اللؤلؤ المنثور في شرح نهج البلاغة للامام امیر المومنین علي بن ابي طالب علیه السلام

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:لشني زند، ابراهیم

عنوان قراردادی:نهج البلاغة. وصف

Nhjol-Balaghah. Commantries

عنوان واسم المؤلف:اللؤلؤ المنثور في شرح نهج البلاغة للامام امیر المومنین علي بن ابي طالب علیه السلام/ ابراهیم لشني الزند.

تفاصيل المنشور:قم: دارالحبیب، 1442 ق.= 1399.

مواصفات المظهر:623ص.؛ 5/9×19 س م.

شابک:978-600-7117-77-4

حالة الاستماع:فاپا

لسان:العربية.

ملحوظة:کتاب حاضر شرحی بر کتاب «نهج البلاغه» تالیف علی بن ابیطالب (ع) است.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه -- نقد و تفسیر

موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation

المعرف المضاف:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغه. شرح

المعرف المضاف:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah

ترتيب الكونجرس:BP38/02

تصنيف ديوي:297/9515

رقم الببليوغرافيا الوطنية:7503570

معلومات التسجيلة الببليوغرافية:فاپا

المتبرع الدیجیتالي : جمعیة المساعدة إمام الزمان (عج) في اصفهان

محرر : خانم شهناز محققیان

ص: 1

اشارة

اللؤلؤ المنثور

في شرح نهج البلاغة

للإمام أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب عليهما السلام

ابراهيم لشني الزند

ص: 2

المقدمة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين و صلّى الله على الرسول الأمين المختار المبين الصادع بالأمر الجلّى و الضياء المنير المصطفى من بريّته محمّد إبن من لم يعبد صنما و لا و ثنا قطّ عبد الله و على آبائه الكرام و آل بيته الأطهار الأخيار الأسماء الحسنى سيّما الوصىّ المرتضى أمير المؤمنين علىّ إبن من لم يعبد إلا ربّه وحده أبي طالب.

إنّ النهج الشريف الذى جمعه الشريف الرضىّ رضى الله عنه هو مجمع البحرين من علوم النبوّة و الإمامة و فيه ما لا يدرك غوره و لا ينال نجده و ما من بحر لجّي من معارف السماء إلّا و قد جعل الإمام المرتضى علیه السَّلام فيه من أمواجه شيئا و قد بهت من نظر فيه و ردّ متحيّرا عن الأبواب المفتوحة منه إلى ملكوت كلّ شيء و وجد الكلمات و اللغات فيه تأتي على أثر المعنى كاللؤلؤ المنظوم مع صعوبة عذبة يختصّ الكتاب بها و لا يكاد أن ينال المبتدئ سبيلا إلى معرفتها فقمنا بشرح تلك الألفاظ المنظومة ممتزجة بلغات شارحة لها مراعين لحفظ الوحدة و الإنسجام في كلماته علیه السَّلام.

و سمّیناه باللؤلؤ المنثور حيث نثر منظومه بما نزداد

و إنّ فيه خصائص يجب على القارئ معرفتها:

أ: الأصل هو مراعاة الإختصار فى الشرح الحاضر فبلغ السعى منّا أن لا نطيل الكلام بل توقّفنا عند شرح الألفاظ و ما فيها من مراده علیه السَّلام تاركين للزيادة عليه.

ب: مع أنّا قد كتبنا على أنفسنا الإختصار فى الكلام لم نغفل عن إيضاح المستصعبات من مقاصد كلامه علیه السَّلام من التكشّف عن قناع المعارف و الغوامض من أسرار التوحيد ببيان مختصر كما لم نغفل عن إيضاح الضمائر و الأسماء للإشارات و الموصولات و الأشخاص و المعطوف عليه و غيرها ممّا يكون له نصيب فى معرفة مراده علیه السَّلام.

ج: أنّ للغات دورا عظيما و مجالا واسعا فى لسان العرب لما فيها من دقائق المعنى و لطائف الأسرار و إنّ الفحص الدقيق و الكشف العميق عن حقيقة الألفاظ

ص: 3

المستعملة في النهج الشريف يطلب سعيا بليغا و جهدا جهيدا مع أنّ الطالب المبتدئ لا ينشد ضالّته حينئذ بل ضلّ فى سرادقات الألفاظ و لا ينتفع عن كلامه علیه السَّلام فلهذا المهمّ قمنا بأسهل البيان و أقرب الألفاظ لإنتقال مقصوده علیه السَّلام إلى الأذهان و لم نشر إلى فروق اللغات و هى باب واسع لا يسعنا المجال لبيانه و لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا فيوفّقنا بالقيام له مرّة أخرى.

د: قد جعلنا كلماتنا بين ( ) خلال كلام الإمام أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب عليهما السلام

المثال الأول: أبعد منشأها (تلك الريح العقيم) و ما بين ( ) زيادتنا شرحا لضمير {ها} و إجتنبنا عن تكرار المضاف في كلامه علیه السَّلام :يعنى {منشأ} و لم نقل (منشأ تلك الريح العقيم) إحترازا عن التكرار و هذا هو الدأب الموجود الغالب في الشرح الحاضر.

المثال الثانى: لهم (الناس) و لم نقل (للناس) و تركنا اللام لما ذكر

المثال الثالث: أمدّ (أعان، ساعد ذلك الممازج) فقد و ردت اللغتان أي "أعان" و "ساعد" تبيينا لقوله علیه السَّلام "أمدّ" و أظهرنا ما أضمره الإمام علیه السَّلام في أمدّ يقولنا ذلك الممازج تبيينا للضمير المستتر.

ه: قد أوردنا لبعض اللغات لغات شارحة متعدّدة ليعرف الطالب الألفاظ المترادفة و يأخذ بالأسهل منها و الأوفق بالمراد عنده

المثال الأوّل: فرض (كتب، وجب)

المثال الثاني: اللجاج (الإصرار العناد، الإلحاف)

و: قد تكون فى كلامه علیه السَّلام لغة سهلة شرحناها بالصعبة ليعرف الطالب لغات مترادفة لها و يستأنس بها.

المثال: الفناء (النفاد) و ربّما كان الفناء أسهل فهما للطالب من النفاد.

ز: قد أوردنا خلال كلامه علیه السَّلام زيادة بأقلّ ما يمكن لنا من الألفاظ لكشف مراده علیه السَّلام الّذى فيه صعوبة على الأفهام.

ص: 4

المثال: لا (له) أجل ممدود (فينقضى عنده) و قولنا: (فينقضى عنده) زيادة لكشف مراده علیه السَّلام من الأجل الممدود.

ح: أنّ معارف النهج الشريف منتظمة فى نظام واحد بعضها يفسّر البعض كما هو شأن التنزيل فكم من كلمة تفسّرها كلمة أخرى من خلال كلماته علیه السَّلام فبلغ السعى منّا أن نفسّر كلماته بكلمات منه أخرى و هذا أمثل الطرق للوصول إلى مراده علیه السَّلام من غير و لوج الوهم و الظنّ فى ما أراده الإمام علیه السَّلام فربّما ظنّ الظان من كلامه علیه السَّلام ما لم يقصده بل الضدّ منه قصد.

المثال: أولى الناس بالعفو (عن الناس) أقدرهم على العقوبة (شكرا لله تعالى بما أقدره عليها) الحمكة .52 فما بين ( ) أعني: شكرا لله بما أقدره عليها، مأخوذ من قوله علیه السَّلام فى الحكمة 11 حيث قال علیه السَّلام: إذا قدرت على عدوّك فإجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه.

و كذلك فيه مع و جازته ما لا يخفى على العارف البصير من اللطائف و الدقائق فلا نطيل فعلى الطالب المستفيد من كلامه علیه السَّلام التأمّل حول النهج الشريف ليستكمل به إيمانه و يبلغ حيث أراد الله تعالى من خلقه.

ابراهيم لشنى الزند

مدينة السّيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها قم المقدّسة

يوم التاسع من شهر الرجب المبارک 1442

ص: 5

الخطب

ص: 6

ص: 7

بسم الله الرّحمن الرّحيم

1- و من خطبة له علیه السَّلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء و الأرض و خلق آدم و فيها ذكر الحج و تحتوي على حمد الله و خلق العالم وخلق الملائكة و اختيار الأنبياء و مبعث النبي و القرآن و الأحكام الشرعيّة :

الْحَمدُ (المدح بجميع شعوبه) لِلَّهِ الَّذِی (هو مصدر الأفعال كلّها فكلُها جميل ممدوح و) لَا یَبْلُغُ مِدْحَتَهُ (حمده كما يستحقه) الْقَائلُونَ (بألسنتهم الفصاح فكلّت قبل أن تبلغ مدحه) و لَا یُحْصِی (يعد) نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ (المحصون من خلقه) وَ لا يُؤَدِّي حَقَّهُ (الواجب على خلقه) الْمُجْتَهِدُونَ (الساعون الكادحون فى شكره) الّذِی لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ (الهمم البعيدة العالية) وَ لا یَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ (الفطن الغائصة المتعمّقة، حيث هو) الَّذی لَیْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ (حتى ينتهى دونه فيناله غوص الفطن و بعد الهمم و هذا هو الّذي يسمّى بالصرافة) وَ لَا (له) نَعْتٌ مَوْجُودٌ (من العدم كأوصاف خلقه زائدا عليه) وَ لَا (له) وَقَتٌ معدُودٌ (فيقف دونه و ينتهى) وَ لَا (له) أَجَلٌ مَمْدُودٌ (فينقضى عنده) قطر (خلق من غير مثال بل إبتدع) الْخَلَائِقَ بِقُدْرَته (بتقديرها على قدر معلوم) وَ نَشَر- (بسط) الرِّیاحَ بِرَحْمَتِهِ (الواسعة لكلّ شيء) وَ وَتَّدَ (ثبت) بِالصُّخُورِ (الراسخة فى الجبال) ميدَانَ (إضطراب) أرْضِهِ (بتمايل عن جهة سيرها فى مدارها) أولُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ (إجمالا بالإقرار له تعالى و لا يقبل من أحد عملا إلّا بمعرفته فصارت أوّل الدين) وَ كَمَالُ معْرِفَته (تمامها و غايتها) التَّصْدِیقُ بِهِ (تعالى بعقد القلب عليها حتى يصدّق القول الفعل) وَ كَمَالُ التَّصْدِيقِ بِه تَوْحِيدُهُ (فى ذاته و صفاته و أفعاله) وَ کَمالُ تَوْحِیدِهِ الإِخْلَاصُ لَهُ (بإخلاص الإنسان ربّه تبارك و تعالى و

ص: 8

تنزيهه إيّاه من الغير الزائد عليه) وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْي الصِّفَاتِ عَنْهُ (بأن لا ترى لصفاته وجودا غير ذاته تعالى حيث لا يكون بينه و بينها فصل و لا له عليها فضل و هذا هو كمال الإخلاص له و التصديق به و المعرفة له تعالى لانّ كمالها هو نفى الصفات عنه و هذا هو الّذى يسمّى بالبساطة) لِشَهَادَهِ کُلّ صِفَهٍ (شهادة تكوينية) أنَّهَا (الصفة) غَيْرُ الْمَوْصُوف و شَهَادَة کُلّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ (الموصوف) غَير الصِّفَة (بالضرورة العقليّة لما فيهما من التغاير مفهوما لا تحقّقا و مصداقا و إنّ التجزئة في المفهوم لا تناسب وحدته الصرفة الحقّة من جميع الجهات) فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ (بصفات زائدة على الذات موجبة للحدّ له بالتثنية المثبتة للحدوث و الباطل منها الأزليّة) فَقَدْ قَرَنَهُ (بتلك الصفة) وَ مَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ (بالتجزئة عقلا) وَ مَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ (بالصفة و الموصوف) وَ مَنْ جَزَّأهُ فَقَدْ جَهِلَهُ (حيث نفى عنه الوحدة) وَ مَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيه (بالعقل) وَ مَنْ أَشَارَ إِلَيْه فَقَدْ حَدَّهُ (بالتفکیک بین الصفة و الموصوف) و مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ (بالتثنية الباطل منها الأزليّة و المثبتة للحدوث) و مَنْ قَالَ (هو) فيم؟ (من الأماكن) فَقَدْ ضَمْنَهُ (فى حيّز الأشياء فصار محاطا بها) وَ مَنْ قَالَ (هو) عَلَامَ ؟ (من الأشياء) فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ (خلقه فيكون بائنا عنهم بل هو تعالى) کائِنٌ لاعَنْ حَدَثٍ (إيجاد فيكون له محدث و هو) مَوجُودٌ لا عَنْ عَدَم (بل سبق العدم وجوده) مَعَ کُلِّ شَیءٍ (بما تجلى فيه) لَا بمُقَارَنَة (لأنّ من قرنه فقد حدّه) و (هو) غَيْرُ كُلِّ شَيْءٍ (فذاته مباين من خلقه) لا بمُزَایَلَهٍ (مباينة و مفارقة فمباينته بينونة قهر و غلبة لا بينونة عزل لأنّ من باينه عن خلقه فقد أخلى منه وحدّه فالتوحيد هو رفع الغيريّة و نفى العينيّة و هو) فَاعِلٌ (و لا فاعل غيره) لَا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ (فى الذهن و الجوارح) وَ (لا بمعنى) الآلة (و الإفتقار إليها) بَصِیرٌ (عليم بما ينظر إليه) إذْ (فى زمان) لا مَنْظُورَ إِلَیْهِ مِنْ خَلْقِهِ (بل المنظور إليه من خلقه هو وقوع علمه) مُتَوَحّدٌ (شديد في وحدانيّته بالوحدة الحقّة الصرفة غير العدديّة) إذ لا سَكَنَ (أنيس) یَسْتَأْنِسُ (الله تعالى) بِه (ذلك السكن) وَ لا یَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ. (حيث هو متوحد فليس لغيره وجود حتى يستأنس به أو يستوحش لفقده).

ص: 9

أنْشَأ (أوجد) الخَلْقَ إِنْشَاء (إيجادا من غير مثال) وَ ابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً (بلا قبل كان لهم) بِلَا رَوِيَّة (فكر) أجالَهَا (أدارها من معلوم إلى معلوم آخر ليكشف مجهولا) وَ (ب) لَا تَجْرِبَةِ اسْتَفَادَهَا (من حوادث الدهر و مرور الأزمنة) و لا حَرَكَة أَحْدَثَهَا (و لو كانت حركة فكريّة بتردّد الرويّة) وَ لَا هَمَامَة (قصد) نَفْسٍ اضْطَرَبَ (تحرک و تردّد الله) فِيهَا (تلك الهمامة بأن يقصد أمرا و يترك الآخر) أحَالَ الْأَشْيَاءَ (حولّها، نقلها) لِأَوْقاتِها (فلكلّ منها وقت معلوم و أجل ممدود يتحوّل فى ذلك الوقت من حال إلى حال حتى ينقضى عند أجله) و لأَمَ (جمع و قرن) بَیْنَ مُخْتَلِفَاتِها (كجمعه بين الروح و الجسم و بين القوى المختلفة) وَ غَرْزَ غَرَائزَهَا (و هي ضغث من القوى التكوينيّة غير الإكتسابيّة فى كلّ شيء أى جعل لكل من الأشياء غرائزها اللازمة لها فأودع فيها طباعها ليعمل كلّ منها على شاكلته فكلّ غريزة في خلقه تعمل على شاكلتها و لا تتعدّى عنها) وَ أَلْزَمَها (الغرائز) أشبَاحَهَا (أشخاص الأشياء فكلّ شخص من الأشياء ملازم لغريزته و هو الّذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى) عَالِماً بِهَا (الأشياء مع ما فيها من الغرائز اللازمة الّتى لا تنفك عنها أو عالما بتلك الغرائز و حدودها) قَبْلَ ابْتِدَائِها (الأشياء أو تلك الغرائز) مُحِیطاً بِحُدُودهَا (بالإحتمالين بما جعل فيها من الغرائز الّتى هى حدود الأشياء و لم يتعدّ شيء عن حدوده) وَ (محیط ب-) انْتِهَائِها (غايتها الّتى تنتهى الأشياء أو الغرائز إليها و لا تتجاوز عنها) عارِفاً بقَرائِنِه (إمّا جمع قرونة و هى النفس فيكون المعنى: عارفا بنفوس الأشياء إمّا بمعنى ما يقترن بالشيء فيكون المعنى: عارفا بما يقترن بالأشياء من أوصافها و ما شابهها ممّا تحتاج إليه من الغرائز) وَ (عارفا ب-) أَحْنَائِها (جوانبها و حدودها من كلّ جانب مع الإحتمالين السابقين من الأشياء أو الغرائز) ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ (شق) الْأَجْوَاءِ (الفضاء الواسع بعد أن كان رتقا) وَ (أنشأ) شَقَّ الْأرْجَاءِ (النواحى من كلّ جانب) وَ (شقّ) سَکائِکَ (أعالى) الْهَوَاء فَأجْرَى فِيهَا (الهواء) مَاءً مُتَلاطِماً (مضطربا إلى اليمين و الشمال) تَیَّارُهُ (موجه) مُتَرَاكماً (منضمّا) زَخَّارُهُ (إمتداده و إرتفاعه كثرته) حَمَلَهُ (ذلك الماء) عَلَى مَتْنِ (ظهر، وسط) الرّیحِ الْعَاصِفَهِ (ذات الهبوب) و (متن الريح) الزَّعْزَعِ (شديدة الهبوب) الْقَاصِفَة

ص: 10

(شديدة الهبوب) فَأَمَرَهَا (تلك الريح العاصفة القاصفة) بِرَدِّهِ (رجوع الماء) وَ سَلَّطَهَا (تلک الريح) عَلَی شَدّهِ (وثاق الماء و إمساكه على حدّه لئلا يتجاوزه) وَ قَرَنَهَا (ألّف ألصق الريح بذلك الماء) إِلَی (أن تثبت الماء عند) حَدّهِ (حتّى لا يتجاوز عن حدوده فهو مقهور لها و هى قرينة معه لا تفارقه) الْهَوَاء منْ تَحْتِهَا (الريح) فَتِیقٌ (منبسط) وَ الْمَاءُ مِنْ فَوْقَهَا دَفِيقٌ (مدفوق أى مدفوع بقوّة) ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ ريحاً (أخرى) اعْتَقَمَ مَهَبهَا (هبوبها أى عقيم الهبوب وهى ريح لا تلقح سحابا و لا شجرا بل لتمويج الماء فقط) و أَدامَ مُرَبَّها (ملازمتها بذلك الماء و لا تزال تلك الريح مع ذلك الماء) و أعْصَفَ مَجرَاهَا (أشدّ عصف الريح و أجراها بقوّة و شدّة) وَ أَبْعَدَ مَنْشَأهَا (تلك الريح العقيم فمنشأها قبل إنشاء الماء حيث هي من الهواء الّتي خلقت من قبل) فَأَمَرَهَا بِتَصْفِیقِ (تقلیب و تحريک) الْمَاءِ الزَّخَارِ (الكثير المتراكم) وَ إِثَارَةِ (إهاجة، تهييج، حثّ) مَوْج الْبِحَارِ فَمَخَضَتَهُ (حرّکت تلك الريح الماء الزخّار حركة شديدة) مَخْضَ السِّقَاء (الزبد) و عَصَفَتْ (جرت تلك الريح بالشدّة) بِه (الماء الزخّار) عَصْفَهَا (جريانها) بِالْفَضَاء (الّذى لا مانع فيها للهبوب) تَردُّ (تلك الريح) أَوَّلَهُ (ذلك الماء) إِلَى آخرِهِ وَ سَاجِيهُ (ساكنه) إِلَى مَائِرِه (متحرِكه) حَتَّی عَبَّ (إرتفع) عُبَابَهُ (أعلى ذلك الماء) وَ رَمَی بِالزَّبَدِ رُکامُهُ (ما تراكم منه بعضه على بعض) فَرَفَعَهُ (الماء ذلك الزيد) في هَوَاء مُنْفَتقِ (منبسط) وَ جَوٍّ مُنْفَهِقٍ (مفتوح واسع) فَسَوَّی (خلق الله من غير إعوجاج بل بالتسوية) مِنْهُ (الزبد، و هو المعبر في التنزيل بالدخان) سَبْعَ سَمواتٍ (عالما بحدودهنّ و غرائزهنّ و هذا هو التسوية فى أجزاء الأشياء) جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوجاً مَكْفُوفاً (ممنوعا من السيلان) وَ (جعل) عُلْیَا هُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، (من دخول الشيطان) وَ سَمْکاً (سقفا و هو ما يمسك بالدعامة) مرفوعاً بِغَيْرِ عَمَد يَدْعَمُها (يثبّت تلك العلياء من السموات السبعة) وَ لَا دِسَارِ (مسمار) یَنْظِمُهَا (يرتبط علياهنّ بسفلاهنّ) ثُمَّ زَیَّنَها (عليا هنّ) بِزِینَهِ الْکَوَاکِبِ، وَ ضِیَاءِ الثَّوَاقِبِ (المنيرة المشرقة) وَ أَجْرَی فِیها (علياهن) سِراجاً مُسْتَطِیراًً (منتشر الضياء في كلّ جانب و هو الشمس) وَ قَمَراً منيراً في فَلَك دَائرِ (على الدوام و کلّ فی فلک يسبحون) وَ (فی) سَقْفٍ

ص: 11

سَائِرٍ (جار) و (في) رَقِیمٍ (لوح و هو السماء المزيّنة بالكواكب) مَائِرٍ (متحرّک)

ثم فَتَق (شق) مَا بَیْنَ السَّمواتِ الْعُلا (عن السماء الدنيا الّتى كانت سبع سموات مخلوقة عن زبد الماء و السابعة منها مزيّنة بالكواكب) فَمَلَأَهُنَّ (تلك السموات العلا) أَطْوَاراً (أنواعا، أصنافا) منْ مَلَائِكَته منهُمْ سُجُودٌ لا يَرْكَعُونَ (لا يستطيعون أن يركعوا) وَ رُكُوعٌ لَا یَنْتَصِبُونَ (لا يستطيعون أن يقوموا من الركوع) وَ صَافُّون (على أقدامهم) لَا يَتَزَايَلُونَ (يتفارقون عن مواقفهم المعلومة لهم و المضروبة عليهم) و (أولئك الطوائف الثلاثة) مُسَبّحُونَ (كلّهم) لایَسْأَمُونَ (ينصبون يتعبون) لَا يَغْشَاهُمْ (لا يحيط بهم) نَومُ الْعُيونِ وَ لَا سَهو (زلّة) الْعُقُول وَ لَا فَتْرَةُ (فشل) الْأَبْدَانِ وَ لا غَفْلَهُ النّسْیَانِ (فيما يكلّفون به و هو دليل تامّ على عصمتهم و ثبوتهم في مقاومهم المحمودة و مدارجهم السنيّة لا يتكاملون و لا يتنازلون عنها) وَ مِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَی وَحْیِه (لا يخونون في تلقّى الوحى و إلقائه) وَ أَلْسِنَةٌ (في إبلاغ وحيه) إِلَی رُسُلِهِ (و فيه لطافة معجبة تدلّ على عدم إختيارهم في الإبلاغ لأنّ اللسان فى وثاق صاحبه فليس لهم أن يشاءوا إلّا أن يشاء الله و لطائف أخرى ليس هنا موضع الذكر) وَ مُخْتَلِفُونَ (متردّدون بين السماء و الأرض) بِقَضَائِهِ (في الحكم) وَ أَمْرِهِ (التشريعي) وَ مِنْهُمُ الْحَفَظَةُ (الحافظون) لِعِبَادِهِ (يحفظونهم من أمر الله إلى أجالهم) وَ (منهم) السِّدَنَة (الخادمون، الحاجبون) لِأَبْوابِ جِنَانِهِ و منْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السَّفْلَى أَقْدَامُهُم وَ الْمَارِقَةُ (الخارجة) منَ السَّمَاء الْعُليا (من تلك السموات العلا) أعْنَاقُهُم وَ الْخَارِجَهُ مِنَ الْأَقْطار (الجوانب المنبسطة) أَرْكَانُهُمْ (أعضائهم و جوارحهم) وَ الْمُنَاسِبَةُ (المتساوية غير المارقة) لِقَوَائِمِ (دعائم) الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ نَاكِسَةٌ (خافضة، خاضعة) دُونَهُ (قرب العرش لما فيه من الأبّهة و الجلال) أَبْصَارُهُمْ (و هم الأفضلون من الملائكة الّذين يحملون العرش فهم) مُتَلفَعُونَ (محتفّون) تَحْتَهُ (العرش) بِأَجْنِحَتِهِمْ (للخضوع) مَضْرُوبَهٌ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَنْ دُونَهُمْ (من الأصناف الأخرى من الملائكة) حُجُبُ الْعِزَّهِ (الغلبة) وَ أَسْتَارُ الْقُدْرَة (على من دونهم) لَا یَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِیرِ (لأنّ التوحيد أن لا يتوهّمه أحد و هم العارفون به تبارک و تعالی)

ص: 12

وَ لا یُجْرُونَ عَلَیْهِ (تعالى) صِفَاتِ الْمَصْنُوعِینَ (لما فيها من الحدّ و زيادتها على الذات) وَ لَا یَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ وَ لَا يُشيرُونَ إِليه (إشارة عقلية) بِالنَّظَائِرِ (الأشباه).

ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ (غليظها و خشنها) وَ سَهِلْهَا (و هو خلاف الحزن) وَ عَذْبِهَا (و هو ضدّ الملح و هو ما طاب من الأرض) وَ سَبَخِها (ملحها و هو ما خبث منها) تُرْبَه (و هذه الأخلاط الأربعة غريزة غرّز الله تعالى آدم عليها) سَنَّها بالْمَاءِ (صب عليها الماء، أملسها به) حَتَّی خَلَصَتْ (صارت طينة خالصة بعد أن كانت مركّبة من الأخلاط الأربعة) وَ لَاطَهَا (خلطها و عجنها) بِالْبَلَّهِ (الرطوبة) حَتَّى لَزَبَتْ (التصقت أجزائها و إشتدّت) فَجَبَل (خلق) مِنْهَا (تلك التربة الملتصقة أجزائها) صُورَهً (هيئة) ذَاتَ أَحْنَاء (جمع حنو و هو كلّ ما فيه إعوجاج من البدن) وَ وُصُولٍ (مفاصل) و أَعْضَاءٍ وَ فُصُولٍ (و هي مقطعات البدن) أجْمَدَهَا (جعل تلك الصورة جامدة) حَتَّی اسْتَمْسَکَتْ (إشتدَّت) وَ أَصْلَدَهَا (جعل تلك الصورة صلدا أى صلبة ملساء) حَتَّى صَلْصَلَتْ (یبست) لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَ أَمَدٍ (أجل) مَعْلُومٍ ثُمَّ نَفَخَ (الله تعالى) فِيها (تلك الصورة الجامدة) مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ (قامت تلك الصورة منتصبة و كملت) إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانِ (و هى موضع الحفظ للمعلومات) يُجِيلُها (يحرّك أذهانه بالفكر) وَ (ذا) فِکَرٍ (أفكار) یَتَصَرَّفُ (الإنسان) بِهَا (الفكر فيما حوله فيسخّره بحيث لولاها لم يمكن له أن يستفيد من الأرض و ما فيها من النعيم) وَ (ذا) جَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا وَ (ذا) أَدَوَاتِ يُقَلْبُهَا (لأنّه فاعل بإضطراب الآلة) وَ (ذا) مَعْرِفَة يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ وَ (ذا) الْأَذْوَاقِ وَ الْمَشَامَ وَ الْأَلْوَانِ وَ الْأَجْنَاسِ (من ذكر و أنثى) مَعْجُوناً (مخلوطا) بِطِینَهِ (من) الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلَفَة (لما فيه من أنواع التراب) و (بطيئة من) الْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَهِ (و هى أمور يشبه بعضها بعضا من العذب و السبخ و السهل و الحزن فإتلفت) وَ (معجونا بطينة من) الأضدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ (الّتي يدفع بعضها بعضا لما فيها من التضادّ) وَ (بطيئة من) الْأَخْلاطِ (الأصناف المخلوطة) الْمُتَبَايِنَة (البعيدة غير المؤتلفة) مِنَ الْحَرّ وَ الْبَرْدِ، وَ الْبَلَّهِ وَ الْجُمُودِ (فسبحان الذى ألّف بین الاضداد و المتباينات و المختلفات فهو المؤلّف المفرّق) وَ اسْتادَى اللهُ سُبْحَانَهُ الْمَلَائِكَةَ وَ دِيعَتَهُ (طلب

ص: 13

منهم أداء ما أودعه) لَدَيْهِمْ (عندهم) و (إستادى) عَهْدَ وَصِیَّتِهِ إِلَيْهِمْ فِي الْإِنْعَانِ (الإقرار) بِالسُّجُودِ لهُ (الإنسان) وَ الْخُنُوعِ (الخضوع) لِتَکْرِمَتِهِ (لما فيه من روحه تعالى) فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [وَ قَبيلَهُ] (و القبيل لإبليس هم طائفة من الجنّ و تلک السجدة سجدة الإكرام لا العبوديّة) اعْتَرَتْهُ (غشيت إبليس) الْحَمِیَّهُ (الأنفة الكبر) وَ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّقْوَةُ (و فيه إشعار بعدم كونه من الملائكة المعصومين و هو مجبول كالإنسان على النفس الأمّارة بالسوء) و تَعَزَزَ (إفتخر و إستكبر) بِخِلْقَهِ النَّارِ وَ اسْتَوهَنَ (حقّر) خَلْقَ (الإنسان من) الصَّلْصَالِ (الطين اليابس) فَأَعْطَاهُ اللهُ (بعد إخراجه من مقام المقرّبين) النَّظِرَهَ (المهلة) اسْتِحْقاقاً لِلسُّخْطَهِ (الغضب من الله تعالى عليه) وَ اسْتِتْماماً لِلْبَلِیَّهِ (ليبلغ بإستدراجه تعالى له غاية الشقاوة بسوء الإختيار منه و كذلك يتم الإختبار لبنى آدم به) وَ إِنْجَازاً (تحققّا) لِلْعِدَهِ (الوعد الّذى وعده لأبليس) فَقَالَ فَإِنَّكَ منَ الْمُنْظَرِينَ (الممهلين) إلى يَوْمِ الْوَقْتِ المَعلُوم (و هو يوم قيام القائم علیه السَّلام)

ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً (جنّة) أَرْغَدَ (أتمّ أكمل) فِيهَا عَيْشَهُ وَ آمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ (موقع حلوله فهو فى عيش و أمن) وَ حَذَّرَهُ (خوّفه من) إِبْلِیسَ وَ عَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَهُ (أوقعه فى الغرور) عَدُوُّهُ (إبليس) نَفَاسَةَ (حسدا) عَلَیْهِ (حيث لم ير إبليس إستحقاقا لآدم بخلقته من الطين أن يسكن) بِدَارِ الْمُقَامِ وَ مُرَافَقَة الْأَبْرَارِ فَبَاعَ (آدم) الْيَقِينَ (بقوله تعالى حيث حذّره عن عداوة إبليس) بِشَكّه (حيث قاسمه و زوجته) وَ (باع) الْعَزِيمَة (إهتمامه بأمره تعالى) بِوَهْنِهِ (ضعفه) وَ اسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ (السرور في الجنّة) وَ جَلًا (خوفا في الدنيا) وَ (إستبدل) بِالْاغْتِرَارِ (بمقاسمة إبليس) نَدَماً ثُمَّ بَسَط اللَّهُ سُبحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ (رجوعه تعالى إلى آدم أو رجوعه إليه تعالى فالندامة سبب للتوبة) وَ لقَّاهُ کَلِمَهَ رَحْمَتِهِ (ليتوب إليه) و وَعَدَهُ الْمَرَدَّ (الرجوع) إلى جنته و أهْبَطَهُ (أنزله) إِلَی دَارِ الْبَلِیَّهِ (الإبتلاء بضيق العيش و الخوف و المشقة و نقص الأموال و الأنفس و الثمرات) وَ تَنَاسُلِ الذُّرّیَّهِ (بما فيه من المشاق)

وَ اصْطَفَى (إجتبى، آثر) سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَده (ذريّته) أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحِي مِيثَاقَهُمْ

ص: 14

(تعهّدهم،ضمانهم،ذمتهم) وَ (أخذ) عَلَى تَبليغ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ (و هي الولاية) لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إلَيْهِمْ (عندهم) فَجَهِلُوا حَقَّهُ (و هو العبوديّة له تعالى بالولاية) وَ اتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ (الشركاء) مَعَهُ وَ اجْتَالَتْهُمُ (صرفتهم) الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَته (الّتى هى أمانته عندهم) و اقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَته فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ (أرسل واحدا بعد واحد) إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ ليَستأدُوهُمْ (ليطلبوا منهم أداء) مِیثاقَ فِطْرَتِهِ (الّتى فطرهم عليها و هي المعرفة و الولاية) وَ یُذَکّرُوهُمْ مَنْسِیَّ نِعْمَتِهِ (نعمته المنسيّة) وَ یَحْتَجُّوا (يتموا الحجّة) عَلَیْهِمْ بِالتَّبْلِیغِ (لما أنزل إليهم) وَ یُثِیرُوا (يهيجوا يحثوا) لَهُم دَفَائِنَ الْعُقُول (و هى ما جبل الإنسان عليها) وَ یُرُوهُمُ الآیاتِ الْمُقَدَّرَهَ (القدرة) مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوعِ (بغير عمد) وَ (من) مِهَادِ تَحْتَهُم مَوضُوعِ (مبسوط) وَ (من) مَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَ (من) آجَالِ تُفْنيهِمْ (تهلكهم) وَ أَوْصَاب (أمراض) تُهْرِمُهُمْ (تجعلهم هرما) وَ أَحْدَاثٍ (وقائع سوء مصائب) تَتَابَعُ (تتوارد) عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُخْلِ اللهُ سُبحَانَهُ (لم يجعل فى خلو و فراغ) خَلَقَهُ منْ نَبِي مُرْسَلِ أَوْ کِتَابِ مُنْزَلٍ، أَوْ حُجَّهٍ لازِمَهٍ، أَوْ مَحَجَّهٍ (جادّة واضحة) قائِمَهٍ: رُسُلٌ لا تُقَصّرُ بِهِمْ (لا توقعهم فى التقصير عن أداء التكليف) قِلَّهُ عَدَدِهِمْ وَ لَا كَثَرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُم من (رسول) سَابِقٍ سُمّیَ (عُرّف بالإسم من عنده تعالى) لَهُ (ذلك الرسول المتقدّم) مَنْ بَعْدَهُ (من الرسول (المتأخّر) أَوْ (من رسول) غَابِرِ (مؤخّر) عَرفَهُ مَنْ (كان) قَبلَهُ (من الرسول المتقدّم) عَلَی ذلِکَ (الأمر من التسمية أو من عدم خلوّ الخلق من النبىّ أو الرسول أو الكتاب أو الحجّة أو المحجّة) نَسَلَت القُرونُ (الأمم) وَ مَضَت الدُّهُورُ وَ سَلَفَت (مضت) الْآبَاء و خَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ (عقيب الآباء).

إِلَی أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ لِإنْجَازِ (قضاء) عِدَتِهِ (وعده) وَ اتمَامِ نُبُوَّتِهِ (بخاتم أنبيائه) مَأخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُ (عهده) مَشْهُورَةٌ سَمَاتُهُ (علاماته) كَرِيماً ميلادُهُ (لم يسهم فيه عاهر و لا ضرب فيه فاجر) و أَهْلُ الْأَرْضِ یَوْمَئِذٍ (يوم إذ بعثه الله تعالى) ملَلٌ مُتَفَرِّقَهُ (متشبعة) وَ أَهْوَاءٌ (أميال) مُنْتَشِرَهٌ (متفرقة) وَ طَرَائقُ مُتَشَتَّتَةَ (مختلفة) بَیْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ (قائل له سبحانه بالجسم) أَوْ مُلْحِدٍ فی اسْمِهِ (مائل عن حقيقة إسمه

ص: 15

تعالى إلى الأوثان) أو مُشِيرِ إِلَى غَيْرِهِ فَهَدَاهُمْ (الله) بِه (رسوله) مِنَ الضَّلَالَةِ وَ أَنْقَذَهُم (أنجاهم) بِمَکَانِهِ (مقامه من الوحى و الرسالة) مِنَ الْجَهَالَةِ ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحمد صلّى الله عليه و آله لِقَاءَهُ و رَضِیَ لَهُ مَا عِنْدَهُ (من نعيم الأبد) و أَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا وَ رَغبَ بِهِ (أعرضه) عَنْ مَقَامِ الْبَلْوَى (فى الدنيا) فَقَبَضَهُ إِلَيْه كَرِيماً صلى الله عليه و آله وَ خَلَّفَ (رسول الله) فيكُمْ مَا خَلَفَت الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمهَا (من الثقلين و لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما) إذْ لَمْ يتركُوهُمْ (لم يدع الأنبياء أممهم) هَمَلًا (مهملين) بِغَیْرِ طَرِیقٍ وَاضِحٍ (للسلوك عليه) وَ لا عَلَمٍ قائِمٍ (بين أممهم ليقتدوا به و يهتدوا به)

کِتابَ رَبّکُمْ فِیکُمْ مُبَیّناً حَلالَهُ وَ حَرَامَهُ و فَرائضَهُ (واجباته) و فَضَائِلَهُ (مندوباته) وَ نَاسخَهُ (رافعه للحكم السابق) وَ مَنْسُوخَهُ (مرفوع الحكم عن المكلّفين) وَ رُخَصَهُ (مباحاته) وَ عَزَائِمَهُ (فرائضه العظيمة أو مطلق ما يعزم عليه من الواجب أو الممنوع) وَ خَاصّهُ (غير شامله) وَ عَامَّهُ (شامله) وَ عِبَرَه (مواعظه) وَ أَمْثَالَهُ وَ مُرْسَلَهُ (مطلقه من القيد) وَ مَحدُودَهُ (مقيّده) وَ مُحْكَمَهُ (صريحه فى المعنى كوجوب الصلاة) وَ مُتَشَابِهَهُ (غير الصريح في المعنى كالحروف المقطّعة) مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ (و هو ما لم تتّضح دلالته على المراد) وَ مُبَیّناً (موضحا) غَوَامضَهُ (و هي ما يستصعب لفهم الناس و تلك الأحكام من كتاب ربكم تكون) بَیْنَ مَأْخُوذٍ مِیثاقُ عِلْمِهِ (و هو ما يجب على الناس معرفته كالتوحيد و معرفة الإمام) وَ مُوَسَّعٍ عَلَی الْعِبَادِ فِی جَهْلِهِ (كأسرار الكتاب و غوامض التوحيد و المعاد و القضاء و القدر) وَ بَينَ (حكم) مُثْبَتٍ فی الْکِتابِ فَرْضُهُ وَ مَعْلُومٍ فی السُّنَّهِ نَسْخُهُ (كرفع حكم الزانية غير المحصنة فإنّها تؤذى بالكلام و غيره فنسخ بالسنّة فتعذّب و تعزّر أو كوجوب إمساك المحصنة في البيت حتى يتوفّاها الموت فنسخ بالرجم في السنّة) وَ (بين حكم) وَاجِبٍ في السُّنَّة أَخَذُهُ وَ مُرَخَصِ فِي الْكِتَابِ تَرْكُهُ (كالإستقبال إلى بيت المقدس للصلوة الواجب بالسنّة فنسخ بالكتاب لقوله تعالى: فولّ وجهک شطر المسجد الحرام أو كجواز الإفطار فى أوّل الليل للصائم دون سائر أوقاته فنسخ بالكتاب لقوله تعالى: ثم أتمُوا الصيام إلى الليل) وَ بَیْنَ واجِبٍ بِوَقْتِهِ، وَ زَائِلٍ (وجوبه) في

ص: 16

مُسْتَقْبَله (كالحجّ و النذر المعيّن الّذي يزول وجوبه بزوال وقته في المستقبل) وَ (ذلک الكتاب) مُبایَنٌ (مفارق) بَیْنَ (مراتب) مَحَارِمِهِ. مِنْ کَبِیرٍ أَوْعَدَ (الله تعالى أو كتابه) عَلَیْهِ (ذلك الكبير) نِیرَانَهُ، أَوْ (من) صَغِیرٍ (و هو الّذى سمّى فى الكتاب باللمم الّذى) أَرْصَدَ (أعدّ الله) لَهُ غُفْرَانَهُ وَ بَیْنَ (واجب) مَقْبُولٍ فی أَدْنَاهُ، مُوَسَّعٍ فی أَقْصَاهُ (كالكفّارة لمن أفطر متعمّدا فعليه الأخذ بأدنى الحكم و هو إطعام المساكين إن كان غنيّاً أو يأخذ بأقصاه و هو صيام شهرين متتابعين وإعلم أنّه علیه السَّلام قد أشار بهذه التقسيمات على إمامته و عجز من سواه لمعرفة الكتاب فمن ذا بعده أن يدّعى علم الكتاب كما نزل إلّا المفترى على الله تعالى)

و منها في ذكر الحجّ

وَ فَرَضَ (كتب، وجب) عَلَيْكُمْ حَجَّ بَیْتِهِ الْحَرَامِ، الَّذِی جَعَلَهُ قبلَةَ الْأَنَامِ (الناس) يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ وَ يَالْهُونَ (يلوذون) إِلَيْهِ وُ لُوهَ (لواذ) الْحَمامِ و جَعَلَهُ سبحانَهُ عَلَامَةٌ (سمة) لِتَوَاضُعِهِمْ (خضوعهم) لِعَظَمَته وَ إِنْعَانِهِمْ (إقرارهم، إعترافهم) لِعِزَّتِهِ (الّتى لا تنازع و لا تضادّ) وَ اخْتَارَ منْ خَلْقه سُمَّاعاً (سامعين لأمره) أَجَابُوا إِلَیْهِ (بيته) دَعوتَهُ و صَدَّقُوا كَلمَتَهُ وَ وَ قَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائه وَ تَشَبهُوا بِمَلَائِكَته الْمُطِیفِینَ (المحدقين بالطواف) عَرْشِهِ یُحْرِزُونَ (يكتسبون) الْأَرْباحَ فی مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ (و هو الدنيا) وَ یَتَبادَرُونَ (يتسابقون) عِنْدَهُ (البيت) مَوْعِدَ (محل) مَغْفِرَتِهِ (غفرانه) جَعَلَهُ سَبحَانَهُ وَ تَعَالَى ِللْإِسْلَام عَلَماً وَ ِللْعَائذينَ (اللاجين) حَرَماً (حمى) فَرَضَ حَقَّهُ وَ أَوْجَبَ حَجَّهُ، وَ کَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ (الوفود عليه ، الورود عليه) فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ للَّه عَلَی النّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ (يقدر) إِلَیْهِ سَبِیلًا، وَ مَنْ کَفَرَ (بعدم الوفود على البيت مستطيعا) فَإِنَّ اللهَ عَني عَن الْعالَمينَ.

2 - و من خطبة له علیه السَّلام بعد إنصرافه من صفين و فيها حال الناس قبل البعثة و صفة آل النبيّ ثم صفة قوم آخرين:

أَحْمَدُهُ (لجميل فعاله و كلّها جميلة) اسْتِتْماماً لِنِعْمَتِهِ (طلبا لكمال نعمته و تمامها) وَ

ص: 17

اسْتسْلَاماً (طلبا للتسليم) لِعِزَّتِهِ، وَ اسْتِعْصاماً (طلبا للعصمة) مِنْ مَعْصِیَتِهِ (مخالفته) و أَسْتَعِينُهُ فَاقَةٌ (فقرا منّى) إِلَى كِفَايَتِهِ (من كلّ شيء) إِنَّهُ لا يَضِلُّ (عن الهدى) مَنْ هَدَاهُ (الله) وَ لَا يَبْلُ (ينجو يخلص) مَنْ عَادَاهُ وَ لَا يَفْتَقرُ مَنْ كَفَاهُ فَإِنَّهُ (الحمد) أَرْجَحُ (أولى) مَا وُزِنَ (على الميزان) وَ أَفْضَلُ مَا حُزِنَ (ليوم الحساب) وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مُمتحناً إِخْلَاصُهَا (فى حوادث الدهر و تقلب الأيّام) مُعْتَقَداً مُصَاصُها (خالصها) نَتَمَسَّکُ (نمسك أنفسنا عن المعصية، نعتصم، نتعلّق) بِهَا (تلك الشهادة الخالصة) أَبَداً ما (دام) أبْقَانَا (فى الدنيا) و نَدَّخرها (نخزن تلك الشهادة) لأهَاويل (مخاوف) مَا يَلْقَانًا (من الإحتضار و منازل البرزخ و مواقف القيامة) فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الْإِيمَانِ (و هى أعظم أجزاء الايمان و هو العقد بالقلب) و (إنّها) فاتحةُ الْإِحْسَانِ (لأنّه لا يقبل عمل إلا بها فبها يفتح الإحسان) وَ مَرْضَاةُ الرَّحْمن (لأنّه لا يرضى لعباده الكفر بل كرّه إليهم الكفر و الفسوق و العصيان) وَ مَدْحَرَةُ (مطردة، إبعاد) الشَّيْطَانِ وَ أشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ (إلى عباده) بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ (بالبيّنات) و الْعَلَمِ (و هو ما يهتدى به الناس فى الظلمات) الْمَأْثُورِ (المنقول من رسوله) و الْکِتَابِ الْمَسْطُورِ (بين الدفتين) وَ النُّورِ السَّاطِعِ (المنتشر-) وَ الضّیَاءِ (النور) اللَّامِع (المضىء) وَ الْأمْرِ الصَّادِعِ (الظاهر الجلى) إِزاحَةَ (إزالة و إبطالا) لِلشُّبُهاتِ وَ احْتِجاجاً (إتماما للحجۀة على العباد) بِالْبَیّناتِ (الدلائل الباهرات الواضحات) وَ تَحْذِیراً (تخويفا) بِالْآيَاتِ وَ تَخْوِيفاً بِالْمَثُلاتِ (العقوبات و دليل تسميتها بالمثلات هو المماثلة بين العمل و عقابه) و النَّاسَ (حين البعثة) فی فِتَنٍ (لا يعرف الحقّ فيها ) انْجَدَمَ (إنقطع) فِيها (تلك الفتن) حَبلُ الدِّينِ وَ تَزَعَزَعَتْ (إهتزّت إضطربت) سَوَارِي (دعائم) الْیَقِینِ وَ اخْتَلَفَ النَّجْرُ (الأصل الّذى يعتمد عليه فلا أصل يرجع إليه فى الفتن) وَ تَشَتَّتَ (تشعّب، تفرّق) الأمرُ (الفعل، فالناس كانوا على أمور متشتّتة) و ضَاقَ الْمَخْرَج (من تلك الفتن القاطعة لسواري اليقين و حبل الدين) وَ عَميَ المَصْدَرُ (السبب المنبت للفتن) فَالْهُدَى خَامِلٌ (مغمور، متخاذل ساقط) وَ الْعَمَى شَامِلٌ (عامّ للعباد) عُصِيَ الرحمنُ وَ نُصرَ الشَّيْطَانُ و خُذِلَ (لم ينصر-) الْإِيمَانُ فَانْهَارَتْ

ص: 18

(إنهدمت تساقطت) دَعَائمُهُ (أركانه) و تَنكَّرَتْ (لم تعرف) مَعَالِمُهُ (ما يعلم به الإيمان) وَ دَرَسَتْ (إندرست إنطمست) سُبُلهُ (طرقه) وَ عَفَتْ (درست محت) شُرَكَهُ (طرائق الإيمان) أطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالكَهُ (مواضع سلوک الشيطان) وَ وَرَدُوا مَنَاهِلَهُ (مشاربه) بِهِمْ سَارَت (جرت) أَعْلَامُهُ وَ قَامَ لَوَاؤُهُ (عَلَم الشيطان و الناس) فِي فِتَنِ دَاسَتْهُمْ (و طئتهم الفتن) بِأَخْفَافِها (و هي جمع الخفّ للإبل) وَ وَطِئَتْهُمْ بِأَظْلافِها (و هي جمع الظلف للبقر و المعز) وَ قَامَتْ (الفتن) عَلَی سَنَابِکِها (و هي جمع سنبک و هو طرف الحافر و الحافر للدابة كالقدم للإنسان) فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ (ضالّون) حَائِرُونَ (متحيّرون متردّدون في تلك الفتن) جَاهِلُونَ (للمخرج عن الفتن) مَفْتُونُونَ فِي خَير دَارِ (و هو مكّة) و (في) شَرّ جِیرانٍ (و هم المشركون أو الأصنام) نَوْمُهُمْ سُهُودٌ (يقظة) و کُحْلُهُمْ دُمُوعٌ، بِأرْضٍ عَالِمُها (و هو الحجّة في ذلك الزمان كعبد المطلب و أبي طالب عليهما السلام) مُلْجَمٌ (فلا يتكلّم) وَ جَاهلُهَا مُكْرَم.

و منها يعني آل النبيّ عليه الصلاة و السلام

هُمْ (أهل بيت الرسول) مَوْضِعُ سِرَّهِ (فوضع الرسول فيهم أسرار النبوة) وَ لَجَأُ (موضع إلتجاء) أَمْرِهِ، وَ عَیْبَهُ (و عاء) عِلْمِهِ، وَ مَوْئِلُ (مرجع) حُكْمه و كَهُوفُ كُتُبِه وَ جِبَالُ دينه بِهِم أَقَامَ انْحَنَاءَ ظَهْرِهِ (من الإنحراف و الإعوجاج إلى اليمين و الشمال) وَ (بهم) أَذْهَبَ ارْتِعَادَ (إضطراب إهتزاز) فَرائِصِهِ (و هى اللحمة الّتي بين الجنب و الكتف لا تزال ترعد و تضطرب و تهتزّ من الدايّة).

و مِنْهَا يَعْنِي قَوْماً آخَرِينَ

زَرَعُوا (حرث، غرس هولاء القوم الآخرون غير آل البيت) الْفُجُورَ (المعاصی) وَ سَقَوْهُ (ذلک الزرع بماء) الْغُرُورَ و حَصَدُوا الثُّبُورَ (الهلاك للدنيا و الآخرة) لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد صلى الله عليه و آله منْ هَذه الْأُمَّهِ أَحَدٌ (من الّذين سبقوا عليهم فى الملک و غیرهم) وَ لَا يُسَوّى بِهِمْ (آل البيت) مَنْ جَرَتْ نِعْمَتَهُم عَلَيْهِ أَبَداً هُم أَسَاسُ الدِّينِ وَ عِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِيء (يرجع) الْغَالِي (المفرط المتجاوز عن الحدّ) وَ بِهِمْ یُلْحَقُ التَّالی (المفرّط، فهم المطهّرون عن الإفراط و

ص: 19

التفريط) وَ لَهُمْ (لا لغيرهم) خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَة (على الأمة) وَ فِیهِمْ الْوَصِیَّهُ (من الرسول على إمامتهم خلافا لمن زعم أنّه صلى الله عليه و آله لم يوص بذلك) و (فيهم) الْوِرَاثَهُ (للعلم و الحكم و المال خلافا لمن تقوّل من عند نفسه الأمّارة بالسوء بقوله الفاسد الكاذب على الرسول: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث درهما و لا دينارا) الآنَ إذْ (وقت) رَجَعَ الْحَقُّ (المغصوب منّا من قبل) إِلَی أَهْلِهِ (اللائقين به) وَ نُقِلَ (الحق) إِلَی مُنْتَقَلِهِ (موضع إنتقال الحقّ و هو آل الرسول صلّى الله عليه و آله).

3 - و من خطبة له علیه السَّلام و هي المعروفة بالشقشقية و تشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له

أَمَا وَ الله لَقَدْ تَقَمَّصَهَا (جعل الخلافة قميصا) فُلَانٌ (إبن أبي قحافة فتزيّن بها فصارت الخلافة له زينة و لم يكن للخلافة زينا) وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ (علما لا يختلجه شكّ قطّ) أَنَّ مَحَلِّي (موضعی) مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ (الركن) مِنَ الرَّحَی ینْحَدِرُ (ينزل ، يهبط) عَنّی السَّیْلُ (من العلوم و المعارف و غوامض الكتاب و ما يحتاج الناس إليه فى أمر الدنيا و الآخرة إلى يوم القيامة) و لا يُرْقَى (يصعد) إلَي الطَّيْرُ (لعلوّ موقعى من العلوم) فَسَدَلَتُ (أرخيت) دُونَهَا (عندها) ثَوْباً (زهدا منّى فيما تنافس فيه غيرى حرصا منهم لمتاع الدنيا و زينتها) وَ طَوَیْتُ (و هو نقيض النشر -) عَنْهَا كَشْحاً (و هو ما بين الخاصرة و الضلوع فإنّهم جعلوا الخلافة و صلة إلى الطعمة فملئوا البطون منها) و طَفِقْتُ (شرعت) أَرْتَئی بَیْنَ أَنْ أَصولَ (أثب، أسطو، أقهر على الغاصبين لحقّ الولاية) بِیَدٍ جَذَّاءَ (مقطوعة بغير ناصر و معين) أَوْ (أن) صْبِرَ عَلَی طَخْیَهٍ (ظلمة) عَمْیاءَ (الّتى لا يهتدى فيها أحد) یَهْرَمُ (يبلغ أقصى الكبر) فيها (تلك الطخية) الْکَبِیرُ، وَ یَشِیبُ فِیهَا الصَّغِیرُ، وَ یَکْدَحُ (يسعى، يجهد) فيهَا مُؤْمِنٌ (إن وجد فى ذلك الزمان) حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ (بإتيان الأجل).

فَرَأَيْتُ (علمت بعد التأمّل بين الأمرين) أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا (الطخية العمياء) أحْجَی (أقرب

ص: 20

عند العقل بالصواب) فَصَبَرْتُ (على تلك الطخية) وَ فی الْعَیْنِ قَذیً (و هو ما يعترض في العين) و فِي الْحَلْقِ شَجاً (و هو ما يعترض فى الحلق) أَرَی تُراثی (ميراثى و هو الخلافة و الوصاية عن الرسول صلى الله عليه و آله) نَهْباً (مسروقا) حَتَّی مَضَی - (سلک) الْأَوَّلُ لِسَبیلِهِ، فَأَدْلَی (ألقى رشوة، دفع رشوة) بِهَا (تلك الخلافة) إِلَی فُلانٍ (و هو إبن الخطاب) بَعْدَهُ - ثُمَّ تَمَثَّلَ (أمير المؤمنين علیه السَّلام) بِقَولِ الْأَعْشَى-:

شَتّان (بعد) مَا یَوْمِی عَلَی کُورِهَا (رحلها) * وَ یَوْمُ حَیَّانَ أَخِی جَابِرِ

فَيَا عَجَباً (من إبن أبي قحافة) بَیْنا (فى حال) هُوَ یَسْتَقِیلُها (يطلب الإقالة و الفسخ للخلافة) فی حَیاتِهِ (لتقصيره عن أداء حقّها فضلا عن قصوره) إذْ (فجأة) عَقَدَهَا لَآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَرًا (تشطرهما، إقتسامهما) ضَرعَيهَا (للإستمتاع بها) فَصَيّرها (جعل تلك الخلافة) في حَوْزَة (محلة) خَشْنَاءَ (صعبة) يَغْلُظ كَلَّمُهَا (جرحها) وَ يَخْشُنُ مَسَها وَ یَکْثُرُ الْعِثَارُ (السقوط الزلة) فِيهَا (تلك الحوزة الخشناء) وَ (يكثر) الْاعْتِذَارُ مِنْهَا (لجهلها عمّا يرد عليها من المعضلات فتجيب عنها بما لا يليق فتعتذر) فَصَاحِبُها (الخلافة) کَرَاکِبِ (الناقة) الصَّعْبَهِ (الشديدة غير منقادة) إنْ أشْنَقَ (كفّ و منع بالقهر) لَهَا (الناقة الصعبة) خَرَمَ (شقّ أنفها) و إِنْ أَسْلَسَ (أرخى) لَهَا تَقَحَّمَ (أسقط راكبها فى الهلكة) فَمُني (أبتلى، أصيب) النَّاسُ لعَمْرُ الله بِخَبط (سير على غير الجادّة) وَ شِماسٍ (نفار من الدابّة للركوب على ظهره) وَ تَلَوُّنٍ (تبدّل) وَ اعْتِرَاضٍ (سير على غير صراط مستقيم) فَصَبَرْتُ عَلَى طول الْمُدَّة و شدَّة المحْنَة (البلاء) حَتَّی إِذَا مَضَی (إبن الخطّاب) لسَبیله جَعَلَهَا فِي جَمَاعَة زَعَمَ أنّي (مع تلك الفضائل و المكارم) أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّه و للشَّورَى مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ (الشكّ) فِي مَعَ الأول منْهُمْ (الّذى يزعمون أنّه خيرهم) حَتَّى صِرْتُ أَقْرَنُ إلَى هَذه النظائر لكنِّي أَسْفَفْتُ (طرت قريبا من الأرض) إذْ أسَفُّوا وَ طرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا (مال) رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضغْنِهِ (بغضه و هو سعد بن أبي وقاص) وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ (و هو عبد الرحمن الذى هو صهر عثمان) مَعَ هَنِ وَ هَنِ (و هي أغراض دنيّة من الّذين حضروا الشورى) إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ (و هو عثمان) نافجاً (رافعا) حِضْنَیْهِ (و

ص: 21

الحضن هو ما بين الخاصرة و الضلع فهو متردّد) بَیْنَ نَثِیلِهِ (مباله، غائطه) وَ مُعْتَلَفِهِ (مطعمه) و قَامَ مَعَهُ (عثمان) بَنُو أَبِیهِ (و هم بنو أمية) يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ (يأكلونه بتمام الفم و ملئه) خِضْمَه الْإِبِلِ نِبْتَهَ الرَّبِیعِ إِلَی أَنِ انْتَکَثَ (إنتقض) عَلَيْهِ فَتْلُهُ (المنسوج له في الشورى) وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ (تمم قتله) و كَبَتْ (سقطت) به بطنَتُهُ (كظته، إفراطه فى الأكل) فَمَا رَاعَني (أخافنى شىء يوم البيعة لى) إِلَّا وَ النَّاسُ كَعَرفِ الضّبع (شعره الكثير على عنقه، خرجوا) إِلَیَّ یَنْثالُونَ (يتتابعون مزدحمين) عَلَي مِنْ كُلِّ جانبٍ حَتَّى قَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ، وَ شُقَّ عِطْفایَ (جانبان منّى) مُجْتَمِعِینَ حَوْلِي كَرَبيضَةِ (طائفة) الْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ (قمت) بِالْأَمْرِ (الخلافة) نَکَثَتْ (للبيعة) طَائِفَهٌ (منهم و أقاموا حرب الجمل و هم عائشة و طلحة و الزبير و أصحابهم) وَ مَرقَتْ (خرجت عن الدين طائفة) أُخْرَی (و هم الخوارج الذين أقاموا حرب النهروان) و قَسَط (ظلم) آخَرُونَ (و هم معاوية و أصحابه و أقاموا حربا بصفين) كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِینَ لا یُرِیدُونَ عُلُوَّا فی الْأَرْضِ وَ لَا (يريدون) فَسَاداً وَ الْعَاقِبَهُ لِلْمُتَّقِینَ (الّذين لا يريدون علوّا و لا فسادا) بَلَى وَ الله لَقَدْ سَمعُوهَا (تلك المقالة من الله تعالى) وَ وَعَوْهَا (حفظوها) وَ لکِنَّهُمْ حَلِیَتِ (زينت) الدُّنْيا في أعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ (أعجبهم) زبرجها (زينتها) أَمَا وَ الَّذِی فَلَقَ الْحَبَّهَ وَ بَرَأ (خلق) النَّسَمَة (ذات الروح) لَو لَا حضُور الْحَاضِرِ و (اولا) قِیامُ الْحُجَّهِ (على) بِوُجُودِ النَّاصِرِ (الإقامة الدين) و (لولا) مَا أَخَذَ اللَّهُ (أخذه تعالى) عَلَى الْعُلَمَاء أأَلَّا یُقَارُّوا عَلَی کِظَّهِ (بطنة) ظَالِمٍ وَ لَا سَغَبٍ (شدّة جوع) مَظْلُومٍ، لَأَلْقَیْتُ حَبْلَهَا (زمام ناقة الخلافة) عَلَى غَارِبِهَا (كاهلها و هو ما بين السنام و العنق) وَ لَسَقَيْتُ آخرَهَا (الخلافة) بِكَأْسِ أُولِهَا (بالترك لها) وَ لَأَلْفَيْتُمْ (وجدتم) دُنْيَاكُمْ هَذِهِ (الّتى تتنافسون فيها) أَزْهَدَ (أهون أوهن) عِنْدی مِنْ عَفْطَهِ (و هو ما ينثر من أنف) عَنْزِ (معز).

قَالُوا وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ (العراق) عِنْدَ بُلُوغِهِ (وصوله) إِلَى هَذَا الْمَوْضِع مِنْ خُطَبَتِهِ فَنَاوَلَهُ (أعطاه) كتاباً قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الْإِجَابَةِ عَنْهَا فَأَقْبَلَ يَنظُر فِيهِ [فَلَمّا

ص: 22

فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ] قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ (ليت) اطَّرَدَتْ (وافقت، تناسقت) خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ (موضع) أفضَيت (وصلت إنتهيت).

فَقَالَ: هَيهَاتَ يَا ابْنَ عَبّاس تِلْکَ شِقْشِقَهٌ هَدَرَتْ (غلت، جاشت) ثُمَّ قَرَتْ (سكنت، هدأت في موضعها) قَالَ ابْنُ عَباسِ: فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى کَلاَمٍ قَطُّ کَأَسَفِی عَلَی هَذَا اَلْکَلاَمِ أَلاَّ یَکُونَ أَمِیرُ اَلْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ اَلسَّلاَمُ بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ.

قال الشريف (رضي الله عنه): قوله علیه السَّلام كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها تقحم يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام و هي تنازعه رأسها خرم أنفها و إن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه و شنقها أيضا ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق و إنما قال علیه السَّلام أشنق لها و لم يقل أشنقها لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها فكأنه علیه السَّلام قال إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام.

4 - و من خطبة له علیه السَّلام و هي من أفصح كلامه علیه السَّلام وفيها يعظ الناس و يهديهم من ضلالتهم و يقال إنّه خطبها بعد قتل طلحة و الزبير

بِنَا (أهل البيت خاصة) اهْتَدَیْتُمْ فِی الظَّلْمَاءِ (مرّتين مرّة فى الجاهليّة و الأخرى بعد أن قبض رسول الله حين منى الناس بخبط و شماس و تلوّن و إعتراض بقيام الغير مقامه) وَ تَسَنَّمْتُمُ (إرتقيتم، ركبتم) ذُرِّوَةَ (سنام) اَلْعَلْیَاءِ وَ بِنَا اِنْفَجَرْتُمْ (خرجتم) [أفْجَرتُم] (صرتم ذوى الفجر ، دخلتم فى الفجر) عَنِ السِّرَارِ (الليل المظلم فى آخر الشهر الّذى لا يوجد فيه قمر و هذا هي الطخية العمياء التي مرّ ذكرها فى الخطبة الثالثة) وُ قِرَ (صمّ، ثقل) سَمْع لَمْ يَفْقَه (يفهم) الْوَاعيَة (الصارخة من المواعظ) وَ کَیْفَ یُرَاعِی (يراقب) النَّبْأَةَ (الصوت الخفى و هو كناية عن إخباره بالأمور و إنذاره) مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّیْحَةُ (الصوت الشديد و هو إخبار رسول الله و إنذاره) رُبِطَ (إشتدّ، إستحكم) جَنَانٌ (قلب) لَمْ يُفَارِقُهُ الْخَفَقَانُ الخوف من الله تعالى) مَا زِلتُ (لم

ص: 23

أزل) أَنْتَظِرُ بِكُمْ (يا أتباع البهيمة يوم الجمل) عَواقِبَ الْغَدْرِ (النكث فى بيعتكم) وَ أَتَوَسمُكُمْ (أتفرّس فيكم و عرفت بنور الله ما أضمرتم من الغدر و النكث للبيعة) بحلّية (زينة) الْمُغْتَرَينَ (الّذين و عدهم الشيطان و الأنفس الأمّارة بالسوء وعدا كذبا فوقعوا في الغرور) حتى سَتَرَني عَنكُمْ (برفع السيف عنكم) جِلْبَابُ الدِّينِ (بإظهار الإسلام فى القول) و بَصَّرَنِیکُمْ (عرّفنى بكم) صِدْقُ النّيةِ (منّى) أقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ (صراط، طريق) الْحَقِّ فِي جَوَادٌ (طرائق) الْمَضَلَّة (الضلالة) حَیْثُ (موضعا) تَلْتَقُونَ (يلتقى بعضكم بعضا) وَ لاَ دَلِیلَ (لتهتدوا به لأنّه لا دليل إلى الله إلّا أنا) و (حيث) تَحْتَفرُونَ (الأرض للماء) و لا تُميهُونَ (لا تجدون الماء لأنّه لا ماء إلّا ولايتى) الْيَوْمَ أَنْطقُ لَكُمُ (الكلمات) الْعَجْمَاءَ (بلا بيان) ذَاتَ الْبَيانِ (تبيانا) عَزبَ (غاب) رَأَي امْرِئ تَخَلَفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذ (من زمان) أريتُهُ لَم يُوجِس (ما خاف) موسى علیه السَّلام خيفَةً عَلَى نَفْسِهِ (حين ألقى عصاه عند السحرة على الأرض) بَلْ أَشْفَقَ (خاف) منْ غَلَبَة الْجُهَّالِ وَ (من) دُوَلِ الضَّلَالِ الْيَوْمَ تَوافَقنا (إئتلفنا) [تَوَاقَفْنَا] (التقينا) عَلَى سَبيلِ الْحَقِّ (و هو نفسه الزكيّة) و (سبيل) الْبَاطِلِ (و هو غيره من الذين يسمّون أنفسهم بالإئمة و ليسوا بها) مَنْ وَثَقَ بِمَاء (و هو ولايته) لَمْ يَظْمَا (بعدها أبدا).

5 - و من خطبة له علیه السَّلام لما قبض رسول الله صلّى الله عليه و آله و خاطبه العباس و أبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة (و ذلك بعد أن تمت البيعة لأبي بكر في السقيفة و فيها ينهى عن الفتنة و يبيّن عن خلقه و علمه)

النهي عن الفتنة

أيُّهَا النَّاسُ شُفُّوا أمواج الفتَنِ (الّتى أثارها أصحاب السقيفة لغصب الخلافة) بِسُفْنِ النَّجَاة (و هم أهل البيت) و عَرجوا (تنكَّبوا ميلوا) عَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَة (المفارقة بين المسلمين) وَ ضَعُوا تيجانَ الْمُفَاخَرَةِ (التكابر، فاقتدوا بى و اسكتوا كما سكتّ) أفْلَحَ (فاز) مَنْ نَهَضَ (قام) بِجَنَاحِ (ناصر، معين) أو (من) اسْتَسْلَمَ (دخل فى السلم حين لا يجد ناصرا) فَأَرَاحَ (نفسه و الناس

ص: 24

من القتل) هَذَا (الذى تدعونني إليه من النهوض على الغاصبين للولاية) مَاءٌ آجِنٌ (متغير فاسد طعما و لونا) و لُقْمَةٌ يَغَصُ بِهَا (تلك اللقمة) آكِلُهَا (تعترض في حلقه فيقتله) وَ مجُتنَيِ (متناول ، آخذ) الثّمَرَةِ (و هنا هى الخلافة) لِغَيرِ وَقتِ إِينَاعِهَا (نضجها، إدراكها) كَالزّارِعِ بِغَيرِ أَرضِهِ (فيكون المهنا للغير و الثقل على أهل البيت)

فَإِنْ أَقُلْ (إعتراضا على من غصب حقى) يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْك (و هم أولى الناس بالحرص حين طلبوا ما لم يستحقّوه و لم يكونوا من أهله) و إنْ أسْكَتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ الْمَوتِ هَيْهَاتَ (عنى الجزع من الموت) بَعدَ اللّتَيّا وَ التّيِ (من الحروب الّتى نكصت الأبطال و الشجعان على أعقابهم) وَ اللّهِ لَابنُ أَبِي طَالِبٍ أنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْي أُمِّه بَلِ انْدَمَجتُ (إمتلات) عَلَى مَكْنُونِ علمٍ (من رسول الله) لَو بُحتُ (قلت) بِهِ لَاضطَرَبتُم اضطِرَابَ الأَرشِيَةِ (الحبل الممدود) فِي الطوّيِ (البئر المطويّة بالأحجار) البعيدة (في القعر).

6 - و من كلام له علیه السَّلام لما أشير عليه بألّا يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال و فيه يبيّن عن صفته بأنّه علیه السَّلام لا يخدع:

و الله لا أكُونُ كَالضّبع (الّتى صارت مثلا فى الحماقة لغفلتها عن صائدها و هي كالذئب و الثعلب كثيرة العرف) تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدِّمِ (الضرب الشديد بالحجر أو غيره عند باب بيتها لتنام) حَتّي يَصِلَ إِلَيهَا طَالِبُهَا (راصدها و صائدها) وَ يَخْتلَها (يخدعها) رَاصِدُهَا (مراقبها للصيد) و لكنّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ (الذى هو أنا) الْمُدْبِرَ (المولّى) عَنْهُ (الحقّ) و (أضرب) بِالسَّامِع (لقولى) المُطيع (لأمرى) الْعَاصِي (المخالف) الْمُرِيبَ (الشاكّ في) أَبَداً (ما دمت حيّا) حَتّي يأَتيِ عَلَيّ يوَميِ (و هو أجلى) فَوَالله مَا زِلتُ مَدفوعاً عَن حقَيّ مُستَأثَراًً (مسيطرا، مقدّما) عَلَي (بتقديم الغير مقامى) مُنذُ (من زمان) قَبَضَ اللَّهُ نَبِيِّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آله و سلّم حَتّي يَومِ النّاسِ هَذَا (الآن).

ص: 25

7 - و من خطبة له علیه السَّلام يذمّ فيها أتباع الشيطان

اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمرِهِمْ (فعلهم) ملاكاً (قواما، أساسا) وَ اتَّخَذَهُمْ (الشيطان) لَهُ أَشْرَاكاً (شركاء أو آلات للصيد) فَبَاضَ (الشيطان) وَ فَرخَ (أخرج الفرخ) في صُدُورِهمْ وَ دَبَّ (مشى مشيا خفيّا لا يحسّ) وَ دَرَجَ (مشى مشيا أسرع من الدبيب) فِي حُجُورِهِم فَنَظَرَ (الشيطان) بأعينهم و نَطقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلْلَ (الخطايا) وَ زَيْنَ لَهُمُ الخَطلَ (القول الفاسد، ففعلوا) فعل مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ في سُلطانه و نَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لسانه.

8 - و من كلام له علیه السَّلام يعني به الزبير

يزْعُمُ (يدعى الزبير) أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ (مع من بايعنى من المسلمين) بِيَدِهِ وَ لَم يُبَايِع بِقَلبِهِ فَقَد أَقَرّ (على نفسه) بِالبَيعَةِ وَ ادّعَي الوَلِيجَةَ (الدخيلة المكنونة فى قلبه) فَلْيَات عَلَيْهَا (تلك الوليجة) بأمر (شيء من البرهان) يُعرَفُ (وجهه عند الناس) وَ إِلَّا (إن لم يأت بذلك الأمر من الإقامة للبرهان) فَلْيَدْخُلْ (الزبير) فِيمَا خَرَجَ مِنهُ (و هو البيعة لى).

9 - و من كلام له علیه السَّلام في صفته و صفة خصومه و يقال إنّه في أصحاب الجمل

وَ قَدْ أَرْعَدُوا (صاحوا بالوعيد) وَ أَبرَقُوا وَ مَعَ هَذَينِ الأَمرَينِ (من الرعد و البرق) الْفَشَلُ (الضعف عن القتال) وَ لَسْنَا نُرعدُ (نصيح و نهدّد العدّو) حَتّي نُوقِعَ (عليهم) وَ لَا نُسِيلُ حَتّي نُمطِرَ (فنقول ما نفعل و كبر مقتا عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون).

10 - و من خطبة له علیه السَّلام يريد الشيطان أو يكنّي به عن قوم

أَلَا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ (من البلاد المختلفة في البصرة لقتالى يوم الجمل) وَ استَجلَبَ (جمع) خَيلَهُ (الراكبين من الجيش) و رجلَهُ (الماشين من الجيش على الرجل) وَ إِنّ معَيِ (الآن) لبَصَيِرتَيِ (معرفتى بحقائق الأمور كما كنت عليها فى زمان رسول الله) مَا لَبَسْتُ

ص: 26

عَلَى نَفْسي (لم أجعل نفسى فى لبس و إشتباه فى الأمور) وَ لَا لُبَسَ عَلَي (لم يمكن لأحد أن يوقعنى فى الخطأ و هذا هو حقيقة (العصمة) وَ ايمُ اللّهِ (بالله) لأفْرِطَنَّ (لأملأنْ) لَهُم (أصحاب الشيطان و هم أصحاب الجمل) حوضاً (مجمعا للماء) أَنَا مَاتِحُهُ (المستقى له) لا يَصْدُرُونَ (يخرجون) عَنْهُ (الحوض لكثرته) وَ لَا يَعُودُونَ إِلَيْه (خوفا من شدّة الحرب).

11 - و من كلام له علیه السَّلام لابنه محمد ابن الحنفية لمّا أعطاه الراية يوم الجمل

تَزُولُ (تتحرك) الْجِبَالُ (عن مواقفها) وَ لَا تَزل (عند الحرب لشدّته) عَضَّ (إشتدّ) عَلَي نَاجِذِكَ (أقصى أضراسك لأنّه أطرد للفشل) أعرِ اللَّهَ جُمْجُمَتك (إجعلها عارية عند الله فيفعل فيها ما يشاء) تِد (ثبت) في الْأَرْضِ قَدَمَكَ ارم (إقذف) بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ (منتهاهم) و غُضَّ (كفّ إمنع) بَصَرَكَ (فهو أربط للجأش و يزيد فى الشجاعة) وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ - مِن عِندِ اللّهِ سُبحَانَهُ (ينصر من نصر الدين).

12 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا أظفره الله بأصحاب الجمل

و قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَدِدْتُ (أحببت) أَنّ أخَيِ فُلَاناً كَانَ شَاهِدَنَا (في يوم الجمل) لِيَرَي مَا نَصَرَكَ اللّهُ بِهِ عَلَي أَعْدَائِكَ فَقَالَ لَهُ علیه السَّلام أَ هَوَي أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا (أخوك معنا) وَ لَقَدْ شَهِدَنَا في عَسْكَرِنَا هَذَا (فى يوم الجمل) أقْوَامٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَ أرْحَامِ النّساء سَيَرعَفُ (يخرج كخروج الدم من الأنف) بِهِمُ الزَّمَانُ (قوما بعد قوم إلى يوم القيامة) وَ يَقْوَى بِهِمُ الْإِيمَانُ (بي و الإقرار بفضلى لأنّ الّذى يجمع الناس هو الرضا بفعل قوم أو السخط منه).

13 - و من كلام له علیه السَّلام في ذمّ أهل البصرة بعد وقعة الجمل

كُنتُم جُنْدَ الْمَرأة (من خيلها و رجلها الّذين إستجلبهم الشيطان من البلاد المتفرّقة) و (كنتم) أَتْبَاعَ الْبَهِيمَة (وهى جمل عائشة) رغَا (صاح) فَأَجَبْتُمْ (دعوته) و عُقر (ضربت و قطعت

ص: 27

رجله) فَهَرَبتُم (من أطرافها) أَخلَاقُكُم دِقَاقٌ (دنية) و عَهْدُكُمْ (بيعتكم) شِقَاقٌ (تفرقة بين المسلمين) وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ (فأظهرتم الطاعة لى ثم نكثتم) وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقُ (مالح) وَ الْمُقِيمُ بين أَظْهُرِكُمْ (فى البصرة) مُرتَهَنٌ (مأخوذ) بِذَنبِهِ وَ الشّاخِصُ (الذاهب) عَنْكُمْ مُتَدَارَكَ (واصل) بِرَحمَةٍ مِن رَبّهِ (فعليكم بالهجرة منها إلى و ليكم) كأَنَيّ (أنظر) بمَسْجِدكُمْ كَجُؤجُؤِ (صدر) سفينة قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا (البصرة) العَذَابَ (السيل) مِن فَوقِهَا وَ مَنْ تَحْتِهَا وَ غَرِقَ مَنْ فِي ضِمنِهَا

وَ فِي رِوَايَةٍ

و ايمُ اللهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلدَتْكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسجِدِهَا كَجُؤجُؤْ سَفِينَةٍ أَو نَعَامَةِ جَاثِمَة (جالسة على صدرها).

وَ فِي رِوَايَةٍ

كَجُؤجُؤِ طَيرٍ فِي لُجّةِ (موج) بَحرِ.

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى

بِلادُكُمْ (البصرة) أنتَنُ (أخبتْ) بِلادِ اللهِ تُربَةً أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاء وَ أَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ وَ بِهَا (فيها) تِسعَةُ أَعشَارِ الشّرّ المُحتَبَسُ (المقيم) فِيهَا بِذَنْبِهِ (مأخوذ فى مقابل ذنبه) وَ الْخَارِج (منها) بِعَفْوِ الله (مع عفوه) كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى قَرْيَتِكُمْ هَذه قَدْ طَبقَهَا (غمر قريتكم، شملها) المَاءُ (من فوقها و من تحتها) حَتَّى مَا يُرى منْهَا إِلَّا شُرَفُ الْمَسْجِد (و هو ما يشرف من المسجد على ما حوله و هو أعلى مكان فيه) كَأَنَّهُ (شرف المسجد) جُؤجُؤُ طَيرٍ فِي لُجّةِ بَحرٍ.

14 - و من كلام له علیه السَّلام في مثل ذلك (الكلا) السابق في الخطبة السالفة)

أَرْضُكُمْ (البصرة) قَرِيبَةٌ مِنَ المَاءِ بَعيدَةٌ منَ السَّمَاء خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفهَتْ (خفت) حلُومُكُمْ (عقولكم) فَأَنْتُمْ (أهل البصرة بما فيكم من قلّة العقل و السفاهة) غَرَضٌ (هدف) لِنَابِلٍ (رام) و أكْلَةٌ (لقمة سهلة) لِآكِلٍ وَ فَرِيسَةٌ (طعمة مقهورة بالإفتراس) لِصَائِلٍ (واثب ذى

ص: 28

صولة).

15 - و من كلام له علیه السَّلام فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان

و الله لو وَجَدْتُهُ (مال الله الذى أعطاه عثمان لبنى أبيه من بيت المال) قَد تُزُوّجَ بِهِ (ذلک المال) النِّسَاء وَ مُلك به الْإِمَاء لَرَدَدْتُهُ (إلى بيت المال) فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ (و هو وضع الأمور مواضعها) سَعَةَ (للعامة حيث يأخذ كلّ منهم ما له من الحقِّ) وَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ (بإستثقاله إيّاه على نفسه و عدم التسليم عنده) فَالجَورُ عَلَيهِ أَضيَقُ (حيث يسلب منهم ما لهم من الحق).

16 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا بويع في المدينة و فيه يخبر الناس بعلمه بما تئول إليه أحوالهم وفيه يقسمهم إلى أقسام

ذِمَّتِي (عهدى) بِمَا أَقُولُ (لكم من المواعظ) رَهِينَةٌ (مرهونة) و أنَا بِهِ (قولي) زَعِيمٌ (كفيل، فما أقول لكم حقّ لا كذب معه) إنَّ مَنْ صَرحَتْ ( كشفت، ظهرت) لَهُ العِبَرُ (الوقائع الّتي ينبغى أن يتّعظ بها الإنسان) عَمَّا بَينَ يَدَيه منَ الْمَثلات العقوبات المماثلة للأعمال عدلا منه تعالى) حَجَزَتْهُ (منعته) التَّقْوَى عَنْ تَقَحَم (السقوط و التردّى فى) الشُّبُهَاتِ أَلَا وَ إِنَّ بَلِيْتَكُمْ (من الفرقة و التشعّب و الفتنة) قَدْ عَادَتْ (رجعت) كَهَيْئَتها (صورتها) يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّهُ صلّى الله عليه و آله وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلبَلُنَّ (تخلطن) بَلبَلَةً (إختلاطا) وَ لَتُغَربَلُنَّ غَربَلَةً (كما يغربل الدقيق لإستخلاصه عن النخالة) وَ لَتُسَاطنَّ (تضربنّ بالسوط) سَوْط القدْر حَتَّى يَعُودَ ( يرجع) أَسْفَلَكُمْ (الّذى أخّر عن حقّه بالغلبة عليه) أعْلَاكُمْ (الّذي يستحقّ أن يعلو عليكم بالإمارة) و (حتى يعود) أَعْلاكُمُ (المفضول الّذى قدّم ظلما أسْفَلَكُمْ (الّذى يستحقّ أن يسفل) وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ (مقرّبون) كَانُوا قَصْرُوا (أَخّروا من قبل) وَ لَيَقَصُرَنَّ (يؤخِّرنَ) سَبَاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا (من غير حقّ) وَ الله مَا كَتَمْتُ وَ شْمَةً (كلمة حقّ) وَ لَا كَذَبْتُ كَذَّبَهُ وَ لَقَدْ نَبِّئْتُ

ص: 29

(أخبرت على لسان الرسول الأعظم صلّى الله عليه و آله) بهَذا المَقَامِ (من الغربلة و البلبلة) وَ هَذَا اليَومِ (الّذي تغربلون و تبلبلون فيه) ألَا وَ إِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ (غير ذلول للركوب عليها) حُملَ عَلَيْهَا (تلك الخيل الشمس) أَهْلُهَا (الخطايا) و خُلعَتْ (تركت) لُجُمُهَا (عنانها) فَتَقَحْمَتْ (أسقطت تلك الخيل الشمس) بِهِم (أهلها) في النَّارِ أَلَا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا (مراكب) ذُلُلٌ (سلس القياد لراكبها) حُملَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا (صاحب التقوى أو صاحب تلک المطايا) و أعْطُوا (فى أيديهم) أَزِمّتَهَا (قياد تلك المطايا) فَأَوردَتْهُمُ (المطايا في) الْجَنَّةَ (فهناك) حَقّ وَ بَاطِلٌ (و لا ثالث لهما) وَ لِكُلّ (منهما) أهل فَلَمَّنْ أمر الباطل (صار أميرا) لقديماً فَعَلَ (الباطل كذا بالغلبة على الحقّ و أهله لكثرة أهله) و لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرْبما وَ لَعَلَّ (الحقّ يصير غالبا) وَ لَقَلّمَا أَدبَرَ شَيءٌ (کالحقّ) فَأَقبَلَ (إلى أهله).

قال السيد الشريف: و أقول إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان و إن حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به و فيه مع الحال التي و صفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان و لا يطلع فيها إنسان و لا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه الصناعة بحق و جرى فيها على عرق وَ ما يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ.

و من هذه الخطبة و فيها يقسم الناس إلى ثلاثة أصناف

شغل (عن الغير) من الْجَنَّةُ وَ النَّارُ أمامه (بالإشتغال بما يقربّه إلى الجنّة و ما يبعّده من النار و إنّ الناس فى ذلك أزواج ثلاثة فمنهم) سَاعٍ (إلى الجنة) سَرِيعٌ (سابق بالخيرات) نَجا (من النار و أولئك المقرّبون) و (منهم) طَالِبٌ (للجنة) بطَيِءٌ (غير سريع في سيره) رَجَا (النجاة من النار و اولئك أصحاب اليمين) وَ (منهم) مُقَصّرٌ - (مؤخّر عن الخيرات بالإنحراف عن الصراط المستقيم مفرطا كان أو مفرّطا فهو) في النَّارِ هَوَى (سقط و أولئك أصحاب الشمال). الْيَمِينُ وَ الشِّمَالُ (و هما الإفراط و التفريط) مَضَلَّةٌ (ضلالة) وَ الطَّرِيقُ الوُسطَي (الطاهرة عنهما) هِيَ الْجَادَّةُ (الصراط المستقيم إلى الجنّة) عَلَيهَا (تلك الجادة) باقي الْكِتَابِ (آياته

ص: 30

الباقية إلى يوم القيامة) و (عليها) آثَارُ النّبُوّةِ (الأخبار المأثورة عن النبيّ) وَ مِنهَا (تلک الجادة) مَنْفَدُ (موضع نفوذ) السُّنَّة (و إعتبارها و أما ما ورد من غير سنّة النبى فهو بدعة) و إِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَة (موضع التحوّل لعاقبتنا الحسنة من الجنّة) هَلَك مَنِ ادَّعَى (ما ليس له من الإمامة على الأمّة) وَ خابَ (خسر) مَنِ افْتَرى (على الله بنصبه للناس إماما) مَن أَبدَي (أظهر) صَفْحَتَهُ (وجهه) للحقِّ (الذى هو الجادّة ليعاديه) هَلَكَ وَ كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ (موقعه من الحقِّ) لَا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ (منبت) أَصْلِ وَ لَا يَظْمَاً (يعطش) عَلَيْهَا (التقوى) زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ (فى هذه الأيام المفتونة لقتل عثمان و لما ظهر من الشقاق بين الناس) و أصْلِحُوا ذاتَ بَينِكُم وَ التّوبَةُ مِن وَرَائِكُم (مقبولة عند الله) وَ لَا يَحْمَدْ حامد إِلَّا رَبَّه وَلَا يَلُم (يذمٌ) لائمٌ (ذامٌ) إِلَّا نَفْسَهُ (بما عمل فى الأيام الماضية من التقصير في الإستقامة على جادّة الحقّ و السلوك عليها و الزيغ عنها بالإفراط و التفريط).

17-و من كلام له علیه السَّلام في صفة من يتصدّى للحكم بين الأمّة و ليس لذلك بأهل و فيه أبغض الخلائق إلى الله صنفان

الصنف الأوّل (حكام الجور):

إِنَّ أَبْغَضَ الخَلَائِقِ إِلَى (عند) الله رَجُلَانِ رَجُلٌ وَ كَلَهُ (تركه) اللَّهُ إِلَى نَفْسه (و أخرجه من ولايتهم عليهم السلام و هى ولاية الله التى لم يبعث نبيّاً قطّ إلّا بها) فَهُوَ جَائرٌ (مائل) عَن قَصدِ السّبِيلِ (الطريق الواضح الّذى لا يميل إلى الإفراط و التفريط و هو الولاية) مَشْغُوفٌ (حريص، مولع) بِكَلَامِ بِدعَةٍ (من غير سابقة في دين الله خارجة عن الكتاب و السنّة) و (مشغوف ب) دُعَاء ضَلَالَة (للناس) فَهُوَ فِتْنَةٌ لمَنِ افْتَتَنَ (يقبل الفتنة) به ضَالٌ (بالبدعة) عَنْ هَدْي (هداية، سيرة) مَنْ كَانَ قَبْلَهُ (من الصالحين) مُضلَّ لِمَنِ اقْتَدَى (إئتّم) بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعدَ وَفَاتِهِ (بما يبقى منه من الآثار المضلة) حَمّالٌ (على ظهره) خَطايا (آثام) غَيْره (بما أضلّهم

ص: 31

و سنّ فيهم من السنن البديعة من غير أن ينقص من آثام العاملين شيء) رهن (مرهون) بِخَطيئَته فلا ينفكّ عنها).

الصنف الثاني (علماء السوء):

وَ رَجُلٌ قَمَشَ (جمع من المتفرّقات) جَهلًا (مجهولا) مُوضِعٌ (جاعل لما جمعه من كلام البدعة بالسرعة) في جُهَّالِ الْأَمَّة عَاد (جارِ بسرعة) فِي أَغبَاشِ (ظلمات) الفِتنَةِ عَمٍ (غير بصير) بِمَا فِي عَقْد الْهُدْنَة (المهلة من الله له فى العقاب إستدراجا) قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ بَكّرَ (بادر فى أول النهار لجمع المتفرّقات) فَاسْتَكْثَرَ (إحتاز كثيرا) منْ جَمع مَا (شيئا) قَلْ منْهُ خَيْر مِمَّا كَثرَ حَتَّى إِذَا ارْتَوَى (رفع عطشه) مِن مَاءٍ آجِنٍ (فاسد متغيّر لونه و طعمه) وَ اكتَثَرَ مِن غَيرِ طَائِلٍ (خسيس بلا فائدة) جَلَسَ بَينَ النّاسِ قَاضِياً (حاكما لفصل الخطاب) ضَامناً لِتَخْلِيصِ (تمييز، تبيين) مَا التَبَسَ (إشتبه) عَلَى غَيْرِهِ (من القضايا) فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ (ذلك الرجل) إحْدَى الْمُبْهَماتِ (العويصات المشكلات) هَيَّأ (أعدّ) لَهَا حَشْواً (زائدا) رَثّا (باليا) من رأيه ثُمَّ قَطعَ بِهِ فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشَّبُهَاتِ (على نفسه) في مِثْلِ نَسْجِ (منسوج) الْعَنْكَبوتِ لَا يَدْرِي أَصَابَ (الواقع) أمْ أخْطَأَ فَإِنْ أَصَابَ (من حيث لا يشعر) خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأ (الواقع) وَ إِن أَخطَأَ رَجَا أنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ (فهو) جَاهِلٌ خَبّاطُ (كثير الإنحراف فى سيره في) جَهَالَاتٍ عَاشٍ (أعمى، ضعيف البصر) رَكَّابُ (كثير الركوب فى) عَشَوَات (طرق على غير هدى) لَم يعَضُّ (ما أتقن) عَلَى الْعِلْمِ بِضِرسٍ قَاطِعٍ يَذَرُو (ينثر، ينشر) الرّوَايَاتِ (المتفرّقات المأخوذة عن الأفواه) ذَروَ (إنتشار)الرّيحِ (في يوم عاصف) الهَشِيمَ (اليابس من النبات) لَا مَلِيّ (قيّم) و اللهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ (من المبهمات لجهله بها) وَ لَا أَهلٌ لِمَا قُرّظَ (مدح) بِهِ [فُوضَ إليه] (عهد إليه) لَا يَحسَبُ العِلمَ فِي شَيءٍ مِمّا أَنكَرَهُ (فكم من علم أنكره لجهله و لم يعدّه علما) وَ لا يَرَى (يعلم) أَنَّ مِنْ وَرَاء مَا بَلَغَ (من منسوجاته كنسج العنكبوت) مَذْهَباً (موضع ذهاب فى العلم) لِغَيرِه وَ إِنْ أَظلَمَ عَلَيهِ أمر اكْتَتَم بِه (كتمه، أخفاه) لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ تَصْرِ-خُ (تصيح للاستغاثة) مِن جَورِ (ظلم) قَضَائه الدِّمَاء (المسفوكة بغير حقّ) و تَعَجّ (تصر-خ برفع

ص: 32

الصوت) مِنْهُ الْمَوَارِيثُ (المغصوبة بسوء رأيه) إلى الله أَشْكُو مِنْ مَعْشَرٍ يَعيشُونَ (في الدنيا) جهالًا (جاهلين) وَ يَمُوتُونَ ضُلَالًا (ضالّين) لَيسَ فِيهِم سِلعَةٌ (متاع) أبورُ (أكثر كسادا) من الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ (قرء) حَقّ تِلَاوَتِهِ (و هو تبيين حقائقه كما هو حقّه حيث لا يطابق هواهم) وَ لَا (فيهم) سلْعَةُ أَنْفَقُ (أكثر رواجا) بيعاً وَ لَا أُغْلَى (أكثر) ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (حيث يطابق الهوى منهم) وَ لَا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ منَ الْمَعْرُوفِ وَ لَا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ (للجهل بمواضع الكتاب من المعروف و المنكر فقد صار المعروف عندهم منكرا و المنكر معروفا).

18 - و من كلام له علیه السَّلام في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا و فيه يذمّ أهل الرأي و يكل أمر الحكم في أمور الدين للقرآن

ذمّ أهل الرأي

تَرِدُ عَلَى أحدهمُ (واحد ممّن نصب نفسه للناس قاضيا) الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمِ مِنَ الْأَحْكَامِ (الخمسة) فَيَحْكُمُ فِيهَا (تلك القضية) بِرَأيِهِ (المنسوج من المتفرّقات لا من القرآن) ثُمَّ تَرِدُ تلْكَ الْقَضيةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ (من القضاة) فَيَحْكُمُ (ذلك القاضي) فيهَا (تلك القضيَة) بِخِلَافِ قَولِهِ (القاضى الأوّل) ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلك (الحكم) عِنْدَ الْإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ (جعلهم قضاة) فَيُصَوّبُ (يعدّ الإمام) آراءهُمْ (صوابا) جَمِيعاً (مع ما فيها من الإختلاف) وَ إِلَهُهُم وَاحِدٌ وَ نَبِيّهُم وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُم وَاحِدٌ (فلا يصدر حينئذ إلّا حكم واحد) أفَأَمَرَهُمُ اللَّهُ سُبحَانَهُ بِالِاختِلَافِ (في قضية واحدة) فَأَطَاعُوهُ (سبحانه مع أنّه ما إختلفت دعوتان إلّا كانت إحداهما ضلالة) أَمْ نَهَاهُمْ (الله) عَنْهُ (الإختلاف) فَعَصَوهُ (سبحانه بالإختلاف في أحكامه).

أَم أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ ديناً ناقصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ (تلك القضاة) عَلَى إِثْمَامِهِ أَمْ كَانُوا شُرَكَاء لَهُ (سبحانه) فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا (بما يحكمون) و عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى (بالقبول منهم) أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ ديناً تامّاً (بالوحي على رسوله) فَقَصِّر (فرط) الرّسُولُ صلّى الله عليه و آله عَنْ تَبلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ

ص: 33

(إلى عباده و كلّ هذه الفروض باطل) وَ اللهُ سَبحَانَهُ يَقُولُ ما فَرّطنا (لم نقصّر) فِي الكِتابِ مِن شَيءٍ وَ فِيهِ تِبيَانٌ (تبيين) لكُلِّ شَيء (من المعارف و الأخلاق و الأحكام) وَ ذَكَرَ أَنّ الكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ لَوْ كانَ (الكتاب) مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (فى ما نزل ، فما وجد من الإختلاف في الأحكام فهو من القضاة الّذين نصبوا أنفسهم للناس أئمّة بغير حقّ حيث لم ينزل الله سبحانه دينا ناقصا و لم يقصّر- رسوله عن التبليغ) وَ إِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ (حسن معجب) و باطنُهُ عَمِيقٌ (لا يعرفه حقّ معرفته إلّا من خوطب به و هم أهل البيت) لا تَفْنَى عَجَائِبَهُ وَ لَا تَنْقَضِي - (تنتهى إلى حدّ، تنفد) غَرَائِبُهُ (من رموزه و أسراره) و لا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِهِ (فمن لم يعرفه لا يستحقّ الإمامة على الناس و فى تلك الخطبة تعريض على من أزال آل البيت عن مراتبهم الّتي رتّبهم الله فيها و إشارة إلى أنّهم هم الّذين لا يخالفون الحقّ و لا يختلفون فيه).

19 - و من كلام له علیه السَّلام قاله للأشعث بن قيس و هو على منبر الكوفة يخطب، فمضى- في بعض كلامه شيء إعترضه الأشعث فيه، فقال يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك، فخفض علیه السَّلام إليه بصره ثم قال:

مَا يُدْرِيكَ (يخبرك، يعلمك) مَا (أىّ شيء) عَلَي ممَّا لِي عَلَيْكَ لَعْنَةُ الله وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ (من الأنبياء و الملائكة و الجنّة و الناس أجمعين، أنت) حَائِكٌ (نسّاج، ذو حياكة) ابْنُ حَائك (و هو كناية عن الجهل و سفاهة العقل أنت) مُنَافِقُ ابْنُ كَافِر وَالله لَقَدْ أَسَرَكَ الكُفْر (فى أيّام الجاهليّة فى بعض الحروب) مَرَّةً (و ذلك حين خرج الأشعث طالبا بثأر أبيه فأسر) و (لقد أسرى) الْإِسْلَامُ (مرّة) أخْرَى (حين فتح الحصن للمقاتلين الّذين أرسلهم أبوبكر لقتال قومه الّذين لجئوا إليه فقتلوهم جميعا إلّا عشرة و كان المقتولون من قوم الأشعث ثمانمأة فأسر) فَمَا فَدَاكَ (لم يمنعك لم ينجک) مِن وَاحِدَةٍ مِنهُمَا (إسارتين) مَالُكَ (الكثير) وَ لَا حَسَبَكَ (موقعك فى المجتمع) وَ إِنَّ امْرَأَ دَلَ عَلَى قَوْمه السِّيفَ (حين أسر في الإسلام) وَ سَاقَ إِلَيهِمُ

ص: 34

الحَتفَ (الموت) لَحَرِيّ (لائق) أَنْ يَقْتَهُ (يبغضه) الأَقرَبُ (و هو قومه الذين ساق إليهم الموت) وَ لَا يَأْمَنَهُ (لا يحسبه أمينا) الأبعدُ (حيث لم يرحم الأقرب، و ذلك المرء هو الأشعث بن قيس إمام المنافقين بالكوفة).

قال السيد الشريف: يريد علیه السَّلام أنّه أسر في الكفر مرة و في الإسلام مرة.

و أمّا قوله علیه السَّلام دلّ على قومه السيف فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة غرّ فيه قومه و مکر بهم حتى أوقع بهم خالد و كان قومه بعد ذلك يسمّونه عرف النار و هو اسم للغادر عندهم.

20 - و من كلام له علیه السَّلام و فيه ينفّر من الغفلة و ينبّه إلى الفرار الله

فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنتُم (رأيتم بالمعاينة و الشهود) مَا (شيئا و هو أهوال الموت و البرزخ الّتي) قَدْ عَايَنَ (إِيَّاها) مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ (صرختم، رفعتم أصواتكم بالويل و الأنين) وَ وَهلْتُم (خفتم) وَ سَمعتُمْ ( من الداعى إلى الله) و أطَعْتُمْ (دعوته) و لكنْ مَحْجُوبٌ (مستور) عَنْكُم مَا قَدْ عَايَنُوا وَ قَرِيبٌ مَا يُطرَحُ (طرح رفع) الحِجَابُ (عنكم بالموت) وَ لَقَدْ بصرتُم (أعطيتم البصيرة بالنبوّة و الإمامة) إِن أَبصَرتُم (صرتم ذا بصيرة) وَ أُسمِعتُم (بهما) إِن سَمِعتُم وَ هُدِيتُم (إلى الحقِّ) إِنِ اهْتَدَيْتُم (قبلتم الهداية) وَ بِحَقِّ أقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ (ظهرت لكم، صرحت لكم) العبَرُ (ممّا بين أيديكم من المثلات الواقعة على الأمم السالفة بما فعلوا فاعتبروا بها) وَ زُجِرتُم (نهيتم) بِمَا فِيهِ مُزدَجَرٌ (إزدجار، نهى) وَ مَا يُبَلّغُ (للناس تلك المواعظ و المعارف) عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاء (من ملائكته) إِلَّا الْبَشَر - (و هو النبيّ أو الإمام الحقّ المبين).

21 - و من خطبة له علیه السَّلام و هي كلمة جامعة للعظة و الحكمة

فَإِنَّ الْغَايَة (من الجنّة أو النار) أَمَامَكُمْ (و لابدّ منهما) وَ إِنْ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ (القيامة) تَحدُوكُمْ

ص: 35

(تسوقكم بالحداء أى الغناء فتردون عليها بغتة) تَخَفَّفُوا (من أوزار الآثام و الذنوب) تَلْحَقُوا (بالملأ الأعلى من قبل حلول الموت) فَإِنّما يُنتَظَرُ بِأوَّلِكُمْ (الّذين سبقوا إلى آجالهم) آخركُم (الّذي لم يأت أجله).

قال السيد الشريف: أقول إن هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه و بعد کلام رسول الله صلى الله عليه و آله بكل كلام لمال به راجحا و برز عليه سابقا. فأما قوله علیه السَّلام تخففوا تلحقوا فما سمع كلام أقل منه مسموعا و لا أكثر منه محصولا و ما أبعد غورها من کلمة و أنقع نطفتها من حكمة و قد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها و شرف جوهرها.

22 - و من خطبة له علیه السَّلام حين بلغه خبر الناكثين ببيعته و فيها يذّم عملهم و يلزمهم دم عثمان و يتهدّدهم بالحرب

ذمّ الناكثين

أَلَا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمّرَ (حصّ، حّث) حِزبَهُ (جنوده) وَ استَجلَبَ جَلَبَهُ (و هو ما يجلب من البلاد) لِيَعُودَ الْجَوْرُ (الظلم، الإنحراف عن العدل) إِلَي أَوطَانِهِ وَ يَرْجِعَ الْبَاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ (أصله و منبته و إنّ منبت الباطل هو إمام جائر) و الله ما أَنْكَرُوا (أنسبوا من قبل) عَلَى مُنْكَراً (و لو كان قليلا من القول أو الفعل) وَ لَا جَعَلُوا بيَنيِ وَ بَينَهُم نَصِفاً (إنصافا عدلا في دم عثمان).

وَ إِنَّهُمْ (أهل الجمل) لَيَطلُبُونَ حقاً (و هو القصاص بدم عثمان أو الخلافة) هُمْ تَرَكُوهُ وَ دَماً هُمْ سَفَكُوهُ (بتحريض الناس) فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ (سفك دمه) فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ (السفک فعلیهم القصاص کذلک) وَ لَئِنْ كَانُوا وَ لُوهُ (جعلوه فى عهدتهم) دُونِي (غيرى) فَمَا (ليس) التَّبِعَةُ (الذنب) إِلَّا عِنْدَهُمْ وَ إِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ (دليلهم) لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ يَرْتَضِعُونَ (يطلبون الرضاعة) أماً قَدْ فَطَمَتْ (قطعت ولده عن الرضاعة فإنّهم قد أرادوا الخلافة) وَ يُحيُونَ بِدْعَةَ قَدْ أُمِيتَتْ (بالنبوّة و هى طلب الدم من غير وليّه أو طلبهم رجوع الباطل إلى

ص: 36

(نصابه) يَا خَيبة (خسرانا على) الداّعيِ (و هو الشيطان) مَنْ دَعَا؟ (فقد دعا الأمة و ذمّر حزبه و إستجلب خيله) وَ إِلَّامَ أَجِيبَ (ذلك الداعى؟ فقد أجيب إلى حرب ولىّ الله) وَ إِنِّي لَرَاضِ بحجّة الله عَلَيْهِمْ وَ عِلْمِهِ فِيهِم.

التهديد بالحرب

فَإِنْ أبوا (إمتنعوا عن ترك المنازعة) أَعطَيتُهُم حَدّ السّيفِ وَ كَفَي بِهِ (السيف) شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَ نَاصِراً لِلْحَقِّ وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعثُهُمْ (رسولا) إِلَيَّ أَنْ أَبْرزَ (أظهر) لِلطَّعَانِ (الضرب) وَ أَنْ أَصبِرَ لِلجِلَادِ (الصلابة) هَبِلَتهُمُ (ثكلتهم بكت عليهم) الهَبولُ (و هي إمرأة لا تبقى لها ولد دائمة الحزن) لَقَدْ كُنْتُ (فى أيام رسول الله) وَ مَا أَهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لَا أَرْهَبُ (أخوّف) بِالضَّرْبِ وَ إِنِّي لَعَلَى يَقِينِ مِنْ رَبِّي وَ غَيْرِ شُبُهَةٍ مِنْ دِينِي.

23 - و من خطبة له علیه السَّلام و تشتمل على تهذيب الفقراء بالزهد و تأديب الأغنياء بالشفقة

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الأمر (الّذى يتعلق بحياة البشر كالرزق) يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاء (من خزائن رحمته) إِلَى الأرض (بواسطة المدبّرات أمرا) كَقَطَرَاتِ المَطَرِ (مقدرا بحدود معينة) إلَى كُلِّ نَفْس (ذات حياة) بِمَا قَسمَ لَهَا مِنْ زِيَادَة (بسط فى ذلك الأمر من مقدّراته في الرزق) أو نُقْصَانِ (قبض فيها) فَإنْ رأى أَحَدُكُمْ لأخيهِ غَفيرةٌ (زيادة كثرة) في (ما قسم له من) أَهلٍ أَو مَالٍ أَو نَفسٍ (بما لها من العافية و الكمال) فَلَا تَكُونَنَّ (تلك الغفيرة) لَهُ فتنةً (إبتلاء للزلل) فَإِنَّ الْمَرْء المُسْلِمَ (الفقير) مَا (دام) لَمْ يَغْشَ (يحجب، يستر، يغط) دَنَاءَةٌ (رذيلة فى قلبه) تَظهَرُ (تلك الدناءة منه في عمله) فَيَخْشَعُ (يتواضع ذلك المرء المسلم) لَهَا (تلك الدناءة المحجوبة في القلب الظاهرة فى العمل) إِذَا ذُكِرَت (تلك الدناءة عنده) وَ يُغرَي (يولع ، يحرص) بِهَا لِئامَ النَّاسِ (على ذمّه و لومه) كَانَ (ذلك المرء) كَالْفَالج (الظافر الفائز) اليَاسِرِ (الّذى يلعب بالقداح و هي آلة القمار) الَّذِي يَنتَظرُ أوّلَ فَوْزَة (ظفر) مِن قِدَاحِهِ (طرح آلات قماره) تُوجِب (تلک

ص: 37

الفوزة) لَهُ الْمَغْنَمَ (الربح و الغنيمة) وَ يُرْفَعُ بِهَا (فوزته) عَنْهُ (الياسر الفالج) الْمَغْرَم (الخسران الضرر) وَ كَذَلِكَ (المرء المسلم الّذى لم يغش دناءة) المَره المُسلِمُ الْبَرِيء (الخالى) منَ الْخِيَانَة (فى حقّ أخيه بعدم إظهار الدنيّة فى عمله) يَنتَظِرُ مِنَ اللّهِ إِحدَي الحُسنَيَينِ (العاقبتين الحسنتين) إمّا (ينتظر) داَعيِ اللّهِ (الّذى يدعوه من عنده إلى نعيم الأبد) فَمَا عِنْدَ الله (من نعيم الأبد) خَير لَهُ وَ إمّا (ينتظر) رزْقَ الله (الغفير ، لحسن عمله حيث لم يظهر الدنائة) فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْل وَ مَال (كثير) وَ مَعَهُ دِينُهُ وَ حَسَبُهُ (شرفه موقعه من المجتمع) وَ إِنَّ الْمَالَ وَ الْبَنِينَ حَرثُ الدُّنْيَا (متاعها الفاني) وَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرثُ الْآخِرَةِ (الباقي) وَ قَدْ يَجمَعُهُمَا اللّهُ تَعَالَي لِأَقوَامٍ (صالحين) فَاحْذَرُوا (كونوا على خوف) منَ الله مَا (شيئا) حَذَرَكُم (به) من نَفْسِهِ (و هو الخيانة) وَ اخْشَوهُ خَشْيَة لَيسَت (فيها) بِتَعذِيرٍ (تقصير بل خشية تکفیک عند الله عذرا) وَ اعْمَلُوا فِي غَيْر ريَاء وَ لَا سُمْعَة (و هذا حقيقة الخشية المذكورة) فَإِنَّهُ مَن يَعمَل لغَيرِ الله (بالرياء و السمعة) يكلْهُ (يذره، يتركه) اللهُ لَمَنْ عَمِلَ لَهُ نَسْأَلُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاء وَ مُعَايَشَةَ السُّعَدَاء وَ مُرَافَقَهُ الْأَنْبِيَاء.

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ (مسلما كان أم غيره) وَ إِنْ كَانَ ذَا مَالِ عَنْ عِتْرَته (عشيرته، قومه) وَ (عن) دِفَاعِهِم عَنهُ بِأَيدِيهِم وَ أَلسِنَتِهِم وَ هُم أَعظَمُ النّاسِ حَيطَةً (إحاطة)مِن وَرَائِهِ (خلفه، لكثرتهم) وَ أَلَمّهُم (أجمعهم)لِشَعَثِهِ (تشتت أموره) و أَعْطَفُهُمْ (أشدّهم محبة و ميلا) عَليه عندَ نَازِلَة (حادثة) إِذَا نَزَلَتْ به وَ لَسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللهُ للمَرْء في النَّاسِ (فيمد حونه بعد وفاته و يذكرونه بالخير) خَير لَهُ مِنَ الْمَالَ يَرِثُهُ غَيرُهُ

و منها: أَلَا لَا يَعْدلَنَّ (يعرضنّ) أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَة (الّتى) يَرَى بِهَا (تلك القرابة) الْخَصَاصَة (الفقر) أَن يَسُدّهَا (يمنعها، يكفّها) بالذي (الزائد من المال الّذى) لا يَزِيدُه (أى لا يزيد ماله الزائد ذلك الرجل في بسط عيشه) إِنْ أَمْسَكَهُ (و لم ينفقه) وَ لَا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ (بالإنفاق) وَ مَن يَقبِض يَدَهُ (بإمساك الزيادة من ماله) عَنْ (نصرة) عَشيرته فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ (الرجل الممسك للمال) عَنهُم (العشيرة) يَدٌ وَاحِدَةٌ وَ تُقْبَضُ مِنهُم (العشيرة) عَنهُ (ذلك الرجل

ص: 38

الممسک لماله) أيْد كَثيرةٌ (فهو الّذي قد خسر- دونهم) وَ مَنْ تَلنْ (لطفت) حَاشِيَتُهُ (جوانبه، أطرافه بالإنفاق على عشيرته) يَستَدِم مِن قَومِهِ المَوَدّةَ (المحبة فيعطفون عليه حين الشدائد).

قال السيد الشريف: أقول الغفيرة هاهنا الزيادة و الكثرة من قولهم للجمع الكثير الجمّ الغفير و الجماء الغفير و يروى عفوة من أهل أو مال و العفوة الخيار من الشيء يقال أكلت عفوة الطعام أي خياره و ما أحسن المعنى الذي أراده علیه السَّلام بقوله و من يقبض يده عن عشيرته... إلى تمام الكلام فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة فإذا احتاج إلى نصرتهم و اضطر إلى مرافدتهم قعدوا عن نصره و تثاقلوا عن صوته فمنع ترافد الأيدي الكثيرة و تناهض الأقدام الجمة.

24 - و من خطبة له علیه السَّلام و هي كلمة جامعة له، فيها تسويغ قتال المخالف و الدعوة إلى طاعة الله، و الترقّي فيها لضمان الفوز

وَ لَعَمْرِي مَا (ليس) عَلَيَّ مِنْ قتال (مقاتلة) مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ وَ خَابَطَ (أوقع في خبط) الغَي (و هو ضدّ الرشد) مِنْ إِذْهَانِ (منافقة) وَ لَا إِيهَانِ (ضعف، و هن، فأقاتلنّهم بلا إدهان و إيهان) فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ فِروا إِلَى (رحمة) اللهِ مِنَ (غضب) اللَّهِ وَ امْضُوا (اسلكوا) في (السبيل) الَّذي نَهَجَهُ (جعله الله طريقا واضحا) لَكُمْ وَ قُومُوا بِمَا عَصَبَهُ (ربطه الله) بِكُمْ (و هو ولايتى) فَعَلِي ضَامِنٌ (كفيل) لفَلْجِكُمْ (فوزكم) آجِلاً (فى الآخرة) إِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ (تعطوا هذا الفلج) عَاجِلًا (فى الدنيا و فيه تصريح بشفاعته لشيعته).

25 - و من خطبة له علیه السَّلام و قد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد و قدم عليه عاملاه على اليمن و هما عبيد الله بن عباس و سعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة فقام علیه السَّلام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد و

ص: 39

مخالفتهم له في الرأي فقال:

مَا هِيَ إلَّا الْكُوفَة (من البلاد الّتى كانت تحت ولايتى) أقْبِضُهَا وَ أَبْسُطها (أتصرّف فيها حيث أشاء) إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلَّا أَنْتِ (أيّتها الكوفة) تَهُبّ (تعصف) أَعَاصِيرُكِ (رياحك مع الغبار الكثير المستديرة الّتى لا ترى العيون فيها شيئا و هذا كناية عن كثرة الفتن فيها) فَقَبّحَكِ (أبعدك الله عن كلّ خير) اللَّهُ وَ تَمَثَلُ بِقَولِ الشَّاعِرِ:

لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّني *** عَلَى وَ ضَرِ (بقيّة الدسم) مِنْ ذَا الْإِنَاءِ قَليل

ثُمّ قال علیه السَّلام

أُنبِئتُ (أخبرت) بُسراً (إبن أبى أرطاة) قَدِ اطّلَعَ (أشرف) اليَمَنَ (و تمكن منها) وَ إِنِّي و الله لَأَظُنّ (أعلم) أَنَّ هَؤُلاء الْقَوْمَ (الظالمين القاسطين) سَيدَالُونَ (يعطى لهم الدولة) منكُمْ (بدلكم) بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى باطلهم (حول أميرهم) و تَفَرقِكُمْ (تشعّبكم، تحزّبكم) عَنْ حَقْكُمْ (عند أميركم) و بِمَعْصِيَتِكُمْ (خلافكم) إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وَ طَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ (معاوية) فِي الْبَاطِلِ و بِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِم وَ خِيانَتكُم (لأميركم) و بِصَلَاحِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ وَ فَسَادِكُمْ فَلَوِ اثْتَمَنْتُ (إتّخذت أمينا) أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبِ (قدح ضخم) لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِه (يسرق العلاقة و هى ما يعلّق به السيف و نحوه) اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلَتُهُمْ (بدعوتهم إلى القتال) وَ ملَوّنيِ (بخلافهم عن إطاعتى) وَ سَئِمتُهُم (مللت و ضجرت عنهم) وَ سئَمِوُنيِ فأَبَدلِنيِ بِهِم (بدلهم) خَيْراً مِنْهُم و أبِدلْهُم بي (بدلى) شَراً مِنِّي اللَّهُمَّ مِثْ (أذب) قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ (يذاب) المِلحُ فِي المَاءِ أَمَا وَ اللّهِ لَوَدِدتُ أَنّ لِي بِكُم (بدلكم) ألْفَ فَارِسِ مِنْ بَنِي فِراسِ بنِ غَنْم

هُنَالِكَ لَو دَعَوتَ أَتَاكَ مِنهُم *** فَوَارِسُ مِثلُ أَرمِيَةِ (سحب) الحَمِيمِ (الصيف)

ثُمَّ نَزَلَ علیه السَّلام مِنَ المِنبَرِ

قال السيد الشريف: أقول الأرمية جمع رميّ و هو السحاب و الحميم هاهنا وقت الصيف و إنما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنه أشد جفولا و أسرع خفوفا لأنه لا ماء فيه و إنما

ص: 40

يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء و ذلك لا يكون في الأكثر إلا زمان الشتاء و إنما أراد الشاعر و صفهم بالسرعة إذا دعوا و الإغاثة إذا استغيثوا و الدليل على ذلك قوله : " هنالك لو دعوت أتاك منهم.

26 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها يصف العرب قبل البعثة ثم يصف حاله قبل البيعة له

العرب قبل البعثة

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلّى الله عليه و آله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ (عمّا بين أيديهم من المثلات) و أميناً عَلَى التَّنْزِيلِ (فى التلقّى و التبليغ) و أنْتُم مَعْشَرَ-العَرَبِ عَلَي شَرّ دِينٍ (من عبادة الأوثان) و فِي شَرّ دَارٍ (بين جبال خشنة و رمال دمثة من غير ماء غريز أى كثير و عشب للأنعام فأنتم) مُنِيخُونَ (مقيمون) [مَتنَّخُونَ] (مقيمون) بَينَ حجَارَةِ خَشْنِ وَ حَيّاتٍ صُمّ (الّتي لا تنزجر إذا زجرت) تَشرَبُونَ الكَدِرَ (غير الصافى من الماء) و تَأْكُلُونَ الْجَشَبَ (الغليظ الّذي لا يلائم الطبع) وَ تَسفكُونَ دِمَاءَكُمْ وَ تَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ (بسفك دمائهم في الحرب أو بإفشاء الزنا) الْأَصْنَامُ فيكُمْ مَنْصُوبَةٌ (للعبادة) و الآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ (مربوطة، ملازمة فلا تنقطعون عنها أبدا).

و منها صفته قبل البيعة له

فَنَظَرْتُ (تأمّلت) فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينُ (ناصر) إِلّا أَهلُ بيَتيِ (الطاهرون المعصومون) فَضَنِنْتُ (بخلت) بهِم عَنِ المَوتِ (بحرب لا فائدة فيها) و أغْضَيْتُ (عضضت طرفي) عَلَى القَذى (و هو ما إعترض فى العين) وَ شَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا (و هو ما إعترض في الحلق) وَ صَبَرْتُ عَلَى أَخْذ الْكَظَمِ (الحلق) وَ عَلَي أَمَرّ (أشدّ مرا) مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَم (و هو نبات شديد المرّ).

و منها: و لَم يُبَايِع (عمرو بن العاص لمعاوية) حَتّي شَرَطَ (إبن العاص له) أَن يُؤتِيَهُ عَلَي البَيعَةِ ثَمَناً (أجرا و هو إمارة مصر) فَلَا ظَفَرَتْ (فازت) يَدُ الْبَائِع (الّذي باع دينه لدنياه و هو

ص: 41

عمرو) وَ خَزِيَتْ (ذلّت) أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ (المشترى و هو معاوية الّذي إشترى منه دينه بثمن بخس و ذلّت أمانته الّتي عنده من الإمارة) فَخُذُوا للحَرْبِ (مع أميركم) أَهْبَتَهَا (عدّتها) وَ أعدُّوا لَهَا (الحرب) عُدّتَهَا (و هى ما يتمكّن الإنسان به على الفعل) فَقَدْ شَبٌ (صعد) لَظَاهَا (نار الحرب) وَ عَلَا سَنَاهَا (ضوئها) و اسْتَشْعرُوا الصَّبر (إجعلوه) شعارا لكم) فَإِنَّهُ أَدْعَى (أشدّ دعوة) إِلَي النّصرِ.

27 - و من خطبة له علیه السَّلام و قد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا و فيها يذكر فضل الجهاد و يستنهض الناس و يذكر علمه بالحرب و يلقي عليهم التبعة لعدم طاعته

أَمّا بَعدُ فَإِنّ الجِهَادَ بَابٌ مِن أَبوَابِ الجَنّةِ (الثمانية) فَتَحَهُ اللهُ لخَاصَّة أَولِيَائِهِ (فالجهاد أضيق أبوابها) وَ هُوَ (الجهاد) لبَاسُ التَّقْوَى (مع أنّ التقوى لباس الصالحات كلها الّتي لا تقبل إلّا بها) وَ دِرْعُ (جوشن) اللّهِ الحَصِينَةُ (العزيزة الّتى لا يمكن النفوذ فيها) وَ جُنّتُهُ (و قايته) الْوَثِيقَةُ (المستحكمة) فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ (زهدا فيه) أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذّلّ (بدل العزّة) وَ شَملَهُ الْبَلاء وَ دُيّثَ (ذلّل) بِالصَّغَارِ (الحقارة) و القَمَاءَة (الذلّة) وَ ضُرِبَ (طبع) عَلَي قَلبِهِ بالأسداد (الحجب) [بِالْإِسْهَابِ] (ذهاب العقل فلا يفقه خيره من شره) و أديلَ الْحَقُّ مِنْهُ (جعلت الدولة للغير) بِتَضيِيعِ الجِهَادِ وَ سِيمَ (كلف) الْخَسفَ (الذلّ و المشقّة) وَ مُنِعَ النّصَفَ (العدل) أَلَا وَ إِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَ نَهَاراً وَ سِراً وَ إعلاناً (و لم أقصّر-في الدعوة حتى سئمتكم و سئمتمونی و مللتكم و مللتمونى) و قُلتُ لَكُمُ اغْرُوهُمْ (قاتلوهم) قَبلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ (قوتل) قَومٌ قَطّ فِي عُقرِِ (وسط) دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ (و كلتم الأمور إلى غيركم) و تَخَاذَلْتُمْ (و هنتم، تكاسلتم) حَتَّى شُنَّتْ (صبّت من كلّ جانب، أشرفت دفعة بعد دفعة) عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَ مُلكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَ هَذَا أَخُو غَامِدٍ (سفیان بن عوف) [وَ] قَدْ ورَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ (بلدة على شاطى الشرقى للفرات و يقابلها بلدة هيت التى كان كميل بن

ص: 42

زياد النخعى أميرا بها) وَ قَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِي وَ أَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحهَا (ثغورها حيث يخاف نفوذ الأعداء منها) وَ لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ (مرّة بعد أخرى) عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَة وَ الْأُخْرَى الْمُعَاهَدَة (الّتى تكون فى ذمّة الإسلام) فَيَنتَزِعُ (يأخذ بالغلبة و الشدّة) حجّلَهَا (خلخالها) و قُلْبهَا (سوارها) و قَلَائِدَهَا وَ رُعُثَهَا (جمع رعثة و هي ضرب من الخرز تتحلّى به المرأة) مَا تَمْتَنِعُ (تلك المرأة) مِنْهُ (ذلك الرجل) إِلَّا بِالاسْتِرجَاعِ (إسترداد الصوت في الحلق أو قولها إنّا لله و إليه راجعون و لا يقولها إلا المؤمنة) وَ الِاستِرحَامِ (طلب الترحّم سواء فيه المؤمنة و المشركة) ثُمَّ انْصَرَفُوا (رجعوا إلى أوطانهم) وَ افِرِينَ (أغنياء من مال المسلمين) كثيرين من غير أن يقتل منهم رجل واحد ما نَالَ (لم يصب) رَجُلًا منهُم كَلْمٌ (جرح) و لا أريقَ (صبّ) لَهُمْ دَمَ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَ مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا (الخبر) أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ (لموته بذلك الخبر) مَلُوماً (مذموما) بَلْ كَانَ (الموت) بِهِ عنِديِ جَدِيراً فَيَا (قوم عجبت) عَجَباً عَجَباً وَ اللّهِ يُمِيتُ القَلبَ وَ يَجلِبُ (يجمع) الهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤلاء القَوْمِ (القاسطين) عَلَى بَاطِلِهِمْ وَ تَفَرقَكُمْ عَنْ حَقْكُمْ فَقُبحاً (بعدا عن كلّ خير) لَكُمْ وَ تَرَحاً (همّا و حزنا) حينَ صِرْتُمْ غَرَضاً (هدفا) يُرمَي (إليه بالسهام يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَ لَا تُغيرُونَ (عليهم) و تُغْزَونَ (تقاتلون) وَ لَا تَغْرُونَ (تقاتلون) و يُعصَى اللَّهُ وَ تَرْضَوْنَ (و للراضي بفعل قوم إثمان إثم العمل وإثم الرضى) فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسّيرِ إِلَيهِم فِي أَيّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذه حَمَارَةٌ (شدّة) الْقَيْظ (الحرّ) أَمْهِلْنَا يُسَبِّخ (يسكّن و يخفّف) عَنَّا الْحَرِّ وَ إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسّيرِ إِلَيهِم فِي الشّتَاءِ قُلْتُم هَذِهِ صَبارَةُ (شدّة) القُر (البرد) أَمهِلنَا يَنسَلِخ (ينكشف) عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرّ وَ الْقُرْ فَإِذَا كُنتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَ الْقُرِّ تَفِرّونَ فَأَنتُم وَ اللّهِ مِنَ السّيفِ أَفَرّ.

يَا أَشبَاهَ الرّجَالِ وَ لَا رِجَالَ حُلُومُ (عقول) الأَطفَالِ (الّتى لا تعرف خيره و هو الجهاد في سبيل الله) وَ عُقُولُ رَبَّات (نساء) الحِجَالِ (اللائى لا يعرفن شيئا لغلبة الشبق و الشهوة) لوددْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَ لَمْ أَعْرِفُكُمْ مَعرِفَةً وَ اللّهِ جَرّت (معرفتكم) نَدَماً وَ أَعْقَبَتْ سَدَماً (همّا و غيظا) قَاتَلَكُمُ اللهُ للَقَد مَلَأتُم قلَبيِ قَيحاً (و هو ما فى القرحة من الصديد) وَ شَحَنتُم (ملأتم) صَدْرِي

ص: 43

غيظاً وَ جَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ (جرع) التّهمَامِ (الهمّ) أنْفاساً (جرعة بعد جرعة) وَ أَفْسَدْتُمْ عَلَيّ رأَييِ (فى مقام العمل لا فى مقام النظر) بِالعِصيَانِ وَ الخِذلَانِ (عدم المناصرة) حَتّي لَقَد قَالَت قُرَيشٌ (جهلا و غباوة) إِنَّ ابْنَ أبي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَ لَكِنْ لَا عِلمَ لَهُ بِالحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُم وَ هَل أَحَدٌ مِنهُم (قريش) أشَدُّ لَهَا (الحرب) مِرَاساً (ممارسة،معالجة) وَ أَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً منِيّ لَقَدْ نَهَضْتُ (قمت) فِيهَا وَ مَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ و هَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرِّفْتُ (زدت) عَلَي السّتّينَ وَ لَكِن لَا رأَي (فى مقام العمل) لِمَنْ لَا يُطَاعُ (فى رأيه و لو كان صائبا).

28 - و من خطبة له علیه السَّلام و هو فصل من الخطبة التي فى أولها «الحمد لله غير مقنوط من رحمته» و فيه أحد عشر تنبيها

مّا بَعدُ فَإِنّ الدّنيَا أَدبَرَت (بإختلاف الليل و النهار) و آذَنَتْ (أخبرت) بِوَدَاعِ (ترك) وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ (إرتفعت) بِاطّلَاعٍ (إشراف إحاطة، إتيان عليكم فجأة) أَلَا وَ إِنّ اليَومَ (و هو يوم العمل) الْمُضْمَارَ (الموضع أو الزمان الّذى يضمر فيه الخيل للسباق) وَ غَداً (و هو يوم الحساب) السّبَاقَ وَ السّبَقَةُ (الغاية الّتى يتسابق إليها المتسابقون) الْجَنَّةُ وَ الْغَايَةُ (لمن لم يكن من المتسابقين) النّارُ أَ فَلَا تَائِبٌ مِن خَطِيئَتِهِ (معصيته) قَبلَ مَنِيّتِهِ (موته) ألا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمٍ بُؤْسِهِ (فقره عند العرض على الله) أَلَا وَ إِنَّكُمْ فِي أَيَّامٍ أُمَلِ (يمكن لكم أن تتمنّوا الجنّة) مِن وَرَائِهِ (خلف ذلك الأمل) أجَلَّ (مانع عن الأمل) فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامٍ أَمَله قَبْلَ حُضُورِ أَجَلَه فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلهُ وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَ مَنْ قَصَّرَ - (فرط) فِي أَيَّامٍ أَمَلَه قَبْلَ حضُور أجله فَقَدْ خَسرَ عَمَلُهُ (لما فيه من التقصير) و ضَرَهُ أجَلُهُ (حيث يمنعه عن إكتساب الصالحات بمجيئه) أَلَا فَاعْمَلُوا فى (أيام) الرَّغْبَة (إلى الدنيا فى حين السلامة و الأمان و الغنى) کما تَعْمَلُونَ (عَمَلكم) في (أيام) الرّهبَةِ (الخوف حين تضطرّون إلى ذكر المعاد من هجوم البلايا و المنايا) أَلَا وَ إِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّة (متاعا) نَامَ طَالِبُهَا (عن الاجتهاد لها) وَ لَا (رأيت مخوفا) كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا (الفارّ منها عن الهرب منها) أَلَا وَ إِنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ وَ مَنْ

ص: 44

لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجر بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرِّدَى (الهلاك) أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُم بِالظَّعْنِ (الرحيل عن الدنيا بقطع العلائق عنها) وَ دُلِلتُم (هديتم) عَلَى الزّاد (الّذى ينجوكم و هو التقوى) وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّباعُ الْهَوَى وَ طُولُ الأمَلِ فَتَزَوِّدُوا فِي الدُّنْيَا (و أيّام الأمل) من الدَّنْيَا مَا (الزاد الَّذى) تَحْرَزُونَ (تجعلون فى الحرز و الحفظ) به أَنفُسَكُمْ غَداً (فإنّ التقوى فى اليوم الحرز و الجنّة و فى غد الطريق إلى الجنّة).

قال السيد الشريف رضي الله عنه: و أقول إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا و يضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام و كفى به قاطعا لعلائق الآمال و قادحا زناد الاتعاظ و الازدجار و من أعجبه قوله علیه السَّلام ألا و إن اليوم المضمار و غدا السباق و السبقة الجنة و الغاية النار فإن فيه مع فخامة اللفظ و عظم قدر المعنى و صادق التمثيل و واقع التشبيه سرا عجيبا و معنى لطيفا و هو قوله علیه السَّلام و السبقة الجنة و الغاية النار فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين و لم يقل السبقة النار كما قال السبقة الجنة لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب و غرض مطلوب و هذه صفة الجنة و ليس هذا المعنى موجودا في النار نعوذ بالله منها فلم يجز أن يقول و السبقة النار بل قال و الغاية النار لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها و من يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا فهي في هذا الموضع كالمصير و المآل قال الله تعالى قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار و لا يجوز في هذا الموضع أن يقال سبقتكم بسكون الباء إلى النار فتأمل ذلك فباطنه عجیب و غوره بعيد لطيف و كذلك أكثر كلامه علیه السَّلام و في بعض النسخ و قد جاء في رواية أخرى و السّبقة الجنة بضم السين و السبقة عندهم اسم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض و المعنيان متقاربان لأن ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم و إنما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود

29 - و من خطبة له علیه السَّلام بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاجّ بعد

ص: 45

قصّة الحكمين و فيها يستنهض أصحابه لما حدث في الأطراف

أَيُّهَا النَّاسُ المُجْتَمَعَهُ أبْدَانُهُمْ (حولى) الْمُخْتَلِفَة (المتفرّقة، المتشتتة) أهْوَاؤُهُمْ (أميالكم، يحسبكم الجاهلون جميعا و قلوبكم شتّى) كَلَامُكُمْ يُوهي (يضعف) الصّم (الحجر الصلب) الصَّلَابَ وَ فِعْلُكُمْ (الّذى يخالف كلامكم) يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ (و هذا دليل نفاقكم) تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَ كَيْتَ (و هو كناية عن كثرة القول و الإدّعاء) فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ (المقاتلة) قُلتُم حيِديِ (اعزبى عنّا) حَيَادِ (اعزبى أو اعزبى عنّا أيّتها الحرب) مَا عَزْتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ (إلى القتال حيث تذلّون دعوته بالمخالفة) و لا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ (قهركم للإنتهاض و أجبركم على الحرب فأنتم) أعَالِيلُ (متعلّلون) بِأَضَالِيلَ (أباطيل، كقولكم هذه صبّارة القرّ و هذه حمّارة القيظ) و سَأَلْتُمُونِي التَّطوِيلَ (المهلة و الفرصة بقولكم أمهلنا حتى ينسلخ عنّا الحر و البرد تدفعون الحرب عنكم خوفا من الموت) دِفَاعَ (مدافعة) ذِي الدِّينِ (المديون الغريم) المَطُولِ (الكثير المطل الّذى يؤخّر الدين بلا عذر و أعظم الدين على الأمّة هو نصرة الإمام) لَا يَمنَعُ الضّيمَ (الظلم) الذّليلُ (المقهور) وَ لَا يُدْرَكَ الْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدُ (و تحمّل المشاق) أي دَارِ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ (عن تسلّط الأعداء) و مَعَ أَي إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ. الْمَغْرور و الله مَنْ غَرَرْتُمُوهُ (بأقوالكم الّتى توهى الصمّ الصلاب) وَ مَنْ فَازَ (ظفر على العدوّ) بِكُم فَقَد فَازَ وَ اللّهِ بِالسّهمِ الأَخيَبِ (الخائب الخاسر ، و هو من سهام الميسر- لا حظّ له في الفوز و الظفر) و مَنْ رمَى بِكُمْ فَقَدْ رمَى بِأَفوَقَ (مكسور الفوق) نَاصِلٍ (عار عن النصل فالرامي بكم لا يظفر أبدا) أَصبَحتُ وَ اللّهِ لا أَصَدِّقُ قَوْلَكُمْ (لما فيه من المخالفة لفعلكم) وَ لَا أَطْمَعُ في نَصْرِكُمْ وَ لَا أُوعِدُ العَدُو بِكُمْ مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ ما طبّكُمُ الْقَوْمُ (أصحاب معاوية) رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ أ (تقولون فى المجالس كيت و كيت) قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ (تغفلون عن قولكم) غَفْلَةٌ مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ و (تطمعون الأجرة على الحرب أكثر من حقكم أو تطمعون الأمان و السعادة و الجنّة) طَمَعاً فِي غَيْر حَقٌّ.

ص: 46

30 - و من كلام له علیه السَّلام في معنى قتل عثمان:

لَو أَمَرْتُ بِهِ (قتل عثمان، كما أمر به طلحة و الزبير و إحدى زوجات الرسول) لَكُنْتُ قَاتِلًا (بين القاتلين له) أو (لو) نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنتُ نَاصِراً (لعثمان فيما فعل من البدع و الأحداث) غَیْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ (كمروان) لَا يَسْتَطيعُ (ذلك الناصر) أنْ يَقُولَ خَذَلَهُ (لم ينصره) مَنْ أَنَا خَيْرٌ (أفضل) منْهُ (لنصرتى عثمان) وَ مَنْ خَذَلَهُ (و هم القاعدون عن نصرته و لم يأمروا بقتله) لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ (ذلك الخاذل لعثمان) نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْر مِنّي (فالخاذل ليس بدون من الناصر و الناصر ليس بفوق من الخاذل و هما فى خطأ حيث فعلا ما فعلا بغير إذن من إمام حقّ مبين) وَ أَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ (فى كلمات موجزة بليغة) اسْتَأْثَر (إنفرد عثمان و تسلّط على بيت المال و معه بنو أبيه) فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ (باختصاص قومه) وَ جَزِعْتُم (خرجتم عن حدود الصبر لظلمه) فَأَسأَتُمُ الْجَزَعَ (فالناصر نصره لتلك الأثرة و الخاذل خذله للجزع) وَ للَّه حُكْم (قضاء حتم) واقع فِي الْمُسْتَأثرِ (عثمان) و (فى) الْجَازِع.

31 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا أنفذ عبد الله بن عباس إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل

لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَة فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّورِ عَاقصاً (فتل و (لوی) قَرْنَهُ (نجمه) يَرْكَبُ (الجمل) الصَّعْبَ (غير ذلول) و (مع ذلك) يَقُولُ هُوَ الذّلُولُ وَ لَكنِ الْقَ الزبير فَإِنَّهُ أَلَيَنْ عَرِيكَةَ (طبيعة من طلحة) فَقُلْ لَهُ (بهذا القول الليّن) يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالَكَ (أمير المؤمنين علیه السَّلام) عَرفْتَني بِالْحِجَازِ (فبايعتنى فيها) وَ أَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ (فى البصرة بنكث البيعة و إقامة الحرب علىّ) فَمَا عَدَا (أىّ شيء صرفك عن طاعتی) ممَّا بَدَا (ظهر لك من قبل من لزوم البيعة له على ذمّتک)

قال السيد الشريف: و هو علیه السَّلام أوّل من سمعت منه هذه الكلمة، أعني "فما عدا مما بدا."

ص: 47

32 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها يصف زمانه بالجور و يقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثمّ يزهّد في الدنيا

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ (جائر عن قصد السبيل) و زَمَنِ كَنُود (كفور) يُعَدُّ فِيه (ذلك الزمان) الْمُحْسِنُ مُسيئاً و يزْدَادُ الظَّالِمُ فيه عُتُوّاً (كبرا و علوّا على الأرض) لَا تَنْفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَ لَا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا وَ لَا نَتَخَوَّفُ قَارعَةٌ (مصيبة، خطبا عظيما) حَتَّى تَحلَّ (تلك القارعة) بنا.

النّاسُ عَلَي أَربَعَةِ أَصنَافٍ مِنهُم مَن لَا يَمنَعُهُ الفَسَادَ فِي الأَرضِ إِلّا مَهَانَةُ (حقارة) نَفْسه و كَلَالَهُ (ضعف) حَدِّهِ وَ نَضيضُ (قلة) وَفْرِه (ماله و إلّا فهو يفسد فى الأرض) وَ مِنهُم المُصلِتُ (الّذى سال و شهر) لِسَيْفِهِ (للفساد) وَ الْمُعْلِنُ (المظهر) بِشَرِهِ وَ الْمُجْلِبُ (الجامع) بِخَيْلِهِ وَ رجله قَدْ أَشْرط (أعد) نَفْسَهُ (للفساد) و أوبَقَ (أهلك) دينَهُ لحُطَامِ (و هو ما تكسّر-من اليبس و هو الدنيا) يَنتَهِزُهُ (يغتنمه، يختلسه) أَو (أهلك دينه ل) مِقنَبٍ (جمع من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين) يَقُودُهُ أو (ل) مِنبَرٍ يَفرَعُهُ (يعلوه) وَ لَبِئسَ المَتجَرُ (التجارة، المتاع) أَن تَرَي الدّنيَا لِنَفسِكَ ثَمَناً وَ مِمّا لَكَ عِندَ اللّهِ عِوَضاً ( فليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة فلا تبيعوها إلّا بها) وَ مِنْهُمْ مَنْ يَطلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَ لَا يَطلُبُ الْآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ (خفض) مِنْ شَخْصه (فى أعين الناس بالتواضع لهم) وَ قَارَبَ مِن خَطوِهِ (قدمه في مشيه ليظهر الوقار على أعين الناس رئاء) وَ شَمّرَ (رفع) مِنْ ثوبِه (لأنّ الثوب الطويل علامة للتكبّر) وَ زَخْرَفَ (زيّن و نمّق) مِنْ نَفْسه للأمَانَة وَ اتَّخَذَ سِتْرَ الله (عليه لئلّا تنكشف عورته رحمة منه تعالى أو إستدراجا) ذَرِيعَةً (وسيلة) لَي المَعصِيَةِ وَ مِنهُم مَن أَبعَدَهُ عَن طَلَبِ المُلكِ ضُئُولَةُ (مهانة، حقارة) نَفْسه وَ انْقِطَاعُ سَبَبه (من قلّة المال و غيره) فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ (الّتي يكون فيها من الضعف و الوهن) عَلَى (أن يبقى على) حاله فَتَحَلَّى (تزين) بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ وَ تَزَيَّنَ بِلبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ (الإسم و اللباس) فِي مَرَاحٍ (و هو المكان الّذى تأوى إليه الماشية ليلا) و لا مَغْدًى (و هو المكان الّذى تأوى إليه غداة أي ليس من أهل

ص: 48

الزهد ليلا و نهارا أى أبدا).

و بَقي رِجَالٌ غَضَّ (خفض) أَبْصَارَهُمْ (عن النظر إلى متاع الدنيا و الفساد فيها) ذِكرُ المَرجِعِ وَ أَرَاقَ (أسال) دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ- (موضع الجمع للناس يوم القيامة) فَهُم بَينَ شَرِيدِ (مطرود) نَادّ (هارب من الجماعة إلى الوحدة للخلوة مع المحبوب) و (بين) خَائف مَقْمُوع (مقهور) وَ سَاكِتٍ مَكعُومٍ (ملجم حيث لا يجدون موضعا لوضع الحكمة فيه) وَ دَاعٍ مُخلص وَ تكَلانَ (حزين لفقد الولد) مُوجَعٍ (ذى وجع و ألم) قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ (أسقطتهم عن أعين الناس) التَّقيةُ (حتى نسى إسمهم و ذكرهم) و شَمِلَتْهُمُ الذَّلَهُ (فى أعين الناس) فَهُمْ فِي بَحْرِ أَجَاج (مالح حزنا على ضلالة الناس) أفْوَاهُهُمْ ضَامرَةٌ (ساكنة) و قُلُوبُهُم قَرِحَةٌ (فيها صديد) قَدْ وَ عَظُوا (الناس) حَتَّى مَلُوا وَ فُهرُوا حَتَّى ذَلُّوا وَ قُتلُوا حَتَّى قَلُّوا (فصاروا على تقيّة من الناس فسكتوا)

فَلْتَكنِ الدُّنْيا في أعينكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثالة (ثفالة) القَرَظ (ورق السلم الذي يدبغ به) او قَرَاضَة (و هو ما تساقط من قرض أوبار الجمل فى) الْجَلَمِ (المقراض) وَ اتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظُ بِكُم من بَعدَكُم وَ ارفُضُوهَا ذَمِيمَةٌ (مزمومة) فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ (ترکت) مَنْ كَانَ أشْغَفَ (أشدّ حبا) بِهَا مِنْكُم.

قال الشريف رضي الله عنه: أقول و هذه الخطبة ربّما نسبها من لا علم له إلى معاوية و هي من كلام أمير المؤمنين علیه السَّلام الذي لا يشك فيه، و أين الذهب من الرغام و أين العذب من الأجاج و قد دل على ذلك الدليل الخريت و نقده الناقد البصير عمر و بن بحر الجاحظ، فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان و التبيين، و ذكر من نسبها إلى معاوية، ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها جملته أنه قال و هذا الكلام بكلام علي علیه السَّلام أشبه، و بمذهبه في تصنيف الناس و في الإخبار عما هم عليه من القهر و الإذلال و من التقية و الخوف أليق قال: و متى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد و مذاهب العباد

ص: 49

33 - و من خطبة له علیه السَّلام عند خروجه لقتال أهل البصرة و فيها حكمة مبعث الرسل، ثمّ يذكر فضله و يذم الخارجين

قَالَ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسِ دَخَلتُ عَلَي أَمِيرِ المُؤمِنِينَ علیه السَّلام بذِيِ قَارٍ (بلد بقرب البصرة) و هُوَ يَخْصِفُ (يخرز) نَعْلَهُ فَقَالَ (أمير المؤمنين علیه السَّلام) لي مَا قِيمَهُ هَذَا النَّعْلِ فَقُلْتُ لَا قِيمَة لَهَا فَقَالَ علیه السَّلام و الله لَهِي (نعلى هذه مع شدّة إندراسها) أَحَبُّ إِلَيَّ (عندى) من إِمْرَتِكُمْ (إمارتى عليكم) إِلَّا أَنْ أَقِيمَ حقاً (فيكم) أو أدفَعَ بَاطِلًا (عنكم) ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النّاسَ (الّذين خرجوا معه لقتال الناكثين) فَقَالَ:

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كتاباً (منزلا من الله) و لَا يَدَّعي نُبُوةٌ (فالحجّة فيهم مغمورة أى غير ظاهرة بين الناس لأنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله إمّا ظاهرا مشهورا و إمّا خائفا مغمورا) فَسَاقَ النَّاسَ حتَّى بوأهُم (أنزلهم بتبوّء المقاعد لهم) مَحَلّتَهُم (منزلتهم) و بلَغَهُم منجاتهُمْ (موقع نجاتهم ، نجاتهم) فَاسْتَقَامَتْ فَنَاتُهُم (رماحهم و هو كناية عن القدرة) وَ اطْمَأَنَّتْ (إستقرت) صَفَاتُهُمْ (الحجر الصلب و هو كناية عن الثبوت فى مواضعهم أو عن العزّة فلا تقرع لهم صفاة).

أَمَا وَ الله إنْ (إنّى) كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا (الّذين يسوقون العرب بأمر رسول الله إلى منجاتها) حتَّى تَوَلَّتْ (العرب) بِحَذَافِيرِهَا (كلّها فرجعت على أعقابها مرتدّة) مَا عَجَزْتُ (لم أضعف) وَ لَا جَبُنتُ (لم أخف) وَ إِنَّ مَسيري هَذَا (إلى البصرة لقتال الناكثين) لِمِثلِهَا (تلك الحروب في زمن رسول الله حيث نقاتل على التنزيل فالآن نقاتل على التأويل) فَلَأَنْقُبَنَّ (أخرقنّ) البَاطِلَ حَتّي يَخرُجَ الحَقّ مِن جَنبِهِ (و هذا كناية عن الفتنة لأن الفتنة هي المزاج بين الحقّ و الباطل).

و مَا لِي وَ لِقُرَيْشِ وَ اللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ (في الجاهليّة) كَافِرِينَ وَ لَأَقَاتِلَنَّهُمْ (اليوم) مَفْتُونِينَ وَ إِنِّي لَصَاحبهم بالأمس كَمَا أَنَا صَاحِبَهُمُ الْيَوْمَ (فى ثبات من دينى و يقين في إعتقادي) و الله ما تَنْقِمُ (تغضب) مِنًا قُرَيْش إِلَّا أَنَّ اللَّهَ اخْتارَنَا (بالنبوّة و الإمامة) عَلَيْهِمْ فَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي حَيّزِنَا

ص: 50

(ضمننا رحمة منّا عليهم) فَكَانُوا كَمَا قَالَ الْأول:

أدَمْتَ لَعَمْرِي شُربَكَ المَحْضَ صَابِحاً * وَ أكْلَكَ بِالزّبد (الدهن) الْمُقَشَّرَةَ (التمر بغير النواة) البُجرَا (الحريص على الأكل)

وَ نَحْنُ وَ هَبْنَاكَ (أعطيناك) الْعَلَاءَ وَ لَمْ تَكُنْ * عَليّاً وَ حُطَنَا حَوْلَكَ الْجُرْدَ (بالخيل) وَ السّمرَا (بالسهر و ترک النوم للمحفاظة عنک)

34 - و من خطبة له علیه السَّلام في استنفار الناس إلى أهل الشام بعد فراغه من أمر الخوارج أنّ (أتضجّر) لَكُمْ لَقَدْ سَئمْتُ (مللت) عتَابَكُمْ (لومكم ذمّكم) أَرَضِيتُم بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ (بدل) الآخرة عوضاً (فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فمن تركه فقد ترك الآخرة، أ) و (رضيتم) بِالذُّلُ مِنَ الْعِزْ خَلَفاً (لأنّْ من ترك الجهاد فقد ذلّ و ديث بالصغار) إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَة (شدّة) و (كأنكم) مِنَ الدُّهُولِ (النسيان الّذى غشيكم) في سَكْرة (فتغفلون) يُرتَجُ (يغلق) عَلَيْكُم حَوَارِي (محاورتي) فَتَعْمَهُونَ (تتحيّرون) و كَانَ قُلُوبِكُم مَالُوسَةٌ (مخلوطة بمسّ الجنون) فَأَنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ. مَا أَنْتُم (لستم) لِي بِثِقَةٍ (أمناء) سَجِيس (فى تغيّر) اللَّيالي (أى لا أعتمد بكم ما دامت الليالي موجودة) و مَا أَنْتُمْ بِرُكْنِ یمَالُ بِكُمْ وَ لَا (أنتم) زَوَافِرُ (أركان) عزّ يُفْتَقَرُ (يحتاج) إلَيْكُمْ (فى المصائب و تقلّب الأيّام و شدائد الدهر) مَا أَنتُمْ إِلَّا كَابِل ضَلَّ رُعَاتُهَا (مراقبها) فَكَلَّمَا جُمِعَتْ (تلك الإبل) منْ جانبِ انْتَشَرَتْ (تفرقت) من (جانب) آخَرَ (فلا تجتمعون تحت راية الجهاد) لَبِئْسَ لَعَمرُ اللَّهِ سُعْرُ (حرارة) نَارِ الحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ (تخدعون) وَ لَا تَكِيدُونَ وَ تُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ (من بلادكم أو أشرافكم و علمائكم بالقتل) فَلَا تَمتَعضُونَ (تغضبون) لَا يُنَامُ عَنكُم (بل يرصدكم العدوّ) وَ أَنْتُمْ فِي غَفْلَة سَاهُونَ (غافلون) غُلِبَ وَ اللهِ الْمُتَخَاذِلُونَ (الّذين يقعدون عن القتال جبنا من لقاء الأبطال) وَ ايْمُ اللهِ إِنِّي لأظنَّ (لأعلم) بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ (إشتدّ) الْوَغَى (الحرب) و استَحَرّ (بلغ الغاية فى نفوسكم) الْمَوتُ قَد انْفَرجتم عَنِ ابْنِ أبي

ص: 51

طالب انفراج الرَّأْس و الله إِنَّ امْرَأَ يُمَكِّنُ (يسلّط) عَدُوهُ مِنْ نَفْسه يَعْرُقُ (يأكل) لَحْمَهُ وَ يَهْشِمُ (يأكل) عَظمَهُ وَ يَفْرِي (يمزّق) جِلْدَهُ لَعَظيمٌ عَجزهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ (أضلاع) صَدْره (من قلبه فليس بشجاع) أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ (المرء الضعيف الممكّن لعدوّه) إنْ شِئتَ فَأَمّا أَنَا فَوَاللّهِ دُونَ (غير) أَن أعُطيِ ذَلِكَ (التمكّن للعدوّ على نفسى بل أنا) ضَرّب بِالْمَشْرَفية (و هى سيوف منسوبة إلى مشارف و هى قرى من أرض العرب) تَطيرُ مِنْهُ (ذاك الضرب) فَرَاشُ الْهَامِ (العظام الرقيقة الّتي تلى العظم الّذى فوق الدماغ) وَ تَطِيحُ (تسقط) السّوَاعِدُ وَ الأَقدَامُوَ يَفعَلُ اللّهُ بَعدَ ذَلِكَ (الضرب) ما يَشاءُ (من الظفر أو الشهادة و ليس على إلّا العمل بالتكليف ).

أيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقاً وَ لَكُمْ عَلَي حَق فَأَمَّا حَقْكُمْ عَلَي فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَ تَوْفِيرُ (تكثير) فَيْئِكُمْ (من الخراج و غيره) عَلَيْكُمْ وَ تَعلِيمُكُمْ (ما لم تكونوا تعلمونه) كَيْلًا تَجْهَلُوا وَ تَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا (لأن) تَعْلَمُوا وَ أَما حَقَّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاء بِالْبَيعَة و النّصِيحَةُ فِي المَشهَدِ وَ المَغِيبِ (فلا تكونوا ذوى اللسانين و هو علامة الغشّ فى النصيحة) وَ الْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ (إلى الجهاد) و الطَاعَةُ حينَ آمُرُكُمْ (من غير كره منكم و تعلل بأضاليل).

35 - و من خطبة له علیه السَّلام بعد التحكيم و ما بلغه من أمر الحكمين و فيها حمد الله على بلائه، ثم بيان سبب البلوى

الْحَمْدُ لِله وَ إِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطب (الأمر العظيم) الْفَادِح (الثقيل) وَ الْحَدَثِ (الحادث من الأمور) الْجَلِيلِ (العظيم) و أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَيسَ مَعَهُ إِلَهُ غَيْره وَ أَنَّ مُحَمّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ صلّى الله عليه و آله

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَة (مخالفة) النّاصِحِ الشّفِيقِ (الرحيم بالمؤمنين) العَالِمِ المُجَرّبِ (و هو نفسه الزكية) تُورِثُ الحَسرَةَ وَ تُعقِبُ (تتبع) النَّدَامَة وَ قَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الحُكُومَةِ (في صفّين) أمَريِ (حين قلت لكم هذا أمر ظاهره ایمان و باطنه عدوان و أولّه رحمة و

ص: 52

آخره ندامة) وَ نَخَلَتُ (إخترت) لَكُمْ مَخْرُونَ رَأيِي (رأيى المحفوظ في و عاء ذهني الّذي لا يناله غیری) لو (ليت) كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمرٌ (و القصير مولى جذيمة كان حاذقا قد أشار على سيّده بأمر فلم يطعه فقتل فصار مثلا) فَأَبَيْتُمْ (خالفتم) عَلَي إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاة (الغليظين فى العيش) و (إباء) الْمُنَابِذِينَ (التاركين، الماقتين) العُصاة (المخالفين) حَتَّى ارْتَابَ (شكّ) النَّاصِحُ (و هو أمير المؤمنين علیه السَّلام) بِنُصحِهِ (لكم، هل ينصحكم ذلك الناصح أم يترككم) وَ ضَنَّ (بخل) الزَّنْدُ (اللمعة) بِقَدْحه (ضوئه لكم فترككم فى الظلمة) فَكُنْتُ أَنَا وَ إِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:

أَمَرتُكُم أمَريِ بِمُنعَرَجِ اللّوَي (و هو مكان) * فَلَمْ تَسْتَبِينُوا (تطلبوا جلاء) النَّصْحَ (و تكشّفه و وضوحه) إِلَّا ضُحَى الغَد (فلم ينفعكم النصح حينئذ).

36 - و من خطبة له علیه السَّلام في تخويف أهل النهروان

فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُم (مخوّفكم من) أنْ تُصْبِحُوا (تصيروا) صَرعَى (مطروحين، مقتولين) بأثناء (في أطراف جوانب) هَذَا النَّهَرِ وَ بِأَهضَام (مطمئنّات) هَذَا الْغَائط (المنخفض من الأرض) عَلَي غَيرِ بَيّنَةٍ (دليل واضح) مِنْ رَبِّكُمْ وَ لَا سُلْطَانِ مُبِينِ مَعَكُمْ (فى قتالكم ايّای) قَد طَوّحَت (رمت) بِكُمُ الدَّار (الكوفة إلى هذا الموضع) وَ احْتَبَلَكُمُ (جعلكم في حباله و شراكه) الْمُقْدَارُ (التقدير من الله بما فعلتم من قبل و بما كسبت أيديكم) وَ قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ (أيّها الخوارج) عَنْ هَذه الحُكُومَة (الحكميّة في صفّين) فَأَبَيْتُمْ (إمتنعتم) عَلَيَّ إِبَاءَ المَخالفينَ الْمُنَابِذِينَ (المخالفين، الناقضين للعهد) حَتّي صَرَفتُ رأَييِ إِلَي (المخزون الصائب) إِلَى هَوَاكُمْ (لئلّا تقع فتنة بين صفوفكم لأنّ الفتنة أكبر من القتل) وَ أَنْتُمْ مَعَاشِرُ (أناس) أخفاء الْهَامِ (الرأس أى العقل) سُفَهَاء (أخفاء) الأَحلَامِ (العقول) وَ لَمْ آتِ- لَا أَبَا لَكُمْ- بُجْراً (شرّا لدينكم و دنياكم) و لا أَرَدْتُ (حين نهيتكم عن الحكومة) لَكُمْ ضُراً (خسران).

ص: 53

37 - و من كلام له علیه السَّلام يجري مجرى الخطبة و فيه يذكر فضائله علیه السَّلام قاله بعد وقعة النهروان في الفصول الأربعة

(الفصل الأوّل): فَقُمْتُ بِالْأمْرِ (من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في أيّام عثمان لما فعل فى مال المسلمين و لأحداثه و بدعه) حينَ فَشلُوا (ضعف الناس عن نهيه خوفا منه أو طمعا فى عطاياه) وَ تَطَلَّعْتُ (ظهرت) حينَ تَقَبَعُوا (إختفوا من الخوف) وَ نَطَقْتُ حينَ تَعْتَعُوا (تردّدوا و إضطربوا فى الكلام) وَ مَضَيْتُ بِنُورِ الله (مع نوره تعالى و هو معيّته علیه السَّلام بالقرآن في ظلمات الأرض فى تلك الأيّام) حينَ و قَفُوا (فيها و لم يعرفوا المحجّة البيضاء) و كُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً (فلم أجزع لثبات جاشى و قوّة قلبى فى الشدائد)، و (كنت) أَعْلَاهُم فَوْتاً (سبقا إلى الحقِّ) فَطرْتُ (فسبقت على الناس كلّهم كالطائر) بِعِنَانِهَا (مع زمام تلك الفضائل) و استبدَدْتُ (إختصصت إنفردت) بِرِهَانِهَا (خيول السباق في مضمار الفضائل)

( الفصل الثانى): (أنا) كَالْجَبَلِ (الراسخ) لَا تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصفُ (الرياح شديدة الهبوب)، و لا تُزِيلُهُ (عن موقفه) العَوَاصِفُ (الرياح شديدة الهبوب) لَم يَكُنْ لأَحَد فِي مَهْمَزٌ (موضع للغيبة عنّى بالعيب علىّ) وَ لَا لِقَائِلٍ فِيّ مَغمَزٌ (موضع للغيبة عنّى بالعيب علىّ و هذا دليل على العصمة) الذّلِيلُ (الّذى محروم من حقه) عنِديِ عَزِيزٌ (قوىّ لأنّه صاحب الحقّ) حَتَّى أخذ الْحَقِّ لَهُ وَ الْقَوِي (الّذى أخذ حقوق الناس قهرا) عنِديِ ضَعِيفٌ (حيث لا حقّ له) حَتّي آخُذَ الحَقّ مِنهُ

(الفصل الثالث): رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ (فى الأمور كلّها) وَ سَلَّمْنَا للَّهِ أَمْرَهُ،أَتَرَانِي أَكْذِبُ (في إخباري لكم عن المغيبات) عَلَى رَسُول الله صلّى الله عليه و آله وَ اللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ (فى رسالته) فَلَا أَكُونُ (أصير) أَوّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْه

(الفصل الرابع): فَنَظَرْتُ (تأمّلت) فِي أمَريِ (حين غصب حقّى) فَإِذَا طَاعَتِي (لرسول الله حيث أمرنى بالسكوت فى أيّام الفتنة إلّا أن يقوم معى الأربعون من الرجال للنهوض و الوثوب على الغاصبين) قَدْ سَبَقَتْ (زمانا و رتبة على) بيَعتَيِ (بيعة الناس ايّاى) وَ إذَا المِيثَاقُ (منه

ص: 54

صلّى الله عليه و آله) فِي عنُقُيِ لغِيَريِ (حتى تمضى أيّام الفتن فصبرت و في العين قذى و في الحلق شجى لذلك الميثاق . و ذلك الغير الّذى كان ميثاقه على عنقه علیه السَّلام هو رسول الله صلّى الله عليه و آله).

38 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها علة تسمية الشبهة شبهة ثم بيان حال الناس فيها و هى علي فصلين منقطعين.

(الفصل الأول): وَ إِنَّمَا سُمِّيت الشُّبُهَةُ شُبْهَةَ لأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقِّ (لمزاج الحق بالباطل في الشبهات و الفتن) فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ الله فَضيَاؤُهُمْ (نورهم) فِيهَا الْيَقِينُ (بالحقِّ و هو أنا) وَ دَلِيلُهُم (فيها) سَمْتُ (طريق) الْهُدَى (و هو أنا) وَ أَمَّا أَعْدَاءُ الله (الّذين يستولى الشيطان عليهم في الفتن و الشبهات) فَدُعَاؤُهُم (الدعوة لهم من الشيطان و الأنفس الأمّارة بالسوء) فيها الضَّلَالُ وَ دَليلُهُمُ الْعَمَى.

(الفصل الثانى): فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ وَ لَا يُعْطَى الْبَقَاءَ (فى الدنيا) مَنْ أَحَبّهُ (فعليكم بجهاد عدوّكم و لا تنكصوا الأعقاب خوفا من الموت).

39 - و من خطبة له علیه السَّلام خطبها عند علمه بغزوة النعمان بن بشير صاحب معاوية لعين التمر و فيها يبدي ،عذره ويستنهض الناس لنصرته

مُنِيتُ (بليت) بِمَنْ لَا يُطيعُ إذَا أَمَرْتُ وَ لَا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ (إلى الجهاد) لا أَبَا لَكُمْ مَا تنتظرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبِّكُمْ أَمَا دينٌ يَجْمَعُكُمْ (عن هذا التفرّق) وَ لَا حَمِيّةَ (ترفّع، إباء مكابرة على الأعداء) تُحْمشُكُمْ (تجمعكم تحت راية القتال حولى) أقومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً (طالبا منكم بالصراخ) و أنَادِيكُمْ مُتَغوِّثاً (طالبا منكم المساعدة) فَلَا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلًا وَ لَا تُطِيعُونَ لي أمراً حَتَّى تَكَشَّفَ (تنكشف) الْأُمُورُ عَنْ عَواقِبِ الْمَسَاءَةِ (السوء الّذي يسوئكم من غلبة العدوّ و إنتقاص أطرافكم) فَمَا يُدْرك (لا يصاب) بِكُمْ ثَارٌ (دم سفكها الأعداء) وَ لَا يُبْلَغُ بِكُمْ

ص: 55

مَرَامٌ (مقصد) دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ (المقاتلين فى أطراف البلاد) فَجَرجَرتُم (صرختم و هو صوت البعير يردّده فى حنجرته) جَرْجَرَةَ الْجَمَل الأَسَرّ (و هو مرض في الكركرة و هي صدر الجمل و إنّ ذلك المرض ينشأ من الدبرة) و تَثَاقَلتُم تَثاقُلَ النَّضْوِ (الإبل المهزول) الْأَدْبَر (المجروح بالدبرة)ثُمّ خَرَجَ إلِيَ مِنكُم جُنَيدٌ (جند قليل) مُتَذَائِبٌ (مضطرب) ضَعيفٌ كَأَنما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُم يَنْظُرُونَ.

قال السيد الشريف: أقول، قوله علیه السَّلام « متذائب» أي مضطرب من قولهم تذاءبت الريح أي اضطرب هبوبها و منه سمي الذئب ذئبا لاضطراب مشيته.

40 - و من كلام له علیه السَّلام في الخوارج لمّا سمع قولهم «لا حكم إلا لله»

قَالَ علیه السَّلام: كَلِمَةُ حق يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ (فصارت شبهة و فتنة) نَعَمْ إِنَّهُ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ وَ لكنَّ هَؤُلاء (الخوارج) يَقُولُونَ لَا إِمْرَةَ (إمارة) إلَّا لله (و هي مستحيلة) وَ إِنَّهُ لَا بُدَّ للنَّاسِ (فى الواقع) من أمير بر أو فاجر (فاسق يفجر أمامه) يَعمَلُ فِي إِمرَتِهِ (إمارة ذلك الأمير بارّا كان أو فاجرا) الْمُؤْمِنُ وَ يَسْتَمْتعُ فِيهَا (تلك الإمرة) الكَافِرُ وَ يُبَلّغُ اللّهُ فِيهَا (تلك الإمرة) الْأَجَلَ (النهاية من العمر) وَ يُجمَعُ بِهِ (ذلك الأمير) الفيَءُ (الخراج و ما يحويه بيت المال) و يُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُو وَ تَأْمَنُ بِهِ السَّبُل (عن اللصوص السلّابين) و يُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ حَتَّى يَستَرِيحَ بَرّ وَ يُستَرَاحَ مِن فَاجِرٍ

وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ علیه السَّلام لَمَّا سَمِعَ تَحْكِيمُهُمْ قَالَ

حُكْمَ الله أنتظر فيكُم.

وَ قَالَ: أَمَّا الْإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِي وَ أَمَّا الْإِمْرَةُ الفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيَّ إِلَى أَنْ تَنْقَطَعَ مُدَّتْهُ (أجل ذلك الشقى أو ذلك الأمير الفاجر) و تُدرِكَهُ مَنِيّتُهُ (موته بالإحتمالين).

41 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها ينهى عن الغدر و يحذر منه

ص: 56

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْوَفَاءَ تَوامُ الصِّدْقِ وَ لَا أَعْلَمُ جُنَّةَ (وقاية) أوقى (أشدّ لحفظ صاحبها) مِنْهُ وَ مَا يَغْدِرُ (لا يخدع فى عهده) مَنْ عَلمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ (لأنّ لكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة) وَ لَقَدْ أَصْبحْنَا فِي زَمَانِ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً (عقلا، فطنة) وَ نَسَبهُم أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ (ذلك الزمان أو فى غدرهم) إلَى حُسنِ الحِيلَةِ مَا لَهُمْ (كيف يحكمون بما لا يعلمون) قَاتَلَهُمُ اللَّهُ قَدْ يَرَى الْحُولُ (الّذى بصير بتحويل الأمور) القُلَب (الّذى بصير بتقليبها) وَجهَ الحِيلَةِ (الكيد، الخدعة) وَ دُونَهَا (قربها) مانع مِنْ أَمْرِ الله وَ نَهْيِه (و لولا هذا المانع من الله لكان ذلك الحوِّل القلّب من أدهى الناس ويريد بذلك نفسه الزكيّة) فَيَدَعُهَا (يترك تلك الحيلة) رأي عَيْنِ (فى حال الرؤية بعينه لتلك الحيلة فالحيلة له صريحة) بَعدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَ يَنتَهِزُ (يبادر) فُرصتها مَنْ لَا حَرِيجَةَ (حرج، مانع) لَهُ فِي الدِّينِ (كمعاوية).

42 - و من كلام له علیه السَّلام و فيه يحذر من اتباع الهوى و طول الأمل في الدنيا

أيُّهَا النَّاسُ إِنْ أخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتَّبَاعُ الْهَوَى وَ طُولُ الْأَمَلِ فَأَمَّا اتَّبَاعُ الهَوى فَيصَدِّ (يمنع) عَنِ الْحَقِّ وَ أَمَا طُولُ الْأَمَلِفيَنُسيِ - الْآخِرَةَ أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلّت (أدبرت) حَذّاءَ (سريعة) فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ (بقيّة من الماء و اللبن فى الإناء) كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ اصْطَبهَا (أراقها) صابها (أم أبقاها فهما على السواء) أَلَا وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ (سريعة لسرعة فناء الدنيا) وَ لِكُلِّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاء الْآخِرَة وَ لَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاء الدُّنْيَا (لقلّة ما يصحبكم منها) فَإِنَّ كُلَّ وَلَدِ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ يَومَ الْقِيَامَةِ وَ إِنَّ الْيَوْمَ (في دار التكليف و البلاء) عَمَلٌ (تكليف مطابق للوسع) و لَا حِسَابَ وَ غَداً (يوم القيامة) حساب (بما عمل الناس في دار البلاء) و لَا عَمَلَ.

قال الشريف: أقول «الحذاء السريعة»، و من الناس من يرويه «جذاء»

ص: 57

43 - و من كلام له علیه السَّلام و قد أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام بعد إرساله جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية و لم ينزل معاوية على بيعته

إِنَّ اسْتعْدَادِي (تهيّئى) لحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَ جَرِيرٌ عِنْدَهُمْ إِغلَاقٌ (إقفال لأبواب الخير) لِلشّامِ وَ صَرفٌ (إنصراف) لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْر (و هو الدخول في بيعتى) إِنْ أَرَادُوهُ (ذلك الخير) وَ لَكِنْ قَدْ وَقَتْ لِجَرِيرِ وَقتاً لَا يُقِيمُ (جرير بالشام) بَعدَهُ (ذلك الوقت) إِلَّا مَخْدُوعاً (بحيلة معاوية) أو عَاصياً (مخالفا لأمرى) و الرّأيُ (للحرب) عنِديِ (ثابت) مَعَ الأَنَاةِ (التأنى من غير عجلة) فَأَرُودُوا (أمهلوا فسيروا برفق إلى أعدائكم) و لَا أَكْرَهُ لَكُمُ الْإِعْدَادَ (الإستعداد للحرب من عند أنفسكم) وَ لَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الأمر (من الحرب) وَ عَيْنَهُ (أى نظرت في مهمّات هذا الأمر) وَ قَلَبتُ ظَهْرَهُ وَ بَطَنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ (هذا الأمر) إِلَّا الْقِتَالَ (لمعاوية و أصحابه) أو الْكُفْرَ بمَا جاء (به) مُحَمّدٌ صلى الله عليه و آله (حيث أمرنى بحرب القاسطين) إِنَّهُ قَدْ كَانَ (وقع) عَلَي الأُمّةِ وَالٍ (و هو عثمان) أحْدَثَ أَحْدَانَا وَ أَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالًا (جعل لهم طريقا للقول فيه بتلك الأحداث و البدع) فَقَالُوا (فى أحداثه) ثُمَّ نَقَمُوا (عابوه ، عيّروه و أنكروا عليه أحداثه أشدّ الإنكار) فَغَيّرُوا (إمارته بقتله و إنّ القول من الناس يدعو إلى تغيير السلطان).

44 - و من كلام له علیه السَّلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية و كان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين علیه السَّلام و أعتقهم، فلما طالبه بالمال خاس (خان) به و هرب إلى الشام

قَبحَ اللهُ مُصْقَلَة (نحّاه عن الخير) فَعَلَ فعلَ السَّادَة وَ فَرّ فِرَارَ العَبِيدِ فَمَا أَنطَقَ مَادِحَهُ (بفعله فعل السادات) حَتَّى أَسْكَتَهُ (بفراره فرار العبيد) و لَا صَدَّقَ وَ اصْفَهُ (في توصيف فعله الحسن) حَتّي أَسكَتَهُ (عابه و شانه لتوصيفه له) وَ لَو أَقَامَ (مقامه و لم يفرّ إلى معاوية) لَأَخَذنَا مَيسُورَهُ (ما تيسّر له من أداء الدين) وَ انتَظَرنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ (كثرته ، فنطلب منه حين وفور ماله و لا نكلّفه فوق طاقته).

ص: 58

45 - و من خطبة له علیه السَّلام و هو بعض خطبة طويلة خطبها يوم الفطر وفيها يحمد الله و يذّم الدنيا

الْحَمْدُ لله غَير مَقْنُوط (مأيوس) مِنْ رَحْمَته وَ لَا مَخلُوّ مِنْ نعمته وَ لَا مَأيوس منْ مَغْفرته و لَا مُسْتَنْكَفِ (غير موضع للإستنكاف) عَنْ عِبَادَته (من خلقه بل يسبحه من في السماء و الأرض طوعا و لا يستنكف عن العبادة له أحد من خلقه فهو) الَّذِي لَا تَبْرَحُ (تزول) مِنْهُ رَحْمَةٌ وَ لَا تُفْقَدُ (تعدم) لَهُ نِعمَةٌ.

وَ الدُّنْيَا دَارٌ مُني (قدر) لَهَا الْفَناء (النفاد) و لأهْلِهَا مِنْهَا الْجَلَاء (الخروج عن الوطن) و هي حلْوَةٌ خَضْراء (لمن نظر إليها فيرى منها ظاهرا) وَ قَدْ عَجِلَتْ (أسرعت) لِلطّالِبِ (فمن طلبها وجدها حاضرة عاجلة سريعة) وَ التَبَسَت (إمتزجت إختلطت) بِقَلْبِ النَّاظِرِ (إليها فصارت له فتنة) فَارْتَحلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ (و هو التقوى) وَ لَا تَسْأَلُوا (من الله) فِيهَا فَوْقَ الْكَفاف (و الكفاف هو ما يكفّ الإنسان و يكفيه عن السؤال و يبلغه إلى الغاية و هو المسمّى بالرزق الواسع الّذى وسع كلّ ما يحتاج إليه الإنسان فى عيشه و هذا هو حقيقة الرزق) وَ لَا تَطلُّبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ منَ (الرزق) البَلَاغِ (و هو ما يبلغ العبد إلى غايته من الخلقة و يكفّه عن السؤال و هذا هو حقيقة القناعة فالأكثر من هذا الرزق هو المانع للبلوغ لأنّ في الزيادة طغيانا كما أنّ فى النقصان مشغلة و إهتماما).

46 - و من كلام له علیه السَّلام عند عزمه على المسير إلى الشام و هو دعاء دعا به ربه عند وضع رجله في الركاب

اللَّهُم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَ عْثَاء (مشقّة) السَّفَرِ وَ كَابَة (حزن) الْمُنْقَلَبِ (المرجع) وَ سُوء الْمَنْظَرِ فِي الأهْلِ وَ الْمَالِ وَ الْوَلَد اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ (مع المسافر) فِي السِّفَرِ وَ أَنْتَ الْخَليفَة (للمسافر) فِي الأَهلِ وَ لَا يَجمَعُهُمَا (الصحبة و الخلافة فى وقت واحد) غَيْركَ لأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ (في مكان) لا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً (فى مكان آخر) وَ الْمُسْتَصْحَب (فى مكان) لَا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً

ص: 59

(فى آخر فأنت مع كلّ شيء لا بمقارنة و غير كلّ شيء لا بمزايلة).

قال السيد الشريف رضي الله عنه: و ابتداء هذا الكلام مروي عن رسول الله صلى الله عليه و آله و قد قفاه أمير المؤمنين علیه السَّلام بأبلغ كلام و تممه بأحسن تمام من قوله «و لا يجمعهما غيرك» إلى آخر الفصل.

47 - و من كلام له علیه السَّلام في ذكر الكوفة

كأَنَيّ (أنظر) بِك يَا كُوقَهُ تُمَدِّينَ مَدَّ الأَدِيمِ (الجلد المدبوغ) العكُاَظيِ (إسم موضع بناحية مكّة) تُعرَكِينَ (تمارسين، تدلكين، تحكّين) بِالنّوَازِلِ (المصائب النازلة) و تُركَبِينَ بِالزَّلازِلِ (من الحروب و غيرها) وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِك جَبارٌ سُوءاً إِلَّا ابْتِلَاهُ اللهُ بِشَاغل (يشغله عنك) وَ رَمَاهُ بقاتل.

48 - و من خطبة له علیه السَّلام عند المسير إلى الشام قيل إنّه خطب بها و هو بالنخيلة خارجا من الكوفة إلى صفين

الحَمْدُ لله كُلَّمَا وَ قَبَ (دخل) لَيلٌ وَ غَسَقَ (إشتدّت ظلمته) و الْحَمْدُ لله كُلَّمَا لَاحَ (طلع، ظهر) نَجمٌ وَ خَفَقَ (غاب) وَ الْحَمْدُ لله غَير مَفْقُودِ الْإِنْعَامِ (بل أنعم على عباده دائما فيستحقّ الحمد دائما) وَ لَا مُكَافَا (غير مثاب ب) الْإِفْضَالِ (منه تعالى على الخلق فهو لا يجازي بإفضاله على عباده فنعمه عليهم فضل منّه و منة عليهم) أما بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ (إلى الشام) مُقَدِّمَتِي (صدر جيشى) وَ أَمَرْتُهُم بِلْزُومِ هَذَا الْمِلْطاطِ (حافة الوادى و ساحل البحر أى شاطئ الفرات) حتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي وَ قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ (أمضى) هَذِهِ النُّطْفَة (الماء، نهر الفرات) إِلَى شِرْذِمَةِ (قليل) مِنْكُمْ مُوَطَّنينَ أَكْنَافَ (جوانب) دجلَة فَأنْهضَهُمْ (أقيم مقدّمتى و الموطنين أكناف دجلة جميعا) مَعَكُم إِلَى عَدُوِّكُمْ (معاوية) وَ أَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ (ناصرى) الْقُوَّةِ لَكُمْ (فى جهاد عدوكم).

ص: 60

قال السيد الشريف: أقول يعني علیه السَّلام بالملطاط هاهنا السمت الذي أمرهم بلزومه و هو شاطئ الفرات و يقال ذلك أيضا لشاطئ البحر و أصله ما استوى من الأرض و يعني بالنطفة ماء الفرات و هو من غريب العبارات و عجيبها.

49 - و من كلام له علیه السَّلام و فيه جملة من صفات الربوبية و العلم الإلهي

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ (علم) خَفيّات الأمورِ (الأمور الخفيّة المستورة عنكم) وَ دَلّت عَلَيهِ أَعلَامُ الظّهُورِ (ممّا ظهر للعقول بما فى خلقه من علامات التدبير المتقن و القضاء المبرم) وَ امتَنَعَ عَلَي عَينِ البَصِيرِ (أن تراه تعالى) فَلا عَيْنٌ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنكرهُ وَ لَا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ (و الصحيح هو الرواية الأخرى و هو قوله علیه السَّلام: فلا قلب من لم يره ينكره و لا عين من أثبته تبصره) سبقَ فِي الْعُلُو فَلَا شَيءٍ أعْلَى مِنْهُ (فهو الخالق فوق المخلوق و الرازق فوق المرزوق و...) وَ قَرَبَ (دنى) في الدُّنُو فَلَا شَيْءٍ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا اسْتعْلاؤُهُ (عن الخلق بذاته) بَاعَدَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ خَلْقه وَ لَا قُرْبُهُ (إلى خلقه بالفضل عليهم) سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ لَمْ طلع الْعُقُولَ عَلَى تَحديد صفَته وَ لَمْ يَحْجُبهَا (العقول) عَنْ وَاجِب مَعْرِفَته فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الوُجُودِ (من خلقه) عَلَي إِقرَارِ قَلبِ ذيِ الجُحُودِ (الإنكار، فالقلب المنكر يشهد به حين الإنقطاع من الأسباب فلا يمكن لأحد أن ينكره) تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبهُونَ بِه (من التجسيم) وَ الْجَاحِدُونَ (المنكرون) لَهُ عُلُوا كَبِيراً.

50 - و من كلام له علیه السَّلام و فيه بيان لما يخرب العالم به من الفتن و بيان هذه الفتن

إِنَّمَا بَدء وُقُوعِ الْفِتَنِ (الّتى تزلّ فيها الأقدام) أهْوَاء تُتَّبَعُ وَ أَحْكَامُ تُبْتَدَعُ (تخترع من عند تلک الأنفس المشغولة بالهوى) يُخَالَفُ فيها (تلك الأحكام المبتدعة) كِتَابُ اللّهِ (لأنّ الأهواء لا تجتمع الهدى) وَ يَتَوَلّي (يقبل الولاية) عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالًا عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مزاج (إختلاط) الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ (الطالبين للحقِّ) وَ لَوْ أَنَّ الْحَقِّ خَلَصَ مِنْ لَبْس (إشتباه) الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ (الحقّ) ألسُنُ الْمُعَاندين

ص: 61

(المخالفين، المعارضين) وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا (الحق أو الباطل) ضِغثٌ (قطعة) وَ مِنْ هَذَا (الحقّ أو الباطل) ضِغثٌ فَيُمزَجَانِ (يختلطان) فَهُنَالِكَ (عند الإمتزاج) يسَتوَليِ (يغلب) الشّيطَانُ عَلَي أَولِيَائِهِ (فينطق بألسنتهم و ينظر بأعينهم و يركب بهم الزلل) وَ يَنجُو (من الفتن بشقّها بسفن النجاة) الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى.

51 - و من خطبة له علیه السَّلام لمّا غلب أصحاب معاوية أصحابه علیه السَّلام على شريعة الفرات بصفين و منعوهم الماء:

قد اسْتَطْعَمُوكُمُ (طلب أهل الشام منكم أن تطعموهم) القِتَالَ فَأَقِرّوا (كونوا على قرار، إستقرّوا) عَلَى مَذَلَّةٍ (ذلّة المقهوريّة) وَ تَأخِيرِ مَحَلّةٍ (حلول، فقد تأخّرتم عن الحلول على الفرات) أَو رَوّوا (إنقعوا) السّيُوفَ مِنَ الدّمَاءِ تَروَوا (يذهب عطشكم) منَ الْمَاء فَالْمَوْتُ (الحقيقى) في حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ (مغلوبين) وَ الْحَيَاةُ (حقيقة) فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ أَلَا وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ (سير) لمَةٌ (جماعة قليلة) منَ الْغُواة (الضالين) وَ عَمِّسَ (أخفى) عَلَيْهِمُ الْخَبَر (فى قتل عثمان فلبّس الأمر عليهم) حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ (أهداف) الْمَنِيّة (الموت فخرجوا طالبين لدم عثمان مع أنّ معاوية من قتلته).

52 - و من خطبة له علیه السَّلام و هي في التزهيد في الدنيا و ثواب الله للزاهد و نعم الله على الخلق

ألَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرمَتْ (مضت خطوة فخطوة) وَ آذَنَتْ (أخبرت) بِانقِضَاءٍ (من مدتها) وَ تَنَكّرَ مَعرُوفُهَا (لأنّ الليل و النهار يبليان منها كلّ جديد فما كان جديدا معروفا صار باليا (متنكّرا) و أَدبَرَت حَذّاءَ (مسرعة) فَهِيَ تَحفرُ (ترّغب ، تحرّض أو تطعن) بِالْفَنَاء سُكَانَهَا وَ تَحْدُو (تسوق بالغناء) بِالمَوتِ جِيرَانَهَا وَ قَد أَمَرّ (صار مرّا) فِيهَا مَا كَانَ حُلُوا وَ كَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً (خالصا) فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا سَمَلَةٌ (بقية الماء) كَسَمَلَةِ الْإِدَارَةِ (المطهرة) أو جُرْعَة کجْرعَةِ

ص: 62

المَقلَةِ (و هى حصاة يعيّن بها سهم الماء لكلّ من المسافرين إذا قلّ الماء) لو تَمَزّزَهَا (إمتصص منها) الصدْيَانُ (العطشان) لَم يَنقَع (يرو) فَأَزْمعُوا (إعزموا) عبادَ الله الرّحيلَ عَنْ هَذه الدَّارِ الْمَقْدُورِ (المقدّْر) عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ (الفناء) وَ لَا يَغْلبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَل (الّذي ينسى الآخرة) وَ لَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ (فتحسبون الأمد فيها طويلا بل الرحيل و شيك).

فَوَاللّهِ لَو حَنَنتُم (جزعتم، صحتم) حَنِينَ الوُلّهِ العِجَالِ (كلّ أنثى من الإبل فقدت ولدها) وَ دَعَوتُم بِهَدِيلِ (نوح) الحَمَامِ (و هو صوته عند فقد إلفه) وَ جَأَرتُم (رفعتم صوتكم بالإنابة) جُؤَارَ متُبَتَلّيِ (منقطعى) الرّهبَانِ (الخائفين، الّذين إنقطعوا إلى الله من حبّ الأموال و الأولاد) و خَرَجْتُم إِلَى اللَّه مِنَ (حبّ) الأَموَالِ (بإنفاقها) و (من حبّ) الأَولَادِ (بترك الإشتغال بهم لأنّ فيهما الفتنة) الْتِمَاس (طلب) الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ أَوْ غُفْرَانِ سَيِّئَةِ (واحدة) أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ (من ملائكته) وَ حَفِظَتهَا (و عتها) رُسُلُهُ (من الملائكة) لَكَانَ (ذلك الحنين و الهديل و الجوار و الخروج من الأموال و الأولاد) قَلِيلًا فِيمَا أَرجُو لَكُم مِن ثَوَابِهِ (من إرتفاع درجة لكم أو غفران سيّئة عنكم) وّ (قليلا فيما) أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِه.

وَ تَاللَّهِ لَوِ انمَاثتْ (ذابت) قُلُوبُكُمُ (من الخوف أو الرجاء) انمِيَاثاًً وَ سَالَتْ (أراقت) عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَة إِلَيه (لإرتفاع درجة) أو (من) رَهْبَة مِنْهُ (لمغفرة سيّئة) دَماً (بدل الدموع) ثُمّ عُمّرتُم (بتلك الحالة من الخوف و الرجاء) في الدُّنْيا ما (دامت) الدُّنْيا بَاقِيَة مَا جَزَتْ (لم تُكافأ) أَعْمَالَكُمْ عَنْكُمْ - وَ لَوْ لَمْ تُبقُوا شَيْئاً (قليلا) مِنْ جُهْدِكُمْ - أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ وَ (ما جزت أعمالكم) هُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلْإِيمَانِ.

53 - و من خطبة له علیه السَّلام في ذكرى يوم النحر و صفة الأضحية

وَ منْ (شرائط) تَمَامِ (كمال) الأُضحِيّةُ (و هى ما تذبح يوم النحر) استشْرافُ (تفقّد طول) أُذُنَهَا (لتكون صحيحة) وَ سَلَامَهُ عَيْنهَا (من العمى) فَإِذَا سَلَمَت الأذنُ وَ الْعَيْنُ سَلَمَت الأضْحِيَّةُ وَ تَمَّتْ وَ لَوْ كَانَتْ (تلك الأضحية) عَضْبَاءَ (مكسورة) القَرنِ (النجم) تَجُرّ رِجلَهَا إِلَى

ص: 63

المَنسَكِ (المذبح و هو من مناسك الحجّ).

قال السيد الشريف: و المنسك هاهنا المذبح.

54 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها يصف أصحابه بصفين حين طال منعه لهم من قتال أهل الشام

فَتَدَاكُوا (تزاحموا) عَلَى (للبيعة) تَدَاكّ (إزدحام) الإِبِلِ الهِيمِ (العطاش) يَومَ وِردِهَا (على الماء) و قَدْ أَرْسَلَها (أطلقها) رَاعِيهَا (مراقبها) و (قد) خُلعَتْ (تركت) مَثَانِيهَا (حبالها المنسوجة من صوف أو شعر) حَتّي ظَنَنتُ أَنّهُم قاَتلِيِ (لكثرتهم و تزاحمهم) أو بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْض لَدَي و قَدْ قَلَبتُ هَذَا الْأَمْرَ (من كيفيّة العمل بمعاوية و أصحابه) بَطْنَهُ (باطنه) وَ ظَهرَهُ (ظاهره) حَتّي منَعَنَيِ (تقليب ذلك الأمر بالتأمّل حوله) النّومَ فَمَا وجَدَتنُيِ يسَعَنُيِ إِلّا قِتَالُهُم أَوِ الجُحُودُ (الإنكار) بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ صلّى الله عليه و آله (من الدين) فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ القتال أهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَة العقاب و (كانت) مَوتَاتُ الدُّنْيَا (و لو كانت ألف مرّة بالسيوف) أَهْوَنَ (أسهل) عَلَى مِنْ مَوْتَات الآخرة (الواقعة فى جهنّم حيث لا يموت فيها أحد و لا يحيى و هذا أشدّ الموتات)

55 - و من كلام له علیه السَّلام و قد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين

أما قَوْلُكُمْ (لى) أكُلَّ ذلك (الإستبطاء منّى) كَرَاهِيَة الْمَوْتِ (خوفا منه) فَوَاللَّهُ مَا أَبَالِي دَخَلْتُ إلى الموت أو خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ وَ أَمَّا قَوْلُكُمْ (إنّك شككت) شكّاً في (قتال) أَهْلِ الشَّامِ (لأنّهم مسلمون) فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ (و ما أخرتها) يوماً إِلَّا وَ أَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ فِي طَائِفَةٌ (منهم) فَتَهتَدي (تلك الطائفة) بي و تَعْشُو (تبصر ببصر ضعيف) إِلَي ضوَئيِ وَ ذَلِكَ (الاهتداء و الإلحاق بالحقِّ) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَها (تلك الطائفة) عَلَى ضَلَالِهَا وَ إِنْ كَانَتْ تَبُوهُ (ترجع

ص: 64

تلك الطائفة إلى الله بعد القتل) بآثامها (ذنوبها و يكون الورز عليهم و لا وزر علينا).

56 - و من كلام له علیه السَّلام يصف أصحاب رسول الله و ذلك يوم صفين حين أمر الناس بالصلح

وَ لَقَد كُنّا (فى الحروب) مَعَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله نَقْتُلْ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ أَعْمَامَنَا مَا يَزِيدُنَا ذَلك (القتال لهم) إلَّا إيماناً (بالله) و تَسليماً (لرسوله) و مُضِيّاًً (سلوكا) عَلَى اللَّقَمِ (الجادّة الوسطى) وَ صَبراً عَلَى مَضَض (وجع ، كراهة) الألم و جِدّاً في جِهَادِ العَدُوّ وَ لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ الْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا (الّذين هم الآباء و الأبناء و الإخوان و الأعمام) يَتَصَاوَلَانِ (يحمل كلّ منهما على الآخر) تصاولَ الْفَحْلَيْنِ يَتَخَالَسَانِ (يطلب كلّ منهما إنتزاع) أَنفُسَهُمَا أَيّهُمَا يسَقيِ صَاحِبَهُ كَاسَ الْمَنُون (الموت) فَمَرةً لَنَا (الظفر و الفتح) مِنْ عَدُوِّنَا وَ مَرَّةً لعَدُوِّنَا (النصيب) مِنّا فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صدقَنَا (في جهاد العدوّ و لو كان من أرحامنا) أَنْزَلَ بِعَدُونَا الْكَبَتَ (الذّل و الخذلان) وَ أَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ (الظفر بالصبر) حَتَّى اسْتَقَرُ الإِسْلَامُ مُلقياً جِرَانَهُ (مقدمة عنقه على الأرض) و مُتَبَوّئاً (متهيئا) أو طانَهُ وَ لَعَمْرِي لَو كُنَّا نَأْتِي (نعمل مع رسول الله) مَا أَتَيْتُمْ (تعملون فى هذه الأيّام من خلافتى عند لقاء العدوّ) مَا قَامَ (لم يقم) للدِّينِ عَمُودٌ وَ لَا اخْضَرْ لْإِيمَانِ عُودٌ (غصن) وَ ايْمُ الله (اقسم بالله) لَتَحْتَلبَنَّهَا (تستخرجون من ضرع الخلافة) دَماً وَ لَتُتبِعُنّهَا (بالتقصير عن الجهاد) نَدَماً (إذا رأيتم الخلافة في أيدى غيركم و في دار عدوّكم).

57 - و من كلام له علیه السَّلام في صفة رجل مذموم ثم في فضله هو علیه السَّلام

أما إِنَّهُ سَيَظْهَرُ (يغلب) عَلَيْكُم بَعْدِي رَجُلٌ (و هو معاوية) رَحبُ (واسع) البُلعُومِ (مجرى الطعام فى الحلق) مُنْدَحقُ (عظيم) الْبَطْنِ يَأكُلُ مَا يَجِدُ (و هو من الإسراف) وَ يَطلُبُ مَا لَا يَجِدُ (و هو من الحرص إلى الكظّة و البطنة فقد صار معاوية كذلك بدعاء من الرسول

ص: 65

الأعظم عليه) فَاقْتُلُوهُ وَ لَنْ تَقْتُلُوهُ أَلَا وَ إِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بسِبَيّ (اللعن علىّ) وَ البَرَاءَةِ (خلوّ القلب) منِيّ (من الحبّ و الولاية) فَأَمّا السّبّ (بالقول دون تبرّى القلب منهما) فسَبُوّنيِ (رخصة منّى لكم) فَإِنَّهُ لِي زَكَاةً (طهارة) وَ لَكُمْ نَجَاةٌ (من القتل) وَ أمَّا الْبَرَاءَةُ فَلَا تَتَبَرّءُوا منِيّ فَإِنِّي وَلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَ سَبَقَتُ إِلَى الْإِيمَانِ (بالله و رسوله) و (إلى) الهِجرَةِ (إلى المدينة مع رسوله و لا تجوز البراءة من الموحد السابق إلى الإيمان).

58 - و من كلام له علیه السَّلام كلّم به الخوارج حين إعتزلوا الحكومة و تنادوا أن لا حكم إلّا لله

أَصَابَكُمْ حَاصبٌ (ريح شديدة فيها صغار الحصى) وَ لَا بَقِيَ مِنكُم آثِرٌ (مخبر) [آبرّ] (مصلح للنخل) [آبزّ] (واثب) أَبَعدَ إيِماَنيِ بِاللّهِ (قبل الناس كلّهم بسبع سنين) و (بعد) جِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلّى الله عليه و آله أَشْهَدُ عَلَى نَفْسي بالكُفْرِ (لقبول الحكميّة) لَقَدْ ضَلَلْتُ إذاً وَ ما أَنَا منَ الْمُهْتَدِينَ فَأُوبُوا (إنقلبوا) شَر مّآب (مرجع و هو ما سيأتى فى الخطبة) وَ ارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الأَعقَابِ (الأجيال من الأمم الماضية الهالكة التى يعقب بعضها على أثر البعض) أَمَا إِنّكُم سَتَلقَونَ بعَديِ ذُلّا شَامِلًا (عامّا) وَ سَيفاً قَاطِعاً (كسيف المهلّب الّذي جعل السيف فيهم فقتلهم) وَ أَثَرَةً (إستبدادا) يَتَّخذْهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَةٌ (فيدفعونكم عن حقوقكم حتّى تصيروا فقراء فتكونوا سلّابين قطّاعين للطريق، فقد وقع ما أخبر به أمير المؤمنين علیه السَّلام من الذلّ و الفقر و القتل فأفناهم الله تعالى بأيدى الجبابرة كالمهلّب إبن أبي صفرة و هذا هو شرّ مآب لهم).

قال الشريف: قوله علیه السَّلام «و لا بقي منكم آبر» يروى على ثلاثة أوجه أحدها أن يكون كما ذكرناه آبر بالراء من قولهم للذي يأبر النخل أي يصلحه. و يروى آثر و هو الذي يأثر الحديث و يرويه أي يحكيه و هو أصح الوجوه عندي كأنه علیه السَّلام قال لا بقي منكم مخبر. و يروى آبز بالزاي المعجمة و هو الواثب و الهالك أيضا يقال له آبز.

ص: 66

59 - و قال علیه السَّلام لمّا عزم على حرب الخوارج و قيل له إنّ القوم عبروا جسر النهروان

مَصَارِعُهُم (مواضع قتلهم) دُونَ (قرب، تحت) النُّطْفَة (النهر) وَ الله لا يُفْلتُ (ينجو) منهُم (الخوارج) عَشَرَةٌ (بل ينجو منهم أقلّ منها أى تسعة قد تفرّقوا في أطراف البلاد) وَ لَا يَهْلك منْكُمْ عَشَرَةٌ (بل اهلك ثمانية فوقع كما أخبر به أمير المؤمنين علیه السَّلام).

قال الشريف: يعني بالنطفة ماء النهر و هي أفصح كناية عن الماء و إن كان كثيرا جما و قد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند مضي ما أشبهه.

60 - و قال علیه السَّلام لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم

كَلّا (لم يهلك بأجمعهم كما تزعمون) و الله إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلَابِ (هولاء) الرّجَالِ (الباقين الناجين من القتل) وَ قَرَارَاتِ (أرحام) النِّسَاء كُلَّمَا نَجمَ (ظهر) مِنْهُمْ قَرْنٌ (سيّد، رئيس) قُطع (بالقتل) حَتَّى يَكُونَ آخرُهُمْ لصُوصاً (سارقين) سَلّابِينَ (مختلسين قطّاعين للطريق في أطراف البلاد بإصبهان و الأهواز و غيرها من البلاد و هذا هو الّذل الشامل و الأثرة الّتي يتّخذها الظالمون فيهم سنّة).

61 - و قال علیه السَّلام

لَا تُقَاتِلُوا الْخَوَارِجَ بعدي فَلَيسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقِّ (و هم الخوارج) فَأَخْطَأه (و لم يصل إلى الحقِّ لقصوره) كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ (أصاب الباطل و هم معاوية و أصحابه).

قال الشريف: يعني معاوية و أصحابه.

62 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا خوف من الغيلة

وَ إِنَّ عَلَي (و على كلّ نفس) مِنَ اللّهِ جُنّةً (وقاية) حَصِينَةً (حافظة بملكين من ملائكته

ص: 67

يحفظان من أمر الله و وقائعه) فَإِذَا جَاءَ يَوْمي (للرحيل بالأجل المضروب علىّ) انْفَرَجَتْ (تلك الجنّة) عَنِّي وَ أَسْلَمَتْني (إلى الموت) فَحِينَئِذٍ (حين إذ جاء يومى) لَا يَطِيشُ (يخطأ) السهم (سهم الموت) وَ لَا يَبرَأُ (يشفى) الْكَلِّمُ (الجرح).

63 - و من خطبة له علیه السَّلام يحذر من فتنة الدنيا

أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ لَا يُسْلَمُ (لا تقع السلامة لأحد) مِنهَا (لما فيها من اللذّات و المشتهيات الموجبة للشقاء) إِلّا فِيهَا (بإكتساب الزاد منها) وَ لَا يُنجَي (لا تقع النجاة لأحد) بشيء (من الأعمال) كَانَ (وقع) لَهَا (لأجل الدنيا فمن عمل لها فلا نجاة له) ابتلُيِ النّاسُ بِهَا (لما فيها من الزخارف و المشتهيات الملائمة للنفس) فِتنَةً (إمتحانا) فَمَا (شيء) أَخَذُوهُ مِنْهَا (الدنيا) لَهَا (لا للآخرة) أُخرِجُوا (از عجوا) مِنهُ (ذلك الشيء بالموت قهرا) وَ حُوسِبُوا عَلَيهِ (و لو كان من الحلال) و مَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لغَيرهَا قدمُوا عَلَيه (في الآخرة و وجدوه حاضرا) وَ أقَامُوا فيه (إستقرّوا فى ما أخذوا منها للآخرة خالدين فيه جزاء بما كانوا يكسبون) فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوي الْعُقُول (و هم الّذين أخذوا من الدنيا للآخرة) كَفَيء (رجوع) الظّلّ (من المغرب إلى المشرق بعد الزوال فينبسط) بَينَا تَرَاهُ (ذلك الفيء) سَابِغاً (تاما) حَتّي قَلَصَ (إنقبض) و (بينا تراه) زائداً حَتّى نَقَصَ (و هذا بيان لحقيقة الدنيا و ما فيها من القبض فى عيشها و البسط فيه).

64 - و من خطبة له علیه السَّلام في المبادرة إلى صالح الأعمال

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ بَادِرُوا (سابقوا) آجَالَكُمْ بِأَعْمَالَكُمْ وَ ابْتَاعُوا (إشتروا) مَا يَبْقَى لَكُمْ (من الآخرة) بما يزولُ عَنكُم (من نعيم الدنيا) وَ تَرَحّلُوا (إنتقلوا من الدنيا بقلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم) فَقَدْ جَدَّ (أسرع) بِكُم (فى السير إلى الله) وَ اسْتَعدُّوا لِلمَوتِ (و غمراته و أهواله) فَقَدْ أَظَلَكُمْ (أحاط بكم) وَ كُونُوا قَوماً صِيحَ بِهِم فَانتَبَهُوا (من نوم الغفلة) وَ عَلموا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُم بِدَار (للقرار) فَاسْتَبدَلُوا (طلبوا الآخرة بدل الدنيا) فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ

ص: 68

يَخْلُقَكُمْ عَبَثًا وَ لَمْ يَتْرَكُكُمْ سُدًى (مهملا) وَ مَا بَينَ أحَدِكُمْ وَ بَينَ (الغايتين) الْجَنَّةِ أو النَّارِ إِلَّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ (أحدكم) و إِنَّ غَايَةَ (و هى الأجل) تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ (و هى أقلّ الزمان) و تَهُدمُهَا (تدمرها) السَّاعَةُ لَجديرةٌ (حرية ، أهل، مستحقّة) بقصَرِ الْمُدَّةَ وَ إِنْ غائباً (و هو الموت) يَحْدُوهُ (يسوقه بالسرعة) الجَديدَانِ اللَّيْلُ و النَّهَارُ لحَرِي بِسُرْعَة الْأُوبَة (الرجعة إلى جميعكم) وَ إِنَّ قَادِماً (و هو الموت) يَقْدُمُ بِالْقَوْزِ (الجنّة) أوِ الشَّقْوَة (النار) لَمُسْتَحِقٌ (حرىّ جدير) لأفضل العدّة (الإستعداد له) فَتَرُودُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا (شيئا) تَحْرَزُونَ (تحفظون) بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً (و هو التقوى) فَاتَّقَى عَبدٌ رَبّهُ نَصَحَ نَفْسَهُ (بلا غشّ لها) وَ قَدَّمَ تَوبَتَهُ (قبل منيته) وَ غَلَبَ شَهْوتَهُ (هواه) فَإِنْ أَجَلَهُ مَستَور عَنْهُ وَ أَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ وَ الشَّيْطَانُ موكَّل به (الإضلاله) يزينُ لَهُ الْمَعْصية (مع قبحها عقلا و نقلا) ليركَبها (يعملها بالركوب عليها) و يُمَنّيهِ التّوبَةَ (يجعل الشيطان التوبة له أمنيّة و أملا) لِيُسَوّفَهَا (يؤخّرها) إِذَا هَجَمَتْ مَنِيتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا (حالة) يَكُونُ (ذلك العبد) عَنْهَا (المنيّة، ليصير عبدا آبقا فى طلب الدنيا) فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلُّ ذِي غَفْلَة (من الموت بالتمنّى و التسويف) أَنْ يَكُونَ عُمُرهُ عَلَيْه حُجَّةَ وَ أَنْ تُؤَدّيَهُ (تجرّه) أَيَّامُهُ (فى الحياة الدنيا) إلَى الشَّقَّوَة (النار) نَسْألُ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَ إِيّاكُم مِمّن لَا تُبطِرُهُ (لا توقعه فى شدّة الفرح) نِعمَةٌ وَ لَا تُقَصّرُ بِهِ (تؤخّره) عَنْ طَاعَة رَبِّه غَاية (نهاية من آمال الدنيا) وَ لَا تَحُلّ (تنزل) به بَعْدَ الْمَوْتِ نَدَامَة (لتقصيره في أيّام عمره و تسويفه التوبة) وَ لَا (تحلّ به) كَابَةٌ (حزن).

65 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها مباحث لطيفة من العلم الإلهي

الْحَمْدُ لله الذي لَمْ تَسْبقَ لَهُ حَالٌ (صفة) حَالًا (صفة أخرى) فَيَكُونَ أَولا قبلَ أَنْ يَكُونَ آخراً وَ يَكُونَ ظاهراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ باطناً كُلُّ مُسَمَّى بالوَحدَة غَيره (من خلقه) قَليلٌ (لأنّ الوحدة فيهم هي عين الحدّ حيث تكون وحدة عدديّة و إنّ الوحدة فيه تبارک و تعالی نفی الحدّ بخلاف الخلق) وَ كُلَّ عَزِيزِ غَيْرَهُ دَليلٌ وَ كُلُّ قَوِي غَيْره ضَعِيفٌ وَ كُلُّ مَالك غَيْرَهُ مَمْلُوک وَ كُلَّ

ص: 69

عَالِمٍ غَيْرَهُ مُتَعَلَّمُ وَ كُلُّ قَادِر غَيْره يَقْدِرُ (على أمور) وَ يَعجَزُ (عن الأخرى أو يكون في حين قدرته محتاجا إليه تعالى فلولاه لم يقدر) وَ كُلُّ سَميع غَيرهُ يَصَمُ عَنْ لَطِيفِ الأَصوَاتِ (لا يسمع الأصوات اللطيفة) و يُصمُهُ كَبِيرُهَا (الأصوات) وَ يَذْهَبُ عَنْهُ (يترك السميع) مَا (شيء) بَعْدَ مِنْهَا (الأصوات) وَ كُلُّ بَصِيرِغَيْرَهُ يَعْمَى عَنْ خَفِي الْأَلْوَانِ (الألوان الخفيّة) وَ لَطِيفِ الأَجسَامِ (الأجسام اللطيفة) وَ كُلَّ ظَاهِرِ غَيره بَاطِنٌ (مخفى لغلبة ظهوره تعالى) وَ كُلُّ بَاطِنِ غَيْره غَيرُ ظَاهِرٍ (و هو الظاهر و الباطن) لَمْ يَخْلُقُ مَا خَلَقَهُ لِتَشدِيدِ سُلْطَانِ (بالإستعانة منهم) وَ لَا (خلقه ل) تَخَوفِ مِنْ عَوَاقِبٍ زَمَانِ (من الشدائد) وَ لَا (ل) اسْتِعَانَةِ عَلَى نِدّ (شریک) مُثاوِرٍ (محارب) وَ لا (ل) شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ (طالب للكثرة و التفاخر بها) وَ لَا (ل) ضِدّ مُنَافِرٍ (طالب للغلبة بالرفعة فى الحسب) وَ لَكنْ (إنّ ما خلقه الله تعالى) خَلَائِقُ مَرْبُوبُونَ (مملوكون) و عبادٌ دَاخِرُونَ (أذلّاء) لَمْ يَحلُلْ (يدخل الله سبحانه) فِي الْأَشْيَاء فَيُقَالَ هُوَ كَائنٌ (فيها بالحلول و الولوج) وَ لَم يَنأَ (يبعد) عَنْهَا (الأشياء) فَيُقَالَ هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ (منقطع، مفارق) لَم يَؤُدُهُ (ما ثقل عليه و ما تعبه) خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ (بلا مثال) وَ لَا تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ (خلق) وَ لَا وَقَفَ به عَجْزَ عَمَّا خَلَقَ وَ لا وَ لَجَتْ ( دخلت) عَلَيْه شُبهة فيمَا قَضَى و قَدْرَ (الخلائقه) بَلْ (ما قضاه و قدّره) قَضَاء متقَنِّ (محكم) وَ عِلمٌ مُحكَمٌ وَ أَمرٌ مُبرَمٌ (محتوم فهو) الْمَأْمُولُ (منه الخير) مَعَ النَّقَمِ (العقوبات للعاصين و هو) الْمَرْهُوبُ (الّذى يخاف منه)مَعَ النّعَمِ (للمطيعين فهو المنتقم المثيب و لم يسبق غضبه رحمته و لا رحمته غضبه لعدم التجزئة في ذاته مع أنّه تبارک و تعالی سبقت رحمته غضبه حيث أراد الرحمة على عباده بالأصالة و لم يرد العقاب إلّا بما كسبت أيديهم).

