون الأراجيف .

أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ترك الأمور على ما هي عليه دون اتخاذ إجراء عاجل سيضاعف هزة المجتمع اليثربي ، ويكون ضربة معنوية يصعب التنبؤ بآثارها ، فأصدر أوامره بالاستعداد للخروج لملاقاة بطون قريش غداً ، وبعد صلاة الصبح نادى مناديه : ( إن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم ، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس ) ، وخرج المسلمون

ص: 59


1- فضائل الخمسة : 2 / 356
2- مغازي الواقدي : 1 / 309 - 319

حتى وصلوا إلى حمراء الأسد فعسكروا هناك ، وكان معسكر قريش بالروحاء، وهوّل معبد الخزاعي الأمر لبطون قريش ، فأخبرهم أن محمداً وأصحابه يتحرقون على قريش بمثل النيران ، ( وقد اجتمع حوله الأوس والخزرج وتعاهدوا أن لا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم ) .

ذهل أبو سفيان وأركان حربه من سرعة إعادة النبي لتنظيم صفوف أصحابه ومن رده العاجل ، وأدركوا أنهم إذا اصطدموا معه في هذه الحال فسوف يهزمهم حتماً ، ومرّ بأبي سفيان نفر متوجهين إلى المدينة . فوعده--م بمكافأة إذا أخبروا محمداً بأن بطون قريش قد أجمعت على الرجوع إليه ، وكان يريد بذلك أن يضمن توقف النبي عن ملاحقته ، ثم أصدر أوامره بالعودة إلى مكة فوراً(1).

لقد كانت حر حركة النبي حركة بارعة ، أعادت الروح المعنوية للمسلمين ، وخطفت بريق إنتصار قريش ، فرجعت وكأنها مهزومة ، وأبلغت رسالة لليهود والمنافقين والقبائل المحيطة بالمدينة التي كانت تنتظر من يقع حتى تنقض عليه وتأكله ، ومن هنا أعلن الله تعالى رضاه عن «الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ » (2) .

6 - كانت قبيلة بني النضير اليهودية تسكن المدينة وترتبط مع النبي بعهود ومواثيق ، لكنها خططت لاغتيال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلم بالمؤامرة ، فوجه إليهم انذاراً بأن يجلوا من المدينة ، ولما رفضوا الجلاء قام النبي بمحاصرتهم ، فاستسلموا على أن يخرجوا من المدينة ولهم ما حملت الإبل واستقر معظمهم في منطقة خيبر ، ومن هناك شكلوا وفداً برئاسة حيي بن أخطب للتنسيق مع بطون قريش لحرب المسلمين ، وقال رئيسهم : ( جتنا لنحالفكم على عداوة محمد وقتاله ) ، فأجابه أبو سفيان : ( إن أحب الناسإلينا من أعاننا على عداوة محمد ) ، وتحالفوا داخل الكعبة على ( أن تكون الكلمة واحدة على هذا الرجل ( النبي ( ما بقي من بطون قريش ومن اليهود رجل )(3).

ص: 60


1- مغازي الواقدي : 1 / 334 - 340
2- سورة آل عمران : 172
3- مغاوي الواقدي : 2 / 441 - 442

تحرك الحليفان للتأليب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت النتيجة أن انضمت إليهم قبيلة غطفان وبنو سليم وبنو أسد وبنو فزارة وبنو مرة وأشجع ، وتم الاتفاق فيما بعد مع يهود بني قريظة المقيمين في المدينة وعددهم 750 مقاتلاً ، على أن ينضموا إلى التحالف ، وتكون مهمتهم الإنقضاض على المسلمين من الداخل ، وطعنهم من الخلف .

تمكنت بطون قريش أن تجمع عشرة آلاف وسبعمائة وخمسين مقاتلاً ، وهو تجمع لم تشهد الجزيرة مثله في تاريخها الطويل ، والهدف المشترك لكل الأحزاب المكونة لهذا التجمع هو القضاء على محمد ومن والاه واستئصالهم من الوجود ، ومن الواضح أن أول أوليائه هم أهل بيته الكرام (1).

كان أبو سفيان هو القائد العام لتجمع الأحزاب ، ومن أركان حربه : ابناه يزيد ومعاوية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وخالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وأبو الأعور سفيان بن عبد شمس ، وطلحة الأسدي ، وعيينة بن حصن ، وعمرو بن عبدود ، وهو أشجع وأقوى رجالات البطون ، ومن أركان حربه من اليهود : حيي بن أخطب وكنانة بن الحقي-ق وأخوه هودة وأبو عامر الراهب وكعب بن أسعد (2).

تحصن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة ، وحفر أمامها خندقاً خلال ستة أيام ، ثم جمع أصحابه وكانوا ثلاثة آلاف مقاتل ، واعطى الراية لولي عهده علي بن أبي طالب ، وانتظر قدوم الأحزاب.

كان الطريق لدخول المدينة منحصرا بالمنطقة التي قرر الرسول حفر الخندق فيها ، إذ أن ما حولها من المناطق كان حرَّاتٍ مفروشة بحجارة يتعذر على الإنسان أو الإبل أو الخيل السير فوقها ، فلما وصلت الأحزاب فوجئت بالخندق مفاجأة تامة ، وأخذت تبحث عن منفذ تدخل منه ، وجرت عدة محاولات لاجتياز الخندق قام بها كل من خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة وعمرو بن العاص، لكنها جميعاً باءت بالفشل .

ص: 61


1- مغازي الواقدي : 2 / 454 - 456
2- مغازي الواقدي : 2 / 455

وبرز عمرو بن عبدود ، وهو أقوى رجل في تجمع الأحزاب قاطبة ، ووقف أمام الخندق يتحدّى المسلمين ويدعو للمبارزة دون أن يجرؤ أحد منهم على التقدم لمنازلته مما دعاه إلى القول :

ولقد بححت من النداء* يجمعكم هل من مبارز

استأذن الإمام علي رسول الله في التقدم المبارزة عمرو ثلاثاً ، فأذن له النبي في الثالثة ، وأعطاه سيفه وعممه ودعا له بقوله : ( اللهم أعنه عليه ) والتقى الرجلان ، وثارت غبرة ، ثم لم يلبث الناس أن سمعوا التكبير فأيقنوا بأن علياً قد قتل عمراً ، فصعقت الأحزاب من هول النبأ ، وفرح المسلمون وتفاءلوا خيرا.

كان مقتل عمرو ضربة معنوية موجعة لتجمع الأحزاب ، ونصراً مؤزّراً للمسلمين ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة) (1).

لقد حسمت هذه المبارزة الموقف لصالح المسلمين ، وكفى الله بها المؤمنين القتال حقاً ، وكان ابن مسعود يقرأ : وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب (2).

كان الوقت الذي زحفت فيه الأحزاب وقت برد شديد ، وأجرى النبي مفاوضات مع زعماء غطفان الذين لم يكن لهم في هذه الحرب من مصلحة سوى ما وعدهم اليهود به من إعطائهم تمر خيبر مدة سنة (3) ، فكانوا مهيئين للإنسحاب من التجمع ، فقد أدركوا أن أملهم بالمكاسب المادية مجرد ،أحلام وفقدت البطون ثقتها باليهود بعد ما أخلفهم بنو قريظة ما اتفقوا عليه ، واكتشف اليهود أن البطون سترحل وتتركهم وحدهم أمام محمد لينكل بهم ، فانهارت بذلك أهم أسس تحالف الأحزاب ، وأكثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدعاء ( اللهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، أهزم الأحزاب ( حتى استجاب الله تعالى دعاءه في اليوم الثالث ، فعصفت الريح وز بحرت ، واضطر أبو سفيان لإلقاء كلمة حلل فيها الموقف قائلاً : ( إنكم

62

ص: 62


1- مستدرك الصحيحين : 13 / 32 ، تاريخ بغداد : 13 / 19 ، فضائل الخمسة : 2 / 357 - 360
2- فضائل الخمسة : 2 / 360 ، ميزان الاعتدال : 2 / 17
3- مغازي الواقدي : 2 / 443

والله لستم بدار مقام ، لقد هلك الخف والكراع ، وأجدب الجناب ، وأخلفنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقد لقينا من الريح ما ترون ، والله ما يثبت لنا بناء ، ولا تطمئن لنا قدر ، فارتحلوا فاني مرتحل )(1).

وهكذا تراجعت الأحزاب وهي تجر أذيال الخيبة والإنكسار ، ونحت المدينة المنورة من بطش اعظم تجمع عرفه تاريخ المواجهة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

ص: 63


1- مغازي الواقدي : 2 / 490

الهوامش :

(1) مغازي الواقدي : 1 / 9 - 14 .

(2) مغازي الواقدي : 1 / 32 - 43 .

(3) تاريخ الطبري : 2 / 438

(4) مغازي الواقدي : 1 / 61

(5) تاريخ الطبري : 2 / 431 .

(6) تاريخ الطبري : 2 / 450

(7) تاريخ الطبري : 2 / 439

(8) تاريخ الطبري : 2 / 449

(9) مغازي الواقدي : 1 / 59

(10) مغازي الواقدي : 1 / 68 - 70

(11) الرياض النضرة للطبري : 155/3 ، المرقاة لعلي بن سلطان : 5 / 567 ، کنز

العمال للمتقي الهندي : 5 / 723 ، تاريخ الطبري 2 / 514 .

(12) المستدرك للحاكم : 4 / 487 ، كتاب الفتن لأبي نعيم : 1 / 131 ح 319 ، کنز العمال : 11 / 169 نقلاً عن معالم الفتن - سعيد أيوب - : 1 / 403 .

(13) تاريخ الطبري : 2 / 450 .

(14) الفتوح لابن أعثم : 241/5 ، مقتل الخوارزمي الحنفي 2 /59 .

(15) العقد الفريد لابن عبد ربه : 4 / 390 ، تاریخ ابن كثير : 8 / 224.

(16) مغازي الواقدي : 1 / 181 ، طبقات ابن سعد : 2 / 30.

(17) مغازي الواقدي : 1 / 199 - 202 .

(18) مغاوي الواقدي : 1 / 203 - 204 .

(19) مغازي الواقدي : 1 / 210 - 225.

(20) نور الأبصار : 177 ، مغازي الواقدي : 1 / 226 .

(21) تاريخ الطبري : 2 / 513 ، سيرة ابن هشام : 3/ 83 ، الرياض النضرة للطبري : 2 / 172، المجمع للهيثمي : 6 / 114 .

(22) مغازي الواقدي : 1 / 237 .

(23) فضائل الخمسة : 2 / 356 .

(24) مغازي الواقدي : 1 / 309 - 319 .

(25) مغازي الواقدي : 1 / 334 - 340 .

(26) سورة آل عمران : 172

(27) مغاوي الواقدي : 2 / 441 - 442 .

(28) مغازي الواقدي : 2 / 454 - 456.

(29) مغازي الواقدي : 2 / 455 .

(30) مستدرك الصحيحين : 13 / 32 ، تاريخ بغداد : 13 / 19 ، فضائل الخمسة : 2 / 357 - 360 .

(31) فضائل الخمسة : 2 / 360 ، ميزان الاعتدال : 2 / 17

(32) مغازي الواقدي : 2 / 443 .

(33) مغازي الواقدي : 2 / 490 .

ص: 64

الفصل الثالث : الإعتراف بالوجود الواقعي للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم

1 - أدرك العرب وعلى رأسهم بطون قريش أن شعار ( استئصال محمد من الوجود ) وهم غير قابل للتحقيق ، وأن النبي يفرض قابل للتحقيق ، وأن النبي يفرض سلطانه ويوطده يوماً بعد يوم ، وأنه تمكن من إحكام محاصرة الطرق التجارية التي تسلكها قوافل بطون قريش الى بلاد الشام سواء عن طريق المدينة أو عن طريق العراق ، وهو مصرّ على إبقاء حالة الحصار هذه حتى تخلي بطون قريش بينه وبين العرب .

لم يعد أمام البطون سوى التسليم بالوجود الواقعي لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أكلت الحرب معه أموالها وخيرة أبنائها ، ولم تعد قادرةً على البقاء في حالة استنفار عسكري دائم ، و لم تعد تحتمل مواجهة الحصار التجاري ، أو الاستمرار بمعاداة محمد ومحاربته نيابة عن العرب ، وأدركت أن من مصلحتها الاستجابة لطلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو لا يطلب منها الكثير ، فغاية ما يطلبه أن تخلي بينه وبين العرب ، فان أصابه العرب كفوها إياه ، وان لم يصيبوه فإنه لن يتعرض لبطون قريش بالأذى لقد انتهت زعامة البطون إلى هذه القناعة وارتاحت لها ، لكنها لا تدري كيف تعبر عنها دون أن تجرح كبرياءها ، وكيف يمكنها أن تتفاوض مع محمد بعد كل الذي كان منها طوال 19 عاماً .

2 - أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن بطون قريش في حيرة مر أمرها ، وأنها تبحث جدياً عن مخرج من ورطتها يزيل حالة التوتر الدائم بين-ه وبينها بشكل يحفظ لها ما تبقى من كبريائها ، فصمم على مساعدتها وجرها باللطف إلى مائدة المفاوضات ، ولأجل ذلك اتخذ قراراً بالعمرة وزيارة البيت الحرام ، فإن حج البيت وزيارته حق مطلق لكل واحد من الناس ، فما الذي

ص: 65

يمنع محمداً بوصفه واحداً من الناس من أن يزور بيت الله الحرام ؟ وما الذي يمنع المهاجرين والأنصار من ذلك ؟

إن قريشاً عندما تعلم بأن محمداً ومن معه قد جاؤا لأداء العمرة ستندهش تماً ، وستتخذ أحد موقفين ، فإما أن تأذن لهم بأداء العمرة ، أو تمنعهم من ذلك ، فتحرج نفسها أمام العرب ، لإخلالها بواجبها نحو البيت المتمثل بحمايته وتسهيل أمور حجاجه وزواره، وعلى كل فان الإذن أو المنع لا يحصل إلا بعد تردد ومفاوضات ، وفي هذا مكسب للنبي صلى الله عليه وآله وسلمٍ ؛ إذ أن في المفاوضة اعترافاً رسمياً من البطون بوجوده بوصفه كياناً مقابلا لها .

أذاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قراره بأداء العمرة ، وأمر أصحابه بأن يتجهزوا ، على أن يخرجوا بغير سلاح إلا السيوف في الأغماد ، وخرج من المدينة معتمراً مع ( 1600 ) من أصحابه (1).

بلغ قريش خبر خروج النبي وصحبه معتمرين ومعهم الهدي ، فراعها ذلك، واتخذت الترتيبات اللازمة لمنعهم من أداء العمرة ، فوضعت العيون على الجبال لرصد تحركات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقدمت منتي فارس إلى كراع الغميم، واستنفرت من يطيعها من الأحابيش ، واستعانت بثقيف ، وخرجت بطون قريش ومعها النساء والأطفال ، وعسكر الجميع في منطقة بلدح (2).

أحيط النبي صلى الله عليه وآله وسلم علماً بقرار بطون قريش ، فاستقر في الحديبية ، فهو ليس في عجلة من أمره ، وجاءه وفد من خزاعة وهم حلفاؤه وحلفاء آبائه وأجداده ، فقال لهم : ( إنا لم نأت لقتال أحد ، إنما جئنا لنطوف بهذا البيت ، فمن صدنا عنه قاتلناه )(3) وقام الخزاعيون بتبليغ رسالة النبي لقريش التي أرسلت عروة بن مسعود ليتأكد من صحة ما نقله وفد خزاعة ، فعاد يؤكد لهم ذلك ، وهو مبهور بشخصية النبي وبعمق العلاقة بينه وبين أصحابه

ص: 66


1- مغازي الواقدي : 2 / 574
2- مغازي الواقدي : 12 / 579 - 580
3- مغازي الواقدي : 2 / 593

وجاء رئيس الأحابيش حليس بن علقمة إلى مقر رسول الله ، فشاهد الهدي عليه القلائد ، فعاد إلى قريش قائلاً : ( أما والله ما على هذا حالفناكم، ولا عاقدناكم على أن تصدوا عن بيت الله من جاء معظماً لحرمته مؤدياً لحقه ، والذي نفسي بيده لتخل-نَّ بينه وبين ما جاء به ، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد ) فقالت له زعامة البطون : ( أكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به ) (1).

كلف النبي عمر بن الخطاب ليذهب إلى قريش ، فرفض عمر الذهاب لأنه خاف من قريش على نفسه ، وعندئذ كلف الرسول عثمان بن عفان ليقول لقريش : ( إن محمداً لم يأت لقتال أحد ، إنما جاء ومن معه زواراً لهذا البيت معظمين الحرمته ، ومعهم الهدي ينحرونه وينصرفون )(2).

بعد ذهاب عثمان اشيع بأنه قد قتل ، عندئذ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه : إن الله أمرني بالبيعة ، فبايعه من معه من المسلمين ، وانتشر نبأ البيعة ، وسمعت به بطون قريش ، وأدركت أن النبي جاد ، وأنه سيقاتل إن لم يأذنوا له بدخول المسجد الحرام ، فأصيبت قريش بالرعب ، إذ أن استعدادها ينحصر في منع محمد من أداء العمرة ، ولم تكن مستعدة لقتاله فرأت أن من الخير لها أن تصالح محمداً ، وأن تعقد معه هدنة طويلة الأجل على أن ينصرف عنها هذا العام ويعود للعمرة في العام القابل ، لكي لا تفهم العرب أن محمداً دخل مكة عنوة على رغم البطون ، ولأجل ذلك اختارت قريش ثلاثة من رجالها ، وأوفدتهم للتفاوض مع النبي نيابة عنها(3).

3 - وأخيراً جلست بطون قريش ممثلة بوفدها لكي تتفاوض مباشرة مع محمد الذي لم تعترف بوجوده طوال مدة 19 عاماً ، وتمخضت المفاوضات عن كتابة صلح الحديبية الذي كان من أهم بنوده :

أولاً - وضع الحرب عشر سنين ، يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض .

ثانيا- من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل ، ومن أحب ان يدخل في عهد قريش وعقدها فعل .

ص: 67


1- مغازي الواقدي : 2 / 600
2- مغازي الواقدي : 2 / 600
3- مغازي الواقدي : 2 / 605

ثالثاً - يرجع محمد عام-ه ه-ذا بأصحابه ، ويدخلونها في العام القادم ، فيقيمون ثلاثاً ، ولا يحملون معهم إلا سلاح المسافر السيوف في القرب(1).

كتب عقد الصلح الإمام علي ، وأخذ كل من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسهيل بن عمرو مندوب البطون نسخة منه .

لقد أعطى اتفاق الحديبية محمدا كل ما يريده ، وجاء اعتراف البطون بحق محمد في استقطاب العرب حوله ليقلب كل المفاهيم، وليلغي دفعة واحدة آثار إعلام البطون ، وليخلق مناخاً جديداً للدعوة ، وبحالاً رحيب-اً للدولة الإسلامية ، ذلك أن الدين الإسلامي قائم على الكلمة الطيبة والإقناع وإحترام العقل ، فإذا توفرت أجواء الحرية وسمع الناس حجة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقارنوها بحجة البطون وإعلامها ، فسوف يدخلون في دين الله ، وبعد وقت يطول أو يقصر ستجد بطون قريش نفسها معزولة ، إذ أنها لم تأت بدين جديد ، وليس لديها ما تقدّمه ، ولذلك كان هذا الصلح فتحاً حقيقيا لمكة ، وهزيمة ساحقة لبطون قريش ، ونصرا مؤزّراً لدبلوماسية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

و لم يرض عمر بن الخطاب بمعاهدة الصلح التي رضي الله عنها ، واعتبرها فتحاً مبيناً ، وأمر رسوله بقبولها والتوقيع عليها ، لقد اعتبر عمر هذه المعاهدة ) دنيّة ) وقال للرسول أمام المسلمين : ( علام نعطي الدنية في ديننا ؟ ) ، وظهر الرجل مظهر من يزايد على الرسول بالدين الذي علمه الرسول إياه ! وقد أجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : ( أنا عبد الله ورسوله ) بمعنى أن الله تعالى هو الذي أمره بذلك ، وهو عبد الله يفعل ما يؤمر ، ورسول الله يتقيد بأوامر من أرسله .

وأعلن عمر أنه لو وجد أعواناً ما أعطى الدنية ، أي ما سمح بتوقيع هذا الصلح، ولقد استخف نفراً من ( أسلم ) وغضب الكثير لغضبه (2)وحاول أن يلغي المعاهدة، ولكنه لم ينجح ، ومنذ ذلك التاريخ أدرك أهمية وجود الأعوان لفرض رأيه (3).

ص: 68


1- مغازي الواقدي : 2 / 612
2- مغازي الواقدي : 2 : 606 - 608
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 15 : 24 - 25

ومن الغريب أن يصدر هذا الموقف من عمر بن هذا الموقف من عمر بن الخطاب وهو الذي رفض بالأمس أن يحمل رسالة من النبي إلى قريش معتذراً بأنه يخاف قريشاً على نفسه ! وهو نفس عمر الذي اشترك في معركة بدر و لم يثبت أنه قتل مشر ولم مشركاً أو جرحه ، وهو نفسه الذي هرب من معركة أحد ، وقد ذكره الرسول بذلك يوم أقبل عليه فقال : ( أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون عل------ى أحد ، وأنا أدعوكم في أخراكم ؟ ) (1).

وبالرغم من معارضة عمر الشديدة لصلح الحديبية وردّه على الله ورسوله، فإن أولياءه يسجلونه شاهداً على هذا الصلح ، ويؤكدون أنه وقع عليه .

وعلى أي حال فقد تغلب الرسول على الإعتراض والمزايدة ، ويوم الفتح استدعى عمر وقال له : ( هذا الذي قلت لكم ) ، فقال عمر : أي رسول الله ، ما كان فتح في الإسلام أعظم من صلح الحديبية (2).

ص: 69


1- مغازي الواقدي : 2 / 609
2- مغازي الواقدي : 2 / 624

الهوامش:

(1) مغازي الواقدي : 2 / 574 .

(2) مغازي الواقدي : 12 / 579 - 580 .

(3) مغازي الواقدي : 2 / 593 .

( 4) و (5) مغازي الواقدي : 2 / 600 .

(6) مغازي الواقدي : 2 / 605 .

(7) مغازي الواقدي : 2 / 612.

(8) مغازي الواقدي : 2 : 606 - 608 .

(9) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 15 : 24 - 25 .

(10) مغازي الواقدي : 2 / 609 .

(11) مغازي الواقدي : 2 / 624 .

ص: 70

الفصل الرابع : الانتصار الأعظم ( فتح مكة )

1 - كانت الهدنة التي تمخض عنها صلح الحديبية فرصة ذهبية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ قضى خلالها على خطر اليهود ، ففتح خيبر وأم القرى وتيماء وفدك ، وصار اليهود رعايا أقلة ، وكانوا من قبل كيانات .

وعندما تم صلح الحديبية وخلت البطون بين محمد وبين العرب ، وجرى تبادل نسخ كتاب الصلح قفز الحاضرون من خزاعة وأعلنوا دخولهم في عقد محمد وعهده ، وقالوا : إنهم يفعلون ذلك نيابة عن خزاعة كلها ، ودخل من حضر من بني بكر في حلف قريش وقالوا : إنهم يفعلون ذلك نيابة عن بني بكر كلها (1) ، وكان بين خزاعة وبني بكر عداوات قديمة هدأت ولكنها لم تزل .

وكانت قبيلة خزاعة حليفة لعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولما جاء الإسلام اعتنقه الكثير من أفرادها ، وتعاطف مسلمهم ومشركهم مع النبي أثناء صراعه مع بطون قريش ، وهم أثناء صراعه مع بطون قريش ، وهم الذين أخبروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمسيرة جيش الأحزاب إليه.

وجاءت الشرارة التي أججت نار العداوة مجدداً بين خزاعة وبني بكر ي--وم هجا أنس بن زنيم الديلي رسول الله ، فسمعه غلام من خزاعة فضربه وشجّه، فثار بنو بكر واعتقدوا أنها الفرصة الملائمة للانتقام من خزاعة ، واتصلوا بحلفائهم من بطون قريش ، فقدموا لهم المساعدة بالسلاح والكراع والرجال سراً ، فشنوا على خزاعة هجوماً مباغتاً ، وقتلوا منهم 23 رجلاً،

ص: 71


1- مغازي الواقدي 2 / 612

وبهذا تكون البطون قد نقضت عملياً عقدها وعهده-ا م-ع النبي ، وألغت الهدنة، لتعود حالة الحرب بين الطرفين إلى ما كانت عليه.

وجاء وفد خزاعة برئاسة عمرو بن سالم ، يخبر النبي بما جرى ويطلب منه النصرة ، وأنشد عمرو قصيدتة المشهورة ومنها :

محمداً

اللهم إني ناشد محمدا *حلف أبينا وأبيك الأتلدا

ان قريشاً أخلفوك الموعدا *ونقضوا ميثاقك المؤكدا (1).

فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم غضباً شديداً ، ولكنه كتم غضبه وصمّم نهائياً على أن يضع حداً لوجود بطون قريش ، وأن يجبرها على الإستسلام، ولتحقيق هذا الهدف جهز الرسول عشرة آلاف مقاتل ، وخطط لأن يفتح مكة بدون إراقة دماء ، فتحرك بجيشه دون أن يعلم أحد بالجهة التي يقصدها ، ولم تشعر البطون إلا وجنود الله يحيطون بعاصمة الشرك إحاطة السوار بالمعصم .

كان أبو سفيان خارج مكة فلما عاد إليها فوجىء بسيطرة المسلمين على الموقف ، وتلقاه العباس بن عبد المطلب ، واقترح عليه أن يذهب به إلى رسول الله ليستأمن له ، ووافق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن يؤمن أبا سفيان حتى الغداة (2).

وفي اليوم الثاني اقتيد أبو سفيان إلى النبي كما يقاد الجدي(3)، وخاطبه النبي قائلاً : ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله الا الله ؟

فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد.

فقال الرسول : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟

فقال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً (4).

وتدخل العباس لإنقاذ أبي سفيان قائلاً : ويحك أسلم وأشهد ان لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك (5).

ص: 72


1- مغازي الواقدي : 12 / 1780 - 1789
2- الكامل لابن الأثير : 2 / 245 ، تاريخ الطبري 3 / 53
3- السيرة الحلبية : 3 / 19
4- سيرة ابن هشام : 4 / 45 - 46 ، تاريخ الطبري 3 / 53 - 54 .
5- سيرة ابن هشام : 4 / 46

فاضطر أبو سفيان لأن ينطق بالشهادتين لكي لا تضرب عنقه ، وبقي في دخيلته ينطوي على حقد دفين على النبي وآله ، ولقد مرّ يوماً في خلافة عثمان على قبر حمزة بن عبد المطلب ، فداس عليه برجله وقال : يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف ، أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به (1). وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على علم كامل بنفسية أبي سفيان وحقده وجديته في عداوته للإسلام ولنبي الإسلام ولأهل بيت النبوة ، وكان من الطبيعي جدا أن يلعنه لكي يكشف حقيقته للأمة ، فقد روى الإمام الحسن عليه السلام أن رسول الله قد لعن أبا سفيان في سبعة مواطن (2)ولعنه في صلاة الصبح في الركعة الثانية فقال : ( اللهم العن أبا سفيان ، وصفوان بن أمية . ..) (3).

وعن البراء بن عازب قال : أقبل أبو سفيان ومعه معاوية ، فقال رسول الله : ( اللهم العن التابع والمتبوع ، اللهم عليك بالأقيعس ) ، فقال إبن البراء لأبيه : من الأقيعس ؟ قال : معاوية(4)

2 - بفتح مكة سقطت عاصمة الشرك رسمياً ، وتلقت عقيدة الشرك ضربة قصمت ظهرها تماماً ، وتغيرت الخارطة السياسية كلياً ، فأصبحت الدولة الإسلامية هي القوة الوحيدة في بلاد العرب ، ولم يعد بوسع أحد أن يعلن عن شركه أو يجاهر بمعارضته لعقيدة التوحيد.

وكان تصرف النبي مع المغلوبين من بطون قريش بحجم خلقه العظيم ، إذ قال لقادة الشرك ومن والاهم من سكان مكة : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء )(5) والتصق نعت ( الطلقاء ) بهم ولم يقووا على التخلص منه حتى بعد أن نجح انقلابهم المشؤوم وقبضوا على مقاليد الأمور بالقوة ، وصاروا رسمياً قادة المسلمين بالقمع وقوة السلاح .

واغتنم النبي الفرصة وأراد أن يصفّي ما تبقى من أوكار الشرك ، فاتجه إلى حنين ، ومعه كثرة كاثرة من المسلمين سكرى بزهو النصر ، ففاجأهم

ص: 73


1- شرح نهج البلاغة : 16 / 136
2- شرح نهج البلاغة : 6 / 290
3- تفسير الطبري : 10 / 54 - 66 ، نيل الأوطار للشوكاني : 2 / 348 ، جامع الترمذي : 5 / 227 ح 3004
4- وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري : 217
5- تاريخ الطبري: 3 / 61 ، مغازي الواقدي: 2 / 837 ، الكامل في التاريخ: 2 / 252

عدوهم فولوا مدبرين ، ولكن النبي وأهل بيته ثبتوا حتى استعادت جموع المسلمين ،روعها ، فكرّت بعد فرّ ، وألحقت الهزيمة بعدوها (1).

ثم اتجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف آخر معاقل الشرك ، فتحصن بها أهلها ، فحاصرهم النبي ، ثم قدر أن الطائف قد سقطت عملياً ، وأن أهلها آتوه يوماً (2)فعاد إلى المدينة المنورة يغمره السرور بنصر الله والفتح ، وما أن استقر قليلاً حتى بدأت الوفود تتقاطر عليه معلنة إسلامها على يديه (3).

وخلال تلك الفترة كان النبي يتفقد ما بقي من جيوب الشرك ويرسل سراياه وبعوثه لتطهيرها وهداية أهلها ،وارتاحت نفسه الشريفة وهو يرى أن بلاد العرب قد توحدت أول مرة في التاريخ ، وبكلفة بشرية لا تتجاوز أربعمائة قتيل ، وبمدة زمنية لم تتجاوز تسع سنين ، واطمأن قلبه الطاهر وهو يرى دين الإسلام قد أصبح ديناً لكل سكان بلاد العرب.

3 - أقلقت هذه الإنجازات الهائلة مضاجع قادة الدولتين العظميين . آنذاك خاصة الأباطرة ، وأشيع أن الروم قد حشدوا جيشاً كبيراً ، فاستنفر رسول الله المسلمين ، وجهز حملة كبرى قوامها ثلاثون ألف مقاتل ، وسار بهذا الجيش في ظروف صعبة قرابة (500 ) كيلومتر حتى وصل إلى تبوك (4) ، وأخضع دومة الجندل ، ووطد سلطان الإسلام وهيبته ، وأحجم الروم عن ملاقاته بعد أن قذف الله في قلبوهم الرعب ، وحققت الحملة أهدافها النفسية، فضلاً عن الكم الهائل من العبر والأسرار ، فقد جمعت غزوة تبوك الأخيار والأشرار ، وثبت للأخيار أن الذين أجر موا يحقدون على محمد وعلى آل محمد ، وأن النبي وآله لو فتحوا أقطار الدنيا وملكوها للمجرمين ، فلن يرضوا عن محمد وآله ، هذا في الوقت الذي يتلفظ فيه أولئك المجرمون بالشهادتين ويدعون الإسلام ، وأكبر دليل على ذلك الآيات القرآنية النازلة في غزوة تبوك التي فضحتهم (5)، ومؤامرتهم الدنيئة على قتل النبي وهو يجتاز العقبة ليلاً في طريق عودته من تبوك(6). والمثير للدهشة حقاً أنهم في نفس

ص: 74


1- تاريخ الطبري 3 / 128 - 139 ، مغازي الواقدي 3 / 922
2- تاريخ الطبري : 13 / 70 ، مغازي الواقدي : 3 / 885، 922
3- تاريخ الطبري : 3 / 86 ، مغازي الواقدي : 3 / 949
4- تاريخ الطبري : 3 / 100 ، مغازي الواقدي : 3 / 989 - 1060 . 989
5- راجع هذه الآيات كما ذكرها الواقدي في المغازي : 13 / 1022 ، وما بعدها ، و 1060 وما بعدها
6- مغازي الواقدي : 3 / 1042 - 1046 .

الوقت الذي كانوا يعدّون فيه مؤامرة قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يبنون مسجداً ويرجون من النبي أن يفتحه لهم النبي أن يفتحه لهم تبركاً به (1).

ولما قيل للنبي : لِمَ لم تقتلهم ؟

قال : إني أكره أن يقول الناس : إن محمداً لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه.

فقيل : يا رسول الله ، فهؤلاء ليسوا بأصحاب .

فأجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أليس يظهرون أن لا إله الا الله؟

فقال السائل : بلى ، ولا شهادة لهم.

فقال النبي : أليس يظهرون أني رسول الله ؟

فقال السائل : بلى ، ولا شهادة لهم .

و لم يستوعب السائل ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهيت عن قتل أولئك(2).

أراد رسول صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا الصنف من الناس يتلفظ بالشهادتين ، ويمارس الأعمال التي تدل ظاهرياً على إسلامه ، وإن كانت قلوبهم منطوية على الكفر ، وأنه ليس من صلاحية النبي أن يحاكم الناس على نواياهم وما في قلوبهم ، نعم قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكشف صفاتهم للمخلصين حتى يحذرهم المسلمون فلا يقعون في أحابيلهم ، ولا ينخدعوا بمظاهرهم ، لأنهم هم العدو ، وهم الخطر الحقيقي على الإسلام والمسلمين .

ص: 75


1- مغازي الواقدي : 3 / 1042 - 1046
2- مغازي الواقدي : 3 / 1044

الهوامش :

(1) مغازي الواقدي 2 / 612 .

(2) مغازي الواقدي : 12 / 1780 - 1789 .

(3) الكامل لابن الأثير : 2 / 245 ، تاريخ الطبري 3 / 53 .

(4) السيرة الحلبية : 3 / 19 .

(5) سيرة ابن هشام : 4 / 45 - 46 ، تاريخ الطبري 3 / 53 - 54 .

(6) سيرة ابن هشام : 4 / 46 .

(7) شرح نهج البلاغة : 16 / 136 .

(8) شرح نهج البلاغة : 6 / 290 .

(9) تفسير الطبري : 10 / 54 - 66 ، نيل الأوطار للشوكاني : 2 / 348 ، جامع الترمذي : 5 / 227 ح 3004 .

(10) وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري : 217 .

(11) تاريخ الطبري: 3 / 61 ، مغازي الواقدي: 2 / 837 ، الكامل في التاريخ: 2 / 252 .

(12) تاريخ الطبري 3 / 128 - 139 ، مغازي الواقدي 3 / 922 .

(13) تاريخ الطبري : 13 / 70 ، مغازي الواقدي : 3 / 885، 922.