66 - و من كلام له علیه السَّلام في تعليم الحرب و المقاتلة و المشهور أنّه قاله لأصحابه ليلة الهرير أو أول اللقاء بصفّين

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَشْعرُوا الْخَشْيَة (إجعلوها شعارا) وَ تَجَلبَبُوا السّكِينَةَ (إجعلوها جلبابا

ص: 70

لأنفسكم) وَ عَضُوا (شدّوا) عَلَى النَّواجِذ (أقصى الأضراس) فَإِنَّهُ (العضّ على النواجذ) أَنْبَى (أصلب، أقوى) لِلسّيُوفِ (و وقوعها) عَنِ الْهَامِ (عظام الرأس فالعضّ يدفع شدّة الوقع من السيوف على الرأس) وَ أَكْملوا اللأمة (الدرع لجميع البدن) و قَلقِلُوا (حرّكوا) لسّيُوفَ فِي أَغمَادِهَا (غلافها) قَبْلَ سَلَّها (إخراجها عن الأغماد) وَ الحَظُوا (انظروا) الْخَزرَ (ضيق العين، محرّكة النظر لشدّة الغضب على العدوّ) و اطعُنُوا (عليه) الشَّزْرَ (الطعن في الجوانب يمينا و شمالا) و نَافِحُوا (ضاربوا) بِالظّبَي (حدّ السيف) وَ صِلُوا السّيُوفَ (إجعلوها متّصلة) بِالخُطا (و هو جمع الخطوة أى إستعينوا بالخطا لوصول السيف بالعدوّ) وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ الله وَ مَعَ ابْنِ عَم رسولِ الله فَعَاوِدُوا الكَرّ (الرجوع على العدو) وَ اسْتَحيوا مِنَ الْفَرَ فَإِنَّهُ (الفرار) عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ (الأولاد) وَ نَارٌ يومَ الحِسَابِ و طيبوا عَنْ (بذل) أَنْفُسَكُمْ (في سبيل الله) نَفْساً (أى ابذلوها لخالقها بطيب النفس لا كرها) وَ امشُوا إِلَي المَوتِ مَشياً سُجُحاً (سهلا بلا خوف و لا إضطراب) و عَلَيْكُمْ بِهَذَا السّوَادِ الأَعظَمِ (الجمع الكثير و هم أهل الشام) وَ الرِّوَاقِ (الفسطاط) الْمُطَنَّبِ (المشدود بالطناب) فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ (وسطه) فَإِنَّ الشَّيْطَانَ (و هو معاوية) كامنٌ (مخفىّ) في كسْرِه (شقّ الأسفل من الفسطاط) وَ قَدْ قَدَّمَ (الشيطان) للوَثْبَة (للهجوم عليكم) يَداً وَ أَخَّرَ لِلنّكُوصِ (الفرار) رجلًا فَصَمْداً (قصدا) صَمْداً حَتَّى يَنْجَلِي (يظهر) لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلُونَ (الغالبون) و اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتَرَكُمْ (ينقصكم) أَعْمالَكُمْ (بل يعطيكم أضعافا من الأجر).

67 - و من كلام له علیه السَّلام ، قالوا لما انتهت (وصلت) إلى أمير المؤمنين علیه السَّلام أنباء (أخبار) السقيفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله قال علیه السَّلام ما قالت الأنصار قالوا قالت منّا أمير و منكم أمير قال علیه السَّلام

فَهَلّا احتَجَجتُم (أيّها المهاجرون) عَلَيهِم (الأنصار) بأنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله وَصّي (للمهاجرين) بِأنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسنهِمْ (الأنصار) و يتجاوَزَ عَنْ مُسيئهِمْ قَالُوا وَ مَا (أيّ شيء)

ص: 71

فِي هَذَا (الإحتجاج) منَ الْحُجَة عَلَيْهِمْ (الأنصار) فَقَالَ علیه السَّلام لَوْ كَانَ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ (الأنصار) لَمْ تَكْنِ الْوَصِيةُ (منه صلى الله عليه و آله) بِهِم (بأن يتجاوز عن مسيئهم و يحسن إلى محسنهم فمن كانت الإمامة و الإمارة له دون سائر الناس فالقدرة فى يده يفعل ما يشاء و لا يحتاج إلى الوصيّة بأن يحسن إلى محسنهم و يتجاوز عن المسيء منهم و هذا ردّ على إستحقاق الأنصار للإمامة فتثبت فى المهاجرين و قريش منهم فتثبت في قريش كما تكون (كذلك) ثُمَّ قَالَ علیه السَّلام فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشُ قَالُوا احْتَجَتْ (على الأنصار) بِأَنَّهَا شَجَرَةٌ الرسولِ صلّى الله عَليه و آله فَقَالَ عَليه السّلامُ احْتَجُوا بِالشَّجَرَةِ وَ أضَاعُوا الثَّمَرَةَ (و هذا أيضا ردّ على قريش بإستحقاق عمومها للإمامة فثبتت الإمامة فى الثمرة دون الشجرة و حيث لا يكون لتلك الشجرة ثمرة إلّا أهل البيت عليهم السلام فالإمامة لهم لا لغيرهم).

68 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت (مصر) عليه (محمّد) و قتل (فقد قتله عمرو بن العاص)

و قَدْ أَرَدْتُ تَولية (جعل ولاية) مصر (ل) هَاشم بنَ عُتبة (و لكن صرفت رأيي عن هذا لحكمة عاجلة و هى حضوره بصفّين) وَ لَو وَلّيتُهُ (جعلت الولاية لهاشم بن عتبة) إِيَّاهَا (مصر-) لما خَلَّى لَهُمُ الْعَرْصَةَ (لم يجعل لهم مجالا في ناحية مصر و لم يفرّ كما فرّ محمّد) وَ لَا أَنهَزَهُمُ الفُرصَةَ (لم يمكّنهم من تناول مصر) بِلا ذَمُ لِمُحمَّد بن أبي بَكْرٍ فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ (عندى) حَبيباً و كَانَ لي ربيباً (ولدا صغيرا درج في حجرى).

69 - و من كلام له علیه السَّلام في توبيخ بعض أصحابه لتثاقلهم عن حرب أهل الشام

كَمْ أَدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى البِكَارُ (الفتى من الإبل) العَمِدَةُ (الّتى إنفضح داخل سنامها من الركوب و ظاهره سلیم) و (کما تدارى) الثّيَابُ المُتَدَاعِيَةُ (البالية) كُلَّمَا حيصَتْ (خيطت) مِن جَانِبٍ تَهَتّكَت (تخرّقت) مِنْ آخَرَ كُلَّمَا أَطَلَّ (أشرف) عَلَيْكُمْ مَنسِرٌ - (قطعة من الجيش) من

ص: 72

مَنَاسِرٍ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلَّ رَجُلِ مِنْكُم بَابَهُ وَ انْجَحر (دخل الجحر) انْجِحَارَ الضَّبَة فِي جُحْرِهَا و (إنجحار) الضبْع في و ِجَارِهَا (جحرها) الذّلِيلُ وَ اللّهِ مَن نَصَرتُمُوهُ وَ مَن رمُيِ بِكُم فَقَد رمُيِ بِأَفوَقَ (مكسور الفوق من موضع و تره) نَاصِلِ (عار من النصل) إِنَّكُمْ وَالله لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ (الساحات) قَلِيلٌ تَحْتَ الرّايَاتِ و إنّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصلِحُكُم وَ يُقِيمُ أَوَدَكُم (إعوجاجكم) و هو السيف) وَ لكَنِيّ لَا أَرَي إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي أَضْرَعَ (أذل) اللَّهُ خُدُودَكُمْ وَ أَتْعَس (أهلک) جدُودَكُمْ (حظوظكم بحبطها) لَا تَعْرِفُونَ الْحَقِّ (و هو أنا) كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ (و هو معاوية) وَ لَا تُبطلُونَ الْبَاطِلَ (الَّذى تعرفونه) كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقِّ

70- و قال علیه السَّلام في سحرة اليوم الذي ضرب فيه

ملَكَتَنيِ عيَنيِ (غلب النوم على) و أَنَا جَالسٌ فَسَنَحَ (ظهر) لي رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَا ذَا لَقيتُ منْ أَمَتكَ منَ الْأود (الإعوجاج) و اللَّدَد (الخصام) فَقَالَ ادْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ أَبْدَلَنِي اللهُ بِهِمْ (بدلهم) خَيراً مِنهُم (و هو اللحوق برسول الله و الصالحين من عباده تعالى و الشهداء و الصدّيقين و حسن أولئك رفيقا) و أبدَلَهُمْ بيِ شَرّاً لَهُم منِيّ (و هو تسلّط الجبابرة عليهم).

قال الشريف: يعني بالأود الاعوجاج و باللدد الخصام، و هذا من أفصح الكلام.

71 - و من خطبة له علیه السَّلام في ذمّ أهل العراق و فيها يوبخهم على ترك القتال لمّا أشرفوا على النصر و الظفر على أهل الشام في صفين

أما بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّمَا أَنتُم كَالْمَرْأَة الحاملِ حَمَلَتْ (ولدا فى بطنها) فَلَمَّا أَتَمَّتْ (أكملت ما في بطنها) أمْلَصَتْ (ألقتها ميتا، أسقطت ولدها) وَ مَاتَ قَيمُهَا (الّذى يقيم حوائجها) و طَالَ تَأَيّمُهَا (خلوها عن الزوج) و ورثَهَا أَبْعَدُهَا (كما ورث معاوية العراق و هو أبعد الناس

ص: 73

إستحقاقا بعد ما تحمّل أهل العراق من المشاقّ) أَمَا وَ الله مَا أَتَيْتُكُمُ اختياراً و لكنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سوقاً (لما فى المدينة من الفتن بعد قتل عثمان) و لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٍّ يَكْذِبُ (لما فى كلامه علیه السَّلام من الإخبار بالمغيبات) قَاتَلَكُمُ اللهُ تَعَالَى فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَعَلَى اللَّه فَأَنَا أَوّلُ مَن آمَنَ بِهِ أَم عَلَي نَبِيّهِ فَأَنَا أَوّلُ مَن صَدّقَهُ كَلّا وَ اللّهِ لَكِنّهَا (تلك الكلمات أو مقالتي فى المغيبات) لَهْجَةٌ (ضرب من اللهجة الّذى) غبتُم عَنْهَا وَ لَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلهَا (لقلة عقولكم) وَيلُ أُمّهِ (الويل لأم القائل و هذا كلمة للمدح و إن وضع للذّم، أكيل لكم العلم و الحكمة) كَيْلًا (و فرا) بِغَيْرِ ثَمَنِ (لا أسئلكم عليه أجرا) لَوْ كَانَ لَهُ (علمي) وِعَاء (إناء) وَ لَتَعلَمُنّ نَبَأَهُ بَعدَ حِينٍ (مدّة قليلة حين إذ وقعت الأخبار الصادرة منّى و كشف عن غطائها عند خلوكم عنّى).

72 - و من خطبة له علیه السَّلام علَّم فيها الناس الصّلاة على النبي صلّى الله عليه و آله و فيها بيان صفات الله سبحانه و صفة النبّي و الدعاء له

اللَّهُمَّ دَاحيَ (باسط) المَدحُوّاتِ (المبسوطات كالأرض المدحوة) وَ دَاعِمَ (الحافظ بالدعامة) الْمَسْمُوكَات (المرفوعات كالسماوات الممسوكة بالدعامة) و جَابِلَ (خالق) الْقُلُوبِ عَلَى فَطَرَتِهَا (خلقتها) شَقِيهَا وَ سَعِيدِهَا اجْعَلْ شَرَائِفَ (و هي جمع شريفة) صَلَوَاتِكَ وَ نَوَامِي (زوائد) برَكَاتِكَ عَلَى مُحَمّدٍ عَبدِكَ وَ رَسُولِكَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبقَ (من الوحى و النبوّة) وَ الْفَاتِحَ لِمَا انْغَلَقَ (من الهدى) وَ الْمُعْلِنِ (المظهر) الحَقّ بِالحَقّ وَ الدّافِعِ جَيشَاتِ (غليان) الأَبَاطِيلِ (من الكفر و الإلحاد و التضليل) وَ الدَّامِغ (الشاجّ) صَولَاتِ (حملات ، سطوات) الْأَضَالِيلِ كَمَا حُمِّلَ (ذلك الأمر من إعلان الحقّ و دفع الجيشات وغيرها عليه) فَاضْطَلَعَ (نهض و لم يقصر) قَائِماً بِأَمرِكَ مُستَوفِزاً (مستعجلا) فِي مَرضَاتِكَ غَيرَ نَاكِلٍ (متأخّر) عَن قُدُمٍ (مشى إلى الحرب للأعداء) وَ لَا وَاهٍ (ضعيف) في عَزْمِ واعياً (حافظا) لِوَحيِكَ حَافِظاً لِعَهدِكَ مَاضِياً عَلَي نَفَاذِ (استقرار) أَمرِكَ حَتّي أَورَي (أشعل) قَبَس (شعلة) القابِسِ (الطالب للنار) و أضَاءَ (أنار) الطَّرِيقَ لِلْخَابِط

ص: 74

(المائل عن الصراط) وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعدَ خَوضَاتِ (القلوب في) الفِتَنِ (المخترعة بالأهواء) وَ (خوضاتها فى) الآثَامِ وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعلَامِ (الأعلام الموضحة) وَ نَيْرَاتِ الْأَحْكَامِ (الأحكام المنيرة) فَهُوَ أَمِينُكَ (من غير قصور و تقصير في إبلاغ الوحى) الْمَأْمُونُ (من الخطأ) وَ خَازِنُ علمكَ الْمَخْرُونِ وَ شَهِيدُك (شاهدك) يَوْمَ الدِّينِ (على أعمال العباد) وَ بَعيثك (مبعوثک) بِالْحَقِّ وَ رَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ.

أللّهُمّ افسَح (ابسط) لَهُ مَفْسَحاً (موضعا بسيطا) فِي ظِلّكَ وَ اجزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اللَّهُم وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاء الْبَانِينَ (من الأنبياء و الرسل) بِنَاءِ (من دینک) وَ أَكْرِمُ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ (مقامه) وَ أَتمِم لَهُ نُورَهُ وَ اجزِهِ مِنِ ابتِعَاثِكَ لَهُ (بما فيه من المشاقّ) مَقْبُولَ الشَّهَادَة (الشهادة المقبولة للعباد يوم الجزاء) مرَضيِ المَقَالَةِ (القول المرضىّ عندك بقبول حسن) ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ (فلا ينطق إلّا بالوحى) وِ (ذا) خُطبَة فَصْل (بين الحقّ و الباطل) أللّهُمّ اجمَع بَينَنَا وَ بَينَهُ فِي بَردِ (هنىء) العَيشِ وَ قَرَارِ النّعمَةِ (النعمة المستقرة في الجنة) وَ مُنَى الشَّهَوَاتِ (اللذّات الّتي يتمنّيها الإنسان) وَ (فى) أهواء اللَّذَات (اللذّات الّتى يشتهيها الإنسان) و (في) رَخَاءِ الدَّعَة (الراحة ، سكون النفس مع الإتساع) وَ مُنتَهَي (نهاية) الطّمَأنِينَةِ (الإطمئنان للنفس) وَ تُحَفِ (هبات، صلات) الكرامة.

73 - و من كلام له علیه السَّلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة

قَالُوا: أَخذَ مروانُ بنُ الحَكَم أسيراً يَومَ الْجَمَلِ فَاسْتَشْفَعَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عليهما السلام إلى أمير الْمُؤْمِنِينَ علیه السَّلام فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فَخَلَى سَبِيلَهُ فَقَالَا لَهُ ُيبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ علیه السَّلام

أوَ لَمْ يُبَايِعْني (مع الناس) بَعدَ قَتْلِ عُثْمَانَ (غير مكره بل مختارا) لَا حَاجَةٍ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا (يده للبيعة) كَفْ يَهُودِيَةٌ (ناكثة غادرة خادعة) لَو بَايَعنِي بِكَفِّه (في العلن) لَغَدَرَ (مكر) بِسَبّتِهِ (إسته و يولّى مدبرا) أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً (إمارة) كَلَعْقَة الْكَلْبِ أَنْفَهُ (لقصر مدّتها و سرعة

ص: 75

زوالها) وَ هُوَ أَبُو الأَكبُشِ الأَربَعَةِ (عبدالملک و عبدالعزیز و بشر و محمد) وَ سَتَلْقَى الْأُمَّةَ مِنْهُ (مروان) و منْ وَلَده (عبد الملک و عبد العزيز و بشر و محمد أو أراد بولده أولاد عبد الملک و هم الولید و سلیمان و یزید و هشام) يَوماً أَحمَرَ (بالسيف).

74 - و من خطبة له علیه السَّلام لمّا عزموا على بيعة عثمان

لَقَدْ عَلمْتُمْ (بلا ريب) أنِّي أَحَقُّ النَّاس بِهَا (الخلافة) منْ غَيْرِي وَ وَ الله لَأَسْلَمَنَّ مَا (دام) سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ (بعدم وقوع الفتنة و التفرقة) وَ (ما دام) لَمْ يَكُنْ فِيهَا (الخلافة) جَورٌ (ظلم) إِلَّا عَلَي خَاصَّةً (دون المسلمين) التِمَاساً لِأَجرِ ذَلِكَ (السّلم و الصبر على الجور) و فَضْله وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ (تسابقتموه) مِنْ زُخْرُفه (زینته) وَ زِبرِجِهِ (ذهبه).

75 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان

أو لَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةٌ عِلْمُهَا بي عَنْ قَرْني (عيبى) أوَ مَا وَزَعَ (لم يمنع لم يكف) الجُهّالَ (الذين علمهم معهم لم ينفعهم) سَابِقَتِي (التى يعرفونها) عَنْ تُهَمَتِي (بالمشاركة فى دم عثمان) وَ لَمَا (شيء) وَ عَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ (من حرمة الغيبة و الإتّهام على البرئ أو من نزول الآية على طهارتي عن الآثام) أَبْلَغُ مِنْ لِسَانِي أَنَا حَجِيجُ (خصيم) الْمَارِقِينَ (الخارجين عن الدين) وَ خَصِيمٌ النَّاكثينَ (للعهد و البيعة) الْمُرْتَابِينَ (الشاكّين) و عَلَى كِتَابِ الله تُعْرَضُ الأَمْثَالُ (العبر) وَ بِمَا فِي الصُّدُورِ (من البغض على أو الحب لى) تُجَازَى الْعِبَادُ.

76 - و من خطبة له علیه السَّلام في الحثّ على العمل الصالح

رَحِمَ اللهُ امْرَأَ سَمِعَ حُكْماً (حكمة) فَوعَى (حفظ تلك الحكمة) وَ دُعِي إِلَى رَشَادِ (هداية) فَدَنَا (قرب إليه) و أخَذَ (تمسک) بِحُجْزَهِ (معقد إزار) هَادِ فَنَجَا (من الغي و الضلال) راقَبَ رَبَّهُ وَ خَافَ ذَنْبَهُ قَدَّمَ خَالِصاً (من الأعمال من غير رياء و سمعة) وَ عَمِلَ صَالِحاً اكْتَسَبَ مَذْخُوراً

ص: 76

(ليوم الحساب) وَ اِجْتَنَبَ مَحْذُوراً رَمَی غَرَضاً (واحدا و همّا وحيدا و هو همّ المعاد و ترک الأغراض المتفرّقة و الهموم الكثيرة المتشعّبة) وَ أَحْرَزَ (إكتسب) عِوَضاً (لزهده) كَابَر (غالب و قاهر) هَوَاهُ (الّتي تأمر بالإفراط و التفريط) وَ کَذَّبَ مُنَاهُ (الَّتى تنسى الآخرة) جَعَلَ اَلصَّبْرَ مَطِیَّهَ (مركب ذلول ل) نَجَاتِهِ و (جعل) اَلتَّقْوَی عُدَّهَ وَفَاتِهِ رَکِبَ اَلطَّرِیقَهَ اَلْغَرَّاءَ (الواضحة البيّنة) وَ لَزِمَ الْمَحَجّة (الطريق الواضح) اَلْبَیْضَاءَ (و هي جادّة الحقّ و صراط الولاية) اِغْتَنَمَ اَلْمَهَلَ وَ بَادَرَ (سابق) اَلْأَجَلَ (بإتيان الصالحات قبل حلول الأجل) وَ تَزَوَّدَ (جمع الزاد) مِنَ اَلْعَمَلِ (الصالح).

77 - و من كلام له علیه السَّلام و ذلك حين منعه سعيد بن العاص حقّه

إِنَّ بَنِی أُمَیَّهَ لَیُفَوِّقُونَنِی (فوق الناقة هو الحلبة الواحدة من لبنها، كناية عن إعطاء حقه من بيت المال قليلا) تُرَاثَ (ميراث) مُحمد صلّى الله عليه و آله تَفْوِيقاً وَ الله لَئِنْ بَقِيتُ لَهُم لأَنْفُضَنَّهُمْ (أطردنّهم عن بيت المال) نَفْضَ (طرد) اللَّحَّامِ الْوِذَامَ (قطعة من الكرش أو الكبد) التَّرِبَةَ (الواقعة فى التراب )

قال الشريف: و يروى التراب الوذمة و هو على القلب، قال الشريف و قوله علیه السَّلام ليفوّقونني أي يعطونني من المال قليلا كفواق الناقة و هو الحلبة الواحدة من لبنها، و الوذام جمع وذمة و هي الحزّة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض.

78 - من كلمات كان علیه السَّلام يدعو بها

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ به منّي (من قصورى لشكرك) فَإِنْ عُدْتُ (لقصوري الذي لابّد منه) فَعْدْ عَلَي بِالْمَغْفِرَة اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ (وعدت) منْ نَفْسِي- (من طلب مرضاتك طاعتک) وَ لَمْ تَجِدُ لَهُ (ما وأيت) وَفَاء عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرْبتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمْ خَالَفَهُ (ذلك المتقرّب به إليك) قَلبي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ (إشارات) اَلْأَلْحَاظِ (العيون) وَ

ص: 77

سَقَطَاتِ اَلْأَلْفَاظِ (الألفاظ الساقطة عن حيطة العقل أو عن أداء حقك) وَ شَهَوَاتِ الْجَنَانِ (القلب) وَ هَفَوَات (زلات) اَللِّسَانِ.

79 - و من كلام له علیه السَّلام قاله لبعض أصحابه لمّا عزم على المسير إلى الخوارج، و قد قال له: إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت خشيت ألّا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم فقال علیه السَّلام

أتَزْعُمُ (تظنّ) أَنَّكَ تَهْدي إِلَى السَّاعَةِ التي مَنْ سَارَ فِيهَا (الساعة) صُرِفَ (منح كفّ) عَنْهُ السّوءَ و تُخَوِّفُ مِنَ السَّاعَة الَّتي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ (أحاط) بِهِ الضرْ فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا (الزعم منک في إخبارك) فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنَ وَ اسْتَغْنَى عَنِ الاسْتعَانَة [الإعانة] بالله فِي نَيْلِ (إدراك، وصول) الْمَحْبُوبِ (المطلوب) وَ دَفَع الْمَكْرُوه (المبغوض) وَ تَبْتَغِي (تطلب) فِی قَوْلِکَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِکَ أَنْ یُولِیَکَ (يعطيك) اَلْحَمْدَ (المدح بإنتساب الخير من عندك) دُونَ رَبَّه لأَنَّكَ بِزَعَمكَ أَنْتَ هديته إلَى السَّاعَة التي نَالَ (أصاب، أدرك) فِيهَا النَّفْعَ وَ أَمِنَ اَلضُّرَّ.

ثم أقبل علیه السَّلام على الناس فقال

أيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُم و تَعَلَّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا يُهتدى به في بَر أَو بَحْرِ فَإِنَّهَا (النجوم) تَدْعُو إِلَى الْكَهَانَة (الإدّعاء لكشف المغيبات) وَ المُنَجّمُ كَالكَاهِنِ وَ الكَاهِنُ كَالسّاحِرِ وَ السّاحِرُ كَالكَافِرِ وَ الكَافِرُ فِي النّارِ سِيرُوا عَلَي اسمِ اللّهِ (متوكّلين عليه).

80 - و من خطبة له علیه السَّلام بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء ببيان نقصهن

معاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الْإِيمَانِ نَوَاقِصُ الْحُظوظ نَواقِصُ الْعُقُولِ فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيامِ في أَيَّام حيضهِنَّ (لأنّ الإيمان معرفة بالقلب و إقرار باللسان و عمل بالأركان فقعودهنّ عن الصلاة نقصان فى العمل بالأركان فنقصان في الإيمان ضرورة)

ص: 78

وَ أَمَّا نُقْصَانُ عُقُولهنَّ (عند إختلاف الآراء) فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِد وَ أَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظهِنَّ فَمَوَارِيتُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ (بنصّ الكتاب العزيز) فَاتّقُوا شِرَارَ النّسَاءِ وَ كُونُوا مِنْ خَيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ (خوف) وَ لا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوف (بل إفعلوا المعروف بما هو المعروف لا بما أمر به نسائكم) حَتّي لَا يَطمَعنَ (لإطاعتكم إياهن) في الْمُنكَرِ.

81 - و من كلام له علیه السَّلام في الزهد:

أَيُّهَا النَّاسُ الزّهَادَةُ (فى الدنيا) قِصَرُ الأَمَلِ (بنصب الموت بين أيديكم) وَ الشَّكْرُ عِنْدَ النَّعَمِ (بالقول و الفعل) وَ التَّورعُ (الإجتناب) عِندَ الْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ (غاب) ذَلك (التوّرع) عَنْكُمْ (و لم تستطيعوا عليه) فَلَا يَغْلبِ الحَرَامُ صَبرَكُمْ وَ لاَ تَنْسَوْا عندَ النَّعَمِ شُكْرَكُمْ (و هو أقلّ ما يلزمكم لله بأن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه) فَقَدْ أَعْذَر (سلب العذر) اللهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَج مُسْفِرَة (مشرقة واضحة) ظاهِرَةِ وَ كُتُبِ بَارِزَة (ظاهرة) الْعُذْرِ وَاضِحَةِ.

82 - و من كلام له علیه السَّلام في ذمّ صفة الدنيا

مَا (كيف بأىّ شيء) أصفُ منْ دَارِ (دارا) أَوَّلُهَا عَنَاء (تعب) وَ آخِرُهَا فَنَاء (زوال، نفاد) في حَلَالَهَا حِسَابٌ وَ فِي حَرَامِهَا عِقَابٌ مَنِ اسْتَغْنَى (طلب الغنى) فيهَا (بالمال و الولد) فُتِنَ (فيها بها) وَ مَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَ مَنْ سَاعَاهَا (طلبها) فَاتَتْهُ (سبقته و لا ينال غاية مناه منها) و منْ قَعَدَ عَنْهَا (بترك الحرص) وَ اتَتهُ (طاوعته لقناعته بما في يده وهي مال لا ينفد) وَ مَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ (أعطته البصيرة) و مَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتَهُ (جعلته أعمى فهو لا يرى ما ورائها و إنّما الدنيا منتهى بصر الأعمى لا يبصر - ممّا ورائها فالبصير منها شاخص و الأعمى إليها شاخص و البصير منها متزوّد و الأعمى لها متزوّد).

قال الشريف: أقول و إذا تأمل المتأمل قوله علیه السَّلام و من أبصر بها بصرته وجد تحته من

ص: 79

المعنى العجيب و الغرض البعيد ما لا تبلغ غايته و لا يدرك غوره لا سيما إذا قرن إليه قوله و من أبصر إليها أعمته فإنه يجد الفرق بين أبصر بها و أبصر إليها واضحا نيرا و عجيبا باهرا.

83 - و من خطبة له علیه السَّلام و هي الخطبة العجيبة تسمّى «الغرّاء»، و فيها نعوت الله جلّ شأنه، ثم الوصية بتقواه ثم التنفير من الدنيا ثم ما يلحق من دخول القيامة، ثم تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الأعراض، ثم فضله علیه السَّلام في التذكير

الْحَمْدُ لله الَّذِي عَلَا (عن خلقه) بِحَوْلِهِ (قوّته الغالبة عليهم) وَ دَنَا (قرب) بِطَوْلِهِ (فضله عليهم فهو القريب العالى) مَانِحِ (معطى) كُلّ غَنِيمَة (ربح) وَ فَضْلِ (زائد على رأس المال) و كَاشف كُلَّ عَظيمَة وَ أَزْل (شدّة) أَحْمَدُهُ عَلَى عَواطف كَرَمه (ممّا يعطف الناس إليه) وَ سَوَابِغِ نِعَمِهِ (نعمه التامة) وَ أُومِنُ بِهِ أَوَّلاً بَادِیاً (ظاهرا ) وَ أَسْتَهْدِیهِ قَرِیباً (بكلّ شيء بطوله) هَادِياً و أسْتَعينُهُ قاهراً قادراً (بحوله) و أتَوَكَّلْ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلّى الله عليه و آل عبده و رسوله أرسله لإنفاذ أمره وَ إِنْهَاء (إبلاغ) عُدْرِه (و هو ما يقطع به العذر عند الله يوم القيامة) و تَقْدِيمِ نُذْرِه.

أوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ضَرَبَ (لكم) الأَمْثَالَ (فى الكتاب) وَ وَقَتَ لَكُمُ (جعل وقت) الْآجَالَ وَ الْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ (اللباس الفاخر) و أرفَعَ (أوسع) لَكُمُ الْمَعَاشَ وَ أَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ (لأعمالكم) وَ أَرْصَدَ (أعدٌ) لَكُمُ الْجَزَاء (الوفاق لأعمالكم) وَ آثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ (التامّات) وَ الرِّفَد (العطيّة، الصلة) الرَّوَافِغِ (الواسعات) وَ أَنْذَرَكُمْ بِالْحُجج البوَالِغ (غير قاصرات عن المراد) فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً وَ وَظَّف (قدّر) لَكُمْ مُدَداً (أعمارا) فِي قَرَارِ (دار) خِبْرَة (إختبار) وَ دَارِ عِبْرَةٍ (إعتبار) أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا (بما فيها من الزينة) وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِق (كدر) مَشْرَبُهَا رَدِغٌ (كثير الطين) مَشْرَعُهَا (منهلها، مشربها) يُونِقُ (يعجب الناظرين) مَنْظُرُهَا وَ يُوبقُ (یهلک) مَخبَرهَا (إختبارها بالإشتغال بها و الرغبة فيها) غُرُورٌ حَائِلٌ (منتقل من حال إلى حال) وَضَوْءٌ (نور) آفِلٌ (زائل) و ظلٌّ زَائِکَ وَ سِنَادٌ (دعامة) مَائِلٌ حَتَّى إِذَا أَنِسَ

ص: 80

نَافِرُهَا (الّذى تباعد عنها، مخاصمها، غير أنيس بها) و اطمأَنَّ نَاكِرُهَا (الناسي لها) قَمَصَتْ بِأَرْجُلِها (رفعت يديها و طرحتهما ليسقط من عليها) وَ قَنَصَتْ (اصطادت) بِأَحْبُلِهَا (حبالها، شراكها) و أقْصَدَتْ (أصابت قصدها) بِأَسْهُمِهَا وَ أَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أوْهَاقَ (حبال) الْمَنِيَّةِ (الموت) قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ (ضيق) المَضْجَع (القبر، الضريح المرقد) و (إلى) وَحْشَةِ الْمَرْجِعِ وَ مُعاينة الْمَحَلَّ (موضع الحلول من الجنّة أو النار) وَ ثَوَاب الْعَمَلِ وَ كَذَلكَ الْخَلَفُ (من الأبناء) بِعَقْبِ السَّلَف (من الآباء) لاَ تُقْلِعُ (تمتنع، تكفّ) المَنِيةُ اخْتِرَاماً (إستئصالا للأحياء) وَ لَا يَرعَوِي (يرجع) الْبَاقُونَ اجْتَرَاماً (إكتسابا للسيئات) يحتذُونَ (يقتدون بأثر الماضين) مثَالًا (ممّا عملوا) و يمضُونَ (يسلكون لسبيلهم) أَرْسَالاً (جيلا بعد جيل) إلى غاية الانْتِهَاء وَ صَيُّورِ (مصير) الْفَنَاءِ حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ (تقضّت ، تولّت، إنقضت ، ذهبت) الأمورُ وَ تَقَضَّت الدُّهُورُ وَ أزِفَ (قرب) النَّشُورُ أخْرجهُم مِنْ ضَرَائح (مراقد) القُبُورِ وَ أوكار (أعشاش) الطُّيُورِ وَ أَوْجِرَة (جمع و جار و هو بيت) السِّبَاعِ وَمَطَارِحِ (مواضع الطرح فى) الْمَهَالك سِرَاعاً (مسرعين) إِلَى أَمْرِهِ (بالنشور) مُهْطِعِينَ (مقبلين) إلَى مَعَادِه رَعِيلًا (مجتمعين) صُمُوتاً قياماً (قائمين) صُفُوفاً يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرَ - (يحيط بهم العلم من الله فهم له بارزون) وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الاِسْتِكَانَةِ (الفقر و الحاجة، التذلّل) وَ ضَرَعُ (خضوع) الاِسْتِسْلاَمِ وَ الدَّلَّة قَدْ ضَلَّت (عنهم) الْحَيَلُ وَ انْقَطَعَ الأَمَل وَ هَوَتِ (سقطت) الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً (ساكتة) وَ خَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيِّنمَةَ (متخافية غير متظاهرة) و أَلْجَمَ الْعَرَقُ (صار كاللجام) وَ عَظَمَ الشَّفَقُ (الخوف) وَ أُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ (صيحة) الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخطَابِ (لتمييز أهل النار من المؤمنين) وَ مُقَايَضَة (معاوضة) الْجَزَاءِ (بالأعمال) وَ نَكَال (عذاب) العقاب وَ نَوَال (إعطاء) الثَّوَابِ.

عبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتدَاراً (سلطة من الله) وَ مَرْبُوبُونَ (مملوكون) اقْتِسَاراً (قهرا) وَ مَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً· (بحضور الملائكة لقبض الأرواح) و مُضَمِّنُونَ أجداثاً (قبورا) وَ كَائنُونَ رُفَاتاً (حطاما) و مَبْعُوثُونَ أفراداً وَ مَدينونَ (مجزيّون) جَزَاءً وَ مُمَيزُونَ حِسَاباً (من المحسن و المسيء) قَدْ أُمْهِلُوا (فى الدنيا) فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ (من العقاب بإكتساب التقوى) وَ هُدُوا (بالمرسلين) سَبِيلَ

ص: 81

الْمَنْهَج (الطريق الواضح) و عُمَرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتب (المسترضي الذي يمكن له أن يطلب الرضا من الله فى تلك المهلة) و كُشفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ (ظلمات) اَلرِّیَبِ (بإرسال الرسل و إنزال الكتب) وَ خُلُّوا (تركوا) لِمِضْمَارِ (مكان يضمر فيه) اَلْجِیَادِ (من الخيل و هي كرامها) و (خلوا ل) رَوِیَّهِ (تفكّر) اَلاِرْتِیَادِ (ما يراد من الصالحات المطلوب منها) وَ أَنَاة (إنتظار) المُقْتَبس (الآخذ للشعلة) الْمُرْتَاد (الطالب فى ضوئها) في مُدَّة الأجلِ وَ مُضْطَرَبِ الْمَهَلِ (المهل المضطرب الّذى لا يدرى وقت حلوله).

فَيَا لَهَا (تلك الكلمات) أَمْثَالًا صَائبَةً (غير عادلة عن الصواب) وَ مَوَاعظَ شَافِيَةٌ لَو (ليتها) صَادَفَتْ (أصابت) قُلُوباً زَاکِیَهً (عن الرين و الريب) وَ أَسْمَاعاً وَاعِيَةٌ (حافظة) وَ آرَاء عَازِمَهُ (مصمّمة على الحقّ صليبة فيه) و أَلْبَاباً (عقولا) حَازِمَهً (ناظرة إلى عواقب الأمور) فَاتَّقُوا اللَّهَ تَقِيَّةٌ مَنْ سَمِعَ (تلك الأمثال) فَخَشَعَ وَ اقْتَرَفَ (إكتسب) فَاعْتَرَفَ (بقصوره) وَ وَجِلَ (خاف من الله) فَعَمِلَ (فى الدنيا للآخرة) وَ حَاذَرَ (خاف، خشى من سوء الأعمال) فَبَادَرَ (سارع إلى الخيرات) وَ أَيْقَنَ (بالمعاد) فَأَحْسَنَ (فى الزاد) وَ عُبِّرَ (بالأمثال و المواعظ) فَاعْتَبَرَ (منها) وَ حُذِّرَ (خوف من العقاب) فَحَذَرَ (إحتاط إجتنب) وَ زُجر (نهى) فَازْدَجَرَ (إنتهى) وَ أَجَابَ (الداعي) فَأَنَابَ (رجع) و رَاجَعَ (إلى الله) فَتَابَ وَ اقْتَدَى (بإمامه) فَاحْتَذَى (شاكل بين عمله و عمل إمامه) وَ أُرِیَ (الحقّ) فَرَأَی (و لم يشك فيه) فَأَسْرَعَ طَالِباً (للخيرات) و نَجا هَارِباً (من السيئات) فَأَفَادَ (إكتسب) ذَخيرةً (للمعاد) وَ أَطَابَ (أصلح) سَرِيرَةً (باطنا) وَ عَمْرَ مَعَاداً اِسْتَظْهَرَ (حمل على ظهره) زَاداً لِیَوْمِ رَحِیلِهِ (من الدنيا) وَ وَجْهِ (جهة) سَبِیلِهِ (إلى الله) وَ حَالِ حَاجَتِهِ (فقره) وَ مَوْطِنِ فَاقَتِهِ (إحتياجه) وَ قَدَّمَ (الزاد) أَمَامَهُ لدَارٍ فَاقَتِهِ (و هى الآخرة) فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله جهَةٌ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ (و هى الفوز فى الآخرة) وَ احْذَرُوا مِنْهُ (تعالى) كُنْهَ (غاية) مَا حَذَرَكُمْ مِنْ نَفْسه وَ اسْتَحقُوا مِنْهُ (اطلبوا تحقّق) مَا أَعَدَّ (هيّاه) لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ (طلب وفائه) لِصِدْقِ مِیعَادِهِ (موضع وعده أو وقت وعده) وَ (ب) الْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ (وحشة) مَعَادِهِ

ص: 82

و منها: جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِیَ (تحفظ) ما عَنَاهَا (قصدها هم بها، أرادها الله تعالى) و أَبْصَاراً لتَجْلُو (تكشف) عَنْ عَشَاهَا (ظلمتها) وَ أَشْلاءً (أعضاء) جَامِعَهً لِأَعْضَائِهَا، مُلائِمَهً (تلک الأعضاء) لِأَحْنَائِهَا (المعوجات من الأعضاء فى البدن) فِی تَرْکِیبِ صُوَرِهَا (فالكل متناسب مع الآخر) و (في) مدَد عمرِهَا (فحياة الأعضاء لا يسبق بعضها بعضا في العمر مع إختلاف هیئتها و تركيب صورها) بِأبْدَانٍ قَائِمَهٍ بِأَرْفَاقِهَا (نفعها) و قُلُوبِ رَائِدَةِ (طالبة) لِأَرْزَاقِهَا (من الحكمة) فِی مُجَلّلَاتِ (غامرات) نِعَمِهِ وَ مُوجِبَاتِ مِنَنِهِ، وَ حَوَاجِزِ (موانع من) عَافِیَتِهِ (الّتى تدفع عنكم البلايا) و قَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ (ليعلم أيّكم أحسن عملا) وَ خَلَفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ مِنْ مُسْتَمتَع (إستمتاع) خَلاقِهِمْ (نصيبهم) و مُسْتَفْسَحِ (إستفساح) خَنَاقِهِمْ (الحبل الّذى يخنق به) أَرْهَقَتْهُمُ (أعجلتهم) الْمَنَايَا (الموتات إلى دار البقاء) دُونَ (قرب بلوغهم إلى) الآمال و شَذَّبَهُمْ (قطعهم) [شَذَّ بِهِمْ] (فرقهم) عَنْهَا (الآمال) تَخَرُّمُ (إقتطاع، انقطاع) الْآجَالِ لَم یَمْهَدُوا (يبسطوا يجهزوا ليوم فقرهم) في (حين) سَلَامَهِ الاأَبْدَانِ وَ لَمْ يَعْتَبِرُوا (من الماضين) فِی أُنُفِ (أوّل) الْأَوَانِ (الزمان قبل إنقضاء العمر) فَهَلْ ينتظر أهلُ بضَاضَة (قوة) الشَّبَابِ إِلَّا حَوَانِی (إنحناء) الْهَرَمِ (الكبر) و (هل ينتظر) أَهْلُ غَضَارَة (سعة و نعمة) الصِّحة إِلَّا نَوَازِلَ السِّقَمِ وَ (هل ينتظر) أهْلُ مُدَّة الْبَقَاء (فى الدنيا) إِلَّا آوِنَة (أحيان) الفَنَاء مَعَ قُربِ الزّیَالِ (المزايلة ، المفارقة) و أُزُوفِ (قرب) الْانْتِقَالِ (من الدنيا إلى الآخرة) و (مع) عَلَزِ (إضطراب) القَلَقِ (الخفّة الّتى تصيب المحتضر-) وَ أَلَمِ الْمَضَضِ (الحزن البالغ إلى القلب) و غُصَصِ الْجَرْضِ (الريق) وَ تَلَفُّتِ (تتابع) الاسْتِغَاثَةِ بِنَصْرَةِ الْحَفَدَةِ (البنات و أولاد الأولاد و الأصهار و الأنصار) وَ الْأَقْرِبَاءِ، وَ الْأَعِزَّهِ وَ الْقُرنَاءِ، فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ، أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ (الرافعات أصواتهم فى موت الأحباب) وَ قَدْ غُودِرَ (ترک و بقى) فِی مَحَلَّهِ الْأَمْوَاتِ رَهِیناً (حبيسا) وَ فِی ضیقِ الْمَضَجَعِ (القبر) وَحِیداً قَدْ هَتَكَت (قطعت) الْهَوَامُ (كلّ ذى سمّ قاتل) جِلْدَتَهُ، وَ أَبْلَتِ (خلقت) النَّواهِكُ (و هى ما يبلى البدن) جِدَّتَهُ (الطافته) وَ عَفَتِ (درست) العَوَاصِفُ (الرياح الشديدة) آثَارَهُ و مَحا الْحَدَثَانُ (حوادث الدهر) مَعَالِمَهُ (و هي

ص: 83

ما جعله الإنسان علما ليدلّ عليه من المال و البنون و الآثار) وَ صَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحَبَةً (هالكة) بَعْدَ بَضَتِها (كمالها و إستوائها فى الخلقة) وَ (صارت) الْعِظَامُ نَخِرَهً (بالية) بَعْدَ قُوْتِهَا و الأرواحُ مُرتَهَنَةً (حبيسة) بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا (أوزارها) مُوقِنَهً بِغَیْبِ أَنْبَائِهَا (أخبارها الّتى أخبره بها الرسل من قبل) لا تُستَزَاهُ (تطلب الزيادة من الأرواح) منْ صَالِحٍ عَمَلَهَا وَ لَا تُستَعْتَب (تسترضى) مِنْ سَيْئِ زَلَلِهَا (خطاياها) أولَسْتُمْ َأبْنَاءَ الْقَوْمِ وَ الْآبَاءَ وَ إِخْوَانَهُمْ وَ الْأَقْرَبَاءَ تَحْتَدُونَ (تقتدون) أَمْثَلَتَهُمْ وَ تَرْكَبُونَ قَدَّتَهُمْ (طريقتهم) و تَطئُونَ جَادَتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لَاهِيَةٌ (مشغولة باللهو) عَنْ رُشْدِهَا سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا (موضع سباقها) کأنَّ الْمَعْنِیَّ (المقصود بالوحى) سِوَاهَا (غير تلك القلوب) و كَأَنَّ الرَّشْدَ (الكمال) فِي إِحْرَازِ (إكتساب) دُنْيَاهَا.

و اعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ (موضع مروركم) عَلَی الصّرَاط وَ مَزَالِقِ (مواضع زلّة) دَحْضِهِ (زلقه، زلّته) وَ أَهَاوِیلِ زَلَلِهِ (زلّاته المهولة المخوفة) وَ تَارَات (دفعات) أَهْوَاله فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله تَقيَّة ذِی لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكَّرُ قَلْبَهُ وَ أَنْصَبَ (أتعب) الْخَوْفُ بدَنَهُ وَ أَسْهَرَ (أسهد) التَهَجدُ (الإستيقاظ لصلوة الليل) غِرَارَ (قليل) نوْمِهِ، وَ أَظْمَأَ (عطش) الرَّجَاءُ (إلى ربه) هَوَاجِرَ (شدّة حرارة) يَوْمه ظَلَفَ (منع) الزّهْدُ (الرغبة عن الدنيا) شَهَوَاته و أرجَفَ (حرّك) الذِّكْرُ بِلِسَانِه وَ قَدَّمَ (ليوم الحساب) الْخَوْف لأَمَانه وَ تَنَكَّبَ (مال عن) الْمَخَالِج (الطرق المتشعّبة المائلة) عَنْ وَضَحِ السَّبِیلِ (السبيل الواضح فهو أعرض و مال عن كل طريق منحرف عن السبيل الواضح) و سَلَكَ أَقْصَدَ (أقوم) الْمَسَالِکَ إِلَی النَّهْجِ (الصراط) الْمَطْلُوبِ وَ لَمْ تَفْتِلْهُ (تصرفه، تردّه) قاتلاتُ [فاتلاتُ] (صارفات) الْغُرُورِ وَ لَم تَعم (تخف) عَلَیْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ (ممّا تصرف الوجوه عن الكمال) ظافراً (فائزا) بِفَرحة الْبُشْرَى (البشارة المفرّحة من الله بالسعادة) و رَاحَة النُّعْمَى (النعمة المريحة له من كلّ تعب و نصب) فِی أَنْعَمِ نَوْمِهِ (النوم المنعم له و هو نوم الموت) وَ آمَنِ یَوْمِهِ (و هو يوم اللقاء) وَ قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَهِ (الدنيا) حَمِیداً (محمودا) وَ قَدَّمَ زَادَ الْآجِلَة (الآخرة) سَعِيداً وَ بَادَرَ (سابق) مِنْ وَجَلٍ (خوف) وَ أَكْمَشَ (أسرع إلى الخير) فِي مَهَلٍ

ص: 84

(مهلة) وَ رَغِبَ فِی طَلَبٍ (مطلوب و هو الجنّة) وَ ذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ (مهروب و هو النار) وَ رَاقَبَ فِی یَوْمِهِ غَدَهُ وَ نَظَرَ قُدماً (و هو ما يتقدّم للآخرة) أمَامَهُ فَكَفَى بِالْجَنَّة ثَوَاباً وَ نَوَالًا (و هو ما يُرغب إليه أن ينال) وَ كَفَى بِالنَّارِ عقاباً و وَ بَالًا (ثقلا، شدّة سوء العاقبة) وَ کَفَی بِاللَّهِ مُنْتَقِماً (من (المجرمين) و نَصِيراً (للمؤمنين) وَ كَفَى بِالْكِتَابِ (القرآن أو كتاب العمل) حَجِيجاً (يحتجّ به يوم القيامة) وَ خَصِیماً.

أوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أعْذَر (قطع العذر، سلب العذر) بِمَا أَنْذَرَ وَ احْتَجَ بِمَا نَهَجَ (أوضح) وَ حَذَّرَکُمْ عَدُوًّا (إبليس) نَفَذَ (ولج، دخل) في الصُّدُورِ خَفيّاً وَ نَفَثَ (نفخ) فِي الْآذَانِ نَجِياً (خفيا) فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى (أهلک) و وَعَدَ فَمَنَّى (يوجد الأمنية) وَ زَیَّنَ (لكم) سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ وَ هَوَّنَ (سهل) مُوبِقَاتِ (مهلكات) الْعَظَائِمِ، حَتَّی إِذَا اسْتَدْرَجَ (نقل درجة فدرجة إلى الهلاك) قَرِينَتَهُ (النفس القرينة به) وَ اسْتَغْلَقَ رَهينتَهُ (النفس المرهونة بيده) أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ (لكم من قبل) و اسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ (لكم) وَ حَذَّرَ (خوّكم) مَا أَمِّنَ (فقال إنّى برىء ممّا تعملون إني أخاف الله ربّ العالمين).

و منها في صفة خلق الإنسان

أَمْ هذَا (الإنسان) الَّذي أَنْشَأَهُ في ظُلُمَاتِ الأرْحَامِ وَ شُغُف (مشيمة) الأَسْتَارِ (فى الأرحام) نُطْفَةً دِهَاقاً (متتابعة، مملوءة) و عَلَقَةً محافاً (ماحيا عن كلّ صورة) وَ جَنِیناً (خفيا في بطن أمه) وَ رَاضِعاً، وَ وَلِیداً وَ یَافِعاً (غلاما بلغ العشر-ين) ثُمَّ مَنَحَهُ (أعطاه) قَلْباً حافظاً وَ لسَاناً لافظاً (ناطقا بالألفاظ) وَ بَصَراً لَاحِظاً (ناظرا) لِیَفْهَمَ (بها) مُعْتَبِراً، وَ یُقَصّرَ (يكفّ عن السيئات) مُزدَجِراً (ممتنعا عن السيئات متناهيا عنها) حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتدَالُهُ (فى الخلقة) وَ اسْتَوَى مثَالُهُ (بلغ إلى حدّ الرشد) نَفَر (ولّى عن ربه) مُسْتَکْبِراً، وَ خَبَطَ (مال عن الصراط) سادراً (متحيراً). ماتحاً (نازلا فى البئر ليملأ الدلو) في غَربِ (دلو عظيم من) هَوَاهُ كَادحاً سَعْیاً لِدُنْیَاهُ، فِی لَذَّاتِ طَرَبِهِ (فرحه) وَ بَدَواتِ (و هي ما بدا من الرأى) أَرَبِهِ (مرغوبه، مقصوده) ثُمَّ لَا يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً

ص: 85

(مصيبة) وَ لَا يَخْشَعُ تَقيةَ (من ربّه) فَماتَ فِی فِتْنِتِهِ غَرِیراً (مغرورا) وَ عَاشَ فِي هَفْوَته (خطيئته) یَسِیراً، لَمْ یُفِدْ عِوَضاً (لم يجعل الفدية بعمره) وَ لَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً (من طاعة ربّه) دَهمَتْهُ (غشيته) فَجَعَاتُ (أحزان، كروب) الْمَنِیَّهِ فِی غُبَّرِ (بقايا) جِمَاحِهِ (تعنّته عن الحقّ و طغيانه) و سَنَنِ (طريقة) مِرَاحِهِ (فرحه و بطره) فَظَلَّ (صار) سادراً (متحيّرا) وَ بَاتَ سَاهراً (لا يذوق النوم) في غَمَرَاتِ (شدائد) الْآلَامِ، وَ طَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ (الأمراض) وَ الْأَسْقَامِ بَيْنَ أَخٍ شَقِیقٍ (توأم له) وَ وَالِدِ شَفِيقٍ (رحيم) وَ دَاعِیَهٍ بِالْوَیْلِ (و البكاء) جَزَعاً، وَ لَادِمَهٍ (ضاربة) للصَّدْرِ فَلَقاً (إضطرابا) وَ الْمَرْءُ (المحتضر) في سَكْرَة مُلهثَة (شاغلة عن غيره) وَ غَمْرَة (شدّة محيطة به) کَارِثَهٍ (قاطعة لآماله) وَ أَنَّهٍ (توجّع) مُوجِعَهٍ، وَ جَذْبَهٍ (من الملك للموت) مُكْرِبَة (باعثة للحزن و الغمّ) وَ سَوْفَهٍ (من سائق يسوقه إلى الله) مُتْعِبَهٍ ثُمَّ أُدْرِجَ (ضمّن) فِی أَکْفَانِهِ مُبْلِساً، (آيسا من كلّ شيء) و جذب (من موطنه) منقاداً مُنْقَاداً (مطيعا) سلساًسَلِساً (بلا جموح) ثُمَّ أَلقي عَلَى الْأَعْوَاد (الأغصان) رَجِیعَ (مرجوع من) وَ صَبٍ (تعب من سفره) و نضْوَ (مهزول من) سقم تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ (أولاد) الْوِلْدَانِ وَ حَشَدَةُ (مسارعو) الْإِخْوَانِ (فى التعاون لحمله) إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَ مُنقَطَع زَورته (زيارته) و مُفْرَد (موضع فردانيّة) وَحْشَتِهِ (و هو القبر) حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيعُ وَ رَجَعَ الْمُتَفَجِعُ (الباكى) أُقْعِدَ (أجلس) فِی حُفْرَتِهِ (و يكلّم الملائكة) نَجِياً (خفيّا) لِبَهْتَهِ (حيرة) السَّؤَالِ وَ عَثْرَة (زلّة) الْامْتِحَانِ و أَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةٌ نُزُولُ الْحَمِيمِ (الماء الحارّ) وَ تَصْليَهُ (دخول) الْجَحِيمِ وَ فَوْراتُ (شدائد حرارة) السَّعِیرِ (جهنّم، حريق، لهيب شعلة) وَ سَوْرَاتُ (شدائد) الزَّفِیرِ (صوت النار) لا فَتْرَةٌ (سكون) مُرِيحَةٌ وَ لَا دَعَةٌ (مهلة، وسعة) مُزِيحَةٌ (مزيلة لشدائده) وَ لَا قُوةٌ حَاجِزَةٌ (مانعة للميّت من العذاب) وَ لَا مَوْتَهُ نَاجِرَةٌ (حاضرة تنجيه) وَ لَا سِنَةٌ (نوم خفيف) مُسَلَّيَّة (مريحة) بَیْنَ أَطْوَارِ (أنواع) الْمَوْتَاتِ وَ عَذَابِ السَّاعَاتِ (غدوّا و عشيّا) إِنَّا بِاللَّهِ عَائِدُونَ (ملتجئون) عِبَادَ اللَّهِ، أَیْنَ الَّذِینَ عُمّرُوا (عاشوا طويلا) فَتَعِمُوا (من الدنيا) وَ عُلّمُوا (بما لم يكونوا ليعلموا إلّا بإرسال الرسل) فَفَهَمُوا وَ أَنْظُرُوا (امهلوا في الدنيا) فَلَهَوا (إشتغلوا باللهو) و سلّموا (حفظوا من الآفة) فَنَسُوا أَمهِلُوا طَوِيلًا وَ مُنحُوا

ص: 86

(أعطوا) جَميلًا (من الأعضاء و النعم) وَ حُذَرُوا أليماً (من العقاب) و وُ عِدُوا جَسيماً (عظيما من الثواب) احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُورطة (المهلكة) وَ الْعُيُوبَ الْمُسْخِطَة (الباعثة للغضب) أولي الْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ وَ الْعَافِيَة وَ الْمَتَاعِ هَلْ منْ مَنَاص (فرار من الله) أَوْ خَلَاص (منه) أو مَعَاذ (منه) أَوْ مَلَاذٍ (منه) أَوْ فِرَارٍ (منه) أَوْ مَحَارٍ (مرجع منه إلّا إليه تعالى) أَمْ لَا (يكون مناص و خلاص و معاذ و ملاذ و فرار و محار) فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (تنقلبون، ترجعون) أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ (تنقلبون) أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُونَ وَ إِنَّمَا حَظٍّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّولِ وَ الْعَرْضِ قِيدُ (قدر) قَدّهِ، مُتَعَفّراً (متلوّثا متمرّغا، متذلّلا (بالتراب) عَلَى خَدِّه الآنَ (و هو الفرصة الّتي تكون لكم) عِبَادَ اللَّهِ وَ الْخِنَاقُ (الحبل الّذى يخنق به) مُهْمَلٌ (مرسل) وَ الرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَة (ساعة) الْإِرْشَادِ وَ رَاحَهِ الْأَجْسَادِ، وَ بَاحَهِ (ساحة) الْاحْتِشَادِ (الإجتماع على الخير) وَ مَهَلِ الْبَقِیَّهِ (من العمر) وَ أُنُفِ (مستأنف) الْمَشِیَّهِ (منكم للعمل الصالح فتقدرون أن تستأنفوه) و إنظار (مهلة) التَّوْبَهِ، وَ انْفِسَاحِ (وسعة) الْحَوْبَة (الحالة أو الحاجة) قَبلَ الضَّنْك (الضيق للتوبة) وَ الْمَضِيقِ (الموضع الضيّق من القبر) وَ الرَّوْعِ (الخوف) و الزّهُوقِ الإِضمحلال) وَ قَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ المُنتَظِرِ (و هو الموت الذى لابّد منه فينتظر) وَ (قبل) إِخْدَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ.

قال الشريف: و في الخبر أنّه علیه السَّلام لمّا خطب بهذه الخطبة اقشعّرت لها الجلود و بكت العيون ورجفت القلوب و من الناس من يسمّي هذه الخطبة الغرّاء

84 - و من خطبة له علیه السَّلام في ذكر عمرو بن العاص

عجباً لابنِ النَّابِغَة (الظاهرة بالفحشاء بين الناس) یَزْعُمُ (يوجد الزعم و الظنّ) لأهْلِ الشَّامِ (ب) أَنَّ فِي دُعَابَهُ (مزاحا و لعبا) و أنِّي امْرُؤٌ تلْعَابَةٌ (كثير اللعب) أعَافس (أعالج الناس بالمزاح) وَ أَمَارِسُ (أعالجهم بالمزاح دائما) لَقَدْ قَالَ بَاطِلًا و نَطَقَ آثماً (حيث نطق الشيطان على لسانه) أَمَا وَ شَرِّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ إِنَّهُ (عمرا) لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ و يَعدُ فَيُخْلِفُ وَ يُسأل (يطلب منه العطاء)

ص: 87

فَيَبخَلُ (من العطاء) وَ يَسْأَلُ (من الناس) فَيُلْحفُ (يلحّ) وَ يَخُونُ الْعَهْدَ وَ يَقْطَعُ الإِلَ (العهد) فَإِذَا كَانَ (وقع عمرو بن العاص) عِندَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرِ (ناه) و آمِرِ هُوَ (قبل الحرب و وقوع السيوف) مَا (دام) لَمْ تَأخُذ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا فَإِذَا كَانَ (وقع) ذلك (الأخذ من مواقع السيوف) كَانَ أَكْبَرُ [أَكْبَرَ] مَکِیدَتِهِ (خدعته) أنْ يمنح (يعطى) الْقَومَ (المقاتلين) سُبَّتَهُ (عورته) أَمَا وَ اللَّه إِنِّي لَیمْنَعُنِی مِنَ اللَّعِبِ ذكْرُ الْمَوْتِ وَ إِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ (عمرا) منْ قَوْلِ الحَقِّ (في) نسيَانُ الْآخِرَةِ إِنَّهُ لَمْ یُبَایِعْ (عمرو) مُعَاوِیَهَ حَتَّی شَرَطَ (عمرو) أنْ يُؤْتِيَهُ (يعطى معاوية إيّاها) أَتِیَّهً (هبة، عطية) وَ یَرْضَخَ (يعطى معاوية) لَهُ عَلَى تَركِ الدِّينِ رَضِيحة (عطاء و هي ولاية مصر).

85 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها صفات ثمان من صفات الجلال

و أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْأَوَّلُ (قبل الأشياء) لَا شَيْءٍ قَبْلَهُ وَ الْآخِرُ (بعد فناء الأشياء) لا غَايَة لَهُ لَا تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ (بالإحاطة عليه) عَلَی صِفَهٍ (فتحدّه) و لَا تُعْقَدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيفية (فتجسّمه) وَ لَا تَنَالُهُ التجرْئهُ وَ التَّبْعِیضُ، وَ لَا تُحِیطُ بِهِ الأَبْصَارُ وَ القُلُوبُ.

و منها: فَاتَّعظوا (إقبلوا الموعظة) عِبَادَ اللَّهِ بِالْعِبَرِ النَّوافِع و اعْتَبِرُوا بِالْآي (الآيات) السَّوَاطِعِ (الظاهرة) و ازْدَجِروا (إنتهوا) بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ (البالغة للإنذار) وَ انْتَفِعُوا بِالذّکْرِ (القرآن) و الْمَوَاعِظ (الموجودة فيه) فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتُكُمْ (تعلّقت بكم) مَخَالِبُ الْمَنِية (الموت) وَ انْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلَائِقُ الْمَنِیَّهِ (الأمل المنى) وَ دَهِمَتكُمْ (غشيتكم) مُفْظِعَاتُ (شدائد) الْأُمُورِ (في حياتكم من المصائب) وَ السّیَاقَهُ (السوق) إلى الوِرْدُ (الماء) الْمَوْرُودُ (الّذى تردون عليه لا محالة من الموت و غمراته) فَكُلُّ نَفْس مَعَها سائق (من خلفه) و (معها) شهيدٌ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا وَ شَاهِد يَشْهَدُ عَلَيْها بِعَمَلِهَا.

(الجنّة) دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَاتٌ (بعضها فوق بعض) وَ مَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ (فقد تفاوت في درجة

ص: 88

من درجات الجنّة ما يوجد في درجة أعلى منها) لَا یَنْقَطِعُ نِعِیمُهَا، وَ لَا یَظْعَنُ (يخرج) مُقِیمُهَا، وَ لَا یَهْرَمُ (يكبر) خَالِدُهَا وَ لَا يَبْأُسُ (يحتاج) [یَيَأْسُ] ساكِنُهَا.

86 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها بيان صفات الحق جلّ جلاله، ثم عظة الناس بالتقوى و المشورة

قَدْ عَلِمَ السَّرَائِرَ (علم الإحاطة لا علم الإخبار) وَ خَبَرَ الضَّمَائِرَ، لَهُ الْإِحَاطَهُ بِکُلّ شَیْءٍ (و هذا هو حقيقة علمه) و (له) الغَلَبَةُ لِكُلِّ شَيء وَ (له) الْقُوةُ عَلَى كُلِّ شَيء.

فَلْيَعْمَل العَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامٍ مَهَله (مهلته فى الدنيا) قَبلَ إِرْهَاقِ (إتعاب، إعجال، إجهاد) أَجَلِهِ (أن يأتيه بغتة) و (ليعمل) في فَرَاعَه قَبْلَ أَوَان (ابتداء) شُغْلِهِ (بما يشتغل القلب به) وَ فِی مُتَنَفَّسِهِ (موضع تنفّسه فى الدنيا) قَبلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِکَظَمِهِ (حلقه، مخرج نفسه) وَ لُیمَهّدْ لِنَفْسِهِ وَ قَدَمِهِ (مقاما فى الآخرة) وَلْیَتَزَوَّدْ (يأخذ الزاد) مِنْ دَارِ ظَعْنِهِ (خروجه ممرّه) لدار إقَامَته فَاللَّهَ الله أَيُّهَا (النَّاسُ فِيمَا اسْتَحْفَظَكُمْ (طلب منكم حفظه) مِنْ كِتَابِهِ (من مراعاة حدوده) وَ استودَعَكُمْ (طلب منكم الوديعة الّتى عندكم من (رعاية) حُقُوقه فَإِنَّ اللَّهَ سبحَانَهُ لَمْ يَخْلُقُكُم عَبثَاً (بلا غاية) وَ لَمْ يَتَرَكَّكُمْ سُدًى (مهملين) وَ لَمْ يَدَعْكُمْ (يترككم) فِی جَهَالَهٍ (من حقوقه) وَ لَا (ودعكم) عَمِّى (من صراطه) قَدْ سَمّى آثَارَكُمْ (بينها لكم فسمّاها بالخير أو الشر) و عَلمَ أَعْمَالَكُمْ وَ كَتَبَ أَجَالَكُمْ (فلا تستقدمون ساعة و لا تستأخرون) و أنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبياناً (بيانا) لِكُلِّ شَیْءٍ وَ عَمَّرَ (أعطى العمر) فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَانَا حَتَّى أَكْمَلَ (الله) لَهُ (صلى الله عليه و آله) وَ لَكُمْ فِيمَا أَنْزَلَ منْ كتابه دِينَهُ الَّذِي رَضِيَ لنَفْسِهِ وَ أَنْهَى (إنتهى) إِلَيْكُمْ عَلَى لِسَانه مَحَابَّهُ (مواقع حبّه) منَ الْأَعْمَالِ وَ مَكَارِهَهُ و نَواهِيَهُ وَ أَوَامِرَهُ و أَلْقَى إِلَيْكُمُ الْمَعْذرَةَ (الّتى يقطع بها العذر) وَ اتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الحُجَّةَ وَ قَدَّمَ إِلَيْكُم بِالوعيد و أَنْذَرَكُم بَينَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ فَاسْتَدْرِكُوا (تداركوا ما فات من عمركم ب)بَقِیَّهَ أَیَّامِکُمْ و اصْبِرُوا لَهَا (الأيّام الباقية) أنْفُسَكُمْ فَإِنَّهَا (تلك الأيّام الباقية) قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ الْأَيامِ الَّتِي تَكُونُ

ص: 89

(تقع) منْكُمْ فِيهَا (الأيّام الكثيرة) الْغَفْلَةُ وَ التَّشَاغُلُ عَنِ الموعظة (فذهبت أيّام كثيرة من عمركم فى الغفلة) وَ لَا تُرَخّصُوا (تجوّزوا) لأَنْفُسِكُمْ فَتَذَهَبَ بِكُمُ الرَّخَصُ مَذَاهِبَ (مواضع ذهاب) الظُّلَمَة (الظالمين) وَ لَا تُدَاهِنُوا (تساهلوا ، تسالموا) فَيهْجُمَ بِكُمُ الْإِدْهَانُ (التساهل) عَلَى الْمَعْصِيَة عِبَادَ الله إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لنَفْسه أطوعُهُمْ) (أكثرهم إطاعة) لِرَبِّهِ وَ إِنَّ أَغَشَّهُم لنَفْسه أَعْصَاهُمْ (أشدّهم معصية) لِرَبّهِ و الْمَغْبُونُ (الخاسر يوم القيامة) مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ وَ الْمَغْبوط (المحسود) مَنْ سَلَمَ لَهُ دِينَهُ وَ السَّعِیدُ مَنْ وُعِظَ بِغَیْرِهِ (من الأمم الماضية كيف فعل الله بهم) وَ الشَّقي مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَ غُرُوره (فصار مثلا و موعظة للآخرين) وَ اعْلَمُوا أَنَّ یَسیر (قليل) الرّیَاءِ شِرْکٌ (بالله و الشرك ظلم عظيم) وَ مُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ (نسيان) للْإِيمَانِ وَ مَحْضَرَةٌ (حضور ، محلّ حضور زمان حضور) للشَّيْطَانِ جانبُوا (تباعدوا عن) الکَذِب فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ ِللإِيمَانِ الصَّادِقُ عَلَى شَفَا (طرف ، جانب) مَنْجَاهٍ (نجاة) وَ كَرَامَةِ وَ الْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ (أعلى موضع) مَهْوَاةِ (سقوط) و مَهَانَةِ وَ لَا تَحَاسَدُوا فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأكُلُ الْإِيمَانَ كَمَا تَأكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ وَ لَا تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا (المباغضة) الْحَالقَةُ (القاطعة للألفة) وَ اعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ (يدخله فى السهو) وَ یُنْسِی الذِّكْرَ فَأَكْذبُوا الأَمَلَ فَإِنَّهُ (الأمل) غُرُورٌ (لا حقيقة ورائه) وَ صَاحِبُهُ مَغْرُورٌ (مخدوع بما ليس له حقيقة فخاسر مغبون).

87 - و من خطبة له علیه السَّلام ، و هي في بيان صفات المتقين و صفات الفساق و التنبيه إلى مكان العترة الطيّبة، و الظنّ الخاطئ لبعض الناس

عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ أَحَب عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ (عنده) عَبداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى (هوى) نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ (جعله شعارا و هو ما يلى البدن من اللباس) و تَجَلَبَبَ الْخَوْفَ (جعله جلبابا و هو ما يكون فوق الثياب) فَزَهَرَ (تلألأ) مصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ (بما فيه من الحزن للآخرة و الخوف من الله) وَ أَعَدَّ (هيّا) الْقِرَی (و هو ما يتهيؤ للضيف) لِیَوْمِهِ النَّازِلَ بِه (و هو يوم موته و ما يتبعه من الأهوال) فَقَرَّبَ عَلَی نَفْسِهِ الْبَعِیدَ (عند الناس من الموت و القيامة) وَ هَوّنَ (سهّل

ص: 90

عليها) الشَّديد (كالمجاهدة و الصبر على المكاره) نَظَر (تأمّل) فَأَبْصَرَ - (صار ذا بصيرة) وَ ذَكَرَ (المعاد) فَاستَكْثر (من الزاد) وَ ارْتَوَی (رفع عطشه) منْ عَذَبٍ فُرات (من معارف القرآن) سُهُلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ (الّتى يرد عليها العطشان) فَشَرِبَ نَهَلًا (و هو أوّل الشرب أى شربا بكرا من معارف الكتاب) وَ سَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً (صلبة مستوية المشى عليها سهل) قَدْ خَلَعَ (نزع ، قطع) سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ (عن نفسه) وَ تَخَلَّى (فرغ) مِنَ الْهُمُومِ إِلَّا هَماً واحداً انْفَرَدَ (ذلك العبد المحبوب عند الله) بِه ذاك الهمّ و هو الإستعداد للقاء الله) فَخَرَجَ مِنْ صفَة العَمَى وَ مُشَارَكَة أهْلِ الْهَوَى (فى أهوائهم) و صَارَ مِنْ مَفاتيح أَبْوَابِ الْهُدَی و مَغَالِیقِ أَبْوَابِ الرَّدَی (الضلالة و الهلاك) قَدْ أَبْصَرَ - طَريقَهُ (بمعرفته الصراط المستقيم) وَ سَلَك سَبِيلَهُ (فلا يزلّ عليها) وَ عَرَفَ مَنَارَهُ (في الفلوات) وَ قَطَعَ غِمَارَهُ (بحاره العظيمة من المهالك) وَ اسْتَمْسَكَ منَ الْعُرى (الحبال) بأوثقها (قويّها، مستحكمها) و مِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا (ثابتها، صلدها، راسخها فإستعصم به و هو الإمام المعصوم من عند الله) فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوء (نور) الشَّمْسِ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ الله سُبْحَانَهُ في أرفع (أعلى) الْأُمُورِ (و لا يرضى بأدناها) مِنْ إِصْدَارِ (أجوبة) كُلّ وَارِد عَلَيْه (من المعضلات) وَ تَصْبِيرِ كُلِّ فَرعِ (منها) إِلَی أَصْلِهِ (من غير أن يشتبه عليه الأصل بكثرة ما يرد عليه من المبهمات فهو) مصْبَاحُ ظُلُمَات كَشَافُ عَشَوَاتِ (و هي جمع عشاوة أى سوء البصر أو الأعمى) مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ، دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ (شدائد) دَليلٌ فَلَوات (جمع فلاة أى الصحراء) يَقُولُ فَيُفْهِم (لما فى قوله من نور الحكمة) وَ يَسْكُتُ فَيَسْلَمُ (ينجو من الفتن) قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ (عمله) فَاستَخْلَصَهُ (جعله الله خالصا من الشرك) فَهو منْ مَعَادِنِ دِینِهِ و أوْتَاد (مسامير) أَرْضِهِ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِه نَفْيُّ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ يَصِفُ الْحَقِّ وَ يَعْمَلْ بِهِ لَا يَدَعُ (يترك) للخَيْرِ غَايَةٌ إِلَّا أُمَّهَا (قصدها) وَ لَا (يدع) مَظِنُّةٌ (موضع الظنّ لوجود الخير فيه) إِلَّا قَصَدَهَا قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ (فجعل زمامه في يد القرآن) فَهُوَ (الكتاب) قَائدُهُ وَ إمَامَهُ یَحُلُّ (ذلك العبد المحبوب عند الله) حيثُ (موضعا) حَلَّ (نزل) ثَقَلُهُ (متاع الكتاب) وَ يَنزِلُ حَيثُ كَانَ مَنْزِلْهُ (فلا يقدّم عليه و لا يتاخّر عنه).

ص: 91

و (عبد) آخَرَ (من عباده) قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَ لَيْسَ (ذلک العبد) به فَاقْتَبَس (إستفاد أخذ، حصّل) جَهَائِلَ (و هي جمع جهالة) مِنْ جُهَّالٍ وَ (إقتبس) أضَالِیلَ (و هي جمع أضلولة أى الضلالة) منْ ضُلَّال وَ نَصَبَ (بتلك الجهائل و الأضاليل) للنَّاسِ أَشْرَاكاً (حبالا) مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ (خدعة) وَ قَول زُور (باطل) قَدْ حَمَلَ الْکِتَابَ عَلَی آرائِهِ (الفاسدة) وَ عَطَفَ الْحَقَّ عَلَی أَهْوَائِهِ (المتشتتة المتشعبة) يُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ (حرماته تعالى) وَ یُهَوّنُ (يسهّل) كَبِيرَ الْجَرَائِمِ (الجرائم الكبيرة للناس) يَقُولُ أقفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَ فِيهَا (الشبهات) وقَعَ وَ يَقُولُ أَعْتَزِلُ (أجتنب) الْبِدَعَ، وَ بَیْنَهَا (البدع) اضْطَجَعَ (فجعل البدع مضجعا لنفسه يتقلقل بينها) فَالصُورَةُ صُورَةً إِنْسَانِ وَ الْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانِ لا يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ وَ لَا (يعرف) بَابَ الْعَمَى فَيَصُدَّ (يمنع) عَنْهُ وَ ذَلكَ (العبد) مَیّتُ الْأَحْیَاءِ.

فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ وَ أَنَّى تُؤْفَكُونَ (تصرفون، تنقلّبون) و الْأَعْلَامُ (فى الفلوات) قَائِمَهٌ وَ الْآیَاتُ (الدّالة على الله عزّ و جلّ) و اضحةٌ و المنارُ مَنصُوبَةُ (للهداية و إنّ الأعلام و الآيات و المنار ليست إلّا أهل بيت الرسول) فَأَيْنَ يُتاهُ (يضلّ) بِكُمْ وَ كَيْفَ تَعْمَهُونَ (تتحيّرون تتردّدون في الحقّ) و بَيْنَكُمْ عَتَرَةُ نَبِيِّكُمْ وَ هُمْ أَزمَهُ الْحَقِّ (و الحقّ معهم وفيهم و منهم يدور حيثما داروا) وَ (هم) أَعْلَامُ الدِّينِ وَ أَلْسِنَةُ الصِّدْقِ فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ (من الهداية و العصمة) و رِدُوهُم ورودَ الْهِيمِ (الإبل) العطاش أيُّهَا النَّاسُ خُذُوهَا (تلك المقالة) عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ (حيث قال) إِنَّهُ یَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا (أهل البيت) وَ لَیْسَ بِمَیّتٍ، وَ یَبْلَی (يخلق) مَنْ بَلِي مِنَّا وَ لَیْسَ بِبَالِ فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُونَ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقِّ فِيمَا تُنْكَرُونَ (جهلا) وَ اعْذِرُوا (إقطعوا العذر ب) مَنْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَ هُوَ أَنَا أَلَمْ أَعْمَلْ فِيكُم بِالتَّقَلِ الأكْبَر (القرآن) وَ (ألم) أَتْرُکْ فِیکُمُ الثَّقَلَ الْأَصْغَرَ (العترة عليهم السلام) قَدْ رَكَزْتُ (أثبتّ) فيكُمْ رَايَةَ الْإِيمَانِ (بالثقلين) وَ وَ قَفْتُكُم عَلَى حُدُودِ الْحَلَالِ و الحَرَامِ وَ الْبَستكُمُ الْعَافِيَة مِنْ عَدْلِي و فَرَشْتُكُمُ (بسطت لكم) المَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِی وَ فِعْلِی و أريتُكُمْ كَرَائِمَ الْأَخْلَاقِ (الأخلاق الكريمة المنزّهة عن كلّ مهانة) مِنْ نَفْسِي- فَلَا تَسْتَعْمِلُوا الرَّأي (الرويّة) فِیَما لَا یُدْرِکُ قَعْرَهُ الْبَصَرُ - وَ لَا (تستعملوا الرأى فيما) تَتَغَلَّغَلُ

ص: 92

(تدخل فى التعب) إلَيْه الْفكَرُ ( من معرفته تبارک و تعالی)

و منها: حَتَّی یَظُنَّ الظَّانُّ (من الناس) أنَّ الدُّنْيَا مَعْقُولَة (مطيعة، مسخّرة) عَلَى بَني أُمَيَّةٌ تمنحُهُمْ (تعطيهم) دَرّهَا (لبنها) و تُورِدُهُمْ صَفْوهَا (خالصها) و (يظنُّ أَن) لَا يُرْفَع عَنْ هَذه الْأُمَّهِ سَوْطُهَا وَ لَا سَيْفُهَا وَ كَذَبَ الظَّانُّ لِذلِکَ (الظنِّ) بَلْ هي (الدنيا التي كانت في أيديهم) مَجَّةٌ مِنْ لَذِيذ العَيْشِ (و المجّة هى مصدر مرّة من مجّ الشراب من فيه إذا رمى به) يتطَعُمُونَها (يجعلون الدنيا طعمة) بُرْهَهً (قطعة من الدهر) ثُمَّ يلفظونَهَا (يرمونها من فيهم) جملةً بأسرها، بكلّها)

88 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها بيان للأسباب التي تهلك الناس

أَما بَعدُ فَإِنَّ اللَّهَ لَم يَقْصِم (يكسر) جَبَّارِی (مستكبرى) دَهْرِ قَط إِلَّا بَعْدَ تَمْهِيل (تأخير) وَ رَخَاءٍ (دعة ، سعة العيش) وَ لَمْ یَجْبُرْ عَظمَ أحَدٍ منَ الْأمم إلَّا بعدَ أَزْلِ (ضيق، شدّة) وَ بَلَاء وَ في دُونِ (قرب) مَا اسْتَقْبَلْتُمْ (إليه) مِنْ عَتْبٍ (أمر كريه و فساد أو شدّة) وَ (دون) مَا اسْتَدْبَرتُم (عنه) مِنْ خَطْبٍ (أمر عظيم من الحوادث) مُعْتَبَرٌ (عبرة، موضع عبرة) وَ مَا (ليس) كُلُّ ذي قَلْبِ بِلَبيب (مدرک بالقلب) وَ لَا کُلُّ ذِی سَمْعٍ بِسَمِیع؛ وَ لَاکُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِیرٍ فَيا عَجَباً وَ مَا لِي لَا أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هذِهِ الْفِرَقِ (المتشعّبة) عَلَی اخْتِلَافِ حُجَجِهَا فِی دِینِهَا (يحسب كلّ منها أنّ الحقّ معه) لَا یَقْتَصُّونَ (يتّبعون) أثر نَبِي وَ لَا يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِیّ (و هذا دليل إختلافهم في الحقّ) وَ لَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْبِ وَ لَا يَعِفُونَ (يكفّون) عَنْ عَيْبٍ يَعْمَلُونَ فِي الشَّبُهَاتِ وَ يَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَات الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا (من غير الأخذ عن الرسول أو وصيّه) وَ الْمُنْكَرُ عندَهُم ما أَنْكَرُوا (و لو كان حقّا) مَفْزَعُهُم (ملجأهم) فِی الْمُعْضِلَاتِ (الشدائد) إلَى أَنْفُسهمْ (فقد و كلهم الله إلى أنفسهم و تَعوِيلُهُمْ (إعتمادهم و اتّكالهم) في الْمُهِمَّات عَلَى آرَائِهِمْ (المختلفة) كَأَنَّ كُل امرئ مِنْهُمْ إِمَامٌ نَفْسه (فإختلفت حججهم فى الدين) قَدْ أَخَذَ (كل إمرئ) منْهَا (آرائهم) فِیَما یَرَی (برأيه الفاسد أنّه صواب) بِعُرًی (حبال) ثِقَاتٍ (محكمات) وَ أَسْبَابٍ مُحْكَمَات.

ص: 93

89 - و من خطبة له علیه السَّلام في الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و بلاغ الإمام عنه

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة (إنقطاع) مِنَ الرُّسُلِ (لا حين إنقطاع الحجّة مطلقا) و (على) طُول هَجْعَة (نوم) منَ الْأَمَمِ (من الغفلة) و (على حين أو على طول) اعْتِزَامٍ (غلبة) مِنَ الْفِتَنِ، وَ انْتِشَارٍ (تفرّق) مِنَ الْأُمُورِ، وَ تَلَظّ (تلهّب) منَ الْحُرُوبِ و الدُّنْيَا (في ذلك الزمان) كَاسفَهُ (ذاهبة) النَّورِ ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ ععَلَی حِینِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وَ إِیَاسٍ (يأس) مِنْ ثمَرِهَا وَ اغْوِرَارِ (غور فى الأرض) منْ مَائهَا قَدْ دَرَسَتْ (بلیت خلقت) مَنَارُ (موضع نور) الْهُدَى وَ ظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرِّدَى (الهلاك) فَهِیَ مُتَجَهّمَهٌ (واجهة بوجه كريه) لأهْلِهَا عَابِسَةَ (قابضة مغمة) فِي وَجْهِ طالبِهَا ثَمَرُهَا الفتنةُ وَ طَعَامُهَا الْجِيفَةُ وَ َشعَارُهَا (لباسها الملاصق للبدن) الخَوْفُ وَ دثارُهَا (لباسها غير الملاصق) السّيفُ فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللهِ وَ اذْكُرُوا تِيك (الحوادث) الَّتِي آبَاؤُكُمْ وَ إخْوَانُكُم بِهَا مُرتَهَنُونَ (محبوسون بالفتن و الخوف بالسيف و غيرهما ممّا كسبت أيديهم) و عَلَيْهَا مُحاسَبونَ وَ لَعَمْرِي مَا تَقَادَمَتْ (مضت ولّت) بِكُم وَ لَا بِهِمُ الْعُهُودُ (الأزمنة) وَ لَا خَلَتْ فيمَا بَيْنَكُمْ و بينهُمُ (هولاء الآباء و الإخوان) الْأَحْقَابُ (المدد المتطاولة) وَ الْقُرونُ (الأمم، أى لم يطل العهد بينكم و بينهم) وَ ما أَنتُمْ (لستم) الْیَوْمَ مِنْ یَوْمَ کُنْتُمْ فِی أَصْلَابِهِمْ بِبَعِید وَ اللَّهِ مَا أَسْمَعَكُمُ الرَّسُولُ شَيْئاً إِلَّا وَ هَا أَنَا ذَا (كَ الشيء) مُسْمعُكُمُوهُ وَ مَا أَسْمَاعُكُمُ الْیَوْمَ بِدُونِ (أقلّ من) أَسْمَاعِهِمْ بِالْأَمْسِ وَ لَا شُقَّتْ لَهُمُ الْأَبْصَارُ وَ لَا جُعِلَتْ لَهُمُ الْأَفْئِدَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (الأوان) إِلَّا وَ قَدْ أَعْطِيتُم (منحتم) مِثْلَهَا (تلك الأسماع و الأبصار و الأفئدة) فِي هَذَا الزَّمَانِ وَ وَ للَّهِ مَا بُصِرْتُمْ بَعْدَهُمْ شَیْئاً جَهِلُوهُ، وَ لَا أُصْفِیْتُمْ (منحتم لإصطفائكم عليهم) به (ذلك الشيء) و حَرِمُوهُ (بل كلّ ما أعطى لكم أعطى لهم فهو الذى أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى) وَ لَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَليّة (المحنة العظيمة) جائلًا (متحرّكا) خِطَامُهَا (زمامها) رِخْواً (سلسا) بطانُها (و هو ما يشدّ تحت بطن الدابّة) فَلَا يَغْرَنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فيه أهْلُ الْغُرُورِ (من متاع الدنيا و زخرفها و زبرجها) فَإِنَّمَا هُوَ (ما يغرنّكم) ظِلُّ مَمْدُودٌ (فلا حقيقة له) إِلَى أَجَلِ

ص: 94

مَعْدُودٍ (و كلّما زاد ظلّه قرب زواله و كلّما عد أجله دنا فنائه).

90 - و من خطبة له علیه السَّلام و تشتمل على قدم الخالق و عظم ،مخلوقاته و يختمها بالوعظ

الحَمدُ لله المَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَة وَ الخَالِقِ مِنْ غیرِ رَوّیهٍ (فكر، فيخلق ما يشاء و لا يحتاج إلى الفكر) الَّذِي لَمْ يَزَلْ قائماً (بنفسه مقيما لغيره) دائماً (بلا زوال) إِذْ لَا سَمَاء ذَاتُ أَبْرَاج (بروج) و (إذ) لَا حُجُبٌ ذَاتُ إِرْتَاج (أبواب عظيمة) وَ لَا لَيلٌ دَاجِ (مظلم) وَ لَا بَحْرٌ سَاجِ (ساكن) وَ لَا جَبَلٌ ذُو فِجَاج (طرق واسعة بين جبلين) وَ لَا فَجَ ذُو اعْوِجَاجِ (إنحناء) وَ لَا أَرْضٌ ذَاتُ مهَاد (فراش) وَ لَا خَلْقٌ ذُو اعْتِمادٍ (يعتمد على أركانه و قوائمه و أرجله) ذلك (الله تعالى) مبتدعُ الْخَلْقِ (خالقهم بلا مثال من خالق قبله) وَ وَارِثُهُ (بالموت) و إلَهُ الْخَلْقِ وَ رَازِقَهُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ دَائبَانِ (ساعیان، مجتهدان) في مَرضَاته یُبْلِیَانِ کُلَّ جَدِیدٍ، وَ یُقَرّبَانِ کُلَّ بَعِیدٍ (من أجالكم) قَسَمَ أَرْزَاقَهُمْ وَ أَحْصَى- آثَارَهُمْ (الخفيَة من أعمالهم) و (أحصى) أَعْمَالَهُمْ (الظاهرة منها و الباطنة) وَ عَدَدَ أنفُسِهِم وَ خَائِنَة أَعْيُنِهِمْ وَ مَا تُخْفِي صُدُورُهُم مِنَ الضَّمِيرِ (من الأخلاق و العقائد) و مُسْتَقَرَهُمْ وَ مُستَودَعَهُم مِنَ الأَرْحَامِ (و هي موضع الإستقرار) و الظُّهُورِ (الأصلاب و هى موضع الإيداع) إِلَى أَنْ تَتَنَاهَى بِهِمُ الْغَايَاتُ (من الآجال المكتوبة لهم) هُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ نَقْمَتُهُ (غضبه) عَلَى أَعْدَائه في سَعَة رَحْمَته وَ اتَّسَعَتْ رَحمَتُهُ لِأَوْلِیَائِهِ في شَدَّة نِقْمَته قَاهِرُ مَنْ عَازّهُ (غالبه) وَ مُدَمّرُ (مهلک) مَنْ شَاقَهُ (نازعه) وَ مُذِلُّ مَنْ نَاوَاهُ (عاداه) وَ غَالِبُ مَنْ عَادَاهُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ و مَنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ وَ مَنْ أَقْرَضَهُ قَضَاهُ (أداه بأضعاف كثيرة) و مَنْ شَكَرَهُ جَزَاهُ عِبَادَ الله زِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا (عند الموازين القسط) وَ حَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَ تَنفَّسُوا قَبْلَ ضِیقِ الْخِنَاقِ (و هو ما يخنق به من الحبال) وَ انْقَادُوا (أطيعوا) قَبْلَ عُنْفِ (شدّة، صلابة) السّیَاقِ (السوق إليه تعالى) وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسه (الأمّارة بالسوء من عند الله) حَتَّی یَکُونَ (يقع) لَهُ مِنْهَا وَاعِظٌ (يعظه)

ص: 95

وَ زَاجِر (ناه) لَمْ يَكُنْ (يقع) لَهُ مِنْ غَيْرِهَا لَا زَاجِرٌ وَ لَا وَاعِظُ.

91 - و من خطبة له عليه السّلام تعرف بخطبة الأشباح و هي من جلائل خطبه علیه السَّلام:

روى مَسْعَدَةُ بنُ صَدَقَةٌ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: خَطَبَ أَمِیرُ اَلْمُؤْمِنِینَ عَلِیٌّ عَلَیْهِ السَّلاَمُ بِهَذِهِ اَلْخُطْبَهِ عَلَی مِنْبَرِ اَلْکُوفَه وَ ذَلِکَ أَن رَجُلًا أَنَاهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لَنَا رَبَّنَا مثلَ مَا نَرَاهُ عِیَاناً لِنَزْدَادَ لَهُ حُبّاً و به مَعرِفَةَ فَغَضِبَ و نَادَى الصَّلَاةَ جَامِعَةَ فَاجْتَمَعَ اَلنَّاسُ حَتَّی غَصَّ اَلْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ فَصَعِدَ اَلْمِنْبَرَ وَ هُوَ مُغْضَبٌ مُتَغَیِّرُ اَللَّوْنِ فَحَمدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْه وَ صَلَّى عَلَى النَّبي صلى الله عليه و آله ثُمَّ قَالَ:

الْحَمْدُ لله الذي لَا يَفرِّهُ (يزيد فى ماله) الْمَنْعُ وَ الْجُمُودُ (من الإعطاء) وَ لَا يُكْديه (يوقعه في الفقر) الْإِعْطَاءُ وَ الْجُودُ إِذْ کُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ (منقوص فى ماله) سِوَاهُ وَ کُلُّ مَانِعٍ (للإنفاق) مَذْمُوم مَا خَلَاهُ (سواه) و هُوَ الْمَنَّانُ بِفَوائد (زوائد) النِّعَمِ وَ عَوَائِدِ (صلات هبات) الْمَزِیدِ وَ الْقِسَمِ عِيالَهُ الْخَلَائِقُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ وَ قَدَّرَ أقْوَاتَهُمْ (بالقبض و البسط فيها) وَ نَهَجَ (سهّل) سَبِیلَ الرَّاغِبِینَ (المشتاقين) إِلَیْهِ وَ الطَّالِبِینَ مَا لَدَیْهِ (من زيادة النعم و الثواب) وَ لَیْسَ بِمَا سُئِلَ (طلب) بأجودَ مِنْهُ (تعالى) بِمَا لَمْ یُسْأَلْ الْأَوَّلُ الَّذِی لَمْ یَکُنْ لَهُ قَبل فَيَكُونَ شَيْءٍ قَبْلَهُ وَ الْآخر الَّذِي لَيْسَ لَهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيء بعدَهُ وَ الرَّادِعُ (المانع) أَنَاسِیَّ (جمع إنسان و هو ما يرى وسط الحدقة ممتازا عنها في اللون) الْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ مَا اخْتَلَفَ (لم يمرّ) عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلَفَ مِنْهُ الْحَالُ (من القوّة إلى الضعف و الفتور و الهرم) وَ لَا كَانَ (لم يكن) فِي مَكَان فَيَجُوزَ (يمرّ) عَلَيْهِ الانْتقَالُ وَ لَوْ وَهَبَ (أعطى) مَا (شيئا) تَنَفَّسَتْ (إنفرجت) عَنْهُ مَعَادِنُ اَلْجِبَالِ وَ ضَحِکَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ اَلْبِحَارِ مِنْ فِلِزِّ (الجوهر النفيس الخالص بالذوب في النار) اللَّجَيْنِ (الفضّة الخالصة) و العقيانِ (الذهب الخالص) و نُثَارَةِ (منثور) اَلدُّرِّ وَ حَصِیدِ (محصود، مقطوع) اَلْمَرْجَانِ (صغار اللؤلؤ) مَا أَثَرَ (لم يؤثّر) ذَلِکَ (الإعطاء) فِی جُودِهِ وَ لاَ أَنْفَدَ (أفنى) سَعَهَ (فسحة) مَا عِنْدَهُ (من خزائنه الّتى لا تنفد) وَ لَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الْأَنْعَامِ مَا لَا

ص: 96

تُنْفِدُهُ مَطَالبُ الْأَنَامِ (الخلق، الناس) لأنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَغِيضُهُ (ينقصه) سُؤَالُ السَّائِلِينَ وَ لاَ یُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ (إصرار) اَلْمُلِحِّینَ (المصرّين في الطلب).

فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائلُ فَمَا دَلَكَ الْقُرْآنُ عَلَيْه مِن صِفَتِهِ فَائتَمّ (إقتد) به وَ اسْتَضئ (أطلب الضياء) بِنُورِ هِدَايَتِهِ وَ مَا كَلّفَكَ (يجرّك إلى الكلفة) الشَّيْطَانُ عَلَمَهُ ممَّا لَيسَ فِي الكتابِ عَلَيْكَ فَرضُهُ (وجوبه) وَ لَا فِي سُنّةِ النّبِيّ صلّى الله عليه و آله و أَئِمّةِ الهُدَي أَثَرُهُ فَكِل (فوض) عَلَّمَهُ إِلَى الله سُبْحَانَهُ فَإِنَّ ذَلكَ (التفويض لما لم تعلم علمه و ليس فى القرآن فرضه) مُنْتَهَی حَقِّ اَللَّهِ عَلَیْکَ وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَلرَّاسِخِینَ (الثابتين) فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ (دخول) السَّدَدِ (الحجب الأبواب) الْمَضْرُوبَة دُونَ الْغُيُوبِ اَلْإِقْرَارُ بِجُمْلَهِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَحْجُوبِ (و لم يكلّفوا أنفسهم إلى معرفته) فَمَدَحَ اللهُ تَعَالَى اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ (إدراك، أخذ) مَا لَمْ يُحيطوا به علماً وَ سَمَّى (الله تعالى) تَرْكَهُمُ التَّعَمْقَ فيمَا لَمْ يُكَلَّفَهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهه رسُوخاً (ثباتا في العلم) فَاقْتَصِرْ - (إكتف) عَلَی ذَلِکَ (المدلول عليه في الكتاب) وَ لَا تُقَدِّرْ عَظَمَة الله سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْر عَقْلك فتَكُونَ (تصير) مِنَ الْهَالِكِینَ هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي إِذَا ارْتَمَتِ (ذهبت) الْأَوْهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ (نهاية) قُدْرَتِهِ وَ حَاوَلَ (طلب النيل و الوصول) الْفِكْرُ المُبَّرَأُ (المنزّه) مِنْ خَطرَاتِ الْوَسَاوِسِ (فى) أنْ يَقَعَ (ذلك الفكر) عَلَيْهِ (تعالى) فِي عَمِيقَاتِ غُيُوبِ مَلَكُوتِه (كثرة ملكه) و تَوَلَهَتِ (تحيرت) القُلُوبُ إِلَيْهِ لتَجْرِيَ (القلوب) فِي كَيْفِيَّةِ صِفَاتِهِ، وَ غَمَضَتْ (خفيت فى نهاية الدقّة) مَدَاخِلُ الْعُقُول فِي حَيْثُ (مقام) لَا تَبْلُغُهُ (ذلك المقام) الصِّفَاتُ لِتَنَاوُلِ (أخذ ، وصول) عِلْمَ (معرفة) ذَاتِهِ، رَدَعَهَا (ردّها، منعها الله) وَهِيَ (العقول و الأفكار و القلوب و العقول) تَجُوبُ (تقطع، تسير) مَهَاوِيَ (مالک) سُدَف (قطعة مظلمة من الليل) الْغُيُوب مُتَخَلَّصَةٌ (خالصة) إِلَيْه سُبْحَانَهُ فَرَجَعَتْ (العقول) إِذْ جُبِهَتْ (ردّت) مُعتَرِفَةً بِأَنَّهُ لاَ يُنَالُ بِجَوْرِ (عدول) الْإِعْتِسَافِ (السلوك على غير الجادة) كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ، وَ لاَ تَخْطُرُ بِبَالِ (خاطر، ذهن) أُولِي الرَّوِيَّاتِ (الأفكار) خَاطِرَةٌ مِنْ تَقْدِيرِ جَلَالِ عِزَّتِهِ الَّذِي ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مَثَالِ امتثلَهُ (من إله آخر) وَ لَا (على) مقْدَارِ احْتَدَى (قاس) عَلَيْهِ مِنْ خَالِقِ

ص: 97

مَعْبُودٍ کَانَ قَبْلَهُ وَ اءَرَانَا مِنْ مَلَکُوتِ قُدْرَتِهِ وَ عَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِکْمَتِهِ (في خلقه) وَ (من) اعْتِرَافِ الْحَاجَهِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَی اءَنْ یُقِیمَها (تلك الحاجة) بِمِسَاکِ (و هو ما به يمسك الشيء) قُوَّتِهِ مَا (شيئا) دَلَّنَا بِاضْطَرَارِ قيام الْحُجَّة (الدليل القاطع) لَهُ (الخلق) عَلَى مَعْرِفَته فَظَهَرَتِ البَدَائِعُ الَّتِي أَحدَثَتْهَا آثَارُ صَنْعَته وَ أَعْلَامُ حَكْمَته فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ (من آثار حكمته و صنعته) حُجَّةَ لَهُ و دَلِيلًا عَلَيْهِ وَ إِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً (ساكتا غير ناطق) فَحَجَّتُهُ بِالتّدْبِيرِ (الّذى أرانا ايّاه فى خلقه) ناطقَة (للعقول) وَ دَلَالَتُهُ (ذلك التدبير) عَلَى المُبدع قَائِمَةٌ فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبْهَكَ بِتَبَايِّنِ (مفارقة) أعْضَاء خَلْقِکَ وَ تَلاَحُمِ (إتصال) حقَاقِ مَفَاصلهِمُ (رئوس العظام عند المفاصل) الْمُحْتَجِبَة (باللحم و البشرة) لِتَدْبِیرِ حِکْمَتِکَ لَمْ یَعْقِدْ (يثبت يستحكم) غَيب ضَمِيرِه (باطن ذلك المشبّه لك) عَلَى مَعرِفَتِكَ وَ لَمْ یُبَاشِرْ (يلتصق) قَلْبَهُ الْيَقِينُ بِأَنَّهُ لاَ نِدَّ (مثل) لَكَ وَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَبَرةَ التَّابِعِينَ (المأمومين) مِنَ الْمتبوعِينَ (الأئمّة الضالين المضلّين) إذْ يَقُولُونَ تَاللَّه إنْ (مخفّفة من المثقّلة) كُنَّا (بإتّباعنا لكم) لَفِي ضَلالٍ مُبِينِ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعالَمينَ (حيث عرّفوا لهم الرب بأوهامهم فأدخلوهم فى تيه التشبيه) كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ (إلى غيرك أي المنحرفون عنك) إِذْ شَبهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ وَ نَحلُوكَ (أعطوك) حِليّة (صفات) الْمَخْلُوقِینَ بِاءَوْهَامِهِمْ وَ جَزَّءُوکَ تَجْزِئَهَ الْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطرِهِمْ وَ قَدْرُوكَ (قاسوك) عَلَى الْخَلْقَة المُخْتَلفَةِ القُوّى (من اليد و القلب و العقل) بِقَرَائِحِ (دقائق) عُقُولِهِمْ (و المراد من العقول هنا هي الأوهام بقرينة التجسيم و التقدير) وَ أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ ساوَاكَ بِشَيء منْ خَلْقَكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ وَ الْعَادِلُ بِكَ (بجعل المساواة بینک و بین خلقک) كَافِرٌ بِمَا تَنَزَلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ (مسلّمات) آیَاتِکَ (الّتي تدل على أن لا شيء مثلك) و (کافر بما) نَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَیِّنَاتِکَ (دلائلک الواضحة من خلقك على عدم المساواة) و إنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذي لَمْ تَتَنَاهَ (لا تكون لك نهاية) فِي الْعُقُول فَتَكُونَ (تصير) في مَهَبَ (موضع هبوب) فكرهَا (العقول) مُكَيفاً (ذا كيفيّة) وَ لَا (تكون) في رَوِيَّات (أفكار) خَوَاطرِهَا (إدراك العقول) فَتَكُونَ مَحْدُودا مُصَرَّفا

و منها: قَدَّرَ مَا خَلَقَ (بتنزيله من الخزائن التي عنده) فَاءَحْکَمَ تَقْدِیرَهُ (لكّل منه قدر معلوم)

ص: 98

وَ دَبَّرَهُ فَاءَلْطَفَ تَدْبِیرَهُ (لمّا جعل له من الغرائز فى طول حياته) وَ وَجَّهَهُ (أخذ بوجهه) لِوِجْهَتِهِ (فهداه لسبيله) فَلَمْ يَتَعَدَّ (يتجاوز) حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ (مقامه) وَلَمْ يَقْصُرْ - دُونَ الاِنْتِهَاءِ إِلَی غَایَتِهِ (المجعولة له فلابد أن ينتهى إلى غايته) وَ لَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمر (تكوينا) بِالْمُضِي- (السلوک) عَلَى إِرَادَته (الّتى هى فعل منه تعالى أنشأه) فَكَيفَ (يمكن الإستصعاب و القصور التعدّى من خلقه عند أمره بالمضى على إرادته) و إنّما صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشيئَته (التكوينيّة الّتى لا يمكن التخلّف عنها لأحد من خلقه فهو تعالى) الْمُنْشَيُّ (الموجد) أَصْنَافَ (أنواع) الأشْيَاء بِلَا رَوِيَّة (تأمّل) فكر آل (رجع) إِلَيْهَا (تلك الرويّة) وَ لَا قَرِيحة (دقّة، حدّة) غَرِيزة (طبيعة) أضْمَر عَلَيْهَا (فتكون تلك القريحة في ضميره تعالى) وَ لَا تَجْرِبَةِ أَفَادَهَا (إستفادها) مِنْ حَوادِثِ الدَّهُورِ وَ لَا شَرِيكَ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمُورِ فَتَم خَلْقَهُ بِأَمْرِهِ وَ أَدْعَنَ (إعترف) لطاعَتِهِ وَ أَجَابَ إِلَى دَعوتِه لَمْ يَعْتَرِضُ دُونَهُ (عند خلقه لإجابة أمره) رَيْثُ (تثاقل) الْمُبْطِيَّ (غير المسرع) وَ لَا أَنَاةُ (تؤدة تمازجها رويّة و ريث من) الْمُتَلَکِّئِ (المتعلل للأمر) فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْيَاء أَوَدَهَا (إعوجاجها) و نَهَجَ (أوضح) حدُودَهَا وَ لَاءَمَ (أَلْف) بِقُدْرَتِهِ بَينَ متَضَادّهَا وَ وَ صَلَ أَسْبَابَ قَرَائنها (نفوسها) وَ فَرَّقَهَا أجْنَاساً (أنواعا) مُخْتَلِفَاتٍ فِی الْحُدُودِ و الْأَقْدَارِ وَ الْغَرَائِزِ وَ الْهَيْئَات بَدَايَا (و هو جمع بدىء أى مصنوع، أي مصنوعات من) خَلاَئِقَ اءَحْکَمَ صُنْعَهَا وَ فَطَرَهَا عَلَی مَا اءَرَادَ وَ ابْتَدَعَهَا (من غير مثال).

و منها في صفة السماء

وَ نَظَمَ بِلَا تَعْليقِ رَهَوات (أماكن مرتفعة و منخفضة) فُرَجِهَا (أماكانها الخالية) وَ لَا حَمَ (ألصق) صُدُوعَ (شقوق) انْفِرَاجِهَا وَ وَشَّجَ (شبك بالأربطة) بَیْنَهَا (تلك الرهوات أو تلک الصدود) و بينَ أَزْوَاجِهَا (أمثالها) و ذَلَّلَ (سهّل) لِلْهَابِطِينَ (النازلين من ملائكته) بأمره و الصَّاعِدِينَ (الرافعين منهم) بِأَعْمَالِ خَلْقه حُزُونَةٌ (صعوبة) معراجِهَا وَ نَادَاهَا (تلك السماء مع رهواتها و صدوعها) بَعْدَ إِذْ هِي دُخَانُ فَالْتَحَمتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا (جمع شرج و هو العروة

ص: 99

و هى مقبض الكوز والدلو و غيرهما) وَ فَتَقَ (شقّ) بَعْدَ الاِرْتِتَاقِ (رتق السماء بأن كانت جسما واحدا) صَوَامِتَ (سواكت) ابْوَابِهَا (الّتى كانت مغلقة) وَ أَقَامَ رَصَداً (حارسا) مِنَ الشُّهُبِ الثَّواقب (شديدة الضياء) عَلَى نقابِهَا (خروقها) وَ أَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تُمُورَ (تضطرب السماء) في خَرِّقِ الْهَوَاء بِأَيْدِهِ وَ أَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَة لأمرِهِ وَ جَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً (مضيئة) لَنَهَارِهَا وَ فَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّهً (متغيّرة فى بعض الليالي فتمحو في بعضها) مِنْ لَیْلِهَا وَ اءَجْرَاهُمَا فِی مَنَاقِلِ (مواضع نقل) مَجْرَاهُمَا (فنقلت الشمس و القمر من منقل إلى آخر) وَ قَدَّرَ مسِیْرَهُمَا فِی مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا (حركتهما) لِیُمَیِّزَ بَیْنَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ بِهِمَا وَ لِیُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِینَ وَ الْحِسَابُ بِمَقَادِیرِهِمَا ثُمَّ عَلَّقَ فِی جَوِّهَا (تلك السماء) فَلكَهَا (مدارها، فمدار الأجرام السماويّة علّق في جو السماء) وَ نَاطَ (علّق) بِهَا زِینَتَهَا مِنْ خَفِیَّاتِ دَرَارِیِّهَا وَ مَصَابِیحِ کَوَاکِبِهَا وَ رَمَی مُسْتَرِقِی السَّمْعِ (الّذين يسترقون السمع من الشياطين) بِثَوَاقِبٍ (مضيئات) شُهُبِهَا وَ أَجْرَاهَا (تلك السماء) عَلَی اذْلاَلِ (طرق) تَسْخِیرِهَا (تلك السماء) مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا وَ مَسِيرِ سَائِرِهَا (متحرّكها) وَ هُبُوطِهَا (سقوطها) و صُعُودهَا وَ نُحُوسِهَا وَ سُعُودِهَا.

و منها في صفة الملائكة

خَلَقَ سُبْحَانَهُ لا سْکانِ سَمَاوَاتِهِ وَ عِمَارَهِ الصَّفِیحِ (سطح الفلک) الْأَعْلَى مِنْ مَلَكُوتِه خَلْقاً بديعاً (من غير مثال) مِنْ مَلاَئِکَتِهِ وَ مَلَاءَ بِهِمْ فُرُوجَ (شقوق) فجَاجِهَا (الطرق الواسعة من تلك السماوات) وَ حَشَا (ملا) بِهم فُتُوقَ (شقوق) أجوَائِهَا وَ بَيْنَ فَجَوَاتِ (فرجات) تلك الْفُرُوجِ زَجَلُ (صوت) المُسَبِّحينَ مِنْهُمْ (الملائكة) في حَظَائرٍ (بيوت) الْقُدسِ (الطهارة) و (في) سُتُرَاتِ الْحُجُبِ وَ سُرَادِقَاتِ (سترات) الْمَجْدِ (العظمة) وَ وَرَاءَ ذَلِکَ (المقام في حظائر القدس) الرَّجِیجِ (الزلزلة و الإضطراب) الَّذِی تَسْتَکُّ (تصمّ) مِنْهُ الأَسْمَاعُ سُبُحاتُ نُورٍ (من جلاله و عظمته) تَردَعُ (تكفّ) الْاءَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا (وصولها إلى الله تعالى) فَتَقفُ (الأبصار) خَاسِتَةَ (مطرودة، متحيرة) عَلَى حُدُودِهَا وَ أَنْشَأَهُمْ (الملائكة) عَلَى صُورٍ مُخْتَلَفَاتِ وَ أَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتِ

ص: 100

(على حسب مقاماتهم و تكاليفهم) أولي أجْنِحَهٍ تُسَبِّحُ (تلك الصور المختلفات) جَلاَلَ عِزَّتِهِ (المانع لرؤيته) لاَ یَنْتَحِلُونَ (ينتسبون إلى أنفسهم) مَا ظَهَرَ فِي الْخَلْقِ (بأيديهم) منْ صُنْعِهِ (تعالى) وَ لَا يَدْعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ (سبحانه) ممَّا انْفَرَدَ (الله تعالی) بِهِ (ذلک الشيء مع أنّهم وسائط فيضه فى الخلق) بَلْ (هم) عباد مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَول (أى بالفعل) و هُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِيمَا هُنالك (فى الصفيح الأعلى) أهْلَ الْأَمَانَة عَلَی وَحْیِهِ وَ حَمَّلَهُمْ إِلَی الْمُرْسَلِینَ (من عباده) وَدَائِعَ أمره وَ نَهْیِهِ وَ عَصَمَهُمْ مِنْ رَیْبِ (شكّ) الشَّبُهَاتِ فَمَا مِنْهُم زَائِغُ (مائل) عَنْ سَبِيلِ مَرضَاته و أَمَدَّهُم بِفَوائد (زوائد) الْمَعُونَةِ (من عنده تعالى) وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُم تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ (ذلّة، إستكانة) السَّکِینَهِ وَ فَتَحَ لَهُمْ أبواباً ذُلُلًا (سهلة) إِلَی تَمَاجِیدِهِ (ثنائه بالمجد و العظمة) و نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلَامٍ تَوْحيده لَمْ تُثْقلَهُمْ مُؤْصِرَاتُ (مثقلات) الآثامِ وَ لَمْ تَرْتَحلَهُمْ (تؤثّر فيهم) عُقَبُ (نوبات) اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ وَ لَمْ تَرْمِ الشُّكُولُ بِنَوَازِعِهَا (القالعة بالقهر و الغلبة) عَزِیمَهَ (تصميم راسخ، شدّة) إِيْمَانِهِمْ وَ لَمْ تَعتَرك (تزدحم) الظُّنُونُ عَلَی مَعَاقِدِ (مواضع عقد) یَقِینِهِمْ (و هى القلوب) وَ لَا قَدَحَتْ (ظهرت) قَادِحَهُ (ظاهرة من) الْإِحَنِ (الحقد في قلوبهم) فيمَا بَينَهُمْ وَ لَا سَلَبَتْهُمُ الْحَيرَةُ مَا لَاقَ (الصق) منْ مَعْرِفَتِه بِضَمَائِرِهِم وَ مَا سَكَنَ منْ عَظَمَته وَ هَيبة (خوف) جَلَالَته في أَثْنَاء صُدُورِهِمْ وَ لَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ (تصيب تلك الوساوس كالسهام) بِرَیْنِهَا (دنسها، غطائها) عَلَى فَكْرِهمْ وَ منْهُمْ (الملائكة) مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ الْغَمَامِ (السحاب) الدُّلَّحِ (الثقيل بالماء) وَ (منهم من هو) في (خلق) عظم الْجِبَالِ الشَّمَّخ (العالية) و في (خلق) قَتْرَة (سواد، خفاء) الظَّلاَمِ الْأیْهَمِ (الّذى لا يهتدى فيه لشدّة ظلمته) و منهُم مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أقْدَامُهُم تُخُومُ (منتهى) الْأرْضِ السُّفْلَى فَهِيَ (تلك الصور من ملائكته) كَرايَاتِ (أعلام) بيض قَدْ نَفَذَتْ في مَخَارِقِ (مواضع خرق) الْهَوَاء وَ تَحْتَهَا رِيحٌ هَفَافَةٌ (ساكنة طيبة) تَحْبِسُهَا (أى تحبس تلک الملائكة هذه الريح) عَلَى حَيثُ (موضع) انتَهَتْ (تلك الريح) مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِيَةِ قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ (جعلتهم فارغين) أشْغَالُ عِبَادَتِهِ (فلا فراغ لهم إلا العبادة له تعالى) وَ وَصَلَتْ

ص: 101

حقائقُ الْإِيمَانِ (و هى ما ثبت للإيمان من العقد في القلب و العمل بالأركان و القول باللسان) بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَعْرِفَتِهِ وَ قَطَعَهُمُ الْإِيقَانُ بِهِ إِلَى الْوَلَهِ (شدّة الشوق) إِلَيْهِ وَ لَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهم مَا عِندَهُ إِلَى مَا عِندَ غَيرِهِ قَدْ ذَاقُوا حَلَاوَةَ مَعرِفَتِهِ وَ شَرِبُوابِالْکَأسِ الرَّوِیَّهِ (المزيلة للعطش) مِنْ مَحَبَّته وَ تَمَكَّنَتْ منْ سُوَيْدَاء (مركز ) قُلُوبِهِمْ وَ شيجَةُ (عرق) خِيفَتِه فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتدَالَ ظُهُورِهِمْ وَ لَمْ يُنْفِدُ (يفن) طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرْعِهِمْ وَ لَا أَطلَقَ عَنْهُم عَظِيمُ الزِّلْفَةِ (القربة) رِبَقَ (عرى) خُشُوعِهِمْ وَ لَمْ يَتولَهُمُ (ما إستولى عليهم) الْإِعْجَابُ (بعبادتهم) فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ (من طاعته تعالى) وَ لَا تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَهُ (خضوع) الْإجْلاَلِ نَصِیبا فِی تَعْظِیمِ حَسَنَاتِهِمْ (أى إستكانة الإجلال عنده تعالى مانعة من أن يعظّموا حسناتهم) وَ لَمْ تَجْرِ الفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَى طُولِ دُءوبِهِمْ (جدّهم في العبادة) وَ لَمْ تَغِضُ (تنقص) رَغَبَاتُهُمْ (إليه تعالى) فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاء رَبِّهِمْ وَ لَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلَاتُ (أطراف) أَلْسِنَتِهِمْ وَ لَا مَلَكَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْس (صوت خفى من) الْجَوَارِ (رفع الصوت بالدعاء و التضرّع) إِلَيْهِ أَصْوَاتَهُمْ وَ لَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوم الطَّاعَةِ مَنَاكِبهُم وَ لَمْ يَثنوا (ينحرفوا) إِلَى رَاحَةِ التَّقْصير في أمرِه رِقَابَهُمْ (أعناقهم) وَ لَا تَعْدُو (تسطو، تقهر) عَلَى عَزِيمَة جِدُهُمْ بَلَادَةُ (بلاهة، حماقة) الغَفَلَاتِ وَ لَا تَنتَضِلُّ (ترمى بالسهام) في همّمهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَات قَد اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخِیرَهً لِیَوْمِ فَاقَتِهِمْ وَ یَمَّمُوهُ (قصدوا ذا العرش) عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ بِرَغْبَتِهِمْ لَا يَقْطَعُونَ أَمَدَ غَايَةِ عِبَادَتِهِ وَ لَا يَرْجِعُ بِهِمُ الاِسْتِهْتَارُ (التولّع، الإعجاب) بِلزُومِ طَاعَته إِلّا إِلَی مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَیْرِ مُنْقَطِعَهٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ (فهم بين الخوف و الرجاء) لَم تَنْقَطع أسباب الشَّفَقَة (الخوف) مِنْهُمْ (و هى جلاله) فَیَنُوا (يضعفوا) فِي جِدِّهِمْ وَ لَمْ تَأسرهُمُ الْأَطْمَاعُ (إلى غيره) فَيُؤْثِرُوا وَ شيكَ (قرب، هيّن) السَّعْیِ (دون أقصاه) عَلَی اجْتِهَادِهِمْ (للبوغ إلى غاية ما عنده تعالى) لَمْ يَسْتَعْظُمُوا مَا مَضَى - مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَ لَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ (الّذي مضى من أعمالهم) لَنَسَخَ الرَّجَاء مِنْهُمْ شَفَقَاتِ (تارات) وَجَلِهِمْ (خوفهم) وَ لَمْ يَخْتَلِفُوا في رَبِّهِمْ بِاسْتِحْواذِ (غلبة و إحاطة) الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ وَ لَمْ

ص: 102

يُفَرقْهُم سُوءُ التَّقاطُعِ (ممِا يوجب التقاطع بين الناس و يجعلهم متفرِقين متشعبين بالسوء و البغضاء) وَ لَا تَوَلَّاهُمْ (لم يستول عليهم) غلَّ التَّحَاسُد وَ لَا تَشَعْبَتْهُم (تفرّقت بهم) مَصَارِفُ (مواضع تقليب) الرِّیَبِ (للقلوب) وَ لَا اقْتَسمتهُمْ أخْيَافُ (مختلفات) الْهِمَمِ فَهُمْ أَسَرَاء إِيمَانِ لَمْ يَفْكَّهُم مِنْ رِبْقَتِهِ (حبل إسارة الإيمان بالله) زَيْغٌ (ميل انحراف) وَ لَا عُدُولٌ وَ لَاوَنّى (تأنّ) وَ لَا فُتُورٌ وَ لَيْسَ فِي أَطبَاقِ السَّمَاء موضعُ إِهَاب (جلد) إِلَّا وَ عَلَيْهِ مَلَكَ سَاجِدٌ أَوْ سَاعِ حَافِدٌ (سريع فى مرضات الله) یَزْدَادُونَ عَلَی طُولِ الطَّاعَهِ بِرَبِّهِمْ علماً و تَزْدَادُ عزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِم عظماً.

و منها في صفة الأرض و دحوها على الماء

كَبَسَ (أغاص) الْأَرْضَ عَلَی مَوْرِ (ذهاب و مجىء) أمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَهٍ (هائجة هيجان الفحول) وَ لُجَجِ (عمق) بِحَارٍ زَاخِرَهٍ (ملتئمة) تَلْتَطِمُ (تترادّ) أواذِیُّ (أعاظم) أَمْوَاجِهَا وَ تَصْطَفِقُ (يضرب بعضها بعضا) مُتَقَاذِفَاتُ (متدافعات) أَثْبَاجهَا (أعلاها) وَ تَرغُو (تصيح كالبعير) زَبَداً (و هو ما ظهر فوق السيل) کَالْفُحُولِ عِنْدَ هِیَاجِها (إضطرابها) فَخَضَعَ (ذلّ) جِمَاحُ (صعوبة) الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِها (وزن تلك الأمواج) و سَكَنَ هَیْجُ ارْتِمَائِهِ (تلاطمه) إِذْ وَطِئَتْهُ (داست تلك الأمواج ذلك الماء) بِكَلْكَلِهَا (صدرها) وَ ذَلَّ (الماء) مُسْتَخْذياً (خاضعا) إِذْ تَمَعَكَتْ (دلّكت تمرّغت الأمواج) عَلَيْهِ بِکواهلها (جمع کاهل و هو ما بين الكتفين) فَأَصْبَحَ (الماء) بَعْدَ اصْطِخَابِ (إرتفاع صوت) أمْواجِه سَاجِياً (ساكنا) مَقْهُوراً و فِي حَكَمَة (ما أحاط بحنكى الفرس من لجامه) الذُّلِّ مُنْقَاداً (مطيعا) أسيراً وَ سَكَنَت الأَرْضُ مَدْحُوةً (مبسوطة) في لجّة (عمق) تَيَّارِهِ (موجه) و ردَّتْ مِنْ نَخْوَة (كبر) بأوِهِ (فخره) اعْتِلاَئِهِ، وَ شُمُوخِ (علوّ) أنْفِهِ وَ سُمُوِّ (علوّ) غُلَوائه (نشاطه، تجاوزه عن حدّه) وَ كَعَمَتْهُ (شدّت فاه) عَلَى كَظَة (ثقل) جَرْيَته فَهَمَدَ (سكن) بعدَ نَزَقَاته (دفعاته) وَ لَبَدَ (لصق ساكنا) بَعْدَ زَيَفَان (تبختر، كبر في مشي) وَ ثَباته (جولانه و صولاته) فَلَمَّا سَكَنَ هَيجُ الْمَاء مِنْ تَحْت أَكْنَافهَا (جوانبها) وَ حَمْلِ شَوَاهِقِ

ص: 103

(عاليات) الْجِبَالِ الشُّمْخ (العاليات) الْبُذَّخِ (الرافعات) عَلَى اكْتَافِهَا فَجْرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عرانينِ (أوائل) انُوفهَا وَ فَرَّقَهَا (تلك العيون) فِی سُهُوبِ (فلوات) بِيدِهَا (فلاتها) وَ أَخَادِيدِهَا (شقوقها) و عَدَّلَ حَرَكَاتها بِالرَّاسِیاتِ (الثابتات من الجبال) مِنْ جَلاَمِیدِهَا (أحجارها الصلدة) وَ ذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ (رئوس الجبال) الشَّم (العالية) منْ صَيَاخيدها (صخورها الصلبة) فَسَكَنَتْ (الأرض) مِنَ الْمَیَدانِ (الإضطراب) لرُسُوبِ (رسوخ) الْجِبَالِ فِی قِطَع (قطعات) أَدِیمِهَا (سطح الأرض و وجهها) وَ تَغَلْغُلَها (كثرة دخولها فى الأرض) مُتَسَرِّبَهً (داخلة) فِی جَوْبَات (فرجات حفرات) خَیَاشِیمِهَا (منافذ أنوف الأرض) وَ رُكُوبِهَا (تلك الجبال) أَعْنَاقَ سُهُول الْأَرْضِينَ (سطوحهن السهلة، أى إستعلاء الجبال على الأرضين) وَ جَرَاثِيمِهَا (أصولها و المراد هنا ما سفل عن السطوح) وَ فَسَح (وسع) بَیْنَ الْجَوِّ وَ بَیْنَهَا (أعناق سهول الأرضين) وَ أَعَدَّ الْهَوَاء مُتَنَسَّما (موضعا للنسيم) لِسَاکِنِهَا وَ أَخْرَجَ إِلَیْهَا أَهْلَهَا عَلَی تَمَامِ مَرَافِقِهَا (منافعها و هى ما يحتاج الناس إليها) ثُم لَم يَدَعْ (يترك) جُرُزَ الْأَرْض (الّتى لا نبات فيها لإنقطاع الماء عنها) الَّتِی تَقْصُرُ مِیَاهُ الْعُیُونِ عَنْ رَوَابِیهَا (مرتفعاتها) و لا تَجِدُ جَدَاوِلُ (مسير جريان) الْأَنْهَار ذَرِيعَةً (وسيلة) إِلَی بُلُوغِهَا (وصول تلك الروابى) حتى أنْشَأ لَهَا (الروابي) نَاشِئَةِ سَحَابٍ (و هو ما يبتدء ظهوره) تُحيِي مواتَهَا (القفر من الأرض) و تَستَخْرِج (تلك الناشئة من السحاب) نَباتَها (مواتها) ألّفَ غَمَامَهَا (سحابها) بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ (قطعته أى ألّف قطعات السحاب بعضها ببعض) وَ (بعد) تَبايُن (تباعد) قَزَعِهِ (قطعات الغيم) حَتَّی إِذَا تَمَخَّضَت (تحرّكت شديدا) لُجَّهُ الْمُزْن (المطر) فيه (الغمام) وَ الْتَمَعَ (تلألأ) بَرْقُهُ فِي كُفَفه (جوانبه) وَ لَم يَنَم وَ مِيضُهُ (لمعانه) في كَنَهُورٍ (قطعات عظيمة من السحاب) رَبَابِهِ (الأبيض المتلاصق من السحاب) و (فى) مُتَرَاکِمِ سَحَابِهِ أَرْسَلَه (ذلك السحاب) سَحّا (متواصلا متلاحقا) مُتَدَارِكاً (متلاحقا بعضه ببعض من غير إنقطاع) قَدْ أَسَف (دنى) هَیْدَبُه (ذيل السحاب من الأرض) تَمْرِیهِ (تمسح الهيدب كما يمسح الضر-ع للبن) الْجَنُوب (من الرياح) دِرَرَ (ألبان) أَهَاضِیبِهِ (حلباته) وَ دُفَعَ (دفعات) شَآبِیبِه (رشات قوية من المطر) فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَاب ُبَرْک (و هو ما

ص: 104

يلى الأرض من جلد صدر البعير حين الجلوس) بِوَانَیْهَا (تثنية بوان بمعنى عمود الخيمة) و بَعَاعَ (ثقل السحاب من الماء) مَا اسْتَقَلَّتْ (السحاب) بِهِ مِنَ الْعِبْءِ (الثقل) الْمَحْمُول عَلَيْهَا أَخْرَجَ بِهِ (المطر) منْ هَوَامد الْأَرْضِ (و هى ما لا نبات فيها) النَّبَاتَ وَ مِنْ زُعْرِ (موضع قليل النبات من) الْجِبَالِ الأعْشَابَ فَهِیَ (الارض) تَبْهَجُ (تسرّ، تفرح) بِزِينَةِ رِيَاضِهَا (جنّاتها) وَ تَزْدَهِي (تعجب) بِمَا أَلْبِستَهُ مِنْ رَيْط (لباس رقيق ليّن من) أَزَاهِیرِهَا وَ حِلْیَهِ مَا سُمطَتْ (الأرض) به (و السموط هى خيوط تنظم فيها القلادة) منْ نَاضرِ (سرور، بهجة) أَنْوَارِهَا (الأرض) وَ جَعَلَ ذَلِکَ (الفعل العظيم) بَلاَغاًً (كفافا) لِلْأَنْعَامِ (النّاس من معائشهم) و رِزْقاً للأَنْعَامِ وَ خَرَقَ الْفِجَاجَ في آفَاقِها (نواحى الأرض) و أقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِکِینَ عَلَى جَوَادٌ (جادة) طرقهَا فَلَمَّا مَهَدَ (سوى هيا) أَرضَهُ وَ أَنْفَذ (أمضى) أمرهُ اخْتَارَ آدَمَ علیه السَّلام خيرةً مِنْ خَلقه وَ جَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ (خلقه) وَ أَسْكَنَهُ جَنتَهُ وَ أَرْغَدَ (أطاب) فِيهَا (تلك الجنْةُ) أَكُلَهُ وَ أَوْعَرَ (أَشار) إِلَيْهِ فِيمَا، نَهَاهُ عَنْهُ وَ أَعْلَمَهُ أَنَّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ (بالشيء الّذى نهاه الله تعالى عنه) التَّعَرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ وَ الْمُخَاطَرَةَ (الوقوع فى الخطر) بمَنْزِلَتِهِ فَأَقْدَمَ (آدم) عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوَافَاةٌ لِسَابِقِ عِلْمِهِ (حيث تعلّق بخروجه عنها فوقع العلم منه تبارک و تعالی بذلک الخروج و هذا هو الوفاء لعلمه السابق) فَأَهْبَطَهُ (أنزله منها إلى الدنيا) بَعْدَ التَّوْبَهِ لِیَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ وَ لِیُقِیمَ الْحُجَّهَ بِهِ عَلَی عِبَادِهِ وَ لَمْ یُخْلِهِمْ (نسله من أبنائه) بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ (إليه) مِمَّا یُؤَکِّدُ عَلَیْهِمْ حُجَّهَ رُبُوبِیَّتِهِ وَ یَصِلُ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ (جدّد العهد لهم) بِالْحُجَجِ عَلَى الْسُنِ الْخِيرَةِ مِنْ أَنْبِيَائه وَ مُتَحَمِّلِی (حاملی) وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ قَرْناً (جیلا، نسلا) فَقَرناً حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِينَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله حُجَّتُهُ و بَلَغَ الْمَقْطَعَ (النهاية برسوله محمّد صلّى الله عليه و آله) عُذْرُهُ وَ نُذُرُهُ و قَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَ وَ قَلَّلَهَا وَ قَسمَهَا عَلَى الضّيقِ وَ السَّعَة (بحكمته) فَعَدَّلَ فِيهَا (قوّم (الأرزاق) لَيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ (من عباده) بِمَیْسُورِهَا (مبسوطها) وَ مَعْسُورِهَا (مضيّقها ) وَ ليَخْتَبِرَ بِذَلكَ (التقويم من الضيق و السعة) الشَّكْرَ وَ الصَّبرَ مِنْ غَنِيهَا (الغنىّ من الأرزاق فعليه الشكر) وَ فَقِیرِهَا (فعليه الصبر) ثُمَّ قَرنَ (و صل) بِسَعَتِهَا (وسعة الأرزاق)

ص: 105

عَقَابِيلَ (شدائد) فَاقَتِهَا (فقرها) وَ (قرن) بِسَلَامَتِهَا طَوَارِقَ (حوادث،مصائب) آفَاتِها (من النقص فى الثمرات) وَ بِفْرَج (نجاة من الهمّ من) أَفْرَاحِهَا (سرور تلك الأرزاق) غُصَصَ أَتْرَاحهَا (غمّها هلاكها) وَ خَلَقَ الْآجَالَ فَأَطَالَهَا وَ قَصَّرَهَا و قَدَّمها و أخْرَهَا وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا (فأسباب الآجال متّصلة بالموت إذا جاء ذهبت) وَ جَعَلَهُ (صير الموت) خَالِجاً (جاذبا) لِأَشْطَانِهَا (حبالها) وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ (حبال شديدة الفتل) أَقْرَانِهَا (حبال يجمع بها بعیران و هو تعالى) عَالِمُ السِّر مِنْ ضَمَائِرِ المُضْمِرِينَ وَ (من) نَجْوَى الْمُتخَافَتِينَ و خَوَاطِرِ رَحِمِ الظُّنُّونِ (و هو ما يخطر فى الظنّ بلا برهان) وَ عُقَدِ عَزِیمَاتِ (محكمات) الْیَقِینِ و (من) مَسَارِقِ (مواضع سرقة) إِیمَاضِ (لمعان) الْجُفُونِ (من العيون) وَ مَا ضَمَنَتْهُ أَكْنَانُ (خفيات) الْقُلُوبِ وَ غَيَابَاتُ (قعور آبار) الغُيُوبِ وَ مَا أَصْغَتْ (أسمعت) لاِسْتِرَاقِهِ (إستماعه) مَصَائِحُ (ثقبات) الْأَسْمَاعِ وَ (من) مَصَایِفُ الذَّرِّ (مواضع إقامتها فى الصيف) وَ مَشَاتِی الْهَوَامِّ (محلّ إقامة الحشرات ذوات السمّ منها أو غيرها فى الشتاء) وَ (من) رَجْعِ (ترديد) الْحَنِینِ (المحزون أو المسرور) منَ الْمُولَهَات (الحزينات أو المسرورات من خلقه) وَ هَمْس (صوت خفىّ من) الأَقْدَامِ وَ مُنْفَسَحِ (مكان بسط) الثَّمَرَةِ مِنْ وَ لاَئِجِ (بطانة داخلية) غُلُفِ (أغطية) الأكْمَامِ (الطلع و الزهر و النوى) و مُنْقَمَع (موضع إختفاء) الْوُحُوشِ مِنْ غِیرَانِ الْجِبَالِ وَ أَوْدِیَتِهَا وَ مُخْتَبَإِ (موضع إختفاء) الْبَعُوضِ بَیْنَ سُوقِ الْأَشْجَارِ وَ أَلْحِیَتِهَا (أقشار الشجرة) و مَغْرِزِ (موضع دخول موضع غرس) الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ (الغصون) وَ مَحَطِّ (منزل ، مهبط) الْأَمْشَاجِ (النطف) مِنْ مَسَارِبِ (مواضع سيلان المنى من) الأصْلَابِ وَ نَاشِئَة الْغُیُومِ (السحاب الناشئة) وَ مُتَلاَحِمِهَا (متلاصقها) وَ دُرُورِ (كثرة) قطرِ السَّحَابِ في مُتَرَاکِمِهَا (متكاثفها، مزدحمها) وَ مَا تَسْفِی (تحمل) الْأَعَاصِیرُ (الرياح المثيرة للسحاب أو القائمة على الأرض) بِذُيُولِهَا (جوانبها، أطرافها) وَ تَعْفُو (تمحو) الْأَمْطَارُ بِسُیُولِهَا وَ عَوْمِ (غوص، غور، رسوب) بَنَاتِ (حشرات) الأرْضِ في كُتبَانِ (أتلال) الرِّمَالِ وَ مُسْتَقَر ذَوَاتِ الْأَجْنِحَهِ (من الطيور) بِذُرَا (فى على) شَنَاخِيبِ (رئوس) الْجِبَالِ وَ تَغْرِيدِ (رفع صوت) ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِير (ظلمات) الْأَوْكَارِ (الأعشاش) وَ مَا أَوْعَبَتْهُ (جمعته) الْأَصْدَافُ (من

ص: 106

اللؤلؤ) و حَضَنَتْ (ربت، ضمت) عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ (من السمک و غیره) وَ مَا غَشِيَتْهُ سُدْفَهُ (ظلمة) لَيْل أَوْ ذَرَّ (طلع) عَلَيْهِ شَارِقُ (طالع) نَهَارِ وَ مَا اعْتَقَبَتْ (توالت) عَلَيْهِ أَطْبَاقُ (أغطية) الدَّيَاجِيرِ (الظلمات) وَ سُبُحَاتُ (درجات) النُّورِ وَ أَثَرِ كُلِّ خَطوة (قدم) وَ حِسِّ کُلِّ حَرَكَة و رَجع كُلُّ كَلِمَةٍ وَ تَحْرِيكِ كُلُّ شَفَةٍ وَ مُسْتَقَرُ كُلَّ نَسمة (ذى روح) وَ مِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ وَ هَمَاهِمِ (ترديد أصوات) کُلِّ نَفْسٍ هَامَّهٍ (تتردّد الصوت فى صدره) و مَا عَلَيْهَا (الأرض) مِنْ تمَرِ شَجَرَة أَوْ سَاقِطِ وَ رَقَة أَوْ قَرارَة نُطْفَة (في رحم) أو نُقاعَة (نقرة جامعة ل) دَم وَ مُضْغَة (قطعة لحم) أَو نَاشِئَة خَلْقِ وَ سُلَالَة (نسل) لَمْ يَلْحَقْهُ (تعالى) فِی ذَلِکَ (الأمر من أفعاله الكثيرة العجيبة) كُلْفَةٌ (تعب) وَ لَا اعْتَرَضَتْهُ فِی حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ منْ خَلْقه عَارِضَةٌ (مانعة) وَ لاَ اعْتَوَرَتْهُ (تناولته) فِی تَنْفِیذِ الْأُمُورِ وَ تَدَابِیرِ الْمَخْلُوقينَ مَلالَهُ وَ لَا فَتْرَةٌ بَلْ نَفَذَهُمْ عِلمُهُ وَ أَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ وَ وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ وَ غَمَرَهُمْ (أغاصهم، غطاهم) فَضْلُهُ مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلَهُ (من القدرة و العلم و غيرهما من الأوصاف).

اللَّهُم أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْف الْجَمِيلِ وَ التَّعْدَادِ الْكَثِيرِ (المبالغة في عدّ كمالاتك) إِنْ تُؤَمِّل (جُعِلتَ موضعا للأمل) فَخَيْرُ مَأمول و إنْ تُرْج (جعلت موضعا للرجاء) فَخَیْرُ مَرْجُوٍّ اللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِی فِیمَا لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَیْرَکَ (من نعمک علیّ من جوارحی و غيرها) وَ لَا أَثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدِ سوَاكَ وَ لَا أَوَجهُهُ (أى لا اصرف وجه ما بسطت لى من نعمك) إلَى مَعادِنِ الْخَيبة (الخسران) وَ مَوَاضِع الريبة (بل أستعمله فى ما تحبّ و ترضى اللّهم) وَ (قد) عَدَلتَ (إنصرفت) بِلِسَانِي عَنْ مَدائح الْآدَمِیينَ وَ الثنَاء عَلَى الْمَربُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ اللَّهُم و لكُلِّ مُثْنِ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ (ثواب) من جزاء أو (عليه) عَارِفَةٌ (إحسان) منْ عَطَاء وَ قَدْ رجَوْتُكَ دَلِيلًا عَلَى ذَخَائر الرحمَةِ وَ كُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ اللَّهُم وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أفْرَدَك بِالتَّوْحِیدِ الَّذِی هُوَ لَکَ وَ لَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَ الْمَمَادِحِ غَیْرَکَ وَ بِی فَاقَهٌ (فقر) إِلَیْکَ لاَ یَجْبُرُ مَسْکَنَتَهَا (ذلة هذه الفاقة) إِلَّا فَضْلُكَ وَ لَا يَنْعَشُ (يقيم ذلك العبد) منْ خَلْتها (صفة تلك المسكنة، خصلتها) إِلَّا مَنْكَ و جودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ (للمعترف بفقره) رِضَاكَ وَ أغْننا (بفضلك) عَنْ مَدَّ الْأَيْدِي إِلَى

ص: 107

سِوَاكَ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

92 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان:

دَعُونِی (اتركونى) وَ اِلْتَمِسُوا (أطلبوا) غَيْرِي فَإِنَّا مُستَقْبِلُونَ (مواجهون فى المستقبل) أمراً (شيئا مبهما) لَهُ وُجُوهٌ وَ أَلْوَانٌ (لإختلاط الحقّ و الباطل) لا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ وَ لَا تَثْبتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وَ إِنَّ الْآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ (ملأت من الغيم) و الْمَحَجّة (الجادّة الواضحة) قَدْ تَنَكَّرَتْ (صارت مجهولة) . وَ اعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ (فيما تطلبون من البيعة و قبول الخلافة) رَكِبتُ بِكُمْ (حملتكم) مَا أَعْلَمُ وَ لَمْ أَصْغْ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَ عَتْبِ (ملالة) العَاتِبِ (اللائم الذام) وَ إِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ وَ لَعَلّي أَسْمَعُكُمْ وَ أطوَعُكُمْ (أكثركم إطاعة) لِمَنْ وَ لَيتُمُوهُ (جعلتم له ولاية) أَمْرَکُمْ وَ أَنَا لَکُمْ وَزِیراً خَیْرٌ لَکُمْ مِنِّی أَمِیراً. (لأنّكم لا تطيقون عدلى).

93 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها ينبّه أمير المؤمنين على فضله و علمه و يبيّن فتنة بنی امية:

أما بَعدَ حمد الله وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي فَقَاتُ (قلعت) عَيْنَ الْفِتْنَةِ (حين إمتزج الحقّ بالباطل) وَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا (تلك الفتنة أن يقلعها) أَحَدٌ غيَريِ بَعْدَ أَنْ مَاجَ (شمل، عمّ) غَيهَبُهَا (ظلمتها) و اشتَدّ كَلَبُهَا (و هو داء معروف يصيب الكلاب فكلّ من عضته أصيب به ذلك الداء فجنّ و مات) فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تسَألَوُنيِ عَن شَيءٍ فِيمَا بَينَكُم وَ بَينَ السّاعَةِ (القيامة) وَ لَا (تسألونى) عَنْ فِئَة (طائفة) تَهْدي مائَةَ (أمّة كثيرة) و تُضِلُّ (تلك الفئة) مائةُ إِلَّا أَنْبَاتُكُمْ (أخبرتكم) بِنَاعِقِهَا (داعيها) وَ قَائِدِهَا (من الأمام) وَ سَائِقِهَا (من الخلف) وَ مُنَاخِ (محل بروک) رِكَابِهَا (ابلها) وَ مَحَطّ (منزل) رِحَالَهَا (أَثاثها) وَ مَنْ يُقْتَلُ منْ أَهْلهَا (تلك الفئة) قَتْلًا وَ مَنْ يَمُوتُ مِنهُم موتاً وَ لَوْ قَدْ فَقَدْ تُمُونِي وَ نَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الْأُمُورِ (من شدائد الحرب) و حَوَازِب (شدائد) الْخُطُوبِ (الأمور العظيمة) لَأَطرَقَ (مكث) كَثِيرٌ

ص: 108

مِنَ السّائِلِينَ (لهيبة ما يرون) وَ فَشِلَ (جبن ، ضعف) كَثيرٌ منَ الْمَسْئُولِينَ وَ ذَلكَ (الخطب العظيم) إِذَا قَلَصَتْ (إستمرت) حَربُكُم وَ شَمّرَت (كشفت) عَنْ سَاقِ (شدّة و مشقّة) و ضَاقَت الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضيقاً تَسْتَطيلُونَ (تحسبون طويلا) مَعَهُ (ذلك الضيق) أَيَّامَ الْبَلاء عَلَيْكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ لبقية الأبْرَارِ مِنْكُمْ إِنَّ الْفِتَنَ (فى أيّام بني أمية) إِذَا أَقْبَلَتْ (عليكم) شَبَهَتْ (بإشتباه الحق و الباطل) و إذَا أدبرَتْ نَبهَتْ (أخبرت بحقيقتها و ظهرت للناس بآثارها حين ذهبت) يُنْكَرنَ (لا تعرف تلك الفتن) مُقبِلَاتٍ (في حال إقبالها إلى البلاد) و يُعْرَفْنَ (للناس) مُدبِرَاتٍ (في حال إدبارها بآثارها السيّئة فى البلاد) يحمنَ (يدرن) حَومَ (دوران) الرّيَاحِ يُصِبنَ بَلَداً وَ يُخطِئنَ بلداً أَلَا وَ إِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عندي عَلَيْكُم فتنةُ بَنِي أُمَيَّةٌ فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمياء مُظَلَمَةٌ عَمِّتْ (شملت) خُطَتُهَا (أمرها) وَ خَصَّتْ بَلَيْتُهَا (على شيعتى) وَ أَصَابَ البَلَاء مَنْ أَبْصَر - فِيهَا (و عرفها لأنّه لا بدّ له من أن يدافع عنها فينزل عليه البلاء) و أخطأ الْبَلَاء (و سلم منه) مَنْ عَمِيَ عَنْهَا (لأنّه سلس لها و يعطى قياده بيدها) وَ ايمُ اللّهِ لَتَجِدُنّ بنَيِ أُمَيّةَ لَكُم أَربَابَ سُوءٍ بعَديِ (لا أمراء سوء حيث إنّهم يجعلونكم عبيدا، أولئک) كَالنَّابِ (الناقة المسنّة) الضَّرِّوس (السيّئة الخلق) تَعْذِمُ (تأكل بجفاء أو تعضّ) بفيهَا و تَخْبِط (تطأ) بِيَدِهَا وَ تَزْبنُ (تضرب) بِرِجْلِهَا وَ تَمْنَعُ دَرهَا (لبنها) لَا يَزَالُونَ بِكُمْ (أرباب سوء) حَتّي لَا يَترُكُوا مِنْكُمْ إِلَّا نَافعاً لَهُمْ (بترك دينه و ترك المنازعة لبنى أمية) و غَيرَ ضَائِرٍ (ضارُ) بِهِم (بالإختفاء في بيته) وَ لَا يَزَالُ بلاؤُهُمْ عَنْكُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ انْتَصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلَّا كَانتِصَارِ العَبدِ مِن رَبّهِ وَ الصّاحِبِ من مُسْتَصْحبه تَرَدُ عَلَيْكُمْ فتَنتَهُمْ شَوْهَاءَ (قبيحة المنظر) مَخشِيّةً (موضعا لوقوع الخوف للدين و الدنيا) وَ قِطَعاً (قطعات من سنة) جَاهِلِيّةً لَيسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًي (من إمام عدل ظاهر لكم) وَ لَا عَلَمٌ يُرَي نَحنُ أَهلَ البَيتِ مِنهَا بِمَنجَاةٍ (في مكان نجاة من الفتن لا نَزَلّ و لا نضل فلا نُزلّ و لا نُضلَّ) وَ لَسْنَا فِيهَا بِدُعَاة (داعين للفتنة فشقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة و نحن السفينة) ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللَّهُ عَنْكُمْ كَتَفرِيجِ الأَدِيمِ (الجلد عن يد الدبّاغ بعد أن يرى منه البلايا) بِمَنْ يَسُومُهُمْ (الَّذين يعذِّبون بني أمية و هم بنو العباس) خَسْفاً (ذلّا و هوانا) وَ يَسوقُهُم

ص: 109

(إلى الطاعة) عنفاً (قهرا) وَ يَسقِيهِم بِكَأسٍ مُصَبّرَةٍ (ممزوجة بالصبر أو مملوءة إلى أصبارها أي جوانبها) لَا يُعطِيهِم إِلّا السّيفَ وَ لَا يُحلِسُهُم (يكسوهم) إِلَّا الْخَوفَ فَعِنْدَ ذَلِكَ (الخسف من بنى العباس لبنى أميّة) تَوَدُّ قُرَيشٌ (لما أصابهم من الشدائد) بالدُّنْيا (بدلها) و (بدل) مَا فيهَا (من الزخارف) لَو (ليت) يرَوَننَيِ مَقَاماً وَاحِداً وَ لَو قَدرَ جَزرِ (ذبح) جَزُورٍ (مذبوح من الإبل أو الشاة) لأقبلَ منْهُمْ مَا (حقّ الولاية الّذى) أَطلُبُ اليَومَ بَعضَهُ فَلَا يُعطُونِيهِ (و يمنعونني من ذلك الحقّ).

94 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها يصف الله تعالى ثم يبيّن فضل الرسول الكريم و أهل بيته ثم يعظ الناس:

فَتَبَارَكَ اللهُ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ (الهمم البعيدة) وَ لا يَنَالُهُ حَدْسُ الْفِطَنِ (الحديد في الحدس) الأوّلُ الَّذِي لَا غَايَةَ لَهُ فَيَنْتَهِي (إليه) وَ لَا آخِرَ لَهُ فَيَنْقَضِي (يفنى عنده)

فَاستَودَعَهُم (جعل الأنبياء و دائع) في أَفْضَلِ مُستَودَع (موضع الإيداء من الأصلاب الشامخة) و أَقْرُهُمْ (جعلهم مستقرّين) فِي خَيرِ مُستَقَرّ (موضع الإستقرار من الأرحام المطهّرة) تَنَاسَخَتْهُم (تناقلتهم) كَرَائِمُ الْأَصْلَابِ (الأصلاب الكريمة) إِلَى مُطَهِّرَاتِ الأرْحَامِ (الأرحام المطهّرة) كُلَّمَا مضَى (لسبيله و مات) مِنهُم سَلَفٌ قَامَ مِنهُم (بدلهم) بِدِينِ اللّهِ (لحفظه) خَلَفٌ

حَتَّى أَفْضَتْ (إتصلت) كَرَامَةُ الله سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى (من النبوّة) إلَى مُحَمَّد صلّى الله عليه و آله فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً (موضعا للنموّ) وَ أَعَزّ الأَرُومَاتِ (الأصول) مَغْرِساً مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ (شقّ) منْهَا أَنْبِيَاءَهُ وَ انْتَجبَ (إختار) منهَا أَمَنَاءَهُ (على وحيه) عتَرَتُهُ (آل بیته) خیر العتَر وَ أَسْرَتُهُ (رهطه الأدنون، عشيرته) خَيْرٌ الْأَسَرِ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ في حَرَم (مكّة) وَ بَسَقَت (إرتفعت) فِي كَرَم لَهَا فُرُوعٌ طَوَالٌ وَ ثمَرٌ لا يُنالُ (بأيدى المتناولين) فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى وَ بَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى سِرَاجٌ لَمَعَ (تلألأ) ضَوؤُهُ (نوره) وَ شِهَابٌ سَطَع (أشرق) نُورهُ وَ زَنْدٌ (لمعة من النور) بَرَقَ لَمَعَهُ سِيرَتُهُ القَصْدُ (من غير الإفراط و التفريط) وَ سُنّتُهُ

ص: 110

الرّشْدُ وَ كَلَامُهُ الْفَصِّلُ (بين الحقّ و الباطل كما أن صمته كذلك) وَ حُكْمُهُ الْعَدْلُ أَرْسَلَهُ عَلَي حِينِ فَترَةٍ مِنَ الرّسُلِ (و هى زمان بين الرسولين) و (على حين) هَفْوَة (زلّة، إنحراف) عَنِ الْعَمَل وَ غَبَاوَة (جهل) مِنَ الْأُمَمِ.

اعْمَلُوا رَحمَكُمُ اللهُ عَلَى أَعْلَام (دلائل) بَيّنَةٍ (واضحة) فَالطّرِيقُ نَهجٌ (قويم، واضح) يَدعُوا إِلي دارِ السّلامِ وَ أَنتُم فِي دَارِ مُستَعتَبٍ (الإستعتاب، موضع الطلب للعتبى و الرضا من الله) عَلَى مَهْلِ (مهلة) وَ فَراغِ (من شغل) وَ الصّحُفُ (لثبت الأعمال) مَنْشُورَةٌ (مفتوحة) وَ الْأَقْلَامُ جارية (لكتابة أعمالكم) وَ الْأَبْدَانُ صَحيحَة وَ الْأَلْسُنُ مُطلَقَة (مرسلة) وَ التّوبَة مَسْمُوعَةٌ وَ الْأَعْمَالُ مَقْبُولَةٌ.

95 - و من خطبة له علیه السَّلام يقرّر فضيلة الرسول الكريم:

بَعَثَهُ وَ النّاسُ ضُلّالٌ (ضالون) ي حَيرَةٍ وَ حَاطِبُونَ (جامعون للحطب للفتن فهم) فِي فِتنَةٍ قَدِ استَهوَتهُمُ (جذبتهم) الأهْوَاء (الأميال) و استزلَتْهُمُ (أدّت إلى الزلل) الكِبرِيَاءُ وَ اسْتَخَفَّتَهُم (جعلتهم ذوى خفّة) الجَاهِلِيّةُ الجَهلَاءُ حَيَارَي (متحيّرين أو متحيّرون) في زَلْزَال (إضطراب) مِنَ الْأَمْرِ وَ (فى) بلاء مِنَ الْجَهْلِ فَبَالَغَ صلّى الله عليه و آله في النَّصِيحَةِ وَ مَضَى عَلَى الطَّرِيقَة (و لم يزل عنها و لم يمل إلى الإفراط أو التفريط) و دَعَا (الناس) إلَى الْحِكْمَة وَ الْمَوْعِظَة الْحَسَنَة (و لم يقصّر في ذلك).

96 - و من خطبة له علیه السَّلام في الله و في الرسول الأكرم:

الحَمدُ لِلّهِ الأَوّلِ (قبل الأشياء و إنشائها) فَلَا شَيء قَبلَهُ وَ الْآخر (بعد فناء الأشياء و صيرورتها إلى الكمال) فَلَا شَيء بعدَهُ (فى كمال الوجود) وَ الظّاهِرِ (فوق الأشياء) فَلَا شَيْءٍ فَوْقَهُ (فى الظهور) وَ الْبَاطِنِ (دون الأشياء) فَلَا شَيء دُونَهُ (فى البطون و عدم الظهور بكنهه تعالى).

ص: 111

و منها في ذكر الرسول صلّى الله عليه و آله

مُستَقَرّهُ خَيرُ مُستَقَرّ (من الأصلاب الشامخة و الأرحام المطهّرة) وَ مَنبِتُهُ أَشرَفُ مَنبِتٍ فِي مَعَادِنِ الكَرَامَةِ (من النبوّة و الوصاية) وَ مَمَاهِدِ (مواضع يبسط فيها فراش) السَّلَامَة (عن الدنية) قَدْ صُرِفَتْ (إنقلبت) نَحْوَهُ (إليه) أَفْئِدَةُ (قلوب) الْأَبْرَارِ وَ ثنَيِّتْ (توجّهت) إِلَيْهِ أَزمة الْأَبْصَارِ دَفَنَ اللهُ بِهِ الصَّغَائِنَ (الأحقاد الجاهليّة) وَ أَطفَأَ بِهِ الثّوَائِرَ (العداوة الواثبة بصاحبها على أخيه) ألّفَ (الله تعالى) به (صلّى الله عليه و آله) إِخْوَاناً وَ فَرقَ به أقراناً (من الآباء و الأبناء) أَعَزَّ (الله) بِه الذّلّة (الملازمة للمستضعفين) و أذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ (الكبرياء الملازمة للمستكبرين) كَلَامُهُ بَيَانُ (فصل بين الحقّ و الباطل) و صَمْتُهُ لسَان (فكلاهما حجّة على الخلق).

97 - و من خطبة له علیه السَّلام في أصحابه و أصحاب رسول الله:

و لَئِنْ أَمهَلَ (الله تعالى) الظَّالِمٌ فَلَنْ يَفُوتَ أخَذُهُ وَ هُوَ (تعالى) لَهُ بِالْمِرْصَادِ (الطريق الّذى يرصد به) عَلَي مَجَازِ (موضع مرور) طَرِيقِهِ وَ بِمَوضِعِ الشّجَا مِن مَسَاغِ (ممر) رِيقِهِ أَمَا وَ ألّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَظْهَرَنَّ (يغلبن) هَؤُلَاءِ القَومُ (أصحاب معاوية) عَلَيْكُمْ لَيْسَ لأَنَّهُمْ أُولَى بِالْحَقِّ مِنْكُم وَ لَكِنْ لِإِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ (أميرهم معاوية) وَ إِبْطَائِكُمْ (تعلّلكم، تأخيركم) عَن حقَيّ وَ لَقَد أَصبَحَتِ (دخلت فى الصبح) الأُمَمُ تَخَافُ ظلم رُعَاتِها (حكامها) وَ أَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي اسْتَنْفَرْتُكُمْ (طلبت منكم النفر و الرحيل) للجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا وَ أَسْمَعْتُكُم (الحقّ) فَلَمْ تَسْمَعُوا وَ دَعَوْتُكُمْ سراً وَ جَهْراً (للجهاد) فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا (إلى دعوتى) وَ نَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا (نصيحتى) أ (أنتم) شُهُودٌ (شاهدون في مجلسی) كَغُيَابِ (غائبين عنه) وَ عَبِيدٌ كَأَرْبَابٍ أتْلُو عَلَيْكُمْ الحكَمَ (حقائق القرآن و تأويله) فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا وَ أَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْبَالغَة (غير القاصرة) فَتَتَفَرقُونَ عَنْهَا (تلك الموعظة) و أحُثُكُمْ (احرضكم) عَلَى جِهَادَ أَهْلِ الْبَغْي (الظلم) فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلِي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ (عن مجلسى) أَيَّادِي سَبَا (الّذى كان

ص: 112

له عشرة أولاد و عند الحرب يتفرّقون عن حول أبيهم خوفا) تَرْجِعُونَ إِلَى مَجالسكُمْ وَ تَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظُكُمْ (أى يخدع كلّ منكم صاحبه عن تلك المواعظ فتكونوا من الّذين يتعاونون على الإثم و العدوان و معصية الرسول) أَقَومُكُمْ (عن الإعوجاج) غُدْوَةً (صباحا) وَ تَرْجِعُونَ إِلَى عَشِيَّةَ (مساء) كَظهْرِ الْحَنية (القوس) عَجَزَ الْمُقَومُ (لظهر الحنيّة و لا يدرى كيف يصنع بكم و يقوّمكم) و أعْضَل (إستصعب) الْمُقَومُ أَيُّهَا الْقَومُ الشَّاهِدَةُ (الحاضرة) أَبْدَانُهُم (فى مجلسى) الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ (عن مواعظى) الْمُخْتَلِفَه (المتفرقة، المتشعبة) أهْوَاؤُهُمْ (آرائهم) الْمُبْتَلَى بِهِمْ أَمَرَاؤُهُمْ صَاحِبُكُمْ (و هو أنا) يُطيعُ اللَّهَ وَ أَنْتُمْ تَعْصُونَهُ وَ صَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ وَ هُم يُطيعونَهُ لَوَدِدْتُ وَ الله أَنْ مُعَاوِيَة صَارَفَني (عاوضنى) بِكُمْ (بدلكم) صَرْف (معاوضة) الدِّينَارِ بِالدِّرْهَم فَأَخَذَ مِنّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَ أَعْطَانِي رَجُلًا (واحدا) منهم يا أَهْلَ الْكُوفَةِ مُنِيتُ (إبتليت) مِنْكُمْ بِثَلَاثِ وَ اثْنَتَيْنِ (أمّا الأوّل من الثلاث فأنتم) صُمٌّ (غير سميع) ذَوُو أَسْمَاعٍ (فلا تسمعون الحقّ) و (الثانى فأنتم) بُکْمٌ (أخراس) ذَوُ و كَلَام (فلا تنطقون بالحقِّ) و (الثالث فأنتم) عُمّى ذَوُو أَبْصَار (فلا ترون الحقّ و أمّا الأول من الإثنين فأنتم) لَا أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ (الثاني فأنتم) لا إِخْوَانُ ثقَة عِنْدَ الْبَلَاءِ تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ (أصابت أيديكم البلاء و هو دعاء عليهم برفع البركة ونزول الفقر) یَا أشْبَاهَ الإبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا (مراقبوها) كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبِ تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ وَ اللهِ لَكَأَيِّ (أنظر) بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ (أظنّ بكم) أَنْ لَوْ حَمِسَ (إشتد) الوَغَى (الحرب) و حَمِي (إشتد) الضِّرَابُ (مضاربة السيوف) قَدِ انْفَرَجتُم (إنقطعتم) عَنِ ابْنِ أبی طَالِبٍ انفراج الْمَرْأَهِ عَنْ قُبُلِهَا (ولدها عند الولادة) وَ إِنِّي لَعَلَى بَيِّنة (حجّة واضحة) من رَبِّي (على قتال هولاء القوم) و (أنّى لعلى) مِنْهَاجٍ (طريق واضح) مِنْ نَبِيي (حيث أمرنى بقتالهم) و إنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضح القُطهُ (أصطفيه و أختاره من بين الطرق الضالّة) لَقْطاً.

انْظُرُوا أَهْلَ بَيْت نَبِيِّكُمْ فَالزَمُوا سَمْتَهُمْ (طريقهم، قصدهم) و اتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَ لَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدَّى (هلاك) فَإِنْ لَبَدُوا (قعدوا و لزموا البيت) فَالْبُدُوا (معهم) وَ إِنْ

ص: 113

نَهَضُوا (قاموا و أسرعوا إلى أمر) فَانْهَضُوا (معهم فكونوا معهم حيثما كانوا) وَ لَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَ لَا تَتَأخَّرُوا عَنهُم فَتَهْلَكُوا لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّی الله اللّهُ عَلیهِ و آلِهِ فَمَا أَرَى أحداً يُشْبِهُهُم مِنْكُمْ لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعثاً (فى شعورهم) غُبراً (فى الألوان) و قَدْ بَاتُوا (سهروا) سُجَّداً (ساجدين) و قِیَاماً، (قائمين) يُرَاوِحُونَ (ينقلبون) بين جِبَاهِهِم وَ خُدُودهم و يَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ (النار) مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنهِم رُكَبَ الْمُعْزَى (المعز) مِنْ طولِ سُجُودِهِمْ إِذَا ذَكَرَ اللَّهُ هَمَلَتْ (فاضت سالت) أَعْينهُم حَتَّى تَبَل (ترطب) جُیُوبَهُمْ (من الدموع) وَ مَادُوا (إضطربوا) کَمَا یَمِیدُ الشَّجَرُ یَوْمَ الرِّیحِ الْعَاصِفِ (شديدة الهبوب) خَوْفاً من الْعِقَابِ وَ رَجَاء لِلثَّوَابِ.

98 - و من كلام له علیه السَّلام يشير فيه إلى ظلم بني أمية:

وَ الله لَا يَزَالُونَ (فيما يحكمون و يأمرون) حتى لَا يَدَعُوا (يتركوا) لله مُحرماً إِلَّا اسْتَحَلُوهُ (جعلوه حلالا) وَ لَا عَقْداً (من القلوب على الإيمان) إِلَّا حَلُوهُ وَ حَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتُ مَدَرٍ (من الحجر و نحوه) وَ لَا (بيت) وَ بَرِ (من الخيام) إِلَّا دَخَلَهُ (ذلك البيت) ظُلْمُهُمْ وَ نَبَا (إرتحل) بِهِ (ذلك البيت) سُوءَ رَعْيِهِمْ (مراقبتهم للرعيّة) و حتَّى يَقُومَ الْباكَيَانِ يَبْكَيَانِ بَاكَ یَبْکِی لِدِینِهِ (لما في إمارة بني أميّة من الفتن المهلكة للدين) وَ بَاکٍ یَبْکِی لِدُنْیَاهُ (لما فيها من هلاك الدنيا) وَ حَتَّی تَکُونَ نُصْرَةً أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِهِمْ (من بني أميّة) كَنُصْرَة العَبدِ مِنْ سَیِّدِهِ إِذَا شَهِدَ (سيّده) أطَاعَهُ وَ إِذَا غَابَ اغْتَابَهُ و حَتَّى يَكُونَ أَعْظَمَكُمْ فِيهَا (حكومة بني أميّة) عَنَاءً (تعبا) أحْسَنُكُم بِاللَّه ظناً فَإِنْ أَتَاكُمُ اللهُ بِعَافِيَة (بتقديم قائد من أهل البيت حيث إنّ عافية الدين و الدنيا لا تحصل إلَّا بهم) فَاقْبَلُوا وَ إِنِ اُبْتُلِیتُمْ (بتقديم الغير مقامهم) فَاصْبِرُوا (على الفتن و لا تدخلوا فيها) فَإِنَّ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.

99 - و من خطبة له علیه السَّلام في التزهيد من الدنيا:

ص: 114

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا كَانَ (وقع) وَ نَسْتَعِينُهُ منْ أَمْرِنَا عَلَى مَا يَكُونُ (يقع) وَ نَسْأَلُهُ الْمُعَافَاةَ (العافية) فِي الْأَدْيَانِ كَمَا نَسْأَلُهُ الْمُعَافَاةَ فِي الْأَبْدَانِ عِبَادَ الله أوصيكُمْ بِالرِّفضِ (الترك) لِهَذِهِ الدُّنْيَا التَّارِكَةِ لَكُمْ (كما تركت من كان قبلكم) وَ إِنْ لَمْ تُحِبّوا تَرْكَهَا وَ (أوصيكم بالرفض لهذه الدنيا) المُبلِيَة (المخلقة) لأجسامِكُمْ وَ إِنْ كُنتُمْ تُحِبّون تَجديدَهَا (نضارة أجسامكم) فَإِنَّمَا مَثَلُكُم وَ مَثَلُهَا كَسَفْرٍ (مسافرین) سَلَكُوا سَبِيلًا فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ (مضوا ذلك السبيل) وَ أَمّوا (قصدوا) عَلَماً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوهُ وَ كَمْ (أىّ عدد) عَسَى (رجا) الْمُجْرِي (السالک) إِلَى الْغَايَة أَنْ يَجْرِي إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا (يصل تلك الغاية) و مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ (يقع) بَقَاءَ مَنْ لَهُ يَومٌ (كتب فيه أجله) لَا يَعْدُوهُ (يتجاوز ذلك اليوم) و (له) طالبٌ حَثِيثٌ (مشتاق) مِنَ الْمَوْتِ يَحْدُوهُ (يسوقه) وَ مُزعِجٌ (مخرج) في الدُّنْيَا حَتَّى يُفَارِقَهَا رَغْماً (خلافا لهواه) فَلَا تَنَافَسُوا (تفاخروا) فِي عِزّ الدُّنْيَا وَ فَخْرِهَا و لَا تَعجبوا بِزِينَتَهَا وَ نَعيمهَا وَ لَا تَجْزَعُوا (تحزنوا، تأسفوا) منْ ضَرَّائها (قحطها، نقصها في الأموال و الأولاد) و بُؤْسهَا (فقرها) فَإنّ عزّهَا وَ فَخْرَهَا إِلَى انْقِطَاعِ وَ إِنْ زينَتَهَا وَ نَعيمها إلَى زَوَال (نفاد) وَ ضَراءَهَا وَ بُؤْسَهَا إِلَى نَفَاد (فناء) و كُلُّ مدة فِيهَا (الدنيا) إِلَى انتهاء وَ كُلُّ حي فِيهَا إِلَى فَنَاء أو لَيْسَ لَكُمْ فِي آثَارِ الأولينَ مُزدَجَر (موضع لقبول النهى أو نهى) و فِي آبَائِكُمُ الْمَاضِينَ تَبْصِرَةً وَ مُعتبر (إعتبار أو موضع عبرة) إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ أَ وَ لَمْ تَرَوْا إلَى الْمَاضِينَ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُونَ (لإصلاح أعمالهم) و (أ و لم تروا) إلَى الْخَلَفَ الْبَاقِينَ لَا يَبْقَونَ أَ وَ لستم ترونَ أهْلَ الدُّنْيا يصبحون و يمسُونَ عَلَى أحوال شَتّى (مختلفة) فَمَيْتٌ يُبكى (عليه) و آخر يعزى (يسلّى على موت حبيبه) و صَرِيعٌ (مصروع على الأرض من الذل أو السقم) مبتلى و عَائِدٌ يَعُودُ (المرضى) و آخَر بنفسه يَجُودُ (يسخو بها و يسلّمها إلى خالقها) و طالبٌ للدُّنْيَا وَ الْمَوْتُ يَطلبه و (هو) غافل (عن أحوال أهل الدنيا) و ليس بمَغْفُول عَنْهُ وَ عَلَى أَثَرِ الْمَاضِي (من الآباء و الأمم السالفة) مَا (هى مصدرية) يمَضيِ- الباَقيِ (من الأولاد) أَلَا فَاذْكُرُوا هَاذِمَ (قاطع) اللّذّاتِ (بالسر-عة) وَ مُنَغْصَ (مكدّر) الشَّهَوَاتِ وَ قَاطِعَ الْأَمْنِيَاتِ (الآمال) عِندَ المُسَاوَرَةِ (المواثبة منكم) لِلأَعمَالِ القَبِيحَة وَ اسْتَعينُوا اللهَ عَلَى أَدَاء وَاجِبِ حَقَّه و (على أداء)

ص: 115

مَا لَا يُحصَي مِن أَعدَادِ نِعَمِهِ وَ إِحسَانِهِ.

100 - و من خطبة له علیه السَّلام في رسول الله و أهل بيته:

الْحَمْدُ لله النَّاشِرِ (الباسط) في الْخَلْقِ فَضْلَهُ (ممّا زاد على فرضه و قد كتب على نفسه الرحمة) و البَاسِطِ فِيهِم بِالجُودِ يَدَهُ نَحمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ (أفعاله) وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَة حقُوقِهِ (و أدائها) وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً (قاضيا بين الحقّ و الباطل أو مشرقا) وَ بِذِكرِهِ (و هو القرآن)نَاطِقاً فَأَدّي (حقوقه تعالى من إبلاغ رسالاته) أميناً وَ مَضَى رَشيداً (منزّها عن الغيّ) وَ خَلَّفَ (جعل فى خلفه) فِينِا (معاشر المسلمين) رَايَةَ الْحَقِّ (و الهداية و هى عترته الطاهرون) مَنْ تَقَدَّمَهَا (بالإفراط) مَرَقَ (خرج عن الدين) وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا (بالتفريط) زَهَقَ (هلک) و مَنْ لَزِمَهَا (بإتّباع تلك الراية) لحق (بنا في الدارين) دَلِيلُهَا (و هو أنا فى هذا الزمان) مَكِيثُ الكَلَامِ (فلا يبادر بالكلام عن غير رويّة و تعقّل فلا يسبق كلامه قلبه) بطَيِءُ القِيَامِ (غير سريع للقيام فلا ينهض لأدنى غضب عارض عليه) سَرِيعٌ إِذَا قَامَ (لله تعالى فلا يسامح) فَإِذَا أَنْتُمْ النتُم لَهُ رِقَابَكُمْ (بالتسليم عنده) وَ أَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِأَصَابِعكُمْ (لإشتهاره بينكم) جَاءَهُ الْمَوْتُ فَذَهَبَ (الموت) به (إلى الآخرة) فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اللهُ حَتّي يُطلِعَ (يظهر) اللهُ لَكُم مَنْ يَجْمَعُكُمْ وَ يَضُم نَشْرَكُمْ (متفرّقكم، بدليل آخر غيرى من تلك الراية الّتى خلّفها فيكم) فَلَا تَطْمَعُوا فِي غَيْرِ مُقْبِلِ (إلى الحقّ) وَ لَا تَيَأْسُوا مِنْ مُدْبِرِ (عن الحقّ) فَإِنَّ الْمُدْبِرَ عَسَى- أَنْ تَزِلَ بِهِ إِحدَي قَائِمَتَيهِ (رجليه) وَ تَثْبَتَ (القائمة) الْأُخْرَى فَتَرْجِعًا (أى قائمتاه) حَتّي تَثبُتَا جَمِيعاً (على الصراط الحق المبين) أَلَا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمّدٍ صلّى الله عليه و آله كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاء إِذَا خَوَى (غاب) نَجمٌ (منهم) طَلَعَ نَجم (آخر) فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ الله فِيكُمُ الصّنَائِعُ (العطايا بآل الرسول واحدا تلو الآخر) و أَرَاكُمْ مَا كُنتُمْ تَأْمُلُونَ.

ص: 116

101 - و من خطبة له علیه السَّلام، و هي إحدى الخطب المشتملة على الملاحم:

الحَمدُ لِلّهِ الأَوّلِ قَبلَ كُلّ أَوّلٍ (فلا بداية له بل سبق العدم و جوده) وَ الآخِرِ بَعدَ كُلّ آخِرٍ (فلا نهاية له و لا غاية دونه) وَ بِأَوّلِيّتِهِ (الّتى تدل عليها صرفيّته) وَجَبَ أَنْ لَا أَوَّلَ لَهُ وَ بِآخِرِيَّته (الّتي تدل عليها الصرفيّة منه تعالى) وَجَبَ أَنْ لَا آخرَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَةً يُوافقُ فِيهَا السِّرِّ (الباطن) الْإِعْلانَ (الظاهر) وِ (يوافق) القَلْبُ اللسَانَ (هذا هو حقيقة الإيمان فى منازله الثلاثة من القلب و اللسان و الأركان) أَيُّهَا النَّاسُ لا يَجْرِمَنَّكُمْ (يكسبنّكم خسر-انا) شقاقي ( مخالفتى) وَ لَا يَستَهوِيَنّكُم (يجعلنّكم هائمين، يميلنّكم عن الحقّ) عصْيَانِي وَ لَا تَتَرَامَوا بالْأَبْصَارِ (أى لا يلحظ بعضكم بعضا تغامزا أى إشارة بلحظ العين إنكارا علىّ) عنْدَ مَا تَسْمَعُونَهُ منِيّ (من الملاحم و الفتن و المغيبات) فَوَالَّذي فَلَقَ (شقّ) الْحَبَّهُ وَ بَرَأَ (خلق) النَّسَمَة (الروح) إِنَّ الَّذِي أُنَبِّئُكُمْ (أخبركم) به (من المغيبات يكون) عَنِ النَّبِي الْأُمِّي صلّى الله علیه و آله مَا كَذَبَ (لم يكذب) المُبَلّغُ (عن الله تعالى و هو رسوله) وَ لَا جَهِلَ (لم يجهل) السَّامِعُ (و هو أنا) لكَأَنَيّ أَنظُرُ إِلَي ضِلّيلٍ (شديد في الضلالة) قَدْ نَعَقَ (صاح) بِالشَّامِ (عبد الملک بن مروان) وَ فَحَصَ (بحث) بِرَايَاتِهِ (أعلامه) فِي ضوَاَحيِ (نواحى) كُوفَانَ (الكوفة) فَإِذَا فَغَرَتْ (إنفتحت) فَاعْرَتُهُ (فمه) وَ اشْتَدَّتْ شَكيمَتهُ (الحديدة المعترضة في اللجام في فم الدابّة) وَ ثَقُلَتْ فِي الْأَرْض وَطأَتُهُ عَضّتِ (عقرت) الفِتنَةُ أَبنَاءَهَا (المفتونين) بِأَنيَابِهَا (أضراسها) و مَاجَتِ الْحرب بِأَمْوَاجِهَا وَ بَدَا (ظهر) مِنَ الْأَيَّامِ كُلُوحُهَا (عبوسها) وَ مِنَ اللَّيَالِي كُدُوحُهَا (آثار جراحاتها) فَإذَا أَيْنَعَ (نضج) زَرعُهُ وَ قَامَ عَلَي يَنعِهِ (و هو يوم حصاده) و هَدَرَتْ (أخرجت من فمه) شَقَاشقُهُ (من الغضب و هي جمع الشقشقة) وَ بَرقَتْ بَوَارِقُهُ (سيوفه و رماحه) عُقدَتْ رَايَاتُ الفتَنِ الْمُعْضلَة (الشديدة) وَ أَقْبَلْنَ كَاللَّيْلِ المُظلمِ وَ الْبَحْرِ الْمُلْتَطمِ هَذَا (خذ ما قلت) و كَم يَحْرِقُ (يشقّ) الكُوفَةَ مِن قَاصِفٍ (صوت شديد) و يمر عليها (الكوفة) مِن عَاصِفٍ (ريح شديدة) وَ عَنْ قَلِيلِ تَلْتَفُّ الْقُرُونُ (الأمم من بني أميّة) بِالْقُرُونِ (من بني العبّاس) و يُحصَدُ

ص: 117

(يقطع كالزرع) الْقَائمُ (من بني أميّة) وَ يُحطَمُ (يهشم يكسر-) المَحْصُودُ (منهم بأيدى بنى العباس).

102 - و من خطبة له علیه السَّلام تجري هذا المجرى و فيها ذكر يوم القيامة و أحوال الناس المقبلة يوم القيامة:

وَ ذَلِكَ (اليوم) يَومٌ يَجمَعُ اللّهُ فِيهِ الأَوّلِينَ (من الأمم) و الآخرِينَ (منهم) لِنِقَاشِ (مناقشة) الحِسَابِ (و هو الإستقصاء في الحساب فلا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلّا أحصاهما الله تعالى) وَ (ل) جَزَاءِ الأَعمَالِ (جزاء وفاقا) خُضُوعاً (خاضعين لله تعالى) قياماً (قائمين بين يديه تعالى) قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ (سال العرق حتّى يبلغ إلى موضع اللجام من الدابّة) وَ رَجَفَتْ (تحرّكت و إضطربت) بهمُ الْأَرْضُ فَأَحْسَنُهُمْ حَالًا (فى ذلك اليوم) مَنْ وَجَدَ لِقدَمَيهِ مَوضِعاً (للقيام عنده تعالى للحساب) وَ لِنَفسِهِ مُتّسَعاً (موضعا يسعه للزحام الشديد).

و منها:

كَقِطَعِ اللّيلِ المُظلِمِ (و هى فتنة صاحب الزنج فى البصرة) لَا تَقُومُ (تنهض) لَهَا (تلک الفتن) قَائِمَةٌ (فئة ناهضة أو قائمة الفرس و هى رجله) وَ لَا تُردَّ (ترجع تدفع) لَهَا رَايَةٌ (علم لصولتها تَأتِيكُم (تلك الفتن) مَزْمُومَةٌ (تامة الأدوات) مرحولَةً (كاملة الآلات كالناقة الّتي عليها زمامها و رحلها) يَحْفِرُهَا (يدفعها) فَائدُهَا وَ يَجْهَدُهَا رَاكِبُهَا (فوق طاقتها) أَهْلُهَا قَوْمٌ شَديدٌ كَلَبهم (أذاهم، شرّهم) قَلِيلٌ سَلَبُهُمْ (لأنّ همّهم القتل لا السلب و الغنيمة) يُجَاهِدُهُمْ فِي سَبِيلِ الله قَوْمٌ أَذلَّةٌ (مستضعفون) عندَ الْمُتَكَبِرِينَ فِي الْأَرْض مَجْهُولُونَ (لخمول ذكرهم) وَ فِي السّمَاءِ مَعرُوفُونَ فَوَيلٌ لَكِ يَا بَصرَةُ عِندَ ذَلِكِ (الأمر العظيم من الفتن و الحروب) من جيش منْ نقَمِ (عذاب) اللَّهِ لَا رَهَجٌ (غبار) لَهُ وَ لَا حَسّ (أصوات مختلطة) و سيبتَلَى أَهْلُك بِالْمَوْتِ الْأَحْمَرِ (و هو القتل بالسيف) وَ الْجُوعِ الأَغبَرِ (و هو شدّة الجوع لأن صاحبه يرى الآفاق غبرة و ظلاما).

ص: 118

103 - و من خطبة له علیه السَّلام

أَيُّهَا النَّاسُ انْظُرُوا (تأملوا) إلى الدُّنْيَا نَظرَ (تأمل) الزَّاهدينَ (غير الراغبين) فيها الصَّادفين (المعرضين) عَنْهَا فَإِنَّهَا وَ الله عَمَّا قَلِيلِ تُزِيلُ الثَّاوِي (المقيم) السَّاكِنَ (فيها) وَ تَفْجَعُ (تصيب الحزن و الأسف) الْمُتْرَفَ (المتمتّع بالنعم يصنع ما يشاء) الأمن (من آلام الدنيا) لَا يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى (أدبر) منْهَا فَأَدْبَرَ وَ لَا يُدْرَى (يعلم) مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَیُنْتَظَرَ (فقم و إغتنم الفرصة بين العدمين) سُرورُهَا (فى الحال التي كنت فيها الآن) مَشُوبٌ (مختلط) بِالْحُزْنِ (لأنّه سيمرّ) و جَلَدُ (سعى) الرِّجَالِ فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَ الْوَهْنِ فَلَا يَغُرنَّكُمْ كَثَرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّهِ مَآ یَصْحَبُکُمْ (صحبتكم) منْهَا (و إنّ القلة الّتى تصحبكم هي الحال الّتي تكونون فيها و هي قليلة جدّا) رَحمَ اللهُ امْرَأَ تَفَكَّر (فى حقيقة الدنيا) فَاعْتَبَرَ (بما تولّى منها و بقلة الصحبة معه) وَ (رحم الله إمرئ) اِعْتَبَر (منها) فَأَبْصَرَ (بها) فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنُ (الآن) مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيلِ لَمْ يَكُنْ (كما مضى منها) وَ كَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْآخِرَةِ عَمَّا قَلِيلِ لَمْ يَزَلْ وَ كُلُّ مَعْدُود (كأيّام الدنيا) مُنقَض (ماض) وَ كُلُّ مُتَوَقَّع (كالآخرة) آتٍ وَ كُلُّ آت قَرِيبٌ دَانٍ.

و منها: الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ (و لم ير الدنيا لنفسه ثمنا) وَ كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ (بأن يرى الدنيا مع قلّة صحبتها معه ثمنا لنفسه) وَ إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَعَبْداً وَ کَلَهُ (تركه) اللهُ إلَى نَفْسه جائراً (مائلا بالإفراط و التفريط) عَنْ قَصْدِ السَّبِیلِ (الّذى لا عوج فيه) سائِراً (سالكا على الطرق المتشعّبة) بِغَيْرِ دَلِيلِ إِنْ دُعِي إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا (و عمارتها) عَمِلَ (لها) وَ إِنْ دُعِي إِلَى حَرْثِ الْآخِرَةِ كَسِلَ كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ (من حرث الدنيا) وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَ كَأَنَّ مَا وَنى (تراخى تأخّر) فيه (من حرث الآخرة) سَاقِطٌ عَنْهُ.

و منها: وَ ذلِکَ (الأمر العظيم الذى هو واقع على أهل الدنيا من العمل لها و ترك الآخرة) زَمَانٌ لَا ينجو فيه إِلَّا كُلُّ مُؤْمِن نُومة (كثير النوم و هو خامل الذكر) إنْ شَهدَ (فى المشاهد) لَمْ يُعرَف وَ إِنْ غَابَ (عنها) لَمْ يُفْتَقَدْ (لعدم إشتهاره بين الناس) أولئكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَ

ص: 119

أَعْلامُ السُّرَی (السير فى الليل) لَیْسوا بِالْمَسَایيح (السائرين بين الناس بالفساد و النمامة) و لا الْمَذَايِيع (المشيعين للفواحش بين الناس) الْبَذْرِ (الّذين كثر سفههم و لغا منطقهم) أولئك يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُم أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ، وَ یَکْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاء (شدّة) نِقْمَتِهِ أَیُّهَا النَّاسُ، سَیَأْتِی عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأ (ينقلب، يتحوّل) فيه الْإِسْلَامُ كَمَا يُكْفا الْإِناء بِمَا فِيهِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ (آمنكم) مِنْ أَنْ يَجور (يظلم) عَلَيكُم (لعدله) وَ لَمْ يُعدُكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَليَكُمْ (بالبلايا لعزّته) وَ قَدْ قَالَ جَلَّ (عظم) منْ قَائِلِ إِنَّ فِی ذلِکَ لآیاتٍ وَ إِنْ کُنَّا لَمُبْتَلِینَ (للناس و لسنا بالظالمين لهم).

قال السيد الشريف الرضي: أمّا قوله علیه السَّلام كل مؤمن نومة فإنما أراد به الخامل الذكر القليل الشر و المسابيح جمع مسياح و هو الذي يسيح بين الناس بالفساد و النمائم و المذایيع جمع مذياع و هو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها و نوه بها و البذر جمع بذور و هو الذي يكثر سفهه و يلغو منطقه.

104 - و من خطبة له (علیه السَّلام):

أما بعد فَإِنَّ اللَّهَ سبحانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وَ لَيسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كتاباً (منزلا من عند الله تعالى) وَ لَا يَدَّعي نُبوةً وَ لَا وَحْياً (من الله) فَقَاتَلَ مَنْ أَطَاعَهُ (إنقاده من المؤمنين) مَنْ عَصَاهُ (خالفه من الكفار) یَسُوقُهُمْ إِلَی مَنْجَاتِهِمْ (نجاتهم أو مكان نجاتهم) وَ یُبَادِرُ (يسارع) بهم السَّاعَةَ (الموت) أَنْ تَنْزِلَ بِهِمْ (بغتة)، يَحْسِرُ (يكلّ، يعيى) الْحَسِيرُ (الضعيف عن السير) وَ یَقِفُ الْکَسِیرُ (المكسور) فَيُقيمُ (رسول الله) عَلَیْهِ (ذلك الحسير و الکسیر) حَتَّی يُلْحقَهُ غَايَتَهُ (الّتى هى منجاته فلم يتركه فى حاله) إِلَّا هَالكاً لَا خَیْرَ فِیهِ، حَتَّی أَرَاهُمْ مَنْجَاتَهُمْ، وَ بَوَّأَهُمْ (أنزلهم فى مبوء صدق) مَحَلَّتَهُمْ (موضع حلولهم) فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ (و هو كناية عن إصلاح معاشهم) وَ اسْتَقَامَتْ قَناتُهُم (رماحهم و هو كناية عن القوّة) وَ ايْمُ الله لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا (الّذين يسوقون العرب إلى منجاتها) حَتَّى تَوَلَّتْ (أدبرت) بِحَذَافِیرِهَا (كلّها و رجعت إلى أعقابها و تعرّبت) وَ اسْتَوْسَقَتْ (اجتمعت إنتظمت) في قيادهَا (الأوّل من

ص: 120

الجاهليّة) مَا ضَعُفَتُ (حين تولّت العرب و تركت ما أوصى به رسول الله من ولايتي) وَ لَا جَبُنْتُ (لوحدتى) وَ لَا خُنْتُ (بوصية رسول الله من الصبر على نهب تراثه حيث لم يكن لى معين) وَ لَا وَهَنْتُ (ضعفت) وَ ايْمُ الله لأبقُرَنٌ (أشقَن جوف) الْبَاطِلَ حَتَّی أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ (جنبه بعد أن أمزجهما قوم لإثارة الفتنة).

قال السيد الشريف الرضي: و قد تقدّم مختار هذه الخطبة إلّا أنّني وجدتها في هذه الرواية على خلاف ما سبق من زيادة و نقصان فأوجبت الحال إثباتها ثانية:

105 - و من خطبة له علیه السَّلام في بعض صفات الرسول الكريم و تهديد بني أمية و عظة الناس

حَتَّی بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلّى الله عليه و آله شَهِیداً، (على أعمال العباد) وَ بَشِیراً (لهم برحمته) وَ نَذِیراً (لهم من نقمته) خَیْرَ الْبَرِیَّهِ (الخلائق) طفلًا (لعصمته فى الطفوليّة) و أَنْجِبَهَا كَهْلًا (الكرائم أخلاقه) و أظهَرَ الْمُطَهِّرِينَ (من بين أنبيائه ورسله) شِیمَهً (خلقا، سجية) وَ أَجْوَدَ (أسخى) الْمُسْتَمْطَرِینَ (الّذين يطلب منهم مطر الإحسان و الفضل) دِیمَهً (مطرا لا رعد فيه و لا برق).

فَمَا احْلَوْلَتْ (حلت، عذبت) لَكُمُ (يا بني أميّة) الدُّنْيَا فِي لَذّتِهَا وَ لَا تَمَكَّنْتُمْ (ما قدرتم) مِنْ رَضَاعِ أَخْلَافهَا (جمع خلف و هو حلمة ضرع الناقة) إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفَتُمُوهَا (مواجهتكم للدنيا) جَائِلًا (متحركا) خِطَامُهَا (و هو ما يوضع فى أنف البعير ليقاد به) قَلِقاً (مضطربا) وَ ضِینُهَا (بطان عريض يكون للرحل كالحزام للسرج) قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ بِمَنْزِلَةِ السِّدْرِ الْمَخضُود (بلا شوک) وَ (صار) حَلَالُهَا بَعِیداً غَیْرَ مَوْجُودٍ (عندهم) وَ صَادَفْتُمُوهَا (تصادفون الدنيا وما فيها من الخلافة) وَ اللَّهِ، ظِلًّا مَمْدُوداً إِلَی أَجَلٍ مَعْدُود فَالْأَرْضُ لَكُمْ شَاعِرَةٌ (لا مانع لكم من خيرها) و أَيْدِيكُمْ فِیها مَبْسُوطَهٌ (تفعلون ما تريدون) وَ أَیْدِی الْقَادَهِ (الأمراء) عَنْكُمْ

ص: 121

مَكْفُوفَةٌ (ممنوعة) وَ سُیُوفُکُمْ عَلَیْهِمْ مُسَلَّطَهٌ، وَ سُیُوفُهُمْ عَنْکُمْ مَقْبُوضَهٌ، أَلا وَ إِنَّ لِکُلّ دَمٍ (مسفوكة بسيوفكم) ثائراً (طالبا) وَ ِلكُلِّ حَقٌّ طالباً وَ إِنَّ الثَّائر فِی دِمَائِنَا (أهل البيت) كَالْحَاكِمِ فِي حَقْ نَفْسِهِ (حيث لا مانع هنا) وَ هُوَ اللهُ الَّذي لا يُعْجِرُهُ مَنْ طَلَبَ وَ لَا يَفُوتُهُ مَنْ هَرَب (فرّ) فَأَقْسِمُ بِاللَّهِ يَا بَنِي أُمَيَّةٌ عَمَّا قَليلٍ لَتَعْرِفْنَهَا (الخلافة) في أيدي غَيرِكُمْ (و هم بنو العباس) و فِي دَارٍ عَدُوِّكُمْ أَلَا إِنَّ أَبْصَرَ الْأَبْصَارِ مَا نَفَذَ (و لج) في الخَيْرِ طَرْفُهُ (منتهى بصره) ألا إِنَّ أَسمع الْأَسْمَاعِ مَا وَعَى (حفظ) التَّذْكِيرِ وَ قَبِلَهُ.

أيهَا النَّاسُ اسْتَصْبِحُوا (اطلبوا النور) مِنْ شُعْلَهِ مِصْبَاحِ وَاعِظٍ (لكم) مُتَّعِظٍ (بالعبر) وَ امْتَاحُوا (إغترفوا الماء لرّى عطشكم) مِنْ صَفْوِ عَیْنٍ (عين صافية و هى ولايتنا) قَدْ روقَتْ (صفت) من الْكَدَرِ عِبَادَ اللَّهِ لَا تَرْكَنُوا (تسكنوا) إلَى جَهَالَتِكُمْ، وَ لَا تَنْقَادُوا (تطيعوا) لأهْوَائِكُمْ فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِل (من الركون إلى الجهالة و الإنقياد للأهواء) نَازِلٌ بِشَفَا (حرف، طرف) جُرُفٍ (و هو ما جرفته السيول و أكلته من الأرض) هَارٍ (مشرف على الإنهدام)، يَنْقُلُ الرِّدَى (الضلالة، الهلاك) عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوضع إلى موضع لرأي يُحدثُهُ بَعْدَ رَأي (بتصرّف هواه فلا ثبات له فى الرأى فيحكم ثم ينقضه) يُرِيدُ أنْ يُلْصِقَ (بالحقّ) ما لا (يمكن أن) يَلْتَصِقُ (به) وَ یُقَرّبَ (إلى الحقّ) مَا لَا (يمكن أن) يتقَارَبُ (إليه فيمزج الحقّ بالباطل فيكتم الحقّ فيثير الفتنة) فَاللَّهَ اللَّهَ أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لَا يُشْكي (يزيل) شَجَوكُمْ (حاجتكم) وَ لَا يَنْقُضُ بِرَأْیِهِ ما قَدْ أَبْرَمَ (أحكم، أثبت) لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إِلَّا مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّه (و هو) الْإِبْلَاغُ في الْمَوْعِظَةِ، وَ الاجْتِهَادُ فِی النَّصِیحَهِ، وَ الْإِحْیَاءُ لِلسُّنَّهِ وَ إِقَامَهُ الْحُدُودِ عَلَی مُسْتَحقِّيهَا وَ إِصْدَارُ (إعادة) السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلَهَا، فَبَادروا (سارعوا) الْعِلْمَ (من موضعه و هو أنا) منْ قَبْلِ تَصويح (تجفيف) نَبْتِهِ (بذهاب أهله) وَ (بادروه) مِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ (بالحوادث و وقائع الدهر كالحروب و الأسقام) عَنْ مُسْتَثَارِ (إستثارة) الْعِلْمِ (و هى سطوعه و ظهوره) مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ وَ انْهَوا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تَنَاهَوا (إقبلوا النهى) عَنْهُ فَإِنَّما أمرتُم بِالنَّهْي (للناس عن المنكر) بَعْدَ التَّنَاهِی (قبول النهى من الناهي عن المنكر).

ص: 122

106 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها يبيّن فضل الإسلام و يذكر الرّسول الكريم ثم يلوم أصحابه:

الْحَمْدُ لله الذي شَرَعَ (لكم) الْإِسْلَامَ (دینا) فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ (موارده، مناهله مواضع شربه) لِمَنْ وَ رَدَهُ وَ أَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ (أراد أن يغالب الإسلام) فَجَعَلَهُ أَمْناً لَمَنْ عَلقَهُ (تعلّق به) وَ سِلْماً (سلامة) لَمَنْ دَخَلَهُ بُرْهَاناً (حجة قاطعة) لمَنْ تَكَلَّمَ (نطق، إستدلّ) به وَ شَاهِداً لَمَنْ خَاصَم (حارب المنكرين) عَنْهُ وَ نُوراً لمَنِ اسْتَضَاء (طلب الضياء و النور) به وَ فَهُما لَمَنْ عَقَلَ (تدبّر حوله) وَ لُبًّا لِمَنْ تَدَبَّرَ (فى معارفه) و آيَةً (علامة) لَمَنْ تَوَسّمَ (عرف الأمور من آثارها بفطنته) و تبصرَةً لِمَنْ عَزَمَ و عبرةً لمَنِ اتَّعَظَ و نَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ (به) وَ ثَقَةَ لَمَنْ تَوَكَّلَ (عليه) وَ رَاحَةً (من الهموم) لَمَنْ فَوضَ (صيّر أموره إليه) و جنَّةَ (وقاية صونا) لَمَنْ صَبَر ( على عزائمه) فَهُوَ أَبْلَجُ (أشدّ) الْمَنَاهِجِ (الطرق وضوحا و أنورها) وَ أَوضَحُ الْوَلَائج (المذاهب) مُشْرَفُ الْمَنَارِ (موضع نوره مشرف على الغير و هو فى أعلى المقام) مُشْرِقُ الْجَوَادُ (طريقه الجوادّ الواضح) مُضِیءُ الْمَصَابِیحِ (مصابيحه المنيرة) كَرِيمُ الْمُضْمَارِ (لا يسبق عليه في المضمار، من سبق في مضماره لا يهان بل يكرم) رَفيعُ الْغَايَة (غايته الرفيعة و هي معرفة الله) جَامِعُ الْحَلْبَهِ (حلبته و هى الخيل جامعة من كلّ ناحية للنصرة على الأعداء) مُتَنَافِسُ السَّبْقَة (جزائه متنافس فيه لنفاسته) شَرِيفٌ الْفُرْسَانِ (فارسه شريف) التَّصْدِیقُ (و هو كمال معرفته تعالى) منْهَاجُهُ وَ الصَّالِحَاتُ (من الأعمال) مَنَارَهُ وَ الْمَوتُ غَايَتهُ (فلا يسقط التكليف بالإسلام إلّا بالموت) و الدُّنْيَا مُضْمَارُهُ (مكان التسابق به) وَ الْقِيَامَة حَلْبَتُهُ (للسبقة على الأقران) وَ الْجَنَّهُ سُبْقَتُهُ (جزاء السابقين).

و منها في ذكر النبّي صلى الله عليه و آله

حَتَّی أَوْرَی (أوقد) قَبَساً (شعلة) لِقَابِسٍ (آخذ النار) وَ أَنَارَ عَلَماً لِحَابِسٍ (متحيّر حبس ناقته لا يعلم كيف يهتدى حتى يسير فى الطريق) فَهو صلّى الله عليه و آله أَمِینُکَ (علی وحیک)

ص: 123

الْمَأْمُونُ (علی دینک) وَ شَهِيدُك (شاهد) يَوْمَ الدِّينِ (على أعمال عبادك) وَ بَعِیثُکَ (مبعوثك إليهم) نِعْمَهً (عظيمة منك) وَ رَسُولُكَ بِالْحَقِّ رَحْمَةَ (للعالمين) اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً (نصيبا، حظّا) مِنْ عَدَلِكَ وَ اجْزِهِ مُضَعْفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بنَاءَهُ وَ أَكْرِمْ لَدَيْكَ نُزِّلَهُ (و هو ما يهيؤ للضيف لينزل عليه) وَ شَرِّقْ عِنْدَكَ مَنْزَلَهُ وَ آته (أعطه) الْوَسيلَةَ وَ أَعْطه السَّنَاءَ (الرفعة) وَ الْفَضيلَة وَ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِه (جملته، جماعته) غَير خَزَايَا (جمع خزيان إذا خجل من قبيح إرتكبه) وَ لَا نَادِمِینَ (بما عملنا من السيّئات) وَ لَا نَاكِبِينَ (عادلين عن طريق الحقِّ) وَ لَا نَاكِثِينَ (ناقضين للعهد) وَ لَا ضَالّينَ (عن السبيل) وَ لَا مُضِلّینَ (للناس عن صراطك) وَ لَا مَفْتُونِينَ (لهم بإمتزاج الحقّ و الباطل).

قال الشريف: و قد مضى هذا الكلام فيما تقدمّ إلا أنّنا كرّرناه هاهنا لما في الروايتين من الإختلاف.

و قَدْ بَلَغْتُم (وصلتم) منْ كَرَامَة الله تَعَالَى لَكُمْ (بالنبوة) مَنْزِلَةَ تُكْرَمُ بِهَا إِمَاؤُكُمْ وَ تُوصَلُ بِهَا جيرانُكُمْ وَ يُعَظمُكُمْ مَنْ لا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ (من الأمم) وَ لَا يَدَ (قدرة، حكومة) لَكُمْ عِنْدَهُ وَ يهَابُكُمْ (يخاف منكم) مَنْ لَا يَخَافُ لَكُمْ سَطوَةً (قهرا) وَ لَا لَكُمْ عَلَيْهِ إِمْرَةٌ (إمارة) وَ قَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللهِ مَنقُوضَهُ فَلَا تَغْضَبُونَ وَ أَنتُمْ لِنَقْضِ ذِمَم (عهود) آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ (تغضبون) و كَانَتْ أَمُورُ الله عَلَيْكُمْ تَرِدُ (من قبل حين كنتم مجتمعين حولى) وَ عَنْكُمْ تَصْدُرُ وَ إِلَيْكُمْ تَرْجِعُ فَمَكَّنْتُمُ الظُّلَمَة (من أهل الشام) مِنْ مَنْزِلَتِکُمْ (الّتي بها تكرمون) وَ أَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمِّتَكُمْ (فصاروا عليكم حاكمين) وَ أَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللَّهِ فِی أَیْدِیهِمْ (بعد أن كانت فى أيديكم) يُعْمَلُونَ (فيها) بِالشَّبُهَاتِ (فيضلّون عباد الله) وَ يَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ وَ ايْمُ الله لَو فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلَّ كَوكَب (فى البلاد المتفرّقة) لَجَمَعَكُمُ اللَّهُ لِشَرِّ يَومٍ لَهُمْ (فيسلّطهم الله عليكم بما عصيتموني)

107 - و من كلام له علیه السَّلام في بعض أيام صفين:

ص: 124

و قَدْ رأَيْتُ جَولَتَكُمْ (دولتكم، جولانكم) وَ انْحِیَازَکُمْ (زللكم، عدم ثباتكم) عَنْ صُفُوفَكُمْ (حين الحرب) تَحُوزُكُمُ (تملككم، تمكنت منكم) الْجَفَاةُ (الغليظون في العيش) الطَّغَامُ (أوغاد الناس) وَ أَعْرَابُ أهْلِ الشَّامِ (غير عارفين بالحقِّ) وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ (كرائم) الْعَرَبِ وَ یَآفِیخُ (أعالى) الشَّرف و الأنْفُ الْمُقَدِّمُ وَ السّنَامُ (المكان الأعلى) الْأَعْظَمُ وَ لَقَدْ شَفَى وَ حَاوِحَ (أصوات) صَدْرِي (من الألم) أَنْ رَأَیْتُکُمْ بِأَخَرَهٍ (من مراحل الحرب) تُحُوزُنَهُمْ (تكتسبونهم، تصيبونهم، تتمكنون على أهل الشام) كَمَا حَازُوكُمْ (من قبل) وَ تُزِيلُونَهُم (تبعدونهم) عَنْ مَوَاقِفِهِمْ كَمَا أَزَالُوكُمْ حَسَاً (إستئصالا، قتلا) بِالنَّصَالِ (المباراة في الرمي) وَ شَجراً (طعنا) بِالرِّمَاحِ تَرْكَبُ أَوْلَاهُمْ أَخْرَاهُمْ (حين الفرار عن مواقفهم فيطأ بعضهم بعضا) کَالْإِبِلِ الْهِیمِ (العطاش) الْمَطْرُودَهِ (عن الماء) تُرْمَی (تردّ بالعنف و الشدّة) عَنْ حِیَاضِهَا؛ وَ تُذَادُ (تمنع) عَنْ مَوَارِدهَا.

108 - و من خطبة له علیه السَّلام وهي من خطب الملاحم:

الْحَمْدُ لله الْمُتَجَنِّي (الظاهر بالتجلّى) لخَلْقه بِخَلْقِهِ وَ الظَّاهِرِ (بالتجلّى) لِقُلُوبِهِم بِحُجَّتِهِ (برهانه القاطع عندها) خَلَقَ الْخَلْقَ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّة (تأمّل ، تفكّر) إِذْ كَانَتِ الرِّوِيَّاتُ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِذَوي الضّمائر (الصدور) وَ لَیْسَ (الله تعالى) بِذِی ضَمِیرٍ فِی نَفْسِهِ (حتّى يحتاج إلى الرويّة) خَرَقَ (ثقب، شجّ، شقّ) علمُهُ بَاطنَ غَيْبِ السِّتْرَاتِ وَ أَحَاط (علمه) بِغُمُوضِ (دقائق) عَقَائِدِ السَّرِیرَاتِ (الضميرات).

اخْتَارَهُ (إصطفاه) مِنْ شَجَرَهِ الْأَنْبِیَاءِ، وَ مِشْکَاهِ (موضع جعل) الضّیَاءِ (النور) وَ ذُؤَابَة (و هى ما تدلى من الشعر) الْعَلْیَاءِ، وَ سُرَّهِ (أشرف موضع فى) الْبَطْحَاءِ (الأرض المستوية و هي مكّة) و (إختاره من) مَصَابِیحِ الظُّلْمَهِ، وَ یَنَابِیعِ الْحِکْمَهِ (من الأصلاب الشامخة و الأرحام المطهّرة من أنبيائه و رسله و أوليائه).

و منها: طَبِیبٌ دَوَّارٌ بِطِبّهِ (فأدار طبه بين المرضى من عباده) قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ (و هي ما

ص: 125

يطلى به الجرح) وَ أَحْمَی (أسخن بالشدّة) مَوَاسمَهُ (مكواته) يَضَعُ ذلك (الطبّ من المرهم و الميسم) حَيثُ (موضعا) الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ قُلُوبِ عُمي (لا تفقه) و آذَانِ صُمٌ (لا تسمع) وَ أَلْسِنَهٍ بُکْمٍ (لا تنطق بالحق) مُتَتَبّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَهِ، وَ مَوَاطِنَ الْحَیْرَهِ، لَمْ یَسْتَضِیئُوا (ما طلبوا الضياء) بِأَضْوَاءِ (أنوار) الْحِكْمَةِ وَ لَمْ يَقْدَحُوا (يستضيئوا) بِزِنَادِ (أعواد يؤخذ منها نار) الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ (المضيئة) فَهُمْ فِي ذَلِكَ (الزمان) كَالْأَنْعَامِ السَّائِمَة وَ الصَّخورِ الْقَاسِيَة (لقساوة قلوبهم) قَد انْجَابَتِ (إنكشفت) السَّرَائِرُ (البواطن) لأهْلِ الْبَصَائِرِ وَ وَ ضَحَتْ (صرحت) مَحَجّة (طريق الواضح ل) الْحَقّ لِخَابِطِهَا (السائر) عليها) و أسْفَرَت (كشفت) السَّاعَةُ (القيامة) عَنْ وَجْهِهَا وَ ظَهَرتِ العَلَامَةُ لِمُتَوَسّمِهَا (متفرّسها) مَالِی أَرَاکُمْ أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ وَ أَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ، وَ نُسَّاکاً (عاملين) بِلَا صَلَاح وَ تُجاراً (بصرف العمر في حياتكم) بِلا أَرْبَاح و أيقاظاً نُوْماً (نائمين) و شُهُوداً غُيباً ((غائبين) و نَاظِرَةٌ عَمياء و سَامِعَةً صَمَّاء و نَاطقَةَ بَكْمَاء (لم تأخذوا من أضواء الحكمة و لم تقدحوا بزناد العلوم) رَايَةٌ ضَلَالِ (من بني أميّة) قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطبهَا (أساسها، عمادها) وَ تَفَرقَتْ (تشعّبت تلك الضلالة) بِشُعَبهَا (إلى سائر البلاد) تَکِیلُکُمْ بِصَاعِهَا (تحيط بكم كما يحيط الصاع بما فيه من المكيل) وَ تَخْبِطُكُمْ (تضربكم) بِبَاعِهَا (يدها المبسوطة من أقرب المكان فلستم بقادرين على أن تفرّوا منها) قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ (الدين) قَائمٌ عَلَى الضَّلَّة (الضلال) فَلا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلَّا نُفَالَةٌ كَثْفَالَة الْقَدْرِ (و هو ما إستقرّ تحت القدر) أو نُفَاضَةً (و هي ما يسقط بالنفض) كَنُفَاضَةِ الْعِكْمِ (نمط تجعل المرأة ذخيرتها فيه) تعركُكُمْ (تبطشكم) عَرْکَ الْأَدِیمِ (الجلد المدبوغ) و تَدُوسُكُمْ (تطئكم) دَوْسَ (و طى) الْحَصِيدِ (المحصود) و تَسْتَخْلِصُ (تلك الضلالة) الْمُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ اسْتِخْلَاصَ الطَّیْرِ الْحَبَّةَ الْبَطِينَة (السمينة) مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ (مهزول) الْحَبُّ أَينَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ (المتفرّقة) وَ تَتِيهُ (تتحيّر) بِكُمُ الْغَيَاهِبُ (الظلمات) و تَخْدَعُكُمُ الْكَواذِبُ وَ مِنْ أَيْنَ تُؤْتُونَ وَ أَنَّى تُؤْفَكُونَ (تصرفون، تنقلبون) فَلِکُلّ أَجَلٍ کِتَابٌ (لا يعدوه ولا يتجاوز عنه) وَ لكُل غَيْبَة إِيَابٌ (رجوع) فَاسْتَمِعُوه (الحقّ) منْ رَبَّانيكُمْ (المتألّه و العارف بالله من بينكم و هو أنا) وَ أَحْضُرُوهُ

ص: 126

قُلُوبَكُمْ وَ اسْتَيْقظوا (إنتبهوا من نومكم) إِنْ هَتَفَ (صاح) بِكُمْ وَ لَيَصْدُقُ رَائِدٌ (إمام) أَهْلَهُ وَ ليَجْمَعُ شَمْلَهُ (و هو ما تفرّق و تشعّب من الخواطر) وَلْیُحْضِرْ- ذهْنَهُ (لهداية الناس) فَلَقَدْ فَلَقَ (شقّ الرائد) لَكُمُ الْأَمْرَ (الحقّ) فَلْقَ الْخَرَزة (فلم يُبق الرائد من الحق شيئا إلا أخرجه من خاصرة الباطل لكم) وَ قَرَفَهُ (قشر الحقّ) قَرْفَ الصَّمْغَهِ (حتى يخلص من مزاج الباطل) فَعِنْدَ ذلِکَ (الزمان الذى قامت الضلالة فيه على قطبها) أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ (من الناس العاملين به) وَ رَكبَ الْجَهْلُ مَرَاکِبَهُ، وَ عَظُمَتِ الطَّاغِیَهُ (الضلالة المتجاوزة عن حدّها) وَ قَلَّت (الفرقة) الدَّاعِیَهُ (إلى الحق) وَ صَالَ (وثب، قهر، سطا) الدَّهْرُ صِیالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ (العضوض) وَ هَدَرَ (صاح) فَنيقُ (فحل) الْبَاطِلِ بَعْدَ کُظُومٍ (سكون) وَ تَوَاخَى (جعل الأخوة) النَّاسُ عَلَى الْفُجُور (فتعاونوا عليها) وَ تَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ وَ تَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ وَ تَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ فَإِذَا كَانَ (وقع) ذَلكَ (الأمر العظيم) كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً (سببا للغيظ و المحنة) وَ (صار) الْمَطَرُ قَيْظاً (لا يثير نباتا و لا يقوم عليه زرع بل يفسد الثمار) وَ تَفِیضُ (تنتشر) اللُّئامُ فَيْضاً وَ تَغِيضُ (تجفّ) الْكِرَامُ غَيْضاً (كالينابيع الّتى غارت فى الأرض) وَ كَانَ (صار) أهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً (تطلب فريسة السباع) وَ سَلاطِینُهُ سِبَاعاً (لإفتراس الناس) وَ أَوْسَاطُهُ أَكَالًا (و هو ما يؤكل) وَ فُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً (لا يعرفون و لا يذكرون) و غَارَ الصَّدْقُ وَ فَاضَ (فاش، شاع) الْکَذِبُ، وَ اسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللُّسَانِ وَ تَشَاجَرَ النَّاسُ (إختلفوا) بِالْقُلُوبِ وَ صَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً (فكلّ طائفة يعرف بفسق و ينسب إليه) وَ الْعَفَافُ عَجَباً، وَ لُبِسَ الْإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ (الجبّة) مَقْلُوباً (و صار الدين نفاقا).