(14) تاريخ الطبري : 3 / 86 ، مغازي الواقدي : 3 / 949 .

(15) تاريخ الطبري : 3 / 100 ، مغازي الواقدي : 3 / 989 - 1060 .

(16) راجع هذه الآيات كما ذكرها الواقدي في المغازي : 13 / 1022 ، وما بعدها ، و 1060 وما بعدها .

(17) مغازي الواقدي : 3 / 1042 - 1046 .

(18) مغازي الواقدي : 3 / 1042 -1046 .

(19) مغازي الواقدي : 3 / 1044 .

ص: 76

الباب الثالث : مواجهة البطون للنبي بعد اسلامها

اشارة

ص: 77

ص: 78

الفصل الأول : الإمامة

1 - هناك ثلاثة عناصر أساسية لابد من توفرها لقيام الدولة الإسلامية وهي:

أولاً - الإمامة أو المرجعية أو القيادة السياسية ، ولابد أن يكون القائد ه-و الأعلم بما أنزل الله ، والأفضل والأتقى والأقدر حسب علم الله تعالى القائم على الجزم واليقين، فإن لم يكن القائد بهذه الصفات لم تكن القيادة إسلامية ، و لم تكن قادرة على تحقيق الغاية من وجودها ، وقد تمثلت هذه القيادة أول مرة بشخص النبي الأكرم صلّى النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ، لحيازته المواصفات المتقدمة بأعلى درجاتها وأكملها.

ثانياً - أن تكون التشريعات أو القوانين الإلهية التي أنزلها الله تعالى على محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم هي النافذة والمتحكمة في تصرفات المجتمع والدولة على جميع الأصعدة ، فإذا طبق بعض القانون الإلهي وأهمل بعض ، لم تتحقق الغاية من وجوده .

ثالثاً - أن تقبل الجماعة المسلمة بالعنصرين المتقدمين معاً ، وإما إذا قبلت بأحدهما دون الآخر ، فإنها لن تكون مجتمعا إسلامياً ، بل شيئاً آخر بين بين ، وستدفع مثل هذه في وقت يطول أو يقصر ضريبة هذا التفريق بين العنصرين .

وأهم هذه العناصر الثلاثة هو عنصر القيادة أو الإمامة ، إذ لا أحد يفهم المقصود الشرعي من كل نص فهماً قائماً على الجزم واليقين إلا الإمام ، فهو الملجأ الذي يلجأ إليه المؤمنون لتلقي البيان الشرعي ، وهو المخوّل بإجابة الأمة عن كل سؤال ، فإذا فقدت الأمة إمامها وقائدها الشرعي ، أصبحت مثل جسد بغير رأس أو قطيع بلا راع ، ومن هنا كانت الإمامة ضرورة لا غنى عنها في كل العقائد الإلهية ، ومن هنا فقد اهتم الشارع المقدس ببيان من يتولى منصب

ص: 79

الإمامة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأمر نبيه بأن يقدمه للمسلمين إماماً وقائداً من بعده ، فأعلنت ولاية العهد للإمام علي عليه السلام في نفس الساعة التي أعلنت فيها النبوة ، بل إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بين في مواضع متعددة طريقة انتقال منصب الإمامة أو القيادة من إمام إلى إمام ؛ لأن أخطر ما يواجه الأمة بعد وفاة قائدها هو الصراع على الرئاسة .

إن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لم يحدد شخص الإمام من تلقاء نفسه ، وانما كان متبعاً في ذلك لأمر الله واختياره « إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ »(1) ، وقد كان صلّى الله عليه وآله وسلّم يؤكد للمسلمين أنه عبد الله ورسوله ، وأنه يرقب أمر الله ويصدر ويصدر عنه حتى في الأمور اليسيرة ، فكيف بأمر بمستوى خطورة الإمامة ، التي هي جزء لا يتجزأ من الدين.

ومنذ أن أعلن رسول الله ولاية العهد لعلي بن أبي طالب يوم الدار بقوله : أنت أخي وخليفتي ووصيي فيهم من بعدي ) ، لم يصدر أمر إلهي بالغاء أو هذا القرار ، فبقي ساري المفعول، بل صدرت نصوص أخرى كثيرة في مناسبات وألسنة مختلفة تؤكد نسخ هذا القرار وتوضحه ، والمسلمون يعلمون ذلك جيداً ، وبطون قريش تعلمه أيضاً.

2 - اعترضت بطون قريش على نبوة محمد ، حسداً لبني هاشم وحقداً عليهم، فقاومت رسول الله 21 عاماً ، رافضة الإعتراف بنبوته ، وإنما اضطرت البطون ، لإعلان اعترافها بالنبوة لتحقن دماءها ، بعد أن أصبح النبي قوة لا يمكن الوقوف بوجهها ، ولا يعقل فيمن هذه حالهم أن تتغير عواطفهم ومواقفهم حقيقة وواقعا بمجرد التلفظ بالشهادتين ، ومن هنا فان الذين اعترضوا على نبوة محمد وهم بطون قريش ، هم الذين اعترضوا على إمامة علي ، والذين اتحدوا لاجهاض نبوة محمد هم أنفسهم الذين اتحدوا لإجهاض إمامة علي وأهل بيت النبوة.

بعد فتح مكة وتصفية جيوب الشرك ، أدركت بطون قريش - المهاجرون منهم والطلقاء - أن النبي قد قام بترتيب أوضاع عصر ما بعد النبوة ، وإن أجل النبي قد دنا ، وأدرك المنافقون أيضاً ما أدركته البطون ، وأيقن الجميع بأن محمداً

ص: 80


1- يونس : 15

يخطط ليكون الإمام بعده ابن عمه وزوج ابنته ووالد سبطيه علي بن أبي إماماً من بعده ، وأيقنوا بأنه إذا نجح في مسعاه ، فلن تخرج الإمامة من الهاشميين إلى يوم الدين ، وبذلك سيجمع الهاشميون النبوة والخلافة معاً ، فإذا فعلوا ذلك سيجحفون على قومهم يجحا بجحا على حدّ تعبير عمر بن الخطاب(1).

لذلك لملمت البطون نفسها لمواجهة نوايا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، وحدث تقارب جدي بين الذين أسلموا من البطون قبل فتح مكة وبين الطلقاء الذين أظهروا الإسلام رهبة بعد الفتح ، فصار عثمان بن عفان وه-و م-ن المهاجرين حليفاً حقيقياً لأبي سفيان ومعاوية ويزيد والحكم بن العاص وه-م م-ن الطلقاء ، أي ان الذين أسلموا من بطون قريش قبل الفتح شكلوا جبهة واحدة مع الذين أسلموا بعد الفتح ، وصار للجميع موقف موحد من كل الأحداث .

كانت البطون تحكم بلدة مكة وفقاً للصيغة السياسية الجاهلية ، فجاء محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم لينشىء دولة عظيمة تحكم العرب ، ولم تكن هناك مصلحة لبطون قريش في أن تعترض على نبوة محمد ، مضافاً إلى عدم جدوى هذا الإعتراض ، ولأجل ذلك وجدت أن من الأفضل لها أن تعترف بحق الهاشميين الشرعي بالنبوة ، وفي مقابل هذا الإعتراف يجب أن يعترف الهاشميون بحق البطون بالملك تتداوله في ما بينها خالصاً دون الهاشميين ، وهذا هو وجه الصواب على حد تعبير منظر البطون عمر بن الخطاب(2) .

ولكن النبي محمداً لم يكن راضيا بهذه القسمة ، وكان يخطط - بأمر الله ووحيه - لإقامة إمامة يديرها إثنا عشر إماماً من أهل بيته ، يحكمون بالتتابع ، فالأفضل للبطون أن تترك محمداً وشأنه ، وأن تقيم تحالفاً حقيقياً بينها وبين الجميع بمن فيهم المنافقون ، حتى إذا انتقل النبي إلى جوار ربه حاصروا علياً والهاشميين ، وهكذا اتحدت البطون بعد الفتح ضد علي وبني هاشم لاجهاض الإمامة ، كما اتحدت ضد محمد وبني هاشم لإجهاض النبوة . وك-م-ا م-دت قيادات البطون أيدها إلى المنافقين تحقيقاً لأهدافها ، فقد تحالفت أيضاً مع طلاب المصالح من الأنصار ، ومما يلقى ضوءاً على ذلك قول عمربن الخطاب يوم السقيفة : ( فما إن رأيت أسلم حتى أيقنت بالنصر)(3).

ص: 81


1- تاريخ الطبري : 4 / 222 - 223 ، الكامل في التاريخ : 3 / 63 - 64 ، شرح النهج : 12 / 5453
2- تاريخ الطبري : 4 / 222 - 223 ، الكامل في التاريخ : 3 / 63 - 64 ، شرح النهج : 12 / 5453
3- تاريخ الطبري : 3 / 222

فمن الذي أخبر عمر بأن أسلم ستحضر ؟ وكيف عرف أن هذه القبيلة ستقف معه وتؤيد نظامه الجديد ؟

الجواب المنطقي الوحيد هو أن قبيلة أسلم كانت طرفاً في ذلك التحالف المشؤوم لاغتصاب الخلافة ، وجاءت على موعد لتأييد النظام الجديد ، فقد ضاقت بهم السكك على حد تعبير عمر بن الخطاب (1).

3 - من المؤكد أن القائد العام لهذا التحالف هو عمر بن الخطاب ، فلو شاء -

لكان عمر هو الخليفة الأول (2)، وكان أبو بكر هو النائب للقائد العام ، فهما معاً لا يفترقان في عمل ولا مسير ولا منزل (3) ، وقد آخى الرسول بينهما قبل الهجرة وبعدها ، ونال كلاهما شرف مصاهرة الرسول ، فقد زوج عمرابنته حفصة لرسول الله ، وزوج أبو بكر ابنته عائشة له أيضاً ، ومن الملاحظ أن عائشة وحفصة كانتا يداً واحدة (4) ، وكانتا معاً حتى على الرسول نفسه ، كما يدل عليه قوله تعالى :«إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ...» (5)، فالمقصود بألف الاثنين في كلمتي ) تتوبا ، تظاهرا ( هما عائشة وحفصة (6) .

ويلي أبا بكر وعمر بالأهمية : أبو عبيدة ، وعثمان بن عفان ، وطلحة وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف (7)، وكان الزبير خارج هذه الدائرة ؛ لأن هواه مع بني هاشم ، ثم غيره ابنه عبد الله ، وقد عرفوا بالنفر الذين مات رسول الله وهو راض عنهم ، على حد تعبير عمر (8)، ثم عرفوا بعد ذلك بالعشرة المبشرين بالجنة (9) . وقد ساعد هؤلاء القادة من بطون قريش، أبو سفيان ، ومعاوية ، ويزيد ، وعبد الله بن أبي سرح ، وخالد بن الوليد ، وعمرو ابن العاص ، والوليد بن عقبة ، والحكم بن العاص ، وكلهم موتور وحاقد على علي وأهل بيت النبوة ، فما من أحد عد منهم الا وقتل علي أباه أو أخاه أو ابن عمه(10).

وساعدهم من الأنصار : أسيد بن حضير ، وبشير بن سعد ، وغيرهما . ويمكن القول : إن الهدف الأساسي من هذا التحالف هو تثبيت مبدأ ( النبوة لبني

ص: 82


1- تاريخ الطبري : 3 / 222
2- تاريخ الطبري : 3 / 219 ، السيرة الحلبية : 3 / 479
3- مغازي الواقدي : 2 / 449
4- مغازي الواقدي : 2 / 708
5- التحريم : 4
6- تفسير ابن كثير : 4 / 414 - 415
7- الامامة والسياسة : 1 / 28
8- الامامة والسياسة : 1 / 28
9- نن الترمذي : 5 / 648 ، سنن أبي داود : 4س / 212 - 4649
10- الامام والسیاسه:46/1-48

هاشم ، والخلافة لبطون قريش ) والحيلولة بين الإمام علي بالذات وبين حقه بالإمامة ؛ لأن عليّاً قتل سادات قريش ، ولا تقبل به البطون إماماً حتى إذا اختاره الله نفسه (1)، والحيلولة بين أي هاشمي وبين الإمارة ؛ لأن أي هاشمي إذا تسلم الامارة سيدعو الخلافة وإمامة أهل بيت النبوة (2)، على هذا أجمعت قيادة بطون قريش ومن تحالف معها.

وقد ساد هذا التحالف روح الفريق والالتزام بالهدف ، ففي سقيفة بني ساعدة عندما قال الأنصار : لا نبايع إلا علياً ، وعلي غائب(3) ، قال أبو بكر: إني قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين : عمر وأبا عبيدة ، فبايعوا أيهما شئتم عندئذ قال الإثنان : معاذ الله أن نتقدم عليك ، ثم قفز بشير بن سعد فبايع أب--ا بكر وبايعه عمر وأبو عبيدة (4).

وعندما مرض أبو بكر مرضه الذي مات منه ، دعا عثمان ليكتب له عهداً ، فقال أبو بكر : إني قد وليت عليكم . ثم أغمي عليه من شدة الوجع ، فأتمها عثمان من تلقاء نفسه : إني قد وليت عليكم عمر بن الخطاب (5): فلما أفاق أبو بكر من غيبوبته وعلم بما فعل عثمان ارتاحت نفسه وقال له : والله لو كتبت نفسك لكنت أهلاً لها (6)

فأنت تلاحظ أن عثمان كتب اسم عمر من تلقاء نفسه ؛ لأنه يعلم أن الخليفة حسب الاتفاق عمر ، وقول أبي بكر : لو كتبت نفسك لكنت أهلاً لها، يعني أن الجميع يتصرفون بروح الفريق وضمن مخطط معلوم .

وعندما مرض عمر مرضه الذي مات منه : كان واضحاً أن الخليفة من بعده عثمان ؛ فقد كان عثمان يعرف بالرديف ، أي الرجل الذي يلي الرجل ، ولكن عمر أراد أن يتولى عثمان الخلافة ضمن ديكور خاص ، ويتولى الطاقم الذي اختاره عمر فيما بعد صد الإمام علي عن حقه في الخلافة ، إذ فتح شهية أكبر عدد من الطامعين بالخلافة ؛ ليكونوا مجتمعين فيما بعد نداً للإمام علي .

ص: 83


1- الامامة والسياسة : 1 / 16 - 17
2- اريخ الطبري : 3 / 218 - 223
3- الكامل لابن الأثير : 2 / 325
4- لكامل لابن الأثير : 12 / 330 ، تاريخ الطبري : 3 / 221
5- تاريخ الطبري : 3 / 429 ، الكامل لابن الأثير : 2 / 425
6- الرياض النضرة : 3 / 51 - 52

و لم ينس عمر أولئك الذين ساعدوه على إنشاء التحالف ، فقال متحسراً : لو كان أبو عبيدة حياً لوليته واستخلفته (1) ، وأبو عبيدة ثالث الثلاثة

المهاجرين الذين دخلوا سقيفة بني ساعدة.

وقال عمر أيضاً : لو كان خالد الوليد حياً لوليته واستخلفته(2) ، وكان لخالد جهد عظيم في تثبيت أركان حكومة التحالف ، فقد كان مع السرية التي كلفت باحراق بيت فاطمة بنت محمد على من فيه ، وهو الذي قتل مالك ابن نويرة الصحابي الذي ولاه رسول الله ، وتزوج امرأته في نفس ليلة مقتله بدون عدة (3).

ولا فرق عند التحالف بين عربي وأعجمي ؛ بدليل أن عمر بن الخطاب قال في مرضه : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته واستخلفته (4) ، وسالم هذا من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب ، وقد كانت حجة المهاجرين في السقيفة ( أن عشيرة محمد أولى بميراثه ، وأن العرب لا تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم )(5).

وقال عمر أيضاً : لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته واستخلفته(6) ، ومعاذ من الأنصار ، وحسب أقوال الثلاثة في السقيفة لم تكن الخلافة جائزة للانصار ! من هذا يتبين بوضوح أن التحالف كان يتصرف بروح الفريق الواحد ، والمهم عنده تحقيق الهدف بالحيلولة دون أن يجمع الهاشميون الملك والنبوة معاً (7).

4 - لم يكن بوسع التحالف مواجهة الرسول عن طريق الحرب ، ولم يكن بامكانه مواجهته عن طريق الحجة والمنطق ؛ لأن قيام هذا التحالف عمل مناف للمنطق ، ولم يكن بوسعه مواجهته عن طريق الشرع ؛ لأن التحالف ما قام إلا لهدم الجانب السياسي من الشرع .

إنه تحالف نشأ في الظلام، ولكن ليس بإمكان قادته أن يقفوا مكتوفي الأيدي، وهم يرون محمداً يوطد الأمر من بعده لعلي ، ويبرز الموقع المتميز لأهل بيته من بعده ، لقد أدرك قادة التحالف خطورة البيان النبوي ، وتأكيد رسول الله الدائم على أنه لا ينطق عن الهوى ، وأنه يتبع ما يوحى إليه ، فرأى قادة

ص: 84


1- تاريخ الطبري : 4 / 227
2- الامامة والسياسة : 1 / 28 و 19
3- الكامل في التاريخ : 2 / 357 - 360 ، تاريخ الطبري : 3 / 276 - 280
4- تاريخ الطبري : 4 / 227
5- تاريخ الطبري : 3 / 220
6- الامامة والسياسة : 1 / 28
7- تاريخ اليعقوبي : 2 / 123 - 126 ، تاريخ الطبري : 13 / 218 - 223 ، الكامل في التاريخ : 2 /332 - 320 33

التحالف أنهم إذا استطاعوا التشكيك بقول الرسول وبشخصيته ، فإنهم سيمكنون بذلك من ابطال مفعول البيان النبوي المنحصر في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، ومن هنا خططوا لبث سلسلة من الشائعات تتظافر على التشكيك في قول الرسول وشخصه ، وتؤكد ان من المستحيل أن يكون جميع کلام محمد من عند الله ، بقصد زعزعة ثقة الناس ببيان الرسول المتعلق بالقضايا السياسية ، ومنها قضية ولاية أمور المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، لتتوفر بذلك مبررات الانقضاض على الحكم - أثناء انشغال العترة الطاهرة بتجهيز النبي - وتنصيب خليفة من بطون قريش يجمع بيده السلطة والمال وتأييد التحالف ، ويواجهون علياً وأهل بيت النبوة بأمر واقع ، ثم تقوم السلطة الجديدة بتحويل تلك الشائعات إلى قناعات يتناقلها العامة بالوراثة ، لتصبح جزءا من الدين .

وفي ما يلي عرض لأهم تلك الشائعات :

الشائعة الأولى - أن رسول الله بشر ، يتكلم في الرضى والغضب ، فلا ينبغي أن يحمل كل كلامه على محمل الجد، ومن ثم لا يجب تنفيذ كل أقواله فضلا عن كتابتها.

والنص الحرفي لهذه الشائعة التي تستهدف التشكيك بقول رسول الله وعقله

ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص بقوله : ( كنت أكتب كل شيء ء أسمعه رسول الله أريد حفظه ، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كل شيء سمعته من رسول الله ، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضى ؟! فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله ، فأوماً بإصبعه إلى فمه وقال : أكتب : فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقاً ) (1).

من الذي يجرؤ على هذا النهي ؟ وما هي مصلحته بعدم كتابة أحاديث رسول الله ؟ وكيف يقوم بهذا العمل الخطير في حياة رسول الله دون علمه ؟ في مقدمة الاشخاص القادرين على هذا العمل الخطير عمر بن الخطاب ؛ فهو قائد التحالف ، والمعني الأول بتحقيق الهدف الذي قام التحالف لتحقيقه ، وهو مبتدع نظرية ( النبوة لبني هاشم والخلافة للبطون ) ، والشخص الثاني هو

ص: 85


1- سنن أبي داود : 3 / 318 ح 3646 ، سنن الدارمي : 1 / 125 ، مسند أحمد : 2/ 162 ، 207، 210 ، مستدرك الحاكم : 1 / 105 ، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1 / 70 - 71

أبو بكر ، فهو نائب قائد التحالف ومن المؤيدين لنظرية عمر والمقتنعين بصوابها ، ومن المؤكد أن عثمان كان شريكهما بهذا النهي ، فهو من رجال عمر المقتنعين بنظرياته ، وهو أموي وتره الهاشميون بأقاربه ، وهؤلاء الثلاثة لم يكونوا موضع شك وإتهام ، فكلهم مهاجر ، وكلهم صهر لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .

والدليل على صدور النهي عن هؤلاء الثلاثة ، وإن الإشاعة قد انطلقت منهم:

أولاً - لما آلت الخلافة لأبي بكر كان أول ما فعله أن جمع الأحاديث التي كتبها هو شخصياً وأحرقها ، وقد روت ذلك ابنته عائشة (1) ، ثم عمد ثانياً إلى أن جمع الناس وقال لهم : ( إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله )(2) ، فهذا الموقف المعلن من أبي بكر يكشف عن حساسيته المفرطة من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأنه أحد الذين نهوا ابن عمرو عن كتابتها.

ثانياً - لما آلت الخلافة لعمر ، كان أول مشاريعه أن طلب من الناس أن يأتوه بما كتبوه من أحاديث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فظن الناس أنه يريد جمع أحاديث الرسول ، فأتوه بها ، فأمر بإحراقها كلها (3) ، وأما مشروعه الثاني فهو فرضه الإقامة الجبرية على رواة الأحاديث وحبسهم في المدينة ، لكي لا يقوموا ببثّ الحديث في الآفاق ، فقد روي ( أنه ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق : عبد الله بن حذيفة ، وأبا الدرداء ، وأبا ذر ، وعقبة بن عامر ، وقال لهم : ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق ؟ قالوا : أتنهانا ؟ قال : لا ، أقيموا عندي ، لا والله لا تفارقوني ما عشت ) (4).

ولقد قام عمر بحبس ثلاثة أشخاص بتهمة أنهم اكثروا الحديث عن رسول

الله(5) ، ونهى جيوشه عن التحديث عن رسول الله(6).

ص: 86


1- تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 5 ، كنز العمال : 10 / 285
2- تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 2 - 3
3- طبقات ابن سعد : 5 / 188
4- کنز العمال : 5 / 292 - 293 ح 2947 ، منتخب الكنز : 4 / 61 - 62
5- تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 7
6- بيان العلم وفضله لابن عبد البر : 2 / 120 - 121 ، تذكرة الحفاظ : 7/1

فهذه السياسة الصارمة تجاه رواية الحديث وحرق المكتوب منه ، تدل على ما ذهبنا إليه ، مضافا إلى موقف عمر من رسول الله في الحجرة المباركة ومواجهته للرسول مباشرة بقوله : حسبنا كتاب الله.

ثالثاً - ولما آلت الخلافة إلى عثمان ، بادر لإصدار مرسوم بعدم جواز رواية أي حديث لم يسمع به في عهدي عمر وأبي بكر(1) .

تلك هي قريش التي نهت عبد الله بن عمرو بن العاص عن كتابة أحاديث رسول الله بحجة أن الرسول بشر يتكلم في الغضب وفي الرضا ، والغاية الحقيقية من النهي كانت إبطال فاعلية الأحاديث المتعلقة بالإمامة بعد النبي ، وبالموقع المميز لأهل بيت النبوة بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلّم .

وقد صرح معاوية بن أبي سفيان - وهو من قادة التحالف - بهذه الغاية الحقيقية من الإشاعة حينما آلت إليه أمور المسلمين ، فأصدر مرسوماً بعد عام الجماعة أعلن فيه بالحرف : ( أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته ) (2) ، فالغاية من منع رواية الحديث إذن ، أن لا ينتشر فضل الإمام علي وأهل البيت في الأمة ، وأن لا يعرف المسلمون حقهم الثابت شرعاً بقيادة هذه الأمة .

الشائعة الثانية - أن رسول الله كان يفقد السيطرة على نفسه فيشتم ويلعن ويسبّ من

لا يستحق ذلك.

والنص الحرفي لهذه الشائعة ما رواه البخاري ومسلم من ( أن رسول الله كان يغضب فيلعن ويسب ويؤذي من لا يستحقها ، ودعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة وطهوراً)

(3).

وبهذا صوروا رسول الله الذي وصفه الله تعالى بآية محكمة بقوله :«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ » (4)، بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة على أعصابه ، فيتصرف تلك التصرفات التي ألصقوها به ظلماً وعدواناً ، والتي يترفع عنها الشخص العادي الذي لا تتوفر فيه مؤهلات النبوة ، فإنه لا يقدم على سب الناس وإيذائهم بدون سبب ، فكيف بسيد الخلق وأعظمهم ؟!

ص: 87


1- منتخب الكنز ، بهامش مسند أحمد : 4 / 64 ، مسند أحمد : 1 / 65
2- شرح نهج البلاغة بتحقيق حسن تمیم 11 / 44
3- صحيح البخاري : 4 / 96 ، كتاب الدعوات ، باب قول النبي : من آذيته ، صحيح مسلم 2007 ، كتاب البر والصلة . باب من لعنه النبي
4- القلم : 4

والقصد من هذه الشائعة دعم الشائعة الأولى ، وابراز مظلومية الذين لعنه- النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من أعداء الله ، وكثير منهم من البطون ، كأبي سفيان ، ومعاوية ، ويزيد ، والحكم بن العاص ، وغيرهم ، فانه بمقتضى هذه الشائعة يكون هؤلاء زاكين ومطهرين ، فاذا أراد شخص أن يعترض على مروان ابن الحكم أو على معاوية إذا آلت اليهم الخلافة يوماً ، وقال له ، لقد لعنك رسول الله ، فكيف تتأمر على أمته ؟ كان الجواب : ( لقد دعا رسول الله أن تكون لعنته لي زكاة وطهوراً ، ودعوات الأنبياء مستجابة ، لذلك فإني زاك ومطهر بالنص ، وأصحابك أهل بيت النبوة مطهرون فقط ، فأنا أولى بالقيادة منهم ( ، وشر البلية ما يضحك !

الشائعة الثالثة - أن النبي يخيَّل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله والنص الحرفي لهذه الشائعة ما رواه البخاري ومسلم من ( أن بعض اليهود سحروا رسول الله حتى ليخيل اليه أنه يفعل الشيء وما فعله )(1) .

وهذه قمة التشكيك بكل ما يصدر عن رسول الله ، من أجل تحقيق ما يريده التحالف بالدرجة الأولى من إلغاء قيمة الأحاديث المتعلقة برئاسة الدولة وبالمكانة الخاصة التي بينها رسول الله لأهل بيته الكرام .

الشائعة الرابعة - أن الرسول يسقط بعض آيات القرآن.

والنص الحرفي لهذه الشائعة ما رواه البخاري ومسلم من ( أن النبي سمع رجلا يقرأ في المسجد ، فقال الرسول : رحمه الله أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها من سورة كذا ) (2).

والقصد من هذه الإشاعة التشكيك بذاكرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم حتى في الأمور المتعلقة بالقرآن الكريم ، إذ لولا هذا القارىء لما تذكر النبي - بزعمهم - الآيات التي أسقطها من سورة كذا ! وإذا كان ضبط النبي وذاكرته ضعيفة فيما يتعلق بالقرآن الكريم ، فكيف بالأمور السياسية ؟

الشائعة الخامسة - إن الرسول يهجر ) يهذي ) .

في هذه الشائعة بلغت حملة قادة التحالف على رسول الله المدى ، فقد قال عمر بن الخطاب وجهاً لوجه : إن رسول الله قد هج- هجر (3)، وبعد ذلك تجرأ

ص: 88


1- صحيح البخاري : 4 / 148 ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده ، و ج 7 / 176 ، كتاب الطب، باب هسل يستخرج السحر ، و ج 22/8 ، كتاب الأدب، باب إن الله يأمر بالعدل ، وج 8 / 103 ، كتاب الدعوات ، باب تكريم الدعاء ، صحيح مسلم : 4 / 1719 ح 43 ، باب السحر
2- صحيح البخاري : 6 / 238 - 239 ، باب قوله تعالى : وصل عليهم ، وج 3 / 225 ﴾ كتاب الشهادات ، باب شهادة الأعمى ونكاحه ، صحیح مسلم : 1 / 543 ح 224 ، كتاب فضائل القرآن ، باب الأمر بتعهد القرآن
3- سر العالمين وكشف ما في الدارين للغزالي : 21 ، تذكرة الخواص : 62

حزب عمر وقالوا : القول ما قاله عمر ، إن رسول الله يهجر ، وإن رسول الله قد هجر ، وما شأنه ( أي النبي ( أهجر ؟ (1).

فأول من اتهم رسول الله بالهجر ، ورفع بوجهه شعار ( حسبنا كتاب الله ) هو عمر فما أن قال الرسول : ( قربوا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ) حتى تصدى له عمر فقال فوراً : ( حسبنا كتاب الله ، إن رسول الله قد هجر)، وبدون ترو صاح الحاضرون من حزب عمر : القول ما قاله عمر ومن المؤكد أن شخصاً ما كان قد أخبر عمر بأن النبي سوف يكتب وصيته تلك الليلة ، فجاء عمر بعدد كبير من حزبه ليحول بين الرسول وبين كتابة وصيته ، كما اعترف عمر بذلك فيما بعد (2).

وقد فوجيء الحاضرون من غير حزب عمر واستغربوا وصعقوا من هول ما سمعوا ، فقالوا ، قربوا يكتب لكم رسول الله ، وكان حزب عمر يشكلون الأكثرية ، لأنهم أعدوا للأمر عدته ، فاختلف الفريقان وتنازعا ، وصدم عمر وحزبه مشاعر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقال للجميع ، قوموا عني ، ولا ينبغي عندي التنازع ، وما أنا فيه خير مما تدعوني إليه.

ولقد أصاب ابن عباس عندما سمّى ذلك اليوم بيوم الرزية.

الشائعة السادسة - القرآن وحده يكفي ، ولا حاجة لحديث الرسول .

أطلق التحالف هذه الإشاعة مع الإشاعة الخامسة ( إن رسول الله يهجر ) ، وقد تجاوزوا بها حدود العقل والمنطق ، وقد واجه عمر وأبو بكر الرسول بها شخصياً حينما أراد كتابة الوصية ، وأيدهما من حضر معهما في حجرة رسول الله من أتباعهما .

إن جميع الإشاعات السابقة غير منطقية ، ولكن هذه الأخيرة أكثرها بعداً عن المنطق ؛ وذلك لأن القرآن بحاجة إلى بيان ، وأنّ مهمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أن يوضح المقاصد الإلهية من كل نص توضيحاً قائماً على الجزم واليقين ، قال تعالى :

« وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ » (3) ، ولأجل ذلك كان بيان النبي جزءًا لا يتجزأ من الشريعة الإلهية ، وطاعة الرسول هي طاعة الله ، لأن الكتاب وحده لا يغني عن السنة ، فكلاهما مكمل للآخر،

ص: 89


1- صحيح البخاري : 6 / 11 ، 4 / 85 و 121 ، 1 / 39، 9 / 137 ، 2 / 132 ، صحیح :مسلم 38 / 1209 ح 21 ، 2 / 12 ، 10 / 170 ، 11 / 94 بشرح النووي : 11 / 89 - 95 ، مسند 16 أحمد 1 222 و 355 ، تاريخ الطبري 3 / 193 ، الكامل لابن الأثير : 12 / 320 ، شرح نهج البلاغة :87/12
2- شرح نهج البلاغة : 12 / 79 و 87 ، 3/ 67 طبعة دار الفكر
3- النحل : 44

قال تعالى :«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ» (1) ، وأن التفريق بين الكتاب والحديث ، هو تفريق بين الله ورسوله ، وبين الرسول ومعجزته ، وإذا كان من المعقول أن يردّ شخص حديث النبي الذي ينقل إليه بالرواية ، فكيف نتعقل أن يقول شخص للرسول مواجهة : أنت تهجر ، ولا حاجة لنا بقولك أو وصيتك؛ لأن القرآن عندنا وهو يكفينا ؟ تلك حادثة غريبة ، لا مثيل لها في تاريخ البشرية، ومع هذا بقي أصحاب هذه الحادثة أبطالاً ، ولم يتعرضوا للوم لائم !

الشائعة السابعة - النبي مجتهد.

والقصد من هذه الشائعة أن يلقوا في روع المسلمين أن الرسول ليس أكثر من مجتهد يقول برأيه في الأمور العامة ، وأن رأيه ليس ملزماً ، ومن حق أي مجتهد آخر أن يتبنى اجتهاداً يخالف اجتهاد الرسول ، ولا حرج على هذا المجتهد الآخر ، بل هو مأجور بمخالفته لرسول الله سواء أخطأ أم أصاب.

وقد وجدت هذه الشائعة تطبيقها العملي في مجال العطاء ، فقد كان رسول الله يقسم المال بين الناس بالسوية ، لا فضل في ذلك لعربي على أعجمي ، ولا لمهاجري على أنصاري ، ولا لصريح على مولى ؛ لأن حاجات أبناء البشر الأساسية متشابهة ، وقد أصبح عمل الرسول هذا سنة فعلية ، وبقي معمولاً ب-ه حتى مع سيطرة التحالف على مقاليد الأمور طيلة عهد أبي بكر ، ولكن حينما تسلم عمر مقاليد الأمور رأى أن سنة الرسول هذه ليست مناسبة ؛ فلا يعقل أن تكون قريش كالأنصار ، والعرب كالعجم ، والصرحاء كالموالي ، ومن هنا ألغى التسوية في التوزيع ، وفضل العرب على العجم ، والمهاجرين على الأنصار والصرحاء على الموالي ، مخالفاً بذلك سنة رسول الله عن علم وعمد .

وكانت نتيجة عمله هذا أنه غرس بذور الطبقيّة في المجتمع المسلم ، وأشعل نار الصراع القبلي بين ربيعة ومضر ، والأوس والخزرج ، والعرب والعجم ، والصرحاء والموالي(2).

نجح عمر بإلغاء سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وإحلال سنته الشخصية محلها ، لكنه اكتشف بعد تسع سنين أن رسول الله أهدى من عمر ، بعد أن شاهد بعض الآثار المدمرة لسنته التي فرضها بالقوة ، وأعلن عزمه على

90

ص: 90


1- النساء : 80
2- تاريخ اليعقوبي : 2 / 103 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 111

الرجوع الى سنة رسول الله ، فقال : ( إن عشت هذه السنة ساويت بين الناس، فلم أفضل أحمر على أسود ، ولا عربياً على أعجمي ، وصنعت كم-ا صنع رسول الله وأبو بكر )(1).

وعلى الرغم من ندم عمر واعترافه بخطته ، فإنهم المحذوا بعد مماته يلتمسون له أعذاراً عجيبة لا يقرها أي عقل ، كقول القوشجي : ( إن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه ؛ فإنه من مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ) (2) ، أي أنه لا حرج على عمر في مخالفة رسول ؛ لأن كليهما مجتهد . واعتذر اب-ن أب-ي الحديد عن تخلف أبو بكر وعمر عن جيش أسامة بأن ( الرسول كان يبعث السرايا عن اجتهاد لا عن وحي يحرم مخالفته) (3).

وباختصار لقد تحولت تلك الإشاعة الى قناعة عامة ، وصار الرسول مجرد مجتهد ، ومن حق الخليفة المتغلب في أي زمان أن يأتي باجتهاد يغاير اجتهاد الرسول ، والأهم من ذلك أن الإجتهاد وارد حتى في العبادات ، فزيادة الأذان من قبيل الإجتهاد ، وكذلك يقع الاجتهاد في حدود الله ؛ فقد أسقط عثمان القود عن عبيد الله بن عمر ولم يقتله ، واعتذر عنه ( بأنه اجتهد ، ورأى أنه لا يلزمه حكم هذا القتل ؛ لأنه وقع قبل عقد الإمامة له) (4) .

والاجتهاد قد يستفيد منه أعداء الله ، فالحكم بن العاص كان عدواً الله ، وكان يؤذي رسول الله في الجاهلية والإسلام ، فلعنه الرسول وأبعده ، ولعن أولاده(5) ، لكن عثمان أعاده الى المدينة معززاً مكرماً وأعطاه صدقات المسلمين (6) ، ولما سئل شيعة عثمان : لم فعل ذلك ؟ قالوا : ( أداه اجتهاده الى ذلك ؛ لأن الأحوال تتغير ) (7)!

وروى الحاكم عن عبد الرحمن بن عوف ( كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي فدعا له ، فأدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال الرسول : هذا الوزغ بن الوزغ ، الملعون بن الملعون )(8) ،ومع هذا أصبح هذا الولد بالاجتهاد رئيسا لوزراء المسلمين ! وأعطى هذا الولد فدك-اً بعد أن أخذت من فاطمة بضعة رسول الله(9)!

ص: 91


1- تاريخ الطبري : 5 / 22 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 111 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 154
2- شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي : 384
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 17 / 188
4- شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي : 380 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 61
5- أنساب الاشراف للبلاذري : 5 / 27 ، مستدرك الحاكم : 4 / 479 - 481
6- اريخ اليعقوبي : 2 / 168
7- شرح نهج البلاغة : 3 / 33
8- مستدرك الحاكم 4 / 479
9- شرح نهج البلاغة : 1 / 198 ، المعارف لابن قتيبة : 112

كل هذه المتناقضات قد جرت بدعوى الإجتهاد ، وكانت من الثمار المرّة للشائعات التي أطلقها قادة التحالف ، والتي تضافرت لتخلق وضعاً حقوقياً لا مثيل له.

الشائعتان الثامنة والتاسعة : إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لم يستخلف أحداً ، وإنما خلّى على الناس أمرهم ، وإن الرسول لم يجمع القرآن ، وإنما جمعه الخلفاء الثلاثة. ومفاد الشائعة الأولى أن رسول الله لم يستخلف من بعده أحداً ، لا علياً ولا غيره ، بل ترك أمته بلا قائد ولا راع ، ولم يبين لها كيف تختار ولا من تختار ، فجاء الخلفاء الثلاثة ورتبوا أمر القيادة ، وتلافوا بعبقريتهم الفذة ما أغفله النبي على الصعيد القيادي.

وأما على الصعيد القانوني ، فمفاد الإشاعة الثانية أن الرسول انتقل إلى جوار ربه وترك القرآن في صدور الرجال ولم يجمعه ، فخشي الخلفاء الثلاثة أن يضيع القرآن بعد أن يقتل حفظته أو يموتوا ، فشمروا عن سواعد الجد ، وجمعوا ،القرآن ولولا بعد نظر أولئك الخلفاء لضاع القرآن واندثر ، وبهذا يكون الخلفاء الثلاثة قد تلافوا ما أغفله النبي ، وحفظوا للأمة قرآنها .

أما الاشاعة الأولى فأول من أطلقها أبو بكر ، قال : ( إن الله بعث محمداً نبياً . . . حتى اختار الله له ما عنده ، فخلّى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم ما فيه مصلحتهم . . . فاختاروني عليهم وليا ولأمورهم راعياً ) (1) وقال أبو بكر في مرضه الذي توفي منه : ( وددت أني سألت رسول الله لمن هذا الأمر فلا ينازعه فيه أحد ) (2) ، فأبو بكر يؤكد هنا صحة هذه الشائعة.

وأما ثاني من أطلق شائعة ترك الأمة بلا راع فهو عمر بن الخطاب ؛ فقد قال لابنه في مرض الوفاة : ( إن لم أستخلف ، فإن رسول الله لم يستخلف وإن أستخلف فقد استخلف أبو بكر )(3).

فعمر يؤكد بكلامه هذا أن الرسول لم يستخلف ، وفي الوقت نفسه يجعل فعل أبي بكر سنة كسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، ويعطي نفسه صلاحية اتباع أي من السنتين ، و لم يفرق بينهما !

ص: 92


1- . الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري : 1 / 21
2- تاريخ الطبري : 3 / 431 ، العقد الفريد : 4 / 269
3- حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني : 1 / 44 - 45 ، صحيح مسلم : 4 / 1856 ، ح 9

والملاحظ أن عبد الله الله بن عمر حينما نصح أباه بأن يستخلف ، وصف حالة

ترك الأمة بدون راع بأنها تضييع للأمانة ، وتفريط ومحل لوم ينبغي أن يترفع عنه حتى راعي الإبل أو الغنم (1) ، وأن عائشة حينما أبلغت عمر بضرورة الإستخلاف ، قالت ، إن ترك الأمة هملاً يؤدي إلى وقوع الفتنة(2) ، فهل يعقل أن يكون راعي الغنم أو الأبل أو عبد الله بن عمر أو عائشة ، أبعد نضراً وأدرك لعواقب الأمور من رسول الله وهو صفوة الجنس البشري ؟!

والمثير للتساؤل أنه إذا كان رسول الله قد ترك الأمة بلا راع حقاً ، فلماذا لم يقتد الخليفتان بمحمد ، ولماذا لم يخلّيا على الناس أمرهم ؟

ومن العجيب أن استخلاف أبي بكر لعمر ، واستخلاف عمر لعثمان ، تمت بأمر الرجلين وهما على فراش الموت دون أن يعارضهما أحد ، ولسنا ندري لماذا لم يعامل الرسول بمثل هذه المعاملة ، حينما أراد أن يكتب قبل وفاته كتاباً لن تضل الأمة بعده أبداً ، فتصدى له عمر وأبو بكر وأعوانهما وحالوا بينه وبين الكتابة ! إنه لمن العجيب أن تعلو مكانة الخليفة على مكانة النبي ، وأن يكرم الصحابي أكثر مما يكرم النبي ، ومع هذا لا أحد يقف عند هذه القاصمة ، ولاأحد يوجه اللوم لفاعليها !

وأما الشائعة الثانية ، وهي أن النبي ترك معجزته العظمى وهي القرآن دون جمع ولا كتابة ، وإنما قام بذلك الخلفاء الثلاثة ، فقد اثبتنا عدم صحة هذه الإشاعة في كتابنا ( الخطط السياسية لتوحيد الأمة الاسلامية ) ص 45 وما بعدها ، فراجع .

ص: 93


1- حلية الأولياء : 1 / 44 ، مروج الذهب للمسعودي : 2 / 329
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 28 ، أعلام النساء : 2 / 27

الهوامش :

(1) يونس : 15 .

(2) و (3) تاريخ الطبري : 4 / 222 - 223 ، الكامل في التاريخ : 3 / 63 - 64 ، شرح النهج : 12 / 5453 .

(4) تاريخ الطبري : 3 / 222 .

(5) تاريخ الطبري : 3 / 222 .

(6) تاريخ الطبري : 3 / 219 ، السيرة الحلبية : 3 / 479 .

(7) مغازي الواقدي : 2 / 449 .

(8) مغازي الواقدي : 2 / 708 (9) التحريم : 4 .

(10) تفسير ابن كثير : 4 / 414 - 415 .

(11) و (12) الامامة والسياسة : 1 / 28 .

(13) سنن الترمذي : 5 / 648 ، سنن أبي داود : 4 / 212 - 4649 .

(14) الامامة والسياسة : 1 / 46 - 48 . (15) الامامة والسياسة : 1 / 16 - 17 . (16) تاريخ الطبري : 3 / 218 - 223 .

(17) الكامل لابن الأثير : 2 / 325 ح .

(18) الكامل لابن الأثير : 12 / 330 ، تاريخ الطبري : 3 / 221 (19) تاريخ الطبري : 3 / 429 ، الكامل لابن الأثير : 2 / 425 .

(20) الرياض النضرة : 3 / 51 - 52 .

(21) تاريخ الطبري : 4 / 227 .

(22) و (23) الامامة والسياسة : 1 / 28 و 19 .

(24) الكامل في التاريخ : 2 / 357 - 360 ، تاريخ الطبري : 3 / 276 - 280 .

(25) تاريخ الطبري : 4 / 227.

(26) تاريخ الطبري : 3 / 220 (27) الامامة والسياسة : 1 / 28 .

(28) تاريخ اليعقوبي : 2 / 123 - 126 ، تاريخ الطبري : 13 / 218 - 223 ، الكامل في التاريخ : 2 / 332 - 320 332

(29) سنن أبي داود : 3 / 318 ح 3646 ، سنن الدارمي : 1 / 125 ، مسند أحمد : 2/ 162 ، 207، 210 ، مستدرك الحاكم : 1 / 105 ، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1 / 70 - 71 . (30) تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 5 ، كنز العمال : 10 / 285.

(31) تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 2 - 3 .

(32) طبقات ابن سعد : 5 / 188.

(33) کنز العمال : 5 / 292 - 293 ح 2947 ، منتخب الكنز : 4 / 61 - 62 .

(34) تذكرة الحفاظ للذهبي : 1 / 7 .

(35) بيان العلم وفضله لابن عبد البر : 2 / 120 - 121 ، تذكرة الحفاظ : 7/1 .

ص: 94

الهوامش:

(36) منتخب الكنز ، بهامش مسند أحمد : 4 / 64 ، مسند أحمد : 1 / 65 .

(37) شرح نهج البلاغة بتحقيق حسن تمیم 11 / 44 .

(38) صحيح البخاري : 4 / 96 ، كتاب الدعوات ، باب قول النبي : من آذيته ، صحيح مسلم 2007 ، كتاب البر والصلة . باب من لعنه النبي .

(39) القلم : 4

(40) صحيح البخاري : 4 / 148 ، كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده ، و ج 7 / 176 ، كتاب الطب، باب هسل يستخرج السحر ، و ج 22/8 ، كتاب الأدب، باب إن الله يأمر بالعدل ، وج 8 / 103 ، كتاب الدعوات ، باب تكريم الدعاء ، صحيح مسلم : 4 / 1719 ح 43 ، باب السحر .

(41) صحيح البخاري : 6 / 238 - 239 ، باب قوله تعالى : وصل عليهم ، وج 3 / 225 ﴾ كتاب الشهادات ، باب شهادة الأعمى ونكاحه ، صحیح مسلم : 1 / 543 ح 224 ، كتاب فضائل القرآن ، باب الأمر بتعهد القرآن

(42) سر العالمين وكشف ما في الدارين للغزالي : 21 ، تذكرة الخواص : 62 . (43) صحيح البخاري : 6 / 11 ، 4 / 85 و 121 ، 1 / 39، 9 / 137 ، 2 / 132 ، صحیح :مسلم 38 / 1209 ح 21 ، 2 / 12 ، 10 / 170 ، 11 / 94 بشرح النووي : 11 / 89 - 90 ، مسند 16 أحمد 1 222 و 355 ، تاريخ الطبري 3 / 193 ، الكامل لابن الأثير : 12 / 320 ، شرح نهج البلاغة :87/12 .

(44) شرح نهج البلاغة : 12 / 79 و 87 ، 3/ 67 طبعة دار الفكر.

(45) النحل : 44 .

(46) النساء : 80 .

(47) تاريخ اليعقوبي : 2 / 103 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 111 .

(48) تاريخ الطبري : 5 / 22 ، شرح نهج البلاغة : 8 / 111 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 154

(49) شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي : 384 .

(50) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 17 / 188 .

(51) شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي : 380 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 61 .

(52) أنساب الاشراف للبلاذري : 5 / 27 ، مستدرك الحاكم : 4 / 479 - 481 .

(53) تاريخ اليعقوبي : 2 / 168 .

(54) شرح نهج البلاغة : 3 / 33 .

(55) مستدرك الحاكم 4 / 479 .

(56) شرح نهج البلاغة : 1 / 198 ، المعارف لابن قتيبة : 112 .

(57) الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري : 1 / 21.

(58) تاريخ الطبري : 3 / 431 ، العقد الفريد : 4 / 269

(59) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني : 1 / 44 - 45 ، صحيح مسلم : 4 / 1856

، ح 9 .

(60) حلية الأولياء : 1 / 44 ، مروج الذهب للمسعودي : 2 / 329 .

(61) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 28 ، أعلام النساء : 2 / 27 .

ص:95

الفصل الثاني : التحالف أشخاصه وأهدافه

1 - إن الشائعات التسع التي أطلقها قادة التحالف تشكل في حقيقتها تقاطيع نظرية جديدة ، تكشف طبيعة أفكار المتحالفين واسلوب عملهم .

فقادة التحالف يعترفون بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ، فإن هذه النبوة فرضت نفسها على الواقع رغم محاربة البطون لها طيلة 23 عاماً ، ولا مصلحة لقادة التحالف الآن إلا بنبوة محمد القرشي الذي نجح بتأسيس ملك ، وما عليهم إلا أن يحسنوا اقتناص الفرص ليرثوا هذا الملك من ابن البطون .

وهم يعترفون أيضاً بأن القرآن من عند الله ؛ إذ لا جدوى من إنكار هذه الحقيقة ، ولا مصلحة لهم بإنكارها ؛ ذلك أنهم إذا أنكروا نبوة محمد ، وأنكروا القرآن ، انفض العرب من حولهم بعد موت النبي ، وعاد النظام القبلي ، وتبخرت بذلك أحلامهم بوراثة ملك العرب عن محمد.

فهذه هي طبيعة دين تحالف البطون ، إنه دين قائم على المصلحة ، ومختلط بأحلام ملك قريش.

وقد اتفقت كلمة البطون على أن توجهات محمد بشأن الولاية من بعده ، وحصره الإمامة في بني هاشم، ليست معقولة ولا ودية ، وفيها شيء من الإجحاف بحق البطون ، والإنصاف يقتضي ترك النبوة لبني هاشم ، على أن يكون الملك والخلافة للبطون ، تتداولها بينها .

وأما منافقوا المدينة وما حولها من الأعراب ومنافقوا مكة، فقد وجدوا في موقف البطون ورفضها لترتيبات النبي لعصر ما بعد النبوة فرصة ذهبية للانتقام من آل محمد ودفعهم عن مركز القيادة، وللقضاء على دين محمد بتحزيب الجانب السياسي منه ، وهذا هو السبب والدافع لالتفاف كل المنافقين حول

ص: 96

قيادة التحالف ، واخلاصهم لها ، مما أدى لذوبان النفاق بالتحالف ، واختفاء كلمة النفاق من المسرح السياسي بعد موت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .

واستقطبت شائعات التحالف جمهوراً كبيراً يتعاطف معها ويؤمن بها ، ويسعى لتطبيقها ، مقتنعاً بأن القرآن وحده يكفي ، وأنه لا حاجة لغيره ، وبهذا أخرج النبي وفعله وتقريره عن التأثير في مسرح الأحداث .

صار التحالف دولة داخل دولة ، له عيونه والمتعاونون معه حتى داخل دار النبي نفسه ، ووجدت قيادة ظلّ مع وجود القيادة الشرعية ، فإذا انتقل الرسول إلى جوار ربه تمكنت من الإستيلاء على السلطة الإستيلاء على السلطة بيسر وسهولة.

وقد أدرك المؤمنون الصادقون أن بطون قريش ومن خلفها أكثرية العرب قد إتحدت ضد علي و أهل بيت النبوة لتصرف عنهم القيادة ، كما اتحدت ضد النبي وبني هاشم لتصرف عنهم النبوة ، فسالت نفوس المؤمنين المخلصين حسرات ، وأدركوا أن جرح الإسلام خطير ، وأن العلاج أشد خطورة .

2 - إن البطون التي وقفت بوجه النبي وحاربته ، هي نفسها التي تحالفت ضد علي وضد توجيهات النبي بشأن القيادة من بعده ، ولكن هذه المرة تحت مظلة الإسلام، ومن هنا وقف الذين أسلموا وهاجروا من البطون الى جانب الذين أسلموا من البطون يوم الفتح ( الطلقاء ) ، وتألفت قيادة جديدة تضم مهاجري البطون وطلقائها ، وتم الإتفاق على تسليم قيادة التحالف الى مهاجري البطون وتقديمهم الى الصف الأول ، وأن يبقى الطلقاء في الصف الثاني ؛ لكي لا يثيروا انتباه الأمة ، وهكذا تألفت قيادة البطون من خليتين : الخلية الأولى تتكون من : عمر بن الخطاب ، وسعيد بن زيد ، وكلاهما من بني عدي ، وأبي بكر وطلحة ابن عبيد الله ، وكلاهما من بني تيم ، وأبي عبيدة عامر بن الجراح وهو من بني الحارث بن فهر ، والزبير بن العوام وهو من بني أسد بن عبد العزى وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وكلاهما من بني زهرة بن كلاب ، وعثمان بن عفان وعمرو بن العاص وكلاهما من بني أمية ، وخالد بن الوليد وهو من بني مخزوم .

ص: 97

وقد قال عمر بن الخطاب فيما بعد : إن رسول الله انتقل إلى جوار ربه وهو راض عن هؤلاء جميعاً ، وقد اشتهرت هذه الخلية بعدئذ بأن رجالاتها جميعاً باستثناء خالد بن الوليد وعمرو بن العاص من المبشرين بالجنة (1) ، وقد تم التأكيد على أن هؤلاء هم المبشرون بالجنة ، وأهملت مئات النصوص التي بشرت غيرهم بالجنة ، وأهملت وسائل الإعلام أن سادات أهل الجنة : النبي وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين(2).

وقد نشطت هذه الخلية ، وفرضت رأيها فرضاً ، وواجهت الرسول نفسه ، وحالت بينه وبين كتابة ما يريد ، وقالت له وجها لوجه : أنت تهجر : ولا حاجة لنا بكتابك ، وكتاب الله يكفينا ، وبعد ذلك عينت حاكمها الجديد وسمته خليفة النبي.

ولا بد من الإشارة الى أن الخلية لم تضم الزبير أولاً ؛ لأنه كان يتعاطف مع أخواله بني هاشم ، وكان في صفهم ، ولما برز ابنه عبد الله وناصب أه-ل بي-ت النبوة العداء تمكن من جر أبيه الى الصف المعادي لأهل بيت النبوة .

وتجدر الإشارة أيضاً الى أن خالد بن الوليد وعمرو بن العاص كان-ا ه-م-زة الوصل بين المهاجرين من بطون قريش وبين الطلقاء ، وقد هندسا بالتعاون مع يزيد ومعاوية أسس التحالف والوفاق بين هذين الفريقين.

الخلية الثانية من قيادة البطون تضم : يزيد بن أبي سفيان ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ومروان بن الحكم بن العاص ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح العامري ، وعبد الله بن عامر بن كريز الأموي ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، وغيرهم .

لقد تألف من هاتين الخليتين فريق واحد ، تولى التخطيط للتحالف الذي قام بين بطون قريش وبين المنافقين والمرتزقة من الأعراب وطلاب الجاه والدنيا من الأنصار.

وقد أشار الإمام علي الى هذا التحالف بقوله : ( أللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانهم ؛ فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ) (3).

ص: 98


1- جامع الترمذي : 5 / 647 ، تيسير الوصول لابن الديبع : 13 / 303 ، الرياض النضرة للطبري : 1 / 3 37 ، الغدير للأميني : 10 / 118
2- مستدرك الصحيحين : 13 / 211 ، الرياض النضرة : 13 / 182 ، صحيح ابن ماجة: 2 / 1368 ح 4087 ، تاریخ بغداد : 3 / 434
3- شرح نهج البلاغة ، تحقيق حسن تميم : 9 / 305 و 306

3 - لم يكتف قادة التحالف بالشائعات التي أشرنا اليها ، بل أخذوا يزايدون على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لكي يشتهروا ويلقوا في روع الغافلين أنهم أكثر حرصاً على الدين من رسول الله ، وكان أكثر الناس مزايدة على النبي هو عمر ، لذلك نكتفي بذكر بعض مزايداته التي جاوزت المدى بالمزايدة الكبرى والنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على فراش الموت .

كان عمر رجلاً مغموراً قبل الإسلام يمتهن (البرطشة ) ، أي أن-ه ك-ان مبرطشاً يكتري للناس الإبل والحمير ، ويأخذ على ذلك جعلاً (1) ، والى هذا أشار سعد بن عبادة عندما قال لعمر في السقيفة : ( لأعيدنك الى ق-وم كنت فيهم ذليلا غير عزيز ، وتابعاً غير متبوع )(2)، وعمر نفسه لا ينكر ذلك ، لكنه أصبح عزيزاًبالإسلام، وتألق نجمه عندما تشرف بمصاهرة رسول الله وصار يتردد على بيته بحكم المصاهرة .

و لم يكن عمر رجل فروسية أو قتال ؛ فلم يثبت أنه قتل أو جرح أو أسر أحداً من المشركين طوال تاريخ دولة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : والروايات التي تصوره رجل سيف ، إنما هي ضرب من الأساطير التي لا تتفق مع شخصيته ، ولا مع طبيعة قومه بني عدي الذين وصفهم أبو سفيان بقوله الذي ذهب مثلا : ( لا في العير ولا في النفير ) (3) ، وذلك حينما صادفهم راجعين من جيش المشركين الذي خاض معركة بدر فيما بعد ، ولقد تبين لي بعد التحقيق أنه لم يقتل من بني عدي أحد لا مع المشركين ولا مع المؤمنين ، وأما ما ذكره الواقدي من أن عمر قد قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة ، فهو معارض بما ذكره الواقدي نفسه من أن قاتل العاص هو عمار بن ياسر أو علي بن أبي طالب (4).

ولقد جد عمر واجتهد حتى تمكن خلال 12 عاماً أن يتعلم سورة البقرة (5)، لكنه ظل بالرغم من ذلك يشكو من قلة الفقه ، فطالما قال : ( كل الناس أفقه من عمر ) (6)، وقال مرة : ( امرأة أصابت وأخطاً رجل ) (7)ويعني بالرجل نفسه ، واعترف مرتين أو ثلاثة بأن ( كل أحد أفقه من عمر ) (8).

ص: 99


1- تاج العروس في شرح القاموس للزبيدي : 4 / 281 مادة ( برطش )
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري : 1 / 17
3- مغازي الواقدي : 1 / 45
4- مغازي الواقدي : 1 / 150
5- تفسير القرطبي : 1 / 152 ، سيرة عمر لابن الجوزي : 214 ، شرح نهج البلاغة : 12/ 66 ، الدر المنثور للسيوطي : 1 / 21 ، الغدير للأميني : 6 / 196
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1 / 182 عبد
7- جامع العلم لابن البر : 1 / 131 ، تفسير القرطبي : 5/ 99 ، تفسير ابن كثير : 1 / 478 ، الدر المنثور للسيوطي : 2 / 133 ، الغدير للأميني : 6 / 96 - 97
8- كنز العمال : 16 / 536 ، حاشية السندي على سنن ابن ماجة 1 / 583 ، سنن سعید بن :منصور: 1 / 166 ح 598

ومع هذا كله كان عمر يزايد على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ويتصور الغافلون أن عمر أحرص على الدين من الرسول نفسه، وأفهم بالدين منه ! ومن نماذج هذه المزايدات :

أولاً - مزايدته في صلح الحديبية ، إذ أخرج الله تعالى نبيه محمداً للعمرة ، واختار الحديبية محطاً لرحاله ومركزاً لمفاوضاته ، وأعلمه أن المفاوضات ستنتهي بصلح هو الفتح المبين الذي يحقق الغاية التي سعى إليها محمد طوال مواجهته وحربه مع بطون قريش ، وأمر الله نبيه بتوقيع الصلح ، وكفى بالله شهيداً.

وصف عمر الصلح الذي رضيه الله ووقعه رسوله بأنه دنية ، وقال للنبي ) علام نعطي الدنية في ديننا ؟ ) (1) ، فأجابه رسول الله : أنا رسول الله ولن يضيعني .

وجعل عمر يردد الكلام نفسه على رسول الله ، وقاد حملة من التشكيك بصحة عمل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فأخذ ينفرد بأصحاب الرسول ويقول لهم : ( إن محمداً وعدنا أن ندخل الكعبة ) ، محاولاً استقطابهم ضد الرسول ؛ لعله ينجح بإلغاء الصلح ، وتركت حملته آثاراً مدمرة ، وهزت الثقة برسول الله الى حين ، إلا أنه أخفق بتكوين قوة من الصحابة قادرة على إجهاض الصلح ، وقد اعترف هو عندما أصبح خليفة بكل ذلك فقال : ( ارتبت ارتياباً لم أرتبه منذ أسلمت إلا يومئذ ، ولو وجدت شيعة تخرج عنهم رغب-ة ع-ن القضية لخرجت )(2).

و لم يتوقف عمر عن حملته التشكيكية إلا بعد أن أقبل عليه الرسول قائلاً :

(أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ، وأنا أدعوكم في أخراكم)(3) ، فكأن الرسول الأعظم يعيد بهذا التذكير الحجم الحقيقي لعمر ويقول له : إنك تدعو للحرب مع أنك فررت من المعركة وتركتني .

ثانياً - مزايدته بعد صلح الحديبية ، حين جاء أبو جندل بن سهيل فاراً من المشركين الى المسلمين بعد توقيع معاهدة الصلح ، وعملا بالإتفاق كان يجب على النبي إعادته الى قريش ، فاحتج عمر بأنه لا ينبغي اعادته ، فقال الرسول لأبي جندل : (اصبر واحتسب ؛ فإن الله جاعل لك ولمن معك فرجاً ومخرجاً ،

ص: 100


1- مغازي الواقدي : 2 / 606
2- مغازي الواقدي : 2 / 607
3- مغازي الواقدي : 2 / 609

إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً ، وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهداً ، وإنا لا نغدر ) ، فاقتنع أبو جندل (1) ، وبعد أن أغلقت دائرة البحث في هذا الموضوع اختص عمر بأبي جندل وقال له : ( أبوك رجل وأنت رجل ومعك السيف ، فاقتل أباك ) ، وكان غرض عمر أن ينقض أبو جندل على أبيه سهيل ويقتله وهو في حضرة الرسول وجواره ، وهو سفير البطون ، ولكي يضفي عمر على هذا التحريض طابعاً دينيا قال لأبي جندل : ( إن الرجل يقتل أباه في الله )، ولكن أبا جندل فطن لأسلوب عمر في المزايدة ، فقال له : ( مالك لا تقتله أنت يا عمر ؟ ) ، فقال عمر : ( نهاني رسول الله عن قتله وعن قتل غيره(2) ، ولعل هذا هو السر الذي لأجله لم يقتل عمر أحداً من المشركين طيلة زمان دولة النبي صلى ا عليه وآله وسلّم .

والملاحظ أنه في مرحلة المفاوضات التي سبقت إبرام معاهدة الصلح ، طلب النبي من عمر أن يذهب الى قريش ويبلغها أن الرسول ليست له نوايا عدوانية ضدها ، وانما غايته أن يذبح المسلمون الهدي ثم ينصرفون ، فرفض عمر أن يذهب مبعوثاً للنبي ، وقال : ( إني أخاف قريش على نفسي ، قد عرفت قريش عداوتي لها ، وليس بها من بني عدي من يمنعني ) ، ومع هذا نجد الرجل الذي لا يقوى على أن يكون سفيراً لابلاغ جملة قصيرة ، يدعو للحرب !

ولو نجحت حملة عمر بالتشكيك في موقف النبي ، وأفلح في إلغاء الإتفاقية ، وجرّ من معه الى حرب مع قريش لم يخطط لها ، لدمر حالة التماسك بين الرسول وأصحابه ، ولكن المؤكد أن عمر لم يكن يحسن الحرب ولا يحبها ، وانما كان يزايد فقط.

ولو أفلح عمر في إقناع أبي جندل بقتل أبيه في حضرة رسول الله أو في معسكره ، لكان في ذلك إحراج هائل لرسول الله ، ولتقولت قريش على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بأنه قد قتل رئيس مفاوضيها وغ-در ب-ه وه-و في رحابه ، ولأدت هذه التقولات الى نتائج خطيرة ، ولكن عمر قد لا يقصد ذلك ، وإنما يريد فقط أن يقتنع الصحابة بأنه أحرص على الإسلام من الرسول نفسه ، وأن يشكك بمواقف النبي وتوجهاته .

ص: 101


1- مغازي الواقدي : 2 / 608
2- مغازي الواقدي : 2 / 609

ثالثاً - مزايدته التي حدثت بعد أن أتمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تصفية أو كار الشرك ، وأراد تشجيع الناس على الدخول في دائرة التوحيد والإطمئنان بها ، فأمر أبا هريرة أن يبشر من لقيه مستيقناً قلبه بشهادة لا إله الا الله بالجنة ، فكان أول من لقيه عمر ، فلما بشره أبو هريرة ، ضربه عمر بيده بين ثدييه فأسقطه على الأرض ، فلما سأله الرسول عما حمله على ما فعل ، قال للنبي : لا تفعل ؛ فإني أخشى أن يتكل الناس عليها (1).

ومثل عمر لا يثير رسول الله الذي وسع الجميع بحلمه ، فبلغ الرسول بنفسه هذه البشرى للأمة (2).

والكارثة أن البعض كالنووي والقاضي عياض يرون أن الصواب كان في جانب عمر ! قال النووي : ( إن الإمام الكبير مطلقاً إذا رأى شيئاً ، ورأى بعض أتباعه خلافه ، ينبغي للتابع أن يعرضه على المتبوع ، فإذا ظهر له أن ما قاله التابع هو الصواب رجع المتبوع إليه ) (3)، أي يرجع الرسول لعمر في هذه الحالة ! لقد فعلت إشاعات قادة التحالف فعلها ، وأدت الى الاعتقاد بأن الرسول لا يتلقى بالوحي إلا القرآن وحده ، وأما ما عدا القرآن ، فهو يتصرف فيه من تلقاء نفسه ، وعلى الرغم من أن رسول الله قد أكد مراراً لعمر وحزبه ، بأنه لا يخرج من فمه إلا الحق ، وأقسم على ذلك (4) ، إلا أن عمر وشيعته لا يصدقون رسول الله في هذه المسألة ؛ لأنها تتعارض مع إشاعاتهم ، ولأن الناس إذا صدقوها ستخرب كل خطط التحالف المستقبلية ، لإجهاض الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة.

رابعاً - مزايدته المستفادة مما روته عائشة من : ( أن أزواج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن الى المناصح ، وهو صعيد أفي-ح فكان عمر يقول للنبي : ( إحجب نساءك ) ، فلم يكن رسول الله يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ليلة من الليالي عشاء ، وكانت امرأة طويلة، فناداه-ا عم-ر : ( ألا قد عرفناك يا سودة ) ؛ حرصاً على أن ينزل الحجاب ، عندئذ أنزل الله آية الحجاب (5).

ص: 102


1- صحیح مسلم : 1 / 59 - 60 ح 52 ، سيرة عمر لابن الجوزي : 59 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 83 ، فتح الباري : 1 / 184 ، الغدير للأميني : 6 / 176 ، النص والاجتهاد : 182
2- صحيح مسلم : 1 / 57 ، الغدير : 6 / 176
3- شرح النووي على صحیح مسلم : 1 / 238
4- سنن الدارمي : 1 / 120 ، سنن أبي داود : 3 / 318 ح 3646 ، مسند أحمد : 2 / 162 ، 3/ 318 مستدرك الحاكم : 1 / 105 - 106 ، جامع بيان العلم لابن عبد البر : 1 / 71
5- صحيح البخاري : 1 / 49 كتاب الوضوء

والمشكلة أن الرواة يتصرفون بالوقائع والأحداث ليعطوا عمر دائماً موقع البطولة ، ولا يجدون غضاضة ولا حرجاً حتى لو أعطوه ذلك على حساب رسول الله ، ولست أدري ما هي * عمر بزوجة رسول الله ؟! وهل هو أكثر غيرة من الرسول ، أو أكثر معرفة للصواب منه ؟ وهل يترقب الوحي إشارة من عمر ، أو توجيه-ا من-ه لتشخيص مواقع المصلحة على صعيد السلوك الإجتماعي ؟ شهد الله أن هذه التصورات لا تطاق .

خامسا - مزايدته العظمى والرسول على فراش المرض ، إذ منعه من کتابة وصيته ، بحجة أن كتاب الله وحده يكفي المسلمين ، واتهم الرسول بالهجروالهذيان ، وقدتعرضنا لذكر هذه الحادثة الفاجعة فيما تقدم، وهي حادثة لا مثيل لها في التاريخ البشري ؛ ذلك أن النبي على إتصال دائم بالوحي ، وكان لا يزال رسولاً وقائداً ، وكان في بيته ، لا في بيت عمر ، وكان مريضاً ويريد أن يكتب وصيته قبل أن يتوفى ، تماماً كما فعل أبو بكر وعمر نفسه ، وكما يفعل أي مسلم وأي إنسان ، فمن الذي أقام عمر وصياً على الرسول ، ونائباً عن المسلمين ، حتى يكسر هيبة النبي ويجرح مشاعره وهو في آخر لحظاته ، فيتهم-ه بالهذيان ، وبعدم معرفة حدود حاجات المسلمين ، ويمنعه من كتابة وصيته ؟! أهو مسلم حقاً من يتلفظ بهذه الألفاظ النابية في حضرة الرسول ؟ وكيف يعتذرون عن هذه الحادثة الرزية ؟ وهل عمر أحب اليهم من رسول الله ؟ بتس للظالمين بدلا !

4 - إن إشاعات قادة التحالف التي استهدفت التشكيك بأحاديث الرسول وعقله واتزانه وخلقه، هي إشاعات لا نصيب لها من الصحة ، وهي محض اختلاق ، ولا نريد أن نستدل على بطلان هذه الإشاعات الظالمة بحكم العقل وإنما نريد أن نحاكمها في ضوء القرآن الكريم ؛ ذلك أن قادة التحالف يرون أن كتاب الله وحده يكفي ، وأنه لا حاجة لأحاديث الرسول وتوجيهاته ، ومعنى ذلك أنهم يعترفون بالقرآن الكريم ، ويعتقدون أنه من عند الله ، ومن ثم فهو يصلح أن يكون حجة عليهم لمواجهة الإشاعات التي أطلقوها ، فهل يقبل قادة التحالف بحكم القرآن على شخص الرسول وأقواله ؟ قال تعالى : «وَالنَّجْمِ إِذَا

ص: 103

هَوَى ،مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ،إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ،عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى» (1)، ولا خلاف في المراد بكلمة ( صاحبكم ) هو النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، ولا خلاف أيضاً في أن قوله تعالى :«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى» مطلق شامل لكل ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من كلام، ولا يختص بحال دون حال أو زمان دون آخر ، فما ينطق به النبي لا يمكن أن يصدر عن الهوى ، وإنما هو وحي يوحى من الله عزوجل ، وهذا ما تضافرت آيات أخرى على تقويته وتأييده ، نحو قوله تعالى : « إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ »(2) ، وقوله :«قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي » (3) ، وقوله تعالى : «وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ » (4)، وقوله : «وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » (5) .