109 - و من خطبة له علیه السَّلام في بيان قدرة الله و إنفراده بالعظمة و أمر البعث:

كُلَّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ وَ كُلَّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ غِنَى كُلّ فَقِيرِ وَ عِزّ كُلّ دَلِيلِ وَ قُوةُ كُلّ ضَعِيف و مَفْزَعُ (ملجأ) كُلِّ مَلْهُوفِ (محزون) مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطقَهُ وَ مَنْ سَکَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَ مَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ وَ مَنْ مَاتَ فَإِلَيهِ مُنقَلَبَهُ (مصيره) لَمْ تَرَكَ الْعُيونُ فَتُخْبِرَ (تلك العيون) عَنْكَ بَلْ كُنْتَ قَبْلَ الْوَاصفِينَ مِنْ خَلْقِكَ لَمْ تَخْلُقِ الخَلْقَ لوَحْشَةِ (من وحدتك) وَ لَا اسْتَعْمَلَتَهُم

ص: 127

لمَنْفَعَة وَ لَا يَسْبِقُكَ مَنْ طَلَبتَ وَ لَا يُفْلِتُكَ (ينجو منك) مَنْ أَخَذْتَ وَ لَا يَنْقُصُ سُلْطَانَكَ مَنْ عَصَاكَ (خالفک) وَ لَا یَزِیدُ فِی مُلْکِکَ مَنْ أَطَاعَکَ، وَ لَا یَرُدُّ أَمْرَکَ مَنْ سَخِطَ (غضب على) قَضَاءَكَ وَ لَا يَسْتَغْنِي و لا عَنْكَ مَنْ تَوَلَّى (صرف وجهه) عَنْ أَمْرِكَ كُلُّ سِرِّ (لنا هو) عِنْدَكَ عَلَانِيَةً وَ كُلَّ غَيب (لنا هو) عندَكَ شَهَادَةٌ أَنْتَ الْأَبَدُ فَلَا أَمَدَ (نهاية) لَکَ، وَ أَنْتَ الْمُنْتَهَی (الإنتهاء، موضع إنتهاء السير للعباد) فَلَا مَحیصَ (بدّ) عَنْكَ وَ أَنْتَ الْمَوْعِدُ فَلَا منجى (نجاة أو موضع نجاة) منْكَ إِلَّا إِلَيْكَ بِيَدِكَ نَاصِيَةُ (أشعار مقدّمة رأس) كُلّ دَابَّة (متحرّک) وَ إِلَيْكَ مَصِيرُ كُلُّ نَسَمَة (ذى روح) سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأنَكَ سُبْحَانَكَ ما أعظم مَا نَرَى مِنْ خَلْقِكَ وَ مَا أَصْغَرَ كُلَّ عَظيمَة فِي جَنْبٍ قُدْرَتِكَ وَ مَا أَهْولَ (أشدّ هولا) مَا نَرَى مِنْ مَلَكُوتِكَ وَ مَا أَحْقَرَ ذَلكَ (المرئي من ملکوتک) فِيمَا (عند ما) غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانكَ وَ مَا أَسْبَغَ (أتمّ، أكمل) نِعَمَكَ فِي الدُّنْيَا وَ مَا أَصْغَرَهَا فِي (جنب) نِعَمِ الْآخِرَهِ.

و منها: مِن (ما غاب عنّا من سلطانك) مَلَائِكَة أَسْكَنتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ هُمْ أعْلَمُ خَلْقِکَ بِکَ وَ أَخْوَفُهُمْ لَکَ، وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْکَ؛ لَمْ یَسْکُنُوا الْأَصْلابَ وَ لَمْ يُضَمَنُوا الْأَرْحَامَ وَ لَم يخْلَقُوا مِنْ مَاء مَهِينِ (حقير) وَ لَمْ یَتَشَعَّبْهُمْ (يفرقهم) رَیْبُ (صرف) الْمَنُونِ (الدهر) وَ إِنَّهُم عَلَى مَكَانِهِمْ (منزلتهم) مِنْکَ، وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَکَ، وَ اسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِیکَ وَ كَثَرَة طَاعَتِهِمْ لَكَ وَ قلَة غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ لَوْ عَاينوا كُنْهَ (حقيقة) مَا خَفِي عَلَيْهِمْ مِنْكَ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ وَ لَزَروا (عابوا) عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَعَرَفُوا أَنْهُم لَم يعبدُوكَ حَقَّ عبادتكَ وَ لَمْ يُطِيعُوكَ حَقَّ طَاعَتِكَ.

سُبْحَانَکَ خَالِقاً وَ مَعْبُوداً! بِحُسْنِ بَلائِکَ (صنعك) عِنْدَ خَلْقَكَ خَلَقْتَ دَاراً (و هي الجنّة) و جَعَلْتَ فِیهَا مَأْدُبَهً (طعاما) مَشْرَباً وَ مَطْعَماً، وَ أَزْوَاجاً (من الحور) و خَدَماً وَ قُصُوراً و أنْهَاراً و زُرُوعاً وَ ثَماراً ثُمَّ أَرْسَلْتَ (إلى الناس) دَاعِياً (من أنبيائه) يَدْعُو (الناس) إِلَيْهَا فَلَا الدَّاعِيَ أَجَابُوا وَ لَا فِيمَا رَغَبتَ (شوّقتهم من النعيم) رَغَبُوا (إشتاقوا) وَ لَا إلَى مَا شَوقتَ إِلَيْه اشْتَاقُوا أَقْبَلُوا عَلَى جِيفَةِ (و هى الدنيا) قَدِ افْتَضَحُوا (كشفت عوراتهم) بأكْلُهَا وَ اصْطَلَحُوا (إتّفقوا) عَلَی حُبّهَا، وَ مَنْ عَشِقَ شَيْئاً أََعْشَى (أعمى) بَصَرَهُ وَ أَمْرَضَ قَلْبَهُ فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنِ غَيْرِ صَحِيحَة (فلا

ص: 128

يرى عيوبها) وَ يَسْمَعُ بِاذْنِ غَيْرِ سَمِيعَة قَدْ خَرَقَت (كسرت) الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ (لحبّ الدنيا و ما فيها من الزخارف) وَ أَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ وَ وَ لَهَتْ (تحيّرت إشتاقت شوقا شديدا) عَلَيْهَا نَفْسَهُ فَهو عبدٌ لَهَا وَ لِمَنْ فِی یَدَیْهِ شَیْءٌ مِنْهَا، حَیْثَما (فى أىّ مكان) زَالَتْ (الدنيا) زَالَ (عبد الدنيا) و حَيْثُمَا أقْبَلَتْ أقْبَلَ عَلَيْهَا لا يَنزَجر (ينتهى) من الله بزاجرِ (ناه) وَ لَا یَتَّعِظُ مِنْهُ (تعالى) بِوَاعِظٍ، وَ هُوَ یَرَی الْمَأْخُوذِینَ (بالموت) عَلَی الْغِرَّهِ (الغفلة من الله فأخذوا بغتة) حَیْثُ لَا إِقَالَهَ (مهلة) وَ لَا رَجْعَة (إلى الدنيا ليعمل صالحا فيما ترك) كَيْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَ (من أهوال الموت) وَ جَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا مَا كَانُوا يَأْمَنُونَ وَ قَدِمُوا (وردوا) مِنَ الْآخِرَةِ عَلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (من السعادة و الشقاوة) فَغَیْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ (من أسرار كشفت لهم عند الإحتضار) اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ وَ حَسْرَهُ الْفَوْتِ (لتدارك ما تركوا من الصالحات) فَفَتَرَتْ (فشلت) لَهَا (السكرة) أطرافُهُمْ (جوانب أجسادهم من الأيدي و الأرجل) و تَغَيّرتْ لَهَا أَلْوَانُهُم ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فيهِم وُ لُوجاً (دخولا) فَحيلَ (فصل) بَیْنَ أَحَدِهِمْ وَ بَیْنَ مَنْطِقِهِ وَ إِنَّهُ لَبِينَ أَهْلِه يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ وَ یَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَی صِحَّهٍ مِنْ عَقْلِهِ، وَ بَقَاءٍ مِنْ لُبّهِ یُفَکّرُ فِیمَ أَفْنَی عُمْرَهُ، وَ فِیمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ! وَ یَتَذَکَّرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا (بإفناء عمره) أَغْمَضَ (عينيه) فِی مَطَالِبِهَا (مواضع الطلب للأموال) وَ أَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا (مواضع صراحة الأخذ للأموال من الحلال الصريح و الحرام الصريح) و مُشْتَبِهَاتها (مواضع إشتباه الحال من الحلال أو الحرام) قَدْ لَزِمَتُهُ تَبعَاتُ جَمْعهَا وَ أَشْرَفَ عَلَى فراقهَا تَبْقَى (الأموال) لِمَنْ وَرَاءَهُ (من الوارثين) یَنْعَمُونَ (يتلذذون) فِيهَا وَ يَتَمَتَّعُونَ بِهَا فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ (العيش السهل بلا مشقّة) لِغَيْرِهِ وَ الْعِبْءُ (الثقل) عَلَی ظَهْرِهِ وَ الْمَرْءُ قَدْ غَلَقَتْ رُهُونُهُ بِهَا (و هو فى رهن أمواله) فَهُوَ یَعَضُّ یَدَهُ نَدَامَهً عَلَی مَا أَصْحَرَ (برز، ظهر) لَهُ عِندَ الْمَوتِ مِنْ أَمرِه وَ يَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمُرِه (من جمع الأموال) وَ یَتَمَنَّی أَنَّ الَّذی کانَ یَغْبِطُهُ بِهَا وَ يَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا (إكتسبها جمعها) دُونَهُ فَلَم يَزَلِ الْمَوتُ یُبَالِغُ فِی جَسَدِهِ حَتَّی خَالَطَ لِسَانُهُ سَمْعَهُ فَصَارَ بَیْنَ أَهْلِهِ لَا یَنْطِقُ بِلِسَانِهِ، وَ لَا یَسْمَعُ بِسَمْعِهِ: یُرَدّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِم يَرَى حَركَاتِ

ص: 129

أَلْسِنَتِهِم وَ لَا يَسمَع رَجْعَ كَلَامِهِمْ ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ التياطاً (إلتصاقا) بِهِ فَقُبِضَ بَصَرُهُ کَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ وَ خَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ، فَصَارَ جِيفَةَ بَیْنَ أَهْلِهِ قَدْ أوحَشُوا مِنْ جَانِبِه وَ تَبَاعَدُوا مِنْ قربه لَا يُسْعدُ (يعين) باكياً وَ لَا يُجِيبُ دَاعِياً (بالويل و الجزع عليه) ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلَى مَخَطَّ (و هو اللحد) فِی الْأَرْضِ، فَأَسْلَمُوهُ فِیهِ إِلَی عَمَلِهِ، وَ انْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ .(زيارته).

حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ (المكتوب فى علمه) أجلَهُ (نهايته غايته) وَ (بلغ) الْأَمْرُ (من كلّ شيء) مَقَادِيره (تقديراته المكتوبة المؤجّلة له من الحياة) و ألحق آخرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ، وَجَاءَ مِنْ أَمْرِ الله مَا يُرِيدُهُ مِنْ تَجديد خَلْقه أَمَادَ (حرك على غير إنتظام) السَّمَاء وَ فَطَرَهَا (صدعها) و أَرَجٌ (أوجد الإرتعاش في) الأرض و أرْجَفَهَا (أوجد الإضطراب فيها) وَ قَلَعَ (نزع من الأساس، حوّل من المواضع) جِبَالَها وَ نَسَفَهَا (قلعها من الأساس) وَ دَكَّ (هدم) بَعْضُهَا بَعْضاً (حتى تصير قاعا صفصفا) مِنْ هَیْبَهِ (خوف) جَلَالَتِهِ وَ مَخُوفِ سَطْوَتِهِ (بأسه، قهره) وَ أَخْرَج مَنْ فِيهَا (من الموتى) فَجَدْدَهُم بعدَ إِخْلَاقِهِمْ (البلى منهم) وَ جَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ. ثُمَّ مَیَّزَهُمْ (على أعمالهم) لِمَا يُرِيدُهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْ خَفَايَا الْأَعْمَالِ (أعماله الخفيّة) وَ خَبَايَا (خفايا) الْأَفْعَالِ وَ جَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ (سعيدا و شقيّا) أنْعَمَ عَلَى هَؤُلاء وَ انْتَقَمَ مِنْ هَؤُلاء فَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ فَأَثَابَهُمْ (جعل لهم الثواب) بِجوَارِهِ وَ خَلَدَهُم فِي دَارِهِ حَيْثُ (فى مكان) لا يَطْعَنُ (ينقل) النُّزَّالُ (النازلون في ذلك المكان) و لا تَتَغَيرُ بِهِمُ الْحَالُ وَ لَا تَنُوبُهُمُ (تنالهم ، تدركهم، تصيبهم) الْأَفْزَاعُ (المخاوف) وَ لَا تَنَالُهُمُ الْأَسْقَامُ وَ لَا تَعْرِضُ لَهُمُ الْأَخْطَارُ (الأمور الخطيرة من الأهوال و الأفزاع و كلّ ما يشتغل به البال) وَ لَا تُشْخصُهُمُ (تخرجهم) الْأَسْفَارُ وَ أمَّا أهْلُ الْمَعْصِيَة فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ، وَ غَلَّ الْأَیْدِیَ إِلَی الْأَعْنَاقِ وَ قَرَنَ النَّوَاصِي (مقدّمة الأشعار) بِالْأَقْدَامِ وَ أَلْبَسَهُمْ سَرَابِیلَ الْقَطِرَانِ (و هى مادة الإشتعال) وَ مُقَطَّعَاتِ النّیرَانِ. فِی عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ، و بَابٍ قَدْ أطْبِقَ (أغلق) عَلَی أَهْلِهِ فِی نَارٍ لَهَا کَلَبٌ (هيجان) وَ لَجَبٌ (صوت مرتفع) وَ لَهَبٌ (زبانية من النار) سَاطِعٌ (رافع) و قَصِيفٌ (أشدّ الصوت) هَائلٌ (موجب للهول) لا يُظْعَنُ (يرحل) مُقيمُهَا وَ لَا يُفَادَى (يطلق بالفدية) أسيرُهَا وَ لَا تُفْصَمُ

ص: 130

(تنقطع) كُبُولُهَا (قيودها، أغلالها) لا مُدَّةَ الدَّارِ فَتَفْنَى وَ لَا أَجَلَ للْقَوْمِ (المعذّبين فيها) فَيَقْضَى- (عليهم بالموت حتى يستريحوا من العذاب).

و منها في ذكر النبي صلى الله عليه و آله: قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيا (و هى ليست إلّا توهّم المالكيّة لما خوّله الله عبده من الأشياء الفانية و هذا التوهّم يترشّح ممّا في أيدينا و الأنس به و بذلك صارت أهون على الله و لا يعصى إلا فيها فحقّرها رسول الله) و صَغْرَهَا وَ أَهْونَ بِهَا وَ هَونَهَا و عَلمَ أَنَّ اللَّهَ زَوَاهَا (قبضها) عَنْهُ اخْتِياراً (له من سائر خلقه) و بَسَطَهَا (نشر - الدنيا)لِغَیْرِهِ احْتِقَاراً (لهم حيث إشتغلوا بها و إشتغلوا عن الآخرة) فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسه وَ أَحَبُّ أَنْ تَغِیبَ زِینَتُهَا عَن عَیْنِهِ، لِکَیْلا یَتَّخِذَ مِنْهَا رِیاشاً (لباسا فاخرا) أَوْ (لئلا) یَرْجُوَ فِیهَا مَقَاماً (مستقرا) بَلَغَ عَنْ رَبِّهِ مُعذراً (قاطعا للعذر بما جاء به من البيّنات) وَ نَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِراً (مخوّفا) و دَعَا إِلَى الْجنة مبشِّراً وَ خَوفَ منَ النَّار مُحَذّراًً.

نَحْنُ (أهل بيته) شَجَرَهُ النُّبُوَّهِ، (و فينا تنشبت عروقه) وَ مَحَطُّ (موضع) الرسالة وَ مُخْتَلَفُ (محل إختلاف) الْمَلائِکَهِ (واحدا بعد واحد) وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ وَ يَنَابِيعُ (عيون) الْحُكْمِ نَاصِرُنَا (باللسان و اليد) وَ مُحِبُّنَا (بالقلب) یَنْتَظِرُ الرَّحْمَهَ (على حسب نصرتهم) وَ عَدُوُّنَا (باللسان و اليد) وَ مُبْغِضُنَا (بالقلب) یَنْتَظِرُ السَّطْوَهَ (الشدّة من العذاب على حسب دركات بغضهم).

110 - و من خطبة له علیه السَّلام في أركان الدين:

إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَلَ بِهِ الْمُتَوَسلُونَ إِلَى اللَّهِ سُبحَانَهُ وَ تَعَالَى الْإِيمَانُ بِهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ الْجِهَادُ فِي سَبِيله فَإِنَّهُ ذروَةً (أعلى منزلة و أرفع مقام من مقامات) الْإِسْلَامِ و (إنّ أفضل ما توسل به المتوسلون) كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ (الّتي فطر الناس عليها) وَ إِقَامُ (إقامة) الصَّلاهِ فَإِنَّها الْمِلَّهُ (الدين) وَ إِيتَاءِ الزَّكَاة فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَهٌ وَ صَوْمٌ شَهْرٍ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جَنَّةٌ (وقاية) مِنَ الْعِقَابِ وَ حَجُّ الْبَیْتِ و اعْتمَارَهُ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيانِ الفَقْر و يرحضَانِ (يغسلان) الذَّنْبَ وَ صِلَهُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ (زيادة، منماة) فِي الْمَالِ وَ مَنسَأَةٌ (مزيد) فِي الْأَجَلِ وَ صَدَقَهُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ

ص: 131

الخَطِيئَة وَ صَدَقَهُ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَهُ السَّوءِ وَ صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ (الأعمال الصالحة كلّها) فَإِنَّهَا تَقي (تدفع) مَصَارِعَ (مواضع السقوط فى) الْهَوَانِ (الحقارة) أفيضُوا (إندفعوا، أكثروا، مدّوا) فِی ذِکْرِ اللّهِ (القرآن) فَإِنَّهُ أَحسَنُ الذِّكْر (لمن أراد أن يذكّر) وَ ارْغَبوا فيما وَعَدَ الْمُتَّقِينَ فَإِنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ الْوَعْد و اقْتَدُوا بِهَدِي نَبِيِّكُمْ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْهَدْي وَ اسْتَنُوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَهْدَی السُّنَنِ.

وَ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَ تَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ وَ اسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شفَاء الصُّدُورِ. وَ أَحْسِنُوا تلاوتهُ فَإِنَّهُ أنْفَعُ الْقَصَصِ وَ إِنَّ الْعَالِمَ (بالقرآن) الْعَامِلَ بِغَیْرِ عِلْمِهِ (و علمه معه لا ينفعه) كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ (الّذى في حيرة الضلالة) الَّذِي لَا يَسْتَفِيقُ (يستيقظ) منْ جَهْله بَلِ الْجُجَّهُ عَلَیْهِ (العالم العامل بغير علمه) أعظمُ و الحَسْرَةُ (يوم القيامة) لَهُ أَلْزَمُ وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَلْوَمُ (أشدّ لوما).

111 - و من خطبة له علیه السَّلام في ذمّ الدنيا:

أما بَعْدُ فَإِنِّي أَحَذِّرُكُمُ (أخوّفكم من) الدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ حُفَّتْ (إلتفّت) بِالشَّهَوَاتِ (من الإفراط فيما أحبّته النفس أو التفريط فيما كرهت) وَ تَحبَبَتْ (جعلت محبوبة عند النفس) بالْعَاجِلَة (لنعيمها العاجل الحاضر الملائم للنفس) و رَاقَتْ (أعجبت في أعين أهلها) بِالْقَلِیلِ (مع قلّة صحبتها) وَ تَحلَّتْ (تزيّنت تجمّلت) بِالْآمَالِ وَ تَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ لَا تَدُومُ حَبْرَتُهَا (سرورها) و لَا تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا (مصيبتها) غَرَارَةٌ (كثيرة الغرور) ضَرّارَةٌ (كثيرة الضرر) حَائِلَهٌ (متغيّرة) زَائلَةٌ نَافِدَةٌ (فانية) بائدَةٌ (هالكة) أكَّالَةٌ (كثيرة الأكل للعمر و الصحّة و العافية) غَوالَةٌ (مهلكة) لَا تَعْدُو (تتجاوز) إِذَا تَنَاهَتْ (بلغت النهاية) إلَى أُمِّنيَّة (أمل) أَهْلِ الرَّغْبَة فِيهَا وَ الرِّضَاء بهَا (من) أَنْ تَكُونَ (تقع) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى سُبْحَانَهُ كَمَاء أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ به نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ (صار) هَشيماً (نباتا يابسا بعد نضرته و خضرته) تَذْرُوهُ (تنشر-ذلک الهشيم) الرِّياحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً لَمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِی حَبْرَهٍ (سرور و نعيم) إِلَّا

ص: 132

أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَهً، (دمعة قبل أن تفيض أو ترديدا فى البكاء فى صدره أو حزنا بلا بكاء) و لَمْ يَلْقَ (ذلك المرء) فِی سَرَّائِهَا (رخائها) بَطْناً (إقبالا) إِلَّا مَنَحتْهُ (أعطته الدنيا) منْ ضَرَّائها (شدّتها) ظَهْراً؛ (إدبارا) وَ لَمْ تَطلَّهُ (تمطر على ذلك المرء) فيهَا دِيَمَة (مطر) رَخَاء (سعة) إِلَّا هَتَنَتْ (إنصبّت) عَلَيْهِ مُزْنَهُ (مطر) بَلَاءٍ وَ حَرِیٌّ (جدير خليق، مناسب) إذَا أصبحت (دخلت الدنيا فى الصبح) لَهُ مُنْتَصِرَهً (مقبلة له بالنصر -) أَنْ تُمْسِیَ - (دخلت فى الليل) لَهُ مُتَنَكَّرَةً (مدبرة له بالتنكّر لما فى الدنيا من الحالات و التارات) وَ إِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذُوذَبَ (صار عذبا) وَ احْلُوْلَى (صار حلوا) أمرٌ (صار مرّا) مِنْهَا جَانِبٌ (آخر) فَأَوْبَی (صار ذا وباء) لَایَنَالُ (یدرک) امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا (سعتها و نعيمها) رغَباً (رغبة) إِلَّا أَرْهَقَتْهُ (ألحقته) مِنْ نَوَائِبِهَا (مصائبها) تَعَباً (نصبا) وَ لَا یُمْسِی مِنْهَا فِی جَنَاحِ أمنِ إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوف (من فراقها القوادم هى قادمة الواحدة من أربع أو عشر ريشات فى مقدّم جناح الطائر و هى القوادم) غَرارة (كثيرة الخدعة) غُرُورٌ مَا فِيهَا (من النعيم) فَانيَةٌ فَانِ مَنْ عَلَيْهَا لا خَيْرَ فِي شَيْء مِنْ أَزْوَادِهَا إِلَّا التَّقْوَى مَنْ أَقَلَّ (جمع قليلا) مِنْهَا اسْتَكْثَرَ (طلب الكثير) مِمّا يُؤْمِنُهُ وَ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ (يهلكه) وَ زَالَ (ما يوبقه و هو غير التقوى من أزوادها) عَمَّا قَلِيلِ عَنْهُ كَمْ مِنْ وَاثِقِ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ (أوقعته فى فاجعة من فقد عزيز و نهب مال) و (كم من) ذِي طُمَانِينَةِ (سكون، أنس) إِلَيْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ (أهلكته ) وَ ذِی أُبَّهَهٍ (عظمة) قَدْ جَعَلَتْهُ حَقيراً وَ ذِي نَخْوَة (كبر) قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِيلًا سُلْطَانُهَا دُولٌ (منقلب من يد إلى يد) وَ عَيْشُهَا رَنِقٌ (كدر) وَ عَذْبُهَا أُجَاجٌ (مالح) وَ حُلُوهَا صَبِرٌ (مرّ) و غدَاؤُهَا سَمَامٌ وَ أسبَابُهَا رِمَامٌ (بالية رميمة) حَیُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ، وَ صَحِیحُهَا بِعَرَضِ سُقْمٍ (مرض) مُلْکُهَا مَسْلُوبٌ وَ عَزِیزُهَا مَغْلُوبٌ، وَ مَوْفُورُهَا (كثيرها) مَنْكُوب (مصاب بالنكبة أى المصيبة) وَ جَارَهَا مَحرُوب (مسلوب) أَلَسْتُمْ فِي مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً (منكم) وَ أَبْقَی آثَاراً، وَ أَبْعَدَ آمَالًا، وَ أَعَدَّ عَدِیداً (أكثر نفرا) و أكثَفَ (أغلظ، أكثر) جنوداً تَعَبدُوا لِلدُّنْيا (بالركون إليها) أَیَّ تَعَبُّدٍ، وَ آثَرُوهَا (إختاروها،إصطفوها بدل الآخرة) أيّ إِيْثَارِ ثُمَّ ظَعَنُوا (إرتحلوا) عَنْهَا بِغَيْرِ زَادِ مُبَلّغٍ (لهم إلى الجنّة) وَ لَا ظَهْرِ (راحلة يركب على

ص: 133

ظهرها) قَاطِعٍ (للطريق إلى الجنّة) فَهَلْ بَلَغَكُمْ (وصل إليكم) أَنَّ الدُّنْيَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بفدْيَة أو أعَانَتْهُم بِمَعُونَة أو أحْسَنَتْ لَهُمْ صُحبَةٌ بَلْ أَرهَقَتْهُمْ (غشيتهم الدنيا) بِالْقَوَادِح (الآفات) وَ أَوْهَقَتْهُمْ (طرحت الدنيا فى عنقهم الحبل) [أوهَنَتهُم] (أوقعتهم في الوهن) بِالْقَوَارِعِ (الشدائد القارعة) وَ ضَعْضَعَتْهُمْ (ذلّلتهم) بِالنَّوَائِبِ (المصائب) وَ عَفَّرَتْهُمْ (أوقعتهم فى التراب) للْمَنَاخِرِ (الوجوه) وَ وَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ (الخفوف) وَ أَعَانَتْ عَلَیْهِمْ رَیْبَ (صرف) الْمَنُونِ (الدهر) فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنكَّرَهَا لَمَنْ دَانَ (خضع) لَهَا وَ آثَرَهَا وَ أَخْلَدَ إِلَيْهَا حِينَ ظَعَنُوا (ذهبوا) عَنْهَا لِفِرَاقِ الْأَبَدِ وَ هَلْ زَوْدَتْهُمْ (أعطت لهم زادا) إِلَّا السَّغَبَ (الجوع) أو أحَلَّتْهُمْ إِلَّا الضَّنْك (الضيق من العيش أو من القبر) أو نَورَتْ لَهُمْ إِلَّا الظُّلمة أو أعْقَبَتْهُم إِلَّا النَّدَامَة

فَهَذه (الدنيا) تُؤْثِرُونَ (على الآخرة) أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنُونَ (تسكنون) أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ يتهمهَا وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَ جَلٍ (خوف) مِنْهَا فَاعْلَمُوا وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَ ظَاعنُونَ (ذاهبون، مرتحلون) عَنْهَا وَ اتَّعظوا فِیهَا بِالَّذِیْنَ قَالُوا مَنْ أَشَدَّ مِنَّا قَوةً حمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَلَا يُدْعَوْنَ (فى ذلك الحمل إلى القبور) رُکْبَاناً (بل حملوا على مناكب الرجال) وَ أَنْزِلُوا الْأَجدَاثَ (القبور) فَلَا یُدْعَوْنَ ضِیفَاناً. وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِیحِ (وجه الأرض) أجنَانٌ (قبور تجنّ الأبدان و تخفيها) وَ (جعل لهم) منَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ وَ مِنَ الرُّفَاتِ (العظام البالية) جِيرَانٌ فَهُمْ جِيرَةٌ لَا يُجِيبُونَ دَاعياً وَ لَا يَمنعُونَ ضَيْماً (ظلما) وَ لَا يُبَالُونَ مَنْدَبَةً (ندبة) إِنْ جِيدُوا (أنزل عليهم المطر) لَمْ يَفْرَحُوا وَ إِنْ قُحطوا لَمْ يَقْنَطُوا (ييأسوا من منافع المطر حيث لا يحتاجون إليها، إنّهم) جَمِیعٌ وَ هُمْ آحَادٌ، وَ جِیرَهٌ وَ هُمْ أَبْعَادٌ. مُتَدَانُونَ (متقاربون) لَا یَتَزَاوَرُونَ و قَرِيبُونَ لَا يَتَقَارَبُونَ حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ (أحقادهم) وَ جَهَلَاء قَدْ مَاتَتْ أَحقَادُهُمْ لَا يُخْشَى فَجَعَهُمْ (ضررهم) وَ لا يُرجَى دَفَعُهُم (لظلم) اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطَناً وَ بِالسَّعَة ضيقاً وَ بِالْأهْلِ غُربَةَ وَ بِالنُّورِ ظلمهُ فَجَاءُوهَا (أقبلوا إلى الأرض يوم ولادتهم) كَمَا فَارَقُوهَا حُفَاةً (أرجلهم) عُرَاةً (أبدانهم) قَدْ ظَعَنُوا (ذهبوا، خرجوا) عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْحَياةِ الدائمَة وَ الدَّارِ الْبَاقِيَة كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى كَما بدأنا (الإنسان) أَول خَلْقٍ (في أوّل خلقته

ص: 134

فردا وحيدا) نُعِيدُهُ (کذلک فردا وحيدا وعدنا ذلك) وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فاعِلينَ (و لا نخلف الميعاد).

112- و من خطبة له علیه السَّلام ذكر فيها ملك الموت و توفية النفس و عجز الخلق عن وصف الله:

هَلْ تُحسُّ (تشعر) بِه (ملک الموت) إِذَا دَخَلَ (و لج) مَنْزِلًا (لقبض الروح) أَمْ هَلْ تَرَاهُ إِذَا تَوَفَّى (قبض ، أخذ) أَحَداً بَلْ كَيْفَ يَتَوَفَّى (ملک الموت) الْجَنِیْنَ فِی بَطْنِ أُمّهِ أَیَلِجُ (يدخل) عَلَیْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا (أعضاء أمّ الجنين) أم الرُّوحُ (الّتى كانت للجنين) أَجَابَتْهُ بِإِذْنِ رَبِّهَا أَمْ هُوَ (ملک الموت) سَاكِنٌ مَعَهُ (الجنين) في أَحْشَائِهَا (ما إنضمّت عليه ضلوع أمّها) کَیْفَ یَصِفُ إِلهَهُ مَنْ یَعْجَزُ عَنْ صِفَهِ (توصيف) مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ (و هو ملك الموت الّذي يشبه واصفه في المخلوقية و المحدوديّة).

113 - و من خطبة له علیه السَّلام في ذمّ الدنيا:

و أحذَرُكُمُ الدُّنْيَا (لما فيها من الزخارف الخادعة لكم) فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلعَة (زلّة للأقدام) وَ لَيسَتْ بِدَارِ نُجْعَهٍ (مطلوب فيها الخصبة و الخضرة بل هى دار الجدب و القحط) قَدْ تَزَيَّنَتْ (للناظرين إليها) بِغُرُورِهَا وَ غَرَّتْ بِزِينَتِهَا دَارُهَا هَانَتْ عَلَى (عند) رَبِّهَا فَخَلَط (ربِّها) حَلَالَهَا بِحَرَامِهَا، وَ خَیْرَهَا بِشَرّهَا، وَ حَیَاتَهَا بِمَوْتِهَا، وَ حُلْوَهَا بِمُرّهَا (و لیست بخالصة ليستحقّ أن تكون دارا للبليّة) لَمْ يُصْفِهَا (يخترها) اللهُ تَعَالَى لِأُولِيَائِهِ وَ لَمْ يَضِنُّ (يبخل) بِهَا عَلَى (أن يعطيها) أَعْدَانَه خَيْرهَا زَهيدٌ (مرغوب عنه مشغول عنه) وَ شَرهَا عَتِيدٌ (حاضر) وَ جَمْعُهَا (من المال و البنون) ينفَدُ (يفنى) و مُلَكْهَا يُسْلَبُ وَ عَامِرُهَا يَخْرَبُ (آخرته لما فيهما من التضادّ) فَمَا خَیْرُ دَارِ تُنْقَضُ (تهدم) نَقْضَ الْبِنَاء وَ (ما خير) عُمرِ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ الزَّادِ (للمسافر) وَ (ما خير) مُدَّةِ تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السِّيرِ (على الطريق) اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِكُمْ (مطلوبكم

ص: 135

منه تعالى و هو الآخرة) وَ اسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاء حَقَّهُ مَا سَأَلَكُمْ (طلب منكم من فرائضه) وَ أَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ (لكم) آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى (الموت) بِكُمْ (للرحيل) إِنَّ الزّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْکِی قُلُوبُهُمْ (من خوف المعاد و ما فيه من الأهوال) و إنْ ضَحِكُوا وَ يَشْتَدُّ حُزْنُهُم (فى القلوب) و إنْ فَرِحُوا (فى وجوههم لأنهم بشرهم فى الوجوه و حزنهم فى القلوب) وَ یَکْثُرُ مَقْتُهُمْ (غضبهم) أَنْفُسَهُمْ (لما لها من الإفراط و التفريط و القصور و التقصير) و إنِ اغْتَبطوا (عند الناس) بِمَا رُزِفُّوا (من الكمالات و الصالحات) قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُم ذِکْرُ الْآجَالِ (الّتي كتبت عليكم) وَ حَضَرَتْكُمْ كَوَاذبُ الْآمَالِ (الآمال الكاذبة الّتى تكذبكم فتخدعكم) فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَك بِكُم مِنَ الْآخِرَةِ و (صارت) الْعَاجِلَةَ (الدنيا) أذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الْآجِلَة (الآخرة فتذهب بكم الدنيا إلى اليمين و اليسار) وَ إِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَان عَلَى دِينِ اللَّهِ مَا فَرَّقَ (لم يفرّق) بَيْنَكُمْ إِلَّا خُبْتُ (سوء، فساد) السَّرَائِرِ وَ سُوء الضَّمَائِرِ (من الحقد و الحسد و الكبر و غيرها) فَلَا تَوَازَرُونَ (تحملون أوزارا من أوزار الدنيا لإخوانكم) وَ لَا تَنَاصَحُونَ (بينكم في الخلوات و الجلوات) وَ لَا تَبَاذَلُونَ وَ لَا تَوَادُّونَ (تتحابّون) مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْیَسِیرِ مِنَ (متاع) الدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ (تصيبونه) و لَا يَحْزُنُكُمُ الْکَثِیرُ مِنَ (نعيم) الآخرة تُحرَمُونَهُ (بذلك الفرح الذى أصابكم لما تدركونه من الدنيا لأنّه خلاف الزهد فمن فرح بالدنيا فقد ترك الزهد و هذا هو الحرمان فى الآخرة) و يُقْلِقُكُم (يضطرب بكم) الْيَسيرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ حَتَّى يَتَبَينَ (يظهر) ذَلكَ (الفوت لليسير من الدنيا) في وُجُوهِكُمْ وَ (فى) قلة صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ (منع) مِنْهَا عَنْكُمْ كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ (قراركم) و كَأَنَّ مَتاعَهَا بَاقِ عَلَيْكُم وَ مَا یَمْنَعُ أحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ إِلَّا مَخَافَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ (أخوه) بمثله قَدْ تَصَافَيتُم (جعلتم لأنفسكم صفوة من الإخوان) عَلَى رَفْض (ترك) الْآجِلِ (الآخرة) و (على) حُبُّ الْعَاجِلِ (الدنيا) وَ صَارَ دينُ أَحَدُكُمْ لُعقَةٌ (شيئا قليلا) عَلَی لِسَانِهِ (فتكتفون بما يجرى على اللسان من الشهادتين و توصيف الحقّ و ترغبون عن العمل فصنعتم) صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَ أَحْرَزَ (كسب) رِضَى سَیّدِهِ (مولاه فلا يسعى أحدكم لآخرته حتى يرضى عنه ربّه).

ص: 136

114 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها مواعظ للناس:

الْحَمْدُ للهِ الْوَاصِلِ (الَّذى وصل) الْحَمْدَ بِالنّعَمِ وَ (الواصل) النّعَمَ بِالشُّکْرِ. نَحْمَدُهُ عَلَی آلَائِهِ (نعمائه) كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلَائِه وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَی هذِهِ النُّفوسِ الْبِطَاءِ (غير السريعة) عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ (و على هذه النفوس) السّرَاعِ إِلَی مَا نُهِيَتْ عَنْهُ (لأنّ النفوس مفرطة فيما أحبّت فأسرعت و مفرطة فيما كرهت فبطئت) وَ نَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ وَ أَحْصَاهُ كِتَابَهُ عِلْمٌ غَيْرُ قَاصِرِ وَ كِتَابٌ غَيْرُ مُغَادِرٍ (تارك لشيء من الأعمال) وَ نُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ عَايْنَ الْغُيُوبَ وَ وَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ (من الجنّة أو النار) إِيمَاناً نَفَى إِخْلَاصُهُ الشِّرْكَ وَ يَقِينُهُ الشَّک وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَليه و آله و سَلَّمَ عَبدُهُ وَ رَسولُهُ شَهَادَتَينِ تُصْعِدَانِ (ترفعان) الْقَوْلَ وَ تَرْفَعَانِ الْعَمَلَ لَا يَخِفُّ مِيزَانَ تُوضَعَانِ (تجعلان) فِيهِ وَ لَا يَثْقُلُ مِیزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ أُوصِیکُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَی اللَّهِ الَّتی هِیَ الزَّادُ (إلى المعاد) وَ بِهَا الْمَعَاذُ (الملجأ فإنّ التقوى) زَادٌ مُبْلِغٌ (موصل إلى الغاية) وَ مَعَاذٌ مُنْجِحٌ (مفلح لمن عاذ بها) دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ (من رسله فهو صلّى الله عليه و آله قد بلّغ التقوى إلى أسماع الناس) وَ وَعَاهَا (حفظها) خَیْرُ وَاعٍ (و هو نفسه الزكية) فَأَسْمَعَ (إلى) داعيهَا وَ فَازَ وَ اعِيهَا (حافظ التقوى و هو نفسه الزكيّة أيضا) عِبَادَ اللَّهِ إنَّ تَقْوَى اللَّه حَمَتْ (منعت) أَوْلِيَاءَ الله مَحَارِمَهُ وَ أَلْزَمَتْ قُلُوبَهُم مَخَافَتَهُ (خوفه) حَتَّى أَسْهَرَتْ (هجّدت تلك المخافة) لَيَالِيَهُمْ وَ أَظمَأتُ (أعطشت المخافة) هَوَاجِرَهُمْ (شدّة حرارة أنهارهم) فَأَخَذُوا الرَّاحَة (فى الآخرة) بِالنَّصَبِ (بدل التعب فى الدنيا) وَ الرّیَّ (ذهاب العطش فى الآخرة) بِالظَّمَإِ (بدل العطش) وَ اسْتَقْرَبُوا الْأَجَلَ (وجدوا قرب الأجل، عدّوه قريبا) فَبَادَرُوا (سارعوا، سابقوا) الْعَمَلَ وَ كَذَبُوا الْأَمَلَ فَلَاحَظُوا (نظروا باللحظة) الْأَجَلَ (و لم يغفلوا عنه فى حين الإشتغال بالدنيا) ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءِ وَ عَنَاء (تعب) وَ غِیَرٍ وَ عِبَرٍ؛ فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ (أخذ وتر قوسه للرمى إليكم) لَا تُخْطِيُّ سِهَامُهُ وَ لَا تُؤْسَى (تداوى) جِرَاحَهُ يَرمِي الْحَیَّ بِالْمَوْتِ وَ الصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ وَ النَّاجِيَ

ص: 137

بِالْعَطَبِ (الهلاك و إن الدهر) آکِلٌ لَا یَشْبَعُ وَ شَارِبٌ لا يَنقَعُ (يشتفى من العطش بالشرب) وَ مِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ یَجْمَعُ مَا لَا يَأْكُلُ مَا لَا يَأْكُلُ وَ یَبْنِی مَا لِا يَسْكُنُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا مَالًا حَمَلَ وَ لَا بِنَاء نَقَلَ وَ مِنْ غِیَرِهَا أَنَّکَ تَرَی الْمَرْحُومَ (عند الناس يوما) مَغْبُوطاً (يوما آخر) وَ الْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً؛ لَیْسَ ذلِکَ (التغيير و التقلّب للدنيا) إلَّا نَعيماً زَلّ (إنتقل، مرّ سريعا) وَ بُؤْساً (بلاء ، شدّة) نَزَلَ وَ مِنْ عِبَرهَا أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى أَمَله فَيَقْتَطعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ فَلَا أُمَلٌ يُدْرك (ينال، يصاب) وَ لَا مُؤَمِّلٌ يُترَكَ فَسُبْحَانَ الله مَا أَعَزَّ (أمنع) سُرُورَهَا (فمن أراد السرور فيها يجد المانع) وَ (ما) أَظْمَأَ رِیَّها (و من أراد الرىّ في الدنيا أوقع نفسه في العطش) وَ (ما) أَضْحَی فَیْئَهَا (و من أراد الفيء منها فقد برز للشمس) لَا جَاءٍ (و هو الموت) یُرَدُّ، وَ لَا مَاضٍ (من العمر) یَرْتَدُّ (يرجع) فَسُبْحَانَ الله مَا أَقْرَبَ الحَيَّ مِنَ الْمَیّتِ لِلَحَاقِهِ (الحىّ) به (الميّت) و أَبْعَدَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَیّ لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْء بِشَر مِنَ الشَّرَ إِلَّا عِقَابَهُ وَ لَيْس شَيْء بِخَيْرٍ منَ الْخَيْرِ إِلَّا ثَوَابُهُ وَ كُلُّ شَيء منَ الدُّنْيَا (شرا كان أم خيرا) سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عيانه وَ كُلّ شَيْء مِنَ الْآخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعه فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ العِيانِ (لمتاع الدنيا) السّماعُ (إليها) وَ (ليكفكم) مِنَ الْغَيْبِ (الّذى غاب عنكم من متاعها) الخَبَرُ (فلا تنافسوا فيها) وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيا (و غاب عنكم من النعيم) وَ زَادَ فِیِ الآخِرَهِ (الّتى عيانها أعظم من سماعها) خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الْآخِرَةِ وَ زَادَ فِي الدُّنْيَا (الّتى سماعها أعظم من عيانها) فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ (في نعيم الدنيا) رَابِحٍ (فى الآخرة) وَ مَزِیدٍ (مكثر فى الدنيا و نعيمها) خَاسِرٍ (في الآخرة) إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُم بِه (من الحلال) أوسعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُم عَنْهُ (من الحرام) وَ مَا أُحِلَّ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْكُم فَذَرُوا (اتركوا) ما قل (من الحرام)لِمَا کَثُرَ (من الحلال) وَ مَا ضَاقَ (من الحرام) لِمَا اتَّسَعَ (من الحلال) قَدْ تَكَفَّلَ (الله تعالى) لَكُمْ بِالرِّزْقِ (الحلال الكثير الواسع) و أمرتُم بالعَمَلِ فَلَا يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبَهُ (من الرزق) أَوْلَی بِکُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ (الواجب المكتوب) عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ (من كسب الصالحات) مَعَ أَنَّهُ وَ اللهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ (في القلوب) الشَّكُ (فى ضمانته تعالى للرزق) وَ دَخلَ (خلط) الْيَقِينُ (بالشك) حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي

ص: 138

ضُمِنَ لَكُمْ (من الرزق) قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ وَ كَأَنَّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ (من الصالحات) قَدْ وُضِعَ (رفع) عَنْكُمْ فَبَادِرُوا (سارعوا) العَمَلَ وَ خَافُوا بَغْتَة (فجأة) الأجَلِ فَإِنَّهُ لَا يُرجَى مِنْ رَجْعَة الْعُمُرِ مَا يُرجى منْ رَجَعَة الرِّزْقِ مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ وَ مَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ یُرْجَ الیَوْمَ رَجْعَتُهُ. الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائی (و هو الرزق) وَ الْيَأْسُ مَعَ الْمَاضِي (و هو العمر) فَاتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاته و لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (فلا تبيعوا ما فرض عليكم بما ضمّن لكم).

115 - و من خطبة له علیه السَّلام في الإستسقاء:

اللَّهُمَّ قَدِ انْصَاحَتْ (جفّت و يبست أعالى بقول) جِبَالُنَا (من الجدب و القحط أو إنشقّت جبالنا لشدّة حرّ الشمس) وَ اغبْرَّتْ (صارت ذا غبار) أَرْضُنَا وَ هَامَتْ (عطشت) دَوَابُّنَا (من المواشى و غيرها) وَ تَحَیَّرَتْ (تاهت) في مَرَابِضِهَا (مواضع جلوسها) وَ عَجِّتْ (أنت صاحت بالأنين) عَجِيجَ الثكَالَى (المرأة التى لا يبقى لها ولد) عَلَی أَوْلادِهَا، وَ مَلَّتِ التَّرَدُّدَ فِی مَرَاتِعِهَا، وَ الْحَنِینَ ( صوت المسترحم) إِلَى مَوَارِدهَا (مواضع ورودها للماء) اللَّهُم فَارْحَمْ أَنينَ (صياح) الأنَّة (الصائح) وَ حَنِینَ الْحَانَّهِ (الصائت للإسترحام) اللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَیْرَتَهَا فِی مَذَاهِبِهَا (موارد ذهابها أو ذهابها إلى موارد الماء و العشب) وَ (ارحم) أنِینَهَا (صراخها) في مَوَالجِهَا (مداخلها في المشارب و المرابض) اللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ (إزدحمت) عَلَيْنَا حَدَابِير (نوق ضامرة من) السّنِینَ (القحوط) وَ أَخْلَفَتُنَا (خانتنا، غدرت بنا) مَخَايِلُ (سحائب) الْجُود (الّتى تخيّل الناس بأنّها ماطرة ثم لا تمطر) فَکُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ (الذى مسّته البأساء) وَ (كنت) الْبَلَاغَ (إلى الآمال) لِلْمُلْتَمسِ نَدْعُوكَ حينَ قَنَط (أيس) الْأَنَامُ (الناس) وَ مُنِعَ الْغَمَامُ (السحاب من المطر) وَ هَلَکَ السَّوَامُ (البهائم الراعية ب) ألَّا تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا (السيّئة الموجبة للقحط و الجدب) وَ لَا تَأخُذَنَا بِذُنُوبِنَا وَ انْشُر (ابسط) عَلَیْنَا رَحْمَتَکَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ (الّذى إنفرج عن المطر) وَ الرَّبِیعِ الْمُغْدِقِ (كثير الماء) و النّبَاتِ الْمُونِقِ (المعجب) سَحًّا (صبا) وَابِلًا (شديدا

ص: 139

من المطر الضخم القطر) تُحْيِي بِه مَا قَدْ مَاتَ وَ تَرُدُّ به مَا قَدْ فَاتَ (من النبات و المياه) أللّهُمّ (إسقنا) سُقْيًا منكَ مُحْيِيَةً مُرويَةٌ (ذاهبة بالعطش) تَامّةً (كاملة تحيط بحوائجنا كلها) عَامّةً (شاملة للبلاد) طَيّبَةً (سائغة) مُبارَكَةَ هَنيئَةَ (حلوة ميمونة) مَرِيعَة (خصيبة) زاكياً (ناميا) نَبَتْهَا (من العشب و الأشجار بتلك السقيا) ثامراً (آتيا بالثمر) فَرْعُهَا نَاضِراً (خضرا) وَ رَقُهَا تُنْعشُ (ترفع) بِهَا (تلك السقيا) الضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُحْيِي بِهَا الْمَيْتَ مِنْ بِلَادِكَ أللّهُمّ سُقيَا مِنكَ تُعشِبُ (تجعل ذا عشب) بِهَا نِجَادُنَا (مرتفعات أرضنا) و تَجرِي بِهَا وِ هَادُنَا (منخفضاتها) وَ تُخصبُ (تكثر العشب) بِهَا جَنَابُنَا (ناحيتنا) و تُقْبِلُ بِهَا ثمارنَا و تَعيشُ بِهَا مَواشِينا (من البقر و الغنم وغيرهما) وَ تَنْدَى (تبتلّ) بِهَا أَقَاصِينَا (نواحينا البعيدة) وَ تَستَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا (اطراف بلادنا، توابعها الّتى تشرب ضحى) مِن بَرَكَاتِكَ الوَاسِعَةِ و عَطَايَاكَ الْجَزِيلَة (العظيمة) عَلَي بَرِيّتِكَ المُرمِلَةِ (الفقيرة) وَ وَحشِكَ المُهمَلَةِ (فى الفلوات) و أنْزِلْ عَلَيْنَا سَمَاء مخضلَةَ (ذات بلل من كثرة المطر) مِدرَاراً (كثيرا في الهبوط) هَاطِلَةً (متتابعة في النزول) يُدَافِعُ الْوَدْقُ (المطر) مِنهَا (تلك السماء) الوَدقَ (لكثرة المطر و تزاحم القطرات) وَ يَحْفزُ (يدفع) الْقَطَّرُ مِنْهَا الْقَطَّرَ غَيْرَ خُلَبٍ (خادع) بَرقُهَا (بأن ظهر كأنّه ماطر ثم لا يمطر) وَ لَا جَهَامِ (سحاب لا مطر فيه) عَارِضُهَا (من السحاب الّذى يعرض و يظهر فى السماء) وَ لَا قَزَعِ (قطع صغار متفرّقة من السحاب) رَبَابُهَا (سحابها الأبيض) وَ لَا (ذات) شَفَّانِ (ريح باردة) ذهَابُهَا (المطرة اللينة) حَتّي يُخصِبَ لِإِمرَاعِهَا (لأجل إخصاب تلك السماء بالسحاب) المُجدِبُونَ (الذين أصابهم القحط) وَ يَحيَا بِبَرَكَتِهَا المُسنِتُونَ (المقحطون الّذين أصابهم السنين أى القحوط) فَإِنَّكَ تُنْزِلُ الْغَيْثَ (المطر) مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا (يئسوا) وَ تَنْشُرُ - رَحْمَتَكَ وَ أَنْتَ الوَلِيُّ (الّذى بيده الأمور طرا) الحَميدُ (فى فعالك كلّها من القحط و الخصب المتضادين).

تفسير ما في هذه الخطبة من الغريب

قال السيد الشريف رضي الله عنه: قوله علیه السَّلام انصاحت جبالنا أي تشققت من المحول

ص: 140

يقال انصاح الثوب إذا انشق و يقال أيضا انصاح النبت و صاح و صوح إذا جف و يبس کله بمعنی و قوله و هامت دوابنا أي عطشت و الهيام العطش. و قوله حدابير السنين جمع حدبار و هي الناقة التي أنضاها السير فشبه بها السنة التي فشا فيها الجدب قال ذو الرمة:

حَدابيرُ ما تَنْفَكُّ إِلّا مُناخَة *** عَلى الخَسْف أو نَرْمِي بِهَا بَلَدَا قَفْراً

و قَولُهُ: و لا قزع ربابها القزع القطع الصغار المتفرقة من السحاب. و قوله و لا شفّان ذهابها فإن تقديره و لا ذات شَفَّان ذهابها و الشَفَّان الريح الباردة و الذهاب الأمطار اللينة فحذف ذات لعلم السامع به.

116 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها ينصح أصحابه:

أَرْسَلَهُ دَاعِیاً إِلَی اَلْحَقِّ وَ شَاهِداً عَلَی اَلْخَلْقِ فَبَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ غَیْرَ وَ انٍ (متثاقل) وَ لَا مُقَصر-(مفرّط فى الإبلاغ) وَ جَاهَدَ فِي اللَّه أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِنٍ (ضعيف) و لا مُعَذِّرٍ (معتذر بلا عذر مقبول فهو صلّى الله عليه و آله) إِمَامٌ مَنِ اتَّقَى وَ بَصَرُ مَنِ اهْتَدَى (طلب الهداية) .

منْهَا : وَ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِیَ (غاب، خفى) عَنْكُمْ غَيبهُ (ممّا ورائكم من أهوال البرزخ و القيامة) إذا لَخَرَجْتُمْ إلَى الصَّعُدّات (الطرق و تركتم منازلكم خوفا) تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالَكُمْ وَ تَلْتَدمُونَ (تضربون وجوهكم للنياحة) عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَ لَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لاَ حَارِسَ (حافظ) لَهَا وَ لَا خَالِفَ (خليفة) عَلَيْهَا وَ لَهَمَّتْ (شغلت) كُلَّ امْرِ مِنكُمْ نَفْسُهُ لَا يَلْتَفتُ إِلَى غَيْرِهَا وَ لَكِنَّكُمْ نَسِيتُم مَا ذَكَرْتُمْ (ممّا خفى عنكم غيبه) وَ أَمِنْتُمْ مَا حُذَرْتُمْ (من آثار أعمالكم) فَتَاهَ (ضلّ) عَنْكُمْ رَأَيْكُمْ (عقلكم) وَ تَشَتْتَ (تفرّق) عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ وَ لَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ فَرَّقَ بَيني وَ بَيْنَكُم وَ أَلْحَقْنِی بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ (أولى) بي مِنْكُمْ (بدلكم فإنّهم) قَوْم وَ اللهِ مَيَامِينُ (مباركو) الرّأي مَرَاجِيحُ الحِلْمِ (حلمهم الرزين و الثقيل) مُقَاوِيلُ (قائلون) بِالْحَقِّ مَتَارِيك (تاركون) للَّبَغْيِ مَضَوا (إلى الآخرة) قُدماً (سابقين علينا) عَلَى الطَّرِيقَة (الواضحة) وَ أَوْجَفُوا (أسرعوا) علَى الْمَحَجَّة (الطريقة الواضحة) فَظَفِرُوا (فازوا) بالْعُقْبَى الدَّائمة وَ الْكَرَامَة الْبَارِدَة (الهنيئة)

ص: 141

أمَا وَ الله لَيُسَلَّطَنْ عَلَيْكُمْ غُلَامُ (إبن من طائفة) ثَقِیفٍ اَلذَّیَّال (الطويل الذيل المتكبر في المشى) اَلْمَیَّالُ (كثير الميل إلى الجوانب كبرا، و) يَأكُلُ خَضرَتَكُمْ وَ يُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ إِیه (زدنى من الحديث، إمض، حدّث يا) أَبَا وَ ذَحَة (الخنفساء).

قال الشريف: الوذحة الخنفساء و هذا القول يومئ به إلى الحجاج و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره.

117 - و من كلام له علیه السَّلام يوبخ البخلاء بالمال و النفس:

فَلَا أَمْوَالَ بَذَلْتُمُوهَا لِلَّذِي رَزَقَهَا وَ لَا أَنْفُسَ خَاطَرْتُم (أوقعتم فى المخاطرة) بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا تَكْرَمُونَ (تفخرون، تغرُون) بِالله عَلَى عِبَادِهِ وَ لا تُكْرِمُونَ (تطلبون عزّ) الله في عِبَادِهِ فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبلَكُمْ وَ انْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَوْصَلِ (أقرب) إِخْوَانِكُمْ.

118 - و من كلام له علیه السَّلام في الصالحين من أصحابه:

أنْتُمُ الْأَنْصَارُ (لخليفة رسول الله) عَلَى الْحَقِّ وَ الْإِخْوَانُ فِي الدِّينِ وَ الْجِنَنُ (الأتراس) يَوْمَ الْبَأسِ (الشدّة) و (أنتم) البِطانَةُ (الخواصّ من الأصدقاء) دُونَ النَّاسِ بِكُمْ أَضْرِبُ الْمُدْبِرَ (المولّى عن الحقّ) وَ أَرْجُو طَاعَةِ الْمُقْبِلِ (إلى الحقِّ) فَأَعِينُونِي بِمُنَاصَحَةِ (نصيحة) خَلِيّة (خالية) مِنَ اَلْغِشِّ سَلِیمَهٍ مِنَ اَلرَّیْبِ (الشك) فَوَاللَّهِ إِنِّی لَأَوْلَی اَلنَّاسِ بِالنَّاسِ (بالولاية عليهم كما كان رسول الله صلى الله عليه و آله کذلک).

119 - و من كلام له علیه السَّلام و قد جمع الناس و حضّهم على الجهاد فسكتوا مليّاً:

فَقَالَ علیه السَّلام: مَا بَالُكُم (شأنكم، الأمر المهمّ عندكم) أمُخْرَسُونَ (غير قادرين على النطق)

ص: 142

أنتُمْ، فَقَالَ قَوم منهُم يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ سِرْتَ سِرْنَا مَعَكَ، فَقَالَ علیه السَّلام مَا بَالُكُمْ لَا سُدُدْتُمْ (و فقتم) لِرُشْدٍ وَ لَا هُديتُمْ لقَصْد (صراط مستقيم) أَ فِی مِثْلِ هَذَا (الأمر من الحرب) یَنْبَغِی لِی أَنْ أَخْرُجَ وَ إِنَّمَا يَخْرُجُ فِي مِثْلِ هَذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجَعَانِكُمْ وَ ذَوِي بَاسِكُم (الشدّة منكم) وَ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ (أترك) اَلْجُنْدَ وَ اَلْمِصْرَ (المدينة وهى الكوفة) وَ بَيتَ المَالِ وَ جِبَايَة (أخذ خراج) اَلْأَرْضِ وَ اَلْقَضَاءَ بَیْنَ اَلْمُسْلِمِینَ وَ اَلنَّظَرَ فِي حُقُوقِ المُطالبينَ ثم أَخْرُجَ فِي كَتيبة (جيش) أتْبَعُ أخْرَى أَتَقَلقَل (أضطرب) تَقَلْقُلَ اَلْقِدْحِ (السهم قبل أن يراش و ينصل) فِی اَلْجَفِیرِ (الكنانة توضع فيها السهام) الْفَارِغ (الخالي عن السهم) وَ إِنَّمَا أَنَا قُطْبُ اَلرَّحَی تَدُورُ (تلك الرحى) عَلَي وَ أَنَا بِمَكَانِي فَإِذَا فَارَقْتُهُ (القطب) استَحارَ (إضطرب، تردّد) مَدَارُهَا (موضع دوران الرحى) و اضْطَرَبَ ثفَالُهَا (الحجر الأسفل من الرحى) هَذَا (القول بالخروج بنفسى للقتال) لَعَمْرُ اَللَّهِ الرّأيُّ السُّوءُ وَ الله لَوْ لَا رَجَانِي الشَّهَادَةَ عنْدَ لقَائي الْعَدُو و لو (ليت) قَدْ حُمَّ (قدر) لي لقَاؤُهُ لَقَربْتُ رِكَابِي ثُمَّ شَخَصْتُ (ذهبت) عَنْكُمْ فَلَا أطلبُكُمْ مَا (دام) اِخْتَلَفَ جَنُوبٌ (ريح تهبّ من الجنوب) وَ شَمَالٌ (ريح تهبّ من الشمال) طَعَّانِینَ عَیَّابِینَ حَیَّادِینَ (ميّالين عن الصراط) رَوَّاغِینَ (مكّارين) إِنَّهُ لَا غَنَاء (بكم عند لقاء العدوّ) في كَثَرَةِ عَدَدِكُمْ مَعَ قلة اجتماعِ قُلُوبِكُمْ لَقَدْ حَمَلَتْكُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ الَّتِي لَا يَهْلِكُ عَلَيْهَا إِلَّا هَالك مَنِ اسْتَقَامَ (على تلك الطريقة) فَإلَى الْجَنَّة (مصيره) وَ مَنْ زَلَّ (عن الطريق الواضح)فَإِلَی اَلنَّارِ.

120 - و من كلام له علیه السَّلام يذكر فضله و يعظ الناس:

تَاللَّهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِيغَ (إيصال) الرِّسَالاتِ (إلى (الناس) وَ (علمت) إِتمامَ الْعِدَاتِ (الّتي وعدها الله لعباده) وَ تَمَامَ الْکَلِمَاتِ (الّتى لا تنفد و لا يحصيها إلّا من عنده علم الكتاب كلّه) وَ عِنْدَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَبْوَابُ الْحُكْمِ وَ ضِيَاءٌ (نور) الْأَمْرِ أَلَا وَ إِنَّ شَرَائِعَ (سنن، قوانين) الدِّينِ وَاحِدَةٌ (لا تختلف و لا يخالف بعضها بعضا) وَ سُبُلَهُ قَاصدَةٌ (مستقيمة لا تميل إلى اليمين و

ص: 143

هو جانب الإفراط و لا إلى الشمال و هو جانب التفريط) مَنْ أَخَذَ بِهَا (الشرائع) لَحقَ (بنا) و غَنم (ربح فى يوم التغابن) وَ مَنْ وَقَفَ عَنْهَا (و لم يعمل بها) ضَلَّ وَ نَدم (في يوم الحسرة بما خسر) اعْمَلُوا لِيَوْمٍ تُدْخَرُ لَهُ الذّخَائر (من الصالحات) وَ تُبْلَی (تظهر) فِیهِ السَّرَائِرُ (البواطن) وَ (من) وَ مَنْ لاَ یَنْفَعُهُ حَاضِرُ لُبِّهِ فَعَازِبُهُ (غائب اللب) عَنْهُ (نفعه) أَعْجَرُ (فإذا جائت سكرة الموت طارت العقول و غابت) و غَائبهُ (عن نفعه) أَعْوَزُ (غير موجود حتى ينفعه إذا بلغ الروح لدى الحناجر) وَ اتَّقُوا نَاراً حَرُّهَا شَدِیدٌ وَ قَعْرُهَا بَعِیدٌ وَ حِلْیَتُهَا (زينتها التى يلبسها أهلها) حَدِيدٌ وَ شَرابهَا صَدِيدٌ (ماء الجرح الرقيق و الحميم) ألا وَ إِنَّ اللَّسَانَ الصَّالِحَ (الّذى) يَجْعَلهُ اللهُ تَعَالَى للْمَرْء فِي النَّاسِ (بعد موته) خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يُورِثُهُ مَنْ (الوارث الّذى) لا يَحْمَدُهُ.

121 - و من خطبة له علیه السَّلام بعد ليلة الهرير و قد قام إليه رجل (منافق) من أصحابه (و هو الأشعث) فقال نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فلم ندر أي الأمرين أرشد (أولى بالرشد) فصفق علیه السَّلام إحدى يديه على الأخرى ثم قال:

هَذَا (التردّد و الإلتباس منكم في معرفة الرشد) جَزَاءً مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ (الميثاق لإمامه) أَمَا وَ الله لَو أَنِّي حينَ أَمَرْتُكُمْ به (ذلك الأمر من ردّ (الحكومة) حَمَلْتُكُمْ عَلَى (الحرب) الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَجْعَلُ اللهُ فيه خَيْراً فَإن اسْتَقَمتم (لمّا أمرتكم به) هَدَيتُكُمْ (إلى الرشد) وَ إِنِ اعْوَجَجْتُم (لما أمرتكم به) قَوَّمْتُکُم (على الطريق الواضح) و إنْ أَبَيْتُمْ (عن أمرى بالحرب) تَدَارَكْتُكُمْ لَكَانَت (وقعت) الوثقى (الفعلة المحكمة) و لكنْ بمَنْ وَ إِلَى مَنْ (وقعت الوثقى) أرِيدُ أنْ أدَاوِي بِكُمْ وَ أَنْتُمْ دَائِي كَنَاقِشِ (باحث) الشَّوْكَة بِالشَّوْكَةِ وَ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا (يبقى) مَعَهَا اللَّهُم قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هَذَا الدَّاءِ الدَّوِی (الشديد) وَ كَلَّتِ (ضعفت) اَلنَّزَعَةُ (المستقون) بِأَشْطَان (حبال) الرَّکِیِّ (آبار) أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَبِلُوهُ وَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ (جعلوا القرآن حاكما على الأمور) وَ هِیجُوا (حرّكوا) إلَى الْجِهَادِ فوَلِهُوا (فزعوا) وَ لَه اللَّقَاح (النوق) إِلَی أَوْلاَدِهَا وَ سَلَبُوا (نزعوا) السُّيُوفَ أَغمَادَهَا (من جلودها فارغة شاهرة للحرب) و أخَذُوا بِأَطْرَاف

ص: 144

الْأَرْضِ زَحْفاً (مشيا) زَحْفاً وَ صَفّاً صَفّاً بَعْض (منهم) هَلَكَ (فى سبيل الله) وَ بَعْضٌ نَجَا لاَ یُبَشَّرُونَ بِالْأَحْیَاءِ وَ لاَ یُعَزَّوْن عَنِ الْمَوْتَى (فى الحرب حيث يرون القتل في سبيل الله فوزا هم) مُرْهُ (فاسدة) الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاء خَمْصُ (ضوامر) الْبُطُونِ مِنَ الصِّیَامِ ذُبُل (يُبس) الشّفاه مِنَ الدُّعَاءِ صُفْرُ الْأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ (اليقظة فى الأسحار بدوام الإستغفار) عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَةٌ الْخَاشِعِينَ أَولَئِكَ إخْوَانِي الذَّاهِبُونَ (الراحلون إلى الله) فَحَقَ لَنَا أَنْ نَظَمَأُ (نعطش) إِلَيْهِمْ وَ نَعَضُ الْأَيْدي عَلَى فَرَاقِهِمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي (يسهّل) لَكُمْ طَرْقَهُ وَ يُرِيدُ أَنْ يَحلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً و يُعطيكُم بِالْجَمَاعَة (بدل الجماعة) الْفُرْقَة وَ بِالْفُرْقَة (بسببها) الْفِتْنَةَ فَاصْدفُوا (اعرضوا) عَنْ نَزَغَاته (حركاته للإفساد) و نَفَثاته (إلقائه الوسوسة في الصدور) و اقْبَلُوا النَّصِيحَة مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَيْكُمْ (و هو نفسه الزكيّة) وَ اعْقِلُوهَا (إحبسوها) عَلَى أَنْفُسِكُمْ (و لا تتركوا النصيحة ممّن أهداها إليكم و لا تنبذوها وراء ظهوركم).

122 - و من كلام له علیه السَّلام قاله للخوارج و قد خرج إلى معسكرهم و هم مقيمون على إنكار الحكومة فقال علیه السَّلام:

أكُلُّكُمْ شَهِدَ مَعَنَا صِفِّينَ فَقَالُوا مِنَّا مَنْ شَهِدَ وَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْ قَالَ فَامْتَازُوا فِرقَتَيْنِ فَلْيَكُنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّينَ فِرقَهُ وَ مَنْ لَمْ يَشْهَدُهَا فَرقَهُ حَتَّى أَكَلَّمَ كُلَّا مِنْكُمْ بِكَلَامه وَ نَادَى النَّاسَ فَقَالَ أَمْسِكُوا (كفّوا) عَنِ الْكَلَامِ وَ أَنْصِتُوا (اسكتوا و إسمعوا) لقولي و أَقْبِلُوا بِأَفْئِدَتِكُمْ (قلوبكم) إِلَیَّ فَمَنْ نَشَدْنَاهُ (طلبنا منه بالقسم) شَهَادَةً فَلْيَقُلْ بِعِلْمِهِ فِیهَا (الشهادة) ثُمَّ کَلَّمَهُمْ علیه السَّلام بِکَلاَمٍ طَوِیلٍ مِنْ جُمْلَتِهِ أَنْ قَالَ علیه السَّلام: ألَمْ تَقُولُوا عندَ رَفْعهِمُ الْمَصَاحِفَ (على الرماح) حيلَةَ و غيلَةَ (خدعة، إغتيالا) وَ مَكْراً وَ خَديعَةَ (إنّهم) إِخْوَانُنَا وَ أَهْلُ دَعْوَتِنَا اسْتَقَالُونَا (طلبوا منّا الإمهال) وَ اسْتَرَاحوا (طلبوا الراحة من الحرب) إلَى كِتَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ فَالرَّأْیُ (الصحيح هو) القَبول (للإستقالة) مِنْهُمْ وَ التَّنْفِیسُ (التفريج) عَنْهُمْ فَقُلْتُ لَكُمْ هَذَا (الرفع للمصاحف) أَمْرٌ ظَاهِرُهُ إيمَانٌ و بَاطنُهُ عُدْوَانٌ وَ أُولهُ رَحْمَةٌ وَ آخِرُهُ نَدَامَةٌ فَأَقِيمُوا عَلَى شَأَنكُمْ (من

ص: 145

الإستقامة لهم فى الحرب) و الزمُوا طَرِيقَتَكُمْ (الواضحة) وَ عَضُّوا (شدّوا) عَلَى الْجِهَادِ بنواجذكُم (أضراسكم الناجذة) و لا تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِقِ (صائح و هو عمرو بن العاص) نَعَقَ (صاح) إِنْ أُجِیبَ (ذلك الناعق في دعواه) أَضَلَّ (المجيب) و إنْ تُرِكَ (ذلك الناعق في دعوته) ذَلَّ وَ قَدْ كَانَتْ (وقعت) هَذه الفَعْلَةُ (الّتي نهيتكم عنها) وَ قَدْ رَأَيْتُكُمْ أَعْطَيتُمُوهَا (الحكومة لهم) وَ اللَّهِ لَئِنْ أَبَیْتُهَا مَا وَجَبَتْ عَلَیَّ فَرِیضَتُهَا (لزومها فى الإتّباع لها) وَ لاَ حَمَّلَنِی اللَّهُ ذَنْبَهَا وَ وَ الله إنْ جِئْتُهَا (بالقبول للحكومة) إنِّي لَلْمُحقِّ (صاحب الحقّ) الَّذِی یُتَّبَعُ (يجب إتباعه بل أنا الحقّ يدور حيثما أدور) و إِنَّ الْكِتَابَ لَمَعِي مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحبتهُ فَلَقَدْ كُنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه و آله وَ إِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ عَلَى الْآباء و الأبناء وَ الْإِخْوَانِ وَ الْقَرَابَاتِ فَمَا نَزْدَادُ عَلَی کُلِّ مُصِیبَةٍ وَ شَدَّة إِلَّا إِیمَاناً وَ مُضِیّاً (سلوكا) عَلَى الْحَقِّ وَ تَسْلِيماً لِلْأَمْرِ وَ صَبْراً عَلَی مَضَضِ (ألم ، وجع) الْجِرَاحِ و لَكنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوانَنَا فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّیْغِ (الميل عن الحقّ) وَ الاِعْوِجَاجِ (الإنحراف عن الصراط المستقيم) وَ (من) الشَّبهة و التَّأْوِيلِ (فى كتاب الله) فَإِذَا طَمِعنَا فِي خَصْلَةِ يَلْمٌ (يجمع) اللَّهُ بِهَا شَعَثَنَا (فرقتنا، تفرّقنا) وَ نَتَدَانَى (نتقرّب) بهَا (الخصلة) إِلَی الْبَقِیَّةِ (الّتي بقيت من الإسلام) فيمَا بَيْنَنَا رَغَبُنَا فِيهَا (لرفع التنازع و الشقاق) وَ أَمْسَكْنَا عَمَّا سوَاهَا (غير تلك الخصلة من الخصال الّتي توجب الفرقة).

123 - و من كلام له علیه السَّلام قاله لأصحابه في ساحة الحرب بصفين:

وَ أَیُّ اِمْرِئٍ مِنْکُمْ أَحَسَّ (وجد) مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَهَ (قوّة) جَأْشٍ (قلب نفس من الشجاعة) عِنْدَ اَللِّقَاءِ (للعدوّ فى الحرب) وَ رَأَی مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ (المؤمنين) فَشَلًا (ضعفا في القلب) فَلَيَذُب (يدفع) عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ (زيادة) نَجدَتِهِ (شجاعته) الَّتِي فُضْلَ بِهَا (تلك النجدة الزائدة) عَلَيْهِ (أخيه) کَمَا یَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ (و هذا هو المساواة في النفس و هي أفضل من المساواة فى المال) فَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ (فى النجدة) إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِیثٌ (حريص مشتاق) لَا يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ (للموت لشجاعته) وَ لَا يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ (الفارّ منه لخوفه) إِنَّ أَكْرَمَ

ص: 146

الْمَوْتِ الْقَتْلُ (فى سبيل الله ذابًا عن نفسه أو أخيه) وَ اَلَّذِی نَفْسُ اِبْنِ أَبِی طَالِبٍ بِیَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَهٍ بِالسَّیْفِ أَهْوَنُ (أسهل) عَلَي مِنْ مِيتة عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَة الله

و منه: وَ کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَیْکُمْ تَکِشُّونَ کَشِیشَ اَلضِّبَابِ (الكشيش هو صوت إحتكاك جلودها عند إزدحامها و هو كناية عن الإزدحام حين الهزيمة من الحرب) لَا تَأْخُذُونَ حَقاً (هم منعوكم عنه) وَ لَا تَمْنَعُونَ ضَيْماً (ظلما) قَدْ خُلّيتُم وَ الطَّرِيقَ (إلى الآخرة) فَالنَّجَاةُ (من النار) للمُقْتَحمِ (الغائص فى الغمرات للحقِّ) وَ اَلْهَلَکَهُ لِلْمُتَلَوِّمِ (المتوقّف عن السلوك لسبيل الآخرة).

124 - و من كلام له علیه السَّلام في حثّ أصحابه على القتال:

فَقَدِّمُوا (في الحرب) الدَّارِعَ (اللابس للجنّة) وَ أَخَرُوا الْحَاسِر (الّذى لا درع له) وَ عَضْوا (شدّوا) عَلَى الْأَضْرَاسِ فَإِنَّهُ (العضّ على الأضراس) أَنبَي (أدفع) للسِّيُوفِ عَنِ (كسر-) الْهَامِ (عظم الرأس المحافظ للمخّ) وَ التَوُوا (إنعطفوا و أميلوا جانبكم) فِي أَطرَافِ الرّمَاحِ (أى حين وصلت إليكم أطرافها) فَإِنَّهُ (الإلتواء) أَموَرُ (أشدّ فعلا للإضطراب) لِلأَسِنّةِ (لعدم نفوذها فيكم) وَ غُضّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ (الغضّ للبصر) أَربَطُ (أشدّ أثرا فى القوّة و أقوى) لِلجَأشِ (القلب و ما فيه من الإضطراب) وَ أَسْكَنُ (أشدّ أثرا للسكونة) لِلقُلُوبِ وَ أَمِيتُوا (أخفضوا) الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ (الخفض للصوت) أطرَدُ (أشدّ طردا و منعا) للْفَشَلِ (الضعف) وَ رَايَتِكُمْ فَلَا تُميلُوهَا (بل إتّخذوا الراية ثابتة) وَ لَا تُخلُّوهَا (عن مواضعها حتّى لا تغيب عن العسكر) وَ لَا تَجْعَلُوهَا إِلَّا بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ وَ الْمَانِعِينَ الذَّمَارَ (و هو ما يلزم حفظه من مال أو عرض) مِنْكُمْ فَإِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ الْحَقَائِقِ (الشدائد الحقّة النازلة بكم يقينا) هُمُ الَّذِينَ يَحُفُونَ (يستديرون) براياتهم (في حولها) و يكتنفُونَها (يحيطون) حفَافَيْهَا (جانبيها) و وَ رَاءَهَا وَ أَمَامَها لَا يَتَأَخَرُونَ عَنْهَا (الرايات) فَيُسلِمُوهَا (إلى الأعداء بالغفلة عنها) وَ لَا يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيَفْرِدُوهَا (يجعلوا الرايات منفردة متروكة) أَجزَأَ (ليجزء) امْرُؤٌ قرنَهُ (كفؤه من الخصم) وَ آسَى (ليعزّ، ليسل) أَخَاهُ بِنَفسِهِ (بالذب و الدفع عنه) وَ لَمْ يَكل (لا يترك) قُرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَجْتَمِعَ

ص: 147

عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَ قِرْنُ أخيه و ايمُ الله لَئِنْ فَرَرْتُم مِنْ سَيْف العَاجِلَة (الدنيا) لَا تَسْلَمُوا مِنْ سَيْف الْآخِرَةِ وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ (أجواد، أسخياء) الْعَرَبِ وَ السَّنَامُ الْأَعْظَمُ (فى إرتفاع شأنكم) إِنَّ فِي الْفِرَارِ مَوجِدَةَ (غضب) الله وَ الذُّلَ اللَّازِمَ وَ الْعَارَ الْبَاقِي (فى النسل) وَ إِنّ الفَارّ (من الحرب) لَغَيرُ مَزِيدٍ فِي عُمُرِهِ وَ لَا مَحجُوزٍ (ممنوع) بَينَهُ وَ بَينَ يَومِهِ (الّذى يموت فيه) مَنِ الرّائِحُ (السالک ليلا) إِلَى اللهِ كَالظَّمْآنِ (العطشان) يَرِدُ الْمَاءَ الْجَنَّةُ تَحْتَ أطرَافِ الْعَوَالِي (الرماح) اليَومَ (يوم الحرب) تُبلَى (تمتحن، تختبر) الْأَخْبَارُ (المكنونة فى الصدور من حبّ الدنيا أو حبّ اللقاء) و اللهِ لَأنَا أَشْوقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ اللهُم فَإِنْ رَدُوا الْحَقَّ فَافضُضْ (فرّق) جَمَاعَتَهُمْ وَ شَتْتْ (فرق) كَلِمَتَهُمْ (وحدتهم) و أبسلُهُمْ (أسلمهم للهلاك) بِخَطَايَاهُمْ إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مواقفهِمْ (فى الحرب) دُونَ طَعنٍ دِرَاكٍ (متتابع، متوال) يَخْرُجُ مِنْهُمُ النَّسيمُ (الروح) وَ (لن

يزولوا دون) ضَرْب يَفْلقُ (يشقّ منه) الْهَامَ (الرأس) وَ يُطِيحُ (يهلک یفنی) العِظَامَ وَ يُندِرُ (يسقط) السّوَاعِدَ وَ الأَقدَامَ وَ حَتّي يُرمَوا (يدفعوا) بِالمَنَاسِرِ (الجيوش) تَتَّبعها الْمُنَاسِر و يُرجمُوا (يدفعوا) بِالْكَتائب (الجيوش) تَقْفُوهَا (تتبعها فى القفا) الْحَلَائبُ (الجيوش) وَ حَتّي يُجَرّ بِبِلَادِهِمُ الخَمِيسُ (الجيش العظيم) يَتلُوهُ الخَمِيسُ وَ حَتّي تَدعَقَ (تدقّ) الخُيول في نَوَاحرٍ (متقابلات أواخر ، أقاصى) أَرضِهِم وَ (تدعق) بِأعْنَانِ مَسَارِبِهِم (أطراف المذاهب للرعى) وَ مَسَارِحِهِم (أطراف مراعيهم).

قال السيد الشريف: أقول الدعق الدق أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم و نواحر أرضهم متقابلاتها، و يقال منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل

135 - و من كلام له علیه السَّلام في التحكيم و ذلك بعد سماعه لأمر الحكمين:

إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ وَ إِنَّمَا حَكَمْنَا الْقُرْآنَ هَذَا الْقُرآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطَ مَسْطُورٌ بَينَ الدَّفَتَينِ (الصفحتين من جلد) لا يَنْطِقُ بِلِسَانِ وَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانِ وَ إِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ

ص: 148

(العارفون بحقّه و إنّهم أهل البيت) وَ لَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ (القاسطون من أهل الشام) إلى أنْ تحكّم بَينَنَا القُرآنَ لَمْ نَكُنِ الفَرِيقَ المتُوَلَيّ (المعرض المدبر) عَن كِتَابِ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى و قَدْ قَالَ الله سبحانَهُ فَإِنْ تَنَازَعْتُم (تخاصمتم) في شَيء فَرِّدُوهُ إِلَى اللَّه وَ الرّسولِ فَرَدهُ إِلَى الله أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ وَ رَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّتِه فَإِذَا حُكمَ بِالصِّدْقِ فِي كِتَابِ اللهِ فَنَحْنُ (أهل البيت) أَحَقّ النّاسِ بِهِ وَ إِن حُكِمَ بِسُنّةِ رَسُولِ اللّهِ صلّی الله علیه و آله فَنَحنُ أَحَقّ النَّاسِ وَ أَولَاهُم بِهَا وَ أَمَّا قَولُكُم لِمَ جَعَلتَ بَينَكَ وَ بَينَهُم أَجَلًا (مدّة) فِي التّحكِيمِ فَإِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ (الأجل المجعول بيني و بينهم) لِيَتَبَيّنَ الْجَاهِلُ (يظهر له) و يَثْبَتَ (يتحقّق في علمه) الْعَالِمُ (فلا يشكّ بعده أبدا) و لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلحَ فِي هَذه الْهُدْنَة (المهلة الّتي تكون فيها الراحة) أَمْرَ هَذه الأمة و (أن) لا تُؤْخَذَ بِأَكظَامِهَا (مخارج نفس هذه الأمة بترك تلك المهلة) فَتَعْجَلَ (الأمّة) عَنْ تَبَينِ (ظهور) الحَقِّ وَ تَنْقَادَ (تطيع الأمّة) لأَوَّلِ الْغَيِّ (الضلال) إِنَّ أَفْضَلَ النّاسِ عِنْدَ الله مَنْ كَانَ الْعَمَلُ بالحَقِّ أَحَبّ إِلَيهِ وَ إِنْ نَقَصَهُ (الحقّ فى ماله أو نفسه) وَ كَرَثهُ (إشتدّ عليه من الغمّ بإجراء الحقِّ) مِنَ الْبَاطِلِ وَ إِنْ جَر (الباطل) إِلَيْهِ فَائِدَةً وَ زَادَهُ (فى المال و النفس) فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ (تتحيّرون) و من أَينَ أُتِيتُم (جيء إليكم بإلقاء الشبهة من الشيطان فى قلوبكم) استَعِدّوا لِلمَسِيرِ إِلَي قَومٍ حَيَارَي (متحيّرين) عَنِ الحَقّ لَا يُبصِرُونَهُ و (استعدّوا للمسير إلى قوم) مُوزَعِينَ (مولعين، معجبين) بِالْجورِ لَا يعدلُونَ (يعرضون) بِهِ (و إلى قوم) جُفَاة (غليظين فى العيش) عَنِ الْكِتَابِ نُكْبِ ،(ناکبین، حائدین، مائلين) عَنِ الطَّرِيقِ مَا أَنْتُمْ بِوَثِيقَةٍ يُعْلَقُ بِهَا وَ لَا زَوَافِرِ (أنصار) عِزّ يُعتَصَمُ إِلَيْهَا لَبِئْسَ حُشَّاشُ (و قود) نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ أفٍّ لَكُمْ لَقَدْ لَقيتُ مِنْكُم برحاً (شدَّة ، شرا) يَوماً أُنَادِيكُم (بالصرخة) وَ يَوماً أُنَاجِيكُم (بالنبأة) فَلَا أَحرَارُ صِدقٍ (أنتم) عندَ النَّدَاء وَ لَا إِخْوَانُ ثقة عندَ النَّجَاء (الإفضاء بالسر للتكلّم).

126 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا عوتب على التسوية في العطاء:

أ تَأْمُرُوني أنْ أطلبَ النَّصْرَ (الظفر على الأعداء) بِالْجُورِ (الخروج عن الإنصاف) فِيمَن وُلّيتُ

ص: 149

(جعلتُ و ليّا) عَلَيْه (من الرعيّة) وَ اللّهِ لَا أَطُورُ (أحوم) بِهِ (الجور طلبا للنصر -) مَا (دام) سَمَرَ (ثبت) سَمِيرٌ (دهر) وَ مَا (دام) أَمّ (قصد) نَجمٌ في السَّمَاء نَجْماً لَوْ كَانَ الْمَالُ لي (خالصة) لَسَوّيتُ بَينَهُم (فى العطاء) فَكَيْفَ (لم أكن لأفعل التسوية بينهم) وَ إِنَّمَا (هذا) الْمَالُ مَالُ الله أَلَا وَ إِنْ إِعْطَاءِ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقَّه (و هو الجور) تَبذِيرٌ (إتلاف للمال) وَ إِسْرَافٌ (إفراط في الإستعمال) وَ هُوَ (إعطاء المال في غير حقّه) يَرْفَعُ صَاحِبَهُ في الدُّنْيَا (عند شرار الناس و لئامهم) وَ يَضَعَهُ (يخفضه) في الآخرة و يُكْرِمُهُ في النَّاسِ (لا فى المؤمنين) وَ يُهِينُهُ عِنْدَ الله (و عند المؤمنين من الناس وَ لَمْ يَضَع (يجعل) امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقْهِ وَ لَا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا حَرمَهُ اللهُ شُكْرَهُمْ وَ كَانَ لِغَيرِهِ وُدّهُم (محبّتهم) فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ (ذلك المرء الواضع لماله في غير حقّه و عند غير أهله) النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ (عونهم، نصرتهم) فَشَرْ - خَلِيلِ (صديق له) وَ أَلأَمُ خَدِينٍ (صديق له فلا ينصرونه بل يلومونه أشدّ اللوم عند إحتياجه إلى معونتهم).

127 - و من كلام له علیه السَّلام وفيه يبيّن بعض أحكام الدين و يكشف للخوارج الشبهة و ينقض حكم الحكمين:

فَإِنْ أَبَيْتُمْ (عن قولى) إِلَّا أَنْ تَزْعُمُوا (تظنّوا) أنِّي أَخْطَاتُ (فى التحكيم) وَ ضَلَلْتُ فَلمَ تُضَلّلُونَ (تنسبون إلى الضلالة) عَامّةَ (جميع) أُمّةِ مُحَمّدٍ صلّى الله عليه و آله بِضَلالي (الّذي زعمتموه بغير حقّ) وَ تَأْخُذُونَهُمْ بِخَطَئِي وَ تُكَفُرُونَهُمْ (تنسبونهم إلى الكفر) بِذُنُوبي سيُوفُكُمْ عَلَى عواتقكُمْ تَضَعُونَهَا مَوَاضِعَ البُرءِ (السلامة من الإثم) وَ (مواضع) السُّقْمِ وَ تَخْلِطُونَ مَنْ أَذْنَبَ (ذنبا يجب به قتله) بمَنْ لَمْ يُذَنب (ذنبا كذلك و تقتلون فريقين زاعمين لكفرهما بالذنب) و قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه و آله رَجَمَ الزَّانِي الْمُحْصَنَ (الّذي جعل نفسه في الحصن بالنكاح) ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ وَرَثهُ أَهْلَهُ وَ قَتَلَ الْقَاتِلَ وَ وَرَثَ مِيرَاثهُ أَهْلَهُ وَ قَطَعَ (يد) السّارِقَ وَ جَلَدَ (ضرب) الزَّانِي غَيْرَ الْمُحْصَنِ ثُمَّ قَسَمَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَيْء (بيت المال) وَ نَكَحَا

ص: 150

الْمُسْلَمَات فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله بِذُنُوبِهِمْ وَ أَقَامَ حَقَّ الله فيهِم وَ لَمْ يَمنَعهُم سَهمَهُم مِنَ الإِسلَامِ (من الإرث و الفيء و النكاح) وَ لَم يُخْرِج أَسْمَاءَهُم مِنْ بَينِ أَهلِهِ (أمّة الإسلام) ثُمَّ أَنْتُمْ شَرَارُ النَّاسِ وَ (أنتم شرَ) مَنْ رَمَى بِهِ الشَّيْطَانُ مَرَامِيهُ (مواضعه للرمى) و ضَرَبَ (سلک) بِه تيهَهُ (بادية ضلاله) وَ سَيَهلِكُ فِيّ صِنفَانِ مُحِبّ (في القلب) مُفرِطٌ (متجاوز فى العمل إتّكالا على حبّى) يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ (الّذي في قلبه) إلَى غَيْرِ الْحَقِّ (في العمل و إلّا فالحبّ له علیه السَّلام لا يكون خارجا عن الحقّ و لو بلغ ما بلغ بل الحبّ له علیه السَّلام دليل الإيمان و آيته كلّما زاد زاد الإيمان) و مُبغِضٌ (في القلب) مُفْرِط (فى العمل على مخالفتى) يَذْهَبُ به الْبَغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ (فمن أبغضه يجرّه البغض إلى غير الحقّ من العمل لا محالة دون العكس) وَ خَيْرٌ النَّاسِ فِي حَالَا النَّمَط (الطريق) الأَوسَطُ (و هو حبّه علیه السَّلام و العمل على ميزان الحقِّ) فَالْزَمُوهُ وَ الْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ (الجماعة العظيمة من المسلمين و لا تتفرّقوا) فَإِنَّ يَدَ الله مَعَ الْجَمَاعَةِ وَ إِيَّاكُمْ وَ الْفُرْقَة فَإِنَّ الشَّاذَ (التارك للجماعة) مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ كَمَا أَنَّ الشَّاذَ مِنَ الْغَنَمِ لِلذَّنْبِ أَلا مَنْ دَعَا إِلَى هَذَا الشَّعَارِ (من الفرقة) فَاقْتُلُوهُ وَ لَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هَذه (و لو كان محبّاً لأنّه قد جرّه الحبّ إلى غير الحقّ) فَإِنَّمَا حُكْمَ الحَكَمَانِ (و هما أبو موسى الأشعرى و عمرو بن العاص) لِيُحيِيَا مَا أَحيَا القُرآنُ وَ يُمِيتَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ وَ إحْيَاؤُهُ الاجتمَاعُ عَلَيْهِ وَ إمَاتَتُهُ الافْتِرَاقُ عَنْهُ فَإِنْ جَرّنَا القُرآنُ إِلَيهِمُ (أهل الشام) اتَّبَعْنَاهُمْ (لحكم القرآن) وَ إِن جَرّهُم إِلَيْنَا اتَّبَعُونَا (بل جرّهم القرآن إلينا لما فيه من الأمر بإتّباع أولى الأمر وهم نحن أهل البيت فالقرآن جرّهم إلينا) فَلَم آتِ لَا أَبَا لَكُم بُجراً (شراّ عظيما) وَ لَا خَتَلَتُكُمْ (خدعتكم) عَنْ أَمْرِكُمْ وَ لَا لَبَسْتُهُ (خلطت أمركم) عَلَيْكُمْ إِنَّمَا اجْتَمَعَ رَأَيُ مَلَئِكُمْ (جماعتكم) عَلَى اخْتِيَارِ رَجُلَيْنِ (للتحكيم) أَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَلَّا يَتَعَدّيَا (يتجاوزا) الْقُرْآنَ فَتَاهَا (ذهبا فى التيه و الضلالة) عَنْهُ وَ تَرَكَ الْحَقَّ وَ هُمَا يُبصِرَانِهِ (يعرفان الحق) وَ كَانَ الْجَوْرُ هَوَا هُمَا فَمَضَيًا (سلكا) عَلَيْهِ وَ قَدْ سَبَقَ اسْتَثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكُومَةِ بِالْعَدْلِ وَ الصَّمْدِ (القصد) لِلحَقّ سُوءَ رَأيِهِمَا وَ جَورَ حُكمِهِمَا (فقبلت التحكيم منهما

ص: 151

بالعدل و الحقّ و إستثنيت الجور منهما و لم أقبل أن يجورا في الحكم).

128 - و من كلام له علیه السَّلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة:

يَا أَحنَفُ كأَنَيّ (أنظر) بِهِ (صاحب الزنج) وَ قَدْ سَارَ بِالْجَيْشِ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ غَبَارٌ وَ لَا لَجَبٌ (صياح) وَ لَا قَعْقَعَةُ لُجّم (صوتها حين إضطرابها بين أسنان الخيل) وَ لَا حَمْحَمَةً خَيْلِ (صوتها دون الصهيل) يُثِيرُونَ الْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ.

قال الشريف: يومئ بذلك إلى صاحب الزنج.

ثُمَّ قَالَ علیه السَّلام: وَيْلٌ لسكككُمُ (طرقكم) العَامِرَة و الدُّورِ الْمُزَخْرَفَةِ (المتزيّنة) الَّتِي لَهّا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ النَّسُورِ وَ (لها) خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الْفِيَلَةِ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَا يُنْدَبُ (يبكى على) قَتيلُهُم وَ لَا يُفْقَدُ غَائبهُمْ أَنَا كَابٌ (مسقط) الدُّنْيَا لَوَجهِهَا وَ قَادِرُهَا بِقَدْرِهَا (الّذى يعرف قدرها و ينزلها منزلها) وَ نَاظِرُهَا بِعَينِهَا (و هو نظر الإحتقار لها).

كَأني أرَاهُمْ قَوْماً كَأَنْ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُ (الأتراس) الْمُطَرِّقَةُ (الملبوسة بالجلد) يَلْبَسُونَ السّرق (الحرير) و الدّيبَاجَ (الثوب الّذى سراه و لحمته حرير) وَ يَعتَقِبُونَ (يحتسبون و يرتبطون) الْخَيْلَ العِتَاقَ (الكرائم من الخيل) و يَكُونُ (يقع) هُنَاكَ استحرَارُ (إشتداد) قَتْلِ حَتَّى يمَشيِ الْمَجْرُوحُ عَلَى الْمَقْتُولِ وَ يَكُونَ الْمُفْلِتُ (الفارّ الناجى من القتل) أقل منَ الماسور (الذى أسر فى الحرب) فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: لَقَدْ أُعْطِیتَ يا أمير الْمُؤْمِنِينَ عِلْمَ الْغَيْبِ فَضَحك علیه السَّلام وَ قَالَ لِلرَّجُلِ وَ کَانَ کَلْبِیّاً يَا أَخَا کَلْبٍ لَیْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَیْبٍ وَ إِنَّمَا هُوَ تَعَلَّم مِنْ ذِي عِلْمٍ و إِنَّمَا عِلمُ الغَيبِ عِلمُ السَّاعَةِ وَ مَا عَدَدَهُ (أحصاه) اللهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمٌ السَّاعَة (القيامة) وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحَامِ وَ ما تَدْرِي (تعلم) نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضِ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ فَيَعْلَمُ اللَّهُ سُبحَانَهُ مَا فِي الْأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنثَى وَ قَبيح أو جَمِيلِ وَ سَخي أو بَخِيلِ وَ شَقي أو سَعِيدِ وَ مَنْ يَكُونُ فِي النَّارِ حَطباً أو

ص: 152

في الْجِنانِ (الجنّات) للنّبِيِّينَ مُرافقاً فَهَذَا علمُ الْغَيْبِ الَّذي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا اللهُ وَ مَا سِوَى ذَلكَ (المذكور فى الآية) فَعلَّمٌ عَلَّمَهُ اللهُ نَبيه صلّى الله عليه و آله فَعَلَّمَنِیهِ، وَ دَعَا لِی أَنْ یَعِیَهُ (يحفظه) صَدْرِي وَ تَضْطَمَّ (تنضم) عَلَیْهِ جَوَارِحِی (أضلاعى الّتي تلى الصدر فحفظته و ما نسیته و لا أنسانيه الشيطان).

129 - و من خطبة له علیه السَّلام في ذكر المكاييل و الموازين:

عِبَادَ اَللَّهِ، إِنَّکُمْ وَ مَا تَأْمُلُونَ مِنْ هَذِهِ اَلدُّنْیَا أَثْوِیَاءُ (ضيوف) مُؤَجَّلُونَ (ذووا أجل و مهلة في الضيافة) وَ مَدِینُونَ (مقروضون) مُقْتَضَوْنَ (مأخوذون بأداء الدين) أَجَلٌ مَنْقُوصٌ (محدود) وَ عَمَلٌ مَحفُوظ (عند الكرام الكاتبين) فَرُبَّ دَائِبٍ (مداوم فى العمل) مُضَیَّعٌ (فيما عمل و هو لا يدرى) وَ رُبَّ کَادِحٍ (ساع فى العمل) خَاسِرُ وَ قَدْ أصبحتم في زَمَنِ لَا يَزْدَادُ الْخَيرُ فِيه إِلَّا إِدْبَاراً (عن الناس لما فيهم من الشرّ-) وَ لَا (يزداد) الشَّر-فيه إِلَّا إِقْبَالًا (إليهم) وَ لَا (يزداد) الشَّيْطَانُ (فيه) فِي هَلَاكَ النَّاسِ إِلَّا طَمَعاً فَهَذَا (الزمان) أَوَانٌ (أحيان) قَوِيتْ عُدَّتُهُ (و هي ما يعد للوثوب على الأعداء) وَ عَمَّتْ (شملت) مَکِیدَتُهُ (خدعته) وَ أَمْكَنَتْ (سهلت تيسرت) فَرِیسَتُهُ (و هي ما يفترس بمخالب السبع) اِضْرِبْ بِطَرْفِکَ حَیْثُ شِئْتَ مِنَ اَلنَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ (حولك) إِلَّا فَقيراً يُكَابِدُ (يتحمّل بالمشقّة) فَقْراً أو (هل تبصر - إِلَّا) غَنِيَا بَدَّلَ نِعْمَةَ الله کُفْراً ، أَوْ بَخِیلاً اتَّخَذَ الْبَحْلَ بِحَقِّ اَللَّهِ (من الخمس و الزكاة و غيرهما) وَفْراً (زيادة لما في يده من المال جهلا بمواقع زيادة المال) أَوْ مُتَمَرِّداً (لا يقبل الموعظة) كأنَّ بِأَذْنه عَنْ سَمْع الْمَوَاعظ وَ قَراً (مانعا عن سمعها) أينَ أخْيَارُكُمْ وَ صُلَحَاؤُكُمْ وَ أَيْنَ أحْرَارُكُمْ وَ سُمَحَاؤُكُمْ (أسخيائكم) وَ أَيْنَ اَلْمُتَوَرِّعُونَ (المتحرّجون، المتنجّبون عن الشبهات) فِی مَکَاسِبِهِمْ، وَ اَلْمُتَنَزِّهُونَ فِی مَذَاهِبِهِمْ (طرقهم) أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا (ذهبوا إرتحلوا) جَمِیعاً عَنْ هَذِهِ اَلدُّنْیَا اَلدَّنِیَّهِ وَ (عن هذه) العَاجِلَة (سريعة الذهاب و الإنقضاء) المنغْصَة (المكدّرة) وَ هَلْ خُلقْتُم إِلاَّ فِی حُثَالَهٍ (ردى) لا تَلْتَقِي إِلَّا بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ (فتتكلّمون فيهم بالذّم بإلتقاء الشفتين) اسْتصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ وَ ذَهَابَاً

ص: 153

عَنْ ذِكْرِهِمْ (لما فيهم من البخل و التمرّد) فَإِنَّا لله و إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ظَهَرَ الْفَسَادُ (فى الأرض) فَلاَ مُنْکِرٌ (بالقلب للفساد)مُغَیِّرٌ (له بالعمل) و لَا زَاجِرٌ (ناه بالقول عنه) مُزْدَجِرٌ (منته) أ فَبِهَذه (الأخلاق الرذيلة) تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللهَ فِی دَارِ قُدْسِهِ (نزاهته عن العيوب و النقائص) وَ (بهذه الأخلاق تريدون أن) تَكُونُوا أَعَزَّ (أحبّ أشرف، أكرم) أَوْلِيَائه عِنْدَهُ هَيْهَاتَ (بعد هذا الزعم) لَا يُخْدَعُ (يمكر) اللهُ عَنْ جَنَّته (فلا يدخل فيها أحد بخدعته) وَ لَا تُنَالُ (تدرک، تصاب) مَرضَاتُهُ (رضاه) إِلَّا بِطَاعَتِهِ لَعَنَ اللهُ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ وَ النَّاهِينَ عَن الْمُنْكَر اَلْعَامِلِینَ بِهِ.

130 - و من كلام له علیه السَّلام لأبي ذرّ رحمه الله لما أخرج إلى الربذة:

يَا أَبَا ذَرُ إِنَّكَ غَضَبْتَ لله (حين غضبت على عثمان و أحداثه) فَارْجُ مَنْ غَضَبْتَ لَهُ (و هو الله تعالى) إِنَّ الْقَوْمَ (المغضوب عليهم) خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُم وَ خِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ فَاتْرُكَ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْه (من نهب أموال المسلمين) وَ اهْرُبْ (فر) مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ (من أمر دينك) فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ (من متاع الدنيا و زینتها و زبرجها) وَ مَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ (من حقّك من بيت المال) وَ سَتَعْلَمُ من الرابحُ غَداً (يوم القيامة) وَ (من) الْأَكْثَرُ حُسَداً (فى ذلك اليوم بموقعك من الله و رسوله) وَ لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْد رَتْقاً (ضيقا) ثُمَّ اتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً (بتقواه) لَا يُؤْنِسَنَّكَ إِلَّا الْحَقُّ وَ لَا يُوحِشَنَّكَ إِلَّا الْبَاطِلُ (و إنّ الكلمتين هاتين فى غاية الشرافة) فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ (و شركتهم فيما فعلوا من مظالمهم على الناس) لَأَحَبُّوكَ وَ لَوْ قَرَضْتَ (قطعت) منْهَا (دنياهم) لَأَمَّنُوكَ (عدّوک أمينا).

131 - و من كلام له علیه السَّلام و فيه يبيّن سبب طلبه الحكم و يصف الإمام الحقّ:

أَيَّتُهَا النُّفُوسُ الْمُخْتَلَفَةُ (المتشعّبة فى الحقّ) وَ الْقُلُوبُ الْمُتَشَتتهُ (غير الجامعة حول الحقّ) الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ (فى المجالس) وَ الْغَائِبَةَ عَنْهُم عُقُولُهُمْ (فلا يعقلون) أظارُكُمْ (أعطفكم)

ص: 154

عَلَى الْحَقِّ (ليلا و نهارا و سرّا و إعلانا) وَ أَنْتُمْ تَنْفِرُونَ (تفرّون) عَنْهُ نُفُورَ الْمِعْزَی مِنْ وَعْوَعَةِ (صوت) الْأَسَد هَيْهَاتَ أنْ أطْلَعَ (أكشف) بِكُمْ سَرَارَ (ظلمة) العَدْل أَوْ (هيهات أن) أُقِیم (بكم) اعْوِجَاج (إنحناء) الْحَقِّ (لإمتزاجه بالباطل) اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ (السعى) الذي كَانَ (وقع) منَّا مُنافَسَةً (مسارعة ، رغبة فى النفيس) في سُلْطَانِ وَ لَا (كان الّذي منّا) الْتِمَاس (طلب) شَیْء منْ فُضُول (زيادة) الْحُطَامِ (المتاع) وَ لَکِنْ (يكون سعينا) لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ (الأعلام) مِنْ دِینِکَ (بعد تلك البدع المتتابعة) وَ نُظْهِرَ الْإِصْلاَحَ فِی بِلاَدِکَ (بعد غلبة الفساد فيها) فَيَأَمَنَ المظلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُقَامَ الْمُعَطَلَهُ مِنْ حُدُودِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أَولُ مَنْ أَنَابَ (رجع بالتوبة إليك) وَ (أوّل من) سَمِعَ (مناديك إلى الحقّ) و أجَابَ (المنادى) لَمْ يَسْبِقْني إِلَّا رَسُولُ اللهّ صلّى الله عليه و آله بالصَّلَاة وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لا ينبغي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَ الدِّمَاء و الْمَغَانِمِ (الغنائم) وَ الْأَحْكَامِ وَ إِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ (فى أداء الحقوق) فَتَکُونَ فِی أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ (حرصه و إفراط شهوته) وَ لَا (يكون الوالى) الْجَاهِلُ (بكتاب الله و سنّة رسوله) فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِه وَ لَا الْجَافِي (الغليظ فى المعاشرة) فَيَقْطَعَهُمْ (عن الجماعة) بِجَفَائهُ وَ لَا الْحَائِفُ (العامل بالحيف و الجور) لِلدُّوَل (الأموال) فَيَتَّخِذَ قَوْماً (الإعطاء المال) دُونَ قَوْمٍ وَ لَا الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ (المرتشى) بِالْحُقُوقِ وَ يَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِع (الحدود الّتي قد عينها الله) وَ لاَ الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَیُهْلِکَ الْأُمَّةَ (و في كلامه هنا تعريض بليغ على الذين سبقوا عليه ظلما و نصبوا أنفسهم منصبا لم يكونوا من أهله).

132 - و من خطبة له علیه السَّلام يعظ فيها و يزهّد في الدنيا:

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ (من نعمه) وَ أَعْطَى وَ عَلَى مَا أَبْلَى (أحسن) و ابْتَلَى (إختبر فهو) الْبَاطِنُ لِکُلِّ خَفِیَّةٍ وَ الْحَاضِرُ لِکُلِّ سَرِیرَةٍ الْعَالِمُ بِمَا تُکِنُّ (تخفى) الصُّدُورُ وَ مَا تَخُونُ الْعُيونُ وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَ أَنْ مُحَمَّداً صلّى الله عليه و آله نَجِيبه (مختاره مصطفاه) وَ بَعيثُهُ (مبعوثه) شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرِّ الْإِعْلَانَ وَ الْقَلْبُ اللِّسَانَ.

ص: 155

و منها: فَإِنَّهُ (الموت) و الله الْجِدُّ لا اللعبُ و الْحَقُّ لَا الكَذبُ وَ مَا هُوَ (الجدّ و الحقّ) إلَّا الْمَوْتُ أَسْمَعَ دَاعيه (أى الداعى إلى الموت أسمع كلّ نفس أنّها ذائقة الموت) وَ أَعْجَلَ حَادِیهِ (أي المنادى بالغناء لسير الناس إلى الموت أعجل بهم قبل الإستعداد للموت) فَلَا يَغُرنّك سَوَادُ (كثرة) النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ وَ قَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ ممَّنْ جَمَعَ المَالَ وَ حَذَرَ (خاف) الْإِقْلَالَ (الفقر) و أمِنَ الْعَوَاقِبَ (ل) طُولَ أَمَلِ وَ اسْتَبْعَادَ أَجَلِ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ (أخرجه الموت) عَنْ وَطَنه وَ أَخَذَهُ مِنْ مَأمَنه (الّذى أمن فيه من عواقب السوء) مَحْمُولاً عَلَی أَعْوَادِ (خُشُب) الْمَنَايَا (الّتي صنعت لحمل الموتى على الأكتاف) یَتَعَاطَی (يتناول) بِهِ الرِّجَالُ الرِّجَالَ حَمْلا عَلَى الْمَنَاكِبِ وَ إِمْسَاكاً (منهم لذلك الميت) بِالْأَتامِلِ أَ مَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَأْمُلُونَ (زمانا) بَعِيداً (لطول الأمل) وَ یَبْنُونَ مَشِیداًً (محكما من البناء) وَ يَجْمَعُونَ كَثِيراً كَيْفَ

أَصْبَحَتْ (صارت) بُیُوتُهُمْ قُبُوراً وَ مَا جَمَعُوا بُوراً (هلاكا) و صَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ وَ أَزْوَاجُهُمْ لقَوْمِ آخَرِينَ لَا فِي حَسَنَةٍ یَزِیدُونَ وَ لاَ مِنْ سَیِّئَةٍ یَسْتَعْتِبُونَ (يطلبون الرضى) فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَی قَلْبَهُ بَرَزَ (فاق، غلب، قهر) مَهَلْهُ (تقدّمه فى الخير على الأقران) وَ فَازَ عَمَلُهُ فَاهْتَبِلُوا (اطلبوا، إغتنموا) هَبَلَهَا (كسب التقوى خيرها) و اعْمَلُوا للْجَنَّة عَمَلَهَا فَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَامِ بَلْ خُلقَتْ لَكُم مَجازاً لِتَزَوَّدُوا (تجمعوا الزاد) منْهَا الْأَعْمَالَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ فَكُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَاز (إستعجال للإرتحال) وَ قَرِّبُوا الظُّهُورَ (ظهور المراكب) لِلزِّیَالِ (الفراق، الرحيل من الدنيا).

133 - و من خطبة له علیه السَّلام يعظم الله سبحانه و يذكر القرآن و النبي و يعظ الناس:

وَ انْقَادَتْ (أطاعت) لَهُ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا (قيادها) وَ قَدَفَتْ (ألقت) إِلَيْهِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُونَ مَقَالِيدَهَا (مفاتيحها) وَ سَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُو (الصباح) وَ الْآصَالِ (المساء) الْأَشْجَارُ النَّاضِرَةُ (الجميلة، البهية) وَ قَدَحَتْ (أشعلت) لَهُ مِنْ قُضْبَانِهَا (أغصانها) النَّيرَانَ الْمُضِيئَة وَ آتَتْ (أعطت) أَكُلَهَا بِكَلِمَاتِهِ الثَّمَارُ الْيَانِعَةُ (البالغة حدّ الحصاد).

ص: 156

منها: وَ كِتَابُ اللّهِ بَينَ أَظهُرِكُم نَاطِقٌ لَا يَعيَا (يعجز) لسَانُهُ وَ بَيْتٌ لَا تُهدَمُ (تنقضّ، تسقط) أَرْكَانُهُ (قواعده) وَ عِزّ لَا تُهزَمُ (تكسر) أَعْوَانُهُ.

منها: أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة (سكون، هدنة) مِنَ الرُّسُلِ وَ تَنازع (إختلاف) مِنَ الْأَنْسُنِ فَقَفَّى بِهِ صلّى الله عليه و آله الرّسُلَ (فهو في قفائهم و خاتمهم) وَ خَتَمَ بِهِ الْوَحي فَجَاهَدَ فِي الله المَدْبِرِينَ عَنْهُ وَ الْعَادِلينَ (المنحرفين) به.

منها: وَ إِنّمَا الدّنيَا مُنتَهَي (موضع إنتهاء أو إنتهاء) بَصَرِ - الأَعمَي لا يُبْصِرُ - ممَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً (فيعلم ظاهرا من الحياة الدنيا فهو عن الآخرة غافل) وَ البَصِيرُ ينفُدُهَا (يلجها، يدخل فيها) بَصَرُهُ وَ يَعلَمُ أَنّ الدّارَ وَرَاءَهَا فَالبَصِيرُ منْهَا شَاخِصٌ (ذاهب إلى الآخرة) وَ الأَعمَي إِلَيهَا شَاخِصٌ وَ البَصِيرُ مِنهَا مُتَزَوّدٌ (مكتسب للزاد) وَ الأَعمَي لَهَا مُتَزَوّدٌ.

منها: وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَ يَكَادُ (يقرب) صَاحِبَهُ يَشْبِعُ مِنْهُ وَ يَمَلَهُ إِلَّا الْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ فِي الْمَوتِ رَاحَةَ وَ إِنَّمَا ذَلِكَ (الأمر الّذى لا يملّ منه صاحبه من (الحياة) بِمَنْزِلَةِ الْحِكْمَةِ الَّتي هي حَيَاةً لِلقَلْبِ المَيّتِ وَ بَصَرٌ لِلعَينِ العَميَاءِ وَ سَمعٌ للأذُنِ الصَّماء وَ رِيّ (رفع العطش) لِلأُذُنِ (العطشان) و فيهَا (الحكمة) الغِنَي كُلَّهُ وَ (فيها) السَّلَامَةُ (عن الجهالة) كِتَابُ اللّهِ (و هو حقيقة الحكمة) تُبصرُونَ (تصيرون ذوى البصيرة) بِهِ وَ تَنطِقُونَ (تصيرون ذوى النطق) بِهِ وَ تَسمَعُونَ (تصيرون ذوى السمع) بِهِ وَ يَنطِقُ بَعضُهُ بِبَعضٍ وَ يَشهَدُ بَعضُهُ عَلَي بَعضٍ وَ لَا يَختَلِفُ (كتاب الله) فِي اللّهِ (و لو كان من عند غير الله لوجد فيه إختلاف كثير و لم يدلّ على الله الواحد الّذي لا يمكن أن يصدر منه ما فيه إختلاف) وَ لَا يُخَالِفُ (الكتاب) بِصَاحِبِه (و هو أنا) عن الله فلا أخالف الكتاب و لا أختلف فيه وهذا شأن الإمام المعصوم) قَدِ اصْطَلَحْتُمْ (إتفقتم) عَلَى الغلَّ (الحقد) فيمَا بَيْنَكُمْ وَ نَبَتَ المَرْعَى عَلَى دَمَنكُمْ (أحقادكم القديمة) وَ تَصَافَيْتُمْ (تتّخذون الصفاء بينكم) عَلَى حُبِّ الْآمَالِ وَ تَعَادَيْتُمْ (يتّخذ بعضكم بعضا عدوّا) في كَسْبِ الْأَمْوَالِ لَقَدِ اسْتَهَامَ (طلب الخروج من الهداية) بِكُمُ الْخَبِيثُ (إبليس) وَ تَاهَ بِكُمُ الْغُرُورُ (أوقعكم الغرور في حيرة الضلالة بمتاع الدنيا) وَ اللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي-

ص: 157

وَ أَنْفُسِكُمْ.

134 - و من كلام له علیه السَّلام و قد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم:

و قَدْ تَوَكَّلَ اللهُ (جعل فى عهدته و ذمّته) لِأَهْلِ هذَا الدِّینِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَهِ (الحدود المنطقة) وَ سَتْرِ الْعَوْرَهِ (و هى ما يسوء المسلمين من الذلّة و الغلبة بالعدوّ) وَ (إنّ الله) الَّذِي نَصَرَهُمْ (أمس فى البدر و الأحد و غيرها من المواطن) و هُمْ قَلِيلٌ لا يَنتَصِرُونَ (لم ينصرهم أحد إلّا الله) وَ (الَّذى) مَنَعَهُمْ (من (الأعداء) و هُمْ قَلِيلٌ لا يَمتَنعُونَ (لم يمنعهم عن الأعداء أحد إلا الله هو) حَیٌّ لاَ یَمُوتُ (سيمنعهم من الأعداء الكافرين كما منعهم منهم أمس) إِنَّكَ مَتَى تَسِر - إِلَى هَذَا الْعَدُوِّ (الكافر) بِنَفْسِكَ فَتَلْقَهُمْ فَتُنكَبُ (تُصَب بنكبة و مصيبة) لَا تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانفَةُ (موضع للإلتجاء إليه) دُونَ (قرب) أَقْصَی- ( ثغور) بِلَادِهِمْ لَیْسَ بَعْدَکَ مَرْجِعٌ (للمسلمين) يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ (أهل الروم) رَجُلًا مِحْرَباً (عالما بالحرب) وَ احْفِرْ (إدفع سق سوقا شديدا) مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاء (المهارة فى الحرب) وَ (أهل) وَ النَّصِیحَهِ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللّهُ (جعله الله غالبا على العدوّ) فَذَاكَ (الإظهار) مَا تُحبُّ وَ إِنْ تَكُنِ (تقع) الْأُخْرَى كُنْتَ رِدْءاً (ملجأ) للنَّاسِ وَ مَثَابَةَ (مرجعا) لِلْمُسْلِمِینَ (الّذين قال الله فيهم: قالت الأعراب آمنّا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا و لمّا يدخل الإيمان في قلوبكم).

135 - و من كلام له علیه السَّلام و قد وقعت مشاجرة بينه و بين عثمان فقال المغيرة بن الأخنس لعثمان أنا أكفيكه، فقال علي علیه السَّلام للمغيرة:

يَا ابْنَ اللَّعين (الملعون) اَلْأَبْتَرِ (الّذى لا عقب له من نسله مقطوع النسل) وَ (إبن) الشَّجرة الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَ لَا فَرْعَ أَنْتَ تَكْفيني فَوَ الله مَا أَعَزَّ اللَّهُ مَنْ أَنْتَ نَاصِرهُ وَ لَا قَامَ مَنْ أَنْتَ منهضُهُ (مقيمه) اخْرُجْ عَنَّا أَبْعَدَ اللهُ نَوَاك (دارك) ثُمَّ اُبْلُغْ جَهْدَکَ (نهاية سعيك) فَلَا أَبْقَى اللهُ (خيرا) عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ (من جهدك شيئا).

ص: 158

136 - و من كلام له علیه السَّلام في أمر البيعة:

لَمْ تَكُنْ (تقع) بَيعَتُكُمْ (بعد قتل عثمان) إِيَّايَ فَلتَهُ (أمرا من غير تأمّل) وَ لَیْسَ أَمْرِی (في قبول البيعة) وَ أَمْرُكُمْ (فى البيعة لى) واحداً (بل) إنِّي أُرِيدُكُمْ (بالبيعة) لله وَ أَنتُم تُرِيدُونَنِي (ببيعتكم) لأنفُسِكُمْ (و ما لها من المنافع العاجلة) أَیُّهَا اَلنَّاسُ أَعِینُونِی عَلَی أَنْفُسِکُمْ وَ اَیْمُ اَللَّهِ لَأُنْصِفَنَّ (آخذنّ بالنصف و العدل حقّ) اَلْمَظْلُومَ مِنْ ظالِمِهِ وَ لَأَقُودَنَّ (أجعلنَ في القيد) الظَّالِمَ بِخِزَامَته (زمامه و هى فى الأصل ما جعل فى وتر أنف البعير لشدّ الزمام و سهل القياد) حَتَّی أُورِدَهُ مَنْهَلَ (موضع ورود) الْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ كَارِها (مبغضا).

137 - و من كلام له علیه السَّلام في شأن طلحة و الزبير و في البيعة له:

وَ الله مَا أَنْكَرُوا (لم يعب الطلحة و الزبير و الناكثون الّذين معهما) عَلَي مُنْكَراً (من القول و الفعل) وَ لَا جَعَلُوا بَيني وَ بَيْنَهُم نِصْفاً (عدلا بل حكموا علىّ بالجور) وَ إِنَّهُمْ لَيَطلُبُونَ حَقّاً (من الخلافة) هُمْ تَرَكُوهُ (حيث دخلوا فى البيعة ثم خرجوا أو مراده علیه السَّلام من "حقا" هو القصاص أو الدية لدم عثمان) و (يطلبون) دَماً هُم سَفَكُوهُ (و هو دم عثمان) فَإِنْ کُنْتُ شَرِیکَهُمْ فِیهِ فَإِنَّ لَهُمْ نَصِیبَهُمْ مِنْهُ وَ إِنْ کَانُوا وَلُوهُ (تبعوا سفک دمه) دوني (غیری) فَمَا (ليست) اَلطَّلِبَهُ (الّتي تطالب من القصاص أو الدية) إِلَّا َقبلَهُمْ (عندهم) وَ إِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ (في دمه) للْحَكُمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ (لأنّهم سفكوا دمه) وَ إِنَّ مَعِی لَبَصِیرَتِی (فأعرف مواضع الحيل و الخدع) مَا لَبَسْتُ (خلطت الحقِّ على نفسى بإتباع الهوى) وَ لَا لُبِسَ عَلَي (من الحقّ بإتباع الشيطان) و إنّها (تلك الفئة الخارجة علىّ) لَلْفِئَهُ اَلْبَاغِیَهُ (الفاسدة، الظالمة، الفاجرة) فيهَا (تلك الفئة) اَلْحَمَأُ (القريب و هو الزبير) وَ اَلْحُمَّهُ (الحيّة أو الإبرة اللاسعة و هي بعض زوجات النبيّ) وَ الشُّبُهَهُ الْمُغْدفَةُ (المرسلة للقناع أى الساترة للحقِّ) و إِنَّ اَلْأَمْرَ (من ضلالة تلك الفئة أو الحقِّ) لَوَاضح وَ قَدْ زَاحَ (ذهب) الْبَاطِلُ عَنْ نصَابه (أصله، مغرسه) وَ انْقَطعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغْبِهِ (تهييجه للشر) وَ ايْمُ الله لأفْرِطَنَّ (أملأن) لَهُمْ حَيْضاً أَنَا مَا تحُهُ (نازعه

ص: 159

للسقاية) لَا يَصْدُرُونَ (يخرجون) عَنْهُ بِرِیٍّ (رفع عطش) وَ لاَ یَعُبُّونَ (يشربون بلا تنفّس) بَعْدَهُ فِی حَسْیٍ (سهل من الأرض يستنقع فيه الماء أو غليظ من الأرض فوقه رمل يجمع ماء المطر عليها فتحفر فيها حفرة لتنزح منها الماء).

منه: فَأقْبلْتُم (حين البيعة) إِلَیَّ إِقْبَالَ اَلْعُوذِ (الحديثة النتاج)اَلْمَطَافِیلِ (ذوات الطفل ) عَلَی أَوْلاَدِهَا تَقُولُونَ الْبَيْعَة الْبَيْعَة قَبَضْتُ كَفِّى (إمتناعا عنها) فَبَسَطَتُمُوهَا وَ نَازَعَتْكُمْ (جاذبت عنكم بالقهر) يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا (إليكم بالقهر) اللَّهُمَّ إِنَّهُما (طلحة و الزبير) قَطَعَانِی (في الرحم) وَ ظَلَمَانِی وَ نَکَثَا بَیْعَتِی وَ أَلَّبَا (أفسدا) اَلنَّاسَ عَلَیَّ فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا (شدّا علىّ من النيّة الفاسدة و الفعلة الشنيعة القبيحة) وَ لاَ تُحْکِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا (أحكما) وَ أَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ (السوء) فيما أمّلاً وَ عَمَلا وَ لَقَد استَثبتُهُمَا (إسترجعتهما، طلبت منهما الرجعة إلى الحقّ بترك المنازعة) قَبْلَ الْقِتَالِ وَ اسْتأنَيتُ (ترفّقت، تنظّرت) بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ (المواقعة في الحرب) فَغَمَطَا (جحدا) النِّعمة (نعمة الترفّق) وَ رَدَّا اَلْعَافِیَهَ

138 - و من خطبة له علیه السَّلام يومئ فيها إلى ذكر الملاحم:

یَعْطِف (يرد الإمام المنتظر) الْهَوَى (من الناس) عَلَى الْهُدَى إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى وَ يَعْطفُ الرَّأْيَ (منهم) عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْي.

و منها: حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاقٍ (لشدّتها) بادِياً (ظاهرا) نَوَاجِذْهَا (أنيابها أو أقصى أضراسها) مَمْلُوءَةً أَخْلافُهَا (أضراعها) حُلُوا رَضَاعُهَا عَلقَماً (مرّا) عَاقَبَتْهَا أَلَا وَ فِي غَدٍ وَ سَيَاتِي غَدْ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ (من الوقائع) يَأخُذُ الْوَالِي (القائم بالأمر) مِنْ غَيْرِهَا (تلك الحرب الشديدة) عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِي أَعْمَالِهَا (أعمالهم السيّئة فى الحرب) وَ تُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذ (قطعات الذهب و الفضّة من) كَبِدهَا وَ تُلقي (الأرض) إِلَيْه سلماً (طوعا) مَقَالِيدَهَا (مفاتيحها) فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ وَ يُحْيِي مَيْتَ الْكِتَابِ وَ السَّنَةِ.

منها: كَأَنِّي (أنظر) بِه (عبد الملک بن مروان) قَدْ نَعَقَ (صاح) بِالشَّامِ وَ فَحَصَ (بحث) بِرَايَاتِهِ

ص: 160

(أعلامه) في ضَوَاحى (نواحى) كُوفَانَ (الكوفة) فَعَطفَ (مال) عَلَيْهَا عَطفَ الضَّرُوس (الناقة السيئة الخلق تعضّ حالبها) و فَرشَ الْأَرْضَ بِالرَّءُوسِ (من كثرة القتلى) قَدْ فَغَرَتْ (فتحت) فَاغْرَتُهُ (فمه) و ثَقُلَتْ فِي الْأَرْض وَ طاتُهُ بَعيدَ الجَوْلَة عَظيمَ الصَّولَة (الوثوب) وَ الله لَيُشَر دَنَّكُمْ (يبعّدنّكم عبد الملک بن مروان) فِی أَطْرَافِ اَلْأَرْضِ حَتَّى لا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا قَلِيلٌ كَالْكُحْلِ فِي العَيْنِ فَلَا تَزَالُونَ كَذَلكَ (الأمر من التشريد) حَتَّى تَئُوبَ (ترجع) إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ (غائبات) أَحْلاَمِهَا (عقولها) فَالْزَمُوا السَّنَنَ اَلْقَائِمَهَ (من رسول الله) وَ الْآثَارَ الْبَيِّنَة (الواضحة) وَ (الزموا) الْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ باقي النبُوَّة و اعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي (يسهل) لَكُمْ طَرَقَهُ (شرائعه) لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ (أثره).

139 - و من كلام له علیه السَّلام في وقت الشورى:

لَنْ يُسْرِعَ أحدٌ قبلي (من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله) إِلَى دَعْوَة حَقَّ (فصدّقته و أنتم كافرون به) وَ (إلى) صلة رَحمِ وَ عَائِدَة (فائدة) كَرَم فَاسْمَعُوا (أيّها المجتمعون في الشورى) قَوْلِی وَ عُوا (إحفظوا) منطقي عَسَى أَنْ تَرَوْا هَذَا الْأَمْرَ (المتنازع فيه من الخلافة) مِنْ بَعْدِ هَذَا الْيَوْمِ (الّذى نحن فيه) تُنتَضَى (تسلّ) فيه السَّيوفُ و تُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُکُمْ أَئِمَّةً لِأَهْلِ الضَّلاَلَةِ وَ شِیعَةً (تابعين) لأهْلِ الْجَهَالَة (فقد وقع ما قاله الإمام أمير المؤمنين علیه السَّلام).

140 - و من كلام له علیه السَّلام في النهي عن غيبة الناس:

وَ إِنَّمَا يَنبَغي لأهْلِ الْعصْمة (من الذنوب) و (لأهل) الْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ (الّذين صُنع من الله تعالى لهم) فِی اَلسَّلاَمَه (عن الذنوب ب) أَنْ یَرْحَمُوا أَهْلَ اَلذُّنُوب وَ اَلْمَعْصِیَهِ (بالصفح عنهم) وَ (بأن) يَكُونَ الشُكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ وَ الْحَاجِزَ (المانع) لَهُمْ عَنْهُمْ فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ (الذامّ) الَّذي عَابَ (ذَمّ) أَخَاهُ وَ عَيّرَهُ (عابه ، قبحه) بِبَلْواهُ (إبتلائه بالعيوب) أما ذكَرَ (لم يذكر ذلك

ص: 161

العائب) مَوضِعَ سَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ وَ كَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْبٍ قَدْ رَكِبَ (الدامّ) مِثْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذَلكَ (الذامّ) الذَّنْبَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَی- (خالف) اللَّهَ فِيمَا سِوَاهُ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ (و هو ذمّ المؤمن) وَ ايْمُ اللهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ (ذلك الذامَ) عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ وَ (لم يكن) عَصَاهُ فِي الصَّغير لَجَرَاءَتْهُ عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ (من كلّ الذنب) يَا عَبدَ اللّهِ لَا تَعْجَلْ فِي عَيْبٍ أَحَد بِذَنْبِهِ فَلَعَلَهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَ لَا تَأْمَنْ عَلَي نَفسِكَ صَغِيرَ مَعصِيَةٍ فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ فَلْيَكْفُفْ (يمنع) مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيبِ نَفْسه وَ ليَكُن الشَّكْرُ (لعصمته من الذنوب أو لستر الله عليه) شاغلاً لَهُ عَلَى مُعَافَاتِه (سلامته من الذنب أو فضيحته على أعين الناس) مِمّا ابتلُيِ بِهِ غَيرُهُ (من الذنب)

141 - و من كلام له علیه السَّلام في النهي عن سماع الغيبة و في الفرق بين الحقّ و الباطل

أيّهَا النّاسُ مَن عَرفَ مِن أخيهِ (المؤمن) وَثيقَة (ثبات، قوّة) دين وَ سَدَادَ (إستقامة) طَرِيقِ فَلَا يَسمَعَنّ فِيهِ أقَّاوِيلَ الرِّجَالِ أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرمي الرّامي (بالقول فى عرض الناس) وَ تُخْطِيُّ السَّهَامُ (و لا تصيب) وَ يُحيلُ (يتغير عن وجه الحقّ) الكَلَامُ (الصادر من الرجال) وَ بَاطِلُ ذَلكَ (الكلام الصادر) يَبُورُ (يهلک) و اللهُ سَمِيعٌ (بذلك القول) و شَهِيدٌ (عليه فيحاسبه) أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ.

فسئل علیه السَّلام عن معنى قوله هذا فجمع أصابعه و و ضعها بين أذنه و عينه، ثم قال:

الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ (من الغير) وَ الْحَقِّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ (و إن كانت الرؤية قد تخطأ إلّا أنّها حجّة فى المحاكم دون السمع).

142 - و من كلام له علیه السَّلام

وَ لَيْسَ لِوَاضع (جاعل) الْمَعْرُوفِ (و هو ما ينفق من المال) في غَيْرِ حَقَّهُ وَ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلَهُ مِنَ الْحَظّ (النصيب) فيما أَتَى (أعطى الناس) إِلَّا مَحْمَدَةُ (مدح) اللئّامِ (الدنيء من الناس) وَ ثَنَاء الْأَشْرَارِ وَ مَقَالَهُ الجُهَالَ مَا دَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ مَا أجوَدَ يَدَهُ وَ هُوَ عَنْ ذَاتِ اللهِ بِخَيْلٌ (و هو

ص: 162

الّذى لا ينفق فيما أمر الله به من حقوقه).

فَمَنْ آتَاهُ (أعطاه) اللهُ مَالًا فَلْيَصل به القَرابَة (من الأرحام) وَ ليُحسِن منْهُ (المال) الضَّيَافَة وَ ليفُكَّ (يعتق) به الأسيرَ وَ العَانِي (الأسير) وَ ليُعطِ منهُ الْفَقير وَ الْغَارِمَ (المديون) وَ لَيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَ النَّوَائِبِ (الحوادث، الشدائد) ابْتِغَاءَ (طلب) الثَّوَابِ (الأجر) فَإِنَّ فَوْزاً (ظفرا)

بهذه الخصالِ

(من صلة الرحم و حسن الضيافة و غير هما) شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا وَ دَركُ (وصول) فَضَائِلِ الْآخِرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

143-و من خطبة له علیه السَّلام في الإستسقاء و فيه تنبيه العباد وجوب استغاثة رحمة الله إذا حبس عنهم رحمة المطر :

أَلَا وَ إِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تُقِلُّكُمْ (تحملكم على فوقها كالمهد) وَ (إنّ) السَّمَاءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ (تجعلكم فى الظلّ) مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ وَ مَا أصبَحَتَا (صارتا) تَجُودَانِ (تبذلان، تعطيان) لَكُمْ بِبَركَتِهِمَا تَوَجعاً (تألما) لَكُمْ وَ لَا (أصبحتا تجودان لكم ببركتهما) زُلفةً (قرية) إِلَيْكُمْ وَ لَا لِخَيْرِ تَرْجُوانِه مِنْكُم و لَكِنْ أمِرتَا بِمَنافِعكُمْ فَأطَاعَتَا وَ أقِيمَنَا عَلَى حُدُود مصالحكُمْ فَقَامَتا (عليها) إِنَّ اللَّهَ يبتلي (يختبر) عِبَادَهُ عِنْدَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ و حَبْسٍ (منع) الْبَرَكَاتِ وَ إِخْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ لِيَتُوبَ (يرجع) تَائِبُ وَ يُفْلِعَ (ينتزع) مُقْلِعٌ وَ يَتَذَكَّرَ مُتَذَكَّر و يَزدَجِرَ (يمتنع) مُزدَجِرٍ وَ قَدْ جَعَلَ اللهُ سُبحَانَهُ الاستغفار سبباً لدُرُورِ (غرازة، سيلان) الرِّزْقِ وَ رَحْمَةِ الْخَلْقِ فَقَالَ سبحانَهُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرسلِ السَّماءَ عَلَيْكُم مدراراً و يُمدِدكُم بِأموالِ وَ بَنينَ وَ يَجعَل لَكُم جَنّاتِ وَ يَجعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً فَرَحمَ اللهُ امْرَأَ اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ وَ اسْتَقَالَ (طلب المهلة من) خَطِيئَتهُ (معصيته) و بَادَرَ (سابق) مَنِيتَهُ (موته) اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ وَ الْأَكْنَانِ (الأغطية، البيوت الأستار) و بعدَ عَجِيج (صياح) الْبَهَائِمِ وَ الْوِلْدَانِ رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ وَ رَاجِينَ فَضْلَ (زيادة) نِعْمَتِكَ وَ خَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَ نِقْمَتِكَ (عقوبتك) اللَّهُم

ص: 163

فَاسْقِنَا غَيْثَك (مطرك) وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانطينَ (الآيسين) و لا تُهْلَكْنَا بِالسِّنينَ (القحوط) وَ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السَّفَهَاء منا (من الذنوب) يَا أرحَمَ الرّاحِمينَ اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لَا يَخْفَى عَلَيَك (من القحوط) حينَ أَلْجَأْتُنَا (إليك) الْمَضَايِقُ الوعرةُ (الصعبة) وَ أَجَاءَتْنَا (ألجأتنا) الْمَقَاحط (القحوط) الْمُجدبة (الموجبة لأن يبست الأرض) وَ أَعْيَتَنَا (أعجزتنا) الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ (الشديدة) و تلاحَمَتْ (تلاصقت) عَلَيْنَا الْفِتَنُ الْمُسْتَصْعِبَةُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلَّا تَرُدْنَا (من بابک) خَائِبِينَ (خاسرين) وَ لَا تَقْلَبَنَا وَ اجمينَ (حزنين، كاسفين) وَ لَا تُخَاطَبَنَا بِذُنُوبِنَا وَ لَا تُقَايِسَنَا (توآخذنا بالمقايسة) بأعْمَالَنَا (السيئة) اللَّهُمُ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثكَ وَ بَرَكَتَكَ وَ رزقك و رحمتك و اسقنَا سُقْيا ناقعة مروية (رافعة للعطش مزيلة له) معشبة (موجدة للعشب) تُنْبِتُ بِهَا (تلك السقيا) مَا قَدْ فَاتَ (من رزقك) وَ تُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَات (من الأشجار و النبات) نافعة الحيا (الخصب و المطر) كَثيرَةَ الْمُجتَنى (الثمر) تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ (الأراضى السهلة المطمئنة) وَ تُسيل (بها) البطنَانَ (الأراضى المنخفضة في ضيق) وَ تَسْتَوْرقُ الْأَشْجَارَ (تصير الأشجار بتلك السقيا ذوى أوراق) وَ تُرْخصُ (تخفّف، تسهل) الْأَسْعَارَ (الأثمان بكثرة النعمة بتلك السقيا) إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاء قَدِير.

144 - و من خطبة له علیه السَّلام:

بَعَثَ اللّهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْیِهِ (إليهم حقائق الشريعة من المعارف و الأخلاق و الأحكام و السنن) وَ (بما) جَعَلَهُمْ حُجَّهً (دليلا قاطعا للعذر) لَهُ (تعالى) عَلَى خَلْقِهِ لِئَلَّا تَجِبَ الحُجةُ لَهُمْ (يوم القيامة عند الله) بِتَرَكَ الْإِعْدَارِ (منه تعالى) إِلَيهِمْ فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ (و هو الوحى) إلَى سَبِيلِ الْحَقِّ (و هو الإعذار منه تعالى لهم) ألا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ (علم) الْخَلْقَ كَشْفَةَ (علما حضوريّا) لَا أَنَّهُ (تعالى) جَهِلَ مَا أَخْفَوهُ مِنْ مَصونِ (مكنون، خفى) أَسْرَارِهِمْ وَ مَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ (من العقائد و الأخلاق و النيّات) وَ لَكِنْ (أرسل رسله) لِيَبْلُوَهُمْ (يختبرهم) أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (بإظهارهم ما أخفوه من مصون أسرارهم و مکنون ضمائرهم)

ص: 164

فَيَكُونَ الثَّوَاب جَزَاء (للمطيعين له فى أعمالهم) وَ العِقَابُ بَوَاءً (قصاصا للعاصين له).

أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ (الثابتون) فِی اَلْعِلْمِ دُونَنَا كَذباً وَ بَغْياً (ظلما) عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا الله (بالعلم) وَ وَضَعَهُمْ (بالجهل) وَ أَعْطَانَا (العلم) وَ حَرَمَهُمْ (من العلم) وَ أَدْخَلَنَا (فى بحار العلم) وَ أَخْرَجَهُمْ (منها) بِنَا یُسْتَعْطَی (يطلب عطاء) الْهُدَى (لا بالجاهلين الّذين سبقوا علينا ظلما) وَ (بنا) یُسْتَجْلَی (يطلب جلاء) الْعَمَى (عن القلوب لا بهم) إنَّ الأئمَّة مِنْ قُرَيْش غُرِسُوا (ثبتوا) فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشم (لا من أمية و غيره) لاَ تَصْلُحُ (الإمامة) عَلَى سِوَاهُمْ وَ لَا تَصْلُحُ الوِلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ (و قد وردت أخبار كثيرة من الفريقين في هذا المعنى).

منها: آثروا (إختاروا إصطفوا) عَاجِلًا (متاع الدنيا) وَ أَخَرُوا آجِلًا (ثواب الآخرة) وَ تَرَكُوا صَافياً (من العلم) وَ شَرِبُوا آجِناً (متغيرا من الماء فى لونه و طعمه) كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ (عبد الملک بن مروان بن الحکم) و قَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ (من القول و الفعل) فأَلفَهُ (أنس بالمنكر) وَ بَسِيَّ (أنس) بِهِ وَ وَافَقَهُ (صار وفقا ملائما بالمنكر) حَتَّى شَابَتْ (صارت شيبا) عَلَيْه مَفَارِقُهُ (أشعار وسط رأسه) و صُبِغَتْ (لونت) به (المنكر) خَلَائِقَهُ (صفاته الخلقية) ثُمَّ أَقْبَلَ مزبداً (موجدا للزبد) کالتيار (الموج) لا يُبالي مَا غَرقَ (من الناس في أمواج صولاته و حملاته) أَو كَوَقْع (وقوع) النَّارِ فِي الْهَشيم (اليابس من النبات) لا يحفلُ (يبالي) مَا حَرَّقَ أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ (الطالبين للنور) بِمَصَابِيح الْهُدَى (أهل البيت) و (أين) الْأَبْصَارُ اللَّامِحَةُ (البصيرة) إلَى مَنَارِ التَّقْوَى (أهل البيت) أينَ القُلُوبُ الَّتي وهبَتْ للهِ وَ عُوقدَتْ عَلَى طَاعَةِ الله (بالإطاعة لأئمة الحق لأنّ طاعتهم طاعة الله) ازْدَحَمُوا (إجتمع المنحرفون المائلون عنا إجتماعا كثيرا) عَلَى الْحَطَامِ (متاع الدنيا) وَ تَشاحّوا (تباخلوا بخلا شديدا) عَلَى الحَرَامِ وَ رُفِعَ لَهُم عَلَمُ الْجَنَّة وَ النَّارِ فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وَجُوهَهُمْ (بالإدبار عن طاعتهم) وَ أَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ وَ دَعَاهُم رَبهُم (إلى الجنّة) فَنَفَروا (بعدوا) وَ وَلَوا (أدبروا عنها) وَ دَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا (أطاعوا الشيطان خضعوا إنقادوا له) وَ أَقْبَلُوا (إليه بالقلوب).

ص: 165

145 - و من خطبة له علیه السَّلام:

أيّهَا النَّاسُ إنّما أنتم في هَذِهِ الدُّنْيَا غَرَضٌ (هدف) تَنتَضلُ (تترامى) فيه المَنَايَا (الموتات فيأتيكم الموت من كل مكان حتّى يخرجكم عن الدنيا) مَعَ كُلَّ جَرعَة (من شرب الماء) شَرَقٌ (عارض يعرض الحلق من الماء) و في كُلِّ أكْلَة غَصَصٌ (عارض يعرض الحلق من الطعام) لَا تَنَالُونَ (تدركون) منْهَا نَعْمَةَ إِلَّا َبِفِراقِ أخْرَى وَ لا يُعَمّرُ مُعَمّرُ مِنكُم يَوماً مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا بِهَدْمِ (خراب) آخَر مِن أجَلِهِ وَ لَا تُجَدِّدُ لَهُ زِيَادَةٌ في أكلِهِ إلَّا بنفاد (هلاك، زوال) مَا قَبلَهَا مِنْ رِزْقِهِ وَ لَا يَحْيَا لَهُ أَثَر إلَّا مَاتَ لَهُ أثَرٌ وَ لَا يَتَجَدَّدُ لَهُ جَديدٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَخْلَقَ (يبلى) لَهُ جَدِيدٌ وَ لَا تَقُومُ لَهُ نَابِتَهُ (من الولد) إِلَّا وَ تَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ (من الأب) وَ قَدْ مَضَتْ أُصُول (و هم الآباء) نَحْنُ فُرُوعُهَا فَمَا بَقَاءَ فَرعِ (و هو الولد) بَعْدَ ذَهَابِ أصلِهِ ( و هو الأب).

منها: وَ مَا أحدِثَتْ (لم تبدع) بِدْعَةٌ (حادثة فى الدين بالفعل أو الترك) إِلَّا تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ (من سنن الرسول الأعظم) فَاتَّقُوا البِدَعَ (المخترعة من الأهواء التاركة للسنة) و الزمُوا الْمَهِيعَ (الطريق الواضح) إِنّْ عَوَازِمَ الأمُورِ أفْضَلُهَا (و عوازم الدين هى ما تقادم منه و لم تذهب به الأهواء بل بقى على ما كان عليه) وَ إِنَّ مُحدِثَاتِهَا (المبتدعة من عند الأنفس) شِرارُهََا.

146 - و من كلام له علیه السَّلام و قد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه:

إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ (من دين الله) لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَ لَا خِذَلَانُهُ بِكَثْرَة (من الأعوان) وَ لَا بِقلةِ وَ هُوَ دِینُ اللَّهِ الَّذِی أَظْهَرَهُ (جعله الله ظاهرا أى غالبا) و (هو) جُندُهُ الَّذي أَعَدَّهُ وَ أمَدَّهُ حَتَّى بَلَغَ (الدين) مَا بَلَغَ (من الغلبة على الأعداء) وَ طَلَعَ (الدين) حَيثُ طَلَعَ (في مشارق الأرض مغاربها) وَ نَحْنُ عَلَى مَوعُودِ مِنَ اللهِ (بالنصر و الغلبة على الأعداء) وَ اللهُ مُنْجِزٌ (محقّق) وَعدَهُ وَ نَاصِر جُندَهُ و مَكَانُ القَيمِ (الإمام، الولى) بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ (الحَبْ المثقوب من الزجاج و غيره) يَجمَعُهُ وَ يَضُمُهُ فَإِنِ انْقَطعَ النِّظامُ تَفَرِّقَ الخَرَزُ وَ ذَهَبَ ثُمَّ لَمْ

ص: 166

يَجْتَمِعْ بِحَذًافِيرِهِ (كلَّه) أَبَداً وَ الْعَرَبُ الْيَوْمَ وَ إِنْ كَانُوا قَلِيلًا (فى العدد) فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالْإِسْلَامِ عَزِيزُونَ بِالاجْتِمَاعِ فَكُنْ قُطباً (لمن حولك من الأعراب) و استَدرِ الرَحَى بِالْعَرَبِ (حتى تدور بک) وَ أَصْلِهِمْ (أدخلهم) دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ (ذهبت) مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ (إنتكثت، إنحلت) عَلَيْكَ الْعَرَبُ من أطرَافِهَا وَ أَقطَارِهُا (جوانب هذه الأرض) حَتّی يَكُونَ (يصير) مَا تَدَعُ (تترك) وَرَاءَكَ (خلفك) من العورات (و هي التي ليس لها دافع يدفع عنها الضرر من البيوت و الأراضى) أهَمَّ إِلَيْكَ مِمّا بَينَ يَدَيكَ (من تصرف الفرس) إِنَّ الْأَعَاجِم إن يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا هَذَا أَصْلُ الْعَرَبِ (قيمها) فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ (النظر إليك) أَشَدَّ لكَلبهم (صولتهم، وثوبهم) عَليك و طمَعِهِم فيكَ (ليقتلوك) فَأَمّا مَا ذَكَرْتَ مِن مَسِيرِ الْقَوْمِ (أهل الفرس) إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ (أشدّ بغضا) لِمَسيرِهِمْ مِنْكَ وَ هُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ (يبغض) وَ أمّا ما ذكَرْتَ مِنْ (كثرة) عَدَدِهِمْ فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نَقَاتِلُ (عند رسول الله) فِيمَا مَضَى بِالْكَثْرَةِ وَ إِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ-وَ الْمَعُونَةِ (من الله).

147 - و من خطبة له علیه السَّلام

فَبَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً صلّى الله عليه و آله بِالْحَقِّ لِیُخْرِجَ (الله) عبادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأُوثَانِ (الأصنام) إِلَی عِبَادَتِهِ و (ليخرج عباده) منْ طَاعَة الشَّيْطَان إلَى طَاعَته بقرآنِ قَدْ بَيْنَهُ وَ أَحْكَمَهُ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُم إِذْ جَهِلُوهُ و ليقروا بِهِ َبعدَ إِذْ جَحَدُوهُ (أنكروا ربهم) وَ لِيَثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ فَتَجَلَّى (الله) لَهُمْ سُبْحَانَهُ في كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ (بأبصارهم بل) بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدرته (فى آياته) وَ خَوفَهُم مِنْ سَطوته (قهره، غلبته) وَ كَيْفَ مَحَقَ (محى، أهلک) مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلاتِ (بالعقوبات المماثلة بأعمالهم السيئة عدلا منه و جزاء بما كانوا يعملون) وَ (بما أراهم كيف) احْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ (من الأمم الماضية) بالنقمات (بالعقوبات المثلات).

وَ إِنَّهُ سَيَأتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْء أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ وَ لَا أَظهَرَ مِنَ الْبَاطِل وَ لَا

ص: 167

أَكْثَرَ منَ الْكَذبِ عَلَى اللهِ وَ رَسُولِهِ وَ لَيْسَ عِنْدَ أهْل ذَلكَ الزَّمَان سلعة (متاع) أبوَرَ (أشدّ كسادا) مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ وَ لَا (عند ذلك الزمان سلعة) أَنْفَقَ (أروج) مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ (إلى هواهم) و لا في البِلَادِ شَيءٌ أَنْكَرَ منَ المَعْرُوفِ وَ لَا (فى العباد شيء) أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ فَقَدْ نَبَذَ (طرح، رمی) الكتابَ حَمَلَتْهُ (حاملوه) و تَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ (حافظوه) فَالْكتَابُ يَوْمَئذِ وَ أهْلُهُ (و هم أهل البيت) طَرِيدَانِ (مطرودان) مَنفيانِ (مبعدان عن مواضعهما) وَ صَاحِبَانِ مُصْطَحِبَان (لن يفترقا) في طَريقٍ واحد (لا يخالفان الحقّ و لا يختلفان فيه) لا يُؤوِيهِمَا (يلتجئ إليهما) مُؤوّ (ملتجئ) فَالْكتابُ وَ أهْلَهُ في ذَلكَ الزَّمَانِ (موجودون) في النَّاسِ وَ لَيْسا فِيهِمْ وَ مَعَهُمْ وَ لَيْسا مَعَهُمْ لِأَنَّ الضَّلَالَة لَا تُوَافِقُ الْهُدَى وَ إِنِ اجْتَمَعَا فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ (التاركون للقرآن و أهله) عَلَى الْفُرْقَةِ وَ افْتَرَقُوا عَنِ الْجَمَاعَة (تحت راية الهدى) كَأَنَّهُم أئِمَّةُ الكِتَابِ وَ لَيسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلَّا اسْمُهُ وَ لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا خَطَهُ و زبره (كتابته) و مِنْ قَبْلُ ما مَثْلُوا (تمثيلهم، تشنيعهم) بِالصَّالِحينَ كُلَّ مُثْلَة (تشنيع) و (ما) سَموا (تسميتهم) صدقَهُمْ عَلَى الله فرية (كذبا) و (ما) جَعَلُوا (جَعلُهم) في (مقابل) الحَسَنَة عُقُوبَة السَّيِّئَة (و العقوبة هى ما يعقب السيئة) وَ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَ تَغَيْب آجَالِهِمْ (فضيعوا العمل بالأمل و تغيّب الأجل) حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ (من الموت) الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ وَ تُرفَعُ عَنْهُ (عنده) التوبة و تَحلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ (الداهية المهلكة) وَ النِّقمة (العذاب، السخط).

أيّهَا النّاسُ إِنَّهُ مَنِ استَنصَحَ (طلب النصح من) اللهَ وفَقَ (جعل الله الأسباب موافقة له حتى تبلغه غايته) وَ مَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلًا هُدِي لِلَّتِي هِيَ أقومُ (أشدّ قواما فى الحقِّ) فَإِنَّ جَارَ اللهِ (الّذى إتّخذ قوله دليلا و هدى إلى صراطه) آمِنٌ (من الضلالة) وَ عَدُوّهُ خَائفٌ (من العقاب) وَ إِنَّهُ لَا يَنبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَة اللهِ أنْ يَتَعَظَمَ (ينسب نفسه إلى العظمة) فَإِنَّ رِفْعَة الَّذِينَ يعْلَمُونَ مَا عَظَمَتْهُ (عظمته بالنصب لزيادة ما) أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ وَ (إنْ) سَلَامَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ (قدرته) أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ فَلَا تَنْفِرُوا (تباعدوا) مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ (تباعد) الصَّحِيحِ مِنَ

ص: 168

الأجرَبِ (ذى البثور فى الجلد مع الحكّة الشديدة) و (نفار) الْبَارِي (المعافى من المرض) من ذِي السَّقَمِ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرَّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ وَ لَنْ تَأْخُذُوا بمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ وَ لَنْ تَمَسْكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ (طرحه وراء ظهورهم) فَالْتَمسوا ذَلِكَ (العرفان للرشد و من تركه) من عند أهله (و هم أهل البيت الذين هم الصراط المستقيم المطهرون عن الإفراط و التفريط فيهم يعرف الحقّ) فَإِنَّهُمْ عَيْشُ العِلْمِ وَ مَوْتُ الْجَهْلِ (حيث يعملون بما يعلمون و) هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلمِهِمْ وَ صَمتُهُم (سكوتهم) عَنْ مَنطِقهِم (فمنطقهم الصواب يدلّ على أنّ صمتهم تفكّر لا سهو و غفلة) وَ (يخبركم) ظَاهِرهُم (المشغول بالطاعات و الخضوع) عَن بَاطِنِهِم (المملوّ من المعارف و الخشوع) لاَ يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَ لَا يَخْتَلَفُونَ فِيهِ (لأنّهم هم المعصومون عن الخطيئة و الخطأ حيث إنّ المخالفة خطيئة و الإختلاف خطأ) فَهُوَ (الكتاب) بَينَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَ صَامتٌ نَاطق (بما نطقوا عنه و إلا فالكتاب لا يكون إلا صامتا).

148 - و من كلام له علیه السَّلام في ذكر طلحة و الزبير و أهل البصرة:

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (طلحة و الزبير) يَرجُو الأمرَ (الخلافة) لَهُ وَ يَعطفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِه لَا يَمتَانِ (يمدّان) إِلَى اللهِ بِحَبْل (من الله و هو الإمام الحقّ المبين) وَ لَا يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبّ (حقد) لِصَاحِبِهُ وَ عَمَّا قَليلِ يُكْشَفُ قِنَاعُهُ (ستر كلّ واحد منهما) به (صاحبه) وَ اللهِ لَئِنْ أَصَابُوا (نالوا أدركوا) الَّذي يُرِيدُونَ (من الخلافة) لَيَنْتَزِعَنَّ (يأخذنّ بالقهر و الشدّة) هَذَا (طلحة) نَفْسَ هَذَا (الزبير) وَ لَيَأْتِينَّ هَذَا عَلَى هَذَا قَدْ قَامَتِ الْفَئَةُ (الطائفة) الْبَاغِيَةُ (الظالمة الفاسدة، العادلة عن الحقّ) فَأَيْنَ الْمُحْتَسِبُونَ (الّذين يجاهدون حسبة لله) فَقَدْ سُنَّتْ لَهُمُ السِّنَنُ (الماضية من الرسول) و قُدّمَ لَهُمُ الخَبَرُ (من الوحى) و لِكُلِّ ضَلّة (ضلالة) عِلَّهٌ وَ لكُلِّ نَاكث (للبيعة) شُبهةٌ (و لو على عمد لبس على نفسه ليكون عاذرا لسقطاته) وَ اللهِ لَا أَكُونُ كَمُسْتَمِع اللّدم (الضرب على الصدر و الوجه عند الناحية) يَسْمَعُ

ص: 169

النَّاعِيَ الصائح بالويل) وَ يَحْضُرُ الْبَاکيَ ثُمَّ لَا يَعْتَبِرُ (بالموتى).

149 - و من كلام له علیه السَّلام قبل موته:

أيُّهَا النَّاسُ كُلُّ امْرِئ لاقِ مَا يَفرُ مِنْهُ في فِرَارِه (و هو الموت) الأَجَلُ مَسَاقُ (سوق) النَّفْسِ (إلى الله) وَ الْهَرَبِّ (الفرار) مِنْهُ مُوَافَاتُهُ (إدراكه) كَمْ أَطرَدْتُ الْأَيَّامَ (تتابعت على الأيام متسلسلة) أَبْحَثُهَا (أفتشها) عَنْ مَكْنُونِ (خفى) هَذَا الأمر (من حقيقة الموت) فَأَبَى (كره لم يرض) اللَّهُ إِلَّا إِخْفَاءَهُ هَيْهَاتَ (بَعْدَ الموت لأن تكشف حقيقته و هو) علمٌ مَخْرُونَ أَمَّا وَصِيتِّي فَاللَّهَ لَا تُشْرِكُوا به شَيْئاً وَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله فَلَا تُضَيعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ و أوقدُوا هَذَيْنِ المُصْبَاحَينِ وَ خَلَاكُمْ (استُثنىَ عنكم) ذَمّ (لوم) مَا (دام) لَمْ تَشْرُدُوا (تنفروا عن الحقّ) حَمَلَ (ليحمل) كُلُّ امْرِي منكم مَجهُودَهُ (مكتسبه الذى أجهد نفسه له) وَ خُفِّفَ (ليخفّف) عَن الجَهَلةِ (الجاهلين بالتباعد عنهم و إنّ الله) رَبّ رَحيم (بالمؤمنين) وَ (الإسلام) دِينٌ قَوِيمٌ (حسن القامة، معتدل من غير إفراط فيه أو تفريط) و (إنّْ إمامكم) إِمَامٌ عَلِيمٌ (بالشرائع) أنَا بِالأَمسِ صَاحِبُكُمْ وَ أَنَا اليَومَ (حين إحتضارى) عِبرةٌ لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ غَفَرَ اللهُ لي وَ لَكُمْ إِنْ تَثْبت الْوَطأةُ (القدم) في هَذِهِ المَزَلَة (المسقطة، موضع السقوط) فَذَاكَ (الثبوت للوطأة هو المطلوب) وَ إِنْ تَدْحَضِ (تزل، تزلق) القَدَم (في هذه المزلّة) فَإِنَّا كُنَّا في أَفيَاء (ظلال) أَغْصَانِ وَ مَهَابّ (مواضع هبوب) رِيَاحِ وَ تَحْتَ َظلِّ غَمَامِ اضْمَحَلَّ (إنحل، تلاشى) فِي الْجَوَ مُتَلَفّقُهَا (منضمّها بعضها ببعض) وَ عَفَا (إندرس، ذهب) فِي الْأَرْضِ مَخَطَّهَا (أثرها) و إِنَّمَا كُنْتُ جَاراً (لكم فى الدنيا) جاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً وَ سَتَعْقَبُونَ (تدركون فى العقب) مِنّي جُثَةَ خَلَاء (خاليا من الروح) سَاكِنَةً بَعدَ حَراكِ وَ صَامِتَةً بَعدَ نُطقِ لِيَعِظُكُمْ هُدُوي (سكونى) وَ (ليعظكم) خُفُوتُ (سكون) أَطرَافي (أعضائى من العينين) وَ سُكُونُ أطرَافي (جوارحى، أعضائى من اليد و الرجل) فَإِنَّهُ (خفوت أطرافى) أوعَظُ (أكثر موعظة) للْمُعْتَبِرِينَ (المنزّهين عن الغرّةِ) مِنَ الْمَنْطِقِ البَليغِ وَ القَوْلِ الْمَسْمُوعِ وَ دَاعي (فراقى ) لَكُمْ وَ دَاعُ امْرِئٍ

ص: 170

مُرصِدِ (منتظر) لِلتََّلَاقِي (الملاقاة) غَداً تَرَوْنَ أَيَّامي (الّتى كنت لكم أميرًا) وَ يُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سرائرِي وَ (غدا) تَعْرِفُونَني بَعدَ خُلُو مَكَانِي وَ قِيام غَيْرِي مَقَامِي (في الإمارة عليكم).

150 - و من خطبة له علیه السَّلام يومي فيها إلى الملاحم و يصف فئة من أهل الضلال:

وَ أَخَذُوا (يأخذون) يَميناً (إفراطا) وَ شِمَالًا (تفريطا) ظَعْناً (ذهابا) في مَسَالِكِ مواضع سلوک) الْغَيِّ (الضلالة) وَ تَرْكاً لمَذَاهِب (مواضع ذهاب) الرشْدِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرصَدٌ (متوقَع) وَ لَا تَسْتَبْطِئُوا (تعدّوا بطيئا) مَا يَجِيءُ بِهِ الغَدُ (من الملاحم و الفتن الّتي أخبرتكم بها) فَكَم مِنْ مُستعجِل (طالب بالعجلة) بِمَا (شيء غير محبوب) إِنْ أَدْرَكَهُ (ناله، أصابه) وَدْ (يحبّ) أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ وَ مَا أَقْرَبَ اليَومَ مِنْ تَبَاشِيرِ (أوائل) غَدِ يَا قَوْمِ هَذَا (اليوم) إِبّانُ (وقت) وُرُودِ كُلِّ مَوعُودِ (لكم من الفتن و الملاحم) و (إبّان) دُنُو (قرب) مِنْ طَلْعَة (وجه، صورة) مَا لَا تَعْرِفُونَ (من الفتن) أَلَا وَ إِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا (تلك الطلعة من الفتن) مِنّا (أهل البيت) يَسّري (يذهب فى الليل) فِيهَا (تلك الطلعة من الفتن) بِسِرِاج مُنيرِ (من قبسات علومنا) وَ يَحذُّو (يطأ) فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحينَ ليَحُلَّ فِيهَا رِبقاً (حبلا منسوجا من عدّة عرات تشدّ فيها البهائم) وَ يُعتِقَ فيها رِقّاً (عبدا) وَ يَصْدَعَ (يفرق) شَعْباً (جمعا من أهل الضلالة) وَ يَشْعَب (يجمع) صَدْعاً (متفرقا من أهل الحق) في سُتَرَة (خفاء) عَنِ النَّاسِ لَا يُبْصِر - الْقَائِفُ (العارف بالآثار) أَثَرَهُ وَ لَوْ تَابَعَ (تتابع القائف) نَظرَهُ (فى الآثار ليجده) ثُمَّ لَيَشْحَذَنَّ (يحدّدنَّ) فِيهَا (تلك الطلعة) قَوْمٌ (عظيم المنزلة) شَحْذَ (حدّ) القَينِ (الحدّاد) النَّصْلَ (حديدة السيف و السكين و السهم) تُجلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ وَ يُرْمَى (يلقى) بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ وَ يُغْبَقُونَ (يسقون بالمساء) كأسَ الْحِكمَةِ (من القرآن) بَعدَ (شربهم في) الصبوح.

مِنها: و طَالَ الْأَمَدُ بِهِم (أهل الجاهليَة من هذه الأمّة قبل الرسالة) لِيَسْتَكْمِلُوا الخِزيَ (الذلّ) وَ يَستَوجِبوا الغِيَرَ (فى النعمة) حَتّى إِذَا اخْلَولُقَ (صار خليقا بهم) الأجَلُ (المضروب لهم من الله) و اِسْتَرَاحَ (طلب الراحة) قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ وَ أَشَالُوا (رفعوا أيديهم) عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ (بأن

ص: 171

يلقوا الحرب على غيرهم من المؤمنين) لَمْ یَمُنُّوا (هولاء المؤمنون) عَلَی اللّهِ بِالصَّبْرِ (عند الحروب لدفع شرورهم) وَ لَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذَلَ أنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاء (من الله) انْقطَاعَ مُدَّة البَلاء (على المؤمنين) حَمَلُوا بَصَائرَهُمْ عَلَى أَسيَافِهِمْ (ليدافعوا عن حوزة الإسلام) و دَانُوا (قربوا) لِرَبِّهِمْ بَأَمْرِ وَ اعِظِهِمْ (رسول الله صلّى الله عليه و آله) حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه و آله رَجَعَ قَوْمٌ (من أصحابه) عَلَى الْأَعْقَابِ (من الجاهلّية و صاروا كافرين بما جاء به الرسول) و غَالَتْهُم (خدعتهم) السّبل (المتفرّقة) وَ اتَّكَلُوا (إعتمدوا) عَلَى الْوَلَائج (دخائل المكر و الخديعة) وَ وَصَلُوا غَیْرَ الرَّحِمِ (من آل الرسول) وَ هَجَرُوا السَّبَبَ (المتصل بين السماء و الأرض) الَّذِی أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ (محبته و إنّ السبب هو أهل البيت) و نَقَلُوا الْبِنَاءَ (الّذى أسّسه رسول الله صلى الله عليه و آله) عَنْ رَصِّ (مرصوص، محكم) أَسَاسِهِ (الذى أمر الله أن يبنى الإسلام عليه و هو و لايتنا أهل البيت) فَبَنَوْهُ فِی غَیْرِ مَوْضِعِهِ (الذين هم) مَعَادِنُ كُلّ خَطيئَة وَ أَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ (ذاهب) فِی غَمْرَهٍ (شدّة، حيث لم يعرفوا الطريق فوردوا في الغمرة و أوردوا الناس فيها من الأخذ باليمين و الشمال وترك الصراط المستقيم) قَدْ مَارُوا (إضطربوا، تحرّكوا) فِی الْحَیْرَةِ وَ ذَهَلُوا (ذهبوا) في السِّكْرَة (من الجهالة) عَلَى سُنَّةِ مِنْ آلِ فِرْعَونَ مِنْ مُنقَطِع (من الآخرة) إلَى الدُّنْيا رَاكِنِ (ساكن واثق إلى الدنيا) أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّینِ مُبَایِنٍ

151 - و من خطبة له علیه السَّلام يحذر من الفتن:

وَ أَحْمَدُ اللهَ وَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحرٍ (و هى ما يطرد به) الشَّيْطانِ وَ مَزاجِرِه (و هي ما يزجر به أى يُنهى به) وَ (على) اَلاِعْتِصَامُ (طلب العصمة) مِنْ حَبَائِلِهِ وَ مَخَاتِلِهِ (مكائده و أكبر مكيدته الكبر) وَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ و أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ نَجِيبُهُ (مختاره مصطفاه) وَ صَفْوَتُهُ (خالصه من الناس) لَا يُؤَازَى (يقابل، يواجه بشيء) فَضْلُهُ (كمال ذلك القول من الشهادة) وَ لاَ یُجْبَرُ فَقْدُهُ (فقدان ذلك القول بشيء) أَضَاءَتْ (أنارت) بِه

ص: 172

اَلْبِلاَدُ بَعْدَ اَلضَّلاَلَهِ اَلْمُظْلِمَهِ (للقلوب) و (بعد) اَلْجَهَالَهِ اَلْغَالِبَهِ (على الأمة) وَ الْجَفْوَة (الغلظة فى المعاشرة) اَلْجَافِیَهِ (الغليظة) وَ اَلنَّاسُ (فى تلك الأيّام) یَسْتَحِلُّونَ (يعدّون حلالا) اَلْحَرِیمَ (الحرام) وَ يَسْتَذلُّونَ (يعدّون ذليلا) اَلْحَکِیمَ یَحْیَوْنَ عَلَی فَتْرَهٍ (خلوّ من الرسول فقط لا النبي أو الوصى) وَ یَمُوتُونَ عَلَی کَفْرَهٍ

ثُمَّ إِنَّکُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ (أهداف) بَلَایَا (من فتنة بني أميّة) قَدِ اقْتَرَبَتْ (تلك البلايا) فَاتَّقُوا سَکَرَاتِ النِّعْمَهِ، وَ احْذَرُوا بَوَائِق (دواهي مصيبات) النّقْمَة (العقوبة) وَ تَثَبِّتُوا (على الطريق الواضح) فِی قَتَامِ (غبار) الْعِشْوَهِ (ركوب الأمر على غير بيان من الله و حجّته) وَ (فى) اعْوِجَاج (إنحناء) الْفِتْنَهِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِینِهَا (خفيها) وَظُهُورِ کَمِینِهَا (خفيها) وَ انْتِصَاب (قیام) قُطْبِهَا، وَ مَدَارِ رَحَاهَا. تَبْدَأُ (تلك الفتنة) فِی مَدَارِجَ خَفِیَّهٍ (فتسلك في القلوب درجة فدرجة) وَ تَئولُ (ترجع) إلَى فَطَاعَة (شناعة شديدة) جَلِیَّه (ظاهرة غير خفيّة بعد أن كانت خفيّة) شِبَابُهَا (أوّلها بداياتها) كَشِبَابِ الْغُلَامِ وَ آثَارُهَا كَآثَارِ السّلام) (الحجارة) يَتَوَارَثُهَا الظُّلَمَةُ بِالْعُهُودِ أُولُهُم قَائِدٌ لِآخِرِهِمْ، وَ آخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ؛ یَتَنَافَسُونَ (يتسابقون) فِي دُنْيَا دَنْيَةٍ وَ يَتَكَالَبُونَ (يتواثبون) ععَلَی جِیفَهٍ مُرِیحَهٍ (مولدة للريح النتن) وَ عَنْ قَلِیل (في يوم القيامة) یَتَبَرَّأُ التَّابِع (الآخر من الظالمين الذى يقتدى بالأوّلين منهم) مِنَ الْمَتْبُوعِ (الأول من الظالمين الذى يتوارث الفتنة بينهم بالعهود) وَ (عن قليل يتبرّء) الْقَائِد (و هو الأوّل منهم) مِنَ الْمَقُودِ (و هو الآخر الّذي جعل في قيد فيجر إلى الفتنة) فَيَتَزَايَلُونَ (يتفارقون) بِالْبَغْضَاء (بينهم) وَ یَتَلَاعَنُونَ عِندَ اللِّقَاءِ ثُمَّ یَأْتِی بَعْدَ ذَلِکَ (الأمر من الفتنة) طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ (شديدة الإضطراب) وَ الْقَاصِمَةِ (الكاسرة) الزَّحُوفِ (شديدة المشى فى القلوب) فَتَزِیغُ (تميل، تنحرف) قُلُوب بَعْدَ اسْتَقَامَة (على الصراط) وَ تَضلُّ رِجَالٌ بَعدَ سَلَامَة (عن الضلالة) وَ تَخْتَلِفُ الْأَهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا وَ تَلْتَبِسُ الآْرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا (ظهور تلك الفتنة) مَنْ أَشْرَفَ (أظهر) لَهَا قَصَمَتَهُ (كسرته) وَ مَنْ سَعَی فِیهَا حَطَمَتْهُ (كسرته) يَتَكَادَمُونَ (يتعاضُّون) فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَة (الجماعة) قد اضْطَرَبَ (فى تلك الفتنة) مَعْقُودُ الْحَبْلِ (الحبل المعقود لاعتصام الناس) وَ عَمِیَ وَجْهُ الْأَمْرِ

ص: 173

(فلا يعرف المورد و المصدر) تَغِیضُ (تنقص ، تغور) فِیهَا الْحِکْمَةُ (بغلبة الجهّال) وَ تَنْطقُ فِيهَا الظَّلَمَةُ وَ تَدُقُّ (تلك الفتنة) أَهْلَ الْبَدْوِ (سكّان البادية) بِمِسْحَلِهَا (موضع سلاحها) وَ تَرُضُّهُمْ (تدهم) بِكَلْكَلها (صدرها) يَضيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ (المتفردون بالتفرقة عن حول إمامهم) و يَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرِّكْبَانُ (على خيل (الضلالة) تَرِدُ (تلك الفتنة) بمُرِّ الْقَضَاء (القضاء المرّ) وَ تَحْلُبُ عَبِیطَ (خالص، طرى) الدِّمَاءِ وَ تَثْلِمُ (تكسر) مَنَارَ الدِّینِ وَ تَنْقُضُ عَقْدَ الْیَقِینِ یَهْرُبُ مِنْهَا الْأَکْیَاسُ (العاقلون الحاذقون) وَ یُدَبِّرُهَا الْأَرْجَاسُ (الأقذار من الأشرار) مِرْعَادٌ (كثير الرعد) مِبْرَاقٌ (كثير البرق) كَاشِفَةٌ عَنْ سَاقٍ (ظاهرة بارزة) تُقْطَعُ فِيهَا الأرْحَامُ وَ يُفَارَقُ عَلَيْهَا الإِسْلَامُ بَرِيئها (السالم منها) سَقِیمٌ وَ ظَاعِنُهَا (الذاهب عنها الخارج منها) مُقيمٌ (لا يستطيع أن يخرج من تلك الفتنة لشدّتها و سعتها و هي فتنة بني أميّة).

منها: (الناس في ذلك الزمان) بَیْنَ قَتِیل (مقتول) مَطْلُول (مهدور، دمه) وَ (بین) خَائِف (من القتل) مُسْتَجِیرٍ (طالب الأمان لحفظ دمه) يَخْتِلُونَ (يخدعون) بِعَقْدِ (حلف) الْأَيْمَانِ وَ بِغُرورِ الْإِيْمَانِ (الّذى يظهر على ألسنتهم) فَلَا تَكُونُوا أَنْصَابَ (أعلام) الْفِتَنِ وَ أَعْلَامَ الْبِدَعِ وَ الْزَمُوا مَا عُقدَ عَلَیْهِ حَبْلُ اَلْجَمَاعَه وَ (ما) بُنيتْ عَلَيه أَرْكَانُ الطَّاعَة (من الإجتماع حول ولايتنا) و اقَدَمُوا (يوم القيامة) عَلَى اللَّه مَظْلُومِينَ وَ لَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ظَالمينَ (لعباده) وَ اتَّقُوا مَدَارِجَ (مواضع درج الشيطان و مواضع إرتقاء) اَلشَّیْطَانِ (فى القلوب) وَ مَهَابِطَ (مواضع سقوط) الْعُدْوَانِ (العداوة) وَ لَا تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لَعَقَ (و هو ما أخذ فى الملعقة من) الحَرَامِ فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَعْصِيَة (و هو الله تعالى) و (بعين من) سَهَّلَ لَكُم سُبُلَ الطَّاعَةِ (و لم يكلفكم فوق طاقتكم).

152 - و من خطبة له علیه السَّلام:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ (فهو الدالّ على نفسه بخلقه بما تجلّى فيهم) وَ (الدالّ) بِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلى أَزَلِيَّتِهِ (عدم حدوثه، فحدوث الخلق بما فيه من النقص دليل على تنزّهه

ص: 174

تعالى عن الحدوث) وَ (الدالّ) بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ (لأنّ الشباهة تدلّ على الحدّ) لا تَسْتَلَمُهُ (تلمسه، تحسّه) الْمَشَاعِرُ (الحواسّ فلا تكون له الجوارح لأنّ المشاعر تحتاج إليها) وَ لَا تَحْحِبَهُ السَّوَاتِر لافْتِرَاقِ الصَّانع وَ الْمَصْنُوعِ، وَ الْحَادِّ وَ الْمَحْدُودِ، وَ الرَّبِّ وَ الْمَرْبُوبِ (و لو كان له شبيه يشابهه و إستلمته المشاعر لصار مصنوعا محدودا مربوبا شبيها بخلقه و لم یکن بينهما إفتراق فهو) الْأَحَدِ بِلَا تَأْوِيلِ عَدَدِ وَ الْخَالِقِ لَا بِمعنى حَرَكَةِ وَ نَصَبٍ (تعب) وَ السَّمِيع لَا بِأَدَاةِ وَ الْبَصيرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةِ وَ الشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَة وَ الْبَائِنِ (الفاصل من الأشياء) لاَ بِتَرَاخِی (إمتداد، فسحة) مَسَافَهٍ، وَ اَلظَّاهِرِ ( الغالب على كلّ شيء) لا بِرُؤْيَةِ وَ الْبَاطِنِ (عن كلّ شيء) لا بِلَطَافَة بَانَ (فصل) منَ الْأَشْيَاء بِالْقَهْرِ لَهَا وَ الْقُدْرَة (منه تعالى) عَلَيْهَا وَ بَانَتِ الْأَشْيَاء مِنْهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ وَ اَلرُّجُوعِ إِلَیْهِ؛ مَنْ وَ صَفَهُ (بما فى خلقه من الكيفيّات) فَقَدْ حَدَّهُ وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَهُ وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ وَ مَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ وَ مَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ حَیَّزَهُ (جعله فى حيز الأشياء) عَالِمٌ (بالأشياء كلها صغيرها و كبيرها) إِذْ (فى زمان) لاَ مَعْلُومَ، وَ رَبٌّ (لما سواه) إِذْ لَا مَربُوب و قَادِرٌ (على كل شيء) إِذْ لَا مَقْدُورٌ (و هو إشارة إلى إستحقاق ذاته تعالى للأسماء قبل و قوعها على متعلّقاتها).

منها: قَدْ طَلَعَ طَالِع (من أهل البيت الذين لهم حقّ الولاية) وَ لَمَعَ (برق) لاَمِعٌ وَ لاَحَ (بدا، ظهر) لاَئِحٌ وَ اِعْتَدَلَ (بهم) مَائِلٌ (عن دينه إلى جانب الإفراط أو التفريط) وَ اِسْتَبْدَلَ اَللَّهُ بِقَوْمٍ (بدل قوم سابقين علينا في الإمارة) قَوْماً (و هم أهل البيت) و (إستبدل الله) بِيَوْمِ (بدل يوم خلافتهم) یَوْماً (من أيّام الله و هى أيّام خلافتنا) وَ اِنْتَظَرْنَا اَلْغِیَرَ (التغييرات من سوء الحال إلى حسن الحال) اِنْتِظَارَ اَلْمُجْدِبِ (الواقع فى القحط) اَلْمَطَرَ وَ إِنَّمَا اَلْأَئِمَّهُ (من قريش) قُوَّامُ الله عَلَى خَلْقه و عُرَفَاؤُهُ عَلَی عِبَادِهِ وَ لاَ یَدْخُلُ اَلْجَنَّهَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ (بالإمامة) و عَرَفُوهُ (بالموالاة و التسليم لهم) وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَ أَنْكَرُوهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّكُمْ بِالْإِسْلَام وَ اسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ وَ ذَلك (الإستخلاص لكم للإسلام) لأَنَّهُ اسْمُ سَلَامَة (من الآثام) و جِمَاعُ (مجمع) كَرَامَة اصْطَفَى (إختار) اللهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ (صراطه الواضح) وَ بَیَّنَ

ص: 175

حَجَجَهُ مِنْ ظَاهِرِ عِلْم وَ بَاطِنِ حُكْم (و هو القرآن الّذي مجمع البحرين من العلم و الحكمة) لَا تَفْنَى غَرَائِبُهُ وَ لاَ تَنْقَضِی عَجَائِبُهُ فِیهِ مَرَابِیعُ (طرائف طرى) اَلنِّعَمِ (النعم الجديدة و هي العلوم و الحكم المسنبطة منه من غير إنقطاع و نفاد) و (فيه) مَصَابِيحُ الظُّلْمِ لَا تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِيحه وَ لَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ (من الفساد فى الفكر و القلب و الفعل) إِلاَّ بِمَصَابِیحِهِ قَدْ أَحْمَی (حفظ الله تعالى) حِمَاهُ (حريمه بقوله نحن نزّلنا الذكر و إنّا له لحافظون فمنع الأغيار عن تحريفه بالزيادة و النقصان) و أرْعَى (حفظ) مَرْعَاهُ (بنا أهل البيت بالتبيين لحدوده) فِیهِ شِفَاءُ اَلْمُسْتَشْفِی (طالب الشفاء) وَ كِفَايَةُ الْمُكْتَفِي (الطالب للكفاية).

153 - و من خطبة له علیه السَّلام:

و (إنّ الضالّ الغافل عن الله) هُوَ فِي مُهْلَة مِنَ اللّهِ (إستدراجا و إمهالا) یَهْوی (يسقط) مع الْغَافِلِينَ و يغْدُو ( يذهب غدوة) مَعَ الْمُذْنبِينَ بِلَا سَبِيلِ قَاصد (مستقیم) وَ لَا إِمَامٍ قَائد

منها: حَتَّى إِذَا كَشَفَ (الله) لَهُمْ عَنْ جَزَاء (عقاب) مَعْصِیَتِهِمْ، و اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلَابِیبِ (أستار) غَفْلَتِهِمُ (بالموت) اسْتَقْبَلُوا (أقبلوا) مُدْبِراً (و هو الآخرة) وَ اسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً (و هو الدنيا) فَلَمْ يَنْتَفعُوا بِمَا أَدْرَكُوا (نالوا) مِنْ طَلِبَتِهِمْ (مطلوبهم) و لا (ينتفعون) بِمَا قَضَوْا (أدركوا) مِنْ وَ طَرِهِم (حاجتهم) إِنِّي أَحَذُرُكُمْ وَ نَفْسِي هَذه المَنْزِلَة (العظيمة حين يكشف الغطاء عن الأبصار) فَلينتفع امْرُقٌ بِنَفْسه فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمعَ (قولى هذا) فَتَفَكَّرَ (فِيه) وَ نَظَر (تأمّل) فَأَبْصَرَ (صار بصيرا) وَ انْتَفَعَ بِالْعِبَرِ، ثُمَّ سَلَکَ جَدَداً (سبيلا أمن السالك عليه من العثار) وَ اضِحاً یَتَجَنَّبُ (ذلك المرء)فِیهِ (السبيل الواضح) الصَّرْعَهَ (السقوط) فِی الْمَهَاوِی (المساقط) وَ (يتجنّب) الضَّلَالَ فِي الْمَغَاوِي (مواضع الضلال) وَ لَا يُعينُ (ذلك المرء) عَلَی نَفْسِهِ الْغُواهَ (الضالين) بِتَعَسَّفِ (إنحراف ميل) في حَقٌّ أَوْ تَحْرِيف في نُطْقِ أَو تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ فَأفق (إرجع، إستيقظ) أَيُّهَا اَلسَّامِعُ مِنْ سَکْرَتِکَ وَ اِسْتَیْقِظْ مِنْ غَفْلَتِکَ وَ اِخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِکَ (في

ص: 176

طلب الدنيا فأجمل في الطلب) وَ أَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيمَا جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صلى الله عليه و آله ممَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَ لَا مَحيصَ (مهرب) عَنْهُ (ممّا جاءك على لسان النبى فلا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى) وَ خَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ (المجيء على لسانه) إِلَی غَیْرِهِ وَ دَعْهُ (اترک من خالف ذلک) وَ (دع) مَا رَضِیَ (ذلك المخالف) لِنَفْسِهِ وَ ضَعُ (اترک) فَخْرَکَ وَ احْطُطْ (ضع) كِبَرَكَ وَ اذْكُرْ قَبْركَ فَإِنَّ عَلَيْهِ (القبر ) مَمَرَّکَ (موضع مرورك إلى القيامة) وَ كَمَا تَدينُ (تجازى) تُدَانُ وَ كَمَا تَزْرَعُ (فى الدنيا) تَحْصُدُ (فى الآخرة) وَ مَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْه غَداً فَامْهَدْ (ابسط، انشر) لِقَدَمِکَ وَ قَدِّمْ (الصالحات) لِیَوْمِکَ (الذى لابدّ من الورود عليه) فَالْحَذَرَ الحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ وَ الْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِل و لا يُنَبِّئُكَ (يخبرك) مِثْلُ خَبِير (و هو أنا) إِنَّ مِنْ عَزَائِم (واجبات) الله (العظيمة) فِی الذِّکْرِ الْحَکِیمِ، الَّتِی عَلَیْهَا یُثِیبُ وَ یُعَاقِبُ، وَلَهَا یَرْضَی وَ یَسْخَطُ (يغضب) أَنَّهُ لَا يَنفَعُ عَبداً وَ إِنْ أَجهَدَ نَفْسَهُ وَ أَخْلَصَ فَعَلَهُ أَنْ يَخْرِجَ (ذلک العبد) منَ الدُّنْيَا لَاقياً رَبَّهُ بِخَصْلَة منْ هَذه الخصَالِ لَمْ يَتب منْهَا أَنْ يُشْرِكَ بِالله فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَته أو (أن) يَشْفِي غَيْظَهُ (غضبه) بِهَلَاکِ نَفْسٍ (محترمة لا يجوز سفك دمها) أو (أن) یَقرَّ (يعترف لنفسه ليضم إليها فضل غيره) [یَعُرَّ] (يعيب) [يُغَرّ] (يخدع) بِأَمْرِ فَعَلَهُ غَیْرُهُ أو (أن) یَسْتَنْجِح (يطلب الظفر فى) حَاجَهً إِلَی النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَهٍ فِی دِینِهِ (ليجلب رضاه) أو (أن) يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ أو (أن) یَمْشِی - فِیهِمْ بِلِسَانَیْنِ (و هما علامتا النفاق) اعْقِلْ ذلِک (الكلام) فَإِنَّ الْمُثْلَ (فى هذه الخصال) دَلِیلٌ عَلَی شِبْهِهِ (فلا ينحصر - الأمر في ما ذكر من الخصال بل كل ما شابهها من الخصال الأخرى يحكم عليه بما يحكم عليها) إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمهَا بُطُونُهَا (و هو القسم الأوّل من الناس فذلك القسم شبيه بالبهائم لما فيهما من المثليّة في الخصلة و هي سلطان البطن عليهما) وَ إِنَّ السَّبَاعَ هَمهَا العُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا (و هو القسم الثانى منهم فذلك القسم شبيه بالسباع لما فيهما من المثلية فى الخصلة و هي سلطان الغضب عليهما) وَ إِنَّ النِّسَاء هَمهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ الْفَسَادُ فِيهَا (و هو القسم الثالث منهم فذلك القسم من الرجال شبيه بالنساء لما فيهما من المثليّة في غلبة حبّ الجمال و

ص: 177

التزيّن عليهما) إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ (خاضعون) إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ (خائفون) إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَائِفُونَ (و هو القسم الرابع منهم فذلك القسم يشبه أميرهم و إمامهم الخائف من الله الخاضع له فيتّبعونه فى الخصال و إنّ المثل دليل على شبهه فتمثّلوا بخصال إمامكم تكونوا أشباها له و نظراء).

154 - و من خطبة له علیه السَّلام يذكر فيها فضائل أهل البيت:

وَ نَاظُرُ (سويداء) قَلْبِ اَللَّبِیبِ (العاقل، الكَيس) بِهِ یُبْصِرُ أَمَدَهُ (غايته) وَ یَعْرِفُ غَوْرَهُ (مهبطه) وَ نَجْدَهُ (مصعده، إنّ رسول الله) دَاعٍ دَعَا (إلى الله) وَ (إنّ وصيّه) رَاعٍ رَعَى (لما أمر به الرسول) فَاسْتَجِيبُوا ِللدَّاعِي وَ اتَّبِعُوا الرَّاعِي قَدْ خَاضُوا (رسخ الّذين سموا أنفسهم بالإمام كذبا و بغيا علينا) بِحَارَ الْفِتَنِ وَ أَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ (غير) السُّنَنِ وَ أَرَزَ (إنقبض) الْمُؤْمِنُونَ (فى أيّامهم بتلك الفتن فثبتوا و سکنوا فى دورهم) وَ نَطَقَ (فيها) الضَّالُّونَ (عن السنن) الْمُكَذِّبُونَ (للرسالة بإنكار(الولاية) نَحْنُ (أهل البيت) الشَّعَارُ (للنبي و هو كناية عن قربهم به) وَ (نحن) الأَصْحَابُ وَ الْخَزَنَةُ (الخازنون لعلمه) وَ الْأَبْوَابُ (إلى الله) وَ لاَ تُؤْتَی اَلْبُیُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّیَ سَارِقاً.

منها: فيهِم (أهل البيت) كَرَائِمُ الْقُرآنِ (آياته الكريمة حيث إنّهم عدل للقرآن) وَ هُمْ كُنُوزُ (خزنة) الرَّحْمَنِ إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا (لأنّهم تكلّموا بالقرآن) وَ إِن صَمَتُوا لَم يُسبَقُوا (على الكلام حيث لا علم لغيرهم حتى يسبقوا به عليهم) فَليَصدُق رَائِدٌ (رسول أرسل ليجد مكانا لنزول قومه فيه) أَهلَهُ وَ ليُحضِر (الرائد) عَقْلَهُ (لإرشاد قومه الواثقين به) وَ ليَكُنْ (الرائد) مِن أَبنَاءِ الآخِرَةِ (زاهدا في الدنيا و زخارفها) فَإنّهُ مِنْهَا قَدمَ وَ إِلَيْهَا يَنْقَلِبُ (فالدنيا دار ممرّ لا دار مقرّ) فَالنَّاظِرُ (المتأمّل) بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ - (مع البصيرة) يَكُونُ مُبْتَدَأ (ابتداء، بداية) عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَعَمَلَهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ فَإِنْ كَانَ (عمله) لَهُ مَضَى (يسلک) فِيهِ وَ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ فَإِنّ العَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقِ فَلَا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِح إِلَّا بُعْداً مِنْ

ص: 178

حَاجَتِه وَ الْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضح فَلْيَنظُرْ (يتأمّل) نَاظِرٌ (متأمّل) أَسَائِرٌ (على الطريق الواضح) هُوَ أَمْ رَاجِع (عن الطريق) و اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ (من الأعمال) بَاطِناً عَلَي مِثَالِهِ (و الباطن هو ولايتنا أهل البيت) فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ وَ مَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ وَ قَد قَالَ الرّسُولُ الصّادِقُ صلّى الله عليه و آله إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ (لإيمانه بالله و رسوله) وَ يُبغِضُ عَمَلَهُ (حيث كان ظاهر عمله خبيثا بالمعصية و المخالفة لله و كان باطنه خبيثا بالجهل لولايتهم) و يُحِبّ العَمَلَ وَ يُبغِضُ بَدَنَهُ وَ اعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلِ (خبيثا كان أم طيّبا) نَباتاً (رشدا) وَ كُلُّ نَبَاتِ لَا غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ وَ الْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ (فمنها طيب فرات و منها مرّ آجن فاسد) فَمَا (النبات الّذى) طابَ سَقْيَهُ طَابَ غَرسُهُ (ثبوته فى الأرض) وَ حَلَتْ ثَمَرَتُهُ وَ مَا خَبَتْ سَقْيَهُ (و هو ولاية أعدائهم) خَبُثَ غَرسُهُ وَ أَمَرَّتْ (تصير مرّا) ثَمَرَتُهُ.

155 - و من خطبة له علیه السَّلام يذكر فيها بديع خلقة الخفاش:

الحَمدُ لِلّهِ ألّذِي انحَسَرَتِ (إنقطعت) الأَوصَافُ عَن كُنهِ (غاية ، قدر، حقيقة) مَعرِفَتِهِ وَ رَدَعَت (منعت) عَظَمَتْهُ الْعُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ (العقول) مَسَاغاً (مسهلا مدخلا) إِلَي بُلُوغِ (وصول) غَايَة مَلَكُوته (كثرة ملكه) هُوَ اللهُ الْحَقِّ (الثابت الموجود) الْمُبِينُ أَحَقُّ (ثبوتا) وَ أَبيَنُ (أظهر وجودا) ممَّا تَرَى (رؤية) الْعُيُونُ لَمْ تَبَلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحديد فَيَكُونَ مُشَبهاً (بخلقه) وَ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ بِتَقْدِيرِ فَيَكُونَ مُمَثّلًا (فى الأذهان) خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَيرِ تَمثِيلٍ (من خالق قبله) وَ لَا مَشُورَةِ مُشِيرٍ وَ لَا مَعُونَةِ مُعِينٍ فَتَمَّ خَلَقَهُ (من السموات و الأرض) بِأَمرِهِ (من غير تعب و نصب بل أمره فعل منه أحدثه) وَ أَذعَنَ (إعترف) لطاعَته فَأَجَابَ (الخلق مستسلما له تعالى) وَ لَم يُدَافِع (الخلق عن أمره) وَ انقَادَ (أطاع) وَ لَمْ يُنَازِعُ (يخاصم).

وَ مِن لَطَائِفِ صَنعَتِهِ وَ عَجَائِبِ خِلقَتِهِ مَا أَرَانَا مِن غَوَامِضِ (مبهمات، خفيّات) الْحِكْمَةِ في هَذِهِ الْخَفَافِيشِ الَّتي يَقْبِضُهَا (يجعلها في القبض بالإلتجاء إلى مكامنها) الضّيَاءُ (النور) الباسط لكُلِّ شَيْء (فينشر - الخلق في بساط الأرض لطلب المعاش) وَ يَبسُطُهَا (ينشر-

ص: 179

الخفافيش في طلب المعاش) الظلامُ الْقَابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ (إلى مكامنه و أعشابه و منازله) و کيْفَ عَشَيَتْ (ضعفت) أَعْيْنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمدَّ (أى عن طلب أعين الخفافيش مدّا و إستعانة) مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نُوراً تَهْتَدِي (أعين الخفافيش) بِهِ فِي مَذَاهِبِهَا (مواضع ذهابها) وَ تَتَّصِلُ (الأعين) بِعَلَانِيَةِ بُرهَانِ (إيضاح) الشَّمْسِ إِلَى مَعَارِفهَا (مواضع معرفة الأعين للأشياء) وَ رَدَعَهَا (منع برهان الشمس تلك الأعين) بِتَلَألُؤِ (إشراق) ضِيَائِهَا (نورها) عَنِ المضُيِ - (السلوك) فِي سُبُحَاتِ (أطوار، درجات) إِشرَاقِهَا (لمعان الشمس) وَ أَكَنّهَا (جعل برهان الشمس الخفافيش في ستر و حرز) فِي مَكَامِنِهَا (مواضع خفائها) عَنِ الذّهَابِ فِي بُلَجِ (ضوء، وضوح) اتَّلَاقِهَا (لمعان الشمس، بارقتها) فَهِيَ (الخفافيش) مُسَدَلَةُ (مرخاة) الْجُفُونِ بِالنَّهَارِ عَلَى حَدَاقِهَا و (هي) جَاعِلَةُ اللّيلِ سِرَاجاً (مصباحا، نورا) تَسْتَدلُّ (تطلب الخفافيش الدلالة) بِه (الليل) فِي التِمَاسِ (طلب) أَرزَاقِهَا فَلَا يَرُدّ ( يدفع، يمنع) أَبْصَارَهَا إسْدَافُ (إظلام) ظُلمَتِهِ وَ لَا تَمتَنِعُ (الخفافيش) مِنَ المضُيِ ُّ (السلوك) فِيهِ (الليل) لغَسَقِ (شدّة) دُجُنّتِهِ (ظلمة الليل) فَإِذَا أَلقَت الشَّمْسُ قِنَاعَهَا (سترها، غطائها) وَ بَدَتْ (ظهرت) أوْضَاحُ (بياض) نَهَارِهَا وَ دَخَلَ (وضوح النهار) مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَي الضّبَابِ فِي وِ جَارِهَا (حجورها) أَطبَقَتِ (الخفافيش) الأَجفَانَ عَلَي مَآقِيهَا (أطراف عيونها ممّا تلى الأنف) وَ تَبَلَغَتْ (إقناتت الخفافيش) بمَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاش في ظُلَمِ لَيَالِيهَا (تلك الأنهار) فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ لَهَا نَهَاراً و مَعَاشاً وَ النّهَارَ سَكَناً وَ قَرَاراً (في مكامنها) وَ جَعَلَ لَهَا أَجنِحَةً مِن لَحمِهَا تَعرُجُ (الخفافيش) بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ كَأَنّهَا شَظَايَا (شقق) الْآذَانِ غَيْرَ ذَوَاتِ رِيشِ وَ لَا قَصَب (عمود الريشة) إِلَّا أَنَّكَ تَرَى مَوَاضِعَ العُرُوقِ بَيّنَةً أَعلَاماً لَهَا جَنَاحَانِ لَمّا يَرِقّا (أى ما هما رقيقان) فَيَنْشَقًا (يخرقا لرقّتهما) وَ لَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلَا (لغلظتهما) تَطيرُ (الخفافيش) وَ وَلَدُهَا لَاصِقٌ (لاحق) بِهَا لَاجِيٌّ (لائذ) إِلَيْهَا يَقَعُ (ولدها) إِذَا وَقَعَتْ (الخفافيش) وَ يَرتَفِعُ إِذَا ارتَفَعَت لَا يُفَارِقُهَا حَتّي تَشتَدّ أَركَانُهُ (قواها من الجناح و غيره) و يَحْمِلَهُ لِلنَّهُوضِ (للقيام للطيران) جَنَاحُهُ وَ يَعرِفَ مَذَاهِبَ عَيشِهِ وَ مَصَالِحَ نَفسِهِ فَسُبحَانَ الباَر ِئِ (الخالق) لكُلِّ شَيْءٍ عَلَى غَيْرِ مَثَالِ خَلَا (مضى أرسل) مِنْ غَيْرِه (بل

ص: 180

إبتدع ما خلق).

156 - و من كلام له علیه السَّلام خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم

فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِندَ ذَلِكَ (الأمر العظيم من الفتنة) أَن يَعتَقِلَ (يجعل في العقال) نَفْسَهُ عَلَى الله عَزَّ وَ جَلَّ (بالإخلاص فى العمل) فَلَيَفْعَلْ فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي فَإِنِّي حَامِلُكُم إِن شَاءَ اللّهُ عَلَي سَبِيلِ الجَنّةِ وَ إِن كَانَ (ذلك الحمل لكم إلى الجنّة) ذَا مَشَقَّة شَدِيدَة و مَذَاقَة مَرِيرة (شديدة المرارة) و أمَّا فَلَانَهُ (إحدى زوجات النبى) فَأَدْرَكَهَا رَأَيُّ النِّسَاء (بما فيه من الوهن و الأفن) و (أدركها) ضغْنٌ (حقد) غَلَا (جاش) في صَدْرِهَا (من البغض لوصى رسول الله مع أنّه أمر بحبّه و سمّى بغضه نفاقا) كَمِرجَلِ (قدر) القَيّنِ (الحداد) وَ لَو دُعِيَت (فلانة) لِتَنَالَ (تصيب، تدرک) مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ لَمْ تَفْعَلْ وَ لَهَا بَعد (إقامة الحرب على) حُرمَتُهَا الأُولَي (لأنّها كانت زوجة لرسول الله صلّى الله عليه و آله) وَ الحِسَابُ عَلَي اللّهِ تَعَالَي (فيجازى المنافقين بالدرك الأسفل من النار).

منه: (الإسلام) سَبِيلٌ أَبلَجُ (أنور، أشرق) المِنهَاجِ (الطريق الواضح) أَنوَرُ السّرَاجِ (المصباح) فَبِالْإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ وَ بِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُ عَلَى الْإِيمَانِ وَ بِالْإِيمَانِ يَعْمَرُ العِلمُ وَ بِالْعِلْمِ يُرْهَبُ (يخاف من) المَوتُ وَ بِالمَوتِ تُختَمُ الدُّنْيَا وَ بِالدُّنْيَا تُحْرَزُ (تحصل، تكتسب) الْآخِرَةُ و بِالْقِيَامَةِ تُزَلْفٌ (تقرب) الْجَنَّةَ وَ تُبَرّزُ (تظهر) الجَحِيمُ لِلغَاوِينَ (الضالّين) وَ إِنَّ الْخَلْقَ لا مَقْصَر (مستقرّ) لَهُم عَنِ القِيَامَةِ (و هى غاية حركتهم) مُرقِلِينَ (مسرعين) في مُضْمَارِهَا (موضع ضمارها للسباق) إلَى الْغَايَة الْقُصوى (و هو الله تبارک و تعالی)

منه: قَدْ شَخَصُوا (ذهبوا) منْ مُسْتَقَر (موضع إستقرار) الأَجدَاثِ (القبور) وَ صَارُوا إِلَي مَصَايِرِ الْغَايَات (من الجنّة أو النار) لكُلِّ دَارِ أَهْلُهَا لا يَسْتَبْدلُونَ بِهَا وَ لَا يُنْقَلُونَ عَنْهَا وَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالمَعرُوفِ وَ النهّي عَنِ المُنكَرِ لَخُلُقَانِ (صفتان) منْ خُلُقٍ (صفات) الله سبحانَهُ وَ إِنَّهُما لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ وَ لَا يَنقُصَانِ مِنْ رِزْقِ وَ عَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللهِ فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ

ص: 181

(القوىِ، الشديد) وَ النُّورُ الْمُبِينُ (الحقّ) وَ الشَّفَاء النَّافِعُ (لكلّ داء) وَ الريّ (رفع العطش)النّاقِعُ (المزيلة للعطش) وَ العِصمَةُ (التحفّظ من الزلّة) لِلمُتَمَسّكِ (المستعصم بحبله) وَ النّجَاةُ لِلمُتَعَلّقِ (بالكتاب) لَا يَعوَجّ (ينحنى الكتاب) فَيَقَامَ وَ لا يَزيعُ (يميل عن الحقِّ) فَيَسْتَعْتَبَ (يطلب الرضى و ينصرف عن زيغه) وَ لَا تُخْلِقُهُ (تبليه) كَثْرَةُ الرَّدُّ (على ألسنة القارئ له) وَ (لا تخلقه) ولُوجُ (دخول القرآن في) السَّمْع مَنْ قَالَ بِه صَدَقَ وَ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ.

و قام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة و هل سألت رسول الله صلّى الله عليه و آله عنها فقال علیه السَّلام

إِنَّهُ لَما أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ قَولَهُ الم أحَسبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ عَلِمتُ أَنّ الفِتنَةَ لَا تَنزِلُ بِنَا وَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذِهِ الفِتنَةُ التّيِ أَخْبَرَكَ اللهُ تَعَالَى بِهَا فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنْ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ بَعْدِي فَقُلْتُ يَا رَسُولُ الله أوَ لَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَومَ أُحُدٍ حَيْثُ اسْتَشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ حيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ (لمُ أنلها) فَشَقّ ذَلِكَ (المنع للشهادة) عَلَيّ فَقُلتَ لِي أَبْشِرْ - فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ فَقَالَ لِي إِنّ ذَلِكَ (الوعد لشهادتك) لَكَذَلِكَ فَكَيفَ صَبرُكَ إذاً (إذا وقع الوعد) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ وَ لكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَ الشَّكْرِ وَ قَالَ يَا عَلِيّ إِنّ القَومَ سَيُفتَنُونَ بِأَموَالِهِم وَ يَمُنّونَ بِدِينِهِم عَلَي رَبّهِم وَ يَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ وَ يَأمَنُونَ سَطوَتَهُ (غضبه، شدّته، إنتقامه) وَ يَسْتَحلُّونَ (يطلبون حلّية) حَرَامهُ بِالشّبُهَاتِ الكَاذِبَةِ وَ الأَهوَاءِ السّاهِيَةِ (الناسية عن ذكره تعالى) فَيَسْتَحلُّونَ الْخَمْرَ بِالنّبِيذِ (المعتصر من العنب أو التمر) وَ (يستحلون) السّحتَ (المال الحرام) بِالْهَدِيَّةِ و الرِّبَا بِالبَيعِ قُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أنْزِلَهُم عِندَ ذَلِكَ (الزمان) أَ (أنزلهم) بِمَنزِلَةِ رِدّةٍ (كفر) أَم بِمَنزِلَةِ فِتنَةٍ فَقَالَ (لى أنزلهم) بمَنْزِلَةِ فِتنَةٍ

157 - و من خطبة له علیه السَّلام يحث الناس على التقوى:

ص: 182

الحَمدُ لِلّهِ ألّذِي جَعَلَ الحَمدَ مِفتَاحاً لِذِكرِهِ وَ سَبَباً لِلمَزِيدِ (الزيادة في الرزق) مِن فَضلِهِ (و أما أصل الرزق فمضمون) و دَليلًا على آلائِهِ (نعمائه) وَ عَظَمَته (فإنّ الحمد يظهر عظمته تعالى في درور الرزق و بسطه على عباده يا) عِبَادَ الله إِنَّ الدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِينَ (منكم) كَجَرْيِهِ بِالْمَاضِينَ (السابقين عليكم من الموتى) لَا يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى (أدبر) مِنْهُ (الدهر) وَ لَا يَبْقَى سَرْمَداًً (أبديا) مَا فِيهِ (من النعيم) آخرُ فَعَاله كَأَوَّلِهِ مُتَشَابِهَةٌ أُمُورُهُ (لآنَ كلَّ أمر ممّا يقع في الدهر بعضه يتبع البعض بحيث لولا السابق لم يكن اللاحق و هذا هو القانون الأساسي في الأمور المتصرمة التدريجيّة بخلاف الأمور الدفعية و إنّ ما وقع في الأمس هو الّذي يوجد ما يقع فى الغد فآخر أموره كالأوّل منها و التابع له) مُتَظَاهِرَةٌ (متعاونة) أَعْلَامُهُ (راياته فكلّ راية سابقة من رايات الدهر تظهر الراية اللاحقة و تمهّد ظهورها و هكذا الحال في أمور الدهر يمضى بعضه أثر البعض و آخره كأوّله إلى الأجل المضروب عليكم) فَكَأَنَّكُم بِالسَّاعَة (القيامة) تَحْدُوكُمْ (تسوقكم) حَدْوَ (سوق) الزَّاجِرِ (السائق بالمنع) بِشَوْلِهِ (إبله الّذي مضى عليه من حمله سبعة أشهر أو وضعه سبعة أشهر) فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسه تَخَيرَ فِي الظُّلُمَاتِ وَ ارْتَبَكَ (وقع، سقط) في الْهَلَكَاتِ و مدَّتْ بِه (أعانته ) شَيَاطِينُهُ (من الجنّ و الإنس) فِي طُغْيَانِهِ وَ زَيَّنَتْ (الشياطين) لَهُ سَيِّئَ (سوء) أَعْمَالَهُ فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ (إلى الصالحات الشاغلين بعيوبهم وعن عيوب الناس) وَ النَّارِ غَايَةُ الْمُفَرِّطين (المقصرين في الصالحات الشاغلين بعيوب الناس و عن عيوبهم) اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حَصْنِ عَزِيزِ (مانع) وَ الْفُجُورَ دَارُ حِصْنٍ ذَلِيلٍ لَا يَمْنَعُ (هذا الحصن الذليل) أَهْلَهُ وَ لَا يُحْرِزُ (يحفظ) مَنْ لَجَأَ (عاذ) إِلَيْه أَلَا وَ بِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَةُ (إبرة) الْخَطَايَا (كإبرة العقرب) وَ بِالْيَقِينِ تُدْرَكُ الغَايَةُ الْقُصْوَى (من رضوان الله) عِبَادَ اللَّهِ، اللَّهَ اللَّهَ في أَعَزّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكُم وَ أَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ (و هى أنفسكم) فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَ أَنَارَ طرقَهُ فَشقْوَةٌ لازمةٌ (غير منقطعة عن المفرطين) أَوْ سَعَادَةٌ دَائمَةٌ (للسابقين) فَتَزَوِّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ لأَيَّامِ الْبَقَاء قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ (الذهاب الإرتحال عن الدنيا) وَ حُثِثْتُمْ (شوقتم) عَلَى الْمَسِيرِ (إلى الآخرة) فَإِنَّمَا أَنْتُمْ

ص: 183

كَرَكْبٍ (راكبين) وُقُوفٍ (واقفين فى الدنيا بالآجال) لَا يَدْرُونَ (يعلمون) مَتَى يُؤْمَرُونَ بِالسَّيْرِ (إلى غاياتهم فى الآخرة) أَلَا فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ خُلقَ للْآخِرَةِ وَ مَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِيلٍ يُسْلَبُهُ وَ تَبْقَى عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ (و هى ما يتبعه المال من الشقاوة) و (يبقى عليه) حِسَابُهُ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لَمَا وَعَدَ اللهُ منَ الخَيْرِ (الجنّة) مَتْرَكَ (ترک) وَ لَا فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ - (النار) مَرْغَبٌ ( رغبة، إشتياق) عِبَادَ اللَّهِ احْذَرُوا يَوْماً تُفْحَصُ (تبحث) فِيهِ الْأَعْمَالُ (لنقاش الحساب) وَ يَكْثُرُ فِيهِ الزِّلْزَالُ وَ تَشيبُ فيه الأطفَالُ اعْلَمُوا عَبَادَ اللهِ أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً (مراقبا) منْ أَنْفُسكُمْ وَ عُيُوناً منْ جَوَارِحكُمْ وَ حُفاظ صِدقِ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ وَ عَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ لَا تَسْتَرْكُمْ مِنْهُمْ ظَلَمَهُ لَيْلٍ دَاجٍ (ظلام) وَ لَا يُكِنُّكُمْ (يستركم) منْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ (غلق) وَ إِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ (فهو آت) يَذْهَبُ الْيَوْمُ بِمَا فِيهِ وَ يَجِيءُ الْغَدُ لَاحِقاً بِهِ فَكَأَنَّ كُلَّ امْرِئٍ مِنْكُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ وَ مَخَطَّ (موضع رسم) حُفْرَته (قبره) فَيَا لَهُ مِنْ بَيْت وَحدَةٍ وَ مَنزِلِ وَ حشَةِ وَ مُفْرَدِ غُربَةٍ وَ كَأَنَّ الصّيحَة قَدْ أَتَتْكُمْ وَ السَّاعَةَ قَدْ غَشِيَتْكُمْ (أحاطت بكم) وَ بَرَزْتُمْ (ظهرتم) لِفَصْلِ الْقَضَاءِ (القضاء الفاصل بين السابقين و المفرطين) قَدْ زَاحَتْ (إنكشفت) ععَنْكُمُ الْأَبَاطِيلُ و اضْمَحَلَّتْ (إنحلت ، تلاشت) عَنْكُمُ الْعِلَلُ وَ اسْتَحَقَّتْ (أستوجبت، إستأهلت) بِكُمُ الْحَقَائِقُ (من لوازم أعمالكم) وَ صَدَرَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ مَصَادِرَهَا فَاتَّعِظُوا بِالْعِبَرِ وَ اعْتَبِرُوا بِالْغِيَرِ (من حالات الدنيا) وَ انْتَفعُوا بِالنُّذُرِ.

158 - و من خطبة له علیه السَّلام يُنَبَهُ فيها على فضل الرسول الأعظم و فضل القرآن ثم حال دولة بني أميّة:

أرسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةِ (ضعف، سكون بعد حدّة) مِنَ الرسُلِ وَ (على) طُولِ هَجْعَةِ (نوم) مِنَ اَلْأُمَمِ وَ اِنْتِفَاضٍ (نقض) مِنَ الْمُبْرَمِ (الحبل المحكم فتله و هو هنا المحكم من الشرائع) فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ (الكتاب) اَلَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ (من التوراة و الإنجيل) و (جاءهم ب-) اَلنُّورِ اَلْمُقْتَدَی بِهِ ذَلِکَ (النور المقتدى به هو) القُرآنُ فَاسْتَنْطقُوهُ (اطلبوا النطق منه) وَ لَنْ يَنطِقَ

ص: 184

(القرآن) وَ لَكِنْ أَخْبِرُكُمْ عَنْهُ (و لا يدّعى ذلك غيرى إلّا المفترى على الله) أَلاَ إِنَّ فِیهِ عِلْمَ مَا یَأْتِی وَ اَلْحَدِیثَ عَنِ اَلْمَاضِی وَ دَوَاءَ دَائِکُمْ وَ نَظْمَ مَا بَیْنَکُمْ (فالإمام هو الّذي عنده علم الكتاب فيخبر عنه).

و منها: فعند ذلك (الإستقرار من حكومة بني أميّة) لا يَبقَى بَيتُ مَدَرٍ (طين علك لا رمل فيه) وَ لَا وَبَرٍ (شعر الإبل) إِلَّا وَ أَدْخَلَهُ الظُّلَمَةُ (الظالمون) تَرْحَةً (حزنا، غمّا) وَ أَوْلَجُوا (أدخلوا) فِيهِ نِقْمَةً (عذابا، عقوبة) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَبْقَى لَهُمْ فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ (شفيع يشفع لهم عند الله) وَ لَا (يبقى لهم) فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ (فينقلبوا خاسرين مغلوبين) أصْفَيْتُمْ (آثرتم إختصصتم) بِالْأَمْرِ (الخلافة) غَيْرَ أَهْلِهِ وَ أَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ، وَ سَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَ (حقّنا أهل البيت) مَأْكَلًا بِمَأْكَلٍ وَ مَشْرَباً بِمَشْرَبٍ، مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ (الحنظل المرّ من كلّ شيء) وَ (من) مَشَارِبِ الصَّبِرِ (العصارة المرّة) وَ الْمَقِرِ (السم أو المرّ) وَ لِبَاسِ (البس) شِعَارِ (لباس ملاصق للبدن من) الْخَوْفِ وَ دِثَارِ (لباس يكسى فوق الألبسة من) السَّيْفِ، وَ إِنَّمَا هُمْ (بنو أمية ) مَطَايَا (مراكب ذلل) الْخَطيئَاتِ وَ زَوَامِلُ (حاملات) الْآثَامِ. فَأُقْسِمُ ثُمَّ أُقْسِمُ لَتَنْخَمَنَّهَا (تُخرجنّ الإمارة كإخراج النخامة من الصدر) أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ (تخرج) النُّخَامَةُ (المواد المخاطية) ثُمَّ لَا تَذُوقُهَا وَ لَا تَطْعَمُ (أمية) بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا (دام) كَرَّ (رجع) الْجَدِيدَانِ (الليل و النهار).

159 - و من خطبة له علیه السَّلام يبين فيها حسن معاملته لرعيته:

وَ لَقَدْ أَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ (مجاورتكم) وَ أَحَطْتُ (حفظت صنت) بِجُهْدِي (سعيى البليغ) مِنْ وَرَائِکُمْ (مِمّا يهجم عليكم من شدائد الدهر كالحروب) وَ أَعْتَقْتُكُمْ مِنْ رِبَقِ (حبل) الذُّلِّ وَ حَلَقِ الضَّیْمِ (الظلم) شُکْراً مِنِّی لِلْبِرِّ الْقَلِیلِ (منكم) وَ إِطْرَاقاً (سكوتا أى مرورا كراما) عَمَّا أَدْرَكَهُ الْبَصَرُ (من جفائكم و سوء أعمالكم) وَ (عمّا) شَهِدَهُ الْبَدَنُ (و ذاقه) مِنَ الْمُنْکَرِ الْکَثِیرِ (منكم).

ص: 185

160 - و من خطبة له علیه السَّلام

أَمْرُهُ (فعله) قَضَاء ( حتم لا يردّ) وَ حِكمَةٌ وَ رِضَاهُ أَمَانٌ وَ رَحمَةُ يقَضيِ (يحكم فى أمره) بِعِلمٍ وَ يَعفُو بِحِلمٍ.

اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا تَأخُذُ (من نعمک بحکمتک) وَ (على ما) تُعْطِی (برحمتک) وَ عَلَى مَا تُعَافِي (بعفوک و منک) وَ تَبْتَلِي (تختبر) حَمْداً يَكُونُ أَرْضَى الْحَمد لَكَ وَ أَحَبُّ الْحَمْد إِلَيْكَ و أَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَکَ حَمْداً یَمْلَأُ (ذلك الحمد) مَا خَلَقْتَ وَ یَبْلُغُ (يصل ) مَا أَرَدْتَ حَمْداً لاَ یَحْجُبُ عَنْکَ وَ لاَ يُقْصَر - (ذلك الحمد) دُونَك حَمْداً لَا يَنْقَطَعُ عَدَدُهُ وَ لَا يَفْنَى مَدَدُهُ (إمتداده، بسطه) فَلَسْنَا نَعْلَمُ كُنْتَ (حقيقة) عَظَمَتِكَ إِلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ حَي قَيُّومُ لَا تَأْخُذُكَ سِنَةٌ (ثقل النوم) وَ لَا نَومٌ لَمْ يَنتَه إِلَيْكَ نَظر وَ لَمْ يُدْرِكَكَ (ينلك، يصبک) بَصَرْ - أَدْرَكْتَ الْأَبْصَارَ وَ أَحْصَيْتَ (أعددت) الْأَعْمَالَ وَ أَخَذْتَ بِالنَّوَاصِي (الأشعار النابتة فى مقدّم الرأس) وَ الْأَقْدَامِ وَ مَا الَّذِي نَرَى مِنْ خَلْقِكَ وَ نَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ وَ نَصفُهُ مِنْ عَظِيمٍ سُلْطَانِكَ (قهرك) وَ مَا تَغَیَّبَ (غاب) عَنَّا مِنْهُ (خلقك) وَ قَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ وَ انْتَهَتْ (بلغت إلى النهاية) عُقُولُنَا دُونَهُ (عند خلقك) وَ حَالَتْ (حجزت) ستُور (حجب) الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ أَعْظَمُ فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ (عن الشواغل) و أَعْمَلَ فَكَرَهُ ليَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ وَ كَيْفَ ذَرَأَتَ (خلقت) خَلْقَكَ وَ كَيْفَ عَلَّقْتَ فِی الْهَوَاءِ سَمَاوَاتِکَ وَ کَیْفَ مَدَدْتَ (بسطت) عَلَی مَوْرِ (إضطراب موج) الْمَاء أرضَكَ رَجَعَ طَرْفُهُ (عينه) حَسِیراً (كليلا، ضعيفا) و عَقْلُهُ مَبهُوراً (مغلوبا منقطعا نفسه من العجز) وَ سَمْعُهُ وَ الِهاً (متحيرا) وَ فِکْرُهُ حَائِراً (فلا يعرف حقيقة ما أدركه من عظمته تعالى).

منها: يَدَّعي (مدّع) بِزَعْمه ( ظنّه، إدّعائه) أَنَّهُ يَرْجُو اللَّهَ كَذَبَ وَ العَظيمِ مَا بَالُهُ (حاله، خاطره همّه) لا يتبين ( يظهر ) رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ فَكُلّ مَن رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ وَ كُلّ رَجَاء إِلَّا رَجَاءَ الله تَعَالَى فَإِنَّهُ (الرجاء فى غير الله) مَدْخُولٌ (مغشوش، غير خالص) وَ كُلّ خَوفٍ مُحَقّقٌ (ثابت يوجب التباعد عن المخوف) إِلّا خَوفَ (العبد من) اللّهِ فَإِنّهُ (الخوف من الله)

ص: 186

مَعْلُولٌ (غير محقّق) ييَرجُو اللّهَ فِي الكَبِيرِ (من الأمور الّتى يعجز عندها الناس) وَیَرْجُو الْعِبَادَ فِی الصَّغِیرِِ (من الأمور) فَیُعْطِی العَبْدَ مَا لاَ یُعْطِی الرَّبَّ (من الرجاء إلى عباده في الأمور الصغيرة) فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ (عظم) ثَنَاؤُهُ (مدحه) یُقَصَّرُ بِه (تعالى في حقّه) عَمَّا یُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِه (من الرجاء لهم دونه تعالى فيصنع الجهّال الرجاء إلى العباد دونه فيقصّر - في حقّه مع أنّ من حقّه أن يرجى فى الأمور كلّها الكبيرة منها و الصغيرة) أتَخَافُ (أيّها المدّعى بزعمك أنّک ترجوه) أنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذباً أَو تَكُونَ لَا تَرَاهُ للرَّجَاء مَوْضِعاً (أهلا) وَ كَذلك (الإدّعاء في رجائه إلى الله) إِنْ هُوَ خَافَ عَبداً مِنْ عَبِيدِه أَعْطَاهُ مِنْ خَوفِه مَا لَا يُعْطِي رَبَّهُ فَجَعَلَ خَوفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً (ظاهرا) وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً (باطنا، بحيث لا يظهر شيء من الخوف فى أعماله) وَ وَعْداً وَ کَذَلِک (المدّعى فى رجائه و خوفه) مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْیَا فِی عَیْنِهِ وَ کَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ آثَرَهَا (إختار الدنيا، إصطفاها) عَلَی اللَّه تَعَالَى فَانْقَطعَ (بقلبه) إِلَیْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا (بالإنقطاع إليها).

وَ لَقَدْ كَانَ فِي رَسُول الله صلّى الله عليه و آله كَاف لَكَ في الأَسْوَة وَ دَليلٌ لَكَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا وَ عَيبها و (دليل على) كَثْرَةِ مَخَازِيهَا (هوانها، حقارتها) و مَسَاوِيهَا إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا (جوانبها) وَ وُطّئَت (تهيأت) لغَيْره أَكْنَافُهَا (جوانبها) وَ فُطِمَ (قطع، فصل) عَنْ رَضَاعِهَا (بأن يحلب من ثديها) وَ زُوي (قبض صلى الله عليه و آله) عَنْ زَخَارِفهَا (زينتها).

وَ إِن شِئتَ ثَنّيتُ (ذكرت ثانیا) بِمُوسَى كَلِيم الله صلّى الله علیه و آله حَيْثُ يَقُولُ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وَ اللهِ مَا سَأَلَهُ إِلَّا خُبزاً يَأْكُلُهُ لأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةٌ (نبات) الْأَرْضِ وَ لَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ البَقلِ تُرَي مِن شَفِيفِ صِفَاقِ (الجلد الأسفل تحت الجلد الّذي عليه الشعر من) بَطنِهِ لِهُزَالِهِ (قلّة لحمه، ضمره) وَ تَشَذّبِ (تفرق) لَحمِهِ.

وَ إِن شِئتَ ثَلّثتُ بِدَاوُدَ صَاحِبِ الْمَزَامِيرِ (الآلات الّتى يُزمر فيها أى يُنفخ فيها) وَ قاَر ِئِ أَهلِ الجَنّةِ فَلَقَد كَانَ يَعمَلُ سَفَائِفَ (منسوجات) الخُوصِ (ورق النخلة) بيده وَ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَيّكُم يَكْفيني بَيعَهَا وَ يَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعير منْ ثَمَنهَا.

ص: 187

وَ إِن شِئتَ قُلتُ فِي عِيسَي ابنِ مَريَمَ علیه السَّلام فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسّدُ (يجعل للوسادة) الحَجَر وَ يَلْبَسُ الْخَشنَ (من الثياب) وَ يَأكُلُ الجَشِبَ (الخشن من الطعام) وَ كَانَ إِدَامُهُ (و هو ما يجعل مع الخبز ليلائم للأكل) الْجُوعَ وَ سِرَاجُهُ (مصباحه) بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ وَ ظَلَالُهُ فِي الشّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ فَاكِهَتْهُ و رَيْحَانَهُ مَا تُنبِتُ الأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ (من الأعشاب) وَ لَمْ تَكُنَّ لَهُ زَوجَةٌ تَفْتتُهُ وَ لَا (له) وَلَدٌ يَحزُنُهُ وَ لَا (له) مَالٌ يَلْفتُهُ (يصرفه إلى اليمين و اليسار) وَ لَا (له) طَمَعٌ (لما فى أيدى الناس) ييُذِلّهُ دَابّتُهُ (مركبه) رِجْلَاهُ وَ خَادِمُهُ يَدَاهُ.

فَتَأَسّ (إقتد) بِنَبِيّكَ الأَطيَبِ الأَطهَرِ صلّى الله عليه و آله فَإنَّ فيه أسْوَةً لَمَنْ تَأَسّي (إقتدى به) وَ عَزَاءً (نسبة) لِمَنْ تَعَزّى (إنتسب إليه) وَ أَحَبّ العِبَادِ إِلَي اللّهِ المتُأَسَيّ (المقتدى الممتثل) بِنَبِيّهِ وَ المُقتَصّ (المتبع) لِأَثَرِهِ قَضَمَ (أكل بأطراف الأسنان من) الدُّنْيَا قَضْماً وَ لَمْ يُعِرهَا طَرفاً (فلم ينظر إليها طرفا من عينه) أهْضَمُ (أخمص) أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً (و هو ما بين الخاصرة إلى الأضلاع) و أَخْمَصُهُمْ (أخلاهم) مِنَ الدُّنْیَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَیْهِ صلى الله عليه و آله الدُّنْيَا فَأَبَى (رسول الله) أَنْ يَقْبَلَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ وَ حَقَّرَ شَیْئاً فَحَقَّرَهُ، وَ صَغَّرَ شَیْئاً فَصَغَّرَهُ. وَ لَوْ لَمْ یَکُنْ فِینَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ (كره) اللَّهُ وَ رَسُولُهُ، وَ تَعْظِیمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ (من الدنيا و زخارفها) لَكَفَى (لنا) بِه (ذلك الحبّ لما أبغضه الله و البغض لما أحبّه الله) شِقَاقاً (محادّة، معاداة مخالفة ) لِلَّهِ، وَ مُحَادَّهً (عداوة) عَنْ أَمْرِ الله وَ لَقَدْ کَانَ صلّى الله علیه و آله يَأكُلُ عَلَى الْأَرْضِ وَ یَجْلِسُ جِلْسَهَ الْعَبْدِ، وَ یَخْصِفُ (يخرز) بِیَدِهِ نَعْلَهُ، وَ یَرْقَعُ بِیَدِهِ ثَوْبَهُ، وَ َرْکَبُ الْحِمَارَ الْعَارِیَ، وَ یُرْدِفُ (يجعل فى ردفه و) خَلْفَهُ، وَیَکُونُ السِّتْرُ عَلَی بَابِ بَیْتِهِ فَتَکُونُ فِیهِ التَّصَاوِیرُ فَیَقُولُ يَا فَلَانَةُ لِإِحْدَی أَزْوَاجِهِ غَيْبِيهِ عَنِّي فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَکَرْتُ الدُّنْیَا وَ زَخَارِفَهَا (زينتها) فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ و أَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِینَتُهَا عَنْ عَیْنِهِ، لِکَیْلَا یَتَّخِذَ مِنْهَا رِیَاشاً (لباسا فاخرا) وَ لَا یَعْتَقِدَهَا قَرَاراً (مستقرا، مقاما) وَ لَا یَرْجُوَ فِیهَا مُقَاماً (موضع إستقرار) فَأَخْرَجَهَا منَ النَّفْس (بإماتة ذكرها) وَ أَشْخَصَهَا (أبعدها، أذهبها) عَنِ الْقَلْبِ (بإعراض النظر إلى زخارفها) وَ غَیَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ وَ کَذلِکَ (الإخراج

ص: 188

لحب الدنيا من النفس) مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبغَضَ أَنْ يَنظُرَ إِلَيْهِ وَ أنْ يُذْكَرَ (ذلك الشيء) عِنْدَهُ و لَقَدْ كَانَ فِي رَسُول الله صلّى الله عليه و آله مَا يَدُلُّكَ عَلَى مَساوئ الدُّنْيا وَ عُیُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّته وَ زُويَتْ (قبضت) عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظيمِ زُلْفَته (قرابته إلى الله) فَلْيَنْظُرْ (يتأمّل) نَاظِرٌ (متأمّل) بِعَقْلِهِ (هل) أَكْرَمَ اللهُ مُحَمَّداً بِذلِکَ (القبض عنه) أَمْ أَهَانَهُ (بذلك) فَإِنْ قَالَ (الناظر بعقله) أَهَانَهُ فَقَدْ كَذَبَ وَ اللَّهِ الْعَظِیمِ بِالْإِفْکِ (البهتان) الْعَظِيمِ وَ إِنْ قَالَ أَكْرَمَهُ فَلْيَعْلَمْ (الناظر بالعقل) أنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ وَ زَوَاهَا (قبضها) عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ فَتَأَسَّی (ليتأسّ) مُتَأَسٍّ بِنَبِیِّهِ، وَ اقْتَصَّ (ليتبع) أَثَرَهُ و وَلَجَ ( ليدخل) مولِجَهُ (مدخله) و إلَّا فَلَا يَأْمَنِ (غير المتأسّى برسوله) الْهَلَكَة فَإِنَّ اللهَ جَعَلَ مُحَمَّداً صلّى الله عليه و آله عَلَماً (آية) للسَّاعَةِ وَ مُبَشِّراً بالجنَّةِ وَ مُنذراً بالعُقُوبَة خَرجَ مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصاً (خالى البطن) وَ وَرَدَ الْآخِرَةَ سَلِيماً (من تبعات الدنيا) لَمْ یَضَعْ حَجَراً عَلَی حَجَرٍ، حَتَّی مَضَی- لِسَبِيله وَ أَجَابَ دَاعِي رَبِّهِ فَمَا أَعْظَمَ مِنْهُ اللَّهِ عِندَنَا حِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ (بالزهد في الدنيا) وَ قَائِداً (النا) نَطَأَ عَقَبَهُ وَ اللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ (الحمتُ خَرقَ) مِدْرَعَتِی (ثوبى) هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْیَیْتُ مِنْ رَاقِعِهَا (مصلحها بالرقاع) وَ لَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ أَلَا تَنْبِذْهَا (تطرح هذه المدرعة) عَنْكَ فَقُلْتُ اغْرُبْ (ابعد) عَنِّی، فَعِنْدَ الصَّبَاحِ (طلوع يوم القيامة) یَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَی (السائرون في الليل بالرفع صفة أو السائرين في الليل بالنصب للمفعول).

161 - و من خطبة له علیه السَّلام في صفة النبي و أهل بيته و أتباع دينه و فيها يعظ بالتقوى:

ابْتَعَثَهُ (بعثه) بِالنُّورِ الْمُضيء (المنيرة) و البرهَانِ الْجَلِي (الظاهر) وَ الْمِنْهَاج (الطريق) الْبَادِي (الظاهر) وَ الْكِتَابِ الْهَادِي أَسْرَتُهُ (عشيرته، رهطه الأدنون) خَيْرٌ أَسْرَةِ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرٌ شَجَرَةٍ أغْصَانُهَا مُعتدلَةٌ (غير مائلة إلى اليمين و إلى الشمال) وَ ثِمَارُهَا (ثمرات تلك الشجرة) مُتَهَدِّلَةٌ (دانية للإجتناء، متدلّية) مَوْلِدُهُ بِمَکَّهَ وَ هِجْرَتُهُ بِطَیْبَهَ (المدينة المنّورة) عَلَا بِهَا (فى طيبة) ذِکْرُهُ

ص: 189

وَ امْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ (حتّى بلغ مشارق الأرض و مغاربها) أَرْسَلَهُ بِحُجَّهٍ (بيّنة) کَافِیَهٍ وَ مَوْعِظَهٍ شَافِیَهٍ (للصدور) وَ دَعْوَهٍ مُتَلاَفِیَهٍ (متداركة لإصلاح ما مضى من الكفر و آثاره) أَظْهَرَ بِهِ اَلشَّرَائِعَ (السنن ، القوانين) اَلْمَجْهُولَهَ (عند الناس فى مرور الأزمنة) و قَمَعَ (الله) به صلّى الله علیه و آله الْبدَعَ (السنن المجعولة من عند الأنفس الأمارة) الْمَدْخُولَة (المعيوبة غير السليمة من الإفراط و التفريط) وَ بَیَّنَ بِهِ الْأحْكَامُ الْمَفْصُولَة (الّتى فصّلها الله بالكتاب لعباده أو المفصولة من جانبي الإفراط و التفريط) فَمَنْ یَبْتَغِ (يطلب) غَيْر الْإِسْلَام دَيْناً تَتَحَقَّقْ (تثبت) شقْوَتُهُ وَ تَنْفَصِمْ (تنقطع) عُرْوَتُهُ (حبله) وَ تَعْظُمْ کَبْوَتُهُ (سقطته) وَ يَكُنْ مَابَهُ (مرجعه) إِلَى الْحَزْنِ اَلطَّوِیلِ وَ الْعَذَابِ الْوَبِيلِ (الشديد، الوخيم) و أتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلَ الْإِنَابَةِ (الرجوع) إِلَيْه وَ أَسْتَرَشدُهُ السَّبِيلَ الْمُؤَدِّيَة (الموصلة) إِلَی جَنَّتِهِ (بتلك السبيل) الْقَاصَدَةَ (المستقيمة الطاهرة عن الإفراط و التفريط) إِلَی مَحَلِّ رَغْبَتِهِ (الّتي يرغب فيها).

أوصِيكُمْ عِبَادَ الله بِتَقْوَى الله وَ طاعَته فَإِنَّهَا النَّجَاةُ غَداً وَ الْمَنْجَاةُ (النجاة) أَبَداً رَهْبَ (خوف الله عباده) فَأَبْلَغَ (أكمل البلاغ فى التخويف) وَ رَغَبَ (شوّق عباده) فَأَسْبَغَ (أتم الترغيب) و وَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَ انْقِطاعَهَا وَ زَوَالَهَا (فنائها) وَ انْتَقَالَهَا فَأَعْرِضُوا (إنصرفوا بقلوبكم) عَمّا يُعجِبُكُم فِيهَا لِقِلّةِ مَا يَصحَبُكُم مِنهَا (لأنّ الدنيا) أقْرَبُ دَار منْ سَخَطِ (غضب) اللهِ وَ أَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللهِ فَغُضُّوا (كفّوا إمنعوا خفضوا) عَنْكُمْ عِبَادَ اللهِ غُمُومَهَا وَ أَشْغَالَهَا لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ به مِنْ فِرَاقِهَا وَ تَصَرّفِ (تغير) حَالَاتِهَا فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ (خوف) الشَّفِيقِ (الخائف) النَّاصِحِ وَ (إحذروها حذر) الْمُجِدِّ الْكَادِح (المبالغ فى السعى) وَ اعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رأَيتُم مِنْ مَصَارِعِ (مواضع هلاك) الْقُرُونِ (الأمم الماضية) قَبلَكُمْ قَدْ تَزَايَلَتْ (تفرقت) أَوْصَالُهُمْ (مفاصلهم) و زَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَ أَسْمَاعُهُمْ وَ ذَهَبَ شَرَفْهُم (علوّهم) وَ عِزْهُمْ وَ انْقَطعَ سُرُورُهُمْ وَ نَعِيمُهم فَبُدِّلُوا بِقُربِ الْأَوْلَادِ فَقْدَهَا وَ بِصُحْبَةِ الْأَزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا (فراقها) لَا يَتَفَاخَرُونَ وَ لَا يَتَنَاسَلُونَ وَ لَا يَتزَاوَرُونَ وَ لَا يَتَحاوَرُونَ (يتكلّم بعضهم بعضا) فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللهِ حَذَرَ الغَالِبِ لِنَفسِهِ الْمَانِعَ لِشَهْوَتِهِ النَّاظِرِ (المتأمل) بِعَقْلِهِ فَإِنَّ الْأمْرَ (الحقّ) وَاضِحٌ وَ الْعَلَمَ قَائِمٌ وَ الطَّرِيقَ جَدَدٌ

ص: 190

(قويم مستو لا يعثر عليه السالک) وَ السّبِيلَ قَصدٌ (لا عوج فيه من الإفراط و التفريط).

162 - و من كلام له علیه السَّلام لبعض أصحابه و قد سأله كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام و أنتم أحق به فقال:

يَا أَخَا بنَيِ أَسَدٍ إِنّكَ لَقَلِقُ (مضطرب) الْوَضِينِ (البطان الذى يشدّ به الرحل على البعير) تُرسِلُ (تطلق الكلام) في غَيْر سَدَدٍ (إستقامة من الكلام فتتكلّم فى غير موضعه) وَ لَكَ بَعد (إرسالك في الكلام في غير سدد) ذِمَامَةُ (حماية، كفاية) الصّهرِ (و هي صلة بين أقارب الزوج و الزوجة) و (لک) حَقَّ الْمَسْأَلَة وَ قَد اسْتَعْلَمْتَ (طلبت العلم) فَاعْلَمْ أَمَّا اَلاِسْتِبْدَادُ عَلَیْنَا بِهَذَا اَلْمَقَامِ (من الخلافة و الإمارة) وَ نَحْنُ (أهل البيت) الأَعْلَوْنَ نَسَباً وَ الْأَشَدُّونَ بِالرَّسُولِ صلّى الله عليه و آله نَوْطاً (تعلّقا في النسب و المصاهرة) فَإنَّهَا (القصّة في ذلك الإستبداد) كَانَتْ أَثَرَةً (إختصاصا من غير إستحقاق) شَحَّتْ (بخلت بخلا شديدا) عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ (غاصبين للخلافة) وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ (و هم نحن) وَ الْحَكَمُ اللهُ وَ الْمَعُودُ (المرجع) إِلَیْهِ اَلْقِیَامَهُ.

و دَعْ (اترك) عَنْكَ نَهْباً ( غنيمة ) صِیحَ (نودى للغارة) فِی حَجَرَاتِهِ (نواحيه) * وَ لَکِنْ (أذكر) حَديثاً مَا حَدِیثُ اَلرَّوَاحِلِ

وَ هَلْمْ (اذكر) الخَطبَ (الأمر العظيم) في ابْنِ أبي سُفْيَانَ فَلَقَدْ أَضْحَكَنِي الدَّهْرِ بَعْدَ إِبْكَائِهِ (إيَّاى بغصب الخلافة من غير قدم سابق له فى الإسلام و لا شرف باسق) وَ لاَ غَرْوَ (عجب باق لهذا الأمر العجيب) و الله فَيَا لَهُ خَطباً (أمرا عظيما) يَسْتَفْرِعُ الْعَجَبَ (أى يطلب هذا الأمر العظيم العجيب أن يكون العجب فارغا عن كلّ شاغل) وَ يُكثرُ الْأَوَّدَ (الإعوجاج) حَاوَلَ (إبتغى طلب) الْقَومُ (القاسطون) إِطْفَاءَ (إخماد، إخباء) نُورِ اَللَّهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ (و هو أنا) وَ سَدَّ فَوَّارِهِ (الثقب الّذى يفور منه الماء) مِنْ یَنْبُوعِهِ (موضع نبع مائه) وَ جَدَحُوا (خلطوا) بَیْنِی وَ بَیْنَهُمْ شِرْباً (نصيبا من الماء) وَ بِیئاً (موجبا للوباء) فَإِنْ تَرْتَفَع عَنَّا وَ عَنْهُمْ مَحَنُ (شدائد) الْبَلْوَى

ص: 191

(المصيبة) أَحْمِلْهُمْ (بالسيف) مِنَ اَلْحَقِّ عَلَی مَحْضِهِ (خالص) الحق) وَ إِنْ تَكُن (تقع) الْأُخْرَى (بعدم مساعدة القضاء) فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِم حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ.

163 - و من خطبة له علیه السَّلام:

الْحَمْدُ ِلله خَالِقِ العِبَادِ وَ سَاطح الْمِهَادِ (الأرض الّتى تكون كالمهد) وَ مَسيل (موجد السيل فى) الْوِهَاد (منخفضات الأرض) وَ مُخصِب (موجد الخصب بالنبات في) النّجَاد (مرتفعات الأرض) لَيْسَ لأوليَّتِهِ ابْتِدَاءً وَ لَا لِأَزَلِيّتِهِ انقِضَاء (إنتهاء) هُوَ الْأَوَّلُ (بلا أولية كانت قبله فلا شيء قبله) وَ لَمْ يَزَلْ وَ الْبَاقي بِلَا أَجَل (بلا آخريّة كانت بعده فلا شيء بعده) خَرْتْ (سقطت، سجدت إنكَبَت) لَهُ الْجِبَاهُ (و أطراف الأعضاء في السجود) وَ وَحّدَتهُ الشّفَاهُ (و الألسنة) حَدَّ الْأَشْيَاء عِندَ خَلْقَهُ لَهَا إبَانَةَ (فصلا تمييزا) لَهُ (تعالى) مِن شَبَهِهَا (شباهة الأشياء) لَا تُقَدِّرهُ الْأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ و الْحَرَكَاتِ وَ لَا بِالْجَوَارِحِ و الأَدَوَات لَا يُقَالُ لَهُ مَتَى وَ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ (أجل) بِحَتَّى (هو) الظَّاهِرُ (الغالب) لا يُقَالُ مِمَّ (ظهر) و الْبَاطِنُ لَا يُقَالُ فِيمَ (بطن) لا (هو) شَبَحٌ فَيُتَقَصّي (يفنى بالإنحلال) وَ لَا (هو) مَحْجُوبٌ (مستور في الأشياء) فَيُحوَي (فيها) لَمْ يَقْرب مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقِ وَ لَم يَبعُد عَنهَا بِافتِرَاقٍ (إنفصال بل معها لا بمقارنة و غيرها لا بمزايلة و التوحيد هو رفع الغيريّة و نفى العينية) وَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ (إمتداد) لَحظَةٍ (بصر-) وَ لَا (يخفى عليه) كُرور (رجوع) لَفْظَة وَ لَا ازْدَلَافُ (تقرب) رَبوَة (مكان مرتفع) وَ لَا انْبِسَاطِ خُطوة (قدم) في لَيْلِ دَاج (مظلم) وَ لَا غَسَقِ (ليل) سَاجٍ (ساكن) يَتَفَيّأُ (ينسخ) عَلَيهِ القَمَرُ المُنِيرُ (فيذهب و يترك الليل فى الظلمة العامّة الشاملة) وَ تَعقَّبَهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْأَقُولِ (المغيب عند غروبها) و (في) الكُرور (الرجوع عند طلوعها و شروقها) و (في) تَقَلُّب الْأَزْمَنَة وَ الدّهُورِ مِن إِقبَالِ لَيلٍ مُقبِلٍ وَ إِدبَارِ نَهَارٍ مُدبِرٍ (فهو (تعالى) قَبْلَ كُلِّ غَاية (فهو المنتهى و لا غاية بعده) وَ (قبل كلّ) مُدَّة (فينتهى إليه الخلق و لا نهاية له بالمدّة) و (قبل كل) كُلّ إِحصَاءٍ وَ عِدّةٍ (فلا يناله الإحصاء و العدّة) تَعَالَى عَمَّا يَنحَلُهُ

ص: 192

(ينسب إليه) المُحَدّدُونَ مِن صِفَاتِ الأَقدَارِ (من الطول و العرض و العمق و الصغر و الكبر و الثقل و غيرها) وَ (من) نهَايَاتِ الأقْطَارِ (الأبعاد الثلاثة) وَ (من) تَأَثّلِ (تأصل في) الْمَسَاكِنِ وَ تَمَكُنِ (تسلّط) الْأَمَاكِنِ فَالْحَدُّ لخَلْقه مَضْرُوبٌ (مجعول منه تعالى عليهم) وَ إِلَى غَيْرِهِ مَنسُوب. لَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَصُولِ أَزَلية (غير حادثة) وَ لَا مِن أَوَائِلَ أبَدِيَّة بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدّهُُ (بجعل الحدود عليها) و صَوّرَ ما صَوّرَ فَأَحسَنَ صُورَتَهُ لَيْسَ لِشَيْء مِنْهُ امْتِنَاعٌ (عنده تعالى لقدرته على كلّ شيء) وَ لَا لَهُ بِطَاعَةِ شَيْء انْتِفَاعُ (لغناه) عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلمِهِ بِالأَحيَاءِ البَاقِينَ و عَلَمُهُ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى كَعَلَمِهِ بمَا فِي الْأَرْضِينَ السَّفْلَى.

منها: أَيُّهَا (الإنسان) المَخلُوقُ السوّيِ (المستوى فى الخلقة الذى لا نقص فيه) وَ الْمُنْشَأ (المبتدع من غير مثال) المرَعيِ (المحفوظ) فِي ظُلُمَاتِ الأَرْحَامِ وَ مُضَاعَفَاتِ الْأَسْتار (الحجب المتعدّدة الحافظة له من الصلب و الرحم) بُدِئتَ منْ سُلالة (منتزعة) مِنْ طِينِ وَ وُضِعتَ في قَرارِ مَكِينِ (من الرحم) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ وَ أَجَلٍ مَقْسُومٍ تَمُورُ (تضطرب) فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً (مخفيا) لا تُحيرُ (تردّ) دُعَاءً وَ لَا تَسْمَعُ ُندَاءً ثُمَّ أَخْرِجْتَ مِنْ مَقَركَ (و هو الرحم) إِلَى دَارِ لَمْ تَشْهَدُهَا و لَم تَعرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا فَمَن هَدَاكَ لِاجتِرَارِ (إعادة) الغِذَاءِ مِن ثدَي أُمّكَ وَ (مَن) عَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَ إِرَادَتكَ (لما تحتاج إليه) هَيهَاتَ (بَعُدَت معرفة هذا الخلق السوىّ للوصول إلى حوائجه) إنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذيِ الْهَيْئَة وَ الْأَدَوَات (كالانسان) فَهُوَ عَنْ صفَات خَالقه أَعْجَرُ وَ منْ تَنَاوُلِهِ (وصوله) بِحُدُودِ المَخلُوقِينَ أَبعَدُ.

164 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا اجتمع الناس شكوا ما نقموه على عثمان و سألوه مخاطبته لهم و استعتابه (طلب رضاه) لهم (حتّى يرضى الناس) فدخل (أمير المؤمنين علیه السَّلام) عليه فقال:

إِنّ النّاسَ ورَاَئيِ وَ قَدِ استسَفرَوُنيِ (جعلونى سفيرا و طلبوا منّى الإستفسار عن عملك) بَينَكَ وَ بَينَهُم وَ وَ اللّهِ مَا أدَريِ (أعلم) ما أقُولُ لَكَ (لأنّك عالم بسنّة رسول الله صلى الله عليه و آله)

ص: 193

مَا أُعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلَهُ وَ لَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرِ لَا تَعْرِفُهُ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ (من سنّته) مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْءٍ فَنُخْبِرُكَ عَنْهُ وَ لَا خَلَوْنَا (مع رسول الله فى الأحكام وما يحتاج إليه الناس) بشَيء فَتُبَلَّغَكَهُ (نعلمك ذلك الشيء) و قَدْ رأَيْتَ (سنّته الواضحة) كَمَا رَأَيْنَا وَ سَمِعْتَ كَمَا سَمِعنَا وَ صَحبتَ رَسُولَ الله صلّى الله عليه و آله كَمَا صَحبْنَا وَ مَا ابْنُ أَبِي قُحَافَة وَ لَا ابْنُ الْخَطَابِ بِأولَى بِعَمَلِ الْحَقِّ منك (من عدم تفضيلهما عشيرتهما و قومهما على سائر الناس في تقسيم الفيء و بيت المال) وَ أَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله وَ شِيجَةَ (إشتباك) رَحِمَ مِنْهُمَا وَ قَدْ نِلتَ (أدركت أصبت) مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالَا فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ فَإِنَّكَ وَ اللّهِ مَا تُبَصّرُ (لا تحتاج أن يجعل لك البصر في أحكام الدين) مِن (بدل) عَمَّى وَ لَا تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلِ (لأحكام الدين) وَ إِنَّ الطَّرْقَ لَوَاضِحَةٌ (ظاهرة) وَ إِنْ أَعْلَامَ الدِّينِ لَقَائِمَةٌ فَاعلَم أَنّ أَفضَلَ عِبَادِ اللّهِ عندَ الله إِمَامٌ عَادِلٌ هُدي (إلى الطريق الواضح) و هَدَى (الناس إلى الطريق) فَأَقَامَ سُنَّةَ مَعْلُومَهُ وَ أَمَاتَ بِدْعَةٌ (سنّة مجعولة) مَجْهُولَةً وَ إِنَّ السَّنَنَ لَنَيرَةٌ (واضحة) لَهَا أَعْلَامٌ وَ إِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِندَ اللهِ إِمَامٌ جَائر (مائل عن الطريق) ضَلَّ (بالنفس الأمارة له بالسوء من الباطن) و ضُلَّ به (بإبليس و جنوده من الظاهر) فَأَمَاتَ سُنَّةَ مَاخُوذَةً (من الله و رسوله) وَ أَحيَا بِدعَةً مَترُوكَةً (منهما) وَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلّى الله عليه و آله يَقُولُ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ (المائل عن الحقّ) وَ لَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَ لَا عَاذِرٌ فَيُلْقَى (يطرح، ينبذ) فِي نَارِ جَهَنّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرّحَي ثُمّ يَرتَبِطُ (يحبس بالربط، يشدّ) في قَعْرِهَا وَ إِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَلَّا تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمِّةِ الْمَقْتُولَ فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلَ و الْقِتَالَ (المقاتلة) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ يَلْبِسُ (ذلك الإمام الجائر) أمورَهَا (شئون تلك الأمة) عَلَيْهَا (تلك الأمة) وَ يَبُثّ (ينشر، يذيع) الفتَنَ فِيهَا فَلَا يُبْصِرُونَ الْحَقِّ من الْبَاطِلِ (فى أيام ذلك الإمام (المقتول) يَمُوجُونَ فِيهَا (الفتن) مَوجاً وَ يَمرُجُونَ (يخلطون) فيها مَرْجاً فَلَا تَكُونَنَّ لَمَرْوَانَ سَيْقَة (و هى ما يساق فى الغارة من الدوابّ) يَسُوقُكَ حَيثُ شَاءَ (من مواضع الفتن) بَعْدَ جَلال (كبر) السِّنِّ وَ تَقَضّي (إنقضاء مدّة) العُمرِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ

ص: 194

كَلّمِ النّاسَ فِي أَن يؤُجَلّوُنيِ (يمهلونى) حَتّي أَخرُجَ إِلَيهِم مِن مَظَالِمِهِم فَقَالَ علیه السَّلام مَا كَانَ (وقع من المظالم) بِالْمَدِينَة فَلَا أَجَلَ فِيهِ وَ مَا غَابَ (عنك بسائر البلاد من مظالم العباد) فَأَجَلُهُ (مهلته) وُصُولُ (بلوغ) أَمرِكَ إِلَيهِ.

165 - و من خطبة له علیه السَّلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاوس:

ابْتَدَعَهُمْ (خلق الخلق إبتداعا من غير مثال سابق) خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَانٍ (من ذى حياة) مَوَاتِ (ما ليس له حياة) وَسَاكِنٍ (من (الجماد) وَ ذِي حَرَكَاتٍ (من النبات و الحيوان) وَ أَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ (الدلائل الواضحات) عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ، وَ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ، مَا (شيئا) انْقَادَتْ (إستسلمت) لَهُ (تعالى) الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ (ذلك الشيء) و مَسَلَّمَةٌ لَهُ وَ نَعَقَتْ (صاحت) في أَسْمَاعِنَا دَلَائِلُهُ (فى الخلق) عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَ (أقام) مَا ذَرَأَ (خلق) مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الاْطْيَارِ الَّتِي أَسْكَنَهَا أَخَادِيدَ (شقوق) الْأَرْضِ وَخُرُوقَ (الأراضى الواسعة تتخرق فيها الرياح من) فجَاجِهَا (الطريق الواسع بين الجبلين) وَ رَوَاسِي (أعالى) أعْلاَمِهَا (جبال الأرض) مِنْ ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَ هَيْئَاتٍ متباينة مصر. وَ هَيْئَاتِ مُتَبَايِنَةٍ، مُصَرَّفَةٍ (متقلّبة) في زِمَامِ التّسْخِيرِ (له تعالى) وَ مُرَفْرِفَة (مبسوطة) بِأَجْنِحَتِهَا فِي مَخَارِقِ (فلوات) الْجَوِّ المُنفَسِحِ (الواسع) و (فى) الْفَضَاءِ الْمُنْفَرِج كَونَهَا بَعدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ في عَجَائِبِ صُورٍ ظاهرة و رَكَّبَهَا فِي حِقَاقِ (مجتمع، موضع إجتماع) مَفَاصل مُحْتَجِبَة (مستورة باللحم و الجلد) و مَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالة (ثقل، ضخامة) خَلْقِهِ أَنْ يَسْمُوَ (يعلو، يطير) في الْهَوَاء (سرعة و خفّة) وَ جَعَلَهُ يَدفُّ (يحرك جناحيه) دَفيفاً (فويق الأرض أو على الأرض دون فوقها) وَ نَسَقَهَا (رتب الله تلك الطيور) عَلَى اخْتِلاَفِهَا فِى الاْصَابِيغِ (الألوان المختلفة) بِلطيفِ قُدْرَتِهِ (قدرته المخفيّة عن الرؤية بالإبصار) وَ دَقِيقِ صَنْعَتِهِ فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ (غائب، مغطوط) فِي قَالَبِ لَوْنٍ لاَ يَشُوبُهُ (يخلط ذلك اللون) غَيْرُ لَوْنِ مَا (الذى) غُمِسَ (غاب غطّ ذلك الطير) فِيه (ذلك اللون) و منْهَا مَعْمُوسٌ فِي لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ (جعل له طوق) بِخِلاَفِ مَا (اللون الّذى) صُبغَ بِهِ.

ص: 195

وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُسُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحْكَم تَعْدِيلِ وَ نَضَّدَ (رتّب، نظّم الله) أَلْوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضِيدٍ بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ (مزج، ضم) قَصَبَهُ (عمود ریشه) و ذَنَبِ أَطالَ مَسْحَبَهُ (ذيله مجره على الأرض) إِذَا دَرَجَ (مشى) إلَى الْأنْثَى نَشَرَهُ (بسط الطاووس ذنبه) مِنْ طَيِّهِ (حالة قبضه قبل النشر) وَ سَمَا (إرتفع) بِهِ مُطِلاًّ (مشرفا مهیمنا) عَلَى رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قَلْعُ (شراع سفينة) دَارِي (من دارين و هي مدينة بقرب بحرين) عَنَجَهُ (جذب القلع فرفعه) نُوتِيُّهُ (ملاح ذلك القلع) يَخْتَالُ (يتكبر) بِأَلْوَانِهِ، وَ يَمِيسُ (يتكبر) بِزَيفَانه (حركاته لذنبه إلى اليمين و الشمال) يُفْضِي-(يسافد) كَافَضَاء الدِّيكَة (إلى أنثاه) وَ يَؤُرُّ (يأتى أنثاه) بِمَلاَقِحِهِ (مسافدة) أَرَّ (إتيان) الْفُحُولِ (من الرجل إلى أنثاه) الْمُغْتَلِمَةِ (الغالبة على الفحول شهوتهم) للضّرَابِ (لقاح الفحل لأنثاه) أُحِيلُكَ (أرشدك) مِنْ ذلِكَ (الإخبار فى لقاح الطاووس) عَلَى مُعَايَنَة لَا كَمَنْ يُحِيلُ عَلَى ضَعِيف إِسْنَادُهُ (من غير معاينة) وَ لَو كَانَ (وقع الإسناد الضعيف فى لقاح الطاووس) كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا (ترسلها) مَدَامعُهُ (مواضع دمعه أوعية الدمع) فَتَقِفُ (الدمعة) في ضَفَّتَي (جانبی) جُفُونِهِ، و أَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذلِكَ (الدمع) ثُمَّ تَبِيضُ (أنثاه) لاَ مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ الْمُنبَجِسِ (النابع من العين) لَمَا كَانَ ذَلكَ (الزعم الواقع فى لقاح الطاووس) بَأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ (أى تلقيح الغراب بأنثاه بجعل الطعام في منقارها) تَخَالُ (تتخيل) قَصَبَهُ مَدَارِي (أسنانا كأسنان المشط) مِنْ فِضَّةٍ وَ (تخال) مَا أَنْبِتَ عَلَيْهَا (تلك المدارى) منْ عَجِيبِ دَارَاته (هالات القصب كهالات القمر) وَ شُمُوسِهِ خَالِصَ العَقْيَانِ (الذهب) و (تخال ما أنبت عليها)فِلَذَ (قطعة من) الزَّبَرْجَدِ فَإنْ شَبَّهْتَهُ (قصبه) بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ (من الأزهار) قُلْتَ جَنِى (مجتنى مجتمع) جُنِى (جمع) مِنْ زَهْرَةِ كُلَّ رَبِيعَ وَ إِنْ ضَاهَيْتَهُ (شبهته) بِالْمَلَابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِي (منقوش من) الْحُلَلِ أَوْ (هو) كَمُونِقِ (معجب) عَصْبٍ (برد منقوش من) الْيَمَنِ وَ إِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِي فَهُوَ كَفَصُوص (أحجار كريمة ركّبت بالخاتم) ذَات ألوان قَدْ نُطْقَتْ (زينت) بِاللُّجَيْنِ (الفضّة) الْمُكَلَّلِ (المزيّن بالجواهر) يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ (المعجب، المتكبّر) الْمُخْتَالِ (المتكبّر بحسنه) وَ يَتَصَفَّحُ (يتأمّل) ذَنَبَهُ وَ جَنَاحَيْه

ص: 196

فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ (لباسه) وَ (جمال) أَصَابِيغِ وِ شَاحِهِ (ثوب شبيه بالقلّادة يرصّع بالجوهر تشدّه المرأة بين عاتقها و كشحها) فَإذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ (ساقيه) زَقَا (صاح) مُعْوِلاً (رافعا صوته بالبكاء) بِصَوْتٍ يَكَادُ يُبِينُ (يظهر ذلك الصوت) عَنِ اسْتَغَاثَته (من كراهته لقوائمه) وَ يَشْهَدُ (صوته الحزين) بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ (تألّمه لقوائمه) لأَنَّ قَوَاتَمَهُ حُمْشٌ (دقيق) كَقَوَائِمِ الدِّيَكَة الْخِلاَسِيَّةِ (المتولدة من هنديّة و فارسيّة) وَ قَدْ نَجَمَتْ (نبتت) منْ ظُنُّبُوب (حرف الأسفل من) سَاقِهِ صِيصِيَةٌ (شوكة) خَفيّةٌ وَ لَهُ (الطاووس) فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ (خصلة من الشعر تترك على رأس الصبي) خَضْرَاءَ مُوشّاةٌ (منقوشة) وَ مَخْرَجَ عُنْقِهِ كَالْإِبْرِيقِ وَ مَغْرِزُهَا (موضع إدخال العنق و إثباتها في الطاووس) إلَى حَيْثُ (موضع) بَطْنُهُ كَصِبْغِ (لون) الْوَسِمَةِ (النبات الّذى يخضب به من) اليَمَانِيَّةِ أَوْ (مغرزها إلى البطن) كَحَرِيرَة مُلْبَسَة مرأةً ذَاتَ صِقَالٍ (جلاء) وَ كَأَنَّهُ (الطاووس) مُتَلَفِّعٌ (مغط) بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ (أسود) إِلَّا أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ، وَشِدَّةِ بَرِيقِهِ (لمعانه، برقه) أَنَّ الخُضْرَةَ النَّاضرة (الحسنة، الجميلة) مُمتَرَجَةٌ (مختلطة) بِه (الأسحم) وَ مَعَ فَتْقِ (شقّ) سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ (نحافة) القَلَمِ في لَوْنِ الْأَقْحُوَانِ (البابونج) أبيضُ يَقَقٌ (شديد البياض) فَهُوَ (المعجر) بِبَيَاضِهِ فِي سَوَادِ مَا (الّذى يكون) هُنَالِك (في موضع البياض) يَأْتَلِقُ (يلمع) وَ قَلَّ صِبْغٌ (لون) إِلَّا وَ قَدْ أَخَذَ (الطاووس) مِنْهُ (ذلك اللون) بِقِسْطِ (نصيب) وَ عَلَاهُ (فضل الطاووس ذلك القسط فله نصيب أكثر و أعلى من غيره) بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ (جلائه) وَ بَرِيقِهِ، وَ (كثرة) بَصِيصِ (لمعان) دِيبَاجِهِ (الثياب الّذي سداه و لحمته حریر) و (كثرة) رَوْنَقِهِ (حسنه) فَهُوَ (الطاووس) كَالْأَزَاهِيرِ الْمَبْثُوثَة (المنتشرة المنثورة) لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ ربيع وَ لَا شُمُوسُ قَيْظ (حرّ صيف) وَ قَدْ يَتحسر (يتكشف الطاووس) مِنْ رِيشِهِ، وَ يَعْرَى (الطاووس) مِنْ لِبَاسِهِ، فَيَسْقُطُ (الريش) تَتْرَى (شيئا بعد شيء من ريشه) وَ يَنْبُتُ (الريش) تِبَاعاً (متتابعة، واحدا تابعا لواحد) فَيَنْحَتُّ (يسقط الريش) مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الاْغْصَانِ، ثُمَّ يَتَلاَحَقُ (يتتابع الريش) نَامِياً حَتَّى يَعُودَ (الريش) كَهَيْئَتِه قَبْلَ سُقُوطِهِ لَا يُخَالِفُ (الريش الجديد) سَالِفَ أَلْوَانِهِ (ألوانه السالفة) وَ لَا يَقَعُ لَوْنٌ في غَيْرِ مَكَانِهِ وَ إِذَا تَصَفَّحْتَ (تأمّلت)

ص: 197

شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ (تلك الشعرة الواحدة) حُمْرَةٌ وَردِيَّةٌ وَ تَارَةٌ خُضْرَةٌ زَبَرْجَدِيَّةً، وَ أَحْيَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِيَّةً (ذهبية) فَكَيْفَ تَصلُ (تبلغ) إلَى صِفَةِ هذَا (الخلق الصغير من الشعرة الواحدة) عَمَائقُ الْفِطَنِ أَوْ (كيف) تَبْلُغُهُ (تصل هذا الخلق الصغير) قَرَائِحُ (أوائل) الْعُقُولِ (أى سريعها للفهم) أَوْ (كيف) تَسْتَنْظِمُ (تجعل فى نظام) وَصفَهُ (توصيف هذا الخلق الصغير) قْوَالُ الْوَاصِفِينَ وَ أَقَلُّ أَجْزَائِهِ (الطاووس) قَدْ أَعْجَزَ الْأوْهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ (تعرف أقلّ الأجزاء) و (أعجز) الألسنَة أَنْ تَصفَهُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بَهَرَ (قهر) الْعُقُولَ (فردّها خاسرة) عَنْ وَصْف خَلْقٍ جَلاَّهُ (أظهره) للعُيُون فَأَدْرَكَتْهُ (العيون) مَحدُوداً مُكَوَّناً، وَ (أدرکته العيون) مُؤلَّفاً (مركّبا من الأجزاء) مُلَوَّناً، وَأَعْجَزَ الاْلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ (توصيف خلق جلّاه للعيون) وَ قَعَدَ بهَا (الألسن) عَنْ تَأدية (أداء حق) نَعْتِهِ (وصف هذا الخلق المحدود المكوّن).

فَسُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ (إستحكم) قَوَائِمَ (أرجل) الذَّرَّةِ (صغار النمل) وَ الْهَمَجَةِ (الذباب الصغير الّذى يسقط على وجوه الغنم) إلَى مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الحيتَانِ وَ الْفِيْلَةِ وَ وَأى (وعد) عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ (أدخل) فِيهِ الرُّوحَ، إِلاَّ وَجَعَلَ الْحِمَامَ (الموت) مَوْعِدَهُ، وَ الْفَنَاءَ غَايَتَهُ (نهاية ما أولج الله فيه الروح).

منها في صفة الجنّة

فَلَوْ رَميتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ (كرهت، تألمت) نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أَخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَ لَذَاتِهَا وَ زَخَارِفِ (محاسن) مَنَاظِرِهَا وَ لَدْهِلَتْ (نسيت) بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ (تضارب أوراق) أَشْجَارٍ غُيِّبَتْ عُرُوفُهَا فِي كُتبَان (تلّ) الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا وَ (لذهلت بالفكر) في تَعْلِيقِ كَبَائِسِ (عناقيد) اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِي عَسَالِيجِهَا (أغصانها) وَ (فى) أَفْنَانِهَا (أغصانها) و (لذهلت بالفكر فى) طُلُوعِ تِلْكَ الثَّمَارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلْفِ أَكْمَامِهَا (أوعية الطلع لتلك الثمار) تُجنَى (تتناول) مِنْ غَيْرِ تَكَلَّف (مشقّة) فَتأْتي (تلك الثمار المختلفة) عَلَى مُنْيَةِ (إرادة) مُجْتَنِيهَا، وَ يُطَافُ عَلَى نُزَّالِهَا فِي أَفْنِيَةِ (ساحة واسعة أمام) قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفّقَة (المصفّاة) وَ الْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ (الخالصة و إنّ أهل الجنّة) قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَة

ص: 198

تَتَمَادَى (تتنزل بهم على الدوام) بهم حَتَّى حَلُّوا دَارَ القَرَارِ وَ أَمَنُوا نُقْلَةَ الاْسْفَارِ (من الهبوط إلى الصلب و الرحم و الدنيا و من الصعود إلى البرزخ و القيامة و ما بينهما من المنازل الّتى لابدّ منها و الورود عليها) فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَيُّهَا الْمُستَمعُ بِالْوُصُولِ إلَى مَا يَهْجُمُ عَلَيكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ (المعجبة) لَزَهَقَتْ (سبقت) نَفْسَكَ (إلى الموت) شَوْقاً إِلَيْهَا (تلك المناظر المونقة) وَ لَتَحَمَلْتَ (إرتحلت) من مجلسي هَذَا إِلَى مُجَاوَرَة أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتعْجَالاً بهَا (طالبا بالعجلة فى تلك المناظر الموفقة) جَعَلْنَا اللهُ و إِيَّاكُمْ ممَّنْ يَسعَى بِقَلْبِهِ إِلَى مَنَازِلِ الاَْبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ (لأنّ العمل بالقلب أسرع و أبلغ فى المراد من إتعاب الجوارح).

تفسير بعض ما في هذه الخطبة من الغريب

قال السيد الشريف رضي الله عنه: قوله علیه السَّلام يؤر بملاقحه الأركناية عن النكاح يقال أر الرجل المرأة يؤرها إذا نكحها و قوله علیه السَّلام كأنه قلع داري عنجه نوتيه القلع شراع السفينة و داري منسوب إلى دارين و هي بلدة على البحر يجلب منها الطيب و عنجه أي عطفه يقال عنجت الناقة كنصرت أعنجها عنجا إذا عطفتها و النوتي الملاح. و قوله علیه السَّلام ضفتي جفونه أراد جانبي جفونه و الضفتان الجانبان و قوله علیه السَّلام و فلذ الزبرجد الفلذ جمع فلذة و هي القطعة. و قوله علیه السَّلام كبائس اللؤلؤ الرطب الكباسة العذق و العساليج الغصون و احدها عسلوج.

166 - و من خطبة له علیه السَّلام:

لِيَتَأَسَّ (يقتد، يتبع) صَغِيرُكُم بِكَبِيرِكُمْ، وَ لْيَرأَفْ (يرحم) كَبِيرُكُمْ بِصَغِيرِكُمْ وَ لَا تَكُونُوا كَجُفَاة (غلاظ في العشرة و المعاشرة بين الناس في) الْجَاهِلِيَّةِ (حيث إنّهم) لَا فِي الدِّينِ يَتَفَقَهُونَ (يتفكّرون) وَ لَا عَنِ الله يَعْقِلُونَ كَقَيْضِ (قشرة عليا يابسة على) بَيْضٍ في أَدَاحٍ (مبيض نعام) يَكُونُ كَسْرِهَا وِزْراً (حملا ثقيلا على من كسر البيضة) وَ يُخْرِجُ حضَانُهَا (حاميها) شَراً.

ص: 199

و منها: (إنّ المسلمين) افْتَرَقُوا بَعْدَ الْفَتِهِمْ وَ تَشَتَّوا (تفرّقوا) عَنْ أَصْلِهِمْ فَمِنْهُمْ آخِدٌ بِغُصْنِ أَيْنَمَا مَالَ (الغصن) مَالَ (ذلك الآخذ) مَعَهُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ - يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ، كَمَا تَجْتَمِعُ قَزَعُ (قطعات متفرّقة من السحاب فى) الْخَرِيفِ يُؤَلِّفُ اللهُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً (متراكم) كَرُكَامِ السَّحَابِ ثُمَّ يَفْتَحَ لَهُمْ (المسلمين) أبواباً يَسيلُونَ (ليهلكوا بني أميّة) من مُستثَارِهِمْ (موضع إنبعاثهم) كَسَيلِ الْجَنَّتَينِ (العرم) حَيْثُ لَمْ تَسْلَم عَلَيْه (ذلك السيل) قَارَةٌ (مطمئنة من الأرض) وَ لَمْ تَثْبِّتْ عَلَيْهِ أَكَمَةٌ (غليظة من الأرض يرتفع عمّا حواليه) وَ لَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ (جريانه) رَصُّ (تلاصق، إنضمام) طَوْدٍ (جبل) وَ لَا (يردّ سنته) حِدَابٌ (إرتفاع) أَرْضٍ، يُذعْذِعُهُمُ (يفرّقهم) اللهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَتِهِ (للإنتقام عن بني أميّة) ثُمَّ يَسْلُكُهُم (الله في قلوب المسلمين كسلوك) يَنَابِيعَ (عيون) فِي الاْرْضِ (لثيروا غيرهم على الإنتقام منهم) يَأخُذُ (الله) بِهِمْ مِنْ قَومِ (و هم بنو أميّة) حُقُوقَ قَوْمٍ وَ يُمَكِّنُ لِقَوْمٍ (من المسلمين) في دِيَارِ قَوْم (و هم بنو أميّة) وَ ايْمُ اللَّهِ لَيَدُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ العُلُو (على المسلمين) وَ التَّمْكِينِ (التسلّط على الأمور لهم) كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ (الشحمة) عَلَى النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاس لَو لَم تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ (و هو أنا) وَ لَمْ تَهِنُوا (تضعفوا) عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لم يَطْمَع فِيكُم مَنْ لَيْسَ مثْلَكُمْ وَ لَم يَقْوَ مَنْ قَوِي عَلَيْكُمْ لَكنَّكُمْ تهُتُمْ (تحيّرتم، ضللتم) مَتَاهَ (حيرة، ضلالة) بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ لَعَمْرِي لَيُضَعْفَنَّ (يزدادنّ) لَكُمُ التِّيهُ (الحيرة، الضلالة) مِنْ بَعْدِي أَضْعَافاً بِمَا خَلَّفْتُمُ الْحَقِّ (و هو أنا) وَرَاءَ ظُهُورِكُم و (بما) قَطَعْتُمُ الاََْدْنى (الأقرب من رسول الله و هم أهل بيته المعصومون) وَ وَصَلْتُمُ الاََْبْعَدَ (عنه بقبول خلافته) وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ (إلى الله و هو أنا) سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ (طريق) الرسولِ وَ كُفيتُم (بذلك الداعى) منئونَة الاِعْتِسَافِ (الركوب على غير (الطريق) وَ نَبَذّتُمُ (طرحتم) الثِّقْلَ الْفَادِحَ (الثقيل من البلاء) عَنِ الاْعْنَاقِ.

167 - و من خطبة له علیه السَّلام في أوائل خلافته:

ص: 200

إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَ الْشَّرَّ - فَخُذُوا نَهْجَ (سبيل) الْخَيْرِ تَهْتَدُوا وَ اصدقُوا (اعرضوا) عَنْ سَمْت (جهة) الشَّرِّ تَقْصُدُوا (تستقيموا تسلموا عن الإفراط و التفريط، إتّقوا) الْفَرَائِضَ الْفَرائِضَ (من تضييع حدودها بل) أَدُّوهَا إلَى اللهِ (بمراعاة الحدود لها) تُؤَدِّكُمْ إلَى الْجَنَّةِ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ (عليكم) حَرَاماً غَيْرَ مَجهُولٍ (لكم فتعرفونه بما بلّغ إليكم الرسول و خلفائه أو بما فى الحرام من تنافره للفطرة) وَ أَحَلَّ (لكم) حَلَالًا غَيْر مَدْخُولِ (معيوب، فليس في حلاله عيب فلا يكون فيه عقاب) وَ فَضَّلَ حَرمَة الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا وَ شَدَّ بِالْإِخْلَاصِ (في العمل من غير رياء) وَ (ب-) التَّوحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا (مواضع تلك الحقوق من الذمم فلا يؤدّى حقوقهم إلا الموحّد البرىء من الرياء أو من أّدّى حقوقهم فهو الموحّد البرىء من الرياء لما فى أدائها من خوف الله تعالى و هو جامع الطرفين من التوحيد و البراءة من الرياء) فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَ يَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ و لَا يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِم إِلَّا بِمَا يَجِبُ (و هو ما يجوّزه الشرع) بَادِرُوا (سابقوا بأداء الحقوق) أَمْرَ الْعَامَّةِ (الّذى يعمّكم و لا يشذّ عنه أحد منكم) وَ (بادروا أمر) خَاصَّةً أحَدِكُمْ وَ هُوَ الْمَوْتُ فَإِنَّ النَّاسَ (السابقين عليكم) أَمَامَكُمْ وَ إِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ (تدعوكم بالغناء و تسوقكم) من خَلْفكُم تَخَفَّفُوا (من الحقوق و الآثام و علائق الدنيا) تَلْحَقُوا (بالصالحين) فَإنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ (السابقين عليكم إلى دار البقاء) آخرُكُمْ (اللاحقين لهم) اتَّقُوا اللهَ فِي عِبَادِهِ وَ بِلاَدِهِ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ (البلاد) وَ الْبَهَائِمِ (فعليكم بمراعاة حقوقها) أَطِيعُوا اللَّهَ وَ لَا تَعْصُوهُ (في عباده و بلاده بتضييع الحقوق) وَ إِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْر فَخُذُوا بِه وَ إِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ - فَأَعْرِضُوا (إصدفوا) عَنْهُ.

168 - و من كلام له علیه السَّلام بعد ما بويع له بالخلافة و قد قال له قوم من الصحابة لو عاقبت قوما ممّن أجلب على عثمان، فقال علیه السَّلام:

يَا إِخْوَتَاهُ إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ وَ لَكِنْ كَيْفَ لِي بِقُوَّة وَ القَوْمُ الْمُجْلُبُونَ (الّذين تجمّعوا

ص: 201

من كل وجه للحرب) عَلَى حَدٌ شَوْكَتِهِمْ (قوّتهم) يَمْلِكُونَنَا وَ لاَ نَمْلِكُهُمْ وَ هَا هُمْ هَؤُلاء قَدْ ثَارَتْ (خرجت للثأر) مَعَهُمْ عِبدَانَكُمْ (عبادكم ، فلم لم تمنعونهم إن كنتم فاعلين و هم العباد لكم) وَ الْتَفَّتْ (إنضمّت) إِلَيْهِمْ أَعْرابُكُمْ (من قبائلكم) و هُمْ خِلَالَكُمْ (بينكم) يَسُومُونَكُم (يعذَّبونكم) مَا شَاءُوا وَ هَلْ تَرَوْنَ مَوضعاً لِقُدْرَةِ عَلَى شَيْء تُرِيدُونَهُ (من الإنتقام على قتلة عثمان) إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ (من الإنتقام) أَمْرُ جَاهِلِيَّةٍ (حيث لا تكونون أولياء لدم عثمان و لما فيه من الفتنة العظيمة) وَ إِنَّ لهَؤُلاء الْقَوْمِ (المجلبين) مَادَّةً (عونا،مددا من الأقوام و القبائل الأخرى) إنَّ النَّاسَ مِنْ هذَا الاْمْرِ (من الطلب لدم (عثمان) إذَا حُرِّكَ (هذا الأمر للإنتقام) عَلَى أمور فرقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ (من الإنتقام) و فرقَةٌ تَرَى مَا لَا تَرَوْنَ (من تركه) و فرقَةٌ لَا تَرَى هَذَا وَ لَا ذَاكَ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَهْدَأَ (يسكن) النَّاسُ وَ تَقَعَ القُلُوبُ مَواقعَهَا (بكظم الغيظ) وَ تُؤْخَذ الْحُقُوقُ مُسْمَحَةٌ (مسهلة) فَاهْدَءَوا (اسكنوا) عَنِّي (و لا تثيروا الفتنة) وَ انْظُرُوا مَا ذَا يَأْتِيكُمْ به أمري (من الإنتقام أو تركه) وَ لَا تَفْعَلُوا فَعْلَةً (من غير أمرى) تُضَعْضِعُ (تهدم) قَوةً (لنا) و تُسْقط مُنَّةً (قدرة) وَ تُورِثُ وَ هْناً (ضعفا) و ذلَّةٌ ( هوانا) وَ سَأَمسك (أقبض) الاْمْرَ (من سكون الناس) مَا (دام) اسْتَمْسَكَ (يقبل ذلك الأمر الإمساك منّى) و إذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً (نصيبا، قسما) فَآخرُ الدَّوَاء الْكَيُّ (الإحراق بالحديد فإذا فعلتم فعلة تضعضع القوّة و تسقط المنّة و تورث الوهن أجعل بينكم السيف و أداويكم به).

169 - و من خطبة له علیه السَّلام عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة:

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ (إليكم) رَسُولًا هَادِياً بِكِتَابِ نَاطِقِ (بالحقِّ) و أمرٍ قَائِم لَا يَهْلِكُ عَنْهُ (الكتاب و الأمر القائم) إِلَّا هَالِكُ وَ إِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ (المخترعة من عند الأهواء الّتي تخالف كتاب الله) الْمُشَبِّهَات بالحقّ و ليست به) هُنَّ الْمُهْلكَاتُ (لدينكم و دنياكم) إِلَّا مَا حَفظ اللهُ منْهَا (برحمته) وَ إِنَّ فِي سُلْطَانِ اللهِ عِصْمَةً (حفظا، صونا) لأمرِكُمْ (سلطانكم، إمارتكم) فَأَعْطُوهُ (تعالى) طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ (ملومة) وَ لَا مُسْتَكْرَه بِهَا (الطاعة) وَ الله لَتَفْعَلُنَّ (أى إن تفعلوا

ص: 202

بطاعته تعالى فيها) أو (أى و إِلَّا) لَيَنْقُلَنَّ اللَّهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ الإِسْلَامِ ثُمَّ لَا يَنْقُلُهُ (بعد ذلك) إلَيْكُمْ أَبَداً حَتّى يَارزَ (يرجع) الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ.

إِنَّ هَؤُلاء (القوم الناكثين) قَدْ تَمالَئوا إتّفقوا و تعاونوا) عَلَى سَخْطَة (غضب من) إمَارَتِى، وَ سَأَصْبِرُ مَا (دام) لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ (بوقوع الفرقة) فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ (ضعف) هذَا الرَّأْي (من المخالفة لأمرى) انْقَطَعَ نظامُ المُسلمينَ (فيتفرّقون) وَ إِنَّمَا طَلَبُوا هَذه الدُّنْيَا حَسَداً لَمَنْ أَفَاءَهَا (أعطاها ردّها) اللهُ عَلَيْه (و هو أنا) فَأَرَادُوا رَدَّ الْأُمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا وَ لَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى و سيرة رَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله (المبيّنة للكتاب) وَ الْقِيَامُ بِحَقِّهِ (بنصرة وليّه) وَ الْنَّعْشُ (الرفع ) لِسُنَّتِهِ (الجامعة غير المفرّقة).

170 - و من كلام له علیه السَّلام في وجوب اتّباع الحقّ عند قيام الحجة كلّم به بعض العرب:

وَ قَدْ أَرْسَلَهُ قَومٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَة لَمَّا قَرَبَ علیه السَّلام مِنهَا لِيَعْلَمَ لَهُمْ مِنْهُ حَقِيقَةٌ حَالِهِ مَعَ أصْحَابِ الْجَمَلِ لِتَزُولَ الشَّبْهَةُ مِنْ نُفُوسِهِم فَبَينَ لَهُ علیه السَّلام مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُم مَا عَلِمَ بِهِ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَايِعْ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ قَومٍ وَ لَا أحدثُ حَدَثاً حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ علیه السَّلام

أرَأَيْتَ (أخبرنى) لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رائداً (رسولا من القوم ليطلب لهم منزلا لينزلون به) تَبْتَغِي (تطلب) لَهُمْ مَسَاقِطَ (مواضع نزول) الْغَيْثِ (المطر و تلک المواضع هي الغُدُر) فَرَجَعتَ إِلَيْهِم و أخبرتَهُم عَنِ الْكَلَا (العشب يابسا كان أم رطبا) وَ الْمَاء فَخَالَفُوا إِلَى الْمَعَاطش (مواضع العطش) و المَجَادِبِ (الأراضى اليابسة لعدم نزول المطر فيها) مَا كُنْتَ صانعاً (حين خالفک قومک) قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَ مُخَالَفَهُمْ إلَى الْكَلَا وَ الْمَاء فَقَالَ علیه السَّلام فَامْدُدْ إذاً يَدَكَ (و بايع) فَقَالَ الرّجُلُ فَوَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيَّ، فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ

وَ الرّجلُ يُعْرَفُ بِكُلَيْبٍ الجَرْمِيّ.

ص: 203

171 - و من كلام له علیه السَّلام لمّا عزم على لقاء القوم بصفين:

اللَّهُم رَبِّ (مالک) السَّقْف الْمَرْفُوع (فوقنا و هو السماء) و (ربّ) الْجَوِّ الْمَكْفُوف (الممنوع عن السقوط علينا) الّذي جَعَلْتَهُ مَغيضاً (نقصا) للَّيْلِ وَ النَّهَارِ (و إنّهما يغيضان في الجوّ بإختلاف الشمس و القمر و إختلاف طلوعهما و غروبهما) و (جعلته) مَجْرىً لِلشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ (فالجّو يكون فى السماء الدنيا المزيّنة بزينة الكواكب) و (جعلته) مُخْتَلَفاً (موضع إختلاف) لِلنُّجُومِ السَّيَّارَةِ، وَجَعَلْتَ سُكَّانَهُ (ساكنى هذا الجوّ) سِبْطاً (أمة قبيلة) منْ مَلَائِكَتكَ لَا يَسْأَمُونَ (يملّون) مِنْ عِبَادَتِكَ وَ (اللهمّ) رَبَّ هذِهِ الاْرْضِ الَّتي جَعَلْتَهَا قَرَاراً (مستقرا) لِلاْنَامِ (الناس) وَمَدْرَجاً (مذهبا، مسلكا في طلب الرزق) لِلْهَوَامِّ (الحشرات و الأفاعي) وَ الْأَنْعَامِ وَ (رب) مَا لاَ يُحْصَى (يعدّ) مما يُرَى (من خلقك) وَ مَا لاَ يُرَى (من خلقك الغائبين عنّا) وَ رَبَّ الجِبَالِ الرَّوَاسِي (العاليات الثوابت الرواسخ) الَّتي جَعَلْتَهَا للأرْضِ أَوْتَاداً وَ لِلْخَلْقِ اعْتِماداً إِنْ أَظْهَرْتَنَا (جعلتنا (غالبين) عَلَى عَدُوِّنَا (القاسطين) فَجَنِّبْنَا الْبَغْيَ (الظلم، الفساد بإطفاء الغيظ من قلوبنا) وَ سَدِّدْنَا (إجعلنا مستقيمين) للْحَقِّ (لأنّ الغضب يدعو إلى الجور) و إنْ أظْهَرْتَهُم عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ وَ اعْصَمْنَا (إحفظنا، إمنعنا) مِنَ الْفِتْنَةِ (في ديننا).

أَيْنَ الْمَانِعُ (بعد هزيمتنا) لِلذَّمَارِ (و هو ما يلزم حفظه من الأهل و العشيرة) وَ (أين) الْغَائِرُ (ذو غيرة) عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ (البلايا و الحوادث الصعبة النازلة علينا حتما) مِنْ أَهْلِ الحِفَاظِ (الحافظين للأهل و العيال و العشيرة) الْعَارُ (بترك الذمار) وَ رَاءَكُم (إن فررتم عن الحرب) وَ الْجَنَّةَ أَمَامَكُمْ (إن إستقمتم).

172-و من خطبة له علیه السَّلام:

الْحَمْدُ لله الذي لَا تُوَارِي (تحجب) عَنْهُ (تعالى) سَمَاءٌ سَمَاءً وَ لَا أَرضٌ أرضاً (بل كلّ برز لله تعالى).

منها: وَ قَدْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ (من الخلافة) يَا ابْنَ أبي طالبٍ لَحَرِيصٌ فَقُلْتُ بَلْ

ص: 204

أَنْتُمْ وَ اللهِ أحْرَصُ (بهذا الأمر) وَ أَبْعَدُ، وَ أَنَا أَخَصُّ (بذلك الأمر) وَ أَقْرَبُ وَ إِنَّمَا طَلَبْتُ حَقَا لِي وَ أَنْتُمْ تَحُولُونَ (تمنعون، تحجزون) بَيْنِي وَ بَيْنَهُ وَ تَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَهُ فَلَمَّا قَرَعْتُهُ (ضربت ذلك الرجل القائل) بالحُجّة (البرهان القاطع) في الْمَلَا (الجماعة) الْحَاضِرِينَ هَبْ (تكلّم بالمهمل مع السرعة) كَأَنَّهُ بُهِتَ لَا يَدْرِي (يفقه، يفهم يعلم) مَا يُجِيبُنِي بِهِ.

اللَّهُمَّ إنَّي أَسْتَعْدِيكَ (أستنصرك أستعينك) عَلى قُرَيْشٍ (الظالمين الغاصبين لحقِى) وَ مَنْ أَعَانَهُم (من الغاصبين) فَإِنَّهُم قَطَعُوا رَحِمِي، وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِي (من رسول الله صلّى الله عليه و آله) و أجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتي (مخالفتى) أمراً هُوَ لِي ثُمَّ قَالُوا (فى الشورى) أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأخُذَهُ وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرَكَهُ (و هذا من أعظم الأدلة على أنفسهم حيث أقرّوا بحقه علیه السَّلام و كذلك دليل على ضلالتهم لأنّ الحقّ ليس بعده إلا الضلال فلا يترك منه شيء بل يؤخذ كلّه فالحقّ كلّه له علیه السَّلام دون الغير).

منها في ذكر أصحاب الجمل

فَخَرَجُوا (من المدينة إلى البصرة) يَجُرُّونَ (معهم) حُرْمَةَ (زوجة) رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ كَمَا تُجَرُ الْأَمَةً عِنْدَ شَرَائِهَا مُتَوَجْهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَة فَحَبسًا (كفّ الزبير و طلحة منعا) نِسَاءَهُما في بُيُوتِهِمَا، وَ أَبْرَزَا (أظهرا) حَبِيسَ رَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله لَهُمَا وَ لِغَيْرِهِمَا فِي جيش مَا مِنْهُم رَجُلٌ إِلَّا وَ قَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ و سَمَحَ (جاد) لِي بِالْبَيْعَةِ، طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ، فَقَدِمُوا عَلَي عَامِلِي (عثمان بن حنيف) بِهَا وَ (على) خُزَانِ بَيْت مَالِ المُسْلِمِينَ وَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً (بأن حبسوهم ثم رموهم حتّى ماتوا) و طَائِفَةً غَدْراً (خديعة) فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِد مُعْتَمِدِينَ (قاصدين) لقَتْله بِلَا جُرْمٍ جَرَّهُ (إرتكبه ذلك الرجل المقتول من المسلمين) لَحَلَّ لي قَتْلُ ذلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ، إِذْ حَضَرُوهُ (شهدوا قتله) فَلَمْ يُنْكَرُوا (على القاتل لذلك الرجل الواحد) وَ لَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ (القتل أو ذلك الرجل) بِلِسَانِ وَ لَا بيَدِ دَعْ (أترك) مَا (هي زائدة) أَنَّهُمْ (أصحاب طلحة و الزبير) قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ العِدَّة الَّتِي دَخَلُوا (هولاء الناكثون) بِهَا (تلك العدّة) عَلَيْهِمْ (أهل البصرة فالقصاص هنا أولى).

ص: 205

173 - و من خطبة له علیه السَّلام في رسول الله صلى الله عليه و آله و من هو جدير بأن يكون للخلافة و في هوان الدنيا:

(إنْ رسول الله) أَمِينُ وَحْيِهِ، وَ خَاتَمُ رُسُلِهِ، وَ بَشِيرُ رَحْمَتِهِ، وَ نَذِيرُ نِقْمَتِهِ (عذابه).

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الاْمْرِ (الخلافة) أقْوَاهُمْ عَلَيْهِ وَ أَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ فَإِنْ شَغَبَ (هيج للفساد) شَاغبٌ (مهيّج له) اسْتُعْتِبَ (طلب منه الرضا بالحقِّ) فَإِنْ أَبَى (إستنكف عن الإستعتاب) قُوتِلَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتِ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقَدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ فَمَا (ليس) إلَى ذَلكَ (الحضور لعامّة الناس) سَبِيلٌ وَ لَكنْ أهْلُهَا (العالمون بمواضع الإمامة) يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ (الحاضر) أَنْ يَرْجِعَ (من الذى إختاره المسلمون إماما) وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ (غيره) أَلَا وَ إِنِّي أقاتلُ رَجُلَيْنِ رَجُلًا ادْعَى مَا (الخلافة) لَيْسَ لَهُ (كمعاوية) و آخَرَ مَنَعَ الَّذِي (أمر الخلافة الذى يجب قبوله) عَلَيْهِ (كطلحة و الزبير) أوصيكُم عِبَادَ الله بتَقْوَى اللَّه فَإِنَّهَا خَيْر مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ به وَ خَيْر عَواقب الأمورِ عندَ اللهِ وَ قَدْ فَتَحَ بَاب الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ (القاسطين) وَ لَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ (للحرب على أهل القبلة) إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ (البيصرة و نور العقل) و (أهل)الْبَصَرِ (على النوائب و المصائب) و (أهل) العِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ فَامْضُوا (اسلكوا) لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ (من قتال أهل القبلة) وَقفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ (من مخالفة إمامكم) وَ لَا تَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا (تستفهموا وجه الحقّ في ذلك الأمر) فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْرٍ تُنْكِرُونَهُ غَيْراً (تغييرا لمصالح المؤمنين).

أَلَا وَ إِنَّ هَذه الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ (صرتم) تَتمنونَها و تَرغَبُونَ فِيهَا وَ أَصْبَحَتْ تُغضبكُم و تُرضِيكُمْ (أى جعلتم غضبكم و رضاكم رهينا لها فلا يمكن أن تغضبوا الله و لا ترضوا بما رضى الله عنه حيث لا يجتمع ذلك هذا) لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَ لَا مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خَلِقْتُمْ لَهُ وَ لَا (منزلكم) الَّذِي دُعِيتُمْ (نوديتم) إِلَيْه أَلا وَ إِنَّهَا لَيسَتْ بِبَاقِيَة لَكُمْ وَ لَا تَبقَونَ عَلَيْهَا وَ هِي وَ إِنْ غَرْتُكُمْ (بزينتها) منْهَا (ممّا فيها من الزخارف) فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ (خوّفتكم) شَرَّهَا فَدَعُوا (أتركوا) غُرُورَهَا (خداعها) لِتَحْذِيرِهَا (لكم بما فيها من العبر) وَ (دعوا) أَطْمَاعَهَا لتَخْوِيفِهَا

ص: 206

(لكم بالغير) وَ سَابِقُوا فِيهَا إلَى الدَّارِ الَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا وَ انْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا (و تزوّدوا للآخرة) وَ لَا يَخِنَّنَّ (يبكينُ من الأنف) أَحَدُكُمْ خَنِينَ الْأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ (قبض) عَنْهُ مِنْهَا وَ اسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ و المُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ (طلب منكم حفظه) مِنْ كِتَابِهِ أَلَا وَ إِنَّهُ لَا يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْء مِنْ دُنْيَاكُم بَعْدَ حِفْظُكُمْ قَائِمَة دِينِكُمْ أَلَا وَ إِنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيع دِينِكُمْ شَيء حَافَظَتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ الصَّبْرَ.

174 - و من كلام له علیه السَّلام في معنى طلحة بن عبيد الله و قد قاله حين بلغه خروج طلحة و الزبير إلى البصرة لقتاله:

قَدْ كُنْتُ وَ مَا أَهَدَّدُ (أخوّف) بالْحَرْبِ، وَ لاَ أُرَهَّبُ (أخوّف) بِالضَّرْبِ (الطعن بالسيف و غيره) و أَنَا عَلَى مَا قَدْ وَعَدَني رَبِّي مِنَ النَّصْرِ- (على الأعداء) و الله ما اسْتَعْجَلَ (لم يطلب طلحة بالعجلة) مُتَجَرِّداً (كالسيف المتجرد من غمده متفرّغا) للطلب بِدَمٍ عُثْمَانَ إِلَّا خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَب (طلحة) بِدَمِهِ لأَنَّهُ مَظنَّتُهُ (موضع الظنِّ لوقوع دمه) وَ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ (دمه) مِنْهُ (طلحة) فَأَرَادَ (طلحة) أَنْ يُغَالِطَ (يوقع الناس فى الغلط و الخطأ) بِمَا أَجْلَبَ (أجمع الجيش من كلّ بلاد) فيه (طلب دمه) ليلْتَبِسَ (يشتبه) الْأَمْرُ (فى دمه) وَ يَقَعَ الشَّكُّ (في صدور الناس بإثارة الفتنة) و و الله مَا صَنَعَ (طلحة) في أمر عُثْمَانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثَ لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً كَمَا كَانَ (طلحة) يَزْعُمُ لَقَدْ كَانَ يَنبَغِي لَهُ أَنْ يُوَازِرَ (يعين ينصر-) قاتليه وَ أَنْ يُنَابِذَ (يدافع) نَاصِرِيهِ وَ لَئِنْ كَانَ (عثمان) مظلُوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ (طلحة) أَنْ يَكُونَ مِنَ المُنَهْنِهِينَ (الزاجرين) عَنْهُ (قتله) وَ الْمُعَذِرِينَ (المعتذرين المدافعين عنه بإتيان العذر) فيه (قتل عثمان) وَ لَئِنْ كَانَ (طلحة) في شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ (السابقتين) لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ (طلحة) أَنْ يَعْتَزِلَهُ (يجتنبه) وَ يَرْكُدَ (يسكن) جَانِباً وَ يَدَعَ (يترك) النَّاسَ (من ناصريه أو خاذلیه) مَعَهُ (عثمان) فَمَا فَعَلَ (لم يفعل طلحة) واحدَةً مِنَ الثَّلاث وَ جَاءَ (طلحة) بِأَمْرٍ لَمْ

ص: 207

يُعْرَفْ بَابُهُ، وَلَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ (حججه الّتي يعتذر بها).

175 - من خطبة له علیه السَّلام في الموعظة و بيان قرباه من رسول الله:

أَيُّهَا النَّاسُ (الغافلون عن الموت) غَيْرُ الْمَغْفُولِ عَنْهُم وَ التَّارِكُونَ (لأمر الآخرة) الْمَاخُوذُ مِنْهُم (أيام عمركم بإختلاف الليل و النهار) مَا لي أَرَاكُمْ عَنِ اللهِ ذَاهِبِينَ (منحرفين،مائلين) و (ما لی أراكم) إِلَى غَيْرِهِ رَاغِبِينَ ( مشتاقين) كَأَنَّكُمْ نَعَمْ (ابل) و غنم) أَرَاحَ (ذهب) بِهَا (تلك النعم) سائمٌ (راع) إِلَى مَرعَى (موضع عى) وَ بي (جالب الوباء ) و (إلى) مَشْرَبٍ دَوي (فاسد، ممرض يفسد الصحّة) وَ إِنَّمَا هِيَ (النعم) كَالْمَعْلُوفَة لِلْمُدَى (السكّين) لَا تَعْرِفُ مَا ذَا يُرَادُ بِهَا (من الذبح) إِذَا أَحْسِنَ إِلَيْهَا تَحْسَبُ (تظن) يَومَهَا (الّذى تكون فيه) دَهْرَ هَا وَ (تحسب) شِبَعَهَا أَمْرَهَا (شأنها) وَ اللهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُم بِمَخْرَجِهِ (من كلّ أمر) وَ مَوْلِجِهِ (مدخله فى كلّ أمر) وَ جَمِيع شَأنه لَفَعَلْتُ وَ لَكنْ أخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِي بِرسول الله صلّى الله عليه و آله (بأن تقولوا فى بالرسالة) ألا و إنِّي مُفضيه (موصل لذلك الإخبار منته له، مبلّغ له) إلَى الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذلِكَ (الكفر برسول الله) منْهُ وَ الَّذي بَعثَهُ بِالْحَقِّ وَ اصْطَفَاهُ (إختاره) عَلَى الْخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلَّا صَادِقاً و قَدْ عَهِدَ إِلَى (خاصّة من بين أصحابه) بِذلِكَ (العلم) كُلِّهِ، وَ بِمَهْلِكِ (مكان هلاكة) مَنْ يَهْلِكُ وَ مَنجى (مكان نجاة) مَنْ يَنْجُو، وَ مَآلِ (مرجع مصير) هَذَا الْأَمْرِ (من الخلافة و من ينالها) وَ مَا أَبْقَى (لم يبق رسول الله) شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي (ممّا يخطر ببالى من المسائل و المشاكل) إِلَّا أَفْرَغَهُ (صب الرسول ذلك الشيء) فِي أُذُنَيَّ وَ أَفْضَى- (أعلن أظهر) بِه (ذلك المار على رأسى) إِلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي وَ الله مَا أَحُثُّكُمْ (أشوقكم) عَلَى طَاعَةِ إِلَّا وَ أَسْبِقُكُمْ إلَيْهَا وَ لَا أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَة إِلَّا وَ أَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا.

176 - و من خطبة له علیه السَّلام و فيها يعظ ويبيّن فضل القرآن و ينهى عن البدعة:

ص: 208

انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللهِ (كتاب الله الفارق بين الحقّ و الباطل المبيّن للحلال و الحرام) وَ اتَّعظُوا (إقبلوا الموعظة) بِمَوَاعِظِ اللهِ، وَ اقْبَلُوا نَصِيحَةَ الله فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَعْذَرَ (سلب العذر) إِلَيْكُم بِالْجَلية (الظاهرة من كتابه المنزل إليكم و به سلب العذر عنكم لأنّه حجّة الله عليكم) وِ اتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحَجّة (به) وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ (مواضع حبّه) مِنَ الْأَعْمَالِ وَ مَكَارِهَهُ (مواقع بغضه) منْهَا لتَتَّبِعُوا هَذه (المحابّ) وَ تَجْتَنِبُوا هذِهِ (المكاره) فَإِنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه و آله كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ (إستدارت التفّت) بِالْمَكَارِهِ وَ إِنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ شَيْء إِلَّا يَأْتي فِي كُرْهٍ، وَمَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيْء إِلَّا يَأْتِي فِي شَهْوَة فَرَحِمَ اللهُ امْرَأَ نَزَعَ (قلع، إنتهى) عَنْ شَهْوَتِه وَ قَمَعَ (قهر ، ذلل) هَوَى نَفْسِهِ، فَإنَّ هذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْء مَنْزِعاً (كَفَّا، نزوعا، إنتهاء) و إِنَّهَا لَا تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَةِ فِي هَوًى وَ اعْلَمُوا عِبادَ اللهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُصْبِحُ (يدخل فى الصباح) وَ لاَ يُمْسِي- (يدخل في المساء) إِلَّا وَ نَفْسُهُ ظَنُّونُ (متّهمة) عنْدَهُ فَلَا يَزَالُ (المؤمن) زارياً (عائبا) عَلَيْهَا (نفسه) وَ مُسْتَزِيْداً (طالبا للزيادة) لَهَا (بالصالحات) فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبلَكُمْ وَ الْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ قَوضُوا (نزعوا أعمدة الخيمة) وَ مِنَ الدُّنْيَا تَقْوِيضَ (نزع ، قلع) الرَّاحِلِ (من الدنيا إلى الآخرة) وَ طَوَوْهَا (سلكوها) طَيَّ (سلوك) الْمَنَازلِ (واحدا تلو الآخر)

وَ اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لاَ يَغُشُّ (يخدع، يخون) وَ الْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ (أحدا) وَ الْمُحَدِّثُ (المتكلّم عن الله) الَّذِي لاَ يَكْذِبُ، وَ مَا جَالَسَ (لم يجلس) هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ (من المؤمنين) إِلَّا قَامَ عَنْهُ (جلوسه عند القرآن) بِزِيَادَة أو نُقْصَانِ زِيَادَةِ فِي هُدًى أَو نُقْصَانِ مِنْ عَمىً. وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مَن فَاقَة (إحتياج، فقر) وَ لاَ لاَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنَّى فَاسْتَشْفُوهُ (اطلبوا الشفاء من القرآن) مِنْ أَدْوَائِكُمْ (أمراضكم) وَ اسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لأَوَائِكُمْ (شدائدكم) فَإنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ و هُوَ الْكُفْرُ و النِّفَاقُ وَ الْغَي (الخيبة الضلال) وَ الضَّلَالُ فَاسْأَلُوا اللهَ بِهِ، وَ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ، وَ لاَ تَسْأَلُوا به خَلْقَهُ إِنَّهُ مَا تَوَجهَ الْعِبَادُ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَع (مقبول الشفاعة) وَ قَائِلٌ مُصَدِّقُ

ص: 209

(قوله عند الله ) وَ أَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَة شُفْعَ (قبلت الشفاعة) فيهِ وَ مَنْ مَحَلَ بِه (كاده) القُرآنُ (بتبيين سيئاته عند السلطان) يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ (القرآن) عَلَيْهِ (ذلك الشخص) فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادِ يومَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ كُلَّ حارِثِ (زارع) مُبْتَلىً فِي حَرْثِهِ وَ (في) عَاقِبَةِ عَمَله غَيْر حَرثَة (حارثى) الْقُرْآن فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَ أَتْبَاعِهِ، اسْتَدِلُّوهُ (اطلبوا من القرآن الدلالة) عَلى رِّبِّكُمْ، (فإنّه دليل عليه حيث تجلّى فى كتابه) وَ اسْتَنْصِحُوهُ (اطلبوا منه النصح) علَى أَنْفُسِكُمْ (الأمارة بالسوء لأنّه لا يأمر بالسوء) وَ اتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ (فإعطفوها على القرآن) وَ اسْتَعْشُوا (إتّهموا بالغش) فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ.

(إلزموا) العَمَلَ الْعَمَلَ (موافقا لكتابه تعالى) ثُمَّ (الزموا) النّهَايَةَ النّهَايَة (فلا تتأخّروا عن النهاية و هى معرفة الله) وِ (الزموا) الاِسْتَقَامَةَ الاِسْتِقَامَةَ (على الطريق الواضح بأن لا تميلوا عنه بالإفراط و التفريط) ثُم (إلزموا) الصَّبْرَ الصَّبْرَ (على ذلك الطريق بأن لا تضيّعوه بالجزع) و (إلزموا) الْوَرَعَ الْوَرَعَ (الإجتناب من الشبهات بأن لا تخرقوه بالدخول فى الشبهات) إِنَّ لَكُمْ نِهَايَة فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ (الَّتى خلقتم لأجلها من المعرفة لله) وَ إِنَّ لَكُمْ عَلَماً (آية) فَاهْتَدُوا بِعَلَمكُمْ وَ إِنَّ ِللْإِسْلَام غَايَةَ (و هى التسليم) فَانْتَهُوا إِلَى غَايته وَ اخْرِجُوا إِلَى اللَّهِ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ وَ بَيَّنَ لكُمْ مِنْ وَ ظَائِفِهِ أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ (بما تعملون) وَ حَجِيجٌ (مقيم للحجّة) يَوْمَ الْقِيَامَة عَنْكُمْ (لنجاتكم من المهالك)

أَلَا وَ إِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ (فى علمه (تعالى) قَدْ وَ قَعَ وَ الْقَضَاءَ الْمَاضِي قَدْ تَوَرَّدَ (ورد شيئا فشيئا على قدر معلوم حسب ما فعلتم) وَ إنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ اللهِ وَ حُجَّتِهِ (و هي القرآن) قَالَ اللهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّة الّتي كُنتُمْ تُوعَدُونَ وَ قَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللهُ فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ وَ عَلَى مِنْهَاج (الطريق الواضح من) أَمْرِهِ، وَ عَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادتِهِ (و هي سنّة الرسول الجامعة المبيّنة لكتابه) ثُمَّ لَا تَمرَقُوا (تخرجوا) مِنْهَا (تلك الطريقة الصالحة المبينة للكتاب) وَ لَا تَبْتَدعُوا فِيهَا وَ لَا تُخَالِفُوا عَنْهَا (بالعدول عن وصيّه) فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوق (الخروج عن الدين)

ص: 210

مُنقَطَعٌ بِهِمْ عِندَ الله يَومَ الْقِيَامَةِ (باليأس عن رحمته الواسعة) ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَ تَهْزِيعَ (تكسير) الْأَخْلَاقِ وَ تَصْرِيفَها (تقليبها) وَ اجْعَلُوا اللَّسَانَ وَاحداً وَ ليَخْرُنِ الرَّجُلُ لسَانَهُ فَإِنَّ هَذَا اللَّسَانَ جَمُوحٌ (متمرّد) بصاحبه (إلى المهالك) و الله ما أَرَى عَبداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْرُنَ لِسَانَهُ وَ إِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ و إِنْ قَلبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاء لِسَانِهِ لأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ تَدَبَّرَهُ (تفكّر فى عاقبة كلامه) فِي نَفْسِهِ، فَإنْ كَانَ (ذلك الكلام) خَيْراً أَبْدَاهُ (أظهره) وَ إِنْ كَانَ (ذلك الكلام) شَراً وَارَاهُ (أخفاه) و إِنَّ الْمُنافِقَ (ليس له لسان واحد بل) يتكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانه لَا يَدْرِي (يعرف يعلم) مَاذَا لَهُ وَ مَا ذَا عَلَيْهِ وَ لَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عبد حتَّى يَستَقِيمَ قَلبهُ وَ لَا يَسْتَقِيمُ قَلْبَهُ حَتّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ فَمَنِ اسْتَطَاعَ (يقدر) منكُمْ أنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَ هُوَ نَقي (طاهر) الرَّاحَةِ (الكف) منْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَ أَمْوَالِهِمْ سَلِيمُ اللَّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْيَفْعَلْ.

وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ الْمُؤمِنَ يَسْتَحِلُّ (يعدّ حلالا) الْعَام (الحاضر في زماننا) مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أُولَ (فى زمان رسول الله و لا يدخل فى البدع المخترعة) و يُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ وَ (إعلموا) أَنَّ مَا أَحْدَثَ (إخترع) النَّاسُ (من البدع) لا يُحلُّ لَكُمْ شَيْئاً مِمَّا حُرمَ عَلَيْكُمْ وَ لَكنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّ اللهُ وَ الْحَرَامَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَقَدْ جَرَبْتُمُ الاْمْورَ وَ ضَرَّسْتُمُوهَا (جربتموها) وَ وُعِظْتُمْ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ ضُرِبَتِ الْأَمْثَالُ لَكُمْ (فى كتابه) و دُعِيتُمْ إِلَى الْأَمْرِ الْوَاضِح (عند الشرع و العقل) فَلاَ يَصَمُّ (يثقل السمع، تنسد الأذن) عَنْ ذَلك (الأمر الواضح) إلاَّ أَصَمُّ (ثقيل السمع) وَ لاَ يَعْمَى عَنْ ذلِكَ إلاَّ أَعْمَى و مَنْ لَمْ يَنفَعُهُ اللهُ بِالْبَلاَءِ وَ التَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِظَةِ، وَ أَتَاهُ الْتَّقْصِيرُ (من عواقب أفعاله لعدم إنتفاعه بالعظة) مِنْ أَمَامِهِ (المستقبل) حَتَّى يَعْرِفَ (صدق) مَا أَنْكَرَ (من مواعظ القرآن) وَيُنْكِرَ (كذب) مَا عَرَفَ (ممّا يحسبه و يظنّه خيرا و ما هو بخير بل كان له شرًا) وَ إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ مُتَّبِعٌ شِرْعَةً (سنّة) وَ مُبْتَدع بِدْعَةَ لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ بُرْهَانُ سُنَّةٍ، وَ لاَ ضِياءُ (نور) حُجَّةٍ.

إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعظُ أَحَداً مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَبْلُ الله الْمَتِينُ وَ سَبَبَهُ الأمينُ وَ فِيهِ

ص: 211

رَبِيعُ الْقَلْبِ وَ يَنَايِيعُ (عيون) الْعِلْمِ وَ مَا الْقَلبِ جِلَاء غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكَّرُونَ (الله) وَ بَقِيَ النَّاسُونَ (لذكره) أو لْمُتَنَاسُونَ (المتظاهرون للنسيان فى ذكره تعالى) فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ وَ إِذَا رَأَيْتُمْ شَراً فَاذْهَبُوا عَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه و آله كَانَ يَقُولُ يَا ابنَ آدَمَ اعْملِ الْخَير و دَعِ (أترك) الشَّرِّ فَإِذَا أَنْتَ جَوادٌ (سريع فى السير) قَاصِدٌ (مستقيم غير عادل عن الطريق)

أَلا وَ إِنَّ الظُّلْمَ ثَلَاثَةٌ فَظَلم لا يُغْفَرُ (من غير توبة) وَ ظُلْمٌ لاَ يُتْرَكُ (بل الله يجازى عليه) وَ ظلْمٌ مَغْفُورٌ لاَ يُطْلَبُ (الظالم) فَأَما الظلمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ (من غير توبة) فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ (الصغائر الحقيرات من الأعمال) وَ أَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لاَ يُتْرَكُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً. الْقِصَاصُ هُنَاكَ (عند ذلك الظلم) شَدِيدٌ، لَيْسَ هُوَ (القصاص) جَرْحاً بِالْمُدَى (السكّين) وَ لاَ ضَرْباً بِالسِّيَاطِ وَ لكِنَّهُ (القصاص) مَا (شيء) يُسْتَصْغَر ذلِكَ (الجرح، الضرب) مَعَهُ (عند ذلك الشيء) فَإِيَّاكُمْ وَ التّلُونَ فِي ِدينِ الله فَإِنَّ جَمَاعَةَ (إجتماعا) فيمَا تَكْرَهُونَ (تغضبون) مِنَ الْحَقّ، خَيْرٌ مِنْ فُرْقَةٍ (إفتراق) فِيَما تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ (حيث جعل الله الخير فى الحقّ و لم يجعل شيئا منه فى الباطل) وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعط أحَداً بِفُرْقَة خَيْراً مِمَّنْ مَضَى- وَ لَا مِمَّنْ بَقي.

يَا أيهَا النَّاسِ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيبهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ وَ طُوبَى لَمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ (للإعتزال عن الفتن) وَ أَكَلَ قُوتَهُ (و رضى بالكفاف) وَ اشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَ بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسه في شُغُل وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة.

177 - و من كلام له علیه السَّلام في معنى الحكمين:

فَأَجْمَعَ (إتّفق) رَأْيُ مَلَئِكمْ (جماعتكم) عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ (للحكميّة) فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يُجَعْجِعَاًّ (يلزما للأرض) عِنْدَ الْقُرْآنِ وَ لَا يُجَاوِزَاهُ (يتعدّا القرآن) و تَكُونُ السَنَتُهُمَا مَعَهُ (بأن لا

ص: 212

يقولا إلّا (الحق) وُ (تكون) قُلُوبُهُمَا تَبَعَهُ (تابعة للقرآن) فَتَاهَا (ضلّ الرجلان) عَنْهُ وَ تَرَکَا اَلْحَقَّ وَ هُمَا یُبْصِرَانِهِ (يعلمان الحقّ و مع ذلک ترکاه) و کَانَ اَلْجَوْرُ (العدول عن الحقِّ) هَوَاهُمَا وَ اَلاِعْوِجَاجُ (الإنحراف عن الحقّ وهو ولايتى) رَأَيْهُمَا وَ قَدْ سَبَقَ استثناؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ ( بأن يقبل حكمهما إلا فى موضع يخالف كتاب الله فلا يقبل منهما) وَ (قد سبق إستثناؤنا عليهما فى) الْعَمَلِ بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَ جَوْرَ (إنحراف) حُكْمِهِمَا وَ الثَّقَةَ (سكون القلب) في أَيْدِينَا لأَنْفُسنا (بما لنا من الحجّة البالغة على أعدائنا) حينَ خَالَفَا (عصيا) سَبِيلَ الْحَقِّ وَ (حين) أَتَيَا بِمَا لَا يُعرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ الْحُكْمِ (الحكم المعكوس المخالف للحقّ فتلزم الحجّة عليهم).

178 - و من خطبة له علیه السَّلام في الشهادة و التقوى، و قيل إنّه خطبها بعد مقتل عثمان في أول خلافته:

لَا يَشْغَلُهُ (تعالى) شَأَنَّ (فعل، أمر عن شأن آخر) وَ لاَ یُغَیِّرُهُ زَمَانٌ وَ لاَ یَحْوِیهِ (يضمنه، يحتمله) مَكَانُ وَ لَا يَصفُهُ لِسَانٌ لَا يَعْزُبُ (يغيب) عَنْهُ عَدَدُ قَطْرِ الْمَاءِ وَ لَا ( يعزب عنه) نُجُومُ اَلسَّمَاءِ وَ لاَ سَوَافِی اَلرِّیحِ (الريح الحاملة للأشياء) فِی اَلْهَوَاءِ وَ لاَ دَبِیبُ (حركة) النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا (الحجر الأملس (الضخم) وَ لَا مَقِيلُ (موضع إستراحة) اَلذَّرِّ فِی اَللَّیْلَهِ اَلظَّلْمَاءِ یَعْلَمُ مَسَاقِطَ (مواقع سقوط) الْأَوْرَاقِ وَ خَفِي طَرْفِ (تحریک) الْأَحْدَاقِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ غَيْر مَعْدُول (منحرف) بِه (عنه إلى غيره) وَ لاَ مَشْکُوکٍ فِیهِ وَ لاَ مَکْفُورٍ دِینُهُ وَ لاَ مَجْحُودٍ (منکر) تكْوِينُهُ (خلقه، بل هو الخالق من غير إنكار لخلقه كلّ شيء) شَهَادَةً مَنْ صَدَقَتْ نَيْتُهُ وَ صَفَتْ دخَلَتْهُ (باطنه) و خَلَصَ يَقينُهُ وَ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُه الَمْجُتْبَی (المصطفى) مِنْ خَلاَئِقِهِ وَ الْمُعْتَام (المختار) لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ (من البيان للتنزيل) و الْمُخْتَصُّ بِعَقَائِل (کرائم) کَرَامَاتِهِ (مقاماته الكريمة الّتى لا يشاركه فيها أحد من العالمين) وَ الْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالَاته (من الآيات البيّنات) وَ الْمُوضَحَةُ (المبيّنة) به صلّى الله عليه و آله

ص: 213

أَشْرَاط (دلائل علامات) الْهُدَی وَ الْمَجْلُو (الظاهر) بِهِ غِرْبِیب (سواد) العَمَى أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الدُّنْيَا تَغْرُ الْمُؤمِلَ لَهَا وَ الْمُخْلَدَ إِلَيْهَا وَ لَا تَنْفَسُ (تحسد الدنيا) بِمَنْ نَافَسَ (سابق) فيهَا وَ تَغْلَبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا (ظفر بها) وَ ايْمُ الله مَا كَانَ (لم يكن) قَوْمٌ قَطُّ فِی غَضِّ (نضرة) نِعْمَهٍ مِنْ عَیْشٍ فَزَالَ (الغضّ من العيش) عَنْهُمْ إِلاَّ بِذُنُوبٍ اِجْتَرَحُوهَا (إكتسبوها) لِأَنَّ اَللَّهَ تَعَالَی لَیْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِید (بل يجازيهم بما كسبت أيديهم) وَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النّقَمُ (العقوبات) وَ (حين ) تَزُولُ عَنْهُمُ اَلنِّعَمُ (بذنوبهم) فَزِعُوا (لجئوا إستغاثوا) إِلَی رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِیَّاتِهِمْ وَ وَلَه (حزن شديد) مِنْ قُلُوبِهِمْ لَرَدَّ (الله) عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِد (طريد، نافر) وَ أَصْلَحَ (الله) لَهُمْ کُلَّ فَاسِدٍ وَ إِنِّی لَأَخْشَی عَلَیْکُمْ أَنْ تَکُونُوا فِی فَتْرَة (سكون بعد حدّة) وَ قَدْ كَانَتْ (وقعت) أُمُورٌ (منكم في مخالفة أمرى) مَضَتْ (سبقت) ملتُم (عدلتم إنحرفتم) فيهَا مَيْلَةَ (إلى الباطل) كُنتُمْ فِیهَا عِنْدِي غَیْرَ مَحْمُودِینَ وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاء وَ مَا (ليس) عَلَيَّ إِلَّا الجهدُ (السعى البليغ لإقامة العدل) وَ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ (فى تلك الأمور و ما فعلتم من القبائح و تقديم الغير مقامى) لَقُلْتُ (فيكم و كشفت عن أسراركم و ذممتكم) عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ (تقدّم من قبول الولاية منكم لمن ليس له الولاية من الله و لا من رسوله صلّى الله عليه و آله)

179 - و من كلام له علیه السَّلام وقد سأله ذعلب اليماني فقال هل رأيت ربّک یا أمير المؤمنين فقال علیه السَّلام أ فأعبد ما لا أرى، فقال و کیف تراه، فقال:

لَا تُدْرِكْهُ الْعُيونُ بِمُشَاهَدَة العيانِ و لكنْ تُدْرِكُهُ القُلُوبُ (إدراكا شهوديّا) بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ (الراسخة فى القلوب) قَرِيبٌ مِنَ الْأَشْيَاء غَيْر مُلابس (بشيء منها فلا يكون فيها بالولوج و الحلول) بَعِیدٌ مِنْهَا غَیْرَ مُبَایِنٍ (منقطع عنها ، بل مع كلّ شيء لا بمقارنة و غير كلّ شيء لا بمزايلة) مُتَکَلِّمٌ لاَ بِرَوِیَّهٍ (تفكّر، تأمل) مُرِيدٌ لا بِهِمَّة (إهتمام) صَانِعٌ لاَ بِجَارِحَهٍ (عضو) لَطِیفٌ لاَ یُوصَفُ بِالْخَفَاء كَبِيرٌ لا يُوصَفُ بِالْجَفَاء (الغلظة، الخشونة) بَصِيرٌ لا يُوصَفُ بِالْحَاسَةِ رَحِيمٌ لَا

ص: 214

يُوصَفُ بِالرِّقَة تَعْنُو (تذلّ) اَلْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ وَ تَجِبُ (تضطرب تخفق) الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَته (خوفه).

180 - و من خطبة له علیه السَّلام في ذمّ العاصين من أصحابه:

أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَ قَدَّرَ مِنْ فِعْلِ وَ عَلَى ابْتِلَائِي بِكُمْ أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إِذَا أُمَرْتُ لَمْ تُطِعْ وَ إِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ إِنْ أَمْهِلْتُمْ (جعلت لكم المهلة) خُضْتُم (فى الباطل) وَ إِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ (ضعفتم جبنتم) وَ إِنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَی إِمَامٍ (و هو أنا) طَعَنْتُم (عبتم) وَ إِنْ أَجِئْتُمْ إِلَى مُشَاقَة (للحرب) نَكَصْتُم (رجعتم على أعقابكم) لا أَبَا لِغَيْرِكُمْ مَا تَنتَظِرُونَ بِنَصْرِكُم (إمامكم) وَ الْجِهَادِ عَلَى حَقَّكُمْ (أ تنتظرون) الْمَوْتَ أوِ الذُّلَّ لَكُمْ فَوَ الله لَئِنْ جَاءَ يومي (الّذی فيه أجلى) وَ لَیَأْتِیَنِّی (يومى) لَیُفَرِّقَنَّ (ذلك اليوم) بَيني وَ بَيْنِكُمْ وَ أَنَا لِصُحبَتِكُمْ قَالِ (کاره، مبغض) وَ بِكُمْ غَيْرُ كَثِير لله أنتُمْ أمَا دِينُ يَجْمَعُكُمْ وَ لا حَمِيَّةَ (عصبية على دينكم) تَشْحَذُکُم (تحدّدكم، تجعل تلك الحمية لكم حدّة) أو لَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَة يَدْعُو الْجُفَاةَ (الغليظين فى المعاشرة بسوء الخلق) الطَّغَامَ (أراذل الناس) فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَهُ وَ لَا عَطَاء وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ وَ أَنْتُمْ تَرِيكَهُ (خلف) الْإِسْلَامِ وَ بَقيهُ النَّاسِ (من أصحاب رسول الله) إلى الْمَعُونَة أو طائفة (قطعة، نصيب) مِنَ الْعَطَاء فَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَ تَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضَى فَتَرْضَوْنَهُ وَ لَا (يخرج إليكم من أمرى) سُخْط (غضب) فَتَجْتَمَعُونَ عَلَيْهِ (لقتالى و دفعى عن الإمارة عليكم) وَ إِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاقٍ إِلَى الْمَوْتُ قَدْ دَارَستُكُمُ (قرأت عليكم) اَلْکِتَاب (تفهيما و تعلیما) وَ فَاتَحتُكُمْ (قاضيتكم حاكمتكم) الْحِجَاجَ (المحاجّة عند الباطل) وَ عَرَّفْتُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ ( من (الحقّ) وَ سَوْغْتُكُمْ (سهّلت لكم) مَا (حقّا) مَجَجْتُم (طرحتموه، نبذتموه وراء ظهوركم من قبل فى أيّام الخلفاء) لَوْ (ليت) كَانَ الْأَعْمَى يَلْحَظ (يبصر) أو النَّائمُ يَستيقظ و أقرب بِقَوْمٍ (ما أقربهم) مِنَ الْجَهْلِ بِاللَّهِ قَائِدُهُمْ (هاديهم) مُعَاوِیَةُ وَ مُؤَدِّبُهُمُ اِبْنُ النَّابِغَةِ (عمرو بن العاص).

ص: 215

181 - وَ مِنْ كَلَامِ لَهُ علیه السَّلام و قَدْ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ یَعْلَمُ لَهُ عِلْمَ أَحْوَالِ قَوْمٍ مِنْ جُنْد الْكُوفَة قَدْ هَمَّوا (عزموا) بِاللّحاقِ بِالْخَوَارِجِ وَ كَانُوا عَلَى خَوْف مِنْهُ عَليه السلام فَلَمَّا عَادَ إِلَیْهِ الرَّجُلُ قَالَ لَهُ أَ أَمِنُوا فَقَطَنُوا (أيسوا) أم جبنُوا فَظَعَنُوا فَقَالَ الرّجُلُ بَلْ ظَعَنُوا يَا أمير الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ علیه السَّلام:

(أبعدهم الله) بُعْداً لَهُمْ (الطاعنين الذاهبين من الكوفة اللاحقين بالخوارج) كَمَا بَعدَتْ تَمُودُ (عن رحمته) أَمَا لَوْ أَشْرِعَت (صوّبت، سدّدت) الْأَسِنَّةُ (الرماح أو رئوسها) إِلَیْهِمْ (بإقامة الحرب عليهم) وَ صُبَّتِ (أرسلت من الفوق) السَّيُوفُ عَلَى هَامَاتهم (رئوسهم) لَقَدْ نَدمُوا عَلَى مَا كَانَ (وقع) منْهُمْ (من الخيانة لإمامهم) إِنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُم (دعاهم إلى الإنهزام عن الجماعة) وَ هُوَ (الشيطان) غَداً (يوم القيامة) مُتَبَرِّئٌ (متباعد متنزّه) مِنْهُمْ وَ مُتَخَلٍّ (منتسب بالخلوّ) عَنْهُمْ فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنَ الْهُدَى (تحت لوائى) وَ ارْتِكَاسِهِمْ (إنقلابهم) فِي الضَّلَالِ و الْعَمَى (تحت لواء معاوية) و (حسبهم ب-) صَدِّهِمْ (إعراضهم) عَنِ الحَقِّ وَ جِمَاحِهم (سرعتهم من غير أن يردّ وجوههم شيء عن سيرهم) فِی التِّیهِ (الضلال).

182 - وَ مِنْ خُطَبَة لَهُ علیه السَّلام رُوِيَ عَنْ نَوفِ الْبَكَاليِّ قَالَ خَطَبَنَا بِهَذِهِ الْخُطْبَة أميرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلي علیه السَّلام بِالْكُوفَةِ وَ هُوَ قَائِمٌ عَلَى حِجَارَةِ نَصَبَهَا لَهُ جَعْدَةُ بَنْ هُبَیْرَةَ الْمَخْزُومِیُّ وَ عَلَیْهِ مِدْرَعَةٌ (قميص ضيق الأكمام) مِنْ صُوفٍ وَ حَمَائِلُ سَیْفِهِ لِیفٌ وَ فِی رِجْلَیْهِ نَعْلاَنِ مِنْ لِیفٍ وَ کَأَنَّ جَبِینَهُ ثَفِنَةُ بَعِیرٍ فَقَالَ علیه السَّلام:

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي إِلَيْهِ مَصَائر (مواضع صيرورة) الْخَلْقِ و عَواقِبُ الْأَمْرِ نَحْمَدُهُ عَلَی عَظِیمِ إِحْسَانِهِ (إحسانه العظيم) وَ نَیِّرِ بُرْهَانِهِ (برهانه المضيء المنير) وَ نَوَامِي (زوائد) فَضْلِهِ وَ امْتِنَانِهِ حَمْداً یَکُونُ لِحَقِّهِ قَضَاءً (حكما و فصلا) وَ لِشُکْرِهِ أَدَاء وَ إِلَى ثَوَابِهِ مُقَرِّباً وَ لِحُسْنِ مَزِیدِهِ مُوجِباً وَ نَسْتَعِینُ بِهِ اسْتِعَانَةَ رَاجٍ لِفَضْلِهِ مُؤَمِّلٍ لِنَفْعِهِ وَاثِقٍ بِدَفْعِهِ (للضرر) مُعْتَرَف لَهُ بِالطَّولِ (الفضل على العباد) مُذْعِنٍ (معترف) لَهُ بِالْعَمَلِ (بجوارحي) وَ الْقَوْلِ (بلساني) وَ

ص: 216

نُؤْمِنُ بِه إِيمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً (بقلبى و هذا هو مراتب الإيمان الثلاثة) وَ أَنَابَ (أقبل، رجع عاد) إِلَيْه مُؤْمِناً وَ خَنَعَ (خضع ذلّ) لَهُ مُذْعِناً (معترفا) وَ (نؤمن به إيمان من) أَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً ( معترفا له بالوحدانيّة) وَ (إيمان من) عَظَمَهُ ممجداً (معظّما له تعالى) وَ لَاذَ (لجأ) بِهِ رَاغِباً (مشتاقا بالقلب) مُجْتَهِداً (ساعيا بالعمل).

لَمْ يُولَدُ (من الأب و الأم) سُبحَانَهُ فَيَكُونَ فِي العزّ مُشارَكاً (لأبويه) وَ لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوروثاً (لولده) هَالكاً (فانيا) وَ لَم يَتَقَدّمهُ وَقتٌ وَ لَا زَمَانٌ (حيث سبق الأوقات كونه) وَ لَم يَتَعَاوَرهُ (يتداوله يتبادل عليه) زِيَادَةٌ وَ لا (يتعاوره) نُقْصَانٌ (بمضىّ الأوقات) بَلْ ظَهَرَ (الله تعالى) للعُقُولِ بِمَا أَرَانَا (لعقولنا) مِنْ عَلَامَاتِ التَّدْبِيرِ الْمُتَقَنِ (المحكم في خلقه) وَ (بما أرانا من) الْقَضَاء (الحكم) المُبرَمِ (الحبل المحكم الفتل و هو هنا الحكم الّذى لا ينقض) فَمَنْ شَواهد خَلْقه خَلْقُ السَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَات (مثبتات فى المدار) بِلا عَمَد قَائمَاتِ بِلَا سَنَدِ دَعَاهُنَّ فَأَجِينَ طائعات (له غير مكرهات لأمره) مُذعِنَاتٍ (معترفات) غَيْر مُتَلَكّئَاتٍ (متوقفات) وَ لَا مُبطِئَاتٍ (البطاء هو ضدّ السريع، غير سريعات) وَ لَوْ لَا إِقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرَّبُوبِيَةِ وَ إِذعَانُهُنّ بِالطّوَاعِيَةِ (الطاعة) لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوضِعاً لِعَرشِهِ وَ لَا مَسْكَناً لَمَلَائِكَته وَ لَا مَصْعَداً (موضع صعود) لِلكَلِمِ الطّيّبِ (و هو روح المؤمن) و (لا مصعدا ل) الْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْلَاماً يَسْتَدلُّ بِهَا الْحَيرانُ (المتردّد) فِي مُختَلِفِ (موضع إختلاف) فِجَاجِ (طرق واسعة بين الجبلين في) الْأَقْطَارِ(النواحي الجوانب من الأرض) لَم يَمنَع ضَوء (لمعان) نُورِهَا ادْلِهمَامُ (شدّة ظلمة) سُجُف (أستار) اللَّيْلِ الْمُظلِم وَ لَا اسْتَطَاعَتْ جَلَابِيبُ (أثوبة) سَوَادِ الْحَنَادِسِ (الليالي المظلمة) أَنْ تَردَّ (تلك الجلابيب) ما شَاعَ (تفرّق) في السَّمَاوَات من تلألؤ (لمعان) نُورِ الْقَمَرِ فَسبحانَ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سَوَادُ غَسَقِ (أوّل ظلمة) دَاج (مظلم من الليل) وَ لَا (سواد) لَيْلِ سَاجِ (ساكن) في بِقَاعِ (قطعات) الْأَرَضِينَ المُتَطَأطِئَات (المنخفضات) وَ لَا فِي يَفَاعِ (تل أو مرتفع من) السِّفْع (الجبال) المُتَجَاوِرَات (المتقاربات) وَ (لا يخفى عليه) مَا يَتَجَلجَلُ (يتصوِت) بِهِ الرّعدُ (من تسبيحه تعالى) في أفُقِ السَّمَاء وَ (لا يخفى عليه سبحانه) مَا تَلَاشَت

ص: 217

(إضمحلّت، إختلفت) عَنْهُ بُرُوقُ الْغَمَامِ (السحاب) و مَا تَسْقُط من ورقة تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطهَا (مكان سقوط تلك الورقة) عَوَاصِف (رياح شديدة في) الأنواء (منازل القمر) وَ (لا يخفى عليه) انْهِطَالُ (إنصباب) السَّمَاء (حين نزول المطر) و يَعْلَمُ مَسْقَط القطرة (على الأرض و ما عليها) و مَقَرهَا (فيها) و مَسحَبَ (موضع جریان) الذّرّةِ وَ مَجَرّهَا (موضع جرّها على الأرض) وَ (يعلم) مَا يَكْفِي الْبَعُوضَة مِنْ قُوتِهَا (طعمتها) وَ (يعلم) مَا تَحْمِلُ الْأُنْثَى فِي بَطْنِهَا.

وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَائِنِ (الموجود) قَبْلَ أَنْ يَكُونَ (يقع، يجد) كرُسيِ أَو عَرشٌ أَو سَمَاءٌ أَو أَرضٌ أو جَانٌّ أو إنْسٌ لَا يُدْرك بِوَهمٍ وَ لَا يُقَدِّرُ بِفَهُم وَ لَا يَشْغَلَهُ سَائِلٌ ( عن سائل آخر) وَ لَا يَنقُصُهُ نَائِل (عطاء) وَ لا يَنظُرُ بِعَيْنِ وَ لَا يُحدُ بِأَيْنِ (مکان) وَ لَا يُوصَفُ بِالْأَزْوَاج (الأمثال و القرناء) وَ لَا يَخْلُقُ بِعِلَاجٍ (من التروّى و التأمّل و إستعمال الآلة) وَ لَا يُدْرَكَ بِالْحَوَاسُ وَ لَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيماً وَ أَرَاهُ مِن آيَاتِهِ عَظِيماً بِلَا جَوَارِحَ (أعضاء) وَ لَا أَدَوَاتٍ (آلات للنطق) وَ لَا نُطقٍ (صوت) وَ لَا لَهَوَات (جمع اللهاة و هى اللحمة المشرفة على الحلق) بَلْ إِنْ كُنْتَ صَادقاً أَيُّهَا الْمُتَكَلِّفُ (المعترض لما لا يعنيه) لِوَصفِ رَبّكَ فَصِف جِبرِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ جُنُودَ المَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فِي حُجُرَات (غرفات) الْقُدُسِ (الطهارة) مُرجَحِنّينَ (مائلين إلى اليمين و الشمال لثقلهم) مُتَوَلّهَةً (حائرة، متخوّفة) عُقُولُهُم أَن يَحُدُوا أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ فَإِنَّمَا يُدْرك بِالصِّفَاتِ ذَوُو الْهَيِّئاتِ وَ الأدوات و (إنما يدرك) مَنْ يَنقَضِي (يهلک) إِذَا بَلَغَ (ذلک المنقضی) أَمَدَ (نهاية) حَدَّه بِالْفَنَاء فَلَا إلَهَ إِلَّا هُوَ أَضَاء (أنار) بِنُورِهِ كُلَّ ظَلَامٍ وَ أَظْلَمَ بِظُلْمَتِه كُلَّ نُورٍ.

أوصِيكُمْ عِبَادَ الله بِتَقْوَى الله الّذي الْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ (اللباس الفاخر) و أَسْبَغَ (أتمّ، أوسع، أكمل) عَلَيْكُمُ الْمَعَاشَ فَلَو أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً (مدرجا) أو لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا لَكَانَ ذَلِكَ (الشخص من خلقه) سُلَيْمَانَ بنَ دَاوُدَ علیه السَّلام ألّذِي سُخّرَ لَهُ مُلكُ الجِنّ وَ الإِنسِ مَعَ النّبُوّةِ وَ عَظِيمِ الزّلفَةِ (القرب إلى الله) فَلَمّا استَوفَي (أخذ بالتمام) طُعْمَتَهُ (قوته) و اسْتَكْمَل وَ مُدَّتَهُ (من العمر) رمَتْهُ (طرحته) قسِيِ - (هو جمع القوس) الْفَنَاءِ بِنَبَالِ (سهام) اَلْمَوْتِ وَ أَصْبَحَتِ (صارت) الدِّيَارُ مِنْهُ خَالِيَةَ وَ (صارت) اَلْمَسَاکِنُ مُعَطَّلَهً (من سكانها) وَ وَرِثَهَا قَوْمٌ

ص: 218

آخَرُونَ وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْقُرُونِ السَّالِفَة لَعِبْرَهً أَيْنَ الْعَمَالِقَهُ (و هم أولاد عاد و ثمود) وَ أَبْنَاء الْعَمَالِقَة أَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ (و هم ملوك مصر) وَ أَبْنَاء الْفَرَاعِنَة أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ اَلرَّسِّ (و هى مدائن في نواحي نهر أرس) الَّذِينَ قَتَلُوا النَّبِيِّينَ وَ أَطفَئُوا (أخمدوا، أسكنوا) سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ وَ أَحْیَوْا سُنَنَ اَلْجَبَّارِینَ (بالبدع) أينَ الَّذِينَ سَارُوا بِالْجُیُوشِ وَ هَزَمُوا (كسروا) بِالْأَلُوفِ وَ عَسْکَرُوا اَلْعَسَاکِرَ وَ مَدَّنُوا (أعمر) الْمَدَائِنَ

وَ مِنْهَا : قَدْ لَبِس (الإمام الثانى عشر-) لِلْحِكْمَةِ (المعرفة لحقيقة الأشياء) جُنَّتَهَا (وقايتها) وَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا (من غير إفراط و تفريط) مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا (بالرغبة) وَ الْمَعْرِفَة بِهَا (حقّ معرفتها) وَ التَّفَرِّغِ (فراغ البال بالقلب كلّه) لَهَا فَهِيَ (الحكمة) عندَ نَفْسه ضَالَّتُهُ (مفقودته) الَّتِي يَطلُبُهَا (ليلا و نهارا) وَ (هي) حَاجَتُهُ الَّتي يَسْأَلُ عَنْهَا (صباحا و مساء) فَهُوَ علیه السَّلام مُغْتَرِب (غائب، مختف) إِذَا اغْتَرَب (إختفى) الْإِسْلَامُ وَ ضَربَ بِعَسِيبٍ (أصل، طرف) ذَنَبِهِ وَ الْصَقَ الْأَرْضَ بِجِرَانِه (صدره، مقدّم عنقه فإنّه) بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ خَلِيفَةٌ مِنْ خَلَائِفِ أَنْبِيَائِهِ. ثم قال علیه السَّلام: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ (فرقت، نشرت) لَكُمُ الْمَواعظ الَّتِي وَعَظَ الْأَنْبِيَاء بِهَا أُمَمَهُمْ وَ أَدَّیْتُ (أوصلت) إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الْأَوْصِيَاء إِلَى مَنْ بَعدَهُمْ وَ أَدبتُكُمْ بِسُوطي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا وَ حَدَوْتُكُمْ (سقتُكم) بِالزَّوَاجِرِ (بالنواهى) فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا (تنتظموا، تجتمعوا حول الحقّ) لِلهِ أَنتُمْ أَتَتَوَكَّعُونَ (تنتظرون) إمَاماً غَيْرِي يطأ (يدوس) بِكُمُ الطَّرِيقَ (إلى الحقّ) و يُرشِدُكُمْ (يهديكم) السَّبِيلَ أَلَا إِنَّهُ قَدْ أَدْبَر مِنَ الدُّنْيَا مَا كَانَ مُقْبِلًا (من العمر و الصّحة و نعيم الدنيا) و أقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً (من الأجل و الفناء) وَ أَزْمَعَ (عزم) التَّرْحَالَ (الرحلة إلى الله) عِبَادُ اللَّهِ الْأَخْیَارُ وَ بَاعُوا قَلِیلاً مِنَ الدُّنْیَا لاَ یَبْقَی بِکَثِیرٍ (بدل) كثير فى مقابل كثير) مِنَ الْآخِرَهِ لاَ یَفْنَی ( ذلك الكثير) مَا ضَر (لم يضر) إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفَكَتْ دمَاؤُهُم وَ هُم بِصِفِّینَ أَلاَّ یَکُونُوا الْیَوْمَ أَحْیَاءً یُسِیغُونَ (يشربون بالسهولة و طيب الخاطر) الغُصَصَ (ما يعترض الحلق) وَ یَشْرَبُونَ الرَّنْقَ (الكدر من العيش) قَدْ وَ اللَّه لَقُوا اللَّهَ فَوَفَّاهُمْ (أعطاهم بلا نقصان) أجُورَهُم وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ (الواضح) وَ مَضَوا (سلكوا)

ص: 219

علَى الْحَقِّ (مع إمامهم) أَيْنَ عَمَّارٌ وَ أَيْنَ بْنُ التَّیِّهَانِ و أينَ ذُو الشَّهَادَتَیْنِ وَ أَیْنَ نُظَرَاؤُهُمْ (مع (أشباههم) مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا (تعاهدوا) عَلَى الْمَنِيّةِ (الموت) وَ أَبْرِدَ (أرسل مع البريد) بِرءوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ (الفاجرين الّذين يريدون أن يفجر أمامهم للمعاصي).

قَالَ (نوف البكالي) ثُمَّ ضَرَبَ علیه السَّلام بِیَدِهِ عَلَی لِحْیَتِهِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ الْبُكَاءَ.

ثُمَّ قَالَ علیه السَّلام: أَوْهِ (أتألّم) عَلَى إِخْوَانِي الَّذِينَ تَلُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ (أتقنوه بالعمل له) وَ تَدَبَّرُوا (نظروا فى عواقب) الْفَرْضَ (الواجب عليهم) فَأَقَامُوهُ أَحْیَوُا السُّنَّهَ وَ أَمَاتُوا البِدْعَة دُعُوا الْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَ وَثِقُوا (إئتمنوا) بِالْقَائد (و هو أنا) فَاتَّبَعُوهُ.

ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَی صَوْتِهِ: (الزموا) الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ الله أَلَا وَ إِنِّي مُعَسْکِرٌ (ممهّد عسكرا لقتال أهل الشام) في يومي هَذَا فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ (النشاط و السرور) إِلَی اللَّهِ فَلْيَخْرُجُ (معنا).

قَالَ نَوْفٌ: وَ عَقَدَ لِلْحُسَیْنِ عَلَیْهِ السَّلاَمُ فِی عَشَرَهِ آلاَفٍ وَ لِقَیْسِ بْنِ سَعْدٍ رحمه الله فِی عَشَرَهِ آلاَفٍ وَ لِأَبِی أَیُّوبَ اَلْأَنْصَارِیِّ فِی عَشَرَهِ آلاَفٍ وَ لِغَیْرِهِمْ عَلَى أَعْدَادِ أَخَرَ وَ هُوَ يُرِيدُ اَلرَّجْعَهَ إِلَی صِفِّینَ فَمَا دَارَت (مضت) اَلْجُمُعَهُ حَتَّی ضَرَبَهُ اَلْمَلْعُون (المطرود من رحمة الله الواسعة) اِبْنُ مُلْجَم (و هو أشقى الآخرين) لَعَنَهُ اللَّهُ فَتَرَاجَعَتِ الْعَسَاكِرُ فَكُنَّا كَأَغْنَامِ فَقَدَتْ رَاعِيهَا (مراقبها) تَخْتَطفُهَا (تستلب تلك الأغنام، تأخذها بالسرعة) الذّئَابُ مِن كُلّ مَكَانٍ.

183 - من خطبة له علیه السَّلام في قدرة الله و في فضل القرآن و في الوصية بتقوى الله تعالى:

الْحَمْدُ للهِ المَعْرُوفِ ( عند خلقه) مِنْ غَيْرِ رُؤْية (بالبصر بل تجلّى لخلقه بخلقه) و الْخَالِقِ مِن غَيرِ مَنصَبَةٍ (نصب ، تعب) خَلَقَ الخَلَائِقَ بِقُدْرَته وَ استَعبَدَ (إتّخذ للعبوديّة) الْأَرْبَابَ (الملوك) بِعِزّتِهِ (غلبته، قهره) وَ سَادَ الْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ (عليهم بالخلق و الرزق) وَ هُوَ الّذي أَسْكَنَ الدُّنْيَا خَلَقَهُ وَ بَعَثَ إِلَى الْجِنَّ وَ الْإِنْسِ رُسُلَهُ لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا (سترها) وَ لِيُحَذِّرُوهُمْ (يخوّفوهم) مِنْ ضَرْائها (شدّتها من البلايا) وَ ليَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا وَ لِبصْرُوهُمْ (يعطوا الجنّ

ص: 220

و الإنس البصيرة فى) عُيُوبَهَا وَ لِيَهجُمُوا (يدخل الرسل في حال غفلتهم) عَلَيهِم بِمُعتَبَرٍ (إعتبار، إتّعاظ) منْ تَصَرف (تبدلّ ، تغيّر) مَصَاحَهَا (مواضع صحّتها عن الأمراض) وَ أَسْقَامها (أمراضها فعلى الرسل أن يبيّنوا ما فيه المصاحّ و الأمراض) و حَلَالَهَا وَ حَرَامِهَا وَ (ليبصّروهم) مَا أَعَدَّ (هيّأه) اللهُ للمُطيعينَ منْهُم وَ العُصَاةِ (العاصين المخالفين لأمر الله) مِنْ جَنَّةِ وَ نَارِ وَ كَرَامَة (الأهل الجنّة بما فعلوا) و هَوانِ (ذلُّ لأهل النار بما فعلوا) أَحْمَدُهُ إِلَى نَفسِهِ كَمَا استَحمَدَ (طلب الحمد) إلَى خَلْقه و جَعَلَ لكُلِّ شَيء قَدْراً و لِكُلّ قَدرٍ أَجَلًا (غاية مهلة) وَ لِكُلّ أَجَلٍ كِتَاباً (فرضا ينتهى إليه الأجل و لا يتجاوزه) .

منها: فَالْقُرْآنُ آمرٌ (إلى الطيِّبات) زَاجِرّ (ناه عن الخبائث) وَ (القرآن) صَامتٌ نَاطق حُجَّةُ الله عَلَى خَلْقه أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُمْ (بالعمل على منهجه) و ارتَهَنَ (أخذ بالرهن) عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُم أَتَمّ نُورَهُ وَ أَكْمَلَ بِهِ دِينَهُ وَ قَبضَ نَبِيّهُ صلّى الله عليه و آله وَ قَدْ فَرَغَ (ذهب نبيّه من عنده) إِلَى الْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ الْهُدَى بِهِ (القرآن ففيه أحكام الهدى كلّها) فَعَظّمُوا مِنْهُ سُبْحَانَهُ مَا (شيئا) عَظّمَ (عدّه الله عظيما) منْ نَفْسِهِ (عند نفسه و هوالقرآن) فَإِنَّهُ لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيْئاً مِن دِينِهِ وَ لَمْ يَتَركُ شَيْئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ (أبغضه) إِلَّا وَ جَعَلَ لَهُ عَلَماً (علامة) بَادياً (ظاهرا) و آيَةً محكَمةٌ (متقنة) تَزجُرُ (تنهى) عَنهُ (ذلك الشيء المكروه عنده تعالى) أَو (آية محكمة) تَدْعُو (تلك الآية المحكمة) إِلَیْهِ (ذلك الشيء المرضىّ عنده تعالى) فَرِضَاهُ فيمَا بَقيَ وَاحِدٌ (كرضاه فيما مضى) وَ سَخَطَهُ فيمَا بَقِیَ وَاحِدٌ (كسخطه فيما مضى) وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى عَنْكُمْ بِشَيْء سَخِطَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَ لَنْ يَسْخَط (يغضب) عَلَیْکُمْ بِشَیْءٍ رَضِیَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبلَكُمْ وَ إِنَّمَا تَسِيرُونَ فِی أَثَرٍ بَیِّنٍ (واضح بينكم) وَ تَتَكَلَّمُونَ بِرَجْعِ قَوْلِ قَدْ قَالَهُ الرِّجَالُ مِنْ قَبلَكُمْ (فتعرفون الحقّ كما عرفه من كان قبلكم فالأثر بيّن و أمّا أنتم فتتكلّمون به من غير عمل) قَدْ كَفَاكُمْ (الله) مَئُونَهَ دُنْیَاکُمْ وَ حَثَّکُم (رغبكم شوّقكم) عَلَی اَلشُّکْرِ (زيادة للنعم) وَ افْتَرَضَ (فرض كتب) مِنْ أَلْسِنَتِکُمُ اَلذِّکْرَ.

وَ أَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى وَ جَعَلَهَا مُنتَهى (إنتهاء) رِضَاهُ وَ حَاجَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُم

ص: 221

بِعَيْنِهِ وَ نَوَاصِيكُمْ (أشعار مقدّم رأسكم) بِیَدِهِ (قدرته) وَ تَقَلُّبُکُمْ (تصرّفكم من حال إلى حال) فِی قَبْضَتِهِ إِنْ أَسْرَرْتُمْ (شيئا من أعمالكم) عَلَمَهُ وَ إِنْ أَعْلَنْتُمْ (أظهرتم) كَتَبَهُ قَدْ وَ كَلَ بِذَلكَ (الأمر من كتابة أعمالكم) حفَظَةً (حافظين) كراماً (مكرّمين) لا يُسْقِطُونَ حَقًّاً (يفعله العباد الأعمال صالحة كانت أم طالحة) وَ لاَ یُثْبِتُونَ بَاطِلاً (ممّا لم يفعله عباده من الأعمال و هذا دليل العصمة للملائكة) وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ الْفِتَنِ وَ نُوراً مِنَ الظُّلَمِ (الظلمات) وَ يُخَلّده (الله) فيمَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَ يَنزِلَهُ مَنْزِلَ الكَرَامَةِ عِنْدَهُ فِي دَارِ اصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ ظلُّهَا عَرْشُهُ وَ نُورُهَا بَهْجَتَهُ (سروره) و رضاه عن خلقه) وَ زُوَّارُهَا مَلَائِكَتُهُ و رفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ فَبَادرُوا (سابقوا) الْمَعَادَ وَ سَابِقُوا الآْجَالَ (المكتوبة عليكم) فَإِنَّ النَّاسَ يُوشِكُ (يقرب) أَنْ يَنْقَطعَ بِهِمُ الأمَل و (يوشك أن) یَرْهَقَهُمُ (يغشاهم) الأجَلُ وَ يُسَدَّ عَنْهُم بَابٌ التّوبَة فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ (صرتم) في مثلِ مَا سَأَلَ (طلب) إِلَیْهِ الرَّجْعَةَ (الرجوع) مَنْ كَانَ قَبلَكُمْ وَ أَنْتُمْ بَنُو سَبِیلٍ عَلَی سَفَرٍ (إلى الآخرة) مِنْ دَار (الدنيا الّتى) لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَ قَدْ أُوذِنْتُمْ (أخبرتم، أعلنتم) مِنْهَا بِالاِرْتِحَالِ وَ أُمِرْتُمْ فِیهَا بِالزَّادِ (من التقوى) وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِیقِ صَبْرٌ عَلَی النَّارِ، فَارْحَمُوا نُفُوسَکُمْ، فَإِنَّکُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَة (و هى ما يخرج من النبات تشبه إبرة العقرب) تُصِیبُهُ (تدرک تلک الشوكة أحدكم) (أ) و (رأيتم جزع أحدكم من) العَثْرَة (السقطة، زلّة القدم) تُدْمِیهِ (تسیل تلک العثرة دم أحدكم أ) وَ (رأيتم جزع أحدكم من) الرَّمْضَاء (الأرض الشديدة الحرارة) تُحْرِقُهُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ (صار) بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ (ملازم) حَجَرٍ وَ قَرِينَ (صاحب) شَيْطَانِ (في النار) أَعَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِکاً (و هو ملك العذاب) إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ (أكل أو كسر) بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ وَ إِذَا زَجَرَهَا (دفعها) تَوثَبَتْ (نهضت قامت النار) بَیْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً (خوفا، رعبا، أسفا) مِنْ زَجْرَتِهِ (دفعه) أَيُّهَا اليَفَنُ (الشيخ المسنّ) الكَبِيرُ (المعمّر المنكّس في الخلقة) الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ (خالطه) الْقَتِيرُ (الشيب) كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ (التصقت) أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظامِ الْأَعْنَاقِ وَ نَشِبَتِ (علقت) الْجَوَامِعُ (الأغلال الّتى تجمع الأيدى إلى الأعناق) حتّى

ص: 222

أكَلَتْ (تلك الجوامع) لُحُومَ اَلسَّوَاعِدِ فَاللَّهَ اَللَّهَ مَعْشَرَ - (مجمع) اَلْعِبَادِ وَ أَنْتُمْ سَالِمُونَ فِی اَلصِّحَّهِ قَبْلَ اَلسُّقْمِ وَ فِی اَلْفُسْحَهِ (الوسعة للعمل) قَبْلَ اَلضِّیقِ فَاسْعَوْا فِی فَکَاکِ (تحرير ، عتق) رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا (بالآثام بحيث لا يمكن للراهن أن يفكّ رقبته) أسهرُوا عُيُونَكُمْ (في الأسحار و لا تنوموا إلّا قليلا من الليل) وَ أَضْمِرُوا (إجعلوا هزالا قليل اللحم) بُطُونَكُم (من الطعام) وَ اسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ وَ أَنْفِقُوا أموالَكُمْ (في مرضاة الله) وَ خُدُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا (الأجساد) عَلَى أَنْفُسِكُمْ (فى فكاكها عن النار) وَ لَا تَبْخَلُوا بِهَا (الأجساد) عَنْهَا (الأنفس) فَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ (بأجسادكم) يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (و هذا جزاء أنفسكم بما تجودون بالأجساد عليها) و قَالَ تَعَالَى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَیُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ اءَجْرٌ کَرِیمٌ فَلَمْ یَسْتَنْصِرْکُمْ (يطلب منكم النصر-) مِنْ ذُلِّ، وَ لَمْ یَسْتَقْرِضْکُمْ (يطلب منكم القرض) مِنْ قُلِّ (فقر، قلة مال) اسْتَنْصَرَکُمْ وَ لَهُ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْاءَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ، وَ اسْتَقْرَضَکُمْ وَ لَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْغَنِي الْحَمِيدُ وَ إِنَّمَا ارادَ اءَنْ یَبْلُوَکُمْ (يختبركم يمتحنكم) أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (فى الدنيا بإنفاق ماله و نصرة دين الله تعالى) فَبَادِرُوا (سابقوا) بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا (فى الجنّة مَعَ جِيرَانِ اللَّهِ فِي دَارِهِ رافَقَ بِهِمْ (جیرانه) رُسُلَهُ وَ أَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ (جعل الملائكة زائرين لجيرانه) وَ أَكْرَمَ أَسْمَاعَهُم أنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ (صوت) نَارٍ أَبَداً وَ صَانَ (حفظ) أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً (تعبا) وَ نَصَباً ذلكَ (الإعطاء لأهل الجنّة من المعيّة لجيران الله و المرافقة للرسل و زيارة الملائكة و إكرام أسماعهم عن السماع لحسيس النار و صيانة أجسادهم عن اللغوب) ففَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ (من عباده الصالحين) وَ اللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ أَقُولُ ما تَسْمَعُونَ، وَ اللّهُ الْمُسْتَعانُ عَلَی نَفْسِی وَ أَنْفُسِكُم وَ هُوَ حَسْبُنا وَ نِعْمَ الْوَکِیلُ.

184 - و من كلام له علیه السَّلام قاله للبرج بن مسهر الطائي و قد قال له بحيث يسمعه «لا حكم إلّا لله» و كان من الخوارج:

ص: 223

اسْكُتْ قَبحَكَ (نحاك، أبعدى) اللهُ (عن الخير) يَا أَثْرَمُ (ساقط الثنية) فَوَالله لَقَدْ ظَهَرَ الْحَقُّ فكنتَ فيه ضئيلًا (صغيرا،حقيرا، نحيفا) شَخْصُکَ خَفِیّاً صَوْتُکَ حَتَّی إِذَا نَعَرَ (صاح) الْبَاطِلُ نَجَمْتَ (طلعت) نُجُومَ (طلوع) قَرْنِ الْمَاعِزِ.

185 - و من خطبة له علیه السَّلام يحمد الله فيها و يثني على رسوله و يصف خلقا من الحيوان

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِی لاَ تُدْرِکُهُ (تناله تصيبه) الشَّوَاهِدُ (الحواسّ المشاعر) وَ لاَ تَحْوِیهِ (تضمّنه) الْمَشَاهِدُ (الأماكن) وَ لَا تَرَاهُ النَّوَاظُرُ (العيون) وَ لاَ تَحْجُبُهُ (تستره) السَّوَاتر (الحجب الأغطية) الدَّالُ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلقه (لما في الحدوث من النقص و إنتفاء الأزل) وَ (الدال) بحُدُوتْ خَلْقَهُ عَلَى وُجُوده (لما فى الحدوث من الإفتقار إلى المحدث بحيث لولاه لم یک) وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ (شباهة البعض منهم ببعض) عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ (لما فى المشابهة من الحدّ المبطل للأزليّة) اَلَّذِی صَدَقَ فِی مِیعَادِهِ وَ اِرْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ وَ قَامَ بِالْقِسْطِ (العدل) في خَلْقِه (فجعل كلّا منهم موضعه) وَ عَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ مُسْتَشْهِدُ بِحُدُوثِ الْأَشْيَاءِ عَلَی أَزَلِیَّتِهِ (عدم حدوثه، قدمه) وَ (مستشهد) بِمَا (شيء) وَ سَمَهَا (جعل على الأشياء العلامة) بِه (ذلک الشيء) منَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِه وَ (مستشهد) بِمَا (شيء) اضْطَرَهَا (الأشياء) إِلَيْهِ مِنَ الْفَنَاء (الهلاك) عَلَی دَوَامِهِ (أبديته) وَاحِدٌ لاَ بِعَدَدٍ (بل له الوحدة الصرفة الحقّة) وَ دَائِمٌ لاَ بِأَمَدٍ (غاية) وَ قَائِمٌ لَا بِعَمَد تَتَلَقَّاهُ (تعرفه) اَلْأَذْهَانُ لاَ بِمُشَاعَرَهٍ (شعور إحدى الحواسّ) و تَشْهَدُ لَهُ الْمَرَائِي (المناظر) لَا بِمُحَاضَرَةِ (حضوره تعالى فى تلك المرائى بل بالتجلّى فيها) لَمْ تُحِط بِهِ الْأَوْهَامُ بَلْ تَجَلَّى لَهَا (الأوهام) بِهَا (المرائى أو الأوهام) و بِهَا (المرائى أو الأوهام) امتَنَعَ (الله سبحانه أن يعرف) مِنْهَا (الأوهام) وَ إِلَيْهَا حَاكَمَها (جعل الأوهام حاكمة على أنفسها بأنّها لا تدركه بما ضرب عليها من الحدّ الدال على العجز) لَیْسَ (الله) بِذِي كِبَرِ امْتَدَّتْ بِه النَّهَايَاتُ (الثلاثة من الطول و العرض و العمق) فَکَبَّرَتْهُ (تلك النهايات) تَجْسِیماً وَ لاَ بِذِی عِظَمٍ تَنَاهَتْ

ص: 224

به الْغَايَاتُ (من الحالات و التصرّفات و الشئون) فَعَظَّمَتْهُ (تلك الغايات) تَجْسِیداً بَلْ کَبُرَ شَأْناً وَ عَظُمَ سُلْطَاناً.

وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اَلصَّفِیُّ (المختار) و أَمِینُهُ اَلرَّضِیُّ (دائم الرضى من الله تعالى) أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجّج (على عباده) و ظهورِ الْفَلَج (الظفر عليهم، فلا حجّة لخلقه عليه يوم القيامة) وَ إِیضَاحِ اَلْمَنْهَجِ (الطريق الواضح) فَبَلَّغَ اَلرِّسَالَهَ صَادِعاً (مظهرا، جاهرا) بها وَ حَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّة (وسط الطريق من غير تمايل إلى الإفراط و التفريط) دَالاًّ (بالبراهين الواضحات من كتابه) عَلَیْهَا (المحجّة) وَ أَقَامَ أَعْلاَمَ اَلاِهْتِدَاءِ (لعباده) وَ مَنَارَ (مواضع نور) اَلضِّیَاءِ (للإهتداء) وَ جَعَلَ أَمْرَاسَ (حبال) اَلْإِسْلاَمِ مَتِینَهً (صلبة، شديدة قويّة) وَ (جعل) عُرَى (مواضع قبض) الْإِيمَانِ وَثِيقَةً (فمن إستمسك بها نجى من الهلكة و السقوط)

منها في صفة خلق أصناف من الحيوان:

وَ لَوْ فَكَّرُوا فِى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَ جَسِيمِ (عظيم) النّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ (الواضح) وَ خَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَ لَكِنِ الْقُلُوبَ عَلِيلَةٌ (مريضة) وَ الْبَصَائِر مَدْخُولَهُ (معيوبة) أَلَا يَنْظُرُونَ (يتأمّلون، يتفكّرون) إلَى صَغيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ (أتقن) خَلَقَهُ وَ أَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ (بالتناسب بين أجزائه) وَ (كيف) فَلَقَ (شقّ) لَهُ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ، وَ (كيف) سَوّى (صنع مستقيما من غير إعوجاج) لَهُ (الخلق الصغير) العَظمَ وَ الْبَشَرَ - (الجلد) أُنْظُرُوا (تفكّروا) إلَى النَّمْلَة فِى صِغَرِ جُثَّتِهَا (جسمها، بدنها) وَ (في) لطافَةِ هَيْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ (تدرک) بِلَحْظِ (مؤخّر نظر) الْبَصَرِ- وَ لا (تكاد تنال) بِمُسْتَدْرَك (إدراك) الفكَرِ (لها) كَيْفَ دَبَتْ (تحرّكت النملة) عَلَى أَرْضِهَا وَ صُبَّتْ (مالت، حنّت) عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ (تلك النملة) الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَ تُعدُّهَا (تهيّء تلك الحبّة) فِی مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِی حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَ فِی وِرْدِهَا (ورودها فى جحرها عند البرد) لِصَدَرِهَا (رجوعها إلى رزقها بعد إنقضاء البرد) مكْفُولة (مضمونة) بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا (ما يوافق طبعها في عيشها) لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ (ذو العطاء الكثير) وَ لاَ یَحْرِمُهَا الدَّیَّان (الحاكم و القاضى على الخلق) وَ لَوْ (كانت تلك النملة) في الصِّفَا (الحجر الأملس) الْیَابِسِ وَ الْحَجَرِ الْجَامِس

ص: 225

(الجامد) وَ لَوْ فَكَرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلُهَا فِي عُلُوهَا وَ سُفْلَهَا وَ مَا فِی الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِیفِ (أطراف أضلاع) بَطنهَا وَ مَا فِي الرَّأْس مِنْ عَيْنهَا وَ أَذْنَهَا لَقَضَيْتَ (حكمت أيّها المتفكّر) مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً و لَقِيتَ مِن وصفِهَا تَعَباً (نصبا) فَتَعَالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَی قَوَائِمِهَا (أرجلها و أيديها) وَ بَنَاهَا عَلَی دَعَائِمِهَا (أركانها من القوائم) لَمْ يَشْرَكْهُ (تعالى) فِی فِطْرَتِهَا (خلقة تلك النملة) فَاطِرٌ (خالق) وَ لَمْ یُعِنْهُ (ينصره (تعالى) عَلَى خَلْقِهَا قَادِر وَ لَوْ ضَرَبْتَ (سرت) فِی مَذَاهِبِ (مواضع ذهاب) فِکْرِکَ

لِتَبْلُغَ غَایَاتِهِ (نهايات فكرك فى إدراكه للحقائق) مَا دَلَّتْكَ (لم تدلّك) الدَّلالة (من ناحية فكرك) إِلاَّ عَلَی أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ (لوحدة الصنع الّتي تدل على وحدة الصانع) لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْء وَ غَامض (مبهم، عويص، غریب، مشکل، سرّى) اخْتِلاَفِ کُلِّ حَیٍّ (فيما أعطاه الله تعالى مناسبا لعيشه) وَ مَا (ليس) الْجَلِیلُ وَ اللَّطِیفُ وَ الثَّقِیلُ وَ الْخَفِیفُ وَ الْقَوِیُّ وَ الضَّعِیفُ فِی خَلْقِهِ إِلاَّ سَوَاءٌ.

وَ کَذَلِکَ السَّمَاءُ وَ الْهَوَاءُ وَ الرِّیَاحُ وَ الْمَاءُ فَانْظُرْ (تأمّل) إلَى الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النّبَاتِ وَ الشَّجَرِ وَ الْمَاء وَ الْحَجَرِ وَ اخْتِلَاف هَذَا اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَ تَفَجَّرِ هَذه البِحَارِ وَ كَثُرَة هَذه الْجِبَالِ وَ طُولِ هَذِهِ الْقِلاَلِ (رئوس الجبال) وَ (انظر إلى) تَفَرقِ هَذه اللُّغَاتِ وَ الْأَلْسُنِ الْمُخْتَلَفَاتِ فَالْوَيْلُ لَمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ (الواحد لكلّ الأشياء) وَ (الويل لمن) جَحَدَ (أنكر) المُدَبُرَ زَعَمُوا (طنّ المنكرون للمبدء المتعالى) أَنَّهُمْ کَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ وَ لاَ لاِخْتِلاَفِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ وَ لَمْ یَلْجَئُوا إِلَی حُجَّةٍ فِیمَا ادَّعَوْا وَ لاَ (لجئوا إلى) تَحْقِیقٍ (أمر مثبت لما إدّعوا و) لِمَا أَوْعَوْا (حفظوه فى وعاء أذهانهم بالباطل من عدم الصانع الحكيم) وَ هَلْ يَكُونُ (يقع) بِنَاء مِنْ غَيْرِ بَانِ أَو جِنايَةً منْ غَيْر جَان.

وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْجَرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَيْنَيْنِ حَمْراوَيْنِ وَ أَسْرَجَ (أضاء، أوقد) لَهَا حَدَقَتَیْنِ قَمْرَاوَیْنِ- وَ جَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِیَّ وَ (إذ) فَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِیَّ (الكامل بلا نقص) وَ جَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِیَّ وَ نَابَیْنِ (من الأسنان) بِهِمَا تَقْرِضُ (تقطع) وَ (جعل لها) مِنْجَلَیْنِ (مفرده) منجل و هو حديدة ملتوية محدّدة يجتثّ و يحصد بها (الزرع) بِهِمَا تَقْبِضُ يَرهَبهَا (يخاف منها) الزُّرَّاعُ

ص: 226

(الزارعون) في زَرْعِهِمْ وَ لَا يَسْتَطِيعُونَ (يقدرون) ذَبَّهَا (دفعها عن زرعهم) وَ لَوْ أَجْلَبُوا (أجمعوا) بِجَمْعِهِمْ حَتَّى تَرِدَ الْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا (و ثباتها على الحرث) وَ تَقْضِي- (تمضى، تفرغ) منْهُ شَهَوَاتِهَا (من الأكل) وَ خَلَقْهَا كُلَّهُ لَا يُكَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّهً (نحيفة) فَتَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طوعاً و كَرهاً وَ یُعَفِّرُ (يجعل على التراب) لهُ (تعالى) خَدّاً وَ وَجْهاً وَ يُلْقِي (من فى السماء و من فى الأرض) إِلَیْهِ بِالطَّاعَهِ سِلْماً (تسليما محضا له) وَ ضَعْفاً و يُعطِي لَهُ الْقِيَادَ (الزمام) رَهْبَة (خوفا) وَ خَوفاً فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ (منقادة) لِأَمْرِهِ أَحْصَی (عدّد) عَدَدَ الرِّیشِ مِنْهَا وَ (عدّد عدد) النَّفَسِ وَ أَرْسَی (أثبت الله) قَوَائِمَهَا (أرجلها) عَلَی النَّدَی (الرطوبة) وَ الْیَبَسِ وَ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَ أَحْصَى أَجْنَاسَهَا فَهَذَا (الطائر) غُرَابَ وَ هَذَا عُقَابٌ هَذَا حَمَام وَ هَذَا نَعَامٌ دَعَا کُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ (بما خلق له من الحدود المشخّصة و إنّ دعوته تعالى كقوله فعل منه أنشأه و مثّله) وَ كَفَلَ (ضمن) لَهُ برزْقه وَ أَنْشَأ (خلق) السَّحَابَ الثِّقَالَ (من المطر) فَأهْطَلَ (أنزل الله بالتتابع) دِیَمَهَا (مطر تلك السحاب بلا رعد و برق في سكون مع دوامه) و عَدَّدَ َقسَمهَا (لكلّ بقعة من بقاع الأرض) فَبَلَّ (ندى) الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفها (يبسها) وَ أَخْرَج (الله أو المطر) نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا (يبس الأرض لإحتجاب المطر عن تلك الأرض).

186 - و من خطبة له علیه السَّلام في التوحيد و تجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة:

مَا وَحْدَهُ (لم يوحّده تعالى) مَنْ كَيْفَهُ (جعل له كيفيّة) وَ لَا حَقيقَتَهُ أَصَابَ (أدرك، تناول) مَنْ مَثَّلَهُ (جعل له مثالا) وَ لَا إِيَّاهُ عَلَى (قصد) مَنْ شَبْهَهُ (بخلقه) وَ لَا صَمَدَهُ (لم يقصده) مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ (إشارة عقليّة) وَ تَوَهَّمَهُ کُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ وَ كُلَّ قَائِمٍ فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ فَاعِلٌ لَا بِاضْطَرَابٍ (تحرّك) آلة (من الجوارح و المشاعر) مُقَدِّرٌ لاَ بِجَوْلِ (جولان) فِکْرَةٍ غَنِیٌّ لاَ بِاسْتِفَادَةٍ (طلب الفائدة و العطاء من غيره) لَا تَصْحَبهُ الأَوقَاتُ وَ لَا تَرْفِدُهُ (تعينه) الْأَدَوَاتُ

ص: 227

سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ (فهو الأوّل) وَ (سبق) العَدَمَ وُجُودُهُ وَ (سبق) الابْتِدَاءَ أَزَلَهُ بِتَشْعِيرِه (جعله للخلق) الْمَشَاعر (الحواسّ) عُرِفَ أَنْ لَا مَشْعَرَ (حسّ) لَهُ (لما فى المشاعر من الفقر و إستلزامها الجوارح) وَ بِمُضَادَّتِهِ (جعله التضادّ) بَیْنَ الْأُمُورِ عُرِفَ أَنْ لاَ ضِدَّ لَهُ (لما في التضادّ من التثنية المبطلة للأزل) و بِمُقَارَنَتِهِ (جعله التقارن) بينَ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لَا قَرِينَ لَهُ (لما فى المقارنة من الحدّ فهو الذى) ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَهِ وَ الْوُضُوحَ بِالْبُهْمَهِ (الإبهام) وَ الْجُمُودَ (اليبس) بِالْبَلَلِ (الرطوبة) وَ الْحَرُورَ بِالصَّرَدِ (البرد) مُؤَلِّفٌ بَیْنَ مُتَعَادِیَاتِهَا (مختلفات الأمور) مُقَارِنٌ بَیْنَ مُتَبَایِنَاتِهَا (متباعدات الأشياء) مُقَرِّب بَينَ مُتَبَاعَدَاتهَا مُفَرِّقُ بَيْنَ مُتَدَانَيَاتِهَا (متقارباتها) لا يُشْمَلُ (يعمّ، يحاط) بِحَدْ وَ لاَ یُحْسَب (يعد) بِعَدْ وَ إِنَّمَا تَحُدُّ الْأَدَوَاتُ (الآلات الجسميّة) أَنْفُسَهَا وَ تُشِیرُ الْآلاَتُ إِلَی نَظَائِرِهَا (أشباهها، أمثالها) مَنَعَتْهَا (الأشياء) "مُنْذُ" (و هی للتحديد الزماني) الْقِدْمَهَ (الأزلية فمن وردت عليه "منذ" منعته عن القدمة) وَ حَمَتْهَا (دفعت تلك الأشياء) "قد" (و هي دالّة على التحقّق بعد العدم) الْأَزَلِیَّهَ (فمن قيل فيه "قد كان" و "منذ كان" فقد صار محدودا بالزمان و منع من الأزل) وَ جَنَّبَتْهَا (نحّت بعّدت تلک الأشياء) "لَوْلاَ " (و هى تدلّ على النقصان) التَّکْمِلَهَ (الكمال، فمن قيل فيه "لولا" فهو ناقص فاقد لكمال طالب له) بِهَا (الأشياء) تَجَلَّی صَانِعُهَا لِلْعُقُولِ وَ بِهَا امْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ الْعُیُونِ وَ لاَ یَجْرِی عَلَیْهِ السُّکُونُ وَ الْحَرَكَهُ وَ كَيْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ (من السكون و الحركة) وَ (كيف) يَعُودُ (يرجع) فيه مَا هُوَ أَبْدَاهُ (أظهره) و (كيف) يَحْدُثُ (يقع، يجد) فِيهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ (أوجده) إذاً (إذا جرت عليه تلك الأمور) لَتَفاوَتَتْ (إختلفت) ذَاتُهُ (بإختلاف السكون و الحركة فيه تعالى) وَ لَتَجَزَّأَ (قسم) كُنْهُهُ (ذاته) وَ لاَمْتَنَعَ مِنَ الْأَزَلِ مَعْنَاهُ (حقيقته) وَ لَكَانَ لَهُ وَرَاء (من الإبتداء) إِذْ وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ (من الإنتهاء) و لالْتَمَسَ (يطلب) التَّمَامَ إِذْ لَزِمَهُ النُّقْصَانُ وَ إِذاً لَقَامَتْ آيَةً (علامة) الْمَصْنُوعِ فِيهِ (تعالى) وَ لَتَحَوَّلَ دَلِيلًا (صار دليلا على صانع غيره) بَعْدَ أَنْ کَانَ مَدْلُولاً عَلَیْهِ (بمصنوعاته و مخلوقاته) و خَرَجَ (عطف على قوله علیه السَّلام؛ لا يجرى عليه السكون) بِسُلْطَانِ (قوّة) الاِمْتِنَاعِ (من ذاته لكلّ شيء) منْ أَنْ يُؤَثْرَ فيه

ص: 228

مَا يُؤَثر فِي غَيْره (كالسكون و الحركة فهو) الَّذِی لاَ یَحُولُ (يزول) وَ لَا يَزُولُ وَ لَا يَجُوزُ (يمرّ) عَلَیْهِ الْأُفُولُ (الغياب من مكان إلى مكان آخر) لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ (يصير) مَوْلُوداً وَ لَمْ یُولَدْ فَیَصِیرَ مَحْدُوداً (فى وجوده بالأب) جَلََّ (عظم) عَنِ اتِّخَاذ الْأَبْنَاء وَ طَهُرَ عَنْ مُلَامَسَة النِّسَاء لَا تَنَالُهُ (تدركه، تصيبه) الْأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ وَ لَا تَتَوهُمُهُ الْفِطَنُ (ذووا الأفهام السريعة) فَتُصَورَهُ وَ لَا تُدْرِكُهُ الْحَوَاس (المشاعر) فَتُحِسَّهُ وَ لَا تتَلْمِسُهُ الْأَیْدِی فَتَمَسَّهُ وَ لَا یَتَغَیَّرُ بِحَالٍ وَ لاَ یَتَبَدَّلُ فِی الْأَحْوَالِ وَ لاَ تُبْلِیهِ (تُخلقه) اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامُ (فيصير باليا خَلقا) وَ لَا یُغَیِّرُهُ الضِّیَاءُ و الظَّلَامُ (الظلمة ، حيث يفسدان و يغيّران الأشياء بإختلافهما) و لا يُوصَفُ بِشَيْء مِنَ الْأَجْزَاء وَ لَا بالْجَوَارِح وَ الْأَعْضَاءِ وَ لاَ بِعَرَضٍ مِنَ الْأَعْرَاضِ (كالإنتقال و الحركة و السكون و الثقل و غيرها) وَ لاَ بِالْغَیْرِیَّهِ (بينه و بين صفاته أو بينه و بين خلقه بالمزايلة) وَ (لا ب-) الْأَبْعَاضِ وَ لَا يُقَالُ لَهُ حَدٌ وَ لَا نِهَايَةٌ وَ لَا انْقِطَاعٌ وَ لَا غَايَةٌ وَ لَا (يوصف ب-) أَنَّ الْأَشْيَاءَ تَحْوِیهِ (تضمّه، تجمعه) فَتُقَلَهُ (ترفعه) أو تُهوِيَهُ (تسقطه) أَوْ (لا يوصف ب-) أَنَّ شَيْئاً يَحْمِلُهُ فَيُمِيلَهُ (يعدله) أَو يُعَدِّلَهُ (إلى اليمين و الشمال) لَيْسَ فِي الْأَشْيَاء بِوَالِج (داخل فتحويه) وَ لَا عَنْهَا بِخَارِج يُخْبِرُ (بالوحى) لا بِلِسَانِ وَ لَهَوَات (لحوم مدلاة فى الحلقوم) وَ يَسْمَعُ لَا بِخُرُوقِ (شقوق) وَ أَدَوَات (كالأذن) يَقُولُ وَ لَا يَلْفظ (يرمى بشيء من فمه) وَ یَحْفَظُ وَ لاَ یَتَحَفَّظُ (لا يتكلف الحفظ) وَ يُرِيدُ وَ لَا یُضْمِرُ (يخفى) يُحبُّ وَ يَرْضَى مِنْ غَيْرِ رِقَة و يُبعْضُ وَ يَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّة يَقُولُ لَمَنْ أَرَادَ كَونَهُ (وجوده) كُنْ (قع) فَيَكُونُ (يقع) لاَ بِصَوْتٍ یَقْرَعُ (يضرب الأسماع) وَ لاَ بِنِدَاءٍ یُسْمَعُ و إِنَّمَا كَلَامَهُ سَبحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَه (خلقه و أحدثه إبتداء بلا مثال كان قبله) وَ مَثَّلَهُ (صوّر ذلك الفعل) لَمْ يَكُنْ (ذلك الفعل) منْ قَبل ذَلكَ (الإنشاء منه تعالى) کَائِناً (موجودا) وَ لَوْ کَانَ (ذلك الفعل) قَدِیماً لَکَانَ إِلَهاً ثانياً لا يُقَالُ (فيه تعالى) كَانَ (وقع، وجد) بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ المُحْدَثَاتُ وَ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا (الصفات له تعالى، إذا رفع "لا يكون" أو الصفات المحدثات، إذا نصب "لا يكون") وَ بَيْنَهُ (تعالى) فَصْلٌ (لأنّها لا تكون زائدة عليه على الإحتمال الأوّل) وَ لَا لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ (لأنّها عين ذاته تعالى على ذلك الإحتمال و أمّا على

ص: 229

الإحتمال الثاني فيكون المعنى أنّه تعالى إذا جرت عليه الصفات المحدثات من خلقه لم يكن بينه تعالى و بينها فصل و لا له تعالى عليها فضل لتكافئهما و إنّ الأوّل أمثل) فَیَسْتَوِیَ الصَّانِعُ وَ الْمَصْنُوعُ وَ يَتكَافَاً (يتماثل) الْمُبْتَدَعُ (المخلوق بلا مثال من خالق قبله) وَ الْبَدِیعُ (الخالق) خَلَقَ الْخَلَائِقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالِ خَلَا (مضى سبق) مِنْ غَيْرِهِ وَ لَمْ يَسْتَعِنْ عَلَى خَلْقِهَا بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ أَنْشَأ (خلق) الْأَرْضَ فَأَمْسَكَهَا (حبس الأرض على مدارها) مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالِ (بإمساكها) وَ أَرْسَاهَا (أثبتها) عَلَى غَيْرِ قَرَارِ (بل الأرض متحرّكة فهي في فلك تسبح) وَ أَقَامَهَا بِغَيْرِ قَوَائِمَ (دعائم) و رَفَعَهَا (فى السماء معلّقة) بِغَيْرِ دَعَائِمَ وَ حَصْنَهَا (منعها) مِنَ الْأَوَدِ (العوج) وَ الاِعْوِجَاجِ (فى حركتها) وَ مَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ (التساقط مع أنّها أقيمت بغير القوائم) و (من) الاِنْفِرَاجِ (الإنشقاق) أَرْسَی (أثبت) أَوْتَادَهَا (و هى الجبال و تلك الأمور من معجزاته العلمية علیه السَّلام) وَ ضَرَبَ أَسْدَادَهَا (جبالها) وَ اسْتَفَاضَ (طلب سيلان) عُيُونَهَا وَ خَدََّّ (شقّ) أَوْدِیَتَهَا (المنفرجات بين الجبال) فَلَمْ يَهِنْ (يضعف) مَا بَنَاهُ وَ لَا ضَعُفَ مَا قَوّاهُ هُوَ الظَّاهِرُ (الغالب) عَلَيْهَا (الخلائق) بِسُلْطَانه و عَظَمَته وَ هُوَ الْبَاطِنُ لَهَا بِعِلْمِهِ و مَعْرِفَتِهِ وَ الْعَالِي عَلَى كُلِّ شَيء مِنْهَا بِجَلاَلِهِ وَ عِزَّتِهِ لاَ یُعْجِزُهُ شَیْءٌ مِنْهَا طَلَبَهُ وَ لاَ یَمْتَنِعُ (شيء) عَلَيهِ فَيَغْلِبَهُ (فى إرادته) وَ لَا يَفُوتُهُ السَّرِيعُ مِنْهَا (الخلائق) فَيَسْبِقَهُ وَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِي مَالِ فَيَرْزُقَهُ خَضَعَت الأَشْيَاء لَهُ وَ ذَلَّتْ (الأشياء) مُسْتَکِینَهً (خاضعة ذليلة) لعَظَمَته لَا تَسْتَطيعُ (تقدر الأشياء) الْهَرَبَ (الفرار) مِنْ سُلْطَانه إِلَى غَيْرِهِ فَتَمْتَنِعَ (الأشياء) مِنْ نَفْعِهِ وَ ضَرْهِ وَ لَا كُفْءَ (نظير) لَهُ فَيُكَافتَهُ (يساوى ذلك النظير له تعالى) وَ لَا نَظير لَهُ فَيسَاوِيَهُ هُوَ المُفْنِي لَهَا بَعدَ وُجُودِهَا حَتَّی یَصِیرَ مَوْجُودُهَا كَمَفْقُودِهَا وَ لَيْس فَنَاءُ الدُّنْيَا بَعدَ ابْتِدَاعَهَا بِأعْجَبَ منْ إنْشَانهَا وَ اخْتِرَاعِهَا وَ كَيفَ (يكون الفناء بأعجب من الإنشاء) وَ لَوِ اجْتَمَعَ جَمِیعُ حَیَوَانِهَا مِنْ طَیْرِهَا وَ بَهَائِمِهَا وَ (من) ما (بهائمها الَّتى) كَانَ منْ مُرَاحِهَا (مأواها) وَ سَائِمِهَا (الراعى من البهائم و ما كان فى مرعاه) وَ أَصْنَافِ (أنواع داخلة فى) أَسْنَاخهَا (أصولها) وَ أَجْنَاسِهَا وَ مُتَبَلِّدَهِ (غبية، حمقاء) أُمَمِهَا (و هى غير الأكياس من الأشياء) وَ أَکْیَاسِهَا (ذوى العقول منها) عَلَى

ص: 230

إِحْدَاثِ بَعُوضَة مَا قَدَرَتْ (لم تستطع تلك الأشياء) عَلَى إحْدَاثِهَا (إيجاد تلك البعوضة) وَ لَا عَرَفَتْ كَيْفَ السَّبِيلُ (الطريق) إلى إيجادهَا وَ لَتَحَیَّرَتْ عُقُولُهَا (تلك الأكياس) في علم ذَلِكَ (الإحداث) و تَاهَتْ (تحيَرت العقول أو الأكياس) و عَجَرَتْ قُوَاهَا وَ تَنَاهَتْ وَ رَجَعَتْ خَاسِتَةَ (ذليلة) حَسيرَةً (عاجزة) عَارِفَهً بِأَنَّهَا (العقول أو الأكياس) مقهُورَةٌ (مغلوبة) مُقرَّةٌ (معترفة) بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشَائِهَا (تلك البعوضة) مُذْعِنَهً (معترفة) بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ یَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْیَا وَحْدَهُ لاَ شَیْءَ مَعَهُ كَمَا كَانَ قَبلَ ابْتِدَائِهَا كَذَلكَ يَكُونُ (الله تعالى) بَعْدَ فَنَائِهَا بِلا وَقت وَ لا مَكَانِ وَ لاَ حِینٍ وَ لاَ زَمَانٍ عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِکَ (الإفناء للدنيا) الأجَالُ وَ الأوقاتُ وَ زَالَت (إضمحلّت) السَّنُونَ وَ السَّاعَاتُ فَلَا شَيْء إِلَّا اللهُ الواحدُ الْقَهَّارُ الّذي إِلَیْهِ مَصِيرُ جَمِيعِ الأُمُورِ بِلَا قُدْرَةِ مِنْهَا (تلك الأمور) كَانَ (وقع) ابْتِدَاء خَلْقِهَا وَ بِغَيْرِ امْتَنَاعِ مِنْهَا (لدفع الفناء عن أنفسها) كَانَ (وقع) فَنَاؤُهَا وَ لَوْ قَدَرَتْ (الأمور) عَلَی الاِمْتِنَاعِ (حين إيجادها) لَدَامَ بَقَاؤُهَا (حين إفنائها) لَمْ يَتَكَاءَدُهُ (يشقّ) صُنعُ (خلق) شَيْء مِنْهَا إِذْ صَنَعَهُ وَ لَمْ يَؤُدُهُ (يثقل عليه) مِنْهَا خَلْقُ مَا خَلَقَهُ وَ بَرَأَهُ (خلقه من ذوى الأرواح) وَ لَمْ یُکَوِّنْهَا (يحدثها) لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ وَ لَا لِخَوْفِ مِنْ زَوَالِ وَ نُقْصَانِ وَلَا لِلاسْتعَانَةِ بِهَا عَلَى نِدٍّ (مثل) مُكَاثِرِ (مغالب بالكثرة) وَ لاَ لِلاِحْتِرَازِ (الإتّقاء، التجنّب) بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ (مواثب مهاجم) وَ لاَ لِلاِزْدِیَادِ (على الأضداد) بِهَا في مُلكه وَ لَا لِمُكَاثَرَة شَرِيك في شركه وَ لَا لَوَحْشَةِ كَانَتْ (وقعت) مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِسَ إِلَيْهَا (تلك الأمور) ثُمَّ هُوَ يُفْنِيهَا بَعْدَ تَكْوِينِهَا لَا لِسَامِ (ملالة) دَخَلَ عَلَيْهِ فِي تَصْرِيفِهَا (تبديلها، إنتقالها من حال إلى حال) وَ تَدْبِيرِهَا (فى أمورها) ووَ لاَ لِرَاحَهٍ وَاصِلَهٍ إِلَیْهِ وَ لاَ لِثِقَلِ شَیْءٍ مِنْهَا عَلَیْهِ لاَ یُمِلُّهُ (يتعبه) طُولُ بَقَائهَا فَيَدْعُوهُ (ذلك الإملال) إلَى سُرْعَهِ إِفْنَائِهَا وَ لَکِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ وَ أَمْسَکَهَا (حبسها عن السقوط) بِأَمْرِهِ وَ أَتْقَنَهَا (أحكمها) بِقُدْرَتِه ثُمَّ يُعِيدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَة مِنْهُ إِلَيْهَا (تلك الأمور) وَ لَا (من) اسْتعَانَة بِشَيْء مِنْهَا عَلَيْهَا (تلك الحاجة) وَ لاَ لاِنْصِرَافٍ (تجنّب نفور) مِنْ حَالِ وَحْشَةِ (من فقدها) إِلَى حَالِ اسْتِثْنَاسِ (بوجودها) وَ لَا (الإنصراف) مِنْ حَالِ جَهْلِ وَ عَمِّى (بفنائها) إِلَى

ص: 231

حال عِلْمٍ وَ الْتِمَاسٍ (طلب بعد وجودها و إحداثها ثانيا) وَ لا (الإنصراف) مِنْ فَقْرِ وَ حَاجَة (من فقدها) الى غِنىً وَ كَثْرَة (بوجودها) وَ لَا (لإنصراف) منْ ذُلّ وَ ضَعَة (إحتقار، حقارة ، تذلّل، دناءة من فقدها) الى عِزٍّ وَ قُدْرَةٍ (بوجودها).

187 - و من خطبة له علیه السَّلام و هي في ذكر الملاحم:

أَلا بِأَبِی وَ أُمِّی! هُمْ مِنْ عِدَّةٍ (و هم أهل البيت عليهم السلام) أَسْمآؤُهُمْ فِی السَّمآءِ (عند الله و ملائكته) مَعْرُوفَةٌ وَ فِی الْأَرْضِ (عند جهلة الناس) مَجْهُولَةٌ (بترك الإطاعة لهم و إتّخاذ الغير لولاية أمورهم فيتّخذون سبيل الغىّ رشدا) أَلَا فَتَوَفَّعُوا (إنتظروا) مَا يَكُونُ (يقع) مِنْ إِدْبَارِ أُمُورِكُمْ (كلّها بإدباركم عن أهل البيت) وَ (من) انْقِطَاعِ وصَلَكُمْ (بترككم حبل الله المتّصل بين السماء و الأرض و هو الإمام المنصوب من الله تعالى) وَ (من) اسْتِعْمَالِ صِغَارِكُمْ ذَاكَ (الأمر من ولاية أموركم) حَيثُ (فى زمان) تَكُونُ ضَرْبَةُ السِّيْف عَلَى الْمُؤْمِنِ أَهْوَنَ (أسهل) منَ الدِّرْهَمِ مِنْ حلَّه ذَاكَ (الزمان) حَيْثُ (فى زمان) يَكُونُ الْمُعْطى (له بعطاء) أَعْظَمَ أَجْراً مِنَ الْمُعْطي (حيث يعطى من الحرام أو يعطى مع المنّ و الأذى لا مع الإخلاص فلا أجر له) ذاكَ حَيثُ تَسْكَرُونَ مِنْ غَيْرِ شَرَابٍ بَلْ (تسكرون) منَ النّعمَة و النّعيم (فتترفون بها) وَ (حيث) تَحْلِفُونَ مِنْ غَيْرِ اضْطَرَارِ وَ تَكْذِبُونَ مِنْ غَيْرِ إِحْراجٍ (تضييق) ذَاكَ إِذَا عَضَكُمُ الْبَلَاء كَمَا یَعَضُّ الْقَتَبُ (الإكاف و هو رحل صغير للبعير على قدر السنام) غَارِبَ (ما بين العنق و سنام) الْبَعير مَا أَطوَلَ هَذَا الْعَنَاء (التعب) وَ (ما) أَبْعَدَ هذَا الرَّجآءَ (لكشف العناء) أَيُّهَا النَّاسُ أَلْقُوا (إطرحوا) هذِهِ الأَزِمَّهَ الَّتِی تَحْمِلُ ظُهُورُهَا الأَثْقَالَ (من الآثام) منْ أَيْدِيكُم (و لا تتعلّقوا بشيء منها) وَ لَا تَصَدَّعُوا (تتفرّقوا) عَلَى سُلْطَانِكُمْ (أميركم) فَتَذْمُوا غِبَّ (غاية) فَعالِكُمُ (الأَنَّ معصية الناصح الشفيق و هو الإمام المعصوم تعقب الحسرة و توجب الندامة لما في معصيته من الشرّ فتذمّوا لغاية هذه الفعلة) وَ لَا تَقْتَحِمُوا (تدخلوا) مَا اسْتَقْبَلْتُمْ (إليه) مِنْ فَوْرِ (ارتفاع) نَارِ الْفِتْنَهِ، و أَمِیطُوا (تنحّوا ، ابعدوا) عَنْ سَنَنهَا (طريقها) وَ خَلُّوا (للفتنة ) قَصْدَ السَّبِيل

ص: 232

(سبيلها القاصدة الّتى استقامت الفتنة عليها) لَهَا (حتّى تمر و أنتم منها ناجون) فَقَدْ لَعَمْرِی يَهْلِكُ في لَهَبهَا (إشتعال تلك النار الخالية عن الدخان) الْمُؤْمِنُ وَ يَسْلَمُ فِيهَا غَير المُسلِمِ إِنَّمَا مَثَلِي بَيْنَكُمْ كَمَثَلِ السَّرَاج في الظُّلَمَة يَسْتَضيء به مَنْ وَ لَجَهَا (دخلها) فَاسْمَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَعوا (إحفظوا) وَ أَحْضِرُوا آذَانَ قُلُوبِكُمْ (للإستماع عنّى) تَفْهَمُوا (ما فيه نجاتكم من الفتن).

188 - و من خطبة له علیه السَّلام في الوصيّة بأمور:

أوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ بِتَقْوَى الله وَ كَثَرَة حَمْدِهِ عَلَی آلائِهِ (نعمائه) إِلَيْكُمْ وَ نَعْمَائِه عَلَيْكُمْ وَ بلائِه (إحسانه) لَدَيْكُمْ (عندكم) فَكَمْ خَصَّكُمْ بِنِعْمَةِ وَ تَدَارَكَكُمْ بِرَحْمَةِ أَعُورْتُمْ (أظهرتم عيوبكم) لَهُ فَسَتَرَكُمْ (و لم يفضحكم على أعين عباده) و تَعَرضْتُمْ (بمعاصيكم) لِأَخْذِهِ (المقتدر) فَأَمْهَلَكُم (جعل لكم المهلة برحمته).

و أوصِيكُم بذكْرِ الموت و إقلال (قلة) الْغَفْلَهِ عَنْهُ وَ کَیْفَ غَفْلَتُکُمْ عَمَّا (الموت الذی) لَیْسَ یُغْفِلُکُمْ وَ (كيف) طَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيسَ مهِلُكُمْ فَكَفَى وَ اعِظاً بِمَوْتَی (أموات) عَايَنتُمُوهُمْ حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ غَيْر رَاكِبينَ (بل محمولين على أكتاف الناس) و أنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُماراً (عامرين، ساكنين) وَ كَأَنَّ الْآخِرَةَ لَمْ تَزَلَ لَهُمْ دَاراً أَوْحَشُوا مَا كَانُوا يُوطِنُّونَ (يتّخذونه لأنفسهم وطنا) وَ أَوْطَنُوا مَا القبر الّذى) كَانُوا يُوحشُونَ (منه) وَ اشْتَغَلُوا (فى الدنيا) بِمَا فَارَقُوا (من زخارف الدنيا) و أضَاعُوا (أهلكوا) مَا إلَيْه انْتَقَلُوا (من نعيم الأبد) لا عَنْ (عمل) قَبيح يَسْتَطِيعُونَ (يقدرون) انْتِقَالاً وَ لَا فِي (عمل) حَسَنِ يَسْتَطِيعُونَ ازْدِيَاداً أَنسُوا بِالدُّنْيَا فَغَرَتْهُمْ (خدعتهم الدنيا بزخارفها) وَ وَثِقُوا (إئتمنوا) بِهَا فَصَرَعَتهم (سقطتهم الدنيا على الأرض).

فَسَابِقُوا (سارعوا، أسرعوا بالعمل الصالح) رَحمَكُمُ اللهُ إِلَى مَنَازِلكُمُ الَّتي أمرتُم أَنْ تَعْمُرُوهَا وَ (إلى منازلكم) الّتي رَغبتُمْ فِيهَا وَ دُعِيتُمْ إِلَيْهَا وَ اسْتَتِمُّوا (اطلبوا كمال) نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَته وَ الْمُجَانَبَة (الإجتناب التباعد) لِمَعْصِیَتِهِ فَإِنَّ غَداً (و هو الآخرة) مِنَ الْيَوْمِ

ص: 233

(الحاضر من عمركم) قَرِيبٌ مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْم (فيذهب اليوم بسرعة ذهاب الساعات) وَ (ما) أَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ (فيذهب الشهر بسرعة ذهاب الأيّام) وَ (ما) أَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السِّنَة (فتذهب السنة بسرعة ذهاب الشهور) وَ (ما) أَسْرَعَ السِّنِينَ فِي العُمر (فيذهب العمر بسرعة ذهاب السنين فإنّ الغد من اليوم قريب).

189 - و من كلام له علیه السَّلام في الإيمان و وجوب الهجرة:

فَمِنَ الْإِيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي الْقُلُوبِ (و لا يزول فى الشدائد) وَ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِىَّ (غير مستقرات) بَيْنَ الْقُلُوبِ وَ الصُّدُورِ إِلَى أَجَلِ مَعْلُوم (فيزول بالشدائد و تقلّب الأحوال و الأيّام) فَإِذَا كَانَتْ (وقعت) لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَدٍ (من الناس) فَقِفُوهُ حَتّى يَحْضُرَهُ (يأتيه) الْمَوْتُ فَعِنْدَ ذَلكَ (الحضور للموت) يَقَعُ حَدُّ الْبَرَاءَةِ (من ذلك المحتضر- فإن مات مؤمنا لم تجز البراءة منه و إن مات كافرا تجوز البراءة و هذا هو حدّها).

وَ الْهِجْرَةُ (فى زماننا) قَائمَةٌ عَلَى حَدَّهَا الْأَوَّلِ (من الوجوب فالحدّ الأول لها هو الهجرة إلى رسول الله و الحدّ الثانى لها هو الهجرة إلى وصيّه و من ترك الهجرتين فقد تعرّب و كفر). ما كَانَ (لم يقع) لِلَّهِ فِى أَهْلِ الْأَرْضِ حَاجَةٌ مِنْ مُسْتَسِرِّ (كاتم) الْأُمَّةِ (الحالة) وَ مُعْلِنِهَا (فالإيمان المستقرّ في القلوب و العارية فى الصدور عنده تعالى سواء و أمّا المعنى الثاني فهو أن تجعل لفظة ما فى قوله "ما كان" مصدرية توقيتية فيصير المعنى الهجرة قائمة على حدّها الأول ما دام لله فى أهل الأرض حاجة و هى طلبه من الناس بأن يعبدوه، و هذا المعنى أقرب و أنسب) لا يَقَعُ اسْمُ الْهِجْرَةِ (من الضلالة إلى الهداية) عَلَى أَحَد إِلَّا بِمَعْرِفَة الحَجّة في الْأَرْضِ (نبيّا كان أم وصيّا) فَمَنْ عَرَفَهَا (الحجّة) و أقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِرٌ (من بيته إلى الله) وَ لايَقَعُ اسْمُ الْإِسْتِضْعَافِ عَلى مَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ فَسَمِعَتْهَا أُذُنُهُ وَ وَعَاهَا (حفظها) قَلْبَهُ (و إنّ المستضعف هو الذى لم تبلغ إليه الحجّة و لم تسمعها أذنه و لم يحفظها قلبه من الرجال و النساء و الولدان الذين لا يستطيعون حيلة).

ص: 234

إنَّ أَمْرَنَا (من ولاية أهل البيت و تحمّل أثقالها) صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ (شديد الصعوبة) لَا يَحْمِلُهُ إِلَّا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ للإيمَانِ (المستقرّ فى القلوب لا المستودع منه فى الصدور) وَ لَا یَعي (يحفظ) حَدِيثَنَا إلّاصُدُورٌ أَمِينَةٌ وَ أَحْلامٌ (عقول) رَزِينَةٌ (ثقيلة).

أَيُّهَا النَّاسُ سَلوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَلَانَا بِطرُقِ السَّمَاء أَعْلَمُ مِنِّي بِطرُقِ الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ (ترفع) بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأ (تدوس) فِى خِطَامِهَا (زمامها) وَ (فتنة) تَذْهَبُ بِأَحْلامِ (عقول) قَوْمِهَا.

190 - و من خطبة له علیه السَّلام يحمد الله ويثني على نبيّه و يعظ بالتقوى:

أَحْمَدُهُ شُكراً لإنْعَامه (علينا) وَ أَسْتَعِینُهُ عَلَی وَظَائِفِ حُقُوقِهِ عَزِیزَ (غير مغلوب) الْجُنْدِ عَظِيمٌ الْمَجْدِ (الشرف الكرم، السخاء).

وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولَهُ دَعَا إِلَى طَاعَته وَ قَاهَرَ (غالب) أَعْدَاءَهُ جِهَاداً (منه صلّى الله عليه و آله) عَنْ دينه لَا يَثْنيه (يصرفه) عَنْ ذَلكَ (الجهاد) اجْتِمَاعٌ (من الناس) عَلَی تَکْذِیبِهِ وَ (لا يثنيه عن ذلك) الْتِمَاسٌ (طلب من الناس) لِإِطْفَاءِ نُورِهِ.

فَاعْتَصِمُوا (إمتنعوا عن المعاصي) بِتَقْوَى الله فَإِنَّ لَهَا (العصمة) حَبْلاً وَثِیقاً (محكما) عُرْوَتُهُ (مقبض ذلك الحبل) و (إنّ للعصمة) مَعْقِلاً (ملجأ) مَنِیعاً (مانعا عن المعاصى) ذروتُهُ (أعلى ذلك المعقل فلا يُدرك و لا ينال من يلجأ إليه) وَ بادرُوا (سابقوا) الْمَوْتَ وَ غَمَراته (شدائده) وَ امْهَدُوا (إستعدّوا) لَهُ قَبْلَ حُلُوله (نزول الموت) وَ أَعِدُّوا (هيئوا) لَهُ قَبْلَ نُزُوله فَإِنَّ الْغَايَة (للخلق) الْقِيَامَةُ (فهى القرار) وَ كَفَى بِذَلِكَ (الموت) وَ اعظاً لِمَنْ عَقَلَ وَ (كفى بالموت) مُعْتَبَراً (إعتبارا ، عبرة، موضع عبرة) لِمَنْ جَهِلَ (مواقع العبرة فكفاه عبرة الموت فلا حجّة و لا عذر له في ترك الإعتبار) وَ قَبْلَ بُلُوغِ الْغَایَةِ (القيامة) مَا تَعْلَمُونَ مِنْ ضِيقِ الْأَرْمَاسِ (القبور) و شدَّة الْإِبلاس (الحزن في خذلان و يأس) وَ هَوْلِ (وحشة) الْمُطَّلَعِ (المنزلة الّتي منها يشرف الإنسان على أمور الآخرة) وَ رَوْعَاتِ (فزعات) الْفَزَعِ (الخوف) وَ اخْتِلاَفِ الْأَضْلاَعِ (دخول بعضها في

ص: 235

(البعض) وَ اسْتكَاك (صمم) الْأَسْمَاعِ وَ ظُلْمَة اللَّحْدِ وَ خِیفَةِ الْوَعْدِ وَ غَمِّ (حزن أو مستور) الضَّرِیحِ (اللحد أي اللحد المستور الّذى لا يدرى ما فيه أ فيه نار أم روح و ریحان) وَ رَدْمِ (سدّ) الصَّفِیحِ (الحجر العريض الّذى يسدّ به اللحد) فَالله اللهَ عِبَادَ الله فَإِنَّ الدُّنْيَا مَاضِيَة (ذاهبة) بِکُمْ عَلَی سَنَنٍ (طريق فلا يستقرّ فيها أحد) وَ أَنْتُمْ وَ اَلسَّاعَةُ (القيامة) في قَرنِ (حبل يقرن به البعيران) و كَأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ (الساعة) بأشْرَاطهَا (علاماتها) وَ أَزِفَتْ (قربت) بِأَفْرَاطهَا (دلائلها، علاماتها) و وقَفَتْ بِكُمْ عَلَى صِرَاطهَا وَ كَأَنَّهَا قَدْ أَشْرَفَتْ (عليكم) بِزَلَازِلِهَا وَ أَنَاخَتْ (برکت کبروك الإبل) بِکَلاَکِلِهَا (صدورها) وَ انْصَرَمَت (إنقطعت) الدُّنْيَا بِأهْلهَا وَ أَخْرَجَتْهُمْ مِنْ حِضْنِهَا (جنبها) فَكَانَتْ (الدنيا) کَیَوْمَ مَضَی وَ شَهْرٍ انْقَضَی وَ صَارَ جَديدُهَا رَثّاً (باليا) وَ سَمِینُهَا غَثّاً (مهزولا) فِی مَوْقِفٍ (و هو متعلّق بصار) ضَنْکِ (ضيق) الْمَقَامِ (و هو القبر) وَ (فى) أمور مُشْتَبِهَةٍ عِظَامٍ (عظيمة ذات مشقّة و صعوبة من أهوال البرزخ) وَ نَارِ شَدِيدِ كَلَبُهَا (أكلها بلا شبع أو عضّها) عَالِ لَجَبْهَا (صياحها، إضطرابها) سَاطِعِ (مرتفع) لَهَبهَا (إشتعالها بلا دخان) مُتَغَیِّظٍ (ذى هيجان) زَفِیرُهَا (صوت تنفّسها) مُتَأَجِّجٍ (متلهّب) سَعِیرُهَا (نارها أو إشتعالها بلا دخان) بَعِیدٍ خُمُودُهَا (سكونها فلا يسكن لأهلها) ذَاك (شديد) وُ قُودُهَا (حطبها) مَخُوف وَ عِيدُهَا عَمِ قَرَارُهَا (مستقرّها لبعد عمقها) مُظْلِمَةٍ أَقْطَارُهَا (و احيها، جوانبها حَامِیَةٍ (حارّة) قدُورُهَا فَظِيعَة (شديدة) أُمُورُهَا وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً (جماعة) قَدْ أمِنَ الْعَذَابُ (لهم) وَ انْقَطَعَ الْعِتَابُ (من الله لهم) وَ زُحْزِحُوا (أبعدوا) عَنِ النَّارِ وَ اطْمَأَنَّتْ (سکنت) بِهِم الدَّارُ وَ رَضُوا الْمَثْوَى (المنزل) وَ الْقَرَارَ الَّذينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيَةَ (طاهرة) و أعينُهُمْ (من خوف الله) باكيةً وَ كَانَ لَيْلَهُم فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً تَخَشُعاً (تضرّعا لله) و اسْتغْفَارًا وَ كَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلًا تَوَحَشاً (غير مستأنسين لأحد) وَ انْقِطَاعاً (عن الخلق) فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ الْجنّة مآباً (مرجعا) وَ الْجَزَاءَ ثَوَاباً وَ کٰانُوا أَحَقَّ بِهٰا (الجنّة) وَ (كانوا) أَهْلَها فِي مُلْكَ دَائم وَ نَعِيمِ قَائم (ثابت لا يزول) فَارْعَوْا عِبَادَ اللَّهِ مَا بِرِعَايَتِهِ يَفُوزُ (يظفر) فَائِزُكُمْ وَ بِإِضَاعَتِهِ (إهلاكه) یَخْسَرُ مُبْطِلُکُمْ وَ بَادِرُوا (سابقوا) آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ (مأخوذون) بِمَا

ص: 236

أَسْلَفْتُمْ (قدّمتم من أعمالكم) وَ مَدِینُونَ (مجزيون) بِمَا قَدَّمتُم وَ كَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكُمُ المَخُوفُ فَلَا رَجْعَةَ (إلى الدنيا) تَنَالُونَ (تدركونها لإصلاح أعمالكم) وَ لاَ عَثْرَةً (زلّة القدم) تُقَالُونَ (تصفحون، تمهلون لإصلاحها) اسْتَعْمَلَنَا اللهُ (جعلنا العاملين) وَ إِيَّاكُمْ بِطَاعَته وَ طَاعَة رَسُوله و عَفَا عَنا وَ عَنْكُمْ بِفَضْلِ (زيادة) رَحْمَته الْزَمُوا الْأَرْضَ (و لا تثيروا الفتنة و ألقوا أزمّتها عن أيديكم) وَ اصْبِرُوا عَلَى الْبَلاء وَ لا تُحرِّكُوا بِأَيْدِيكُم وَ سُيوفكُمْ فِي هَوَى السِنَتِكُمْ وَ لَا تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ يُعَجِّلْهُ (يقدّمه) اللَّهُ لَكُمْ فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَ هُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقّ رَبِّهِ وَ حقَّ رَسوله وَ أهْلِ بَيته مَاتَ شَهيداً و وَقَعَ أجره عَلَى الله و استوجب (إستحق) ثَوَابَ مَا نَوَى (قصد، إعتقد) مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ وَ قَامَتِ النِّیَّةُ (منه على العمل الصالح) مَقَامَ إصْلاته (تجریده، سلّه) لِسَیْفِهِ (فإن مات فى فراشه قامت نيّته مقام الإصلات فمات شهيدا) فَإنّ لكلّ شَيءٍ مُدَّةً وَ أَجَلًا.

191 - و من خطبة له علیه السَّلام يحمد الله ويثني على نبيه و يوصي بالزهد و التقوى

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْفَاشِي (المنتشر-) فِي الْخَلْقِ حَمْدُهُ وَ الْغَالِبِ (القاهر) جُنْدُهُ وَ الْمُتَعَالِي جَدُهُ (عظمته) أَحْمَدُهُ عَلَى نعمه التَّوَّامِ (المتواصل) و آلاَئِه (نعمائه) العظامِ الَّذِي عَظمَ حَلْمُهُ (عند معصية عباده) فَعَفَا (عنهم) وَ عَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى- (حكم على عباده) و عَلِمَ مَا یَمْضِی-(يذهب) و مَا مَضَی (ذهب من الأمور) مُبْتَدِعِ (مخترع) الْخَلاَئِقِ بِعِلْمِهِ، وَ مُنْشِئِهِمْ (خالقهم) بِحُكْمه بِلَا اقْتَدَاء (إِتِّباع لمثال) وَ لَا تَعْلِيمِ (من خالق آخر) وَ لَا احْتِذاء (إنتعال، إقتداء) لمثَالِ صانع حَكِيمٍ (غيره تعالى وَ لَا إِصَابَةِ (تناول إدراك) خَطَا وَ لَا حَضْرَةِ (محضر-،قرب) مَلَإ (جماعة الأشراف ليشاهدوا ما خلقه).

وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولَهُ ابْتَعَثَهُ (بعثه) وَ النَّاسُ يَضْرِبُونَ (يسيرون بالسرعة) فِی غَمْرَه (شدّة من الفتن و الضلالة) و یَمُوجُون (يضطربون، يتحيّرون) فِی حَیْرَه. قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّهُ الْحَیْنِ (الهلاك) وَ اسْتَغْلَقَتْ (إرتجّت) عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرِّينِ (الحجاب فلا يتفكّرون)

ص: 237

عبَادَ الله أَوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله فَإِنَّهَا حَقَّ الله عَلَيْكُمْ وَ الْمُوجِبَهُ عَلَى اللهِ حَقَّكُمْ وَ أَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللَّهِ وَ تَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللهِ فَإِنَّ التَّقْوَى فِي الْيَوْم (الدنيا) الحرِّزُ (الحصن) وَ الْجُنَّةَ (الوقاية عن الذنوب) وَ في غَدِ (و هو الآخرة) الطَّرِيقُ إلَى الْجَنَّةِ مَسْلَكُهَا (موضع ذهابها) وَاضحٌ (لمن أراد أن يسلك سبيلها) وَ سَالِکُهَا رَابِحٌ وَ مُسْتَوْدَعُهَا (مستقرّها) حَافِظٌ (للإيمان) لَمْ تَبْرَحْ (تزل) عَارِضَةَ نَفْسَهَا عَلَى الأُمَمِ الْمَاضِينَ مِنْكُم وَ الغَابِرِينَ (الباقين) لِحَاجَتِهِم (إحتياجهم إلى التقوى) إلَيْهَا غَداً إِذَا أَعَادَ اللَّهُ (فى يوم القيامة) مَا أَبْدَی (أظهر من خلقه أوّلا) و (إذا) أَخَذَ مَا أَعْطَی (من الإختيار للتوبة و إكتساب التقوى و الصالحات) و سَألَ عَمَّا أسْدَى (أعطى ، منح عباده في الدنيا من النعيم) فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبلَهَا (التقوى) وَ حَمَلَهَا (فى قلبه) حَقَّ حَمْلهَا أُولَئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَ هُمْ أَهْلُ صفة (توصيف) الله سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ فَأهْطِعُوا (أسرعوا) بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا وَ أَلِظُّوا (ألزموا) بِجِدِّكُمْ (إجتهادكم سعيكم) عَلَيْهَا وَ اعْتَاضُوهَا (خذوها عوضا) منْ كُلِّ سَلَف (متقدّم) خَلَفاً (بدلا، فالتقوى خلف لكلّ سلف) وَ (اعتاضوها) مِنْ كُلِّ مُخَالِف (لهدايتكم) مُوَافِقاً (لها) أَیْقِظُوا (نبّهوا) بِهَا نَومَكُمْ (فاجعلوا بها ليلكم نهارا تخشّعا و إستغفارا) وَ اقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ (فاجعلوا بها نهاركم ليلا توحّشا و إنقطاعا) وَ أَشْعرُوهَا (أعلموها) قُلُوبَكُمْ وَ ارْحَضُوا (إغسلوا) بِها ذُنُوبَكُمْ وَ دَاوُوا بِهَا الْأَسْقَامَ (الأمراض) وَ بَادِرُوا (سابقوا) بِهَا الْحَمَامَ (الموت) وَ اعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا (أهلكها) وَ لَا يَعتبرنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا أَلَا فَصُونُوهَا (إحفظوا التقوى) وَ تَصَونُوا (تحفّظوا) بِهَا وَ كُونُوا عَنِ الدُّنْيَا نُراهاً (متورّعين، طيّبين،طاهرين) وَ إلى الآخرة وُلاَّهاً (محزونين، مشتاقين) وَ لَا تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَی وَ لاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْیَا وَ لَا تَشيمُوا (تنظروا) بَارِقَهَا (سحابها أين يمطر) وَ لَا تَسْمَعُوا نَاطقَهَا (الداعى لها) وَ لَا تُجِيبُوا نَاعِقَهَا (صائحها) وَ لَا تَسْتَضِيئُوا (تطلبوا الضياء) بِإِشْرَاقِهَا وَ لَا تُفْتَنوا (تعجبوا) بِأَعْلَاقِهَا (نفائسها) فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ (خادع) و نُطقَهَا كَاذِبٌ وَ أَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ (مسروقة، منهوبة) وَ أَعْلَاقَهَا مَسْلُوبَةٌ (عنكم بالموت) أَلَا وَ هيَ الْمُتَصَدِّية (المرأة الّتى تتعرّض للرجال تميلهم إلى نفسها) الْعَنُونُ

ص: 238

(كثيرة الظهور للرجال) وَ (هى) الْجَامِحَهُ (الصعبة على راكبها) الْحَرُونُ (الَّتى إذا طلب بها السير وقفت) وَ الْمَائِنَةُ (الكاذبة) الْخَئونُ (كثيرة الخيانة لمن فى يده شيء منها) وَ الْجَحُودُ (كثيرة الإنكار) الكَنُودُ (كثيرة الكفران لمن تبعها و عبدها) و الْعَنُودُ (شديدة الخصومة) الصُّدُودُ (كثيرة المنع) وَ الحَيودُ (كثيرة الميل إلى جانب الإفراط و التفريط) الْمَیُودُ (كثيرة الإضطراب) حَالُهَا انْتقَالُ (من يد إلى يد أخرى) وَ وَطْأَتُهَا (موضع قدمها) زِلْزَالٌ (مضطرب، غير مطمئن) و عزّهَا ذُلّ (فلا تنافسوا فى عزّها) و جِدُّهَا هَزْلٌ و عُلُوهَا سَفْلٌ دَارُ حَرَبٍ (سلب للمال) وَ سَلَبٍ وَ نَهْبٍ (غنيمة، غارة، سلب) وَ عَطب (هلاك) أَهْلُهَا عَلَى سَاقِ (لشدّة إضطرابهم) وَ سِياق (سوق إلى الآخرة) وَ لَحَاقِ (بالموتى) وَ فِرَاقٍ (من الدنيا) قَدْ تَحَیَّرَتْ مَذَاهِبُهَا (مواضع ذهابها فمن دخل حبّ الدنيا فى قلبه لا يخرج منها أبدا) وَ أَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا (مواضع الفرار منها) و خَابَتْ (حرمت، ایست عجزت) مطالبها (فمن طلب شيئا منها حرم) فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ (الحصون الملائذ، فليست الدنيا معقلا و حصنا لأحد) وَ لَفَظَتْهُم (رمتهم، طرحتهم) الْمَنَازِلُ (واحدا بعد واحد من الصلب إلى الرحم و من الرحم إلى الدنيا و من الدنيا إلى الآخرة) وَ أَعْيَتهُمُ (أعجزت أهل الدنيا) الْمَحاوِلُ (جودة النظر فلم تفدهم جودة النظر خلاصا عن مهالک الدنیا) فَمِن (الناس من هم) نَاج (من مهالكها) معقُورِ (مجروح، مضروب الساق) وَ لَحْمِ مَجْزُورٍ (مسلوخ أخذ عنه جلده) وَ شِلوِ (بدن) مَذبُوح وَ دَم مَسْفُوح (مسفوک) وَ عَاضٍّ (بالنواجذ) عَلَى يَدَيْه (حسرة وندامة على أعماله) وَ صَافِقٍ ( ضارب) بِكَفِّيه (ضربة يسمع صوته) وَ مُرْتَفِقٍ (واضع على مرفقيه) بِخَدِّيْه (حسرة و حزنا) و زَارِ (مقبح) عَلَی رَأْیِهِ (لما يرى فيه من الخطأ) وَ رَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ (لوهنه و هذا حال الدنيا) و قَدْ أَدْبَرَتِ الْحِیلَهُ (منكم للفرار منها و مكائدها) و أَقْبَلَتِ الْغِيلَة (الشرّ- المضمر فى خداع الدنيا) وَ لاَتَ حِینَ مَنَاصٍ (فرار) هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ (أن تستطيعوا الفرار من خداعها) قَدْ فَاتَ (من عمركم) مَا فَاتَ (بذهاب الأيام و السنين) وَ ذَهَبَ مَا ذَهَبَ (من نعيم الدنيا) وَ مَضَت الدُّنْيَا لحَالِ بَالهَا (خاطرها، قلبها، فما مضت الدنيا على ما تريدون من عدم ذهاب

ص: 239

نعيمها) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءِ وَ الْأَرْضُ (توجّعا و تألّما عليهم) و ما كانُوا مُنْظَرِينَ (مهملين للإستمتاع من نعيمها أو لتدارك ما فات منهم من العمر).