وقال تعالى : «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ »العقاب (6) ، والأمر الإلهي في هذه الآية مطلق أيضاً ، وبمقتضاها يجب على المؤمن الصادق أن ينفذ كل أوامر الرسول ، وأن ينزجر عن كل نواهيه ، ولا يختص ذلك ببعض الأوامر والنواهي دون بعض ، فكيف يمكن التوفيق بين نص هذه الآية وبين إشاعة قادة التحالف التي زعموا فيها أن الرسول يتكلم في الرضى والغضب ولا ينبغي أن يكتب كل ما يقوله ؟ ومما يؤيد هذه الآية قوله تعالى : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ » (7) وقوله في آيات :متعددة (8) ،«وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَه »(9).

فالذين زعموا أن القرآن وحده يكفيهم ، وليسوا بحاجة لحديث رسول الله وتوجيهاته ، خالفوا بذلك القرآن نفسه ، لأن القرآن الكريم الذي زعموا تمسكهم به ، يأمرهم بأن يطيعوا الرسول كما يطيعون الله ، وأن يتجنبوا معصية الرسول كما يتجنبون معصية الله ، فشعارهم ( حسبنا كتاب الله ) ما هو إلا شعار حق یراد به باطل ، تماماً كخدعة معاوية وعمرو بن العاص في صفين حينما رفع-ا شع-ار : ( هذا كتاب الله بيننا وبينكم ) ، غايته أن الناس قد

ص: 104


1- النجم : 1 - 5
2- الأنعام : 50 ، يونس : 15
3- الأعراف : 203
4- يونس : 109
5- الأحزاب : 2
6- الحشر : 7
7- النساء : 80
8- الأنفال : 1 ، 20، 46
9- آل عمران : 32 ، 132

اكتشفوا فيما بعد خدعة شعار معاوية ، ولكنهم لم يكتشفوا بعد خدعة شعار (حسبنا كتاب الله ) .

إن السبب الواقعي الذي يكمن وراء رفض قادة التحالف لحديث النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وآله وسلّم هو إبطال مفعول الأحاديث المتعلقة بالإمامة والقيادة بعد النبي ، ولما كان من المتعذر الإفصاح عن هذا السبب ، اضطروا الى شن حملة التشكيك بكل الأحاديث الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ، والى اختراع فكرة صدروها في الغضب والرضى ، ولما استولوا على السلطة عمدوا الى إحراق الأحاديث المكتوبة ، وحرموا تدوين الحديث وروايته.

ولكن لما آل الأمر الى معاوية - وهو من قادة التحالف - واستطاع أن يقهر المؤمنين بسياسة القبضة الحديدية ، لم يعد هناك داع للمواربة والتستر ، فأعلنها صريحة بإصدار عدد من القرارات الرسمية المتوالية على النحو التالي(1):

أولا - القرار الذي عممه على كل عماله بعد عام الجماعة من أنه ( برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته ) .

ثانياً - القرار الذي عمم فيه نقمته على كل الذين يوالون علياً وأهل بيته ، ووزّعه على عماله في الآفاق ، وهو ( أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي بن أبي طالب وأهل بيته شهادة ) .

ثالثاً - ( لا تتركوا خبراً برواية أحد من المسلمين في أبي تراب ، إلا وتأتوني مناقض له في الصحابة ؛ فإن هذا أحب إلي ، وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجة أب-ي تراب وشيعته ).

رابعاً - ( أنظروا من قامت عليه البينة أنه يحبّ علياً وأهل بيت النبوة ، فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه ) .

خامساً - من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم ) يعني علياً وأهل بيت النبوة ) فنكلوا به ، واهدموا داره .

وبهذا صارت تهمة الكفر أخف من تهمة حب أهل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وبهذا صرح معاوية بالأسباب الحقيقية لمنع رواية وكتابة أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم.

ص: 105


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 11 / 44 - 46

الهوامش :

(1) جامع الترمذي : 5 / 647 ، تيسير الوصول لابن الديبع : 13 / 303 ، الرياض النضرة للطبري : 1 / 3 37 ، الغدير للأميني : 10 / .118

(2) مستدرك الصحيحين : 13 / 211 ، الرياض النضرة : 13 / 182 ، صحيح ابن ماجة: 2 / 1368 ح 4087 ، تاریخ بغداد : 3 / 434 .

(3) شرح نهج البلاغة ، تحقيق حسن تميم : 9 / 305 و 306 .

(4) تاج العروس في شرح القاموس للزبيدي : 4 / 281 مادة ( برطش ).

(5) الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري : 1 / 17 .

(6) مغازي الواقدي : 1 / 45 .

(7) مغازي الواقدي : 1 / 150 .

(8) تفسير القرطبي : 1 / 152 ، سيرة عمر لابن الجوزي : 214 ، شرح نهج البلاغة : 12/ 66 ، الدر المنثور للسيوطي : 1 / 21 ، الغدير للأميني : 6 / 196.

(9) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1 / 182 .

(10) جامع العلم لابن البر : 1 / 131 ، تفسير القرطبي : 5/ 99 ، تفسير ابن كثير : 1 / 478 ، الدر المنثور للسيوطي : 2 / 133 ، الغدير للأميني : 6 / 96 - 97 .

(11) كنز العمال : 16 / 536 ، حاشية السندي على سنن ابن ماجة 1 / 583 ، سنن سعید بن منصور: 1 / 166 ح 598 .

(12) مغازي الواقدي : 2 / 606.

(13) مغازي الواقدي : 2 / 607

(14) مغازي الواقدي : 2 / 609

(15) مغازي الواقدي : 2 / 608

(16) مغازي الواقدي : 2 / 609

(17) صحیح مسلم : 1 / 59 - 60 ح 52 ، سيرة عمر لابن الجوزي : 59 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 83 ، فتح الباري : 1 / 184 ، الغدير للأميني : 6 / 176 ، النص والاجتهاد : 182

(18) صحيح مسلم : 1 / 57 ، الغدير : 6 / 176 .

(19) شرح النووي على صحیح مسلم : 1 / 238.

(20) سنن الدارمي : 1 / 120 ، سنن أبي داود : 3 / 318 ح 3646 ، مسند أحمد : 2 / 162 . مستدرك الحاكم : 1 / 105 - 106 ، جامع بيان العلم لابن عبد البر : 1 / 71

(21) صحيح البخاري : 1 / 49 كتاب الوضوء .

(22) النجم : 1 - 5 .

(23) الأنعام : 50 ، يونس : 15.

(24) الأعراف : 203 .

(25) يونس : 109 .

(26) الأحزاب : 2 .

(27) الحشر : 7 .

(28) النساء : 80 .

(29) الأنفال : 1 ، 20، 46 .

(30) آل عمران : 32 ، 132.

(31) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 11 / 44 - 46 .

ص: 106

الفصل الثالث : موقف الرسول الأعظم من التحالف

1 - أصبح التحالف المكون من بطون قريش مهاجرها وطليقها ، وم- منافقي المدينة وما حولها من الأعراب ، ومن المرتزقة ، دولة حقيقية برئاسة عمر وأبي بكر وبقية قادة التحالف ، ولكنها دولة غير معلنة ، دولة تؤمن بأن مهمة النبي تنتهي بتبليغ القرآن ، وإن القرآن وحده يكفي ، ولا حاجة لأحاديث النبي ولا لتوجيهاته.

ومن المؤكد أن رسول الله كان على علم كامل بما يجري ، فهو يعلم بقيام التحالف الجديد ، ويعرف قيادته والعناصر المنخرطة فيه ، ويعرف الأهداف التي جمعت المتحالفين ، وإن معرفة كل هذا لا تحتاج الى كبير عناء ، وذلك بملاحظة النقاط التالية: أولاً - هناك أعداد كبيرة من المنافقين في المدينة ، قال تعالى : «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ » (1)الأعراب منافقون ، ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ، لا تعلمهم نحن نعلمهم ، سنعذبهم مرتين ، وتلك حقيقة من حقائق المجتمع الذي كان يقوده الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم

ثانياً - بعد الفتح كان الناس يعلمون علم اليقين أن قسماً كبيراً من الطلقاء الذين أسلموا يوم الفتح كانوا منافقين ، يبطنون الكفر رغم تلفظهم بالشهادتين. ثالثاً - أن قسماً كبيراً من القبائل العربية قد تلفظوا بالشهادتين طمعا بالمغنم ، فهم بمثابة مرتزقة ، يأكلون من يقع ويغنمون منه حتى لو كان هو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهم الذين عبر عنهم القرآن بقوله : « وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ »(2).

هذه الحقائق كانت معروفة من قبل عامة المسلمين ، فمن باب أولى تكون معروفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .

ص: 107


1- التوبة : 101
2- التوبة : 98

ولا شك أن محور التحالف الذي قام بين هذه الفئات الثلاثة لم يكن إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ؛ فان النبوة أصبحت أمراً مفروضاً ومعترفاً به لدى الجميع واقعاً أو تظاهراً ، وإنما قام التحالف على عدم جواز أن يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة ، وعلى أن لا يكون لأهل البيت أي موقع مميز في الأمة بعد وفاة النبي ، وهذا هو الثمرة المرّة التي انتجها تحالف البطون مع المنافقين والمرتزقة من الأعراب.

2 - بما أن ظاهرة النفاق كانت من الحقائق الثابتة في القرآن والسنة ، ومن الحقائق التي أجمعت عليها الأمة ، وأن المنافقين كانوا موجودين في مجتمع المسلمين ، لهم قيادة معروفة في المدينة وما حولها وهو عبد الله بن أبي ، وقي-ادة في مكة معروفة للرسول وللأمة بلحن القول ، فلابد من السؤال عن هؤلاء المنافقين وأين ذهبوا بعد موت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، إذ أننا لم نعد نسمع لهم ذكراً بعد وفاة رسول الله ، فهل كانوا ينتظرون وفاته لكي يصلحوا أنفسهم بين عشية وضحاها ، أو كانوا ينتظرون وفاته لكي يتبخروا من الوجود؟ الملاحظ أننا لم نجد منافقاً واحداً اعترض على أبي بكر أو عمر أو عثمان أو معاوية أو مروان بن الحكم ، أو امتنع عن بيعتهم ، فالجواب الوحيد المعقول عن كل هذه التساؤلات هو أن المنافقين كانوا مع هؤلاء ظاهراً وباطناً ، وفي مقابل هذا الموقف حصل المنافقون على صك بإلغاء ظاهرة النفاق ، وبالإعتراف بأن المنافقين صاروا مؤمنين ، مع أن الله يشهد بأن المنافقين لكاذبون.

فالذين اعترضوا على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ومروان هم : علي بن أبي طالب ، وبنو هاشم ، وسعد بن عبادة ، والحباب بن المنذر ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، وأبي بن كعب ، والبراء بن عازب، وخالد بن سعيد الأموي ، وجماعة من المهاجرين والأنصار (1)، هؤلاء هم المعترضون ، وأما المنافقون ، فقد وقفوا مع السلطة وتبنوا مواقفها ودافعوا عنها بحرارة ، فنالوا حصتهم من الغنائم ، وولتهم السلطة على رقاب الناس.

ص: 108


1- تاريخ الخميس : 2 / 169 ، العقد الفريد : 24 / 257 - 260 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 156 ، ابن شحنة ، بهامش تاريخ ابن الأثير : 112 ، السيرة الحلبية : 3 / 479 . شرح نهج البلاغة : 6 / 0 - 52 ، 5 النص والاجتهاد : 80 - 81

وقد تشيع وسائل إعلام الذين استولوا على السلطة بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن الذين عارضوا هذه السلطة هم المنافقون ، إلا أن هذه الإشاعة يكذبها واقع الحال ، فإن الله ورسوله والمؤمنين يشهدون بأن الدعوة للإسلام والدولة الإسلامية ما قامتا إلا على أكتاف الذين عارضوا السلطة التي تمخضت عنها السقيفة ، ويشهدون بحسن إسلامهم وعظيم جهادهم وصدق ولائهم لله ولرسوله .

3 - السؤال المطروح : ما هو موقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم من هذا التحالف ومن كل جديد جاء به التحالف ؟

لا شك أن الرسول بشر ولكنه ليس إنساناً عادياً ، بل هو معدّ إعداداً إلهياً ليكون نبياً ورسولاً وإماماً ، وكان يجمع بين النبوة وبين رئاسة الدولة الإسلامية وقيادتها .

إن الإنطلاق من هذه الحقائق يجنبنا القياس الخاطىء ، ويجعل من غير المناسب أن يقول زيد من الناس : لو كنتُ مكان الرسول لفعلت كذا وكذا بهذا التحالف .

لم تكن الدولة التي شيد الرسول أركانها دولة بوليسية تحشر نفسها في ضمير الإنسان وقلبه وتحاسبه على دخيلة نفسه ، وإنما هي دولة مثلى قامت لرد اعتبار الإنسان وكرامته التي داسها الطغاة ، وتوجيهه في إطار عملية الابتلاء الإلهي ، فترسم له الأهداف الالهية التي خص الله بها الإنسان ، وترشده الى أيسر الطرق لبلوغها ، ولم يكن من شأن دولة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن تضع رقيباً على الإنسان يرافقه حيثما حلّ ، ولا تجبره إجباراً على فعل الخير واجتناب الشر، لأنها إن فعلت ذلك ألغت مبررات الثواب والعقاب ، وعطلت عملية الإبتلاء الإلهي.

وأعظم انجاز حققه النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم ه-و إخراجه للعرب من دائرة الشرك الى دائرة التوحيد ، فلم يعد بوسع أحد أن يجهر بالشرك، فكلهم موحد لله ، أو متظاهر بالتوحيد ، وما دام الجميع يظهرون شهادة أن لا إله الا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فلا سلطان للنبي عليهم وراء

ص: 109

ذلك ، وليس من صلاحيته أن يقول لأحد : أنت تظهر الشهادتين وتبطن الكفر بهما ؛ لأن باطن الإنسان منطقة محضورة على النبي وغيره ، والله سبحانه هو المختص بمحاكمة الإنسان ومحاسبته على ما في باطنه ، ومن هنا فحسب موازين الشرع الإلهي التي يأخذ بها النبي ودولته لا سلطان لمحمد على التحالف ما دام اعضاؤه مقرون بالشهادتين وملتزمون ظاهرياً بأحكام الدين.

صحيح أن الإتفاق الجرمي كان حاصلاً في نفوس أعضاء التحالف ، فالله سبحانه أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن ينصب علياً إماماً للأمة من بعده، واختص ذرية النبي بالإمامة ، وهذا الترتيب الإلهي لمصلحة العباد بالدرجة الأولى والأخيرة ، وكان التحالف يرفض ذلك ، ويعمل سرّاً للحيلولة بين الإمام وحقه في الإمامة ، إلا أنه لم يخط خطوات عملية تجعله تحت طائلة المؤاخذة والعقوبة وإن كانت هناك بعض القرائن التي تشي بدخيلة نفوس البعض ، فهذا عمر يقول : انه ليس من العدل أن يستأثر الهاشميون بالملك وبالنبوة معا ، فيجيبه النبي بأن هذا الترتيب ليس من عنده ، وانما هو أمر إلهي ، فيمط عمر شفتيه غير مقتنع بالجواب ، فالخلل في ايمان عمر وتسليمه ، وعلى مجتمع المؤمنين أن يحذر هذا الخلل ، ويحول دون القناعات المخالفة للترتيبات الإلهية أن تجد طريقها للتطبيق العملي ، فاذا لم يقم المجتمع بوظيفته هذه، كان هو المفرط بحق نفسه ، وسيكتوي بنار الإنحراف في وقت يطول أو يقصر ، ويدفع ثمن المعصية ، وحينئذ لا ينفعه عمر ولا قادة التحالف.

إن قيام التحالف حالة من الإنحراف عن الدين الحنيف ، وكان ينبغي أن يكون حافزاً للصادقين من المؤمنين ليقفوا بحالة يقظة تامة ووحدة حقيقية تواجه ذلك التحالف وتمنعه من تحقيق أهدافه ، بالإلتفات حول الإمام المعين من قبل النبي ، ولكن هذا لم يحدث ؛ فقد وجد الإمام علي نفسه وحيداً مع أهل بيته ، وقد قال يصف حالته بعد النبي واستيلاء التحالف على السلطة : ( فنظرت ، فاذا ليس لي رافد ولا مساعد ، إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنيّة ، فأغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجا ، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم ، وآلم للقلب من وخز الشفار )(1).

ص: 110


1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد : 2 / 20

لقد فوجىء المؤمنون بدقة تخطيط التحالف وأنهم أمام تنظيم مسلح وضع يده على مواقع السلطة ، فواجهوا الوضع الجديد بوصفهم أفراداً لا جماعة ، وذهلوا عن قائد الجماعة ، فرأوا أن التسليم أولى ، وإن قوتهم لا تكاد تذكر بالنسبة الى جموع التحالف.

والحقيقة أن الكثرة والقلة لا أثر لها في موازين الإسلام ، فطول حياة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان المؤمنون قلة ، وكان المنافقون واليهود والمرتزقة كثرة ، ومع هذا قادت القلة المؤمنة هذا المجتمع ؛ لأنها سلمت للنبي وأطاعته فلو أن القلة المؤمنة كانت محصنة بالقناعة الكافية ، ومطيعة للولاية الراشدة ، لما تمكن التحالف من النجاح . والملاحظ أن قرار رئيس الدولة لم يكن ليكفي لإلغاء الإنحراف ، فلو فرضنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بوصفه رئيسا أصدر أمراً بلزوم إلقاء أعضاء التحالف لسلاحهم وتعهدهم بعدم مواصلة نشاطهم ، والتزامهم بالطاعة الولي من بعده ، لما كان لقرار الرسول هذا تأثير يذكر أمام تجمع التحالف المقتنع بأهدافه ؛ لأن هذا القرار لم تكن له قوة بشرية متكاتفة تضعه موضع التنفيذ ، ولو كانت هذه القوة متوفرة لوقفت بوجه قادة التحالف حينما اتهمت رسول الله بالهجر ، ومنعته من كتابة وصيته.

والملاحظ أيضاً أنه لم يكن بوسع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أن ينظم الفئة المؤمنة ويكتلها لمواجهة عصر ما بعد النبوة ؛ إذ يتعذر على رسول الله أن ينفذ ذلك عملياً ، لقد أعلن الرسول يوماً أنه سيخرج لأداء العمرة ، فخرج معه 1500 رجل يظهرون الشهادتين ، وعسكر بهم في الحديبية ، وكان من جملة الخارجين رأس النفاق عبد الله بن أبي ، وحينما طلب النبي من أصحابه أن يبايعوه على الموت ، تقدم المؤمنون والمنافقون معاً فبايعوا الرسول على ذلك وبايع معهم عبد الله بن أبي !

فكيف يتمكن النبي والحال هذه أن يقول للصادقين : إنني أدعوكم الى اجتماع خاص ، وأنتم أيها المنافقون ابقوا في أماكنكم ؟ إن هذا أمر عسير وغير منطقي.

ص: 111

هذا ، ولكن المؤمن الصادق يكون حيث أراده الرسول أن يكون ، فتعليمات الرسول واضحة كالشمس ، وراية علي كانت مرفوعة ، فما ضر المؤمنين يومئذ لو انضووا تحتها ، ليهزم الإمام بهم المنحرفين ؟ إنهم لم يلبوا دعوة الرسول ، وتركوا الإمام من بعده وحيداً ، وأفسحوا المجال لخيل التحالف لتمر وتدوس بسنابكها أهل بيت النبوة !

تلك كانت طبيعة القوم الذين قادهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولقد دفعوا الضريبة كاملة فيما بعد ، وسقطوا في مخالب الظالمين ، لم يضروا النبي وإنما ضروا أنفسهم ، وكلما جاء ظالم ضيّق الخناق عليهم ، حتى جاء يزيد بن معاوية فاستباح المدينة المنورة ، وقتل عشرة آلاف في يوم واحد ، وحمل ألف بكر من دون زوج ، وختم أعناق من بقي من الصحابة وأيديهم إمعاناً في إذلالهم ، وبايعوا على أنهم خول ، وعبيد لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

ص: 112

الهوامش :

(1) التوبة : 101 .

(2) التوبة : 98 .

(3) تاريخ الخميس : 2 / 169 ، العقد الفريد : 24 / 257 - 260 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 156 ، ابن شحنة ، بهامش تاريخ ابن الأثير : 112 ، السيرة الحلبية : 3 / 479 . شرح نهج البلاغة : 6 / 0 - 52 ، 5 النص والاجتهاد : 80 - 81 .

(4) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد : 2 / 20 .

ص: 113

ص: 114

الباب الرابع : الانقلاب الأسود على الشرعية الإلهية

اشارة

ص: 115

ص: 116

الفصل الأول : التنظير للإنقلاب

1 - لقد أخفى الإنقلابيون أو قادة التحالف مشاعرهم الحاسدة والحاقدة على آل محمد ، وتناسوا جراحات الماضي ، فلم يذكروا قتلاهم في بدر واحد والخندق ، ولم يظهروا مشاعرهم وغصات حلوقهم ، ولم يشعروا عليّاً بأنه قاتل الأحبة ، ولا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه المسبب في ذلك ، بل صار من مصلحتهم أن يعترفوا به ؛ لأنهم أدركوا أن الرسول قد بنى ملكاً عريضاً ، فصاروا يطمحون لبقاء هذا الملك والإستيلاء عليه ، وهذا يتوقف على الإعتراف بالنبوة وبالدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ، الأمر الذي يمكنهم من أن يحكموا العرب بهذين الشعارين ، ويضمنوا طاعتهم بهما.

فمحمد من هذه الجهة قد خدمهم ورقاهم من حكم بلدة مكة إلى حكم بلاد العرب كلها ، وفتح أمامهم أبواب الخيرات التي ستتدفق عليهم عن طريق الجهاد.

2 - ولما رأت بطون قريش إصرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ولاية علي بن أبي طالب من بعده ، وإصراره على إعطاء أهل بيت النبوة موقعاً متميزاً في قيادة الأمة ، وسمعوا إعلانات النبي المتكررة بشأن هذا الموضوع ، وحرصه العميق على توضيح التفاصيل المتعلقة بالقيادة من بعده ، لما رأت بطون قريش كل ذلك ، خططت لمواجهة الموقف بأسلوبين :

أولهما - إطلاق حملة الإشاعات التي تقدم ذكرها ، من أجل التشكيك بشخصية الرسول وأقواله ، وصولاً إلى إبطال مفعول البيان النبوي المتعلق بالامامة أو القيادة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.

ص: 117

والأسلوب الثاني - التعاون مع كل العناصر التي تكره آل محمد ، فمدت بطون قريش يدها الى فريقين :

أولهما - المنافقون الذين كانوا حقيقة من حقائق المجتمع في المدينة المنورة وما حولها ، والذين شكلوا أعظم المشكلات التي واجهت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وقد أعلن المنافقون أنهم مع دولة البطون ، وأنه ليس من العدل أن يكون النبي من بني هاشم ، وأن يكون الخليفة منهم أيضاً.

والفريق الثاني - طلاب المكاسب الدنيوية ، يقول المؤرخون في وصف أحداث يوم السقيفة : ( وقد أقبلت قبيلة أسلم بجماعتها حتى تضايق بهم السكك ، فكان عمر بن الخطاب يقول : ما هو إلا أن رأيت أسلم حتى أيقنت بالنصر )(1) .

فمن الذي أخبر عمر أن اسلم ستقف معه إن لم يكن هناك إتفاق سابق بين قيادة التحالف وقبيلة أسلم ؟ ومن الذي أخبر أسلم بإنعقاد الاجتماع ودعاها لتحضر وتبايع وتحقق لعمر ما أسماه نصراً ؟

ولقد استفادت بطون قريش من الخصومة القديمة بين قبيلتي الأوس والخزرج واتخاذ كل منهما موقفاً مناقضاً لموقف الأخرى ، فحينما قدم الخزرج سعد بن عبادة لكبر سنه وشرفه ، نهض بشير بن سعد في اللحظة الحاسمة وقال : ( إن محمداً رسول الله رجل من قريش وقومه أحق بميراثه وتولّي سلطانه ) (2).

وفي نفس اليوم الذي بويع فيه أبو بكر ذهبت سرية فيها أسيد بن حضير سيد الأوس - أو هكذا أظهر - لاستحضار على للبيعة ، وحرق بيت فاطمة بنت رسول الله على من فيه ، ولا يعقل أن يكون هذا وليد لحظته ، بل هو ثمرة اتفاق وتدبير سابق ، وصدق رسول الله حينما قال لعلي يوماً : ( ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا بعدي ). (3).

3 - رفع الإنقلابيون مجموعة من الشعارات المختلفة تبعاً لاختلاف المراحل ،

فكان لكل مرحلة شعارها ، ومن هذه الشعارات :

أولا - الشعار الذي رفعوه في مرحلة الاعداد للانقلاب ، وهو : منع الإجحاف بحق البطون ، بالحيلولة دون جمع الهاشميين للنبوة والخلافة ، وأن

ص: 118


1- تاريخ الطبري : 3 / 222
2- الامامة والسياسة : 1 / 16 ، تاريخ الطبري : 23 / 221 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 10
3- الرياض النضرة للطبري : 3 / 184 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 273 ، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي : 1 / 36

الصواب والعدل إنما يتحقق باختصاص الهاشميين بالنبوة ، وترك الخلافة للبطون لا يشاركهم فيها هاشمي.

وقد أفصح عمر عن هذا الشعار أثناء خلافته في حوار له مع ابن عباس فقال: ( يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد ؟ قال ابن عباس : فكرهت أن أجيبه ، فقلت : إن لم أكن أدري ، فإن أمير المؤمنين يدري . فقال عمر كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة . فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت ، قال ابن عباس : إن تأذن لي في الكلام وتحط عني الغضب تكلمت ، قال عمر : تكلم ، قال ابن عباس : فقلت أما قولك يا أمير المؤمنين : اختارت قريش لنفسها فأصابت ووفقت ، فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها من حيث أختار الله لها ، لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، وأما قولك : إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة ، فإن الله عز وجل وصف قوماً بالكراهية فقال : «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ »(1).

ثانياً - شعار أن أقارب النبي وعشيرته أولى بسلطانه وميراثه.

وقد رفعوا هذا الشعار عندما تأكدوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قد انتقل الى جوار ربه، وأن آل محمد مشغولون بمصابهم ، وليس بإمكانهم ترك النبي والخروج ، فلم يكن أمام قادة البطون إلا الأنصار ، فاحتجوا عليهم بأنهم أقارب محمد وأهله وعشيرته ، وأنهم الأولى بميراثه وسلطانه.

قال أبو بكر في السقيفة : ( الناس تبع لنا ، ونحن عشيرة الرسول ) ، وقال عمر : ( إنه والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم ... من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أهله وعشيرته ) (2).

وعندما قال الأنصار : ( لا نبايع إلا علياً ) (3) ، تجاهل الموجودون م--ن قادة التحالف هذا الطلب ، وقال أبو بكر : هذا عمر وهذا أبو عبيدة بايعوا أيهما شئتم . فبايعهم الأنصار على أساس أنهم أقارب النبي والأحق بميراثه .

ثالثاً - شعار أن الأمر شورى ، وقد رفعوا هذا الشعار بعد أن قبضوا على مقاليد الأمور وبايعهم أولياؤهم بالخلافة ، واحتج على ذلك آل محمد ، حينئذ

ص: 119


1- الكامل في التاريخ : 3 / 63 - 64 ، تاريخ بغداد : 97/2 ، شرح نهج البلاغة بتحقيق محمد أبو الفضل: 12 / 53 - 5
2- الامامة والسياسة : 1 / 13 - 15
3- تاريخ الطبري : 3 / 202 ، طبقات ابن سعد : 2 / 269 ، مسند أحمد : 1 / 405 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 9

رفعوا شعار أن أمر الخلافة شورى بين المسلمين ، وإن المسلمين قد اختاروا أبا بكر أول الخلفاء .

قال أبو بكر للعباس : ( فخلّى الرسول على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متفقين غير مختلفين ، فاختاروني عليهم ولياً ولأمورهم راعياً )(1).

أي أنهم كانوا يلبسون لكل حالة لباسها ، ففي مواجهة الأنصار وغياب آل البيت احتجوا بالقرابة من رسول الله ، ولما قبضوا على مقاليد الأمور وواجهوا آل محمد بأمر واقع ، رفعوا شعار الشورى ، واحتجوا باختيار الناس ومبايعتهم لهم .

رابعا - شعار حسبنا كتاب الله ، وقد طرحوا هذا الشعار عندما بدأ الرسول بالتركيز المكثف على الخلافة من بعده ، وبيّن إمامة عليّ والموقع المميز لأهل البيت ، وقد طرح هذا الشعار بصورة سرية أول الأمر ، ثم لم يلبثوا أن واجهوا به رسول الله وهو على فراش الموت (2) ؛ ليمنعوه من كتابة وصيته ، بعد أن ؛ علموا أنه يريد تأكيد إمامة علي وإثبات ولايته خطياً.

ص: 120


1- الإمامة والسياسة : 1 / 21
2- صحيح البخاري : 6 / 11 - 12 ، صحیح مسلم : 3 / 1209 ح 22 1 ، صحیح مسلم : 3 / 1259 ح 22 ، مسند أحمد : 1 / 355 .

الهوامش :

(1) تاريخ الطبري : 3 / 222.

(2) الامامة والسياسة : 1 / 16 ، تاريخ الطبري : 23 / 221 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 10 .

(3) الرياض النضرة للطبري : 3 / 184 ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي : 273 ، مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي : 1 / 36 .

(4) الكامل في التاريخ : 3 / 63 - 64 ، تاريخ بغداد : 97/2 ، شرح نهج البلاغة بتحقيق محمد أبو الفضل: 12 / 53 - 5 .

(5) الامامة والسياسة : 1 / 13 - 15.

(6) تاريخ الطبري : 3 / 202 ، طبقات ابن سعد : 2 / 269 ، مسند أحمد : 1 / 405 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 9 .

(7) الإمامة والسياسة : 1 / 21.

(8) صحيح البخاري : 6 / 11 - 12 ، صحیح مسلم : 3 / 1259 ح 22 ، مسند أحمد : 1 / 355 .

ص: 121

الفصل الثاني : توقيت الإعلان عن الإنقلاب

1 - لم يكن إنتقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الى الرفيق الأعلى مفاجأة للمسلمين ، فقد أعلن الرسول ذلك أكثر من مرة ، وقال للناس في حجة الوداع : ( لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) ، وقال في غدير خم : ( يوشك أن أدعى فأجيب ) .

وكان رسول الله يرقد على فراش المرض في حجرة عائشة ، وقد جرت العادة أن تجتمع الأسرة عند مريضها ، وأن يحضر وجهاء القوم عند زعيمهم إذا مرض مرض الموت ، لكي يلخص لهم الموقف ويبين لهم توجيهاته النهائية ، ولكي يعبروا له عن ارتباطهم به ، وعن تقديرهم لجهوده التي بذلها طيلة فترة قيادته لهم .

ومن المؤكد أن رسول الله كان قد حدد موعداً لكتابة توجيهاته النهائية ، وطلب حضور عدد من أهل ثقته وخواصه ليشهدوا كتابة وصيته ، وصيته ، ليكونوا عوناً لولي الأمر من بعده ، وحجة على خصمه ، وذلك أن محمداً ليس رجلاً عادياً وإنما هو خيرة الله من خلقه ، ورسول الله ، وولي الأمة ، وقائد دولتها ، فمن غير الممكن عقلاً أن لا يستحضر أحداً عند كتابة توجيهاته النهائية .

وبما أن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قد حدد الموعد داخل بيته ، ولم يعلم به إلا أهل بيت النبوة وزوجات الرسول ، فكيف تسنى لعمر بن الخطاب أن يعرف هذا الموعد ، حتى جاء إليه ومعه حشد من أنصاره ومن قادة التحالف، ليحولوا بين رسول الله وبين كتابة توجيهاته النهائية ؟ ومن الذي أخبر عمر بمضمون هذه التوجيهات حتى عرفها تماماً كما اعترف هو بذلك فيما بعد بقوله : ( لقد أراد رسول الله في مرضه أن يصرح باسم علي بن أبي طالب، فمنعته ) (1).

ص: 122


1- شرح نهج البلاغة : 12 / 79

لابد أن يكون عمر قد اطلع على موعد كتابة الوصية ومضمونها من مصدر ما داخل بيت رسول الله ، وفي وقت أتاح له الفرصة الكافية ليجمع قادة التحالف ويطلعهم على الأمر ، ويتفق وإياهم على خطة للحيلولة بين الرسول وبين كتابة ما أراد.

فمن هو هذا المصدر في بيت رسول الله ؟

لابد أن يكون هذا المصدر أو المخبر يكره علياً بن أبي طالب بالضرورة ، ويعارض خلافته للنبي ، ولا بد أن تكون لهذا المخبر علاقة قوية تربطه بعمر وأبي بكر ، ولما كان من المستحيل أن يكون المخبر من أهل بيت النبوة ، فينحصر الأمر بالخدم أو بأحدى زوجات الرسول ، والخدم لا يجرؤون مطلقاً على هذا الأمر الخطير ، فيبقى الإحتمال المؤكد أن يكون المخبر هو أحدى زوجات الرسول ، بعد سماعها للرسول يتكلم بذلك مع الإمام علي ، فسارعت باطلاع عمر على وقت كتابة الوصية ومضمونها.