192 - و من خطبة له علیه السَّلام تسمّى القاصعة وهي تتضمّن ذم إبليس لعنه الله على استكباره و تركه السجود لآدم علیه السَّلام و أنّه أوّل من أظهر العصبية و تبع الحمية و تحذير الناس من سلوك طريقته:

الْحَمْدُ لله الذي لَبِسَ العزّ (الغلبة، القوّة الشدّة) وَ الْکِبْرِیَاءَ (التكبر الأبهة) وَ اخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ و جَعَلَهُمَا حِمیً (و هو ما يُحمى و يُمنع عن وصول الغير إليه) وَ حَرَما (موضعا يدافع عنه الله) عَلَى غَيْره وَ اصْطَفَاهُمَا (إختارهما) لِجَلالِهِ (عظمته).

جَعَلَ اللَّعْنَة (الحرمان من رحمته الواسعة الرحيميّة) عَلَى مَنْ نَازَعَهُ (غالبه) فيهمَا (العزّ و الكبرياء) مِنْ عِبَادِهِ ثُمَّ اخْتَبَرَ (إمتحن) بذَلكَ (النزاع فيهما) مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرِبِينَ لِيَمِيزَ الْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُم مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ فَقَالَ سُبحَانَهُ وَ هُوَ العَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ خفيّات في القُلُوبِ وَ محجوبات (مستورات فى) الغُيُوبِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً من طين فَإذا سَوَّیْتُهُ (خلقته بالتسوية بكمال أعضائه و أجزائه) وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُم أجمعُونَ إِلَّا إِبليس اعتَرَضَتْهُ (أدخلته فى الباطل ومنعته من الحقِّ) الْحَميّةُ (الأنفة) فَافْتَخَرَ (تعاظم) عَلَى آدَمَ بِخَلقه (آدم من الطين أو إبليس من النار) وَ تَعَصَّبَ (تجمّع، تحزّب تشدّد إبليس) عَلَیْهِ لِاصْلِهِ (بالإحتمالين) فَعَدُوُّ الله (إبليس) إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ وَ سَلَف (متقدّم على) الْمُسْتَكْبِرِينَ الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ العَصَبيَّة (الإعتزاز بالعصبة و هى قوم الرجل) وَ (الّذى) نَازَعَ (غالب) اللَّهَ رِدَاءَ (غطاء، ثياب) الجبريَّة (القهريّة ، العلوّ) وَ ادَّرَعَ (لبس الدرع من) لباس التَّعَزّز (المنتسب بالعزَّةُ) وَ خَلَعَ (نزع) قنَاعَ التَّذَلَّلِ (عند الله) أ لا تَرُونَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللَّهُ بِتَکَبُّرِهِ وَ (كيف) وَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً (مدفوعا، مبعدا) وَ أعَدُ (هيّأ) لَهُ فِي الْآخِرَة سعيراً (نارا خالصة من الدخان).

ص: 240

وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ يَخْطَفُ (يسلب بالسرعة) الأبصَارَ ضِيَاؤُهُ (نوره) وَ (من نور) یَبْهَرُ (يعلو، يقهر) الْعُقُولَ رواؤُهُ (حسن منظرِ ذلك النور) وَ (من) طِيبٍ يَأخُذُ الْأَنْفَاسَ عَرفُهُ (رائحة ذلك الطيب) لَفَعلَ (الله تعالى تلك الخلقة لآدم لأنّ إرادته تعالى فعل منه أنشأه و مثّله) وَ لَوْ فَعَلَ (ذلك من خلقة آدم من نور و طيب) تظَلَّتْ (صارت) لَهُ (تعالى أو لآدم) الْأَعْنَاقُ خَاضعَةً (غير مستكبرة) وَ لَخَفَّتِ الْبَلْوَی (الإختبار) فيه (آدم) عَلَى الْمَلَائِكَة وَ لکنّ الله سُبْحَانَهُ یَبْتَلِی خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا یَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تمييزاً (للمتواضعين من (المستكبرين) بِالاِخْتِبَارِ لَهُمْ و نَفْياً للاستكْبَارِ عَنْهُمْ، وَ إِبْعَادا لِلْخُیَلاَءِ (التكبّر) مِنْهُمْ.

فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ (وقع) مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإِبليس (حيث إستكبر) إِذْ أَحبَطَ (أبطل) عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَ جَهْدَهُ (طاقته، مشقّته) الْجَهيد (البليغ فى طاقته) و كَانَ (إبليس) قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّهَ آلافِ سَنَهٍ لا يُدْرَى (يعلم طول عمله فى تلك السنين) أ (هي) مِنْ سِنِی الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الْآخِرَةِ عَنْ کِبْرِ سَاعَةِ وَاحِدَةٍ فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسلَّمُ عَلَى اللهِ بِمِثْلِ مَعْصِیَتِهِ (و هي النزاع في كبرياء (الله) كَلَّا (لا يسلم أحد) مَا كَانَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرِ (و هو الكبر الّذى) أخْرج بِهِ مِنْها مَلَکا (و هو إبليس) إِنَّ حُكْمَهُ في (المستكبرين من) أهْل السَّمَاء وَ أَهْلِ الْأَرْض لَوَاحد وَ مَا بَينَ الله وَ بَينَ أَحَد مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ (رخصة) في إِبَاحَةِ (إطلاق) حمَّى حَرَّمَهُ عَلَی الْعالَمِینَ.

فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللهِ عَدُوٌّ الله (إبليس) أنْ يُعديكُم بِدَائه (ينقل إليكم دائه) و أنْ يَستَفزَّكُم (يستنهضكم) بندَائِه (دعوته إلى الإستكبار) وَ أنْ يُجلبَ (يجمع) عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ (ركبانه من الجنود) وَ رَجِلِهِ (مشاته منهم) فَلَعَمْرِي لَقَدْ فَوَّقَ (جعل للسهم فوقا و هو موضع الوتر) لَكُمْ سَهُمُ الْوَعِيدِ (لإضلالكم كما وعد) و أَغْرَقَ (إستوفى، إستوعب) إِلَيْكُمْ بِالنَّزْعِ (المدّ) الشَّدِيدِ وَ رَمَاكُمْ مِنْ مَكَانِ قَرِيبٍ (و هو الرمي من نفوسكم بالوسواس في صدوركم) فَقَالَ رَبِّ بِما أغْوَيْتَنِي (أضللتنى) لَأَزَيَّنَنَّ لَهُمْ (بنى آدم) فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ (أَضْلَنّهم) أَجْمَعِينَ قَدْفَاً (رمیا) بِغَیْبٍ بَعِیدٍ، وَ رَجْما (رمیا) بِظَنَّ غَيْرِ مُصِیبٍ (مدرك لما أراده إبليس لغواية الناس

ص: 241

أجمعين) صَدَّقَهُ (إبليس) بِه (ذلك الظنّ) أبناء الحَميَّة (الأنفة الغيظ) وَ إِخْوَانُ الْعَصَبيّة (الّذين يدعون الرجال إلى نصرة عصبته على من يعاديهم ظالمين كانوا أم مظلومين) وَ فُرْسانُ (راكبو فرس) الكبْرِ وَ الْجَاهلية حَتَّى إِذَا انْقَادَتْ (إستسلمت) لَهُ الْجَامحَة (المرأة الخارجة من البيت بغير إذن النفس المستصعبة) منكُمْ وَ اسْتَحْكَمَتِ الطَّماعِیَهُ (الطمع) منْهُ فِيكُمْ فَنَجَمَت (ظهرت) الْحَالُ (من إغوائه إيّاكم) مِنَ السِّرِّ- الْخَفِيِّ إِلَى الْأَمْرِ الْجَلِيُّ (الواضح من الإغواء فأوقعكم فى المعاصى جاهرين بها غير خائفين) استفْحَلَ (إشتدّ قوى) سُلْطَانُهُ (قهره) عَلَيْكُمْ وَ دَلَفَ (مشی، دنا) بِجُنُودِه نَحْوَكُمْ فَأَقْحَمُوكُمْ (أدخلكم إبليس و جنوده) وَ لَجات (مواضع ولوج) الذُّلّ (و هى المعاصى) وَ أَحَلُّوکُمْ (أدخلوكم محلّ) وَ رَطات (الأراضى المطمئنّة الّتى لا طريق فيها للفرار عن) الْقَتْلِ وَ أَوطُئوكُمْ (حملوكم أركبوكم على) إِثْخَانَ (إكثار، شدّة) الْجِراحَة طَعْناً (ضربا، دخولا) في عُيونِكُمْ وَ حَزَاً (قطعا) في حُلُوقِكُمْ وَ دَقّاً (رضا)، كسرا) لمَنَاخِرِكُمْ (ثقوب أنوفكم) و قَصْداً لِمَقَاتِلِکُمْ و سوقاً بِخَزَائِم (حلقات من شعر فى أنف البعير يشدّ فيها الزمام من) القَهْرِ إِلَى النَّارِ الْمُعَدَّة لَكُمْ (و هذا هو سلطانه على الّذين يتولّونه) فَأَصْبَحَ (صار إبليس) أَعْظَمَ فِی دِینِکُمْ حَرْجاً (إثما، ضيقا) وَ (صار) أَوْرَی (أكثر إخراجا للنار) في دُنْيَاكُمْ قَدْحاً (إخراجا للنار) منَ الَّذينَ أَصْبَحْتُمْ (صرتم) لَهُمْ مُنَاصِبِينَ (محاربين معادين) و عَلَيْهِمْ مُتَأَلِّبِینَ (مجتمعين) فَاجعَلُوا عَلَيْه حَدَّكُمْ (غضبكم) وَ لَهُ جِدَّكُمْ (إجتهادكم أو إنقطاع الوصلة بينكم و بينه) فَلَعَمرُ اللَّهِ لَقَدْ فَخَرَ (إبليس) عَلَى أَصْلَكُمْ (آدم) وَ وَقَعَ فِی حَسَبِکُمْ وَ دَفَعَ فِی نَسَبِکُمْ وَ أَجْلَبَ (جمع، صاح) بِخَیْلِهِ عَلَیْکُمْ وَ قَصَدَ (عزم) بِرَجِلِهِ سَبِيلَكُمْ يَقْتَنصُونَكُمْ (يصطاد إبليس و جنوده إيّاكم) بكُلِّ مَكَانِ وَ يَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَانِ لَا تَمتَنعُونَ بحيلة (لا تدفعون بها إبليس وجنوده) و لَا تَدْفَعُونَ بِعَزِيمَةِ (جِد) فِي حَوْمَةِ (معظم) ذُلَّ وَ حَلَقَة ضيقٍ وَ عَرْصَة مَوْتٍ وَ جَوْلَهِ (جولان) بَلاَءٍ فَأَطْفِئُوا (أذهبوا لهيب) مَا كَمَنَ (إختفى) في قُلُوبِكُمْ مِنْ نِيرَانِ الْعَصَبِيَّةِ وَ (من) أَحْقَادِ الْجَاهِلِیَّهِ فَإِنَّمَا تِلْكَ الْحَمِيَّةُ تَكُونُ فِي الْمُسْلِمِ مِنْ خَطرَاتِ (وساوس) الشَّيْطَانِ وَ نَخَواته (تكبّراته، تعاظماته) و نَزَغَاته (إفساداته)

ص: 242

وَ نَفَثَاته (نفخاته فيكم بإدخال الكبر في صدوركم) وَ اعْتَمِدُوا (إتّكئوا إتّكلوا) وَضْعَ التَّذَلل (التخشّح) عَلَى رُوسِكُمْ و (اعتمدوا) إِلْقَاء (طرح) التَّعَزُّرِ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ وَ خَلَعَ التَّکَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ (فتصيروا أحرارا) و اتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ مَسلَحةَ (ثغرا، موضع سلاح) بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ عَدُوِّ کُمْإِبْلِیسَ وَ جُنُودِهِ فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلّ أمة جنوداً وَ أَعْوَاناً وَ رَجِلًا وَ فُرسَاناً وَ لَا تَكُونُوا كَالْمُتَكَبْر (و هو قابيل) عَلَى ابْنِ أُمِّه (هابيل) مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلِ (بلا فضيلة) جَعَلَهُ اللهُ فيه سوى مَا أَلْحَقَت (إلحاق) الْعَظَمَةُ بِنَفْسه مِنْ عَدَاوَة الْحَسَد وَ (سوى ما قَدَحت تأثير) الحَميّةُ في قلبه منْ نَارِ الْغَضَبِ وَ (سوى ما) نَفَخَ (نفخ) الشَّيْطَانُ فِی أَنْفِهِ مِنْ رِیحِ الْکِبْر الَّذِی أَعْقَبَهُ (قابيل) اللهُ به (الكبر) النَّدَامَهَ (بغير توبة إلى الله) و أَلْزَمَهُ آثامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ.

أَلَا وَ قَدْ أَمْعَنْتُمْ (بالغتم) فِي الْبَغْي (الظلم العدول عن الحقِّ) وَ أَقْسَدْتُمْ (بالكبر) في الأرض مصَارَحَةَ (تظاهرا، مكاشفة) لله بِالْمُنَاصَبَة (المعاداة) و مُبارَزَةً (مكاشفة) للْمُؤْمِنِينَ بِالْمُحَارَبَة فَاللَّهَ اللَّهَ فِي كبر (من) الْحَمِيّةِ و (فى) فَخْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ (الكبر و الفخر) مَلاقِحُ (فحول) الشَّنَئانِ (البغضاء) و (إنّه) مَنَافِخُ (مواضع نفخ) الشَّيْطَانِ (فى نفوسكم) الَّتِي خَدَعَ بِهَا (الملاقح و المنافخ) الأمَمَ الْمَاضِيَة (السالفة) وَ الْقُرُونَ (الأمم المتتابعة) الخَاليَة (الماضية) حَتَّی أَعْنَقُوا (غابوا أو مدّوا أعناقهم و أوسعوا خطواتهم) فِی حَنَادِسِ (ليالى شديدة الظلمة من) جَهَالَتِهِ وَ (فی) مَهَاوِی (مواضع سقوط من) ضَلَالَته ذُلُلًا (متذلّلين) عَن سياقه (سوق الشيطان من خلفهم) سلساً (منقادين) فِی قِیَادِهِ (من الأمام إلى النار المعدّة لهم) أمراً (كبرا) تَشَابَهَت القُلُوبُ فيه وَ تَتَابَعَتِ الْقُرُونُ (الأمم) عَلَيه و كبراً تَضَايَقَتِ الصُّدُورُ به.

أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَة سَادَاتِكُمْ (شرفائكم) وَ (طاعة) كُبَرَائِكُمْ الَّذِينَ تَكَبَرُوا عَنْ حَسَبِهِم (مفاخر آبائهم) و تَرَفَعُوا (طلبوا الرفعة) فَوقَ نَسَبِهِمْ وَ الْقَوا (طرحوا) الْهَجِينَة (الفعلة القبيحة) عَلَی رَبِّهِمْ وَ جَاحَدُوا (أنكروا) اللهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ مُكَابَرَةٌ لقَضَائِه وَ مُغَالَبة لآلائه (نعمائه) فَإِنَّهُم (السادات و الكبراء) قَوَاعِدُ (أصول) أَسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ وَ دَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ و سُيُوفُ اعْتزاء (إنتماء) الْجَاهِلِيّةِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً وَ لَا لِفَضْله

ص: 243

(زيادة عطائه) عِنْدَكُمْ حُسَّاداً وَ لَا تُطِیعُوا الْأَدْعِیَاءَ (الّذين يدعون إلى غير أبيه) الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بصفوكُمْ (إخلاصكم صفائكم) كَدَرَهُمْ (من النفاق و الكبر و غيرهما) وَ خَلَطَتُم بِصِحتِكُمْ مرضَهُم و أَدْخَلْتُم فِي حَقَّكُم باطلَهُمْ وَ هُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ وَ أَحْلَاسُ (جمع حلس و هو كلّ شيء ولي ظهر البعيرأى ملازمو) العُقُوقِ اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا (مراكب ذلل إلى) ضَلَالِ وَ (إتّخذهم) جُنْداً بِهِمْ یَصُولُ (يَثبُ ، يسطو) عَلَى النَّاسِ (بإدخال الكبر في قلوبهم) وَ تَرَاجِمَةً (لوحيه) یَنْطِقُ عَلَی أَلْسِنَتِهِمْ اسْتِرَاقاً (طلبا للملكيّة) لعُقُولِكُمْ (بإتّباعكم للسادات و الكبراء فى كبرهم) وَ دُخُولا في عُيُونِكُمْ وَ نَفْثاً (نفحا) في أَسْمَاعِكُمْ فَجَعَلَكُمْ مَرمَى (موضع طرح) نَبله (سهمه) وَ (جعلكم) مَوْطِئَ قَدَمِهِ وَ مَأْخَذَ یَدِهِ (فلا تملكون لجوارحكم).

فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ (أدرك) الأمَمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَاسِ (عذاب) اللهِ وَ صَولاته (سطواته، و ثباته) وَ وَقَائِعِهِ (حوادثه) وَ مَثُلَاتِهِ (عقوباته) و اتَّعظوا بِمَثَاوِي (منازل) خُدُودهم (على الأرض) وَ مَصَارِعِ (مواضع سقوط) جُنُوبِهِم وَ استَعِيذُوا (اطلبوا الإعتصام) بالله من لَوَاقِح (محدثات) الْكِبْرِ كَمَا تَسْتَعِيدُونَهُ (إستعاذتكم) مِنْ طَوَارِقِ (ضربات) الدَّهْرِ فَلَو رَخَّصَ (أذن) اللّهُ فِي الكِبرِ لِأَحَدٍ مِن عِبَادِهِ لَرَخّصَ فيه لِخَاصَّة أَنبِيَائِهِ وَ أَولِيَائِهِ وَ لَكنَّهُ سُبحَانَهُ كَرّهَ إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ (التعاظم) وَ رضَيِ لَهُمُ التَّوَاضُعَ فَالْصَقُوا (لزقوا) بِالْأَرْضِ خُدُودَهُم وَ عَفّرُوا (دسّوا، مرّغوا) في التُّرَابِ وَجُوهَهُم وَ خَفَضُوا (وضعوا) أجنحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ كَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفينَ قَد اخْتَبرهُمُ اللهُ بِالْمَخْمَصَة (الجوع) وَ ابتَلَاهُم بِالْمَجْهَدَة (المشقّة في العبادة) وَ امتَحَنَهُم بِالْمَخَاوِفِ وَ مَخَضَهُمْ (حرّكهم كما حرّك اللبن ليخرج زبده) بِالْمَكَارِه (المبغوضات و هى ما لا يلائم الطبع) فَلَا تَعْتَبِرُوا الرضَى (من الله لكم) وَ السّخطَ (الغضب منه لكم) بِالْمَالِ (الكثير) وَ الْوَلَدِ (الذكور) جَهلًا بِمَوَاقِعِ الفِتنَةِ وَ الِاختِبَارِ فِي مَوضِعِ الغِنَي وَ الِاقتِدَارِ (القدرة) فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدّهُم بِه مِنْ مالِ وَ بَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ فَإِنَّ اللَّهَ سَبحَانَهُ يَخْتَبِر (يبتلى) عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَولِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ

ص: 244

وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَ مَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ علیه السَّلام عَلَى فَرْعَوْنَ وَ عَلَيْهِمَا مَدَارِعُ (ملابس) الصّوفِ وَ بِأَيدِيهِمَا العصِيِ (العصا) فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلكِهِ وَ دَوَامَ عِزّهِ فَقَالَ أ لا تَعْجَبُونَ مِنْ هَدَيْنِ يَشْرِطان لي دَوَامَ الْعزّ وَ بَقَاءَ الْمُلْك (تحت ولاية موسى علیه السَّلام) و هُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَ الذّلْ فَهَلًا الْقِي (طرح) عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظاماً للذَّهَبِ وَ جَمعِهِ وَ احتِقَاراً لِلصّوفِ وَ لُبسِهِ وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لأَنْبِيَانَه حَيثُ بَعَثَهُمْ (إلى الناس) أَنْ يَفْتَح لَهُمْ كُنُوزَ الذَّهَبَانِ وَ مَعَادِنَ الْعقْيَانِ (الذهبان) و مَغَارِس (مواضع غرس) الْجِنَانِ وَ أَنْ يَحْشُرَ مَعَهُم طُيُورَ السَّمَاء وَ وُحُوشَ الْأَرَضِينَ لَفَعَلَ (الله تعالى ذلك) وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءِ (الإبتلاء بالمخاوف و المكاره و المجاهد) وَ بَطَلَ الجَزَاءُ وَ اضْمَحَلَّت (ذهبت) الأنْباء (الأخبار من عند الله من نزول الوحى و تفاوت الدرجات و تفاضلها على مدار الشريعة) وَ (لو فعل الله ذلك لَمَا وَجَبَ (لم يجب) للقابلينَ (للإيمان) أَجُورُ الْمُبْتَلَينَ (حيث إنّهم ما أبتلى بشيء من المكاره) و لَا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحسنينَ وَ لَا لَزِمَتِ الأَسمَاءُ مَعَانِيَهَا (فلم يبق للإمتحان و الإبتلاء و الإيمان و غيرها معنى) وَ لَكنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوّةٍ فِي عَزَائِمِهِم وَ ضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الأعينُ مِنْ حَالَاتِهِمْ (كلبس الصوف و طعام الجشب) مَعَ قَنَاعَة (و عدم حرص فى طلب الدنيا) تَملَأُ القُلُوبَ وَ العُيُونَ غِنًي (عمّا الله) وَ خَصَاصَة (فقر، حاجة) تَملَأُ الْأَبْصَارَ وَ الْأَسْمَاعَ أَذًى وَ لَوْ كَانَت الأَنْبِيَاء أَهْلَ قَوَّة لَا تُرَامُ (تقصد للمغالبة عليها ) وَ (أهل) عزَّة لا تُضَامٌ (تقهر) و مُلك تمدَّ نَحوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجال (إعجابا وَ من ذلك الملک) وَ تُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ (الأثاث المحمول على الإبل) لَكَانَ ذلك (الأمر من القوّة للأنبياء و العزّة و الملك لهم) أهْوَنَ (أسهل) عَلَى الْخَلْق في الاعتبار و أبعدَ لَهُمْ فِي الاسْتَكْبَارِ (على الله) وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَة (خيفة) قَاهِرَةِ (غالبة) لَهُمْ أَو رَغْبَةٍ مائِلَة بِهِمْ (إلى الأنبياء كالطمع فى أموالهم) فَكَانَت (صارت) النّياتُ (فى الناس) مُشْتَرَكَةً (من غير إختلاف فى مقاماتهم و نياتهم) وَ (كانت) الْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةٌ (من غير فضل لأحد بالإخلاص) وَ لَكنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الاِتِّباعُ لِرُسُلِهِ وَ التَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَ الْخُشُوعُ (التذلّل) لِوَجْهِهِ وَ

ص: 245

الاسْتِكَانَةُ (الخضوع) لأمرِه وَ الاسْتِسْلَامُ (الإنقياد) لطاعته أموراً لَهُ خَاصَّةً لا تَشُوبُهَا (تخلطها) مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ (خالطة) وَ كُلَّمَا كَانَت الْبَلْوَى وَ الاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثْوبَةَ (الثواب) و الْجَزَاء أَجزل (أعظم).

أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبر الأوّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى الْآخرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ بِأَحْجَارِ لَا تَضُرّ و لَا تَنفَعُ و لَا تُبْصِر و لَا تَسمَعُ فَجَعَلَهَا بَيتهُ الْحَرَامَ الَّذي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً ثُم وَضَعَهُ بِأُوعَرٍ (أشدّ) بِقَاعِ (قطعات) الأرْضِ حَجَراً (لخشونتها) وَ أَقَلّ نَتَائِقِ (بلاد) الدُّنْيَا مَدَراً (طينا يابسا) وَ أَضيَقِ بُطُونِ الأَودِيَةِ (المنفرجات بين الجبال) قُطراً (جانبا) بَينَ جِبَالٍ خَشنَةٌ وَ (بين) رِمَال دَمَثَة (سهلة ليّنة) وَ عُيُونٍ وَ شِلَةٍ (قليلة تجرى قطرة فقطرة) وَ (بين) قُرًى مُنقَطعَة لَا يزْكُو (ينمو) بِهَا (فى تلك الأرض) خُفّ (جمل) وَ لَا (يزكو) حَافرٌ (خيل و ما شاكله) وَ لَا (يزكو) ظلْفٌ (بقر و غنم) ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ علیه السَّلام وَ وَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا (يتوجّهوا) أَعْطَافَهُمْ (مناكبهم) نَحْوَهُ فَصَارَ (ذلك البيت) مَثَابَةً (مرجعا، مآبا) لِمُنتَجَعِ (محلّ فائدة) أَسْفَارِهِمْ وَ (صار) غَايَة (نهاية) لِمُلْقَى (موضع طرح) رِحَالِهِمْ (عن ظهور الإبل) تَهْوِي (تسر-ع) إِلَيْهِ ثَمارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ (فلوات لا ماء بها) قفَارِ (لا نبات و لا ماء فيها) سَحِيقَةٍ (بعيدة) وَ مهَاَويِ (منخفضات الأرض فى) فِجَاجٍ (طرق واسعة بين الجبال) عَمِيقَة و (من) جَزَائِرِ بِحَارِ مُنقَطعَة حَتّي يَهُزّوا (يحرّكوا) مَنَاكَبَهُمْ (رئوس أكتافهم) ذُلُلًا (متذلّلين) يُهَلِّلُونَ للهِ حَوْلَهُ وَ يَرْمُلُونَ (يسيرون سيرا فوق المشى دون الجرى) عَلَى أَقْدَامهم شُعثاً (منتشر الشعر مع تلبّد فيه) غُبّراً (ذا غبار) لَهُ (تعالى) قَدْ نَبَدُّوا (رموا، طرحوا) السّرَابِيلَ (الثياب) وَرَاءَ ظُهُورِهِم وَ شَوهُوا (قبّحوا) بِإِعفَاءِ (ترك) الشُّعُورِ (بلا حلق و لا قصّ) مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ (خلقتهم) ابْتِلَاء عَظِيماً و امتِحَاناً شَدِيداً وَ اختِبَاراً مُبيناً (فاصلا بين الإستسلام له و الإستكبار عنده) وَ تَمحيصاً (تخليصا من الكبر) بَليغاً (كافيا، واصلا) جَعَلَهُ (البيت) اللهُ سَبَباً لِرَحمَتِهِ وَ وُصلَةً إِلَي جَنّتِهِ وَ لَو أَرَادَ سُبحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْنَهُ الْحَرَامَ و مَشَاعِرَهُ (مناسكه، معالمه ) العظامَ بَينَ جَنَّاتِ وَ أَنْهَارِ وَ سَهْلِ وَ قَرَارِ (مطمئنّ من الأرض) جمّ (كثير) الْأَشْجَارِ دَانِي (قريب) الثَّمَارِ (للتناول من غير مشقة)

ص: 246

مُلْتَفَّ (كثير ، مجتمع) البَنَى (الأبنية) مُتَصلَ الْقُرَى (لكثرة الماء) بَينَ بُرّةٍ (حنطة) سَمرَاءَ (و هي أجودها) و روضَة خَضْرَاءَ وَ أَريَافٍ (أراضى خصبة) مُحدِقَةٍ (ذات أشجار) وَ عِرَاصٍ (ساحات) مُغْدقَة (كثيرة الماء) و رِيَاضِ نَاضِرَة (حسنة) و طرقٍ عَامرة (بكثرة إختلاف المشاة و الركبان عليها) لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاء عَلَى حَسَبٍ ضَعْفِ الْبَلاء وَ لَوْ كَانَ الْإِساس (أصول البناء) الْمَحْمُولُ (الّذى يحمل البناء) عَلَيْهَا وَ (لو كانت) الْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ (الَّذى يُرْفَعُ بيت الله) بِهَا بَينَ زُمُرّدَةٍ خَضرَاءَ وَ يَاقُوتَةٍ حَمرَاءَ وَ نُورٍ وَ ضِيَاءٍ لَخَفِّفَ ذَلكَ (الوقوع بين زمرّدة و ياقوتة و نور و ضياء) مُصَارَعَة (مغالبة) الشَّکّ في الصُّدُورِ وَ لَوضَعَ (ذلك الوقوع المذكور) مُجَاهَدَةَ إبليس عَنِ الْقُلُوبِ (بإلقاء الوسواس فيها) وَ لَنَفَى (ذلك الوقوع) مُعتَلَجَ (تلاطم) الريبِ- (الشك) مِنَ (قلوب) النَّاسِ وَ لَكِنَّ اللَّهَ يَخْتَبِرُ ( يبتلى) عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِد (ممّا لا يلائم النفوس) وَ يَتَعَبّدُهُم (يتّخذهم بالتعبد) بِأنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ و يبْتَلِيهِمْ بِضُروب (أنواع) الْمَكَارِهِ إِخْرَاجاً للتَّكَبْرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَ إِسْكَانَا لِلتَّذَلّلِ فِي نُفُوسِهِمْ وَ لِيَجْعَل ذَلكَ (الإخراج للتكبّر و الإسكان للتذلّل) أَبوَاباً فُتُحاً (مفتوحة) إلَى فَضْله و (لجعل ذلك) أَسبَاباً ذُلُلًا لِعَفوِهِ (فلا يدرك أحد فضله وعفوه إلّا بترك التكبّر).

فَاللَّهَ اللَّهَ فِي عَاجِلِ (تقديم جزاء) الْبَغْیِ (الفساد، الظلم في الدنيا) وَ آجِلِ (تأخير) وَ خَامَة (و بال سوء عاقبة) الظُّلْمِ (فى الآخرة) وَ (فى) سُوءِ عَاقِبَهِ الْکِبْرِ (فى الدارين) فَإِنَّهَا (البغى و الظلم و الكبر) مَصْیَدَهُ (شبكة) إِبْلِیسَ الْعُظْمَی، وَ مَکِیدَتُهُ (مكره ، خديعته) الْكُبْرَى الَّتي تُسَاوِرُ (تواثب، تقاتل) قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَهَ (مقاتلة) السُّمُومِ الْقَاتِلَهِ، فَمَا تُکْدِی (لم تعجز عن التأثير فى القلوب) أَبَداً وَ لَا تُشْوِي تخطأ) أَحَداً لَا عَالِما لِعِلْمِهِ، وَ لاَ مُقِلًّ (فقيرا) فِی طِمْرِهِ (ثوبه البالى، إنّ العلم هو المانع العلمىّ و الفقر هو المانع العملي فلا يمنع الأوّل العالم عن الكبر و لا الثاني الفقير عنه) وَ عَنْ ذَلكَ (الأمر من عدم خطأ سهمه و عدم العجز فى سمّه للعالم و الفقير) مَا حَرَس (حراسة) اللهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ وَ الزَّكَوَاتِ وَ مُجَاهَدَة الصِّيَامِ في الْأَيامِ الْمَفْرُوضَاتِ تَسْكِيناً لأطرافِهِمْ (أيديهم و أرجلهم) وَ تَخْشِيعاً لِأَبْصَارِهِمْ وَ تَذْلِيلًا

ص: 247

لِنُفُوسِهِمْ وَ تَخفيضاً (تنزيلا، تخفيفا) لِقُلُوبِهِم (عن الكبرياء) و إِذْهَابَاً لِلْخُیَلاَءِ (التكبّر) عَنْهُمْ وَ (عن ذلك ما حرس الله عباده بها) لِمَا فِی ذَلِک (الوجوب للصلاة و الزكوة و غيرها) مِنْ تَعْفِیر (إلزاق) عِتَاقِ (كرام) الْوُجُوهِ بِالتّرابِ تَوَاضُعاً وَ الْتصَاقِ كَرَائِم (نفائس) الْجَوَارِح (من الوجه و و غيرها) بِالْأَرْضِ تَصَاغُراً (تحاقرا من ذلّ و مهانة عند الله) وَ (من) لُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمتُونِ (الظهور) مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُلا مَعَ مَا فِي الزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ وَ غَيْرِ ذَلِكَ (الصرف للثمرات كصرف الجمال و البقر و الغنم) إلَى أهْلِ الْمَسْكَنَة وَ الْفَقْر.

انْظُرُوا إِلَى مَا فِي هَذه الأفعال (المفروضة عليكم) مِنْ قَمْع (قهر، ردّ) نَوَاجِمِ (طوالع) الْفَخْرِ (التكبّر) وَ قَدْعِ (منع، كفّ) طَوَالِع الكبْرِ وَ لَقَدْ نَظَرْتُ (تأمّلت) فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ یَتَعَصَّبُ لِشَیْءٍ مِنَ الْأَشْيَاء إِلَّا عَنْ علَّة تَحْتَمَلُ تَمْوِیهَ (تلبيس) الْجُهَلَاء أَو (عن) حُجّة (دليل قاطع للعذر) تَلِیط (تختلط تلك (الحجّة) بِعُقُولِ السَّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لِأَمْرِ مَا يُعرفُ لَهُ سَبَبٌ وَ لاَ عِلَّةٌ أَمَّا إِبْلِیسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لِأَصْلِهِ (آدم أو إبليس) وَ طَعَنَ (شتم، أهان) عَلَیْهِ فِی خِلْقَتِهِ (بالإحتمالين) فَقَالَ أَنَا نَارِیٌّ وَ أَنْتَ طِینِیٌّ.

أَمَّا الْأَغْنِیَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ (موسع له فى النعمة فيفجر أمامه من) الْأُمَمِ فَتَعصَبوا لآثارِ مَوَاقِعِ النَّعَمِ فَقَالُوا نَحنُ أَكْثَرُ أَموالًا وَ أَولاداً وَ ما نَحْنُ بِمُعَدَّبِينَ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُن تَعَصْبَكُمْ لِمَكَارِم (فضائل) الْخِصَالِ وَ مَحَامِدِ الْأَفْعَالِ وَ مَحَاسِنِ الْأُمُورِ الَّتِی تَفَاضَلَتْ فِیهَا الْمُجَدَاءُ (الشرفاء، الكرماء) وَ النُّجَدَاءُ (الشجعان) مِنْ بُیُوتَاتِ اَلْعَرَبِ وَ یَعَاسِیبِ (أمراء، رؤساء) القَبَائِلِ بِالْأَخْلَاقِ الرَّغِيبَة (المرغوبة المرضية) وَ الْأَحْلاَمِ (العقول) العَظيمَةِ وَ الْأَخْطَارِ (الأقدار المنازل) الْجَلِیلَةِ (العظيمة) وَ الآْثَارِ الْمَحْمُودَةِ فَتَعَصَّبُوا لِخِلاَلِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ للْجِوَارِ وَ الْوَفَاء بِالذَّمَامِ (العهود) وَ الطَّاعَةِ لِلْبِرِّ وَ الْمَعْصِیَةِ لِلْکِبْرِ وَ الْأَخْذِ بِالْفَضْلِ (الإحسان) وَ الْكَفِّ (المنع) عَنِ الْبَغْيِ (التعدّى الفساد) و الإعظام للقَتْلِ وَ الْإِنْصَافِ للخَلقِ و العَظمِ (الحبس) للْغَيْظ (الغضب) وَ اجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِی الْأَرْضِ وَ احْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلاتِ (العقوبات المماثلة لأعمالهم السيّئة) بِسُوءِ الْأَفْعَالِ، وَ ذَمِيمِ (مذموم) الْأَعْمَال فَتَذَكَّرُوا

ص: 248

في الخَيْرِ وَ الشَّرِّ أَحوَالَهُمْ وَ احْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُت حَالَيْهِمْ (من الخير و الشرّ-) فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرِ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ (الغلبة) به شَانَهُمْ (أمرهم) وَ زَاحَتِ (بعدت، تفرّقت) الْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ وَ مُدَّت (إنبسطت) الْعَافِيَةُ بِه عَلَيْهِمْ وَ انْقَادَتِ (إستسلمت) النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ، وَ وَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَيْهِ حَبْلَهُمْ مِنَ الْإِجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ، وَ اللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ (المؤانسة) وَ التَّحَاضِّ (التحريض ، الحثّ بينكم) عَلَيْهَا (الألفة) وَ التَّوَاصِى (بينكم) بِهَا وَ اجْتَنِبُوا كُلَّ أمْرٍ كَسَرَ فقْرَتَهُمْ (خزرة ظهورهم) وَ أوهَنَ (أضعف) مُنتَهُم (قوّتهم) مِنْ تَضَاغْنِ (تحاقد) الْقُلُوبِ وَ تَشَاحُنِ (تعادى) الصُّدُورِ وَ تَدَابرِ (هجران، تقاطع) النُّفُوسِ وَ تَخَاذُّل (ترک نصرة) الْأَيْدِى وَ تَدَبَّرُوا أَحوَالَ الْمَاضِینَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ قَبْلَکُمْ، کَیْفَ کَانُوا فِی حَالِ التَّمْحِیصِ (التخليص) وَ الْبَلَاء أَلَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً (أثقالا) وَ أَجْهَدَ (أشقّ) العبادِ بلَاء وَ أَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالا اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَهُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ (كلّفوهم) سُوءَ الْعَذَابِ، وَجَرَّ عُوهُمُ (أشربوهم شيئا فشيئا عصارة) المُرارَ (و هو شجر شديد المرارة) فَلَمْ تَبْرَحِ (تزل) الْحَالُ بِهِم (المؤمنين قبلكم) في ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَ (فى) قَهْرِ الْغَلَبَة لَایَجِدُونَ حِیلَهً (قوة) فِی امْتِنَاع (عند ظلم الفراعنة) وَ لَا (يجدون) سَبِيلًا إِلَى دِفَاعِ حَتَّى إِذَا رَأَى اللَّهُ سبحانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهم عَلَى الأَذَی فِی مَحَبَّتِهِ، و الاِْحْتِمَالَ لِلْمَکْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُم مِنْ مَضَايِقِ الْبَلاء فَرَجاً (إلى يسر- العيش) فَأَبدَلَهُمُ العزَّ مَكَانَ الذُّلِّ وَ الْأَمْنَ مَكَانَ الخَوف فَصَارُوا مُلُوكاً حُكّاماً وَ أَمَّةَ أَعْلَاماً (رايات للهدى) و قَدْ بَلَغَتِ (وصلت) الْكَرَامَة مِنَ الله لَهُمْ مَا (قدرا، شأنا) لَمْ تَذْهَبِ الْأَمَالُ (من غيرهم) إِلَیْهِ (ذلك القدر و الشأن) بِهِمْ فَانْظُرُوا (تأمّلوا) کَیْفَ کَانُوا حَیْثُ کَانَتِ الأَمْلاَءُ (جماعاتهم) مُجْتَمِعَهً وَ (كانت) و الأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَهً، (متّصلة، متقاربة) وَ (كانت) الْقُلُوبُ مُعْتَدِلَهً (متوسطة بين الحالين من الإفراط و التفريط) وَ (كانت) الأَیْدِی مُتَرَادِفَهً (متعاونة) وَ (كانت) السُّیُوفُ مُتَنَاصِرَهً وَ (كانت) الْبَصَائِرُ (فطنة العقول و نورها) نَافِذَهً و (كانت) الْعَزَائِمُ وَاحِدَةً أَ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً (سادات) فِی أَقْطَارِ (نواحى) الْأَرْضِينَ وَ مُلوكاً عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ (من لزوم الشقاوة و الذل) حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَ (حين)

ص: 249

تَشَسَّت (تفرّقت) الْأَلْفَةُ وَ (حين) اخْتَلَفَتِ الْکَلِمَهُ وَ الأَفْئِدَهُ وَ (حين) تَشَعَبُوا (تفرقوا) مُخْتَلفِينَ وَ تَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ وَ قَدْ خَلَعَ (نزع) اللهُ عَنْهُمْ لبَاسَ كَرَامَته وَ سَلَبَهُم غَضَارَةَ (سعة) نِعْمَته وَ بَقِي قَصَصُ (حكايات روايات) أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبَراً لِلْمُعْتَبِرِينَ.

فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَ بَنِي إِسْحَاقَ وَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ (تناسب) الْأَحْوَالِ (ما) أَقْرَبَ اِشْتِبَاهَ (تشابه) الأمْثَالِ (من الحالات المتماثلة) تَأمِّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُهِمْ (تفرّقهم) وَ تَفَرِّقِهِمْ (فى) لَيَالِي كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ (ملوک فارس) وَ الْقَيَاصِرَةُ (ملوك الروم) أَرْبَاباً لَهُمْ (ولد إسماعيل و إسحاق و إسرائيل) یَحْتَازُونَهُمْ (يقبضونهم) عَنْ رِيفِ (خصب، سعة المأكل في) الآفاق (أطراف الأرض) وَ (عن) بَحْرِ العِرَاقِ وَ خُضْرَةِ الدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ (مواضع إنبات) الشَّيح (النبات المرّ) وَ (إلى) مَهَافِی (مواضع هبوب) اَلرِّیحِ وَ (إلى) نَکَدِ (شدّة، عسر-) اَلْمَعَاشِ فَتَرَکُوهُمْ (أى ترك الأقاصرة و الأكاسرة بنى إسماعيل و إسحاق و اسرائيل و هو يعقوب) عَالَةَ (فقراء) مَسَاكِينَ إِخْوَانَ (صواحب) دَبَرٍ (قرحة فى ظهر الدابّة) و (إخوان) وَبَر (شعر للجمال) أذَلَّ الْأَمَمِ دَاراً وَ أَجْدَبَهُمْ (أشدّ قحطا) قراراً لَا يَأْوُونَ (يرجعون) إِلَى جَناح (كنف، حماية) دعوة يعتصمونَ بِهَا وَ لَا (يأوون) إلى ظلِّ أَلفَة يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا فَالْأحوال مُضْطَرِبَةٌ (غير ثابتة) وَ اَلْأَیْدِی مُخْتَلِفَهٌ (غير متناصرة) و الكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةً (فلا تغنى كثرتهم شيئا) في بَلَاء أَزْلِ (شدّة) و أطباق (أغطية) جَهْلِ مِنْ بَنَاتِ موءودة (مدفونة حيّة) وَ أَصْنَامٍ مَعْبُودَهٍ وَ أَرْحَامٍ مَقْطُوعَهٍ (الإفشاء الزنا بينهم و قطع النسب) و غَارَات (جماعات من الخيل إذا أسرعت للحرب وسلب الأموال و سبى الذراري) مَشْنُونَة مصبوبة و متوجّهة من كلّ جهة).

فَانْظُرُوا إِلَى مَواقع نّعَم الله عَلَيْهِم حينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا (من أنفسهم و هو المصطفى من الرسل صلّى الله عليه و آله) فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ (دينه) طَاعَتَهُمْ وَ جَمَعَ عَلَی دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ (تجمّعهم بعد التفرّق) كَيْفَ نَشَرَت (بسطت) اَلنِّعْمَهُ عَلَیْهِمْ جَناحَ كَرَامَتِهَا وَ (كيف) أَسالَتْ (أتمّت أطالت النعمة) لَهُمْ جَدَاولَ نَعِیمِهَا وَ اِلْتَفَّتِ (اجتمعت) اَلْمِلَّهُ (الدين) بِهِمْ فِی عَوَائِدِ

ص: 250

(صلات) بَرَكَتهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرقِينَ (راسبين فى نعيمها) وَ فِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ (راضين طيبة نفوسهم) قَدْ تَرَبَّعَت (أقامت) الْأُمُورُ بهم في ظلّ سُلْطَانِ قاهر (غالب) و آوتْهُم (عادتهم) الْحَالُ إلَى كَنَف (ناحية) عزَّ غَالب (قاهر) وَ تَعَطَفَت (مالت) الأمورُ عَلَيهِم في ذُرَى (أعالى) مُلْكِ ثَابِتِ فَهُمْ حُكّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ وَ مُلُوكَ في أطراف (نواحى) الْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ الْأمور عَلَى مَنْ كَانَ يملكهَا عَلَيْهِمْ و يُمضُونَ (ينفذون) الأحكامَ فِيمَنْ كَانَ يُمَضِيهَا فِيهِم لَا تُغْمَزُ (تجسّ باليد للتقويم) لَهُمْ قَناةُ (رمح للقتال معهم) وَ لَا تُقْرَعُ (تصدم للكسر) لَهُم صَفَاهٌ (حجر صلد حيث بلغوا إلى قدرة غالبة ببعثته صلّى الله عليه و آله).

أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ (حرّكتم) أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ وَ ثَلَمْتُمْ (خرقتم) حِصْنَ اللَّهِ الْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ) (و هو ولايتي) بِأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ امْتَنَ عَلَى جَمَاعَةِ هَذه الْأَمَة فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ الْأُلْفَهِ الَّتِی یَنْتَقِلُونَ فِی ظِلِّهَا وَ یَأْوُونَ (يرجعون) إِلَی کَنَفِهَا (ناحيتها) بِنِعْمَةِ لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةٌ لِأَنْهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وَ أَجَلْ (أعظم) مِنْ کُلِّ خَطرٍ (قدر، منزلة) و اعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرتُم بَعدَ الهِجْرَةِ أَعْرَاباً (سكّان البادية) وَ (صرتم) بَعدَ الْمُوَالَاةِ (المحبّة) أحزاباً مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الْإِسْلَام إِلَّا بِاسْمه وَ لَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِيمَانِ الّا رَسمَهُ تَقُولُونَ النَّارَ (بالتكابر و الفُرقة بعد الموالاة) وَ لَا الْعَارَ (بترك التحازب) كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَكْفُنُّوا (تقلّبوا) الْإِسْلَامَ عَلَى وَجْهِهِ انْتِهَاكَاً (إنتقاضا) لِحَرِيمِهِ وَ نَقْضاً (إفسادا لما أبرم من عقد) لميثاقه الَّذِي وَضَعَهُ اللهُ لَکُمْ حَرَماً فِی أَرْضِهِ وَ أَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ وَ إِنَّكُمْ إِنْ لَجَاتُمْ (لذتم، أسندتم) إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أهْلُ الْكُفْرِ ثُمَّ لَا جَبرائيل و وَلَا مِيكَائِيلُ وَ لَا مُهَاجِرُونَ وَ لَا أَنْصَارٍ يَنصُرُونَكُمْ إِلَّا الْمُقَارَعَةَ (المحاربة القتال) بِالسَّیْفِ حَتَّی يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَكُمْ وَ إِنَّ عِنْدَكُمُ الْأَمْثَالَ منْ بأس (عذاب) الله وَ قَوَارعِهِ (شدائده) وَ أَیَّامِهِ وَ وَقَائِعِهِ (نوازله) فَلاَ تَسْتَبْطِئُوا (لا تحسبوا البطىء) وَ عِيدَهُ (للإنتقام من الظالمين) جَهْلاً بِأَخْذِهِ و تَهَاوناً (تحاقرا) بِبَطشِهِ (أخذه الشديد) وَ يأساً (قنوطا) مِنْ بَأْسِهِ (عذابه) فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ الْقَرْنَ الْمَاضِي بَينَ أَيْدِيكُمْ إِلَّا لِتَرْكِهِمُ الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَعَنَ اللهُ السُّفَهَاءَ (الأخفّاء في

ص: 251

العقول) لِرُكُوبِ الْمَعَاصِي و (لعن) الْحُلَمَاء (الصابرين على جهل الناس) لِتَرْکِ التَّنَاهِی أَلَا وَ قَدْ قطعتُم قَيدَ الْإِسْلامِ وَ عَطَلَتُم حُدُودَهُ وَ أَمَتُم أَحْكَامَهُ أَلَا وَ قَدْ أَمَرَنِي اللهُ بِقَتَالِ أَهْلِ البَغْي (الظلم التعدّى) وَ النَّكْثِ (نقض العهد) وَ (أهل) الفَسَاد في الْأَرْضِ فَأَما النَّاكِثونَ (و هم أصحاب الجمل) فَقَدْ قَاتَلْتُ وَ أَمَّا الْقَاسِطُونَ (و هم أصحاب معاوية) فَقَدْ جَاهَدْتُ وَ أَما الْمَارِقَة (الخارجة عن الدين و هم الخوارج) فَقَدْ دَوخت (أضعفتهم، ذلّلتهم) وَ أَمَّا شَيْطانُ الرَّدْهَة (النقرَةُ فى الجبل و هى الحفرة المستديرة فى الأرض و نحوها قد يجتمع فيها ماء السيل و المطر و الشيطان هو ذو الثدية إمام الخوارج فى النهروان) فَقَدْ كُفِيتُهُ (قمت بالأمر له) بِصَعْقَة (غشية) سُمِعَتْ لَهَا وَجبَةً (إضطراب ، خفقان) قَلْبِهِ وَ رَجّة (إهتزاز، ارتعاد) صَدْرِهِ وَ بَقِيَتْ بَقيةُ (عدة) مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ (من أصحاب معاوية) وَ لَئِنْ أَذِنَ اللَّهُ فِي الْكَرَّة (الرجوع) عَلَيْهِم لأديلَنْ مِنهُم (أمحقنّهم ثم أجعل الدولة فى غيرهم) إلَّا مَا يَتَشَذّر (يتفرّق منهم) في أطرافِ البلاد تَشَدُّراً (تفرّقا).

أَنَا وَضَعْتُ فِي الصِّغَر بكَلاكل (صدور) العَرَبِ وَ كَسَرْتُ نَوَاجِمَ (طوالع) قُرُونِ (أشراف قبائل) رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ وَ قَد عَلِمتُم موَضعِي مِنْ رَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله بالْقَرَابَة الْقَرِيبَة وَ المَنزِلَةِ الخَصِيصَةِ (بي دون غيرى) وضَعَنَيِ فِي حِجرِهِ (حضنه) وَ أَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي (يقبضنى) إِلَي صَدرِهِ وَ يكَنفُنُي (يجعلنى فى كنفه) فِي فِرَاشِهِ وَ يمُسِنّيِ جَسَدَهُ وَ يشُمِنّيِ عَرفَه (طيبه) وَ كَانَ يَمضَعُ (يقضم) الشَّيء (من الطعام) ثُمَّ يُلْقمنيه وَ مَا وَجَدَ لِي كَذَبَهُ فِي قَوْلِ وَ لَا خَطلَةَ (خطأ) في فعلِ وَ لَقَدْ قَرَنَ اللهُ به صلّى الله عليه و آله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطيماً (مقطوعا عن اللبن) أَعْظَمَ مَلَك مِن مَلَائِكَتِهِ يَسلُك (ذلک الملک) به طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَ مَحاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ و نَهَارَهُ وَ لَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتَّبَاعَ الْفَصيل (ولد الناقة) أثرَ أُمِّه يَرْفَعُ لِي فِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أخْلَاقِهِ عَلَماً وَ يأَمرُنُيِ بِالِاقتِدَاء (التأسّى) بِهِ وَ لَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلّ سَنَة بِحراءَ فَأَرَاهُ وَ لَا يَرَاهُ غيري وَ لَم يَجمَع بَيتٌ وَاحِدٌ يَومَئِذٍ في الإِسْلَامِ غَير رَسولِ الله صلّى الله عليه و آله وَ خَديجة أَنَا ثَالِثُهُما (سنّا و هو أوّل من آمن برسول الله صلّى الله عليه و آله) أَرَى نُورَ الوَحي و

ص: 252

الرِّسَالَة وَ أشم ريحَ النّبوة و لَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّة (صيحة) الشَّيْطَان حينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ صلّى الله عليه و آله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذه الرّنّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيسَ (قنط) مِن عِبَادَتِهِ إِنّكَ تَسمَعُ مَا أَسمَعُ وَ تَرَي مَا أَرَي إِلّا أَنّكَ لَستَ بنِبَيِ وَ لَكِنّكَ لَوَزِيرٌ وَ إِنَّكَ لَعَلَى خَیرِ وَ كُنْتُ مَعَهُ صلّى الله عليه و آله لَمَّا أَتَاهُ الْمَلَأُ (الجماعة) مِن قُرَيشٍ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ إِنّكَ قَدِ ادّعَيتَ (أمرا) عَظِيماً (كالنبّوة) لَمْ يَدَّعه آبَاؤُكَ وَ لا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ (نطلب منك) أمراً إنْ أنْتَ أَجَبتَنَا إِلَيهِ وَ أريتَنَاهُ عَلَمْنَا أَنَّكَ نبَيِ وَ رَسُولٌ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلَمنا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَقَالَ صلّى الله عليه و آله وَ مَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلعَ (تنتزع) بِعُرُوقِهَا (أصولها) وَ تَقِفَ (الشجرة) بَينَ يَدَيْكَ فَقَالَ صلّى الله عليه و آله إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَإِنْ فَعَلَ اللهُ لَكُمْ ذلكَ (المطلوب منكم) أ تُؤْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَارِيكُمْ مَا تَطَلُبُونَ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ (ترجعون) إِلَى خَيْرٍ وَ إِنَّ فيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ (يرمى، ينبذ) فِي القَلِيبِ (البئر) و مَنْ يُحَرِّبُ الْأَحْزَابَ (الجماعات المختلفة من قبائل شتّى لإقامة الحرب علىّ) ثُمَّ قَالَ صلّى الله عليه و آله

يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ تَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلعي (إنتزعى) بِعُرُوقِكِ (أصولك) حَتّي تقَفِيِ بَينَ يَدَي بِإِذْنِ اللهِ فَوَ الَّذي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِي (صوت) شَدِيدٌ وَ قَصفٌ (صوت شدید) كَقَصفِ أَجنِحَةِ الطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ (الشجرة) بَينَ يدَيَ رَسُولِ اللّهِ صلّى الله عليه و آله مُرَفْرِفَةَ (باسطة لأغصانها و محرّكة لها) و ألْقَتْ (طرحت الشجرة) بِغُصنِهَا الأعْلَى على رسولِ الله صلّى الله عليه و آله وَ بِبَعضِ أَغصَانِهَا عَلَي منَكبِيِ (مجمع رأس كتفى) وَ كُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ صلّى الله عليه و آله فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ (المجىء من الشجرة) قَالُوا عُلُوا وَ اسْتَكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نصفُهَا وَ يَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا بِذَلكَ (الإتيان) فَأَقْبَلَ إِلَيه نِصفُهَا كَأَعجَبِ إِقْبَالِ وَ أَشَدَّه دَوِياً (صوتا) فَكَادَتْ تَلتَفّ (تجتمع) برسولِ الله صلّى الله عليه و آله فَقَالُوا كُفْراً وَ عُتُوا (إستكبارًا) فَمُر هَذَا النِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ فَأَمَرَهُ صلّى الله عليه و آله فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إنّي أَولُ مُؤْمِنِ بِكَ يَا رَسُولَ اللهِ وَ

ص: 253

أوّلُ مَنْ أَقَرْ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ الله تَعَالَى تَصديقاً بِنُبُوّتِكَ وَ إِجلَالًا (إعظاما) لِكَلِمَتِكَ (شأنك من النبّوة) فَقَالَ القَوْمُ كُلَّهُم بَلْ (هو) ساحِرٌ كَذَّابٌ عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ وَ هَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ (إِدّعائك) إِلَّا مِثْلُ هَذَا (الغلام الحديث في السنّ) يَعْنُونَنِي وَ إِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللهِ لَومَهُ (ذمّ) لَائِم (ذامُ، عائب) سِيمَاهُمْ (علاماتهم) سِيمَا الصِّدِّيقِينَ وَ كَلَامُهُم كَلَامُ الْأَبْرَارِ عُمَّارُ اللَّيْلِ (بالصلوة فيه و ترك المضجع) وَ مَنَارُ (موضع نور) النَّهَارِ (لمن إهتدى بهم) مُتَمَسْكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ يُحيونَ سُنَنَ الله وَ سُنَنَ رَسُولِه لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَ لَا يَعْلُونَ (يستكبرون و هو تعريض على القاسطين) وَ لَا يَغُلُونَ (يخونون و هو تعريض على أصحاب الجمل) وَ لَا يُفْسِدُونَ (و هو تعريض على المارقين عن الدين) قُلُوبُهُمْ (معلقة بالملأ الأعلى) في الْجِنَانِ وَ أَجْسَادُهُمْ (فى الدنيا) في الْعَمَلِ.

193 - و من خطبة له علیه السَّلام يصف فيها المتّقين:

رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لأمير الْمُؤْمِنِينَ علیه السَّلام يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ كَانَ رَجُلًا عَابِداً فَقَالَ لَهُ يَا أمير الْمُؤْمِنِينَ صِف لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِم فَتَثَاقَلَ علیه السَّلام عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ يَا هَمَّامُ اتَّقِ اللهَ وَ أحسنُ فَ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا و الذينَ هُمْ مُحْسِنُونَ فَلَمْ يَقْنَعُ همام بِهَذَا الْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِ فَحَمدَ اللهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلّي عَلَي النّبِيّ صلّى الله عليه و آله ثُم قال علیه السَّلام:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيَا عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِن مَعصِيَتِهِم (مخالفتهم) لأَنَّهُ لَا تَضُرهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ (خالفه) وَ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةً مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَم بَينَهُم مَعَايِشَهُم (فى الحياة الدنيا) و وَضَعَهم (جعلهم) منَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ (لعدله تعالى الّذى يقتضى أن يضع الأمور مواضعها) فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائلِ (المكارم) مَنْطقُهُمْ (كلامهم) الصَّوَاب (و هو ضدّ الخطأ و إنّ كلّ صواب صدق و لا يكون كلّ صدق صوابا) وَ مَلْبَسُهُمُ الاِقْتِصَاد (و هو الحدّ الوسط بين الإفراط و التفريط) وَ مَشْيهُمُ التَّوَاضُعُ

ص: 254

غَضُوا (خفضوا، كسروا، كفّوا) أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ في البَلاء كَالَّتي نُزِّلَتْ فِی الرَّخَاء (سعة العيش فالبلاء و الرخاء عندهم سواء لرضاهم عن ربّهم و زهدهم فى الدنيا) وَ لَوْ لَا الْأَجَلُ (الإمهال) الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ (فى الدنيا) لَمْ تَسْتَقِرْ أَرْوَاحُهُمْ فِی أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ (الحظ) عَيْنِ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَ خَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ عَظمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِی أَعْیُنِهِمْ فَهُمْ وَ الْجَنَّهُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فيهَا مُنَعَّمُونَ وَ هُمْ وَ اَلنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَاهَا فَهُم فِيهَا مُعَذِّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ (بذكر الموت و ما بعده من الأهوال) و شُرُورُهُمْ مَأمُونَةٌ (عند الناس) و أجْسَادُهُمْ نَحيفَةٌ (الهموم الآخرة) وَ حَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ (القناعتهم) وَ أنفُسُهُمْ عَفيفَةٌ ( مانعة لهم عمّا لا يحلّ) صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِیرَةً (في الدنيا) أَعْقَبَتْهُمْ (تلك الأيّام القصيرة) رَاحَةً طَوِیلَةً (فى الآخرة و إنّ الصبر عليها) تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ یَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَ أَسَرَتْهُمْ (الدنيا) فَفَدَوا (إشتروا) أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَما اللَّيْلَ فَصَافُونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ (قارئين) لِأَجْزَاءِ (آيات) الْقُرآنِ يُرتِّلُونَهَا (يحسّنون تأليف القرآن) تَرْتِيلًا یُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُم وَ يَسْتَثِيرُونَ (يهيجون) بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ (مرضهم) فَإِذَا مَرُّوا (إجتازوا) بِآيَة فِيهَا تَشْوِيقٌ (إلى الجنّة) رَكَنُوا (سكنوا) إلَيْهَا طَمَعاً (للبشارة الموجودة فى تلك الآية) وَ تَطَلَّعَتْ (نظرت) نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَ ظَنُّوا (علموا) أَنَّهَا نُصبَ أَعْيُنِهِمْ وَ إِذَا مَرُوا بِآيَة فِيهَا تَخْوِيفٌ (من عقابه تعالى) أَصْغَوا (أسمعوا) إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِم و ظنُّوا (علموا أَنَّ زَفير (صوت توقّد) جَهَنَّمَ وَ شَهِیقَهَا (الشديد من زفيرها) فِی أُصُولِ (أسافل) آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ (عاطفون) عَلَى أَوْساطهِمْ (ظهورهم) مُفْتَرِشُونَ ( باسطون) لِجِبَاهِهِمْ وَ أَكْفُهِمْ وَ رُكَبِهِمْ وَ أطراف (نواحى) أقْدَامِهِمْ يَطلُبُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي فَكَاك (خلاص) رِقَابِهِمْ وَ أَما (المتقون فى) النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ (صابرون عند جهل الجهلة) عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أثقيَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ (رقّقهم، نحتهم) الْخَوْفُ بَرْیَ الْقِدَاحِ (السهام) يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظر فَیَحْسَبُهُمْ مَرْضَی (لهزالهم و صفرة ألوانهم) وَ مَا (ليس) بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضِ وَ يَقُولُ (الناظر إليهم) لَقَدْ خُولِطُوا وَ لَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْر عَظِيمٌ (من هم الآخرة) لا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ القَلِيلَ وَ لَا

ص: 255

يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرِ فَهُمْ لأَنفُسِهِم مُتهِمُونَ وَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ (خائفون) إِذَا زُكِّي (مدح بالخیر) أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا یُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي - مِنْ غَيْرِي وَ رَبِّي أَعْلَمُ لِي مِنّي بِنَفْسِي اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِدْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَ اجْعَلْنِي أفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَ اغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ (من مستور أعمالى) فَمَنْ عَلَامَة أَحدهمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً (شدّة) في دِينِ وَ حَزْماً (أخذا بالثقة في أموره) فِی لِینٍ وَ إِیمَاناً فِی یَقِینٍ وَ حِرْصاً فِی عِلْمٍ وَ عِلْماً فِی حِلْمٍ (عند الجهلاء) وَ قَصْداً (إقتصادا) فِي عَنِّى وَ خُشُوعاً (تضرّعا) فِی غِنًی وَ تَجَمَّلًا (تظاهرا باليسر) فِي فَاقَة (فقر) فِی فَاقَةٍ (فقر) وَ صَبْراً فِی شِدَّةٍ وَ طَلَباً فِی حَلاَلٍ وَ نَشَاطاً فِی هُدًی وَ تَحَرُّجاً (تباعدا) عَنْ طَمَع يعملُ الأعْمَالَ الصّالحة وَ هُوَ عَلَى وَ جَلِ (خوف) یُمْسِی (يدخل في المساء) و هَمهُ الشكر و يُصْبِحُ (يدخل في الصباح) وَ هَمهُ الذِّكْر يَبِيتُ (يصير من الليل إلى (الصباح) حذراً (خائفا) و يُصْبِحُ فَرِحاً، حذراً لَمَّا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَة وَ فَرِحاً بِمَا أَصَابَ (نال، أدرك) مِنَ الْفَضْلِ (الزيادة) و الرحمَةِ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ (صعبت و لم تطاوع) عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ (تبغض) لَمْ يُعْطِهَا سُوْلَهَا (طلبها) فيما تُحِبُّ (نفسه) قُرةُ عَيْنِه فِيمَا لَا يَزُولُ و زَهَادَتْهُ فِيمَا لاَ یَبْقَی یَمْزُجُ (يخلط) الحِلمَ بِالْعِلْمِ وَ الْقَوْلَ بِالْعَمَلِ تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ قَلِيلًا زَلَلَهُ (خطاياه) خَاشِعاً قَلْبُهُ قَانِعَةً نَفْسُهُ مَنزُوراً (قليلا) أَکْلُهُ سَهْلاً أَمْرُهُ حَرِیزاًً (حصينا) دِینُهُ مَیِّتَةً شَهُوتُهُ مَكْظُوماً (محبوسا) غَيْظَهُ (غضبه) الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ (مرجوّ) وَ الشَّرَّ مِنْهُ مَأْمُونٌ إنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ (عن ذكر الله) كُتبَ فِي الذَّاكِرِينَ وَ إِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ (لله) لَمْ یُکْتَبْ مِنَ الْغَافِلِینَ (عنه تعالى) یَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَ یُعْطِی مَنْ حَرَمَهُ وَ یَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ (و هذه الأمور الثلاثة من أمّهات المكارم) بعيداً فُحْشُهُ (قبيح القول منه) لَيْناً قَوْلُهُ غَائِباً مُنْكَرُهُ (فعله القبيح) حاضراً (فى الناس) معروفهُ مُقْبلًا خَيْرَهُ مُدْبِراً شَرَهُ في الزلازل (الشدائد) وَ قُورٌ (ساكن لا يضطرب) و فِي الْمَكَارِهِ (المشاق) صَبور وَ فِی الرَّخَاءِ (سعة العيش) شَكُورٌ لَا يَحيفُ (يظلم) عَلَى مَنْ يُبْغضُ وَ لَا يَأْثمُ (يذنب) فيمَنْ يُحِبُّ يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ لَا يُضيعُ (يهلك) مَا اسْتُحْفِظَ (طلب منه حفظه) وَ لَا يَنسَى- مَا ذَكَرَ وَ لَا يُنَابِزُ (يلقب أحدا) بِالْأَلْقَابِ (القبيحة) وَ لَا يُضَارْ بِالْجَارِ وَ لاَ یَشْمَتُ (يفرح عداوة) بِالْمَصَائِبِ

ص: 256

وَ لا يَدْخُلُ في الباطل وَ لا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ صَمَتَ (سكت) لَمْ يَغْمُهُ صَمْتَهُ وَ إِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوتُهُ وَ إِنْ بَغِيَ (تعدّى) عَلَیْهِ صَبَرَ حَتَّی یَکُونَ اللهُ هُوَ الَّذِي ينتَقِمُ هُوَ الذي يَنتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاء (تعب) وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة أَتْعَب نَفْسَهُ لآِخِرَتِهِ وَ أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ بَعْدُهُ عَمَنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَ نَزَاهَةٌ (طهارة) وَ دُنُوُّهُ (قربه) مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِینٌ وَ رَحْمَةٌ لَیْسَ تَبَاعُدُهُ (عن الناس) بِکِبْرٍ وَ عَظَمَةٍ وَ لاَ دُنُوُّهُ بِمَکْرٍ وَ خَدِیعَةٍ (حيلة).

قَالَ: فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا، فَقَالَ أميرُ الْمُؤْمِنينَ علیه السَّلام

أَمَا وَ الله لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَواعظ الْبَالَغَهُ بِأَهْلَهَا، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: قائل: فَمَا بَالُکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، فَقَالَ علیه السَّلام: وَیْحَکَ إِنَّ لِکُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لاَ یَعْدُوهُ (يتجاوز الأجل ذلك الوقت) وَ سَبَباً لاَ یَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلاً لاَ تَعُدْ (ترجع) لمثْلَهَا (هذه المقالة) فَإِنَّمَا نَفَثَ (نفخ) اَلشَّیْطَانُ عَلَی لِسَانِکَ.

194 - و من خطبة له علیه السَّلام يصف فيها المنافقين:

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَة وَ ذَادَ (حمى ، دفع) عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ (المخالفة لأمره) وَ نَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ (عطائه الإبتدائىّ) تَمَاماً (النعمته) وَ (نسأله) بِحَبْلِهِ اعتصاماً وَ نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ و رَسولُهُ خَاضَ (مشى) إلَى رِضْوانِ الله كُلْ غَمرة (شدّة) وَ تَجَرَّعَ فِيهِ (رضوان الله) كُل غُصَّة وَ قَدْ تَكونَ (تقلّب ، تبدّل) لَهُ الْأَدْنَوْنَ (الأقربون من عشيرته) وَ تَأَلَّبَ (اجتمع) عَلَيه الْأَقْصَوْنَ (الأبعدون من قبائل العرب ) وَ (قد) خَلَعَتْ (نزعت) إلَيْهِ الْعَرَبُ أعِنَّتَهَا ( حبال اللجم) وَ ضَرَبَتْ (العرب) إلَى مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا (الجمال الّتي عليها الزاد و الراحلة) حتَّى أَنْزَلَتْ (العرب) بِسَاحَتِه (ناحيته) عَدَاوَتَهَا مِنْ أَبْعَد الدَّارِ وَ أَسْحَقِ (أقصى) الْمَزَارِ، أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ و أَحَذَرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ الضَّالُونَ (غير مهديين غير راشدين) المُضَلُّونَ وَ (إنّهم) الزَّالُونَ (الخاطئون الساقطون فى الخطأ) الْمُزِلُّونَ يَتَلَوَّنُونَ ألْوَاناً وَ يَفْتَنُّونَ (يأخذون في فنون القول لا يذهبون مذهبا واحدا) افْتِنَاناً، وَ يَعْمِدُونَكُمْ

ص: 257

(يقيمونكم) بِكُلِّ عِمَادٍ (فتعتمدون على كلّ عماد بخداعهم) وَ يرصُدُونَكُمْ (يترقبون لكم لغوايتكم) بِكُلِّ مِرْصَادٍ (محلّ للإرتقاب) قُلُوبُهُمْ دَوِیَّةٌ (مريضة) وَ صِفَاحُهُمْ (وجوههم) نَقِیَّةٌ (ذات صفاء) یَمْشُونَ الْخَفَاءَ (من المشى تستّرا لإغواء الناس) وَ یَدِبُّونَ (يمشون على هيئة الدبيب فى) الضَّرَاءَ (لكم) من المرض و النقص في الأموال و الأولاد و الثمرات) وَصْفُهُم (باللسان) دَوَاء وَ قَوْلُهُمْ شَفَاء وَ فَعْلُهُمُ الدَّاء (المرض) الْعَیَاءُ (الّذي يعجز الأطبّاء عن علاجه) حَسَدَة (حاسدو) الرَّخَاءِ (سعة العيش للناس) وَ مُؤَكِّدُو الْبَلاء (لهم) وَ مُقْنِطُو (موجبون لليأس فى) الرَّجَاء لَهُم بِكُلِّ طَرِيقِ صَرِيع (مطروح على الأرض حيث ذهبوا المذاهب كلّها ففي كلّ طريق مقتول لهم) وَ (لهم) إلَى كُلِّ قَلبٍ شَفيعٌ (حيث لا يذهبون مذهبا واحدا فيأتون القلوب بما تهوى) وَ لِکُلِّ شَجْوٍ (حزن) دُموع يتقَارَضُونَ (بينهم) الثَّنَاءَ (المدح) وَ يَتَرَاقَبونَ (ينتظرون) الْجَزَاء (الثواب) إِنْ سَأَلُوا (طلبوا شيئا من الناس) أَلْحَفُوا (بالغوا في السؤال) وَ إِنْ عَذْلُوا (لاموا أحدا) كَشَفُوا (فضحوه) وَ إِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا (بالإفراط و التفريط) قَدْ أَعَدُّوا (هيئوا، أحضروا) لِكُلِّ حَق بَاطِلًا (حيث لا يجتمع النفاق مع الحقِّ) وَ لِكُلِّ قَائِم (على دين الله) مَائِلاً (منحرفا) وَ لِکُلِّ حَیٍّ (بدين الله) قَاتِلاً (من الشبهات) وَ لِکُلِّ بَابٍ (مغلق على الناس) مِفْتَاحاً وَ لِکُلِّ لَیْلٍ (ظلمة و تحيّر من الناس) مِصْبَاحاً (لخروجهم عنهما بالإدهان و المسامحة فى الحقِّ) یَتَوَصَّلُونَ إِلَی الطَّمَعِ بِالْیَأْسِ (الّذي يظهرونه على ألسنتهم مع أنّ قلوبهم مملوءة من الطمع) لِيُقِيمُوا بِهِ (اليأس) أَسْوَاقَهُمْ وَ يُنفِقُوا (يروجوا) بِهِ أَعْلَاقَهُمْ (الأشياء النفيسة من متاعهم فينشرون بين الناس أعلاقهم من الشبهات) يَقُولُونَ فَيشَبهُونَ (الحقّ بالباطل) وَ یَصِفُونَ فَیُمَوِّهُونَ (يجعلون الماء فى الحوض و يملئونه) قَدْ هَونُوا (سهلّوا) الطَّرِيقَ (تساهلا فيه) و أضْلَعُوا (عوّجوا) الْمَضِیقَ (من الطرق فمع أنّهم يدخلون فى المضائق من طرق الضلالة أظهروا أنّها لا تضيق عليهم) فَهُمْ لمَةً (جماعة) الشَّيْطَانِ وَ حَمَة (إبرة) النِّیرَانِ أُولٰئِکَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.

ص: 258

195 - و من خطبة له علیه السَّلام يحمد الله و يثني على نبيّه و يعظ:

الْحَمْدُ لله الذي أظهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانه (قهره ، غلبته) وَ (من آثار) جَلَالِ (عظمة) كِبْرِيَائِهِ، مَا (شيئا) حَيَّرَ (الله به) مُقَلَ (شحوم، عيون) الْعُقُولِ (و هى بصائرها) مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ وَ رَدَعَ (منع) خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ (هموم، أفكار) النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانِ (معرفة) كُنْهِ (نهاية غاية) صِفَتِهِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَةَ إِيمَانِ وَ إِيقَانِ (بالقلب من غير شكّ) وَ إِخْلَاصِ (في العمل بلا رياء) و إِذْعَانِ (إقرار باللسان و هى مراتب الإيمان الثلاثة) وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ و أَعْلَامُ الْهُدَى دَارِسَةٌ (بالية، خالقة) وَ مَنَاهِجُ (طرق) الدِّينِ طَامِسَةٌ (مندرسة) فَصَدَعَ (شقّ الباطل) بِالْحَقِّ وَ نَصَحَ لِلْخَلْقِ وَ هَدَى إِلَى الرَّشْدِ وَ أَمَرَ بِالْقَصْدِ (الإعتدال عن الإفراط و التفريط) صَلَّى اللهُ عَلَيْه و آله وَ سَلَّمَ وَ اعْلَمُوا عَبَادَ الله أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقُكُمْ عَبَثاً وَ لَمْ يُرسلكُمْ (يطلقكم) هَمَلًا (متروكا، سدى) عَلِمَ (الله تعالى) مَبْلَغَ (غاية)نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ وَ أَحْصَى - (عدّد) إِحْسَانَهُ إِلَيْكُمْ فَاسْتَفْتِحُوهُ (إسألوا عنه الفتح لأموركم) وَ اسْتَنْجِحُوهُ إسألوا عنه النجاح و الفوز) وَ اطْلُبُوا إلَيْهِ (تعالى مسائلكم) وَ اسْتَمْنِحُوهُ (إسألوا عنه العطاء) فَمَا قَطَعَكُمْ (أبانكم) عَنْهُ حجَابٌ وَ لَا أَغْلَقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ (فأنتم بعينه و في حضرته) وَ إِنَّهُ لَبِكُلِّ (فى كلّ) مَكَانٍ وَ فِي كُلّ حِينٍ وَ أَوَانٍ (زمان) وَ مَعَ كُلّ إِنْسِ وَ جَانٌّ (لا بالمقارنة) لَا يَثلِمُهُ (يكسره) العَطاء (لعباده) وَ لَا يَنْقُصُهُ الْحَبَاء (الفضل العطيّة) وَ لَا يَسْتَنْفَدُهُ (أى لا يجعله نافد المال) سَائِلٌ وَ لاَ يَسْتَقْصِيه (لا يأتى على آخر ما عنده من النعيم) نَائِل (واصل لنعمه) وَ لَا يَلْوِيه (يميله) شَخْصٌ عَنْ شَخْصِ وَ لَا يُلْهِيه (يشغله) صَوْتٌ عَنْ صَوْتِ وَ لاَ تَحْجُزُهُ (تمنعه) هِبَةٌ ( عطيّة) عَنْ سَلْبِ (فهو المعطى و المانع) وَ لَا يَشْغَلَهُ غَضَبٌ (على أعدائه) عَنْ رَحْمَة (لأوليائه) وَ لَا تُولِهُهُ (تذهله، تغفله) رَحْمَةٌ عَنْ عِقَابِ وَ لَا يُجِنُّهُ (يستره) اَلْبُطُون (من كلّ شيء) عَنِ اَلظُّهُورِ (فى الأشياء بالتجلّى بها لها) وَ لَا يَقْطَعُهُ الظُّهُورُ عَنِ البطون قَرَبَ (بظهوره فى الأشياء) فَنَأَى (بَعُدَ بكنهه تعالى) وَ عَلَا (بكنهه كل شيء) فَدَنَا

ص: 259

قرب بالتجلّى) وَ ظَهَرَ (فى الأشياء) فَبَطَنَ (إحتجب عنها) و بَطَنَ (عنها) فَعَلَنَ (ظهر فيها بل هی ظهرت به تبارک و تعالی) و دَانَ (حاسب) وَ لَمْ يُدَنْ (يحاسب على ما يفعله فلا يسئل عمّا يفعل و هم يسئلون) لَمْ يَذْرَأًِ (يخلق) الخَلْقَ بِاحْتِيَالِ (تفكّر، إستعمال آلة) وَ لَا اسْتَعَانَ بِهِمْ لِكَلاَلٍ (ملالة من تعب) أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّهَا الزَّمَامُ (الّذي يقود إلى الخير) وَ (إنّها) اَلْقِوَامُ (العماد النظام) فَتَمَسَّكُوا (إعتصموا) بِوَثَائِقِهَا (محكمات التقوى) وَ اِعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا (و هى ما ثبت للتقوى من دفع الإقتحام في الشبهات) تَؤُلْ (ترجع التقوى) بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ (بيوت) اَلدَّعَةِ (سعة العيش) وَ (إلى) أَوْطَانِ (منازل) اَلسَّعَةِ وَ (إلى) مَعَاقِلِ (حصون) اَلْحِرْزِ (الحفظ من المعاصى) وَ (إلى) مَنَازِلِ الْعِزّ فِي يَوْمٍ تَشْخَصُ (تفتح) فيه الْأَبْصَارُ وَ تُظْلَمُ لَهُ الْأَقْطَارُ (النواحى الجوانب) وَ تُعَطِّلُ (تهمل) فيه صُرُومُ (النوق الّتي مضى لحملها) اَلْعِشَارِ (عشرة أشهر) وَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَرْهَقُ (تبطل، تهلک) كُلُّ مُهْجَة (دم في القلب) وَ تَبَكُمُ (تخرس) كُلُّ لَهْجَةٍ وَ تَذِلُّ الشَّمُ (الرفيعات) الشَّوَامِخُ (كثيرة الإرتفاع من الجبال) وَ (تدکّ) اَلصُّمُّ (الصلوب) اَلرَّوَاسِخُ (الثوابت فى الأرض من الجبال) فَيَصيرُ صَلْدُهَا (الصلب من الجبال) سَرَاباً رَقْرَقاً (مضطربا) وَ (يصير) مَعْهَدُهَا (مكان وجودها) قاعاً (مطمئنّا من الأرض) سَمْلَقاً (مستويا بلا أمت و لا عوج) فَلاَ شَفِيعٌ (عنده تعالى في القيامة) يَشْفَعُ وَ لاَ حَمِيمٌ (صديق) يَنفَعُ وَ لَا مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ (العذاب).

196 - و من خطبة له علیه السَّلام:

بَعَثَهُ حِينَ (في وقت) لا عَلَم (فيه) قَائِمٌ (الناس) وَ لاَ مَنَارٌ (موضع نور) سَاطِعٌ (واضح مرتفع) وَ لاَ مَنْهَجٌ (طريق) وَاضِحٌ (بل أرسله حين الفترة من الرسل و الوصىّ فالحجّة فی ذلک الزمان خائف مغمور).

أوصيكُمْ عِبَادَ الله بِتَقْوَى الله و أحَذِّرُكُمُ (أخوّفكم) الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوص (ذهاب) وَ مَحَلَةً تَنْغِيصِ (كدر للعيش) سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ (ذاهب، راحل) وَ قَاطِنُهَا (مقيمها) بَائِنٌ (منفصل) تَمِيدُ

ص: 260

(تضطرب) بأهْلهَا مَيدَانَ (إضطراب) السَّفينة (الّتى) تَقْصفُهَا (تكسر تلك السفينة) اَلْعَوَاصِفُ (الرياح الشديدة) فِي لُجَجِ (معظمات) الْبِحَارِ فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ (الراسب في اللجج) الوَبِقُ (الهالك) وَ مِنْهُمُ النَّاجِي عَلَى بُطُونِ اَلْأَمْوَاجِ تَحْفِزُهُ (تدفع ذلك الناجي) الرِّيَاحُ بِأَدْيَالِهَا (مآخيرها) وَ تَحْمِلُهُ عَلَى أَهْوَالِهَا فَمَا غَرِقَ (من أهل الدنيا) مِنْهَا (تلك اللجج) فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ وَ مَا نَجَا (منهم على بطون الأمواج) مِنْهَا (تلك اللجج) فَإِلَى مَهْلَكٍ (بلجج أخرى) عبَادَ الله الْآنَ فَاعْلَمُوا (لتعملوا عالمين) وَ الْأَلْسُنُ مُطلَقَةٌ (مرسلة) وَ الْأَبْدَانُ صَحِيحَةٌ وَ الْأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ (لينة تحت إختياركم) وَ الْمُنْقَلَبُ (مكان الإنقلاب) فَسِيحٌ (وسيع) وَ الْمَجَال (موضع الجولان للعمل) عَرِيضُ (واسع) قَبْلَ إِرْهَاقِ (إتيان) الفَوْت (للفرصة) وَ (قبل) حُلُولِ اَلْمَوْتِ (و ذهاب الإختيار للعمل) فَحَقِّقُوا (صدّقوا) عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ وَ لَا تَنتَظِرُوا قُدُومَهُ (بل بادروا آجالكم و كونوا على حذر من أن يأتيكم الموت بغتة).

197 - و من كلام له علیه السَّلام ينبّه فيه على فضيلته لقبول قوله و أمره و نهيه:

وَ لَقَدْ عَلمَ الْمُسْتَحفَظُونَ (المطالَبون لحفظ الأسرار) مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنِّي لَمْ أَرُدَّ (أعارض) عَلَى اَللَّهِ وَ لاَ (رددت) عَلَى رَسُوله سَاعَةَ قَطُّ (منذ صحبته و آمنت به) وَ لَقَدْ وَ اسَيْتُهُ (أشركته) بِنَفْسي - ( فما بخلت بنفسى) في اَلْمَوَاطِنِ اَلَّتِي تَنْكُصُ (ترجع إلى القهقرى) فِيهَا اَلْأَبْطَالُ (الشجعان) وَ تَتَأخَرُ فِيهَا الْأَقْدَامُ نَجْدَةً (شجاعة) أَكْرَمَني اللهُ بِها وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي وَ لَقَدْ سَالَتْ (جرت) نَفْسُهُ (دمه) في كَفِّي فَأَمرَرْتُها (جعلت كفّى يذهب) عَلَى وَجْهِي وَ لَقَدْ وَلْيتُ غُسْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ (صاحت) الدَّارُ وَ الْأفْنية (المحالّ المتّسعة أمام الدار) مَلَأٌ (جماعة من الملائكة) يَهْبِطُ (ينزل من السماء إلى الأرض) وَ مَلَأٌ (منهم) يَعْرُجُ (يصعد) وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْئَمَةٌ (صوت خفى) منهُم يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَ ارَيْنَاهُ (أخفيناه) فِي ضَرِيحِهِ (قبره لحده) فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ (صلّى الله عليه و آله) مِنِّي حَيّاً (حيث واسيته بنفسي في

ص: 261

المواطن الّتى تنكص فيها الأبطال) وَ (من ذا أحقّ به منّى) مَيِّتاً (حيث واريته فى ضريحه و سالت نفسه على صدرى) فَانْفُذُوا (اسلكوا) عَلَى بَصَائِرِكُمْ (ضياء عقولكم) وَ لَتَصُدُقَ نِيَّاتُكُم في جِهَادِ عَدُوِّكُمْ (معاوية و أصحابه) فَوَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَة الْحَقُّ وَ إِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ (مكان زلّة) الْبَاطِلِ أقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَ أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي (من القصور في معرفته و عبادته) وَ لَكُمْ (من القصور و التقصير فيهما).

198 - و من خطبة له علیه السَّلام ينبه على إحاطة علم الله بالجزئيات، ثم يحثّ على التقوى و يبيّن فضل الإسلام و القرآن:

يَعْلَمُ (الله) عَجِيجَ (رفع صوت) اَلْوُحُوشِ فِي الْفَلَوات وَ مَعَاصِيَ اَلْعِبَادِ فِي اَلْخَلَوَاتِ وَ اِخْتِلاَفَ اَلنِّينَانِ (الحيتان) فِي الْبِحَارِ الْغَامرات (كثيرة) الماء) وَ تَلاَطُمَ (ضرب) الْمَاء (بعضه ببعض) بِالرِّيَاحِ اَلْعَاصِفَاتِ (شديدة الهبوب و هذه الأمور تدلّ على علمه تعالى بالجزئيات خلافا لما زعم بعض من المتكلّمين من نفيه) وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ (مختار) اَللَّهِ وَ سَفِيرُ (رسول) وَحْيِهِ وَ رَسُولُ رَحْمَتِهِ

أما بَعدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى الله اَلَّذِي اِبْتَدَأَ خَلَقَكُمْ وَ إِلَيْه (تعالى) يَكُونُ مَعَادُكُمْ (عودكم) وَ بِهِ نَجَاحُ (ظفر)، فوز) طَلَبَتكُمْ (مطلوبكم) وَ إِلَيْهِ مُنْتَهَى (موضع إنتهاء) رَغْبَتِكُمْ (إشتياقكم) وَ نَحْوَهُ (إليه) قَصْدُ سَبِيلِكُمْ (الطاهر من الإفراط و التفريط) وَ إِلَيْهِ مَرَامِي (مقاصد) مَفْزَعِكُم (خوفكم) فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ دَوَاء دَاء (مرض) قُلُوبِكُمْ وَ بَصَرُ (ضياء) عَمَى أَفْئِدَتِكُمْ وَ شِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ وَ صَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ (من الغلّ) و طُهُورُ دَنَسِ (و سخ) أَنْفُسِكُمْ وَ جِلاء (وضوح) عَشَا (سوء) أَبْصَارِكُمْ وَ أَمِّنُ فَزَع (خوف) جَأْشِكُمْ (قلوبكم) وَ ضِيَاءُ (نور) سَوَادِ ظُلمتِكُمْ فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اَللَّهِ شِعَاراً (ثيابا يلى البدن) دُونَ دِثَارِكُمْ (و هو ما فوق الشعار من الثياب) وَ (إجعلوا الطاعة) دَخيلًا (باطنا) دُونَ شَعَارِكُمْ (حتّى تلاصق قلوبكم) وَ لَطِيفاً (أمرا خفيّا) بَيْنَ أَضْلاَعِكُمْ وَ أميراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ (حتّى تنتظم أموركم بها) و مَنْهَلًا (موضعا للشرب) لحينِ

ص: 262

وُرُودِكُمْ (إلى الله يوم اللقاء) وَ شَفِيعاً لِدَرَكِ (لحاق، وصول) طَلَبَتِكُمْ وَ جُنَّةَ (وقاية) لَيَوْمِ فَزَعِكُمْ (خوفكم من عدله تعالى) و مَصَابِيحَ لبطونِ قُبورِكُمْ (و هى البرزخ) وَ سَكَناً (منزلا، بيتا) لطولِ وَحْشَتكُمْ (فى القبور) و نَفساً (فرجا) لكَرْبِ (حزن، غم) مواطنكُمْ (في مواقف الحشر إليه تعالى) فَإِنَّ طَاعَةَ اَللَّهِ حِرْزٌ (حفظ) مِنْ مَتَالِفَ (مواضع التلف و الهلاک فى الدنيا و الآخرة) مُكْتَنفَة (محيطة بكم من كلّ جانب) وَ (إنّ طاعة الله حرز من) مَخَاوِفَ (مواضع خوف) مُتَوَقَّعَةٍ (و هى الموت وما بعده من الأهوال) وَ (حرز من) أُوَارِ (حرارة، لهيب) نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ (موجبة للحرارة) فَمَنْ أخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ (غابت بعدت) عَنْهُ الشَّدَائدُ بَعد دُنُوهَا (قربها به فى الدنيا لما فى الدنيا من الزخارف و المشتهيات) وَ (من أخذ بها) اِحْلَوْلَتْ (صارت حلوا) لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتهَا وَ انْفَرَجَتْ (شقّت) عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا (إجتماع بعضها على بعض) وَ أَسْهَكتْ لَهُ الصِّعَابُ (الشدائد) بَعْدَ إِنْصَابِهَا (إتعاب تلک الصعاب له) وَ هَطَلَتْ (تتابعت) عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ (من الله) بَعْدَ فُحُوطَهَا وَ تَحَدَّبَتْ (عطفت) عَلَيْهِ اَلرَّحْمَةُ (التشريعية) بعدَ نُفُورِهَا (عدم إنقيادها، إدبارها) و تَفَجَرَتْ (شقّت) عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعدَ نُضُوبِهَا (ذهابها،زوالها) وَ وَبَلَتْ (مطرت مطرا شديدا) عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَادَهَا (قلتها) فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَته (و هو القرآن) و وَعَظَكُم بِرِسَالَتِه وَ امْتَنْ عَلَيْكُم بِنِعْمَتِهِ فَعَبدُوا أَنفُسَكُمْ (إجعلوها عابدة) لِعِبَادَتِهِ وَ اُخْرُجُوا إِلَيْهِ (تعالى) منْ حَقٌّ طَاعَتِهِ (بأدائها).

ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ (إختاره) لِنَفْسِهِ وَ اصْطَنَعَهُ (إختاره، إتّخذه) عَلَى عَيْنِهِ وَ أَصْفَاهُ (آثره بالإسلام) خِيَرَةَ (أفضل) خَلْقِهِ (عنده و هو خاتم الأنبياء) وَ أَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ (مودّته) أذَلَّ الْأدْيَانَ (بالنسخ لها) بِعِزَّتِهِ وَ وَضَعَ اَلْمِلَلَ (الأديان) بِرَفْعه وَ أهَانَ (حقّر) أَعْدَاءَهُ بكَرَامَته وَ خَذَلَ مُحَادِّيهِ ( مخالفيه) بِنَصْرِه وَ هَدَمَ (أخرب) أَرْكَانَ الضَّلَالَة ركْنه (عزّه) وَ سَقَى مَنْ عَطِشَ مِنْ حِيَاضِهِ وَ أَتْأَقَ (ملأ الله) اَلْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِهِ (نوازع الماء من حوضه) ثُمَّ جَعَلَهُ لَا انْفَصَامَ (إنقطاع) لِعُرْوَتِهِ وَ لاَ فَكَّ (خلاص ، زوال) لِحَلْقَتِهِ وَ لاَ اِنْهِدَامَ (خراب) لِأَسَاسِهِ وَ لَا زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ وَ لاَ اِنْقِلاَعَ (إنتزاع) لِشَجَرَتِهِ وَ لَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ (فهو دين

ص: 263

الله إلى يوم الدين) وَ لَا عَفَاءً إضمحلال ، إندراس) لِشَرَائِعِهِ وَ لاَ جَذَّ (قطع) لِفُرُوعِهِ (غصونه) وَ لَا ضَنْك (ضيق) لِطُرُقِهِ وَ لاَ وُعُوثَةَ (رخاوة) لِسُهُولَتِهِ (فهو سهل سمح من غير تساهل و تسامح) وَ لَا سَوادَ لِوَضَحِه (بیاضه) وَ لَا عِوَجَ (إنعطاف) لانْتِصَابِهِ (قيامه) وَ لَا عَصَلَ (إعوجاج من غير إرتجاع) فِي عُودِهِ (بل كلّما إعوج عوده بما فعل فيه الظلمة من الحكّام إرتجع إلى حقيقته) وَ لَا وَعَثَ (تعسر - للمشى) لفَجِّه (طريقه الواسع بين الجبلين جبل الإفراط و جبل التفريط) وَ لَا انْطَقَاء (ذهاب اللهيب ) لِمَصَابِيحِهِ وَ لَا مَرَارَةَ لِحَلَاوَتِه فَهُوَ (الإسلام) دَعَائِمُ أَسَاخَ (أثبت الله) فِي الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا (أصولها) وَ ثَبَّتَ لَهَا أَسَاسَهَا وَ (الإسلام) ينَابِيعُ غَزْرَتْ (كثرت) عُيُونُهَا وَ (هو) مَصَابِيحُ شَبتْ (إرتفعت) نيرانُهَا وَ مَنَارٌ اقْتَدَى بِهَا سُفَارهَا (المسافرون) وَ أَعْلَامٌ قُصدَ بِهَا فَجَاجُهَا (طرقها الواسعة) وَ مَنَاهِلٌ (مواضع الشرب) رَوِيَ (من العطش) بِهَا ورادُهَا (واردوها) جَعَلَ اَللَّهُ فِيهِ مُنْتَهَى (نهاية) رِضْوَانِهِ وَ ذِرْوَةَ (أعلى موضع من) دَعَائمه وَ سَنَامَ (أعلى موضع من) طَاعَته فَهُو عندَ الله وَثِيقُ (مستحكم) الأَرْكَان رَفِيعُ (مرفوع) اَلْبُنْيَانِ مُنِيرُ (مضىء) اَلْبُرْهَانِ مُضِيءُ اَلنِّيرَانِ عَزِيزُ (قاهر) اَلسُّلْطَانِ مُشْرِفُ (مرتفع) اَلْمَنَارِ مُعْوِذُ (مجدب ، معدم للذى يريد) الْمَثَارِ (الإثارة التهييج للفتن فمن أراد أن یهیّج الإسلام و أثار فیه الفتن فقد أوقعه الإسلام فى الجدب و العسر و أفقره) فَشَرَفُوهُ (عظّموه) وَ اِتَّبِعُوهُ وَ أَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ وَ ضَعُوهُ (إجعلوا الإسلام) مَوَاضِعَهُ.

ثُمَّ إنَّ اللهَ سُبحانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ بِالْحَقِّ حِينَ دَنَا (قرب) مِنَ الدُّنْيَا الانْقِطَاعُ (بمجىء الأجل) و (حين) أَقْبَلَ مِنَ اَلْآخِرَةِ اَلاِطِّلاَعُ (الإتيان، الإشراف على أهل الدنيا) وَ (حين) أَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا (حسنها) بَعْدَ إِشْرَاقٍ (إعطاء نور قليل على أهل الدنيا) وَ (حين) قَامَتْ بِأَهْلهَا عَلَى سَاقٍ (الشدّة المصائب المتتابعة) وَ خَشْنَ مِنْهَا مِهَادٌ وَ أَزِفَ (قرب) مِنْهَا قِيَادٌ (بإتّباعها للآخرة) في انْقِطَاعِ مِنْ مُدَّتِهَا وَ (فى) اقْتِرَابِ مِنْ أَشْرَاطِهَا (علاماتها) وَ تَصَرُّمٍ (تقطّع)

ص: 264

منْ أَهْلَهَا (بالموت) وَ اِنْفِصَامٍ (إنقطاع) منْ حَلْقَتهَا وَ (فى) اِنْتِشَارٍ (تفرق) مِنْ سَبَبَهَا وَ عَفَاء (إندراس) مِنْ أَعْلاَمِهَا وَ تَكَشُّفٍ (كشف) مِنْ عَوْرَاتِهَا (فضيحاتها) و (فى) قِصَرٍ- مِنْ طُولِهَا . جَعَلَهُ اللهُ بَلَاغاً (إنتهاء) لرِسَالَتِهِ وَ كَرَامَةً لِأُمَّتِهِ وَ رَبِيعاً لأهْلِ زَمَانِهِ وَ رِفْعَةً لِأَعْوَانِهِ وَ شَرَفاً لِأَنْصَارِهِ.

ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْه الْكِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ (يذهب لهيب) مَصَابِيحُهُ وَ سِرَاجاً لاَ يَخْبُو (ينطفىء) تَوَقُدُهُ (تلألؤه) وَ بَحْراً لاَ يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَ مِنْهَاجاً (طريقا واضحا) لاَ يُضِلُّ نَهْجُهُ وَ شُعَاعاً لَا يُظْلِمُ ضَوْءُهُ (نوره) و فُرقَاناً (فارقا بین الحقّ و الباطل) لاَ يُخْمَدُ (يسكن لهيب) بُرْهَانُهُ (حجته) وَ تِبْيَاناً (إيضاحا) لَا تُهْدَمُ (تخرب) أَرْكَانُهُ وَ شَفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُهُ وَ عَزَّاً لَا تُهْزَمُ (تكسر) أَنْصَارُهُ حقاً لَا تُخَذَلُ (تترك نصرة) أعوانُهُ فَهُو مَعدِنُ الْإِيمَانِ وَ بُحْبُوحَتُهُ (وسط الإيمان) وَ (هو) يَنَابِيعُ (عيون) اَلْعِلْمِ وَ بُحُورُهُ وَ رِيَاضُ الْعَدْلِ و غُدْرانَهُ (قطعات من الماء يغادرها السيل) وَ أَثَافِيُّ (أحجار يوضع عليها قدر) الْإِسْلَامِ وَ بَنْيَانَهُ وَ أَوْدِيَهُ الْحَقِّ (و الوادى هو كلّ مفرج بين الجبال) وَ غِيطَانُهُ (المطمئنّات من الأرض) وَ بَحْرٌ لاَ يَنْزِفُهُ (يفنى ماءه و لا يستفرغه) الْمُسْتَنزِفُونَ (المغترفون) وَ عُيُونٌ لاَ يُنْضِبُهَا (ينقصها) الْمَاتحُونَ (النازعون للماء من الحوض) و مَنَاهِلْ (مواضع الشرب من النهر) لا يَغِيضُهَا (ينقصها) الْوَارِدُونَ (على القرآن) و مَنَازِل لَا يَضِلُّ نَهْجَهَا (طريقها) الْمُسَافِرُونَ وَ أَعْلَامٌ لَا يَعْمَى عَنْهَا السَّائرُونَ وَ آكَامٌ (مواضع مرتفعة) لا يَجُوزُ (يقطع يمرّ) عَنْهَا الْقَاصِدُونَ جَعَلَهُ اللهُ رِيَاً (زوالا) لِعَطَشِ اَلْعُلَمَاءِ وَ رَبِيعاً لقُلُوبِ الْفُقَهَاء وَ مَحَاجٌ (جوادّ) لِطُرُقِ اَلصُّلَحَاءِ وَ دَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ (مرض) وَ نُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَ حَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ وَ مَعْقِلاً ( ملجأ) مَنِيعاً (ممتنعا عن الغير) ذِرْوَتُهُ (أعلى موضعه) و عزاً لِمَنْ تَوَلَّاهُ وَ سِلْماً (صلحا) لِمَنْ دَخَلَهُ وَ هُدًى لِمَنِ اِئْتَمَّ بِهِ وَ عُذْراً لِمَنِ اِنْتَحَلَهُ (ألزم به نفسه، إنتسب نفسه إليه) وَ بُرْهَاناً (حجّة قاطعة) لِمَنْ تَكَلَّمَ بهِ و شَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ (غلب) بِهِ وَ فَلْجاً (ظفر، فوزا) لِمَنْ حَاجَّ بِهِ وَ حَامِلاً (إلى الخير) لِمَنْ حَمَلَهُ وَ مَطِيةَ (مركبا ذلولا) لمَنْ أَعْمَلَهُ (عمل بالقرآن) وَ آيَةَ لِمَنْ تَوَسمَ (تحلّى بالقرآن) وَ جُنَّةً لِمَنِ اِسْتَلْأَمَ (البس الدرع)

ص: 265

و عِلْماً لِمَنْ وَعَى (حفظ) و حديثاً لِمَنْ رَوَى وَ حُكْماً لِمَنْ قَضَى (حكم به).

199 - و من كلام له علیه السَّلام كان يوصي به أصحابه:

تَعَاهَدُوا (تعاقدوا) أمر الصَّلاة (و إجعلوه في ذمّتكم) وَ حَافِظُوا عَلَيْهَا (بحفظ حدودها و أوقاتها) وَ اسْتَكْثِرُوا (اطلبوا الكثرة) منهَا وَ تَقَرِّبُوا بِهَا فَإنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كتاباً (فرضا واجبا) موقوتاً ألَا تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أهْلِ النَّارِ حينَ سُئِلُوا ما سَلَكَكُمْ (جاز بكم، أوردكم) في سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَك منَ الْمُصَلِّينَ وَ إِنَّهَا لَتَحُتُّ (تقشر-) اَلذُّنُوبَ حَتَّ (قشر-) الْوَرَقِ و تُطلقُهَا (ترسل الذنوب) إِطْلاَقَ اَلرِّبَقِ (الحبل من الأعناق) وَ شَبهَهَا رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله بِالْحَمَّةِ (الماء النابع حاراً يستشفى به من الأسقام) تَكُونُ عَلَى بَابِ الرّجُلِ فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي اَلْيَوْمِ وَ اَللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا عَسَى - (لم يرج، لم يقرب) أَنْ يَبْقَى عَلَيْه مِنَ الدَّرَنِ (الوسخ) وَ قَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ (من حطام الدنيا) وَ لَا تشغلهم) فُرةُ عَينِ مِنْ وَلَد وَ لَا مَالِ يَقُولُ اللهُ سُبحَانَهُ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِ کرِ اَللَّهِ وَ إِقامِ اَلصَّلاةِ وَ إِيتاءِ اَلزَّكاةِ وَ كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ نَصِباً (تعبا) بِالصَّلَاةِ (فأجهد نفسه بكثرة الصلوة) بَعْدَ اَلتَّبْشِيرِ لَهُ (من الله تعالى) بِالْجَنَّةِ لِقَوْلِ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ أمر أهْلَكَ بِالصَّلاة وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا فَكَانَ يَأْمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَ يَصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ. ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلَاةِ قُرباناً لِأَهْلِ الْإِسْلامِ فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا (من غير حرج في نفسه لما أعطاه من الزكاة) فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةٌ (لذنوبه) وَ (تجعل له) منَ النَّارِ حِجَازاً (مانعا) وَ وِقَايَةً (جنّة من العذاب) فَلاَ يُتْبِعَنَّهَا (أى لا يجعلنّ تابعا للزكاة) أحَدٌ نَفْسَهُ (بتعلّق قلبه بها بعد الإعطاء فإذا أعطى أحد من ماله الزكاة لابدّ أن سلا عن حبّه و طاب نفسا) وَ لا يُكْثرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ (حزنه ، تحسّره) فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ اَلنَّفْسِ بِهَا (بأن يجعل نفسه تابعا لها و مع ذلك) يَرْجُو بِهَا (الزكاة) مَا (ثوابا) هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا (كالجنّة و الرضوان) فَهُو جاهِلٌ بالسَّنَّة مَغْبُونُ (منقوص) الأجْرِ ضَالُ الْعَمَلِ طَوِيلُ النَّدَم.

ص: 266

ثُمَّ (إنْ) أَدَاءَ الْأَمَانَة (و هى الإمامة و الولاية لآل البيت عليهم السلام) فَقَدْ خَابَ (خسر-) مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى اَلسَّمَاوَاتِ اَلْمَبْنِيَّةِ (بغير عمد ترونها على أداء تلك الأمانة) و (عرضت على) الْأَرَضِينَ اَلْمَدْحُوَّةِ (المبسوطة لأجلها) وَ (على) اَلْجِبَالِ ذَاتِ اَلطُّولِ (الشامخات) اَلْمَنْصُوبَةِ (على الأرض أوتادا) فَلا أطول وَ لَا أَعْرَضَ وَ لا أَعْلَى وَ لَا أَعْظَمَ مِنْهَا (السماوات و الأرضين و الجبال) وَ لَوِ اِمْتَنَعَ شَيْءٌ (من قبول الأمانة و الإمامة) بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ عِزٍّ لاَمْتَنَعْنَ وَ لَكِنْ أَشْفَقْنَ (خفن) مِنَ العُقُوبَة (فأقبلن الولاية) وَ عَقَلنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنهن وَ هُوَ الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولًا.

إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا (الشيء الّذى) الْعِبَادُ (له) مُقْتَرِفُونَ (مكتسبون) في ليْلِهِمْ وَ نَهَارِهِمْ لَطَفَ بِهِ (ما العباد له مقترفون) خُبْراً (علما) وَ أَحَاطَ بِهِ عِلْماً أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ (عليكم) وَ جَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ (الّتى تشهد عليكم بما تقترفون في الليل و النهار) وَ ضَمَائِرُكُمْ عُيُونُهُ (فإذا جاء اليوم الّذي تبلى فيه السرائر صارت الضمائر شاهدة عليكم فهي كالعيون الشاهدة تخبر بما العباد له مقترفون) وَ خَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ (الإحاطته بكلّ شيء).

200 - و من كلام له علیه السَّلام فى معاوية:

وَ اللَّهِ مَا (ليس) مُعَاوِيَةُ بِأدْهَى (أكيس) مِنّي وَ لَكِنَّهُ يَغْدِرُ (يترك الوفاء و ينقض العهد) وَ يَفْجُرُ (يفسق) وَ لَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ (نقض العهد) لكنْتُ منْ أَدْهَى (أكيس) النَّاسِ وَ لَكِنْ كُلَّ غُدَرة (ناقضين للعهد) فُجَرَةٌ (فاسقون) وَ كُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ (كافرون) و لكُلِّ غَادِرِ (ناقض للعهد) لِوَاءٌ (راية) يُعرفُ بِهِ يَومَ الْقِيَامَةِ وَ اللهِ مَا أَسْتَغْفَلُ (أوخَذُ بالغفلة) بِالْمَكِيدَة (المكر) وَ لَا أَسْتَغْمَز (أستضعف) بِالشَّدِيدَة (من مكائد معاوية بل يمنعني من الغدر ما يغفل عنه معاوية من ذكر الموت و خوف المعاد).

201 - و من كلام له علیه السَّلام يعظ بسلوك الطريق الواضح:

ص: 267

أَيُّهَا اَلنَّاسُ لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ اَلْهُدَى (و هو طريق الولاية) لِقِلَّةِ أَهْلِهِ فَإِنَّ اَلنَّاسَ قَدِ اِجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ (و هى الدنيا) شِبَعُهَا قَصِيرٌ وَ جُوعُهَا طَوِيلٌ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ (تحت راية واحدة) اَلرِّضَا (بفعل قوم) وَ اَلسُّخْطُ (لفعلهم فالإجتماع يدور على مدارهما) إِنَّمَا عَقَرَ (قطع قوائم) نَاقَة ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمهُمُ اللهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ (شملوه) بِالرّضَا (بذلک الفعل) فَقَالَ سبحَانَهُ فَعَقَروها (ذبحوا ناقة الصالح) فَأصْبَحُوا (صاروا) نادِمِينَ (بما فعلوا) فَمَا كَانَ (وقع) إِلَّا أَنْ خَارَتْ (صوّتت) أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَة (الإنخفاض الّذي تغيب أبدانهم فيه) خُوَارَ (صوت) السِّكَة المُحْمَاة (المذابة بالنار) فِي الْأَرْضِ الْخَوَّارَة (السهلة الليّنة) أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَنْ سَلَكَ اَلطَّرِيقَ اَلْوَاضِحَ (و هو ولايتنا أهل البيت) وَرَدَ الْمَاء وَ مَنْ خَالَفَ (الطريق الواضح) وَقَعَ فِي اَلتِّيهِ (الحيرة الضلالة).

202 - وَ مِنْ كَلَامِ لَهُ علیه السَّلام رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ عِنْدَ دَفْنِ سَيِّدَةِ اَلنِّسَاءِ فَاطِمَةَ (سلام الله عليها) کَالْمُنَاجِی بِهِ رَسُولَ الله صلّى الله عليه و آله عند قبره:

اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ عَنِّي وَ عَنِ اِبْنَتِكَ (فاطمة الزهراء سلام الله عليها سيدة نساء العالمين) اَلنَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ وَ (عن إبنتك) اَلسَّرِيعَةِ اَللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يَا رَسُولَ اَللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ (خيرتك) صَبْرِي وَ رَقَّ (لطف) عَنْهَا تَجَلُّدِي إِلاَّ أَنَّ فِي اَلتَّأَسِّي (إتخاذ الأسوة) لي بِعَظِيمِ فُرقَتِكَ (فراقك) وَ فَادِحِ (مثقل) مُصِيبَتِكَ (علينا) مَوْضِعَ تَعَزٍّ (تصبّر) فَلَقَدْ وَ سَّدْتُكَ (جعلتك في الوسادة) فِي مَلْحُودَةِ (جهة مشقوقة) قَبْرَكَ وَ فَاضَتْ (سالت) بَيْنَ نَحْرِي وَ صَدْرِي نَفْسُكَ إِنَّا لله وَ إِنَّا إِلَيهِ راجِعُونَ فَلَقَدِ اسْتُرجِعَتِ (ردّت إليك) الْوَدِيعَةُ وَ أَخذَتِ الرَّهِينَةُ (الّتى كانت عندى و هي إبنتك الصفيّة) أَمَّا حُزْنِي (عليها) فَسَرْمَدٌ (دائم لا ينقطع) وَ أَمَّا لَيْلِي (فى فراقها) فَمُسَهَّدٌ (منقض بالسهر) إلى أنْ يَخْتَارَ اللهُ لِي دَارَكَ الّتي أَنْتَ بِهَا مُقيمٌ وَ سَتُنَبِّئُكَ (تخبرك) ابنتُكَ بِتَظافُرٍ (تظاهر) أُمَّتِكَ (بعدك) عَلَى هَضْمِهَا (ظلمها عند الهجوم إلى بيتها و حين هتكوا حرمتها و أسقطوا جنينها و أحرقوا دارها) فَأَحْفِهَا (ألحّ عليها في السّؤَال (عن ظلم

ص: 268

(الأمّة) وَ اسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ، هَذَا (الظلم عليها من أمّتك) وَ لَمْ يَطْلِ الْعَهْدُ (من رحلتك) وَ لَمْ يَخْلُ ( يفرغ) منكَ الذِّكْرُ (فى الأذان و الصلوة في كلّ يوم) وَ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمَا سَلاَمَ مُوَدِّعٍ (هاجر) لَا (سلام) قَالٍ (مبغض) وَ لَا (سلام) سَئِمٍ (ضجر، ملالة) فَإِنْ أَنْصَرِفُ (عن قبوركما) فَلَا (يكون إنصرافى) عَنْ مَلالَة وَ إِنْ أُقِمْ (عند قبوركما) فَلَا (تكون إقامتي) عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اَللَّهُ اَلصَّابِرِينَ

203 - و من كلام له علیه السَّلام في التزهيد من الدنيا و الترغيب في الآخرة:

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ مَجَاز (ممّر إلى الآخرة) وَ الْآخِرَةُ دَارُ قَرَارِ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لَمَقَرِّكُمْ وَ لَا تَهْتِكُوا (تكشفوا ، تفضحوا) أَسْتارَكُمْ (الّتي ضربت على عيوبكم رحمة منه تعالى) عِندَ من يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ (و هو الله العالم بمضمرات القلوب) وَ أَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ (بإقلاع حبّ الدنيا) مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أبْدَانُكُمْ فَفِيهَا اخْتُبِرتُم وَ لغَيرِهَا خُلِقْتُمْ إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ (مات) قَالَ النَّاسُ مَا تَرَكَ (فى الدنيا للوارثين) وَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا قَدَّمَ (من الصالحات لنفسه). لِلَّهِ آبَاؤُكُمْ فَقَدِّمُوا بَعْضاً (من أموالكم) يَكُنْ لَكُمْ قَرضاً (عند من يضاعفه أضعافا كثيرة) وَ لَا تُخْلِفُوا (تجعلوا خلفكم للورثة) كُلًّا (من أموالكم) فَيَكُونَ فَرضاً (واجبا وزره) عليكم.

204 - و من كلام له علیه السَّلام كان كثيرا ما ينادي به أصحابه:

تَجَهْرُوا (إستعدّوا للموت) رَحمَكُمُ اللهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحيلِ (من الدنيا) وَ أَقِلُّوا اَلْعُرْجَةَ (حبس المطيّة) عَلَى الدُّنْيا (بإخراج قلوبكم منها قبل أن تخرج منها أبدانكم) وَ اِنْقَلِبُوا (منها) بِصَالِحٍ مَا بِحَضْرَتِكُمْ (فى حضوركم و أنتم متمكّنون منه) منَ الزَّادِ فَإِنَّ أَمَامَكُمْ (فى البرزخ وَ القيامة) عَقَبَةً (جبلا طويلا) كَئُوداً (صعبة للإرتقاء) وَ مَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً (من أهوال البرزخ و ما بعده من العقبات الّتي) لَا بُدَّ مِنَ الْوُرُود عَلَيْهَا وَ الْوُقُوف عنْدَهَا (للسؤال) وَ اعْلَمُوا أَنَّ

ص: 269

مَلاَحِظَ (منبعثات نظر) اَلْمَنِيَّةِ (الموت) نَحُوكُمْ (إليكم) دَانِيَةٌ (قريبة) وَ كَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا (في أظفار المنيّة) وَ قَدْ نَشِبَتْ (علقت مخالبها) فيكُمْ وَ قَدْ دَهَمَتْكُمْ (غشيتكم، أحاطت بكم) فيها مُفْظِعَاتُ (شدائد) اَلْأُمُورِ وَ مُعْضَلَاتُ (شدائد) الْمَحْذُورِ (الّذي يحتذر منه لشدّته و صعوبته) فَقَطِّعُوا عَلَائِقَ الدُّنْيا (من قلوبكم بالزهد) وَ اِسْتَظْهِرُوا (إستعينوا على أهوال الموت) بِزَادِ اَلتَّقْوَى.

و قد مضى شيء من هذا الكلام فيما تقدّم بخلاف هذه الرواية.

205 - و من كلام له علیه السَّلام كلّم به طلحة و الزبير بعد بيعته بالخلافة و قد عتبا عليه من ترك مشورتهما، و الاستعانة في الأمور بهما:

لَقَدْ نَقَمْتُمَا (غضبتما) يَسِيراًً (قليلا و هو ترك مشاورتهما و الإستعانة فى الأمور بهما) وَ (لقد) أَرْجَأْتُمَا (أخرتما) كَثيراً (من إحسانى إليكم) ألا تُخْبِراني أَي شَيْء كَانَ لَكُمَا فِيهِ حَقِّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ أَمْ أَيُّ قَسمِ (نصيب، حظّ) اِسْتَأْثَرْتُ (إستبددت خصصت نفسى) عَلَيْكُما بِه (ذلك القسم دونكما) أَمْ أَيُّ حَقْ رَفَعَهُ إِلَى أَحَدٌ مِنَ المُسلمينَ (للحكم بينهم) ضَعُفْتُ عَنْهُ (فى مقام العمل حتى أستعين بكم) أَمْ جَهِلْتُهُ (فى مقام الرأى) أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ (في مقام الرأى حتّى أستشيركما، فعلى الإمام أن يكون عالما غير ساه فى مقام الرأى قويِا في مقام العمل و هذا هو العصمة علما و عملا). وَ اَللَّهِ مَا كَانَتْ (وقعت) لي فِي الْخلَافَة رَغْبَةٌ (إشتياق) وَ لَا (كانت) في الوِلَايَةِ إِرْبَةٌ (غرض، طلبة) وَ لَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وَ حَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ (وصلت الخلافة) إِلَي نَظَرْتُ (تأمّلت) إِلَى كِتَابِ اللهِ وَ (نظرت إلى) مَا وَضَعَ لَنَا وَ أَمَرْنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ وَ (نظرت إلى) مَا اِسْتَنَّ (جعله سنّة) اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَاقْتَدَيْتُهُ (إتّبعته، إمتثلته) فَلَمْ أَحْتَج في ذلك (النظر إلى كتاب الله و سنّة رسوله) إِلَى رَأَيْكُمَا وَ لَا (إحتجت) رأي غَيْرِكُما وَ لَا وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشيرَكُمَا وَ (أستشير) إِخْوَانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَ

ص: 270

لَوْ كَانَ (وقع) ذلكَ (الإحتياج فى الحكم إلى مشورتكما) لَمْ أَرْغَبُ عَنْكُمَا وَ لَا عَنْ غَيْرِكُمَا (أى لم أدبر عنكم بل إستشرتكم) و أمَّا مَا ذَكَرتُما منْ أَمْرِ الْأسْوَة (التسوية في تقسيم بيت المال) فَإِنَّ ذَلكَ (الأمر من الأسوة) أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي وَ لاَ وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَ أَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله قَدْ فَرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجُ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اللهُ منْ قَسْمه (عطائه) و (لم أحتج فيما) أَمْضَى (أنفذ الله) فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا وَ اَللَّهِ عِنْدِي وَ لاَ لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا (الحكم و العمل بما فرغ منه الرسول و أمضى الله فيه حكمه من التسوية في تقسيم بيت المال) عُتْبَى (طلب للرضا منكم) أخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ (ممّا قد فرغ منه النبىّ و أمضى الله فيه حكمه) وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ اَلصَّبْرَ (على طاعته و ترك معصيته حيث كانا مخالفين للهوى).

ثم قال علیه السَّلام: رَحمَ اللهُ رَجُلًا رَأَى حَقَّاً فَأَعَانَ عَليه (و إن كان مخالفا لهواه) أَوْ رَأَى جَوْراً (ظلما) فَرَدَّهُ (و إن كان موافقا لهواه) و كَانَ عوناً (ظهیرا، ناصرا) بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ (و إنّ صاحب الحقّ الّذى لم يفارقه قطّ هو الإمام علىّ علیه السَّلام كما قال الرسول صلّى الله عليه و آله: على مع الحقّ و الحقّ مع علىّ يدور حيثما دار) .

206 - و من كلام له علیه السَّلام و قد سمع قوما من أصحابه يسبّون أهل الشام أيّام حربهم بصفين:

إنِّي أَكْرَهُ (أبغض) لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبابِينَ (شتّامين على أعراض الناس) وَ لَكِنَّكُمْ لَوْ وَ صَفْتُم أَعْمَالَهُمْ (السيّئة) و (لو) ذَكَرتُم حَالَهُمْ (السيئة القبيحة) كَانَ (ذلك الوصف) أَصْوَبَ (أصحّ) فِي الْقَوْلِ وَ (كان) أَبْلَغَ فِي اَلْعُذْرِ (عند الله تعالى و عند العقلاء) وَ قُلْتُمْ (قولوا) مَكَانَ سَبَكُم إِيَّاهُمُ اللَّهُمُ احْقِنُ (إحبس) دِمَاءَنَا وَ دِمَاءَهُمْ (بهدايتهم إلى الحقِّ) وَ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَ بَيْنِهِمْ وَ اِهْدِهِمْ مِنْ ضَلاَلَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ اَلْحَقَّ (الّذى نحن عليه) مَنْ جَهِلَهُ (من أصحاب

ص: 271

معاوية) وَ (حتّى) يَرْعَوِيَ (ينزع، يرجع) عَنِ الْغَيِّ (الضلال) وَ العُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ (أولع) بِهِ.

207 - و من كلام له علیه السَّلام في بعض أيام صفين و قد رأى الحسن ابنه علیه السَّلام يتسّرع إلى الحرب:

امْلِكُوا عَنِّي (خذوا بشدّة) هَذَا الْغُلَامَ لَا يَهُدَّني (يهدمنى) فَإِنَّنِي أَنْفَسُ (أبخل) بِهَذَيْنِ - يَعْنِي الْحَسَنَ وَ الْحُسين عليهما السلام عَلَى اَلْمَوْتِ لِئَلاَّ يَنقَطعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله

قال السيد الشريف: قوله علیه السَّلام املكوا عني هذا الغلام من أعلى الكلام و أفصحه

208 - و من كلام له علیه السَّلام قاله لمّا اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة:

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ (كان دائما) أَمْرِي مَعَكُمْ عَلَى مَا أُحِبُّ (من طاعتكم لي) حَتَّى نَهِكَتْكُمُ (أضعفتكم) اَلْحَرْبُ (بصفين لطول مدّتها) وَ قَدْ وَ الله أخَذَتْ (الحرب) منْكُمْ (أمورا من القتلى و الجرحى) وَ تَرَكَتْ (الحرب إيّاهم و إيّاكم و ذهبت) وَ هيَ لعَدُوِّكُمْ أَنْهَك (أشدّ تأثيرا لإيجاد الضعف) لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً (عليكم) فَأَصْبَحتُ (صرت) اليَوْم مَأمُوراً وَ كُنتُ أَمْسِ نَاهِياًً (عنكم) فَأَصْبَحْتُ اَلْيَوْمَ مَنْهِيّاً وَ قَدْ أَحْبَبْتُمُ اَلْبَقَاءَ (فى الدنيا بترك القتال) وَ لَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ (تبغضون من القتال في سبيل الله).

209 - و من كلام له علیه السَّلام بالبصرة وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي و هو من أصحابه يعوده، فلمّا رأى سعة داره قال:

مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هَذِهِ الدَّارِ فِي الدُّنْيَا وَ أَنْتَ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ وَ بَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ (أدركت، وصلت) بهَا الْآخِرَةَ تَقْري (إقر) فِيهَا اَلضَّيْفَ (و أكرمه) وَ تَصِلُ (صل) فِيهَا

ص: 272

الرَّحِمَ وَ تُطْلِعُ (أظهر) مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطالِعَهَا (مواضع ظهور تلك الحقوق فضعها مواضعها) فَإذا أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ فَقَالَ لَهُ الْعَلَاء يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْكُو إِلَيْكَ أخي عَاصِمَ بنَ زِيَادِ قَالَ علیه السَّلام وَ مَا لَهُ قَالَ (العلاء) لَبِسَ (أخى عاصم) العباءةَ وَ تَخَلَّى عَنِ الدُّنْيَا قَالَ عَلَي بِهِ فَلَمَّا جَاءَ (عاصم) قَالَ (أمير المؤمنين علیه السَّلام) يَا عُدَي نَفْسِهِ لَقَدِ اسْتَهَامَ (إستخفّ) بِكَ اَلْخَبِيثُ (إبليس) أمَا رَحمْتَ أهْلَكَ وَ وَلَدَك أ تَرَى اللَّهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبات (من الرزق) وَ هُوَ يكره (يبغض) أنْ تَأخُذَهَا أَنْتَ أَهْوَنُ (أذلّ، أحقر) عَلَى اَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ (الأمر من إحلاله لك الطيّبات ثم كراهته لأخذك بها) قَالَ (عاصم) يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ (لباسک) وَ جُشُوبَة (غلظة) مَأْكَلِكَ (أكلك) قَالَ وَيْحَكَ إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ (وجب، كتب) عَلَى أَئِمَّةِ اَلْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا (يقيسوا) أنفُسَهُمْ بِضَعَفَة (ضعفاء) النَّاسِ كَيْلا يَتَبَيغَ (يهيج للبغى) بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ (المؤدّى إلى البغي و الكفر).

210 - و من كلام له علیه السَّلام وقد سأله سائل عن أحاديث البدع و عمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر فقال علیه السَّلام:

إِنَّ في أيدي النَّاسِ (من الخبر) حَقّاً وَ بَاطِلاً، وَ صِدْقاً وَ كَذِباً، وَ نَاسِخاً وَ مَنْسُوخاً، وَ عَامّاً وَ خَاصّاً، وَ مُحْكَماً (صريحا) و متشابها و حفظاً وَ وَهْماً (غلط، خطأ) وَ لَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُول الله صلّى الله عليه و آله عَلَى عَهْدِه (زمانه) حَتَّى قَامَ خَطيباً فَقَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَي مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوا (يتهيّأ) مَقْعَدَهُ (مكان جلوسه) مِنَ النَّارِ وَ إِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ.

(القسم الأوّل من رجال الحديث) رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلاِِْيمَانِ (باللسان دون القلب) مُتَصَنِّعٌ (منتم، منتسب) بِالْإِسْلَامِ لاَيَتَأَثَّمُ (يخاف الإثم) وَ لاَ يَتَحَرَّجُ (يخشى الوقوع في الحرج و الجرم) يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبلُوا مِنْهُ وَ لَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ وَ لَكنْهُمْ قَالُوا (إنّه) صَاحِبٌ رَسُول الله صلّى الله عليه و آله رَآهُ وَ سَمِعَ مِنْهُ وَ لَقِفَ (أخذ، تناول) عَنْهُ فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ وَ قَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِمَا

ص: 273

أخبرك و وصَفَهُم بِمَا وَصَفَهُم بِهِ لَك (فى كتابه) ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ وَ (إلى) الدُّعَاةِ (الداعين) إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ (الكذب الباطل) وَ الْبُهْتَانِ (الإفتراء) فَوَلَّوهُمُ (جعل أئمّة الضلالة هولاء المنافقين المتقرّبين إليهم بالزور و البهتان ولاة على) الأعمال وَ جَعَلُوهُم حُكّاماً عَلَى رِقَابِ (أعناق) النَّاسِ فَأَكَلُوا أئمّة الضلالة) بِهِمُ (هولاء الرجال من القسم الأوّل) الدُّنْيَا وَ إنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوك و الدُّنْيا (فيتّبعون حديثهم) إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللهُ (برحمته) فَهَذَا (القسم) أَحَدُ الاْرْبَعَةِ.

وَ (القسم الثاني من رجال الحديث) رَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ شَيْئاً (من الحديث) لَمْ يَحْفَظُهُ عَلَى وَجْهِهِ (الصحيح) فَوَهِمَ (غلط، أخطأ) فِيهِ وَ لَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً (على رسول الله) فَهُوَ (ذلك الشيء من الحديث) فِي يَدَيْهِ، يَرْوِيهِ (للناس) وَ يَعْمَلُ بِهِ وَ يَقُولُ أَنَا سَمِعْتَهُ مِنْ الله صلّى الله عليه و آله فَلَوْ عَلمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ (ذلك السامع) أَنَّهُ كَذَلك (بأنّه غلط) لرَفَضَهُ (ترك ذلك الشيء من الحديث).

وَ رَجُلٌ ثَالثُ (من رجال الحديث) سَمعَ مِنْ رَسُول الله صلّى الله عليه و آله شَيْئاً (من الحديث) يَأْمُرُ (رسول الله) بِهِ (أوّلا) ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ (ثانيا) و هُوَ (السامع) لَا يَعْلَمُ (نهيه عنه ثانيا) أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَىُ عَنْ شَيْءٍ (أوّلا) ثُمَّ أَمَرَ بِهِ (ثانيا) وَ هُوَ لا يَعْلَمُ (أمره به ثانيا) فَحَفظ المَنْسُوخ (الّذى كان المراد لرسول الله أوّلا) وَ لَمْ يَحْفَظ الناسخ (الّذى كان المراد له ثانيا) فَلَوْ عَلمَ (ذلك السامع) أَنَّهُ (الخبر الّذي سمعه أوّلا) مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ (ترک المنسوخ) وَ لُو عَلمَ الْمُسْلِمُونَ إِذْ (حين) سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.

وَ آخَرُ رَابِعٌ (من رجال الحديث) لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اللهِ، وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ، مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ (عليهما) خَوْفاً منَ الله وَ تَعظيماً لرَسُول الله صلّى الله عليه و آله وَ لَمْ يَهِمْ (يغلط) بَلْ حَفظَ (ذلک القسم الرابع) مَا سَمِعَ عَلَى وَجهِه (الصحيح) فَجَاءَ بِه عَلَى مَا سَمِعَهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَ لَمْ يَنْقُصُ مِنْهُ فَهُوَ حَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ، وَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ (إجتنب) عَنْهُ وَ عَرَفَ الْخَاصَّ وَ الْعَامَّ وَ المُحْكَمَ و المُتَشَابِهَ فَوَضَعَ (جعل) كُلَّ شَيْء مَوضعَهُ (و هذا هو شأن أهل بيته

ص: 274

المعصومين) وَ قَدْ كَانَ يَكُونُ (يقع) منْ رَسُول الله صلّى الله عليه و آله الْكَلَامُ لَهُ وَ جْهَانِ فَكَلَامٌ خَاصٌ وَ كَلامٌ عَام فَيَسمَعهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَا عَنَى (قصد) اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَ لَا (يعرف) مَا عَنى رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ، وَ يُوَجِّهُهُ (يجعل ذلك الكلام في جهة) عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِمَعْنَاهُ وَ (يوجّهه على غير معرفة) مَا قُصِدَ بِهِ، وَ (على غير معرفة) مَا خَرَج (الكلام) من أجله و لَيسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُول الله صلّى الله عليه و آله مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَ يَسْتَفْهِمُهُ (يطلب الفهم منه) حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الْأَعْرَابي أَوْ الطَّارِىءُ (العارض من الناس السائل بغتة) فَيَسْأَلَهُ علیه السَّلام حَتَّى يَسْمَعُوا وَ كَانَ لاَ يَمُرُّ بِي مِنْ ذلِكَ (المسموع من رسول الله) شَيْء إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَ حَفِظْتُهُ (كما هو حقّه) فَهَذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلَافِهِمْ (فيما نقلوا عن رسول الله) وَ (فى) عِلَلِهِم في رِوَايَاتِهِمْ (المختلفة فخذوا العلم من موضعه و وعائه و ليس هو إلّا من نصبه الله تعالى للناس إماما و هاديا و هو الإمام أمير المؤمنين علىّ علیه السَّلام).

211 - و من خطبة له علیه السَّلام في عجيب صنعة الكون:

وَ كَانَ مِنِ اقْتِدَارِ (قدرة) جَبَروتِهِ (كثرة تجبّره) وَ (من) بَدِيعِ (إنشاء) لَطَائف صَنْعَته أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاء الْبَحْرِ الزَّاخِرِ (الممتلىء) الْمُتَرَاكِم (المجتمع) الْمُتَقَاصِفِ (المتزاحم) يَبَساً (جفافا) جامداً (و هو الأرض) ثُمَّ فَطَرَ (خلق، شقّ) مِنْهُ أَطْبَاقاً (طبقات) فَفَتَقَهَا (شقّها) سَبْعَ سَمَاوَاتِ بَعْدَ ارتناقها (إلتآمها) فَاسْتَمْسَكَتْ (إحتبست السماوات السبعة) بأمرِه وَ قَامَتْ عَلَى حَدِّهِ وَ أَرْسَى (أثبت) أَرْضاً يَحْمِلُهَا الْأَخْضَرَ (و هو البحر) المُثْعَنْجِرُ (المعظم من البحر) وَ (يحمل تلک الأرض) الْقَمْقَامُ (البحر) الْمُسَخَّرَ (فى يده تعالى) قَدْ ذَلَ لِأمْرِهِ وَ أَذْعَنَ (إعترف) لِهَيْبَتِهِ (مخافته) وَ وَقَفَ الْجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ وَ جَبَلَ (خلق) جَلاَمِيدَهَا (صخور الأرض الصلبة) و (جبل) نُشُوزَ (مرتفعات) مُتُونِهَا (جوانب تلك الجلاميد المشرفة أو مرتفعات ما ظهر من الجلاميد) وَ (نشوز) أَطْوَادِهَا (جبالها العظيمة) فَأرْسَاهَا أثبت تلك الأطواد) في مَرَاسِيهَا

ص: 275

(مواضع ثبوتها) وَ أَلْزَمَهَا قَرَارَاتِهَا (مواضع إستقرارها) فَمَضَتْ (ذهبت) رُءُوسُهَا فِي الْهَوَاء وَ رَسَتْ (ثبتت) أُصُولُهَا فِي الْمَاء فَأَنْهَدَ (ملأ) جِبَالَها (تلك الأصول) عَنْ سُهُولهَا وَ أَسَاخَ (أرسب الله، جعل) قَوَاعِدَهَا فِي متُونِ (صلابة ظهرها من) أَقْطَارِهَا (نواحى الجبال أو نواحى الأرض) وَ (في) مَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا (حدودها) فَأَشْهَقَ (جعل بعيدة الإرتفاع) قلَالَهَا وَ أَطَالَ أَنْشَازَهَا (مرتفعاتها أى قلالها) وَ جَعَلَهَا لِلاََْرْضِ عِمَاداً وَ أَرَّزَهَا (ثبّت الجبال) فيها (الأرض) أَوْتَاداً فَسَكَنَتْ (الأرض) عَلَى حَرَكَتهَا مِنْ أَنْ تَميدَ (تضطرب) بِأَهْلِهَا، أَوْ تَسِيخَ (تغوص الأرض في الهواء) بِحِمْلِهَا (المحمولين عليها) أَوْ (أن) تَزُولَ (الأرض) عَنْ مَوَاضِعهَا فَسُبحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا (حبس الأرض) بعَْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا وَ (سبحان من) أَجْمَدَهَا (جعلها جامدة) بَعْدَ رُطُوبَة أَكْنَافِهَا (نواحيها) فَجَعَلَهَا لخَلقه مهَاداً (فراشا، بساطا) وَ بَسَطَهَا لَهُمْ فراشاً فَوْقَ بَحْرٍ لُجِّيٍّ (عميق لا يدرك قعره) رَاكِدٍ (ساكن) لاَ يَجْرِي وَ (فوق بحر) قَائِم لَا يَسْرِي تكَرْكرُهُ (تذهب بذلک البحر و تعود به) الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ (شديدة الهبوب) وَ تَمْخُضُهُ (تأخذ زبد ذلك البحر) الْغَمَامُ (السحاب) الذَّوَارِفُ (السائلة كالدموع الذارفة) إِنَّ فِي ذلك لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى.

212 - و من خطبة له علیه السَّلام كان يستنهض بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام في زمانه:

اللَّهُمَّ أَيُّمَا عَبد مِنْ عِبَادِكَ سَمِعَ مَقَالَتَنَا الْعَادِلَة غَيْرَ الجائرة (الظالمة) وَ الْمُصْلحة (للدين و الدنیا) غَیرَ الْمُفْسَدَة فِي الدِّينِ وَ الدُّنْيَا فَأَبَى (كره ذلك السامع) بَعْدَ سَمْعِهِ لَهَا (تلك المقالة العادلة) إلَّا النَّكُوصَ (الرجوع إلى القهقرى) عَنْ نُصْرَتِكَ (بترك الإطاعة لنا) وَ (أبى بعد سمعه لها إلَّا) الْإِبطاء (و هو نقيض السرعة) عَنْ إِعْزَازِ دِينِكَ (بترك نصرتنا) فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُكَ (نطلب منك يا إلهنا الشهادة) عَلَيْهِ (الناکص المبطىء) يا أكْبَرَ الشَّاهِدِينَ شَهَادَةً (ضارة له) وَ نَستَشْهِدُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا أَسْكَنَتَهُ أَرْضَكَ وَ سَمَاوَاتِكَ ثُمَّ أنْتَ بَعْدَ (ذلك الإستشهاد) الْمُغْنِي عَنْ نَصْرِهِ (نصرة ذلك السامع الناكص المبطىء) وَ (أنت) الآخذُ لَهُ بِذَنْبِهِ (لمخالفته مقالتنا العادلة).

ص: 276

213 - و من خطبة له علیه السَّلام في تمجيد الله و تعظيمه

الْحَمْدُ للهِ الْعَلِي عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ (فلا شبيه له و لا نظير) الغَالِبِ لِمَقَالِ الْوَاصِفِينَ (فلا تصفه ألسنة الواصفين) الظّاهر (الغالب) بِعَجائب تَدْبِيره (في الخلق) لِلنَّاظِرِينَ وَ الْبَاطِنِ (من كلّ شيء) بِجَلَالِ (عظيم) عِزَّتِهِ (المانعة) عَنْ فِكْرِ الْمُتَوهّمِينَ الْعَالِمِ بِلَا اكْتِسابِ (من غيره) وَ لَا ازدياد (فى علمه) وَ لاَ عِلْمٍ مُسْتَفَادٍ (من غيره حيث إنّ علمه تعالى عين ذاته) الْمُقَدِّرِ لِجَمِيعِ الْأُمُورِ بِلَا رَوِيَّة (فكر، تامّل) وَ لَا ضَمِيرِ الَّذي لَا تَغْشَاهُ (ترهقه) الظُّلَمُ (الظلمات) وَ لَا يَسْتَضِيء (يطلب النور) بِالْأَنْوَارِ (المخلوقة من الشمس و القمر) وَ لَا يَرَهَقُهُ (يغشاه) لَيْلٌ وَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ نَهَارُ لَيْسَ إِدْرَاكَهُ بِالْإِبْصَارِ (فلا تنعقد معرفته تعالى بالرؤية) و لَا عِلْمُهُ بِالْإِخْبَارِ (من الغير بل العلم عين ذاته تعالى).

و منها في ذكر النبيّ صلّى الله عليه و آله: أَرْسَلَهُ بالضّياء و قَدَّمَهُ (على خلقه) في الاصطفاء (الإختيار) فَرَتَقَ (سد، رمّم) بِهِ الْمَفَاتِقَ (الشقاق بين (الأمة) وَ سَاوَرَ (واثب الله) بِهِ الْمُغَالِبَ (الّذى يغالب (الحقّ) وَ ذَلَّلَ به الصَّعُوبَة (غير الذلول فى الأخلاق) وَ سَهَّلَ به الحُزُونَة (الغلظة من الأخلاق) حَتَّى سَرَّحَ (أبعد الله (به) الضَّلاَلَ، عَنْ يَمِينٍ (و هو جانب الإفراط) وَ شِمَالٍ (و هو جانب التفريط فقام الطريق المستقيم).

214 - و من خطبة له علیه السَّلام يصف جوهر الرسول، و يصف العلماء، و يعظ بالتقوى:

وَ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ (بين عباده) وَ حَكَمٌ (فصل) فَصَلَ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ سیّدُ عِبَادِهِ كُلَّمَا نَسَخَ (نقل) اللهُ الْخَلْقَ (بالتناسل) فرقَتَينِ (طائفتين) جَعَلَهُ فِي خَيْرهما لَمْ يُسهِمْ (يشرك) فيه عَاهِرٌ (زان) وَ لَا ضَرَبَ (لم يشرك) فيه فَاجِرٌ (فاسق، منبعث في المعاصي) أَلَا وَ انّ الله سبحانَهُ قَدْ جَعَلَ لِلْخَير أهلا و للْحَقِّ دَعَائم (أركانا ) وَ لِلطَّاعَة عِصَماً (و هو ما يعتصم به من الزلل) وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلَّ طَاعَةِ (لله و لرسوله) عَوْناً (ظهيرا) منَ الله سُبْحَانَهُ يَقُولُ (ذلك العون) عَلَى الاْلْسِنَةِ (فلا تنطق إلّا بالعون من الله تعالى) وَ يُثْبِّتُ الْأَفْئِدَةَ

ص: 277

القلوب على الإيمان). فيه (ذلك العون) كفَاءٌ (كفاية) لِمُكْتَفٍ (طالب الكفاية) وَ (فيه) شِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ (لطالب الشفاء)

وَ اعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اللهِ الْمُسْتَحْفَظينَ (الّذين أودع الله فيهم) علمَهُ يَصُونُونَ (يحفظون) مَصُونَهُ (محفوظه و لا يقصرون في حفظه) و يُفَجِّرُونَ (من قلوبهم) عُيُونَهُ (لمن طلب العلم) يتوَاصَلُونَ بِالْوِلَايَةِ (الموالاة) وَيَتَلاَقَوْنَ بالْمَحَبَّةِ، وَ يَتَسَاقَوْنَ (يسقى بعضهم بعضا) بِكَأْسٍ رَوِيَّة (مزيلة للعطش) وَ يَصْدُرُونَ (ينصر فون عن عيونه) بِرِيَّةٍ (زوال العطش) لَا تَشُوبُهُم (تمزاجهم، تخلطهم) الرِّيبَةُ (الشكّ لخلوص ذلك العلم من كل شبهة) وَ لَا تُسْرِعُ فِيهِمُ الْغِيبَةُ. عَلَى ذَلكَ (الأمر من الخصال) عَقَدَ (وصل الله) خَلْقَهُمْ وَأ َخْلاقَهُمْ فَعَلَيْه يَتَحَابُونَ (يحبّ بعضهم بعضا) وَ بِهِ يَتَوَاصَلُونَ فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَدْر يُنتقَى (يختار ذلك البذر الفاضل على غيره و يصطفى) فَيُؤْخَذُ مِنه (بعض ذلك البذر لنقاوته) وَ يُلْقَى (يرمى منه شيء آخر و هو البذر الردىء) قَد مَيَّزَهُ (فصل ذلك البذر الفاضل) التَّخْلِيصُ الإختبار) وَ هَذَبَهُ (أخلص ذلك البذر) التَّمْحيصُ (الإبتلاء).

فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً (شرافة) بِقَبُولها (اللائق لها) وَ لَيَحْذَرُ (يخف) قَارِعَةً (ضاربة من شدائد الدهر) قَبلَ حُلُولِهَا (نزولها) وَ لَيَنْظُرِ (يتأمّل) امْرُؤٌ في قصير أيَّامِهِ (أيّامِهِ القصيرة) وَ قَليل مُقَامِهِ (إقامته القليلة) فِي مَنْزِلٍ (حقير من الدنيا) حَتَّى يَسْتَبْدِلَ (يسأل البدل) بِهِ (فى مقابل ذلك المنزل الحقير) منزلًا (كريما و ملكا عظيما) فَلْيَصْنَعْ (إمرؤ) لِمُتَحَوَّلِهِ (محلّ إنقلابه و هو الآخرة) و (ليصنع ل-) مَعَارِفِ (مواضع معروفة له بالوحى من) مُنْتَقَلِهِ (مكان إنتقاله) فَطُوبَى (طيّب زكي) لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ (من حبّ الدنيا) أطاعَ مَنْ يَهْديه (إلى الفلاح) وَ تَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ (يهلكه) وَ أَصَابَ (نال)، أدرك) سَبِيلَ السَّلاَمَةِ بِبَصَرِ- (ضياء عقل) مَنْ بَصَرَهُ (جعل له ضياء العقل) وَ (ب-) طَاعَة هَاد أَمَرَهُ و بَادَرَ (سارع) الْهُدَى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ، وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ وَ (طوبى لذى قلب سليم) اسْتَفْتَحَ (سأل فتح) التَّوْبَةَ (الرجوع ) وَ أَمَاطَ (أذهب أبعد) الحَوبَة (الإثم، الذنب) فَقَدْ أَقِيمَ (ذلك المرء المستفتح للتوبة المميط للحوبة) عَلَى الطَّرِيقِ وَ هُدِيَ

ص: 278

نَهْجَ (واضح) السَّبِيلِ.

215 - و من دعاء له علیه السَّلام كان يدعو به كثيرا:

الْحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يُصبِحْ بِي مَيِّتاً وَ لاَ سَقِيماً (مريضا) و لا مضروباً عَلَى عُروقي بسوء و لا مَاخُوذاً بِأَسْوَا عَمَلِي وَ لَا مَقْطَوعاً دَابِرِي (ظهرى و بقيتى من ولدى و نسبى) وَ لاَ مُرْتَدّاً (راجعا، منصرفا) عَنْ دِينِي وَ لَا مُنكِراً لِرَبِّي وَ لَا مُسْتَوحشاً مِنْ إِيمَانِي وَ لَا مُلْتَبِساً (واقعا في الشبهة) عَقْلِي وَ لَا مُعَذَّباً بِعَذَابِ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِي أصبحتُ عَبْداً مَمْلُوكاً ظَالِماً لِنَفْسِي- لَكَ الْحُجَّةُ عَلَيَّ وَ لاَ حُجَّةَ لِي وَ لا أَسْتَطيعُ (أقدر) أَنْ آخُذَ (منك ما لم تجعله رزقا لى) إِلَّا مَا أَعْطَيْتَنِي وَ لَا (أستطيع أن) أتَّقِيَ إِلَّا مَا وَقَيْتَنِي (منه من الضلالة و حوادث الدهر) اللَّهُم إِنِّي أعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَقِرَ فِي غِنَاكَ، أَوْ أَضِلَّ فِي هُدَاكَ، أَوْ أُضَامَ (أظلم) فِي سُلْطَانِكَ (قهرك و غلبتك) أو أَضْطَهَدَ (أظلم، أقهر) وَ الْأَمْرُ (كلّه) لَكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَفْسِي أَوّلَ كَرِيمَة (من جوارحي) تَنتَزِعُهَا (تسلبها، تنزعها) مِنْ كَرَائِمي (أعضائى الشريفة) وَ أوّل وَدِيعَة تَرْتَجِعُهَا (تردها) مِنْ وَ دَائِع نِعَمِكَ عِنْدِ اللَّهُم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَذْهَبَ (نزول) عَنْ قَوْلِكَ أَوْ أَنْ نُفْتَتَنَ (نضلّ) ععَنْ دِينِكَ، أَوْ تَتَابَعَ (تأتينا واحدا بعد الواحد) بِنَا أَهْوَاؤُنَا (الآمرة بالسوء) دُونَ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ (متتابعا)

216 - و من خطبة له علیه السَّلام خطبها بصفين:

أَما بَعدُ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ سبحانَهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقَّاً بولَايَة أَمْرِكُمْ (و هذا و هو أعظم الحقوق حقّ الرئاسة و الولاية على أمور الأمة) وَ (جعل) لَكُمْ عَلَي منَ الْحَقِّ مِثْلَ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ فَالْحَقُ أَوْسَعُ الاْشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ (حيث هو الحسن عقلا) و أَضْيَقهَا فِي التَّناصُفِ (العمل بالإنصاف من الوالى و الرعيّة حيث هو غير ملائم للنفس) لاَ يَجْرِي (الحقّ) لاِحَدٍ (يوما) إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ (يوما آخر) وَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ (لأنّ الحقّ و التكليف توأمان) وَ لَوْ كَانَ لأَحَد أَنْ

ص: 279

يجْرِيَ (الحقّ) لَهُ وَ لَا يَجري عَلَيْه (أبدا) لَكَانَ ذَلك (الجريان من الحقّ له لا عليه) خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ (فلا يقدر أحد أن يجرى الحقّ على الله) وَ لعَدْلِهِ في كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ (أنواع) قَضَائِهِ (حكمه، فلا يظلم أحدا حتّى يستحقّ أن يجرى الحقّ عليه) وَ لَکِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أنْ يُطيعُوهُ (بإطاعة أوليائه) وَ جَعَلَ جزاءَهُمْ (ثواب العباد المطيعين) عَلَيْهِ مُضَاعَفَة الثَّوَابِ تَفَضّلا (تطوّلا) مِنْهُ وَ تَوسَّعاً (تفسحا) (لا إستحقاقا منهم) بِما هُو (تعالى) منَ الْمَزِيد (الزيادة) أهْلُهُ (فهو تعالى أهل المزيد للثواب و منه يفهم أنّ الجزاء يتوقف على الطاعة لا العبادة خاصّة بل العبادة لا تتحقّق إلّا بالطاعة للأولياء عليهم السلام).

جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقه (الواجبة) حقوقاً افْتَرَضَهَا (وجب تلك الحقوق) لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَی بَعْضٍ (آخر منهم) فَجَعَلَهَا تَتَكَافَاً (تتساوى الحقوق بين عباده) فِی وُجُوهِهَا وَ یُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ لاَ یُسْتَوْجَبُ (يجب) بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ (من تلك الحقوق) وَ أَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تلْكَ الْحُقُوقِ (المتقابلة بين الطرفين) حَقَّ الْوَالِي عَلَی الرَّعِیَّهِ وَ حَقُّ الرَّعِیَّهِ عَلَى الْوَالِي (و تلك الحقوق) فَريضَةٌ (مفروضة مكتوبة) فَرضَهَا اللهُ سُبحَانَهُ لكُلَّ (من الوالى و الرعية) عَلَى كُلِّ (منهما) فَجَعَلَهَا نظاماً (تأليفا، إنتظاما) لِأُلْفَتِهِمْ (تجمّعهم بعد الفرقة) وَ (جعلها) عِزّاً (قوة) لدينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرعية إِلَّا بِصَلَاح الولاة وَ لَا تَصْلِحُ الولاة الاَّ بِاسْتِقَامَهِ الرَّعِیَّهِ فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ (من الإستقامة فى طاعته) وَ أَدَّی الْوَالِی إِلَیْهَا حَقَّهَا عَزَّ (قوى) الْحق بينَهُم وَ قَامَتْ مَنَاهِجُ (طرق) الدِّينِ (الواضحة) وَ اعْتَدَلَتْ (استقامت) معَالِمُ (علامات) الْعَدْلِ و جَرَتْ عَلَى أذْلالِهَا (أوساط تلك المعالم) السنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ (الأداء من كلّ منهما) الزَّمَانُ (و إذا صلح الزمان صلح أهله) وَ طُمِعَ فِی بَقَاءِ الدَّوْلَهِ وَ یَئِسَتْ (قنطت) مطامعُ الْأَعْدَاء وَ إِذَا غَلَبَتِ الرَّعِیَّهُ وَ الِیَهَا أَوْ أَجْحَفَ (ظلم) الْوَالِی بِرَعِیَّتِهِ اخْتَلَفَتْ هُنَالِکَ الْکَلِمَهُ (الألفة و الوحدة) و ظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ (الظلم) وَ كَثْرَ الْإِدْغَالُ (الإفساد) في الدِّينِ وَ تُركَتْ مَحَاجُّ (طرق عادلة مستقيمة غير جائرة في) السِّنَن فَعُملَ (في الدين)

ص: 280

بِالْهَوَی وَ عُطِّلَتِ الْأَحْکَامُ وَ کَثُرَتْ عِلَلُ (أمراض) النُّفُوسِ فَلاَ یُسْتَوْحَشُ لِعَظِیمِ حَقٍّ (من تلک الحقوق) عُطّلَ وَ لَا (يستوحش أحد) لِعَظِیمِ بَاطِلٍ فُعِلَ (عمل به في الدين) فَهُنَالِكَ (عند تعطيل الحقّ العظيم و العمل بالباطل) تَذلُّ الْأَبْرَارُ و تَعزَّ الْأَشْرَارُ وَ (هنالک) تَعْظُمُ تَبِعَاتُ (عقوبات) الله سُبْحَانَهُ عنْدَ الْعِبَادِ. فَعَلَيْكُمْ بِالتَّناصُح (بينكم) فِی ذَلِکَ (الأداء للحقّ) وَ حُسنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ وَ إِن اشْتَدَّ عَلَى رِضَا الله حرصُهُ وَ (إن) طَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ (سعيه) بِبَالِغ (واصل) حقيقَة مَا اللَّهُ سُبحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَة لَهُ وَ لَكِنْ مِنْ وَاجِبٍ حُقُوقِ الله ععَلَی عِبَادِهِ النَّصِیحَهُ (إرادة الخير للناس) بِمَبْلَغِ (نهاية) جُهْدِهِمْ (سعيهم) وَ (من واجب حقوقه تعالى على عباده) التَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ بَينَهُم وَ لَيسَ امْرُؤٌ وَ إِنْ عَظَمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ وَ (إن تَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضيلَتُهُ بِفَوْقِ (أعلى) أنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَلَهُ اللَّهُ (على ظهره) منْ حَقَّهُ وَ لاَ امْرُؤٌ وَ إِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ وَ اقْتَحَمَتْهُ (حقّرته) الْعُيُونُ بِدُونِ (حقیر، خسيس من) أنْ يُعينَ (غيره) عَلَی ذَلِکَ (الحقّ الّذى حمّله الله على عباده) أَوْ (بدون من أن) يُعَانَ عَلَيْه.

فَأَجَابَهُ علیه السَّلام رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابه بِكَلام طَوِیلٍ یُکْثِرُ فِیهِ الثَّنَاءَ عَلَیْهِ وَ يَذْكُر سَمْعَهُ وَ طَاعَتَهُ لَهُ، فَقَالَ علیه السَّلام

إِنَّ مِنْ حَق مَنْ عَظُمَ جَلالُ الله سبحانَهُ في نَفْسه وَ جَلَّ (عظم) مَوْضِعُهُ (موقعه تعالى) من قَلْبِه أَنْ يَصْغُرَ (يحقر) عِنْدَهُ لِعِظَمِ ذَلِکَ (الموقع العظيم لله فى قلبه) کُلُّ مَا سِوَاهُ (تعالى) و إِنَّ أَحَقّ مَنْ كَانَ كَذلكَ (بأن يصغر عنده كلّ ما سوى الله تعالى) لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ الله عَلَيْهِ وَ لَطَفَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظمُ نِعْمَةُ الله عَلَى أَحَد إِلَّا ازْدَادَ حَقٌّ الله عَلَيْه عِظماً وَ إِنَّ مِنْ أَسْخَفِ (أعظم حماقة) حَالَاتِ الوُلاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظنِّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ (بأن يحبوا المدح بالخصال) وَ (أن) يُوضَعَ (يجعل) أمرُهُمْ عَلَى الكبْرِ وَ قَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ (طاف) فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أَحِبُّ الْإِطراء (المدح و الثناء) وَ (أحبّ) اسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ وَ لَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كذلك (بأن أحبّ الإطراء و إستماعه) وَ لَوْ كُنْتُ أَحبُّ أنْ يُقَالَ ذَلِكَ (الإطراء و الثناء) لَتَرَكْتُهُ

ص: 281

انحطاطاً (تواضعا) لله سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ (أخذ) مَا هُوَ (تعالى) أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَ الْکِبْرِیَاءِ وَ رُبَّمَا اسْتَحْلَی النَّاسُ (طلبوا حلاوة) الثَّنَاءِ بَعْدَ الْبَلاء (إجهاد النفس في إحسان العمل) فَلَا تُثنُوا عَلَي بِجَميلِ ثَنَاء لإخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى الله سبحانَهُ وَ إِلَيْكُمْ مِنَ التَّقية (الخوف أو لازمه و هو العقاب) في حُقُوقِ (لكم على) لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَ (في) فَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إمْضَائِهَا (إنفاذها) فَلا تُكَلِّمُونِي بِما تُكلّم بِهِ الجَبَابِرَةُ (من الثناء) و لَا تَتَحَفَّظُوا (تتحرّزوا خوفا) منّي بِمَا يُتَحفّظُ (يتحرّز) بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَهِ (الغضب من الثناء الكثير لإرضائهم) وَ لَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ (المداراة) وَ لَا تَظُنُّوا فِي اسْتِثْقَالًا (طالبا للثقل) في حَقٌّ قِيلَ لِي (في ذلك الحقّ لآخذه من القوىّ) وَ لَا (تظنّوا بى) التمَاسَ (طلب) إعظامِ لنَفْسِي - (بحبّ الإطراء) فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَنْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ (بأن يجرى عليه) فَلَا تكْفُّوا (تمتنعوا) عَنْ مَقَالَة بِحَقَّ أَو مَشُورَة بِعَدْلِ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي- بِفَوْقِ أَنْ أَخْطَیء وَ لَا آمَنُ ذَلِكَ (الخطأ) مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِي اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ (تعالى) أَمْلَكُ بِه مِنِّی (و هو حفظ جوارحى عن الخطأ و قد فعل الله ذلك و کفی و هذا هو العصمة) فَإِنَّمَا أَنَا وَ أنْتُم عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لَرَبِّ (عادل) لاَ رَبَّ غَیْرُهُ یَمْلِکُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِکُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَ أَخْرَجَنَا ممّا كُنَّا فيه (من الضعف و الخطأ و الضلالة) إلَى مَا صَلَحنَا عَلَيه (من الهدى و البصيرة) فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَة بِالْهُدَى وَ أَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى.

217 - و من كلام له علیه السَّلام في التظلّم و التشكّي من قريش:

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ (أستعينك) عَلَى قُرَيْشِ (الّذين غصبوا تراث رسول الله من الخلافة) وَ مَنْ أَعَانَهُمْ (من بنى تيم و بنى مرة) فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ أَكْفَئُوا (قلّبوا) إِنَائي وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي (إختلافى) حقّاً كُنْتُ أوّلى به مِنْ غَيري (و هو حقّ الولاية) و قَالُوا (بغيا و ظلما) ألا إنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأخُذَهُ وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تُمنعه (و هذا أعظم دليل عليهم لا لهم لأنّ الحقّ لا

ص: 282

يترك منه شيء بل يؤخذ كلّه) فَاصْبِر (على المنح من حقّك) مَغُموماً أو مُتْ مُتأسفاً (محزونا) فَنَظَرْتُ (تأمّلت) فَإِذَا لَیْسَ لِی رَافِدٌ (معين) وَ لَا ذَابَ (مدافع) وَ لَا مُسَاعِدٌ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِي فَضَنَنْتُ (بخلت) بِهِمْ عَنِ الْمَنِيّة (الموت) فَأَغْضَيْتُ (صبرت) عَلَى القَذَى وَ جَرِعْتُ (شربت جرعة) رِيقي عَلَى الشَّجَا وَ صَبَرتُ منْ كَظم (حبس) الغَيظ (الغضب في مخرج النَفَس) عَلَى (أشدّ مرّا) مِنَ الْعَلَقَمِ وَ آلَمَ (أشدّ ألما) لِلْقَلْبِ مِنْ حَزِّ (قطع) الشَّفَارِ (حدّة السيوف).

قال الشريف رضي الله عنه : و قد مضى هذا الكلام في أثناء خطبة متقدمة إلا أني ذكرته هاهنا لاختلاف الروايتين.

218 - و من كلام له علیه السَّلام في ذكر السائرين إلى البصرة لحربه علیه السَّلام:

فَقَدموا (وردوا) عَلَى عُمّالي (بالبصرة) وَ خَزانِ بَيْتِ المُسلمينَ الَّذِي فِي يَدَيَّ وَ (وردوا) عَلَى أَهْلِ مِصْر (مدينة بصرة) کُلُّهُمْ فِی طَاعَتِی وَ عَلَی بَیْعَتِی؛ فَشَتَّتُوا (فرقوا) كَلِمَتَهُمْ (جماعتهم) وَ أفْسَدُوا عَلَیَّ جَمَاعَتَهُمْ، وَ وَ ثَبُوا (هجموا فجأة) عَلَی شِیعَتِی فَقَتَلُوا طَائِفَةً مِنْهُمْ غَدْراً (حيلة) وَ طَائِفَةٌ عَضُوا عَلَى أَسْيَافِهِمْ (أى أخذوها بقوّة و شدّة) فَضَارَبُوا بِهَا حَتَّى لَقُوا اللَّهَ صَادِقِينَ.

219 - و من كلام له علیه السَّلام لما مرّ بطلحة بن عبد الله و عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد و هما قتيلان يوم الجمل:

لَقَدْ أَصْبَحَ (صار) أبو مُحَمَّد (طلحة) بِهَذَا الْمَكَانِ (البصرة) غَرِيباً (بعيدا عن الوطن) أما و الله لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قَريش قَتْلى (مقتولين) تَحْتَ بُطُونِ الْکَوَاکِبِ (النجوم،بروق السيوف و الأول أصرح) أَدْرَكْتُ وَ تْرِي (ثأرى) مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ (كطلحة و الزبير) وَ أَفْلَتَتْنِی (خلصت من سيفى فجأة) أعْيانُ (سادات، عظماء) بَنِي جُمحَ لَقَدْ أَتْلُعُوا (رفعوا) أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أمر (و هو طلب دم عثمان أو الخلافة) لَمْ يَكُونُوا أَهْلَهُ فَوقصُوا (إنكسرت أعناقهم) دُونَهُ

ص: 283

(عند طلب الدم أو الخلافة و هزموا)

220 - و من كلام له علیه السَّلام في وصف السالك الطريق إلى الله سبحانه:

قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ (بالموعظة) وَ أَمَاتَ نَفْسَهُ (بالزهادة) حَتَّى دَقَّ (لطف) جَلِیلُهُ (عظيمه من الأخلاق المستصعبة) وَ لَطَّفَ غَليظُهُ (من الأخلاق السيّئة) وَ بَرَق (لمع) لَهُ لَامع (بارق) كَثِيرُ الْبَرْقِ فَأَبَانَ (أظهر ذلك البرق) لَهُ الطَّرِيقَ (إلى الله تعالى) وَ سَلَكَ بِه السَّبِيلَ وَ تَدَافَعَتْهُ الْأَبْوَابُ إِلَى بَابِ السَّلَامَةِ وَ دَارِ الْإِقَامَةِ (عند ملیک مقتدر) و ثَبَتَتْ رِجْلَاهُ بِطَمَانِينَة (سكون) بَدَنه فِی قَرَارِ الْأَمْنِ وَ الرَّاحَهِ، بِمَا اسْتَعْمَل (إستعمال) قَلْبَهُ وَ أَرْضَى (إرضاء) رَبِّهُ.

221 - و من كلام له علیه السَّلام قاله بعد تلاوته: الهاكُمُ التَّكَاثُر حَتَّى زُرتُمُ الْمَقَابِرَ:

يَا لَهُ (أتعجّب من التكاثر، يا للتكاثر) مراماً (مقصدا مطلوبا) ما أَبْعَدَهُ وَ زَوْراً (زائرين) ما أَغْفَلَهُ (حيث لا يعتبرون بمواضع العبرة و هى القبور) و خَطَراً (أمرا عظيما) مَا أَفْظَعَهُ (أشدّه) لَقَدِ اسْتَخْلَوا (وجد الزائرون لقبور آبائهم الخلوّ) مِنْهُمْ أَی (نوع من) مُدَّكِرٍ (إعتبار، إذكار أى لم يعتبروا بمصارع الآباء و الأمّهات و إنقلبوا من عندهم خالين عن الإعتبار) وَ تَنَاوَشُوهُم (نالوهم بالمفاخرة) مِنْ مَكَانٍ بَعِيد أفَبِمَصَارِعِ (مواضع هلاک) آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِيدِ الهَلَكى يتكَاثُرُونَ (يطلبون الغلبة بالكثرة) يُرْتَجِعُونَ (يطلبون الرجعة) منْهُم أجساداً خَوَتْ (خلت من الأرواح) و حَرَكَات سَكَنَتْ وَ لأَنْ يَكُونُوا عبراً أحَقُّ من أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً (إفتخارا، موضع فخر) وَ لَأَنْ يَهْبِطُوا (يضعوا يسقطوا من التفاخر) بهم (من رؤية مصارعهم) جَنَابَ ذِلَّهٍ، أَحْجَی (أولى بالعقل) منْ أنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةِ (تفاخر) لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوة (ضعيف البصر) وَ ضَرَبُوا (مضوا، سلكوا ذهبوا) مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ (شدّة) جَهَالَةِ وَ لَوِ اسْتَنْطقُوا (طلبوا النطق) عَنْهُمْ (من) عَرضَاتِ (متسعات، منفسحات) تِلْكَ الدِّيَارِ الخَاوِيَة (المنهدمة الساقط بنائها) وَ الرُّبُوع (المساكن) الْخَالِیَهِ (عن أجسادهم) لَقَالَتْ (تلک الدیار و الربوع) ذَهَبُوا فِي الْأَرْضِ ضُلَالًا (ضالّين) وَ ذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهالًا (جاهلين) تَطَئُونَ

ص: 284

(تضعون أقدامكم) في هَامِهِمْ (أعلى رئوسهم) و تَستَنبِتُونَ (تطلبون النبات و الزرع) في أَجْسَادهمْ وَ تَرْتَعُونَ (تتنعّمون) فيمَا لَفَظوا (تركوا) وَ تَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا وَ إِنّمَا الْأَيامُ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ بَوَاکٍ (باكيات) و نَوَائح (صائحات) عَليكُمْ (بالويل و الثبور لذهابكم في أعقابهم ضلّالا جهّالا) أُولَئِكُمْ سَلَفٌ (سابقون إلى) غَايَتِكُمْ (و هى القيامة فقد سبقوا إليها) وَ فُراط (سابقون، متقدّمون إلى) مَنَاهِلِكُمْ (مواضع شربكم) الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزْ وَ حَلَبَاتُ (جماعات من خيول) الْفَخْرِ ملوكاً (مالكين) وَ سُوَقاً (مسوقين لملوك، رعايا) سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرزَحَ سَبِيلًا سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَیْهِمْ فيه فَأَكَلَتْ (الأرض) مِنْ لُحُومِهِمْ وَ شَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا (صاروا) في فجوات (متّسعات) قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا یَنْمُونَ وَ (صاروا) ضِمَاراً (مضمرين مختفين في غيوب البرزخ) لا يُوجَدُونَ لا يُفَزِعُهُمْ (يخوّفهم) وُرُودُ الْأَهْوَالِ (المخوفات) وَ لَا يَحْزُنُهُم تَنكَّرُ الأحوال (الأحوال المتنكّرة غير الملائمة لطباعهم) وَ لَا يَحْفلُونَ (يبالون) بِالرَّوَاجِفِ (الزلازل الموجدة للإضطراب) وَ لَا يَأذَنُونَ (يستمعون) لِلْقَوَاصِفِ (الأصوات الشديدة) غُيبّاً (غائبين) لَا يُنتَظَرُونَ (للرجعة إلى الدنيا) وَ شُهُوداً (شاهدين) لّا يحضُرُونَ (المجالس) وَ إِنَّمَا كَانُوا جميعاً فَتَشَتَّتُوا (تفرّقوا) وَ آلافاً (مؤتلفين) فَافْتَرَقُوا وَ مَا (ليس) عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَ لَا (عن) بعدِ محلّهِمْ عَمِيتْ (محت) أَخْبَارُهُمْ وَ صَمَّتْ (خرست) دِیَارُهُمْ وَ لکِنَّهُمْ سُقُوا کَأْساً بَدَّلَتْهُمْ (تلک الكأس) بِالنُّطْقِ خَرَساً وَ (بدلتهم تلك الكأس) بالسمع صَمَماً و بِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً فَكَأَنَّهُمْ فِی ارْتِجَالِ الصِّفَهِ (الصفة المرتجلة، التوصيف لهم بلا تأمّل) صَرْعَی (مصر-وعو) سُبَاتِ (نوم) جيران لا يتأنَّسُونَ وَ أَحَباءُ لَا يَتَزَاوَرُونَ بَلَيَتْ (فنیت ، خلقت، رثت) بَیْنَهُمْ عُرَا (حبال) التَّعَارُفِ و انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاء (الأخوّة) فَكُلْهُمْ وَحيدٌ (حيث يشتغلون بأعمالهم لكلّ إمرئ منهم شأن يغنيه) وَ هُمْ جَمِيعٌ (في البرزخ) وَ بِجَانِبِ الْهَجْرِ (إنفصال، تباعد) و هُمْ أخلاءُ (أحبّاء) لَا يَتَعَارَفُونَ لِليْلِ صَبَاحاً وَلَا لنَهَارِ مَسَاءً أَیُّ الْجَدِیدَیْنِ (من الليل أو النهار) ظَعَنُوا (ذهبوا إلى الآخرة) فيه كَانَ (صار ذلك الجديد لهم) عَلَیْهِمْ سَرْمَداً (باقيا، أبديّا) شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ (مهمّات الأمور فى) دَارِهِمْ أَفْظَعَ

ص: 285

(أشدّ) مِمَّا خَافُوا (منه فى الدنيا) و رأوا مِنْ آیاتِهَا أَعْظَمَ ممَّا قَدَّرُوا (بعقولهم) فَكِلْنَا الْغَايَتَينِ (من الجنّة أو النار) مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَة (مستقرّ و هو القيامة) فَاتَتْ (تلك المباءة في قلوبهم) مَبَالِغَ (غایات) الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا (يتكلّمون لتوصيف دارهم بما فيها من الأهوال) لَعَیُّوا (عجزوا) بصفَة (توصيف) مَا شَاهَدُوا (فى دارهم) وَ مَا عَايَنُوا وَ لَئِنْ عَمِيَتْ (إندرست فنيت محت) آثَارُهُمْ، وَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ العِبر و عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ وَ تَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جَهَات النُّطْقِ فَقَالُوا (من غير نطق) كَلَحَت (تكشّرت بالعبوس) الْوُجُوهُ النَّوَاضِر (الحسنة الباسمة) وَ خَوَتِ (تهدّمت) الأجسامُ النَّوَاعِمُ (المستغرقة فى النعمة) و لَبِسْنَا أَهْدَامَ البِلَى (الأثواب البالية أو المرقّعة) وَ تَكَاءَ دَنَا (شقّ علينا) ضيقُ الْمَضْجَع (القبر) وَ تَوَارَثَنَا الْوَحْشَهُ وَ تَهَكَّمَتْ (تهدّمت) عَلَیْنَا الرُّبُوعُ (المساكن) الصّمُوتُ (الساكتة) فَانْمحَتْ مَحَاسِنُ أجْسَادَنَا (فيها) و تَنكَّرت (صارت نكرة) مَعَارِفُ (مواضع معرفتنا في) صُوَرِنَا وَ طالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتْنا وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجا وَ لَامِنْ ضِیقٍ مُتَّسَعاً (موضع الوسعة من الضيق) فَلَوْ مَثَلتَهُم بِعَقْلك أو کُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ (الغطاء المضروب دونهم بالموت) لَكَ وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ (أخذت بالنقصان) أَسْمَاعُهُم بِالْهَوَام (الديدان) فَاسْتَکَّتْ (صمّت) وَ اكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بالتُّراب فَخَسَفَتْ (فقأت إنخفضت) وَ تَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَهُ فِی أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلَاقَتِهَا (حدّتها فى النطق) وَ هَمَدَتِ (سكن لهيب) القُلُوب في صُدُورِهم بعدَ يَقَظَتِهَا وَ عَاثَ (أفسد) في كُلّ جَارِحَة منهُم جَديدُ بِلّى (فناء و فساد جدید) سَمَّجَهَا (قبح ذلك الجديد من البلى جارحة من جوارحهم) وَ سَهَّلَ (ذلك البلى) طُرُقَ الْآفَهِ إِلَیْهَا (و تلك الجوارح) مُسْتَسْلِمَاتِ (للبلى) فَلا أَيْد (لهم) تَدْفَعُ (البلى) وَ لَا قُلُوبٌ تَجزَعُ (بالبكاء) لَرَأَيْتَ (أيّها المتصوّر لهم أنّهم) أَشْجَانَ (هموم) قُلُوبٍ وَ أَقْذَاءَ (أشياء ساقطة في) عُيونِ لَهُمْ فِي كُلِّ فَطَاعَة (شدّة) صفَةً حَالِ لَا تَنتقل (إلى حسن حال) وَ (لهم) غَمْرَةٌ (شدّة) لا تَنْجَلِي (تنكشف) فَكَمْ أَكَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِیزِ جَسَدٍ، وَ أَنِیقِ (حسن) لَونِ كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِیَّ (مغذىّ) تَرَفٍ (نعيم كثير) وَ رَبِيب (مربوب) شَرَفٍ یَتَعَلَّلُ (يتشاغل) بِالسُّرُورِ (مع (الإتراف)

ص: 286

فِي سَاعَة حُزْنِه وَ يَفْزَعُ (يلجأ) إلَى السَّلْوَة (إنصراف النفس عن الألم بتخيّل اللذّة) إنْ مُصيبَةً نَزَلَتْ بِهِ ضَناً (بخلا) بِغَضَارَة (طيب) عَیْشِهِ وَ شَحَاحَةَ (بخلا) بِلَهُوه وَ لَعبِهِ (بالحياة الدنيا) فَبينا هُوَ يَضْحَكَ إِلَى الدُّنْيَا وَ تَضْحَكُ (الدنيا) إِلَيْهِ فِي ظلّ عَيْشِ غَفُولٍ إِذْ وَ طِئَ (أصاب) الدَّهْرَ بِهِ حَسَكَهُ (شوكه) وَ نَقَضَت الأيامُ قُوَاهُ و نَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ الموتات) مِنْ کَثَبٍ (قرب) فَخَالَطَهُ بَثٌّ (حزن) لَا يَعْرِفُهُ وَ نَجِي (مناجى) هَمْ مَا كَانَ (لم يكن) يَجِدُهُ وَ تَوَلَدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ (ضعف القوى لولوج) علَل (أسقام) آنَسَ (أى فى حال شدّة أنسه ب) مَا كَانَ (كونِه) بِصِحَّتِهِ (مع صحّته من الأسقام) فَفَزِعَ (لجأ) إلَى مَا كَانَ عَوْدَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْکِینِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ (البارد) وَ (من) تَحْرِيك الْبَارِدِ بِالْحَارِّ، فَلَمْ يُطفئ (يُرد المريض الإطفاء) بِبَارِدِ إِلَّا ثَور (هيّج) حَرَارَةً وَ لَا حَرَكَ (لم يرد (للتحريك) بِحَارٌ إِلَّا هَيّجَ (الحارّ) بُرُودَةً وَ لَا اعْتَدَلَ (لم يرد إعتدال المزاج) بِمَمَازِج (يمزج) لِتِلْکَ الطبائع إِلَّا أَمَدَّ (أعان، ساعد ذلك الممازج) مِنْهَا (للطبائع) کُلَّ (طبيعة) ذَاتِ دَاءٍ حَتَّى فَتَرَ (فشل) مُعَلَّلهُ (مسلّيه عن مرضه بترجية الشفاء له) وَ ذَهَلَ (بهت ،نسی، دهش) مُمَرِّضُهُ (خادمه فى مرضه) وَ تَعَایَا (إشترك فى العجز) أهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ وَ خَرِسُوا (صمّوا) عَنْ جَوَابِ السَّائِلِينَ عَنْهُ وَ تَنَازَعُوا (إختلفوا) دُونَهُ (عنده) شَجِيّ خَبَرٍ (و هو خبر موجد للحزن) يَكْتُمُونَهُ فَقَائلٌ يَقُولُ هُوَ لمّا بِهِ (من المرض فلا يشفى) وَ مُمَنَّ (مخيّل الأمنيّة) لَهُمْ إِيَابَ (رجوع) عَافيَتِهِ و مُصَبِّرٌ لَهُم عَلَى فَقْده يُذَكِّرُهُمْ أَسَى (و هي جمع الأسوة) الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ فَبَيْنَا هُوَ (المريض) کَذلِکَ (الحال كما وصف) عَلَى جَنَاحَ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا وَ تَرْكِ الْأَحبَّةِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ (دقائق) فِطْنَتِهِ وَ يَبِسَتْ رُطُوبَهُ لسانه فَكَمْ مِنْ مُهِم مِنْ جوابه عَرَفَهُ فَعَي (عجز ذلك المريض المحتضر) عَنْ رَبِّهِ وَ (كم من) دُعَاءٍ (نداء) مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ (تتغافل عن السمع) عَنهُ (ذلك الدعاء أو قائله) من كَبِيرٍ كَانَ يُعَظْمُهُ أَو صَغِيرِ كَانَ يَرحَمُهُ وَ إِنَّ لِلْمَوتِ لَغَمَرَاتِ (شدائد) هِیَ أَفْظَعُ (أشدّ) منْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ (تضبط، تحاط تلك الشدائد) بِصِفَهٍ أَوْ تَعْتَدِلَ (تستقيم) عَلَى عُقُول أَهْلِ الدُّنْيا (لإدراكها).

ص: 287

222 - و من كلام له علیه السَّلام قاله عند تلاوته : يُسبحُ لَهُ فيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصَالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لا بَيعَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ:

إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی جَعَلَ الذِّکْرَ (له) جَلاءً (طهارة، تزكية) لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ (القلوب) بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ (الثقل فى السمع) وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ (الضعف في البصر-) وَ تَنْقَادُ (تطيع) بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ (العناد، الخصومة) وَ مَا بَرِحَ (لم يزل) لِلَّهِ عَزَّتْ آلاؤُهُ (نعمائه) فِی الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ وَ فِی أَزْمَانِ الْفَتَرَات (الفترة هى زمان بين الرسولين و إلّا فلا تخلو الأرض من حجّة لله فيها و هم) عِبَادٌ (له تعالى) نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ (المجلو بالذكر) وَ كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ (من غير جهة و صوت) فَاسْتَصْبَحُوا (طلبوا الصباح و الضوء) بِنُورِ یَقَظَةٍ فِی الْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ وَ الْأَفْئِدَة يُذَكَّرُونَ (الناس) بِأَیَّامِ اللَّهِ وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَة الْأَدِلَّةِ فِی الْفَلَوَاتِ (المفازات، القفار الّتى لا يهتدى فيها أحد) مَنْ أَخَذَ (من الناس) الْقَصْدَ (الصراط المستقيم من غير إفراط و تفريط) حَمِدُوا (مدحوا) إِلَيْه طَرِيقَهُ وَ بَشِّرُوهُ بِالنَّجاة (من سوء آثار الإفراط و التفريط) وَ مَنْ أَخَذَ يَمِيناً (إلى جانب الإفراط) وَ شِمَالًا (إلى جانب التفريط) ذَمُوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ (المائل عن الحقِّ) وَ حَذَّرُوهُ (خوّفوه) مِنَ الْهَلَكَة (فى الوقوع في الجانبين) وَ كَانُوا (صاروا) کَذَلِکَ (بما بشروا و حذّروا عباده) مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ (فى أزمان الفترات) وَ (صاروا) أَدِلَّةَ تِلْکَ الشُّبُهَاتِ (من الميل إلى الجانبين) وَ إنَّ للذِّكْر لَأَهْلاً أخَذُوهُ منَ الدُّنْيَا بَدَلًا (عمّا فيها من النعيم) فَلَمْ تَشْغَلَهُم تِجَارَةً وَ لاَ بَیْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ (يمضون، يسلكون) بِهِ أَیَّامَ الْحَیَاةِ وَ یَهْتِفُونَ (يدعون، يصيحون) بِالزَّوَاجِرِ (المواعظ الناهية عن العصيان) عَنْ مَحَارِم الله في أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ (عن ذكره لما فيها من الوقرة) وَ یَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ (إقامة العدل) وَ يَأْتَمِرُونَ (يقبلون الأمر) بِهِ وَ يَنهونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَونَ (يقبلون النهى) عَنْهُ فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا (سلكوا) الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ وَ هُم فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاء ذَلِكَ (القطع للدنيا) فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُیُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِی طُولِ الْإِقَامَةِ فِیهِ وَ (كأنما) حَقَّقَتِ (وقعت) اَلْقِیَامَةُ عَلَیْهِمْ عِدَاتِهَا (مواعيدها) فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلكَ (التحقّق للقيامة) لأهل الدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لَا يَرَى النَّاسُ وَ

ص: 288

يَسْمَعُونَ مَا لَا يَسْمَعُونَ (من الغيب) فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ (تصوّرتهم) لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ (مقاماتهم) المَحْمُودَةِ وَ مَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَة (فى العلّيين) وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ (كتب) أَعْمَالِهِمْ وَ فَرَغُوا (عن كلّ شاغل) لمُحاسَبَة أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِیرَةٍ وَ کَبِیرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أو نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فِيهَا وَ حَمَّلُوا ثقَلَ أَوْزَارِهِمْ ظُهُورَهُمْ (و نسبوها إلى أنفسهم فهم لها متّهمون) فَضَعُفُوا عَنِ الاِسْتِقْلاَلِ بِهَا (الثقلها) فَنَشَجُوا (غصوا بالبكاء في حلقومهم) نَشيجاً وَ تَجَاوَبُوا (بينهم) نَحيباً (أشدّ البكاء) يعجُّونَ (يصيحون) إلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمِ وَ اعْتِرَافِ لَرَأَيْتَ (أيّها المتفكر فى أحوالهم أنهم) أَعْلَامَ هُدًى وَ مَصَابِيحَ دُجًى (ظلمة) قَدْ حَفَّتْ (إجتمعت من كلّ جانب) بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ (فى قلوبهم) وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء و أعدَّتْ (تهيّأت) لَهُمْ مَقَاعِدُ الْکَرَامَاتِ فِی مَقْعَدٍ (صدق عند ملیک مقتدر) اطلَعَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَرَضِي سعيهم و حَمِدَ مَقَامَهُمْ (المحمود) یَتَنَسَّمُونَ (يتشممون) بِدُعَائِهِ (ندائه) رَوْحَ (نسيم) التَّجَاوُزِ (عن سيئاتهم فهم) رَهَائِنُ (مرهونو) فَاقَةٍ (فقر، إحتياج) إِلَى فَضْلِهِ وَ أَسَارَى ذِلَّةٍ لعَظَمَته جَرحَ طُولُ الأَسَى (الحزن) قُلُوبَهُم وَ (جرح) طُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ لِكُلِّ بَابٍ رَغْبَة (شوق) إِلَی اللَّهِ مِنْهُمْ یَدٌ قَارِعَةٌ (ضاربة بالباب مع الشدّة و الإصرار) يَسْأَلُونَ (يطلبون) مَنْ لَا تَضِيقُ لَدَيْهِ (عنده) الْمَنَادِحُ (المتّسعات من الأرض) وَ لاَ یَخِیبُ (يخسر) عَلَيْهِ الرَّاعْبُونَ (المشتاقون و هو الله الواسع المعطى) فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لنَفْسِكَ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الْأَنْفُسِ لَهَا حَسِیبٌ (محاسب) غَیْرُکَ.

223 - و من كلام له علیه السَّلام قاله عند تلاوته: يا أَیُّهَا اَلْإِنْسانُ ما غَرَّکَ بِرَبِّکَ اَلْکَرِیمِ:

(إن الإنسان) أَدْحَضُ (أبطل) مسئول (بما أنعمه الله) حجّةً (دلیلا واضحا و برهانا قاطعا لقطع العذر عنده تعالى يوم القيامة) وَ أَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَهً (عذرا) لَقَدْ أَبْرَحَ (أعجب) جَهَالَةً (لجهالته) بِنَفْسه يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا جَرَّأَکَ عَلَى ذَنْبِكَ وَ مَا غَرَّکَ بِرَبِّکَ، وَ مَا آنَسَکَ بِهَلَکَهِ (هلاك) نَفْسِکَ، أَمَا مِنْ دَائِکَ بُلُولٌ (حسن حال بعد هزال من المرض) أَمْ لَيْسَ مِنْ نَوْمَتِكَ

ص: 289

يَقَظَةٌ أمَا تَرْحَمُ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَيْرِكَ فَلَهُمَا تَرَى الضَّاحِيَ (البارز فى الشمس الظاهر عند حرارتها) مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ (تجعله فى الظل وقاية له عن حرّها رحمة عليه) أَوْ (ربّما) تَرَی اَلْمُبْتَلَی بِأَلَمٍ یُمِضُّ (يبالغ فى نحافة) جَسَدَهُ فَتَبكِي رَحْمَةً (منك) لَهُ فَمَا صَبَّرَکَ عَلَی دَائِکَ، وَ (ما) جَلَّدَکَ (سترك بالجلد، أوقعك فى الجلد) عَلَى مُصَابِكَ (حتّى لا تدرك مصيبتك) وَ (ما) عَزَّاكَ (أوقع فى نفسك تسلية) عَنِ الْبُكَاء عَلَى نَفْسِكَ وَ هِيَ أَعَزُّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكَ وَ کَیْفَ لاَ یُوقِظُکَ (يوقعك فى اليقظة) خَوْفُ بَیَاتِ نَقِمَهٍ (و هو وقوع النقمة حين أن تبيت فتأخذك بغتة) وَ قَدْ تَوَرَّطْتَ (وقعت فى الورطة) بِمَعَاصِیهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ (شدائده) فَتَدَاوَ منْ دَاء الْفَتْرَة (الكسل) في قَلْبِكَ بِعَزِيمة (أمر عظيم) وَ (تداو) منْ كَرَى (نوم) الْغَفْلَة فِي نَاظِرِكَ (عینک) بِيَقَظَةٍ وَ كُن لِلّهِ مُطِيعاً وَ بِذِكرِهِ آنِساً وَ تَمَثّل (تصور) في حَالِ تَوَلَّيكَ (إِدبارك) عَنْهُ إِقْبَالَهُ عَلَيْكَ (و هو) يَدْعُوكَ إِلَى عَفوِهِ وَ يَتَغَمّدُكَ (يغرقک، یغمرک) بِفَضلِهِ وَ أَنتَ مُتَوَلّ (مدبر) عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ فَتَعَالَى مِنْ قَوِي مَا أَكْرَمَهُ وَ تَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِيفُ مَا أَجْرَاكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ و أَنْتَ فِي كَنَفِ (حماية) سِترِهِ مُقِيمٌ وَ فِي سَعَةِ فَضلِهِ مُتَقَلّبٌ (متحول) فَلَم يَمنَعكَ فَضلَهُ وَ لَم يَهتِك (يخرق) عَنْكَ سِتَرَهُ بَلْ لَمْ تَخْلُ مِن لُطفِهِ مَطرَفَ (طرفة) عَیْنٍ فِی نِعْمَةٍ یُحْدِثُهَا لَکَ أَوْ سَیِّئَةٍ یَسْتُرُهَا عَلَيْكَ أو بَلِيَّة يَصْرِفُهَا (يدفعها) عَنْكَ فَمَا ظَنُّكَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ وَ ايْمُ الله لَوْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَة (من لطفه لك و إدبارک عنه) كَانَتْ في (إنسانين) مُتَّفِقَیْنِ فِی الْقُوَّةِ مُتَوَازِیَیْنِ فِی الْقُدْرَةِ لَکُنْتَ أَوَّلَ حَاکِمٍ عَلَی نَفْسِکَ بِذَمِیمِ الْأَخْلَاقِ (الأخلاق المذمومة) وَ مَسَاوِئِ الْأَعْمَالِ (الأعمال السيئة) وَ حَقّاً أقُولُ مَا (ليست) الدُّنْیَا غَرَّتْکَ وَ لَکِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ وَ لَقَدْ كَاشَفَتْكَ (کشفت لك) الْعِظَاتِ وَ آذَنَتْکَ (أخبرت) عَلیٰ سَوٰاءٍ وَ لَهِیَ بِمَا تَعِدُکَ مِنْ نُزُولِ الْبَلاَءِ بِجِسْمِکَ وَ النَّقْصِ فِي قُوتِكَ أَصْدَقُ وَ أَوْفَی مِنْ أَنْ تَکْذِبَکَ أَوْ تَغُرَّکَ وَ لَرُبَّ نَاصِحٍ (من حوادث) لَهَا عِنْدَکَ مُتَّهَمٌ وَ (ربّ) صَادقٍ مِنْ خَبَرهَا (الّذى بمسمع منك و منظر) مُكَذَّبٌ وَ لَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا (تطلب معرفتها) في الدِّيَارِ الْخَاوِيَة (الخالية ، الخربة) وَ الرُّبُوعِ (القبور) الْخَالِیَةِ لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْکِیرِکَ وَ بَلاَغِ مَوْعِظَتِکَ بِمَحَلَّةِ الشَّفِیقِ (الحريص، الرحيم) عَلَیْکَ وَ الشَّحِیحِ (البخيل)

ص: 290

بِكَ (لئلّا تقع فى الهلاكة) وَ لَنعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَاراً و مَحَلَّ مَنْ لَمْ يُوطنْهَا (يجعلها وطنا) مَحَلَّا وَ إِنَّ السَّعَدَاءَ بِالدُّنْيَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ (الفارون) مِنْهَا الْيَوْمَ إِذَا رَجَفَتِ (إضطربت) الرّاجِفَةُ (النفخة الّتى إضطربت الأرض بها) وَ حَقَّتْ (تحققت وقعت) بِجَلَائِلهَا (مع عظائمها) الْقِيَامَةَ وَ لَحقَ بِكُلِّ مَنسَكِ (عمل) أَهْلُهُ وَ بِكُلِّ مَعْبُودِ عَبَدَتْهُ (عباده) وَ بِكُلِّ مُطَاعِ أَهْلُ طَاعَته فَلَمْ یُجْزَ فِی عَدْلِهِ وَ قِسْطِهِ یَوْمَئِذٍ (يوم إذ تقع الراجفة) خَرقُ (فتح لمح) بَصَرٍ فِی الْهَوَاءِ وَ لاَ (يُجزى) هَمْسُ (صوتُ خفى) قَدَم فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِحَقَّهُ فَكَمْ حُجّة (للناس) یَوْمَ ذَاکَ (الجزاء بالعدل) دَاحِضَةٌ (باطلة) وَ (كم من) عَلاَئِقِ (أسباب و صلات) عُذْرٍ مُنْقَطِعَةٌ فَتَحَرَّ (اطلب) مِنْ أَمْرِكَ مَا يَقُومُ به عُدْرك وَ تَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُکَ (يوم تكون الحجّة عنده داحضة) وَ خُدَّ مَا يَبْقَى لَكَ (من الصالحات) ممَّا لَا تَبْقَى لَهُ وَ تَيَسَّرْ - (تأهّب) لِسَفَرِکَ وَ شِمْ (انظر باللحمة) بَرْقَ النَّجَاةِ (فى هذه الكلمات العالية) وَ ارْحَلْ (إجعل الرحل للسفر على) مَطَایَا (مراكب ذلول) التَّشْمِیرِ (السرعة).

224 - و من كلام له علیه السَّلام يتبرأ من الظلم:

وَ اَللَّهِ لَأَنْ أَبِیت (اقيم من الليل إلى الصبح) عَلَى حَسَكِ (شوك) اَلسَّعْدَانِ (نبت ذو شوكة ترعاه الإبل) مُسَهَّداً (ساهرا) أو (أن) أُجَرُّ فِی اَلْأَغْلاَلِ مُصَفَّداً (مقيّدا) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى و رسولَهُ يومَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ اَلْعِبَادِ أَوْ غَاصِباً لِشَیْءٍ مِنَ اَلْحُطَامِ (متاع الدنيا) وَ کَیْفَ أَظْلِمُ أحَداً لِنَفْس (يريد بها نفسه الزكية) یُسْرِع (يذهب سريعا) إِلَی اَلْبِلَی (الفناء) قُفُولُهَا (رجوعها أو مفاصل الجسد لتلك النفس) وَ یَطُولُ فِی اَلثَّرَی (التراب) حُلُولُهَا وَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَ قَدْ أَمْلَقَ (إفتقر أشدّ الفقر) حَتَّى اسْتَمَاحَنِي طلب منّى العطاء) مِنْ بُرِّكُم (قمحكم من بيت المال) صَاعاً وَ رَأَيْتُ صِيانَهُ (أطفاله) شُعْثَ (متلبّدة) الشُّعُورِ (بالوسخ) غُبْرَ الْأَلْوَانِ مِن (شدّة) فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَت (صارت سوادا) وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ (و هو سواد يصبغ به) وَ عَاوَدَنِي (أتانى عودا بعد عود) مُؤَكِّداً (على طلبه) وَ كَرْرَ عَلَى الْقَوْلَ مُردداً (ردّاً بعد ردّ)

ص: 291

فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ (عقيل) أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي (بالإعطاء له من مالكم) وَ (ظنّ أنّى) أَتَّبِع قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْت (صيرت محماة مسجورة) لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا (قرّبتها) مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَج (صاح) ضَجِيج (صياح) ذِي دَنَفٍ (مرض) مِنْ أَلَمِهَا وَ كَاد (قرب) أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا (مكواتها، حرارتها الشديدة) فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْك (أصابتك الثكل و هو فقدان الحبيب) الثَّوَاكِلُ (النساء الثكلى على فقدان أولادهم أى بكت علیک النساء المفقود أولادهنّ) يَا عَقِيلُ أَ تَئِنُّ (تضج) مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَ تَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا (أوقدها، أضمرها) جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَ تَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَ لا أَئِنُّ مِنْ لَظَى (و هى جهنّم) وَ أَعْجَبُ منْ ذَلكَ (الخبر فى عقيل) طَارِقٌ (ضارب) طَرَقَنَا (ضرب على بابنا) بِمَلْفُوفَهٍ (نوع من الحلواء) فِي وِعَائِهَا (إنائها) وَ مَعْجُونَة (مخلوطة، ممزوجة) شَنِئْتُهَا (كرهتها) کَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِیقِ حَیَّه أَوْ قَیْئِهَا فَقُلْتُ أَ صِلَه (هذه المعجونة) أم زَكَاةً أَمْ صَدَقَةٌ فَذَلك (الإعطاء من الزكاة و الصدقة) مُحَرَّمٌ عَلَیْنَا أَهْلَ اَلْبَیْت فَقَالَ (الأشعث بن القيس) لَا ذَا (الإعطاء من الصدقة) وَ لَا ذَاكَ (الإعطاء من الزكاة) و لكنَّهَا هَديَّةٌ فَقُلْتُ هَبِلَتْك (ثكلتك) الهَبُولُ (المرأة الّتى لا يعيش لها ولد) أَ عَنْ دِينِ اللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي أَ مُخْتَبِطٌ (فى رأسك) أَنْتَ (فاختل نظام إدراكك) أَم ذُو جِنّةٍ أَم تَهجُرُ (تهذو بما لا معنى له) وَ اللّهِ لَو أُعطِيتُ الأَقَالِيمَ السّبعَةَ بِمَا تَحتَ أَفلَاكِهَا عَلَي أَن أعَصيِ (أخالف) اللَّهَ فِي نَملَة أَسْلُبُهَا جُلْبَ (قشرة) شَعِيرَةِ مَا فَعَلْتُهُ وَ إِنْ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ (أحقر) منْ وَرَقَة فِي فَمِ جَرَادَة تَقْضَمُهَا (تكسرها بأطراف الأسنان) مَا لعَلِيُّ وَ لَنَعيم يَفْنَى وَ لَذَّة لَا تَبقَى نَعُوذُ بِالله مِنْ سُبَاتِ (نوم) الْعَقْلِ وَ قُبحِ الزّلَلِ (السقوط في الخطأ) و بِهِ نَسْتَعِينُ.

225 - و من دعاء له علیه السَّلام يلتجئ إلى الله أن يغنيه:

اللَّهُم صُنْ (إحفظ) وجَهي (من السؤال عند المرزوقين) بِاليَسَارِ (الغني اليسر في الرزق) وَ لَا تَبْدُلُ جَاهِيَ (منزلتى) بِالْإِقْتَارِ (الفقر) فَأَسْتَرْزِقَ (أطلب الرزق من) طاَلبِيِ رِزقِكَ (من خلقك

ص: 292

المحتاجين لرزقك) وَ أَسْتَعْطِف (أطلب العطف و الترحّم من) شِرَارَ خَلْقِکَ (لحاجتي إليهم) وَ أُبْتَلَی بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِی (شيئا من عطائه) و أفتَتَنَ (أوقع فى الفتنة) بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِی (من عطائه) وَ أَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِک (الإعطاء و المنع منهم) كُلَّه وَلِي الْإعْطَاء وَ الْمَنْعِ (فالإعطاء كلّه منک فالحمد لک لرحمتک و کذلک المنع منك كلّه فالحمد لک لحکمتک) إِنَّكَ عَلى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ.

226 - و من خطبة له علیه السَّلام في التنفير من الدنيا:

(إنّ الدنيا) دَارٌ بِالْبَلَاء مَحْفُوفَةٌ (ملتفة) و بِالْغَدْرِ (المكر الخدعة ) مَعْرُوفَةٌ لَا تَدُومُ أَحوَالُهَا (بل تتغيّر) وَ لَا يَسْلَمُ نُزالُهَا (النازلون فيها، فللدنيا) أحوَالٌ مُخْتَلَفَةً وَ تَارَاتٌ (آنات، لحظات، أوقات) مُتَصَرفَةٌ (متحوّلة) العَيْشُ فيهَا مَذْمُومٌ (لما فيه من النقص) وَ الْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُوم (لتصرّف حالاتها) وَ إنَّمَا أهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ (أهداف) مُستَهدَفَةٌ (منصوبة للرمى إليها) تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وَ تُفْنِيهِمْ بِحَمَامِهَا (موتها) وَ اعْلَمُوا عِبَادَ الله أَنَّكُمْ وَ مَا أَنْتُمْ فِيه مِنْ هَذه الدُّنْيَا (من نعيمها و زخارفها) عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبلَكُمْ مِمَّنْ كَانَ أَطوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَاراً وَ أَعْمَرَ دِيَاراً (أكثر عمرانا لديارهم) وَ أَبعَدَ (أبقى) آثَاراً أَصبَحَت ( صارت فى الصباح) أَصوَاتُهُم هَامِدَةً (ساكتة، خامدة) وَ رِيَاحُهُم (كناية عن حركاتهم السريعة في طلب المعاش) رَاكِدَةً (ساكنة) وَ أَجسَادُهُم بَالِيَةً (نخرة) وَ دِيَارُهُم خَالِيَةً (عنهم) وَ آثَارُهُم (من الدور و الجنّات) عَافِيَةً (مندرسة) فَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ الْمَشَيْدَة (المستحكمة) و (بدل) النّمَارِقِ (الوسائد الصغيرة أو البساط) الْمُمَهَّدَة (المفروشة) الصَّخُورَ وَ الأَحجَارَ المُسَنّدَةَ (المعتمدة عليها) وَ الْقُبُورَ اللَّاطئَة (اللاصقة بالأحجار و التراب) الْمُلْحَدَةَ (ذات اللحد) التّيِ قَدْ بُنِي عَلَى الخَرَابِ فَنَاؤُهَا (ساحتها) وَ شُيّدَ (أحكم) بِالتَّرابِ (ذى الرخوة) بِنَاؤُهَا فَمَحَلُهَا (موضع حلول القبور) مُقْتَرِبْ (قريب بمحل إقامتكم) وَ سَاكِنُهَا مُغتَرِبٌ (غیر مستأنَس به فکانوا) بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّة مُوحشينَ (من أهوال البرزخ) وَ (بين) أهْلِ فَرَاغِ (من تعلّقات الدنيا و مشاغل أهلها) مُتَشَاغِلِينَ

ص: 293

(بهمومهم بما كسبوا في الدنيا) لا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْأوطانِ وَ لَا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْجِيرَانِ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرب الْجَوَارِ وَ دُنُو (قرب) الدَّارِ وَ كَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَزَاوَرٌ (زيارة) وَ قَدْ طَحَنَهُم (كسرهم) بِكَلكَلِهِ (صدره) الْبِلَى (الفناء) وَ أَكَلَتْهُمُ الْجَنادِلُ (الحجارة) وَ الثّرَي (التراب) وَ كَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ وَ ارْتَهَنكُمْ ج(ُعلتم فى رهن) ذَلِكَ الْمَضْجَعُ وَ ضَمِّكُمْ (جعلتم في ضميمة) ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ (و إنّ موضع الوديعة هو القبر) فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ تَنَاهَتْ (وصلت إلى النهاية) بِكُمُ الْأُمُورُ (أى بلغت أمور البرزخ إلى غايتها و حان وقت القيامة) وَ بُعثِرَتِ القُبُورُ هُنالِكَ (فى ذلك المكان) تَبلُوا (تظهر) كُلُّ نَفْس ما أَسْلَفَتْ (قدّمت من الأعمال و الأخلاق و العقائد) وَ رُدُوا إِلَى اللَّه مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُم ما كانُوا يَفْتَرُونَ (ينتسبون بالكذب إلى الله و رسله)

227 - و من دعاء له علیه السَّلام يلجأ فيه إلى الله ليهديه إلى الرشاد:

اللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ (أشدّ أنسا من سائر) الآنِسِينَ لِأَولِيَائِكَ وَ (إنّك) أَحْضَرُهُمْ بِالْكِفَايَةِ (فى الأمور كلها) للمُتَوَكَّلِينَ عَلَيْكَ تُشَاهِدُهُمْ فِي سَرَائِرِهمْ (فلا يخفى عليك شيء من سرائرهم) و تَطّلِعُ عَلَيهِم فِي ضَمَائِرِهِم (فتكون أقرب إليهم من حبل الوريد) وَ تَعْلَمُ مَبْلَغَ (بلوغ أو موضع بلوغ) بَصَائِرِهِمْ (فتعلم ما تتمنّى بصائرهم) فَأَسْرَارُهُمْ لَكَ مَكْشُوفَةً وَ قُلُوبُهُمْ إِلَيْكَ مَلْهُوفَةً (مستغيثة) إِنَّ أَوْحَشَتْهُمُ الغُربة آنَسَهُم ذِكركَ وَ إِنْ صَبَتْ ( نزلت) عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ لَجَئوا إِلَى الاسْتِجَارَةِ (الإلتجاء) بِكَ عِلماً بِأَنّ أَزِمّةَ الأُمُورِ بِيَدِكَ وَ مَصَادِرَها (مواضع صدورها) عَنْ قَضَائِكَ (و لا محيص للأمور عند قضائک فتصدر عن قضائک) اللَّهُم إِنْ فَهِهْتُ (عجزت، عييت) عَنْ مَسْأَلَتِي أَوْ عَمِيتُ عَنْ طِلْبَتي (مطلوبى) فَدُلَّنِي عَلَى مَصَالِحي (المجهولة لى) وَ خُذْ بِقَلْبِي إِلَي مرَاَشدِيِ (مواضع رشدى من الغى) فَلَيسَ ذَلِكَ (الأخذ منك بقلبي إلى مراشدی) بِنُكْرِ (منکر، غير معروف) مِن هِدَايَاتِكَ (بل هدایاتک معروفة بين العباد و أنت الهادى لهم) وَ لا (ذلك الأخذ بقلبي) بِبِدعٍ (غير معهود) مِن كِفَايَاتِكَ (لأوليائك بل أنت الهادى إلى المراشد)

ص: 294

اللَّهُمَّ احملني عَلَى عَفُوكَ (بفضلك) وَ لَا تَحْمِلْنِي عَلَي عَدلِكَ (بعملى).

228 - و من كلام له علیه السَّلام يريد به بعض أصحابه:

لِلّهِ بَلاء (صنع) فُلَانِ (فى بلاده حين إمارته عليها) فَلَقَد قَوّمَ الأَوَدَ (الإعوجاج) و دَاوَى الْعَمَدَ (العلة، المرض) وَ أَقَامَ السّنّةَ وَ خَلّفَ الفِتنَةَ (تركها فى خلفه و لم يدخل فيها) ذَهَبَ (إلى الآخرة) نقَيِ (طاهر) الثَّوبِ قَليلَ الْعَيْبِ أَصَابَ خَيْرهَا وَ سَبَقَ شَرِّهَا أَذًى إِلَى اللَّهُ طَاعَتَهُ وَ اتَّقَاهُ بِحَقَّه رَحلَ وَ تَرَكَهُم فِي طُرُقٍ مُتَشَعّبَةٍ (متفرقة) لَا يهَتدَيِ بِهَا (في تلك الطرق المتشعبة) الضّالّ وَ لَا يَستَيقِنُ المهُتدَيِ المهتدي (طالب الهداية).

229 - و من كلام له علیه السَّلام في وصف بيعته بالخلافة:

قال الشريف: و قد تقدم مثله بألفاظ مختلفة

وَ بَسَطتُم يدَيِ (للبيعة) فَكَفَفْتُها (منعتها) و مَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا ثُمَّ تَدَاكَكُتُمْ (تزاحمتم) عَلَيّ تَدَاكّ (تزاحم) الْإِبِلِ الْهِيمِ (العطاش) عَلَي حِيَاضِهَا (موضع إجتماع الماء) يَومَ وِردِهَا (ورود الإبل على الحياض لشدّة العطش) حَتَّى انْقَطَعَت النَّعْلُ وَ سَقَط الرِّدَاء وَ وُطِئَ الضّعِيفُ وَ بَلَغَ مِن سُرُورِ النّاسِ بِبَيعَتِهِم إيِاّي َ أَنِ ابتَهَجَ (سرّ) بِهَا الصّغِيرُ وَ هَدَجَ (مشى مشية الضعيف) إِلَيْهَا الْكَبِيرُ (المسن) وَ تَحامَلَ (مشي بالصعوبة كأنّه حمل على ظهره) نَحوَها (إلى تلك البيعة) العَليلُ (المريض) و حَسَرَتْ (كشفت عن وجهها) إلَيْهَا الْكَعَابُ (الجارية حين يبدو ثديها للنهود)

230 - و من خطبة له علیه السَّلام في التقوي و الحثّ علي الصالحات:

فَإِنَّ تَقْوَى اللَّه مِفْتَاحُ (آلة فتح) سَدَادِ (صواب و إستقامة فى القول و الفعل) وَ ذَخِيرَةُ مَعَادِ

ص: 295

وَ عِتقٌ منْ كُلِّ مَلَكَة (رق) و نَجَاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَة (هلاک) بِهَا يَنْجَح (يفلح، يفوز) الطّالِبُ (للسعادة) وَ يَنجُو الهَارِبُ (الفارّ من الشقاوة) وَ تُنالُ (تدرك، تصاب) الرّغَائِبُ (المطلوبات المرغوبة عند الناس من الجنان و ما فيها من النعيم المقيم الّذى لا زوال له و لا إضمحلال).

فَاعْمَلُوا وَ الْعَمَلُ يُرْفَعُ (إلى الله تعالى ما دمتم فى الدنيا) و التّوبَةُ تَنْفَعُ وَ الدَّعَاء يَسْمَعُ وَ الْحَالُ هَادِئَةٌ (ساكنة) و الْأَقْلَامُ جَارِيَةٌ (فى كتابة الأعمال) وَ بَادِرُوا (سابقوا) بِالْأَعْمَالِ عُمُراً نَاكِساً (منقلبا من القوّة إلى الضعف) أَو مَرَضاً حَابِساً (مانعا لكم من العمل) أَو مَوتاً خَالِساً (خاطف لكم مخرجا لروحكم) فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذّاتِكُم وَ مُكَدّرُ شَهَوَاتِكُم وَ مُبَاعِدُ طِيّاتِكُم (مقاصدكم فهو) زَائِرٌ غَيرُ مَحبُوبٍ وَ قِرنٌ (كفؤ فى الشجاعة و المبارزة) غَيْرُ مَغْلُوبِ وَ وَاترٌ (جانِ) غَيْرُ مَطلوب (فى جنايته) قَدْ أَعْلَقَتُكُمْ (أوقعتكم فى الإغلاق) حَبَائِلُهُ وَ تَكَنّفَتكُم (أحاطتكم) غَوائِلُهُ (مصائبه، دواهيه) وَ أَقْصَدَتْكُمْ (رمتكم) مَعَابِلُهُ (سهامه الطويلة العريضة) وَ عَظُمَتْ فيكُمْ سَطوَتُهُ (شدّته) وَ تَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوتُهُ (عدوانه) وَ قَلَتْ عَنْكُمْ نَبوتُهُ (عدم إصابة ضربته) فَيُوشِكُ (يقرب) أنْ تَغْشَاكُمْ (تحيط بكم) دَوَاجِي (ظلمات) ظُلَلِهِ (سحائبه) وَ (يوشك أن يغشاكم) احتِدَامُ (إشتداد) عِلَلِهِ وَ حَنَادِسُ (ظلمات شديدة من) غَمَرَاتِهِ (شدائده) و غَوَاشِي (و هى ما يغشى ويحيط بكم من) سَكَرَاتِهِ وَ أَلِيمُ إِرهَاقِهِ (إعجاله بكم إلى الرحيل من الدنيا) وَ دُجُوّ (إظلام) أَطبَاقِهِ وَ جُشُوبَةُ (خشونة، غلظة) مَذَاقِهِ فَكَأَنْ قَدْ أَتَاكُمْ بَغْتَةٌ (فجأة) فَأَسْكَتَ (الموت) نَجِيّكُم (المتناجين منكم) وَ فَرّقَ نَدِيّكُم (المجتمعين منكم للمشاورة) وَ عَفّى (محا) آثارَكُمْ (من المال و البنين) وَ عَطَلَ دِيَارَكُمْ وَ بَعَثَ (حرّك، هيّج) وُرّاثَكُم يَقتَسِمُونَ (يطلبون قسمة) تُرَاثَكُم (ميراثكم و أنتم المحتضرون) بَينَ حَمِيمٍ (صديق) خَاصٌ لَم يَنفَعُ وَ (بين) قَرِيبٍ مَحزُونٍ لَم يَمنَع (الموت عنكم) وَ آخَرَ شَامِتٍ (لكم و) لَم يَجزَع (يأسف يحزن).

فَعَلَيكُم بِالجَدّ وَ الِاجتِهَادِ وَ التّأَهّبِ (التهيؤ) وَ الِاستِعدَادِ (طلب العدّة) و التزود (طلب الزاد) في مَنْزِلِ الزَّادِ (و هو الدنيا) وَ لَا تَغُرنَّكُمُ (توقعنّكم فى الغرّة) الحَيَاةُ الدُّنْيَا كَمَا غَرّتْ مَنْ كَانَ

ص: 296

قَبلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ (الماضية) اَلَّذِینَ اِحْتَلَبُوا دِرَّتَهَا (لبنها) وَ أَصَابُوا غِرَّتَهَا (غفلتها) وَ أَفْنَوْا (أهلكوا) عِدَّتَهَا (من النعيم و الطيبات) وَ أَخْلَقُوا جِدَّتَهَا (من الليل و النهار بإفناء العمر فيها و الإشتغال بها فلم ينتفعوا بالجديدين من الليل و النهار) وَ أصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثَاً (قبورا) وَ أَمْوَالُهُمْ ميراثاً لَا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ (على قبورهم) وَ لَا يَحْفِلُونَ (يبالون) مَنْ بَكَاهُمْ وَ لَا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ (كثيرة الغدر) غَرَارَةٌ (كثيرة الغرور) خَدُوعٌ (كثيرة الخدعة) مُعْطِیَهٌ (لكم من نعيمها) مَنُوعٌ (كثيرة المنع عنكم) مُلْبِسَةٌ ( عليكم محاسن غيركم) نَزُوعٌ (كثيرة النزع و الخلع لمحاسن أنفسكم لأن الدنيا إذا أقبلت على أحد أعارته محاسن غيره و إذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه) لاَ یَدُومُ رَخَاؤُهَا (يسرها) وَ لاَ یَنْقَضِی عَنَاؤُهَا (عسرها، تعبها ، نصبها) وَ لَا يَرْكُدُ (يسكن) بلاؤُهَا.

و منها في صفة الزهّاد

(إنّ الزاهدين في الدنيا) كَانُوا قَوْماً منْ أهْل الدُّنْيا (يأكلون و يشربون كسائر الناس) و ليسوا مِنْ أَهْلِهَا فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ (بصيرتهم) وَ بَادَرُوا (سابقوا) فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ (يخافون) تَقَلَّب (تتقلّب) أَبْدَانِهِم بَیْنَ ظَهْرَانَیْ أَهْلِ الْآخِرَةِ (أى يكونون حاضرين بين أهل الآخرة ) وَ یَرَوْنَ أَهْلَ اَلدُّنْیَا یُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَ هُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْیَائِهِمْ (بالرغبة إلى الدنيا و ما فيها من الزخارف).

231-و من خطبة له علیه السَّلام خطبها بذي قار و هو متوجه إلى البصرة ذكرها الواقدي في كتاب «الجمل»:

فَصَدَعَ (شقّ رسول الله صلّى الله عليه و آله بين الحقّ و الباطل) بِمَا أُمِرَ بِهِ وَ بَلَّغَ (إلى الناس) رِسَالَاتِ رَبِّه فَلَمْ (جمع ، لحم) اللهُ بِه الصَّدْعَ (الافتراق الشقّ بين الناس) وَ رَتَقَ (جمع) به الْفَتْقَ (الإفتراق) وَ أَلَّفَ بِهِ اَلشَّمْلَ (الإفتراق التشتّت) بين ذَوِي الْأَرْحَامِ بَعدَ العَدَاوَةِ الْوَاغرَة

ص: 297

(الداخلة) في الصُّدُورِ وَ الصَّغَائِنِ (الأحقاد) اَلْقَادِحَهِ (المشتعلة) في القُلُوبِ.

232 - و من كلام له علیه السَّلام كلّم به عبد الله بن زمعة و هو من شيعته، و ذلك أنّه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا:

فقال علیه السَّلام: إِنَّ هَذَا الْمَالَ (فى بيت المال) لَیْسَ لِی وَ لاَ لَکَ وَ إِنَّمَا هُوَ فَیْءُ (خراج و غنيمة) للمُسْلِمِينَ وَ جَلْبُ (مجلوب مكتسب) أَسْیَافِهِمْ (فى الحروب) فَإِنْ شَرِكْتُهُمْ فِي حَرْبِهِمْ (و فى ما تجلب سيوفهم) كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ (نصيبهم) وَ إِلَّا (إن لم تشركهم في الحرب) فَجَنَاةٌ (و هو ما يجنى من الشجر من الثمر) أَیْدِیهِمْ (فى الحرب) لَا تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ.

233 - و من كلام له علیه السَّلام بعد أن أقدم أحدهم على الكلام فحصر، و هو في فضل أهل البيت و وصف فساد الزمان:

أَلَا وَ إِنَّ النِّسَانَ بَضْعَةٌ (قطعة) منَ الْإِنْسَانِ فَلَا يُسْعدُهُ (ينصر - الإنسان) اَلْقَوْلُ (باللسان) إِذَا اِمْتَنَعَ (اللسان من القول أو إمتنع الإنسان عنه بشاغل و مانع و صارف عن التأمّل فيما يريد أن يتكلّم) وَ لَا يَمهِلُهُ النَّطْقُ إِذَا اتَّسَعَ (النطق برفع الموانع) وَ إِنَّا (أهل البيت) لَأُمَرَاءُ اَلْکَلاَمِ وَ فِینَا تَنَشَّبَتْ (تعلّقت) عُروقُهُ و عَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ (تدلّت) غُصُونَهُ.

وَ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّكُمْ (تعيشون) في زَمَانِ الْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ وَ النِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كليلٌ (غير مصيب بالغرض فلا يسمع الناس إليه لعادتهم على سماع الكذب في ذلك الزمان) وَ اللَّازِمُ للحَقِّ ذَلِيلٌ أَهْلُهُ مُعْتَكفُونَ (مقيمون) عَلَى العِصْيانِ (المخالفة للحقِّ) مُصْطَلِحُونَ (مصانعون) عَلَى الْإِدْهَانِ (المنفاقة باللسان دون الإتّفاق فى القلوب أو مصانعون على الغشّ) فَتَاهُمْ (شابّهم) عَارِمٌ (سيّى الخلق) وَ شَائبهم (شيخهم) آثمٌ (مذنب) وَ عَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ وَ قَارِنُهُمْ مُمَاذِقٌ (مازج لودّه بالغشّ) لاَ یُعَظِّمُ صَغِیرُهُمْ کَبِیرَهُمْ وَ لاَ یَعُولُ (يدفع عيلة و فقرا) غَنيهم (من) فَقيرهُمْ.

ص: 298

234 - و من كلام له علیه السَّلام:

رَوَی ذِعْلَبٌ اَلْیَمَامِیُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ قُتَیْبَهَ عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ مَالِکِ بْنِ دِحْیَهَ قَالَ کُنَّا عِنْدَ أَمِیرِ اَلْمُؤْمنِیِنَ عَلَیْهِ اَلسَّلاَمُ وَ قَدْ ذُکِرَ عِنْدَهُ اِخْتِلاَفُ اَلنَّاسِ فَقَالَ:

إِنَّمَا فَرَّقَ (ميز) بَیْنَهُمْ (فى الأخلاق) مَبَادِئُ (مواضع بدء) طِینِهِمْ (و عناصر تكوينهم) وَ ذَلِکَ (الإفتراق فى المبادى) أَنَّهُمْ کَانُوا فِلْقَهً (قطعة ) مِنْ سَبَخِ (مالح) أَرْضٍ وَ عَذْبِهَا وَ حَزْنِ (خشن) تُرْبَهٍ وَ سَهْلِهَا فَهُمْ عَلَی حَسَبِ قُرْبِ أَرْضِهِمْ (و طينهم) يتقَارَبُونَ (فى أخلاقهم) وَ عَلَى قَدْر اخْتلَافهَا يَتَفَاوَتُونَ (فيها) فَتَام (كامل) اَلرُّوَاءِ (الجمال) نَاقِصُ اَلْعَقْلِ وَ مَادُّ (طويل) الْقَامَة قَصِيرُ الْهِمَّةِ وَ زَاكي (خالص) الْعَمَلِ قَبِيحُ الْمَنْظَرِ (و غير تامّ الرواء) و قَرِيبُ القَعْرِ (قصير القامة) بَعِیدُ اَلسَّبْرِ (داهى الفؤاد ، ثاقب النظر) وَ مَعْرُوفُ اَلضَّرِیبَهِ (الطبيعة و الخصلة من ضروب الأوصاف كالجبن أو ضدّه فيعرف عند الناس بأحدهما) مُنْكَرُ الْجَلِيبَة (فيتصنع و يتكلّف نفسه بضدّ ما فيه من الأوصاف فينكر عليه لما يتكلّف فى مجلوبته) وَ تَائِهُ (حیران) الْقَلْبِ مُتَفَرَقُ اللُّبُ (فيتّبع كل ناعق) وَ طَلِیقُ اَللِّسَانِ (الّذى هو غير متتعتع في نطقه) حَدِیدُ اَلْجَنَانِ (القلب، أي غير خائف).

235-منْ كَلَام لَهُ علیه السَّلام قَالَهُ وَ هُوَ يَلي غُسْلَ رَسُول الله صلى الله عليه و آله و تَجهِیزَهُ:

بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی یَا رَسُولَ اَللَّهِ لَقَدِ اِنْقَطَعَ بِمَوْتِکَ مَا لَمْ یَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَیْرِکَ مِنَ اَلنُّبُوَّهِ وَ اَلْإِنْبَاءِ (الإخبار عن الغيب بالوحى) وَ أَخْبَارِ اَلسَّمَاءِ خَصَّصْتَ (من سائر الناس بمصيبتك من حيث إنّها مصيبة مسلية عمّا سواها) حتَّى صُرْتَ (بتلك المصيبة) مُسَلَّياً (لنا) عَمَّنْ سِوَاکَ (من الموتى) وَ عَمَمتَ (بها) حَتَّى صَارَ النَّاسُ فيك سَوَاءً (فكلّهم محزون بها على السواء) وَ لَوْ لَا أَنَّكَ أَمَرْتَ (فى موت الأحباء) بِالصَّبْرِ وَ (لولا) نَهَيتَ عَنِ الْجَزَع (فيه) لأنْفَدْنَا (أفنينا) عَلَیْکَ مَاءَ (العيون من) اَلشُّؤُونِ (منابع الدموع من الرأس) وَ لَكَانَ الدَّاء (علينا بموتک) مُمَاطلًا

ص: 299

(مستمرّا) وَ (لكان) الْكَمَدُ (الحزن) مُحَالِفاً (ملازما كالحليف) وَ (الداء المماطل و الكمد المحالف) قَلَّا لَكَ وَ لَكنَّهُ (الموت) مَا (شىء) لاَ یُمْلَکُ رَدُّهُ (عن أحد) لاَ یُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ بِأَبِی أَنْتَ وَ أُمِّی اُذْکُرْنَا عِنْدَ رَبِّکَ (بالشفاعة لنا) وَ اجْعَلْنَا مِنْ بَالك (في خاطرك و لا تجعلنا من المنسيّين فاشفع لنا عند الله).

236 - و من كلام له علیه السَّلام إقتصٌ فيه ذكر ما كان (وقع) منه بعد هجرة النبيّ صلّى الله عليه و آله ثمّ لحاقه به

فَجَعَلْتُ أتْبَعُ مَاخَذَ (موضع أخذه للإقامة فيه) سُولِ اَللَّهِ صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فَأَطَأُ ذِکْرَهُ (إتبعت ذكره صلّى الله علیه و آله و مواضعه الّتي مر بها من بدء خروجي من مكة لألحق إليه) حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَج (و هو موضع بين مكة و المدينة).

قال السيد الشريف رضي الله عنه: في كلام طويل قوله علیه السَّلام فأطأ ذكره من الكلام الذي رمى به إلى غايتي الإيجاز و الفصاحة أراد أني كنت أعطى خبره صلّى الله عليه و آله من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة.

237 - و من خطبة له علیه السَّلام في المسارعة إلى العمل:

فَاعْمَلُوا (صالحا) وَ أَنتُمْ فِي نَفَس (سعة) البَقَاء وَ الصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ (الثبت العمل) وَ التّوبَة (الرجوع إلى الله) مَبْسُوطَهٌ (للتائبين) وَ الْمُدْبِر (عن الله) يُدْعَى (إليه) وَ الْمُسِیءُ یُرْجَی (أن يتوب) قَبلَ أَنْ يَخْمُدَ (ينقطع، يسكن) الْعَمَلُ، وَ یَنْقَطِعَ الْمَهَلُ، وَ یَنْقَضِیَ الْأَجَلُ (المدة المضروبة لكم) وَ یُسَدَّ (يغلق) بابُ التَّوْبَهِ و تَصْعَدَ الْمَلَائِكَةُ (الموكَّلون لثبت الأعمال) فَأَخَذَ (ليأخذ) امْرُؤٌ مِنْ نَفْسِهِ (فى اليوم ) لِنَفْسِهِ (غدا) وَ أَخَذَ مِنْ حَيٍّ (فى الدنيا و هو أعضائه و جوارحه) لِمَیِّتٍ (غدا) وَ مِنْ فَانِ (و هو البدن) لبَاقِ (و هو الروح) و مِنْ ذَاهِبٍ (و هو الدنيا و ما فيها

ص: 300

من النعيم) لِدَائِمٍ (و هو دار البقاء و إنّ ذلك المرء هو) امْرُؤٌ خَافَ اللّه وَهُوَ مُعَمَّرٌ إِلَی أَجَلِهِ (لا يقدّم ولا يؤخّرعنه) و منظورٌ (مُمهَل) إلَى عَمَله (شرًا كان أم خيرا) امْرُؤٌ أَلْجَمَ نَفْسَهُ بِلِجَامِهَا، وَزَمَّهَا (قادها) بِزِمَامِهَا (قيادها) فَأَمْسَكَهَا (كف نفسه) بِلِجَامِهَا عَنْ مَعَاصِی الله وَ قَادَهَا بِزِمَامِهَا إِلَى طَاعَة اللَّه.

238 - و من كلام له علیه السَّلام في شأن الحكمين و ذمّ أهل الشام:

(إنّ أهل الشام) جَفَاةٌ (غليظو القلب فى المعاشرة) طَغَامٌ (أوغاد الناس) وَ عَبِيدٌ (غير مختارين فى عزائمهم) أَقْزَامٌ (أراذل) جُمِعُوا (الشام) مِنْ کُلِّ أَوْبٍ (ناحية) وَ تُلُقِّطُوا (جمعوا كاللقيط) مِنْ کُلِّ شَوْبٍ (خلط من الأقوام المختلفة و الأخلاق المتفرّقة) مِمَّنْ یَنْبَغِی أَنْ یُفَقَّهَ (فى الدين) و يُؤَدَّب (على السنّة) و يعلَّمَ (كيلا يجهل) وَ یُؤَدَّبَ (يعوّد، يمرّن) وَ یُوَلَّی (يقوم الولىّ) عَلَيْهِ وَ يُؤْخَدٌ عَلَى يَدَيْه (فيمنع من التصرّف لما فى يديه من الأموال لسفهه) لَیْسُوا مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ (السابقين فى الإسلام) وَ (لا من) الأَنْصَارِ وَ لَا منَ الَّذِينَ تَبَوُوُا (تهيئوا) الدَّارَ (المدينة للمهاجرين) وَ (لا من الّذين تبوّؤا) اَلْإِیمانَ (و سهلوا طرقه) أَلَا وَ إِنَّ الْقَوْمَ (أهل الشام) اخْتَارُوا (للحكميّة) لأنْفُسهمْ أَقْرَبَ القَوْمِ (بهم خلقا و هو أبو موسى الأشعرى) مِمَّا یُحِبُّونَ (لأنّ الأشعرىّ حصل أغراض أهل الشام) وَ إنَّكُمُ اخْتَرتُمْ لأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ القَومِ (بهم و هو عمرو بن العاص) ممَّا تَكْرَهُونَ (لأنّه حصل أغراض أهل الشام) وَ إِنَّمَا عَهْدُكُمْ (الّذي لم تنسوه) بِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ قَیْسٍ (أبى موسى الأشعرى) بِالْأَمْسِ (قبل الحرب حين) يَقُولُ إِنَّهَا (الحرب على المسلميمن) فتنةُ فَقَطْعُوا أَوْتَارَكُمْ (من قسيكم) وَ شِيمُوا (أغمدوا) سُيُوفَكُمْ فَإِنْ كَانَ (أبو موسى) صادقاً (فيما إدعاه) فَقَدْ أَخْطَأ (وقع في الخطأ) بِمَسِیرِهِ (إلى صفين) غَير مُسْتَكْرَه (فى خروجه) وَ إِنْ كَانَ كَاذباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التَّهَمَهُ (الّتى نسبها إلينا من الوقوع في الفتنة) فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (المختار عند أهل الشام) بِعَبْدِ اَللَّهِ بْنِ اَلْعَبَّاسِ وَ خُذُوا مَهَلَ (فرص) الْأَيَّام (فى فسحتها للإستعداد لحرب هولاء القوم الطغاة الجفاة) وَ حُوطُوا

ص: 301

(إحفظوا) قَوَاصِي (أطراف) الْإِسْلَامِ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزى وَ إِلَى صَفَاتِكُمْ (قوّتكم) تُرمَى.

239 - و من خطبة له علیه السَّلام يذكر فيها آل محمّد صلّى الله عليه و آله:

هُمْ عَيشُ (حياة) العِلْمِ وَ مَوتُ الْجَهْلِ (حيث يعملون ما يعلمون) يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ (عند الجهلة) عَنْ علمهِمْ (لأنّ الحليم لا يكون إلّا عالما دون العكس) وَ ظَاهِرُهُمْ (بما يفعلون) عَن بَاطِنِهِم (بما يضمرون من العلوم و المعارف) وَ صَمْتُهُمْ (سكوتهم) عَنْ حِکَمِ مَنْطِقِهِمْ (حيث إنّ الصمت منهم دليل التفكّر و التفكّر يوجب الحكمة في القول) لَا يُخَالِفُونَ الْحَقُّ (العصمتهم عن الخطيئة) وَ لَا يَخْتَلفُونَ فيه (لعصمتهم عن الخطأ) وَ هُمْ دَعَائمُ الإِسْلَام وَ وَ لَائِجُ (مداخل) الاعْتِصَامِ (الحفظ الشرائع) بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ (أصله الّذى منه تشعّبت الحقوق و هو حقّ الله الأكبر و هو العبوديّة له تعالى) وَ انْزَاحَ (زال) الْبَاطلُ عَنْ مُقَامه وَ انْقَطَعَ لسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِه (أصله) عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وعَايَة (حفظ) وَ رِعَايَة (مراعاة لحدوده) لا عَقْلَ سَمَاعِ وَ رِوَايَة (نقل) فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ (حيث تجتمع مع الهوى) و رُعَاتَهُ قَلِيلٌ (حيث تلازم قمع الهوى).

240 - و من كلام له علیه السَّلام قاله لعبد الله بن العباس و قد جاءه برسالة من عثمان و هو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع، ليقل هتف (نداء) الناس باسمه للخلافة، بعد أن كان (عثمان) سأله مثل ذلك (الخروج) من قبل، فقال علیه السَّلام:

يا ابنَ عَباسِ مَا يُرِيدُ عُثْمَانُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَنِي جَمَلًا نَاضحاً (حاملا للماء لسقاية الزرع) بِالْغَرْبِ (الدلو العظيمة) أَقْبِلْ (إلى البئر) وَ أَدْبِرْ (عنه) بَعَثَ (عثمان أحدا من أعوانه) إِلَیَّ أَنْ أَخْرُجَ (من المدينة حين قيام الأمّة عليه) ثُمَّ بَعَثَ إِلَيّ (ثانيا) أَنْ أَقْدُمَ (إليها لأطلب الإقالة له من الناس) ثُمَّ هُوَ الْآنَ يَبْعَثُ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ وَ اللهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ (بالإقالة له منهم) حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً.

ص: 302

241 - و من كلام له علیه السَّلام يحثّ به أصحابه على الجهاد:

وَ اللهُ مُسْتَادِيكُمْ (طالب منكم أداء) شُكْرَهُ (عند نعمائه كلّها بترك مخالفته بها و إستعمالها فيما يحبّ و يرضى) وَ مُوَرِّثُکُمْ (جاعلكم وارثين) أَمْرَهُ (سلطانه فى الأرض) وَ مُمْهِلُكُمْ (جاعل المهلة لكم) فِی مِضْمَارٍ (موضع سباق) مَحْدُودٍ (بالآجال) لتَتَنَازَعُوا (تتنافسوا) سَبَقَهُ (خط المضمار الّذى وضع بين المتسابقين يأخذه السابق منهم) فَشُدُّوا عُقَدَ اَلْمَآزِرِ (بترك الفشل في الجهاد) وَ اِطْوُوا فُضُولَ (زوائد) الْخَوَاصِرِ (المآزر الّتى تلتفّ على أقدامكم فتمنعكم عن الإسراع إلى العدوّ و أداء شكره تعالى بالنعم) لا تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ (مهمّة من الأمور) وَ وَلِيمَةٌ (طعام، لذّة) مَا أَنْقَضَ (أشدّ للنقض) النُومَ لِعَزَائِمِ الْيَوْم و (ما) أَمْحَى (أشدّ للمحو) اَلظُّلَمَ لِتَذَاکِیرِ اَلْهِمَمِ (الَّتى يذكرها الإنسان و يهمّها في النهار فتنتقض عند الطعام و النوم لما فيهما من اللذّة الّتى لا تجتمع مع الهمم بل تنقض الهمم نقضا).

و صلّى الله على سيّدنا محمّد النبي الأمي و على آله مصابيح الدجى و العروة الوثقى و سلّم تسليما كثيرا.

ص: 303

الرسائل

ص: 304

ص: 305

رسائل الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام

باب المختار من كتب مولانا الإمام أمير المؤمنين عليّ علیه السَّلام ورسائله إلى أعدائه و أمراء بلاده و یدخل في ذلك ما اختير من عهوده إلى عماله و وصاياه لأهله و أصحابه:

1- و من كتاب له علیه السَّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة:

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ (و هو بيان لكيفيّة إرتباطه بالمبدء المتعالى) عَلِیٍّ (و هو بيان لعنوانه الحقيقي) أَمِیرِ اَلْمُؤْمِنِین (و هو بيان لعنوانه الحقوقى و كيفيّة إرتباطه مع الخلق و من كان عبدا لله عليا في فضائله فهو حقيق بالولاية و الخلافة) إلى أهْلِ الْكُوفَة جَبْهَة (مقدمة) الْأَنْصَارِ (في الكرم) وَ سَنَامِ (حدبة ظهر البعير ل) العَرَبِ (أى شرفها) أمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ (من نهبه مال الله مع بنى أبيه إلى أن إنتكث عليه فتله و أجهز عليه عمله و کبت به بطنته) حتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ (سماع أمره) کَعِیَانِه (و الخبر هذا) إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا (عابوا) عَلَيه (لما فعل من البدع) فَکُنْتُ رَجُلاً (واحدا) مِنَ اَلْمُهَاجِرِینَ أُکْثِرُ اِسْتِعْتَابَهُ (استرضائه من الناس لئلا يقتل بأيديهم) وَ أُقِلُّ عِتَابَه (لومه ذمّه) وَ کَانَ طَلْحَهُ وَ اَلزُّبَیْرُ أَهْوَن (أسهل) سَیْرِهِمَا فِیهِ اَلْوَجِیف (السريع من سير الخيل و الإبل) وَ أَرْفَقُ (أسهل، أهون) حِدَائِهِمَا (زجرهما و سوقهما الناس إلى عثمان لقتله) اَلْعَنِیفُ (الشديد من السير بالقهر و الغلبة) وَ كَانَ (وقع) مِنْ عَائِشَة فِيهِ فلَتَهُ (بغتة من غير تأمّل من) غَضَبٍ فَأتِيحَ (قدّر) لَهُ قَوْم (أبعدون) فَقَتَلُوهُ (لأنّ من ضيعه الأقرب أتيح له الأبعد) وَ بَایَعَنِی اَلنَّاسُ غَیْرَ مُسْتَکْرَهِینَ وَ لاَ مُجْبَرِینَ بَلْ طَائِعِینَ

ص: 306

مُخَيْرِينَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الهجرة (المدينة) قَدْ قَلَعَتْ (نبذت) بأهْلهَا وَ قَلَعُوا (نبذوا) بِهَا (منها) وَ جَاشَتْ (غلت) جَیْشَ (غليان) اَلْمِرْجَل (القدر) وَ قَامَتِ اَلْفِتْنَه (بما فعله الزبير و طلحة من تحريك الناس لقتله) عَلَی اَلْقُطْب (المدار) فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ وَ بَادِرُوا (سابقوا) جِهَادَ عَدُوكُم (الناكثين الفتّانين) إِنْ شَاءَ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ.

2- و من كتاب له علیه السَّلام إليهم بعد فتح البصرة:

وَ جَزَاکُمُ اَللَّهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ (مدينة الكوفة) عَنْ أَهْلِ بَيْت نَبِيِّكُمْ (حيث إن نصرتهم نصرة الله) أحسَنَ مَا يَجْزِي الْعَامِلِينَ بِطَاعَته (حيث قرن طاعتهم بطاعته) وَ (أحسن ما يجزى) الشَّاكِرِينَ لِنعْمَتِه (و هى ولايتنا) ففَقَدْ سَمِعْتُمْ (دعوتى للجهاد) وَ أَطَعْتُمْ وَ دُعِیتُمْ (إلى جهاد الناكثين) فَأَجَبْتُمْ.

3-و من كتاب له علیه السَّلام الشريح بن الحارث قاضيه:

وَ رُوِیَ أَنَّ شُرَیْحَ بْنَ الْحَارِثِ قَاضِیَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عَلَیْهِ السَّلاَمُ اشْتَرَی (إبتاع) على عهده داراً بِثَمَانِينَ دِينَاراً فَبَلَغَهُ ذَلكَ (الخبر) فَاستَدْعَى شُريحاً وَ قَالَ لَهُ

بَلَغَنِی أَنَّکَ ابْتَعْتَ (إشتريت) دَاراً بِثَمَانِينَ دِينَاراً وَ كَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً وَ أَشْهَدْتَ فِيهِ (ذلك الكتاب) شُهُوداً.

فَقَالَ لَهُ شُريح قَدْ كَانَ (وقع) ذلكَ (الإبتياع و الكتابة مع الشهود) يا أميرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ فَنَظَرَ (علیه السَّلام) إليه نَظَرَ الْمُغْضَبِ، ثُم قَالَ لَهُ:

یَا شُرَیْحُ: أَمَا إِنَّهُ سَیَأْتِیکَ مَنْ لاَ یَنْظُرُ فِی کِتَابِکَ (و هو ملك الموت) وَ لَا يَسْأَلُكَ عَنْ بَيْنَتَكَ (شهودک) حَتَّی یُخْرِجَکَ مِنْهَا (دارك أو الدنيا) شَاخِصاً ( ذاهبا إلى الآخرة) وَ یُسْلِمَکَ إِلَی قَبْرِکَ (و هو البرزخ) خَالِصاً (فردا وحيدا) فَانْظُر يَا شُرِّيحُ لَا تَكُونُ (تصير) ابْتَعْتَ (إشتريت) هذه یح الدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ أَو نَقَدْتَ الثَّمَنَ (أعطيت الثمن معجّلا) مِنْ غَيْرِ حَلَالِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ

ص: 307

دَارَ الدُّنْيَا وَ دَارَ الْآخِرَةِ (و ذلك هو الخسران المبين) أمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي (جئتنى) عِنْدَ شرائكَ مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَكَ كتاباً عَلَى هَذِهِ النُّسْخَهِ فَلَمْ تَرْغَب (بل تزهد) فِی شِرَاءِ هَذه الدَّارِ بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقُ.

وَ النُّسْخَهُ هَذِهِ هَذَا (المبتاع) مَا (دار) اشْتَرَی عَبْدٌ ذَلِیلٌ (بالحرص و الخروج عن عزّ القناعة) مِنْ مَیِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ (اخرج من الدنيا) لِلرَّحِیلِ (إلى الآخرة) اشْتَرَى (ذلك العبد الذليل) منْهُ (ذلك الميت) دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ مِنْ جَانِبِ (ناحية جهة قرب) الْفَانِينَ وَ (من) خِطَّهِ (بقعة محدودة) الْهَالِکِینَ. وَ تَجْمَعُ هَذِهِ الدَّارَ (تحيط بها) حُدُودٌ أَرْبَعَهٌ الْحَدُّ الْأَوَّلُ یَنْتَهِی إِلَی دَوَاعِی الْآفَاتِ (الِتي تدعو إلى (الهلاك) وَ الْحَدُّ الثَّانِي يَنتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ (من نقص الأنفس و الأموال و الثمرات) وَ الْحَدُّ الثَّالِثُ ينتهي إلَى الْهَوَى الْمُرْدي (المهلک) وَ الْحَدُّ الرّابِعُ ينتَهِي إِلَى الشَّيْطَانِ الْمُغْوِي (المضلّ) وَ فِيهِ (الحدّ الرابع) يُشْرَعُ ( يفتح) بَابُ هَذِهِ الدَّارِ (بتلك الأوصاف الثلاثة) اشْتَرَى هَذَا (العبد) الْمُغْتَر (المغرور) بِالْأَمَلِ مِنْ هَذَا الْمُزعَج (المخرج من الدنيا) بِالْأَجَلِ هَذِهِ الدَّارَ (مع تلك الأوصاف) بِالْخُرُوج مِنْ عِزُ القَنَاعَةِ وَ الدُّخُولِ فِی ذُلِّ الطَّلَبِ (لأكثر من الرزق البلاغ و الكفاف) وَ (الدخول في ذلّ) الضَّرَاعَة (الضعف) فَمَا أَدْرَکَ (نال)، أصاب) هَذَا الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى مِنْهُ مِنْ دَرَك (تبعة خسارة) فَعَلَى مُبلْبِلِ أَجْسَامِ الْمُلُوك (أى على مفسد أجسام الملوك- و هو الموت -إشخاصهم؛ أي إذهاب البائع و المشترى جميعا و إرسالهما إلى موقف العرض و الحساب على عهدة مبلبل أجسام الملوك و هو الموت فيكون مراده علیه السَّلام: لو أدرك المشترى من البائع خسارة فالضمان و العهدة على ملک الموت أو على الموت المفسد لأجسام الملوك) وَ (على) سَالِبٍ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ (المستكبرين) وَ مُزِیلِ (مفنی مهلک) مُلْکِ الْفَرَاعِنَهِ (الحكّام الظالمين) مثل كسْرَى (و هم ملوک الفرس) وَ قَیْصَرَ (ملوك الروم) وَ تُبَّعٍ (ملوك (اليمن) وَ حِمْیَرَ (و هو أب لقبيلة في اليمن) وَ (على سالب نفوس) مَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ (فِي الإِدّخار) وَ مَنْ بَنَى (الدور) وَ شَيْد (رفع البنيان) وَ (من) زَخْرَفَ (زيّن بالذهب) وَ نَجّدَ (زين) وَ ادَّخَرَ (المال) وً

ص: 308

اعْتَقَدَ (إكتسب، إقتنى المال) وَ نَظَر (فكّر، قدّر) بِزَعْمِهِ (أنّ الجمع و الذخيرة و التشييد يكون) لِلْوَلَد إِشْخَاصُهُمْ (إذهابهم) جَمِيعاً إِلَى مُوقِفِ الْعَرْضِ (على الله تعالى) وَ (موقف) الْحِسَابِ وَ مَوْضِعِ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابِ إِذَا (فى زمان) وَقَعَ الْأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاء (القضاء الفصل الّذي يفصل بين الأبرار و الفجّار) وَ خَسِرَ هُنالِکَ (فى ذلك الموقف) الْمُبْطِلُونَ (الشاغلون بالباطل) شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ (الكتاب بما فيه من الحقائق) الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى وَ سَلِمَ مِنْ عَلَائِقِ (حبال) الدُّنْيا (فهو حينئذ حجّة من الله تعالى على العباد).

4-و من كتاب له علیه السَّلام إلى بعض أمراء جيشه:

فَإِنْ عَادُوا (رجع الأعداء المحاربون) إلى ظلُّ الطَّاعَة (لى) فَذَاكَ (العود إلى الطاعة هو) الَّذِی نُحِبُّ وَ إِنْ تَوَافَتِ (إجتمعت) الأمورُ بِالْقَوْمِ (المحاربين) إلى الشَّقَاقِ (التفرّق عن حول الولاية) وَ الْعِصْیَانِ (المخالفة لإمرى) فَانْهَدْ (إنهض ) بِمَنْ أطاعَكَ (من المؤمنين) إِلَى مَنْ عَصَاكَ وَ اسْتَغْنِ مَنِ انْقَادَ (أطاع) مَعَکَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ (إمتنع، تأخّر) عَنْكَ فَإِنَّ الْمُتَكَارِهَ (المتثاقل لكراهة الحرب) مَغِیبُهُ (غيبته) خَیْرٌ (لک) مِنْ مَشْهَدِهِ (حضوره) و قُعُودُهُ ( عن الحرب) أَغْنَی مِنْ نُهُوضِهِ. (قيامه).

5- و من كتاب له علیه السَّلام إلى أشعث بن قيس عامل أذربيجان:

وَ إِنَّ عَمَلَكَ (على أذربيجان) لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَة وَ لَكنَّهُ في عُنقك (ذمّتك) أَمَانَة (من الأمانات الّتي وجب أن تؤدّيها إلى أهلها) و أنتَ مُسْتَرْعَى (مأخوذ بالمراعاة) لَمَنْ فَوْقَكَ (من الله تبارک و تعالى و وليّه) لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ (تستبدّ) فِي رَعِيَة وَ لَا تُخَاطر إلَّا بوثيقة (و هو ما يعتمد عليها فى أيّام المخاطرة) وَ في يَدَيْكَ مَالٌ من مال الله عَزْ وَ جَلَّ وَ أَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ (خازنيه) حَتَّى تُسَلَّمَهُ (ذلك المال) إِلَى وَ لَعَلِّي أَلَّا أَكُونَ شَرَّ وُلاَتِکَ لَکَ (إن أدّيت أمانتي إلى) وَ السَّلاَمُ.

ص: 309

6-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية:

إنه بايعني القَومِ الَّذِينَ بايعوا أبَا بَكْرِ وَ عُمر وَ عُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيه (من لزوم الطاعة و التباعد عن الشقاق و الفتنة بين المسلمين) فَلَمْ يَكُنْ للشَّاهد (على البيعة) أَنْ يَخْتَارَ (غير ما بايعوا عليه) وَ لَا (يكون) للْغَائب (عنها) أنْ يَرُدُّ (بيعة من بايعوا) وَ إِنَّمَا الشُّورَى (على إختيار الحاكم) للْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ (و ليس لأهل الشام فى ذلك نصيب كما لم يكن لهم ذلك من قبل) فَإِنِ اِجْتَمَعُوا عَلَی رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً کَانَ ذَلِکَ (الإجتماع من الأنصار و المهاجرين و فيهم نفسه الزكيّة) لِلَّهِ رِضًا (لدخول الإمام المعصوم علیه السَّلام في ذلك الاجتماع و به صار حجّة) فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنِ (قدح في ذلك الإجتماع) أو بِدْعَةِ (بديع من العمل الّذى لم يكن معهودا عند المسلمين ) رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ (و هو لزوم الإتّباع) فَإِنْ أبى (إستنكف ذلك الخارج) قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّباعه (لتبعيّة ذلك الخارج) غَير سَبيل الْمُؤْمِنينَ (المجتمعين حول الإمام) وَ وَلاَّهُ (وجهه) اللهُ (بقتاله إلى) مَا تَوَلَّى (أعرض عنه من الخروج عما إجتمع عليه المسلمون) و لَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ (تأمّلت) بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَم عُثْمَانَ وَ لَتَعْلَمَنْ أَنِّي كُنْتُ في عُزُلَة عَنْهُ (و لم أمر بقتله) إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّی (تدّعى الجناية على بما لم أفعله) فَتَجَنَّ (تستر، تخفى) مَا بَدَا (ظهر) لَكَ (من قاتليه و أنت منهم و خبير بهم) وَ اَلسَّلاَمُ .

7-و من كتاب منه علیه السَّلام إليه أيضا:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَتْنِی مِنْکَ مَوْعِظَهٌ مُوَصَّلَهٌ (ملتقطة و ملفقة من كلام مختلف وصل بعضه ببعض على التباين كالثوب المرقع) وَ رِسَالَهٌ مُحَبَّرَهٌ (مزينة) نَمَّقْتَهَا (حسنت كتابتها) بِضَلالك (غوايتك) وَ أَمْضَيْتَهَا (أنفذتها، أجريتها و بعثتها إلى) بسوء رأيكَ وَ كِتَابُ امْرِئ (و هو

ص: 310

معاوية) لَیْسَ لَهُ بَصَرٌ (ضياء عقل) یَهْدِیهِ وَ لاَ (له) قَائِدٌ (هاد) یُرْشِدُهُ (لعدم إتّباعه الإمام الحقّ) قَدْ دَعَاهُ الْهَوَى (دون العقل) فَأَجَابَهُ وَ قَادَهُ الضَّلَالُ فَاتَّبَعَهُ فَهَجَرَ (هذى و لغا في کلامه و كتابه) لاغطاً (لافظا بالأصوات المختلفة بلا معنى لها) و ضَلَّ خَابطاً (ذاهبا إلى غير الجادّة).

و منْهُ: (لا يمكن التكرار فى البيعة) لِأَنَّهَا (تلك البيعة من المهاجرين و الأنصار على خلافتي) بَيْعَةً وَاحِدَةً لاَ یُثَنَّی (يتكرر) فِيهَا النَّظَرُ وَ لاَ یُسْتَأْنَفُ (يتجدّد) فِیهَا الْخِیَارُ الْخَارِجُ مِنْهَا طَاعِنٌ (قادح في صحّته) وَ الْمُرَوِّی (المتفكّر المتوقّف فى القبول و الردّ) فِيهَا مُدَاهنٌ (منافق فتجب مقاتلته على إتّباعه غير سبيل المؤمنين حتى دخل فيما خرج عنه).

8-و من كتاب له علیه السَّلام إلى جرير بن عبد الله البجلي لمّا أرسله إلى معاوية:

أَما بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كتابي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْل (الحكم القطعىّ من البيعة لى أو الحرب) وَ خُذَهُ بِالْأَمْرِ الْجَزْمِ (الحتم) ثُمَّ خَیِّرْهُ بَیْنَ حَرْبٍ مُجْلِیَه (مخرجة عن (الوطن) أَوْ سِلْمٍ مُخْزِیَه (مذلّة) فَإِن اخْتَارَ (معاوية) اَلْحَرْب (بإتّباعه غير سبيل المؤمنين المجتمعين على ولايتي) فَانْبِذ (إطرح عهد الأمان) إِلَیْهِ (و أعلنه الحرب) وَ إِنِ اخْتَارَ السِّلْم (و الترك للشقاق) فَخُذْ بَیْعَتَهُ وَ اَلسَّلاَمُ

9-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية:

فَأَرَادَ قَوْمُنَا (قريش) قَتْلَ نَبِیِّنَا وَ اجْتِیَاح (إستئصال إهلاك) أَصْلِنَا وَ هَمُّوا (قصدوا) بِنَا (لنا نزول) الهُمُوم وَ فَعَلُوا بِنَا الْأَفَاعِیلَ (الأفعال الرديئة) وَ مَنَعُونَا الْعَذَبَ (العيش الهنىء) و أَحْلَسُونَا (ألزمونا) الْخَوفَ و اضْطَرُونَا (ألجئونا) إِلَى جَبَلِ وَ عْرٍ (صعب لا يرقى إليه) وَ أَوقَدُوا (أشعلوا، أضرموا، أسعروا) لَنَا نَارَ الْحَرب فَعَزَمَ (أراد) اللّه لَنَا عَلَی الذَّبِّ (الدفع) عَنْ حَوْزَتِه (حماه، حریمه) وَ (عزم لنا) الرَّمْی (الدفع الرفض) مِن وَرَاءِ حُرْمَتِهِ مُومِنُنَا (من بنى هاشم

ص: 311

یَبْغِی (يطلب) بذلك (الذّب و الرمى عن حريمه) الأَجْر (الثواب) وكَافِرُنَا (من بنی هاشم) یُحَامِی عَنِ الأَصْل (و هو هاشم جدّ رسول الله صلّى الله عليه و آله) وَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَیْشٍ خِلْوٌ (فارغ) مِمَّا نَحْنُ فِیه (من المصائب و البلايا) بِحِلْف (ذمّة بينه و بين قوم آخرين) یَمْنَعُه (يحفظه عن أعدائه) أو (ب) عَشِيرَةِ تَقُومُ دُونَهُ (فوقه) فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بمَكَانِ أَمْنِ وَ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه و آله إذا احمَرّ (إشتد) الْبَأْسُ (القتال) وَ أَحجَمَ (نكص) النّاسُ (عن الحرب مهابة) قَدَّمَ أَهْلَ بَيْته فَوقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرِّ السيوف و الأسنَّة فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بنُ الْحَارِثِ (إبن عمّه) يَومَ بَدرٍ وَ قُتِلَ حَمزَةُ (عمّه) يَومَ أُحُدٍ وَ قُتِلَ جَعْفَر (إبن عمّه) يَوْمَ مُؤْتَهُ وَ أَرَادَ (من أهل بيته) مَنْ (رجل و هو نفسه الزكيّة) لو شئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مثل الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَة وَ لَكِنْ آجَالَهُمْ عُجلَتْ (قدّمت) وَ مَنِيّتَهُ (موته) أُجِلَتْ (أخرت) فَيَا عَجَباً لِلدَّهْرِ إِذْ صِرْتُ يُقْرِنُ في مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي (فى الإسلام و هو معاوية) وَ لَمْ تَكُنْ (سابقة) لَهُ كَسَابِقَتِي الَّتِي لا يُدلي (يتوسّل) أَحَدٌ بِمثْلَهَا إِلَّا أَنْ يَدَّعي مُدَّعِ مَا لا أَعْرِفْهُ و لا أظنَّ اللهَ يَعرِفُهُ و الحمد لله عَلَى كُلِّ حَالِ وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلَيْكَ فَإِنِّي نَظَرْتُ (تأمّلت) فِي هَذَا الْأَمْرِ (من دفع القاتلين إلى معاوية) فَلَمْ أَرَهُ يَسعُني (يمكننى) دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَ لَا (رأيته يسعنى دفعهم) إِلَى غَيْرَكَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ (تقلع، تنته) عَنْ غَيْكَ (ضلالک) وَ شِقَاقِكَ (تفرّقک عن جماعة المسلمين) لَتَعرِفَنّهُم عَنْ (زمان) قَلِيلِ يَطلُبُونَكَ (ليقتلوك) لَا يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ (لا يشقّ عليک طلبهم) في بَر وَ لَا بَحْرٍ وَ لَا جَبَلِ وَ لَا سَهْلِ إِلَّا أَنَّهُ (طلبهم) طَلَبَ يَسُوءُكَ وِجدَانُهُ وَ زَورٌ (زائرون) لَا يَسُرّكَ لُقيَانُهُ (لقائهم) وَ السّلَامُ لِأَهلِهِ

10-و من كتاب له علیه السَّلام إليه أيضا:

وَ كَيْفَ أَنْتَ صَانعٌ (لخلاص نفسك من العقاب) إِذَا تَكَشّفَت (رفعت) عَنْكَ (أى عن سريرتك يوم القيامة) جَلَابِيب (أستار) مَا (شيء) أَنْتَ (تستر سريرتك) فيه مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهْجَتْ (تحسّنت لك) بِزِينَتِهَا وَ خَدَعَت (مكرت) بِلَذّتِهَا (فكلّ زينة و لذّة أحاطت بک کجلباب و

ص: 312

عن قليل تكشّفت عنك) دَعَتْك (الدنيا إليها) فَأَجَبْتَهَا وَ قَادَتْك (بزمامها) فَاتَّبَعْتَهَا وَ أَمَرَتُكَ فَأَطَعْتَهَا وَ إِنَّهُ يُوشك (يقرب) أَنْ يَقفَك واقفٌ (من الملائكة) عَلَى مَا (موقف العرض و الحساب الّذى) لا يُنْجِيكَ مِنْهُ مجَنِّ (جنّةٌ) فَاقْعَس (تأخّر) عَنْ هَذَا الْأَمْرِ (من طلب الحكومة بالشقاق بين المسلمين محتجزا بدم عثمان) وَ خُدَّ أَهْبَة (عدّة) الْحِسَابِ وَ شَمّر (تهيّأ، تجهّز إستعدّ) لما قَدْ نَزَل بك (من كشف أستارك يوم القيامة) وَ لَا تُمكِّن (تسلّط) الغُوَاةَ (الضلال) مِنْ سَمْعك (و لا تفعل ما تسمع منهم) وَ إِلَّا تَفْعَلْ (ما نهيتك عنه بتسلّط الغواة من سمعك) أَعْلَمْكَ (أخبرك) مَا أَغْفَلْتَ منْ نَفْسِكَ (من سوء سريرتك المخفى تحت الأستار و أما حقيقة نفسك) فَإِنَّكَ (رجل) مُترفٌ (طاغ بالنعمة بطر بها) قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأَخَذَهُ (موضعا لأخذه و هو زمامک) وَ بَلَغَ فيكَ أَمَلَهُ (من الإضلال و الهلاك) وَ جَرَى مِنكَ مَجرَي الرّوحِ وَ الدّمِ (و أحاط بك من کلّ جانب فنطق بلسانک و رکب بک الزلل) وَ مَتَي كُنتُم يَا مُعَاوِيَةٌ (أنت و آبائک) سَاسَة (سائسوا حكّام) الرَّعيَّة وَ وُلَاةَ أَمْرِ الْأُمِّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقِ (فى الإسلام) وَ لَا شَرَفِ بَاسِقٍ (عال رفيع) وَ نَعُوذُ بِالله مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ (الَّتى معك و مع آبائک) وَ أَحَذَرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتمادياً (متداوما) فِي غِرِة (غرور) الأُمنِيّةِ (الأمل و احذّرك أن تكون) مُختَلِفَ العَلَانِيَةِ وَ السّرِيرَةِ (تستر سریرتک بجلباب الدنيا فزینت علانیتک و قبحت سريرتك) وَ قَدْ دَعَوْتَ إِلَى الْحَرْبِ فَدَعِ (اترك) النَّاسَ جَانباً وَ اخْرُجُ إِلَى (فردا وحيدا) وَ أَعْفِ (أسقط) الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ (و لا تطالبهما) لتَعْلَمَ أَيُّنَا الْمَرِينُ (المغلوب) عَلَى قَلْبِهِ (بالذنوب فعمى) وَ (أيّنا) الْمُغَطَّى (المضروب بالغطاء و الستر) عَلَى بَصره (بالآثام) فَأَنَا أَبُو حَسَنِ قَاتِلُ جَدّكَ (عتبة بن أبى رفيعة) وَ أَخِيكَ (حنظلة بن أبي سفيان) و خَالك (الوليد بن عتبة) شَدْخاً (كسرا) يَومَ بَدْرٍ وَ ذَلكَ السَّيْفُ مَعي وَ بِذَلِكَ الْقَلْبِ (البصير الطاهر عن الرين) ألْقَى عَدُوِّي مَا اسْتَبَدَلْتُ (لم أطلب بدل ديني) ديناً وَ لَا اسْتَحدَثتُ (لم أطلب بدل نبيى) نَبِيّاً (جديدا) و إنِّي لَعَلَى الْمنْهَاج (الطريق الواضح) الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طائعينَ (راغبين مشتاقين) وَ دَخَلْتُم فِيهِ مُكْرَهِينَ (بعد فتح مكّة خوفا من القتل) و زَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ (إلينا للحرب) ثَائِراً (طالبا) بِدَمِ

ص: 313

عُثْمَانَ وَ لَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ (موضعا) وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ (و هو أنت مع طلحة و الزبير و عائشة) فَاطلبهُ مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنْتَ طالباً (صادقا) فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيتُكَ تَضِجّ (تصرخ) مِنَ الْحَرْبِ إِذَا عَضَتُكَ (عقرتک) ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالْأَثْقَالِ (من الأوزار) وَ كأَنَيّ (أنظر) بِجَمَاعَتك (القاسطين من أهل الشام) تَدْعُونِي جَزَعاً (أسفا، خوفا) منَ الضّرب المُتَتابع (من الطعن بالسيوف و الرماح) وَ (من) القَضَاءِ الوَاقِعِ (عليكم فى الحرب من الهزيمة) وَ (من) مَصَارِعَ (مهالک) بَعْدَ مَصَارِعَ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَ هِي (الدعوة) كَافِرَةٌ جَاحدَةٌ (منكرة) أَو مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ (مائلة عن الحقّ).

11-و من وصية له علیه السَّلام وصّى بها جيشا بعثه إلى العدو:

فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُو أَو نَزَلَ (العدوّ) بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسكَرَكُمْ (موضع إستقرار عسكركم) في قُبلِ (قدّام) الْأَشْرَافِ (الأعالى من الأماكن) أَو سِفَاحِ (أسافل) الْجِبَالِ أو (فى) أَثْنَاء (منعطفات) الْأَنْهَارِ كَيْمَا يَكُونَ (ذلك الأمر من كيفيّة إستقراركم) لَكُمْ رِدْءاً (عونا) وَ دُونَكُمْ (ورائكم) مَرَداً (مدفعا للعدوّ) وَ لَتَكُنْ مُقَاتَلَتْكُمْ (للعدوّ) مِن وَجهٍ وَاحِدٍ أَوِ (من وجهين) اثْنَيْنِ وَ اجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ (مراقبين، حافظين) في صَيَاصِي (أعالى) الْجِبَالِ وَ (فى) مَنَاكِبِ (مرتفعات) الْهِضَابِ الجبال) الّتى لا ترتفع كثيرا مع إنبساطها في أعلاها) لئَلَّا يَأْتِيَكُمُ الْعَدُو مِنْ مَكَانِ مَخَافَة أو أَمْنِ وَ اعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ (من عسكر العدوّ) عُيُونُهُم وَ عُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلَائعُهُمْ (الّتى تظهر قبل القوم) وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّفَرقَ (عن معسكركم) فَإِذَا نَزَلْتُمْ (فى مكان) فَانْزِلُوا (فيه) جمِيعاً وَ إِذَا ارْتَحَلْتُمْ (عنه) فَارْتَحلُوا جميعاً وَ إِذَا غَشِيكُمُ (أحاط بكم) اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرّمَاحَ (عند النوم) كفَّةَ (مستديرة ككفّة الميزان حولكم) وَ لَا تَذُوقُوا النّومَ إِلّا غِرَاراً (خفيفا منه) أو مَضْمَضَةً (كمضمضة الماء بأن تنوموا ثمّ تستيقظوا ثمّ تناموا ثم تستيقظوا حتّى لا يأخذكم العدوّ بغتة في حين غفلتكم).

12- و من وصيّة له علیه السَّلام وصّى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدّمة له:

ص: 314

اتَّقِ اللَّهَ الَّذي لَا بُدَّ لَكَ منْ لقائه (عند الموت) وَ لا منتهى (نهاية) لَكَ دُونَهُ (فوقه) وَ لَا تُقَاتِلَنْ إِلَّا مَنْ قَاتَلَكَ وَ سِرِ (إلى العدوّ في) البَردَينِ (الغداة و العشى دون حرّ الضحى) وَ غَور بِالنَّاسِ (أنزل بهم فى الغائرة أى نصف النهار ليستريحوا عن حرارة الشمس) وَ رَفهُ (هوّن) في السَّيْر وَ لَا تَسِرْ - أَوَّلَ اللَّيْل فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ سَكَنَا وَ قَدْرَهُ مُقَاماً لَا ظَعْناً (سیرا، سفرا، إرتحالا) فَأَرِح (عن السير) فِيهِ بَدَنَكَ وَ رَوّح ظَهرَكَ (من ثقل السلاح) فَإِذَا وَقَفْتَ (فى أول الليل) حينَ يَنبَطحُ (ينبسط) السَّحَرُ أو حين يَنفَجِرُ الفَجرُ (لصلاة الصبح) فَسِرْ - عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوِّ فَقَفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وسطاً (فيهم) وَ لَا تَدْنُ (تقرب) مِنَ الْقَوْمِ (المحاربين) دُنُو (قرب) مَنْ يُريدُ أَنْ يُنشبَ (يعلق) الحَرب وَ لَا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ (يخاف) الْبَاسَ (الحرب) حَتّي يَأتِيَكَ أمَريِ وَ لَا يَحمِلَنّكُمُ شَنَآنُهُم (بغضهم) عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ (إلى السلم) وَ (قبل) الْإِعْذارِ (إتمام الحجّة) إِلَيْهِم.

13- و من كتاب له علیه السَّلام إلى أميرين من أمراء جيشه:

وَ قَدْ أَمَرْتُ (جعلت أميرا) عَلَيْكُما وَ عَلَى مَنْ فِي حَيَزِكُمَا (ضمنكما من الجيش) مَالكَ بن الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فَاسْمَعَا لَهُ وَ أطيعَا وَ اجْعَلاهُ دِرعاً (وقاية) وَ مِجَنّاً (جنّة) فَإِنَّهُ ممَّنْ لَا يُخَافُ وَ هُنْهُ (ضعفه عند لقاء العدوّ) وَ لا (يخاف) سَقْطَتُهُ (زَلّته) وَ لَا (يخاف) بُطؤُهُ (عدم سرعته) عَمّا (في موضع يكون) الْإِسْرَاعُ إِلَيْه أَحْزَمُ (أقرب للحزم و الإحتياط) وَ (إنّه ممّن) لا (يخاف) إسْرَاعُهُ إلَى مَا الْبطء عَنْهُ أَمْثَلُ (أحسن أولى، و تلك الكلمات دالّة على عصمته عن الخطيئة لا الخطأ).

14- و من وصيّة له علیه السَّلام العسكره قبل لقاء العدو بصفين:

لَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ (بالقتال) فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللهِ عَلَى حُجَّة (بيّنة قاطعة لملازمتكم الإمام الحقّ المبين) وَ تَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ (عن القتال) حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ (لأَنْ الدفاع واجب عقلا و شرعا و لا محيص عنه) فَإِذَا كَانَت (وقعت) الْهَزِيمَةُ (الفرار) بِإِذْنِ الله

ص: 315

فَلَا تَقْتُلُوا مُدْبِراً (منهم عن الحرب) وَ لَا تُصِيبُوا مُعوِراً (مستسلما عاجزا عن حماية نفسه) وَ لَا تُجهِزُوا (تتمّوا أسباب القتل) عَلَي جَرِيحٍ (مجروح) وَ لَا تَهِيجُوا (تحرّكوا) النِّسَاءَ بِأَذًى وَ إِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَ سَبينَ (لعن أَمَرَاءَكُمْ فَإِنَّهُنَّ ضَعيفَاتُ القُوَى (لضعف أجسادهم) و (ضعيفات) الْأنْفُس (لضعف قلوبهم عند شدائد الدهر) و (ضعيفات) الْعُقُول (عند الإختلاف فى الآراء و إمتزاج الحقّ و الباطل) إنْ (و هى مخفّفة عن المثقّلة) كُنَّا لَنُؤْمَر (فى زمان رسول الله) بِالْكَفِّ (المنع) عَنْهُنَّ وَ إِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ (فالكف هنا أولى) وَ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَل (يصيب) الْمَرْأَةَ فِي (أيام) الجَاهِلِيّةِ بِالفَهرِ (الحجر على مقدار يملأ الكفّ) أَوِ الهِرَاوَةِ (العصا و ما شابهها) فَيُعَيّرُ (يذمّ، يعاب ذلك الرجل) بها (لتلك الفعلة من الفهر و الهراوة على المرأة) وَ (يعيّر) عَقبهُ (أولاده) مِن بَعدِهِ (بتلك الأفعال.

15- و من دعاء له علیه السَّلام كان علیه السَّلام يقول إذا لقي العدو محاربا:

اللَّهُم إِلَيْكَ أفْضَت (وصلت إنتهت) القُلُوبُ وَ مُدَّت الأعْنَاقُ (طمعا لرحمتک) و شَخَصَت (ذهبت) الأَبْصَارُ (إليك خوفا منک) وَ نُقِلَتِ الأَقدَامُ وَ أُنضِيَتِ (أبليت بالهزال و الضعف في طاعتك) الْأَبْدَانُ اللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ (ظهر) مَكْنُونُ الشَّنَآنِ (البغضاء المكنونة في الصدور) وَ جَاشَتْ (غلت) مَرَاجِلُ (قدور) الْأَضْغَانِ (الأحقاد) اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةً نَبِيِّنَا وَ كَثْرَةَ عَدُونَا وَ تَشَتَّتَ (تفرق) أَهْوَائنَا رَبَّنَا افْتَح بَيْنَنا بَينَنا وَ بَينَ قَومِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الفاتِحِينَ.

16- و كان يقول علیه السَّلام لأصحابه عند الحرب:

لَا تَشْتَدَّنَّ (تشقَّنْ) عَلَيْكُمْ فَرَةٌ (هزيمة من العدوّ) بَعْدَهَا كَرَةٌ (رجعة إلى الحرب) وَ لَا (تشدّنّ عليكم) جَولَةٌ (دورة من وجه العدوّ) بَعدَهَا حَملَةٌ وَ أَعطُوا السّيُوفَ حُقُوقَهَا (بالكرة بعد الفرة و الحملة بعد الجولة) وَ وَطّئُوا (مهدوا) للجُنوب مَصَارِعَها (مواضع نزولها و هبوطها) وَ اذمُرُوا (احرصوا) أَنْفُسَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ (الجرح) الدَّعْسِي- (الشديد) وَ الضّربِ

ص: 316

الطَّلَحفِي (أشدّ الضرب) و أميتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ (إماتة الصوت) أَطرَدُ الفَشَلِ (الضعف) فَوَ ألّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَ بَرَأَ النّسَمَةَ (ذا الروح) مَا أَسلَمُوا (لم يسلموا لرسول الله صلّى الله عليه و آله) وَ لَكِنِ اسْتَسْلَمُوا (إدّعوا الإسلام، دخلوا فيه كرها) وَ أَسَرّوا (أضمروا) الكُفْرَ (في قلوبهم) فَلَمَّا وَجَدُوا أَعوَاناً (أنصارا) عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ (أعلنوا كفرهم لرسول الله صلّى الله عليه و آله بالقتال لوصيّه).

17-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية جوابا عن كتاب منه إليه:

وَ أَمّا طَلَبُكَ إلِيَ ّ الشّامَ (كما أعطاك إمارتها عمر و عثمان) فَإنّي لَمْ أَكُنْ لِأعْطِيكَ اليَومَ مَا (الحكومة الّتي) مَنَعتُكَ (منها) أمس وَ أَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ الْحَرْبَ قَدْ أَكَلَت (أهلكت) العَرَبَ إِلَّا حُشَاشُاتِ (بقايا) أنفُس بَقيَتْ أَلَا وَ مَنْ أَكَلَهُ الْحَقِّ (أى هلك في سبيل الحقّ و هو أنا و أصحابي) فَإِلَى الْجَنَّةِ (يصير) و مَنْ أَكَلَهُ الْبَاطِلُ (و هو أنت و أصحابك) فَإِلَى النَّارِ (مصيره) أمّا (قولك) اسْتوَاؤُنَا فِي الْحَرْبِ وَ الرِّجَالِ فَلَسْتَ بِأمْضَى (أنفذ، أثبت) عَلَى الشَّکّ (الّذى أنت فيه) مِنّي عَلَى الْيَقِينِ (الّذى كنت عليه) وَ لَيْسَ أهْلُ الشَّامِ بِأحْرَصَ عَلَى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى الْآخِرَةِ وَ أما قولَكَ إنَّا بَنُو عَبْد مَنَافِ فَكَذلك نَحْنُ (أبناءه) وَ لَكِنْ لَيْسَ أُمَيَّة (جدّک) كَهَاشم (جدّی) وَ لَا حَرب (جدك) كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ (جدّى) وَ لا أَبو سُفْيَانَ (أبوك) كأبي طالب (أبى) وَ لَا الْمُهَاجِرُ (قبل فتح مكّة إلى المدينة) كَالطَّليق (يوم الفتح) وَ لَا الصّرِيح (في الإسلام) كَاللّصِيقِ (المستسلم المنافق ، المنتمى إلى الإسلام) وَلا الْمُحقِّ (صاحب الحقّ) كَالْمُبْطِلِ (له) وَ لَا الْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ (المفسد) وَ لَبِئْسَ الْخَلْفُ (الولد) خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً (أبا) هَوّى (سقط ذلك الأب) في نَارِ جَهَنَّمَ وَ فِي أَيدِينَا بَعدُ (تلك الفضائل) فَضْلُ النُّبوة الَّتِي أَذْلَلْنَا بِهَا الْعَزِيز (المستعلى المتكبّر) و نَعَشْنَا (رفعنا) بِهَا الذّليل (المستضعف المحروم عن حقّه) وَ لَمَّا أَدْخَلَ اللهُ الْعَرَبَ فِي دِينِهِ أفْوَاجاً وَ أَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ الأُمّةُ طَوعاً وَ كَرْهاً كُنتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً (فى الملك) وَ إِمَّا رَهْبَةَ (خوفا من الأسر أو القتل) عَلَى (في) حينَ (زمان) فَازَ

ص: 317

(سبق، فاق) أهْلُ السَّبْقِ (إلى الفضائل) بِسَبْقِهِم (إلى الإسلام) وَ ذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الْأُولُونَ (السابقون (المقرّبون) بِفَضْلِهِمْ فَلَا تَجْعَلَنَّ (يا معاوية) للشَّيْطانِ فِيكَ نَصِيباً وَ لَا عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا وَ السّلَامُ

18-و من كتاب له علیه السَّلام إلى عبد الله بن عباس و هو عامله على البصرة بعد أن شدته علي بنى تميم لأنّهم كانوا مع طلحة و الزبير في الجمل:

وَ اعلَم أَنّ البَصرَةَ مَهبِطُ (منزل) إبليسَ وَ مَغْرِس (موضع ثبات) الفتَنِ فَحَادِث (تكلّم) أَهْلَهَا بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَ احْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ (بالقول الليّن) وَ قَدْ بَلَغَنِي تَنَمّرُكَ (تنكّرك فى الأخلاق) لبِنَيِ تَمِيمٍ وَ غِلظَتُك عَلَيهِم وَ إِنّ بنَيِ تَمِيمٍ لَم يَغِب لَهُم نَجمٌ إِلّا طَلَعَ لَهُم (نجم) آخَرَ (بدله فى الشجاعة) وَ إِنَّهُمْ لَمْ يُسبَقُوا بِوَغْمِ (حرب) فِي جَاهِلِيّةٍ وَ لَا إِسْلَام (لكثرة شجعانهم) وَ إِنَّ لَهُمْ بِنَا رَحماً مَاسَّة (مست أولادا و بيننا و بينهم صلة بالمصهارة) وَ قَرَابَةً خَاصَّةً (بتلك المصاهرة) نَحنُ مَأجُورُونَ عَلَي صِلَتِهَا (إتّصال الرحم) وَ مَأْزُورُونَ (مؤاخذون) عَلَي قَطِيعَتِهَا فَاربَع (قف عند الحدّ و لا تتجاوز عنه يا) أبا العباس رَحمَكَ اللهُ فيمَا جَرَى عَلَى لِسَانكَ وَ يَدكَ مِنْ خَيْرٍ وَ شَرِّ فَإِنَّا شَرِيكَانِ فِي ذَلِكَ (الخير أو الشر) وَ كُنْ (قع) عِنْدَ صَالِحٍ ظَنِّي بك (و إعمل كما أمرتك لتجلب حسن ظنّى بک) وَ لَا يَفِيلَنَّ (يضعفنّ) رأيي فيك (بسوء العمل) وَ السّلام.

19- و من كتاب له علیه السَّلام إلى بعض عماله:

أَما بَعْدُ فَإِنَّ دَهَاقِينَ (أكابر آمرين لمن دونهم و لا يأتمرون من أحد فى) أَهْلِ بَلَدكَ شَكَوْا مِنْكَ غلظة (فى القول) وَ قَسْوَةً (فى العمل) و احتقاراً (لهم) وَ جَفْوَةً (غلظة فى المعاشرة) و نَظَرْتُ (تأمّلت تفكّرت) فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلًا لِأَنْ يُدنَوا (يقرب إليهم) لِشِركِهِم وَ لَا (رأيتهم أهلا) أنْ يُقْصَوا (يبعّدوا من حولك) وَ (أن) يُجفّوا (يحرموا من المعاشرة الحسنة معهم) لِعَهدِهِم

ص: 318

(ذمّتهم لأمير المؤمنين) فَالْبَس لَهُمْ َجلْبَاباً من اللّينِ (فى القول و الفعل) تَشُوبُهُ (تخلطه) بِطَرَف (بعض، قليل) مِنَ الشِّدَّة (الغلظة) وَ دَاوِل (تقلّب) لَهُمْ بَيْنَ القَسْوَة و الرّأفَةِ وَ امزُج (اخلط) لَهُم بَينَ التَّقْرِيب (منك إليهم) وَ الإِدنَاءِ (منهم إليك) وَ الْإِبْعَادِ (منک لهم) وَ الإِقصَاءِ (الإبعاد لهم منك) إِنْ شَاءَ اللهُ.

20-و من كتاب له علیه السَّلام إلى زياد ابن أبيه وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة و عبد الله عامل أمير المؤمنين علیه السَّلام يومئذ عليها و على كور الأهواز و فارس و کرمان و غیرها:

وَ إِنِّي أَقسم بالله قَسَماً صادقاً لَئِنْ بلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ منْ في (غنيمة، خراج) الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغيراً أو كَبِيراً لأشُدَّنَّ (أشقَنَ) عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ (تتركك) قَليلَ الْوَقْرِ (المال) ثَقِيلَ الظَّهْرِ (من حمل الوزر بعملک) ضَئيل (حقير) الأمر (الشأن) وَ السّلام.

21-و من كتاب له علیه السَّلام إلى زياد أيضا:

فَدَعِ (اترك) الْإِسْرَافَ (المئونة الزائدة عن قدر حاجتك) مُقتصداً (قواما بين الإفراط الموجب للإسراف و التفريط الداعي للبخل) وَ اذْكُرَ فِي الْيَوْم (و هو يوم العمل) غَداً (و هو يوم الحساب) وَ أَمْسِکْ منَ الْمَال بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ وَ قَدِّمِ الْفَضْل (زيادة مالک) لِيَوْمِ حَاجَتِكَ (فقرك عند العرض على الله تعالى) أ تَرْجُو أَنْ يُعْطَيَكَ اللهُ (يوم الحساب) أَجْرَ الْمُتَوَاضعين (للفقراء) وَ أَنْتَ (معدود) عندَهُ منَ الْمُتَكَبِرِينَ (لهم بمنع حقوقهم) وَ (هل) تَطْمَعُ وَ أنْتَ متمَرَغٌ (متقلّب) في النَّعِيمِ تَمْنَعُهُ (من) اَلضَّعِیفَ وَ اَلْأَرْمَلَه أنْ يُوجِبَ لَكَ تَوَابَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ إِنَّمَا اَلْمَرْءُ مَجْزِیٌّ بِمَا أَسْلَفَ (قدّم من التقوى و الصالحات) و قادِمٌ (وارد يوم القيامة) عَلَى مَا قَدَّمَ (منهما ليوم حاجته) وَ اَلسَّلاَم

22- و من كتاب له علیه السَّلام إلى عبد الله بن العباس رحمه الله تعالى و كان عبد الله

ص: 319

يقول «ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله صلّى الله عليه و آله كانتفاعي بهذا الكلام»:

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اَلْمَرْءَ قَدْ یَسُرُّهُ ( يفرحه) دَركُ (نيل، وصول) مَا (رزق) لَمْ يَكُنْ لَيَفُوتَهُ وَ يَسُوؤُهُ (يحزنه) فَوْتُ مَا (رزق) لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ (يصله، يناله) فَلْيَكُنْ سُرُورك بِمَا نلتَ (أدركت) مِنْ آخرتك (بترك الدنيا و سرورها) و لَيَكُنْ أَسَفُكَ عَلَى مَا (شيء) فَاتَكَ مِنْهَا وَ مَا نَلْتَ مِنْ دُنْيَاكَ (من الرزق المضمون (لك) فَلاَ تُکْثِرْ بِهِ فَرَحاً، وَ مَا فَاتَکَ مِنْهَا فَلاَ تَأْسَ عَلَیْهِ جَزَعاً (حزنا، حيث لم يكن لك رزقا) وَ لْیَکُنْ هَمُّکَ فِیمَا بَعْدَ اَلْمَوْتِ (من الإستعداد لأهوال القبر و القيامة).

23- و من كلام له علیه السَّلام قاله قبل موته على سبيل الوصية لمّا ضربه ابن ملجم لعنه الله:

وصيتي لَكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيئاً و محمّد صلّى الله عليه و آله فَلَا تُضَيعُوا سُنَتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وَ أَوْقِدُوا هَذَيْنِ اَلْمِصْبَاحَیْنِ وَ خَلاَکُمْ ذَمٌّ (جاوزكم لوم، عداكم ذمّ) أنا، بالْأمْسِ صَاحِبُكُم وَ اليوم عبرةً لَكُمْ وَ غَداً مُفَارِقُكُمْ إِنْ أبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وَ إِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاء مِيعادي وَ إِنْ أَعْفُ (عن القاتل) فَالْعَفْو لي قُربةٌ و هُوَ لَكُم حَسَنَةٌ فَاعْفُوا (عن القاتل) ألا تُحبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَ الله مَا فَجَأني (لم يجئنى فجأة و بغتة) مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ (قادم) كَرِهْتُهُ وَ لَا (فجأنى) طالع أَنْكَرْتُهُ (جحدته، إستقبحته) وَ مَا كُنْتُ (بالنسبة إلى الموت) إِلَّا كَقَارِبِ (طالب ماء فى الليل) وَرَدَ (على الماء) وَ طَالِبٍ (للماء) وَجَدَ (الماء) وَ ما عِنْدَ اَللّهِ (من نعيم الأبد) خَیْرٌ لِلْأَبْرارِ.

قال السيد الشريف رضي الله عنه : أقول و قد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب إلا أن فيه هاهنا زيادة أوجبت تكريره

24- و من وصية له علیه السَّلام بما يعمل في أمواله كتبها بعد منصرفه من صفين:

هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبدُ اللهِ عَلي بن أبي طالب أميرُ الْمُؤْمِنِينَ في مَالِهِ ابْتِغَاءَ (طلب) وجه الله

ص: 320

لِیُولِجَهُ (يدخله) بِهِ الْجَنَّهَ وَ یُعْطِیَهُ بِهِ الْأَمَنَهَ (الأمان فى يوم لا أمان إلا أمانه تعالى).

منهَا : فَإِنَّهُ يَقُومُ بِذَلك (العمل فى أموالى) الْحَسَنُ بْنُ عَلى يَأكُلُ مِنْهُ (بعض) ذلك المال) بِالْمَعْرُوفِ (بما يكفيه و يكفّه عن السؤال) وَ يُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ (بغير إسراف) فَإِنْ حَدَثَ (وقع) بِحَسَنٍ حَدَثٌ (من الموت) وَ حُسَينٌ حيَ ّ قَامَ بِالأَمرِ بَعدَهُ (من العمل في ذلك الأموال) وَ أَصْدَرَهُ (أخرج ذلك المال) مَصْدَرَهُ (إصداره بوضع المال فى موضعه) وَ إِنَّ لِابْنَي فَاطِمَةً مِنْ صَدَقَةِ (إنفاق أموال) عَلي مِثْلَ الَّذِي لبَنِي عَليَّ (من غير زيادة و نقصان) وَ إِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الْقِيَامَ بِذَلِكَ (الأمر من القيام بالعمل فى أموالى) إِلَى ابْنَي فَاطِمَةَ ابْتِغَاء وَجْهِ اللهِ وَ قُرْبَةً إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَ تَکْرِیماً لِحُرْمَتِهِ وَ تَشْرِیفاً لِوُصْلَتِهِ (صلته) وَ يَشْتَرِطُ (الموصى و هو نفسه الزكيّة) عَلَی اَلَّذِی یَجْعَلُهُ (يضع الموصى ذلك المال) إلَيه (عنده) أَنْ يَتْرَكُ الْمَالَ (و هنا الجنّة) عَلَى أَصُولِه وَ يُنْفقَ مِنْ ثَمَرِه حَيْثُ (موضعا ) أُمِرَ (الّذى يجعل المال عنده) به و (حيث) هُدِيَ (القائم بالأمر ) لَهُ وَ أَلَّا یَبِیعَ مِنْ أَوْلاَدِ نَخِیلِ هَذِهِ اَلْقُرَی وَدِیَّهً (صغارا من النخل) حَتَّی تُشْکِلَ (تلتبس) أَرْضُهَا (على الناظر إليها غراساً (لكثرة غرس الأشجار في تلك الأرضِ) وَ مَنْ كَانَ مِنْ إِمَانِي اللَّاتِي أطُوفُ عَلَيْهِنَّ (أنكحهنّ و) لَهَا وَلَدٌ أَو هِيَ حَامِلُ فَتُمْسَك (تلزم) عَلَی وَلَدِهَا (وَ هِیَ ملازمة له) و هي منْ حَظُّهُ (أى ثمنها لولدها و هي قسمة له) فإنْ مَاتَ وَلَدُهَا وَ هِيَ حَيَّةً فَهِيَ عَتِيقَةٌ قَدْ أَفْرَجَ (إنقطع) عَنْهَا اَلرِّقُّ (العبودية، المملوكية) وَ حَرَّرَهَا اَلْعِتْقُ

قال الشريف: قوله علیه السَّلام في هذه الوصية و ألا يبيع من نخلها ودية الودية الفسيلة جمعها ودي و قوله علیه السَّلام حتى تشكل أرضها غراسا هو من أفصح الكلام و المراد به أن الأرض يكثر فيها غراس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها فيشكل عليه أمرها و يحسبها غيرها.

25-و من وصية له علیه السَّلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات:

ص: 321

قال الشريف: و إنّما ذكرنا هنا جملا ليعلم بها أنّه علیه السَّلام كان يقيم عماد الحقّ و يشرع أمثلة العدل، فى صغير الأمور و كبيرها و تدقيقها و جليلها.

انطلق (إمش، إمض لسبيلك) عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ لاَ تُرَوِّعَنَّ (تخوفنّ) مُسلماً وَ لَا تَجْتَازَنُ (تمرّنّ) عَلَيْه (فى ملكه) كارهاً وَ لَا تَأخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ الله (من الزكوات و الصدقات) في ماله فَإِذَا قَدمْتَ (دخلت، وردت) عَلَى الْحَيِّ (القرية) فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِط (تدخل) أَبْيَاتَهُمْ ثُمَّ امْضِ (اسلك) إِلَيْهِمْ بِالسِّكِينَةِ (في القلب) وَ الْوَقَارِ (في الأعضاء) حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسلَّم عَلَيْهِم وَ لَا تُخْدِج (تبخل) بِالتَّحِيَّةِ (الإكرام) لَهُمْ ثُمَّ تَقُولَ عِبَادَ اللهِ أَرسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِي الله وَ خَليفَتُهُ لأخُذَ مِنْكُمْ حَقَ الله في أموالكُمْ فَهَلْ لله في أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقَّ فَتَؤَدُّوهُ إِلَى وَليه فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لا فَلَا تُراجِعهُ وَ إِنْ أَنْعَمَ لَكَ و إِنْ أنعم لَكَ منعم (أى قال لك نعم) فَانْطَلَقُ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخيفَهُ أَو تُوعدَهُ أَوْ تَعْسفَهُ (تأخذه بشدّة) أو تُرهِقَهُ (تكلّفه ما يصعب عليه) فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أو فِضَّة فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ (بقر و غنم) أو (كان له) إبل فَلَا تَدْخُلُهَا إِلَّا بِإِذْنه فَإنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ (و أقلها حقّ الله تعالى من الزكاة و غيرها) فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلَّط عَلَيْه (بالغلبة على مالكها) وَ لَا (دخول) عَنيفٍ (قهر) بِهِ وَ لَا تُنفّرنَّ (تهيجّ) بَهِيمَةً وَ لاَ تُفْزِعَنَّهَا (تخوفنّ تلك البهيمة) و لا تَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا وَ اصْدَعِ (إقسم) الْمَالَ صَدْعَينِ (قسمين) ثُمَّ خَيْره (بينهما) فَإِذَا اخْتَارَ (المالك) فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِي (الّذى إختاره صاحبه) صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيْره فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ فَلَا تَزَالُ كَذَلكَ (فى تقسيم ماله صدعين) حَتَّى يَبقَى مَا (صدعٌ ، قسم) فِيهِ وَفَاءٌ (إستيفاء، أداء) لحَقِّ الله فِي مَالِهِ (و لا ينقص ذلك الصدع و لا يقصر من حقّ الله تعالى) فَاقْبِضْ حَقَّ الله منه (ذلك المالك أو ذلك الصدع) فَإِنِ اسْتَقَالَك (طلب منك المهلة) فَأَقلَهُ ثُمَّ اخْلطَهُمَا (امزج الصدعين بعد الإقالة للمالك) ثُمَّ اصْنَع مثل الَّذِي صَنعت (فعلت) أولًا حَتَّى تَأخُذَ حَقَّ الله فى مَالَه وَ لَا تأخُذَنَّ عَوْداً (مسنّة) وَ لَا هَرِمَةً (أسنّ من العود) وَ لَا مَكْسُورةَ (إحدى قوائمها) وَ لا مَهْلُوسَةً (ضعيفة) وَ لَا ذَاتَ عَوَارٍ (عيب) وَ لَا تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ تَثقُ بِدينِهِ رَافِقاً

ص: 322

(غير عنيف) بِمَالِ الْمُسْلِمينَ حتى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلَيْهِمْ فَيَقْسِمهُ بَيْنَهُمْ وَلَا تُوَكَّلْ بِهَا إِلَّا نَاصِحاً شفيقاً (حريصا فى الخير و الإصلاح) وَ أَمِيناً حَفِيظاً غَيْرَ مُعْنِفٍ (معسر مضيق) وَ لَا مُجْحِفٍ (غير مسرع في سوق تلك الماشية حتى تهزل) وَ لاَ مُلْغِبٍ (شديد في التعب) وَ لاَ مُتْعِبٍ (منصب لتلك الماشية) ثُمَّ احْدُرْ (أرسل سريعا) إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ (من حقّ الله تعالى بعد القبض لها) نُصَيِّرْهُ (نجعل ما إجتمع عندك) حَيْثُ (موضعا) أَمَرَ اللهُ بِهِ فَإِذَا أَخَذَهَا أمينُكَ فَأَوْعِزْ (أشر) إِلَيْه أَلَّا يَحُولَ ( يفصل، يمنع) بين نَاقَة و بَينَ فَصِيلِهَا (ولدها الرضيع) وَ لاَ يَمْصُرَ لَبَنَهَا (أى لا يبالغ فى حلبها حتى يفقد اللبن في ضرعها) فَيَضُر - [افَيُضِرْ-] ذَلكَ (المصر- للبنها) بولدهَا وَ لَا يَجهَدَنَها (يتعبنّ أمینک تلک الناقة) رُكُوباً و ليعدل بين صَوَاحِبَاتِهَا (الّتي تكون مع تلك الناقة) فِي ذَلِكَ (الركوب) وَ بَيْنَهَا وَ لْيُرَفِّهْ عَلَى اللاَّغِبِ (الّذى أعجزه التعب) وَ لْيَسْتَأْنِ (يرفق) بِالنَّقِبِ (الّذى خرق خفّه) وَ الظَّالِعِ (الّذى غمز و مال في مشيه) و ليورِدُهَا (يدخل أمینک تلک الماشية) مَا (موضعا) تَمُرُّ ( الماشية) به منَ الْغُدُرِ (مواضع إجتماع الماء) وَ لا يَعْدل (يمل، ينحرف) بِهَا عَنْ نَبت الأَرْضِ إِلَى جَوَادُ الطَّرْقِ (الّذى لا نبات فيه لكثرة المرور عليه) وَ لْيُرَوِّحْهَا (يرفّه تلك الماشية) فِي السَّاعَاتِ وَ لْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ (المياه القليلة) وَ الْأَعْشَابِ (النبات) حَتَّى تَأْتِيَنَا (تلك الماشية) بِإِذْنِ الله بُدَّناً (سمينة) مُنْقِيَاتٍ (ذوى مخ) غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ (واقعات فى التعب) وَ لَا مَجهودات (واقعات فى السعى الشديد) لنَقْسمَهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وَ سُنَّةِ نَبِيهِ صلى الله عليه و آله فَإِنَّ ذلك (العمل منك) أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ وَ أَقْرَبُ لِرِشْدِكَ (هدايتك) إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

26- و من عهد له علیه السَّلام إلى بعض عماله و قد بعثه على الصدقة:

أَمَرَهُ بِتَقوَی اللّهِ فی سرائِرِ (مضمرات) أَمرِهِ وخَفِیّاتِ عَمَلِهِ ، حَیثُ لا شَهیدَ (شاهد) غَيرهُ وَ لا وَكِيلَ دُونَهُ وَ أَمَرَهُ أَلَّا يَعْمَلَ بِشَيء مِنْ طَاعَة الله فيما ظَهَرَ (علن من عمله) فَیُخَالِفَ إِلَی غَیْرِهِ فِیمَا أَسَرَّ (أخفاه من معصيته) وَ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرهُ (باطنه) و عَلَانِيَتُهُ (ظاهره) وَ فِعْلُهُ وَ

ص: 323

مَقَالَتْهُ فَقَدْ أَذًى الْأَمَانَةَ (المأخوذة منه فى الميثاق) وَ أَخْلَصَ (الربّه) الْعِبَادَةَ وَ أَمَرَهُ أَلاَّ یَجْبَهَهُمْ (يضرب جبهة الناس) ولا يَعْضَهَهُم (يبهتهم، يذمّهم) وَ لَا يَرْغَبَ (يميل، يعدل) عَنْهُمْ تَفَضُّلاً (طالبا للفضل و الزيادة) بِالْإِمَارَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمُ الْإِخْوَانُ فِي الدِّينِ (إن كانوا مؤمنين) وَ الْأَعْوَانُ عَلَی اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ (إن كانوا غيرهم ممّن كان فى ذمّة الإسلام) وَ إِنَّ لَكَ فِي هَذه الصَّدَقَة نَصِیباً مَفْرُوضاً (فى كتاب الله تعالى و سنّة رسوله) و حقاً مَعْلُوماً وَ شُرَكَاءَ (في هذه الصدقة) أهلَ مَسْكَنَة وَ ضُعَفَاءَ ذَوي فَاقَة (فقر، حاجة ) وَ إِنَّا مُوَفُوكَ (معطوك) حَقَّكَ (تامّا غير منقوص) فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ وَ إِلَّا تَفْعَلْ (ذلك من وفاء حقوقهم) فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (لكثرة أهل الصدقة) وَ بُؤْسَى (فقرا شديدا) لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ الله (يوم القيامة) الْفُقَرَاء وَ الْمَسَاكِينُ وَ السَّائلُونَ وَ الْمَدْفُوعُونَ (الّذين يدفعون من بلادهم لجباية الخراج، العاملين عليها) وَ الْغَارِمُونَ (المديونون) و ابنُ السّبِيلِ وَ مَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَ رَتَعَ (أكل كالبهائم أفرط) في الخيَانَة وَ لَمْ يُنَزِّهُ نَفْسَهُ وَ دِينَهُ عَنها (من الخيانة) فَقَدْ أَحَلَّ (أباح) بِنَفْسِهِ الذُّلَ وَ الْخِزْيَ (الحقارة، التصاغر) في الدُّنْيَا وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ الذُّلَّ وَ الْخِزْیَ وَ إِنَّ أَعْظَمَ الخيَانَة خِيَانَةُ الأمة و أفْظَعَ (أشنع) الغشّ (الخيانة) عَشُ الْأئمة وَ السَّلاَمُ .

27-و من عهد له علیه السَّلام إلى محمّد بن أبي بكر رضي الله عنه حين قلّده مصر:

فَاخْفِضْ لَهُم جَنَاحَكَ (بالتواضع) وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ (فى القول و الفعل) وَ ابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ (بطلاقة الوجه) وَ آسِ (سو) بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ (و هى أخفّ من النظر) وَ (فى) النَّظْرَة حَتَّى لا يَطْمَعَ الْعُظَمَاء فِي حَيْفِكَ (ظلمك) لَهُمْ وَ لَا يَبْأْسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَذَلكَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يسائلُكُمْ مَعْشَرَ عباده عَنِ الصَّغيرة منْ أَعْمَالَكُمْ (كاللحظة و النظرة) وَ الْكَبِيرَةِ (منها) وَ (عن) الظَّاهرة و الْمَسْتُورَةِ فَإِنْ يعذِّب (الله أحدا منكم عليها) فَأنْتُمْ أظْلَمُ (لأنه يعفو عن الكثير منها) وَ إِنْ يَعفُ (عنها) فَهُوَ أَكْرَم وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُتَّقِينَ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الدُّنْيَا (الدنيا العاجلة الحاضرة) وَ آجِلِ الآخرة (الآخرة الآجلة غير الحاضرة و إنتفعوا بهما) فَشَارَكُوا أَهْلَ

ص: 324

الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ وَ لَمْ يُشَارِكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي آخِرَتِهِم سَكَنُوا الدُّنْيا بِأَفضَلِ مَا (دور) سُكنَتْ (لا بأعظمها) وَ أَكَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا (مأكولات) أكلَتْ (لا بأكثرها) فَحَظُوا (تنعّموا، تلذّذوا) مِنَ الدُّنْيَا بِمَا حَظِي بِهِ الْمُتَرفُونَ (المنعمون المفرطون فى الشهوات) و أخَذُوا مِنْهَا مَا أَخَذَهُ الْجَبَابِرَةُ الْمُتَكَبِرُونَ (من (اللّذات) ثُمَّ انْقَلَبُوا (إرتحلوا) عَنهَا بِالزّادِ المُبَلّغِ (إلى غاياتهم و هو التقوى) و المَتجَرِ الرّابِحِ (من الصالحات) أَصَابُوا (أدركوا، نالوا) لَذَةَ زُهْد الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُم وتَيَقْنُوا أَنَّهُم جِيرَانُ الله غَداً فِي آخِرَتِهِمْ لَا تُرَدُّ لَهُم دَعوَةً وَ لا يَنقُصُ لَهُم نَصِيبٌ مِنْ لَذَّةٍ فَاحْذَرُوا عِبَادَ الله الْمَوْتَ وَ قُربَهُ وَ أعدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ (و هى ما يمكن به الإستعداد للموت) فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَمْرِ عَظِيمٍ وَ خَطب جَليل بِخَيْر لَا يَكُونُ مَعَهُ شَرِّ أَبَداً (و هو الجنّة) أو شَرٌّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبدأ (و هو النار) فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ عَامِلَهَا وَ مَنْ أَقْرَبُ إِلَى النَّارِ مِنْ عَامِلَهَا وَ أَنْتُمْ طَرَدَاء (مطرودون ب) الْمَوتِ إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ (و سلّمتم له) أَحَدُكُمْ وَ إِنْ فَرَرْتُم مِنْهُ أَدْرَكَكُم وَ هُوَ أَلزمُ لكُم منْ ظلكُمُ الْمَوتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ (مقدّم أشعاركم) وَ الدُّنْيا تُطوى (تجوز ، تجتاز، تعبر) مِنْ خَلْفَكُمْ (بزوال أيام عمركم) فَاحْذَرُوا نَاراً قَعْرُهَا بَعِيدٌ و حَرَّهَا شَدِيدٌ وَ عَذَابُهَا جَديدٌ (غیر منقطع) دَارٌ لَيسَ فِيهَا رَحمهُ وَ لا تُسْمَعُ فِيهَا دَعْوَةً وَ لا تُفَرِّجُ (تكشف) فِيهَا كُرْبَةً (حزن) وَ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَشْتَدَّ خَوفَكُم مِنَ اللَّهِ وَ أَنْ يَحْسُنَ ظُنُّكُمْ بِهِ فَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حُسْنُ ظَنْهِ بِرَبِّهِ عَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنْ رَبِّهِ وَ إِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ ظَنّاً بِاللَّهِ أَشَدَّهُمْ خَوْفاً لله (لأنّ من خافه تعالى يتجنّب عن المعاصى فرجا رحمة ربّه بذلك فحسن ظنّه به تعالى و كلما اشتد خوفه إشتدّ رجاءه) وَ اعْلَم يَا مُحَمد بن أَبي بَكْرٍ أَنِّي قَدْ وَلَيْتُكَ أَعْظَمَ أَجْنَادِي فِي نَفْسِي (عندى) أَهْلَ مصْرَ فَأَنْتَ مَحقُوقٌ (مطالب بحقّ و هو) أنْ تُخَالِفَ عَلَى نَفْسِكَ وَ أَنْ تُنَافِحَ (تدافع) عَنْ دِينِكَ (بالمخالفة لنفسك) وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَاعَةٌ مِنَ الدَّهْرِ وَ لَا تُسخِطِ (تغضب) اللَّهَ بِرِضَا أَحَدٍ مِنْ خَلْقه فَإِنّ في الله خَلَفاً (عوضا، بدلا) مِنْ غَيْرِه (و هو خير الخلف) وَ لَيْسَ منَ الله خَلَفٌ فِي غَيْره (من خلقه) صَلِّ الصَّلَاةَ لَوَقْتِهَا الْمُؤَقَت لَهَا وَ لَا تُعجل وَقَتَهَا لِفَرَاغِ (بأن تصلّى أوّل الوقت لفراغک) وَ لَا تُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا (الأفضل)

ص: 325

لاشْتَغَالِ وَ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْء مِنْ عَمَلَكَ تَبَع لِصَلَاتِكَ (فاجعل أمورك كلها تبعا لصلاتك).

وَ منْهُ: فَإِنَّهُ لَا سَوَاءَ إِمَامُ الْهُدَى وَ إِمَامُ الرِّدَى (الضلالة و الهلاك) و (لا سواء) وَلِي النَّبِي وَ عَدُوُّ النَّبِي وَ لَقَدْ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله إنِّي لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِناً وَ لَا مُشرِكاً أمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَمنَعهُ اللهُ بِإِيمَانه (عن (الفتنة) وَ أمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعَهُ (يقهره) اللّهُ بِشِركِهِ وَ لكَنِيّ أَخَافُ عَلَيكُم كُلّ مُنَافِقِ الجَنَانِ (القلب) عَالِمِ اللّسَانِ يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ وَ يَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ (و هذا هو حقيقة النفاق).

28-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية جوابا:

قال الشريف: وهو من محاسن الكتب.

أَمّا بَعدُ فَقَد أتَاَنيِ (جائنِي) كتابكَ تَذْكُرُ فيه اصْطَفَاء (إختيار) الله مُحَمَّداً صلّى الله عليه و آله لِدِينِهِ وَ تَأیيدَهُ إِيَّاهُ لِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَقَد خَبّأَ (أخفى ثم أظهر) لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً إِذْ طفِقْتَ (شرعت) تُخْبِرُنَا بِبَلاء الله (خطبه حسن فعله) تَعَالَى عِنْدَنَا وَ نِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا فَكُنتَ فِي ذَلِكَ (الإخبار) كَنَاقِلِ التّمرِ إِلَي هَجَرَ (مدينة بالبحرين كثير التمر) أَو داَعيِ مُسَدّدِهِ (معلمه فى رمى السهام) إلَى النِّضَالِ (المراماة) وَ زَعَمْتَ أَنَّ َأفْضَلَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ فُلَانٌ وَ فَلَانٌ فَذَكَرْتَ أَمْراً إنْ تَمَّ (صحّ ذلك الأمر) اعتَزَلَكَ (إجتنب عنك) كُلُّه (و لم یکن لک نصیب فيه) وَ إِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقَكَ ثَلمُهُ (عيبه) وَ مَا أَنْتَ وَ الْفَاضِلَ و المَفْضُول وَ السّائِسَ و الْمَسُوسَ وَ مَا ِللطَّلَقَاء (يوم) الفتح لمكة) و أبْنَاء الطّلقَاء و التّميِيزَ بَينَ المُهَاجِرِينَ الأولينَ و تَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ وَ تَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ (فى الفضائل) هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ (صاح) قِدْح (سهم) لَيْسَ (ذلك القدح) مِنْهَا (السهام و هو مثل يضرب لمن يفتخر بقوم ليس منهم) وَ طَفِقَ يَحْكُمُ فيهَا (تلك الفضائل) مَنْ عَلَيْهِ الحُكْمُ لَهَا (و هو معاوية فيحكم عليه بالفضائل لا له حيث لا

ص: 326

فضيلة له) أَ لَا تَربَعُ (تقف) أَيُّهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعك (حدّك، أ) وَ (لا) تَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ (مقدارك، أ) وَ (لا) تَتَأَخَرُ حَيْثُ أَخْرَكَ القَدَرُ (من الله تعالى) فَمَا (ليس) عَلَيْكَ (في ذمّتك) غَلَبَةُ المَغْلُوب (فى الفضائل حتى تجهد نفسك لأن تجعل المغلوب غالبا) وَ لَا (لیس علیک) ظفَرُ (فوز) الظَّافِرِ وَ إِنَّكَ لَذَهابُ فِي التِّيهِ (الضلال) رَوّاغٌ (ميال) عَنِ الْقَصْدِ (الصراط المستقيم) أَلَا تَرَى غَير مُخبِرٍ لَكَ وَ لَكِن بِنِعمَةِ اللّهِ أُحَدِّثْ أَنّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيل الله تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ لِكُلِّ فَضْلَّ حَتَّى إِذَا اسْتَشْهِدَ شَهِيدُنَا (حمزة) قيلَ (في هو) سَيّدُ الشُّهَدَاء وَ خَصْهُ رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله بسبعينَ تَكْبيرةً عندَ صَلَاتِه عَلَيه أ وَ لَا تَرَى أَنْ قَوْماً قَطعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَ لِكُلِّ فَضْلَّ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِم (و هو جعفر بن أبي طالب) قيلَ (له هو) الطَّيَّارُ في الجَنَّة وَ ذُو الْجَنَاحَيْنِ وَ لَوْلا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ (تطهير) الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِر (و هو نفسه الزكيّة) فَضَائِلَ جَمةٌ (كثيرة) تَعرِفُهَا قُلُوب المؤمنينَ وَ لا تَمُجهَا (تدفع تلك الفضائل) آذَانُ السامعينَ (حيث تسمعها فلا تنكرها) فَدَعْ (اترك) عَنْكَ مَنْ (أيُّها الَّذى) مَالَتْ (إنحرفت) بِهِ الرّمِيّةُ (الصيد و لم ينلها ليست هذه الرمية - و هى ولاية الشام- لك) فَإنَّا (أهل البيت) صَنَائعُ رَبَّنَا وَ النَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا لَمْ يَمنَعنَا قَديمٌ عزّنًا (تقدّمنا فى العزّ) وَ لَا (منعنا) عاَديِ ّ (إعتياد) طُولْنَا (فضلنا) عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطَنَاكُم بِأَنْفُسنَا فَنَكَحْنَا (منكم) وَ أَنْكَحْنَا (لكم منّا و فعلنا ذلك) فعْلَ الْأَكْفَاء (تواضعا منّا لا إستحقاقا منكم) وَ لَستُم هُنَاكَ (أكفاء لنا) وَ أَنَّى يَكُونُ ذَلكَ (التكافؤ) وَ مِنَّا النَّبِي وَ مِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ (لله و هو أبوجهل) و منَّا أَسَدُ الله (حمزة) وَ مِنْكُمْ أَسدُ الأَحلَافِ (أبوسفيان) و منَّا سَيِّدَا شَبَاب أَهْلِ الْجَنَّة (الإمام الحسن و الإمام الحسين عليهما السلام) وَ مِنكُم صِبيَةُ (أولاد) النَّارِ (و هم أولاد مروان بن الحكم) و منَّا خَيْرٌ نساء الْعَالَمِينَ (فاطمة الزهراء سلام الله عليها) وَ مِنْكُمْ حَمَّالَةُ الخَطب (جميل بنت حرب عمّة معاوية و زوجة أبى لهب) في كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا (من الفضائل) وَ عَلَيْكُمْ فَإِسْلَامُنَا قَدْ سُمِعَ (لإشتهارنا فى التقدّم به) وَ جَاهِلِيّتُنَا لَا تُدفَعُ (لما فيها لنا من الفضائل) وَ كتابُ الله يَجْمَعُ لَنَا

ص: 327

مَا شَذّ (إنتشر) عَنا (من الفضائل) وَ هُو قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى وَ أُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُم أَولي بِبَعضٍ فِي كِتابِ اللّهِ وَ قَولُهُ تَعَالَى إِنَّ أولَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِي وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ فَنَحْنُ مَرَّةً أولى (برسول الله) بِالْقَرَابَةِ وَ تَارَةً أَولَى بِالطَّاعَةِ وَ لَمّا احتَجّ الْمُهَاجِرُونَ (الإثبات الخلافة) عَلَى الْأَنْصَارِ يَومَ السَّقِيفَة بِرَسُولِ الله صلّى الله عليه و آله فَلَجوا (ظفروا) عَلَيْهِمْ فَإِنْ يَكُنِ الفَلَجُ (على الخلافة) به صلّى الله عليه و آله فَالْحَقُ لَنَا دُونَكُمْ (لأقربيتنا و أطوعيتنا) وَ إِنْ يَكُنْ (الفلج ) بِغَيْرِهِ (صلّى الله عليه و آله) فَالْأَنْصَارُ (باقون) عَلَى دَعْوَاهُم (إدّعائهم للخلافة) و زَعَمْتَ أَنّي لكُلَّ الْخُلَفَاء حَسَدْتُ وَ عَلَى كُلّهم بَغَيْتُ (ظلمت) فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ (الزعم منک) كَذَلكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ فَيَكُونَ (يقع) الْعُدْرُ (منى) إِلَيْكَ.

وَ تِلكَ شَكَاةٌ (نقيصة) ظَاهِرٌ (بعيد) عَنْكَ عَارَهَا (عيبها) .

وَ قَلْتَ: إِنِّي كُنْتُ أَقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ (و الخشاش هو ما يدخل في عظم أنف البعير من خشب ليقاد و يطيع قائده) حَتَّى أَبَابِعَ وَ لَعَمُرُ الله لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُم فَمَدَحْتَ وَ أَنْ تَفْضَحَ (تكشف عيبى) فَافْتَضَحْتَ (إكتشفت عوراتكم) وَ مَا (ليس) عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَة (نقص) في أنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا (دام) لَمْ يَكُنْ (ذلك المسلم) شَاكاً في دينه وَ لَا مُرتَاباً بِيَقِينِهِ وَ هَذِهِ المقالة) حجُتّيِ إِلَي غَيرِكَ قَصدُهَا (المقصود من تلك الحجّة و لست من أهلها) وَ لَكنِّي أَطلَقْتُ (أرسلت) لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ (ظهر) مِنْ ذِكْرِهَا ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ (وقع) منْ أَمْرِي وَ أَمْرٍ عُثْمَانَ فَلَك أَنْ تُجَابَ عَنْ هَذه (المسألة) لِرَحِمِكَ مِنهُ فَأَيّنَا كَانَ أَعدَي (أشدّ عداوة) لَهُ وَ أَهْدَى (أكثر هداية) إلى مقاتله (وجوه قتله) أمَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ (طلب عثمان منه القعود عن النصرة) وَ اسْتَكَفَّهُ (طلب منه المنع و الكفّ عن النصرة و هو أنا) أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ (طلب عثمان منه النصرة) فَتَرَاخَى (تأخّر، تثاقل) عَنْهُ وَ بَثَّ (نشر أفضى) الْمَنُونَ (الموت) إلَيْه (بتحريض الناس) حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ (للموت) عَلَيْه كَلَّا وَ الله لَقَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ (المانعين من النصرة) مِنْكُمْ وَ (يعلم) الْقائِلِينَ (كعثمان) لإخْوانِهِمْ (كمعاوية) هَلْمْ

ص: 328

إلينا (إئتنا) وَ لا يَأْتُونَ الْبَاسَ (الحرب) إِلَّا قَلِيلًا وَ مَا كُنتُ لِأَعتَذِرَ منْ أنِّي كُنْتُ أنْقمُ (أعيب) عَلَيهِ أَحدَاثاً (بدعا منه) فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وَ هِدَايَتِي لَهُ قَرْب مَلُومِ (مذموم) لَا ذَنْبَ لَهُ.

وَ قَدْ يَسْتَفِيدُ الظَّنَّة (التهمة) المُتَنَصّحُ (المبالغ فى النصح لمن لا ينتصح أى ربمّا تنشأ التهمة من إخلاص النصيحة عند من لا يقبلها).

وَ مَا أَرَدْتُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا (دام) اسْتَطَعْتُ وَ ما توَفيِقيِ إِلّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أَنِيبُ وَ ذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي وَل ِأَصْحَابِي عِندَكَ إِلَّا السَّيْفُ فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ (بكاء) مَتَي أَلفَيتَ (وجدت) بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الْأَعْدَاء نَاكِلِينَ (متأخّرين) وَ بِالسّيفِ مُخَوّفِينَ.

فَلَبّث قَليلا يَلحَقِ الهَيجَا (الحرب) حَمَل (و هو إبن بدر رجل شجاع).

فَسَيَطلُبَكَ مَنْ تَطَلُّبُ وَ يَقْربُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ (تظنّه بعيدا) وَ أَنَا مُرْقِلٌ (مسرع) نَحْوَكَ فِي جحفَلِ ( جيش عظيم) مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ شَدِيدِ زِحَامُهُم (مزاحمتهم،إزدحامهم) سَاطِعٍ (منتشر) قَتَامُهُم (غبارهم) مُتَسَربِلِينَ (لابسين) سَرَابِيلَ المَوتِ أَحَبّ لقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاء رَبِّهِم وَ قَدْ صَحِبَتهُم ذُرّيّةٌ بَدرِيّةٌ و سُيُوفٌ هَاشِمِيةٌ قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نصَالهَا (وقوع تلك السيوف) فِي أَخِيكَ (حنظلة) وَ خَالِكَ (الوليد بن عتبة) وَ جَدِّكَ (عتبة إبن ربيعة و هو أبو أمّ معاوية) و أهْلك (يوم البدر) وَ ما (ليست) هي (تلك السيوف الهاشميّة) مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ

29-و من كتاب له علیه السَّلام إلى أهل البصرة:

وَ قَدْ كَانَ (وقع) مِنِ انْتِشَارِ (إنحلال) حَبْلِكُمْ (و إجتماعكم) وَ (قد كان من) شِقَاقِكُم (تفرّقكم) مَا (شيء) لَمْ تَغْبُوا عَنْهُ (أى لم تجهلوه من إقامة الحرب على أمير المؤمنين) فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمكُمْ وَ رَفَعْتُ السَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ (عن الحرب) وَ قَبِلتُ (التوبة) مِن مُقْبِلِكُمْ فَإِنْ خَطَتْ (تجاوزت) بِكُمُ الْأُمُورُ الْمُرْدِيَة (المهلكة) وَ سَفَهُ (ضعف) الآرَاءِ الْجَائِرَةِ

ص: 329

(المائلة عن الحقّ) إِلَى مُنَابَدَتي (مخالفتى) وَ خلِاَفيِ فَهَا أَنَا ذَا قَد قَرّبتُ جيِاَديِ (خيلي) وَ رَحَلْتُ (شددت الرحال على) رِكَابِي وَ لَئِنْ الْجَاتُمُونِي (دفعتمونى بالإضطرار) إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ (للمحاربة) لأوقعَنَّ بِكُمْ وَقعَةً (حادثة) لا يَكُونُ يَومُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا (عند تلك الوقعة) إِلَّا كَلَعقَة (الحسة) لَاعِقٍ مَعَ أنَيّ عَارِفٌ لذِيِ الطّاعَةِ مِنكُم فَضلَهُ وَ لذِيِ النّصِيحَةِ حَقّهُ (و مع أني) غَيرُ مُتَجَاوِزٍ مُتّهَماً (للحرب) إِلَي برَيِ ّ (غيرمتهم) وَ لَا (متجاوز) نَاكثاً (ناقضا للبيعة) إِلَي و فَيِ ّ (لها فأجازى كلا منكم على حسب أعماله).

30-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية:

فَاتَّقِ اللهَ فِيمَا لَدَيْكَ (من نعمه) وَ انْظُرْ فِي حَقَّه عَلَيْك (عند كلّ نعمة فاشكره عندها) وَ ارجِع إِلَي مَعرِفَةِ مَا لَا تُعذَرُ بِجَهَالَتِهِ (من معرفة إمام زمانك و هو أنا) فَإِنَّ لِلطّاعَةِ (لوليه) أَعلَاماً وَاضِحَةً (فى كتاب الله و سنّة رسوله) وَ سُبُلًا نَيّرَةً وَ مَحَجّةً (طريقا)نَهجَةً (واضحة فلا عذر لک) وَ (إنّ للطاعة لنا) غَايَةً مُطَلَبة (مطلوبة بالتكلّف من تلك الطاعة فلكلّ طاعة غاية مطلوبة بالمشقّة) يَرِدُهَا (يقدم على تلك الغاية المطلوبة) الأَكْيَاسُ (العقلاء) وَ يُخَالِفُهَا الْأَنْكَاسُ (جمع نكس و هو الدنيء الخسيس) مَنْ نَكَبَ (عدل، مال) عَنْهَا (تلك الطاعة للإمام) جَارَ (مال) عَنِ الْحق و خَبط (مشى على غير هداية) في التّيه (الضلال) و غَير اللهُ نعْمَتَهُ (لكفره لها) وَ أَحَلّ بِهِ نِقمَتَهُ (غضبه عذابه) فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ فَقَدْ بَينَ اللهُ لَكَ سَبِيلَك وَ (بيّن) حَيثُ (موضعا) تَنَاهَتْ (تنتهى) بكَ أُمُورك (بالموت) فَقَدْ أَجْرَيْتَ (مشيت بالسرعة) إلَى غَايَة خُسر و مَحَلَّة كَفْرٍ فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أُولَجَتْك (أدخلتك) شَراً وَ أَقْحَمَتْكَ (رمت بک) غَيّاً (ضلالا) و (إنّ نفسك ) أَورَدَتْكَ الْمَهَالك (مواضع الهلكة) و أوْعَرَتْ (أصعبت) عَلَيْكَ الْمَسَالكَ (طرق السلوك إلى الحقّ فتتحير وتضلّ).

31 - و من وصيّة له علیه السَّلام للحسن بن عليّ علیه السَّلام كتبها إليه بحاضرين عند

ص: 330

إنصرافه من صفين:

مِنَ الوَالِدِ الفَانِ المُقِرّ (المعترف) للزَّمَانِ (بما فيه من الشدائد) الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ الْمُسْتَسْلِم لِلدُّنْيَا [اللدّهرِ] (لما فيها من الحوادث و المكاره) الذّام للدُّنيا (لتبدّل الحالات و تغيّر النعمات فيها) السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى (الأموات) وَ الظَّاعِنِ (الراحل الذاهب) عَنْهَا غَداً إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِلِ مَا (شيئا) لَا يُدْرِكُ (يناله، يصيبه) السّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ (من الأمم الماضية) غَرَض (هدف) الْأَسْقَامِ (الأمراض) وَ رَهِينَة (مرهونة) الأيام (بمضيّها فتبليان كلّ جديد) وَ رَميّة (هدف) الْمَصَائبِ وَ عَبدِ الدُّنْيا (المحكوم بما فيها من القوانين التكوينيّة كالتنكيس في الخلق) وَ تَاجِرِ الْغُرُورِ (من متاع الدنيا) و غَرِيم (مديون مدين) الْمَنَايَا (الموتات، ففي كل نفس خطوة إلى الموت و الإنسان غريم فى كلّ نفس للمنايا) وَ أسير الموت (الّذي لا يمكن الفرار منه) وَ حَلِيفِ الْهُمُومِ (لا ينفك عنها) وَ قَرِينِ الْأَحْزَانِ وَ نُصُبٍ (منصوب) الْآفَاتِ وَ صَرِيع (طريح) الشَّهَوَات (الأميال المائلة عن الحقّ) و خَليفَة (وارث) الأموات أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ فِيمَا تَبَيِّنْتُ (تجسّست حتّى ظهر لى) منْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَني وَ جُمُوح (تغلّب، استعصاء) الدَّهْرِ عَلَي وَ إِقْبَالِ الْآخِرَةِ إلَى مَا (شيئا) يزَعْنِي (يغفلنى، يذهلني) عَن ذِكرِ مَن سوِاَي َوَ (عن) الِاهتِمَامِ بِمَا ورَاَئيِ (من الأمور كلها) غَيْر أَنِّي حَيْثُ تَفَرّدَ فِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي- (بأمر الآخرة) فَصَدَفَنِي (منعنی) رأَييِ وَ صرَفَنَيِ عَن هوَاَي وَ صَرّحَ (ظهر) لِي مَحضُ (خالص) أُمرِي فَأفْضَى- (وصل رأيى هذا أو وصل محض أمرى) بي (إنتهيتُ) إِلَي جِدّ (للإهتمام بأمر الآخرة) يَكُونُ فیه لَعِبٌ وَ (أفضى بى إلى) صِدْقٍ لَا يَشُوبُهُ (يخلطه) ككَذِبٌ وَ وَجَدتُكَ بَعضي- بَلْ وجدتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً (مكروها) لَوْ أَصَابَكَ (نالک، صادفک) أصَابَنِي وَ كَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي فَعَنَانِي (أهمّنى) منْ أَمْرِكَ مَا يعنيني مِنْ أَمْرِ نَفْسِي فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كتابي مُسْتَظهراً (مستعينا) بِه (ذلك الكتاب) إِنْ أنَا بَقِيتُ لك أو فَنِيتُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ أَي بنُيَ ّ وَ لزُومِ أَمْرِهِ وَ عِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكرِهِ وَ الِاعتِصَامِ (طلب العصمة) بِحَبلِهِ وَ أَيّ سَبَبٍ (حبل) أوثَقُ (أشدّ إعتمادا) مِن سَبَبٍ بَينَكَ وَ بَينَ اللّهِ إِنْ أَنْتَ أخَذْتَ به أحي قَلَبَكَ بِالمَوْعِظَةِ وَ أُمِّتُهُ (بإماتة الشهوات)

ص: 331

بِالزّهَادَةِ (فى الدنيا) و قوه بِالْيَقين و نَوّرهُ بِالحِكمَةِ وَ ذَلّلهُ بِذكْرِ الْمَوْتِ وَ قَرَرْهُ بِالْقَنَاء وَ بَصّرهُ فَجَائِعَ (مصيبات) الدُّنْيا وَ حَذَرَهُ صَولَة (و ثوب) الدَّهْرِ وَ (حدّره) فُحشَ (قباحة) تَقَلّب (تحوّل، تغير) اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ وَ اعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ (السابقين) وَ ذُكْرَهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبلَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ سِر فِي دِيَارِهِمْ وَ آثَارِهِمْ فَانْظُرْ (تأمّل) فيما فَعَلُوا (فعلهم أو ما فعلوه) وَ عَمَّا انْتَقَلُوا (بالإحتمالين) و أَيْنَ حَلُّوا (هبطوا، نزلوا) و (أين نَزَلُوا فَإِنَّكَ (إن نظرت) تَجِدُهُم قَدِ انتَقَلُوا عَنِ الأَحِبّةِ (و الألفة) وَ حَلّوا دِيَارَ الغُربَةِ (و هو القبر) وَ كَأَنَّكَ عَنْ قَليل قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ (بالموت و الإنتقال عن الأحبّة) فَأَصلِح مَثوَاكَ (منزلك فى الآخرة) وَ لَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ وَ دَعِ (اترك) الْقَوْل فِيمَا لَا تَعْرِفُ وَ (دع) الخِطَابَ (المخاطبة) فِيمَا لَمْ تُكَلِّفُ (به) وَ أَمْسِك (كفّ) عَنْ طَرِيقِ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ فَإِنَّ الْكَفَّ (الإمساك، المنع) عِنْدَ حَيرة الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْأَهْوَالِ (المخوفات) و أمر بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَ أَنْكِرِ الْمُنْكَر بِيَدِكَ وَ لِسَانكَ وَ بَايِنْ (باعد) مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ وَ جَاهِدٌ في الله حَقَّ جِهَادِه (بقلبک و لسانک و جوارحک) وَ لَا تَأخُذْكَ في الله لَوْمَهُ (ذمّ) لائِمِ (ذامٌ) وَ خُضِ الْغَمَرَاتِ (الشدائد) للِْحَقِّ حَيْثُ (أى موضع) كَانَ (وقع) وَ تَفَقَّهُ فِي الدِّينِ وَ عَوِّدُ نَفْسَكَ التَّصَبرَ عَلَى الْمَكْرُوه وَ نعمَ الخُلُقُ التّصَبُرُ فِي الحَقّ وَ أَلجِئ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كَلْهَا إلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ (إن ألجئتها إلى إلهک) تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْف (ملجئ) حَرِيزِ (حافظ) و مانع عَزِيزِ (قاهر، غالب) وَ أَخْلِص في الْمَسْأَلَة (الطلب) لِرَبّكَ فَإِنّ بِيَدِهِ العَطَاءَ وَ الحِرمَانَ (فإنّه هو المعطى و المانع و له الأسماء الحسنى) وَ أَكْثَرِ الاسْتِخَارَة (طلب الخير من الله تعالى) تَفَهّم وصَيِتّيِ وَ لَا تَذْهَبَنَّ عَنْهَا (لا تعرضنّ عن وصيتى) صَفْحاً (جانبا) فَإنَّ خَيْر الْقَول (و هو تلك الوصية) مَا نَفَعَ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خَيْر فِي عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَ لَا يُنتَفَعُ بِعِلْمٍ لَا يَحِقُ (يليق، يستحقٌ) تَعَلَّمُهُ أَي بنُيَ ّ إنِيّ لَمّا رأَيَتنُيِ قَد بَلَغتُ سِنّاً وَ رأَيَتنُيِ أَزْدَادُ وَهْناً (ضعفا) بادَرتُ (سارعت) بوِصَيِتّيِ إِلَيكَ وَ أَورَدتُ خِصَالًا مِنهَا قَبلَ أَن يَعجَلَ بيِ (يسبقنى) أَجَلِي دُونَ أَنْ أَفْضي (أصل) إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي (من العلوم و الأسرار) أَو (قبل) أَنْ أَنْقَصَ فِي رَأيِي (فى مقام التحقّق بصعوبة نفسك عن القبول) كَمَا

ص: 332

نُقصِتُ في جسمي أو يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَات الْهَوَى و فتَنِ الدُّنْيَا (فتشتغل بها عن وصيّتى) فَتَكُونَ كَالصّعب النُّفُورِ (غير الآنس و هذا المعنى هو المراد من النقص في الرأي في مقام التحقُق) و إنّما قَلْبُ الْحَدَثِ (فى السن الشابّ) كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أَلْقِي فِيهَا مِنْ شَيء (من مكارم الأخلاق أو ضدها) قَبِلَتْهُ فَبَادَرتُكَ (سارعت إليك) بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُو قَلْبُكَ وَ يَشتَغِلَ لُبّكَ (عقلك) لتَسْتَقْبِلَ بِجِد رَأيِكَ مِنَ الْأمْرِ (أمر (التأديب) مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ (من تحصيل التجربة) بُغيَتَهُ (طلبه) و تَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ (تصير) قَدْ كُفيت (بأهل التجارب) مَئُونَةَ (ثقل) الطَّلَبِ (للتجربة) وَ عُوفِيتَ مِنْ عِلاج (إكتساب) التَّجْرِبَةِ فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ (الإستقبال بجدّ رأيك إلى ما قد كفاك أهل التجارب) مِا (شيء من الفوائد الكثيرة الّتي) قَد كُنّا نَأتِيهِ (بمئونة الطلب و علاج التجربة) وَ اسْتَبَانَ (ظهر) لَكَ مَا رُبّما أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ (أى ممّا قد كنّا نأتيه من أمر التأديب بعلاج التجربة) أَي بنُيَ ّ إنِيّ وَ إِنْ لَمْ أَكُنْ عُمَرْتُ عُمرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ (تأمّلت) في أَعْمَالِهِمْ وَ فَكَرْتُ في أَخْبَارِهِمْ وَ سِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدتُ كَأَحَدِهِمْ بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمُرْتُ مَعَ أَولِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ فَعَرَفْتُ صَفْوَ (خالص) ذلك (المنتهى إلى من أمورهم مما أنجاهم) منْ كَدَرِه (ممّا أهلكهم) وَ (عرفت) نَفْعَهُ (فائدة ذلك المنتهى إلى من أخبارهم) منْ ضَرَرِه فَاسْتَخْلَصْتُ (طلبت الخالص) لك من كُلِّ أَمْرٍ (إنتهى إلى) نَخِيلَهُ (مصفاه مختاره) وَ تَوَخّيتُ (قصدت، تحرّيت) لَكَ جَمِيلَهُ (أنيق كل أمر ممّا إنتهى إلى من أخبار الماضين) وَ صَرَفَتْ عَنْكَ مَجْهُولَهُ (منكره، ما لا يعرف وجه حسنه) و رَأَيْتُ حَيْثُ عَناني (أهمّنى) مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ وَ (ما) أجمَعْتُ وَ (عزمت) عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ( يقع) ذلك (الأدب أو الإستخلاص للنخيل لك من كلّ أمر لأدبك) وَ أَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ (حدث، شابّ) وَ مُقْتَبَلُ الدَّهْرِ (مقبله) ذُو نِيَّةِ سَلِيمَةِ وَ نَفسٍ صَافِيَةٍ وَ أَن أَبتَدِئَكَ بِتَعلِيمِ كِتَابِ اللّهِ عَزَّ وَ جَلَّ و تَأْوِيلِه و شَرَائِع (طرق) الإِسلَامِ وَ أَحكَامِهِ وَ حَلَالِهِ وَ حَرَامِهِ (و هذا هو إستخلاص النخيل من كلّ أمر) لَا أُجَاوِزُ (أتعدّى) ذَلِكَ (التعليم لكتاب الله) بِكَ إِلَى غَيْرِهِ (تعليم الكتاب) ثُمَّ أَشْفَقْتُ (خفت، خشيت) أَنْ يَلْتَبِس (يشتبه)

ص: 333

عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَ آرَائِهِمْ مِثْلَ (الإشتباه) الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ (بصرف وجوههم عن كتاب الله إلى الأهواء) فَكَانَ (صار) إِحْكَامُ ذلك (المختلف فيه لك بتعليم الكتاب) عَلَى مَا كَرِهْتُ (شقّ على) مِن تَنبِيهِكَ لَهُ (ما كرهته من الأدب خلاف الهوى) أَحَبَّ منْ إِسْلَامك (تسليمك) إِلَي أَمرٍ (من إلتباس الأمور عليك بالهوى) لَا آمَنُ عَلَيكَ بِهِ (ذلك الأمر) الهلكة (فى الدين و الدنيا) و رَجَوْتُ أَنْ يُوفِّقَكَ اللهُ فيه (ذلك الأمر) لِرُشدِكَ وَ أَن يَهدِيَكَ لِقَصدِكَ (سبيلك المستقيم بين الإفراط و التفريط) فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيّتِي هَذِهِ وَ اعْلَمُ يَا بنُيَ ّ أَنّ أَحَبّ مَا أَنْتَ آخِدٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقوَي اللّهِ وَ الِاقتِصَارُ (الإكتفاء) عَلَى مَا فَرَضَهُ (كتبه) اللهُ عَلَيْكَ وَ الْأَخْدُ (التمسّک) بِمَا مَضَى (سلک) عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ وَ الصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا (يتركوا) أَنْ نَظَرُوا (تأمّلوا) لأنفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ (متفكّر لنفسک) وَ فَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرُ ثُمَّ رَدَّهُمْ آخرُ (غاية) ذلكَ (النظر و التفكّر) إِلَى الْأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا (أنّه نافع لهم) و (إلى) الْإِمْسَاكِ (الإمتناع البخل التوقّف) عَمَّا لَمْ يُكَلِّفُوا (به) فَإِنْ أَبَتْ (إمتنعت) نَفْسُكَ أَنْ تَقبَلَ ذَلِكَ (الأمر من آبائك الأوّلين الآخذين بما عرفوه نافعا) دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذَلِكَ بِتَفَهّمٍ وَ تَعَلّمٍ لَا بِتَوَرّطِ (دخول، وقوع) الشَّبُهَاتِ وَ عُلَقِ (علائق) الْخُصُومَاتِ (للحقِّ منک) وَ ابْدَا قَبْلَ نَظرك (تأمّلك بتفهّم) في ذلك (الأمر الّذى تمسّک به آبائك الأوّلون) بِالِاستِعَانَةِ بِإِلَهِكَ وَ الرّغبَةِ (الشوق) إِلَيهِ فِي تَوفِيقِكَ (و هو تسبيب الأسباب لبلوغك إلى ما تطلب بلا تورّط فى الشبهات و علق الخصومات) وَ (في) تَركَ كُلّ شائبة (دخيلة فى فكرك) أولَجَتْك (أدخلتك تلك الشائبة) فِي شُبهَةٍ (مانعة للتفهّم) أو أَسْلَمَتْكَ إلَى ضَلَالَة فَإِنْ أَيْقَنتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ (من كلّ دخيلة و شبهة) فَخَشَعَ (بذلك الصفا) وَ تَمّ رَأيُكَ (من كلّ جانب بلا عروض شبهة) فَاجْتَمَعَ (رأيك) وَ كَانَ هَمَّكَ في ذَلِكَ (التفهّم) هَمْاً وَاحِداً فَانْظُرْ فِيمَا فَسَرْتُ (كشفت القناع عنه) لَك (بوصيّتى هذه) وَ إِنْ لَمْ يجتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ (من إجتماع رأيك) وَ فَرَاعْ نَظَرِكَ وَ فِكرِكَ (عن كلّ شائبة و شبهة و إشتغال) فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ (تسير على) الْعَشْواء (الضعيفة البصر) وَ تَتَوَرّطُ (تقع

ص: 334

بلا قدرة منك للخروج) الظُّلْمَاءَ وَ لَيْسَ طَالبُ الدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَو خَلَط (الفكر بالشبهة) وَ الإِمسَاكُ (إمتناع النفس) عَنْ ذَلكَ (الخبط و الخلط) أمثَل (أحسن أولى) فَتَفَهّم يَا بنُيَ ّ وَصِيَّتِي وَ اعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الْحَيَاةِ وَ أَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُمِيتُ وَ أَنَّ الْمُفْنِيَ هُوَ الْمُعِيدُ وَ أَنَّ الْمُبْتَلِيَ هُوَ الْمُعَافِي وَ (إعلم) أَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقَرٌّ إِلَّا عَلَى مَا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ النّعمَاءِ وَ الِابتِلَاءِ (فى الدنيا) و (من) الْجَزَاء فِي الْمَعَاد أو (و الجزاء فى) مَا شَاءَ ممَّا لَا تَعْلَمُ (من خدش و صداع و كلّ نكبة صغيرة أو كبيرة و كل مكروه يصيب المؤمن فهو كفّارة لذنوبه و جزاء له فى الدنيا) فَإِنْ أَشْكَل (صعب) عَلَيكَ شَيءٌ مِن ذَلِكَ (القول من وصيتى هذه) فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتكَ فَإِنّكَ أَوّلُ مَا خُلِقتَ بِهِ جَاهِلًا ثُمّ عُلّمتَ وَ مَا أَكثَرَ مَا تَجهَلُ (به) مِنَ الْأَمْرِ وَ (ما أكثر ما) يتحيرُ فِيهِ رَأَيْكَ وَ يَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (الجهل و التحير و الضلال) فَاعْتَصِمُ (اطلب العصمة من الزلل) بِالَّذِي خَلَقَكَ وَ رَزَقَكَ وَ سَواكَ وَ لَيَكُنْ (يقع) لَهُ تَعَبْدُكَ وَ إِلَيْه رَغْبَتُكَ (شوقك) و منْهُ شَفَقَتُكَ (خوفک) وَ اعْلَم يَا بني أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنبِيُّ (يخبر) عَنِ الله سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ الرَّسُول صلّى الله عليه و آله فَارْضَ بِهِ رَائِداً (هاديا) وَ إِلَى النَّجاة (من الشرك) قائداً فَإِنِّي لَمْ أَلُكَ (اقصّر لك) نَصِيحَةً وَ إِنَّكَ لَن تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ (التأمّل) لنَفْسِكَ وَ إن اجتهَدْتَ مُبلَغَ (موضع بلوغ) نَظَرِي لَكَ وَ اعْلَم يا بني أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَرَبِّكَ شَرِيك لاتتك رُسُلُهُ وَ لَرَأَيتَ آثَارَ مُلكِهِ وَ سُلطَانِهِ وَ لَعَرَفتَ أَفعَالَهُ وَ صِفَاتِهِ وَ لَكِنّهُ إِلَهُ وَاحِدٌ (لوحدة الصنع من الأفعال و الآثار و الصفات و السلطان) كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ (فى كتابه) لَا يُضَادُّهُ فِي مُلْكه أحدٌ وَ لَا يَزُولُ أَبَداً وَ لَم يزل أول قَبْلَ الْأَشْيَاء بِلَا أَوّلِيّةٍ وَ آخِرٌ بعْدَ الْأَشْيَاء بِلَا نِهَايَةِ عَظمَ عَنْ أَنْ تَثْبَتَ رُبُوبِيّتُهُ ( مالكيّته) بِإِحَاطَة قَلْبٍ أَو بَصَرٍ - فَإِذَا عَرَفْتَ ذلك (القول من أحد یّته) فَافعَل كَمَا ينَبغَيِ لِمِثلِكَ (العارف بوحدته تعالى) أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ (قدره، شأنه) وَ (فى) قلَّةِ مَقْدِرَتِهِ وَ كَثْرَةِ عَجْزِهِ و عَظِيمٍ حَاجَتِه إِلَى رَبِّهِ فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ وَ الخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِه وَ الشَّفَقَة (الخوف) مِنْ سُخْطه (غضبهِ) فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرُكَ إِلَّا بِحَسَنِ وَ لَمْ ينْهَكَ إِلَّا عَنْ قَبِيح يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ أَنْبَاتُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَ حَالَهَا وَ زَوَالِهَا وَ انْتِقَالَهَا وَ أَنْبَاتُكَ

ص: 335

(أخبرتك) عَنِ الْآخِرَةِ وَ مَا أَعدَّ لأهْلَهَا فِيهَا وَ ضَرَبتُ لَكَ فِيهِمَا (الدنيا و الآخرة) الْأَمْثَالَ لِتَعْتَبِرُ بها (الأمثال) وَ تَحدُّو (تقتدى، تمضى، تسلک) عَلَيْهَا إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَر (عرف بالإختبار) الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرِ (مسافرين) نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ (لم يوافقهم موضع نزول) جَديبٌ (مقحط) فَأَمّوا (قصدوا) مَنزِلًا خَصِيباً (و هو ضدّ الجديب) وَ جَنَاباً (ناحية) مَرِيعاً (كثير العشب ) فَاحْتَمَلُوا وَ عْثَاءَ (مشقّة) الطَّرِيقِ وَ فَراقَ الصّديقِ وَ خُشُونَة السَّفَرِ وَ جُشُوبَةٌ (غلظة) المَطعَمِ لِيَأْتُوا سَعَة دَارِهِمْ وَ مَنزِلَ قَرَارِهم فَلَيَس يَجِدُونَ لِشَيء مِنْ ذَلكَ (الإحتمال و الفراق و الخشونة و الجشوبة) ألماً وَ لَا يَرَوْنَ نَفَقَةً (ثمنا يعطونه) فيه (الإتيان إلى دارهم الواسعة) مَغرَماً (ضررا) وَ لَا شَيءَ أَحَبّ إِلَيهِم مِمّا قَرّبَهُم مِن مَنزِلِهِم وَ أَدنَاهُم مِن مَحَلّتِهِم وَ مَثَلُ مَنِ اغتَرّ (أخذته الغرّة) بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلِ خَصِيبٍ نَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلِ جَدِيبٍ فَلَيسَ شَيء أَكْرَهَ (أشدّ كراهة) إِلَيْهِمْ وَ لَا أَفْظَعَ (أشدّ قبحا) عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ (من نعيم الدنيا) إِلَي مَا يَهجُمُونَ (ينتهون بغتة) عَلَيْهِ و يَصيرُونَ إِليه (من الجحيم) يا بني اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَينَكَ وَ بَينَ غَيرِكَ (و ذلك أعدل(الموازين) فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحبُّ لنَفْسِكَ (فأنّك تحبّ أحسن الأمور لها) وَ اكْرَهُ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا (فأنّك تكره قبيح الأمور لها) وَ لَا تَظْلِمْ كَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وَ أَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحسَنَ إِلَيْكَ وَ اسْتقبح (عدّ القبيح) مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ (تعدّه قبيحا) مِنْ غَيْرِكَ وَ ارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ (فكما تدين تدان) وَ لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ وَ إِنْ قَلْ مَا تَعْلَمُ وَ لَا تَقُلْ مَا لَا تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ الْإِعْجَابَ (بالنفس) ضدُّ الصَّوَاب وَ آفَةُ الأَلْبَابِ (القلوب فى الإدراك) فَاسْعَ فِي كَدْحكَ وَ لَا تَكُنْ خَازناً لغَيركَ (من الورثة) وَ إِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصدِكَ (صراط المستقیم) فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ وَ اعْلَمُ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً (إلى الله) ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَ مَشَقّةٍ شَدِيدَةٍ وَ أَنّهُ لَا عَنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الارْتِيَادِ (الطلب فى الزاد) وَ (عن) قَدْرِ بَلاغك (وصولك إلى الجنّة) مِنَ الزَّادِ مَعَ خفَّة الظهر (لحمل الآثام) فَلَا تَحْمَلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتكَ فَيَكُونَ ثِقلُ ذَلِكَ (المحمول على ظهرك) وَ بَالًا (عاقبة سوء) عَلَيْكَ وَ إِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ (الفقر) مَنْ يَحْمِلُ لَكَ

ص: 336

زَادَكَ (بإنفاق الفضل من مالک) إِلَي يَومِ القِيَامَةِ فَيُوَافِيكَ (يعطيك تماما) بِه (ذلک المحمول على ظهره من الزاد) غَداً (يوم القيامة) حَيثُ (في موضع) تَحْتَاجُ (في) ذلك الموضع و هو العرض على الله) إِلَيْه (الزاد) فَاغْتَنمُهُ (ذلك الحامل من أهل الفاقة) وَ حَمَلَهُ إِيَّاهُ (إجعل الزاد على ظهره) وَ أَكثِر مِن تَزوِيدِهِ (من حمل الزاد عليه ليوافيک يوم فاقتک) وَ أَنتَ قَادِرٌ عَلَيهِ (إكثار التزويد) فَلَعَلّكَ تَطلُبُهُ (ذلك الحامل لزادک) فَلَا تَجدُهُ (ليحمّله الزاد على ظهره) وَ اغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِناكَ لِيَجعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَومِ عُسرَتِكَ (في الدنيا و الآخرة) وَ اعْلَمُ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَئُوداً (صعبة المرتقى) الْمُخفَّ (ظهرا من زائد المال) فيهَا أَحْسَنُ حَالا مِنَ الْمُثْقِلِ وَ المُبطِئُ (غير السريع) عَلَيْهَا (تلك العقبة) أقبح حَالَّا مِنَ الْمُسْرِعِ وَ أَنَّ مَهْبِطَكَ (محلّ نزولك) بهَا لَا مَحَالَهُ إمَّا عَلَى جَنّة أَوْ عَلَى نَار فَارْتَدْ (إبعث رائدا و هاديا) لِنَفسِكَ قَبلَ نُزُولِكَ وَ وَطّئِ (إمهد) المَنزِلَ قَبلَ حُلُولِكَ فَلَيسَ بَعدَ المَوتِ مُستَعتَبٌ (استرضاء) وَ لَا إلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ (إنصراف) وَ اعْلَمْ أَنَّ ألّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ قَدْ أَذنَ لَكَ فِي الدُّعَاء وَ تَكَفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَة وَ أمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعطِيَكَ وَ تَستَرحِمَهُ (تطلب منه الرحمة) لِيَرحَمَكَ وَ لَم يَجعَل بَينَكَ وَ بَينَهُ مَن يَحجُبُكَ عَنهُ وَ لَم يُلجِئكَ (يضطرّك) إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيهِ (فى الدعاء و المسألة) وَ لَمْ يمنعكَ إِنْ أَسَأتَ مِنَ التّوبَة وَ لَمْ يُعَاجِلكَ (يعجل فيك) بِالنِّقْمَةِ وَ لَمْ يُعَيرك (يلمک، یذمّک) بِالْإِنَابَةِ (الرجوع) وَ لَمْ يَفْضَحك (يكشف سرائرك) حَيثُ (موضعا) الفَضِيحَةُ بِكَ أَولَي (و هو موضع معصیتک) وَ لَمْ يُشَدِّدْ (يضيق، يعسّر - ) عَلَيْكَ في قَبولِ الْإِنَابَة و لم يُناقشك (يجادل، يباحث) بِالجَرِيمَةِ (الإثم) و لم يُؤْيِسكَ مِنَ الرَّحمَةِ بَلْ جعَلَ نُزُوعَكَ (بغضک، مقتک، رجوعک) عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً وَ حَسَبَ سَيّئَتَكَ وَاحِدَةً وَ حَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً وَ فَتَحَ لَكَ بَابَ الْمَتابِ (التوبة) و بَابَ الاستعتابِ (الإسترضاء منه تعالى) فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاكَ وَ إِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجوَاكَ (مكالمتک سرّا) فَأَفْضَيْتَ (ألقيت) إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وَ أَبثَثتَهُ (کاشفته) ذَاتَ نَفْسِكَ وَ شَكَوْتَ إِلَيْه هُمُومَكَ وَ اسْتَكْشَفْتَهُ (طلبت منه كشف) كُرُوبَكَ (همومک) و استَعَنْتُهُ (طلبت منه العون) عَلَى أَمُورِكَ وَ سَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَقْدِرُ

ص: 337

عَلَى إِعْطَائِه غَيْرُهُ مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَارِ وَ صحة الْأَبْدَانِ وَ سَعَة الْأَرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِن مَسأَلَتِهِ فَمَتَي شِئتَ استَفتَحتَ (طلبت الفتح) بِالدُّعاء أبواب نعْمَته وَ اسْتَمْطَرْتَ (طلبت المطر) شآبيب (دفعات المطر من) رَحْمَته فَلَا يُقَنِّطَنَّكَ (يؤیسنّک) إِبطَاءُ (عدم سرعة) إجَابَته فَإِنَّ العَطية عَلَى قَدْرِ النّية (فيعطى العبد على قدر خلوصه و إنقطاعه و يأسه عن الغير) وَ رُبّمَا أُخّرَت عَنكَ الإِجَابَةُ (مع خلوصه) لِيَكُونَ ذَلِكَ (التأخير) أعْظَمَ لِأجْرِ السَّائِلِ (فى الآخرة) وَ أَجزَلَ (أعظم) لِعَطَاءِ الآمِلِ وَ رُبّمَا سَأَلتَ الشيّءَ فَلَا تُؤتَاهُ وَ أُوتِيتَ خَيراً مِنهُ عَاجِلًا (فى الدنيا) أو آجلا (فى الآخرة) أو صُرِف (منع ذلك الشيء) عَنْكَ لِمَا هو خير لك فَلَرب أمرٍ قَدْ طَلَبتَهُ فِيهِ هَلاكَ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلْتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ وَ ينْفَى عَنْكَ وَ بَالْهُ (سوء عاقبته) فَالْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ وَ لَا تَبقَى لَهُ وَ اعْلَم يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلْآخِرَةِ لَا لِلدُّنْيَا وَ لِلفَنَاء لَا لِلبَقَاءِ وَ لِلمَوْتِ لَا لِلْحَيَاةِ وَ أَنَّكَ فِي قُلْعَة (و هو منزل لا يملك لنازله أو لا يدرى متى ينتقل عنه) وَ (فى) دَارِ بلغَة (كفاية من الزاد للآخرة) وَ طَرِيقٍ إلَى الْآخِرَةِ وَ أَنَّكَ طَرِيدُ (مطرود) المَوتِ ألّذِي لَا يَنجُو مِنْهُ هَارِبُهُ (الفار منه) وَ لَا يَفُوتُهُ طالبهُ وَ لَا بُدَّ أَنَّهُ مُدْركَهُ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَر (خوف) أنْ يُدْرِكَك (الموت) وَ أَنْتَ عَلَى حَال سَيِّئَة قَدْ كُنتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ منْهَا بِالتّوبَة فَيحُولَ (الموت) بَيْنَكَ وَ بَيْنَ ذَلكَ (الحديث لنفسك بالتوبة) فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ (بتأخير التوبة).

يا بني أكثر مِنْ ذكْرِ الْمَوْتِ وَ ذِكرِ مَا تَهجُمُ (تنتهى بغتة) عَلَيهِ وَ (ذكر ما) تُفْضي (تصل، تلقى) بَعدَ المَوتِ إِلَيهِ حَتّي يَأتِيَكَ (الموت) وَ قَدْ أَخَذْتَ منْهُ حذرك (إحتراسك، إحترازک) وَ شَدَدْتَ لَهُ أَزْرَك (قوّتك) وَ (حتى) لَا يَأتِيَكَ بَغتَةً فَيَبهَرَكَ (يغلبك) و إِيَّاكَ أَنْ تَغْتَر بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلَادِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا وَ (من) تَكَالُبِهِم (تواثبهم كالكلب) عَلَيْهَا فَقَدْ نَبَّأَكَ (أخبرك) اللهُ عَنْهَا وَ نَعَتْ (وصفت) هيَ لَكَ عَنْ نَفْسِهَا (بما فيها من الزوال و التحولّ) وَ تَكَشّفَت لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كلاب عَاوِيَةٌ وَ سَبَاعٌ ضَارِيَةٌ (مولعة بالإفتراس) يَهِرّ (يمقت) بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَ يَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا وَ يَقهَرُ (يغلب) كَبِيرُهَا صَغيرهَا (إنّما أهلها) نَعَم مُعَقَلَةٌ (مشدّدة بالعقال و هم

ص: 338

(الضعفاء) و أُخْرَى مُهْمَلَةٌ (مرسلة و هم الأقوياء) قَدْ أَضَلَّتْ أضاعت) عُقُولَهَا وَ رَكَبَتْ مَجهولَهَا (طريقها المجهول) سُرُوحُ (سائم) عَاهَة (آفة) بِوَادٍ (في واد) وَعثٍ (رخو يصعب السير عليها) لَيْسَ لَهَا (تلك النعم المرسلة) رَاعٍ (مراقب) يُقيمُهَا وَ لَا (لها) مُسيمٌ (مسرح أى مذهب إلى المرعى) يُسيمُهَا (يسرحها، يذهب بها) سَلَكَت بِهِمُ الدّنيَا طَرِيقَ العَمَي وَ أَخَذَت بِأَبصَارِهِم عَن مَنَارِ (موضع نور) الهُدَى فَتَاهُوا (ساروا إلى الحيرة) في حيرتهَا وَ غَرِقُوا فِي نعمتها وَ اتَّخَذُوهَا رَباً فَلَعبَتْ بهِمْ وَ لَعبُوا بِهَا وَ نَسُوا مَا وَرَاءَهَا (من أهوال القبر و القيامة).

رويداً (أمهلهم إمهالا) يُسفِرُ (يكشف) الظَّلَامُ (ظلمة الغفلة بحلول الموت) كَأَنْ قَدْ وَرَدَت الْأَضْعَانُ (الهوادج فيظهر ما فيها) يُوشك مَنْ أَسْرَعَ (فى السير إلى غايته) أنْ يَلْحَقَ وَ اعْلَم يَا بني أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطيَّتَهُ (مركبه الذلول) اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَ إِنْ كَانَ وَاقِفاً وَ يَقْطَعُ الْمَسَافَة (و يبلغ الغاية) وَ إِنْ كَانَ مُقِيماً وَ ادِعاً (ساكنا مستريحا) وَ اعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ وَ لَنْ تَعْدُو (تتجاوز) أجَلَكَ وَ أَنَّكَ في سَبيل مَنْ كَانَ قَبْلَكَ (من الأمم الماضية) فَخَفَّضْ (أجمل) في الطلبِ (للدنيا) و أجمل فِي الْمُكْتَسَبِ (الكسب) فَإِنَّهُ رَبِّ طَلَب قَدْ جَر إِلَى حَرَبٍ (سلب المال) وَ لَيْسَ كُلُّ طالب (للرزق) بِمَرْزُوقِ وَ لَا كُلُّ مُجمل (فى الكسب) بِمَحرُومٍ (من الرزق) وَ أَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنية (بترك الحرص و الإجمال في الطلب) وَ إِنْ سَاقَتْكَ (نفسك) إِلَى الرِّغَائِبِ (ممّا ترغب إليه النفس) فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ (تجد عوضا) بِمَا تَبذِّلُ مِنْ نَفْسِك (لطلب الدنيا) عوضاً وَ لَا تَكُنْ عَبدَ غَيْرِك (بالطمع لما فى يديه) وَ قَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُراً وَ مَا (أىّ) خَير (في) خَيْرٍ (مال) لَا يُنَالُ (يدرك) إِلَّا بِشَر (كالطمع) و (ما يسر في) يُسْرِ- لَا يُنال إِلَّا بِعُسْرِ (مشقة من الذلّة عند من تطمع فيما يده) وَ إِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ (تسرع) بِكَ مَطَايَا (مراكب) الطَّمَع فَتُورِدَك مَنَاهِلَ (موارد شرب) الْهَلَكَة و إنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَينَكَ وَ بَينَ اللّهِ (فى الرزق) ذُو نِعمَةٍ فَافعَل (حتى لا توجف بك مطية الطمع إلى مناهل الهلكة) فَإِنّكَ مُدرِكٌ قَسمَكَ (نصيبك من الرزق) و آخذُ سَهْمَكَ وَ إِنَّ (الرزق) اليَسِيرَ مِنَ اللّهِ سُبحَانَهُ (من غير الطلب من ذى نعمة بالطمع) أَعظَمُ وَ أَكرَمُ مِنَ (الرزق) الكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ (بالطمع فيما

ص: 339

لديه) وَ إِنْ كَانَ كُلّ (من الرزق الطالب و المطلوب) منه (تعالى).

وَ تَلَافِيكَ (تداركك) مَا فَرَطَ مِن صَمتِكَ أَيسَرُ - (أسهل) منْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنطقكَ وَ حفْظُ مَا فِي الْوِعَاء بِشَدّ الْوِكَاء (منفذ الإناء) وَ حِفظُ مَا فِي يَدَيكَ (من الرزق القليل) أَحَبّ إلِيَ ّ (عندى) مِن طَلَبِ مَا فِي يدَيَ غَيرِكَ (فتقع فى الحرص و تتجاوز عن القناعة) و مَرَارَةُ الْيَأس (عمّا في أيدى الناس بقطع الطمع) خَيْرٌ مِنَ الطلب إلَى النَّاسِ وَ الْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ (فى الطلب مع إجماله) خير مِنَ الْغِنَى (بلا حرفة) مَعَ الفُجُورِ وَ المَرءُ أَحفَظُ لِسِرّهِ وَ رُبّ سَاعٍ فِيمَا يَضُرُّهُ مَنْ أَكْثَرَ (فى القول) أَهْجَرَ (يقع فى الهجر و لغو الكلام) وَ مَنْ تَفَكَّرَ أَبصَر - (عرف حقيقة الأمور) قَارِنْ أهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ (قصر) مِنهُم وَ بَايِن (باعد) أَهْلَ الشَّرَ - تَبِنْ عَنْهُمْ بِئْسَ الطَّعَامُ الحَرَامُ و ظلمُ الضَّعيف أفْحَشُ (أشنع) الظُّلْمِ (حيث لا يقدر على دفعه) إذَا كَانَ الرّفْقُ (الرّقة، الرحمة) خُرقاً (عنفا، فى موضع لا يستحقّها) كَانَ الْخُرْقُ (فى ذلك الموضع) رِفقاً رُبّمَا كَانَ الدَّوَاء دَاء وَ الدَّاء دَوَاء وَ رُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ النَّاصح و (ربّما) غَشَّ (خان) الْمُسْتَنْصَحُ (المطلوب منه النصيحة) وَ إِيَّاكَ وَ الاتِّكَالَ عَلَى الْمُنَى (الآمال) فَإِنَّهَا بَضَائِعُ (أمتعة) النُّوكَى (الحمقى) وَ الْعَقْلُ حِفْظُ التّجَارِبِ وَ خَيرُ مَا جَرّبتَ مَا وَ عَظكَ بَادِرِ (سابق) الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تكُونَ (تلك الفرصة) غُصَّةَ (لكم يوم القيامة) لَيْسَ كُلُّ طالبِ (للدنيا) يُصيبُ (ينال مطلوبه) وَ لَا كُلّ غَائِبٍ (كالعمر) يَئُوبُ (يرجع) و مِنَ الْفَسَادِ إضَاعَةُ الزَّادِ وَ مَفْسَدَةُ الْمَعَادِ وَ لِكُلِّ أمرٍ عَاقِبَةُ سَوفَ يَأْتِيكَ مَا قَدَّرَ لَك (من الرزق) التّاجِرُ مُخَاطِرٌ (يوقع نفسه في الخطر ) وَ رُبّ يَسِيرٍ أَنمَي (أكثر نماء، أكثر بركة) مِنْ كَثِيرِ لَا خَيرَ في مُعِينٍ مَهِينٍ (حقير) وَ لَا (خير) فِي صَدِيقٍ ظَنِينٍ (بخيل) سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا (دام) ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ (و كان لك منقادا) وَ لَا تُخَاطِر بِشَيْء (من الدنيا) رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَجمَحَ بِكَ (تغلبک) مَطِيّةُ (مركب ذلول من) اللّجَاجِ (الإصرار، العناد، الإلحاف) احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِندَ صَرمِهِ (قطيعته) عَلَي الصّلَةِ وَ عِنْدَ صُدُوده (منعه) عَلَي اللّطَفِ (له) وَ الْمُقَارَبَة (إليه) و عِندَ جُمُودِهِ (بخله) عَلَي البَذلِ (منک) و عندَ تَبَاعُده عَلَى الدُّنْو (القرب) و عِندَ شِدّتِهِ (في الأخلاق) عَلَي اللّينِ وَ عِندَ جُرمِهِ (خطيئته

ص: 340

عليك) عَلَى الْعُذْرِ حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْد وَ كَأَنَّهُ ذُو نِعْمَة عَلَيْكَ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلكَ (الأمر من الصلة و القرب و غير ذلك) في غَيْرِ موضعه أو أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِه لَا تَتَّخِذَنَّ عَدُوٌّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعَادِي صَدِيقَكَ وَ امْحَضْ أَخَاكَ النَّصيحة (غير مشوب بالغشّ) حَسَنَةً كَانَتْ (تلک النصيحة و ملائمة للنفس) أَو قَبِيحَةً (غير ملائمة للنفس) وَ تَجَرِّعِ الْغَيْظَ (إشربه جرعة فجرعة) فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أحلَى مِنْهَا عَاقِبَهُ وَ لَا أَلَذّ مَغَبّةً (عاقبة) وَ إِنْ (كن لينا) لِمَنْ غَالَظَكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ (يقرب) أنْ يَلِينَ لَكَ وَ خُذ عَلَى عَدُوكَ بِالْفَضْلِ (لا بالعدل فاعف عنه) فَإِنّهُ أَحلَي الظّفَرَينِ (ظفر الإنتقام و ظفر العفو) وَ إِن أَرَدتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاستَبقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقيهُ يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا (ظهر) لَهُ ذَلكَ (الرجوع) يَوْماً مَا وَ مَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقَ ظَنَّهُ (بالعمل بما ظنّه لك من الخير) وَ لَا تُضيعَنَّ حَقٌّ أخيك اتِّكَالًا (إعتمادا) عَلَى مَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ (من (الأخوة) فَإِنَّهُ لَيْسَ لك بأخ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ (لأنّ الأخوّة معقودة على حقوقها) وَ لَا يَكُنْ أَهْلَكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ وَ لَا تَرْغَبَنَّ (تشتاقنّ) فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ وَ لَا يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَي قَطِيعَتِكَ مِنكَ عَلَي صِلَتِهِ (بتضییعک حقوقه) وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَى الْإِساءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الْإِحْسَانِ وَ لَا يَكْبُرنّ عَلَيْكَ ظلمُ مَنْ ظَلَمَكَ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرْته (ضرره) وَ نَفْعِكَ وَ لَيْسَ جزَاء مَنْ سَركَ (بالسعى على ضرره و النفع لك) أَنْ تَسُوءَهُ وَ اعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطلُبُهُ (بالسعى و الكدح) وَ رِزْقٌ يُطلبك (و أنت غافل عنه) فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِه أَتَاكَ (ذلك الرزق الطالب لك من حيث لا تحتسب) مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ (للأغنياء) عِنْدَ الحَاجَة وَ (ما أقبح) الْجَفَاءَ (خشونة العيش على الفقراء) عِنْدَ الْغِنَى إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا أَصْلَحتَ بِهِ مَثوَاكَ (منزلك فى الآخرة و الأكثر منه يكون وزره عليك و المهناً لغيرك) وَ إِنْ كُنْتَ جَازِعاً عَلَى مَا تَفَلَّتَ (تملص، تذهب) مِن يَدَيكَ (من الدنيا) فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلُّ إِلَيْكَ (منها) اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ (يقع) بِمَا قَدْ كَانَ فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهُ وَ لَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِهِ (إيجاد الأم) فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالْآدَابِ وَ الْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْبِ (و مبالغة الإيلام). اطرَح (إدفع) عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُوم بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَ حُسْنِ الْيَقِينِ مَنْ تَرَكَ

ص: 341

الْقَصْدَ (و هو ما بين الإفراط و التفريط) جَارَ (مال عن الصراط) وَ الصَّاحِبُ مُناسبٌ (فله حقّ القرابة بالنسب) وَ الصَّديقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبَهُ (أى حفظ صديقه في غيبه) وَ الْهَوَى شَرِيك الْعَمَى وَ رُبّ بَعِيدٍ (من الأصدقاء) أَقرَبُ مِن قَرِيبٍ (بالرحم) وَ (ربّ) قَرِيبٍ (بالرحم) أَبعَدُ مِن بَعِيدٍ (من الأصدقاء) وَ الْغَرِيبٌ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٍ مَنْ تَعَدَّى (تجاوز عن) الْحَقِّ ضَاقَ مَذْهَبهُ (مخرجه من الفتن) وَ مَنِ اقتَصَرَ (إكتفى) عَلَى قَدْرِهِ كَانَ (قدره و بهائه) أَبقَي (أكثر بقاء) لَهُ وَ أَوثَقُ سَببٍ أَخَذْتَ بينك و بين الله سبحانَهُ وَ مَنْ لَمْ يُبَالك (لم يهتم بأمورك) فَهُوَ عَدُوكَ قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ (عمّا فى أيدى الناس) إِدْرَاكَاً إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلَاكَاً لَيْسَ كُلَّ عَورَةِ (عيب، نقيصة كالطمع) تَظهَرُ وَ لَا كُلُّ فُرْصَةِ تُصَابُ (تدرك) و ربما أخطأ البَصِيرُ قَصْدَهُ (سبيله المستقيم) وَ أَصَابَ الْأَعْمَى رُشْدَهُ أَخْرِ الشَّرِّ فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ (الشرّ-) تَعَجَلَتَهُ (تدركه بالعجلة) و قَطِيعَةُ (قطع صلة) الْجَاهِلِ تَعْدِلُ (تساوى) صِلَةَ الْعَاقِلِ مَنْ أَمِنَ (نفسه من مكر) الزَّمَان خَانَهُ (الزمان) وَ مَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ (بمكره فخذ بالقصد و تجنّب عن الإفراط و التفريط) لَيسَ كُلُّ مَنْ رمى (قصد شيئا) أَصَابَ إِذَا تَغَيَّرَ السُلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ (فلا تأمن الزمان ما دام لم تأمن السلطان) سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ (طى) الطَّرِيقِ وَ (سل) عَنِ الْجَارِ قَبْلَ (إِتِّخاذ) الدَّارِ إِيَّاكَ أَنْ تَذَكَّرَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَكُونُ مُضْحكاً وَ إِنْ حَكَيْتَ ذَلكَ (الكلام) عَنْ غَيْرِكَ.

وَ إِيَّاكَ وَ مُشَاوَرَةَ النِّسَاء فَإِنَّ رَأيَهُنَّ إِلَى أفْنِ (ضعف) وَ عَزمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ (ضعف) وَ اكْفُفْ (أمسك، إمنع) عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ (فى البيوت) فَإِنْ شِدَّةَ الْحِجَابِ (لهنّ) أبْقَى (أشدّ بقاء) عَلَيهِنَّ (الحفظ حيائهنّ) وَ لَيسَ خُرُوجُهُنّ (من البيوت) بأشَدَّ مِنْ إِدْخَالِك مَنْ لَا يُوثَقُ بِه عَلَيْهِنَّ (من الرجال) و إنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعرِفْنَ غَيرك (من الرجال بحجابک إياهنّ و عدم إدخالك من لا يوثق به عليهنّ) فَافْعَلْ وَ لَا تُمَلّك الْمَرْأَةَ (أى لا تجعل لها القدرة و التمكّن) مِنْ أَمْرِهَا مَا (قدرا) جَاوَزَ نَفْسَهَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ ريحَانَهُ وَ لَيْسَتْ بِقَهرمانَة (و هي الّتي تحكم فى الأمور و تتصرّف فيها بأمرها) وَ لَا تَعْدُ (تتجاوز) بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا (فأكرمها و لا تتجاوز عن الحدّ) وَ لَا تُطمِعهَا (توقعها فى الطمع) في أنْ تَشْفَعَ لغَيرهَا وَ إِيّاكَ وَ التّغَايُرَ

ص: 342

(الغيرة) فِي غَيرِ مَوضِعِ غَيرَةٍ فَإِنَّ ذَلكَ (التغاير في غير موضعه) يَدْعُو (المرأة) الصّحيحَة إِلَى السّقَمِ وَ (يدعو المرأة) الْبَرِيئَة (من الخيانة) إِلَي الرّيَبِ (إحتمال الوقوع في القبائح) وَ اجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانِ مِنْ خَدَمكَ عَمَلًا تَأخُذُهُ (تؤاخذ الخادم) بِه (فى مقابل ذلك العمل) فَإِنَّهُ (الأخذ بالعمل المجعول لمن خدمك) أَحرَي (أليق، أولى، أجدر) ألَّا يَتَوَاكَلُوا فِي خِدمَتِكَ (أى بأن لا يتّكل بعضهم على بعض و لا يجعل بعضهم بعضا وكيلا فى الأمور فرارا عن الخدمة) وَ أَكْرِمُ عَشيرتكَ فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِه تَطيرُ و أَصْلُك ألّذِي إِلَيهِ تَصِيرُ وَ يَدُكَ الَّتِي بِهَا تَصُولُ (تثب على الأعداء).

استَودِعِ اللّهَ دِينَكَ وَ دُنيَاكَ (إجعلهما وديعة عند الله) وَ اسأَلهُ خَيرَ القَضَاءِ لَكَ فِي الْعَاجِلَة (الدنيا) وَ الْآجِلَة (الآخرة) وَ (في) الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ السَّلَامُ.

32-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية:

وَ أَرْدَيْتَ (أهلكت) جِيلًا (قبيلا، طائفة) منَ النَّاسِ كَثيراً (فى صفين) خَدَعتهم بِغَيكَ (ضلالك) وَ أَلقَيتَهُم فِي مَوجِ بَحرِكَ تَغشَاهُمُ (تحيط بهم) الظُّلُمَاتُ وَ تَتَلاطمُ (تتقلّب) بِهِمُ الشَّبَهَاتُ فَجَازُوا (تعدّوا عَنْ وِجْهَتِهِمْ (جهتهم إلى الصراط المستقيم) و نَكَصُوا (رجعوا) عَلَى أَعْقَابِهِم وَ تَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ (من الجاهليّة) وَ عَوّلُوا (إعتمدوا) عَلَى أحْسَابِهِمْ (شرف قبائلهم) إِلَّا مَنْ فاء (رجع) منْ أهْلِ الْبَصائر (إلى ضوء ولايتى) فَإِنّهُم فَارَقُوكَ بَعدَ مَعرِفَتِكَ (بالأوصاف الرديئة) وَ هَرَبُوا (فروا) إِلَي اللّهِ مِن مُوَازَرَتِكَ (معاضدتک نصر تک) إِذْ حَمَلْتَهُم عَلَى الصّعب (من الحرب على ولى الله و القيام على ما فطرهم الله عليه من قبول الولاية) وَ عَدَلتَ بِهِم (صرفتهم) عَنِ الْقَصْد (الصراط المستقيم) و هو ولايتى و إنّ القصد هو السهل لما فيه من التطابق بالفطرة و الوسع و لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها) فَاتَّقِ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي نَفْسِكَ وَ جَاذِبِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ (زمامک) فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطَعَةٌ عَنْكَ وَ الْآخِرَةَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ وَ السَّلَامُ.

33 -و من كتاب له علیه السَّلام إلى قثم بن العباس و هو عامله على مكة:

ص: 343

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَيْنِي (رقيبى) بِالْمَغْرِبِ (البلاد الغربية عن الكوفة) كَتَبَ إِلَي يُعْلِمُنِي أَنَّهُ وجَهَ (سير) إِلَى الْمَوْسِمِ (مجتمع الناس فى الحجّ) أَنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ (وجههم معاوية لإثارة الفتنة) العمُي القُلُوبِ الصّمّ الأَسمَاعِ الكُمهِ (العمى) الْأَبْصَارِ الَّذِينَ يَلْبِسُونَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ وَ يُطِيعُونَ الْمَخْلُوقَ (و هو معاوية) في مَعْصِيَّة الخَالِقِ وَ يَحْتَلبُونَ الدُّنْيَا دَرهَا (البنها) بِالدِّينِ (فيأخذون من الدين ما قاربهم إلى الدنيا) وَ يَشتَرُونَ عَاجِلَهَا (الحاضر من نعيمها) بِآجِلِ الْأَبْرارِ الْمُتَّقِينَ وَ لَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْر إِلَّا عَامِلُهُ وَ لا يُجزَى جَزاءَ الشَّرِّ- إِلَّا فَاعْلُهُ فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيكَ (من العمل على مكّة) قيامَ الْحَازِمِ (الآخذ بالإحتياط عند العدوّ) الصّلِيبِ (الشديد في الحقِّ) وَ النَّاصِحِ (لأئمة الدين) اللَّبِيب (ذى العقل و الكياسة) التّابِعِ لِسُلطَانِهِ (أميره) المُطِيعِ لِإِمَامِهِ وَ إِيّاكَ وَ مَا يُعتَذَرُ مِنهُ (من العمل القبيح و الغفلة عن الأعداء) وَ لَا تَكُنْ عِندَ النِّعْمَاءِ بطراً (فرحا) وَ لَا عِنْدَ الْبَأْسَاء (الشدائد) فَشلًا (ضعيفا، كسلا) وَ السّلام.

34 -و من كتاب له علیه السَّلام إلى محمّد بن أبي بكر لما بلغه توجده من عزله بالأشتر عن مصر، ثم توفّي الأشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي مَوجِدَتُكَ (غيظك) مِنْ تَسْرِيح (إرسال) الْأَشْتَرِ إِلَى عَمَلَكَ فى مصر -) وَ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلكَ (التسريح) استِبطَاءً (عدم السرعة) لَكَ فِي الجِدّ (السعى البليغ) وَ لَا (فعلت ذلك) ازْدِيَاداً (طالبا للزيادة) لَك في الجِدّ وَ لَوْ نَزَعْتُ (أخذت بالشدّةِ) مَا تَحْتَ يَدكَ منْ سُلْطَانكَ لَوَلَّيْتُكَ (جعلتك الوالی) مَا (بلدا) هُوَ أَيْسَرُ - (أسهل) عَلَيكَ مَئُونَةً (ثقلا) وَ أَعْجَبُ (أحسن) إِلَيْكَ (عندك) ولايَةٌ إِنَّ الرّجُلَ ألّذِي كُنتُ وَلّيتُهُ أَمرَ مِصرَ (و هو الأشتر) كَانَ رَجُلًا لَنَا ناصحاً وَ عَلَى عَدُونَا شَديداً ناقماً (کارها، مغضبا ) فَرَحمَهُ اللهُ فَلَقَد اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ (فى أجله) و لاقَى حِمَامَهُ (موته) و نَحْنُ عَنْهُ رَاضُونَ أَوْلَاهُ (أعطاه) اللهُ رِضْوَانَهُ وَ ضَاعَفَ الثَّوَابَ لَهُ فَأَصْحرْ (ابرز) لِعَدُوّكَ (معاوية) و أمْضِ (إمش إليهم) عَلَي بَصِيرَتِكَ وَ شَمّر (تهيأ،تجهّز) لِحَربِ مَن حَارَبَكَ وَ ادعُ (الناس) إِلي سَبِيلِ رَبّكَ وَ أَكثِرِ الِاستِعَانَةَ بِاللّهِ يَكفِكَ مَا أَهَمَّك (من الأمور) وَ

ص: 344

يُعنك عَلَى مَا يُنزِلُ بِك (من الشدائد) إِنْ شَاءَ اللهُ.

35-و من كتاب له علیه السَّلام إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتِحَتْ (بخدعة عمرو بن العاص) و محمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدِ استُشهِدَ فَعِندَ اللّهِ نَحتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً وَ عَامِلًا كَادِحاً (مبالغا فى السعى) و سَيفاً قَاطِعاً وَ رُكناً (عميدا) دَافِعاً (عن وليّه بقدر وسعه) وَ قَد كُنتُ حَثَثتُ (حرضت) النّاسَ عَلَي لَحَاقِهِ وَ أَمَرتُهُم بِغِيَاثِهِ (إعانته) قَبلَ الوَقْعَة (الحادثة الّتي أثارها معاوية) وَ دَعَوْتُهُمْ سِراً وَ جَهْراً وَ عوداً وَ بَدْءاً فَمِنْهُمُ الآتي (لنصره) كَارِها وَ مِنْهُمُ الْمُعْتَلّ (المتشبّث بالعلّة) كاذباً وَ مِنْهُمُ القاعدُ (عن نصرته) خَاذِلًا (له) أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنهُم (بدل هولاء القوم المتخاذلين لمحمّد) فَرَجاً عاجِلًا (سريعا) فَوَ الله لَوْ لا طَمَعي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي الشَّهَادَةِ وَ توَطيِنيِ (إقامتى) نَفْسي عَلَى المَنِيّةِ (الموت) لأحببْتُ إِلَّا أَلْقَى مَعَ هَؤُلاء (القوم المتخاذلين) يَوماً وَاحِداً وَ لَا ألَتقَيِ (من بعد ذلك اليوم) بِهِم أَبَداً

36- و من کتاب له علیه السَّلام إلى أخيه عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء و هو جواب كتاب كتبه إليه عقيل:

فَسَرّحتُ (أطلقت، أرسلت) إِلَيهِ (ذلك العدوّ الباغي علينا) جَيشاً كَثِيفاً (مزدحما كثيرا) من الْمُسْلِمينَ فَلَمَّا بَلَغَهُ (وصل إلى ذلك العدوّ) ذلكَ (التسريح منّى) شَمرَ (إستعدّ ، تجهّز، تهيأ، ذهب مسرعا) هَارِباً (فارّا من الحرب) و نَكَصَ (رجع) نَادماً فَلَحقُوهُ (لاقى الجيش المرسل منّى ذلك العدوّ) بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَ قَدْ طَفَلَتِ (قربت دنت) الشَّمْسُ لِلْإِيَابِ (الرجوع إلى مغربها) فَاقْتَتَلُوا شَيْئاً كَلَا وَ لا (و هي كناية عن السرعة) فَمَا كَانَ (لم يقع القتال) إِلَّا كَمَوقِف سَاعَة حَتَّى نَجا (ذلك العدوّ) جريضاً (مغموما قد قصّ بريقه من شدّة الكرب و الجهد) بَعْدَ مَا أَخذَ مِنْهُ (أى بعد أخذ العدوّ) بِالْمُخَنَّقِ بخناقه و هو موضع نفسه)

ص: 345

وَ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ (المخنّق) غَيرُ الرّمَقِ (و هو بقية النفس) فَلَأياً (عسرا، شدّة) بلأي (مع عسر-) ما نَجا (نجاة العدو، أى عسرت نجاته عسرا مع عسر -) فَدَعْ (اترک) عَنْكَ قُرَيْشاً وَ تَرَكَاضَهُمْ (شدّة هرولتهم، إسراعهم) في الضَّلَالِ وَ (دع) تَجوَالَهُم (شدّة جولانهم) في الشَّقَاقِ (الخلاف لی) وَ جِمَاحَهُمْ (استعصائهم على الحقّ) فِي التّيهِ (الحيرة، الضلال) فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَي حرَبيِ كَإِجمَاعِهِم عَلَى حَربٍ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه و آله قبلي (فى الأحزاب) فَجَزَتْ قُريشاً عَنِّي الْجَوازِي فَقَدْ قَطَعُوا رَحمي وَ سَلَبُوني سُلْطَانَ ابْنِ أَمِّي وَ أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ رَأَیِي فِي الْقِتَالِ فَإِنَّ رَأَیي (الثابت الصواب) قِتَالُ الْمُحلَّينَ (لعهد الله و ميثاقه) حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ لَا يَزِيدُنِي كَثَرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عَزَّةَ وَ لَا (يزيدنى) تَفَرقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً وَ لَا تَحْسَبَنَّ (تظنّنَ) ابْنَ أَبِيكَ وَ لَو أَسْلَمَهُ النَّاسُ (إلى الشدائد) مُتَضَرّعاً مُتَخَشّعاً (ذليلا عند الأعداء) وَ لَا مُقراً لِلضّيم (الظلم) واهنا (سهلا هيّنا عند الظلم) وَ لَا تحسبنّ إبن أبيك) سَلسَ (سهل) الزّمَامِ لِلقَائِدِ وَ لَا وطَيِءَ (لين) الظّهرِ لِلرّاكِبِ الْمُتَقَعِد (الّذى يتّخذ الظهر للقعود) وَ لَكِنّهُ (يكون إبن أبيك) كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سَلِيمٍ.

فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي صَبُورٌ عَلَى رَيْبٍ (حوادث) الزَّمَانِ صَلِيبُ (شديد) يَعِزُّ (يشقُ، يصعب) عَلَيّ أَن تُرَي بيِ كَآبَةٌ (حزن ظاهر فى الوجه) فَيَشْمَتَ (يفرح بالبلية) عَادِ (عدوّ) أَوْ يُسَاءَ (يعاب، يذم لأجل تلك الكآبة) حَبيب (لنا).

37 -و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية:

فَسَبحَانَ الله مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ ،(ملازمتک، عدم إنفصالک) الْأهْوَاءَ الْمُبْتَدَعَة (من تلقاء نفسك الأمّارة بالسوء) و (ل) الحَيرَةِ المُتّبَعَةِ (الّتى كنت لها تبعا فإتّبعت الحيرة حيث عدلت عن الصراط المستقيم) مَعَ تَضْيِيع (إضاعة) الحقائقِ (الثابتة عندك من أن الحقّ معى) وَ اطّرَاحِ (طرح، نبذ) الْوَثَائِقِ (المحكمات من عزائمه تعالى) التّيِ هيِ لِلّهِ طِلبَةٌ (مطلوبة) وَ عَلَى عِبَادِه (بتلك الوثائق) حُجّةٌ (الله) فَأَمّا إِكثَارُكَ الحِجَاجَ (المحاجّة) عَلَى عُثْمَانَ وَ قَتَلَتِهِ فَإِنَّكَ إِنَّمَا

ص: 346

نَصَرْتَ عُثْمَانَ حَيثُ (موضعا) كَانَ النّصْرَ (فى ذلك الموضع) لَكَ (ينفعك) وَ خَذَلَتَهُ (لم تنصر - عثمان) حَيْثُ كَانَ النَّصْرَ لَهُ (ينفعه و يضرك) وَ السّلَامُ

38-و من كتاب له علیه السَّلام إلى أهل مصر لمّا ولى عليهم الأشتر:

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ غَضِبُوا لِلَّهِ حِينَ عُصِيَ فِي أَرْضِهِ وَ ذَهِبَ بِحَقِّهِ (فى أيام عثمان) فَضَرَبَ الْجَوْرُ (العدول عن الحقّ) سُرَادِقَهُ (غطائه المبسوط) عَلَي البَرّ وَ الفَاجِرِ وَ المُقِيمِ (بالمدينة) وَ الظَّاعِنِ (الراحل عنها) فَلَا مَعْرُوفٌ يُستَرَاح (يسكن يطمئنَ) إِلَيهِ وَ لَا مُنكَرٌ يُتَنَاهَي عَنهُ (و كذلك ضرب الجور سرادقه على الناس كلّهم) أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِ الله لا يَنامُ أيَّامَ الْخَوْفِ وَ لا يَنكُل (ينكص) عَنِ الْأَعْدَاء سَاعَاتِ الرُوْعِ (الخوف) أَشَدَّ عَلَى الْفُجّارِ مِنْ حَرِيقِ النَّارِ وَ هُوَ مَالك بن الْحَارِثِ أَخُو مَدْحج فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أطيعُوا أمره فيمَا طَابَقَ الْحَقِّ (و هو أنا) فَإِنّهُ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللّهِ لَا كَلِيلُ (غير قاطعة) الظَّبَة (حدّة السيف و السنان) وَ لَا نَايِي (غير مؤثّر) الضّرِيبَةِ (المضروب بالسيف منه) فَإِنْ أَنْ تَنْفِرُوا (تسيروا للقتال) فَانْفِرُوا (معه) وَ إِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُقِيمُوا فَأَقِيمُوا فَإِنَّهُ لَا يُقْدِمُ وَ لا يُحجِمُ (يكفّ، ينكص) وَ لَا يُؤَخِّرَ (أمرا) وَ لا يُقَدِّمُ إِلَّا عَنْ أَمْرِي (و هذا هو معنى مطابقته للحقِّ) وَ قَدْ آثَرَتُكُمْ (خصصتكم) به عَلَى نَفْسي - لِنَصِيحَتِهِ لَكُم وَ شِدّةِ شَكِيمَتِهِ (سلطانه، شجاعته، تكبره) عَلَي عَدُوّكُم

39-و من كتاب له علیه السَّلام إلى عمرو بن العاص:

فَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينكَ تَبعاً لدُّنْيَا امرِئٍ (و هو معاوية) ظَاهِرٍ غَيّهُ (ضلاله) مَهتُوكٍ سِترُهُ (حجابه المضروب على أعماله لفسقه الظاهر) يَشينُ (يعيب معاوية) الْكَرِيمَ (المنزّه من المهانة) بِمَجْلسه وَ يُسفّهُ (يوقع فى السفه) الحَلِيمَ بِخِلطَتِهِ فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ وَ طَلَبتَ فَضْلَهُ اتِّبَاعَ الكَلْبِ للضّرْغَامِ (الأسد) يَلُوذُ (يلتجىء الكلب) بِمَخَالِبِهِ وَ يَنتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ (زائد) فَرِيسته (ذبيحة الأسد) فَأَذْهَبتَ دُنيَاكَ وَ آخِرَتَكَ وَ لَوْ بِالْحَقِّ أخَذْتَ (معى) أَدْرَكْتَ (أصبت)

ص: 347

ما طلبت (من الدنيا) فَإِنْ يمُكَنّيّ اللّهُ مِنكَ وَ مِنِ ابنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتُمَا (من الظلم) و إنْ تُعْجِرًا بأن لا يمكَّنى الله منكما و يجعل لكما المهلة إستدراجا) وَ تَبقَيَا (فى الدنيا ليأخذكما الله تعالى بغتة) فَمَا أَمَامَكُمَا (من العذاب) شَرِّ لَكُمَا (من القتل بيدى) و السلام.

40-و من كتاب له علیه السَّلام إلى بعض عماله:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَني عَنْكَ أَمرٌ (من تصرّفك في بيت المال) إنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطتَ (أغضبت) رَبَّكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ وَ أَخْزَيْتَ (أفسدت) أَمَانَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الْأَرْضَ (جعلتها جرداء خالصة لك) فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيكَ (من الأرض) وَ أَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ (من مال المسلمين) فَارْفَعُ إِلَى حِسَابَكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللهِ (يوم القيامة) أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ (فى الدنيا) وَ السَلام.

41-و من كتاب له علیه السَّلام إلى بعض عماله:

أما بَعدُ فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ في أَمَانَتِي وَ جَعَلْتُكَ شِعَارِي (لباسي الملاصق بالبدن) و بِطَانَتِي (صاحب سرى) وَ لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسي - لمُوَاسَاتِي (عطفك و حنانک إلى) و مُوَازَرَتي (مناصرتى) وَ أَدَاء الْأَمَانَة إِلَيَّ فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلب (إشتدّ، خشن) وَ (لمّا رأيت) العَدُو قَدْ حَرِبَ (إشتدّ غضبه) وَ (رأيت) أَمَانَهُ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ (وقعت فى الفساد الواضح) و هَذه الأمة قَدْ فَنَكَتْ (أخذت الأمة الأمور بغير الحزم كأنّها هازلة فيها) وَ شَغَرَتْ (فرغت أى لم يبق فيها من يحميها)قَلَبْتَ لِابْنِ عَمِّکَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ (الجنّة، الترس) فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ وَ خَذَلَتَهُ (لم تنصره) مَعَ الْخَاذِلِينَ وَ خُنَتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ فَلَا ابْنَ عَمِّکَ آسَیْتَ (ساعدت و شاركت في الشدائد) وَ لَا الْأَمَانَة أَدَّيْتَ (إلى أهلها) وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اللَّهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ وَ كَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيْنَة (حجّة ظاهرة) مِنْ رَبِّكَ وَ كَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ (تخدع ) هَذِهِ الْأُمَّةَ (بجهادک و سابقتک فی الدین) عَنْ دُنْيَاهُم وَ تَنَوِي غِرَتَهُم

ص: 348

(غفلتهم) عَنْ فَيْنِهِمْ (أموال خراجهم و غنائمهم) فَلَمَّا أَمْكَنَتكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَة أَسْرَعْتَ الكَرةَ (الرجعة إلى فيئهم) وَ عَاجَلتَ الوَثبَةَ (الهجوم على أموالهم) وَ اخْتَطَفْتَ (إستلبت بالسرعة، إجتذبت، إنتزعت) مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ المَصُونَة (المحفوظة في بيت المال) لأراملهِم و أيتامهِمُ اخْتطَافَ (إنتزاع) الذّئبِ الأَزَلّ (السريعة للوثبة على الصيد أو الخفيف لحم الوركين) دَامِيَةَ (مجروحة) المِعزَي الكَسِيرَةَ (المكسورة) فَحَمَلْتَهُ (نقلت ما قدرت عليه من أموال المصونة) إِلَي الحِجَازِ رَحِيبَ (وسيع) الصّدرِ بِحَملِهِ غَيرَ مُتَأَثّمٍ (متجنّب للإثم) مِن أَخذِهِ (سلب ذلك المال) كَأَنَّكَ لَا أَبَا لغَيْرِكَ حَدَرتَ (أسرعت) إِلَي أَهلِكَ تُرَاثَكَ (ميراثك) مِن أَبِيكَ وَ أُمّكَ فَسُبْحَانَ الله أ مَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَاد أو مَا تَخَافُ نِقَاشَ (مناقشة محاجة، محاورة) الْحِسَابِ أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيعُ شَرَاباً وَ طَعَاماً (تجعلهما لنفسک سائغا هنيئا) وَ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأكُلُ حَرَاماً وَ تَشْرَبُ حَرَاماً وَ تَبْتَاعُ (تشترى) الإِمَاءَ وَ تَنكِحُ النّسَاءَ منْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى و الْمَسَاكِينِ و الْمُؤْمِنينَ و الْمُجاهدينَ الَّذِينَ أَفَاءَ (أعطى) اللّهُ عَلَيهِم هَذِهِ الأَموَالَ (الّتي حملتها إلى الحجاز أهلك) وَ أحرَزَ (جعل الله فى الحرز) (المجاهدين) هَذِهِ الْبِلَادَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَ ارْدُدْ إِلَى هَؤلاء القَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ (ما أمرتك به من ردّ الأموال) ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْكَ (جعل لى القدرة على أخذك) لَأَعْذِرَنَّ إِلَى اللَّهِ (أهيأ العذر القاطع عنده تعالى) فِيكَ وَ لَأَضرِبَنّكَ بسِيَفيِ ألّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ النّارَ وَ وَ الله لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ فَعَلَا مثل الَّذي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ (وقعت) لَهُمَا عنِديِ هَوَادَةٌ (إختصاص بالميل) وَ لَا ظَفِرَا منِيّ بِإِرَادَة حَتَّى أخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَ أَزِيحَ (أزيل، أدفع) الْبَاطِلَ عَنْ مَظَلَمَتِهِما (ظلمهما) وَ أُقسِمُ بِاللّهِ رَبّ العَالَمِينَ مَا يسَرُنّيِ أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ (بالظلم) منْ أَمْوَالِهِمْ حَلَالٌ لِي أَتْرُكْهُ مِيرَاثاً لِمَن بعَديِ فَضَحّ (إرع نفسك) رُوَيداً (على مهل) فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى (الغاية) و دُفنَتَ تَحْتَ الثَّرَى (التراب) وَ عُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلَّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيه بِالحَسرَةِ وَ يَتَمَنّي المُضَيّعُ (لحقوق الناس) فِيهِ الرّجعَةَ (ليعمل صالحا فيما ترک) وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ (فرار).

ص: 349

42-و من كتاب له علیه السَّلام إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي و كان عامله على البحرين فعزله و استعمل نعمان بن عجلان الزّرقي مكانه:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ وَلَيْتُ النِّعْمَانَ بْنِ عَجْلَانَ الزَّرَقِي عَلَى الْبَحْرِينِ و نَزَعْتُ (خلعت) يَدَكَ بِلَا ذَمّ لَكَ (في أداء الأمانة) وَ لَا تَثرِيبٍ ( لوم، ذمّ) عَلَيْكَ فَلَقَدْ أَحسَنتَ الوِلَايَةَ (على من وليّتك عليه) وَ أَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ فَأَقَبلْ (إلى) غَيرَ ظَنِينٍ (متّهم) وَ لَا مَلُومٍ (مذموم) وَ لَا مُتَهم وَ لَا مَأثُومٍ (موضع للإثم، منتسب إلى الإثم) فَلَقَدْ أَرَدْتُ الْمَسيرَ إلَى ظَلَمَة أَهْلِ الشَّامِ وَ أَحببتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِي (فى قتالهم) فَإِنَّكَ ممَّنْ أَسْتَظهر (أطلب المظاهرة و الغلبة) به عَلَى جِهَادِ الْعَدُو وَ إِقَامَةِ عَمُودِ الدّينِ إِن شَاءَ اللّهُ

43-و من کتاب له علیه السَّلام إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامله على أردشير خُرة:

بلَغَنِي عَنْكَ أَمر (من تصرّفك فى بيت المال) إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطَتَ (أغضبت) إِلَهَكَ و عَصَيتَ إِمَامَكَ (فالأمر البالغ إلى هو) أَنّكَ تَقسِمُ فيَء (غنائم) المُسلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ (كسبته) رِمَاحَهُمْ وَ خُيُولُهُمْ (فى الحروب) وَ أُرِيقَت (سفكت صبّت) عَلَيْهِ دَمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اعْتَامَكَ (إختارك) منْ أَعْرَابِ قَوْمكَ فَوَ الَّذي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ (خلق) النّسَمَةَ (ذا الروح) لَئِنْ كَانَ ذَلكَ (الخبر) حقاً لَتَجِدَنْ لَكَ عَلَي هَوَاناً (سهلا) وَ لَتَخِفّنّ عنِديِ مِيزَاناً فَلَا تَسْتَهِنُ (تخفّف) بِحَقّ رَبّكَ (فى بيت المال) وَ لَا تُصْلِحُ دُنْيَاكَ بِمَحْقٍ (هلاك) دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالَا (لأَنْ ما لک من دنياك هو ما أصلحت به مثواك) أَلَا وَ إِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ (عندك) وَ قِبَلَنَا (عندنا) مِنَ المُسلِمِينَ فِي قِسمَةِ هَذَا الفيءِ سَوَاءٌ (بلا فضل لأحد على أحد و إنّ المسلمين) يَرِدُونَ (يقدمون) عنِديِ عَلَيهِ (ذلك الفيء) و يصدُرُونَ (من عندى) عَنْهُ (و لا يحرمون حقوقهم فأعطيهم على السواء).

44-و من كتاب له علیه السَّلام إلى زياد ابن أبيه و قد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه:

ص: 350

وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَة كَتَبَ إِلَيْكَ (كتابا) يَسْتَزِلْ (يطلب زلة) لُبَّکَ (قلبک، ادراکک،فهمک) و يَسْتَفلُّ (يطلب ثلم) غَرْبَکَ (حدک، شدّتك عليه) فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي الْمَرءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِه لَيَقْتَحِمَ (يهجم، يدخل بغتة) غَفْلَتَهُ وَ يَسْتَلبَ (يسرق، يغصب) غِرَّتَهُ (خلوّ عقله من أنواع الحيل، عقله الساذج الذى لا يعرف وجوه الحيل) وَ قَدْ كَانَ (وقع) منْ أبي سُفْيَانَ فِي زَمَن (خلافة) عمر بنِ الْخَطَابِ فَلْتَةٌ (قول بلا تعقل و ترو) منْ حَديث النَّفْسِ وَ نَزْغَة (فساد) منْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ لا يَثْبُتُ بها (تلك الفلتة) نَسَب وَ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثُ (و تلك الفلتة هى قوله فى زياد: إنّى لأعلم من وضعه في رحم أمّه و یرید بذلك نفسه الخبيثة) وَ اَلْمُتَعَلِّقُ (المتشبّث) بِهَا (تلك الفلتة) کَالْوَاغِل (الّذى يهجم على الشرب ليشرب مع قوم ليس منهم) الْمُدَفَع (الممنوع من الدخول فيهم للشرب) وَ (کَ) اَلنَّوْط (المعلّق برحل الراكب كالقعب و القدح) الْمُذَبْذَبِ (المتقلقل).

فَلَمَّا قَرَأَ زِيَادٌ الْكِتَابَ قَالَ: شَهِدَ بِهَا وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ، وَ لَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِهِ حَتَّى ادْعَاهُ مُعَاوِيَةٌ.

قال الرضي: قوله علیه السَّلام الواغل هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم و ليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا و النوط المذبذب هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره و استعجل سیره

45-و من كتاب له علیه السَّلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و كان عامله على البصرة و قد بلغه أنّه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها قوله:

أَمَّا بَعْدُ یَا اِبْنَ حُنَیْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِی أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْیَهِ (أغنياء) أَهْلِ الْبَصْرَة دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَهٍ (طعام مصنوع لدعوة أو عرس) فَأسرعت إلَيْهَا تَسْتَطَابُ (تُصطفى، تُستحسن) لَكَ الْأَلْوانُ (من الطعام) وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ (الإناء) و مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ (فقيرهم) مَجْفُوٌّ (مطرود من الجفاء و غلظة العيش) وَ غَنِیُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَی مَا تَقْضَمُهُ (تأكله بطرف الأسنان) مِنْ هَذَا اَلْمَقْضَمِ (مكان الأكل) فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ علَمُهُ (و لم تعلم حليّته) فَالفظهُ

ص: 351

(إطرحه) وَ مَا أَيْقَنْتَ (علمت) بِطِیبِ وُجُوهِهِ (من) كل جانب) فَنَل (خذ) فَنَلْ (بعضه) أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي (ذلك المأموم) بِهِ وَ یَسْتَضِیءُ (يطلب الضياء) بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى (قنع) مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ (ثوبين باليين له) وَ مِنْ طعمه بِفُرْصَيْهِ أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ (الإكتفاء) وَ لکِنْ أَعِینُونِی بِوَرَعٍ (ترك الشبهات) وَ اجْتِهَادِ (فى العمل) وَعِفَّةٍ (ترك الشهوات و مراعاة الحياء) وَ سَدَاد (إحكام فى الأمور) فَوَ الله مَا كَنَزتُ (إدّخرت) مِنْ دُنْيَاكُمْ تبراً (قطعات الذهب و الفضّة قبل أن يصاغ) وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمهَا وَ فْراً (مالا) وَ لَا أَعْدَدْتُ (هيأت) لِبَالِی ثَوْبِی طِمْراً (ثوبا باليا آخر) وَ لَا حُزْتُ (كسبت) مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَ لَهِی (دنياكم) فی عَیْنی اَهْوِنُ (أهون) و أَوهَنُ مِنْ عَفْصَةِ مَقِرةِ (مرّةٍ) بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكَ (في زمان رسول الله) منْ كُلِّ مَا أظَلَّتْهُ (أحاطت به) السَّمَاءَ فَشَحَتْ (بخلت بخلا شديدا، ضنّت) عَلَيْهَا نُفُوسٌ قَوْمٍ (أشحة من بنى تيم و بنى مرّة) وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسٌ قَوْمٍ آخَرِينَ (و هم أهل البيت) و نِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَك وَ غَيْرِ فَدَكَ وَ النَّفْسُ مَظَانُهَا (مكان وجودها يقينا) فی غَدٍ جَدَث (قبر) تَنْقَطِعُ فیظُلْمِتِهِ آثارُها وَ تَغَیِبُ (تعدم تذهب) أَخْبَارهَا وَ (مظانّها فى غد) حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا (وسعتها) وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لأضْغَطَهَا (ضيق تلك الحفرة) الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ وَ سَدَّ فَرَجَهَا التَّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي - أَرُوضُهَا (أذلّلها) بِالتَّقْوی لَتَاْتی (نفسي) آمِنَهً یَوْمَ الْخَوْفِ الْأکْبَرُ وَ تَثْبُتَ عَلَی جَوانِبِ الْمَزْلَقِ (المزلّة، موضع السقوط و هو الصراط) وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَیْتُ (عرفت الهداية إلى) الطَّرِيقَ إلى مُصَفّى (خالص) هَذَا الْعَسَلِ وَ لْبَابِ (مخّ) هَذَا الْقَمْح (الحنطة) وَ نَسَائِج هَذَا الْقَزّ (الحرير) وَ لَکِنْ هَیْهَاتَ أَنْ یَغْلِبَنِی هَوَایَ وَ یَقُودَنِی جَشَعِی (شدّة حرصى) إِلَی تَخَیُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْضِ وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشَّبَع أو (هيهات أن) أبِيتَ (أنام من الليل إلى الصباح) مِبْطَاناً (شبعا ممتلىء البطن) وَ حَوْلِی بُطُونٌ غَرْثَی (جائعة) وَ أَکْبَادٌ حَرَّی (عطشان) أَوْ (أن) أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ ببطنَة * وَ حَوْلَکَ أَکْبَادٌ تَحِنُّ (تشتاق) إِلَی اَلْقِدِّ (سير من جلد مدبوغ)

ص: 352

أ أَقْنَعُ (أكتفى) مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ (لى) هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا أَشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ (شدائد) الدَّهْرِ أو (لا) أَكُونَ أَسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَة (خشونة) العيشِ فَمَا خُلِقْتُ لَيَشْغَلَنِي أَكُلُ الطَّيِّبات كَالْبَهِيمَةِ الْمَربوطة هَمِّهَا عَلَفُهَا أو (كالبهيمة) المُرْسَلَة (في المراعي) شُغْلُهَا تَقَمِّمُهَا (إلتقاطها للكناسة، إفراطها في الأكل) تَکْتَرِشُ (تملاً كرشها أى بطنها) مِنْ أَعْلَافِهَا، وَتَلْهُو (تغفل) عَمَّا یُرَادُ بِهَا (من الذبح) أَوْ (فما خلقت ل-) أُتْرَکَ سُدًی (مهملا) أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، (بلا غاية) أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَهِ، أَوْ أَعْتَسِفَ (أركب الطريق المائل عن القصد و هو) طَرِیقَ الْمَتَاهَهِ (الحيرة) وَ كَأنّي (أنظر) بِقَائلكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أبي طالب فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قَتَالِ الْأَقْرَانِ، وَمُنَازَلَهِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَهَ الْبَرِّیَّهَ (الّتى لا تسقى إلا بماء قليل من المطر) أَصْلَبُ عُوداً، وَ الرَّوَاتِعَ (الأشجار و الأعشاب) الْخَضِرَةَ أَرَقُ جُلُوداً وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْیَهَ أقْوَى وَ قُوداً (إشتعالا) و أبطأ (أكثر فتورا) خُمُوداً (سكونا) . وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ کَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ، وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ وَ اللّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ (أدبرت) عَنْهَا وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا (أعناقها للتسلّط عليها) لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا (العرب للمقاتلة) وَ سَأَجْهَدُ فِی أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوس (معاوية) و الجِسْمِ الْمَرْكُوس (المقلوب) حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ (القطعة اليابسة من الطين) مِنْ بَیْنِ حَبِّ الْحَصِیدِ (المحصود).

وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَ هُوَ آخِرُهُ:

إِلَيْك (إذهبى) عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُك (الّذى يتمسّك به المشتاقون إليك) عَلَى غَارِيك (كاهلک) قَد انْسَلَلَتْ (خرجت خفية) مِنْ مَخَالِبِکِ (و لم أتعلّق بشيء من شهواتک فأكون أسيرا لک) وَ أَفْلَتّ (خلصت) مِنْ حَبَائِلِکِ،وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِی مَدَاحِضِکِ (مساقطك) أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ (خدعتهم) بِمَدَاعِبكِ (مزاحك) أَيْنَ الْأَممُ الَّذِينَ فَتَنْتهِم بِزَخَارِفك (زينتك) فَهَا هُم رهَائِنُ الْقُبورِ وَ مَضَامِينُ (فى) اللُّحُودِ وَ اللَّهِ لَوْ کُنْتِ شَخْصاً مَرْئِیّاً، وَ قَالَباً حِسِّیّاً، لَأَقَمْتُ عَلَیْکِ حُدُودَ اللَّهِ فِی عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِی (الآمال) وَ (فى) أُمَمِ الْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي (المساقط) و (فى) مُلُوكِ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ، إِذْ لَا وِرْدَ (ورود عليها للشرب) وَ لَا

ص: 353

صَدَرَ (صدور عنها بعد الشرب لأنّ الورود عليها هو الهلاك) هَيْهَاتَ مَنْ وَ طِئَ دَحْضَك (موضع زلّتك الّتى لا تثبت عليها الأرجل) زَلِقَ (زلّ) وَ مَنْ رَكِبَ لجَجَكَ غَرِقَ وَ مَنِ ازْوَر (مال) عَنْ حَبَائِلِکِ وُفِّقَ (و التوفيق هو تهيئة الأسباب للوصول إلى المراد) وَ السَّالِمُ مِنْكَ لَا يبالِي إِنْ ضَاقَ بِه مُنَاخُهُ (موضع نزوله من الدنيا) وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ (حضر-) انْسلَاخُهُ (زواله) اِعْزُبِی (ابعدى) عَنِّي فَوَ الله لا أذلُّ لَکِ فَتَسْتَذِلِّینِی (تطلبين ذلى) وَ لَا أَسْلَسُ (أنقاد) لَكِ فَتَقُودِينِي (بحبائلك) وَ ایْمُ اللَّهِ یَمِیناً أَسْتَثْنِی فِیهَا (من تلك اليمين) بِمَشِیئَهِ اللَّهِ لَأَرُوضَنَّ (أذلّلنّ) نَفْسِي رِيَاضَةٌ تَهِشُّ (تفرح، تنبسط) مَعَهَا (تلك الرياضة) إِلَى الْقُرْضِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَ تَقْنَعُ (تكتفى نفسى) بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً (ممزوجا بالقرص ليستمرأ به و يجعله مريئا هنيئا) وَ لَأَدَعَنَّ (أتركن) مُقْلَتي (عينى) كَعَيْنِ مَاء نَضَبَ (غار) مَعِینُهَا (مائها الجارى) مُسْتَفْرِغَةَ دُمُوعَهَا أَتَمْتَلِئُ السَّائِمَهُ مِنْ رِعْیِهَا (علفها) فَتَبْرُکَ (تجلس على هيئتها) وَ تَشْبَعُ الرَّبِیضَهُ (الغنم فى المرابض) مِنْ عُشْبِهَا فَتَرِيضَ (تجلس على هيئتها) وَ يَأْكُلُ عَلي مِنْ زَادِهِ فَیَهْجَعَ (يسكن) قَرَّتْ إِذاً عَیْنُهُ إِذَا اقْتَدَى (إنتمّ، إتّبع) بَعْدَ السِّنِینَ الْمُتَطَاوِلَهِ بِالْبَهِیمَهِ الْهَامِلَة (المسترسلة من الإبل فى المرعى ليلا بلا راع) وَ السَّائِمَهِ الْمَرْعِیَّهِ (و هى البهيمة التى لا تعلف) طُوبَی لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرضَهَا وَعَرَکَتْ (صبرت تلك النفس) بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا (ضرّها كأنّ ما فرض على نفسه شوك فيسحقه بجنبه) و هَجَرَتْ (تركت) في اللَّيْلِ غُمْضَهَا (نومها فلا ينام إلّا قليلا) حَتَّی إِذَا غَلَبَ الْکَرَی (النوم الغالب) عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا (جعلها فراشا) وَ تَوَسّدَتْ (إتّخذت تلك النفس للوسادة) كَفَّهَا في معشَر - (جماعة) أسهَر عُيُونَهُمْ (جعلها ساهرة غير نائمة فى الليل) خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ (تباعدت) عَنْ مَضَاجِعهم (مواضع نومهم) جُنُوبُهُمْ (الصلاة الليل) وَ هَمْهَمَتْ (تردّدت) بِذِکْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ، و تَقَشَعَتْ (إنجلت) بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ (فى الأسحار) ذُنُوبُهُمْ أُولئِکَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فَاتَّقِ اللهَ یا (عثمان) ابْنَ حُنَیْفٍ، وَ لْتَکْفُفْ (تمنع) [التكفكَ] أَقْرَاصُكَ لِيَكُونَ (يقع) مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ (بتلك القناعة الّتي هي الحياة الطيّبة).

ص: 354

46-و من كتاب له علیه السَّلام إلى بعض عماله:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظهِرُ (أطلب الإستعانة) به على إقامة الدِّينِ وَ أَقْمَعُ (أكسر-) بِهِ نَخوَةَ (كبر) الْأَثِیمِ (الدائم فى الإثم) وَ أَسُدُّ (أمنع) بِهِ لَهَاةَ (مدخل) الثَّغْرِ الْمَخُوف (و الثغر هو قطعة لحم مدلاة في سقف الفم على باب الحلق) فَاسْتَعن بالله عَلَى مَا أَهَمَّكَ (من إقامة الدين) وَ اخْلط الشِّدَّةَ (للرعية) بضغْثِ (خلط) مِنَ اللِّینِ، وَارْفُق (معهم) مَا (دام) كَانَ (و كان هنا زائدة) الرِّفْقُ أَرْفَقَ (أولى) وَ اعْتَزِمُ بِالشَّدَّةِ حِينَ لَا تُغْنِي عَنْكَ إِلَّا الشَّدَّةُ وَ اخْفِضْ لِلرَّعِیَّهِ جَنَاحَکَ، وَ ابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَکَ، وَ أَلِنْ لَهُمْ جَانِبَکَ، وَ آس (سوّ) بَیْنَهُمْ فِی اللَّحْظَه (النظر بمؤخّر العين) وَ النَّظَرَةِ وَ الْإِشَارَةِ وَ التَّحيّة (السلام و الأمان) حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظماء (رؤساء القوم) فِی حَیْفِکَ (ظلمك) وَ لَا یَیْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِکَ، وَ السَّلَامُ.

47-و من وصية له علیه السَّلام للحسن و الحسين عليهما السلام لمّا ضربه ابن ملجم لعنه الله:

أوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّه وَ أَلَّا تَبْغيًا (تطلبا) الدُّنْيَا وَ إِنْ بَغَتْكُما (طلبتكما) وَ (أن) لا تأسفا (تحزنا) عَلَی شَیءٍ مِنْهَا زُوِی (قبض، نحى) عَنْکُمَا وَ قُولَا بِالْحَقِّ (و إن كان عليكما) وَ اعْمَلَا لِلْأَجْرِ وَ کُونَا لِلظَّالِمِ (أى شخص كان) خَصْماً وَ لِلْمَظْلُوم (أىّ شخص كان) عَوْناً أُوصِیکُمَا وَ جَمِیعَ وَلَدِی وَ أَهْلِی وَ مَنْ بَلَغَهُ کِتَابِی (هذا) بِتَقْوَى الله و نَظم أمرِكُمْ وَ صَلَاح ذَاتِ بَيْنَكُمْ (إصلاح الخصومات الّتى بينكم) فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا صلى الله عليه و آله يَقُولُ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامة (مندوبة) الصَّلاة (أو من صلاة سنة) وَ (أفضل من عامّة) الصّيام (بكلا المعنيين) اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغبُوا أَفْوَاهَهُمْ (أى لا تجعلوا أفواههم مملوءة من الطعام يوما و محرومة يوما آخر بل صلوها بالإطعام) وَ لَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةٌ نَبِيِّكُمْ مَا زَالَ يُوصي بِهم حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ صلّى الله عليه و آله سَیوَرِّثُهُمْ (يعين لهم الإرث) وَ اللهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ

ص: 355

دِينِكُمْ وَ اللهَ الله في بيت رَبِّكُمْ لا تُخَلُوهُ ما (دام) بقيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظُرُوا (تمهلوا، تحافظوا، تراقبوا) و الله الله في الْجِهَادِ بِأمْوَالِكُم وَ أنفُسِكُم وَ السِنَتِكُم فِي سَبِيلِ اللهِ (و هى المراتب الثلاثة من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر) وَ عَلَیکُمْ بِالتَّوَاصُلِ (بينكم) وَ التَّبَاذُلِ و إِيَّاكُمْ وَ التَّدَابَر وَ التَّقَاطَعَ لَا تَرَكُوا الأمرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَى عَلَيْكُمْ شَرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ.

ثُمَّ قَالَ: يَا بَنِي عَبد المُطَلب لا الفيَنَّكُمْ (أجدتكم) تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ بي (بدلى) إِلَّا قَاتِلِي انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتّ مِنْ ضَربَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَربَةً بِضَربَةِ وَ لَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ (لا تقطّعوا أعضائه) فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه و آله يَقُولُ إِيَّاكُم وَ الْمُثْلَةَ وَ لَو بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ (كثير العضّ).

48-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية:

فَإِنَّ الْبَغْيَ (الظلم) وَ الزُّورَ (الكذب) يُوتِغَانِ (يهلكان) الْمَرْءَ فِي دِينِهِ وَ دُنْيَاهُ وَيُبْدِيَانِ ( يظهران) خَلَلَهُ (عيوبه) عِنْدَ مَنْ يَعِيبُهُ وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ غَير مُدْرِك (مصيب) مَا قُضِي - (حتم) فَوَاتُهُ (من الطلب لدم عثمان) وَ قَدْ رَامَ (قصد) أَقْوَامٌ (الطلحة و الزبير و أصحابهما في الجمل) أمراً بِغَيْرِ الْحَقِّ (و هو طلب الدم حيث لم يكونوا أولياءه و لم يطلبوا من موضعه) فَتَأْولوا عَلَى الله (بتأويل القرآن) فَأَكْذَبَهُمْ (الله فى كتابه حيث جعل طلب الدم من القاتل لوليّه دونهم) فَاحْذَر يَوماً يَغْتبِط (يفرح) فيه مَنْ أَحْمَدَ (مدح الله) عَاقِبَةُ عَمَلِهِ وَ يَنْدَمُ (في ذلك اليوم) مَنْ أَمْكَنَ الشَّيْطَانَ (جعل له القدرة) من قياده فَلَمْ يُجَاذِبهُ (يأخذ بالشدّة قياده من إبليس) وَ قَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِه وَ لَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا (حين دعوتنا إلى القرآن) وَ لَكنَّا أَجَبْنَا القُرْآنَ فِي حُكْمه وَ السّلام.