هنا تقفز الى الذهن حفصة زوجة الرسول وابنة عمر بن الخطاب ، وعائشة زوجة الرسول وابنة أبي بكر ، ربما كانت إحداهما قد أخبرت عمر أو كلتاهما معاً ، قال الواقدي : إن أبا بكر وعمر كانا معاً لا يفترقان ، وان عائشة وحفصة ابنتاهما كانتا معاً (1) ، وقد أخبرنا الله تعالى عن تظاهر زوجتين من زوجات الرسول عليه ، فقال : « وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ »(2)، وقال عمر بن الخطاب فيما بعد : إن اللتين كم تظاهرتا على الرسول هما حفصة وعائشة ، كما أخرج البخاري في تفسير هذه الآية (3)وإن الله تعالى طلب منهما التوبة الى الله ، والتوبة لا تطلب إلا من المذنب (4)، وقد ضرب الله لهما مثلاً امرأة نوح وامرأة لوط (5) ، وقد قالت عائشة للنبي يوماً : ( أنت الذي تزعم أنك رسول الله ) (6)كل هذا يؤكد أن تكون إحداهما قد أخبرت عمر بموعد كتابة التوجيهات ومضمونها ، ولكن من منهما على وجه التحديد ؟ لنتابع استقراءنا للنصوص ، ومنها :

ص: 123


1- مغازي الواقدي : 2 / 449 و 708
2- التحريم : 4
3- صحيح البخاري : 6 / 195 و 196
4- تفسير الكشاف للزمخشري : 4 / 566 ، تفسير الرازي : 30 / 44 ، الدر المنثور للسيوطي : 6 /239 ، تفسير القرطی : 18 / 177 ، تفسير ابن كثير : 4 / 414 ، فتح القدير للشوكاني
5- تفسير القرطبي : 18 / 202 ، فتح القدير : 5 / 255
6- إحياء علوم الدين للغزالي : 2 / 43

أولاً - ما أورده البخاري في صحيحه ، قال : ( قام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم خطيبا ، فأشار نحو مسكن عائشة فقال : ههنا الفتنة ، ههنا الفتنة ، ههنا الفتنة ، من حيث يطلع قرن الشيطان ) (1) ، وفي صحيح مسلم : ( خرج رسول الله من بيت عائشة فقال : رأس الكفر من ههنا ، من حيث يطلع قرن الشيطان) (2).

فإذا أخذنا بعين الإعتبار أن الرسول كان يرقد في بيت عائشة ، قرب احتمال أن تكون عائشة هي التي سربت خبر كتابة الوصية ومضمونها لعمر.

ثانياً - النصوص التي تثبت كراهية عائشة للإمام علي وحقدها البالغ عليه ، بنحو يجعلها لا تطيق حتى التلفظ باسمه ، ومنها :

1- عن عبيد الله الله بن بن عبد الله بن مسعود عن عائشة : لما ثقل رسول الله فاشتد به وجعه خرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض بين ابن عباس ) تعني الفضل ) وبين رجل آخر .

قال عبيد الله : فأخبرت عبد الله بن عباس بالذي قالت عائشة ، فقال لي عبد الله بن عباس : هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟ قال : قلت : لا ، قال ابن عباس : هو علي بن أبي طالب ، ثم قال : ( إن عائشة لا تطيب له نفسا بخير )(3) .

2 - عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل فوقع في علي وفي عم-ار ع-ن-د عائشة ، فقالت : ( أما علي فلستُ قائلة لك فيه شيئاً ، وأم-ا عم-ار فقد سمعت رسول الله يقول فيه : لا يخيّر بين أمرين إلا اختار أرشدهما ) (4).

3- فيما بعد خرجت على الإمام علي وحاربته ، ونبحتها كلاب الحوأب ، بدعوى المطالبة بدم عثمان ، مع أنها كانت تحرض على قتله (5) ، وقد خسرت الحرب ووقعت أسيرة ، فأعادها الإمام عليّ معززة إلى بيتها الذي خرجت منه وقد أمرها الله أن تقر فيه ، إلا أنها حينما بلغها موت الإمام علي سجدت الله شكراً (6) .

ص: 124


1- صحيح البخاري : 4 / 100
2- صحیح مسلم : 4 / 2229 ح 18 ، 18 : 31 - 33 بشرح النوري
3- الطبقات لابن سعد : 2 / 232 ، صحيح البخاري : 6 / 13 - 14) (لكن) البخاري حذف جملة : لا تطيب لها نفسا بخير السيرة الحلبية : 3 / 457
4- مسند أحمد بن حنبل : 6 / 113
5- تاريخ اليعقوبي: 2/ 170 و 181 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 215 ، تذكرة الخواص : 61 - 64 ، تاريخ الطبري : 4 / 459 ، الكامل في التاريخ : 3 / 206
6- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني : 27 ، الجمل للشيخ المفيد : 83 - 84

هذه هي طبيعة مشاعر عائشة تجاه الإمام علي ، فمن الطبيعي أن تخبر عمر وأبا بكر بموعد الوصية ومضمونها ، وأن تشترك معهما باتخاذ كل ما يلزم للحيلولة بين الإمام وحقه الشرعي بالقيادة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم .

ثالثا - النصوص التاريخية التي تظهرنا على المكانة الخاصة التي تمتعت بها عائشة في عهدي أبي بكر وعمر ، تجعلنا نجزم بأنها هي التي أخبرتهما بموعد ومضمون التوجيهات النبوية الإلهية ، فلا أحد من المسلمين والمسلمات كان يأخذ عطاء أكثر مما تأخذه عائشة وحفصة ، فلكل واحدة منهما اثنا عشر بينما بقية نساء النبي كان لكل منهن عشرة آلاف ألفا .

وكلمة عائشة كانت عند عمر مر أمراً ؛ ذلك أنه لما طعن عمر ، أرسل ابنه عبدا لله ليستأذن من عائشة فيدفن في بيت الرسول الى جانبه وجانب أبي بكر فقالت عائشة ، حباً وكرامة ، ثم قالت لعبد الله : أبلغ عمر سلامي ، وقل له : لا تدع أمة محمد بلا راع ، استخلف عليهم ، ولا تدعهم بعدك هملاً ؛ فإنّي أخشى عليهم الفتنة .

عندئذ قال عمر : ومن تأمريني أن أستخلف ؟ (1) فلو أمرته عائشة ان يستخلف أعرابياً من البادية لفعل ؛ لأنه كان مديناً لها بمنصب الخلافة ؛ إذ لو لم تخبره بموعد ومضمون الوصية النبوية لسار الأمر سيراً طبيعياً ، ولما اختلف إثنان فيما بعد ، لكنها أطلعته على الأمر ، فسارع بحشد قادة التحالف ، وحال بين الرسول وكتابة ما يريد ، وجرح مشاعره الشريفة.

ص: 125


1- الإمامة والسياسة : 1 / 28

الهوامش :

(1) شرح نهج البلاغة : 12 / 79.

(2) مغازي الواقدي : 2 / 449 و 708.

(3) التحريم : 4 .

(4) صحيح البخاري : 6 / 195 و 196.

(5) تفسير الكشاف للزمخشري : 4 / 566 ، تفسير الرازي : 30 / 44 ، الدر المنثور للسيوطي : 6 /239 ، تفسير القرطی : 18 / 177 ، تفسير ابن كثير : 4 / 414 ، فتح القدير للشوكاني .

(6) تفسير القرطبي : 18 / 202 ، فتح القدير : 5 / 255 (7) إحياء علوم الدين للغزالي : 2 / 43 (8) صحيح البخاري : 4 / 100 .

(9) صحیح مسلم : 4 / 2229 ح 18 ، 18 : 31 - 33 بشرح النوري .

(10) الطبقات لابن سعد : 2 / 232 ، صحيح البخاري : 6 / 13 - 14) (لكن) البخاري حذف جملة : لا تطيب لها نفسا بخير السيرة الحلبية : 3 / 457.

(11) مسند أحمد بن حنبل : 6 / 113 .

(12) تاريخ اليعقوبي: 2/ 170 و 181 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 215 ، تذكرة الخواص : 61 - 64 ، تاريخ الطبري : 4 / 459 ، الكامل في التاريخ : 3 / 206 .

(13) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني : 27 ، الجمل للشيخ المفيد : 83 - 84 . (14) الإمامة والسياسة : 1 / 28 .

ص: 126

الفصل الثالث : الإعلان عن وجود الإنقلاب

1 - حضر الذين اصطفاهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية ، وفجأة اقتحم عمر بن الخطاب الحجرة ومعه قادة التحالف وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم على خطة تحول بين النبي وبين كتابة ما يريد .

حضور عمر وأعوانه لم يكن بالحسبان ، فكيف يتصرف النبي أمام هذه المفاجأة ؟ هل يلغي الموعد ويضرب موعداً جديداً ؟ أم يمضي قدماً الى حيث أمره الله ؟ لقد اختار النبي الحل الأخير ، فقال : ( قربوا أكتب لكم كتاباً ل-ن تضلوا بعده أبداً ) وفي رواية أخرى : ( إنتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ) ، وهناك خمس روايات أخرى بهذا المضمون ، وإن اختلفت لفظاً .

ولو تأملنا في هذه الروايات السبع لم نجد فيها ما يدعو الى الرفض ،والإعتراض، إذ من يرفض التأمين ضد الضلالة ؟ ولماذا ؟ ولمصلحة من ؟

ثم إن الرسول في بيته ، ومن حق الإنسان أن يقول في بيته ما يشاء ، والرسول مسلم ، ومن حق المسلم أن يوصي ، ثم إنه ما زال رسولاً وقائداً للأمة، وسيبقى الى أن تصعد نفسه الطاهرة إلى بارئها يتمتع بصلاحيات الرئيس. ففي كل المعايير العقلية والإنسانية والدينية ، لا يوجد مسوّغ لمواجهة النبي بسبب قوله : ( هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ) ، ولكن ما أن أتم رسول الله كلامه حتى انبرى عمر بن الخطاب موجهاً كلامه للحاضرين ومتجاهلاً النبي : ( إن النبي يهجر ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله)(1) وعلى الفور ضج اتباعه بصوت واحد ، متجاهلين الرسول وموجهين كلامهم

ص: 127


1- تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي : 62 ، سر العالمين وكشف ما في الدارين للغزالي : 21

للحضور : هجر رسول الله ، إن رسول الله يهجر ، ، ما شأنه أهج- استفهموه ماله أهجر .

وردد أتباع عمر مع كل جملة من الجمل الأربع قافية : القول ما قال عمر ، متجاهلين بالكامل وجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم .

صعق الحضور من غير حزب عمر من هول ما سمعوا ، فقالوا : قربوا يكتب لكم رسول الله ، فرد عمر عليهم متجاهلا وجود النبي : ( إن النبي يهجر ، وعندنا كتاب الله ، حسبنا كتاب الله ) ، وأحدث أتباعه الضجيج نفسه ، وصاحت النسوة : ( ألا تسمعون رسول الله ؟ قربوا . . . )فقال عمر : إنكن صويحبات يوسف ، فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : دعوهن ، فإنهن خير منكم .

ويبدو أن النساء المجتمعات في بيت رسول الله بمناسبة مرضه سمعن اللغط والمشادة بين عمر وأتباعه من جهة وبين المؤمنين الصادقين الذين استجابوا لله وللرسول ، وعندئذ ، وعندئذ تجمعن من وراء الستر أو عند الباب ، وتعجين مما يفعل عمر وحزبه ، وصحن : ألا تسمعون رسول الله (..) ( فنهرهن عمر، فرد عليه الرسول ذلك الردالموجع .

كثر اللغط والإختلاف ، وارتفعت الأصوات ، وتنازع الفريقان ، وصارت الكتابة في ذلك الجو مستحيلة ، فقد رأى رسول الله كثرة حزب عم- واصرارهم على فعل أي شيءيحول دون الرسول وكتابة ما أراد ، فلو أصر النبي على الكتابة وفعل ذلك ، لأصر عمر وأتباعه على إثبات هجر رسول الله ؛ لإبطال مفعول ما كتب ، وهذا سيجر الى عواقب مدمرة بسبب التشكيك بكل ما قاله النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فلذلك قرر النبي أن يصرف النظر ع-ن كتابة توجيهاته النهائية ، وان يحسم الموقف ، فقال : ( دعوني ، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه ) ، أو ( قوموا عني ، ولا ينبغي عندي التنازع )(1) ، وكان هذا عين ما تمناه عمر وحزبه ، لقد نجحوا في الحيلولة بين النبي وكتابة ما يريد ، وتحققت الغاية من اقتحامهم لبيت رسول الله ، ولم يعد هناك ما يوجب البقاء .

ص: 128


1- صحيح البخاري : 6 / البخاري : 6 / 11 - 12 ، صحیح مسلم : 24 / 1257 ح 20 و ح 22 ، مسند أحمد 1 1257/4 20 222 ، تاريخ الطبري : 13 / 192 - 193 ، الكامل في التاريخ : 2 / 320 ، تذكرة الخواص : 62 ، سر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي : 21

2 - ولعله من المستحسن أن نقارن بين موقف عمر هذا من النبي ، وبين موقفه من أبي بكر عندما أراد أن يكتب توجيهاته النهائية وهو مريض ، فق-د كان عمر جالساً مع الصفوة التي اختارها أبو بكر لتشهد كتابة وصيته وتوجيهاته ، ومعه شديد مولى أبي بكر حاملاً للصحيفة ، فكان عمر يقول : أيها الناس ، إسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله ، إنه يقول : إني لم الكم نصحاً (1).

لم يقل عمر : إن أبا بكر يهجر ، ولم يختلف الحضور ، و لم يكثر اللغط ، ولم تتدخل النساء ، إن هذا يدعو للعجب ، فهل لأبي بكر قيمة وقداسة عن-د عم-ر وحزبه أكثر من قيمة الرسول وقداسته ؟!

وعندما طعن عمر واشتد به الوجع ، وقال : لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع ، وقال لابنه : ضع خدي على الأرض لا أم لك ، لم يمنعه ذلك من كتابة توجيهاته النهائية ، فعهد بالخلافة لستة نظريا ولعثمان بن عفان عملياً ، ولم يعترضه أحد، ولم يتهم بأنه يهجر ، ولم يقل أحد حسبنا كتاب الله ، وإنما عومل بكامل التوقير والإحترام ، ونفذت تعليماته النهائية حرفياً ، وكأنها كتاب منزل من عند الله.

لم يصدف طوال التاريخ أن عومل ولي الأمر سواء أكان خليفة أو ملكاً وهو مريض بالقسوة والجلافة التي عومل بها رسو الله ، ولم يصدف أن اعترض المسلمون خليفة إذا أراد أن يستخلف من بعده ، بل على العكس ، فقد قال ابن خلدون : ( إن الخليفة ينظر للناس حال حياته ، وبتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته ، ويقيم لهم من يتولى أمورهم بعده )(2)، فهل للخليفة وقار عند المسلمين أكثر من رسول الله ؟ وهل له مكانة أعظم من مكانة الرسول ؟ إن هذا لأمر عجاب ! إنهم قالوها بمنتهى الصراحة : إن الخليفة أعظم من الرسول (3)!

ص: 129


1- تاريخ الطبري : 3 / 429
2- مقدمة ابن خلدون : 177
3- تاريخ ابن كثير : 10 / 7 ، سنن أبي داود : 4 / 210 ، مروج الذهب : 3 / 75 ، العقد الفريد : / 380 - 391 ، تاريخ الطبري : 5 / 61

الهوامش :

(1) تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي : 62 ، سر العالمين وكشف ما في الدارين للغزالي : 21.

(2) صحيح البخاري : 6 / البخاري : 6 / 11 - 12 ، صحیح مسلم : 24 / 1257 ح 20 و ح 22 ، مسند أحمد 1 1257/4 20 222 ، تاريخ الطبري : 13 / 192 - 193 ، الكامل في التاريخ : 2 / 320 ، تذكرة الخواص : 62 ، سر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي : 21 (3) تاريخ الطبري : 3 / 429.

(4) مقدمة ابن خلدون : 177.

(5) تاريخ ابن كثير : 10 / 7 ، سنن أبي داود : 4 / 210 ، مروج الذهب : 3 / 75 ، العقد الفريد : / 380 - 391 ، تاريخ الطبري : 5 / 61 .

ص: 130

الفصل الرابع : تنفيذ الإنقلاب

1 - إن أنباء المواجهة التي جرت في حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بين قائد الإنقلاب عمر بن الخطاب ومن والاه من جهة ، وبين النبي ومن والاه من جهة أخرى ، شقت طريقها بكل تفاصيلها الى أسماع أهل المدينة وتأكد الناس من وجود انقلاب على الشرعية الإلهية ، له قيادة وقاعدة تدعمه ، وأنه في طريقه للاستيلاء على السلطة بالقوة .

وقد قرر الإنقلابيون أن يكون وقت تنفيذ الإنقلاب في الفترة الزمنية الواقعة بين وفاة النبي وبين دفنه ، وهي فترة انشغال آل محمد وبني هاشم بمصابهم الجلل؛ إذ لو حضر آل محمد ، وكان هنالك تكافؤ فرص ، لتمكن الإمام علي من إقامة الحجة على الإنقلابيين ، أما إذا سارع الإنقلابيون بتنصيب خليفة ، يزفه أعوانه وأنصاره زفاً ، فإنهم سيفاجئون آل محمد بأمر واقع ، فإذا اعترضوا تمكن الإنقلابيون من تصويرهم بصورة الخارجين على الجماعة ، والشاقين لعصا الطاعة ، وسلطوا عليهم أعوانهم لإخضاعهم بالقوة .

2 - كانت الخطوة الأولى في عملية تنفيذ الإنقلاب أن تحرك قسم من الإنقلابيين الى منطقة الأنصار ، ويتجمعون في سقيفة بني ساعدة ، وكأنهم زوّار لسعد بن عبادةالخزرجي الذي كان مريضاً وطريح الفراش ، ومهمة هذا القسم أن ينتظر قدوم قادة الانقلاب الرئيسيين الثلاثة ، وأن يشتركوا بالحوار ، وكأنهم لا علم لهم بوجود انقلاب ، حتى إذا نجح قادة الإنقلاب في جر المجتمعين الى الخوض في حديث خليفة النبي ، أمسكوا بالحديث وتابعوه حتى يتم تنصيب الخليفة المتفق عليه وهو أبو بكر ، عندئذ ينهض القسم الذي تجمع في سقيفة بني ساعدة ويبايع أبا بكر خليفة للنبي ، فيذهل الحاضرون من غير الإنقلابيين ،

ص: 131

ويجدون أن من الحكمة مبايعة الخليفة الجديد، ليحصلوا على المنافع فيما بعد ،وهكذا كان . السعد

كان القسم المكلف بالتحرك إلى منطقة الأنصار عبارة عن مجموعة من الأوس متفقة مع قادة الإنقلاب ، وكانت مهمة هذه المجموعة منحصرة بمبايعة الخليفة الجديد عند طرحه من قبل قادة الإنقلاب الثلاثة.

و لم يكن في حضور الأوس لزيارة سعد بن عبادة ما يثير الريبة ، فإن عيادة المريض مرغوبة في الجاهلية والإسلام ، ومن غير المستبعد أن الإنقلابيين من الأوس قد تطرقوا الى عصر ما بعد النبوة ، ويجمع المؤرخون على أنهم قالوا بن عبادة : ( الأمر لك ، فما كنت فاعلاً فلن نعصي لك أمراً ) ، بمعنى أن سعد بن عبادة يتولى توجيه الأنصار الى ما يمكن عمله ، وليس المقصود تولية سعد خليفة على المسلمين ، ولاجل ذلك تقبل سعد كلام الأوس بحسن نية وارتياح ، لقد كانت الخزرج خالية الذهن تماما من موضوع الإنقلاب ، ومن تورط أعداد كبيرة من الأوس فيه .

وفجأةً حضر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ، وكان حضور الأولين مستهجناً ؛ لأنهما صهراً رسول الله ، وقد جرت العادة أن ينشغل الأصهار مع أهل المتوفى بتجهيزه ودفنه ، ولكن سعداً والخزرج تصوروا أن زيارة الثلاثة تعبير عن محبتهم السعد عبادة ، ولفتة نبيلة منهم تجاه الخزرج .

ومن الطبيعي أن ينقطع الحديث بوصول الزوّار الثلاثة ، فمن الذي بدأ بمواصلة الحديث ؟ وكيف تطور الى حديث عن خلافة النبي ؟ لا أحد يعلم ذلك على وجه اليقين ، لكن المؤكد هو أن غاية الثلاثة من قدومهم كانت تنصيب الخليفة الجديد ، وأن قسماً كبيراً من الأوس كان ضالعاً في المؤامرة ، ولم يكن تواجدهم صدفة ، بل هو ثمرة تخطيط وتدبير سابق ؛ فاسيد بن حضير الذي قدمته وسائل إعلام الدولة بوصفه سيد الأوس ، يشترك بعد يوم واحد من دفن الرسول في سرية يقودها عمر بن الخطاب مهمتها إحراق بيت فاطمة بنت محمد على من فيه (1)، وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين ، فهل يعقل أن يكون هذا الإندفاع ثمرة صدفة في السقيفة ، أم أنه فصل في كتاب المؤامرة ؟

ص: 132


1- تاريخ الطبري : 23 / 202 ، شرح النهج : 2 / 56 ، 6 / 48

هناك إجماع على أن أبا بكر قد تكلم فقال : ( إن المهاجرين هم أول من عبد الله في الأرض ، وأنهم عشيرة الرسول ، وأنهم الأمراء ، والأنصار هم الوزراء ) (1).

وهناك إجماع أيضاً على أن عمر قد تكلم فقال : ( إن المهاجرين هم أولياء الرسول وعشيرته ، والأحق بالأمر من بعده ، وإن العرب تأبى أن تؤمر الأنصار ونبيها من غيرهم ، ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم ، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أهله وعشيرته ) .

ويجمع المؤرخون على أن أبا عبيدة قد قال : ( يا معشر الأنصار ، إنكم أول من نصر وآزر ، فلا تكونوا أو من بدلّ وغيّر ) (2) .

وهنا ملاحظتان لا بد من الإشارة إليهما :

الأولى - أن المهاجرين الثلاثة قد احتجوا بأنهم أولياء الرسول وعشيرته ، ليحصلوا بذلك على بيعة الأنصار ، فهل كانوا حقيقة عشيرة الرسول والأولى بسلطانه وميراثه ؟ الواقع يكذب ذلك ، فكل واحد من هؤلاء الثلاثة كان من بطن مستقل عن الآخر ، ومحمد من البطن الهاشمي المستقل عن هذه البطون والمتميز عليها.

الثانية - أن هؤلاء الثلاثة صوروا الأنصار وكأنهم يريدون أن يكون الخيلفة منهم ، وهذا غير صحيح ؛ إذ لم يفكر الأنصار بذلك ، وسعد بن عبادة أنبل وأجل من أن يقبل الخلافة مع وجود علي ؛ لأنه كان من شيعة علي ، وكذلك ابنه قيس، والمقداد، والحباب بن المنذر ، وهؤلاء هم الذين قادوا جبهة الأنصار في السقيفة ، ويروي المؤرخون أن الأنصار قالت : لا نبايع إلا علي بن أبي طالب(3) .

وكان بشير بن سعد الخزرجي رجلاً مغموراً ، ويبدو أن الإنقلابيين قد أقنعوه بشكل أو آخر بالإنضمام إليهم ، وكان بشير هذا يكره الإمام علياً ، وأورث هذا الكره لابنه النعمان - فقد كان ثاني اثنين من الأنصار يقفان فيما بعد في صف معاوية ضد علي(4)- فلما رأى حالة الإختلاف ، وأن مفاتيح الأمور مع بن سعد عبادة ورجاله ، حسد سعداً ، ورأى أن الفرصة سانحة

ص: 133


1- الإمامة والسياسة : 1 / 14 - 15 ، تاريخ الطبري : 3 / 220 ، شرح النهج : 6 / 8
2- تاريخ الطبري : 13 / 221 ، الامامة والسياسة : 1 / 15 ، تاریخ ابن الاثير : 2 / 330 3
3- تاريخ الطبري : 23 / 202 ، الكامل في التاريخ : 2 / 325
4- شرح نهج البلاغة : 2/ 39

ليتحول من رجل مغمور الى بطل ، فوقف قائلا : ( إن محمدا من قريش وقومه أحق به وأولى ، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبداً الله أنازعهم هذا الأمر أبداً ، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ) (1).

وعندئذ قال أبو بكر : هذا عمر ، وهذا أبو عبيدة ، فأيهما شئتم فبايعوا ، فقال الإثنان : والله لا نتولى هذا الأمر عليك ، وفي هذه الأثناء قفز بشير بن سعد وبايع أبا بكر ، فكان أول من بايع ، وأعقبه أسيد بن حضير ، وعوي-م ب-ن ساعدة ، وأبو عبيدة ، وكل المتواجدين من الأنصار ، وذهل الفريق الآخر ، وتصوروا أن بيعة هؤلاء كانت عفويّة ، ولم يعلموا أن الأمر قد دبر مسبقاً بإحكام بالغ.

3 - كان الإنقلابيون قد استقدموا أعداداً كبيرة من المرتزقة من الأعراب واتفقوا معهم على أن يتواجدوا في وقت محدد قرب بيت سعد بن عبادة ، فجاءت قبيلة أسلم في الوقت الذي حضر فيه بعض الإنقلابيين لمبايعة أبي بكر ، تقول المصادر : ( إن أسلم قبيلة كبيرة أقبلت بجماعتها حتى تضايق السكك، فبايعوا أبا بكر ) (2).

وعلق عمر على هذه الواقعة فيما بعد قائلاً : ( ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر ) ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : كيف علم عمر أن القبيلة القادمة من خارج المدينة ستبايع أبا بكر ؟ إنه لا يعلم الغيب قطعاً ،فمن المؤكد أنه كان قد نسق معهم واستقدمهم لهذه الغاية ، فمثل عمرالمخطط البارع لا يبني انقلابه على الصدف .

وقول عمر : ( فأيقنت بالنصر ( ، يكشف عن أنه بالرغم من بيعة الإنقلابيين لأبي بكر في السقيفة ، لم يكن عمر يتصور أن هذه البيعة ستحقق أهدافها بالإنتصار على آل محمد ، وسلب حقهم الثابت بالقيادة بعد النبي ، وإنما تيقن ذلك عندما رأى جموع القبائل والمرتزقة يتجهون نحو السقيفة لمبايعة الخليفة الجديد.

تحرك موكب أبي بكر يحيط به جمع من الإنقلابيين والأنصار وهم يزفونه الى المسجد حيث يسجى الجثمان المقدس لرسول الله وهو محاط بالآل الكرام ،

ص: 134


1- تاريخ الطبري : 2 / 222 ، الكامل في التاريخ : 3 / 331 ، شرح النهج : 6 / 287
2- تاريخ الطبري : 13 / 222 ، الكامل في التاريخ : 13 / 331 ، شرح النهج : 6 / 287

(كان عمر محتجراً يهرول بين يدي أبي بكر ويقول : ألا إن الناس قد بايعوا أبا

بكر ) (1).

وكانت الخطة تقتضي أن يمكث قسم كبير من الإنقلابيين في المسجد ، يراقبون تحركات آل محمد ، وينتظرون اللحظة التي يصل فيها الخليفة الجديد ، لكي يبايعوه بعفوية ، وكأنهم لا علم لهم بوجود الإنقلاب ، ولا يتحركون ضمن مخطط مرسوم ، ، فما أن وصل الموكب الى المسجد حت-ى ع-لا التكبير ،وأخذوا يتقدمون لمبايعة أبي بكر حسب الخطة(2).

وجاء البراء بن عازب فضرب الباب على الهاشميين وقال : يا معشر بني هاشم ، بويع أبو بكر ، فقال بعض الهاشميين لبعض: ما كان المسلمون يحدثون حدثاً نغيب عنه ، ونحن أولى بمحمد .

ودخلت الجموع الى المسجد يتقدمها الخليفة الجديد ، فقال عمر لأبي بكر : إصعد منبر رسول الله ، فتردد أبو بكر ، فلم يزل به عمر حتى صعد ، فبايعه الحاضرون من جديد.

وألقى أبو بكر خطبة جاء فيها : ( أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وان أسأت فقوموني . . . أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله ، فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله )(3).

وهكذا تم الإنقلاب ، وتم عزل آل محمد كما خطط الإنقلابيون ، وتمت مواجهة آل محمد بأمر واقع(4).

ص: 135


1- شرح نهج البلاغة : 2 / 56
2- الموفقيات : 578 ، الرياض النضرة : 1 / 237 ، تاريخ الخميس : 2 / 169 2/
3- تاريخ الطبري : 3 / 210
4- تاريخ الطبري : 12 / 208 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 126 ، سيرة ابن هشام : 4 / 336 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 2 ، 1 / 123 ، 6 / 5 - 18 ، الموفقيات لابن بكار : 578 ، الرياض النضرة 6،123/1،2/2/ للطبري : 1 / 241 ، تاريخ الخميس 2 / 169 ، عيون الأخبار لابن قتيبة 2 / 234 ، تاريخ ابن كثير 5/ 248 ، السيرة الحلبية : 2 / 397 ، صحيح البخاري : 4 / 165 ، كنز العمال : 5 / 653 و 657

الهوامش :

(1) تاريخ الطبري : 23 / 202 ، شرح النهج : 2 / 56 ، 6 / 48.

(2) الإمامة والسياسة : 1 / 14 - 15 ، تاريخ الطبري : 3 / 220 ، شرح النهج : 6 / 8 . (3) تاريخ الطبري : 13 / 221 ، الامامة والسياسة : 1 / 15 ، تاریخ ابن الاثير : 2 / 330 .

(4) تاريخ الطبري : 23 / 202 ، الكامل في التاريخ : 2 / 325 .

(5) شرح نهج البلاغة : 2/ 39.

(6) تاريخ الطبري : 2 / 222 ، الكامل في التاريخ : 3 / 331 ، شرح النهج : 6 / 287. (7) تاريخ الطبري : 13 / 222 ، الكامل في التاريخ : 13 / 331 ، شرح النهج : 6 / 287 (8) شرح نهج البلاغة : 2 / 56 .

(9) الموفقيات : 578 ، الرياض النضرة : 1 / 237 ، تاريخ الخميس : 2 / 169 .

(10) تاريخ الطبري : 3 / 210 .

(11) تاريخ الطبري : 12 / 208 ، تاريخ اليعقوبي : 2 / 126 ، سيرة ابن هشام : 4 / 336 ، شرح نهج البلاغة : 12 / 2 ، 1 / 123 ، 6 / 5 - 18 ، الموفقيات لابن بكار : 578 ، الرياض النضرة 6،123/1،2/2/ للطبري : 1 / 241 ، تاريخ الخميس 2 / 169 ، عيون الأخبار لابن قتيبة 2 / 234 ، تاريخ ابن كثير 5/ 248 ، السيرة الحلبية : 2 / 397 ، صحيح البخاري : 4 / 165 ، كنز العمال : 5 / 653 و 657 .

ص: 136

الفصل الخامس : مواجهة الإنقلابيين لصاحب الحق الشرعي

1 - توقع الإنقلابيون من صاحب الحق الشرعي ومن آل محمد أن يبادروا على الفور بالإعتراف بالأمر الواقع ، ويبايعوا الخليفة الجديد ، لكن ما توقعه الإنقلابيون لم يحدث ، فلم يتقدم علي بن أبي طالب ولا أحد من بني هاشم للمبايعة (1)، وامتنع من البيعة عدد من الصحابة واعتصموا في بيت علي ( بيت فاطمة بنت رسول الله ) ومنهم : سلمان الفارسي ، وعمار بن ياسر ، والبراء ابن عازب ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وأبي بن كعب ، وعزّ على عمر بن الخطاب ذلك ، وقال بعدئذ : ( كان من خبرنا حين توفي نبينا أن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة ) (2)تأثر أبو بكر من فعلة علي وآل محمد ، فأرسل إليه عمر بن الخطاب وقال له : ( إئتني به بأعنف العنف ) . وجرى حوار بين علي وعمر ، فقال علي : ( والله ما حرصك علي إمارته اليوم، إلا ليؤثرك غداً )(3)، أو قال له : ( إحلب حلباً لك شطره ، وإشدد له اليوم أمره ، يردده عليك غداً )(4) ، وانتهت المناقشة دون نتيجة ، ولم يجرؤ عمر على الإصطدام بعلي دون قوة تحميه ، فخرج ليعود مع مجموعة من مسلحة جيش الخليفة الجديد.

كانت القوة التي جاء بها عمر مؤلفة من : أسيد بن حضير ، وعبد الرحمن ابن عوف ، وزياد بن لبيد ، وزيد بن ثابت ، وسلمة بن أسلم ، وخالد بن الوليد وثابت بن قيس ، وسلمة بن سالم وغيرهم (5)، وكانت مهمتهم إخراج علي ومن معه بالقوة لكي يبايعوا أبا بكر ، أو ( ليدخلوا في ما دخلت فيه الأمة)(6) على حد تعبير عمر ، وقد قال أبو بكر لقائد السرية عمر : ( وإن أبوا فقاتلهم ) (7).

ص: 137


1- الإمامة والسياسة : 1 / 18
2- مسند أحمد : 1 / 55 ، تاريخ الطبري : 3 / 205 ، الكامل في التاريخ : 2 / 327 ، تاریخ ابن كثير : 5 / 246 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 23 ، تاريخ السيوطي : 67 ، سيرة ابن هشام : 4 / 309 تاريخ الخميس : 2/ 169 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 156 ، تيسير الوصول لابن الديبع : 2 / 53، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل : 712
3- أنساب الأشراف للبلاذري : 1 / 587
4- الإمامة والسياسة : 18
5- تاريخ الطبري : 23 / 202 - 203 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 50 - 57
6- العقد الفريد : 4 / 260 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 156
7- تاریخ ابن شحنة بهامش الكامل : 11 / 112 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 156

صمم عمر على حرق بيت فاطمة على من فيه إذا لم يخرجوا للمبايعة ، وأقبل يحمل قبساً من النار ، فلقيته فاطمة قائلة : ( يا ابن الخطاب أتراك محرقاً عليَّ بابي ؟ فقال عمر : نعم)(1).

واقتحم المهاجمون الدار ، وكسروا سيف علي ، وأخرجوه بالقوة للمبايعة(2) ، ولكن عليّاً تمكن من إحراج السلطة الجديدة أمام قاعدتها ، إذ قال لأبي بكر : أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ، فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة ، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججت-م ب-ه عل-ى الأنصار ، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله ، وأعرفوا لنا من الأمر مثلما عرفت الأنصار لكم، والا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون ) .

وكان مما قال علي أيضاً : ( يا معشر المهاجرين ، لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان منّا القارىء لكتاب الله ، الفقيه بدين الله ، العالم بالسنة المضطلع بأمر الرعية ، والله إنه لفينا ، فلا تتبعوا اله-وى فتزدادوا م--ن الح-ق بعداً ) (3). وعندئذ عدل عمر بن الخطاب عن لغة المحاججة والحوار الى لغة القمع والقوة، فقال لعلي : إنك لست متروكاً حتى تبايع ، فقال علي : إن لم أبايع فمه ؟ فقال عمر : والله الذي لا إله إلا هو لنضر بن عنقك . فقال علي : إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله ، فقال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأما أخو رسوله فلا .(4).

فعمر لا يعترف بأخوة عليّ لرسول الله ، وهذه منه مكابرة وإنكار للواضحات . وقد إنصرف عليّ بعد هذه المحاججة الى منزله دون أن يبايع أبابكر، ولا بايعه أحد من الهاشميين حتى بايع علي بعد ستة أشهر(5).