49-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية أيضا:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَهُ (موضع شغل) عَنْ غَيْرِهَا (و هو الآخرة) وَ لَمْ يُصب (يدرك)

ص: 356

صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ فَتَحَتِ (اَلدُّنْيَا) لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَ لَهجاً (و لُوعاً شِدَّة حِرْصٍ) بِهَا وَ لَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نال (أَدْرَكَ أَصَابَ) فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ (يدركه يُصِبْهُ) مِنْهَا (اَلْحِرْصُهُ عَلَيْهَا) وَ مِنْ وَرَاءِ ذلِك (اَلْإِصَابَةُ مِنْ نَعِيمِهَا أَوِ الْحِرْصُ عَلَيْهَا) فِرَاقُ مَا جَمَعَ (الْجَمْعَ) وَ نقضِ (إِنْتِكَاثِ) مَا أَبْرَمَ (اَلْإِبْرَامُ اَلْإِحْكَامَ) وَ لَوِ اِعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى (مِنَ اَلدُّنْيَا) حَفِظْتَ ما بَقِيَ (مِنْها مِن عُمُرِكَ وَ هُوَ النَّفْسُ الَّتِى أَنْتَ فِيهِ لَإِنَّ بَعضَهَا يُشَبِهُ البَعضَ وَ آخِرُهَا مُلْحَقٌ بِأَوَّلِهَا وَ إِنَّ بَقِيَّةَ اَلْعُمُرِ وَ هَى تِلْكَ اَلنَّفْسُ لاَ ثَمَنَ لَهَا تُدْرِكُ بِهَا مَا قَدْ فاتَ وَ تُحْيَى بِهَا مَا قَدِ مَاتِ) وَ اَلسَّلاَمُ

50- و من كتاب له علیه السَّلام إلى أمرائه على الجيش:

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ عَلِیِّ بْنِ أَبِی طَالِبٍ أَمِیرِ اَلْمُؤْمِنِینَ إِلَی أَصْحَابِ اَلْمَسَالِحِ (مواضع السلاح من الثغور) أَما بَعْدُ فَإِنَّ حَقَّاً عَلَى الْوَالِي أَلَّا يُغَيرهُ عَلَى رَعِيَّته فَضْل (زيادة) نَالَهُ (أدركه) وَ لَا طُولٌ (عظيم فضل) خُصّ (الوالى) به (ذلك الطول) وَ (إنّ حقًا على الوالى) أَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً (قربا) مِنْ عِبَادِهِ وَ عَطْفاً (ميلا) علَى إخْوَانه (بالفضل عليهم و الإنفاق لهم) ألا و إِنَّ لَكُمْ عِنْدِي (حقا ب-) أَلَّا أَحْتَجِزَ (أكنم) دُونَكُمْ سِراً إِلَّا فِي حَرْبٍ وَ (أن) لا أطوِيَ دُونَكُمْ أَمراً (أى لا أترك نصيبكم فى الأمور بل أجعل لكم نصيبا) إِلَّا فِي حُكْمِ (صريح منصوص في القرآن فإنّه لابّد منه و لا أحتاج إلى مشورتكم) وَ لا أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقَّاً عَنْ مَحَلِّهِ وَ لَا أَقفَ بِهِ (الحقّ) دُونَ (عند) مَقْطعه (موضع قطعه لكم بل على الإقدام للحقّ فى موقعه) وَ (إنّ لكم عندى حقا) أَنْ تَكُونُوا عندي في الْحَقِّ سَوَاء فَإِذَا فَعَلْتُ ذلك (الحقِّ الذي لكم على) وَجَبَتْ لله عَلَیْکُمُ اَلنِّعْمَهُ وَلي عَلَيْكُمُ الطَّاعَة و (وجب) أَلَّا تَنْكُصُوا ( تتأخّروا) عَنْ دَعْوَة (منّى لكم) وَ (أن) لَا تُفَرِّطُوا (تقصروا) في صَلَاح وَ أَنْ تَخُوضُوا الغَمَرَات (الشدائد) إِلَى الْحَقِّ (معى) فَإِنْ أَنتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذَلكَ (الحقِّ الثابت عليكم من الأمور المذكورة) لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ

ص: 357

عَلَي مِمَّنِ اعوج (لم يستقم) مِنْكُمْ (لأداء الحقّ) ثُمَّ أعظمُ لَهُ الْعُقُوبَة وَ لَا يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا رُخصَةَ (جوازا لترك العقوبة) فَخُذُوا هَذَا (الكتاب من عندى) منْ أَمَرَائِكُمْ وَ أَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِه أَمْرَكُمْ (من الطاعة لهم) وَ السّلام.

51-و من كتاب له علیه السَّلام إلى عماله على الخراج:

مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ الْخَراج أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَحْذَرٌ (يخف) مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْه (من لقاء الله تعالى) لَمْ يُقَدِّمُ لَنَفْسِه مَا يُحْرِزْهَا (يجعلها في الحرز من الزاد) وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا كَلَّفْتُمْ بِهِ (من الفرائض) يَسِیرٌ وَ أنَّ ثَوابَهُ كَثِيرٌ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَغْيِ (الظلم) وَ الْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ (الأجله) لَكَانَ في ثَوَابِ اجْتِنَابِهِ مَا (شيء عظيم من الأجر الّذى) لا عُذَر (لكم) في تَرْك طَلَبِهِ فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُم وَ اصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِم فَإِنَّكُمْ خَزَانُ الرَّعِیَّةِ وَ وُکَلاَء الأمةِ وَ سُفَرَاء (رسل) الْأَئِمَّةِ (إليهم) وَ لاَ تُحْشِمُوا (تقطعوا) أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ وَ لَا تَحْبِسُوهُ (تمنعوه) عَنْ طَلَبَته (مطلوبه) وَ لا تَبِيعُنَّ لِلنَّاسِ فِي (أخذ) الخَرَاج (منهم) کِسْوَةَ شِتَاءٍ وَ لاَ صَیْفٍ وَ لَا (تبيعن) ددَابَّةً یَعْتَمِلُون (يستعينون للعمل) عَلَيْهَا وَ لَا عَبداً وَ لَا تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَم وَ لَا تَمَسُّنْ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلِّ (مسلم) وَ لَا مُعَاهَدِ (من أهل الكتاب) إِلَّا أَنْ تَجِدُوا (عندهما) فَرَساً أَوْ سِلاَحاً یُعْدَی (يطلب العداوة) به علَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي (يجوز، يليق) لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعَ (يترك) ذلَكَ (الّذى يعدى به على أهل الإسلام من السلاح أو الفرس) في أيدِي أَعْدَاء الْإِسْلَامِ فَيَكُونَ شَوْكَةَ (قوّة، حدّةٍ) عَلَيْهِ وَ لَا تَدَّخِرُوا (تمنعوا) أَنْفُسَكُمْ نَصيحة (لإمامكم) و لا (تدّخروا) الْجُنْدَ حُسْنَ سِیرَةٍ وَ لاَ الرَّعِیَّة مَعُونَةً وَ لا دينَ الله قُوَّةً و أَبُلُوا (أدوا) فِی سَبِیلِ اللَّهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ (من حقّه) فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا وَ عِنْدَکُمْ أَنْ نَشْکُرَهُ بِجُهْدِنَا وَ أَنْ نَنصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا (و لم يكلّفنا فوق طاقتنا) وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

52-و من كتاب له علیه السَّلام إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة:

ص: 358

أَما بَعدُ فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفيء (ترجع) الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِض (موضع جلوس) العنز أى تميل الشمس إلى جهة الغرب حتى يكون لحائط المريض فى و ظلّ) وَ صَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ -وَ الشَّمْسُ بَیْضَاءُ حَیَّهٌ ( لم تصفر) فِی عُضْو (جزء) منَ النَّهَار حينَ (مدّة) يُسَارُ فِيهَا (تلك المدّة) فَرسَخَانِ وَ صَلُّوا بِهِمُ الْمَغْرِبَ حينَ يُفْطر الصائمُ وَ يَدْفَعُ (يفيض) الحاجّ (من عرفات) إِلَی مِنًی، وَ صَلُّوا بِهِمُ الْعِشَاءَ حِینَ یَتَوَارَی (يغيب يخفض، يحتجب) الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّیْلِ (حين يذهب ثلثا الشفق و يبقى ثلث واحد من الشفق فى المغرب) وَ صَلُّوا بِهِمُ الْغَدَاةَ وَ الرّجُلُ يَعْرِفُ وجه صَاحِبِهِ و صَلُّوا بِهِم صَلَاةَ أَضْعَفهِمْ (كالمرضى و الشيوخ و لا تكونوا منفّرين للناس و لا مضيعين للصلوة) وَ لَا تَكُونُوا فَتَّانينَ (للمصلين بالتطويل للصلاة).

53- و من كتاب له علیه السَّلام كتبه للأشتر النخعي لمّا ولاه على مصر و أعمالها حين اضطرب أمر أمير ها محمد بن أبي بكر، و هو أطول عهد كتبه و أجمعه للمحاسن:

بسم الله الرحمن الرحيم

هَذَا (العهد) مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّه عَلى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَاهُ (جعل للأشتر ولاية)مِصْرَ جِبَایَهَ (أخذ) خَرَاجِهَا (و هو ما أخذ من الّذين زرعوا على الأرض المفتحوحة بالحرب) و جِهَادَ عَدُوهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أهْلَهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ و إِيثَارِ (تقديم) طَاعَته (على هواه) وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِی کِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ و سُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا يَشْقَى (أحد) إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا (إنكارها) وَ إِضَاعَتِهَا وَ (أَمَرَهُ) أَنْ یَنْصُرَ اللّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِه وَ یَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ (عظم) اسمهُ قَدْ تَكَفَّلَ (جعل نفسه كفيلا) بِنَصِرٍ مَن نَصَرَهُ وَ إعْرَازِ مَنْ أعزهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسَرَ - نَفْسَهُ منَ الشَّهَوَات وَ يَزَعَهَا (يكفّ نفسه، يمنعها) عِنْدَ الْجَمَحَاتِ (مطامع النفس إذا تمرّدت على صاحبها) فَإِنَّ النَّفْسَ أَمارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ اللَّهُ ثُمَّ اعْلَمْ یَا مَالِکُ أَنِّی قَدْ وَجَّهْتُکَ (أرسلتك متوجّها) إلى بلاد قَدْ جَرَتْ قَدْ وَجَهْتُك عَلَيْهَا دُولٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْل و جورٍ وَ أَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ (يتفكّرون) منْ أُمُورِكَ فِي مَثْلِ مَا كُنْتَ

ص: 359

تَنْظُرُ فيه منْ أُمور الولاة قَبْلَكَ (من العادل و الظالم) و يَقُولُونَ فيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ (من الثناء و الذّم) وَ إنّما يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحينَ (من الولاة) بما يُجري اللهُ لَهُمْ عَلَى السِّنِ عِبَادِه (من الرعية) فَلَيَكُنْ أَحَبُّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِح (و هو العمل المقرون بالإيمان للولاية) فَامْلكَ هَوَاكَ وَ شُحٌ (إبخل بخلا شديدا) بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ (بكفّها عمّا لا يحلّ لها) الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِیمَا أَحَبَّتْ (و) ولهت إليه) أَوْ (فيما) كَرِهَتْ (أبغضت و أدبرت عنه فالذى لا يحلّ للنفس لا يكون إلا أمورا أحبّتها أو كرهتها فيفرط في الأوّل و يفرّط فى الثانى فعليها الأخذ بالإنصاف و التمسّك بالقصد من الأمور) وَ أَشْعر قَلْبَكَ الرَّحْمَة لِلرَّعِيَّةِ و الْمَحَبَّة لَهُمْ وَ اللَّطف (الأمر الخفى من الخير) بِهِمْ وَ لَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبْعاً ضَارِياً (شديدا فى الإفتراس) تَغْتَنِمُ أَكُلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لك في الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرُ لَكَ فِي الْخَلْقِ يفْرِطُ (يسبق) مِنْهُمُ الزَّلَلُ (الخطايا) وَ تَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ (الأسباب المسببة للزلل من الخطأ العمد و هي الّتي تكون مبادئ لهما) وَ يُؤْتى (القبيح من العمل) عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْد و الْخَطَا فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَ صَفْحك (إعراضك عن خطئهم) مِثْلِ الَّذِي تُحبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيكَ اللهُ مِنْ عَفْوه وَ صفحه فَإِنَّكَ فَوقَهُمْ وَ وَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوقَكَ وَ اللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاك و قد اسْتَكْفَاكَ (طلب كفاية) أمرهُمْ وَ ابْتَلاكَ بِهِم وَ لا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ الله (بالجور على عباده) فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَته (مقابل عذابه) وَ لا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَ رَحمَتِهِ وَ لَا تَنْدَمَنْ عَلَى عَفْوِ وَ لَا تَبجَحَنَّ (تفرحن) بِعُقُوبَة وَ لَا تُسْرِعَنْ إِلَى بَادرة (من قول أو فعل تسابق إليه بالغضب بغير تأمّل و قد) وَجَدْتَ منها مندوحةً (مخلصا متسعا بالتبديل لتلك البادرة) وَ لَا تَقُولَنَّ إِنِّی مُؤَمَّرٌ (ممّن هو فوقى) آمُرُ (من دونى) فَأَطَاعُ فَإِنَّ ذَلكَ (القول) إِدْغَالٌ (إفساد) في الْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ (ضعف) للدِّينِ وَ تَقَرَّبُ مِنَ الْغَيرِ (فى السلطان) وَ إِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فيه منْ سُلْطانك (إمارتك على الناس) أُبَّهَةً (عظمة، خيلاء) أَوْ مَخِیلَةً، (كبرا عظمة) فَانْظُرْ (تأمّل) إلى عظمٍ مُلْك الله فَوْقَكَ وَ قُدْرَته مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسك (من الحياة و القدرة و الرزق وغيرها) فَإِنَّ ذلك (النظر إلى عظمة ملك الله) يُطَامِنُ (يخفض) إِلَيْكَ مِنْ

ص: 360

طِمَاحِکَ (نشوزک، جماحک) و يَكُفَّ (يمنع) عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ (حدّتك) وَ یفِیء (يرجع) إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ (غاب) عَنْكَ مِنْ عَقْلكَ (بإتّباع الهوى من نفسك) إِيَّاكَ وَ مُسَامَاةَ الله (مباراته في العلوّ) في عَظَمَته وَ التَّشَبُه بِهِ فِی جَبَرُوتِهِ (كبريائه، أبهته) فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَ يُهِينُ (يحقّر، يذّل) کُلَّ مُخْتَالٍ (متكبر معجب بنفسه) أنصف الله و أنصف النَّاسَ مِنْ نَفْسَكَ (فيما أحبت أو كرهت و أنصف الله و الناس) مِنْ خَاصَّة أَهْلَكَ وَ مَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى (ميل) مِنْ رَعِيتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ (ما أمرتك به من الإنصاف) تَظلِم وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ (أبطل) حجتَهُ وَ كَانَ (صار) لِلَّهِ حَرْباً (محاربا) حَتَّی يَنْزِعَ (يقلع عن ظلمه) أو (و) يَتُوبَ وَ لَيسَ شَيْءٌ أَدْعَى (أشدّ دعوة) إِلَى تَغْبِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِوَ وَ تَعْجِیلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَی ظُلْمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سَمِیعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ (المقهورين) وَ هُوَ للظَّالِمينَ بِالْمُرْصَادِ وَ ليَكُنْ أَحَبُّ الْأمور الَيْكَ أَوسَطهَا فِي الْحَقِّ (لأنّ اليمين و الشمال مضلة و الطريق الوسطى هى الجادّة فالحقّ هو الوسط بين الطريقين) وَ أعَمِّهَا (أشملها) فِي الْعَدِّل (و السلوك على منهاج العدل و الحقّ دليل المشروعيّة) و أجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّة (و هذا دليل المقبوليّة) فَإِنَّ سُخَطَ (غضب) الْعَامَّة (الظلمك عليهم) يُجْحفُ (يذهب) بِرِضَى الْخَاصَّة (من أهلک و من لك فيه هوى) وَ إِنَّ سُخط الخَاصَّة يُغْتَفَرُ (يمحو) مَعَ رِضَی الْعَامَّةِ (لعدلك فيهم) وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِیةِ أَثْقَلَ عَلَی الْوَالِی مَئونَهُ فِي الرَّخَاءِ (البحبوحة، السعة اليسر من العيش) وَ أَقَلَّ مَعُونَةٌ لَهُ فِي الْبَلاء وَ أَكْرَهَ (أشدّ بغضا) للإنْصَافِ وَ أَسْأَلُ (أكثر سؤالا) بِالْإِلْحَافِ (مع الإلحاح الإصرار) وَ أَقَلَّ شُکْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ المَنْعِ وَ أَضْعَفَ صَبراً عندَ مُلمّات (شدائد) الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصة وَ إنَّما عمّادُ الدِّينِ و جِمَاعُ المُسلمينَ (جماعتهم) وَ الْعُدَّةُ (القوّة) للأعْدَاء الْعَامَّة من الأمة فَلْيَكُنْ صِغْوُکَ (میلک) لَهُمْ وَ مَيْلكَ مَعَهُمْ وَ لَيَكُنْ أَبْعَدَ رعيتكَ مِنْكَ وَ أشْنَاهُمْ (أبغضهم) عِنْدَکَ، أَطْلَبُهُمْ (أشدّهم طلبا) لَمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ (من رعيتك) عُيُوباً (الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا (يخفى تلك العيوب) فَلَا تَكْشِفَنْ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا (الواجب) عَلَیکَ تَطْهِیرُ مَا ظَهَرَ لك (من عيوبهم بالتغافل عنها و الإصلاح لها)

ص: 361

وَ اللهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ (من العيوب) فَاسْتُرِ العورة (العيب) مَا (دام) اسْتَطَعْتَ يَسْتُر اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحبّ سَتْرَهُ (من عوراتك) مِنْ رَعِیتِکَ أَطْلِقْ (احلل) عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ کُلِّ حِقْدٍ (بإزالة الحقد من صدرك) وَ اقْطَعْ عَنْکَ سَبَبَ کُلِّ وِتْرٍ (عداوة حقد إنتقام من الناس) وَ تَغَابَ (تغافل) عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضحُ لَكَ (ممّا يفعلونه خفية) وَ لَا تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعِ (بالنميمة) فَإِنَّ السَّاعِيَ (إلى الوالى لتكشّف عورات الناس) غَاشّ (غير ناصح) وَ إِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ وَ لَا تُدْخِلَنَّ فِی مَشُورَتِکَ بَخِیلاً یعْدِلُ بِكَ (يميلك) عَنِ الْفَضْلِ (الإحسان ببذل الفاضل من المال) و يَعدُكَ الْفَقْرَ وَ لَا (تدخلنّ فى مشورتک) جَبَاناً يُضْعفُكَ عَنِ الْأُمُورِ، وَ لَاحَرِیصاً يزينُ لَكَ الشَّرهَ (أشدّ الحرص) بِالْجَوْرِ (العدول عن الصراط المستقيم) فَإِنَّ الْبُخْلَ وَ الجُيْنَ وَ الْحَرْصَ غَرَائز (طبائع) شَتّى (متفرّقة مختلفة) يَجْمَعُهَا سُوء الظَّنِّ بِالله إِنَّ شَرِّ وزَرَائكَ مَنْ كَانَ الْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَ مَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثامِ فَلا يَكُونَنَّ (من كان للأشرار شريكا) لَكَ بِطَانَةً (خاصّة) فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثْمَةِ (الآثمين المذنبين) [الأئمة] (الأمراء، الحكّام) وَ (إنّهم) إِخْوَانُ الظُّلَمَةِ وَ أَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُم (بدلهم) خَيْر الْخَلَفِ مِمَنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِم (فى الأمور) وَ لَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِم (ذنوبهم) وَ أَوْزَارِهم (ثقل آثامهم) وَ آثَامِهِمْ. مِمَّنْ لَمْ یعَاوِنْ ظَالِماً عَلَی ظُلْمِهِ، وَلَا آثِماً عَلَى إِثْمه أولَئِكَ أخَفْ عَلَيْكَ مَئونَةٌ (ثقلا) وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَهُ وَ أَحْنَى (أعطف) عَلَیکَ عَطْفاً، وَ َأقَلُ لغَيْرِكَ إلْفاً (محبّة) فَاتَّخذ أُولَئِكَ خَاصَّةٌ لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلَاتكَ ثُمَّ لَيَكُنْ آثَرَهُمْ عندك أقُولَهُم بِمُرّ الْحَقِّ لَكَ وَ أَقَلَهُم مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ (يقع) مِنْكَ ممَّا كَرِهَ اللهُ لأوليائه (من الأعمال القبيحة) واقعاً ذلك (الفعل الّذى كره الله لأوليائه) منْ هَوَاكَ حَيْثُ (مكانا) وَقَعَ (ذلك الفعل المحبوب عند نفسك المبغوض عند الله) وَ الْصَقَ بِأهْلِ الوَرَعِ وَ الصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ (عوّد وزرائك) عَلَى أَلَّا يُطروك (يزيدوا فى مدحك) وَ لَا یبْجَحُوکَ (يفرحوك) بباطل لَمْ تَفْعَلَهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاء (المدح) تُحدثُ (توجد) الزَّهْوَ (العجب) وَت ُدْنِی (تقرّب) مِنَ الْعِزَّة (الترفع الإعتزاز بما لم تفعله) وَ لَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَ الْمُسِيء عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاء فَإِنَّ فِي ذَلِكَ (الإستواء) تَزْهِيداً لأهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً (تشويقا) لأهْلِ الْإِساءة عَلَى الْإِساءة وَ

ص: 362

أَلْزِم كَلَّا منْهُمْ (المحسنين و المسيئين) مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ (من آثار أعمالهم) وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْء بأدعَى إِلَى حُسنِ ظَنِّ رَاعٍ (حاكم) بِرَعِیتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِم وَ تَخْفيفه المَئونَاتِ عَلَيْهِمْ وَ تَرك استكْرَاهه إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قَبلَهُمْ (عندهم من الخراج) فَلْيَكُنْ مِنْكَ في ذلك (التحصيل لحسن ظنّ الرعيّة) أَمْرٌ یجْتَمِعُ لَکَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ (منک) بِرَعِیتِکَ (بأنّهم لا يريدون أن يغيروا سلطانک) فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً (تعبا شديدا) طَوِيلًا وَ إِنْ أَحَقُّ مَنْ حَسُنَ ظَنَّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بلَاؤُكَ عِندَهُ وَ إِنْ أَحَقُّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِه لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ (صنعك) عِنْدَهُ وَ لَا تَنْقُضُ سُنَّةَ صَالِحَةَ عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الْأُمَّةِ، وَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأَلْفَةُ (بين الأمة) وَ صَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيةُ وَ لَا تُحْدِثنُ سُنَةٌ تَضُرْ بِشَيْء مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنْهَا وَ (يكون) الْوِزْرُ (الإثم) عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ (نقضك) منْهَا وَ أَكْثر مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاء وَ مُناقَشَة (محادثة) الْحُكَمَاء فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَ (فى) إِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ (من تخفيف المئونات عليهم) وَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّة طَبَقَاتٌ (سبعة) لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ، وَ لَا غِنَی بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ: فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ (و هى الطبقة الاولى) وَ مِنْهَا کُتَّابُ الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ (و هى الطبقة الثانية) و منها قُضَاةُ العَدْل (و هى الطبقة الثالثة) وَ منْهَا عُمّال الْإِنْصَافِ (العدل) و الرفْقِ (للرعيّة و هى الطبقة الرابعة) و منها أهْلُ الْجِزْيَةِ وَ الخَراج مِنْ أهل الذّمة وَ مُسْلِمَةِ النَّاسِ (و هى الطبقة الخامسة) وَ مِنْهَا التُّجَّارُ وَ أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ (و هي الطبقة السادسة) وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السَّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ (و هي الطبقة السابعة) وَ كُلَّ (من هذه الطبقات السبعة) قَدْ سَمّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ (نصيبه) وَ وَضَعَ (جعل) عَلَی حَدِّهِ (قدر سهمه) فَرِيضَةً في كتابه أو سُنَّة نَبيه صلّى الله عليه و آله عَهْداً مِنْهُ عنْدَنَا (أهل البيت) مَحْفُوظاً فَالْجُ نُودُ بِإِذْنِ الله حُصُونُ الرَّعِیةِ (يمنعونهم عن الأعداء) وَ زَيْنُ الولاة و عزّ الدِّينِ وَ سَبلُ الْأَمْنِ وَ لَيسَ تَقُومُ الرَّعِیةُ إلَّا بهم ثُمَّ لا قوام للجُنُود إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُم مِنَ الْخَرَاج الَّذِي يَقْرُونَ بِه عَلَی جِهَادِ عَدُوِّهِمْ، وَ یعْتَمِدُونَ عَلَیهِ فِیما یصْلِحُهُمْ (من سهمهم) وَ يَكُونُ (ذلك السهم) منْ وَرَاء حَاجَتِهِمْ ثُمَّ لا قوامَ لَهَذَينِ الصُّنْفَيْنِ (من الجنود و أهل

ص: 363

الخراج) إِلَّا بِالصِّنف الثَّالث مِنَ الْقُضَاةِ وَ الْعُمَّالِ وَ الْکُتَّابِ، لِمَا یحْکِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، (العقود و هذا شأن القضاة) وَ (لا) يَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِع (و هذا هو شأن العمّال) وَ يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَ عَوامِّهَا (و هو شأن الكتاب) وَ لا قوامَ لَهُمْ (الطبقات الخمسة من الرعية) جميعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَ ذَوِی الصِّنَاعَاتِ فيمَا يَجْتَمَعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرافقهِمْ (منافعهم) وَ (فيما) يُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْواقِهِمْ وَ يَكْفُونَهُم مِنَ التَّرفْقِ (التكسب للمنافع) بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ (كسب) غَيْرِهِمْ ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَ الْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحقُّ (ينبغى) رِفْدُهُم (مساعدتهم) و مَعُونَتُهُمْ. (نصرتهم) وَ فِی اللَّهِ لِکُلٍّ (من تلك الطبقات) سَعَةٌ (في الرزق) و لكُلَّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلحه (و يمنعه عن الفساد) وَ ليسَ يَخْرِجُ الْوَالِي مِنْ حَقيقَة مَا أَلْزَمَهُ اللهُ منْ ذَلكَ (الحقّ المكتوب عليه) إِلَّا بِالْإِهْتِمامِ (بجعل همّه همّا واحدا) وَ الاسْتعَانَة بالله (لأدائه) وَتَوْطِینِ (إقامة) نَفْسه عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَ الصَّبْرِ عَلَيه فيمَا خَفَّ عَلَيه (من صغير الأمور و إن كان الحقّ كله ثقيلا مرّا) أو (فيما) ثَقُلَ (عليه من كبيرها) قَولٌ (إجعل الولاية) من جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسك (عندك) لله وَ لِرَسُولِهِ وَلِإِمَامِکَ وَ أَنْقَاهُمْ (أطهرهم) جَیباًً (صدرا) وَ أَفْضَلَهُمْ حلماً ممَّنْ یبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ (لا يسرع الغضب فيه) وَ يَسْتَرِيحُ (يطلب الراحة) إِلَى الْعُذْرِ وَ يَرْأَفُ بِالضَّعَفَاءِ وَ ینْبُو (يشتد) عَلَى الْأَقْوِيَاء وَ مِمَّنْ لَا يُثِيره (يهيّجه) الْعُنْفُ (الظلم من الرعيّة) وَ لَا يَقْعُدُ به الضَّعْفُ (عن القتال) ثُمَّ الصَّقْ (لإختيار الجنود) بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَ الْأحْسَابِ وَ أَهْلِ البيوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَ السَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجدَة (الرفعة فى الشأن) وَ الشَّجَاعَةِ، وَ السَّخَاءِ وَ السَّمَاحَةِ (التساهل للدهر و التغافل للرعية) فَإِنَّهُم جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَ شُعَب مِنَ الْعُرفِ (المعروف و إنّ تلك الأمور من أمارات حسن الظنّ بهم) ثُمَّ تَفَقَّدْ منْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا (لتجد ما يكون مفقودا عن العيون) وَ لا يتفَاقَمَنَّ (يعظمنُ) في نَفْسِكَ شَيْءٍ قَوْيْتُهُمْ به (و لو كان حقيرا) وَ لَا تَحْقِرَنَّ لطفاً (يسيرا من الإحسان الخفي) تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَ إِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ (ذلك اللطف الخفي) دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذَلِ النَّصِيحَةِ لَكَ (فى إمارتك) و (إلى) حُسْنِ الظَّنُ (منهم) بِكَ وَ لَا تَدَعْ (تترك)

ص: 364

تَفَقُّدَ لَطِیفِ أُمُورِهِمُ اتِّکَالًا (إعتمادا) عَلَی جَسِیمِهَا (كبيرها) فَإِنَّ لِلْیَسِیرِ (الذى تتفقده) مِنْ لُطْفِکَ (للجنود) مَوْضِعاً یَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَ لِلْجَسِیمِ (الكبير من أمورهم) مَوْقِعاً لاَ یَسْتَغْنُونَ عَنْهُ وَ لْیَکُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِکَ عِنْدَکَ مَنْ وَ اسَاهُمْ فِی مَعُونَتِهِ وَ أَفْضَلَ (منح، أعطى، أنعم) عَلَیْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ (غناه) بِمَا یَسَعُهُمْ (من الرزق الذى وسع حوائجهم و يكفّهم عن السؤال) وَ یَسَعُ (حوائج) مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوف أهْلِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ (يصير) هَمُهُمْ هَمَا وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطفَكَ (میلک) عَلَيهم (بإعطاء الفضل من جدتك لهم) يعطفُ قُلُوبَهُم عَلَيْكَ وَ إنَّ أَفْضَلَ قُرَّة عَيْنِ الوُلاة اسْتَقَامَةُ الْعَدْلِ فِی الْبِلاَدِ وَ ظُهُورِ مَوَدَّةِ (محبّة) الرَّعِیَّةِ (لمولاة) و إِنَّهُ لَا تَظهَر مُودَّتْهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ (من الغل على الولاة) وَ لَا تَصحُ نَصيحتُهُمْ (للولاة) إِلاَّ بِحِیطَتِهِمْ (محافظة الرعية) عَلَی وُلاَةِ الأمورِ (فى شدائد الدهر) و (ب) قلَّة اسْتثْقَالِ دُوَلِهِم (بأن لا يعدّوا دولهم (بأن لایعدّوا دولهم ثقیلا علی أكتاف الناس) و (ب-) تَرْك اسْتبْطَاء انْقِطَاعِ مُدْتِهِمْ (بأن لا يعدّوا مدّة إمارتهم بطيئة المضى فإنّ ذلك العدّ منهم دليل على عدم حيطتهم على ولاة الأمر) فَافْسَحْ (أوسع) في آمَالِهِمْ (بالفضل على الجنود من جدتك) وَ وَاصِلْ فِی حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَیْهِمْ وَ تَعدِيدِ مَا أَبْلَى (صنع) ذَوُو الْبَلاء (أهل الأعمال العظيمة) مِنْهُمْ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ (تحرّك، تهيّج) الشَّجَاعَ (فى الحرب) وَ تُحَرِّضُ (ترغّب) النَّاكِلَ (القاعد عن ،الحرب المتأخّر عنها) إِنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ اعْرِفْ لِکُلِّ امْرِئٍ منهُم مَا أَبْلَى وَ لَا تَضُمَّنْ بَلاَءَ امْرِئٍ إِلَی غَیْرِهِ وَ لاَ تُقَصِّرَنَّ (تفرطنِّ) بِهِ (ذلك المرء) دُونَ (أقلّ من) غَايَة بِلَائِه وَ لاَ یَدْعُوَنَّکَ شَرَفُ امْرِئٍ (فى الحسب) إلَى أنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ (صنعه فى الحرب) مَا كَانَ صَغِيراً وَ لَا (يدعونّک) ضَعَةً (حقارة) امرئ (من الجنود بالنسبة إلى الفريق الأوّل و إن كان كلّ منهما من ذوى الأحساب) إِلَی أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ عَظيماً وارْدُدْ إلَى الله و رسوله ما يُضَلعُكَ (يضرب فى ضلعك لشدّته) مِنَ الخُطُوبِ (الأمور العظيمة) وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ (الّتي لا تعرف وجهها) فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبُّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أَولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ (تخاصمتم، تشاجرتم) فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ

ص: 365

الرَّسُولِ فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمحْكَمِ كِتَابِهِ وَ الرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الأخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرقَةِ (الّتى لو تمسّكت الأمّة بها لن يفترقوا و لن يضلّوا أبدا) ثُمَّ اخْتَرَ للحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رعيتكَ في نَفْسِكَ ممَّنْ لَا تَضيقُ به الأمُوُر (أى لا توقعه الأمور الكثيرة في الضيق و الحرج) وَ لاَ یَمْحَکُهُ (لا تجعله عسر الخلق) الخُصُومُ وَ لَا يَتَمَادَى (يصرّ-) فِی اَلزَّلَّهِ (الخطأ) وَ لَا يَحْصَرَ - (يضيق) مِنَ اَلْفَیْءِ (الرجوع) إلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَ لَا تُشْرِفُ (تطّع) نَفْسَهُ عَلَى طَمَع وَ لَا يَكْتَفِي (يقنع) بِأَدْنَى فَهُم دُونَ أَقْصَاهُ وَ أَوْقَفَهُمْ فِي الشَّبُهَاتِ وَ آخَذَهُم بِالْحُجَجِ وَ أَقَلَهُمْ تَبَرِّماً (مللا، ضجرا) بِمُرَاجَعَهِ اَلْخَصْمِ وَ أَصْبَرَهُمْ عَلَی تَکَشُّفِ اَلْأُمُورِ وَ أَصْرَمَهُمْ (أقطعهم) عِنْدَ اتَّضَاح الحُكْمِ مِمَّنْ لا يَزْدَهِيه (يستخفّه) إِطْرَاءٌ (مبالغة فى المدح) وَ لَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاء (تطميع و تشويق) وَ أَولَئكَ قَلِيلٌ ثُمَّ أَكْثر تَعَاهَدَ (تتبّع، تعرّف) قَضَائِه وَ افْسَحْ (أوسع) لَهُ فِي الْبَدْلِ مَا (قدرا من المال) يُزيلٌ علَتَهُ (حاجته) و تَقلُّ مَعَهُ (بالبذل مع الفسحة له حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَ أعطه مِنَ الْمَنْزِلَةَ لَدَيْكَ مَا (منزلة) لا يَطْمَعُ فيه غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتكَ لِيَامَنَ بذلكَ (الإعطاء من المنزلة) اغْتيَالَ (حيلة) الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ فَانْظُرْ في ذلك (الأمر من الوسعة في البذل له و إعطاء المنزلة له) نَظراً بليغاً (من غير تقصير لأنّ فيه صلاحه) فَإنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ کَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الاَْشْرَارِ (من القضاة الفاسدين) يُعْمَلُ (بهم) فِيهِ (الدين) بِالْهَوَى وَ تُطلَبُ بِهِ الدُّنْيَا ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمّالِكَ فَاسْتَعْمِلَهُمُ اخْتِبَاراً (إبتلاء) وَ لَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً (خصاصة) وَ أَثَرَةً (إستبدادا) فَإِنَّهُما (المحاباة و الأثرة) جِمَاعٌ (مجموع) منْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَ الْخِيَانَةِ وَتَوَخَّ (اطلب، إختر) مِنْهُمْ (العمّال) أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَ الْحَيَاء مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَة وَ القَدَم في الْإِسْلَامِ اَلْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً (جاها، وجاهة) وَ أَقَلُّ فِي المَطَامِع إسرَافاً (إطّلاعا) وَ أَبْلُغُ فِي عَوَاقِبِ اَلْأُمُورِ نَظَراً (تأملا) ثُمَّ أَسْبِغ (أتمم) عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ (الإسباغ من الأرزاق) قُوَّةً لَهُمْ عَلَى اِسْتِصْلاَحِ أنفُسِهِم و غنّى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُل (أخذ) مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ (من أموال المسلمين) و حجةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا (نقصوا) أَمَانَتَكَ (بالخيانة) ثُمَّ تَفَقَدْ (تجسّس) أَعْمَالَهُمْ (حتى تجد المفقود منها) وَ ابْعَثِ الْعُيُونَ (للتفقّد) مِن

ص: 366

أهْلِ الصِّدْقِ وَ الْوَفَاء (لک) عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَك (تتبّعك تجسّسک) في السّر - (بالعيون) لأمورِهِمْ حَدْوَةٌ (سوق، حثّ) لَهُمْ عَلَى استعمالِ الأَمَانَة وَ الرِّفْقِ بِالرّعيّة وَ تَحفّظ منَ الْأَعْوَانِ (إحذرهم و لا تأخذك أثرة لهم) فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُم بَسَط يدهُ إِلَى خِيانَةِ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلكَ (الإجتماع من أخبار العيون) شاهداً فَبَسَطتَ عَلَيْه الْعُقُوبَة في بَدَنِِه وَ أخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ (أدرك، نال) مِنْ عَمَله ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذْلَة وَ وَ سَمْتَهُ (جعلت له العلامة) بِالْخيَانَةِ وَ قَلَدْتَهُ جعلت له قلادة) عَارَ التّهَمَةِ وَ تَفَقّد أَمرَ الخَرَاجِ بِمَا يُصلِحُ أَهلَه (فلا تحمل عليهم من الخراج فوق طاقتهم) فَإِنَّ فِي صَلَاحه (إصلاح الخراج) وَ صَلَاحهم (إصلاح أهله) صَلَاحاً لَمَنْ ِسوَاهُمْ (من الطبقات الستّة) وَ لا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلّهُم عِيَالٌ عَلَي الخَرَاجِ وَ أَهلِهِ وَ ليَكُن نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرضِ أَبلَغَ مِن نَظَرِك فِي استِجلَابِ الخَرَاجِ لِأَنّ ذَلِكَ (الإستجلاب للخراج) لا يُدرك (ينال) إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَ مَنْ طَلَبَ الْخَراج بِغَيْرِ عِمَارَةِ (للأرض) أخْرَبَ البِلادَ وَ أَهْلَكَ الْعِبَادَ وَ لَمْ يَسْتَقمْ أَمْرُهُ (للإمارة) إِلَّا قَلِيلًا فَإِنْ شَكَوا ثقلاً (من مال الخراج المضروب عليهم) أَو عِلّةً (كالعلل السماويّة) أَوِ انقِطَاعَ شِرب (نصيب من الماء يكون لأهل بلد من الأنهار) أَو بَالّةٍ (و هى ما يبل الأرض من مطر) أَو إِحَالَةَ أَرض (تحويل الأرض بذرها إلى فساد بالتعفّن حيث) اغتَمَرَهَا (عمّها، شملها) غَرَقُ (و غلب الرطوبة عليها حتى صار البذر متعفّنا) أو أجْحَفَ (ذهب) بهَا عَطَضٌ خَفَّفْتَ (خفّف) عَنهُم (ثقل الخراج) بِمَا تَرجُو أَن يَصلُحَ بِهِ أَمرُهُم وَ لا يَثْقُلَنْ عَليكَ شَيْءٌ خَفَفْتَ بِهِ المَئونَة عَنْهُم فَإِنَّهُ (ذلك التخفيف) ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِه (ذلك التخفيف منک لهم) عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَ تَزْيِينِ وِلَايَتِكَ مَعَ اسْتجلابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَ تَبَجِّحكَ (سرورک) بِاسْتِفَاضَة (بسط) العَدْلِ فِيهِمْ مُعتمداً فَضْلَ (زيادة) قُوْتِهِمْ (لك فى شدائد الأمور) بِمَا دَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ (إراحتك ) لَهُم وَ (معتمدا) الثّقَةَ مِنهُم بِمَا عَوّدتَهُم مِن عَدلِكَ عَلَيهِم وَ رِفقِكَ بِهِم فَرُبّمَا حَدَثَ مِنَ الأُمُورِ مَا (حادث) إِذَا عَوَّلْتَ (إعتمدت) فيه (ذلك الحادث) عَلَيهِم مِن بَعد (حدوثه) احْتَمَلُوهُ (على ظهورهم) طَيّبَةً أَنفُسُهُم بِه (بما ذخرت عندهم من عدلك) فَإِنَّ الْعُمْرَانَ

ص: 367

(للأرض) مُحتملٌ مَا حَمَلْتَهُ (فإن خفّفت عن أهل الخراج فالعمران يدوم) وَ إنّما يُؤْتَى خَراب الْأَرْضِ مِنْ إِعْوازِ (فقر) أَهْلَهَا وَ إِنَّمَا يُعْوزُ (يفتقر) أهْلُهَا لإشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلاةِ عَلَى الْجَمْعِ (حرصا و طمعا) وَ سُوءِ ظَنّهِم بِالبَقَاءِ (لدولتهم) و قِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ (بالدول الماضية) بِالْعِبَرِ ثُمَّ انظُرْ فِي حَالِ كَتَابِكَ قَولُ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرُهُمْ وَ اخْصُص رَسَائِلَكَ التّيِ تُدخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ (على الأعداء) وَ أَسْرَارَك (فى مهمّات الأمور) بِأَجمَعِهِم لِوُجُوهِ صَالِحِ الأَخلَاقِ مِمّن لَا تُبطِرُهُ (يَأخذه الفرح الزائد ب) الكَرامَةُ (إكرامك إيّاه) فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ (مخالفة) لَكَ بِحَضْرَةِ (حضور) مَلَإٍ (جماعة ) وَ لَا تَقْصُرُ به الْغَفْلَةُ عَنْ إيراد مُكَاتَبَات عُمالَكَ عَلَيْكَ وَ إِصدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَي الصّوَابِ (وجه الصحيح ) عَنْكَ فيما يَأْخُذُ لَكَ (من رسائل عمّالك) وَ يُعطي منْكَ (من جواباتک لتلک الرسائل) و لَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقدَ عَلَيْكَ وَ لَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ ثُمَّ لَا يَكُنِ اختِيَارُكَ إِيّاهُم عَلَي فِرَاسَتِكَ (قوّة ظنّک و حدسک) وَ استِنَامَتِكَ (سکونک ثقتک بهم) وَ (لا على) حُسنِ الظَّنَّ مِنْكَ فَإِنَّ الرّجَالَ يَتَعَرّضُونَ (يجعلون أنفسهم فى موضع التعرّف) لِفِرَاسَاتِ الوُلَاةِ بِتَصَنّعِهِم وَ حُسنِ خِدمَتِهِم وَ لَيسَ وَرَاءَ ذَلِكَ (التصنّع) مِنَ النّصِيحَةِ (للإمام و الرعية) وَ (من) الأَمَانَةِ شَيءٌ وَ لَكِنِ اختَبِرهُم بِمَا وُلّوا لِلصّالِحِينَ (من الأمراء) قَبلَكَ فَاعْمِد (اقصد) لِأَحسَنِهِم كَانَ فِي العَامّةِ أَثَراً وَ أَعرَفِهِم بِالأَمَانَةِ وَجهاً فَإِنّ ذَلِكَ (الإختبار) دَلِيلٌ عَلَي نَصِيحَتِكَ لِلّهِ وَ لِمَن وُلّيتَ أَمْرَهُ وَ اجْعَلْ لِرَأسِ كُلّ أَمرٍ مِن أُمُورِكَ رَأساً (رئيسا) مِنهُم لَا يَقهَرُهُ (يغلب على ذلك الرأس) كَبِيرهَا وَ لَا يَتَشَتْتُ (يتفرق) عَلَيه كَثِيرها و مَهمَا كَانَ فِي كُتابِكَ مِنْ فَتَغَابَيتَ (تغافلت) عَنْهُ أَلْزِمَتَهُ ثُمّ استَوصِ بِالتّجّارِ وَ ذوَيِ الصّنَاعَاتِ وَ أَوصِ بِهِمْ خَيْراً الْمُقِيمِ مِنهُم (فی بلادک) وَ الْمُضْطَرِب (المتردّد) بِمالِهِ (فى سائر البلاد) وَ الْمُتَرَفَقِ (المكتسب) بِبَدَنِهِ فَإِنّهُم مَوَادّ المَنَافِعِ وَ أَسبَابُ المَرَافِقِ (المكاسب لسائر الناس) وَ جُلابُهَا مِنَ المَباعِدِ (البلاد البعيدة) وَ الْمَطارِح (المتروكة من البلدان) فِي بَرّكَ وَ بَحرِكَ وَ سَهلِكَ وَ جَبَلِكَ وَ (جلّابها) حَيثُ (من موضع) لَا يَلْتَثمُ النَّاسُ (لا يمكن إجتماعهم) لمواضعهَا وَ لَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ (التجّار

ص: 368

و ذوى الصناعات) سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ (فتنته داهيته) وَ صُلْحُ لَا تُخْشَى- غَائِلَتُهُ (حيلته، مكيدته) و تَفَقَدْ أَمُورَهُمْ بِحضرتك (للمقيم منهم) و في حَوَاشِي بِلَادِكَ (المضطرب منهم بماله) وَ اعْلَمُ مَعَ ذلك (التفقّد لأمورهم) أنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضيقاً (عسرا) فاحشاً (لبذل المال و في المعاملات) وَ شُحاً (بخلا شديدا) قَبِيحاً وَ احتِكَاراً لِلمَنَافِعِ وَ تَحَكّماً فِي البِيَاعَاتِ وَ ذَلِكَ (الضيق و الشحّ و الإحتكار) بَابُ مَضَرَّة (ضرر) لِلعَامّةِ وَ عَيبٌ عَلَي الوُلَاةِ فَامنَع (التجّار و ذوى الصاناعات) من الاحتكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ الله صلّى الله عليه و آله مَنَعَ مِنْهُ وَ لَيَكُنِ الْبَيعُ بيعاً سَمحاً (سهلا) بِمَوَازِينِ عَدلٍ وَ أَسعَارٍ لَا تُجحِفُ (تذهب) بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَ الْمُبْتَاعِ (المشترى) فَمَنْ قَارَفَ (خالط) حُكْرَةً (إحتكارا) بَعدَ نَهْيِكَ إيَّاهُ فَنَكُلْ (أوقع العذاب) بِهِ وَ عَاقِبَهُ (خذه في عقب إحتكاره بالعذاب) في غَيْرِ إسراف ثُمَّ الله اللهَ في الطَّبَقَة السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُم مِنَ الْمَسَاكِينِ وَ الْمُحتاجِينَ وَ أَهْلِ الْبُؤْسَى (شدّة الفقر) وَ الزّمنَي (المصاب بالزمانة أى بالآفة بالسقم بالضعف) فَإِنَّ فِي هَذه الطَّبَقَة قانعاً (سائلا، خاضعا) وَ مُعْتَراً (معترضا نفسه للعطاء بلا سؤال) و احفَظِ لِلّهِ مَا استَحفَظَكَ (طلب حفظه منک) مِن حَقّهِ فِيهِم وَ اجْعَلْ لَهُمْ قسماً مِن بَيتِ مَالِكِ وَ قِسماً مِنْ غَلات صَوَافِي الْإِسْلَامِ (أراضى الغنيمة) في كُلِّ بَلَد فَإِنَّ الْأقْصَى- (الأبعد) مِنهُم مِثلَ ألّذِي لِلأَدنَي (الأقرب من الفقراء و المساكين و المحتاجين و أهل البؤسى و الزمنى و لا فرق بينهم فى نصيبهم من المال) وَ كُلّ (منهم) قَدِ استُرعِيتَ (طلبت منك رعاية) حَقّهُ وَ لَا يَشغَلَنّكَ عَنهُم بَطَرٌ (طغيان بالنعمة) فَإِنّكَ لَا تُعذَرُ (عند الله) بِتَضْيِيعكَ التَّافِه (القليل من المال من حقوقهم) لِإِحكَامِكَ الكَثِيرَ المُهِمّ فَلَا تُشخِص (تصرف) هَمّكَ عَنهُم وَ لَا تُصَعّر خَدّكَ لَهُم (بالإستكبار و الإعجاب بنفسک) وَ تَفَقّد أُمُورَ مَن لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُم مِمَّنْ تَقْتَحمُهُ (تحقره) الْعُيونُ (و تكره أن تنظر إليه إحتقارا) وَ تَحقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لأولَئِكَ (السافلين من الطبقات) ثِقَتَكَ مِن أَهلِ الْخَشْيَةِ وَ التَّوَاضُع (حتى لا يثقل عليه الجلوس عندهم) فَليَرفَع (أهل الخشية و التواضع) إِلَيْكَ أَمُورَهُمْ ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ (قطع العذر) إِلَى اللَّه يَومَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤلاء (الفقراء و غيرهم من الطبقة السفلى)

ص: 369

مِن بَينِ الرّعِيّةِ أَحوَجُ إِلَي الإِنصَافِ مِن غَيرِهِم وَ كُلّ فَأَعذِر إِلَي اللّهِ فِي تَأدِيَةِ حَقّهِ إِلَيهِ وَ تَعَهّد أَهلَ اليُتمِ وَ ذوَيِ الرّقّةِ فِي السّنّ مِمّن لَا حِيلَةَ لَهُ وَ لَا يَنصِبُ لِلمَسأَلَةِ نَفسَهُ وَ ذَلِكَ (التعهّد لأهل اليتم و ذوى الرقّة) عَلَي الوُلَاةِ ثَقِيلٌ (بخلاف القانع الّذى نصب نفسه للسؤال) وَ الْحَقُّ كُلَّهُ ثَقِيلٌ (للقانع كان أم للمعتر) وَ قَدْ يُخَفِّفَهُ اللهُ عَلَي أَقوَامٍ (من الولاة الّذين) طَلَبُوا العَاقِبَةَ فَصَبّرُوا أَنفُسَهُم وَ وَثِقُوا بِصِدقِ مَوعُودِ اللّهِ لَهُم وَ اجعَل لذِوَيِ الحَاجَاتِ (من الطبقة السفلى و من سائر الطبقات) مِنكَ قِسماً (من أوقاتك) تُفَرِّعُ لَهُم فيه شَخْصَكَ وَ تَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامًا فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلّهِ ألّذِي خَلَقَكَ وَ تُقعِدُ عَنهُم جُندَكَ وَ أَعوَانَكَ مِن أَحرَاسِكَ وَ شُرَطِكَ حَتّي يُكَلّمَكَ مُتَكَلّمُهُم غَيرَ مُتَتَعتِعٍ (متردّد فى الكلام خوفا من أحراسك) فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه و آله يَقُولُ في غَيْرِ موطنٍ لَنْ تُقَدَّسَ (تطهر) أَمَّهُ لَا يُؤْخَذُ للضّعيف فِيهَا حَقَّه مِنَ القوَيِ ّ غَيرَ مُتَتَعتِعٍ ثُمّ احتَمِلِ الخُرقَ (العنف و هو ضدّ الرفق) مِنْهُمْ (فى الكلام) وَ الْعِيَ (العجز فى المنطق) وَ نَحْ (بعد) عَنْهُمُ الضّيقَ (العسر) وَ الأَنَفَ (الإستكبار) يَبسُطِ اللّهُ عَلَيكَ بِذَلِكَ (التبعيد) أكْنَافَ (أطراف) حمَتِهِ وَ يُوجِب لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ (بذلك الإحتمال) وَ أَعطِ (الهم) مَا أَعْطَيْتَ هَنيئاً (سهلا من غيرمن) وَ امنَع (عنهم ما يسألون) في إِجْمَالِ وَ إِعْذَارٍ ثُمّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتها (بنفسك) مِنْهَا إِجَابَةً عُمالِكَ بِمَا يَعيا (يعجز) عَنهُ كُتّابُكَ (الّذين كانوا رؤساء العمّال) وَ مِنهَا (الأمور الّتى يعيا عنها كتابک) إصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَومَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحرَجُ (تضيق) بِهِ صُدُورُ أعوانِكَ وَ أَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلّ يَومٍ مَا فِيهِ (من العمل المفروض علیک) وَ اجعَل لِنَفسِكَ فِيمَا بَينَكَ وَ بَينَ اللّهِ أَفضَلَ تِلكَ المَوَاقِيتِ وَ أَجزَلَ (أعظم) تلْكَ الأقْسَامِ (من الأوقات) وَ إِنْ كَانَتْ كُلْهَا لِلهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النّيةُ وَ سَلِمَتْ مِنهَا الرّعِيّةُ (بأداء حقوقهم) وَ لَيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَهُ فَرائضه الَّتِي هِي لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَ نَهَارِكَ وَ وَفّ (أَدّ) مَا تَقَرْبْتَ بِهِ إِلَى الله مِنْ ذَلكَ الإعطاء من بدنك) كاملًا غَير مَثْلُومٍ (مخدوش) و لَا مَنْقُوص بالغاً منْ بَدَنكَ مَا بَلَغَ وَ إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ للنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفّراً (بالإفراط) و لا مُضَيعاً (بالتفريط) فَإِنَّ فِي

ص: 370

النَّاسِ مَنْ به العلَّةُ (كالمرض و غیره) وَ (من) لَهُ الْحَاجَةُ (فلا يمكنه التطويل في الصلاة) و َقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ الله صلّى الله عليه و آله حِينَ وجَهّنَيِ إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أَصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاة أَضْعَفهِمْ وَ كُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحيماً وَ أَما بَعدُ فَلَا تُطُولَنَّ احْتَجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احتجاب الولاة عَنِ الرّعِيّةِ شُعبَةٌ مِنَ الضّيقِ (فى الصدر) وَ قِلّةُ عِلمٍ بِالأُمُورِ وَ الِاحتِجَابُ مِنهُم يَقطَعُ عَنهُم عِلمَ مَا احتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصغُرُ عِندَهُمُ الكَبِيرُ (من الأمور الخفيّة عنهم) وَ يَعظُمُ الصِّغِيرُ و يَقْبحُ الحَسَنُ (من الأمور) وَ يَحسُنُ القَبِيحُ وَ يُشَابُ (يخلط) الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَ إِنَّمَا الْوَالِي بَشَرِّ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى (أخفى) عَنْهُ النَّاسُ بِهِ (أى بسبب التوارى عنهم) منَ الْأُمُورِ وَ لَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ (علامات) تُعرفُ بِهَا ضُروب (أقسام) الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ وَ إِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَدْلِ فِي الْحَقِّ (بغير الإسراف و الحيف في مال المسلمين) فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِن وَاجِبِ حَقّ تُعطِيهِ أَو فِعلٍ كَرِيمٍ تُسدِيهِ (تحسن بذلك الفعل إلى رعيتك) أَو (إنّك رجل) مُبتَلًي بِالمَنعِ (البخل) فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ (منع) النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيسُوا مِنْ بَذلكَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاس إِلَيْكَ ممَّا لَا مَئونَهُ فيه عَلَيْكَ مِنْ شَكَاة مَظلمة أو طَلَب إِنْصَافِ فِي مُعَامَلَةِ ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً و بِطَانَهُ (أصحاب سر) فِيهِمُ استِئثَارٌ (إستبداد) وَ تَطَاوُلٌ (حرص بالبذل) وَ قِلّةُ إِنصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحسِم (إقطع) مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسبَابِ تِلكَ الأَحوَالِ (من الإستئثار و التطاول) وَ لَا تُقطِعَنّ لِأَحَدٍ مِن حَاشِيَتِكَ وَ حَامّتِكَ (خاصتك) قَطِيعَةً (من أراضى المسلمين) وَ لَا يَطْمَعَنْ (حاشیتک و حامتک) منك في اعتقاد (إمتلاك) عُقْدَة تَضُر تَضُر مِنْ يَلِيهَا (يأتى بعد تلك العقدة) مِنَ النَّاسِ فِی شِرْب (نصيب ماء كان الناس فيه سواء) أَو (فى) عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ یحْمِلُون (هولاء الخواص) مَئونَتَهُ (ثقل ذلك العمل المشترك) عَلَى غَيْرِهمْ (من الرعية) فَيَكُونَ مَهنا (سهولة) ذلكَ (العمل المشترك) لَهُمْ دُونَكَ وَ عَيْبَهُ عَلَيْكَ في الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ أَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَ الْبَعِيدِ وَ كُنْ فِي ذَلِكَ (الإلزام للحقّ للقريب و البعيد) صَابِراً على مرّ الحقّ) مُحْتَسِباً (أجره عند الله) وَاقِعاً (أنت) ذلكَ (الحقّ اللازم) مِنْ قَرَابَتِكَ وَ خَاصَّتكَ حَيْثُ وَقَعَ (الحقّ) وَ ابْتَغ (اطلب) عَاقِبَتَهُ (المحمودة) بِمَا یثْقُلُ

ص: 371

عَلَيْكَ منْهُ (إلزام الحقّ كلّا من القريب و البعيد) فَإِنْ مَغَبة (عاقبة) ذلكَ (الثقل المحمول علیک) مَحمُودَةٌ وَ إِنْ ظَلَّتِ الرعية بِكَ حَيْفاً (ظلما) فَأَصْحر (أظهر) لَهُمْ بِعُدْرِكَ وَ اعْدل عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ (ظهورك لهم) فَإِنَّ فِي ذَلِكَ (الإصحار) ريَاضَةَ مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَ رِفْقاً بِرَعِیتِكَ وَ إِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِیمِهِمْ (قوامهم، إستقامتهم) عَلَى الْحَقِّ وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلحاً دَعَاكَ إِلَيْه عَدُوُّكَ وللهَ فيه رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلح دَعَةَ (راحة) لِجُنُودِکَ وَ رَاحَهً مِنْ هُمُومِکَ وَ أَمْناً لِبِلاَدِکَ وَ لَکِنِ اَلْحَذَرَ کُلَّ اَلْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّکَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ اَلْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَب (الیک) لَيَتَغَفَّلَ (يأخذك على حين غفلتك) فَخُدْ بِالْحَزْمِ (الإحتياط) وَ اتَّهِمْ في ذَلِكَ (الصلح) حُسْنَ الظَّنِّ (منك له) وَ إِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَ بَين عَدُوكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْک ذِمَّةً فَحُطَ عَهْدَكَ بِالْوَفَاء وَ ارْعَ ذِمَّتِكَ بِالْأَمَانَة وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةٌ (وقاية) دُونَ (عند) مَا أَعْطَيْتَ عدوكّ من الأمان و الصلح) فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرائض الله شَيْء النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْه اجتماعاً مَعَ تَفَرِّق (تشتّت) أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتَّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظيمِ الْوَفَاء بِالْعُهُودِ وَ قَدْ لَزِمَ ذَلكَ (التعظيم للوفاء بالعهود) اَلْمُشْرِکُونَ فِیمَا بَیْنَهُمْ دُونَ اَلْمُسْلِمِینَ لَمَّا اِسْتَوْبَلُوا (طلبهم الوبال و الهلاك) منْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ (المكر فى العهود) فَلَا تَغْدِرَةً بِذمتك (عهدك) وَ لاَ تَخِیسَنَّ (تخوننّ) بِعَهْدِكَ وَ لَا تَخْتلَنَّ (تخدعنّ) عَدُوكَ فَإِنَّهُ لاَ یَجْتَرِئُ عَلَى اللهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِیٌّ وَ قَدْ جَعَلَ اَللَّهُ عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ (بسطه) بين الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَ حَرِیماً یَسْکُنُونَ إِلَی مَنَعَتِهِ (مانعيّته لدفع القوى) و يستَفِيضُونَ (يفزعون إليه بالسرعة) إلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ (إفساد) وَ لَا مُدَالَسَة (خيانة) وَ لَا حَدَاع (مخادعة) فيه وَ لَا تَعقد عَقْداً تُجوِّزُ فيه العلَلَ وَ لَا تُعَولَنَّ (تعتمدن) عَلَى لَحْنِ قَول (و هو ما يقبل التوجيه و التورية) بَعْدَ اَلتَّأْکِیدِ وَ اَلتَّوْثِقَهِ (فى العهود) وَ لَا يَدْعُونَكَ ضِيقُ أَمْرٍ (من أمور بلادك) لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللهِ (أى ذلك العهد أوقعك في ذلك الضيق) إلى طلب انْفَسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ صَبرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرِ تَرْجُو انْفَرَاجَهُ (فرجه) وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ (للوفاء بالعهد) خَيْر مِنْ غَدْرِ تَخَافُ تَبِعَتَهُ (عقابه) و (خير من) أَنْ تُحِیطَ بِک من الله فيه (ذلك الغدر) طلَّبَةُ (مطالبة بحقه من الوفاء بالعهد) لا تَسْتَقْبِلُ (لا يمكن لك الإقبال) فيها (إلى)

ص: 372

دُنْيَاكَ وَ لَا آخرتك. إِيَّاكَ وَ الدِّمَاء وَ سَفَكَهَا بِغَيْرِ حِلْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْء (من محارم الله) أَدْعَى لِنِقْمَةٍ (عذاب) وَ لَا أَعْظَمَ لتَبعَة (عاقبة) وَ لَا أَحْرَى (أليق) بِزَوَالِ نِعْمَة وَ انْقِطَاعِ مُدَّة (للدول) مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقْهَا وَ اللهُ سبحانَهُ مُبتدِى بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَکُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكَ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذلكَ (السفك) ممَّا يُضْعِفُهُ (يوهن سلطانک) و يُوهنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَ يَنْقُلْهُ (إلى غيرك) و لا عُدْرَ لَكَ عِنْدَ الله وَ لا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، لاَنَّ فِيهِ قَوَدَ (قصاص) البَدَنِ وَ إِنِ ابْتُلِيتَ (بقتل العمد) بِخَطَا وَ أَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَو يَدُكَ بِالْعُقُوبَة (للمستحقّ لها) فَإِنَّ فِي الْوَكْرَةِ (الضرب بالكفّ مجتمعة الأصابع) فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَهُ (قتلا) فَلَا تَطْمَحَنَّ (يرفعنّ) بِكَ نَحْوَةُ (كبر) سُلْطَانكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إلَى أَوْلِيَاء المَقْتُولِ حَقَّهُمْ (و هو الدية المسلّمة إليهم) وَ إِيَّاكَ وَ الْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَ الثَّقَة بِمَا يُعْجِبُكَ منْهَا (النفس أو نخوة سلطانک علی الناس) وَ (إیاک) حُبَّ الْإِطْرَاءِ (الثناء البالغ عن الحد) فَإِنَّ ذَلِك (العجب بالنفس و الحبّ للإطراء) مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ اَلشَّیْطَان في نَفْسه لَيَمْحَقَ (يهلك) مَا يَكُونُ (يقع) مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ وَ إِيَّاكَ وَ الْمَنْ عَلَى رَعِيْتِكَ بِإِحْسَانِكَ (إليهم) أو النَّزَيْدَ (عدّک الزيادة) فيمَا كَانَ (وقع) من فعلك (لهم) أَو (إيّاك) أَنْ تَعدَهُمْ فَتْبِعَ مَوعِدَكَ بِخُلْفَكَ فَإِنّ المَنّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَ التَّزَيدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَ الْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ (الغضب) عندَ الله وَ (عند) النّاس قَالَ اللهُ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهُ أنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ وَ إِيَّاكَ وَ الْعَجَلَة بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانهَا (بلوغ زمانها) أوِ (إيّاك و) التَّسَقَط فيها (الأمور) عِنْدَ إمْكَانهَا أو (إيّاك و) اللجَاجَة فِيهَا إِذَا تَنكَّرَتْ (لم يعرف وجهها) أوِ الْوَهْنَ (الضعف) عَنْهَا إِذَا استوضَحَتْ (وضحت حقيقة حالها) فَضَعْ كُلَّ أمرٍ موضعَهُ و أوقع كُلَّ أَمْرٍ مَوقِعَهُ وَ إِيَّاكَ وَ الاسْتَشْثَارَ (الإستبداد) بمَا النَّاسُ فيه أسوَةٌ (سواء وَ التَّغَابي (التغافل) عَمّا تُعنَي (يقصد ) بِهِ مِمّا قَد وَضَحَ لِلعُيُونِ فَإِنّه ( التغابى) مَأخُوذٌ منك (بالمحاسبة يوم القيامة) لغَيرك (من رعيتك) و عَمَّا قَليل تَنْكَشفُ عَنْكَ أَغْطَيَةٌ (أستار) الأُمُورِ (يوم تبلى السرائر) و ينتَصَفُ مِنْكَ (تؤخذ بالإنصاف) لِلمَظلُومِ (إن ظلمته) املِك حَمِيّةَ أَنفِكَ (غضبك) وَ سَورَةَ (حدّة، وثبة) حَدِّكَ وَ

ص: 373

سَطوَةَ (صولة، طغيان) يَدكَ وَ غَربَ (حدّة) لِسَانِكَ وَ احتَرِس مِن كُلّ ذَلِك (من الحميّة و السورة و السطوة و الغرب) بِكَفِّ (منع) البَادِرَةِ (الإقدام بغير التأمل في عاقبة الأمور) وَ تَأخِيرِ السّطوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلك الاختيارَ وَ لَنْ تَحْكُمَ ذلك (التسكين للغضب و الإختيار للغضب) مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعادِ (الرجوع) إِلَى رَبِّكَ وَ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَة عادلة أو سُنَّةِ فَاضِلَةِ أَوْ أَثرٍ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى الله عليه و آله أو فَرِيضَة في كتابِ الله فَتَقْتَدي بِمَا شَاهَدتَ ممَّا عَمِلْنَا بِه فِيهَا (تلك الحكومة العادلة) وَ تَجْتَهِدَ (تسعى) لِنَفْسِكَ فِي اتَّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَ اسْتَوْتَقْتُ (أخذت الوثيقة) به منَ الْحُجَّةَ لنَفْسِي عَلَيْكَ (عند الله بإبلاغ الحجّة و إتمامها) لِكَيْلا تَكُونَ لَكَ علَّهُ عندَ تَسَرع نَفْسَكَ إِلَى هَوَاهَا وَ أَنَا أَسْأَلُ اللهَ بِسَعَة رَحمَته وَ عَظِيمٍ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاء كُلِّ رَغْبَةِ أَنْ يُوفِّقَنِي وَ إِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُدْرِ الْوَاضِحَ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ مَعَ حُسنِ الثّنَاءِ فِي العِبَادِ وَ جَمِيلِ الأَثَرِ فِي البِلَادِ وَ تَمَامِ النّعمَةِ وَ تَضعِيفِ الكَرَامَةِ و (أسأل الله) أَن يَختِمَ لِي وَ لَكَ بِالسَّعَادَةِ وَ الشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ و السّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْه و آله وَ سَلَّمَ الطيبينَ الطَّاهِرِينَ وَ سَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَ السّلام.

54-و من كتاب له علیه السَّلام إلى طلحة والزبير (مع عمران بن الحصين الخزاعي) ذكره أبو جعفر الإسكاني في كتاب المقامات في مناقب أمير المؤمنين علیه السَّلام:

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتُمَا وَ إِنْ كَنَمْتُما (أضمرتها، أخفيتما الحقّ المعلوم عندكما) أنّي لَمْ أرد (اقصد) النَّاسَ حتَّى أَرَادُوني (للخلافة) وَ لَمْ أَبَايِعُهُم حَتّي باَيعَوُنيِ و إِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِي وَ بَايَعَنِي وَ إِنَّ الْعَامَّة لَمْ تُبَايِعني لسُلْطَانِ غَالب (عليهم حتّى يصيروا به مضطرّين على البيعة) وَ لَا لعَرَض (متاع) حاضر (حتّى يصيروا طامعين للدنيا) فَإِنْ كُنتُمَا باَيعَتمُاَنيِ طَائِعَينِ (غير مستكرهين) فَارْجِعَا (إلى تلك البيعة) و تُوبَا إِلَى اللَّه من النكث) مِنْ قَرِيبٍ وَ إِنْ كُنتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَة (لى حيث بايعتمانى) وَ (ب) إِسْرَارِكُمَا

ص: 374

(إخفائكما) المَعْصِيَّة (لى فى قلوبكم) وَ لَعَمْرِي مَا كُنتُمَا بِأحَقُّ الْمُهَاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ وَ الْكَثْمَانِ (و لم يدّع أحد منهم التقيّة فى البيعة لى) وَ إِنَّ دَفَعَكُمَا هَذَا الْأَمْرَ (من البيعة) منْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلَا فِيه كَانَ (الدفع منكما) أوسعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِه (حيث إنّ المرء مأخوذ بميثاقه و عهده) وَ قَدْ زَعَمْتُما (ظننتما) أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ فَبَينِي وَ بَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلّفَ عنَيّ وَ عَنكُمَا مِن أَهلِ المَدِينَةِ (فيكون حكما علينا) ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِئٍ (منّا) بِقَدْرِ مَا احْتَمَلَ (من دم عثمان) فَارْجِعًا أَيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رأَيكُمَا (الفاسد) فَإِنَّ الْآنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا (إن ترجعا إلى البيعة) الْعَارُ (العيب و المذمّة على ألسن الناس) منْ قَبْلِ أَنْ يَتَجَمَّعَ العَارُ وَ النّارُ (و هو أشدّ عارا) وَ السّلَامُ

55-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية:

أما بعد فَإِنَّ الله سبحانَهُ قَدْ جَعَلَ الدُّنْيا لما بَعدَهَا (من الآخرة فهى مزرعة الآخرة) وَ ابتَلَي فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيّهُم أَحسَنُ عَمَلًا وَ لَسنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا وَ لَا بِالسَّعي فِيهَا أَمِرُنَا وَ إِنَّمَا وُضِعْنَا (جعلنا) فِيهَا لنِبُتلَيَ بِهَا وَ قَدِ ابتلَاَنيِ اللّهُ بِكَ وَ ابتَلَاكَ بيِ فَجَعَلَ أَحَدَنَا (و هو أنا) حُجّةً عَلَى الْآخَرِ (الّذى هو أنت) فَعَدَوْتَ (جاوزت) عَلَى طلب الدُّنْيا بتأويل (صرف) القُرآنِ (على هواک) فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدي وَ لَا لِسَانِي (في سفك دم عثمان فإنّ لك الجناية باليد و اللسان في دمه إذ لم تنصره حين إستنصرك) وَ عَصَيتَهُ (ربطت دمه) أَنْتَ وَ أَهْلُ الشّام بي (كذبا و بغيا) وَ أَلّبَ (حرّض على الحرب) عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وَ فَائمُكُمْ فَاعدَكُمْ (بتأويل القرآن على أهوائه المبتدعة) فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَ نَازِعِ (جاذب من) الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ (زمامک) وَ اصْرِفْ إِلَى الْآخِرَةِ وَجْهَكَ (بصرف قلبک عن الدنيا) فَهِيَ (الآخرة) طَرِيقُنَا وَ طَرِيقُكَ وَ احْذَر أَنْ يُصِيبَكَ اللهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَة (بليّة عاجلة) تمسّ (تلك القارعة) الأصلَ وَ تَقْطَعُ الدَّابِرَ (النسل) فَإِنِّي أولي (اقسم) لَكَ بِاللهِ اليَّة (قسما) غَير فَاجِرةِ (حانثة) لَئِنْ جَمعتُنِي وَ إِيَّاكَ جوامع الْأَقْدَارِ (مقاديره تعالى الجامعة بینی و بینک برفع الموانع) لَا أَزَالُ بِبَاحَتِكَ (في

ص: 375

ساحتک و لا أترك قتالك) حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بيننا وَ هُوَ خَيرُ الحاكِمِينَ.

56 -و من وصيّة له علیه السَّلام وصّى بها شريح بن هانئ لمّا جعله على مقدّمته إلى الشام:

اتَّقِ اللهَ فِي كُلّ صَبَاحٍ وَ مَسَاءٍ و خَفْ عَلَى نَفْسَكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ وَ لَا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالِ (لأَنْهَا غرّارة ضرّارة) وَ اعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ (تمنع) نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ (من الخروج عن القصد و الدخول فيما أحبت نفسك ممّا يلائمها و يوافق طبعها من الإفراط و التفريط فى الأمور) مَخَافَة (خوفا من إصابة) مَكْرُوهه (مبغوض ذلك الكثير المحبوب عند نفسک فکم من محبوب عند النفس ملائم لها ليس فيه إلا عاقبة السوء) سَمَتْ (إرتفعت) بِكَ الْأَهْوَاء (الأميال) إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ (الموجود فى لذّات النفس) فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً و لِنَزْوَتِكَ (وثوبك) عِندَ الحَفِيظَةِ (الغضب) وَ اقِماً (قاهرا) قَامِعاً (رادا، كاسرا و إن كرهت نفسك حتّى لا تقع فى مكروه أشدّ من كظم الغيظ و هو النار).

57- و من كتاب له علیه السَّلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة:

أمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجتُ مِن حيَيّ (موطن قبيلتي) هَذَا إِمّا ظَالِماً (الطلحة والزبير و عائشة) وَ إِمّا مظلوماً و إما باغياً (ظالما لهم، طالبا للتسلّط عليهم) وَ إِمّا مَبغِيّاً (مظلوما، مطلوبا بالتسلّط) عَلَيْهِ وَ إِنِّي أَذكَّرُ اللهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا ( إلَّا أنّه) نَفَرَ (سار) إِلَي فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً (مظلوما مبغياً عليه) أعَانَني (على الظالم الباغي) وَ إِنْ كُنْتُ مُسيئاً (ظالما باغيا) استعَتبَنَيِ (طلب منّى العتبى أى الرضا بالخروج من الظلم و البغى).

58- و من كتاب له علیه السَّلام كتبه إلى أهل الأمصار يقصّ فيه ما جرى بينه و بين أهل صفين:

وَ كَانَ بَدْء (إبتداء) أَمْرِنَا (فى صفين) أنَّا الْتَقَيْنَا وَ الْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَ الظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَ نَبِينَا وَاحِدٌ وَ دَعْوَتَنَا فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ وَ لَا نَسْتَزِيدُهُمْ (ظاهرا) فِي الْإِيمَانِ بِالله وَ

ص: 376

التّصدِيقِ بِرَسُولِهِ وَ لَا يَستَزِيدُونَنَا (فيهما) الأَمرُ (من التوحيد و النبوة) واحدٌ إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فيه مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ نَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ (منزّهون) فَقُلْنَا (لأهل الشام) تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لَا يُدْرك (ينال من طلب دم عثمان) اليَومَ بِإِطفَاءِ النّائِرَةِ (العدواة و الشحناء) وَ تَسْكِينِ الْعَامّة حَتَّى يَشْتَدَّ الْأَمْرُ (من هذه الفتن و الإضطراب) وَ يَستَجمِعَ (أمرهم) فَتَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ لنا مواضعَهُ (من القصاص أو الدية) فَقَالُوا بَلْ نُدَاوِيه (نعالج ما لا يدرك) بِالْمُكَابَرَة (المعاندة) فَأبوا (إمتنعوا) حَتّي جَنَحَتِ (مالت، إنحرفت) الحَربُ ( بإنحراف رجال الحرب لإثارة النائرة) و رَكَدَتْ (إستقرت) وَ وَقَدَتْ (إلتهبت) یرَانُهَا وَ حَمِشَتْ (إشتدت) فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا (عضّتنا الحرب بأضراسها) وَ إِيَّاهُمْ وَ وَضَعَتْ (جعلت) مَخَالَبَهَا فِينَا وَ فِيهِمْ أجَابُوا عِنْدَ ذَلكَ (الإشتداد من الحرب) إِلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيهِ (من إطفاء النائرة و تسكين الأمُة بحكم (القرآن) فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوا و سارَعناهُم (سابقناهم) إِلَی مَا طَلَبُوا (من الحكم بالقرآن) حَتَّى اسْتَبَانَتْ (ظهرت) عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ (العذر) فَمَنْ تَم (ثبت) عَلَى ذَلكَ (الذى دعونا إليه من حكم القرآن) مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ (أنجاه) اللهُ مِنَ الْهَلَكَةِ وَ مَنْ لَج (على عداوته للحقّ) و تَمادَى (داوم) فَهُوَ اَلرَّاکِسُ (الناكث الّذى قلب عهده) الَّذِي رَانَ (غطّى) اللهُ عَلَى قَلْبِه (لما فيه من رين المعصية) و صَارَتْ دَائِرَةُ السوء (العذاب) عَلَی رَأْسِهِ

59- و من كتاب له علیه السَّلام إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان:

أما بَعْدُ فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلك (الإختلاف فى الهوى) كَثيراً منَ الْعَدْلِ (فى رعيته) فَلْيَكُنْ أمْرُ النّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً (من غير فضل لأحد على أحد) فَإِنَّهُ لَیْسَ فِی اَلْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ (بدل) الْعَدْلِ فَاجتَب مَا تُنْكَرُ (لا تستحسن) أَمْثَالَهُ (من عامة المسلمين) وَ اِبْتَذِلْ (إستعمل) نَفْسَكَ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ (من فرائضه) راجِياً ثَوَابَهُ وَ مُتَخَوِّفاً عقَابَهُ وَ اعْلَمُ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِیَّهٍ (إبتلاء) لَمْ يَفْرِغْ صَاحِبُهَا فِيهَا (من العمل الصالح) قَطُّ سَاعَةَ إِلَّا كَانَتْ فَرغَتُهُ (فى الدنيا من الإشتغال بالصالحات) عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ (إعلم) أَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ

ص: 377

عَنِ (بدل) الْحَقِّ شَيء أَبَداً وَ مِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ عَلَیْکَ حِفْظُ نَفْسِکَ (من الهوى) وَ اَلاِحْتِسَابُ (المراقبة) عَلَى الرّعيّة بِجُهْدكَ فَإِنَّ الَّذي يَصلُ إِلَيْكَ (من الأجر) من ذلك (الإحتساب) أَفْضَلُ مِنَ (الخير) الَّذِي يَصلُّ بِكَ (إليهم من الجهد فى مراعاة العدل و الحفظ للرعيّة) وَ السّلام.

60-و من كتاب له علیه السَّلام إلى العمّال الذين يطأ الجيش عملهم:

منْ عَبد الله عَلَي أمير الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِ اَلْجَیْشُ مِنْ جُبَاهِ (أخذى) اَلْخَرَاجِ وَ عُمَّالِ اَلْبِلاَدِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّی قَدْ سَیَّرْتُ (وجهت) جنوداً هي مَارَةٌ بِكُمْ (و عملكم) إِنْ شَاءَ اللهُ وَ قَدْ أَوْصَيْتُهُم بِمَا يَجِبُ الله عَلَيْهِمْ مِنْ كَفَّ (منع) الأذى (عمّن يمرون به) وَ (من) صَرْفِ الشَّذًا (الشرّ - عمّا يمرون عليه) وَ أَنَا أَبْرًا إِلَيْكُمْ وَ إلَى ذِمَّتِکُمْ مِنْ مَعَرَّهِ (أذى) الْجَيْشِ إِلَّا مِنْ جَوعَة الْمُضْطَر (منهم الذى) لَا يَجِدُ عَنْهَا (جوعته) مَذْهَباً (خلاصا ، فرارا) إلى شبعه (فله أن يأكل على قدر جوعه بما يمرّ عليه من عملكم) فَنَکِّلُوا (أوقعوا العذاب على) مَنْ تَنَاوَلَ (أدرك، أصاب) منهم شَيْئاً ظلماً (زائدا على قدر إضطرارهم) عَنْ (بدل) ظُلْمِهِمْ وَ کُفُّوا (إمنعوا) أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ (أخفاء العقول بينكم) عَنْ مُضَارَّتِهِمْ وَ اَلتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِیمَا اِسْتَثْنَیْنَاهُ مِنْهُمْ (من الأكل على قدر جوعتهم) و أنا (موجود) بَينَ أظْهُرِ (فى قفاء) الجيشِ فَارْفَعُوا إِلَى مَظَالَمَكُمْ وَ مَا عَرَاكُمْ (آذاكم) ممَّا يَغْلَبُكُمْ مِنْ أَمْرِهمْ (من ظلمهم عليكم) وَ مَا لَا تُطِيقُونَ دَفَعَهُ إِلاَّ بِاللَّهِ وَ بِی فَأَنَا أُغَیِّرُهُ (أبدّل ما لا تطيقون) بِمَعُونَة اللَّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

61 -و من كتاب له علیه السَّلام إلى كميل بن زياد النخعي و هو عامله على هيت ينكر عليه تركه دفع من يجتاز (يمرّ) به من جيش العدو طالبا الغارة:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ تَضْیِیعَ اَلْمَرْءِ مَا وُلِّیَ (عليه و جعل فى ذمّته من حفظ الثغور) وَ تَكَلَّفَهُ (إيقاع نفسه فى مشقّة) مَا كُفِي (ثقله عنه بغيره من التكاليف) لَعَجْزٌ حَاضِرٌ وَ رَأْیٌ مُتَبَّرٌ (هالک صاحبه) وَ إِنَّ تَعَاطيكَ (تناولك) الْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ قِرْقِیسِیَا (و هو بلد على الفرات) وَ تَعْطِیلَکَ

ص: 378

مسالحَكَ (ثغورك الّتي فيها السلاح) اَلَّتِی وَلَّیْنَاکَ (عليها) لَيْسَ بِهَا (في تلك المسالح) مَنْ یَمْنَعُهَا (عن الغارة) وَ لَا (بها من) یَرُدُّ (يمنع) اَلْجَیْشَ (المحاربين) عَنْهَا لَرَأْیٌ شَعَاعٌ ( متفرّق) فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً (معبرا) لِمَنْ أَرَادَ الْغَارَةَ مِنْ أَعْدَاتِكَ عَلَى أَوْلِيَائكَ غَير شَدِيدِ الْمَنْكِبِ (مجتمع الكتف و العضد) وَ لَا مَهِيبٍ (مخوف) الْجَانِبِ وَ لَا سَادُ (مانع) ثُغْرَهً (فرجة يدخل منها العدوّ) وَ لَا كَاسِرِ لِعَدُوُّ شَوْكَةَ (قوّة، بأسا، حدّة) وَ لَا مُغْنِ (كاف) عَنْ أَهْلِ مِصْرِهِ (مدينته) وَ لاَ مُجْزٍ (كاف)عَنْ أَمِیرِهِ

62-و من كتاب له علیه السَّلام إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لمّا ولّاه إمارتها:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً صلّى الله عليه و آله نَذيراً (مخوّفا لعواقب الأعمال) لِلْعَالَمِینَ وَ مُهَیْمِناً (شاهدا ، محيطا مسيطرا) عَلَی اَلْمُرْسَلِینَ. فَلَمَّا مَضَی (إلى الرفيق الأعلى) تَنَازَعَ (خاصم) المُسْلِمُونَ الْأمر (من الخلافة) مِنْ بَعْدِهِ فَوَ اللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي (قلبى) وَ لَا يَخْطُرُ بِبَالِي (خاطرى) أنّ الْعَرَب تُزعج (تنقل) هَذَا اَلْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ صَلَّی اَللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ عَنْ أَهْلِ بَیْتِهِ وَ لاَ (يخطر ببالى) أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ (مبعدون لهذا الأمر) عَنِّی مِنْ بَعْدِهِ فَمَا رَاعَنِی (أفزعنى) إِلَّا انْثَيَالُ (إنصباب) النَّاسِ عَلَى فُلَانِ يُبَايِعُونَهُ فَأَمْسَكَتُ يدي (عن البيعة) حَتَّی رَأَیْتُ رَاجِعَهَ اَلنَّاسِ (منافقيهم) قَدْ رَجَعَتْ (إرتدّت) عَنِ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقٍ (هلاك) دَيْنِ مُحمد صلّى الله عليه و آله فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَ أَهْلَهُ (بترك النزاع للخلافة) أنْ أَرَى فيهِ (الإسلام) ثَلْماً (خرقا بتفرّق الأمة) أو هَدْماً (فتركت حقّى و قد أراه نهبا لحفظ الإسلام) تَكُونُ المُصيبَةُ به (عدم نصرتى للإسلام أو بذلك العلم و الهدم) عَلَي أعظم منْ فَوت ولَايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِي مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ (وقع) كَمَا يَزُولُ السِّرَابُ أَو (يزول من تلك الأيام القلائل) كَمَا يَتَقَشَعُ (يزول) السَّحَابُ فَنَهَضْتُ (قمت) فِی تِلْکَ اَلْأَحْدَاثِ (البدع المخترعة من الأهواء) حَتَّی زَاحَ (ذهب) الْبَاطِلُ وَ زَهَقَ (خرج روحه) وَ اطْمَأَنَّ الدِّينُ وَ تَنَهْنَهَ (ثبت بخلافتی).

ص: 379

وَ مِنْهُ: إِنِّي وَ الله لَو لَقيتُهُم (أهل الشام) واحداً (بلا معين و لا ناصر) وَ هُمْ طَلَاعُ (ملء) الْأَرْضِ كُلْهَا مَا بَالَيْتُ (إهتممت أى لم يكن لى مهمّا شاغلا) وَ لَا اسْتَوْحَشْتُ وَ إِنِّي مِنْ ضَلَالِهِم الّذی هُمْ فِيهِ وَ الْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصيرة مِنْ نَفْسِي و يقين مِنْ رَبِّي وَ إِنِّي إِلَى لِقَاء الله لَمُشْتَاقُ وَ (إلى) حُسنِ ثَوَابِهِ لَمُنتَظِرٌ رَاجٍ وَ لكَنِنّيِ آسَي (أحزن) أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمِّةِ سُفَهَاؤُهَا (أخفاء العقول منها و فُجَارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ الله دُولًا (بينهم) و عِبَادَهُ خَولاً (عبيدا لأنفسهم) وَ الصَّالحينَ حَرْباً (محاربين) وَ الفَاسِقِينَ حِزباً فَإِنَّ مِنْهُم (بني أمية) الّذي قَدْ شَرِبَ فيكُمُ الْحَرَامَ (من الخمر و هو المغيرة بن شعبة في عهد عمر حين كان واليا من قبله على الكوفة) وَ جَلَدَ حَداً فِي الْإِسْلَامِ وَ إِنَّ مِنْهُم مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ (أعطيت) لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ الرِّضَائِخ (العطايا و هو عمروبن العاص لم يسلم حتى طلب من رسول الله فلمّا أعطاه أسلم) فَلَوْ لَا ذلكَ (المقال من ولاية أمر هذه الأمّة على أيدى السفهاء و الفجّار) مَا أَكْثَرْتُ تأليكُمْ (تحریکم و تحویل قلوبكم عن بني أميّة) وَ تَأنِيبَكُم (لومكم) و جَمْعَكُمْ وَ تَحْرِيضَكُمْ (تشويقكم للمقاتلة) وَ لَتَرَكتُكُم إِذ أَبَيتُم وَ وَنَيتُم (أبطأتم عن إجابتي،ضعفتم) ألا تَرَوْنَ إِلَى أطْرَافِكُمْ (من البلاد) قد انْتَقَصَتْ وَ إِلَى أَمْصَارِكُمْ (مدائنكم) قَدِ افتُتِحَت وَ إِلَي مَمَالِكِكُم تُزوَي (تقبض) وَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى انْفِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ وَ لَا تَثّاقَلُوا إِلَي الأَرضِ فَتُقِرّوا (تقيموا تسكنوا أو تعترفوا) بِالْخَسْف (الضيم) وَ تَبُوءُوا (ترجعوا، تعودوا) بِالذُّلِّ وَ يَكُونَ (حينئذ) نَصيبكُمُ (من الدنيا) الأخَسَّ (الأدنى) وَ إِنَّ أَخَا (صاحب) الْحَرْبِ (الّذي قصد بالحرب) الأرقُ (الساهر لا ينام) وَ مَنْ نَامَ (عن عدوّه) لَمْ يُنَم عَنْهُ (بل إنتبه بوطأة عدوّه) وَ السَلامُ.

63-و من كتاب له علیه السَّلام إلى أبي موسى الأشعري و هو عامله على الكوفة، و قد بلغه عنه تثبيطه (منعه، ترغيبه بالقعود) الناس عن الخروج إليه لمّا ندبهم لحرب أصحاب الجمل:

مِنْ عَبدِ اللهِ عَلِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بنِ قَيْسٍ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَ

ص: 380

عَلَيْكَ فَإِذَا قَدمَ رَسُولِي عَلَيْكَ فَارْفَعْ ذَيْلَكَ وَ اشدُد مِئزَرَكَ وَ اخْرُجُ مِنْ جُحْرِكَ (مقرّك و هو الكوفة) وَ انْدُب (ادع) مَنْ مَعَكَ فَإِنْ حَقَّقْتَ (أخذت بالحقّ و العزيمة إلينا) فَانْفُذُ (إمض، اسلك إلينا) وَ إِن تَفَشّلتَ (ضعفت، جبنت) فَابعُد (عن ولاية أمور الكوفة أو عن رحمة الله) وَايْمُ الله لَتُؤْتَين (بالموت) مِنْ حَيْثُ أَنْتَ (فيه مستقرّ و لو كنت في برج مشيّد) وَ لَا تُترَكُ (في الحال الّتى تكون فيها) حَتَّى يُخلط زُبُدُكَ (خالصک) بِخَاثِرِكَ (غلیظک) وَ ذَائِبَكَ بجامدك (و هو كناية عن الحيرة في الأمور) و حتَّى تُعْجِلُ عَن قِعدَتِكَ (هيئة قعودك، فتخرج عنها بالسرعة إلى الآخرة) وَ (حتى) تَحْذَرَ (تخاف) مِن أَمَامِكَ كَحَذَركَ منْ خَلْفَكَ (فتقوم متحيّرا لا تدرى الخير لنفسك أ هو فى التقدم أو التأخّر) وَ مَا (ليست) هي (الحرب لأصحاب رسول الله و إحدى زوجاته) بِالْهُوَيْنَى (السهل) الَّتي تَرْجُو وَ لَكنَّهَا الدَّاهية (المصيبة) الكُبرَي (من إفتراق الأمّة) يُركَبُ (ليَركَب) جَمَلُهَا وَ يُذَلّلّ (ليَذلل) صَعبُهَا وَ يُسَهّلُ (ليَسَهْل) جَبَلُهَا فَاعْقَلْ (قيد، إضبط) عَقْلَكَ وَ امْلكُ أَمْرَكَ وَ خُذ نَصِيبَكَ وَ حَظّكَ (من طاعتي في هذه الحرب) فَإِنْ كَرِهْتَ (القتال فى الله) فَتتح (ابعد عن ولاية الأمور فى الكوفة أو عن رحمته تعالى) إِلَي غَيرِ رَحبٍ (سعة و فسحة بل فى ضيق وَ شدّة) وَ لَا فِي نَجاة (من عذاب الله) فَبِالْحَرِي (الجدير) لَتُكفَيَنّ (عن القتال بالرجال من أصحابى كما أنّ الله كفى المؤمنين القتال بنفسه الكريمة علیه السَّلام فى يوم الخندق) وَ أَنْتَ نَائِمٌ (عن العدوّ) حَتَّى لَا يُقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ (أبوموسى لصغر شأنك أى لتكفين بأصحابي حتى لا يكون فيك عند الحرب حاجة لنا) وَ الله إنَّهُ (هذا الأمر من حرب الجمل) لَحَقِّ مَعَ مُحقِّ (صاحب حقّ و هو أنا) و ما أَبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ (الكافرون كأبي موسى الأشعرى) وَ السّلَامُ.

64-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية جواباً:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَ أَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ منَ الألفة و الجَمَاعَة (في أيّام الجاهليّة) فَفَرقَ بيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ أَمس (حين بعث رسول الله) أَنّا آمَنّا (بالله و رسوله) وَ كَفَرْتُمْ (بهما) وَ اليَومَ

ص: 381

(حين وقعت الفتن بعد رحتله) أنا استقَمْنَا (على الإيمان بالله و رسوله) وَ فُتِنتُم (وقعتم في الفتنة و ضللتم) وَ مَا أَسْلَمَ (لم يسلم) مُسْلِمُكُمْ إِلَّا كَرْهاً (بعد فتح مكّة) وَ بَعْدَ أَنْ كَانَ (صار) أَنْفُ الْإِسْلَامِ (أشراف العرب) كُلَّهُ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه و آله حزباً وَ ذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلتُ طَلحَةَ وَ الزّبَيرَ و شَرَدْتُ (طردت) بِعَائِشَة وَ نَزَلتُ بينَ المِصْرَيْنِ (الكوفة و البصرة) وَ ذَلِكَ (الخبر) أَمرٌ غِبتَ عَنْهُ (لم تكن حاضرا عنده) فَلَا عَلَيْك (شيء) وَ لَا العُذْرُ فيه (منّى) إِلَيْكَ وَ ذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ قَدِ انْقَطَعَتِ الهِجْرَةُ يَوْمَ أَسِرَ أَخُوكَ (عمرو بن أبي سفيان يوم بدر) فَإِنْ كَانَ فِيكَ عَجَلٌ (لزيارتي) فَاسْتَرفِه (إسترح، لا تستعجل) فَإِنِّي إِنْ أزُركَ فَذَلكَ (الأمر من زيارتى) جَدِيرٌ (حرى، حسن) أَنْ يَكُونَ اللهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ للنِّقْمَة (الإنتقام) منكَ وَ إِنْ تَزْرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أسد:

مستَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصيف تَضْرِبُهم * بِحَاصبِ (ريح حاملة للتراب و الحصى) بَيْنَ أَغْوَار (غبار) وَ جُلمُودِ (صخر) وَ عنِديِ السّيفُ ألّذِي أَعضَضتُهُ (جعلته يعضّ) بِجَدّكَ (عتبة بن ربيعة) وَ خَالِكَ (الوليد بن عتبة) وَ أَخِيكَ (حنظلة) فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ (يوم بدر) وَ إِنَّكَ- وَ الله مَا عَلِمْتُ- الأَغْلَفُ القَلبِ (قلبك فى غلاف من الرين) الْمُقَارِبُ الْعَقْلِ (ناقص فى العقل كأنّه يكاد أن يكون عاقلا و لیس به) وَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ إِنَّكَ رَقيتَ (رفعت) سُلَّماً (مدرجا) أَطلَعَكَ (جعلك مشرفا على) مَطْلَع (موضع إشراف) سُوء عَلَيْكَ (فيضرك ذلك المطلع) لَا لَكَ (فلا ينفعك) لأَنَّكَ نَشَدْتَ (طلبت) غَيرَ ضَالّتِكَ (الّتى تفقدها) وَ رَعَيتَ (حرست) غَيرَ سَائِمَتِكَ (بهيمتك المرسلة للرعى) وَ طَلَبتَ أَمْراً لَسْتَ منْ أهله (و هو الخلافة) وَ لَا فِي مَعْدِنِهِ فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فَعْلكَ وَ قَريبٌ مَا أَشْبَهتَ (شباهتك) منْ أَعْمَام وَ أَخْوَالِ حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ وَ تَمَنِّي الْبَاطِلِ عَلَى الْجُحُودِ (الإنكار) بمُحَمَّدٍ صلّى الله عليه و آله فَصُرِعُوا (سقطوا) مَصَارِعَهُمْ (مواضع سقوطهم فى بدر وأحد و غيرهما) حَيْثُ عَلِمْتَ لَمْ يَدْفَعُوا عَظيماً (من البلاء عليهم) وَ لَمْ يَمنعُوا حَرِيماً بوقع سيوف (هاشمية منّا عليهم) مَا خَلَا (لم يخل) منْهَا (عن تلك السيوف) الوَغَى (الحرب)

ص: 382

وَ لَمْ تُماشها (ترافق تلك السيوف، تصحبها) الهُوَينَي (السهولة) وَ قَدْ أَكْثَرْتَ (الجدال) في قَتَلَة عُثْمَانَ فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فيه النَّاسُ (من البيعة لى) ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ (أرسلهم للحكم و المخاصمة) إلَي (فى دم عثمان) أَحْمِلْكَ وَ إِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللهِ تَعَالَى (في دمه) وَ أَمَّا تِلْكَ الّتي تُرِيدُ (من إبقائك على الشام متوسّلا بدم عثمان) فَإِنَّهَا خُدْعَةُ (مكر مع) الصّبِي عَنِ اللَّبَنِ في أول الفصالِ (عن لبن أمّها بعد أن بلغ سنتين) وَ السّلَامُ لِأَهلِهِ

65-و من كتاب له علیه السَّلام إليه أيضا:

أَما بَعْدُ فَقَدْ آنَ (حضر الوقت) لَكَ أَنْ تَنتَفعَ بِاللَّمْح (النظر منک) الْبَاصِرِ (القوّى في الإبصار) منْ عيَانٍ (مشاهدة) الأمور فَقَدْ سَلَكْتَ (مضيت) مَدَارِجَ (مواقع صعود) أَسلَافِكَ (إلى ما لم يكونوا من أهله من الفضائل فأشرفت نفسك على السقوط كآبائک) بِادّعَائِكَ الأَبَاطِيلَ (كالخلافة لنفسك متشبّثا بدم عثمان) وَ اقتِحَامِكَ (إدخالك فى قلوب العامّة بالسرعة) غَرُور الْمَينِ (الكذب) وَ (غرور) الأَكَاذِيبِ وَ بِانتِحَالِكَ (إدّعائك إنتسابك) مَا قَدْ عَلَا (إرتفع) عَنکَ (من تسمية نفسك بالخليفة و لست لذلك أهلا) وَ ابتِزَازِكَ (سلبك) لمّا (شيء و هو الخلافة و التصرّف في مال المسلمين و بلادهم) قد اخْتُزنَ (منع) دُونَكَ (أن تصل إليه و المانع دونک هو أنا قد منعتك عمّا تريد و إنمّا كلّ ذلك واقع منک) فِراراً منَ الْحَقِّ (فجعلتها وسيلة لتفرّ من الحقّ و هو البيعة لى) وَ جُحُوداً (إنكارا) لما هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمكَ وَ دَمك (و هو الطاعة لى اللازمة علیک) ممَّا قَدْ وَعَاهُ (حفظه) سَمْعُك (من رسول الله صلّى الله عليه و آله بلزوم الطاعة لى) وَ (ممّا قد) مُلِئَ به صَدْرُكَ فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ (الّذي تفرّ منه و هو أنا إلَّا الضَّلَالُ الْمُبِينُ (الّذى أنت به مقيم) وَ (ماذا) بَعدَ البَيَانِ (للحقّ لك من جانبي) إِلَّا اللَّبْسُ (خلط الحقّ بالباطل فأنت فى لبس من الحقِّ) فَاحْذَر الشُّبُهَة وَ اشتِمَالَهَا (شمول تلک الشبهة للناس) عَلَي لُبسَتِهَا (إلتباسها) فَإِنّ الفِتنَةَ (الّتى تثيرها) طَالَمَا أَغْدَفَتْ (أرخت سدلت)

ص: 383

جَلَابِيبَهَا (على القلوب فلا تدرك الحقّ من الباطل) و أغْشَت (أعمت) الْأَبْصَارَ ظَلَمَتُهَا وَ قَدْ أتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفَانينَ (ضروب و طرائف) مِنَ الْقَوْلِ ضَعُفَتْ قُوَاهَا (قدرة تلك الأفانين) عَنِ السّلم (بل فيه رائحة العداوة) وَ (ذو) أَسَاطِيرَ لَمْ يَحُكْهَا (ينسج تلك الأفانين) مِنكَ عِلمٌ وَ لَا حِلمٌ (بل نسجتها بغير علم و حلم) أصْبَحْتَ (صرت) مِنهَا (تلك الأفانين و الأساطير) كَالْخَائض (الغائص) في الدَّهَاسِ الأرض الرخوة الّتى ليست ترابا و لا رملا و لكن منهما فيعسر عليها السير) وَ (صرت ك) الخَابِطِ (السائر على غير الطريق) في الدِّيمَاسِ (المكان المظلم) وَ تَرَقّيتَ (علوت) إِلَى مَرقَبَة (مكان عال) بَعِيدَة الْمَرَامِ (المقصد) نَازِحَة (بعيدة) الْأَعْلَامِ تَقْصُرُ - دُونَهَا (عند تلك المرقبة) الأنُوقُ (الطير أصلع الرأس أصفر المنقار) و يُحَاذَى (يقابل) بها (تلک المرقبة) العيوقُ (و هو نجم أحمر مضىء) و حَاشَ لِلّهِ أَن تلَيِ لِلمُسلِمِينَ بَعْدي صَدْراً (لإصدار الأمور إليك) أو (تلى) ورداً (لورود الأمور إليك) أو أجْرِيَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ عَقْداً أو عَهْداً فَمنَ الْآنَ فَتَدَارَكَ نَفْسَكَ (بتدارک ما فات منک من العمل بالحقّ) وَ انظُر (تأمّل) لَهَا فَإِنَّكَ إِنْ فَرطت (فى التدارك لنفسك) حَتَّى يَنْهَدَ (ينهض) إِلَيْكَ عِباد الله (الّذين هم أصحابي لقتالك) أرتجَتْ (أغلقت) عَلَيْكَ الْأمورُ (و ضاقت و صعبت علیک) وَ مُنِعتَ بتفریطک للتدارك) أمراً هُوَ مِنْكَ الْيَوْمَ (فى الدنيا) مَقبولّ (من التوبة فعليك بالتوبة و الإستعداد للموت قبل حلول الفوت) وَ السّلَامُ.

66-و من كتاب له علیه السَّلام إلى عبد الله بن العباس و قد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية:

أمَّا بَعْدُ فَإنَّ المَرءَ لَيَفْرَحُ (يسر) بِالشَّيء الّذي لَمْ يَكُنْ لَيَفُوتَهُ (من رزقه و هو الرزق الطالب له) وَ يَحْزَنُ عَلَى الشَّيء الّذي لَم يَكُن لِيُصِيبَهُ (يدركه من الرزق و هو الرزق المطلوب منه) فَلَا يَكُنْ أَفضَلَ مَا نِلتَ (أدركته) فِي نَفسِكَ (عندك) منْ دُنْيَاكَ بُلُوغ (وصول، إدراك) لَذّةٍ أَو شِفَاءُ غَيظٍ وَ لكنْ (ليكن أفضل ما نلت من دنياك) إِطفَاءُ بَاطِلٍ أَو إِحيَاءُ حَقّ وَ ليَكُن سُرُورُكَ

ص: 384

بما قَدَّمْتَ (من إطفاء الباطل أو إحياء الحقّ) وَ (لیکن) أَسَفُك (حزنك) عَلَى مَا خَلَفْتَ (من المال للوارثين) وَ (ليكن) هَمّكَ (قصدك) فِيمَا بَعدَ المَوتِ (بإحياء الحقّ وَ إطفاء الباطل و بالزهد في الدنيا و عدم الفرح لما أدركته و عدم الأسف على ما فاتك منها).

67-و من كتاب له علیه السَّلام إلى قتم بن العباس و هو عامله على مكة:

أما بعدُ فَأَقِمْ ِللنَّاسِ الْحَج (بإقامة أسبابها) و ذَكَّرهُم بِأَيَّام الله (الّتي وقعت فيها مهمّات الأمور من آثار رحمته تعالى أو غضبه) وَ اجْلِسٌ لَهُمُ الْعَصْرَينِ (الغداة و العشى البردين) فَأَفْت (أجب) الْمُسْتَفْتِي (الطالب للفتوى و الحكم) وَ عَلمِ الجَاهِلَ وَ ذَاكِرِ العَالِمَ وَ لَا يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلَّا لِسَانُكَ وَ لَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهَكَ وَ لَا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَنْ لِقَائِكَ بِهَا (الحاجة) فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ (دفعت، طردت تلك الحاجة) عَنْ أَبْوَابِكَ (و لم تقضها) ففِي أَوّلِ وِردِهَا (بدء ورود تلك الحاجة) لَم تُحمَد فِيمَا بَعدُ (وردها فى أوّل الوقت) عَلَى قَضَائِهَا (لتأخيرك القضاء عن أوّل الوقت فلا يكون القضاء منك حينئذ هنيئا لأنّ في تعجيل القضاء للحوائج هناءة و حلاوة) وَ انْظُرْ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللهِ فَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ (عندك) مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ وَ (ذوى) الْمَجَاعَةِ (الجوع) مُصِيباً (مدركا أنت) بَه (ذلك المال) مَواضعَ الْفَاقَة (الحاجة الفقر) وَ الْخَلَّات (الحاجات) و ما فَضَلَ (زاد) عَنْ ذلكَ (الصرف لمن عندك فَاحْمِلَهُ إِلَيْنَا لَنَقْسمهُ فيمَنْ قَبلَنَا (من ذوى العيال و المجاعة) و مُر أَهْلَ مَكَّةَ أَلَّا يَأخُذُوا مِنْ سَاكِنِ (فى مكّة لمناسك الحجّ) أجراً فَإِنَّ اللَّهَ سُبحَانَهُ يَقُولُ سَواءِ الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبَادِ فَالْعَاكِفُ (هو) الْمُقِيمُ بِهِ وَ الْبَادِي (هو) ألّذِي يَحُجّ (يسعى) إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَفّقَنَا اللّهُ وَ إِيّاكُم لِمَحَابّهِ (مواضع محبته من الصالحات) وَ السّلَامُ.

68-و من كتاب له علیه السَّلام إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّة لَيْنْ مَسْهَا قَاتل سَمُهَا فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُّكَ فِيهَا (من

ص: 385

زخارفها) لِقِلّةِ مَا يَصحَبُكَ (صحبتك) منْهَا وَ ضَعْ (دع) عَنْكَ هُمُومَهَا (بإشتغال قلبك عنها و صرفه إلى العقبى) لِمَا أَيْقَنْتَ به مِنْ فِرَاقِهَا وَ تَصَرف (تقلب) حَالَاتِهَا وَ كُنْ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا أَحْذَرَ (أخوف) مَا تَكُونُ مِنْهَا (أى أنس حالاتك بالدنيا لابد أن يكون أحذر الحالات منها فكن منها في شدّة الحذر) فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ (سكن) فِيهَا إِلَى سُرُورِ أَشْخَصَتْهُ (أذهبته الدنيا) عَنْهُ (ذلك السرور) إلَى مَحذُورٍ (مخوف و هو فراق کلّ سرور) أو (كلمّا إطمئنّ) إِلَي إِينَاسٍ (أنس بشيء من الدنيا) أَزَالَتْهُ عَنْهُ إِلَي إِيحَاشٍ (وحشة من فراقها) وَ السّلَامُ

69-و من كتاب له علیه السَّلام إلى الحارث الهمداني:

وَ تَمَسّك بِحَبلِ القُرآنِ وَ استَنصِحهُ (خذه ناصحا) و أحلَّ حَلَالَهُ و حَرم حَرَامَهُ وَ صَدْقُ بِمَا سَلَفَ (مضى) منَ الْحَقِّ (ممّا جرى على ألسن رسله تعالى) وَ اعتَبِر بِمَا مَضَي منَ الدُّنْيا لمَا بقي مِنهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً وُ آخِرهَا (الباقى) لَاحِقٌ بِأَوّلِهَا (الفاني) وَ كُلّهَا حَائِلٌ (زائل) مُفَارِقٌ وَ عَظْمِ اسْمَ الله أنْ تَذْكُرَهُ (تحلفه) إِلّا عَلَي حَقّ وَ أَكثِر ذِكرَ المَوتِ وَ مَا بَعدَ المَوتِ (من أهوال البرزخ و القيامة) وَ لَا تَتَمَنْ الْمَوتَ (بوقوع نفسك في المهالك) إِلَّا بِشَرط وَثِيقٍ (حجّة قاطعة) وَ احْذَرُ كُلَّ عَمَلِ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفسِهِ (لملائمته النفس) وَ يُكْرَهُ (ذلك العمل) لِعَامّةِ المُسلِمِينَ (لأنّه خلاف العقل حيث يكون ملائما للنفس) وَ احْذَرْ كُلَّ عَمَلِ يُعْمَلُ بِه فِي السِّر - وَ يُستَحَي مِنهُ فِي العَلَانِيَةِ (الكراهة العامّة من المسلمين) وَ احْذَرُ كُلَّ عَمَلِ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبَهُ (عامله) أَنْكَرَهُ أَوْ اعْتَذَرَ (صاحبه) منْهُ (لقبحه) وَ لَا تَجْعَلْ عرْضَكَ غَرَضاً (هدفا) لِنَبالِ (سهام) الْقَوْلِ وَ لَا تُحدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ (التحديث) كَذِباً وَ لَا تَردَّ عَلَى النَّاسِ كُلَّ مَا حَدِّثُوكَ بِه فَكَفَى بِذَلكَ (الردّ) جهلا (لأنّ فيما حدّثوك حقا أو محتملا له فإذا رددته علم أنّک جاهل بالحقِّ) وَ اكْظمِ الْغَيْظ و تَجاوَزْ (عن الناس) عندَ الْمَقْدَرَة (القدرة على الإنتقام وَ احلُم عِنْدَ الْغَضَبِ وَ اصْفَح (أعرض) مَعَ الدَّولة (السلطة) تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ (المحمودة) وَ اسْتَصْلِحُ (اطلب الصلاح في) كُلّ نِعمَةٍ أَنعَمَهَا اللّهُ عَلَيكَ (بصرفها في موقعها و هذا هو حقيقة الشكر)

ص: 386

وَ لَا تُضَيّعَنّ نِعمَةً مِن نِعَمِ اللّهِ عِندَكَ (بصرفه في غير موضعه و هذا هو حقيقة الكفران) وَ ليُرَ عَلَيْكَ أَثرُ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِه عَلَيْكَ (بأداء حقّه تعالى عند تلك النعم كلّها و ليس الشكر لنعمه تعالى إلّا الإستعانة بها للوصول إلى اللولاية فما من نعمة إلا أنّها خلقت لأجلها) وَ اعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةَ (بذلا ، إنفاقا) مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ فَإِنَّكَ مَا تُقَدِّم مِنْ خير(ليوم فاقتك عند العرض على الله) يبقَ لَكَ ذُخْرَهُ وَ مَا تُؤَخِّره (من مالك للورثة) يَكُنْ لغَيركَ خَيْرُهُ وَ احْذَرْ صَحَابَة مَنْ يَقيلُ (يضعف) رأيهُ وَ يُنْكَر عَمَلُهُ فَإِنَّ الصّاحِبَ مُعتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ (لأنّ طبعه يأخذ الآداب من طبعه و هو لا يعلم) وَ اسْكُنِ الأمصَارَ (المدائن) الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِماعُ الْمُسْلِمِينَ (ففيها تقوم السنن و الآداب) و احْذَرْ مَنَازِلَ الغَفْلَة (كالأسواق) وَ الْجَفَاء (خشونة العيش كسوء الخلق) وَ قِلّةَ الأَعوَانِ عَلَي طَاعَةِ اللّهِ وَ اقصُر رَأيَكَ عَلَي مَا يَعنِيكَ (يفيدك) وَ إِيّاكَ وَ مَقَاعِدَ (مواضع القعود فى) الأسواق فَإِنَّهَا مَحاضر (مواضع حضور) الشَّيطانِ (فينسى ذكر الله) وَ مَعَارِيضُ (مواضع عرض) الفتَنِ وَ أكثر أنْ تَنظُرَ إِلَى مَنْ فُضْلتَ عَلَيْهِ (من الفقراء و المرضى) فَإِنَّ ذلك (النظر إلى المفضول) مِنْ أَبْوَابِ الشَّكْرِ وَ لَا تُسَافِر فِي يَومِ جُمُعَةٍ حَتّي تَشهَدَ الصّلَاةَ إِلّا فَاصِلًا (خارجا من مدينتك ذاهبا) فِي سَبِيلِ اللّهِ أَو فِي أَمرٍ (مهم)تُعذَرُ بِهِ (عند الله) وَ أطِع اللهَ فِي جَمِيع أُمُورِكَ فَإِنَّ طَاعَةِ اللهِ فَاضِلَهُ عَلَى مَا سِوَاهَا وَ خَادِعْ (ماكر) نَفْسَكَ فِي العِبَادَة وَ ارْفُقْ بِهَا وَ لَا تَقْهَرهَا (تغلبها تكسرها) و خُذْ عَفُوهَا (وقت فراغها) وَ نَشَاطَهَا (للعبادة) إِلَّا مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الفَرِيضَة فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَ تَعَاهُدِهَا (تداركها) عِنْدَ مَحَلَّها (و إن لم يكن لك نشاط) وَ إِيَّاكَ أَنْ يَنزِلَ بِك الموتُ و أنْتَ آبِقٌ (فار) مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَ إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَة الفُسّاقِ فَإِنَّ الشَّرِ بِالشِّرَ مُلحَقٌ وَ وَقّرِ (عظم) اللَّهَ وَ أَحبِب أحبَاءَهُ وَ احذَرِ الغَضَبَ فَإِنّهُ جُندٌ عَظِيمٌ مِن جُنُودِ إِبلِيسَ وَ السّلَامُ.

70-و من كتاب له علیه السَّلام إلى سهل بن حنيف الأنصاري و هو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية:

ص: 387

أَمّا بَعدُ فَقَد بلَغَنَيِ أَنّ رِجَالًا مِمّن قِبَلَكَ (عندك من الأمراء) يتسلَّلُونَ (يذهبون واحدا بعد واحد خفية) إلَى مُعَاوِيَة فَلَا تَأْسَفُ (تحزن) عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَ (على ما) يَذْهَبُ عَنكَ (يتركك) منْ مَدَدِهِم (نصرتهم إيّاك) فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً (ضلالا إذ خرجوا من عزّ الطاعة و دخلوا في ذلّ المعصية) وَ (كفى) لَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فَرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَ الْحَقِّ وَ (كفى لهم غيّا و لك شافيا) إِيضَاعُهُمْ (إسراعهم) إِلَى الْعَمَى وَ الْجَهْلِ فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَ مُهْطِعُونَ (مسرعون) إِلَيْهَا وَ قَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ (من قولى و فعلى) وَ رَأَوهُ وَ سَمِعُوهُ وَ وَعَوهُ (حفظوه) وَ عَلِمُوا أَنّ النّاسَ عِندَنَا فِي الحَقّ أُسوَةٌ (سواء لا فضل لأحد على أحد) فَهَربوا (من عدلى) إلى الأثرة (إختصاص النفس بالمنفعة) قبعْداً لَهُمْ وَ سُحقاً (بعدا عن رحمة الله) إِنَّهُمْ وَ اللَّهِ لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَورِ (ظلم منّى) وَ لَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلِ (من معاوية) وَ إِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هَذَا الأمرِ (من لحوق القوم بمعاوية) أَنْ يُذَلَّلَ اللهُ لَنَا صَعْبَهُ (من القلة في العدد و المدد و من الكثرة لهم فيهما) وَ يُسَهّلَ لَنَا حَزنَهُ (خشنه) إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ السَّلَامُ.

71-و من كتاب له علیه السَّلام إلى المنذر بن الجارود العبدي و خان في بعض ما ولّاه من أعماله:

أَمّا بَعدُ فَإِنّ صَلَاحَ أَبِيكَ (و هو من أمارات الصلاح للإبن) غرَنّيِ مِنكَ (بأن أظن فيك الخير و الصلاح) وَ ظَنَنْتُ (بتلك الأمارة التى هى حجّة شرعيّة من الله علينا) أَنَّكَ تَتَّبِعُ (تقتدى) هَدْيَهُ (سبيله) وَ تَسْلُكُ سَبِيلَهُ فَإِذَا أَنتَ فِيمَا رقُيّ (رفع) إِلَي عَنْكَ (من الأخبار الواصلة) لَا تَدَعُ (تترك) لِهَوَاكَ انْقِيَاداً (إطاعة) وَ لَا تبُقيِ لِآخِرَتِكَ عَتَاداًً (عدّة) تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابٍ أحْرَتِكَ وَ تَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ (بالمخالفة لإمامك) وَ لَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ (من الخيانة في بيت المال) حقّاً لجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ (حبل) نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ وَ مَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ (الَّتِي و صفتها) فَلَيْسَ بِأَهْلِ أَنْ يُسَدَّ (يمنع) بِهِ ثَغرٌ (حصن من حصون البلاد) أَو يُنفَذَ (يمضى) بِهِ أَمرٌ (من أمور الوالى عليك) أو يُعلَى لَهُ (أى لأجله و لوجوده) قَدْر (منزلة للوالى و حكومته)

ص: 388

أو يُشْرَكَ في أَمَانَة أَو يُؤْمَنَ (يجعل أمينا) عَلَي جِبَايَةٍ (جمع خراج) فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

قال الرضي: و المنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين علیه السَّلام: إنّه لنظّار في عطفيه مختال في برديه تقاّل في شراكيه

72-و من كتاب له علیه السَّلام إلى عبد الله بن العباس:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِسَابِقِ أَجَلَكَ (المسّمى عند الله) وَ لَا (لست ب) مَرْزُوقِ مَا لَيْسَ لَكَ (ممّا لم يقدّر الله لك من الرزق) و اعْلَم بِأَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ يَومٌ لَكَ (موافق لما تريد) وَ يَومٌ عَلَيكَ (مخالف له) وَ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَلِ (تتداول من يد إلى يد) فَمَا كَانَ (وقع) مِنهَا (في علم الله) لَكَ (من الرزق) أَتَاكَ عَلَي ضَعفِكَ (و لن يفوتك رزقك و هذا هو الرزق الطالب) وَ مَا كَانَ منْهَا عَليك (من إدبار الرزق) لَم تَدفَعهُ بِقُوّتِكَ (و هذا هو الرزق المطلوب) .

73-و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ (الإقدام العزم) فِي جَوَابِكَ وَ الِاستِمَاعِ إِلَي كِتَابِكَ (المرسل إلى) لَمُوهُنَّ (مضعف) رأَييِ (فى مقام العمل لا فى مقام النظر حيث لا يؤثّر جوابی فیک و لا يقع ما أريد) وَ (إِنِّي) مُخَطَّيٌّ فرِاَستَيِ (صدق ظنّى فى الكتابة إليك و إنمّا الأولى عند كتابك السكوت إلّا أن الضرورة تدعوني إلى جوابك لئلّا يضلّ بکتابک الناس) وَ إِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي (تطلبنى بالحيلة) الْأُمُورَ (كولاية الشام و تسليم قتلة عثمان) وَ تُرَاجِعُني السطُورَ (بکتابک) كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ (الّذى لا يستيقظ) تَكْذبُهُ أَحْلَامُهُ (فتجد في نومك شيئا فإذا إنتبهت وجدت الرؤيا كاذبة فطلبك إلى الشام كالرؤيا الكاذبة لا تعبير لها) وَ (أنت ك) الْمُتَحَیر الْقَائِمِ يَبهَظُهُ (يثقله) مَقَامُهُ (من الحيرة) لَا يَدْرِي (يعلم) أ لَهُ مَا يَأْتِي (من الأمور) أم عَلَيْه وَ لَسْتَ بِهِ (المتحيّر) غَيْرَ أَنَّهُ (المتحيّر) بِكَ شَبيه (بل أنت عالم لا ينفعه علمه فقتله جهله) وَ

ص: 389

أقسم بالله إِنَّهُ لَو لَا بَعضُ الِاستِبقَاءِ (الإبقاء لك مدّة إلى أجلك) تَوَصَلَتْ إِلَيْكَ مِنِّي قَوَارِعُ (مصائب قارعة، دواهي) تَقْرعُ (تصدم فتكسر-) العَظمَ وَ تَهْلِسُ (تذيب) اللَّحْمَ وَ اعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ نَبطَكَ (أقعدك) عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أمورك (و هو إصلاح آخرتك) وَ (أن) تَأْذَنَ (تسمع بالأذن) لِمَقَالِ نَصِيحَتِكَ (إذا نصحتك) وَ السّلَامُ لِأَهلِهِ

74-و من حلف له علیه السَّلام كتبه بين ربيعة و اليمن و نقل من خط هشام بن الكلبي:

هَذَا (الحلف) مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أهْلُ الْيَمَنِ حَاضِرُهَا (ساكنها) و بادِيهَا (المتردّد فيها) وَ (ما إجتمع عليه قوم) رَبِيعَة حَاضِرهَا وَ بَادِيهَا (ب) أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ اللهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ وَ يَأْمُرُونَ بِه و يُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَ أَمَرَ بِه لَا يَشْتَرُونَ بِه (بدله) تَمَناً وَ لَا يَرْضَوْنَ بِهِ بَدَلا و (ب) أَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذلك (الحلف) وَ تَرَكَهُ (و بأنّهم) أَنصَارٌ بَعضُهُم لِبَعضٍ دَعوَتُهُم وَاحِدَةٌ لَا يَنقُضُونَ عَهدَهُم لِمَعتَبَةِ (عتاب، غيظ) عَاتِبٍ (مغتاظ) وَ لَا لِغَضَبِ غَاضِبٍ وَ لَا (ينقضون عهدهم) لِاسْتِدْلَالِ قَوْمٍ قَوْماً وَ لَا لِمَسَبَةِ (لعن) قَوْمٍ قَوْماً عَلَى ذَلِكَ (الحلف يكون) شَاهِدُهُمْ و غَائِبُهُم وَ سَفِيهُهُم وَ عَالِمُهُم وَ حَلِيمُهُم وَ جَاهِلُهُم وَ جَاهِلُهُم ثُمَّ إِنَّ عَليهِم (أى على عهدتهم) بذلكَ (الحلف) عَهْدَ اللَّهِ وَ مِيثَاقَهُ إِنَّ عَهْدَ اللَّهِ كَانَ مَسْئُولًا وَ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طالب (ذلک الحلف المأخوذ عليه الميثاق من أهل اليمن و ربيعة).

75 و من كتاب له علیه السَّلام إلى معاوية في أول ما بويع له ذكره الواقدي في كتاب «الجمل»:

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبي سُفْيَانَ أمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتَ إِعْذارِي (إظهار عذرى و إحتجاجي) فيكُمْ (أهل الشام) وَ إِعْرَاضِي عَنْكُمْ حَتَّى كَانَ (وقع) مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَ لَا دَفْعَ لَهُ (من قتل عثمان) وَ الْحَديثُ (فی ذلک) طَوِيلٌ وَ الْكَلَامُ كَثيرٌ وَ قَدْ أَدْبَرَ مَا أَدْبَرَ (من إختلاف الأمّة على الخلافة) و أقْبَلَ مَا أَقْبَلَ (من إجتماعهم حولى) فَبَايِعٌ مَنْ قَبلَكَ (عندک) و

ص: 390

أقْبِلْ إِلَيَّ فِي وَقْد (جمع واردين علىّ) مِنْ أَصْحَابِكَ (للبيعة) وَ السّلَامُ.

76-و من وصيّة له علیه السَّلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة:

سَع النَّاسَ بِوَجْهِكَ (بطلاقته) و (ب) مجلسك (بالإكرام لهم) و حُكْمِك (بالعدل فيهم) وَ إِيَّاكَ وَ الْغَضَبَ فَإِنَّهُ طَيْرَةٌ (فأل شؤم) منَ الشَّيْطَان وَ اعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَبَكَ منَ الله (من الصالحات) يُباعدُكَ منَ النَّارِ وَ مَا بَاعَدَكَ مِنَ الله (من السيئات) يُقَرِّبُكَ منَ النَّارِ.

77- و من وصيّة له علیه السَّلام لعبد الله بن العباس لمّا بعثه للاحتجاج على الخوارج:

لَا تُخَاصِمهُم (تجادلهم، تحازبهم ، تشاققهم، تشاجرتم) [لا تخاصمهم] (تتنازعهم، تتشاحنهم تتنافرهم) بالقُرْآنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ (لمعان كثيرة) ذُو وُجُوه (إلى الحقّ و الباطل لما فيه من المحكم و المتشابه و العامّ و الخاص و المطلق و المقيد و الناسخ و المنسوخ) تَقُولُ (بوجه منها) و يَقُولُونَ (بوجه آخر منها) و لكنْ حَاجِجهُم بِالسُّنَّةِ (من رسول الله صلى الله عليه و آله) فَإِنَّهُم لَنْ يَجِدُوا عَنها مَحيصاً (مهربا، لما فيها من الصراحة و التبيين لوجوه القرآن).

78 -و من كتاب له علیه السَّلام إلى أبي موسى الأشعري جوابا في أمر الحكمين، ذكره سعيد بن يحيى الأموي في كتاب «المغازي»:

فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَغَيّر كَثِير مِنهُمْ (بأعمالهم) عَنْ كَثِيرٍ مِنْ حَظِّهِمْ (في الدنيا و الآخرة) فَمَالُوا (إنحرفوا) مع الدُّنْيا (حيثما مالت فصاروا عبدا لها و لمن فى يده شيء منها) وَ نَطَقُوا بِالْهَوَى (لميلهم إلى الدنيا) و إنِّي نَزَلتُ منْ هَذَا الْأَمْرِ (الحكميّة أو الخلافة) مَنزِلًا مُعجِباً اجتَمَعَ بِهِ (ذلك الأمر) أقوام أعجبتهُم أَنفُسُهُم وَ أَنَا أدُاَويِ مِنهُم قَرحاً (جرحا أو فسادا في قلوبهم) أَخَافُ أَنْ يَكُونَ (ذلك القرح) عَلَقاً (دما غليظا جامدا) و لَيْسَ رَجُلٌ فَاعْلَمْ أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَة

ص: 391

أُمّةِ مُحَمّدٍ صلى الله عليه و آله و أُلفَتِهَا منِيّ أبَتغَيِ (أطلب) بِذَلِكَ (الحرص على إجتماع أمّة محمّد صلّى الله عليه و آله) حُسنَ الثَّوابِ و كَرَمَ الْمَآبِ (المرجع الكريم) وَ سَافِي بِالَّذِي وَ أَيتُ (وعدت) عَلَى نَفْسِي (من مداواة القرح) وَ إِنْ تَغَيرتَ (يا أبا موسى الأشعرى) عَنْ صَالِحٍ مَا فَارَقْتَنِي عَلَيْهِ (من البيعة لى و الإقرار بولايتى) فَإِنَّ الشَّقِيّ (المتغيّر عن الصالح) مَنْ حَرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْعَقْلِ وَ التَّجْرِبَةِ وَ إِنِّي لَأَعْبَدُ (أغضب) أنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِبَاطِلِ وَ أَنْ أَفْسِدَ أَمْراً قَدْ أَصْلَحَهُ اللهُ فَدَعْ (اترك) مَا لَا تَعْرِفُ فَإِنْ شَرَارَ النَّاسِ (كعمرو بن العاص) طائرُونَ (مسارعون،سائرون) إِلَيْكَ بِأقَاوِيلِ السُّوء (ليخدعوك و یغیّروک علی) وَ السّلَامُ.

79 -و من كتاب كتبه علیه السَّلام لمّا استخلف إلى أمراء الأجناد:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ (من الأمراء الماضين) أنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرُوهُ (إبتاعوا الحقّ بالرشوة حيث إنّ الحقّ لا يترك بل لابد أن يؤخذ) وَ أَخَذُوهُم (كلّفوا الناس) بالباطل (حيث إنّه ليس بعد الحقّ إلّا الباطل فإذا منعوهم من الحق أدخلوهم في الباطل) فَاقْتَدَوهُ (صار الباطل قدوة للناس فاتّبعوه فأخذ الباطل زمامهم فأهلكهم جمعيا).

ص: 392

الحکم

ص: 393

ص: 394

1-قَالَ علیه السَّلام: كُنْ في الفتنة (و هى الحوادث الّتى لا يدرى فيها وجه الحقّ عن الباطل (لإمتزاج الحقّ و الباطل فهنالك يستولى الشيطان على أوليائه) كَابْنِ اللَّبون (الناقة إذا إستكمل سنتين و دخل في الثالثة فإنّه) لَا ظَهرٌ (له) فَيُركَبَ (عليه) وَ لَا ضَرْعٌ (له) فَيُحْلَبَ (أى: لا ينتفع من فوقه من الناس بالركوب عليه و لا من دونه منهم بالإنتفاع من حليبه فيسير في الفتن آمنا منها الى منجاة أو لا ينتفع منه اليمين و لا الشمال من الطرق المتشعّبة بل يسير سيرا مستقيما خالصا عن الإفراط و التفريط)

2- وَ قَالَ علیه السَّلام: أَزْرَى بِنَفْسه (حقّرها) مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَع (جعله شعارا أي جعله خلقا ملاصقا له) وَ رَضِيَ بِالذُّلُّ (الهوان) مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرّه (فقره و إبتلائه عند الناس) وَ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَرَ عَلَيْهَا لسَانَهُ (جعله على نفسه أميرا فيكون في وثاق لسانه و زمامه).

3- وَ قَالَ علیه السَّلام: الْبَخْلُ عَارٌ (ذلّ، رذيلة) وَ الجُبنُ مَنقَصَةٌ (نقص) وَ الْفَقْرُ يُخْرِسُ (يصمّ) الْفَطنَ (و هو ذوحدّة فى الذهن) عَنْ حُجّتِهِ (لأنّه لا تقع حجّته في النفوس) وَ المُقِلّ (الفقير) غَرِيبٌ فِي بَلدَتِهِ (لأنّه لا يتوجّه إليه الناس).

4 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الْعَجْرُ آفَةً وَ الصّبرُ (بأقسامه الثلاثة) شَجَاعَةُ وَ الزّهْدُ (فى الدنيا بإنصراف القلب منها إلى الله) ثَروَةٌ وَ الوَرَعُ (الإجتناب عن المشتبهات) جُنّةٌ (وقاية من الولوج فى المحرمات ثم الدخول فى النار) وَ نِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى (من الله تعالى و ما أنزل على عبده من المصائب).

5- و قال علیه السَّلام : الْعِلْمُ ورَاتَهُ كَرِيمَةٌ (ثمينة أصيلة) وَ الآدَابُ (و هي قوالب الأعمال) حُلَلٌ (ألبسة فاخرة) مُجَدَّدَةٌ (حديثة أنا فأنا لا نفاد لها) وَ الفِكرُ مِرآةٌ صَافِيَةٌ (فمن تفكر يكشف له فى فكره الحقائق).

ص: 395

6-و قال علیه السَّلام: صَدْرُ الْعَاقل صُنْدُوقُ سره (لا يتجاوز سرّه عنه) وَ الْبَشَاشَة (الطلاقة في الوجه) حِبَالَهُ (آلة صيد) الْمَوَدَّة (المحبة من الغير) وَ الِاحتِمَالُ (الصبر عند الجهلة) قَبرُ العُيُوبِ (للحليم و الجاهل كليهما).

و رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِبَارَة عَنْ هَذَا المَعنَي أَيضاً المَسأَلَةُ خِبَاءُ (خفاء) الْعُيوبِ و مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسه (بالعجب) كَثُرَ السّاخِطُ (المغضب) عَلَيه.

7- وَ قَالَ علیه السَّلام: الصّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنجِحٌ (قاض للحوائج موفّق، موجب للظفر) وَ أَعمَالُ العِبَادِ (و لو كانت مثقال ذرّة) فِي عَاجِلِهِم (حاضرهم فى هذه الدنيا) نُصبُ (منصوب على) أَعيُنِهِم فِي آجَالِهِم (غائبهم فى الآخرة و هذا هو الّذى سمّى بتجسّم الأعمال).

8-وَ قَالَ علیه السَّلام: إعْجَبُوا لِهَذَا الْإِنْسَانِ (و تحيّروا بما جعل الله فيه حيث) يَنْظُرُ بِشَحْمِ (و هو العين) وَ يَتَكَلّمُ بِلَحمٍ (و هو اللسان) وَ يَسمَعُ بِعَظمٍ (و هو الأذن) وَ يَتَنفُسُ مِنْ خَرْم (ثقب الأنف، و فيها من أدلّة قدرته و حكمته و تدبیره تعالى ما لا يخفى على ذوى الألباب).

9 - وَ قَالَ علیه السَّلام : إذَا أَقْبَلَت الدُّنْيَا عَلى أحد (بإجتماع الأسباب له) أَعَارَتْهُ مَحاسنَ غَيْرِه (ممّا يعدّ لصاحبه حسنا و جمالا من الجاه و العزّة عند الناس) و إذَا أُدْبَرَتْ (الدنيا) عَنهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسه (ممّا له من الحسن و الجمال و العزّة أى: إنّ الدنيا إذا أقبلت على أحد زيّنت صاحبها لما فيها من الزينة من المال و البنون و إذا أدبرت عنه سلبته ما كان له من قبل من الكمالات حيث إن حبّ الدنيا رأس الخطيئات فتغرّ وتضرّ و تمرّ و إنّ الدنيا ملبسة نزوع تلبس محاسن الغير لمن أقبلت عليه و تنزع عنه تلك المحاسن و ما له من محاسن نفسه).

10- وَ قَالَ علیه السَّلام: خالطوا (راودوا) النَّاسَ مُخَالَطَةً (مراودة) إِنْ مِتُّم مَعَهَا (تلك المخالطة) بكوا عَلَيْكُمْ وَ إِنْ عِشتُم حَنَّوا (رغبوا) إِلَيْكُم (لما فيكم من المنفعة لهم).

11- وَ قَالَ علیه السَّلام: إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوكَ) (و المراد هنا من كان بينه و بينك حقد و ضغن من المؤمنين) فَاجعَلِ الْعَفْو عَنهُ (بدل الإنتقام شُكراً (لله تعالى) لِلقُدرَةِ عَلَيهِ (و قوله

ص: 396

علیه السَّلام «فاجعل العفو ...» قرينة على أنّ العدوّ هنا ما قلنا لأنّ العفو عن أعداء المؤمنين الّذين يحاربونهم هو من إختيارات الإمام علیه السَّلام).

12 - وَ قَالَ علیه السَّلام: أَعْجَز النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسابِ الْإِخْوَانِ (من المؤمنين) وَ أَعْجز مِنْهُ (العاجز عن إكتساب الإخوان) مَنْ ضَيعَ مَنْ (أخاه الذى) ظَفِرَ (فاز) بِهِ مِنهُم (الإخوان أو الناس).

13 - وَ قَالَ علیه السَّلام : إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ (من الله تعالى) أَطرَافُ (أوائل) النَّعَمِ فَلَا تُنفّرُوا (تدفعوا عنكم) أَقْصَاهَا (أواخرها) بقلَّة الشَّكْرِ (لأنّ الشكر يزيد النعم).

14 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ ضَيْعَهُ الْأَقْرَبُ (ممّن يتوقع منهم النصرة) أتيحَ (قدّر) لَهُ الْأَبْعَدُ (فينصره الله تعالى بمن لم يتوقّع منه النصرة، أو يضرّه الأبعد حيث ضيعه الأقرب).

15 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَا كُلُّ مَفْتُونِ (واقع فى الفتنة) يُعاتَب (يلام، يطلب منه الرضا لما في بعض الفتن من شدّة الخفاء للحقّ بحيث لا يدرى و لا يكلف الله نفسا إلّا وسعها).

16-و قَالَ علیه السَّلام: تَذلُّ الْأمور للمقادير (الّتى جعلها الله تعالى للأمور قدرا معلوما فلا يتجاوز شيء عن ذلك القدر المعلوم) حَتَّى يَكُونَ الْحَتفُ (الهلاك) فِي التّدبِيرِ (حيث لا يطابق مقادیره تعالى)

17 - وَ سُئِلَ علیه السَّلام عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ صلّى الله عليه و آله: غَيْرُوا الشَّيْبَ (بالخضاب) وَ لَا تَشَبّهُوا بِاليَهُودِ (الّذين لا يغيرون شيبهم)، فَقَالَ علیه السَّلام: إنّما قَالَ صلّى الله عليه و آله ذلكَ (التغيير في الشيب) وَ الدِّينُ (ناصروه) قُلْ (قليل) فَأَما الآنَ وَ قَد اتَّسَعَ نطاقُهُ (الحزام العريض و هو كناية عن العظمة و الإنتشار للدين) وَ ضَربَ (الدين) بجرانه (مقدّم عنق الدين كما ضرب البعير بجرانه حين إستقراره على الأرض) فَامرُؤٌ وَ مَا اختَارَ (من تغيير الشيب و عدمه. و هذا الكلام يشير إلى تأثير الزمان في الاجتهاد).

18 - وَ قَالَ علیه السَّلام في الَّذِينَ اعْتزلوا (إجتنبوا عن الْقِتَالَ مَعَهُ (في الجمل): خَدَلُوا (لم ينصروا) الْحَقِّ لا بالقلب و لا باللسان و لا بالجوارح) و لَمْ يَنصُرُوا الْبَاطِلَ (في المعركة و

ص: 397

المقاتلة بالجوارح و إن كانوا ناصرين للباطل بوجه من الرضا بالقلب و القول باللسان).

19 - و قَالَ علیه السَّلام: مَنْ جَرَى في عنان (زمام) أملِهِ (و جعل زمامه بيده) عَثَرَ (سقط) بِأَجَلِهِ (فلا يتوقّف من التسويف حتّى يموت)

20-و قال علیه السَّلام: أقيلوا (إقالة العثرة: الرفع من السقطة) ذوي المروءات (و هم صاحبو الآداب الحسنة في مراعاة محاسن المجتمع عند العقلاء، صاحبو كمال الرجوليّة) عَثَرَاتِهِم (سقطاتهم) فَمَا يَعثُرُ (لا يسقط) منْهُمْ (ذوى المروآت) عَاثِرٌ (ساقط) إِلّا وَ يَدُ اللّهِ بِيَدِهِ يَرفَعُهُ (جزاء لمروأتهم)

21 - وَ قَالَ علیه السَّلام: قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ (الخوف من الله أو غيره) بالخيبة (الحرمان و عدم إدراكه) وَ (قُرن) الحَياء (من الله و من الناس) بالحرمان (من أمور من الخير أو الشر) وَ الْفُرْصَةُ (و هى ما لكم من الزمان بين العدمين عدم السابق وعدم اللاحق) تَمُرّ مَرّ السّحَابِ فَانْتَهِزُوا (إغتنموا) فُرَصَ الخَيرِ (فلا توقعوا أنفسكم في الخيبة بالهيبة و في الحرمان بالحياء فتمرّ الفرصة فتكون عليكم غصّة).

22 - و قَالَ علیه السَّلام: لَنَا (أهل البي) حَقّ (الإمارة على الناس) فَإِنْ أَعْطِينَاهُ (فذاك هو المراد) وَ إِلَّا (إن لم نعط الحقّ) رَكِبنَا أَعجَازَ الإِبِلِ (و العجز من الإبل هو موضع يركب عليه الأسير) وَ إِنْ طَالَ السّرى (و هي السير في الليل).

قال الرضي: و هذا من لطيف الكلام و فصیحه و معناه أنا إن لم نعط حقنا كنا أذلّاء و ذلك أن الرديف يركب عجز البعير كالعبد و الأسير و من يجري مجراهما.

23- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ أبطأ بِهِ (أخّره) عَمَلُهُ (و هو فى قبضته و إختياره) لَم يُسرِع بِهِ (لم يقدّمه) نَسَبَهُ (و أن ليس للإنسان إلا ما سعى).

24- وَ قَالَ علیه السَّلام: منْ كَفَّارَات الذَّنُوبِ العظام (الكبائر من الذنوب) إغاثة (إعانة، إمداد) الْمَلْهُوف (المظلوم المستغيث) وَ التّنفِيسُ (التفريج من الغمّ الّذى يأخذ النَفَس) عَنِ الْمَكْرُوب المغموم).

ص: 398

25 - وَ قَالَ علیه السَّلام: يَا ابْنَ آدَمَ إذا رأيتَ رَبِّكَ سُبحَانَهُ يتابعُ عَلَيْكَ (يعطيك متتابعا) نِعَمَهُ وَ أَنْتَ تَعْصيه (بالإهمال فى شكرها) فَاحْذَره (من أن يأخذك بغتة و أنت في حال عصيانه).

26- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَا أَضْمَر (لم يخف فى ضميره) أحَدٌ شَيْئاً إِلَّا ظَهَرَ (ما أضمره) في فَلَتات (ألفاظ تقع من غير تأمّل و تروّ على) لِسَانِهِ وَ صَفَحَاتِ وَجهِهِ (ظهورات صفحة الوجه).

27 - وَ قَالَ علیه السَّلام: امشِ بِدَائِكَ مَا مَشَي (الداء) بِكَ (و لا تعجل فى طلب الطبيب ما لم تضطرّ إليه).

28 - وَ قَالَ علیه السَّلام: أفْضَلُ (مقامات) الزّهد إخْفَاء الزّهد (عدم إظهاره بين الناس و الفرار من شهرته فكم من شهرة ليست إلّا شهوة).

29 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إذا كُنْتَ في إِدْبَارِ (من الدنيا بمضى العمر) وَ (كان) الْمَوْتُ فِي إِقْبَالِ (بمجىء الأجل) فَمَا أَسْرَعَ الْمُلْتَقَى (لقاء الله تعالى الإلتقاء بالآخرة و ما فيها من الأهوال و تجسّم الأعمال و ظهور ثمرات الأفعال).

30 - وَ قَالَ علیه السَّلام : الْحَذَرَ الْحَذَرَ (من صولة ربّ العالمين و أخذه بغتة) فَوَالله لَقَدْ سَتَرَ (قبائح الأعمال) حتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ (الله تعالى لك تلك الأعمال القبيحة).

31- وَ سُئِلَ علیه السَّلام عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: الْإِيمَانُ (بنى) عَلَى أربَعِ دَعَائمَ (أعمدة) عَلَى الصّبرِ وَ الْيَقِينِ و الْعَدْلِ وَ الْجِهَادِ و الصبر منها (تلك الدعائم الأربعة) عَلَى أَرْبَع شُعَبٍ عَلَى الشَّوْقِ (إلى الجنّة) وَ الشَّفَقِ (الخوف عن النار) و الزّهد (من الدنيا ) و التَّرَقُبِ (التوقّع للموت) فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةَ سَلَا (إنقطع، إستراح) عَنِ الشَّهَوَات وَ مَنْ أَشْفَقَ (خاف) مِنَ النَّارِ اجْتَنَبَ الْمُحَرمَاتِ وَ مَنْ زَهَدَ فِي الدُّنْيَا اسْتَهَانَ (إستصغر) بالمُصيبَات و مَنِ ارْتَقَبَ (توقع) الْمَوْتَ سَارَعَ إِلَى الخَيْرَاتِ وَ الْيَقِينُ مِنْهَا (الدعائم الأربعة) عَلَى أربع شُعَبٍ عَلَى تَبْصِرَةِ الفطنة (تكشف الحقيقة بالفطنة) وَ تَأَوّلِ الحِكمَةِ (كشف القناع عن دقائق العلم) وَ (على) مَوعِظَةِ (موجودة في) العِبرَةَ (لمن إعتبر بها) و (على) سُنّة الأولينَ (أحكام الأوّلين و أحوالهم الماضية)

ص: 399

فَمَنْ تَبَصْرَ (تعرف) في الفطَنَة تَبَيِّنَتْ (ظهرت) لَهُ (حقيقة) الحِكْمَةَ وَ مَنْ تَبَيِّنَتْ لَهُ الْحَكْمَهُ (بحقيقتها) عَرَفَ الْعِبْرَةَ (و مواضعها) وَ مَنْ عَرَفَ (مواضع) العبرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِينَ (و) هذا هو الإعتبار فمن عرف العبرة إعتبر بها و المعتبر هو الّذى عرف العبرة) و الْعَدْلُ منها عَلَى أربع شُعَبِ عَلَى غَائص الفهم (الفهم العميق) وَ غَور (باطن، عمق، سرّ) الْعِلْمِ، وَ زَهْرَةِ (نور، حسن) الحُكْمِ وَ رَسَاخَةِ (رسوخ، إتقان) الحلْمِ فَمَنْ فَهِم (غائصا) عَلِمَ غَورَ الْعِلْمِ عَلمَ غَور العلم صَدَرَ (رجع) عَنْ شَرائع (مواضع شرب) الْحُكْمِ (الحكمة و بلغ حقيقتها) وَ مَنْ حَلْمَ (عند الجهّال) لَمْ يُفَرِّط (يقصر) في أمره (لأنّ الحليم يباعد الجاهل و الجاهل مفرّط أو مفرط فالحليم لم يفرّط كما أنّه لا يفرط) وَ عَاشَ فِي النَّاس حميداً (عندهم) وَ الْجِهَادُ مِنْهَا (الدعائم الأربعة) على أربع شُعَب عَلَى الْأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ (كلّها عند مقاتلة الأعداء و عند الأمر و النهى) وَ شَنآن (بغض) الْفَاسقِينَ فَمَنْ أَمَرَ بالمعرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ أَرغَمَ (أذّل قهر) أَنُوفَ الْكَافِرِينَ وَ مَنْ صَدَقَ في المواطن قَضَى مَا عَلَيه (من الواجبات) وَ مَنْ شَنيَّ (أبغض) الْفَاسِقِينَ وَ غَضِبَ لله غَضِبَ للهُ لَهُ وَ أَرْضَاهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ. وَ الْكُفْرُ (كالإيمان) عَلى أَرْبَعِ دَعائِمَ عَلَى التَّعَمُّقِ (فى المعضلات و غوامض الأسرار بلا حجّة قاطعة من الله تعالى) وَ التَّازُعِ (المخالفة للحقّ) وَ اَلزَّیْغِ (الميل عن الحقّ إلى الهوى) وَ اَلشِّقَاقِ (العناد) فَمَنْ تَعَمَّقَ (في الأسرار من غير حجّة) لَمْ یُنْبْ (يرجع) إِلَى الْحَقِّ وَ مَنْ كَثرَ نزَاعُهُ (مخالفته للحقّ) بِالْجَهْلِ دَامَ عَمَاهُ عَنِ (رؤية) الْحَقِّ وَ مَنْ زَاغَ (مال عن الحقّ و قلب وجه قلبه فقد) سَاءَتْ عندَهُ الْحَسَنَةُ وَ حَسُنَتْ عِنْدَهُ السيئَةُ (فلا يتميّز الحقّ من الباطل بل صار الباطل عنده حقّا حسنا و الحقّ عنده باطلا قبيحا) وَ سَكرَ سُكْرَ الضَّلَالَة وَ مَنْ شَاقَ (عاند الحقِّ) وَ عُرَتْ (خشنت) عَلَيْه طرقُهُ (إلى وصول الحقّ) وَ أَعْضَلَ (إشتدّ) عَلَیْهِ أَمْرُهُ (فصعبت عليه الحقيقة) وَ ضَاقَ عَلَيْهِ مَخْرَجُهُ (من الفتن) وَ الشَّکُّ عَلَی أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَی التَّمَارِی (المجادلة لإظهار قوّة الجدل على الأقران) وَ الْهَول (الخوف من المواجهة للحقّ و الخوض في الغمرات لأجله، الهول ممّا سيأتي بغتة و هو لا

ص: 400

يدرى) وَ التَّرَدُّدِ (فى الرأى الصواب و عدم الثبات فيه) وَ الاِسْتِسْلاَمِ (لأمواج الحادثات و عدم الإستقامة للآراء المختلفة) فَمَنْ جَعَلَ الْمَرَاء (الجدال) دَيْدَنا (عادة له) لَمْ يُصْبِحُ لَيلُهُ (و بقى متحيّرا) وَ مَنْ هَالَهُ (أخافه) مَا بَیْنَ یَدَیْهِ (من الخوض في الغمراة للحقّ أو من إقبال ما لا يعلم) نَكَصَ (رجع) عَلیٰ عَقِبَیْهِ (القهقرى) وَ مَنْ تَرَدَّدَ فِی الرَّیْبِ وَطِئَتْهُ (داسته) سَنَابِکُ (أطراف حافر) الشَّيَاطِينِ وَ مَنِ اسْتَسْلَمَ لِهَلَكَة (الحوادث المهلكة في) الدُّنْيَا وَ الآْخِرَةِ هَلَکَ فِیهِمَا (و خسر خسرانا مبينا).

قال الرضي: و بعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الإطالة و الخروج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب.

32 - و قال علیه السَّلام: فَاعِلُ اَلْخَیْرِ (من الصالحات) خَیْرٌ (أفضل) مِنْهُ (الخير) وَ فَاعل الشّر - شَر منْهُ (لأنّ قوامهما بفاعلهما و لولاه لم يكونا)

33-و قال علیه السَّلام: كُنْ سَمحاً (سهلا في بذل المال) وَ لَا تَكُنْ مُبَذّراً (متلفا للنعم) وَ كُنْ مُقَدِّراً (مقتصدا) وَ لَا تَكُنْ مُقَتَراً (مضيقا على العيال و كن بين ذلك قواما بترك الإفراط التفريط).

34- وَ قَالَ علیه السَّلام: أَشْرَفُ أعلى مصاديق) الغنَى تَركُ الْمُنَى (الأمنية، لأنها تدعو إلى الفقر لما فيها من طلب الزيادة من الدنيا بالحرص الّذى لا يزيد صاحبه إلا فقرا و طلبا).

35 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ (بلا رويّة و تأمّل) بِمَا يَكْرَهُونَ قَالُوا فِيهِ بِمَا لَا يعلَمونَ (ينسبون إليه كلّ ما يسمعون من غير علم و ما لا يسمعون إفتراء عليه، و لعلّ المراد أنّ من أسرع إلى الناس بما يكرهون و لو كان حقّا قالوا فيه بما لا يعلمون حبّا لأنفسهم).

36- وَ قال علیه السَّلام: مَنْ أطالَ الأَمَلَ أَسَاء الْعَمَلَ (بترك العمل الواجب عليه فى اليوم و تأخيره إلى الغد إتكالا على الأمل).

37- وَ قَالَ علیه السَّلام: وَ قَدْ لَقِيَهُ عِنْدَ مَسِيرِه إِلَى الشَّامِ دَهَاقِينُ (زعماء الفلّاحين فى) الْأَنْبَارِ فَتَرَجلُوا (نزلوا عن الخيول مشاة) لَهُ وَ اشْتَدُوا (أسرعوا) بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ:

ص: 401

مَا هَذَا (الترجّل) و (الإشتداد) الَّذي صَنَعْتُمُوهُ (فعلتموه) فَقَالُوا خُلُق مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أَمَرَاءَنَا (لما هم أمراء علينا) فَقَالَ وَ الله مَا يَنتَفِعُ بِهَذَا (الخلق) أَمَرَاؤُكُمْ وَ إِنَّكُمْ لَتَشقُونَ (هو من مادّة المشقّة أى تتعبون) عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَ تَشْفَوْنَ (من مادة الشقاوة و هي خلاف السعادة) بِهِ (الخلق) في آخرَتِكُم وَ مَا أَخْسَرَ (ما أكثر خسرانا) المَشَقَّة (الّتى) وَرَاءَهَا الْعِقَابُ (و هي المشقة الّتى ليس فيها رضى الربّ) وّ (ما) أَرْبَحَ (أكثر ربحا و فائدة) الدَّعَة (الرّاحة) معَهَا الْأَمَانُ مِنَ النّارِ (و هى الراحة الّتي فيها رضى الله تعالى أو عدم سخطه تعالى).

38- وَ قَالَ علیه السَّلام: لابنه الحسن عَلَيْهِ السَّلامُ يَا بُنَيَّ، احْفَظْ (حفظ رعاية لا وعاية) عَنِّي أَرْبَعاً (من المواعظ الحسنة و الحكم الّتى ينبغى أن تفعلها فعل قلب و فعل أركان) و أربعاً (منها و هي الّتي ينبغي أن تتركها فإنّه) لا يَضُرْكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ (أى مع معرفتهنّ و مراعاتهنّ فالأربع الأول) إِنَّ أَغْنَى الْغِنَى (من غير نفاد و زوال و إفتقار هو) العَقْلُ وَ أَكْبَر الْفَقْرِ (الّذى لا يجبر بشيء هو) الْحُمْقُ (فعليك بالعقل) وَ أَوْحَشَ الْوَحْشَة (الّذي لا إستيناس معه هو) الْعُجْبُ (الرضى من النفس فعليك بالخشوع) وَ أَكْرَمَ الحَسَبِ حُسْنُ الْخُلُقِ (و تلك الأمور الأربعة هى المكارم و الفضائل الخلقيّة النفسانيّة الّتى ينبغى أن تكتسب و أمّا الأربع الأخر فإنّه) يَا بُنَيَّ، إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَةَ الْأَحْمَقِ (خفيف العقل في مقام الرعاية لا الوعاية) فَإِنَّهُ يُرِيدُ أنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُركَ (لقلّة عقله الرعايى) وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَة الْبَخِيلِ (المانع لبذل الخير، الممسك في أداء الحقوق الماليّة) فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ (لا ينصرك) أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْه (أى في حالة شدة إحتياجك إليه) وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَة الْفَاجِرِ (الّذى يفجر أمامه ليركب المعاصى) فَإِنَّهُ يَبيعُكَ بِالتَّافِه (القليل من المال) وَ إِيَّاكَ وَ مُصَادَقَة الكَذَابِ فَإِنَّهُ كَالسُرَابٍ يُقَرَبُ عَلَيْكَ الْبَعيدَ (من الأمل) و يُبعد عَلَيْكَ الْقَريب (من الأجل).

39- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا قُرْبَة (إلى الله تعالى) بِالنَّوَافِلِ (المستحبّات) إِذَا أَضَرَّتْ (تلك النوافل) بِالْفَرَائِضِ (الواجبات).

40- وَ قَالَ علیه السَّلام: لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ (خلف) قَلبِه (فيتكلّم بعد الفهم) وَ قَلْبُ الْأَحْمَقِ

ص: 402

وَرَاءَ لِسَانِهِ (فيتكلم قبل التروّّى فيضرّك).

قال الرضي: و هذا من المعاني العجيبة الشريفة و المراد به أنّ العاقل لا يطلق لسانه إلّا بعد مشاورة الروّية و مؤامرة الفكرة و الأحمق تسبق حذفات لسانه و فلتات كلامه مراجعة فكره و مماخضة رأيه فكأنّ لسان العاقل تابع لقلبه و كأن قلب الأحمق تابع للسانه.

41-و قد روي عنه علیه السَّلام هذا المعني بلفظ آخر و هو قوله:

قَلبُ الاْحْمَقِ فِي فِيهِ (لا يتجاوز الكلام عن فمه إلى قلبه) وَ لِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ (فلا يسبق اللسان قلبه بل يتفكر فيتكلّم).

معناهما واحد.

42- و قال علیه السَّلام: بَعْضِ أَصْحَابِهِ فِی عِلَّهٍ (مرض) اِعْتَلَّهَا (مَرِضَ بها) جَعَلَ اللهُ مَا كَانَ (وقع) مِنْ شَكْوَاك (مرضك الّذى تشتكى منه إلى الله تعالى) حَطّاً (محوا) لسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ الْمَرَضَ (الشكوى) لا أَجْرَ (ثواب) فِیهِ وَ لَکِنَّهُ یَحُط (يمحو) اَلسَّیِّئَاتِ وَ یَحُتُّهَا (يقشرها) حَتَّ الْأَوْرَاقِ وَ إِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللّسَانِ وَ الْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَ الْأَقْدَامِ وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النّيّة (من المريض) وَ السَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ (من الصبر و اليقين و الرضا و التسليم على حسب درجات المؤمنين) مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ (المرضى) اَلْجَنَّهَ (بغير العمل باللسان و الأركان لأنّ الصالحات من الأعمال ثلاثة العمل بالأركان و القول باللسان و ما عقد القلب و طبع عليه من الصبر و اليقين الرضا و التسليم عند المرض).

قال الرضي: و أقول صدق علیه السَّلام إنّ المرض لا أجر فيه لأنّه ليس من قبيل ما يستحقّ عليه العوض لأنّ العوض يستحقّ على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد من الآلام و الأمراض و ما يجري مجرى ذلك و الأجر و الثواب يستحقّان على ما كان في مقابلة فعل العبد فبينهما فرق قد بينه علیه السَّلام كما يقتضيه علمه الثاقب و رأيه الصائب.

43- وَ قَالَ علیه السَّلام: في ذكَرِ خَبَّابِ بْنِ اَلْأَرَتِّ يَرْحَمُ اللهُ خَبَّابَ بْنَ اَلْأَرَتِّ فَلَقَدْ أَسْلَمَ (برسول الله صلّى الله عليه و آله) رَاغِباً (مشتاقا) وَ هَاجَرَ (من) مكّة مع المهاجرين) طَائعاً

ص: 403

(غیر مكره) وَ قَنِعَ (من الرزق) بِالْكَفَافِ (و هو ما يكفّ صاحبه و يمنعه عن السؤال و يبلغه الله إلى الجنّة و يسع كلّ ما يحتاج إليه فى عيشه) وَ رَضِيَ عَنِ الله (بما قدّر له) وَ عَاشَ (دهره) مُجَاهِداً (فى سبيل الله تعالى بما للجهاد من الشعب الأربعة من الأمر و النهي و الصدق في المواطن و شنآن الفاسقين).

44- وَ قال علیه السَّلام: طُوبَی لمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ (و لم يغفل عنه) وَ عَمِلَ لِلْحِسَابِ (المحاسبة) وَ قَنعَ بِالْكَفَاف (من الرزق لا مفرطا فيقع فى الإتراف و لا مفرّطا فيقع فى الفقر) وَ رَضِیَ عَنِ اللَّهِ .

45-وَقَالَ علیه السَّلام: لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ (أصل أنف) الْمُؤْمِنِ (الولايتى) بِسَيْفِي هَذَا عَلَى أَنْ يبغضَنِي مَا أَبْغَضَني (أبدا) وَ لَوْ صَبَبْتُ (أنزلت) الدُّنْيا بِجَمَّاتها (أسرها، كلّها) عَلَى اَلْمُنَافِقِ عَلَی أَنْ یُحِبَّنِی مَا أَحَبَّنِی (أبدا) وَ ذَلِکَ (الأمر من عدم حبّ المنافق لى و عدم بغض المؤمن) أَنَّهُ قُضِي (حُتِمَ) فَانْقَضَى (تمّ قضاءه) عَلَی لِسَانِ اَلنَّبِیِّ اَلْأُمِّیِّ صلّى الله عليه و آله أَنَّهُ قَالَ يَا عَلِيُّ لا یُبْغِضُکَ مُؤْمِنٌ وَ لاَ یُحِبُّکَ مُنَافِقٌ (و كذلك خُلقا و جبلا على ما عملا).

46- وَ قَالَ علیه السَّلام: سَيِّئَة (منک) تَسُوءَكَ (تؤلمک) خَيْرٌ عِنْدَ الله مِنْ حَسَنَةٌ تُعْجِبُكَ (تسرك من نفسك من عبادتک)

47 - وَ قَالَ علیه السَّلام: قَدْر (منزلة) الرّجل (عند الله و عند الناس) عَلَی قَدْرِ هِمَّتِهِ (إهتمامه بالأمور العظيمة) وَ صِدْقُهُ عَلَی قَدْرِ مُرُوءَتِهِ (كمال) رجولیّته) و شَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْر أَنَفَتِهِ (عصبيّته،غیرته) وَ عِفَّتُهُ عَلَی قَدْرِ غَیْرَتِهِ. (دفع الغير عن حوزته و ما يتعلّق به).

48- و قَالَ علیه السَّلام: الظَّفَرُ (الفوز) بِالْحَزْمِ (الإحتياط) وَ الْحَزْمُ بِإِجَالَهِ اَلرَّأْیِ (النظر في جوانب الأمور) وَ اَلرَّأْیُ (المصيب للحقّ) بِتَحْصِینِ (إختفاء) الأسرارِ (فى الصدور لأنّ السرَ - إذا تجاوز الصدر كانت الخيرة بيد الغير فيلزم عليك أن تدور حيثما دار فلا یبقی لک رأی و لا خيار).

49 - وَ قَالَ علیه السَّلام : احْذَرُوا (إتقوا) صَوْلَةَ (وثوب) الْکَرِیمِ (و هو الّذى لا يهين نفسه

ص: 404

بالدنيّة) إذَا جَاعَ (لأنّ الجوع يزيد فى قوة قلب الكريم) وَ (إحذروا) اَللَّئِیم (الّذي هو دنيء في الصفات) إِذَا شَبعَ (لأنّ البطنة تزيد في اللئامة و الطغيان).

50- وَ قَالَ علیه السَّلام: قُلُوبُ الرّجَالِ وَحشِيّة (لا تتألّف بأحد غير آنسة) فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ (القلوب) عَلَيْه (فعليكم بالتألّف بين القلوب تكتسبوا الإخوان).

51- و قال علیه السَّلام: عَيبُكَ (خلل خُلقک) مَستُورٌ (عند الناس) مَا (دام) أَسْعَدَكَ (وفقك) جَدّكَ (حظك و مادام لك حظّ في الدنيا).

52- وَ قَالَ علیه السَّلام: أولَى النَّاسِ بِالْعَفْوِ (عن الناس) أقْدَرُهُم عَلَى الْعُقُوبَة (شكرا لله تعالى بما أقدره عليها).

53- وَ قَالَ علیه السَّلام: السَّخَاءِ مَا كَانَ ابْتِدَاءً (بلا سؤال) فَأَمَّا مَا كَانَ (وقع من العطاء) عَنْ مسألة فَحَياء (من السائل) وَ تَذَمّمٌ (إستحياء من السائل و غيره).

54- و قالَ علیه السَّلام: لَا غنّى كَالْعَقْل (عقل وعاية كان أم عقل رعاية و الثانى أعظم قدرا) وَ لَا فَقْرَ كَالْجَهْل (جهل وعاية كان أم جهل رعاية و الثانى أشدّ و بالا و أكثر خسرانا) وَ لَا ميراثَ كَالْأَدَبِ وَ لَا ظهير (معين) كَالْمُشَاوَرَة (مع الرجال و هي المشاركة في عقولهم).

55- وَ قَالَ علیه السَّلام: الصّبرُ صَبرَانِ (نوعان) صَبر عَلَى مَا تَكْرَهُ (تغضب لمخالفته للنفس و هو على قسمين صبر على الطاعة و صبر على المصيبة) وَ صَبرٌ عَمّا تُحِبّ (الملائمته للنفس و هو الصبر عن المعصية فيكون الصبر على ثلاث شعب).

56- و قال علیه السَّلام: الغِنَي فِي الغُربَةِ وَطَنٌ (و لا غنى كالعقل) وَ الفَقرُ فِي الوَطَنِ غُربَةٌ (و لا فقر كالجهل).

57- وَ قَالَ علیه السَّلام: الْقَنَاعَةُ (الكفاف بما رزقه الله تعالى) مَالٌ لَا يَنْفَدُ (يفنى، يزول).

قال الرضي: و قد روي هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه و آله.

58- وَ قَالَ علیه السَّلام : الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَات فكلّما زاد المال زادت و قلّت إذا قلّ).

59- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ حَذَرَكَ (خوفك من الموبقات) كَمَنْ بَشَّرك (بالمنجيات لأنّ الهداية

ص: 405

تحصل بهما معا و على ذلك كان الأنبياء عليهم السلام مبشّرين و منذرين).

60-وَ قَالَ علیه السَّلام: اللّسَانُ سَبْعٌ إِنْ خُلّي (بترك المراقبة) عَنْهُ عَقَرَ (عضّ الناس بما فيه إيذائهم من الغيبة و التهمة و النميمة و غيرها ممّا يعدّ من حصائد اللسان و هو أعظم الجوارح جرما و إثما و أقلها جرما و ليس على غيره ما ليس عليه من الآثام و الأوزار).

61-وَ قال علیه السَّلام: الْمَرْأَةُ عَقْرَب حُلُوةُ اللَّسبَة (اللسعة، فربّ لسعة منها تدعو الزوج إلى أنس فيعطف إليها أكثر ممّا كان من قبل).

62- وَ قَالَ علیه السَّلام: إذَا حُییتَ (أعطيت) بتَحيَّة (أمان ، صلح، إكرام من الناس) فَحَي (أعط تحيّة) بِأَحْسَنَ مِنْهَا (تحيّة المعطى) و إذا أسديتْ (مدت بالإحسان) إِلَيْكَ يَد (من إخوانك) فَكَافِتْهَا (جازها) بِمَا يرُبيِ (يزيد) عليها (تلك اليد) وَ الْفَضْلُ (الزيادة) مَعَ ذَلِكَ (الإعطاء بما يربى) للِباَدِئِ (المبتدء للإعطاء فهو بسبقه للتحيّة حائز تفضيلا و مستوجب للثناء الجميل)

63-و قال علیه السَّلام: الشَّفِيعُ جَنَاحَ الطّالِبِ (فيبلغه إلى طلبته أسرع ممّن ليس له شفيع).

64- وَ قَالَ علیه السَّلام: أهل الدُّنْيَا كَرَكْبِ (راكبين مطيتهم الليل و النهار) يُسَارُ بِهِمْ وَ هُم نِيَامٌ (فإذا ماتوا إنتبهوا).

65-وَ قَالَ علیه السَّلام: فَقَدُ الأحبة غُربَةً (و إن كنت فى الوطن و إنّ مصاحبة الإخوان و الأحبّة وطن و إن كنت في الغربة).

66 - و قَالَ علیه السَّلام: فَوتُ الحَاجَة (و عدم قضائها) أَهْوَنُ (أسهل) منْ طَلَبِهَا إِلَى غَيْرِ أَهْلَهَا.

67- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا تَسْتَح مِنْ إعطاء القَلِيلِ (فتتركه) فَإِنَّ الْحِرْمَانَ بعدم الإعطاء حيث قرن الحياء بالحرمان) أقل منْهُ (إعطاء القليل).

68 - و قال علیه السَّلام: الْعَفَافُ (بترك طلب الحاجة إلى غير أهلها و القناعة بما في اليد) زِينَةُ الْفَقْرِ وَ الشَّكْرُ (بالقول و الأركان) زِينَةُ الغِنَي (فعلى الفقير العفاف وعلى الغنيّ الشكر و كلاهما مكلّفان على وسعهما).

69- وَ قَالَ علیه السَّلام: إِذَا لَمْ يَكُنْ (يقع) مَا تُرِيدُ (و لم تَنَل ما تريد) فَلَا تُبَل (يقع في قلبک

ص: 406

و خاطرك) ما كُنْتَ (فيه و لا تحزن و لا تتأسّف عليه).

70- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا تَرَى الْجَاهِلَ (بالجهل العلمى و العملى) إِلَّا مُفْرِطاً أَو مُفَرِّطاً (و هما طرفا العلم و العدل فالعالم العادل لا يفرط و لا يفرط بل فى صراط مستقسيم).

71 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ (فالعاقل يخزن فضل كلامه).

72- وَ قَالَ علیه السَّلام: الدَّهْرُ يُخْلُقُ (يبلى) الْأَبْدَانَ وَ يُجدِّدُ الآمال (فمن عُمر نكّس في الخلق و شُبّ فى الأمل) وَ (الدهر) يُقَرِّبُ الْمَنيّة (الموت) و يباعدُ الأمنيّة (الأمل) مَنْ ظَفِرَ (فاز) بِهِ (الدهر بالنيل إلى مراده) نَصبَ (تعب، أعيى وقع فى المشقّة) وَ مَنْ فَاتَهُ (الدهر بالحرمان) تَعب (نصب كذلك، فالظافر بالدهر و الفائت له كلاهما فى التعب بل الأول أشدّ تعبا حيث أبلى بدنه فى الكسب و الجمع و الإكتناز من بعد و إنّ الراحة لمن قنع بالكفاف).

73- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ للنَّاس إماماً (و جعلها فى مظان الإقتداء بها) فَلْيَبْدَا بتعليم نَفْسه قَبْلَ تَعْلِيم غَيْرِهِ (من المأمومين) وَ ليَكُن (يقع) تَأدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ (عمله) قَبلَ تَأدِيبِهِ بِلِسَانِهِ و مُعلَّمُ نَفْسه و مُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجلال (التعظيم) مِنْ مُعَلمِ النَّاسِ وَ مُؤَدِّبِهِمْ (الّذى هو غافل عن تأديب نفسه و تعليمها).

74 - وَ قَالَ علیه السَّلام: نَفَسُ الْمَرْء خُطاهُ (قدمه) إِلَي أَجَلِهِ (فكلّ نَفَس ينقص أجلا).

75- و قَالَ علیه السَّلام: كُلّ مَعدُودٍ مُنقَضٍ (ماض، فينقضى المعدود عند عدّه) وَ كُلَّ مُتَوَقَع (منتظر حدوثه و هو الموت) آتِ (لا محالة وكلّ نَفَس من الإنسان معدود يقربه إلى ما يتوقع فينقضى).

76- وَ قَالَ علیه السَّلام: إنَّ الأمور إذَا اشْتَبَهَتْ (إلتبست حقيقتها و معرفتها) اعتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوّلِهَا (فأخرها كأوّلها فلتترك بأسرها و لا ينبغى أن يدخل الرجل فيها بغير معرفة حقيقتها في أوّلها ظنّا بأنّها ستكشف فى آخرها و هذا هو حقيقة الحزم و الإحتياط).

77- وَ مِنْ خَبَر ضَرَارِ بنِ حَمْزَةَ الضَّبَائِي عِنْدَ دُخُولِه عَلَى مُعَاوِيَة وَ مَسْأَلَتِه لَهُ عَنْ أمير الْمُؤْمِنينَ علیه السَّلام وَ قَالَ فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعضِ مَوَاقِفِهِ وَ قَدْ أَرْضَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ

ص: 407

(حجب ظلمته ، و أرخى؛ فعل خلاف جذب) وَ هُوَ قَائِمٌ فِي مِحرَابِهِ قَابِضٌ عَلَي لِحيَتِهِ يَتَمَلمَلُ (يتقلّب) تَمَلَملَ السّليم المدلوغ من حيّة و نحوها) وَ يبَكيِ بُكَاءَ الْحَزِينِ وَ يَقُولُ:

يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكَ (ابعدى) عَنِّي أَ بيِ تَعَرّضتِ (تطلبنى) أم إلَيَّ تَشَوِّقْت لَا حَانَ (ما جاء لم يجئ) حِينُكِ (لتصل إلى) هَيهَاتَ (بَعُدَ ذلك الطلب و الشوق منك إلى) غُرِّي غَيْرِي لَا حَاجَة لي فيك قَدْ طَلَقْتُك ثَلَاثاً لَا رَجعَةَ فِيهَا (الثلاثة من الطلاق) فَعَيْشك قَصِيرٌ وَ خَطرك (شأنك عندى) يَسيرٌ (سهل) وَ أَمَلُكِ حَقِيرٌ آهِ مِن قِلّةِ الزّادِ وَ طُولِ الطّرِيقِ وَ بُعدِ السّفَرِ (من التراب إلى ربّ الأرباب) وَ عَظِيمِ المَورِدِ (و هو العرض على الله تعالى).

78- وَ مِنْ كَلَامِ لَهُ علیه السَّلام للسائلِ الشَّامِي لَمَّا سَأَلَهُ أَ كَانَ مَسِيرنَا إِلَى الشَّامِ (لحرب معاوية و أصحابه) بقضاء منَ الله وَ قَدَر (حتم منه الّذى لا بدّ من وقوعه) بَعدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ هَذَا مُختَارُهُ:

وَيْحَكَ (كلمة ترحّم و عذاب) لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضَاءً لازماً وَ قَدَراً حاتماً (غير قابل للتغيير) لَوْ كَانَ ذلك (القضاء) كَذَلكَ الظَّنِّ منك حيث ظننت حتما لازما على العبد) لَبَطَلَ الثَّوَابُ و الْعِقَابُ (لعدم إمكان التغيير من عباده بزوال الإختيار) و سَقَطَ الوَعْدُ (بالثواب) وَ الْوَعِيدُ (بالعقاب) إِنَّ اللَّهَ سُبحَانَهُ أَمَرَ عِبَادَهُ تَخْيِيراً (بين الإمتثال و المخالفة) و نَهَاهُمْ تَحْذيراً (تخويفا لهم) و كَلَّفَ (العباد) يَسيراً (سهلا، سمحا) وَ لَم يُكَلِّفْ عَسيراً (شافًا) وَ أَعطَي عَلَي القَلِيلِ (من أعمال عباده) كثيراً (من الثواب فضلا منه و رحمة) و لَمْ يُعْصَ مغلوباً (لإرادتهم) وَ لَمْ يُطع مُكْرِهاً (مجبرا للعباد) وَ لَم يُرسِلِ الأَنبِيَاءَ (إلى الخلق) لَعباً (و لو كان القضاء منه حتما لازما لصارت النبوّة لعبا و لغوا) وَ لَمْ يُنْزِل الكتب للعبادِ عَبَثاً (بلا حكمة) وَ لَا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَينَهُمَا بَاطِلًا (بل خلقها حقًا) ذلكَ (الظن بأنّه سبحانه خلق السموات و الأرض باطلا و أنزل الكتاب و أرسل الأنبياء إلى الناس عبثا بنفى الإختيار للإنسان) ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا (بربوبيّته حيث إنّها تتحقّق بالتكليف و هو لا يمكن إلّا بالإختيار) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النار.

ص: 408

79- وَ قَالَ علیه السَّلام: خُذ الحكمة أنّى (في أي مكان) كَانَتْ (وقعت من صدور الناس) فَإِنَّ الحكمة تَكُونُ (تقع) في صَدْرِ الْمُنافق (و لم يدخل فى قلبه) فَتَلَجلَج (تتحرّك تلك الحكمة) فِي صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ (الحكمة) فَتَسْكُنَ إِلَى صَوَاحِبِهَا (ممّا يتشابه بها من الحكم) في صَدْرِ الْمُؤْمِن (فعليه بالعمل على وفقها حتى تدخل في قلبه و تستقرّ فيه).

80 - وَ قَاَل علیه السَّلام : الْحِكْمَةُ ضَالَةَ الْمُؤْمن (فيطلبها من كلّ الصدور) فَخُذ الحكمة (إن كنت مؤمنا) وَ لَو (كانت) مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ

81- وَ قَالَ علیه السَّلام: قيمَهُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحسنُهُ (يفعله بالكمال و التمام من غير نقصان).

قال الرضي: و هي الكلمة التي لا تصاب لها قيمة و لا توزن بها حكمة و لا تقرن إليها كلمة.

82- وَ قَالَ علیه السَّلام: أوصيكُمْ بِخَمْسِ (خصال) لَو ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا (تلك الأمور الخمسة) آبَاط (جمع إبط و هو موضع ضرب) الإبِل (للسير) لَكَانَتْ (تلك الأمور) لذلكَ (الضرب للآباط) أَهلًا لَا يَرجُوَنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا رَبَّهُ (فإنّ الخير كلّه بيده) وَ لَا يَخَافَنَّ (أحد) إِلَّا ذَنْبَهُ (لأَنْ المصيبة ليست إلّا بما كسبت أيديكم) وَ لَا يَسْتَحينْ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لا أَعْلَمُ وَ لَا يَسْتَحِينَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْلَمُ الشَّيء أنْ يتعلمهُ و عَلَيْكُم بِالصّبرِ (على المكروهات على النفس و المشتهيات لها) فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الْإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَد وَ لَا خَيْرَ فِي جَسَد لَا رأس معَهُ وَ لَا (خير) فِي إِيمَانٍ لَا صَبرَ مَعَهُ.

83-وَ قَالَ علیه السَّلام: لَرَجُلِ أفْرَط (بالغ، أكثر) في الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَ كَانَ علیه السَّلام لَهُ (ذلک الرجل) مُتّهِماً (فى دينه) أنا دُونَ مَا تَقُولُ لأنّك أفرطت بالثناء في القول) وَ فَوْقَ مَا في نَفْسِك (لأنّك لست بمصدّق في قلبك لفضائلی).

84- وَ قَالَ علیه السَّلام: بَقيةُ السَّيْفِ (و هو من يبقى بعد الحرب من الناس) أبقى عَدَداً وَ أكثر وَلَداً (من غيرهم لأنّ من بقى فى ذلّ الأعداء و لم يقاتل فهو إلى مصير الفناء و المحو حيث يكون في عدادهم).

85- و قَالَ علیه السَّلام: مَنْ تَرَكَ قَولَ لَا أَدْرِي (و يستحيى من قول لا أعلم) أُصِيبَت (أدركت)

ص: 409

مقاتله (مواضع قتل ذلك الترك للقول بأني لا أدرى).

86- وَ قَالَ علیه السَّلام: رأَي الشّيخِ (المجرّب) أَحَبَّ إِلَيَّ من جَلَد (الصبر في المعركة من) الغُلَامِ (حديث السنّ الشاب على القتال و الشدائد لأنّه ربّ قول من رأى صائب أنفذ من صول) وَ رُوِيَ مِنْ مَشْهَدِ الْغُلَامِ.

87- وَ قَالَ علیه السَّلام: عَجِبْتُ لَمَنْ يَقنط (ييأس من روح الله) وَ مَعَهُ الاسْتِغْفَارُ (الّذى هو سبب من الله تعالى للمغفرة).

88-وَ حَكَى عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحمَّدُ بنُ عَلِي الْبَاقر علیه السَّلام أَنَّهُ قَالَ:

كَانَ فِي الأرض (فى زمان رسول الله صلّى الله عليه و آله) أَمَانَانِ مِنْ (وقوع) عَذَابِ اللَّهِ وَ قَدْ رُفعَ (إلى الله) أَحَدُهُمَا (من بينكم) فَدُونَكُم (إلتزموا) الْآخَرَ (منهما) فَتَمَسَّكُوا بِهِ (الآخر) أمّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه و آله وَ أَمّا الأَمَانُ الْبَاقِي فَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ اللهُ تَعَالَى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبهم و أنْتَ فِيهِم و ما كانَ اللهُ مُعَذِّبهم وَ هُم يستغْفِرونَ.

قال الرضي: و هذا من محاسن الإستخراج و لطائف الإستنباط

89- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ أَصْلَحَ ما (وقع) بَينَهُ وَ بَينَ اللّهِ (من الحقوق) أَصْلَحَ اللهُ مَا بَينَهُ وَ بَينَ النّاسِ (من الشقاق و المعاندة حيث إنّهما لا يحصلان إلّا بتضييع تلك الحقوق المجعولة من عند الله) وَ مَنْ أَصلَحَ أَمرَ آخِرَتِهِ (بأن يعمل لها بمراعاة تلك الحقوق الواجبة عليه) أصْلَحَ اللهُ لَهُ أَمْر دُنْيَاه (بأن يمكّن له من كلّ شيء سببا بمراعاته الحقوق) و مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ نَفْسه واعظ (يعظه لمراعاة الحقوق) كَانَ عَلَيْه مِنَ اللّهِ حَافِظٌ (من ملائكته يحفظه من الوقوع في الشقاق و المعاندة بينه و بين الناس بعدم مراعاتها).

90 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الْفَقِيهُ كُلُّ الْفَقيه (بجميع خصاله) مَنْ لَمْ يُقَنِّط (يؤيس) النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ (الواسعة الّتي وسعت كلّ ذنب و لَمْ يُؤْيِسهُم مِنْ روح الله (لطفه و رأفته) و لَم يُؤْمنهُم مِنْ مَكْرٍ (خدعة) الله (بأن يأخذ الله عباده العاصين بغتة من حيث لا يشعرون).

91 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إنَّ هَذه الْقُلُوبَ تمَلُ كَمَا تمَلُ الأبْدَانُ فَابْتَغُوا (اطلبوا) لَهَا (القلوب)

ص: 410

طرائفَ الْحكَم (غرائبها و من أحسن طرائف الحكم للقلوب كتاب نهج البلاغة فابتغوه لها).

92 - وَ قَالَ علیه السَّلام: أوضَعُ الْعِلْمِ (أدنى مراتبه) مَا وُقفَ عَلَى اللّسَانِ (و لم يتجاوزه و هذه المرتبة هي ما يسمّى بالعلم الوعائى) وَ أَرْفَعُهُ (منزلة) مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَ الْأَرْكَانِ (و هذه المرتبة من العلم هى ما يسمّى بالعلم الرعائي).

93 - و قَالَ علیه السَّلام : لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الفتنة (الإمتحان و الإختبار و الإبتلاء) لأَنَّهُ لَيسَ أَحَدٌ إِلَّا وَ هُوَ مُشتَمِلٌ عَلَي فِتنَةٍ (محاط بها و هى محيطة به) و لَكنْ مَنِ استعاذ (يطلب العوذ بالله و اللجأ إلى الله) فَليَستَعِذ مِن مُضِلّاتِ الفِتَنِ (المضلّات الموجودة فيها أو الفتن المضلّة التى لا يهتدى فيها إلّا من رفعته يد الله تعالى) فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَ اعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوالُكُمْ وَ أولادُكُمْ فِتْنَةٌ (فليس أحد إلّا و هو مشتمل على شيء منها) وَ مَعْنَى ذلكَ (القول من الله سبحانه ) أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُم بِالْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلَادِ لِيَتَبَينَ (يظهر) السّاخِطَ (المغضب) لِرِزقِهِ وَ الراّضيِ بِقِسمِهِ (و هاهنا موضع مضلّات الفتن) وَ إِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (و لا يحتاج إلى الإختبار) وَ لكن (يختبر العباد) لتَظهَرَ الْأَفْعَالُ الَّتِي بِهَا يُستَحَقّ الثّوَابُ وَ العِقَابُ لِأَنّ بَعضَهُم يُحِبّ الذُّكُورَ و يَكْرَهُ الْإِنَاثَ (فيقع في الضلالة من هذه الفتنة أى فتنة الولد) وَ بَعْضَهُم يُحِبُّ تَثمِيرَ (إنماء) الْمَالِ (فيرضى بقسمه الوافر) وَ يَكْرَهُ انْثَلَامَ (نقص) الْحَالِ (الّتى يكون فيها من كثرة المال فيسخط لرزقه و لربّه حين الإنثلام فيقع في الضلال).

قال الرضي: و هذا من غريب ما سمع منه في التفسير.

94 - وَ سُئلَ عَنِ الْخَيْر مَا هُوَ فَقَالَ لَيْسَ الْخَيرُ أَنْ يَكثُرَ مَالُكَ وَ وَلَدُكَ (لأنّهما من الفتن) وَ لَكِنّ الخَيرَ أَن يَكثُرَ عِلمُكَ وَ أَن يَعظُمَ حِلمُكَ (عند جهلة الناس) و أنْ تُبَاهِيَ (تفتخر) النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ فَإِنْ أَحْسَنْتَ (فعلت حسنا من عبادته) حَمِدْتَ اللهَ (على توفيقه) وَ إِنْ أَسَأتَ (بجهالتک) استغْفَرتَ اللهَ وَ لَا خَيْرَ فِي الدُّنْيا (و ما فيها من حطامها) إِلَّا لِرَجُلَيْنِ رَجُلِ أَذْنَبَ ذُنُوباً (و أساء) فَهُوَ يَتَدَارَكُهَا (يصلح تلك الذنوب) بالتّوبَة (الرجوع إليه) وَ رَجُلِ يُسَارِعُ في

ص: 411

الْخَيرات (بالإحسان و الحمد على ذلك الإحسان).

95 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا يَقِلُّ (عند الله تعالى عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَى وَ كَيْفَ يَقِلُّ مَا (عمل) يُتَقَبّلُ (و إنمّا يتقبّل الله من المتّقين فيجازى عباده بالكثير الدائم من الجنّة).

96 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إنّ أولَى النَّاسِ (للخلافة) بِالْأَنْبِيَاء أَعْلَمُهُم بِمَا جَاءُوا بِهِ (من البيّنات) ثُمَّ تَلَا إِنْ أولَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النّبِي وَ الَّذِينَ آمَنُوا الآية ثُمَّ قَالَ إِنَّ ولَيِ مُحَمّدٍ (الّذى أولى الناس به للخلافة عنه) مَنْ أطاعَ الله (فإطاعته إطاعة الله تعالى) وَ إنْ بَعْدَتْ لُحْمَتُهُ (نسبه) وَ إِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّد (الّذى لا يستحقّ أن يولّى على الناس مَنْ عَصَى (خالف) الله (فإطاعته معصية الله تعالى و معصيته إطاعة الله تعالى) وَ إِنْ قَربَتْ قَرَابَتُهُ (برسول الله صلّى الله عليه و آله).

97 - وَ سَمِعَ علیه السَّلام رَجُلًا مِنَ الْحَرُورِيَّةِ (الخوراج) يَتَهَجَّدُ وَ يَقْرَأُ (القرآن) فَقَالَ: نَومٌ عَلَى يَقينِ (بولاية ولى الله المنصوب من الله) خَيْرٌ مِنْ صَلَاةِ فِي شَكٍّ (فيها).

98 - وَ قال علیه السَّلام: اعقِلُوا الخَبَرَ (إجعلوه فى العقال) ذَا سَمِعتُمُوهُ عَقلَ رِعَايَةٍ (بمراعاة حدوده فى الأركان و الجوارح و هو أرفع مقامات العلم) لَا عَقْلَ رواية (و وعاية و حفظ من غير رعاية و هو أوضع مقامات العلم) فَإِنَّ َروَاةَ الْعِلْمِ (بحفظه) كَثیر و رعاتَهُ (بالعمل به) قليلٌ.

99 - وَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ إِنَّا للهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَقَالَ إِنَّ قَوْلَنَا إِنَّا لِلَّهِ إِقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالْمُلْكِ (لله تعالى فنحن مملوكون) وَ قَوْلَنَا وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إِقْرَار عَلَى أَنْفُسِنَا بِالْمُلْكِ (الهلاك و عدم البقاء).

100- و قَالَ علیه السَّلام: و مَدَحَهُ قَومٌ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ اللهُم إِنَّكَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي - (لأنك تحيط بكلّ شيء و أقرب إليه منه) وَ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ (بالظن الحسن) وَ اغْفِرْ لَنَا مَا لَا يَعْلَمُونَ (من السرائر).

101- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا يَسْتَقِيمُ قَضَاء (أداء) الحَوَائِجِ (على ميزان العدل لذوي الحاجات)

ص: 412

إِلَّا بِثَلَاثِ بِاسْتصْغَارِهَا (إستصغارك تلك الحوائج) لِتَعظُمَ (الحوائج عند الله تعالى ثوابا أو لتعظم عند المقضى له) وَ بِاسْتكْتامها (طلب كتمانها و الحرص عليه) لِتَظهَرَ (الحوائج عند الله تعالى للحساب حيث إنّ المنّ يذهب بالصدقات أو لتظهر عند المقضى له) وَ بِتَعجِيلِهَا (سرعة القضاء فيها و عدم التأخير لقضائها) لِتَهنُؤَ (تلك الحوائج عند قضائها للمقضي له و اللام في المواضع الثلاثة للصيرورة).

102- وَ قَالَ علیه السَّلام: يأتى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُقَرِّبُ فيه (ذلك الزمان) إِلَّا الْمَاحِلُ (الساعى في الناس بالوشاية و رفع العيوب من الناس إلى السلطان) وَ لَا يُظرِّفُ (لا يعدّ حلوا للمعاشرة، طيّب النفس) فيه إِلَّا الْفَاجِرُ (الّذى يفجر أمامه ليركب المعاصي) وَ لا يُضَعَفُ (لا يعدّ ضعيفا) فيه إِلَّا الْمُنصف (العادل) يعدُّونَ الصَّدَقَة فيه (ذلك الزمان) غُرماً (ضررا، غرامة) وَ (يعدّون) صِلَةَ الرّحِمِ مَنّاً (على الأرحام) وَ العِبَادَةَ استِطَالَةً (تفوّقا و تزيّدا في الفضل) عَلَى النَّاس فَعنْدَ ذَلكَ (الزمان) يَكُونُ (يقع) السلطانُ بِمَشُورَة النِّسَاء وَ إِمَارَةِ الصَّبيانِ وَ تَدْبِيرِ الخِصيَانِ (المسلوب منه الرجوليّة).

103 - وَ رئُيِ عَلَيهِ (أمير المؤمنين علیه السَّلام) إِزَارٌ (ثوب، لباس) خَلَقٌ (بال مندرس) مَرقُوعٌ (ذو رقعة) فَقِيلَ لَهُ فى ذَلكَ (الإزار الخلق المرقوع) فَقَالَ:

يَخْشَعُ (يذلّ) لَهُ (ذلك اللباس المرقوع البالى) الْقَلَبُ وَ تَذلُّ به (ذلك اللباس المرقوع) النّفسُ وَ يَقْتَدِي بِهِ الْمُؤْمِنُونَ (فتخشع قلوبهم و هذا هو حكمة اللباس لا التزيّن خاصّة) إنَّ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ عَدُوِّانِ مُتَفَاوِتَانِ (متباعدان) و سَبِيلَانِ مُختَلَفَانِ فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَ تَوَلاهَا (جعلها لنفسه وليّا يتّبع) أَبْغَضَ الْآخِرَةَ وَ عَادَاهَا وَ هُمَا بِمَنْزِلَة الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ مَاش (متردّد) بَينَهُمَا كُلّمَا قَرُبَ مِن وَاحِدٍ (منهما) بَعْدَ منَ الْآخَرِ وَ هُمَا بعدُ (ذلك البيان من الإختلاف و العداوة) ضَرّتَانِ (صاحبتان، زوجتان لرجل واحد فلا يمكن إجتماعهما في قلب واحد.

104 - وَ عَنْ نَوْفِ الْبَكَاليُّ، قَالَ: رَأَيْتُ أَميرَ الْمُؤْمِنِينَ علیه السَّلام ذَاتَ لَيْلَةِ وَ قَدْ خَرَجَ مِنْ فِراشِهِ فَنَظَرَ فِي النّجُومِ، فَقَالَ لِي: يَا نَوفُ أَرَاقَدٌ (نائم) أَنْتَ أَمْ رَامقٌ (منتبه العين)، فَقُلْتُ بَلْ

ص: 413

رَامِقٌ قَالَ :

يَا نَوفُ طُوبَى للزاهدينَ (المعرضين) في الدُّنْيا (بقلوبهم من زخارفها) الرّاغِبِينَ (المشتاقين) فِي الآخِرَةِ (و نعيمها) أُولَئِكَ (الزاهدين و الراغبين) قَومَ اتَّخَذُوا (جعلوا) الْأَرْضَ بِساطاً وَ تُرَابها فراشاً وَ مَاءَهَا طيباً وَ الْقُرْآنَ شِعَاراً (و هو من اللباس ما يلى البدن أى إتّخذوا القرآن ملازما لأنفسهم) وَ الدُّعَاءَ دثاراً (و هو ما فوق الألبسة أى ظاهرا فى ألسنتهم) ثُمَّ قَرَضُوا (مزّقوا قطعوا بالمقراض العلقة إلى) الدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى منهاج (طريق) المَسيحَ يَا نَوْفُ إِنَّ دَاوُدَ علیه السَّلام قام في مِثل هَذهِ السّاعَة مِنَ اللَّيل فَقَالَ إِنَّهَا (هذه الساعة) لَسَاعَةٌ لَا يَدْعُو فِيهَا عَبدٌ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَشاراً (و هو من يتولّى أخذ الأعشار من أموال الناس للسلطان) أو عَرِيفاً (و هو من يتجسّس على أحوال الناس و أسرارهم للكشف عند السلطان) أَو شُرطِيّاً (عون الحاكم) أو صَاحِبَ عَرْطَبَة - وَ هيِ الطّنبُورُ - أو صَاحِبَ كَوْبَة - وَ هيَ الطّبل وَ قَدْ قِيلَ أَيْضاً إِنَّ العَرطَبَةَ الطّبلُ وَ الْكَوْبَة الطَّنْبُورُ-

105 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ (وجب، كتب) عَلَيْكُمْ فَرائضَ (واجبات) فَلَا تُضَيعُوهَا (بالإفراط فى حدودها أو التفريط فيها) وَ حَدَّ لَكُمْ حُدُوداً (فى الفرائض) فَلَا تَعْتَدُوهَا (تتجاوزوا عنها وَ نَهَاكُمْ (حذّركم) عَنْ أَشْيَاءَ (محدودة من المحرّمات لأنّ كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنَّه حرام) فَلَا تَنتَهِكُوهَا (تضعفوها و تهینوها) و سَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ (من المباحات و الغوامض العلميّة و لم يأمر بها للعمل فى الأول أو التعلّم فى الثانى) وَ لَمْ يَدَعْهَا (يتركها) نسياناً فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا (توقعوا أنفسكم فى التكلّف للعمل بخها أو لإدراكها و تعلّمها و إنّ في التكليف كفاية عن التكلّف و الوقوع في المشاقّ).

106- و قال علیه السَّلام: لَا يَترُكُ النّاسُ شَيئاً (قليلا) مِن أَمرِ دِينِهِم لِاستِصلَاحِ طلبا لإصلاح أمر) دُنْيَاهُمْ إِلَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِمْ مَا (أمرا) هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ (أكثر ضررا ممّا تركوا من أمر دينهم لإستصلاح دنياهم، حيث إنّ الدين لم يترك شيئا من أمر دنياهم حتّى يجب تركه الإصلاح الدنيا فمن ترك شيئا من الدين لإستصلاح الدنيا بزعمه الفاسد فقد ترك أمر دینه و به ترک آمر

ص: 414

دنياه فخسر الدارين و هذا هو الأضرّية فى كلامه علیه السَّلام حيث جمع بين الضررين).

107 - وَ قَالَ علیه السَّلام: رَبِّ عَالِم قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ (جهالته ، عدم رعاية علمه) و علَمُهُ مَعَهُ (المحفوظ فى وعاء ذهنه) لَا يَنْفَعُهُ (و هذا العالم هو الّذى له عقل رواية و وعاية لا عقل رعاية وَ إنّما المراد هنا هو الزبير الّذى ما زال من أهل البيت حتّى نشأ إبنه المشئوم).

108 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَقَدْ عُلقَ (تعلق) بنياط (عرق من العروق و هو الّذي يتعلّق به القلب من) هَذَا الْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ (قطعة) هِيَ أَعْجَبُ مَا (عضو) فيه (الإنسان) وَ ذَلِكَ (الأعجب هو) الْقَلْبُ وَ ذَلكَ (الأعجبية ب) أَنَّ لَهُ مَوَادَّ (و هى ما يمدّ الإنسان و يعينه في طريق السلوك) مِنَ الحِكمَةِ (و هى الإعتدال فى القلب من الإفراط و التفريط) و أضداداً مِن خِلَافِهَا (ضدّ الحكمة و هو الخروج من الإعتدال و الدخول فى حدود الإفراط و التفريط) فَإِن سَنَحَ (بدا، ظهر) لَهُ (القلب) الرّجَاءُ (و هو من الحكمة) أذَلَّهُ الطَّمَعُ (فيما أيدى الناس بالإفراط فى الرجاء و هو ضدّها) وَ إِنْ هَاجَ (تعدّى ، ثار) بِهِ الطَّمَع أَهلَكَهُ الحِرصُ (فى الإدّخار) وَ إِنْ مَلَكَهُ الْيَاسُ (أحاط به اليأس و هو ضدّ الرجاء) قَتَلَهُ الْأَسَفُ (الحزن، الكرب) و إِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ (و هو من أضداد الحكمة) اشتدَّ بِهِ الغَيظُ (البغضاء الخصومة على الناس) و إنْ أَسعَدَه الرضَى (بالغلبة على الغيظ) نسَيِ - التّحَفّظَ (التحرّز من الأعداء و ممّا يضره و يهلكه) وَ إِنْ غَالَهُ (أحزنه، فجعه) الخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ (الإحتياط و شدّة الإحتراز حتى يجره الى الهرب من الأمور فلا يخوض فى الصعوبات و الغمرات للحقِّ) وَ إِنِ اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْرُ (ممّا يخاف و يحذر منه) اسْتَلَبَتْهُ (سلبته الغرةُ (فيترك الحزم ) وَ إِنْ أَفَادَ (إكتسب، نال) مَالًا أَطْغَاهُ الْغِنَى وَ إِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ (من مصائب الدهر فيما يتعلّق به و يحبّه) فَضَحَهُ (کشف عيبه) الْجزَعُ (الويل و الثبور لقلة الصبر) وَ إِنْ عَضَتْهُ (عقرته) الْفَاقَةُ (الفقر) شَغَلَهُ الْبَلَاء (فيقع فى الفتنة) وَ إِنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ (أوقعه فى الكّد) قَعَدَ بِهِ الضّعفُ (عن إتيان الحقوق و الفرائض) وَ إِنْ أَفَرَط بِهِ الشَّبَعُ (البطنة) كَظَتَهُ (كربته، آلمته) الْبِطَنَةُ (الشبع) فَكُلُّ تَقْصير (و ضدّ الحكمة) به (القلب أو الإنسان) مُضِرّ (لأنّه تفريط وتضييع للحكمة) وَ كُلُّ إِفرَاطٍ

ص: 415

(و هو ضدّ الحكمة) لَهُ (القلب أو الإنسان) مُفسِدٌ (لأنّه يضيّع الحكمة فالحكمة هي القصد و إنّ اليمين و الشمال مضلّة و هكذا الحال فى كلّ الأوصاف إفراطها و تفریطها مفسد مضر).

109 - وَ قَالَ علیه السَّلام: نَحْنُ (أهل البيت) النّمرُقَةُ (الوسادة) الوُسطَي (الّتي يستند إليها و يطمئن بها الإنسان) بِهَا (تلك النمرقة و الطريقة الوسطى) يَلْحَقُ التَّالِي (المضيّع لحدود الحكمة بالتفريط) وَ إِلَيْهَا يَرْجِعُ الغَالي (المضيع لحدود الحكمة بالإفراط فأهل البيت هم الحكماء المعصومون عن الإفراط و التفريط و قلوبهم سليمة عنهما في غاية الإعتدال فلا يؤخذ الحكمة إلّا منهم عليهم السلام).

110 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا يُقيمُ أمر الله سُبْحَانَهُ (بالعصمة عن الإفراط و التفريط) إِلَّا مَنْ لَا يُصَانِعُ (يدارى فى الحقِّ فيأخذ الرشوة لإبطاله) وَ لَا يُضَارِعُ ( يشتبه فى عمله بأهل الباطل) وَ لَا يَتّبِعُ المَطَامِعَ (مواضع الطمع).

111- و قال علیه السَّلام: وَ قَدْ تُوُفِّي سهل بن حنيف الأَنْصَارِي بِالْكُوفَةِ بعد مرجعه معَهُ مِنْ صِفِّينَ وَكَانَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ:

لو أحبني جَبَلْ لَتَهَافَتَ تساقطت بعد أن تصدع لكثرة الإبتلاء بالشدائد من الفقر و المرض و جور السلطان وغيرها من المصائب).

معنى ذلك أنّ المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه و لا يفعل ذلك إلّا بالأتقياء الأبرار و المصطفين الأخيار، و هذا مثل قوله علیه السَّلام

112 - مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ البَيْت فَلْيَستَعدُ للْفَقْرِ جلْبَاباً (و هو ثوب شامل للبدن، فالشدائد تحيط بمن أحبّ أهل البيت عليهم السلام تمحيصا لهم عن كلّ شائبة).

و قد يؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره.

113 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا مَالَ أَعُودُ (أنفع) منَ الْعَقْلِ (الوعائى منه و الرعائي) وَ لَا وَحْدَةَ أوحَشُ مِنَ الْعُجْبِ (لما فعله الإنسان من العبادات) وَ لَا عَقْلَ كَالتُدْبِيرِ (فى الأمور) وَ لَا كَرَم

ص: 416

(للنفس) كَالتَّقْوَى وَ لَا قَرِينَ (ملازم، مصاحب) كَحُسْنِ الْخُلُقِ وَ لَا ميراث كَالْأَدَبِ وَ لَا قَائِدَ (يقود الإنسان إلى الغاية) كَالتّقوَي (و هو جعل الأمور موافقا للغاية المطلوبة) وَ لَا َتجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصّالِحِ وَ لَا رِبحَ (فى التجارة) كَالثَّوَابِ (الموجود في العمل الصالح) وَ لَا وَرَعَ (تنزّه، تحرّج عن لمشتبهات) كَالْوُقُوف (و هو عدم الإقدام) عندَ الشَّبهة (إشتباه الحقّ حين إمتزاجه بالباطل فى الفتن أو إشتباه الحرام بالحلال) و لا زُهْدَ (إعراض بالقلب عن الدنيا) كَالزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ وَ لَا عِلْمَ كَالتَّفَكَّرِ (فى آلاء الله تعالى و أسمائه الحسنى) وَ لَا عِبَادَةَ كَأَدَاء الْفَرَائِضِ (لأنّها تؤدّى إلى النوافل) وَ لَا إِيمَانَ كَالْحَيَاء (من الله تعالى و من الناس في موضعه) وَ (كَ) الصَّبْرِ (فى أداء الفرائض و ترك المعاصي و عند المصائب) وَ لَا حَسَبَ (وجاهة، شرف) كَالتّواضُع (عند أهله و في موضعه) وَ لَا شَرَفَ (علوّ منزلة) كَالْعِلْمٍ وَ لَا عزَّ كَالْحَلْم (عند الجهلة) و لا مُظاهرة (مناصرة) أوثَقُ (أكثر وثوقا) منَ الْمُشَاوَرَة (مع الرجال في عقولهم).

114 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِذَا اسْتَولَى (غلب) الصَّلاحُ عَلَى الزَّمَانِ وَ أَهْلِهِ ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظهَر مِنْهُ حَوبَةٌ (بليّة تذلّ الإنسان و تفضحه، إثم) فَقَدْ ظَلَم (ذلك الظان المظنون) وَ إِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وَ أَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلِ فَقَدْ غَرّرَ (أوقع نفسه في الغرر).

115 - وَ قِيلَ لَهُ علیه السَّلام كَيْفَ نَجِدُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَال علیه السَّلام: كَيْفَ يَكُونُ حَال مَنْ يَفْنَى بِبَقَائِه (مع بقائه فلا يثق ببقائه) وَ يَسقَمُ بِصِحّتِهِ (مع صحّته فلا يثق بصحّته) وَ يُؤْتَى مِنْ مَأمَنه (بالموت فيأتيه من مكان قريب يعدّه أمنا).

116-وَ قَالَ علیه السَّلام: كَمْ مِنْ مُستَدْرَج بِالْإِحْسَانِ إِلَيهِ (بتتابع النعم عليه) وَ (كم من) مَغْرُورِ (مخدوع قد غرّه عمله) بِالسّترِ عَلَيهِ (حتّى ظنّ أنّه قد غفر فغر) وَ (كم من) مَفْتُونِ بِحُسْنِ الْقَوْلِ (المدح) فيه و مَا ابْتَلَى اللهُ أَحَداً بمثْلِ الإِملَاءِ (الإمهال) لَهُ (فيأخذه الله بغتة بما كسبت يداه).

ص: 417

117 - وَ قَالَ علیه السَّلام: هَلَكَ في رَجُلَان مُحبِّ غَال (مفرط فى العمل قد يظهر من جوارحه الخطيئة إتّكالا على حبّه و لم يرد الغالى فى الحبّ لأنّ الحبّ له علیه السَّلام لا يبلغ نهايته أحد كما هو حقّه حتى يعدّ غاليا) وَ (هلک فی) مُبغِضٌ قَالٍ (شديد البغض مفرّط فى حبّه و كلاهما خارجان عن الصراط المستقيم).

118-و قال علیه السَّلام: إضَاعَةُ الْفُرْصَة (إهمالها) غُصْةً (حزن، أسف).

119 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَية لَيّنٌ مَسّهَا وَ السّمّ النَّاقِعُ (القاتل) فِي جَوفِهَا (بطنها) يهَويِ (ينزل بالرغبة) إليهَا (الدنيا) الغِرّ (المغرور بزينتها) الجَاهِلُ (بحقيقتها) وَ يَحْذَرُهَا (يمتنع منها، يخافها) ذُو اللَّبِّ الْعاقل (العارف بحقيقتها غير المغرور بزخارفها).

120 - وَ سُئِلَ علیه السَّلام عَنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَمَّا بَنُو مَخْرُومٍ فَرَيْحَانَهُ قُرَيْشِ نُحِبُّ حَديث (تكلّم) رِجَالِهِمْ (لطلاقة لسانهم بالفصاحة و البلاغة) و النّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ (لما فيهنَّ من الفروج الحصينة) وَ أَمَّا بَنُو عَبْد شَمْس فَأَبْعَدُهَا (أقصى طائفة من قريش) رأياً (فيرون مصلحة الأمور و عواقبها) وَ أَمنَعُهَا (أدفعها) لَمَا وَرَاءَ ظُهُورها (ممّا يهدّدها فهم أكثر حمية و غيرة) وَ أَمَّا نَحْنُ (بنو عبد المطّلب من أولاد هاشم) فَأَبْدَلُ (أسخى) لِمَا فِي أَيدِينَا (لزهدنا فى متاع الدنيا) و أسْمَح (أسهل) عِنْدَ الْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا (لإستعدادنا للموت و لقاء الحبيب و شجاعتنا عند لقاء العدوّ) وَ هُم (بنو مخزوم و بنو عبد شمس) أَكْثَرُ أولادا و أموالا) وَ أَمْكَرُ (أكثر خدعة) و أنْكَرُ (أكثر منكرا) وَ نَحْنُ أَفْصَحُ (لسانا و منطقا و لذلك نحبّ الحديث لبنى مخزوم) وَ (نحن) أَنْصَحُ (لله و لرسوله) وَ أَصْبَحُ (وجها فى الدارين).

121 - وَ قَالَ علیه السَّلام: شَتَّانَ (بَعْدَ مَا بَينَ عَمَلَيْنِ عَمَلِ (قبيح) تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَ تَبقَى تَبِعَتُهُ (و التبعة هى ما يتبع العمل القبيح من الشقاوة الأبدية) وَ عَمَلِ (حسن) تَذْهَبُ مَئونَتُهُ (ثقله شدّته) وَ يَبقَي أَجرُهُ (في الآخرة).

122 - وَ تَبِعَ جِنَازَةً فَسَمِعَ رَجُلًا يَضْحَكُ فَقَالَ (الإمام على علیه السَّلام) كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا (الدنيا) عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ (فرض) وَ كَأَنَّ الْحَقِّ (و هو الموت) فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ وَ كَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ

ص: 418

الْأَمْوَات سَفْرٌ (مسافرون) عَمَّا قَليل (من الزمان) إِلَيْنَا رَاجِعُونَ نُبُوتُهُمْ (نتهيؤ لهم) أجدَاثَهُم (قبورهم) و نأكُلُ تُرَاثَهُمْ (میراثهم) كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ (فى الدنيا) بَعدَهُم (الأموات) ثُمَّ قَدْ نَسينا كُلَّ (رجل) وَاعِظِ وَ (إمرأة) وَاعِظٍ (من الأموات وكفى بالموت واعظا) وَ رُمينَا (ضربنا بالسهام) بِكُلِّ فَادح (ثقيل من البلاء) و جَائحة (آفة هالكة للأصل و الفرع، داعية مستأصلة و مع ذلك لا نتّعظ).

123 - وَ قَالَ علیه السَّلام: طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسه (بخلاف من أعجب بنفسه) و طَابَ (طهر) كَسبَهُ وَ صَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ (باطنه) و حَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ (خلقه) وَ أَنْفَقَ الْفَضْلَ (الزائد من إحتياجه) مِن مَالِهِ (المكتسب من الحلال) وَ أَمْسَكَ (لم ينفق) الْفَضْلَ من لسانه (بل يخزنه فإنّ من تم عقله نقص كلامه) وَ عَزل (فصل) عَنِ النَّاسِ شَرِّهُ وَ وَسعتهُ السَّنَّةُ (كفته السنّة) وَ لَم يُنسَب إلَى الْبِدْعَة (فلم يتجاوز من السنة إلى البدعة، فإنّ المؤمن وسعته السنّة و الشريعة بما له من الحوائج فيأخذ حظّه بما فى السنّة و لم يكن له حاجة تضطّره إلى البدعة).