وكان ممن تخلف عن البيعة مضافا إلى من ذكرناهم سابقا كل من : فروة بن عمر وهو ممن جاهد مع رسول الله (6) ، وخالد بن سعيد الأموي ، وكان قد أسلم قبل إسلام أبي بكر (7)، وبقى ممتنعاً من البيعة حتى بايع الإمام عليّ

ص: 138


1- أنساب الأشراف : 1 / 586 ، كنز العمال : 5 / 651 ، الرياض النضرة : 1 / 241 ، شرح النهج: 2 / 50 ، تاريخ الخميس : 1 / 169 ، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل في التاريخ : 11 / 113
2- تاريخ اليعقوبي : 2 / 126
3- الإمامة والسياسة : 1 / 18 - 19
4- أعلام النساء : 4 / 115 ، الإمامة والسياسة : 1 / 20 ، شرح النهج : 6 / 11و47
5- تاريخ الطبري : 13 / 208 ، صحيح البخاري : 5 / 177 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 46 ، مروج الذهب للمسعودي : 2 / 308 و 309 ، الإمامة والسياسة : 19 ، أنساب الأشراف : 1 / 586
6- الموفقيات : 590
7- المعارف لابن قتيبة : 168 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 58

والهاشميون (1) ، وسعد بن عبادة ، فلم يبايع أبا بكر ولا عمر ، حتى رماه محمد ابن سلمة بسهم فقتله بأمر من عمر بن الخطاب(2).

2 - حاول عليّ أن يجمع أنصاراً ليقف بوجه الإنقلاب ، فكان يذهب مع فاطمة ليلا إلى بيوت الأنصار ويسألان النصرة ، فكان الأنصار يجيبون : ( يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أن ابن عمك سبق إلينا أبابكر ما عدلنا به ) ، فيقول علي : ( أفكنتُ أترك رسول الله ميتاً في بيته لم أجهزه ، وأخرج الى الناس أنازعهم في سلطانه ؟ ( وتقول فاطمة : ( ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه ) (3).

والعجيب أن يحتج الأنصار لعدم نصرتهم لعلي وحمايتهم لأولاده ببيعتهم لأبي بكر ، مع أنهم كانوا قد بايعوا رسول الله قبل بيعتهم لأبي بكر على أن يحموه ويحموا ذريته كما يحمون ذراريهم ، ولأجل ذلك قال الإمام الصادق فيما بعد : ( فوالله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم ، ثم لا أحد يمنع ي-د لامس، اللهم فاشدد وطأتك على الأنصار)(4).

واجتمع جماعة الى الإمام علي يدعونه للبيعة ، فقال لهم : ( أغدوا عليَّ محلقين رؤوسكم ، فلم يغد عليه إلا ثلاثة )(5).

لقد استقطب الإنقلابيون الجميع رغبة أو رهبة ، فلقد ضم تحالفهم بطون قريش كلها مهاجرها وطليقها ، والمنافقين كلهم بلا استثناء ، والمرتزقة من الأعراب ، وتورط معهم قسم من الأنصار طمعاً بالمغانم وهروباً من المغارم ، ثم التحق بهم بقية الأنصار بعد أن هالتهم قوة التحالف ، واكتشفوا أنهم أصبحوا أقلية .

لقد هدّد عليّ بالقتل أمام المهاجرين والأنصار ، ولم يحركوا ساكناً ، وهدد الإنقلابيون أهل بيت النبوة بأن يحرقوا عليهم البيت ليموتوا حرقاً إن لم يبايعوا ، بعد يوم واحد من وفاة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والد فاطمة وابن عم عليّ وجد الحسن والحسين ، ومع ذلك لم يستنكر أحد من المهاجرين والأنصار هذا العمل الإجرامي .

ص: 139


1- شرح نهج البلاغة : 2 / 23 ، أسد الغابة : 2 / 82
2- أنساب الأشراف : 1 / 589
3- الإمامة والسياسة : 1 / 19 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 58
4- مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني : 149
5- تاريخ اليعقوبي : 2 / 126

ولقد مدَّ الإنقلابيون نفوذهم حتى داخل بيت الرسول ، فكانت عائشة معهم ، يدفعها لذلك حبها لأبيها ولقومها بطون قريش ، وحقدها على علي قاتل أبناء عمومتها ، حتى أنها سرّبت رواية أسندتها الى رسول الله وأنه أخبرها عن علي بأنه ( يموت على غير ديني ) ، ورواية أخرى أدعت فيها أن رسول الله قال لها : من أراد أن ينظر الى رجلين من أهل النار فلينظر الى هذين ، فنظرت عائشة ، فإذا بعلي والعباس قد أقبلا ) (1).

ولعلها وضعت هاتين الروايتين عندما بلغها أن عمر بن الخطاب هدد عليّا بالقتل ، فكأنها تقول لعمر ، نفذ تهديدك ، ولا تخش غضب الله ، فإن رسوله أخبرها بأن علياً يموت على غير دين الاسلام .

كل ما تقدم يكشف عن ان الإمام علي وجد نفسه وليس معه أحد إلا أهل البيت وبني هاشم ، وقدر أن المواجهة مع الذين غصبوه حقه في مثل تلك الظروف انتحار حقيقي ، وإبادة له بوصفه مستودع علم النبوة ، ولأهل بيته وهم شجرة النبوة والثقل الأصغر ، لذلك قرر أن يقعد في بيته ، وأن يحتج على الإنقلابيين احتجاجاً لا يفرق المسلمين، ولا يوهن الدين ، فاعتزل في بيته ، وصمم على أن يبدأ بتكوين قاعدة شعبية تفهم الاسلام على حقيقته ، كما أنزله الله وبينه رسوله ، لكي تتصدى لكشف ألاعيب الطامعين وتحريفاتهم.

3- لم يكن أهل البيت آنئذ في حالة يشكلون معها خطراً على دولة الإنقلابيين ، ولكن عمر كان مصمما على تحطيم آل محمد من جميع الوجوه ، لكي لا يطمع طامع منهم بالسلطة ، فيأخذ الخلافة ، ويجمع الهاشميون النبوة والخلافة معاً ، فيحدث الإجحاف بحق البطون ، ومن جهة أخرى فان كان

عمر يريد أن يزيّن ملك التحالف ببيعة آل محمد ، ولأجل ذلك قرر أن يستصدر من الخليفة سلسلة من القرارات الإقتصادية يضطهد بها آل محمد ويضطرهم إلى

الركوع ، بعد أن عجز حصار المشركين في مكة عن تركي-ع البي-ت الهاشمي

بسبب ضعف تخطيط المشركين آنذاك وسوء تدبيرهم.

ويمكن تلخيص هذه القرارات في ما يلي :

ص: 140


1- شرح نهج البلاغة : 4 / 64

أولاً - حرمان أهل بيت النبوة من إرث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، واحتجوا لذلك بأن الرسول قال لأبي بكر ، نحن الأنبياء لا نورث (1)، وقد احتج الإمام علي على أبي بكر بقول الله تعالى : «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ » (2) وقوله تعالى : «يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ » (3)، فكيف يتم التوفيق بين دعوى أبي بكر من أن الأنبياء لا يورثون ، وبين هاتين الآيتين ؟ وقال علي : هذا كتاب الله ينطق ، فسكت أبو بكر وانصرف مصراً على إدعائه. وأما فاطمة فلم تكتف بذلك ، وإنما بسطت الخصومة بينها وبين أبي بكر علناً أمام المهاجرين والأنصار ، وأقامت الحجة على أبي بكر بخطبة رائع-ة ج-اء فيها : ( وزعمتم أن لا حق ولا إرث لي من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج منها نبيه ؟ أم تقولون : أهل ملتين لا يتوارثون ! أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة ؟ لعلكم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من النبي ، أفحكم الجاهلية تبغون ! )(4).

فأصر أبو بكر على رأيه ، وادعى أن وارث محمد هو الذي يقوم مقامه(5).

وبما أن أبا بكر قد أصبح خليفة النبي ، فيكون هو الوارث الوحيد لرسول الله.

ثانيا - قرار حرمان أهل بيت النبوة من المنح التي أعطاهم الرسول إياها ومصادرة تلك المنح،وكانت فاطمة بنت رسول الله أول من طالها هذا القرار فصودرت منحتها ، وقد قالت لأبي بكر : أعطني فدك ، فقد جعلها رسول الله لي ، فسألها البينة ، فشهدت لها أم أيمن زوج الرسول ، ورباح مولى الرسول فقال أبو بكر : لا يجوز إلا شهادة رجل وامرأتين (6) ، وعلى الرغم من أن عليا شهد لها أيضاً ، إلا أن الخليفة قرّر ، ولا راد لقراره !

والعجيب أن أبا بكر ترك كافة المنح التي أعطاها رسول الله لكثير من الناس، واستولى فقط على المنح التي أعطاها النبي لأهل البيت ، وأنه لم يسأل الناس بينة، ولكنه سأل فاطمة عن البينة !

ثالثاً - قرار حرمان أهل بيت النبوة من حقهم في الخمس الوارد في القرآن الكريم ، وقد طالبت فاطمة بهذا الحق ، وقالت لأبي بكر : ( لقد حرمتنا أهل

ص: 141


1- مسند أحمد بن حنبل : 1 / 10 ، سنن الترمذي : 4 / 157 - 158 ، طبقات ابن سعد : 2 / 314 - 316 ، الكامل في التاريخ : 5 / 286
2- النمل : 16
3- مريم : 6
4- بلاغات النساء : 17
5- مسند أحمد : 1 / 4 ، سنن أبي داود : 3 / 144 ح 2973 ، تاریخ ابن كثير : 5 / 289 ، تاریخ الذهبي : 13 / 23 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 219
6- فتوح البلدان : 44

البيت ، فأعطنا سهم ذوي القربي ) ، وقرأت الآية :«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ...»(1) ، فقال لها أبو بكر : سمعت رسول الله يقول : سهم ذوى القربى للقربي حال حياتي وليس لهم بع-د موتی(2).

تركت هذه القرارات أثرها المؤلم على آل محمد ، وتذكرت القلة المخلصة من المهاجرين حصار بطون قريش ومقاطعتهم لبني هاشم في شعاب أبي طالب وأن بطون قريش قصرت الحصار يومها على البيع والشراء والنكاح ، وتمنت القلة المخلصة لو طبق هذا الحصار ثانية على أهل البيت ، إذن لكان أخف وطأة وأسهل تحملاً على أهل بيت النبوة من هذه القرارات الإقتصادية الجائرة.

لقد حرم آل النبي من الإرث ومما منحهم رسول الله ومن حصتهم الخمس ، فإذا علمنا أن أموال الصدقة محرمة عليهم ، فمن أين يأكل أهل البيت وكيف يعيشون ؟

قال أبو بكر لفاطمة مجيباً عن هذا السؤال : ( إني أعول من كان رسول الله يعول ، وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه )(3).

فالحاكم يقدم لآل بيت محمد المأكل ولا يزيدون عليه ، ويجب على آل البيت طوال التاريخ أن يمدوا أيديهم للحاكم من أجل الطعام ، ومن حسن الخلق أن يطيع الإنسان من يطعمه ، تلك هي سنة أبي بكر وعمر ! وهذا هو عدلهم ومودتهم للقربى ، وهذا هو برهم ووفاؤهم لمحمدن عبد الله !

ويبدو أن أبا بكر قد تنبه في لحظة من لحظات استيقاظ الضمير إلى شناعة ما ارتكبه بحق آل محمد ، فاعتراه الندم ، ولكن بعد فوات الأوان .

لقد تذكر فاطمة تنادي بأعلى صوتها : ( يا أبة يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة )(4)، واستعاد ما قالته فاطمة شخصياً له ولعمر بن الخطاب وجهاً لوجه : ( أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول تعرفانه وتفع--لان به ؟ قالا : نعم . فقالت : نشدتكما الله ، ألم تسمعاً رسول الله يقول : رضى فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتى فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط

ص: 142


1- (27) الأنفال : 41
2- کنز العمال: 5 / 629 ، تاريخ الإسلام للذهبي: 10 / 22 - 23 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 218
3- صحيح البخاري : 5 / 25 ، سنن أبي داود : 3 / 142 ح 2968 ، سنن النسائي : 7 / 136 ، سنن الترمذي : 4 / 107 ح 1608 ، مسند أحمد : 1 / 6
4- الامامة والسياسة : 1 / 20

فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله ، فقالت الزهراء : فإني أشهد الله أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه . . . أنتحب أبو بكر حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها

(1).

واستحضر تهديد عمر بن الخطاب لعلي بالقتل ، وكيف التحق علي بقبر النبي يبكي ويصيح : ( يا ابن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني) (2).

تذكر أبو بكر كل ذلك وندم ، وأدرك أنه أول ضحايا هذا النظام الجديد الذي أقامه عمر ، وخرج الى الناس قائلاً : ( يبيت كل واحد منكم معانقاً حليلته ، مسروراً في أهله، وتركتموني وما أنا فيه ، أقيلوني بيعتي )(3).

ربما كان الرجل صادقاً بالفعل، ولكنه كان قد قطع على نفسه خط الرجعة، ولم يسمح له قادة الإنقلاب وبالذات عمر بالإفلات ، كان لا بد له من البقاء ومواصلة الشوط ، فهذه مرحلة انتقالية يجب أن يحمل وزرها وهو مشرف على الموت ، وبموته يرثون دولة مستقرة.

ص: 143


1- الامامة والسياسة : 1 / 20
2- الامامة والسياسة : 1 / 20
3- الامامة والسياسة : 1 / 20

الهوامش :

(1) الإمامة والسياسة : 1 / .

(2) مسند أحمد : 1 / 55 ، تاريخ الطبري : 3 / 205 ، الكامل في التاريخ : 2 / 327 ، تاریخ ابن كثير : 5 / 246 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 23 ، تاريخ السيوطي : 67 ، سيرة ابن هشام : 4 / 309 تاريخ الخميس : 2/ 169 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 156 ، تيسير الوصول لابن الديبع : 2 / 53، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل : 712 .

(3) أنساب الأشراف للبلاذري : 1 / 587.

(4) الإمامة والسياسة : 18.

(5) تاريخ الطبري : 23 / 202 - 203 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 50 - 57.

(6) العقد الفريد : 4 / 260 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 156 .

(7) تاریخ ابن شحنة بهامش الكامل : 11 / 112 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 156 .

(8) أنساب الأشراف : 1 / 586 ، كنز العمال : 5 / 651 ، الرياض النضرة : 21 / 241 ، شرح النهج: 2 / 50 ، تاريخ الخميس : 1 / 199 ، تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل في التاريخ : 11 / 113.

(9) تاريخ اليعقوبي : 2 / 126 .

(10) الإمامة والسياسة : 1 / 18 - 19 .

(11) أعلام النساء : 4 / 115 ، الإمامة والسياسة : 1 / 20 ، شرح النهج : 6 / 11 .

(12) تاريخ الطبري : 13 / 208 ، صحيح البخاري : 10 / 177 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 46 ، مروج 5 الذهب للمسعودي : 2 / 308 و 309 ، الإمامة والسياسة : 19 ، أنساب الأشراف : 1 / 586 .

(13) الموفقيات : 090 .

(14) المعارف لابن قتيبة : 168 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 58 .

(15) شرح نهج البلاغة : 2 / 23 ، أسد الغابة : 2 / 82 .

(16) أنساب الأشراف : 1 / 589 .

(17) الإمامة والسياسة : 1 / 19 ، شرح نهج البلاغة : 2 / 58 .

(18) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني : 149 /2.

(19) تاريخ اليعقوبي : 2 / 126.

(20) شرح نهج البلاغة : 4 / 64 .

(21) مسند أحمد بن حنبل : 1 / 10 ، سنن الترمذي : 4 / 107 - 108 ، طبقات ابن سعد : 2 / 1: 314 - 316 ، الكامل في التاريخ : 5 / 286.

(22) النمل : 16 .

(23) مريم : 6 .

(24) بلاغات النساء : 17 .

(25) مسند أحمد : 1 / 4 ، سنن أبي داود : 3 / 144 ح 2973 ، تاریخ ابن كثير : 5 / 289 ، تاریخ الذهبي : 13 / 23 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 219 .

(26) فتوح البلدان : 44

(27) الأنفال : 41 .

(28) کنز العمال: 5 / 629 ، تاريخ الإسلام للذهبي: 10 / 22 - 23 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 218 .

(29) صحيح البخاري : 10 / 20 ، سنن أبي داود : 3 / 142 ح 2968 ، سنن النسائي : 7 / 136 ، 5 سنن الترمذي : 4 / 107 ح 1608 ، مسند أحمد : 1 / 6 .

(30) - (33) الامامة والسياسة : 1 / 20 .

ص: 144

الباب الخامس : التخطيط لعزل أهل البيت والمواجهة الدائمة لهم

اشارة

ص: 145

ص: 146

الفصل الأول : تجذير المواجهة الى يوم الدين

1 - تيقن عمر بأنه قد استطاع أن يحطم علياً وأهل البيت ، وأن يعزلهم عزلاً كاملاً عن الناس ، وأن يحطم الشرعية الإلهية التي أعطت علياً القي-ادة م-ن بع-د النبي ، وأن البيان النبوي المتعلق بالقيادة وبالموقع المميز لأهل البيت قد ألغ-ي عملياً، وأن قريشاً ومن والاها من العرب تقف من علي وبني هاشم ، نفس الوقفة التي وقفتها من رسول الله ومن بني هاشم في شعب أبي طالب ، وأن الهاشميين قد حوصروا وقوطعوا .

ولكن عمر لم يكتف بهذا ، فلدى الهاشميين القدرة على الخروج من بين الانقاض والبناء من جديد ، لذلك أراد عمر لذلك أراد عمر أن يجذر المواجهة بين أهل بيت النبوة وبين المسلمين ويرسي قواعدها بحيث تصبح ناموساً من نواميس الحياة ، وبنحو يجعل أهل البيت دائماً هم الطرف الخاسر في هذه المواجهة ، ويخرجهم عن موقع القيادة الى الأبد .

ولتحقيق هذا الهدف وضع مبدأ إبعاد الهاشميين عن مراكز الدولة وعن الوظائف العامة ، حتى لا يستغل الهاشميون مناصبهم ويحاولوا الاستيلاء على الخلافة ، ولقد امتنع عمر عن تولية عبد الله بن عباس على حمص ، وعلل ذلك بقوله : ( إني خشيت أن يأتي عليَّ الذي هو آت ( يعني الموت ) وأنت في عملك فتقول : هلم إلينا ، ولا هلم إليكم دون غيركم ) (1) ، وتطبيقاً لهذا المبدأ : قال عبد الرحمن بن عوف لعلي بعد موت عمر : عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ، وأن لا تولّي أحداً من بني هاشم ، فقال علي : حيث وجدت القوة والأمانة(2).

ص: 147


1- مروج الذهب للمسعودي : 2 / 330
2- الإمامة والسياسة : 1 / 30

و من أجل توحيد الناس ضد بني هاشم عدّلت نظرية أن الخلافة لبطون قريش فيما بعد ورأى قادة التحالف أنه لا بأس بأن يتولى الأنصار الخلافة ، فقال عمر: لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته ، ومعاذ هذا من الأنصار الذين لم يكن من الجائز لهم برأي عمر أن يتولوا الخلافة ، ولا بأس أيضاً بتولى الموالي للخلافة ، إذ قال عمر : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً وليته واستخلفته ، وسالم من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب(1).

ولكي يجعل عمر بن الخطاب مصلحة للجميع في أن يقفوا بوجه أهل البيت،واستبعادهم عن الحياة السياسية ، عين أبا بكر ليكون أول خليفة من خلفاء التحالف ، وأبو بكر من بني تيم ، ثم صار عمر بن الخطاب هو الخليفة الثاني وهو من بني عدي ، وعين عثمان بن عفان خليفة من بعده ، وهو من بني أمية المشهورين بحقدهم على علي وعلى الهاشميين، وفتح شهية الأنصار للخلافة عندما صرح بأنه لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته ، وأطمع الموالي بالخلافة أيضاً بتصريحه : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً وليته . وعمل عمر على أن يحسم بسرعة خلافه مع أبي سفيان - الذي كان كما يبدو خارج اللعبة - فأعطاه ما بيده من الصدقات وفيها حقوق الفقراء والمساكين(2) ، وعين يزيد بن أبي سفيان قائداً لجيوش الشام ، وعي-ن أخ--اه معاوية نائباً له ، فارتاحت نفس أبي سفيان ، وشعر الأمويون أن لهم مصلحة ومشاركة في النظام ، وأخذوا يتحينون الفرص للإستيلاء على السلطة كلها ؛ إذ ليس من المعقول أن يكون الأمر في أذل حيين من قريش على حدّ تعبير أبي سفیان(3).

ثم عمد عمر الى إغراق أصحاب الخطر بالعطايا والصلات ، بعد أن ألغى سنة رسول الله بالمساواة بين الناس في العطاء ، فصار طلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص ، وأبو سفيان ، وغيرهم، من أصحاب الملايين ، فطابت نفوسهم وشعروا بالفعل أنهم شركاء في النظام، وأن حالهم أفضل من حال قائد التحالف عمر الذي ألزم نفسه بنمط

148

ص: 148


1- تاريخ الطبري : 4 / 227 ، الإمامة والسياسة : 1 / 28
2- العقد الفريد : 4 / 257 ، شرح نهج البلاغة : 9 / 49
3- الكامل في التاريخ : 2 / 431

متواضع من مستوى المعيشة ، وصار من مصلحة هؤلاء جميعاً أن تكون القيادة والسلطة بيد التحالف ، لا بيد أهل بيت النبوة.

2 - ومن ناحية أخرى عمد عمر الى تحقير شأن الإمام علي الإمام علي علنا ، وتصغير

منزلته الرفيعة ، فعندما طعن عمر وأخذ يتلوى من الألم ومن سكرات الموت تجاهل وجود الإمام علي تماماً ، وتمنّى أن يكون أبو عبيدة أو سالم مولى أب-ي حذيفة أو خالد بن الوليد حياً لكي يستخلفه (1).

إن تقديم أمثال هؤلاء على عليّ وهو ولي الله وإمام المتقين بالنص ، والذي هو مع

القرآن ومع الحق بالنص ، إن تقديم هؤلاء تقليل من شأنه ، وتصغير لعظيم منزلته ، ولقد أدرك الإمام علي كل ذلك ، فقال يوماً متوجعاً شاكياً : (اللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانهم ؛ فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ) (2).

ولست أدري بأي ميزان يتقدم خالد بن الوليد الذي غيّر بحرى معركة أحد لصالح المشركين، على علي بن أبي طالب الذي قتل حملة رايات المشركين يوم أحد وحمى النبي وأنقذ المسلمين من هزيمة ساحقة ؟ بل كيف يتقدم عمر نفسه على عليّ ، مع أن عمر هنأه بالإمارة يوم غدير خم.

وإن من أخطر الأسافين التي دقها عمر هو تقديمه لخمسة ينافسون علياً على الخلافة ، لقد كان الإمام علي هو مرشح العناية الإلهية لخلافة المسلمين ، فاستولى أبو بكر على الخلافة بالصورة التي بيناها ، ثم عهد بها الى عمر الذي ورث دولة مستقرة وأمّة مروضة ومطيعة ، فلما أشرف عمر على الهلاك فاجاً الناس بقوله : إن الخليفة واحد من ستة : علي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وقال عمر : إن هؤلاء النفر توفي رسول الله وهو عنهم راض (3).

وإذا كان المعيار في الترشيح للخلافة ه-و رضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ؛ فإنه قد مات راضياً عن الحسن والحسين وسعد بن عبادة وغيرهم ، فلماذا لم يدخلهم عمر في قائمة المرشحين للخلافة ؟ بل إن الرسول قد توفي

ص: 149


1- أعلام النساء127/3-128،الامام والسیاسۀ:28/1،العقد الفرید:274/4
2- شرح نهج البلاغة : 9 / 305 - 306
3- الإمامة والسياسة : 1 / 28 ، أعلام النساء 3 / 127 - 128

ساخطاً على عمر ، وكيف لا يسخط عليه وقد قال له : أنت تهجر ، ولا حاجة لنا بوصيتك ، وكيف لا يكون ساخطاً عليه وقد حال بينه وبين كتابة ما أراد ؟ فإذا كان مسخوطاً عليه فكيف تولى الخلافة إذن ؟

لقد أخرج عمر للمسرح خمسة أشخاص دفعة واحدة ينافسون الإمام علي-اً على الخلافة، ورفع مستواهم إلى مستوى الإمام، وهبط بمنزلة الإمام إلى منزلتهم ، وفي أي وقت يطالب فيه الإمام بالخلافة سيقفون بوجهه قائلين : نحن أولى بها منك ، فما أنت إلا واحداً من ستة حسب ترتيبات أمير المؤمنين عمر وأولادهم سينافسون أولاد علي ، وبهذا نجح عمر في إقامة حالة من المواجهة الدائمة مع هؤلاء الخمسة.

وهناك نص يكشف عن رأي عمر بأولئك الخمسة الذين جعلهم أقراناً لعلي ومنافسين له ، إذ قال لابن عباس : إن طلحة فيه زهو ونخوة ، وابن عوف فيه ضعف ، وسعد لا يقوم بقربة لو حملها ، والزبير مؤمن الرضى كافر الغضب شحيح ، وعثمان لو ولي الخلافة حمل بني معيط على رقاب الناس ، ولو فعلها لقتلوه (1).

ص: 150


1- نساب الأشراف : 5 / 16 - 17

الهوامش :

(1) مروج الذهب للمسعودي : 2 / 330 .

(2) الإمامة والسياسة : 1 / 30 .

(3) تاريخ الطبري : 4 / 227 ، الإمامة والسياسة : 1 / 28.

(4) العقد الفريد : 4 / 257 ، شرح نهج البلاغة : 9 / 49.

(5) الكامل في التاريخ : 2 / 431 .

(6) أعلام النساء : 3 / 127 - 128 ، الإمامة والسياسة : 1 / 28 ، العقد الفريد : 4 / 274 .

(7) شرح نهج البلاغة : 9 / 305 - 306.

(8) الإمامة والسياسة : 1 / 28 ، أعلام النساء 3 / 127 - 128 .

(9) أنساب الأشراف : 5 / 16 - 17 .

ص: 151

الفصل الثاني : عمر يضع أساس الحكم الأموي ليقود المواجهة لأهل البيت

1 - كان عمر يخطط لاستلام الأمويين للخلافة والسلطة ، ليضمن بذلك وجود قوة حاقدة على أهل البيت، تتولى إدامة المواجهة لهم وعزلهم وحرمانهم من التصدي لأمور المسلمين ، وقد اتخذ في سبيل تحقيق هذا الهدف إجراءين : أولهما تعيين عثمان خليفة من بعده ، والثاني ترك معاوية بن أبي سفيان والي-اً على الشام يجمع كيفما شاء ، ويتصرف حسبما يشاء دون رقيب ولا حسيب ، ليجعل منه مركز قوة مناوئة لأهل البيت إذا تسنى لهم استلام السلطة بشكل أو بآخر.

أما بالنسبة للإجراء الأول فإن الخطة معدّة أساساً ليكون عثمان خليفة ، وترديد الأمر بين ستة أشخاص مجرد خدعة ، والدليل على ذلك أمران :

أولهما - أن عمر بن الخطاب لما طعن قال له ابنه عبد الله : ( لو أجهدت نفسك وأمرت عليهم رجلاً . . . فقال عمر ، والذي نفسي بيده لأردّنها للذي دفعها إليَّ أول مرة )(1) ، ويقصد به عثمان ، فإنه هو الذي كلفه أبو بكر بكتابة عهده ، وقال له : أكتب إني قد وليت عليكم . . . ثم أغمي على أبي بكر من شدة الوجع ، فأكمل عثمان العبارة من تلقاء نفسه ، وكتب ( عمر ) ، فلما أفاق أبو بكر وعلم بالأمر سرّ به ، وقال لعثمان : لو كتبت نفسك لكنت أهلا لها .

وثانيهما - إن عمر رتب الأمور بنحو يكون حصول عثمان على الخلافة حتمياً ، إذ قال : ( إن رضي ثلاثة منهم رجلاً واحداً منهم ، وثلاثة رجلاً

ص: 152


1- الرياض النضرة للطبري : 2 / 414

منهم ... فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس )(1) ، وقد كان عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان يشكلون فريقاً واحداً ، فسعد مع ابن عمه عبد الرحمن ، وعب-د الرحمن مع صهره عثمان ، وكان طلحة غائباً ، فبقي الفريق الثاني مكوناً من شخصين هما علي والزبير فقط ، وقد فهم الإمام علي نتيجة هذه اللعبة ، فقال للعباس فور انتهاء عمر من كلامه : ( عدلت عن-ا ) ، فقال له العباس : وما علمك ؟ فقال علي : قرن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلاً ، ورجلان رجلاً ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون ، فيوليها عثمان ، أو يوليها عثمان عبد الرحمن ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني، بله اني لا أرجو إلا أحدهما )(2).

ويلاحظ أن عبد الرحمن بن عوف إمعاناً منه في التمويه بدأ بالإمام علي وعرض عليه الخلافة ولكن بعد أن وضع شرطاً يقطع مسبقاً بأن الإمام سيرفضه وهو العمل بسيرة أبي بكر وعمر إلى جانب العمل بالكتاب والسنة ، وقد حصل ما توقعه من رفض الإمام لهذا الشرط ، فثني بعرض الأمر على عثمان الذي رضي بذلك الشرط ، فصار خليفة على المسلمين (3).

ثم إن الصلاحيات التي أعطيت لعبد الرحمن بن عوف تدل على أنه سيفعل ما فعل ، لذلك قال علي لعبد الرحمن بعد أن ولي الخلافة لعثمان : ( حبوته محاباة ، ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا ، أما والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر عليك ). (4).

وعندما أخذ الناس يبايعون عثمان ، وتلكاً علي ، أرادوها فرصة للقضاء عليه، إذ قال عبد الرحمن : ( ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ) ، فرجع على يشق الناس حتى بايع عثمان وهو يقول : ( خدعة وأيما خدعة )(5).

ص: 153


1- أنساب الأشراف للبلاذري : 5 / 18
2- تاريخ الطبري : 4 / 229 - 230
3- الكامل في التاريخ : 3 / 71
4- العقد الفريد : 4 / 279
5- تجارب الأمم لابن مسكويه : 1 / 265

أما بالنسبة للإجراء الثاني ، فإنه كان إجراء احتياطياً ، إذ ربما استطاع علي أن ينتصر على منافسيه الخمسة ، أو ينتصر أبناؤه على أبنائهم ، ولكنهم لن يستطيعوا الإنتصار على الجناح الأموي المستحكم في الشام ، المالك للقوة والمال والنفوذ ، الحاقد على أهل البيت ، والمستعد لمواجهتهم منذ وقت طويل .

2 - كان عمر على يقين من أن عثمان بن عفان يحب أقاربه الأمويين حباً عظيماً ، وأنه إذا تولى الخلافة سيجمعهم حوله ويحملهم على رقاب الناس ،وبالرغم من ذلك عينه عملياً خليفة من بعده ، ولكنه جعل الأمر شورى من الناحية الشكلية ؛حتى يبرز منافسين جدد للإمام علي ، فيكون عثم-ان ه-و الخليفة من بعده ، يدعمه الأمويون الحاقدون على علي وبني هاشم ؛ لأن عمر كان متيقنا أن البطن الأموي هو وحده القادر على قيادة المواجهة لآل بيت محمد، وإذا مات عثمان تكون شهية طلحة والزبير وابن عوف وابن أبي وقاص مفتوحة للخلافة ، فينافسون علياً ، ويدخلون في مواجهة لهم إما منفردين أو بالتعاون مع بني أمية ، وبهذا يتحقق مخطط عمر الرامي الى استبعاد علي وأهل البيت عامة عن قادة الأمة نهائياً .

وما إن تمت مراسم تنصيب عثمان خليفة ، حتى بدأ يجمع حوله كل أولئك الذين قادوا المواجهة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من الأمويين فجعلهم ولاته وحكومته ومستشاريه ، وأطلق يد الولاة في ولاياتهم ، وأغدق على حكومته ومستشاريه العطايا التي تفوق حد التصور ، حتى صاروا فئة متميزة وطبقة فوق الجميع .

وقد لا يكون على عثمان حرج لو قرّب بعض الذين عرفوا بعدائهم لرسول الله ، ولكن الحرج يكمن في استقطابه لكل أعداء الرسول حوله ليكونوا أصفياءه ومستشاريه وحكومته ، واتخاذهم بطانة له ، وبتعبير أدق ان-ه ج-اء بالشجرة الملعونة وغرسها في دار الخلافة.

ص: 154

وكان رأس الشجرة الملعونة هو الحكم بن العاص عم عثمان ، أشد الناس عداوة وايذاء لرسول الله في الجاهلية ، وهو طليق تلفظ بالشهادتين بع-د الفت-ح وقدم المدينة ، ولكنه لم يتوقف عن ايذاء النبي ، فكان يتلصص على الرسول،ويمشي خلفه مقلداً مشيته ، فلعنه رسول الله مرات عديدة ، وأخبر الأمة بأن هذا الرجل هو والد الشجرة الملعونة ، وقال : لا يساكنني ولا ولده ، ونفاه الى الطائف ، فلما مات الرسول راجع عثمان كلا من أبي بكر وعمر بشأن إرجاع الحكم وولده ، فلم يوافقا على ذلك (1).

ذكروا أن الحكم بن العاص استأذن يوماً على رسول الله ، فعرف الرسول صوته ، فقال : إنذنوا له ، لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ما هم

(2).

وقالت عائشة لمروان بن الحكم : إن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه (3)، وقالت له : سمعت رسول الله يقول لأبي-ك وجدك الع-اص ب-ن أم-ي-ة : إنك-م الشجرة الملعونة في القرآن (4).

وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم من تسلط هذه الشجرة على أمورالمسلمين ، وأخبر أنه رأى في المنام أن ولد الحكم بن أمية يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة ، وفي لفظ آخر : رأيت في منامي كأن بني الحكم بن العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة ، فما رؤي النبي مستجمعاً ضاحكا (5).

وفي تحذير آخر قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لأصحابه : ( إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً ، وإن أشد قومنا بغض-اً ل-ن-ا بن-و أمية، وبنو المغيرة ، وبنو مخزوم ) (6) ، وقال لهم أيضاً : ( إذا بلغت بنو أمية ، أربعين ، اتخذوا عباد الله ،خولاً ، ومال الله نخلاً ، وكتاب الله دغلاً )(7)، وقال أيضاً : ( لكل أمة آفة ، وآفة هذه الأمة بنو أمية ) (8).

ص: 155


1- أنساب الأشراف : 5 / 27
2- المستدرك للحاكم : 4 / 481 ، السيرة الحلبية : 1 / 509 ، أنساب الاشراف : 5 / 126 ، جمع الجوامع للسيوطي : 6 / 451 ح 12546
3- المستدرك للحاكم: 4 / 481 ، تفسير القرطبي: 16 / 197 ، تفسير الزمخشري: 4 / 304 ، تفسير ابن كثير : 4 / 172 ، تفسير الرازي: 28 / 23 ، اسد الغابة : 2 / 34 ، النهاية لابن الأثير : 3 / 454 ، شرح نهج البلاغة: 6 / 150 ، تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري: 26 / 13 ، الاجابة للزركشي: 117 - 118 ، الصواعق المحرقة : 181 ، إرشاد الساري : 17 / 340 ، تاج العروس: 5 / 69
4- السيرة الحلبية : 1 / 510 ، الدر المنشور : 4 / 191 ، تفسير الشوكاني : 3 / 240 ، تفسير1.4/15: الألوس
5- تفسير الطبري : 15 / 77 ، تاريخ الطبري : 10 / 58 ، مستدرك الحاكم : 4 / 480 ، تاريخ بغداد 9 / 44 ، تفسير القرطبي : 10 / 282 ، النزاع والتخاصم للمقريزي : 52 ، أسد الغابة: 2 / 14 ، الصواعق المحرقة : 148 ، الدر المنثور : 4 / 191 ، كنز العمال : 11 / 165 ، تفسير الشوكاني 3 / 240 ، تفسير الآلوسي : 15 /107
6- المستدرك للحاكم : 4 / 487
7- كنز العمال : 11 / 165 ، المستدرك للحاكم : 4 / 479
8- كنز العمال : 11 / 364

لقد تناسى عثمان عداوة عمه الحكم بن العاص لرسول الله ، وتناسى كل هذه التحذيرات ، وتناسى أنه قد اشترط عليه أن يعمل بسنة النبي الذي طرد الحكم وأبعده من المدينة ، وأن يعمل بسيرة الشيخين اللذين رفضا السماح بعودة الحكم الى مدينة رسول الله،تناسى كل هذا ، وسارع باستقدام عمه الحكم ، فدخل المدينة بحالة مزرية يسوق تيساً له ، ليخرج بعد ساعة من دخوله قصر الخليفة وعليه جبة من الخز والطيلسان (1) !

وهذا جرد للعناصر الأموية الحاقدة على أهل البيت التي استعان بها عثمان وألف منها جهازه الإداري وسلطها على رقاب المسلمين :

1 - الحكم بن العاص ، اللعين ، طريد رسول الله وعدوه ، عينه عثمان على جمع الصدقات ، فبلغت ثلاثمائة ألف درهم، فأعطاها عثمان له كلها ، وفيها حق الفقراء والمساكين ، وهنا سار عثمان بسيرة الشيخين ؛ إذ ترك أبو بكر بإيعاز من عمر لأبي سفيان ما بيده من الصدقات ، ليضمن رضى أبي سفيان وتعاونه مع السلطة ، مع أن فيها حق فقراء المسلمين(2) ، ولم يكتف عثمان بذلك ، بل وضع الحكم بن العاص في قصره وأعطاه مائة ألف درهم (3) .

2 - مروان بن الحكم ، ابن عم عثمان ، الذي لعنه رسول الله أيضاً(4) وكان يلقب ب- ( خيط باطل ) (5) ، وكان مشهوراً بحق-ده عل-ى أهل البي-ت ومنع فيما بعد من دفن الإمام الحسن في حجرة الرسول(6)، وحينما ولي المدينة كان يسب علياً على المنبر كل جمعة (7) ، لقد عمد عثمان الى تقريب مروان وزوجه من ابنته ، وأعطاه دفعة واحدة خمس غنائم أفريقيا (8).

3 - الحارث بن الحكم أخو مروان ، قربه عثمان وزوجه ابنته عائشة ،

وأعطاه ثلاثمائة ألف درهم دفعة واحدة (9).

4 - سعيد بن العاص بن أمية ، كان والده من المشهورين بايذائهم للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقد خرج لمحاربته يوم بدر ، فقتله الإمام علي عل-ى الشرك(10) ، وسعيد هو نفسه الذي ذكره عمر بن الخطاب بأن علياً قتل أباه ،

ص: 156


1- تاريخ اليعقوبي : 2 / 164
2- العقد الفريد : 4 / 283 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 29 - 39
3- المعارف لابن قتيبة : 112 ، العقد الفريد : 4 / 283 ، محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني : 2 / : 212
4- المستدرك للحاكم : 4 / 479
5- أنساب الأشراف : 5 / 126
6- تاریخ ابن عساکر ترجمة الإمام الحسن : 218 ح 303 - 355
7- الصواعق المحرقة : 139
8- المعارف لابن قتيبة : 112 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 168 - 169 ، أنساب الأشراف : 5 / 28 ، العقد الفريد : 4 / 283 ، الكامل في التاريخ : 30 / 91 ، طبقات ابن سعد : 3 / 64
9- أنساب الاشراف : 5 / 52
10- طبقات ابن سعد : 5 / 31، 135/6

وقد أعطى عثمان لسعيد مائة ألف درهم دفعة واحدة ، وولاه على الكوفة(1)، فنكل بالعلماء من أبناء الأمة .

5 - الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهو أخو عثمان لأمه ، كان أبوه عقبة من أشد الناس إيذاءً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم(2)، قال ابن هشام: كان الحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط يؤذون الرسول في بيته(3) وفي معركة بدر أسر عقبة فأمر الرسول بقتله صبراً (4)، وهو الظالم المشار اليه بقوله تعالى : «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ » (5). والوليد بن عقبة فاسق بنص القرآن الكريم (6)، وهو الذي جاء بالنبأ ونزل فيه قوله تعالى : « إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»(7)

لقد أعطى عثمان للوليد أموالاً وأرضاه وجعله والياً على الكوفة ، فصلى بالناس صلاة الصبح وهو سكران ، ثم التفت اليهم قائلاً : أزيدكم ؟ (8)وهذه الحادثة من الشهرة بنحو لا يمكن إنكارها .

6 - عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ، زوجه عثمان ابنته ، وأعطاه مائة ألف درهم ، ولكل رجل من قومه ألف درهم دفعة واحدة (9) ومن الطبيعي أن يكون الخليفة قد اصطفاه وضمه الى حاشيته وأهل مشورته .

7 - أبو سفيان ، قائد جبهة الشرك ضد رسول الله ، أدناه عثمان وجعله من أهل مشورته ، وهو القائل لعثمان بعد أن آلت إليه الخلافة : ( صارت إليك بعد تيم وعدي ، فأدرها كالكرة ، فإنما هو الملك ، ولا أدري ما جنة ولا نار )(10).

8 - عبد الله بن أبي سرح ، وهو الذي افترى على الله الكذب بنص القرآن وهو الذي قال : سأنزل مثل ما أنزل الله(11).

وكان رسول الله قد أباح دمه حتى لو تعلق بأستار الكعبة ؛ لأنه أسلم ثم ارتد عن الاسلام ، وافترى الكذب ، وعند فتح مكة أحضره عثمان وطلب له الأمان من رسول الله ، وسكت الرسول طويلاً لعل المسلمين يقتلونه خلال مدة سكوته ، ولأن رسول الله لا يقول لا ، فقد تركه لعثمان(12).

ص: 157


1- طبقات ابن سعد : 5 / 31
2- طبقات ابن سعد : 200/1 - 201 ، أنساب الأشراف : 5 / 29
3- سيرة ابن هشام : 2 / 57
4- الغدير للأميني : 8 / 273
5- تفسير الطبري : 19 / 6 ، تفسير البيضاوي : 2 / 143 ، تفسير القرطبي: 13 / 26 ، تفسير الزمخشري : 2 / 276 ، تفسير ابن كثير : 3 / 329 ، الأمتاع للمقريزي : 61 ، الدر المنثور للسيوطي : 6 / 68 - 69 ، تفسير الخازن : 3 / 348 ، تفسير الشوكاني : 4 / 72
6- شواهد التنزيل للحسكاني : 1 / 445 ، المناقب لابن المغازلي : 324 ، تفسير القرطبي : 105/14، فتح القدير للشوكاني : 4 / 255 ، تفسير ابن كثير : 23 / 470 ، أحكام القرآن لابن عربي : 1501/3- 1502 ، المناقب للخوارزمي : 197 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 292
7- الحجرات : 6 . الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني : 5 / 141
8- أنساب الأشراف : 5 / 33 - 34
9- العقد الفريد 2 : 283 ، المعارف لابن قتيبة : 113 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 198 ، الغدير : 8/ 276
10- الاستيعاب لا بن عبد البر : 4 / 1879 ، شرح نهج البلاغة : 53/9 ، تاريخ الطبري58/10
11- أنساب الأشراف : 5 / 49 ، تفسير القرطبي : 7 / 40 ، تفسير البيضاوي : 1 / 321 الكشاف للزمخشري : 2 / 45 ، تفسير الرازي : 12 / 84 ، تفسير الخازن : 2 / 35 ، تفسير النسفي : بهامش الخازن: 2 / 35 ، تفسير الشوكاني : 2 / 140
12- سنن أبي داود : 2/ 220 ، أنساب الاشراف : 5 / 49 ، مستدرك الحاكم : 3 / 100 الاستيعاب لابن عبد البر : 3 / 918 ، تفسير القرطبي : 27/ 40 ، أسد الغابة : 1 / 173 ، الإصابة لابن : حجر 2 / 317 ، تفسير الشوكاني 2 / 140

والحاصل أن الخليفة عثمان أموي ، والحكومة أموية ، والحاشية والولاة والمستشارون كلهم أمويون ، وكل بيت من بيوت بني أمية وتره الهاشميون ، وخاصة عليّ بالذات ، بمعنى أن البيت الأموي أصبح دولة مؤهلة لمواجهة جديدة مع علي وأهل البيت ، بعد أن أخذ الناس يتعرفون حكم الشرع بالقيادة وحق أهل بيت النبوة الذي اغتصبه الخلفاء . لقد أصبح الحكم حكماً أموياً جاهلياً ولكن بثوب الإسلام ، وبمعنى أدق صار حكماً ملكياً ولكن بمصطلحات إسلامية خالية من المضمون . وإذا أضفنا الى هذه القوة ، الخمسة الذين خصصهم عمر عمر لمنافسة على وأهل البيت على الخلافة ، والجناح الثاني للأمويين الذي استحكم في الشام بقيادة معاوية ، أدركنا حجم وخطورة المواجهة بين عليّ وأهل بيت النبوة وبين مناوئيهم .

ص: 158

الهوامش :

(1) الرياض النضرة للطبري : 2 / 414 .

(2) أنساب الأشراف للبلاذري : 5 / 18.

(3) تاريخ الطبري : 4 / 229 - 230 .

(4) الكامل في التاريخ : 3 / 71 .

(5) العقد الفريد : 4 / 279 .

(6) تجارب الأمم لابن مسكويه : 1 / 265.

(7) أنساب الأشراف : 5 / 27 .

(8) المستدرك للحاكم : 4 / 481 ، السيرة الحلبية : 1 / 509 ، أنساب الاشراف : 5 / 126 ، جمع الجوامع للسيوطي : 6 / 451 ح 12546.

(9) المستدرك للحاكم: 4 / 481 ، تفسير القرطبي: 16 / 197 ، تفسير الزمخشري: 4 / 304 ، تفسير ابن كثير : 4 / 172 ، تفسير الرازي: 28 / 23 ، اسد الغابة : 2 / 34 ، النهاية لابن الأثير : 3 / 454 ، شرح نهج البلاغة: 6 / 150 ، تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري: 26 / 13 ، الاجابة للزركشي: 117 - 118 ، الصواعق المحرقة : 181 ، إرشاد الساري : 17 / 340 ، تاج العروس: 5 / 69.

(10) السيرة الحلبية : 1 / 510 ، الدر المنشور : 4 / 191 ، تفسير الشوكاني : 3 / 240 ، تفسير الألوسي:107/15.

(11) تفسير الطبري : 15 / 77 ، تاريخ الطبري : 10 / 58 ، مستدرك الحاكم : 4 / 480 ، تاريخ بغداد 9 / 44 ، تفسير القرطبي : 10 / 282 ، النزاع والتخاصم للمقريزي : 52 ، أسد الغابة: 2 / 14 ، 11 الصواعق المحرقة : 148 ، الدر المنثور : 4 / 191 ، كنز العمال : 11 / 165 ، تفسير الشوكاني 3 / 240 ، تفسير الآلوسي : 15 / 107 .

(12) المستدرك للحاكم : 4 / 487 .

(13) كنز العمال : 11 / 165 ، المستدرك للحاكم : 4 / 479 .

(14) كنز العمال : 11 / 364 .

(15) تاريخ اليعقوبي : 2 / 164 .

(16) العقد الفريد : 4 / 283 ، شرح نهج البلاغة : 3 / 29 - 39 .

(17) المعارف لابن قتيبة : 112 ، العقد الفريد : 4 / 283 ، محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني : 2 / : 212 .

(18) المستدرك للحاكم : 4 / 479 .

(19) أنساب الأشراف : 5 / 126 .

(20) تاریخ ابن عساکر ترجمة الإمام الحسن : 218 ح 303 - 355 .

(21) الصواعق المحرقة : 139 .

(22) المعارف لابن قتيبة : 112 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 168 - 169 ، أنساب الأشراف : 5 / 28 ، العقد الفريد : 4 / 283 ، الكامل في التاريخ : 30 / 91 ، طبقات ابن سعد : 3 / 64 .

(23) أنساب الاشراف : 5 / 52 .

(24 طبقات ابن سعد : 5 / 31، 135/6 (25) طبقات ابن سعد : 5 / 31 .

(26) طبقات ابن سعد : 1 / 200/1 - 201 ، أنساب الأشراف : 5 / 29 .

(27) سيرة ابن هشام : 2 / 57 .

ص: 159

الهوامش :

(28) الغدير للأميني : 8 / 273 .

(29) تفسير الطبري : 19 / 6 ، تفسير البيضاوي : 2 / 143 ، تفسير القرطبي: 13 / 26 ، تفسير الزمخشري : 2 / 276 ، تفسير ابن كثير : 3 / 329 ، الأمتاع للمقريزي : 61 ، الدر المنثور للسيوطي : 6 / 68 - 69 ، تفسير الخازن : 3 / 348 ، تفسير الشوكاني : 4 / 72 .

(30) شواهد التنزيل للحسكاني : 1 / 445 ، المناقب لابن المغازلي : 324 ، تفسير القرطبي : 105/14، فتح القدير للشوكاني : 4 / 255 ، تفسير ابن كثير : 23 / 470 ، أحكام القرآن لابن عربي : 1501/3- 1502 ، المناقب للخوارزمي : 197 ، شرح نهج البلاغة : 6 / 292 .

(31) الحجرات : 6 . الأغاني 6 . الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني : 5 / 141 .

(32) أنساب الأشراف : 5 / 33 - 34 .

(33) العقد الفريد 2 : 283 ، المعارف لابن قتيبة : 113 ، شرح نهج البلاغة : 1 / 198 ، الغدير : 8/276

(34) الاستيعاب لا بن عبد البر : 4 / 1879 ، شرح نهج البلاغة : 53/9 ، تاريخ الطبري.

(35) أنساب الأشراف : 5 / 49 ، تفسير القرطبي : 7 / 40 ، تفسير البيضاوي : 1 / 321 الكشاف للزمخشري : 2 / 45 ، تفسير الرازي : 12 / 84 ، تفسير الخازن : 2 / 35 ، تفسير النسفي : بهامش الخازن: 2 / 35 ، تفسير الشوكاني : 2 / 140 . (36) سنن أبي داود : 2/ 220 ، أنساب الاشراف : 5 / 49 ، مستدرك الحاكم : 3 / 0/3 الاستيعاب لابن عبد البر : 3 / 918 ، تفسير القرطبي : 27/ 40 ، أسد الغابة : 1 / 173 ، الإصابة لابن : حجر 2 / 317 ، تفسير الشوكاني 2 / 140 .

ص:160

الفصل الثالث : مواجهة الإمام علي بعد مقتل عثمان

1 - لم يطق المجتمع الإسلامي حكومة عثمان وبطانته ، وما كانت تقوم به من الإستئثار بأموال المسلمين والاستهانة بأحكام الدين ، فكانت نتيجة ذلك ثورتهم على عثمان التي انتهت بمقتله.

وبموت عثمان تحلل الناس من كل بيعة ، وتهافت أهل المدينة والثوار على الإمام علي يطلبون يده للبيعة (1)، وقالوا له : لقد قتل عثمان ، ولا بد للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك ، ولا أقدم سابقة ، ولا أقرب للرسول، فقال لهم : لا تفعلوا ، فإن أكن وزيراً خير من أن أكون أميراً ، ولما أصروا عليه قال : إذن في المسجد ؛ فإن بيعتي لا تكون خفية ، ولا تكون إلا عن رضى المسلمين ، وصعد على المنبر ، وكان أول من بايعه طلحة(2).

قال قيس بن سعد بن عبادة مخاطباً النعمان بن بشير بن النعمان( أي : إبن أول رجل من الأنصار بايع أبا بكر ، والذي انفرد هو وجماعة من دون الأنصار ووقف مع معاوية فيما بعد ) : أنظر يا نعمان بن بشير ، هل ترى مع معاوية إلا طليقاً أو أعرابياً أو يمانياً مندرجاً ، وانظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، عنهم ورضوا عنه ، ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك، ولستم والله بدريين ولا عقبيين ، ولا لكما سابقة في الاسلام (3).

وإذا كان أمثال هؤلاء مع الإمام علي ، فلا شك في كونه خليفة للمسلمين من جميع الوجوه ، وتجب طاعته حسب هذا الظاهر على الأقل .

2 - سرعان ما تحركت الموجة الأولى من المواجهة التي أعدها عمر حال حياته ، فما ان تمت البيعة لعلي حتى جن جنون طلحة والزبير ، فاستئذنا

ص: 161


1- تاريخ الطبري : 4 / 427 - 435 ، كنز العمال : 5 / 747 ح 14282
2- أنساب الأشراف : 5 / 70 ، تاريخ الطبري : 4 / 427
3- وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 449 ، الإمامة والسياسة : 1/ 98 ، جمهرة الخطب : 1 / 367 ، شرح نهج البلاغة : 88/8

بالذهاب الى مكة بذريعة العمرة ، والتقيا هناك مع عدوة الإمام علي اللدودة عائشة بنت أبي بكر ، ونسقا معها خطوات المواجهة للإمام علي وأهل بيت النبوة ، وأما سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف فقد امتنعا عن البيعة ، هذا هو موقف الأربعة الذين اختارهم عمر للشورى ، خصيصاً لمعارضة الإمام والحيلولة بينه وبين حقه بالإمامة.

وانتهى المطاف بطلحة والزبير وعائشة الى إعداد جيش والخروج على الإمام وساروا الى البصرة ليؤلبوا أهل العراق على الإمام تحت شعار المطالبة بدم عثمان، مع أن طلحة والزبير هما أول من حرض على قتله ، وأن عائشة كانت أول من ذم عثمان وجرأ الناس عليه(1) ، مما يعني أن المطالبة بدم عثمان مجرد غطاء شرعي ظاهري للخروج على الإمام وللتعبير عن حقدهم المشترك عليه.

التقى جيش الإمام علي بجيش عائشة ومن معها في البصرة ، وانتهت المعركة التي عرفت بمعركة الجمل بانتصار علي وهزيمة حزب عائشة ، ووقوعها أسيرة بيد الإمام ، فدخل عليها أخوها محمد بن أبي بكر وقال لها : أما سمعت رسول الله يقول : علي مع الحق والحق مع علي ، تقاتلينه بدم عثمان ؟ ثم دخل عليها الإمام علي فسلّم عليها وقال لها : يا صاحبة الهودج ، قد أمرك الله أن تقعدي في بيتك ، ثم خرجت تقاتلين ، أترحلين ؟ فقالت عائشة : أرحل ، فخصص لها عليّ موكباً وأربعين حارساً ، ولما وصلت الى المدينة اكتشفت أن جميع حرسها نساء ، فقالت : ( جزلله ابن أبي طالب الجنة )(2).

أما طلحة فقد قتله شريكه في التحالف مروان بن الحكم ، وأما الزبير فقد القتال انسحب من ، وقتل في الطريق ، وأما سعد وابن عوف ، فقد هزما وإن أصرا على عدم المبايعة ، وبهذا يكون الإمام علي قد تمكن من هزيمة الخمسة ، الذين تشكلت منهم الموجة الأولى للمواجهة.

3 - وكان على الإمام علي أن يستعد لمواجهة جديدة مع الجبهة الثانية التي أعدها عمر بن الخطاب لمواجهته ، متمثلة في الدولة الأموية في الشام بقيادة

ص: 162


1- الإستيعاب بهامش الإصابة : 2 / 192 ، شرح نهج البلاغة : 26 / 215 - 216 ، تذكرة الخواص : 61 ، تاريخ الطبري : 4 / 458 - 465 ، الكامل في التاريخ : 2 / 206 ، تاج العروس : 8 / 141 ، لسان العرب : 11 / 670 ، الإمامة والسياسة : 1 / 51 ، العقد الفريد : 4 / 291 - 292 ، طبقات ابن سعد 5 / 34 - 35 ، أنساب الأشراف : 5 / 70 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 172
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 73

معاوية بن أبي سفيان ، الذي كان مع أبيه من أئمة الكفر(1) وقد لعنهما رسول الله كليهما في أكثر من موضع (2) ، وقد تسألق نجم معاوية عندما ولاه عمر على الشام كلها ، وبقي والياً عليها طيلة عهد أبي بكر وعمر وعثمان ، يتصرف كما يشاء دون حسيب ولا رقيب ، وتمكن خلال هذه المدة من تشكيل ذهنية أهل الشام ، فكانوا لا يعرفون شيئاً عن الإسلام ، وكان فيهم بمثابة ملك، وحوّلهم بالمال والدهاء وقلب الحقائق الى جيش يغضب لغضب معاوية ويرضى لرضاه .

رفض معاوية البيعة للإمام علي ، ورفع شعار المطالبة بدم عثمان ، وحدثت المواجهة العسكرية بينه وبين الإمام ، وكاد الإمام أن ينتصر ، ولكن في اللحظة الحاسمة رفع معاوية المصاحف على الرماح بمشورة عمرو بن العاص ، وقال : هذا كتاب الله بيننا وبينكم ، ورأى المنافقون أنها فرصة العمر لتفويت الإنتصار علي الإمام ، فثاروا من كل جانب ، وأجبروا الإمام علي وقف القتال ، وبإيقافه نجا معاوية من هزيمة محققة ، وقويت شوكة المنافقين في صفوف علي ، وأخذوا يثبطون عزائم الجيش ، حتى انتهى الأمر بالتحكيم ، فأجبروا الإمام علي اختيار الأشعري المعروف بخذلانه للإمام ، وتمكن عمرو بن العاص من خديعة الأشعري، وتوالت الانقسامات في جيش الإمام ، ولم تنفع بلاغته ولا صادق نصحه في توحيدهم واستنهاض عزائمهم .

ولقد استخدم معاوية سلاحين :

أولهما - سلاح المال ، وقد قال بهذا الشأن : ( لأستميلنّ بالمال ثقات علي ، ولأقسمن فيهم الأموال حتى تغلب دنياي آخرته )(3) ، ولقد استمال معاوية بما أغدقه من الأموال حتى ابن عم الإمام عبيد الله بن عباس.

وثانيهما - سلاح الإرهاب ، فقد اغتنم معاوية فرصة التفكك والإختلاف في جيش الإمام علي ، فسير مجموعة من السرايا الى الأقاليم الموالية للإمام علي :وهي: عين التمر ، هيت ، الأنبار ، المدائن ، تيماء ، واقصة ، والجزيرة ، وأمر

ص: 163


1- تفسير الطبري : 10 / 58 - 62 ، تاریخ ابن عساكر : 6 / 393 ، تفسير الخازن : 2 / 204 - 205 ، تفسير الآلوسي : 10 / 59
2- مروج الذهب : 3 / 14 ، وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 217 - 218
3- وقعة صفين : 436 ، شرح نهج البلاغة : 77/8

جیوشه بقتل كل من يجدونه على طاعة عليّ ، وبإهلاك الحرث والنسل، ونهب الأموال.

ثم وجه بسر بن أرطأة بجيش سار الى المدينة ومنها الى مكة ، ثم الى اليمن ، فأحدث من المجازر الجماعية ما أحدث ، وقتل كل من كان في طاعة الإمام على بمن في ذلك الأطفال الصغار ، ومن جملة القتلى ابني والي اليمن عبيد الله بن عباس وكانا طفلين صغيرين ، وإن ما فعلته جيوش معاوي-ة ه-ذه بالمسلمين لم يفعله أيّ غزاة في تاريخ العالم (1).

فجع قلب الإمام لما فعلته عساكر معاوية ، ودعا الناس إلى الجهاد ، وقال : إني معسكر في يومي هذا ، فمن أراد الرواح الى الجنة فليخرج ، ووزّع الرايات، فعقد راية للحسين، وأخرى لأبي أيوب الأنصاري، وثالثة لقيس بن سعد(2).

وبينما كان الإمام يستعد لمعاقبة معاوية ، غ-در ب-ه عبد الرحمن بن ملجم المرادي في صلاة الفجر صبيحة التاسع عشر من رمضان، فضربه وهو ساجد على رأسه بسيف مسموم ، فسقط الإمام الذي لم يسقط قط ، وانتقل إلى رحمة ربه بعد أن عالج الموت ثلاثة أيام ، وعهد بالأمر من بعده لابنه الحسن ، قائلاً : يا بني ، أمرني رسول الله أن أوصي إليك ، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي ، كما أوصى إلي ودفع إلى كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ، ثم أقبل على ابنه الحسين فقال : وأمرك رسول الله أن تدفعها الى ابنك هذا ، ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال له : وأمرك رسول الله أن تدفعها الى ابنك محمد بن علي ، فاقرأه من رسول الله ومنّي السلام .

ثم أشهد على تلك الوصية ابنيه : الحسين ومحمد ، وجميع أولاده ورؤساء

شيعته وأقطابهم (3).

ص: 164


1- تاريخ الطبري : 5 / 176 ، الكامل في التاريخ : 23 / 1383 - 385 ، تاریخ ابن عساکر : 3 / 298، (مخطوط) ، الاستيعاب : 1 / 107 ، تاریخ ابن كثير: 7/ 319 ، الغدير للأميني : 11 / 22 - 26
2- شرح نهج البلاغة: 10 / 100 شرح الخطبة 182
3- إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي : 207 ، كشف الغمة : 1 / 532 ، من لا يحضره الفقيه : 4 / 189 ح 5433

الهوامش :

(1) تاريخ الطبري : 4 / 427 - 435 ، كنز العمال : 5 / 747 ح 14282 .

(2) أنساب الأشراف : 5 / 70 ، تاريخ الطبري : 4 / 427.

(3) وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 449 ، الإمامة والسياسة : 1/ 98 ، جمهرة الخطب : 1 / 367 ، شرح نهج البلاغة : 88/8 .

(4) الإستيعاب بهامش الإصابة : 2 / 192 ، شرح نهج البلاغة : 26 / 215 - 216 ، تذكرة الخواص : 61 ، تاريخ الطبري : 4 / 458 - 465 ، الكامل في التاريخ : 2 / 206 ، تاج العروس : 8 / 141 ، لسان العرب : 11 / 670 ، الإمامة والسياسة : 1 / 51 ، العقد الفريد : 4 / 291 - 292 ، طبقات ابن سعد 5 / 34 - 35 ، أنساب الأشراف : 5 / 70 ، تاريخ أبي الفداء : 1 / 172 .

(5) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 1 / 73 .

(6) تفسير الطبري : 10 / 58 - 62 ، تاریخ ابن عساكر : 6 / 393 ، تفسير الخازن : 2 / 204 - 205 ، تفسير الآلوسي : 10 / 59 200.

(7) مروج الذهب : 3 / 14 ، وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 217 - 218.

(8) وقعة صفين : 436 ، شرح نهج البلاغة : 77/8 .

(9) تاريخ الطبري : 5 / 176 ، الكامل في التاريخ : 23 / 1383 - 380 ، تاریخ ابن عساکر : 3 / 298، (مخطوط) ، الاستيعاب : 1 / 107 ، تاریخ ابن كثير: 7/ 319 ، الغدير للأميني : 11 / 22 - 26 .

(10) شرح نهج البلاغة: 10 / 100 شرح الخطبة 182 .

(11) إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي : 207 ، كشف الغمة : 1 / 532 ، من لا يحضره الفقيه : 4 /189 ح 5433 .

ص: 165

الفصل الرابع : مواجهة أبناء الإمام علي

1 - مواجهة الإمام الحسن :

بايع المسلمون الحسن في أجواء من الألم والحزن ، وتحامل الإمام الحسن على نفسه ووقف خطيباً فقال : ( لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ، ولم يدركه الآخرون ، لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله يوجهه برايته ، فيكنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله على يديه . أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا الحسن بن علي ، ابن النبي ، ابن الوصي ، وأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إليها ويصعد من عندنا ) (1).

وما ان انتهت مراسم العزاء والبيعة ، حتى أخذ الإمام يستعد للمواجهة المسلحة مع عدو الله معاوية ، وسير إليه جيشاً قوامه اثنا عشر ألف فارس بقيادة عبيد الله بن عباس ، فالتقى بجيش معاوية ، ووقف كل منهما يتربص بالآخر وخلال مدة التربص بعث معاوية جواسيسه ورسله الى عبيد الله بن العباس فأخذوا يغرونه بالمال ، ويعرضون عليه الإلتحاق بمعاوية ، وأوهموه بأن الحسن يريد أن يسلم لمعاوية ، وما هي إلا مسألة وقت ، وإن من الخير لعبيد الله أن يقبض ما يريد وهو عزيز ، قبل أن يضطر الى التسليم دون مقابل ، وما زالوا به حتى ترك قيادة جيش الحسن والتحق بمعاوية ومعه أكثر من نصف الجيش(2).

كانت خيانة عبيد الله بن عباس ضربة معنوية قاتلة لجيش الحسن ولأتباع الحسن ، فإذا كان عبيد الله الهاشمي يخون إمامه مقابل رشوة تافهة ، فما الذي

ص: 166


1- إعلام الورى للطبرسي : 208
2- الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 161 ، سيرة الرسول وأهل بيته : 2 / 30

يجبر العامة على الإلتزام بولائها له، في ظروف يدل كل شيء فيها على أن معاوية وشيعته سيغلبون ؟ لقد نبتت في أذهان أكثرية الجيش ، فكرة تسليم الإمام الحسن لمعاوية ، أو قتله وتسليم رأسه لمعاوية ، مقابل غنيمة يغدقها عليهم معاوية.

أدرك الإمام الحسن كل ذلك ، وأيقن أن مواصلة المواجهة المسلحة انتحار مؤكد ، وإبادة لما تبقى من المؤمنين الصادقين وهم قلة ، وعبر عن ذلك بقوله : ) والله لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً ، والله لئن أسالمه وأنا عزيز أحب إلي من أن يقتلني وأنا أسير ، أو يمن عليّ فتكون سبة على بني هاشم ) (1).

في هذه الأثناء فاوض معاوية الإمام الحسن ، وأرسل إليه ورقة بيضاء وقد وقع معاوية في أسفلها ، ليكتب الإمام الحسن شروط الصلح ، فكتب الإمام الحسن الشروط التالية :

أولا - أن يعمل معاوية بكتاب الله وسنة نبيه.

ثانياً - أن لا يعهد لأحد من بعده ، بل يكون الأمر شورى بين المسلمين.

ثالثاً - أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.

رابعاً - أن شيعة على آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم .

خامساً - أن لا يبغي للحسن ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت النبي

غائلة سراً ولا علانية ، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الآفاق.

إلا أن معاوية لم يف بعهوده رغم توقيعه عليها ، بل خطب الناس في الكوفة وقال بصراحة : ( كل شرط شرطته لكم فهو مردود ، وكل وعد وعدته أحدا منكم فهو تحت قدمي ) (2)، ثم توّج جرائمه باغتيال الإمام الحسن ، بأن دس له السم عن طريق زوجته جعده بنت الأشعث بعد أن بعث إليها بمائة ألف درهم

ص: 167


1- سيرة الرسول وأهل بيته : 2 / 31
2- فتوح أعثم : 4 / 164

ووعدها بتزويجها من ولده يزيد(1) ، ليخل-و ل-ه الج-و ويتمكن من تتويج ابنه الفاسق السكير يزيد حاكماً على المسلمين.

وكان من وصايا معاوية ليزيد : أنه إذا ثار أهل المدينة عليه ، يرسل إليهم جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة ، وثار أهل المدينة بالفعل ، فنفذ يزيد وصية معاوية، فكانت نتيجة ذلك واقعة الحرة الرهيبة عام 63 ه- ، التي سفكت فيها الدماء وهتكت الحرمات واستبيحت مدينة الرسول ، حتى ولدت الأبكار لا يعرف من أولدهن ، وأخذ الناس يبايعون على أنهم عبيد ليزيد بن معاوية (2) ، وكانت النتائج النهائية لهذه الواقعة المأساوية :

أولاً - إبادة من حضر من البدريين بالكامل.

ثانياً - أبيد من قريش ومن الأنصار سبعمائة رجل.

ثالثاً - أبيد من الموالي والعرب عشرة آلاف.

2 - مواجهة الإمام الحسين :

لقد بايع الناس عمليا يزيد بن معاوية رغبة ورهبة ، ولم يبايعه الإمام الحسين الذي انتقلت إليه الإمامة شرعاً حسب أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم .

كان يزيد اكثر دموية من أبيه معاوية ، ويكفي أن نعلم أن وقعة الحرة كانت من صنع يديه ، وأنه أشرف بنفسه على هدم الكعبة المشرفة بعد حرقها ، كل هذا وهو رسمياً خليفة رسول الله !

لقد مات الشعور العام موتاً تاماً ، و لم يعد بإمكان أحد أن يرفع رأسه ، أو أن يقامر بعطائه الذي تقدمه له الدولة ما دام عبداً مطيعاً لها ، فاذا صار عبداً الله قطعت عنه العطاء وقتلته ، وكان الناس يدركون ما وصلت إليه حالهم ، ويعرفون أنهم يعيشون الهوان ، لكنهم ما كانوا يجرؤن على التحرك ، وكانوا يطمعون في أن يبرز فارس من عالم الغيب فيخلصهم دون أن يكلفهم عناء المواجهة مع فرعونهم .

ص: 168


1- مروج الذهب : 3 / 5 ، مقاتل الطالبيين : 31 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 29
2- تاريخ اليعقوبي : 2 / 250

( إن المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها فتقول له : إنصرف ، الناس يكفونك ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه فيقول : غدا يأتيك أهل الشام ) (1) ، لقد صار أهل الشام رمزاً للموت ، وكان الإتكال على المجهول أمل الناس الوحيد .

كانت تلك هي حال الخلافة وحال الأمة عندما فرض على الحسين أن يقود المواجهة.