قال الرضي: أقول و من الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله صلّى الله عليه و آله و كذلك الذي قبله.

124 - وَ قَالَ علیه السَّلام: غَيْرَةُ الْمَرأة (الزوجها) كُفّر (بما فى الكتاب من جواز تعدد الزوجات) وَ غَيْرَةُ الرّجُلِ (لزوجته و حفظ حريمها) إيمان.

125 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَأَنْسُبنَّ الْإِسْلَامَ نسبةً لَم ينسبها (تلك النسبة) أحَدٌ قَبْلِي الْإِسْلَامُ هُوَ التسليم (عند الله تعالى) وَ التسليمُ هُوَ الْيَقينُ (بما أنزل) وَ الْيَقينُ هُوَ التَّصْدِيقُ (به) وَ التَّصْدِيقُ هُوَ الْإِقْرَارُ وَ الْإقْرَارُ هُوَ الْأَدَاء وَ الْأَدَاء هُوَ الْعَمَلُ (فالاسلام هو العمل بما جاء به الرسول صلّى الله عليه و آله و إنّ في العمل كلّا من التسليم و اليقين و التصديق و الإقرار و الأداء و هذا هو الإسلام)

126 - وَ قَالَ علیه السَّلام: عَجِبتُ للبخيل (الممسك للمال) يَستَعجِلُ الْفَقْرَ (يقع بالعجلة في الفقر) الَّذِي مِنْهُ هَربَ (فرّ) وَ يَفُوتُهُ الغِنَى الَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ (بالبخل و إمساك فضل ماله من

ص: 419

الإنفاق في موضعه) فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاء (حيث لا ينفق لنفسه و عياله) وَ يُحَاسَبُ في الْآخِرَةِ حِسَابَ (محاسبة) الأَغنِيَاءِ (لما يكنز من الذهب و الفضة) وَ عَجِبتُ للْمُتَكَبرِ الَّذِي كَانَ بِالْأمْسِ نُطْفَهُ وَ يَكُونُ (يصير) غَداً جِيفَةً (جسدا نتنا) وَ عَجِبْتُ لَمَنْ شَكَّ في الله (خالق كلّ شيء) وَ هُوَ يَرَى خَلْقَ اللهِ وَ عَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ وَ هُوَ يَرَى الْمَوْتَى (و لا يتّعظ بهم لأن فى كلّ ميّت موعظة و إعتبارا) و عَجِبْتُ لِمَنْ أَنْكَرَ النَّشْأَةَ (الخلقة) الْأُخْرَى وَ هُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الأولى (الّتى تدلّ على النشأة الأخرى كالربيع) و عَجِبْتُ لعَامِرِ دَارَ الْفَنَاء (و هى الدنيا) وَ تَارِكِ دَارَ الْبَقَاء (حيث هو شاغل بها عن دار البقاء و هي العقبى).

127 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ قَصْر (فرّط) في الْعَمَلِ (المكلّف به) ابْتُلِيَ بِالْهَمِّ، وَلاَ حَاجَةَ لله فِيمَنْ لَيْسَ لله فِي نَفْسِهِ وَ مَالِهِ نَصِيبٌ (فلابد تصيبهما مصيبة من الله تعالى فيصبر عليها لله تعالى فيثاب عليه و هذا هو نصيب الله و حاجته من مال العبد و نفسه).

128 - وَ قَالَ علیه السَّلام: تَوَفَّوا (إجعلوا أنفسكم فى وقاية من) الْبَرْدَفِي أَوَّلِهِ (و هو الخريف) وَ تَلَقَّوه (إستقبلوه) في آخره (و هو الربيع) فَإِنَّهُ (البرد) يَفْعَلُ فِي الْأَبْدَانِ كَفَعله فِي الْأَشْجَارِ أَوَّلُهُ يُحْرِقُ (الأوراق) و آخرهُ يُورِقُ (يوجد الأوراق).

139 - وَ قَالَ علیه السَّلام: عِظَمُ الخالِقِ عِنْدَك (بتأثير عظمته في القلب) يُصَغَرُ الْمَخْلُوقَ في عينك (فكلّما عظم الخالق عندك صغر ما دونه فی نفسک).

130 - وَ قَالَ علیه السَّلام وَ قَدْ رَجَعَ مِنْ صِفِّينَ فَأَشْرَفَ عَلَى الْقُبُورِ بِظَاهِرِ (خلف) الْكُوفَة : يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحشة (الموجبة للوحشة و هي خلاف الأنس) و المَحَالّ (الأماكن) الْمُقْفرة (الّتي لا ساكن فيها و لا نابت) وَ الْقُبُورِ الْمُظْلِمَة يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ يَا َأهْلَ الْغُربة يَا أَهْلَ الْوَحدَة يَا أَهْلَ الوَحْشَة أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ (و هو المتقدّم الى الماء) سَابِقٌ وَ نَحْنُ لَكُمْ تَبَعّ (تابع) لاحقٌ أمّا الدُّورُ فَقَدْ سُكَنَتْ وَ أَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكَحَتْ و أما الأموال فَقَدْ قَسَمَتْ هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ لَأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ خَيْرَ الزَّادِ (من الدنيا) التَّقْوَى.

ص: 420

131 - وَ قَالَ علیه السَّلام: وَ قَدْ سَمِعَ رَجُلًا يَذُمُ الدُّنْيَا أَيُّهَا الذَّامُ (العائب) لِلدُّنْيَا (باللسان) الْمُغْتَر (الواقع فى الغرر) بِغُرُورِهَا الْمَخْدُوعُ بِأَباطيلها (نعمها الزائلة) أ تَغْتَر بِالدُّنْيَا ثُمَّ تَذُمُهَا أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ (المدّعى للجرم) عَلَيْهَا أم هِيَ (الدنيا) الْمُتَجَرِّمَةُ (المدعية للجرم) عَلَيْكَ مَتَى اسْتَهْوَتْك (طلبت الدنيا هواك إليها) أَمْ مَتَى غَرَتْكَ أ (غرّتک) بِمَصَارِعِ (مساقط) آبَائِكَ (الماضين) مِنَ الْبِلَى (الفناء بالتحلّل و الفساد و التفرّق في الأجزاء و الأوصال) أَم (غرّتک) بِمَضَاجِع (مواضع نوم) أَمِّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى (التراب) كَمْ عَلَّلْتَ (خدمت العليل منهم في علتهم) بِكَفِّيكَ وَ كَمْ مَرَضْتَ (خدمت المرضى منهم فى مرضه) بِيَدَيْكَ تَبْتَغِي (تطلب) لَهُم الشَّفَاء (من الله) وَ تَسْتَوْصِف (طلبت وصف الدواء) لَهم (من) الاْطِبَّاءَ،غَدَاة (في صباح) لا يُغْنِي عَنهُم دَوَاؤُكَ وَ لَا يُجدِي (ينفع) عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ لَم يَنفَعُ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ (خوفك عليه أو رأفتك له) وَ لَمْ تُسْعَفْ (تُعط) فيه أحدهم أو في تمريضک و تعلیلك إياهم) بطلبتك (مطلوبك و هو الشفاء لهم) وَ لَم تَدْفَع عَنْهُ (أحدهم من المرضی من آبائک و أمهاتک الموت) بِقُوَّتِكَ و قَدْ مَثَّلَتْ لَكَ به (أحدهم) الدُّنْيَا نَفْسَكَ (كأنّ من مضى من آبائک لم یکن إلّا نفسك) وَ (قد مثلّت لک) بِمَصْرَعِهِ (موضع سقوط أحدهم) مَصْرَعَكَ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ (فيما أخبرت بلسان حالها) لمَنْ صَدَقَهَا وَ دَارُ عَافِيَة لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَ دَارُ عَنِّى لِمَنْ تَزَوَّدَ (أخذ الزّاد) منهَا وَ دَارُ مَوعظة لمَنِ اتَّعَظَ (قَبِلَ الوعظ) بِهَا (فيما أخبرت و إنّ الدنيا) مَسْجِدُ (موضع سجدة) أَحِبَّاءِ اللهِ، وَ مُصَلَّى (موضع صلاة) مَلاَئِكَةِ اللهِ، وَ مَهْبِطُ (موضع نزول) وَحْيِ اللهِ، وَ مَتْجَرُ (موضع تجارة) أَوْلِيَاءِ اللهِ، اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ، وَ رَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ (بما تزوّدوا منها) فَمَنْ ذَا يَذُمُهَا (هذه الدنيا) وَ قَدْ آذَنَتْ (أعلمت أخبرت) بِبَيْنِهَا (بعدها و بينونتها عن أهلها) و نَادَتْ بِراقِهَا وَ نَعَتْ (أخبرت بفقد) نَفْسَهَا وَ أَهْلَهَا فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلاتِهَا الْبَلَاء وَ شَوقَتُهُم بِسرورِهَا إِلَى السرورِ رَاحَتْ (تمشى فى وقت المساء) عَافِيَةِ وَ ابْتَكَرَتْ (تمشى وقت الصبح ، تصبح) بِفَحِيعَة (مصيبة فاجعة) تَرغيباً (تشويقا) وَ تَرهيباً (تخويفا) وَ تَخْوِيفاً وَ تَحْذِيراً فَذَّمْهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَة (و هو يوم القيامة و اولئک هم الذين إغتروا بها) وَ حَمدَهَا

ص: 421

(مدحها) آخَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (و اولئك هم الذين إتعظوا بها) ذَكَرَتْهُمُ (الحامدين) الدَّنْيَا فَتَذَكَّرُوا (بها) و حَدَّثَتْهُم فَصَدَّقُوا وَ وَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا (و لم يغتروا بها).

132 - وَ قَالَ علیه السَّلام : إِنَّ الله مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْم لدوا للموت (و اللام فيه و في ما بعده للصيرورة) وَ اجْمَعُوا (المال) لِلْفَنَاءِ، وَ ابْنُوا (الدور) لِلْخَرَابِ.

133- وَ قال علیه السَّلام : الدُّنْيا دَارُ مَمَرٍّ (مرور إلى الآخرة) لَا دَارُ مَقَر (قرار، إستقرار) وَ النَّاسُ فِيهَا رَجُلَانِ رَجُلٌ بَاعَ فِيهَا نَفْسَهُ فَأُوبَقَهَا (أهلكها) وَ رَجُلٌ ابْتَاعَ (إشترى) نَفْسَهُ فَأَعْتَقَهَا (خلصها من أسر الشهوات و الأغلال التي كانت عليه).

134 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا يَكُونُ الصَّديقُ صديقاً (لايعد صديقا) حَتَّى يَحفَظ (يراعى) أَخَاهُ فِي ثَلاَثٍ: فِي نَكْبَتِهِ (مصيبته وَ شدّته) وَ غَيْبَتِهِ (عن ماله و عياله) وَ وَفَاتِهِ. (فيحفظ عياله و ماله).

135 - وَ قَالَ علیه السَّلام : مَنْ أُعْطِيَ أَرْبعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحرم الْإِجَابَة (لإقترانهما) وَ مَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ (الرجوع من الذنب) لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ (لأنّهما مقترنان) وَ مَنْ أُعْطِيَ الاْسْتِغْفَارَ (من الذنب) لَمْ يُحْرَمِ المَغْفرَةَ (من الله تعالى حيث إنّهما يقترن أحدهما بالآخر) وَ مَنْ أَعْطِيَ الشَّكْرَ (بما أعطاه الله تعالى) لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ (في النعيم للإقتران).

قال الرضي: و تصديق ذلك كتاب الله قال الله في الدعاء ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ و قال في الاستغفار وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَو يَظْلِمُ نَفْسَهُ ثُمَّ يَستَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً و قال في الشكر لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ و قال في التوبة إِنَّمَا التَّوبةُ عَلَى اللهِ للَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأولئكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللهُ عَلِيماً حكيماً.

136 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الصَّلَاةُ قُرَبَانُ (مقرّب) كُلِّ تَقِي وَ الْحَجَّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيف (عن المقاتلة) وَ لكُلِّ شَيْء زَكَاةً (نماء ، بركة، طهارة، صلاح) وَ زَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ (الصوم) وَ جِهَادُ الْمَرْأَة حُسْنُ التَّبَعُّلِ (و هو حسن المعاشرة لبعلها).

137 - وَ قَالَ علیه السَّلام: اسْتَنْزِلُوا اطلبوا نزول) الرِّزْقَ (من خزائنه تعالى) بِالصَّدَقَة فربّ

ص: 422

صدقة أجلب للرزق من التجارة).

138 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ أَيْقَنَ (لم يشكّ) بِالْخَلَفِ (لما ينفق من ماله) جَادَ (سخى) بِالْعَطِيَّةِ (فمن أنفق ممّا رزقه الله تعالى فعليه الإيقان بالخلف).

139 - وَ قَالَ علیه السَّلام : تَنْزِلُ الْمَعُونَهُ (العون من عند الله تعالى عند الشدائد) عَلَى قَدْرِ الْمَئّونَة (الشدّة و الثقل لأنّه لا يكلّف نفسا إلّا وسعها).

140-و قَالَ علیه السَّلام: مَا عَالَ (إفتقر) مَنِ اقْتَصَدَ (فالمقتصد هو الّذي لم يذهب إلى الإفراط و التفريط في بذل المال).

141- و قال علیه السَّلام: قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ (و هو اليسر فى الدنيا و هو إخبار عن التكوين و ليس فيه تشويق و ترغيب لقلّة العيال بل فيه ترهيب منها لأنّ حلاوة الدنيا و يسرها مرارة الآخرة و مرارة الدنيا و من أكبرها كثرة العيال حلاوة الآخرة).

142- و قال علیه السَّلام الْتَّوَدُّدُ (حبّ الناس، مودّتهم) نصفُ الْعَقْلِ.

143-و قَالَ علیه السَّلام: الْهَمْ (الحزن) نصفُ الْهَرَم.

144 - وَ قَالَ علیه السَّلام: يَنْزِلُ الصَّبْرُ (من الله تعالى) عَلَى قَدْر المُصيبَة (فلا ينزل على عبده مصيبة إلّا أعطاه الصبر من قبل على قدرها) وَ مَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخذه (جزعا، أسفا) عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ عَمَلُهُ (و هو الصبر على تلك المصيبة).

145 - وَ قَالَ علیه السَّلام: كَمْ مِنْ صَائِمِ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامه إلَّا الْجُوعُ وَ الظَّمَأُ (العطش) وَ كَمْ مِنْ قَائِم (مصلّ) لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ (اليقظة فى الليل) وَ العَنَاءَ (التعب) حَبْذًا (نعم) نَومُ الْأَكْيَاسِ (العقلاء) وَ إِفْطَارُهُمْ (فمن نام على يقين من ولاية أهل البيت و أفطر فهو خير ممّن قام و صام و هو في شكّ منها).

146- و قال علیه السَّلام: سوسوا (حافظوا) إيمانَكُم بِالصَّدَقَة و حَصَنُوا أَمْوَالَكُم (إجعلوها في الحصن من البلايا) بالزَّكَاة وَ ادْفَعُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاء.

147 - وَ مِنْ كَلَامِ لَهُ علیه السَّلام لِكُميلِ بنِ زِيَادِ النَّخَعِي قَالَ كُمَيلُ بْنُ زِيَادٍ أَخَذَ بِيدِي أَمِير

ص: 423

الْمُؤْمِنِينَ عَلي بن أبي طَالِبٍ علیه السَّلام فَأَخْرَجَنِي إِلَى الْجَبَّانِ (المقابر) فَلَمَّا أَصْحَرَ (صار في الصحراء) تَنفّس الصّعَدَاء (نفسا عاليا) ثُمَّ قَالَ:

يَا كُميل بن زياد: إِنَّ هَذه الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ (ظروف ، و لم يقل علیه السَّلام هذه الأذهان لأنّ العلم لا خير فيه إلّا إذا إستقرّ فى القلب) فَخَيْرُهَا (القلوب) أَوْعَاهَا (أوسعها) فَاحْفَظْ عَنِّى مَا أقُولُ لَك النَّاسُ ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ (و هو المتالّه العارف بالله الآخذ منه العلم بلا واسطة و هو النبيّ أو الوصىّ) وَ مُتَعَلِّمٌ (بالإستضائة من العالم الربّاني) عَلَى سَبِيلِ نَجاة (و هم شيعة المرتضى من الأوصياء الإمام علىّ علیه السَّلام الّذين يأخذون منه العلم) وَ هَمَجٌ (حمقى أراذل) رَعَاعٌ (أحداث طغام لا منزلة لهم فى الناس و هم الّذين ينكرون ولايته علیه السَّلام أو المراد من الرعاع هو قسم من أقسام البعوضة، و إنّهم) أَتْبَاعُ كُلُّ نَاعِقِ (داع) يَمِيلُونَ معَ كُلِّ رِيح لَم يَستَضيئُوا (يطلبوا الضياء) بِنُورِ الْعِلْمِ (من العالم الرباني) وَ لَمْ يَلْجَئوا (يأووا، يعوذوا) إِلَى رُكْنِ (معتمد، عمود) وَثِيقٍ (ثابت، مستحکم) يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ (و هو ثلاثة آية محكمة و فريضة عادلة و سنّة قائمة) خَير منَ الْمَالِ (لأنّ) الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ (يحفظك من الهلكات) وَ أَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ وَ الْمَالُ تَنْقُصُهُ النِّفَقَةُ (الإنفاق) وَ الْعِلْمُ يَزْكُو (ينمو) عَلَى الْإِنْفَاقِ (بذله للمتعلّم) وَ صَنِيعُ الْمَالِ (مصنوعه من الآبّهة و الجمال) يَزُولُ بِزَواله (فناء المال) يَا كُمَيْلَ بنَ زِيَادٍ مَعْرِفَهُ العِلْمِ دِينٌ يُدَانُ ( یجازی) بِه، بِه (العلم) يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَاعَة (لله و لرسوله و لأولى الأمر) فِي حَيَاتِهِ، وَ جَمِيلَ الاْحْدُوثَةِ (الأقوال الجميلة) بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَ الْعِلْمُ حَاكِمٌ (على المال) وَ الْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيه (بالعلم) يَا كَمَيْلُ هَلَكَ خُزَّانُ الأموال (خازنيها للورثة) وَ هُمْ أَحْيَاءٌ، وَ الْعَُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ (مدّة بقاء) الدَّهْرُ أعْيَانُهُمْ (أجسامهم) مَفْقُودَةٌ (عن الأنظار) وَ أَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ موجودَةٌ هَا إِنَّ هَاهُنَا (فى قلبى الواعى للعلم) لَعِلْماً جَمّاً (كثيرا) وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ لَوْ (ليت) أصَبْتُ أدركت) لَهُ (هذا العلم الكثير) حَمَلَةَ (حاملين) بلى أصَبْتُ لَقِناً (ذا ذكاوة فى الفهم) غَيْر مَأْمُون عَلَيْهِ مُسْتَعْملًا آلَة الدِّينِ للدُّنْيَا وَ مُسْتَظهِراً (طالبا للغلبة) بِنِعَمَ اللهِ (و أكبرها هو العلم) عَلَى عِباده و بحججِه عَلَى أوليائه أَوْ

ص: 424

(أصبت) مُنْقَاداً (مطيعا) لِحَمَلَةِ الْحَقِّ (و مقلّدا لهم) لاَ بَصِيرَةَ (نور عقل) لَهُ فِي أَحْنَائِهِ (خفايا العلم و دقائقه) يَنْقَدِحُ (يظهر) الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لاِوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ (من إشتباه الحقّ بالباطل) ألا لا ذَا (القسم الثانى) وَ لَا ذاكَ (القسم الأوّل فهما لا يستحقّان العلم) أَوْ (أصبت) مَنْهُوماً (حريصا، مفرطا) بِاللَّذَة سَلسَ (سهل) القياد للشَّهْوَة أو (أصبت) مغرماً (مولعا ، حريصا) بِالْجَمْعِ وَ الاِذْخَارِ (للمال) لَيسَا (القسمان الأخيران) مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ (مراعيه، محافظيه) في شَيء (قليل) أقْرَبُ شَيْء شَبَهَا بِهِمَا الْأَنْعَامُ (البهائم) السَّائِمَةُ كَذَلِكَ (لعدم وجود الحامل للعلم) يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ. اللَّهُمَّ بَلَى لاَ تَخْلُو الاْرْضُ مِنْ قَائِمٍ للهِ بِحُجَّةٍ (بيّنة قاطعة) إمّا (كان ذاك القائم لأمر الله) ظَاهِراً مَشْهُوراً (بين الناس) وَ إِمَّا خَائِفاً مَغمُوراً (غائبا) لِئَلَّا تَبْطلَ حُجج الله و بيناتُهُ وَ كَمْ ذَا (القائم لله) وَ أَيْنَ أُولئِكَ؟ أُولئِكَ وَ اللَّهِ الاْقَلُّونَ عَدَداً، وَ الاْعظَمُونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً، یَحفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ، حَتَّى يُودِعُوهَا (يجعلوها وديعة في) نظراءهم و يزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ (من حجج الله) هَجَمَ (صال) بهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقيقَة (الْبَصيرة للحقّ) وَ بَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ (فلم يشكّوا فى حقّ) وَ اسْتَلانُوا (عدّوا لينا) مَا اسْتَوْعَرَهُ (عدّه و عرا و خشنا) الْمُتْرَفُونَ (المتنعّمون بكلّ نعمة) وَ أَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ وَ صَحبوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانِ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَهُ بِالْمَحَلَّ الْأَعْلَى (الملكوت) أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ وَ الدُّعَاةُ (الداعين) إِلَى دِينِهِ (بالقول و العمل) آهِ (أتوجع) آهِ شوقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمُ انْصَرِفُ (إرجع) يَا كَمَيلُ إِذَا شِئْتَ.

148 - وَ قَالَ علیه السَّلام الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ (مخفی) تَحْتَ لِسَانِهِ. (منطقه و كلامه فإذا تكلّم عرف).

149- وَ قَالَ علیه السَّلام: هَلَكَ امْرُؤُ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ (منزلته فيتجاوز عنها).

150 - وَ قَالَ علیه السَّلام لَرَجُل سَألَهُ (طلب منه) أَنْ يَعظَهُ: لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو (السعادة في) الْآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلِ (صالح) وَ يُرَجِّي (يؤخّر) التّوبَة (الرجوع الى الله) بِطُولِ الْأَمَلِ يَقُولُ فِي الدَّنْيا (بذمّها) بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ، وَ يَعْمَلُ فِيهَا بَعَمَلِ الرَّاغِبِينَ (المشتاقين) إِنْ أُعْطِيَ (شيئا) مِنْهَا

ص: 425

لَمْ يَشْبَعْ (لحرصه عليها) وَ إِنْ مُنعَ مِنْهَا (و لم يعط شيئا منها) لَمْ يَقْنَع (بما أعطى من قبل) يعْجِرُ عَنْ شَكْرٍ مَا أُوتِيَ (أعطى من الدنيا) وَ يَبْتَغِي (يطلب) الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ (من الدنيا، بل ينبغى أن يطلب الزيادة بالشكر لا بالحرص و الأول رزق طالب و الثاني رزق مطلوب) يَنْهَى (غيره) وَ لَا يَنْتَهِي (لا يقبل النهى من الغير) و يأمرُ بِمَا لَا يَأْتِي (يعمل) يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَ لَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ (الصالح) و يُبغِضُ الْمُدْنِبِينَ (العاصين) وَ هُو أَحَدُهُم يَكْرَهُ الموتَ لكَثْرَةِ ذُنُوبِه وَ يُقِيمُ (يدوم) عَلَى مَا (الذنب الّذى) يَكْرَهُ (يبغض ) الْمَوْتَ من أجله إِنْ سَقمَ (علّ، مرض) ظلَّ (صار) نَادِماً (خوفا من الموت) وَ إِنْ صَحَّ (برئ) أَمِنَ لَاهِياً (مشغولا باللهو) يعجب بِنَفْسِهِ إِذَا عُوفييُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عُوفِيَ (لم يُبتل) و يَقْنَطُ (ييأس) إِذَا ابْتُلِيَ إِنْ أَصَابَهُ بَلاء دَعَا (ربّه) مُضْطَراً (منقطعا خالصا) وَ إِنْ نَالَهُ (أصابه) رَخَاءِ (سعة، دعة) أعْرضَ (عن ربّه) مُغْتَراً (بما أصابه من الرّخاء) تَغْلَبَهُ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَظُنُّ (من إحتمال الوصول إلى متاع الدنيا) وَ لَا يَغْلَبُهَا (نفسه) عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ (من الموت و ما بعده) يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى (أقل) مِنْ ذَنْبِهِ وَ يَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ إِنِ اسْتَغْنَى بَطِرَ (إغتر بالنعمة) و فُتِنَ وَ إِنِ افْتَقَر قَنطَ (أيس) وَ وَهَنَ (ضعف) يُقَصِّرُ (يفرط) إِذَا عَمِلَ وَ يُبَالِغُ (يلحف يصرّ) إِذَا سَأَلَ (من الناس شيئا) إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ (لذّة مانعة عن الخير) أسْلَفَ (قدم) الْمَعْصية (الخلاف لما يأمر به الله تعالى و سَوْفَ (أخر) التّوبَة ( بطول الأمل) و إنْ عَرَتْهُ (غشيته ، غطّته) مِحْنَةٌ (بلاء) انْفَرَجَ (إنخلع، بعد) عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ (الدين) يَصِفُ الْعِبْرَةَ (هي كلّ ما يعتبر به) وَ لَا يَعتَبِرُ (منها) وَ يُبالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ وَ لَا يتَعِّظُ فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدلَّ (المستعلى على الأقران) وَ مِنَ الْعَمَلِ مُقلّ (مقصر) يُنَافِسُ (يتسابق) فِيمَا يَفْنَى (من نعيم الدنيا) وَ يُسامِحُ (يساهل) فِيمَا يَبْقَى (من نعيم الأبد) يَرَى الغُنمَ (الغنيمة و الربح و هو العمل الصالح) مَغْرَماً (غرامة و ضررا ) وَ الْغُرْمَ (و هو الإشتغال بالدنيا و ترك الآخرة) مَعْنَماً (غنيمة) يَخْشَى (يخاف) الْمَوْتَ وَ لَا يُبادر (يعاجل) الْفوْتَ (للفرصة) يَستعْظِمُ (يعدّ عظيما) مِنْ مَعْصِيَّةٍ غَيْرِهِ مَا (معصية) يَستَقلُّ (يعدّ قليلا) أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِه (من المعصية) وَ يَسْتَكْثِرُ (يعدّ كثيرا) مِنْ طَاعَته مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى النَّاسِ

ص: 426

طَاعِنٌ وَ لِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ (مسامح، مساهل) اللَّهْوُ (الفعل العبث) مَعَ الْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ (عنده) مِنَ الذِّكْرِ (لله) مَعَ الْفُقَرَاء (أى: الجلوس مع الأغنياء يورث اللغو و مع الفقراء يورث الذكر) يَحْكُمُ عَلَى غَيْره لنَفْسِهِ وَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا (نفسه) لغَيْرِه يُرشدُ غَيْرهُ (يهديه الى الرشد) وَ يُغْوِي (يضلّ) نَفْسَهُ فَهُوَ يُطَاعُ (فيما يأمر) وَ يَعْصِي (فيما يؤمر به) وَ يَسْتَوْفِي (يأخذ حقّه بتمامه) وَ لَا يُوفِي (حقّ الناس بتمامه) و يَخْشَى الخَلْقَ فِي غَيْرِ (ما أراد) رَبِّه وَ لَا يَخْشَى- رَبَّهُ فِي (رعاية حقوق) خَلقِهِ.

قال الرضي: و لو لم يكن في هذا الكتاب إلّا هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة و حكمة بالغة و بصيرة لمبصر و عبرة لناظر مفكر.

151 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لكُلِّ امْرِئٍ عَاقِبَهُ حُلْوَةً (و هى الجنّة) أو مُرَّةٌ (و هي النار و في هذه الحكمة مع و جازتها أصول عظيمة كاثبات المعاد و الجزاء و حکمته و عدله تبارک و تعالی و النبوّة و الإمامة).

152 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لِكُلِّ مُقْبِل (من نعيم الدنيا) إدْبار و مَا أَدْبَرَ (من نعيم الدنيا) كأنْ لَمْ يَكُنْ (يقع قطّ).

153 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا يَعْدَمُ (يحرم) اَلصَّبُورُ اَلظَّفَرَ (الفوز، الغلبة) وَ إِنْ طَالَ بِهِ (الظفر) اَلزَّمَانُ (فالصبر لابدّ أن يكون على قدر إطالة الزمان للظفر و به يتحقّق الصبور لا الصابر).

154 - وَ قَالَ علیه السَّلام: اَلرَّاضِی بِفِعْلِ قَوْمٍ (حقًا كان أم باطلا) كَالدَّاخِلِ فِيهِ (فعلهم) مَعَهُم وَ عَلَى كُلِّ دَاخِلِ فِي بَاطِلِ (بالرضى) إِثْمَانِ إثْمُ الْعَمَلِ بِهِ و إِثْمُ الرِّضَى بِهِ. (و كذلك على كلّ داخل في حقّ ثوابان).

155- وَ قَالَ علیه السَّلام: اعتَصِمُوا (تحصنوا استعيذوا إلتجئوا، إمتنعوا) بِالذّمَمِ (العهود) فِي أَوتَادِهَا (و هم الّرجال أهل النجدة الذين يوفون بالعهود أى اطلبوا حفظ العهود بهولاء الرجال و لا تركنوا إلى سفلة الناس في الذمم).

156 - وَ قَالَ علیه السَّلام: عَلَيْكُمْ (الزموا) بِطَاعَة مَنْ لَا تُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِه (أى بجهالتكم إيّاه و

ص: 427

هم أئمة الحقّ المعصومون فعليكم بمعرفتهم)

157 - وَ قَالَ علیه السَّلام : قَد بُصّرتُم (كشفت عن أبصاركم أغطية الحجاب) إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ قَدْ هديتُمْ (الى الرشد) إِنِ اهتَدَيتُم (قبلتم الهداية) وَ أُسمِعتُم (من كلام الحقّ) إِنِ استَمَعتُم.

158 - و قال علیه السَّلام: عَاتِب (لم، ذم) أَخَاكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ (فيستحيى منک)، وَ ارْدُدْ شَرهُ بِالْإِنْعَامِ عَلَيهِ.

159 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التَّهَمَة فَلَا يَلُومَنَّ (يعاتبن، يدْمَنْ) مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ (حيث بسط ألسنة الناس على نفسه بوضع نفسه مواضع التهمة).

160 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ مَلَكَ (رقاب الناس) استَأثَرَ (إستبدّ عليهم بالرأى).

161- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنِ اسْتَبَدَّ (إستأثر) بِرَأيِهِ (على الآراء) هَلَكَ، وَ مَنْ شَاوَرَ الرَّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولهَا (فيخرج عن الإستبداد المهلك).

162 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ كَتَم سره (فى صندوق سرّه و هو القلب) كَانَتِ الْخيَرَةُ (الإختيار) بِيَدِهِ.

163 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الْفَقْر (الإحتياج فى الرزق الكفاف إلى الناس) الْمَوْتُ الْأَكْبَرُ.

164 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ قَضَى (أدّى) حَقَّ مَنْ لا يَقْضِي (يؤدّى) حَقَّهُ فَقَدْ عَبْدَهُ (جعله عبدا لنفسه بالإحسان إليه و فيه تشويق إلى أداء الحقّ لمن لا يقضى الحقّ) [عَبَدَهُ] و فيه تنفير عن الأداء خلاف الأوّل).

165 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا طَاعَة لَمَخْلُوقِ (أىّ شخص كان) فِي مَعصِيَةِ (مخالفة) الْخَالِقِ (لأنّ الحقوق كلّها تتشعب من حقه تبارک و تعالی)

166 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا يُعَابُ (يذمّ) المَرءُ بِتَأخِيرِ حَقَّهُ إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ (من الحقّ، أى إنّ سالب الحقّ مستحق للذمّ كمن سلب حق الولاية من آل البيت).

167 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الْإِعْجَاب (الرضى بالنفس بما لها من الكمال) يَمنَعُ الِازدِيَادَ (فيما ليس لها من الكمال فيتوقف من السلوك إلى الله).

ص: 428

168 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الأمرُ (الموت) قَرِيبٌ وَ الِاصطِحَابُ (الصحبة مع الدنيا)قَلِيلٌ.

169 - وَ قَالَ علیه السَّلام: قَدْ أَضَاءَ (أنار) الصّبحُ (و هو هنا الحقّ الواضح) لذِيِ عَينَينِ (الّذى ينظر أمر الدنيا و الآخرة).

170 - وَ قَالَ علیه السَّلام: تَرَكَ الذَّنْبِ أَهْوَنُ (أسهل) مِن طَلَبِ المَعُونَةِ (التوبة، لما فيها من الشرائط الستّة للقبول).

171- و قَالَ علیه السَّلام: كَم مِن أَكلَةٍ (قليلة و هى الأكل من متاع الدنيا) مَنَعَتْ أَكَلَات (و هى التنعّم من نعيم الأبد).

172 - وَ قال علیه السَّلام: النّاسُ أَعدَاءُ مَا جَهِلُوا (فينكرون ما لا يعلمون أو أعداء جهلهم فيطلبون العلم).

173 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الآرَاءِ (بأن يطلبها و يأتيها من وجوهها الصحيحة) عَرَفَ مَوَاقِعَ الخَطَإِ.

174 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ أَحَدٌ (شحذ) سنَانَ (نصل مح) الغَضَبِ للَّه قَوِيّ (قهر) عَلَى قَتْلِ أشدّاء البَاطِلِ (الّذين كانوا أشدّاء فيه).

175 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِذَا هِبْتَ (خفت) أمراً (الصعوبته عند نفسك) فَقَعْ فِيهِ فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَفَّيه (التحذّر منه) أَعظَمُ (هيبة) مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ (من الوقوع في ذلك الأمر المخوف).

176 - وَ قَالَ علیه السَّلام: آلة الرياسَة سَعَةُ الصِّدْرِ (عند المخالف).

177 - وَ قَالَ علیه السَّلام: ازْجُرِ (إمنع إردع، إصرف) الْمُسِيءَ (عن إسائته) بِثَوَابِ الْمُحْسِنِ.

178- وَ قَالَ علیه السَّلام: احصُدِ (إقطع جزّ) الشَّرِّ منْ صَدْر غَيرِكَ بِقَلعِهِ (قطعه من الأساس) منْ صَدْرِكَ.

179 - وَ قَالَ علیه السَّلام: اللّجَاجَةُ (شدّة الخصام) تَسُلُّ (تذهب تنزع) الرأّي (الصواب فتترك الإنسان في الحيرة).

180 - وَ قَالَ علیه السَّلام : الطَّمَعُ (لما فى أيدى الناس) رِقّ (عبودية) مُؤَبّدٌ (لا خلاص منه).

ص: 429

181 - وَ قَالَ علیه السَّلام: ثَمَرَةُ (عاقبة) التَّفْرِيطِ (التقصير فى الأمور) النَّدَامَهُ وَ ثَمَرَةُ الْحَزْمِ (ضبط الأمور و إحكامها)السّلَامَةُ (من عواقب السوء ثمّ الندامة).

182 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ (السكوت) عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرٌ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ (لأنّ الأول تفريط و الثانى إفراط و هما خارجان عن الحكمة و الإعتدال).

183 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَا اخْتَلَفَتْ دَعْوَتَانِ إِلَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا ضَلَالَةٌ (و هذا أقل الأمر المتيقّن لأنّه يمكن أن تكون كلتا الدعوتان إلى الضلالة).

184 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذ (من زمان) أريتُهُ (إلى الآن فقد أراني رسول الله صلّى الله عليه و آله الحقّ فصرت أوّل من آمن به).

185 - و قال علیه السَّلام: مَا كَذَبْتُ وَ لا كُذَبْتُ وَ لا ضَلَلْتُ وَ لا ضُلَّ بي (لعدم تأثّر نفسه الزكيّة من النفس الأمّارة بالسوء من الباطن و لا من إبليس و جنوده من الخارج و هذا هو العصمة).

186 - وَ قَالَ علیه السَّلام: للظَّالِمِ الْبَادِي (الظاهر للظلم ، المجاهر له) غَداً (يوم القيامة) بِكَفِّه عَضَةٌ (ندامة وحسرة بما ظلم).

187 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الرّحيلُ (من الدنيا الى الآخرة) وَ شِيكٌ (قريب).

188 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ أَبْدَى (أظهر) صَفْحَتَهُ (وجهه) للحَقِّ (ليغالبه) هَلَكَ (أو: من أبدى صفحته لنصرة الحقّ هلك لكثرة مخالفيه).

189 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ لَمْ يُنجِهِ الصّبرُ (عند ملمّات الدهر) أَهْلَكَهُ الْجَزَعُ (الأسف الحزن الشكاية عنها فعند المصيبات لابدّ من الصبر و إلا فالهلاك لابدّ منه).

190- و قَالَ علیه السَّلام: وا عَجَبَاهُ أتَكُونُ (تقع) الخلافة (لرسول الله صلّى الله عليه و آله بعد رحلته) بِالصَّحَابَة وَ الْقَرابَة (قاله لعثمان بعد البيعة له في تلك الشورى فيا لله و للشورى).

قال الرضي و روي له شعر في هذا المعنى:

ص: 430

فَإِنْ كُنْتَ (يا عثمان) بِالشُّورى مَلَكْتَ أُمُورَهُمْ * فَكَيْفَ بهذا (الأمر من الشورى ملكتها) وَ المُشِيرُونَ (أصحاب الرأى و النظر و أنا منهم بل أفضلهم) غُيَّبُ(غائبون).

وَ إنْ كُنتَ بِالْقُرْبِي حَجَجْتَ خَصِيمَهُمْ (مخاصميهم للخلافة فى الشورى) * فَغَيْرُكَ (يريد نفسه عليه السَّلام) أَوْلَى بِالنَّبِيِّ وَ أَقْرَبُ (رحما و صحبة فالحق لنا دونكم).

191 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّمَا الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ (هدف) تَنْتَضِلُ (ترمى) فِيهِ (الغرض) الْمَنَايَا (جمع منية : أى الموت) وَ (المرء) نَهْبٌ (منهوب مسروق) تُبَادِرُهُ (تتسابق إليه ) الْمَصَائِبٌ وَ مَعَ كُلِّ جُرعَةِ (من الدنيا) شَرَقٌ (وقوف الماء فى الحلق) وَ فِي كُلِّ أَكْلَةٍ (منها) غَصَصٌ (و هو ما يعترض في الحلق من الطعام) وَ لاَ يَنَالُ (يصيب، يدرك) الْعَبدُ نَعْمَةَ إِلَّا بِفِرَاقِ (نعمة) أُخْرَى- وَ لاَ يَسْتَقْبِلُ (المرء) يوماً مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا بِفِراقِ (يوم) آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ (مهلته في الدنيا) فَنَحْنُ أَعْوَانُ (أنصار) الْمَنُونِ (الموت علينا) وَ أَنْفُسُنَا نَصْبُ (منصوبة ل-) الْحُتُوف (جمع حتف أى: هلاک) فَمَنْ أَيْنَ نَرْجُو البَقَاءَ (فى الدنيا) و هَذَا اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ لَمْ يَرْفَعَا مِنْ شَيْءٍ شَرَفاً (مكانا عاليا، حسبا) إِلاَّ أَسْرَعَا الْكَرَّةَ (الرجعة إلى ذاك الشيء) في هَدْمِ (تمزيق) مَا بَنَيَا وَ (فى) تَفْرِيقِ مَا جَمَعَا (من الشرف المصاحب لذلك الشيء).

192- و قال علیه السَّلام: یَا اِبْنَ آدَمَ مَا کَسَبْتَ فَوْقَ قُوتِکَ (أكثر مما تحتاج إليه في المعاش من الرزق البلاغ و الكفاف) فَأَنْتَ فِیهِ خَازِنٌ لِغَیْرِکَ (من الوارثين فاقتصد و أنفق الفضل من مالک تخلص من ثقله و وباله).

193 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً (ميلا، رغبة) و إقبالًا (إلى الآخرة) وَ إِدْبَاراً (عنها) فَأْتُوهَا (تصرفوا فيها) مِنْ قِبَلِ (جهة، ناحية) شَهْوَتِهَا وَ إِقْبَالِهَا (فاحملوا عليها النّوافل) فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أَكْرِهَ (أجبر فى حين الإدبار) عَمِیَ ( عن طريق الهداية و إستصعبت فيما تكره فعليكم بالإقتصار على الفرائض حين إدباره).

194 - وَ كَانَ علیه السَّلام: يَقُولُ مَتَى أَشْفِي غَيْظِي (سورة غضبى) إِذَا غَضِبْتُ؟ أَحِينَ أَعْجِزُ عَنِ الانْتقَامِ (عمن أغضبني) فَيُقَالُ لِي لَو (ليت) صَبَرتَ (عن الإنتقام حيث لا تقدر عليه) أمّ

ص: 431

ینَ أَقْدِرُ عَلَیْهِ (الإنتقام) فَیُقَالُ لِی لَوْ (ليت) عَفَوْتَ (و ليت جعلت العفو شكرا لتلك القدرة على الإنتقام، فالإنتقام في كلا الفرضين ينتفى إما لإنتفاء سببه في الفرض الأول أو لمانع عارض للسبب في الثاني).

195 - و قال علیه السَّلام: وَ قَدْ مَرَّ بِقَدْرِ (درن، رجس، نجاسة) عَلَى مَزبَلَة: هَذَا (القذر) مَا بَخِلَ بِهِ الْبَاخِلُونَ (و أكلوه فوق الحاجة فدفعوه أو أسرفوه بغير الأكل) وَ رُوِيَ فِي خَبر آخَرَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا (القذر) مَا كُنتُمْ تَتَنافَسُونَ فِيه (تتسابقون اليه) بِالْأَمْسِ (فلا تبخلوا بإنفاق الفضل من المال حتى لا يصير قذرا بل صار لكم ذخرا في المعاد).

196 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَمْ یَذْهَبْ مِنْ مَالِکَ مَا (ذهب و تلف و لكن) وَ عَظَكَ (فإتّعظت به).

197 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ هَذه الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلَّ الْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا (اطلبوا) لَهَا (القلوب) طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ ( غرائبها، دقائقها، لطائفها و فيها حياة القلوب).

198- وَ قَالَ علیه السَّلام لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ اَلْخَوَارِجِ (المارقين) لا حُكْمَ إِلَّا لِلّهِ: کَلِمَةُ (كلام) حَقٍّ یُرَاد (يقصد) بِهَ (تلك الكلمة) بَاطِلٌ (و هو الخروج على الإمام و إثارة الفتنة في المسلمين).

199- وَ قَالَ علیه السَّلام: فِی صِفَةِ اَلْغَوْغَاءِ (أوباش النّاس) هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا (و عرفوا) وَ إِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ یُعْرَفُوا (لضعتهم و عدم شرفهم) وَ قِیلَ بَلْ قَالَ عَلَیْهِ اَلسَّلاَمُ: هُمُ اَلَّذِینَ اجْتَمَعُوا ضَرُّوا (النّاس) وَ إِذَا تَفَرِّقُوا نَفَعُوا (هم) فَقِيلَ قَدْ عَرَفْنَا مَضَرَّةَ (ضرر) اِجْتِمَاعِهِمْ فَمَا مَنْفَعَةُ افْتِرَاقِهِمْ فَقَالَ يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْمِهَنِ (الحرف الصناعات) إِلَى مِهْنَتِهِمْ فَيَنْتَفِعُ النّاس بِهِم کَرُجُوعِ اَلْبَنَّاءِ إِلَی بِنَائِهِ وَ اَلنَّسَّاجِ إِلَی مَنْسَجِهِ وَ اَلْخَبَّازِ إِلَی مَخْبَزِهِ.

200- و قَالَ علیه السَّلام: و أتِيَ بِجَانِ و مَعَهُ غَوْغَاءُ فَقَالَ لا مَرحَباً (سعة، عافية) بِوُجُوهِ لَا تُرَى (تعرف) إِلَّا عِنْدَ كُلَّ سوأةِ (سوء).

201 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانِ مَلَكَيْنِ (من معقّبات اللّه تعالى) يَحفَظانِهِ (من أمّر اللّه، يدفعان عنه أمّواج البلاء من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله) فَإذَا

ص: 432

جَاءَ القَدَرُ (القضاء الحتم) خَلَّيَا بَينَهُ (الإنسان) و بينَهُ (القدر) وَ إِنَّ الْأَجَلَ (هو القدر و هو) جنّةٌ ( وقاية) حصينةٌ (مانعة عن أمّر اللّه تعالى و وقائعه و حوادثه)

202 - وَ قَالَ علیه السَّلام وَ قَدْ قَالَ لَهُ طَلْحَةُ و الزّبير نَبَايِعُكَ عَلَى أَنَّا شُرَكَاؤُكَ في هَذَا الْأَمْرِ (الإمارة): لا (أشارككما فيها) وَ لَكنَّكُمَا شَرِيكَانِ فِي الْقُوَّة (لى) و الاستعانة (منى بكما) و عَوْنَانِ (ناصران) عَلَى (دفع) العجز و الأود (الإعوجاج من الأمّة فكونا للظالم خصما و للمظلوم عونا).

203 - وَ قَالَ علیه السَّلام: أَيُّهَا النّاس اتَّقُوا اللّه الَّذِي إِنْ قُلْتُمْ (تكلّمتم، تحدّثتم) سمع (مقالتكم) و إنْ أَضْمَرْتُمْ (أخفيتم ) عَلمَ (مضمركم ما فى (ضميركم) و بادروا (سابقوا) الْمَوْتَ الَّذِي إِنْ هَربتم (فررتم) مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ وَ إِنْ أَقَمْتُمْ (فى مقامكم) أَخَذَكُمْ وَ إِنْ نَسيتُمُوهُ ذَكَرَكُمْ (فلستم بمغفولين و إن كنتم غافلين).

204- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا يُزَهِّدَنَّكَ (يذهبنّ برغبتك) في الْمَعْرُوفِ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ (ذاك المعروف) لَكَ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْه (المعروف) مَنْ لَا يَستَمتِعُ (يتمتّع) بِشَيء مِنهُ (المعروف و هو اللّه تعالى) وَ قَدْ تُدْرِكُ (تصيب) منْ شُكْرِ الشَّاكِرِ (الّذى ليس بالمستمتع من معروفک و هو اللّه تعالى) أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ (أهلک) الْكَافِرُ (غير الشاكر لمعروفک) وَ اللّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (فيشكرهم).

205- وَ قَالَ علیه السَّلام: كُلُّ وِعاء (ظرف إناء) يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ (و صبّ) فِيهِ إِلَّا وِعَاءَ الْعِلْمِ فَإنّهُ (وعاء العلم) يَتّسِعُ بِهِ (العلم).

206- و قَالَ علیه السَّلام: أوَّلُ عِوَضِ الحَليمِ مِن حِلمِهِ (عند الجهلة من النّاس) أَنَّ النّاس أَنْصَارُهُ (أعوانه) عَلَى الْجَاهِلِ.

207- وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنْ لَمْ تَكُنْ حَليماً ( عند الجاهل) فَتَحَلَّم (تشبّه بالحليم) فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلَّا أُوشَكَ (قرب) أَنْ يَكُونَ (يصير) مِنْهُمْ.

208 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَ مَنْ غَفَلَ عَنْهَا (و أهملها) خَسرَ - وَ مَنْ

ص: 433

خَافَ ( من شر نفسه و راقبها) أمِّنَ (من شرور ها) و مَنِ اعْتَبَرَ (من العبر) أبصَرَ (حقيقة الدنيا) وَ مَن أبصَرَ فَهِمَ (ما يراد بها) وَ مَن فَهِمَ عَلِمَ (الغاية من الدنيا و ما فيها من النَّعیم الزائل).

209- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَتَعْطفَنَّ (تميلنَّ) الدُّنْيَا عَلَيْنَا (أهل البيت) بَعْدَ شماسها (إمتناع ظهر ها من الركوب) عَطفَ الضَّرُوس (النّاقة سيئة الخلق تعضّ حالبها ليبقى لبنها لولدها) عَلَى وَلَدَ هَا وَ تَلَا (قرء) عَقيبَ ذَلكَ (الكلام) وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا (جعلوا ضعفاء بالقهر عليهم) فِي الأرضِ وَ نَجْعَلَهُم أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ.

210- و قَالَ علیه السَّلام: اتَّقُوا اللّه تَقيّةَ مَن شَمَّرَ (تجهّز، تأهّب، أسرع ، مّر مسرعا) تَجرِيداً (عن كلّ ما يمنعه من السرعة في سيره إلى اللّه تعالى) وَ جَدَّ تَشْميراً (تسريعا فى السير) وَ كَمّشَ (أسرع) في مَهَلٍ (إمهال له فى الدنيا للتزود) وَ بَادَرَ (سابق) عَن وَجَلٍ (خوف ) وَ نَظَرَ فِي كَرَّةِ (رجعة) المَوئِلِ (المرجع، المستقر) وَ (نظر فی) عَاقِبَةِ الْمَصْدَرِ (موضع الصدور و الخروج من الدنيا إلى الآخرة أخرج منها سالما إلى دار السَّلام أمّ لا) وَ (فى) مغبَّةِ (عاقبة) المَرجِعِ (من الجنّة أو النّار).

211 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الْجُودُ (السخاء) حَارِسُ الْأَعْرَاضِ وَ الْحِلْمُ (الصبر عند الجاهل) فِدَامُ (ما يسدّ به فم) السِّفيهِ (ضعيف العقل) وَ الْعَفْوُ (عند القدرة) زَكَاةُ ( طهارة، نماء) الظَّفَرِ (الفوز) و السّلُوّ (الذهول عن ذكر الشيء و هجره) عِوَضُكَ مِمَّنْ غَدَرَ (خان فعلیک بنسيان الخائن و تركه) وَ الاسْتشَارَةُ (طلب المشورة من الرجال للمشاركة في عقولهم) عَيْنُ الْهِدَايَةِ وَ قَدْ خَاطَرَ (وقع فى الخطر) مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأيِهِ (و لم يستشر) و الصَّبرُ يُنَاضِلُ (يدافع) الحدثَانَ (نوائب الدهر) و الْجَزَعُ (و هو ضدّ الصبر عند الحدثان) مِن أعوَانِ الزَّمَانِ (على الجازع ليغلبه) وَ أَشْرَفُ الغِنَى تَركُ الْمُنَى (الأمّل) وَ كَمْ مِنْ عَقْلِ أَسيرِ تَحتَ هَوَى أمِّيرِ وَ مِنَ التَّوْفِيقِ (موافقة الأسباب للوصول إلى الغاية) حِفظُ التَّجرِبَةِ وَ الْمَوَدَّةُ قَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ (مكتسبة بخلاف القرابة بالآباء و الأمّهات فإنّها لا تكتسب بل قهريّة تكوينيّة) وَ لَا تَأَمَنَنَّ مَلُولًا (سريع الملل كثير الملل لأنّه يملّ سريعا فلا يكون لك عونا فيها).

ص: 434

212 - وَ قَالَ علیه السَّلام: عُجْبُ الْمَرْء بِنَفْسه أَحَدُ حُسَّادِ (حاسدى) عَقْلِهِ (يمنعه من أن يرى عيوبه فيقف و لا يرقى)

213 - وَ قَالَ علیه السَّلام: أغْضِ (إقبض جفونك) عَلَى الْقَذَى (الشيء الّذي يسقط في العين) وَ (على) الْأَلَمِ تَرْضَ أَبَداً (و هو كناية عن الصبر أو ترك حبّ الدنيا حيث قال علیه السَّلام: القلب مصحف البصر، إلّا أنّ الأوّل أظهر و الثانى ألطف و الجمع بينهما أمّثل بأنّ ترك حبّ الدنيا صعب يحتاج إلى الصبر و هو كقبض الجفون على القذى).

214 - و قال علیه السَّلام: مَنْ لَانَ (سهل) عُودُهُ (طبیعته و خليقته) كَثُفَتْ (كثرت) أَغْصَانُهُ (يريد بها أصدقائه).

215 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الخلاف (المخالفة التى فى الآراء المختلفة) يَهْدِمُ الرَّأيَ (الصواب).

216 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ نَالَ (بلغ و أدرك مراده من الدنيا أو أعطى النّاس) اسْتَطَالَ (إستعلى على النّاس لأنّ الإنسان ليطغى أن رآه إستغنى على الأوّل أو إستعلى و ساد عليهم بالفضل على الثانى).

217 - وَ قَالَ علیه السَّلام: في تَقَلُّبِ (تغيّر) الأحْوالِ (بما فى الدهر من النّوائب) عِلْمُ (معرفة) جَوَاهِرِ الرِّجَالِ (و هى حقيقتهم المكنونة فيهم).

218 - وَ قَالَ علیه السَّلام: حَسَدُ الصَّدِيقِ مِنْ سُقْمِ (مرض عدم صحّة) الْمَوَدَّةِ (المحبّة).

219 - وَ قَالَ علیه السَّلام: أَكْثَرُ مَصَارِعِ (مقاتل) الْعُقُولِ تَحتَ بُرُوقِ الْمَطَامِع (مواضع وقوع الطمع الّذى هو رقّ مؤبّد من جنود إبليس).

220 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَيْسَ منَ الْعَدْلِ الْقَضَاءُ (الحكم) عَلَى الثَّقَةِ (الإعتماد) بِالظَّنَّ (دون اليقين فالعادل هو الّذى إذا قضى قضى باليقين لا بالظنّ فالقضاء باليقين هو العدل كما أنّ القضاء بالظنّ هو الظلم).

221 - وَ قَالَ علیه السَّلام: بِئْسَ الزَّادُ (من أزواد الدنيا) إلَى الْمَعَادِ (العود إلى اللّه، القيامة) العُدْوَانُ عَلَى الْعِبَاد (فالمودّة لهم نعم الزاد).

ص: 435

222 - وَ قَالَ علیه السَّلام: منْ أشْرَف أَعْمَالِ الْكَرِيمِ (الّذى يرفع نفسه عن الدنائات) غَفْلَتُهُ (تغافله) عَمّا يَعْلَمُ (و هذا هو غمض العيون عن العيوب).

223 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءَ ثَوْبَهُ (و جعل الحياء جلبابا له) لَمْ يَرَ النّاس عَیْبَهُ.

224- وَ قَالَ علیه السَّلام: بِكَثْرَةِ الصَّمْتِ (عمّا لا يعني) تَكُونُ الهَيبَةُ (و هي ما يخوّف الأعداء) وَ بِالنِّصَفَةِ (الإنصاف) يَكْثُرُ الْمُوَاصِلُونَ (المحبّون) وَ بِالْإِفْضَالِ (إعطاء فضل المال) تَعْظُمُ الْأَقْدَارُ وَ بِالتَّواضُعِ تَتِمّ (تكمل) النِّعْمَةُ ( و هى الولاية) و بِاحْتِمَالِ الْمُؤَنِ (جمع مؤونة و هى الثقل و الشدّة، أي بإحتمالهما عن النّاس) يَجِبُ السّؤدُدُ (السيادة و الشرف) وَ بِالسِّيرَة العَادِلَةِ (عن الإفراط و التفريط) يُقهَرُ الْمُنَاوِيُ (المخالف المعاند) وَ بِالْحِلْمِ عَنِ السَّفِيهِ تَكْثُرُ الْأَنْصَارُ (للحليم) عَلَيهِ (السفيه).

225 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الْعَجَبُ لِغَفْلَةِ الْحُسَّادِ (الحاسدين) عَنْ سَلَامَة (صحّة) الأَجْسَادِ (الأبدان).

226 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الطَّامِعُ (لما فى أيدى النّاس) فِي وِثَاقِ (حبل) الذُّلِّ (حيث جعل نفسه عبدا لمن فى يده شيء من الدنيا).

227 - وَ سُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ الْإِيمَانُ (له أركان ثلاثة) مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ إِقْرَارٌ بِاللّسَانِ وَعَمَلٌ بِالأركَانِ (الجوارح).

228 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ أصبَحَ (صار) عَلَى (حرمان شيء من) الدُّنْيَا حَزِيناً (محزونا) فَقَدْ أصْبَحَ ( صار) لِقَضَاء اللّه ( بقبض رزقه تعالى عليه) ساخطاً (مغضبا) وَ مَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو (عند النّاس لا عند المؤمن) مُصيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَقَدْ أَصْبَحَ يَشْكُو رَبَّهُ (من قضائه) و مَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ (و هما المعرفة بالقلب و العمل بالأركان فبقی الإقرار باللسان أو ذهب منه الإقرار باللسان و العمل بالأركان فبقى له المعرفة بالقلب و إنّ الأوّل أقرب) وَ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النّار فَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَتَّخِذُ آيات اللّه (و هم أهل البيت عليهم السَّلام) هُزُواً (سخريا) وَ مَنْ لَهِجَ (ولع) قَلْبَهُ بِحُبّ الدُّنْيَا الْتَاطَ (التصق) قَلْبُهُ مِنْهَا

ص: 436

بِثَلَاثِ هَمَّ لَا يُغبَّهُ بأن يأتيه ذلك الهمّ يوما و لا يأتيه يوما آخر بل يدوم الهمّ عليه) وَ حِرصِ لَا يَتْرُكُهُ وَ أَمَلِ لَا يُدْرِكُهُ.

229 - و قَالَ علیه السَّلام: كَفَى بِالْقَنَاعَة (الكفاف بما رزق اللّه تعالى) مُلْكاً (و ما زاد الكفاف لا يكون ملكك بل في وثاق الحقوق يجب أن تؤدّى) و (كفى) بِحُسْنِ الْخُلُقِ نَعيماً (فى الدنيا و الآخرة) و سُئِلَ علیه السَّلام عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً فَقَالَ هِيَ (الحياة الطيّبة) الْقَنَاعَةُ (بما رزقه اللّه تعالى).

330 - وَ قَالَ علیه السَّلام: شَارِكُوا الَّذي قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الرِّزْقُ (أي: يبسط اللّه له الرزق) فَإِنَّهُ (هذا العمل من المشاركة) أخْلَقُ (أولى) لِلْغِنَى وَ أجْدَرُ (أولى) بِاقْبَالِ الْحَظِّ عَلَيْهِ (المشارك لمن أقبل عليه الرزق).

331 - وَ قَالَ علیه السَّلام: في قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسَانِ الْعَدْلُ الْإِنْصَافُ (من النّفس فيما تحبّ و تكره و حفظها من جانب الإفراط و التفريط) وَ الْإِحْسَانُ التَّفَضُّلُ (على النّاس بالإنفاق عليهم و العفو عنهم).

232 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ يُعْطِ بِالْيَدِ القَصِيرَةِ (الهمة القليلة و العمل القليل) يُعْطَ بِاليَدِ الطَّوِيلَة (العطاء الكثير و الجزاء الدائم).

قال الرّضي: و معنى ذلك أن ما ينفقه المرء من ماله في سبيل الخير و البر و إن كان يسيرا فإن اللّه تعالى يجعل الجزاء عليه عظيما كثيرا و اليدان هاهنا عبارة عن النّعمتين ففرق علیه السَّلام بين نعمة العبد و نعمة الرب تعالى ذكره بالقصيرة و الطويلة فجعل تلك قصيرة و هذه طويلة لأن نعم اللّه أبدا تضعف على نعم المخلوق أضعافا كثيرة إذ كانت نعم اللّه أصل النّعم كلها فكل نعمة إليها ترجع و منها تنزع.

233 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لِابْنِهِ الْحَسَنِ علیه السَّلام لَا تَدْعُوَنَّ (أحدا) إِلَى مُبَارَزَةِ وَ إِنْ دُعِيتَ إلَيْهَا (المبارزة) فَأَجِبْ (الدعوة ) فَإِنَّ الدَّاعِيَ إِلَيْهَا بَاغِ (ظالم) وَ الْبَاغِيَ مَصْرُوعٌ (مغلوب).

234 - وَ قَالَ علیه السَّلام: خِيَارُ خِصَالِ النّساء شِرَارُ خِصَالِ (أوصاف) الرِّجَالِ (و هى) الزّهْوُ

ص: 437

(التكبّر) وَ الْجُبْنُ وَ الْبُخْلُ فَإِذَا كَانَت الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً ( متكبّرة) لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا (و لم تجعل لغير زوجها التمكّن على نفسها) و إذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ بَعْلِهَا (و لم تنفق بغير إذنه) وَ إِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ (خافت) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَعْرِضُ لَهَا (فيحفظ الجبن عرضها) .

235 - و قِيلَ لَهُ صِفْ لَنَا الْعَاقِلَ فَقَالَ علیه السَّلام: هُوَ الَّذِي يَضَعُ الشَّيْءَ مَوَاضِعَهُ (و لا يخرجه عن موضعه بالإفراط و التفريط فالعاقل لا يكون مفرطا أو مفرطا) فَقِيلَ فَصفْ لَنَا الْجَاهِلَ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ أى إنّ الجاهل هو المفرط أو المفرّط لا يضع الأشياء مواضعها بل يخرجها عنها فيضعها فى غير ها).

قال الرضي: يعني أن الجاهل هو الذي لا يضع الشيء مواضعه فكأن ترك صفته صفة له إذ كان بخلاف وصف العاقل

236- وَ قَالَ علیه السَّلام: و اللّه لَدُنْيَاكُمْ هَذِهِ الّتى تتنافسون فيها و تسارعون إليها) أَهْوَنُ (أسهل) في عَيْنِي مِنْ عِرَاقِ (عظم) خِنْزِيرِ فِي يَدِ مَجذُومِ (مصاب بالجذام).

237 - وَ قَالَ علیه السَّلام : إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللّه رَغْبَةً (شوقا إلى الجنّة) فَتِلْكَ (العبادة) عِبَادَةُ التّجّارِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللّه رَهْبَةً ( خوفا من العقاب) فَتِلْكَ (العبادة) عِبَادَةُ العَبِيدِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبدُوا اللّه شُكْراً (لله) فَتلْكَ (العبادة) عبَادَةُ الْأحْرَارِ.

238 - وَ قَالَ علیه السَّلام : الْمَرْأَةُ شَرِّ كُلَّهَا (بما فيها من مشقّة القيّوميّة على الرجال) وَ شَرِّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا (حيث إنّ الرجل قد أحرز به نصف دينه فلابدّ منها فيوقع نفسه في مشقة النّفقة و غير ها من الحقوق الثابتة لها).

239- وَ قَالَ علیه السَّلام: منْ أطَاعَ التَّوَانِيَ (الفتور التقصير ) ضَيّعَ الحُقُوقَ (الواجبة عليه من حقّ اللّه تعالى و حقّ ولیّه و حقّ النّاس و حقّ نفسه) وَ مَنْ أَطَاعَ الْوَاشِيَ (النّمّام) ضَيْعَ (أهلك حقوق) الصِّدِيقَ (فيقطع عنه).

240 - وَ قَالَ علیه السَّلام : الْحَجَرُ الْغَصِيبُ (المغصوب) فِي الدَّارِ رَهْنٌ عَلَى خَرَابِهَا (فلا يتركها حتى يخرّبها).

ص: 438

قال الرضي: و يروى هذا الكلام عن النّبی صلى اللّه عليه و آله و لا عجب أن يشتبه الكلامان لأن مستقاهما من قليب و مفرغهما من ذنوب.

241 - وَ قَالَ علیه السَّلام: يَوْمُ الْمَظْلُومِ (و هو يوم القيامة) عَلَى الظّالِمِ أشَدُّ (و بالا) مِنْ يَوْمِ مِنْ الظَّالِمِ (فى الدنيا) عَلَى الْمَظْلُومِ (فبئس الزاد إلى المعاد عدوان العباد).

242 - وَ قَالَ علیه السَّلام: اتَّقِ اللّه بَعْضَ التَّقَى (و هو ما إستطعت) وَ إِنْ قَلَّ (ذلك البعض من التقى) وَ اجْعَلْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللّه (من عذابه) سِتْراً (حجابا بالتقوى) وَ إِنْ رَقَّ (ذلك الستر).

243 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِذَا ازْدَحَمَ (كثر) الْجَوَابَ (عن السؤال) خَفِيَ الصَّوَابُ (القول عن الصحيح من الآراء).

244- وَ قَالَ علیه السَّلام: إنَّ لِلّهِ فِي كُلِّ نِعْمَةِ حَقّاً (على عباده و هو الشكر) فَمَنْ أَدّاهُ (قضى حقّها زَادَهُ (أى زاد اللّه للمؤدّى حقّها) مِنْهَا (تلك النّعمة) وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهِ (أداء حقّها) خَاطَرَ (جعل نفسه فى الخطر) بِزَوَالِ (هلاک، فناء) نِعْمَتِهِ.

245 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِذَا كَثُرَتِ الْمَقْدِرَةُ (القدرة على الفعل) قَلّتِ الشَّهْوَةُ (الرغبة على العمل بل يؤخّره ليوم آخر لقدرته عليه حيث يشاء و متى يشاء و أمّا الذي لا يمكن له أن يفعل ما يشاء حيث يشاء و متى يشاء فيعمل فى أول يوم يمكن له أن يعمل).

246- وَ قَالَ علیه السَّلام: احْذَرُوا نِفَارَ (نفور) النّعم (و زوالها بقلّة الشكر) فَمَا كُلُّ شَارِدِ (نافر) بِمُرْدُودٍ (عليكم).

247- و قَالَ علیه السَّلام : الْكَرَمُ (الإحسان على العباد) أعْطَفُ (أجلب للعطف و المودّة) مِنَ الرَّحِمِ (فالقرابة تحتاج إلى المودّة فتحتاج إلى الكرم و ليست المودّة بمحتاجة إلى القرابة).

248- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْرًا فَصَدِّقْ ظَنَّهُ بالعمل للخير كما ظنّ بک)

249 - وَ قَالَ علیه السَّلام : أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ (فهذا العمل يكون خالصا من مشاركة الهوى).

ص: 439

250- وَ قَالَ علیه السَّلام: عَرَفْتُ اللّه سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ (المحكمات من الإرادات) وَ حَلِّ العُقُودِ وَ نَقْضِ (كسر) الْهِمَمِ ( فعرفت أن الأمّور لا تكون بيدى دونه تبارک و تعالی و لو كانت بيدى لم تفسخ العزائم و العقود و الهمم).

251- و قال علیه السَّلام: مَرَارَةُ الدُّنْيا (بالصبر عند الطاعة و المعصية و المصيبة) حَلَاوَةُ الآخِرَةِ، وَ حَلَاوَةُ الدُّنْيَا (بالإستمتاع من اللذات) مَرَارَةُ الآخِرَةِ.

252- وَ قَالَ علیه السَّلام: فَرَضَ (كتب، وجب) اللّه الْإِيمَانَ (بمراتبه الثلاثة من المعرفة بالقلب و الإقرار باللسان و العمل بالأركان) تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ (بمراتبه الثلاثة من القلبىّ و اللسانيّ و العملىّ) وَ (فرض) الصَّلَاةَ تَنْزِيهاً (تطهيرا) عَنِ الْكِبْرِ وَ الزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ (لوسعه و أمّا أصله فمضمون) وَ الصِّيَامَ ابْتِلَاءً (إختبارا) لإخْلَاصِ الْخَلْقِ و الْحَجَّ تَقْرِبَةً (تقرّبا) للدِّينِ (أهل الدين) وَ الْجِهَادَ عزاً (قوّة مانعة) للْإِسْلَامِ (لحفظ حريمه) و الأمّْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً (صلاحا، خيرا) لِلْعَوَامَّ وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ردعاً (منعا) لِلسُّفَهَاءِ (أخفاء العقول) وَ صِلَةَ الرَّحِمِ مَنْمَاةً (تكثيرا) لِلْعَدَدِ وَ الْقِصَاصَ حَقْناً (صونا، حبسا) لِلدِّمَاءِ وَ إِقَامَةَ الْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ وَ تَرْكَ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْصِيناً (حفظا) لِلْعَقْلِ وَ مُجَانَبَة السَّرِقَة إيجَاباً لِلْعِفَّةِ وَ تَرَكَ الزَّنَى تَحْصِينَاً لِلنَّسَبِ وَ تَركَ اللِّوَاطِ تَكْثِيراً لِلنَّسْلِ وَ الشَّهَادَاتِ (القتل في سبيل اللّه أو الشهادة على الحقّ) استظهَاراً ( غلبة) عَلَى المُجَاحَدَاتِ (الّتى تُجحد من الأعداء المحاربين أو من المنكر لها بغير المحاربة) و تَرْكَ الْكَذِبِ تَشْرِيفاً لِلصِّدْقِ وَ السَّلَامَ أَمَانَا مِنَ الْمَخَاوِفِ وَ الْأَمَانَة (المأخوذة في يوم العرض و هي الإمامة) نِظَاماً (و هو ما ينتظم به) لِلْأمَّّةِ وَ الطَّاعَة (للإمام) تَعْظِيماً لِلإِمَامَةِ (و تلك أمّور ثلاثة منها معرفة بالقلب و منها إقرار باللسان و منها العمل بالأركان فلا تجد فرضا من الفرائض إلّا و لابدّ أن يكون أحدا من هذه الثلاثة و هى الإيمان).

253- وَ كَانَ علیه السَّلام يَقُولُ أَحْلِفُوا الظَّالِمَ إِذَا أَرَدْتُم يَمِينَهُ (حلفه) بِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ حَولِ اللّه وَ قُوَّتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا حَلَفَ بِهَا (تلك اليمين) كَاذِباً عُوجِلَ الْعُقُوبَةَ (أصابه العقاب سريعا) وَ إِذَا حَلَفَ بِاللّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَمْ يُعَاجَلْ (ذلك الظالم العقوبة) لِأَنَّهُ (الظالم الحالف) قَدْ وَحّدَ

ص: 440

اللّه تَعَالَى (و المعترف بوحدانيّته تعالى لم يكن بريئا منه حتّى عوقب سريعا).

254- وَ قَالَ علیه السَّلام: يَا ابْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ وَ اعْمَلْ فِيهِ مَا (شيئا) تُؤْثِرُ (تحبّ) أنْ يُعْمَلَ (ذاك الشيء) فيه (مالک) مِنْ بَعْدِكَ (من الصرف في وجوه الخير و الصالحات).

255 - وَ قَالَ علیه السَّلام : الحدّةُ (الإفراط فى الغضب) ضَرَبٌ (نوع) مِنَ الْجُنُونِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا (الحدّة) ينْدَمُ (من عمله بعد الإقدام) فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ (صاحب الحدّة من عمله) فَجُنُونُهُ مُسْتَحْکِمٌ (ثابت).

256 - وَ قَالَ علیه السَّلام: صِحَّة الْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ الحَسَدِ (لما أنعم اللّه تعالى على عباده).

257 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لِكُمَيْلِ بنِ زِيَادِ النَّخَعِيِّ يَا كُمَيْلُ مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا (يسيروا من بعد الظهر) فِي كَسْبِ الْمَكَارِمِ (محاسن الأخلاق) و (أن) يُدْلِجُوا (يسيروا من أوّل الليل) في (قضاء) حَاجَةِ مَنْ هُوَ نَائِمٌ (غافل أو عاجز) فَوَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَودَعَ قَلْباً سروراً (أى جعل فى قلبه سرورا بالوديعة) إِلَّا وَ خَلَقَ اللّه لَهُ مِنْ ذَلِكَ السِّرُورِ لطفاً (نصرة خفية) فَإِذَا نَزَلَتْ به (المودع فى القلوب سرورا) نَائِبَةٌ (مصيبة) جرى (ذلك اللطف) إلَيْهَا (تلك النّائبة) كَالْمَاءِ في انْحِدَارِهِ ( هبوطه و نزوله) حَتَّى يَطْرُدَها (يدفع ذلك اللطف تلک النّائبة ) عَنْهُ (ذلك الشخص المودع) كَمَا تُطْرُدْ غَرِيبَةُ الإِبلِ (من المرعى).

258 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إذا أَمْلَقْتُمْ (إفتقرتم) فَتَاجِرُوا اللّه بِالصَّدَقَةِ (فهي أجلب للرزق فمن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه).

259 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الْوَفَاءُ لِأَهْلِ الْغَدْرِ (و هم ناقضوا العهد) غَدْرٌ عِنْدَ اللّه وَ الْغَدْرُ بأهْل الغَدْر وَفَاءٌ عِنْدَ اللّه (فالشر لا يدفعه إلا الشر و لا يجوز الركون إلى الّذين ظلموا).

260- وَ قَالَ علیه السَّلام: كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجِ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَ (كم من) مَغْرُورِ (بالرب الكريم) بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَ (كم من) مَفْتُونِ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وَ مَا ابْتَلَى اللّه سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الإملَاءِ (الإمهال) لَهُ (فى معاصيه ليأخذه بغتة).

ص: 441

قال الرضي: و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلا أن فيه هاهنا زيادة جيدة مفيدة.

فصل نذكر فيه شيئاً من غريب كلامه المحتاج إلى التفسير

1- و في حديثه علیه السَّلام

فَإِذَا كَانَ (وقع) ذَلِكَ (الأمّر من ظهور علامات آخر الزمان) ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّينِ (السيّد العظيم المالك لأمّور النّاس) بِذَنَبِهِ (على الأرض) فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ (يعسوب الدين) كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ (قطع غيم) الْخَرِيف (الَّتى لا ماء فيها و هو كناية عن سرعة سيرهم إلى إمامهم).

قال الرضي: اليعسوب السيد العظيم المالك لأمّور النّاس يومئذ و القزع قطع الغيم التي لا ماء فيها.

2- و في حديثه علیه السَّلام

هَذَا الخَطِيبُ (و هو صعصعة بن صوحان) الشَّحْشَحُ (الماهر بالخطبة و الماضي فيها).

يريد الماهر بالخطبة الماضي فيها و كل ماض في كلام أو سير فهو شحشح و الشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك.

3- و في حديثه علیه السَّلام

إِنَّ ِللْخُصُومَة قُحَماً (مهالك، فمن دخلت الخصومة فى قلبه فقد أشرف نفسه على الهلاك).

يريد بالقحم المهالك لأنها تقحم أصحابها في المهالك و المتالف في الأكثر فمن ذلك قحمة الأعراب و هو أن تصيبهم السنة فتتعرق أمّوالهم فذلك تقحمها فيهم و قيل فيه وجه آخر و هو أنها تقحمهم بلاد الريف أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول البدو.

4- و في حديثه علیه السَّلام

إِذَا بَلَغَ النّساء نَصَّ (منتهى) الْحقَاقِ (الأمّر الذى تجب فيه الحقوق و الأحكام و هو بلوغ العقل و الإدراك) فَالْعَصَبَةُ (بنو الرجل و قرابته لأبيه) أوَلَى (بالتصرف في أمّورهن).

و النّص منتهى الأشياء و مبلغ أقصاها كالنص في السير لأنه أقصى ما تقدر عليه الدابة و تقول نصصت الرجل عن الأمّر إذا استقصيت مسألته عنه لتستخرج ما عنده فيه فنص الحقاق يريد

ص: 442

به الإدراك لأنه منتهى الصغر و الوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبير و هو من أفصح الكنايات عن هذا الأمّر و أغربها يقول فإذا بلغ النّساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمّها إذا كانوا محرما مثل الإخوة و الأعمام و بتزويجها إن أرادوا ذلك. و الحقاق محاقة الأمّ للعصبة في المرأة و هو الجدال و الخصومة و قول كل واحد منهما للآخر أنا أحق منك بهذا يقال منه حاققته حقاقا مثل جادلته جدالا و قد قيل إن نص الحقاق بلوغ العقل و هو الإدراك لأنه علیه السَّلام إنما أراد منتهى الأمّر الذي تجب فيه الحقوق و الأحكام و من رواه نص الحقائق فإنما أراد جمع حقيقة هذا معنى ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام. و الذي عندي أن المراد بنص الحقاق هاهنا بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه تزويجها و تصرفها في حقوقها تشبيها بالحقاق من الإبل و هي جمع حقّة و هو الذي استكمل ثلاث سنين و دخل في الرابعة و عند ذلك يبلغ إلى الحد الذي يتمكن فيه من ركوب ظهره و نصه في السير و الحقائق أيضا جمع حقة فالروايتان جميعا ترجعان إلى معنى واحد و هذا أشبه بطريقة العرب من المعنى المذكور أولا.

5- و في حديثه علیه السَّلام: إِنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو (يظهر) لُمْظَةً (نكتة من البياض) في القَلْبِ كُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ ازْدَادَتِ اللُّمْظَةُ.

و اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض و منه قيل فرس ألمظ إذا كان بجحفلته شيء من البياض.

6 - و في حديثه علیه السَّلام: إِنَّ الرّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ الدَّيْنُ الظُّنُّونُ (الذي لا يعلم صاحبه أيأخذه و يقضيه من الذى كان الدين عليه لأنّه لا يدرى أن يرده عليه أمّ لا) يَجِبُ عَلَيْه أَنْ يُزَكَّيَهُ (يخرج الزكاة من ذلك الدين الظنون) لِمَا مَضَى (من مضى الحول الكامل) إِذَا قَبَضَهُ (أى إذا قبض الرجل الدين الظنون من المديون).

فالظنون الذي لا يعلم صاحبه أيقبضه من الذي هو عليه أمّ لا فكأنه الذي يظن به فمرة يرجوه و مرة لا يرجوه و هذا من أفصح الكلام و كذلك كل أمّر تطلبه و لا تدري على أي

ص: 443

شيء أنت منه فهو ظنون و على ذلك قول الأعشى:

ما يجعل الجد الظنون الذي *** جنب صوب اللجب الماطر

مثل الفراتي إذا ما طما *** يقذف بالبوصي و الماهر

و الجد: البئر العادية في الصحراء، و الظنون التي لا يعلم هل فيها ماء أمّ لا.

7- و في حديثه علیه السَّلام: أنَّهُ شَيّعَ جَيْشاً بِغَزْيَة (في حرب) فَقَالَ (للجيش) اعْذبُوا (إمتنعوا) عَنِ (مقاربة ) النّساء مَا (دام) اسْتَطَعْتُمْ (قبل الحرب).

و معناه اصدفوا عن ذكر النّساء و شغل القلب بهن و امتنعوا من المقاربة لهن لأن ذلك يفت في عضد الحمية و يقدح في معاقد العزيمة و يكسر عن العدو و يلفت عن الإبعاد في الغزو فكل من امتنع من شيء فقد عذب عنه و العاذب و العذوب الممتنع من الأكل و الشرب.

8- و في حديثه علیه السَّلام: كَالْيَاسِرِ (الضارب بالقداح) الفَالِجِ (الغالب، القاهر) يَنتَظِرُ أُوَّلَ فَوْزَةِ (ظفر) مِنْ قِدَاحِهِ (آلات قماره حيث وضعت للغلبة على الأقران).

الياسرون هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور و الفالج القاهر و الغالب يقال فلج عليهم و فلجهم و قال الراجز: «لما رأيت فالجا قد فلجا».

9- و في حديثه علیه السَّلام: كُنَّا إذَا احْمَرَّ (إشتد) الْبَاسُ (الحرب) اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللّه صلّى اللّه علیه و آله (جعلناه وقاية لأنفسنا) فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ صلى اللّه عليه و آله

و معنى ذلك أنه إذا عظم الخوف من العدو و اشتد عضاض الحرب فزع المسلمون إلى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بنفسه فينزل اللّه عليهم النّصر- به و يأمّنون مما كانوا يخافونه بمكانه. و قوله إذا احمر البأس كناية عن اشتداد الأمّر و قد قيل في ذلك أقوال أحسنها أنه شبه حمي الحرب بالنّار التي تجمع الحرارة و الحمرة بفعلها و لونها و مما يقوي ذلك قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و قد رأى مجتلد النّاس يوم حنين و هي حرب

ص: 444

هوازن الآن حمي الوطيس فالوطيس مستوقد النّار فشبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما استحر من جلاد القوم باحتدام النّار و شدة التهابها.

انقضى هذا الفصل و رجعنا إلى سنن الغرض الأول في هذا الباب

261- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَمَّا بَلَغَهُ إِغَارَةُ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةٌ عَلَى الْأَنْبَارِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ ماشياً حتّى أَتَى النَّخَيْلَةَ (و هو إسم موضع) وَ أَدْرَكَهُ النّاس وَ قَالُوا يَا أَميرَ الْمُؤمِنِینَ نَحْنُ نَكْفِيكَهُم.

فَقَالَ: مَا تَكْفُونَنِي أَنْفُسَكُمْ (لا تدفعون مؤونة أنفسكم عنى) فَكَيْفَ تَكْفُونَنِي غَيْرَكُمْ إِنْ (إنّه) كَانَتِ الرِّعَايَا (و هي جمع الرعية ) قَبْلِي لَتَشْكُو حَيفَ (ظلم) رُعَاتِهَا (حكامها، أمّراءها) وَ إِنَّنِي الْيَوْمَ لَأَشْكُو حَيفَ رَعيَتِي كَأَنَّنِي الْمَقُودُ (الذى يقاد بقيد) وَ هُمُ الْقَادَةُ (الذين يقودون) أوِ (كأننى) الْمَوزُوعُ (المحكوم عليه) وَ هُمُ الْوَزَعَةُ (الحاكمون).

فلما قال علیه السَّلام هذا القول في كلام طويل قد ذكرنا مختاره في جملة الخطب، تقدم إليه رجلان من أصحابه فقال أحدهما إني لا أمّلك إلا نفسي و أخي، فمر بأمّرك يا أمّير الْمُؤمِنِینَ ننقد (نُطع) له (أمّرك)، فقال علیه السَّلام

وَ أَيْنَ تَقَعَانِ مِمَّا أُرِيدُ.

262 - و قيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطِ أتَاهُ فَقَالَ أَتَرَانِي أَظُنُّ أصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَة.

فَقَالَ علیه السَّلام: يَا حَارِثٌ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَك (من النّاس) وَ لَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ (ممّن هو الحقّ و الحقّ معه و هو أنا) فَحِرْتَ (تحيّرت) إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ (عمل به) وَ لَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ (أخذه و عمل به).

فَقَالَ الْحَارِثُ: فَإِنِّي أَعْتَزِلُ (أجتنب عن الحرب) مَعَ سَعِيدِ بْنِ مَالِكِ وَ عَبْدِ اللّه بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ علیه السَّلام

إِنَّ سَعِيداً وَ عَبْدَ اللّه بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنصُرَا الحَقَّ وَ لَمْ يَخْذُلَا ( يتركا، يَدَعا) البَاطِلَ.

263 - وَ قَالَ علیه السَّلام: صَاحِبُ السَّلْطَانِ كَرَاكِبِ الأَسَدِ يُغبَطُ (عند النّاس) بِمَوْقِعِهِ (لموضعه من السّلطان و قربه إليه) وَ هُوَ أعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ (من الخطر العظيم).

ص: 445

264- وَ قَالَ علیه السَّلام: أَحْسِنُوا فِي عَقبِ (أولاد) غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا ( تراعوا) فِي عَقِبِكُمْ.

265 - و قال علیه السَّلام: إِنَّ كَلَامَ الْحُكَمَاءِ إِذَا كَانَ صَوَاباً (مصونا عن الخطأ) كَانَ (كلامهم) دَوَاءَ (لداء القلوب ) وَ إِذَا كَانَ (كلامهم) خَطَأَ كَانَ دَاءً (للقلوب).

266- وَ سَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُعَرِّفَهُ الإِيمَانَ فَقَالَ علیه السَّلام: إِذَا كَانَ الْغَدُ فَأَتِنِي حَتَّى أَخْبِرَكَ عَلَى أَسْمَاعِ النّاس فَإِنْ نَسِيتَ مَقَالَتِي (قولى) حَفِظَهَا عَلَيْكَ غَيْرُكُ فَإِنَّ الْكَلَامَ كَالشَّارِدَة (النّافرة من الإبل) ينقُفُهَا (يصيب تلك الشاردة، يدركها) هَذَا (الرجل) وَ يُخْطِئُهَا (لا يصيبها) هَذَا (الرجل). و قد ذكرنا ما أجابه به فيما تقدم من هذا الباب و هو قوله الإيمان على أربع شعب.

267- و قَالَ علیه السَّلام: يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَحْمِلْ هَمَّ (رزق) يَوْمِكَ الَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى (همّ رزق) يَوْمِكَ الَّذِي قَدْ أَتَاكَ فَإِنَّهُ (الذى لم يأتك) إِنْ يَكُ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ اللّه فِيهِ (ذلك اليوم) بِرِزْقِكَ (و هو الرزاق الضامن للرزق).

268- وَ قَالَ علیه السَّلام: أحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا (حبّا يسيرا) عَسَى أَنْ يَكُونَ (يصير) بَغِيضَكَ (مبغوضک) يَوْماً مَا وَ أَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ (يصير) حَبِيبَكَ يوماً ما (فإجتنب عن الإفراط و التفريط فى الودّ و البغض).

269 - وَ قَالَ علیه السَّلام: النّاس فِي الدُّنْيَا عَامَلَانِ (الأوّل هو) عَامِلٌ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا قَدْ شَغَلَتْهُ دُنْيَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ يَخْشَى ( يخاف) عَلَى مَنْ يَخلُفُهُ (من بعده من العيال) الْفَقْرَ وَ يَامَنُهُ (الفقر) عَلَى نَفْسِهِ (فى الآخرة عند العرض على اللّه حيث إنّ الفقر و الغنى بعد العرض على اللّه) فَيُفْنِي عُمُرَهُ فِي مَنفَعَة غَيْره (و هم أولاده و غيرهم من الوارثين) وَ (الثاني هو) عَامِلٌ عَملَ فِي الدُّنْيَا لِمَا بَعدَهَا (من الآخرة) فَجَاءَهُ (يأتيه) الَّذي لَهُ مِنَ الدُّنْيَا (من رزقه) بِغَيْرِ عَمَلِ (للدنيا شاغل عن الآخرة) فَأَحْرَزَ ( وجد، إكتسب) الْحَظَيْنِ (نصيب الدنيا و الآخرة) معاً (فهو مع العمل فى الدنيا يحرز الآخرة) و مَلَكَ الدَّارَيْنِ جَميعاً (زاد الدنيا و هو رزقه و زاد الآخرة و هو ذخيرته للمعاد حيث لم يحرص و لم يطمع بل كادّ لعياله مجاهد) فَأَصْبَحَ (صار) وَجِيهاً (مقرّبا) عِندَ اللّه لا يَسألُ اللّه حَاجَةً فَيَمْنَعُهُ (اللّه منها بل أجابه اللّه في سؤاله لأنّ من ملك

ص: 446

الدارين و أحرز الحظين لم يبق له سؤال أو ليس له سؤال خلاف ما يشاء اللّه).

270- و رُوِيَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ في أيَّامِهِ (الّتى ولى الأمّور على المسلمين) حَلْيَ (زينة) الْكَعْبَةِ وَ كَثْرَتُهُ فَقَالَ قَوْمٌ (العمر) لَوْ أَخَذْتَهُ (الحلى) فَجَهَّزْتَ بِهِ جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ (أخذ الحلى للجيوش) أعْظَمَ لِلْأجرِ وَ مَا (أى شىء) تَصْنَعُ الْكَعْبَةُ بِالْحَلْيِ فَهَمَّ (عزم) عُمَرَ بِذَلِكَ (الأخذ) وَ سَأَلَ (عمر) عَنْهُ (ذلك الفعل) أمِّيرَ الْمُؤمِنِینَ علیه السَّلام فَقَال علیه السَّلام: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى اللّه عليه و آله وَ الأمّوَالُ (في ذلك الزمان) أَرْبَعَةٌ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فَقَسَّمَهَا بَينَ الْوَرَثَةِ (الوارثين) فِي الفَرائِضِ (سهامهم المفروضة في كتاب اللّه) و الفَيء (الأنفال) فَقَسَّمَهُ عَلَى مُسْتَحِقَّيهِ وَ الْخُمُسُ فَوَضَعَهُ اللّه حَيْثُ (موضعا) وَضَعَهُ (من ردّه إلى رسوله و أولاده المعصومين عليهم السَّلام) وَ الصَّدَّقَاتُ فَجَعَلَهَا اللّه حَيْثُ جَعَلَهَا (من ردّه إلى الفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلّفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و سبيل اللّه و إبن السبيل) وَ كَانَ حَلْيُ الْكَعْبَة فيها (الأمّوال أو فى الكعبة) يَومَئِذِ (يوم نزول الوحى) فَتَرَكَهُ اللّه عَلَى حَالِهِ (و لم يأمّر فيه بالقسمة) وَ لَمْ يَتْرُكُهُ نِسْيَاناً وَ لَمْ يَخْفَ (حلى الكعبة) عَلَيْه (تعالى) مَكَاناً فَأَقرَّهُ حَيْثُ (فإجعله مستقراً فى موضع) أَقَرَّهُ اللّه وَ رَسُولُهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرَ لَوْلَاكَ (يا على) لَافْتَضَحْنَا (كُشف عن سوآتنا) وَ تَرَكَ (عمر) الْحَلّيَ بِحَالِه (و هذا إقرار منه بعلمه علیه السَّلام بالشريعة و جهل غيره بها و هو دليل على إمامته علیه السَّلام دون الغير).

271 - رُوِيَ أَنَّهُ علیه السَّلام رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ سَرَقًا مِنْ مَالِ اللّه أَحَدُهُمَا عَبْدٌ مِنْ مَالِ اللّه وَ الْآخَرُ مِنْ عُرُوضِ النّاس (و العروض جمع عرض و هو المتاع غير الذهب و الفضّة).

فَقَالَ علیه السَّلام : أَمّا هَذَا فَهُوَ مِنْ مَالِ اللّهوَ لَا حَدَّ عَلَيْه ( من قطع اليد لأنّه) مالُ اللّه أكَلَ بعضُهُ (و هو السارق) بَعْضاً (و هو المسروق) وَ أمّا (السارق) الْآخَرُ فَعَلَيهِ الْحَدُّ الشَّدِيدُ فَقَطَعَ يَدَهُ.

272 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَو قَد اسْتَوَتْ (إستقرّت) قَدَمَايَ منْ هَذِهِ المَداحِضِ (المزالق مواضع

ص: 447

السقوط من الحروب) لَغَيّرتُ أشْيَاءَ (محدثة مبدعة من قبل).

273- و قَالَ علیه السَّلام : اعْلَمُوا عِلْماً يَقِيناً أنَّ اللّه لَمْ يَجْعَل لِلْعَبدِ وَ إِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ (مكيدته) وَ اشْتَدَّتْ طَلِبَتُهُ (أى قوى فى الطلب سعيه) وَ قَوِيَتْ مَكِيدَتُهُ (حيلته،كيده) أَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ (عين، جعل) لَهُ فِي الذِّكْرِ الحَكِيمِ (ممّا قدّر له من الرزق و الأجل و غيرهما) وَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْعَبْدِ فِي ضَعْفِهِ (فى طلبته للرزق) وَ قِلَّةِ حِيلَتِهِ وَ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ (العبد) مَا (رزقا) سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الحَكِيمِ وَ الْعَارِفُ (العالم علما يقينا) لِهَذَا (الأمّر من ضمانة الرزق) العَامِلُ بِهِ أَعْظَمُ النّاس رَاحَةً فِي مَنْفَعَةِ (حيث لم يدخل نفسه فى التعب طلبا لما قد سمّى له و لم يحرص) وَ التَّارِكُ لَهُ (هذا الأمّر اليقينى) الشَّاكٌّ فِيهِ أعظَمُ النّاس شُغُلاً (إشتغالا في طلب الدنيا) فِي مُضَرّةِ (للحرص و عدم الرضا برزقه) وَ رُبَّ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ (بتتابع النّعم عليه) مُسْتَدْرَجٌ بِالنْعْمَى وَ رُبْ مُبْتَلًى (بنقص الأمّوال و الأولاد و الثمرات أو بإبتلائه بالرزق الكفاف) مَصْنُوعٌ لَهُ بِالْبَلْوَى (فيرفعه اللّه بما صنع له من البلوى) فَزِدْ أَيُّهَا الْمُسْتَنْفِعُ (الطالب للمنفعة) فِي شُكْرِكَ (على بلواه) وَ قَصِّرْ منْ عَجَلَتِكَ (فى الطلب) وَ قِفْ عِنْدَ مُنْتَهَى (نهاية) رِزْقِكَ (و لا تعجل فى طلبه بالحرص لأنّ الرزق مقسوم مسمىّ فى الذكر الحكيم مضمون).

274 - و قال علیه السَّلام: لَا تَجْعَلُوا علمَكُمْ جَهْلًا (لا تعاملوه معاملة الجهل بترك العمل) وَ ( لا تجعلوا) يَقِينَكُمْ شَكَّاً إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا وَ إِذَا تَيَقْنتُم فَأَقْدِمُوا (فمن لم يعمل بعلمه فهو كالجاهل الشاكّ الذى لا ينتفع بعلمه و يقينه لأنّ الغاية فيهما هو العمل).

275 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ الطَّمَعَ ( لما فى أيدى النّاس) مُورِدٌ (موضع ورود) غَيرُ مُصْدِرِ (منه لأنّ فيه الهلاك و الرقّ المؤبّد فلا يصدر من ورده) وَ ضَامِنٌ غَيْرُ وَ فِيٍ (لما ضمن) وَ رُبَّمَا شَرِقَ (إعترض فى حلق) شَارِب الْمَاء قَبْلَ رِيِّهِ (أى قبل أن يرتوى من العطش، فشارب الماء هنا الطامع و الشروق قبل الرىّ هو ضمان الطمع بلا وفاء) و كُلَّمَا عَظُمَ قَدْرُ الشَّيء الْمُتَنَافَسِ (المتسابق المتسارع) فيه ( من حطام الدنيا بالطمع فيه) عَظُمَتِ الرِّزِيَّةُ (المصيبة على الطامع) لفَقْده (أو لعلّ مراده علیه السَّلام من الشيء المتنافس فيه هو الآخرة فيصير المعنى أنّ

ص: 448

الآخرة شيء متنافس فيه و الطامع يفوته لطمعه فى متاع الدنيا فإذا كشف عنه الغطاء عظمت رزيّته لحرمانه منها) وَ الْأَمَانِيَّ (الآمال) تُعْمِي أَعْيُنَ الْبَصَائرِ (أضواء القلوب) وَ الْحَظُّ (النّصيب من الدنيا و هو الرزق الطالب) يَأتِي مَنْ لا يَأْتِيهِ (و لا يكدح له و لا يتنافس فيه بحرص و طمع لأنّ الرزق الطالب مضمون بخلاف الرزق المطلوب).

276- وَ قَالَ علیه السَّلام: اللّهمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تُحَسِّنَ (تُعدَّ حسنا) فِي لَامِعَةِ الْعُيُونِ (أى فى ما ظهر عند النّاس عَلانِيَتي و تُقَبِّحَ (تعدّ قبيحا) فِيمَا أبطِنُ (أخفى) لَكَ سَرِيرَتِي (باطنى) مُحَافِظاً عَلَى رِئاءِ ( رؤية) النّاس مِنْ نَفْسِى (محافظا لحسن علانيتي في لامعة العيون دون سريرتى) بِجَمِيعِ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ (ممّا فى سريرتى) منِّي فَأَبدِيَ (أظهر) لِلنَّاسِ حُسْنَ ظَاهِرِي وَ أفْضِيَ (أظهر، أعلن) إلَيْكَ بِسُوءِ عَمَلِي (لمخالفته لما فى سريرتي رئاء النّاس) تَقَرَّباً إلى عِبَادِكَ و تَبَاعُداً مِنْ مَرْضَاتِكَ.

277- و قَالَ علیه السَّلام: لَا وَ (أقسم ب) الَّذِي أَمْسَيْنَا (دخلنا في المساء) مِنْهُ (تعالى) فِي غُبْرِ (بقيّة) لَيْلَة دَهْمَاءَ (سوداء) تَكْشِرُ (تكشف، تبدى تلك الليلة) عَنْ يَوْمٍ أَغَرَّ (أبيض) مَا كَانَ (وقع) كَذَا وَ كَذَا.

278- وَ قَالَ علیه السَّلام: قَليلٌ (من العمل) تَدُومُ عَلَيْهِ أَرْجَى (للتأثير فى النّفس) مِنْ کَثِیرِ(من العمل) مَمْلُولِ مِنْهُ.

279 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إِذَا أِضَرَّتِ النّوافل (المستحبّات) بِالْفَرَائِضِ فَارْفُضُوهَا (اتركوها).

280- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ تَذكَّرَ بُعْدَ السّفَرِ (إلى اللّه تعالى) اسْتَعَدَّ (تهيّأ للموت).

281 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَيْسَتِ الرَّوِيَّةُ (التفكّر و إعمال العقل في طلب الحقِّ) كَالْمُعَايَنَة مَعَ الْإِبْصَارِ (فإنّ الرويّة أهدى من المعاينة) فَقَدْ تَكْذِبُ الْعُيُونُ أَهْلَهَا وَ لَا يَغُشُّ العَقْلُ مَنِ اسْتَنصَحَهُ (يطلب منه النّصیحة).

282- وَ قَالَ علیه السَّلام: بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ (قبول) الْمُوعِظَةِ (من أهلها) حِجَابٌ (مانع) مِنَ الْغِرَّةِ (بما عندكم ممّا تعدّونه کمالا و ليس بذلک).

ص: 449

283 - وَ قَالَ علیه السَّلام: جاهلُكُمْ مُزْدَادٌ (يزداد فى العمل بغير العلم و يبالغ فيه و يكدح) و عَالِمُكُمْ مُسَوِّفٌ (مؤخّر فى العمل بالتعلّل).

284 - وَ قَالَ علیه السَّلام: قَطَعَ العِلْمُ عُذْرَ الْمُتَعَلَّلِينَ (الّذين يعلّلون لترك العمل بالتسويف).

285- وَ قَالَ علیه السَّلام: كُلُّ مُعَاجَلٍ (و هو من جاء أجله) يَسْأَلُ الْإِنْظَارَ (المهلة) وَ كُلُّ مُؤَجِّلٍ (و هو من تأخّر فى أجله و أمّهل) يَتَعَلَّلُ ( فى العمل) بِالتَّسوِيفِ (التأخير).

286 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَا قَالَ (لم يقل) النّاس لِشَيْء (من حطام الدنيا) طُوبَى لَهُ إِلَّا وَ قَدْ خَبَأَ (أخفى) لَهُ (ذلك الشیء) الدَّهْرُ يَوْمَ سَوْءِ ( و هو الحوادث الّتى تصيب الأشياء لأنّ الدنيا دار محفوفة بالبلاء)

287 - وَ سُئِلَ عَنِ الْقَدَرِ فَقَالَ طَرِيقٌ مُظْلِمٌ فَلَا تَسْلُكُوهُ وَ بَحْرٌ عَمِيقٌ فَلَا تَلِجُوهُ ( تدخلوا فيه) وَ سِرَّ اللّه فَلَا تَتَكَلَّفُوهُ (لا تقعوا في الكلفة لكشفه).

288- و قال علیه السَّلام: إِذَا أَرْذَلَ (حقّر) اللّه عَبداً حَظَرَ ( منع) عَلَيْهِ الْعِلْمَ.

289- وَ قَالَ علیه السَّلام: كَانَ لِي فِيمَا مَضَى أَخٌ فِي اللّه وَ كَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا (و زخارفها) فِي عَيْنِهِ وَ كَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ (غلبة ) بَطْنِهِ ( و أمّا علامة خروجه منه) فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يَجِدُ وَ لَا يُكْثِرُ (فى الأكل) إِذَا وَجَدَ (الطعام) وَ كَانَ أَكْثَرَ دَهْرِه (أيامه) صَامِتاً (ساكتا و أمّّا من آثار صمته) فَإِنْ قَالَ (تَكَلُّمَ) بَذَّ (كف) الْقَائِلِينَ وَ نَقَعَ (أزال) غَليلَ (عطش) السَّائِلِينَ (فصمته تفكّر لا غفلة) وَ كَانَ ضَعيفاً مُسْتَضْعَفاً (فى أعين النّاس كشعيب علیه السَّلام حيث قال له قومه إنا لنراك فينا ضعيفا و لولا رهطك لرجمناک و ما أنت علينا بعزيز حيث يرون العزّة فى الكثرة بالعشيرة لا في اللّه العزيز) فَإِنْ جَاءَ الْجِدَّ (الحرب) فَهُوَ لَيتُ (أسد) غَابٍ (جمع غابة و هى الشجر الكثير الملتفّ يستوكر فيه الأسد) وَ صِلُّ (حيّة) وَاد لا يُدلي (يحضر-) بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قاضِياً وَ كَانَ لَا يَلُومُ (يذمٌ) أَحَداً عَلَى مَا (عملِ) يَجِدُ العُدْرَ في مِثْلِهِ (ذلك العمل من غيره) حَتَّىَ يَسْمَعَ اعْتِدَارَهُ وَ كَانَ لَا يَشْكُو (عند النّاس) وَجَعاً (ألما) إِلَّا عِنْدَ بُرْئِهِ (خلاصه) وَ كَانَ يَقُولُ مَا يَفْعَلُ وَ لَا يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُ وَ كَانَ إِذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلَامِ لَمْ يُغْلَبُ

ص: 450

عَلَى السُّكُوتِ (لأنّه كان أكثر دهره صامتا) وَ كَانَ عَلَى مَا يَسْمَعُ أحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ و كَانَ إِذَا بَدَهَهُ (فجأه بغته) أمّرَانِ يَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إلَى الْهَوَى فَيُخَالِفُهُ فَعَلَيْكُمْ بهَذِهِ الْخَلَائِقِ (الكريمة) فَالْزَمُوهَا وَ تَنَافَسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِيلِ (منها) خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الكَثِيرِ (منها).

290 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ اللّه (بالعقاب) عَلَى مَعْصِيَتِهِ (مخالفته) لَكَانَ يَجِبُ أَلَّا يُعْصَی (اللّه تعالى) شُكْراً لِنِعَمِهِ.

291 - وَ قَالَ علیه السَّلام: وَ قَدْ عَزَّى الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسِ عَنِ ابْنِ لَهُ.

يَا أَشْعَثُ إِنْ تَحْزَنْ عَلَى (موت) ابْنكَ فَقَدِ اسْتَحَقَّتْ (إستوجبت) مِنْكَ ذَلِكَ (الحزن) الرَّحِمَ وَ إِنْ تَصْبِرْ (على موته و لم تجزع) فَفِي اللّه مِنْ كُلِّ مُصِيبَةِ خَلَفٌ (بدل) يَا أَشْعَثُ إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ (من اللّه تعالى و لا يمنعه شیء) وَ أَنْتَ مَأْجُورٌ ( على صبرك) وَ إِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَ أَنْتَ مَازُورٌ (مكتسب للوزر) يَا أَشْعَثُ ابْنُكَ سَرَّكَ وَ هُوَ بَلاءٌ وَ فِتْنَهٌ (حين حياته) وَ حَزَنَكَ (فى موته) وَ هُوَ ثَوَابٌ (أجر) وَ رَحْمَةٌ (لك).

292 - و قَالَ علیه السَّلام: عَلَى قَبْرِ رَسولِ اللّه صلى اللّه عليه و آله سَاعَة دَفْنِهِ:

إِنَّ الصَّبْرَ (فى المصيبة) لَجَمِيلٌ إِلَّا عَنْكَ وَ إِنَّ الْجَزَعَ (إظهار الألم على المصيبة) لَقَبِيحٌ إِلَّا عَلَيْكَ وَ إِنَّ الْمُصَابَ بِكَ لَجَليلٌ (لعظيم) وَ إِنَّهُ (المصاب) قَبْلَكَ وَ بَعدَكَ لَجَلَلٌ (صغير و هين).

293 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا تَصْحَبِ الْمَائِقَ (الأحمق) فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَكَ فِعْلَهُ (المبنى على الحماقة) وَ يَوَدَّ (يحبّ) أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُ.

294 - وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ علیه السَّلام: مَسِيرَةُ يَوْمِ لِلشَّمْسِ (من طلوعها إلى غروبها).

295- وَ قَالَ علیه السَّلام : أصْدِقَاؤُكَ ثَلَاثَةٌ و أَعْدَاؤُكَ ثَلَاثَةٌ فَأصْدِقَاؤُكَ (الثلاثة) صَدِيقُكَ وَ صَدِيقُ صَدِيقِكَ وَ عَدُوٌّ عَدُوِّكَ (لما فيك معهم إشتراك فى الجهة) وَ أَعْدَاؤُكَ (الثلاثة) عَدُوِّكَ وَ عَدُوَّ صَدِيقِكَ وَ صَدِيقُ عَدُوِّكَ (لمخالفتك لهم فى الجهة و عدم الإشتراك فيها).

ص: 451

296 - وَ قَالَ علیه السَّلام لِرَجُلٍ (من الصحابة) رَآهُ يَسْعَى عَلَى عَدُوَّ لَهُ (و هو عثمان بن عفّان) بِمَا فِيه إِضْرَارٌ بِنَفْسِهِ: إِنَّمَا أَنْتَ كَالطَّاعِنِ (الضارب) نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ (الراكب الّذى خلفک)

297- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَا أَكْثَرَ العِبَرَ (و هو ما يعتبر به) وَ أقَلَّ الاِعْتِبَارَ.

298 - وَ قَالَ علیه السَّلام مَنْ بَالَغَ (أكثر، أفرط) في الخُصُومَة أثِمَ وَ مَنْ قَصَّرَ - (فرّط) فِيهَا (الخصومة) ظُلِمَ ( يصيبه الظلم من الخصم فعليه بالعدل و رفض الحدّين من الإفراط و التفريط) وَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اللّه (بمراعاة العدل و رفض الإفراط و التفريط) مَنْ خَاصَمَ (النّاس، لأنّ الخصومة تدخله إلى جانب الإفراط أو التفريط فى أداء الحقوق فلا يستطيع أن يتّقى اللّه لأنّ التقوى هى حفظ الحدود من الجانبين).

299 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَا أهَمَّنِي ذَنْبٌ أُمهِلْتُ بَعْدَهُ (جُعلت لي فرصة لتدارك الذنب) حَتّى أَصَلِّيَ رَكَعَتَيْنِ وَ أَسْأَلُ اللّه الْعَافِيَةَ (من سوء عاقبته).

300 - وَ سُئِلَ علیه السَّلام كَيْفَ يُحَاسِبُ اللّه الخَلْقَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ فَقَالَ علیه السَّلام: كَمَا يَرْزُقُهُمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ (فكذلك يحاسبهم) فَقِيلَ كَيْفَ يُحَاسِبُهُمْ وَ لَا يَرَوْنَهُ فَقَالَ علیه السَّلام: كَمَا يَرْزُقُهُم وَ لَا يَرَوْنَهُ (فلا فرق بين أسمائه تعالى فهو المحاسب الرازق).

301 - وَ قَالَ علیه السَّلام: رَسُولُكَ (من أرسلته الى قوم) تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ، وَ كتَابُكَ أبْلَغُ مَا يَنْطِقُ (يتكلّم) عَنْكَ.

302- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَا الْمُبْتَلَى (الواقع فى البلاء) الَّذِي قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْبَلَاءُ بِأحْوَجَ (أشدّ حاجة) إِلَى الدُّعَاءِ الَّذِي لَا يَأْمَنُ الْبَلاءَ (فعليه أن يدعو ربّه ليجعله في درعه الحصينة من البلاء فالدعاء للأوّل رفع و للثانى دفع).

303 - وَ قَالَ علیه السَّلام: النّاس أبْنَاءُ الدُّنْيَا وَ لَا يُلَامُ (يذمّ، يعاب) الرَّجُلُ عَلَى حُبِّ أمّهِ (أى: الدنيا).

304- وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ الْمِسْكِينَ رَسُولُ اللّه فَمَنْ مَنَعَهُ (عن حقّه لأنّه ذو حقّ لقوله

ص: 452

تعالى: و فى أمّوالهم حق معلوم للسائل و المحروم) فَقَدْ مَنَعَ اللّه (عن وقوع إرادته و قوله) وَ مَنْ أعْطَاهُ فَقَدْ أَعْطَى اللّه.

305- و قَالَ علیه السَّلام: مَا زَنَى غَيُورٌ قَط (و هو الذي يدفع الغير عن حريمه).

306- و قَالَ علیه السَّلام: كَفَى بِالْأَجَلِ حَارِساً (عن الحوادث و النّوازل).

307- وَ قَالَ علیه السَّلام: يَنَامُ الرّجُلُ عَلَى الثُّكْلِ (فقد الأولاد) وَ لَا يَنَامُ عَلَى الْحَرْبِ (سلب المال).

قال الرضي: ومعنى ذلك أنه يصبر على قتل الأولاد و لا يصبر على سلب الأمّوال.

308- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَوَدَّةُ الْآباءِ (و هى المودة الّتى كانت بين الآباء) قَرابَةٌ بَيْنَ الْأَبْنَاءِ وَ الْقَرَابَةُ إِلَى الْمَوَدَّةِ أحْوَجُ (أشدّ إحتياجاً) مِنَ الْمَوَدَّةِ إِلَى الْقَرَابَةِ (فالأقرباء من الرحم يحتاجون إلى المودّة بينهم و لا تحتاج المودّة إلى القرابة بالرحم لأنّ المودّة غاية القرابة).

309- و قال علیه السَّلام: اتَّقُوا (إحذروا) ظُنُونَ الْمُؤمِنِینَ (فلا تجعلوا أنفسكم في معرض ظنونهم) فَإِنَّ اللّه تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.

310- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْدِ حَتَّى يَكُونَ بِمَا في يَدِ اللّه (من الرزق و الفضل و عطائه) أوْثَقَ (أكثر إعتمادا) مِنْهُ (ما فى يد اللّه تعالى) بِمَا فِي يَدِهِ (من الحيلة و القدرة على الطلب)

311 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لِأنَسِ بْنِ مَالِكِ وَ قَدْ كَانَ بَعَثَهُ إِلَى طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ لَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَصْرَةِ يُذَكَّرُهُمَا شَيْئاً (كلاما) مِمِّا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عليه و آله فَي مَعْنَاهُمَا (حيث قال صلّى اللّه عليه و آله فيهما: إنّكما تحاربان عليا و أنتما له ظالمان) فَلَوَى (تثاقل، أعرض أنس بن مالک) عَنْ ذَلِكَ (الأمّر من الإخبار لهما) فَرَجَعَ إِلَيْهِ علیه السَّلام فَقَالَ إِنِّي أُنْسِيتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ (من كلامه صلّى اللّه عليه و آله) فَقَالَ علیه السَّلام: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَضَرَبَكَ اللّه بِهَا (بدل الكذبة) بَيْضَاءَ لَامِعَةً (شديدة فى البياض) لا تُوَارِيهَا الْعَمَامَةُ (أى لا تغشاه العمامة لا تحيط بها العمامة و المراد بها: البرص فوقع كما دعا أمّير الْمُؤمِنِینَ علیه السَّلام على أنس).

ص: 453

قال الرضى: يعنى البرص فأصاب أنسا هذا الداء فيما بعد في وجهه فكان لا يرى (وجهه) إلّا مبرقعا (مستورا ببرقع و حجاب)

312- وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا (رغبة إلى العبادات) وَ إِدْبَاراً (ملا) فَإِذَا أَقْبَلَتْ (القلوب إليها) فَاحْمِلُوهَا عَلَى النّوافل وَ إِذَا أدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا (إكتفوا) بِهَا (القلوب) عَلَى الفَرائض.

313- وَ قَالَ علیه السَّلام: وَ في الْقُرْآن نَبَا (خبر) مَا قَبْلَكُمْ وَ خَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَينَكُم (فهو كتاب جامع لما تحتاجون إليه).

314- وَ قَالَ علیه السَّلام: رُدُّوا (إدفعوا) الحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَإِنَّ الشَّرَ - لَا يَدْفَعُهُ (يردّه) إِلَّا الشَّرَّ.

315- وَ قَالَ علیه السَّلام: لِكَاتِبِهِ عُبَيْدِ اللّه بْنِ أبَي رَافِعِ ألِق (إجعل الليقة في) دَوَاتَكَ وَ أَطِلْ جِلْفَة (ما بين مبرا) قَلَمَكَ (و سنّه) وَ فَرَجْ (فَرق) بَيْنَ السُّطُورِ وَ قَرْمِطْ (قرّب) بَيْنَ الحُرُوفِ فَإِنَّ ذَلِكَ (الإعمال ) أجْدَرُ (أولى عملا) بِصَبَاحَة (جمال حسن) الخَطِّ.

316- و قَالَ علیه السَّلام: أنَا يَعْسُوبُ (أمّير، رئيس) الْمُؤمِنِینَ وَ الْمَالُ يَعْسُوبُ الفُجَّارِ (الذين - يريدون أن يفجروا أمّامهم لركوب المعاصى).

قال الرضي: و معنى ذلك أن الْمُؤمِنِینَ يتبعونني و الفجار يتبعون المال كما تتبع النّحل يعسوبها و هو رئيسها.

317- وَ قَالَ لَهُ بَعْضُ الْيَهُودِ مَا دَفَنْتُمْ (لم تدفنوا) نَبِيَّكُمْ حَتَّى اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ (بما جرى في السقيفة) فَقَالَ علیه السَّلام: لَهُ إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنهُ (فيما جاء به) لا فيه صلّى اللّه عليه و آله و لَكِنَّكُمْ (معاشر اليهود) مَا جَفَّتْ (لم تيبس) أَرْجُلُكُمْ مِنَ (رطوبة) الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ (موسى بن عمران عليهما السَّلام) اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (فإختلفتم فيه و شككتم فى نبوّته لا فيما جاء به و منه يعرف أنّ الإختلاف عنه صلّى اللّه عليه و آله فيما جاء به دليل على إضطرار الأمّّة إلى الإمام و إلّا لزم الإختلاف عنه صلّى اللّه

ص: 454

عليه و آله إلى يوم الدين فالوصاية محقّقة و المنكر مكابر جاحد).

318- وَ قِيلَ لَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ غَلَبْتَ الْأَقْرَانَ، فَقَالَ علیه السَّلام: مَا لَقِيتُ رَجُلًا إِلَّا أَعَانَنِي عَلَى نَفْسِهِ (لخوفه منّی و هیبتى فى صدره).

قال الرضي: يومئ بذلك إلى تمكن هيبته في القلوب.

319- وَ قَالَ علیه السَّلام: لِابْنِهِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يَا بَنَيَّ إنّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفَقْرَ فَاسْتَعِذْ بِاللّه مِنْهُ (الفقر) فَإِنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ (نقص) للدِّينِ مَدْهَشَةٌ (تحيّر) لِلْعَقْلِ دَاعِيَةٌ لِلْمَقْت (البغض و السخط على رزق اللّه تعالى كما أنّ الغنى يوجب الطغيان فالقصد بينهما هو الرزق الكفاف البلاغ الّذي يبلغ العبد غايته).

320 - وَ قَالَ علیه السَّلام لِسَائِلِ سَأَلَهُ عَنْ مُعْضِلِةِ (مسئلة مشكلة) سَلْ تَفَقُّهاً (للتفهّم) وَ لَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً (للمعاياة، للعجز) فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلَّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ (لأنّ حسن السؤال نصف العلم) وَ إِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ (الّذى يأخذ على غير الطريق المنحرف عنه) شَبيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ.

321 - وَ قَالَ علیه السَّلام لِعْبدِ اللّه بْنِ الْعَبَّاسِ وَ قَدْ أشَارَ (إبن العباس) إلَيْهِ (أمّير الْمُؤمِنِینَ علیه السَّلام) فِي شَيء (من أمّور الحكومة) لَم يُوَافِقْ (ما أشار إليه إبن العباس) رَأيَهُ علیه السَّلام: لَكَ أنْ تُشِيرَ (إلى ما ترى أنّه هو الصواب) عَلَيَّ وَ أرَى (أنظر فيه) فَإِنْ عَصَيْتُكَ (خالفتك فيه) فأطعني (فيما أراه صوابا).

322- وَ رُوِيَ أَنَّهُ علیه السَّلام لَمَّا وَرَدَ الْكُوفَةَ قَادِماً (راجعا) مِنْ صِفِّينَ مَرَّ بِالشَّبَامِیيَّنَ (إسم قبيلة) فَسَمِعَ بُكَاءَ النّساء عَلَى قَتْلَى (مقتولين فی) صِفِّينَ وَ خَرَجَ إِلَيْهِ حَرْبُ بنُ شُرَحْبِيلَ الشِّبَامِي وَ كَانَ مِنْ وُجُوهِ قَومِهِ (ساداتهم و كبرائهم)، فَقَالَ علیه السَّلام: لَهُ أَتَغْلِبُكُمْ نِسَاؤُكُم عَلَى مَا أَسْمَعُ (من البكاء بصوت عال) أَلَا تَنْهَوْنَهُنَّ (تمنعونهنّ) عَنْ هَذَا الرَّنين (صوت البكاء)، وَ أَقْبَلَ حَرْبٌ يَمْشِي مَعَهُ وَ هُوَ علیه السَّلام رَاكِبٌ، فَقَالَ علیه السَّلام: ارْجِعْ فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ (و أنت مؤمن من وجوه قومک) مَعَ مِثْلِي (و أنا وال عليكم) فِتْنَةٌ (إبتلاء) لِلْوَالِي وَ

ص: 455

مَذَلَّةٌ (ذلّة) لِلْمُؤْمِنِ.

323- وَ قَالَ علیه السَّلام: وَ قَدْ مَرّ بِقَتْلَى (مقتولين من) الخَوَارِجِ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ بُؤْساً (شدّة، فقرا) لَكُمْ لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ فَقِيلَ لَهُ مَنْ غَرَّهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِینَ فَقَالَ الشَّيْطَانُ المُضِلُّ وَ الأنْفُسُ الْامَارَةُ بِالسُّوءِ غَرَّتْهُمْ (الأنفس الأمّارة) بِالْأَمَانِيِّ (الآمال) وَ فَسَحَتْ (وسعت الأنفس) لَهُمْ بِالْمَعَاصِي وَ وَعَدَتْهُمُ (تلك الأنفس) الْإِظْهَارَ (الغلبة لهم علينا) فَاقْتَحَمَتْ (أدخلت الأنفس بالسرعة) بِهِمُ النّار (و قد أسند أمّير الْمُؤمِنِینَ علیه السَّلام تلك الأمّور الى الأنفس و لم يسندها إلى الشيطان لأنّه هو الداعي فقط).

324- و قَالَ علیه السَّلام : اتَّقُوا (إحذروا) مَعَاصِيَ اللّه في الخَلَوَاتِ فَإِنَّ الشَّاهِدَ (في الخلوات) هُوَ الحَاكِمُ (يوم الحساب).

325 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي بَكْرِ:

اِنَّ حُزْنَنَا عَلَيْهِ (قتل محمد) عَلَى قَدْرِ سُرورِهِمْ (أهل الشام) بِهِ (قتله)، إِلَّا أَنَّهُمْ (أهل الشام) نَقْصُوا بَغِيضاً ( مبغوضا) وَ نَقَصْنَا حبيباً .(محبوبا).

326 - وَ قَالَ علیه السَّلام : الْعُمُرُ الَّذِي أعْذَرَ (يقبل العذر) اللّه فِيهِ (ذلك العمر) إلَى ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً.

327- و قَالَ علیه السَّلام: مَا ظَفرَ (لم يغلب) مَنْ ظَفرَ الإِثْمُ بِهِ، وَ الْغَالِبُ (على أقرانه) بِالشَّرِ (الإثم) مَغْلُوبٌ (فلا تستعينوا على حوائجكم بالإثم لأنّ فاعل الإثم مغلوب به حيث غلبت عليه نفسه فكيف يصير بالإثم غالبا).

328- و قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ اللّه سُبْحَانَهُ فَرَضَ (وجب ،كتب) فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ (تمتع) [مَنع] بِهِ غَنِيّ وَ اللّه تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ (الجوع للفقراء أو عمّا متّع به الأغنياء و منعوا عنهم).

329 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الاِسْتِغْنَاءُ عَنِ العُذْرِ (بترك ما يوجب العذر) أَعَزُّ (أكثر عزّة) مِنَ الصَّدْقِ بِهِ (العذر ، حيث إنّ العذر كاشف عن التقصير أو القصور)

ص: 456

330 - وَ قَالَ علیه السَّلام: أقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ (يجب عليكم) للّهِ ألَّا تَسْتَعِينُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ (فأقلّ ما يلزم على العباد العصمة من الذنوب لأنّ المعاصى لا تتحقّق إلّا بنعمة من نعمه تعالى كالجوارح فمن لم يستطع بها على المعاصى فهو المعصوم لا محالة).

331- وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ اللّه سُبْحَانَهُ جَعَلَ الطَّاعَةَ (له و لرسوله و لأولى الأمّر) غَنِيمَةَ (رِبح الأكْيَاسِ (العقلاء) عِنْدَ تَفْرِيطِ (تقصير) العَجَزَةِ (العاجزين عن الطاعة فالعاقل لا يقصّر- فيها).

332 - وَ قَالَ علیه السَّلام: السَّلْطَانُ (الملک) وَزَعَةُ (حكّام) اللّه (على العباد عن المنكرات فيمنعهم عنها) فِي أرْضِهِ.

333- وَ قَالَ علیه السَّلام: فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِ الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ (بشاشته، طلاقته) فِي وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ أوسَعُ شَيءِ صَدْراً وَ أَذَلُّ شَيْء نَفْساً (عند ربّه) يَكْرَهُ الرَّفْعَة (الترفّع) وَ يَشْنَا (يبغض) السَّمْعَةَ (الشهرة الثناء) طَوِيلٌ غَمَّهُ (للآخرة) بَعِيدٌ هَمَّهُ (لا يرضى بالقليل من العمل الصالح) كَثِيرٌ صَمْتُهُ مَشْغُولٌ وَقْتُهُ شَكُورٌ (عند النّعماء) صَبَورٌ (عند البلاء) مَغْمُورٌ (غريق) بِفِكْرَتِهِ ضَنِينٌ (بخيل) بِخَلَّتِهِ (حاجته فلا يكشف عنها عند النّاس) سَهْلُ الْخَلِيقَةِ (الطبيعة) لَيِّنُ العَرِيكَةِ (الأصل هو الجلد المدبوغ أى سخىّ اليد سهل التناول عند الحوائج أو هي النّفس أى نفسه و طبيعته ليّنة) نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ (الحجر الصلب) وَ هُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ.

334 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لَوْ رَأَى الْعَبْدُ الأجَلَ وَ مَصيرَهُ (موضع صيرورته و إنتقاله من الدنيا)، لأبْغَضَ الْأَمَلَ وَ غُرُورَهُ (لما فى الأمّل من الغرور).

335- وَ قَالَ علیه السَّلام: لِكُلِّ امْرِئٍ فِي مَالِهِ شَرِيكَانِ الْوَارِثُ وَ الْحَوَادِثُ (نوائب الدهر فالمال لا یبقی و کذلک صنیعه یزول بزواله).

336- وَ قَالَ علیه السَّلام : المَسْئُولُ حُرّ (عن المؤاخذة و اللوم و الذمّ) حَتَّى يَعِدَ.

337 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الدَّاعِي (للناس إلى الخير) بَلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي (إلى الهدف) بِلَا وَتَرٍ.

338- وَ قَالَ علیه السَّلام: العِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ (فى الإنسان خلقة) وَ مَسْمُوعٌ (من أفواه

ص: 457

الرجال) وَ لَا يَنْفَعُ الْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ (يقع ، يتحقق) الْمَطْبُوعُ (فاطلبوا من العلم ما يسانخ المطبوع فيكم حتى يتصادقان و لا يتعاديان).

339- وَ قَالَ علیه السَّلام: صَوَابُ (سداد) الرَّأيِ بِالدُّوَلِ (مع الدول، أي: الدول و صواب الرأى توأمّان) يُقْبِلُ (الرأى الصواب) بِإِقْبَالِهَا (الدّول) وَ يَذْهَبُ بِذَهَابِهَا (فالرأى مع الدول يدور حيثما دارت فإلزموا دول الحقّ و كونوا مع الصادقين من الحكّام فإذا تفرّقتهم عن حولهم ذهب الرأى الصواب منكم)

340- وَ قَالَ علیه السَّلام: الْعَفَافُ (بعدم التذلّل عند الغنىّ) زِينَةُ الْفَقْرِ وَ الشُّكْرُ (بالإنفاق للفقراء) زِينَةُ الغِنَى.

341- وَ قَالَ علیه السَّلام: يومُ الْعَدْلِ (فى يوم الحساب) عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ (إنتقاما) مِنْ يَوْمِ الجُوْرِ (فى الدنيا) عَلَى الْمَظْلُومِ (الإنقطاع هذا و دوام ذلك).

342- وَ قَالَ علیه السَّلام: الغِنَى الْأَكْبَرُ الْيَاسُ عَمَّا فِي أيْدِي النّاس (أى ترك الطمع في أمّوالهم هو الغنى الأكبر لأنّ الطمع رقّ مؤبّد و فقر دائم).

343- وَ قَالَ علیه السَّلام: الأَقَاوِيلُ مَحفُوظَةٌ (عند اللّه) وَ السَّرائِرُ مَبْلُوَّةٌ (ببلاء اللّه و إختباره) وَ كُلُّ نَفْسِ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (مرهونة، محبوسة) وَ النّاس مَنقُوصُونَ (فى الأمّوال و الأولاد و الثمرات) مَدْخُولُونَ (مغشوشون مصابون بالدَخَل و مرض العقل) إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللّه سائلُهُم مُتَعَنَّتٌ (طالب لعجز المسئول فلا يسأل تفقُّها) وَ مُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ (و متعسّف یجیب بالمشقّة حيث لا يكون من أهل الجواب) يَكَادُ (يقرب) أَفْضَلُهُمْ رأياً يَرُدُّهُ (يرجعه) عَنْ فَضْلِ رَأيِهِ الرِّضَى وَ السُّخْطُ (فمن أرضاه أو أسخطه فقد ردّه عن رأيه) وَ يَكَادُ أصْلَبُهُم عُوداً (طينة، خليقة) تَنْكَؤُهُ (تؤثّر فيه) اللَّحظَةُ (النّظر بمؤخّر العين و تغیّره) وَ تَسْتَحِيلُهُ (تغیّره و تبدّله) الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ (فيصير ليّنا عندها حيث لا ثبات له رأيا و خلقا).

344- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَعَاشِرَ النّاس اتَّقُوا اللّه فَكَمْ مِنْ مُؤَمَّلِ مَا (شيئا) لَا يَبْلُغُهُ وَ(كم من) بَانِ مَا (دارا) لا يَسْكُنُهُ وَ (كم من) جَامِعِ مَا (مالا) سَوْفَ يَتْرُكُهُ (للورثة) وَ لَعَلَّهُ (الجامع)

ص: 458

مِنْ بَاطِلِ جَمَعَهُ (ذلك المال) وَ مِنْ حَقٌّ مَنَعَهُ (ذلك المال المجموع) أَصَابَهُ (أدرك ذلك المالَ جامعُه) حَرَاماً (من حرام) وَ احْتَمَلَ (الجامع) بِهِ (جمعه) آثَاماً فَبَاءَ (رجع) بِوِزْرِه (ثقل ذلك المال على ظهره) وَ قَدِمَ عَلَى رَبِّه آسِفاً لاهِفاً (متحسّرا) قَدْ خَسِرَ - الدُّنْيا وَ الآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الخُسْرانُ الْمُبيِنُ (حيث لم يعمل فى ماله لرضى الربّ تعالى).

345- وَ قَالَ علیه السَّلام: مِنَ العِصْمَةِ تَعَذُّرُ (عدم إمكان ركوب) الْمَعَاصِي (فمن تعذّر من معصية فقد أصاب عصمة).

346- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَاءُ وَجْهِكَ (حيائك) جَامِدٌ يُقْطِرُهُ السَّؤَالُ (الطلب) فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ (بالسؤال منه).

347- وَ قَالَ علیه السَّلام: الثَّنَاءِ بِأكْثَرَ مِنَ الاِسْتِحْقَاقِ مَلَقٌ (تملُّق) وَ التَّقْصِيرُ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ عِيَّ (عجز) أوْ حَسَدٌ (فخذ القصد فى الثناء و لا تتركه و لا تبالغ فيه لأنّ الإفراط و التفريط كليهما قبيحان).

348- وَ قَالَ علیه السَّلام: أَشَدُّ الذُّنُوبِ (عقابا) مَا اسْتَهَانَ (إستحقر، إستصغر) بِهِ صَاحِبُهُ (فاعله، لأنه إستهانة باللّه تعالى).

349 -وَ قَالَ علیه السَّلام:مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبٍ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ (أعرض) عَنْ عَيْبٍ غَيْرِهِ وَ مَنْ رَضِيَ برِزْقِ اللّه لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ (من الدنيا) وَ مَنْ سَلَّ (أشهر) سَيْفَ الْبَغْي (الظلم) قُتِلَ بِه (سيفه المسلول) وَ مَنْ كَابَدَ (تكلّف، قاسى) الأمُّورَ (بلا إعداد لأسبابها) عَطِبَ (إستعدّ للهلاك) وَ مَنِ اقْتَحَمَ (دخل بالسرعة) اللُّجَجَ (البحار العظيمة من الشبهات و المعضلات) غَرِقَ وَ مَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ وَ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ (فيما لا يعنيه) كَثُرَ خَطَوُهُ وَ مَنْ كَثُرَ خَطَوُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَ مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَ مَنْ قَلَّ وَرَعَهُ مَاتَ قَلْبَهُ (بالقساوة) وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النّار وَ مَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النّاس فَأَنكَرَهَا (عدّها منكرة ) ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ (و لم يزكّها عن تلك العيوب) فَذَلِكَ الْأَحْمَقُ بِعَيْنِهِ وَ الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ (يزول) وَ مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيا بِالْيَسِيرِ (القليل من الرزق) وَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامَهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ.

ص: 459

350- وَ قَالَ علیه السَّلام: لِلظَّالِمِ مِنَ الرِّجَالِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ يَظْلِمُ مَنْ فَوقَهُ (و هو اللّه الولى الحقّ أو من جعل اللّه له ولاية) بالْمَعْصيَةِ وَ (يظلم) مَنْ دُونَهُ (ممّن جعل اللّه له عليهم ولاية) بِالْغَلَبَة (التحكّم) و يُظَاهِرُ (يعين) القَومَ الظَّلَمَةَ (الظالمين).

351- وَ قَالَ علیه السَّلام: عِنْدَ تَنَاهِي (نهاية) الشَّدَّةِ (و عند بلوغها إلى غاياتها) تَكُونُ (تقع) الْفَرْجَةُ (الفرج) وَ عِنْدَ تَضَايُقِ حَلَقِ الْبَلَاءِ يَكُونُ الرَّخَاءُ (اليسر، فاطلبوا الرخاء عند تناهيها).

352- وَ قَالَ علیه السَّلام: لِبَعْضِ أصْحَابِهِ لا تَجْعَلَنَّ أكْثَرَ شُغَلِكَ (إشتغالك) بِأَهْلِكَ وَ وَلَدِكَ فَإِنْ يَكُنْ أَهْلُكَ وَ وَلَدُكَ أَولِياءَ اللّه فَإِنَّ اللّه لَا يُضيعُ أَوْلِيَاءَهُ (بل يرزقهم و يصلح أمّورهم) وَ إِنْ يَكُونُوا أَعْدَاءً اللّه فَمَا هَمَّكَ وَ شُغُلُكَ بِأَعْدَاء اللّه.

353 - وَ قَالَ علیه السَّلام: أَكْبَرُ الْعَيْبِ أَنْ تَعِيبَ (على النّاس) مَا (عيبا) فِيكَ مِثْلُهُ (فذلك علامة الأحمق).

354- وَ هَنَّا بَحَضْرَتِهِ رَجُلٌ رَجُلًا بِغُلَامِ وَلُدَ لَهُ فَقَالَ لَهُ لِيَهْنِئْكَ الْفَارِسُ فَقَالَ علیه السَّلام: لَا تَقُلْ ذَلَك (الكلام من التهنئة) وَ لَكِنْ قُلْ شَكَرْتَ (اشکر) الوَاهِبَ (للولد و هو اللّه تعالى) وَ بُورِكَ (يبارك) لَكَ فِي الْمَوهُوبِ (المولود) وَ بَلَغَ (يبلغ) أَشُدَّهُ (بلوغه) وَ رُزِقْتَ (ترزق) بِرّهُ.

355 - وَ بَنَى رَجُلٌ مِنْ عُمَّالِهِ بِنَاءً فَخْماً (عظيما، ضخما) فَقَالَ علیه السَّلام: أطلَعَتِ الْوَرِقُ (الفضّة أى: الدراهم) رُءُوسَهَا إِنَّ الْبِنَاءَ يَصِفُ لَكَ الْغِنَى فتجاوزت عن الكفاف و عزّ القناعة إلى ذلّ الطمع).

356- وَ قِيلَ لَهُ علیه السَّلام لَوْ سُدَّ (أغلق) عَلَى رَجُلِ بَاب بَيْتِهِ وَ تُرِكَ فِيهِ مِنْ أَيْنَ كَانَ يَأْتِيهِ رِزْقُهُ؟ فَقَالَ علیه السَّلام: مِنْ حَيْثُ (موضع) يَأتِيهِ أجَلُهُ ( فإنّ المميت و الرازق واحد فله الأسماء الحسنى و لا فرق بينها فى مقام التعلّق على متعلّقاتها).

357- وَ عَزّى قَوْماً عَنْ مَيِّتِ مَاتَ لَهُم فَقَالَ علیه السَّلام: إِنَّ هَذَا الأمّْرَ (الموت) لَيْسَ لَكُمْ بَدَأ وَ لَا إِلَيْكُمُ انْتَهَى وَ قَدْ كَانَ صَاحِبُكُمْ هَذَا (الميّت) يُسَافِرُ فَعُدُّوهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ ( فهو مرادكم) و إلَّا (إن لم يقدم عليكم) قَدِمْتُمْ عَلَيهِ (بعد الموت لا محالة لأنّكم قوم

ص: 460

سفر و الموت معقود بنواصي النّاس).

358 - و قال علیه السَّلام: أيُّهَا النّاس لِيَرَكُمُ اللّه مِنَ النِّعْمَةِ وَ جِلِينَ (خائفين لعلّها إستدراج منه تعالى) كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ النِّقْمَةِ (العذاب) فَرِقِينَ ( فزعين، خائفين) إِنَّهُ مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يده (فيما رزقه اللّه ) فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ (الوسع فى الرزق) اسْتِدْرَاجاً فَقَدْ أمِّنَ مَخُوفاً (من الإستدراج الذى جعل اللّه فى وسعة العيش) وَ مَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ (الضيق) اختباراً فَقَدْ ضَيِّعَ مَأْمُولًا (من الأجر الّذى جعل في الإختبار بضيق الرزق).

359- وَ قَالَ علیه السَّلام: يَا أِسْرَى (أسراء، أسارى) الرَّغْبَةِ (الإشتياق إلى الدنيا) أِقْصِرُوا (كفّوا عن شوقكم) فَإِنَّ الْمُعَرَّجَ ( المائل) عَلَى الدُّنْيَا لَا يَرُوعُهُ ( يفزعه، يخافه) مِنْهَا إِلَّا صَرِيفٌ (صوت) أَنْيَابِ (أسنان) الحِدْثَانِ (النّوائب) أَيُّهَا النّاس تَوَلَّوْا مِنْ أَنْفُسِكُمْ تَأدِيبَهَا (بترك حبّ الدنيا) وَ اعْدِلُوا بِهَا (أنفسكم) عَنْ ضَرَاوَةِ ( ولوع لهج) عَادَاتِهَا (فإنّها مفرطة فيما تحب و مفرّطة فيما تكره).

360- و قَالَ علیه السَّلام : لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةِ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ (من الْمُؤمِنِینَ) سُوءاً وَ أَنْتَ تَجِدُ لَهَا (تلك الكلمة) فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا (إحتمالاً لأنّ الأصل فى عمل المؤمن هو الصحّة).

361- وَ قَالَ علیه السَّلام: إِذَا كَانَتْ (وقعت) لَكَ إِلَى اللّه سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأَ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ صلّى اللّه عليه و آله ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ اللّه أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ فَيَقْضِيَ - إحدَاهُمَا (و هي الصلاة على رسوله) وَ يَمْنَعَ (الحاجة) الأخْرَى.

362- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ ضَنَّ (بخل ) بِعِرْضِهِ ( ماء وجهه الجامد ) فَلْيَدَعِ (يترك) المِرَاءَ (الجدال في غير حقّ).

363- وَ قَالَ علیه السَّلام: مِنَ الْخُرْقِ (الحمق) الْمُعَاجَلَةُ (العجلة فى الإقدام) قَبْلَ الْإِمْكَانِ (تهيئة الأسباب) وَ (كذلك من الخرق) الأنَاةُ (التأنّي) بَعْدَ الفُرْصَةِ (إمكان العمل لأنّ الأوّل إفراط و الثانى تفريط و كلاهما يدلّان على جهل صاحبهما و حمقه).

364- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا تَسْأِلْ (تطلب تبتغِ) عَمَّا لَا يَكُونُ (يقع) فَفِي الَّذِي قَدْ كَانَ (وقع،

ص: 461

و هو النّفسُ الّذى أنت فيه) لَكَ شُغُلٌ (فأنت مكلّف بما هو واقع لا بما هو يأتى من بعد).

365- وَ قَالَ علیه السَّلام : الفِكْرُ مِرآةٌ صَافِيَةٌ وَ الاِعْتِبَارُ (الإتّحاظ بالعبر) مُنْذِرٌ (محذّر) نَاصِحٌ (غیر غاشّ) وَ كَفَى أدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا ( عملا) كَرِهْتَهُ لِغَيْرِكَ (فلا تفعل ما كرهته من الغير و إن فعله).

366- وَ قَالَ علیه السَّلام: الْعِلْمُ مَقْرُونَ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَ العِلْمُ يَهْتِفُ (يصيح) بِالْعَمَلِ فإِنْ أَجَابَهُ ( فذاك هو المطلوب ) و إِلَّا (إن لم يجب العمل العلم) ارْتَحَلَ (العلم) عَنْهُ (فصار العمل بلا حجّة شرعيّة بل يكون حجّة على العامل).

367- وَ قَالَ علیه السَّلام: يَا أَيُّهَا النّاس مَتَاعُ الدُّنْيَا حُطَامٌ (ما) تكسّر - من يبس النّبات) مُوبِيٌ (ذو وباء مهلک) فَتَجَنَّبُوا مَرْعَاهُ (موضع رعيه) قُلْعَتُهَا (عدم السكون للتوطّن) أحْظَى (أسعد) مِنْ طُمَأنِينَتِهَا (التوطّن فيها) وَ بُلْغَتُها (مقدار ما يتبلّغ به من القوت و هو الرزق الكفاف) أَزْكَى (أنمى) مِنْ ثَرْوَتِهَا (و هى أكثر من الرزق الكفاف) حُكِمَ عَلَى مُكْثِرِ مِنْهَا (في الدنيا ) بِالْفَاقَة (لما فيه من الحرص الّذى لا يشبع صاحبه أو بالفاقة عند اللّه يوم العرض على اللّه لما فيه من تضييع الحقوق و المنع من الفقراء و حبّ الخلود إليها) و أعِينَ (من اللّه تعالى) مَنْ غَنِيَ عَنْهَا (و قنع بما رزق) بِالرَّاحَةِ ( عن همومها) مَنْ رَاقَهُ (أعجبه) زِبْرِجُهَا (زينتها) أَعْقَبَتْ (الدنيا) نَاظِرَيْهِ (عينيه) كَمَهاً (عمى) وَ مَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ (الولوع) بِهَا مَلَأِتْ (الدنيا) ضَمِيرَهُ (قلبه) أَشْجَاناً (أحزانا) لَهُنَّ (تلك الأحزان) رَقْصٌ (حركة واثبة جولة) عَلَى سُوَيْدَاء (حبّة، مركز) قَلْبِهِ هَمٌّ يَشْغَلُهُ وَ غَمٌّ يَحْزُنُهُ كَذَلِكَ ( يكون حاله) حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ (حلقومه، موضع أخذ النّفس) فَيُلْقَى بِالْفَضَاءِ مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاهُ (وريدا العنق منه) هَيُناً (حقيرا) عَلَى اللّه فَنَاؤُهُ وَ (هيّنا) عَلَى الْإِخْوَانِ اِلْقَاؤُهُ (طرحه فى القبر) وَ إِنَّمَا يَنْظُرُ (يتأمّّل) الْمُؤْمِنُ إِلَى الدُّنْيَا بِعَيْنّ الاِعْتِبَارِ و يَقْتَاتُ (يأخذ القوت) مِنْهَا بِبَطْنِ الاضْطِرَارِ (بقدر ما يزيل الضرورة) وَ يَسْمَعُ فِيهَا بِاذُنِ الْمَقْتِ (البغض ) وَ الْإِبْغَاضِ إنْ قِيلَ أثرى (إستغنى فلان) قيلَ أكْدَى (إفتقر) وَ إِنْ فُرِحَ لَهُ بِالْبَقَاء (فى الدنيا) حُزِنَ لَهُ بِالْفَنَاء هَذَا (خذ ذا القول من أحوال الدنيا المنقلبة)

ص: 462

وَ (الحال أنّه) لَمْ يَأتِهِمْ (أهل) (الدنيا) يَوْمٌ فِيهِ يُبْلِسُونَ (ييأسون و يتحيّرون).

368- وَ قَالَ علیه السَّلام: إنَّ اللّه سُبْحَانَهُ وَضَعَ (جعل) الثَّوَابَ (الأجر) عَلَى طَاعَتِهِ وَ الْعِقَابَ عَلَی مَعْصِيَتِهِ ذِيَادَةً (منعا) لِعِبَادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ (عذابه) وَ حِيَاشَةً (إحاطة من كل جوانبهم) لَهُمْ إلَى جَنََّتِه.

369- و قَالَ علیه السَّلام: يَأْتِي عَلَى النّاس زَمَانٌ لَا يَبْقَى (شيء) فِيهِمْ مِنَ القُرآنِ إِلَّا رَسْمُهُ (خطّه) وَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ وَ مَسَاجِدُهُم يَومَئِذِ عَامِرَةٌ مِنَ الْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ الهُدَى سُكَّانُهَا (ساكنو المساجد) وَ عُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ الأرضِ مِنْهُمْ تَخْرُجُ الفِتْنَةُ (المشتبهات من الأمّور الّتي لا يعرف الحقّ فيها من الباطل) وَ إلَيْهِمْ تَأْوِي (تلجأ) الخَطِيئَةُ يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ (عزل، إجتنب) عَنْهَا (الفتنة) فِيهَا (الفتنة) وَ يَسُوقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا إِلَيْهَا يَقُولُ اللّه سُبْحَانَهُ فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أوُلَئِكَ (الساكنين فى المساجد و عمّارها) فِتْنَةً تَتْرُكُ (تهمل) الحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ وَ قَدْ فَعَلَ (اللّه تعالى كما حلف) وَ نَحْنُ نَسْتَقِيلُ اللّه (نطلب منه الإقالة) عَثْرَةَ الْغَفْلَة (زلّتها).

370 - وَ رُوِيَ أَنَّهُ علیه السَّلام قَلَّمَا اعْتَدَلَ بِهِ الْمِنْبَرُ (إستوى على المنبر) إِلَّا قَالَ أَمَامَ الْخُطْبَةِ أَيُّهَا النّاس اتَّقُوا اللّه فَمَا خُلِقَ (لم يخلق) امْرُؤٌ عَبَثًا فَيَلْهُوَ (يشتغل باللذات) وَ لَا تُرِكَ سُدًى (مهملا) فَيَلْغُوَ (يأتى باللغو الذى لا فائدة فيه) و ما (ليست) دُنْيَاهُ الَّتِي تَحَسَّنَتْ (تزيَّنت) لَهُ بِخَلَفِ (بدلا) مِنَ الْآخِرَةِ الَّتِي قَبَّحَهَا (جعلها قبيحا) سُوءُ النّظر (لحبّ الدنيا) عِنْدَهُ وَ مَا (ليس) الْمَغْرُورُ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الدُّنْيا بِأعْلَى هِمَّتِهِ كَالْآخَرِ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الْآخِرَةِ بِأدْنَى سُهْمَتِهِ (نصیبه، فقليل من الآخرة خير من كثير الدنيا).

371- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا شَرَفَ أَعْلَى مِنَ الْإِسْلَامِ وَ لَا عِزَّ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوَى وَ لَا مَعْقِلَ (موضع العقال) أَحْسَنُ مِنَ الْوَرَعِ (الإجتناب من الشبهات) وَ لَا شَفيع أنْجَحُ (أكبر فوزا) مِنَ التّوبَةِ (الرجوع الى اللّه تعالى) وَ لَا كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقَنَاعَةِ (فيما رزقه اللّه ) وَ لَا مَالَ أَذْهَبُ للْفَاقَةِ منَ الرِّضَى بِالقُوتِ و مَنِ اقْتَصَرَ (إكتفى) عَلَى بُلْغَةِ الْكَفَاف (رزق الكفاف البلاغ) فَقَدِ انْتَظَمَ (إستوى على) الرّاحَةَ (فى الدنيا و الآخرة) وَ تَبَوَّأِ (نزل) خَفْضَ الدَّعَة (نهاية السعة) وَ الرّغْبَةُ

ص: 463

(الشوق الى الدنيا) مِفتَاحُ النَّصَبِ (التعب الشديد) وَ مَطِيَّةُ (المركب الذلول من) التَّعَبِ وَ الحِرصُ وَ الْكِبْرُ وَ الْحَسَدُ دَوَاعِ إِلَى التَّقَحُّمِ (الدخول بالسرعة ) فِي الذُّنُوبِ وَ الشَّرَّ - جَامِعُ مَسَاوِئ العُيُوبِ.

372- وَ قَالَ علیه السَّلام: لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه الْأَنْصَارِيِّ يَا جَابِرُ قِوَامُ الدِّينِ وَ الدُّنْيَا بِأَربَعَةِ عَالِمِ مُسْتَعْمِلِ عِلْمَهُ وَ جَاهِلِ لَا يَسْتَنْكِفُ (يمتنع من) أِنْ يَتَعَلَّمَ وَ جَوَادِ (سخيّ) لَا يَبْخَلُ بِمَعرُوفِهِ (إحسانه، برّه) وَ فَقِيرِ لَا يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ فَإِذَا ضَيِّعَ الْعَالِمُ عَلْمَهُ (بعدم إستعماله) اسْتَنْكَفَ الْجَاهِلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَ إِذَا بَخِلَ الْغَنيَّ بِمَعرُوفِهِ بَاعَ الْفَقِيرُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ يَا جَابِرُ مَنْ كَثُرَتْ نِعَمُ اللّه (من العلم و المال) عَلَيْهِ كَثُرَتْ حَوَائِجُ النّاس (من الجاهل و الفقير) إِلَيْهِ فَمَنْ قَامَ لِلَّهِ فِيها (أى فى تلك النّعم برفع حوائج النّاس أو فى حوائج النّاس بقضائها) بِمَا يَجِبُ فِيهَا (من إنفاق المال أو العلم) عَرّضَهَا (جعل تلك النّعم معرضا) لِلدَّوَامِ وَ الْبَقَاءِ (فبقي آثار ها له في الآخرة) وَ مَنْ لَمْ يَقُم (اللّه تعالى) فِيهَا (تلك النّعم المودعة عنده أو في حوائج النّاس) بِمَا یَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ وَ الْفَنَاءِ (بكفران نعمه تعالى).

373 - وَ رَوَى ابْنُ جَرِيرِ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيِخِه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْفَقِيهِ وَ كَانَ مِمَّنْ خَرَجَ لِقِتَالِ الْحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الأشْعَثِ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا كَانَ يَحُضُّ بِهِ النّاس عَلَى الْجِهَادِ إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيّاً رَفَعَ اللّه دَرَجَتَهُ فِي الصَّالِحِينَ و أَتَابَهُ ثَوَابَ الشُّهَدَاءِ وَ الصِّدِّيقِينَ يَقُولُ يَومَ لَقِينَا أَهْلَ الشَّامِ:

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنَّهُ مَنْ رَأى عُدْوَاناً (ممّا يوجب العداوة بين النّاس الّذي) يُعْمَلُ بِهِ وَ مُنْكَراً (قبيحا) يُدْعَى إِلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَ بَرِئَ (سلم من إثم ذلك المنكر) وَ مَنْ أَنْكَرَهُ بِلِسَانِهِ (بعد أن أنكره بقلبه) فَقَدْ أَجِرَ وَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ (من القسم الأوّل) وَ مَنْ أَنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ (بعد إنكاره بالقلب و اللسان) لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللّه هِيَ الْعُلْيَا وَ كَلِمَةُ الظَّالِمِينَ هِيَ السَّفْلَى فَذَلِكَ (الشخص هو) الَّذِي أَصَابَ سَبِيلَ الْهُدَى (بتمامه) وَ قَامَ عَلَى الطَّرِيقِ (المستقيم) وَ نَوّرَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينُ (بجميع مراتبه).

ص: 464

374- وَ فِي كَلَامِ آخَرَ لَهُ يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى فَمِنْهُمُ (بعض النّاس) الْمُنْكِرُ لِلْمُنْكَرِ بِيَدِهِ (سيفه) وَ لِسَانِهِ وَ قَلْبِهِ فَذَلِكَ (البعض هو) الْمُسْتَكْمِلُ لِخِصَالِ (خصائص) الْخَيْرِ وَ مِنْهُمُ الْمُنْکِرُ بِلِسَانِهِ وَ قَلْبِهِ وَ التَّارِكُ (بالسيف) بِيَدِهِ فَذَلِكَ مَتَمَسِّكٌ بِخَصْلَتَيْنِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ (الثلاثة) وَ مُضَيَعٌ خَصْلَةَ (واحدة) وَ مِنْهُمُ الْمُنْكِرُ (للمنكر) بِقَلْبِهِ وَ التَّارِكَ بِيَدِهِ وَ لِسَانِهِ فَذَلِكَ الَّذِي ضَيَّعَ أَشْرَفَ الْخَصْلَتَيْنِ (و هو الإنكار بالسيف و اللسان) مِنَ الثَّلَاثِ وَ تَمَسَّكَ بِوَاحِدَةِ (بالإنكار بالقلب) وَ مِنْهُم تَارِكٌ لإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِهِ وَ قَلْبِهِ وَ يَدِهِ فَذَلِكَ (البعض) مَيَتُ (فى) الأحيَاءِ وَ مَا (ليس) أَعْمَالُ الْبِرِّ كُلُّهَا وَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللّه عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْي عَنْ الْمُنْكَرِ (بمراتبهما الثلاثة) إِلَّا كَنَفْثَةِ (و هو ما يمازج النّفس من الريق عند النّفخ) فِي بَحْرٍ لُجِّيَ (عميق) و إِنَّ الْأمّْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَا يُقَرَّبَانِ مِنْ أَجَلِ (أجلا) وَ لَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقِ (رزقا) وَ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ (الأمّر بالمعروف و النهي عن المنكر) كُلَّهِ كَلِمَةُ عَدْلِ عِنْدَ إِمَامٍ جائر (مائل عن قصد السبيل).

375 - وَ عَنْ أَبي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أمِّيرَ الْمُؤمِنِینَ علیه السَّلام يَقُولُ أَوَّلُ مَا تُغْلَبُونَ عَلَيْهِ منَ الْجِهَادِ الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ (و هو أصعبه) ثُمَّ (الجهاد) بألسِنَتِكُمْ ثُمَّ بِقُلُوبِكُمْ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ مَعْرُوفاً وَ لَمْ يُنْكِرْ (بقلبه) مُنْكُراً (و هو أسهل المراتب فى الأمّر و النهی) قُلِبَ فَجُعِلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ (حيث إنقلب قلبه فالصورة صورة إنسان و القلب قلب حيوان).

376- وَ قَالَ علیه السَّلام: إِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِيءّ (هنيء) وَ إِنَّ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَ بِيء (كثير الوباء، وخيم العاقبة).

377- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا تَأْمَنَنَّ عَلَى خَيْرٍ هَذِهِ الأمَّّةِ عَذَابَ اللّه لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ وَ لَا تَیْأَسَنَّ لِشَرِّ هَذِهِ الأمّة مِنْ رَوْحِ اللّه (رحمته) لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ لا یَيْأسُ مِنْ رَوْحِ اللّه إِلَّا الْقَومُ الْكافِرُونَ ( فالإفراط فى الرجاء لرحمته الواسعة أمّان من مكر اللّه تعالى و التفريط فيه يأس من روح اللّه تعالى).

378- وَ قَالَ علیه السَّلام: الْبُخْلُ (إمساك النّفس عن الإنفاق) جَامِعٌ لِمَسَاوِئِ الْعُيُوبِ وَ هُوَ

ص: 465

زِمَامٌ يُقَادُ بِهِ إِلَى كُلِّ سُوءٍ (لأنّه إذا بخل الغنىّ بمعروفه باع الفقير دينه بدنياه فالبخل زمام يقاد به إلى السوء كلّه) .

379- وَ قَالَ علیه السَّلام: يَا ابْنَ آدَمَ الرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَ رِزْقٌ يَطْلُّبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ (ذلك الرزق) أتَاكَ (ذلك الرزق) فَلَا تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ (فى الرزق) عَلَى هَمَّ (رزق) يَوْمِكَ (هذا) كَفََاكَ كُلُّ یَوْمٍ عَلَى مَا فِيهِ (من الرزق) فَإِنْ تَكُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَإِنَّ اللّه تَعَالَى سَيُؤْتِيكَ فِي كُلِّ غِدٍ جَدِيدٍ مَا قَسَمَ لَكَ (من الرزق) وَ إِنْ لَمْ تَكُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ فِيمَا لَيْسَ لَكَ (من الرزق) وَ لَنْ يَسْبِقَكَ إِلَى رِزْقِكَ طَالِبٌ وَ لَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْهِ (رزقك) غَالِبٌ وَ لَنْ يُبْطِیَ (البطاء هو خلاف السرعة) عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَكَ (من الرزق و إن كنت بطيئا في طلبه).

قال الرضي: و قد مضى هذا الكلام فيما تقدم من هذا الباب إلّا أنه هاهنا أوضح و أشرح فلذلك كررناه على القاعدة المقررة في أوّل الكتاب.

380- وَ قَالَ علیه السَّلام: رُّبَّ مُسْتَقْبِلِ يوماً لَيْسَ بِمُسْتَدْبِرِهِ وَ (ربّ) مَغْبُوطٍ فِي أَوَّلِ لَيْلِهِ قَامَتْ بَوَاكِيهِ (الباكيات عليه) فِي آخِرِه (و إنّه موضع الإعتبار لمن كان له قلب).

381- وَ قَالَ علیه السَّلام: الْكَلَامُ فِي وَثَاقِكَ (الوثاق هو ما يشدّ به و يربط) مَا (دام) لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ (الكلام) فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَ وَرِقَكَ (فضَّتك) فَرُبَّ كَلِمَة (تكلّمت بها) سَلَبَتْ نِعْمَةَ وَ جَلَبَتْ (كسبت) نِقْمَةَ (عقابا).

382- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اللّه فَرَضَ (كتب) عَلَى جَوَارِحِكَ أعضائك و منها اللسان) كُلَّهَا فَرَائِضَ (واجبات) يَحْتَجَّ بِهَا (تلك الجوارح أو بتلك الفرائض) عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

383- وَ قَالَ علیه السَّلام: احْذَرْ (خَف) أَنْ يَرَاكَ اللّه عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ (مخالفته) وَ يَفْقِدَكَ (لم يجدك) عِنْدَ طَاعَتِهِ فَتَكُونَ (إذاً) مِنَ الْخَاسِرِينَ ، وَ إِذَا قَوِيتَ فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللّه (حتى يراك اللّه عند ها) وَ إِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعْصِيَة اللّه (حتى يفقدك عندها).

ص: 466

384 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الرّكُونُ (السكون الطمأنينة) إلَى الدُّنْيَا مَعَ مَا تُعَايِنُ (تشاهد) مِنْهَا (من التغيير و التحوّل) جَهْلٌ وَ التَّقْصِيرُ (التفريط) في حُسْنِ الْعَمَلِ إِذَا وَثقْتَ (تيقّنت) بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ (حسن العمل) غَبْنٌ (خسارة) وَ الطُّمَأنِينَةُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ لَهُ عَجْزٌ.

385- وَ قَالَ علیه السَّلام: منْ هَوَانِ الدُّنْيَا (حقارتها، عدم كرامتها) عَلَى اللّه (عند اللّه) أَنَّهُ لَا يُعصَى (اللّه تعالى) إِلَّا فِيهَا وَ لَا يُنَالُ ( يدرك) مَا عِنْدَهُ (تعالى من النَّعیم) إِلَّا بِتَركِهَا (حيث إنَّ الدنيا و الآخرة سبيلان مختلفان و هما بعد ضرّتان)

386- وَ قَال علیه السَّلام: مَنْ طَلَبَ شَيْئاً نَالَهُ (أدركه) أوْ (أدرك) بَعْضَهُ ( فعليكم بالطلب).

387- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَا (ليس) خَيْرٌ بِخَيْرٍ (يكون) بَعْدَهُ النَّارُ و مَا (ليس) شَرَّ بِشَرَ - (يكون) بَعْدَهُ الْجَنَّةَ وَ كُلُّ نَعِيمِ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ (حقير) وَ كُلُّ بَلَاءِ (من مصائب الدنيا) دُونَ النّار (جهنّم) عَافيةٌ (فكلّ بلاء يصبر عليها صاحبها يحمله إلى الجنّة فيكون عافية له من أعظم البليّات و هو النّار كما أنّ كلّ نعيم و خير يبطر الإنسان و يغفله يورده النّار فيكون شرّا عليه).

388 - وَ قَالَ علیه السَّلام: أَلَا وَ إِنَّ مِنَ الْبَلَاءِ الْفَاقَة (الفقر) وَ أشَدُّ مِنَ الْفَاقَة مَرَضُ البَدَنِ وَ أَشَدُّ مِنْ مَرَضِ الْبَدَنِ مَرَضُ القَلْبِ (قساوته بالصفات الرذيلة) ألا [وَ إِنَّ مِنَ النّعم سَعَةَ المالِ] (كلّ ما تحتاج اليه فى عيشك) و أفضَلُ مِن سِعَةِ المالِ صِحّة (سلامة) البَدَنِ (عن الأمّراض) وَ أفضَلُ مِن صِحّةِ البَدَنِ تَقوَى القَلبِ و إِنَّ مِنْ صَحَّةِ الْبَدَنِ تَقْوَى القَلْبِ.

389 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ أَبْطَأَ (أخّر) بِهِ عَمَلُهُ (لسوء عمله) لَمْ يُسْرِعُ بِهِ نَسَبُه (لم يقدّمه نسبه).

وَ فِي رِوَايَةِ أَخْرَى: مَنْ فَاتَهُ حَسَبُ نَفْسِهِ (موقعه فى المجتمع) لَمْ يَنْفَعُهُ حَسَبُ آبَائِهِ.

390 - وَ قَالَ علیه السَّلام: لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثُ سَاعَاتِ (أوقات) فَسَاعَةٌ يُناجِي فِيهَا رَبَّهُ وَ سَاعَةٌ يَرُمُّ (يصلح) معاشَهُ و سَاعَةٌ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِ وَ بَيْنَ لَذَّتِهِا فِيمَا يَحِلُّ (شرعا) وَ يَجْمُلُ (عرفا) وَ لَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً (عاملا، ذاهبا) إِلَّا فِي ثَلَاثِ (فى) مَرَمَّةِ (إصلاح) لِمَعَاشِ أوْ (فی)

ص: 467

خُطْوَةٍ (قدم) فِي مَعَادٍ أوْ (فى) لَذَّةِ فِي غَيْرِ مُحَرَّمِ ( و هو الحلال الجميل من اللذّات).

391- وَ قَالَ علیه السَّلام: ازْهَدْ (لا ترغب) فِي الدُّنْيَا يَبَصِّرْكَ اللّه عَوْرَاتِهَا (عيوبها) وَ لَا تَغْفُلْ (عن الموت) فَلَسْتَ بِمَغْفُولٍ عَنْكَ ( لما ضرب عليك من الأجل).

392 - وَ قَالَ علیه السَّلام: تَكَلَّمُوا (تحدّثوا) تُعْرَفُوا فَإِنَّ المَرْءَ مَخبُوءٌ (مخفيّ) تَحْتَ لِسَانِهِ (فاللسان ميزان المعرفة لما فى القلوب و لا يعرف ما فيها إلّا باللسان و قدر الرجال على قدر ما فى قلوبهم من المكارم و المعارف)

393- وَ قَالَ علیه السَّلام: خُذْ مِنَ الدُّنْيَا مَا أَتَاكَ (من الرزق و كن قانعا) وَ تَوَلَّ (أعرض) عَمّا تَوَلَّى (أدبر) عَنْكَ (من الرزق و لا تكن حريصا) فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ (ذلك من الأخذ لما أتاك و التولّى عمّا تولّى عنك و لم تقدر على ذلك) فَأَجْمِلْ فِي الطَّلَبِ (فليكن الطلب منك للدنيا في إجمال دون التفصيل الداعي إلى الحرص).

394- وَ قَالَ علیه السَّلام: رُبَّ قَوْلِ أَنْفَذُ (أشدّ نفوذا) مِنْ صَولٍ (سطوة فاللسان سيف قاطع على الأعداء و كلب عقور على الأصدقاء فاحفظه على حدوده).

395- وَ قَالَ علیه السَّلام: كُلُّ مُقْتَصَرٍ عَلَيْهِ (من الرزق) کَافِ (لك و هذا هو القناعة).

396- وَ قَالَ علیه السَّلام : المَنِيّةُ (الموت مطلوب) وَ لَا الدَّنِيَّةُ (بالإستسلام عند الأعداء) وَ التَّقَلُّلُ (الإكتفاء بالقليل مطلوب) وَ لَا التَّوَسّلُ (إلى النّاس فى طلب الدنيا) وَ مَنْ لَمْ يُعْطَ (رزقُه) قاعداً (غير حريص فى الطلب) لَمْ يُعْطَ (الرزق) قَائِماً ( ناهضا حريصا في الطلب) وَ الدَّهْرُ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَ يَوْمٌ عَلَيْكَ فَإِذَا كَانَ لَكَ (بسعة الرزق) فَلَا تَبْطَرْ (تفرح) وَ إِذَا كَانَ عَلَيْكَ (بضيق الرزق) فَاصْبِرْ.

397- وَ قَالَ علیه السَّلام: نِعْمَ الطِّيبُ المِسْكُ خَفِيفٌ مَحْمِلُهُ (موضع حمله) عَطِرٌ رِيحُهُ.

398- وَ قَالَ علیه السَّلام: ضَعْ فَخْرَكَ (على النّاس) وَ احْطُطُ (إنزل) كِبْرَكَ وَ اذْكُرْ قَبْرَكَ ليكسر- کبرك لأنّ الكبر يؤدّى إلى العدوان و بئس الزاد إلى المعاد عدوان العباد).

399 - وَ قَالَ علیه السَّلام: إنَّ لِلْوَلَدِ (ذكورا كان أمّ إناثا) عَلَى الْوَالِدِ حَقّاً (ثابتا بالشرع) وَ إِنَّ

ص: 468

لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ حَقَّاً فَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أنْ يُطِيعَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي مَعْصِيَةِِ (مخالفة) اللّه سُبحَانَهُ (فلا شریک له فی حکمه) وَ حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أنْ يُحَسِّنَ اسْمَهُ وَ يَحَسِّنَ أَدَبَهُ وَ يُعَلِّمَهُ القُرآنَ.

400 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الْعَيْنُ حَقُّ وَ الرَّقَى (العودة) حَقٌّ وَ السِّحْرُ حَقٌّ وَ الْفألُ (الكلمة الحسنة يتفائل بها) حَقٌّ وَ الطِّيَرَةُ (التشاؤم) لَيْسَتْ بِحَقٍِّ وَ الْعَدْوَى (إنتقال المرض و هو هنا الجنون) لَيْسَتْ بِحَقٍّ وَ الطَّيبُ نُشْرَةٌ ( عودة) وَ الْعَسَلُ نُشْرَةٌ وَ الرَّكُوبُ نُشْرَةٌ وَ النّظر إلَى الخُضْرَةِ نُشْرَةٌ.

401- وَ قَالَ علیه السَّلام: مُقَارَبَةُ النّاس فِي أَخْلاقِهِمْ أَمَنٌ مِنْ غَوائِلِهِمْ (عداواتهم فمن قارب أحدا في أخلاقه فقد أمّن من شروره و عداوته.)

402- وَ قَالَ علیه السَّلام لِبَعْضِ مُخَاطِبِيهِ وَ قَدْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يُسْتَصْغَرُ (بعدّ صغيرا) مِثْلُهُ (ذلك المتكلّم) عَنْ قَولِ مِثْلِهَا (تلك الكلمة): لَقَدْ َطرْتَ شَكِيراً (بلا ريش قوىّ للطيران) وَ هَدَرْتَ (صحت، نعقت) سَقْباً (صغيرا من الإبل).

قال الرضي: و الشكير هاهنا أوّل ما ينبت من ريش الطائر قبل أن يقوى و يستحصف و السقب الصغير من الإبل و لا يهدر إلا بعد أن يستفحل.

403- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ أَوْمأِ (أشار) إلَى مُتَفَاوِتٍ (متباعد من الأمّور) خَذَلَتْهُ الحِيَلُ (لم) ينجح، لم يظفر بإستعمال الحيل ليضمّ بين المتباعدات فعليكم بالنظم في الأفكار حتى لا تخذلكم الحيل).

404- وَ قَالَ علیه السَّلام: وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللّه إِنَّا لَا نَمْلِكُ مَعَ اللّه شَيْئاً (حيث هو الشرك باللّه) وَ لَا نَمْلِكُ إِلَّا مَا مَلَّكَنَا فَمَتَى مَلَّكَنَا (أعطانا) مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنَّا كَلَّفَنَا وَ مَتى أَخَذَهُ مِنَّا وَضَعَ (رفع) تَكليِفَهُ عَنَّا (العدم القدرة حينئذ على الفعل لأخذ سبيه).

405- و قَالَ علیه السَّلام لعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَ قَدْ سَمِعَهُ يُرَاجِعُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَلَاماً: دَعْهُ

ص: 469

(أتركه) يَا عَمَّارُ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الدِّينِ إِلَّا مَا قَارَبَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَ عَلَى عَمْدٍ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ (أوقع نفسه فى اللبس و الشبهة) لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لسَقَطَاتِهِ (زلّاته).

406- و قَالَ علیه السَّلام : مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ الأغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ طَلَباً لِمَا عِنْدَ اللّه (من الأجر على تعظيم الفقراء) وَ أَحْسَنُ مِنْهُ (تواضع الأغنياء) تِيهُ (أنَفَة، كبر) الْفُقَرَاءِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ اتِّكَالًا (إعتمادا) عَلَى اللّه (بما في يده من الرزق).

407- و قَالَ علیه السَّلام: مَا اسْتَوْدَعَ اللّه امْرَأَ عَقْلاً (أى لم يجعل اللّه فهما قليلا لرجل وديعة) إلَّا اسْتَنْقَذَهُ (أنجاه) بِهِ (ذلك العقل) يَوْماً مَا (لأنّ العقل يهدى إلى الرشد).

408- وَ قَالَ علیه السَّلام: مَن صَارَعَ (تقابل) الحَقَّ صَرَعَهُ (هلكه الحقّ).

409 - وَ قَالَ علیه السَّلام: الْقَلْبُ مُصْحَفُ البَصَرِ (فما ينظر إليه الإنسان يحبه و يطلبه خيرا كان أو شرّا فإنقلاب القلب بالبصر و البصر مفتاح الإنقلاب).

410- وَ قَالَ علیه السَّلام : التَّقَى (التحذّر من المعاصى) رَئِيسُ (سيْد) الْأَخْلَاقِ (فمن لم يكن له التقوى لم ينتفع بالأخلاق).

411- وَ قَالَ علیه السَّلام: لَا تَجْعَلَنَّ ذَرَبَ (حدّة ) لِسَانِكَ عَلَى مَنْ أَنْطَقَكَ (أعلمك النّطق) و (لا تجعلنّ) بَلَاغَةَ (حسن) قَوْلِكَ عَلَى مَنْ سَدَّدَكَ (قّومك و إعلم أنَّ اللّه تعالى أنطقک و جعلك ذا نطق حديد و أبویک یعلّمانك النّطق و الإمام يرشدك إلى كيفيّة النّطق فلا يجوز لك أن تجعل ذرب اللسان عليهم).

412- وَ قَالَ علیه السَّلام : كَفَاكَ أدباً لِنَفْسِكَ اجْتِنَابُ مَا تَكْرَهُهُ (من المنكرات) مِنْ غَيْرِكَ (فإنّ الإنسان إذا رأى المنكرات من غيره كرهها و إذا فعلها بنفسه لم يرها منكرات الملائمتها لنفسه)

413 - وَ قَالَ علیه السَّلام: مَنْ صَبَرَ صَبْرَ الأَحْرَارِ (فهو المطلوب) وَ إِلَّا (إن لم يصبر) سَلَا (ذهل، غفل، هجر) سُلُوّ (غفلة ) الأغْمَارِ الجاهلين الّذين يغفلون عن المصائب لأنّ الأصل عند المصائب عدم الجزع و هو يحصل بالصبر و هو من المكارم أو بالسلوّ).

ص: 470

414 - وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ علیه السَّلام قَالَ لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسِ مُعَذِّياً عَنِ ابْنٍ لَهُ:

إِنْ صَبَرْتَ صَبْرَ الْأَكَارِمِ (ذوى المكارم فى الأخلاق) و إلَّا (إن لم تصبر) سَلَوْتَ سُلُوَّ الْبَهَائِمِ (الأنعام الغافلة عن المصائب، يعني أنّك لو لم تصبر صبر الأكارم لا يجوز لك أن تجزع بل لابدّ لك من سلوّ البهائم و حيث لا ينبغى الجزع و السلوّ للإنسان فعليه أن يصبر صبر الأكارم).

415 - وَ قَالَ علیه السَّلام: فِي صِفَةِ الدُّنْيَا تَغُرُّ (أهلها المشتاقين إليها) وَتَضُرّ (هم) وَ تَمُّرَّ إِنَّ اللّه تَعَالَى لَم يَرْضَهَا ثَوَاباً (أجرا) لِأوْلِيَائِهِ وَ لَا عِقَاباً لِأعْدَائِهِ وَ إنَّ أهْلَ الدُّنْيَا كَرَكْبِ (راكبين) بَيْنَا هُمْ حَلُّوا (نزلوا للإقامة) إِذْ صَاحَ (نعق فجأة) بِهِمْ سائِقُهُمْ (بالرحيل) فَارْتَحَلُوا (عن منزلهم إلى دار القرار).

416- وَ قَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ علیه السَّلام لَا تُخَلَّفَنَّ وَرَاءَكَ (خلفك بعد مماتک) شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا (للورثة) فَإِنَّكَ تَخَلَّفُهُ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فيه (ما تخلفه له) بِطَاعَةِ اللّه فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ (من مالک) وَ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللّه فَشَقِيَ (ذلك الرجل) بِمَا جَمَعْتَ لَهُ (و تركته له) فَكُنْتَ عَوْناً (ناصرا) لَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَ لَيْسَ أَحَدُ هَذيْنِ (الرجلين) حَقِيقاً (مستحقّا، لائقا) أَنْ تُؤْثِرَهُ (تقدّمه) عَلَى نَفْسِك (فكن وصىّ نفسک فی مالک فاعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك).

قال الرضي: وَ يُرْوَى هَذَا الكَلَامُ عَلَى وَجْهِ آخَرَ وَ هُوَ:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الَّذِي فِي يَدّكَ مِنَ الدُّنْيَا قَدْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ (مالكون) قَبْلَكَ (ممّن ورثت منهم هذا المال) وَ هُوَ صَائِرٌ إِلَى أَهْلٍ بَعْدَكَ (من الورثة) وَ إِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَينِ رَجُلِ عَمِلَ فِيمَا جَمَعْتَهُ بِطَاعَة اللّه فَسَعدَ بِمَا شَقيتَ بِهِ (ممّا جمعته) أو رَجُلِ عَمِلَ فِيهِ بمَعْصِيَة اللّه فَشَقِيتَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ وَ لَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ أَهْلًا أَنْ تُوْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَ لَا أَنْ تَحْمِلَ لَهُ (وزره و ثقل معصيته) عَلَى ظَهْرِكَ فَارْجُ لِمَنْ مَضَى (سبيله و مات) رَحْمَة اللّه وَ لِمَنْ بَقِيَ رِزْقَ اللّه (و لا تكن لهم خازنا).

ص: 471

417- و قَالَ علیه السَّلام: لِقَائِلِ قَالَ بِحَضْرَتِهِ أسْتَغْفِرُ اللّه ثَكِلَتْكَ (بكت و ناحت عليك) أُمُّكَ أتَدْرِي (تعلم) مَا (أىّ شىء) الاِسْتِغْفَارُ، الاِسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ العِلِّیِّينَ (المقرّبين) وَ هُوَ (الإستغفار) اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ (حقائق) أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى (من السيّئات) وَ الثَّانِي الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ (الرجوع إلى ما مضى) إِلَيْهِ أَبَداً وَ الثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللّه أَمْلَسَ (طاهرا) لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ (من حقوقهم) وَ الرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ (تقوم تنهض) إِلَى كُلِّ فَريضَة عَلَيْكَ ضَيْعتَهَا (بالترك فى الواجبات و الفعل فى المحرمات) فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا (بالفعل فى الأوّل و الترك فى الثانى) وَ الْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ (المال من كسب الحرام) فَتُذِيبَهُ (ذلك اللحم) بِالْأحْزَانِ (بعد أن تؤدّى إلى المخلوقين حقوقهم) حَتَّى تُلْصِقَ الجِلْدَ بِالعَظمِ وَ يَنْشَأ بَيْنَهُمَا (الجلد و العظم) لَحْمٌ جَدِيدٌ وَ السَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَة كَمَا أذَقْتَهُ حَلَاوَةَ الْمَعْصِيَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ (الأمّر من الإتيان بالأمّور الستّة أو عند ذلك الشرط السادس) تَقُولُ (قل) أَسْتَغْفِرُ اللّه.

418- و قَالَ علیه السَّلام: الحِلْمُ (عند الجهلة ) عَشيرَة (لأنَّ النّاس يكونون أنصارا للحليم).

419- وَ قَالَ علیه السَّلام: مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ مَكْتُومُ الأجَلِ (لا يدرى زمان موته) مَكْنُونُ (مستور) العلَلِ (الأمّراض) مَحْفُوظُ العَمَلِ تُؤْلِمُهُ الْبَقَّةُ (تؤذيه البقّة و هى كالبعوضة) و تَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ (جرعة ماء إعترض فى الحلق) وَ تُنْتِنُهُ (توجد فيه ريحا نتنا) العَرقَةُ.

420- وَ رُوِيَ أَنَّهُ علیه السَّلام كَانَ جَالِساً فِي أَصْحَابِهِ فَمَرَّتْ بِهِمُ امْرَأَ جَمِيلَةٌ فَرَمَقَهَا (نظرها) القوم بأبْصَارِهِمْ فَقَاَل علیه السَّلام:

إِنَّ أَبْصَارَ هَذِهِ الْفُحُولِ طَوَامِحُ (جمع طامح أو طامحة أى: أبعد فى الطلب، حريص فيه) وَ إِنَّ ذَلِكَ (البعد فى الطلب) سَبَبُ هِبَابِهَا (هیجان هذه الفحول حيث إنّ القلب مصحف البصر-) فَإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى امْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلامِس (يجامع) أهْلَهُ ( زوجته) فَإِنَّمَا هِيَ تلك المرأة المعجبة) امْرَأَةٌ كَامْرَأتِهِ (زوجة أحدكم).

فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِج: قَاتَلَهُ اللّه، كَافِراً مَا أَفْقَهَهُ ، فَوَثَبَ (هجم) الْقَوْمُ ليَقْتُلُوهُ، فَقَالَ عليه

ص: 472

السَّلام: رُوَيْداً (أمّهلوه مهلة) إِنَّمَا هُوَ (جوابه) سَبِّ بِسَبٍّ، أو عَفُوٌ عَنْ ذَنْبِ (و العفو لمن قدر على العدوّ أولى شكرا للقدرة عليه).

421- وَ قَالَ علیه السَّلام

كَفَاكَ مِنْ عَقْلِكَ مَا أَوضَحَ لَكَ سُبُلَ غَيِّكَ (ضلالك) مِنْ رُشْدِكَ (هدايتك و هذا هو شأن العقل).

422- وَ قَالَ علیه السَّلام

افْعَلُوا الْخَيْرَ (و هو ما يختاره الشرع أو العقل) وَ لَا تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيْئاً فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ وَ قَلِيلَهُ كَثِيرٌ وَ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنَّ أَحَداً (غيرى) أولى بِفِعْلِ الْخَيْرِ مِنِّى فَيَكُونَ (فيصير) وَ اللّه كَذَلِكَ (كما يقول) إِنَّ لِلْخَيْرِ وَ الشَّرِّ أَهْلًا فَمَهْمَا تَرَكْتُمُوهُ مِنْهُمَا (الخير و الشرّ-) كَفَاكُمُوهُ (ذلك الشيء المتروك) أهْلُهُ (فأهل الخير يعملون الخير و يكفونكم من إتيانه فتنقلبوا خاسرين).

423- وَ قَالَ علیه السَّلام

مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ (باطنه لآخرته) أَصْلَحَ اللّه عَلانِيَتَهُ (ظاهره عند النّاس) وَ مَنْ عَمِلَ لِدِينِهِ (و آخرته لإصلاح سريرته) كَفَاهُ اللّه أَمْرَ دُنْيَاهُ (من علانيّته) وَ مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ اللّه (بإصلاح السريرة و العمل للآخرة و إتيان الحقوق الواجبة عليه) أحْسَنَ اللّه مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ النّاس (بإصلاح العلانية و أمّر الدنيا له حيث أتى الحقوق كلها و إنّما إصلاح الدنيا لا يمكن أن يتحقّق إلا بإتيان تلك الحقوق و فيها إصلاح الدين و الدنيا).

424- و قال علیه السَّلام

الحِلْمُ غِطَاءٌ سَاتِرٌ (لسورة الغضب و هيجانه ) وَ الْعَقْلُ حُسَامٌ (سيف) قَاطِعٌ (للهوى) فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلْمِكَ (حيث إن الإحتمال قبر العيوب) وَ قَاتِلُ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ.

435- وَ قَالَ علیه السَّلام

إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً يَخْتَصُّهُمُ اللّه بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ (بالإنفاق لهم) فَيُقِرُّهَا (يجعلها) فِي أَيْدِيهِمْ مَا (دام) بَذَلُوهَا (لعباده) فَإِذَا مَنْعُوهَا (تلك النّعم من عباده) نَزَعَهَا (قلعها اللّه تعالى) مِنْهُمْ

ص: 473

ثُمَّ حَوْلَهَا (صيّرها) إِلَى غَيْرِهْم.

426- وَ قَالَ علیه السَّلام

لا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَثِقَ (يعتمد) بِخَصْلَتَيْنِ العَافِيَةِ وَ الغِنَى بَيْنَا تَرَاهُ مُعَافیً (من الأسقام) إِذْ سَقْمَ (مرض فجأة) وَ بَيْنا تَرَاهُ غَنِيّاً إِذِ افْتَقَرَ.

427- وَ قَالَ علیه السَّلام

مَنْ شَكَا الْحَاجَةَ إِلَى مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّهُ شَكَاهَا (تلك الحاجة) إلى اللّه (لأنّ المؤمن خليفة اللّه في الأرضِ) وَ مَنْ شَكَاهَا إِلَى كَافِرٍ فَكَأَنَّمَا شَكَا اللّه

428- وَ قَالَ علیه السَّلام فِي بَعْضِ الأعْيَادِ:

إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبلَ اللّه صِيَامَهُ وَ شَكَرَ قِيَامَهُ (بالليل للصلوة) و كُلُّ يَوْمِ لَا يُعْصَى اللّه فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ (رجوع إلى طهارة الفطرة).

429- وَ قَالَ علیه السَّلام

إِنَّ أَعْظَمَ الْحَسَراتِ يومَ القِيَامَةِ حَسْرَةً رَجُلٍ كَسَبَ مَالًا فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللّه (من الحرام) فَوَرِثهُ (ذلك المال) رَجُلٌ (من الورثة) فَأَنْفَقَهُ (بذل المال) في طَاعَةِ اللّه سُبْحَانَهُ فَدَخَلَ (هذا الرجل الوارث) بِهِ (مال ذلك الرجل) الْجَنَّةَ وَ دَخَلَ الْأَوَّلُ بِهِ (ماله المكتسب في غير طاعة اللّه) النّار (فخسر الدارين و يكون المهنأ للغير و العبء على ظهره).

430- وَ قَالَ علیه السَّلام

إِنَّ أَخْسَرَ النّاس صَفْقَةً (بيعا) و أخْيَبَهُمْ (أشدّهم خيبة أخسرهم) سَعْياً رَجُلٌ أَخْلَقَ (أبلى) بَدَنَهُ فِي طَلَبِ مَالِهِ وَ لَمْ تُسَاعِدُهُ الْمَقَادِيرُ عَلَى إِرَادَتِهِ (أمّله من طلب المال) فَخَرَجَ (ذلك الرجل) مِنَ الدُّنْيَا بِحَسْرَتِهِ (مع حسرته لما جمع وَ قَدِمَ عَلَى الْآخِرَةِ بِتَبِعَتِهِ (مع عاقبة المال حيث لم يضعه مواضعه من الحقوق الواجبة عليه).

431- وَ قَالَ علیه السَّلام

الرِّزْقُ رِزْقَانِ طَالِبٌ (يطلبک) وَ مَطْلُوبٌ (تطلبه) فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا (أي: الرزق المطلوب)

ص: 474

طَلَبَهُ الْمَوْتُ (و لا يبلغ ما يؤمّل من الدنيا) حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنهَا (الدنيا بلا أمّل مدرك) وَ مَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا (أى: الرزق الطالب) حَتَّى يَسْتَوْفِيَ (يستكمل) رِزْقَهُ (قبل الموت) مِنْهَا (من الدنيا).

432- وَ قَالَ علیه السَّلام

إنَّ أَوْلِيَاءَ اللّه هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا (تأمّْلوا) إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ النّاس إِلَى ظَاهِرِهَا (من اللذات و المقنيات) وَ اشْتَغَلُوا بِآجِلهَا (عاقبتها) إذَا اشْتَغَلَ النّاس بِعَاجِلَهَا (حاضرها) فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا (حبّها الذى) خَشُوا (خافوا) أَنْ يُمِيتَهُمْ (أى يميت قلوبهم من ذكر اللّه) وَ تَرَكُوا مِنْهَا مَا (متاعها الَّذى) عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَتْرُكُهُمْ وَ رَأوُا اسْتِكْثَارَ غَيْرِهِمْ مِنْهَا (الدنيا) اسْتِقْلَالًا (في درجات الآخرة و نعيمها) و (رأوا) دَرَكَهُمْ (نيلهم، وصولهم) لَهَا فَوْتاً (حرمانا لما وُعد للزاهدين من المقامات فالأولياء) أعْدَاءُ مَا سَالَمَ النّاس (من حبّ الدنيا) وَ سَلْمُ مَا عَادَى النّاس (من الأنس باللّه) بِهِمْ عُلِمَ الْكِتَابُ (القرآن و معارفه) وَ بِهِ (الكتاب) عَلِمُوا (صاروا عالمين) [عُلِمُوا] (عُرفوا) وَ بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ (بحدوده) وَ بِهِ (الکتاب) قَامُوا لَا يَرَوْنَ مَرْجُوّاً (ما يرجى به) فَوْقَ مَا يَرْجُونَ (من رحمة اللّه في الآخرة) و لَا مَخُوفاً فَوْقَ مَا يَخَافُونَ (من العقاب).

433- وَ قَالَ علیه السَّلام

اذْكُرُوا انْقطَاعَ اللَّذَّات (بالموت) وَ بَقَاءَ التَّبِعَاتِ (آثار اللذات من العقاب في الآخرة حتى تقفوا عند المعاصي في الخلوات).

434- وَ قَالَ علیه السَّلام

اخْبُرْ (من شئت) تَقْلِهِ (تغضب، و الهاء للسكت).

قال الرضي: و من النّاس من يروي هذا للرسول صلى اللّه عليه و آله و مما يقوي أنه من كلام أمّير الْمُؤمِنِینَ علیه السَّلام ما حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي قال المأمّون لو لا أن عليا علیه السَّلام قال اخبر تقله لقلت اقلّه تخبر.

435- وَ قَالَ علیه السَّلام

ص: 475

مَا كَانَ (لم يكن) اللّه لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدِ بَابَ الشُّكْرِ (على نعمه) وَ يُغْلِقَ (يسدّ) عَنْهُ (باب الشكر أو عن العبد) بَابَ الزِّيَادَة (للنعم لأنّه تعالى قد وعد ها فى كتابه) وَ لَا لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدِ بَابَ الدُّعَاءِ (بالحثّ عليه فى كتابه) وَ يُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الإجَابَةِ (حيث وعدها) وَ لَا لِيَفْتَحَ لِعَبْدِ بَابَ التَّوبَة (الرجوع إلى اللّه تعالى) وَ يُغْلَقَ عَنْهُ بَابَ الْمَغْفِرَةِ (له فقد وعد الغفران للمستغفر).

436- وَ قَالَ علیه السَّلام

أوْلَى النّاس بِالْكَرَمِ (للإتّصاف به) مَنْ عُرِفَتْ [عَرّقَت] (رسخت) بِهِ [فيه] الْكِرَامُ (فمن عرفت به الكرام و صار مثلا فى الكرم فلابدّ أن يكون فى غاية الكرم و أولى النّاس به و هذا معنى النّسخة الأولى أى عُرِفَت، و من رسخ فيه الكرم و صار ملكة نفسانيّة له فهو الأولى بالكرم و هذا معنى النّسخة الثانية أى عَرَّقَت).

437- وَ سُئِلَ علیه السَّلام أيُّهُمَا أفْضَلُ الْعَدْلُ أوِ الْجُودُ، فَقَالَ علیه السَّلام

الْعَدْلُ يَضَعُ الْأمُّورَ مَوَاضِعَهَا وَ الجُودُ يُخْرِجُهَا (الأمّور) مِنْ جِهَتِهَا وَ الْعَدْلُ سائسٌ عَامٌ (ينفع النّاس كلّهم حيث يضع الأمّور مواضعها) وَ الْجُودُ عَارِضٌ خَاصٌّ فَالْعَدْلُ أَشْرَفُهُمَا (موقعا ) وَ أفْضَلُهُمَا (نفعا للعامّة).

438- وَ قَالَ علیه السَّلام:

النّاس أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا (أى أعداء جهلهم أو أعداء شيء جهلوه فيكون أحد هما في مقام الذمّ و الآخر في المدح).

439- وَ قَالَ علیه السَّلام:

الزَّهْدُ (صرف وجه القلب عن الدنيا) كُلُّهُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ (كلامين) مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ اللّه سُبْحَانَهُ: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتَاكُمْ } وَ مَنْ لَمْ يَأْسَ (يحزن) عَلَى الْمَاضِي (و هو ما لم يصل إليه و لم ينله من النَّعیم) و لم يفرح بالآتِي (من النَّعیم) فَقَدْ أَخَذَ الزُّهْدَ بِطَرَفَيْهِ (بعدم الحزن و عدم الفرح و هذا علامة صرف القلب عن الدنيا فلا يفرح الزاهد بالنّعم من

ص: 476

حيث هي النّعم بل من حيث هي إكرامه تعالى للعبد كما لا يحزن لفقده کذلک)

440- وَ قَالَ علیه السَّلام:

مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ (فكم من نوم ينقض عزيمة و هذا من أدلّة سلطانه تعالى).

441- وَ قَالَ علیه السَّلام:

الْوِلَايَاتُ مَضَامِيرُ الرِّجَالِ (مواضعهم الّتى يتسابقون فيها لإقامة العدل و ظهور جواهرهم).

443- وَ قَالَ علیه السَّلام:

لَيْسَ بَلَدٌ بِأحَقَّ (أولى ) بِكَ مِنْ بلَدِ (آخر) خَيْرُ الْبِلادِ مَا (بلد) حَمَلَكَ (تبوّء لك ما تحتاج إليه).

443- وَ قَالَ علیه السَّلام: وَ قَدْ جَاءَهُ نَعيَ (موت) الْأَشْتَرِ رَحِمَهُ اللّه:

مَالِكٌ وَ مَا مَالِكٌ وَ اللّه لَوْ كَانَ جَبَلا لكانَ فِنداً (جبلا عظيما منفردا في الجبال) وَ لَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً (صلبا لا يمكن النّفوذ فيه) لَا يَرْتَقِيهِ (يرتفع إلى ذلك الجبل) الحَافِرُ (الخيل و ما شاكلها) وَ لَا يُوفِي (يبلغ) عَلَيْهِ الطَّائِرُ (لعلوّ شأنه).

قال الرضي: و الفند المنفرد من الجبال.

444- و قال علیه السَّلام:

قَلِيلٌ (من العمل) مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ (من العمل) مَمْلُولِ مِنْهُ (فَيَمسأمُّ منه عامله).

445- وَ قَالَ علیه السَّلام

إِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ خَلَّةٌ (خصلة) رائِقَةٌ (حسنة معجبة ) فَانْتَظِرُوا أَخَوَاتِهَا (أمّثالها من الخصال لأنّ الخصال قرن بعضها ببعض كالحياء المقرون بالعفّة).

446- وَ قَالَ علیه السَّلام: لِغَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَبِي الْفَرَزْدَقِ فِي كَلَامِ دَارَ بَيْْنَهُمُا:

مَا فَعَلَتْ إِبلُكَ الْكَثِيرَةُ قَالَ ذَعذَعتْهَا (فرْقتها) الْحُقُوقُ (من الزكاة و الصدقات و الكفّارات) يَا أمِّيرَ الْمُؤمِنِینَ فَقَالَ علیه السَّلام: ذَلِكَ (التفريق بالحقوق) أحْمَدُ (أفضل) سُبُلِهَا (طرق الإبل للتفريق لأنّه لابدّ للمال من الشريكين الوارث و الحوادث فيفرّقان المال فأحمد سبل التفريق له تفريقه بالحقوق عن إختيار قبل التفريق بهما قهرا لأنّ فى الأوّل ثوابا دون الثاني).

ص: 477

447- و قال علیه السَّلام:

مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فَقَهِ فَقَدِ ارْتَطَمَ (وقع فى المضيق) فِي الرَبَا.

448- وَ قَالَ علیه السَّلام:

مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلَاهُ اللّه بِكِبَارِهَا (و هو تعظيم المصائب الصغيرة عند نفسه أو إبتلاه بالمصائب الكبيرة تنبيها و تأديبا له).

449- وَ قَالَ علیه السَّلام:

مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ (عنده) نَفْسُهُ هَانَتْ (إحتقرت) عَلَيْهِ (عنده) شَهَوَاتُهُ (أمّياله المهينة لكرامة النّفس فما من شهوة إلّا أنّها تهين كرامة).

450- وَ قَالَ علیه السَّلام:

مَا مَزَحَ (لم يدعب) امْرَؤٌ مَرْحَةً إِلَّا مَجَّ (رمى) مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.

451- وَ قَالَ علیه السَّلام:

زُهْدُكَ (عدم رغبتك) فِي رَاغِبٍ فِيكَ نُقْصَانُ حَظٍّ (من إعانته) وَ رَغْبَتُكَ فِي زَاهِدٍ (غير راغب) فِيكَ ذُلُّ نَفْسٍ.

452- و قال علیه السَّلام

الْغِنَى وَ الْفَقْرُ (الحقيقيان) بَعْدَ العَرْضِ عَلَى اللّه (يوم القيامة عند الحساب).

453- وَ قَالَ علیه السَّلام

مَا زَالَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى نَشَأِ (بلغ أشدّه) ابْنُهُ المَشْئُومُ عَبْدُ اللّه (فضلّ به و زلّ).

454- وش قَالَ علیه السَّلام:

مَا لِابْنِ آدَمَ وَ الْفَخْرِ أُوَّلُهُ نُطْفَةٌ (من منيّ يمنى) وَ آخِرُهُ جِيفَةٌ (جثّة غير متحرّكة) وَ لَا يَرْزُقُ نَفْسَهُ وَ لَا يَدْفَعُ حَتْفَهُ (موته).

455 - وَ سُئِلَ مَنْ أَشْعَرُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ علیه السَّلام

ص: 478

إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلْبَةٍ (قطعة من الخيل تجتمع للسباق) تُعْرَفُ الْغَايَةٌ (للسباق) عِنْدَ قَصَبَتِهَا (أى قصبة تلك الغاية و القصبة هى ما ينصبه السباق حتى إذا سبق سابق أخذه ليعلم أنّه السابق بلا نزاع بين المتسابقين) فَإِنْ كَانَ وَ لَا بُدَّ (أن أقول فيهم بأشعرهم) فَالْمَلِكُ الضِّلِّيلُ.

يريد إمرأ القيس

456- وَ قَالَ علیه السَّلام

أَلَا حُرٌّ يَدَعُ (يترك) هَذِهِ اللُّمَاظَةَ (بقيّة الطعام فى الفم أى: الدنيا) لِأهْلِهَا إِنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ فَلَا تَبِيعُوهَا (أنفسكم) إِلَّا بِهَا (الجنّة).

457- وَ قَالَ علیه السَّلام

مَنْهُومَانِ (مفرطان في شهوة الطعام، الحريصان) لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ (حيث إنّ ظرفه و هو القلب يتّسع به فلا يشبع طالبه) وَ طَالِبُ دُنْيَا (لأنّ المال مادّة الشهوات كَّلما زيد زيدت و الحرص لا يتوقّف.

458- وَ قَالَ علیه السَّلام

الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ (تقدّم) الصَّدْقَ حَيْثُ (موضعا) يَضُرُّكَ عَلَى الكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ (الكذب) وَ أَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ (زيادة) عَنْ عَمَلِكَ (فلا تقل ما لا تعمل) وَ أَنْ تَتَّقِيَ اللّه (تجعل نفسك في وقاية من اللّه و سطوته) فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ (فانظر فى حديثه نظر الأمّانة أو لا تقل فيه ما لا تعلم).

459- وَ قَالَ علیه السَّلام

يَغْلِبُ الْمُقْدَارُ (القدر الإلهيّ فى الأمّور) عَلَى التَّقْدِيرِ (أى تقدير العبد فيها) حَتَّى تَكُونَ (تقع) الْآفَةُ (الهلاك للنعم أو فى النّفس) في التَّدْبِيرِ (فاتوا الأمّور كلّها من أبوابها المقدّرة من عند اللّه تعالى).

قال الرضي: و قد مضى هذا المعنى فيما تقدم برواية تخالف هذه الألفاظ.

ص: 479

460- وَ قَالَ علیه السَّلام

الْحِلْمُ (عند الجاهل) وَ الْأَنَاةُ (التأنّي عدم الإقدام في غير زمانه) تَوأّمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوَّ الْهِمَّةِ (للوصول إلى أعلى المراتب فى الأمّور).

461 - وَ قَالَ علیه السَّلام

الغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجِزِ (أي: هي غاية ما يمكنه).

462- وَ قَالَ علیه السَّلام

رُبّ مَفْتُونٍ (بفتنة الإستدراج) بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ ( فلا تمدحوا أحدا في وجهه و ما كلّ مفتون يعاتب بل يعاتب الفتّان بحسن القول).

463- وَ قَالَ علیه السَّلام

الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا (و هو الآخرة) وَ لَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا (فهى دار ممرّ لا دار مقرّ).

464- وَ قَالَ علیه السَّلام

إِنَّ لَبِنِي أُمَيَّةً مِروْدَاً ( مهلة) يَجْرُونَ فِيهِ (بالظلم إلى غاياتهم) وَ لَو قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَیْنَهُمْ (من الولايات) ثُمَّ كَادَتْهُمُ (حاربتهم، مكرت بهم) الضِّبَاعُ (لا الأسود) لَغَلَبَتْهُمْ (قهرتهم لكثرة الإختلاف فيهم فيصيروا ضعفاء مغلوبين للضباع).

قال الرضي: و المرود هنا مفعل من الإرواد و هو الإمهال و الإظهار وهذا من أفصح الكلام و أغربه فكأنه علیه السَّلام شبه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها.

465- وَ قَالَ علیه السَّلام في مدح الأَنْصَارِ:

هُمْ وَ اللّه رَبَّوُا (من مصدر التربية بمعنى الإنماء) الإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفِلْوُ (المهر و هو ولد الفرس إذا فطم أو بلغ السنة) مَعَ غَنَائِهِمْ (إستغنائهم) بأيْدِيهِمُ السِّباط (السماح ، سبط اليد: السخيّ) وَ أَلسِنَتِهِمُ السَّلَاطِ (الحداد الشداد، الطوال فنصروا الإسلام بالمال و اللسان).

466- وَ قَالَ علیه السَّلام

ص: 480

الْعَيْنُ وِكَاءُ (رباط) السَّه (مؤخّر الإنسان).

قال الرضي: وهذه من الاستعارات العجيبة كأنه يشبه السّه بالوعاء و العين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء و هذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النّبی صلى اللّه عليه و آله و قد رواه قوم لأمّير الْمُؤمِنِینَ علیه السَّلام و ذكر ذلك المبرد في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف و قد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النّبوية.

467- وَ قَالَ علیه السَّلام في كَلَامِ لَهُ:

وَ وَلِيَهُمْ وَالِ (حاكم، أمّير) فَأَقَامَ (ما أقام) وَ اسْتَقَامَ ( على طريقه) حَتَّى ضَرَبَ الدِِّينُ بِجِرانِهِ (مقدّم عنقه، بمعنى إستقرار الدين في موضعه).

468- وَ قَالَ علیه السَّلام

يَأْتِي عَلَى النّاس زَمَانٌ عَضُوضٌ (كثير العضّ عليهم، شديد عليهم) يَعَضُّ الْمُوسِرُ (الغنيّ) فِيهِ (ذلك الزمان) عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ (من المال فلم يكن لينفقه أو ينفقه ثمّ يندم) وَ لَمْ يُؤمَرْ بِذَلِكَ (العضّ على ما فى يديه) قَالَ اللّه سُبحَانَهُ وَ لا تَنْسَوُا الفَضْلَ (الإنفاق الإحسان) بَيْنَكُم تَنْهَدُ (ترتفع) فيه ( ذلك الزمان) الْأَشْرَارُ وَ تُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ (بالأشرار) و ُيُبَايَعُ الْمُضْطَرُّونَ (إلى بيع أمّوالهم) وَ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللّه صلّى اللّه عليه و آله عَنْ بَيّعِ المُضْطَرِّينَ (بل أمّر بالإنفاق لهم أو بالقرض الحسن للخروج عن الإضطرار).

469- وَ قَالَ علیه السَّلام

يَهْلِكُ فِيّ رَجُلانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ (غال) وَ بَاهِتٌ (قائل بالبهتان) مُفْتَرٍ (يفتري علىّ).

قال الرضى: و هذا مثل قوله علیه السَّلام

هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ غَالِ (مفرط) وَ مُبْغِضٌ قَالِ (شديد فى البغض).

470- وَ سُئِلَ عَنِ التَّوْحِيدِ وَ الْعَدْلِ فَقَالَ علیه السَّلام

التَّوْحِيدُ أَلَّا تَتَوَهَّمَهُ (لا تحدّه بوهمک) وَ الْعَدْلُ أَلَّا تَتَّهِمَهُ (في أفعاله بل هو الإله في المنع و الإعطاء).

ص: 481

471- وَ قَالَ علیه السَّلام

لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ (السكوت) عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ (و هما جانبا الإفراط والتفريط فقل خيرا و اسكت عن الشرّ).

472- وَ قَالَ علیه السَّلام فِي دُعَاء اسْتَسْقَى بِهِ:

اللّهمَّ اسْقِنَا (أعطنا للسقي) ذُلُلَ السِّحَابِ (الَّتى فيها المطر) دُونَ صِعَابِهَا (الّتي فيها الرعود و البروق و الصواعق).

قال الرضي: و هذا من الكلام العجيب الفصاحة و ذلك أنّه علیه السَّلام شبّه السحاب ذوات الرعود و البوارق و الرياح و الصواعق بالإبل الصعاب التي تقمص برحالها و تقص برکبانها و شبّه السحاب خالية من تلك الروائع بالإبل الذلل الّتي تحتلب طيعة و تقتعد مسمحة.

473 - وَ قِيلَ لَهُ علیه السَّلام لَوْ (ليت) غَيَّرْتَ شَيْبَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِینَ فَقَالَ علیه السَّلام الْخِضَابُ (للشيب) زِينَةٌ (جمال) وَ نَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةِ.

يُرِیدُ وَفَاةَ رَسَولِ اللّه صلّى اللّه عليه و آله

474- وَ قَالَ علیه السَّلام

مَا (ليس) الْمُجَاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللّه بأَعْظَمَ أجْراً مِمَّنْ قَدَرَ (على المعاصى) فَعَفَّ لَكَادَ الْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ (يصير) مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ.

475- وَ قَالَ علیه السَّلام

الْقَنَاعَةُ (بما رزقه اللّه تعالى) مَالٌ لَا يَنْفَدُ (يزول).

قال الرضي: و قد روى بعضهم هذا الكلام لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله

476- وَ قَالَ علیه السَّلام لِزِيَادِ ابْنِ أبِيهِ وَ قَدِ اسْتَخْلَفَهُ لِعَبْدِ اللّه بْنِ الْعَبَّاسِ عَلَى فَارِسَ وَ أَعْمَالِهَا فِي كَلَامِ طَوِيلِ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهَاهُ فِيهِ (ذلك الكلام الطويل) عَنْ تَقَدُّمِ (زيادة) الخَراجِ (فيه):

اسْتَعْمِلِ الْعَدْلَ وَ احْذَرِ الْعَسْفَ (التعدّى ، التحكّم الإستبداد، الشدّة على النّاس بغير حقّ) وَ

ص: 482

الْحَيْفَ (الظلم) فَإِنَّ الْعَسْفَ يَعُودُ بِالْجَلَاء (الرحيل، التفرق و التشتت عن البلد) وَ الْحَيْفَ يدعو (النّاس) إلى السيف (فتتغير الدولة).

477- وَ قَالَ علیه السَّلام

أَشَدُّ الذُّنُوبِ (عقابا) مَا (ذنب) اسْتَخَفَّ بِهِ صَاحِبُهُ (عامله لأنّه إستخفّ بحقّ اللّه و هو أعظم الحقوق).

478- وَ قَالَ علیه السَّلام

مَا أَخَذَ اللّه (لم يأخذ عهدا) عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا (ما يحتاجون إليه من أمّر الدين) حَتَّی أَخَذَ (من قبل) عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ (عهدا) أنْ يُعَلِّمُوا (الجاهلين).

479- وَ قَالَ علیه السَّلام

شَرِّ الْإِخْوَانِ مَنْ تُكَلِّفَ لَهُ (و هو من وقعتَ لأجله في المشاقّ و إن كنت مكلّفا بمراعاة حقوقهم و إنّ التكليف هو الطاقة و التكلّف هو فوقها فمن أوقعك في التكلّف فقد أدخلك فى الصعب المستصعب الذي يكون شرّا لك و له).

قال الرضي: لأن التكليف مستلزم للمشقة و هو شر لازم عن الأخ المتكلف له فهو شر الإخوان.

480- وَ قَالَ علیه السَّلام

إِذَا احْتَشَمَ (أغضب، أخجل) الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ (المؤمن) فَقَدْ فَارَقَهُ.

قال الرضي: يقال حشمه و أحشمه إذا أغضبه و قيل أخجله أو احتشمه طلب ذلك له و هو مظنة مفارقته.

و هذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المختار من كلام أمّير الْمُؤمِنِینَ علیه السَّلام ، حامدين لله سبحانه على ما منّ به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه و تقريب ما بعد من أقطاره.

و تقرر العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض في آخر كل باب من الأبواب ليكون لاقتناص الشارد و استلحاق ،الوارد و ما عسى أن يظهر لنا بعد الغموض و يقع إلينا بعد الشذوذ و ما توفيقنا إلا باللّه عليه توكلنا و هو حسبنا و نعم الوكيل

ص: 483

و ذلك في رجب سنة أربع مائة من الهجرة، و صلّى اللّه على سيّدنا محمد خاتم الرسل و الهادي إلى خير السبل و آله الطاهرين و أصحابه نجوم اليقين.

(قد تمّت هذه الوجيزة و هى بضاعتنا المزجاة المهداة إلى الزّهراء المصطفاة فاطمة الطاهرة سلام اللّه عليها إبنة المصطفى المختار صلّى اللّه عليه و آله رجاء عفوه و رحمته تعالی بشفاعتها و شفاعة ولد ها الطاهرين يوم اللقاء

و آخر دعوانا أن الحمد لله على ولاية مولانا الإمام أمّير الْمُؤمِنِینَ عليّ بن أبي طالب عليهما السَّلام).

ص: 484

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.