وكان الحسين وأهل بيت النبوة يعلمون جيداً أن عليهم في وقت يطول أو يقصر أن يبايعوا يزيد أو يموتوا ؛ إذ كانوا على علم بتاريخ الخلافة وأسلوبها القمعي ، فمن أجل البيعة ، وبعد يوم واحد من وفاة النبي ، أحضر أولياء أبي بكر الحطب والنار ؛ ليحرقوا آل محمد ، لأنهم رفضوا البيعة وقالوا : نحن أحق بالخلافة ، ولأجل ذلك قال الحسين : ( وأيم الله لو كنتُ في جحر هامة (2) من هذه الهوام ، لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم )(3)، وقال أيضاً : ( والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإن فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذل من فرم(4) )(5).

إن خيارات الحسين وأهل البيت كانت محددة تماماً ، فاما أن يبايعوا عدو الله وهم أذلة ، وإما أن يتعرضوا للقتل .

من يعرف طبيعة الإمام الحسين ، وطبيعة أهل البيت يتيقن أن مبايعتهم ليزيد ابن معاوية مستحيلة ، ذلك أن الذين يرضون بالذل والهوان هم الذين يخشون الموت ، فلأجل النجاة من الموت يعطون الدنية وهم سعداء ، وليس الحسين وأهل البيت من هذا النمط ، بل إن الموت عندهم فوز وسعادة ، وقد صرح الحسين بذلك علناً إذ قال : ( ألا ترون إلى الحق لا يعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً ، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما ) (6).

لو ركع الأكثرية واستسلموا لما أثاروا عجباً ؛ فطوال تاريخ البشرية وجدت أمم تركع للطغاة وتعبدهم من دون الله ، ووجدت شعوب مستضعفة مغلوبة

ص: 169


1- تاريخ الطبري : 5 / 371
2- حجر الهامة هو الشق الذي تختفي فيه الحية أو العقرب
3- تاريخ الطبري : 5 / 385 ، الطبقات لابن سعد : الحديث 278 ، تاریخ ابن كثير : 8 / 169 ، الكامل في التاريخ : 4 / 38
4- الفرم : الخرقة التي تضعها المرأة علي فرجها عند الحيض
5- الكامل في التاريخ : 4 / 39
6- مقتل الحسين لابن طاووس : 34

على أمرها ، ولكن التاريخ لن يسجل بحال أن الحسين وأهل البيت قد استسلموا لأنهم جزعوا من الموت ، أو يقول : إن حفيد النبي ، وابن علي ، وحبيب الزهراء ، وإمام الأمة ، قد هان أمام الظالمين ، وهيهات له أن يسجل أن أحفاد شیخ قريش أبي طالب ، وأبناء سيد العرب عليّ ، قد تركوا عميدهم الحسين يموت وحده.

لقد ودع الحسين وأهل البيت أباهم رسول الله ، وخرج ركبهم لملاقاة الظالمين ، ورمقته الجموع الذليلة بإشفاق ومحبة ، وهي على علم بأن مصير الحسين وأهل بيت النبوة هو القتل ، ومع هذا لم تقدم هذه الجموع ولم تؤخر ، بل بقيت رائعة في مرعاها ، تنتظر جزارها ليختار ذبائحه في أي وقت يشاء.

تحرك ركب الحسين من المدينة الى مكة ، ومنها توجه الى العراق ، قال له العراقيون إنهم معه ، وبايع مسلم بن عقيل 18 ألفاً منهم ، ولكن عندم-ا ج-دّ ، الجد ، تخلّوا عن مسلم ، ولم يجد في الكوفة بيتاً واحداً يؤويه ، أو رجلاً يستضيفه ، إلا امرأة ، ولما علم ابنها بوجود مسلم ، انطلق يخبر عبيد الله بن زياد طمعا بالمكافأة .

وتهادى ركب الحسين الى كربلاء ومعه أهل بيت النبوة ، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم ، وكان عدد الركب مائة يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً .

وفي كربلاء كان جيش يزيد ينتظرهم ، وقوامه الف أو أربعة آلاف ، أو ثلاثون ألفاً ، وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص يقود ذلك الجيش الذي جاء خصيصاً لذبح الحسين ومن معه من أهل بيت النبوة .

قام جيش يزيد بمحاصرة الإمام الحسين ومن معه ، ومنعوهم من ماء الفرات وهم يعلمون أن مع الحسين أطفالاً رضعاً ونساء وصغاراً بحاجة الى الماء ، فقاسى الحسين ومن معه من حر الصحراء اللافح ، ومن العطش الشديد ، وفي هذا الجو الأليم نشب القتال غير المتكافيء .

ص: 170

وانتهت الغارة بإبادة أهل البيت ، ولم يبق منهم غير الإمام علي بن الحسين الذي كان مريضاً لا يقوى على الحركة والقتال ، وقطعت رؤوس القتلى ، وحملت الى يزيد على رؤوس الرماح ، واقتيدت بنات الرسول سبايا الى يزيد بن معاوية ، ليقضي فيهن بأمره .

وكان الأثر العظيم لشهادة الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه ، هو فضح الخليفة ونظامه ، وإيقاظ ضمير الأمة ؛ ذلك أن وسائل إعلام دولة الخلافة التاريخية كرست كل جهودها وطاقاتها لإقناع الناس بأن الخليفة إنسان مقدس ، بل بالغت في ذلك حتى ذلك حتى أشاعت بين الناس أن الخليفة أعظم من الرسول نفسه ، وأن أمر السماوات والأرض قائم على نظام الخليفة والخلافة ، وأن من عادى الخليفة صار كافراً ، ومن والاه صار مؤمناً (1) ، وأنه يجب على المسلمين إطاعة الله الخليفة عصى أم أطاعه ، عمل بالعدل أو مارس الظلم والجور ، فسق أو استقام ، أعمل الحدود أم عطلها ، فهو حرّ يعصي الله لحكمة ، ويعطل الحدود الحكمة ، ويمارس الجور الحكمة ، ويقتل النفس التي حرم الله لحكمة ، ويغصب الأموال لحكمة ، فلا يجوز الخروج عليه مهما فعل ، وتجب طاعته عل-ى ك-ل حال(2).

وكادت الأمة أن تصدق أن نظام الخلافة التاريخي هو نظام الإسلام ، وأن الخليفة التاريخي هو صفوة الأمة ، وهو أهل للقداسة ، فجاءت ثورة الحسين ، ومذبحة كربلاء، لتفضح كل هذا الزيف ، وتظهر الخليفة على حقيقته البشعة ، وتعري نظام الخلافة وتكشف عن صورته المخالفة للدين والعقل .

لقد سمع أهل الدنيا بأنباء مذبحة كربلاء ، وكيف أن الخليفة جهز جيشاً ضخماً لحرب رجل واحد هو الحسين بن الرسول ، ومعه أهل بيته وموال-وه ، وكيف قتلهم شر قتلة ، وأمر أن تداس جثثهم بسنابك الخيل ، وأخذ بنات الني سبايا يدار بهن من بلد الى بلد ، فمرّغ الخليفة بذلك شرف العسكرية الإسلامية بالوحل ، وظهر على حقيقته سفاكاً ومحرماً لا خلاق له.

ص: 171


1- سنن أبي داود : 4 / 209 ، مروج الذهب : 13 / 70 - 81 ، العقد الفريد: 4 / 385 - 391
2- صحیح مسلم : 3 / 1475 و 1476 ، صحیح مسلم بشرح النووي: 12 / 227 ، سنن البيهقي: 8 / 190 083/5:

وقد صدمت مجزرة كربلاء ضمير الأمة وأيقظته ، وهزّت كيانها من الأعماق ، فاستفاقت من رقدتها ، لتجالد عدوها ، وأحيت فيها روح التضحية والفداء ، وتمخض عن ذلك ثورات متلاحقة على الظالمين ، منها : ثورة التوابين (1) وثورة أهل المدينة (2)وثورة المطرف بن المغيرة(3)وثورة ابن الأشعث ، وثورة زيد بن علي(4) .

3 - مواجهة التسعة المعصومين من أبناء الحسين .

أولاً - الإمام علي بن الحسين زين العابدين :

عندما ولد علي بن الحسين ، سجد الإمام علي شكر الله ، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قوله : ( أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون ) (5).

تربى الإمام زين العابدين في مدرسة الرسالة والنبوة ، وانتهى إليه علم النبوة كله ، وتوفرت فيه كل صفات الأئمة ، فكان الأعلم والأفهم بالدين ، والأكثر إحاطة بسنة سيد المرسلين ، والأقرب لرسول الله ، والأصلح من أهل زمانه.

انتقلت إليه الإمامة بعد شهادة أبيه الحسين ، وقد شهد مذبحة كربلاء ، وكان مريضاً لا يقوى على الحركة ، ورافق السبايا من بنات الرسول الى دمشق ثم عاد الى المدينة ، وقلبه الشريف متخن بالجراح النازفة ، وحزنه على أبيه وأهل بيته يجري في عروقه جريان الدم ، لقد بكى عليهم عشرين عاما،ً فما وضع بين يديه طعام حتى بكى ، قال له أحد مواليه يوماً : أما آن لحزنك أن ينقضى ؟ فأجابه الإمام : ويحك ، إن يعقوب النبي كان له اثنا عشر ابنا ، فغيب الله واحداً منهم ، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه ، واح-دودب ظه-ره م--ن الغم ، وكان ابنه حياً في الدنيا ، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين ، فكيف ينقضي حزني (6)؟

ص: 172


1- تاريخ الطبري : 5 / 583
2- تاريخ الطبري : 7 / 552
3- تاريخ الطبري : 6 284 - 300
4- مقاتل الطالبيين : 86 - 102
5- كفاية الأثر : 19 ، ينابيع المودة للقندوزي : 445
6- حلية الأولياء لأبي نعيم : 3 / 138 ، المناقب لابن شهراشوب : 4 / 165 - 166

لم تكن ظروف الإمام زين العابدين تمكنه من المواجهة العسكرية للظالمين ، فاتخذ من

الدعاء و وسيلة لتربية الأمة روحياً وعقائدياً ، فإذا جاءه مستهد هداه ، وإذا استعلمه متعلم علمه ، وإن اتيحت له فرصة قرع الناس الذين خذلوا أباه .

طبقت سمعة الإمام الآفاق ، وملأت أخباره الاسماع والقلوب ، وقصده طلاب العلم لينهلوا من علم النبوة ، فانتشر علمه ، وتخرج على يديه كوادر علمية من شيعة أهل بيت النبوة ، ساهمت بترسيخ عدالة قضية أهل البيت وارتباطها الوثيق بدين الإسلام .

ولما خرج عبد الله بن الزبير على الأمويين ، واستولى على الحجاز فترة ، وكان يحقد على آل محمد ، أراد أن يستأصلهم من الوجود ، فأحضر بني هاشم، وجمع خطباً ، وصمم على أن يحرقهم جميعاً أحياء ، ولولا نجدة جاءتهم لأحرقهم فعلاً ، وأثناء تسلطه على الحجاز عكّر صفو آل محمد عامة ، والإمام زين العابدين خاصة ، ولو استتب الحكم له لنكل بأهل بيت النبوة ، ولكن الأمويين هزموه .

ولما انتصر الأمويون هالتهم المكانة التي يحتلها الإمام زين العابدين من قلوب الناس ، فأوجسوا منه خيفة ، وتأججت نيران حقدهم عليه ، فدسّ له الحاكم الأموي سليمان بن عبد الملك السم ، فقتله ، وبذلك انتهت حياة هذا الإمام ، الذي أثار عواطف المسلمين بحزنه العظيم ، وأدعيته المباركة ، وعلمه النافع وخلق فيهم إحساساً عميقاً بالذنب ، وشعورا فائقا بالإثم ، ونبههم إلى الظلم الفظيع الذي لحق بأهل بيت النبوة .

ثانيا - الإمام محمد بن علي الباقر :

هو خامس الأئمة المعصومين ، أشار له الإمام علي بن أبي طالب في وصيته ، وكلف علياً بن الحسين أن يعهد له بالإمامة بناءً على أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وأن يقرأه السلام من رسول الله ومنه.

ص: 173

لقب بالباقر لأنه باقر العلوم كلها ، قال عبد الله بن عطاء المكي : ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر.

وقال شمس الدين الذهبي : أبو جعفر الباقر أحد أعلام هذه الأمة ، علماً وعملاً وسيادة وشرفاً ، وسمي الباقر لبقره العلم(1) .

كان الإمام الباقر موقناً بأنه إمام الأمة وحاكمها الشرعي ، وأن الحكام الفعليين غاصبون للسلطة ، ولكن مطالبته بحقه الشرعي في تلك الظروف ، وفي ضوء تجارب آبائه ، كانت بمثابة انتحار ، لذلك كرس كل جهوده لاستقطاب المسلمين حول تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة ، وبنى كوادر مثقفة لتعليم الأجيال اللاحقة ، إدراكاً منه لأن تكوين الأمة الواعية المحصنة ضد الإنحراف ، خطوة متقدمة على الوصول إلى السلطة.

وأدركت دولة الخلافة خطورة النشاط الذي يمارسه عليها ، فلجأت الى سلاحها القذر للتخلص منه ، فقضى مسموماً ، والتحق بالرفيق الأعل-ى ع-ام 114ه- .

ثالثا - جعفر بن محمد الصادق :

عهد الإمام الباقر لابنه جعفر الصادق بالإمامة ، عملاً بتوجيهات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وللعلماء أقوال في الإمام الصادق تبين عظيم منزلته، منها :

قول المؤرخ اليعقوبي : أفضل الناس وأعلمهم بدين الله ، وكان أهل العلم الذين سمعوا منه قالوا : أخبرنا العالم (2).

قول مالك بن أنس : ما رأت عين ، ولا سمعت أذن ، ولا خطر على قلب بشر ، أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادةً وورعاً(3).

قول أبي الفتح الشهرستاني : هو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات (4).

ص: 174


1- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 1 / 437
2- تاريخ اليعقوبي : 2 / 381
3- المناقب لابن شهر اشوب : 4 / 248
4- الملل والنحل للشهرستاني : 1 / 147

قول أبي ليلى : ما كنت تاركاً قولاً قلته ، أو قضاء قضيت-ه ل-ق-ول أحد إلا رجلاً واحداً ألا وهو جعفر بن محمد(1).

ركز الإمام الصادق جهوده على نشر العلم ، حتى روى عنه أربعة آلاف رجل من الثقات ، وأولى عناية خاصة للموالين لأهل البيت المعتقدين بإمامتهم ، ونظم أمورهم تنظيماً دقيقاً ، حتى نسب الشيعة إليه ، فقيل : مذهب الإمام الصادق.

وفي عهده ظهر الملاحدة والزنادقة ، وجواسيس الدولة المتسترين بالولاء لأهل البيت والغلو في حب الأئمة ، فدرّب الإمام مجموعة من تلامذته على الفلسفة والجدل والمناظرة للدفاع عن عقيدة التوحيد ، ولبيان حقيقة ما يدعو إليه أهل بيت النبوة .

قال سدير : قلت لأبي عبد الله : إن قوماً ( جواسيس الدولة ) يزعمون أنكم آلهة ، يتلون علينا بذلك قرآنا : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله).

فقال الإمام الصادق : يا سدير ، سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء ، الله وبر منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإياهم يوم وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم(2).

كان الإمام الصادق يتعاطف مع الثائرين على السلطة في وقته ، ولكنه لم يتورط في المشاركة الفعلية مع أية جماعة منه- أية جماعة منهم ، وكان يخبر كل جماعة مسبقاً بنتائج تحركهم ، جاءه عبد ا الله بن الحسن وقال له : إن القوم يريدون ابني محمداً؛ لأنه مهدي هذه الأمة ، فأجابه الصادق : هذه الأمة ، فأجابه الصادق : والله ما هو مهدي هذه الأمة، ولئن شهر سيفه ليقتلن ، فنازعه عبد الله القول حتى قال له : والله ما يمنعك من ذلك إلا الحسد ، فقال الإمام : والله ما هذا إلا نصح مني لك(3) ، أي أن الرؤية كانت واضحة تماماً لدى الإمام .

استشهد الإمام الصادق مسموماً بتدبير من السلطة العباسية .

ص: 175


1- أعيان الشيعة : 1 / 664 ، الإمام الصادق لعبد الحليم الجندي : 161
2- الكافي للكليني : 1 / 269
3- مروج الذهب للمسعودي : 3 / 269

رابعاً - الأئمة الستة : موسى بن جعفر الكاظم ، علي بن موسى الرضا محمد بن علي الجواد ، علي بن محمد الهادي ، الحسن بن علي العسكري ، الإمام المنتظر محمد بن الحسن المهدي .

كل واحد من هؤلاء الأئمة الكرام صار إماماً بعهد ممن سبقه. كان هؤلاء الأئمة على قناعة كاملة بأن بناء الأمة أولى من الوصول الى الحكم ، بعد بعد أن شاهدوا انحراف الكثيرين عن الحق ، حتى أصبحوا أداة طيعة بيد الطغاة ، وكرة يتقاذفها الظالمون ، ولذلك صب هؤلاء الأئمة جهودهم في محال التعليم والتوعية .

والواقع أن هذه القناعة كانت موجودة لدى الأئمة السابقين أيضاً ، ، فالإمام عليّ استلم الخلافة وهو يعلم أن الأمويين سيغلبون ؛ لأن دولتهم كانت قائمة ومستحكمة ، ومعظم أفراد المجتمع مطعم بأمصالهم القذرة ، وأن اكثرية الأمة مقبلة على الدنيا وحدها ، وما إقبالها على الدين إلا لأنه صار وسيلة للدنيا ولكن كان يتعذر على الإمام عليّ أن يترك مقاومة الإنحراف والفساد والخروج على الشرعية ما دام يجد أعواناً، لذلك قام بمقارعة الطغاة حتى استشهد.

وكذلك الحال بالنسبة للإمام الحسن ، ولأجل ذلك قارع معاوية حتى انفض من حوله الأعوان ، فوادع معاوية ، ابقاء منه على من معه من القلة المؤمنة ، ومن أهل بيت النبوة .

وخروج الحسين لم يكن طمعاً في الخلافة ، فقد كان موقناً بأنه سيلاقي رب-ه قبل أن يدرك ذلك ، وإنما خرج لكي يزيح القناع الذي يتستر به الظالمون ، وليكشف طبيعة الأوضاع التي آلت إليها الخلافة ، وليحدث هزة في ضمير الأمة التي أخلدت الى الخضوع والخنوع ، ويمدّها بجذوة معنوية للتحرك ضد الظالمين .

وعلى الرغم من الحصار والتضييق والرقابة الشديدة التي تعرض لها كل الأئمة من آل البيت ، إلا أنهم واصلوا العمل الدؤوب، لإعادة بناء الأمة فكرياً ، وتحصينها ضد الإنحراف وألاعيب الحكام، ومضوا قدماً بتنظيم أتباعهم

ص: 176

وتنميتهم عدديا ونوعيا ، وتجنيبهم المواجهة مع السلطلة حتى لا تقضي عليهم ، وحتى لا يصطدموا بها قبل الوقت المحدد الذي يكتمل فيه بناء الأمة ؛ لأنه إذا اكتمل بناء الأمة يسقط الطغاة آلياً ؛ إذ لا يبقى لهم مؤيد ومعين ، عندئذ يضطرون للعودة الى طبيعتهم ، فيظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.

وقد تعرض الأئمة لملاحقة السلطة وبطشها ، فأبعدت الإمام الرضا الى طوس وأودعت الإمام الكاظم مطامير السجون طيلة أربعة عشر عاماً ، وقضت عليهم بالسم ، حتى وصل الضغط الى درجة اضطر معها الإمام الثاني عشر الى الغيبة ، ليظهر في آخر الزمان ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلما وجوراً ، نسأل الله أن يعجل فرجه ، ويجعلنا من أنصاره ، والحمد لله رب العالمين.

ص: 177

الهوامش :

(1) إعلام الورى للطبرسي : 208 .

(2) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 161 ، سيرة الرسول وأهل بيته : 2 / 30 . (3) سيرة الرسول وأهل بيته : 2 / 31 .

(4) فتوح أعثم : 4 / 164 .

(5) مروج الذهب : 3 / 5 ، مقاتل الطالبيين : 31 ، شرح نهج البلاغة : 16 / 29.

(6) تاريخ اليعقوبي : 2 / 250 .

(7) تاريخ الطبري : 5 / 371 .

(8) حجر الهامة هو الشق الذي تختفي فيه الحية أو العقرب .

(9) تاريخ الطبري : 5 / 385 ، الطبقات لابن سعد : الحديث 278 ، تاریخ ابن كثير : 8 / 169 ، الكامل في التاريخ : 4 / 38.

(10) الفرم : الخرقة التي تضعها المرأة علي فرجها عند الحيض .

(11) الكامل في التاريخ : 4 / 39 .

(12) مقتل الحسين لابن طاووس : 34 .

(13) سنن أبي داود : 4 / 209 ، مروج الذهب : 13 / 70 - 81 ، العقد الفريد: 4 / 385 - 391 .

(14) صحیح مسلم : 3 / 1475 و 1476 ، صحیح مسلم بشرح النووي: 12 / 227 ، سنن البيهقي: 8 / 190083/5:

(15) تاريخ الطبري : 5 / 583.

(16) تاريخ الطبري : 7 / 552 .

(17) تاريخ الطبري : 6 284 - 300 .

(18) مقاتل الطالبيين : 86 - 102.

(19) كفاية الأثر : 19 ، ينابيع المودة للقندوزي : 445 .

(20) حلية الأولياء لأبي نعيم : 3 / 138 ، المناقب لابن شهراشوب : 4 / 165 - 166 :

(21) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : 1 / 437 .

(22) تاريخ اليعقوبي : 2 / 381 .

(23) المناقب لابن شهر اشوب : 4 / 248 .

(24) الملل والنحل للشهرستاني : 1 / 147.

(25) أعيان الشيعة : 1 / 664 ، الإمام الصادق لعبد الحليم الجندي : 161 .

(26) الكافي للكليني : 1 / 269 .

(27) مروج الذهب للمسعودي : 3 / 269 .

ص: 178

المصادر

1 - القرآن الكريم .

2 - اثبات الوصية - المطبعة الحيدرية - النجف الاشرف .

3- الاجابة للزركشي - الكتب الاسلامي - بيروت .

4 - الاحتجاج - مطبعة سعيد - مشهد .

5 - احكام القرآن لابن عربي - دار المعرفة - بيروت .

6 - الاخبار الطوال - دار احياء الكتب العربية - بيروت.

7 - اخبار القضاة - عالم الكتب - بيروت .

8-ارشاد الساري في شرح البخاري - دار احياء التراث العربي - بيروت.

9 - الاستيعاب لابن عبد البر - نهضة مصر - القاهرة .

10 - اسد الغابة - المكتبة الاسلامية .

11 - الاصابة لابن حجر - دار احياء التراث العربي - بيروت .

12 - اعتقادات الصدوق - نسخة مخطوطة ..

13 - اعلام الدين - المطبعة المهدية - قم .

14 - اعلام النساء - مؤسسة الرسالة - بيروت .

15 - اعلام الورى - دار المعرفة - بيروت .

16 - الاعلام للزركلي - دار العلم للملايين - بيروت .

ص: 179

17 - الاغاني - دار احياء التراث العربي - بيروت .

18 - الامام جعفر الصادق - المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية - القاهرة.

19 - الامامة والسياسة لابن قتيبة - مؤسسة الحلبي - مصر

20 - الانساب - نشر محمد أمين دمج - بيروت.

21 - انساب الاشراف - تحقيق المحمودي ومكتبة المثنى - بغداد .

22 - انوار التنزيل للبيضاوي - مطبعة مصطفى الباني الحلبي - مصر.

23 - البداية والنهاية - دار الفكر - بيروت .

24 - بلاغات النساء - مكتبة بصيرتي - قم .

25- البيان والتبيين - دار مكتبة الهلال - بيروت .

26 - تاج العروس - منشورات مكتبة الحياة - بيروت.

27 - تاريخ ابن الوردي - طبع دار الكتب العلمية - بيروت .

28 - تاریخ ابن عساكر - مخطوط.

29 - تاريخ الاسلام للذهبي - دار الكتاب العربي - بيروت .

30 - تاريخ الخلفاء - المكتبة التجارية الكبرى - القاهرة .

31 - تاريخ الخميس - مؤسسة شعبان - بيروت .

32 - تاريخ الطبري - دار سويدان -.

33 - التاريخ الكبير - دار الكتب العلمية - بيروت

34 - تاريخ اليعقوبي - دار صادر - بيروت .

35 - تاريخ أبي الفداء - دار المعرفة - بيروت .

36 - تاريخ بغداد - دار الباز - مكة المكرمة .

37 - تاريخ عمر بن الخطاب - دار احياء علوم الدين - دمشق .

ص: 180

38 - تاريخ مدينة دمشق - دار الفكر - بيروت .

39 - تبصير المنتبه - دار القومية العربية - القاهرة .

40 - تجارب الأمم - دار سروش - طهران .

41 - تذكرة الحفاظ - دار احياء التراث العربي - بيروت.

42 - تذكرة الخواص - مؤسسة أهل البيت - بيروت .

43 - ترجمة ابن عساكر - مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر - بيروت.

44 - تفسير ابن كثير - دار المعرفة - بيروت .

45 - تفسير الخازن - دار الفكر - بيروت .

46 - تفسير الرازي - بيروت .

47 - تفسير الطبري - دار المعرفة - بيروت.

48 - تفسير القرطبي - دار احياء التراث العربي - بيروت.

49 - تفسير جامع البيان - دار المعرفة - بيروت .

50 - تفسير روح المعاني للالوسي - دار احياء التراث العربي - بيروت.

51 - تقريب التهذيب - دار المعرفة - بيروت .

52 - التمحيص - مدرسة الامام المهدي - قم .

53 - تهذيب التهذيب - دار صادر - بيروت .

54- تهذيب الكمال في أسماء الرجال - مؤسسة الرسالة - بيروت.

55 - جامع الأحاديث للمسانيد والمراسيل - مطبعة محمد هاشم الكتبي - دمشق.

56 - جامع الاصول - دار الفكر - بيروت .

57 - جامع الترمذي - دار احياء التراث العربي .

ص: 181

58 - جامع بيان العلم وفضله - دار الكتب العلمية - بيروت.

59 - الجرح والتعديل - دار احياء التراث العربي - بيروت .

60 - جمهرة الامثال - دار الجيل - بيروت .

61 - جمهرة خطب العرب - المكتبة العلمية - بيروت .

62 - حلية الأولياء - دار الكتاب العربي - بيروت .

63 - الخصائص للنسائي - مكتبة نينوى الحديثة - طهران.

64 - خصائص أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام -مطبعة الفيصل الكويت.

65 - الدر المنثور - منشورات آية الله المرعشي - قم .

66 - دستور معالم الحكم - المكتبة الازهرية - مصر .

67 - دلائل النبوة - المكتبة العربية - حلب .

68 - دلائل النبوة للبيهقي - دار الكتب العلمية ..

69 - ذخائر العقبى - انتشارات جهان - طهران .

70 - ذكر أخبار اصفهان - مؤسسة النصر - طهران .

71 - الرياض النضرة - دار الكتب العلمية - بيروت.

72 - سنن ابن ماجه - دار الفكر - بيروت .

73 - سنن الدارقطني -دار المحاسن - القاهرة .

74 - سنن الدارمي - دار الفكر - بيروت .

75 - السنن الكبرى للبيهقي - دار احياء التراث العربي ودار الفكر - بيروت.

76 - سنن النسائي - دار احياء التراث العربي - بيروت .

77 - سنن أبي داود - دار احياء التراث العربي - بيروت .

ص: 182

78 - السيرة الحلبية - المكتبة الاسلامية - بيروت.

79 - سيرة الرسول وأهل بيته - مؤسسة البلاغ .

80 - السيرة النبوية لابن كثير - دار احياء التراث العربي - بيروت.

81 - السيرة النبوية لابن هشام - دار احياء التراث العربي - بيروت .

82 - شذرات الذهب - دار الافاق الجديدة - بيروت .

83 - شرح النووي - دار احياء التراث العربي - بيروت .

84 - شرح النهج - دار الكتب العلمية - قم .

85 - شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي - طبعة حجرية ..

86 - شواهد التنزيل - مؤسسة الأعلمي - بيروت .

87- صحيح البخاري - دار احياء التراث العربي - بيروت .

88 - صحيح مسلم - دار احياء التراث العربي - بيروت .

89 طبقات ابن سعد - دار صادر - بيروت .

90 - العقد الفريد - - دار الكتاب العربي - بيروت.

91 - الغدير - دار الكتاب العربي - بيروت .

92 - فتح القدير - دار المعرفة - بيروت .

93 - الفتوح - دار الندوة - بيروت .

94 - الفصول المهمة - منشورات الأعلمي - طهران.

95 - فضائل الخمسة - مؤسسة الأعلمي - بيروت .

96 - قصص العرب - دار احياء التراث العربي - بيروت.

97 - الكافي دار الكتب الاسلامية - طهران .

98 - الكامل لابن الأثير - دار صادر - بيروت .

ص: 183

99 - كتاب الفتن - مكتبة التوحيد - القاهرة .

100 - الكشاف - دار الكتاب العربي - بيروت .

101 - كشف الغمّة - نشر الحاج سيد هادي بني هاشم - تبريز .

102 - كفاية الأثر - انتشارات بيدار - قم .

103 - لسان العرب - نشر ادب حوزة - قم .

104 - لسان الميزان - مؤسسة الاعلمي - بيروت .

105 - مجمع الزوائد - دار الكتاب العربي - بيروت.

106 - مختصر تاریخ دمشق لابن منظور - دار الفكر - بيروت.

107 - مروج الذهب - مطبعة السعادة - مصر .

108 - مستدرك الحاكم - دار المعرفة - بيروت .

109 - مسند أحمد - دار الفكر .

110 - مصابيح السنة للبغوي - دار المعرفة - بيروت .

111 - المعارف لابن قتيبة - دار الكتب العلمية - بيروت .

112 - معجم البلدان - دار احياء التراث العربي - بيروت .

113 - المغازي للواقدي - مؤسسة الاعلمي - بيروت.

114 - مقاتل الطالبيين - منشورات الشريف الرضي - قم .

115- مقتل الخوارزمي - منشورات مكتبة المفيد - قم .

116 - مناقب المغازلي - المكتبة الاسلامية - طهران .

117 - المناقب لابن شهراشوب - انتشارات علامة - قم .

118 - المناقب للخوارزمي - مكتبة نينوى الحديثة - طهران .

119 - من لا يحضره الفقيه - منشورات جامعة المدرسين - قم .

ص: 184

120 - الموفقيات - مطبعة العاني - بغداد .

121 - ميزان الاعتدال - دار المعرفة - بيروت .

122 - النزاع وتخاصم - مكتبة الاهرام - القاهرة.

123 - النص والاجتهاد - مؤسسة الاعلمي - بيروت .

124 - نور الأبصار - منشورات الشريف الرضي - قم .

125 - نهج البلاغة - صبحي صالح - بيروت . 126

- نيل الأوطار - دار الكتب العلمية - بيروت . 127

- وقعة صفين - منشورات آية الله مرعشي نجفي - قم .

128 - ينابيع المودة - مكتبة بصيرتي - طهران .

ص: 185

ص: 186

فهرس الموضوعات

الموضوع صفحه

کلمه الناشر...5

تقدیم...7

الباب الأول

المواجهة قبل الهجرة

الفصل الأول

انتشار نبأ النبوة والولاية...15

الفصل الثاني

موقف بطون قريش من نبأ النبوّة والولاية....19

الفصل الثالث

بطون قريش ترفض النبوّة...23

الفصل الرابع

ص: 187

المواجهة بين جبهة الايمان وجبهة الشرك...26

الفصل الخامس

أشكال المواجهة...37

الباب الثاني

المواجهة بعد الهجرة

الفصل الأول

النبي صلّى الله عليه وآله في يثرب ...47

الفصل الثاني

المواجهة المسلحة ...51

الفصل الثالث

الاعتراف بالوجود الواقعي للنبي صلّى الله عليه وآله...65

الفصل الرابع

الانتصار الأعظم (فتح مكة)...71

الباب الثالث

مواجهة البطون للنبي بعد اسلامها

الفصل الأول

الامامة...79

ص: 188

الفصل الثاني

التحالف : أشخاصه وأهدافه ...96

الفصل الثالث

موقف الرسول الأعظم من التحالف...107

الباب الرابع

الانقلاب الاسود على الشرعية الإلهية

الفصل الأول

التنظير للإنقلاب...117

الفصل الثاني

توقيت الإعلان عن الإنقلاب...122

الفصل الثالث

الإعلان عن وجود الإنقلاب ...127

الفصل الرابع

تنفيذ الإنقلاب ...131

الفصل الخامس

مواجهة الإنقلابيين لصاحب الحق الشرعي ...137

ص: 189

الباب الخامس

التخطيط لعزل أهل البيت

الفصل الأول

تجذير المواجهة إلى يوم الدين ...147

الفصل الثاني

عمر يضع أساس الحكم الأموي...152

الفصل الثالث

مواجهة الإمام علي بعد مقتل عثمان...161

الفصل الرابع

مواجهة أبناء الإمام علي...166

المصادر...179

فهرس الموضوعات ...187

ص: 190

بعض الكتب التي صدرت عن مؤسسة المعارف الإسلامية

الكتب العربية

مؤلّفات المؤسسة :

1 - معجم أحاديث الإمام المهدي - عليه السلام - : ج 1 - 5 .

2 - الأحاديث الغيبية : ج 1 - 3.

مؤلّفات السيد هاشم البحراني - رحمه الله - :

1 - تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي - عليه السلام - .

2 - حلية الأبرار: ج 1 - 5 .

3 - مدينة معاجز الأئمة الإثني عشر - عليهم السلام - : ج 1 - 8 .

4 - ينابيع المعاجز وأصول الدلائل

مؤلّفات الشيخ عباس القمي - رحمه الله - :

1 - مفاتيح الجنان والباقيات الصالحات.

2- الفصول العلية في مناقب أمير المؤمنين - عليه السلام ..

متفرقة :

1 - كتاب الغيبة للشيخ الطوسي .

2 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الاسلام للشهيد الثاني - رحمه الله - : ج 1 -10.

ص: 191

3 - الأنوار القدسيّة نظم الشيخ محمد حسين الاصفهاني.

4 - شرائع الاسلام للمحقق الحلي : ج 1 - 4 .

5 - المزار للشهيد الأوّل - رحمه الله - .

6 - المستجاد من الارشاد للعلامة الحلي .

قيد التأليف والإعداد :

1 - النصوص على الأئمة الاثني عشر - عليهم السلام - .

2 - فهارس معجم أحاديث الإمام المهدي - عليه السلام ...

3 - موسوعة الإمام الحسين - عليه السلام -.

قيد الطبع :

1 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 11.

2 - خطب النبي - صلّى الله عليه وآله - في فضائل أهل البيت - عليهم السلام -.

قيد التحقيق :

1 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام للشهيد الثاني: ج 12 .

2 - زبدة التفاسير للمولى فتح الله الكاشاني : ج 1 .

ص: 192

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.